نام کتاب: الرحلة المعینیة
نویسنده: ابن العتیق، ماء العینین
موضوع: سفرنامه
زبان: عربی
تعداد جلد: 1
ناشر: الموسسة العربیة للدراسات و النشر- دار السویدی
مکان چاپ: بیروت- ابوظبی
سال چاپ: 2004 م
نوبت چاپ: اول
alrhlah alma'iniah
تألیف: ماء العینین بن العتیق تاریخ النشر: 01/12/2004
تقدیم: محمد الظریف
ترجمة، تحقیق: محمد الظریف
الناشر: المؤسسة العربیة للدراسات والنشر
النوع: ورقی غلاف عادی، حجم: 24×17، عدد الصفحات: 395 صفحة الطبعة: 1 مجلدات: 1
اللغة: عربی
و بمجرد وصولنا إلی هذه الحجرة و جلوسنا فیها، قد أتت عدّة نساء و أحضرن أمام کل واحد منا خوانا صغیرا لأجل وضع الأکل علیه، فجلسنا علی هذه المقاعد متربعین کالعادة العربیة. ثم أحضروا لنا الأکل، فأوّلا قد أحضروا لنا المرقة المعروفة بالشربة و لم یحضروا لنا ملاعق لأجلها، بل إنهم من غریب أمرهم أنهم قد استعاضوا عنه بکاسات صغیرة یشربونها بها. و بعد ذلک أحضروا لنا نوعا من السمک حسن الصنع، و عدة من أنواع الخضراوات و الأرز. و کان الأکل بواسطة خشبتین صغیرتین یقبضهما الإنسان و یجعلهما شبه (الکماشة) ثم یأکل بهما، و کل شخص له آنیة مخصوصة ...
من نص الرحلة ص 60 و فی الیوم التالی قد أصبح الهواء معتدلا و الجو رائقا و السماء مصحیة، فرأینا أن هذه الفرصة لزیارة المعبد الذی علی قمة الجبل. و لما أخبرونا أن هذا المعبد فی محل فی غایة الارتفاع و أن الواصل إلیه لا بد أن یجتاز 000، 20 (ألف) درجة حتّی یصل إلیه، رأینا أن هذا أمر صعب و تعب کثیر، فأخبرونا أن هناک رجالا یحملون الإنسان و هو جالس علی کرسی من الخیزران حتّی یوصلوه إلیه و سهلوا لنا الأمر، فتوجهنا إلیه و وجدنا هذه الکراسی یجلس فیها و یحمل کل واحد منها أربعة رجال، کل اثنین من جهة. و الذی یظهر فی الأمر أنها سهلة، و لکنها فی الحقیقة متعبة تعبا کثیرا ...
من نص الرحلة ص 89
الرحلة المعینیة، ص: 7
تهدف هذه السّلسلة بعث واحد من أعرق ألوان الکتابة فی ثقافتنا العربیة، من خلال تقدیم کلاسیکیّات أدب الرّحلة، إلی جانب الکشف عن نصوص مجهولة لکتاب و رحّالة عرب و مسلمین جابوا العالم و دوّنوا یومیّاتهم و انطباعاتهم، و نقلوا صورا لما شاهدوه و خبروه فی أقالیمه، قریبة و بعیدة، لا سیما فی القرنین الماضیین اللذین شهدا ولادة الاهتمام بالتجربة الغربیة لدی النّخب العربیة المثقفة، و محاولة التعرّف علی المجتمعات و النّاس فی الغرب، و الواقع أنه لا یمکن عزل هذا الاهتمام العربی بالآخر عن ظاهرة الاستشراق و المستشرقین الذین ملأوا دروب الشّرق، و رسموا له صورا ستملأ مجلدات لا تحصی عددا، خصوصا فی اللغات الإنکلیزیة و الفرنسیة و الألمانیة و الإیطالیة، و ذلک من موقعهم القوی علی خارطة العالم و العلم، و من منطلق المستأثر بالأشیاء، و المتهیء لترویج صور عن «شرق ألف لیلة و لیلة» تغذّی أذهان الغربیین و مخیّلاتهم، و تمهّد الرأی العام، تالیا، للغزو الفکری و العسکری لهذا الشرق. و لعل حملة نابلیون علی مصر، بکل تداعیاتها العسکریة و الفکریة فی ثقافتنا العربیة، هی النموذج الأتمّ لذلک.
فقد دخلت المطبعة العربیة إلی مصر مقطورة وراء عربة المدفع الفرنسی لتؤسس للظاهرة الاستعماریة بوجهیها العسکری و الفکری.
الرحلة المعینیة، ص: 8
علی أن الظّاهرة الغربیة فی قراءة الآخر و تأویله، کانت دافعا و محرضا بالنسبة إلی النخب العربیة المثقفة التی وجدت نفسها فی مواجهة صور غربیّة لمجتمعاتها جدیدة علیها، و هو ما استفز فیها العصب الحضاری، لتجد نفسها تملک، بدورها، الدوافع و الأسباب لتشدّ الرحال نحو الآخر، بحثا و استکشافا، و تعود و معها ما تنقله و تعرضه و تقوله فی حضارته، و نمط عیشه و أوضاعه، ضاربة بذلک الأمثال للناس، و لینبعث فی المجتمعات العربیة، و للمرة الأولی، صراع فکری حاد تستقطب إلیه القوی الحیّة فی المجتمع بین مؤید للغرب موال له و متحمّس لأفکاره و صیاغاته، و بین معاد للغرب، رافض له، و مستعدّ لمقاتلته.
و إذا کان أدب الرحلة الغربی قد تمکن من تنمیط الشرق و الشرقیین، عبر رسم صور دنیا لهم، بواسطة مخیّلة جائعة إلی السّحری و الأیروسیّ و العجائبیّ، فإن أدب الرحلة العربی إلی الغرب و العالم، کما سیتّضح من خلال نصوص هذه السلسلة، رکّز، أساسا، علی تتبع ملامح النهضة العلمیّة و الصناعیّة، و تطوّر العمران، و مظاهر العصرنة ممثلة فی التطور الحادث فی نمط العیش و البناء و الاجتماع و الحقوق. لقد انصرف الرّحالة العرب إلی تکحیل عیونهم بصور النهضة الحدیثة فی تلک المجتمعات، مدفوعین، غالبا، بشغف البحث عن الجدید، و بالرغبة العمیقة الجارفة لا فی الاستکشاف فقط، من باب الفضول المعرفی، و إنما، أساسا، من باب طلب العلم، و استلهام التجارب، و محاولة الأخذ بمعطیات التطور الحدیث، و اقتفاء أثر الآخر للخروج من حالة الشّلل الحضاریّ التی وجد العرب أنفسهم فریسة لها. هنا، علی هذا المنقلب، نجد أحد المصادر الأساسیة المؤسّسة للنظرة الشرقیة المندهشة بالغرب و حضارته، و هی نظرة المتطلّع إلی المدنیّة و حداثتها من موقعه الأدنی علی هامش الحضارة الحدیثة، المتحسّر علی ماضیه التلید، و التّائق إلی العودة إلی قلب الفاعلیة الحضاریة.
إن أحد أهداف هذه السّلسلة من کتب الرحلات العربیة إلی العالم، هو
الرحلة المعینیة، ص: 9
الکشف عن طبیعة الوعی بالآخر الذی تشکّل عن طریق الرحلة، و الأفکار التی تسرّبت عبر سطور الرّحالة، و الانتباهات التی میّزت نظرتهم إلی الدول و الناس و الأفکار. فأدب الرحلة، علی هذا الصعید، یشکّل ثروة معرفیّة کبیرة، و مخزنا للقصص و الظواهر و الأفکار، فضلا عن کونه مادة سردیّة شائقة تحتوی علی الطریف و الغریب و المدهش مما التقطته عیون تتجوّل و أنفس تنفعل بما تری، و وعی یلمّ بالأشیاء و یحلّلها و یراقب الظواهر و یتفکّر بها.
أخیرا، لابد من الإشارة إلی أن هذه السّلسة التی قد تبلغ المائة کتاب من شأنها أن تؤسس، و للمرة الأولی، لمکتبة عربیة مستقلّة مؤلّفة من نصوص ثریّة تکشف عن همّة العربیّ فی ارتیاد الآفاق، و استعداده للمغامرة من باب نیل المعرفة مقرونة بالمتعة، و هی إلی هذا و ذاک تغطی المعمور فی أربع جهات الأرض و فی قارّاته الخمس، و تجمع إلی نشدان معرفة الآخر و عالمه، البحث عن مکونات الذات الحضاریة للعرب و المسلمین من خلال تلک الرحلات التی قام بها الأدباء و المفکرون و المتصوفة و الحجاج و العلماء، و غیرهم من الرّحالة العرب فی أرجاء دیارهم العربیة و الإسلامیة.
محمد أحمد السویدی
الرحلة المعینیة، ص: 11
یشکل تراث الصحراء المغربیة جزءا هاما من التراث المغربی، و رافدا متمیزا من روافده الثرة، و کان هذا التراث و حتی بدایة القرن الماضی معروفا فی سائر المراکز الثقافیة المغربیة، و خاصة فی مراکش و الرباط و مکناس و تطوان، یتداوله العلماء و المهتمون، تقریظا و تذییلا و تهمیشا، و یتنافس رجال المطابع و المکتبات فی طبعه و إخراج متونه، و خاصة مؤلفات علماء مدرسة السمارة.
و قد حاول المستعمر القضاء علی هذا التراث فی إطار سیاسته القائمة علی ضرب مقومات وحدة الشعوب المستعمرة، فقام بإحراق خزانة الشیخ ماء العینین خلال الهجوم الفرنسی علی مدینة السمارة سنة 1913، و خرب و نهب العدید من الذخائر العلمیة و المآثر التاریخیة، لکن قوة و أصالة هذا التراث، و تشبث المغاربة به، و حرصهم علی صیانته و المحافظة علیه جعله یتخطی کل التحدیات، و یواصل فعالیته الإشعاعیة.
و بعد استرجاع المغرب لأقالیمه الصحراویة، قامت حرکة علمیة نشیطة للتعرف بهذا التراث و إبراز قیمته العلمیة، فأنجزت بعض الدراسات القیمة
الرحلة المعینیة، ص: 12
التی حاولت إعادة الاعتبار له و نفض الغبار عن بعض ذخائره العلمیة، لکن هذه الدراسات رغم أهمیتها، لم تصل بعد إلی الإلمام بهذا التراث و الإحاطة بجوانبه المتنوعة ..
من هنا جاء الاهتمام بإخراج هذا العمل الذی بادر مشروع ارتیاد الآفاق إلی إعادة طبعه و تعمیم الاستفادة منه، رغبة منه فی التعریف بالتراث الجغرافی العربی، و حرصا منها علی إبراز قیمته العلمیة.
و قد حظیت الرحلة المعینیة بهذا الاهتمام قبل غیرها من النصوص التراثیة الصحراویة لعدة اعتبارات منها:
1. قیمتها العلمیة، فهی تقدم للملتقی مادة متنوعة قلما یجدها مجتمعة فی کتاب واحد، من أحادیث و أخبار و أشعار و بیانات جغرافیة و ببلیوغرافیة و تاریخیة و اجتماعیة و غیرها، و تحلق به فی فضاءات ثقافیة مختلفة قلما یحصلها فی رحلة واحدة، فینتقل بین طرفایة و طنطان و سیدی إفنی و تطوان و الأندلس و طرابلس و مصر و مکة و المدینة و غیرها، و یتعرف علی عدد من العلماء، و الأدباء و الشعراء و رجال الفکر و السیاسة، و یقف علی المآثر التاریخیة و العمرانیة و الأشعار و الإجازات و الرسائل، و غیرها من العناصر التی تشکل مادتها و تساهم فی بنائها.
و تتضاعف القیمة العلمیة لهذه الرحلة و تزداد قبولا عند الباحثین و العلماء بما تحتوی علیه من شهادات و نصوص شعریة و فتاوی فقهیة و إفادات اجتماعیة و ثقافیة ضاعت مصادرها الأصلیة، و لم یبق لها أثر فی الخزانات العامة و الخاصة، فهی تتضمن نقولا من کتب أصبحت فی حکم المفقود، کما هو الشأن بالنسبة لرحلة الشیخ ماء العینین، و أشعارا لا أثر لها فیما تبقی من الدواوین و المختارات، کقصیدة العتیق بن محمد فاضل بن احمد الملقب باللیل، والد المؤلف فی مدح
الرحلة المعینیة، ص: 13
السلطان مولای الحسن، و قصیدة المؤلف نفسه فی تخمیس رائیة الشیخ أحمد الهیبة فی مدح الرسول صلی اللّه علیه و سلم، و بعض أشعار الشیخ مربیه ربه و الشیخ محمد الإمام و إبراهیم الإلغی و إدریس الجای، و غیرها من الأشعار و الرسائل و الإجازات، و تحیل علی بعض المصادر التی لم یعد لها أثر فی فهارس الخزانات العامة و لا فی دلائل المکتبات الخاصة، مثل کتاب المؤلف الذی یجمع بعض مساجلاته الشعریة و مذکراته العلمیة مع أدباء فاس و مکناس وسلا و الرباط و الدار البیضاء و مراکش و فتاویه الفقهیة فی أکل ذبائح النصاری و نکاح نسائهم و رقی مرضاهم ، و غیرها من الکتب و المصادر التی تحیل علیها و تلفت الانتباه إلی وجودها.
2. مکانة صاحبها، فمؤلفها ماء العینین بن العتیق- کما یبدو من خلالها، و کما عرف به غیر واحد من العلماء- یعد مثالا للمشارکة العلمیة و الالتزام الدینی و الوطنی، و نموذجا حیا لعلماء الصحراء، تألیفا و صرامة و بدیهة و قرظا للشعر.
و یکفی أنه سبط الشیخ ماء العینین و خریج مدرسة السمارة.
3. قیمتها الوحدویة: فهی تمثل مظهرا بارزا من مظاهر التواصل بین شمال المغرب و جنوبه من جهة و بین المغرب و باقی بلدان العالم الإسلامی من جهة ثانیة، و من الصور التی تعکس هذا البعد الوحدوی الذی یمیزها، قول المؤلف فی وصف اجتماع أعضاء المرکز العام لبیت الوحدة الغربیة بتطوان بوفد الحجاج الصحراویین المتوجهین إلی الدیار المقدسة عبر المنطقة الخلیفیة بشمال المغرب:
«و مما زارنا أقوام أدباء من أهل الوحدة المغربیة، منهم الشیخ أحمد بن محمد معنینو السلوی، و رئیس المرکز العام للوحدة المغربیة و مدیر جریدتها السید عبد السلام بن المقدم، و الحاج احمد التمسمانی، و صنوه القائد السید الحاج محمد بن المقدم، و السید الحاج المختار بن الصادق أحرضان الطنجی، و الکاتب السید محمد بن الفقیه و السید محمد الزواق التطوانی، و الشاب الشاعر الشریف عبد
الرحلة المعینیة، ص: 14
الوهاب بن عبد الرحمان بنمنصور ... و الأستاذ الجلیل مؤسس الوحدة المغربیة الشیخ المکی الناصری ... فقام الشاب الأدیب عبد الوهاب بنمنصور، و ألقی خطبة حسنة مشتملة علی الترحیب بنا و علی الاستبشار و الفرح بمقدمنا، و علی أن لهم محبة زائدة بجنابنا، و أنشد بعد الخطبة هذه الأبیات:
إن جید العلی بکم قد تحلیو شعاع الصلاح منکم تجلی
و غرام فی الله یجمعنا الیوم وحب الإله من شهد أحلی
أیها الزائرون شرفتمونامرحبا بالکرام أهلا و سهلا
فأجزنی یا إبن العتیق أجزنیإنکم فی الشعر أسمی و أعلی
فأجازه ابن العتیق، و ألقی خطبة تقتضی جواب الخطب التی ألقیت فی هذا الاجتماع، و أنشد ارتجالا:
یا إخوة المجد یا أعلام سبسبهو النازلین بأعلی ذروة الرتب
لله إیخاؤکم هذا فبینکمآخت لبان العلی و العلم و الأدب
قد سرنا الیوم ما ألقیتموه لناتبارک الله من شعر و من خطب
ثم قام الأدیب إبراهیم الإلغی السوسی، و أنشد قصیدة فی الترحیب بسائر الوفد، یقول فی مطلعها:
خطر النسیم مبشرا بالأسعدوید الصباح تبل وجه الأنجد
الرحلة المعینیة، ص: 15
إلی أن یقول:
فالیوم لاحظت السعادة خلسةبعیونها قلب الغریب المبعد
من قبل کان البین فرق بیننافالآن أمسینا کعقد منضد
إن صح ترحیب الغریب بمثلهفأنا أرحب بالوفود الورد
هذه الوفود النازلات برحبنالبّت نداء الله دون تردد
و یتکرر مثل هذا اللقاء الوحدوی الذی شهدته تطوان بین رجال الحرکة الوطنیة المغربیة فی شمال المغرب و جنوبه بصور أخری فی طرابلس و السویس و مکة و المدینة فیشمل أطراف الأمة الإسلامیة کلها شرقا و غربا و شمالا و جنوبا. و من الصور التی تجسده قول المؤلف فی ذکر أعلام الفکر و السیاسة الذین اجتمع بهم فی مکة: «و من الأعیان و الرؤساء الذین أتونا زائرین بمکة المشرفة للتبرک بالشیخ و وفده، و اجتمعنا بهم، و تذاکرنا مع بعضهم، و استمد بعضهم من سیادة الشیخ، الأمیر شکیب أرسلان ... الشیخ محمد خلیل بن عبد القادر اطیبة، الشیخ جعفر بن صالح الکثیری من أرض حضر موت، الشیخ محمد بن أمیر جان بن غلام جان بن أمیر الله، من الأفغان، و ناصر السنة الشیخ مصطفی المحامی المصری، مدرس و خطیب فی مقام السیدة زینب، الشیخ السید محمد زبارة، أمیر من أمراء الیمن، السید عبد القیوم ولد سبائبة حیدراباد، من الهند، خلف الله الصالح من سودان مصر ...»
و هذا البعد الوحدوی یخرج بهذه الرحلة من إطارها التاریخی و الجغرافی المحددین و یزیدها عمقا و اتساعا، فلا یشعر القارئ و هو یتبع مراحل هذه الرحلة الممتدة بین طنطان و المدینة المنورة بأنه ینتقل من کیان إلی کیان آخر مختلف عنه، أو یحس
الرحلة المعینیة، ص: 16
بوجود شروخ فاصلة بین الفضاءات المکونة لها أو ینتابه شعور بالغربة و هو یجوبها و یذاکر أهلها و یساجلهم، و لکنه یشعر بالاطمئنان و الانسجام و التناغم معها، و لعل هذا البعد الوحدوی الذی یمیز هذه الرحلة و غیرها من الرحلات الحجازیة راجع بالإضافة إلی نوعیة هذه الرحلات و مقاصدها، إلی نظرة الإسلام إلی الذات و إلی الکیان الإسلامی بصفة عامة، و هی نظرة تقوم عل مبدإ وحدة کیان الأمة الإسلامیة علی الرغم من تعدد ألسنتها و اختلاف شعوبها و قبائلها، و هو مبدأ ظل حاضرا فی اللاشعور الجمعی الإسلامی، علی الرغم من التشرذم الذی أصاب هذه الأمة علی امتداد التاریخ، و سیظل أفق انتظار واعد لنهضتها و تطلعات شعوبها.
4. قیمتها الجمالیة: و تتمثل فی کیفیة حوارها للفضاءات الزمانیة و المکانیة التی تتحرک داخلها، و أسلوب عرضها لشریط الذکریات التی عاشها المؤلف و هو ینتقل داخل هذه الفضاءات، فهی تتعامل مع المکان کخلفیة مؤطرة لأمکنة تحرک رحلة الشیخ مربیه ربه و مرافقیه من جهة، و تضفی علی هذه الأمکنة جمالیة من جهة أخری، و هذا الأمر جعلها تتحرک داخل ثنائیات مکانیة و زمانیة متعددة تحمل دلالات رمزیة تحکمها قیم الاتساع و الضیق و الحریة و السجن، و المقدس الخالد و العرضی الزائل، و المألوف و الغریب و الشرعی و العرفی، و غیرها من الثنائیات التی تتقابل داخلها، و رغم هذا التعدد الزمانی و المکانی الذی یمیزها فإن السیاق الوحدوی العام الذی یؤطرها أهل صاحبها لتحویل المطلق الزمانی و المکانی إلی تحدیدات مکانیة قابلة للرؤیة البصریة، فهو لا یکاد یذکر مغادرة أو وصولا أو لقاء أو واقعة دون ذکر السنة و الیوم أو اللیلة و الشهر و السنة التی حصل فیها ذلک، و هی سمة لازمة فی جمیع مؤلفاته
لهذه الاعتبارات و غیرها استقر العزم علی إخراج هذه الرحلة، لتساهم ضمن غیرها من الأعمال الجغرافیة فی إکمال الصورة العامة للأدب الجغرافی المغربی بصفة خاصة و العربی بصفة عامة.
و لم یکن إنجاز هذه المهمة سهلا، و ذلک لأسباب کثیرة، منها:
الرحلة المعینیة، ص: 17
1- صعوبة التحقیق أساسا، فهو عمل علمی شاق، یقتضی الأمانة و الدقة و الصبر، و هی أمور عزت فی هذا الزمان.
2- اختلاف الأصول المعتمدة فی إخراج هذه الرحلة، فقد انتهت إلینا منها نسختان مختلفتان فی الحجم و المادة، الأولی مصورة علی شریط میکرو فیلم مستخرج من نسخة أصلیة مکتوبة بخط مؤلفها. و تتألف من قسمین، الأول یتکون من 93 ورقة من الحجم المتوسط، و الثانی یتکون من 115 ورقة من نفس الحجم، و هی ملیئة بالأشعار و الأخبار و أسماء الرجال و الإجازات و النقول و الرسائل و الإفادات الفقهیة و الأدبیة، و مکتوبة بخط مغربی صحراوی واضح، لکن إخراجها من المکرو فیلم، قراءة أو تصویرا لا یتأتی بسهولة، و قد استخرجت منها صورة توجد بالخزانة الحسنیة بالرباط. و یبدو أنها أقدم النسخ و أسلمها و أکملها و أقربها إلی تاریخ إنجازها. فقد انتهی المؤلف من نسخها- کما جاء فی آخر ورقة منها- فی متم صفر 1358 ه، أی بعد شهر من عودته من الدیار المقدسة، و لذلک اعتمدتها فی هذا الإخراج، و اعتبرتها النسخة الأم. و یوجد هذا الشریط بالخزانة العامة بالرباط تحت رقم 80.
الثانیة، بخط مؤلفها أیضا، و تتکون فی مجموعها من 67 ورقة من الحجم الکبیر. و تخلو ممّا فی النسخة الأولی من أشعار و إجازات و فوائد علمیة و أدبیة، و مع ذلک توجد بها بعض الإفادات التی لا توجد فی النسخة الأولی. و یبدو من خلال ورقتها الأخیرة أنها کتبت فی رمضان سنة 1358 ه، أی بعد ستة أشهر من کتابة النسخة الأولی، و لذلک اعتبرتها نسخة تکمیلیة. و قد استخرج منها المرحوم علی مربیه ربه سنة 1963 نسخة مرقونة فی 53 صفحة، و زودنی بها- جازاه الله خیرا- سنة 1983. و توجد بخزانة الأستاذ شیبة ماء العینین.
و یبدو أنها ملخص للنسخة الأم.
3- خلو المتن المخطوط من علامات الترقیم، من نقط و فواصل و أقواس، مما یجعل التمییز بین کلام المؤلف و النصوص المستشهد بها صعبا فی کثیر من الأحیان.
4- کثرة أسماء أعلام الرحلة و اختلاف درجاتهم و مستویاتهم و أماکنهم، و عدم وجود مصادر لتراجم الکثیر منهم، و خاصة الأعلام المغمورین الذین وردت أسماؤهم
الرحلة المعینیة، ص: 18
فی الرحلة لمجرد مشارکتهم فیها، أو لالتقاء المؤلف بهم عرضا فی تطوان و طرابلس و الحجاز.
5- کثرة النصوص الشواهد فی الرحلة و تنوعها، فقد جمع فیها صاحبها أنواعا مختلفة من الشواهد و فنون القول من آیات قرآنیة و أحادیث نبویة و أشعار و رسائل و إجازات و فوائد فقهیة و تاریخیة و جغرافیة، و کثیرا ما یهمل ذکر أصحابها و مظانها، مما یجعل توثیقها صعبا، و یضیع الکثیر من الجهد فی البحث عن مصادرها.
و قد تمکنت بعون الله و قوته من تخطی کل هذه الصعوبات، فاعتمدت النسخة الأولی أساسا فی إخراج هذا العمل، و أکملتها بما ینقصها مما ورد فی النسخة الثانیة من إفادات، و أضفت عناوین للفقرات المهمة اعتمادا علی فهرس الموضوعات الذی أثبته المؤلف فی نهایة هذه الرحلة، و حاولت التعریف ببعض الأعلام الذین ذکرت أسماؤهم فیها اعتمادا علی ما توافر لی من مصادر شفویة و مخطوطة، مثل کتاب «الأبحر المعینیة» للشیخ محمد الغیث النعمة، و «سحر البیان» للمؤلف نفسه، و کتاب «النفحة الأحمدیة» للشیخ أحمد بن الشمس، و مرددات و محفوظات بعض الصحراویین، ما عدا الأعلام الذین لم یترکوا أثرا یذکر، أو الذین لم تحفظ الروایة الشفویة أو کتب التراجم أخبارهم.
کما قمت بتخریج الآیات القرآنیة و الأحادیث النبویة التی لم یذکر المؤلف مصادرها، و الأشعار التی تتخللها، و حاولت ضبط أوزانها، و شرح بعض غوامضها و شکل بعض کلماتها، و قدمت لذلک بمقدمة مرکزة حاولت فیها التعریف بصاحبها و تلخیص محتویاتها، فجاء العمل- کما یبدو فی صورته المطبوعة- متکاملا یجمع بین کمال النسخة الأم و إضافات النسخة الفرع.
تمثل حیاة ابن العتیق سجلا حافلا بالعطاءات، جامعا للمزایا، مثیرا للدهشة، فقد جمعت سیرته کل صفات النبل و الکمال، من تواضع و نزاهة علمیة و التزام دینی
الرحلة المعینیة، ص: 19
و وطنی.
ولد سنة 1307 ه- 1887 م. بالساقیة الحمراء، و ما کاد یتجاوز سن الرضاع حتی توفی والده، فکفله جده الشیخ ماء العینین، و تولی تربیته بنفسه. قضی معظم شبابه بالسمارة ینعم بطیبها، و ینهل من معارفها إلی أن دعی داعی البین إلی مغادرتها إلی تزنیت سنة 1910، بعد اشتداد الضغط الأجنبی علیها. بعد وفاة جده الشیخ ماء العینین، لازم خالیه الشیخ أحمد الهیبة و الشیخ مربیه ربه و آزرهما فیما اضطلعا به من أمور الجهاد فی الحوز و سوس، فکان یشجعهما و یشید ببطولاتهما، و یتصل بالعلماء و أهل الحل و العقد من أهل سوس لمساندتهما إلی أن تم تطویق المقاومة فی الجنوب و تصفیة آخر معاقلها سنة 1934، فعاد إلی الصحراء مرة ثانیة و اشتغل فیها بالقضاء بمدینة طانطان و نواحیها.
فی سنة 1357 ه- 197 م. قام بزیارة الدیار المقدسة علی نفقة المخزن المغربی ضمن الوفد الصحراوی الذی ترأسه الشیخ مربیه ربه، التقی خلالها بعدد من العلماء و رجال الفکر و السیاسة فی تطوان و طرابلس و السویس و الحجاز و أشبیلیة و غیرها، مثل عبد الوهاب بنمنصور و المکی الناصری و أحمد معنینو و شکیب أرسلان و ابن مایابا الجکنی و غیرهم.
بعد استقلال الجزء الشمالی من المغرب، توجه ضمن أول وفد صحراوی لتجدید البیعة و الولاء للسلطان محمد الخامس و تهنئته بالعودة من المنفی و تکسیر قیود الحمایة.
فی أواخر سنة 1956 عین أستاذا بالکلیة الیوسفیة بمراکش، و ظل یدرس بها إلی أن توفی سنة 1376 ه- 1957 م. بعد سبعین سنة من العطاء و المساهمة فی بناء الوطن.
و یمکن أن نمیز فی حیاته ثلاث محطات بارزة، أشاد بها معظم الذین عاصروه أو ترجموا له.
المحطة الأولی: تتعلق بنسبه، فهو ینتمی إلی أسرة شریفة طبقت شهرتها الآفاق هی أسرة الطالب المختار، فأبوه هو العتیق محمد فاضل بن محمد اللیل ابن محمد بن أحمد الطالب المختار، وجدته لأبیه هی الرحمة بنت الشیخ محمد فاضل بن مامین،
الرحلة المعینیة، ص: 20
و أمه هی العالی أمّ ابنة الشیخ ماء العینین.
و قد حظیت هذه الأسرة باحترام کبیر داخل الصحراء و خارجها، و تمیز أبناؤها بالنبوغ و المشارکة العلمیة و الغیرة الوطنیة، فجده الشیخ ماء العینین کان من العلماء العاملین الذین ذاع صیتهم فی المشرق و المغرب، و قصده القریب و البعید، فکانت زاویته بالسمارة منارا للعلم و قلعة للجهاد، و قد جعله ملوک المغرب نائبا عنهم فی الأقالیم الصحراویة منذ عهد المولی عبد الرحمان، و کلفوه بتعمیرها و حمایتها مما کان یهددها من أخطار أجنبیة، و شهرته تغنی عن التعریف به.
و أبوه العتیق- کما ذکر صاحب سلوة الأنفاس و غیره ممن ترجم له- کان من العلماء المشارکین و الشعراء المفلقین، شارک فی معرکة الداخلة سنة 1302 ه- 1884 م، و أبلی فیها بلاء حسنا، و له فیها قصیدة ینتصر فیها للحق، و یدعو إلی مقاومة المستعمر ، و قد حظی بلقاء السلطان مولای الحسن سنة 1309 ه- 1891 م بفاس، و مدحه بقصیدة یقول فی بعض أبیاتها:
أمیرنا و أری الأوصاف توضحهما یوضح الموضحان الإسم و اللقب
من هو ملجأ أهل الأرض یلجئهالبابه الملجئان الخوف و الرغب
فللضعیف عطوف منحن أبداکأنه المشفقان أمه و الأب
و فی الحروب إذا نار الوغی اشتعلتکأنه الحارقان الجمر و اللهب
و کان ینوی الحج، و یتهیأ للخروج إلیه من فاس، لکنه أصیب بالجذری و توفی
الرحلة المعینیة، ص: 21
بسبه سنة 1910 ه- 1892 م، فحضر جنازته السلطان مولای الحسن و أعیان الدولة و القضاء و العلماء و دفن بزاویة الشیخ عبد القادر الجیلالی .
و قد ساهم هذا النسب بدور کبیر فی تشکیل ملامح شخصیته و تحدید مسار حیاته، فلم یسلک مسلک البسطاء من سائر أبناء حسان و الزوایا، و لم یخض فیما کان یشغلهم من هموم و مشاغل عابرة، بل اتبع نهج أسلافه فی الحیاة، و اقتفی أثرهم فی العلم و الاستقامة، فکانت حیاته مجمعا للمثل و سجلا حافلا بالعطاءات.
المحطة الثانیة، تتصل بتربیته و تعلیمه، فقد تلقی تربیة متکاملة تقوم علی الجمع بین علوم الظاهر و الباطن، و تولی تربیته مجموعة من علماء السمارة، فأخذ مبادئ الفقه و العربیة علی ید أمه العالی، و التصوف و علم الحدیث و الکلام علی ید جده الشیخ ماء العینین، و القرآن علی ید الفقیه زین، و الأدب علی ید خالیه الشیخ النّعمة و الشیخ أحمد الهیبة، و النحو علی ید الشیخ محمد بن سیدین و علم الأصول علی ید الشیخ محمد العاقب بن مایا با الجکنی.
و ترتبط بتعلیمه الأولی حکایة مثیرة یتداولها أبناؤه و کثیر من العارفین بأحواله، فبعد أن آنست منه أسرته القدرة علی التحصیل، بادرت بإرساله إلی العلامة ابن انبالة، أحد أساتذة مدرسة السمارة، لکن هذا المربی ما کاد یستأنس به و یطمئن إلیه حتی أرجعه إلی بیته یائسا من تعلیمه، فارتاعت أمه لهذا الأمر و ثارت ثائرتها، و أسرعت به إلی والدها الشیخ ماء العینین، و دخلت علیه، و هو فی مجلسه و رمت به إلیه، «و کلها أمل فی أن یکون الولد فی المستوی الذی تریده له ». فما کان من والدها إلا أن طمأنها و هدأ من روعها قائلا: دعیه هنا، فسترین ما یسرک، و کلفها بالسهر علی تکوینه، فکان ما کان من نبوغه و انقداح عین بصیرته .
و کان الشیخ ماء العینین یولیه عنایة خاصة و «یرجو من اللّه أن یجعله له مثل أبیه
الرحلة المعینیة، ص: 22
العتیق، بل فوقه فی العلم و غیره من حفظ و نجابة» . و قد تحققت آمال جده فیه، فنبغ فی مختلف علوم عصره من فقه و أصول و تاریخ و تصوف و أدب، و غیرها. و أجازه مجموعة من العلماء منهم، الشیخ ماء العینین الذی أجازه فی القرآن الکریم رسما و قراءة، و زین بن البکای الذی أجازه فی قراءة نافع و روایة ورش و قالون، و ابن مایابا الذی أجازه فی علم الأصول، و غیرهم. و قد نظم بعض هذه الإجازات، و أورد بعضها فی رحلته، منها قوله فی نظم إجازة العلامة زین:
هذا و ذی سلسلتی منظومفی سند الإجازة المعلوم
أسندها إلی النبی الهادیروایة موصولة الإسناد
فیما روی ورش و قالون عنشیخنا أب رویم المدنی
أجازنی فی المقرإ المذکورلنافع بأخذه المشهور
أستاذی المدعو زین القلقمیإلی محمد الأمین القلقمی
و هو عن الأستاذ شیخنا الکبیرماء العیون القدوة القطب الشهیر
و منذ أن نال هذه الإجازة سنة 1319 ه- 1902 م . کلفه جده الشیخ ماء العینین بقراءة الحزب علی یمینه، فدوام علی ذلک إلی أن توفی سنة 1328 ه، کما
الرحلة المعینیة، ص: 23
أسند إلیه التدریس بمدرسة السمارة، فکان لذلک أثره فی اختبار معارفه، و تعمیق ما حصله من علوم.
المحطة الثالثة، تتعلق بإنتاجه العلمی و الأدبی، و هو إنتاج یتمیز بالغنی و التنوع و العمق فقد ألف فی علوم مختلفة و فنون کثیرة، من فقه و تصوف و رحلات و مناقب، و غیرها و تعتبر مؤلفاته مصدرا أساسیا من مصادر الحرکة الفکریة فی الصحراء المغربیة، و صورة حیة لما تمیز به علماء الصحراء من نبوغ و مشارکة علمیة.
1. «بحور البدائع المحتویة علی درر الأشعار المصطفویة» و هو دیوان یضم بعض منتخبات الشیخ مربیه ربه فی عدد من فنون الشعر العربی، و یحتوی علی مقدمة و ثمانیة أبواب و خاتمة.
الباب لأول: فی الثناء علی الله من شعر محمد المصطفی مربیه ربه.
الباب الثانی: فی أمداحه لنبویة.
الباب الثالث: فی مدحه لوالده الشیخ ماء العینین.
الباب الرابع: فی مخاطبته لإخوانه.
الباب الخامس: فی مخاطبته لمعاصریه.
الباب السادس: فی النسیب.
الباب السابع: فی الحکم و الفوائد.
الباب الثامن: فی التضرع إلی الله.
الخاتمة: فی قصائد الذین مدحوه من الصحراویین و من السوسیین.
2. «البغیة من ملخص الأحکام الشرعیة علی المستمد من مذهب المالکیة»، و هی منظومة فقهیة تتألف من 980 بیت، توخی فیها تجدید الأسالیب المتبعة فی
الرحلة المعینیة، ص: 24
الإفتاء و تدبیر الأمور القضائیة، و تتألف من أربعة أقسام.
الأول: یتعلق بالقضاء و متعلقاته.
و الثانی: یتعلق بالحقوق العائلیة و الأحوال الشخصیة.
و الثالث: یتعلق بالمعاملات و النزاعات.
و الرابع: یتناول الدماء و الحدود و المواریث.
و قد انتهی من تألیفها فی 26 من شعبان 1359 ه- 1939 م.
3. «تحفة المکاتب بقراءة شیخنا الشیخ ماء العینین لحزبه الراتب» . و هو کتاب استوعب فیه أحوال الشیخ ماء العینین کلها، العادیة و العبادیة، و خاصة کیفیة قراءته للحزب.
4. دیوانه الکبیر، و هو دیوان ضخم یتجاوز ثلاثة آلاف بیت، تتناول مختلف أغراض الشعر العربی، و المعروف أن الشاعر قد ترک هذا الدیوان مجموعا، و یبدو أنه کان من الکتب التی انتقلت إلی خزانة الشیخ محمد الإمام بعد وفاة صاحبه. و قد اشتغلت بجمعه منذ سنوات، و سیتم إخراجه قریبا إن شاء الله.
5. سحر البیان فی شمائل شیخنا الشیخ ماء العینین الحسان» و هو کتاب ضخم فی مناقب الشیخ ماء العینین، و یتألف من خطبة و مقدمة و ثمانیة أبواب.
الأول: فی أوصاف الشیخ ماء العینین و أخلاقه و علومه الوهبیة و الکسبیة.
الباب الثانی: فی ذکر مؤلفاته، و ما أثر عنه من کلمات حکمیة.
الباب الثالث: فی سیرته العادیة.
الباب الرابع: فی بعض ما منحه الله من الکرامات الظاهرة و خوارق العادة الباهرة.
الباب الخامس: فی جملة أحواله مدة حیاته من یوم مولده إلی وقت وفاته،
الباب السادس: فی نسبه الشریف و سلسلة أشیاخه فی الطریقة الصوفیة.
الباب السابع: فی ذکر أولاده و بعض صفاتهم.
الرحلة المعینیة، ص: 25
الباب الثامن: فی ذکر من وصل علی یده من المریدین.
و تنتهی هذه الأبواب بخاتمة تتضمن عددا من القصائد الشعریة التی صدرت عن مشاهیر العلماء و الأدباء فی مدح الشیخ ماء العینین و تأکید ولایته، و قد انتهی تحریره فی ربیع النبوی من سنة 1375 ه. و توجد منه مجموعة من النسخ المخطوطة.
6. کتاب محاضرات المؤلف و مساجلاته مع بعض علماء و شعراء فاس و مکناس و مراکش و سلا و الرباط و الدار البیضاء .
7. مجموعة من الفتاوی الفقهیة و الرسائل و الإجازات و المنظومات .
8. مسرح الأفکار بسیرة النبی المختار» و هی منظومة فی السیرة النبویة فی مائتین و اثنین و سبعین بیتا، استعرض فیها المؤلف سیرة الرسول صلی اللّه علیه و سلم من بعثته إلی وفاته، کما تطرق فیها إلی أخبار الخلفاء الراشدین و أنسابهم و مآثرهم و وفیاتهم، و هی لا تزال مخطوطة أیضا .
9. «مطالع الأنوار فی مدیح المختار» و هو دیوان فی ثمانیة و عشرین قصیدة فی مدح الرسول صلی اللّه علیه و سلم، مرتبة علی الحروف الهجائیة .
10. منظومة فی سیرة فقهاء المدینة و أعیان المذهب، و هی لمع مقتضبة فی تاریخ بعض أعیان الفقه الإسلامی کالإمام أبی حنیفة و الشافعی و مالک و ابن حنبل و شعبة بن المسیب و عروة و ابن یسار، و غیرهم .
و لم تنحصر اهتمامات ابن العتیق فی التألیف و قرض الشعر فقط، و لکنها شملت مجالات أخری أکثر أهمیة و اتصالا بالحیاة. فساهم بدور فعال فی مقاومة المستعمر و الدفاع عن وحدة المغرب و سیادته، و له قصائد کثیرة فی ذلک منها قوله فی الحث علی المقاومة:
الرحلة المعینیة، ص: 26 کفی المرء غیا للغواة صغارهکذا بکبار الإثم تغری صغاره
و یوشک أن یغشی الحمی الراتع الذیرعی حوله و الجار یعدیه جاره
و إن الرضی بالذنب ذنب، و إن یقععذاب یعم الفقرتین تباره
و دین المهدی للشرک ضد، فمن یرممقارنة الضدین یبدو ابتهاره
و من لیس یبدی نصرة الدین مخطئفکیف بباد للنصاری انتصاره
فیا إخوة الإیمان، دعوة مشفقنصوح دجا مما دهاکم نهاره
إلا هل لدین الله منکم مشیدفقد کاد أن ینقض أصلا جداره
و من ذلک أیضا قوله فی الإشارة بجیش التحریر و التغنی ببطولاته:
بزغت علینا أنجم التحریرفتباشر الأوطان بالتطهیر
من رجس الاستعمار بعد مبشرفی الغرب، بل فی سائر المعمور
لازال جیشهم المطهر ناصراأعلام عرش إمامنا المنصور
الرحلة المعینیة، ص: 27
و من ذلک أیضا قوله فی تهنئة السلطان محمد الخامس بالعودة من المنفی و عید الاستقلال و عید الفطر:
تتابعت البشائر و الخیوربحمد الله و اتصل السرور
و صبح السعد لاح له ضیاءو روض الفوز فاح له عبیر
إمام العصر محمود السجایامحمد ابن یوسف الشهیر
إلی أن یقول:
ألا فاهنأ قریر العین أن لاتفارقک المسرة و الحبور
بأعیاد ثلاثة استهلتأهلتها بأفقک تستنیر
بعید الفطر شعبک مستقلو عید العود لله الشکور
و عصرک کله أیام عیدبک اغتبطت سعادتها العصور
کما شارک فی الإصلاح الاجتماعی و الدینی، فأبدی فیما أسند إلیه من مسؤولیات قضائیة و تربویة «من الرفق بالضعفاء و العمل علی الأخذ بأیدی المساکین و المظلومین و إنصافهم من المعتدین، و الشدة فی الدین و الورع و الزهد و إعطاء کل ذی حقه، و محاربة أهل الفساد و القضاء علی الرشوة و التشهیر بمتناولیها و آخذیها ما یعلمه
الرحلة المعینیة، ص: 28
الخاص و العام» .
و له أشعار فی ذلک تدل علی صرامته و غیرته الدینیة، منها قوله فی إدانة الرشوة و التحذیر من عواقب السقوط فی حبائلها:
یقول الناس مالک حیث تقضیتحامی ما به الأوطار تقضی
فقلت إن استجبت لما عرضتمفما جوابی یوم عرضی
أفی عرض من الدنیا دنیئأبیع دیانتی و أبیح عرضی
معاذ الله أن ینتاط إلابإصر الحق إبرامی و نقضی
و ما یغنی رضی المخلوق فیماإلی سخط من الخلاق یفضی
و أرجو الله إصلاحی و رشدیو توفیقی لما إیاه یرضی
و قد انعکس ذلک علی إنتاجه العلمی و الأدبی، و طبعه بطابع خاص میزه عن غیره، فجاء متنوعا، غنیا، یجمع بین عبقریته الفذة و خصوصیات الفضاء الثقافی الذی عاش فیه و ترعرع فی أجوائه.
الرحلة المعینیة، ص: 29
تندرج الرحلة المعینیة ضمن الرحلات الحجازیة، و هی کما یدل علی ذلک علی عنوانها تسجل رحلة ما العینین بن العتیق إلی الحجاز ضمن الوفد الصحراوی الذی أدی فریضة الحد سنة 1938 برئاسة الشیخ مربیه ربه، علی نفقة المخزن. و قد استغرقت هذه الرحلة ثلاثة أشهر و نصف تبتدئ من خروج المؤلف من طنطان، یوم الجمعة 16 شوال 1357 ه 9 دجنبر 1938 م، و تنتهی بعودته إلی أهله بالطنطان أیضا یوم الثلاثاء 29، 2 حرم 1358 ه 1939 م ..
و یمکن تلخیص المسار العام لهذه الرحلة فی اللحظات التالیة:
1- انطلاق رکب حجاج الساقیة الحمراء بحرا من میناء طرفایة نحو مدینة «لاص بالماص» بجزر الکناری فی 22 شوال 1357 ه، 15 دجنبر 1938.
2- توجه الرکب نحو مدینة قادس علی ظهر سفینة إسبانیة تسمی «بارکو سیبی» بعد وصول الشیخ مربیه ربه إلی أرض «لاص بالماص» من طرفایة جوا.
3- توجه الرکب برا إلی الجزیرة الخضراء، ثم رکوب البحر إلی سبتة علی متن سفینة إسبانیة تسمی «سیوداد سبتة» فی 28 من شوال 1357 ه، 21 دجنبر 1938 م.
4- توجه الرکب إلی تطوان برا و الإقامة بها فی ضیافة المخزن لمدة اثنین و عشرین یوما و زیارة مآثرها و تجدید أواصر المحبة و الأخوة مع أعیانها و علمائها.
5- توجه الرکب برا إلی سبتة بع وصول وفد حجاج سیدی أفنی و أیت بعمران
الرحلة المعینیة، ص: 30
برئاسة الشیخ محمد الإمام، و وفد وادی الذهب برئاسة سیداتی بن الشیخ الولی فی 17 من ذی القعدة 1357 ه.
6- رسو الباخرة بمیناء طرابلس لمدة ثلاثة أیام، و زیارة أضرحتها و مآثرها التاریخیة و الاجتماع ببعض علمائها و أعیانها فی 20 من ذی القعدة 1357 ه.
7- توقف الباخرة ببور سعید ثم السویس فی 27 من ذی القعدة، و لقاء ولی عهد الخلیفة السلطانی و من کان معه من رجال الوحدة المغربیة بمصر لطلب العلم.
8- الإقامة بمکة لمدة سبعة عشر یوما، و أداء مناسک الحج بها و زیارة مساجدها و قبور الصحابة بها، و الاجتماع ببعض علماء و قادة الدول الإسلامیة بها.
9- التوجه إلی المدینة المنورة عبر جدة بواسطة السیارات یوم الجمعة 20 من ذی الحجة 1357 و الإقامة بها مدة ثمانیة أیام، و زیارة مساجدها و ریاضها و قبور أبطال الإسلام بها.
10- رجوع الرکب إلی جدة لرکوب الباخرة فی 29 من ذی الحجة.
11- عودة الباخرة إلی سبتة بعد رسوها عند جبل الطور و السویس و بور سعید و طرابلس و ملیلیة.
12- توجه الرکب إلی تطوان لحضور مجلس افتتحه الخلیفة السلطانی لأمر الأوقاف و استقلال أحوالها فی 16 محرم 1358 ه.
13- رجوع الرکب إلی سبتة ثم الجزیرة الخضراء، ثم أشبیلیة، و زیارة المآثر الإسلامیة بها فی 19 محرم 1358.
14- عودة رکب الحجاج إلی جزر الکناری یوم الثلاثاء 22 محرم 1358 ه.
15- عودة الرکب إلی طرفایة جوا یوم الأحد 27 محرم 1358 ه.
16- عودة المؤلف إلی أهله بطنطان یوم 29 محرم 1358 ه، بعد اجتماعه بالشیخ مربیه ربه و بعض إخوانه.
و تتخلل هذه اللحظات مجموعة من الفوائد التی سجلها المؤلف طیلة هذه الرحلة، کأخبار الذین شارکوا فیها و أسمائهم و قبائلهم و مراتبهم و الأنشطة التی قاموا بها، و اللقاءات التی أجروها مع عدد من العلماء و رجال الفکر و السیاسة فی شمال المغرب و لیبیا و مصر و الحجاز مثل، الفقیه محمد بن عبد القادر ابن موسی، وزیر الأحباس
الرحلة المعینیة، ص: 31
فی المنطقة الخلیفیة فی الشمال و القائد محمد المصطفی ابن ادریس بن یعیش و أخیه الباشا محمد فاضل بن یعیش، و رئیس الحزب الإصلاحی الوطنی السید عبد الخالق الطریس، و عبد الوهاب بنمنصور، مؤرخ المملکة حالیا، و المکی الناصری و ادریس الجای و إبراهیم بن علی الدرقاوی، و غیرهم من رجال الفکر و السیاسة بتطوان، و الشیخ محمد بن محمد بن برخیص قاضی طرابلس، و الشیخ أحمد الشارف الحاکم بالمحکمة الشرعیة بها، و الشاعر أحمد بن محمد فقیه حسن، و الشیخ محمد بن عامر من بنغازی، و غیرهم من علماء و أدباء لیبیا، و الأمیر شکیب أرسلان و الشیخ جعفر بن صالح الکثیری من أرض حضر موت و الشیخ محمد بن أمیر جان ابن غلام بن أمیر الله، من الأفغان، و الشیخ محمد زباره من أمراء الیمن، و الشیخ عبد القیوم ولد الحاج سائبة حیدر أباد من السند، و الشیخ أمین الکتیبی، و غیرهم من الأعیان و الرؤساء الذین اجتمعوا بهم فی مکة و المدینة.
و تندرج ضمنها أیضا مجموعة من الإجازات و الرسائل و المساجلات و الفوائد الفقهیة و الجغرافیة و التاریخیة التی تطول أحیانا حتی تقطع التسلسل الکرونولوجی للأحداث، کبعض قصائد المؤلف، و قصائد الشیخ مربیه ربه و قصائد الشیخ محمد الإمام، و إجازة المؤلف فی القرآن، و إجازته لأبن موسی، و رسائله إلی عبد الرحمان ابن زیدان و خالیه الشیخ مربیه ربه و الشیخ محمد الإمام، و تقاریره حول الکعبة و قیاساتها و أساطینها، و لباسها، و ماء زمزم و خواصه و فوائده، و أبواب مسجد الله الحرام و مناراته، و غیر ذلک من النصوص و الفوائد.
کما تتخللها أیضا قصائد و مقتطفات من بعض الکتب التی عبثت بها ید الضیاع، مثل رحلة الشیخ ماء العینین و رائیة المؤلف فی تخمیس رائیة الشیخ أحمد الهیبة، و کتابه الذی یضم مساجلاته مع أدباء و شعراء الأقالیم المغربیة الشمالیة، و غیرها من الآثار النادرة التی تمیزها عن غیرها من الرحلات الحجازیة التی کتبت فی بدایة القرن الماضی، و تجعلها رحلة علم و أدب و وحدة، فضلا عن مقاصدها الدینیة.
الرحلة المعینیة، ص: 32
أ: النسخة الأصلیة
ب: النسخة الفرعیة
و: ورقة
م، خ: مخطوط خاص
[]: أشیر بهما إلی أن ما بداخلها لیس موجودا فی النسخة الأصلیة، مع التنصیص فی الهامش علی مصدر الإضافة.
«»: أشیر بهما إلی ما بداخلهما من النصوص المستشهد بها فی الرحلة.
(): أشیر بهما إلی عناوین الکتب المعتمدة فی الرحلة.
(): أشیر بهما إلی أن ما بداخلهما یوجد بهامش المخطوطة.
و لا یسعنی فی نهایة هذه المقدمة إلا أن أتوجه بالشکر الجزیل إلی الأستاذ ماء العینین مربیه ربه الذی کان وراء اهتمامی بإخراج هذا العمل، فقد شجعنی علی الاشتغال به وهیأ لی ظروف تحقیقه، و لم یبخل علی بما أنشده فی بیته من معلومات ضالة، و فوائد شاردة، فقرب لی کل بعید، و سهل علی کل صعب شرید، و لم یکتف بذلک، بل تفضل جازاه الله خیرا بکتابة کلمة لهذه الرحلة باعتبار جده الشیخ مربیه ربه رئیسها الدینی و واحدا من أعلامها البارزین و شاهدا علی ما تجسده فی تاریخنا الحدیث من عمق فکری و وطنی تمتد جذوره فی أعماق التاریخ، کما أتوجه بالشکر بصفة خاصة إلی أستاذنا الفاضل الدکور عباس الجراری الذی یعود إلیه فضل الریادة فی الاهتمام بتراث أقالیم المغرب الجنوبیة و توجیه الباحثین إلی الاعتناء به بصفة عامة، و تشجیعه لی بصفة خاصة علی تعمیق هذا الاهتمام، بعد أن ألقی بذوره الأولی فی أعماقی، و رعاه بعلمه الغزیر و أخلاقه العالیة. کما أتوجه بالشکر إلی الأستاذ الفاضل سید القوم حفید المؤلف و کذا المرحوم الأستاذ سعید الفاضلی و غیرهم من الباحثین الذین ساهموا من قریب أو بعید فی إخراج هذا العمل
الرحلة المعینیة، ص: 33
ضبطا و تصحیحا.
کما أتوجه بالشکر أیضا إلی المشروع الجغرافی العربی «ارتیاد الآفاق» علی إخراجه لهذا العمل و رعایته له، متمنیا للقائمین علیه المزید من التوفیق و النجاح لتحقیق الأهداف النبیلة التی أسس من أجلها.
د. محمد الظریف 2004
الرحلة المعینیة، ص: 35
بسم الله الرحمن الرحیم،
و علی سیدنا محمد و آله أزکی صلاة و سلم.
حسبی الله، لا إله إلا هو، علیه توکلت، و هو رب العرش العظیم، و لا حول و لا قوة إلا بالله العلی العظیم.
«إِنَّ أَوَّلَ بَیْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِی بِبَکَّةَ مُبارَکاً وَ هُدیً لِلْعالَمِینَ فِیهِ آیاتٌ بَیِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِیمَ وَ مَنْ دَخَلَهُ کانَ آمِناً وَ لِلَّهِ عَلَی النَّاسِ حِجُّ الْبَیْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَیْهِ سَبِیلًا وَ مَنْ کَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِیٌّ عَنِ الْعالَمِینَ» . «وَ إِذْ بَوَّأْنا
الرحلة المعینیة، ص: 36
لِإِبْراهِیمَ مَکانَ الْبَیْتِ أَنْ لا تُشْرِکْ بِی شَیْئاً وَ طَهِّرْ بَیْتِیَ لِلطَّائِفِینَ وَ الْقائِمِینَ وَ الرُّکَّعِ السُّجُودِ وَ أَذِّنْ فِی النَّاسِ بِالْحَجِّ یَأْتُوکَ رِجالًا وَ عَلی کُلِّ ضامِرٍ یَأْتِینَ مِنْ کُلِّ فَجٍّ عَمِیقٍ لِیَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ وَ یَذْکُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِی أَیَّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلی ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِیمَةِ الْأَنْعامِ فَکُلُوا مِنْها وَ أَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِیرَ ثُمَّ لْیَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَ لْیُوفُوا نُذُورَهُمْ وَ لْیَطَّوَّفُوا بِالْبَیْتِ الْعَتِیقِ ذلِکَ وَ مَنْ یُعَظِّمْ حُرُماتِ اللَّهِ فَهُوَ خَیْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ» .
الحمد لله الذی أنعم علینا بالإسلام و الإیمان و الإحسان، فشرف بتلک النعم علی أجناس مخلوقاته الإنسان، و شرع من الدین ما وصی به نوحا و إبراهیم، فجلی بأنواره عنا غیاهب لیل الشرک البهیم، ببعثة خاتم النبیئین و إمام المرسلین، شفیع المذنبین و قائد الغر المحجلین، معدن الشرف، و مظهر الفضل و الکرم صفوة العرب و إنسان عین الحرم، سیدنا محمد الطاهرة ملته من الأدناس، الوارد فی أمته، «کُنْتُمْ خَیْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ» فأظهر به شعائر الدین، و شید قواعده، و أعلی یده و قوی عضده و شد ساعده، فکان أعدل من نهی و أمر، و أفضل من حج بیته و اعتمر، و صل الله علیه و سلم تسلیما ما قضیت به أمته الحاج، و ما تیمم من کل فج عمیق بیت الله الحرام الحاج.
و بعد فیقول أسیر ذنبه، أفقر العبید إلی ربه، ما العینین بن العتیق بن محمد فاضل، وقاهم الله شر المخاوف و المعاضل، الحسنی الإدریسی القلقمی نسبا، الشنجیطی إقلیما، المالکی مذهبا، خدیم شیخه الشیخ ماء العینین و مریده و سمیه و ابن عمه و حفیده:
إنه مما لا یخفی أن الرحلة لبیت الله الحرام من أعظم القربات التی تؤذن بنیل المرام، و ذلک لمن استطاع إلیه سبیلا، و سقی من أکوس العنایة سلسبیلا، لیؤدی
الرحلة المعینیة، ص: 37
فریضة الحج و سنة العمرة، فإن المتابعة بینهما تزید رزقه و عمره.
قال صلّی اللّه علیه و سلم: «تابعوا بین الحج و العمرة، فإن متابعة ما بینهما تزید فی العمر و الرزق، و تنفی الذنوب کما ینفی الکیر خبث الحدید» . و قال صلّی اللّه علیه و سلم: «الحجاج و العمار وفد الله و زواره، إن سألوه أعطاهم، و إن استغفروه غفر لهم، و إن دعوا استجیب لهم، و إن تشفعوا شفعوا» . و قال علیه الصلاة و السلام: «العمرة إلی العمرة کفارة لما بینهما، و الحج المبرور لیس له جزاء إلا الجنة» ، و قال صلّی اللّه علیه و سلم: «من حج هذا البیت فلم یرفث، و لم یفسق خرج من ذنوبه کیوم ولدته أمه» . و فی صحیح مسلم من حدیث عمرو بن العاص رضی الله تعالی عنه، أنه صلّی اللّه علیه و سلم قال له: أما علمت أن الإسلام یهدم ما قبله، و أن الهجرة تهدم ما کان قبلها، و أن الحج یهدم ما کان قبله، إلی غیر ذلک مما یطول جلبه و تطیب به نفس الحاج و یطمئن قلبه، و ناهیک من رحلة لم یبعث لها إلا حج بیته تعالی الحرام، و زیارة قبر نبیه علیه الصلاة و السلام التی تتأکد مشروعیتها و قربها من درجة الوجوب حتی أطلقه بعضهم علیها، و علی کل حال فمفروضیتها من مذهب محبته صلّی اللّه علیه و سلم واضحة لمن نظر إلیها، قال صاحب (وفاء الوفا بأخبار دار المصطفی) فی الباب الثامن فی زیارة النبی صلّی اللّه علیه و سلم: روی الدارقطنی و الطبرانی فی الکبیر و الأوسط و غیرهما من طریق حفص بن داوود القارئ عن لیث عن مجاهد عن ابن عمر رضی الله تعالی عنهما، قال: قال رسول الله صلّی اللّه علیه و سلم: «من حج فزار قبری بعد وفاتی کان کمن زارنی فی حیاتی» . و فیه أیضا عن ابن عمر رضی الله عنهما، قال: قال رسول الله صلّی اللّه علیه و سلم: «من حج البیت و لم یزرنی فقد
الرحلة المعینیة، ص: 38
جفانی»، و فیه عن ابن عمر رضی الله عنهما، عن النبی صلّی اللّه علیه و سلم، قال: «من زار قبری، حلت له شفاعتی» . و فی روایة عنه رضی اللّه عنه: «من زار قبری وجبت له شفاعتی». و فیه عن علی رضی اللّه عنه، قال: قال رسول الله صلّی اللّه علیه و سلم: «من زار قبری بعد موتی، فکأنما زارنی فی حیاتی، و من لم یزرنی، فقد جفانی»، إلی غیر ذلک مما هو کثر، و دلیله النقلی و العقلی شهیر. و قال عیاض رحمه الله تعالی: زیارة قبره صلّی اللّه علیه و سلم سنة بین المسلمین یجمع علیها، و فضیلة مرغب فیها، و قال أبو عمران المالکی: زیارة قبر النبی صلّی اللّه علیه و سلم واجبة. قال عبد الحق: یعنی من السنن الواجبة، و یستدل أیضا بقوله تعالی: «وَ لَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ» الآیة، علی مشروعیة السفر للزیارة وشد الرحال إلیها. و إذا ثبت أن الزیارة قربة، فالسفر إلیها کذلک، و قد ثبت خروج النبی صلّی اللّه علیه و سلم من المدینة لزیارة قبور الشهداء، فإذا جاز الخروج للقریب، جاز للبعید، و حینئذ فقبره صلّی اللّه علیه و سلم أولی، و قد انعقد الإجماع علی ذلک لإطباق السلف و الخلف علیه. نرجوه تعالی أن یسعدنا بزیارته دنیا و أخری، و أن یجعل الاعتصام بحبل سنته صلّی اللّه علیه و سلم لنا ذخرا.
و لحب الحج و الزیارة، ما زلت من عنفوان شبابی، و إن کنت فی وطنی بین أقربائی و أترابی و أحبابی معلق البال بالرحلة إلی الحرمین، علی أن العوائق إذ ذاک تصرخ بأن حدیث النفس بها عین، لکونی لا إرادة لی و لا عزم و لا همة مع أستاذ الأساتذة و إمام الأئمة، قطب المشارق و المغارب، المعد لقضاء الحوائج و المشارب، مجمع مراشد الطرائق، مرکز الشرائع و الحقائق، مجدد القرن الرابع عشر، المعترف بأفضلیته جمیع البشر، المخصوص بکمال الخلافة النبویة، الجاری علی جادة السنة النبویة، من عجزت عن کنه محامده الأفهام و الأحلام، و ضاقت عن جمع مدائحه القراطیس
الرحلة المعینیة، ص: 39
و الأقلام، أستاذنا و ملاذنا و معاذنا شیخنا الشیخ ماء العینین، المعلوم علمه، الطائر صیته فی کلا الکونین. و رحم الله والدنا العتیق، حیث یقول من قصیدة فی مدحه:
[الطویل]
هو الشیخ ماء العینین و اللبس هاهنالعمری مأمون لفقد المجانس
فقد نشأت بحمد الله فی حجره و کفالته، لا تعدو عینای عن شمس خیبته و جلالته، ملقی فی یدیه عنان نفسی و زمامها، مبتهجة بأن لیس فی الوجود سواه إمامها، متمسکة به تمسک الأعمی بقائده، مغمورة فی فیوض إفادته و فوائده، بل لا یمکن أن یسع غیره صدری متیقنا بأنه یدری من حالی ما لا أدری، و کیف لا و هی عین جلالة قلبی من کل رین و غین، و لا أستطیع الصبر عنه و لا طرفة عین، به غذاء جسمی و روحی و روعی، و أقلده غایة التقلید فی معتادی و مشروعی، فما صح فی حیاته رضی اللّه عنه تخلفی عن جنابه المحترم، و لو کانت تعترینی بعض الساعات أشواق الحرم، مع أن شیخنا یری أن فریضة الحج ساقطة لأسباب عدیدة فی تلک المدة عن أکثر الشناقطة، إلی أن قضی تعالی بقبضه إلیه، و إیثاره بما من الأفضال و الإکرام اعتمد علیه، و ذلک فی منتصف لیلة الثلاثاء الحادیة و العشرین من شوال عام ألف و ثلاثمائة و ثمانیة و عشرین من هجرته صلّی اللّه علیه و سلم بمدینة تیزنیت إحدی قری السوس الأقصی، و عمره رضی اللّه عنه و أرضاه إثنان و ثمانون سنة و ثلاثة و خمسون یوما، لأن میلاده وقت المقیل یوم الثلاثاء السابع و العشرین من شعبان الأبرک عام ستة و أربعین بعد المائتین و الألف، کما نظمه رضی اللّه عنه بقوله:
فی عام رومش بشهر شعبانفی یوم زک مولدی و ذا استبان
الرحلة المعینیة، ص: 40 یوم الثلاثاء مقیلا و الشکورأشکر لنعمتی مدی الدّهور
و ذیّلهما جامعه بهاذین البیتین فی تاریخ وفاته رضی اللّه عنه:
و قد توفی بلا احتمالفی الحادی و العشرین من شوال
فی عام حکسش لدی انتصافلیل الثلاثاء بلا خلاف
قدس الله روحه و رضی عنه و أرضاه و جعل فی أعلی الفرادیس مثواه، «ثم شاء الله أن زالت تلک الأسباب الشنیعة التی کان یری شیخنا أنها سقوط الحج ذریعة» فتزایدت یومئذ أشواقی و توالت تباریحی و أتواقی إلی مزار البقاع الطاهرات، و مشاهدة الحضرات الباهرات، لکن لم تزل کثرة العوائق مانعة، و نوائب الدهر العظام دافعة، و إنما أعلل نفسی بعسی و لعل، و الأمر لله فما شاء فعل، و أنشد بیتین فی المعنی:
هوّن علیک فإن کلّ مقدّرسیکون کیف تغالب الأقدار
و ارم الأزمّة للمکوّن تسترحفلکل شیء عنده مقدار
الرحلة المعینیة، ص: 41
فلما کانت سنة تسع و أربعین و ثلاثمائة و ألف 1349، فتح الله تعالی علی بقصائد خدمت بها جانب النبی صلّی اللّه علیه و سلم الکریم فی بعض المستطاع، من مدائح قدره العظیم، نظمتها علی أسلوب لم أر من سبقنی إلیه مراعاة للتفنن فی أسالیب، الثناء علیه، و ذلک أنی جعلت فی کل قصیدة منها ثمانیة و عشرین بعدد الحروف، و کل بیت من القصیدة افتتحته بحرف علی سبیل الترتیب المعروف، فجعلت عدة القصائد ثمانیة و عشرین کذلک، و کل واحدة تخص برویها من الحروف علی المتابعة کما هناک، و أفتتح بالحرف الذی هو روی القصیدة بیتها الأول ثم أتابع من لدنه سرد الحروف حتی تستکمل، إلی أن أختم بالحرف الذی قبل الحرف المفتتح به، کما وصف، و التزمت فی کل بحر قصیدة تیامنا بکمال الأرب حتی اکتملت البحور الخمسة عشر التی استعملتها العرب. ثم أعدت بعد ذلک ما دعت له القریحة منها، و جعلت آخر قصیدة منها فی بعض أوصاف ذاته صلّی اللّه علیه و سلم الشریفة، و سمیتها (مطالع الأنوار فی مدائح المختار) . فلما من الله علی بإتمامها و النفس فی غایة شوقها و غرامها، رجوت من الله و بجاهه صلّی اللّه علیه و سلم أن ییسر لی إنشادها عنده فی مدینته المنورة، فحست نفسی بفضل الله عند ذلک بالإجابة و بلوغ الأمنیة من برکة مدیحه صلّی اللّه علیه و سلم و اطمأنت بأن الفرج حصل. و من ذلک الوقت لم أشکّ بحمد الله فی أن الله ییسر لی فضلا منه زیارة نبیه علیه السلام، و حج بیته الحرام، لکن لکل أجل کتاب، و لیس علی من غلبه الشوق عتاب.
و لا بأس بذکر القصیدتین الأولیین و القصیدة الأخیرة من هذه القصائد المذکورة هاهنا لیتبین للسامع حالها، و یزول عنه إشکالها، و للتبرک و التیامن بمدحه صلّی اللّه علیه و سلم.
الرحلة المعینیة، ص: 42
[الطویل]
أثار الهوی بعد الحبیب أداؤهفوجدی به حقّ علیّ أداؤه
بأن أبکی الرّبع المحیل بجنبهفحتما علی عین المعنّی بکاؤه
تعاوره أیدی العواصف فانجلیبلبس جدیدات السّوافی عفاؤه
ثوت فیه إذ بانت شبیهاتها المهاعلی أنه بین الضّلوع ثواؤه
جنحت له رعیا لعهد الألی بهعهدت و إن هاج اشتیاقی انتحاؤه
حقوق الهوی أرعی، فلا أرعوی و منیراعی الهوی یصعب علیه إرعواؤه
خسرت إذا إن لم یجرنی محمدفکلّ خسار بالنّبیّ اتّقاؤه
الرحلة المعینیة، ص: 43 دعوت رسول الله و الداء معضلو من یدعه یذهب علی الفور داؤه
ذنوبی منها بالشفّع أحتمیو من یستجر یغفر بطه خطاؤه
رسول حباه الله بالحمد و الوریوراء ثناء الله کیف ثناؤه؟
زعیم النبیئین المتاح بیمنهلسائر خلق الله منه عطاؤه
سراج منیر لا یلوح بذرّةمن الکون إلا نوره و ضیاؤه
شفیع إذا لم یلف فی الحشر شافعو لولاه لم تشفع به شفعاؤه
صراط الهدی منه استنار و لم یجزسوی من به فوق الصراط اهتداؤه
ضمیر اللیالی ضاق عنه فبشّرتبه کلّ وقت قومها أنبیاؤه
طریقته المثلی نفت کلّ ملّةفلم ینج إلا من حماه اقتفاؤه
ظماء غد مورودها العذب حوضهو آیة فوز العبد منه ارتواؤه
عوائده فضل، و جزل کلامهو أحکامه فضل و عدل قضاؤه
غلوّ النصاری فی المسیح ضلالةفذرها و قل ما فی علاه تشاؤه
الرحلة المعینیة، ص: 44 فغایة أسنی المرسلین افتتاحهو کل سناء مبتداه سناؤه
قد اصطنع الله البرایا لأجلهعموما، فعمّ العالمین غناؤه
کفاه من الآی الکتاب و حسبهمن المدح، ما تتلوا به علماؤه
لکلّ نبیّ دعوة مستجابةدعاها، و للمیعاد یرجی دعاؤه
مدی الدهر محمود المقام مقامهو أمّا لواء الحمد فهو لواؤه
نبی تنی الأفکار دون خلالهو حسبک ما منها جلت خلفاؤه
هم أبوا بکر و حفص و صهرهعلی و عثمان المهیب حیاؤه
و باقی الصّحاب المصطفین، فکلهممن المصطفی إذ صاحبوه اصطفاؤه
یصلی علی المختار و الصحب ربّهو یوتی به للمرتجیه رجاؤه
[البسیط]
بادی الهوی لم تفد نجوی مؤنّبهو الدمع یوضح سرّ المستکنّ به
الرحلة المعینیة، ص: 45 تری اللّحاة الهوی للّوم داعیةو الحب ما لهم علم بموجبه
ثرّب أو اعذر فما تجدی عذول و فیأذن المتیّم وقر عن مثرّ به
جیل المحبّة أشتات مذاهبهو المهتدی منه ینحو بمذهبه
حبّ النبی فجنّب غیر جانبهولذ به، و تباعد عن مجنّبه
خیر النبئین من مدّوا بأبحرهفما لهم مشرب إلا بمشربه
دانوا له و رعایاهم لأمتهدانوا و دانت مبانیهم لیثربه
ذلّت لدعوته الأملاک و اعتصموابظهره حین أصماهم بمنکبه
رامت معارضة التنزیل فصهمأولوا النهی، فتناهوا دون معجبه
زواجر الحقّ بالآیات من فمهتهدی بالبیض من راحات موکبه
الرحلة المعینیة، ص: 46 سل إخوة الحرب عن مرهوب صارمهو إخوة السلم عن مسکوب صیّبه
شاء المکوّن إیجاد المکوّن مننور النبی، فکان العالمون به
صبح الظهور به عمّ العصور، فمنیعشو بمشرقه عنه و مغربه
ضوء به حالک الجهل انجلی بهلیل العمی انکشفت عمیاء غیهبه
طوبی لمن نال تقبیلا لأخمصهو عفّر الوجه فی موطوء تیربه
ظلّ ظلیل أظلته السّحاب و هونور، فکیف یری ظلّ لکوکبه؟
عروجه لشهود القرب کان مکان القاب فیه أو أدنی من مقرّبه
غاضت لمیلاده الأنهار و انطفأ النیران، و الشرک ساه غیر منتبه
فبان إذ ذاک و الإیوان منصدعفی دولة الکفر صدع غیر مشتبه
الرحلة المعینیة، ص: 47 قال الهواتف و الکهان حان أوان الهاشمی کریم الأصل طیبه
کذلک الحقّ لا تخفی دلائلهو لو طغت ضلة عینا مکذّبه
لا تال جهدک فی مدح النبی، فمنیقصد به مأربا یظفر بمأربه
ما القصد إحصاؤه إذ لا سبیل لهفموجز القول فی هذا کمطنبه
نهدی المدیح إلی الهادی الأمین علیمقدار طاقتنا لا قدر منصبه
هل یختشی العلة الراجی بحرمتهبرءا أو الشدة اللاجی لمهربه؟
وا رحمتا منه لی فهو الرحیم، و هلسوی رحیم الوری یرثی لمذنبه؟
یا ربّ صلّ علی الماحی و الآل و الاعلامالألی خلفوه من بنی أبه
أبا بکر و حفص و الحسینو عبد الله و المقتفی آثار نیسبه
الرحلة المعینیة، ص: 48
[الوافر]
یحار لنعت ما اشتمل النبیّعلیه من الجمال الیلمعیّ
أما و من اصطفی وصفیه ما إنله فی الخلق و الأخلاق سیّ
بهیج الوجه، فی تدویر حسنلشمس الصّحو منظره البهیّ
ثنایاه مفلجة، سناهاینسّی البرق ساطعه السنیّ
جلیل مشاش، أبیض مشرب، بادن، متماسک، لین قوی
حلاوة نطقه الصهباء ذامتو ذمّ لطیبه الروض النّدیّ
خمیص الأخمصین أزجّ أقنیکحیل الجفن فی دعج حییّ
دقیق أنیق مسربه، و منهسواها البطن عار و التّدیّ
الرحلة المعینیة، ص: 49 ذریع المشی فی قصد و قلعکأن لخطاه من صبب هویّ
رحیب الرّاح، شتن الکفّ ما بین منکبه و منکبه قصیّ
زری جید الدّمی منه و أزریبصافی الفضّة العنق النقیّ
سواء صدره و البطن فیهجمیل الخلق، معتدل سویّ
شعاع الجسم عنه الظلّ حسانفی و أحاط منه المعنویّ
صبیح أزهر اللون ابتلاجارخیم صوته، حسن شهیّ
ضلیع فم، أسیل الخدّ، طلقکثیر الخفض ناظره العلیّ
طویل زنده، ضخم کرادیسه،و جبینه فسح، وضیّ
الرحلة المعینیة، ص: 50 ظهارة حسنه الأوصاف عنهاتکلّ فکیف باطنه الخفیّ؟
عظیم الرأس، و الأطراف منهسوائل، و الحجا یقظ ذکیّ
غسیل القلب من دنس، و کم منعظیم فیه صبّ، و هو صبیّ
فصیح أهدب الأشفار رجلملیح کثّ لحیة، أحودیّ
قسامة ذاته الحسناء أنّییقاس بها الجمال الیوسفیّ
کساها ذو الجلال حلی جلالله نسی الجلال الموسویّ
لقد کملت مبالغ کلّ فکرو ما بلغ الکمال الأحمدیّ
محمدنا إلیک المدح نهدیو إنّک عن مدائحنا غنیّ
نؤمّل ما یومّل منک أیاو بالمامول ما دحک الحریّ
الرحلة المعینیة، ص: 51 همت دیم الصلاة علیک تتراو مدرار السلام السّرمدیّ
و دام علی صحابتک التّرضّیو أولانا رضاه بک الولیّ
و هذه القصیدة مشتملة علی جل نعوت ذاته صلی اللّه علیه و سلم الشریفة. و أوصافه صلی اللّه علیه و سلم مجربة لنیل الحوائج و الحفظ من المکاره لمن حفظها نظما أو نثرا، و کذلک من جعلها فی موضع یأمن من الحرق و الغرق و السرقة و النهب، إلی غیر ذلک. و هذه القصیدة من رجائنا فی الله أن من حفظها أو جعلها فی محله، ینال ذلک و أکثر، و الأمر کذلک إن شاء الله، و کیف لا، و برکاته صلی اللّه علیه و سلم لا نهایة لها، و إنما الشأن فی الاعتقاد، و الله یوفی المراد.
ثم لما کانت سنة أربع و خمسین بعد ثلاثمائة و ألف، قدمت علی الإمام الأستاذ العلامة، القدوة الملاذ، جامع الشریعة و الحقیقة، المتحافظ علی سلوک أقوم طریقة، کامل الفتوة و المروءة و الأبوة، سیدنا الشیخ مربیه ربه بن شیخنا الشیخ ماء العینین
الرحلة المعینیة، ص: 52
- دام عزه و علاه- فی مدینة الطرفایة، و وجدته منبعث الهمة إلی الحج، عازما علیه تلک السنة، إن ساعدته المقادیر، و قال لی: کنت أود مجیئک هذا و أتمناه لمرافقة فی الرحلة إلی الحج، فسررت بذلک غایة السرور، و حمدت الله علیه. و کان مقدمی علیه فی رجب من السنة المذکورة، فأقمت عنده إلی یوم عید النحر، و قد بذل جهده فی توجهنا إلی الحج هذه السنة، فلم یساعد الحال فی ذلک، و کل شیء عنده بمقدار، ثم رجعت إلی الأهل بأحیاء العرب الصحراویة بعد ما عاهدنی الشیخ قدس الله روحه أنه متی تیسر له السفر إلی الحج یبعث لی للمرافقة، مع أنه لا یال جهدا فی الحال التی یتیسر بها بحول الله.
فلما کانت سنة ست و خمسین، یسر الله بفضله للشیخ مربیه ربه الرحلة إلی الحج، فبعث إلی حسبما عاهدنی رغبة منه فی صحبتی إیاه، و إحسانا و إفضالا علی فیما هو الغایة القصوی و المنیة العظمی، فلم یبلغنی رسوله، لأنا تلک الأیام، قادنا المرعی إلی صحراء بعیدة، فلم یمکن الرسول بلوغنا، و لم نعلم بحج الشیخ إلا بعد إیابه، فمسنی حزن من الأسف و الندم علی ما فاتنی من مرافقته- أعزه الله- إلی الحرم، فقلت: إنا لله و إنا إلیه راجعون، سیجعل الله بعد عسر یسرا.
فلما کانت السنة القابلة، سنة سبع و خمسین، قدمت علی الشیخ- أعزه الله- بمدینة الطرفایة فی جمادی الأولی للسلام علیه و الزیارة منه و تهنئته بالحج و زیارة رسول الله صلی اللّه علیه و سلم، و أنشدته هذه القصیدة فی مدحه و تهنئته، و هی :
الرحلة المعینیة، ص: 53
[الطویل]
هو الشّعر للأکفاء شهدته تحلوإذا صاغه من کنز باعثه الفحل
فینساغ عذبا للفهوم کأنمابأثنائه تلقی مجاحتها النحل
و أبلغه ما لیس فیه تکلّفعلی حسن سبک فهو ممتنع سهل
و أبیاته یستوعب الظرف نسجهاإذا من سداها حیک فی غزل غزل
و یزدان بالدّر المدیحی نظمهاکما زان أطراف الخدلجة الحجل
فینفث فی الألباب سحرا سماعهاکما تنفث السحر المباسم و النجل
فصدّر و أوجز فی النسبیب و بعدهتخلّص و أطنب فی المدیح و لا تغلو
و لم یغل من لبّی دعایة موجبلإنشائه الأمداح فیمن لها أهل
و لا بدع أن جادت ببکر قریحةتزفّ عروسا، و الجواد لها بعل
و أی جواد کالمربّیه ربّهإذا ضاقت الأحلام و اتسع المحل
فتی لم یجب إن سیل سیبا لسانهبغیر نعم، و القول یصحبه الفعل
الرحلة المعینیة، ص: 54 به تضرب الأمثال فی کل مدحةو ما فی ضروب المکرمات له مثل
بسنّة طه و الکتاب اعتصامههما الحبل حبل الله، یا حبّذا الحبل
بنادیه لا ینفکّ یتلوهما معافلهجته تتلو، و منهجه یتلو
و کم جعلت للمرملین إلی الغنییداه سبیلا حیث تنقطع السّبل
تظاهر بین اللّثم و البذل کفّهفظاهرها لثم و باطنها بذل
و یفرق بین الحق و البطل هدیهفماموره حقّ و منهیه بطل
إذا ما خصال المجد عدّت، فإنماله قصبات السبق منهنّ و الخصل
بنو فاضل سادوا، و قد ساد فیهمو من ساد فی مامین حقّ له الفضل
هم الحکماء الحاکمون علی الوریو لکن علیهم یحکم الفضل و العدل
إذا رغبوا لا یستفزّهم الهویو إن غضبوا لا یستخفّهم الجهل
و إن خطبوا لا یستربّهم الخطاو إن وهبوا لا یستمیلهم المطل
الرحلة المعینیة، ص: 55 بنیت أبا الأمجاد فی العز ما بنواو حسبک ما الأسلاف یبنون من قبل
حکیت أباک اسما و وسما و منظراو لا عجب إن شابه الأسد الشبل
و هیّأت أسباب المکارم للألیقفوک فلم یبرح بها لهم شغل
و من صادف المعراج من حیث شاءهإلی رتب العلیاء من أین لا یعلو؟
و أنسیت معنی فی السماح و کیف لاو جودک معنی تاه فی وصفه العقل؟
فواضل لو أنّ ابن یحی استبانهابیمناک لا ستزری فواضله الفضل
أذا ما أخذنا فی مدیحک ساعدتعذاری المعانی فیه و المقول الجزل
و مهما تکلّفنا تمادیح غیرهیکون علی الأفکار من دونها قفل
لیهنک حجّ البیت أدّیت فرضهو قدما یؤدّی عندک الفرض و النّفل
قدمت له تقضی المناسک ساعیاعلی قدم هام الملوک لها نعل
الرحلة المعینیة، ص: 56 بذلت له لله نفسک مخلصاو دأبک فی المعروف و الطاعة البذل
فلو سئل العام الحجیج لأدّنتبأن حجّ فیها البدر تعنیک و الوبل
و أن طاف بالبیت السکینة و التّقیو صرف المزایا و الإنابة و النّبل
حججت و أنت الحح تاوی لک الوریوفودا کما یاوی إلی أمّه الطفل
و لله یوم عند طیبة ألقیتعصا سیرک المبرور و استنزل الرحل
و زرت رسول الله و الطرف مطرقو عبرته من هیبة القرب تنهل
و رحت قریر العین منشرح الحجاأن التأم الفرع المشوق و الأصل
هنیئا لک الوصل الذی أنت أهلهلمن لا یشوق الدهر إلا له الوصل
لئن زرته فی عالم الحسّ زورةفمن زوره فی عالم الغیب لا تخلو
أدام له الرحمان أحلی تحیّةو دام بمحیّاک الزمان لنا یحلو
فلما فرغت من إنشادها ارتاح لها، أعزه الله أی ارتیاح، و قال: و الله إنها لأشهی من تعاطی الراح، و دعا بکثیر من الدعاء، نرجوه تعالی إجابته، و أظهر من التأسف علی عدم حجی معه فی العام الماضی أکثر مما وقع لی، ثم قال لی: لکن أبشرک، سنحج هذا
الرحلة المعینیة، ص: 57
العام، إن شاء الله معا، لأن الدولة الإسبانیولیة عهدت إلی أنی أحج ثانیا فی الباخرة التی حججت فیها العام الماضی، و أن تحج معی رفقة أکثر من رفقائی الماضین، و قالوا لی: سم من شئت منهم لنا کتابة، و أول من کتبت إسمک، و إذا وصل وقت السفر سأعلمک، إن شاء الله، أینما کنت، فتضاعف سروری بذلک و حمدت الله علیه، و دعوت للشیخ أعزه الله علی هذه التکرمة، و علمت أن الأمر إن یکن من عند الله یمضه، و أن الفضل بید الله یوتیه من یشاء، و الله ذو الفضل الکریم، نرجوه تعالی أن یقابلنا بمحض فضله و جوده و کرمه، و یجازی عنا الفضل العظیم، نرجوه تعالی أن یقابلنا بمحض فضله و جوده و کرمه، و یجازی عنا سیدنا الشیخ المربیه ربه أحسن جزاء.
ثم لبثت عنده أیاما قلائل، و رجعت إلی الأهل فارتحلنا و نزلنا قریة الطنطان فاتح جمادی الآخرة من السنة المذکورة، فتتابعت زفراتی و أنینی و کثر اشتیاقی و حنینی، و صار الحرم کأنه نصب عینی، و کأن لیس شیء بینه و بینی، و لا شغل لی إلا التشوق و التوق إلی مشاهدة ما یبری غلة الشوق. ورءانی یوما بعض الأحبة ذاهل القلب، غیر مبال بشیء من أحوال المتعلقات، فسألنی، ما سبب هذا الحال الذی أنا فیه، فجری علی لسانی هذان البیتان ارتجالا، و هما:
نبذت الشّغل خلف الظّهر لّماغدا حرما تهامة نصب عینی
فبالی قد أبی لی أن أبالیبحال حال بینهما و بینی
و لم تزل رسائل الشیخ أعزه الله تترا علی مبشرة بأن الحال علی حاله، و المرجو من
الرحلة المعینیة، ص: 58
الله تعالی أن ینعم بکماله، فأتسلی بکتاباته المفرحة، و إن کانت تثیر کوامن الأشواق المبرحة، إلی أن قدم علینا الأستاذ القدوة، الشیخ عبدات ابن شیخنا الشیخ ماء العینین فی الثانی عشر من شوال فی العام المذکور الذی هو عام 1357 و صحبته کتاب من عند أخیه سیدنا الشیخ مربیه ربه، بعثه إلی متضمنا استقدامی علی حضرته الشریفة بالطرفایة، و مخبرا بأن حان الوقت المنتظر، و أنی آخذ فی أهبة السفر، فتکاملت بحمد الله أفراحی، و ذهبت أحزانی و أتراحی، و حمدته تعالی حق حمده علی ما أنعم به من فضله مما لم أکن له أهلا، و رجوته أن یجعل بفضله کل صعب لنا سهلا، و أن یتولاها، و یتولانا، و یوفقنا فی جمیع الأحوال، و یبلغنا جمیع المئارب و الآمال و تیامنت بإتمام هذا الأمر علی الوجه الأحسن الأتم لمجیء الکتاب بعد أن أتممت قصیدة کنت أنشئها فی مدحه صلی اللّه علیه و سلم، و هی :
[الطویل]
ألا من لعین عز وجدا هجودهاو هان علیها بالمدامع جودها
تفیض لذکر الفیضتین بعبرةکأنی إذا کفکفتها أستزیدها
الرحلة المعینیة، ص: 59 و من لحجا أذکی به الشوق شعلةتشبّ استعارا، إذ یرام خمودها
و أنی علی نار الغرام تجلّدو ما غیر حبات القلوب وقدها
سلا سلمات المهر أین ترحّلتمهاری اللوائی بارحتها وقودها
و هل ذکرت أیّامها أو تنوسیتو هل دعیت، أم هل أضیعت عهودها؟
و هل سمرات الدّیس غودرن ذبّلاأم اخضرّ لّما أدبر الصیف عودها
تمور علی أوساطها الهیف وشحهاو تشکو براها حشوها و برودها
حنانا لخلخال أغصّته سوقهاو رحما لقلب أخرسته زنودها
تهادی علی کثب تنوء بمثلهاإلی فیء أفنان حکتها قدودها
تعاقب فی ذاک المطاف مطافلاأعیرت لها أجفانها و جیودها
الرحلة المعینیة، ص: 60 و هل جاد أرجاء المزرّب صیّبفبثّ زرابیّ النبات مجودها
فسامت به الأنعام حتی کأنّماو سامته غضّا أتیحت جلودها
و هل لرکایا أمّ مدلس أم إلیبقایا إضاء الرّیشتین ورودها
و هل بربی الوادی مهاة مربّةتنازعها کأس الوداد أسودها
أم انتشرت روّادها فتحمّلتتقاذفها فی لامع الآل بیدها
هوادجها تکسو جمالا جمالهاو تجمل فوق الناجیات قتودها
فما برحت تنساق طوع حداتهاإلی حیث تحدوا المدجنات رعودها
فتفترّ عن برق خفیف مذیلةمدارف من عین بطیء جمودها
فتکسو محیّا الأرض أردیة الحیافتشرق بالأنوار منها خدودها
الرحلة المعینیة، ص: 61 فأحبب بها أرضا إلیّ و شدّ ماتشوّقنی أن شاقت القلب غیدها
و لکن هوی أرض الحجاز استمالنیفلمّا یشقنی الیوم إلا شهودها
و لیس کدائی من غرام کدائهاو قد کاد یودی بالفؤاد کدیدها
فخذ نحوها بالیعملات، فإنمالطیبة عندی یستطاب و خیدها
تخیّلها الأشواق لی فأخالهاتدانی علی شحط المزار بعیدها
تواعدنی الهمّات أن سأزورهاو أین من الإنجاز تجری وعودها؟
مزار البقاع الطاهرات تودّهحشاشة نفسی و الخطوب تزودها
فحتّی م تثنیها النوائب و النّویو برح الجوی یستاقها و یقودها
ألا یا رسول الله حبّک حبّبتإلیّ به وهدانها و نجودها
فما غیر أرض أنت فیها میمّملنیل المنی من کل وجه صعیدها
الرحلة المعینیة، ص: 62 و هل جنة الدنیا سوی الأربع التیحوتک، و هل إلا ربیعک غیدها
بمیلادک الأقطار نارت و أصبحتمحلّی بتقصار السعادة جیدها
و أمسی اللیالی ساقطا دبرانهاو طالعة فی الخافقین سعودها
دعوت إلی التوحید وحدک أمّةتطاول فی لیل الظلال رقودها
و ما ألفت إلا الأباطل ملةتواصت بها أنجالها و جدودها
فما صدک الإیذاء منها و لا الهویو لا عن هداک المستبین صدودها
و لم تکثرت منها بکثرة عدّةو لا عدد، إذ حاربتک جنودها
إلی أن أجابت عن رجاء و رهبةو من شرک الإشراک حلّت قیودها
فقید إلی الإیمان طوعا منیبهاو سیق له بالهندوان عنیدها
و بلّغتها الذّکر الحکیم تحدّیاو لا نوع من نسج البدیع یؤودها
الرحلة المعینیة، ص: 63 فأعلن بالعجز اعترافا خطیبهاو ناثرها عن مثله و مجیدها
به لم یجد للطّعن وجها بلیغهاو لم یجد شیئا بالطعان حسودها
و ما لنبیّ دام وجدان آیةو آیته الکبری استمرّ وجودها
فلا حدّ معلوم لغایة حسنهاو لا تعتدی فی العالمین حدودها
و تمکین دین المصطفی و کمالهبه بشّرتنا نورها و عقودها
و أثنی علی أخلاقه الله کمّلاو ما زال فی أوج الکمال یزیدها
و فی لیلة المعراج أسری بذاتهو لم یدر إلا الله کیف صعودها
إلی حضرات لم تسعها عبارةو عن درکها الإفهام کلّ حدیدها
و إخوانه الرسل الکرام قلادةبها أزدان جید الدهر و هو فریدها
بنی الله للعبدان قبة دینهفکانوا لها الأطناب و هو عمودها
و ما أرسلوا إلا خلائق قبلهإلی الأمم الأولی لیهدی رشیدها
الرحلة المعینیة، ص: 64 تلاشت به نصرا لهود و صالحبسوط عذاب عادها و ثمودها
و أعطت علی تصدیقه أیّ موثقلعیسی نصاراها و موسی یهودها
ببعثته کانوا مقربین قبلهافأنی لهم عند العیان جحودها
و کیف عموا عن نوره بعد ما لهمبیّن ماضی آیه و جدیدها
بماذا أحسّت نار فارس إذ خبتو غارت سواقیها و خرّ مشیدها
و ماذا بدا للنخل إذ حنّ جذعهاو إذ عاد عضبا فی یدیه طریدها
و للسحب إذ ما شاء سحّت و أقلعتو إذ خیّمت ظلا علیه بنودها
و للجن إذ للرّشد یهدی سفیرهاو إذ برجوم الشّهب یرمی مریدها
و للعرب العرباء إذ ریض شمسهاو إذ أقبلت من کل فجّ وفودها
فسائل قریشا عنه إذ بین والدو عمّ تصدّی للبراز ولیدها
و إذ باتت النیران توقد حولهافآذن بالحرب ابن حرب وقیدها
و یوم کسا ثوب الهوان هوازنافأعتق رعیا للرّضاع عبیدها
الرحلة المعینیة، ص: 65 و سل یوم سلت للیهود سیوفهمعاشر یجلیها و أخری یبیدها
و زینبها إذ سمّت الشاة ما رأتو فی سحره ماذا رآه لبیدها
و حسبک ما عنه الجمادات أفصحتوفاه به ظبی الفلاة و سیدها
محامد لا یمدد لإحصائها یدافقد یعجز العدّ الطویل مدیدها
و ما نعت أوصاف مدائحها أتتمن الله و الرّوح الأمین بریدها
و ماذا به نثنی علیه و إنمانعوث الثنا من وصفه نستزیدها
مقاصد تستدعی الفصیح لنظمهاو یفصح عن نیل المرام قصیدها
شفت شفتی مما یشفّ و فکرتیمدائحه إنشاؤها و نشیدها
شمائل بالتکرار تحلو فتشتهیمناطقنا أن لا تزال تعیدها
و أمته قدها من الفخر أنهاغدا شهداء الناس و هو شهیدها
محجّلة غرا، جلاها و ضوءهاو غادر سیمی فی الوجوه سجودها
الرحلة المعینیة، ص: 66 تدین لها فی فضلها کلّ أمةو ترهبها شمّ الملوک و صیدها
فصدّیقها نعم الخلیفة بعدهمئاثره لا یستطاع عدیدها
و فاروقها، أعدل به من خلیفةکفی أنه بعد العتیق عمیدها
و عثمانها ذو النّور، و النور خنصرإذا عدّ محمود الفعال سدیدها
و أمّا علیّ صهر طه ابن عمهأخوه أبو سبطیه فهو وحیدها
و طلحتها، من مثله و زبیرهاو کیف یجاری سعدها و سعیدها
و هل من حکی زهریها و أمینهابل الکلّ مشکور المساعی حمیدها
و حمزة و العبّاس عمّاه عمّهاطریف المزایا منهما و تلیدها
و ممّا روینا أنّ طوبی شبابهاکلا الحسنین السیدین یسودها
هما أبوا الأشراف قرباه من دعاإلی ودّها التنزیل أنی ودودها
نفی الله عنهما مطلق الرّجس فالوریعروض لدی التشبیه و هی نقودها
الرحلة المعینیة، ص: 67 بآبائها الأبناء فی المجد تقتدیو یربو علی هدی الجدود حفیدها
فما أکثر الأمجاد فی خیر أمةو لکنما بیت الرسول مجیدها
فیاربّ بالمختار و الآل عافنیفبی حلّ من نوب الزمان شدیدها
و بیّض بهم وجهی و وجه أحبتیإذا میّزت بیض الوجوه و سودها
و کن ناظری فضلا بعین عنایةتیسّر لی ما من أمور أریدها
و صلّ علی نور الختام محمّدصلاة بها الأسواء عنا تحیدها
ثم لما کان سحر یوم الجمعة السادس عشر من شوال عام 1357 سبعة و خمسین بعد ثلاثمائة و ألف هجریة موافق تسعة من دجنبر سنة 1938 ثمان و ثلاثین و تسعمائة و ألف مسیحیة، ودّعت الأهل و الأقارب و الأحبة و الجیران، فاحترقت الأحشاء من و شک البین، و فاضت العبرات من کلا الجانبین، فقلت لهم: مهلا مهلا، و سهلوا الأمر یکن بحول الله سهلا، فلله در القائل:
[الطویل]
سیجمع الله الشّتیتین بعد مایظنّان کلّ الظنّ أن لا تلاقیا
الرحلة المعینیة، ص: 68
و لله در القائل:
أحبّة قلبی لا ضرار و لا ضررو لکنّنا نرضی بما ساقه القدر
سأنفعکم فی غیبتی بالدعاء فیمواقف حجّی حیث أصفو من الکدر
و لست بناس عهدکم و ودادکمو إن طالت الأیام و اتصل السفر
و الحمد لله علی ما حقق من رجائنا و أحاط بفضله و کرمه من دعائنا، ثم قرأت من الآیات و الأذکار ما وردت بالأمر به عند الخروج الآثار، و استقبلت المسجد فصلیت فیه صلاة الصبح، و جعلت آخر عهدی به امتثالا للسنة، فخرج معنا الأستاذ الشیخ عبدات و من هناک من الإخوان و الأحباء مشیعین و مودعین، و داعین رافعین إلی الله أیدیهم بوجوه ضارعة، و ألسنة متضرعة و قلوب خاشعة، بتیسیر المطالب و قضاء المئارب، و جمع الشمل فی السرور بعد تیسیر الحج المبرور، حتی وصلنا سیارة أعدها حاکم البلد لرکوبنا، فرکبنا وقت طلوع الشمس من الغد، و کان معی فی السیارة السید الأدیب أبو بکر الصدیق بن الشیخ مربیه ربه، و کان عندی منذ شهور، بعثه والده أعزه الله إلیّ لأعلمه، و مرید الشیخ محمد الأغظف بن شیخنا الشیخ ماء العینین، الحاج باب احمد بن محمد یحظیه الرحلة المعینیة، ص: 69
الزرکی الشتوکی ، فتوجهنا مدینة الطرفایة، و وصلنا وقت العصر من یومنا، و نزلنا عند دار الإمام الأستاذ الشیخ مربیه ربه، فتلقانا هو و من هناک من الأهلین بما لا مزید علیه من الإکرام و الإعظام، و أظهروا الفرح و السرور بمقدمنا، و وجدناه أعزه الله، قد أخد هو و من معه من رکب الحجیج أهبة السفر للحج و الزیارة.
فلما کانت لیلة الخمیس القابلة، جمع الإمام سیدنا الشیخ مربیه ربه من بالمدینة من رکب الحجیج المتوجه من الجهة الجنوبیة الصحراویة فی داره، و أفاض علیهم ملاذّ الطعام و الشراب، ثم وعظهم و ذّکرهم بما یجبعلیهم من الطاعات و القیام بأداء ما افترض علیهم، و أرشدهم إلی المواظبة علی الأذکار و الأوراد و ترک مالا یعنی من سفاسف الأمور، و الاشتغال بتعلم أحکام قواعد الدین، خصوصا مناسک الحج الذی هم بصدده، و ذکّرهم بعض ما ورد من الآثار الدالة علی فضله و کثرة أجره، و حضهم علی الإخلاص فیه و فی غیره من العبادات، و علی تقوی الله العظیم فی السر و العلانیة، قال أعزه الله: و اعلموا أنه لا ینال خیر لا دنیویا و لا آخرویا إلا بالتقوی، قال صلی اللّه علیه و سلم: «التقوی رأس کل حکمة» ، ثم قال أعزه الله: هذا حدیث صحیح مفتتح بحرف الألف، و لا بأس أن أذکر لکم أحادیثه، کل واحد منها مفتتح بحرف من حروف المعجم علی الترتیب، زیادة فی تعلیمکم، و حرصا علی إفادتکم، نفعنی الله و إیاکم بها و سائر العلوم، فقال أعزه الله:
الرحلة المعینیة، ص: 70
مطلب فی ذکر 92 حدیثا مبدوءة بالحروف علی الترتیب ذکرها الشیخ فی خطبته التقوی رأس کل حکمة.
بیوت الله المساجد .
تحت کل شعرة جنابة .
ثمن الکلب و الخنزیر حرام .
جعلت لی الأرض مسجدا و طهورا
حساب أمتی کرکعتی الفجر.
خیرکم من علم القرآن و تعلمه.
داووا مرضاکم بالصدقة فإن البلاء لا یتعداها .
ذو الوجهین لا یکون وجیها عند الله .
رحم الله امرءا تکلم بخیر أو صمت .
زرغبا تزدد حبا .
سید الأیام یوم الجمعة .
شرّ الطعام الولیمة تأکله الأغنیاء و تشتهیه الفقراء .
الرحلة المعینیة، ص: 71
صلاة بسواک أفضل من سبعین صلاة بلا سواک .
ضغطات القبر أشد من أربعین ضربة بالسیف .
طلب العلم فریضة علی کل مسلم و مسلمة .
ظللت الملائکة بأجنحتها علی طالب العلم رضی بما صنع .
علیکم بالإثمد فإنه ینبث الشعر و یقوی البصر .
غلقوا أبوابکم فإن الشیطان لا یدخل بیتا مغلقا .
فقراؤکم مضغتکم یوم القیامة.
قل الحق و لو فی نفسک .
کل مسکر حرام .
لعن الله الیهود اتخذوا قبور أنبیائهم مساجد .
من غشنا فلیس منا .
نعم الادام الخل و اللحم
هدیة الله السائل حین یقف عند أبواب دیارکم
وضوء علی وضوء نور علی نور
الرحلة المعینیة، ص: 72
لا یلدغ المومن من جحر مرتین
یدخل الجنة من کان آخر کلامه لا إله إلا الله محمد رسول الله
ثم قال دام عزه: «و علیکم أن تشکروا الله علی تیسیر تهیئکم لرکوب هذا المرکب الفاخر الذی صنعته الدولة الإسبانیولیة و أعدته للرکوب إلی حج بیت الله الحرام، و أنعمت برکوب الکثیر من أعیان المسلمین و عامتهم فیه، متحملة جمیع لوازمهم من کراء و زاد و ضرائب و ما تدعو له الحاجة فی طریقهم ذهابا و إیابا، و هذه مزیة امتازت بها هذه الدولة من بین الدول الأجنبیة»، ثم ختم خطبته أعزه الله بالدعاء للحجاج و لکافة المسلمین.
ثم لما کان ضحی الغد، و هو یم الخمیس الثانی و العشرین من شوال عام سبعة و خمسین بعد ثلاثمائة و ألف، موافق خمسة عشر من دجنبر سنة ثمان و ثلاثین و تسعمائة و ألف مسیحیة، خرج سیدنا الشیخ مربیه ربه و معه رکب الحاج و سائر أهل المدینة لساحل البحر فی هیئة جمیلة و أبهة حسنة و سکینة عجیبة، و الضلوع تلتهب، و الدموع تنسکب، و قد شقّ علی المقیم فراق المسافر الموادع، و المسافر متردد بین الفرح المتوقّع و الحزن الواقع، فلما انتهی التشییع، اشترکنا الدعاء بعد التودیع رکب من هناک من رکب الحجیج السفینة لجهة جزیرة کناری قیلولة الیوم المذکور، و بقی سیدنا الشیخ مربیه ربه ینتظر رکوب الطیارة.
مطلب فی أسماء الراکبین من الطرفایة فی السفینة و عددهم
و أما الذین رکبوا فی السفینة بقصد الحج من الطرفایة فستة عشر 16.
أربعة من الشرفاء الأدارسة آل شیخنا الشیخ ماء العینین.
الرحلة المعینیة، ص: 73
1. سیدی بوی بن سدات بن شیخنا الشیخ ماء العینین
2. سید بوی بن الشّیخ حسنّ بن شیخنا الشیخ ماء العینین
3. محمد شیبة بن الشیخ مربیه ربه بن شیخنا الشیخ ماء العینین .
4. کاتبه ماء العینین بن العتیق، حفید شیخنا الشیخ ماء العینین، و ابن عمه.
و ستة من قبیلة الرزکیین
1. الفقیه السید عبد الله بن الفقیه السید العروسی القارحی
الرحلة المعینیة، ص: 74
2. امبارک بن عیاد القارحی
3. باب أحمد بن محمد یحظیه بن محمد صالح الهشتوکی، المذکور أنه قدم معی من الطنطان
4. القائد احمد بن حیدار الهشتوکی.
5. خطّار بن ابراهیم امبارک الهشتوکی.
6. البشیر بن علی السعیدی و اثنان من قبیلة الرقیبات
1. الفراح بن محمد بن أبی جمعة بن أبی بکر الشیخی
2. الفقیر السید المحفوظ بن الأمین الطالبی
و واحد من قبیلة توبالت
- السید محمد الحسن بن سید علی بن عبد القادر
الرحلة المعینیة، ص: 75
و واحد من قبیلة الأفّیکات
- عیلّ بن الشّیهب
و واحد من قبیلة آیت لحسن
- امبارک بن علی بن عمر بن داوود انجورن
و واحد من قبیلة أولاد تیدرارین
- یسّلم بن عبد الرحمان بن ابراهیم، الصانع الحداد الموسوی.
فهؤلاء هم الذین رکبوا البحر من الطرفایة صحبة سیدنا الشیخ مربیه ربه بقصد حج بیت الله الحرام علی نفقة المخزن.
فنهضت بنا السفینة بعد صلاة العصر من الطرفایة، و رست عند مدینة من مدن الکناری، تسمی «لاص بّالماص» عند انصداع الفجر یوم الجمعة و معنا قیم من جهة المخزن، فأنزلنا منزلا حسنا، و أحسن ضیافتنا، فأقمنا یوم الجمعة فی کناری، و یوم السبت.
فلمّا کان آخر النهار یوم السبت، نزلت عندنا الطیارة و فیها سیدنا الشیخ مربیه ربه الرحلة المعینیة ؛ ص75
الرحلة المعینیة، ص: 76
و معه زوجته فاطمة بنت السید السباعیة أم ولده محمد شیبة المذکور و معه ابن أخیه السید ماء العینین بن الشیخ أحمد الهیبة ابن شیخنا الشیخ ماء العینین، فصار الرکب ثمانیة عشر رجلا و امرأة، فلما کان بعد صلاة العشاء لیلة الأحد، رکبنا جمیعا البحر فوق مرکب یسمی «بارکو سیبی»، فلبثنا فیه ثلاثة أیام و البحر فی غایة الاضطراب و التموج، و نحمد الله علی ما صحبنا فیه من الألطاف و الحفظ، فرسا بنا عشیة یوم الثلاثاء السابع و العشرین من شوال عند مدینة قادس، و هی باب بلاد أوربا، فبتنا بها مکرمین فی أحسن منزل، ثم رکبنا بعد صلاة الصبح علی السیارات البریة، و نزلنا وقت ارتفاع النهار عند القری المسماة بالخزیرات، و قدر المسافة بینهما مع ادس خمس ساعات للسیارة البریة، ثم رکبنا عشیة یومنا، و هو یوم الأربعاء البحر الأبیض المتوسط علی بابور یسمی «سیوداد سبتة»، فرسا بنا عند سبتة، و نزلنا بها وقت الغروب، و مسافة ما بینها و بین الخزیرات قدر ساعة و نصف للبابور.
و عندما نزلنا تلقی لنا وجوه القریة مرحبین و مهنئین و معهم باشا تطوان السید محمد بن محمد أشعاش نائب المخزن، فأظهروا للشیخ الفرح و السرور بمقدمه،
الرحلة المعینیة، ص: 77
و استقدمونا تلک الساعة لتطوان، و أتونا بالسیارات فرکبنا من وقتنا علیها، و نزلنا عند تطوان وقت العشاء، و بینها مع سبتة قدر ساعة للسیارة، فنزلنا فی ضیافة المخزن، و بالغ فی إکرامنا و الاعتناء بنا، فلما کان الغد، و هو یوم الخمیس متم شوال، قدم علینا مرید شیخنا الشیخ ماء العینین الواصل، قائد المشور السید محمد المصطفی بن مریده المرحوم بالله الکامل الواصل القائد ادریس بنعیش، هو و أخوه سیادة الباشا محمد فاضل ابن القائد ادریس، فرحبا غایة و أظهرا من البشاشة و الفرح بمجیئنا ما لا مزید علیه، و ما زالا یترددان أیامنا بتطوان علینا للزیارة من الشیخ مربیه ربه و التبرک به، و إظهار الإکرام له و لسائر وفدنا، و لطلب صالح الدعاء، جزیا خیرا. فلما صلینا المغرب لیلة الجمعة التفت الشیخ مربیه ربه أعزه الله إلی وفد الحجاج الذین قدموا معه و وعظهم بخطبة بلیغة، نصحهم فیها وحثهم علی ملازمة مکارم الأخلاق و المواظبة علی العبادة، وحثهم علی صلاة الجماعة و علی التواضع و قال: من تواضع لله رفعه، کما قال شیخنا رضی اللّه عنه:
و من تواضع له الله رفعو شرف العبد إذا هو اتّضع
ثم قال: «اعلموا أنکم خرجتم لحج بیت الله و زیارة رسول الله صلی اللّه علیه و سلم، و ینبغی للحاج أن یلاحظ من یوم خروجه من بیته أنه فی حرم الله و فی ضمانه و یخلص نیته
الرحلة المعینیة، ص: 78
و علمه، و یجانب ما یحبط عمله، قال تعالی: «الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِیهِنَّ الْحَجَّ، فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ وَ لا جِدالَ فِی الْحَجِّ» . قال دام عزه: «أما أشهر الحج، فالمراد بها شوال و ذو القعدة و ذو الحجة، و معنی الرفث الجماع و الفحش من القول و الفسوق و المعاصی»، و فی الصحیحین عنه صلی اللّه علیه و سلم «العمرة إلی العمرة کفارة لما بینهما» «و الحج المبرور لیس له جزاء عند الله إلا الجنة» ، و المبرور الذی لم یخالطه مأثم، و قیل المقبول، و فی الأثر: «ما حجّ و لکن دجّ» أی تجر، و یقال إن من الجدال المنهی عنه أن یقول الحاج لأخیه إذا قال له الطریق لهذه الجهة، لیس الأمر کذلک بل لهذه لجهة، ثم قال أعزه الله: «و یحکی أن رجلا تردد إلی بیت الله، و لا یدری هل عمله مقبول أم لا، فبینما هو کذلک، إذ ناداه هاتف یقول له:
دعاک الله إلی بیته، و هل [لا] یدعو إلی بیته إلا من یحب، فسری عنه»، ثم قال أعزه الله: قال تعالی: «وَ تَعاوَنُوا عَلَی الْبِرِّ وَ التَّقْوی وَ لا تَعاوَنُوا عَلَی الْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ» ، و قال تعالی: «وَ الْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِی خُسْرٍ إِلَّا الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَ تَواصَوْا بِالْحَقِّ وَ تَواصَوْا بِالصَّبْرِ» ، و الناس کلهم ترونه مشتغلا بما هو بصدده من تجارة أو حراثة أو تعلم أو عبادة، أو غیر ذلک، و لا یرد أحدهم البال إلا لشغله، فتنبهوا أنتم وردوا بالکم لما خرجتم له من الطاعة، و هو حج بیت الله الحرام، فلا یشغلکم عنه شغل، و لا تجمح به أنفسکم إلی غیره من أشغال غیرکم فتتعبوا فیما لا ینفعکم، و علیکم بالصلاة لأول وقتها، قال صلی اللّه علیه و سلم: «أول الوقت رضوان الله، و وسط الوقت رحمة الله، و آخر الوقت عفو الله» ، «و علیکم بالمحافظة علی
الرحلة المعینیة، ص: 79
أورادکم و أذکارکم المعلومة فی أوقاتها، و قراءة الحزب فی أوقاته المعلومة، و طلب العلم و الإفادة فی کل ساعة من علمائکم»، إلی غیر ذلک مما أوصاهم به- أطال الله حیاته- مما یحمد شرعا و طبعا، ثم دعا لهم بالتوفیق لما یحبه تعالی و یرضاه.
فلما کان من الغد یوم الجمعة سرنا جماعة الوفد مع الشیخ أعزه الله لصلاة الجمعة فی المسجد الذی یصلی فیه الخلیفة، و أظهر لنا من الترحیب و الانبساط و الإحسان مالا یوصف، و لا سیما لسیادة الشیخ أعزه الله، و إمام الجمعة الفقیه السید محمد الطنجی، و خطب بها خطبة حسنة.
و من الأعیان الذین اجتمعنا بهم فی تطوان الفقیه العلامة الشاعر السید فرطاخ محمد بن أحمد ، و کان ممن حج مع الشیخ فی العام الماضی و أخذ منه الإجازة فی الأسرار، و أتانا معه ولده الذی حج معه، و یسمی محمد الزمزمی، و تذاکرنا مع أبیه، و له الید الطولی فی العلم.
وزارنا معهما التاجران الأدیبان، السید احمد بن عبد الوهاب الریحانی الفاسی، و الحاج عبد الغنی جسوس بن عبد الواحد التطوانی، و الفقیه الشریف السید عبد العزیز بن أبی القاسم الدباغ، المتوطن بجدة، و أصله من أهل المدینة المنورة، و قد تقدمت بأبیه معرفة فی مدینة سلا، و له مشارکة فی العلم و أدب رائق.
و ممن زارنا أقوام أدباء من أهل الوحدة المغربیة، منهم الشیخ أحمد ابن محمد
الرحلة المعینیة، ص: 80
معنینو السلوی ، و رئیس المرکز العام للوحدة المغربیة و مدیر جریدتها السید عبد السلام بن المقدم ، و الحاج أحمد التمسمانی و صنوه القائد السید الحاج محمد بن المقدم ، و السید الحاج المختار بن الصادق أحرظان الطنجی و الکاتب السید محمد ابن الفقیه السید محمد الزوّاق التطوانی و الشاب الشاعر
الرحلة المعینیة، ص: 81
الشریف السید عبد الوهاب بن عبد الرحمان بنمنصور و التاجر الشریف السید عبد السلام بن الطاهر بن مسعود.
و وصف مجلسهم معنا هو ما نشروه فی جریدة الوحدة المغربیة ، و نصه: «زیارة لطیفة أو مجلس علم و أدب.
یوم الثلاثاء الماضی زار وفد من أعضاء المرکز العام لبیت الوحدة المغربیة مع بعض الأنصار العلامة التقی الأستاذ الشیخ الشریف الحاج محمد المصطفی مربیه ربه بن الشیخ ماء العینین، کبیر أشیاخ طرفایة و إیفنی و شنجیط بدار الضیافة بتطوان، و قد استغرقت عنده الزیارة ما یزید علی الساعتین، و کانت کلها مذاکرات دینیة و مساجلات أدبیة، و بخاصة فی التفسیر و الحدیث و ما إلیهما، و کان الشیخ مربیه ربه کثیرا ما یستشهد بأقوال الشیخ ماء العینین، و یبدی من الملاحظات ما أبان عن علمه الجم و اتساع دائرة معارفه، و فی هذا الأثناء أنشدنا الشیخ ماء العینین بن العتیق الشاعر الفحل مخاطبا مؤسس الوحدة المغربیة الأستاذ الجلیل الشیخ محمد
الرحلة المعینیة، ص: 82
المکی الناصری
[الطویل]
سلام علی شیخ الأساتذة المکّیینیر به لیل الیراعة و الصّکّ
فهذا و قد طاب الزمان بنفحهمن آدابک الحسناء أذکی من المسک
لیهنک ما تبنی من الخطب التیأبانت لنا حسن الجزالة و السّبک
و ما من سبیل للمزایا سلکتهاو ما من لئالی العلم نظمت فی سلک
و ارتجل بالبدیهة أخونا الشاب عبد الوهاب بن منصور فی مدح الشیخ:
[الوافر]
مربیه ربّه حزت الفضائلونلت من العلم ما أنت نائل
بعلم و اقتدار فقت قوماو سدتهم أیا حلو الشمائل
الرحلة المعینیة، ص: 83 فمذ عرفوک قد عرفوا جلیلاصبورا فی المکارم لا یطاول
و مذ عرفوک قد عرفوا عظیمالدی سکن العلی و المجد نازل
فأجازه ابن العتیق قائلا:
[الوافر]
ألا لله درّک خیر فاضلبحسن شبابک ازدهت المحافل
بدیهتک الظریفة أعجبتنافوافر شعرک المغبوط کامل
و ارتجل أیضا فی هذا المجلس الشاعر محمد ماء العینین بن سید أحمد الهیبة قدّس سرّه مخاطبا الزائرین و مغتبطا مهم:
[الوافر]
بمقدمکم لنا طاب الجلوسو وافقنا بما تهوی النّفوس
فکم من منتدی بکم تحلیو کم بحلاکم تحلو الدّروس
ثم استأذن الجمیع و انصرفوا علی موعد اجتماع آخر.
ثم لما کان یوم الخمیس السابع من ذی القعدة الحرام، قدم علینا القدوة الجامع
الرحلة المعینیة، ص: 84
الأستاذ العلامة المشارک، الملاذ الشیخ محمد الإمام بن شیخنا الشیخ ماء العینین بتطوان لقصد الحج مع أخیه سیدنا الشیخ مربیه ربه و وفده، و قدم معه ابن أخته الأدیب السید ماء العینین یحجب ابن محمد المختار بن سید محمد، و وفد من جهة مدینة سیدی إیفنی من قبیلة بعمرانة، قدم بعضهم مع الشیخ محمد الإمام فی الطیارة، و بعضهم مع ابن أخته السید یحجب فی السیارة. و کان یوم قدومهم یوم عید عندنا، و تضاعفت بمقدمهم أفراحنا و سرورنا و حبورنا. و نزلوا معنا فی دار الضیافة بأمر المخزن، و أظهر لهم الاعتناء و بالغ فی إکرام الجمیع.
و قوم بعمرانة الذین أتوا مع الشیخ تسعة:
1. السید عمر بن محمد بن عبید الهصباوی، الملکلف بشؤون مدینة إفنی.
2. الحسین بن ابراهیم الهصباوی.
3. الشریف السید الحسن بن الطاهر بن باکریم البحرفاوی
4. الشیخ عبد الکریم بن الحسن الخلفاوی، رئیس قبیلة أیت یخلف
5. السید عابد بن محمد بن احمد الخلفاوی
الرحلة المعینیة، ص: 85
6. الشیخ بار بن العسری العبد لاوی رئیس قبیلة آیت اعبلّ
7. السید عبد الله بن احمد التیدرارتی الببکری
8. السید علی بن الحسن بن اعبلّ الخمسی المساکنی
9. امحمد (فتحا) بن العربی المستی
و لما کان وقت العشاء من لیلة الجمعة، قدم علینا السید سدات بن الشیخ الولی بن شیخنا الشیخ ماء العینین، و قد أتی راکبا فی الطیارة من جهة کناری، و قبل ذلک فی البحر من الداخلة، و قبلها من صحراء أهله بأرض تیرس ، و قدم بقصد الحج أیضا، فاجتمع الرکب المتهیئ للحج بحمد الله من جهة الطرفایة و إیفنی و ما والاهما من الصحراء مع رئیسه الشیخ مربیه ربه، و کلهم حاجون بنفقة المخزن، و عدد الرجال ثلاثون، و معهم زوجة الشیخ المذکورة، باعتبارها یکون الحجاج من آل شیخنا ماء العینین عشرة (10)
و من قبائل بعمرانة تسعة (9)
و من قبیلة الزوقیین ستة (6)
الرحلة المعینیة، ص: 86
و من قبیلة الرقیبات إثنان (2)
و من قبیلة توبالت واحد (1)
و من قبیلة أیت لحسن واحد (2)
و من قبیلة الأفیکات واحد (1)
و من قبیلة أولاد تیدرارین واحد (1)
فهذه جملة الرکب، و قد قدمنا أسماءهم مفصلة فی مواضعها.
و فی هذه اللیلة المذکورة، لیلة الجمعة الثامنة من قعدة الحرام، دعا رجال الوحدة المغربیة سیادة الشیخ مربیه ربه و وفده جمیعا دعوة جفلا، و قد أعدوا لذلک مأدبة کبیرة، و تهیأوا بما لا یوصف من تحسین الأمکنة و تنظیف الآنیة و المبالغة فی أطایب الطعام و الشراب، فلم یمکن للشیخ مربیه ربه إجابتهم لزکام أصابه اللیلة، فسار إلیهم صنوه الشیخ محمد الإمام و سائر الرکب، فلما دخلنا أماکنهم و قدموا لنا ما أعدوا من ملاذ الطعام و الشراب مع إظهار الفرح و الإعظام و الإکبار، أنشدهم جامعه ماء العینین بن العتیق، و فقه الله بدیهة:
[البسیط]
دعوتمونا سماحا دعوة الجفلافکنتم خیر من بالزائر احتفلا
لو قیل فیکم ألستم خیر متّصفبالمکرمات لقال الزائرون بلی
من کان داعی أقوام لمأدبةو لم یکن هکذا فعلا فما فعلا
و أنشدهم سیادة الشیخ محمد الإمام ارتجالا:
الرحلة المعینیة، ص: 87
[البسیط]
جزاکم الله إجمالا و إحساناأجملتم الصنع أشیاخا و فتیانا
تالله ما أبصرت عین نوادیکمإلا رأتکم لعین المجد إنسانا
و أنشدهم السید محمد ماء العینین بن الشیخ أحمد الهیبة ارتجالا:
[البسیط]
قابلتمونا بأوفی ما نطیب بهفخرا من أعظم تبجیل و أطیبه
و لیس ذاک إلا من سیادتکمو ما من المجد قدما توصفون به
و أنشدهم السید یحجب بن خطر محمد المختار مرتجلا:
[البسیط]
فی مثل هذا المنتدی کمل المنیو أری المنی للنفس فی ذا المنتدی
حبّی لمن بالمنتدی من مبتدیعمری و آخره یری کالمبتدی
فارتاحوا لما أنشدناهم من الأشعار، و أظهروا استحسانها بسکینة و وقار، ثم قام الشاب الأدیب عبد الوهاب بن منصور، و ألقی خطبة حسنة مشتملة علی الترحیب بنا و علی الاستبشار و الفرح بمقدمنا، و علی أن لهم محبة زائدة بجانبنا.
و أنشد بعد الخطبة هذه الأبیات:
[المدید]
إنّ جید العلی بکم قد تحلّیو شعاع الصّلاح منکم تجلّی
الرحلة المعینیة، ص: 88 و غرام فی الله یجمعنا الیوم و حبّ الإله من شهد أحلی
أیّها الزائرون شرّفتمونامرحبا بالکرام أهلا و سهلا
فأجزنی یا بن العتیق أجزنیإنکم فی الشعور أسمی و أعلی
فأجابه جامعه ماء العینین غفر الله له ارتجالا:
[المدید]
هذه الخمر بل من الخمر أحلیبل هو السّحر نفث هارون یتلی
هی أبیاتک التی ما لها فیسلک شعر یسطیع ذو النظم شکلا
رمت فیها إجازتی یا بن منصور، و قد کنت للإجازة أهلا
أنت فی أبحر القریض مجازقد وجدناک إذ خبرناک فحلا
ثم قام رجال منهم فألقوا خطبا نثریة بدیعة، و اعتذروا عن الإنشاد، مغزاها واحد، کلّها تقتضی الترحیب بنا و إظهار الاعتناء و المحبة لنا، منهم الحاج أحمد بن محمد معنینو السلوی، و أدباء منهم آخرون، فاستحسّنا خطبهم، و ارتحنا لها، ثم ألقی علیهم جامعه ماء العینین خطبة تقتضی جواب خطبهم علی نسقها، و أنشدهم ارتجالا:
[البسیط]
یا إخوة المجد یا أعلام سبسبهو النّازلین بأعلی ذروة الرّتب
الرحلة المعینیة، ص: 89 لله إیخاؤکم هذا فبینکمآخت لبان العلی و العلم و الأدب
قد سرنا الیوم ما ألقیتموه لناتبارک الله من شعر و من خطب
فاستحسنوا ذلک و ارتاحوا له، ثم قام السید الأدیب إبراهیم بن الولی العارف الحاج علی الدرقاوی السوسی ، و أنشد قصیدة بدیعة أنشأها فی مدح سیادة الشیخ مربیه ربه و الترحیب به و سائر الوفد، و یخص، منهم بالتسمیة جامعه عفا الله عنه، مطلعها :
[الکامل]
خطر النسیم مبشّرا بالأسعدوید الصباح تبلّ وجه الأنجد
هاذی الرّبی تختال فی أعطافهافتخال ساحتها کثوب برجد
نثر الغمام لها جواهر زهرهافتزینت جنباتها بزبرجد
و تبادلت أطیارها ألحانهافی نشوة فوق الغصون المیّد
الرحلة المعینیة، ص: 90
إلی أن قال:
فالیوم لا حظت السعادة خلسةبعیونها قلب الغریب المبعد
من قبل کان البین فرّق بیننافالآن أمسینا کعقد منضد
إن صحّ ترحیب الغریب بمثلهفأنا أرحّب بالوفود الورد
هاذی الوفود النازلات برحبنالبت نداء الله دون تردّد
یحدوهم الشوق الکمین علی النویکیما یحجوا بیت عتق سرمد
و قلوبهم تلتاع من بین الحشاکیما یزورا روضة لمحمّد
فلحجهم من غیر شک حطّةإذ هم أتوه من مکان أبعد
إن نحن قمنا بالتّجلّة نحوهمفالفضل منهم لا یقاس بأزید
فالله یبلغ سؤلهم و یحوطهمحتی یفوزوا بالمنی و المقصد
هذا أمیرهم مربّه ربّهأکرم به من قدوة للمقتدی
علموا مکانته العلیّة فی الوریعلما و أخلاقا و رفعة محتد
الرحلة المعینیة، ص: 91 یکفیه فخرا أنه الحصن الذیحرس الدّیانة فی الجنوب الأبعد
إلی أن قال:
أسلاف هذا الشیخ کانوا حجّةفی الدین و العلم الصحیح المسند
أعظم بهم أعلام دین ما سعواإلا لرفع الدّین فوق الفرقد
کم من معارف أجادوا نسجهافی نول زاویة و وارف مسجد
کم سنّة فاءت بظلّ قبابهمفقضوا علی البدع التی لم تحمد
إلی أن قال:
فلئن تفاخرت البلاد بشعرهافلهم طوالع کالدّرار الوقّد
فابن العتیق الفحل بازل قومهیرمی بفکر کالقسّی مسدّد
أما معانیه فوحی ملهمو اللّفظ منه کلؤلؤ و زمرّد
إلی آخرها، جزی خیرا، و هی طویلة جیدة، فلما أتمها طرب لها الندی و داخلته أریحیة من حسنها و دلالتها علی ما یقتضیه الحال.
الرحلة المعینیة، ص: 92
ثم قام الشاب الأدیب السید إدریس الجای و أنشد أیضا قصیدته الحسناء التی أنشأها فی المعنی، مطلعها:
[الطویل]
نفی عن جفونی النوم بعد سعادو هل بعدها یوما یطیب رقادی
ألم تک لی مذ کنت أکبر عدّةو عند خطوب الدّهر أوفر زاد
علقت بها مذ کنت فی المهد إلفهافحلّت بصدری فی جوار فؤادی
فکنت أنادیها نزیلة مهجتیو کانت هی الأخری کذاک تنادی
إلی أن قال:
عدمت مرادی من سعاد ببعدهافعوضت ما ینسی غرام سعاد
و لا عجب ذا ابن العتیق یضمّناو إیّاه من بعد التباعد ناد
إلی أن قال:
و قل للقوافی ما أردت فحلّقیو ما شئت فاستعلی بکلّ نجاد
الرحلة المعینیة، ص: 93 و قل للرّبی إمّا بکت لحدادهارشادک لیس الوقت وقت حداد
لئن أقفرت منک الزهور ذوابلافها زهرات ابن العتیق نوادی
و إن ذرفت عین السّماء مدامعافها بسمات ابن العتیق بوادی
ألا مرحبا بالواردین لربعناورود المعین العذب غلّة الصّاد
بکم أتأسّی عن سعاد و بعدهاو ألقی الکری من بعد طول سهاد
نزلتم بنا فالقلب جذلان فارحطروب و عصفور السّجیّة شاد
و إن تنزلوا تطوان أعظم بفخرهاألا طاولی تطوان کلّ بلاد
و تیهی إذا ما شئت أو فتدلّلیفنادیک هذا الیوم أحفل ناد
فقد حلّ فیک العلم و الفضل و التّقیبمن ربّه ربّاه و هو له هاد
و من للإسلام أکبر ناصرو للعلم و الآداب خیر عتاد
إلی آخرها، و قد أجاد فیها و أبدع، فاستحسنها الحاضرون باغتباط ، و استمالتهم عن طرب و نشاط، ثم أنشدهم جامعه ماء العینین بن العتیق، و فقه الله
الرحلة المعینیة، ص: 94
فی جواب الشاعرین هذه الأبیات :
[الکامل]
الشعر فی یدی الخلیل بمقودیلقی و للجائی یجی طوع الید
فحلان فکر کلیهما لن ینبعثإلا إلی نظم القریض الجیّد
فی السّودد اصطحبا اصطحاب الفرقدین فأدرکا فیه مناط الفرقد
فی سادة من تلقه منهم تقلما أبصرت عینی کهذا السیّد
قد طاب محتدهم و طابوا أنفساو یزید طیب النّفس طیب المحتد
یا حسن ما یطبی النّهی بندیّهممن خاطب أو منشئ أو منشد
اهدی لنا النّدبان فی النّادی ابنتیفکر کسمطی لؤلؤ و زبرجد
نفتا عن الجفن الأسی إذ منهماخطر النسیم مبشّرا بالأسعد
فابتهجوا بها و ارتاحوا لها غایة الارتیاح، ثم طابت بمفاکهات الندیّ الأشباح و الأرواح، و هی لیلة انصرمت بالمحاضرات الأدبیة و اللطائف العجیبة و المحادثات العلمیة فی کل مجال، لما توق له و تغتبطه نفوس الرجال، و فیما ذکر کفایة من مسامراتها، و لو لا خشیة الإطالة لا ستقصینا محاضراتها.
الرحلة المعینیة، ص: 95
فلما کان الغد یوم الجمعة زارنا وزیر الأحباس العلامة الکامل الجامع الفاضل الفقیه السید محمد بن عبد القادر بن موسی المراکشی مولدا، التطوانی مقرا، علی عادته، لأنه قلما یتخلف عنا یوما، من یوم دخلنا تطوان، و هو ممن أخذ الورد عن شیخنا الشیخ ماء العینین، و له نظم رائق فی سلسلة أشیاخنا فی الطریق القادریة یسردهم متصلین من عند شیخنا إلی رسول الله صلی اللّه علیه و سلم، و قد تذاکرنا معه فی سائر الفنون، فوجدناه بحرا لا ساحل له، له مشارکة کبیرة فی أکثر العلوم، و له الید الطولی فی علم العربیة، و کان شاعرا مجیدا، أنشدنا کثیرا من أشعاره، منها ما هو فی مدح المولی الخلیفة سیدی حسن، و منها ما هو فی الأدعیة و الحکم و الفقه و المحاضرات، إلی غیر ذلک، و له خبرة بعلوم الأسرار و الخواص و التصوف، و کان سنیا محافظا علی أمور الشریعة مع ما أعطیه من علم الحقیقة، و قد طلب منی فی هذا الیوم أن أجیزه و أحلی إبریزه بأشعاری و منظوماتی و تقاییدی و سائر مؤلفاتی، فکتبت له ما نصه:
الحمد لله وحده، صلی الله علی محمد و آله و صحبه و سلم، حمدا لمن جازی بالحسنات و بدأ بالإحسان، و جعل اللسان العربی أفضل لسان، و السلامان علی المبعوث به للقدیم و الحدیث، القائل، «أحب العرب لثلاث» إلی آخر الحدیث، و علی آله و صحبه، و تالیه من سائر الأجناس، المنزل فیهم، «کنتم خیر أمة
الرحلة المعینیة، ص: 96
أخرجت للنّاس»، أما بعد، فقد طلب منی ألأخ فی ذات الله، المعرض عن کل شاغل عن الله ولاه، العلامة المشارک الأدیب الناظم الناثر، الحسیب، من نبغ لدرر البلاغة قاموسا، الفقیه السید محمد بن عبد القادر بن موسی، ألبسنی الله و إیاه حلل التقوی، و لا زال علی أعباء الطاعات یقوی، أن أجیزه بمنظوماتی و أشعاری، و کلما سمحت به نتائج أفکاری، فلبیت نداه و أجبت دعواه قائلا: قد أجزتک أیها الأخ الشقیق و الخل الصدیق بجمیع ما نظمت من دواوین شعریة، و ألفت من تقایید نثریة، بل بسائر المعقول و المنقول، من فروع و أصول، و أوصیک کنفسی بتقوی الله العظیم و أن لا تنسانی، فی صالح دعائک الخاص و العمیم، و هذه أبیات للحال تناسب جادت بها قریحة الکاتب.
[الوافر]
وضعت لکلّ مأترة مجازاو توثر للتواضع أن تجازا
فشئت إجازتی إیاک فضلالو أن الأمر منعکس لجازا
هنیئا قد أجزتک دون قیدتجیز و أنت أفضل من أجازا
إلیک زمامها البلغاء ترمیإذا رمت القریض و الارتجازا
و أنت بحالها الطرف المجلیإذا خضت الحقیقة و المجازا
جزیت لرعیک الأدب ابن موسیبأحسن ما الأدیب به یجازی
کتبه العبد الحقیر، المعروف بالتقصیر ما العنین بن العتیق، هداه الله لأقوم طریق فی 8 من قعدة الحرام عام 1357، عرفنا الله خیره و خیر ما بعده، و الصلاة و السلام علی إمام المرسلین و الحمد لله رب العالمین.
الرحلة المعینیة، ص: 97
فلما کان یوم الأحد العاشر من الشهر، ندبنا وزیر الأحباس الفقیه محمد المذکور لداره، فسار إلیه الشیخ مربیه ربه و أخوه الشیخ محمد الإمام و سائر الوفد، فأکرمنا غایة الإکرام، و بالغ فی الإحسان و الإنعام، و کان یخدم القادمین بنفسه مع غایة البشاشة و الطلاقة و دوام الترحیب، جزاه الله عنا أحسن ما جوزی به حبیب عن حبیب.
فلما کان یوم الغد یوم الإثنین، قدم علینا الطبیب بمحلنا فی دار الضیافة فلقح وفد الحاج من الجدری علی الکیفیة المعتادة خوف العدوی.
و فی أیامنا بتطوان قدم علینا مرید شیخنا ماء العینین الذائق الواصل، الفائق الکامل، عبد القادر بن محمد بن عبد الله الفکیکی من مسکنه بقلعیة فی بنی بویفرر من بلاد الریف للزیارة من أشیاخه و التبرک بهم، و کان صاحب أحوال و أشواق و همة عالیة، لا سیما فی تحصیل الأسرار و الحکم، خصوصا تآلیف الشیخ ماء العینین و أبنائه، و قد تتلمذ علی شیخنا بالسمارة، و صحبه مرة، وجد فی خدمته حتی صدره، و ظهرت علیه البرکة الکثیرة، و انتفع به خلق کثیر، و أمره فی بلده شهیر. و ممن جاءنا للزیارة أیضا تلمیذ شیخنا ماء العینین الشریف السید محمد بن الحاج خدیم من ذریة مولانا ادریس، و هو رجل من أهل القلوب، و لم تعلق عظیم بشیخنا رضی اللّه عنه، و تکلمت معه فإذا هو ذو أذواق و فتح، و مما استفدت من کلامه:
الرحلة المعینیة، ص: 98
«أسباب المحبة کالحبة، إذا زرعت فی بلد طیب نبتت و خرجت، کما قال تعالی:
«وَ الْبَلَدُ الطَّیِّبُ یَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ» و قال تعالی: «کَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ» الآیة، و إن لم تزرع فی بلد طیب فسدت» و استفدت منه أیضا: «للناس أغراض فی تمزیق الأعراض، و جلهم ککاتب الشمال لا یکتب إلا السیئات». و هو أن غالب الناس کالذباب، إن رأی من الجسد جرحا أو دملا و نحو ذلک تساقط علیه، کنایة عن کون أکثرهم لا یتفطنون إلا للعیب و لا لهم نظر إلی غیره.
و ممن زارنا السید عبد الحی بن السید محمد الشریف القادری نسبا و طریقة التطوانی ، فاستدعانا لداره لیلة الخمیس الرابعة عشر من ذی القعدة، و کذلک دعانا تلک اللیلة الفقیر محمد بن حمّ بن جاد القلعی من فرخان، فسار الشیخ مربیه ربه إلی الفقیر محمد بن حم و معه جامعه و جل الوفد، و سار أخوه الشیخ محمد الإمام إلی الشیخ سید عبد الحی، و معه بعض الوفد، و کلاهما أکرم و أحسن، جزیا خیرا.
و ممن زارنا بتطوان و أتحف الشیخ مربیه ربه بتحف حسنة الأستاذ السید عبد الخالق الطرّیس بن الحاج أحمد بن محمد، رئیس الحزب الإصلاحی الوطنی ، و معه بعض حزبه و إخوانه للتبرک و طلب الأدعیة الصالحة، منهم السید محمد فتحا ابن عبد السلام بن عبود مدیر المدرسة الأهلیة، و الفقیه السید أحمد بن محمد
الرحلة المعینیة، ص: 99
الغیلانی و الشریف السید الحسن بن احمد بن عبد الوهاب و الحاج محمد بن العربی بنّون و إبن أخیه السید الطیب بن عبد السلام بنون، و الخطیب بزاویة السید عبد الله الفقیه الحاج السید محمد بن محمد (فتحا) الطنجی، و أخوه السید عبد السلام و السید محمد ابن العربی الزّکار .
الرحلة المعینیة، ص: 100
و فی یوم الجمعة الخامس عشر من ذی القعدة أتانا المرید الواصل، العابد الفاضل، قائد المشور السید محمد المصطفی بن القائد ادریس علی عادته، لأنه کان قلما یفارقنا لیلا و لا نهارا، و قدم لنا- آل شیخنا الشیخ ماء العینین- هدایا کثیرة، دراهم و طعاما و لباسا، و خص الشیخ مربیه ربه و الشیخ محمد الإمام و کل واحد منا بما یناسب حاله و مقامه من هدیته، و من ذلک أنه أهدی لکل منا کسوة تامة علی وصفها المعروف فی البلاد الغربیة، و کذلک أهدی لکل واحد منا لباس الإحرام علی حاله المشروع المعروف، حتی النعلین، إلی غیر ذلک مما هو کثیر، تقبله الله منه، و جزاه عنا أحسن جزائه، و کذلک فعل أخوه المرید الخاشع الباشا السید محمد فاضل ابن القائد ادریس، فإنه أتانا بهدایا کثیرة لکل واحد منا علی حسب حاله، و منها الکسوة المعروفة لکل واحد منا، و قلما یفارقنا، و کذلک أخوهما خلیفة قائد المشور الولی، فقد أحسن معنا، جزی الله الجمیع خیرا.
و فی صبیحة یوم السبت السادس عشر من ذی القعدة الحرام، سافرنا من مدینة تطوان قاصدین مدینة سبتة بقصد رکوب الباخرة نحو الحرم الشریف، فرکب الشیخ مربیه ربه السیارة و أهل بیته، و أما سائر الوفد، و فیه صنوه الشیخ محمد الإمام،
الرحلة المعینیة، ص: 101
فرکبوا فی سفینة الباخرة باللغة العجمیة «ترن» ، فوصلنا سبتة قیلولة الیوم المذکور، فرکبنا حینئذ الباخرة الفاخرة، فوجدناها فی غایة الحسن و الاتساع و الاتقان، علی حسن تنظیم طبقاتها، فتلقانا أهلها بالأفراح و الانبساط و الانشراح، و التقینا مع إخواننا الحجاج و مشیعیهم من أقاربهم و أحبابهم، یدخلونها من کل فج، فکان یوم دخولها یوما مشهودا وقع فیه احتفال کبیر، و ابتهاج عظیم، حتی غصت الباخرة علی اتساعها، ما شاء الله من الداخلین، فلما سلم بعضهم علی بعض، وحّدوا الله علی اجتماعهم لهذه الطاعة و کلهم هنأ بها الآخرین، نادی مناد فی أعلی الباخرة یأمر بخروج غیر الحجاج من الباخرة، و رجوعهم، فتوادعت الناس و ابتهلت و تضرعت لله تعالی بقلوب خاشعة، و أبدان خاضعة، و عیون باکیة، و أید مبسوطة، داعین للحجاج ببلوغ بغیتهم و بالتیسیر لهم فی طریقهم، و بأن یتفضل الله تعالی علیهم بحج مبرور، و سعی مشکور، و أن یغفر للمشیعین، و یتقبل منهم تشییعهم لإخوانهم، و لا یحرمهم من الأجر، فعند ذلک رجع المشیعون بسلامة. و من المشیعین لنا من أهل تطوان حتی وصلنا الباخرة، قائد المشور السید محمد المصطفی، و أخوه الباشا السید محمد فاضل ابنا القائد ادریس، و الفقیه وزیر الأحباس السید محمد ابن عبد القادر، و الشابان الساکنان وقتهما بتطوان للتعلم بها، السید محمد العبادلة بن الشیخ محمد الأغظف ابن شیخنا ماء العینین، و السید محمد ابن الرحلة المعینیة، ص: 102
السید أحمد بن سید أحمد بن عیدة ، الشهیرة آباؤه بالإمارة فی أدرار، [فی نواحی مدینة شنقیط و غیرهم] .
فلما کان وقت العشاء لیلة الأحد السابعة عشر من قعدة الحرام، و نحن بالباخرة قدم علینا المقیم العام و معه نائب الأمور الأهلیة و وزیر المولی الخلیفة [الصدر الأعظم] السید أحمد الغنیمی السلیمانی ، فاجتمع علیهم من بالباخرة من الحجاج، و جلس المقیم العام علی کرسی، و أجلس الشیخ مربیه ربه و أخاه الشیخ
الرحلة المعینیة، ص: 103
محمد الإمام علی کرسیین حوله، ثم خطب خطبة أوجز فیها، و مقتضاها بعد السلام علی من بالباخرة من الحجاج و تهنئتهم بالرکوب إلی الحج، إعلامهم أن معزّ الدولة «الخنر السمو فرانکو» قد هیأ لکم أیها المسلمون هذه الباخرة لحجکم، فتنبهوا لفعله الجمیل لکم و إعانته إیاکم علی دینکم، و قصّوا ذلک علی إخوانکم المسلمین بالحجاز و غیره، و اعلموا أن الرئیس الدینی لکل من فی الباخرة هو سیادة الشیخ مربیه ربه، و الحاکم فیها هو القائد محمد ابن عمر أوشن السعیدی. ثم ودع و رجع من حینه هو و من أتی معه.
فلما کان قبل السحر من لیلة الأحد المذکورة، أقلعت الباخرة بنا متوجهة فی حفظ الله تعالی جهة الحرم الشریف، و فیها من حجاج المسلمین ما ینیف علی الألف، و فیهم العلماء و الفقهاء و الطلبة و الخطباء و الأدباء و القضاة و القواد و الرؤساء و العامة من الرجال و النساء و الصبیان، و الناس فی منازل الباخرة علی طبقاتهم مقبلین علی أمر دینهم، مکفیین أمور معاشهم، لأن أهل الباخرة قائمون لهم بذلک أحسن قیام فی أوقاته المعروفة، بأوصافه المألوفة، مع حسن الأخلاق و إظهار الإکرام و لزوم الأدب مع الخاص و العام.
و هذه الباخرة تسمی «مارکیس دی کومیاس»، و صفتها و حمولتها و مقدار سیرها هو ما نشرته الجرائد فی العام الحالی و الذی قبله، و نصه باختصار: «الحج إلی مکة المکرمة. أیها المسلمون المغاربة فی یوم 14 من شهر ذی القعدة الحرام عام 1357 موافق 5 ینایر 1939، ستقلع من میناء سبتة إلی جدة الباخرة الجمیلة المسماة «مارکیس دی کومیاس» حمولتها 12225 طنا، و سیرها 17 میلا فی الساعة، و سترسی فی طریقها إلی میناء جدة فی مرسی ملیلیة و طرابلس و ابن غازی و بور سعید و السویس، و سیتوجه صحبة وفد الحجاج رئیس دینی و إمام و قاض مع عدلین و حاکم، و تحتوی علی مصلی و مستوصف و بیت صحی، و قاعة و مطبخ، و یقوم بالأشغال داخله خدام مغاربة، أثمان تذاکیر السفر مع الأکل ذهابا و إیابا إلی جدة:
- الدرجة الأولی 1600 بسیطة إسبانیة
الرحلة المعینیة، ص: 104
- الدرجة الثانیة الاعتیادیة 1400 بسیطة إسبانیة
- الدرجة الثالثة الممتازة 900 بسیطة إسبانیة
- الدرجة الثالثة الاعتیادیة 800 بسیطة إسبانیة.
و هذا الوصف الذی ذکر فی الجرائد من حال الباخرة وجدناه کله صحیحا، فتبارک الله أحسن الخالقین، و لیس الخبر کالعیان، و الرئیس الدینی المذکور سیدنا الشیخ مربیه ربه کما قدمنا، و الإمام فیها الفقیه المدرس فی الجامع الکبیر السید محمد التجکانی أصلا، التطوانی مقرا، و القاضی فیها الفقیه السید عبد السلام ابن احمد القموری، المعروف بأزطوط ، و هو قاضی مدینة العرائش سابقا، و کان رجلا خیرا، و العدلان، أحدهما السید علی الریفی، الکاتب فی مراقبة القصر، و الثانی السید عبد السلام العلوی التطوانی ، و الحاکم فیها القائد محمد بن عمر أوشن ، المتقدم ذکره.
و فی الباخرة عدة مصلیات، فمصلاها الکبیر هو الذی فی الدرجة العلیا، و هو
الرحلة المعینیة، ص: 105
حسن متسع یسع ثلاثمائة من المصلین أو أکثر، و هو الذی یصلی فیه سیدنا الشیخ و أقاربه و من فی درجتهم العلیا من سائر الحجاج، و أمر الشیخ أعزه الله إمامه عبد الصمد المذکور بالتدریس فیه و تعلیم الحجاج مناسک الحج، بعد طلوع الشمس و بعد صلاة الظهر، و تعلیمه بلیغ نافع، و أمر الفقیه السید محمد بن عیاد المعروف بالخمسی بتعلیمهم فیه بعد صلاة العصر، و له خبرة بالعلوم و اقتدار و قابلیة حسنة فی التعلیم، و یقرأ الحزب فیه ما ینیف علی مائة من الطلبة، فأولا یقرأ علی سنن شیخنا الشیخ ماء العینین المعروف، و هو أن یقرأه إثنان جهرا و باقی الجماعة سرا و یقرأ فی کل لیلة ثلاثة أحزاب، فیقع الختم فی ثلاث أحزاب فیقع الختم فی ثلاث جمعات، و یقع الابتداء فی القراءة بعد صلاة العشاء لیلة الخمیس، ثم لم یزل یقرا بعد صلاة الصبح و المغرب و العشاء الحزب، و ویقرأ معه بعد المغرب و الصبح سورة یاسین و سورة الصف، ثم سورة قریش ثلاثا، ثم ترفع الجماعة أیدیهم للدعاء، و یدعو أحد القارئین بعد أن یقرأ الفاتحة خمس مرات بهذا الدعاء، و الجماعة تؤمن،، و هو: «اللهم صل و سلم علی سیدنا محمد صلاة تنجینا من جمیع الأهوال و الآفات و تقضی لنا بها جمیع الحاجات، و تطهرنا بها من جمیع السیئات، و ترفعنا بها أعلی الدرجات، و تبلغنا بها أقصی الغایات من جمیع الخیرات فی الحیاة و بعد الممات، اللهم أنزل علینا فی هذه الساعة من خیرک و برکاتک ما أنزلت علی أولیائک و خصصت به أحباءک، و أذقنا برد عفوک و حلاوة مغفرتک و انشر علینا رحمتک التی وسعت کل شیء، و ارزقنا منک محبة و قبولا و توبة نصوحا و إجابة و مغفرة و عافیة تعم الحاضرین و الغائبین و الأحیاء و المیتین، ثلاث مرات، برحمتک یا أرحم الراحمین، ثلاث مرات، لا تخیبنا مما سألناک، و لا تحرمنا مما رجوناک، و احفظنا فی المحیا و الممات، إنک مجیب الدعوات، سبحان ربک رب العزة عما یصفون و سلام علی المرسلین و الحمد لله رب العالمین» .
الرحلة المعینیة، ص: 106
و أما فی العشاء، فلا یقرأ إلا الحزب فقط، و الفاتحة خمس مرات، و الدعاء المذکور و یقرأ فی صبح کل جمعة مکان الحزب سورة الکهف و الدخان، فیقع الختم بعد صلاة المغرب لیلة الخمیس قی ثلاثة أسابیع، ثم یبتدأ فی أول الختمة بعشائها کما قررنا.
و کان شیخنا الشیخ ماء العینین یرتب اثنین من أبنائه أو تلامذته لقراءته بإزائه علی هذا السنن، و یقرأ هو رضی اللّه عنه و باقی الجماعة سرا، خشیة التخلیط، و قد کنت أحد اللذین یقرءانه حوله رضی اللّه عنه، أمرنی بذلک منذ حفظت القرآن، و أعطیت فیه الإجازة بحمد الله، و أنا ابن اثنتی عشرة سنة، و قد نظمت أشیاخی فی الإجازة إلی رسول الله صلی اللّه علیه و سلم فی قصیدة لا بأس بذکرها هنا للتبرک بأسمائهم و هی:
أحمد من سنّ علی الحقّ المجازفراق ما افترض فیه و أجاز
منزل نوره المبین الدّافعدجی الضّلال جالب المنافع
صلی و سلم علی المنزّلعلیه بالحفظ الذی لم یزل
و آله و صحبه من عنهقد بلّغو ما أخذوه منه
فبحکم الکتاب منهم أخذاإجازة من ذا لذا وذا لذا
هذا و ذی سلسلتی منظومهفی سند الإجازة المعلومه
أسندها إلی النبیّ الهادیروایة موصولة الإسناد
الرحلة المعینیة، ص: 107 فیما روی ورش و قالون عنشیخهما أب رویم المدنی
أجازنی فی المقرإ المذکورلنافع بأخذه المشهور
أستاذی المّدعو زین المنتمیإلی محمد الأمین القلقمی
و هو عون الأستاذ شیخنا الکبیرماء العیون القدوة القطب الشهیر
عن عابد الباقی بن أحمد عنمحمّد بن صالح المبیّن
بالقریشی عن محمد عزیهذا إلی الطالب عمر التّنمزی
عن عابد الرحمان أعنی ولدمحمد عن الطالب عمر من غدا
یعرف بالکنزی من التنواجیوی عن أحمد الحبیب تاج
لمط الفلالی عن المشهورعنیت إبراهیم بالسّکوری
عن عابد الرّحمان نجل القاضیالفاسی عن سمیّه فیّاض
أرض سجلماس بن عبد الواحدعن الشّریف الحسنی سائد
الرحلة المعینیة، ص: 108 محمّد بفاس عن زعیمدکّال قاسم بن ابراهیم
عن الإمام نجل غاز الشهیرعن عابد الرحمان من یدعی الصّغیر
عن أبی عبّاس فلا لی الدارأحمد عن محمّد الفخار
و هو أبو عبد الإله الرّاویعن أحمد المعروف بالزّواوی
أعنی أبا العبّاس عن أبی الحسنابن سلیمان علی فی السّنن
راوی أبی جعفر المقصودبابن الزبیر عن أبی الولید
أعنی به العطّار إسماعیل عنسلیل حستون أبی بکر یعن
عمّن له سما محمد أبوعبد الإله و أبو بغی أب
عن ابن عبد الله بادی المحتدبجدّه العرجا أبی محمّد
راوی أبی معشر الطّبری عنأبی نفیس عن أبی عدی من
یدعی بعابد العزیز بن علیبعزوه لجدّه فرج جلی
عن ابن یوسف أبی بکر عنابن یسار یوسف الذی عنی
بالأزرقی و هو أبو یعقوب عنعثمان ورش بن سعید الحسن
الرحلة المعینیة، ص: 109 تجویده عن نافع الإمامعن ابن هرمز عن الطّمطام
أبی هریرة عن ابن کعبأبیّ الکاتب أقرإ الصّحب
عن مهبط الوحی رسول اللهأصل الوجود مجمع التناهی
صلّی و سلّم علیه مرسلهلنا بما هو علیه منزله
أمّا روایتی عن عیسی فقدأروی إلی أبی نفیس بالسّند
عن شیخ بغداد أبی نصر و ذاعن أحمد الفرضی روی ما أخذا
عن الشهیر بأبی بیان منیروی قراءة أبی الأشعت عن
أبی نشیط و هو عن قالونعن نافع بالسّند المصون
أسألک اللّهم بالذّکر الحکیمو ربّنا الرحیم ذی الفضل العظیم
و بنبیّنا المنزّل علیهو جبرائل الّذ به یأتی إلیه
و بشیوخنا الألی ووهو بلغوا به الذی نووه
و سائر الرواة و الأیمّهو من له عندک جاه أیّ جاه
أن تجعل القرآن فیّ شافعامشفعا و علمه لی نافعا
الرحلة المعینیة، ص: 110 و تجعلنی بعراه ماسکاو لمسالک هداه سالکا
و تجعلنی فی حماه عاکفاعند حدوده جمیعا واقفا
و لتحفظنّی بحفظک لهو أهلک اجعلنی بکونی أهله
و اغفر ذنوبی و أشفنی و اغننیبک و فیک عن سواک أفننی
و بک أبقنی و منک لقّنیمآربی و من مکارهی قنی
ربّ أنل عبدک ما العینینابن العتیق قرّة العینین
ربّ و لا تجعل سبیلا للعدیعلیه واکسه حلی عزّ الهدی
وهبه کل الخیر و ارزقنهسعادة الدارین و ارض عنه
و عن شیوخه و عن أحبّتهو والدیه و جمیع نسبته
و أجب الدّعاء فضلا بالحبیبصلّ و سلمن علیه یا مجیب
و هذا نص ما کتب لی شیخی المذکور فی الإجازة:
«بسم الله الرحمان الرحیم، صلی الله علی سیدنا محمد و علی آله و صحبه و سلم. الحمد لله الذی أنزل علی عبده الکتاب المبین، و جعل له عبادا ینفون عنه
الرحلة المعینیة، ص: 111
جهل الجاهلین، و بعد جاء ما العینین بن العتیق بن محمد فاضل القلقمی، حفید شیخنا الشیخ ماء العینین، طلب منی أن أجیزه و أحلی إبریزه فی قراءة نافع إمام أهل المدینة ابن أبی رویم ورایة ورش و قالون، فقد أجزته لحسن طویته أن یقرئه لمن شاء.
و یفیده لمن أراد، نسأل الله أن ینفعه و ینفع علی یدیه، و أوصیه و نفسی بتقوی الله العظیم فی السر و العلانیة، و أخبره بسلسلة أشیاخی إلی النبی صلی اللّه علیه و سلم، قرأ علیّ ماء العینین المذکور قراءة الإمام نافع بن أبی رویم المدنی، و أخذتها عن قطب الزمن شیخی الشیخ ماء العینین بن الشیخ محمد فاضل بن مامین، و هو أخذها عن شیخه عبد الباقی بن محمد بن علی مولود، و هو أخذها عن شیخه محمد بن صالح بن الطالب محمد المعروف بالقریشی، و هو أخذها عن شیخه محمد ابن الطالب علی التنمزی، و هو أخذها عن شیخه عبد الرحمان بن محمد، و هو أخذها علی شیخه الطالب اعمر، الملقب بالکنزی، و هو أخذها علی شیخه سیدی التنواجیوی، و هو أخذها علی سیدی و مولای سید أحمد الحبیب الفلالی ثم اللمطی، و قرأ سیدی مولای علی سیدی إبراهیم السکوری، و سیدی إبراهیم قرأ علی سیدی عبد الرحمان بن القاضی الفاسی، و هو أخذها علی الولی الصالح سیدی عبد الرحمان بن عبد الواحد السجلماسی، و هو أخذها عن شیخه محمد الشریف الحسنی بمدینة فاس، عن القاسم بن إبراهیم الدکالی عن الإمام ابن غازی، عن شیخه أبی عبد الله عبد الرحمان الصغیر، عن أبی العباس أحمد الفلالی، عن أبی عبد الله محمد الفخار، عن أبی العباس أحمد الزواوی، عن أبی الحسن علی بن سلیمان عن أبی جعفر بن الزبیر، عن أبی الولید اسماعیل العطار، عن أبی بکر بن حستون، عن أبی عبد الله محمد بن أبی بغی، عن أبی محمد بن عبد الله بن عمر العرجا، عن أبی معشر الطبری، عن أبی نفیس، عن أبی عدی عبد العزیز بن علی ابن محمد بن اسحاق بن فرج، عن شیخه أبی بکر بن یوسف، عن أبی یعقوب یوسف بن یسار الأزرقی، عن أبی سعید بن عثمان بن سعید ورش، شهر به، عن نافع، عن ابن هرمز، عن أبی هریرة عن أبی بن کعب، عن رسول الله صلی اللّه علیه و سلم.
و أما روایة قالون فبالسند المتقدم إلی أبی نفیس، عن أبی نصر البغدادی، عن أحمد الفرضی، عن أبی بیان، عن ابن الأشعث، عن أبی نشیط، عن قالون، عن
الرحلة المعینیة، ص: 112
نافع بسنده المتقدم الذی بالنبی علیه السلام یتم، عبید ربه و أسیر ذنبه زین بن البکای بن الشیخ محمد الأمین القلقمی، یوم السبت الحادی عشر من شعبان الأبرک عام تسعة عشر بعد الثلاثمائة و الألف، أرانا الله خیره و خیر ما بعده، و وقانا ضیرهما آمین.
و لم أزل یوم أخذت الإجازة لله الحمد أقرأ عن یمین شیخنا الشیخ ماء العینین حتی توفی رضی اللّه عنه فی التاریخ المتقدم ذکره، ثم لم تزل أبناؤه و تلامذته و سائر أتباعه حافظین قراءته و متحفظین علی العهد الذی ترکهم علیه إلی وقتنا هذا لله الحمد.
و کان حزب مغرب لیلة الأحد المذکورة التی أقلعت فیها الباخرة من سبتة «یَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَ فَضْلٍ» ، فتفاء لنا به لأنه صلی اللّه علیه و سلم کان یعجبه الفأل و یکره الطیرة، و قد کنت أنا الملازم لقراءته علی السنن المذکور فی رحلتنا هذه، و کثیرا ما یکون القارئ معی السید یحجب بن خطر، و إلا فغیره ممن حضر وفدنا، فإذا أتممنا قرأته طلبة الحجاج الذین معنا علی سنن المغاربة المعروف عندهم، و هو أن یقرأوا کل لیلة حزبین، أحدهما بعد صلاة المغرب، و الثانی بعد صلاة الصبح، و یختمون القرآن فی کل خمس جمعات لیلة الإثنین بعد صلاة المغرب. و ما زلنا بحمد الله ملازمین قراءة الحزب علی الطریقین الموصوفین فی المصلی المذکور مع إقامة الصلوات الخمس فی أول أوقاتهن بشروطهن علی الکیفیة المشروعة، و لا تفارق الجماعة المصلی بین العشائین، و لا سیما فیما بین الصبح و صلاة الضحی و لا وقت التدریس، بل فی أکثر الأوقات.
الرحلة المعینیة، ص: 113
الباخرة مصلیات سبع من غیر هذا المصلی الکبیر فی درجاتها الأخری و عین سیدنا الشیخ مربیه ربه لکل مصلی منها فقیها یکون إماما لمن بدرجته من الحجاج، و أمره بتعلیمهم مناسک الحج، و إرشادهم لأمر دینهم، و المعینون المذکورین سبعة:
1. الفقیه السید محمد عبد الله بن السید العربی الزرکی الصحراوی المتقدم ذکره.
2. السید عبد السلام بن الخضر من أهل القصر الکبیر.
3. السید العیاشی بن حسون من جبالة.
4. السید عبد القادر بن عبد السلام الریفی الغماری.
5. السید عبد السلام بن سید احسین من بنی حمد.
6. الفقیه السید محمد بن عبد السلام النّوینی الودراسی، قاضی قبیلته.
7. السید علی بن الحاج شعیب بن عمر القصری.
و من جملة الأعیان الذین رکبوا معنا فی الباخرة بقصد الحج، و تحدثنا معهم من القضاة و الکبراء و القواد و أشیاخ الطرق زیادة علی ما قدّمنا:
قاضی قلعیة، السید عمر بن ناصر.
القاضی السید محمد بن العوفی ، من قبیلة اولشک
مقدم التیجانیة السید الحسن بن عبد الله الفاسی أصلا، القصری مقرا.
السید محمد بن عبد الّ بن الحاج عبد الرحمان القادری نسبا و طریقة، و هو خلیفة أخیه مقدم زاویة أولشک اغبال.
باشا شفشاون وقته الشریف الحسنی السید الیزید بن صالح الرزینی الغمّاری.
باشا الناظور سیدی محمد بن الحاج عبد القادر.
وزیر الحربیة السید المصطفی خلیفة أبیه السید علی قائد الأنجر.
الرحلة المعینیة، ص: 114
قائد بنی احمد السید مولای أحمد بن محمد المصلوحی
قائد العسکر محمد بن احمد الحیحی
القائد محمد بن القائد الزّلالی.
القائد محمد بن احمد بن سلام.
القائد میمون بن خدّة بن عمر من قلعیة
قائد بنی أولشک محمد بن صالح بن المختار
اعمر بن علال، خلیفة قائد بنی سدال
الحاج محمد بن زیاد، خلیفة قائد أمطلس
إدریس بن محمد ناصر خلیفة قائد بنی بیحیی
قائد بنی أبی عیاش ، سلام بن محمد عمر الحاج حدّ الریفی.
إلی غیر ذلک منهم، و هم کثیرون، و الکل بحمد الله یظهر لنا التواضع و الأفضلیة، و یلتمس منا البرکة و الدعاء الصالح، و لهم أخلاق حسنة و آداب جمیلة، ثم جرت الباخرة بنا سالکة البحر الأبیض المتوسط، و هو البحر الحاجز بین أرض إفریقیة و أرض أوربا، فلما ارتفع النهار یوم الأحد المذکور، و اجهتنا من جهة الیمین أرض ملیلیة، ثم لم تزل تظهر لنا البلاد البریة فی ساحل البحر عن یمیننا، بعد ذا و اجهتنا أعمال و هران، و بعدها و اجهتنا أرض الجزائر، ثم بعدها ظهرت بلاد تونس فی یومنا الثالث.
الرحلة المعینیة، ص: 115
و فی صبیحة یوم الأربعاء الموفی عشرین من ذی القعدة الحرام، و هو یومنا الرابع من سبتة، رست بنا الباخرة بمرسی مدینة طرابلس، فأظهر لنا أهلها الفرح بمقدمنا، و تلقونا بالسفن و الزوارق لیرکب من أحب الهبوط إلی المدینة مجانا، فلم یأخذوا أجرة من کل من نزل من الباخرة إلی المدینة، فنزل کثیر من الحجاج لأغراضهم، و کل من أتاهم رحبوا به و أظهروا له الإحسان و الإکرام، و أعانوه علی قضاء حاجته.
فلما کانت صبیحة الغد یوم الخمیس، نزل الشیخ محمد الإمام نائبا عن أخیه الشیخ مربیه ربه، و نزل معه جامعه ما العینین بن العتیق و السید ما العینین یحجب ابن خطری، و عندما نزلنا من الزورق بساحل البحر- تلقانا وجوه المدینة و کبراؤها بالترحیب، و قالوا إنهم کانوا فی انتظارنا للسلام علینا و تأکید عری المحبة بیننا و بینهم، و سألوا عن سیادة الشیخ مربیه ربه، فأخبرناهم أن أخاه الشیخ محمد الإمام نائب عنه فی ملاقاتهم و تحیتهم، ففرحوا بنا و هنأونا بالسلامة و بقصد حج بیت الله و قالوا لنا: تشرفنا برؤیتکم و سرنا مقدمکم المبارک، و من الذین تلقوا لنا بإزاء المدینة، الشیخ الحاج محمد الزّمری مأمور النفوس، و عمه الحاج مصطفی، و الأستاذ الشیخ علی بن موسی مختار محل حومة غریان، و عمه الشیخ مصطفی بن موسی، و الشیخ مصطفی زکی بادی، و الشیخ محمد بن رمضان، و الشیخ مصطفی الأقدامسی المدرس إمام محلة الدبران، و الشیخ عثمان الوفاتی، [و غیرهم] .
ثم بعد السلام و الدعاء، التمسنا منهم أن یبعثوا معنا من یدلنا علی قبر الصحابی المعروف هناک و علی بعض المساجد لنزور و نتبرک بمشاهد الخیر، فبعثوا معنا رجلا،
الرحلة المعینیة، ص: 116
فسار بنا إلی جامع کرج ، و کرج هو مصطفی کرج، اسم الرجل الذی بناه، و قبره فی زاویة منه، و زرناه هناک، و صلینا فی المسجد ما شاء الله من النافلة، و هو مسجد حسن، فی تنظیم بدیع، سقوفه قباب، فرشه زرابی ترکیة، ثم سرنا إلی جامع شائب العین ، و هو أیضا اسم الرجل الذی بنی الجامع، و قبره عنده و زرناه أیضا هناک، و صلینا فی المسجد ما شاء الله، ثم سرنا أیضا إلی جامع الباشا ، و هو أحمد باشا الکرمانی بانیه أیضا، و صلینا فیه و لقینا به رجلا هو القائم بأمره یسمی السید محمد بن یوسف، علیه و سم خیر، فرح بنا، ثم سرنا إلی قبر الصحابی المذکور، و قالوا لنا أن اسمه منیدر بالتصعیر، و أنه تواتر عنهم أنه صحابی، و أنه روی عنه حدیث واحد عن رسول الله صلی اللّه علیه و سلم، قلت و یشهد لذلک ما فی کتاب «الترغیب و الترهیب» للحافظ زکی الدین المندری، و نصه: «و عن المنیذر رضی اللّه عنه، صاحب رسول الله صلی اللّه علیه و سلم یقول: من قال إذا أصبح رضیت بالله ربا و بالإسلام دینا و بمحمد نبیا، فأنا الزعیم لأخذنّ بیده حتی أدخله الجنّة». رواه الطبرانی بإسناد حسن». انتهی من لفظه، قالوا: و مما یعضد کونه صحابیا، وجدان هذین البیتین مکتوبین علی بعض القبور التی بجواره و هما:
[الکامل]
هی فی جوارک یا منیذر فاحمهاو من المروءة أن یجار الجار
حاشا لفضلک یا حبیب محمّدمن أن تمسّ مجاوریک النّار
فلما وصلنا قبره رضی اللّه عنه، وجدناه، عنده هیبة عظیمة و أنس کبیر، فقرأنا عنده
الرحلة المعینیة، ص: 117
سورة یس و بعض سور المفصل و دعونا الله، ثم سرنا لقبر السید بهلول فی تلک المقبرة، و هی کبیرة، و هو رجل مشهور بالعلم و الصلاح، فزرناه و استغفرنا له و لجمیع من بالمقبرة من أموات المسلمین، و دعونا الله هناک.
ثم انصرفنا راجعین إلی المدینة، فصلینا الظهر بجامع الدرج ، فلما خرجنا مررنا بمحل قاضی القضاة بالمدینة، فتلقی لنا بعض أصحابه، و هشوا و بشوا لنا و أدخلونا فی المحل، و سألونا أن ننتظر مجیء القاضی لیسلم علینا، ففعلنا، فلم نلبث أن جاءنا، و رحب غایة و أکرم مجلسنا و أحضر الطعام الحسن، و أظهر الإکرام و المسرة بمقدمنا و هنأنا بما نحن بصدده من حج بیت الله الحرام، و اسمه الشیخ محمود بن محمد بن برخیص، و کذلک جلساؤه، فکلهم باسطنا و انشرح للقائنا، و کلهم ذو علم و آداب و أخلاق جمیلة. و من الأعیان الذین لقینا مع القاضی المذکور، الشیخ أحمد الشارف الحاکم بالمحکمة الشرعیة العلیا بن علی، من قبیلة العمائم ینتهی نسبه إلی العباس بن مرداس من بنی سلیم، و یلقب بشاعر لیبیا، و المراد بلیبیا طرابلس و سائر قطرها، و تذاکرنا معه و مع القاضی، فوجدنا لهما خبرة کثیرة بعلم الفقه و الأدب و السیر و التاریخ و الأشعار و أکثر العلوم، و قبل قیامنا بقلیل أنشدهما جامعه ما العینین ابن العتیق، غفر الله لهما هذین البیتین من ارتجاله و هما:
الرحلة المعینیة، ص: 118
[البسیط]
ذا فحل لبیا و ذا قاضی طرابلساکلاهما لاح فیه الفضل إذ جلسا
من شاء شیخین فی علم و فی أدبذا فحل لبیا و ذا قاضی طرابلسا
فاستحسنت الجماعة البیتین، و ارتاحت لهما، فلما هممنا بالقیام، اعتذر الشاعر المذکور عن جوابهما بدیهة، فقلنا إنما هی مباسطة بین الإخوان، و ما قصنا اقتراح الجواب. و من الأعیان الذین لقینا أیضا فی هذا المجلس، السید محمد بن عبد القادر بنون المحامی فی المحکمة الشرعیة، و الکاتب الأول فی المحکمة الشرعیة العلیا السید محمد بن مفتاح محسن، و الشاعر المجید، الشیخ أحمد بن محمد فقیه حسن ، و السید البشیر بن الحاج حمودة بن حمزة، محامی شرعی و إمام خطیب بجامع سید احمود ، و مفتش الکتاتیب القرآنیة، الشیخ محمد بن عامر ، محامی الشرع من قبیلة بنی غازی، و مؤلف کتاب «ملخص الأحکام الشرعیة علی المعتمد من مذهب المالکیة» .
الرحلة المعینیة، ص: 119
و کتابه هذا علی غزارة علمه و طول یده فی الأحکام، لأنه أتی فیه بما تمس الحاجة إلیه من المسائل و الأحکام فی عبارة سهلة، أخذ من الأقوال أصحّها و من العبارات أوضحها، و اختار ما هو الأوفق و الأرفق حسب الزمان و المکان، و راعی الأمانة فی النقل، و قسمه علی أربعة أقسام، القسم الأول، فی القضاء الشرعی و متعلقاته، القسم الثانی فی الحقوق العائلیة و الأحوال الشخصیة، القسم الثالث فی المعاملات و التبرعات، القسم الرابع فی المواریث.
و قد ظفرت بکتابه المذکور أیام اشتغالی بالألفیة التی نظمت فیما تدعو إلیه الحاجة مما یقع بین اثنین، و لصحته و استیفائه بالمقصود جعلته جلّ معتمدی، و سمیتها ب «البغیة من ملخص الأحکام الشرعیة علی المعتمد من مذهب المالکیة».
قلت فی ترجمتها:
حمدا لمن فی الخلق مضیو لا مردّ للذی به قضی
سبحانه منه العطاء فضلو الحکم فصل و القضاء عدل
صلی علی المبعوث بالفرقانللناس فیه غایة التبیان
و آله الألی رووا من نبعهو لم یمیلوا عن سواء شرعه
و بعد فاسمع رجزا غیر مخلمن قصر و لا من الطول ممل
فی بعض ما یقع بین اثنینلولد العتیق ما العینین
الرحلة المعینیة، ص: 120 أحکامه الصحیحة المصادرأکثرها ملخص ابن عامر
و من قوانین الإمام ابن جزیلخصت مما لیس فی التلخیص شی
أقسامه أربعة مجعولفی کلها الأبواب فالفصول
و حیثما نظمت فیه الغنیهلذی الحجا سمیته بالبغیة
مما تلخص من الأحکاممعتمدا فی مذهب الإمام
و الرشد و التوفیق ارحم الله جلو العون و الاخلاص قولا و عمل
ثم لما من الله تعالی علیّ بإتمام النظم علی الکیفیة المطلوبة، قلت فی الآخرة من أبیاته:
و الحمد لله علی تمامما رمت جمعه من الأحکام
فکان إذ تمّ النّظام ألفاو من یرد به اکتفاء أللفی
نرجوه تعالی أن یدیم النفع به، و نحمده علی ما أعطی من ذلک بمفضله.
ثم تذاکرنا مع ابن عامر، مؤلف الکتاب المذکور، و مع سائر الجماعة المذکورة فی مجلس القاضی فی أکثر الفنون، فوجدناهم لهم الید الطولی فی المشارکة فی العلم، فلبتنا معهم نحو ساعتین، و قمنا، فقاموا معنا مشیعین إلی ناحیة البلد، فلما هموا بالرجوع طلبوا منا الدعاء الصالح، فدعا الشیخ محمد الإمام و أمّن الجمیع لدعائه، فتوادعنا، و انصرف کل لوجهته بخیر. فرکبنا الزّورق إلی الباخرة و دخلناها وقت
الرحلة المعینیة، ص: 121
المغرب لیلة الجمعة، فزارنا فیها تلک اللیلة من أعیان أهل المدینة السید أحمد ابن محمد العالم رئیس المحکمة الإسلامیة الشرعیة العلیا، و السید محمد بن نصر الدین محسن، و هو من کبراء أهل البلدة، فسلما و رحّبا، و قالا لسیدنا الشیخ مربیه ربه:
إن باشا المدینة فرح بمقدمه و مقدم وفده، و أنه کان یرید التلقی لهم فی الباخرة، حتی عاقه مرض أصابه منذ أیام، و أنه یلتمس العذر و یطلب صالح الدعاء، فاشترکنا معهما الدعاء و انصرفا.
فلما کان بالغد یوم الجمعة، نزل أکثر الرکب إلی المدینة لصلاة الجمعة، و فیهم الشیخ محمد الإمام و جامعه، فصلیناها فی جامع الباشا المتقدم ذکره، و التقینا هناک مع سادة علماء أجلاء من أهل المدینة، فتذاکرنا معهم فی بعض الفنون العقلیة و النقلیة، فإذا هم فی غایة الأدب و المعرفة بالعلوم، فأطلعونا علی مکتبتهم، فوجدناها مشتملة علی کثیر من الکتب المعتبرة، و بالغوا فی إکرامنا و الإحسان علینا، و لهم أخلاق طیبة و آداب جمة و کرم زائد، فمن السادة المذکورین، و إن کانوا کثیرین، الشیخ طاهر بن عبد الرزاق الشریف الإدریسی البشتی ، أحد قضاة البلد، و الأستاذ الشیخ عبد الرحمان بن علی القلهوبی، و المدرس فی مدرسة القراءات، الشیخ مصطفی الهونی، و الشیخ طاهر بن أحمد الشریف، المدرس بالمدرسة الأهلیة ، و الأستاذ الشاعر أحمد فقیه حسن بن محمد، المتقدم ذکره، و أخبرنا أنه بعث لنا أبیاتا یخاطبنا به- وفد الشناجطة- و لعلها لم تصل إلی الباخرة إلا
الرحلة المعینیة، ص: 122
بعدنا، فأنشدنا إیاها.
أبیات بعثها أحمد فقیه حسن لوفدنا الشناجطة و ما أجابه به صاحب الرحلة و مطلعها:
[الطویل]
أحجاج بیت الله بالله بلّغواتحیة صبّ للنبیّ محمد
إلی أن قال:
فأنتم بنی شنجیط لا شک سادةبکم یقتدی ربّ الذکاء و یهتدی
طرابلس لا زال یشهد أهلهابفضلکم فی کلّ ناد و مشهد
لقد أخصبت لمّا نزلتم بأرضهاو کیف و ما فیکم سوی کلّ سیّد
فلما سمعها جامعه ما العینین عفا الله عنه، کتب له فی جوابها حالا:
زففت إلینا أحمد بن محمّدمخدّرة من ذهنک المتوقّد
تحمّلنا فیها تحیة شیّقلنقراها عند المقام المحمّد
إلی أن قلت:
لقد دلّنا ما أنت مسدیه جودةعلی أنّک الحاوی حلی کلّ جیّد
و إنّک خنذیذ البلاد و ندبهاو إنّ العلی تلقی إلیک بمقود
الرحلة المعینیة، ص: 123
إلی آخرها.
فوقع الاستحسان من الجمیع و دعونا و توادعنا، فرکبنا نحو الباخرة و دخناها وقت المغرب، و قد رأینا فی أهل طرابلس تواضعا عجیبا عمومیا، و أخلاقا جمیلة لطیفة، و طباعا رقیقة ظریفة و کرما طبیعیا، و سخاء أنفس، و اعتبارا لعامة الحجاج و خاصتهم.
و من أحسن ما فیهم أن نساءهم لا یخرجن إلی الطرقات و لا یتبرّجن، و أحری الشریفات منهن، و من ألجأها الحال إلی الخروج، فمن قواعدهن لا تراها إلا و هی مستترة غایة. و أحوال صحاریهم و بادیتهم فی کسبها و معاشها و أکثر أمورها قریبة من أحوال الشناقطة.
فائدة: أول من افتتح طرابلس عمرو بن العاص، سنة اثنین و عشرین 22، ثم صارت تابعة لعمال العباسیین. ثم ملکها الأغالبة، ثم العبیدیون، و هم دولة الفاطمیین، ثم امتکلتها جزیرة صقلیة سنة 540، ثم دولة الموحدین سنة 553، ثم فتحتها الدولة العثمانیة سنة 950، و استمرت بأیدی المسلمین تحت سیطرة الدولة الترکیة إلی أن ضعف حالها أوائل هذا القرن الرابع عشر، فاستولت علیها إیطالیا، و هی ألآن تحت حکمهم، و الله المستعان.
ثم لما کان وقت القیلولة یوم السبت الثالث و العشرین من ذی القعدة الحرام، أقلعت الباخرة بنا من طرابلس فی وجهتها للحرم الشریف بعون الله قاصدة بور سعید، فلما کانت صبیحة یوم الثلاثاء السادس و العشرین من ذی القعدة، رست بنا الباخرة فی مرسی بور سعید، و هی مدینة مصریة علی مدخل قنال السویس من جهة الشمال، أنشئت سنة 1277 عند الشروع فی حفر القنال فی عهد الخدیوی
الرحلة المعینیة، ص: 124
سعید ابن محمد علی، و هی من أجود الموانئ المصریة، و لها مستقبل کبیر، و ربما حلت محل الإسکندریة لکونها أقرب إلی سواحل أوربا.
فلما کان أول وقت العصر من یوم الثلاثاء المذکور، سارت الباخرة بنا آخدة قنال السویس، و هو الخلیج المحدث منذ سبعین سنة، قرن بین البحر الأبیض المتوسط و البحر الأحمر، و هو بحر القلزم، و قد لبثت العملة فی اتصال البحرین المذکورین عشر سنین، و ذلک من تاریخ 1858 مسیحیة إلی 1869، فتم القنال.
ثم رست بنا الباخرة وقت انتصاف اللیل عند مدینة السویس لیلة الأربعاء، فلما کانت صبیحة یوم الأربعاء طلع علینا فی الباخرة ولی العهد ابن الخلیفة المولی الحسن بن المولی المهدی، سمیّ جده المولی المهدی، و معه من کان بمصر من رجال الوحدة المغربیة لطلب العلم صحبة کبیرهم الفقیه الشاعر الأدیب السید محمد بن الیمانی ، و معهم راعی بیت المغرب بمصر الأستاذ محمد حبیب أحمد المدرس بکلیة أصول الدین و السکرتیر لشیخ الجامع الأزهر، ففرح أهل الباخرة بطلوعهم، و أقاموا لهم حفلة حسنة.
و تحادثنا ساعة مع السید محمد بن الیمانی و راعی بیت المغرب الأستاذ محمد، فوجدنا لکل منهما مشارکة فی العلم و أدبا رائقا و معرفة زائدة، ثم توادعنا معهم، و أقلعت الباخرة بنا متوجهة جدة فی حفظ الله و أمانه وقت العصر من الیوم المذکور.
فلما کان من الغد یوم الخمیس، أتی رئیس الباخرة سیدنا الشیخ مربیه ربه
الرحلة المعینیة، ص: 125
و أطلعه علی سطح الباخرة، و أراه جهة رابغ، و هو الذی یلزم المار به من الحجاج الإحرام عنده، و قال له: سنعلم الحجاج قبل وصوله اللیلة بثلاث ساعات لیتهیأ الناس للإحرام بالاغتسال و لبس ثیاب الإحرام، فلما کان بعد العشاء لیلة الجمعة صوّتت الباخرة صوتا شدیدا ثلاث مرات، کما وعد رئیس الباخرة سیدنا الشیخ إعلاما بقرب رابغ، فاشتغل الحجاج بالاستعداد للإحرام، فما تمت الساعات الثلاث حتی فرغوا من شأنهم، فلما وصلت الباخرة مقابلة رابغ عند انتصاف اللیل، صوتت أیضا إعلاما بوصوله، فأحرمنا وقت انتصاف لیلة الجمعة التاسعة و العشرین من ذی القعدة و أعلنا بالتلبیة لعلام الغیوب، و سألناه تعالی غفران الذنوب، و أنشدنا جامعه حین تجردنا من لبس المخیط بصدق النیات و وصلنا رابغا محل المیقات.
[الطویل]
تجرّدت لما وصلت لرابغو لبّیت للمولی کما حصل النّدا
و قلت إلهی عندک الفوز بالغنیو إنّی فقیر قد أتیت مجرّدا
و أهللنا بالعمرة لما ورد عنه صلی اللّه علیه و سلم فی حجة الوداع من الحث علی التمتع بالعمرة إلی الحج. و یکفی من ذلک حدیث جابر الذی حدث به عنه صلی اللّه علیه و سلم، و قد أورده مسلم فی صحیحه، فقال ما نصه: «حدثنا أبو بکر ابن أبی شیبة و إسحاق بن ابراهیم جمیعا عن حاتم قال أبو بکر، قال حاتم بن اسماعیل المدنی عن جعفر بن محمد عن أبیه، قال: دخلنا علی جابر بن عبد الله، فسأل عن القوم، حتی انتهی إلیّ فقلت: أنا محمد بن علی بن حسین، فاهوی بیده إلی رأسی، فنزع زرّی
الرحلة المعینیة، ص: 126
الأعلی، ثم الأسفل، ثم وضع کفه بین تدیی و أنا یومئذ غلام شاب، و قال: مرحبا بک یا ابن أخی، سل عما شئت، و سألته و هو أعمی، و حضر وقت الصلاة، فقام فی نساجة ملتحفا بها، کلما وضعها علی منکبیه رجع طرفاها إلیه من صغرها، و رداؤه إلی جنبه علی المشجب، فصلی بنا، فقلت: أخبرنی عن حجة رسول الله صلی اللّه علیه و سلم؟
فقال بیده، فعقد تسعا فقال: إن رسول الله صلی اللّه علیه و سلم مکث تسع سنین لم یحج، ثم أذّن فی الناس فی العاشرة أن رسول الله صلی علیه و سلم حاجّ، فقدم المدینة بشر کثیر کلهم یلتمس أن یأتمّ برسول الله صلی اللّه علیه و سلم و یعمل مثل عمله، فخرجنا معه حتی أتینا ذا الحلیفة، فولدت أسماء بنت عمیس محمد بن أبی بکر، فأرسلت إلی رسول الله صلی اللّه علیه و سلم، کیف أصنع؟ قال اغتسلی و استشعری بثوب و أحرمی. فصلی رسول الله صلی اللّه علیه و سلم فی المسجد، ثم رکب القصواء حتی إذا استوت به ناقته علی البیداء، نظرت إلی مدّ بصری بین یدیه من راکب و ماش، و عن یمینه مثل ذلک و عن یساره مثل ذلک و من خلفه مثل ذلک، و رسول الله صلی اللّه علیه و سلم بین أظهرنا، و علیه ینزل القرآن، و هو یعرف تأویله، و ما عمل به من شیء عملنا به، فأهلّ بالتوحید:» لبّیک اللهم لبیک لا شریک لک لبیک، إن الحمد و النعمة لک و الملک، لا شریک لک لبیک، و أهلّ الناس بهذا الذی یهلّون به، فلم یردّ رسول الله صلی اللّه علیه و سلم علیهم شیئا منه، و لزم رسول الله صلی اللّه علیه و سلم تلبیته، قال جابر: لسنا ننوی إلا الحج، لسنا عرف العمرة، حتی أتینا البیت معه استلم الرکن، فرمل ثلاثا و مشی أربعا، ثم نفذ إلی مقام إبراهیم، فقرأ: و اتخذوا من مقام إبراهیم مصلی، فجعل المقام بینه و بین البیت، فکان أبی یقول:- و لا أعلمه ذکره إلا عن النبی صلی اللّه علیه و سلم- کان یقرأ فی الرکعتین: «قُلْ هُوَ اللَّهُ
الرحلة المعینیة، ص: 127
أَحَدٌ» و «قُلْ یا أَیُّهَا الْکافِرُونَ»، ثم رجع إلی الرکن فاستلمه، ثم خرج من الباب إلی الصفا، فلما دنا من الصفا قرأ: «إِنَّ الصَّفا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ»، ابداء بما بدأ به الله، فبدأ بالصفا، فرقی حتی رأی البیت، فاستقبل القبلة فوحد الله و کبّره. و قال:
لا إله إلا الله وحده لا شریک له، له الملک و له الحمد و هو علی کل شیء قدیر، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده و نصر عبده، و هزم الأحزاب وحده، ثم دعا بین ذلک، قال مثل هذا ثلاث مرات، ثم نزل إلی المروة حتی انصبت قدماه فی بطن الوادی، حتی إذا صعدتا، مشی حتی أتی المروة، ففعل علی المروة کما فعل علی الصفا حتی إذ کان آخر طوافه علی المروة قال لو أنی استقبلت من أمر ما استدبرت لم أسق الهدی، و جعلتها عمرة، فمن کان منکم لیس معه هدی فلیحل و لیجعلها عمرة، فقام سراقة بن مالک بن جعشم فقال: یا رسول الله ألعامنا هذا أم لا بدّ؟، فشبک رسول الله صلی اللّه علیه و سلم أصابعه واحدة فی الأخری، و قال دخلت العمرة فی الحج مرتین لا، بل لأبد أبد، و قدم علیّ من الیمن ببدن النبی صلی اللّه علیه و سلم، فوجد فاطمة ممن حلّ، و لبست ثیابا صبیغا، و اکتحلت، فأنکر ذلک علیها، فقالت: إن أبی أمرنی بهذا، قال: فکان علیّ یقول بالقران ، فذهبت إلی رسول الله صلی اللّه علیه و سلم محرشا علی فاطمة للذی صنعت، مستفتیا لرسول الله فیما ذکرت عنه، فأخبرته أنی أنکرت ذلک علیها، فقال: صدقت صدقت، ماذا قلت حین فرضت الحج؟ قال: قلت اللهم إنّی أهلّ بما أهلّ به رسولک، قال: فإن معی الهدی، فلا تحل، قال: و کان جماعة الهدی الذی قدم به علی من الیمن و الذی أتی به النبی صلی اللّه علیه و سلم مائة، قال: فحلّ الناس کلّهم و قصروا إلا النبی صلی اللّه علیه و سلم و من کان معه هدی، فلما کان یوم الترویة توجهوا إلی منی فأهلوا بالحج، و رکب رسول الله صلی اللّه علیه و سلم، فصلی بها الظهر و العصر و المغرب و العشاء و الفجر، ثم مکث قلیلا حتی طلعت الشمس، و أمر بقبّة من شعر تضرب له بنمرة ، فسار رسول الله صلی اللّه علیه و سلم، و لا تشک قریش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام
الرحلة المعینیة، ص: 128
کما کانت قریش تصنع فی الجاهلیة، فأجاز رسول الله صلی اللّه علیه و سلم حتی أتی عرفة فوجد القبة قد ضربت له بنمرة، فنزل بها حتی إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء، فرحلت له، فأتی بطن الوادی، فخطب النّاس و قال: «إن دماءکم و أموالکم حرام علیکم کحرمة یومکم هذا فی شهرکم هذا فی بلدکم هذا، ألا کل شیء من أمر الجاهلیة تحت قدمی موضوع و دماء الجاهلیة موضوعة و إن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربیعة بن الحارث، کان مسترضعا فی بنی سعد فقتلته هذیل، و ربی الجاهلیة موضوع، و أول ربی أضع ربانا ربی عباس بن عبد المطلب، فإنه موضوع کله، فاتقوا الله فی النساء فإنکم أخذتموهنّ بأمانة الله و استحللتم فروجهنّ بکلمة، و لکم علیهنّ أن لا یطئن فرشکم أحدا تکرهونه، فإن فعلن ذلک فاضربوهنّ ضربا غیر مبرح، و لهن علیکم زرقهّن و کسوتهن بالمعروف. و قد ترکت فیکم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به، کتاب الله، و أنتم تسألون عنّی، فما أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنّک قد بلّغت و أدّیت و نصحت، فقال بأصبعه السّبابة یرفعها إلی السماء و ینکتها إلی الناس: اللهم أشهد، اللهمّ اشهد، ثلاث مرات، ثم أذّن ثم أقام، فصلی الظهر، ثم أقام فصلی العصر، و لم یصلّ بینهما شیئا، ثم رکب رسول الله صلی اللّه علیه و سلم حتی أتی الموقف فجعل بطن ناقته القصواء إلی الصخرات، و جعل جل المشاة بین یدیه و استقبل القبلة، فلم یزل واقفا حتی غربت الشمس، و ذهبت الصّفرة قلیلا حتی غاب القرص، و أردف أسامة خلفه، و دفع رسول الله صلی الله علیهم و سلم، و قد شنّف للقصواء الزّمام حتی إن رأسها لیصیب مورک رحله، و یقول بیده الیمنی: أیها الناس السّکینة السّکینة، کلما أتی جبلا من الجبال أرخی لها قلیلا حتی تصعد، حتی أتی المزدلفة، فصلی بها المغرب و العشاء بآذان واحد و إقامتین، و لم یسبّح بینهما شیئا، ثم اضطجع رسول الله صلی اللّه علیه و سلم حتی طلع الفجر، فصلی الفجر حین تبیّن له الصّبح بأذان و إقامة، ثم رکب القصواء حتی أتی المشعر الحرام، فاستقبل القبلة، فدعاه و کبّر و هلّله و وحّده. و لم یزل واقفا حتی أسفر جدا فدفع قبل أن تطلع الشمس، و أردف الفضل بن عباس، و کان رجلا حسن الشعر، أبیض و سیما، فلما دفع رسول الله صلی اللّه علیه و سلم مرّت به ظعن یجرین فطفق الفضل ینظر إلیهنّ، فوضع رسول الله صلی اللّه علیه و سلم یده علی وجه الفضل، فحوّل الفضل وجهه إلی الشّقّ الآخر ینظر، فحول رسول الله صلی اللّه علیه و سلم یده من
الرحلة المعینیة، ص: 129
الشق الآخر علی وجه الفضل یصرف وجهه من الشّقّ الآخر ینظر حتی بطن محشر، فحرک قلیلا، ثم سلک الطریق الوسطی التی تخرج علی الجمرة الکبری، حتی أتی الجمرة التی عند الشجرة فرماها بسبع حصیات یکبّر مع کلّ حصاة منها مثل حصی الخزف، و هی من بطن الوادی، ثم انصرف إلی المنحر فنحر ثلاثا و ستین بیده، ثم أعطی علیا، فنحر ما غیر، و أشرکه فی هدیه، ثم أمر من کلّ بدنة ببضعة، فجعلت فی قدر فطبخت، فأکلا من لحمها و شربا من مرقها، ثم رکب رسول الله صلی اللّه علیه و سلم فأفاض إلی البیت فصلی بمکة الظهر، فأتی بنی عبد المطلب یسقون علی زمزم فقال:
انزعوا بنی عبد المطلب، فلو لا أن یغلبکم الناس علی سقایتکم، لنزعت معکم، فناولوه دلوا فشرب منه ». و سقنا الحدیث بطوله لما اشتمل علیه من العلم.
ثم لما کان وقت الضحی من یوم الجمعة المذکور رست الباخرة بنا عند جدة، و هی ثغر الحجاز علی البحر الأحمر، فاشتغل الناس بالنزول إلیها، و نزلنا وقت العصر من الیوم المذکور، و کان نزولنا عند الشیخ صالح بنأجمجوم، و هو رجل ذو کرم و أخلاق حسنة و اعتناء بالحجاج و لا سیما بالوارد منهم من قطر شنقیط، و علیه سیم الخیر، فرحّب بنا و أکرنا فلما کان وقت العشاء لیلة السبت الأخیرة من ذی القعدة، دعانا ولد المطوّف الذی عیناه [للصحبة أیام الحج] ، و اسم المطوف الشیخ عبد الله الکردی، و کان رجلا له مشارکة فی العلم و أدب کبیر، و کرم شهیر، و اسم ولده الذی دعانا أحمد ، و کان شابا ظریفا أدیبا. و من عادة أهل الحرم أن المطوف أو نائبه یتلقّی لفرقته من الحجاج بجدة، و یتولی شؤونهم، و هم یدفعون له ما ینوبهم من لوازم تلک البلاد، فسرنا مع ولد المطوف المذکور لداره فی جدة، فأحسن علینا و بالغ فی
الرحلة المعینیة، ص: 130
إکرامنا. و أقمنا بجدة یوم السبت، و دعانا فی هذا الیوم، الفقیه الشریف السید عبد العزیز بن أبی القاسم الدباغ المتقدم ذکره، أنه ممن زارنا بتطوان إلی داره بجدة، فسار إلیه الشیخ محمد الإمام و جامعه و بعض وفدنا، فوجدنا عنده الشریف الأدیب السید محمد الباقر بن شیخ التربیة العلامة الشهیر سید محمد بن الشیخ الکبیر الکتانی، و معه بعض الأعیان من فاس و غیرهم، منهم مولای عبد السلام بن مولای حماد الإدریسی الزرهونی، و سید محمد بن عبد الحفیظ الکتانی، فبالغ فی إکرامنا، و لم یقصّر فی إعظامنا، و کان مجلسنا عنده مجلس سکینة و وقار، تناشدنا فیه ما یناسب الحال من الأشعار، و تذاکرنا فیه المذاکرة العلمیة و تعاطینا فیه کؤوس المعارف الفهمیة، و کلّ منا هنأ أصحابه بالوصول، و رجونا منه تعالی الحج المقبول.
ثم لما کان بعد العشاء لیلة الأحد افتتاح ذی الحجة الحرام، رکبنا فی السیارة بقصد مکة المشرفة، فلم نبعد، و بتنا فی بعض المحلات دونها، و رکبنا بعد صلاة الصبح وقت الإسفار، فأتینا بئر ذی طوی بعد طلوع الشمس، فاغتسلنا منها غسلا خفیفا کما هو سنة المحرم لدخول مکة، نرجو به منه تعالی تخلیصنا من أسر الذنوب و فکه.
ثم سرنا من ذی طوی علی الأقدام لندخل مکة من حیث کان یدخلها علیه السلام: فسلکنا طریقة الثنیة العلیا، و هی المسماة بکداء، بالفتح، و منها یتشرف علی مقبرة مکة المسماة بالحجون، و هی إحدی المقابر التی تضیء لأهل السماء، کما تضیء الکواکب لأهل الأرض، کما ورد فی الأحادیث، فدخلنا مکة المشرفة بمسرات و أفراح، لم تغادر فی الحشا أثر أحزان و أتراح، ضحی یوم الأحد فاتح ذی القعدة الحرام، و اثقین منه تعالی نیل کل مرام، فقصدنا المسجد الشریف الحرام، و دخلناه بحمد الله من باب بنی شیبة من باب السلام، فشاهدنا البیت العتیق، و قد تدلت أستاره، و أشرقت أضواء منظره و أنواره، فلما ابتهجت بشهوده و قرت أبصارنا، و انشرحت بمشهده صدورنا و أسرارنا، قطعنا ما کنا فیه من التلبیة، و قرأناه الوارد
الرحلة المعینیة، ص: 131
الممکن من الأدعیة، و بادرنا وسط الزحام الحجر الأسعد، و قد اضطرب القلب هیبته و ارتعد، فقبلنا یمین الله فی أرضه، و الشاهد لمن قبله یوم عرضه إلی سید الأحجار فی الحرم الذی قضی الخالق الباری بتعظیم شأنه:
[الطویل]
حثثنا مطایا الشّوق و الشوق فی الفلافجاءت بنا إنسان عین زمانه
فطفنا ببیت الله بحمده سبعا علی الصفة المأمور بها شرعا، و صلینا خلف المقام رکعتی الطّواف، متحققین بفضله تعالی إلا من کل ما یخاف، وعدنا للبیت فوقنا بالملتزم، ثم تضلعنا بحمد الله من ماء زمزم، ثم خرجنا للسعی من باب الصفا، کما کان یفعل معدن الصفا، و بدأنا بما بدأ به الله، «إِنَّ الصَّفا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ» ، فارتقینا علی الصفا و وقفنا، و باستقبال الکعبة الشریفة تشرفنا، فهللنا ما شاء الله و کبرنا، و من الأدعیة المأثورة بقدر ما أمکننا أکثرنا، فسعینا سبعا بین الصفا و المروة، متمسکین من السنة بأوثق عروة، فحلقنا علی الإتمام، و نزعنا بالإحلال لباس الإحرام.
ثم رجعنا إلی المسجد الحرام، شاکرین الله علی ما منّ من الإنعام، ببلوغ المقاصد و المرام فی مشاهدة ذلک المقام، فلم نزل به حتی اجتمع وفدنا، فدعانا المطوف الشیخ عبد اللطیف الکردی المتقدم ذکره إلی داره، و هی قریبة من المسجد، فأکرمنا و أحسن علینا، و کنا ترکنا أثاثنا بداره.
الرحلة المعینیة، ص: 132
فلما کانت عشیة یومنا أتانا الفقیه السالک بن امبیریک، مرید سیدنا الشیخ مربیه ربه، و معه محمد إبراهیم مرید شیخنا الشیخ سعد أبیه بن شیخنا الشیخ محمد فاضل بن مامین، و کانا مجاورین فی الحرم الشریف، و قالا إنهما أرسلهما الحکیم السید أعزاز الدین الهندی لسیدنا الشیخ و وفده، یستدعیهم للنزول بداره، فحملنا أثاثنا إلی داره، و نزلنا عنده، فرحب بنا و أحسن مثوانا، و هو من موارد الشیخ أحمد بن الشمس، مرید شیخنا الشیخ ماء العینین، الذی صدره بعدما صحبه نحو
الرحلة المعینیة، ص: 133
ثلاثین عاما، و ظهر علیه من الفتح و البرکة و التسخیر ما لا یوصف، و أمره شهیر، صدره شیخنا أولا لقبیلة إدو الحاج بأرض شنجیط، ثم رجع لشیخنا، فأرسله خلیفة لزاویته فی فاس، فکان له بها شأن عظیم، انقادت له علماء فاس و سلموا له فی العلم الظاهر و الباطن، و کثرت اتباع شیخنا مع ما کان لهم من الکثرة بواسطته فی تلک النواحی، و جعله شیخنا واسطة فی أکثر الشؤون بینه و بین سلطان المغرب، فکانت له مکانة عند السلطان و القواد و سائر الدولة کبیرة، و هو ذو أشواق و أذواق و جذب عظیم، مع اتساعه فی سائر العلوم، و شدة تعلقه بشیخنا، و سلبه إرادته فی إرادته. و له تآلیف کثیرة فی أکثر الفنون، و جلّ تآلیفه فی أخبار شیخنا و کراماته و بث فضائله و فوائده، و هو مظهر من مظاهر شیخنا العظام، أودع فیه ما استوجب به غایة الإجلال و الإعظام، ثم انتقل بعد وفاة شیخنا رضی اللّه عنه إلی الحرمین، فحج مرارا، و ظهر فیهما ظهورا لا یوصف، و کثرت أتباعه، و خضعت له جبابرة الملوک، و تتلمذت علیه أهل الجذب و السلوک، و له کرامات کثیرة، و أموره فی خرق العادات شهیرة، و لم یزل بالمدینة المنورة مجاورا خیر الأولین و الآخرین حتی توفی بها رحمه الله، و دفن بالبقیع، و قبره هناک شهیر یزار و تقضی عنده الحاجات. و قد اختصرنا غایة ترجمته لأنا لو تتبعناها لاحتجنا إلی طول کثیر، و قد ظهرت برکته علی مریده إعزاز الدین المذکور، و انتفع به باطنه و ظاهره، و استقام به حاله، فعاملنا معاملة التلامیذ الخالصین لأشیاخهم، من تواضع و التماس برکة، و امتثال أمر، و بذل ال إلی غیر ذلک، جزاه لله خیرا. فلم نزل بحمد الله تعالی ملازمین المسجد الحرام فی أکثر أوقاتنا لیلا و نهارا، لإقامة الصلوات به و لإدمان الطواف، و لم نتفرغ لغیر ذلک من زیارة مشاهد الخیر التی ینبغی للحاج زیارتها بمکة لقلة الإقامة بها، فاغتنمنا الاشتغال بها بما هو أفضل و آکد، من ملازمة البیت الحرام، فلم نفارقه- بحمد الله- إلا فی أوقات الضروریات التی لا بد منها، و إلا إذا ستدعانا أحد الأحبة الأعیان لمحله، لما فی ذلک من جبر الخاطر و إجابة الدواعی المأمور بهما.
الرحلة المعینیة، ص: 134
و ممن ندینا لمحله، و تعاهد زیارتنا، و أظهر لنا المحبة الکاملة و الخصوصیة الزائدة عند قدومنا لمکة المشرفة، الأستاذ العلامة عمر بن حمدان المحرسی، المدرس فی الحرمین الشریفین، فأتاه سیادة الشیخ و جمیع وفده، و صادفنا بداره کثیرا من الکبراء و العلماء و الرؤساء من أهل مکة و مصر و العراق و الشام، و غیر ذلک من الحجاج، فاحتفل بالجمیع احتفالا کبیرا، و قدم من الأطعمة الحسنة و الأشربة المستحسنة، و بسط من الفرش المنمقة و النمارق المصفوفة و الزرابی المبثوثة ما ینبئ عن کرمه و سخائه و فضله، مع کمال البسط و الإکرام و المبرة و الإنعام، و وقعت فی المجلس محاضرات أدبیة و مذاکرات علمیة آلت إلی إنشاد أشعار مستظرفة و إنشاد أبیات مستملحة فیما یقتضیه الحال، بعضها أنشأه جامعه ما العینین بن العتیق، عفا الله عنه، و بعضها أنشأه الشیخ محمد الإمام، و منها ما أنشأه بعض أولئک الحاضرین، ثم کتبت جل أسماء الأدباء و العلماء الحاضرین، و کتبت أشعار المحاضرة فذهبت علیّ أیامنا فی منی لمرض أصابنی هناک، هی و جلّ التقایید التی فیها أسماء الأعیان الذین اجتمعنا بهم فی مکة المشرفة، و فیها کثیر من صفة أحوالنا و أیامنا بها، مع أنی لم أتفرغ لکتب کثیر من ذلک للشغل عنه بما هو أولی بی منه، فلذلک لم أذکر من تلک الشؤون فی هذه الرحلة إلا القلیل.
و الشیخ عمر هذا المذکور هو المرجوع إلیه فی المذهب المالکی بمکة و المدینة وقته، و هو المدرس فیهما، و عادته أن یقیم فی کل واحدة من البلدتین الطاهرتین ستة أشهر للتدریس بها، ثم یتوجه إلی الأخری، فهو شیخ المالکیة هناک. و أما شیخ المذهب الحنفی بمکة المشرفة وقته، فیسمی الشیخ محمد المرزوقی أبو حسین، و شیخ المذهب الشافعی بها، الشیخ أحمد ناضرین، و قاضی القضاة بمکة المشرفة الساعة یسمی الشیخ عبد الله بن حسن النجدی، من آل الشیخ، و أولئک یقلدون فی کثیر من أحکامهم الإمام أحمد بن حنبل، و القاضی بمکة فی المحکمة الکبری، محمد القاری الحنفی، و تحته فی القضاء القاضی محمد فود المصری المالکی.
الرحلة المعینیة، ص: 135
و الإمام بالمسجد الحرام، عبد الله، و یعرف بکنیته، أبا السّمح، و هو مصری و له مشارکة فی العلم، و إتقان و تجوید حسن لکتاب الله العظیم، و کان جهیر الصوت، یسمع وقت جهره فی الصلاة أکثر الناس، و له قراءة حسنة.
و ممن ندبنا لمحله أیضا من أهل مکة المشرفة، الشیخ الحسین بن قاضی المستعجلة، عبد الغنی، بحضرة الشیخ و سائر الوفد، فبالغ فی إکرامنا، و کان رجلا ظریفا أدیبا، له محبة زائدة فی جانبنا لمصاحبته الشیخ محمد حبیب الله الجکنی ابن الشیخ سید عبد الله بن مایابی، و تعلمه منه، فأورثه ذلک شدة الحب لنا، و القرب لجانبنا، لأن الشیخ محمد حبیب الله من موارید شیخنا الشیخ ماء العینین، و آباء المذکور من موارید والده شیخنا الشیخ محمد فاضل بن مامین، و قد صدره شیخنا الشیخ محمد فاضل، و ظهرت علیه برکات کثیرة، و کان له صیت کبیر و انتفع به کثیر من الناس، و کان علامة مشهورا فی بلده، و له أولاد کلهم علماء أجلاء، منهم الشیخ محمد حبیب الله المذکور، و منهم و هو أجلهم و أعلمهم و أورعهم، العابد الناسک، الواصل الجامع، الشیخ محمد العاقب مرید شیخنا الشیخ ماء العینین و قد صدره، و ظهر علیه من الفتح و الاستقامة و الکمالات ظاهرا و باطنا ما لا یوصف، و تآلیفه فی کل فن کثیرة، و منهم العلامة المشارک، صاحب التآلیف العدیدة، الشیخ محمد
الرحلة المعینیة، ص: 136
الخضر ، المتوفی بالمدینة المنورة رحمه الله، إلی غیر ذلک منهم، جزوا خیرا.
و ممن ندینا أیضا بمکة المشرفة، الأدیب الظریف، الشیخ عدنان بن عمر الکتبی، فحضرنا جمیعا عنده، و بالغ فی إکرامنا، و کان رجلا کیسا، له آداب زائدة و معرفة کبیرة بمکارم الأخلاق، و الإحسان و الفتوة جزی خیرا.
و من الأعیان و الرؤساء الذین أتونا زائرین بمکة المشرفة للتبرک بالشیخ و وفده، و اجتمعنا بهم و تذاکرنا مع بعضهم، و استمد بعضهم من سیادة الشیخ، الأمیر شکیب أرسلان ، و هو شهیر فی تلک الناحیة، بالعلم و البراعة، و هو من کبار کتاب العالم، و له خبرة کبیرة بعلوم التاریخ، و من تآلیفه: «الحلل السندسیة فی الأخبار و الآثار الأندلسیة» و منتخب بدیع لتاریخ ابن خلدون یشتمل علی ما علق به علی غوامض أبحاثه، الشیخ محمد خلیل بن عبد القادر اطیبة، الشیخ جعفر بن صالح الکثیری من أرض حضر موت، الشیخ محمد بن أمیر جان بن غلام جان بن أمیر الله، من الأفغان، و ناصر السنة الشیخ مصطفی المحامی المصری مدرس
الرحلة المعینیة، ص: 137
و خطیب فی مقام السیدة زینب، الشیخ محمد زباره ، أمیر من أمراء الیمن، السید عبد القیوم ولد سبائبة حیدراباد، من السند، خلف الله الصالح، من سودان مصر، أبو العزم الشیخ محمد المصطفی، مدرس بجمعیة المحافظة طنطا، [الشیخ أحمد التبری الفاسی الإدریسی بن أبی بکر، المجاور بمکة الشرفة] ، السید الشیخ عبد الله بن عباس الکتبی، الشاعر بباب السلام، الشیخ محمد أمین الکتبی، بمدرسة الغلام و المسجد الحرام، و قد أنشد هذه الأبیات فی مدح سیادة الشیخ وقت مجیئه زائرا:
[الطویل]
هنیئا لنا هذا مربّیه ربّهفلا تعذ لانی إننی أنا صبّه
خلیلیّ هذا ربعه و مطافهوقوفا قلیلا بی فإنی أحبه
فإن تسألا عن مذهبی فهو حبّهو إن تنشدا عن مطلبی فهو قربه
تحدّر من أصل شریف إذا بدتعناوینه فی الأفق تخجل شهبه
ولیّ تقیّ لیس یشقی جلیسهو ینبوع علم لیس تظمأ صحبه
الرحلة المعینیة، ص: 138
و هذا ما حضرنی الآن من الأعیان الذین أتونا زائرین، و أما من اجتمعنا به منهم فی المسجد الحرام و أیام الحج، فأکثر من أن یحص، و لو تتبعنا بعضهم لطال بنا.
و أما أهل بلادنا الشناجطة، فقد اجتمعنا بکثیر منهم، مجاورین فی أرض الحرم، فمن الذین لقینا بمکة المشرفة.
من الجکنیین :
أحمد فال، و بدّ، و أمین بن عثمان، و أحمد بن الخراش، و محمد الأمین بن عبد الله.
و من العلویین :
محمد عبد الفتاح، و الشیخ محمد الأمین، و محمد محمود بن المامون.
و من المسومیین :
الشیخ بن باب، و الحاج بن محق، و محمد محمود بن عبد الودود.
و من الحسنیین :
محمد حبیب الله الیوسفی، و محمد حبیب الله إدّا و کشلّوی.
و من آل بارک الله :
الشیخ ابن سید الأمین، و دامانی اسمه، عبد الله العتیق.
الرحلة المعینیة، ص: 139
و من الإبییریین
حمود بن السید بن المختار بن هیب، و أحمد بن الدّاه، و محمد ماء العینین.
و من التندغیین :
محمد المصطفی.
و من تنواجیو ، محمد بن الشیخ.
و لقینا من قبیلتنا، آل الطالب مختار ، الأدیب الناسک الفاضل، السید محمد فاضل بن العلامة الولی سید هیب، قدم حاجا من جهة أدرار، قریبا من شنجیط، و کان من خیار أبناء عمنا الساکنین هناک، و معه رفقة، أحمد سالک بن محمد بن عابدین بن بیروک، من قبیلة آیت موسی بن علی الساکنین بأدرار، و النّات، و بها یعرف من قبیلة إداولحاج و ثلاثة من قبیلة أولاد أبی السباع ، محمد الأمین ولد بن یحیی، و محمد سالم بن غیلان، و أحمد بن السّبعی، و السید المصطفی بن عبد الله بن أوفی، و هو الطبیب الصالح الشهیر فی أرضه.
و بالجملة فقد التقینا مع کثیر من الإخوان، أهل العلم و الصلاح من سائر الأقطار، و تذاکرنا معهم فیما یقتضیه الحال، لکن جل ذلک إنما یقع فی المسجد الحرام، و لا یخفی أن أهل المسجد- لا سیما، من الحجاج کلهم مقبل علی شأنه، من صلاة
الرحلة المعینیة، ص: 140
و طواف و تلاوة و أذکار، و نحو ذلک، فقلیلا ما یجدون فسحة من أنفسهم لغیر ذلک.
و ممن اجتمعنا بهم من أهل مکة المشرفة، رئیس السدنة الحالی الشیخ محمد ابن محمد صالح بن أحمد بن محمد زین العابدین الشیبی، المتولی رئاسة السدنة فی الیوم الحادی عشر من شهر رمضان سنة 1351، و هو من الأشیبة بن عثمان بن أبی طلحة الحجبی الثابت نسبهم، المعروفون أنهم سدنة الکعبة المعظمة، جاهلیة و إسلاما، من عهد عبد الدار بن قصی، إلی عهد شیبة بن عثمان إلی هذا العصر، و بیتهم من أشراف بیوت قریش، و وظیفتهم من أعظم الوظائف الإسلامیة، و لا یزال وجودهم من معجزات رسول الله صلی اللّه علیه و سلم، لقوله: «خذوها یا بنی أبی طلحة خالدة تالدة لا ینزعها منکم إلا ظالم» . فبقاء آل شیبة، و خلود سدانة الکعبة المعظمة بأیدیهم، مع تبادل الولاة و الحکام، و طول الزمان، من عهد رسول الله صلی اللّه علیه و سلم إلی الآن، لا شک و لا مریّة أن ذلک من أعظم معجزات رسول الله صلی اللّه علیه و سلم، فإن الله تعالی حفظ هذه العائلة الکریمة کما حفظ بیته الحرام من تعدّ المعتدین، و سیحفظهما بمشیئته تعالی إلی یوم القیامة.
و کان رئیس السدنة الشیخ محمد المذکور صاحب آداب و سکینة و وقار و أخلاق حسنة، و قد التقی مع سیادة الشیخ مربیه ربه، فی حجته فی العام الماضی، و أظهر له الخصوصیة، و التمس منه البرکة و کذلک فعل معه فی مقدمنا هذا، و مع سائر وفدنا و کان یفتح الکعبة فی یوم معین أو یومین فی کل جمعة، فتدخلها الناس للتبرک و التیامن و امتثال السنة، و کان إذا فتحها، و رأی أحدا من وفدنا، یقدمه علی غیره فی الدخول، و یظهر له الاعتناء، و لا یقبل أن یأخذ منه شیئا، کما یأخذه من الداخلین غیرنا علی حسب مراتبهم، و قد صادفتها یوم فتحها بعد ما کنت أطوف و سادنها المذکور عند بابها جالس علی سلم منصوب هناک یرقی معه إلی الباب، لأن الباب مرتفع علی الأرض نحو أربعة أذرع، و رأیت سیدنا الشیخ مربیه ربه داخل الباب جالسا، و بإزائه أخوه الشیخ محمد الإمام، فأشار إلی سیدنا الشیخ أن اصعد، و نبّه
الرحلة المعینیة، ص: 141
السادن علیّ، فأشار إلی الناس و هم مزدحمون، ففرّجوا لی، فطلعت، و قد داخلنی من الذّلة و الخضوع و الانکسار، و علانی من الخجل و الدهش و الوجل، لجلالة ذلک المشهد و مهابته ما الله مطلع علیه، فلما دخلت الباب، أخذ سیدنا الشیخ أعزه الله یدی لما رأی من حیرتی، و أرانی المکان الذی صلی فیه رسول الله صلی اللّه علیه و سلم، و کان السادن أراه إیاه، فصلی فیه قبل دخولی، و جلس أعزه الله ینتظرنی، فصلّیت فیه رکعتین و لم یعد طرفی قدمی إعظاما و إجلالا لبیته تعالی، و جعلت الباب خلفی قدر ثلاثة أذرع من المحل الذی صلیت فیه و لم آل جهدا فی الدعاء، نرجوه تعالی أن یتقبل أعمالنا، و یحقق آمالنا، ثم خرجت بما أنا فیه من حرمته و إجلاله.
و کذلک أخبرنی الشیخ محمد الإمام أنه وقع له، فلم یقدر أن ینظر غیر محل سجوده. و نحمده تعالی علی توفیقه إیانا للسّنّة. روی عن عائشة رضی الله عنها أنها قالت: عجبا للمرء المسلم، إذا دخل البیت کیف یرفع رأسه ببصره قبل السقف، لیدع ذلک إجلالا لله تعالی و إعظاما، دخل رسول الله صلی اللّه علیه و سلم الکعبة، فما خلف نظره موضع سجوده، حتی خرج منها صلی اللّه علیه و سلم.
و دخول الکعبة المعظمة، و الصلاة فیها من فضائل الأعمال و السنن المستحبة لأنها من فعل رسول الله صلی اللّه علیه و سلم، فقد دخلها صلی اللّه علیه و سلم، و صلی فیها، و دخلها أجلاء أصحابه صلی اللّه علیه و سلم، و صلوا فیها، کما دلت السنة الصحیحة علی ذلک، فقد روی الإمام البخاری فی صحیحه أحادیث صحیحة فی دخول النبی صلی اللّه علیه و سلم الکعبة، و أنه صلی فیها، و ذکر التقی الفاسی أسماء الصحابة الذین روی عنهم صلاة رسول الله صلی اللّه علیه و سلم فی الکعبة، و هم بلال، و جابر بن عبد الله، و شیبة بن عثمان الحجبی، و عبد الله بن الزبیر، و عبد الله بن عباس علی ما قیل، و عبد الله بن عمر بن الخطاب، و أبو هریرة، و عائشة، و عبد الرحمان بن صفوان القرشی، و عثمان بن طلحة الحجبی، و عمر بن الخطاب رضی الله عنهم، ثم ذکر أسماء الذین نفوها، و هم أسامة، علی المعروف عنه، و الفضل بن عباس، و أخوه عبد الله بن عباس، علی ما صح عنه، ثم
الرحلة المعینیة، ص: 142
قال، و إنما یؤخذ بشهادة المثبت لا بشهادة النافی. و قال النووی «أجمع أهل الحدیث علی الأخذ بروایة بلال لأنه مثبت جمعه زیادة علم فوجب ترجیحه. و أورد التقی الفاسی، فی «شفاء الغرام» جملة روایات مرفوعة و موقوف فی ثواب دخول الکعبة المعظمة، و کفی من ذلک ما روی الفاکهی عن هند بن أوس قال:
حججت فلقیت ابن عمر، فقلت إنی أقبلت من الفج العمیق، أردت البیت العتیق، و أنه ذکر لی أن من أتی بیت المقدس یصلی فیه خرج من ذنوبه کیوم ولدته أنه، قال ابن عمر: رأیت البیت من دخله، فصلی فیه خرج من ذنوبه کیوم ولدته أمه، ثم قال الفاسی: «و قد اتفق الأئمة الأربعة علی استحباب دخول البیت، و استحسن مالک کثرة دخوله».
و قد اقتصرنا من الصلاة فی الکعبة المعظمة علی رکعتین للائتساء به صلی اللّه علیه و سلم، فإنه صلی فیها رکعتین، کما فی روایة بلال رضی اللّه عنه و غیره،
ثم لما کان یوم الجمعة السادس من ذی القعدة، حضرنا صلاة الجمعة بالمسجد الحرام، و خطب الإمام خطبة حسنة طویلة، بالغ فی الوعظ فیها، و ذکر فضل الحج، و علّم الناس مناسکه، و وقع فی المسجد وقت صلاة الجمعة ازدحام کثیر.
الرحلة المعینیة، ص: 143
ثم لما کان یوم الترویة، و هو یوم الأحد الثامن من ذی الحجة، اغتسلنا، و لبسنا ثیاب الإحرام، و أحرمنا بالحج فی مکة المشرفة مع حجاجها، و خرجنا منها لما ارتفع النهار بعد ما جعلنا آخر عهدنا بها الطواف بالبیت متوجهین منی، فوصلناها حین زالت الشمس، فصلینا بها الظهر و العصر و المغرب و العشاء، کما هو السنة، ثم بتنا بها فی قباب وجدنا المطوف هیأها لنزولنا هناک، ثم لما طلعت الشمس فی الیوم التاسع، و هو یوم عرفة یوم الإثنین، سرنا متوجهین جبل عرفات، فوصلناه قیلولة یومنا، و وجدنا قبابا هناک هیأنا المطوّف لنا أیضا، فدخلناها حتی بلغ أول وقت الظهر، اغتسلنا اغتسالا خفیفا للوقوف بعرفات کما ذلک هو سنة هذا الغسل، فجمعنا الظهر و العصر بمسجد نمرة، و لم نر الخطیب، و لم نسمع صوته لکثرة الازدحام، ثم وقفنا بعرفات عند الصخرة التی کان یقف عندها رسول الله صلی اللّه علیه و سلم، کما أخبرنا أهل الخبرة من أهل البلدة بذلک، مستقبلین القبلة، و عندما وقفنا صب الله مطرا غزیرا حتی غسل أبدان الواقفین و لباسهم، فتیامنا به لقوله صلی اللّه علیه و سلم: «ما من قوم مطروا إلا و قد رحموا»، و قوله صلی اللّه علیه و سلم: «اللهم اغسلنی من خطایای بالماء و الثلج و البرد، اللهم نقّنی من الذنوب و الخطایا کما ینقّی الثوب الأبیض من الدّنس». و یقول الشاعر:
[البسیط]
جاءوا بأحمال أوزار تئودهممنها جبال و حسن الظنّ و طّاها
فسال لّما رأی الرحمان ذلّتهمطوفان عفو و غفران فغطّاها
نرجوه تعالی أن ینقینا من الخطایا الباطنة و الظاهرة، و أن یعمنا برحمته الواسعة فی الدنیا و الآخرة، و لم یزل المطر، و الناس واقفون فی دعاء و ابتهال و خشوع و أذکار و استغفار و خضوع، ملوکهم فی مقام الافتقار و الذّلة، و فقراؤهم فی محل الاضطرار و القلة، فکم دموع تدفقت، و کم ضلوع تحرقت، و کم نسمات هبات هبت، و کم
الرحلة المعینیة، ص: 144
سحاب رحمات صبت، و الجمیع یرغبون المغفرة من الغفار و یرجون الستر و العفو من العفو الستار. و التقتّ إلیّ سیدنا الشیخ مربیه ربه فی هذا الموقف، و قد خنقته العبرات، و ترادفت علیه من الخشیة الزفرات، و قال لی: یروی أن رجلا وقف بعرفات، فقال الحمد لله علی نعمة الإسلام، و کفی بها من نعمة، فلما کان العام القابل، وقف بعرفات أیضا و قال الکلمات، فناداه هاتف، علی رسلک، فمن عام أول و نحن نکتب لک ثواب قولها، و ما فرغنا منه، فقلتها بحمد الله فی ذلک الموقف، جزاه الله عنا أحسن جزائه. فلما دنت الشمس للغروب، انشقت السحائب، و غربت الشمس نقیة، فلبثنا هنیئة بعد الغروب، فنفرنا بفیضین، و انصرفنا بین المازمین آمین المصلی بمزدلفة، فوصلناها بعد مغیب الشفق، فجمعنا بها بین العشائین و تفرق وفدنا لکثرة الاختلاط و الازدحام، و بتنا هناک حتی أسفر الفجر علی وجه القرض، و أدینا من صلاة الصبح الحق المفترض، وقفنا عند المشعر الحرام إلی الإسفار منکبین علی الدعاء و حمید الأذکار و الاستغفار، فافضنا حتی وصلنا بطن محسّر، و هو وادی النار أسرعنا و الإسراع فیه مشروع ذهابا و إیابا، فمضینا کما نحن علی الطریق إلی أن وصلنا جمرة العقبة وقت الشروق، فرمینا بها سبع حصیات من أسفلها مکبرین مع کل حصاة، ثم رجعنا لرحالنا، فذبحنا الهدایا، و قد کنا أوقفناها بعرفات، ثم حلقنا، و سرنا من ساعتنا لمکة المشرفة، و لم نزل لابسین ثیاب الإحرام لا ستحبابها، و إن کان التحلل الأصغر یقع بعد رمی جمرة العقبة، فوصلنا مکة لما ارتفع النهار، فطفنا طواف الإفاضة، ثم سعینا بین الصفا و المروة، ثم حلقنا فنزعنا لباس الإحرام، فأحللنا التحلل الأکبر، ثم رجعنا إلی منی فصلینا بها الظهر یوم النحر، و هو یوم الثلاثاء، فی مسجد الخیف، و هو الذی نزلت علیه صلی اللّه علیه و سلم فیه سورة «و المرسلات»، کما حدثنا بذلک بعض علماء البلد، ثم رجعنا للقباب المعدّة لنا هناک، فأصابنی یومئذ مرض شدید بقیة الیوم و بتّ کذلک و أصبحت إلی وقت الظهر، مع أنی فی کثیر من لطف الله أحمده علیه، فلما زالت الشمس رجوت من فضله تعالی أن لا یعجزنی عن بقیة مناسکی، فمن فضله تعالی حسست بالراحة، فتوضّأت، و وقفت بمشقة، و استندت علی سیدی بوی بن الشیخ حسنّ، بل کأنه یحملنی أولا، و کلما خطوت بحمد الله یخف مرضی، فما وصلت الجمار، حتی
الرحلة المعینیة، ص: 145
قدرت علی المشی بفضله تعالی، و شفیت بحمده، فرمینا الجمار مبتدئین بالأولی التی تلی مسجد الخیف، ثم بالوسطی، و ختمنا بالعقبة، فوقفنا إثر الأولیین بقدر الإمکان مجتهدین فی الدعاء لنا و للأحبة و الإخوان و لسائر المسلمین فی کل مکان، و کذلک فعلنا فی الیوم الثانی، و کانت أیام منی غرارا فی أوجه الزمان و مواسم فرح و سرور لأهل الإیمان، یتجلی فیها الحق یومئذ بصفة الجمال، جزاء علی رضاهم قبل ذلک بتجلی الجلال، و لله درّ القاتل:
[السریع]
بلغت یا نفسی المنی فی منیو قد أزال الله عنک العنا
فاستنفدی وسعک فی شکرهو شیدی منه بناء الثّنا
ثم صلینا الظهر فی مسجد قریب من الجمرات، شائع عند أهل البلدة أنه أنزلت فیه علی رسول الله صلی اللّه علیه و سلم سورة الکوثر، ثم تعجلنا، قال تعالی: «فَمَنْ تَعَجَّلَ فِی یَوْمَیْنِ فَلا إِثْمَ عَلَیْهِ وَ مَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَیْهِ» ، فدخلنا مکة المشرفة وقت العصر من یومنا، و هو یوم الخمیس الثانی عشر من ذی الحجة، فصلینا العصر بالمسجد الحرام، شاکرین الله تعالی علی منته علینا بقضاء مناسکنا علی الوجه الذی قررناه باختصار راجین منه تعالی أن یتقبلها خالصة لوجهه الکریم، و یثیبنا بجنة النعیم، و النظر إلی وجهه العظیم، فی جوار سیدنا محمد علیه أتم صلاة و تسلیم.
فائدة فی ذرع الکعبة المکرمة من داخلها و خارجها و ارتفاعها، عدة روایات و ذلک ناشئ من اختلاف قدر الأذرع فی القصر و الطول. و أقربها عندی بالذراع المتوسط
الرحلة المعینیة، ص: 146
الیوم، هو ما قد حرره الفقیه عبد الله محمد ابن کرامة العامری فی کتابة «دلائل القبلة»، فقال: إعلم أن کعبة البیت الحرام مربعة البنیان فی وسط المسجد الحرام، ارتفاعها فی الأرض سبعة و عشرون ذراعا و عرض الجدار من وجهها أربعة و عشرون ذراعا، و هو بناء الحجاج، و کان ابن الزبیر جعل عرضها ثلاثین ذراعا یزید علی ذلک أقل من ذراع، بعد أن کشف علی قواعد إبراهیم علیه السلام، و بنی علیها» ثم قال:
«و عرض وجهها، و هو الذی فیه الباب، أربعة و عشرون ذراعا، و عرض مؤخّرها مثل ذلک، و عرض جذارها الذی یلی الشام، و هو الذی فیما بین الرکن الشامی و العراقی أحد و عشرون ذراعا». و یعضد هذا ما ذکره شیخنا الشیخ ماء العینین فی رحلته ، و إن کان یخالفه بیسیر، فقد یقع ذلک من اختلاف الأذرع، طولا و قصرا، کما قدمنا. و نصّ ما قاله شیخنا رضی اللّه عنه: «فائدة، قد ذرعت زمنی هذا بمکة الکعبة المشرفة، ذرعت ما بین الیمانی و الشامی، فوجدته خمسة عشر ذراعا بذراعی، و ذرعت ما بین الیمانی و رکن الحجر الأسود فوجدته عشرین ذراعا، و الذی بین الشامی و العراقی کما بین الیمانی و رکن الحجر الأسود، و ما بین العراقی و رکن الحجر الأسود، کما بین الیمانی و الشامی، و طولها فی السماء سبعة و عشرون ذراعا بالذراع المصری، المصطلح علیه الیوم، و یزید هذا علی ذلک بستة أصابع، و ما بین الباب و الحجر الأسود، و هو الملتزم علی أحد الروایات، أربعة أذرع بذراعی، و ارتفاع الحجر الأسود، ثلاثة أذرع، أو أزید بقلیل و تدویره ثلاثة أذرع بذراعی، و یغطّی کله بالذهب، إلا ما بین خنصری و سبابتی من وسطه، فإنه خارج، أی سالم من التغطیة، و ارتفاع أسفل الباب، قدر أربعة أذرع بذراعی أو أزید بقلیل»، انتهی کلام شیخنا الشیخ ماء العینین.
ثم قال أیضا فی قدر المسجد الحرام، و عدد ما فیه من الأساطین و القنادیل، و المرقوم علی لباس الکعبة، و فوائد ماء زمزم فی رحلته، ما نصه: «فائدة. قدمت
الرحلة المعینیة، ص: 147
بقدمی ما بین البیت و الأعمد التی تلیه من جهة الیمن، فوجدته أربعة و ستین قدما، و قدمته من جهة المغرب فوجدته سیتن، و قدمته من الشمال فوجدته ما بین الأعمد و الحجر ثلاثین قدما، و عرض الحجر ثلاثة أذرع بذراعی، و من انعطاف الحجر إلی الکعبة، قدمته، فوجدته أربعة و عشرین قدما، و ذرعته فوجدته اثنی عشر ذراعا، و قدمته من جهة المشرق، فوجدت ما بینه و بین مقام إبراهیم ثلاثین قدما، ثم إن زاد هذا أو نقص عما قلت فالخطأ منی، و إلا کان هذا، فالتوفیق الصواب من الله، لأنی فعلت هذا فی شیء من الازدحام لا یعلمه إلا الله، و لا یدریه إلا من رآه، نتوسل إلی الله بحقه، و من اشتاق إلیه أو رآه أن یغفر لنا ما قدمنا من الذنوب، و ما أخرنا و الصلاة و السلام علی محمد صلی اللّه علیه و سلم و من تلاه». و قال جامعه عفا الله عنه: و لا شک أن الازدحام عند البیت أیام الحج لا یدریه إلا من رآه، فلا یمکن لأحد هناک أن یسیر علی وجهه ساعة، و لا یری أین یضع قدمه، فضلا عن أن یذرع تلک الأماکن أو یقیسها بقدمه، و إنما هذه کرامة ظاهرة من کرامات شیخنا الشیخ ماء العینین التی خصّه الله بها.
و مثلها أیضا کرامته مع النفر الثلاثة الذین اجتمع بهم عند الکیزان الموضوعة فی الحرم، و تحدث معهم ما شاء الله، و لم یأتهم شخص واحد تلک الساعة، مع کثرة الناس و ازدحامهم هنالک. و کیفیة حکایته معهم کما سمعتها منه، و رأیتها بخطه کاتبا رضی اللّه عنه ما نصه: «حکایة: قال کاتب هذه الحروف، غفر الله له و أعاده من کل مخوف: إنه وقع لی زمنه بمکة الشرفة، و هو عام أربعة و سبعین بعد المائتین و الألف، أنی قمت بعد صلاة المغرب لأجدد الوضوء من الکیزان الموضوعة فی الحرم للشرب و الوضوء، کما هو المندوب، أی تجدید الوضوء، فلما أتیت لبعضها، وجدت عنده رجلا حینما جلست، فسلمت علیه فرد علیّ السلام، و اشتغلت أنا و هو بالوضوء، فإذا برجل آخر سلم علینا، فرددت أنا علیه السلام، فإذا بآخر سلم علینا، فرددت أیضا علیه السلام، فاشتغلنا بالوضوء، فلما أکملناه سلمت علیهم أیضا جمیعا،
الرحلة المعینیة، ص: 148
و التفتت علی الأخیر الذی جاءنا و قلت له: یا أخی، من أی بلاد أنت؟ فقال: أنا من ناحیة الشمال، و بلادنا لیس وراءها إلا سدّ یا جوج و ما جوج: فنحن فی حد بلاد المسلمین من تلک الناحیة، فقلت: کم المسافة دونکم؟ فقال لی: نحن بلادنا صعبة، و دونها الجبال و البحور، من جاء منا من جهة المشرق، تکون المسافة علیه أربعة أشهر و نحوها، و من جاء من جهة المغرب، تکون ستة أشهر، و نحو ذلک، فقلت له: و من حذاءکم من أهل التجارات؟ فقال لی: تأتینا الأتراک بتجارات علی التّیوس الفحول المعز، لأن بلادنا من صعوبة جبالها، لا یسیر فیها من المواشی إلا تیوس المعز، فاعتبرت، و التفت إلی الذی جاءنا قبله، و قلت له: یا أخی، من أی بلاد أنت؟ قال: أنا من بلاد المطلع، فقلت له: ما المطلع؟، فقال: مطلع الشمس، لأنا فی موضع ما وراءه إلا الجبال التی تطلع الشمس. قال: فنحن فی حد المسلمین و العمارة من تلک الناحیة فقلت له، کم المسافة دونکم فقال: إن کان برا فعام، و إلا فستة أشهر أو سبعة، و نحو ذلک فاعتبرت. و التفت إلی الأول الذی وجدته جلس قبلی و قلت له: یا أخی، من أی البلاد أنت؟ فقال: أنا من أقصی بلاد الیمین، بلادنا ما وراءها إلا بلاد الصین، فنحن فی حد بلاد المسلمین من تلک الناحیة، فقلت له: کم المسافة دونکم؟ فقال لی: أما برا، فنحو عشرة أشهر أو تسعة، و أما بحرا، فحسب التیسیر: من ستة أشهر و نحوها. فقلت لهم: لم یبق إلا صاحبکم، أعنی نفسی، فإنی من أقصی بلاد الغرب، و المسافة بیننا مع الحرم الشریف إذا کانت برا فعام أو قریب منه، و إن کانت بحرا، فحسب التیسیر و الأغلب ستة أشهر و نحوها، أو قریب منها کما وقع لی، و سألت کلّ واحد منهم عن زمن الربیع عندهم، و مجیء الأمطار، فإذا صاحب الیمین و المطلع، دهر الربیع عندهما فصل الخریف و ما قاربه من الصیف، و ذلک حال بلادنا التی هی الحوض و نحوه، و أما الشمال، فدهر الربیع عندهم، فصل الشتاء و ما قاربه من فصل الربیع، و سألتهم ما یتصارفون به فی بلادهم فقالوا کلهم: إن التصارف عندهم بالدنانیر و الدراهم. و سألتهم کلهم هل بلادهم فیها السلاطین، أو مستقیمة بلا سلاطین، فقالوا کلهم: إن بلادهم فیها سلاطین، و لا تستقیم دونهم، فقلت إن بلادنا لا یعرف أهلها دینارا و لا درهما، فاعتبروا غایة، و قال لی: بما التصارف عندکم، فقلت لهم بالأنعام و الأثواب و العبید،
الرحلة المعینیة، ص: 149
و نحو ذلک، فتعجبوا غایة العجب، و قلت لهم أیضا، إن بلادنا لا سلطان فیها، و أهلها مستقیمون غایة، و إنما یکون للقبیلة منها رئیس تأوی إلیه فی بعض أمورها ، و الناس مستقیمة علی ذلک، و أهل علم کثیر فتعجبوا من هاذین الأمرین غایة، و قالوا لی: إنهم یعرفون فی الحدیث، إن من أحق الناس بالأمان، قوما لا یعرفون دینارا و لا درهما، و ما کنا نظن أنه موجود فی الدنیا: فقلت لهم نعم، هم أهل بلادنا، یعیش أحدهم العمر الطویل لم یردینارا و لا درهما و لا عرفه إلا إذا کان من أهل العلم، فإنه یقرؤه فی العلم، فلما قلت لهم ذلک، کأنهم رأوا الفضل لبلادنا و أهلها علی بلادهم و أهلهم بذلک، و من أغرب الأشیاء أنهم جمیعا أعاجم، و لیس فیهم أحد یعرف لغة الآخر، و لا یعرفون لغتی أنا التی هی الحسانیة، و لکنهم کلهم أهل علم، و خبیر باللسان العربی، و أنا ما تکلمت لهم إلا به و لم یتکلم منهم بعض لبعض غیری، غفر الله لی، و کلهم غیر صاحب الشمال قال لی: إن بلاده فیها الأنعام، و من الغریب عندی أنا لم یأتینا شخص واحد غیرنا، فالتفتّ إلیهم، و قلت لهم: أعلمتم أن الله قادر علی أن یجمعنا الیوم لا ریب فیه، فقالوا کلهم: نعم نعم، فقلت الدعاء، فرفعنا أیدینا، فدعوت و أمنوا علی دعائی، و التفتّ إلیهم فإذا هم جمیعا متقاربین فی السن، کل واحد منهم فی أحسن الفتوة، فقمنا، و لم أر منهم واحدا بعد ذلک المجلس إلی الآن، نرجو الله أن یغفر لنا بالتمام، و السلام، فی الرابع و العشرین من شوال عام تسعة عشر بعد ثلاثمائة و ألف، عبید ربه ماء العینین بن شیخه الشیخ محمد فاضل بن مامین، غفر الله لهم و للمسلمین آمین».
و سمعته رضی اللّه عنه، قال: «إنه حدث بعض أهل الصلاح بهذه الحکایة، و قال له،
الرحلة المعینیة، ص: 150
عساکم کلکم یکون قطبا فی أرضه، و أنت هو قطبهم، و لکونک أنت الذی کلمتهم، و لم یکلم منهم أحدا غیرک، و الله أعلم».
و لنرجع إلی بقیة کلام شیخنا الشیخ ماء العینین فی المسجد الحرام، و هو ما نصه:
«فائدة فی قدر المسجد الحرام أذرعا، و فی عدد ما فیه من الأساطین و القنادیل، أذرعه مکسرة مائة ألف ذراع و عشرون ألف ذراع، و عدد الأساطین أربعمائة و ستة و تسعون، و کل هذه الأساطین رخام ما عدا مائة أسطوانة و تسعة و عشرین فإنها حجارة منحوتة، و منها ثلاثة أساطین آجرّ مجصص، ثم إن هذا العدد کله من غیر الأعمد التی حول الکعبة، و هی تسعة و عشرون، و مقام الحنفی عشرة، و هو الآن شمال البیت، و مقام المالکی أربعة، و هو الآن غرب البیت، و کانا بالعکس، و مقام الحنبلی أربعة أیضا، و هو یمین البیت، و مقام الشافعی إثنان، و هو شرق البیت لأنه فی مقام إبراهیم علیه السلام، و ذلک لیس له إلا عمودان شرقا، و أما غیر ذلک منها فإنه مبنی بناء مشبکا، فیکون الجمیع تسعة و أربعین، فإذا ما أضیف إلی ما قبله صار الجمیع خمسمائة و خمسة و أربعین».
«و الأساطین التی حول الکعبة کل اثنین منها بینهما خمسة قنادیل، و بعد ذلک ثلاثة أسطر، کل عمودین منها بینهما قندیل واحد، و فی مقام الحنفی خمسة و عشرون قندیلا، و المالکی ثمانیة، و الحنبلی أیضا ثمانیة، و مقام إبراهیم علیه السلام ثلاثة عشر قندیلا، فالجمیع ألف و ثلاثمائة و ثمانون و سبعة قنادیل، لکنی رأیتهم لیالی التشریق جعلوا علی المنارات کثیرا من القنادیل، لم أکثرت بعد لأجل اشتغالی فی تلک اللیالی، و لکونه نادرا، و النادر لا حکم له، و هذا کله عددته بنفسی إلا طول الکعبة فی السماء، و عدد أذرع المسجد مکسرا، فإنی أخذته من کتاب وجدته فی مکة علی أخبارها لم أرقط مثله، یقال له «البحر العمیق فی أخبار
الرحلة المعینیة، ص: 151
بیت الله العتیق»، و لله الحمد الذی بفضله یلیق، و فی هذا الکتاب من الفوائد و القصص و الأخبار ما لا مزید علیه.
فائدة فی بعض ما هو مکتوب علی لباس الکعبة الشریفة، مکتوب علیه سطر من رأسه علی رأسه یمینا و شمالا [من جهة الشرق]، «وَ إِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِیمَ مَکانَ الْبَیْتِ، الی عَمِیقٍ» ، و من جهة الیمین یمینا و غربا، «وَ إِذْ یَرْفَعُ إِبْراهِیمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَیْتِ إلی الْعَزِیزُ الْحَکِیمُ» ، و من جهة المغرب یمینا و شمالا، قل صدق الله العظیم، و أما من جهة الشمال، فلیس المکتوب علیها إلا کلاما علی جهة السلاطین، کل من کانت الولایة له یکتب علی اللباس فی کل زمن خلافته، «علی ودّ مولانا السلطان فلان بن فلان»، حتی یعد کثیرا من أجداده، و السلطان الآن فی عام حجنا الذی هو عام 74 أربعة و سبعین بعد المائتین و الألف، عبد المجید بن محمود خان، و من المکتوب عل لباس الباب خاصة، البسملة مرارا، و «لِإِیلافِ قُرَیْشٍ، و قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ» و کلمة الشهادة، و هذا الذی تقدم کله مکتوب بالذهب، و غیر هذا من لباسها کله محشو بکلمة الإخلاص و اسم الجلالة، و الکتابة فیه من نفس النسج، إلا أنه لیس بسطر مستقیم، بل کأنه من التزخرف علی حالة لا یعرفها إلا من رآها بالعین، و الصلاة و السلام علی من به یجمع بین البین.
فائدة، فی بعض فوائد ماء زمزم و خواصه، فمنها أنه لما شرب له، و قد نوی فیه الشافعی العلم فنال فیه ما نال، و الرمی فصار یصیب العشرة بالعشرة، و التسعة بالتسعة، و شربه رجل لا برة اعترضت فی فمه، و کاد یموت منها، فزالت عنه، و شربه آخر للعمی فشفی، و منها أن المنافق لا یتضلع منه، و آیة بیننا و بینهم، و منها
الرحلة المعینیة، ص: 152
أن من شرب منه، حرم الله جسده علی النار، و منها أن الله یرفع المیاه العذبة قبل یوم القیامة غیره، و منها أن النظر إلیه عبادة، و منها أنه طعام طعم و شفاء سقم. و قد أقام شخص شهرا بمکة لا یذوق غیره فتکسّرت عکون بطنه من الشحم، و کان بعضهم إذا ظمئ وجد فیه لبنا، و إذا أراد أن یتوضأ وجد فیه ماء، و منها أن الاطلاع فیها، یحط الأوزار و الخطایا، و منها أنه خیر ماء علی وجه الأرض، و منها أنه یبرد الحمی، و منها أنه یذهب الصداع، و منها أن الاطلاع فیها یجلو البصر، و منها أنه یحلو لیلة النصف من شعبان و یطیب، و منها أنه یکثر فیها أیضا کل سنة بحیث أن البیر تفیض بالماء، لکن لا یشاهده إلا الأولیاء، و منها أن من حثا منها علی رأسه ثلاث حثوات لم تصبه ذلة أبدا، و منها أنه یعظم فی الموسم و یکثر کثرة خارقة لعادة الآبار، و المراد بالموسم زمن الحج، و ثبت أن النبی صلی اللّه علیه و سلم عام حجة الوداع جاء زمزم، فقال: ناولونی دلوا فناولوه، و شرب منها، ثم تمضمض، و مج فی الدلو، ثم أمر بما فی الدلو فأفرغ فی البیر، کأنه مسک أو أطیب من المسک، و هذه عندی أفضل فضائله، صلی الله علی سیدنا محمد و آله.
فائدة. أیضا فی عدد أذرعه من أعلاه إلی أسفله، کان ستین ذراعا، ثم قلّ ماؤها فی بعض الأزمنة السابقة، فضرب فیها سبعة أذرع، و أذرع تدویر فمه، کان أحد عشر ذراعا، و قد جعل علیه کله البناء، سوی ثلاثة أذرع و ثلثی ذراع، و ما بین رأسه و الماء أربعة أذرع، و الأذرع فیما مضی قامة الإنسان، سوی الثلاثة الأذرع و الثلثین، فإنها بالذراع المتعارف، و هاتان الفائدتان أیضا من «البحر العمیق» و الحمد لله العلی الرفیق.
فائدة. فی عدد أبواب مسجد الله الحرام، و مناراته، أما الأبواب الکبار، فهی تسعة عشر، لکن ربما تکون فی الباب الواحد أربعة أبواب، أو أکثر أو أقل، و لا أظن
الرحلة المعینیة، ص: 153
الجمیع إلا یبلغ الأربعین أو قریبا منها، و الله تعالی أعلم، و أما المنارات، فهی سبعة، و لم یحضر فی ذهنی الآن أسماء الجمیع، لطول العهد، و لذلک رأیت ترکه حتی یتفضل الله به»، انتهی کلام شیخنا الشیخ ماء العینین رضی اللّه عنه فی رحلته .
قال جامعه مریده ما العینین بن العتیق، هذا الذی ذکره شیخنا من ذرع المسجد، هو الذی علیه جل المؤرخین، فقد ذکر الأزرقی فی کتابه «أخبار مکة» أن ذرعه مکسرا مائة ألف ذراع و عشرون ألف ذراع، و معنی مکسرا، یعنی مربعا، و کذلک ذکره غیره مفصلا و مجملا، و قد یقع التفاوت الیسیر، لاختلاف الأذرع، و تحقیق الاستقراء، و فی الحقیقة لا خلاف، و کذلک عدد الأساطین و القنادیل، فهر، کما ذکره شیخنا رضی اللّه عنه، و إن وقع الفرق فی بعض الروایات بزیادة قلیلة أو نقصان یسیر، فلا حرج، إذ یحدث ذلک عادة، إذا کان الإحصاء بغیر تدقیق، و کذلک یحصل من غلط الناسخ أو المطبعة، و علی کل فالفرق یسیر بل لا یعدو فرقا، و لم یحدث بعده رضی اللّه عنه کبیر تغییر فی هذه الأشیاء، إلا أن القنادیل الیوم صارت أضواؤها بالآلة الکهربائیة، و أما کسوة الکعبة المکرمة، فلم یزل رقمها علی ما ذکره رضی اللّه عنه أیام خلفاء آل عثمان، و یأتی المحمل المصری بالکسوة من مصر فی کل سنة، لأنها کانت تأتیها الکسوة من الخلفاء العباسیین، حتی انتقل آخرهم إلی مصر، بعد قضیة التتار، فاستمر مجیء الکسوة من مصر حتی أعلن أمیر مکة المشرفة الشریف الحسین بن
الرحلة المعینیة، ص: 154
علی بن محمد بن عبد الله المعین بن عون الثورة علی الحکومة الترکیة باسم استقلال البلاد العربیة سنة 1334، فاستمر إتیان الکسوة من مصر حتی وقع الخلاف بین المصریین و الشریف الحسین سنة 1341، رجع المصریون بالکسوة من جدة، فکساها الشریف بکسوة کانت مودعة بالمدینة المنورة من الحکومة الترکیة، فلما کان عام 1343، استولی الملک عبد العزیز بن عبد الرحمان آل السعود علی مکة المشرفة، فکساها، و فی سنة 1344 کساها المصریون علی عادتهم، و وقعت حادثة المحمل بمنی، فامتنع المصریون من مجیء الکسوة عام 1354، فکساها الملک عبد العزیز، و صنع دارا لحیاکة کسوتها بمکة، و کتب علی الکسوة آیات مناسبة و أذکارا و أسماء علی غیر النسق المصری، و استمر العمل إلی سنة 1355، اصطلح الملک عبد العزیز و المصریون، فأتوا للبیت بالکسوة من مصر علی هیأتها الأولی، إلا ما کان من تسمیة السلاطین، لأن بلاد المشرق لم تجتمع کلمتها علی سلطان من یوم تلاشی ملک العثمانیین، بل استقل فی کل أرض ملک، کالملک عبد العزیز بالحجاز و نجد الرحلة المعینیة ؛ ص154
الرحلة المعینیة، ص: 155
و لواحقهما، و الإمام یحیی بالیمن و غازی ابن فیصل بن الشریف الحسین بالعراق و الملک فاروق بمصر و نحو ذلک، و الله غالب علی أمره، و هو المستعان، ثم لم یزل المصریون یأتون بالکسوة علی هیأتها الأولی إلی عامنا هذا، و هو عام سبعة و خمسین بعد الثلاثمائة و الألف 1357، أتی بها المصریون علی عادتهم.
و أما أبواب المسجد الحرام، فهی کما قال شیخنا، رضی اللّه عنه، تسعة عشر (19)، قال صاحب «عمارة المسجد الحرام»: کان للمسجد الحرام فی عصر الخلیفة المهدی (19) بابا علی (38) نافذة إلی أن قال: یحتوی المسجد الحرام فی العصر الحاضر علی (26) بابا، بعضها یفتح علی نافذة واحدة، و بعضها علی نافذتین، و بعضها علی ثلاثة نوافذ، و واحد من عمومها یفتح علی خمس نوافذ، ثم فصلها و بینها بابا بابا، و منفذا منفذا، و وصفها، و نحن نکتفی بأسماء الأبواب الستة و العشرین المشهورة الیوم مخافة التطویل، و هی فی الجانب الشرقی خمسة (5):
1. باب السلام، و یعرف قدیما بباب بنی شیبة.
الرحلة المعینیة، ص: 156
2. باب مدرسة السلطان قایتبای
3. باب النبی صلی اللّه علیه و سلم، و یقال له أیضا باب الجنائز، و باب الحریریین.
4. باب العباس رضی اللّه عنه.
5. باب علی رضی اللّه عنه، یعرف بباب البطحاء، و بباب بنی هاشم.
و الجهة الجنوبیة من المسجد، فیها سبعة أبواب:
1. باب بازاق، و یعرف أیضا بباب بنی عائد، و یسمی الیوم باب النعوش
2. باب البغلة، و یعرف بباب بنی سفیان
3. باب الصفا، و یسمی أیضا باب بنی مخزوم
4. باب أجیاد الصغیر، و یسمی أیضا باب الخلیفتین
5. باب المجاهدیة، و یقال له باب الرحمة، و یسمی الآن، باب أجیاد.
6. باب مدرسة الشریف عجلان، و یعرف بباب بنی تیم
7. باب أم هانئ رضی الله عنها، و یسمی باب الملاعبة، و یدعی باب أبی جهل.
و الجهة الغربیة من المسجد الحرام، فیها ستة أبواب:
1. باب الحزورة، و یصحف الآن بباب عزورة، و یسمی باب البغالیة، و یعرف بباب الوداع، و بباب بنی حکیم، و بباب الزبیر، و بباب الحزامیة.
2. باب ابرایم علیه السلام، و هو الذی کثیرا ما ندخل منه أیامنا بمکة المشرفة
3. باب الخوذی
4. بابد مدرسة الشریف غالب
5. باب مدرسة الداودیة
6. باب العمرة، و یسمی باب بنی سهم
الرحلة المعینیة، ص: 157
و فی الجانب الشمالی من المسجد الحرام ثمانیة أبواب:
1. باب السدة، و یعرف بباب عمرو بن العاص، و یسمی باب ابن عتیق
2. باب مدرسة الزمانیة
3. باب الباسطیة، و یسمی بباب العجلة
4. باب القطبی، و یسمی قدیما بباب زیادة دار الندوة
5. باب الزیادة، و بهذا اشتهر الیوم و کان یدعی باب سویقة
6. باب المحکمة
7. باب السلیمانیة
8. باب الدریبة
هذا عدد أبواب المسجد الحرام من جهاته الأربع، و هی المعتبرة و إن کانت أبواب المدارس التی حوله تعتبر أیضا أبوابا عمومیة لأنها نافذة من المسجد الحرام إلی الشوارع العمومیة.
و أما منارات المسجد الحرام، فهی سبعة، کما ذکر شیخنا رضی اللّه عنه و هی:
1. منارة باب العمرة
2. منارة باب السلام
3. منارة باب علی
4. منارة باب الوداع
5. منارة باب الزیادة
6. منارة السلطان قایتبای
7. منارة السلطان سلیمان خان
و قد أحببت أن أذکر أسماء أبواب المسجد الحرام، و أسماء مناراته لإشارة شیخنا رضی اللّه عنه فی قوله، إنه نسی أسماءها، فترکها حتی تفضل الله بها، و لا شک أن هذا من فضل الله علیه رضی اللّه عنه، لکونی من أتباعه و المرء فی میزانه أتباعه و أحمد الله تعالی حیث جعلنی محل هذه الإشارة، لأنی لا أعلم أحدا من أتباعه رضی اللّه عنه سبقنی
الرحلة المعینیة، ص: 158
لذکر أسمائها، نرجوه تعالی أن یوفقنا و یرشدنا لما یحبه و یرضاه.
فائدة. بعض ما ورد فی فضل الطواف بالبیت الحرام، و فی بعض الأوقات التی تنبغی المثابرة علی الطواف فیها، من ذلک ما أخرجه الواحدی عنه صلی اللّه علیه و سلم، أنه قال:
«من طاف بالبیت سبعا، و صلی خلف المقام رکعتین، و شرب من ماء زمزم، غفرت له ذنوبه بالغة ما بلغت» . و أخرج الأزرقی و غیره عنه صلی اللّه علیه و سلم، أنه قال، «إذا خرج المرء یرید الطواف بالبیت، أقبل یخوض فی الرحمة، فإذا دخله غمرته، ثم لا یرفع قدما و لا یضعها إلا کتب الله له بکل قدم خمسمائة حسنة، و حط عنه خمسمائة سیئة، و رفعت له خمسمائة درجة، فإذا فرغ من الطواف، فصلی رکعتین فی المقام خرج من ذنوبه کیوم ولدته أمه، و کتب له أجر عتق عشر رقاب من ولد إسماعیل، و استقبله ملک علی الرکن، و قال له: استأنف العمل فیما تستقبل، فقد کفیت ما مضی، و شفع فی سبعین من أهل بیته». و عنه صلی اللّه علیه و سلم أنه قال: «لو أن الملائکة صافحت أحدا لصافحت الغازی فی سبیل الله و البار بوالدیه و الطائف ببیت الله الحرام»، و عنه صلی اللّه علیه و سلم أنه قال: «إن الله تعالی یباهی بالطائفین ملائکته». و عن أبی هریرة رضی اللّه عنه أن النبی صلی اللّه علیه و سلم قال: «أکرم سکان أهل السماء علی الله، الذین یطوفون حول عرشه، و أکرم سکان أهل الأرض علی الله، الذین یطوفون حول بیته». و عنه صلی اللّه علیه و سلم أنه قال: «من صلی خلف المقام رکعتین، غفر له ما تقدم من ذنبه و ما تأخر، و حشر یوم القیامة من الآمنین» . ذکره القاضی عیاض فی الشفاء، إلی غیر
الرحلة المعینیة، ص: 159
ذلک مما هو کثیر، و تنبغی المثابرة علی الطواف بعد الصبح و العصر، لما رواه ابن عمر عنه صلی اللّه علیه و سلم أنه قال: «طوافان لا یوافقهما عبد مسلم إلا خرج من ذنوبه کما ولدته أمه، و غفرت له ذنوبه بالغة ما بلغت، طواف بعد الصبح، یکون فراغه عند طلوع الشمس، و طواف بعد العصر، یکون فراغة عند غروب الشمس، فقال رجل: «یا رسول الله، لم یستحبّ هاتان الساعتان؟ قال: ساعتان لا تعدوهما الملائکة»، و من الأوقات التی ینبغی الطواف فیها، وقت المطر، لما روی عنه صلی اللّه علیه و سلم، فقد قال: «من طاف بالکعبة یوم المطر، کتب الله له بکل قطرة نصیبه حسنة، و محا عنه بالأخری سیئة» و عن أبی عقال، قال: «طفت مع أنس ابن مالک رضی اللّه عنه فی مطر ، فلما قضینا الطواف، أتینا المقام، فصلینا رکعتین،- فقال لنا أنس: استأنفوا العمل، فقد غفر لکم ما مضی، ها کذا قال لنا رسول الله صلی اللّه علیه و سلم، و طفنا معه فی مطر». و منها عند خلو المطاف، لأنه حینئذ یکون قائما بهذه العبادة العظیمة من غیر مشارک له فی سائر أقطار الأرض. و کذلک قال العلماء: لو حلف لیعبدن الله بعبادة لا یشرکه أحد فیها، فالخلاص أن یخلی له المطاف، فیطوف به وحده، قال جامعه، غفر الله له، وقد منّ الله علینا بالطواف فی هذه الأوقات المذکورة بعد الصبح و العصر، فکثیرا ما نطوف تلک الساعتین، بل لم یفتنا الطواف فیهما، و لله الحمد، أیامنا بمکة المشرفة، و أما ساعة المطر، فقد نزل علینا مطر فی بعض أیامنا بمکة بعد العصر، و نحن نطوف و لله الحمد، و وقع ازدحام کبیر فی الحجر لرغبة الناس فی الشرب من الماء الذی یصب فیه من میزاب الرحمة، و کنا بحمد الله ممن شرب منه، و أما عند خلو المطاف، فبینما نحن نطوف یوما فی الازدحام إذ أقبل أصحاب الملک عبد العزیز، فدفعوا الناس عن المطاف، و ردوهم إلی نواحی المسجد، و حاط عساکره بالبیت العتیق، فلم یبق به طائف إلا أنا، و الشیخ محمد الإمام بن شیخنا الشیخ ماء العینین، فإنهم لم یتعرضوا لنا حتی أتممنا طوافنا، فالتفت إلی الشیخ، و قلت له:
الرحلة المعینیة، ص: 160
سبحان الله هذه خصوصیة من الله تعالی، فإنه ما علی وجه الأرض الساعة من هو متلبس بهذه العبادة غیرنا، نرجوه تعالی أن یتقبل أعمالنا، و یوفقنا لصالح العمل، و لا یکلنا إلیه، و بلغنا أن الملک عبد العزیز، کان یطوف فی جملة الناس بدون امتیاز، أعوام إمارته الأولی حتی غدره بعض الظلمة، و هم مستلم الحجر الأسعد، فضربه بمکحلة حتی مست الرصاصة الحجر الأسعد، فسلمه الله ببرکة ذلک المقام الشریف، و من حینئذ صار لا یطوف إلا علی هذه الهیئة التی ذکرنا، خشیة الغائلة.
و قد کانت مدة إقامتنا بمکة المشرفة بعد أیامنا فی الحج خمسة أیام، فباعتبار أیام الحج، و أیامنا فیها قبله، تکون المدة سبعة عشر یوما، لأنا دخلناها صبیحة یوم الأحد فاتح ذی الحجة، و خرجنا منها بعد صلاة العشاء لیلة الأربعاء الثامنة عشر من ذی الحجة، نحمده تعالی حق حمده، و رضی نفسه، وزنة عرشه، و مداد کلماته، علی ما تفضل به علینا من حج بیته الحرام، مشرق شمس سید الأنام، علیه أزکی الصلاة و السلام، حیث دائما یتجلی الحق تعالی علی الأنام، بالرحمة و الإحسان و الإکرام، و مغفرة الأوزار، و الأثام و نیل سائر الآمال و المرام. فیا لها من بلدة من دخلها کان من الآمنین، و من نحا نحوها، کان من الفائزین، فهی قبله العابدین، و غایة منیة السابقین، و مناخ همم العارفین، و محط آمال الراغبین، نرجوه تعالی أن یسعدنا بها فی سائر الدهور، و یحفظنا من جمیع الشرور و ینیلنا جمیع الخیور، و یوفقنا لمرضاته فی جمیع الأمور و یختم لنا بالسعادة، و یرزقنا الحسنی مع الزیادة، نحن و بنینا و أحبتنا، و أقاربنا و أشیاخنا، و من علمنا، و جمیع المسلمین و المسلمات، الأحیاء منهم و الأموات، و أن لا یجعل هذا آخر عهدنا بهذه البقاع الطاهرات، و المشاهد المقدسات، و الحضارات المعظمات و یهدینا، و یکون لنا فی سائر الأماکن و الأوقات.
الرحلة المعینیة، ص: 161
و هذه قصیدة أنشدنیها سیدنا الشیخ مربیه ربه، أنشأها لما فرغ من حجه أعزه الله، و هی من أحسن ما یقال فی المعنی، رتّب فیها مناسک الحج، علی سبیل الدّعاء، و هی:
[رجز]
الحمد لله الذی من حجّهفضلا علیه ییسّر علیه حجّه
رب ارزقنّی حجک المبروراو لتجعلنّ سعینا مشکورا
رب اجعلنی حرما معظّمایزور طه و یحجّ الحرما
یا ربّ البیت و بالمناسکفلتجعلنّی خیر کلّ ناسک
بحرمة الاحرام قوّ حرمیو احفظه و احفظ نسبتی و حرمی
و لتجعلنّ کلّ من سمع بییحرم لی منک بأعلی الرّغب
معتقدا، ملبیا نحوی، وهبعلی یدی له جمیع ما طلب
و بالتّنظّف و الاغتسالو رکعتیه اصلحنّ حالی
لبّیک لبّیک، و لا شریکلک، و کل الخیر فی یدیک
لبّیک و النّعمة و الحمد لدیکلبّیک لبّیک و لا لک شریک
الرحلة المعینیة، ص: 162 و ألبسنّی حلّة الإکراممدی المدی بملبس الإحرام
بحرمة الهدی و ما استصحبهأرجو هداه دائما و قربه
بالاغتسال لدخول مکّةو بالدّخول من کدا الثنیّة
حرّم علی النار بهذا الحرمسرّی و ظاهری و لحمی و دمی
و بالذی من دعوات الخیریدعی هناک هبه لی بخیر
و بدخول البیت من باب السلامو باستلام الحجر ارزقنا السّلام
أنت السّلام ربّنا منک السّلامو حیّنا اللهمّ رب بالسّلام
و بالطواف و دخول المسجدو هو التّحیّة له فأیّد
بکلّ تکبیر و تقبیل الحجرأکون ممّن لک حجّ و اعتمر
بالرکعتین ربّنا خلف المقامکن لی و بالملتزم أرق المقام
و بالذی من دعوات الخیریدعی هناک هبه لی بخیر
و بالوقوف بالصفا و المروةو السّعی قلبی املآه بالمروّة
و بالذّکر و التّکبیر و الهیللةو بالصلاة لرسول الملّة
الرحلة المعینیة، ص: 163 و بالذی من دعوات الخیریدعی هناک هبه لی بخیر
بالخطبة الأولی بمکة التیفی الظهر من سابع شهر الحجة
قدم لرتبتی و لا تسقطهالدرجاتی ارفع و لا تحططها
و بالخروج لمنی فی الثامنهب لی المنی فی سائر المواطن
بالصّلوات فی وقوتها هناکربّ تفضّلن علیّ برضاک
و بالذی من دعوات الخیریدعی هناک هبه لی بخیر
بحقّ إحیاء المبیت بمنیأحی مواتی و ارزقنّی المنی
بالاغتسال لشهود عرفهکوصفه بمکّة المشرفه
و هو بلا دلک سألت المغفرهلله فضلا لست عندی معذره
بالقصر فی الظّهرین و الجمع هناکو الخطبتین لا تکلنی لسواک
هب لی بالوقوف عند عرفاترضاک فی الموقف و احفظ من شتات
رب بذا الیوم و ما أنزلت فیهمن رحمة و کلّ أمر تصطفیه
أسألک اللّهمّ کلأ ذی النّعمأنت الذی تعطی الأخصّ و الأعم
الرحلة المعینیة، ص: 164 و بالذی من دعوات الخیریدعی هناک هبه لی بخیر
بسرّ دفع الناس للمزدلفهبعد الغروب من وقوف عرفه
بالمأزمین و بحرمة المروربینهما أصلح لنا کلّ الأمور
بالجمع و القصر و حطّ الرّحلو بالمبیت أغننی بالفضل
و بوقوف المشعر الحرامفاغفر ذنوبی و اعف عن آثامی
وادع به و لا تقف بالمشعرقبل صلاة الصبح أو أن تشعر
و بالّذی من دعوات الخیریدعی هناک هبه لی بخیر
بالدّفع قرب ساعة الاسفارو سر الإسراع بواد النّار
یا ربّنا و حقّ رمی العقبةسلّم لنا من اقتحام العقبه
و سلّمنّ من عذاب النارو احفظ جمیعنا من الأشرار
بسرّ سرّ الرّمی یوم النّحرو حرمة الحلق و حقّ النّحر
اذهب جمیع البأس و الاضرارعنا بلا بأس و لا إصرار
ولتدفعن عنّا جمیع النّقمو اجلب لنا بالخیر کلّ النّعم
الرحلة المعینیة، ص: 165 أوزع لنا شکرا یدیم النعمتینو بالإفاضة و سرّ الرّکعتین
أفض علیننا من جمیع الفضل مایغبطه ذو الفضل منک کرما
و بالرّجوع لمنی و بالمبیتبها اهدنا کلّ مقیل و مبیت
هب لی بأفضلیة الإقامهبها إلی الإتمام الاستقامه
ربّ برمی الجمرتین و الدّعاإثرهما ورمی الأخری أو سعا
و بالذی من دعوات الخیریدعی هناک هبه لی بخیر
و افعله فی الثلث و الرابع إنشئت بسرّ فعله قنا الفتن
أکمل بسرّ الحجّ نعماک علیإلیک ملجا الضّعیف و القوی
ربّ أعنّی علی إعانهأهل العیال و أدّ الأمانه
عنّی تجاوز بنزول الأبطحو بالطّواف للوداع فاصفح
و بالخروج من کذا إلی زیارة النبی و صاحبیه کن لیا
یا ربّ أسألک ما سألهنبیّنا الفاضل أفضله
کذاک ما سأله أصحابهمن کلّ خیر حبّذا أصحابه
الرحلة المعینیة، ص: 166 و إننی أسأل کلّ ما سألأستاذنا لربّنا عزّ و جل
و کلّ ما سأله نبیّو عالم و صالح ولیّ
و کلّ ما سأله غیرک لکمن کلّ خیر و تسابیح ملک
ربّ اعطنا ما طلبوا و سألوامنک افتضالا، فصّلوا أو اجملوا
بجاه جاهک و جاه جاهمحمّد الهادی رسول الله
علیه أفضل صلاة اللهما دام ملکه بلا تناهی
کمل النصف الأول من الرحلة المعینیة بحمد الله تعالی
و یتلوه النصف الثانی بحول الله، ذکر الخروج من مکة المشرفة إلی المدینة المنورة إن شاء الله.
الرحلة المعینیة، ص: 167
الرحلة المعینیة، ص: 169
بسم الله الرحمان الرحیم
ثم لما کانت لیلة الأربعاء الثامنة عشر من ذی الحجة الحرام، بعد أن صلینا المغرب و العشاء، بمسجد الله الحرام، طفنا ببیت الله الحرام طواف الوداع، و تضلعنا من ماء زمزم بحمد اللّه ثم رجعنا للحجر الأسود و استلمناه و قبلناه و دعونا عند الملتزم علی الهیأة المأثورة، و هی أن یلصق القائم بین الباب و الحجر صدره بالبیت و یمد یده الیمنی لجهة باب البیت، و یده الیسری إلی جهة المحجر، نرجوه تعالی نیل الفوز و الظفر، و قضاء کل مأرب و وطر، بجاه کل من حج و اعتمر، ثم خرجنا من باب الوداع، لا جعله الله آخر عهدنا بتلک البقاع الطاهرات الطیبات المبارکات، ثم رکبنا السیارة من وقتنا متوجهین إلی المدینة المنورة لزیارته صلی اللّه علیه و سلم، فسرنا لیلتنا حتی بارحنا مکة المشرفة، فنزلنا و بتنا فیها و بین جدة، فرکبنا صباحا، و وصلنا جدة ضحی یوم الأربعاء، و نزلنا بها إلی قرب الزوال، ثم رکبنا، فلما بلغنا کراع الغمیم، غاصت السیارة فی خضخاض هناک، و فسد من آلتها ما عاقها عن الجری، فنزل وفدنا، و حملوا الشیخ مربیه ربه علی أیدیهم حتی جاوزوا به أماکن الطین و الماء، و تفرق أهل السیارة فی ذلک الموضع لطلب الظل للمقیل، و أظلّت أصحابنا علی الشیخ بأردیتهم، و ممن باشر ذلک ابن أخیه السید بوی بن الشیخ حسنّ، فإن الشیخ اضطجع علی فخذه و أظلّه بردائه، فنام علیه حتی استراح، و أخبرنی السید بوی أنه نال بتلک الضجعة التی رأس الشیخ فیها علی فخذه ما یحمد الله علیه من الفتوحات ظاهرا و باطنا، و ظهرت له أوائل ذلک من تلک الساعة و لم تزل تزداد، و لله الحمد، ثم رکب الشیخ محمد الإمام علی سیارة أخری مرت بنا حتی وصل محطة أمامنا، فرجع لنا بسیارة صالحة، فرکبناها وقت الغروب حتی وصلنا المحطة التی قرب رابغ، فبتنا هناک، و رکبنا صباحا فوافینا رابغا ضحوة الخمیس، فنزلنا فیه قلیلا، ثم رکبنا لوجهتنا بعد الاستراحة فیه.
الرحلة المعینیة، ص: 170
و قد کانت بین المدینة المنورة و مکة المشرفة مناخات و محلات معدة للاستراحة و للأکل و الشرب لمن شاء ذلک من الحجاج، و ربما استرحنا فی بعضها، و أکثر من یعمر تلک المحلات أهل البدو، و هم الأعراب المتوطنون الحرم الشرف، و جلهم عامیون، لا معرفة لهم بالعلم، بل عامّ فیهم الجهل، إلا أن اللسان الربی سجیة فیهم، فیتکلمون به عن فصاحة کثیرا بالطبیعة رجالا و نساء و صبیانا، فمن ذلک أنی سألت فی بعض المحلات صبیا صغیرا عن بئر بإزائنا، و حذاءها آبار أخر، ما اسمها فقال لی: أیّة بئر، بهذا اللفظ، فتعجبت من تأنیثه للبئر و إلحاقه تاء التأنیث بأیة، و ذلک مخالف لما علیه أهل اللغة الدّارجة الیوم، لأنهم یذکرون البیر، و لا یلحقون التاء بأی فی التأنیث، و إنما تکلم الصبیّ باللغة الفصحی علی الطبیعة. قال تعالی:
«وَ بِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ» و قال الشاعر:
[الطویل]
بأی کتاب أم بأیّة سنّةتری حبّهم عارا علیّ و تحسب
و هذا نمط کلامهم غالبا. و أحوالهم فی لباسهم، و إکرامهم للأضیاف و کسبهم للأنعام قریبة من حال بلادنا و بوادیهم فی أرض الشناجطة، إلا أن بوادینا فیها الزوایا الکثیرون المعتنون بالعلم، و علماؤها مشهورون، و قلما تفارقهم المدارس المشحونة بطلبة العلم، و بلاد المشارقة لیس أهلها کذلک، و إنما یعتنی بالعلم فی بلاد المشارقة أهل الحاضرة فقط، فأهل بوادیهم یشبهون حسان و اللحمة من أهل
الرحلة المعینیة، ص: 171
بوادینا فی عدم التعلم، و نساؤهم یلبسن الثیاب السود غالبا کنساء بلادنا. و لا تجدهنّ إلا مستترات غیر متبرجات، و یستوی فی ذلک أهل الثروة منهن و الفاقة، لأنا رأیناهنّ یسألن الصدقة لفاقتهن، و هن علی ذلک الحال، و قد کن یتعرضن لنا و معهن الصبیان، فیقفن هنّ و الصبیان بإزاء طریق السیارة حتی تمر بهم سائرة. فیقولون: ارم یا حاج، ارم یا حاج، یطلبون ما یرمی لهم من الصدقة، و کانت الحجاج ترمی لهم الدراهم و الخبز، و التمر، و نحو ذلک مما تیسر، و لم نزل یومنا هذا نرمی لهم کلما تعرضوا لنا، کلّ یرمی لهم ما أمکنه.
فرأی الشیخ محمد الإمام ابن شیخنا الشیخ ماء العینین جماعتنا و کأنها مسها ملل من الرمی لهم فقال لهم بدیهة:
أحجّاج بیت الله و یحکموا فارموا
فاستجاز جامعه ما العینین، فقلت بدیهة:
لیمحی بما ترمونه عنکم الجرم
فقال الشیخ محمد الإمام:
[الطویل]
فمن رام بذر الأجر هذا محلّهو لا عذر إلا حیث یمنعک العدم
فقال ما العینین:
علی أنه لا عدم إن جئت هاهناو لا یدرک المعنی سوی من له فهم
فما زالت الجماعة ترمی بالصدقات جهدها، لمن تعرض لنا من السائلین حتی
الرحلة المعینیة، ص: 172
انقطعوا عنا بإقبال اللیل، فبتنا تلک اللیلة، و هی لیلة الجمعة فی بعض المحلات القریبة من المدینة المنورة، و کانت طریقنا هذه فی السیارة علی ساحل البحر، و هی طریقه صلّی اللّه علیه و سلم، فی هجرته من مکة إلی المدینة المنورة، ثم رکبنا صبیحة یوم الجمعة، و نزلنا ضحی بذی الحلیفة عند بئر علی کرم الله وجهه بمحلة هناک، حتی توضّأنا، و أصلحنا شؤوننا، و لبسنا فاخر ثیابنا، لأن من السنة لداخل المدینة أن یتطیب و یلبس فاخر ثیابه، فرکبنا و قد فاضت العبرات و توالت الزّفرات و طاشت العقول و شمرت الذیو، و انتعشت الأرواح و الأفکار، و انبعثت الأسماع و الأبصار و استولت علی النفوس الأفراح المزدادة، حتی أخرجتها عن مألوفاتها المعتادة، لما سطعت أضواء المدینة المنورة و أشرقت دیارها بنوره صلّی اللّه علیه و سلم ساطعة و تلألأت خلال المدینة الغراء سواطع القبّة الخضراء، و حللنا ساحة تلک البقاع الطاهرات الموذنة بالتقدیس، فکنا علی الصفة التی ذکرنا بهذا التخمیس:
[الطویل]
بقاع بأرواح المحبّن جأجأتفلما استبانتها الجسوم تثأثأت
و دانت لها هاماتها و تطأطأت(هنالک خضراء القباب تلألأت
بها رفرف الأنوار لألأؤه ازدهر)و ذا مسجد الهادی محلّ التذاذة
بتوضیح منهاج الهدی و اتخادهو تیک مغانی نشره و نفاذه
و ذاک قباء و البقیع و هذهقباب أهاله الجهابذة الغرر)
فکم مدمع من خشیة الله ساکبهناک و کم ماش إلیها و راکب
و کاب لدیها لازدحام المناکب(فلیت مطایا الوهم کانت مراکب
الرحلة المعینیة، ص: 173 إلیها أو الارواح تخدی أو الفکر)فلم أنتجع إلا فیوض سحابها
و لبّی مرهون بأیدی صحابهافیا لائما نفسی لطول انتحابها
(إذا ما حططنا الرّحل بین رحابها و داخلنا ذهل الملاقاة و الحیر)
و مسّت علی ما ضاع منّا ندامةو خامرت الأوصال منّا مدامة
و لاحت لمیقات الوصال علامة(فلا لی، لا لی علیّ ملامة
فحالة مرء فاقد اللّبّ تغتفر)
فدخلنا المدینة المنورة بحمد الله قیلولة یوم الجمعة الموفی عشرین من شهر ذی الحجة الحرام، فتلقّی لنا عند باب المدینة المنورة السید محمد عبد الله بن الشیخ محمد الخضر بن مایابی الجکنی و من معه من الإخوان و الموارد من الشناجطة الساکنین هناک و سلموا علی سیادة الشیخ مربیه ربه و سائر الوفد و رحبوا و أظهروا غایة السرور بمقدمنا، و لهم أیام، کل یوم یظلون بباب المدینة المنورة فی انتظارنا خشیة أن ندخلها بغیر علمهم، ثم سار ابن الشیخ محمد الخضر بأمتعتنا إلی داره لننزل فیها.
الرحلة المعینیة، ص: 174
و رکب الشیخ مربیه ربه و أخوه الشیخ محمد الإمام و جامع الرحلة ما العینین عربیة، و هی الآلة التی یرکب فیها، و تجرها الخیل و البغال، قاصدین إلی الروضة الشریفة، و عندما هیأوا لنا أعرض جامعه عفا الله عنه عن رکوبها مع الشیخین، تواضعا لمدینته صلّی اللّه علیه و سلم، و رغبة فی المشی إلیه علی الرجلین، فقال الشیخ محمد الإمام: إنما الأدب فی رکوبک معنا، لأن هذه تکرمة لنا من رسول الله صلّی اللّه علیه و سلم، بعثها لنا بباب مدینته المنورة، و لا ینبغی رد تکرمته، فعلمت أن ما قاله أبلغ و أرفع مقاما فی الأدب، و رکبنا حتی وصلنا المسجد النبوی، فدخلناه بحمد الله من باب السلام، و صلینا فیه تحیته، فقمنا إلی محل المواجهة الکریمة من القبر الشریف.
[الخفیف]
فحططنا الرحال حیث یحطالوزر عنّا و ترفع الحوجاء
و قرأنا السلام أکرم خلق الله من حیث یسمع الإقراء
و ذهلنا عند اللّقاء و کم، أذهل صبّا من الحبیب لقاء
و وجمنا من المهابة حتّیلا کلام منّا و لا إیماء
و نحمده تعالی علی ما فتح علینا به فی ذلک المشهد الأعظم من السلام علیه صلّی اللّه علیه و سلم، و الاستغفار و التضرع و الابتهال و الدّعاء لنا و لأهلنا و إخواننا و عامة المسلمین، ثم انحرفنا إلی مسامتة قبر أبی بکر الصدیق رضی اللّه عنه، فسلمنا علیه، ثم إلی مسامتة قبر عمر الفاروق رضی اللّه عنه، فسلمنا علیه أیضا، و دعونا الله بما المرجو منه تعالی إجابته،
الرحلة المعینیة، ص: 175
و جادت القریحة حیث أکرمنا تعالی بزیارته صلّی اللّه علیه و سلم بهذه الأبیات:
[البسیط]
الحمد لله إذ لم یأتنی أجلیحتّی أنخت بباب المصطفی جملی
ظلمت نفسی، و إذ جئت الرّسول فقدأیقنت بالفضل أن الله یغفر لی
و من یجئک رسول الله مرتجیایجد ببابک أقصی السّؤل و الأمل
أنا العلیل و ما الشّافی سواک لماأخافه فی کلا الحالین من علل
ثم جلسنا فی المسجد لانتظار صلاة الجمعة حتی صلیناها، ثم قمنا لزیارته صلّی اللّه علیه و سلم أیضا، فلم یمکنا بلوغ المواجهة الشریفة لقوة الازدحام و کثرة الزائرین، فقرأناه صلّی الله علیه و السلام بحمد الله من حیث أمکننا الوقوف، و رأینا أن الأدب فی عدم مزاحمة الناس هناک، و أنشأت حین فرغنا من الزیارة بیتین و هما:
[الکامل]
زر حیث ما استطعت النبیّ مواجهافهواطل الرّحمات ثمّ غزار
ودع الزّحام إذا خشیت إذایةفبقاع طیبة کلّهنّ مزار
ثم بعد صلاتنا للعصر بالمسجد النبوی، و زیارتنا منه صلّی اللّه علیه و سلم یوم الجمعة المذکور، خرجنا لزیارة أهل البقیع، فبدأنا بزیارة فاطمة الزهراء بنته صلّی اللّه علیه و سلم و بضعته، و معها عمها العباس بن عبد المطلب، فسلمنا علیهما، و دعونا عندهما، و قد کان قبراهما رضی الله عنهما فی قبة، فهدمت فی جملة القباب التی هدمتها الحکومة السعودیة
الرحلة المعینیة، ص: 176
بعد استیلائها علی الحرم عام 1343، ثم ملنا إلی قبور بناته صلّی اللّه علیه و سلم الأخر، و قد کنّ أیضا فی قبة فهدمت کسائر قباب البقیع، ثم زرنا قبر زوجاته صلّی اللّه علیه و سلم، و قد کنّ فی قبة أیضا، فهدمت، ثم زرنا قبر ولده صلّی اللّه علیه و سلم إبراهیم، و قد کان منفردا فی قبة، فهدمت، ثم زرنا فبری الإمام مالک بن أنس و أبی رویم شیخ القراء نافع، و قد کانا فی قبة فهدمت أیضا ثم سرنا لزیارة قبر عثمان بن عفان رضی اللّه عنه بجانب البقیع الشرقی، و قد کان منفردا فی قبة، فهدمت کغیرها، فلما هدمت هذه القباب المذکورة، بقیت القبور التی کانت وسطها فی وسط دوائر من الحجارة، موضوعة علی أساس القباب مرتفعة علی الأرض قدر شبر، و لم یرتفع معها غیرها، کما لا یسمح بدفن أحد معها فی سالف الزمن، لکن کل من مات من المسلمین هناک، یدفن فی عامة البقیع، ثم زرنا عامة أهل البقیع، خصوصا من عرفنا مبرة منهم، کالشیخ أحمد ابن الشمس مرید شیخنا الشیخ ماء العینین و نحوه، و دعونا الله هناک، و استغفرنا لهم و لأنفسنا و والدینا و أشیاخنا، و أحبابنا و إخواننا المسلمین الأحیاء منهم و الأموات، و الحمد لله علی جمیع النعمات، و علی زیارة هذه البقاع الطاهرات، نرجوه تعالی من فضله مضاعفة الحسنات، و رفع الدرجات و غفران السیئات.
ثم بعد قدومنا بیومین، خرجنا لزیارة عمّه صلّی اللّه علیه و سلم، سید الشهداء حمزة ابن عبد المطلب، رضی الله تعالی عنه و سائر شهداء أحد، رضی الله عنهم فی سفح جبل أحد و قد کان قبر حمزة رضی اللّه عنه منفردا فی قبة، فهدمتها الحکومة السعودیة کسائر القباب، و أما الشهداء، فقبورهم فی حائط مدور علیهم، ارتفاعه علی الأرض قدر أربعة أذرع، ثم سلمنا علی الجمیع، و تبرکنا بتلک المشاهد الخیریة، و طلعنا مع سفح أحد إلی الصخرة التی روی أنه صلّی اللّه علیه و سلم طلع علیها یوم أحد فی شعبة هناک، للتبرک بآثاره صلّی اللّه علیه و سلم، و الدعاء بها، ثم انقلبنا فسرنا لزیارة مسجد قباء الذی أسس علی التقوی، و ورد عنه صلّی اللّه علیه و سلم أنه قال فیه: «الصلاة فی مسجد قباء کعمرة» فصلینا فیه ما شاء الله بحمد الله، و حوله بئر أریس، و هی التی سقط فیها خاتمه صلّی اللّه علیه و سلم من ید
الرحلة المعینیة، ص: 177
عثمان رضی اللّه عنه عند أیام خلافته، و هی التی جلس علیها صلّی اللّه علیه و سلم، و کان أبو موسی الأشعری بوابه، فجاء عثمان رضی اللّه عنه، فأذن له، فبشره بالجنة، و کذلک عمر رضی اللّه عنه، و کذلک عثمان رضی اللّه عنه علی بلوی تصیبه، الحدیث المشهور، فشربنا بحمد الله من تلک البیر، و دعونا الله عندها و عند مسجد قباء، و رجعنا إلی المدینة المنورة، و بینها و بین قباء قدر سیر ساعتین.
تنبیه، قد قدمنا شعرا عن تخمیسنا لقصیدة العلامة الأستاذ الإمام الشیخ أحمد الهیبة ابن شیخنا الشیخ ماء العینین عند ذکر إشرافنا علی المدینة المنورة، و هی قصیدة شوقیة رائعة بدیعة تدل علی غزارة علمه و براعة بلاغه، و شدة محبته له صلّی اللّه علیه و سلم. و قد أنشأها رضی اللّه عنه قبل وفاته بقلیل، و من الله علی جامع الرحلة ما العینین بن العتیق بأن خمسها عام 1337، و هو عام وفاة الشیخ أحمد الهیبة، و لا شک أنه
الرحلة المعینیة، ص: 178
أنشأها قبل هدم قباب البقیع المذکورة بأعوام لأنه توفی قبله فلذلک قال فیما قدمنا من التخمیس:
[الطویل]
و ذاک قباء و البقیع و هذهقباب أهالیه الجهابذة الغرر
و لا بأس بإثبات قصیدته رضی اللّه عنه، مع تخمیسنا إیاها بهذه الرحلة، لما اشتمل علیه الجمیع من أمداحه صلّی اللّه علیه و سلم، و معجزاته و سیرته، و مدح صحابته رضی الله عنهم، نرجوه تعالی أن یتقبل منا و یتجاوز عنا، و یشفعه صلّی اللّه علیه و سلم فینا بفضله و کرمه- و قد اجتهدت فی مطابقة و ارتباط معانی التخمیس و ألفاظه بمعانی القصیدة و ألفاظها فی أوائل أبیاتها و أواخرها، و من تدبر ذلک یجده کذلک، إن شاء الله، فقلت غفر الله لی ما قلت و ما فعلت:
[الطویل]
سری الوجد خلف الدّمع من مقتلی فدربمنسجم کالّدرّ من سلکه انحدر
فلمّا لحانی من علی ولهی عثر(کفکفت انسجام الدّمع فانهلّ و انتثر
و عاد عقیقا بعد ما کان کالدّرر)و نبّه صبح البین لمّا تنفّس
ماقی لی من خمرة الوصل نعّسافعاد ارتیاحی فی لعلّ و فی عسی
(و أبدل منّی من جوی البین و الأساسبات الکری و النّوم بالسّهد و السّهر)
الرحلة المعینیة، ص: 179 فبتّ و بی ما لیس یستطاع دفعهو طرفی مخفوض علی الخدّ دمعه
و جننی مرفوع علی النّصب وضعه(و جفنی مبنیّ علی الفتح رفعه
و لا یتأتّی فیه ضم و ما انکسر)و قد ضلّ لبی فی الهوی فنشدته
و لی خبر مذ غاب عنه وجدتهفکیف أصون الدّمع، هبنی رددته
(و قد کان لی لبّ مصون فقدتهفیا لیت شعری أین سار و ما الخبر؟)
لئن کان لبّی فی سبیل الهوی غویفما من شرود منه إلا به ثوی
فقل للألی لم یعرفوا درج الهوی(هلمّوا، اقرءوا ما الحبّ منّی و ما الجوی
و ما العشق ما أحلی الجمیع و ما أمر)فکم مدّع بالحبّ یوما تلفظا
و لمّا یمز من الصمیم من الشّظیو ما الحبّ إلا ما تثلج و التظی
(فیتلج ما بالمستهام من اللّظیو یوقد فی إثلاجه من لظی سقر)
و أمّا الجوی فالحقف فی القلب مکتمنو للعشق داء لا دواء به قمن
الرحلة المعینیة، ص: 180 و لم ینج من زمناه زمن زمنفسیّان فیه القرب و البعد و هو من
خفی الخفا أخفا و أظهر ما ظهر)ففیم ملامی فیه إن کنت ثانیا
إلیه لما منه عنانی عنانیاو قد طال فی تیهائه هیمانیا
(أهیم إذا ما شمت برقا یمانیاو إن ماست الأغصان فی نسم السّحر)
أو أبصرت بالدّور اللّوائی تطمستو آرامها بین البطاح تکنّست
تناویر زهر النجم مهما تودّست(و توقاد أضواء النجوم إذا رست
أو اظلم لیل العاشقین أو اعتکر)و أدعو نحاة الحبّ هل کان معربا
یسلّمنی جمعا فمن یوم أشرباهوی الشرق قلبا لی فشرّق مغربا
(تغرّب جسمی فی التّولّه مغرباو غرب جفونی بالّدم انهلّ و انهمر)
فما أنا إلا مفرد متفرّقو إن أنا فی جمع المحبّین مغرق
فحتّی متی بالغرب جسمی یعرق(و قلبی بالشّرق الحجازیّ مشرق
الرحلة المعینیة، ص: 181 فهل لهما جمع و لو جمعا انکسر)أبی القلب إلّا عند طیبة ینزل
و عن غیر مغناها له الدّهر معزلفدعنی لها من نائل الدّمع أجزل
(لئن شاق مشتاقا إلی البیض منزلفشوقی علی الخضر المطیبة انحصر)
لعمرک ما شوقی لدعد و مهددو سعدی و لأربع لهنّ و معهد
و لا أنثنی للدّلّ منهنّ و الدّد(و قد شاقنی ذکر الحبیب محمّد
إذا اشتاق أقوام إلی الدلّ و الخفر)و إن جنحوا للمنتدی و مغیثه
و سالف سلسال الصّبا و حدیثهجنحت إلی غوث الوری و مغیثه
(و قد شاقنی لألاء ذکر حدیثهإذا اشتاق قوم للثغور و للأشر)
و إن بکرا للّهو فی أرض میثهمو لم یدعوا من جزلهم و غثیثهم
عدلت إلیه عن سلوک حدیثهم(و إن سمروا فی أنسهم و حدیثهم
فسیرته عندی التحدث و السّمر) الرحلة المعینیة، ص: 182 و إن سهروا فی الخوض فی غمر بشرهمو ما ضاع فی الأرجاء من طیب نشرهم
سبحت بغمر منه یزری بغمرهم(و إن سکروا بالشّرب من راح خمرهم
فراح حمیّا حبّه الشّرب و السّکر)فلم استفق فی الحبّ من تیه سکره
و لا تیه ناء الوکر یشدوا بوکرهو لم أکثرت إلا بمعسول شکره
(فعلّل و دندن باسمه و بذکرهو روّح و جانب فی تدندنک الخفر)
بمن لم أکن إلا به متعلّقاو لم أشم الّا برقه المتألّقا
و مقود عقلی فی الهوی منه أطلقا(فلا لوم لی إن همت شوقا إلی الّقا
و إن غاب عقلی عند ذلک أو حضر)فطوبی لمن ذکراه تسری بفکره
لیامن من غدر الزّمان و مکرهو یحظی بتفریع المقام و عکره
(هناک یتیه التّائهون بذکرهو ترمیهم نار المحبّة بالشرر)
به الله أعلی الکون لمّا تدهدهافهبّت له بشرا شوادیه مدّها
فلله وجه منه لاح ممدّها(به ازدانت الدنیا، به البشر ازدهی
الرحلة المعینیة، ص: 183 متی کان فی الدنیا، متی کان من بشر؟)تجلّت فجلّت کلّ طول و عیلة
به لیلة ریعت لها کلّ دولة فیا لیلة أنست ببشرای ویلتی
(و یا لیلة المیلاد، یا خیر لیلةبک ازدانت الذنیا، بک الدین قد زهر)
بأمّ القری حیث المواقیت صلّیتو حیث المغانی بالدّیانة ملیت
و حیث علی مولودک الآی أملیت(تحلّیت بالمولود فیک، و حلّیت
جیود اللّیالی من حلیّک بالنّضر)و حلّ ربیع من حلاک بأرفع
مراقی العلی بالمستهلّ المشفّعفأنت مرعی و ارتباعی و مرتعی
(و أنت ربیعی یا ربیع و مرتعیبمولودک الأسمی استدام لنا البشر)
و إن تفتخر یوما قریش و تصطعدبمولودها تعنوا الرّقاب و ترتعد
فمن ذا یباریها بماذا لیتّئد(ألم یک خیر الخلق تاللّه لم تلد
شبیها له أنثی یمینا و لا ذکر) الرحلة المعینیة، ص: 184 بلی إنه الفرد المعاد بجنحهو ما انشقّ فجر الکون إلا بصبحه
و ما من جواد یدّعی شأو سبحه(و من یدّعی من مادح حصر مدحه
فبالصّقر امتاز ادّعاء و بالبقر) فهیهات یحصی مدح من قطّ ما بری
له الله شکلا فی سماء و لا بری فدونک قطعا منه فی الدهر نوّرا
(فإن شئت إجمالا ففیه عن الوریلقد حصر الفضل المهیمن فانحصر)
و إن شئت تفصیلا فیعییک سبرهو موّاجه الطّامی یؤودک عبره
و من أین لا یثنی مقاسیه حصره(و تفصیله یعیی الألبّاء حصره
ألم یکف ما تاتی به الآی و السّور)بلی قده مدحا ما به الآی جاءت
فماذا به یثنی علیه وراءتیو من ذا علی استنباطها ذو جراءة
(أ أهل الثّنا فأتوا بمثل براءةو فاتحة و الفتح و النّجم و الزّمر)
أو ایتوبطه و الدّخان و فصّلتو آیاتهن اللاء فیهن فصلت
الرحلة المعینیة، ص: 185 أو الکهف و الشّوری و نون و زلزلت(أو إیتو بإحدی الآی و الآی أنزلت
علیه، فهل من بعد ذلک مفتخر)هناک ثناء للمجیدین شرعة
و ما لهم إلا بمرعاه نجحةو قد غمرتهم من طوامیه جرعة
(أبعد ثناء الله مدح و رفعةو فخر و تفضیل لخلق من البشر)
نبیّ حبا الله البرایا بظلّهبتمزیق شمل الملحدین و فلّه
فقام بعبء الحقّ فردا و کلّه(فأظهره قهرا علی الدّین کلّه
برغم علی أهل النّفاق و من کفر)و ولّاه أمری ما استبان و ما اکتمن
و أمّنه إذ لا یحاکیه مؤتمنعلی ما حوی ظرفا الأماکن و الزّمن
(و أرسله للخلق قاطبة و منسواه علی جیل من الأمم اقتصر)
بالأرض طهورا، بل بها مسجدا یمنعلیه و قسم النّعل حلا له یسن
و مغرباه لم تسمع جوامعه أذن(و ناصره بالرّعب شهرا و من یکن
له ناصرا قد عزّ و اعتزّ و افتخر) الرحلة المعینیة، ص: 186 بهاتی الخلال الخمس خصّ و فخّمو ما من فخار عن مناداه رخّم
وفانا بعمر فی رضی الله نظّم(به اقسم المولی فقال معظّما
لعمرک إن تفخر فحق لک الفخر)ألا حبّذا نور هدی کلّ عالم
و ما وصفه یدری بکیف و لا کمو لا عوض یستقصی بفکر و لا فم
(رسول لعمری سرّ طینة آدمو نقطة سرّ الکون الآتی و من غبر)
نفت ظلم الأهواء شمس ظهورهفنار سبیل الرّشد بعد دثوره
و منظره الوضّاح منذ سفوره(بصائر أهل الجحد کفّت بنوره
و عین یقین الحق إنسان من نظر)أقرّت به آماق سعد رفاقهم
فشقّ حشایا المشفقین اشتیاقهم و هان لشقّ الصّدر منه انشقاقهم
(و شقّ علی أهل الشّقاق شقاقهم متی عاینوا شقّین شقّ له القمر)
و آبوا لأوب الشمس للغدر و الإبافغادرهم أیدی سبا السّیف و السّبا
الرحلة المعینیة، ص: 187 و أعموا لما تخبی العکنباة من خبا(و قد خرسوا من نطق وحشیة الظّبا
و وقع الظّبا فیهم و صارمة الذّکر) و صمّوا و مصغی الجنّ عنه تفحّص
متی لم یجد فی الجوّ للسمع مفحصاو صدّقه إذ لائح الصّدق حصحصا
(سقت یده جیشا بها سبّح الحصا و قد جاءه یختال فی مشیه الشجر)
و ما شاه ظلّ المزن جلّ قدرهو عن جوهر منه نفی الظّلّ بدره
یذام له نظم الجمان و نثره(إذا ما مشی فی الصّخر أثّر إثره
و إن سار فی حقف اللّوی خفی الأثر)أضاء سناه الخافقین تألّقا
و أنقد لّما انقاد یبدی تملّقا الرحلة المعینیة، ص: 188 سراقة من خسف دهاه تعوّقا(و حنّ له جذع النخیل تشوّقا
فلله جذع حنّ للشّوق و اذّکر)و اذهل کسری بانصداع أنیقه
و هال أبا جهل بعنف فنیقه و من فیه یمحو البرق ظلم بریقه
(و قد عذب الماء الأجاج بریقه کما ریء فی الظّلماء من نوره الإبر)
به الله من بعد الضّلالة أرشداو أجری بکفّیه المقادیر مرشدا
فما شاء من منع یکون و من جدیو لو شاء قلب الصخر یقلب عسجدا
و لو شاء منه اللین یقلب کالوبر)و لو شاء أن أرسی زائد الموج ناقصا
و حوّل أطواد الرّواسی رواقصاو لو شاء أنّ الغور یقلب قالصا
(أو أنّ الحصی تبرا من الأرض خالصاو خالص تبر العین یقلب کالمدر)
و لو شاء رجّ الأرض یوما لرجّتو لم تزج فلک لو أراد بلجّة
الرحلة المعینیة، ص: 189 و لا فلک یجری لتدویر حجّة(أتی صفر لو شاء فی عشر حجّة
و لو شاء کان العید فی العشر من صفر)و لو کلّم العظم الرّمیم تکلّم
و لو شاء کان الیوم لیلا لأظلمأو اللیل یوما عن ضیاء تبسّم
(أو الأرض کانت کالسّماء أو السّماهی الأرض لا زهر هناک و لا قمر)
و لو شاء أعلی الوعل فی اللّجّ جالهو بین الرّعان النّون أجلی مجاله
و جمّ الإضا جمر الغضا لاستحاله(و نجم الثّری نجم السّماء أحاله
و زهر السّما عادت هی النجم و الزّهر) إمام لإیجاد العوالم غرّة
و فی الختم لاحت للهدی منه درّةو لولاه ما امتازت فجار و برّة
(و لو شاء لم تخلق من الکون ذرّةفمن شاء فلیومن و من شابه کفر)
ألیس تعالی جّله الأذن أسبلاعلیه، و لم ینشئ سوی روحه بلی
و فضّل إذ سمّاه أحمد أفعلا(فإن تفهم المعنی سلمت و ما علی
الرحلة المعینیة، ص: 190 مصّحح معناه الغباوة فی البقر)یمینا و من یقسم بمعطاه أقسما
لقد عزّ ما فی الأرض أعطی و السّماو ما زال فی أمر العطاء محکّما
(فقد قال سل تعطه مفضّله کماأتی فی الحدیث القدس عنه و فی الأثر)
و ما ساد إلا منه کلّ مسوّدو راحته ملقی بها کلّ مقود
و دانت له الأعناق فی کل مشهد(فیا رائما فی الکون شبه محمّد
فبطن ید الانسان هل ینبت الشّعر)أما و الذّی منه البریّة أنعشا
بنور هدی، و الغیّ ألبسها العشافلم یعش عنه غیر أعمی و أعمشا
(لأحلم من أغضی و أفضل من مشیو أکرم من أعطی و اسمح من غفر)
فیا سعد من أمسی من الناس وفدهیوافیه ما أوفی و أوفر رفده
فلا مال إلا للنّوال أعدّه(فسیّان ألف من جواهر عنده
و جوهر فرد الأرض و البدر و البدر)تولّی شؤون الکائنات فأقسطا
علی أیّما حال تلطّف أوسطا الرحلة المعینیة، ص: 191 فما أطلق الکفّین منه و أبسطا(عطاء بلا منّ و لا سأم العطا
و یطلق وجها للعفاة إن اعتذر) بسیب و سیف تمرة السّودد اجتنی
و أسّس أرکان الدّیانة و ابتنیفیا حسن ما أقنی من المجد و اقتنی
(فکم من فقیر من غنائمه اغتنیو کم من غنیّ من کتائبه افتقر)
فما زال یعلو بالغزاة نحیبهو ضاق علیه فی الفضاء رحیبه
و خیّبه طاغوته و صلیبه(فللّه بدر کم حواه قلیبه
و کم أسروا فیه و جرّوا إلی سقر) و عن مصرع ما زاغ حاشاه جفنه
فلا قرن إلا ثمّ أصماه قرنهو أرداهم شؤم النّفوس و یمنه
(فأین أبو جهل و عتبة و إبنه؟و شیبة و العاتی أمیّة الأشر)
و أین سراة المنتدی و ندیّهم؟و أین أثاث المترفین و ریّهم؟
و أین أذی المستهزئین و غیّهم؟(و أین الصنادید الطّغاة و بغیهم؟
الرحلة المعینیة، ص: 192 و طغیانهم و السّحر و الهزء و البطر؟) و أین عناد المعتدین و حربهم
و مستلئموا البیض المواضی و ضربهم؟و أحزابهم فی التّرّهات و صحبهم
(تفرّق بالهندیّ و السّمر حزبهمو بالمشرفیات اللّدان شذر مذر)
لوی خیله نحو الیهود و رجلهفألزمهم رعب الصغار و خبله
قریظة أفنی و النضیر أذلّه(و خیبر لم تحص العبارة قبله
زهاها فضارت عبرة لمن اعتبر)و فی أحد و الخندق اعتزّ قدره
و لم یغن تحزیب العدوّ و غدرهو یوم حنین للعدی کیف قهره
(و لم أنس یوم الفتح لله درّهفهل لهم من بعده الهزء و السّخر؟)
تعرّوا عزاء الجهل لو لم یهنهمو ما أغنت العزّی و لا اللّات عنهم
و لا عزّة السّمر اللّواتی لدنهم(فکم منهم أخزی و أخجل منهم
و کم منهم أجلی و کم منهم هدر) الرحلة المعینیة، ص: 193 و کم قتلت قوم تحاول قتلهو أخری تواری بالخدیعة ختله
لتنقض ما الجبّار أبرم فتله(و کم سلمت من بعد أن أسلمت له
و سلّمت أقوام سمت و اختفت أخر)فعاد الوغی من کان موقد جمرها
فما فیه أروی من قناها و سمرهاو أمسی بیمناه الدّرور بغمرها
(زمام المعالی و هو مالک أمرهاو درّة أعلاها و استبرق الحبر)
ثنت نخوة عن خاطبیها له الرّسنفحینئذ حقّ الثّناء لها الحسن
أبو عذرها من لم یلد مثله زمن(و عاقدها جبریل صاجبه و من
سما فوق أملاک المهیمن و اشتهر)فکم توّقت من طاب فرعا و محتدا
فکفّت أکفّ التّوق عنها و الاجتدیو قیّدت إلی من لیس إلا به اقتدا
(و شاهدها ختم الرّسالة و ابتداذکا نوره من قبل أن تخلق الصّور)
و لمّا أتمّ العقد و إلیه مقعداشهیدیه و الأفراح أوفته موعدا
الرحلة المعینیة، ص: 194 و فوّض شأن المهر للبعل مسعدا(بماضی سیوف الهند فی مفرق العدا
بسنّته السّمحا بشرعته مهر)فتاهت علی أترابها و استطالت
و زفّت إلی حیث السّعود توالتفأرخی علیها ستر کلّ جلالة
(و أنتج منها محو کلّ ضلالةإلی أن أنار الدّین بالحقّ و انتشر)
له عنت الأبصار لمّا بها اعتنیو أحرز منها کلّ قطف و مجتنی
و هدّ بناء الشرک لّما بها ابتنی(فأین القیاصیر العلوج و ما اقتنی
هرقل و کسری الفرس ملکا و ما ادخر)فبشّرها بالیمن تغرید طیره
و هنّأها نادی الفخار بخیرهمتی الکلّ عنها کلّ تدءاب سیره
(و یا رائما منها اقتطافا بغیرههبلت، له الأبنا، و للعاهر الحجر)
فجد رسول الله منک بنفحةتقینی خطایا قلّدتهنّ صفحتی
فقد کنت روح الدّار الأخری و روحة(فلو کان خلق الله أغصان دوحة
لکنت لها نورا، و کنت لها ثمر) الرحلة المعینیة، ص: 195 و لو کان بیتا کنت عرشا مترّصاو کنت الحلی و الحدّ لو کان مخرّصا
و لو کان وفدا کنت متی و ملحصا(و لو کان نجما کنت شمسا أو الحصی
لکنت هو الیاقوت و التّبر و الدّرر)و لو کان سمطا کنت درّة نظمه
و لو کان قوسا کنت ریشا لسهمهو لو کان قلبا کنت نقطة علمه
(و لو کان جسما کنت روحا لجسمهو رأسا لکنت السّمع و النّطق و البصر)
فیا حبّذا أما من جمال و بهجةلطه و ما یملیه من صدق لهجة
محیّاه شمس فی غیاهب دجة(و منطقه فصل بأبلغ حجّة
و لا نزر فی ذاک البلاغ و لا هذر)فیا فوز من یحسو سلافة و عظه
بمسمعه یصغی إلیه و لحظهمعانیه من داء الضّلال و کنظه
شفاء، فما أحلی عذوبة لفظه و معسوله، فالشّهد منها بلا إبر)
به نال للرّشد الحیاری توصّلابما من نظام الدّرّ أبهی تفصّلا
الرحلة المعینیة، ص: 196 و أحلی من إیباء الحبیب تدلّلا(و اشهی من الرّاح العقار تعلّلا
و الآوبة بعد الغنم من وحشة السّفر)و من نضرة الأزهار فی عین رامق
و من صورة المحبوب فی ذهن وامق و من نفحة الکافور فی أنف ناشق
(و من نغمة المعشوق فی أذن عاشقو خلسة مشتاق لمن شاقه النّظر)
ألا طالما اشتقنا لطیبة غیبةفإنّ لها منه وقارا و هیبة
و لم یخش یوما زور طیبة خیبة(هنیئا، و یا طوبی لمن زار طیبة
و لم تثنه عنها الملامة و الزّور)لیثرب لا تثریب أن ثار حبّنا
و أتعب فی تطلابها الخوص خبّنا و لم یستطب إلا لطیبة هبّنا
(فطیبة طیب الطّیب، طیبة طبّناو مرهمنا تریاقنا إثمد البصر)
فجرّد إلیها کلّ عزم و همّةو حثّ المطایا مرسلات الأزمّة
فلم تن مهما نحوها العیس زمّت(بها راحة المهموم من کلّ غمّة
الرحلة المعینیة، ص: 197 و راح ارتیاح النّفس من کربة الکدر)و کم من عیون امّنتهن و جرة
متی حلّ منها المصطفی خیر حجرةتحلّت به أبهی و شاح و عجرة
(مقرا له اختیرت و دارا لهجرة فأکرم بها دارا و أکرم بها مقر)
بقاع بأرواح المحبّین جأجأتفلمّا استبانتها الجسوم تثأثأت
و دانت لها هاماتها و تطأطات(هنالک خضراء القباب تلألأت
بها رفرف الأنوار لألاؤه ازدهر)و ذا مسجد الهادی محلّ التذاذه
بتوضیح منهاج الهدی و اتخاذهو تیک مغانی نشره و نفاذه
(و ذاک قباء و البقیع و هاذهقباب أهالیه الجهابذة الغرر)
فکم مدمع من خشیة الله ساکبهناک، و کم ماش إلیها و راکب
و کاب لدیها لازدحام المناکب(فلیت مطایا الوهم کانت مراکبی
إلیها أو الأرواح تخدی أو الفکر) الرحلة المعینیة، ص: 198 فلم انتجع إلا فیوض سحابهاو لبّی مرهون بأیدی صحابها
فیا لائما نفسی لطول انتحابها(إذا ما حططنا الرّحل بین رحابها
و داخلنا ذهل الملاقاة و الحیر)و مسّت علی ما ضاع منّا ندامة
و خامرت الأوصال منها مدامةو لاحت لمیقات الوصال علامة
(فلا لی، لا لی لا علیّ ملامةفحالة مرء فاقد اللّبّ تغتفر)
و أرحل مفتون المرافق اصحراإذا الرّکب منها صوب مکّة أسحرا
لأحظی بحجّ البیت فیها و أنحرا(أعفّر خدّی فی حراء و من حرا
أطوف ببیت الله فی الحجّ و العمر)و بین الصّفا أسعی لتصفو قربتی
و مروة سبعا کی أفرّج کربتیو أسرع بین العدوتین بشعبة
(و أضرع فی أخذی لأستار کعبةو أدعوا مجابا فی الحطیم لدی السّحر)
فلا تفرقی یا نفس ممّا جنیتهو قد لذت بالمأوی الحرام و ریثه
ألذّ بریّا وصله و کمیته(و أرکع فی محراب مسجد بیته
الرحلة المعینیة، ص: 199 و أکرع فی سلسال زمزمه تیر) و أشرع فی تلک المناسک مذعنا
لأقضیها حقّا به کنت ممعناو إن عجت للتحصیب لا آل مدمنا
(أمرّغ خدّی فی المحصّب من منیو أهدی، و بعد الهدی أحلق للشّعر)
و أرکن للرّکن الذی بمعاذهلمستلم إیّاه أشهی لذاذه
و أصدع بالتکبیر مهما أحاذه(و من بین ما هاذه و ذاک و هاذه
أقبّل فی کلّ المناسک للحجر)و أجمع فی جمع و أبکر مشرفا
علی مشعر لا أبتغی عنه مصرفاو أدعوا إلی الإسفار عنسی موقفا
(و فی عرفات الحجّ لم أنس موقفافکم عزّ من باک و أجری من العبر)
و أرتاح للبطحاء أحیی بتربهاو بالحصیات السبع أرمی بقربها
ثلاث جمار ثمّ أغری بحبّها(منازل منها، بعثه لیتی بها
أزور علی ترتیبها أقتفی الأثر)منازل لا أرضی سواهن منزلا
علی خیر مبعوث بها الوحی أنزلا الرحلة المعینیة، ص: 200 و سنّ بها الحجّ المرتّب موئلاو لیس علی ترتیب ما بعثت إلی
تراتیبه شعرا قرائح من شعر)أحاط الوری من موبقات الغوائل
و کلّمت علی تالیهم و الأوائلطوامی بحار المدح منه السوائل
(ففی مدحه قسّ و سحبان وائلسیّان هما أو باقل و أبو حذر)
فکم غاصت المداح فی زفر الثناو ما منهم من عن فرائده انثنی
و أبدوا یواقیت القوافی فما وقی(مئالهم للعجز و العیّ و الونی
و هل یدرک الغوّاص ما اضمر الزّفر) فما البحر إلا من نداه کرشحة
و ما الشّمس إلا من سناه کلمحةو ما المسک إلا من شذاه کنفحة
(و ما مدح یوما بأبلغ مدحةتطاول إلا عن مدائحه قصر)
خلیلیّ مدح المصطفی بفسیحهمتیه بلیغ المحتکی و فصیحه
فلا تحسبانی أدّعی ذرع فیحه(اقرّ بأنّی عاجز عن مدیحه
و من سامه حصرا فقد ربح الخسر) الرحلة المعینیة، ص: 201 فسیحا معی فی روضه و اسرحابهو لا تبرحا ما اسطعمتا برحابه
فمن لی بکنه المستقی بسحابه(و من لی بمستوف ثناء صحابه
نجوم الدّیاجی صفوة البدو و الحضر)ولاة هداة ما استمیلوا بزخرف
و لا مشتکی للّذین إلا بهم شفیو ما منهم إلا و بالمصطفی اصطفی
(و باعوا نفوسا بعد أن بایعوه فیرضی الله، لابیع احتکار و لا غرر)
فمن کأبی بکر إمام طریقهخلیفته سحم المحیّا حلیقه
مرافقه فی المنزلین، صدیقه(أرونی، أرونی کالعتیق رفیقه
و إلّا أرونی مثل سیّدنا عمر)أرونی کالفاروق، مبهج دهره
بمنهاجه الجاری علی متن ظهرهو مردی العدی عنه بسلطان قهره
(و إلا أرونی مثل عثمان صهرهو مثل أبی السّبطین حیدرة الزّفر)
الرحلة المعینیة، ص: 202 فذلک ذو النورین من فاز فی الألیتحلو بما للسبق بالخیر من حلی
و ذاک علیّ هل مسام علاه لاهو المهجر الأسمی و منتخب العلی
و فتّاح أشکال إذا حارت المرر) و حیث التظی جمر الوغی و تسعّرا
و کادت لها الأکباد أن تتفطّراو ضاق علی الأقران متسع الذری
(تصیر هباء عنده أسد الشّریو ما تلبث المرآة أن لاقت الصخر)
هم الخلفاء الرّاشدون هل امترواحشاهم، أرونی هل ترون و لن تروا
شبیه اولاء الرّاشدین و ما اقتنواو طلحة أو شبه الزّبیر و سعد أو
سعید و من حاکی ابن عوف و ما ادّخر)ته التّسعة السّادات بشّرها النبی
فطوبی، فکم أجر تلقّوه مجنب فمن یبغ شبه التّسعة الدّهر یدءب
(و شبه أمین الأمة المرتضی أبیعبیدة ختم المسک للسادة النّضّر)
هم عشرة، غر، سراة، أعزّةتلابسهم عند المکارم هزّة
الرحلة المعینیة، ص: 203 فهل عزّهم بالله تحکیه عزّةو هل أسد الله الغضنفر حمزة
له من یضاهی من ربیعة أو مضر) فتی المجد، عمّ المصطفی عضب ضربه
إذا زلّت الأقدام، مقدام حربهفهل یشبه العمّ الشهید بجنبه
(أو الأنجب الأسمی أبو الفضل من بهأبو حفص یستسقی فینسکب المطر)
کلا عمّی الهادی به الدّین أیداو صین به حصن الیقین و شیّدّا
فما الفضل إلا حیث هذان قیّدا(أو الحسنان الهاشمیان سیّدا
شباب جنان الخلد نادرتا السّمر)من الفخر حلّا کلّ وهد و عدوة
بأشرف بیت ضمّه صدر ندوةفلذ بهما فی کلّ ممسی و غدوة
(فکم أنجبا من قدوة بعد قدوةو کم من نجیب فاق منهم و قد مهر)
سماة علی عجم السّموّ و عربهبقرب البنیّ المعنویّ و قربه
فکم منهم حام حماه بذبّه(و کم منهم فی الکون قطب بربّه
تصرّف أو غوث تصرّف أو ظهر) الرحلة المعینیة، ص: 204 فنعم بنو الزّهراء من نصّ أنّهمبنوا صلبه الماحی، و یا نعم من هم
صحابته المرضیّ فی الله عنهم(و من هاجروا الأوطان و الإلف منهم
و لم یثنهم خوف، و لم یثنهم حذر)نضوا فی رضا الله الحسام المهنّدا
و ذا دوا عن الدّین المرید المفنّدا أساة النّهی إن للهدی مسّهنّ دا
(عیون العلی تیجانها أبحر النّدیلیوث الوغی نور الظلام إذا احتضر
تناویر زهر الکون أعلام بیدهسواد مئاقیه تقاصیر جیده
مقیموا سبیل الحقّ، محیوا وئیدهفذاک فتی النّادی و بیت قصیده
و خنصره الأسمی المطاع کما أمر).و ذاک له خمر الشّهود مخامر
و ذلک بالمعروف قاض و آمرو هذا عن الفحشاء ناه و زاجر
(و ذا عن تلید المال منهم مهاجر)و طارفه البیض و الکوم و الحیر)
فما اصطحبوا غیر القنا السّمهریّةو غیر صماصیم الظّبا المضریة
الرحلة المعینیة، ص: 205 فکم رفضوا من روضة خضریة(و کم غادروا من غادة قمریّة
تباهی ضیاء الزّبرقان إذا بدر) هم السّابقون الأوّلون فما قصا
مداهم یدانیه مبار و إن قصافمنهم تواری البطل و الحقّ حصحصا
(مآثرهم لا تنقضی أو للحصیعدید و موج البحر عدّ إذا زخر؟)
و نعم الحماة الموثرون تحمّلاأولی الهجرة الفضلی علیهم تفضّلا
معادوا عدی المختار مردا و أکهلا(و أنصاره أکرم بأنصاره الألی
بهم عزّ دین الله و اعتزّ و انتشر) فلله ما أعلی و أبهی شموسهم
و اشهر فی نادی الأشاوس شوسهم و أقصر عن داعی المزایا جلوسهم
(لقد بذلوا أموالهم و نفوسهمو آووا رسول الله فی العسر و الیسر)
قفاة النبیّ المقتفی و جنودهإذا نشرت أعلامه و بنوده
فسادوا بمن ما فی الوری من یسوده(أولئک أبطال الوغی و أسوده
الرحلة المعینیة، ص: 206 إذا اصفرّت الأساد و انتفخ السحر)یشوقهم کالشّوق للظّلم فی اللّما
لموح المواضی إذ دجی النّقع أظلماو عاد خطیب القوم للهول أبکما
(و هزّ الرّماح السّمر یطربهم کمایطیرون عقبانا إلی رنّة الوتر)
بتفضیل جمع الصّحبة انعقدمن الامّة الإجماع حتما لیعتقد
فجمع یوازی منهم الفرد مفتقدو فرد جمیع الصّحب جمع و عنه قد
تقاصر أهل المجد فی الطّل و القصر)هنیئا لمن أروی حشاه و قلبه
هواهم کما یروی الخدلّج قلبهو من لهم فی الله أخلص حبّه
(فیا خاتم الرّسل الکرام و صحبهأضفت لکم نفسی و إنّی علی خطر)
فما أنا إلا خدیمکم و لنأزال، و إن غیّرت فی السّرّ و العلن
مضافا إلی مغربی ضمیرکم الزّمن(فلا تجعلوا بین المضاف و بین من
یضاف له فضلا و لو زلّ أو عثرلیذهب تنکیر المضاف معرّفا
بمن کان من کلّ المعارف اعرفاو کونوا علیه من آخی و أعطفا
(و حاشاکم أن تجعلوه و لو هفاکغالب ما یأتی للولا من الخبر)
الرحلة المعینیة، ص: 207 ولی فلیکن من موجب الخفض مانعلأن بکم فی مبتدا الفضل رافع
و لا یک عن إتباع وصفی قاطع(و من شرف المتبوع یشرف تابع
و من جالسه العطار طیّبه العطر)و یا سائر الأصحاب درعی و شلّتی
و من لم ینو عن هجرتیهم لأکّة و من نصروا رغم العداة المدکّة
(و یا أهل بدر و البقیع و مکّةو من بایعوا طّه بمفردة الشّجر)
و یا معشر الأملاک أعوان حزبهو من بکم یحمی السمّاء بشهبه
و من خصّه منکم تعالی بقربه(فإنّا توسّلنا بکم للذی به
توسّلنا لله فی نیلنا الوطر)و سیلتنا العظمی، حظیرة سعدنا
مشفّعنا المحمود، منجز وعدنامؤملنا المبرور مصباح رشدنا
(محمّدنا المختار، کعبة قصدنامقضی الّلبانات الملاذ من الغیر)
ألا یا شفیع المذنبین تکفّلایا من له تعنو الوجوه تدلّلا
و یا موسع العافی جدی و تذلّلا(أناشدک الله الکریم تفضّلا
الرحلة المعینیة، ص: 208 فمنّ علینا بالمراد و بالظّفر)و منک أقم بالقسط فی الفضل وزننا
و أذهب و أبدل بالمسّرات حزنناو وال و واصل بالسّعادة یمننا
(و کن حصننا من کلّ خوف، و أمنناو معقلنا، أنت المؤمّل و الوزر)
و آمّن و احم و احفظ و انصر و عمّرنو حط کلّنا، و امح الخطایا و کفّرن
و فینا ینابیع الهدایة فجّرن(و فلّ، و شتّت، صدّ و اهزم و دمّرن
أعادینا، لا تبق منهم و لا تذر)و قلّل سرایاهم، و أضرم شذاهم
و کثّر سبایاهم، و أخمد جذاهمو لا تقذ منّا مقلة بقذاهم
(و ضنّ بنا عن ضرّهم و أذاهمفلا بوس نلقی من عدانا و لا ضرر)
و إنّی لک الّهمّ مبسوطة یدیو مستشفع باسم الجلال المحمّد
و أسمائک الحسنی لتقضی مقصدی(و أنشدک اللّهمّ بالنّور أحمد
فأجر و حرّک بالمراد لنا القدر)و نوّر بذا النّور المنیر سراجنا
بصائرنا و اجلو انطماس انبلاجناو فینا غدا شفّعه قبل انزعاجنا
(و مر لی إلهی بالقضاء لحاجنابلا مهلة کالبرق و الّلمح للبصر)
الرحلة المعینیة، ص: 209 و أظهر به فضلا علی الکون فضلناو شمل العدی بدّد، بجمعک شملنا
فإنا حططنا عند بابک رحلناو إنّا غلبنا غالب فانتصر لنا
أیا غالب الغلاب یا خیر من نصر)و أحی علی وفق الهدی کلّ شرعة
بنا و بنا أیّا أمت کلّ بدعةو مزّق بنا الأعداء فی کلّ بقعة
(و عن بیضة الإسلام فرّج بسرعةو نسبتنا و اکشف عن الأمّة الضّرر)
و تدی الأیادی کن علیّ مدرّهاو نعماک شکرا أولنی مستمرّها
أیا واهب الالآء لی و مقرّها(أدم نضرة الدنیا علیّ و برّها
و خیراتها و العزّ و النّصر و البشر)وهب لی فتحا بالسّعادة موذنا
و جزما به أحیی بوعدک موقناو نصب صراط بالهدی منک معلنا
(و خفضا لعیش العمر فی منتهی الغنیبأحکام رفع القدر لا أدوات جر)
و روّح بک اللّهمّ روحی و البدنو لا تطبنی عنک البطالة و الدّدن
و عنّی تحمّل ما تحمّلت من مؤن(و أسألک الإسعاد و الحظّ لی، و أن
الرحلة المعینیة، ص: 210 تدیم علیّ السّعد و الحفظ و الفجر) و أرجوک أن أحظی بیسر مشفّع
بعمر طویل فی رضاک مقطّعو تقطع إلا فیکبالفضل مطمعی
(و تثبتنی عند النّزوع و کن معیو عند مماتی و التّوجّه للحفر)
و تبّث یقینی، ثمّ لا ألق دهشةو زدنی سرورا باللّقاء و بشّة
و لا أخش من أجناد بطشک بطشة(و لا أری فی قبری مضیقا و وحشة
و فی الحشر لا ألقی و ما بعده ضجر)إلی أن أری لی مقعد الصّدق مقعدا
مع المتّقین الغرّ عندک مسعدابقربی إمام المرسلین محمّدا
(و تنزلنی أعلی الجنان مخلّداو آکد حاجاتی إلی وجهک النظر)
و حقّ نجاحی مذ إلی بارئ الوریتشفعت بالمختار أکمل من ری
و بالصّحب فی إتمام قصدی میسّراو صلی علی النور المقدّس من سری
به لیلة الإسرا علی منتهی السّدر)و شرّف معراج السّماء ببدره
و أودع سرّ الکائنات بصدره الرحلة المعینیة، ص: 211 و صیّر مجلی الذّات مرآة درّه(و کلّمه فردا مشرّف قدره
و ما زاغ منه أو طغی ثمّة البصر)و لا زال مسمی أفضلیّته علی
سماة العلی فهو المحیط بما علایعوّده ما اعتادت الغزلة الفلا
(صلاة سمت فضلا علی غیرها فلایحیطه و هم لا و لا ألسن الفکر)
و عظّم تعظیما تخرّ له القننو کرّم تکریما تضاعفه المنن
مکانته ما رنّحت شمأل فنن(و سلّم تسلیما علیه یجلّ عن
مساومة الإحصاء و العدّ و القدر)و الآل الألی ما عن هداه تبرّم
و أمرهم فی مسلک الصّدق مبرمو من هو بالدّین الحنیفیّ مکرم
(سجیس اللّیالی ما تشوّق مغرمو ما غرّدت ورقاء فی مورق الشجر)
و الحمد لله الذی أکرمنا بمنه و فضله بحج بیته المحرم، و زیارة قبر نبیه صلی اللّه علیه و سلم المعظم، حتی أنشدنا هذا التخمیس بالحرم النبوی و غیره من المدائح النبویة کقصیدتنا الدالیة المتقدم ذکرها فی أوائل هذه الرحلة و کقصائدنا الثمانیة و العشرین المسماة «مطالع الأنوار فی مدائح المختار» التی ذکرنا صفتها فی أوائل الرحلة، و أثبتنا منهن ثلاثا فیها هناک.
الرحلة المعینیة، ص: 212
و قد أکثرنا بحمد الله أیامنا بالمدینة المنورة من إنشاء أمداحه صلی اللّه علیه و سلم، تقربا و استجلابا لبرکته و شفاعته صلی اللّه علیه و سلم، لما ورد فی بعض الآثار من أنّ من مدحه صلی اللّه علیه و سلم، و لو ببیت واحد، کان شفیعا فیه یوم القیامة، و سواء فی ذلک أنشأ البیت أو أنشده، کما نظمه بعض الأجلة فقال:
[الرجز]
و مادح النبی ببیت کاناله شفیعا فی القیام جانا
و فی الشفاعة استواء من حکیو منشئ البیت السجلماسی حکی
و من أحسن ما أنشد فی المدائح النبویة تلک الأیام، بذلک البلد الحرام، قصیدة الأستاذ الشیخ مربیه ربه التّائیة، و قصیدة صنوه الشیخ محمد الإمام الهمزیة، فلکتا القصیدتین لا تجاری فی مجالها، و لا تحاکی فی منوالها، لم یکن لهما شبیه فی الإجادة و حسن الصناعة، و تمام البلاغة و کمال البراعة و کیف لا و الشیخان الفریدان هما اللذان نظما فرائدهما و زفّا إلیه صلی الله علیه خرائدهما:
[الطویل]
فهل ینبت الخطی إلا و شیجهو تغرس إلا فی منابتها النخل
و قد اقتضی النظر إثباتهما فی هذه الرحلة لإقرار عین الناظر، و تنشیف أذن السّامع، بما اشتملتا علیه من المحاسن و البدائع.
الرحلة المعینیة، ص: 213
فأما مدیحیة الشیخ مربیه ربه التائیة فهی :
[البسیط]
آثار ربع أثارت عند ذکرتهمکامن الشّوق فاشتدت بزورته
حیّاه جود الحیا بدیمة سحراأروثه لا زال یرویه بدیمته
هبّت علیه الصّبا تنصبّ من صببلو لا الصّبا ما صبا صبّ لّصبوته
فأومض البرق وهنا فوق کلکهطورا یمینا و أحیانا بیسرته
بتنا علی أنس منه و بات علیأرجائه بین یسراه و یمنته
و أصبح المزن ینهمی بهجهجهو زمزم الرّعد فیه طول لیلته
ما البرق للرّبع إلا کان مرحمةیرثیه فی ظبیه من بعد فرقته
الرحلة المعینیة، ص: 214 ظبی أغنّ مصاده الأسود و قدأو ثقته بفؤادی خوف نفرته
غصن سقایته عینی و منبتهقلبی، عجبت لمسقاه و منبته
نشوان یعثر فی مرط الشباب و لمیرحم مشوقا و لم یقل لعثرته
تحمّل الربع من فقدانه أسفاما قد تحمّلت شوقا عند رؤیته
لهیب و جنته بین الضلوع، و مندمعی أخاف علی لهیب و جنته
آنست نار الهوی حتی أنست بهاو الزّند لم یشک من نیران قدحته
یا وجد شأنک و الحجا ودع و مقاما غیر من زلّ مأخوذ بزلّته
ما لاح برق سوی نور النّبیّ و ماذیالک الوجد إلا من محبته
أری حیاتی مماتی فی محبّتهیا لیتنی کنت من أرباب حضرته
أسکنته فی جنانی و هو جنّتهسقیا نعیم جنا قلبی و جنّته
سقاه راح الهوی صرفا و علّلهفلم یزل صاحیا فی حال سکرته
أصل المکون نوره و مبدأهو المنتهون تناهوا دون بدأته
الرحلة المعینیة، ص: 215 من الملائک إلا أنّه بشرهو النبیّ و آدم بطینته
محجّة الله، و هو عین حجّتهو حجّة الله تجری فی محجّته
صدر المناصب فصل فی قضیّتهغزر المواهب عدل فی رعیته
و قدر همّته بقدر منصبهلأن منصبه کفء لهمّته
تعنو الوجوه لوجهه و وجهتهتهدی أسنّته الاعدا لسنّته
خطّ استواء المعالی شمّ أجبلهایشفی صدور العوالی بطش حدّته
أحاط بالدّهر علما لم یزل عجبایقلّب الدّهر فیه جفن حیرته
ودّ الکواکب أنّها مواکبهأو بیضه و خطاها دون خطوته
ینهلّ جودا و ینهلّ الغمام فذاتطبّع و هو طبع فی خلیقته
تودّ هالة بدر التّمّ نادیهو دارة الشّمس من ضرّات حبوته
لو کان للخضرم الطّامی سماحتهلم یخزن الدرّ عن غوّاص درته
محا نحوس العدا میمون طائرهو طائر النصر یشدو فوق دوحته
الرحلة المعینیة، ص: 216 و القهر و النصر و التأیید عدتهو هل یغالب معتدّ بعدّته
و الغیث و اللیث و الأقمار فی شرففی کفّه و لقائه و رؤیته
و الیمن و الخیر و السّرا بیمنتهو البأس و الفتک و الضرّا بیسرته
و النّصر و القهر یجریان صحبتهفمن مکاتبه أو من کتیبته
و النفع و الدّفع غایتان بحرهمایستنّ بین صلاته و صولته
و الحزم و العزم و التمکین أهبتهفلم تقم أهبة یوما لأهبته
و الصبر و الشّکر و الجهاد حرفتهیجری المنی المنایا طبق حرفته
تعلو مهابته رائیه من بعدو إن دنا کان رقّا فی محبّته
یغدو الجبان غضنفرا بعزمتهمن قاده أسد یسطو بسطوته
لو یرتمی منه یوم حربه شررفی الیمّ أصبح نیرانا بلفحته
أو صافح الصخرة الصمّاء إصبعهفی السّلم أمست حریرا من مبرته
صغیرة الدّر لو من خلقه مزجتبالبحر لا عذوذبت عروق ملحته
هو الحییّ و ما للأسد و ثبتهإنّ الهزبر حییّ قبل و تبته
الرحلة المعینیة، ص: 217 أمدّ دولته، أباد عادیهمدید أمداده سریع صولته
ما فاته سودد و المجد مقتصرعلیه و العزّ یجری فی أعنته
لولاه ما رحمت أمّ بنیّتهاو الله أرحم و هو عین رحمته
ما ارتاح قطّ لراحة و راحتهما بین غدوته لقی و روحته
روح أراویحنا سیف مسامعناممن یفوح الشذا من طیب قصّته
کم شاهدوا من عجیب یشهدون بهفی حمله و بروزه و نشأته
فما اعتری أمّه مغص و لا وحمو أولدته نقیا بعد تسعته
و سرّ مختتنا لله مختتنمن غیر موسی تولّی قطع سرته
و الأرض قد أشرقت نورا بمولدهو لیلة القدر لم تعدل بلیلته
یا حبّذا لیلة الاثنین آخرهاو الحمل فی رجب بلیل جمعته
و شبّ شهرا شباب العام إن لهرزقا من الله یجری غیر درته
أمست حلیمة ملئا ثدیها غدقو لم یکن فیه درّ قبل رضعته
الرحلة المعینیة، ص: 218 عن کتمه ضاق صدر الغیب کیف لهأن یکتم البدر فی أثناء طلعته
مسراه فردا إلی من لا شریک لهیقضی بغیر شریک فی قضیته
فمفخر العالم العلوی بمطلعهو مفخر العالم السّفلی بطلعته
أمست تباهج أرضنا السماء بهحتّی تراجع فلتهنأ برجعته
قد ارتقی مرتقی لم یرقه ملکو لم یحم من رسول حول حومته
ما ثمّ إلا رسول الله منفرداو معرج الروح ثمّ عند سدرته
لما توحش أزجی الله صوت أبیبکر فکان به إیناس وحشته
أوحی إلیه الذی أوحاه و افترضتخمسون خفّفها أثناء عودته
کست سرایاه وجه الأرض مفخرةو العلو تاه علوا عند سریته
فجلّ مرتبة عمن یشاکلهو لیس إلا العلیّ فوق رتبته
خیر النبیئین من بفضله نطقتکتب النبیئین دهرا قبل بعثته
إن کان آدم صفوة و نوح دعاحتّی طغا الماء إیجابا لدعوته
و غرّق الله من فی الأرض قاطبةو لم ینجّ سوی من فی سفینته
الرحلة المعینیة، ص: 219 أو کان فی الدّین إبراهیم متّبعاو اختصّ منه ببیته و خلّته
أو کان موسی نجیّا مخلصا و لهخوارق و العصا قامت بحجّته
أو کان عیسی بإذن الله یبعثهمموتی و یدعی بروحه و کلمته
فإنّ طه حبیب الله یبعثهمموتی و یدعی برحه و کلمته
و أول الخلق خلقا و هو أوّلهمبعثا و أول جائر بأمته
و فی یدیه لواء الحمد یومئذو الخلق یهمس کلا تحت ظلته
و هو الشفیع الخطیب فی مراکزهمما فاه ذلق و لم یفه بخطبته
فذالک الیوم یومه و کوثرهیجری المصمّم شهرا فی مسیرته
بحافتیه قباب الدر لامعةو المسک طینته أکرم بطینته
تبارک الله ما أحلی مواردهو لیس یظما صاد بعد شربته
لولاه ما خلق الدنیا و خلّقهالیعرفن أهلها علیا مزیته
الرحلة المعینیة، ص: 220 و کلّ معجزة للرّسل أوتیهاأوجا بأبلغ منها فی نبوّته
و کلهم مستمدّ من زواخرهبقدر أمداده و قدر مدّته
لولاه آدم لم تغفر خطیئتهو نوح لم ینج من طوفان دعوته
و النار لم تک بردا للخلیل و لمیفد الذبیح ألا فاعجب لفدیته
و المفتدی هو اسماعیل إنّ لهعندی أسانید صحّت من أدلته
و ما تفلق بحر للکلیم و ماأمیت فرعون فی أعماق لجّته
له الأراضی انزوت من کلّ ناحیةحتی أرته أقاصی ملک أمته
و سبّحت فی أکفّه الحصا و حصیجیشا فأعماهم کل بحصّته
و الشمس ردت له من بعد ما غربتو أحبست لقریش بعد سریته
و الماء بین الأصابع الشّریفة فیشتی مواطن مشهود بکثرته
و المزن هلّ بنصره و ظلّلهو هکذا أبدا یسعی لخدمته
کم ممرع صیّب أهدی لحضرتهطورا یعمّ و طورا حدّ بغتیه
لو ینزع السهمّ من قوس الکواکب لمیکن له فی أبیّ وقع رمیته
الرحلة المعینیة، ص: 221 أمسی به الکفر مهدوم البنا و غدادین الشرائع منسوخا بشرعته
لو کان شاهد شداد جلالتهلعفّر الوجه تعظیما لحرمته
أما و سطوته بمن طغوا و أبواإلا الضلال و حزبهم بسطوته
لمستقیم صراط الله مندرجفی محض سنته و فی أسنّته
تضعضع الکفر و اتخفاظ ذروتهیجری إلی البعث من أیّام بعثته
قد بادرته ببدر کلّ بادرةجذّت بوادره و رأس حیّته
و اغتاله هرم أفنی شبیبتهو الدین أول یوم من شبیبته
و اجتثّ فی أحد و حاد محتدهو لم یزل تندب الصرعی ببغیته
و حزبه انهدّ فی الأحزاب موقفهو هال أحزابه أهوال وقعته
و یوم خیبر لم یترک له خبراو یوم مؤتة کان یوم موتته
و الصلح و الفتح کانا توأمین علیإزهاقه و ذهاب روح غیرته
و حان یوم حنین حینه و جریعلی محبته تصحیف محنته
و اذکر أسود المهاجرین من هجرواأوطانهم فی رضی المولی و خشیته
الرحلة المعینیة، ص: 222 فما أمالهم الغصن الممال و لا اللّحظ المحاکی سهامهم بطعنته
و لا انثنوا لثنایا شادن کحلحاشا و لا التفتوا لحسن لفتته
کأنما الخال مسک فی مورّدهکأنما سنة تجری بمقلته
کلا و لا جنحوا یوم الوداع لمنبین الجوانح شبّت نار فتنته
من کلّ ممتلئ الإزار ناظرهیفدی نواظره المرضی بصحّته
فرّوا إلی الله کلّ عن حلائلهعن والدیه و صحبه و إخوته
ما صدهم عن رسول الله ما وجدوابل زادهم فی التزامه و صحبته
أولئک الأولون السّابقون علیجرد الیقین إلی تصدیق دعوته
و اذکر مواطن للأنصار شاهدةبأنهم نصروه حقّ نصرته
تبوءوا الدّار و الایمان، حبّهملمن یهاجر فیهم عن عشیرته
سمّاهم الله أنصارا و بشّرهمبالمصطفیأنهم هم دار هجرته
و الموثرون لو اشتدّت خصاصتهمو القائمون بعزّه و منعته
فکم أعزّوا ذلیلا بعد ذلّتهو کم أذلوا عزیزا بعد عزّته
الرحلة المعینیة، ص: 223 هم الصّحابة من فازوا بصحبتهملخیر مصطحب سادوا بصحبته
فبایعوه علی ما الله قال لهو الله جلّ تولّی عقد بیعته
کل نحا نحوه و سنّ سنتهیرعی رعیّته یحمی لحومته
من کلّ من شاب فی الأهوال مفرقهلم یله إلا بسیفه و صهوته
تکبو الجیاد و لا تکبو عزائمهینبو الحسام الیمانی دون نجدته
یجرّ أذیاله فی کلّ معترکشاکی السلاح مناه فی منیّته
إذا تخلّل درعا خلته أسدایصول أو خلت ثعبانا بحلّته
لله کم صبّحوا من جحفل لجبتعتّر النجم فی منسوج هبوته
و معقل عقلوا سبیا عقائلهأمسی قفارا یعزّی فی أعزّته
سل العراقین هل للفرس باقیةو هل بقاء لکسری بعد کسرته
و سل عن الرّوم شامهم و قیصرهمعن نصره قصّرت ألطاف حیلته
یا مهبط الوحی معدن العلوم و یامن یعلم السّر یا أسرار حکمته
یا من محیّاه مخضلّ الحیاء بهیکاد یقطر ماء من أسرار حکمته
الرحلة المعینیة، ص: 224 یا ضئضئ المجد شؤبوب المکارم یامن فی الغیوب حضوره کغیبته
یا مالی العین و الأسماع منقبةو بهجة و کمالا عند ذکرته
یا من إذا الغیث غاض فاض مزبدهو غرّق الجدب فی أنهار ضفّته
یا من تعاظم هیبة و موهبةو الناس بین رجائه و خشیته
یا من أباح حصون الشّرک بارقهحتّی محا بسناه لیل ظلمته
یا أوجه الخلق وجها عند خالقهو من تخرّ الوجوه نحو قبلته
فهب شفاعتک العظمی لمعترفبما اجتناه و بالغ فی مبرّته
یا رب هب لی به عظیم منزلةهذا عبید شکا من عظم زلّته
یا ربّ و اجعل رضاک حلّتی أبداو الشّکر سمنی بحلیه و حلیته
فی ذمة الله من أولی الأمور لهو هو الذی لا یضیع من بذمّته
أنعش أغثنی أرش یا ملجأی أملیمن لا یبالی بذنب عفو رأفته
الرحلة المعینیة، ص: 225 استغفر الله یا ذا المنّ مغفرةللعبد بالتاء تمحو حاء حوبته
عبد أطاع الهوی و الفجر مختلطبلیله و أطاع غیّ شرّته
إنی و من لی و کلّ من تعلق بیفی سور مأمنه و أمن حوطته
أصلح بنا الدین و الدنیا و أمّة منبه تشفّع یجلو غین غمته
یا رب أصلح لنا الدارین إن لناتمسّکا بالنبیّ الهادی و عروته
إذا تسامت لشکره قرائحناتملی شمائله ضروب نعمته
کأنما اللؤلؤ المکنون ینثر أومختوم مسک یفضّ عند مدحته
لو حاول الشّعرا نظم الکواکب فیسمط الثناء لأعیوا دون جملته
و لیس یحتاج مدحا بعد خالقهإذ غیره لا یؤدّی نشر طیّته
فاقرأ لیاسین و الضّحی و مثلهماإن کنت جاهل قدره و رتبته
یا ربّ صلّ صلاة لا نظیر لهاعلیه ما ارتاح مرتاح لرحمته
سلم سلاما علیه لا یکافئهبین النبیئین إلا قدر رفعته
الرحلة المعینیة، ص: 226
و أما مدیحیة الشیخ محمد الإمام الهمزیة فها هی
[البسیط]
ما کنت مذ زمن ترجوه هذاؤههذا شفیع الوری بشراک هذاؤه
هذا النبیّ الذی ما مثله بشرو إن تشأ وصفه تنبیک أسماؤه
هذا النبیّ سراج الکون جوهرهو من تدور به للکون أرحاؤه
و ذا خلیفته الصّدیق صاحبهمن لا تری فی جمیع الصحب أکفاؤه
فریدة القوم فی کلّ المناقب بلیتیمة العقد عقد الدّین عصماؤه
و ذاؤه عمر الفاروق تلوهمامن لا تزیغ عن التوفیق أراؤه
موطّد الدین و المرسی قواعدهحتی استقامت بأید العدل عوجاؤه
و ذاک منبره الأسمی و مسجدهو حیث أزواجه کانت و أبناؤه
حیث النّبوءة تبدو من منازلهو حیث تتلی من التّنزیل أنباؤه
الرحلة المعینیة، ص: 227 و ذا البقیع ألا أحبب به بلداتقضی به لأخ الحوجاء حوجاؤه
و ذا النقیع و ذا وادی العقیق و ذامعسول أمواهه الجاری و حصباؤه
حیث الأحیّة تزهو فی جوانبهو حیث یجری إلی ساحاته ماؤه
و حیث تلتفّ بالأیک الغصون بهو حیث تمتدّ تحت الدّوح أفیاؤه
و لتزم طرفک نحو السّفح من أحدتذهب علی الفور لمح الطّرف أقداؤه
و ذی مدینته الغرّاء موطنهدار السرور لمن وافی و نعماؤه
و ذی حدائقها تهتزّ باسقةحسنا کما هزّت النشوان صهیاؤه
محلّ هجرته مأوی لعترتهأنوار شمس الهدی فیها و أضواؤه
مقرّ من هاجروا لله أو نصرواأصحابه و هم حقّا أحیّاؤه
الرحلة المعینیة، ص: 228 و هم هم جنده فی کلّ نائبةو هم هم أنجم الإسلام لألاؤه
و هم عیون الهدی تیجان هامتهسواد مقلته بل هم سویداؤه
یا حبذا بلد کان الحبیب بهتمحی به عن أخ الحوجاء حوجاؤه
فاستفرغ الجهد فی نیل الوصول لهإصباحه نحوه دأبا و إمساؤه
و استعمل الذّهن فی صوغ المدیح لهیکون إنشاده فیه و إنشاؤه
قالوا ألم تر أحزاب العدی حشرتمن دونه فکست للجوّ ظلماؤه
فقلت هل یرعوی قلب المحبّ و هلتثنی عن الفلک الدّوّار جوزاؤه
کیف اصطباری و هذا الرّکب مرتحلتهفوا بذکر حبیب الله أنداؤه
من کلّ حرّان قد ذابت حشاشتهمن حرّما اتّقدت بالشوق أحشاؤه
إن سدّت الطرق عن مغناه أو منعتفاستعجمت عن دقیق الفکر آراؤه
فانصب من العزم جسرا للعبور لهلتنزوی من سحیق الرّبع أرجاؤه
الرحلة المعینیة، ص: 229 و لا تردّک أعداء له عرضتفلن تردّ عن المحبوب أعداؤه
ما حکم ذی الشّوق کلا حکم مسألةبل ما اقتضت من دواعی الوصل أهواؤه
و إنّ لله ألطافا مشاهدهاتجری بریح من التّوفیق آناؤه
فاقطع بماضی سیوف العزم منصلتاحرف المضارع إن یعجبک إمضاؤه
لا تنتظر بابترام الأمر أهبتهفقبل تشحیذ حدّ السیف إنضاؤه
و لا تکن مثل من کانت عزیمتهکما تلوّن فوق الغصن حرباؤه
إنّ الفتی من متی یهمم بناحیةکادت تسابق همّ القلب أعضاؤه
لا تطبی قلبه بیضاء غانیةریّ الخلاخل غرثی الکشح هیفاؤه
لعساء تفترّ عن در متی برزتتندکّ من طود عقل المرء صمّاؤه
الرحلة المعینیة، ص: 230 لم یدر ذو العذل ما یخفی المشوق و ماتضمّنت من ألیم الوجد أحشاؤه
هم تقلقل فی صدری أجمجمهو الیوم قد غلب المصدور إخفاؤه
لم تجد سوف سوی تسویف صاحبهاحتّی تفوت من المقصود آناؤه
أری من العجز کون الصّب فی طرفمن البساط و فی الثّانی أحبّاؤه
لا یؤیسنّک ضعف عن وصولکهقد تسبق الذّود عند العود عرجاؤه
قلبی بتلک المغانی هائم کلفإن هام قلب فتی تامته حسناؤه
واها لصبّ بأقصی الغرب ینعشهرجاؤه و یذیب القلب إرجاؤه
ما الشّام قصدی و ما تبدیه غوطتهو لا العراق و ما تخفیه زوراؤه
کلّا و لا الیمن الزّاهی برقّتهو ما وشت من لطیف الصّنع صنعاؤه
کلّا و لا أربی ما شاد تبّعهو لا الذی نمّقت من بعد أذواؤه
الرحلة المعینیة، ص: 231 و لا اشتیاقی إلی نجد و أربعهو لا عقائل ضمّتهنّ أحیاؤه
و لا بمصر و ما تبدی عجائبهامن کلّ ما حیّر الأذهان أنباؤه
کلا و لا القصد ما یجنی من أزهرهامن یانع العلم إذ تملیه قرّاؤه
فللحجا حاجز عند الحجاز لهعن شوق أرض سوی ما ضمّ أرجاؤه
کانت لقلبی أهواء مفرقةفاستجمعت فی الحجاز الیوم أهواؤه
فلا لبانة لی إلا بساحتهففی المدینة لبناه و أسماؤه
و حبّذا البلد السّامی بمبعثهو بیته و الذی ضمّته بطحاؤه
و حبّذا مازماه و الصّفا و منیحیث الصّفا و منی قلبی و رغباؤه
فتلک أوّل أرض شمّ تربتها الهادی و أول ما مسّته أعضاؤه
و کان مسرح عینیه مطارحهاو کانت أبناؤه فیها و أباؤه
لطفا بمغترب فی أرض عترتهلم تجل غربته فیها أودّاؤه
إن شام برقا بأکناف الحمی برقتأشواقه وهمت للجفن أنواؤه
الرحلة المعینیة، ص: 232 و إن رأی خبرا تهتج لواعجهکأنما اشتعلت بالنّار أحشاؤه
أو لامه لاثم فیما یحاولهکأنّما کان عند اللّوم إغراؤه
یا نعمه بلدا طوبی لساکنهتشد و علی فنن الإسعاد ورقاؤه
به ینال جمیع السّؤل قاصدهو تنجلی عن حجا المغموم غمّاؤه
و یشتفی من عضال الداء أجمعهمن کلّ ما عجزت عنه أطبّاؤه
و یستنیر به دیجور باطنهنورا و تفعم بالخیرات أوداؤه
دین علیّ إذا ما جئت تربتهتمریغ وجهی بها شکرا و إغضاؤه
و ألثم التّرب تشریفا لحضرتهلتشتفی من رسیس الشّوق أدواؤه
أقول بشرای ذا مغنی المشفّع فیکلتا الحیاتین یا بشرای هذاؤه
هناک ألقی عصا التّسیار مبتهجاو تستریح إذا للعزم أنضاؤه
فیصبح الصّدر مشروحا بحضرتهمؤیّدا محت الضرّاء سرّاؤه
الرحلة المعینیة، ص: 233 أقول إن یدعنی شوق إلی وطنیما کنت مذ زمن ترجوه هذاؤه
تلک العزیمة و الرّحمان یعلمهاالعزم منّی و من مولای إمضاؤه
أنت المؤمّل فی تبلیغ عبدک ماإلیه وجهته تلفی و إیماؤه
(و اجمع لشملی مع الأحباب قاطبةجمع السلامة یا من جلّت أسماؤه )
فوفّقنّی لما یرضیک من عملو فی المقال أیا من جلت أسماؤه
ثمّ الصلاة علی المختار ما طلعتشمس و ما انبلجت للصّبح أضواؤه
و لم یزل نزولنا أیامنا بالمدینة المنورة عند الشیخ محمد بن عبد الله بن الشیخ محمد الخضر ابن مایابی الجکنی و بالغ فی إکرامنا، و الإحسان إلینا، جزی خیرا.
و من إحسانه أنه دائما یهیئ عند کل وقت من أوقات الصلاة عربیة، یرکبها الشیخ
الرحلة المعینیة، ص: 234
مربیه ربه و من شاء من خاصته معه إلی المسجد النبوی ذهابا و إیابا، و یتولی القیام بالشؤون التی تنوبنا بنفسه، و یباشر خدمتنا بیده، من تناول الطعام و الشراب و إصلاح الفراش و اللباس، إلی غیر ذلک من إکرامه لنا، جزی خیرا. و کان من هناک من الشناجطة یأتون دائما لزیارتنا کسائر أهل المدینة المنورة. و کلّ من أتانا یباشر بالإحسان زیادة فی الاعتناء بنا مع کمال التواضع، و الانبساط، و کذلک ابن عمه محمد فاضل ابن الشیخ محمد تقی الله ابن مایابی، فقد کان یکثر التردد علینا، و یظهر السرور و الفرح بمقدمنا، و یبلغ فی إکرامنا، و کذلک جمیع الشناجطة الذین هناک لم یقصروا فی إکرامنا و قلما یفارقون الشیخ مربیه ربه لطلب الإفادة منه، و أخذ الأوراد عنه، و الاستمداد به، و لا سیما الجکنیون، فهم أکثر من هناک، و أظهروا لنا من المحبة و المودة و القرابة ما لا یوصف، کمن ذکر من أهل مایابی، و مثل ابن عمهما محمد محمود بن الشیخ، و السید محمد عبد الله بن آد، و الشیخ عمر، و کذلک محمد بن سید من قبیلة بارتیل و هو من تلامذة شیخنا الشیخ ماء العینین، و کذلک محمد نور الترکزی، و هو رجل ذائق، واصل، عارف، دیّن، من موارد الشیخ أحمد بن الشمس، مرید شیخنا الشیخ ماء العینین، فقلما یفارقنا، و کذلک الشیخ موسی الفوتاوی، من موارد الشیخ أحمد بن الشمس أیضا، إلی غیر ذلک ممن لم تحضرنی أسماؤهم، و لم أتفرغ لکتبها، لقلة مدة إقامتنا فی المدینة المنورة، و للاشتغال فیها بحمد الله بما هو آکد عندی من ذلک.
فائدة فیما أتی به شیخنا الشیخ ماء العینین فی رحلته فی مقدار ما بین قبره صلی اللّه علیه و سلم و مناراته و أبواب سور المدینة المنورة و أسماء الجمیع
فائدة، قال شیخنا الشیخ ماء العینین رضی اللّه عنه فی رحلته فی مقدار ما بین منبره
الرحلة المعینیة، ص: 235
صلی اللّه علیه و سلم و قبره الشریف، و فی عدد أبواب حرمه صلی اللّه علیه و سلم، و مناراته و أبواب سور المدینة، و أسماء الجمیع، ما نصه: «فائدة. قدمت ما بین منبره صلی اللّه علیه و سلم، و قبره الشریف الذی ورد فی الحدیث، و هو قوله صلی اللّه علیه و سلم: «ما بین قبری و منبری روضة من ریاض الجنة» . و قد أفتی کثیر من العلماء بأن من دخله و حلف من امرأته أنه دخل الجنة حیّا، لا تطلق علیه، فوجدته قدر خمسین قدما، لأنی قدمت من النبر إلی الشباک المتولیه، فوجدته أربعین قدما بقدمی، و ما بین الشباکین قدرته بعشرة، و بعد ذلک قیل لی إنه کذلک و الله تعالی أعلم.
فائدة فی عدد أبواب حرم النبی صلی اللّه علیه و سلم و مناراته و أبواب سور المدینة المنورة التی تدخل إلیها و تخرج منها، و أسماء الجمیع، أما أبواب المسجد فأولها من جهة المغرب باب السلام، و یتلوه باب الرحمة، و یتلوه الباب الجدید، المعروف بباب عبد المجید، و یتلوه باب جبریل، و یتلوه باب النساء، فهی خمسة، و أما المنارات، فمنارة باب السلام، و یقال لها الریسی، و منارة باب الرحمة و منارة عبد المجید، و قد وجدتها تصنع مع بقیة المسجد، و ذلک لأن عبد المجید بنی الحرم النبوی کله، و جدده إلا موضع الروضة الشریفة، ترکوه لأنهم علموا أنهم لا یقدرون علی بناء مثل بنائه، و قد وجده، أی الحرم ثمانیة صفوف، و زاده بأربعة، فصار إثنی عشر صفا، و هذه المنارة أکبر منارة رأینها إلا منارة واحدة فی مراکش تسمّی الکتبیة، و سیأتی الکلام علیها إن شاء الله، و یتلو منارة عبد المجید، منارة تسمی السلیمانیة، نسبة إلی السلطان سلیم، فهی أربعة، و أما أبواب سور المدینة فأولها من جهة المغرب العنبری، و هو الذی یدخل منه الحجاج غالبا حین مجیئهم من مکة المشرفة، و یتلوه یمینا باب قباء، و یتلوه باب العالی، و یتلوه باب الجمعة، و یتلوه الباب الجدید، و هو الذی جعله أیضا عبد المجید، و یتلوه باب السلام، و یتلوه باب الکوم، فهی سبعة، و أما الباب المعروف بالمصری، فإنه لا یخرج من المدینة کلا، و إنما هو مخرج للمناخة، و تلک معدودة من المدینة، علی ساکنها أفضل الصلاة و السلام، انتهی کلام شیخنا الشیخ ماء العینین رضی اللّه عنه، و هو فی غایة الضبط و الإتقان، و لذلک اکتفینا به جزاه الله عنا برضاه الأکبر و أکرمنا بجاهه و جاه نبینا محمد صلی اللّه علیه و سلم، برضی الله و النظر إلی وجهه الأعظم.
الرحلة المعینیة، ص: 236
ذکر مدة إقامتنا بالمدینة المنورة و فضیلة من صلی فی المسجد النبوی أربیعن صلاة علی صاحبه الصلاة و التسلیم
و کانت مدة إقامتنا بالمدینة المنورة، ثمانیة أیام، حتی تفضل الله علینا بأن صلینا فی مسجده صلی اللّه علیه و سلم أربعین صلاة مکتوبة، ففی الحدیث عنه صلی اللّه علیه و سلم، أنه قال: «من صلی فی مسجدی أربعین صلاة، کتب له براءة من النار، و براءة من العذاب و براءة من النفاق»، و حدثنی الأستاذ الشیخ مربیه ربه، أن بعض العلماء، لا یشترط کون تلک الصلوات من الفرائض، بل حصل عنده الفضیلة بأربعین صلاة فی مسجده صلی اللّه علیه و سلم، و لو من النوافل، نحمده تعالی علی ما أنعم به علینا من فضله، نرجوه تعالی أن یتقبل منا، و أن لا یکلنا إلی أقوالنا و لا إلی أعمالنا، و أن یتولانا بمحض فضله و کرمه، ثم لما صلینا صلاة الصبح بالحرم النبوی یوم السبت الثامن و العشرین من ذی الحجة تقدمنا إلی محل مواجهته صلی الله علیه و سلم لزیارة الوداع، علی الحالة التی لا یعلمها إلا الله، و لا حول و لا قوة إلا بالله، فدعونا الله بما المرجو منه تعالی إجابته بذلک المقام، و نحمده تعالی حیث أنعم علینا بالقیام عند مواجهته الشریفة علیه الصلاة و السلام.
[الخفیف]
و رجعنا و للقلوب التفاتات إلیه و للجسوم انثناء
و سمحنا بما نحب و قد یسمح عند الضرورة البخلاء
فخرجنا من المسجد النبوی قرب طلوع الشمس من یومنا، و خرجنا من المدینة المنورة بعد طلوعها، فلما نهضت بنا السیارة، التفت إلی ذلک المنظر البهیج، مستنشقا طیب ذلک الأریج، باهتا فی تلک الجلالات الباهرة، و الأنوار الساطعة
الرحلة المعینیة، ص: 237
الزاهرة، و المشاهد الکریمة الشریفة العظیمة، فجرت علی لسانی هذه الأبیات، لا جعله الله آخر عهدی بتلک الحضرات العلیات، و أعادنی إلیها مرارا، و أماتنی علی حسن الختام بجوار نبیه علیه الصلاة و السلام، و الأبیات هی:
[البسیط]
متی الرجوع لمن قلبی بهم نزلافلا و ربّک لا أبغی بهم بدلا
أستودع الله من أودعتهم خلدیفلم أطق حیرة قولا و لا عملا
إنی لأغبط قلبی حیث عندهمثوی و أرثی لجسمی أنه ارتحلا
نزلنا بجدة و رکوبنا منها إلی السویس قافلین، و بیتان لجامع الرحلة أنشأهما و قتئذ
ثم سرنا یومنا، فبتنا لیلة الأحد فی محلة قریبة من رابغ، و جئنا رابغا بعد أن أدلجنا وقت صلاة الصبح، فنزلنا عنده إلی وقت الضحی، فرکبنا و دخلنا جدة وقت القیلولة، فوجدنا الباخرة قد دخلها من کان فیها من الحجاج، و هی تنتظرنا، فنزلنا بجدة، فلما صلینا الظهر، رکبنا زورقا إلی الباخرة، فدخلناها عشیة یوم الأحد التاسع و العشرین من ذی الحجة، فاحتفل أهلها لدخولنا احتفالا عظیما، فلما کان قبل الغروب بقلیل من الیوم المذکور، أقلعت الباخرة بنا قاصدة السویس، راجعة مع اثرها لجهة المغرب، فنظرت إلی جهة الحرم الشریف، و قلت:
[الرجز]
لا تجعل اللّهم ذا من کرمکأخر عهدنا بأرض حرمک
و أینما کنا فجد بنعمکربّ علینا و احمنا من نقمک
الرحلة المعینیة، ص: 238
فلما کانت صبیحة یوم الثلاثاء، و هو أول یوم من المحرم فاتح 1358، عرفنا الله خیره و خیر ما بعده، و وقانا ضریهما، رست بنا الباخرة عند جبل الطور، فظلت هناک یومئذ حتی دنت الشمس من مغربها.
أقلعت بنا الباخرة، فرست صبیحة یوم الأربعاء بنا فی السویس فی محلها الذی رست بنا فیه، و نحن ذاهبون إلی الحج، فلما ارتفع النهار، طلع علینا و نحن فی الباخرة الأستاذ العلامة الشیخ محمد حبیب الله بن الشیخ سید عبد الله بن مایابی الجکنی، و معه الأدیب المجید السید محمد بن الیمانی المتقدم ذکرهما، ففرح بهما الشیخ مربیه ربه و سائر الوفد، و رفع الشیخ مجلسهما، و معهما الأدیب الشیخ المختار بن أحمد محمود الجکنی، القاطن بمصر وقته، و أتحف الشیخ محمد حبیب الله سیادة الشیخ مربیه ربه و أقرباءه بشیء من الکتب، منها ما هو من مؤلفاته، و منها ما هو من غیرها، و تحدثنا معه قدر ساعتین و کتب لی إجازة فی مؤلفاته و جمیع مرویاته، و أتحفنا أیضا بشیء من الزاد معتبر، و أنشدنا قطعة لنفسه، أنشأها فی مدح سیادة الشیخ مربیه ربه، و تهنشته بالحج، کتبها بخطه، و هذا نص ما کتبه.
هذه قطعة قلیلة ساقها الاشتیاق مع الاستعجال و اشتغال البال بالمرض و هی:
[الوافر]
مربّه الإله إلیه شوقیتزاید بالغداة و بالعشیّ
الرحلة المعینیة، ص: 239 متی حجّ المیر الفخم کنّأکمن بالحجّ أحرم للعلیّ
و من فرط اشتیاقی کاد جسمییطیر إلی الأبیّ ابن الأبیّ
و لو أنی ملآت الطّرس مدحالهذا الشهم ذی المجد السّنیّ
لما أدّیت ما فی القلب ممّاأکنّ له إلی یوم الّلقیّ
فتی رام المکارم فی صیاهو لم یبرح یسارع فی الرّقیّ
و لمّا لم أقابلکم لعذرحمی عن رأی وجهکم البهیّ
فبالبیت الحرام لکم أهنیو فتح فی مواجهة النّبیّ
صلاة الله دائمة علیهنعمّ الآل بالعرف الزّکیّ
أنشأها طالب دعواتکم النافعة، خادم السنة، محمد حبیب الله الشنجیطی إقلیما، الجکنی نسبا المدنی مهاجرا، انتهی من خطه.
و کذلک أنشأ ابن عمه، الشیخ المختار بن أحمد محمود المذکور قصیدة فی مدح سیادة الشیخ مربیه ربه، أتی بها معه، و أنشدها ابن عمه الشیخ محمد حبیب الله
الرحلة المعینیة، ص: 240
فی المجلس نیابة عنه فی الإنشاد بین یدی الشیخ أعزه الله مطلعها:
[البسیط]
قد أشرق الشّرق بالأنوار إذ سطعاتنویر طلعة شمس الغرب مذ طلعا
و ازدان و اتسعت أرجاؤه و علتو حقّ للشرق لمّا ضاء و اتسعا
فقد أتاه إمام ما أتی بلدامن سائر الأرض إلا أزدان و ارتفعا
نجل الحلاحل ما العینین من شهدتأفعاله و السجایا أنه برعا
ربّاه دون مربّ فحوی الآداب و الخلق المحمود و الورعا
له یدان ید علی العدو ردیتغتالهم و ید تغنی من انتجعا
إلی أن قال:
حلاحل نفع الله الأنام بهکما بآبائه من قبله نفعا
من معشر علموا بالفضل و اتسعوامستمسکین بما الهادی لهم شرعا
الفضل شنشنة فیهم و عادتهمو فیه أصغرهم أباءه تبعا
الرحلة المعینیة، ص: 241 لم یأت منهم فتی یوما إلی أفقإلا تسربل فضل الفق و اّدّرعا
هذا و کم ذی غنیّ من سیب راحهماستغنی، و کم ذی صفی فی صفوهم کرعا
لا زال فضلهم یعلو الأنام و لازال الأنام بما حازوه منتفعا
بجاه جدّهم طه و من معهصلّی علیه العلی ما نوره سطعا
ثم ودعوا و انصرفوا من ساعتهم، بما اقتضاه الحال جزاهم الله خیرا
فلما صلینا المغرب لیلة الخمیس الثالثة من المحرم، أقلعت الباخرة بنا من مدینة السویس قاصدة بور سعید، فرست بنا عنده، بعد طلوع شمس یوم الخمیس، فلمّا کان بعد ظهره، أقلعت بنا متوجهة طرابلس، و لبثنا بینها و بین بور سعید ثلاثة أیام، و فی بعض هذه الأیام طلعت أنا و الشیخ محمد الإمام و جلسنا علی سطح مرکبنا المسی «مارکیس دی کومیاس»، فإذا به سائرا سیرا رفیقا لینا، مع غایة إسراعه، و حسن هیئته، ما شاء الله، لا قوة إلا بالله، فتبارک الله أحسن الخالقین، فقلت ارتجالا:
[الخفیف]
ته جمالا لا مسّک الدّهر باسو ابتهج مارکیس دی کومیاس
لک باد علی البواخر فضلفهی جسم و أنت فیه الرّاس
الرحلة المعینیة، ص: 242
فلما کان یوم قدومنا علی طرابلس اضطرب البحر اضطرابا شدیدا، و علت أمواجه، و تکاثرت حتی دخل الجزع أهل الباخرة، و کنت أنا و الشیخ محمد الإمام و بعض الإخوان واقفین بجانبها، ننظر اضطراب البحر، فجری علی لسانی هذان البیتان، مخاطبا بهما البحر:
[الخفیف]
لا تروّع بکثرة الأمواجأیّها البحر أنفس الحجاج
إنهم فی نهج العبادة فاخش الله فی أهل ذلک المنهاج
فبفضل الله و رحمته، هذا البحر أسکنت أمواجه، فرست بنا الباخرة عند طرابلس وقت الظهر یوم الأحد السادس من المحرم الحرام، فلبثنا عند مدینتها أربع لیال، و اجتمعنا ببعض أعیانها و علمائها ممن تقدم ذکره، و من غیر ذلک، ثم أقلعت الباخرة بنا منها قیلولة یوم الخمیس، و هو یوم عاشوراء، متوجهة بحول الله، ملیلیة، فسبتة فلبثنا بین طرابلس و ملیلیة ثلاث لیال.
و لما حان وقت وصولنا لها، علونا سطح الباخرة، أنا و الشیخ محمد الإمام و بعض وفدنا مترقبین رؤیة مدینة ملیلیة، فاستبطأنا رؤیتها، فأنشدنا الشیخ محمد الإمام ارتجالا هذا البیت:
[الطویل]
ألم یان أن تبدو دیار ملیلیهلیبرد من داء الغرام غلیلیه
الرحلة المعینیة، ص: 243
و استجازنی فقلت:
و لم تک لی فی دورها من لبانةو لکنّها نحو الحبیب سبیلیه
فوصلناها وقت الظهر یوم الأحد الثالث عشر من المحرم الحرام، و کان یوم وصولنا لها کیوم العید، لما أظهره أهلها من الاحتفال و الفرح و المسرة و الابتهاج و إظهار الزینة و الانبساط التام فی الخاص من أقوامهم و العام. لما دانت الباخرة من المدینة، اجتمع کثیر من الناس علی مینائها، حتی امتلأت، و وقف کثیر بساحل البحر و کثیر فوق سطوح الدور و جاءت السیارات من کل جهة، و اصطفت بإزاء المیناء، و الناس صفوف حولها، و نصبوا کثیرا من الرایات و الأعلام، و وقفوا ینتظرون وصول الباخرة إلی المیناء رافعین أصواتهم بالتهلیل و التکبیر و الصلاة علی النبی صلی اللّه علیه و سلم و الأدعیة، مع ضرب الدفوف و سائر آلات الطرب و الأفراح، و إظهار التماس البرکات و الدعوات الصالحات من الحجاج، و کذلک الباخرة نصب ضباطها أعلام الفرح و الاستبشار فی جمیع جوانبها، و وقف أهلها بحافاتها، منتظرین وصولها إلی المیناء، و کل من الفریقین یشیر إلی الآخر بالسلام و الترحیب و التهنئة، و وقف أعیان الدولة و ضباطها بإزاء المیناء بعساکرهم فی زیّ عجیب و تنظیم غریب. و ما زال لکل فی تزاید الأفراح و الحبور و الانبساط و الانشراح و السرور إلی أن رست الباخرة بإزاء المیناء، فأقبل الفریقان بعضهم علی بعض بالتهانی و إفشاء السلام، و حمد الله و شکره علی السلامة و الاجتماع، فطلع علینا بالباخرة أعیان البلدة من أهل المخزن و غیرهم، کالجنرال موح مزیان الریفی و أبیه، و الباشا الحاج عبد القادر بن الحاج الطیب، نائب الصدر الأعظم بالمنطقة الریفیة، و غیرهم، فبدأوا بالسلام علی سیادة الشیخ مربیه ربه، أعزه الله و وفده و جلسوا معنا، قدر ساعة، ثم انقلبوا لیسلموا علی أعیان أهل الباخرة.
الرحلة المعینیة، ص: 244
و لما رأیت فرح الناس بعضهم بعض، قلت هذه الأبیات تلک الساعة- أجاب الله دعائی فیها و بغیرها، و حقق رجائی بفضله- و هی:
[الرجز]
ربّ افرحن بی و فرح النبیبی و أملاکک فی منقلبی
و فرّحن بی سعداء الأمّهفرّحنّی برضاک ثمّه
و اجعل صراطی أبدا تقاکو خیر أیّامی إذا ألقاک
مجاورا أحمد فی دار السّلامعلیه أکمل الصلاة و السلام
ثم ودع الناس بعضهم بعضا، و تسامحوا و اشترکوا فی الدعاء، و أقبل الحجاج الریفیون و من حولهم لتودیع سیادة الشیخ مربیه ربه و وفده، فودعونا، و ودعوا من بقی من إخانهم المسلمین فی الباخرة، و نزلوا راجعین لأهلیهم بحمد الله، و کانوا ستمائة حاج، صحبنا الله و إیاهم بالسلامة و تقبل منا و منهم.
ثم لما وصلنا المغرب لیلة الإثنین الرابعة عشر من الحرم، أقلعت الباخرة بنا قاصدة سبتة، فرست بنا عندها فجر تلک اللیلة، فلما کان وقت الإسفار، أقبل علینا أهل مدینة سبتة باحتفال و أبهة عظیمة، من أهل المخزن و غیرهم، فنزلنا من ساعتنا، و سلمنا علیهم و ودعنا أهل الباخرة، و شکرناهم علی ما قابلونا به من جمیل صنعهم، و تلقی لنا بعض الأحبة من تطوان کأبناء القائد إدریس و غیرهم جزوا خیرا.
الرحلة المعینیة، ص: 245
فلما فرغنا من السلام و التهنئة بالقدوم، هیأ نائب الأمور المخزنیة لسیادة الشیخ أعزه الله سیارة، فرکبها هو و حرمه، و هیأ لسائر الوفد القطار، فرکبناه بعد طلوع الشمس بقلیل، و نزلنا وقت الضحی من یومنا بمدینة تطوان، فتلقی لنا الترجمان «بنت» بالفرح و التهنئة و الإکرام نیابة عن الدولة، و باشر شؤوننا و حمل أمتعتنا، حتی أنزلونا دار الضیافة فی محل نولنا السابق مرورنا بتطوان ذهابا، و لم یقصروا فی الإحسان و الإکرام، فلما کان بالغد یوم الثلاثاء، وقت الضحی أتانا «کوما ندنتی» و رحب بنا، و أظهر الفرح و الاستبشار بمقدمنا، و قال إنه أتی نائبا فی ذلک عن المقیم العام لاشتغاله یومئذ بکثیر من الأمور المخزنیة، ثم قال لسیادة الشیخ أعزه الله، تقیمون للاستراحة بالرحب و السهل إلی یوم الجمعة القابل تسافرون إن شاء الله فی البحر لکناری، ثم منها إلی أهلکم بطرفایة.
ثم لما کان وقت الظهر، أتانا السید مسعود بن محمد الشراد، فندبنا بمحله، و هیأ لنا سیارات رکبناها إلیه، فأحسن إلینا و أکرمنا غایة، و أحضر من أطایب الطعام و الشراب ما لا یوصف، فرجعنا إلی محلنا.
و فی عشیة یومنا أتانا قائد المشور السید محمد المصطفی بن القائد إدریس و وزیر الأحباس، الفقیه السید محمد بن عبد القادر بن موسی من عند الخلیفة مولانا الحسن بن المولی المهدی نائبین عنه فی التهنئة لنا بالحج و القدوم بالسلامة، و ذکرا أنه یقرؤنا السلام، و قالا للشیخ أعزه الله، إنه کان ینتظر قدومه من الحج رغبة فی حضوره لمجلس افتتحه لأمر الأوقاف یهیئ فیه استقلال أحوالها، و یرید أن یشهده الأعیان من أهل العلم و المراتب السنیة و المناصب العلیة، و أنه، أی الخلیفة عازم علی عقد المجلس بالغد یوم الأربعاء السادس عشر من المحرم، و یستقدم له سیادة الشیخ
الرحلة المعینیة، ص: 246
أعزه الله و قرابته خصوصا دون سائر وفده، فأمرا بالتهیئ له، و ودعا و انصرفا، فلما ارتفع النهار یوم الأربعاء، أتانا وزیر الأحباس المذکور، و خلیفته قائد المشور، و هو أخوه الولی ابن القائد إدریس یستدعیان الشیخ و قرابته للمجلس المذکور، و بیدهما کتاب للشیخ أعزه الله من عند الخلیفة یقتضی ذلک، و کذلک أتیا لکل واحد من قرابته المدعویین بکتاب من عنده بذلک، و الجمیع سبعة و هم:
1. شیخنا الشیخ مربیه ربه بن شیخنا الشیخ ماء العینین
2. و أخوه الشیخ محمد الإمام بن شیخنا
3. و ابن أخیهما محمد ماء العینین بن الشیخ أحمد الهیبة
4. و ابن أخیهما سیدی بوی بن الشیخ حسن
5. و ابن أخیهما سیداتی بن الشیخ الولی
6. و ابن أختهما الشریف یحجب بن خطر بن سید محمد
7. و ابن أختهما جامع الرحلة ابن عمهما ما العینین بن العتیق.
فدخلنا دار المخزن مع أول القادمین، و وجدنا بها مجلسا أنیقا رائقا، و منظرا حسنا فائقا معدا للجماعة، فدخل العلماء و القضاة و الأشراف و أعیان المخزن و کبراء الدولة، فجلس الناس علی مرابتهم، و رتبوا علی مناصبهم، فلم نلبث إلا هنیئة حتی دخل المقیم العام، و بعده بقلیل دخل مولانا الخلیفة، فجلسا فی صدر المجلس و فی مقابلتهما سیادة الشیخ مربیه ربه و أخوه الشیخ محمد الإمام، و کان هذا الاحتفال من أعظم الاحتفالات، له سکینة کبیرة، و مهابة عظیمة، و أبهة غریبة، و جلالة مثیرة.
فأول من افتتح فیه الکلام، سالکا أسلوب النظام علی وفق ما یقتضیه المقام، جامع الرحلة ما العینین بن العتیق فی مدح مولانا الخلیفة و تهنئته بموجب هذه الحفلة الجمیلة، و الأبهة الجلیلة، من ارتجاع الأوقاف إلی السنن المشروع، و السیر فیها علی نهج السلف الذی تباهی به الخلف فقال:
الرحلة المعینیة، ص: 247
[الکامل]
یرتاح للحسن المجید بصرفهحسن القرض إلی محاسن وصفه
فالشعر حلی یستطاب بصوغهللطیب الأخلاق عاطر عرفه
فاصرف إلی الحسن الخلیفة وجههمن کفّ أذی الزّمان و صرفه
و أنام أجفان الرّعیة فی ظلال العدل آمنة تیقظ طرفه
عصماء عقد الملک بیت قصیدهإنسان عین المجد، ما رن أنفه
ما حلّ ساحة عرضه دنس و منیحلل بساحته النوائب یکفه
فاللیث یذهل فی حماسة قلبهو الغیث یخجل من سماحة کفه
یلقاک فی عزّ المهابة و الوقاربخلقه المنسی النسیم بلطفه
فیذمّ نعت الأزهرین لنعتهو یشمّ عطف الوالدین بعطفه
فطن ینال برفقه متوحّداما لیس یبلغه الخمیس بعطفه
ما تبغ من نائی المطالب یدنهأو تشک من داء المعاطب ینفه
الرحلة المعینیة، ص: 248 أو ترج من باهی المبرّة یوتهأو تخش من داهی المعرّة یکفه
بل لا یریم علی المحامد عاکفاأنی ترمه مع المحامد تلفه
من ضئضئ النّسب الشریف و فرعهو خلاصة الحسب الکریم و صرفه
یا بن الإمام المرتضی المهدی قدشیّدت شامخ فخره من خلفه
ما سنّ من أثر جمیل فی العلیأو سنه أسلافه لم تعفه
جدّدت مفخرة الجدود وزدتهاحرصا علی تلد الفخار و طرفه
لک درّ فی المهد الحجا فرضعت مالم یرتضعه خلیفة من خلفه
و إذا رحیق المکرمات أدیر فیأندائها، کنت الجدیر برشفه
قطفت یداک الغضّ من زهراتهاإذ عزّ کلّ ید تناول قطفه
ترعی نواظرک الرعیة رعی منفی عدله عدم الننظیر و ثقفه
الرحلة المعینیة، ص: 249 لله مجلسک المبارک واقفاللشعب فی أقصی مصالح وقفه
صفّیته من کلّ شائبة و ماأوقفت غیر المصطفین بصفّه
و سننته للوقف شوری رغبةفی سنّة السلف السّنیّ و عرفه
فلیهنک السّعد الذی یبقی لکالتاریخ مدحته بصفحة صحفه
و اقرر و طب نفسا و عینا بارتقاء ولیّ عهدک فی حجاه و ظرفه
بک یأتسی، و من ائتسی بک فی المکارم تهده النّهج القویم و تقفه
تلک السیادة لم تزل من والدلإبن و هذا الوصف لم استوفه
ثم قام الفقیه السید محمد بن عبد القادر بن موسی، و ألقی خطبة حسنة أجاد فیها و أفاد، و أطال و أطنب فیما یقتضیه المقام فی أحکام الأوقاف، خصوصا فی المغرب، و بدء أمرها الإسلامی، إلی أن ذکر ما تدعو إلیه الحاجة بما یناسب الحال الواقع و بالغ فی وصفه بأحسن عبارة، لله دره.
ثم قام وزیر العدالة سید محمد بن التهامی فلالی ، و ألقی خطبة فیما یناسب
الرحلة المعینیة، ص: 250
الحال، حسنة مختصرة.
ثم قام الوزیر الصدر الأعظم سیدی أحمد الغنیمی، و ألقی خطبة و جیزة فی مقتصی الحال، جیدة.
ثم قام المقیم العام، و ألقی خطبة حسناء، مؤذنة باعتناء دولة إسبانیا الجدیدة بأمور المسلمین، و بشدة التعاضد الواقع بینهم و بین الشعب المغربی، و مساعدة رئیس الدولة الأعلی أمانی الشعب المغربی.
ثم قام مولانا الخلیفة، و ألقی خطبة فریدة فی المعنی أیضا، و شکر للدولة ما ساعدت به من استقلال أمر الأوقاف، و أن ذلک یشعر بالموافقة علی ما هو أعظم، و أبدع فیها و أحسن، مع الإیجاز الوافی بالمطلوب مما یقتضیه الحال و المقام فی الموضوع، لله أبوه، لا فضّ فوه.
و هذه الخطب أغنانا نشرها فی الجرائد عن الإتیان بنصوصها، فتلقی أهل المجلس جمیع ما ذکر بالاستحسان و القبول و الفرح و التصفیق، و سرّوا به غایة السرور، و لبسوا حلة الابتهاج و الحبور، ثم قام الجمیع إلی دار حاجب الخلیفة لمأدبة أعدها لهم مولانا الخلیفة هناک، فدخلنا عند الحاجب، فأحضر من ملاذ الطعام و الشراب و آلات الطرب و الأفراح ما حصل به للکل غایة الانبساط و الانشراح، فأشترکنا الدعاء مع الجماعة، و توادعنا، ثم رجعنا صحبة سیادة الشیخ أعزه الله إلی محلنا فی دار الضیافة.
و بالغد، یوم الخمیس السابع عشر من المحرم، دعانا الباشا السید محمد فاضل ابن القائد إدریس إلی داره، فسرنا إلیه مع سیادة الشیخ مربیه ربه، فی سائر وفده، و بالغ فی الإکرام و الإجمال و الإحسان و الإجلال، جزی خیرا
فلما رجعنا لمحلنا بدار الضیافة، زارنا الشیخ المکی الناصری، و الفقیه السید عمر
الرحلة المعینیة، ص: 251
الطنجی إمام المسجد، و باشا تطوان السید محمد بن محمد اشعاش، فی بعض رؤساء البلد و کانت تلک عادة رؤساء البلد، فإنهم دائما یترددون لزیارة سیادة الشیخ أعزّه الله أیامنا بتطوان.
تذکرة، دخلت فی هذه الأیام أنا و سیدی بوی بن الشیخ حسنّ علی الشیخ مربیه ربه، فأدنانا منه، و ضمنا إلیه، و أظهر لنا من الخصوصیة مالا یعبر عنه، و دعا لنا بما المرجوّ منه تعالی إجابته، ثم قال أعزّه الله، هنیئا لوالدیکما، الشیخ حسنّ ، و العتیق بأن توفاهما الله فی طریق الحج، لقوله صلی اللّه علیه و سلم: «ثلاثة فی ضمان الله عز و جل، رجل خرج إلی مسجد من مساجد الله، و رجل خرج غازیا فی سبیل الله، و رجل خرج حاجا». و لقوله صلی اللّه علیه و سلم أیضا، «خمسة أنا أتکفل لهم بالجنة، الولد البار لوالدیه، و المرأة المطیعة لزوجها، و من مات فی طریق مکة، و من کان حسن الخلق، و من کان مؤذنا فی مسجد من مساجد الله احتسابا». ثم قال أعزه الله: و أحمد الله أن حقّق لهما رجاءهما بحجکما أنتما بعدهما، لأن الولد حسنة من حسنات أبیه، إلی غیر ذلک مما قابلنا به من فضله و إحسانه، جزاه الله عنا بأحسن جزائه.
قال جامع هذه الرحلة ما العینین بن العتیق ما ذکره الشیخ أعزه الله من وفاة الوالدین الشیخ حسنّ و العتیق، فی طریق الحج وقع لکل منهما بمدینة فاس بعد أن وصلها بقصد الحج.
الرحلة المعینیة، ص: 252
فأما الشیخ حسنّ، فقد سافر عن حضرته، و کان بیتنا إذ ذاک فیها و فی بوادی درعة من مقابلة قری طاطا عام 1333 ثلاثة و ثلاثین ثلاثمائة و ألف، فودّعنا رضی اللّه عنه، و سافر بنیة الحج، و أتی علی طریق الجبل إلی مراکش، فأحسن إلیه الجلآویون غایة و أکرموه حتی وصل رئیسهم الحاج التهامی باشا مراکش فی مراکش، ففعل معه من الإجلال ما لا یوصف، و تکفّل له أن یتولی شؤون حجه هو و من شاء معه، و أن یبذل له ما یقوم بمؤن ذلک کله، فسار بتلک الصفة علی تلک العزیمة، حتی وصل فاس، فأراد الله أن صادف مجیئه له طروّ الحرب الکبری التی وقعت فی ذلک التاریخ بین الأجانب، فانسدت طریق الحج.
فتربص رضی اللّه عنه بفاس نازلا فی زاویة والده شیخنا ماء العینین ینتظر تیسیر الطریق حتی مرض و توفی رضی اللّه عنه عاشر شوال عام 1334، و دفن بزاویة شیخنا الشیخ ماء العینین، و قبره هناک مشهور یزار، و تقضی عنده الحوائج، رضی اللّه عنه و أرضاه.
و أما الوالد العتیق، فقد سافر عن أهله بحضرة شیخنا الشیخ ماء العینین بالساقیة الحمراء عام 1309 تسعة و ثلاثمائة و ألف بقصد الحج، و أنا إذ ذاک لا أعقل، لأنه بعد فطامی بقلیل، فلما بلغ فاس، صادف فیه السلطان مولای الحسن، فاعتنی به غایة و أکرمه، و کان نزوله عند مرید شیخنا الشیخ ماء العینین، قائد مشور السلطان، و هو
الرحلة المعینیة، ص: 253
القائد إدریس بن یعیش.
و قد ظفرت بکتاب له رحمه الله بخط یده، و کتبه للسلطان مولای الحسن و أودعه قصیدة من إنشائه فی مدحه، یستدعی إسعافه بأمر الحج الذی قدم لأجله، و نص کتابه، رضی اللّه عنه ها هو: «بسم الله الرحمان الرحیم، و صلی الله علی النبی الکریم، الحمد لله وحده، الحمد لله الذی خلق بعض عبیده لحوائج الأنام، و قوّی بهم فی أقطار البلاد الإسلام، و ألهمهم الشکر علی ذلک أحسن الإلهام، فصرفوا فی وجهه ما أسدی لهم من الإنعام، و السلامان علی من ختم به الرسل الکرام، و علی آله و أصحابه بدور الظلام، و نصر الله مولانا و أیده، و مد فی جمیع البلاد یده و أظهر به الحق و حققه، و أزهق به الباطل و مزّقه، و أطال حیاته فی التنعیم و حفظه من کل آفة إلی دخول النعیم، و لا زالت شمس عدله مشرقة، و العظماء من إجلاله مطرقة، و بعد فإلیه من الکاتب، سلام أعلی من المشتری و الکاتب، سلام لا یخطر مثله علی الأفهام، و لا تخطه فی المهارق الأقلام، و رحمة و تحیة، کسیرته الزکیة، موجبه، لیکن فی کریم علمکم أنی قدمت أنا و أخ لی إلیکم، نرید أن یتفضل الله علینا بالحج فی هذا العام، و زیارة الرسول علیه الصلاة و السلام، و قد علمنا أن الوقت ضاق، لکن یعمی عن ذلک المشتاق، و قد کنتم الوسیلة إلی ذلک، و المعینین علی کل ما نالک، فتوکلنا علی الملک القهار، و ألقینا لدیکم عصا التسیار، و لا سبب لنا إلی ما نؤمله إلا أن تفعل بنا ما أنت أهله، و الله یجزیک عنا و عن جمیع المسلمین بأحسن ما تجازی به أمراء المومنین، ثم إنی أتوجه إلیک بجدک صلی اللّه علیه و سلم، و أن تدعو الله لی بتیسیر ما أبدیته و ما هو مکثتم، و أن تدعو لی بکمال العبودیة، و مشاهدة کمال الرّبویة، و أن لا تخزجنی أبدا من همتک، ولیکن فی کریم علمک أننی من أهل وصیتک، و السلام کما بدأ یعود، ما عبد عابد للمعبود، و قد جعلت هدیتی شیئا من الشعر، سمحت به قریحتی، و إنه فی حقکم لیسیر، لکن جهد المقّلّ کثیر، و التزمت فیه
الرحلة المعینیة، ص: 254
التوشیع ، الذی هو من أنواع البدیع، و جعلت فیه شیئا من الغزل، و لیس ذلک من السفه و لا من الهزل، بل لقوله صلی اللّه علیه و سلم: «لا تمدحونی بخصی الشعر»، و هو ما لیس فیه غزل، فقلت و علی الله توکلت، و هو حسبی فیما توجهت:
[البسیط]
نئآک لما نأتک العالی الطّربو عزّک المطربان اللّهو و اللعب
أم أنت من حبّها و ذکرها دنفأودی بک المضنیان الحزن و الطّرب
لم یبقیا منه إلا عظما أو عصبافدی لها الباقیان العظم و العصب
شطّ المزار بها، فهل یبلّغنییوما لها المبلغان الوخد و الخبب
کم دونها مهمه قفر فریت إلیمن زانه شیمتان العلم و الأدب
و زانه خصلتان جود أو حسبیا حبّذا الخصلتان الجود و الحسب
أمیرنا و أری الأوصاف توضحهما یوضح الموضحان الإسم و اللقب
الرحلة المعینیة، ص: 255 من هو ملجأ أهل الأرض یلجئهالبابه الملجئان الخوف و الرّغب
فللضّعیف عطوف منحن أبداکأنّه المشفقان أمّه و الأب
و فی الحروب إذا نار الوغی اشتعلتکأنه الحارقان الجمر و اللّهب
فأطرق الصید من إجلاله و ثنیرقابها الثانیان القهر و الغلب
و فی سما عدله شمس الهدی طلعتفنارت الجهتان الشّرق و الغرب
من استقام علی طرف الهدی و بهاستقامت الفرقتان العجم و العرب
یا خیر من کان للحاجات أجمعهایأوی له الواهیان الطّلح و الغرب
هذا و مدحک سار السائرات بهالخیل و الحمر و البغال و النّجب
مدیح صدق و إنّ الصدق متّضحلا یستوی البینان الحق و الکذب
فحقّ لی مدحکم و إن مدحت فمامقصودی المفتنان الورق و الذهب
إذ کم تجود بذین دون ما سببإذ یفقد السببان المدح و الطّلب
الرحلة المعینیة، ص: 256 بل جئت من بعد و الخوف فی طرقیما صدّنی المانعان البعد و الرّهب
و مقصدی أنتم و الحج یا سببهو حبّذا المقصدان الحجّ و السّبب
صلّی الإله علی المختار جدّک مایقضی به المطلبان الفوز و الأرب
و الکاتب عبید ربه محمد الملقب بالعتیق بن محمد فاضل، حفید شیخنا الشیخ محمد فاضل بن مامین و ابن أخته و ابن عم محبیک شیخنا ماء العینین و أخیه شیخنا سعد أبیه، و مریدهما، و السلام. و إن عثرتم علی خطإ أو سوء أدب، فاعفوا و اصفحوا، و الله یحب المحسنین، انتهی من خطه رضی اللّه عنه.
فقابله السلطان مولای الحسن بما لا مزید علیه من الإکبار و الإعظام، و المبرة و الإکرام، و نفذ له کل ما تدعو له الحاجة من مؤن الحج و لوازمه، فلما تهیأ للخروج إلیه من فاس، أصابه مرض الجدری، فتوفی بسببه، رضی اللّه عنه، و دفن بزاویة الولی الشهیر، الشیخ عبد القادر الجیلانی عام 1310 ه. عشرة و ثلاثمائة و ألف. قال شیخنا الشیخ النعمة بن شیخنا الشیخ ماء العینین فی کتابه «الأبحر المعینیة فی
الرحلة المعینیة، ص: 257
المدائح المعینیة» فی آخر ترجمته للوالد المذکور- رحمه الله- ما نصه: «توفی عام عشرة بعد ثلاثمائة و ألف بمدینة فاس، قاصدا للحج- رضی اللّه عنه-، و حضر جنازته السلطان مولای الحسن و أعیان الدولة و القضاة و العلماء، و دفن بزاویة الشیخ عبد القادر الجیلانی، و قبره معروف یزار، و قد زرناه مع شیخنا لما قدم علی السلطان مولای عبد العزیز بفاس عام عشرین بعد ثلاثمائة و ألف» .
فقابله السلطان مولای الحسن بما لا مزید علیه من الإکبار و الإعظام، و المبرة و الإکرام، و نفذ له کل ما تدعو له الحاجة من مؤن الحج و لوازمه، فلما تهیأ للخروج إلیه من فاس، أصابه مرض الجدری، فتوفی بسببه، رضی اللّه عنه، و دفن بزاویة الولی الشهیر، الشیخ عبد القادر الجیلانی عام 1310 ه. عشرة و ثلاثمائة و ألف. قال شیخنا الشیخ النعمة بن شیخنا الشیخ ماء العینین فی کتابه «الأبحر المعینیة فی
الرحلة المعینیة، ص: 258
المدائح المعینیة» فی آخر ترجمته للوالد المذکور- رحمه الله- ما نصه: «توفی عام عشرة بعد ثلاثمائة و ألف بمدینة فاس، قاصدا للحج- رضی اللّه عنه-، و حضر جنازته السلطان مولای الحسن و أعیان الدولة و القضاة و العلماء، و دفن بزاویة الشیخ عبد القادر الجیلانی، و قبره معروف یزار، و قد زرناه مع شیخنا لما قدم علی السلطان مولای عبد العزیز بفاس عام عشرین بعد ثلاثمائة و ألف» .
و ذکره أیضا العلامة الشریف، السید محمد بن جعفر الکتانی فی تألیفه المسمی سلوة الأنفاس و محادثة الأکیاس بمن أقبر من العلماء و الصلحاء بفاس»، فقال فیه ما نصه «و من أهل فاس الجدید، الفقیه الشریف المنیف، ذو الأدب الظاهر، و النسک الباهر، أبو عبد الله سیدی محمد، المدعو العتیق بن محمد فاضل الشنجیطی، الحوضی منشئا، المتوطن الساقیة الحمراء، کان رحمه الله ذا أدب وفقه، و مشارکة فی بعض العلوم، صواما، قواما ذاکرا، خاشعا، أخذ العلم و غیره من الأدعیة و الأوراد عن شیخه و خاله، الشیخ الشهیر، القدوة الکبیر، من ظهر فی هذا
الرحلة المعینیة، ص: 259
الوقت ظهور شمس الظهیرة، و انتشرت أیادیه انتشار الکواکب المنیرة، العلامة المشارک، الذی لا یدرکه فی علومه و أهل عصره متدارک، ذی التآلیف الکثیرة، و الکرامات العدیدة الکبیرة، أبی عبد الله سیدی محمد مصطفی مء العینین ابن الشیخ محمد فاضل بن مامین، الشریف الحسنی الإدریسی، الشنجیطی- متع الله بوجوده و أفاض علی البسیطة فیض مدده وجوده آمین، و به تربی و تأدب و تخلق و تهذب، ثم إنه قدم لهذه الحضرة السعیدة دعاه إلیها داعی المنون، فأصیب بالجدری و توفی به و ذلک بفاس الجدید فی عام عشرة و ثلاثمائة و ألف، و کان له هناک جنازة عظیمة حفیلة، حضرها أعیان الحضرة السلطانیة، فمن دونهم، و دفن بالزاویة المنسوبة للشیخ الأکبر و الغوث الأشهر، سلطان الأولیاء، و قطب دائرة الأصفیاء، محیی الدین و تقی الدین أبی محمد سیدی عبد القادر الجیلانی بن أبی صالح موسی»
و قد کنت دائما معلق البال بزیارة قبره- رضی اللّه عنه- فلم تساعدنی الأیام، لکثرة الموانع و العوائق الوقتیة إلی عام 1356 ه. ستة و خمسین بعد ثلاثمائة و ألف، سافرت من عند الأهل بنواحی طاطا بقصد زیارته و زیارة قبر شیخنا الشیخ حسنّ، فدخلت فاس أواخر ربیع النبوی من العام المذکور، و لبثت فیه عشرة أیام، أتردد إلی زیارتهما- لله الحمد- کل ساعة، نرجوه تعالی أن یجعلهما فی أعلی الفرادیس، و أن یرزقهما رضاه الأکبر، و یتقبل منهما، و أن یتقبل منا، و یغفر لنا و یصلح أحوالنا و مئالنا بجاههما، و جاه جدهما رسول الله صلی اللّه علیه و سلم، و الحمد لله علی ما أولانا من فضله.
الرحلة المعینیة، ص: 260
و فی ذهابی لزیارتهما- رضی الله عنهما- أدرکنی عید المولد الشریف بالرباط فی دار حاجب السلطان، مولانا سیدی محمد بن مولانا یوسف، و هو الفقیه الصوفی السید محمد الحسن بن القائد ادریس بنعیش، أخو قائد المشور بتطوان السید محمد المصطفی و محمد فاضل المتقدم ذکرهما، فلما صلینا المغرب فی دار الحاجب المذکور لیلة المولد الشریف، استدعانا إلی دار المخزن للاجتماع بالسلطان فسرنا معه، فاجتمعنا بجلالة مولانا السلطان سیدی محمد فی مسجده الخاص بدار المخزن، فاجتمع عنده تلک اللیلة کثیر من العلماء و الأدباء و الشعراء، حتی غص المسجد بهم، و السلطان جالس بینهم کأحدهم لم یتمیز بعلامة من أبهة الملک عنهم، و باتوا مشتغلین فی إنشاد المدائح النبویة، بالأنغام الحسنة و الألحان المطربة، و مما ختموا منها قصیدتی البوصیری المیمیة و الهمزیة الشهیرتین، و قصیدة کعب بن زهیر رضی اللّه عنه الشهیرة فی مدحه صلی اللّه علیه و سلم، فلما کان قبل طلوع الفجر بقلیل، ختموا المجلس بقصائد من إنشاء بعض تلک الأجلة، فی مدیح مولانا السلطان، و تهنئته بعید المولد
الرحلة المعینیة، ص: 261
الشریف، و ما تفرق النادی، حتی صلوا الصبح بمحضر من السلطان، و کنت ممن أنشأ تلک اللیلة فی مدح مولانا السلطان، و تهنئته بالعید المولدی، لا بأس بإیرادها هنا، و هی :
[الکامل]
بشر المنی بک أشرقت أعلامهایشدو علی فنن السّرور حمامها
و حظائر الأفراح منک تنسمتأرواحها و تبسّمت أکمامها
زانت إمامتک الزمان و کیف لاتزدان أزمنة و أنت إمامها
لم تبق من رتب الکمال مزیةإلا و انت ملاکها و قوامها
لله درّک یا ابن یوسف من فتییرعی به للمکرمات ذمامها
أنت الملیک الکامل الکرم الذینجلتک من غرّ الملوک کرامها
أجدادک الصید الغطارفة الألیغبطت بها الغرب العراق و شامها
موفورة أعراضها مبذولةأموالها موصولة أرحامها
و حمیدة أخلاقها و سدیدةآراؤها و حدیدة أفهامها الرحلة المعینیة ؛ ص261
الرحلة المعینیة، ص: 262 فمحلّ إیطان السّماحة راحهاو محلّ تیجان الخلافة هامها
ترک العلی لبنیه إسماعیلهاإرثا و أورثها بنیه هشامها
حتی جلست علی أریکة عرشهاملقی إلیک عنانها و زمامها
لم تحک فی فخر الجدود و من یرمفخر النفوس فما سواک عصامها
تحنوا لمنبرک الرؤوس مهابةإنّ الأسود مهیبة آجامها
أسهرت جفنک فی تدابیر الأمور فأصبحت بک متقنا إبرامها
و کفیت ما تشکو الرعیة فانجلتلأواؤها بک و انتفت أسقامها
و تعلّمت جهلاؤها و تأدبتأحلافها و تیقّظت نوامها
عنیت بسیبک عن بعولتها أیاماها و عن آبائها أیتامها
کم من مدارس للعلوم نشرتهانشرت ثناءک فی الوری أقلامها
و مساجد شیّدتها و عمّرتهاأضحی بفضلک حاکما إحکامها
و کم اعتصمت بسنة الهادی فماترضی سوی ما تقتضی أحکامها
الرحلة المعینیة، ص: 263 و کم احتفلت بعید طلعته فعندکلا تزال بهیجة أیّامها
فاهنأ بها من لیلة سرّت بشائرها بجدّک و استنار ظلامها
هی لیلة القدر الولادیّ التیعن البریة خیرها و سلامها
هل فی اللّیالی مایوازی لیلةعن طلعة المختار زیح لثامها
من حبّه بالغت فی تعظیمهاأو لیس من تعظیمه إعظامها
أحبب بها من مدحة نبویةباتت تدار بمنتداک مدامها
ما أنت إلا البدر فی هالاتهلمّا أحاط بجانبیک ندامها
فلقد رقیت سنام کل مکانةفی الفضل عزّ المرتقین سنامها
و نثرت کلّ یتیمة للمجتدیفبدا بمدحک للمجید نظامها
و دعت مکارمک الوفد فلم ترمتترا إلیک فیستفاد مرامها
و ولیّ عهدک یقتفیک فنفسهعن رسل مجدک یستحیل فطامها
أنتم قدیما سادة أبناؤکمما إن تزل عن إثرکم أقدامها
ماذا أعدّد من خلالکم التیلا یستطاع کمالها و تمامها
الرحلة المعینیة، ص: 264
و اجتمعت فی هذه اللیلة بکثیر من أجلة العلماء، و أئمة الفضلاء و یلامع الأدباء، و فیهم العلامة الأستاذ الفقیه المشارک الأدیب، النبیه، الشریف، نقیب العائلة السلطانیة، السید عبد الرحمان بن زیدان ، فقابلی بما لا یوصف من السرور و الفرح بماقاتی، و لم یفارقنی تلک اللیلة و لا أیامنا بالرباط بعد ذلک، حتی رکبنا فی السیارة معا إلی داره بمکناس، فبالغ فی إکرامنا و الإحسان علینا، و لبثنا عنده أیاما فی أحسن حال، نبیت و نظل فی المذاکرة العلمیة و الأدبیة، نتعاطی عنده کؤوس الإفادة من جمیع الفنون، و کان من أغزر الأشراف علما و أدبا، و أوسعهم اطلاعا، و أحلاهم مجلسا، و أکرمهم نفسا، و أقومهم نهجا، فحمدنا الله علی ما منّ به من اجتماعنا، لأن کل واحد منا کان معلق البال بلقاء الآخر، و قد کان بعث لی کتابا عام 1355، و معه خمسة أجزاء، تمّ طبعها من تاریخه المسمی «إتحاف أعلام الناس»، و نص ما کتبه لی:
«الحمد لله وحده، و صلی الله علی سیدنا محمد و آله و صحبه، من عبد ربه خدیم العلم و العلماء عبد الرحمان بن محمد بن عبد الرحمان بن علی بن محمد بن عبد الملک بن زیدان بن فخر الملوک وجد سلاطین المغرب الأقصی السلطان إسماعیل الأکبر، دفین مکناسة الزیتون، إلی حبه صاحب الفضیلة و النبل، العلامة ابن العتیق، آدام الله إجلاله و إکباره و سؤدده و فخاره، و أمنه و رعاه، و أمنه و رعاه و زاد فی
الرحلة المعینیة، ص: 265
حسنه و مغناه، و سلام علی جنابه الأرفع، و رحمة الله و برکاته، أما بعد، بإن رابطة العلم و الأدب، و صفاء الود المؤسس علی تقوی من الله و رضوان، تراث توارثه الأبناء عن الآباء، حدا بی إلی مفاتحة جنابکم الملحوظ بعین الإکبار و الإجلال بالمراسلة و إهدائکم ما تم طبعه من تاریخنا من إتحاف أعلام الناس، و هو أجزاء خمسة، راجیا أن لا ینبذ وراءکم ظهریا، و أن تعیروه حصة من وقتکم الثمین، المعمور بما یقرب من الله زلفی اقتفاء لآثار الأسلاف المتقین، و تنبیهی علی ما زاغ به القلم، أو نبا عنه البصر، و ضمه من خطا و خطل، شأن البشر، و قد زرت فی هذه الأیام الأخیرة القطر السوسی، و لم یکن لی علم بمحل استقرارکم، حتی رجعت لتارودانت، و راجت المذاکرة بینی و بین محب الطرفین الفقیه الأدیب، السید محمد الشنجیطی البیضاوی ، باشا تارودانت فی العلماء و الأدباء المعاصرین، فأخبرنی بأنکم العلم المفرد فی هذا الزمان، و شنف سمعی بما منحکم الله من الشمائل الشماء، و میزکم به دون من عداکم من علو الکعب فی الأدب الراقی و الشعر الفائق الرائق، و الوقوع علی بدیع النکت العلمیة و الدقائق، أسفی علی عدم زیارتکم، و تجدید المواثق و العهود و إحکام ربط صلة الوصل، و لو بکتب سواد فی بیاض، و الله أرجو أن لا یحرمنا من اللقی علی حالة رضی الله و الرسول، فنتملی من آدابکم الجم، و السلام التام، عائد علی مقامکم الأسمی، و رحمة الله و برکاته، من کاتبه مجلّ قدرکم ابن زیدان المذکور صدره، فی فاتح صفر الخیر عام 1355.
عنوانی إن تنازلتم للجواب یکون هکذا:
نقیب العائلة السلطانیة، الشریف عبد الرحمان ابن زیادان بمکناس ه.
انتهی من خطه، جزی خیرا، و وقی ضیرا، فلما وصلنی الکتاب أجبته بما نصه:
الرحلة المعینیة، ص: 266
«الحمد لله وحده، صلی الله علی سیدنا محمد، و علی آله و صحبه و سلم.
إلی سیادة الأخ فی الله، العلامة الشهیر، الأستاذ الکامل الکبیر، الفقیه المشارک، الأجل، العمدة، الجامع، الأفضل، واسطة عقد العلماء الأعیان، بحر یواقیت المعانی و البیان، أعجوبه الزمان، شمس العرفان، عظیم القدر و الشأن، نقیب العائلة السلطانیة، الشریف سیدی عبد الرحمان بن زیدان زاد الل احترامه و أدام إعظامه و إکرامه، و أبقی نجوم سعده طالعة، و ثمار علمه یانعة. من أخیه و حبیبه ما العینین بن العتیق، دفین فاس الجدید، الإدریسی القلقمی، سلام یلیق بمجادته العظی، و مقامه الأسمی، ورحة الله تعالی و برکاته، هذا و قد وصلنی کتابکم الأبهی بما تضمنه من خطابکم الأشهی، مصحوبا بالأجزاء الخمسة التی تم طبعها من تاریخ سیادتکم «أتحاف أعلام الناس»، فحل منی محل الإنسان من السواد و السویداء من الفؤاد، و مثلکم من بدأ بالفضل و الامتنان ودعته آصرة الود الأدبی إلی مزید الاعتناء و الإحسان بعلو همتکم، و سمو رتبتکم أهل لما تفضلتم به من افتتاح المراسلة التی هی غایة المنیة و نهایة البغیة، و من إتحافی بتاریخکم الإتحاف، السافر عن محاسن أسلافکم الأشراف، و منذ وصل یدی، جعلته نصب عینی، و لم أغادر حاجزا بینه و بینی، فألقیته بحرا زاخرا، و روضا زاهرا، تقتنی منه درر الآثار، و تجتنی منه ثمر الأخبار، أخذ من فنون التاریخ أنفعها، و من أسالیب التألیف أبدعها، شفی الغلیل فی موضوعه المراد، و نمقه بلطائف الاستطراد، فضم الفوائد الجلیلة، و المآثر الجمیلة، و النکت العجیبة، و النتف المطربة، و الآداب الرائقة، و الأشعار الفائقة، ما یقرّ آماق الناظرین، و یشنف آذان السامعین، فلا مطعن فیه لحاسد، و لا مغمز فیه لنا قد، فأذن بفخامة قدرکم العلی، و تبحرکم فی العلمین النقلی و العقلی. و قد تلقیته بأیدی القبول و السرور و الاحتفال و الحبور، راجیا منه تعالی أن یجعله عملا مبرورا و سعیا مشکورا و أن یمتع المسلمین بدوام بقائکم و أن لا یحرمنا من الابتهاج بلقائکم، و قد سمحت القریحة بأبیات فی تقریظه، ملتمسا من سیادتکم نظرها بعین الرضا و المسامحة، جعلنا الله و إیاکم من الراضین المرضیین الهادین المهتدین المتمسکین بسنته علیه الصلاة و السلام، بالتمام، و السلام، کما بدأ یعود علی جنابکم المحمود.
فی 20 صفر الخیر عام 1355. ما العینین بن العتیق المذکور».
الرحلة المعینیة، ص: 267
و التقریظ المشار إلیه هو:
[الطویل]
حبا بعبیر الآس نفسی حبیبهافأهلا بریح لا أنی استطیبها
و لا عجب أن کان للصّدر شارحابآدابه صدر النوادی أدیبها
سراج الهدی، إکلیل مکناسة الذیبه اشتهرت آثارها و شعوبها
من أربی علی عبد الحمید کتابةو أمّا بنات الفکر فهو حبیبها
لو استاق أرباب التواریخ نفحةسرت من عبیر الآس یشفی هبوبها
لدان ابن قاضیها و هان علیّهاو غار ابن عیساها و حار خطیبها
کسا آل إسماعیل ممّا یحوکهملابس فخر لیس یبلی قشیبها
معادن أشراف الخلائق من عنتلدولتهم مرد الملوک و شیبها
فما أسلم الأعراض ممّا یشینهاو ما أخلص، الأعراق ممّا یشوبها
الرحلة المعینیة، ص: 268 مناقب أشراف تباهی و تزدهیبأن ابن زیدان الشریف نقیبها
فمن بالمزایا منک أولی و إن دعتفتاها القضایا من سواک یجیبها؟
و من ذا لداء الجهل غیرک مبرئو هل یبرئ الأدواء إلا طبیبها؟
و إتحافک الأعلام بالعلم شاهدبأنّک علّام الوری و أریبها
جزیت علی إهداء أجزائه التیأبانت لنا سحر البیان ضروبها
لخمستها ترتاج خمسة راحتیو یوحشنی عن مقلتیّ مغیبها
لئن فاح من مکناس طیب بأهلهافقد زان أضعافا بطیبک طیبها
إن تعجب الأحوال منها فقد طبیبوصفک إیّاها العجیب عجیبها
ملأت بها الألباب حتّی کأنماتری الناس منها ما تعیه قلوبها
و أطلعتها فی الغرب شمسا لشوقهاعیون الأقاصی تستهلّ غروبها
فلا زلت نور العصر ما لاح نیّرو ما عاقبت یوما شمالا جنوبها
و لو لا خوف الإطالة، لذکرت طرفا مما جری بینی و بین الشریف ابن زیدان المذکور، و غیره ممن اجتمعت به من الأجلاء فی سفری هذا لزیارة الوالد و الشیخ حسن- رضی الله عنهما- أیامنا بفاس و مکناس و سلا و الرباط و الدار البیضاء و مراکش، و غیرها من
الرحلة المعینیة، ص: 269
المذاکرات العلمیة و المحضرات الأدبیة، و المساجلات الشعریة، و المفاکهات الودیة، و الإفادات الدینیة، و نحو ذلک، و قد أفردت لذلک سفرا مستقلا، ذکرت فیه ما یشفی و یکفی، فلیراجعه من شاءه.
و لنرجع إلی ما کنا یصدده من أمر رحلتنا الحجیة، و ذلک أنا سافرنا من مدینة تطوان صبیحة یوم الجمعة الثامن عشر من المحرم، بعد ما توادعنا نحن و الشیخ محد الإمام بن شیخنا الشیخ ماء العینین، و ابن أخته یحجب بن خطر و رفقاؤهم من بعمرانة بتطوان، و افترقنا معهم هناک، و ترکناهم بنیة الرجوع إلی مدینة إیفن، بعضهم فی الطیارة، و بعضهم فی السیارة، علی الهیئة التی قدموا بها فی ذهابهم، و بعدما توادعنا نحن و أعیان البلد من أهل المخزن و غیرهم، فرکبنا علی السیارات بقصد مدینة سبتة، و رکب معنا بعض الأحبة لتشییعنا، کالعبادلة بن الشیخ محمد الأغظف بن شیخنا الشیخ ماء العینین، و رفیقه أحمد بن سید أحمد ابن عیدّ، الساکنین وقتهما بتطوان للتعلم، و کأبناء القائد ادریس بنعیش، و وزیر الأحباس السید محمد ابن عبد القادر بن موسی المتقدم ذکرهم، و الترجمان «بنیت»، و غیرهم، حتی وصلنا سبتة، فرکبنا السفینة قیلولة یوم الجمعة المذکور، و ودعنا المشیعون هناک، و رجعوا.
ثم أقلعت بنا الباخرة، فرست وقت الظهر بنا عند الخزیرات، فنزلنا بها و رکبنا من ساعتنا السیارات متوجهین مدینة إشبیلیة و نزلنا دونها عشیة ببعض المحطات، حتی استرحنا و تغدینا، فوصلناها وقت المغرب، فتلقی لنا أهلها فرحین بمقدمنا و أنزلونا منزلا حسنا رائقا، و أحسنوا ضیافتنا، فلما کان من الغد، یوم السبت التاسع
الرحلة المعینیة، ص: 270
عشر من المحرم، سرنا للتفسح فی مدینة اشبیلیة و الاعتبار فی بعض مئاثرها، و رؤیة بعض محاسنها، فدخلنا الجامع الشهیر بمسجد بنی عباد، فوجدناه فی غایة الحسن و الاتساع و الإبداع و إحکام البناء و إتقان السواری، علی کثرتها، و قد درت بساریة من سواریه لأقیس قدر عظمها، فإذا هی سبع و عشرون خطوة لمن یمشی دائرا بها، و جمیع سواریه الکثیرة کذلک، و فیه صومعة لا توصف حسنا و اختراعا و طولا، و لم تتغیر علی تطاول العهد و مرور الأعصار، إلی غیر ذلک من تلک المآثر الحسنة، کالوادی الکبیر الذی حولها، و هو وادی فی غایة الحسن و صفاء الماء و عذوبته، و بإزائه الریاض الزاهرة و سائر الأغراس و الزروع الباهرة، یسرح الطرف فی ناضرها بکلتا الضفتین المعتدلتین فی میزان المحاسن اعتدال الکفتین، و تسیر فیه البواخر، فرکبنا عشیة یومنا، یوم السبت الباخرة، فأقلعت بنا بعد صلاة المغرب قاصدة جزائر کناری، سالکة بنا الوادی الکبیر المذکور، فلما مضت من اللیل، وصلت البحر المحیط، فسارت بنا معه لوجهتنا إلی کناری بحمد الله و عونه، فلبثنا بین إشبیلة و کناری ثلاثة أیام.
و وصلنا کناری عشیة یوم الثلاثاء، الثانی و العشرین من المحرم، ففرح بنا أهلها، و أنزلونا فی المحل الذی نزلنا فیه لما مررنا بها فی ذهابنا، و لم یقصروا فی إکرامنا و الإحسان علینا، و هنأونا بالسلامة و الحج و الإیاب بخیر، فبتنا بها لیلة الأربعاء و الخمیس مجتمعین.
فلما کانت صبیحة یوم الخمیس الرابع و العشرین من المحرم، رکب سیادة الشیخ مربیه ربه و معه أهله الطیارة لجهة الطرفایة، ثم أقام سائر الوفد بعده بکناری ثلاثة أیام، و قبل رکوب الشیخ مربیه ربه- أعزه الله- خاطب جامع الرحلة ما العینین بن
الرحلة المعینیة، ص: 271
العتیق- غفر الله لهما- بهذه الأبیات الثلاثة علی عادة کرمه و فضله أعزه الله و هی:
[الخفیف]
قسما بالهوی و نجل العیونإن ماء العیون ماء العیون
کل صفو من خلّة یعتریهغیر غیر صفو ماء العیون
ذاک ابن العتیق یا رب صنهعن کیود العدیو سوء العیون
فجزاه الله عنی بأحسن جزائه، علی ما یقابلنی به دائما من إکمال الخصوصیة و إخلاص المودة، و شدة الاتحاد و إتمام الإیثار، و إبداع الأسرار، و إظهار الابرار، و وضع أثواب المحافظة بینی و بینه، حتی کأنی لا فرق بینی و بینه مع الإحسان الکثیر المتواصل، و الإکرام و التبجیل و الإجلال بمحاسن الأقوال و الأفعال، و ما ذلک إلا لما جبله الله علیه من مکارم الأخلاق، و حسن الشمائل، و کرم النفس، و جمال الطباع، و التخلق بالأخلاق الرحمانیة، و التأدب بالآداب النبویة، و لما زرعه الله بحمده له فی باطنه من أمحاض النصیحة و أظهار المحبة و إعطاء الکلیة من کل ما هو أهل له من کل ما لا یفی بشکره جنانی و لا یعبر عن حقائقه لسانی.
و کثیرا ما یخاطبنی- أعزه الله- و تمم له مراده، و أحاطه و کبت أعداءه و حساده، بنحو ما خاطبنی به فی هذه الأبیات فی نظمه و نثره، لکمال اجماله، و مزید بره، فمن ذلک أبیات ثلاثة راعی فیها الجناس التام، فی اسم الوالد رضی اللّه عنه کما راعاه فی اسمی أنا فی ذه الأبیات الثلاثة المذکورة، خاطبنی بها قبل هذه، لما قدمت علی حضرته الشریفة و هی:
الرحلة المعینیة، ص: 272
[الوافر]
علیک مدی الزمان ابن العتیقسلام علّ بالراح العتیق
تنمّ به المحبّة کالمرایاتریک محاسن الوجه العتیق
و طیر البشر یشدوا و التحایاتکرر مرحبا یا بن العتیق
فأجبته أعزه الله مراعیا فی الجواب ما راعاه من الجناس:
[الوافر]
أمن فی الکون نبت عن العتیقو بیتک فیه کالبیت العتیق
و من من قدرک الکبراء أمسوابمنزلة الهجین من العتیق
نری أخلاقک الحسنی مرایاحدیث المجد و المجد العتیق
و کتب لی مرة، دام عزه و علاه هذه الأبیات فی کتاب یستقدمنی لحضرته الشریفة، و هی:
[البسیط]
یا خیر من منه أهل العلم تنتفع الرحلة المعینیة، ص: 273 و خیر من لسبیل الحقّ یتّبعماء العیون من العلیاء شیمته
و المجد دیدنه و العلم و الورعأقدم علینا و أهلا مرحبا بکم
إنّ الطیور علی أشکالها تقع و أنشدنی یوما أعزه الله، و قد کنت أنشده بعض أشعاری، هذین البیتین من ارتجاله:
[الوافر]
أما و بنات فکرک یا فصیحلبا لآداب طبعک یستریح
و فینا أنت محمود المزایاو سعیک عندنا السّعی الرّبیح
فأجبته أعزه الله ارتجالا:
أما و خلالک التی تریحو ما أنا عوض دونک أستریح
لسعی لا تؤم به ذمیمو مدح لا تراد به قبیح
و قد لبثت أنا و أخوه الشیخ محمد الإمام مدة مقیمین عنده، فلما هممنا بالسفر، قال أعزه الله مخاطبا لنا:
[الوافر]
أکوکبی الهدایة و الإمامةو مؤتمری أوامر الاستقامه
الرحلة المعینیة، ص: 274 مقامکما إلی یوم القیامهکیوم واحد تلک الإقامه
و عندی لم یزد تلک الإقامهسوی الإنعام فی دار المقامه
فأجبته أنا غفر الله لی بقولی:
[الوافر]
أمن للأمة المولی أقامهإماما لم یقم شهم مقامه
شهودکم الشفاء لنا و ما إنیفارق من یفارکم سقامه
و یوم لا نراکم فیه یحکیلدینا طوله یوم القیامه
و کذلک کنا مرة أخری مقیمین عنده- أعزه الله- فلما هممنا بالسفر، خاطبنا بهذه الأبیات:
[الطویل]
ریاض التدانی دانیات قطوفهاوجوه الأمانی شامخات أنوفها
بلیلات أنس بیّض الله وجههاتباهت بأنواع السّرور ظروفها
لیال بإخوان قضینا حقوقهاتسامت مبانیها و ولت صروفها
فیا لیت یوم البین یوم قدومکمریاض التدانی دانیات قطوفها
الرحلة المعینیة، ص: 275
فأجابه الشیخ محمد الإمام، دام عزه بقوله:
[الطویل]
بیوت المعالی عالیات سقوفهابکم کلّها أنواعها و صنوفها
تقدّمت فی محراب کلّ فضیلةوصلّت بکم أفذاذها و صفوفها
و من یرمنک الوجه یبصر بدیهةسطور المعالی تستبین حروفها
و من یستطل یوما مقاما فإنمالدیک اللیالی تستقل أنوفها
و قال جامع الرحلة ما العینین بن العتیق مجیبا له أعزه الله:
[الطویل]
لنعلک شمّ الصّید تعنو أنوفهاو لم تستقم إلا وراک صفوفها
و شمس المنی لولاک ما ابیضّ وجههاو لا یخشی ما دمت دمت کسوفها
و من کرم تبدی لوفدک منّةعلیک و وطف الفضل منک و کوفها
تفارقنا إن فارقتک نفوسناو لم یطب إلا فی حماک عکوفها
و کنت أنا و الشیخ محمد الإمام معه فی مجلس یوما، فأنشدنا أعزّه الله هذین
الرحلة المعینیة، ص: 276
البیتین:
[الکامل]
هذا هو النّادی الذی تعلو بهجلساؤه، لا ینتهی ترحابه
غابت عواذله، و فی أنس المنیحضرت علی ما تبغی غیابه
فقال جامع الرحلة- غفر الله له-، مجیبا له أعزه الله:
[الکامل]
إن النّدیّ بک استنار شهابهوحلا برؤیته إلیک خطابه
فبفیض سرّک تغتذی أرواحهو بنور کشفک تهتدی ألبابه
فقال الشیخ محمد الإمام:
یا حبّذا ناد مضت أوقاتهطیبا کما قد تشتهی أربابه
أحسن به لولاکم لم یحل مامن عصرنا معدومة أضرابه
فقال الشیخ مربیه ربه- أعزه الله- مخاطبا لهما:
[الکامل]
لا غرو إن أذکی بیانکما الحجیو هو الذی لا یستطاع عجابه
فالبرق غالب حاله لا سیمابعد التخافق تستهلّ سحابه
الرحلة المعینیة، ص: 277
فقال جامع الرحلة- غفر الله له- یخاطبه:
الفضل تخفق رأیه و قبابهبکم و منکم تستهلّ سحابه
و مجامع المجد الصّحیح بکفّکمفالکلّ منکم یستفاد نصابه
و قال الشیخ محمد الإمام یخاطبه أیضا:
بحر العلوم بجانبیک عبابهو لمن أتی موضوعة أکوابه
ما أن تزال بفیضکم و بنولکممملوءة أسراره و عیّابه
و قال الشیخ مربیه ربه- دام عزه- یخاطبنی أیضا و أخاه الشیخ محمد الإمام یوما:
[الطویل]
هو البحر أنتم أهله و حللتمبذروته الدنیا و عروته القصوی
فأین میاه الأرض من ماء زمزمو أین المراسیل العتاق من القصوا
فقال جامع الرحلة- غفر الله له- مجیبا له:
[الطویل]
إلیکم تناهت صحّة الفهم و العزویو لا حسن إلا لأخلاقکم یزوی
الرحلة المعینیة، ص: 278 و لو أن غیلان انتهی لندیّکملما کان مشغوفا بمیّ و لا حزوی
فقال الشیخ محمد الإمام مجیبا:
[الطویل]
أدامک ربّی فی السّرور کما تهویمعافی من الأدواء و الشّرّ و البلوی
بک ازدان وجه الأرض و اخضلّ نبتهاو عن أهلها انزاح المکاره و الأسوا
و قال جامع الرحلة یوما، و قد کان هو و الشیخ محمد الإمام فی نادی الأستاذ الشیخ مربیه ربه، فباسطهما علی وجه الإکرام:
[الطویل]
إذا لاح فی النّادی الإمام ببشرهو فاح شهیّ الطّبع منه بنشر
یر الذهن منشور البدیع بطیّهو یستوضح المطوی منه بنشره
فقال الشیخ محمد الإمام یخاطبه أیضا، أعزه الله:
أما و فتور الطّرف منها و سحرهو لعس اللّما منها و مکنون درّه
الرحلة المعینیة، ص: 279 لنعم زمان کنت صدر ندیّهو لسنا نؤدّی الدهر واجب شکئره
فقال الشیخ مربیه ربه، مخاطبا لهما:
[الطویل]
أما و الذّی أغری العواذل بالّذیأثار هوی الصّبّ المصون بصدره
لنعم و نعم المنتدی منتداکماو ما قدّروا مقداره حقّ قدره
و کنا معه یوما- أعزه الله- فی بعض المجالس، فبذل من المعروف، و أوضح من العلم، ما هو عادته أعزه الله، فقال الشیخ محمد الإمام یخاطبه:
[الطویل]
إذا جعل الأقوام معروفهم لفظابلا عمل قارنت فعلک و اللّفظا
و إن جعلوا الدعوی إلی العلم سلّماجعلت صحیح النّقل و الضبط و الحفظا
فقال جامع الرحلة یخاطبه أیضا:
[الطویل]
و إن یزعموا بالجدّ إدراک رتبةیروک جمعت الجدّ و الجدّ و الحظّا
و عن وجهک العلیاء لم تعد عینهاو إن هی للخطّاب لم تلتفت لحظا
الرحلة المعینیة، ص: 280
فقال الشیخ مربیه ربه مخاطبا لهما:
[الطویل]
لعمری لقد أحرزتما رتبة العلافلم تدعا منها لغیرکما حظّا
علی حسن الأخلاق طبعا جبلتمافعین سروری لا تنی بکما یقظی
إلی غیر ذلک مما جری بیننا- بحمد الله- من نحو هذه المخاطبات، فی المراسلات و المحاضرات، و هو أکثر من الإحصاء و أطول من الاستقصاء، مع أن المخاطبات الشعریة قلیلة، بالنسبة إلی المخاطبات النثریة. و لو لا خشیة الإطالة، لأتینا من ذلک بما یورق الأذهان، و یشنف الآذان، فلنقتصر علی جوابه- أعزه الله- لرسالة بعثتها له فی المحرم، فاتح عام 1346 ه، تشتمل علی أشعار، ما کان منها لغیری عزوته لقائله، و ما لم أعزه فهو من إنشادی، غفر الله لی:
رسالة أدبیة من جامع الرحلة إلی الشیخ مربیه ربه و جواب رائق من الشیخ إلیه
و نص ما کتبت له: بسم الله الرحمان الرحیم، و علی سیدنا محمد، و علی آله أفضل صلاة و تسلیم:
[البسیط]
علی جبینک تاج العزّ منظورو فی یمینک سیف النّصر مشهور
و تحت وطأتک الأملاک خاضعةو فوق رأسک بند الفتح منشور
الرحلة المعینیة، ص: 281 و وفق بغیتک الأقدار جاریةو الکون فی قبضتی کفیک مقهور
فقرّ عینا و طب نفسا فأنت بحمد الله خیر امرئ مسعاه مشکور
فنحمد من أجلسکم بأشرف محل، و أودعکم أقالید العقد و الحل، و مدّ بکم للأمة أطناب دینها، و جدد بکم محاسن طبعها و دینها، و نصب لکم معاریج المجد و الصعود، فرفعکم فی دوحات الجد و السعود، فتسنمتم أسمی ذروة، و تمسکتم بأقوی عروة، سائرین بسیرة العمرین، ظاهرین ظهور القمرین، متقدمین فی محاریب الإمامتین، متلفعین بجلالیب الکرامتین، متدفقین بعلوم الشریعتین، متخلقین بوسوم الرفعتین، فما أنتم فی مقامکم الجلیل إلا کما قال ابن الخلیل:
[الکامل]
خیر البریة أنت کلّهمفی یومک الغادی و فی أمس
و کذاک ما تنفکّ خیرهمتمسی و تصبح فوق ما نمس
و نشکره علی فوائض فواضلکم الضافیة، و شمول شمائلکم الشاملة الشافیة، و إحیائکم قدیم السنن، و إسدائکم عظیم المنن، و تمهیدکم جدد المجادة و الدیانة، و تشییدکم جدد الرعایة و الصیانة، فأنتم مجمع موارد الکرم، و المورد الجامع الحرم و لعمری لأحری من کل سرّی بقول البحتری:
[البسیط]
کأنّک السّیف حدّاه و رونقهو الغیث وابله الدّانی و ریقه
هل المکارم إلا ما تجمعهأو المواهب إلا ما تفرّقه
الرحلة المعینیة، ص: 282
لا جرم أن شرفکم طارف و تالد، و أن الناس الولد و أنتم الوالد، تحرسونها و هی نائمة، و تسرحونها و هی سائمة، تلاحظون بجمیل صنعکم قضاء أغراضها و تحافظون بصیانة عرضکم علی أعراضها، فأنتم قوامها و ملاکها، و علیکم تدور علی سبیل الحق الطرائق، و قمتم بحق الخلق و الخلائق، فطرف الإسلام بکم قریر، و لأنتم مع أهله کما قال جریر:
[الوافر]
یری للمسلمین علیه حقاکمثل الوالد الرّؤوف الرّحیم
فعلی جلالة سعادتکم الجلیلة، و فخامة سیادتکم العلیة من التحیات و الرحمات و البرکات و النعمات، ما یغنی عن ضائع المسک تنسّمه و یزری بلامع البرق تبسّمه، و یخجل الأکمام إذا تفتقت، و یذم المدام و قد تعتّقت، أبلغ فی الآذان من سحر یوثر، و أحسن فی العیان من درّ ینثر، و من التسلیم و الاحترام، و التعظیک و الإکرام، ما یستوفی من التحیات کل أسلوب، و یستوفی غایة المناسب و المطلوب، و یؤی عنا تلکم الحقوق الفرضیة، و یقوم مقامنا لدی الحضرة المرضیة:
[الطویل]
سلام من الرّحمان یجری معینهبنظم ثمین الدّرّ یزری ثمینه
یعمّ النّدیّ المولویّ و ینجلیبمغزاه من صفو الوداد کمینه
و یستخلص المولی الذی عمّ یمنهو بالنقض و الإبرام خصّت یمینه
إمام الأساتیذ المربّیه ربّهخلیفته فی أرضه و أمینه
فأنت الذی لولاک لم تمتر العلیو لم یدر من غثّ الفخار سمینه
الرحلة المعینیة، ص: 283
مد الله لنا فی أیام دولتکم، و أمد بالتأیید أعلام صولتکم، و لا برحت العصور لحبور أمرکم مرتاحة، و الأمور لکم بما ترومون من الله متاحة، و مدرار الأیادی بأکنافکم ینهمر، و دمار الأعادی بأسیافکم یستمر، هذا و إن من انحاز هذه الساعات من متعلقاتکم إلی هذه الساحات، ما زالوا بحمد الله یربون فیما لهم من الالاء تحبون، فهم فی دیابیج أفضالکم یرفلون، و فی مدارج ظلالکم یحفلون فکأنما حالهم مع صنعکم یعنی بقول أبی تمام فی المعنی:
[الوافر]
و ما سافرت فی الآفاق إلاو من جذواک راحلتی و زادی
مقیم الظّن عندک و الأمانیو إن قلقت رکابی فی البلاد
و قد یعلم الله ما نحن فیه، و ما نبدیه یسیر بالنسبة لما تخفیه من التوق لمطالع شمسکم، و الشوق لمجامع قدسکم، و التشوق لاشتیاق بشرکم، و التشرف لاستیاق نشرکم، و لمّا عز القدوم الآن بالقدم، و تداعی رکن التجلد و انهدم، و تسلینا بغد أو بعد غد، و بسیکون و کأن قد، و فی القلب ما فیه من ذلک، و إن کانت النیة هنا لکم تحمل بالنیابة عن القدم القلم، فاستنار لیله فی القراطیس حین أظلم، فناب مسطاعه فیما لا یستوفیه، إلا أنه یشفی بعض الغلیل فیه، فبعثت بالمسطور للثم تلکم الیمین و إنه بما سنح الفکر لقمین.
[المتقارب]
بعثت منیبا کتابی لکمو قبل الکتاب بعثت الفؤادا
فلیلتی جعلت بیاض العیونصحیفته و السّواد المدادا
و مما یتحتم علی الکتاب عند ما یصل الأعتاب، و یرتاح إلی مأتاکم، و تفتحه
الرحلة المعینیة، ص: 284
راحتکم أن ینشد لذی الرمة إذا حیاکم، و واجهه جمیل محیاکم:
[الطویل]
فلمّا تأملت الطّلاقة و انثنیإلیّ ببشر آنستنی مخائله
دنوت فقبّلت النّدی من ید امرئجمیل محیّاه، بساط أنامله
صفت مثلما تصفوا المدام خلالهو رقّت کما رقّ النّسیم شمائله
فلنا بوجودکم الفخر کل ساعة، لا عدمناه إلی قیام الساعة، و من الفخر حسبکم إن الثناء کسبکم و احتصرنا ما فی الضمائر لاطلاعکم علی السرائر. فما قاله ابن أیوب فی موزونه، کأنما یخاطبکم بمضمونه:
[المتقارب]
کسبت الثناء و کسب الثناءأفضل مکسبة الکاسب
یقینک یجلو ستور الدّجیو ظنّک یخبر بالغائب
و حاشا فضل سیدنا أعزه الله، و أدام فخره و علاه أن ینسانا فی صالح الدعوات، لا سیما بالآمال و الغدوات، أو یخرجنا من حمی الهمة المنیلة کل مرمّه، و کذلکم سائر المتعلقات فی جمیع الأوقات، متعنا الله بطول حیاتکم، ممتعین بحصول طیاتکم، و نصرکم الله و أعزکم و أیدکم، و أطال فی جمیع النواحی یدکم، و لا زلتم کالروض فی بهیج نضرته، و أریج زهرته، و وریف ظلائله، و قطوف خضائله و کالعارض تطمع بوارق شواهده، و تفزع صواعق رواعده، فیصیر أمطارا للمرحومین، و إعصارا و نارا علی المحرومین، و دمتم کالدهر فی بقائه و هتمه، و البحر فی سخائه و طمته، و کالشمس إضاءة و ارتفاعا، و اللیث جراءة و دفاعا، و حاطکم السلام من السلام، و علی خصوص
الرحلة المعینیة، ص: 285
البنوة و السلام، فی أوائل المحرم الحرام عام 1346، کتبه ابنکم ماء العینین بن العتیق، کان الله لهما آمین.
و لما وصله أعزه الله الکتاب، کتب لی ما نصه فی الجواب:
«الحمد لله وحده حمد من عبده، و الصلاة و السلام علی سیدنا محمد عین الرحمة، القائل إن من البیان لسحرا، و إن من الشعر لحکمة، اللهم احفظ بحفظک الذی لا یضام، و اکنف بکنفک الذی لا یرام، و احرس بعینک التی لا تنام، إبننا العامل العلامة الدراکة الفهامة، النحریر، العامل الواصل الکامل، ابن أختنا، قرة العینین، ثمرة الجنبین، السید ماء العینین ابن ابن عمتنا، و ابن عمنا العالم العامل المحقق الأفیق، السید العتیق- روّح الله روحه فی أعلی فریق- هذا و بعد السلام فض الإخلاص ختامه، و نصب القبول فی ساحته خیامه علی سیادتکم، و رحمة الله علی مجادتکم، و رفع أدعیة مرجوّة القبول، تحقق لحسن طویتکم ما هو المأمول، قد وصل کتابکم الذی مثله فی البلاغة یعز المنبئ عن کل معنی بلفظ معجز، تشبیهاته مصیبة، و اختراعاته عجیبة، جعلتم بعضه مسلسلا، و یعضه مرسلا، فالحقتم الشکل بنظاره، و أعلقتم الأول بآخره، یشتد حتی تقول الصخر الأعلس، و یلین حتی تقول الماء أو أسلس، سواحر ألفاظ کفواتر الألحاظ، معتقات معان، کأنها فک عان، کلام سدید، قریب بعید کالشمس تقرب ضیاء، و تبعد رفعة و علاء، یسیل فی الأذهان سیل السلسبیل، لیس إلی بلاغته من سبیل، لا متناعه مع اتساعه، و تعسیره فی تیسیره، ما أبرع عبارته و أبدع استعارته، یدعو إلی حفظه حسن معناه و لفظه، تطابقت أنحاؤه، و توافقت أجزاؤه، یصبو إلیه السمع و الطرف و یجری فیه ماء الملاحة و الظرف، کأنما تنفّس الأسحار بنسیمه و تصدع الأصداف عن نظیمه، و نفث هاروت فی وشی بروده، و حبات القلوب من نظم عقوده:
[البسیط]
معنی بدیع و ألفاظ منمّقةرقیقة و صنیع کلّه عجب
الرحلة المعینیة، ص: 286
غیره لله دره
[البسیط]
سحر من اللّفظ لو دارت سلافتهعلی الزّمان تمشّی مشیة الثّمل
هو السحر الحلال و الماء الزلال، و قد أنشدنا فی استجادة ما أنشدتم، و استحسان ما أوردتم، قول أبی تمام لمدلول النظام:
[البسیط]
تغایر الشّعر فیه إذ سهرت لهحتّی ظننت قوافیه ستقتتل
ألا و کیف لا، و هو من ذکی کالبرق أو أسرع لمعا، و کالسیف أو أحدّ قطعا:
[البسیط]
مناقب شمخت فی کلّ مکرمةکأنّما هی فی أنف العلی شمم
فأقررت عینی بوروده و شفیت نفسی بوفوده، لکن الضمیر لا یحیط بمکنونه، و الخطاب لا یسع ما فی مضمونه، لیتمیز بإعرابه ما فی فصوله و أبوابه، إلا المشافهة فی الکلام لا نیابة الطروس و الأقلام، إذا قد رجونا من سمو قدرکم و بهو بدرکم، و علوّ جدکم، و سمو ودکم و إنجاز ما وعدتمونا به من الاجتماع، الذی هو ألذ من وصل الحبیب بعد الامتناع، و من تمایس القدود الرشاق، و احمرار الخدود تحت سواد الأحداق، أحلی من النعیم الحاضر، و أشهی من الشباب الناضر. فالإنجاز سنة الکرام التی مضی علیها عملهم و طریقة الأعلام التی نیط بها أملهم، و سیادتکم بکل فضیلة أحق، و لکل جمیلة أسبق، فأنتم نجوم الظلام، و بدور التمام.
[الطویل]
فللنّجم من بعد الرّجوع استقامةو للبدر من بعد المغیب طلوع
الرحلة المعینیة، ص: 287
فأقدموا علی برکة الله فی حفظ الله، و أمان الله، برعایة الله.
[الخفیف]
لو علمنا مجیئکم لفرشنامهج القلب أو سواد العیون
غیره:
[الطویل]
و قیل له أهلا و سهلا و مرحبافهذا مبیت صالح و مقیل
فنسأل الله جمع الشمل و الملاقاة، بعد الشتات، فی أطیب الأوقات.
[الطویل]
لیال قضیناها بطیب حدیثکمفما کان أحلاها، و ما کان أغلاها
أبقی الله شمس ذهنکم و قادة، و أزمة البدیع تحت مقاصدکم منقادة، ول العلوم الوهبیة لکم دثارا، و العلوم الکسبیة لکم شعارا، و متعنا الله بدوام إشراقکم، و عطر بالثناء جمیل أخلاقکم، و الحمد لله الذی بنعمته تتم الصالحات، و نسأله حسن البدایات و النهایات، و السلام علیکم، من السلام إلی دار السلام، فی أواخر المحرم الحرام عام 1346، عبید ربه امربیه رب، أنا له الله بشکره ما یحب.
نرجوه تعالی أن یحقق له رجاءه، و یدیم عزه و سناءه و ارتقاءه، و یجازیه عنا ببلوغ الآمال، و قرة العینین فی النفس و الانجال، و سائر المتعلقات فی المسرات و دوام العافیات.
الرحلة المعینیة، ص: 288
و کذلک صنوه الأستاذ الشیخ محمد الإمام المذکور، فقد کان بینی و بینه- أطال الله بقاءه- من الخصوصیة الصافیة، و المودة الخالصة، و المحبة الوافیة ما لا یخطر علی بال، و لا یعبّر عنه مقال، حتی کأنا بحمد الله، ذاتا واحدة، تقاربت الجسوم، أو کانت متباعدة، فلسنا- بحمد الله- إلا کما قیل:
[الرمل]
أنا من أهوی و من أهوی أنانحن روحان حللنا بدنا
فإذا أبصرتنی أبصرتهو إذا أبصرته قلت أنا
فقد جعلنی- دام عزه- کنز سره المکنون، و حدیقة أنسه المصون، فمبلغی عنده فی الاجتباء و الاصطفاء و التقرب لم یبلغ قریبا منه حبیب من حبیب، و ما ذاک إلا من کرمه و تواضعه و أفضاله، و محاسن أخلاقه و إجماله، و تحلیه بالأوصاف المحمدیة، و رسوخه فی المقامات الأحدیة، و تأسیه بالأخلاق القرآنیة، و ثبوته فی مجمع الطرق الربانیة، و دائما- أدام الله لنا بقاءه و رفعته و عزه و ارتقاءه- یخاطبنی بما هو أهل له من الإحسان و الإکبار، و إظهار الاتحاد فی الإعلان و الإضمار، فی محاسن النثر، و بدائع الأشعار، فمن ذلک هذه الأبیات أنشدنیها من ارتجاله- حفظه الله- و قد اجتمعنا بعد ما کنا مفترقین، و هی :
[البسیط]
ماذا أقول و لو أطنبت فیما بیشوقا لکم کان کالإیجاز إطنابی
الرحلة المعینیة، ص: 289 فالقلب بعدکم ما أنفکّ ذا وصبکأنّما البین للأوصاب أوصی بی
سری اشتیاقکم فی القلب یتبعهعرفا بعرف و أعصابا بأعصاب
أهکذا کلّ خلّ فی المحبّة أمشیء خصصت به من بین أحبابی
نعم لقد فقت إخوان الصّفاء کماقد فقتم الغیر فی علم و آداب
لذاک صرت بکم بلا منازعةأولی و صرتم عن الأحباب أولی بی
فأجبته دام حفظه و علاه بهذه الأبیات، ملتزما فیها لزوم ما لا یلزم:
[البسیط]
یا من بمرعاه إمراعی و إخصابیو الحبّ و الودّ منه المحض خصّابی
و من ولهت به شوقا فجرّعنیما من جواه أقاسی غصّة الصّابی
إنّی لأصبوا إلی سلسال وصلکمکما إلی العین یصبو الموّلع الصّابی
الرحلة المعینیة، ص: 290 لو لا فراقکم ما اعتادنی وصبو لم یکن غیرکم تریاق أوصابی
ما زلت ذا نصب من داء بینکمو بینکم برء أدوائی و أنصابی
لو أنصف الدّهر أودی بالبعاد فلاتقصون عنی و عنکم لیس یقصی بی
و کان الأستاذ الشیخ محمد الإمام مرة مسافرا، فکتب إلیّ بهذه لأبیات:
[الطویل]
سلام کعرف الرّوض صافحه النّدییزفّ إلی بحر النّدی و المکارم
من امتزجت روحی بسلسال ودّهو إن شئت سل سیول الدموع السّواجم
فموجبه أنّی علی العهد لم أزلو لا تعترینی فیه لومة لائم
فأجبته غفر الله لی بقولی بعدما قدم من سفره:
[الطویل]
ألا مرحبا أهلا و سهلا بقادمأقاسی الهوی من حبّه المتقادم
الرحلة المعینیة، ص: 291 إمام الهدی، بدر الدّیانة مرتقیسنام المزایا بأستنام العزائم
لک المنزل الأحظی من القلب إن تبنو إن تدن لا تنفکّ فیه ملازم
أغصّ بریقی کلّما غبت مثلماتغصّ البری فی زند ریّا المعاصم
فأصبو إلی خمر التّدانی بغصّتیصبو من استباه خمر المباسم
فأغدو به نشوان أهتزّ دائماکما اهتزّ أعطاف الحسان النّواعم
علی أن إیناسی علی القرب و النّویبک الدّهر ما غنّت شوادی الحمائم
و کتب لی حفظه و کلأه الله مرة کتابا یستقدمنی فیه لحضرته العلیة، و أودعه هذه الأبیات:
[الطویل]
لئن غاب یا عینیّ ماؤکما إذافما هو عن عین الضّمیر بغائب
له صورة فی القلب لم یقضها النّویو لم تتخطّفها أکفّ النّوائب
إذا ساءنی منه نزوح دیارهو ضاقت علیّ فی نواه مذائب
الرحلة المعینیة، ص: 292 عطفت علی شخصه غیر نازحمحلّته بین الحشا و التّرائب
فکتب له أطال الله بقاءه، فی جوابه هذه الأبیات:
[الطویل]
أسود فروع فوق بیض ترائبأم استنّ فوق الطرس مزبر کاتب
أتانی علی شحط المزار خطابهفلم أر ذاتا غیر ذات مخاطب
فتی عن سؤالی حاجب العین و الحجاو هل هو إلا نصب عینی و حاجب
فکیف إمام الصّفّ عنک تربّصیبمغنی و مغناطیس شوقک جاذب
و قال الشیخ محمد الإمام دام بقاؤه أیضا مخاطبا جامع الرحلة ما العینین ابن العتیق فی مقدم قدمه علی الحضرة الشریفة صانها الله بعدما طالت غیبته عنها، جزاه الله عنا بطول العمر فی العافیة .
[البسیط]
بشراک بالسّعد غنّی الطّائر الغردو أنجزتک لیالی الوصل ما تعد
الرحلة المعینیة، ص: 293 بدر المنی ساطعا هذاؤه وذهشمس التهانی بأفق السّعد تتّقد
بمقدم من حبیب شدّ ما انتزحتبه ید البعد تبّت للبعاد ید
فأصبحت ثمرات البشر یانعةتخال قنوانها باللّطف تنعقد
أما تری حلبات المجد منذ أتیفی کلّ غایاتها تجری و تطرد
لمّا تنشّقت من عرف الوصال شذیسرت حمیّا الشّفا فی کلّما أجد
یا مرحبا بک من علق لجانبناتهدی الرّکاب به عیرانة أجد
فانجاب مذ جابت البیداء حندسهاو انحلّ مذ حلّ فی ساحاتنا العقد
رغد المعاش لمن نأت أحبّتهضنک و ضنک لدیهم عیشة رغد
ما إن یزاحم وسط القلب منزلهأنّی تغالب عن أشبالها الأسد
کم فکّ عوصاء ما انفکّت مغلّقةو عزّ مصدر من لبابها یرد
الرحلة المعینیة، ص: 294 محسّد من أناس دون منصبهلا زال فوق الذی من أجله حسدوا
قد زان صدر الندیّ الیوم مشهدهما زان جید الفتاة السّمط و الغید
لعساء تفترّ عن أغرّ ذی شنبکأنّه أقحوان الرّمل أو برد
أصمت فؤادک عن قوس موتّرةما إن لمن قتلت عقل و لا قود
و من تأوّد غصن فی علائلهالو لا الغضارة لا یلفی به أود
هذا و نسأل مولانا رعیاتکمو أن یبلّغ للجمیع ما قصدوا
فلما أنشدنا منئشها- أطال الله حیاته- بحضرة ألأستاذ سیدنا الشیخ مربیه ربه، قال فی استحسانها هذین البیتین ارتجالا، و هما:
[البسیط]
یا من یحاول شعرا رائقا سلسامن نسج یلمعة أثوابه جدد
أنشد علی ثقة لما تحاولهبشراک بالسّعد غنّی الطائر الغرد
الرحلة المعینیة، ص: 295
و قال جامع الرحلة ما العینین بن العتیق- غفر الله له- فی جوابها :
[البسیط]
یا خیر من منه مدت للثناء یدفلم یکن منه أحری بالثنا أحد
من غادرت من علی أجداده جددابیضا، فجدّت به من بعدها الجدد
و لا تزلّ له عن نهجها قدمإذا تشعّبت الطرائق القدد
و آخت السّؤدد الطّبعیّ مهجتهطفلا فشدّ به للسؤدد العضد
من لا ینی فی مجاز المجد یرصدهحقیقة حین لم یوجد له رصد
لم یحکه فی صمیم المکرمات فتیو هل یقاس بصافی العسجد الزّبد؟
القدوة العمدة المرسی مطنّبة العلیاء، فهو لها الأوتاد و العمد
لا غرو أن جدت یا أهل الثناء بهفلیس من غیر کسب المنفق الصفد
الرحلة المعینیة، ص: 296 أحبب ببشر و ترحیب یریه لنامن فضلکم فی محیّا فکره الخلد
نحن الألی عن نور مشهدکمو بدر مشهدکم صبر و لا جلد
ما للمعیشة تنغیص کبعدکمأنّی یطیق النّوی عن روحه الجسد
قد کابدت کبدی من بینکم کبداو کیف تصبر عن أفلاذها الکبد؟
ما افترّ ثغر اللّیالی عن بوارقکمو اصطاد للوصل عصفور النوی صرد
فالکلّ منّا بحمد الله مبتهجوقد تهیّا لنا من أمرنا رشد
لا زال ذلکم المغنی البهیج لناروض اجتماع إلی أفیائه نفد
و کعبة حجّها یطبی الوفود کمایطبی لکعبته حجّاجه البلد
و دمت وارث طه یا خلیفتهفی الکون صلّی علیه الواحد الصّمد
الرحلة المعینیة، ص: 297
و قال الشیخ محمد الإمام أیضا یخاطبنی، و قد ارتجلنا أشعارا فی محاضرة أدبیة یطول جلبها:
[الطویل]
أمن خاض فی بحر العلم لجته الوسطیفشطّ بها و الغیر ما جاوز الشّطا
لعمرک لم یلبغ مدیحک مفلقو لو شطّ فی أمداحه فیک ما شطّا
لأن المعانی فی علاک تزاحمتفأطّت سماء الفکر من حملها أطّا
و إنّ بنات الفکر عزّ اقتناصهاعلی غیر کفء یفهم القصد و الشرطا
و إنی فتحت الباب من ذاک ناحیالماء عیون المجد فی الأخذ و الإعطا
فأعطیت قوس الشعر باریّها الذیلدی ذهنه حطّت رحالتها حطّا
فأجبته:
أواسطة العقد الإلاهی ما تعطیعزیز مداه من مراتبک الوسطی
و ما رام فی مجد یسامیک مرتقبرفعته إلا تدحرج و انحطّا
أ إذ لم تقس فی الشعر أعطیت قوسهو أیّ مجید منک أجدر بالمعطی
فذهنک فی الآداب جوّلت طرفهو لمّا تجاوز فی مناهجها القسطا
الرحلة المعینیة، ص: 298 تنی الشّم عن درک الإمام و لو خدتبفیح علاه نجب همّاتهم خبطا
فمن یغترف من بحر أمداحه یصبو من یعترف بالعجز عنه فما أخطا
و أمثال هذه المخاطبات بحمد الله کثیر، و إنما أتینا بطرف منها یسیر، دلالة علی ما ذکرنا من أمر الشیخین، جزاهما الله بطول العمر و قرة العینین، و نحمده تعالی علی نعمة مرافقتهما إلی الحرمین، رزقنا الله بجاههما، و جاه جدهما صلی اللّه علیه و سلم سعادة الدارین، و کفایة الهمّین، و الحفظ من شر الثقلین، آمین.
مسائل فقهیة ألقاها بعض وفدنا الحاج أیامنا بکناری بعد مسیر الشیخ مربیه ربه عنا، و ذلک أنا کنا ذات یوم فی بعض مجالسنا، فاستفتانا بعض الجلساء عن ثلاث مسائل اقتضی الحال البحث عن حکمها.
الأولی، هل یحل أکل ذبائح النصاری لنا أم لا؟ الثانیة، هل یباح لنا نکاح نسائهم أم لا؟ الثالثة، هل تجوز لنا رقیا مرضاهم أم لا؟ فسارع بعض الحاضرین إلی الجواب بما لا مقنع فیه، فالتفت السائل إلی جامع الرحلة ما العینین بن العتیق- غفر الله له- و استفتانی، خصوصا عن المسائل الثلاث، فقلت له: لو لا الوعید الوارد فیمن سئل عن علم یعلمه فکتمه لما تکلمت فی هذه المسائل بأدنی کلمة لأنها من
الرحلة المعینیة، ص: 299
الأحکام الشهیرة، المشحونة بها الکتب الفقهیة، لکن حیث عنیتنی بالخطاب لم یسعنی ترک الجواب، و الله الموفق للصواب، فأقول: أما المسألة الأولی و هی هل یحل لنا أکل ذبائح النصاری، أم لا؟ فالجواب فیها، أنه یحل لنا أکل ذبائحهم، لقوله تعالی، «وَ طَعامُ الَّذِینَ أُوتُوا الْکِتابَ حِلٌّ لَکُمْ» ، قال البغوی فی تفسیره ما نصه: «یرید ذبائح الیهود و النصاری و من دخل فی دینهم من سائر الأمم قبل مبعث محمد صلی اللّه علیه و سلم، حلال لکم، فأما من دخل فی دینهم بعد مبعث محمد صلی اللّه علیه و سلم، فلا تحل ذبیحته، و لو ذبح یهودی أو نصرانی علی اسم غیر الله، کالنصرانی یذبح باسم المسیح، فاختلفوا فیه، قال ابن عمر لا یحل، و هو قول ربیعة، و ذهب أکثر أهل العلم إلی أنه یحل، و هو قول الشعبی و عطاء و الزهری و مکحول، سئل الشعبی، و عطاء عن النصرانی یذبح باسم المسیح، قالا: یحل، فإن الله تعالی قد أحل ذبائحهم، و هو یعلم ما یقولون، و قال الحسن: إذا ذبح الیهودی او النصرانی، فذکر اسم غیر الله، و أنت تسمع، فلا تأکله، فإذا غاب عنک فکل، فقد أحل الله لک» . و قال الخازن فی تفسیره ما نصه: «یعنی، و ذبائح أهل الکتاب حل، و هم الیهود و النصاری و من دخل فی دینهم من سائر الأمم قبل مبعث النبی صلی اللّه علیه و سلم، فأما من دخل ف دینهم بعد مبعث النبی صلی اللّه علیه و سلم، و هم متنصروا العرب من بنی تغلب، فلا تحل ذبیحته روی عن علی بن أبی طالب، قال: لا تأکل من ذبائح نصاری العرب بنی تغلب فإنهم لم یتمسکوا بشیء من النصرانیة إلا بشرب الخمر، و به قال ابن مسعود، و مذهب الشافعی أن من دخل فی دین أهل الکتاب، بعد نزول القرآن، فإنه لا تحل ذبیحته، و سئل ابن عباس عن ذبائح نصاری العرب، فقال: لا بأس به. ثم قرأ: و من یتولهم منکم فإنه منهم، و هذا قول الحسن و عطاء و ابن أبی رباح و الشعبی و عکرمة و قتادة و الزهری و الحکم و حماد، و هو مذهب أبی حنیفة و مالک، و إحدی الروایتین عن أحمد، و الروایة الأخری، مثل هذا مذهب الشافعی، و أجمعوا علی تحریم ذبائح المجوس و سائر أهل الشرک من مشرکی العرب و عبدة الأصنام، و من لا کتاب لهم،
الرحلة المعینیة، ص: 300
و أجمعوا علی أن المراد بطعام الذین أوتوا الکتاب، ذبائحهم خاصة.» . و قال ابن حیان فی تفسیره «البحر» ما نصه: «طعامهم هنا هی الذبائح کذا قال معظم أهل التفسیر، قالوا لأن ما کان من نوع البر و الخبز و الفاکهة و ما لا یحتاج فیه إلی ذکاة، لا یختلف فی حلها باختلاف حال أحد، لأنها لا تحرم بوجه سواء کان المباشر لها کتابیا أو مجوسیا، أم غیر ذلک، و أنها لا یبقی لتخصیصها بأهل الکتاب فائدة، و لأن ما قبل هذا فی بیان الصید و الذبائح. فحمل هذه الآیة علی الذبائح أولی إلی أن قال:
«و إذا حملنا الطعام علی ما قاله الجمهور من الذبائح، فقد اختلفوا فیما هو حرام علیهم، أیحل لنا أو یحرم؟ فذهب الجمهور إلی أن تذکیة الذمی مؤثرة فی کل الذبیحة، ما حرم علیهم منها، و ما حل فیجوز لنا أکله کالشحوم المحضة. و هذا هو الظاهر لقوله: وَ طَعامُ الَّذِینَ أُوتُوا الْکِتابَ» و هذا المحرم علیهم لیس من طعامهم، و هذا الخلاف موجود فی مذهب مالک» إلی أن قال أیضا: «و ذهب الجمهور، ابن عباس و الحسن و عکرمة و ابن المسیب و الشعبی و عطاء و ابن شهاب و الحکم و قتادة و حماد و مالک و أبو حنیفة و أصحابه أن لا فرق بین بنی إسرائیل و النصاری، و من تهود أو تنصر من العرب أو العجم فی حل أکل ذبیحتهم» .
و حاصل فقه المسألة فی مشهور مذهب الإمام مالک هو ما لخصه الإمام ابن جزی فی قوانینه، فقال ما نصه: «فأما أهل الکتاب من الیهود و النصاری، رجالهم و نسائهم، فتجوز ذبائحهم علی الجملة اتفاقا، و اختلف منها فی فروع، و هی إن کان الکتابی عربیا، جازت ذبیحته عند الجمهور، خلافا للشافعی فی أحد قولیه، و إن
الرحلة المعینیة، ص: 301
کان مرتدا، لم تؤکل ذبیحته عند الجمهور، خلافا لأبی إسحاق، و إن ذبح نائبا عن مسلم، فقولان فی المذهب، و لا خلاف فی الجواز إن ذبح لنفسه، إلا إن ذبح لعیدهم أو کنائسهم، فهو مکروه، و أجازه أشهب، و حرمه الشافعی، و إذا کانت الذبیحة محرمة علیهم، فأربعة أقوال: المنع لابن القاسم، و الإباحة لابن عبد الحکم، و الکراهة لأشهب، و التفرقة بین أن یکون مما علمنا تحریمه علیهم کذی الظّفر، فلا یجوز، أو مما انفردوا بتحریمه کالطریفة فیجوز، و فی شحوم ما ذبحوه، المنع و الجواز وفاقا لهما، و الکراهة، و إذا غاب الکتابی علی الذبیحة، فإن علمنا أنهم یذکون أکلنا، و إن علمنا أنهم یستحلون المیتة کنصاری الأندلس، أو شککنا فی ذلک، لم نأکل ما غابوا علیه» . و هذا هو الذی تمشی علیه خلیل فی مختصره المبین لما به الفتوی، فقال فی باب الذکاة: «قطع ممیز یناکح» ، قال الدردیر: «أی تنکح أنثاه و لو عبر به کان أولی، فدخل الکتابی ذکرا أو أنثی، و لو أمه». و قال الخرشی: «و دخل فی قوله یناکح، أی یحل لنا وطء نسائه فی الجملة، المسلم و الکتابی معاهدا أو حربیا، حرا أو عبدا، ذکرا أو أنثی، و لا فرق بین الکتابی الآن و من تقدم علی المشهور ... إلی أن قال خلیل فی وصف الکتابی: و إن سامریا أو مجوسیا تنصر و ذبح لنفسه مستحله، و إن أکل المیتة إن لم یغب» إلخ. فتحصل مما تقدم أن لا خلاف فی إباحة أکل ذبائح النصاری علی الجملة، و إن کانت الحرمة ربما تعرض فیها لأسباب خارجة مع الاختلاف فی ذلک بین العلماء، کما قررنا، و الله الموفق.
تنبیه. صید الکتابی البری محرم الأکل فی المذهب المالکی، قال خلیل: «و جرح
الرحلة المعینیة، ص: 302
مسلم ممیز وحشیا» إلخ، قال شارحه الخرشی: «و احترز بالمسفح من غیره کتابیا أو مجوسیا»، قال محشیه العدوی: «و اشتراط الإسلام» فی قوله تعالی: «تَنالُهُ أَیْدِیکُمْ وَ رِماحُکُمْ» ، لأن الخطاب للمسلمین، و هو مبنی علی الإضافة تفید الحصر. ه».
و قال ابن حیان فی تفسیره «البحر» عند قوله تعالی: «وَ ما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُکَلِّبِینَ» ، ما نصه: «و ظاهر قوله: ما علمتم أنه خطاب للمومنین. فلو کان المعلم یهودیا أو نصرانیا، فکره الصید به الحسن أو مجوسیا، فکره الصید به جابر بن عبد الله و الحسن و عطاء و مجاهد و النخعی و الثوری و إسحاق. و أجاز أکل صید کلابهم مالک و أبو حنیفة و الشافعی إذا کان الصائد مسلما. قالوا: و ذلک مثل شفرته و الجمهور علی جواز ما صاد الکتابی. و قال مالک لا یجوز فرق بین صیده و ذبیحته.» ، و قال ابن جزی فی قوانینه «یجوز صید المسلم انفاقا و لا یجوز صید المجوسی، و فی صید الکتابی، ثلاثة أقوال: الجواز: و المنع و الکراهة» . و أما صید البحر، فحلال مطلقا، و لو بصید کافر، إذ لا یزید علی کونه میتة، و میتته حلال.
و أما المسألة الثانیة و هی هل یباح لنا نکاح نسائهم؟ فالجواب عنها، أنه یباح لنا نکاح نسائهم علی الجملة، لقوله تعالی عاطفا علی الحلال: «وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِینَ أُوتُوا الْکِتابَ مِنْ قَبْلِکُمْ» ، قال الخازن فی تفسیره ما نصه: یعنی، و أحل لکم المحصنان من أهل الکتاب، الیهود و النصاری، قال ابن عباس: یعنی الحرائر من أهل الکتاب. و قال الحسن و الشعبی و النخعی و الضحاک، یرید العفائف من أهل الکتاب.
الرحلة المعینیة، ص: 303
فعلی قول ابن عباس، لا یجوز التزوج بالأمة الکتابیة، و هو مذهب الشافعی. قال:
لأنه اجتممعع فی حقها نوعان من النقصان: الکفر و الرق. و علی قول الحسن و من رافقه، یجوز التزویج بالأمة الکتابیة، و هو مذهب أبی حنیفة، لعموم هذه الآیة، و اختلف العلماء فی حکم هذه المسألة، فذهب جمهور الفقهاء إلی جواز التزویج بالذمیات من الیهود و النصاری. روی أن عثمان بن عفان تزوج نائلة بنت الفرافصة علی نسائه، و هی نصرانیة، و أن طلحة بن عبید الله تزوج یهودیة.
و روی عن ابن عمر کراهیة ذلک، و یحتج بوله تعالی: «وَ لا تَنْکِحُوا الْمُشْرِکاتِ حَتَّی یُؤْمِنَّ»، و کان یقول: لا أعلم شرطا أعظم من قولها إن ربها عیسی. و أجاب الجمهور عن قوله: «وَ لا تَنْکِحُوا الْمُشْرِکاتِ حَتَّی یُؤْمِنَّ» بأنه عام، خص بهذه الآیة، فأباح الله تعالی المحصنات من أهل الکتاب، و حرم من سواهن من أهل الشرک. و قال سعید بن المسیب و الحسن: یجوز التزویج بالذمیات و الحربیات من أهل الکتاب، لعموم قوله تعالی: «وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِینَ أُوتُوا الْکِتابَ مِنْ قَبْلِکُمْ» . و أجاب جمهور العلماء بأن ذلک مخصوص بالذمیات دون الحربیات من أهل الکتاب. قال ابن عباس: من نساء أهل الکتاب من تحل لنا و منهن من لا تحل لنا، و قرأ» قاتلوا الذین لا یومنون بالله» إلی قوله: «حَتَّی یُعْطُوا الْجِزْیَةَ عَنْ یَدٍ وَ هُمْ صاغِرُونَ» ، و المراد بهم أهل الذمة دون أهل الحرب من أهل الکتاب» .
و قال ابن حیان فی تفسیره البحر، ما ملخصه: و الظاهر جواز نکاح الحربیة الکتابیة لاندارجها فی عموم المحصنات من الذین أوتوا الکتاب من قبلکم. و خص ابن عباس هذا العموم بالذمیة، فأجاز نکاح الذمیة دون الحربیة، و لم یفرق غیره من الصحابة بین الحربیات و الذمیات، و لا خلاف بین السلف و فقهاء الأمصار فی إباحة
الرحلة المعینیة، ص: 304
نکاح الحرائر الکتابیات، و اتفق علی ذلک الصحابة إلا ما روی عن ابن عمر» .
و مشهور المذهب المالکی فی المسألة، هو ما جلبه خلیل فی مختصره حیث قال:
«و الکافرة إلا الحرة الکتابیة بکره، و تاکد بدار الحرب، إلخ». قال شارحه الخرشی ما ملخصه: و حرم نکاح الکافرة إلا إذا کانت حرة کتابیة، فإنه یجوز نکاحها مع الکراهة علی قول مالک. و قال ابن القاسم: یجوز بلا کراهة، لقوله تعالی:
«وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِینَ أُوتُوا الْکِتابَ مِنْ قَبْلِکُمْ»، أی الحرائر. و إنما کره مالک ذلک فی بلد الإسلام لتغذیها بالحمی و هو یلابسها، و ربما تموت و هی حامل، فتدفن فی مقابر الکفار، و تأکدت الکراهة فی تزویجها بدار الحرب لأنه لا یامن تربیة ولده علی دینها، و نحو ذلک. و فی الدسوقی ما نصه: «و الحاصل أن غیر الکتابیات من الکفار لا یجوز وطؤهن لا بنکاح و لا بملک، و الکتابیات یجوز وطء حرائرهن بالنکاح و إمائهن بالملک فقط لا بالنکاح، و لو کان سیدها مسلما، فکل من جاز ولاء حرائرهم بالنکاح من غیر المسلمین جاز ولاء إمائهم بالملک فقط، و کل من منع ولاء حرائرهم بالنکاح، منع ولاء إمائهم و لو بالملل» .
فتبین مما قررنا أن نکاح الحرة الکتابیة، ذمیة کانت أو حربیة مباح، و الله الموفق للصواب، و إلیه المرجع و المآب.
و أما المسألة الثالثة، و هی هل تجوز لنا رقیا مرضاهم أم لا؟ فالجواب عنها، أن الرقیا من حیث هی بکتاب الله و أسمائه و نحو ذلک مما یفهم معناه، لا خلاف فی جوازها، و قد ورد ما یقتضی عموم الجواز للمسلم و الکافر، قال الخازن فی تفسیره عند المعوذتین ما نصه: «و أما الرقی و التعاویذ، فقد انعقد الإجماع علی جواز ذلک، إذا کان بآیات من القرآن، أو إذا کانت وردت فی الحدیث. و یدل علی صحته الأحادیث الواردة فی
الرحلة المعینیة، ص: 305
ذلک، منها حدیث أبی سعید الخدری، أن جبریل أتی النبی صلی اللّه علیه و سلم، فقال: یا محمد، اشتکیت؟ قال: نعم. قال بسم الله أرقیک من کل شیء یؤذیک، و من شر کل نفس أو عین حاسد، الله یشفیک، بسم الله أرقیک. و منها ما روی عن عبید بن رفاعة الزرقی أن أسماء بنت عمیس، قالت: یا رسول الله، إن ولد جعفر تسرع إلیهم العین، أفسترقی لهم؟ قال: نعم فإنه لو کان شیء سابق القدر، لسبقت العین، أخرجه الترمذی. و قال: حدیث صحیح، و عن أبی سعید الخدری، أن النبی صلی اللّه علیه و سلم، کان یتعوذ، و یقول: أعوذ بالله من الجان و عین الإنسان، فلما نزلت المعوذتان، أخذ بهما و ترک ما سواهما». أخرجه الترمذی، و قال: حدیث حسن غریب. فهذه الأحادیث تدل علی جواز الرقیة، و إنما المنهی عنه منها ما کان فیه کفر أو شرک أو ما لا یعرف معناه مما لیس بعربی، لجواز أن یکون فیه کفر. و الله أعلم» .
و قال ابن حیان فی تفسیره البحر، عند قوله: «وَ نُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَ رَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِینَ» ، ما نصه: «و قال مالک: لا بأس بتعلیق الکتب التی فیها أسماء الله تعالی علی أعناق المرضی علی وجه التبرک بها إذا لم یرد معلقها بذلک مدافعة العین. و هذا معناه، قبل أن ینزل به شیء من العین، أما بعد نزول البلاء، فیجوز رجاء الفرج و البرء من المرض کالرقی المباحة التی وردت السنة بها من العین و غیرها،. و قال ابن المسیب: یجوز تعلیق العوذة فی قصبة أو رقعة من کتاب الله، و یضعه عند الجماع، و عند الغائط، و رخص الباقر فی العوذة تعلق علی الصبیان و کان ابن سیرین لا یری باسا بالشیء من القرآن یعلقه الإنسان» .
و قال ابن جزی فی آخر قوانینه الفقهیة ما نصه: «المسألة الثامنة فی الرقی و الدعاء للمریض، ورد فی الحدیث الصحیح، رقیة اللدیغ بأم القرآن، و أنه برء. و قال صلی اللّه علیه و سلم، من عاد مریضا، لم یحضره أجله فقال عنده سبع مرات: أسأل الله الکریم رب
الرحلة المعینیة، ص: 306
العرش العظیم أن یشفیک، عافاه الله من ذلک المرض. و کان صلی اللّه علیه و سلم إذا عاذ مریضا، قال: اذهب الباس رب الناس، و اشف، فأنت الشافی، شفاء لا یغادر سقما. و أخبر صلی اللّه علیه و سلم، أن جبریل علیه السلام، رقاه بهذه الرقیة: بسم الله أرقیک، و الله یشفیک من کل داء فیک، و من شر النفاثات فی العقد، و من شر حاسد إذا حسد، و کان صلی اللّه علیه و سلم یعوذ الحسن و الحسین- رضی الله عنهما- فیقول: أعیذکما بکلمات الله التامة من شر کل شیطان رجیم و هامة، و من شر کل عین لامة. و یقول هکذا کان أبی إبراهیم یعوذ إسحاق و إسماعیل علیهما السلام، و روینا حدیثا مسلسلا فی قراءة آخر سورة الحشر مع وضع الید علی الراس، أنها شفاء من کل داء، إلا السام، و السام هو الموت، و قد جربناه مرارا عدیدة، فوجدناه حقا» .
و قال ابن جزی أیضا فی قوانینه قبل هذا بیسیر ما نصه: «المسألة الخامسة ..
یجوز تعلیق التمائم، و هی العوذة التی تعلق علی المریض و الصبیان، و فیها القرآن و ذکر الله تعالی إذا خرز علیها جلد، و لا خیر فی ربطها بالخیوط. هکذا نقل القرافی، و یجوز تعلیقها علی المریض و الصحیح، خوفا من المرض و العین عند الجمهور و قال قوم: لا یعلقها الصحیح، و أما الحروز التی تکتب بخواتم و کتابة غیر عربیة، فلا تجوز لمریض و لا لصحیح، لأن ذلک الذی فیها یحتم أن یکون کفرا أو سحرا»
و قال الإمام أبو محمد بن أبی زید القیروانی فی رسالته ما نصه: «و لا باس بالاکتواء و الرقی بکتاب الله و بالکلام الطیب، و لا بأس بالمعاذة تعلق، و فیها
الرحلة المعینیة، ص: 307
القرآن» . قال شارحه الشیخ أحمد النفراوی المالکی ما نصه: «و لا بأس بالاکتواء، أی یجوز علی قول الأکثر بناء علی المشهور من أن الأفضل استعمال الأخذ فی الأسباب، لأنه لا ینافی التوکل کما قدمنا بسطه. و من المتفق علی عدم جواز التداوی به، الاکتحال بالعذرة للرمد. و ظواهر نصوص الأئمة جواز کشف العورة للتداوی. و قد وقع الخلاف فی الحقنة. و سئل مالک فی مختصر ابن عبد الحکم عنها، فقال لا باس بها، لأنها ضرب من الدواء، و فیها منفعة للناس، و قد أباح النبی صلی اللّه علیه و سلم التداوی، و أذن فیه، فقال: ما أنزل الله داء إلا و له دواء، علمه من علمه، و جهله من جهله، فتداووا عباد الله. و تحمل النقول المخالفة لهذا علی حالة الاختیار و الجواز علی حالة الاضطرار، فیتفق النقلان، ثم شرع فی بیان ما یرقی به، فقال:
و لا باس بالرقی، جمع رقیة بکتاب الله، و لو بآیة منه، قال تعالی: «وَ نُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَ رَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِینَ». و یرقی بالفاتحة، و آخر ما یرقی به منها و إیاک نستعین، و مما یرقی به کثیرا آیات الشفاء الست. و قد قال بعض الشیوخ ممن عرف بالبرکة، من کتب، الله لطیف بعباده ست عشرة مرة فی إناء نظیف و قرأ علیها آیات الشفاء، و محاها بماء النیل، و سقاه لمن به مرض مثقل فإن قدر له الحیاة شفاه الله بأسرع وقت، و إن قدر له الموت سکن ألمه، و هون علیه الموت، و قد جرب مرات کثیرة فصح، و آیات الشفاء ست: الأولی: «وَ یَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِینَ» . الثانیة: «وَ شِفاءٌ لِما فِی الصُّدُورِ» الثالثة: «یَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ، فِیهِ شِفاءٌ»
الرحلة المعینیة، ص: 308
«لِلنَّاسِ» . الرابعة: «وَ نُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَ رَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِینَ» الخامسة:
«وَ إِذا مَرِضْتُ فَهُوَ یَشْفِینِ» السادسة: «قُلْ هُوَ لِلَّذِینَ آمَنُوا هُدیً وَ شِفاءٌ» .. و لا بأس أیضا بالرقیة بالکلام الطیب من غیر القرآن، حیث کان عربیا و مفهوم المعنی، کالمشتمل علی ذکر الله و رسوله، أو بعض الصالحین، و لعل هذا هو المراد بالطیب لا الحلال، لعدم مناسبة المقام. و أما ما لا یفهم معناه، فلا تجوز الرقیة به، لأن الإمام لما سئل عن الأسماء العجمیة، قال: و ما یدریک أنها کفر، و مقتضی ذلک أن ما جهل معناه لا یجوز الرقیة به، و لو جرب وصح، و کان الإمام ابن عرفة یقول: إن تکرر النفع به تجوز الرقیة به، و لا شک أن کل ما تحقق النفع به لا یکون کفرا، و من ذلک ما یعمل لحل المربوط، و لتسکین عقل المصروع و إخراج الجان أو إزالة النزیف، و لو حدیدا کخاتم سلیمان یکتب علیه بعض أسماء، و تحمل کراهة مالک علی ما لم یتحقق النفع به. و یجوز أخذ العوض علی الرقیة، کما فی قضیة الرهط المشهورة فی باب الجعل، حین لدغ کبیرهم و رقاه بعض أصحاب الرسول علیه الصلاة و السلام، و لا بأس بالمعاذاة بالذال المعجمة و هو التمیمة المعروفة عند العامة بالحرز، تعلق فی عنق الشخص أو ذراعه، و فیها بعض أسماء، و شیء من القرآن، و ربما تعلق علی بعض الحیوانات، و یجوز حملها و لو کان الحامل لها حائضا أو جنبا، و لو کثر ما فیها من القرآن، حیث کانت مستورة. و أما بغیر ساتر، فلا یجوز، إلا مع قلة ما فیها من القرآن، کالآیة و نحوها، و لا فرق فی جمیع ذلک بین المسلم و الکافر، حیث کانت بساتر یقیها من وصول الأذی. قال خلیل: «و حرز بساتر و إن لحائض» . قال شراحه: و لو کافرا أو بهیمة. و لا ینبغی تعلیقها من غیر ساتر إلا مع قلة ما فیها من
الرحلة المعینیة، ص: 309
القرآن کما قدمنا، و کان الحامل لها مسلما».
و ما أشار إلیه من قصة الرهط الذین لذغ کبیرهم و رقاه بعض أصحابه صلی اللّه علیه و سلم مستدلا به علی جواز أخذ العوض علی الرقیة صحیح، کما أن تلک القضیة تدل أیضا علی جواز نفس الرقیة للکافر، لإقراره صلی اللّه علیه و سلم علیها، و هی شهیرة فی کتب الحدیث و الفقه، و رواها البخاری فی صحیحه، فقال فی بعض روایاته ما نصه عن أبی سفیان: «إن رهطا من أصحاب رسول الله صلی اللّه علیه و سلم، انطلقوا فی سفرة سافروها، حتی نزلوا بحی من أحیاء العرب فاستضافوهم، فأبوا أن یضیفوهم، فلدغ سید ذلک الحی، فسعوا له بکل شیء لا ینفعه شیء، فقال بعضهم: لو أتیتم هؤلاء الرهط الذین نزلوا بکم، لعله أن یکون عند بعضهم شیء، فأتوهم، فقالوا: یا أیها الرهط، إن سیدنا لدغ فسعینا له بکل شیء لا ینفعه، فهل عند أحد منکم شیء؟ فقال بعضهم: نعم، و الله إنی لأرقی و لکن و الله، قد استضفناکم فلم تضیفونا، فما أنا براق لکم حتی تجعلوا لنا جعلا فصالحوهم علی قطیع من الغنم، فانطلق، فجعل یتفل علیه و یقرأ، الحمد لله رب العالمین، حتی لکأنما نشط من عقال، فانطلق یمشی، ما له قلبة، قال: فأوفوهم جعلهم الذی صالحوهم علیه، فقال بعضهم: أقسموا،، فقال الذی رقی: لا تفعلوا حتی نأتی رسول الله صلی اللّه علیه و سلم، فنذکر له الذی کان، فننظر ما یأمرنا، فقدموا علی رسول الله صلی الله علیه و سلم، فذکروا له، فقال: و ما یدریک أنها رقیة، أصبتم، أقسموا، و اضربوا لی معکم بسهم» .
و فی روایة عن خارجة بن الصلت، عن عمه، قال: أقبلنا من عند رسول الله صلی اللّه علیه و سلم، فأتینا علی حی من أحیاء العرب، فقالوا: إنکم جئتم من عند هذا الحبر، و هذا صریح فی کفر هذا الحی، و کفی بذا دلیلا علی جواز رقیة الکافر، و کفی من
الرحلة المعینیة، ص: 310
الدلیل أیضا علی صحة النفراوی المتقدم فی التمیمة، و لا فرق فی جمیع ذلک بین المسلم و الکافر إلخ.
قضیة سیدنا عمر بن الخطاب الشهیرة مع قیصر ملک الروم، و قد أوردها شیخنا الشیخ ماء العینین فی کتابه المسمی «إفادة الأمیر و الرعیة و الوزیر» بما نصه:
«و کتب قیصر ملک الروم إلی عمر بن الخطاب رضی الله تعالی عنه أن بی صداعا لا یسکن، فابعث لی دواء، إن کان عندک، فإن الأطباء عجزوا عن المعالجة، فبعث عمر رضی اللّه عنه له قلنسوة، فکان إذا وضعها علی رأسه، سکن صداعه، فتعجب منه، ففتش فی القلنسوة، فإذا فیها کاغد مکتوب علیه: بسم الله الرحمان الرحیم لا سوی ذک، فقال عند ذلک قیصر: ما أکرم هذا الدین، شفانی الله تعالی بآیة واحدة منه» .
و قد دفعت قضیة من قبیل هذه المسألة لوالدنا المرحوم بالله العتیق بن محمد فاضل- رضی اللّه عنه- مع بعض علماء فاس، استطردها العلامة مرید شیخنا الشیخ ماء العینین الواصل، الکامل، الشیخ أحمد بن الشمس فی کتابه «النفحة الأحمدیة» فقال فیه ما نصه: «استطراد و إیراد لبعض المراد، مطلب جواز الرقی للیهود. قال ابن
الرحلة المعینیة، ص: 311
عم شیخنا- أدام الله عزه و حیاته فی العافیة- و ابن أخته العلامة المشارک الورع، دفین فاس الجدید، سیدی محمد العتیق- رحمه الله- مقرظ بعض حواشی الفقیه سیدی المهدی الوزانی ، لما أنکر بعض علماء المغرب- و کان قاضیا علی بعض الفقراء معه رقی یهودیة، و هدده القاضی بالحبس، و قال: إنه فعل منکرا، و اختفی المرید عنه أیاما، و ظنوا أنه هرب، و ألف تألیفا، و وجده یخطب یوم الجمعة، و دفعه له، و وجد الحال سیدی محمد العتیق متخلیا عن مکانهم، و أخبر بالقضیة هذه القصیدة و أرسلها للقاضی، و لما رآها سلم، و رجع، و مطلع القصیدة:
[الطویل]
أیا علماء الدین من کان منکرافلا ینکرن إلا الذی کان منکرا
فما وجه إنکار لفعل موافقلما فعل الفاروق یا علما القرا
و قد کان خیر الخلق صلی إلهناعلیه الصحب من قبل قرّرا
فتهدیدکم بالحبس شخصا مقلّداأولأئکم الأقمار ظلم بلا امترا.
إلی أن قال:
ألا فاحکموا بالحق فی الناس کلّهاو لا تترکوا فی الدین شیئا مغیرا
الرحلة المعینیة، ص: 312 و خلّوا أناسا لا تبیع لدینهاو لا تبتغی فیه الجدال و لا المرا
و حسبهم زجرا عن الفحش و الخنامخافتهم من کان أقوی و أقدرا
و قد وقعت له فی سفر، قبل سفره الذی توفی فیه و أجابه أحد الفقهاء الذین مع القاضی نیابة عنه، و هو الفقیه الأدیب السید محمد بن آجّ، بهمزة مفتوحة ممدودة و جیم مفتوحة مشددة، التمسمانی- رحم الله الجمیع، سالت عنهم، و قیل لی إنهم صاروا إلی رحمة الله، «بعد الحمد لله، و الصلاة علیه، صلی اللّه علیه و سلم، و علی آله، و علی السیادة التی یقصر دونها کل متطاول و یخضع لعلو منصبها العالم و الجاهل، المعنیة بقول الصادق الذی بین کتفیه شامة، المنزل علیه لا أقسم بیوم القیامة و لا أقسم بالنفس اللوامة: «لا تزال طائفة من أمتی ظاهرین علی الحق لا یضرهم من خالفهم إلی یوم القیامة» سلام الذّ عند النفوس من النسیم، مختوم ختامه مسک، و مزاجه من تسنیم، و بعد فقد وافتنا خریدة تزف زفیف الأقحوانة فی نداها، قد اعتدل غزل طعمتها و سداها:
[البسیط]
إذا تأملتها لم تدر من لطفراحا بلا قدح شربت أم قدحا
أنبأت عن لطافة راقمها بأضوإ شهاب، و أطفأت نار الجهل، و قد کانت فی توقد و التهاب.
[الوافر]
فقل ما شئت فیها من مدیحتجدها فوق ما نطق المدیح
لو استطعمتها لکانت قوتا أو تجسدت لکانت للعیان یاقوتا.
الرحلة المعینیة، ص: 313
[الوافر]
کتاب فی سرائره سرورمناجیه من الأحزان ناج
کراح فی زجاج بل کروحسرت فی جسم معتدل المزاج
ثم إن الحق ما ذکرتم و بنیتم، و فصلتم و أجملتم، و إن أبی الأبی، لأنه فعل نبی و صحابی.
[الطویل]
و هل ترک الإنسان فی الدین غایةإذا قال قلّدت النبی محمدا
و العذر لفقیهنا، فلعله لم یطلع علی المسألة تفصیلا، مع شغل باله بالعلة القائمة فیه، و غضوا الطرف و اصفحوا.
[الطویل]
فسامح و لا تستوف حقّک کلّهوابق فلم یستوف قطّ کریم
و علی المحبة الصافیة الود فی القرب و البعد. و السلام، و علی المحبة و الإکرام ه.
من خط الناسخ، قوبل علی خط صاحب الجواب، جزاهم الله خیرا، لرجوعهم للحق، قال:
[الخفیف]
لیس من أخطأ الصواب بمخطإن یؤب لا و لا علیه ملامه
إنما المخطئ المسیء من إذا ماوضح الحقّ لجّ یحمی کلامه
الرحلة المعینیة، ص: 314 حسنات الرّجوع تذهب عنهسیئات الخطا و تنفی الملامه
انتهی من النفحة الأحمدیة بلفظه.
تنبیه، و کذلک تجوز رقیة الکتابی المسلم إذا کانت بکتاب الله و نحوه من ذکر الله مما هو مفهوم. ففی صحیح موطأ مالک، أن أبا بکر الصدیق دخل علی عائشة و هی تشتکی، و یهودیة ترقیها، فقال أبو بکر: أرقیها بکتاب الله، قال شارحه محمد الزرقانی ما نصه: «عقب کتاب الله القرآن إن رجی إسلامها أو الثوراة، إن کانت معربة بالعربی أو أمن تغییرهم لها، فتجوز الرقیة به و بأسماء الله و صفاته، و اللسان العربی، و بما یعرف معناه من غیره بشرط اعتقاد أن الرقیة لا تؤثر بنفسها، بل بتقدیر الله. قال عیاض: اختلف قول مالک فی رقیة الیهودی و النصرانی المسلم، و بالجواز قال الشافعی، قال الربیع: سألت الشافعی عن الرقیة، فقال: لا باس أن ترقی بکتاب الله و بما یعرف من ذکر الله، قلت: أیرقی أهل الکتاب المسلم؟ قال: نعم إذا رقوا بکتاب الله.
فتحصل مما تقرر جواز الرقیة مطلقا إذا کانت بکتاب الله و أسمائه و نحو ذلک مما هو معروف، فحاصل جواب المسائل الثلاث بالجملة الجواز، و الله الهادی إلی الصواب، و إلیه الرجوع و المآب.
و لما سمع السائل الجواب، قنع به و اطمأن له، و دعا بخیر، نرجوه تعالی أن یرزقنا العلم و العمل به و الإخلاص، و أن لا یکلنا إلی أنفسنا و لا إلی أعمالنا، و أن یقابلنا بفضله و یجعلنا من ضنائن خلقه آمین.
الرحلة المعینیة، ص: 315
و لنرجع إلی ما کنا بصدده من أمر الرحلة، و ذلک أنا بعدما أقمنا ثلاثة أیام بکناری، بعد ذهاب الأستاذ الشیخ مربیه ربه، رکبنا یوم الأحد السابع و العشرین من المحرم الطیارة، و لبثنا فیها نحو ساعة و ربع، فنزلنا صبیحة ذلک الیوم بمدینة الطرفایة عند من هناک من الأهلیین، و أقام لنا أهل المدینة وقت نزولنا حفلة هائلة و أبهة شاملة، و أظهروا من الأفراح و المسرات ما لا مزید علیه، و وجدناهم متهیئین علی ترتیب عجیب وزیّ حسن غریب، علی حسب مراتبهم، و تفاوتهم فی مناصبهم. و عندما استقرت الطیارة، أقبلوا علینا من ل جهة مسلمین و مهنئین. و أول من لقینا سیادة الشیخ الطالب اخیار بن شیخنا الشیخ ماء العینین، و کان قدم قبل مقدمنا علی الطرفایة من جهة أهله فی بلاد مرتان لزیارة إخوته و أهالیه و السلام علیهم. و لقینا معه سیادة أخیه الشیخ محمد الأغظف، فسلمنا علی الشیخین، و التمسنا منهما صالح الأدعیة، فدعوا لنا بخیر، و هنآنا بحج بیت الله الحرام و زیارة نبیه علیه الصلاة و السلام و برجوعنا- لله الحمد- سالمین ظافرین، ثم سلمنا علی سائر الأقارب و الإخوان و الأحباء و جمیع أهل المدینة، ثم سرنا صحبة الشیخین المذکورین إلی دار الأستاذ الشیخ مربیه ربه، و ما زالت تدور بنا الصفوف، و تضرب بجوانبنا الدفوف، و الناس محدقة بنا فی زحام، رافعین للتباشیر فوق الرؤوس و الدور الرایات و الأعلام، حتی دخلنا دار الأستاذ الشیخ مربیه ربه مع أخویه المذکورین و معنا رؤساء أهل البلد، فتلقی لنا بما لا یوصف من الإجمال و الإکرام و الإکبار و الإعظام، و بذل ملاذ الشراب و الطعام کما هو المألوف من کرمه فی سائر الأیام.
الرحلة المعینیة، ص: 316
فلما اطمأن بنا المجلس التفت علینا- وفد الحج- الأستاذ الشیخ محمد الأغظف بن شیخنا الشیخ ماء العینین، و قال: حدثونا ببعض الأعاجیب التی شاهدتم فی رحلتکم هذه إلی الحرمین، فقال له جامع الرحلة ما العینین بن العتیق: أما أعاجیب الاختراعات العصریة، فهی مشاهدة فی کل بلد، و کأن أمرها صار بدیهیا عند الناس، فلا نطیل بذکرها، لکن من أعجب ما رأینا الآیات البینات التی ذکرها الله تالی فی قوله: «إِنَّ أَوَّلَ بَیْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِی بِبَکَّةَ مُبارَکاً وَ هُدیً لِلْعالَمِینَ فِیهِ آیاتٌ بَیِّناتٌ إلخ فقد کنا نومن بها قبل مشاهدتها، و قد شاهدنا بحمد الله منه کثیرا.
[الوافر]
و لکن للعیان لطیف معنیلذا سأل المشاهدة الخلیل
فمن تلک الآیات أن الطیر لا یطیر فوق الکعبة فی الهواء، بل ینحرف عنها إذا وصل إلیها علی کثرته یمینا و شمالا، و منها أن الوحوش لا یوذی بعضها فی الحرم، حتی الکلاب لا تهیج الظباء و لا تصطادها، و منها أن الطیر إذا مرض منه شیء استشفی بالکعبة، و منها تأثیر قدمی إبراهیم علیه السلام فی الحجر الذی کان یرفع علیه قواعد البیت، فکلما علا الجدار ارتفع الحجر به فی الهواء، و ذلک الأثر باق إلی الیوم. و قد نقلت ذلک کافة العرب فی الجاهلیة علی تطاول القرون و مرور الأعصار، کما قال فی ذلک أبو طالب:
و موطئ إبراهیم فی الصخر رطبةعلی قدمیه حافیا غیر ناعل
و منها أن المسجد الحرام یسع المئین من الألوف، بل کل من رام دخوله یسعه مما
الرحلة المعینیة، ص: 317
یضیق به متسع الفضاء، و کذلک یسعه المطاف، فتطوف الألوف العدیدة فی ساعة واحدة و لا تری أحدا یثنیه عن الطواف ازدحام الناس فیه، ثم تشرب من ماء زمزم کذلک، و تسعی بین الصفا و المروة کذلک، و منها جبایة الأرزاق إلی مکة، و هی بواد غیر ذی زرع، و ما من فاکهة و لا طعام و لا ثمرة إلا و هی مشحونة منها فی کل وقت.
و منها أن ماء الحمل لا یدخل الحرم علی کثرة الأمطار و غزارتها، و منها دلالة عموم المطر إیاه من جمیع جوانبه علی خصب آفاق الأرض، فإن کان المطر من جانب أخصب الأفق الذی یلیه، إلی غیر ذلک مما لا یحصی، فاستحسن الشیخ- أدام الله حیاته- جوابی له، و تعجب مما ذکرت، و قال الحمد لله الذی أنعم علیکم بمشاهدة ذلک عیانا، تقبل منا و منکم الأعمال، و أصلح بنا و لکم الأحوال و المئال.
ثم بتنا لیلة الإثنین، و أقمنا یومها بالطرفایة فی دار الأستاذ الشیخ مربیه ربه مع من هناک من الأقرباء و الأهلین، فلما کانت صبیحة یوم الثلاثاء التاسع و العشرین من المحرم، اجتمعنا- وفد الحجاج- عند الإمام الشیخ مربیه ربه مع أخویه المذکورین و من هناک من الأهالی، و اشترکنا الدعاء، و توادعنا لیسیر کل منا لموضعه، و یبقی فی الطرفایة من أهله بها، فرکب جامع الرحلة ما العینین بن العتیق تلک الصبیحة الطیارة، و نزلنا وقت ارتفاع النهار یقریة الطنطان عند أهلنا هناک. و تلقی لنا سیادة الشیخ عبدات بن شیخنا الشیخ ماء العینین و من هناک من الأحبة و القرابة و سائر أهل القریة، مهنئین، مستبشرین، فرحین برجوعنا- بحمد الله- سالمین غانمین، و الحمد لله علی ما أکرمنا به من تأدیة مفروضیة حج بیته المحرم، و زیارة قبر نبیه صلی الله علیه و علی آله و سلم، و علی منته علینا برجوعنا لأهلینا بسلامة، و علی ما أظهر فینا لشیخنا ماء العینین من دوام الکرامة.
الرحلة المعینیة، ص: 318
و ذلک أن من کراماته، أنه أول من حج من قبیلة آل الجیه المختار، و رجع إلی أهله سالما، و قد کانوا قبله کل ما سافر منهم إلی الحج یموت فی سفره قبل رجوعه لأهله حتی صار ذلک کأنه أمر معتاد عندهم مجرب، لا طمع لهم فی إیاب من سافر للحج إلی أهله، لکثرة موتهم فی طریقه، حتی أکرم الله شیخنا الشیخ ماء العینین، بأن حج عام 1274، و رجع- بحمد الله- سالما، ففرحوا بذلک و عدوها کرامة له. و سبب ذلک- کما سمعته منه، رضی اللّه عنه- أنه کان یوما جالسا بإزاء والده شیخنا الشیخ محمد فاضل بن مامین، و هو صبی، و والده رضی اللّه عنه یقرئ بعض الحاضرین أحکام الحج، قال شیخنا الشیخ ماء العینین رضی اللّه عنه: فتعلق خاطری بالحج و لم أتکلم، فاطلع والدی علی ما خطر بقلبی مکاشفة، فالتفت إلیّ و قال: یا ماء أعیننا، إن قبیلتک آل الجیه المختار مما جربوا، أنه ما حج أحد منهم، و رجع إلی أهلک سالما، قال شیخنا الشیخ ماء العینین رضی اللّه عنه: و من ذلک الوقت، لم أزل معلق البال بالحج حتی منّ الله علی به، و رجعت إلی أبی و أهلی- لله الحمد- بسلامة.
قال جامع الرحلة، مریده و حفیده ما العینین بن العیتق: و من کراماته أیضا أنه حیث أکرمه الله بالحج و الرجوع عن صار ذلک سببا لدوام انخرام تلک العادة. فقد حج بعد ذلک أبناء عمه و أولاده، و رجعنا بحمد الله سالمین، و صارت القبیلة تقول:
ما هذا بأول برکة شیخنا الشیخ ماء العینین علینا و مزایاه لنا، و الحمد لله الذی بنعمته و جلاله تتم الصالحات و تتنزل البرکات.
و لا بأس بذکر طرف من خبر قبیلتنا المذکورة آل الجیه المختار، حسبما ذکره العلامة الأستاذ الشیخ محمد الإمام بن شیخنا الشیخ ماء العینین فی کتابه
الرحلة المعینیة، ص: 319
المسمی» الجوهر المنتخب فی تنقیح أخبار من فی المغرب من العرب» ، و هو تألیف لا نظیر له فی منواله، و شبیه له فی عزیز مناله، لما جمع بالروایات الصحیحة، و استقصی من خبر العرب الذین فی المغرب الأدنی و الأوسط و الأقصی، و کیفیة دخولهم بلاد المغرب، و لما ضم إلی ذلک من خبر بنی معقل و بنی حسان من عرب الصحراء من أرض المغرب و السوس الأقصی و بلاد الشناجطة و تلک الأصقاع، و تحقیق نسبهم، و بیان شعوبهم و قبائلهم، و کیفیة توصلهم إلی المغرب من جزیرة العرب علی التدریج. فقد أجاد فی الموضوع- أطال الله حیاته- و أفاد، و أتی بما یشفی الغلیل من فوائد الاستطراد. قال- أدام الله بقاءه- بعدما أشبع الکلام فی مقتضی کتابه المذکور و نثر فیه من البدائع ما یزری بالدر المنثور، ما نصه: «هذا و لتعلم أن موضوع کلامنا، هو معرفة أصول تلک القبائل العربیة من حیث العموم، و صحة نسبهم، و کیفیة إتیانهم للبلاد المغربیة. و أما أسماء قبائلهم الآن فقد تغیر أکثرها للأسباب التی قدّمنا أنها ینشأ عنها تغییر الأسماء، لکن کل قبیلة أدری بمن ترفع إلیه نسبها من الأصول المتقدمة التی صحّ إتیانها للبلاد، فیسأل عن کل قبیلة علماؤها، و الناس مصدقون فی أنسابهم، و سأذکر لک نموذجا من ذلک فیما یخص بنا آل الجیه المختار بصفتنا إدریسیین»
قال ابن خلدون فی تاریخه المسمی «کتاب العبر و دیوان المبتدأ و الخبر»، حیث تکلم علی الأدارسة: لیس فی المغرب، فیما نعلمه من أهل هذا البیت الکریم، بیت رسول الله صلی اللّه علیه و سلم، من بلغ فی صراحة نسبه و وضوحه مبالغ أعقاب إدریس من آل الحسن، فکبراؤهم من أهل هذا العهد بفاس، بنو عمران، ولد یحیی الجوطی بن
الرحلة المعینیة، ص: 320
محمد بن یحیی العوام ابن القاسم بن إدریس، و فی ناحیة الجنوب و بدوه و السودان أولاد یحیی الأکبر الذی یقال له بلسان البربر جلجم، و أولاد محمد هم المشهورون ببلاد سیس فی أتوات»، انتهی کلام ابن خلدون .
قال السید محمد بن أحمد الجلجمی نسبا، السجلماسی وطنا بعدما ساق کلام ابن خلدون: «رأیت فی نسخة الآباء أنه ثبت عندنا أن أبناء العربیة أخوال مولانا اسماعیل خرج معهم ابن عمنا یقال له باللسان البربری الجیه المختار، و باللسان العربی الطالب المختار فی أیام فتنته مع السلطان بودمیعة السملالی الحسنی فی القرن العاشر بعد أن فسدت عصبیة آبائه فی بلاد السودان، بسبب فتنة بعض ثوار العجم المفسدین، فطلع إلی الصحاری، و بقی هناک مع العرب، و لم یزل أبناء عمه بعده فی الشهبة و ما یلیها من بلاد السودان إلی الان «. ه کلام السجلماسی.
قال جامعه- عفا الله عنه تعالی-: أما أن الجیه المختار هو الأب الخامس لوالدنا شیخنا الشیخ ماء العینین، رضی الله تعالی عنه و أرضاه، فإنه ابن شیخنا الشیخ محمد فاضل ابن الشیخ محمد الأمین، الملقب مامین بن الطالب أخیار بن الطالب محمد بن الجیه المختار المذکور، و بقیة النسب إلی مولای إدریس فإلی الحسن سبط رسول الله صلی اللّه علیه و سلم مشهورة نظما و نثرا.
و قد تعدد طبعها بالمطبعة المصریة و الفاسیة فی نظم الشریف مولای أحمد بن عبد المولی العلمی، المطبوع فی أول صحیفة من نسختی تألیف شیخنا الشیخ ماء
الرحلة المعینیة، ص: 321
العینین، رضی اللّه عنه، «نعت البدایات» بالمطبعة المصریة و الفاسیة، حیث یقول:
یقول أحمد بن عبد المولیالعلمی أحسن قول یتلی
بعد الثناء و الصلاة و السلامعلی النبی المصطفی خیر الأنام
سلسلة الشیخ المربی الکاملمن ذکره یجمل المحافل
محمد المصطفی ما العینینابن لقطب جامع الکونین
محمد الفاضل ابن مامینذی الفضل و الشرف و المجد المکین
ابن الوجیه الطالب الأخیارابن محمد أبی الأنوار
ابن الوجیه الطالب المختارمن کان باسم الجیه ذا اشتهار
ابن غزیر العلم و الفضل الحبیبابن علی بن محمد النجیب
سلیل یحیی الأول بن عالابن لشمس الدین ذی الکمال
الرحلة المعینیة، ص: 322 ابن لیحیی بالکبیر القلقمییدعی إلی الأرضی محمد نمی
ابن لعثمان بن أبی بکر نسبلذ التّقی یحیی فعی لما حسب
ابن لذی المعالی عبد الرحمانابن أران الزّکی ابن أتلان
ابن أجملان بن الوفی إبراهیمابن لمسعود أخی المکارم
ابن لعیسی بن الجلیل عثمانابن لاسماعیل بحر الاحسان
فعبد وهاب و یوسف عمریحیی و عبد الله أحمد الأغر
سلیل یحیی نجل قاسم السّرسلیل إدریس النقی الأزهر
من فتح الله به مغربناو أسس المبنی علی التقی لنا
أبوه إدریس الجلیل الأکبرجلت مآثر له لا تحصر
و جدّه ذو الفضل عبد اللهالکامل المجد بلا تناه
یکفیک من وصفه ما شاع و ذاعمن حلمه و علمه بلا نزاع الرحلة المعینیة، ص: 323 أکرم به ابن الحسن المثنیمن لا یفی بوصفه من اثنی
إذ هو ابن لعظیم الجاهالحسن السبط حبیب الله
ابن علیّ المجتبی سبط الرسولو أمه فاطمة الزهرا البتول
لله نرغب بکل من ذکرأن یفتح التیسیر فی کلّ عسر
بجاه من صلی علیه ذو الجلالمحمد نبینا بدر الکمال
و إن أحببت بسط الکلام علی هذا النسب الشریف و مناقب أهله، فانظر فی «الضیاء المستبین فی مناقب شیخنا الشیخ محمد فاضل بن مامین» ، للعلامة الشیخ محمد فاضل بن الحبیب، أو فی «مجمع البحرین فی کرامات شیخنا الشیخ ماء العینین» ، للعلامة الشیخ محمد العاقب بن مایابی الجکنی، أو غیر ذلک من التآلیف المتکلمة عن شؤونهم و أخبارهم.
الرحلة المعینیة، ص: 324
قال الأستاذ الشیخ محمد الإمام بعدما تقدم، و قد فتح الله علیّ بقصیدة أثناء الاشتغال بهذا التألیف فی مدح هؤلاء السادات، و لا بأس أن آتی بها تبرکا بذکرهم، و هی :
[الطویل]
ألا حیّهل بالقوم مربعهم خصبلمن أمّهم و البیت منفسح رحب
إذا نزلوا محلا تروّض جدبهو تدنو إلی الجانی الفواکه و الأبّ
و تهتزّ أکناف البسیطة تحتهمفیثر التّری نبتا و یختلط العشب
أولئک آل الجیه أکرم معشرمن آل رسول الله یمّمه رکب
ألم یک ماء العین منهم و منهمأبوه أبو الأقطاب سادتنا النّجب
هما قمرا أفق السّیادة و العلاو أمّا بنوهم فالأهلّة و الشهب
و ذرنی من قوم مرابعهم جذبو لیس لهم واد مریع و لا شعب
إذا أقبلوا لا یطمح الطّرف نحوهمو إن ذکروا لا یشرئبّ لهم قلب
الرحلة المعینیة، ص: 325 و إن فقدوا لم تبق فی القوم ثلمةفسیّان من حالیهم البعد و القرب
بعکس بدور تشرق الأرض إن بدواو إن ذکروا فالمسک و المندل الرّطب
و إن ظعنوا لا یبرم الأمر دونهمعلیهم یدار السّلم أو تعقد الحرب
یقومن بالعبء الثّقیل عن الوریو لم یک منهم لا ریاء و لا عجب
فلم یمرحوا و النّاس تنسل إثرهمو لم یخضعوا و النّاس فی حربهم إلب
لهم جدد بیض بکلّ ثنیّةمن المجد لم ینحث حجارتها صلب
تسامت علی من قد یروم صعودهاعلوّا فلم یفرع أعالیها ندب
أصاروا طریق القوم میثاء لا حبافلا یختشی سار ضلالا و لا یکبو
أقرّوا عمود الدّین فی مستقرّهفما زعزعته عواصفها النکب
عتادهم أید طوال إلی العلاو صارم عزم لا یفلّ له غرب
الرحلة المعینیة، ص: 326 أیادی أید لا تقصّر عن ندیو أسیاف مجد فی المکارم لا تنبو
منازلهم فوق البقاع مشیدةو نیرانهم فوق المحجّة لا تخبو
متی یمّموا للشرق یزدد شروقهو إن یمّموا للغرب فالمشرق الغرب
مطایاهم للمجد نجب عزائمتزید نشاطا کلما حسر الرّکب
فلم یثنها عن مورد العزّ مهمهو لم تثنها الحزّان کلّا و لا السّهب
فما برحت تقفوا طرائق للعلاقد اندرست قدما فمسلکها صعب
إلی أن أنا أخوها بمجتمع العلاو لم ینتقص منها سنام و لا صلب
فلو کان بعد المجد للمرء غایةلما قنعوا حتی تناخ بها النّجب
یلمّ اختلال المسنتین نوالهممتی ما ألّمت بالوری الحجج الشّهب
کأنّ عطایاهم تباعا و کثرةغنائم فی طرق المکارم أو نهب
الرحلة المعینیة، ص: 327 هم الخصب للبلدان إن أخلف الحیاو لا یخلف البلدان عن خصبهم خصب
و قد صیّروا نفل المکارم واجباعلیهم فلا استحباب فیها و لا ندب
و قد سلبوا بالفضل إیجاب ندّهمألا هکذا الإیجاب فلیک و السّلب
أداروا علی الأعراض سدا عن الخنافلم یستطع للسّدّ ظهر و لا نقب
یذبّون عن مجد قدیم تراثهو عن مثل ذاک العلق یستحسن الذّبّ
و قد علم الأقوام أن طریقهمهی الحقّ لا زیغ هناک و لا شغب
و قد علم الأقوام أن لیس غیرهمیرجّی لدفع الخطب إن فدح الخطب
فما ابتدعوا فی جانب الشّرع بدعةتؤوّلها کتب و تنکرها کتب
و ما عدلوا عن واضح الحقّ جانبافمنهجهم لحب و مشربهم عذب
بهم ینجلی لیل الرّیون عن الحجاو ترفع عنه بعد إسدالها الححب
فیعتاض بعد القبض بسطا و یحتسیرحیق شهود لیس یشبهه شرب
الرحلة المعینیة، ص: 328 فتسری حمیّا الذوق فیهم و تنتشیقلوبهم حتی کأنهم شرب
فتنفی رعونات النّفوس بقربهمو یحصل قرب لا یکیّفه قرب
و ما زالت الأقطاب منهم و لم تدرلمجد رحی إلا و منهم لها قطب
متی جئتهم لقوک أهلا و مرحباو یلقاک فی مغناهم الأهل و الرّحب
بیوتهم لابن السبیل مشاعةفلا یزجر المولی و لا ینبح الکلب
و قد سالموا أعراضهم غیر أنهملأموالهم فی کلّ مکرمة حرب
إذا خصلة عزّت و عزّ اغتناؤهافهی لهم من دون طالبها وهب
یعدّونها عارا إذا ردّ مجدهملدیهم و ذنبا لیس یشبهه ذنب
و لم ینزعوا عن جذم عرضهم اللّحافطاب من الرع الخلاصة و اللّبّ
یسامیهم بعض من القوم ضلّةفیا عجبا هل یستوی الأنف و العجب
فهلّا یسامیهم مکانا و رفعةو فی علم ما جاءت به الرّسل و الکتب؟ الرحلة المعینیة، ص: 329 و هلّا یسامیهم إذا اغبرّت البریو ضنّت عن البادی بمعروفها السّحب؟
و هلّا یسامیهم بکل فضیلةلها طرق عنها رجال الوری نکب؟
لقد حملوا ما لو تحمّل بعضهذری الهضب من رضوی لمادت بها الهضب
و شادوا لکلّ العرب عزّا بأمةیعزّ علیها أن تعزّ بها العرب
لهم راحة فی ضمنها راحة الوریو سیف حجی فی کل مشکلة عضب
و قد نزل المرتاد منهم بسادةمواهبهم سهل و غایاتهم صعب
ثقال لدی النّادی خفاف إلی النّدیمتی ثوّب الدّاعی لمکرمة هبّوا
مجالسهم وقف علی الحلم و الحجیفلا تسمع العوراء فیها و لا السّبّ
أساتذة فی مجلس العلم و الهدیو إما ترافقهم هم الأهل و الصّحب
إذا ما جواد رام إدراک شأوهمثنته الرّعان الشّمّ و الأمعز الصّلب
قد اکتسبوا بالفضل کلّ مزیّةفکسبهم فضل و فضلهم وهب
الرحلة المعینیة، ص: 330 فما منهم ولیّ إلا مقرّبمربّ لأدواء النّهی کلّها طبّ
أولک آبائی و ذلک نهجهمو لست إلی نهج سوی نهجهم أصبوا
فلا زلتم للدهر إنسان عینهبکم یرفأ الثأی و یلتئم الشعب
و لا زلتم حرز البلاد و أهلهاو لا زال یقفوا إثر أسلافه العقب
ثم إن الجیه المختار بعد طلوعه إلی الغرب المذکور فی کلام السجلماسی، لم یزل ینتقل فی أحیائهم و قبائلهم حتی وصل تکانت ، و نال فی تلک البلاد شهرة عظیمة و أتباعا کثیرة، و لم یزل هنالک حتی توفی رضی الله تعالی عنه فی موضع یقال له أرکیز ، و ضریحه فی تلک البلاد مشهور یقصد بالزیارة و الدعاء.
ثم انتقل أولاده لبلاد الحوض فی دولة أبناء امبارک المغافرة المشهورین فی
الرحلة المعینیة، ص: 331
تلک البلاد، باستدعاء منهم لذلک رغبة فی برکتهم، فنالوا فی بلاد الحوض و جاهة کبیرة و قدرا عظیما، و صار لهم الحوض وطنا من ذلک التاریخ إلی الآن، و لم یخرج أحد منهم عنه فی علمنا، و لم ینتجعوا بلادا سواه إلی زمن جدنا الأدنی، شیخنا الشیخ محمد فاضل، فأظهر الله تعالی علی یدیه من الفضل ما هو مشهور.
فصدر بعض أساتذة أبنائه الأفاضل و قربائه الأماثل إلی البلاد لنفع العباد، فصدر والدنا الشیخ ماء العینین لبلاد الساحل و المغرب، و صدر شیخنا الشیخ سعد بوه إلی البلاد المعروفة بالقبلة و ما والاها من بلاد السودان، و ممن انتقل من قبیلتنا من الحوض فی ذلک التاریخ، ابن عمنا الأستاذ الشیخ محمد فاضل بن محمد، یجمعنا معه الجد الأکبر الجامع للقبیلة الجیه المختار، فإنه انتقل إلی البلاد المعروفة بأدرار و استوطنها، ففتح الله علیه من فضله، و سوّی بهم من خلقه ما هو مشاهد بالعیان، فصارت هذه البلاد المذکورة من حینئذ بمثابة الوطن لنا و لمن أتی من القبیلة و الإخوان، و الحمد لله تعالی علی ما أولانا من فضله فی کل زمان.
هذا و إنما ذکرت لک هذه الفذلکة لتکون لک نموذجا علی أمرین أحدهما أن کل أحد أدری بما یختص بأسلافه و عشیرته، و یعلم من أخبارهم و شؤونهم ما لا یعلم الغیر، و الأمر الثانی، لیتبین لک کیفیة تبدیل الأسماء علی التدریج، فقد تری جدنا الجیه المختار یعرف بالجلجمی، ثم صار أصلا لقبیلة آل الطالب المختار، فصارت القبیلة لا تعرف إلا به، و لا تحتاج إلی سواه إلی زمن جدنا شیخنا محمد فاضل، فقد أعطاه الله من الشهرة ما استغنی به عن التعریف بالقبیلة، و صار کل من انضم إلیه من الأتباع و المتعلقات و الجیران یعرف به و ینسب إلیه، و کذلک هذه البلاد التی نحن فیها، لا یحتاج أحد من أتباع شیخنا الشیخ ماء العینین- أحری من نسبته- أن یرفع نسبه إلی أحد سواه، بل یکفیه من التعریف أن یقول أنا من آل الشیخ ماء العینین.
الرحلة المعینیة، ص: 332
و قد تذکرت قضیة فی ذلک المعنی، و هی أنه کان بعض العلماء جالسا، فسأله أحد الحاضرین، فقال له: یا سیدی، الشیخ ماء العینین من أی القبائل؟ فأجابه ذلک العالم: یا بنی أما علمت أن المعرف لا یعرف. ثانیا، مثل الشیخ ماء العینین إنما یعرف به الغیر، فإن الشیء لا یعرف إلا بما هو أشهر منه فی زمانه». انتهی کلام الأستاذ الشیخ محمد الإمام، و لا أحسن منه فی المقام، و الشیخ ماء العین لا أشهر منه و لا أشفی منه للغلیل فی المرام، مع الإیجاز المعتاد و الاستیفاء بالمراد. و لقد أجاد- أطال الله بقاءه- فی تلک القصیدة البارعة الرائعة، الفائقة، الرائقة بما لم یسبق إلی مثاله و لم یلحق فی مجاله، لافض فوه و لا سرّ من یجحده.
قال جامع الرحلة ما العینین بن العتیق- وفقه الله لأقوم طریق- و لنختم هذه الرحلة المبارکة بقصیدة من مشهور الرجز، نظمتها فی هذا النسب الشریف، مفتتحا بالأستاذ الشیخ مربیه ربه، دام عزّه، و إن کان تقدم نظم مولای أحمد العلمی له، مفتتحا فیه بأبیه شیخنا الشیخ ماء العینین استزادة فی برکات أهله، و استجلابا لعنایتهم و الدخول فی حمایتهم، لأن عند ذکر الصالحین تتنزل البرکات و تدرّ الرحمات. و القصیدة هی قولی، غفر الله لی قولی و عملی:
و یقول ما العینین و هو ابن العتیقوفّقه الله لأقوم طریق
حمدا لمن أکرم أبناء النبیبالشرف الخلقی و المکتسب
صلی علیه الله ما تم الشرفلمن من أهل بیته اقتفی السلف
الرحلة المعینیة، ص: 333 و بعد فالقصد بذا النظامسلسلة العلامة الإمام
وارث جدّه الرسول المصطفیو المتسمی بسماه المصطفی
خیر کریم ربه رباهللمکرمات و بها حباه
إیاه لم یغن شریف نسبهلطه عن شرف قفونیسبه
فهو ابن شیخنا سنی الکونینغوث الزمان الشیخ ما العینین
سلیل الأستاذ سنام السامینمحمد الفاضل نجل مامین
ابن أبینا الطالب أخیار الذیبه اجتمعنا فهو أصل الفخذ
أما العتیق أبنا فالأب لهمحمدا الفاضل و هو نجله
محمد اللیل المحرّر النبیلابن محمد بن أحمد سلیل
الطالب أخیار عمود النسبجامعنا المذکور جدّ النخب
ابن محمد أبی الأنوارابن الإمام الطالب المختار
الجامع القبیلة الحسیبالجیه نجل الطالب الحبیب
ولد سیدی علی الولیابن محمد بن یحیی بن علی
الرحلة المعینیة، ص: 334 سلیل شمس الدین نجل العلییحیی الشهیر بالکبیر القلقمی
ابن محمد بن عثمان الکمیابن أبی بکر بن یحیی المنتمی
لعابد الرحمان، و هو ابن أرانولد أتلان سلیل أجملان
ولد إبراهیم مجری المددسلیل مسعود بن عیسی ولد
عثمان من أبوه اسماعیلفعبد وهاب و ذا سلیل
لیوسف بن عمر الأواهولد یحیی نجل عبد الله
سلیل أحمد بن یحیی ولدالقاسم بن الأوحدی سیدی
إدریس نجل سیدی إدریسالجامعین الفضل و لتقدیس
و هو ابن عبد الله من یلقببالکامل الصادق فیه اللقب
ابن الإمام الحسن المثنیماذا له من شرف تثنّی
ابن الرضی الحسن سبط المجتبیخیر الوری جدا و أما و أبا
فجده طوبی له النبیو أبه ابن عمه علی
و أمه بضعته الزهراءذا الفخر ما وراءه وراء
الرحلة المعینیة، ص: 335 رب بجاه من له ذکرتمن سیدی عن وصفه نصرت
إذ وصفهم لیست تفی السطوربه و لا تسعه الصّدور
بلّغ به الإمام نجلهم مناهفیما من الشرف و المجد اقتفاه
و مدّ عمره و فیض مددهو اجعل جمیع الکون قبضة یده
فی العز و التمکین فی رتبتهو قرق العینین فی نسبته
و ارزق بهم لکلنا السعادةو اختم لنا بکلمة الشهادة
و اعطنا فی العز أقصی کل سولبجاه جدهم نبینا الرسول
أکمل له منک الصلاة و السلامو کملن بجاهه لنا المرام
تمت القصیدة و بتمامها انتهت الرحلة المبارکة، بحمد الله و حسن عونه و فضله، متم صفر الخیر عام 1358، عرفنا الله خیره و خیر ما بعده، و وقانا ضیرهما علی یدیة جامعها عبید ربه و أسیر کسبه ما العینین بن العیتق، وفقه الله و هداه لأقوم طریق، بجاه نبینا و حبیبنا محمد سید المرسلین، صلی اللّه علیه و سلم و علی آله و صحبه أجمعین، و الحمد لله رب العالمین.
الرحلة المعینیة، ص: 337
بسم اللّه الرّحمن الرّحیم جمعت هذه الرحلة عدة مزایا هامة، من بینها: أنها أول رحلة مدونة لحجاج مغاربة یمثلون جمیع أقالیم المملکة المغربیة کما هی معروفة الآن، من وادی الذهب جنوبا حتی أقصی التخوم الشمالیة، لتکون انطلاقة الجمیع من مدینة تطوان سنة 1938. الرحلة المعینیة ؛ ص337
إن الحجاج القادمین من الأقالیم المغربیة الجنوبیة، کان بینهم علماء و شعراء و کتاب مرموقون نالوا تقدیر و إعجاب أشقائهم من النخبة المثقفة و الوطنیة فی مدینة تطوان آنذاک من أمثال المرحوم عبد الخالق الطریس و الشیخ المکی الناصری و عبد الوهاب بن منصور و محمد بنونة و غیرهم، کما یتضح من المساجلات و المناظرات الشعریة و الأدبیة و العلمیة المدونة بدقة فی هذه الرحلة أثناء إقامة الوفد بتطوان، فضلا عن حرص المؤلف علی توثیق ذلک من خلال ما نشرته بعض الصحف المغربیة آنذاک عن تلک اللقاءات العلمیة و الأدبیة، و ذکر أسماء و قبائل أعضاء الوفد القادمین من الأقالیم المغربیة و من إقلیم سوس.
و لما کان لوفد الحجاج المغاربة عدة محطات توقف فی کل من لیبیا و مصر قبل أن یحط الرحال فی البقاع المقدسة، فقد حرص المؤلف علی تسجیل ملاحظاته عن أوضاع لیبیا و أهلها کما رآهم، و تدوین معلومات عن تاریخ البلاد و السلالات و الدول التی تعاقبت علی حکمها، مختتما کلامه قائلا بمرارة: «و هی الآن تحت حکم إیطالیا و الله المستعان»، مدونا ما دار بین أعضاء الوفد المغربی و بین الأدباء و الأعیان و الشخصیات اللیبیة التی قابلوها بتلک البلاد.
کما أثبت معلومات هامة عن قناة السویس و حفرها لدی مرور الوفد بالدیار المصریة، دون أن یغفل ما دار بینهم و بین مستقبلیهم المصریین.
الرحلة المعینیة، ص: 338
و لم یکن المؤلف، و قد حل بالبقاع المقدسة، أقل دقة فی تدوین معلومات هامة عن الحالة الاجتماعیة و الاقتصادیة و الثقافیة لأهل الحجاز فی تلک الفترة، مع ذکر الأماکن التی نزلت بها بعض سور القرآن الکریم، و ذرع الکعبة الشریفة و تسجیل مقاساتها و عدد أبواب المسجد الحرام و مختلف الروایات فی ذلک إلی جانب مقاسات بئر زمزم، و القباب التی کانت مقامة علی قبور بعض الصحابة رضوان الله علیهم، بالإضافة إلی معلومات عن واقع بعض الأقطار العربیة الأخری.
و قد أبی العلامة ماء العینین بن العتیق إلا أن یوشح بعض فصول رحلته العلمیة الدینیة و الاستکشافیة بإدراج مسائل فقهیة و أحکام شرعیة و فتاوی و قصائد فی أغراض شعریة متنوعة عرضت له أثناء هذه الرحلة، مما یبین مدی اتساع دائرته المعرفیة و دقة ملاحظته و حرصه علی الاستفادة و الإفادة.
و سیتضح للقارئ الکریم، و هو یتصفح هذا الکتاب، مدی أهمیة العامل الزمنی بالنسبة للعلامة ابن العتیق، فهو لا یکاد یذکر مغادرة أو وصولا أو لقاء أو واقعة دون ذکر الساعة أو اللیلة و الشهر و السنة التی حصل فیها ذلک، و هی سمة لازمته فی جمیع مؤلفاته التی عثرت علیها و التی ما تزال کلها مخطوطة تنتظر الطبع.
ظلت «الرحلة المعینیة» هذه، أو رحلة العلامة ما العینین بن العتیق إلی الدیار المقدسة أزید من ستین سنة، مخطوطة حبیسة الصنادیق و الرفوف، إلی جانب العدید من المخطوطات النفیسة و النادرة التی تزخر بها الخزانات الخاصة فی أقالیم المغرب الجنوبیة، و لحسن الحظ لم تمتد إلیها ید الإتلاف التی امتدت إلی غیرها أثناء قصف مدینة السمارة من طرف قوات الاستعمار الفرنسی، أو أثناء عملیات النهب فی عهد الاستعمارین الإسبانی و الفرنسی، کما أنها صمدت فی وجه الکوارث الطبیعیة من فیضانات و أودیة و سیول جارفة و حرائق التهمت أعدادا هائلة من المخطوطات و الکتب، و تکرر ذلک مرارا فی وادی الساقیة الحمراء و خاصة فی بلدة تافودارت.
و من حسن الطالع کذلک أنه تم استنساخ هذه الرحلة عدة مرات، نسختان منها بخط المؤلف، مما ساعد علی بقائها کل هذه السنوات، حتی قیض الله لها الأستاذ الفاضل الدکتور محمد الظریف لیجمع المتوفر من نسخها و یقارنها و یقابلها و یمنحها ما
الرحلة المعینیة، ص: 339
تستحق من تحقیق و تمحیص و شرح، و قد وفقه الله فی ذلک فعرف بأعلامها، و شرح غوامضها، و أجاد فی تیسیر فهم ما تضمنته من استشهادات و ما احتوته من استطرادات حتی یجنب القارئ کل سوء فهم أو التباس.
و لست فی حاجة إلی التعریف بالدکتور محمد الظریف، لأن أعماله المتمیزة و بحوثه النیرة و دراساته المتخصصة فی ثقافة أقالیم المغرب الجنوبیة و أدبها و التأریخ لها خیر تعریف به، إذ قلما تمیزت أعمال فی هذا المجال بالدقة و الشمولیة التی توفرت دائما لأعمال الأستاذ محمد الظریف و ذلک لاتساع دائرة مدارکه و معرفته الدقیقة بعلماء الجهة و أدبائها و شعرائها و قبائلها و وجهائها قدیما و حدیثا.
و إذ یتشرف مشروع ارتیاد الآفاق بنشر هذا العمل الجلیل الذی یسلط الضوء علی محطة هامة فی مسار التاریخ المغربی الطویل و المتجذر سلالیا و ثقافیا و اجتماعیا و سیاسیا، فإنه بذلک إنما یمارس حقه المشروع فی الحفاظ علی هذا المسار الطبیعی و المطقی، و التمسک بالتوجه السلیم الذی ترکه الأجداد للأحفاد، و لکونه یعتبر هذا العمل القیم مساهمة محمودة فی إثراء الخزانة المغربیة و العربیة علی السواء، و الله ولی التوفیق.
الرباط فی 30 مارس 2004 ماء العینین مربیه ربه عضو المجلس الملکی الاستشاری الخاص بالأقالیم الصحراویة
الرحلة المعینیة، ص: 341
* فهرس الآیات القرآنیة
* فهرس الأحادیث النبویة
* فهرس الأعلام البشریة
* فهرس القبائل و البلدان
* فهرس القوافی
* فهرس المصادر و المراجع
* فهرس المحتویات
الرحلة المعینیة، ص: 343
السورة رقم الآیة البقرة/ 127- 158- 196- 203- 261/ 151، 131، 78، 145، 98
آل عمران/ 96- 110- 171/ 316، 36، 112
النساء/ 64/ 38
المائدة/ 3- 4- 5- 94/ 78، 302، 299، 302
الأعراف/ 58/ 98
التوبة/ 14/ 303، 307
یونس/ 57/ 307
النحل/ 69/ 308
الإسراء/ 82/ 305، 308
الکهف/ 29/ 189
الحج/ 24- 29- 54/ 36، 151، 170
الشعراء/ 80/ 308
فصلت/ 44/ 308
الزخرف/ 43/ 46
الصف/ 8/ 105، 185
الجن/ 10- 11/ 296، 295
الرحلة المعینیة، ص: 344
أحب العرب لثلاث
إذا خرج المرء یرید الطواف بالبیت أقبل یخوض فی الرحمة
أکرم سکان أهل السماء الذین یطوفون حول عرشه
أما علمت أن الإسلام یهدم ما قبله
إن الله تعالی یباهی بالطائفین ملائکته
أول الوقت رضوان الله ...
بیوت الله المساجد ...
تابعوا بین الحج و العمرة ...
تحت کل شعرة جنابة
التقوی رأس کل حکمة
ثلاثة فی ضمان الله عز و جل
ثمن الکلب و الخنزیر حرام
جعلت لی الأرض مسجدا و طهورا
الحجاج و العمار وفد الله وزواره
حساب أمتی کرکعتی الفجر
خذوها یا بنی أبی طلحة خالدة تالدة لا ینزعها منکم إلا ظالم
خمسة أنا أتکفل لهم بالجنة، الولد البار لوالدیه و المرأة المطیعة لزوجها و من مات فی طریق مکة
خیرکم من علم القرآن و تعلمه
داووا مرضاکم بالصدقة فإن البلاء لا یتعداها
ذو الوجهین لا یکون وجیها عند الله
رحم الله امرءا تکلم بخیر أو صمت
زر غبا تزدد حبا
سل تعطه و قل یسمع
الرحلة المعینیة، ص: 345
سید الأیام یوم الجمعة
شر الطعام الولیمة تأکله الأغنیاء و تشتهیه الفقراء
صلاة بسواک أفضل من سبعین صلاة بلا سواک
الصلاة فی مسجد قباء کعمرة
ضغطات القبر أشد من أربعین ضربة بالسیف
طلب العلم فریضة علی کل مسلم و مسلمة
طوافان لا یوافقهما عبد مسلم إلا خرج من ذنوبه کما ولدته أمه
ظللت الملائکة بأجنحتها علی طالب العلم رضی بما صنع
علیکم بالأثمد فإنه ینبث الشعر و یقوی البصر
العمرة إلی العمرة کفارة لما بینهما
غلقوا أبوابکم فإن الشیطان لا یدخل بیتا مغلقا
فقراؤکم مضغتکم یوم القیامة
قل الحق و لو فی نفسک
کل مسکر حرام
لا تمدحونی بخصی الشعر
لا یلذغ المومن من جحر مرتین
لعن الله الیهود اتخذوا قبور أنبیائهم مساجد
اللهم اغسلنی من خطایای بالماء و الثلج و البرد
لو أن الملائکة صافحت أحدا لصافحت الغازی فی سبیل الله و البار بوالدیه و الطائف بیت الله الحرام
ما حج و لکن دجّ
ما من قوم مطروا إلا و قد رحموا
من حج البیت و لم یزرنی فقد جفانی
من حج فزار قبری بعد وفاتی کان کمن زارنی فی حیاتی
من حج هذا البیت فلم یرفث و لم یفسق خرج من ذنوبه کیوم ولدته أمه
من زار قبری حلت له شفاعتی
الرحلة المعینیة، ص: 346
من صلی خلف المقام رکعتین غفر له ما تقدم من ذنبه و من تأخر
من صلی فی مسجدی أربعین صلاة کتب له براءة من النار
من طاف بالبیت سبعا و صلی خلف المقام رکعتین ...
من طاف بالکعبة یوم المطر کتب الله له بکل قطرة نصیبه حسنة
من غشنا فلیس منا
من قال إذا أصبح رضیت بالله ربأ و بالإسلام دینا و بمحمد نبیا ...
نعم الادام الخل و اللحم
هدیة الله السائل حین یقف عند أبواب دیارکم
وضوء علی وضوء نور علی نور
یدخل الجنة من کان آخر کلامه لا إله إلا الله محمد رسول الله
الرحلة المعینیة، ص: 347
* محمد صلی اللّه علیه و سلم 147، 235، 299، نلاحظ أن ذکر الرسول صلی اللّه علیه و سلم یرد فی الکتاب مئات المرات
* إبراهیم (علیه السلام) 146، 150، 156، 316
* إبراهیم (ابن النبی ص) 176
* إبراهیم الدرقاوی الألغی 89، حواشی: 89
* إبراهیم الدویهی حواشی:
69، 73، 75
* إبراهیم السکوری 111
* إبراهیم السولامی حواشی: 92
* ابن باب (الشیخ) 68، 74
* ابن جزی 120، 300، 302، 305، 306
* ابن حیان 300، 302، 303، 305، حواشی: 300
* ابن خلدون 136، 319، 320، حواشی: 136، 320
* ابن الزبیر 108، 146
* ابن سید الأمین 138
* ابن شهاب 300
* ابن عباس 299، 300، 302، 303
* ابن عبد الحکم 301، 307
* ابن عرفة الإمام 308
* ابن عمر 37، 38، 103، 142، 149، 299، 303، 304
* ابن القاسم 301، 304، 320
* ابن هشام حواشی: 126
* ابن ماجة حواشی: 71
الرحلة المعینیة، ص: 348
* ابن محق (الحاج) 138
* ابن مسعود 299
* ابن المسیب 300، 305
* أبو بکر بن أبی شیبة 125
* أبو بکر الصدیق 68
* أبو بکر مربیه ربه 68، حواشی: 68
* أبو تمام 283، 286، حواشی: 267
* أبو الحسن علی بن محمد الماوردی حواشی: 187
* أبو حنیفة 300، 302
* أبو رویم المدنی 107، 111
* أبو سعید الخدری 305
* أبو سعید عثمان بن سعید (ورش) 111
* أبو سفیان 309
* أبو العباس احمد الزواوی 108، 111
* أبو العباس أحمد الفلالی 107، 111
* أبو عبد الرحمان الصغیر 111
* أبو عبد الله محمد بن أبی بغی 111
* أبو عبد الله محمد الفخار 108، 111
* أبو عدی عبد العزیز بن علی بن اسحق بن فرج 111
* أبو العزم محمد المصطفی 137
* أبو الفضل أبراهیم 203
* أبو محمد بن زید القیروانی 306، حواشی: 307، 308
* أبو محمد بن عبد الله بن عمر العرجا 111
* أبو معشر الطبری 111
* أبو موسی الأشعری 177
الرحلة المعینیة، ص: 349
* أبو نشیط 109، 111
* أبو نفیس 108، 109، 111
* أبو هریرة 109، 111، 141، 158
* أبو یعقوب یوسف بن یسار الأزرقی 111
* أبی بن کعب 109، 111
* أحمد بن الأمین الشنجیطی 36، 239
* أحمد بن حنبل
* أحمد بن حیدار الهشوّکی 74
* أحمد بن الخراش 138
* أحمد بن الداه 139
* أحمد بن الشمس 132، 234، 310، حواشی: 132، 314
* أحمد بن السبعی 139
* أحمد بن عایدة حواشی: 102
* أحمد بن عبد المولی الیملاحی 320، 321
* أحمد بن عبد الوهاب الریحانی 79
* أحمد فقیه حسن 118، 121، 122، حواشی: 118
* أحمد بن محمد العالم 121
* أحمد بن محمد الغیلانی 99، حواشی: 99
* أحمد بن محمد معنینو 79، 88، حواشی: 80
* أحمد التبری 137
* أحمد الحبیب 107، 111
* أحمد التمسمانی 80، 312، حواشی: 80
* أحمد سالک بن محمد بن عابدین 139
* أحمد الشارف 117، حواشی: 117
* أحمد الغنیمی السلیمانی 102
* أحمد فال 138
الرحلة المعینیة، ص: 350
* أحمد مفدی حواشی: 39، 256، 257، 258
* أحمد ناضرین 134
* أحمد الهیبة (الشیخ) 76، 83، 87، 177، 264، حواشی: 51، 73، 173، 177، 256، 257
* إدریس (المولی) 320
* إدریس بن محمد ناصر 114
* إدریس بنیعیش 77، 260، 269، حواشی: 77، 100
* إدریس الجای 92، حواشی: 92
* أسامة 128، 141
* اسلم بن عبد الرحمان بن ابراهیم 75
* أسماء بنت عمیس 126، 305، حواشی: 126
* إسماعیل (علیه السلام) 158، 220، 306
* إسماعیل (السلطان مولای إسماعیل) 264، 320
* الأشعری 177
* أشهب 301
* إعزاز الدین الهندی 132، 133
* إلیاس سرکیس حواشی: 142
* أم هانئ (ض) 156
* أمین الکتبی 137
* باب أحمد بن محمد یحظیه الزرکی الهشتوکی 68، 74، حواشی: 69
* بار بن العسری العبدلاوی 85
* البحتری 281
* بدّ 138
* البشیر بن علی السعیدی 74
الرحلة المعینیة، ص: 351
* البغوی 299، حواشی: 299
* بلال 141، 142
* بوحمارة حواشی: 77
* بودمیعة السملالی 320
* البوصیری 269
* الترمذی 305، حواشی: 188
* التقی الفاسی 141، 142
* التنواجیوی 107، 111
* التهامی الکلاوی 252، حواشی: 77، 252
* الثوری 302
* جابر بن عبد الله 125، 141، 302
* جبریل علیه السلام 306
* جریر 282
* جعفر بن صالح الکثیری 136
* جعفر بنعجیبة حواشی: 102، 104
* جعفر بن محمد 125
* جلال الدین السیوطی 37، 70، 71، 78، 158
* الجیه المختار 318، 319، 320، 321، 324، 330، 331، 333
* حاتم بن إسماعیل المدنی 125
* الحسن بن أحمد بن عبد الوهاب 79، 99
* الحسن بن الطاهر بن باکریم البحرفاوی 84
* الحسن بن عبد الله الفاسی 113
الرحلة المعینیة، ص: 352
* حسن بن الشیخ ماء العینین (الشیخ) 73
* الحسن بن محمد (السلطان مولای الحسن) 252، 256، 257، 258، حواشی: 74، 97
* الحسن بن المهدی (الخلیفة السلطانی) 124
* الحسن الثانی (السلطان) حواشی: 260
* الحسین بن ابرهیم الهصباوی 184
* الحسین بن علی بن محمد بن عبد الله معین حواشی: 154
* الحکم 299، 300
* حماد 300
* حمداتی ماء العینین حواشی: 146، 153
* حمزة بن عبد المطلب 176
* حمو الضراوی حواشی: 77
* حمود بن المختار بن هیب 139
* الخازن 299، 302، 304، حواشی: 300، 303، 305
* الخدیوی سعید 123
* الخرشی 301، 302، 304، حواشی: 307
* خطّار بن إبراهیم الهشتوکی 74
* خلف الله 137
* خلیل (الشیخ) 136
* خلیل شحادة حواشی: 320
* الخلیل النحوی 301، 304، 308، حواشی: 301، 304
* خیر الدین الزرکلی حواشی: 55
* الدسوقی 304
* الدردیر 301، حواشی: 301
الرحلة المعینیة، ص: 353
* ربیعة 203
* الرحمة بنت الشیخ محمد فاضل بن مامین 235
* الزرقانی 314، حواشی: 70، 158، 307
* الزهری 299
* زینب (السیدة) 137
* زین بن البکای القلقمی 112، حواشی: 107
* السالک بن امبیریک 132
* السجلماسی 111، 212، 319، 320، 330
* سراقة بن مالک بن جعشم 127
* سعد أبیه (الشیخ) 132، 256، حواشی: 132
* سعید الفاضلی حواشی: 82
* سعید بن عثمان بن سعید (الإمام ورش) 111
* سلام بن محمد عمر 114
* سهیل زکار حواشی: 320
* سیداتی بن الشیخ الولی 246
* سیدی أحمد الرقیبی حواشی: 74
* سیدی بوی بن الشیخ حسن بن الشیخ ماء العینین 144، 246، 241، حواشی: 73
* سیدی بوی بن الشیخ سداتی بن الشیخ ماء العینین 73 حواشی: 73
* الشافعی 134، 150، 151، 299، 301، 302، 303، 314
* الشعبی 299، 300، 302
* شکیب أرسلان 136، حواشی: 99، 136
الرحلة المعینیة، ص: 354
* شهاب الدین الحلبی حواشی: 254
* شیبة بن عثمان الحجبی 130، 140، 141
* شیبة ماء العینین 73، 76، 191، حواشی: 73
* الضحاک 302
* الطالب أخیار (الشیخ) 315، 320، 333، حواشی: 315
* الطالب المختار 320، 321، 331، 333، حواشی: 139، 323
* الطاهر الإفرانی حواشی: 173، 177
* طاهر بن أحمد الشریف 121
* طاهر بن عبد الرزاق البشتی 121
* طلحة بن عبید الله 303
* الطیب بن عبد السلام بنون 99
* عائشة (ض) 141، 314، حواشی: 194
* عابد بن محمد بن أحمد الخلفاوی 84
* العالی أم 235
* العبادلة بن الشیخ محمد الأغظف 101، 269، حواشی: 101
* عباس بن عبد المطلب 66، 156، 175، حواشی: 126
* عباس الجراری حواشی: 250، 257، 258
* عبدات (الشیخ) بن الشیخ ماء العینین 58، 317، حواشی: 58
* عبد الباقی بن محمد بن علی مولود 111
* عبد الحفیظ (السلطان مولای عبد الحفیظ) حواشی: 260
* عبد الحفیظ الفاسی حواشی: 132، 258
* عبد الحی بن محمد القادری التطوانی 98، حواشی: 98
* عبد الخالق الطریس 98، حواشی: 80، 81، 98
* عبد الرحمان (المولی) 111
* عبد الرحمان بن زیدان) 264، 565، 266، حواشی: 264
الرحلة المعینیة، ص: 355
* عبد الرحمان بن صفوان القرشی 141
* عبد الرحمان بن علی القلهوبی 121
* عبد الرحمان بن القاضی الفاسی 111
* عبد الرزاق بن الطاهر البشتی 121، حواشی: 121
* عبد السلام بن أحمد القموری 104، حواشی: 104
* عبد السلام بن الخضر 113
* عبد السلام بن الطاهر بن مسعود 81
* عبد السلام بن محمد الطنجی حواشی: 99
* عبد السلام بن المقدم 80: حواشی: 80
* عبد السلام التازی حواشی: 81، 92
* عبد السلام العلوی 104
* عبد الصمد 105
* عبد العزیز (الملک) 154، 159، 160، حواشی: 154
* عبد العزیز بن أبی القاسم الدباغ 79، 130
* عبد العزیز بن عبد الله حواشی: 132
* عبد العزیز (السلطان مولای) 257، 258، حواشی: 77
* عبد الغنی جسوس 79
* عبد القادر بن الحاج الطیب 243
* عبد القادر الجیلانی 256، 257، 258، 952
* عبد القادر الفکیکی 97، حواشی: 97
* عبد القیوم ولد سائیة حیدر أباد 137
* عبد الکریم بن الحسن الخلفاوی 84
* عبد الله أبو السمح 135
* عبد الله بن أحمد التیدراتی الببکری 85
* عبد الله بن حسن النجدی 134
* عبد الله بن الزبیر 141
الرحلة المعینیة، ص: 356
* عبد الله بن عباس 141
* عبد الله بن عباس الکتبی 137
* عبد الله بن سیدی محمود حواشی: 226
* عبد الله بن الفقیه العروسی القارحی 73، حواشی: 73
* عبد الله الجراری حواشی: 82
* عبد الله العتیق 138
* عبد المجید بن محمود خان 151
* عبد الوهاب بنمنصور 81، حواشی: 81
* عبید بن رفاعة الزرقی 305
* العتیق بن محمد فاضل بن اللیل 36
* عثمان بن طلحة الحجبی 141
* عثمان بن عفان 176، 303، حواشی: 303
* عثمان الوفاتی 115
* عجلان (الشریف) 156
* عدنان بن عمر الکتبی 136
* العدوی 302
* عکرمة 299، 300
* علی بن أبی طالب 299، حواشی: 126، 201
* علی بن شعیب بن عمر 113
* علی بن موسی بن مختار 115
* علی بنعیش حواشی: 99، 100، 260
* علی الریفی 104
* عمر بن حمدان المحرسی 134
* عمر بن الخطاب 141، 310، حواشی: 66
* عمر بن علال 114
* عمر بن محمد بن عبید الهصباوی 84
الرحلة المعینیة، ص: 357
* عمر بن ناصر 113
* عمر الطنجی 250
* عمرو بن العاص 37، 123، 157
* العیاشی بن حسون الیوسفی 113
* عیل بن الشیهب 75
* غازی بن فیصل بن الشریف الحسین 155، حواشی: 155
* فاروق (الملک) 155، حواشی: 155
* فاطمة بنت السید السباعیة 76
* فاطمة الزهراء 175
* الفاکهی 142
* الفراح بن محمد بن أبی جمعة بن أبی بکر الشیخی 74
* فرانکو (الجنرال) 103، حواشی: 103، 243
* فرطاخ بن الحاج محمد بن أحمد 79، حواشی: 79
* الفضل بن العباس 128، 129، 141
* القاسم بن إبراهیم الدکالی 111
* القاسم بن إدریس 320
* القاضی عیاض 158، حواشی: 187
* قالون 107، 109، 111
* قانیتبای (السلطان) 156، 157
* قتادة 299، 300
* القرافی 306
* قیصر (ملک الروم) 310
* کعب بن زهیر 260
* ماء العینین (الشیخ) 36، 38، 39، 51، 58، 72، 77، 81، 84، 85، 95، 97، 100، 104، 105، 106،
الرحلة المعینیة، ص: 358
111، 112، 132، 135، 146، 147، 150، 153، 159، 171، 176، 177، 234، 234، 235، 245، 246، 252، 256، 257، 269، 310، 315، 316، 317، 318، 320، 323، 331، 332، حواشی:
39، 40، 51، 54
* ماء العینین بن العتیق 73، 86، 93، 285، 332
* ماء العینین شیبة حواشی: 73
* ماء العینین شیخانی حواشی: 76
* ماء العینین ماء العینین حواشی: 84
* ماء العینین المصطفی بن الشیخ محمد الإمام
* ماء العینین یحجب 84
* مالک بن أنس 176
* مامین بن الطالب أخیار 320
* مبارک بن علی بن عمر بن داود إنجورن 75، حواشی: 74
* مبارک بن عیاد القارحی 74
* المحفوظ بن الأمین الطالبی 74
* المحفوظ بن الحضرام حواشی: 84
* محمد إبراهیم 132
* محمد الأغظف بن الشیخ ماء العینین (الشیخ) 101، 269، 315، 316
* محمد الإمام بن الشیخ ماء العینین (الشیخ) 84، 159، 171، 246، 318
* محمد أمزیان 243، حواشی: 114، 243
* محمد الأمین 138، 320
الرحلة المعینیة، ص: 359
* محمد الأمین بن عبد الله 138
* محمد الأمین القلقمی 107، 114، 138، حواشی: 107
* محمد أمین الکتبی 137
* محمد الأمین ولد ابن یحیی 139
* محمد الباقر بن محمد الکبیر الکتانی 130
* محمد بن آج التمسمانی 312
* محمد بن أحمد الحیحی 114
* محمد بن أحمد سلام 114
* محمد بن أحمد بن الجلجمی 320
* محمد بن أمیر جان بن غلام جان 136
* محمد بن التهامی الفلالی 249
* محمد بن جعفر الکتانی 258، حواشی: 258
* محمد بن الحاج خدیم 97
* محمد بن رمضان 115
* محمد بن زیاد 114
* محمد بن سید 243
* محمد بن شریفة حواشی: 256، 257، 258
* محمد بن الشیخ 139
* محمد بن صالح بن الطالب محمد 111
* محمد بن صالح المختار 114
* محمد بن عامر 118، حواشی: 118
* محمد بن عبد الحفیظ الکتانی 130
* محمد بن عبد السلام بن عبود 98، حواشی: 98
* محمد بن عبد السلام النوینی الودراسی 113
* محمد بن عبد القادر 269
* محمد بن عبد القادر بن موسی 95، 96، 245، 249، 269، حواشی: 95
الرحلة المعینیة، ص: 360
* محمد بن عبد القادر بنون 118
* محمد بن عبد الله بن أحمد الأزرقی 153، 159، حواشی: 153
* محمد بن عبد الله بن عبد الرحمان
* محمد بن العربی الزکار 99، حواشی: 99
* محمد بن العربی المستی 85
* محمد بن علی بن حسین 125
* محمد بن مر أوشن 103، 104، حواشی: 104
* محمد بن العوفی 113
* محمد بن عیاد الخمسی 105
* محمد لطفی الصباغ حواشی: 158
* محمد بن محمد أشعاش 76، 251، حواشی: 76
* محمد بن محمد بن برخیص 117
* محمد بن محمد الطنجی 99، حواشی: 99
* محمد بن محمد الزواق التطوانی 80، حواشی: 80
* محمد بن محمد صالح الشیبی 140
* محمد بن مفتاح محسن 118
* محمد بن المقدم 80، حواشی: 80
* محمد بن نصر الدین محسن 121
* محمد بن یحیی العوام 320
* محمد بن الیمانی الناصری 124، 238، حواشی: 124
* محمد بن یوسف (السلطان محمد الخامس) 116
* محمد التجکانی 104، حواشی: 104
* محمد حبیب الله إداوکشلّی 138
* محمد حبیب الله الجکنی 135، حواشی: 135
* محمد حبیب الله الیوسفی 138
الرحلة المعینیة، ص: 361
* محمد الحسن بن سیدی علی بن عبد القادر 74
* محمد الخضر بن مایابی الجکنی 136، 173، حواشی: 136
* محمد خلیل بن عبد القادر أطیبة 136
* محمد الحسن بن إدریس بنعیش 260، حواشی: 260
* محمد زبارة 137، حواشی: 137
* محمد الزمری مامور النفوس 115
* محمد سالم بن غیلان 139
* محمد الشریف الحسنی 111
* محمد الشنجیطی البیضاوی 265، حواشی: 265
* محمد شیبة بن الشیخ مربیه ربه 73، حواشی: 73
* محمد الطنجی 79
* محمد الظریف حواشی: 74، 177، 265
* محمد العاقب بن مایابی الجکنی 323
* محمد عبد الله أدّ 234
* محمد عبد الله بن الشیخ محمد الخضر ابن مایابی الجکنی 233
* محمد عبده حواشی: 311
* محمد العربی بنون 99، حواشی: 99
* محمد الغیث النعمة (الشیخ) 256، 257
* محمد فاضل بن الشیخ محمد تقی الله ابن مایابی 234
* محمد فاضل بن سید هیبة 139
* محمد فاضل بن مامین (الشیخ) 111، 135، 139، 256، 318، 323
* محمد فاضل بن محمد 331
* محمد فاضل بنعیش 77، 260، حواشی: 77
الرحلة المعینیة، ص: 362
* محمد فود 134
* محمد القاری 134
* محمد ماء العینین بن الشیخ أحمد الهیبة 83، 87، 246، حواشی: 76
* محمد المامی (الشیخ) حواشی: 138
* محمد محمود بن الشیخ 234
* محمد محمود بن عبد الودود 138
* محمد محمود بن المامون 138
* محمد المختار المداح حواشی: 256، 257، 258
* محمد المرزوقی 134
* محمد المصطفی بنعیش 77، 100، 245، 260، حواشی: 77
* محمد المکی الناصری 82، حواشی: 82، 99
* محمد نور الترکزی 234
* محیی الدین نجیب
* المختار بن أحمد محمود الجکنی 238، 239
* المختار ولد حامد 102
* المختار بن الصادق أحرظان الطنجی 89، حواشی: 80
* مربیه ربه (الشیخ) 51، 52، 56، 57، 58، 69، 72، 73، 75، 76، 77، 81، 84، 85، 86، 89، 97، 98، 100، 102، 103، 104، 113، 115، 121، 124، 132، 140، 144، 161، 165، 173، 174، 212، 213، 234، 236، 238، 239، 243، 244، 246، 250، 251، 270، 271، 276، 277، 278، 279، 280، 294، 298، 315، 317، 332
* مسعود بن محمد الشراد 245
الرحلة المعینیة، ص: 363
* مسلم (الإمام) 37، 125، حواشی: 129، 135
* مصطفی «الأقدامسی» 115
* المصطفی بن علی
* المصطفی بن موسی 115
* مصطفی زکی بادی 115
* مصطفی الهونی 121
* المفضل غرنیط حواشی: 77
* منویل الرومیر حواشی: 68
* منیدر (الصحابی الجلیل) 116، حواشی: 116، 118
* موح مزیان الریفی (الجنرال) 243
* موسی الفوتاوی 234
* مولای المهدی 124، 245
* المهدی الوازانی 311
* المیدانی حواشی: 78
* میمون بن خدة بن عمر 114
* میمونة حواشی: 126
* نائلة بنت الفرافصة 303
* النعمة ماء العینین علی حواشی: 213
* نور الدین السهمودی حواشی: 37
* الواحدی 158
* الولی بن الشیخ ماء العینین (الشیخ) حواشی: 85
* یحیی الأکبر 320
* یحیی الإمام 155، حواشی: 137، 155
* یحیی الجوطی 319
* الیزید بن صالح الرزینی الغماری 113
* یسلم بن عبد الرحمان بن ابراهیم الصانع 75
الرحلة المعینیة، ص: 364
* إدا بلحسن 138
* أداو الحاج 139، حواشی: 139 الرحلة المعینیة ؛ ص364
أدرار 102، 139، 331، حواشی: 74، 85، 102، 251
* أرکیز 330، حواشی: 330
* إشبیلیة 269، 270
* الأفغان 136
* الأفیکات 75، 86
* آل بارک الله 138، حواشی: 138
* آل الشیخ ماء العینین 245، 331
* آل الطالب المختار 331، 139
* امطلس 114
* الأنجر 113
* الأندلس 301
* أولاد أبی السباع 139، حواشی: 139
* أولاد تیدرارین 75، 86، حواشی: 75
* آیت اتمبلّ 85
* آیت موسی بن علی 139، حواشی: 139
* بارتیل 234، حواشی: 234
* بعمرانة 84، 85، 269
* بغداد 109، حواشی: 155، 230
* البقیع 133، 172، 175، 176، 178، 197، 207، 227
* بنغازی 103، حواشی: 118
* بنو حسان 319
الرحلة المعینیة، ص: 365
* بنو عمران 319
* بنو معقل 319
* بوجابیة حواشی: 132
* بور سعید 103، 123، 241
* بنی أحمد 114
* بنی أولشک 114، حواشی: 113
* بنی سدال 114
* بنی بیحیی 114، حواشی: 114
* بیروت حواشی: 129، 136، 301
* تارودانت 265، حواشی: 84، 101، 265
* تجکانت حواشی: 138
* الترارزا حواشی: 132
* تزنیت حواشی: 68، 76، 84
* تطوان 76، 77، 79، 80، 81، 83، 84، 93، 95، 97، 98، 100، 101، 130، 244، 245، 250، 251، 260، 269، حواشی: 52، 76، 77، 79، 80، 95، 98، 99، 100، 101، 102، 104، 249، 260
* تکانت 330، 132، حواشی: 330
* توات 320
* توبالت 74، 86، حواشی: 74
* تونس 114
* تویزکیت
* تیرس 85، حواشی: 85
* جدة 74، 103، 129، 130، 154، 169، 237
* الساحة الخضراء حواشی: 116
الرحلة المعینیة، ص: 366
* الحبشة حواشی: 126
* الحجاز 61، 103، 129، 154، 231، حواشی: 154
* الحوز حواشی: 177
* الحوض 148، 330، 331، حواشی: 132، 139، 330
* خروفة حواشی: 132
* الداخلة 85
* الدار البیضاء 268، حواشی: 80، 101
* دمشق حواشی: 230، 258
* رابغ 124، 125، 169، 237
* الرباط 260، 264، 268، حواشی: 68، 74، 76، 80، 82، 84، 92، 102، 124، 132، 135، 136، 256، 257، 260، 265، 310، 323
* الرقیبات 74، 86، حواشی: 74
* الزرقیین حواشی: 75
* الساقیة الحمراء 252، 258، حواشی: 73، 74، 78، 85، 104
* سبتة 75، 76، 77، 100، 101، 103، 112، 115، 242، 244، 269
* سلا 79، حواشی: 85، 102، 323
* السمارة 97، حواشی: 68، 76، 84، 85، 97، 101، 135، 260
* السند 109، 111، 137
* سوس 39، 319، حواشی: 76، 177، 256، 257
* السویس 103، 123، 124، 237، 238، 241
* سیدی إیفنی 84، حواشی: 84
* الشام 134، 146، 230، 230
* شنجیط 81، 133، 139، حواشی: 84، 135، 138، 265
الرحلة المعینیة، ص: 367
* طاطا 252، 259، حواشی: 58، 59، 60
* طرابلس 103، 155، 117، 118، 121، 122، 123، 241، 242، حواشی: 116، 118، 121
* طرفایة 51، 52، 58، 69، 72، 75، 81، 85، 245، 270، 315، 317، حواشی: 74، 102
* طنجة حواشی: 80، 98، 101، 104
* طنطان 57، 67، 74، 167، 317، حواشی: 58، 68، 73، 74
* العرائش 104، حواشی: 100، 104
* العراق 134، 155، 230، 261، حواشی: 154، 155
* غریان 115
* فاس 108، 111، 130، 133، 251، 252، 256، 257، 258، 259، 266، 268، 310، 311، 319، حواشی:
80، 81، 92، 100، 132، 135، 146، 251، 256، 357، 258، 264، 265
* قادس 76
* القاهرة حواشی: 80، 300، 307
* القبلة 331، حواشی: 132، 315
* قلعیة 97، 113، 114، حواشی: 114
* الکناری 75
* لاص بالماص 75
* لبنان حواشی: 105، 129، 136
* لیبیا 117، حواشی: 117، 118
* المدینة المنورة 79، 133، 136، 166، 167، 170، 172، 173، 212، 233، 234، 235، 236، حواشی: 124، 132، 136، 258
* مراکش 235، 252، 268، حواشی: 73، 95، 139، 177
الرحلة المعینیة، ص: 368
* مصر 123، 124، 134، 137، 153، 154، 155، 231، 238، حواشی: 82، 135، 135، 155، 305، 307، 314
* مکة المکرمة 103، 129، 130، 132، 133، 134، 135، 136، 137، 138، 140، 143، 144، 145، 146، 147، 150، 152، 153، 154، 156، 159، 160، 162، 163، 166، 169، 170، 172، 198، 207، 235، 251، 317
* مکناس 264، 265، 268، حواشی: 77، 260، 264
* ملیلیة 103، 114، 242، 243
* منی 127، 134، 143، 144، 145، 154، 163، 165، 199، 231، 266
* موریتانیا حواشی: 73، 102، 138، 139، 234، 330
* هذیل 128
* وادی الذهب حواشی: 51، 74، 75، 85
* وهران 114
* الیمن 127، 137، 147، 155، 230، حواشی: 137، 155، 187، 193
الرحلة المعینیة، ص: 369
المطلع/ القافیة/ الشاعر/ البحر/ عدد/ الصفحة
الابیات
فحططنا الرحال/ الحوجاء/ ماء العینین بن العتیق/ الخفیف/ 4/ 174
اثار الهوی/ أداؤه/ ماء العینین بن العتیق/ الطویل/ 28/ 42
ما کنت/ هاذاؤه/ الشیخ محمد الإمام/ البسیط/ 76/ 226
و رجعنا/ انثناء/؟/ الخفیف/ 2/ 236
لئن/ بغائب/ الشیخ محمد الإمام/ الطویل/ 4/ 291
یا حبذا/ اربابه/ الشیخ محمد الإمام/ الکامل/ 2/ 276
أسود/ کاتب/ ماء العینین بن العتیق/ الطویل/ 4/ 292
لا غرو/ عجائبه/ الشیخ مربیه ربه/ الکامل/ 2/ 276
هذا هو/ ترحابه/ الشیخ مربیه ربه/ الکامل/ 2/ 276
الفضل/ سحابه/ ماء العینین بن العتیق/ الکامل/ 2/ 277
یا من/ خصابی/ ماء العینین بن العتیق/ البسیط/ 6/ 289
إن الندی/ خطابه/ ماء العینین بن العتیق/ الکامل/ 2/ 276
کسبت/ الکاسب/ ابن أیوب/ المتقارب/ 2/ 284
ماذا/ اطنابی/ الشیخ محمد الإمام/ البسیط/ 6/ 288
بحر العلوم/ أکوابه/ الشیخ محمد الإمام/ الکامل/ 2/ 277
یا إخوة/ الرتب/ ماء العینین بن عتیق/ البسیط/ 3/ 88
ألا حیهل/ رحب/ الشیخ محمد الإمام/ الطویل/ 65/ 324
معنی/ عجب/ البسیط/ 1/ 285
بأی/ و تحسب/ الطویل/ 1/ 170
هنیئا/ صبه/ محمد أمین الکتبی/ الطویل/ 5/ 137
نئاک/ اللعب/ العتیق بن محمد فاضل/ البسیط/ 21/ 254
أمیرنا/ و اللقب/ العتیق محمد الفاضل/ 4/ 254
الرحلة المعینیة، ص: 370
رب/ منقلبی/ ماء العینین بن العتیق/ الرجز/ 4/ 244
باد الهوی/ المستکن به/ ماء العینین بن العتیق/ البسیط/ 28/ 44
قابلتمونا/ و أطیبه/ الشیخ محمد الإمام/ البسیط/ 2/ 87
حبا/ استطیها/ ماء العینین بن العتیق/ الطویل/ 20/ 267
بقاع/ تتأتأث/ ماء العینین بن العتیق/ الطویل/ 12/ 172
آثار/ بزورته/ الشیخ مربیه ربه/ البسیط/ 156/ 213
لا تروع/ الحجاج/ ماء العینین/ الخفیف/ 2/ 242
کتاب/ ناج/ الوافر/ 2/ 313
الحمد/ حجه/ الشیخ مربیه ربه/ الرجز/ 69/ 161
إذا تأملتها/ قدحا/ البسیط/ 1/ 312
فقل/ المدیح/ الوافر/ 1/ 312
أما و خلالک/ أستریح/ ماء العینین بن العتیق/ الوافر/ 2/ 273
أما و بنات/ یستریح/ الشیخ مربیه ربه/ الوافر/ 2/ 273
بعثت/ الفؤادا/ جمیل بثینة/ المتارب/ 2/ 283
و ما سافرت/ و زادی/ أبو تمام/ الوافر/ 2/ 283
نفی/ رقادی/ ادریس الجای/ الطویꩴﴹ衑먽눺ゆ㸓ᒾધხ컕ꀒᚉ芭뼙テ᷾䴙⸒萛ꃥ䰼塂ᬽ㪭祢컸҇豙姸昇䔌ᛘ쳣鷼鑶ꉐ枾뭴酢ࢺᜯᦛꗇ⨡湋퓩喏옟ប퇫➄雟㙣ꈾ祳䛣夸ꘌញ긍黍䑚ࠖ蟹僨뺢瑧抻몑⼈鬗윙₥鏸ᢟ祵哞鏿럼䨃ա㡣件祀샓ᑀᨉ勧睛蕣⁵䨮꾕罃∭܋쩖鬬ꍊ�㗏茘ꏛⶫ㮟嬧繫뽢뻑䮖᮪欇祤瞾亶뺝�쎅ԟ뷭j䙕ᖮ㯳�贔䇐뱸컘༽꤀ꥳ묭ꎮ⬐덢ԅ깣Ά〓⍛矊佬갓�佲뱠䊘뢟೯⟠敛鍕겘�Ȓ릑䚶旳 䧣善콣旎衡䧨䡂콑柯麚㷔웦䩈㪗�䊺헿ꭑ芅﵏ᩕ垸沗㝒Ձ㡣ꓴ䬥䦝�겇蒽堎괧톿�⇩즛럏㨚钶㝙ⷼ┦㆚깴ࣲ͑덌穆ә戦⣬눺ᕳ컜㎬醿三ﯪᛧ鿬㳿ﹰ瑞ගㆀ쓁Ѡ转�蕓㲱柼訬螓豷빢徿ቼ䴁볯悝뱊ନ똡�꤃㲼�䕒�嗀せ�枘ⁿᭇ麸㍾䖖읉懪霉逤ድ࿃�ᮌ렺幣䵳毾펃뀣舥�倝橘샰형혱眘处끉ू貟둠퐳西ϳ䥜♨㹮눦풁笱ꎫ癛髱பㅔ䐒䄧욬汪뷹ꐕͣ鮶O臟⛓ꃫڋ謵˞买䓧쾓瞀섩惻䍷ᆵ떊濷㼆�銳ᨕ坭譹煞灍條瑮❻您ୣ䙳쌫ꘅ㧮⥦Ⓐ໐ʷꇘ뾰㒹䬢ྠ塋ၼ橹㳠갠蟸䕀摈귚捎爅�㻰拝偽鬫㏇ไ㍻ᓾ迂뷄ꦹ�쀩蘐탇绫ᗰ䓿↠跤筂悞뤗蚡㒝嗭炄鄙ꉺ釉羻猙檅輗嵢ꤌ冄㼷輖爉鬡虷➿튁仼̰쮉싻炵忆䖹䬏ⲱ�넆㚝緊钲勔驜浏��ꏴᶵ녘ꕆᏸ滂ꓫ栵ΐ啚ณ䁒鞻土䨉䔥�ꁝ䑼쳨ᒘ⇗Ϙ㍸勼Ạ띑㉜媾죸遊δ�髠䃴փ胕蟞霆≄ᡛ떽嚪ⅽ阋䆶略ⲧ�祮㓂뱳�꺫蔙ᗼ䱛御䎫ꊬꢊ怯筁쮺馫諵霅啪킎☯尠裓ᇷ뉊䞾鲔麶慈胷ᰰ�⪠拕賍䒂皖忽맩㬘䟰鳁䄸ဘ쿗侜ƭ몂룘Ε㙇᷽벿�쑪⨮䫸内쌰�㣍贈駣猸ⱹ胿鋚㫀ဗﻕ㹹蜀뾏✚属衢횔᜴쌃ग頻纟ၿ唗砆⣭啸㞼䎞됽驜闟ܯ蛖蒎㐭�ꨓ髽લ쳮곖螙⡽약쾍ꉚ㯁꾆齥枽棅瀠机䖦ꨬ풗泰误䏀轓錰誢깲䪉耋ই谴❻⼥畜囈㬑癌‱뮛鬌ꦙ㑪훲�ޢ温ࡰ婳〖ࣂࣂ대捧씅嬪ȝꯅ⎹ᅷؐᵊ륣ࡉⓜ澅䛕볳蚩᠋阱繍ὧ뮟贃፩⸻뮻⮍邺욾ᾢ듘ꏙ턫鄳㻞䰕ᯂ싇颩脽썖㎵禅믶矀侧捗ɘ䣍ᅣ슶슌鲱塾젦�㴦퀪⠾攚褵ᔫ䄟麇뺹뇉ŗᡲ䠕ᅄ�ı覗�Յﴹ闁難곮都燏ૐ냳씽㑯㥛䁏픂ᶝ⸟떧骽捣꼉踈팤篔ᘚ鵌狋⏏ﺎಜ䂴䀅鞙ᲁ䅺좡孅沽澋鍣澕邞罃럽ꍞ᭸줄䉴蠞Ӊ뎐괅䨶럡⠷⦦舁쪐轡䫙퇑ⴸⲹ䔛饥䣢ꖶ歍�챠獐�Ἁ沠뵭衴쮴唩䖝충邩컞�㨴ᦅ黂Ʃ桩噗⻮ꌤ䪤램⾾銨ퟗぷ翌㩚㩾쁽咤깨ꅍ᮲木蚁ʝሒ䈉䥎펽烝쉾砌ւ᮴ﻗ䈤ၱ駩⟎꩷ꊠ斎枨Ὗ笖눨匭欹羵ꅊᨡ힐ꮙア勷읭⽃쇺 끅꣕㐣�Ⴇ驶퇼僨㞑ꍹꃐ퇤櫭깨剚蔌滒褼㻣㆘맇箛ꍁ㮡䶋ꖣ㜮�뭾炩透┕檑ꊬ觐륩硛쿐槲묺冻慊ꋅდ城ᇛ숹ߠ䪣宵똦2¡埬肍珎㗥껿໊赻≣铺祀鮲々뉎暘ӭꮤࠬ嬓ж홌돔�ᴥヌ큨즚캢܍늩練�豊Ŭ鱫ไ쏢蟍❥짣켨풓嚭暭肊櫱䥷줳⃟㲗䔠탯侊쎊林㺐Ȧ巧錫䵌Ῡ駾쪍잍縣㲠鵚ς鏍鸝概∽浡败堝聰鸀㣸䍂→⟸麍飕搴Ꞓ涺ᶓ芞▀꭫콒ည笠ﵚ樬囻魺韍萱疾τ믹띡檊볜貵ᅤ㮽㼣ࡅ뷼㽏⽌監ʵ鈦떝쨔幏栖䣫࠳ṋ钕䣨騿⼰ꅈՖ䪗୩쪠Ǭ肠歿졘됮沣诃찳럼ꅶ夅딃䗐础㮵쳤β⡓昸▓뭋쮂₴젧⼢콉ᶛ峥䒭㟑ꥫ焩猝봒쏲귔걖⁷뛐侀祯皯ꡮ䘸葠ڬ譹连ﹴ㽚䔳쮟醡䉟쒧驼闄辊қ높ᓃ舂�ﱙ纴警阿첏뢰욌僁퐬侌᷻醚ノ䙙䦺ସỊ딂礝쁃r�ᄀ碍嘝㙄跀㖬簌䧠藑ﻡ鸅�饿㖯譖쵫ꉕ隀莤쾏谖瘺�좶㹨盧鎈箶⫌�浓뻰ꝭ繾ؗԨꌄ뎰棹췼编Ἥ憙ᥱ芍妠ᢩ㔻ጣ닾璍炒儗铗Լ㩪蟲쒀꿠⁌᷁챔밡⩼蒙鵌ٽꭐἕᡪ䳘妷獜᥌칵驺痯骭퓷頑ⲹੰ憦㕤鎣꿑芼侌糼軖్䘫ㄾ嫳㐹괰⿈ᅣ췇싐殴⃯οᏣꌵ䎓턊벯ﲂ谏ﱏ홼䶎⬌빆᧷솘峾픇�폺Ӿ抰ӵᙤ希負ឍ頑⫘騅覑揿劳㼱쯬뚺걯᳷⊒鸕铣䬑鎤몀벎儫铗Լ獷덁㼘胋補龛롕ٽ廏㛟献頍包褰꾓힠픅綳롧釤감᳷誠֜痔威벎묫�ൺ솘峾픇�귺稶臨玱瞙沰⫀蒙鵌ٽ⺸鮭㷫Ⓡ薈롧ӥꌮ⢯痔崁훜탻왬㻠랪☢헧Ὦ덁럗词쮜莽Ŧ챔搢섵汵姟㧮䐤㴫⣇霢❉甁礝쁃ꍖ⢯�暃缰Ɨ嗵ᆹ㸷炫붞沾〛ꘊ፡弧깁ꬋ辶燏⋉夡㧮ᑁ䦺ସỊ딂礝쁃睗븵곴�ᢩ㔻ጣ쳾녁慇六Ⲛ嫾㌿걧鼅昚缰Ɨ嗵ᆹ㸷炫⮟夡㧮䐤㴫⣇霢⥉䴾䩢䟅苍塉諡䄁⽺猲喲籹됨辶䀹㲎崩⊸린쿴븱ᗖꞦ๙㧳䑣캘劢Ꭾ樌보隸쩡ꢀ帷ڍ僱돻襄㛚賄㐂⪛ݒ燽焘ꓟ鵥畆〛ၾ㨓᪓ffl鿳⽹㡀ꑒﱗ�䡍變⬪愆飵⮜뼄뗀┰㊺嘯髂ᗂ颍渎뿒꒳쌍甽㔬ᗭ噳ꚗ⒴┑쐩킁휷�䁞聎벡㹔⍍㠖錤竩㲘캂京ᣜꄜ麄Ⲥ餾ࣺ窤⓮薻ẅڼ⮳ꢗᐣ�⬘ㄏ혚ˀ睔ꒁ壜椂֏ὒ魧먹䞶㬙ᱥ쒻ቀ腄ᇞ吁໊挎존孨鉇┗毿鸅鎊뚨혞ﵢ鯱샂ṇ潱⧂偊㹱썧ᚁ턚斷䙟䣍ㆍ箆뮸䢐餏힔胎䰳軂ൃ㬽䞖袁솷댷ਬ肠餪ඁ먵䚫쯌䳂鐥蒥撅ଢ଼谩핀宿䟜鵣䧙鑹눰惀栋Ꮲ三띠䐨ꭌ硪봝㎵꞊ꮐဘ쵔�서ꨰ휓穲꺗墘蕈ࢁ枺驞䖵鳛めﮞ㉔坙碜ᴒ㽷즽㭢ꘖ�玅㱠㐖㿚藍꯭ⷋﳺᦦ쨺鿁緈䝃븼啫欫雉貸ⷣ樥ↁ髂⩴졻ሁⵗ欆ใ埮劕⹛Բ俓�Ụ瓠迴춿쯆㖠镃릻啞Ꞑ襧ᐎꇓ�愭䮕ㆾ⎾ꝯᲪ姙뚩ݹᶸ큔ᯙŐ跘슻�ᜟ㲁ᬾ®୳⦩俎ሕ駞睊棪䡎惽犮ᐾ꤁뀏�絇붤జ럵묂笃꒺⻓ꌬ滑함㏲䤐浲蘰铠줚士�ꀢ㡧瀅ፕ舔τ凼䂄脸䷃콕皔ᅃ혇畢놑皽ᦊ㔀镃⊒泉큌쁤랣뾝붐�瓊Ὅ嗄盩섚풩춣�倓꼩ᚶꙀ颱醏釔勩㗬厃䞩ꖖ嚬᯼㾗嘌鯵朸䶍晵⹝壃㨵禔ᶩ^櫢㔅싶᳜ᒨꏖ憁첚ਇв鈪燙㖐㥐鑢♁汮灁踬ꑗ쾡狞쵄ル惪桜鏫赘䯚韑霝ଷ菢ꈇ幫ᙙ纲㔟儸⚰ꌚ給뫜컴皯쫝귲肆໕偳얂롽햱ꚽ灲鿢烷ჯꝏ亭꾼ꐪפ뾇ꋼⲑ꧌䉲ﺃᷮৢ醩꼔금ᝮ咹環宝㙀ӓ辐ᗛ煿磇嚁숚㶩叵⤖䲀�Γᕭ虔덁ꄶ貎㵷㐝ဳ牉ねᛃ纁桿虈䘉᭾軓熫摀䉽贽̄佞雩빺�닛䖓卐 ⮷뗊ⴕﰪ憶ᾍ㸤皆簶辠ꚵ蓍簟官詚閖孾옰銏젦泻夘薼瘨㻰ⲤᒑᎯ튭䔶돼⨭듼誽橾槪쪄뀿뺇톢泾ፉ⃐㣝絹罳䭦헐徝ⅷ뢏㍣怍酳⸮兒鼀꿇텊벞왨䐙ᰕ䶝껽⭤샖⯪⛱╫刈酌벞豨ኮ賊튌�聺᠑텱㺿뜯ⅳ掙섵븸㭠曼ꏘⴚẖ텢谆ឌᯒ�蟫統캝矀췸䚱嬴㴬夙ꬷ컙ꔍ畮狊Ꭱ�慙᪨넵닍⨻瞡䳒뽴鼝ӈ魓䄔蟖ꇶ텑꒽뺶䏮瀟쫆烼颛듔웛퇁�祧茑➨앞㔿㑵旂�䩢鈀♫휶뒐⎙砽䦋㽍妻鯱豢뙨衘䈷팴꿧뼢㵜婿⚎춤ꅤⳡ쒨梞⯍ꍍҠꉅஅ鎾혌၊䧍ꚤ�磓䐲⩚ﵹ⒆ঠ눦浣鉉휳ᾍ둈펔뫻ٯ譈䝅뀿铄␁䳖꽭椡䘲鈖羚䵷짠树ﮨ肒騤跉☭콈㑞≽叒볩∙ᔭ簟︼ዃѐ妓똱薼즤迆媤楊�茷䔤ꎢ蟯�䩢鈀♫휶뒐⎙砽䦋㽍ꚻ擰뒈絔䁉䴒왤錖朤鄾⥩�鄌訖뺏缞襡Ȩ걉�䉞擒䟣ⷒ㐥솛⊒凑쏷┱䤀錵欛嫈酌벞難ꑅ龦곝矀췸䚱嬴䐬ꄛ椚ퟳ徑Ắ궿約Ꮗ晒傲陰扔㑏镦톦ː턢蕂䧟欆ࠥꑦ叒惖ﰻ�᪣阭ഢ跐老죫式苖ꦉ夳䄨롺⩋✱㎚퍊ᄁꅨ�Ϻ鈵㎄楒ꜩ毷ᴰ㏾公ᚍᇋ驆埤蟫ὁ쑱駔钬봠╜ᢕ춓ꔙ둩t뒈ꅐ퉷絭騁䋉ꤙ鐴ﯓ颵.똙온斋莈⍴㹍ퟃꃵ뢏櫢홌၊깞쨒䦌賦듒㫚䐀⡚뭐㛩肾操ಡ體楊�ߌ豿ᓛ䕣쒲멁ꘑ㶟ᕹ䟐燜☵╫⼈ॗ䙥楆浚ⴢ⠔徛晀傲檆╍︴曭뼃淆ㆊ�ࣝ俓벞ﶊ棽騸㖓蒒늄ኣꍹ괴踶ᆀ訖⸔䷺ꂯ夳䌨☵骒癿Ƴ씶턘녬渐榄쾧䕞롾ﹺᆴ᳷䥍즚ୂ싕兙㲉髑魖䁇謈紗휦᧐钬騡䦓㽍妻鯱豢뙨衘䈷팴꿧뼢㵜婿⚎춤ꅤⳡ쒨梞⯍ꍍҠꉅஅ鎾혌၊侄甗灌翇島羔襡Ȩ걉�䉞륋羨ᡪ逳뇌ぁ诈⁅佳䴂劳滓滌榄Ⴋ�㕽謗뚏ܵಘ퐦ꑀ팈꤮硃ﴙ⡊妕蹟렓횃�砛★嶻᮰ӢꙨᄂᐂ├კ✟츩믤䒐∮䯻≱䶿及蓑᪶챐켐扽鞯⇎婸㞢ဿ挷囧훾阺皛ⱼ푌ᘸ젲ᄁ陨ꃹ�⪌ප�⛓閶堈�擿ጺ⭂⏙퉝ࣽᇢੴ鞶雴᳡㞰쥧塋烾뇝낚塝愈ݹ埂�܇㎌㍌ﭙ៙墝搃⌥틍몬룛徑톩ࢼ픧甩馠일冝䦢樣䪜럙⦟᳃舊Ȃ鰙ꡠ컱羅䙥霴�ᰪ됰띙⦟᳃舊Ȃ鰙ꡠ컱ﴇ隽岡끷종ꃆ䤴ꔝ醸꥟凕㏫苃斅㮠䰥蔴ᱱ䐃廭‼窇ﲿ�팈❒综웾虀⼊嚩慙맰倢䀃謈�먻聟櫆훮ᆀ쌖荽렞ↀ魁蒙樓닱≔띱誇쑂逡篩桋瑋灱퓿쬆ಫᨣűꬪ䛤熇落ઊ劻뉷톻閯嚒䩍䲀좀쟥㩝荺䘮⋮䢜抸鎷ڷ▯茱⊻啨匿鰄⋇橯볬썯宣ꨯ伮콰枠ĵ䴤艧ṽ癑᪐邠䦴뿚댰䜐鸸ꠄ崌琊髴깧ꆃ㱂秹⪥霒桂쭬灴迺꒸疈蚢ᓬ乮몵㜯ຊ㬾Ⰳ輞㊱⭰⣔빅稴�骩謟�棫㢂鉑ᓄ쐔㻊ㅈ᧰찮`꤁ꑏ퀿凥븟ﲸꅧ匡箢ﴉ릳㵳ꉉ⦏櫧癧旎➰㔂Ẵ驦�笈쟠ʻj蚀潃鎺閿廠苶ꕷ졔勋玪䇝ᦃ컛盱ُ쟙넳➳ꮪ譴㉑ᩑⳂ⨞懑ꚸꥯ嫺仨须䏌饅ꮶ꺪�뀇쨃餎ྫ칷ꊓ칔⢇뵔뱯嵁鱖ତ䃡䫛忐ꃠ騴胩强뢽ບ㹙谏ꩆ�ڬ츋钟刲쀊㻵얻墠썍頭踆蒐ᕗ႞�梍糙㥮萮ᡭๅ卽ⲑ༱⦩貣ꛤ訿봑؟芃庣ꏩ꾂ᅷ冪뉎绺㶬◡䯻疕膙斏롵釩桅滇�៷祿ᄛ謊⧊➙栭ꭍ㴲ꯛ턛鸺ꐱⴐ頕晢烓튞ỳキ⯡鼧ꛦ쐓袱䃬徨爃䷡伥˩ᐅ౫╤熎ᆲ熭ﴽ롘�⠒乲₫⅂雔䝝坊屯潆挆䞖㰸㤫跟咲풒᠒⅕盧楛弬舝엿ϝँ䵯䃔럨㎼嘒ℰ걘㈻�ꕆ蒚蛨ꌒ偦嚏陸卹ŵႜ癳ჩⷂꄮⱈ⻌蝉巘외郼Ảꭕ쁸ጝᗧ눴輧⼟劍섣풅娗缰왕ۺ릷酙檱⓪彦ǀ㉜죉鑓攧䘈ﰼⱊ⬴ꨒ裷┃ᩂ癘壤腓妰⒕➔诣넺䕼囿盤�옃館諃凹뢭棗␅꡷酙崡�ꈲ퐤亗뒅⨼锲借ⲣ㜒⡼띠�㣏仇�侅൬랆還ⱎ㲏嬇厙쑽ࡒ栻쨫즑້ꚳ횳↩ピ茪ᅠ껟⚦鏡⯇鳴犊鴚镣끁ী遘☖髢왆ピᬟ朊ᚔ运뵆鋧ᡀ穉纍ꞣ㐨븄쎍緊㺉颂鹹瓚ꖉ黟㝇伢㫶ता漁旌엊驄䖌썙ﰠㆄ庮͛쟖㍞溦풇눖笃Ջ仺豤䧩渜龱Ⴋ蟧䱅랶鱜⧹넍急궦怖鱲䵇ꅎꜮ㼆ࣈ詓ﳱ䅭ퟒ䯳㵑Ɠ剠갫贍倛륉祴튠㖹堪㷃譓�Ŷ飮�溙怦ᝢ⨟쉉㑓읅車驓㎤屄㧥䎪䔴쫇厎袚䥹ꈣᙻﶁ얓䢐䳕앤懲ۘ膤᥋ⓞἳᬫ뜕휮찟옑軾獳쨴ɔ璪폼혇䐅湉ඇ鷭낷쨑튠覲嚃㫄ⳙᔻꔝ烿퐽秋돫㣿斞豅玈㼴藒耂갳钮馧闥킔⪩釠䱣㍘Π༟㟤㍸ƴᤴ�덚獴岕큑傟�䛲㈙༝嬾女ז僝鑊㍏ﰌ㻼嫟㟿厏ᦜ튭頬柪헹쾾ꬹ난ꉓꮂꬼ黗쵀㽍磝Ⳝ영鯱뜏电鈭髋友髩雜ी䍁ઈ骂헅ꟙ黒房붙刚舜躆�䏭絽㍀嵶ﳪ얩姬⺬⨣놢稀☞庖⨟䋓‽擝䛠璊쩠襸灸䤭夲娶링䦉薺ꂠꐓ낱䒒㔇梻쯠ι䧲鷬٩붺ꥱ㮻᷃瀍ፗ떄崊�㓄練湉㥕Ⓤ竇靅澴艂響扫薃Ⲡ쒋謇椏⥖ᰎ着㤌윶굟馠剾禔暑缴ﳽ됵ᠮݦ朷豚瓐袃퇼ᙿꚼఞ䣽麴㋈췓热裢�๓틬냩ᷝ瓸錱纙엩錞ḫͮ윇짃⇠磒귂桴趾Ֆ䋔鹿熠飀“萀仵櫒抺ᴂ媾ა籢멸結tꜿ�ᾙᬺἂ礉쮌뗥탶ﭏᏗᖾᑮ嚼覡᭟㚀兮ꔢᬘ㕵쪺�뀓羅雽鉖鱤뉌ﮃ텃㟧䋈ᱏ豥ῶ欭阙騐뻘�嘰흷返象屫ﮦ횴蘚茂钂辶ꤐ顮ꮑ斅䫸띣싀脴㹘Ὅ蹿롪㟔ࢃ嵿軛逝☰嵨鈅ꈟ䶝锅ଚ뀔岐料荅ఞ譏ꗣṩ盘�涤䏥擒藒춵⃦쵁␢ズ≅檹於푖ࠕ犒쓧됼䱣ワ⤟ꥸഛ棖蟹묜業ᥪӀ잶瑛㒐ܼﰥჳᲲ鈔뺩窽嫢�㵒ᆹ覵亇菱ꇡ诿胶趮셆䝀ㇲ酺쥒藩惪컢咓〽婨襹싋즶ᔐ畗⭲Ἅ龬虀㚋丹呴庪خ譡낭Ꙝཾꥌ鑄ꑺ풹�僌皥鳲♫ᴜ啀츗䳵츳៨ू儕맧퀀�⒫칲俶ꅁ孜꿖�協㺗쵃囉�璢ᦵ鿻蛉岧ぽ䓰ᣭ掶މ�ᕗ泭멌ꂡ鏦톓ᗃ覅畅㊤恛⫁檌诊尃㹓䕕豊〼ᑙᝪ窜籇继䰈緵읱䧴댤臧鸟盘ꩬऩ熅ﷂ召皜핆廊ȩꬥᇓ熭뭎�庠爒槝臜跄쎭裻ھ⵿�㞤唁�퀑岴螣᷁⧪췊曽ծ⑁씽롃知㱶쌟鲈듓Ձ䦙꾫駵ᖸꢑ林頢慦섏衬Ƭ㙸鴤⋹ᝀ㰌뻏펶䈍躄勺ꪅ㫼혻雂쾖墌ꈀ㹛䒫꡷⊧ۂ�⢈緶췐垎獷蠙쨬鵎圏�䝢쉉옃胆䛙碎襓㧡ւ鸒뒍轕뀻ꦡ�좠㓲䣚盭䱯嫆钋䟺ࣸ溜畛ࣤ댹알�쬇낃㖁鮎愔�ɘ큫妆ᘶ켈肜ᥝ㓽㈫㳧憮錖낻ꘕ柃䫥墺⋒畔厄㮷⁃뽅叔㲀醴鱴肷笺韂㪕鼈㭊坆圽ю㯳ꊠ闌쵿ⵎ趁в皨鷘濽撠壘䄣▓㟻ꀂ귚㕿똸㐆Ꮘꊧ�睢뻵鎁恡ڍ靌�茊땪퓼�줘送ꨭ촦䛝҈鉻ᒺ匧栯ব者ߏ鿟姒꒛칺⏎旃붓飕蚇옳⊓襉棷凕ꑘ㢈舐섓먂䷋㍚鯫⛏ᓕ䰨。떎⬷骗쓪翁㍸튓毚䓥馓ꇴ根簪렜ェᾈ갴ᾇᰴ냰㪑Ꚗᡰ측穟딜ꔾᴚ宀둻逗⫋퐈耓ᤑ酐緫깂♜扯杽䳠垻ᧀ핔屜厐蒂䰞학癹ь胟伬㵋䴱쌢샘ㇹ됅ಾ᪶㑫쏇ꭘগ㖜릊饰誽ᨵ㞞ଳ쵎珗�䍥⚙喗╅℉呵偒ኒ觋褮釯螴暕㴣赉⚇൷瀳씩艽ማ韤�쩃ᆳ꒞쏆㮓馆ᒸ뻢叁跶犉ꉋ喙Ⅽ姥쾈捒쥡쎝�焊恟ﮩ쑆▹㷑絽㛲쒬ꥧ뀱커ꛡѮﭩ⎩�ᒒ낼熤膷ꈻ⋍�䎲⡗묘痳ऋ釆☠볥㞺赹竮⩾幗⧟잳ꔞ뤍莍龵㟮獭㜛雨猫綛쳴䭋ꍶꮿ륂�⬴뀞뷀䠃噹慚铬�渂麶䵨嫗ꅲ泝躏轲춖暐䅸꽞禳꼕뗿艆ﲫ�ʏ刃褙瘢᪻ς晘餓㠧ᐗῴ譔ꡣ䷪Ⴔ⯓俵麒ﲦ脙亲�荣셢ꤟ�ꨕ꺗拡�붺꺯㜮䐶ﭩ识̓ₓᥡ얼쾆ꏾꅪ굟㯦ꈚ孀㌲뢫ਕ魎솿�급ᆌ⾆잳⧽劒ꋄ゙穆≐ឆ滊�緼㵢摢춖秠샲�봨뷇輖堇綶둱䜀삾➋㛽쩼䌡埤䲤碽셺뢼煂懋뎦鉌滆昚廠ᷛ鵿翢싼줱㎙샀ѣ렬뺞ꚾᏘᅘ窍잞鱮趭搆撂塎惬쟱쒷鲤䟿⻄a萞釽」儃䇌ᇵ녝棍ౡ禷炉곂漁휋狾ꬮ欃℈↚晎⠖枧켮쒝搬䊤쩈㖯⸆⻖鹠訡ɥᲞ謁붳眣䂙뒕䍄ངದ椑菱䍋ꈋ-쇭橵圂䌚돊鸑욤쳃둑듎䋃䝐뻀Ѹ椤튴坓홛ꈅ㺣荹쳏ฅ毡螸䥿賽浠ᴭꊦ⛽삉⨣辰횠꧓桔Ḧ㜁ྮ뛭⇀뤟쳌㤼ᰥ㙊Ӝ諘ꑯ⢜␝ኗ퉭궡ؚཐ„㺹䆔頮㴱焥旸诈㟏ɨ邖鸐㒋鲐ꓐ僿勿⠧お环꜡➚㤈�慔틼㴬ﮋٞࢪ엗꥟紐လ捂懫鬼ᨘᑽ焭ྈᒁᛯ朽ઈ셛錒殃둨ꌑ硰㖶꿰즈籭妅⏶ꐮ쏆㓀쀭缡㌨龎䄸騦䐌�Ẋ뉷蘤�퐼논샕ꄚ靷췰�ꣽເe䢃淸沼ᯖ湶龻䘙덇꣐咘✫靽瞦㣧″܉㲖浍ꅥ쏬潸湗ȿ�鹱욤샃ꔶ鋷챫柂�层荅嵻⋮䄰ᄇ嗆击䃠ᱬ騏䁖ࠪᏔ氼�䏏쏆貍뫳투㴬ྌ႓䭛쯠ꙡ䲳㕼릊饰壃鞫鬉ꏘꥑ珣됰�㽷蘍㥔榒呵偒諀阞남㔒먣투㴬ྌ႓䭛쯠ꙡ䲳㕼릊饰壃鞫鬉ꏘꥑ珣됰�㽷蘍㥔暒�黇갉窸ﻺ贎즥蔶击䃠ᱬ騏䁖ࠪᏔ冂⋆ힳ䎏툔㴬ྌ႓䭛쯠ꙡ䲳㕼릊饰壃鞫鬉ꏘꥑ珣됰�㽷蘍㥔暒࠼傖쏊泊ꩋ銢還岖瑉彏籟ꬼᤱ䳪㥬렳魩亁㼕�⒗➺꾯䚾Ồ顕㘦餜㓜샍ᖧ뒟䭬嶒휓�椣⨏䛌鍺ป昚叠ﮊ伅㛚줥褮釯螴暕㴣赉⚇൷瀳씩艽ማ韤�쩃ᆳ꒞쏆䅜凚頻榒㶎꺁幋쨤ꈢ蒒隐䥜佴彟赼㲤ګ퀄᥏绕徶蟱봓㪷ⓙ阥탴�淊ᚄ迗䉖塞ऴⱯ㯩筤魲䉍誄﹈豋푦ᮦ�겅巴⨩ᵫ鵼凕䉉ࡇ铱㵔ﶋ峮Ə퍊㓋ᔶ�〖ꥯ畤炝鑤㳩쬆�톌螔鸙쀨真횺��ྐ뱉ꄋ錞긂䷷騎ឦ襢銳雂䤐隐䖎섑ஊȂ㋥᳣꺰ﺳ닛伶ᇹ珝섎涫᱇ᓇ줪螲ઁﳝ㷳薼睉꼏ҵ薬☪믭﵀ꠔꇤ䉧唑ԉ镾뢙頖箿叔䞊馗Ƹ씅轓뫝�妦鲛㷟Ꮁ⤃杪ⓟ⛊ᙲ휏ⵐ藫鴳군ਸ싥聩愣裭幠鐩쇰ᖠ既⭜㙐ꊨ펜恭扻㌠ʱ덈媫땇삝フ㏶柄ഭ곇䤨敨ꒊ짐蘚༭곸躇힋惥氠鎉뻈襺牶摸ꗦ꿛抣�鱧跶燐̆궊濰퍩⚂ೊ✽ᛂ볯퓺鱎쫰멀䲳캥윑І당�⺫噇翲�℺Ϡ�堽垨ꡯ墪簏࣡熹ጄ쩲萬刾곧汏꽑괱揵걃蕫ࢁᶈ葕鯣랖䜥䱮죹轹胈˱敕㤲큱鹗⌃ᶗ밁崰抉砀虍숴ᐎऄ膻唲ⴏ⟉筿䴦氞隆�Ļ爢雛짘贋℘�眺ⳓ陑䳅륞䗱﷼髯⢖쏱䨧ൽ텘寉ঃᢾ䫕熼띻檆郿긦ࣽ劑阪⾧琳䟮╱굊㖸ꥯ儹烩壠᳛Ἐ딖飍⧵奌뿿Ⴓ髙�ꔒ�䕔흘곞㴅䑇⾘䢕癩㞁ǟꄔ獴ᅰㅀⱅ零�慹葎䛒퓙늒⋱잨詶䗮证謟ୢ婣ꑶꀵ䟚嶃뾀샶햻ᙸ琌铢倊幆御⠥慽ꊓ紱縌ዕ搼抿늻⭓셩獱픻츯鴅泎ླྀ詰ᘊ忙벲₁仉㰫橶⮝ࣛ敉晣ඔ�ꓔ욏妣�蚢ቢ䪆锸뉇�饹▔◹부ꐴਰ监詓벥♻魱噚릫헞ೊ��㕓蹛ᯬꁬ똜焯헍堅⬬冘ꁼ佝氥⩞燋酙摧㚰칢ꬵ࡙漢竽遛ᅙ�㦛뜁쿳䩓≴뽗Φ쁜ԧ▾ꯣ�芣ư螚档靄굿࢞뷻ᒀ笶袘裄鼐꼂㯙䑘珨貾祐蟙�冸䓻퍡骖⫺馯᳕㞈憫즺퓌⅁ꆗꂦ쨊癑䤟賃씭�枈㡋䞣〻砸ᆜﭗຶዻ춏쀾鑙巒禋�捨᩠咭臾酸ท獺ᗷ㗲⽡却㗷촂⭢モ뽻ꓟ걽둌諈漤韚行첣䝘�멡�䌼魆눈뻐蔥ꋞ鴋ꊂ兦쥃瞠凫ῌ�唛ダ陑琼鿸稀뢊틥흶䈉罿䢛쾌⢸伖舏蜄⡓樂窈ዢ㨥긗ⶳ枀脾㪉﹥淼흲釂敽䴥竼䤀◎譶ޝ㝅늌㕐㋭푙옓搝瑳ჯ紊匨뙄ௗ〧醤왴冽卨烤琶眧짔拆꜇캦猢䜊ƅኬ蹐⽔嵢긑桂䦶哽蓻淩�锺㰭얲뼎ߨ䀀ꎧ๏懬ڰꘅ話텁婕셃�콜ర숵꠰�껏脢ᇲ뙌ົ㌫䭢妺䵇┓녘䱸簵븄쪍榃�㋕驼頤〧廾ᒋ摦ξ㕬鶕ᕴ᷑끩⁀쨀慗嬠ᝌ女鮉拭巜禨ㆈ业ቻї喇Ⴥ䍟�蓬⧴⯋띥瞭縖⮥ા紋�癩ⓝ�䭋⧕钌싌䪮ш孈㢞ꃭ뭳ሡ놂䙱濩ƨ巒艍㊙뾩ꙍ盐럟譛莞싯頲湒眞⮟ی썪춽珋鄈挲힆彘뱘ɕ䊧ꝱ⠰䢣얓夥蹹㛇롆駒鲡鈏닀툞ꀓ䈔淛폄ꇆ臋ォ寓ի⍤◿늩⎲뭔嫨紓抶ᗤ؍㿦ॺ��濫ﺨ╆䑔㰆⼀噱䣷ၮ进瑕閈坊镬둩ᱣ꧋鮕ﶿ疉恅ܼ잖ꡂ枆揹镐䭊ﯫ⦅䯀脴븣ᭃꎂ鸶鬆鞹㿹蓇㨘�Ủꜜ샜뷡�ᆭ垢䤦ꠍ㿞佛㳝滟喛厃叧⩥ߩ贷茎ૂ䶴㦣맶頝㞒フⷎ꙰李썌쌇�⽸뤱㌂䯦ꝕ獎㤫ㅿ泲ꜰ笝ࢺ⥢㣚❰䬔ꩥ㪞뵽阠⪇匠놇얡䑶㻏粭냘ࡴ껑쾈䁄蚔ﱏ鑺ᕼ錁淲䘥뜊阍枲◀ᚏ涍腲냪낹뛕튮뛤䟑贃쥣縳ꨔ홠귿듺�۱鋒┻梺藆泭㤫肫쒨筐ᡘ隿묏ꦎ靁嗅胫ꚃ쎚ڥ鷝﹀㹄䃸䴩摅舡俑挏祔䑌廯�䋶綬侬濓Ἂ⤉q밮捨岷硷穯羌伕脰筤샧㽖Ⳝ粲宭큆徉蒸䚎䴴∕摍ⴀ뜽蕏辨똆ڨ洴輕度䒤䣩秏撖䗬⬟䲞귔Ⓑ�对폭䖀໎�庞銏俣뒢刜ؼ蕺鳸耞븎吲䉍牷酦꘣휀း豒햂삒鱁㴪븧딒ꐁ襛봇汔큅佚ꓟ狥᪵柮�醋㱽ೳ幊찫惃㞆觼緇췓ᄡ헬ㆥ㵴㺀千旂뱰ズ㻑菾꿢ˆ唨䔍㵌즘㌵著�涶顨ﮱ垆Ṋ쬬䙟隮뿩Ч�Ӌ餏놶鿑蚱虂镰ᐢ걗鋱歂ã甼㮐웄鮑䞩洊㑦ᚄ萢㲰㎵䷏⸟開ڊ쩦屶摃⸎㉏雕奄뺇︱垹쨤繂జ㌀浺晆ጶ鏊튗榒퉓吂Ჟ욢袮�ͷ韕᧺ㅯ拁뢑䃗댔宅䗅垅萿䨅␗饘䜒ჷ掠㿸⨏꼫㻕豪눵ॲњ和梎튔̰嚒ွ旡䲀䰎ၲ澺﨓辵齴輪䐇㯘礚쾺쀎鐉춛쾞ാꚺé뱭⼥ꖢἰ謇鿹샏徂圯쳩J拝서所톼痬栚陛ዳ뼶䕌ᯢ䁲䐛Ὣ卧鵖Ⳇ⍦㟨閏Єﴊ鵗塏殖슚孮捚铺㌛쓆☺䴍霏⚚婦긮톛릸뉖濐맑ꙹ愾聞Ჯ믯鷟誯Ї摸纠ꏫ㕁슁葾ﹰ駚儔뀗쵫⊟䗔䖚澠싞ǭ隭뷓ﭭ맔尵즚꣼뽳睵䪒ਟ휖铯২�ྌ㿠ꤏ頷�戎콜薱㿅裹ퟞ䁱漢껾轋둨믵魜泏☴삙묶쟇棲ᕋꉈ䰙㊁쭚氂䦵譟潇훫鯟両ꕄᤣ깏ﺇ⑾⳽점▘誕誛ᛕ咯뙎刭節�ðᜉթ蚠䣫䐌堥㓂洋꿫츛㰛플딤ᮘ坥첲幚칏럳뙏훀㵎ꖀ眅ႀ褶�䌟↚ᮅ嬙㔼⺢㺌⨥昶ꙍۓඳ鑤甿ꬷ㏸ᖱ㴋鑗蚲꾰샮ꆱﭵ殱藋뭱ඣ웳楅ク溮㪔細ጾᰕ៦땙苎븵⭆쁲톷�녲佒�劎ᭀ䷼�ᦿ狲嘸냞ꚮ餈�⩎忢⳯껤ᅢ㡥ﵡ欩魜ꥎ皪ℇ�ᨺ䢟裔垯岎躗ᗴ읯⮉嗾鞲婹侱怷띖歬졜ﻱ譵㿞샢坆㑌䇽棳ꊄ櫼良晴╧ẛ붡ꜵ册䲮榱✲Ʉ배췉ᆰ镕渒೭퍬倚䔛,談颓㉄舲譆ᎆ䲶搀鼬흁ᨓ쏏錡垠셭耵禒ꥼ幪ѵ잽Ú댄䅾𢡄ᜀ៳縤顼㎾䑦䷌젴꼰Ӄ嘁緩⋔ꧦ胀諔盔车쎝聯φ笌棚鿕ਈ�錛Ὅᭃ䝼嫮ꕖ颭뵳칄䴎㤔쫐ὣ᷄粚﹗✗㠼ϐ㖖έ퉽虣⨙檴愗鲊ꨰ躎뻯�䟽쩽㢇僚荙ᳪ䨹듣蓲둠傞瞑�Ê奲ራ톰샑諻늢闧戗뮾熶✌闟쭩㌯쫭襑䲶컯펏䮿㇏䫳绡ᮮ扰즂襤뿸㾏鷫⏆쐘帵藗쯰㗇嫙덞ﬕ᳥얏ፕ臭毚뇫ꟹ砒䄚瘮쵟깉샚ﮜⳡ姛楤빲벸ꢇ腲鼺ⴡⅧ濤럴튇递ꘜ㵘哴Ꚙ턖咔嵚�롕쌆沵▰মꖯ佢俀ᄃ賘ﰲ魧퀇⋠쉸栗ꀚꍚ疯馭톑ޔ뀝ὂ遣�䷤ꦅ㰯幱ꕦ㿑䋜ὃ띥嗽၏ᙾጄ苛�띐ᤲ뀱ꀸ蚠り崦鸣ᔲ풣Ꞣ닾㪵㙔䎥嵈儰ꝱ粿鹺봅ᅠ㵈輸벅剈똿䯀팶ꁕ菏缦ュ돖긫ⰳ詓Ⳛ롳ሪᢺ砶ᶐ퓟⛫ꦐ�鏳ʅ㑾㣔噬ӂ說⯊ᣎ뢯猯匸練厗䏵鐸潲矧ɉ谽寁ገꀊOꔓ局셹윦骜嵘꽙⋒뺱�㋾낁ㄼ훭捱࢟팧骜嵘꽙⋒뺱慉䴴េﻕ剜䅕얂愐ཁ蹫糭⥺杫ୁ�嵈ඒ籟㱃ꌶ诬ﯢ៴ᗊ㣘쿐簱焌醚갛싈먀䒴ꃙᠠఖ쭈鞙疺㯟夭痹⹙焑᳚깟撺뢽恬떀┙㨤즘腠笿靯蘊裕䐳圥昩앴ꞵ齑ᤍ狪ㆉđ熂椺杳㤐�䊦⍭볰荺示�眃߰V橖❸㨓圔ᶜ轂萫ꨛ斤䩙픽㛏ᯔ諻㔣懂鿦驙ἵ闲䍿Ꮱꂎ뷈Ồ뎘爲֏㔛羕㜺톞鱺祲熢ᓔ㕾吔첋滩빧ᅹ颵ሑՓ舣碍푌륶䌞㎍㪎ퟐ{怶졳櫅㫳簤怈릑䚺퀨ᬽ㆛⃓학䃍㽅ꪦ恁瑔겊ስ쵞䋺롻⥨⼿ꭥ핣㘙퓄縷캱䔘蚔缠᪕禬塕祺㫩㣂ꉭ阅꒰ꀔྦᅎ銬룣ㅐ␇朎檛炢鱒뫧定䋬귥袐䠁妽垰眾﹐텫켪鶗聀첂ꅩ모Σ讥�ﶇ㺔쿲灿룲槎䟟댤酱魨锗䮡ᤃ虀伶槨췋➈㓝⠫ݨસ槆ꋩ悦ᭅ낊䇨�뷘詍拝寓ꉧ侄鎛ꔿ霡윲腠碊哑逖魉Ѣ啁쳠狭፤렚㣫庛氣媥㏴䳿ᆑῑ鴣耤純桂觺콒㦿ꌲ基ٌ禕⌐ਕ渣뉆ꦛ칒홗㩛鷝踁ُ⍉�䅸暬陂ꩮ䞒萈㧔�黃먹各ꡧ뤁壟铿渓맆㒚䲰櫟千ᱞᐮ槊썿팕㌨띨캫弅霵晗줡⬍㿩�そࣸ။씞抍寓㱬b쎘貅fi�㡏ꎼꯂꍦ勾澭师郩DŽ蜱᠋∄ﴬ뢌覗༹Л薶뎏䣋믵毋ᬔ蘤⊤苨㥽鿌�횴ﺏꪒ㮅쒂�쁳ವ퀒嘇屟퉲渽チ俳ꁐ懍꺺嫶쯨樊絏讌㳊똪㽪⫥䂞�№폮㖐蘖㩜齰葜黫귲ᬺᰕ壼슨澿냵߀䞊麣ꉘ蜉窚䑀鑭殫䍫룖ꟙ쇂䉵취엃ﬣ뒷Ꙟꯄ컗懖廿䆰餙䶛㦏겔ꐒ퓷䘄䫙භ东㘳シ礖⹒唢伪ﹼ嫆⭂ྻ뢯ყ榙�퀃瞳뫈臺ꏏㄓ돿⋖⌚彩⛤⒍鴚씇ﯠ㷜꾲㡟썫衙㬁߱墰ᘵ岆瀺岟⎅ﺬАꀶ頞㉝슥ﳯ₆Ễ惁嫔瀙싩牽긓㝸쪣呬ѱ顎㴫놞윐퐈뙩髝梮洛摴ᓡꐂ焒觴貍덳㤛⼃㲺趮㿓뛻ꟗ贿粚젬꜎⹔�刼匾欵ట뀱뜁⏆豷۵兮몦섄햐䫲襫캭쭏ꃣ�ҿ錑㪝Ϫ⾫麳➐넲徏欸泅�㼖ﳧ㥙纅聡ᐏ䞏ꌼ뇂ፄ㐏胴�嘩훖궇덱蕏ƃ톅螛䞊濷뵨襍꽗㖜◥鱂峣䁿魆�ຨ뺬瓦﨣꼽辺䫹좷bﱎ烙ᔞ돁笞癫謍浍鎦්粚琬䎒ᅒ䅴鰾俦沰歚ﱮg啉鵂拁畢蛚栉ꬃ긯椹뜞呧飠Ꝺ储끦埝整㖅븧骬➕抾༲쎽�ⴶ똵Ⴞ둊⫘곹嶶巶뵐츼傻䞸톞驺菝퍢歛ӡ䶫꾂쮚�핥팋வ禄궩㛘㔭뺶䨐�浪뚬偝㲽믎롐鹇竑�抃寓ꬄ艍骯ো檪籏웾䉚묫꼏箸幥炾铗ક睧띠⿎ථ힙ᝪ孓沰歚㑭ᾛ偾퍬握銤通ꊋ㋧荽퍢杛瞋㿢䫺ᒪ௮콩ጃ풮䬰ᵀ絙쭱㪻ҧ췃䈽㖃�ꍫ⤬㶩䗷梱썥䝶䆬ᔪὺǹ㦩㩹옲瞩ჷ옄Ⱌၠ뎈㋶廢㜽泠䠄녟測Ὕ㱆晢쑣ﺸ㺀銆不斀螠ﲦ탷眇˷쯓䊻ꆁྱ鱶⿃撦�푏糴䞒瓡�精モ蘖믪毙쒝픁�Ǵ韕揝웶猀ꕉ푰苗宫楼斦窤ꇝ큀炧蝘檺ữ睾Ზ彮폷埽ઌ䖘졔╘Ⲵ콿绮捤懐朊о퐣驫쿳峚琮綬垽춾ᾡ䷘�힌欿풫幂몟溂䈑ਗ਼㽯㺸솶盻बѡᾲ뢤촎ᔬ㐷⾨䤜匯䶎ႊ서ᙯ㵈诶ᅠ�秖籶哄�끦쨶ﵕ먉ㄈ椕딬ﱰ뼗씻敼䦌㐳ໍᆌ잷㊦븢㥧歉⾹绶쮬읃䱹蝭쥵琑㴟再鯻뮪ﯪ칏⩻痡ꥉɢ립콨䈠㛸땅탰Ӌ鐑ꅛ뀻ݻ閈齶ẉ䕻燪볇遧簡丛粍鋘䇰䔙兼䠍숳昮㻉있톿짥셮겣ࢥ㳍捙샚儼=锽沓뽛1ᯬ騖辙戯埠랡쀥擆䴰䭵憂鿦驙ἵ闲㱿傔탷ㄭ呾⬉뢿䊢ꭟ㿭㰒诶碏짍解怸꺰⾦檾ꮝ糷툢헕ᇼ⃙勓꾫ꊘ㵓㿑츊헮⣔蹺댇艹ຑ氲쁫�ー鸄�饪湂黄㛟␢叚ウ鋥逈鿟纸쥼ꓹ곕ꩿ㙫嶂篾獗蟊落쩙긭闍ꮴటᎉ長独̄ꩢ⠻쾆蘜졊䃨῀ٲ垅ǫ萋됣몔籽캷쟝펋⯠᭑┟㴃嶲»婯麿菪絁膆嶭댃ȇ晣Ⓒꏤ鄌蜠芸賯₾鏻螌诎᧨鏕䊏쏦븁ڋ〪િෆ﵃猒킹斆䄸娾馍㟞㒝ᯙ쨠ᕌ⥑쁽헶㪳赫瘷㞋詿璫뷥暴蛗혇⏀뢼⇢쐻쥘靕즾ם�俖漻䆰쵝꼩퍈믵뉧䩑㖗ᛲ鎫砖洝㓞�ೲ昡͞읧秅禳㏖粦췢꯰볚뽥ᩅ�瑿ᢣ켥ﱚᢞ츂ꬉ�꾺䑣늍諵߁㪄┖ఙ⇗棅ᦀ鮂䣹餑ѓ掎ꗰ�롟ꉒ㐼柄鏧五≈ﰑ钗㓹짪ප꒺ﱉꌧ䃙ꄲ犊╃㴝㮚悕龶啱旁겼륝苿゚饪ᆜ뿟垸휥样ꓯ簠м뮄氧噻鶻ᵳ䟝꜓ާ讆燵뽳幺ᖐ蔃栓瘵伊楣뼧㒗ﰣﷃᝒ践츺㋃北ꡀ㨬Ĕ庝䤠퀖琚ᘞ㷒䪂䃏돷嚷䍺淵飽퐎窑躀葸迴픕⦉銠㕍贈碆怂由諨+㉞購ꈋꀷ濾畷�镬햪殽쾢贇㽋㷆橔鋮ଐ颸몍핷涇ꄧᝋ렏㇐ⰺᮠ⒎㽡Έ襤�留洞뛂櫨챋�븻錳硍䝟밚缕Ⴞ誫㥓醹䘏ꖜﵝ뿨Ԯ⣚欙ꓺ�ퟰ熅楙뭰䀔㞠�ᠩ怤뜎㤾냆ꡪ큐ԗ⺂泠ﴋ㵖䳯쪧郗鿸蘑哮꺘䳣픿숡愉鮚℃妶梪䉵∝댣➏太裤㪖곶䤦畤ӣ䁡ৰ붞竔᭜◝湃鷃乙屮썻ⱨ眶볋뉡쮸쮇쑘客䮌酪벛䄒耭А슿꾭�锤쟢钉ᆴ믉쫳ꭽ䰎鶺毨䡉籒䙘夭ࣗ隣狯Ꟈ盔駲�ㄥ밐爕䮉ય긙쉍럿�飱䪄놬숍諔毮仇瀶刯ޤฦ⌞ﷁ葓⪯릶�惛ᄦ벫狦攪ꋓꞌ婃�ꂾ숂ഝ嫖ᙋ﹠캳㭳ﲧ葏馉᷹崈㷽齔쌸䛜鿛舐廥썃꠷݂脄닒鮫뚍ᢅ踖�䶏嵁툑䓵ﴊ簇뼁�蔋茔ꍅ轳⊓ᴃͅ࠱扪οԜ�ᬞ玠B⯒缴Ꚃꃕ䮘숎簙䙫擜쑰縎᷆㎄᳅�⌆ɏ僜⛕㘤▨㲍⍥ꖁ暴꩹韧䴂Ꜧ뤳鍕ⲡ䶖恍祱㦅㗛뜂댇팓쁘ᬣ⫪�逧田�ሑ밥��採ﭲ�㛮켰睬㽖᱃੨ⷕ䁥江풫Ἓ蹊앍惟⎶렩郋螰䓰욬밳럢셉쪞㬌蛩䛧昙몷ᎄᥢᥚ混諞킪쑌쀤㏋腠뻧햹㚙粳ㄢ泭㎹ꥄ曻匉馝哜⎘疉뗻軦閆惱頋ቩ儿퇺⊱쥻檿蹥缘䵲ꆰ桖ꉺ틒뿨맃떝敄룟㦻怂ᨱ캘싹쩊祦볗侭隴ᨽ䦉駛惌돿ᒚ땠㮥禿䛥㷸韫饡蔝�悤놷厲䍍ྥԪ蹉먨窧俟ᤨ薟�쎧ᄌ쭈蚳瀡붽諶뒖踿杂梄瀪⾎ⴑඦܛ抑�╉ൗ碨ꢵ♺㑴衐Ⲉ먦怾䱍街輝�轌脃뗟䛏沯૮늸劗讪싅�殹泚딣碊㭮묛蒢崉尫礦湌氍鏫ࠀ�䩏⥔豧鰻ᓆ삳㾠躁採頃麆㔄爻ퟙᤦ珟遲軪⧖룡滬곬㝶武뉉므ⳓ栕豖뒊廋懓객썓��䵙멮찮鏖腥ꙷ⩘⇐꣫男鶑썾ﰢ컉坂┯➨린蔌추哞쿼豭砇ℶ랪㏄᎘䀖�臩뚐㝋촋ꓳ�䙼䁱嗂榸샫ﷸ騰చ섚魴歔惝ⱓ䣳焊⸰ꋸೞ욠쩆諾ꜛ闡ᑽ낯킆�ꁨ뺞㶝誝ꮂ颛䉖ꄄ捇椊۫岻䮣DZ檜Ȣ氵쳰ኖ嚘�ᢆ昹㯻魙⓯�䳩䅰�퍐ﭺ桿楎峫▪ጡᤀ⧙鬗䭡絾佥酝ᣳ酫ᄏഩ뒾昀�瑍鈋⹒뭺笂�땧檍烷됵룻偽ꗑ胠哼䉻㫜冡靍ï걛ﶟ잊�冀痜ﶥꇇ畳⺗꼈ࢣ㼪꧆䳚䒩�䞠ퟰ黹烵辣鮩⻌臘嵓闓ꃇ䫛㔭塷풚堜貙婽ॷ塉傚ު眅䛺䖘똓瘣ⶰ膻팟麇᭞籪ꄱ倽玺⋣⳪�똼₭꽋떮㚄埈㧢ባᷡⱆ沯ᣮ䭅⥩욎转ͻ敶擇뻾ל㯒撴谽埛踢攙㦵蹔A쬁爯ꁧꊵ쇈뿖姣砈⤙躿浱≡輕攵暢吾ս컶뫾冐몰熽ۈ抜땳뚞銛긞햓踵�癛空琢롆逕溙㞦ힴ嶋⅕ພ䤧殛氷蹰얔傫䰗耝㍙ヮ限䅌徽歁旆뇠㨴犢ﭓ諳醠釁꜍ᢰg㑛럄ᵕ溽꺩㳷錂䜤ᶬ�≁湗语嶤ꂏﳉ䚯严摵죞எ볙衱顐枩瞖闊Ҧ低豹䒱踿툐ᨴ�猢셴�뢽ꕮ揱珞葟誰럢ᧂ얨嶊䞃끏�Őሔ็횩얢廾⇊퓬퉪ꖯ萻㠩။褦暄溪擨㖧瞒쿜⽪�잼㋉믟俺鹣웢㛓鳰黇⍟ᄤꚨ툞㚨褭鷞첺Qズ盕䆬驼꾁華졒塀弋噮푕찭Ǩ⬲焨ꌌṚ촬䛧ꐫ徠ﱾᡗᄘ凞〡걫쾎硌䚧냐夵戔视�퉀얷䵵勧顆꩞㫸ඳ춨㭎롱르쟱῏돑�ꯃ畦㽃交틘㎙䋭㖘ᚴ㯰웙権蹅事痌摞鄥언场䂪䂧䤑ⓤﻴ헮麏ሢ쏮颓䁯뮓�濬尥⃑魲鼿鴧㉟࿇�칈薟鑞엃眉Ⴂ滨䀨倃օ惣⊓⧅�꤅짒��ᔦ㽤㒪ꍡ槏ܥ봸�ཱྀ鑄䍊⠆蠷캔鷒巤栱䘀覧踦洔ꐹꆗ巂મ紆‥寚鞟ۚⰽ籸囪總릕﹩렊씀�題À揶ꆓ䠕ಗ觰粤澻檓竻絳砅讲ଷ�둣昑鑧湺膪낻廊潄‐囧ͮ⤴䲵ᛄᡊ헦者夋掿㾣劢ఖ멬ྲ术ꏒ턒騅軻䒩昙嶕蜶嫾ꃎ⋍凮ୣꏘ汃瑆禍㌚萋ᴙ忻떖ꚱ䓪䓱쨭홠Ἃ寿ͬ迱纷쪕⍶䉺뾯ピ匕驟ᒟ䴟菽ʵ䩿ꑰ∾竈ջ㝤꺂卶汦炍テ⣳쿽뢚뼈�鉻鋏㽧襩쬜崙陶㢩遷搦嚌儮唑鱇鄟뫠ࡠ툇���蹅탍⽪탧蟬⎓紋觝蘿昣햞⋘椱߈㻷诖寧얒慯홇黎᪸閊跱静㿶螜ﮘ髮⬙昏庪�龴貍で츝ᦗ➰ꭔ륁ↇ떿증콿琀䙫됗锬䈘쯲홎는穜藑�턓ᬀ俳㗤睳뀮砲䝻ꔧﲓ涥뜊竃訂⊔Ꮣ⬽敇憌漿呖㝡粘䯺흥佚锤ᡕ�率潩�菐脔䣝媿絃뢷濍㪇屛ⲅ汀겂븇⎡쪞첷蚻箙ᄚഷ孃揌縭坊池潒䣒속퓓퓧縤埙ﰈ濇㝬끨츜⪦䤟옆ȕԤ㵎茥ஏ䌗ﶨ✾궲뫸剘깘䩓海蝳㚑ꌖ첛薇ᴔ꺙隰ꉼ笅⫌ﮇ페䶠푧ₔ熰ꖨᚪ冒뙣鈺炬⍴䍐夆럄쁂崠㚉㦧溙㍀죬謎䯄쫁嶣콚ﮏᏩ疈䫦꿛솆쫂䣺⽎唞졗⚱큝Ꮺ䒰椛퍍ꭶ菕療�ㄔ闔荣ᶡ閳멆龵蘭釉藗ﰯ⩬�欩䎓溰輋崻⬀往壕坡嗙㟯褰劎怎뎣槊㡇捆좵问妎�姂㳲␖珎픯䘗딥漿剖ꫛ*얆ꖜ�ᮢ뵕茥鞈⡰�ѡ廍뀪�ౠ浃䭙驛ꔹ㛞燐ꀎ䷋ﳾ䘽鵽ʕ뗮笆�믪ꁱ骹뤛쓪穏뎰꽖잶ẛ墢镤ﴍ癳棭뫍߰蒇吵쯋뿓饁⌗㛀ⳃ덍憷ꚜ沎䞚℩迧�烁牊咚疪娆笜䅄븵─๖읈繙邘婞�埧�⳯䀙⛞勑밢簬湷쫭ɏ䂊傘藏娦뢴夞�뿦࿕驓뇷︻뎏̱䙃棃ᗫ⠼ɞ됷큑�㔺�嫊躇ꢹ瓅澖튳羭᪄岰麛욹䞵嫒成鼨ಞ킊㈩糉땳ﱹ臵㸀㇃湺挟凖狺⭌䶥t蹨긒ഀ䐞ܙ眗먂횝导Ὅ獦㴣捠痯䈧㡠Ṽ霹群椘姝ഃ㺖�輶淚䗇�覚调㵋ළꐹ忮⩻⟡馿ᥠ百昫��坵ࡦ�䣝蕩ᴼ쏘丳�ᣥ蘗秢⧚榩幽㊾雳涛탞ᆃ艬陮ꏨ붺炕Π轓鲀ꢐ⸦݊榾듎뉕ࠔᧀ蠆س쎳㹐㆓되ຖ龣꧂㦀슘逨䍣嬄Ὅ㭧滯頻뱱跦ន=쾈괸⌖ਮ╙⸔淋熿텖핇庪㣶簝⌋꫰젷䵳袿혛钂뙞�涪뼳䰸⛶ㇼ뭥ࠧ虅吽翄렑ԣᇓ路◚ネ蝧賷扛쑯蜖찅휂鸪쨼묎禎㐻⇼醂枟䁥궻瓈㢏Ჟ䩭縨輾ꙁꄲ䜡䮍朶쎯么ᜂ⌮휻뉭壉燂祈蟲뮊ా詈줋ౚ픛瘍䰈佺凂ⵛ衺읞崜අ啉∉ꝟ倬뛄魎䍜梅ꇝ摹娡뎩ꦶዌ伿纫哖ꉈ˂穰ᇻ⏵唌鎀쳦燑䁺㧩絬鈘猬촹羻㮷ꮿ㿫篋ꮯ䫏㦆陝溹�覆ꁎ䷋ﳾ⬒铿䍖䜹埠꾃ባ꧶釾₽鱴ͤ랑溄㴪ʫ探ฦ㨌㈦ạ넛堤珦ᶜ爣㝋�蓳痏鏑曩媧吲嵕䢍퐴뗁ᦐᜇɷ쮵乱㇄띟焣鍓䵼㱟ꮽ꺓ᣅ䘺致狒췟ຐ�먑蘿貉㢘戓㟌ᢞ夜糖Ꚏ픺䲣唾뢶ꫦᵓᾢ桏㒐䳆夛送睱⩰쮮띜ᕃ狻့䕟봸㓣䰏憿ꗰ獰탤荚뵼懝飈挷ꚮ蟪韕㔮•弴켘Ꙟ㹻顚㍷썔돸怜윿♐뙡䳃窲萅腈颀鄪₽鱴㺶䦌㤖굫�ꆽ⤆㘎攚鷿ゎ怽륲좀문ᖸ︰혬毸夾返溎ሤퟐ紶㒵ꪇ嫬釄饣槎聻勚쀋铺훩ം٭譐偡긚ꇅ몮谮ᙉ鰹铦ߟ뭲䙸䧯㻕킒ኃ�ኳﺔ�谪�踌顒公혇ꪒޣꟊ䠰㻽눧ﮭ㥚㐈쇔蟁완ᭌ㔡鸖줲ム㟒隓꿪쾍ꎢ냚︬☚怲쏠探ദ肬㣈뢻圕깥詛ⅶﶊ᮹⾈鲢索鵜⡖틁ꐷ錎ﺖ聬㙲跰忕鼛䝅悵ﱙ䰴셤蟁완⍔盃謤츜荳溤晉篹灾㊺ⱽ䩆ꮊꦱ騆㚘β嵕릖⥮蛘滤븠犊襯떗畲巄ꍘ䠇郞为拏Ʋ�㟂籕絮ḕ臕㇑ޓᴆᤓ洰٤앁생뮪爭叜ಱ�絁Ꮯ콗樯몈䚱鄎₽鱴ͤ랑溄㴪ʫ探ฦ㨌㈦�ೈ讃膻癕Ꞹᡢ�뢑廒줩⚾麯핞甑豢⌝䁺㧩߈漣�答Ֆ쎟완琘摌뗁ᦐᜇɷ쮵乱㇄띟焣鍓䵼㱟ꮽ꺓ᣅ䘺致狒췟ຐ�먑蘿貉㢘즘殃㈠⸎�陫鷢抈溿⚧㈦�갮荑澤ᵈⴧ�ꨛ㞾訾檏돀貮ꯋ餔筓ކ欖㕼⎟꾩乻梵࿓涕㦮钪擇豙㽏ᗹ쒘�ၚ㙈阰蹼붦㫭ꏕ㹌뙕厪鄝ㅦ\ꗡ얇Ğ윳낤ቱ䗮筐�Ⰱ士⪳실羠穐ᝆ렰䵘᳖ゥꋘἛ鈾揙⯂䮃壺뇪ﻪễߪߵ誜됁ᢤ쑮掑캙�맽哴噻ࠀ럈Წ汽鷙㒿ᴅ稣脹톻띜툆��㕿톨耗ꥪ硅졹⽓Ꙥ끭쇨湽蝙켸晜ㄗ泗䁠駧졤⛬됁▤ꪪⰁ士ᦳ죦养᳗洙良過宖좚�ﱮ఼褛㔳跦aᥴ붑촾�鯏熡ꂷ寠뙖뾄좇ꗶ崑ᰓ�ᩯ咴歎䯁痸್ﲌ⊤﵉⡕外燲᳔촷Iꆒ曡Ϸ牎낼鋻膙E酯䱢ꆻ⫔余輌캳퉐㴀顂�旝攆ﯖ㥬멜磐뜘瓣꧲ι᥀맿堂퐒촭ߵẙᑻ榢࡛腋敘䅨淲彽홾៧䜙擏찍⩞ꯞ埸철美扸綥덌蝎荐瓦飞⃥麹አ뗎ㆋ涵仛剽ٙᠭ㋫쉫(뮒簪۴룴�ᱧ㔁寱困퉢�㷈꼍⦟ዒ立ə഻蟟讁㵿Ꮶ쓾ꜷꃎ㝥坠懗美ܪ쮎댅帓䀑锄毙륝⢷㠺༖便菂ᾞⷔ쌊⺰Ⳍ돜喖⦟␈Գ粖ᾌꇪ闙扠恮협퐞ᗀ똩奣勱ꈃዱ狰덖ﻣ�ᵇᬘ⒴퇙憲%쾳ﰹヌウ䩬퉛䞫鋳액缎湫唢◣ᴫ讌佘嵢拟웥灡轨픋☴襭牫鴻哐ꤚ氇觏檰徿펹涋盄ꐽ⌈ꛘ﹅ꥣ섦鍊�ꐐ鎀粧흕儖䭣샵ꭥꃲᲇ궾ﺍ河禫곆瘗ڣꥰᘧ㍦푯ᨻꕜႳ䞇傘㲁⌁砓㍩蜵⼠奧쿪ﰷꞘ譩䳑﹂ҟ쨒貳ጉ⼻↦ᢕ磦锐ᅦ謻ꞙ��롦㡕ܐ䩼ㄩṆ桐Ἧ㬝㨾ﶮ㫀♖䵯㴬뜲뢺椞ࢣਔ읧⚚棃ᷘ逸몟ᨲ뇊䀯ݽ뱢�覎�柍浣䖼匐ᝡ쏱⥊㨈ɍ褊蚦瓃盽㖟퀶ᝂ摋⏴굏猽ⵈꐬ⡟Ᾱ续屶鬮镊瘧穒〜☻덮ኯ蓀紖깕ܺଳ틵曶츃᠉࣍ᅼ≥㬒ᚠ䈲ꏝ첏㰼厈ń䰏赚㯲靼䨰뗱躗庱쒃謆ꉱ爃ᴼ舸콑襩윎寮䢖ㅶ䚖뻠Ტࢸ㲤ۙ೧ꍪᒈ拑簵ᡇ쉐눦䌠烇謤�袪㦙곒ㄾኩ挂伛捙˳핉ྷ狫ἢℊ맽各逿܂툾懇빋憻ㄦ샸몫�⛋珖帱്颀冥츔枇웊杀鐝䜳̻믥撇啡좒탨蜃鶲冰횴깰晐뙱ុ謲긞齖泛䛜礼䳆ਾ㗮멉ᙰ쯵�Դ覎㙓꒨뀵뚃僲伮屳邱ꎵ秉ဪ㹢綸磋ݳ돌烳틝嚬瓘⾮�ǒ畳謗鮔뤛�ⵅ⤐犗ど劔庿ṩ紇퀖灺ᩴ齬쮜⇬㪄蹚殺蓾蘝読﹣讼㛫柒ꔥ뤪锉�䑁塥妫ꉜ㉶�韞붹鉨绿蓅ケ⃑璓䥱於렷廉푏摓笓サ쭡晱礣봼ٴꨅ篔닸唼侊ൕ枷戔줜倕ꛝ䗨㈁ٟ漢蜣鷦ᇝ斮眉⚜漞挑됞㉧ᓽ䓎ٚ㓇飯ﯞ鹈缸ꏟ࿇绿ꑋྞ䭔炌뿿蹇ﻃỽ缸ꏟ࿇绿ﶇ㳺ー䞿ᾎ쏱﷾㠞��༥ʱ㣒뺭ᵱ㛍ኬ䮌ዪ訡崅缂�廁坤ङפ撁猝㋦쎉윬蹋䝻ㆲ咧쁄⦃⍰㾉p䉮㚂냀໋�兘偔맛'箴蠨ꪸ丞ꬅ역鎙ᶠ쌰ﵱ︕媯ヹ�寉鱘텤艓藁璽㼟蒘筞㊔奴伵䞆嵆鯄槹녊鎽ꭊ혟쿮缓�☂ꪊ䶹ᦣꇧ梫囪㞟纏⯾ઍ珧鑷梓ზߏ⦀碆ꔘ⽚鏔誗鴿⿈칪鏐ꪲ톏ህ즅ꦥ芃껙뇠�ꚰ킐Ⱍ䃅⫍ᘞఖ㤖롾몦늌㧄퍙慾㴲㒠⟌阂Ʃ㛲꿀澣ᝣⅿ⨌潫़⣖�镻뙷㠣챽熗͖웺艺趄౯㥹靵꽼眤役睕룰꧗쐗ἔᏞᔴ鐥ᕋ鑞簓ᄳ䟚蠉軭貺�원ᑠ䛈쾨䞃窶쎢ꌠ穛沮ꀅ띥ờマꂨ俯艃턩돉란禕垁뒌쁠魏헪꽱᷅顂䦪濘剥踆ꑰ㙷슶꾦薛ꙣ�꼾㧗픻⸷䄱鵦㱎랠傁椳陾⋙拴쀖鯸퍔ק憾홭쀭ꥮ聣晲㺗鮌遞괺痸圂뚋항Ÿ瑀瀽⫞凝剀ᯊ컧曢ꪈ좶邹䄀⡄͈ǻ买㯈霛笲鹤蓠賈ﻘ덾�Ꝛꆬ讙㒅퇬틣�봕螡분㘸좏뚉턅䅹㞅♿ᾨṄ낣㿺ꂹ䴙쥣塘橝鮎体�폅㟒梫䜕ꏭꖏ洈绳쿔蘃�ﰂ萔Î裯傋�ꔭ㘉㵓짋犅鷗量᳂禊秅↡琲⨸᠗ᘹౖ鞙쫣鰚瘋ฉ韢徽딁ޘ鼻ꖎ悓ꪁ픹᧾粀쮺㖌쉆鎄兡憚栘눷갓ళّㄹ뫗㩄ꆉʇ泔炇쟜㜃洧鼤ຽ➁翶깯ፓ퉎ḝϒ₷侪鼧�黔핾겷�鋅ᯟ鿫蠁樼㗣喭朊옛类棅偐峑떬鏟䡖쑟鉰烊Ⅻ⡯쿣钇럯䌎㳜┹挎蘰ᕆ鯧쀺釟ຝఆ혻쐓薘ᵚ䘍⽲䡘郛㬛⦵熌㴖῍䷽䇈Ⱒހ즠ᬙᮌ笇�⢏謔燢쳲⤛⁛옒襢菈Ⲍ莲㘽᷃촆㗞䬻蓖㝊
جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة/41).
قالَ الإمامُ علیّ ُبنُ موسَی الرِّضا – علـَیهِ السَّلامُ: رَحِمَ اللّهُ عَبْداً أحْيَا أمْرَنَا... َ يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَ يُعَلِّمُهَا النَّاسَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا... (بَــنـادِرُ البـِحـار – فی تلخیص بحـار الأنوار، للعلاّمة فیض الاسلام، ص 159؛ عُیونُ أخبارِ الرِّضا(ع)، الشـَّیخ الصَّدوق، الباب28، ج1/ ص307).
مؤسّس مُجتمَع "القائمیّة" الثـَّقافیّ بأصبَهانَ – إیرانَ: الشهید آیة الله "الشمس آباذی" – رَحِمَهُ اللهُ – کان أحداً من جَهابـِذة هذه المدینة، الذی قدِ اشتهَرَ بشَعَفِهِ بأهل بَیت النبیّ (صلواتُ اللهِ علـَیهـِم) و لاسیَّما بحضرة الإمام علیّ بن موسَی الرِّضا (علیه السّلام) و بـِساحة صاحِب الزّمان (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرجَهُ الشَّریفَ)؛ و لهذا أسّس مع نظره و درایته، فی سَنـَةِ 1340 الهجریّة الشمسیّة (=1380 الهجریّة القمریّة)، مؤسَّسة ًو طریقة ًلم یـَنطـَفِئ مِصباحُها، بل تـُتـَّبَع بأقوَی و أحسَنِ مَوقِفٍ کلَّ یومٍ.
مرکز "القائمیّة" للتحرِّی الحاسوبیّ – بأصبَهانَ، إیرانَ – قد ابتدَأَ أنشِطتَهُ من سَنـَةِ 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریّة القمریّة) تحتَ عنایة سماحة آیة الله الحاجّ السیّد حسن الإمامیّ – دامَ عِزّهُ – و مع مساعَدَةِ جمع ٍمن خِرّیجی الحوزات العلمیّة و طلاب الجوامع، باللیل و النهار، فی مجالاتٍ شتـَّی: دینیّة، ثقافیّة و علمیّة...
الأهداف: الدّفاع عن ساحة الشیعة و تبسیط ثـَقافة الثـَّقـَلـَین (کتاب الله و اهل البیت علیهـِمُ السَّلامُ) و معارفهما، تعزیز دوافع الشـَّباب و عموم الناس إلی التـَّحَرِّی الأدَقّ للمسائل الدّینیّة، تخلیف المطالب النـّافعة – مکانَ البَلاتیثِ المبتذلة أو الرّدیئة – فی المحامیل (=الهواتف المنقولة) و الحواسیب (=الأجهزة الکمبیوتریّة)، تمهید أرضیّةٍ واسعةٍ جامعةٍ ثـَقافیّةٍ علی أساس معارف القرآن و أهل البیت –علیهم السّلام – بباعث نشر المعارف، خدمات للمحققین و الطـّلاّب، توسعة ثقافة القراءة و إغناء أوقات فراغة هُواةِ برامِج العلوم الإسلامیّة، إنالة المنابع اللازمة لتسهیل رفع الإبهام و الشـّـُبُهات المنتشرة فی الجامعة، و...
- مِنها العَدالة الاجتماعیّة: التی یُمکِن نشرها و بثـّها بالأجهزة الحدیثة متصاعدة ً، علی أنـّه یُمکِن تسریعُ إبراز المَرافِق و التسهیلاتِ – فی آکناف البلد - و نشرِ الثـَّقافةِ الاسلامیّة و الإیرانیّة – فی أنحاء العالـَم - مِن جـِهةٍ اُخرَی.
- من الأنشطة الواسعة للمرکز:
الف) طبع و نشر عشراتِ عنوانِ کتبٍ، کتیبة، نشرة شهریّة، مع إقامة مسابقات القِراءة
ب) إنتاجُ مئات أجهزةٍ تحقیقیّة و مکتبیة، قابلة للتشغیل فی الحاسوب و المحمول
ج) إنتاج المَعارض ثـّـُلاثیّةِ الأبعاد، المنظر الشامل (= بانوراما)، الرّسوم المتحرّکة و... الأماکن الدینیّة، السیاحیّة و...
د) إبداع الموقع الانترنتی "القائمیّة" www.Ghaemiyeh.com و عدّة مَواقِعَ اُخـَرَ
ه) إنتاج المُنتـَجات العرضیّة، الخـَطابات و... للعرض فی القنوات القمریّة
و) الإطلاق و الدَّعم العلمیّ لنظام إجابة الأسئلة الشرعیّة، الاخلاقیّة و الاعتقادیّة (الهاتف: 00983112350524)
ز) ترسیم النظام التلقائیّ و الیدویّ للبلوتوث، ویب کشک، و الرّسائل القصیرة SMS
ح) التعاون الفخریّ مع عشراتِ مراکزَ طبیعیّة و اعتباریّة، منها بیوت الآیات العِظام، الحوزات العلمیّة، الجوامع، الأماکن الدینیّة کمسجد جَمکرانَ و...
ط) إقامة المؤتمَرات، و تنفیذ مشروع "ما قبلَ المدرسة" الخاصّ بالأطفال و الأحداث المُشارِکین فی الجلسة
ی) إقامة دورات تعلیمیّة عمومیّة و دورات تربیة المربّـِی (حضوراً و افتراضاً) طیلة السَّنـَة
المکتب الرّئیسیّ: إیران/أصبهان/ شارع"مسجد سیّد"/ ما بینَ شارع"پنج رَمَضان" ومُفترَق"وفائی"/بنایة"القائمیّة"
تاریخ التأسیس: 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریة القمریّة)
رقم التسجیل: 2373
الهویّة الوطنیّة: 10860152026
الموقع: www.ghaemiyeh.com
البرید الالکترونی: Info@ghaemiyeh.com
المَتجَر الانترنتی: www.eslamshop.com
الهاتف: 25-2357023- (0098311)
الفاکس: 2357022 (0311)
مکتب طهرانَ 88318722 (021)
التـِّجاریّة و المَبیعات 09132000109
امور المستخدمین 2333045(0311)
ملاحَظة هامّة:
المیزانیّة الحالیّة لهذا المرکز، شـَعبیّة، تبرّعیّة، غیر حکومیّة، و غیر ربحیّة، اقتـُنِیَت باهتمام جمع من الخیّرین؛ لکنـَّها لا تـُوافِی الحجمَ المتزاید و المتـَّسِعَ للامور الدّینیّة و العلمیّة الحالیّة و مشاریع التوسعة الثـَّقافیّة؛ لهذا فقد ترجَّی هذا المرکزُ صاحِبَ هذا البیتِ (المُسمَّی بالقائمیّة) و مع ذلک، یرجو مِن جانب سماحة بقیّة الله الأعظم (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرَجَهُ الشَّریفَ) أن یُوفـِّقَ الکلَّ توفیقاً متزائداً لِإعانتهم - فی حدّ التـّمکـّن لکلّ احدٍ منهم – إیّانا فی هذا الأمر العظیم؛ إن شاءَ اللهُ تعالی؛ و اللهُ ولیّ التوفیق.