الاراضی : مجموعه دراسات و بحوث فقهیه اسلامیه

اشارة

سرشناسه:فیاض، محمداسحاق، - 1934

عنوان و نام پدیدآور:الاراضی : مجموعه دراسات و بحوث فقهیه اسلامیه/ بقلم محمداسحاق الفیاض

مشخصات نشر:قم: دار الکتاب

مشخصات ظاهری:417 ص.

یادداشت:افست از روی نسخه چاپ بغداد: مکتبه الوطنیه، 1981 = 1360

موضوع:زمینداری (فقه)

موضوع:مالکیت (فقه)

رده بندی کنگره:BP191/8/ف 9الف 4 1360ی

رده بندی دیویی:297/377

شماره کتابشناسی ملی:م 64-2462

ص :1

اشارة

ص :2

بسم الله الرحمن الرحیم

ص :3

ص :4

الاراضی : مجموعه دراسات و بحوث فقهیه اسلامیه

بقلم آیت الله محمداسحاق الفیاض

ص :5

ص :6

المقدّمة

الارض التی قد استولی المسلمون علیها من دون قتال،سواء أ کان من ناحیة انجلاء أهلها أم کان من ناحیة تسلیمها للمسلمین ابتداء،أو صلحا فلا شبهة فی کونها من الانفال.

و تدل علی ذلک:-اضافة إلی عدم الخلاف بین الاصحاب قدیما و حدیثا،بل عن جماعة دعوی الاجماع فی المسألة-مجموعة من النصوص

منها صحیحة حفض بن البختری عن أبی عبد اللّه(علیه السلام)قال:

(الانفال ما لم یوجف علیه بخیل و لا رکاب،أو قوم صالحوا،أو قوم أعطوا بایدیهم،و کل ارض خربة،و بطون الاودیة فهو لرسول اللّه صلی اللّه علیه و آله و سلم،و هو للإمام(علیه السلام)من بعده،یضعه حیث یشاء) (1).

و هذه الصحیحة تتضمن عدّة عناوین قد جعلت کلها من الانفال.

الاول:ما لم یوجف علیه بخیل و لا رکاب.

الثانی:أرض الصلح،علی تفصیل یأتی فی محله.

ص:7


1- 1) الوسائل ج 6 الباب 1 من ابواب الانفال الحدیث 1.

الثالث:الارض التی سلّمها أهلها للمسلمین تسلیما ابتدائیا.

الرابع:الارض الخربة.

الخامس:بطون الاودیة.

و سوف نتکلم فی کل واحد من هذه العناوین فی ضمن البحوث القادمة بشکل موسع إن شاء اللّه تعالی.

و منها موثقة محمد بن مسلم عن أبی عبد اللّه(علیه السلام)أنه سمعه یقول:

(أن الانفال ما کان من أرض لم یکن فیها هراقة دم أو قوم صولحوا و أعطوا بایدیهم و ما کان من أرض خربة،أو بطون أودیة،فهذا کله من الفیء،و الانفال للّه و للرسول.و ما کان للّه فهو للرسول (صلی الله علیه و آله)یضعه حیث یحب) (1).

و هذه الصحیحة کالأولی و لا فرق بینهما إلا فی نقطة واحدة و هی أن فی الصحیحة الاولی قد جعل الأنفال للرسول(صلی الله علیه و آله)،و من بعده للأئمة(علیهم السلام).و فی هذه الصحیحة قد اقتصر علی جعلها للرسول(صلی الله علیه و آله)

و لکن هذا المقدار من الفرق غیر فارق بعد ما کان معلوما من الخارج أن ما کان للرسول(صلی الله علیه و آله)فهو للإمام(علیه السلام).

و منها:صحیحة معاویة بن وهب قال:قلت لأبی عبد اللّه(علیه السلام):

(السریّة یبعثها الامام(علیه السلام)فیصیبون غنائم کیف یقسم قال:

أن قاتلوا علیها مع أمیر أمّره الامام(علیه السلام)أخرج منها الخمس للّه و للرسول،و قسم بینهم أربعة أخماس،و أن لم یکونوا قاتلوا علیها المشرکین کان کل ما غنموا للإمام(علیه السلام)یجعله حیث أحب) (2).

ص:8


1- 1) الوسائل ج 6 الباب 1 من أبواب الانفال الحدیث 10
2- 2) الوسائل ج 6 الباب 1 من أبواب الانفال الحدیث 3

و هذه الصحیحة تدل بوضوح علی أن کل ما غنم من الکفار من دون قتال فهو للإمام(علیه السلام)هذا.و لکن لا یبعد اختصاص هذه الصحیحة بغیر الارض بقرینة التقسیم فیها.

و منها:موثقة سماعة بن مهران قال:سألته عن الأنفال فقال:

(کل راض خربة،أو شیء یکون للملوک فهو خالص للإمام، و لیس للناس فیها سهم،قال:و منها البحرین لم یوجف علیها بخیل و لا رکاب) (1).

و منها:موثقة اسحاق بن عمار قال:سألت أبا عبد اللّه(علیه السلام)عن الأنفال فقال:(هی القری التی قد خربت و انجلی أهلها فهی للّه و للرسول(صلی الله علیه و آله)،و ما کان للملوک فهو للإمام(علیه السلام)،و ما کان من الارض بخربة لم یوجف علیها بخیل و لا رکاب،و کل أرض لا رب لها،و المعادن منها،و من مات و لیس له مولی فما له من الأنفال (2).

و هذه الموثقة:تتضمن مجموعة من العناوین و جعلت جمیعها من الأنفال و سیأتی البحث عن کل واحد منها فی ضمن الابحاث الآتیة.

و منها:موثقة زرارة عن أبی عبد اللّه(علیه السلام)قال:قلت له:

ما یقول اللّه: «یَسْئَلُونَکَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلّهِ وَ الرَّسُولِ» (و هی کل أرض جلا أهلها من غیر أن یحمل علیها بخیل،و لا رجال،و لا رکاب،فهی نفل للّه و لرسوله) (3).

ص:9


1- 1) الوسائل ج 2 الباب 1 من أبواب الانفال الحدیث 8.
2- 2) الوسائل ج 2 الباب 1 من أبواب الانفال الحدیث 20.
3- 3) الوسائل ج 2 الباب 1 من أبواب الانفال الحدیث 9.

و هنا عدة روایات أخری.تدل:علی ذلک،و لکن بما انها جمیعا کانت ضعیفة سندا فلا یمکن الاعتماد علیها،الا أن یدعی تواترها اجمالا،و هو غیر بعید.

بحث عن عدة خطوط

الخط الأول:أن هذه الروایات تصنّف إلی عدة مجموعات:

الأولی:جاءت بهذا النص کل أرض خربة للإمام(علیه السلام).

الثانیة:جاءت بنص آخر:القری التی قد خربت،و انجلی أهلها فهی للّه،و للرسول(صلی الله علیه و آله).

الثالثة:جاءت بنص ثالث:ما کان من الأرض بخربة لم یوجف علیها بخیل،و لا رکاب

الرابعة:جاءت بنص رابع:کل أرض جلا أهلها من غیر أن یحمل علیها بخیل،و لا رجال،و لا رکاب،فهی نفل للّه،و للرسول(صلی الله علیه و آله).

الخامسة:جاءت بنص خامس:کل أرض لا رب لها.

السادسة:جاءت بنص سادس:أو قوم صالحوا،أو قوم أعطوا

ص:10

بأیدیهم.و بعد ذلک نقول:

لا شبهة فی ان المجموعة السادسة:لا تنافی بقیة المجموعات برمّتها،کما هو ظاهر.

و أما المجموعة الخامسة:فهی أیضا لا تنافی سائر المجموعات.

أما عدم تنافیها للمجموعة الرابعة بنکتة أن جلاء أهل الأرض لا یستلزم انقطاع علاقتهم عنها نهایتا لکی تصبح الأرض من الأرض التی لا رب لها.

و ذلک لأن منشأ جلاء أهلها لا یخلو من أن یکون خوفهم من سیطرة المسلمین علیها من دون أعراضهم عنها،بحیث متی زال الخوف من سیطرتهم رجعوا الیها،أو یکون منشأه تسلیمهم الارض لهم تسلیما ابتدائیا،أو اعراضهم عنها نهائیا.

اما الفرض الأول:فلا یوجب انقطاع علاقتهم عنها نهائیا بغیر شبهة و اشکال.

و اما الفرض الثانی:فالارض،و أن خرجت عن نطاق ملکیتهم، و دخلت فی الانفال،ألا ان خروجها انما کان بعنوان تسلیم أهلها لها،لا بعنوان ما لا رب لها.

و اما الفرض الثالث:ففی سببیته لانقطاع علاقتهم عنها کلام و اشکال و سیأتی بیانه فی ضمن الابحاث القادمة إن شاء اللّه تعالی.

نعم،إذا افترضنا ان الجلاء یوجب انقطاع علاقة المالک عن مملوکه و یوجب دخول الارض فی نطاق الارض التی لا رب لها،

ص:11

فعندئذ یقع التنافی بین المجموعتین بناء علی ما هو الصحیح من ظهور القید فی الاحتراز،و دلالته علی ان الحکم غیر ثابت للطبیعی علی نحو الاطلاق،و الا لکان القید لغوا.

و علی ضوء هذا الاساس،تدل المجموعة الرابعة علی ان الحکم -و هو النفل-لم یثبت لطبیعی الأرض التی لا رب لها،بل ثبت لحصة خاصة منها-و هی التی یکون عدم الرب لها من ناحیة جلاء اهلها-و الا لکان هذا القید لغوا محضا بعد ما ثبت الحکم للطبیعی الشامل لها.

نعم،بناء علی ما هو المشهور بین الأصحاب من عدم ظهور القید فی امثال الموارد للاحتراز،أو عدم اخذهم به و حمله علی الاهتمام به فی مورده أو نحوه فلا معارضة فی البین اصلا.

فالنتیجة لحد الآن قد اصبحت انه لا تنافی بین هاتین المجموعتین علی اساس کلا المسلکین.

و اما عدم تنافیها مع المجموعة الثالثة:فباعتبار انها تعم ما إذا کان لها اهل و رب و ان کان باستیلاء المسلمین علیها بغیر الجهاد المسلح تخرج عن نطاق ملکیة اهلها و تدخل فی نطاق ملکیة الامام(علیه السلام).

فتکون النسبة بین المجموعتین عموما من وجه،و مورد الالتقاء بینهما الارض الخربة التی لا رب لها،و مورد الانطباق للمجموعة الخامسة خاصة:الارض المعمورة التی لا رب لها،و مورد الانطباق للمجموعة الثالثة خاصة:الارض الخربة التی لها رب.

ص:12

و اما عدم تنافیها مع المجموعة الثانیة:فلأجل انها تعم صورة ما إذا کان لها اهل و رب،فان انجلاء الاهل لا یستلزم انقطاع علاقتهم عنها نهائیا،و لا یکون من اسباب ذلک،و علیه فتکون النسبة بین المجموعتین عموما من وجه لا عموما مطلقا.

و من هنا یظهر عدم تنافیها مع المجموعة الأولی أیضا،لأن تلک المجموعة تشمل ما إذا کان لها اهل فتکون النسبة بینهما عموما من وجه أیضا.

و اما المجموعة الرابعة:فلا تنافی مع المجموعة الأولی،و ذلک لأن کلا منهما یتضمن قیدا یوجب الخصوصیة فیها من ناحیة،مثلا الارض فی المجموعة الأولی قد قیدت بصورة کونها خربة،و فی المجموعة الرابعة قد قیدت بصورة جلاء اهلها،فیکون لکل من المجموعتین جهة خاصة من ناحیة،وجهة مشترکة من ناحیة اخری.

و لا جل ذلک لا تنطبق المجموعة الأولی علی الأرض المعمورة التی انجلی اهلها،فهی خاصة من هذه الناحیة،و المجموعة الرابعة علی الارض الخربة التی لم ینجل اهلها،فهی خاصة من تلک الناحیة، و تنطبقان معا علی الارض الخربة التی انجلی اهلها.

فالنتیجة ان النسبة بینهما عموم من وجه،لا عموم مطلق.

و کذلک لا تنافی مع المجموعة الثانیة،و ذلک لأنها تشتمل علی عنوان لا تنطبق المجموعة الرابعة علیه-و هو عنوان القری التی قد خربت-و لا جل ذلک لا تکون النسبة بینهما عموما مطلقا،کما انها لا تنطبق علی عنوان الارض فقط.

ص:13

و من هنا ذکر الامام(علیه السلام)فی موثقة اسحاق بن عمار المتقدمة هذا العنوان،أی عنوان القریة الخربة فی مقابل الارض الخربة، و هذا شاهد صدق علی ما ذکرناه.

و اما مع المجموعة الثالثة:فالظاهر انه لا تنافی بینها و بین تلک المجموعة.و ذلک لأن الظاهر منها انها تعمّ صورة ما إذا لم یکن لها اهل،فان استیلاء المسلمین علی الارض بغیر الجهاد المسلح یعم هذه الصورة،حیث انه قد یکون من جهة تسلیم الارض لهم ابتداء،و قد یکون من ناحیة عدم اهل لها حتی یقاومهم علی ذلک و قد یکون من جهة اخری.فحینئذ-تکون النسبة بین المجموعتین عموما من وجه، و مورد الالتقاء بینهما:الارض الخربة التی قد انجلی اهلها،و مورد الاختصاص للمجموعة الثالثة:الارض الخربة التی لا اهل لها،و مورد الاختصاص للمجموعة الرابعة:الارض المعمورة التی انجلی اهلها.

و اما المجموعة الثالثة:فالظاهر ان النسبة بینها و بین المجموعة الأولی عموم و خصوص مطلق،فان المجموعة الأولی تعم جمیع الاراضی الخربة و المیتة،سواء أ کان لها اهل أم لم یکن،و سواء استولوا علیها المسلمون،أم لا.

و أما المجموعة الثالثة فهی خاصة بالاراضی الخربة التی قد استولوا علیها المسلمون بغیر عنوة،و ذلک بدلالة تقیید الارض الخربة فیها بقوله(علیه السلام)لم یوجف علیها بخیل و لا رکاب،فان هذا التقیید یدل علی ان الاستلاء علیها کان بغیر اراقة الدماء و الجهاد المسلح.

و علی ذلک فعلی ضوء ما هو المعروف و المشهور بین الاصحاب قدیما و حدیثا من انه لا موجب لحمل المطلق علی المقید فی امثال الموارد و انه یؤخذ بالمطلق علی اطلاقه و یحمل القید علی نکتة اخری کالتأکید

ص:14

او الاهتمام أو ما شاکل ذلک فلا تنافی بین المجموعتین.

و اما علی ضوء ما هو الصحیح من انه لا موجب لرفع الید عن ظهور القید فی الاحتراز فلا یمکن الاخذ بالمطلق علی اطلاقه،لتوفر التنافی بین ظهوره فیه،و ظهور القید فی الاحتراز فلا یمکن الجمع بینهما،فعندئذ-لا بد من رفع الید عن اطلاق المطلق و حمله علی المقید بمقتضی الارتکاز العرفی.

و من هنا بنینا فی محله تبعا لسیدنا الأستاذ دام ظله،انه لا فرق فی حمل المطلق علی المقید بین ان یکون الحکم الثابت فی موردهما حکما واحدا و غیر قابل للانحلال أو متعددا و قابلا لذلک.

و علی هذا الأساس.لا بد من رفع الید عن اطلاق المجموعة الأولی و ان الحکم-و هو النفل-لم یثبت لطبیعی الارض الخربة علی نحو الاطلاق و انما ثبت لحصة خاصة منها-و هی الارض الخربة التی لم یوجف علیها بخیل و لا رکاب-.

فالنتیجة ان الارض الخربة بمقتضی هذه المجموعة انما تکون من الأنفال إذا استولوا علیها المسلمون بغیر عنوة و اراقة دم لا مطلقا فلا تدل-عندئذ-علی إن الاراضی الخربة و المیتة التی لم یستولوا علیها المسلمون بغیر الجهاد المسلح تکون من الانفال.

و اما مع المجموعة الثانیة:فلا تنافی بینها و بین تلک المجموعة و ذلک لاختصاصها بالقریة التی قد خربت فلا تنطبق علی الارض الخربة فحسب من دون ان تکون معنونة بعنوان القریة،کما ان هذه المجموعة لا تصدق علی القریة الخربة فقط.

و من هنا یظهر حال المجموعة الثانیة:مع المجموعة الأولی و انه لا تنافی بین المجموعتین بعین الملاک الآنف الذکر.

ص:15

الخط الثانی:هل تختص الانفال بالاراضی،أو القری التی قد

استولوا علیها المسلمون بغیر قتال؟

فیه وجهان:الظاهر هو الوجه الثانی یعنی به عدم الاختصاص و ربما نسب ذلک إلی الاصحاب.

و السبب فیه ان اطلاق قوله(علیه السلام)فی صحیحة حفض بن البختری المتقدمة:الانفال ما لم یوجف علیه بخیل و لا رکاب یشمل الارض و غیرها،حیث ان مضمونة هو:ان کل ما اخذ من الکفار بغیر قتال و اراقة دماء فهو من الانفال و ان کان منقولا،و لا موجب لتقییده بغیر المنقول.

و مما یدل علی ذلک قوله(علیه السلام)فی صحیحة معاویة بن وهب المتقدمة:و ان لم یکونوا قاتلوا علیها المشرکین کان کلما غنموا للإمام(علیه السلام)بل لا یبعد اختصاصه بالمنقول فحسب.

الخط الثالث:هل الارض الخربة تشمل الارض المیتة بالاصالة

أو تختص بما إذا کانت مسبوقة بالعمران

فیه وجهان:

ذکر المحقق الاصفهانی(قده)فی حاشیته علی مکاسب شیخنا العلامة الانصاری(قده)ما نصه:(أما الارض الخربة مطلقة کانت أو مقیدة فموردها المسبوقة بالعمارة لا الموات بالاصالة).

و لنأخذ بالمناقشة علیه:فان ما ذکره(قده)ان کان یقوم علی اساس ان المنصرف من الارض الخربة هو المسبوقة بالعمارة فلا تشمل الموات بالاصالة،فیردّه:

انه لا موجب لدعوی مثل هذا الانصراف،ضرورة ان المنصرف منها عرفا لیس هذا المعنی،بل المنصرف منها عند العرف حسب ما هو المرتکز فی اذهانهم هو المعنی الذی یکون فی مقابل المعنی المنصرف من الارض العامرة عرفا بتقابل التضاد کالمعنی المتفاهم من

ص:16

الارض المیتة فی مقابل المعنی المتفاهم من الارض المحیاة،فکما ان الارض العامرة تشمل العامرة طبیعیا،و العامرة بشریا، کذلک الارض الخربة تشمل الخربة بالاصالة،و الخربة بالعرض.

فالنتیجة انه لا منشأ لهذا الاختصاص و لا موجب لتلک الدعوی، و ان الارض الخربة کالأرض المیتة،فکما انها تشمل المیتة بالاصالة و المیتة بالعرض،فکذلک الارض الخربة.

و ان کان یقوم علی اساس ان مورد روایاتها خصوص ما إذا کانت مسبوقة بالعمران دون الاعم منها و من الموات بالاصالة،فیردّه:

اولا:ان الامر لیس کذلک،فان الروایات التی تتضمن الارض الخربة تصنّف إلی ثلاثة اصناف.

الاول:جاء بهذا النص:کل ارض خربة للإمام(علیه السلام).

الثانی:جاء بنص أخر:ما کأن من الارض بخربة لم یوجف علیها بخیل و لا رکاب.

الثالث:جاء بنص ثالث:کل ارض خربة باد اهلها.و بعد ذلک نقول:

اما الصنف الاول:فلا یکون فیه ما دل علی أن مورده خصوص الارض الخربة التی کانت مسبوقة بالعمارة،

و ان شئت قلت:انه لیس هنا قرینة لا من الخارج و لا من الداخل علی أن مورده الارض الخربة المسبوقة بالعمارة،و علیه فمقتضی عمومه شموله لکل ارض خربة،سواء أ کانت خربة بالاصالة أم کانت بالعرض.

و اما الصنف الثانی:فایضا لا دلیل علی أن مورده الارض الخربة المسبوقة بالعمران فحسب،دون الاعم منها و من الموات

ص:17

بالاصالة.و قد ذکرنا سابقا انه یعم الارض الخربة التی لیس لها اهل و من الطبیعی ان الارض الخربة التی کانت کذلک تشمل الخربة بالاصالة أیضا.

نعم الارض الخربة التی یکون لها أهل لا تشملها نظرا إلی ان فرض الاهل لها خلف،حیث انه لا یمکن الا بقیام الفرد باحیائها و عمارتها،لما سیأتی فی ضمن البحوث القادمة من انه لا یمکن فرض تحقق العلاقة بین الفرد و الارض ابتداء،سواء أ کانت علی مستوی الملک أم کانت علی مستوی الحق الا بقیامه باستثمارها و احیائها، ثم بعد ذلک اذا عرض علیها الخراب فهل یوجب خروجها عن نطاق علاقته بها نهائیا اولا؟!ففیه کلام سوف یأتی فی ضمن الابحاث الآتیة بشکل موسع.

و اما الصنف الثالث:فهو و ان کان مورده خصوص الارض الخربة المسبوقة بالعمارة بقرینة فرض وجود الاهل لها الا ان هذا الصنف ضعیف من ناحیة السند فلا یمکن الاعتماد علیه علی انه لا یصلح ان یکون مقیدا لإطلاق الصنفین الاولین کما هو ظاهر.

هذا اضافة الی عدم الحاجة الیه،حیث انه یکفی لإثبات ما هو المقصود فی المقام الصنفان الأولان.

و ثانیا علی تقدیر تسلیم ان مورد الروایات الارض الخربة المسبوقة بالاحیاء الا ان المتفاهم العرفی منها عدم خصوصیة للمورد، جزما و انه لا فرق بین المسبوقة بالاحیاء و غیر المسبوقة به.

الخط الرابع:قد ورد فی موثقة سماعة بن مهران المتقدمة ان البحرین

مما لم یوجف علیها بخیل و لا رکاب،و انها من الانفال،

هذا.

و قد حکی عن کتاب الاحیاء کما عن شیخنا العلامة الانصاری(قده)

ص:18

ان البحرین من البلاد التی قد اسلم اهلها علیها طوعا،و استجابوا للدعوة،فهی لأهلها،لا للإمام(علیه السلام).

و قد صرح بذلک الشهید الثانی(قده)فی الروضة فی کتاب احیاء الموات عند قول الشهید الاول:(و کل ارض اسلم علیها اهلها طوعا فهی لهم).

بقوله:کالمدینة المشرفة،و البحرین،و اطراف الیمن بینما جعل(قده)-بلاد البحرین فی کتاب الخمس من الروضة-من البلاد التی سلمها أهلها للمسلمین ابتداء من دون هجوم من قبلهم، و من المعلوم انها عندئذ للإمام(علیه السلام)لا لأهلها،فالتناقض بین قولیه(قده)فی الکتابین المذکورین موجود.

و کیف کان فالصحیح انها تکون من الانفال لدلالة الموثقة المزبورة علی ذلک من دون قرینة علی الخلاف.

و اما کونها منها ای من الانفال لأجل تسلیم اهلها للمسلمین تسلیما ابتدائیا أو لأجل المصالحة أو نحو ذلک فالموثقة غیر متعرضة لشیء من هذه الاحتمالات.

الخط الخامس:ان ما جاء بهذا النص کل ارض لا رب لها فهی

للإمام(علیه السلام)یؤدی کبری کلیة،

و تدخل فی نطاق هذه الکبری الارض الموات،سواء أ کانت مواتا بالاصالة أم کانت بالعرض إذا لم یکن لها مالک بالفعل.

و کذلک تدخل فی نطاقها الارض العامرة طبیعیا،و العامرة بشریا إذا فرض عدم اهل لها بالفعل،کما إذا باد اهلها أو ما شاکل ذلک.هذا من ناحیة.

ص:19

و من ناحیة أخری:ان الارض التی استولی المسلمون علیها بغیر عنوة،و هراقة دم،تشمل الارض التی لیس لها مالک بالفعل، و لا تختص بالارض التی کان لها مالک کذلک،کما اشرنا الیه آنفا،و لا فرق فیها بین کونها عامرة أو میتة.

ص:20

1- الارض الموات

اشارة

اصالة،و عرضا

احیاء الارض،اثره:

الملک،او الحق؟! شرائط الاحیاء

ص:21

ص:22

الارض الموات

فی أن أرض الموات من الأنفال

لا شبهة فی ان الارض الموات من الأنفال.

و تدل علی ذلک:مضافا الی عدم الخلاف فی المسألة بین الأصحاب بل عن غیر واحد دعوی الاجماع فیها-طوائف من النصوص:

الطائفة الأولی:النصوص المتقدمة کصحیحة حفض بن البختری و موثقة محمد بن مسلم.و موثقة سماعة بن مهران.و موثقة اسحاق ابن عمار.و معتبرة زرارة.و غیرها من الروایات التی لا یبعد بلوغ المجموع حد التواتر اجمالا کما عرفت.

ثم ان هذه الطائفة و ان لم یرد شیء منها فی الموات بالاصالة خاصة.

لان بعضها تضمن کون الارض الخربة للإمام(علیه السلام).

و بعضها تضمن کون الارض الخربة التی لم یوجف علیها بخیل و لا رکاب للإمام(علیه السلام).

و بعضها تضمن کون الارض التی لا رب لها للإمام(علیه السلام)،و هکذا.

ص:23

الا ان دلالتها علی کون الموات بالاصالة من الانفال تقوم علی اساس ما قدمناه فی ضمن الابحاث المتقدمة من ان الارض الخربة تشمل الموات بالاصالة،و لا تختص بالارض الخربة المسبوقة بالعمارة هذا من ناحیة.

و من ناحیة اخری ان الارض التی لا رب لها کما جاءت فی بعض هذه الطائفة تشمل الموات بالاصالة،بل هی من اظهر مصادیقها و افرادها،و علیه فلا حاجة الی ورود دلیل فی الارض الموات بعنوانها خاصة.

و بکلمة اخری:ان الذی جاء فی الروایات المعتبرة و غیرها عنوانان:

احدهما:الارض الخربة.

و الأخر:الارض التی لا رب لها.

و اما الموات بالاصالة فلم ترد فی لسان شیء من روایتنا حتی فی روایة ضعیفة.

نعم ورد فی صحیحة عمر بن یزید المتقدمة الارض الموات و لکن مع فرض اهل لها کما هو کذلک فی بعض الروایات الضعاف و هو مرسلة الصدوق عن داود بن فرقد عن أبی عبد اللّه(علیه السلام)فی حدیث قال قلت:(و ما الانفال قال:بطون الاودیة الی ان قال:و کل ارض میتة قد جلا أهلها)الحدیث (1).

و من الطبیعی انها لا تشمل الموات بالاصالة بقرینة فرض الاهل لها،و لا اهل للموات بالاصالة.

الا أن الذی یسهل الخطب ما ذکرناه سابقا من ان الارض الخربة تشمل الموات بالاصالة،و لا فرق فیها بین کونها خربة بالاصل

ص:24


1- 1) الوسائل ج 6 الباب 1 من ابواب الانفال الحدیث 32.

بان لم یجر علیها ملک من مالک اصلا کالمفاوز مثلا،و بین کونها خربة بالعرض من ناحیة ابادة اهلها او نحو ذلک.

هذا اضافة إلی ما عرفت من ان الارض التی لا رب لها تشمل الموات بالاصالة،و تصدق علیها.

و دعوی-ان هذه النصوص التی جاءت بهذا العنوان(الارض التی لا رب لها)مسوقة لبیان مالکیة الامام(علیه السلام)للأرض بما هی لا رب لها،لا بما هی موات بالاصالة،فحینئذ لا تدل علی ان الموات بالاصالة بما هی موات ملک للإمام(علیه السلام).

خاطئة جدا،و ذلک لأن هذه الدعوی ان کانت تقوم علی اساس انه لا اطلاق لها بالاضافة إلی الموات بالاصالة،و انما هی ناظرة إلی ملکیة الارض للإمام(علیه السلام)بما هی لا رب لها فعلا من ناحیة ابادة اهلها أو انجلائه أو ما شاکل ذلک.

فیرده:انه لا شبهة فی اطلاقها و عمومها لکل ارض لا رب لها سواء أ کان عدم رب لها بالذات کالموات بالاصالة أو العامرة کذلک أو بواسطة امر طارئ کالموات بالعرض أو العامرة کذلک.

و ان کانت تقوم علی اساس انها تدل علی ملکیة الامام(علیه السلام)بهذا العنوان أی بعنوان لا رب لها،و لا تدل علیها بعنوان آخر کالموات بالاصالة،فاذن لا دلیل علی انها ملک للإمام(علیه السلام).

فیرده:انها و ان کانت تدل علی ذلک،الا ان هذا العنوان ای عنوان ما لا رب لها لیس فی مقابل عنوان الموات بالاصالة،بل هو ینطبق علیها انطباق العنوان علی معنونه،و الکلی علی افراده.

و من الطبیعی ان کل ما ینطبق علیه عنوان ما لا رب لها فهو داخل فی نطاق ملکیة الامام(علیه السلام)،و قد عرفت انه لا شبهة فی

ص:25

انطباق هذا العنوان علی الموات بالاصالة.

و ان شئت قلت:ان حیثیة الموات بالاصالة للأرض لا تباین حیثیة ما لا رب لها بحیث لا یمکن التقائهما فی ارض واحدة، لیقال ان ما دل علی ملکیة الارض من الحیثیة الأولی لا یدل علی ملکیتها من الحیثیة الثانیة لعدم انطباقها علی ما تنطبق علیه الأولی.

بل هما متداخلتان تداخل الاخص فی الاعم،و منطبقتان فی الخارج علی ارض واحدة،فالارض الموات بالاصالة تنطبق علیها حیثیة ما لا رب لها،و هی داخلة فی نطاق ملکیة الامام(علیه السلام).

و من الطبیعی انه لا فرق فی دخولها فی نطاق ملکیته(علیه السلام)بین ان یکون من جهة حیثیتها الخاصة و هی الموات بالاصالة،أو من جهة حیثیتها العامة التی تنطبق علیها و علی غیرها-و هی حیثیة ما لا رب لها-.

الطائفة الثانیة:النصوص الدالة علی ان الارض کلها للإمام(علیه السلام).

منها صحیحة أبی سیار مسمع بن عبد الملک فی حدیث قال:

قلت:لأبی عبد اللّه(علیه السلام)(إنی کنت و لیت الغوص،فاصبت أربعمائة ألف درهم و قد جئت بخمسها ثمانین ألف درهم،و کرهت ان احبسها عنک،و اعرض لها و هی حقک الذی جعل اللّه تعالی لک فی اموالنا فقال:و ما لنا من الارض،و ما اخرج اللّه منها إلا الخمس،یا أبا سیار الارض کلها لنا،فما اخرج اللّه منها من شیء فهو لنا،قال:قلت له:أنا أحمل إلیک المال کله فقال:لی یا أبا سیار قد طیبناه لک،و حللناک منه،فضم إلیک مالک،و کل ما کان فی أیدی شیعتنا من الارض فهم فیه محللون،و محلل لهم ذلک إلی أن یقوم قائمنا،فیجیبهم طسق ما کان فی ایدی سواهم،فان

ص:26

کسبهم من الارض حرام علیهم حتی یقوم قائمنا،فیأخذ الارض من ایدیهم،و یخرجهم منها صفرة) (1).

و منها صحیحة أبی خالد الکابلی عن أبی جعفر(علیه السلام)قال:

(وجدنا فی کتاب علی(علیه السلام)ان الارض للّه یورثها من یشاء من عباده و العاقبة للمتقین انا و اهل بیتی الذین اورثنا الارض و نحن المتقون،و الارض کلها لنا،فمن أحیا ارضا من المسلمین فلیعمرها و لیود خراجها إلی الامام من اهل بیتی،و له ما اکل منها،فان ترکها و اخربها فاخذها رجل من المسلمین من بعده فعمرها و احیاها فهو احق بها من الذی ترکها،فلیؤد خراجها إلی الامام من اهل بیتی،و له ما اکل منها،حتی یظهر القائم(علیه السلام)من اهل بیتی بالسیف فیحویها،و یمنعها،و یخرجهم منها،کما حواها رسول اللّه(صلی الله علیه و آله) و منعها،إلا ما کان فی ایدی شیعتنا،فانه یقاطعهم علی ما فی ایدیهم و یترک الارض فی ایدیهم) (2).

فان دلالة هذه الطائفة علی ان الارض الموات بالاصالة للإمام(علیه السلام) انما هی بالعموم.

الطائفة الثالثة:النبویان اللذان غیر مرویین من طرقنا:

احدهما:ما روی عن النبی(صلی الله علیه و آله)(موتان من الارض للّه و رسوله(صلی الله علیه و آله)ثم هی لکم منی ایها المسلمون).

و ثانیهما:ما روی عنه(صلی الله علیه و آله)(عادی الارض للّه و لرسوله(صلی الله علیه و آله) ثم هی لکم منی).هذا.

و لکن ذکر المحقق الاصفهانی(قده)فی المقام بان المسألة

ص:27


1- 1) الوسائل ج 9 الباب 4 من ابواب الانفال الحدیث 12.
2- 2) الوسائل ج 17 الباب 3 من ابواب احیاء الموات الحدیث 2.

-و هی کون الارض الموات بالاصالة للإمام(علیه السلام)-و ان کانت اتفاقیة إلا انه لا یمکن اتمامها بالنصوص الواردة فی المقام-و هی الطوائف المتقدمة-حیث قد ناقش فی تلک الطوائف باجمعها.

اما الطائفة الأولی و هی التی تصنّف إلی مجموعتین:

احداهما جاءت بهذا النص:(الارض الخربة التی لم یوجف علیها بخیل و لا رکاب للإمام(علیه السلام).

و الاخری:جاءت بنص آخر:(کل ارض لا رب لها).

فقد ناقش(قده)فی کلتا المجموعتین.

اما المجموعة الاولی فقد قال:فیها کما عرفت بان الارض الخربة لا تشمل الموات بالاصالة،و تختص بالارض الخربة المسبوقة بالعمارة.

و قد تقدم جواب ذلک فی ضمن البحوث السابقة بشکل موسع.

و اما المجموعة الثانیة فقد قال:فیها بأنها مسوقة لبیان ملکیة الارض للإمام(علیه السلام)بما هی لا رب لها،لا بما هی موات بالاصالة فلا تدل علی ملکیتها من هذه الحیثیة.

و قد تقدم الجواب عن ذلک آنفا بصورة موسعة.

و اما الطائفة الثانیة فقد ذکر(قده)انها و ان کانت تعم الموات بالاصالة،إلا انه لا بد من حمله علی الملک بمعنی آخر، فیکون کملکه تعالی ملکا حقیقیا،لا اعتباریا یترتب علیه الآثار، و ذلک الملک الحقیقی یعم الاملاک،و الملاک.

و اوضح ذلک بقوله:فان الممکنات کما انها مملوکة له تعالی حقیقة باحاطته الوجودیة علی جمیع الموجودات بافضل انحاء الاحاطة الحقیقیة،کذلک النبی(صلی الله علیه و آله)،و الائمة(علیه السلام)بملاحظة کونهم(علیه السلام)

ص:28

من وسائط فیض الوجود،لهم الجاعلیة و الاحاطة بذلک الوجه بمعنی فاعل ما به الوجود،لا ما منه الوجود،فانه مختص بواجب الوجود،و لا بأس بان تکون الاملاک،و ملاکها مملوکة لهم بهذا الوجه و ان لم تکن مملوکة لهم بالملک الاعتباری الذی هو الموضوع للأحکام الشرعیة و آثارها.

و الجواب عن ذلک:انه لا موجب لحمل الملک فی هذه الطائفة من النصوص علی الملک الحقیقی بالمعنی المذکور،لوضوح ان هذا الحمل بحاجة الی عنایة زائدة،فلا یمکن الذهاب الیه من دون قرینة تشهد علی ذلک.

و بکلمة اخری:لا شبهة فی ظهور النصوص فی الملک الاعتباری و لا یمکن رفع الید عن هذا الظهور الا عند توفر قرینة علی الخلاف و لا قرینة فی المقام لا من الداخل،و لا من الخارج.

نعم قد یتوهم ان ملکیة الامام(علیه السلام)للأرض کلها تتعارض مع تملک غیر الامام بسبب من الاسباب الشرعیة،کالإحیاء،او نحوه، و هذا بنفسه قرینة علی عدم امکان الاخذ بالظهور المزبور،و لا جل ذلک لا مناص من حمل الملک فی النصوص علی الملک الحقیقی.

و لکن هذا التوهم خاطئ جدا،و السبب فیه:

اما اولا:فلا مکان ان یقول:ان النصوص التی تدل علی ان الارض کلها للإمام(علیه السلام)انما تنظر الی الارض بوضعها الطبیعی یعنی ان ملکیة الامام(علیه السلام)للأرض جمیعا بملکیة اعتباریة منصبة علی الوضع الطبیعی للأرض بما هی.

و من الطبیعی ان ملکیة الامام(علیه السلام)للأرض بهذا المعنی لا تتعارض مع ملکیة غیره لها بالعنوان الثانوی،بداهة انه لا منافاة

ص:29

بین کون الارض داخلا فی نطاق ملکیة الامام(علیه السلام)بالعنوان الاولی الطبیعی،و کونها داخلا فی نطق ملکیة غیره بالعنوان الثانوی العرضی کإحیاء و عمارة،او نحو ذلک.

و اما ثانیا:فعلی ضوء ما حققناه فی ضمن الابحاث القادمة من ان الاحیاء لا یوجب اختصاص المحیی بالارض علی مستوی الملک، و انما یوجب اختصاصه بها علی مستوی الحق،فلا ملزم للقول بان النصوص المذکورة انما تنظر الی ملکیة الارض للإمام(علیه السلام)بوضعها الطبیعی،اذ لا منافاة بین ملکیة الامام(علیه السلام)للأرض علی نحو الاطلاق،و اختصاص غیره بها علی مستوی الحق،اذا قام باحیائها و عمارتها.

و نتیجة ذلک ان من قام باحیاء الارض و عمارتها فقد حدثت له العلاقة بها علی مستوی الحق،دون الملک،و هذا لا یتعارض مع بقاء رقبة الارض فی ملک الامام(علیه السلام).

ثم ان الظاهر من النصوص هو الملکیة بهذا المعنی یعنی الملکیة المطلقة،دون الملکیة فی اطار خاص-و هی الملکیة علی الشکل الاول،فان حمل النصوص علیها بحاجة الی قرینة،و لا قرینة فی البین،الا علی ضوء ما هو المشهور بین الاصحاب من ان الاحیاء یوجب الاختصاص علی مستوی الملک،فانه حینئذ لا بد من الالتزام بملکیة الامام(علیه السلام)للأرض علی الشکل الاول.

الی هنا قد انتهینا الی هذه النتیجة،و هی ان رقبة الارض ملک للإمام(علیه السلام)مطلقا ای سواء أطرأ علیها علیها عنوان ثانوی کالإحیاء او نحوه،أم لم یطرء،فان الاحیاء علی الصحیح کما سیجیء لا یکون مبررا ألا لاختصاص المحیی بها علی مستوی الحق فحسب،و هذا

ص:30

لا ینافی بقاء الرقبة فی ملک الامام(علیه السلام)،بل هو یؤکد ذلک.

و من هنا یظهر انه لا موجب لحمل الملکیة فی تلک النصوص علی اعتبارها امرا معنویا،فان الضرورة لهذا الحمل أو غیره انما تکون فیما اذا لم یمکن حملها علی اعتبارها حکما شرعیا،و اما اذا امکن ذلک ثبوتا،و کانت النصوص ظاهرة فیه اثباتا،فلا ضرورة لذلک ابدا،هذا من ناحیة.

و من ناحیة أخری:لو اغمضنا النظر عن ظهور النصوص فی نفسها فی ملکیة الارض للإمام(علیه السلام)بالملکیة الاعتباریة الشرعیة، الا ان فی ذیلها قرائن تشهد علی ذلک،و تؤکد ان ملکیة الامام(علیه السلام) للأرض کلها حکم شرعی،و من جهة تلک القرائن لا مناص من الالتزام بذلک.

منها:فرض الطسق و الاجرة له(علیه السلام)فیها تفریغا علی ملکیته لها،و هذا شاهد قطعی علی ان ملکیته(علیه السلام)لها حکم شرعی، لا تکوینی خارجی،و لا روحی محض.

و منها تحلیله(علیه السلام)الارض للشیعة،دون غیرهم تفریغا علی ملکیته لها،فانه یدل علی ان الملکیة هنا حکم شرعی لا غیره،نظرا الی ظهور النصوص فی التحلیل المالکی.

و منها فرض ان القائم(علیه السلام)اذا ظهر أخذ الارض من ایدی غیر الشیعة،و یخرجهم منها صفرة،فانه یدل بوضوح علی ان ملکیتها للإمام(علیه السلام)حکم شرعی،لا تکوینی،و لا معنوی،حیث ان شیئا منهما لا یکون مانعا عن تملک غیره و تصرفه فیها،و لا یکون محرما کما فرض فیها.

و اما الطائفة الثالثة فقد ناقش(قده)فیها بأنها غیر مرویة من

ص:31

طرقنا فلا یمکن الاستدلال بها،و هذا الذی افاده(قده)متین جدا،حیث لا یمکن الاستدلال بالنبویین المذکورین،لعدم ثبوتهما عندنا.

الی هنا قد استطعنا ان نخرج بهذه النتیجة:و هی ان الارض الموات بشتی اشکالها و الوانها تکون من الانفال و ملکا للإمام(علیه السلام) یعنی به منصب الامامة،و بعد ذلک نقول:

ان الکلام یقع حول الاراضی الموات فی عدة نقاط رئیسیة:

(النقطة الاولی) فی مدلول موثقة اسحاق بن عمار

ان فی موثقة اسحاق بن عمار المتقدمة قد اعتبر-فی کون القریة التی قد انجلی اهلها-من الانفال طرو الخراب علیها.و نتیجة ذلک انها اذا کانت عامرة لم تکن منها و کذا إذا کانت خربة و لم ینجل اهلها،هذا واضح.

و انما الکلام فی ان القریة إذا کانت عامرة و لم یکن لها أهل، کما إذا باد أهلها،فهل تکون من الانفال؟مقتضی هذه الموثقة انها و ان لم تکن من الانفال،إلا انه لا مانع من الحکم بکونها منها باعتبار دخولها فی الارض العامرة التی لا رب لها،لوضوح ان الارض العامرة تشمل ما إذا کان عمرانها باحداث قریة أو بلد.

هذا من ناحیة.

و من ناحیة أخری ان فی ذیل هذه الموثقة قد اعتبر فی کون الارض التی لم یوجف علیها بخیل،و لا رکاب من الانفال کونها

ص:32

خربة،و مقتضی ذلک عدم کون تلک الارض منها إذا کانت عامرة و قد تقدم ان هذه الموثقة لا تکون منافیة لإطلاق موثقة زرارة المتقدمة أو ما شاکلها.

و من ناحیة ثالثة قد عرفت ان ذیل هذه الموثقة یکون مقیدا لإطلاق صحیحة حفض بن البختری المتقدمة،أو نحوها.و نتیجة هذا التقیید هی ان الارض التی لم یوجف علیها بخیل و لا رکاب انما تکون من الانفال و ملکا للإمام(علیه السلام)إذا کانت خربة،لا مطلقا و لو کانت عامرة.

لحد الان قد تبین انه لا یمکن الحکم بکون الارض التی لم یوجف علیها بخیل،و لا رکاب من الانفال إذا کانت عامرة بمقتضی هذه النصوص التی قد عرفت آنفا.

و لکن قد سبق ان لدینا مجموعات اخری من النصوص،و هی تدل علی ذلک.منها:ما جاءت بهذا النص:(کل ارض لا رب لها) هی للإمام(علیه السلام).

و من الطبیعی ان هذا النوع من الارض داخل فی نطاق عموم هذه المجموعة،لوضوح إن کل ارض باد اهلها،یدخل فیما لا رب لها فعلا فتعمها تلک المجموعة نظرا الی ان مدلولها هو ان أی أرض لا مالک لها بالفعل فهی نفل،و داخلة فی نطاق ملکیة الامام(علیه السلام)،من دون فرق بین کونها عامرة أو خربة،و من دون فرق بین کونها مسبوقة بملکیة احد لها أو لم تکن.

و من هنا قلنا ان القریة العامرة اذا لم یکن لها مالک فعلا تدخل فیها ای فی تلک المجموعة.

الی هنا قد انتهینا الی هذه النتیجة،و هی ان کون الارض نفلا

ص:33

لا ینحصر بالارض المیتة و الخربة،بل تعم الارض العامرة أیضا اذا کانت مما لا رب لها فعلا کما إذا کان عمرانها طبیعیا هذا من ناحیة.

و من ناحیة اخری فقد عرفت ان الارض المیتة و الخربة اذا کان موتها و خرابها بالاصالة فهی نفل للّه،و لرسوله(صلی الله علیه و آله)،و من بعده للأئمة(علیه السلام).

و اما إذا کان موتها و خرابها بسبب طارئ و عارض فان لم یکن لها مالک فعلا فهی أیضا نفل،و ان کان لها مالک کذلک فهی لیست بنفل جزما،لان النصوص المتقدمة لا تدل علی ملکیة الارض للإمام(علیه السلام)اذا کان لها مالک بالفعل.

و اما فرض ان لها مالکا فی هذا الحال یقوم علی اساس امرین:

احدهما:افتراض ان الاحیاء یوجب اختصاص المحیی بالارض علی مستوی الملک،او یکون الموجب لذلک الاختصاص سببا آخر کشراء أو نحوه.

و الاخر:ان طر و الخراب لا یوجب انقطاع علاقة المالک عنها نهائیا.

و سیجیء البحث حول هذین الامرین فی ضمن البحوث القادمة، و نبین هناک المناقشة فی الأمر الأول،و نقول:ان الاحیاء اذا کان بعد تاریخ تشریع ملکیة الانفال للإمام(علیه السلام)لا یوجب العلاقة الا علی مستوی الحق دون الملک،و کذا الشراء،أو نحوه المتأخر عنه،المنتهی الیه بالتالی.

و اما الأمر الثانی فنبین هناک انه تام علی القول بالملک من ای سبب کان،دون القول بالحق.

و قد تحصل من مجموع ما ذکرناه امران:

الاول:ان النسبة بین کون الارض نفلا و کونها میتة عموم من

ص:34

وجه،فانها قد تکون نفلا،و لا تکون میتة،کما اذا کانت عامرة طبیعیا بدون تدخّل انسان فیها،فانها نفل،مع انها لیست بمیتة،و قد تکون میتة،و لا تکون نفل،و ذلک کما اذا قام فرد باحیاء الارض قبل تاریخ نزول آیة الانفال،او فیما اذا اسلم اهلها علیها طوعا قبل ذلک التاریخ أو نحو ذلک،فان هذه العلاقة لا تزول بطرو الخراب علیها،و سوف نشیر الی تفصیل ذلک فی ضمن الموضوعات القادمة،و قد تلتقیان فی مورد واحد کما فی الموات بالاصالة.

الثانی:ان العنوان الرئیسی العام لکون الارض نفلا انما هو عنوان ما لا رب لها،فانه بشمل الاراضی المیتة،و العامرة التی لا مالک لها،کما اذا کان عمرانها مستندا الی طبیعتها من دون تدخّل عامل خارجی فیها.

النقطة الثانیة فی أن الأرض المیتة إذا کان لها مالک بالفعل فلیست من الانفال جزما

اشارة

قد عرفت ان الارض المیتة اذا کان لها مالک بالفعل فلیست من الانفال جزما.

و من هنا قد قید جماعة منهم المحقق(قده)فی الشرائع کونها من الانفال،بما باد اهلها،أو لم یجر علیها ملک،کالمفاوز، و سیف البحار.

و من الواضح ان هذا التقیید انما هو للاحتراز عما اذا کان لها مالک بالفعل.

ثم ان سبب ملک الفرد للأرض قد یکون عملیة الاحیاء،بناء علی القول بکونها سببا له،و قد یکون غیرها من الاسباب الأخر

ص:35

کالإرث و الشراء و الهبة و ما شاکل ذلک،و علی کلا التقدیرین، فتارة یفرض اعراض المالک عن الارض،و اخری یفرض عدم اعراضه عنها،

فیقع الکلام فی مقامین:
اشارة

الاول:فیما اذا کان سبب الملک عملیة الاحیاء.

الثانی:فیما اذا کان سببا آخر غیرها،کالشراء أو الارث،أو نحو ذلک.

اما المقام الاول: فیما إذا کان سبب الملک عملیة الإحیاء
اشارة

ففیه اقوال:

القول الاول:ان علاقة المالک عن الارض تنقطع نهائیا بعد خرابها،و تدخل فی علاقة من قام باحیائها و عمارتها.

القول الثانی:ان علاقة المالک بالارض ان کانت بسبب الاحیاء انقطعت عنها نهائیا بعد خرابها،و ان کانت بسبب آخر،کالشراء، أو نحوه لم تنقطع لا بالخراب،و لا بقیام غیره باحیائها،و الاستیلاء علیها.

القول الثالث:ان علاقة المالک لا تنقطع عن الارض نهائیا بطرو الخراب،و انما تنقطع عنها کذلک بعد قیام غیره باحیائها و استثمارها.

القول الرابع:ان علاقة المالک لا تنقطع عن الارض مطلقا حتی بعد قیام غیره بعملیة احیائها من دون فرق بین ان یکون سبب علاقته بها عملیة الاحیاء أو غیرها.

القول الاول ان علاقة المالک عن الارض تنقطع نهائیا بعد خرابها،و تدخل فی علاقة من قام باحیائها و عمارتها

ذهب الیه جماعة منهم الشهید الثانی(قده)فی الروضة و المسالک و عن العلامة فی التذکرة انه مال الیه،و عن السبزواری فی الکفایة انه الاقرب،و عن الفاتح انه أوفق بالجمع بین الاخبار،بل عن المحقق فی جامع المقاصد انه المشهور بین الاصحاب.

ص:36

و کیف کان فقد استدل علی هذا القول بوجهین:
الوجه الاول بمجموعة من النصوص التی جاءت بهذا اللسان أو

قریبا منه(من أحیا ارضا مواتا فهی له).

و تقریب الاستدلال بها انها تدل باطلاقها علی ان من یقوم بعملیة احیاء الارض الموات و استثمارها یملک الارض.

و من الطبیعی ان قضیة ذلک لا محالة خروجها عن ملک صاحبها بعد خرابها،و الا لم یجز لغیره نهائیا ان یقوم باحیائها و التصرف فیها،و لم یترتب علی احیائه اثر وضعا.

و لنأخذ بالمناقشة فی هذا الدلیل:

اما اولا:فلان تلک المجموعة من النصوص لا تدل بوجه علی خروج الارض عن ملک صاحبها بعد خرابها،لوضوح ان ما تدل علیه هذه المجموعة و تؤکده هو ان من یقوم باحیائها یملک.

و من الطبیعی ان تملکه لها بالاحیاء لا ینافی عدم خروجها عن ملک صاحبها بصرف الخراب،اذ من الممکن جزما ان تظل رقبة الارض فی ملکه بعد خرابها.

و علی الرغم من ذلک فیمکن للشارع ان یبیح لغیره القیام باحیائها لئلا تبقی الارض معطلة،فاذا قام غیره باحیائها،و انفق جهده فی سبیل بعث الحیاة فیها.و اصبحت حیة،فقد انقطعت بذلک علاقة صاحبها عنها نهائیا لا بصرف خرابها و تدخل بعد ذلک فی ملکه.

و بکلمة اخری:ان تلک المجموعة تدل بالمطابقة علی ان عملیة الاحیاء توجب تملک المحیی لرقبة الارض،و لا تدل ابدا علی خروج الارض عن ملک صاحبها بطرو الخراب،اذ کما یحتمل ذلک یحتمل ان یکون خروجها عن ملکه بقیام غیره باحیائها:لا بخرابها فقط.

ص:37

فلا ملازمة بین جواز قیام فرد آخر باحیاء الارض و بین خروجها عن ملک صاحبها بمجرد الخراب،لیقال ان هذه المجموعة التی تدل علی الأول بالمطابقة تدل علی الثانی بالالتزام.

فالنتیجة:ان ما هو معلوم لنا خارجا هو خروج تلک الارض عن ملکیة الفرد الأول بعد قیام الفرد الثانی باحیائها و استثمارها و انفاق الجهد فی سبیل بعث الحیاة فیها.

و لکن لا نعلم تاریخ خروجها الزمنی و انه هل کان بطرو الخراب فحسب أی سواء أقام غیره باحیائها أم لم یقم،أو کان بعد انفاقه جهده فی سبیل بعث الحیاة فیها،فاللازم یکون الاعم،فالنصوص کما لا تدل علی الأول،کذلک لا تدل علی الثانی،و انما تدل علی الجامع اجمالا من دون دلالة علی أیة خصوصیة.

و أما ثانیا:فلان التمسک بهذه النصوص یکون من التمسک بالعام فی الشبهة المصداقیة،فلا یجوز.

بیان ذلک:لا شبهة فی ان موضوع عملیة الاحیاء انما هو الارض المیتة التی لیس لها مالک بالفعل،لوضوح انه لو کان لها مالک کذلک لم یجز احیائها جزما،و لم یکن له اثر بالاضافة الیها نهائیا.

بداهة انه انما یؤثر فی ایجاد الاختصاص علی مستوی الملک، أو الحق علی الخلاف فی المسألة القادمة،اذا کان فی الارض المیتة التی لم تکن لأی فرد علاقة بها و لو علی مستوی الحق.

ثم ان هذا التقیید فی موضوع هذه النصوص قد ثبت بدلیل العقل و الشرع.

اما العقل فلاستقلاله بقبح التصرف فی مال الناس عدوانا، و بدون الاذن منهم.

ص:38

و اما الشرع فلحکمه بحرمة التصرف فی مال المسلم بدون اذنه و طیب نفسه.

و دعوی-أن الاثر الوضعی المترتب علی عملیة الاحیاء لا یتوقف علی جواز هذه العملیة تکلیفا،فیمکن ان تکون العملیة محرمة شرعا،و مع ذلک یترتب علیها الاثر الوضعی-و هو الملک أو الحق- اذا قام فرد بها خارجا،فلا ملازمة بین حرمتها تکلیفا و عدم ترتب الاثر علیها وضعا،و کم له من نظیر فی الشرع المقدس-.

و ان کانت صحیحة فی الجملة،الا أنها خاطئة فی خصوص مورد الکلام،و ذلک لخصوصیة فیه،و هی کون الارض فی ملکیة غیره.

و من الطبیعی ان الاحیاء انما یؤثر فی ایجاد العلاقة بین الارض و الفرد فیما اذا لم تکن مسبوقة بعلاقة اخری بینها و بین الفرد الاخر، و الا فلا أثر له أصلا.

نعم اذا افترضنا ان المحل قابل لان تؤثر فیه عملیة الاحیاء و الاستثمار،کما اذا کانت فی الارض الموات التی لا مالک لها فعلا،کالموات بالاصالة،أو نحوها،و کان منشأ حرمتها شیئا آخر کما اذا انطبق علیها عنوان هتک مؤمن مثلا أو کانت مصداقا للضرر المحرم،أو فرض نهی الشارع عنها بجهة من الجهات،ففی مثل ذلک لا مانع من ترتب الاثر الوضعی علیها،و الحرمة التکلیفیة المحضة غیر مانعة عن ذلک،کما هو الحال فی غیرها من اسباب الملک کالبیع،أو نحوه.

و أما اذا شک فی تأثیر الاحیاء للشک فی بقاء الارض بعد خرابها فی ملکیة صاحبها،أو خروجها عن نطاق ملکیته،فمن الطبیعی انه لا یمکن ترتیب الاثر علیه،للأصل المقتضی عدمه.

ص:39

و علی ضوء هذا الاساس فیکون موضوع العام فی تلک المجموعة من النصوص متعنونا بعنوان عدمی-و هو الارض المیتة التی لا تکون ملکا لأحد-و بما ان احرازه فیما نحن فیه لا یمکن لا وجدانا،و لا تعبدا فلا یمکن التمسک به،لأنه من التمسک بالعام فی الشبهة المصداقیة.

قد یناقش فی ذلک:بانه لا مانع من التمسک بتلک النصوص فی المقام،بدعوی انه لیس من التمسک بالعام فی الشبهة المصداقیة باعتبار ان موضوعها-و هو الارض المیتة-لم یقید بالقید المشار الیه آنفا.

و السبب فیه:ان السیرة العقلائیة قد جرت علی جواز التصرف فی الارض بعد خرابها و موتها،و ان کانت رقبتها باقیة فی ملکیة صاحبها.

و هذه السیرة لما کانت ممتدة زمنیا الی تاریخ عصر التشریع من دون ورود أی ردع عنها،بل یظهر من بعض الروایات القادمة إمضائها،فبطبیعة الحال تکشف عن امضاء الشارع لها.

و النکتة فی ذلک انه لا مصلحة فی تعطیل الارض،و عدم الاستفادة منها،رغم الحاجة الی استثمارها و الاستفادة من ثرواتها.

و علی هذا الضوء فاذا لم یقدم صاحبها بالقیام باحیائها و استثمارها فقد جوز الشارع لغیره ان یقوم بذلک،بل ربما ینتهی الأمر الی حکم الشارع بلزوم القیام بحقها.

فالنتیجة:انه لا مانع من التمسک بهذه النصوص باعتبار ان الدلیل المزبور یخرج التمسک بها من التمسک بالعام فی الشبهة المصداقیة.

و الجواب عن هذه المناقشة:انها بحاجة الی دلیل،و لا نملک دلیلا یدلنا علی ذلک.

ص:40

اما السیرة فهی غیر جاریة هنا جزما،بداهة ان المرتکز القطعی لدی اذهان العقلاء قبح التصرف فی مال الناس بدون الاذن و الرضا منهم،لأنه لدیهم نوع ظلم،و قبح الظلم عندهم من القضایا التی قیاساتها معها،و مع ذلک کیف یتعقل جریان السیرة منهم علی جواز التصرف فیه.

و دعوی:ان السیرة و ان کانت غیر جاریة علی جواز التصرف فی مال الناس بما هو،الا انه لا مانع من جریانها فیما نحن فیه، و ذلک لوجود الفارق،و هو ان فیما نحن فیه لا تکون ملکیة الارض محرزة لصاحبها بعد خرابها،اذ کما یحتمل بقائها فی ملکه، یحتمل خروجها بذلک،فعندئذ یمکن القول بقیام السیرة منهم علی جواز القیام باحیائها و التصرف فیها.

خاطئة جدا،و ذلک لأنه لا فرق فی حکم العقل بقبح التصرف فی مال الناس بین ان یکون معلوما،او مشکوکا،ما لم یقم دلیل علی العدم،و لو کان ذلک الدلیل اصلا عملیا،و الفرض هنا عدم الدلیل،بل مقتضی الاصل العملی فی المقام بقاء الارض فی ملک صاحبها،و عدم انقطاع علاقته عنها نهائیا.

هذا اضافة الی ان هذه السیرة لو تمت فلا تثبت هذا القول -و هو خروج الارض عن ملک صاحبها بالخراب-بل تثبت بقائها فی ملکه.

و اما بعض الروایات الآتیة فهو و ان دل علی جواز احیاء الارض الخربة التی یکون لها مالک معروف،حیث ان ظاهره بقاء رقبة الارض فی ملک مالکها،و عدم خروجها عن ملکه نهائیا،لا بعد خرابها،و لا بقیام غیره باحیائها،فان قیامه باحیائها انما یمنح له

ص:41

الاختصاص بها علی مستوی الحق.

و هذا لا ینافی بقاء الرقبة فی ملک صاحبها،لأن المنافی له انما هو فیما لو کان احیائه موجبا لمنح الاختصاص له علی مستوی الملک و الفرض انه لا یوجب ذلک.

الا ان هذا النص أجنبی عن القول المزبور تماما،فانه یدل علی عکسه-و هو بقاء الارض فی ملک مالکها حتی بعد قیام غیره باحیائها-

هذا اضافة الی ان هذا النص لا یصلح ان یکون قرینة علی تعیین موضوع النصوص العامة المتقدمة حتی لا یکون التمسک بها فی المقام من التمسک بالعام فی الشبهة المصداقیة،و ذلک لما سیجیء فی ضمن البحوث القادمة من ان مورد هذا النص هو ما اذا کان صاحب الارض ممتنعا و مهملا عن القیام بعملیة احیائها و استثمارها،فعندئذ یجوز لغیره أن یقوم بهذه العملیة،و لکن لا یحصل له الا الحق فیها دون الملک.

و اما اذا لم یکن صاحبها ممتنعا و مهملا عن القیام بذلک فلا یجوز لغیره ان یقوم بها،فأذن کیف یکون النص المذکور قرینة علی جواز التصرف فی الارض الخربة و القیام باحیائها مطلقا.

فالنتیجة:ان هذا النص کما لا یکون دلیلا علی اثبات هذا القول،کذلک لا یکون دلیلا علی اثبات القول الثانی أیضا.

و من هنا یظهر انه لا صلة لهذه المناقشة بهذا القول اصلا،فان المناقشة انما تقوم علی اساس بقاء الارض بعد خرابها فی ملک صاحبها، و هذا القول انما یقوم علی اساس خروجها عن ملکه بخرابها،فهما فی طرفی النقیض.

نعم انها تنسجم مع القول الثانی الآتی و تدفع عنه الاشکال بان

ص:42

التمسک فیه بالنصوص المتقدمة من التمسک بالعام فی الشبهة المصداقیة کما سوف نشیر الی ذلک بشکل موسع.

قد یقال:کما قیل:ان عدم جواز التمسک بالعام فی الشبهة المصداقیة انما هو فیما اذا کان المخصص لفظیا،و اما اذا کان لبیا فلا مانع من التمسک به.

و بما ان المخصص فی محل الکلام لبی فلا مانع حینئذ من التمسک بعموم النصوص المذکورة فی الشبهات المصداقیة.

و اما کونه لبیا فانما هو باعتبار ان-ما دل من الادلة علی حرمة التصرف فی مال المسلم،بدون طیب نفسه،و رضاه-لیست نسبته الی تلک النصوص نسبة الخاص اللفظی الی العام،بل ان المستفاد من مجموع تلک الادلة هو القطع بعدم جواز التصرف فیه فالمخصص هنا انما هو القطع المذکور.

و بما انه لبی،فلا مانع من التمسک بعموم العام الا فی موارده دون الاکثر،و علیه ففی کل مورد لا یکون القطع بعدم جواز التصرف موجودا لا مانع من التمسک بعموم تلک النصوص،و الفرض انه فیما نحن فیه غیر موجود،للشک فی بقاء الارض فی ملک صاحبها و احتمال خروجها عنه نهائیا،فعندئذ لا مانع من الرجوع الی عمومها.

و هذا بخلاف ما اذا کان المخصص لفظیا،فان الملقی الی المکلف عندئذ حجتان،و قضیتهما بعد تحکیم الخاص علی العام،و تقدیمه علیه کأنّه لم یعمه العام من رأس،و کأنه لم یکن بعام،و علیه فلا یکون العام حجة فی الافراد المشکوکة.

و لکن هذا الوجه خاطئ جدا،و السبب فیه ان المخصص مطلقا و لو کان لبیا فهو لا محالة یوجب تقیید موضوع العام بغیر افراد

ص:43

المخصص،ضرورة ان الاهمال فی الواقع مستحیل،و اما الاطلاق فیه فهو أیضا کذلک،لأنه خلف،فلا مناص حینئذ من الالتزام بتقییده بغیرها،و لازم ذلک عدم حجیة العام فی الافراد المشکوکة،هذا.

و لکن علی الرغم من ذلک فقد اصر المحقق الاصفهانی(قده)بالفرق بینهما،بدعوی ان المخصص اذا کان لفظیا لم یجز التمسک بالعام فی الفرد المشکوک و المردد.

و اما اذا کان لبیا فلا مانع من التمسک بالعام فیه،فان منشأه لیس الا القطع بالخلاف،و هو فیما نحن فیه القطع بان ما هو فی ملک صاحبها لا یجوز تملکه الا بناقل شرعی،ففی مثله یجوز التمسک بالعام فی الافراد المشکوکة،لکشف حالها،لفرض انه حجة فیها،و لا یکون له مزاحم و مانع عن شمولها.

و قد أفاد(قده)فی وجه ذلک بما إلیک توضیحه:ان المخصص إذا کان لبیا فبما ان منشأه القطع بالخلاف ای بخلاف عنوان العام فلا یوجب تقیید موضوع العام فی الواقع و نفس الأمر،و انما یوجب تقییده بعنوان القطع بخلافه،ففی کل مورد یکون القطع بالخلاف موجودا فلا یکون مشمولا للعام.

و اما فیما لا یکون القطع به موجودا فلا مانع من شمول العام له،و ان کان مشکوکا فیه،فان الشک لا یکون مانعا عن شموله و انطباقه علیه،فالمانع عن الاخذ به انما هو القطع،دون غیره و فی ای مورد کان القطع بالخلاف منتفیا فانه مشمول للعام و یکون العام حجة فیه.

و فیما نحن فیه بما ان موضوع عمومات الاحیاء قد قید بالقطع بما لا یکون ملکا لأحد فمن الطبیعی ان فی ای مورد یتوفر القطع

ص:44

فیه فلا یکون مشمولا لها و اما فیما لا یتوفر القطع فیه فلا مانع من شمولها له و احراز انه من افراد العام.

و علیه فاذا شک فی مورد لا یتوفر فیه القطع بالخلاف فی انقطاع علاقة المالک عن الارض بعد خرابها و عدم انقطاعها فلا مانع من التمسک بتلک العمومات لإثبات انقطاعها عنها.

فالنتیجة ان المانع عن العمل بها انما هو القطع دون المقطوع به بوجوده الواقعی،فکون الارض المیتة فی الواقع ملکا للغیر، لا یمنع عن التمسک بعمومها،ما لم یتوفر لدیه القطع بذلک.

و الی هذا یرجع ما افاده(قده)بقوله:و المخصص اللفظی،کما یکون حجة علی المنافاة،کذلک یکون حجة علی وجود المنافی، و المخصص اللبی لیس حجة الا علی المنافاة،دون وجود المنافی.

و لذا لا یجوز التمسک بالعام علی الأول،لاختلال حجیته علی عدم المنافی،و یجوز التمسک به علی الثانی،لعدم اختلال حجیته علی عدم المنافی،و هذا یعنی:ان المخصص اذا کان لفظیا فهو کما یکون حجة علی المنافاة یعنی المنافاة بین حکم الخاص،و حکم العام کذلک یکون حجة علی وجود المنافی-و هو وجود الخاص فی الواقع فانه بوجوده الواقعی الموضوعی مناف للعام.

و اما اذا کان لبیا کالقطع فهو انما یکون حجة علی المنافاة یعنی منافاة حکم الخاص لحکم العام،و لا یکون حجة علی وجود المنافی -و هو عنوان المقطوع به فی الواقع-.

و النکتة فیه:ان المخصص علی الأول انما هو عنوانه الواقعی،

و اما المخصص علی الثانی انما هو عنوان القطع نفسه،لا العنوان الواقعی للمقطوع به.

ص:45

و من الطبیعی ان القطع بالخلاف انما ینافی العام بمقدار سعته دون الازید،ففی الزائد یکون العام محکما،و علیه فلا مانع من التمسک بالعام فی غیر موارد توفر القطع بالخلاف.

و الجواب عن ذلک ان منشأ التخصیص فی المخصص اللبی و ان کان هو القطع،الا ان من الواضح لدی الارتکاز الجزمی العرفی ان القطع بما هو قطع لا یکون فیه ملاک التخصیص،بداهة انه لیس له شأن ما عدی کونه طریقا الی الواقع،و کاشفا عنه،فما یکون فیه ملاک التخصیص و التنافی انما هو المقطوع به بعنوانه الواقعی، فکون القطع منافیا للعام انما هو باعتبار تعلقه به،لا مطلقا و بقطع النظر عنه.

و علیه فبطبیعة الحال یکون القطع به کاشفا عن انه مانع و مناف للعام،بعنوانه الواقعی،لا بعنوانه العلمی،لأن حرمة التصرف فی مال المسلم وضعا و تکلیفا لیست تابعة للعلم،ضرورة انها تابعة لتحقق موضوعها فی الواقع کان هناک علم أم لم یکن.

و من الطبیعی ان المنافی لتملک المحیی للأرض بالاحیاء انما هو کونها فی ملکیة غیره،و لا دخل لعنوان القطع بذلک اصلا،فانها ان کانت فی الواقع ملکا لغیره لم یملکها المحیی بالاحیاء،و إلا ملکها،سواء أ کان هناک قطع بذلک،أم لم یکن.

فالنتیجة من ذلک أن الارض الموات التی هی موضوع فی عمومات الاحیاء بطبیعة الحال قد قیدت بما لا تکون ملکا لغیر من یقوم باحیائها،غایة الأمر ان الکاشف لنا عن هذا التقیید فی الواقع انما هو القطع،و لا یعقل ان یکون هذا التقیید تابعا للقطع،لما عرفت من ان حرمة التصرف فی مال المسلم لیست تابعة له.

ص:46

و هذا التقیید انما هو من مظاهر حرمة التصرف فیه،و آثارها فاذا کان موضوع هذه العمومات مقیدا فی الواقع بما عرفت،فکیف یمکن التمسک بها فی موارد الشک فی تحققه بتحقق قیده،فان القطع و ان کان غیر موجود فیها،إلا ان المانع عن التمسک بها فی تلک الموارد لیس هو وجوده.

بل العمومات فی حد نفسها لا تشمل تلک الموارد،باعتبار انها غیر ناظرة الی تعیین افراد موضوعها فی الخارج،و مصادیقه،و إلا فالمخصص إذا کان لفظیا فهو أیضا غیر مانع عن التمسک بها فی الموارد المزبورة،فلا فرق من هذه الناحیة بین المخصص اللفظی و المخصص اللبی اصلا.

و علی الجملة فبالتحلیل العقلی لا یعقل کون القطع بنفسه فی مورد الکلام مخصصا،و منافیا للعام،حیث قد عرفت ان ملاک التخصیص،و التنافی غیر متوفر فیه،و انما هو متوفر فی متعلقه

و علیه فلا یفرق بین کون الدلیل علیه لفظیا،أو عقلیا،فانه علی کلا التقدیرین لا یجوز التمسک بالعام فی الشبهة المصداقیة فی موارد التخصیص اللفظی انما هو من ناحیة انه بعد تحکیم الخاص علی العام،و تقدیمه علیه کأنّ العام لم یعم الخاص من الأول،و لازم ذلک انه لا عموم له فی موارد الشک حتی یتمسک به.و هذا بخلاف ما اذا کان التخصیص لبیا،فانه لا یوجب هدم عموم العام،فاذا کان باقیا حتی فی موارد الشک فلا مانع من التمسک به فی تلک الموارد،و هذا هو الفارق بین التخصیص اللفظی،و اللبی،کما اشرنا الیه سابقا أیضا.

ص:47

-خاطئة جدا،و ذلک لأن المخصص اللفظی المنفصل،کما هو محل الکلام لا یمنع عن ظهور العام فی العموم،و انما یمنع عن حجیته،فعمومه باق فی موارد الشک،و غیرها،فاذن لا فرق من هذه الناحیة أیضا بین اللفظی و اللبی،

الی هنا قد استطعنا ان نخرج بهذه النتیجة:و هی انه لا یجوز التمسک بالعام فی الشبهات المصداقیة مطلقا ای بلا فرق بین کون المخصص له لفظیا،أو لبیا.

و بذلک یظهر ان الاستدلال بتلک المجموعة من النصوص لإثبات ان علاقة المالک تنقطع عن الارض نهائیا بعد خرابها لا یقوم علی اساس صحیح،

قد یناقش فیها بوجه آخر.

بیانه:ان الاستدلال بها علی هذا القول یرتکز علی ان یکون مفادها سببیة الاحیاء لملکیة الارض للمحیی فی الجملة،لا الملکیة المطلقة له الدائمة التی لا تزول الا بناقل شرعی.و بما أن مفادها علی ما هو مقتضی اطلاق قوله(علیه السلام)(فهی له)الملکیة المطلقة غیر الموقتة فلا تشمل احیاء الفرد الثانی،لفرض ان الارض ظلت فی ملک المحیی الاول حتی بعد خرابها،و لا تنقطع صلته عنها نهائیا الا بناقل شرعی،کالبیع،أو نحوه و علیه فلا أثر لإحیاء الفرد الثانی،باعتبار انه فی ملک غیره،و الا لزم کون الارض الواحدة فی زمن واحد مجمعا للملکین لفردین علی نحو الاستقلال،و هو مستحیل.

و هذا لیس من ناحیة تزاحم العام بالنسبة الی الفردین،حتی یقال بان تقدم الزمانی لأحدهما علی الاخر لا یکون مرجحا،و ذلک

ص:48

لأنا اذا تحفظنا علی ظهور تلک النصوص فی الملکیة المطلقة غیر الموقتة،لن یبق مجال لشمولها لإحیاء الفرد الثانی،و هکذا،لأن مرد شمولها له الی رفع الید عن ظهورها فی الملکیة المطلقة الدائمة و هذا خلف.

و الجواب عن هذه المناقشة:

اما اولا:فلنا ان نفرض الکلام فیما اذا لم تکن ملکیة الارض للفرد بسبب قیامه باحیائها بل کانت بسبب آخر کتملیک الامام(علیه السلام)، او کانت باحیائه و لکن کان قبل تاریخ تشریع ملکیة الانفال للإمام(علیه السلام)، لما سیجیء فی ضمن البحوث الآتیة من ان الاحیاء اذا کان قبل ذلک التاریخ یوجب منح المحیی ملکیة الارض.

ففی مثل هذه الموارد اذا طرأ علیها الخراب،و اصبحت میتة، فلا مانع من التمسک بعمومات تلک النصوص،بناء علی عدم اطلاق ادلتها فی تلک الموارد،فان دلیل سببیة الاحیاء قبل التاریخ المذکور انما هو استقرار سیرة العقلاء،و من الطبیعی انه لا اطلاق لها.

و کذا تملیک الامام(علیه السلام)فانه لا اطلاق له بالاضافة الی هذه الحالة و الا لم تکن مشمولة لتلک العمومات،ضرورة انها لا تشمل الارض الخربة التی لم تنقطع علاقة صاحبها عنها نهائیا.

نعم اذا شک فی انقطاع علاقته عنها من جهة عدم اطلاق ما دل علی ملکیتها له،فلا مانع من التمسک بها،مع الاغماض عما تقدم من المناقشة.

و اما ثانیا فلان المتفاهم العرفی من هذه المجموعة من النصوص هو انها مسوقة لبیان سببیة الاحیاء للملک،و لا تکون فی مقام بیان ان الملکیة الممنوحة للمحیی بسبب احیائه ملکیة مطلقة دائمیة،

ص:49

لا تزول الا بناقل شرعی.

و ان شئت قلت:انها فی مقام بیان ان عملیة الاحیاء من احد موجبات الملک،و ان اکل المال بها لیس اکلا بالباطل،رغم إنها لیست تجارة عن تراض،حیث ان الشارع جعلها سببا ابتدائیا للملک فی الاراضی الموات،فلا یمکن تملکها بدون هذه العملیة، فهذه النصوص فی مقام بیان هذه الجهة.

و اما ان الملکیة الحاصلة منها ملکیة مطلقة دائمیة تظل الی الأبد حتی بعد خرابها و موتها،فلیست ناظرة الی هذه الناحیة اصلا.

و علیه فلا مانع من هذه الناحیة عن شمول هذه المجموعة لإحیاء الفرد الآخر بعد طرو الخراب و الموت.

فالنتیجة:ان هذه المناقشة لا اساس لها.علی انها لو تمت فانما تتم علی القول بافادة عملیة الاحیاء الملک،کما هو المفروض فیها و اما علی القول بانها لا تمنح للمحیی الا الحق فیها فلا موضوع لهذه المناقشة،لأن الحق یزول بزوال الحیاة عن الارض،فلا یعقل بقائه بعد زوالها،کما ستجیء الاشارة الیه بشکل موسع.

الوجه الثانی:روایتان:

احداهما:صحیحة معاویة بن وهب قال:سمعت أبا عبد اللّه(علیه السلام) یقول:(ایما رجل اتی خربة بائرة فاستخرجها،و کری انهارها و عمرها،فان علیه فیها الصدقة،فان کانت ارض لرجل قبله فغاب عنها،و ترکها،فاخربها،ثم جاء بعد یطلبها،فان الارض للّه و لمن عمرها) (1).

بدعوی ان هذه الصحیحة تدل علی ان علاقة المالک تنقطع عن

ص:50


1- 1) الوسائل ج 17 الباب 3 من ابواب احیاء الموات الحدیث 1.

ارضه بعد خرابها،و لأجل ذلک تدخل فی ظل علاقة الرجل الذی قام باحیائها.

و الجواب عنه:

اما اولا:فیمکن دعوی ان الظاهر من الصحیحة عرفا هو اعراض المالک عنها،بقرینة استناد الخراب الیه و ترک الارض و غیابه عنها.و اما مجیئه بعد ذلک و طلبه الارض لا ینافی اعراضه عنها اولا،اذ ربما یتفق ذلک بجهة من الجهات،فتأمل.

و علی هذا فالصحیحة اجنبیة عن محل الکلام،فان محل الکلام فی انقطاع علاقة المالک عنها بعد خرابها رغم عدم اعراضه عنها.

و اما فی فرض الاعراض فلا اشکال فی جواز قیام غیره باحیائها و منحه العلاقة له بالارض،سواء فیه القول بکون الاعراض موجبا لانقطاع علاقة المالک عن ماله نهائیا،کما هو الاظهر،اولا یوجب ذلک.

اما علی الاول فلأنها بعد الاعراض قد اصبحت من المباحات،

و اما علی الثانی فلان الاعراض بنفسه یتضمن الترخیص فی التصرف بها و الاستیلاء علیها بعملیة الاحیاء و العمارة.

و اما ثانیا:فمع الاغماض عما ابدیناه-من المناقشة-انها لا تدل بوجه علی انقطاع علاقة المالک عن الارض نهائیا بطرو الخراب فحسب،اذ کما یحتمل ذلک،یحتمل انقطاع علاقته عنها بقیام غیره باحیائها و استثمارها فلا تدل الصحیحة لا علی الاحتمال الاول و لا علی الثانی.

و دعوی-ان الارض لو لم تخرج عن ملکیة مالکها بالخراب لم یجز لغیره ان یقوم بعملیة احیائها و عمارتها،لعدم جواز التصرف فی مال المسلم-خاطئة جدا،و ذلک لأنها علی الرغم من فرض بقائها

ص:51

فی ملکیة صاحبها یجوز لغیره ان یقوم باستثمارها و الاستفادة منها ما دام کان صاحبها مهملا،و ممتنعا عن القیام بحقها.

بکلمة واضحة:ان خراب الارض و زوال عمرانها قد یکون مستندا الی اهمال صاحبها و امتناعه عن القیام بعملیة احیائها و استثمارها و قد لا یکون مستندا الی ذلک،بل هو مستند الی سبب آخر من اسباب طارئة،

اما فی الفرض الاول فان کانت صلته بها علی مستوی الملک لم تنقطع عنها بالخراب و الموت.و لکن بالرغم من هذا یجوز لغیره ان یقوم باحیائها ما دام هو مهمل و ممتنع عن ذلک.

و تدلنا:علی ذلک صحیحة سلیمان بن خالد الآتیة.

و ان کانت صلته بها علی مستوی الحق فلا شبهة فی انقطاعها عنها نهائیا بطرو الخراب،باعتبار ان الحق الحادث للمحییء فی الارض انما هو نتیجة قیامه باحیائها و عمرانها،و معلول له،فاذا زالت الحیاة و العمارة عنها سقط حقه لزوال علته

و اما فی الفرض الثانی:فما دام صاحبها لم یکن ممتنعا عن القیام باحیائها و عمرانها و کان تأخیره ذلک مستندا الی سبب من اسباب طارئة لم یجز لغیره ان یقوم.بعملیة احیائها.

نعم لو طال امد عذره زمنیا بحیث ینتهی الامر الی تعطیل الارض عرفا،ففی مثل ذلک للإمام(علیه السلام)،او نائبه ان یأذن لغیره بالقیام باحیائها،و استثمارها،و یفرض علیه ان یؤدی حق صاحبها منها.

و اما ثالثا:فمع الاغماض عن ذلک،و تسلیم ان الصحیحة ظاهرة،فی انقطاع علاقة المالک عن ارضه بعد خرابها،و حدوث

ص:52

علاقة للثانی باحیائها،الا انه لا یمکن الاخذ بهذا الظهور:

و ذلک لان صحیحة سلیمان بن خالد،قال:سألت أبا عبد اللّه(علیه السلام) (عن الرجل یأتی الارض الخربة فیستخرجها و یجری أنهارها و یعمرها و یزرعها ما ذا علیه قال الصدقة،قلت:فان کان یعرف صاحبها، قال:فلیؤد الیه حقه) (1)نص فی بقاء رقبة الارض فی ملکیة مالکها،و عدم حدوث الملکیة للثانی بالاحیاء و العمارة.

و من الطبیعی ان النص یتقدم علی الظاهر،و علیه فلا بد من رفع الید عن ظهور صحیحة معاویة بن وهب فی حدوث العلاقة للثانی علی مستوی الملک،و حملها علی حدوث العلاقة له علی مستوی الحق،فاذا لا تنافی بین الصحیحتین.

نعم اذا افترضنا وجود التعارض و التنافی بینهما فکان هو بالتباین نظرا الی ان صحیحة معاویة بن وهب ظاهرة بالاطلاق فی انقطاع ملکیة المالک عن ارضه بخرابها،و حدوث الملکیة للفرد الثانی باستثمارها و احیائها،و صحیحة سلیمان بن خالد ظاهرة باطلاقها فی عدم انقطاع ملکیة المالک عنها بذلک،و عدم کون الاحیاء موجبا لمنح الملکیة للثانی،و انما یوجب منح الحق له فیها.

و علی أساس ذلک فلا بد من الرجوع الی مرجحات باب التعارض، لترجیح احداهما علی الأخری.

و لا یبعد دعوی تقدیم صحیحة معاویة بن وهب،علی صحیحة سلیمان بن خالد من ناحیة ان الروایات التی تدل علی ان عملیة الاحیاء سبب لتملک المحیی للأرض روایات کثیرة تبلغ حد الاستفاضة بل لا یبعد بلوغها حد التواتر،فاذن تکون هذه الصحیحة أی صحیحة

ص:53


1- 1) الوسائل ج 17 الباب 3 من أبواب إحیاء الموات الحدیث 3.

معاویة بن وهب موافقة للسنة،دون صحیحة سلیمان بن خالد، فتتقدم علیها بملاک ان موافقة السنة من احدی مرجحات باب المعارضة،کما هو المعروف بین الاصحاب.

و لکن غیر خفی:ان هذه المعارضة بین هاتین الصحیحتین ترتکز علی ضوء نظریة المشهور القالة بان الاحیاء سبب لعلاقة المحیی بالارض علی مستوی الملک.

و اما علی ما سیجیء من التحقیق من انه لا یوجب العلاقة الا علی مستوی الحق فحسب،دون الملک.فعندئذ لا بد من رفع الید عن ظهور صحیحة معاویة بن وهب فی سببیة الاحیاء للملک،و حملها علی سببیته للحق فقط،و عندئذ فلا تنافی بینهما اصلا،و سوف یأتی توضیح ذلک فی ضمن الابحاث القادمة بشکل موسع.

فالنتیجة فی نهایة الشوط انه لا یمکن الاستدلال بهذه الصحیحة علی انقطاع ملکیة المالک عن ارضه بالخراب.

و ثانیتهما:صحیحة ابی خالد الکابلی عن أبی جعفر(علیه السلام)قال وجدنا فی کتاب علی(علیه السلام)(ان الارض للّه یورثها من یشاء من عباده،و العاقبة للمتقین،انا و اهل بیتی الذین اورثنا الارض، و نحن المتقون،و الارض کلها لنا،فمن أحیا ارضا من المسلمین فلیعمرها،و لیودّ خراجها الی الامام من اهل بیتی،و له ما اکل منها،فان ترکها و اخربها فاخذها رجل من المسلمین من بعده فعمرها و احیاها فهو احق بها من الذی ترکها،فلیؤدی خراجها الی الامام من اهل بیتی،و له ما اکل منها،حتی یظهر القائم(علیه السلام) من اهل بیتی بالسیف،فیحویها،و یمنعها،و یخرجهم منها،کما حواها رسول اللّه(صلی الله علیه و آله)،و منعها،الا ما کان فی ایدی شیعتنا،فانه

ص:54

یقاطعهم علی ما فی ایدیهم،و یترک الارض فی ایدیهم الحدیث) (1).

بدعوی ان هذه الصحیحة تدل علی انقطاع ملکیة المالک عن ارضه بخرابها و تملک غیره لها بالاحیاء.

و الجواب عن هذه الصحیحة.

اما اولا:فلا یبعد دعوی ظهورها لدی العرف فی اعراض المالک عن الارض،بقرینة استناد الخراب الیه فتأمل،و علیه فتخرج الصحیحة عن مورد الکلام،و لا تکون شاهدة علیه،فان مورد الکلام انما هو فیما اذا لم یکن خراب الارض مستندا الی اعراض المالک عنها کما عرفت.

و اما ثانیا:فلأنها لا تدل علی انقطاع ملکیة المالک عنها بالخراب اذ کما یحتمل ذلک،یحتمل ان یکون انقطاعها بقیام غیره باحیائها و عمارتها،فالصحیحة لا تدل بوجه،لا علی الفرض الأول،و لا علی الفرض الثانی.

و اما ثالثا:فلأنها لا تدل علی ملکیة المحیی الثانی للأرض بقیامه باحیائها و استثمارها،و انما تدل علی انه احق بها من الفرد الأول و من الواضح ان الحق اعم من الملک،فلا تدل علی زوال ملکیة المحیی الأول عن رقبة الارض.

فیحتمل:ان تکون الارض باقیة فی ملکیة المحیی الأول.

و یحتمل:دخولها فی ملکیة الامام(علیه السلام)بعد خرابها.

و یحتمل:تملک المحیی الثانی لها بالاحیاء.

فالمحتملات ثلاثة:و تعیین أی من هذه المحتملات من الصحیحة بحاجة الی عنایة و قرینة معینة،و حیث لم تکن فلا معیّن فی البین،

ص:55


1- 1) الوسائل ج 17 الباب 3 من ابواب احیاء الموات الحدیث 3.

و حینئذ فتصبح الصحیحة مجملة،فلا یمکن الاستدلال بها علی هذا القول.

هذا اضافة الی امکان ان یقال:ان کلمة الأحق غیر کلمة الملک،و فی مقابلها.و بما ان مدلول الصحیحة هو الأولی،دون الثانیة فلا مانع عندئذ من الالتزام ببقاء رقبة الارض فی ملکیة مالکها.

و لکن بما ان المالک لم یقم بعملیة احیائها و عمارتها،فلا مانع من قیام غیره بذلک،و بعد قیامه لیس له ان یزاحمه فیه،لأنه قد اصبح بقیامه بهذه العملیة احق منه فی التصرف بها و الاستفادة منها بمقتضی هذه الصحیحة.

فالنتیجة ان الصحیحة علی هذا تدل علی عکس هذا القول تماما.

و اما بناء علی ما هو الصحیح من ان أثر الاحیاء انما هو حدوث العلاقة للمحیی علی مستوی الحق دون الملک فقد اصبحت النتیجة علی ما یلی:

ان مدلول الصحیحة علی هذا:ان الثابت للمحیی الأول هو الحق المتعلق بالارض بقیامه باحیائها و عمارتها اذا کان تاریخ احیائه متأخرا زمنیا عن تاریخ نزول آیة الانفال،کما هو المفروض فی مورد الصحیحة،فاذا ترک الارض و اخربها انتفی ذلک الحق الثابت له بانتفاء علته و هی الحیاة و العمارة.

و علیه فاذا قام غیره باحیائها و عمرانها ثبت له هذا الحق.و اما رقبة الارض فهی غیر داخلة فی نطاق ملکیة المحیی الأول،و لا فی نطاق ملکیة المحیی الثانی،بل هی باقیة فی نطاق ملکیة الامام(علیه السلام)، کما هو المفروض فی مورد النص.

و علی هذا فلیس معنی قوله(علیه السلام)فی تلک الصحیحة(فهو احق

ص:56

بها من الذی ترکها)بقاء حق للمحیی الأول أیضا،غایة الأمر ان المحیی الثانی احق منه،فان ذلک مبنی علی دلالة کلمة(احق) علی التفضیل هنا،و هی لا تدل علیه بقرینة عدم امکان بقاء حقه بعد طرو الخراب علی الارض فانه ینتفی بانتفاء موضوعه و علته.

و غیر خفی:ان هذا المعنی هو الظاهر من الصحیحة،و سوف یأتی انها تدل بوضوح علی هذه النظریة،و فیها شواهد علیها.

بقی هنا نقطة:و هی ان صاحب الجواهر(قده)قد ناقش فی دلالة صحیحة معاویة بن وهب تارة،و فی دلالة صحیحة الکابلی تارة اخری،

اما فی دلالة الأولی:فقد ابدی(قده)احتمال ان یکون المراد من قوله(علیه السلام)فی الصحیحة(و لمن عمرها)هو العامر الأول،دون الثانی،فأذن لا تدل الصحیحة علی ما هو المقصود من الاستدلال بها بل تدل علی خلاف المقصود،حیث ان مفادها عندئذ بقاء الارض فی ملکیة العامر الأول،و عدم انقطاع ملکیته عنها بترکها و تخریبها.

و کذا لا تنقطع بقیام غیره باحیائها ثانیا،فانه رغم کل ذلک فهی باقیة فی ملکیة مالکها الأول،و مع هذا الاحتمال لا یمکن الاستدلال بها.

و غیر خفی:ما فی هذه المناقشة،لوضوح انه لا شبهة فی ظهور الصحیحة-و لا سیما بملاحظة القیود المذکورة فیها کفرض غیبة المالک الاول،و ترکه الارض،و تخریبها-فی ان الارض تکون لمن یقوم فعلا باحیائها و عمارتها،ضرورة ان مناسبة الحکم و الموضوع تقتضی ان ذکر هذه القیود انما هو لبیان موجب الزوال،لا لبیان موجب البقاء.

ص:57

و علیه فلا محالة یکون المراد من قوله(علیه السلام)(و لمن عمرها) هو العامر الثانی،دون الاول،و لا ریب فی ظهوره فیه،و لا یمکن رفع الید عن هذا الظهور،الا فیما إذا قامت قرینة علی خلافه، و لا قرینة علی الخلاف فی المقام،فاذن لا مناص من الأخذ به.

و أما احتمال ان یکون المراد منه العامر الاول دون الثانی و إن کان موجودا،الا انه ضعیف،فلا یبلغ بدرجة یکون مانعا عن ظهور الصحیحة فی ذلک،و بدون المنع عنه لا أثر له.

فالنتیجة ان هذه المناقشة ساقطة جدا.

و أما فی دلالة الثانیة فقد ذکر(قده)ان مدلولها یکون من المتشابه،حیث ان المراد منه غیر معلوم،فلا بد من رد علمه الی أهله.بیان ذلک:ان فی هذه الصحیحة قد أوجب علی المحیی للأرض المیتة دفع الخراج الی الامام(علیه السلام)،و عندئذ.

ان أرید بذلک وجوب دفعه فی زمن الغیبة فهو لا یرجع الی معنی محصل،حیث لا امام فی هذا الزمن من أهل البیت(علیه السلام) الا القائم روحی له الفداء.

هذا اضافة الی ان ذلک یتعارض مع النصوص المستفیضة التی تدل بوضوح علی ان الاحیاء سبب لمنح ملکیة الارض لمن یقوم باحیائها.و علی هذا فلا وجه لوجوب الخراج علیه.

و إن ارید بذلک وجوبه فی زمن الحضور،أو ظهور القائم(علیه السلام) فهو اشد اشکالا،فان الاحیاء ان کان موجبا للملک فلا مقتضی لوجوب الخراج علیه،لا فی زمن یمکن الوصول الی الامام(علیه السلام)، و لا فی زمن الغیبة الذی لا یمکن الوصول الیه،و إن لم یکن موجبا له وجب علیه ذلک لا محالة من باب اجرة المثل،من غیر فرق بین

ص:58

زمانی الحضور و الغیبة.هذا من ناحیة.

و من ناحیة أخری یشکل الالتزام بذیل هذه الصحیحة،حیث فرض فیها انتزاع الارض من ید مالکها و هو لا یمکن.

و من ناحیة ثالثة:ان المشهور قد اعرضوا عنها،و لم یعملوا بها، و اعراض المشهور عن روایة معتبرة یوجب سقوطها عن الاعتبار.

و الجواب عن ذلک:اما من الناحیة الأولی،فعلی ضوء ما سنذکره فی ضمن الابحاث الآتیة إن شاء اللّه تعالی من ان الاحیاء لا یوجب علاقة المحیی بالارض علی مستوی الملک،و انما یوجب علاقته بها علی مستوی الحق،فوجوب دفع الخراج علی المحیی عندئذ علی مقتضی القاعدة فعدم الوجوب بحاجة الی دلیل.

و إن شئت قلت:إننا إذا افترضنا ان رقبة الارض تظل فی ملکیة الامام(علیه السلام)،و لا تخرج عن ملکیته بقیام غیره باحیائها و عمارتها، فله(علیه السلام)فرض الاجرة علیه،غایة الأمر یجب علیه دفعها فی زمن الحضور الی الامام(علیه السلام)،و فی زمن الغیبة الی نائبه(علیه السلام).

هذا،بقطع النظر عما سیأتی فی ضمن البحوث القادمة من ان دفع الخراج غیر واجب علی الشیعة کلا من ناحیة ان الامام(علیه السلام) قد اذن لهم بالتصرف فیها،و استثمارها و الاستفادة منها،من دون فرض الخراج علیهم.هذا من جانب.

و من جانب آخر سوف یأتی ان النصوص التی تکون ظاهرة فی ان الاحیاء یوجب تملک المحیی للأرض لا بد من رفع الید عن ظهورها فیه بقرینة الصحیحة المزبورة و غیرها مما سنشیر الیه،و الالتزام بأن الاحیاء لا یبرر الاختصاص إلا علی مستوی الحق فحسب،دون الملک.

فالنتیجة:إنه لا اشکال فی الصحیحة من هذه الناحیة.

ص:59

و أما من الناحیة الثانیة:فقد ظهر الجواب عنها مما تقدم،فان انتزاعها من ید من یقوم باحیائها و عمارتها،لیس انتزاعا من ید مالکها،کی یکون ذلک اشکالا فی الروایة.

و أما من الناحیة الثالثة:فقد حقق فی محلّه ان اعراض المشهور عن روایة معتبرة علی تقدیر تسلیم الصغری لا یوجب سقوطها عن الاعتبار،إلا اذا حصل الاطمینان لذلک،و هو غیر مطرد،فانه یختلف باختلاف الاشخاص،و الاحوال.

فالنتیجة:ان اعراض المشهور بما هو عن روایة لا یوجب سقوطها عن الاعتبار اذا کانت واجدة للشرائط.و اما حصول الاطمینان منه بوجود خلل فیها المانع عن العمل بها فانه شیء اتفاقی،و لا خصوصیة له فی ذلک،ضرورة انه من أی سبب حصل یوجب سقوطها عن الاعتبار.

نتائج هذا البحث

عدة نقاط:

الأولی:ان الاستدلال بمجموعة من النصوص علی انقطاع ملکیة المالک عن ارضه بعد خرابها و تملک غیره لها بالقیام باحیائها غیر صحیح

-التی تدل علی ان من یقوم بأحیاء الارض فهی تصبح له-علی انقطاع ملکیة المالک عن ارضه بعد خرابها و تملک غیره لها بالقیام باحیائها غیر صحیح و قد تقدم انها لا تدل علی ذلک بوجه.

الثانیة:ان التمسک بهذه المجموعة فی المقام من التمسک بالعلم

فی الشبهة المصداقیة،

باعتبار ان موضوعها-و هو الارض الخربة- قد قید بعدم کونها داخلة فی نطاق ملکیة أحد،و بما ان هذا القید

ص:60

فی المقام مشکوک فیه.لاحتمال بقاء الارض فی ملکیة مالکها،و عدم خروجها عنها بعد خرابها فلا یمکن احرازه بالتمسک بها.

الثالثة:ان التمسک بالعام فی الشبهات المصداقیة انما لا یجوز

فیما إذا کان المخصص لفظیا.

و أما إذا کان لبیا فلا مانع منه، و بما ان المخصص فی المقام لبی فلا محذور فیه.

و قد تقدم الجواب عن ذلک بصورة موسعة و قلنا:إنه لا یجوز التمسک بالعام فی الشبهات المصداقیة مطلقا.

الرابعة:ان النصوص المزبورة لا تدل علی سببیة الاحیاء للملکیة

المطلقة الدائمة التی لا تزول إلا بناقل شرعی،

فانها لیست فی مقام البیان من هذه الناحیة،و إنما کانت فی مقام بیان ان الاحیاء من أحد اسباب الملک أو الحق شرعا علی الاختلاف فی المسألة.

الخامسة:ان الاستدلال علی هذا القول بصحیحة معاویة بن وهب

غیر صحیح،

لما عرفت من المناقشة العدیدة فی دلالتها علی ذلک القول، و کذلک الحال فی صحیحة الکابلی.

السادسة:ان المتحصل من مجموع ما ذکرناه هو انه لا یمکن الاخذ

بهذا القول،

و انه لا یقوم علی أساس صحیح.

القول الثانی

تنقطع علاقة المالک عن الارض بعد خرابها اذا کان سبب

ملکیته عملیة الاحیاء و العمران.

و اما اذا کان سببها الشراء،أو الهبة،أو ما شاکل ذلک فلا تنقطع.

و هذا التفصیل هو المعروف و المشهور بین الاصحاب،و عن

ص:61

العلامة(قده)فی التذکرة نفی الخلاف فیه،بل حکی اجماع الفقهاء علیه،و مال الیه الشهید الثانی(قده)فی الروضة.

و إلیک نص عبارته:و موضع الخلاف ما اذا کان السابق قد ملکها بالاحیاء،فلو کان قد ملکها بالشراء،و نحوه لم یزل ملکه عنها اجماعا،علی ما نقله العلامة فی التذکرة عن جمیع اهل العلم.

و کیف کان فالاجماع الکاشف عن قول المعصوم(علیه السلام)فی المسألة غیر متحقق جزما،بل لم ینقل الاجماع فیها الا العلامة فی التذکرة عن ابن عبد البر-و هو من احد فقهاء العامة-و لذا قال صاحب الجواهر(قده)فی مقام رد الاجماع انه انما حکی عمن لا نعرفه.

قد یقال:کما قیل:ان صحیحة الکابلی المتقدمة بما انها تدل علی انقطاع علاقة صاحب الارض عنها بعد خرابها فتکون اخص من صحیحتی سلیمان بن خالد،و معاویة بن وهب المتقدمتین.

اما بالاضافة الی صحیحة سلیمان:فبملاک انها و ان کانت نصا فی بقاء علاقة صاحب الارض بها حتی بعد قیام فرد أخر باحیائها و عمرانها،الا انها مطلقة من ناحیة ان سبب علاقته بها کان هو عملیة الاحیاء،او الشراء أو ما شاکل ذلک.

و هذا بخلاف صحیحة الکابلی فانها خاص من هذه الناحیة،لاختصاصها بما اذا کان سبب علاقته بالارض عملیة الاحیاء فحسب،فعندئذ نقید اطلاق صحیحة سلیمان بهذه الصحیحة.

فالنتیجة:ان سبب علاقته بها ان کان هو عملیة الاحیاء و العمران فقد انقطعت عنها نهائیا بعد خرابها و موتها،و ان کان غیرها لم تنقطع.

و اما بالاضافة الی صحیحة معاویة بن وهب فایضا کذلک:یعنی ان النسبة بینها،و بین صحیحة الکابلی نسبة الخاص و العام،غایة

ص:62

الامر ان نسبة صحیحة الکابلی الی صحیحة سلیمان نسبة المخالفة ای المخالفة فی الحکم و المضمون،و الی صحیحة معاویة نسبة الموافقة، بمعنی ان صحیحة معاویة،و صحیحة الکابلی کلتیهما تدل علی انقطاع علاقة صاحب الارض عنها بعد خرابها،و موتها،فلا اختلاف بینهما من هذه الناحیة.

و الاختلاف بینهما انما هو فی الاطلاق و التقیید فحسب،فان صحیحة معاویة و ان کانت تدل علی المضمون المذکور-و هو انقطاع علاقة صاحبها عنها بعد خرابها-الا انها مطلقة من ناحیة ان سبب هذه العلاقة کان عملیة الاحیاء،أو غیرها.

و اما صحیحة الکابلی:فهی خاص من هذه الناحیة کما عرفت.

هذا من جانب.

و من جانب آخر:ان المشهور بین الاصحاب قدیما و حدیثا و ان کان هو عدم جواز حمل المطلق علی المقید فی موارد کان المقید موافقا للمطلق فی الحکم من ناحیة،و کان الحکم فی طرف المطلق انحلالیا من ناحیة أخری.

و لکن الصحیح عدم الفرق بین موارد مخالفة المقید للمطلق فی الحکم، و موارد موافقته له،فکما ان فی الأولی لا بد من حمل المطلق علی المقید، فکذلک فی الثانیة،کما اشرنا الیه فی ضمن البحوث السالفة.

فالنتیجة علی ضوء هذین الجانبین:هی ان صحیحة الکابلی تصلح ان تکون مقیدة لإطلاق صحیحة معاویة بما إذا کان سبب علاقته بالارض عملیة الاحیاء،لا غیرها.

فاذن لا مناص من الالتزام بهذا القول-و هو الفرق بین ما کان سبب علاقة المالک بالارض عملیة الاحیاء،و ما کان سببها الشراء أو

ص:63

نحوه-فعلی الأول تنقطع علاقته عنها نهائیا بعد خرابها،و علی الثانی لا تنقطع.

و الجواب عن ذلک:

اما اولا:فلا ناقد ذکرنا ان صحیحة الکابلی لا تدل بوجه علی انقطاع علاقة صاحب الارض عنها نهائیا بعد خرابها،و کذا صحیحة معاویة،کما عرفت سابقا.و علیه فلا موضوع للجمع المذکور، حتی تکون نتیجته اثبات ذلک القول.

و اما ثانیا:فعلی تقدیر تسلیم ان الصحیحة تدل علی ذلک، الا انا نناقش فی ان النتیجة لیست هی هذا القول بالتفصیل، و ذلک لان مدلول الصحیحة لا یخلو من ان یکون سببیة الاحیاء لعلاقة المحیی بالارض علی مستوی الملک،أو یکون سببیته للعلاقة بها علی مستوی الحق.

اما علی الاول:فلا تکون للصحیحة دلالة علی المفهوم لتکون مقیدة لإطلاق کل من صحیحتی سلیمان،و معاویة،و ذلک لأنها کانت فی مقام بیان ان الارض کلها للإمام(علیه السلام).

و من الطبیعی:ان المراد منها الاراضی التی لا رب لها بالفعل سواء أ کانت میتة،أم کانت عامرة،کما اذا کان عمرانها مستمدا من طبیعتها لا من بذل جهد بشری فیها.

و اما اذا کان عمرانها بشریا فهی ملک لمن یقوم بعمارتها قبل تاریخ تشریع ملکیة الانفال للإمام(علیه السلام)و لا یعقل ان تدخل فی نطاق ملکیة الامام(علیه السلام)،بعد ما ذکرنا من أن المراد من ملکیته(علیه السلام) للأرض الملکیة الاعتباریة بمعنی الحکم الشرعی،لا الامر التکوینی و لا المعنوی،علی ما حققناه فی ضمن البحوث السالفة.

ص:64

ثم فرّع(علیه السلام)علی ملکیته للأراضی ان من یقوم بعملیة احیاء منها فهی تصبح له مع فرض الخراج علیه.

و من الواضح ان العرف لا یفهم من الصحیحة ان فی الملکیة الحاصلة من عملیة الاحیاء خصوصیة لا تتوفر تلک الخصوصیة فی الملکیة الحاصلة من سبب آخر غیرها،و هذا یعنی ان الارتکاز القطعی العرفی قائم علی عدم الفرق بین ما کان سبب ملکیة الارض عملیة الاحیاء،و ما کان سببها غیرها.

و علی الجملة حیث ان ذکر کلمة الاحیاء التی توجب الملک کان متفرعا علی ذکر کلمة الارض فی الصحیحة،فلا یتبادر لدی العرف منها الا کون الصحیحة فی مقام بیان تشریع سببیة عملیة الاحیاء لتملک المحیی للأرض،و انها من احد اسباب الملک،کغیرها من الاسباب له من دون خصوصیة لها.

و من البدیهی انه لا یفهم منها ان الملکیة المسببة من هذا السبب تمتاز عن غیرها،بل یفهم منها عرفا انها من احد اسباب الملک، و الارتکاز القطعی قائم علی عدم الفرق بین اصناف الملکیة من هذه الناحیة.

و علی هذا الاساس:فلا یکون لقوله(علیه السلام)فی الصحیحة(فان ترکها و اخربها فاخذها رجل من المسلمین من بعده فعمرها و احیاها فهو احق بها من الذی ترکها)ظهور لدی العرف فی ان ذلک من آثار ملکیة الارض المسببة من عملیة الاحیاء،بل الارتکاز المزبور القائم علی عدم الفرق بین اقسام الملک و اصنافه قرینة علی ان ذلک من آثار مطلق ملکیة الارض،سواء أ کانت من جهة عملیة الاحیاء أم کانت من جهة الشراء.و نحوه،غایة الامر ان مورد الصحیحة

ص:65

هو ما کان سبب الملک عملیة الاحیاء،و لا خصوصیة للمورد بعد الارتکاز المذکور.

و علی ضوء ذلک فالصحیحة ای صحیحة الکابلی لا تصلح ان تکون مقیدة لإطلاق صحیحة سلیمان بن خالد،و لا لإطلاق صحیحة معاویة بن وهب لتکون النتیجة دعم هذا القول،فاذن لا دلیل علیه.

نعم علی هذا الاساس:تقع المعارضة بین صحیحة سلیمان بن خالد من جانب،و صحیحتی الکابلی،و معاویة بن وهب من جانب آخر، و سوف یأتی الکلام فی علاج المعارضة بین الجانبین فی ضمن الابحاث القادمة.

و اما علی الفرض الثانی-و هو ما اذا کان الاحیاء موجبا لعلاقة المحیی بالارض علی مستوی الحق فحسب-فما یترتب علی هذا الفرض غیر ما یترتب علی الفرض الاول.

بیان ذلک:قد عرفت انه علی فرض کون عملیة الاحیاء توجب علاقة المحیی بالارض علی مستوی الملک لا وجه للتفصیل المزبور -و هو التفصیل بین ما کان الموجب لملکیة الارض عملیة الاحیاء، و ما کان الموجب لملکیتها غیرها کشراء،او ارث،أو نحو ذلک-

و أما علی فرض کون عملیة الاحیاء شرعا لا توجب إلا صلة المحیی بالارض علی مستوی الحق فحسب،فلا بد من التفصیل بین کون صلة صاحب الارض بها علی مستوی الملک،و کون صلته بها علی مستوی الحق،فعلی الاول لا تنقطع صلته عنها نهائیا بطرو الخراب، و الموت.

و لکن بالرغم من ذلک لیس له ان یمنع غیره من القیام باحیائها و عمرانها إذا کان ممتنعا عن ذلک،و مهملا.

ص:66

نعم لو قام هو باحیائها و استثمارها لم یجز لغیره ان یزاحمه فیه، و لا فرق فی ذلک بین ان یکون سبب ملکیته للأرض عملیة الاحیاء، أو غیرها،ضرورة ان الشرع لا یسمح لأیّ احد احتکار الارض بعد موتها،و خرابها،و اهمالها مهما کان السبب فی حصوله علیها.

و اما ما عن الشهید الثانی(قده)فی المسالک من ان الارض التی قام باحیائها و استثمارها فرد اذا کان اصلها مباحا،فاذا ترکها عادت الی ما کانت علیه،و صارت مباحة،کما کانت کذلک.و إن العلة فی تملک هذه الارض الاحیاء و العمارة.فاذا زالت العلة زال المعلول طبعا،و لا یعقل بقاؤه.

فهو لا یتم علی القول بکون الاحیاء موجبا لتملک المحیی لرقبة الارض،و ذلک لأن الملک الذی یحصل علیه الفرد و ان کان هو نتیجة الاحیاء،و معلولا له شرعا،الا انک عرفت ان الارتکاز القطعی لدی العرف قائم علی انه لا یدور مداره حدوثا و بقاء،بل الملک ظلّ، و ان زالت علته بقاء.

نعم ما أفاده(قده)انما یتم علی القول بکون الاحیاء موجبا لعلاقة المحیی بالارض علی مستوی الحق فحسب،کما نشیر الیه الآن.

و علی الثانی تنقطع صلته عن الارض نهائیا بعروض الخراب،لأن الحق الذی یحصل علیه الفرد بسبب عملیة الاحیاء،بما انه لدی الارتکاز العرفی متقوم بحیاة الارض،فبطبیعة الحال إذا زالت الحیاة عنها سقط حقه بسقوط علته،فلا یعقل بقائه مع سقوطها.

و هذا الارتکاز هو الفارق بین ما کانت عملیة الاحیاء موجبة لعلاقة المحیی بالارض علی مستوی الملک،و ما کانت موجبة لعلاقته بها علی مستوی الحق،فانه قائم علی عدم سقوط الملک بسقوط الحیاة

ص:67

عن الارض باعتبار ان الحیاة بمقتضی هذا الارتکاز جهة تعلیلیة له،لا تقییدیة،فالموضوع للملک انما هو رقبة الارض من دون تقییدها بشیء.

و اما فی الحق فالارتکاز المزبور علی العکس،فانه قائم علی سقوط الحق بسقوط الحیاة عنها باعتبار ان الحیاة بمقتضی ذلک الارتکاز جهة تقییدیة له،لا تعلیلیة محضة،

و علی اساس ذلک فبما ان الارض فی مورد صحیحة الکابلی داخلة فی نطاق ملکیة الامام(علیه السلام)فبطبیعة الحال لا یوجب احیائها إلا صلة المحیی بها علی مستوی الحق فحسب.

و علیه فاذا افترضنا ان المحیی قد ترک الارض المزبورة،و اخربها فلا محالة سقط حقه عنها نهائیا بسقوط موضوعه،و عندئذ جاز للآخر أن یقوم باحیائها و استثمارها،فاذا قام حصل له الحق فیها.

و هذا التفصیل غیر التفصیل المتقدم،فانه تفصیل بین ملکیة الارض بسبب عملیة الاحیاء،و ملکیتها بسبب آخر غیرها.

و اما هذا التفصیل فهو تفصیل بین ما کانت العلاقة علی مستوی الملک،و ما کانت علی مستوی الحق،و علی الأول لا تنقطع عن الارض بعد خرابها،من دون فرق بین ان یکون سبب تلک العلاقة عملیة الاحیاء،أو اسلام اهلها علیها طوعا،أو شراء،أو نحو ذلک.

و علی الثانی تنقطع عنها بعده نهائیا من دون فرق بین ان یکون سبب هذه العلاقة عملیة الاحیاء،أو الشراء،أو ما شابه ذلک، فان من کانت علاقته بالارض علی مستوی الحق،فشراء تلک الارض منه لا یوجب الا منح المشتری نفس العلاقة التی کانت له،فان حقیقة البیع-کما سوف نشیر الیه فی ضمن البحوث القادمة-انما

ص:68

هی منح المشتری نفس العلاقة التی کانت للبائع بالمبیع،فان کانت علی مستوی الملک فاصبح المشتری مالکا له،و ان کانت علی مستوی الحق فاصبح ذا حق بالاضافة الیه،و لا یعقل ان تکون علاقة البائع بالمبیع علی مستوی الحق،و لکن علاقة المشتری به بعد الشراء قد اصبحت علی مستوی الملک.

هذا اضافة الی ان هذا التفصیل لا یرجع بالتحلیل الی اساس صحیح.

و النکتة فیه ان السبب البدائی الوحید لعلاقة الانسان-منذ تولده فی هذه الکرة-بالارض انما هو عملیة الاحیاء و لا یسبقه ای سبب اخر ینتج حقا للإنسان فیها،فاختصاص الفرد بالارض اختصاصا ابتدائیا لا ینشأ الا من عملیة الاحیاء مباشرة،أو بالتسبیب فجمیع اسباب أخر لعلاقة الانسان بالارض اسباب ثانویة،و تنتهی فی نهایة المطاف الی ذلک السبب.

مثلا بیع الارض سبب لارتباط الارض بالمشتری،و لکن من المعلوم ان سببیته لذلک تتوقف علی ان تکون الارض مرتبطة بالبائع بسبب آخر کشراء،أو نحوه قبل تاریخ هذا البیع زمنیا،و کذا الحال فی الهبة،و الارث،و الصلح،و ما شاکل ذلک الی ان ینتهی فی نهایة الشوط الی السبب الاول.

و بکلمة اخری ان المصادر و الثروات الطبیعیة بشتی انواعها، و اشکالها لم تکن بوضعها الطبیعی داخلة فی نطاق علاقة خاصة لأی فرد،فالسبب الوحید لصلة الفرد بها انما هو انفاق الانسان عملا ایجابیا فی سبیل استثمارها،و استخدامها.

فمثلا استخراج المناجم و المعادن من اعماق الارض-هو العمل الذی ینتج علاقة المستخرج بالمادة التی یستخرجها خاصة-.

ص:69

و احتطاب الخشب من الغابات هو العمل الذی یوجب ربطه بمن یقوم بهذه العملیة علی مستوی الملک.

و صید الحیوان النافر،أو الطائر-هو النمل الذی یبرر اختصاص الصائد به اختصاصا ملکیا-.

و الاستیلاء علی اللؤلؤ و المرجان فی اعماق البحار بالغوص-هو العمل الذی ینتج صلة الغاصّ بهما-.

و اغتراف الماء من النهر أو نحوه-هو العمل الذی یوجب تملک المغترف-.

و نقل الحجر من الصحراء-هو العمل الذی یوجب صلته بمن یقوم بنقله-و هکذا.

و احیاء الارض-هو العمل الذی ینتج حقا للمحیی فیها-.

و لا تملک هذه المصادر و الثروات بملکیة خاصة بدون انفاق عمل فی سبیل استثمارها،و مجرد دخولها فی حدود سیطرة الفرد، و الاستلاء علیها من دون انفاقه عملا ایجابیا فی سبیل استخدامها لا یکون کافیا لتملکها،و العلاقة بها،و سوف یأتی الکلام فی غیر الارض من الثروات الطبیعیة بشکل موسع فی ضمن البحوث القادمة.

و علی ضوء ذلک فلا یعقل ان تکون علاقة الفرد بالارض التی تنشأ من الاسباب الثانویة کالبیع،و الهبة،و الارث،و نحو ذلک اقوی و اشد من علاقته بها الناشئة من عملیة الاحیاء،رغم انها جمیعا تنتهی فی نهایة المطاف الی تلک العملیة،و الفرض ان هذه الاسباب تتکفل منح نفس هذه العلاقة لغیره،حیث لم تکن هنا علاقة اخری ما عداها.

و علیه فلا اساس للقول بالتفصیل أی التفصیل بین ما کانت علاقة الفرد بالارض ناشئة من عملیة الاحیاء،و ما کانت ناشئة من سبب

ص:70

ثانوی کشراء أو نحوه،فعلی الأول تنقطع علاقته عنها نهائیا بعد خرابها،و علی الثانی لا تنقطع.

نعم یمکن فی ظروف استثنائیة ان یملک الفرد رقبة الارض-بدون انفاق عمل-بمنح الامام(علیه السلام)،حیث ان له(علیه السلام)ولایة هذا التصرف اذا رأی فیه مصلحة،الا انه فرض نادر،و لا طریق لنا الی احراز وقوعه فی الخارج،فلا یمکن ان یکون القول بالتفصیل ناظرا الی هذا الفرض.

علی انه خارج عن محل الکلام،فان محل الکلام انما هو فی ان اختصاص الفرد بالارض لا یمکن بمجرد الاستیلاء،و السیطرة علیها بدون انفاق ای عمل خارجا فی سبیل استثمارها.و اما تملکها بمنح من بیده الامر فلا مانع منه اصلا،و لا کلام فیه، فانه نظیر تملکها بمنح من یکون مالکا لها بملکیة خاصة.

و اما صحیحة معاویة بن وهب،فان الارض فی موردها لا تخلو من ان تکون داخلة فی نطاق ملکیة الامام(علیه السلام)،أو داخلة فی نطاق ملکة غیره.و علی کلا التقدیرین لا تؤثر عملیة الاحیاء فی عرقة؟؟؟ المحیی بالارض الا علی مستوی الحق دون الملک.

ثم ان فرض تملک الفرد لرقبة الارض-علی ضوء ان عملیة الاحیاء لا توجب ملکیتها اذ کانت رقبتها داخلة فی ملک غیره-یقوم علی اساس ان یکون قیامه بعملیة الاحیاء متقدما زمنیا علی تاریخ تشریع ملکیة الانفال للإمام(علیه السلام)،أو فرض انتقالها الیه ممن یکون قائما باحیائها قبل هذا التاریخ،بناء علی ما سنذکره فی ضمن البحوث الآتیة إن شاء اللّه تعالی من ان عملیة الاحیاء اذا کانت فی ارض مباحة توجب الملک عند العقلاء،و اذا کانت فی ملک غیره لا توجب

ص:71

ذلک،و بما ان الارض بعد التشریع المزبور قد أصبحت ملکا للإمام(علیه السلام)فلا توجب عملیة إحیائها الملک للمحیی،و اما قبل هذا التشریع فبما انها کانت مباحة فهی توجب الملک له.هذا من ناحیة.

و من ناحیة اخری:اذا طرأ علیها الخراب و الموت،و کان مالکها ممتنعا عن القیام باحیائها،فهل یجوز لدی العقلاء أن یقوم غیره باحیائها و استثمارها؟-کما یجوز ذلک عند الشارع-الظاهر جوازه عندهم أیضا،حیث یظهر منهم أنهم لا یسمحون لأی احد احتکار الارض بعد خرابها،مع حاجة الناس الی استثمارها و الاستفادة منها،کما لا یجوز ذلک لدی الشرع،فما هو ثابت لدی العقلاء،ثابت لدی الشرع أیضا،فلا فرق بینهما من هذه الناحیة،و انما الفرق فی ان عملیة الاحیاء بنظر العقلاء من أحد أسباب-الملک.و اما عند الشارع فهی لیست من احد اسباب ذلک، و انما هی سبب لحصول الحق فحسب.

نتیجة هذا البحث عدة نقاط
الاولی:ان الاجماع الذی حکی عن العلامة فی التذکرة لا یصلح

أن یکون دلیلا علی هذا القول،

علی تقدیر تسلیم ان الاجماع المنقول حجة،لما عرفت من عدم ثبوته.

الثانیة؛ان القول المزبور و ان کان نتیجة الجمع بین الصحاح

المتقدمة

یعنی-صحیحة الکابلی،و صحیحة معاویة بن وهب،و صحیحة سلیمان بن خالد-بتقیید اطلاق کل من الصحیحتین الاخیرتین بصحیحة الأولی،الا انک عرفت انه لا یمکن الاخذ بهذا الجمع،

ص:72

لا علی القول بکون عملیة الاحیاء موجبة لعلاقة المحیی بالارض علی مستوی الملک،و لا علی القول بکونها موجبة لعلاقته بها علی مستوی الحق فحسب.

الثالثة:ان عملیة الاحیاء لدی العقلاء تؤثر فی الملک و من

احد اسبابه.

و من هنا قلنا ان عملیة الاحیاء اذا کانت متقدمة زمنیا علی تاریخ نزول آیة الانفال فهی تفید الملک.و اما لدی الشارع فهی بمقتضی النصوص التشریعیة لا تفید الملک،و انما هی تفید الحق فحسب.

الرابعة:ان ما افاده الشهید الثانی(قده)فی المسالک-من ان

علاقة المحیی بالارض تنقطع عنها بعد خرابها،و عادت الی ما کانت

علیه من الاباحة

-فقد عرفت انه لا یتم علی القول بکون الاحیاء منشأ للملک:و انما یتم علی القول بکونه منشأ للحق.

الخامسة:ان القول المذکور لا یرجع فی نفسه الی اساس صحیح

لما عرفت من ان ملکیة کل ارض تنتهی فی نهایة المطاف الی عملیة الاحیاء و العمارة،فلا یمکن تملک الارض بملکیة خاصة بدون انفاق العمل فی سبیلها.نعم قد یمکن تملکها بمنح الامام(علیه السلام)فی ظروف خاصة،کما عرفت

القول الثالث

لا تنقطع علاقة صاحب الارض عنها بعد خرابها،و انما تنقطع

علاقته عنها بقیام غیره بعملیة إحیائها،

و هذا یعنی أن عملیة الاحیاء کما توجب تملک المحیی للأرض،کذلک توجب انقطاع علاقة

ص:73

صاحبها عنها نهائیا.

و یمکن الاستدلال علی هذا القول باطلاق مجموعة من الروایات التی جاءت بهذا النص:من أحیا ارضا مواتا فهی له.و ایما قوم احیوا شیئا من الارض او عملوه فهم احق بها و هی لهم.و ایما قوم أحیوا شیئا من الارض و عمروها فهم احق بها.و غیرها (1).

بتقریب:انها ظاهرة عرفا فی ان عملیة الاحیاء مطلقا-و ان کانت فی الارض المیتة بالعرض-تؤدی علاقة المحیی بها علی مستوی الملک،و من الطبیعی انها حینئذ تدل بالالتزام علی أن صلة المالک عن ارضه تنقطع نهائیا بقیام غیره باحیائها،حیث انه لا موجب لانقطاعها قبل ذلک.

و الجواب عن هذا:ما تقدم منا فی ضمن البحوث السالفة من ان هذه المجموعة،کما انها لا تدل علی ان صلته عن ارضه تنقطع بعد خرابها،کذلک لا تدل علی انها تنقطع بعد قیام غیره باحیائها فکل من الامرین محتمل،اذ کما یحتمل الاول،یحتمل الثانی أیضا، فلا تدل المجموعة الا علی الجامع بینهما اجمالا.

نعم لا یرد علی الاستدلال بها علی هذا القول ما یرد علی الاستدلال بها علی القول الاول-و هو لزوم التمسک بالعام فی الشبهة المصداقیة-فإن هذا القول انما یقوم علی اساس جواز التصرف فی الارض الخربة و ان ظلّت رقبتها فی ملک صاحبها بعد خرابها،و علی هذا فلا یکون التمسک بها فی المقام من التمسک بالعام فی الشبهة المصداقیة.

فیکون نظیر ما فی باب الالتقاط حیث ان للملتقط هناک ان یتملک ما التقطه اذا توفرت شرائط تملکه،رغم انه لا یخرج عن

ص:74


1- 1) الوسائل ج 17 الباب 1 من ابواب احیاء الموات.

ملک صاحبه بصرف الضیاع.

و قد یستدل علی هذا القول:بصحیحة معاویة بن وهب المتقدمة، بدعوی انها تدل علی تملک المحیی الارض الخربة بالاحیاء،و من الطبیعی ان تملکه الارض بذلک یستلزم خروجها عن ملک صاحبها،

و فیه:انها لا تدل علی ذلک ای-علی خروجها عن ملک صاحبها- بوجه،و انما تدل علی ان المحیی یملک الارض بقیامه باحیائها و اما ان الارض قد خرجت عن ملکه بعد خرابها أو بعد قیام غیره باحیائها فالصحیحة لا تدل علی شیء من الاحتمالین.

هذا اضافة:الی ما تقدم منافی ضمن البحوث السالفة من المناقشة فی دلالة الصحیحة.

و من هنا یظهر انه لا یمکن الاستدلال علی هذا القول بصحیحة الکابلی المتقدمة أیضا،لما مرّ بنا من المناقشة فیها.

فالنتیجة:انه لا یمکن اتمام هذا القول بدلیل.

القول الرابع

ان علاقة المحیی بالارض لا تنقطع عنها نهائیا،لا بعد خرابها

و لا بقیام غیره باحیائها،

بل هی ظلّت فی ملکه و لا تخرج الا بناقل شرعی.

و هذا القول:هو المعروف و المشهور بین الاصحاب،بل قیل:

انه لم یعرف الخلاف فی ذلک.

و یدلنا علیه:امران:

الأول:الاستصحاب،فان مقتضاه بقاء الارض فی ملکه و عدم خروجها عنه بطرو الخراب،و لا باحیاء غیره،و لا مانع من التمسک

ص:75

به بعد ما سیأتی من عدم تمامیة دلالة الروایات المخالفة له و الموافقة.

و لکن قد یناقش فیه بامرین:

احدهما:ان الشک فی المقام انما هو فی الموضوع بمعنی انا لا نعلم ان موضوع الملک ذات الارض و الحیاة شرط خارج عنه او ان موضوعه الارض المقیدة بالحیاة فتکون الحیاة قیدا مقوما له و بما اننا لا نحرز احد الامرین فلا نحرز بقاء الموضوع فی ظرف الشک،و من الطبیعی انه مع عدم احرازه لا یمکن جریانه.

و یرده:ان الظاهر بمقتضی الارتکاز القطعی لدی العرف ان موضوع الملک ذات الارض،و الحیاة و ان کانت صفة طارئة علیها،الا انها شرط خارجی و غیر مقوم للموضوع.

و ان شئت قلت:ان الحیاة و ان کانت سببا لتملک المحیی للأرض و شکلا من اشکالها الا أن مناسبة الحکم و الموضوع هنا کانت بدرجة تقتضی انها جهة تعلیلیة محضة.فلا یکون لها أی دخل فی موضوع الحکم اصلا

فالنتیجة:ان اتحاد القضیة المتیقنة،مع القضیة المشکوک فیها محرز موضوعا و محمولا،و الشک انما هو فی بقاء المحمول.و علیه فلا مانع من التمسک بالاستصحاب.

و دعوی-ان موضوع الملک فی القضیة المتیقنة انما هو الامر الخاص -و هو الارض المحیاة بما هی محیاة-لا طبیعی الارض و علیه فبطبیعة الحال ما دامت الارض حیة فقد ظلت فی ملک صاحبها،و إذا ماتت فقد خرجت عن ملکه نهائیا بخروج موضوعه.

-خاطئة جدا:لما مر بنا الآن من ان مناسبة الحکم و الموضوع فی المقام بلغت بدرجة تصبح قرینة لدی العرف علی ان موضوع الملک

ص:76

طبیعی الأرض،و الحیاة جهة تعلیلیة صرفة،لا تقییدیة

و ثانیهما:ان الشک فی محل الکلام لمّا کان فی المقتضی لم یجر الاستصحاب فیه،کما اختاره شیخنا العلامة الانصاری(قده).

بیان ذلک:ان موضوع الملک و ان کان هو طبیعی الارض،إلا اننا لا نحرز استعداده أی-الملک-للبقاء حتی بعد انقطاع الحیاة عن الارض،و بدون ذلک لا یجری الاستصحاب.

و یرده:ان الصحیح هو عدم الفرق فی جریان الاستصحاب بین موارد الشک فی الرافع،و موارد الشک فی المقتضی،فکما أن الاستصحاب یجری فی الاولی،فکذلک یجری فی الثانیة.و تمام الکلام فی ذلک فی بحث الاصول من الاستصحاب.

فالنتیجة:انه لا مانع لحد الآن من استصحاب بقاء الارض فی ملک صاحبها حتی بعد قیام غیره باحیائها.

الثانی:صحیحة سلیمان بن خالد قال:سألت أبا عبد اللّه(علیه السلام) عن الرجل یأتی الارض الخربة فیستخرجها،و یجری انهارها،و یعمرها، و یزرعها،ما ذا علیه قال:الصدقة قلت:فان کان یعرف صاحبها قال:فلیؤدی الیه حقه (1).

فان قوله(علیه السلام):فلیؤدی الیه حقه یدل بوضوح علی بقاء الارض فی ملک صاحبها،و عدم انقطاع علاقته عنها بطرو الخراب و الموت و لا بقیام غیره باحیائها،و إلا فلا یبقی له حق فیها کی یجب علیه ادائه.

هذا من ناحیة.

و من ناحیة أخری:لا بد من حمل الصحیحة علی امتناع صاحبها عن القیام بحقها و اهماله لها،کما لا یبعد ان یدعی ظهورها فیه،

ص:77


1- 1) الوسائل ج 17 الباب 3 من أبواب احیاء الموات الحدیث(3).

و ذلک لأنه لو لم یکن ممتنعا عن ذلک و مهملا لم یجز لغیره ان یقوم بإحیائها و استثمارها،و الاستفادة منها بدون اذنه جزما.

و أما فی فرض الامتناع عن القیام بذلک و الاهمال فرقبة الارض و إن ظلت فی ملکه،إلا انه بالرغم من هذا جاز لغیره لدی الشرع،و العقلاء ان یقوم باستثمارها و احیائها،فان العقلاء کالشرع لا یسمحون لأی فرد احتکار الارض،علی اساس أن ذلک یضر بالعدالة الاجتماعیة،و ضیق علی الآخرین.

و من ناحیة ثالثة:أن مقتضی اطلاق تلک الصحیحة انه لا فرق بین کون سبب ملکیة مالک الأرض عملیة الاحیاء،و کونه غیرها، کشراء أو نحوه.و علیه فتدل علی ان علاقة صاحب الارض لا تنقطع عنها أصلا،لا بعد خرابها،و لا بقیام غیره باحیائها،و لو کان سببها عملیة الأحیاء.

فالنتیجة:ان هذه الصحیحة،فی حد نفسها تدل علی هذا القول،هذا.

قد یقال:کما قیل:ان اطلاق هذه الصحیحة بما انه معارض باطلاق صحیحة معاویة بن وهب المتقدمة بالتباین،بملاک أن صحیحة معاویة تدل علی أن علاقة المالک بالأرض تنقطع عنها نهائیا بعد خرابها،أو بعد قیام غیره باحیائها،سواء أ کان منشأ تلک العلاقة عملیة الاحیاء،أم کان غیرها.و هذه الصحیحة تدل علی عدم انقطاعها بذلک أصلا،فبطبیعة الحال یسقطان معا،فلا تصل النوبة إلی اعمال الترجیح لأحدهما علی الآخر،فان اعمال الترجیح إنما هی فیما إذا لم یکن التعارض بین الروایتین بالاطلاق،و إلا سقط اطلاق کل منهما،باعتبار ان ثبوته یتوقف علی تمامیة مقدمات

ص:78

الحکمة:منها عدم ما یصلح للبیان:الأعم من المتصل،و المنفصل، و الفرض ان کلا منهما فیما نحن فیه یصلح بحد نفسه أن یکون بیانا علی الآخر،و معه لا ینعقد الاطلاق لشیء منهما،فاذن لا بد من الرجوع إلی أصل آخر-و هو فی المقام استصحاب بقاء علاقة المالک بالأرض،و عدم انقطاعها عنها حتی بعد قیام غیره بإحیائها-.

فالنتیجة فی نهایة الشوط أن صحیحة سلیمان بن خالد قد سقطت من جهة المعارضة عن الدلالة علی هذا القول.

و الجواب عن ذلک:ان المعارضة بینهما و إن کانت بالاطلاق، إلا أن الصحیح عدم الفرق فی الرجوع إلی مرجحات باب التعارض، بین ان تکون المعارضة بین الروایتین بالاطلاق،أو بالوضع.

فلنا دعویان:

الاولی:ان البیان المنفصل کما لا یمنع عن ظهور الکلام فی مدلوله إذا کان مستندا إلی الوضع،کذلک لا یمنع عن ظهوره فیه إذا کان مستندا إلی الاطلاق و مقدمات الحکمة.

الثانیة:انه لا فرق فی الرجوع إلی المرجحات لحل مشکلة التعارض بین ان تکون المعارضة بین الروایتین بالاطلاق،أو بالوضع.

أما الدعوی الأولی:فلا شبهة فی ان البیان المتصل مانع عن انعقاد ظهور الکلام فی معناه رأسا،من دون فرق بین أن یکون ظهوره مستندا إلی الوضع،أو إلی الاطلاق و مقدمات الحکمة،کما انه لا اشکال فی أن البیان المنفصل لا یمنع عن الظهور الوضعی للکلام و إنما هو یمنع عن حجیته و اعتباره.

و إنما الاشکال و الکلام فی أن البیان المنفصل هل یمنع عن انعقاد

ص:79

الظهور الاطلاقی؟فیه قولان:الظاهر انه لا یمنع عن ذلک.

و النکتة فیه:ان من مقدمات الحکمة التی توجب انعقاد هذا الظهور،و إن کان هو عدم البیان،إلا ان المراد منه لا بد ان یکون خصوص البیان المتصل،لوضوح ان المتکلم متی فرغ عن کلامه انعقد ظهوره فی معناه،و لا یتوقف علی ان لا ینصب بیانا فی المستقبل،ضرورة ان عدم البیان المنفصل لیس مما له دخل فی انعقاد ظهور الکلام فی الاطلاق،فان ظهوره فیه إنما یتوقف علی فراغ المتکلم منه،و عدم نصبه قرینة متصلة علی الخلاف،رغم انه کان فی مقام البیان،فاذا کان کذلک انعقد ظهوره فی الاطلاق،و البیان المنفصل لا یمنع عنه أبدا،فان الشیء لا ینقلب عما هو علیه نعم هو یمنع عن حجیته و اعتباره

هذا إضافة إلی أن عدم البیان المنفصل لو کان جزأ من مقدمات الحکمة لم یمکن إثبات الاطلاق فی شیء من الموارد،و لا نسد باب التمسک بالإطلاق،لفرض ان تمامیة الاطلاق تتوقف علی تمامیة مقدمات الحکمة،و لا یمکن تمامیتها إلا باحراز جمیع اجزائها:

منها عدم البیان المنفصل فی الواقع،و من الطبیعی ان إحراز هذا الجزء لا یمکن نوعا،و لا سیما فی مطلقات الکتاب و السنة،فان باب احتمال وجود قرینة فی الواقع علی التقیید فیها و لو فی المستقبل مفتوح، و لا یمکن لنا سد هذا الباب.

و أصالة عدم القرینة لا تجری،لعدم الدلیل علیها،إلا فیما إذا کان هناک ظهور فی مقام الاثبات یقتضی افادة معنی،و احتمل ورود قرینة علی خلافه،ففی مثل ذلک لا مانع من التمسک بها، و إن کان مرجعه لبا إلی التمسک بأصالة الظهور الکاشفة نوعا عن

ص:80

مراد المتکلم،فان بناء العقلاء إنما یقوم علی حجیتها.لا علی حجیة أصالة عدم القرینة بحد نفسها.فانها لا تکون کاشفة ما لم یکن فی مقام الاثبات ظهور متحقق،و من الواضح ان اجراء العقلاء هذه الاصالة إنما هو بلحاظ الطریقیة و الکاشفیة عن الواقع نوعا،لا من باب التعبد الصرف.

و من هنا قلنا:انها ترجع لبا إلی أصالة الظهور.

و أما فی المقام فبما إنه لا ظهور للکلام فی مرحلة الاثبات یقتضی افادة معنی،بقطع النظر عن مقدمات الحکمة،فلا تجری تلک الاصالة.

و أما الدعوی الثانیة:فبعد ما عرفت-من ان المعارضة بین الروایتین إذا کانت بالاطلاق فهی لا توجب سقوط إطلاقیهما موضوعا، و إنما هی توجب سقوطهما حکما و اعتبارا،رغم ان اصل الظهور الاطلاقی قد ظل بحاله فی کل منهما-.

فلا مانع من الرجوع إلی مرجحات باب المعارضة،فان النص الدال علی اعتبار الترجیح فی مقام علاج مشکلة التعارض بین الروایات إنما کان مورده المتعارضتین منها المعتبرتین فی حد أنفسهما،بقطع النظر عن التعارض بینهما،فان ملاک شمول هذا النص لهما،و کونه مرجعا لعلاج المشکلة هو اعتبارهما فی حدّ نفسه من ناحیة،و عدم إمکان العمل عرفا بهما معا لأجل المعارضة من ناحیة أخری، و هذا الملاک موجود فیما نحن فیه،لأن اطلاق کل منهما حجة فی نفسه،بقطع النظر عن الآخر.

فالنتیجة:انه لا فرق فی الرجوع الی النص الوارد فی مقام علاج المعارضة و حلها بالترجیح بین ما کان التعارض بینهما بالظهور الاطلاقی،

ص:81

و ما کان بالظهور الوضعی هذا.

و لکن بما ان فی المقام لا ترجیح لأحد الاطلاقین بالاضافة الی الاطلاق الآخر کی یقدم علیه،فلا محالة یسقطان معا عن الاعتبار، فتکون النتیجة بالتالی تلک النتیجة المتقدمة،یعنی-ان النتیجة علی أساس کلا المسلکین فی المسألة واحدة-و هی عدم إمکان العمل باطلاق الصحیحتین اما من ناحیة سقوطهما موضوعا،أو من ناحیة سقوطهما حکما و اعتبارا،فاذن لا بد من الرجوع إلی الاستصحاب المذکور.

و قد یشکل فی ذلک:بأن افتراض المعارضة بینهما أی-بین صحیحة سلیمان بن خالد،و صحیحة معاویة بن وهب-یقوم علی أساس عدم تقیید إطلاق صحیحة سلیمان،بصحیحة الکابلی المتقدمة.

و أما إذا افترضنا ان اطلاقها قد قید بتلک الصحیحة باعتبار انها أخص منها موردا،لاختصاصها بما إذا کان الفرد قد ملک الارض بعملیة الاحیاء،و عموم هذه الصحیحة ذلک،و ما إذا کان قد ملکها بسبب أخر کشراء أو نحوه.

و بعد تقیید إطلاقها تنقلب النسبة بینها،و بین صحیحة معاویة ابن وهب من التباین إلی عموم و خصوص مطلق،حیث ان صحیحة سلیمان بعد التقیید المزبور تصبح أخص من صحیحة معاویة موردا، لاختصاصها بما إذا کان الفرد قد ملک الارض بسبب أخر غیر عملیة الاحیاء.

و علی ضوء ذلک:فلا بد من تقیید اطلاق صحیحة معاویة بصحیحة سلیمان فتصبح النتیجة علی النحو التالی:اختصاص صحیحة معاویة بما إذا کان الفرد قد ملک الارض بعملیة الاحیاء فحسب،و خروج ما إذا کان ذلک بشراء أو ما شاکله عن تحتها.

ص:82

فاذن تنتفی المعارضة بینهما بانتفاء موضوعها،لفرض اختصاص کل منهما بموضوع خاص و مورد مخصوص،من دون صلة لإحداهما بالأخری.

ثم ان صحیحة الکابلی و إن کانت أخص من صحیحة معاویة بن وهب أیضا،إلا انها حیث کانت موافقة لها فی المضمون و المفاد فلا تصلح أن تکون مقیدة لها،فینحصر التقیید بصحیحة سلیمان.

و ما قیل:-من انه لا اطلاق لها من ناحیة ابتلائها بالمعارض -و هو صحیحة معاویة-و من الطبیعی ان التقیید فرع ثبوت الاطلاق- خاطئ،لما عرفت من أن هذا إنما یتم علی ضوء نظریة من یقول:ان تمامیة الاطلاق للمطلق تتوقف علی عدم البیان علی الخلاف الأعم من المتصل،و المنفصل.

و لکن قد سبق آنفا:انه لا یمکن الالتزام بهذه النظریة،فان تمامیة الاطلاق لا تتوقف علی عدم البیان المنفصل،و إنما تتوقف علی عدم البیان المتصل فحسب،و علیه فلا یکون ابتلاء صحیحة سلیمان مانعا عن تمامیة إطلاقها.

و الجواب عن هذا الاشکال:

أما أولا فلانا قد ذکرنا سابقا ان صحیحة الکابلی لا تصلح ان تکون مقیدة لإطلاق صحیحة سلیمان،لأن صلاحیتها لذلک انما تقوم علی اساس دلالتها علی ان الحکم المذکور فیها لیس حکما لطبیعی الملک، بل هو لحصة خاصة منه-و هی المسببة من عملیة الاحیاء-و لکن قد عرفت انها بضم الارتکاز القطعی العرفی تدل علی ان هذا الحکم حکم لطبیعی الملک،لا لحصة خاصة منه،فحینئذ تکون طرفا لمعارضة صحیحة سلیمان،کصحیحة معاویة،فتسقط عن الاعتبار،

ص:83

یعنی-أن حالها عندئذ حال صحیحة معاویة-باعتبار أنهما معا طرف للمعارضة.فلا فرق بینهما من هذه الناحیة أصلا.

فالنتیجة.ان هذه الصحاح الثلاث قد سقطت عن الاعتبار من جهة المعارضة،بعد عدم الترجیح لأحد الطرفین علی الطرف الآخر و علیه فلا موضوع للتقیید المزبور،و انقلاب النسبة.هذا من ناحیة

و من ناحیة أخری:قد ذکرنا ان منشأ ملکیة الفرد للأرض ینتهی فی نهایة المطاف إلی عملیة الاحیاء فلا یتصور لها منشأ آخر غیرها فجمیع مناشئ الملک و اسبابه یقع فی طولها.

و من ناحیة ثالثة:قد ذکرنا أیضا ان البیع أو نحوه إنما یتکفل منح نفس علاقة المحیی لغیره فحسب دون غیرها.

و علیه فلو کان لصحیحة الکابلی ظهور فی الاختصاص،فلا بد من رفع الید عنه بهذه القرینة التی تحکم علی هذا الظهور،فان ملکیة الارض،کما ان فی مورد تلک الصحیحة مستندة الی عملیة الاحیاء، کذلک فی مورد صحیحة سلیمان،غایة الأمر ان استنادها الیها تارة یکون بلا واسطة سبب آخر،و أخری یکون بواسطته،و من الطبیعی ان الواسطة لا تؤثر فی شیء.

و أما ثانیا:فمع الاغماض عن ذلک ان الاشکال المزبور إنما یقوم علی أساس نظریة انقلاب النسبة،فانه علی ضوء هذه النظریة لا مناص لنا من الالتزام به.

إلا أن هذه النظریة غیر تامة.

و النکتة فی ذلک:ان ملاک-تقدیم الخاص علی العام-هو کونه اظهر دلالة من العام لدی العرف،و بهذا الاعتبار یصلح ان یکون قرنیة علی التصرف فیه.و من الطبیعی ان هذا الملاک لا یتوفر

ص:84

فی العام بعد التخصیص،لوضوح ان دلالته لم تصبح اظهر مما کانت علیه قبله،حتی یوجب ذلک تقدیمه علی ما یعارضه بقانون تقدیم الاظهر علی الظاهر.

و بکلمة أخری:أن المرجع فی باب الظهورات إنما هو الطریقة المتبعة لدی العرف و العقلاء،و من الواضح ان تلک الطریقة إنما هی تقوم علی أساس الکاشفیة و الطریقیة،و حیث ان ترکیز العرف و العقلاء فی الجمع بین الظهورات،و التصرف فیها،و تقدیم بعضها علی بعضها الآخر إنما هو یبتنی علی ضوء نکتة الاظهریة النوعیة، فبطبیعة الحال ان هذه الاظهریة النوعیة إنما هی تتوفر فی الخاص بلحاظ أخصیة ذات مدلوله،لا بلحاظ ما هو المقدار الحجة منه.

رغم ان ذات المدلول عام،ضرورة ان خروج بعض أفراد المدلول و سقوطه عن الحجیة بدلیل خارجی لا یغیر شیئا من درجة ظهوره بالاضافة الی الأفراد الباقیة.و لا یوجب کونه اظهر و اقوی بالنسبة الیها.

و السر:فی ان الأظهریة النوعیة تتوفر فی الخاص بلحاظ أخصیة ذات المدلول.و لا تتوفر فی العام بلحاظ أخصیة ما هو المقدار الحجة منه هو ان الترکیز فی الدلیل الخاص لما کان من البدایة متوجها الی الحکم الخاص،فلأجل ذلک یتشکل لدی العرف الاظهریة النوعیة، و أما العام فبما ان الترکیز فیه لم یکن من البدایة متوجها إلی الحکم الخاص.بل کان متوجها الی العام الذی کان الخاص فی ضمنه،فلأجل ذلک لا یتشکل الاظهریة النوعیة.هذا،و تمام الکلام فی محله.

و أما علی ضوء النظریة القائلة بعدم انقلاب النسبة فلا یمکن تقیید اطلاق صحیحة سلیمان بصحیحة الکابلی.

ص:85

و النکتة فیه:ان صحیحة سلیمان و إن کانت مطلقة فی حدّ نفسها،إلا إنها من ناحیة ابتلائها بالمعارض قد سقط اطلاقها عن الاعتبار،و من الطبیعی ان مع سقوط اطلاقها بذلک عن الاعتبار لا أثر لتقییده أصلا،لفرض ان المعارضة لا ترتفع به علی أساس هذه النظریة،بل هی ظلت بحالها،و معه لا محالة یکون التقیید لغوا محضا.

و علی الجملة:فتقیید إطلاق المطلق بدلیل إنما هو فیما إذا کان المطلق حجة باطلاقه فی نفسه أی-بقطع النظر عن ورود دلیل التقیید علیه-فان الموجب لذلک إنما هو وجود التنافی بین اطلاق المطلق،و الدلیل المقید،و بعد حمله علیه و تقییده به یرتفع التنافی بینهما،فیظل المطلق حجة فی الباقی،و یخرج عن تحته أفراد لقید.

و أما إذا افترضنا:ان المطلق لا یکون حجة،لا فی تمام مدلوله الاطلاقی،و لا فی بعضه من جهة المعارضة أو نحوها،فلا معنی لتقییده بدلیل،و لا موضوع له حینئذ.

و ما نحن فیه من هذا القبیل،فان إطلاق صحیحة سلیمان بما انه قد سقط عن الاعتبار نهائیا من جهة معارضته باطلاق صحیحة معاویة،فلا موضوع لتقییده بصحیحة الکابلی.

نعم لو قدم صحیحة سلیمان علی صحیحة معاویة من جهة الترجیح، فعندئذ لا مانع من تقیید إطلاقها بصحیحة الکابلی،و لکنه خلاف الفرض.

فالنتیجة:فی نهایة المطاف ان هذا التقیید علی ضوء نظریة انقلاب النسبة بمکان من الامکان.و أما علی ضوء نظریة عدم انقلابها فلا موضوع له.و هذا هو نتیجة الاختلاف بین النظریتین.

ص:86

و هذا الاختلاف إنما هو علی أساس نظریة المشهور فی مسألة الاحیاء القائلة بکون عملیته تمنح علاقة للمحیی بالارض علی مستوی الملک.

و أما علی أساس ما قویناه من انها إنما تمنحه العلاقة بها علی مستوی الحق فحسب،فلا موضوع لها،فانه علی ضوء ذلک لا معارضة بین صحیحة سلیمان،و صحیحة معاویة،و لا بین صحیحة سلیمان، و صحیحة الکابلی.بل مفاد الجمیع واحد و هو ان عملیة الاحیاء إذا کانت فی أرض کانت رقبتها داخلة فی نطاق ملکیة غیر المحیی لا توجب إلا الاختصاص بها علی مستوی الحق،دون الملک،و سوف نشیر الی ذلک.

قیل:ان النسبة بین صحیحة سلیمان بن خالد،و صحیحة معاویة ابن وهب عموم مطلق ابتداء أی-بقطع النظر عن القول بانقلاب النسبة بینهما-و ذلک لأن موضوع صحیحة سلیمان مجرد کون الارض خربة،و قد زال عمرانها،و من الطبیعی ان هذا العنوان أعم من کون الخراب مستندا الی اهمال صاحب الارض،و امتناعه عن القیام بحقها،و موضوع صحیحة معاویة ما إذا کان الخراب مستندا إلی اهمال صاحب الارض و امتناعه عن القیام باحیائها،فتکون أخص مطلقا من صحیحة سلیمان.

و بعد التخصیص تکون النتیجة:ان علاقة صاحب الارض بأرضه تنقطع بسبب الخراب،إذا کان مستندا الی اهماله و امتناعه عن القیام بحقها،و لا تنقطع إذا لم یکن مستندا الیه.

و لنأخذ بالنقد علیه:

أولا:منع اختصاص صحیحة معاویة بما إذا کان الخراب مستندا

ص:87

الی اهمال صاحب الارض و امتناعه عن القیام بحقها،فان ما یوجب توهم اختصاصها بذلک لیس إلا قوله(علیه السلام)فیها(فغاب عنها و ترکها و أخربها)إلا انه لا یدل علی ذلک،لأن مجرد غیاب صاحبها عنها و ترکها المؤدی الی خرابها لا یستلزم ان یکون ذلک من ناحیة اهماله و امتناعه عن القیام بحقها،فانه کما یمکن ان یکون من ناحیة الاهمال و الامتناع،یمکن ان یکون من ناحیة عدم توفر فرصة کافیة لدیه للرجوع إلیها و القیام بحقها،و لو لمانع خارجی،بحیث متی ارتفع المانع قام بحقها.

أو فقل:إنه یحتمل ان یکون غیابه عنها بقوة قاهرة،لا باختیاره،بحیث متی ارتفعت تلک القوة القاهرة رجع و قام باحیائها و استثمارها.فان مجرد اسناد الغیاب الیه،و کذا الخراب لا یدل علی الاختیار.

فالنتیجة:ان النسبة بین الصحیحتین نسبة التباین،لا عموم و خصوص مطلق.

و ثانیا علی فرض تسلیم ان النسبة بینهما عموم مطلق،الا ان ما قیل:-من ان النتیجة بعد التخصیص هی:ان علاقة صاحب الارض بارضه تنقطع بسبب الخراب،اذا کان مستندا الی اهماله و امتناعه عن القیام بحقها،و لا تنقطع اذا لم یکن مستندا الیه- لا یمکن اتمامه بدلیل،و ذلک لما عرفت سابقا من ان صحیحة معاویة لا تدل بوجه علی انقطاع علاقة المالک عن ارضه بعد خرابها و ان کان مستندا الی اهماله و امتناعه و انما تدل علی ان علاقته بها لا تبقی بعد قیام غیره باحیائها،اما انها انقطعت بسبب ذلک،او بسبب الخراب فالصحیحة لا تدل علی شیء منهما.

ص:88

فاذن ما هو النتیجة المترتبة علی هذا التخصیص.

اقول:النتیجة هی:ان عملیة الاحیاء انما توجب علاقة المحیی بالارض علی مستوی الملک،اذا کان خراب الارض مستندا الی اهمال صاحبها و امتناعه عن القیام بحقها،و لا توجب ذلک اذا لم یکن خرابها مستندا الی ذلک،و تدل علی الاول صحیحة معاویة، و علی الثانی صحیحة سلیمان

هذا اضافة:الی ان ذلک لو تم فانما یتم علی ضوء نظریة المشهور فی المسألة-من ان عملیة الاحیاء تنتج صلة المحیی بالارض علی مستوی الملک-.

و اما علی ضوء ما ذکرناه فی تلک المسألة-من ان نتیجتها لیست الا صلة المحیی بها علی مستوی الحق فحسب-فلا یتم،اذ علی هذا فلا موضوع للتخصیص المزبور،حیث انه یقوم علی اساس التنافی بین صحیحة معاویة،و صحیحة سلیمان.

و علی ضوء ذلک:فلا تنافی بینهما اصلا،فان صحیحة معاویة بعد رفع الید عن ظهورها فی ان عملیة الاحیاء توجب الملک للمحیی و حملها علی انها توجب الحق له،دون الملک،بقرینة خارجیة، لا تنافی صحیحة سلیمان ابدا.لاشتراکهما فی مضمون واحد-و هو ان عملیة الاحیاء لا تمنح الا علاقة المحیی بالأرض علی مستوی الحق فحسب،دون الملک-هذا من ناحیة.

و من ناحیة اخری قد اشرنا-فی ضمن البحوث السالفة-الی ان هذا الحق متقوم بحیاة الارض و عمرانها.فاذا زالت زال بزوال موضوعه، فلا یعقل بقائه بعد زوالها.و علیه فلا یفرق بین ان یکون زوالها باهمال صاحب الحق و امتناعه عن القیام بحقها،او لا یکون بذلک،

ص:89

فصحیحة معاویة علی تقدیر تسلیم اختصاص موردها بما اذا کان خرابها مستندا الی اهمال صاحبها و امتناعه عن القیام باحیائها،الا انه لا موضوعیة لذلک الاختصاص و لا تدل الصحیحة حینئذ علی ان جواز القیام باحیاء الارض خاص بهذه الصورة بعد ما علمنا من الخارج انه یعم غیرها أیضا.

نتیجة هذا البحث عدة خطوط
الأول:ان علاقة المالک عن ارضه لا تنقطع نهائیا،

لا بعد خرابها حتی فیما اذا کان الخراب مستندا الی إهمال صاحبها و امتناعه عن القیام بحقها،و لا بعد قیام غیره باحیائها و عمارتها،و ذلک للاستصحاب،و عدم دلیل علی خلافه.

الثانی:ان المناقشة فی هذا الاستصحاب،تارة بان الموضوع

غیر محرز،و مع عدم احرازه لا یجری الاستصحاب،

و اخری بان الشک فی مورده شک فی المقتضی،لا فی الرافع.و لکن قد تقدم نقد هذه المناقشة بشکل موسع.

الثالث:ان ما قیل:-من ان صحیحة سلیمان بما انها

معارضة بصحیحة معاویة بالتباین و کانت المعارضة بینهما بالاطلاق

فلا محالة تسقطان معا

و لا تصل النوبة الی اعمال قواعد باب الترجیح- فقد تقدم أن ذلک یقوم علی اساس أن تمامیة اطلاق المطلق تتوقف علی عدم البیان:الاعم من المتصل،و المنفصل.و لکن قد عرفت خطأ ذلک،و ان تمامیة الاطلاق لا تتوقف علی عدم البیان المنفصل و انما تتوقف علی عدم البیان المتصل،و علیه فلا مانع من الرجوع

ص:90

الی قواعد باب المعارضة اذا کان هناک ترجیح،و بما انه لا ترجیح فی المقام فتسقطان معا عن الاعتبار،فیرجع الی الاستصحاب.

الرابع:قد تقدم ان صحیحة الکابلی لا تصلح ان تکون مقیدة

لإطلاق صحیحة سلیمان،

و لا لصحیحة معاویة حتی علی القول بکون عملیة الاحیاء تؤثر فی ملکیة الارض للمحیی.

الخامس:ان ما قیل:-من إنه لا معارضة بین صحیحة سلیمان،

و صحیحة معاویة علی أساس نظریة انقلاب النسبة،

فانه بعد تقیید اطلاق صحیحة سلیمان بصحیحة الکابلی تنقلب النسبة بینها،و بین صحیحة معاویة من التباین الی عموم مطلق-فقد عرفت ان صحیحة الکابلی لا تصلح ان تکون مقیدة لإطلاق صحیحة سلیمان من ناحیة.

و علی تقدیر انها تصلح لذلک فلا نقول:بانقلاب النسبة من ناحیة أخری.

السادس:ان ما قیل:-من ان النسبة بین صحیحة سلیمان،

و صحیحة معاویة عموم مطلق بحد نفسهما،

لا بلحاظ انقلاب النسبة- فقد سبق ان الأمر لیس کذلک،و إن النسبة بینهما التباین.

السابع:ان هذه البحوث بأجمعها تقوم علی أساس نظریة المشهور

القائلة بأن عملیة الاحیاء توجب علاقة المحیی بالارض علی مستوی الملک.و أما علی ما قویناه من انها إنما توجب علاقته بها علی مستوی الحق فحسب،دون الملک،فلا مجال لها،اذ علی هذا لا تنافی بین هذه المجموعة من الروایات،فان التنافی و التعارض،و انقلاب النسبة،و عدم انقلابها کلها مبنی علی فرض دلالتها علی الملک،کما عرفت بشکل موسع.

الثامن:انه بناء علی ما قویناه من أن علاقة المحیی بالارض إنما هی علی مستوی الحق فحسب دون الملک،

ص:91

فهی تنقطع نهائیا بعد خرابها،سواء أ کان الخراب مستندا إلی الاهمال و الامتناع عن القیام بحقها،أم لم یکن مستندا إلی ذلک.

الاعراض

هل یوجب انقطاع علاقة

المالک عن ماله؟

لا شبهة فیما إذا أعرض المالک عن ارضه و ترکها فی جواز قیام غیره باحیائها و استثمارها،و إنما الکلام فی ان علاقته بها هل تنقطع بذلک نهائیا و تصبح کالمباحات الأصلیة،أو انها ظلت بحالها،و إن کان یجوز لغیره التصرف فیها وضعا و تکلیفا،نظرا الی أن الاعراض بحد نفسه یتضمن الرخصة فی التصرف بها لغیره؟فیه قولان:

المعروف و المشهور بین الاصحاب علی ما نسب الیهم هو القول الأول.و ذهب جماعة الی القول الثانی.

و لا یبعد قوة القول الأول.و النکتة فیه ان الارتکاز القطعی قائم لدی العرف و العقلاء علی ان الارض-کما فی مورد الکلام- بعد اعراض صاحبها عنها تصبح من المباحات،و یرون ان نسبة صاحبها الیها کنسبة غیره الیها فی حدّ سواء یعنی-ان علاقته بها تنقطع بذلک نهائیا-فیصبح کالأجنبی،و هذا هو ملاک جواز تصرف غیره فیها،لا الترخیص الضمنی من صاحبها.

و هذا الارتکاز القطعی هو المنشأ لقیام السیرة من العقلاء علی اباحة التصرف فیها،لا الترخیص المذکور.

ص:92

و ان شئت قلت:ان جواز التصرف فیها باحیاء و استثمار فحسب لا یصلح ان یکون دلیلا علی انقطاع علاقة المالک عن أرضه،حیث قد عرفت انه لازم اعم بالاضافة الیه،بل الدلیل علیه إنما هو ذلک الارتکاز القطعی لدی العرف و العقلاء الممتد زمنیا الی عصور الأئمة الاطهار(علیه السلام)الکاشف عن الامضاء حیث لم یرد منهم(علیه السلام) ردع عنه،و من هنا لا یترتبون العقلاء علیها آثار الملک.

و تؤکد ذلک صحیحة عبد اللّه بن سنان عن أبی عبد اللّه(علیه السلام) قال:من أصاب مالا أو بعیرا فی فلاة من الارض.قد کلّت و قامت، و سیّبها صاحبها مما لم یتبعه،فأخذها غیره،فأقام علیها و انفق نفقته حتی احیاها من الکلال و من الموت،فهی له،و لا سبیل له علیها، و إنما هی مثل الشیء المباح (1).

فان قوله(علیه السلام)و إنما هی مثل الشیء المباح علة لنفی السبیل و هذه العلة تنسجم مع ما ذکرناه من ان علاقة المالک عن ماله تنقطع بأعراضه و یصبح کالمباح.

فالنتیجة:ان الارتکاز المزبور بضم هذه الصحیحة دلیل فی المسألة.

هذا تمام ما أوردناه فی المقام الأول.

و أما المقام الثانی و هو ما إذا کان السبب لعلاقة المالک بالارض

غیر عملیة الاحیاء،

کشراء أو ارث أو نحو ذلک،فقد نسب الی المشهور انها لا تنقطع عنها بعد خرابها.و أما إذا کان سببها عملیة الاحیاء،فهی تنقطع بذلک.

و لکن قد تقدم الکلام فی ذلک فی ضمن الابحاث السالفة بشکل موسع و قلنا هناک انه لا فرق بینهما فی ذلک اصلا.

ص:93


1- 1) الوسائل ج 17 الباب 13 من أبواب اللقطة الحدیث(2).

النقطة الثالثة

اشارة

هل ان قیام الفرد بعملیة الاحیاء و العمارة فی الارض الخربة

یوجب انقطاع علاقة الامام(علیه السلام)عنها نهائیا،أو لا یوجب ذلک

و انما یوجب علاقة المحیی بها علی مستوی الحق فحسب،مع بقاء رقبة الارض فی ملکه(علیه السلام)؟فیه قولان:

المعروف و المشهور بین الاصحاب قدیما و حدیثا هو القول الاول.

و قد استدل علی هذا القول بمجموعة من الروایات:

منها صحیحة محمد بن مسلم قال:سألته عن الشراء من ارض الیهود،و النصاری قال:(لیس به بأس،الی أن قال:أیما قوم أحیوا شیئا من الارض أو عملوه،فهم احق بها و هی لهم) (1).

و هذه الروایة و إن کانت مضمرة إلا أن الاضمار من مثل زرارة غیر مضر باعتبارها.

و منها صحیحة الفضلاء عن أبی جعفر و ابی عبد اللّه(علیه السلام)قالا:

قال رسول اللّه(صلی الله علیه و آله):(من أحیا أرضا مواتا فهی له) (2).

و منها صحیحة زرارة عن أبی جعفر(علیه السلام)قال:قال رسول اللّه(صلی الله علیه و آله):(من أحیا أرضا مواتا فهو له) (3).

و منها معتبرة السکونی عن أبی عبد اللّه(علیه السلام)قال:قال رسول اللّه(صلی الله علیه و آله):(من غرس شجرا أو حفر وادیا بدیا لم یسبقه الیه أحد.أو أحیی أرضا میتة فهی له،قضاء من اللّه و رسوله) (4).

ص:94


1- 1) الوسائل ج 17 الباب 1 من أبواب احیاء الموات الحدیث 1.
2- 2) الوسائل ج 17 الباب 1 من أبواب احیاء الموات الحدیث 5.
3- 3) الوسائل ج 17 الباب 1 من أبواب احیاء الموات الحدیث 6.
4- 4) الوسائل ج 17 الباب 2 من أبواب احیاء الموات الحدیث(1)

و منها صحیحة معاویة بن وهب المتقدمة.فانها ظاهرة فی ملکیة الارض لمن یقوم بعمارتها.و غیرها من الروایات الظاهرة فی ذلک.

و غیر خفی:لو کنا نحن و هذه المجموعة من الروایات لم یکن مناص من الالتزام بسببیة الاحیاء لملکیة الارض للمحیی،کما هو کذلک عند العقلاء بقطع النظر عن الشرع،إلا أن فی مقابلها ثلاث روایات،و قد صرح فیها بعدم خروج الارض عن ملک صاحبها بالقیام بعملیة الاحیاء و العمارة،و دخولها فی ملک من یقوم بهذه العملیة.

منها صحیحة أبی خالد الکابلی عن أبی جعفر(علیه السلام)قال وجدنا فی کتاب علی(علیه السلام)ان الارض للّه یورثها من یشاء من عباده الی ان قال:و الارض کلها لنا،فمن أحیا أرضا من المسلمین فلیعمرها، و لیؤد خراجها الی الامام من اهل بیتی،و له ما أکل منها،فان ترکها و اخربها،فأخذها رجل من المسلمین من بعده،فعمرها و أحیاها،فهو احق بها من الذی ترکها،فلیؤد خراجها الی الامام من أهل بیتی،و له ما أکل منها،حتی یظهر القائم(علیه السلام)من أهل بیتی بالسیف،فیحویها و یمنعها و یخرجها منها،کما حواها رسول اللّه(صلی الله علیه و آله)و منعها،إلا ما کان فی أیدی شیعتنا،فانه یقاطعهم علی ما فی أیدیهم،و یترک الارض فی أیدیهم) (1).

و هذه الصحیحة نتضمن عدة نقاط:

الأولی:ان الارض بتمامها داخلة فی نطاق ملکیة الامام(علیه السلام)، و قد تقدم ان هذه الملکیة حکم شرعی،لا امر تکوینی،و لا معنوی، و ذکرنا انه لا مناص من الالتزام بذلک.

ص:95


1- 1) الوسائل ج 17 الباب 3 من ابواب احیاء الموات الحدیث(2).

الثانیة:انه قد قید المحیی فیها بکونه من المسلمین،و سیأتی الکلام من هذه الناحیة فی ضمن الابحاث القادمة.

الثالثة:ان الامام(علیه السلام)قد فرض الخراج فی هذه الصحیحة علی من یقوم بعملیة الاحیاء تفریعا علی ملکیته(علیه السلام)و من الطبیعی ان هذه النقطة تنص علی ان عملیة الاحیاء فی ارض الامام(علیه السلام) لا توجب تملک المحیی لرقبتها.و انما هی توجب کونه احق فی التصرف بها من غیره.و إلا فلا مقتضی لفرض الخراج علیه.

الرابعة:ان الحق الخاص الذی حصل للمحیی فی الارض علی أساس قیامه باحیائها إنما هو یرتبط بالارض ما دامت حیة،فاذا انقطعت الحیاة عنها بترکها انقطع حقه عنها نهائیا،فاذا قام غیره باحیائها ثانیا حصل له الحق فیها علی أساس ذلک.و هذه النقطة تدل بوضوح علی ان رقبة الارض قد ظلت فی ملک الامام(علیه السلام).

الخامسة:ان القائم من آل محمد(صلی الله علیه و آله)إذا ظهر بالسیف أخذ الارض التی فی أیدی غیر الشیعة،و یترک الارض التی فی أیدیهم.و هذه نص فی بقاء علاقة الامام(علیه السلام)بالارض،و عدم انقطاع علاقته عنها بقیام غیره باحیائها.

و منها:صحیحة سلیمان بن خالد المتقدمة قال:سألت أبا عبد اللّه(علیه السلام)عن الرجل یأتی الارض الخربة،فیستخرجها و یجری انهارها و یعمرها و یزرعها ما ذا علیه،قال:(الصدقة،قلت:فان کان یعرف صاحبها.قال:فلیؤدی الیه حقه).

فان قوله(علیه السلام)فلیؤدی الیه حقه نص فی ان علاقة صاحب الارض لا تنقطع عن أرضه نهائیا بذلک.و إلا لم یبق حق له.

و منها:صحیحة عمر بن یزید قال:سمعت رجلا من أهل

ص:96

الجبل،یسئل أبا عبد اللّه(علیه السلام)عن رجل أخذ ارضا مما ترکها أهلها،فعمرها و کری انهارها،و بنی فیها بیوتا،و غرس فیها نخلا شجرا،

قال:فقال أبو عبد اللّه(علیه السلام):کان أمیر المؤمنین(علیه السلام)یقول:

(من أحیا ارضا من المؤمنین فهی له.و علیه طسقها یؤدیها الی الامام(علیه السلام)فی حال الهدنة فاذا ظهر القائم(علیه السلام)فلیوطن نفسه علی ان تؤخذ منه) (1).

فان ذیلها نصّ:فی بقاء الارض فی نطاق ملکیة الامام(علیه السلام) و لا تنقطع علاقته(علیه السلام)عنها نهائیا بقیام غیره باحیائها.

و بعد ذلک نقول ان هذه المجموعة التی هی روایات ثلاث بما انها نص فی ان علاقة الامام(علیه السلام)لا تنقطع عن رقبة الارض بقیام غیره بعملیة احیائها و استثمارها،فبطبیعة الحال تتقدم علی المجموعة السابقة التی هی ظاهرة فی ان عملیة الاحیاء توجب تملک المحیی لرقبة الارض،فان النص یتقدم علی الظاهر،بل لو لم تکن نصا فلا شبهة فی انها اظهر من تلک المجموعة،و الاظهر یتقدم لدی العرف علی الظاهر،فلا معارضة بینهما.

و علیه فلا بد من رفع الید عن ظهور تلک المجموعة،و حملها علی ان العلاقة التی توجبها عملیة الاحیاء للمحیی بالارض انما هی علی مستوی الحق فحسب،دون الملک،بقرینة هذه المجموعة.

و من هنا اشرنا-غیر مرة فی ضمن البحوث السالفة-الی ان هذا القول أی-القول بان عملیة الاحیاء توجب صلة المحیی بالارض علی مستوی الحق فحسب-هو الصحیح.

ص:97


1- 1) الوسائل ج 6 الباب 4 من ابواب الانفال و ما یختص بالامام،الحدیث(13).

و قد نسب هذا القول الی جماعة من الاصحاب:منهم شیخ الطائفة الشیخ الطوسی(قده)فی کتابه المبسوط فی بحث الجهاد.و منهم السید محمد من آل بحر العلوم(قده)فی بلغته.و منهم الشهید الثانی(قده)فی المسالک،بل حکی هذا القول فیه عن الاکثر.

و منهم المحقق فی کتابه الشرائع فی بحث الجهاد.

قد یقال:کما قیل:ان صحیحة عبد اللّه بن سنان عن أبی عبد اللّه(علیه السلام) قال:سئل و أنا حاضر عن رجل أحیا ارضا مواتا فکری فیها نهرا، و بنی فیها بیوتا و غرس نخلا و شجرا،فقال:هی له،و له أجر بیوتها، و علیه فیها العشر فیما سقت السماء او سیل وادی او عین،و علیه فیما سقت الدوالی و الغرب نصف العشر (1)،

انها نص فی ان صلة الامام(علیه السلام)بالارض تنقطع عنها نهائیا بقیام غیره باحیائها و السیطرة علیها.و کذا نص فی نفی الخراج بقرینة الاقتصار فیها علی ذکر الزکاة.

فاذن بطبیعة الحال تقع المعارضة بین هذه الصحیحة،و الصحاح الثلاث المتقدمة،باعتبار ان هذه الصحیحة نص فی ان عملیة الاحیاء توجب علاقة المحیی بالارض علی مستوی الملک،و انقطاع علاقة الامام(علیه السلام)عنها نهائیا،و تلک الصحاح نص فی انها لا توجب الا علاقة المحیی بها علی مستوی الحق،و بما انه لا مرجح لتلک الصحاح علیها،فلا یمکن الاخذ بها،و طرح صحیحة عبد اللّه بن سنان، فاذن لا محالة تسقطان معا،و بعد سقوطهما کذلک لا مانع من الرجوع الی المجموعة المتقدمة من الروایات الظاهرة فی ان عملیة الاحیاء توجب الملک،و ذلک لان المانع من الاخذ بظاهر تلک

ص:98


1- 2) الوسائل ج 17 الباب 1 من أبواب احیاء الموات الحدیث(8).

المجموعة انما هو الصحاح المزبورة،فاذا افترض سقوطها بالمعارضة لم تصلح للمانعیة عن الاخذ بظاهرها.

و نظیر ذلک ما اذا کان فی المسألة عام و خاص،و فرضنا ان الخاص قد سقط عن الاعتبار،اما من ناحیة ابتلائه بالمعارض:او من ناحیة أخری،فعندئذ لا مانع من الرجوع الی العام.

و من الطبیعی ان هذه القاعدة لا تختص بالعام أو المطلق،بل هی قاعدة سیالة فی کل دلیل کانت دلیلیته فی طول دلیل آخر، لا فی عرضه،کالظاهر بالاضافة الی النص،او الاظهر،فانه لا یکون حجة فی عرضه،و انما تکون حجیته فی طول حجیة ذلک،و ان کانت النسبة بینهما تباینا او عموما من وجه.

و علیه فاذا افترض ان النص أو الاظهر قد سقط عن الحجیة من ناحیة ابتلائه بالمعارض،او نحوه فلا مانع من الاخذ بالظاهر و العمل علی طبقه.

و ما نحن فیه من هذا القبیل،فان المانع عن الاخذ بظهور تلک المجموعة انما هو الصحاح الثلاث،فاذا افترض انها سقطت عن الاعتبار من جهة المعارضة فلا مانع من الاخذ بظهورها،حیث انها لا تصلح ان تکون طرفا للمعارضة کالصحاح،باعتبار انها لا تکون حجة فی عرضها،و انما هی تصلح ان تکون مرجعا بعد سقوط الصحاح کالعام الفوقی.

و لنأخذ بالمناقشة علیه:

اما الکبری.فهی و ان کانت فی غایة الصحة و المتانة،و لا إشکال عند الاصحاب فیها،لا نظریا،و لا عملیا فی ابواب الفقه الا ان ما نحن فیه لیس من صغری تلک الکبری،و ذلک لان صحیحة

ص:99

عبد اللّه بن سنان لا تصلح ان تکون طرفا للمعارضة مع الصحاح الثلاث المتقدمة،لوضوح ان الصحیحة لیست نصا فی مدلولها،بل و لا اظهر من الروایات المتقدمة،ضرورة ان قوله(علیه السلام)فی الصحیحة (هی له)کقوله(علیه السلام)فی تلک الروایات(فهی له)فان التعبیر فیهما علی مستوی واحد،و من المعلوم ان المتفاهم العرفی من مثل هذا التعبیر لیس ازید من الظهور فی الاختصاص علی مستوی الملک،کما ان دلالة الصحیحة علی عدم وجوب الخراج لا تتعدی عن الظهور الاطلاقی الناشی من السکوت فی مقام البیان.

و ان شئت قلت:ان الصحیحة بما انها کانت فی مقام البیان، و مع ذلک قد اقتصرت علی وجوب الزکاة،و سکتت عن وجوب الخراج،فیحصل لها ظهور عرفی فی عدم وجوبه.و من الواضح أن هذا الظهور لیس بأقوی من سائر الظهورات.

فالنتیجة:فی نهایة الشوط:ان ظهور هذه الصحیحة فی سببیة الاحیاء للملک.لیس بأقوی من ظهور الروایات المتقدمة فی ذلک فضلا عن کونها نصا.فلا فرق بینها،و بین تلک الروایات من هذه الناحیة،فکما أن تلک الروایات لا یمکن ان تتعارض مع الصحاح الثلاث المتقدمة،فکذلک هذه الصحیحة.

و لو تنزلنا عن ذلک:و سلمنا أن الروایات المتقدمة نص فی کون عملیة الاحیاء سبب لتملک المحیی للأرض،فحینئذ تقع المعارضة بینها و بین الصحاح المتقدمة.

و هل یمکن عندئذ ترجیح تلک الروایات علی الصحاح المزبورة؟ فیه وجهان:

قیل:او یمکن ان یقال:فی وجه ترجیحها علیها عدة وجوه:

ص:100

الاول:ان الصحاح الثلاث المذکورة و ان کانت تامة دلالة و سندا،الا انها من ناحیة اعراض الاصحاب عنها و عدم عملهم بها، قد سقطت عن الحجیة و الاعتبار،فلا یمکن العمل بها،فتبقی تلک الروایات حینئذ بلا معارض.

فالنتیجة ان القول بتملک المحیی لرقبة الارض بالاحیاء و الاستثمار هو الصحیح.

و یردّه:

اولا:ان اعراض المشهور عن تلک الصحاح غیر ثابت،بل الثابت خلافه،حیث قد عرفت ان الشیخ الطائفة(قده)فی کتابه المبسوط قد افتی بمضمون هذه الصحاح،و کذا السید محمد من آل بحر العلوم،و یظهر من بعض الاخر أیضا الذهاب الی ذلک کما تقدم و بالرغم من ذلک فکیف یمکن دعوی الاعراض عنها فی المقام.

و اما تسالم الاصحاب قدیما و حدیثا-علی عدم وجوب الخراج و الطسق علی المتصرفین فی تلک الاراضی و المستثمرین فیها- فهو لیس من ناحیة خروج الارض عن نطاق ملکیة الامام(علیه السلام)، و دخولها فی نطاق ملکیة من یقوم باحیائها و استثمارها،بل انما هو من ناحیة مجموعة من النصوص التی جاءت بلسان تحلیل الارض لمن شملهم التحلیل.

نعم اذا کانت الارض داخلة فی نطاق الملکیة الخاصة-بان یکون لها مالک خاص-وجب علی من یقوم باستثمارها ان یؤدی الی صاحبها حقه،باعتبار ان صلته بها لم تنقطع عنها نهائیا،بعد خرابها، او بعد قیام غیره باحیائها،بل تبقی صلته بها،کما کانت قبل هذه الحالة.

ص:101

و تدل علی ذلک صحیحة سلیمان بن خالد المتقدمة کما عرفت،

و ثانیا:ان فتوی المشهور بظاهر الروایات المتقدمة لا تدل بوجه علی ان اعراضهم عن الصحاح المذکورة و عدم عملهم بها،انما هو من جهة اطلاعهم علی وجود خلل فیها سندا أو جهة أو دلالة،بل من المحتمل قویا ان یکون ذلک من ناحیة ترجیح تلک الروایات علی الصحاح المزبورة فی مقام علاج مشکلة التعارض بینهما.

هذا اضافة:الی ان الاصحاب لم یکونوا معرضین عنها جزما و ذلک لأن روایات الباب تصنف الی مجموعتین:

المجموعة الاولی:تقول:ان عملیة الاحیاء سبب لتملک المحیی للأرض-و هی عدة روایات قد مرت بنا-.

المجموعة الثانیة:علی صنفین:

احدهما:یقول:ان علاقة الفرد عن ارضه تنقطع بعد خرابها او بعد قیام غیره باحیائها-و هو صحیحة الکابلی و صحیحة معاویة المتقدمتان-

و الاخر:یقول:انها لا تنقطع بذلک-و هو صحیحة سلیمان التی مرت آنفا-.

و قد نسب الی الاصحاب انهم جمعوا بین هذین الصنفین بحمل الصنف الاول علی ما اذا کان سبب ملکیة الارض الاحیاء،و الصنف الثانی علی ما اذا کان غیره کالشراء او الارث او نحو ذلک، و بالرغم من هذا فکیف یمکن ان ینسب الیهم الاعراض عن هذه المجموعة.

و ثالثا:ان سقوط الروایة عن الاعتبار من ناحیة اعراض المشهور عنها محل اشکال،بل منع،فان الروایة اذا توفرت فیها شرائط الحجیة و الاعتبار کانت مشمولة لأدلة الاعتبار فتکون حجة،و لا اثر لاعراض المشهور عنها اصلا إلا اذا افترض حصول الاطمئنان بوجود

ص:102

خلل فیها علی اساس ذلک.

و اما ما قیل-من ان سیرة المسلمین عامة قد جرت عملیا من لدن زمان الائمة(علیه السلام)الی زماننا هذا علی عدم اعطاء الخراج و الطسق للإمام(علیه السلام)و من الطبیعی ان هذه السیرة کما تکشف عن انقطاع صلة الامام(علیه السلام)عن الارض نهائیا و دخولها فی ملک من یقوم باحیائها.کذلک تکشف عن اعراض الاصحاب جمیعا عن تلک الصحاح و عدم عملهم بها.

-فهو خاطئ جدا:و ذلک:اما سیرة الطائفة الخاصة علی ذلک فهی انما تقوم علی اساس اخبار التحلیل،و لو لا تلک الاخبار لکان علینا ان نقول بوجوبه علی کل من یقوم باحیاء الارض و استثمارها بمقتضی تلک الصحاح،فعدم القول به انما هو علی اساس تلک الاخبار،و معنی هذا لیس هو الاعراض عنها،بل معناه رفع الید عنها فی خصوص من شملهم التحلیل لا مطلقا.

و علی ضوء ذلک فهذه السیرة بما انها تقوم علی اساس اخبار التحلیل فلا تکشف عن ان علاقة الامام(علیه السلام)تنقطع عن الارض نهائیا بقیام غیره باحیائها،بل تکشف عن بقائها و عدم انقطاعها بذلک، نظرا الی ان مفاد تلک الاخبار هو التحلیل المالکی المستلزم لبقاء رقبة الارض فی ملک مالکها.

و اما سیرة العامة علی ذلک فهی انما تقوم علی اساس مذهبهم فی الفقه،و لا صلة لها بمنهجنا فی الفقه

فالنتیجة فی نهایة الشوط:انه لا اثر لتلک السیرة اصلا.

الثانی:ان دلالة صحیحة الکابلی،و صحیحة عمر بن یزید علی وجوب الطسق و الخراج علی من یقوم باحیاء هذه الاراضی و الاستفادة

ص:103

من ثرواتها انما هی بالظهور.

و اما دلالة المجموعة من النصوص المتقدمة علی عدم وجوبه انما هی بالنص.و من الطبیعی ان الظاهر لا یمکن ان یتعارض مع النص،فاذن لا بد لنا من تقدیم تلک المجموعة علیهما بقانون حکومة النص علی الظاهر.

فالنتیجة:قد اصبحت فی صالح القول بعدم وجوب الخراج و الطسق علی المحیی،و بالتالی الی تملکه للأرض.

و قد یجاب عن ذلک:بأن هذا الجمع إنما یقوم علی أساس ان یکون مفادهما وجوب الطسق تکلیفا و أما إذا کان وجوبه وضعا فهو غیر تام.

و السبب فیه:ان حمل الأمر الظاهر فی الوجوب علی الاستحباب -بقرینة ما دل علی الترخیص فی الترک-إنما هو مبنی علی أحد أمور:علی أساس ان دلالة الصیغة علی الوجوب لا تخلو من ان تکون بالوضع.أو بالاطلاق و مقدمات الحکمة،أو بمعونة حکم العقل.

و علی الأول فحمل الصیغة علی الاستحباب إنما هو مبنی علی دعوی ظهور ثانوی لها فیه التی تصل النوبة الیها بعد رفع الید عن ظهورها الاولی فی الوجوب،و إلا فارادة الاستحباب منها بحاجة الی دلیل آخر،فلا یکفی وجود القرینة علی عدم ارادة الوجوب.

و علی الثانی فبما أن مدلول الصیغة بحسب الجعل و الوضع هو الطلب،و الوجوب إنما هو مدلول لها بالاطلاق و مقدمات الحکمة، فبطبیعة الحال یکون حملها علی الاستحباب-بعد مجیء الرخصة- إنما هو مبنی علی أن الرخصة تنافی مدلولها الاطلاقی،دون مدلولها الوضعی یعنی-أنها توجب تقیید إطلاقها الذی هو منشأ

ص:104

الوجوب-و هذا معنی حمل الأمر علی الاستحباب.

و علی الثالث فبما ان الحاکم بالوجوب هو العقل فبطبیعة الحال یکون حکمه بذلک مبنیا علی ان لا ترد الرخصة علی خلافه،فاذا وردت الرخصة ارتفع موضوع الوجوب حقیقة،و ثبت بضمها الی جامع الطلب الاستحباب.

ثم إنه یفترق حمل الأمر علی الاستحباب فی الوجه الاول عن حمله علیه فی الوجه الثانی،و الثالث بأنه فی الوجه الأول مبنی علی دعوی الظهور الثانوی،و فی الوجه الثانی،و الثالث مبنی علی التأویل و التوجیه.

و لکن هذه الوجوه باجمعها:لا تتم فی الامر الظاهر فی حکم وضعی،فان قوله(علیه السلام)فی صحیحة الکابلی(فلیؤدی طسقها) و قوله(علیه السلام)فی صحیحة عمر بن یزید(فعلیه طسقها)بما إنهما ظاهر ان عرفا فی بیان الحکم الوضعی-و هو اشتغال ذمة المحیی بالطسق للإمام(علیه السلام)-دون الحکم التکلیفی المحض و علیه فلا یمکن الحمل علی الاستحباب،هذا.

و یمکن المناقشة فی هذا الجواب:بأنه إنما یتم فیما إذا کان الحکم الوضعی مدلولا لدلیل وضعا،فعندئذ لا یمکن حمله علی الحکم التکلیفی.و أما إذا افترضنا ان مدلوله اللفظی ینسجم مع کل من الحکم الوضعی و التکلیفی معا،و کان ظهوره فی بیان الحکم الوضعی إنما هو بقرینة خارجیة،فحینئذ لا مانع من الحمل علی الحکم التکلیفی إذا لم یمکن الاخذ بظاهره من جهة قیام دلیل علی خلافه.

و ما نحن فیه من هذا القبیل،فان قوله(علیه السلام)فلیؤدی طسقها یدل فی نفسه و بقطع النظر عن خصوصیات المورد علی الطلب فحسب،

ص:105

فانه مدلوله اللفظی الوضعی،و لا یدل بمقتضی الجعل و الوضع علی کونه إرشادا،و لا علی کونه الزاما،فظهوره فی الارشاد إلی الوضع أی-اشتغال ذمة المحیی بالطسق-إنما هو من ناحیة خصوصیة المقام و المورد،کما ان ظهوره فی الالزام إنما هو من ناحیة الاطلاق.

و علیه فاذا قام دلیل علی نفی اشتغال ذمته بذلک و کان نصا فیه فلا محالة یکون قرینة علی رفع الید عن ظهوره فیه أی-فی الارشاد- فیحمل علی الطلب التکلیفی الاستحبابی،فان هذا الدلیل کما یکون قرینة علی رفع الید عن ظهوره فی الارشاد،کذلک یکون قرینة علی رفع الید عن ظهوره فی الالزام.و علیه فبطبیعة الحال یکون الطلب الذی هو مدلول له وضعا استحبابیا،و لا مانع من هذا الجمع أصلا.

و کذا الحال فی قوله(علیه السلام)فعلیه طسقها،فان مدلوله اللفظی- و هو ثبوت شیء علی ذمة المکلف-ینسجم مع کل من التکلیف و الوضع،فظهوره فی بیان الحکم الوضعی هنا إنما هو من جهة خصوصیة المقام.و علیه فاذا قام دلیل علی عدم إمکان الأخذ بمقتضی هذه الخصوصیة فلا بد من رفع الید عن هذا الظهور و الحمل علی التکلیف المحض.و من الطبیعی ان هذا الجمع لیس جمعا خارجا عن المتفاهم العرفی.

و نظیر ذلک:قد التزم الفقهاء(قد هم)فی باب الزکاة بالاضافة إلی أموال التجارة أو نحوها،فان مجموعة من النصوص قد دلت علی ثبوت الزکاة فیها ثبوتا وضعیا.و مجموعة أخری منها قد دلت علی نفی الزکاة عنها،و لما کانت دلالة المجموعة الأولی علی ذلک بالظهور، و دلالة المجموعة الاخری بالنص،فبطبیعة الحال تتقدم الثانیة علی

ص:106

الأولی بقانون تقدم النص علی الظاهر،فتحمل المجموعة الاولی علی الحکم التکلیفی-و هو الاستحباب-رغم ظهورها فی الحکم الوضعی.

و من هنا افتوا باستحباب الزکاة فیها.

فالنتیجة:ان فی کل مورد یمکن حمل الدلیل الظاهر فی بیان الحکم الوضعی علی الحکم التکلیفی-بأن یکون معناه الموضوع له منسجما مع کل من الوضع و التکلیف-فلا مانع من الجمع المزبور، و فی کل مورد لا یمکن ذلک بنکتة ان معناه الموضوع له غیر قابل لذلک،لا یمکن هذا الجمع.

فالصحیح فی الجواب عن هذا الوجه ان یقال:

ان النصوص المتقدمة التی تدل علی نفی الخراج و الطسق لیست نصا فیه،فانها تصنف الی مجموعتین:

إحداهما:تنفی ذلک بالدلالة الالتزامیة-و هی التی جاءت بهذا اللسان أو قریبا منه-(من أحیا ارضا مواتا فهی له)فانها تدل بالمطابقة علی ان المحیی؟؟؟ یملک الارض علی أساس الاحیاء،و بالتزام علی نفی الخراج و الطسق و بما ان دلالتها المطابقیة کانت بالظهور، فبطبیعة الحال:کانت دلالتها الالتزامیة کذلک،فلا تکون نصا فیه.

و الاخری:تدل علی ذلک بالاطلاق الناشی من السکوت فی مقام البیان کصحیحة عبد اللّه بن سنان و نحوها.

و علیه فتکون تلک النصوص معارضة مع الصحاح المذکورة الظاهرة فی وجوب الخراج و الطسق،فتسقطان معا،فیرجع فی المسألة الی الاصل العملی،و مقتضاه بقاء الارض فی ملک الامام(علیه السلام)و عدم دخولها فی ملک المحیی بسبب الاحیاء.

الوجه الثالث:ان الروایات التی تدل علی تملک المحیی لرقبة

ص:107

الارض بالاحیاء روایات معروفة مشهورة بین الاصحاب،و هذا بخلاف الروایات التی تدل علی عدم تملکه بعملیة الاحیاء،فانها بالاضافة الیها روایات شاذة،و حیث ان الشهرة فی الروایة من احدی مرجحات باب المعارضة،فتتقدم تلک الروایات المشهورة علی هذه الروایات النادرة.

فالنتیجة:ان عملیة الاحیاء توجب ملکیة الارض للمحیی.

و الجواب عن ذلک:

ان ارید بالشهرة التواتر یعنی-انها روایات متواترة کما هو المناسب لمعنی الشهرة لغة و عرفا-ففیه ان الروایة المشهورة بهذا المعنی و ان کانت تتقدم علی الروایة الشاذة یعنی-غیر المتواترة-الا ان الروایات المزبورة لم تکن کذلک،ضرورة انها لم تبلغ من الکثرة حد التواتر

و ان ارید بها الاستفاضة:فهی و ان کانت کذلک،إلا انه لا دلیل علی ان صفة الاستفاضة فی الروایة سبب لتقدیمها علی غیرها،فان الدلیل علی تقدیم الروایة المشهورة علی الشاذة مقبولة عمر بن حنظلة،و هی لا تدل علی تقدیم الروایة المستفیضة علی غیرها، فان الظاهر من الروایة المشهورة فیها التی عبر عنها بالمجمع علیه-هو المشهورة بالمعنی الأول-فانه ینسجم مع معناها لغة و عرفا.و من الواضح ان تقدیم الروایة المشهورة بهذا المعنی علی غیرها المعارض لها علی طبق القاعدة فلا یحتاج الی دلیل.

هذا مضافا:الی ان المقبولة ضعیفة سندا فلا یمکن الاعتماد علیها من هذه الناحیة.

فالنتیجة:ان هذا الوجه أیضا لا یمکن اتمامه بدلیل.

ص:108

و من ذلک:یظهر بطلان ما قیل:من ان المعارض للصحاح الثلاث المتقدمة صحیحة عبد اللّه بن سنان خاصة،دون غیرها من روایات الباب،بدعوی ان الصحیحة نص فی مدلولها-و هو تملک المحیی للأرض بالقیام بحقها-دون تلک الروایات.و لکن لا بد من تقدیم الصحیحة علیها،لموافقتها للسنة-و هی الروایات المزبورة-

وجه الظهور مضافا-الی ما عرفت من ان حال الصحیحة حال سائر الروایات فلا فرق بینهما من ناحیة الدلالة اصلا-ان موافقة تلک الروایات لیست موافقة للسنة،فانها تقوم علی اساس ان تکون متواترة،و قد عرفت عدم ثبوت تواترها.

الرابع:ان النصوص التی تدل علی تحلیل الارض کصحیحة مسمع مخالفة للنصوص التی تدل علی عدم تملک المحیی للأرض بعملیة الاحیاء و العمارة،و وجوب الخراج و الطسق علیه بازاء تصرفاته فیها و استفادته من ثرواتها،و بما ان هذه المخالفة کانت بالعموم المطلق فلا محالة تکون نصوص التحلیل مقیدة لإطلاق تلک النصوص،و بعد التقیید تختص بغیر الافراد الذین شملهم التحلیل و نتیجة ذلک أن هؤلاء الافراد یملکون رقبة الارض بالاحیاء و الاستثمار

و لازم هذا عدم وجوب الطسق و الخراج علیهم،دون غیرهم من الافراد الذین لا تشملهم نصوص التحلیل.فانهم لا یملکون رقبة الارض بعملیة الاحیاء،و انما الحاصل لهم حق الاختصاص بسببها مع بقاء الرقبة فی ملکیة صاحبها و لذا یجب علیهم اداء الطسق و الاجرة الیه فعندئذ تنقلب النسبة بین هذه النصوص و بین المجموعة المتقدمة من النصوص-التی کان مفادها سببیة الاحیاء للملک-من التباین الی عموم مطلق،فترتفع المعارضة بینهما

ص:109

و تصبح النتیجة علی الشکل التالی و هی:أن نصوص سببیة الاحیاء للملک تختص بعد التقیید بالافراد الذین کانوا مشمولین لنصوص التحلیل،دون غیرهم من الافراد،فانهم یخرجون من تحتها بواسطة النصوص المذکورة،و لا یملکون الارض بالاحیاء، و انما الحاصل لهم بواسطة قیامهم بحقها هو الاختصاص بالارض علی مستوی الحق فحسب

و قد یجاب عن أن هذا الوجه انما یقوم علی اساس أن یکون المراد من التحلیل فی النصوص المزبورة التحلیل الشرعی یعنی الحکم الالهی دون التحلیل المالکی حتی تکون موافقة للنصوص الدالة علی تملک المحیی لرقبة الارض بالاحیاء النافیة للخراج و الطسق،فانها ظاهرة فی بیان الحکم الکلی الالهی.و اما اذا کان المراد منه التحلیل المالکی کما هو الصحیح،بقرینة أن الامام(علیه السلام)قد فرع تحلیل الارض و ما فیها علی ملکیته لها،کما فی صحیحة مسمع التی هی العمدة فی هذا الحکم،فعندئذ لا یکون المقام من صغریات انقلاب النسبة فان انقلاب النسبة بین العامین کان التعارض بینهما بنسبة التباین انما هو فیما اذا ورد خاص مخالف لأحدهما و موافق للآخر حتی یحمل العام الموافق علی مورد الخاص و لنأخذ بالنقد علیه.

اما اولا:فانا اذا افترضنا أن مرکز المعارضة بین العامین فی المقام انما هو فی دلالة احدهما علی وجوب الخراج و الطسق علی المحیی و دلالة الاخر علی عدم وجوبهما علیه،بقطع النظر عن دلالتهما علی ما یستلزمهما-و هو تملک المحیی للأرض بالاحیاء،و عدم تملکه لها-فعندئذ لا مانع من الالتزام بانقلاب النسبة هنا.

و عدم موافقة الخاص للعام الآخر لا یمنع من الالتزام به بعد

ص:110

امکان حمله علی مورد الخاص،فان التحلیل المالکی،و التحلیل الشرعی انما لا یجتمعان فی مورد واحد باعتبار ما هو لازم کل منهما،لأن لازم الأول بقاء الارض فی ملک المحلل،و لازم الثانی صیرورتها ملکا للمحیی.

و اما مع الاغماض عن لازمهما فلا مانع من اجتماعهما فی مورد واحد-بان یکون عدم وجوب الخراج علی المحیی للأرض مستندا الی الشرع و المالک معا-.

نعم مع ملاحظة ما هو لازمهما لا یمکن القول بانقلاب النسبة لعدم امکان حمل العام المزبور علی مورد الخاص حینئذ.

و اما ثانیا:فاذا افترضنا أن مرکز المعارضة بین العامین فی مورد الکلام انما هو فی دلالة احدهما علی تملک المحیی لرقبة الارض بالاحیاء،و دلالة الاخر علی عدم تملکه لها،و انما تکون نتیجته الأحقیة و الاولویة بها فحسب دون الملکیة،فعندئذ لا توجب اخبار التحلیل انقلاب النسبة.

بیان ذلک:أن هنا مجموعتین من الروایات:

المجموعة الاولی:تدل علی أن نتیجة الاحیاء ملکیة رقبة الارض للمحیی-و هی الروایات الکثیرة التی تقدمت-.

المجموعة الثانیة:تدل علی أن نتیجته الاحقیة بها دون ملکیة الرقبة-و هی الصحاح المتقدمة-فاذن تقع المعارضة بین هاتین المجموعتین فی هذه النقطة.

و علی اساس ذلک فاخبار التحلیل لا تعالج مشکلة التعارض بینهما علی ضوء القول بانقلاب النسبة،فان اخبار التحلیل و أن کانت تدل بالمطابقة علی التحلیل المالکی،الا انها تدل بالالتزام علی بقاء

ص:111

الارض فی ملک الامام(علیه السلام)و عدم خروجها عن ملکه(علیه السلام)بقیام غیره بالتصرف فیها و الاحیاء،و علیه فتکون موافقة للمجموعة الثانیة فیما هو محط المعارضة بینها و بین المجموعة الاولی،لا انها مخالفة لها و علی ذلک فلا موضوع لما ذکر من انقلاب النسبة.

فالنتیجة فی نهایة الشوط:أن الصحیح بما أن مرکز المعارضة بین هاتین المجموعتین انما هو فی تلک النقطة-ای فی سببیة عملیة الاحیاء للملکیة،و عدم سببیتها الا للاحقیة-فلا یتصور انقلاب النسبة علی اساس اخبار التحلیل.

هذا اضافة الی ما مر بنا من المناقشة فی اصل کبری انقلاب النسبة فی ضمن البحوث السالفة.

إلی هنا قد استطعنا أن نخرج بهذه النتیجة:و هی أن شیئا من الوجوه التی ذکر لترجیح المجموعة الاولی علی المجموعة الثانیة لا یتم اصلا،هذا.

و الصحیح:هو تقدیم المجموعة الثانیة علی المجموعة الأولی، و ذلک-لأمرین:

احدهما:أن المجموعة الثانیة توافق الکتاب العزیز و هو قوله تعالی: «لا تَأْکُلُوا أَمْوالَکُمْ بَیْنَکُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَکُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ» ،نظرا الی أن هذه الآیة الکریمة تدل علی أن کل سبب للتملک إذا لم یکن تجارة عن تراض فهو باطل،و المفروض انه لم یثبت کون عملیة الاحیاء تجارة عن تراض،فاذن تملک المحیی مال غیره بها لا محالة یکون من الأکل بالباطل فتشمله الآیة المبارکة.

و المجموعة الأولی تخالف الکتاب.

و من الواضح:أن المعارض الموافق للکتاب یتقدم علی المعارض

ص:112

المخالف له،فاذن یتعین الأخذ بمقتضی المجموعة الثانیة،دون المجموعة الأولی.

ثانیهما:أن المجموعة الثانیة باعتبار دلالتها علی عدم تملک المحیی لرقبة الارض بالاحیاء مخالفة للعامة،و المجموعة الأولی باعتبار دلالتها علی تملک المحیی للأرض موافقة لهم،فتتقدم المجموعة الثانیة علی الاولی بملاک أن مخالفة العامة من جملة مرجحات باب المعارضة، بل لم یثبت الترجیح بدلیل معتبر إلا بأمرین:

الاول:موافقة الکتاب.

الثانی:مخالفة العامة.

ثم إننا لو تنزلنا عن جمیع ما ذکر و سلمنا أن الترجیح لم یتوفر للمجموعة الثانیة علی المجموعة الاولی لا دلالة و لا سندا،إلا انهما عندئذ تسقطان معا من جهة المعارضة فیرجع الی الاصل فی المقام، و قد عرفت أن الاصل فیه هو الاستصحاب أی-استصحاب عدم حصول الملک بالاحیاء-.

نتیجة هذا البحث عدة خطوط
الاول:ان القول بکون الاحیاء سببا للملک و إن کان مشهورا بین

الاصحاب إلا انه لا یمکن الاخذ به،

و الروایات التی استدل بها علی هذا القول و أن کانت تامة سندا و دلالة الا انها معارضة بالروایات التی اقوی منها دلالة،و لأجل ذلک تتقدم علیها.و نتیجته:هی ان القول بکون الاحیاء موجبا لصلة المحیی بالارض علی مستوی الحق فحسب-دون الملک-هو الصحیح.

ص:113

الثانی:أن ما قیل و إن کان تاما بحسب الکبری إلا أن المقام لیس صغری لتلک الکبری

-من أن صحیحة عبد اللّه بن سنان المتقدمة نص فی انقطاع صلة الامام(علیه السلام)عن رقبة الارض بقیام غیره باحیائها،و علیه فتصلح أن تکون طرفا لمعارضة الروایات التی تدل علی أن الاحیاء یفید الحق دون الملک،و بعد سقوطهما عن الاعتبار من جهة المعارضة فلا مانع من الرجوع الی الروایات المتقدمة الدالة علی أن الاحیاء یفید الملک-و إن کان تاما بحسب الکبری إلا أن المقام لیس صغری لتلک الکبری.

الثالث:انه علی تقدیر تسلیم المعارضة بین الطائفتین من

روایات المسألة،فربما قیل:بترجیح-الطائفة الدالة علی تملک

المحیی لرقبة الارض

بعملیة الاحیاء علی الطائفة الاخری الدالة علی عدم تملکه-بوجوه:و قد تقدم الکلام فی تلک الوجوه مع ما فیها من المناقشة بشکل موسع.

الرابع:أن الطائفة الدالة علی عدم تملک المحیی لرقبة الارض

تتقدم علی الطائفة الاخری الدالة علی التملک

بوجهین:

الاول:بموافقة الکتاب العزیز.

الثانی:بمخالفة العامة.

النقطة الرابعة ان الاختصاص الحاصل للفرد بالأرض بسبب الاحیاء هل یتوقف علی إذن الإمام ع أو لا

اشارة

هل یعتبر فی الاختصاص الحاصل للفرد بالارض التی تکون رقبتها للإمام(علیه السلام)علی اساس قیامه باحیائها سواء أ کان علی مستوی الملک أم کان علی مستوی الحق اذن الامام(علیه السلام)و اجازته؟فیه وجوه بل أقوال:

ص:114

الاول:اعتبار اذنه مطلقا.

الثانی:عدم اعتباره کذلک.

الثالث:التفصیل بین زمانی الحضور و الغیبة فیعتبر فی الاول، دون الثانی.

اما القول الاول:فهو المعروف و المشهور بین الاصحاب قدیما و حدیثا.و عن العلامة(قده)فی المختلف دعوی الاجماع علی ذلک صریحا.و عن المحقق فی جامع المقاصد:لا یجوز لأحد الاحیاء من دون اذن الامام(علیه السلام)و انه اجماعی عندنا.و عن التنقیح:الاجماع علی انها تملک اذا کان الاحیاء باذن الامام(علیه السلام)و عن الشهید الثانی(قده)فی المسالک:لا شبهة فی اشتراط اذنه(علیه السلام)فی احیاء الموات فلا یملک بدونه اتفاقا.

هذا مضافا الی أن مقتضی العقل و الشرع عدم جواز التصرف لأحد فی ملک غیره بدون اذنه و رضاه.

فاذن یقع الکلام فی الطرق التی ذکرت لإثبات اذنه(علیه السلام)فی احیاء الارض و استثمارها و هی ثلاثة:

الطریق الأول:المجموعة من النصوص التی تقدمت-و هی التی جاءت بهذا اللسان:من أحیا ارضا مواتا فهی له،ایما رجل أحیا ارضا مواتا فهو احق بها و هی له،و هکذا-بدعوی انها کما تدل علی سببیة الاحیاء لعلاقة المحیی بالارض تدل علی اذنه(علیه السلام)و اجازته بالقیام بهذه العملیة،و بذل الجهد فی سبیل بث الحیاة فیها،و ذلک لأنها و أن وردت فی مقام تشریع سببیة الاحیاء لعلاقة المحیی بالارض إلا أن ورودها من مالک الارض ملازم عرفا للإذن المالکی فی القیام بالعملیة المزبورة.

ص:115

و یردّه ما اشرنا الیه فی ضمن البحوث السالفة من أن تلک المجموعة من النصوص انما تنظر الی تشریع سببیة الاحیاء للعلاقة بین الارض و من یقوم بحقها فحسب،و لا تنظر الی ناحیة اخری -و هی اذنه(علیه السلام)بالقیام بتلک العملیة من دون استثناء-و صدورها من المالک انما یدل علی ذلک اذا کان بحیثیة انه مالک،لا بحیثیة التشریع،و من الطبیعی أن الظاهر منها هو کون صدورها من الامام(علیه السلام)انما هو بحیثیة التشریع و بیان الحکم الالهی الکلی فی الشریعة المقدسة،لا بحیثیة انه(علیه السلام)مالک لها،فاذن لا اطلاق لها من هذه الناحیة لوضوح انه لا منافاة بین کون عملیة الاحیاء سببا للملک أو الحق فی الشریعة المقدسة،و کون سببیتها مشروطة بشرائط ؟؟؟ منها اذن الامام(علیه السلام).

و هذه المجموعة من النصوص:انما تنظر الی الجهة الأولی فحسب دون الجهة الثانیة،و من هنا لا شبهة فی انه لا نظر لها الی شرائط أخری غیر الاذن لا نفیا و لا اثباتا،فحال الاذن فیها من هذه الناحیة حال بقیة الشرائط فلا فرق بینهما من هذه الجهة.

نعم صحیحة الکابلی و أن کانت تدل علی اذن الامام(علیه السلام)لآحاد المسلمین خاصة بالقیام بعملیة احیاء الارض و استثمارها،و حلیة الاکل مما استثمروا منها:الا انها انما تدل علی ذلک فیما اذا کان القائمون بعملیة الاحیاء ملتزمین باداء الخراج و الطسق الی الامام(علیه السلام) من اهل البیت،و لا تدل علی انهم مأذونون مطلقا و أن کانوا غیر ملتزمین باداء الخراج و الطسق،فاذن لا تدل الصحیحة علی ان الامام(علیه السلام)قد اذن لهم بالتصرف فیها مطلقا.

فالنتیجة فی نهایة المطاف:أن المجموعة من النصوص المتقدمة لا تدل علی اذن الامام(علیه السلام)لکل فرد فی احیاء الارض و عمارتها

ص:116

بل هی فی مقام بیان سببیة الاحیاء لعلاقة المحیی بالارض فحسب، من دون نظر لها الی جهة اخری،

و اما صحیحة الکابلی فمضافا الی اختصاص موردها بالمسلم فلا تدل علی اذن الامام(علیه السلام)بالاحیاء مطلقا،بل تدل علی اذنه(علیه السلام) فی فرض خاص و اطار مخصوص.

الطریق الثانی:ما روی عن النبی الاکرم(صلی الله علیه و آله)(مواتان الارض للّه و رسوله(صلی الله علیه و آله)ثم هی لکم منی ایها المسلمون)و مثله النبوی الآخر(عادی الارض للّه و لرسوله(صلی الله علیه و آله)ثم هی لکم منی).

و فیه انه لا یمکن الاعتماد علیهما اصلا لعدم ثبوتهما من طریقنا.

الطریق الثالث:أن شاهد الحال قرینة علی رضاء الامام(علیه السلام) بعملیة الاحیاء لکل من یقوم بها.

بیان ذلک:أن الارض من أهم الثروات الطبیعیة التی لا یمکن للإنسان أن یمارس أی شکل من اشکال الانتاج الطبیعی بدونها علی أساس انها تحتوی علی المواد الأولیة،کالمیاه الطبیعیة،و المعادن بشتی أنواعها،و غیرهما من المصادر و الثروات الطبیعیة،کما لا یمکن ان یمارس أی لون من الوان الانتاج الصناعی بدون تلک المواد.

و فی الدین الاسلامی کما جعل الاهتمام فی الجانب الخلقی و المعنوی للمجتمع الانسانی فی رأس القائمة،کذلک جعل الاهتمام فی الجانب المادی لذلک المجتمع.

و من هنا:قد حث الافراد فیه بأحیاء الارض و استثمارها و بذل الجهد فی سبیل انتاجها و الاستفادة من ثرواتها.و لذا لا یعترف فیه بعلاقة الفرد بالارض و حقه فیها علی أساس آخر غیر عملیة الاحیاء، فالمصدر الوحید لتلک العلاقة و الحق لدی الدین الاسلامی إنما هو

ص:117

تلک العملیة،فلا یعترف فیه بغیرها کالسیطرة علیها بالقوة أو نحوها، و بذلک تتوفر العدالة الاجتماعیة بین المجتمع فی ضمن الخطوط التی ترسم من قبل الدولة التی تمنع عن التعدی و التجاوز علی حق الآخرین،و تتیح الفرصة لکل فرد أن یمارس حریته فی ضمن دائرتها.

و من الطبیعی أن هذا الاهتمام من قبل الشرع باحیاء الارض یکشف عن رضاء الامام(علیه السلام)بذلک و اذنه العام لکل من یقوم به، و الا لکان الاهتمام بالعملیة المزبورة و تشریع سببیتها لحصول الحق لغوا،حیث أن کل أحد لا یتمکن من أن یستأذن الامام(علیه السلام)بشکل مباشر للقیام بهذه العملیة فی عصر الحضور،فما ظنک بعصر الغیبة.

و یرده:أن الإسلام و أن کان قد اهتم بالمصادر الطبیعة للأرض و الاستفادة منها من خلال النصوص التشریعیة إلا أن ذلک الاهتمام لا یکشف عن رضاء الامام(علیه السلام)و اذنه العام لکل من یقوم باحیاء الارض،و لا یصلح أن یکون قرینة حالیة علی ذلک،کما انه لا یصلح أن یکون موجبا لظهور تلک النصوص فیه.

أما الثانی:فلما عرفت من انها واردة فی مقام تشریع سببیة الاحیاء لعلاقة المحیی بالارض،و لا ظهور لها،لا بنفسها،و لا بمعونة قرینة خارجیة فی اذن الامام(علیه السلام)فی التصرف فیها بصفة انه(علیه السلام) مالک لرقبتها.

و اما الاول:فلان کشف الاهتمام المزبور عن ذلک انما یقوم علی أساس افتراض أن المعتبر هو اذن الامام(علیه السلام)شخصیا فی القیام بحق الارض،فانه-عندئذ-حیث لا یتمکن کل فرد أراد القیام بحقها من تحصیل الاذن منه(علیه السلام)مباشرة فی عصر الحضور فضلا عن الغیبة فلا محالة یکون کاشفا عن ذلک.لشدة حاجة الناس الی

ص:118

القیام بممارسة الانتاج منها و الانتفاع بثرواتها-التی تقوم حیاتهم الفردیة و الاجتماعیة علی أساسها-من ناحیة،و کون ذلک الاهتمام أصبح لغوا من ناحیة أخری.هذا.

و لکن الصحیح:عدم اعتبار اذنه(علیه السلام)فی ذلک شخصیا،لعدم الموجب له اصلا،و کفایة اذن نائبه الخاص فی زمن الحضور،و اذن الفقیه الجامع للشرائط فی زمن الغیبة،و علیه فلا یکون کاشفا، لتمکن کل فرد من ذلک.

و دعوی:أن نیابة الفقیه عن الامام(علیه السلام)حتی فی اموراته الشخصیة،و املاکه الخاصة غیر ثابتة،فاذن لا أثر لإذنه.

و فیه:أن هذه الدعوی-لو تمت فانما تتم فیما لو قلنا بان الارض تکون من املاکه(علیه السلام)الشخصیة،الا أن الامر لیس کذلک،فلان ملکیة الامام(علیه السلام)للأرض لیست علی غرار سائر أملاکه الخاصة،فانها ملک لمنصب الامامة أو الدولة.و من هنا لا تنتقل الی ورثته(علیه السلام)بعده.و من الطبیعی أن أمرها فی زمن الغیبة بید الفقیه الجامع للشرائط.

هذا مضافا الی أن الضرورة قاضیة بلزوم تدخل الفقیه أو الدولة فی أمر تلک الاراضی،و المنع عن حدی الافراط و التفریط فی نشاطات الافراد و تصرفاتهم فیها،فان الدولة لو لم تتدخل فی أمرها،و کان الافراد حرا فی تصرفاتهم فیها بما شاءوا و أرادوا بحسب ما تتوفر لدیهم من المکنة و القوة و إن کانت تسبب تضییع حقوق الآخرین و المنع عن انتفاعهم بها فلا محالة أوجب ذلک هدم العدالة الاجتماعیة بین طبقات الأمة.

و من المعلوم أن الإسلام جاء بخطواته الواضحة لیکون سدا قویا

ص:119

ازاء التعدیات و التجاوزات الفردیة و الاجتماعیة،و لکی یستقر العدالة بین جمیع الطبقات بشتی میولهم و اشکالهم مادیا و معنویا،و من الطبیعی ان هذا لا یمکن الا فی ضمن الخطوط التی ترسم من قبل الدولة فی ضمن دائرة الشریعة الاسلامیة المقدسة.

و نقصد بذلک:ان الإسلام لا یسمح للأفراد بممارسة حریاتهم و نشاطاتهم غیر محدودة،و انما یسمع لهم بممارستها فی ضمن حدود خاصة و نطاق مخصوص،فلا یسمح للفرد ان یمارس حریته فی النشاطات الاقتصادیة التالیة:

1-النشاطات التی تضر بالمصالح العامة للدولة أو الامة،فان علی من بیده الأمر ان یتدخل فیها و یمنع الافراد عن ممارسة حریاتهم فی سبیل تلک النشاطات،لحمایة تلک المصالح و حراستها.

2-النشاطات التی تسبب تضییع حقوق الآخرین،و عدم اتاحة الفرصة لهم من ممارسة تلک الحقوق و الانتفاع بها.

3-النشاطات الربویة بشتی ألوانها،فان الإسلام بنصوصه الصریحة قد منع الافراد عن ممارسة تلک الألوان من النشاطات منعا باتا.

4-النشاطات الاحتکاریة،فان المنع عن ممارسة تلک النشاطات فی الطعام انما هو بنص صریح فی الشریعة الاسلامیة المقدسة،و اما المنع عن ممارستها فی غیر الطعام انما هو بید ولی الأمر،و لیس بنص خاص فی الشریعة،فان کانت ممارستها منافیة لمتطلبات العدالة الاجتماعیة التی یؤمن الإسلام بضرورة ایجادها بین طبقات الامة فعلی من بیده الامر أو الدولة المنع عن ممارستها.

فالنتیجة:ان الدین الاسلامی لا یسمح للأفراد بممارسة هذه

ص:120

الالوان من الاعمال و النشاطات المالیة علی اساس أنها تتنافی مع العدالة و الحقوق الاجتماعیة أو الفردیة.

هذا من ناحیة.

و من ناحیة اخری ان الدین الاسلامی قد سمح للأفراد فی ضمن الحدود المزبورة و النطاق المخصوص بممارسة حریاتهم فی سبیل الاعمال و النشاطات الاقتصادیة ما شاءوا و أرادوا بحسب ما لدیهم من المکنة و القوة،بل قد تکون هذه الممارسة واجبة علی الافراد فی الإسلام، و قد یأمر ولی الامر بها،لما یری فیها من المصلحة العلمیة.

و من الطبیعی ان الافراد یختلفون باختلاف ما لدیهم من القوة و المکنة لممارسة تلک النشاطات و الاعمال کما و کیفا،فقد یتمکن الفرد بممارستها من جمع ثروة هائلة و اموال کثیرة،و قد اعترف الإسلام فی ضمن نصوصه باختصاص تلک الثروة له،و عدم جواز تصرف غیره فیها الا باذنه و رضاه.

و لم یرد فی نصوص الإسلام تحدید الملکیة الخاصة للأفراد بحد خاص،بحیث لو تجاوزت ثروة الفرد و امواله عن ذلک الحد لم یملک الزائد،و انما ورد فی نصوصه تحدید حریة الافراد فی سبیل تحصیل الثروة و الاموال کما مر.و أما اذا تمکن الفرد من تحصیل الثروة و الاموال من الطرق المحددة فی الشرع فهو یملک تلک الثروة بلغت ما بلغت من الکثرة.

و هذا لا یتنافی مع العدالة الاجتماعیة التی یؤمن الإسلام بضرورة ایجادها بین طبقات الامة،فان العدالة الاجتماعیة لا تقوم علی اساس توحید الصفوف و الطبقات فی المکنة المالیة و الاقتصادیة،کیف فان هذا لا ینسجم مع الإسلام،لما مر بنا فی ضمن البحوث السالفة

ص:121

من ان الإسلام یعترف بقیمة عمل کل فرد علی أساس أنه یملک نتاجه،و من الطبیعی ان عمل کل فرد یختلف عن عمل فرد آخر کما و کیفا باختلاف ما لدیه من المکنة و القوة،فلا یمکن تساوی الافراد فی العمل بحسب الکم و الکیف،و بالرغم من هذا کیف یمکن التوحید بین صفوف الامة و طبقاتهم فی الحقوق المالیة.

بل ان العدالة الاجتماعیة بین صفوف الامة فی المجتمع الاسلامی انما تقوم علی اساس ان لکل فرد من أفراد الامة حقا فی ممارسة حقوقه الاجتماعیة و الفردیة فی ذلک المجتمع بحریة تامة فی ضمن الاطار العام الاسلامی،و لیس لأی فرد ان یزاحم الآخر فی ممارسة حقوقه بحریة کاملة.

و علی ضوء ذلک فبطبیعة الحال یکون کل فرد من ذلک المجتمع مؤمن بعدم تضییع حقوقه فیه-سواء أ کانت راجعة الی النفس أم الی العرض أم الی المال-و علیه فلا محالة یعیش بعیشة طیبة آمنة هذا من ناحیة.

و من ناحیة اخری:ان مبدأ الفضیلة فی الإسلام انما هو بتقوی اللّه فکل فرد یتمثل فیه تقوی اللّه فهو اقرب الیه تعالی علی اساس ان جمیع الفضائل الاخری فی الإسلام ینتهی فی نهایة الشوط الی هذه الفضیلة فلا فضل لغنی علی فقیر مثلا الا بذلک.

و من ناحیة ثالثة:ان الإسلام علی أثر تربیته الافراد فی المجتمع الاسلامی فی تمام مرافق حیاتهم المعنویة و المادیة قد بث فی نفوسهم حب اعمال البر و الخیر،و من نتائج هذه التربیة قیامهم بدفع الحقوق الواجبة و غیرها،و المساهمة فی تحقیق العدالة الاجتماعیة.

و من ناحیة رابعة:ان علی الدولة القیام بواجبها ازاء الفقراء

ص:122

و المعوزین بأخذ الضرائب و الحقوق من الاغنیاء و توزیعها علی الفقراء توزیعا عادلا لیعیشوا کغیرهم فی ظل المجتمع الاسلامی بعیشة آمنة.

فالنتیجة:ان هذه النواحی التی اشرت الیها بشکل اجمالی هی الأسس التی تقوم بها العدالة الاجتماعیة بین طبقات الامة،حیث ان جمیع الطبقات علی ضوء هذه الأسس یعیشون بحریة کاملة فی ممارسة حقوقهم المادیة و المعنویة،الاجتماعیة و الفردیة فی ظل الاطار العام الاسلامی.

الطریق الرابع مجموعة من اخبار التحلیل.

منها صحیحة مسمع بن عبد الملک فی حدیث قال:قلت:لأبی عبد اللّه(علیه السلام)أنی کنت و لیت الغوص الی ان قال:و هی حقک الذی جعل اللّه تعالی لک فی أموالنا فقال:و ما لنا من الارض و ما اخرج اللّه منها الا الخمس،الی ان قال:یا أبا سیار قد طیبناه لک و حللناک منه فضم إلیک مالک،و کل ما کان فی أیدی شیعتنا من الارض فهم فیه محللون و محلل لهم ذلک،الی ان یقوم قائمنا فیجیبهم طسق ما کان فی ایدی سواهم،فان کسبهم من الارض حرام علیهم حتی یقوم قائمنا فیأخذ الارض من ایدیهم و یخرجهم منها صفرة (1).

و هذه الصحیحة:هی العمدة فی محل الکلام،و دلالتها علی تحلیل الارض واضحة،و کذلک دلالتها علی ان المراد من التحلیل هو التحلیل المالکی.

الی هنا قد انتهینا الی هذه النتیجة:و هی انه لم یثبت بطریق

ص:123


1- 1) الوسائل ج 6 الباب 4 من ابواب الانفال و ما یختص بالامام الحدیث 12.

معتبر تحلیل الارض بشکل عام من الامام(علیه السلام)أو من قبل الشرع لکل فرد اراد القیام بحق الارض و الاستفادة من ثرواتها.و اما صحیحة الکابلی فهی و ان کانت تدل علی تحلیلها للمسلمین خاصة الا انها لا تدل علی ذلک مطلقا،بل فی أطار التزامهم خارجا باداء الطسق و الخراج الی الامام من اهل البیت(علیه السلام)،و الا کان تصرفهم فیها محرما کما صرح بذلک فی صحیحة مسمع.

و من هنا لو کان لصحیحة الکابلی اطلاق من هذه الناحیة فلا بد من تقییده بهذه الصحیحة أی-صحیحة مسمع-فالثابت انما هو تحلیل الارض لخصوص الافراد الذین شملتهم اخبار التحلیل فحسب لا مطلقا.

و أما القول الثانی:-و هو عدم اعتبار الاذن من الامام(علیه السلام) مطلقا فی قیام الفرد باحیاء الارض-فقد قیل:إنه یمکن الاستدلال علیه بالسیرة الجاریة بین المسلمین من لدن زمان التشریع الی زماننا هذا علی القیام باحیاء الارض الموات و الاستفادة من ثرواتها بدون مراجعة الامام(علیه السلام)فی عصر الحضور،و نائبه فی عصر الغیبة،فلو لم یجز القیام بحقها بدون الاذن لا صبح ذلک من الواضحات، لکثرة ابتلاء الناس بالاستفادة من مصادر الاراضی و الانتفاع بها، رغم انهم غافلون عن اعتباره فیه.

و یرده:انه لا شبهة فی ثبوت هذه السیرة العملیة بین المسلمین فی جمیع الاعصار،الا انه لا یمکن الاخذ بها دلیلا علی هذا القول.

و النکتة فیه:ان جریانها بین الطائفة الخاصة انما هو یقوم علی ضوء اخبار التحلیل،و بقطع النظر عن تلک الاخبار فثبوت هذه السیرة بینهم غیر معلوم کما تقدم آنفا.

ص:124

و اما جریانها بین العامة فهو انما یقوم علی اساس منهجهم فی الفقه الاسلامی کما عرفت.

فالنتیجة:ان هذه السیرة لیست سیرة تعبدیة،لتکون کاشفة عن الاذن.

قد یقال:کما قیل:انه یکفی فی القیام باحیاء الارض و عمارتها اذن اللّه تعالی باعتبار انه سبحانه مالک الملوک،و لا یلزم مع ذلک اذن من مالکها الشرعی لا عموما و لا خصوصا.

و تشهد علی ذلک:معتبرة السکونی عن أبی عبد اللّه(علیه السلام)قال:

قال رسول اللّه(صلی الله علیه و آله):(من غرس شجرا أو حفر وادیا لم یسبقه الیه احد،أو أحیا أرضا میتة فهی له قضاء من اللّه و رسوله) (1).

ببیان ان هذه المعتبرة ظاهرة فی ان احیاء الارض اذا کان باذنه تعالی کان موجبا لتملک المحیی لها،من دون حاجة الی اذن من مالکها الشرعی.

و نظیر ذلک:تملک اللقطة اذا لم تکن ذات علامة أو بعد التعریف اذا لم یوجد صاحبها،فان تملکها انما هو باذن اللّه تعالی، لا باذن مالکه،و کذا الحال فی حق المارة فانه إنما یکون باذنه تعالی مع عدم اذن مالکه فی التصرف فیه.

و یرده:انه لا شبهة فی کفایة اذن اللّه تعالی علی اساس انه سبحانه مالک حقیقی للأشیاء،الا ان الکلام انما هو فی اثبات ذلک،و لا یمکن اثباته بالمعتبرة المذکورة،فان المراد من القضاء فیها لیس هو اذنه تعالی فی القیام باحیاء الارض،بل المراد منه تشریع سببیة عملیة الاحیاء لمنح المحیی حقا فی الارض،کما هو الظاهر منها.

ص:125


1- 1) الوسائل ج 17 الباب 2 من ابواب احیاء الموات الحدیث 1.

فاذن حال المعتبرة حال بقیة روایات المسألة فلا تدل علی الاذن، و قد تقدم انه لا ملازمة بین تشریع سببیة الاحیاء لعلاقة المحیی بالارض و بین الاذن فی القیام بحقها.

و أما القول الثالث-و هو التفصیل بین زمانی الحضور و الغیبة فیعتبر الاذن من الامام(علیه السلام)فی القیام بعملیة الاحیاء علی الأول دون الثانی-.

فلعله:مبنی علی اساس أن الاذن من الامام(علیه السلام)بشکل مباشر فی زمن الغیبة ممتنع،رغم ان مشروعیة الاحیاء ثابتة مطلقا من ناحیة،و عدم ثبوت نیابة الفقیه عنه(علیه السلام)فی مثل هذه الامور من ناحیة أخری،فاذن لا مناص من القول بسقوط الاذن.

و فیه:ما تقدم من ثبوت نیابة الفقیه عن الامام(علیه السلام)فی مثل المقام،و قد عرفنا انه لا یلزم ان یکون الاستیذان من الامام(علیه السلام) بشکل مباشر بل یکفی الاستیذان من نائبه الخاص أو العام-و هو بمکان من الامکان فی عصر الغیبة-.

هذا اضافة:الی ان اخبار التحلیل تکفی لإثبات الاذن من الامام(علیه السلام)فی هذا العصر.

فالنتیجة:ان القول بالتفصیل لا یرجع الی أصل صحیح.

نتیجة هذا البحث عدة خطوط
الاول:ان الصحیح اعتبار اذن الامام(علیه السلام)فی التصرف فی

الارض الموات و السیطرة علیها،

فلا یحصل الملک أو الحق بدون ذلک.

ص:126

الثانی:ان الطریق الصحیح لإثبات اذن الامام(علیه السلام)فی القیام

باحیاء الارض و استثمارها انما هو اخبار التحلیل،دون غیرها

من الطرق التی مرت الاشارة الیها.

الثالث:ان ما قیل:-من ان السیرة بین المسلمین قد جرت علی

القیام بحق الارض و الانتفاع بها من دون الاستیذان من الامام(علیه السلام)

أو نائبه-.

فقد عرفت ما فیه:فان السیرة و إن کانت جاریة الا ان جریانها بین کل من الطائفتین یقوم علی أساس خاص کما مر،فلا تکشف عن الامضاء.

الرابع:انه لا یلزم ان یکون الاستیذان فی القیام باحیاء الارض

و عمارتها من الامام(علیه السلام)بشکل مباشر،

بل یکفی الاستیذان من نوابه و وکلائه(علیه السلام)سواء أ کان فی زمن الحضور أم کان فی زمن الغیبة.

الخامس:ان القول بالتفصیل-بین زمانی الحضور،و الغیبة،

فیعتبر الاذن علی الاول دون الثانی-لا یقوم علی اساس صحیح.

النقطة الخامسة

اشارة

هل یعتبر فی علاقة المحیی بالارض بسبب عملیة الاحیاء کونه

مسلما؟

فیه قولان:

المعروف و المشهور بین الاصحاب هو القول الاول،بل عن جماعة دعوی الاجماع علیه:منهم العلامة(قده)فی التذکرة،حیث قال:

فیها اذا اذن الامام(علیه السلام)لشخص فی احیاء الارض ملکها المحیی إذا کان

ص:127

مسلما،و لا یملکها الکافر بالاحیاء،و لا باذن له فی الاحیاء،فان اذن له الامام(علیه السلام)فاحیاها لم یملک عند علمائنا.

و منهم المحقق(قده)فی جامع المقاصد حیث قال فیه:یشترط کون المحیی مسلما فلو احیاء الکافر لم یملک عند علمائنا و ان کان الاحیاء باذن الامام(علیه السلام).

و لکن عن الشهید(قده)فی الدروس:الشرط الثانی أی للملک بالاحیاء ان یکون المحیی مسلما فلو احیاها الذمی باذن الامام(علیه السلام) ففی تملکه نظر من توهم اختصاص ذلک بالمسلمین هذا من ناحیة.

و من ناحیة أخری:یقع الکلام بین الاصحاب فی صحة اذن الامام(علیه السلام)للکافر فی احیاء الارض علی اساس انه أهل لذلک أولا؟

و عن المحقق فی جامع المقاصد ان المستفاد من الاخبار و کلام الاصحاب ان الکافر لیس اهلا للإذن.

و عن الشهید(قده)فی الروضة و فی ملک الکافر مع الاذن قولان:لا اشکال فیه لو حصل،انما الاشکال فی جواز اذنه(علیه السلام) له نظرا الی ان الکافر هل له أهلیة ذلک أم لا؟

و مثله ما عن الشهید الثانی(قده)فی المسالک،هذا.

و الصحیح فی المقام ان یقال:انه لا شبهة فی أهلیة الکافر فی نفسه لتملک الارض بالاحیاء،کما انه لا شبهة فی أهلیته للإذن من الامام(علیه السلام)اذا اقتضت المصلحة ذلک علی اساس ان اذنه(علیه السلام) بذلک تابع لتوفر الشرائط و المقتضیات له،و لا یعقل ان یکون جزافا،فلو اذن الکافر باحیاء الارض فی مورد و قام به اکتسب فیها حقا لا محالة،و کیف کان فلا ینبغی اطالة الکلام من هذه الناحیة.

ص:128

و انما الکلام فی اعتبار الإسلام فی المحیی بقطع النظر عن اعتبار الاذن فی القیام باحیائه الارض.

و بکلمة اخری:قد تقدم انه یعتبر فی کون الاحیاء سببا لعلاقة المحیی بالارض اذن الامام(علیه السلام)فیه،و انما الکلام فعلا فی اشتراط اسلامه.و لازم اعتبار هذا الشرط انه لا تحصل للکافر علاقة بالارض بسبب الاحیاء و ان کان مأذونا فیه،لأن الاذن وحده لا یکفی فی حصول هذه العلاقة،بل لا بد من توفر بقیة الشرائط أیضا:منها اسلامه.

و یمکن ان یستدل:علی هذا القول بوجهین:

الأول:بالإجماع المدعی فی المسألة.

و یردّه:

اولا:ان الاجماع غیر ثابت،فان المحکی عن جماعة کثیرة الخلاف فی المسألة:منهم شیخ الطائفة الشیخ الطوسی(قده)فی المبسوط و الخلاف،و منهم ابن ادریس فی السرائر،و الشهید الثانی(قده) فی اللمعة،و المحقق فی النافع.

و ثانیا:انه لا اثر لهذا الاجماع علی تقدیر تحققه،و ذلک لأن الاجماع انما یکون حجة باعتبار کشفه عن قول المعصوم(علیه السلام)فی المسألة،و الاجماع المدعی فیها لا تتوفر فیه هذه الصفة جزما،لاحتمال أن یکون اساسه صحیحة الکابلی المتقدمة،و صحیحة عمر بن یزید التی مرّت سابقا بناء علی ان یکون المراد من المؤمنین فیها الاعم من الطائفة الخاصة و العامة.

هذا اضافة:الی انه لا دلیل علی اعتبار الاجماع المنقول فی نفسه.

الثانی:بصحیحة الکابلی باعتبار ان فی هذه الصحیحة قد قید المحیی بکونه من المسلمین،و هذا التقیید علی اساس وقوعه فی مقام

ص:129

البیان یدل علی اعتبار الإسلام فی المحیی،و هذه الدلالة لا بأس بها نظرا الی انها تقوم علی اساس دلالة القید علی المفهوم،و قد ذکرنا انه لا مانع من الالتزام بها بنکتة ان القید ظاهر لدی العرف فی الاحتراز،فیدل علی ان الحکم فیها لم یثبت للطبیعی الجامع بینه و بین غیره،و الا لکان القید لغوا،و ما نحن فیه من هذا القبیل،فان الاحیاء لو کان سببا لعلاقة المحیی بالارض مطلقا أی-و لو کان کافرا- لکان تقییده بکونه من المسلمین فی موردین من الصحیحة لغوا صرفا.

فالنتیجة:انه لا بأس بدلالة الصحیحة علی ذلک.

نعم قد تقدم منا:ان اسلام المحیی وحده لا یکفی فی حصول هذه العلاقة له بالارض علی اساس قیامه بالاحیاء،بل یعتبر فیه ان یکون مأذونا من قبل الامام(علیه السلام)أیضا،و قد عرفنا ان الاذن فی القیام بعملیة الاحیاء علی نحو الاطلاق لم یثبت الا للأفراد الذین شملتهم اخبار التحلیل،دون غیرهم.و اما هذه الصحیحة فلا تدل علی الاذن فی الاحیاء لکل فرد من المسلمین بشکل مطلق،بل تدل علیه فی فرض خاص و اطار مخصوص-و هو ما إذا کان الفرد ملتزما باداء الخراج و الطسق الی الامام(علیه السلام)خارجا-و الا فلا یکون تصرفه فیها بالاحیاء سائغا و نافذا و ان کان مسلما،کما ان الاذن وحده لا یکفی إذا لم یکن المحیی مسلما،فالکافر و ان کان مأذونا لا یوجب احیانه العلاقة بینه و بین الارض.

فالنتیجة فی نهایة الشوط:ان المعتبر فی کون الاحیاء موجبا لصلة المحیی بالارض أمران:

احدهما:اذن الامام(علیه السلام)او نائبه فی القیام بذلک.

و الآخر:اسلام المحیی.

ص:130

هذا کله فیما اذا کان قیام الکافر بالاحیاء متأخرا زمنیا عن تاریخ تشریع ملکیة الانفال للإمام(علیه السلام).

و اما اذا کان متقدما زمنیا علی ذلک فلا اشکال فی انه یوجب علاقته بالارض علی مستوی الملک،لما تقدم فی ضمن الابحاث السالفة من ان عملیة الاحیاء من احد اسباب الملک بنظر العقلاء،فاذا کانت الارض مواتا و لم یکن لها مالک بالفعل،فهذه العملیة توجب صلة المحیی بها علی مستوی الملک،بلا فرق بین کون المحیی مسلما او کافرا،فاعتبار الاذن من جهة،و اعتبار الإسلام من جهة اخری فی هذه العملیة انما هو فیما اذا کانت تلک العملیة بعد تشریع ملکیة الانفال للإمام(علیه السلام).

و علی الجملة:فالأراضی الموات بما انها داخلة فی نطاق ملکیة الامام(علیه السلام)بعد نزول آیة الانفال فالاحیاء فیها انما یوجب علاقة المحیی بها علی مستوی الحق اذا کان الاحیاء باذن الامام(علیه السلام)و کان المحیی مسلما و الا فلا أثر له.

و أما القول الثانی-و هو عدم اعتبار الإسلام فی المحیی-فیمکن دعمه بوجهین:

الاول:بمجموعة من الروایات المتقدمة التی جاءت بهذا اللسان:

(ایما قوم أحیوا شیئا من الارض و عمروها فهم احق بها و هی لهم) فان مقتضی عمومها عدم الفرق بین کون المحیی مسلما أو کافرا.

و ما تقدم بنا-من ان هذه المجموعة انما هی ناظرة الی تشریع سببیة الاحیاء لعلاقة المحیی بالارض فحسب،و لا تنظر الی جهة أخری نفیا أو اثباتا-فانه انما یتم بالاضافة الی اعتبار اذن الامام(علیه السلام) فی تأثیر عملیة الاحیاء و عدم اعتباره،لما عرفت من انها غیر ناظرة

ص:131

الی ذلک اصلا،کما انها غیر ناظرة الی نفی بقیة الشرائط له.

و اما بالاضافة:الی اعتبار الإسلام فی المحیی فمقتضی عموم قوله(علیه السلام)(ایما قوم)عدم اعتباره،کما ان مقتضی اطلاق ذیلها عموم سببیة الاحیاء یعنی-ان سببیته لا تختص بفرد دون آخر-.

فالنتیجة:ان هذه المجموعة من الروایات تدل بعمومها علی عدم اعتبار الإسلام فی المحیی،کما انها تدل باطلاقها علی ان کل فرد من عملیة الاحیاء فی الارض سبب لعلاقة المحیی بالارض.

هذا اضافة:الی ان عملیة الاحیاء بوصف کونها مصدرا لحق الفرد فی الارض قد اعترف به العقلاء فی نظامهم المادی الاجتماعی.و أما العوامل و الاسباب الأخر الثانویة التی ولّدتها الظروف کالسیطرة علی علی الارض بالقوة و العنف،او ما شاکل ذلک و ان کانت موجودة بین المجتمعات،الا ان العقلاء بوصف کونهم عقلاء لا یعترفون بتلک العوامل و الاسباب الثانویة،کما لا یعترف بها الإسلام نهائیا، فالمصدر الوحید لعلاقة الفرد بالارض انما هو الاحیاء.

و علیه فالروایات المزبورة لیست فی مقام التأسیس و التشریع للحکم الابتدائی فی الشرع،بل هی فی مقام امضاء ما هو ثابت لدی العقلاء-و هو سببیة الإحیاء لحق الفرد فی الارض-و بما انه لا یعتبر فی المحیی کونه مسلما لدی العقلاء،فکذا لدی الشرع.هذا.

و لکن هذه المجموعة:معارضة بصحیحة الکابلی علی اساس ان فی هذه الصحیحة قد قید المحیی بکونه مسلما فی موردین،و علیه فلو کان الحکم ثابتا لطبیعی المحیی مطلقا و لو کان کافرا لکان التقیید المزبور لغوا فاذن تکون صحیحة الکابلی مقیدة لتلک المجموعة فتصبح النتیجة فی صالح المشهور-و هو اعتبار الإسلام فی المیحی-.

ص:132

الوجه الثانی:بمجموعة اخری من الروایات:عمدتها روایتان:

احداهما:صحیحة محمد بن مسلم قال سألت أبا عبد اللّه(علیه السلام) عن الشراء من أرض الیهود و النصاری فقال:(لیس به بأس،قد ظهر رسول اللّه(صلی الله علیه و آله)علی اهل خیبر،فخارجهم علی ان یترک الارض فی ایدیهم یعملونها و یعمرونها فلا أری بها بأسا لو انک اشتریت منها شیئا،و ایما قوم احیوا شیئا من الارض و عملوها فهم احق بها و هی لهم) (1).

و ثانیتها:صحیحة ابی بصیر قال:سألت ابا عبد اللّه(علیه السلام) عن شراء الارضین من اهل الذمة فقال:(لا بأس بان یشتریها منهم اذا عملوها و احیوها فهی لهم)الحدیث (2).

و هاتان الصحیحتان:و ان کانتا تدلان علی ان الکافر یملک الارض بالاحیاء الا انه لا یمکن الاخذ باطلاقهما حتی بعد التاریخ الزمنی لتشریع ملکیة الانفال للإمام(علیه السلام)،بل لا بد من حمله علی ما قبل التاریخ المزبور،حیث انه لا مانع من الاخذ به قبل ذلک التاریخ، لما عرفت فی ضمن البحوث السالفة من ان الاحیاء اذا کان متقدما زمنیا علی التاریخ المذکور یمنح ملکیة الارض للمحیی و ان کان کافرا.

بیان ذلک:

اما الصحیحة الاولی:فجملة(الشراء من ارض الیهود و النصاری)

ص:133


1- 1) الوسائل ج 11 الباب 17 من أبواب جهاد العدو و ما یناسبه الحدیث 2.
2- 2) الوسائل ج 17 الباب 4 من أبواب إحیاء الموات الحدیث 1.

لا تدل علی ذلک،فان هذه الجملة ظاهرة فی ان الارض ملک لهما، و لعله کان بسبب قیامهما باحیائها قبل التشریع المذکور،او انها انتقلت الیهما ممن کان مالکا لها فلا تدل هذه الجملة علی ان الارض ملک لهما عن اساس قیامهما باحیائها بعد التشریع المزبور،فاذن لا یمکن الاستدلال بهذه الجملة من الصحیحة.

و اما جملة(ایما قوم احیوا شیئا من الارض و عملوها فهم احق بها و هی لهم)و إن کانت کبری کلیة تنطبق علی المقام و تدل علی ان العمل فی الارض مصدر لحصول الحق فیها من ای فرد کان الا انه لا بد من رفع الید عن هذا العموم بقرینة صحیحة الکابلی،و صحیحة مسمع بن عبد الملک المتقدمتین:

و اما صحیحة الکابلی:فعلی اساس ان فیها قد قید المحیی بکونه من المسلمین فی موردین،و هذا التقیید کما عرفت یدل علی اختصاص حصول هذا الحق بما اذا کان المحیی مسلما لا مطلقا،و الا لکان التقیید لغوا.

و أما صحیحة مسمع:فقد صرح فی تلک الصحیحة بحرمة التصرف فی الارض التی هی داخلة فی نطاق ملکیة الامام(علیه السلام) لغیر من شملتهم اخبار التحلیل،و علیه فبما ان صغری هذه الکبری فی مورد الصحیحة أی-صحیحة محمد بن مسلم-عمل الیهود فی الارض و قیامهم باحیائها فلا بد من حمل اطلاق تلک الکبری ای-اطلاقها الزمانی-علی هذه الصغری بما اذا تحققت قبل التاریخ الزمنی لتشریع ملکیة الانفال للإمام(علیه السلام)بقرینة هاتین الصحیحتین،و حمل اطلاقها العرضی-بعد التاریخ المزبور-علی ما اذا کان المحیی مسلما و ملتزما خارجا باداء الخراج الی الامام(علیه السلام)او علی خصوص مورد

ص:134

اخبار التحلیل.

و اما الصحیحة الثانیة:فقد ظهر مما ذکرناه حالها أیضا،فانها حیث کانت باطلاقها تشمل ما إذا کان قیام أهل الذمة بالاحیاء و عملهم فی الارض قبل التاریخ المذکور و بعده فلا بد من حمل اطلاقها علی ما اذا کان قیامهم به قبل ذلک التاریخ بقرینة ما عرفت من الصحیحتین.

فالنتیجة فی نهایة الشوط.ان الاستدلال بهاتین الصحیحتین علی هذا القول غیر تام و لا یمکن دعمه بهما.

نتیجة هذا البحث عدة خطوط
الاول:ان ما هو المشهور بین الاصحاب من اعتبار الإسلام فی

المحیی هو الصحیح،لا للإجماع المدعی فی المسألة،

فانه غیر تام، بل لدلالة صحیحة الکابلی علی ذلک.

الثانی:ان اعتبار الإسلام فی المحیی انما هو فی الاراضی الخربة

التی تکون من الانفال،دون ما اذا لم تکن منها.

و من هنا قلنا ان من یقوم باحیاء الارض قبل التاریخ الزمنی لنزول آیة الانفال ملک الارض علی اساسه و ان کان کافرا.

الثالث: فی مقتضی عموم المجموعة من الروایات

ان مقتضی عموم المجموعة من الروایات الدالة علی سببیة الاحیاء لعلاقة المحیی بالارض و ان کان هو عدم الفرق بین کون المحیی مسلما او کافرا علی ما عرفت الا ان صحیحة الکابلی تکون مخصصة لهذا العموم من هذه الناحیة بمقتضی مفهوم القید.

الرابع:ان صحیحتی محمد بن مسلم و ابی بصیر المتقدمتین آنفا

و ان کان موردهما احیاء الکافر الا انه لا یمکن الاخذ بظاهرهما

ص:135

بقرینة صحیحة الکابلی و صحیحة مسمع علی ما عرفت.

الخامس:ما عن جماعة لا یقوم علی اساس صحیح

-من ان الکافر لیس أهلا لأن یأذنه الامام(علیه السلام)فی احیاء الارض و عمارتها،و لو اذن فی ذلک لم یملک- لا یقوم علی اساس صحیح،اذ لا شبهة فی اهلیة الکافر لذلک،کما انه لا شبهة فی ان الامام(علیه السلام)لو اذن الکافر فیه شخصا کان نافذا

النقطة السادسة

اشارة

ان عملیة الاحیاء فی الارض انما تکون سببا لصلة المحیی بها

اذا لم تکن تلک الارض حریما لملک غیره کالدار،و البستان.

و القریة،و البلد،و المزارع،و ما شاکل ذلک.

و السبب فیه:ان مقدار الحریم متعلق لحق صاحبه،فلا یحق لغیره ان یقوم باحیائه و عمارته،لأن فیه مزاحمة و تفویتا لحقه-و هو غیر جائز جزما-من ناحیة،و لا یؤثر ذلک فی حصول العلاقة له من ناحیة اخری،کل ذلک بلا خلاف و لا اشکال بین الاصحاب قدیما و حدیثا.هذا من جانب.و من جانب اخر ان حریم کل شیء انما هو مقدار ما یتوقف علیه الانتفاع به و هو یختلف سعة و ضیقا باختلاف الاشیاء.

حریم البئر المعطر

و هی البئر التی یستقی منها لشرب الإبل،فان حریمها اربعون ذراعا من تمام جوانبها،و البئر الناضح-و هی البئر التی یستقی

ص:136

منها للزرع و غیره-فان حریمها ستون ذراعا من جمیع أطرافها بلا خلاف معتد به بین الاصحاب فی هذا التحدید،بل یظهر عن جماعة دعوی الاجماع علیه.

و تدل علی ذلک:معتبرة السکونی عن ابی عبد اللّه(علیه السلام)(ان رسول اللّه(صلی الله علیه و آله)قال ما بین بئر المعطن الی بئر المعطن اربعون ذراعا،و ما بین بئر الناضح الی بئر الناضح ستون ذراعا،و ما بین العین الی العین یعنی القناة خمسمائة ذراع،و الطریق یتشاح علیه أهله فحده سبع اذرع (1).

و بهذه المعتبرة تقید اطلاق صحیحة حماد بن عثمان قال:سمعت ابا عبد اللّه(علیه السلام)(یقول حریم البئر العادیة اربعون ذراعا حولها) و تحمل البئر فیها علی البئر المعطن.

ثم انه لا اشکال فی عدم جواز حفر بئر اخری فی هذه الحدود جزما اذا کان فیه ضرر.

و انما الکلام و الاشکال فی انه یجوز ان یقوم فرد باحیاء تلک الحدود بان-یجعلها مزرعا او مشجرا او دورا او ما شاکل ذلک- او لا یجوز؟فیه و جهان:

ذکر صاحب الجواهر(قده)انه کما لا یجوز حفر بتری اخری فی هذه الحدود،لا یجوز القیام بغیره کزرع او شجر أو نحو ذلک،و ان ظهر من بعض النصوص و الفتاوی خصوص حفر بئر اخری،اذ ان المتجه الاعم،ضرورة اشتراک الجمیع فی الضرر علی ذی البئر المزبورة.

و غیر خفی:ان الارتکاز القطعی قائم لدی العرف بان التحدید

ص:137


1- 1) الوسائل ج 17 باب 11 من ابواب احیاء الموات الحدیث 5

بالحدود المزبورة بین الآبار انما هو بملاک سد باب الضرر،فلا خصوصیة لحفر بئر اخری فی تلک الحدود الا من باب انه من احد عوامل الضرر علی البئر الاولی.

و من هنا لو کان فی التصرفات الاخری فی الحدود المزبورة ضرر علیها لم تجز تلک التصرفات جزما رغم ان التقدیر المزبور فی معتبرة السکونی المتقدمة یکون بین البئرین،فان الارتکاز المذکور قرینة علی انه لا خصوصیة للبئر،فالعبرة انما هی بالضرر،سواء أ کان من ناحیة حفر البئر أم کان من ناحیة تصرف آخر.

و الاقتصار فی المعتبرة علی حفر البئر الأخری خاصة انما هو بنکتة ان فی حفرها ضررا علی البئر الاولی غالبا و نوعا،دون غیرها من انواع التصرفات هذا ظاهر.

و انما الکلام فی موردین:

احدهما:فیما اذا افترضنا لزوم الضرر علیها من التصرف فی خارج تلک الحدود،سواء أ کان ذلک التصرف حفر بئر أم کان غیره

و الآخر:فیما اذا افترضنا عدم لزومه من التصرف فی نفس تلک الحدود و ان کان ذلک التصرف حفر بئر.

أما الاول:فالظاهر انه لا اشکال فی عدم جواز هذا التصرف، فانه مضافا-الی قاعدة نفی الضرر التی تحکم علی جوازه و تنفیه- ما قد عرفت من ان الارتکاز القطعی لدی العرف شاهد علی ان العبر انما هی بالضرر،و التحدید بالمسافة فی المعتبرة و غیرها انما هو مبنی علی الغالب.

و اما الثانی:فلا یبعد القول بجوازه بل هو الظاهر حتی فیما اذا کان ذلک التصرف حفر بئر اخری فی تلک المسافة،فان تمام الملاک لعدم الجواز انما هو لزوم الضرر،و اما اذا افترض عدمه فلا

ص:138

مانع منه.

و بکلمة اخری:ان المسافة المزبورة لیست متعلقة لحق صاحب البئر الا علی اساس کون التصرف فیها موجبا للضرر علیه.و اما اذا افترضنا انه لا یوجب ذلک فعندئذ لا مانع من القیام بذلک التصرف و ان کان حفر بئر اخری،لفرض اباحة الارض من هذه الناحیة،و عدم کون هذا التصرف موجبا للضرر و لا مزاحما لحق من حقوق الآخر من الناحیة الاخری.و یؤکده استقرار السیرة العقلائیة علی ذلک.

فالنتیجة:ان العبرة فی جواز القیام بالتصرفات المذکورة و عدم جوازه انما هی بلزوم الضرر و عدم لزومه،و التحدید المزبور-مضافا الی انه بالاضافة الی حفر بئر اخری-مبنی علی الغالب،لا انه تحدید حقیقی و فاصل واقعی لجواز التصرف فی خارج هذا الحد و ان کان موجبا للضرر،و عدم جوازه فیما دونه و ان لم یوجب الضرر هذا من ناحیة.

و من ناحیة اخری ان للبئر حریما آخر غیر ما ذکرناه آنفا-و هو ما یتوقف علیه الانتفاع بها-کمقدار مکان النازح اذا کان الاستقاء منها بالید او الاناء،و مکان تردد البهیمة و الدولاب،و مجمع مائها للزرع أو نحوه،و مصب مائها،و مطرح طینها-و هو ما یخرج منها عند اصلاحها و تنقیتها-و الجامع ان کل ما یتوقف علیه الانتفاع بها فهو حریم لها،و لا یحق لأی واحد ان یقوم باحیاء هذا المقدار و استثماره اصلا.

ص:139

حریم القناة

المشهور بین الاصحاب ان حریمها فی الارض الرخوة الف ذراع، و فی الارض الصلبة خمسمائة ذراع.

و یظهر عن جماعة دعوی الاجماع علی ذلک منهم شیخ الطائفة الشیخ الطوسی(قده)فی الخلاف،و العلامة(ره)فی التذکرة،و المحقق (قده)فی جامع المقاصد.

و استدل علی ذلک بروایة عقبة بن خالد عن ابی عبد اللّه(علیه السلام) قال:(یکون بین البئرین اذا کانت ارضا صلبة خمسمائة ذراع، و إن کانت ارضا رخوة فالف ذراع) (1).

لا یخفی ان الاستدلال بهذه الروایة ترتکز علی اساس تمامیة امرین:

احدهما:ان یکون المراد من البئرین العینین،و هذا غیر بعید بقرینة عدم اعتبار هذه المسافة بین البئرین نصا و اتفاقا من ناحیة، و ورود خمسمائة ذراع بینهما فی معتبرة السکونی الآتیة من ناحیة أخری.

و ثانیهما:ان تکون تامة سندا،و هذا غیر ثابت،لأن الروایة ضعیفة من ناحیة السند فلا یمکن الاعتماد علیها.

و دعوی-ان ضعفها منجبر بعمل الاصحاب علی اساس انهم قد افتوا علی طبق هذه الروایة و عملوا بها-خاطئة جدا،و ذلک لما ذکرناه غیر مرة من انه علی تقدیر احراز عمل الاصحاب بها و استنادهم

ص:140


1- 1) الوسائل ج 17 الباب 11 من ابواب احیاء الموات الحدیث 3.

الیها فی مقام الفتیا الا ان ذلک لا یوجب الوثوق و الاطمئنان النوعی بصدور الروایة عن المعصوم(علیه السلام)الذی هو الملاک فی حجیة خبر الواحد و شمول ادلة اعتباره له.

فالنتیجة ان الروایة ساقطة فلا یمکن الاستدلال بها.

نعم قد ورد فی معتبرة السکونی المتقدمة:(و ما بین العین الی العین یعنی القناة خمسمائة ذراع)و علیه فلو کانت روایة عقبة بن خالد معتبرة لکانت قرینة علی التصرف فی هذه المعتبرة بحملها علی الارض الصلبة حتی یتم القول بالتفصیل المزبور،و لکن بما انها غیر معتبرة فلا دلیل علی هذا القول،و مقتضی المعتبرة عدم الفرق بین الارض الصلبة و الارض الرخوة.

و قد تحصل من ذلک:انه لا دلیل علی القول المذکور غیر ما یظهر عن جماعة من دعوی الاجماع،و من الواضح ان الاجماع الکاشف عن قول المعصوم(علیه السلام)فی المسألة غیر متحقق،لوجود المخالف فیها من ناحیة و احتمال ان روایة عقبة بن خالد هی مدرک الاجماع من ناحیة اخری.

هذا اضافة الی ان الاجماع المنقول فی نفسه لا دلیل علی اعتباره.

و فی مقابل ذلک القول قول آخر و هو ان حدّ الفاصل بین العینین لا یقدر بحد خاص،بل هو منوط بان لا یکون حفر القناة الثانیة موجبا للضرر علی الاولی،و الالم یجز،سواء أ کان الحفر المزبور فیما دون المسافة المذکورة أم کان فی خارج تلک المسافة،فاذا افترضنا ان حفرها لا یسبب ضررا علی الاولی فی أقلّ من تلک المسافة جاز و لا مانع منه اصلا.

و هذا القول:هو الصحیح.

ص:141

و تدل علی ذلک صحیحة محمد بن الحسن(الحسین)قال کتبت الی ابی محمد(علیه السلام)(رجل کانت له قناة فی قریة،فأراد رجل ان یحفر قناة أخری الی قریة له،کم یکون بینهما فی البعد حتی لا تضر إحداهما بالاخری فی الارض اذا کانت صلبة،او رخوة، فوقع(علیه السلام)علی حسب أن لا تضر احداهما بالاخری ان شاء اللّه) الحدیث (1).

فانها واضحة الدلالة علی ان العبرة فی جواز حفر قناة اخری جنب القناة الاولی،و عدم جوازه انما هی بلزوم الضرر،و عدم لزومه،فعلی الاول لا یجوز دون الثانی.

و تنسجم هذه الصحیحة:مع السیرة القائمة بین العقلاء فی امثال تلک الموارد،حیث انها تقوم علی أن العبرة فی الجواز و عدمه انما هی بلزوم بالضرر و عدم لزومه.و من هنا لو قطعنا النظر عن النص فی المقام لکانت السیرة المزبورة کافیة.

و علی الجملة:فلا شبهة فی انه یجوز للفرد ان یقوم بالعمل فی الارض الموات باحیاء او حفر قناة او نحو ذلک،و لا مانع منه اصلا، الا اذا کان الحفر موجبا للضرر علی القناة الاخری،فعندئذ لا یجوز، سواء أ کان هناک نص خاص أم لم یکن،لکفایة السیرة فی المسألة التی تقوم علی وفق الارتکاز القطعی لدی العرف و العقلاء.

و علی ضوء ذلک فما ورد فی النصوص-من التحدید بحد خاص کما فی معتبرة السکونی المتقدمة و غیرها-مبنی علی الغالب،باعتبار ان الضرر یندفع بهذا الحد من البعد بین القناتین غالبا و نوعا،

ص:142


1- 1) الوسائل ج 17 الباب 14 من ابواب احیاء الموات الحدیث 1.

و لیس التحدید بذلک أمرا تعبدیا.

و من هنا اذا افترضنا ان القناة الثانیة تضر بالاولی،رغم توفر هذا البعد الخاص بینهما لم یجز احداثها،کما انه اذا افترضنا ان احداث الثانیة لا یوجب ضررا علی الاولی فی أقلّ من ذاک البعد جاز إحداثها.و لا مانع منه اصلا.

و تؤید هذا القول:روایة عقبة بن خالد عن أبی عبد اللّه(علیه السلام) (فی رجل اتی جبلا فشق فیه قناة جری ماؤها سنة،ثم ان رجلا اتی ذلک الجبل فشق منه قناة اخری،فذهبت الاخری بماء قناة الاولی قال:فقال:یتقاسمان(یتقایسان)بحقائب البئر لیلة لیلة فینظر ایتها أضرت بصاحبتها،فان رأیت الاخیرة أضرت بالاولی فلتعور،و قضی رسول اللّه(صلی الله علیه و آله)بذلک قال:ان کانت الاولی اخذت ماء الاخیرة لم یکن لصاحب الاخیرة علی الاولی سبیل)هکذا رواها الصدوق فی الفقیه (1).

و مثلها روایته الاخری عن أبی عبد اللّه(علیه السلام)(فی رجل احتفر قناة و اتی لذلک سنة،ثم ان رجلا احتفر الی جانبها قناة،فقضی ان یقاس الماء بحقائب البئر لیلة هذه و لیلة هذه،فان کانت الاخیرة اخذت ماء الاولی عورت الاخیرة،و ان کانت الاولی اخذت ماء الاخیرة لم یکن لصاحب الاخیرة علی الاولی شیء) (2)فانها واضحة الدلالة علی ان الملاک فی الجواز و عدمه انما هو بلزوم الضرر و عدم لزومه لا بالمسافة المقدرة بینهما و عدمها،الا ان الکلام فی سندها،و حیث

ص:143


1- 1) الفقیه ج 3 ص 58 الحدیث 67.
2- 2) الوسائل ج 17 الباب 16 من ابواب احیاء الموات الحدیث 3.

انهما ضعیفتان من ناحیة السند فلا یمکن الاعتماد بهما دلیلا فی المسألة.

فالنتیجة فی نهایة المطاف:ان القول الثانی هو الصحیح.

و نسب اختیار هذا القول الی الاسکافی،و الشهید الثانی فی المسالک، و العلامة فی المختلف.

هذا کله فیما اذا کان التصرف فی جنب القناة باحداث قناة اخری.

و اما اذا کان التصرف فیه بشیء آخر کالزرع او الغرس او غیر ذلک فهل یجوز اولا؟الظاهر بل المقطوع به ان حاله حال احداث القناة یعنی-ان جوازه و عدم جوازه یدوران مدار لزوم الضرر و عدم لزومه-فان کان موجبا للضرر علی صاحب القناة لم یجز جزما، و اما اذا لم یوجب الضرر علیه فلا مانع منه اصلا و ان کان فیما دون الحدود المذکورة فی النصوص،لفرض ان الارض مباحة من هذه الناحیة أی-لا یکون لأحد حق فیها-و التصرف المزبور کما لا یوجب الضرر لا یوجب المزاحمة له فی الانتفاع بها أیضا.

بل لو قلنا بعدم جواز احداث قناة اخری فی تلک الحدود فایضا لا مانع من جواز غیرها من التصرفات فیها.اذا لم یکن فی تلک التصرفات ضرر و لا مزاحمة،لأن عدم جواز احداثها فی الحدود المزبورة انما هو لأجل مزاحمة،لأن عدم جواز احداثها فی الحدود المزبورة انما هو لأجل النص،و لا نص فی غیرها،فاذن لا محالة یدور سائر التصرفات جوازا و منعا مدار الضرر و عدمه.

ثم انه لا فرق فی عدم جواز قیام فرد باحداث قناة اخری اذا کان فیه ضرر علی الاولی بین ان یکون احداثها فی الارض الموات او فی الارض المملوکة له،کما انه لا فرق بین ان یکون فی خارج

ص:144

تلک الحدود،او فیما دونها،و ذلک لإطلاق النص من هذه الناحیة و قیام الارتکاز القطعی علی ان التحدید فی النص مبنی علی الغالب بدون فرق فیه بین الموات و العامرة بشریا،و استقرار السیرة العقلائیة علی عدم الفرق،و کذا الحال فی حفر بئر اخری اذا کان فیه ضرر علی البئر الاولی.

و اما غیرهما:من التصرفات کالزرع او نحوه فیها ای-فی الارض المملوکة-فالظاهر انه لا مانع منها و ان کانت موجبة للضرر.

نعم اذا کان التصرف فیها حادثا بعد احداث القناة او البئر و کان فیه ضرر علیها لم یجز لقاعدة نفی الضرر.

ثم ان للقناة حریما آخر-و هو ما یتوقف علیه الانتفاع بها- کحواشیها و اطرافها التی هی مجمع ترابها و طینها لدی تنقیتها و اصلاحها و طرقها و غیر ذلک،و لیس لحریمها بهذا المعنی حد خاص فی الشرع، بل هو یختلف سعة و ضیقا باختلاف حاجة القنوات و العیون من ناحیة قلة مائها و کثرته،و قلة الافراد الذین ینتفعون بها،و کثرتهم و هکذا،فان الاختلاف فی کل ذلک یوجب الاختلاف فی حریمها سعة و ضیقا.

و لیس لأحد ان یقوم بالتصرف فی تلک الاطراف و الطرق بما یوجب مزاحمة المنتفعین بها،و ذلک لاستقرار السیرة القطعیة من العقلاء علی ذلک الممضاة لدی الشرع جزما.

حریم النهر

و هو مقدار ما یحتاج النهر الیه عادة من الاطراف و الحواشی

ص:145

عند تنقیته و اصلاحه،و المجاز علی حافتیه للمواظبة علیه،و لا فرق فی ذلک بین کون النهر ملکا خاصا او عاما،و لا یجوز لأی فرد ان یقوم باحیاء هذا المقدار،فانه یوجب المزاحمة.

و تقوم علی ذلک:السیرة المتقدمة،حیث لم یرد من الشرع تحدید له کی یکون هو المرجع فیه.نعم ورد فی مرفوعة ابراهیم بن هاشم(حریم النهر حافتاه و ما یلیها) (1)و هی ترجع الی ما ذکرناه علی انها ساقطة من ناحیة السند.

حریم الدار

و هو ما یتوقف علیه الانتفاع بها کمطرح ترابها و سلوجها و رمادها و مسیل مائها،و طریق الدخول و الخروج من الجهة التی یفتح الباب منها،و مکان الالات و الطین و الجص و الحدید اذا احتاج الیه لدی الحاجة الی البناء او الترمیم.و اما الزائد علی هذا المقدار فلا یکون حریما لها و لا یحق لأی احد أن یقوم بالتصرف فیه بما یزاحم صاحبها فی الاستفادة منها.

و من هذا القبیل حریم حائط البستان و ما شاکله.

و علی الجملة فحریم هذه الاشیاء لا یدخل تحت ضابط کلی»، و لیس منصوصا فی الشرع و محدّدا فیه،بل هو یختلف باختلاف ما یتوقف علیه الانتفاع بها.

ص:146


1- 1) الوسائل ج 17 الباب 11 من ابواب احیاء الموات الحدیث 4.
حریم القریة

و هو ما تکون القریة بحاجة ماسة الیه فی حفظ مصالحها و مصالح اهلها من مدفن موتاهم،و مرعی ماشیتهم و مرابضها،و ملعب الصبیان،و موارد احتطابهم التی جرت العادة بوصولهم الیها،و مجمع اهالیها لمصالحهم الاجتماعیة:المادیة و المعنویة،و مسیل میائها،و الطرق المؤدیة الیها و المسلوکة منها،و مجمع ترابها و کناستها،و مطرح سمادها و رمادها؛و غیر ذلک مما تحتاج القریة الیه،بحیث لو قام فرد بالتصرف فی الاشیاء المزبورة و الاستیلاء علیها لکان مزاحما لأهالی تلک القریة،و موجبا لوقوعهم فی حرج و ضیق شدید.

ثم ان من الطبیعی ان حاجة القریة تختلف باختلافها سعة و ضیقا،و بکثرة أهالیها و قلتهم،و بکثرة مواشیها و دوابها و قلتها،و باختلاف الازمنة،فیمکن ان تکون القریة فی السنین و القرون الماضیة کانت بحاجة الی موارد الاحتطاب و اما فی زماننا هذا فتستغنی عنها بقیام شیء آخر مقام الحطب،فعندئذ تخرج تلک الموارد عن کونها حریما للقریة بانتهاء الحاجة الیها و علیه فلا مانع من التصرف فیها.

فالنتیجة:ان حریم القریة کحریم غیرها لا یدخل تحت ضابط کلی سعة و ضیقا،کما و کیفا،و لا یمکن تحدیده بحدّ خاص بعد ما لم یکن منصوصا و محدّدا من قبل الشرع،بل هو تابع لحاجة القریة الیه فعلا فلا یکفی فی کون شیء حریما لها حاجتها الیه فی المستقبل او فی الزمن الماضی مع استغنائها عنه فعلا.

ص:147

حریم المزرعة

ان حریمها بقدر ما تحتاج المزرعة الیه-و هو ما یتوقف علیه الانتفاع بها-کمجتمع سمادها،و مسالک الدخول الیها و الخروج منها،و محل بیادرها و حظائرها،و مسیل مائها،و غیر ذلک مما تحتاج المزرعة الیه فعلا.

و من الطبیعی ان ذلک أیضا لا یدخل تحت ضابط کلی کما و کیفا سعة و ضیقا،بل هو تابع لحاجة المزرعة و توقف الانتفاع بها علیه،و تعیین ذلک لا محالة بید العرف و العقلاء بعد عدم ورود شیء فیه من قبل الشرع،و لا تجوز المزاحمه فیه.

و من ذلک یظهر حال حریم الاشجار المغروسة فی الارض الموات فانه بمقدار ما یتوقف علیه الانتفاع بها.و اما تحدیده بمقدار بروز اغصانها او سرایة عروقها فلا دلیل علیه.

اما الاول:فلان ما یتوقف علیه الانتفاع بها قد یکون ازید منه،کما لعله الغالب،و لا سیما فی الاشجار المثمرة،و قد یکون أقلّ منه،و قد یکون بمقداره.

و منه یظهر حال التحدید الثانی.و الحاصل بعد ما لم یکن دلیل علی التحدید المذکور فلا مناص من الالتزام بتحدیده بما عرفت من ناحیة السیرة لدی العرف و العقلاء.

ص:148

عدة خطوط
الاول:قد نسب الی الاصحاب ثبوت الحریم للأشیاء المذکورة

اذا کان احداثها فی الارض الموات

و اما اذا کان فی الارض العامرة المملوکة فلا حریم لها.هذا.

و حری بنا:ان نقول:ان ما ذکرناه من الحریم لتلک الاشیاء انما هو بمعنی ان الانتفاع بها یتوقف علیه و لا یمکن بدونه،و لا دلیل علی ثبوت الحریم لها باکثر من ذلک و من الطبیعی انه لا فرق فی ثبوت الحریم لها بهذا المعنی بین ان تکون تلک الاشیاء فی الارض الموات او فی الارض العامرة بشریا فان البنایات فی البلدان و ان کانت متلاصقة بعضها مع بعضها الآخر فی اکثر من جوانبها الا انه رغم ذلک کان لتلک البنایات حریم بالمعنی المزبور مع انها غالبا تبنی و تحدث فی الارض الموات و لا یلزم ان یکون لها حریم من جمیع جوانبها و اطرافها،لعدم الدلیل علی ذلک بل و لا مقتضی له لوضوح ان الانتفاع بالدار مثلا انما یتوقف علی ان تکون لها مرافق و قد تکون تلک المرافق او اکثرها فی داخل الدار کما هو الحال فی البلدان غالبا،فعندئذ لا تحتاج هذه الدار الی وجود حریم لها غیر مسلک الدخول فیها و الخروج و قد تقدم انه لم یرد تحدید خاص للحریم لدی الشرع بل هو تابع لحاجة الشیء فی الانتفاع به کما و کیفا و من الطبیعی انها تختلف باختلاف الامکنة و الازمنة فان حاجته الیه فی البلدان تختلف عن حاجته الیه فی القری و الاریاف.

نعم تفترق هذه الاشیاء اذا کانت فی الارض الموات عما اذا کانت

ص:149

فی الارض المعمورة المملوکة فی نقطة واحدة،و هی:انه لو قام احد ببناء دار-مثلا-فان کانت فی الارض الموات کان لها حریم من بعض اطرافها بمقدار ما یتوقف علیه الانتفاع بها،و لا یجوز لغیره ان یقوم بالتصرف فیه اذا کان مزاحما له فی الانتفاع بها.

و اما اذا کانت تلک الدار متصلة بالارض الموات ببعض اطرافها دون بعضها الآخر ففی مثل ذلک لا محالة یکون حریمها من ذلک الطرف یعنی-الارض الموات-دون طرفها الآخر،ضرورة ان حریمها لا یکون فی ملک الآخر.

و اما اذا کانت متصلة بملک غیره بجمیع اطرافها فعندئذ لا حریم لها غیر مسلک الدخول فیها و الخروج،فان هذا المسلک اما ان لا یکون من الاول ملکا لغیره،او کان و لکن قد اذن له فی التصرف فیه بقیامه ببناء دار له،فحینئذ لیس له الرجوع عن اذنه لعموم التعلیل الوارد فی روایة الرحی و هو قوله(علیه السلام)(و لا یضر اخاه المؤمن) فان رجوعه عن اذنه و المنع عنه ضرر علیه باعتبار ان حریمها منحصر بهذا المسلک فحسب،و لیس لها حریم من اطرافها الأخر،لفرض أنها ملک لاخر،و له التصرف فی ملکه بما شاء و اراد و ان فرض ان تصرفه فیه کان مانعا عن انتفاعه بها،و لیس له حق المنع منه، و لا سیرة عقلائیة علی ذلک.

و من ذلک یظهر:ان الحریم الثابت لدی الشرع و العقلاء هو ما عرفناه کما و کیفا،و لا دلیل علی ازید من ذلک.

و اما ما یظهر من کلمات الاصحاب کما فی الجواهر-من انه لا حریم فی البلدان لأحد من اصحابها کما هو المشاهد فیها،و علل ذلک بامکان تساویهم فی الاحیاء او نحوه-فلا یمکن الاخذ به،

ص:150

لما عرفت من ثبوت الحریم فیها بالمقدار الذی یتوقف علیه الانتفاع بها،و قد تقدم انه لا دلیل علی ثبوت الحریم للأشیاء المزبورة باکثر من ذلک،علی ان فرض تساوی اصحاب البلدان فی الاحیاء فرض نادر،فان الغالب هو ان قیامهم باحیائها تدریجی زمنا،لا دفعی کما هو الحال فی جمیع البلدان الکبار.

الثانی:ان الحریم لا یدخل فی ملک احد

-مثلا-حریم الدار لا یدخل فی ملک صاحب الدار،و هکذا،و لا یکون متعلقا لحقه،لما عرفت فی ضمن البحوث السالفة من ان الملک او الحق فی الارض الموات لا یحصل للفرد الا علی اساس قیامه باحیائها، و لا یمکن حصوله بدون القیام بهذه العملیة،فان العمل هو المصدر الوحید عند الشرع لاختصاص الفرد بها.

و لکن بالرغم من هذا لا یجوز لغیره التصرف فیه بما یوجب مزاحمته.نعم فیما لا یکون التصرف فیه موجبا للمزاحمة فلا مانع منه.و من هنا قلنا انه لیس متعلقا لحقه أیضا و الا لم یجر التصرف فیه مطلقا،فعدم جواز التصرف فیه فی فرض المزاحمة انما هو من شئون تعلق حقه بذیه یعنی-لا یجوز لأحد ان یزاحمه فی الانتفاع به-و بما ان تصرفه فی حریمه مزاحمة له فی الانتفاع به فلأجل ذلک انه غیر جائز،لا من جهة انه متعلق لحقه بنفسه.

الثالث:ان الارض الموات،و رءوس الجبال،و بطون الاودیة

اذا لم تکن حریما لشیء من الاشیاء التی مرّت بنا جاز التصرف

فیها باحیاء او نحوه،

و لا مانع منه من هذه الناحیة،و لا یحق لأی فرد ان یمنع غیره عن ذلک،فان نسبة الجمیع الیها علی حد سواء،حیث ان المبرر الوحید لعلاقة الفرد بها انما هو العمل

ص:151

و بذل الجهد فی سبیل بثّ الحیاة فیها.و لا اثر للاستیلاء و السیطرة علیها بالقوة و التحکم بدون ذلک،فان الإسلام لا یعترف بالعلاقة بها الا علی اساس العمل.

و من ذلک یظهر انه لا یحق لأی فرد ان یقوم یبیعها،و لا اجارتها،و لا تقسیمها بینه و بین غیره،لأن کل ذلک یتوقف علی الملک او الحق،و الفرض عدمه.

و علی ضوء هذا:فقد تبین حال الاراضی الموات المنسوبة الی طواف خاصة من العرب أو العجم من ناحیة ان تلک الاراضی کانت مجاورة لأملاک هؤلاء الطوائف و بیوتهم من دون علاقتهم بها من ناحیة الاحیاء و العمارة،و من دون کونها حریما لإملاکهم،فان تلک الاراضی ظلت فی ملک الامام(علیه السلام)،و لیس لهؤلاء حق المنع من التصرف فیها و القیام باحیائها،و لا مطالبة الاجرة بازاء ذلک لما عرفنا من ان الإسلام لا یعترف بالاختصاص بها علی اثر الاستیلاء و السیطرة علیها بالقوة بدون العمل.

الرابع:فی حدّ الطریق:العام فی الارض الموات هل هو
اشارة

خمسة اذرع او سبعة؟

فیه قولان:

احدهما:ان حدّه فی الموات خمسة اذرع،و هو ظاهر المحقق فی الشرائع،و حکی عن فخر المحققین نسبته الی کثیر من الاصحاب و عن بعض آخر نسبته الی الاکثر.

و تدل علی ذلک معتبرة البقباق عن أبی عبد اللّه(علیه السلام)قال؛(اذا تشاح قوم فی طریق فقال:بعضهم سبع أذرع،و قال:بعضهم الآخر اربع اذرع،فقال أبو عبد اللّه(علیه السلام)بل خمس اذرع) (1)

ص:152


1- 1) الوسائل ج 13 الباب 15 فی احکام الصلح الحدیث 1

فانها تدل علی ان حدّ الطریق الذی یتشاح فیه قوم خمس اذرع

و الاخر:ان حدّه فی الموات سبعة اذرع،و نسب هذا القول الی الشیخ،و القاضی،و الحلبی،و الفاضل فی جملة من کتبه، و ولده،و الشهیدان،و المحقق الکرکی(قد هم).

و تدل علی ذلک:معتبرة السکونی عن أبی عبد اللّه(علیه السلام) ان رسول اللّه(صلی الله علیه و آله)قال:(ما بین البئر المعطن الی ان قال:

و الطریق یتشاح علیه أهله فحدّه سبع اذرع) (1).

فاذن تقع المعارضة بین هذه المعتبرة و المعتبرة المتقدمة باعتبار ان فیها قد حدّد الطریق المزبور بخمسة اذرع،و فی تلک المعتبرة قد حدّده بسبعة،فالمعارضة بین المدلول المطابقی لکل واحدة منهما، و المدلول الالتزامی للأخری،فان المعتبرة الأولی تدل بالمطابقة علی ان حدّه خمسة اذرع،و بالالتزام علی ان حده لیس سبعة اذرع.

و المعتبرة الثانیة تدل بالمطابقة علی ان حدّه سبعة اذرع،و بالالتزام علی ان حدّه لیس خمسة اذرع بشرط لا.هذا.

و لکن مرد المعارضة:بینهما لدی الارتکاز العرفی الی المعارضة فی المقدار الزائد علی الخمسة.و اما فیها فهما متفقتان،غایة الامر ان معتبرة السکونی تدل علی اعتبارها فی ضمن السبعة،و المعتبرة الاخری تدل علی اعتبارها بشرط لا.

فالنتیجة هی:ان خمسة اذرع لا بد منها علی کل تقدیر،و انما النزاع بینهما فی المقدار الزائد علیها،فان احداهما تثبته،و الاخری تنفیه،و بما انه لا یتوفر الترجیح لإحداهما علی الاخری لتعالج به مشکلة التعارض بینهما فتسقطان معا عن الاعتبار فی مورد المعارضة

ص:153


1- 1) الوسائل ج 17 الباب 1 من ابواب احیاء الموات الحدیث 5.

فاذن المرجع فیه هو عموم ما دل علی جواز التصرف فی الارض الموات باحیاء و عمارة.و نتیجة ذلک هی صحة القول الأول دون القول الثانی.

و بکلمة اخری:قد ظهر مما قدمناه ان حدّ الطریق العام المبتکر فی الارض الموات بکلا جانبیه او احدهما خمسة اذرع،فلا یجوز لأی واحد ان یقوم باحیاء منه الموجب لنقصه عن الحدّ المزبور،فلو قام بذلک لزم علیه هدمه.

و قد تحصل من ذلک:ان الطریق العام لا یمکن ان یکون حدّه أقلّ من خمسة اذرع،و اما اذا کان ازید من ذلک فهل یجوز التصرف فی الزائد باحیاء او نحوه؟ففیه تفصیل،فان کان الزائد موردا لحاجة المارة من ناحیة کثرتها او کثرة وسائلها النقلیة لم یجز احیائه علی اساس انه یوجب مزاحمتها،و لا سیما فی مثل زماننا هذا فان الوسائل النقلیة فی هذا العصر بما انها تختلف عن الوسائل النقلیة فی العصور المتقدمة فبطبیعة الحال تکون بحاجة الی طریق اوسع بکثیر من الحد المزبور،و لا سیما اذا کان الطریق مزدحما بالمارة بالوسائل المزبورة.

و قد قام علی عدم جواز التصرف فی الزائد عن الحد المذکور بناء قطعی من العقلاء،و من الطبیعی ان هذا البناء یکون قرینة علی ان التحدید فی المعتبرتین المتقدمتین مبنی علی الغالب،و لا موضوعیة له،و المناط انما هو بطبیعة حاجة المارة کما و کیفا.

و لا یمکن ان یکون هذا التحدید فیهما ردعا للبناء المزبور، بداهة انه لا یمکن للشارع ان یجوّز ما ربما یوجب اختلال النظام.

بل للشارع المنع عن هذا التصرف و وضع حد لذلک،کما ان فی

ص:154

عصر الغیبة للحاکم الشرعی ان یمنع عنه،لئلا یلزم الهرج و المرج و اختلال النظام.

و علیه فلا معارضة بینهما،لما عرفنا من ان المعارضة بینهما لو کانت فانما هی فی اعتبار الزائد علی الخمسة و عدم اعتباره، و بعد ما ذکرناه من ان التحدید بها لما کان مبنیا علی الغالب بالاضافة الی الزیادة فلا تدل روایتها علی اعتبارها بشرط لا،لکی تنافی روایة السبعة و کذا الحال فی تلک الروایة،فانه لا بد من رفع الید عن ظهور التحدید فیها فی الموضوعیة بالاضافة الی طرفی القلة و الکثرة معا.

اما بالاضافة الی طرف القلة فبقرینة روایة الخمسة،فانها تدل علی کفایتها فی فرض عدم الحاجة الی الازید منها،کما انها تدل علی موضوعیتها بالاضافة الی الاقل من ذلک المقدار،لعدم قرینة علی رفع الید عن ظهورها فی ذلک.کما کانت متوفرة بالاضافة الی الزیادة-و هی بناء العقلاء-.

و اما بالاضافة:الی طرف الکثرة فلما مرّ بنا الان.

و اما موثقة أبی العباس البقباق عن أبی عبد اللّه(علیه السلام)قال:

قلت له(الطریق الواسع هل یؤخذ منه شیء اذا لم یضر بالطریق قال لا) (1)فالظاهر ان المراد منه الطریق المسبل،و ذلک لأمرین:

احدها:ان السیرة القطعیة قد اسنقرت علی جواز التصرف فی الطریق المبتکر فی الارض الموات و الاخذ منه اذا لم یکن مزاحما للمارة من ناحیة،و غیر موجب لنقصه عن خمسة اذرع من ناحیة اخری،اذ لا مقتضی للمنع فی هذا الفرض اصلا،لأن الارض

ص:155


1- 1) الوسائل ج 13 الباب 27 من ابواب عقد البیع و شروطه الحدیث 1.

مباحة،و الزائد غیر مورد للحاجة.و هذه السیرة تصلح ان تکون قرینة علی حمل الطریق فی الموثقة علی المسبل.

و الآخر:ان حمل الطریق الواسع فی الموثقة علی ان یکون حدّه خمسة اذرع دون الازید بحاجة الی قرینة علی اساس ان هذا الحمل علی خلاف المتفاهم العرفی،و بما انه لا قرینة علی ذلک فلا یمکن حمله علیه.

فالنتیجة:ان المراد منه الطریق المسبل.

ثم ان الطریق العام:اذا کان بین بلدین او اکثر فهو بحاجة الی توسع اکثر من الحد المنصوص فیه بکثیر،و لا سیما بین البلدان الکبیرة المزدحمة بالجمعیة.و اما اذا کان بین قریتین او اکثر فهو لیس بحاجة الی توسع اکثر منه غالبا.

و تؤکد ما ذکرناه:-من انه لا موضوعیة للحد المذکور للطریق العام فی الروایتین المتقدمتین-جملة من کلمات الاصحاب:

منها:ما عن المحقق فی جامع المقاصد:انه یمکن تنزیل المعتبرة المتقدمة علی ما اذا لم تدع الحاجة الی ازید من الخمس).

و منها ما عن الشهید الثانی فی المسالک:انه یمکن حمل اختلاف الروایات علی اختلاف الطرق،فان منها ما یکفی فیه الخمس کطرق الاملاک و التی لا تمر علیها القوافل و نحوها غالبا.

و منها ما یحتاج الی السبع،و قد یحتاج بعضها الی الازید من السبع کالطرق التی تمرّ علیها الحاج بالکنائس و نحوها،فیجب مراعاة قدر الحاجة بالنسبة الی الزائد علی المقدار و منها غیرهما هذا من ناحیة.

و من ناحیة اخری:هل یجوز نقصه عن خمسة اذرع فی فرض عدم حاجة المارة الی هذا المقدار؟الظاهر عدم الجواز کما عرفت

ص:156

و ذلک لأن الظاهر من التحدید بالخمسة عرفا فی المعتبرة هو الموضوعیة فرفع الید عن هذا الظهور بحاجة الی قرینة و لا قرینة فی البین الا بالاضافة الی الزائد عن هذا الحد دون الناقص.

هل یجوز تغییر الطریق العام؟

فیه تفصیل فان کان موجبا لمزاحمة المارّة لم یجز قطعا.و اما اذا لم یوجب المزاحمة فالظاهر انه لا مانع منه اصلا.

و النکتة فی ذلک انه لا دلیل علی عدم الجواز،اما الشرع فانه لم یرد فیه ما یدل علیه،و اما السیرة العقلائیة فهی انما تقوم علی عدم جواز ایجاد المزاحم للمارة،و الفرض عدم المزاحمة فاذن لا سیرة أیضا

ان شئت قلت:ان الطریق العام المبتکر فی الارض الموات لا یخضع لمبدإ الحق الخاص او العام،و انما الثابت هو عدم جواز مزاحمة المارة فیه،فمعنی کونه متعلقا لحقها انما هو بهذا المعنی و علیه فاذا افترضنا ان تغییره و تبدیله الی موضع اخر لیست مزاحمة لها فلا مانع منه علی اساس انه لیس فیه تفویت لحقها.

و من ذلک یظهر:انه اذا انقطعت المارّة عنه و ترک،اما لوجود مانع،او لعدم الحاجة الیه زال حکمه بزوال موضوعه،و عندئذ فلا مانع من القیام باحیائه و عمارته.و کونه متعلقا لحق المارة انما هو فی فرض وجودها و عبورها عنه،و اما بعد فرض انقطاعها عنه فلا حق لها فیه اصلا،لیکون مانعا عن ذلک.

ص:157

الطریق العام المسبل

اذا جعل الشخص ارضه شارعا عاما بأن یسبلها تسبیلا دائمیا لم یجز التصرف فیها باحیاء أو نحوه و ان لم یکن مزاحما للمارة علی اساس انه وقف،و من الطبیعی انه لا یجوز التصرف فی الوقف بما ینافی جهته،و لا فرق فی ذلک بین ان یکون حدّه خمسة اذرع او اکثر او أقلّ،و سواء أ کان الزائد علی الخمسة موردا لحاجة المارة أم لم یکن،بداهة انه یتبع جعله کما و کیفا سعة و ضیقا،فلا یحق لأی واحد التصرف فیه بما ینافی جهة جعله.

بقی هنا نوع ثالث:من الطریق العام-و هو الواقع بین

الاراضی العامرة للناس

-،کما اذا افترض وجود قطعة من الارض الموات بین هذه الاراضی و تلک القطعة قد اصبحت طریقا عاما من جهة استطراق الناس منها،فانه لیس لهذا الطریق حدّ خاص سعة و ضیقا،لأنه کان علی ما هو علیه من السعة فلا یجب علی الملاک توسیعه ان کان أقلّ من خمسة اذرع و ان فرض انه اصبح ضیقا علی المارّة.

نعم ان کان زائدا عن الخمسة و لم یکن الزائد موردا للحاجة جاز التصرف فی الزائد باحیاء أو نحوه.

نتیجة هذا البحث عدة خطوط
الأول:ان حدّ الطریق العام المبتکر فی الارض الموات شرعا خمسة اذرع لا أقلّ منها،

ص:158

فلا یجوز التصرف فیه بما یوجب نقصه عن هذا المقدار.و اما بالاضافة الی الزیادة عنها فقد مرّ بنا عدم حدّ له،بل هو یتبع من هذه الناحیة مقدار حاجة المارة فی السعة و الضیق.

الثانی:ان هذا الطریق اذا کان زائدا عن المقدار المحدد من

قبل الشرع جاز التصرف فی الزائد اذا لم یکن موردا لحاجة

المارّة.

و اما اذا کان موردا لها فلا یجوز:

الثالث،انه لا مانع من تغییر هذا الطریق و تبدیله اذا لم تکن

فیه مزاحمة للمارة،

و الا لم یجز.

الرابع:ان الطریق المسبل تابع لکیفیة الجعل و التسبیل

فلا یجوز التصرف فیه بما ینافی جهة جعله.

النقطة السابعة

اشارة

لا یحصل للمحیی ملک او حق علی اساس قیامه بالاحیاء اذا

کانت الارض محجرة من قبل غیره،

فانه یحصل له حق فیها علی اساس قیامه بتحجیرها،فلا یجوز لغیره ان یقوم باحیائها و عمارتها فانه یوجب تفویت حقه،فما دام لم یسقط حقه عنها فلا یوجب الاحیاء علاقة المحیی بالارض،و نقصد بحق المحجر اولویة تصرفه فیها-باحیاء و عمارة-من غیره هذا لا کلام فیه.و انما الکلام فی دلیل ذلک.

الموجود فی بعض کلمات الاصحاب ان عمدة الدلیل علیه الاجماع و التسالم.

ص:159

و عن العلامة فی التذکرة،و الشهید الثانی(قده)فی المسالک ان التحجیر شروع فی الاحیاء،فاذا افاد الاحیاء الملک افاد التحجیر الذی هو شروع فیه الاولویة لا محالة.

و قد یستدل علی ذلک بالروایة الدالة علی ان من سبق الی ما لم یسبق الیه مسلم فهو له.و غیر خفی:ان کلا منها لا یصلح ان یکون دلیلا.

اما الاجماع:فهو غیر متحقق لوجود المخالف فی المسألة و علی تقدیر تسلیم تحققه فهو اجماع منقول و قد حقق فی الاصول انه لا دلیل علی اعتباره.

و اما ما عن العلامة و الشهید الثانی(قدهما)من الملازمة بین کون الأحیاء مفیدا للملک و کون التحجیر مفیدا للأولویة فلا دلیل علیه اصلا الا ان یکون نظرهما الی ان بناء العقلاء قائم علی ذلک و هو غیر بعید،کما سوف نشیر الیه.

و اما الروایة فلم نعثر علیها من طرق الخاصة،و انما هی مرویة من طرق العامة،و علیه فلا اثر لها اصلا.علی انها لو ثبتت لکان حالها حال روایات الاحیاء الظاهرة فی افادة الملک،و هی مقطوع البطلان علی أساس ان التحجیر لدی الاصحاب لا یفید الملک جزما.

فالصحیح فی المسألة ان یقال:ان الدلیل علی کون عملیة التحجیر تمنح حق الاولویة لمن یقوم بها انما هو سیرة العقلاء و حیث لم یرد ردع عنها من قبل الشرع فهی علی اساس ذلک لا محالة تکشف عن امضاء الشارع لها،فیکون دلیلا فی المسألة.

ثم ان المتیقن:من تلک السیرة انما هو فیما اذا اراد المحجر

ص:160

القیام بعملیة الاحیاء،و هذا یعنی-ان التحجیر لدی العرف و العقلاء انما یمنح حق الاولویة للمحجر علی اساس انه شروع فی عملیة الاحیاء و ابتداء لها-.

و اما اذا کان قاصدا به السیطرة علی مساحة کبیرة من الارض و الاستیلاء علیها-من دون ان یکون بصدد احیائها و استثمارها و الاستفادة من ثرواتها-فالظاهر بل المقطوع به انه لا اثر لتحجیره هذا نهائیا،حیث لم یحرز جریان السیرة من العقلاء علی انه مفید لحق الاولویة مطلقا حتی فی هذا الفرض،بل لا یبعد دعوی قیام السیرة منهم علی عدم ترتیب اثر علیه علی اساس انهم یرون ان ذلک یضرّ بالعدالة الاجتماعیة،و یوجب الضیق علی الاخرین و تفویت حقوقهم.

و من هنا یعتبر فی کون عملیة التحجیر مفیدة لحق الاولویة تمکن المحجّر من القیام بالاحیاء و العمارة و الا لم تکن مفیدة له،و اما اذا کان متمکنا من القیام به ثم زال عنه التمکن فان کان موقتا لم یزل حقه عنها و الا زال و جاز للاخر ان یقوم باحیائها،کما ان الامر کذلک اذا امتنع من القیام بعملیة الاحیاء و الاستثمار.

و النکتة فی کل ذلک:ما اشرنا الیه آنفا من ان سیرة العقلاء انما قامت علی کون عملیة التحجیر مفیدة للحق اذا کان المحجر قاصدا به الشروع فی عملیة الاحیاء،فلا تکون عملیة التحجیر لدی العرف و العقلاء و کذا لدی الشرع مفیدة للحق فی مقابل عملیة الاحیاء.

ثم انه اذا انمحت آثار التحجیر نهائیا سقط حق المحجّر، سواء أ کان محو آثاره من ناحیة اهماله و تسامحه أم کان من ناحیة سبب خارجی،کما اذا ازلها عاصف او غیره.اما سقوط حقه علی الاول فواضح.و اما علی الثانی فلان حقه متقوم بالآثار التی هی

ص:161

علامة للتحجیر لدی العرف و العقلاء،فاذا زالت تلک الآثار زال حقه بزوال موضوعه و ان فرض انه کان بسبب خارجی.هذا من ناحیة.

و من ناحیة اخری اذا ترک المحجّر الاحیاء مدة من الزمن -و ان کان غرضه من القیام به هو الشروع فی الاحیاء،لا مجرد دخول الارض تحت سیطرته و استیلائه-فعندئذ هل یسقط حقه؟ فیه وجهان:

المعروف و المشهور:انه لا یسقط،و هو الظاهر،و ذلک لعدم الموجب لسقوطه،فان الفصل الزمانی بینه و بین الاحیاء لا یکون موجبا لذلک،بل مقتضی الاستصحاب بقائه و عدم سقوطه.

نعم بما ان تعطیل الارض علی خلاف المصلحة العامة للامة فمن بیده الامر اجباره علی القیام بالاحیاء،فان امتنع سقط حقه نهائیا.

قد یقال:کما قیل:ان مقتضی مجموعة من الروایات سقوط حقه اذا عطل الارض ثلاث سنین متوالیة من دون علة.

منها:روایة یونس:عن العبد الصالح(علیه السلام)قال:قال:

ان الارض للّه تعالی جعلها وقفا علی عباده،فمن عطل ارضا ثلاث سنین متوالیة لغیر ما علّة اخذت من یده،و دفعت الی غیره،و من ترک مطالبة حق له عشر سنین فلا حق له (1).

و منها:روایته الاخری عن رجل عن أبی عبد اللّه(علیه السلام)قال:

من أخذت منه أرض ثم مکث ثلاث سنین لا یطلبها لم یحل له بعد ثلاث سنین ان یطلبها (2).

و یردّه:انه لا یمکن الاستدلال بهاتین الروایتین علی الحکم المذکور باعتبار انهما ضعیفتان سندا فلا یمکن الاعتماد علیهما

ص:162


1- 1) الوسائل ج 17 الباب 17 من ابواب احیاء الموات الحدیث 1.
2- 2) الوسائل ج 17 الباب 17 من ابواب احیاء الموات الحدیث 2.

اصلا،فاذن لا دلیل علی التحدید المزبور،و العبرة انما هی بما ذکرناه.

نعم اذا ترک المحجّر القیام بالاحیاء و العمارة استنادا الی عذر لدیه کعدم توفر المواد للإحیاء او نحو ذلک لم یسقط حقه ما دام العذر باقیا،الا اذا طال عذره بحیث یعدّ ذلک لدی العرف تعطیلا للأرض رغم حاجة الاخرین الیها،فعندئذ یتدخل من بیده الامر فیأذن لغیره بالقیام باحیائها مع مراعاة حقه ای-حق المحجّر-.

بقی الکلام:فیما یتحقق به التحجیر،الظاهر انه یتحقق بکل ما یدل علی انه اراد به الشروع فی احیاء الارض بزرع،او عمارة او غرس اشجار،او ما شاکل ذلک کحفر الاساس لبناء دار-مثلا- او حفر قناة فی الارض الموات،فانه تحجیر بالاضافة الیها التی تسقی بمائها،او حفر بئر من آبار القناة الدارسة المهجورة،فانه تحجیر بالاضافة الی بقیة آبار تلک القناة،بل لا یبعد کونه تحجیرا بالاضافة الی الارض التی تسقی من مائها.

فالنتیجة:ان التحجیر مفهوم عرفی و لیس له حد خاص لدی الشرع،فالمرجع فی تحققه هو العرف.

نتیجة هذا البحث ثلاث نقاط
الاولی:ان الدلیل علی کون عملیة التحجیر سببا لحق الاولویة

انما هو بناء العقلاء،

و اما غیره من الوجوه التی تقدمت فقد عرفنا عدم تمامیة شیء منها.

الثانیة:ان سببیة التحجیر لحق الاولویة انما هی بوصف کونه شروعا فی عملیة الاحیاء و العمران،

ص:163

و بدایة لهذه العملیة،لا بوصف کونه عملیة مستقلة منفصلة عنها.

الثالثة:ان الحق الحاصل من عملیة التحجیر ینقطع نهائیا بزوال

آثاره و علائمه و لو بسبب خارجی.

نعم لو أخر الاحیاء و اهمل فی أمره رغم بقاء آثاره فحفه و ان لم یسقط الا ان من بیده الامر یجبره علی ذلک،فان امتنع سقط حقه.

النقطة الثامنة هل یعتبر فی تأثیر الاحیاء أن لا تکون الأرض موطنا للعبادة من قبل الشرع کعرفة و منی و المشعر

ان عملیة الاحیاء بوصف کونها سببا لاختصاص المحیی بالارض علی مستوی الحق او الملک علی الخلاف المتقدم انما هی فیما اذا لم تجعل الارض من قبل الشرع موطنا للعبادة و مشعرا لها کعرفة، و المنی،و المشعر،و غیرها من الاماکن المقدسة و المواضع المشرفة التی جعلها اللّه تعالی مناسکا للعبادة،و انها فی الحقیقة لیست من الموات الذی هو بمعنی المعطل عن الانتفاع.

و قد استدل علی ذلک:فی الجواهر بتعلق حقوق المسلمین بها، بل قال:هی اعظم من الوقف الذی یتعلق به حق الموقوف علیهم بجریان الصیغة من الواقف علی اساس ان الشرع هو الذی جعلها موطنا للعبادة خاصة من دون اجراء صیغة علیها.و منها ما جعله اللّه تعالی مسجدا کمسجد الحرام و مسجد الکوفة.و من المعلوم انه کما لا یجوز التصرف فی الوقف باحیاء و عمارة،کذلک لا یجوز التصرف فی تلک المواطن المقدسة باحیاء و نحوه،فانه مناف للجعل المزبور من رب الجلیل،و تفویت للمصلحة العامة فیه.

ص:164

و لا فرق فی ذلک:بین ان یکون التصرف فی تمام اجزائها او فی بعضها،و بین ان یکون مزاحما للمتعبدین فیها و ان لا یکون مزاحما لهم،بل فی الجواهر جعل جواز التصرف-حتی فیما لا یوجب المزاحمة و الضیق-منافیا للضروری من للشرع.هذا.

و لکن المحقق فی الشرائع قال:اما لو عمّر فیها ما لا یضر و لا یؤدی الی ضیقها عما یحتاج الیه المتعبدون کالیسیر لم امنع منه، و وافقه علیه بعض من تأخر عنه.

و الصحیح ما افاده المحقق(قده).

و الوجه فیه:انه لا یقاس تلک الاماکن المشرفة بالوقف کالمسجد و المدرسة و ما شاکل ذلک،فان الوقوف حسب ما یوقفها اهلها فلا یجوز التصرف فیها بما ینافی جهة وقفها.و اما هذه الاماکن المحترمة فلیست بوقف شرعا،و لذا لا تترتب علیها احکام الوقف،و مجرد ان اللّه تعالی جعلها مشعرا للعبادة و موطنا لها فی وقت خاص من ایام السنة لا یوجب کونها وقفا بالمعنی المعهود،و لیس لنا دلیل آخر یدل علی انها وقف.

و علیه فلا مانع من التصرف فیها بما لا یوجب المزاحمة و الضیق علی المتعبدین،کما اذا کان فی غیر اوقات النسک،فان کونها متعلقة لحقوق المسلمین معناه انه لا تجوز مزاحمتهم فی اوقات قیامهم بالنسک و الاعمال فیها،و اما فی غیر تلک الاوقات فلا مقتضی لعدم جوازه.

و من هنا یظهر انه لا مانع من الزرع الفصلی فیها یعنی- فی غیر فصل النسک و الاعمال-علی اساس انه لا یوجب المزاحمة، بل لا مانع من تأسیس عمارات و بیوت سکن فیها التی تؤجر فی تلک الاوقات من الناسکین و المتعبدین نظرا الی انها لم تکن مزاحمة لهم.

ص:165

فالنتیجة فی نهایة الشوط:ان المقدار الثابت انما هو عدم جواز التصرف فیها بما یوجب المزاحمة فی اوقات النسک و العبادات و اما اذا لم یکن مزاحما فلا دلیل علی عدم جوازه اصلا،بل لا شبهة فی انه یوجب علاقة المتصرف بها.

النقطة التاسعة ان تأثیر الأحیاء إنما هو فیما إذا لم تکن الأرض مما أقطعه الإمام ع

ان عملیة الاحیاء:-بوصف کونها سببا لصلة المحیی برقبة الارض علی مستوی الملک او الحق علی الخلاف المتقدم-انما هی فیما اذا لم تکن رقبة الارض مما اقطعه الامام(علیه السلام)و الا فلا اثر للإحیاء اصلا،فان الامام(علیه السلام)اذا اعطی قطعة من الارض الموات لشخص فهی تصبح ملکا له،حیث ان للإمام(علیه السلام)ذلک من جهتین.

احداهما:من جهة ولایته(علیه السلام)العامة.

و ثانیتهما:ان الارض الموات بما انها داخلة فی ملکه(علیه السلام) کما عرفت فله اختصاص فرد او طائفة بقطعة منها علی مستوی الحق او الملک،فان کل ذلک بیده(علیه السلام)و تحت اختیاره.و من الطبیعی انه لا یجوز تصرف غیره فیها بعد هذا الاختصاص،لأنه تصرف فی ملک غیره او فیما له حق فیه.

و قد روی ان النبی الاکرم(صلی الله علیه و آله)اقطع-الدور-لعبد اللّه ابن مسعود-و هی اسم موضع بالمدینة-،و اقطع وابل بن حجر -ارضا بحضرموت-،و اقطع الزبیر-عدو فرسه-و اقطع بلال بن الحارث-العقیق-.

و کیف کان فلا شبهة فی ان للنبی الاکرم(صلی الله علیه و آله)ذلک،و کذا

ص:166

للأئمة الاطهار(علیه السلام)،و ان ما اقطعه فهو خاص لمن قطع له،الا ان الکلام انما هو فی اثبات ذلک صغرویا و هو لا یمکن،حیث لم یقم لنا دلیل معتبر علی ذلک،لا فی الموارد المذکورة،و لا فی غیرها.

فالنتیجة:ان المسألة و ان کانت ثابتة کبرویا الا انه لا طریق لنا الی احراز صغری لها فی شیء من الموارد.و علیه فلا نتیجة عملیة لهذه المسألة خارجا.

النقطة العاشرة

هل یعتبر فی سببیة الاحیاء لصلة المحیی بالارض قصدها،

غایة الامر ان کانت الصلة علی مستوی الملک اعتبر قصد حصول الملک و ان کانت علی مستوی الحق اعتبر قصد حصول الحق؟فیه وجهان:

بل قولان:

و عن الشهید(قده)فی الدروس اختیار القول الاول.

و لکن الظاهر هو القول الثانی.

و السبب فیه:انه لا دلیل علی اعتبار قصد التملک زائدا علی قصد الاحیاء.

اما الروایات:فلا یکون فی شیء منها تعرض لهذه الجهة اصلا فانها فی مقام بیان سببیة الاحیاء لعلاقة المحیی بالارض،و المتفاهم منها لدی العرف کفایة قصد الاحیاء بوصف کونه سببا لها بلا حاجة الی قصد حصول الملک به او الحق

و اما سیرة العقلاء:فلا تدل علی اعتبار ذلک بوجه،ضرورة انها انما قامت علی ان عملیة الاحیاء سبب لعلاقة المحیی بالارض،

ص:167

و لازم ذلک انه لا یعتبر فی سببیتها سوی قصد المحیی هذه العملیة.

و لکن یمکن ان یقال:ان قصد عملیة الاحیاء یغنی عن قصد تلک العلاقة،حیث ان قصدها یلازم ذلک القصد و لو ارتکازا فلا ینفک احدهما عن الآخر.

و بکلمة اخری:ان اعتبار قصد المذکور لا یلزم ان یکون تفصیلیا،بل یکفی کونه اجمالیا و ارتکازیا کالنیة المعتبرة فی صحة العبادات،و هذا القصد الإجمالی موجود علی اساس انه لازم لقصد الاحیاء اجمالا و لا ینفک عنه،فان قیام الفرد بعملیة الاحیاء ان کان لنفسه فهو بطبیعة الحال قاصدان ما احیاء له و لو ارتکازا،و ان کان لغیره کما اذا کان اجیرا من قبله فهو لا محالة قاصد ان ما احیاء لغیره و ان کان ذلک بالارتکاز.

و علی ضوء ذلک:فلا حاجة الی اعتبار قصد حصول الاختصاص زائدا علی قصد عملیة الاحیاء،فانه لغو بعد فرض عدم انفکاکه عنه خارجا.

الی هنا قد انتهی الکلام فی عملیة الاحیاء،و ما یترتب علیها من الملک او الحق،و شرائط تأثیرها فی ذلک.

ص:168

الملاحق

اشارة

بحث موضوعی فی عدة جهات فی دائرة الشریعة الاسلامیة فی ضمن اربعة ملاحق و لها صلة بالابحاث السالفة دول احیاء الارض الموات الملحق الاول

ص:169

ص:170

الملحق الاول

اشارة

هل یحصل للشخص علاقة بما یحییه المتبرع من قبله،او الوکیل

او الاجیر.

فیقع الکلام فی جهات ثلاث:

الجهة الاولی:احیاء المتبرع.

الجهة الثانیة:احیاء الوکیل،

الجهة الثالثة:احیاء الاجیر.

اما الجهة الأولی فحصول الملک أو الحق للمتبرع له باحیاء المتبرع

یقوم علی اساس امکان اضافة عملیة الاحیاء الی غیر المباشر لها

-و هو المتبرع له فی مفروض المسألة-بأن یکون قیام المتبرع باحیاء الارض و عمارتها مقدمة لسیطرة غیره علیها،و موجبا لإضافتها الیه.

و لکن لا یمکن تحقق هذه الاضافة،فان عملیة الاحیاء بما انها فعل تکوینی خارجی فهی تقوم بالمحیی نفسه قیاما مباشریا،و من الطبیعی انها بالرغم من قیامها به لا تعقل اضافتها بنفسها الی غیره، فان منشأ الاضافة الیه علی حدّ اضافة الفعل الی الفاعل انما هو صدورها عنه،و المفروض هنا عدمه،و من الواضح ان مجرد نیة المتبرع لا یصحح الاضافة کما هو الحال فی غیره من الافعال التکوینیة و علیه فلا یوجد مبرر و سبب لملکیة غیر المباشر او احقیته،و الاحیاء بما انه قائم بالمحیی فهو یبرر علاقته بما یحییه دون غیره.

و اما الجهة الثانیة-و هی ما اذا وکل شخص غیره فی إحیاء الارض

فاذا قام الوکیل باحیائها و عمارتها لموکله فهل یحصل للمؤکل ملک او

ص:171

حق علی اساس احیاء الوکیل نظرا الی ان فعل الوکیل فعل الموکل و احیائه احیائه،کما ان عقده عقد المؤکل؟فیه انه یرتکز علی تعقل صحة اسناد فعل الوکیل من جهة الوکالة الی الموکل،لیکون احیاء الوکیل احیاء المؤکل.

و لکن لا یتعقل هذا الاسناد و الانتساب فی المقام و امثاله،و ذلک لان انتساب فعل الوکیل الی المؤکل انما هو فی الامور الاعتباریة کالبیع،و الاجارة،و الهبة،و المضاربة،و النکاح،و الطلاق،و ما شاکل ذلک،فانه-علی اساس الوکالة فی تلک الموارد-یصدق علی المؤکل انه باع داره-مثلا-اذا باع وکیله،او انه عقد علی امرأة اذا عقد وکیله،و هکذا.

و اما فی الامور التکوینیة کالإحیاء و نحوه فلا یعقل انتساب فعل الوکیل الی المؤکل علی اساس الوکالة،فان الفعل الخارجی التکوینی بطبعه غیر قابل للتوسعة فی الانتساب،فانه انما ینتسب الی من یقوم به هذا الفعل بنحو من انحاء القیام دون غیره،لعدم علاقته به،و الوکالة فیه لا توجب هذه العلاقة و الانتساب،لوضوح انه لا یصدق علی المؤکل انه استقبل فلانا اذا استقبل وکیله،أو زار فلانا اذا زار وکیله،او زار أمیر المؤمنین(علیه السلام)اذا زار وکیله، و هکذا،و الاحیاء بما انه فعل خارجی تکوینی،حیث انه عبارة عن خلق الاستیلاء و السیطرة خارجا علی شیء بالجهد و العمل فهو غیر قابل للانتساب الی غیر المحیی بالوکالة.

و دعوی-ان حقیقة الوکالة ترجع الی تنزیل فعل الوکیل بمنزلة فعل المؤکل ابتداء،او باعتبار ان الوکیل وجود تنزیلی للمؤکل، و من الواضح انه کما یصح تنزیل فعل الوکیل بمنزلة فعل المؤکل

ص:172

فی الامور الاعتباریة،کذلک یصح فی الامور التکوینیة أیضا اذا کان هناک دلیل،فالوکالة فی کلا الموردین بحاجة الی دلیل علی التنزیل،فکما انه لا تکفی فی صحتها فی المورد الثانی نفس النصوص الدالة علی حصول الملک او الحق للمحیی علی اساس قیامه بعملیة الاحیاء،فکذلک لا تکفی فی صحتها فی المورد الاول نفس العمومات الاولیة الدالة علی صحة البیع و الاجارة و نحوهما،فاذن لا فرق بین الموردین من هذه الناحیة.

-خاطئة جدا و لا واقع موضوعی لها،و ذلک لان صحة الوکالة فی الامور الاعتباریة لیست بحاجة الی دلیل خاص،بل تکفی فی صحتها نفس العمومات المزبورة،لان صحة اسناد فعل الوکیل الی المؤکل فیها علی القاعدة،لا بملاک تنزیل فعله بمنزلة فعل المؤکل الا تری ان البیع الصادر من الوکیل یصح اسناده الی المؤکل واقعا و حقیقة بدون حاجة الی تنزیل اصلا.

و النکتة فیه:ان المعاملات بمضامینها الاعتباریة انما هی قائمة بالاصیل،لا بالوکیل،فانه انما هو وکیل فی إنشاء هذه المضامین فی عالم الاعتبار،مثلا-بیع-بمضمونه الواقعی الاعتباری-و هو تبدیل طرفی الاضافة-قائم بالمالک علی اساس ان المبیع یخرج من طرف اضافته مقابل دخول الثمن فیه،لا بالوکیل،فان القائم به انما هو إنشاء هذا المضمون و ایجاده الاعتباری.

و علیه:فاذا بیع دار زید-مثلا-من قبل وکیله صح ان یقال:

ان زیدا باع داره علی اساس ان حقیقة البیع-و هی خروج الدار من طرف اضافته بازاء دخول الثمن فیه-قائمة بالمالک،و لأجل هذه النکتة یصح اطلاق البائع علیه حقیقة،و الا فمن الواضح ان

ص:173

إنشاء مضمون المعاملة بالصیغة او نحوها لم یصدر من المالک و انما هو صادر من الوکیل.بل ربما لا یصح اطلاق البائع علی الوکیل کما اذا کان وکیلا فی مجرد اجراء الصیغة فحسب،کما هو الحال فی باب النکاح.

و قد تحصل من ذلک:ان اطلاق البائع علی المالک فیما اذا بیع ماله من قبل وکیله انما هو بملاک ان البیع بمعناه المسبی -الذی هو روحه و واقعه الموضوعی-قائم به و هکذا الحال فی غیره.

فاذن صحة اسناد بیع الوکیل او اجارته او نکاحه او طلاقه الی المؤکل حقیقة تکون علی القاعدة فلا تحتاج الی عنایة زائدة کالتنزیل او نحوه،فان التنزیل-اضافة الی انه لا دلیل علیه، لا فی الروایات،و لا فی بناء العقلاء-لا یصحح الاسناد،فان مرد التنزیل الشرعی الی الحکومة و التوسعة فی دائرة الحکم یعنی-ان ما للمنزل علیه من الاثر یترتب علی المنزل-بمقتضی دلیل التنزیل فانه یجعل المنزل من افراد المنزل علیه حکما و عنایة،لا حقیقة و واقعا،فما دل علی تنزیل بیع الوکیل بمنزلة بیع المؤکل فمرده الی ان ما یترتب علی بیع المالک یترتب علی بیع الوکیل أیضا،لأنه فرد من بیع المالک تنزیلا.

و لکن هذا التنزیل لا یوسع دائرة الاسناد یعنی-لا یدل علی صحة اسناد بیع الوکیل الی المالک حقیقة-فان مفاده کما عرفت تنزیل بیع الوکیل بمنزلة بیع المؤکل فی الاثر،و لیس مفاده صحة اسناد بیع الوکیل الی المؤکل حقیقة.

لان باب التنزیل باب التوسعة فی دائرة الحکم،لا دائرة الاسناد کما هو الحال فی بقیة موارد ادلة التنزیل،فانها توسع دائرة الحکم

ص:174

و الاثر،لا دائرة الاسناد،-مثلا-اذا افترض وجود دلیل یدلنا علی تنزیل الشک منزلة العلم،فانه لا یصحح اسناد العلم الی الشاک علی اساس انه بمقتضی دلیل التنزیل اصبح عالما،بل انه یدل علی ان ما یترتب علی العلم فهو یترتب علی الشک أیضا.

ثم ان ما ذکرناه-من ان دلیل التنزیل لا یوسع دائرة الاسناد-نقصد به التوسعة حقیقة،و اما عنایة و حکما فلا مانع بمعنی ان دلیل التنزیل کما یوسع دائرة الموضوع عنایة و حکما،لا حقیقة، کذا یوسع دائرة الاسناد کذلک،فان توسعة احدهما ملازم لتوسعة الاخر،فاذا جعل بیع الوکیل بیعا للمؤکل تنزیلا فلا محالة یصح اسناده الیه أیضا کذلک،و کذا الحال فی سائر موارد التنزیل فانه اذا نزل الشک منزلة العلم،فکما انه یوجب توسع دائرة العلم تنزیلا و عنایة،فکذا یوجب توسع دائرة اسناده کذلک، فیصح اسناده الی الشاک مجازا و عنایة بعد هذا التنزیل.

نعم ان التوسعة حقیقة فی موارد التنزیل انما هی فی دائرة الحکم و الاثر فحسب،دون غیره.

فالنتیجة فی نهایة الشوط:ان التنزیل لا یمکن ان یصحح اسناد فعل الوکیل الی المالک حقیقة اذا لم یصح الاسناد کذلک فی مرتبة سابقة علی هذا التنزیل،و قد تقدم ان الاسناد صحیح فی الامور الاعتباریة بقطع النظر عن التنزیل المذکور و غیر صحیح فی الامور التکوینیة حتی علی اساس هذا التنزیل.

قد یقال:کما قیل:فی وجه تصحیح الوکالة فی الامور الاعتباریة ان مرد التوکیل بالارتکاز لدی العرف الی إنشاء مضمون المعاملة علی سبیل التعلیق،فتوکیل المالک فی بیع داره معناه إنشاء بیعها

ص:175

علی تقدیر بیع الوکیل للدار بحیث یکون إنشاء البیع للمالک فعلیا یتضمنه نفس إنشاء الوکالة بالارتکاز العرفی و المنشأ یکون معلقا علی حصول البیع من الوکیل،فعندئذ یصح اسناد البیع الی المالک حقیقة عند تحقق البیع من الوکیل.

و هذا التعلیق لا یضر،فان الدلیل علی بطلان التعلیق فی المعاملات انما هو احد امرین:

اما الاجماع التعبدی.

و اما ان المعاملة المعلقة فی مرحلة الانشاء مخالفة للارتکاز العرفی فلا تکون مشمولة للإطلاقات الدالة علی الصحة.

اما الاول:فهو منعقد علی صحة الوکالة بهذا المعنی الارتکازی

و اما الثانی:فهو علی وفق الارتکاز،لا انه علی خلافه.

و لنأخذ بالنقد علیه:ان هذا البیان و ان کان یصحح اسناد فعل الوکیل الی المؤکل فی الامور الاعتباریة الا انه علی خلاف الارتکاز القطعی لدی أذهان العرف و العقلاء،ضرورة ان الموکل حین إنشاء الوکالة فی معاملة لا ینشأ مضمونها معلقا علی اتیان الوکیل بها بحیث یکون الانشاء من المالک فعلیا تتضمنه نفس إنشاء التوکیل بالارتکاز العرفی،و المنشأ یکون معلقا علی حصول المعاملة من الوکیل، فان المالک کثیر ما یکون غافلا عن ذلک فضلا عما اذا کان منشأ لها فی ضمن إنشاء التوکیل علی النحو المزبور،فلیس معنی توکیل المالک فی بیع داره إنشاء بیعها علی تقدیر بیع الوکیل للدار بحیث یکون الانشاء فعلیا و المنشأ یکون معلقا علی بیعه،بل معناه إنشاء الوکالة فحسب من دون إنشاء آخر فی ضمنه،بل ربما لا یخطر بباله نهائیا،و یظهر صدق هذا لکل من راجع وجدانه حین جعل

ص:176

الوکالة فی معاملة من المعاملات فانه یری انه لیس الموجود فی نفسه الا إنشاء الوکالة فقط،دون إنشاء ما فیه الوکالة.و بالرغم من هذا کیف یکون ذلک موافقا للارتکاز العرفی.

علی ان هذا:لو تم فانما یتم فیما اذا افترضنا کون الفرد وکیلا من قبل المالک فی معاملة خاصة کبیع داره-مثلا-و اما اذا افترضنا انه وکیل مفوض من قبله فی جمیع معاملاته نفیا و اثباتا کما و کیفا فلا یمکن اتمام ذلک بوجه،و ذلک لان المالک جاهل بما یأتی به وکیله من انواع المعاملات فی المستقبل،و بالرغم من هذا کیف یمکن له إنشائها علی تقدیر اتیان وکیله بها،لان إنشاء مضمون معاملة یتوقف علی احرازها.فما لم یحرز انها بیع او اجارة او مضاربة او نکاح او طلاق فکیف یمکن له إنشاء مضمون البیع او الاجارة او غیر ذلک.

و دعوی-ان إنشاء تلک المعاملات من المالک تفصیلا حین جعل الوکالة و ان کان غیر موجود الا ان إنشائها ارتکازا موجود-خاطئة جدا،فانه-مضافا الی ان ذلک لیس امرا مرکوزا فی افق النفس- ان الانشاء الارتکازی لا یجدی فی باب المعاملات اصلا،لا فی صحتها،و لا فی اسنادها.

لحد الان قد تبین:ان منشأ صحة الوکالة فی الامور الاعتباریة ما ذکرناه.

و بما ان ما ذکرناه من النکتة لصحة الوکالة فیها لا تتوفر فی الامور التکوینیة فلا یمکن تصحیحها فی تلک الامور علی اساس تلک النکتة،و لا دلیل آخر علی صحتها فیها.

و لکن مع هذا کله:لا یبعد دعوی بناء العقلاء علی صحة الوکالة

ص:177

فی مثل عملیة الاحیاء،و الحیازة،و القبض،و ما شاکل ذلک.

و من هنا کان المشهور بین الفقهاء صحة الوکالة فی القبض،رغم انه امر تکوینی.

و السرّ فیه:ان هذه الامور و ان کانت تکوینیة،الا انها لدی العرف و العقلاء تمتاز عن غیرها من الامور التکوینیة کالأکل و الشرب و القیام و القعود و ما شاکل ذلک فی امکان انتسابها الی غیر المباشر لجهة من الجهات کالوکالة و نحوها.

و توکد ذلک:صحیحة محمد بن أبی عمیر فی نوادره عن غیر واحد من اصحابنا عن أبی عبد اللّه(علیه السلام)فی رجل قبض صداق ابنته من زوجها ثم مات هل لها ان تطالب زوجها بصداقها،او قبض أبیها قبضها؟فقال:(علیه السلام)(ان کانت وکلته بقبض صداقها من زوجها فلیس ان تطالبه،و ان لم تکن وکلته فلها ذلک)الحدیث (1)

فان موردها و ان کان خصوص القبض الا انها تدل علی ان الفعل التکوینی کالقبض قابل للوکالة.

و اما الجهة الثالثة:و هی ما اذا استاجر فرد غیره لإحیاء الارض

فهل تحصل للمستأجر علاقة بها من جهة قیام اجیره باحیائها؟

فیه وجهان:

المعروف و المشهور بین الاصحاب هو الاول.

و قد استدل علی ذلک:بان حیاة الارض نتیجة لعملیة الاحیاء و اثر لها،و بما ان المستأجر یملک تلک العملیة بمقتضی عقد الاجارة فیملک الارض المحیاة بتبع ملکیته للإحیاء علی اساس ان من ملک الشیء ملک آثاره و نتاجه.

ص:178


1- 1) الوسائل ج 13 الباب 7 فی احکام الوکالة الحدیث 1.

و فیه:ان ارید بذلک ان الارض المحیاة نماء لعملیة الاحیاء کالثمرة التی هی نماء للشجرة فکما ان مالک الشجرة یملک ثمرتها فکذلک مالک عملیة الاحیاء یملک الارض المحیاة التی هی نماء لها فیرد علیه ان الامر لیس کذلک لوضوح الفرق بین البابین فان الثمرة نماء طبیعی للشجرة و هذا بخلاف الارض المحیاة فانها لیست نماء طبیعی لعملیة الاحیاء

و ان ارید به:ان نتیجة عملیة الاحیاء و اثرها التکوینی هی الارض بوصف کونها محیاة فکل من یکون مالکا لتلک العملیة فبطبیعة الحال یکون مالکا لنتاجها و اثرها أیضا بالتبع،من دون فرق فی ذلک بین کون ملکیة العملیة المزبورة ملکیة ذاتیة کملکیة الفرد لها بوصف کونها فعله،او اعتباریة کملکیة المستاجر لها فی ذمة الاجیر.فکما انه علی الاول یملک الارض المحیاة-تبعا-علی اساس ملکیته لتلک العملیة بالذات،فکذا علی الثانی یملکها-کذلک-علی اساس ملکیته لها بالاعتبار.

و ان ارید به:ذلک.

فانه غیر بعید:فان ملکیة النتیجة و الاثر-تبعا-علی اساس ملکیة الاصل انما هی علی طبق الارتکاز العرفی،و حیث ان نتیجة عملیة الاحیاء و اثرها التکوینی هو حیاة الارض و عمارتها فبطبیعة الحال ملکیة الاصل تستلزم ملکیة الحیاة و العمارة بالتبع.

و من الواضح ان ملکیة حیاة الارض هی ملکیة الارض المحیاة اذ لا یعقل ملکیة الحیاة مستقلة عن الارض،فان حیاتها عبارة عن خلق فرصة الانتفاع بها و استثمارها،حیث لم تکن هذه الفرصة متاحة قبل احیائها و انما نتجت عن عملیة الاحیاء او فقل:ان

ص:179

حیاتها عبارة عن توفیر کل الشروط التی تجعلها قابلة للانتفاع و الانتاج منها،فالحیاة عبارة عن هذه الصفة للأرض،و من الطبیعی انها غیر قابلة للملک بدون ملک موصوفها.

و علیه فنتیجة العملیة المزبورة هی حصة خاصة من الارض و هی الارض المحیاة فی مقابل الارض المیتة،فکما ان المحیی یملک تلک النتیجة علی اساس قیامه بعملیة الاحیاء لنفسه فکذلک المستاجر یملک النتیجة المزبورة علی اساس قیام اجیره بتلک العملیة بقانون ان من ملک الاصل ملک نتاجه و اثره،و هذا القانون موافق للارتکاز العرفی من ناحیة،و قد قامت علیه السیرة العقلائیة من ناحیة اخری.

ثم ان هذا الارتکاز العرفی القائم،بین ملکیة الاصل و ملکیة اثره بما انه کان ثابتا فی عصر التشریع فهو کما یکشف عن امضاء الشارع له بعد عدم ورود الردع عنه و بذلک یصبح دلیلا فی المسألة کذلک یوفر لدینا الجهة التی یکشف بها-امضاء هذه السیرة شرعا-.

عن عدم ورود الردع عنها،فان الارتکاز المزبور قرینة علی امتدادها و انتشارها فی عصر التشریع،و من الواضح ان کل سیرة عقلائیة اذا امتدت زمنیا الی عصر التشریع و انتشرت فی ذلک العصر من دون ورود ردع عنها فلا محالة یستکشف ذلک عن امضائها شرعا.

و اما المناقشة فی هذه السیرة-بعدم شمولها فیما اذا لم ینو الاجیر الاحیاء للمستأجر علی اساس انها دلیل لبی و لا اطلاق لها- فلا ترد علیها:بنکتة ان هذه السیرة لما کانت علی طبق الارتکاز القطعی لدی العرف-و هو تبعیة ملکیة الفرع لملکیة الاصل مطلقا- فلا محالة تکون سعتها بمقدار سعة ذلک الارتکاز،و من المعلوم انه لا فرق فی الارتکاز المزبور بین ما اذا کان الاجیر ناویا الاحیاء من

ص:180

قبل مستأجره،و ما اذا لم ینو ذلک اذا کان الاجیر فی مقام الاتیان بعملیة الاحیاء المملوکة للمستأجر،فانه اذا اتی بهذه العملیة کانت نتیجتها له ای للمستأجر و ان لم ینو ذلک،بل لا یضر قصد الخلاف فی هذا الفرض.

الی هنا:قد استطعنا ان نخرج بهذه النتیجة و هی ان المستأجر یملک الارض التی قام اجیره باحیائها اذا کان ذلک قبل التاریخ الزمنی لتشریع ملکیة الانفال للإمام(علیه السلام)و اما اذا کان بعد ذلک التاریخ فانما یحصل له حق فیها علی اساس ذلک،دون الملک، کما هو الحال فیما اذا کان قیامه للإحیاء لنفسه،لا لغیره.

و علی الجملة فالشارع قد امضی ما هو مقتضی السیرة و الارتکاز العرفی فی الاراضی المباحة-و هو ان علاقة مالک العمل بنتیجته انما هی علی مستوی الملک-و اما فی الارض التی هی من الانفال فلا یمضی الشارع ذلک الا علی مستوی الحق،دون الملک.

و قد یستدل علی ذلک:ان المستأجر بما انه مالک لعملیة الاحیاء فی ذمة الاجیر فیصح اسناد تلک العملیة الیه حقیقة،و علی هذا فتملّک المستأجر الارض المحیاة انما هو بوصف کونه قائما باحیائها.

و یردّه:ان ملکیة المستأجر لعملیة الاحیاء لا تحقق صحة اسنادها الیه حقیقة اسناد الفعل الی الفاعل،لیکون المستأجر مشمولا لعمومات ادلة الاحیاء،و انما تحقق صحة اسنادها الیه اسناد الملک الی المالک،فالاضافة فی المقام اضافة الملکیة،لا اضافة الفعلیة،و من الواضح ان اضافة الملکیة لا تؤثر فی علاقة المستأجر بالمحیاة،فان المؤثر فیها انما هو اضافة الفعلیة و هی مفقودة فی المقام ضرورة انه لا یصدق عرفا علی المستأجر انه قائم بعملیة الاحیاء

ص:181

من جهة قیام اجیره بها.

فالنتیجة فی نهایة المطاف:ان الدلیل علی علاقة المستأجر بالارض المحیاة علی اساس قیام اجیره بعملیة احیائها امران.

احدهما:الارتکاز القطعی الثابت لدی العرف و العقلاء علی ان اثر الشیء و نتاجه تابع للأصل:

و الآخر:بناء العقلاء علی ذلک.

و اما عملیة الحیازة-التی قد اعترف الإسلام بها فی الثروات المنقولة علی تفصیل یأتی فی ضمن الابحاث القادمة-فحالها حال عملیة الاحیاء من النواحی الثلاث المتقدمة-التبرع و الوکالة و الاجارة-.

نتیجة هذا البحث عدة نقاط

الاولی:لا یحصل للفرد اختصاص بالارض علی اثر قیام غیره

باحیائها تبرعا من قبله

باعتبار ان ذلک لا یصحح صحة اسناد تلک العملیة الیه،لیکون مشمولا لعمومات ادلة الاحیاء،و بدونها لا یحصل له الاختصاص بها:لعدم کونه مشمولا لتلک العمومات من ناحیة،و عدم دلیل آخر علی ذلک من ناحیة اخری.

الثانیة:ان صحة الوکالة فی الامور الاعتباریة انما هی علی

وفق القاعدة بلا حاجة الی دلیل.

و اما صحتها فی الامور التکوینیة فهی بحاجة الی دلیل،و الا فمقتضی القاعدة بطلان الوکالة فیها.

نعم الظاهر قیام بناء العقلاء علی صحة الوکالة فی مثل عملیة الاحیاء و نحوها کما مرّ.

الثالثة:یحصل للمستأجر علاقة بالارض علی اساس قیام اجیره باحیائها

ص:182

بقانون ان ملک الشیء یتبع ملک اثره،و قد عرفنا قیام الارتکاز القطعی علیه،مضافا الی البناء العملی من العقلاء.

الملحق الثانی

بما ذا یتحقق احیاء الارض المیتة؟

یتحقق بخلق الفرد بجهوده و عمله فی الارض الشروط التی تتیح له فرصة الاستفادة منها و تجعلها قابلة للانتفاع و الانتاج،علی اساس ان تلک الشروط لم تکن متوفرة فیها قبل ممارسة الفرد بخلقها و لم تکن صالحة للانتفاع و الانتاج منها.ثم ان خلق تلک الشروط انما هو بازالة الصخور عن وجهها،و توفیر المیاه فیها و ازالة ارتفاعها،و قطع ما فیها من الاشجار و الحطب،و غیر ذلک مما له دخل فی صلاحیتها للاستفادة

و من الطبیعی:ان هذه الفرصة لم تکن متاحة قبل احیائها، و انما نتجت عن عملیة الاحیاء:و العامل علی اساس خلقه تلک الفرصة فیها بعمله و جهوده اکتسب حقا فیها،و لأجل ذلک یکون اولی بها من غیره.

او فقل:ان العامل یملک الفرصة المزبورة بوصف کونها نتیجة عمله و جهوده:و لیس لأحد ان یزاحمه فی الاستفادة من تلک الفرصة.

و بعد ذلک:فهذه الارض تصلح للانتفاع و الانتاج بزرع،او غرس اشجار،او ما شاکل ذلک،و لا یعتبر فی صدق احیائها حراثتها،و لا زراعتها،و هکذا،فان کل ذلک انتفاع بها بعد الاحیاء.

نعم ان ما ذکرناه انما هو احیاء للأرض بما هی.

و اما اذا اراد الفرد احیاء الدار فیها او الحظیرة او البستان او

ص:183

نحو ذلک،فانه بخلقه اتاحة الفرصة لبدأ العمل فی تلک الاشیاء و ان کان قد اکتسب حقا فی الارض،و لیس لاخر ان یزاحمه فی ذلک،الا ان احیاء هذه الاشیاء انما هو بتحققها بمالها من العناوین الخاصة،فاحیاء الدار لا یتحقق الا باحداث ما هو مقوم لها من الحیطان و السقف و غیرهما مما هو دخیل فی صدق عنوانها.

و علی الجملة:فاحیاء کل شیء عبارة عن احداث ذلک الشیء فی الخارج بعنوانه،و من الطبیعی انه یختلف باختلاف اجزائه الرئیسیة المقومة له.

الملحق الثالث

قد تقدم منا فی ضمن البحوث السالفة ان عملیة الاحیاء انما

توجب صلة المحیی بالارض علی مستوی الحق فحسب دون الملک.

و علی ضوء هذا الرأی الفقهی قد یشکل فی تفسیر صحة بیع المحیی لها باعتبار ان رقبتها غیر داخلة فی ملکه،مع انه لا شبهة فی جواز قیامه ببیعها و صحته.

و قد اجیب عن هذا الاشکال بعدة وجوه:

الاول:ما قیل:من الالتزام بتحقق ملکیة الارض للمحیی آنا ما قبل البیع و خروجها عن ملکه لیتحقق مفهوم البیع.

و یردّه:انه لا اساس لهذا الافتراض اصلا.لا فی المقام، و لا فی غیره،فان ثبوته بحاجة الی دلیل،و لا دلیل یدلنا علیه فی المقام،لان الالتزام به انما هو فی مورد قد دعت الضرورة الیه و اما فی المقام فلا ضرورة تدعو الیه،حیث یمکن تصحیح البیع

ص:184

بطریق آخر سوف نشیر الیه.

الثانی:ان المبیع علی ضوء هذا الرأی الفقهی انما هو الحق المتعلق بالارض،دون الارض نفسها،لیقال انها داخلة فی نطاق ملکیة الامام(علیه السلام)لا فی نطاق ملکیة المحیی حتی یکون أمر بیعها بیده،و الفرض ان الحق کالمال قابل للنقل بالبیع و نحوه،فاذن المراد من بیع الارض علی اساس هذا الرأی بیع الحق المتعلق بها لا نفس الرقبة.

و یرده:ان الحق بما انه حکم شرعی مجعول من قبل الشرع غیر قابل للبیع فی نفسه و بقطع النظر عن متعلقه،و ان افترض انه قابل للنقل،و فیما نحن فیه الحق الحاصل للمحیی بسبب قیامه بعملیة الاحیاء و ان کان قابلا للنقل،الا انه غیر قابل للبیع فی نفسه، و ذلک لان مفهوم البیع مفهوم خاص لدی العرف فلا یتوفر فی نقل الحق،فانه عبارة عن منح البائع علاقته الاعتباریة بالمبیع للمشتری و منح المشتری علاقته الاعتباریة بالثمن للبائع،و الفرض ان الحق نفس الاعتبار و الاضافة،لا انه طرف له،فلا یصلح ان یکون مبیعا،لان المبیع انما هو طرف الاضافة لأنفسها.

و بکلمة اخری ان المراد من الملک هو نفس العلاقة الاعتباریة بین المال و صاحبه،ففی مقام البیع یمنح صاحبه علاقته الاعتباریة به للمشتری فی مقابل منح المشتری علاقته الاعتباریة بالثمن له.

و من الواضح ان هذه العلاقة لا تتصور بین الحق و صاحبه نظرا الی ان الحق نفس العلاقة و الاضافة بین متعلقه و صاحبه،لا انه طرف لها-مثلا-من یقوم بعملیة احیاء الارض یحصل له علاقة اعتباریة بها علی مستوی الحق،و من الطبیعی انه لیس لعلاقته بها

ص:185

علاقة اعتباریة اخری،و هکذا.

فالنتیجة فی نهایة الشوط:ان الحق فی حد نفسه لا یصلح ان یکون مبیعا.

الثالث:انه لا یعتبر فی صدق البیع عرفا ان تکون علاقة البائع بالمبیع علی مستوی الملک بل یکفی ان تکون علاقته به علی مستوی الحق،و بما ان الفرد الذی یقوم بعملیة الاحیاء یحصل علی علاقة اعتباریة بالارض علی مستوی الحق فیجوز له ان یقوم ببیعها بمعنی منح هذه العلاقة للمشتری فی مقابل منح المشتری علاقته الاعتباریة بالثمن له،و ان فرض ان علاقة البائع بالمبیع کانت علی مستوی الحق و علاقة المشتری بالثمن کانت علی مستوی الملک.لوضوح ان هذا المقدار من الفرق لا یؤثر فیما هو معتبر فی حقیقة البیع لدی العرف و العقلاء و هی تبدیل طرفی الاضافة و العلاقة الاعتباریة،سواء أ کانت علی مستوی الملک أم کانت علی مستوی الحق،او کانت علاقة البائع بالمبیع علی مستوی الحق،و علاقة المشتری بالثمن علی مستوی الملک أو بالعکس،فان البیع یتکفل منح نفس علاقة البائع بالمبیع للمشتری فی مقابل منح نفس علاقة المشتری بالثمن للبائع،و فیما نحن فیه بعد البیع تصبح علاقة البائع بالثمن علی مستوی الملک، و علاقة المشتری بالمبیع علی مستوی الحق علی عکس ما کان قبل البیع.

و قد تحصل من ذلک:انه لا اشکال فی صحة بیع المحیی لما احیاء من الارض علی ضوء هذا الرأی الفقهی،فلا تظهر الثمرة بین القولین من هذه الناحیة.

ص:186

الملحق الرابع

ان المراد من ملکیة الانفال للإمام(علیه السلام)ملکیة منصب الامامة

و قد یعبّر عنها بملکیة الدولة علی اساس ان مرد ملکیة منصب الامامة الی ملکیة الدولة،و لیست ملکا خاصا للإمام(علیه السلام)کسائر املاکه الخاصة فانه-مضافا الی بعد ذلک فی نفسه-یدل علیه امران:

الاول:نصوص الباب-بمناسبة الحکم و الموضوع-؟فانها تصنف الی مجموعتین:

احداهما:جاءت بهذا اللسان(الارض کلها لنا)کما فی صحیحة مسمع بن عبد الملک،و صحیحة الکابلی،فهذه المجموعة تدل-بمناسبة الحکم و الموضوع-علی انها ملک عام للمنصب یعنی -منصب الامامة-،لا انها ملک خاص للفرد.

و الاخری:جاءت بلسان:ان الانفال للإمام(علیه السلام)،و فی بعضها انها للرسول(صلی الله علیه و آله)و من بعده للإمام(علیه السلام)فانها تدل بوضوح علی انها ملک لمنصب الرسالة و الامامة.

الثانی:انها لو کانت ملکا خاصا للإمام(علیه السلام)لکانت من جملة ترکته(علیه السلام)بعده،و تقسم میراثا بین ورثته،مع ان الامر لیس کذلک جزما.بل هی تنتقل من امام الی امام آخر سواء أ کان للإمام السابق وارث غیره أم لا.

فالنتیجة:انه لا شبهة فی انها ملک عام للمنصب،لا للشخص.

ثم ان هذه الملکیة بطبیعة الحال تمتد بامتداد الامامة،و تصرف منافعها فی مصالح الدولة و نفقات الحکومة.

ص:187

و فی مقابلها:الارض المفتوحة عنوة باذن الامام(علیه السلام)فانها ملک عام للمسلمین کما سوف یأتی البحث عنها و تصرف منافعها فی مصالحهم العامة.

و علی الجملة فهنا صنفان من الارض:

احدهما:مملوک بملک عام للامة.

و الأخر مملوک بملک عام للإمام(علیه السلام)او الدولة.و الخراج الموضوع علی کل منهما یتبع الارض فی نوع الملکیة.و امرهما فی عصر الغیبة بید نائبه(علیه السلام).

ص:188

2- الارض المفتوحة عنوة

اشارة

الارض المفتوحة عنوة

و هی ملک عام للمسلمین کافة و فیها بحوث تتعلق بانواعها و احکامها و شرائطها علی ضوء الشریعة الاسلامیة المقدسة

ص:189

ص:190

الارض المفتوحة عنوة

الکلام فیها یقع فی مرحلتین:

اشارة

الاولی:فیما اذا کانت الارض حال الفتح مواتا:

الثانیة:فیما اذا کانت عامرة.

المرحلة الاولی: فیما إذا کانت الأرض حال الفتح مواتا

اشارة

فالکلام فیها یفرض:

مرة:فیما اذا کان تاریخ الفتح متقدما زمنیا علی نزول آیة الانفال.

و اخری:فیما اذا کان تاریخه متأخرا کذلک عن نزول الآیة.

و ثالثة:فیما اذا کان تاریخه الزمنی مجهولا بالاضافة الیه.

اما الکلام فی الفرض الاول فکون الارض المیتة-التی فتحت عنوة-لعامة المسلمین انما هو یقوم علی اساس ان ما اخذ بالسیف من الکفار خارجا لا یتوقف فی کونه من الغنیمة علی ان تکون للکافر علاقة به علی مستوی الملک او الحق،بل یکفی فی صدق ذلک کون المال تحت استیلائهم خارجا،فکل مال انتزع من سیطرتهم فی الخارج بالجهاد المسلح فهو غنیمة و ان لم تکن لهم علاقة به اصلا،

و علیه فالارض المیتة فی بلاد الکفر و ان لم تکن للکافر علاقة بها،لا علی مستوی الملک،و لا علی مستوی الحق الا انها رغم ذلک لمّا کانت تحت سیطرته فی الخارج فاذا انتزعت منه بعنوة

ص:191

صدق علیها عنوان ما اخذ بالسیف،و قد جاء هذا العنوان فی روایتین:

احداهما:روایة صفوان بن یحیی و احمد بن محمد بن أبی نصر قالا:ذکرنا له الکوفة و ما وضع علیها من الخراج و ما سار فیها اهل بیته فقال:(من اسلم طوعا ترکت ارضه فی یده الی ان قال:

و ما اخذ بالسیف فذلک الی الامام یقبله بالذی یری،کما صنع رسول اللّه(صلی الله علیه و آله)بخیبر قبل سوادها و بیاضها یعنی-ارضها و نخلها- و الناس یقولون لا تصلح قبالة الارض و النخل و قد قبل رسول اللّه(صلی الله علیه و آله) خیبر)الحدیث (1).

و هذه الروایة ضعیفة علی اساس ان فی سندها علی بن احمد بن اشیم و هو مجهول.نعم بناء علی ان وقوعه فی اسناد کامل الزیارات یکفی لوثاقته فالروایة صحیحة الا ان الاعتماد علی ذلک مشکل.

و ثانیتهما:صحیحة احمد بن محمد بن أبی نصر قال:ذکرت لأبی الحسن الرضا(علیه السلام)الخراج و ما سار به اهل بیته فقال:(العشر و نصف العشر علی من اسلم طوعا و ترکت ارضه بیده الی ان قال:

و ما اخذ بالسیف فذلک الی الامام یقبله بالذی یری،کما صنع رسول اللّه(صلی الله علیه و آله)بخیبر قبل ارضها و نخلها،و الناس یقولون لا تصلح قبالة الارض و النخل اذا کان البیاض اکثر من السواد، و قد قبل رسول اللّه(صلی الله علیه و آله)خیبر)الحدیث (2).

و علی ذلک فالعبرة انما هی بصدق هذا العنوان،و من الطبیعی ان هذا العنوان یصدق علی الارض الموات التی اخذت من سیطرة الکفار خارجا بالسیف.

و اما الکلام فی الفرض الثانی فقد یقال:کما قیل:ان الروایات

ص:192


1- 1) الوسائل ج 11 الباب 72 من ابواب جهاد العدو الحدیث 1.
2- 2) الوسائل ج 11 الباب 72 من ابواب جهاد العدو الحدیث 2.

الدالة علی ان الارض الموات داخلة فی نطاق ملکیة الامام(علیه السلام) بما انها تشمل بعمومها ما نحن فیه فهی معارضة بالروایات الدالة علی ان الارض المأخوذة من سیطرة الکفار عنوة داخلة فی ملکیة المسلمین علی اساس انها بعمومها تشمل الارض المیتة أیضا،و ملتقی المعارضة بینهما الارض الموات المفتوحة عنوة.

و من الطائفة الاولی:موثقة سماعة بن مهران قال:سألته عن الانفال فقال:(کل ارض خربة او شیء یکون للملوک فهو خالص للإمام و لیس للناس فیها سهم) (1).

فانها تدل بعمومها علی ان الارض الخربة داخلة فی ملکیة الامام(علیه السلام) و ان کانت مفتوحة عنوة.

و من الطائفة الثانیة:مرسلة حماد بن عیسی عن أبی الحسن(علیه السلام) الی ان قال:(علیه السلام)(و الارضون التی اخذت عنوة بحیل او رکاب فهی موقوفة متروکة فی یدی من یعمرها و یحییها،و یقوم علیها علی ما صالحهم الوالی علی قدر طاقتهم من الحق الخراج:النصف او الثلث او الثلثین)الحدیث (2).

فانها و ان دلت بعمومها علی ان الارض التی فتحت بالجهاد المسلح داخلة فی ملکیة المسلمین و ان کانت مواتا الا انها ضعیفة سندا من ناحیة الارسال فلا یمکن ان تعارض الطائفة الاولی.

و منها ای-من الطائفة الثانیة-الروایتان المتقدمتان،فان قوله(علیه السلام)فیهما(و ما اخذ بالسیف فذلک الی الامام(علیه السلام)یقبله بالذی یری کما صنع رسول اللّه(صلی الله علیه و آله)بخیبر)یعمّ الارض الموات أیضا.

ص:193


1- 1) الوسائل ج 6 الباب 1 من ابواب الانفال الحدیث 8
2- 2) الوسائل ج 11 الباب 41 من أبواب جهاد العدو الحدیث 2.

و لکن قد یقال:کما قیل:انه لا یمکن الاخذ بنصوص ملکیة المسلمین،لأنها لا تصلح ان تعارض نصوص ملکیة الامام(علیه السلام).

اما أولا:فلان دلالة المجموعة الاولی-من نصوص ملکیة المسلمین-علی ان الارض الموات المأخوذة من الکفار عنوة و بهراقة الدماء ملک عام للامة انما هی بالاطلاق و بمعونة مقدمات الحکمة و اما المجموعة الثانیة-من نصوص ملکیة الامام(علیه السلام)-ففیها ما یکون دلالته علی انها ملک للإمام(علیه السلام)انما هی بالعموم الوضعی، و من الطبیعی ان ما تکون دلالته علی العموم بالاطلاق و مقدمات الحکمة لا یمکن ان یعارض ما کانت دلالته علیه بالوضع

هذا لا من ناحیة انه یمنع عن انعقاد ظهوره فی الاطلاق، بدعوی ان ظهوره فیه یتوقف علی عدم البیان الاعم من المتصل، و المنفصل،و ذلک لما تقدم فی ضمن البحوث السالفة من ان المانع من انعقاد ظهور المطلق فی الاطلاق انما هو البیان المتصل دون المنفصل،فانه لا یمنع عن انعقاد ظهوره فیه،و انما هو مانع عن حجیة هذا الظهور و اعتباره.

بل من ناحیة ان ظهور العام فی العموم اذا کان مستندا الی الوضع اقوی-لدی العرف من ظهور المطلق فی الاطلاق اذا کان مستندا الی مقدمات الحکمة-بدرجة یصلح ان یکون بیانا علی خلاف اطلاق المطلق فی محل الالتقاء و المعارضة.

و بکلمة اخری:ان ظهور المطلق فی الاطلاق و ان لم یتوقف علی عدم البیان المنفصل الا ان حجیته تتوقف علیه جزما و من الطبیعی ان العام الوضعی یصلح ان یکون بیانا علی خلاف ظهور المطلق فی الاطلاق و مانعا عن حجیته بمقتضی الارتکاز العرفی.

ص:194

و اما ثانیا:فلو افترضنا ان هاتین المجموعتین متعارضتان فی مورد الالتقاء و الاجتماع و لا یمکن الجمع بینهما عند العرف،فعندئذ بما انه لا یتوفر ترجیح لإحداهما بالاضافة الی الاخری فلا محالة تسقطان معا فیرجع حینئذ الی المجموعة الاخری من نصوص ملکیة الامام(علیه السلام)التی جاءت بهذا النص:(کل ارض لا رب لها فهی للإمام)(علیه السلام)و الفرض ان الارض الموات التی فتحت عنوة بعد سقوط نصوص مالکیة المسلمین لها من ناحیة المعارضة تدخل فی الارض التی لا رب لها بعد ضم الاستصحاب الموضوعی الیه-و هو استصحاب عدم وجود رب لها-.

و ان شئت قلت:ان هذه المجموعة لا تصلح ان تکون طرفا للمعارضة مع المجموعة من نصوص مالکیة المسلمین،لأنها حاکمة علیها باعتبار انها تثبت وجود رب للأرض المزبورة،و بذلک تخرج عن کونها مما لا رب لها،و تدخل فی الارض التی لها ربّ ضرورة ان التعارض لا یتصور بین دلیلین:یکون احدهما رافعا لموضوع الآخر.

نعم انها تصلح ان تکون مرجعا بعد سقوط نصوص مالکیة المسلمین بالمعارضة او نحوها.

هذا اضافة الی انا لو قطعنا النظر عن هذه المجموعة القائلة:

(ان کل ارض لا ربّ لها فهی للإمام)(علیه السلام)فلا مانع من الرجوع بعد تساقطهما الی النص العام القائل:(ان الارض کلها للإمام)(علیه السلام)حیث ان هذا العام الفوقی یصلح ان یکون مرجعا بعد سقوط النصوص بالمعارضة فی مورد الاجتماع هذا من ناحیة.

و من ناحیة اخری:انا لو قطعنا النظر عن العام المزبور ای -العام الفوقی-امکن لنا الرجوع الی الاصل العملی-و هو استصحاب

ص:195

مالکیة الامام(علیه السلام)للأرض المذکورة-لفرض انها قبل الفتح کانت داخلة فی ملکیة الامام(علیه السلام)بمقتضی تشریع مالکیته(علیه السلام) للأنفال،و نصوص مالکیة المسلمین لها بعد الفتح قد سقطت من جهة المعارضة،فاذن لا مانع من الرجوع الی الاستصحاب المزبور.

فالنتیجة:انها لم تخرج من نطاق ملکیة الامام(علیه السلام).

و اما ثالثا:فلان المعارضة بین المجموعتین انما تقوم علی اساس ان یکون المراد مما اخذ من الکافر عنوة و بهراقة الدماء مطلق ما کان تحت استیلائه و سیطرته و ان کان لاخر صلة به علی مستوی الملک او الحق.

و اما اذا کان المراد منه خصوص ما اذا لم تکن لاخر علاقة به فلا تعارض بینهما فیما نحن فیه،فان نصوص ملکیة المسلمین علی هذا الاساس تختص بما اذا لم یکن المأخوذ من الکافر موردا لصلة غیره.و اما اذا کان موردا لها فهی لا تشمله حتی تکون طرفا للمعارضة مع النصوص القائلة:بان الارض الموات داخلة فی ملکیة الامام(علیه السلام).

و بما ان الظاهر منها عرفا-و لو بمناسبة الحکم و الموضوع- اختصاص المأخوذ من الکافر بما اذا لم یکن موردا لصلة غیره فلا محالة لا تشمل الارض الموات التی هی مورد لعلاقة الامام(علیه السلام) بها علی مستوی الملک،فعندئذ تبقی نصوص مالکیة الامام(علیه السلام) لها بلا معارض

و علی الجملة:فنصوص مالکیة المسلمین منصرفة بمقتضی الارتکاز العرفی عما اذا کان المال المأخوذ من الکافر عنوة و بالفتح ملکا لغیره او متعلقا لحقه.

و من هنا:اذا افترض وجود مال لمسلم عند کافر امانة کان او

ص:196

غصبا ثم اخذه المسلمون منه بالجهاد المسلح،فانه غیر مشمول لتلک النصوص،و لا یصدق علیه عنوان الغنیمة.و کذا الحال بالاضافة الی الارض المیتة،فانها حیث کانت ملکا للإمام(علیه السلام) فلا تشملها النصوص المزبورة بمقتضی الفهم العرفی و لا یصدق علیها عنوان الغنیمة.

و دعوی:-ان روایات مالکیة المسلمین للمأخوذ من الکفار عنوة تصنّف الی مجموعتین:

احداهما:تقول:ان ما أخذ من الکفار عنوة فهو غنیمة للمسلمین تقسم بینهم.

و الاخری:تقول:ان ما اخذ بالسیف فهو للمسلمین.

اما المجموعة الاولی:فالظاهر انها لا تشمل ما اذا کان المأخوذ من الکافر ملکا خاصا لغیره او متعلقا لحقه هذا اضافة الی انها خاصة بالمنقول بقرینة القسمة فیها.

و اما المجموعة الثانیة:فلا وجه لتخصیصها بما ذکر،بل مقتضی اطلاقها هو العموم و الشمول-خاطئة جدا،و ذلک لأنها و ان کانت مطلقة الا انک قد عرفت انها تنصرف عن شمول ما ذکر بقرینة الارتکاز القطعی لدی العرف.

فالنتیجة:انه لا فرق بین المجموعة الاولی و المجموعة الثانیة من هذه الناحیة.

و تشهد علی ذلک مجموعة من الروایات:

عمدتها صحیحة هشام بن سالم عن أبی عبد اللّه(علیه السلام)قال:

سأله رجل عن الترک یغزون علی المسلمین فیأخذون اولادهم فیسرقون منهم،أ یرد علیهم؟قال:(نعم و المسلم اخو المسلم و المسلم احق

ص:197

بماله اینما وجده) (1).

فانها واضحة الدلالة:علی انه لیس من الغنیمة،و لذا لا خلاف فی ذلک بین الاصحاب

قد یقال:کما قیل:ان نقطة التعارض بین اطلاقی نصوص مالکیة المسلمین،و نصوص مالکیة الامام(علیه السلام)بما انها کانت هی کلمة اللام فی لسان کلتا المجموعتین،و حیث ان کلمة اللام بطبیعتها لا تدل علی الملکیة،و انما تدل علی الاختصاص الجامع بین الملک و الحق فلا محالة تکون دلالتها علی الملک بالاطلاق،و هذا یعنی -ان التعارض فی الحقیقة بین اطلاقی اللامین-فانهما باطلاقهما تدلان علی ملکیتین مختلفتین فیسقط الاطلاقان معا،و تبقی الدلالة علی اصل الاختصاص ثابتة،اذ لا مانع من افتراض اختصاصین بالارض التی فتحها المسلمون بعد تشریع ملکیة الانفال للإمام(علیه السلام)احدهما اختصاص الامام(علیه السلام)بها علی مستوی الملک.و الآخر اختصاص المسلمین بها علی مستوی الحق.

و یردّه:اولا:ان مقتضی سقوط الاطلاقین عنهما سقوط ملکیة الامام(علیه السلام)و المسلمین معا عن الارض المذکورة،نظرا الی ان مدلول الاطلاق انما هو حصة خاصة من الاختصاص-و هی الاختصاص الملکی-و الفرض انه قد سقط بسقوط الاطلاق من جهة المعارضة،فاذن کیف یمکن الحکم ببقاء اختصاص الامام(علیه السلام) بها علی مستوی الملک،فان الدال علیه انما هو اطلاق نصوص مالکیته(علیه السلام)و بعد سقوط اطلاقها بالمعارضة علی الفرض فلا دال علیه

و ثانیا:ان کلمة اللام فی کلتا المجموعتین من النصوص ظاهرة

ص:198


1- 1) الوسائل ج 11 الباب 35 من ابواب جهاد العدو الحدیث 3.

لدی المتفاهم العرفی فی الاختصاص الملکی،و لیست لهذه الکلمة دلالتان فیهما:

احداهما:الدلالة علی طبیعی الاختصاص-و هو الجامع بین الاختصاص الملکی و الاختصاص الحقی-

و الاخری:الدلالة علی الاختصاص الملکی.

و الاولی:مستندة الی طبیعة کلمة اللام.

و الثانیة:مستندة الی اطلاقها،لتکون نقطة المعارضة فی مورد الالتقاء و الاجتماع بین المجموعتین المذکورتین اطلاق کلمة اللام فیهما،بل ان لها دلالة واحدة فی کلتا المجموعتین و ظهورا فاردا -و هو الظهور فی الملکیة-.فاذا سقط اطلاق کلمة اللام الظاهر فی الملکیة فی کل من المجموعتین بالمعارضة لم تبق لها دلالة عرفا علی مطلق الاختصاص.

هذا اضافة:الی ان بقاء تلک الدلالة لا تفی بالمقصود فان المقصود انما هو اثبات اختصاص الامام بالارض فی مورد الالتقاء اختصاصا ملکیا و اختصاص المسلمین بها اختصاصا حقیا.

اما الاول:فیمکن اثباته بالعام الفوقی بعد سقوط اطلاق اللام-و هو قوله(علیه السلام)الارض کلها لنا-.

و اما الثانی:فلا دلیل علیه،فلان کلمة اللام لو دلت فانما تدل علی مطلق الاختصاص،لا علی نوع خاص منه-و هو الاختصاص الحقی-فان دلالتها علیه بحاجة الی عنایة زائدة فلا یکفی فیها سقوط دلالتها علی الاختصاص الملکی بالمعارضة.

نظیر ذلک:ما اذا افترضنا ان صیغة الامر لا تدل علی الوجوب الا بالاطلاق و مقدمات الحکمة،و اما بالوضع فهی لا تدل الا علی

ص:199

مطلق الطلب الجامع بین الطلب الاستحبابی و الوجوبی.و علیه فاذا فرض أن لإطلاقها معارضا فی مورد فبطبیعة الحال قد سقط اطلاقها من جهة المعارضة و بعد سقوطه فلا دلالة لها علی الاستحباب الا بعنایة خارجیة.

فالنتیجة فی نهایة الشوط انه علی تقدیر تسلیم المعارضة بین المجموعتین فی مورد الاجتماع فالصحیح هو ما ذکرناه من الرجوع الی الاصل اللفظی،و علی تقدیر عدمه فالمرجع هو الاصل العملی هذا.

و الصحیح فی المقام ان یقال:ان نصوص مالکیة الامام(علیه السلام) لا تصلح ان تقع طرفا للمعارضة مع نصوص مالکیة المسلمین.

بیان ذلک:ان نصوص مالکیة الامام(علیه السلام)تصنف الی مجموعات ثلاث:

الاولی:جاءت بهذا النص:(کل ارض لا رب لها فهی للإمام)(علیه السلام).

الثانیة:جاءت بنص آخر(کل ارض خربة للإمام)(علیه السلام).

الثالثة:جاءت بنص ثالث:(و ما کان من الارض بخربة لم یوجف علیه بخیل و لا رکاب):

و بما ان المجموعة الثالثة:ظاهرة لدی العرف فی ان ملکیة الامام (علیه السلام)للأرض الخربة لم تثبت لطبیعی الارض علی نحو الاطلاق و انما ثبتت لحصة خاصة منها-و هی الارض التی لم یوجف علیها بخیل و لا رکاب-فبطبیعة الحال توجب تقیید اطلاق المجموعة الثانیة فتصبح النتیجة:ان الارض الخربة انما تکون للإمام(علیه السلام)اذا لم تکن مأخوذة من الکفار بهراقة الدماء و الا فهی فیء للمسلمین.

و اما المجموعة الاولی:فهی لا یمکن ان تعارض نصوص مالکیة المسلمین للأرض المیتة اذا فتحت عنوة،لان تلک النصوص بحد نفسها حاکمة علیها باعتبار انها تخرج الارض عن کونها مما لا رب

ص:200

لها و تجعل المسلمین ربا لها فلا یمکن ان تقع تلک المجموعة طرفا للمعارضة لهذه النصوص،و علیه فلا معارض لها اصلا.

فالنتیجة علی ضوء هذا الاساس قد اصبحت علی الشکل التالی:

ان الارض الموات:اذا انتزعت من سیطرة الکفار خارجا بعنوة فهی داخلة فی نطاق ملکیة المسلمین،لمکان اطلاق نصوصها من ناحیة،و عدم ما یصلح ان یکون معارضا لها من ناحیة اخری

و اما اذا انتزعت من سیطرتهم خارجا بغیر عنوة و هراقة دم فهی داخلة فی نطاق ملکیة الامام(علیه السلام).

و اما العام الفوقی الدال علی ان الارض کلها للإمام(علیه السلام)فهو و ان کان یشمل الارض العامرة و المیتة و المفتوحة عنوة و غیرها الا انه انما یصلح ان یکون مرجعا فی المسألة إذا لم یکن فیها نص خاص او کان و لکنه ابتلی بالمعارض،و الا فلا اثر للعام المزبور،و بما ان النص فی المقام موجود-و هو ما دل علی مالکیة المسلمین للأرض المیتة المفتوحة عنوة-و هو ما دل علی مالکیة المسلمین للأرض المیتة المفتوحة عنوة-و لا معارض له کما عرفت،فعندئذ لا یمکن التمسک بهذا العام و الرجوع الیه،بل لا بد من تخصیصه به.

و ما تقدم-من ان نصوص مالکیة المسلمین منصرفة عما اذا کان المأخوذ من الکافر ملکا او متعلقا لحق غیره،و بما ان الارض المیتة ملک للإمام(علیه السلام)فیما اذا کان تاریخ الفتح متأخرا عن تاریخ نزول آیة الانفال فلا تشملها-فهو غیر تام بالاضافة الی الارض المیتة،و ذلک لان الدلیل علی ملکیتها للإمام(علیه السلام)انما هو النصوص التی اشرنا الیها آنفا و قد عرفت انها قاصرة عن معارضة النصوص المذکورة علی أساس انها تثبت ملکیتها للإمام(علیه السلام)بعناوین عامة التی لا تصلح ان تقع طرفا لمعارضة نصوص مالکیة المسلمین بتلک العناوین العامة.

ص:201

فالانصراف المزبور انما یتم فی الاملاک الخاصة التی ثبتت ملکیتها للأشخاص بعناوینها الخاصة علی نحو الاطلاق،کما اذا افترض ان ارضا لمسلم کانت امانة لدی الکافر او غصبا فان نصوص مالکیة المسلمین للأرض المفتوحة عنوة منصرفة عنها فلا تشملها.

نعم لو دلت-نصوص مالکیة الامام(علیه السلام)-علی ملکیة الارض الموات بعنوانها الخاص لکانت صالحة لان تعارض نصوص مالکیة المسلمین،الا ان الامر لیس کذلک کما عرفت.

و اما الکلام فی الفرض الثالث:-و هو ما اذا کان تاریخ الفتح مجهولا بالاضافة الی زمان نزول آیة الانفال-فهو لا یخلو من ان یکون التوقیت التاریخی لکل من تشریع مالکیة الامام(علیه السلام)للأنفال و تشریع مالکیة المسلمین للأرض المفتوحة عنوة و تحقق الفتح خارجا مجهولا؛أو یکون تاریخ احدهما مجهولا و تاریخ الاخر معلوما و بالعکس،فالصور ثلاث

اما الصورة الاولی-و هی ما اذا کان التوقیت التاریخی لکل منهما مجهولا-فهل یمکن فی هذه الصورة جریان الاستصحاب فیهما معا بحد نفسه او لا یمکن؟فیه قولان:

قد اختار المحقق صاحب الکفایة(قده):القول الثانی بدعوی ان الاستصحاب لا یجری فیهما معا بحد نفسه،لقصور ادلة الاستصحاب عن شموله علی اساس ان المعتبر فی جریان الاستصحاب احراز اتصال زمان الشک فیه بزمان الیقین،و بما انه غیر محرز فی المقام فلا یمکن جریانه فیه.

و لکن قد حقق فی الاصول فی بحث الاستصحاب انه لا یمکن الاخذ بهذا القول،فانه لا قصور فی ادلة الاستصحاب عن شموله

ص:202

فی المقام و غیره،و ما ذکره(قده)من الشرط لصحة التمسک بها لا اساس له اصلا و تمام الکلام فی محله.

فالصحیح هو القول الاول:فانه لا مانع من جریان استصحاب عدم تشریع مالکیة الامام(علیه السلام)للأنفال الی زمان تحقق الفتح خارجا،و قضیة هذا الاستصحاب ثبوت مالکیة المسلمین للأرض المزبورة،لأنها مترتبة علی امرین:

احدهما:تحقق الفتح خارجا فی زمان.

و الآخر:عدم مالکیة الامام(علیه السلام)فی ذلک الزمان،فاذا تحقق الامران معا تحقق مالکیة المسلمین علی اساس تحقق الاثر بتحقق موضوعه،و الفرض تحققهما فیما نحن فیه،غایة الامر ان الاول متحقق بالوجدان،و الثانی متحقق بالتعبد،و بضم الوجدان الی التعبد یتحقق الموضوع.

و کذا لا مانع من جریان استصحاب عدم تحقق الفتح خارجا الی زمان تحقق تشریع مالکیة الامام(علیه السلام)للأنفال،و بذلک یتحقق موضوع مالکیة الامام(علیه السلام)علی اساس ان موضوعها مرکب من امرین:

احدهما:تشریع مالکیة الامام(علیه السلام)للأنفال.

و الأخر عدم تحقق الفتح خارجا من قبل المسلمین،و الفرض ان الاول محرز بالوجدان،و الثانی بالتعبد،و بضم الوجدان الی التعبد یلتثم الموضوع المرکب و یترتب علیه اثره.

و بما انه لا یمکن ان تکون الارض الواحدة داخلة فی نطاق ملکیة الامام(علیه السلام)و المسلمین معا،لاستحالة اجتماع ملکیتین علی مملوک واحد فی زمن فارد فلا محالة تقع المعارضة بین الاستصحابین

ص:203

المزبورین فیسقطان معا،فعندئذ کما انه لا دلیل علی کون تلک الارض داخلة فی ملکیة الامام(علیه السلام)کذلک لا دلیل علی کونها داخلة فی ملکیة المسلمین،فاذن لا مانع من الرجوع الی الاصل الموضوعی-و هو استصحاب عدم وجود رب لها-فانه ینقح موضوع النص القائل.(کل ارض لا رب لها فهی للإمام)(علیه السلام)حیث انها بذلک تدخل فی الارض التی لا ربّ لها.

و اما الصورة الثانیة:و هی ما اذا کان التوقیت التاریخی لتشریع مالکیة الامام(علیه السلام)للأنفال معلوما.و اما التوقیت التاریخی للفتح کان مجهولا ففی جریان الاستصحاب فیها،و عدمه،او التفصیل بین المجهول تاریخه و المعلوم فیجری فی الاول دون الثانی؟اقوال:

قد اختار المحقق صاحب الکفایة(قده)عدم جریانه مطلقا، لا فی المعلوم تاریخه،و لا فی المجهول

اما فی الاول:فلعدم الشک فیه.

و اما فی الثانی:فلعدم احراز اتصال زمان الشک فیه بزمان الیقین.

و ذهب جماعة:الی القول بالتفصیل بینهما فقالوا بجریانه فی المجهول تاریخه دون المعلوم:

و فی مقابل ذلک:قد اختار جماعة من المحققین:منهم سیدنا الاستاذ دام ظله جریانه فیهما معا بلا فرق بین المجهول تاریخه و المعلوم الا انهما یسقطان من ناحیة المعارضة کما هو الحال فی مجهول التاریخ.

و الصحیح:هو هذا القول،دون القولین السابقین،فلنا دعویان:

الاولی:عدم صحة القولین السابقین.

الثانیة:صحة هذا القول.

ص:204

اما الدعوی الاولی:فلان ما ذکروه-من عدم جریان الاستصحاب فی المعلوم تاریخه-فیرد علیه انه مبنی علی اساس جریانه فیه بحسب عمود الزمان و امتداده،و حیث لا شک فیه من هذه الناحیة فبطبیعة الحال لا یجری الاستصحاب فیه.و لکن من الواضح ان الکلام فی جریان الاستصحاب فیه لیس من تلک الناحیة،و انما هو من ناحیة اضافته الی حادث آخر،و بما ان زمان حدوث الحادث الاخر مجهول لنا واقعا علی الفرض فلا محالة یکون حدوث هذا الحادث فیه مجهولا أیضا،فانه زمان شکه.و علیه فلا مانع من استصحاب عدم حدوثه الی زمان حدوث الآخر،و یترتب علیه اثره،لفرض ان الاثر انما هو مترتب علی حدوثه الخاص-و هو حدوثه فی زمان الاخر نفیا او اثباتا-لا علی مطلق حدوثه.

فالنتیجة انه لا فرق بین المعلوم تاریخه و المجهول من هذه الجهة اصلا.

و اما ما ذکره صاحب الکفایة(قده):بالاضافة الی عدم جریانه فی المجهول تاریخه فقد اشرنا الی ما فیه آنفا

و من ذلک یظهر حال القول بالتفصیل بین المعلوم تاریخه و المجهول بعدم جریانه فی الاول و جریانه فی الثانی.

و اما الدعوی الثانیة:فلان تاریخ تشریع مالکیة الامام(علیه السلام) للأنفال و إن کان معلوما بحسب امتداد الزمان الا انه مجهول بالاضافة الی زمان حدوث الحادث الاخر-و هو الفتح خارجا-و علیه فلا مانع من استصحاب عدم حدوثه الی زمان حدوث الاخر علی اساس ان زمان شکه هو زمان حدوثه و هو مجهول علی الفرض،الا انه لا یجری من ناحیة معارضته باستصحاب عدم تحقق الفتح خارجا الی زمان تشریع مالکیة الامام(علیه السلام)للأنفال.

ص:205

فالنتیجة:انه لا فرق بین هذه الصورة و الصورة المتقدمة اصلا و من ذلک یظهر حکم الصورة الثالثة.

ثم لا یخفی:ان ما ذکرناه-من جریان الاصول فی تلک الصور الثلاث فی نفسها،او عدم جریانها فیها رأسا،او التفصیل- انما هو یقوم علی اساس ان یکون اثر شرعی لتحقق کل من الحادثین فی زمان الآخر فی نفسه،و اما فیما اذا لم یکن اثر شرعی لتحقق احدهما فی زمان الآخر فلا تأتی الصور المذکورة لعدم موضوع لها فی هذا الفرض.و بما ان فیما نحن فیه لا اثر لأحدهما فی زمان الاخر فلا مجال للبحث المزبور.

و ذلک لما قدمناه أنفا:من ان نصوص مالکیة المسلمین تحکم بان الارض الموات-اذا انتزعت من سیطرة الکفار عنوة و بهراقة دم-ملک عام لهم،و لا یمکن ان تعارضها نصوص مالکیة الامام(علیه السلام)،لما عرفنا من انها قاصرة عن شمول تلک الارض الموات،او محکومة بها.

و علیه:فلا اثر لتشریع مالکیة الامام(علیه السلام)للأنفال فی زمان تحقق الفتح خارجا کی یمکن التمسک باستصحاب عدم تحققه فی زمانه اذا شک فیه.

فالنتیجة فی نهایة المطاف:ان البحث عن جریان الاستصحاب فی الصور المزبورة و عدم جریانه هنا لا یتعدی عن مرحلة التقدیر و الفرض بدون واقع موضوعی له

ص:206

نتیجة هذا البحث عدة نقاط:
الاولی:ان الارض الموات اذا انتزعت من سیطرة الکفار فهی

تصبح ملکا عاما للامة اذا کان الانتزاع قبل نزول آیة الانفال

بناء علی ما قویناه من ان صدق الغنیمة لا یتوقف علی ان یکون المال المأخوذ من الکافر عنوة ملکا له او متعلقا لحقه،بل تصدق علی مطلق المأخوذ من یده و سیطرته خارجا و ان لم تکن له علاقة به، لا علی مستوی الملک،و لا علی مستوی الحق.

الثانیة:انها اذا انتزعت من سیطرتهم بعد نزول الآیة فعندئذ

ربما قیل:انها ملک للإمام(علیه السلام)لا للمسلمین

و قد ذکر فی وجه ذلک ان نصوص مالکیة المسلمین لا یمکن ان تتعارض مع نصوص مالکیة الامام(علیه السلام)و علی تقدیر المعارضة فالترجیح انما هو لنصوص مالکیة الامام(علیه السلام).و لکن قد عرفت ان الامر بالعکس و ان نصوص مالکیة الامام(علیه السلام)لا یمکن ان تتعارض مع نصوص مالکیة المسلمین،و من هنا قلنا ان الارض المزبورة فی هذه الصورة ملک عام للمسلمین،لا للإمام(علیه السلام).

الثالثة قیل:ان نقطة المعارضة بین هاتین المجموعتین من

النصوص انما هی فی کلمة اللام

باعتبار انها بطبیعتها تدل علی الاختصاص الجامع بین الملک و الحق و باطلاقها تدل علی الاختصاص الخاص-و هو الاختصاص الملکی-و بما ان التنافی بینهما انما هو فی اطلاق اللام فی کل من المجموعتین فیسقط الاطلاقان و یبقی اصل الدلالة علی الاختصاص.و لکن قد تقدم منا نقد ذلک بشکل موسع.

ص:207

الرابعة:بناء علی ضوء ما ذکرناه من ان نصوص مالکیة الامام(علیه السلام)

لا یمکن ان تتعارض مع نصوص مالکیة المسلمین فی مورد الالتقاء

و الاجتماع

لا اثر للجهل بتاریخ کل من الحادثین فی المقام او تاریخ احدهما دون الآخر اصلا.

المرحلة الثانیة:

اشارة

و هی ما اذا کانت الارض المأخوذة من الکفار عنوة عامرة.

فالکلام فیها:

تارة:یفرض فیما اذا کان عمرانها متقدما زمنیا علی نزول آیة الانفال.

و أخری:فیما اذا کان متأخرا عنه.

و ثالثة:فیما اذا کان تاریخه الزمنی مجهولا.

أما الکلام فی الفرض الاول:فلا شبهة فی ان الأرض المذکورة ملک عام للمسلمین،و لا خلاف فی ذلک بین الأصحاب قدیما و حدیثا.و تدل علی ذلک:عدة من الروایات:

منها:الروایتان المتقدمتان،فان قوله(علیه السلام)فیهما(و ما أخذ بالسیف فذلک الی الامام)یدل علی ذلک بالاطلاق.

و منها:صحیحة الحلبی قال:سئل أبو عبد اللّه(علیه السلام)عن السواد ما منزلته:(فقال:هو لجمیع المسلمین لمن هو الیوم،و لمن یدخل فی الإسلام بعد الیوم،و لمن لم یخلق بعد الحدیث) (1).

ص:208


1- 1) الوسائل ج 17 الباب 18 من أبواب احیاء الموات الحدیث 1

فانها نص فی ان الارض السواد ملک عام للمسلمین علی نحو القضیة الحقیقیة،و المراد من السواد هو الارض العامرة حین الفتح

ثم ان مقتضی اطلاق هذه الصحیحة عدم الفرق بین کون عمران الارض طبیعیا کالغابات و امثالها،او کان بشریا ای-بقیام انسان باعمارها و احیائها-و لا وجه لتخصیص الصحیحة بخصوص الصورة الثانیة.

فما عن جماعة-من ان الارض العامرة طبیعیا حال الفتح داخلة فی نطاق ملکیة الامام(علیه السلام)باعتبار انها تدخل فی النصوص القائلة:(کل ارض لا رب لها فهی للإمام)(علیه السلام)و من الطبیعی ان الغابات او ما شاکلها مما لا ربّ لها.

و بکلمة اخری:ان الارض التی لا ربّ لها لا تخلو من ان تکون مواتا طبیعیا او تکون عامرة کذلک ای-من دون تدخّل ای انسان فی عمرانها و احیائها نهائیا-کالغابات الاصلیة إلی استمدت حیاتها من الطبیعة،لا من انسان،و لا ثالث لهما-خاطئ جدا، و ذلک لان الغابات علی نوعین:

احدهما:انها دخلت دار الإسلام بغیر حرب مسلح.

و الآخر:انها دخلت دار الإسلام بالحرب المسلح.

فالاولی:ملک عدم للإمام(علیه السلام).

و الثانیة:ملک عام للمسلمین بمقتضی اطلاق النصوص المتقدمة و لا یمکن ان تعارضها نصوص مالکیة الامام(علیه السلام)التی جاءت بهذا النص(کل ارض لا رب لها فهی للإمام)(علیه السلام)فانها بحد نفسها حاکمة علیها و تجعل المسلمین ربّا لها.

و اما الکلام فی الفرض الثانی-و هو ما اذا کان عمران الارض متأخرا زمنیا عن التوقیت التاریخی لنزول آیة الانفال-فقد ذکر

ص:209

ان الارض المفتوحة عنوة للإمام(علیه السلام)و لا یملکها المسلمون باخذها و فتحها من الکفار.

و ذکر صاحب الجواهر(قده)فی بحث الخمس ما نصه:

نعم لا یعتبر فیما له(علیه السلام)من الموات بقائه علی صفة الموات للأصل،و ظاهر صحیح الکابلی السابق فلو اتفق حینئذ احیائه کان له(علیه السلام)أیضا من غیر فرق بین المسلمین و الکفار الا مع اذنه، و اطلاق الاصحاب و الاخبار ملکیة عامر الارض المفتوحة عنوة للمسلمین یراد به ما احیاء الکفار من الموات قبل ان جعل اللّه الانفال لنبیه(صلی الله علیه و آله)و الا فهو له(علیه السلام)أیضا و ان کان معمورا وقت الفتح.

و لکن کلامه(قده)فی کتاب احیاء الموات مخالف لکلامه هذا،حیث قال:هناک ما نصه:«کل ذلک مضافا الی ما یمکن القطع به من ملک المسلمین ما یفتحونه عنوة من العامر فی ایدی الکفار و ان کان قد ملکوه بالاحیاء،و لو ان احیائهم فاسد لعدم الاذن لوجب ان یکون علی ملک الامام(علیه السلام)و لا أظن احدا یلتزم به.مضافا الی قوله بتملک الکافر حال الغیبة،مع انه لا تفصیل فی النصوص».

فان کلامه-هذا:صریح فی تملک الکافر لرقبة الارض الموات بالقیام بعملیة الاحیاء و العمارة بعد التوقیت الزمنی لنزول آیة الانفال

و کیف کان:فهذا القول أی-القول بعدم تملک المسلمین الارض العامرة التی یرجع تاریخ عمرانها الی ما بعد تاریخ نزول الآیة-یرتکز علی اساس نقطتین:

الاولی:ان الکافر لا یملک الارض الموات بعملیة الاحیاء بعد تشریع ملکیة الامام(علیه السلام)للأنفال.

ص:210

الثانیة:ان ملکیة المسلمین للأرض المأخوذة من ید الکفار عنوة و قهرا انما هی فیما اذا لم تکن داخلة فی ملکیة الامام(علیه السلام)

اما النقطة الاولی:فقد یناقش فیها بان مقتضی مجموعة من النصوص انه لا فرق فیمن یقوم بعملیة الاحیاء بین کونه مسلما او کافرا،فکما ان احیاء الاول یورث الحق،فکذلک احیاء الثانی.

منها:صحیحة محمد بن مسلم قال:سألته عن الشراء من ارض الیهود او النصاری قال:(لیس به بأس الی ان قال:و ایما قوم احیوا شیئا من الارض و عملوه فهم احق بها و هی لهم)فانها تدل بوضوح علی ان عملیة الاحیاء توجب تملک الکافر.

و منها:صحیحة سلیمان بن خالد قال سألت ابا عبد اللّه(علیه السلام) عن الرجل یأتی الارض الخربة فیستخرجها،و یجری انهارها، و یعمرها،و یزرعها ما ذا علیه قال:علیه الصدقة).

و منها:صحیحة محمد بن مسلم قال:سمعت أبا جعفر(علیه السلام) یقول:(ایما قوم احیوا شیئا من الارض و عمروها فهم احق بها و هی احق لهم).

و منها:صحیحة الفضلاء عن أبی جعفر(علیه السلام)قال رسول اللّه(صلی الله علیه و آله):

(من أحیا ارضا مواتا فهی له) (1).

فهذه الروایات تدل بوضوح علی ان عملیة الاحیاء سبب للملک مطلقا بلا فرق بین کون المحیی مسلما او کافرا،کما انه لا فرق بین کون القیام بعملیة الاحیاء قبل تشریع ملکیة الانفال للإمام(علیه السلام) او بعده.هذا.

و قد تقدم منا:فی ضمن البحوث السالفة امران:

ص:211


1- 1) الوسائل ج 17 الباب 1 من ابواب احیاء الموات الحدیث 1،2،4،5

احدهما:انه لا بد من رفع الید عن ظهور هذه المجموعة من النصوص فی کون عملیة الاحیاء موجبة لصلة المحیی بالارض علی مستوی الملک،و حملها علی انها توجب صلته بها علی مستوی الحق، لقیام قرینة علی ذلک.

و الآخر:قد تقدم منّا بشکل موسع ان الارض الموات بما انها ملک للإمام(علیه السلام)فبطبیعة الحال یتوقف جواز التصرف فیها باحیاء و نحوه علی اذنه(علیه السلام)هذا من ناحیة.

و من ناحیة اخری:قد عرفت انه لم یدلنا دلیل علی ان الامام(علیه السلام) قد اذن بالتصرف فیها باحیاء و نحوه لکل فرد و ان لم یکن مسلما، بل یظهر من صحیحة الکابلی المتقدمة اناطة جواز التصرف فیها للمسلم بتأدیة الخراج و الاجرة الی الامام(علیه السلام)لا مطلقا،کما عرفت.

و من ناحیة ثالثة:قد صرح فی صحیحة أبی سیار مسمع بن عبد الملک المتقدمة علی حلیة تصرف الشیعة فیها و حرمة تصرف غیرهم بقوله(کل ما کان فی ایدی شیعتنا من الارض فهم فیه محللون و محلل لهم ذلک الی ان یقوم قائمنا فیجیبهم طسق ما کان فی ایدیهم و یترک الارض فی ایدیهم.و اما ما کان فی ایدی غیرهم،فان کسبهم من الارض حرام علیهم حتی یقوم قائمنا فیأخذ الارض من ایدیهم و یخرجهم منها صفرة).

و من ناحیة رابعة.قد مرّ بنا ان صحیحة أبی بصیر-التی تقدمت فی ضمن البحث عن النقطة الخامسة من احکام الارض الموات-و ان کانت ظاهرة فی تملک الکافر الارض بالاحیاء،الا انه لا یمکن الاخذ بهذا الظهور مطلقا علی تفصیل قد سبق بصورة موسعة.

فالنتیجة:علی ضوء هذه النواحی ان هذه النقطة تامة-و هی

ص:212

ان الکافر لا یحصل علی علاقة بالارض علی اساس قیامه بعملیة الاحیاء-

و اما النقطة الثانیة:فقد تقدم منّا ان نصوص مالکیة الامام(علیه السلام)

للأرض الموات تصنّف الی فرقتین:فی نهایة المطاف.

احداهما:تقول:ان کل ارض لا رب لها فهی للإمام(علیه السلام) و الاخری:تقول:ان الارض الخربة التی لم یوجف علیها بخیل و لا رکاب فهی للإمام(علیه السلام).

اما الفرقة الاولی فقد سبق انها لا یمکن ان تعارض نصوص مالکیة المسلمین فی مورد الالتقاء و الاجتماع،علی اساس ان تلک النصوص تجعل المسلمین ربا لها و تحکم علیها.

و اما الفرقة الثانیة:فقد سبق انها أیضا لا یمکن ان تعارض نصوص مالکیة المسلمین لتقیید موضوعها بالارض التی لم یوجف علیها بخیل و لا رکاب،فلا تشمل الارض التی تؤخذ منهم بالخیل و الرکاب.

و قد تحصل من ذلک:ان هذه النقطة خاطئة.

و یترتب علی ذلک؛ان القول بعدم ملکیة المسلمین للأرض المفتوحة عنوة التی یرجع تاریخ عمرانها الی ما بعد تاریخ تشریع ملکیة الانفال للإمام(علیه السلام)غیر تام.فالصحیح ان المسلمین یملکون الارض المذکورة لمکان اطلاق نصوص مالکیتهم،و عدم ما یصلح ان یکون معارضا لها.

فالنتیجة فی نهایة الشوط:ان الارض المفتوحة عنوة و بالجهاد المسلح ملک عام للمسلمین من دون فرق بین ان یرجع تاریخ عمرانها الی ما قبل تاریخ نزول آیة الانفال،او الی ما بعد نزولها.

بقی هنا شیء:و هو ان الکافر یملک الارض الموات بعملیة الاحیاء و العمران اذا کان تاریخه الزمنی متقدما علی التاریخ الزمنی

ص:213

لتشریع ملکیة الامام(علیه السلام)للأنفال.و اما اذا کان متأخرا عنه فهی لا توجب علاقته بها علی مستوی الحق فضلا عن الملک علی ضوء ما استظهرناه من مجموعة من نصوص الباب.هذا من ناحیة.

و من ناحیة اخری:اذا افترضنا ان احیاء الکافر الارض یورثه حقا فیها،و ان کان لا یورثه ملکا-بان ظلّت رقبة الارض ملکا للإمام(علیه السلام)-فهل عندئذ یوجب فتح المسلمین الارض بعنوة انتقال هذا الحق من الکافر الی الامة فتکون الارض حقا عاما للمسلمین رغم ان الرقبة ظلّت فی ملکیة الامام(علیه السلام)؟فیه وجهان:

قیل بالوجه الاول:بدعوی ان الفتح خارجا یوجب انتقال ما للکافر من العلاقة الی الامة،سواء أ کانت علی مستوی الملک أم کانت علی مستوی الحق.

و لکن لا یمکن المساعدة علیه.

و النکتة فیه:ان مدلول نصوص الارض الخراجیة لدی العرف هو ملکیتها للمسلمین یعنی-انها تدل عرفا علی ان الارض بالفتح تصبح ملکا عاما للامة-و اما اذا افترضنا ان رقبة الارض التی هی باقیة فی ملکیة الامام(علیه السلام)کانت متعلقة لحق الکافر فلا تدل النصوص علی انتقال هذا الحق الی المسلمین فحسب بسبب فتحها خارجا،فان مدلولها کما عرفت ملکیة الارض للامة،فاذا فرض عدم امکان الاخذ بمدلولها العرفی فلیست لها دلالة اخری-و هی الدلالة علی انتقال الحق المزبور الیهم-و الفرض عدم دلیل آخر علی ذلک.

نعم لو دلت هذه النصوص علی ان بالفتح یثبت للمسلمین ما کان للکافر من العلاقة لتمّ ما عرفت،الا ان الامر لیس کذلک فان مدلولها ثبوت ملکیة الارض للامة بالفتح عنوة،سواء أ کانت للکافر

ص:214

علاقة بها علی مستوی الملک او الحق أم لم تکن،بل کانت تحت استیلائه خارجا و سیطرته فحسب.و علیه فلا یتم ذلک اصلا.

فالنتیجة:ان هذه الفرضیة ساقطة و لا مدرک لها.

فالصحیح ما ذکرناه من ان النصوص المزبورة تدل علی ملکیة الارض العامرة-للمسلمین-بالفتح عنوة،و مقتضی اطلاقها عدم الفرق بین ان یرجع تاریخ عمرانها الی ما قبل تاریخ نزول الآیة او الی ما بعده،کما انها تدل علی ان السبب الوحید لکون الارض ملکا عاما للامة هو فتحها من قبلهم بالجهاد المسلح و هراقة الدماء.

و اما الکلام فی الفرض الثالث:-و هو ما اذا کان التاریخ الزمنی للعمران مجهولا بالاضافة الی نزول الآیة-فقد ظهر حاله مما تقدم منا فی الفرضین الاولین،اذ بعد ما تبیّن لکم ان الارض العامرة المفتوحة عنوة داخلة فی نطاق ملکیة المسلمین،سواء أ کان تاریخ عمرانها متقدما زمنیا علی تاریخ نزول الآیة أم کان متأخرا عنه لا یبقی ای اثر للجهل بتاریخهما معا او تاریخ احدهما دون الآخر اصلا.

نعم اذا افترضنا:ان عمران الارض المفتوحة عنوة اذا کان متأخرا عن نزول الآیة فهی لیست داخلة فی ملکیة المسلمین،بل ظلّت رقبتها فی نطاق ملکیة الامام(علیه السلام)فعندئذ کان للجهل المزبور اثر.

بیان ذلک:انه علی ضوء هذه الفرضیة یجری الاستصحاب فی کل من الحادثین فی نفسه من دون فرق بین الجهل بتاریخهما معا، او بتاریخ احدهما دون الآخر،بناء علی ما هو الصحیح من عدم الفرق بینهما من هذه الناحیة،فیجری استصحاب بقاء الارض

ص:215

المفتوحة عنوة علی صفة الموات الی زمان نزول الآیة،و به یثبت موضوع ملکیة الامام(علیه السلام)لها،فان نزول الآیة محرز بالوجدان،و موات الارض الی زمان نزولها محرز بالتعبد،و بذلک ینقح الموضوع،و یترتب علیه اثره.

و نتیجة هذا الاستصحاب ان الارض المزبورة ملک للإمام(علیه السلام).

و لکن هذا الاستصحاب معارض باستصحاب عدم نزول الآیة الی زمان احیاء الکافر الارض و قیامه بعمرانها،فان احیائه لها محرز بالوجدان،و انما الشک فی نزول الآیة فی زمان احیائها،فیجری استصحاب عدم نزولها الی هذا الزمان،و بضمه الی الاحیاء یتحقق موضوع ملکیة الکافر لها،فان موضوعها مرکب من امرین:احیاء الارض،و عدم تشریع ملکیتها للإمام(علیه السلام)فی زمان احیائها، و الاول محرز بالوجدان،و الثانی بالتعبد،فیحکم بکونها ملکا للکافر بضم هذا الاستصحاب الموضوعی الی ما هو متحقق بالوجدان

و بما انه لا یمکن الجمع بین هذین الاستصحابین علی اساس ان مقتضی الاول کون الارض ملکا للإمام(علیه السلام)و مقتضی الثانی کونها ملکا لمن قام باحیائها-و هو الکافر فی مفروض الکلام- فبطبیعة الحال یسقطان معا.

فالنتیجة فی نهایة المطاف ان الارض العامرة المفتوحة عنوة المجهول تاریخ عمرانها بالاضافة الی زمان نزول الآیة لم یثبت کونها ملکا للمسلمین و لا للإمام(علیه السلام)و لکن حینئذ لا مانع من الرجوع الی العام الفوقی و هو النص القائل بان کل ارض لا رب لها فهی للإمام(علیه السلام)بضم الاصل الموضوعی الیه-و هو استصحاب عدم وجود ربّ لها-فانه ینقح موضوع هذا النص و یثبت بانها تدخل فی الارض

ص:216

التی لا رب لها.

نتیجة هذا البحث عدة نقاط
الاولی:ان الارض العامرة اذا فتحت بهجوم من قبل المسلمین

مسلحا فهی ملک عام للامة

من دون فرق بین کون تاریخ عمرانها متقدما زمنیا علی تاریخ نزول الآیة،او متأخرا عنه،فما عن جماعة من انها ملک للإمام(علیه السلام)فیما اذا کان تاریخ عمرانها متأخرا عن نزول الآیة لا یقوم علی اساس صحیح.

الثانیة انه لا فرق فی ذلک بین کون عمرانها بشریا أو طبیعیا

ای-بقیام انسان باحیائها و عمرانها او طبیعیا کالغابات الاصلیة التی استمدت حیاتها من الطبیعة.

و ما قیل:-من ان الغابات ملک للإمام(علیه السلام)لدخولها فی الارض التی لا ربّ لها-لا یرتکز علی اساس صحیح،لحکومة نصوص مالکیة المسلمین علیها.

الثالثة:ان ما قیل-من ان الفتح خارجا من قبل المسلمین

یوجب انتقال ما للکافر من العلاقة الی الامة،

سواء أ کانت علی مستوی الملک أم کانت علی مستوی الحق-فقد تقدم انه لا یمکن الاخذ به لما عرفت من ان مفاد نصوص الاراضی الخراجیة لدی العرف هو ملکیة الارض للمسلمین بسبب الفتح و ان لم تکن للکافر علاقة بها و لیس مفادها انتقال نفس ما للکافر من العلاقة الی الامة.

الرابعة:انه لا اثر للجهل بتاریخ عمران الارض بالاضافة الی

تاریخ نزول الآیة اصلا

کما عرفنا بشکل موسع.

ص:217

بحث عن عدة نقاط ترتبط

اشارة

بالارض المفتوحة عنوة

النقطة الاولی:هل تشمل فریضة الخمس الارض المفتوحة عنوة

او انها ملک عام للمسلمین بدون استثناء الخمس منها؟

فیه قولان:

المعروف و المشهور بین الاصحاب هو القول الاول،بل یظهر من صاحب المدارک(قده)اجماع المسلمین علیه.

و تدل علیه-مضافا الی قوله تعالی«و اعملوا انما غنمتم من شیء فان للّه خمسه و للرسول و لذی القربی»الآیة-عدة من النصوص:

منها:صحیحة عبد اللّه بن سنان قال:سمعت أبا عبد اللّه(علیه السلام) (یقول لیس الخمس الا فی الغنائم خاصة) (1).

و منها:صحیحة عمار بن مروان قال:سمعت أبا عبد اللّه(علیه السلام) (یقول فیما یخرج من المعادن و البحر و الغنیمة و الحلال المختلط بالحرام اذا لم یعرف صاحبه و الکنوز الخمس (2).

و منها:روایة ابن أبی عمیر عن غیر واحد عن أبی عبد اللّه(علیه السلام) قال:(الخمس علی خمسة اشیاء علی الکنوز،و المعادن،و الغوص و الغنیمة،و نسی ابن أبی عمیر الخامس) (3).

فانها ضعیفة سندا بجعفر الهمدانی حیث لم یثبت توثیقه،و علیه

ص:218


1- 1) الوسائل ج 6 الباب 2 من ابواب ما یجب فیه الخمس الحدیث 1.
2- 2) الوسائل ج 6 الباب 3 من ابواب ما یجب فیه الخمس الحدیث 6.
3- 3) الوسائل ج 6 الباب 2 من ابواب ما یجب فیه الخمس الحدیث 7.

فلا یمکن الاستدلال بها علی حکم المسألة الا تأییدا.

و منها:روایة أبی بصیر عن أبی جعفر(علیه السلام)قال:(کل شیء قوتل علی شهادة ان لا إله الا اللّه و ان محمدا رسول اللّه(صلی الله علیه و آله) فان لنا خمسه،و لا یحل لأحد ان یشتری من الخمس شیئا حتی یصل إلینا حقنا) (1).

و هذه الروایة أیضا ضعیفة سندا بعلی بن أبی حمزة فلا یمکن الاستدلال بها.نعم لا باس بجعلها مؤیدة لحکم المسألة.

فالنتیجة:ان الصحیح من تلک الروایات هو الروایة الاولی دون غیرها،و هی تکفی فی المسألة علی اساس انها تشمل الارض المفتوحة عنوة باطلاقها.

و اما القول الثانی:-و هو عدم وجوب الخمس فیها-فقد نسب الی جماعة:منهم صاحب الحدائق(قده)حیث انه قد انکر علی الاصحاب التعمیم،و قصر الخمس علی الغنائم المنقولة،دون غیرها کالأراضی و المساکن،و استظهر ذلک من امرین:

احدهما:الروایات المشتملة علی تقسیم الغنائم اخماسا کما فی بعضها،و اسداسا کما فی بعضها الآخر،فان اشتمالها علی التقسیم بنفسه یکون قرینة علی اختصاصها بالمنقول،و لا تشمل غیره کالأرض،نظرا الی انها لا تقسم بین الغانمین علی اساس انها ملک عام للمسلمین.

و فیه ان الروایات الدالة علی تعلق الخمس بالغنیمة لا تنحصر بالروایات المشتملة علی التقسیم،فان ما یشتمل علیه هو بعضها دون الجمیع،کما مرّت الاشارة الی جملة مما لا تشتمل علیه.

ص:219


1- 1) الوسائل ج 6 الباب 3 من ابواب ما یجب فیه الخمس الحدیث 5.

و الاخر:ان الروایات الواردة لبیان احکام الاراضی الخراجیة لم یتعرض شیء منها لوجوب الخمس فیها رغم تعرضها لوجوب الزکاة

و فیه:ما سیأتی من ان مجرد عدم تعرضها لوجوب الخمس لا یکون دلیلا علی عدم وجوبه.

و من هنا الصحیح:هو القول الاول،و ذلک لوجهین:

الاول:اطلاق الآیة الکریمة المتقدمة،حیث لا شبهة فی شمولها للأراضی المفتوحة عنوة.

الثانی:اطلاق مجموعة من النصوص السالفة.

و قد تواجه الاستدلال بکل منهما عدة اشکالات و شکوک فعلینا ان ندفع تلک الاشکالات و الشکوک نهائیا.

الاول:ان عنوان الغنیمة فی الآیة الکریمة قد فسرّ فی صحیحة ابن مهزیار بالفائدة التی یستفیدها المرء،و علی اساس هذا التفسیر یکون الموضوع فی الآیة عبارة عن الفوائد المالیة الشخصیة،و نصوص ملکیة المسلمین للأرض المفتوحة عنوة تخرجها عن کونها فائدة شخصیة فلا یصدق علیها عنوان الغنیمة بالمعنی المفسر فی الصحیحة فلا یبقی حینئذ للآیة اطلاق تشمل الارض المفتوحة عنوة.

و الجواب عنه:ان هذا التفسیر لا ینافی اطلاق الآیة و شمولها للأرض فیما نحن فیه،و لا یوجب حکومة نصوص مالکیة المسلمین علیها،و ذلک لان هذا التفسیر فی الصحیحة للإشارة الی ان الغنیمة فی الآیة الکریمة انما هی بمعناها اللغوی و العرفی-و هو ما یغنمه المرء و یفیده-و من الطبیعی انه لا مانع من ان یرجع ما یفیده المرء و یغنمه الی غیره أیضا کالأرض المفتوحة عنوة فانها غنیمة و فائدة جزما یغنمها المرء و یفیدها رغم انها لا ترجع الی خصوص الغانمین،بل

ص:220

الی عموم المسلمین منهم الغانمین:علی اساس انه یصدق علی کل منهم عنوان المغنم المفید،و علیه فقوله(علیه السلام)فی الصحیحة(فالغنائم و الفوائد یرحمک اللّه فهی الغنیمة یغنمها المرء و الفائدة یفیدها) یصدق علی کل من الغانمین للأرض علی ضوء ما سنشیر الیه فی ضمن البحوث القادمة من ان الارض المزبورة ملک لآحاد المسلمین علی سبیل الاشاعة

نعم لو کانت الارض ملکا لطبیعی الأمة لم تشملها الآیة الکریمة علی اساس انه لا یصدق عنوان المفید و المستفید علی کل من استولی علیها بعنوة و هراقة دم،مع ان ظاهر الآیة هو ان المستولین هم الغانمون و المستفیدون،و هذا بخلاف ما اذا کانت ملکا لآحاد الأمة فانه علی هذا یصدق عنوان المفید و المستفید علی کل من استولی علیها بعنوة،غایة الامر ان ما استولی علیه کذلک قد یرجع تمامه الیه کما اذا کان منقولا،و قد یرجع الیه بعضه مشاعا،کما اذا کان غیر منقول کالأرض،کل ذلک لا یوجب التفاوت فی صدق العنوان المزبور علیه.و لعل القول بعدم شمول الآیة للأرض المفتوحة عنوة مبنی علی اساس القول بملکیتها للطبیعی،لا للأفراد.

قد یقال:ان هذا التفسیر لا یوجب حصر موضوع وجوب الخمس فی الآیة بهذا المورد،فانه تفسیر لبعض مصادیق الغنیمة-و هو الذی یرجع الی المستفید خاصة-لا انه تفسیر للغنیمة بما لها من المفهوم العرفی التی هی الموضوع لوجوب الخمس فی الآیة،ضرورة انها بهذا المعنی العرفی تصدق علی الارض المفتوحة عنوة هذا من ناحیة.

و من ناحیة اخری:ان هذا الاشکال لو تم فانما یتم بالاضافة الی الایة،و اما بالاضافة الی النصوص المتقدمة فهو غیر تام ضرورة

ص:221

ان التفسیر المزبور لا یمنع عن التمسک باطلاق تلک النصوص، و لا یصلح ان یکون قرینة علی ان المراد من الغنیمة فیها أیضا هو الغنیمة بالمعنی المفسر فی الصحیحة.

و لکن هذه المقالة مما لا یمکن الاخذ بها،و ذلک لأنا لو سلمنا ان الصحیحة قد فسرّت الغنیمة بالفائدة المزبورة و جعلت الغنیمة بهذا المعنی موضوعا لوجوب الخمس لا مطلقا رغم انها کانت فی مقام بیان ما یتعلق به الخمس،فحینئذ لو کان موضوع وجوب الخمس مطلق الفائدة،لا خصوص الفائدة المذکورة لکان تخصیص الصحیحة موضوعه بحصة خاصة منها-و هی الفائدة الراجعة الی المستفید خاصة- لغوا،فان ظاهر تقیید الفائدة فی الصحیحة بالفائدة المزبورة هو ان الحکم لم یثبت لطبیعی الفائدة و الا لم یکن اثر للتقیید،و هو خلاف الظاهر.

و علیه فتکون الصحیحة قرینة علی تقیید اطلاق الآیة،کما تکون قرینة علی تقیید اطلاق النصوص المشار الیها آنفا.

نعم بناء علی ما هو المشهور بین الاصحاب من عدم صحة حمل المطلق علی المقید فی امثال الموارد لکانت المقالة المزبورة تامة و فی محلها.

الثانی:ان مجموعة من الروایات الواردة فی تقسیم الغنائم قرینة عرفا علی ان المراد من الغنیمة فی الآیة و النصوص هو الغنائم المنقولة،دون غیر المنقولة کالأرض و نحوها.

منها صحیحة ربعی بن عبد اللّه بن الجارود عن أبی عبد اللّه(علیه السلام) قال:(کان رسول اللّه(صلی الله علیه و آله)اذا أتاه المغنم اخذ صفوه و کان ذلک له،ثم یقسم ما بقی خمسة اخماس)الحدیث (1).

ص:222


1- 1) الوسائل ج 6 الباب 1 من ابواب قسمة الخمس الحدیث 3.

و منها:مرسلة حماد بن عیسی عن بعض اصحابنا عن العبد الصالح(علیه السلام)قال:(الخمس من خمسة اشیاء من الغنائم، و الغوص،و من الکنوز،و من المعادن،و الملاحة یؤخذ من کل هذه الصنوف الخمس،فیجعل لمن جعله اللّه له،و یقسم الاربعة الاخماس بین من قاتل علیه و ولی ذلک)الحدیث (1).

و منها:صحیحة معاویة بن وهب قال:قلت لأبی عبد اللّه(علیه السلام) السریة یبعثها الامام فیصیبون غنائم کیف یقسم،قال:(ان قاتلوا علیها مع أمیر أمّره الامام علیهم اخرج منها الخمس للّه و للرسول، و قسم بینهم اربعة اخماس)الحدیث (2).

و الجواب عن ذلک:ان تلک الروایات لا تصلح لدی العرف ان تکون قرینة علی ان المراد من الغنیمة فی الآیة و النصوص المتقدمة خصوص الغنائم المنقولة،دون الاعم

و النکتة فیه:ان اشتمال تلک الروایات علی التقسیم انما هو قرینة علی اختصاصها بالغنائم المنقولة،لا غیرها مما لا تشتمل علیه.

و ان شئت قلت:ان تخصیص الغنائم بخصوص الغنائم المنقولة بحاجة الی قرینة،و هی متوفرة فی الروایات المزبورة علی اساس اشتمالها علی التقسیم،و غیر متوفرة فی الآیة و النصوص السابقة علی اساس عدم اشتمالهما علیه من ناحیة،و عدم صلاحیة تلک الروایات لان تکون قرینة علی ذلک من ناحیة اخری،فاذن ما هو المبرّر لرفع الید عن ظهورهما فی العموم؟!.

و من هنا قلنا:انه لا وجه لاستظهار صاحب الحدائق(قده)

ص:223


1- 1) الوسائل ج 6 الباب 1 من ابواب قسمة الخمس الحدیث 8.
2- 2) الوسائل ج 11 الباب 1 من ابواب الانفال و ما یختص بالامام الحدیث 3.

من تلک النصوص اختصاص وجوب الخمس بالغنائم المنقولة خاصة

فالنتیجة لحد الان:انه لا مانع من التمسک بعموم الآیة و النصوص الماضیة لوجوب الخمس فی الارض المفتوحة عنوة.

الثالث:ان الروایات الواردة لبیان احکام الاراضی الخراجیة لم یتعرض فی شیء منها وجوب الخمس.و من الطبیعی ان سکوت تلک الروایات رغم کونها فی مقام بیان ما یتعلق بتلک الاراضی من الاحکام و الآثار دلیل علی عدم وجوبه.

و الجواب عن ذلک:انه لا بد من النظر فی تلک الروایات،و هی تصنّف الی مجموعتین:

الاولی:ما کانت فی مقام بیان ان الاراضی الخراجیة ملک عام للمسلمین.

الثانیة:ما کانت فی مقام بیان ما یتعلق بتلک الاراضی من الاحکام

اما المجموعة الاولی:-و هی التی اشرنا الی عمدة منها آنفا- فهی انما کانت فی مقام بیان مالکیة المسلمین للأرض المغنومة فی مقابل الغنائم المنقولة-التی هی ملک خاص للمقاتلین و تقسّم بینهم- و لا تنظر الی جهة اخری کتعلق الخمس بها او نحوه اصلا،لا نفیا و لا اثباتا،و لذا لا تنافی ما دل علی وجوب الخمس فیها،کما هو الحال فی غیرها،فاذن کیف تکون قرینة علی تقیید اطلاق الآیة و النصوص.

نعم اذا افترضنا ان لهذه المجموعة اطلاقا تنفی بسببه تعلق الخمس بها فهل یمکن تقدیم اطلاقها علی اطلاق الآیة او النصوص،او یتعین العکس.او تقع المعارضة بینهما و بعد تساقطهما یرجع الی اصالة عدم وجوب الخمس؟وجوه:

ص:224

الصحیح:هو الوجه الثانی.

و السبب فیه:ان موضوع هذه المجموعة و ان کان اخص من موضوع الآیة و النصوص فان موضوعها الارض المغنومة خاصة، و موضوع الآیة و النصوص عنوان الغنیمة الشامل للأرض و غیرها، الا ان مجرد کون موضوع احد الدلیلین اخص من موضوع دلیل الآخر لا یوجب التقدیم ما لم تکن اخصیّته محفوظة فی مورد الالتقاء و الاجتماع،لان الاخصیة انما توجب تقدیم الخاص علی العام فی مورد الالتقاء و المعارضة اذا کان مورد الخاص منحصرا بهذا المورد ای-بمورد الالتقاء-و لم یکن له مورد آخر،

و هذه النکتة:غیر متوفرة فیما نحن فیه،فان موضوع هذه المجموعة و ان کان اخص من موضوع الآیة و النصوص،الا ان هذه الاخصیة لم تکن محفوظة فی مورد الالتقاء بین اطلاقها و اطلاق الآیة و النصوص،لان مرکز الالتقاء و المعارضة بین الاطلاقین انما هو خمس الارض المغنومة.و اما الاربعة الاخماس الأخر فهی لیست مرکزا للمعارضة بینهما ابدا.

و الوجه فیه واضح:فان مقتضی اطلاق المجموعة ان خمسها داخل فی نطاق ملکیة المسلمین کالأربعة اخماسها الأخر،و مقتضی الآیة و النصوص انه للّه و للرسول و لذی القربی،و لا معارضة بینهما فی البقیة اصلا،فان المجموعة تدل علی انها ملک عام للامة، و الآیة و النصوص لا تنفیان ذلک،و من الطبیعی انه لا معارضة بین ما فیه الدلالة علی شیء،و ما لا دلالة فیه.

و علی اساس ذلک:فالنسبة بینها و بین الآیة و النصوص عموم من وجه فان لکل منهما مادة الافتراق،فمادة افتراق المجموعة الاربعة

ص:225

الاخماس الأخر،و مادة افتراق الآیة و النصوص خمس غیر الارض المغنومة من الغنائم

نعم لو کان لسان تلک المجموعة نفی الخمس عن الارض المغنومة لکانت النسبة بینها و بین اطلاق الآیة و النصوص عموما مطلقا.فان مفادهما تعلق الخمس بالغنائم مطلقا الشاملة للأرض و غیرها،و مفاد المجموعة نفی تعلقه بخصوص الارض المغنومة،الا ان لسانها لیس بهذا الشکل،لما عرفت من ان لسانها ملکیة الارض المزبورة للمسلمین،و مقتضی اطلاقها ان خمسها أیضا ملک لهم.

نعم لازم ذلک:نفی تعلق الخمس بها،لوضوح ان ما دل علی ملکیة الارض المذکورة للامة الاسلامیة مطلقا بالدلالة المطابقیة فبطبیعة الحال یدل بالدلالة الالتزامیة علی عدم تعلق الخمس بها، و بما ان الدلالة المطابقیة فی المقام معارضة بالعموم من وجه فلا اثر لملاحظة النسبة بالاضافة الی الدلالة الالتزامیة،فان الدلالة المطابقیة ان ظلّت ظلّت الدلالة الالتزامیة أیضا و الا فلا اثر لها لتبعیة الدلالة الالتزامیة للدلالة المطابقیة حدوثا و بقاء.

و علی اساس ذلک:فاطلاق هذه المجموعة و ان امکن ان یعارض اطلاق النصوص المتقدمة بقطع النظر عن کون اطلاقها معارضا لإطلاق الآیة،الا انه مع ملاحظة ذلک قد سقط اطلاق المجموعة عن الاعتبار فی مادة الالتقاء و الاجتماع،لأنه بذلک یدخل فی النصوص التی جاءت علی ان المخالف للکتاب غیر حجة،و المراد من المخالفة اعم من ان تکون علی نحو التباین او العموم من وجه، کما انه لا فرق بین ان تکون الروایة مخالفة لنص الکتاب،او عمومه الوضعی،او اطلاقه بمعونة مقدمات الحکمة.و علیه فبما

ص:226

ان اطلاق تلک المجموعة معارض لإطلاق الآیة فلا محالة یسقط عن الاعتبار.و نتیجة ذلک وجوب الخمس فی الارض المغنومة.

نعم هنا مناقشتان:فی شمول النصوص الدالة علی ان المخالف للکتاب غیر حجة لمثل هذه المخالفة.

احداهما:ان تمامیة اطلاق المطلق تتوقف علی تمامیة مقدمات الحکمة:منها عدم البیان الاعم من المتصل و المنفصل،و بما ان فیما نحن فیه یکون عموم کل من الکتاب و النصوص بالاطلاق لا بالوضع فبطبیعة الحال لا یتحقق اطلاق لشیء منهما فی مورد الالتقاء و الاجتماع لفرض ان کلا منهما یصلح فی نفسه للبیان بالاضافة الی الاخر فی هذا المورد،فعندئذ لا ینعقد اطلاق للکتاب فی مورد المعارضة حتی تکون تلک المجموعة من الروایات مخالفة له فتشملها النصوص المزبورة أی-النصوص الدالة علی ان المخالف للکتاب غیر حجة-.

و الجواب:عن هذه المناقشة ما تقدم منا فی ضمن البحوث السالفة من ان انعقاد اطلاق المطلق لا یتوقف علی عدم البیان الاعم من المتصل و المنفصل،و انما یتوقف علی عدم البیان المتصل فحسب.

و علی اثر ذلک یتحقق الاطلاق للکتاب فی مورد الالتقاء و الاجتماع و بذلک تدخل تلک المجموعة فی الروایات المخالفة للکتاب فتکون مشمولة للنصوص المتقدمة.هذا

قد یقال کما قیل:انه علی تقدیر تسلیم المبنی فایضا یصدق علی الروایات عنوان المخالفة،و ذلک لان کل واحد منهما لا یصلح ان یکون بیانا بالاضافة الی الآخر حتی یکون دخیلا فی اطلاقه.

و علی اساس ذلک:فقد تمت مقدمات الحکمة فی کل من المطلقین فینعقد ظهورهما حینئذ فی الاطلاق معا،و اذا انعقد ذلک

ص:227

تحققت المعارضة بین اطلاق الروایات و اطلاق الکتاب،و بما ان المعارضة بینهما کانت بالعموم من وجه فیسقط اطلاق الروایات من جهة مخالفته للکتاب.

و یرد علیه:ان وجود ما یصلح للبیان-و لو کان منفصلا-مانع عن ثبوت الاطلاق للمطلق فی ظرفه علی ضوء هذا المبنی.

و بما ان فیما نحن فیه:کل من الآیة و تلک المجموعة من الروایات فی حد نفسه صالح لان یشمل مورد الالتقاء و الاجتماع فبطبیعة الحال کان کل منهما صالحا للبیان بالاضافة الی الاخر فیه، بداهة انه لا معنی لصلاحیته لذلک الا شموله له فی نفسه فاذن لا معنی لدعوی عدم الصلاحیة.

و علیه:فلا محالة یکون کل منهما مانعا عن انعقاد الاطلاق فی الاخر فی مورد الاجتماع،فاذن لا یصدق علی تلک المجموعة عنوان انها مخالفة للکتاب حتی لا تکون حجة.

نعم بناء علی ما ذکرناه-من ان البیان المنفصل لا یکون مانعا عن انعقاد الاطلاق للمطلق حتی فی ظرفه-فلا محالة تکون المجموعة المزبورة مخالفة للکتاب،لان اطلاق الکتاب قد انعقد فی مورد الاجتماع،فهی کما لا تکون مانعة عن انعقاده،کذلک لا تکون مانعة عن حجیته.

فالنتیجة-هی:انه لا مانع من التمسک باطلاق الآیة و الروایات لإثبات وجوب الخمس فی الارض المغنومة علی اساس ما ذکرناه من النظریة.

و ثانیتهما:ان المراد من المخالفة للکتاب بمناسبة الحکم و الموضوع هو المخالفة لمدلوله اللفظی عموما او خصوصا،و اما الاطلاق فهو

ص:228

لیس بمدلول لفظی له،لأنه انما یثبت بواسطة مقدمات الحکمة التی یکون الحاکم بها هو العقل،و بالتالی یرجع الاطلاق الی مدلول عقلی.

و الجواب عنها:ان الاطلاق و ان کان یثبت بمعونة مقدمات الحکمة الا ان ذلک لا یوجب کون الاطلاق مدلولا عقلیا،لا لفظیا و ذلک لان الاطلاق لدی العرف عبارة عن ظهور اللفظ فی معنی بلا قید، غایة الامر ان ظهوره فیه لا یمکن ان یکون بلا سبب و منشأ، فالسبب له قد یکون هو الوضع کما فی ظهور العام فی العموم او نحوه،و قد یکون مقامات الحکمة،فمقدمات الحکمة تؤهل اللفظ الدلالة علی الاطلاق و الظهور فیه.لا انه مدلول المقدمات نفسها، کما ان الوضع یؤهل اللفظ للدلالة علی العموم.

فالنتیجة فی نهایة الشوط:ان الاطلاق مدلول اللفظ کالعموم، و نسبة الاطلاق الی مقدمات الحکمة بنکتة انها حیثیة تعلیلیة له کالوضع الذی هو حیثیة تعلیلیة لدلالة اللفظ علی المعنی الموضوع له.فاذن مخالفة اطلاق الکتاب مخالفة له،و مشمولة لما دل علی ان المخالف للکتاب باطل و غیر معتبر.

و اما المجموعة الثانیة-و هی الروایات الواردة لبیان ما یتعلق بالاراضی الخراجیة من الاحکام و الآثار-.

فمنها:روایة صفوان و أبی نصر قالا:ذکرنا له الکوفة و ما وضع علیها من الخراج و ما سار فیها اهل بیته فقال:(من اسلم طوعا ترکت ارضه فی یده الی ان قال،و ما اخذ بالسیف فکذلک الی الامام یقبله بالذی یری،کما صنع رسول اللّه(صلی الله علیه و آله)بخیبر قبل سوادها و بیاضها یعنی-ارضها و نخلها-و الناس یقولون لا تصلح قبالة الأرض و النخل،و قد قبل رسول اللّه(صلی الله علیه و آله)خیبر،قال:و علی

ص:229

المتقبلین سوی قبالة الارض العشر و نصف العشر فی حصصهم الحدیث (1)

و منها:صحیحة أبی نصر قال:ذکرت لأبی الحسن الرضا(علیه السلام) الخراج و ما سار به اهل بیته فقال:(العشر و نصف العشر علی من اسلم طوعا و ترکت ارضه بیده الی ان قال:و ما اخذ بالسیف فذلک الی الامام(علیه السلام)یقبله بالذی یری،کما صنع رسول اللّه(صلی الله علیه و آله) بخیبر قبل ارضها و نخلها،و الناس یقولون لا تصلح قبالة الارض و النخل اذا کان البیاض اکثر من السواد،و قد قبل رسول اللّه(صلی الله علیه و آله) خیبر،و علیهم فی حصصهم العشر و نصف العشر (2).

و منها:غیرهما.

و هاتان الروایتان:تدل ن علی امرین:

احدهما:ان امر الارض المفتوحة عنوة بید الامام(علیه السلام)فله ان یقبلها بالذی یری.

و الاخر:ان علی المتقبلین فی حصصهم من حاصل الارض الزکاة من العشر او نصف العشر،و لا نظر لهما الی تعلق الخمس بها او عدم تعلقه اصلا،و من الطبیعی ان ثبوت الامرین المزبورین لا ینافی کون خمس تلک الارض(للّه و للرسول و لذی القربی)بل هو یلائم ذلک علی اساس ان امر الخمس أیضا بید الامام(علیه السلام) فله ان یقبله بالذی یری،فاذن لا فرق بین خمس تلک الارض و اربعة اخماسها الأخر من ناحیة الحکمین المذکورین فیهما یعنی -کما ان امر اربعة اخماسها بید الامام(علیه السلام)کذلک امر خمسها و کما ان علی المتقبلین العشر أو نصف العشر بالاضافة الی اربعة اخماسها،کذلک بالاضافة الی خمسها-.

ص:230


1- 1) الوسائل ج 11 الباب 72 من ابواب جهاد العدو الحدیث 1
2- 2) الوسائل ج 11 الباب 72 من ابواب جهاد العدو الحدیث 2

و بکلمة اخری؛ان نظر الروایتین-فی بیان ان امر الارض المغنومة بید الامام(علیه السلام)و له ان یقبلها بالذی یری-انما هو لنکتة دفع توهم الناس بان الارض المغنومة التی یکون بیاضها اکثر من سوادها لا تصلح للقبالة فلا نظر لها الی جهة اخری متعلقة برقبة الارض لا نفیا و لا اثباتا.

و بعد بیان ذلک بیّن الامام(علیه السلام)فیهما الحکم المتعلق بنتاج تلک الارض-و هو وجوب الزکاة من العشر او نصف العشر-فلیس فی مقام بیان ما یتعلق برقبة الارض من الحکم.و من الطبیعی ان سکوت الامام(علیه السلام)فیهما عن بیان ما عدی وجوب الزکاة المتعلقة بنتاج الارض لا یوجب ظهورهما فی الاطلاق،و نفی الخمس عن رقبة الارض،فانها موضوع آخر و لا یکون الامام(علیه السلام)فی مقام بیان حکم ذاک الموضوع،و انما هو فی مقام بیان حکم موضوع آخر-و هو نتاج الارض-و السکوت فی مقام البیان انما یوجب ظهور الکلام فی الاطلاق و نفی الحکم الآخر عن الموضوع الذی یکون المتکلم فی مقام بیان حکمه و اثره،لا موضوع آخر الذی لا یکون المتکلم فی مقام بیان حکمه.

و الحاصل:ان هنا موضوعین:

احدهما:رقبة الارض.

و الآخر:نتاجها و الامام(علیه السلام)انما هو فی مقام بیان ما یتعلق بالموضوع الثانی،دون الموضوع الاول،و من الطبیعی ان سکوته(علیه السلام) هنا فی مقام البیان انما یدل علی العدم فی ذلک الموضوع،دون ما لم یکن فی مقام بیان حکمه.

و لو تنزلنا عن ذلک:و سلمنا ان للروایتین اطلاقا-یکون

ص:231

مقتضاه نفی تعلق الخمس بالارض المفتوحة عنوة-فهل یمکن تقدیم اطلاقهما علی اطلاق الآیة و النصوص المشار الیها سابقا بملاک انهما اخص منهما،أو بالعکس بملاک ان منشأ اطلاقهما السکوت فی مقام البیان و هو لا یصلح ان یکون قرینة علی تقیید الاطلاق اللفظی؟ فیه وجهان:

الظاهر:هو الوجه الاول،و ذلک لان الخاص لدی الارتکاز القطعی العرفی یتقدم علی العام و ان کانت دلالته بالاطلاق الناشی من السکوت فی مقام البیان،و دلالة العام بالوضع،لأنه لدی العرف قرینة،و من الطبیعی ان القرینة تتقدم علی ذی القرینة مطلقا ای-من دون ملاحظة ترجیح بینهما-کیف فان مرد هذا التقدیم فی الحقیقة الی الحکومة.

و من هنا:اذا ورد فی الدلیل(اکرم کل عالم)و ورد فی دلیل آخر(لا تکرم عالما فاسقا)لم یتأمل احد فی تقدیم الثانی علی الاول رغم ان دلالة الخاص بالاطلاق و مقدمات الحکمة،و دلالة العام بالوضع، لان الخاص بنظر العرف اقوی من العام مهما کان منشأ دلالته بنکتة انه عندهم قرینة علی المراد و مفسر له فی الحقیقة.

و علیه ففیما نحن فیه یتقدم اطلاقهما علی اطلاق الآیة فی مورد الالتقاء و الاجتماع باعتبار انهما اخص موردا من الآیة مطلقا و ان فرض ان دلالة الآیة علی العموم بالوضع-علی اساس اشتمالها علی کلمة(من شیء)-فان الخاص لدی العرف قرینة علی التصرف فی العام و بیان المراد منه،و القرینة تتقدم علی ذیها بلا ملاحظة ترجیح فی البین من هذه الناحیة،و حینئذ فلا فرق بین ان یکون ظهور الخاص فی مدلوله من ناحیة الوضع،او من ناحیة

ص:232

الاطلاق و لو کان منشأه السکوت فی مقام البیان.فان کل ذلک لا دخل له بما هو ملاک التقدیم.هذا

مع ان دلالة الآیة علی العموم بالوضع من ناحیة اشتمالها علی تلک الکلمة محل اشکال،بل منع،فان الظاهر ان دلالتها علیه انما هی بالاطلاق و مقدمات الحکمة.

و من ذلک:یظهر الفرق بین هذه المجموعة و المجموعة المتقدمة فان النسبة بین تلک المجموعة و الایة بلحاظ مورد الالتقاء و الاجتماع عموم من وجه،فان الآیة تدل علی ان خمس الارض ملک للّه و للرسول لا للمسلمین،و تلک المجموعة تدل علی انه ملک للمسلمین کبقیة اخماسها.و هذا بخلاف المقام،فان هذه المجموعة تدل باطلاقها علی نفی الخمس عن الارض المفتوحة عنوة،و الآیة تدل علی ثبوته فی الغنائم التی تشمل الارض أیضا فتکون النسبة بینهما عموما مطلقا،و من الواضح ان ملاک کون النسبة بین الدلیلین عموما مطلقا،او من وجه،او التباین انما هو بملاحظة لسانهما معا نفیا و اثباتا،عموما او خصوصا و بذلک یظهر حالهما بالاضافة الی النصوص المتقدمة

فالنتیجة فی نهایة المطاف:انه لا مانع من التمسک باطلاق الایة و النصوص السابقة،لإثبات ان الارض المفتوحة عنوة متعلقة للخمس.

الرابع ما قیل،من ان الروایات الدالة علی تعلق الخمس بالغنیمة بینما یکون ضعیفا سندا کروایات حصر الخمس فی خمسة و روایة أبی بصیر،او ساقطا من ناحیة المعارضة کصحیحة ابن سنان (لیس الخمس الا فی الغنائم خاصة)او محفوفا بالقرینة علی الاختصاص بغیر الارض من الغنائم کالروایات الدالة علی اخراج الخمس من الغنیمة و تقسیم الباقی علی المقاتلین،فانه قرینة علی الاختصاص.

ص:233

و الجواب عن ذلک:ان روایات الحصر لیست باجمعها ضعیفة سندا،فان فیها ما یکون معتبرا بحسب السند-و هو صحیحة عمار بن مروان-قال:سمعت أبا عبد اللّه(علیه السلام)یقول:(فیما یخرج من المعادن و البحر و الغنیمة و الحلال المختلط بالحرام اذا لم یعرف صاحبه و الکنوز الخمس) (1)نعم غیر هذه الصحیحة من تلک الروایات ضعیفة فلا یمکن الاستدلال بشیء منها.

و اما صحیحة عبد اللّه بن سنان قال:سمعت أبا عبد اللّه(علیه السلام) یقول:(لیس الخمس الا فی الغنائم خاصة) (2)فانها لا تسقط نهائیا،لان فیها ثلاثة احتمالات:

الاول:ان یکون المراد من الغنائم فیها مطلق الفائدة،لا خصوص غنائم دار الحرب،فعندئذ لا معارضة بینها و بین غیرها من الروایات الدالة علی وجوب الخمس فی غیر غنائم الحرب من الفوائد.

الثانی:ان تکون الصحیحة فی مقام بیان ان فریضة الخمس التی فرضها اللّه تعالی فی کتابه العزیز منحصرة بغنائم الحرب دون غیرها من الفائد کالمعادن،و ارباح التجارات،و ما شاکل ذلک، فان وجوب الخمس فیها قد ثبت بالسنة و الروایات،لا بالکتاب.

و ان شئت قلت:ان الآیة الکریمة و لو بقرینة السیاق ظاهرة فی ان المراد من الغنیمة فیها هو غنیمة دار الحرب،و علیه فالخمس الذی فرضه اللّه تعالی بنص القران انما هو خمس الغنیمة المزبورة دون مطلق الفائدة،فالصحیحة علی اساس انها فی مقام بیان ذاک الخمس الموجود فی الکتاب و حصره بما عرفناه فلا تدل علی نفی

ص:234


1- 1) الوسائل ج 6 الباب 3 من ابواب ما یجب فیه الخمس الحدیث 6
2- 2) الوسائل ج 6 الباب 31 من ابواب ما یجب فیه الخمس الحدیث 1

ثبوته فی غیرها من الفوائد بالسنة و انما تدل علی نفی ثبوته بالکتاب فاذن لا تنافی بینها و بین غیرها من الروایات الدالة علی وجوبه فی مطلق الفائدة.

الثالث:ان الصحیحة تنحل الی قضیتین:

الاولی:قضیة ابجابیة-و هی وجوب الخمس فی غنائم دار الحرب- الثانیة:قضیة سلبیة و هی عدم وجوب الخمس فی غیرها من الفوائد-و هذه القضیة علی اساس اطلاقها تنافی النصوص الخاصة الدالة علی وجوب الخمس فی تلک الفوائد کالمعادن،و الغوص، و ارباح التجارات،و نحو ذلک،و هذه النصوص بما انها واردة فی الموارد الخاصة فبمقتضی الارتکاز العرفی توجب تقیید اطلاقها بغیر تلک الموارد،فاذن یبقی تحت اطلاقها من الفوائد:الدیات،و المهور و الارث،و ما شاکل ذلک

و دعوی:-انها نص فی مدلولها و لأجل ذلک غیر قابلة للتقیید یعنی ان لسانها آب عنه-خاطئة جدا،و ذلک لأنها و ان کانت نصا فی اصل مدلولها الا ان تلک النصوص لا تنافیه،و انما تنافی اطلاقها و من الطبیعی ان اطلاقها غیر آب عن التقیید،و لا یکون هذا من تخصیص الاکثر فان مطلق ذلک لیس ممنوعا لدی العرف،و انما الممنوع منه هو ما اذا وصل الی حد الاستهجان لدیهم،و الواصل الی هذا الحد انما هو فیما اذا کان الباقی تحت العام قلیلا جدا و فردا نادرا،و ما نحن فیه لیس کذلک،فان الباقی تحته بعد التخصیص کثیر جدا فی حد نفسه کما عرفت،فلیس هذا من تخصیص الاکثر المستهجن عرفا.

و بعد ذلک نقول:ان الاقرب لدی العرف من هذه الاحتمالات

ص:235

هو الاحتمال الاخیر،دون الاحتمالین الاولین،فان الالتزام بکل منهما بحاجة الی وجود قرینة علی ذلک،و لا قرینة اصلا،و علیه فلو قطعنا النظر عن الاحتمال الاخیر فلا بد من الحکم بسقوط الصحیحة من جهة المعارضة،و ذلک للقطع بوجوب الخمس فی غیر غنائم دار الحرب علی اساس العلم بصدور بعض تلک النصوص عن الامام(علیه السلام)اجمالا و لا یمکن الاخذ باحد الاحتمالین المزبورین، لعدم مساعدة العرف علی ذلک علی اساس انه لیس من الجمع العرفی بینها و بین تلک النصوص الخاصة.هذا اضافة الی ان الاحتمال الثانی مبنی علی اختصاص الآیة بغنائم دار الحرب و هو لا یخلو من اشکال بل منع لعدم الموجب له کما عرفت سابقا.

فالنتیجة:انه لا موجب لسقوط الصحیحة نهائیا ای-بحسب المفهوم و المنطوق معا-.

و اما روایة أبی بصیر:فلا یمکن الاستدلال بها،لضعفها سندا بعلی بن أبی حمزة.

و اما الروایات التی تتضمن تقسیم الغنائم فان بعضها و ان کان مما لا بأس به سندا،الا انک عرفت ان التقسیم فیها بحد نفسه قرینة علی الاختصاص بغیر الارض من الغنائم فلا تشمل الارض.

ثم اننا اذا افترضنا:ان روایات الباب بشتی اصنافها و اشکالها ساقطة من ناحیة ما عرفت،و لا یمکن الاستدلال بشیء منها الا انه یکفینا فی المقام اطلاق الآیة الکریمة،فان مقتضاه تعلق الخمس بالغنائم و لو کانت ارضا.

فالنتیجة فی نهایة المطاف:ان الصحیح ما هو المشهور بین الاصحاب من القول بتعلق الخمس بالارض المفتوحة عنوة.

ص:236

النقطة الثانیة

اشارة

لا شبهة فی ثبوت علاقة المسلمین بالارض المفتوحة عنوة و انما

الکلام و الاشکال فی مستوی تلک العلاقة،

هل هی علی مستوی الملک او الحق؟هذا من ناحیة.

و من ناحیة اخری:انه علی تقدیر کون علاقة المسلمین بها علی مستوی الملک،فهل المالک للرقبة کل فرد من آحاد المسلمین علی سبیل الاشاعة،او المالک طبیعی المسلمین.

یقع الکلام فی مرحلتین

الاولی:ان اختصاص المسلمین بها هل هو علی مستوی الملک، او علی مستوی الحق؟.

الثانیة:ان المالک لها هل هو الافراد و الآحاد او الطبیعی؟.

اما المرحلة الاولی:ففیها قولان:

احدهما:انها ملک عام للامة.

و الآخر:انها معدة لمصالح الامة.

اما القول الاول فهو المعروف و المشهور بین الاصحاب،و تدل علیه مجموعة من نصوص الباب،حیث ان المتفاهم منها لدی العرف هو ملکیة الرقبة للأمة،فان کلمة اللام او اضافة الارض الیهم تشهد علی ذلک اذا لم تکن قرینة علی ان العلاقة بها لمجرد الاختصاص الحقی و المصرفی.

و اما ما فی مرسلة حماد بن عیسی-من قوله:(و الارضون التی اخذت عنوة بخیل او رکاب فهی موقوفة متروکة)الحدیث (1).

ص:237


1- 1) الوسائل ج 11 الباب 41 من ابواب جهاد العدو الحدیث 2.

ففیه انه لا ینافی الملک.فان المراد من الوقف هنا لا محالة یکون هو الحبس بالمعنی الذی سوف نبیّن فی ضمن البحوث القادمة، لا الوقف الشرعی فانه غیر محتمل نهائیا،و من الطبیعی ان الحبس بالمعنی الآتی لا ینافی الملک اصلا.هذا اضافة الی ان الروایة ساقطة سندا من ناحیة الارسال فلا یمکن الاستدلال بها.

و اما القول الثانی:فقد نقل عن جماعة:منهم الشهید و المحقق الأردبیلی و السبزواری(قد هم).

و لکن لا یمکن الاخذ به.

اما اولا:فلان هذا القول مخالف لظاهر النصوص الدالة علی ملکیة الارض للمسلمین،و لا یمکن حملها علی ان علاقتهم بها تکون علی مستوی المصرفیة فحسب الا اذا کانت هناک قرینة علی ذلک،و الفرض عدمها.

و اما ثانیا:فعلی تقدیر تسلیم انها لیست ملکا لهم فعندئذ ان ارید انها کانت کالمباحات الاصلیة-التی یکون الناس فیها شرع سواء،غایة الامر ان من قام باستثمارها یملک الرقبة و یکون الحاصل مشترکا بینه و بین غیره من المسلمین علی حسب ما جعله ولی الأمر من النصف او الثلث او نحو ذلک فی الاراضی المزبورة-

فیردّه:ان ذلک خلاف الضرورة الفقهیة،و النصوص الشرعیة بداهة ان حال تلک الاراضی لیس کحال الاراضی المباحة،کیف فان مرد ذلک الی ان لا علاقة للمسلمین بها نهائیا-لا علی مستوی الملک،و لا مستوی الحق-و هو غیر محتمل جزما،حیث ان لازم ذلک طرح جمیع روایات الباب التی تدل علی ان للمسلمین علاقة بها من ناحیة،و طرح التسالم علی ذلک من الاصحاب من ناحیة اخری

ص:238

و أیضا:لو کانت تلک الاراضی مباحة فما هو الدلیل علی وجوب الخراج علیها،لان ما دل علی ذلک انما هو فی فرض کونها ملکا للمسلمین،لا مطلقا.

فالنتیجة:ان لازم هذا الفرض الغاء جمیع احکامها الخاصة الثابتة لها.

منها:عدم جواز بیع رقبتها.

و منها:عدم انتقالها ارثا.

و منها:وجوب الخراج علیها،الی غیرها من الاحکام المترتبة علیها علی اساس انها ملک عام للمسلمین.

و ان ارید بذلک:-کون المسلمین مصرفا لتلک الاراضی بمعنی ان ما یستثمر منها یصرف فی مصالحهم العامة،و لا یحق لأی احد التصرف فیها علی حساب مصلحته خاصة.

و بکلمة اخری:ان علاقة الأمة بها انما هی علی مستوی المصرفیة فحسب،و هذا یعنی:ان الارض محبوسة علیهم،و یصرف نتاجها فی مصالحهم علی حسب ما یراه الامام(علیه السلام)او نائبه-فهو و ان کان ممکنا فی نفسه الا ان اتمامه بالدلیل لا یمکن،لما عرفت من ان نصوص الباب ظاهرة فی ان علاقة الأمة بها علی مستوی الملک، و الفرض عدم دلیل آخر فی المسألة.

فالنتیجة:انه لا یمکن اتمام هذا القول بدلیل.

الصحیح:هو القول الاول.

و اما ما عن المحقق الاصفهانی(قده):من ان المسلمین لا یعقل ان یکونوا مصرفا علی حد مصرفیة الفقیر فی باب الزکاة فی مقابل القول بشرکته مع المالک،و ذکر فی وجه ذلک ان الارض بعد

ص:239

خروجها عن ملک الکافر بالفتح عنوة لا یعقل بقائها بلا مالک،بل لا بد من الالتزام بملکیتها للمسلمین بنحو من الأنحاء،و لا یمکن الالتزام بملکیتها لمن استولی علیها و ان کان باذن الامام(علیه السلام)، لعدم الدلیل-.

فیرد علیه:انه لا محذور فی الالتزام ببقائها بلا مالک لرقبتها بعد خروجها عن ملک الکفار اذا افترضنا ان الدلیل لا یساعد علی تملک المسلمین لها بالفتح خارجا کما هو اساس هذا القول،و من الطبیعی انه لا ملازمة شرعا بین خروجها عن ملک الکفار و دخولها فی ملک الأمة بنحو من الانحاء،فانها بحاجة الی دلیل،فاذن لا مانع من الالتزام ببقائها بلا مالک،غایة الامر انها تصبح بعد الفتح محبوسة علیهم،و تصرف مواردها فی مصالحهم العامة.

و اما عدم جواز التصرف و الاستیلاء علیها من کل احد الا باذن الامام(علیه السلام)فهو انما یکون من ناحیة تعلق حق الأمة بها علی مستوی المصرفیة،و من الطبیعی ان هذا المقدار من الحق کاف للمنع عن تصرف کل فرد فیها بما شاء و اراد.

فالنتیجة فی نهایة الشوط:ان العمدة فی المقام ما ذکرناه من ان ظاهر النصوص هو ملکیة الارض للمسلمین،و بقطع النظر عن هذا الظاهر فلا مانع من الالتزام بعدم الملک و کونها معدّة لمصالحهم العامة علی نحو یکون المسلمون مصرفا لها.

و من هنا یظهر ان ما قیل-من ان حال الارض المفتوحة عنوة کثلث المیت فیما اذا عیّنه لصرف منافعه و موارده فی مصرف خاص فانه لا یکون ملکا للمیت،و لا للوصی-لا یمکن اتمامه بوجه فان کون الارض المزبورة کثلث المیت فیما ذکر بحاجة الی دلیل و لم

ص:240

یدلنا دلیل علیه،بل قد مر بنا ان ظاهر نصوص الباب هو ملکیة الارض للمسلمین.هذا من ناحیة.

و من ناحیة اخری:ان الامر فی المقیس علیه أیضا لیس کذلک فانه اذا اوصی شخص بثلث ماله فقد ظل فی ملکه،و لا یخرج عنه بموته،لعدم المقتضی لذلک.

ثم انک قد عرفت:ما عن المحقق الأردبیلی(قده)من اختیار هذا القول-و هو کون المسلمین مصرفا لتلک الاراضی-.

و قد نسب الیه المناقشة فی مالکیة الامة للأرض بوجهین:

احدهما ان الارض لو کانت ملکا عاما لهم لترتبت آثار علی ملکیتها کجواز نقلها عینا ببیع او نحوه،و جواز ارثها،او ما شاکل ذلک،رغم ان شیئا من تلک الآثار لا یترتب علیها،و هذا بحد نفسه دلیل علی عدم الملکیة.

و الجواب عنه،ان هذه المناقشة ترتکز علی اساس ان تکون ملکیة المسلمین للأرض علی نحو الاستغراق مشاعا.و اما لو قلنا:

بان المالک لها هو طبیعی الأمة،لا الآحاد،کما هو الحال فی بابی الزکاة و الخمس،حیث ان المالک فی الاول هو طبیعی الفقیر،و فی الثانی هو طبیعی السادة،لا الافراد،فحینئذ عدم ترتب تلک الآثار لا تکشف عن عدم الملک اصلا.

هذا اضافة:الی ان عدم ترتبها لا یکشف عن عدم ملکیة الآحاد أیضا،لما سوف نشیر الیه من انه انما یکشف عن ان ملکیتها لیست ملکیة مطلقة و حرّة،بل هی ملکیة مقیدة و غیر حرّة من ناحیة الآثار المزبورة.

و الآخر:ان الارض لو کانت ملکا للامة لم یجز تقبیلها و اجارتها

ص:241

من آحاد المسلمین،لفرض اشتراک الجمیع فیها علی سبیل الاشاعة، و من المعلوم انه لا یجوز تصرف احد فی المال المشترک سواء أ کان من التصرفات الخارجیة أم کان من التصرفات الاعتباریة.

و الجواب عنه:ان الاجارة فی المال المشترک انما لا تصح بالاضافة الی الاعم من حصته و حصة غیره،او بالاضافة الی الجزء المعین منه و اما بالاضافة الی حصته علی نحو الاشاعة فلا مانع منها اصلا، ضرورة انه تصح اجارة احد الشرکین حصته المشاعة.

هذا اضافة:الی ان هذه المناقشة لو تمت فانما تتم علی اساس ان تکون الارض ملکا لآحاد المسلمین.و اما لو قلنا بانها ملک للطبیعی فتنتفی المناقشة بانتفاء موضوعها.هذا من ناحیة.

و من ناحیة اخری:انها لا تتم علی هذا القول أیضا لما ستعرف من ان عدم جواز الاجارة او نحوها انما هو یقوم علی اساس ان ملکیة آحاد الأمة للأرض لم تکن ملکیة مطلقة و حرّة،بل هی ملکیة مقیدة محبوسة فلا یحق لأی واحد منهم ان یقوم بالتصرف فیها بدون اذن الامام(علیه السلام).

فالنتیجة:ان هذه المناقشة لا اساس لها.

و اما المرحلة الثانیة-و هی کیفیة تملک المسلمین للأرض المفتوحة عنوة-ففیها:قولان:

الاول:انها ملک للطبیعی،نظیر ما ذکر فی باب الزکاة و الخمس.

الثانی:انها ملک للآحاد.

و قد استدل للأول:بان الثانی یستلزم محاذیر لا یمکن الالتزام بشیء منها:

احدها:ان لازم الالتزام بالقول الثانی جواز قیام کل من

ص:242

آحاد المسلمین بنقل حصته من الارض المذکورة الی غیره بهبة او بیع او ما شاکل ذلک،مع انه لا شبهة فی عدم جواز قیامه بذلک نهائیا و سوف نشیر الیه فی ضمن البحوث الآتیة.

و الاخر:ان لازمه جواز تلقی کل من آحاد الأمة نصیب اقربائه بالوراثة و هو باطل جزما،ضرورة انها لا تنتقل بالارث.

الثالث:ان لازمه عدم وجوب الخراج علی المزارعین فی تلک الاراضی نظرا الی ان تصرفهم فیها کان تصرفا فی املاکهم فلا مقتضی لوجوب الخراج،رغم انه لا شبهة فی وجوبه علی کل من یقوم باستثمارها و الانتفاع بها.

فهذه اللوازم تدلنا علی بطلان القول الثانی،فاذن لا مناص من الالتزام بالقول الاول بعد بطلان القول بعدم الملک نهائیا.

و غیر خفی ان عدم ترتب تلک اللوازم علی ملکیة المسلمین للأرض لا یکشف کشفا جزمیا عن ان ملکیتهم لها لم تکن علی سبیل الاستغراق فانه لا مانع من الالتزام بذلک رغم ان تلک اللوازم غیر مترتبة علیها.

فلنا:دعویان:

الاولی:ان مالک الارض انما هو آحاد المسلمین،لا الطبیعی.

الثانیة ان عدم ترتب تلک اللوازم لا ینافی الالتزام بهذا القول.

اما الدعوی الاولی:فلان الظاهر-من الروایات:منها صحیحة الحلبی المتقدمة-هو ملکیة الارض لآحاد الأمة،لا للطبیعی،فان الحمل علیه بحاجة الی دلیل،و لا دلیل علیه کما سوف نشیر الیه.

و اما الدعوی الثانیة:فلان ملکیة المسلمین لها لم تکن ملکیة مطلقة و حرّة،بل هی ملکیة مقیدة محبوسة و غیر حرّة فلا یحق لأی واحد من آحاد الأمة ان یقوم بالتصرف فیها کیف ما شاء و اراد

ص:243

بدون اذن الامام(علیه السلام).

و تدل علی ذلک:مجموعة من الروایات:

منها:صحیحة أبی نصر المتقدمة فی صدر المسألة.التی تدل علی ان امر الارض المزبورة بید الامام(علیه السلام)و من الطبیعی ان مرد ذلک الی انه لیس لکل فرد ان یتصرف فیها ما شاء الا فی دائرة الخطوط المبینة من قبله(علیه السلام)فی ضمن النصوص الشرعیة.

و منها:غیرها من الروایات التی ستأتی الاشارة الیها فی ضمن الابحاث القادمة.

و لکن قد یستشکل فی ذلک بان قوله(علیه السلام)فی صحیحة الحلبی المتقدمة(هو لجمیع المسلمین)و ان کان ظاهرا فی ملکیة الارض لآحاد الامة،الا انه لا یمکن الاخذ بهذا الظهور بقرینة قوله(علیه السلام) فی نفس تلک الصحیحة بعده(و لمن یدخل فی الإسلام بعد الیوم و لمن لم یخلق بعد)فان المعدوم لا یعقل ان یملک شیئا،و کذا من لم یدخل فی الإسلام بعد ان یملک شیئا بعنوان الدخول فیه،فاذن لا بد من الالتزام باحد امرین:

اما ان نلتزم بملکیة الارض لآحاد الموجودین من المسلمین طبقة بعد طبقة لکن ملکیة محبوسة و غیر حرة.

او نلتزم بملکیتها لطبیعی المسلمین،و کلا الامرین محتمل،و لا ظهور للصحیحة فی احدهما.

و لکن لا یخفی ما فیه:فان قوله(علیه السلام)(و لمن یدخل فی الإسلام و لمن لم یخلق بعد)تصریح بما هو مدلول الاطلاق و مفاده-و هو امتداد الحکم فی القضیة الی یوم القیامة و عدم اختصاصه بزمان التشریع فحسب-و معنی ذلک کما ذکرناه ان الملکیة مجعولة

ص:244

لآحاد المسلمین علی سبیل القضیة الحقیقیة فلا تختص بالآحاد الموجودین فی عصر التشریع،و علیه فبطبیعة الحال تصبح الملکیة فعلیة بفعلیة موضوعها کما هو شأن کل حکم مجعول علی نحو القضیة الحقیقیة،و لیس معنی ذلک جعل الملکیة فعلا للمعدوم،او لمن یدخل فی الإسلام بعد الیوم بعنوان الدخول فیه،فانه غیر معقول،و کیف کان فلا شبهة فی ظهور الصحیحة-لدی العرف-فی ان جعل الملکیة فیها لآحاد الأمة علی نحو القضیة الحقیقیة،و القول المزبور له(علیه السلام) فیها تأکید لما هو مفاد القضیة.

و من الواضح:ان القضیة الحقیقیة غیر القضیة الطبیعیة،فان الحکم فی الاولی ثابت للأفراد حقیقة،و فی الثانیة ثابت للطبیعی بما هو،و لا علاقة له بالافراد اصلا.هذا من ناحیة.

و من ناحیة اخری ان نصوص الباب کما هی ظاهرة فی ان مالک الارض المفتوحة عنوة آحاد المسلمین علی نحو الاستغراق کذلک هی ظاهرة فی ان ملکیتهم لها غیر محبوسة و مطلقة و حرّة.

و لکن بما ان الجمع بین هذین الظهورین لا یمکن فلا بد من رفع الید عن احدهما.و من الطبیعی ان رفع الید عن کل منهما بحاجة الی قرینة،فکما ان رفع الید عن ظهورها فی الجهة الاولی و حملها علی ان المالک هو الطبیعی لا الافراد بحاجة الی قرینة فکذلک رفع الید عن ظهورها فی الجهة الثانیة و حمل الملک فیها علی الملک المحبوس،فاذن لا بد من النظر فی النصوص الواردة فی المسألة لنری هل یتوفر فیها ما یکون قرینة علی التصرف فی الجهة الاولی،او التصرف فی الجهة الثانیة.

و هذه النصوص تصنّف الی مجموعتین:

ص:245

احداهما:تدل علی انه لا یحق لأی فرد من الأمة ان یقوم بنقل رقبة الارض الی غیره ببیع او هبة او ما شاکل ذلک،و ستأتی الاشارة الی هذه المجموعة فی ضمن البحث عن النقطة الثالثة.

و الاخری:تدل علی ان امرها بید الامام(علیه السلام)و قد تقدمت روایتان من هذه المجموعة.

و هاتان المجموعتان کما تنسجمان مع کون الارض المفتوحة عنوة ملکا لطبیعی الأمة،کذلک تنسجمان مع کونها ملکا لآحاد الأمة و لکن ملکا محبوسا و غیر حرّ،فانه علی کلا التقدیرین لا یحق لأی فرد منهم ان یقوم بنقل رقبتها ببیع او نحوه،کما انها غیر قابلة للانتقال بالارث،و کذا لا یحق لان یقوم باستثمارها و استغلالها بدون اذن الامام(علیه السلام)او نائبه،الا ان الکلام فی انهما قرینتان علی رفع الید عن ظهور النصوص فی الجهة الاولی،و حمل الملک فیها علی ملک الطبیعی،او قرینتان علی رفع الید عن ظهورها فی الجهة الثانیة و حمل الملک فیها علی الملک المحبوس و غیر الحرّ و الظاهر انهما قرینتان علی الجهة الثانیة یعنی-رفع الید عن ظهورها فی الملکیة الحرّة و المطلقة-و ذلک لأنهما لا تدلان علی ان هذا الملک ملک للطبیعی،دون الآحاد حتی تکونا منافیتین لدلالة النصوص المزبورة علی انها ملک للآحاد،بل انهما تدلان علی ان الاحکام المشار الیها لا تترتب علی هذا الملک،و هذا لا ینافی کونه ملکا للآحاد علی سبیل الاستغراق،و مع ذلک لا تترتب تلک الاحکام علیه علی اساس انه ملک محبوس و غیر طلق،فاذا افترضنا ان تلک النصوص ظاهرة فی انها ملک لآحاد الأمة،لا للطبیعی فلا مناص من الاخذ بهذا الظهور لعدم المعارض و المنافی له فتکون هاتان المجموعتان قرینتین علی الحبس

ص:246

فالنتیجة فی نهایة المطاف:ان مقتضی الجمع بین مجموعات من نصوص الباب ان الارض المفتوحة عنوة ملک عام لآحاد المسلمین، لا للطبیعی منهم،غایة الامر ان ملکیتها ملکیة محبوسة بالمعنی الذی عرفت

ثم انه علی القول الاول:-و هو ملکیة الارض للطبیعی-لا علاقة للفرد بها اصلا،لا علی مستوی الملک،و لا علی مستوی الحق،و انما کانت العلاقة بها للطبیعی علی مستوی الملک من دون دخل لخصوصیة الافراد فیها.

و علی ضوء هذا القول:فعدم ترتب اللوازم المزبورة کان علی وفق القاعدة فلا یحتاج الی دلیل،و هذا بخلاف القول الثانی، فان عدم ترتبها لیس-من ناحیة عدم الموضوع لها،بل من ناحیة وجود المانع-و هو ان الملکیة ملکیة محدودة محبوسة من قبل الشرع- فلذا یحتاج الی دلیل.

نتیجة هذا البحث عدة نقاط:
الاولی:الظاهر بمقتضی مجموعة من النصوص هو ان الارض

المفتوحة عنوة داخلة فی نطاق ملکیة المسلمین،

و لا وجه للقول بانها معدّة للصرف فی مصالحهم فحسب من دون کونها داخلة فی ملکیتهم.

الثانیة:ان ما عن المحقق الأردبیلی(قده)-من المناقشة فی

ملکیتها للأمة علی أساس أن لازمها الإرث و جواز البیع و ما شاکل

ذلک من الآثار

مع انه لا شبهة فی عدم ترتب شیء منها علیها-فقد تقدم انه لا اساس لتلک المناقشة،و لا مانع من الالتزام بالملکیة- رغم عدم ترتب شیء من تلک الآثار علیها.

ص:247

الثالثة:لا یبعد الالتزام بالقول بملکیة الأرض لآحاد المسلمین

لا للطبیعی،

کما ذکر فی بابی الزکاة و الخمس،و المحاذیر التی ذکر لزومها علی هذا القول فقد تقدم عدم لزوم شیء من تلک المحاذیر علیه،فان لزومها انما هو فیما اذا قلنا بملکیة مطلقة و حرّة.

و اما اذا قلنا بان ملکیتهم لها ملکیة مقیدة و محدودة من قبل الشرع فلا موضوع لشیء منها،و قد ثبت تحدیدها بمجموعة من روایات الباب.

الرابعة:قد تقدم ان مجموعة من النصوص ظاهرة فی ان

ملکیة الارض المفتوحة عنوة انما هی لآحاد المسلمین،لا للطبیعی

منهم،

و قد ذکرنا انه لا بد من الاخذ بهذا الظهور،لعدم المقتضی لرفع الید عنه،و حمل الملک فیها علی ملک الطبیعی،فانه بحاجة الی دلیل.

النقطة الثالثة

هل یجوز بیع الارض المفتوحة عنوة او لا؟

فیه وجهان:

المعروف و المشهور بین الاصحاب قدیما و حدیثا بل المتسالم علیه عندهم هو الوجه الثانی.

و هذا هو الصحیح.

و تدل علی ذلک:مجموعة من النصوص:

منها صحیحة الحلبی قال سئل أبو عبد اللّه(علیه السلام)عن السواد ما منزلته فقال:هو لجمیع المسلمین الی ان قال:و لمن لم یخلق بعد فقلت:الشراء من الدهاقین قال:لا یصلح الا ان تشری منهم علی ان یصیرها للمسلمین،فاذا شاء ولی الامر ان یأخذها اخذها.

ص:248

قلت:فان اخذها منه قال:یرد علیه رأس ماله،و له ما أکل من غلتها بما عمل (1).

فان قوله(علیه السلام)(لا یصلح)ظاهر لدی العرف فی عدم صحة الشراء لظهور مثل هذه الکلمة عرفا فی باب المعاملات فی ذلک، و من الطبیعی ان عدم صحة الشراء منهم رغم انهم قائمون باستثمارها و استغلالها لیس الا من ناحیة ان الارض لم تصر بذلک ملکا لهم، بل هی قد ظلّت فی ملک المسلمین.

ثم ان هذه الجملة:تدل علی عدم جواز شراء رقبة الارض، و اما شرائها علی اساس ان لهم حقا فیها فلا مانع منه،فانه فی الحقیقة لیس شراء للأرض،بل هو شراء لحقهم المتعلق بها.و قد ذکرنا ان حقیقة البیع تتکفل منح المشتری نفس العلاقة التی کانت للبائع بالمال فی مقابل العلاقة التی کانت للمشتری بالثمن سواء أ کانت تلک العلاقة علی مستوی الملک أم کانت علی مستوی الحق.و اما اذا لم یکن لهم حق فیها فالشراء حینئذ لا محالة یکون صوریا یعنی-انه مجرد اخذ الارض منهم و اعطاء العوض تحفظا علی ملک المسلمین- و الاستدراک فی قوله الا ان تشری منهم علی ان یصیرها للمسلمین یمکن ان یکون اشارة الی هذا الاحتمال و ان کان بعیدا کما لا یخفی.

و اما کلمة الصیرورة:فهی و ان کانت ظاهرة فی انها تصبح ملکا للمسلمین بعد ما لم تکن الا ان هذا التعبیر لعله لنکتة ان الدهاقین کانوا یعاملون مع الارض المذکورة معاملة الملک،فالشراء المزبور کأنه یجدّد الملک لهم.

هذا اضافة الی ان قوله(علیه السلام)فی الصحیحة-فان شاء ولی

ص:249


1- 1) الوسائل ج 12 الباب 21 من ابواب عقد البیع الحدیث 4.

الامر ان یأخذها اخذها-قرینة علی انها ملک المسلمین،و لا صلة للشراء منهم فی ذلک اصلا،بل لا یعقل ان تکون له صلة بذلک، لان الارض ان کانت ملکا للدّهاقین فبالشراء تصبح ملکا للمشتری لا للمسلمین،و ان کانت ملکا للأمة فلا یعقل شراء الرقبة منهم کما دل علیه قوله(علیه السلام)(لا یصلح).

فالنتیجة فی نهایة الشوط ان الصحیحة تدل بوضوح علی عدم جواز شراء رقبة الارض المفتوحة عنوة.

و منها:روایة أبی الربیع الشامی عن أبی عبد اللّه(علیه السلام)قال:

(لا تشتر من ارض السواد شیئا الا من کانت له ذمة فانما هو فیء للمسلمین) (1).

فانها تدل علی عدم جواز شراء ارض السواد ممن کانت الارض بایدیهم علی اساس انها ملک للمسلمین.

نعم قد استثنی منها ارض من کانت له ذمة،و لعله باعتبار انها باقیة فی ملک اصحابها،نظرا الی ان لولی الأمر ان یترک ارض اهل الذمة فی ایدیهم علی اساس قبولهم شرائط الذمة.

فالنتیجة:ان الروایة تامة من ناحیة الدلالة الا انها ضعیفة من ناحیة السند،فان فی سندها خالد بن جریر،و أبی الربیع الشامی و کلاهما لم یوثق

و ما قیل:-من ان الراوی عن أبی الربیع الشامی هو خالد بن جریر و بما ان الراوی عن خالد بن جریر الحسن بن المحبوب و هو من اصحاب الاجماع فالروایة صحیحة-

خاطئ جدا و ذلک:

ص:250


1- 1) الوسائل ج 12 الباب 41 من ابواب عقد البیع الحدیث 5.

اما اولا:فلانه لا کلیة لقاعدة ان اصحاب الاجماع لا یروی الا عن ثقة،فانها علی حساب الاحتمالات لا تتعدی عن قاعدة ظنیة و لا تفید الوثوق و الاطمئنان.

و اما ثانیا:فعلی تقدیر تسلیم ان القاعدة المزبورة تامة الا انها انما تتم فی حق من یروی عنه ممن یکون من اصحاب الاجماع بشکل مباشر،دون من یروی عنه بواسطة،فانه خارج عن تلک القاعدة و علیه فالراوی عن خالد بن جریر بما انه الحسن بن المحبوب مباشرة فتدل روایته عنه علی وثاقته،و اما روایته عن أبی الربیع الشامی فبما انها کانت بواسطة فلا تدل علی وثاقته.

فتحصل مما ذکرناه ان الروایة ساقطة من ناحیة السند فلا یمکن الاعتماد علیها.نعم لا بأس بجعلها تأییدا للمسألة.

و منها:روایة أبی برده بن رجاء قال:قلت:لأبی عبد اللّه(علیه السلام) کیف تری فی شراء ارض الخراج قال:(و من یبیع ذلک هی ارض المسلمین قال:قلت:یبیعها الذی هی فی یده قال:و یصنع بخراج المسلمین ما ذا،ثم قال:لا بأس اشتری حقه منها و یحول حق المسلمین علیه،و لعله یکون اقوی علیها،و املی بخراجهم منه) (1).

فانها تدل بوضوح علی عدم جوز بیعها و شرائها،فان قوله(علیه السلام) و من یبیع ذلک استفهام توبیخی،لا حقیقی،و قوله(علیه السلام)و هی ارض المسلمین بیان لعلة المنع یعنی-ان علة المنع عن الشراء و البیع هی کون الارض ملکا للمسلمین-.

و اما قول الراوی قلت:یبیعها الذی هی فی یده فهو یدل علی انه فهم الاستفهام الحقیقی،و لذا عیّن البائع،کما ان قول

ص:251


1- 1) الوسائل ج 11 الباب 71 من ابواب جهاد العدد الحدیث 1.

الامام(علیه السلام)بعده(و یصنع بخراج المسلمین ما ذا)یدل بظاهره علی ان المانع عن بیع الارض الخراجیة و شرائها انما هو خراجها، فکل من یقوم به فلا مانع من بیعها منه،الا ان قوله(علیه السلام)بعد ذلک (لا بأس ان یشتری حقه منها)یدل علی ان هذا الشراء غیر الشراء الممنوع فی صدرها،فان المراد منه شراء نفس الرقبة و هو ممنوع، و لیس لأحد ان یبیع نفس رقبتها،و المراد من هذا الشراء هو شراء الحق المتعلق بها و هو لا مانع منه،و هذا قرینة علی ان المراد من قوله(علیه السلام)(و یصنع بخراج المسلمین ما ذا)لیس ما هو ظاهره، بل المراد منه جواز بیعها بما هی متعلقة للحق علی اساس ان بیع الحق فی حد نفسه و نقله الی طرف اضافة المشتری لا یمکن بدون نقل متعلقه فالمراد من بیع الارض بیعها بما فیها من الحق لا بیع رقبتها،فاذن لا تنافی بین هذه الجملة و صدر الروایة المقتضی لعدم جواز بیع رقبتها.

و علی الجملة فتغییر العبارة فی قوله(علیه السلام)(لا بأس ان یشتری حقه منها)یدل علی تغییر الموضوع و اختلافه یعنی-ان مالا یجوز بیعه و شرائه هو نفس رقبة الارض،و ما یجوز بیعه و شرائه هو الحق المتعلق بها،و قد عرفت معنی بیع الحق فیها-و اما حق المسلمین- و هو الطسق و الخراج-فبما انه تابع للأرض فلا محالة یحوّل علی المشتری علی اساس ان الارض اصبحت فی یده،و علیه فلا تنافی بین صدر الروایة و ذیلها

فالنتیجة:انه لا بأس بالروایة من ناحیة الدلالة الا انها ضعیفة من ناحیة السند بأبی بردة بن رجا.

و دعوی-ان أبی بردة بن رجاء و ان لم یثبت توثیقه الا ان

ص:252

الراوی عنه لمّا کان صفوان بن یحیی و هو من اصحاب الاجماع فالروایة صحیحة-خاطئة جدا،لما عرفت من ان هذه القاعدة قاعدة ظنیة لا تفید الا الظن فلا یمکن الاعتماد علیها فی التوثیقات.

و منها:مرسلة حماد بن عیسی عن بعض اصحابه عن أبی الحسن(علیه السلام) فی حدیث قال:(و الارضون التی اخذت عنوة بخیل او رکاب فهی موقوفة متروکة فی یدی من یعمرها و یحییها و یقوم علیها علی ما صالحهم الوالی علی قدر طاقتهم من الحق الخراج:النصف او الثلث او الثلثین علی قدر ما یکون لهم صلاحا،و لا یضرهم)الحدیث (1).

فانها و ان کانت دلالتها علی عدم جواز بیعها و شرائها علی اساس انها محبوسة تامة الا انها ساقطة من ناحیة الارسال فلا یمکن الاعتماد علیها.

فالنتیجة فی نهایة المطاف:ان العمدة فی المسألة انما هی الروایة الاولی،حیث انها تامة سندا و دلالة.دون بقیة الروایات،فانها باجمعها ضعیفة السند من ناحیة و ان کانت تامة من جهة الدلالة.نعم لا بأس بالتأیید بها

و قد تحصل مما ذکرناه:انه لا یجوز شراء الارض المفتوحة عنوة و بیعها یعنی-انها غیر قابلة لملکیة الخاصة بالبیع او نحوه-.

و اما اجارتها،و مزارعتها،و غیرهما من التصرفات التی لا تنافی بقاء رقبتها فی ملک المسلمین فلا مانع منها اذا کانت باذن ولی الامر عموما او خصوصا،کما ستأتی الاشارة الی ذلک فی ضمن الابحاث القادمة.

و اما ما یظهر من بعض الروایات:جواز شرائها فلا بد من حملها علی جواز شراء الحق المتعلق بها علی اساس ان فی نفس تلک

ص:253


1- 1) الوسائل ج 11 الباب 41 من ابواب جهاد العدو الحدیث 2.

الروایات ما یکون قرینة علی ذلک،و سوف نشیر الیها.

و لعل النکتة:-فی التعبیر عن شراء الحق بشراء الارض-هی ان شراء الحق فی نفسه و بقطع النظر عن متعلقه غیر معقول،نظرا الی ان الحق غیر قابل للنقل و الانتقال بدون متعلقه،و علیه فشراء الحق انما هو بشراء متعلقه.و قد تقدم ان البیع لا یتکفل ازید من منح البائع نفس علاقته بالمبیع للمشتری فی مقابل منح المشتری ماله من العلاقة بالثمن للبائع،و قد تکون هذه العلاقة علی مستوی الملک،و قد تکون علی مستوی الحق.

و ما نحن فیه من هذا القبیل،فان شراء الارض هنا بمعنی ان البائع قد منح المشتری نفس علاقته بالارض،و بما انها کانت علی مستوی الحق فنفس هذه العلاقة تثبت له فتکون الارض بعد الشراء طرفا لعلاقة المشتری علی مستوی الحق،فاذن لا تدل تلک الروایات علی جواز شراء نفس رقبة الارض و انتقالها الی المشتری و هذا هو طریق الجمع بین الروایات الناهیة عن الشراء،و الروایات المجوّزة له.

الی هنا قد استطعنا ان نخرج بهاتین النقطتین:

الاولی:ان الارض المفتوحة عنوة لم تقبل النقل و الانتقال بالبیع و الشراء و نحوهما علی اساس ان المستفاد من مجموعة من الروایات ان ملکیتها للامة ملکیة محدودة و محبوسة.

الثانیة،ان ما یظهر من بعض الروایات جواز شرائها لیس بمعنی تمسک رقبتها،حیث قد عرفت ان کلا من البیع و الشراء لا یقتضی ذلک،و انما یقتضی قیام المشتری مقام البائع، و بالعکس فحسب.

ص:254

النقطة الرابعة

ان من یقوم بعمارة الارض المفتوحة عنوة و الانتفاع بها بزرع

او غرس،او بناء،

فانه و ان کان لا یملک رقبة الارض علی اساس انها ملک للأمة الا ان الکلام فی ان قیامه بهذه العملیة هل یمنحه حقا فیها اولا؟فیه وجهان:

الظاهر هو التفصیل:بین ما اذا کان العامل بعمله فی الارض و جهده فیها قد احدث حدثا فیها و وفر شروطا و فرصة للانتفاع بها و الاستفادة منها،و ما اذا لم یحدث فیها حدثا بجهده و عمله.

فعلی الاول:لا شبهة فی ان العامل یملک تلک الشروط و الفرصة المتاحة له علی اساس انها نتیجة عمله و جهده،فما دامت تلک الفرصة باقیة فی الارض فقد ظل حقه فیها،سواء أ کان ممارسا فی الانتفاع بها أم لم یکن.هذا فیما اذا کانت الارض المفتوحة عنوة مواتا واضح.و اما اذا کانت عامرة سواء أ کانت طبیعیا أم کانت بشریا فهو یتوقف علی ان یحدث العامل فیها حدثا،و یخلق فیها فرصة اکبر مما کانت الارض علیها،و حینئذ یملک العامل تلک الفرصة علی اساس انها نتیجة عمله،و علی اثر ذلک یحدث له حق فیها،و من المعلوم ان هذا الحق قابل للنقل و الانتقال.و علیه فیجوز لاخر ان یقوم بشرائه.

هذا اضافة:الی ان ذلک یستفاد من مجموعة روایات الباب.

منها،قوله(علیه السلام)فی صحیحة الحلبی المتقدمة(الا ان تشری منهم علی ان یصیرها للمسلمین)فانه یدل علی جواز شراء الارض

ص:255

ممن کانت الارض فی ایدیهم،و من الطبیعی انه لا بد من حمل هذا الشراء علی شراء حقه المتعلق بها،و ذلک لأمرین:

الاول:بقرینة قوله(علیه السلام)لا یصلح فی جواب السؤال عن شراء نفس الارض قبل هذه الجملة،فانه یدل بوضوح علی انه لا یصح شراء نفس رقبة الارض علی اساس انها ملک عام للمسلمین فلا یملکها المشتری.

الثانی:بقرینة قوله(علیه السلام)علی ان یصیرها للمسلمین،فانه یدل علی ان المراد من الشراء لیس شراء رقبة الارض،بداهة انه لا معنی لشرائها علی ان تدخل فی ملک غیر المشتری،فاذن لا محالة یکون المراد منه شراء الحق فیها بالمعنی الذی عرفت و اما حمله علی الشراء الصوری فهو بحاجة الی قرینة علی اساس ان الظاهر من لفظ الشراء و هو الشراء الحقیقی.

و منها:معتبرة محمد بن مسلم قال:سألت أبا عبد اللّه عن الشراء من ارض الیهود و النصاری فقال:لیس به بأس،قد ظهر رسول اللّه(صلی الله علیه و آله)علی اهل خیبر فخارجهم علی ان یترک الارض فی ایدیهم یعملونها فلا أری بها بأسا لو انک اشتریت منها شیئا،و أیما قوم احیوا شیئا من الارض و عملوها فهم احق بها و هی لهم (1).

فانها واضحة الدلالة علی ان من یقوم بالعمل فی الارض المفتوحة عنوة-و هی فی مورد الروایة ارض خیبر،و یحدث حدثا فیها، و یخلق فرصة و شروطا للانتفاع بها فلا محالة یملک تلک الفرصة و الشروط سواء أ کانت فی الارض المیتة أم کانت فی الارض العامرة و حینئذ یجوز شراء تلک الفرصة و الشروط منه.

ص:256


1- 1) الوسائل ج 11 الباب 17 من ابواب جهاد العدو الحدیث 2.

و علی الجملة فالمعتبرة قد نصت علی جواز شراء الارض المفتوحة عنوة فیما اذا عمل العامل فیها عملا،و اوجد فیها صفة ذات قیمة اقتصادیة التی لم تکن الأرض واجدة لها بطبیعتها،و من الطبیعی أن المراد من شرائها و هو شراء الحق المتعلق بها دون رقبة الأرض،و قد عرفت کیفیة شرائه.

و منها:قوله(علیه السلام)فی روایة أبی بردة بن رجاء المتقدمة(لا بأس اشتری حقه منها و یحول حق المسلمین علیه)فانه یدل بوضوح علی ثبوت الحق له فیها القابل للنقل و الانتقال،و لکن بما ان الروایة

ضعیفة سندا فلا یمکن الاستدلال بها.نعم لا بأس بالتأیید.

و منها:غیرها من الروایات الواردة فی أبواب متفرقة،فانه یستفاد منها ثبوت حق فی الأرض المفتوحة عنوة لمن یقوم بالعمل فیها و احداث حدث.

و علی الثانی:-و هو ما اذا لم یحدث العامل فی الأرض حدثا و صفة و انما یمارس الانتفاع بها و یواصل فی زراعتها علی أساس ان الارض حیة بطبیعتها فلا تحتاج حیاتها الی بذل جهد بشری فیها فلا یحصل للعامل حق فیها بمعنی القابل للنقل و الانتقال،ضرورة انه لم یحدث فی الأرض شیئا.نعم انه ما دام یمارس الانتفاع بها و یواصل فی زراعتها لیس لاخر أن یزاحمه فی ذلک.و اما اذا ترک الانتفاع بها فلا یبقی له حق فی الاحتفاظ بالأرض،و یجوز لغیره أن یقوم باستغلالها و استثمارها،و لیس له منعه عن ذلک.

و علی ضوء هذا البیان:یظهر ما فی کلام المحقق الاصفهانی(قده) فی هامشه علی المکاسب فی المقام،حیث ذکر هناک انه لا دلیل علی ثبوت الحق بمعنی القابل للنقل و الانتقال،إذ غایة ما یقتضیه

ص:257

تقبل الأرض ممن له ذلک ملک منافع الأرض.کما فی باب الاجارة، و ملک المنافع لا یستدعی إلا وجوب تسلیم العین مقدمة لاستیفاء المنافع فقط،لا احداث حق فی العین بحیث یقبل النقل و الانتقال، و کون التقبیل بنفسه مقتضیا لذلک شرعا لا دلیل علیه.

أقول:وجه الظهور ان ما افاده(قده)و ان کان متینا بالاضافة الی ما هو مقتضی تقبّل الارض و اجارتها،إلا أن الکلام فی ثبوت الحق للعامل فیها لیس من هذه الناحیة.و انما هو من ناحیة عمله فیها و بذل الجهد،فان کان عمله فی الأرض سنخ عمل یوجب احداث حدث و صفة فیها کان ذلک العمل یبرر ثبوت حق له فیها القابل للنقل و الانتقال کما عرفت.و ان کان سنخ عمل لا یوجب احداث حدث فیها فقد عرفت انه لا یبرّر ثبوت حق له فیها کذلک،و انما یبرّر ثبوته ما دام یواصل فی عمله فیها لا مطلقا.

فکلامه(قده)انما یتم فی هذا الفرض،دون الفرض الاول.

النقطة الخامسة

اشارة

یقع الکلام فیها فی موردین:

الاول:ما اشرنا الیه فی ضمن البحوث السالفة من ان أمر

الأراضی المفتوحة عنوة بید الامام(علیه السلام)فلا یباح لأیّ فرد من

المسلمین ان یتصرف فیها بدون إذنه.

و تدل علی ذلک مجموعة من الروایات:

منها:قوله(علیه السلام)فی صحیحة أبی نصر المتقدمة(و ما أخذ بالسیف فذلک الی الامام یقبله بالذی یری).

ص:258

و منها:قوله(علیه السلام)فی صحیحة الحلبی التی مرّت بنا آنفا(فاذا شاء ولی الامر أن یأخذها أخذها).

و منها:غیرهما من الروایات الدالة علی صحة تقبیل السلطان الجائر تلک الأراضی،و امضاء الامام(علیه السلام)ذلک،فان هذا دلیل علی أن أمرها بید الامام(علیه السلام).

هذا اضافة الی ان المصلحة العامة للامة تقتضی تدخّل الامام(علیه السلام) فی أمر تلک الأراضی،و وضع حدّ ازاء تعدیات و تجاوزات الأفراد فیها لکسب السیطرة علیها علی اساس القوة،فان الأفراد لو کانوا حرا فی تصرفاتهم فیها ما شاءوا و أرادوا بحسب ما یتوفر لدیهم من المکنة و القوة فلا محالة توجب منع الآخرین من ممارسة حقوقهم فیها بحریة کاملة، و من الطبیعی ان ذلک یتنافی مع العدالة الاجتماعیة التی یؤمن الإسلام بضرورة إیجادها بین طبقات الأمة.

و علیه فعلی ولی الامر وضع حد لتصرفاتهم فیها فی دائرة الشرع الاسلامی،و إتاحة الفرصة لکل فرد منهم بممارسة حقوقه فیها، و الانتفاع بها فی ضمن ذلک الحد بحریة تامة،لیکون کل فرد مساهما فی تحقیق العدالة الاجتماعیة.

الثانی:بعد ما عرفنا من انه لا یجوز التصرف فی تلک

الأراضی بدون إذن الامام(علیه السلام)فهل یمکن لنا اثبات اذنه بشکل

عام لکل فرد من المسلمین او لا؟

فیه وجهان:

و یمکن الاستدلال علی الوجه الأول بوجوه:

الاول:بمجموعة من النصوص المتقدمة:الدالة علی سببیة الأحیاء لعلاقة المحیی بالارض بدعوی ان المستفاد منها عرفا ثبوت الاذن العام لکل فرد من الامة للقیام بعملیة الاحیاء فی الأرض

ص:259

المفتوحة عنوة اذا کانت میتة او عرض علیها الموت بعد الفتح، و ممارسة حقه فیها

و الجواب عنه:اولا:ما تقدم منا فی ضمن البحوث السالفة من ان تلک النصوص لا تدل علی الاذن فی القیام بهذه العملیة و ممارستها أصلا،لا فی الارض التی هی ملک للإمام(علیه السلام)و لا فی الارض التی هی ملک للامة،و انما هی فی مقام بیان سببیة تلک العملیة لصلة المحیی بالأرض فحسب.

و ثانیا:ان هذه النصوص أخص من المدعی،فانها انما تثبت إباحة التصرف فی الأرض المفتوحة عنوة اذا کانت میتة اصالة او.

عرض علیها الموت

و اما اذا کانت عامرة فهی لا تدل علی إباحة التصرف فیها.

الثانی:بنصوص التحلیل:

منها:قوله(علیه السلام)فی صحیحة مسمع المتقدمة(و کل ما کان فی أیدی شیعتنا من الأرض فهم فیه محللون و محلل لهم ذلک)بدعوی أن مقتضی عمومه إباحة التصرف فی کل ارض لمن شملهم هذا النص،و ان کانت الأرض من الأرض المفتوحة عنوة علی أساس ان أمر تلک الأرض بید الامام(علیه السلام).

و قد أجیب عنه بان الظاهر من التحلیل فیها هو التحلیل المالکی، لا الشرعی فلا یشمل الأرض المفتوحة عنوة،حیث لا یتصور أن یکون تحلیل التصرف فیها من الامام(علیه السلام)تحلیلا مالکیا علی أساس انها ملک عام للمسلمین،لا للإمام(علیه السلام).

هذا إضافة:الی أن الأرض فی مورد الصحیحة قد فرض کونها من الانفال فلا تشمل الارض المفتوحة عنوة التی هی لیست منها.

ص:260

و لکن یمکن المناقشة:فی الجواب الاول بان ظهور التحلیل فیها فی التحلیل المالکی لا یکون قرینة علی عدم شمولها للأرض المفتوحة عنوة.

و السبب فیه ان امر الارض المفتوحة عنوة لما کان بید الامام(علیه السلام) فبطبیعة الحال التحلیل الصادر منه(علیه السلام)بالاضافة الی التصرف فیها یکون تحلیلا مالکیا لا حکما شرعیا علی أساس انه(علیه السلام)مالک لأمرها،لوضوح ان المراد من التحلیل المالکی لیس خصوص ما یصدر من المالک بشکل مباشر،بل المراد منه هو ما یصدر ممن یکون مالکا لأمرها،سواء أ کان ذلک علی أساس ملکیته لرقبتها أم کان علی أساس وکالته ممن یکون مالکا لرقبتها أم کان علی أساس ولایته علیه،فان اذن الولی فی التصرف فی مال المولی علیه اذن مالکی،لیس حکما شرعیا کلیا،و کذا اذن الوکیل فی التصرف فی مال موکله و بما أن الامام(علیه السلام)ولی المسلمین و مالک لأمر تلک الاراضی فبطبیعة الحال اذنه(علیه السلام)فی التصرف فیها اذن مالکی،و لیس حکما کلیا ألهیا.

فالنتیجة:ان التحلیل المالکی فی مقابل التحلیل الشرعی، فالاول یصدر ممن یکون مالکا لأمر شیء بالاضافة الیه.و الثانی یصدر من الشارع بصفة انه حکم کلی فی الشریعة المقدسة.

و قد تحصل من ذلک:ان هذا الجواب ساقط فلا یمکن الأخذ به

و اما الجواب الثانی فالظاهر انه لا بأس به،و ذلک لأنا لو کنا نحن و قوله(علیه السلام)فی الصحیحة(کل ما کان فی أیدی شیعتنا من الارض)و ان کان لا مانع من الالتزام بعمومه للأرض المفتوحة عنوة أیضا إلا أن ما تقدم علیه-و هو قوله(علیه السلام)فیها(الارض کلها لنا)الظاهر فی الاختصاص الملکی-قرینة علی ان المراد من

ص:261

الارض فی قوله(علیه السلام)(کل ما کان فی أیدی شیعتنا)هو تلک الارض التی هی من الانفال،لا الاعم،کما هو ظاهر سیاق الصحیحة أیضا.و یؤکد ذلک ما فی ذیلها.

فالنتیجة:انه لا یمکن الاستدلال بالصحیحة،لإباحة التصرف فی الارض المفتوحة عنوة لا مطلقا،و لا لخصوص من شملتهم نصوص التحلیل.

الثالث:بالروایات الواردة فی الابواب المتفرقة فانه یستفاد منها بمقتضی الفهم العرفی إباحة التصرف فی تلک الاراضی و اذنه(علیه السلام)فیه.

منها:الروایات الدالة علی جواز شراء تلک الأرض ممن کانت الارض بیده،و علل ذلک فی بعضها بأن جوازه منوط بما اذا کان المشتری بمنزلة البائع فی تأدیة الخراج عنها،و فی بعضها الآخر بأن حقه فیها أکثر من ذلک،و فی الثالث نفی البأس عن شراء حق العامل فیها،و تحویل حق المسلمین علیه.

فبالتالی:المستفاد من مجموع هذه الروایات هو اذن الامام(علیه السلام) بالتصرف فیها بشرط قیام المتصرف بتأدیة حق المسلمین منها،بل یظهر من بعضها ان لکل فرد من المسلمین حق التصرف فیها و الانتفاع بها.

و منها الروایات الدالة علی إمضاء تصرفات الخلفاء و سلاطین الجور فی الأراضی المزبورة باجارة و تقبیل بالاضافة الی من یقوم باستیجارها و تقبّلها منهم.

نعم فی تلک الروایات احتمالات:

ص:262

أحدها:أن تکون تلک الروایات قائمة علی أساس ان کل فرد من المسلمین لیس حرا فی التصرف فی تلک الاراضی ما شاء و أراد، بل لا بد فی کل عصر من الرجوع الی من بیده الامر سواء أ کان عادلا أم کان فاسقا،و ذلک للتحفظ علی النظام.

ثانیها:أن تکون قائمة علی أساس أن لا تبقی الارض معطّلة

ثالثها:أن تکون قائمة علی أساس ان لکل فرد منهم حقا فیها، و بما انه لا یتمکن من ممارسة حقه فی تلک الاراضی بدون مراجعة السلطان الجائر علی أساس انها تحت استیلائه و سیطرته خارجا فتکون المراجعة انما هی لأجل استیفاء حقه فیها و ممارسته،لا لأجل ان جواز تصرفه فیها یتوقف علی اذنه و تقبیله.هذا.

و الأظهر من هذه الاحتمالات هو الاحتمال الأخیر،دون الاحتمالین الاولین،و سوف نشیر الی وجه ذلک.

و علیه فتدل تلک الروایات علی انه یجوز أن یقوم کل فرد بممارسة حقه فیها فی الاطار العام الاسلامی بدون مراجعة من بیده الأمر و یؤکد ذلک ما یظهر من بعض الروایات من فرض ثبوت الحق لکل فرد من المسلمین فیها.

فالنتیجة فی نهایة المطاف ان الاظهر هو القول بجواز ممارسة کل فرد من الأمة حقه فیها بشکل من أشکال الانتاج فی حدود دائرة الشرع،فالتصرف بهذا الحد مسموح من قبل ولی الأمر.

النقطة السادسة

الکلام فی هذه النقطة انما هو فی تعیین من له الولایة علی الارض المفتوحة عنوة

ص:263

لا اشکال:فی ولایة الامام(علیه السلام)علیها،اذ مضافا الی ثبوت الولایة العامة له(علیه السلام)قد دلت علی ذلک مجموعة من النصوص.

منها:الروایات المتقدمة التی قد نص فیها بأن أمر تلک الأرض بید الامام(علیه السلام)و هذا لا کلام فیه،و انما الکلام و الاشکال فی ولایة السلطان الجائر علیها.

قیل:بثبوت الولایة له بل أفرط فی القول بها حتی جعله بمنزلة الامام العادل.

و غیر خفی:ان هذا القول یقوم علی أساس ان منصب الولایة لازم لمنصب السلطنة و الحکومة و ان کان المتقلص به غاصبا و جائرا.

و قیل:بعدم ثبوت الولایة له أصلا،بل قیل:بعدم نفوذ تصرفه فیها مطلقا و ان کان علی طبق المصلحة العامة.

و هذا القول:یقوم علی أساس ان نفوذ تصرف کل شخص فی مال أخر بحاجة الی دلیل،و لا دلیل علیه هنا.

و الصحیح فی المقام ان یقال:انه لا شبهة فی عدم ثبوت الولایة للسلطان الجائر،و السبب فیه ان ثبوت الولایة بحاجة الی دلیل، و لا دلیل علیه،لا عقلا،و لا نقلا.

أما الاول:فواضح بل العقل بمناسبة الحکم و الموضوع یحکم بعدم لیاقة الجائر للتلبس بهذا المنصب العظیم الإلهی-و هو منصب الولایة و الجلوس علی کرسی الخلافة-.

و أما الثانی:فأیضا کذلک بل یستفاد من مجموعة من النصوص انه لا یجوز الرجوع الی حاکم الجور،و قد علّل فی بعضها ان الاخذ بحکمه اخذ بحکم الطاغوت،و هو باطل و سحت.

ص:264

الی هنا قد انتهینا الی هذه النتیجة:و هی انه کما لا دلیل علی ثبوت الولایة للجائرة علی أموال الناس،بل قد عرفت ان الدلیل من العقل و النقل قد قام علی عدم ثبوتها له جزما،کذلک لا دلیل علی نفوذ حکمه،بل ان الدلیل قد قام علی عدم نفوذه،هذا کله بالاضافة الی ثبوت الولایة له و نفوذ حکمه بصورة عامة.

و أما تصرفاته فی خصوص ما نحن فیه أی-الارض المفتوحة عنوة-بتقبیل و نحوه فهل هی نافذة؟الظاهر هو نفوذها،بالمعنی الآتی لدلالة عدة من الروایات علی ذلک.

منها:صحیحة الحلبی عن أبی عبد اللّه(علیه السلام)انه قال:فی القبالة أن تأتی الارض الخربة فتقبلها من أهلها عشرین سنة الی أن قال:

و قال:لا بأس أن یتقبل الارض و أهلها من السلطان الحدیث (1)

و منها:معتبرة اسماعیل بن الفضل الهاشمی قال:سألت أبا عبد اللّه(علیه السلام)عن رجل اکتری أرضا من ارض أهل الذمة من الخراج و أهلها کارهون و انما یقبلها السلطان بعجز أهلها عنها او غیر عجز فقال:(اذا عجز أربابها عنها فلک أن تأخذها إلا أن یضاروا،و ان اعطیتهم شیئا فسخت أنفسهم بها لکم فخذوها) الحدیث (2).

و منها:روایة ابراهیم الکرخی قال:سألت أبا عبد اللّه(علیه السلام) عن رجل له قریة عظیمة و له فیها علوج یأخذ منهم السلطان خمسین درهما،و بعضهم ثلاثین،و أقل،و أکثر ما تقول:ان صالح عنهم السلطان أعنی صاحب القریة بشیء و یأخذ هو منهم أکثر مما یعطی

ص:265


1- 1) الوسائل ج 13 الباب 8 من أحکام المزارعة و المسافات الحدیث 3
2- 2) الوسائل ج 12 الباب 21 من أبواب عقد البیع الحدیث 10

السلطان قال:قال.(هذا حرام) (1).

و منها:صحیحة إسماعیل بن الفضل الهاشمی عن أبی عبد اللّه(علیه السلام)قال سألته عن الرجل استأجر من السلطان من أرض الخراج بدراهم مسماة أو بطعام مسمی،ثم أجرها و شرط لمن یزرعها أن یقاسمه النصف أو أقل من ذلک أو أکثر،و له فی الارض بعد ذلک أ یصلح له ذلک قال:(نعم اذا حفر لهم نهرا او عمل لهم شیئا یعینهم بذلک فله ذلک)الحدیث (2).

فالمستفاد من مجموعة هذه النصوص:هو نفوذ تصرف السلطان الجائر فی الاراضی الخراجیه،و جواز أخذها منه بایجارة و تقبیل، و هذا لا یعنی ان تصرفه فیها جائز،إذ لا شبهة فی ان تصدیه لهذا المنصب،و تصرفه فیها محرم علی أساس انه غاصب لذلک،و مع هذا کیف یکون تصرفه فی تلک الاراضی التی هی ملک عام للمسلمین جائزا،بل المقصود من تلک النصوص هو نفوذ تصرفه بالاضافة الی من یقوم بممارسة هذه الاراضی یعنی-یجوز له أخذ الأرض من یده بایجارة و تقبیل و ان کان ذلک محرّم علیه-و من هنا أشرنا آنفا:الی أن فی تلک النصوص احتمالات:

الاول:أن یکون نفوذ تصرفهم علی اساس أن لا تبقی الارض معطّلة رغم حاجة المسلمین الی استثمارها و ممارسة إنتاجها.

الثانی:أن یکون علی أساس التحفظ علی النظام السائر فی البلاد

الثالث:أن یکون علی أساس ان لکل فرد منهم حقا فیها.

و هذا الوجه هو الظاهر منها،دون الوجهین الاولین.

ص:266


1- 1) الوسائل ج 12 الباب 93 من ابواب ما یکتسب به الحدیث 1
2- 2) الوسائل ج 13 الباب 21 من أحکام الاجارة الحدیث 3،4

أما الوجه الاول فلأن غیر الشیعة من طوائف المسلمین بما انهم یرون علی ضوء منهجهم الفقهی أن خلافة هؤلاء الخلفاء و السلاطین کانت علی حق نظرا الی أن هؤلاء کانوا لدیهم من ولاة الامر الذین قد أمر فی الآیة الکریمة بلزوم اتّباعهم فلا محالة تکون تصرفاتهم فی تلک الاراضی بتقبیل و إجارة و نحو ذلک نافذة عندهم و عن استحقاق،بدون حاجة الی تلک النصوص و أما الشیعة فبما أن نسبتهم الی تلک الطوائف فی ذلک العصر کانت فی غایة القلة فلا یلزم من عدم نفوذ تصرفاتهم فی حقهم تعطیل الارض.

و بذلک یظهر حال الوجه الثانی،فان غیر الشیعة من الطوائف- بما انهم کانوا معتقدین ان النظام الموجود فی عصر هؤلاء الخلفاء هو النظام الذی قد أمر فی الإسلام باتباعه-یرون أنفسهم ملزمین بوجوب العمل علی وفق ذلک النظام،و عدم جواز مخالفته،بدون حاجة الی النصوص المزبورة.و أما الشیعة فبما انهم کانوا قلیلین فلا یلزم من عدم عملهم علی وفق النظام المزبور الهرج و المرج و التعدی علی حقوق الآخرین،علی انهم لا یتمکنون من المخالفة جهرا.

فاذن یتعیّن الوجه الثالث-و هو ان إمضاء الامام(علیه السلام)فی تلک النصوص انما هو یقوم علی ضوء أن یتیح الفرصة لهم لممارسة حقوقهم فیها و استنقاذها-حیث ان لهم حقا فیها،کما یظهر من بعض الروایات،فلو لم یمض الامام(علیه السلام)ذلک لضاع حقهم فیها علی أساس انهم لا یتمکنون من ممارستها و استنقاذها بطریق آخر.

ص:267

النقطة السابعة

إن الارض العامرة حال الفتح عنوة اذا ماتت و خربت فهل

تنقطع بذلک علاقة المسلمین عنها نهائیا؟

فیه وجهان:

الصحیح عدم انقطاع علاقتهم عنها کذلک،لما تقدم منا فی ضمن البحوث السالفة من أن علاقة الفرد بالارض اذا کانت علی مستوی الملک لم تنقطع عنها نهائیا بعد الخراب و الموت،بل قلنا انها لا تنقطع بالامتناع عن القیام بعملیة احیائها و عمارتها،غایة الامر یجوز لغیره فی هذا الفرض أن یقوم بهذه العملیة باذن من ولی الامر رغم ان رقبة الارض باقیة فی ملکه.

و فیما نحن فیه حیث ان علاقة المسلمین بالارض کانت علی مستوی الملک فلا تنقطع عنها بالخراب.

و دعوی-ان ملکیة المسلمین للأرض لمّا کانت مقیدة بالحیاة بمقتضی صحیحة الحلبی،حیث قد قیدت الارض فیها بالسواد،فاذا زالت حیاتها انقطعت علاقة الامة عنها نهائیا بانتفاء موضوعها-خاطئة جدا،و ذلک لأن التقیید فی الصحیحة بما انه کان فی کلام لسائل دون کلام الامام(علیه السلام)فلا مفهوم له،و قد تقدم ان مقتضی عدة من الروایات هو ان موضوع ملکیة المسلمین مطلق الارض سواء أ کانت میتة أم کانت حیة طبیعیا کانت او بشریا.و من هنا قلنا ان الارض الموات اذا أخذت من الکفار عنوة فهی ملک للمسلمین فلا یعتبر فی ملکیتهم کون المأخوذ سوادا.و علی هذا الأساس فلا مجال

ص:268

لهذه الدعوی أصلا.

و لو تنزلنا عن ذلک.و سلمنا ان موضوع ملکیة المسلمین حصة خاصة من الارض،و هی الارض السواد بشریا،و هذا یعنی-ان الارض المأخوذة من الکفار اذا کانت عامرة بجهد من الانسان فهی تصبح ملکا للمسلمین و إلا فلا-.

او فقل:ان هذا القول یقوم علی أساس ان بسبب الفتح تنتقل ملکیة الکافر من الارض الی المسلمین فکل أرض لم تکن ملکا للکافر فلا أثر للفتح بالاضافة الیها فعندئذ هل تنقطع ملکیة المسلمین عنها بعد خرابها و زوال حیاتها أولا؟فیه وجهان:

الظاهر هو الوجه الثانی،و ذلک لما عرفنا فی ضمن البحوث السالفة من ان الارتکاز القطعی من العرف قائم علی أن موضوع الملک هو ذات الارض و الحیاة جهة تعلیلیة،لا تقییدیة فاذا زالت لم یزل الملک.

و بکلمة اخری ان الحیاة و ان کانت شرطا لملکیة المسلمین الارض بالفتح إلا أنها لدی العرف شرط خارجی،و لیست مقومة للموضوع

الی هنا قد استطعنا أن نخرج بهذه النتیجة:و هی ان الارض المفتوحة عنوة اذا کانت عامرة و زال عمرانها و أصبحت مواتا لم تخرج عن نطاق ملکیة المسلمین فلا یجوز لأیّ واحد أن یقوم باحیائها و عمرانها إلا باجازة من بیده الأمر علی الشکل الذی مرّ سابقا.

ص:269

النقطة الثامنة

اشارة

ان ملکیة الارض الخراجیة للمسلمین ترتکز علی رکیزتین.

الاولی:أن یکون أخذها من الکفار بالعنوة و الجهاد المسلّح و لذا یعبّر عنها بالارض المفتوحة عنوة.

و تدل علی هذه الرکیزة صحیحة أبی نصر المتقدمة.

و ان شئت قلت:ان الارض المأخوذة من الکفار لا تخلو من أن تکون بالقهر و الغلبة،او تکون بدون التوسل بذلک،و لا ثالث لهما،و علی الاول فهی ملک للمسلمین بمقتضی هذه الصحیحة،و علی الثانی فهی ملک للإمام(علیه السلام)بمقتضی مجموعة من الروایات التی تقدمت فی صدر الکتاب الدالة علی أن ما لم یوجف علیه بخیل.

و لا رکاب فهو للإمام(علیه السلام).

الثانیة:أن یکون ذلک باذن الامام(علیه السلام)و أمره.

و تدل علی ذلک:صحیحة معاویة بن وهب قال قلت:لأبی عبد اللّه(علیه السلام)السریة یبعثها الامام(علیه السلام)فیصیبون غنائم کیف یقسم قال:(ان قاتلوا علیها مع أمیر أمره الامام(علیه السلام)علیهم أخرج منها الخمس للّه و للرسول،و قسم بینهم أربعة أخماس،و ان لم یکونوا قاتلوا علیها المشرکین کان کل ما غنموا للإمام(علیه السلام) یجعله حیث أحب) (1)

ص:270


1- 1) الوسائل ج 11 الباب 41 من ابواب جهاد العدو الحدیث 1.

وجه دلالة الصحیحة انها تتکفل قضیة شرطیة قد أخذ فی موضوعها قید ان:

أحدهما:أن تکون الغنائم مأخوذة من الکفار بالقتال و هراقة الدماء.

و الآخر:أن یکون ذلک القتال یأمر الامام(علیه السلام)و اذنه، فاذا تحقق القیدان معا فالغنیمة للمقاتلین تقسم بینهم بعد اخراج خمسها،و اذا انتفی القید الاول فالغنیمة للإمام(علیه السلام)کما صرح بذلک فی ذیل الصحیحة.و اذا انتفی القید الثانی فالامر أیضا کذلک بمقتضی الفهم العرفی و ان لم یصرح به فی الصحیحة علی اساس أن القضیة فی حد نفسها تدل علیه بلا حاجة الی التصریح.

و تصریح الامام(علیه السلام)فی الصحیحة بأحد فردی المفهوم دون الفرد الآخر لا یمنع عن ظهورها فیه،لعدم علاقة بین الأمرین من هذه الناحیة یعنی-ان التصریح بأحدهما لا یکون قرینة علی عدم الآخر لدی العرف-.

و یؤید ذلک:مرسلة العباس الوراق عن رجل سمّاه أبی عبد اللّه(علیه السلام)قال:(اذا غزا قوم بغیر إذن الامام(علیه السلام)فغنموا کانت الغنیمة کلها للإمام(علیه السلام)و اذا غزوا بأمر الامام فغنموا کان للإمام الخمس).

و دعوی:-ان ضعفها منجبر بعمل الأصحاب-خاطئة جدا، فان الصغری فی المقام غیر متحققة.مضافا الی المناقشة فی الکبری کما عرفت.

ثم ان الغنیمة فی مورد الصحیحة و ان کانت هی الغنیمة المنقولة بقرینة تقسیمها علی المقاتلین خاصة إلا أن الارتکاز القطعی لدی

ص:271

العرف قائم علی عدم خصوصیة لها فالحکم فیها لا محالة یعم غیر المنقول منها أیضا کالأرض علی أساس هذا الارتکاز.

فالنتیجة لحد الآن:انه لا بأس بالالتزام بدلالة الصحیحة علی اعتبار الاذن فیما نحن فیه أیضا بضمیمة ذلک الارتکاز.

و أما اذا نوقش فی دلالة الصحیحة،اما من ناحیة عدم المفهوم لها،او من ناحیة اختصاصها بالغنائم المنقولة فهل یمکن الحکم بملکیة الارض المأخوذة من الکفار عنوة للامة و ان کانت بغیر اذن الامام(علیه السلام)؟فیه وجهان:

لا یبعد أن یکون الأظهر هو الوجه الثانی،و سوف نشیر الیه.

و أما ما عن شیخنا العلامة الانصاری(قده):-من ان عدم اعتبار الاذن انما هو من ناحیة معارضة مرسلة الورّاق مع مجموعتین من الروایات.

إحداهما:جاءت بهذا النص:ما لم یوجف علیه بخیل و لا رکاب فهو للإمام(علیه السلام)،فانها تدل بمفهومها علی أن ما یوجف علیه بخیل و رکاب فهو لیس منه(علیه السلام)فالمعارضة بین إطلاق المرسلة و إطلاق مفهوم هذه المجموعة،فان إطلاق الأولی یشمل الأرض و غیرها، و إطلاق مفهوم الثانیة یشمل صورة الاذن و عدمها،فمورد الالتقاء بینهما الارض المفتوحة عنوة بدون الاذن من الامام(علیه السلام).

و الاخری جاءت بنص آخر:ما أخذ بالسیف فذلک الی الامام یقبله بالذی یری،فان إطلاقها یعم صورة الاذن و عدمها.فعندئذ یکون مورد الالتقاء و المعارضة بین الجمیع هو الارض المذکورة، فان مقتضی إطلاق المرسلة انها ملک للإمام(علیه السلام)نظرا الی أنها مأخوذة بدون أمره و إذنه،و مقتضی إطلاق هاتین المجموعتین انها

ص:272

ملک عام للمسلمین،و بما انه لا مرجح لأحد الطرفین علی الطرف الآخر فالمرجع هو عموم الآیة،و مقتضاه هو ان خمسها للإمام(علیه السلام).

و اما الباقی فهو لغیره،و یدور أمره بین ان یکون لعموم المسلمین أو خصوص المقاتلین،و حیث لا نص،و لا اجماع علی الثانی فیتعین الأول.

فیرد علیه أولا:ان المرسلة ضعیفة سندا فلا یمکن الاعتماد علیها،کما أشرنا الیه آنفا.

و ثانیا:علی تقدیر تسلیم ان المرسلة تامة من ناحیة السند-و لو من جهة جبر ضعفها بعمل الاصحاب-إلا انه لا یمکن ان تتعارض معها المجموعتان المتقدمتان من الروایات.

أما المجموعة الأولی:فبما ان دلالتها علی المفهوم تقوم علی اساس مفهوم القید فلا تدل علی نفی هذا الحکم عن موضوع آخر-و هو الارض المأخوذة من الکفار عنوة بدون اذن الامام(علیه السلام)-یعنی- لا تدل علی انها لیست ملکا للإمام(علیه السلام)فانها ساکتة بالاضافة الی ذلک نفیا و اثباتا.

نعم إنها تدل بمقتضی هذا المفهوم علی ان هذا الحکم اعنی -الملکیة-لم یثبت لطبیعی الارض المأخوذة من الکفار علی نحو الاطلاق،و إلا لکان التقیید بالقید المذکور فیها لغوا،و لا تدل علی انه لم یثبت لحصة اخری منه،فاذن لا معارضة بینها و بین المرسلة، فان المرسلة تدل علی ان هذه الحصة ملک للإمام(علیه السلام)أیضا، و تلک المجموعة ساکتة عن ذلک،و من الطبیعی انه لا معارضة بین ما فیه الدلالة و ما لا دلالة فیه.و هذا بخلاف ما إذا کانت دلالتها علیه تقوم علی أساس مفهوم الشرط،فانها حینئذ تدل علی نفی الحکم

ص:273

عنها،و تصلح ان تعارض المرسلة،و بذلک یمتاز مفهوم الشرط عن مفهوم القید.

و أما المجموعة الثانیة:فالظاهر انه لا اطلاق لها من هذه الناحیة،فانها فی مقام بیان حکم آخر-للأرض المأخوذة من الکفار بالسیف و هراقة الدماء بعد الفراغ عن ملکیتها للمسلمین- و هو ان أمرها بید الامام(علیه السلام)و لیست فی مقام بیان شرائط ملکیة هذه الارض للأمة،فاذن لا اطلاق لها من هذه الناحیة لکی تشمل صورة عدم الاذن.

و علی الجملة:فهذه المجموعة تدل علی ان أمر الارض التی هی ملک للمسلمین بید الامام(علیه السلام)و له أن یقبله بالذی یری،و یصرف حاصلها و نتاجها فی مصالح الأمة فلا تدل بوجه علی عدم اعتبار اذن الامام(علیه السلام)فی ملکیة الأمة للأرض.

و من ذلک:یظهر حال صحیحة الحلبی و نحوها،فان السؤال فی هذه الصحیحة إنما هو عن حال الأرض السواد فی الخارج المأخوذة من الکفار بالجهاد المسلح،و اجاب الامام(علیه السلام)عن ذلک بانها ملک لجمیع المسلمین،و من الطبیعی انه لا دلالة لها بوجه علی ان اخذها منهم کان باذن الامام(علیه السلام)أو لا یکون باذن منه،لأن مدلولها إنما هو ملکیة تلک الارض لجمیع الامة الی یوم القیامة،و لا تنظر الی حالة اخذها من الکفار و انه کان مع الاذن أو بدونه اصلا،فاذن لا اطلاق للصحیحة بالاضافة إلی هذه الحالة کی یتمسک باطلاقها لإثبات عدم اعتبار الاذن فی کونها ملکا لهم.

و اما الروایات:الدلالة علی وجوب الخراج علیها،و عدم جواز شرائها،و غیرهما من الاحکام و الآثار فهی بأجمعها مسوقة لبیان

ص:274

ما یترتب علی ملکیتها للمسلمین من الآثار و الاحکام بعد الفراغ عن کونها ملکا لهم،و لا تنظر الی ما یعتبر فی ملکیتها من الشرائط ابدا.

فالنتیجة:انه لا اطلاق لشیء من تلک المجموعات کی یدل باطلاقه علی عدم اعتبار الاذن فیها.

و ثالثا:مع الاغماض عن جمیع ذلک،و تسلیم المعارضة بینهما و بین المرسلة إلا ان الآیة الکریمة لا تصلح ان تکون مرجعا لإثبات ان تلک الارض بعد اخراج خمسها ملک للمسلمین،فانها لا تدل علی ذلک،بل لا یبعد دعوی ظهور الآیة فی ان الباقی ملک للمقاتلین علی اساس ان الخطاب فیها متوجه الیهم خاصة،و علیه فالمرجع هو العام الفوقی(کل ارض لا رب لها فهو للإمام(علیه السلام)،فانه یثبت-بعد ضم الاصل الموضوعی الیه-ان الارض المزبورة ملک للإمام(علیه السلام)علی اساس انها تدخل فی الارض التی لا رب لها.

و قد تحصل من ذلک:ان ما عن الشیخ الاعظم(قده)لا یمکن اتمامه بوجه.

الی هنا قد استطعنا ان نخرج بهذه النتیجة:و هی ان الروایات الواردة فی الاراضی الخراجیة بمجموعاتها المختلفة لا یدل شیء منها علی عدم اعتبار الاذن فی ملکیة تلک الاراضی للأمة بسبب الفتح خارجا هذا من ناحیة.

و من ناحیة اخری إذا افترضنا انه لا دلیل علی اعتبار الاذن فی ملکیتها علی اساس ان المرسلة ضعیفة سندا،و صحیحة معاویة لا دلالة فیها علی ذلک،فاذن النتیجة علی ضوء هاتین الناحیتین،هی:ان الارض المفتوحة عنوة اذا کان فتحها بدون اذن الامام(علیه السلام)فهی کما انها لیست ملکا للمسلمین علی اساس قصور ادلتها عن شمول تلک،

ص:275

فکذلک لیست ملکا للإمام(علیه السلام)بعین ذاک الملاک،فعندئذ لا مانع من الرجوع الی العام الفوقی المزبور،و مقتضاه-بعد ضم الاصل الموضوعی الیه-هو ان الارض المزبورة ملک للإمام(علیه السلام).

نتیجة هذا البحث عدة نقاط:
الاولی:ان ملکیة المسلمین للأراضی الخراجیة ترتکز علی

رکیزتین:

1-اخذها من الکفار بالجهاد المسلح.

2-کون الاخذ باذن الامام(علیه السلام)و امره.

الثانیة:ان الغنیمة فی مورد صحیحة معاویة و ان کانت خصوص

الغنائم المنقولة الا ان الارتکاز القطعی من العرف قائم علی عدم

خصوصیة لها.

الثالثة:ان ما ذکره شیخنا العلامة الانصاری(قده)-فی وجه

عدم اعتبار الاذن

فقد عرفت انه لا یمکن اتمامه بدلیل.

الرابعة:ان أدلة ملکیة المسلمین للأرض المفتوحة عنوة فی حد

نفسها قاصرة عن شمولها

اذا کانت مأخوذة من الکفار بدون اذن الامام(علیه السلام)و امره.

النقطة التاسعة فی الأراضی المفتوحة عنوة بعد النبی الأکرم ص

ان الاراضی التی فتحت عنوة من قبل المسلمین بعد النبی الاکرم (صلی اللّه علیه و آله و سلم)و فی زمن الخلفاء و ولاة الجور من بنی

ص:276

أمیة و بنی العباس هل یمکن لنا احراز ان تلک الفتوحات کانت باذن الامام(علیه السلام)و أمره؟فیه وجهان:

الصحیح انه لا یمکن احراز ذلک،فان ما قیل:او یمکن ان یقال:فی طریق اثبات ذلک عدة وجوه:لا یتم شیء منها:

الاول:صحیحة محمد بن مسلم عن أبی جعفر(علیه السلام)قال:سألته عن سیرة الامام فی الارض التی فتحت بعد رسول اللّه(صلی الله علیه و آله)فقال:

ان أمیر المؤمنین(علیه السلام)قد سار فی اهل العراق سیرة فهم امام لسائر الارضین الحدیث (1)،فانها تدل علی ان أمیر المؤمنین(علیه السلام)قد سار فی ارض العراق بسیرة تکون اماما لسائر الارضین،و بما أن معاملته(علیه السلام)معها کانت معاملة أرض المسلمین رغم انها فتحت بعد النبی الاکرم(صلی الله علیه و آله)و فی زمن الخلفاء فتدل علی ان فتحها کان باذن الامام(علیه السلام)و الا لکانت من الانفال.

و الجواب عن ذلک

أولا:ان هذه السیرة منه(علیه السلام)فی ارض العراق لا تدل علی ان الفتح کان فی ذلک العصر باذن الامام(علیه السلام)و مشورته،و ذلک لان مجرد صرفه(علیه السلام)حاصل هذه الارض و نتاجها فی مصالح المسلمین لا یدل علی ان رقبة الارض داخلة فی نطاق ملکیتهم،فانه کما ینسجم مع افتراض کونها ملکا عاما للمسلمین،کذلک ینسجم مع افتراض کونها ملکا للإمام(علیه السلام)علی اساس ان أمر الرقبة علی کلا الفرضین بیده(علیه السلام)و له ان یتصرف فیها من تقبیل و اجارة و نحو ذلک،و یصرف نتاجها فیما یری من المصلحة سواء أ کانت من

ص:277


1- 1) الوسائل ج 11 الباب 49 من ابواب جهاد العدو الحدیث(2).

مصالح الدولة الاسلامیة أم کانت من مصالح المسلمین،حیث ان الاولی ترجع بالتالی الی الثانیة.

و ثانیا:ان أمیر المؤمنین(علیه السلام)لا یقدر علی تغییر ما صنعه الخلفاء قبله،و علیه فکیف تدل سیرته(علیه السلام)فی أرض العراق-علی اساس انها امام لسائر الارضین-علی ان تلک الفتوحات کانت واقعة باذن الامام(علیه السلام)و مشورته.

و علی ذلک فالمراد من ان سیرته(علیه السلام)فی أرض العراق امام لسائر الارضین هو انه لا بد من ان یسیر و یعمل فی کل ارض کان أمرها بید الامام(علیه السلام)بسیرة امیر المؤمنین(علیه السلام)فی ارض العراق، و لا یجوز التخطی عن هذه السیرة یمنة و یسرة.

الثانی:ما ورد فی بعض الروایات من ان الفتوحات الواقعة فی عصر خلافة الثانی قد کانت باذن أمیر المؤمنین(علیه السلام)و مشورته.

و الجواب عنه.

اولا:ان تلک الروایات لم تثبت بحیث یمکن الاستدلال بها.

و ثانیا انها لو تمت فانما تتم فی الفتوحات التی وقعت فی عهد خلیفة الثانی فحسب،دون الفتوحات الواقعة فی زمان خلفاء بنی أمیة و بنی عباس حیث انها لم تکن علی اساس مشورة الائمة الاطهار(علیه السلام) و اذنهم نهائیا.

الثالث:ان تلک الفتوحات و ان لم تکن بأمر الامام(علیه السلام) و اذنه الا انها لما کانت بعنوان الإسلام فی مقابل الکفر و الضلال فبطبیعة الحال کانت کاشفة عن رضا الائمة(علیه السلام)بها جزما علی اساس انها تمنح الإسلام هیبة و عظمة-مادیة و معنویة-و من الطبیعی ان ذلک الرضا یکفی فی صیرورة الارض ملکا للامة.

ص:278

و الجواب عنه.

أولا:ان کشف تلک الفتوحات عن رضا الامام(علیه السلام)بها یقوم علی اساس انها بشتی اشکالها و الوانها کانت علی مصلحة الإسلام و الدین و من المعلوم ان اثبات ذلک فی غایة الاشکال بل المنع لعدم الطریق الی احراز انها باجمعها کانت کذلک.

و ثانیا:قد ورد فی عدة من الروایات عدم مشروعیة الجهاد الا مع امام معصوم(علیه السلام).

منها:روایة بشیر عن أبی عبد اللّه(علیه السلام)قال:قلت:له انی رأیت فی المنام انی قلت لک ان القتال مع غیر الامام المفترض طاعته حرام مثل المیتة و الدم و لحم الخنزیر فقلت:لی نعم هو کذلک فقال:ابو عبد اللّه(علیه السلام)هو کذلک و هو کذلک (1)فانها واضحة الدلالة علی ان الجهاد مع غیر الامام المفترض طاعته محرم و انما الکلام فی سندها و لا اشکال فیه إلا من ناحیة بشیر حیث لم یرد توثیق فیه إلا وقوعه فی اسناد کامل الزیارات فعندئذ ان اکتفینا بذلک فالروایة صحیحة و إلا فلا،و قد اشرنا الی ان الاکتفاء به مشکل.

و منها:صحیحة عبد اللّه بن المغیرة قال:قال محمد بن عبد اللّه:

للرضا(علیه السلام)-و انا اسمع-حدثنی ابی عن أهل بیته عن آبائه انه قال:له بعضهم:ان فی بلادنا موضع رباط یقال له قزوین،و عدوا یقال:له الدیلم فهل من جهاد او هل من رباط فقال:(علیکم بهذا البیت فحجوه،فاعاد علیه الحدیث فقال:علیکم بهذا البیت

ص:279


1- 1) الوسائل ج 11 الباب 12 من أبواب جهاد العدو الحدیث 1

فحجوه،اما یرضی أحدکم ان یکون فی بیته ینفق علی عیاله من طوله ینتظر امرنا،فان ادرکه کان کمن شهد مع رسول اللّه(صلی الله علیه و آله) بدرا،فان مات ینتظر امرنا کان کمن کان مع قائمنا صلوات اللّه علیه،و هکذا فی فسطاطه و جمع بین السبابتین و لا اقول:هکذا، و جمع بین السبابة و الوسطی،فان هذه اطول من هذه فقال ابو الحسن(علیه السلام):صدق) (1).

فان هذه الروایة تامة دلالة و سندا.

و منها:روایة عبد الملک بن عمرو،قال:قال:لی ابو عبد اللّه(علیه السلام) یا عبد الملک مالی أراک تخرج إلی هذه المواضع التی یخرج الیها اهل بلادک قال:قلت:و این؟قال:جده،و عبادان،و المصیمة،و قزوین، فقلت انتظارا لأمرکم و الاقتداء بکم فقال:ای و اللّه لو کان خیرا ما سبقونا الیه الحدیث (2).

فهذه الروایة و إن کانت لا بأس بها من ناحیة الدلالة إلا ان الاشکال فیها من ناحیة السند علی اساس ان فی سندها حکم بن مسکین،و عبد الملک بن عمرو و لم یرد فیهما توثیق غیر وقوع الاول فی اسناد کامل الزیارات،و قد عرفت ان الاکتفاء بذلک فی توثیق الراوی مشکل،و روایة ابن أبی عمیر-الذی هو من اصحاب الاجماع-عن الثانی،و قد تقدم انه لا یمکن الاکتفاء به فی توثیق الراوی.

و منها غیرها من الروایات:

و بالرغم من هذا فکیف یمکن ان ینسب إلی الأئمة(علیه السلام)الرضا بالفتوحات المزبورة رغم ان تلک الفتوحات لم تکن مع الامام المفترض طاعته،و لا بأمره و اذنه(علیه السلام).

ص:280


1- 1) الوسائل ج 11 الباب 12 من ابواب جهاد العدو
2- 2) الوسائل ج 11 الباب 12 من ابواب جهاد العدو

مع اننا عرفنا ان المعتبر-فی ملکیة الارض المفتوحة عنوة للمسلمین-هو ما اذا کان فتحها خارجا مع الامام المفترض طاعته، او کان بامره و اذنه.و اما اذا لم یکن فتحها فی الخارج کذلک فهی داخلة فی نطاق ملکیة الامام(علیه السلام)،لا الأمة،و لا فرق فی ذلک بین ان یتوفر فیها الرضا القلبی من الامام(علیه السلام)او لا؟فانه لا یکفی فی صیرورة الارض ملکا للمسلمین،ضرورة انه لا اثر للرضا المزبور ما لم یکن له مبرز فی الخارج من قول او فعل،فان الدلیل علی اعتباره ان کان صحیحة معاویة بن وهب فهی تدل بمقتضی مفهومها علی اعتبار الاذن و الامر من الامام(علیه السلام)و لازم ذلک عدم کفایة الرضا القلبی فحسب بدون الاذن.و ان کان قصور ادلة ملکیة المسلمین عن شمول الارض فیما اذا کان فتحها بدون اذن من الامام(علیه السلام)فهو بطبیعة الحال یعم ما إذا کان الامام(علیه السلام)راضیا به قلبا،و ما اذا لم یکن راضیا به کذلک أیضا.

فالنتیجة:ان وجود الرضا القلبی بالفتح خارجا لا یکفی لصیرورة الارض ملکا للمسلمین اذا لم یکن له مبرز فی الخارج.

و ثالثا:علی تقدیر تسلیم ان الرضا القلبی من الامام(علیه السلام) بالفتح یکفی فی صیرورة الارض ملکا للأمة إلا انه لا طریق لنا الی احرازه،حیث ان توهم احرازه انما هو علی اساس ان تلک الفتوحات بما انها تمنح الإسلام هیبة و سیطرة-مادیة و معنویة-فلأجل ذلک تستلزم رضا اللّه تعالی،و رسوله(صلی الله علیه و آله)،و أولو الامر بها.و لکن الکلام انما هو فی ثبوت هذه الملازمة،و هی غیر ثابتة،لوضوح انه لا ملازمة بین محبوبیة شیء و محبوبیة مقدمته،فیمکن ان یکون الشیء محبوبا لدی اللّه تعالی،و لکن مقدمته کانت مبغوضة عنده فلا یرضی

ص:281

ان یؤتی بتلک المقدمة لأجل الاتیان بذلک الشیء.

و فیما نحن فیه و ان کان تأیید الدین الاسلامی و توسعته محبوبا لدی الائمة(علیه السلام)الا انه لا یستلزم ان تکون تلک الفتوحات أیضا محبوبة علی اساس انها مقدمة له،اذ یمکن ان تکون تلک الفتوحات مبغوضة باعتبار ان فیها مفسدة رغم ان ما یترتب علیها محبوب، فالملازمة المذکورة غیر ثابتة،و علیه فکیف یمکن احراز رضا الامام (علیه السلام)بها.

هذا اضافة الی ان تلک الفتوحات لا تنسجم مع الإسلام بمحتواه الواقعی،فانها و إن کانت فی اطار الإسلام الا انها انما کانت فی اطاره اسمیا لا واقعیا علی اساس ان المتصدین للفتوحات المزبورة کانوا منحرفین عن الإسلام و خطواطه الاساسیة التی جاء بها الرسول الاعظم(صلی الله علیه و آله)بوحی من اللّه،و علیه فکیف تکون تلک الفتوحات محبوبة عند اللّه و رسوله(صلی الله علیه و آله)رغم انها توجب انتشار الإسلام بشکل منحرف عن طرقه القویمة و خطوطه الاصیلة الواقعیة.

الرابع:ان الفتوحات المذکورة بما ان امرها یدور بین ان تکون علی وجه صحیح کما اذا کانت باذن الامام(علیه السلام)او علی وجه باطل کما اذا لم تکن مع الامام المفترض طاعته،و لا باذن منه ففی مثل ذلک لا بد من حملها علی الصحیح.

و الجواب عنه:انه لا یمکن حمل تلک الفتوحات علی الوجه الصحیح،لان ذلک انما یرتکز علی اساس ان یکون الخلفاء و الولاة الذین یقومون بالفتوحات المزبورة منسجمین مع الائمة(علیه السلام)- بان یکونوا دائما بصدد ان تکون فتوحاتهم فی کل عصر بمشورتهم (علیهم السلام)و اذنهم-فعندئذ لو شک فی مورد ان الفتح فیه کان

ص:282

باذن الامام(علیه السلام)أم لم یکن حمل علی الصحیح من باب ظهور الحال،و الفرض انهم لیسوا منسجمین مع الائمة الاطهار(علیه السلام)کیف حیث انهم کانوا معارضین لهم تمام المعارضة،و کانوا بصدد محو آثارهم نهائیا عن دنیا الإسلام،و مع ذلک کیف یمکن حمل تلک الفتوحات علی انها کانت فی کل عصر باذن الامام(علیه السلام)و مشورته.

فالنتیجة فی نهایة المطاف:انه لا یمکن اثبات ان الفتوحات الواقعة بعد النبی الاکرم(صلی الله علیه و آله)انما هی واقعة باذن الامام(علیه السلام) و امره،فاذن-علی اساس ما ذکرناه من اعتبار الاذن من ولی الامر فی ملکیة المسلمین للأرض المفتوحة عنوة-یکون جمیع الاراضی التی فتحت بعد النبی الاکرم(صلی الله علیه و آله)ملکا للإمام(علیه السلام)لا للأمة.

و من ذلک یظهر حال ارض العراق او ما شاکلها التی عبر عنها بارض السواد،فانه لا یمکن الحکم بکونها ملکا عاما للمسلمین، حیث لم یکن فتحها فی زمان النبی الاکرم(صلی الله علیه و آله)بل کان فی العقد الثانی من الهجرة،و قد تقدم انه لم یثبت کونه بمشورة من أمیر المؤمنین(علیه السلام)و اذنه.

و ما هو المشهور بین الاصحاب-من ان ارض العراق او ما شاکلها ملک للأمة-مبنی علی احد امرین:

الاول عدم اعتبار الاذن من الامام(علیه السلام)فی ذلک و قد عرفت اعتباره فی ضمن البحوث السالفة.

الثانی:اثبات الاذن باحد الوجوه المتقدمة،و لکن قد عرفت عدم تمامیة شیء منهما.

الی هنا قد استطعنا ان نخرج بهذه النتیجة:و هی انه لا تترتب علی البحث التطبیقی أیة ثمرة عملیة،فان الارض المفتوحة عنوة

ص:283

کأرض العراق او نحوها سواء أ کانت ملکا للمسلمین أم کانت ملکا للإمام(علیه السلام)فأمرها بیده(علیه السلام)و له ان یتصرف فیها بما یری من تقبیل و اجارة،و نحوهما بلا فرق بین نوعین من الملک اصلا،کما ان له(علیه السلام)ان یصرف حاصلها و نتاجها فی مصالح المسلمین او مصالح الدولة التی ترجع بالتالی الی مصالح المسلمین،فلا ثمرة من هذه الناحیة بین کون تلک الاراضی ملکا للمسلمین،و کونها ملکا للإمام(علیه السلام)هذا من جانب.

و من جانب آخر:انها علی تقدیر کونها ملکا للمسلمین فقد عرفنا انها ظلت فی نطاق ملکیتهم،و لا تنقطع علاقتهم عنها نهائیا بعد الخراب،لما مر بنا فی ضمن البحوث السالفة من ان العلاقة بالارض إذا کانت علی مستوی الملک لم تنقطع عنها بالخراب،و لا بقیام غیره باحیائها،کما قد مر بنا انه لا فرق فی دخول الارض فی نطاق ملکیة المسلمین بین کونها عامرة او مواتا فلا فرق من هذه الناحیة أیضا بین کونها ملکا للأمة او ملکا للإمام،فانها علی کلا التقدیرین لا تخرج عن ملک صاحبها،لا بعد الخراب،و لا بعد قیام غیره باحیائها کما تقدم.

و من هنا لا داعی للبحث باکثر و اوسع من ذلک فی مجال التطبیق و التشخیص بین نوعین من ملکیة الارض اصلا.

النقطة العاشرة

ان الخراج الموضوع علی الارض بتقبیل و اجارة من قبل ولی

المسلمین یتبع الارض فی نوع الملک.

فان کانت الارض ملکا عاما

ص:284

للأمة فالخراج أیضا کذلک.و ان کانت ملکا للإمام(علیه السلام)فالخراج أیضا ملکا له(علیه السلام)هذا.

و لکن قد عرفت انه لا ثمرة بین نوعین من الملک اصلا علی اساس ان امرهما بید الامام(علیه السلام)فله ان یصرف ما هو ملک للمسلمین فی مصارف الدولة و نفقات الحکومة اذا رأی فی ذلک مصلحة، و بالعکس.هذا من ناحیة.

و من ناحیة اخری لا شبهة فی انه یجب علی المتقبلین دفع الخراج الی الامام(علیه السلام).

و انما الکلام و الاشکال فی وجوب دفعه الی السلطان الجائر.

فذهب جماعة الی وجوب دفعه الیه:منهم الشهیدان:قال- الشهید الثانی(قده)فی المسالک فی باب الارضین:و ذکر الاصحاب انه لا یجوز لأحد جحدها،و لا منعها،و لا التصرف فیها بغیر اذنه، بل ادعی بعضهم الاتفاق علیه الی ان قال:ظاهر الاصحاب ان الخراج و المقاسمة لازم للجار حیث یطلبه او یتوقف علی اذنه.

و لکن الصحیح:عدم وجوب دفعه الیه

و الوجه فیه ان ما هو ثابت-بمجموعة من النصوص التی تقدمت- هو جواز تقبل الارض من السلطان الجائر.و اما وجوب دفع الاجرة و الخراج الیه فلا دلیل علیه،بل لا یجوز ذلک اذا علم انه لم یقم بصرفه فی موارده کما هو الغالب،لفرض انه ملک المسلمین فلا بد من صرفه فی مصالحهم العامة،و علی ذلک فیجب علیهم دفعه الی الامام(علیه السلام)ان امکن،و الا فیتولی بنفسه صرفه فی مصالح الامة.

و کذا الحال فی المقاسمة و الزکوات،فانه لا یجوز دفعهما الی الجائر باعتبار انه یصرفهما فیما هو مصلحته،لا فیما فیه مصلحة

ص:285

المسلمین و الفقراء.

و من هنا:قد ورد فی بعض الروایات النهی عن اعطاء الزکاة للجائر و هو صحیحة عیص بن القاسم عن ابی عبد اللّه(علیه السلام)فی الزکاة قال:(ما اخذوا منکم بنو امیة فاحتسبوا به،و لا تعطوه شیئا ما استطعتم)الحدیث (1).

النقطة الحادیة عشرة

قد تقدم منا:فی ضمن البحوث السالفة ان لکل فرد من

المسلمین ان یمارس حقه فی الانتفاع بالاراضی المفتوحة عنوة،

و انه حر فی ممارسة أی لون من الوان الانتاج منها و الانتفاع بها،و لکن کل ذلک لا بد ان یکون فی ضمن الخطوط التی رسمت من قبل ولی الامر او الدولة فی دائرة الشرع،و لا یجوز التعدی و التجاوز عن تلک الخطوط نهائیا علی اساس ان التجاوز و التعدی عنها یوجب تضییع حقوق الآخرین،و المنع عن الانتفاع بها.

و هذا یتنافی مع العدالة الاجتماعیة التی یهتم الإسلام بها،و یؤمن بضرورة ایجادها بین طبقات الامة.و من الطبیعی ان تحقق تلک العدالة فی المجتمع الاسلامی لا یمکن الا علی اساس حریة الافراد فی ممارسة حقوقهم فی الانتفاع بها علی ضوء دائرة الخطوط المزبورة، و عدم التعدی عنها یمنة و یسرة،اذ لو کان کل فرد حرا فی التصرف

ص:286


1- 1) الوسائل ج 6 الباب 20 من ابواب المستحقین للزکاة الحدیث 2.

فیها ما شاء و اراد بحسب ما لدیه من المکنة و القوة بشکل مطلق لا وجب ذلک عدم العدالة الاجتماعیة لا محالة.

و من هنا:کان علی ولی الامر او الدولة وضع الخطوط التی اشرنا الیها آنفا لتصرفات الافراد فیها لکی یتحفظ بها علی حقوق الجمیع من ناحیة،و علی التوازن و العدالة الاجتماعیة بین افراد الامة من ناحیة اخری.

و تفصیل الکلام فی ذلک قد سبق بشکل موسع

النقطة الثانیة عشرة

الارض المفتوحة عنوة اذا کانت عامرة طبیعیا کالغابات و نحوها

فلا شبهة فی انها تصبح ملکا عاما للمسلمین

اذا کان استیلاء الکافر علیها متقدما زمنیا علی تاریخ نزول آیة الانفال،و ذلک لا من ناحیة ان الکافر یملک تلک الارض بالاستیلاء و السیطرة علیها،لما سیجیء فی ضمن البحوث القادمة من ان الاستیلاء علی الارض لا یبرر حقا للمستولی فیها،فان ما هو مبرر للحق فیها انما هو بذل العامل الجهد و العمل فیها.

و علیه فان کانت الارض مواتا فالعامل بما انه یخلق فیها فرصة للانتفاع بها علی اساس قیامه بعملیة الاحیاء من ناحیة و علی ضوء ان کل فرد یملک نتیجة عمله من ناحیة أخری فیملک العامل تلک الفرصة فیها، و علی اثر تملکه لها یحصل علی صلة برقبة الارض.

و اما اذا کانت الارض عامرة بطبیعتها فلا یخلق العامل فیها شروطا و فرصة للاستفادة منها و الانتفاع بها،فان تلک الشروط

ص:287

و الفرصة متوفرة فیها قبل قیام العامل بالانتفاع بها،و العامل انما یمارس فی زراعتها او نحوها،و نتیجة عمله هی الزرع فهو یملک ذلک،لا الارض،و لا الصفة الموجودة فیها علی اساس ان شیئا منهما لیس نتیجة عمله و جهده.

نعم حقه فیها ما دام یواصل فی زراعتها و یمارس فی الانتفاع بها،و لیس لآخر ان یمنعه عن ذلک و یزاحمه فیه،بل من ناحیة ما تقدم من ان ملاک ملکیة المسلمین للأرض هو انتزاعها من سیطرة الکافر و استیلائه علیها خارجا و ان لم تکن للکافر علاقة بها،لا علی مستوی الملک،و لا علی مستوی الحق.

و اما اذا کان استیلاء الکافر علیها بعد تاریخ نزول الآیة فهل هی تصبح ملکا للمسلمین او انها ظلت فی ملک الامام(علیه السلام)؟ فیه وجهان؛ظاهر اکثر الفقهاء هو الوجه الثانی،حیث انهم لا یرون الفرق بین الارض الموات بالاصالة،و الارض العامرة طبیعیا،فکما ان الاولی داخلة فی نطاق ملکیة الامام(علیه السلام)فکذلک الثانیة علی اساس دخولهما فی العام الفوقی-و هو ان کل ارض لا رب لها فهی للإمام(علیه السلام)-هذا.

و الصحیح:هو الوجه الاول،و النکتة فیه ما تقدم منافی ضمن الابحاث السالفة من ان نصوص مالکیة المسلمین فی مثل المقام تتقدم علی نصوص مالکیة الامام(علیه السلام)علی اساس انها اما ان تکون محکومة بنصوص مالکیة المسلمین،او لا موضوع لها معها.

فالنتیجة فی نهایة المطاف:انه لا فرق بین الارض الموات بالاصالة،و الارض العامرة بطبیعتها،فکما ان الاولی تدخل فی ملک المسلمین بعد الفتح مسلحا،فکذلک الثانیة بدون فرق بین ان

ص:288

یکون استیلاء الکافر علیها قبل تاریخ نزول الآیة او بعده.

و من ذلک:یظهر حال ما اذا کان تاریخه بالاضافة الیه مجهولا، فانه لا اثر له علی اساس ذلک نهائیا حتی یجری الاستصحاب و یسقط بالتعارض،فان الاثر له انما هو فی فرض بقاء الارض فی ملک الامام(علیه السلام)اذا کان استیلاء الکافر علیها بعد التاریخ المزبور،و لم تنتقل الی ملک المسلمین بالفتح مسلحا.و لکن قد عرفت ان الامر لیس کذلک.

ص:289

ص:290

3- الارض المسلمة بالدعوة

اشارة

الارض المسلمة بالدعوة

مجموعة دراسات و بحوث یدرس فیها اقسامها و ما یترتب علیها من الاحکام و الآثار علی ضوء الشریعة الاسلامیة المقدسة

ص:291

ص:292

الارض المسلمة بالدعوة

یقع الکلام فیها من جهات عدیدة:

اشارة

الأولی:ما إذا کانت الأرض المزبورة مواتا.

الثانیة:ما اذا کانت عامرة بجهد بشری.

الثالثة:ما إذا کانت عامرة بطبیعتها.

أما الجهة الأولی: ما إذا کانت الأرض المزبورة مواتا

فان کان اسلام أهلها علیها طوعا متقدما زمنیا علی تاریخ نزول آیة الانفال فحینئذ ان ظلت الارض مواتا إلی ذلک التاریخ دخلت فی نطاق ملکیة الامام(علیه السلام)و قیام اهلها بعد ذلک بعملیة احیائها و عمرانها لا یمنحهم علاقة بها علی مستوی الملک و انما یمنحهم علاقة بها علی مستوی الحق،لما تقدم فی ضمن البحوث السالفة من ان عملیة الاحیاء فی الأرض التی هی ملک للإمام(علیه السلام)لا تورث تملک المحیی لرقبتها و انما تورث له الاختصاص بها علی مستوی الحق.

و اما اذا لم تظل الارض مواتا إلی ذلک التاریخ-بان کان اهلها قائمین بعملیة احیائها و عمارتها قبله زمنیا-فهی لا محالة توجب علاقتهم بها علی مستوی الملک،و ذلک لما سبق فی خلال البحوث المتقدمة من ان احیاء الارض اذا کان قبل تشریع ملکیة الامام(علیه السلام)للأنفال یورث تملک المحیی لرقبتها،و علیه فالارض ظلت فی ملکیتهم، و سوف نشیر الیه فی الجهة الثانیة أیضا.

و ان کان تاریخ اسلامهم علیها طوعا متأخرا زمنیا عن تاریخ نزول الآیة فالارض ظلت فی ملکیة الامام(علیه السلام)اذ لا موجب لانقطاع علاقة الامام(علیه السلام)عنها ابدا،و اسلامهم لا یوجب منحهم الملکیة،کما

ص:293

سیجیء بحثه فی ضمن الجهات القادمة.

و اما الجهة الثانیة:-و هی ان الارض التی اسلم علیها أهلها طوعا

کانت عامرة بشریا

-ففیها تارة یفرض تقدم عمرانها علی التاریخ الزمنی لتشریع مالکیة الامام(علیه السلام)للأنفال.و اخری یفرض تأخر عمرانها عن التاریخ الزمنی لتشریعها.و ثالثة یفرض الجهل بالتاریخ الزمنی له.

اما علی الفرض الاول.فلا شبهة فی ان الارض تبقی فی ملکیة اهلها،ضرورة انه لا موجب لانقطاع علاقتهم عنها نهائیا،و اندراجها فی ملکیة الامام(علیه السلام)،فان اندراجها فی نطاق ملکیته(علیه السلام)یقوم علی أساس ان تکون الارض مواتا لدی تاریخ نزول آیة الانفال، و الفرض انها کانت عامرة فی هذا التاریخ.و من الطبیعی ان اسلام أهلها علیها طوعا فی هذا الفرض یوجب التحفظ علی ملکیتهم لها، لأن موضوع حرمة مال المسلم یتحقق بإسلامهم،اذ به یحقن الدم و المال،و لا یعقل أن یکون اسلامهم سببا لخروج ارضهم عن ملکیتهم بعد ما کانت ملکا لهم بسبب الاحیاء او نحوه قبل اعتناقهم بالاسلام، و قد تقدم ان احیاء الکافر الارض یوجب تملکه لرقبتها اذا کان قبل تاریخ تشریع ملکیة الامام(علیه السلام)للأنفال،و الفرض ان الأمر کذلک فیما نحن فیه

و أما علی الفرض الثانی:فالارض حیث کانت مواتا فی عصر تشریع ملکیة الانفال للإمام(علیه السلام)فهی بطبیعة الحال تدخل فی نطاق ملکیته(علیه السلام)بعد هذا التشریع.

و انما الکلام:فی ان قیام الکافر باحیائها بعده هل یؤدی إلی ثبوت حق له فیها فاذا اسلم علیها طوعا ظل حقه هذا قائما بها اولا؟

ص:294

فیه وجهان:

الظاهر هو الوجه الثانی:و ذلک لما تقدم فی خلال الابحاث الماضیة من ان احیاء الکافر للأرض التی هی ملک للإمام(علیه السلام) کما لا یوجب تملکه لرقبتها،کذلک لا یؤدی إلی ثبوت حق له فیها.هذا من ناحیة.

و من ناحیة أخری:هل یملک الکافر الارض باسلامه علیها طوعا بعد ما لم یکن مالکا لها حال کفره؟فیه وجهان:

قد یستدل علی الوجه الاول:بعدة أمور:

الأول:باطلاق قوله(علیه السلام)فی صحیحة ابی نصر المتقدمة(من اسلم طوعا ترکت ارضه بیده و اخذ منه العشر و نصف العشر)علی اساس انه یشمل صورة تأخر عمران الارض زمنیا عن تاریخ تشریع ملکیة الامام(علیه السلام)للأنفال فیدل علی انها ترکت بیده بسبب اسلامه علیها طوعا.

و ربما یناقش فی الصحیحة بضعف السند علی اساس ان فی طریق الشیخ الی احمد بن محمد بن عیسی هو احمد بن محمد بن یحیی العطار،و هو ممن لم یثبت توثیقه فلأجل ذلک لا اعتبار بها.

و الجواب عن ذلک ان احمد بن محمد بن یحیی العطار و إن کان واقعا فی بعض طریق الشیخ إلی احمد بن محمد بن عیسی إلا ان له طریقا آخر الیه و هو صحیح،و قد رواه جمیع کتبه من هذا الطریق الصحیح،کما بینه سیدنا الاستاذ دام ظله فی کتابه معجم رجال الحدیث

فالنتیجة:ان الروایة معتبرة من ناحیة السند،و انما الکلام فی دلالتها

ص:295

برای ادامه مشاهده محتوای کتاب لطفا عبارت امنیتی زیر را وارد نمایید.

ص:

یکون عمرانها بعد ذلک التاریخ-فان مقتضی اطلاق الصحیحة هو انها تدخل فی ملک من أسلم علیها طوعا.و مقتضی اطلاق هذه المجموعة هو أنها ظلت فی ملک الامام(علیه السلام)،و بما إنه لا ترجیح لأحد الاطلاقین علی الاطلاق الآخر فیسقطان معا فیرجع حینئذ إلی استصحاب بقاء ملکیة الارض للإمام(علیه السلام)حیث انها کانت ملکا له(علیه السلام)قبل اسلام اهلها طوعا،و بعده شک فی بقائها فی ملکها فیستصحب بقائها فیه،و عدم دخولها فی ملک من اسلم علیها طوعا.

و مع الاغماض عن هذا الاصل لا مانع من الرجوع الی المجموعة الأخری من النصوص:و هی التی جاءت:بهذه العبارة(کل أرض لا رب لها فهی للإمام)(علیه السلام)فان هذه الارض بعد سقوط الاطلاقین و فرض عدم الاصل العملی فی المقام قد اصبحت مما لا رب لها فتدخل فی کبری هذه المجموعة-بعد ضم الاصل الموضوعی الیها-.

الثانی:بمجموعة من النصوص الدالة علی ان بالاسلام حقنت الدماء و الاموال،بتقریب انها تدل علی ان اسلام الکافر علی أرض طوعا یوجب منحه ملکیتها.

و الجواب عن ذلک:ان هذه النصوص تصنف إلی مجموعتین:

احداهما:تتکفل ان بالاسلام حقنت الدماء.

و الاخری:تتکفل ان بالاسلام حقنت الدماء و الاموال،

أما المجموعة الاولی:فهی و ان کانت نصوصا معتبرة.

منها:قوله(علیه السلام):فی موثقة سماعة(الإسلام شهادة ان لا إله إلا اللّه و التصدیق برسول اللّه(صلی الله علیه و آله)و به حقنت الدماء) (1).

و منها:قوله(علیه السلام):فی صحیحة فضیل بن یسار(الإسلام

ص:297


1- 1) أصول الکافی ج 2 باب الکفر و الایمان.

ما علیه المناکح و الموارث و حقن الدماء) (1).

و منها:قوله(علیه السلام):فی صحیحة حمران بن اعین(و به-الإسلام- حقنت الدماء) (2).

إلا انها اجنبیة عما نحن فیه:لأنها لا تدل علی ان بالاسلام حقن المال و انما تدل علی ان به حقنت الدماء،و من الواضح انه لا ملازمة بین کون الإسلام موجبا لحقن الدم و کونه موجبا لحقن المال،فلو کنا نحن و هذه المجموعة من النصوص لم یکن بوسعنا الحکم بحقن مال الکافر اذا اسلم،و انما نحکم بمقتضی هذه المجموعة بحقن دمه فحسب.

نعم قد ثبت بمقتضی مجموعة اخری من النصوص احترام مال المسلم و حقنه و هی التی تقول:(لا یحل مال امرء مسلم إلا بطیب نفسه)و لکن لا ینتج-ضم هذه المجموعة الی تلک المجموعة-ما هو المقصود من الاستدلال بها-و هو کون اسلامه سببا لمنحه ملکیة الارض التی لم یکن مالکا لها حال کفره و حربه-و إنما ینتج ان اسلامه یؤثر فی حقن دمه و ماله الذین کانا مهدورین فی تلک الحال، و هذا هو نقطة الفرق بین حال کفره و حال اسلامه،فمن مظاهر الاول مهدوریة دمه و ماله،و من مظاهر الثانی محقونیتهما،فالمستفاد من ضم المجموعة الثانیة الی المجموعة الاولی انما هو ذلک،و لا اشعار فیه فضلا عن الدلالة علی ان من مظاهر اسلامه طوعا منحه ملکیة الارض التی لم تکن داخلة فی نطاق ملکیته حال کفره و حربه.

و اما المجموعة الثانیة:فهی بأجمعها ضعیفة سندا فلا یمکن الاعتماد علی شیء منها،و بقطع النظر عن ذلک فهی بأجمعها قاصرة من ناحیة

ص:298


1- 1) اصول الکافی ج 2 باب الکفر و الایمان.
2- 2) اصول الکافی ج 2 باب الکفر و الایمان.

الدلالة،و ذلک لأن مدلول هذه المجموعة هو ان من مظاهر الإسلام حقن الدماء و الاموال و حرمتهما،و من مظاهر الکفر مهدوریة الدماء و الاموال و اباحتهما،فما یکون مهدورا و مباحا فی حال کفره و محاربته للإسلام فهو محقون و حرام فی حال اسلامه و اعتناقه به.

و لا تدل بوجه علی ان ما لا تکون للکافر علاقة به اصلا لا علی مستوی الملک و لا علی مستوی الحق فاظهاره الإسلام یمنحه علاقة به علی مستوی الملک،بل لا اشعار فی تلک المجموعة بذلک فضلا عن الدلالة.و فیما نحن فیه بما ان الارض التی هی بید الکافر ملک للإمام(علیه السلام)و لا تکون للکافر علاقة به اصلا فلا تکون مشمولة لها علی اساس ما عرفنا.

الثالث:باستقرار سیرة النبی الاکرم(صلی الله علیه و آله)علی ترک الارض بید اهلها اذا اسلموا علیها طوعا من دون ان یطالبهم بالطسق بغیر تفصیل بین تقدم عمرانها زمنیا علی تاریخ تشریع ملکیة الامام(علیه السلام) للأنفال و تأخره کذلک عنه.و من الطبیعی ان ذلک یدل علی ان اسلام الکافر یمنح ملکیة الارض له.

و الجواب عنه ان السیرة و ان کانت ثابتة إلا انها لا تدل بوجه علی ان اسلام الکافر طوعا علی ارض یوجب منحه ملکیة الارض،ضرورة انه لیس فی سیرة النبی الاکرم(صلی الله علیه و آله)إلا ترک الارض بید اهلها.

اذا اسلم علیها طوعا،و من الطبیعی انه لا یکون فی مجرد ذلک اشعار بتملکه لرقبة الارض بسبب اظهاره الإسلام،اذ یمکن ان تظل رقبة الارض فی ملک النبی الاکرم(صلی الله علیه و آله)و لکنه رغم ذلک اباح التصرف له فیها مجانا،لأجل تشرفه بالاسلام.کما یمکن ان یکون ذلک بتملیکه(صلی الله علیه و آله)الارض له علی اساس ان امرها بیده،و له ان

ص:299

یتصرف فیها بما یری،فکل ذلک محتمل،و لا یتعدی عن حدّ الاحتمال،و علیه فالمحتملات فی المقام ثلاثة:

الاول:ان یمنح اسلام الکافر طوعا ملکیة الارض له.

الثانی:ان یبیح النبی الاکرم(صلی الله علیه و آله)التصرف له فیها من دون وضع طسق علیها رغم ان رقبتها ظلت فی ملکه.

الثالث:ان یکون ذلک بتملیک النبی الاکرم(صلی الله علیه و آله)الارض له

و اما السیرة المذکورة فهی لا تدل علی شیء من هذه المحتملات فان ترک الارض بیده کما ینسجم مع الاحتمال الاول و الثالث، ینسجم مع الاحتمال الثانی،و لیس فیها ما یصلح ان یکون قرینة علی تعیین الاحتمال الاول او الثالث.

و دعوی-ان عدم فرض الطسق علیها فی السیرة قرینة علی ان الارض تصبح ملکا لمن اسلم علیها طوعا:اما من ناحیة تملیک النبی الاکرم(صلی الله علیه و آله)لها او من ناحیة ان اسلامه یمنحه ملکیة الارض، فانها لو ظلت فی ملک الامام(علیه السلام)لم یکن مبرر لعدم وضع الطسق علیها،لأن الفارق بین النوعین من الملک أعنی-ملک الامام(علیه السلام) و ملک من اسلم علیها طوعا-انما هو فی وجوب الطسق علیها و عدم وجوبه.

-خاطئة جدا:و ذلک لان مجرد عدم وجوب الخراج و الطسق علیها لا یکون دلیلا علی ملکیة الارض له،لما تقدم فی ضمن البحوث السالفة من ان للإمام(علیه السلام)ان یعفو عن الطسق و الخراج اذا رأی فی ذلک مصلحة،کما هو الحال بالاضافة الی الشیعة،حیث قد ابیح لهم التصرف فیها مجانا رغم ان الرقبة باقیة فی ملک الامام(علیه السلام)، و لعل المقام کذلک،بل هو الظاهر بمناسبة الحکم و الموضوع علی اساس ان

ص:300

عدم وجوب الطسق علی من اسلم علیها طوعا یمهد الطریق الی الاعتناق بالاسلام و المیل الیه.

و علی الجملة:فالثابت فی سیرة الرسول الاعظم(صلی الله علیه و آله)انما هو عدم اخذ الطسق ممن اسلم علی الارض طوعا،و من الطبیعی ان مجرد ذلک لا یکون دلیلا علی انها تصبح ملکا له،اذ کما یحتمل ذلک، یحتمل ان یکون ذلک امتنانا منه(صلی الله علیه و آله)علیه،فالسیرة لا تدل علی شیء منهما.

الی هنا قد انتهینا الی هذه النتیجة:و هی انه لا دلیل علی ان اسلام الکافر علی الارض طوعا یمنحه ملکیة الارض،و لو شک فی ذلک فالمرجع الاصل العملی-و هو استصحاب بقاء الارض فی ملک الامام(علیه السلام)-.

الرابع:دعوی الاجماع علی ملکیة الارض لمن اسلم علیها طوعا مطلقا ای-بلا فرق بین تقدم عمرانها علی تشریع ملکیة الامام(علیه السلام) للأنفال و تأخره عنه-.

و الجواب عنه:انه علی تقدیر ثبوت الاجماع فهو اجمال منقول و لا دلیل علی حجیته،و لا سیما فی المقام،لاحتمال ان یکون مدرکه احد الوجوه المتقدمة.و مع هذا الاحتمال لا یکون کاشفا عن قول المعصوم(علیه السلام).

فالنتیجة فی نهایة المطاف:انه لا دلیل علی منح الإسلام ملکیة الارض لمن اسلم علیها طوعا،فاذن لا بد من التفصیل بین ما کان عمران الارض متقدما زمنیا علی تاریخ تشریع ملکیة الانفال للإمام(علیه السلام)و ما کان عمرانها متأخرا عنه کذلک،فعلی الاول و ان کانت الارض ملکا له إلا ان ملکیته لها انما هی بالسبب السابق،

ص:301

لا من ناحیة اسلامه علیها طوعا.و علی الثانی فهی ملک للإمام(علیه السلام) و لکن بالرغم من ذلک فقد منحه الامام(علیه السلام)حق التصرف فیها و الانتفاع بها و ترکها بأیدیه من جهة تشرفه بالاسلام و اعتناقه به.

و اما علی الفرض الثالث فتارة یفرض الجهل بتاریخ کلیهما معا، و اخری بتاریخ احدهما دون الآخر،و علی کلا التقدیرین لا مانع من استصحاب عدم حدوث کل منهما فی زمان حدوث الآخر فی حد نفسه اذا کان لکل منهما اثر شرعی کما هو المفروض فی المقام، فان ملکیة الارض للکافر مترتبة علی استصحاب عدم تشریع ملکیة الانفال للإمام(علیه السلام)الی زمان قیامه بعمرانها،کما ان ملکیتها للإمام(علیه السلام)مترتبة علی استصحاب عدم عمرانها الی زمان تشریع ملکیته(علیه السلام)لها،و بما انه لا یمکن الجمع بین الاستصحابین معا فلا محالة یسقطان فیرجع إلی العام الفوقی و هو قوله(علیه السلام)کل أرض لا رب لها فهی للإمام(علیه السلام)،فان مقتضاه-بعد ضم الاستصحاب الموضوعی الیه-هو کون الارض ملکا للإمام(علیه السلام).

و اما الجهة الثالثة:-و هی ما اذا کانت الارض عامرة طبیعیا

- فیقع الکلام فیها مرة فیما إذا کان عمل الکافر فیها و استثماره لها قبل التاریخ الزمنی لتشریع ملکیة الانفال للإمام(علیه السلام).و اخری بعده.و ثالثة فیما اذا کان تاریخهما او تاریخ احدهما مجهولا.

اما الفرض الاول:فان عمله فیها و ممارسته الانتفاع بها-لا یمنحه أیة علاقة برقبتها،لا علی مستوی الملک،و لا علی مستوی الحق علی اساس انه لا یخلق رقبتها،و لا صفة فیها-و هی الحیاة-لفرض ان حیاتها مستندة الی طبیعتها،لا الی جهد بشری.و لکن رغم ذلک انه ما دام یواصل فی الانتفاع بها بزراعة او نحوها کان احق بها من

ص:302

غیره فی استغلالها و استثمارها،و لا یجوز لغیره ان یزاحمه فیه.

و اما اذا ترک الانتفاع بها فیسقط حقه عنها نهائیا،و یجوز لآخر ان یقوم باستغلالها و الانتفاع بها.

و هذا بخلاف الاحیاء فی الارض المیتة،فان المحیی باحیائه الارض یخلق فیها شرطا و فرصة للانتفاع بها و الانتاج منها التی لم تکن متوفرة فیها قول هذه العملیة و انما نتجت منها،فالمحیی علی ضوء ان کل عامل فیها یملک نتیجة عمله یملک تلک الشروط و الفرصة،و علی اساس ذلک یحصل علی حق فی رقبتها ما دامت تلک الفرصة موجودة فیها و ان لم یمارس الانتفاع بها.

و علی هذا:فاذا اسلم الکافر علی تلک الارض طوعا فبمقتضی صحیحة أبی نصر المتقدمة انها ترکت بیده علی اساس ان له حقا فیها ما دام یواصل فی استثمارها غیر ان هذا الحق کان قبل اسلامه مهدورا و بعده اصبح محقونا.

و اما الارض المزبورة فاذا کانت تحت استیلاء الکافر و سیطرته من دون ان یکون الکافر یمارس استغلالها و الانتفاع بها فلا تکون مشمولة للصحیحة علی اساس ان الظاهر من اضافة الارض الی الکافر فیها هو ان له علاقة بها و ان کانت تلک العلاقة فی حدود انه اولی بالانتفاع بها لدی العرف من غیره دون الاکثر.

و اما شمول سیرة النبی الاکرم(صلی الله علیه و آله)لذلک فهو أیضا غیر معلوم.

و أما الفرض الثانی:-و هو ما إذا کانت رقبة الارض ملکا للإمام(علیه السلام)-فالظاهر ان عمل الکافر فیها و ممارسته الانتفاع بها لا یمنحه أیة علاقة بها،لا علی مستوی الملک و لا علی مستوی الحق حتی فی مرتبة کونه اولی بالانتفاع بها ما دام یواصل فی عمله فیها،و ذلک

ص:303

لما ذکرناه فی ضمن البحوث السالفة من انه لم یثبت اذن عام من الامام(علیه السلام)بالتصرف فی اراضی الدولة لکل فرد.و من هنا قلنا ان عملیة الاحیاء اذا کانت من الکافر لم تنتج حقا فیها فضلا عن الملک،و کذا الحال بالاضافة الی عملیة الاستثمار و الانتفاع فی الارض المزبورة،فانها لا تمنحه حق الاولویة بالاستفادة منها.هذا من ناحیة.

و من ناحیة اخری:ان الکافر إذا اسلم علی تلک الارض طوعا فهل ترکت بیده علی اساس الصحیحة المتقدمة؟فیه وجهان:

الظاهر هو الوجه الاول:و ذلک لأن صدق الاضافة المزبورة لا یتوقف علی ان تکون للکافر علاقة بها شرعا و لو علی مستوی الحق، بل یکفی فی صدقها ادنی مناسبة و لو کانت عرفیة،و من الطبیعی ان استغلال الکافر و استثماره لها و ان لم یؤد الی وجود حق فیها شرعا إلا انه لا شبهة فی ان ذلک یکفی لتحقق تلک الاضافة لدی العرف.

و ان شئت قلت:ان الکافر بالرغم من انه لا یملک أی حق فیها لدی الشرع یعتبر لدی العرف و العقلاء أولی من غیره و احق بها من الآخرین،و من الواضح ان هذه الاولویة کافیة لصحة الاضافة المزبورة علی اساس ان الاضافة فی الصحیحة انما هی باعتبار من العرف

هذا اضافة الی ان سیرة النبی الاکرم(صلی الله علیه و آله)قد استقرت علی ترک الاراضی-التی کانت موردا لانتفاع الکفار بها و استفادتهم عنها اذا اسلموا علیها طوعا-بأیدیهم و ان لم تکن لهم أیة علاقة بها شرعا.

و اما الفرض الثالث:-و هو صورة الجهل بالتاریخ-فقد ظهر مما ذکرناه ان الاصل یجری فی کل من الحادثین فی زمان الآخر فی حد نفسه،حیث انه یترتب علی استصحاب عدم تشریع ملکیة الانفال للإمام(علیه السلام)الی زمان استغلال الکافر لتلک الارض و استثماره لها

ص:304

عدم دخولها فی نطاق ملکیته(علیه السلام)،کما انه یترتب علی استصحاب عدم استغلال الکافر و استثماره لها الی زمان تشریع ملکیة الانفال للإمام(علیه السلام)عدم وجود حق له فیها.

و بما انه لا یمکن الجمع بین مقتضی کلا الاستصحابین فیسقطان معا و یرجع الی العام الفوقی-و هو قوله(علیه السلام)کل ارض لا رب لها فهی للإمام(علیه السلام)-و مقتضاه بعد ضم الاستصحاب الموضوعی الیه هو ان الارض المزبورة ملک للإمام(علیه السلام).

نتیجة هذا البحث عدة خطوط:

الأول:ان اسلام الکافر علی الارض طوعا لا یوجب منحه ملکیة

الارض،

فان کانت ملکا له بسبب سابق فاسلامه انما یوجب حرمتها بعد ما کانت مهدورة حال کفره.

الثانی:ان فی فرض الجهل-بتاریخ کل من تشریع ملکیة الانفال

للإمام(علیه السلام)و عمران الارض،

او تاریخ احدهما-و إن کان الاصل جاریا فی نفسه إلا انه یسقط من جهة المعارضة،و بعد السقوط یحکم بمقتضی العام الفوقی بعد ضم الاصل الموضوعی الیه ان الارض ملک للإمام(علیه السلام).

الثالث:ان الارض العامرة طبیعیا اذا کانت مأخوذة من الکافر

عنوة فقد دخلت فی ملک المسلمین

بدون فرق بین ان یکون عمل الکافر فیها قبل تاریخ تشریع ملکیة الانفال للإمام(علیه السلام)او بعده

الرابع:ان اسلام الکافر علی الارض العامرة بطبیعتها طوعا

لا یوجب منحه ملکیتها

و ان قلنا بان عمل الکافر فیها یوجب إیجاد حق له فیها،

ص:305

الخامس:ان فی فرض الجهل بالتاریخ و ان کان الاصل یجری فی کل

من الحادثین فی نفسه

إلا انه یسقط من جهة المعارضة،و بعده یحکم بکون الارض ملکا للإمام(علیه السلام)بمقتضی العام الفوقی بضمیمة الاصل الموضوعی

ص:306

الحیازة

اشارة

مجموعة دراسات و بحوث تحلیلیة یدرس فیها المواد التالیة:

1-دور الحیازة للأرض و نتائجها

2-دور الحیازة للمناجم و المیاه الطبیعیتین و نتائجها

3-دور الحیازة للثروات و المصادر

ص:307

ص:308

دور الحیازة للأرض

اشارة

لا یمکن تملک الارض:علی اساس الحیازة و السیطرة علیها خارجا،فان منح حیازة الارض حقا فیها بحاجة الی نص شرعی، و لا نص لدی الشرع علی ذلک،و هذا القول هو المعروف و المشهور بین الأصحاب،و لا فرق فی ذلک بین الارض الموات و العامرة طبیعیا.

و ما قیل:-من ان الحیازة تلعب فی الارض العامرة بطبیعتها نفس الدور الذی تلعبه عملیة الاحیاء فی الارض الموات علی اساس ان عملیة الاحیاء غیر متصورة فیها-.

خاطئ جدا:و ذلک لأن عملیة الاحیاء و ان کانت غیر متصورة فی الارض المزبورة إلا ان ذلک لا یبرر کون الحیازة فیها تقوم بنفس ما تقوم به عملیة الاحیاء فی الارض الموات،فانه بحاجة إلی نص شرعی،و قد عرفت عدمه باعتبار ان الإسلام لم یعترف فی ضمن أی نص من نصوصه بالحیازة فیها علی اساس انها مصدر لإیجاد حق فیها، و انما اعترف الإسلام فی ضمن نصوصه التشریعیة بعملیة الاحیاء فی الارض علی أساس انها تمنح العامل حقا فیها علی ضوء القانون العام، و هو ان کل عامل فیها یملک نتیجة عمله

بل لا یمکن اعتراف الإسلام بها باعتبار انها مظهر من مظاهر القوة و التحکم علی الآخرین و تسبّب تضییع حقوقهم بمعنی عدم اتاحة الفرصة لهم للانتفاع بها،و من الطبیعی ان ذلک یضر بالعدالة الاجتماعیة التی یؤمن الإسلام بضرورة ایجادها بین طبقات الامة.

و النکتة فی ذلک:ان قیام کل فرد بالسیطرة علی مساحات کبیرة

ص:309

من الارض بما فیها من الثروات الطبیعیة انما هو عند ما توجد المنافسة علی الارض من قبل الآخرین.و اما اذا لم توجد المنافسة علیها فهو لا یفکر فی ذلک،و لا داعی یدعوه للقیام بها بعد ما کانت الارض فی خدمته فی کل حین من دون أی منافس ینافسه فیها،و هذا بخلاف عملیة الاحیاء فانه یمارس هذه العملیة سواء أ کان منافس ینافسه فیها أم لم یکن،و ذلک لأن ممارسته تلک العملیة انما تقوم علی اساس الانتفاع بها و الاستفادة منها بما یتناسب مع مستواه المعاشی و قدرته علی الاستثمار و الانتفاع بدون ان یفکر فی الحیازة و السیطرة علی مساحات کبیرة منها ابدا،و هذا هو الفارق بین حیازة الارض و احیائها.

و قد یستدل:علی ان الحیازة تمنح الملکیة بوجهین:

الاول:الاخبار الدالة علی ان من حاز ملک،فانها واضحة الدلالة علی سببیة الحیازة للملک،

الثانی:استقرار سیرة العقلاء علی ذلک:بدعوی انها ثابتة فی عصر التشریع،من دون ورود ردع عنها،و من الطبیعی ان ذلک کاشف جزمی عن امضاء الشارع لها.

و لنأخذ بالنقد علی کلا الوجهین:

أما الوجه الاول:فیرده عدم العثور علی تلک الاخبار التی نقلت بهذا النص،لا من طریق الخاصة،و لا من طریق العامة،و علیه فلا اثر لهذا الوجه اصلا.

و اما الوجه الثانی:فیرده:عدم ثبوت السیرة من العقلاء علی ذلک،بل لا یبعد ثبوتها علی خلافه،فان العقلاء حسب فطرتهم الاولیة لا یعترفون بتلک الاسباب التی تکون مظهر من مظاهر القوة

ص:310

و التحکم علی الآخرین،فانها اسباب ولّدتها الظروف الثانویة فی المجتمعات التی لا تقوم علی اساس العدل و القیم الانسانیة،و انما تقوم علی اساس مظاهر القوة و اللااخلاقیة.و من الطبیعی انه لا قیمة لتلک الاسباب،لا لدیهم،و لا لدی الإسلام نهائیا.

او فقل:ان الإسلام لم یعترف بحیازة الارض و السیطرة علیها علی اساس القوة و التحکم علی الآخرین فی میدان وجود المنافسة علیها من قبل هؤلاء،و لم یرها مصدرا لوجود حق فیها.نعم ان کانت السیطرة علیها علی اساس انفاق العمل و بذل الجهد فیها-لخلق الشروط و الفرصة للاستفادة منها و الانتفاع بها کما اذا کانت الارض میتة او لاستغلالها و الانتفاع بها کما اذا کانت حیة-فالاسلام و ان کان قد اعترف بها الا ان اعترافه بذلک فی الاولی انما هو علی اساس انها تحمل طابع الاحیاء فیها،لا طابع الحیازة و السیطرة.و فی الثانیة انما هو علی اساس العمل و الانتفاع بها فالنتیجة ان مصدر الحق فیها لدی الإسلام انما هو العمل فلا قیمة للسیطرة بدونه اصلا.

و بکلمة اخری:اننا قد اکتشفنا اعتراف الإسلام من خلال نصوصه التشریعیة،او البناء من العقلاء بهذا الاطار العام و هو ان کل عامل فی المصادر و الثروات الطبیعیة یملک نتیجة عمله-علی اختلاف نوع العمل،و نوع النتیجة-علی ضوء الشرائط المبینة فی محلها.و من هنا تختلف نتیجة عمل العامل فی الارض المیتة عن نتیجة عمله فی الارض الحیة طبیعیا علی اساس اختلاف نوع العمل فیهما.

و علی اثر ذلک:تختلف علاقة العامل بالارض المیتة عن علاقة العامل بالارض الحیة.

علی اساس ان نتیجة عمله فی الارض المیتة انما هی خلق الشروط

ص:311

فیها التی تتیح للفرد فرصة الاستفادة منها و الانتفاع بها،حیث لم تکن تلک الشروط متوفرة فیها قبل قیام العامل باحیائها،و انما هی نتجت عن عملیة الاحیاء،فالعامل علی ضوء ذلک الاطار العام یملک تلک الشروط و الفرصة فیها،و هذه الشروط انما تبرر علاقة العامل برقبة الارض علی مستوی الحق فحسب اذا کانت الرقبة داخلة فی نطاق ملکیة غیره.و اما اذا لم تکن داخلة فی ذلک و کانت من المباحات الاصلیة فالشروط المزبورة انما تبرر علاقته بها علی مستوی الملک،کل ذلک تقدم بشکل موسع فی ضمن الابحاث السالفة.

و بما ان هذه العلاقة معلولة لهذه الشروط و الفرصة فهی بطبیعة الحال ثابتة ما دامت الشروط فیها متوفرة و الفرصة متاحة سواء أ کان العامل یمارس الانتفاع بها أم لم یمارس،و اما اذا زالت تلک الشروط و الفرصة عنها فان کانت العلاقة علی مستوی الحق فقد انقطعت عنها نهائیا بمقتضی الارتکاز العرفی و إن کانت علی مستوی الملک فهی باقیة و لم تزل بزوالها علی ما تقدم مفصلا.

و اما نتیجة عمله:فی الارض الحیة بطبیعتها-فبما أنها لم تکن خلق الشروط و الفرصة للانتفاع بها،لفرض ان تلک الشروط متوفرة فیها ذاتا و بدون بذل جهد بشری و ان العامل فیها لم یخلق صفة لها ذات قیمة اقتصادیة،و انما قام بالانتفاع بزرعها،و غرس اشجارها،أو ما شاکل ذلک-فهی بطبیعة الحال انما هی ما نجم عن عمله و جهده فیها و هو الزرع او الشجر فی فرض الکلام فالعامل انما یملک ذلک علی ضوء الاطار العام المزبور-کل عامل یملک نتیجة عمله-و لا یملک صفة فی الارض ما دام انه لم یخلق فیها شیئا.

و من الطبیعی ان عمله الانتفاعی بها لا یبرر اختصاص العامل

ص:312

برقبة الارض.نعم ما دام هو یمارس العمل فیها و یواصل فی زراعتها کان احق من غیره بالانتفاع بها،و لیس لغیره ان یزاحمه فیه،علی اساس انه بالبناء القطعی من العقلاء قد اکتسب حق الاولویة فیها بقیامه باستغلال الارض و الانتفاع بها،فان من حقه فی هذا الحال الاحتفاظ بها و منع الآخر من مزاحمته و انتزاع الارض منه،لأن الآخر لیس اولی من الذی ینتفع بها فعلا

و لا یحصل علی حق اوسع من ذلک بنکتة انه معلول لانتفاعه بها،و لا یعقل ان تکون دائرة المعلول اوسع من دائرة العلة،و علیه فلا محالة یکون ثبوت هذا الحق له ما دام هو قائم بالانتفاع بها فعلا و إلا فلا حق له.و من هنا لو ترک الانتفاع بها لم یبق له حق فی الاحتفاظ بها،و یجوز عندئذ لآخر ان یقوم باستغلالها و استثمارها.

و هذا هو الفارق بین الحق الحاصل للعامل فی الارض الموات علی اساس قیامه بعملیة احیائها.و الحق الحاصل له فی الارض الحیة علی اساس قیامه باستغلالها و الانتفاع بها.

و من هذا القبیل:استخدام الارض لرعی الحیوانات،فانه و ان کان عمل من اعمال الانتفاع بالمصادر الطبیعیة إلا انه لا یؤثر فی ایجاد حق فی الارض علی اساس انه لم یقم فیها بعملیة ذات قیمة اقتصادیة کخلق الحیاة فیها او نحوها،و انما هو یقوم بعملیة تربیة حیوانات فیها فتکون نتیجة عمله فیها انما هی الثروة الحیوانیة فیملک العامل علی ضوء الاطار العام المتقدم تلک الثروة الحیوانیة علی اساس انها نجمت عن جهده و عمله.

نعم یحصل العامل علی اثر ذلک علی حق الاولویة فیها ما دام یمارس فی عمله هذا و یواصل فیه،لا مطلقا فلو ترک ذلک لم یبق

ص:313

له الحق فی الاحتفاظ بها،و یجوز لغیره ان یقوم بالانتفاع بها و استثمارها.

ثم ان ما ذکرناه:بالاضافة الی عملیة الاحیاء موافق للنصوص الشرعیة التی تقدمت الاشارة الیها فی ضمن الابحاث السالفة،و قلنا هناک ان مقتضی تلک النصوص هو ان عملیة الاحیاء تبرر وجود حق فی الارض اذا کانت رقبتها داخلة فی نطاق ملکیة غیر المحیی،و اما اذا لم تکن داخلة فی ذلک و کانت من المباحات فهی تمنح المحیی ملکیتها،فالفرصة التی خلقها المحیی تکون جهة تعلیلیة لوجود الحق علی الاول و جهة تعلیلیة لوجود الملک علی الثانی و اما ما ذکرناه بالاضافة الی الارض الحیة بطبیعتها موافق للبناء القطعی من العقلاء الجاری علی ذلک الثابت فی جمیع الاعصار.

نتیجة هذا البحث عدة خطوط
الاول:ان الحیازة فی الأرض لا تبرر وجود حق فیها شرعا لعدم

الدلیل،

و ما قیل من انها تلعب فی الارض الحیة بطبیعتها نفس الدور الذی تلعبه عملیة الاحیاء فی الارض المیتة فقد عرفت انه لا اساس له اصلا.

الثانی:انه لا یمکن اعتراف الإسلام بالحیازة فیها علی اساس

انها مظهر من مظاهر القوة و التحکم علی الآخرین

فیما توجد المنافسة علیها و انما اعترف الإسلام بالعمل فیها علی اساس انه مظهر من مظاهر علاقة الفرد بالمصادر الطبیعیة،سواء أ کان ذلک العمل استغلال الارض و الانتفاع بها کما اذا کانت الارض حیة بطبیعتها،أم کان

ص:314

احیائها کما اذا کانت میتة.

الثالث:ان الاستدلال علی ان الحیازة تمنح ملکیة الارض

بالوجهین المتقدمین

فقد عرفنا ما فیهما،کما انا عرفنا ان العقلاء أیضا لا یعترفون بها علی اساس انها اسباب لعلاقة الانسان بالارض رغم انهم یعترفون بعملیة الاحیاء کذلک.

الرابع:اننا قد اکتشفنا اعتراف الإسلام فی ضمن نصوصه

التشریعیة او البناء من العقلاء بالاطار العام

-و هو ان کل عامل یملک نتیجة عمله علی اختلاف نوع العمل و نوع النتیجة-و من ذلک یختلف نتیجة العمل فی الارض المیتة عن نتیجة العمل فی الارض الحیة طبیعیا،و علی اثر ذلک یختلف الحق الحاصل علیه العامل فی الأولی عن الحق الحاصل علیه فی الثانیة.

دور الحیازة للمناجم و المیاه

ان حیازة المناجم و المیاه ان کانت علی اساس القوة و التحکم علی الآخرین فی میدان وجود المنافسة علیها فلا قیمة لها نهائیا،لا لدی الإسلام،و لا لدی العقلاء،و انها لا تبرر وجود ای حق فیهما،کما عرفت فی الأرض.

و بکلمة واضحة:ان تلک المصادر و الثروات الطبیعیة التی توجد فی الأرض فما دام انها ظلت فی مکانها الطبیعی و لم تکن حیازتها علی اساس انفاق العمل و بذل الجهد فی سبیل اکتشافها و الوصول الیها اذا کانت فی اعماق الأرض و کانت علی اساس القوة و التحکم فی مقام وجود المنافسة علیها فقد مر انه لا قیمة لها عند الإسلام.

ص:315

و أما ان کانت حیازتها علی اساس اکتشافها من خلال عملیات الحفر و بذل الجهد فهی تبرر وجود حق فیها بمعنی ان من یقوم بعملیة الحفر لاکتشافها یملک الحفرة التی حفرها لذلک و علی اثر تملکه تلک الحفرة یکون اولی بالانتفاع بهذه المناجم او المیاه من هذه الحفرة، و لیس لآخر ان یزاحمه فی ذلک باستخدام تلک الحفرة للاستفادة منها،کما انه لو سوی طریقا الی المعادن الموجودة علی سطح الارض، فانه لیس لآخر ان یستخدم ذلک الطریق للاستفادة منها.

و هل هذه العملیة ای عملیة الاکتشاف تحمل طابع الاحیاء او طابع الحیازة؟فیه وجهان:

المعروف و المشهور بین الاصحاب:هو الوجه الاول علی اساس ان الاحیاء عبارة عن خلق الشروط و الفرصة التی تتیح للفرد الاستفادة منها و الانتفاع بها،و قد یکون ذلک فی الارض و قد یکون فی غیرها، فان العامل بحفره الحفرة التی اوصلها بها فی اعماق الارض قد خلق فیها شروطا و فرصة للانتفاع بها و الاستفادة منها التی لم تکن متوفرة قبل قیام العامل بعملیة الحفرة،و انما نجمت عنها، فان احیاء کل شیء بحسبه.

و لکن الظاهر:هو الوجه الثانی،فان مقتضی الارتکاز العرفی من معنی الاحیاء هو انه لا ینطبق علی الشروط و الفرصة التی خلقها العامل من خلال عملیات الحفر لاکتشاف المناجم و الوصول الیها بنکتة ان احیاء شیء عبارة لدی العرف.عن العمل فیه لیصیر ذلک الشیء حیا بعد ما کان میتا،و الفرض ان الحفر المزبور لیس عملا فی المناجم و جعل صفة فیها،بل هی علی حالها بدون أدنی تغییر و احداث شیء فیها،کما هو الحال فی الارض،فان عملیة الإحیاء فیها اوجدت

ص:316

صفة لم تکن الارض واجدة لتلک الصفة و هی-صفة الحیاة قبل تلک العملیة-.

نعم قد تحتاج المناجم الی عملیة لبروز مادتها الجوهریة و انجازها بشکلها الکامل،و لا بأس باطلاق الاحیاء علی تلک العملیة.

فالنتیجة:ان اطلاق الاحیاء علی اکتشاف المعادن او المیاه بسبب عملیات الحفر کما فی کلمات الاصحاب مبنی علی ضرب من المسامحة،و کیف کان فلا ثمرة لهذا البحث اصلا.

دور الحیازة للثروات المنقولة

ان الحیازة للثروات المنقولة تمنح العامل حقا فیها علی اساس انها تقوم علی بذل العامل العمل و الجهد فی السیطرة علیها و جعلها فی حوزته بشکل مباشر او غیر مباشر،و لأجل ذلک کانت حیازتها من الاعمال الاستثماریة و الانتفاعیة التی تکون ذات قیمة اقتصادیة، لدی العرف و العقلاء،و لیست من الاعمال الاحتکاریة التی لا یعترف الإسلام بها علی اساس انها مصدر لحق.

و نقصد بالاعمال الاحتکاریة سیطرة الفرد علی مساحات کبیرة من الثروات المزبورة بدون انفاق عمل و بذل جهد فیها و اما لو انفق العمل و الجهد فی حیازتها و نقلها من مکانها الطبیعی الی حوزته فذلک یبرر وجود حق فیها و ان کان المحاز اکبر من قدر حاجته،و قد اعترف الإسلام بالحیازة لتلک الثروات و المصادر بشتی انواعها و اشکالها علی اساس ان علاقة الفرد بها قد نجمت عنها عند العقلاء.

و بما ان الإسلام لم یخترع طریقة اخری لارتباط الفرد بها و لم

ص:317

یکن لدیه مصدر أخر لذلک فبطبیعة الحال قد اعترف بما لدی العقلاء من المصدر له،و هذا هو مرادنا باعتراف الإسلام بحیازة تلک الثروات بشتی اشکالها.و قد ورد نص خاص بذلک فی بعض تلک الثروات أیضا،و سوف نشیر الیه.

بیان ذلک:ان حیازة الحطب:عبارة عن احتطابه من الغابات او نحوها علی اساس ان هذه العملیة ای-عملیة الاحتطاب لدی العقلاء تمنح العامل علاقة بالحطب-و قد تقدم ان کل عامل فی الثروات و المصادر الطبیعیة یملک نتیجة عمله علی اختلاف نوع العمل،و نوع النتیجة و نتیجة عمله و جهده هنا انما هی الحطب الموجود فی حوزته،فانه نجم عن تلک العملیة.

و حیازة الکلاء:عبارة عن استیلاء العامل علی کمیة منه علی اساس بذله الجهد و العمل فی سبیل جمع تلک الکمیة التی یتمکن من نقلها و الانتفاع بها،و لا یکفی الاستیلاء علی کمیة منه علی اساس القوة و التحکم علی الآخرین بدون بذل الجهد و العمل فی حیازته، لما عرفت من اعتراف الإسلام بمقتضی بناء العقلاء باستحقاق العامل نتیجة عمله،و اما اذا لم یبذل عمله و لم یحدث فیها شیئا فلا مقتضی لاستحقاقه لها اصلا علی اساس ان ذلک لم یدخل فی الاطار العام الذی تقدم اعتراف الإسلام به-و هو ان کل عامل یستحق نتیجة عمله-و لم یعترف باستحقاق الفرد لها بدون بذل جهد و عمل فیها أبدا.

و حیازة الحجر:عبارة عن نقله من الصحراء او الجبال او ان العامل قد بذل فیه عملا و جهدا فی مکانه الطبیعی و احدث فیه حدثا یکون ذات قیمة فانه بموجب هذا یستحق ذلک الحجر علی اساس

ص:318

انه قد انتج بعمله هذا حقا فیه فلا یجوز لآخر التصرف فیه و نقله الی حوزته،و هذا شکل من اشکال الحیازة

و حیازة الماء:عبارة عن اخذه من النهر او البحر و جعله فی حوزته و استیلائه بشکل مباشر،فانه یمنحه حقا فیه علی اساس ان العامل یملک نتیجة عمله.

و حیازة الحیوان البری او البحری:عبارة عن صیده کما اذا وقع الحیوان فی الشبکة التی وضعها الصائد لاصطیاده،فان وقوعه فیها الموجب لشلّ حرکته و المنع من هروبه أدی الی وجود حق للصیاد فیه،و یمنع الآخر بموجبه عن اخذه من الشبکة و التصرف فیه.

إلا ان هذا الحق له انما هو ما دام الصید فی الشبکة،و اما اذا هرب منها فلا یبقی حقه محفوظا فیه علی اساس انه نجم عن الفرصة التی خلقها الصیاد لأخذه و الانتفاع به،و الفرض ان تلک الفرصة قد انتهت بهروبه منها،و الارتکاز العرفی قائم علی ان هذا الحق یدور مدار هذه الفرصة،و عندئذ یجوز لآخر ان یصطاده و یجعل فی حوزته،و هذا نوع من الحیازة لدی العرف و العقلاء.

و اما اذا اخذه من الشبکة و آلة الصید و جعله فی حوزته بشکل مباشر فتکون علاقته به اقوی من علاقته به اذا کان فی الشبکة و آلة الصید علی اساس انها لدی العقلاء تکون علی مستوی الملک،و تلک تکون علی مستوی الحق،و من هنا لا تنقطع تلک العلاقة بهروبه عن حوزته،و لا یجوز لغیره اخذه،و اذا اخذه وجب علیه رده.

و کذا الحال فی الطائر:فانه اذا وقع فی شبکة الصید فحق الصیاد فیه الذی نتج عن جهده و عمله انما هو علی اساس استحقاقه الفرصة التی خلقها لاصطیاده-و هی وضع الشبکة-فاذا وقع الطائر فیها

ص:319

فالفرصة متاحة لأخذه و الانتفاع به بشکل مباشر،و هذه الفرصة المتاحة مستندة الی عمل الصیاد و جهده،و اذا انتفت تلک الفرصة بهروب الطائر من الشبکة فی الجو انتفی حقه بانتفاء موضوعه بمقتضی الارتکاز القطعی العرفی.

و اما اذا اخذ الطائر من الشبکة و جعله فی حوزته بشکل مباشر فعندئذ یکون حقه فیه اقوی من حقه علی اساس تملکه الفرصة المزبورة فلا یسقط بهروبه من حوزته.

و هذان:نوعان من الحیازة و مختلفان فی الاثر،و لکن متحدان بحسب المفهوم علی اساس ان الحیازة بمفهومها العرفی عبارة عن السیطرة علی الشیء بالعمل و بذل الجهد سواء أ کانت السیطرة بالواسطة أم کانت بشکل مباشر.

و تدل-علی ان الحیازة علی الشکل الاول تفید الحق-السیرة القطعیة من العقلاء الممضاة شرعا علی اساس عدم ورود ردع عنها من قبل الشرع رغم انتشارها فی عصر التشریع،و اما کون هذا الحق محدودا بما اذا ظل الصید فی الشبکة او القفس،و اذا هرب او طار فی الجو بعد استرجاع قواه و زوال المانع لم یبق للصائد حق فیه،فهو انما یکون لأجل ان السیرة لم تقم علی کونه اوسع من ذلک، بل قد قامت علی انه محدود و ضیق

و اما الحیازة علی الشکل الثانی فلا شبهة فی انها تمنح الصائد علاقة فیه علی مستوی الملک،فانه-مضافا الی السیرة القطعیة من العقلاء علی ذلک-تدل علیه معتبرة السکونی عن جعفر بن محمد عن ابیه و عن آبائه عن علی(علیه السلام)انه سأله عن رجل ابصر طیرا فتبعه حتی وقع علی شجرة فجاء رجل آخر فأخذه قال:(للعین

ص:320

ما رأت و للید ما اخذت (1).

فان موردها و ان کان الطائر إلا ان الارتکاز العرفی القطعی قائم علی عدم خصوصیة للطائر من هذه الناحیة،و هو قرینة علی التعمیم،و علیه فتدل المعتبرة علی ان حق العین هو الرؤیة فحسب، و بها قد استفادت حقها من المرئی،و لا یحدث بسببها حق فیه لصاحبها، و بالتالی تدل علی ان الحق فیه انما نجم عن العمل الخارجی-و هو فی مورد المعتبرة الاخذ بالید خارجا-.

و اما کون هذا الحق یبقی محفوظا للصائد حتی بعد هروب الصید عن حوزته فهو انما یقوم علی اساس ان هذا الحق له فیه انما هو علی مستوی الملک.

و تدل-علی ان علاقة الصائد لا تزول عن الصید فی الحیازة علی الشکل الثانی بهروبه عن حوزته مضافا الی السیرة-صحیحة احمد بن محمد بن ابی نصر قال:سألت ابا الحسن الرضا(علیه السلام) عن الرجل یصید الطیر الذی یسوی دراهم کثیرة و هو مستوی الجناحین و هو یعرف صاحبه أ یحل له امساکه فقال:اذا عرف صاحبه رده علیه و ان لم یکن یعرفه و ملک جناحه فهو له و ان جاءک طالب لا تتهمه رده علیه (2)فانها تدل بوضوح علی ان علاقته بالطیر لا تنقطع بهروبه عن حوزته،فاذا اخذه الآخر و صاده بعد ذلک وجب علیه رده الی صاحبه اذا عرفه.

الی هنا قد استطعنا ان نخرج بهذه النتیجة:و هی ان المصدر الوحید لعلاقة الفرد بالثروات المنقولة انما هو حیازتها باشکالها

ص:321


1- 1) الوسائل ج 17 الباب 15 من ابواب اللقطة الحدیث 2.
2- 2) الوسائل ج 17 الباب 15 من ابواب اللقطة الحدیث 1.

المختلفة باختلاف نوع تلک الثروات التی یسیطر الفرد علیها علی اساس انفاق العمل و بذل الجهد،فالوسیلة الوحیدة لارتباط الانسان بالطبیعة و ثرواتها ارتباطا ابتدائیا انما هی العمل و بذل الجهد فی سبیل استغلالها و الانتفاع بها فلا یمکن ارتباط الانسان بها کذلک بمالها من الثروات بدون العمل.

ص:322

4- ارض الصلح

اشارة

ارض الصلح

مجموعة من الابحاث الفقهیة التی تتضمن احکامها و شرائطها علی ضوء النصوص الشرعیة

ص:323

ص:324

ارض الصلح البحث فیها یقع فی مرحلتین:

الأولی:فیما هو مقتضی عقد الصلح.

الثانیة:فیما هو مقتضی مجموعة من النصوص التشریعیة.

اما المرحلة الأولی: فیما هو مقتضی عقد الصلح

فارض الصلح هی الارض التی فتحت من قبل المسلمین من دون ان یسلم اهلها،و لا قاوموا الدعوة الاسلامیة بشکل مسلح،بل ظلوا علی دینهم فی ذمة الإسلام بعقد الصلح فتصبح الارض ارض الصلح.

و علیه فان اللازم هو تطبیق بنود عقد الصلح علیها،فان نص فیها علی ان الارض لأهلها اعتبرت ملکا لهم،غایة الامر ان کانت الارض داخلة فی نطاق ملکیتهم قبل هذا العقد،کما اذا کانوا قائمین باحیائها قبل تاریخ تشریع ملکیة الانفال للإمام(علیه السلام)او انتقلت الیهم ممن یکون مالکا لها ففی مثل ذلک لا یؤثر عقد الصلح إلا فی ابقائها فی ملکهم باعتبار ان لولی الأمر استملاک الارض منهم علی حساب الدولة او الامة،

و اما اذا لم تکن الارض ملکا لهم،کما اذا کان قیامهم باحیائها بعد تاریخ التشریع المزبور،فعندئذ یؤثر عقد الصلح فی منحهم ملکیة الارض،و لا مانع من ذلک اذا رأی ولی الامر مصلحة فیه.

و اما اذا نص فی بنود عقد الصلح علی استملاک الدولة للأرض او الامة فحینئذ تصبح الارض خاضعة لمبدإ ملکیة الامام(علیه السلام)او المسلمین،و لکن ظلت فی ایدیهم مع وضع الخراج و الطسق علیها، هذا اذا کانت الارض ملکا لهم،و لکن بعقد الصلح انتقلت الی

ص:325

الدولة او الامة.و اما اذا کانت ملکا للدولة فعقد الصلح انما یؤثر فی مشروعیة ابقائها فی ایدیهم،و یؤخذ منهم الجزیة و الخراج علی حسب ما هو مقتضی عقد الصلح

و اما الاراضی الموات حین عقد الصلح،او الغابات التی لا رب لها،فانها ملک للإمام(علیه السلام)و له ان یتصرف فیها بما یری من المصلحة.نعم اذا أدرجها فی عقد الصلح لزم ان یطبق علیها ما هو مقتضی هذا العقد،و لا یجوز الخروج عن مقرراته و مقتضیاته.

فالنتیجة ان مقتضیات عقد الصلح تختلف باختلاف الموارد و المصالح علی اساس ان امره بید ولی الامر فله ان یعقد الصلح معهم علی حسب ما یراه من المصلحة للدولة او الامة و هی بطبیعة الحال تختلف باختلاف المقامات.

و اما المرحلة الثانیة: فیما هو مقتضی مجموعة من النصوص التشریعیة

فقد وردت فی المسألة مجموعة من الروایات.

منها:صحیحة حفض بن البختری عن ابی عبد اللّه(علیه السلام)قال.

(الانفال ما یوجف علیه بخیل و لا رکاب،او قوم صالحوا،او قوم اعطوا بأیدیهم و کل ارض خربة،و بطون الاودیة)الحدیث (1).

و منها:مرسلة حماد بن عیسی عن بعض اصحابنا عن العبد الصالح(علیه السلام)فی حدیث الی ان قال:(و الانفال کل ارض خربة باد اهلها،و کل ارض لم یوجف علیها بخیل و لا رکاب،و لکن صالحوا صلحا و اعطوا بأیدیهم علی غیر قتال)الحدیث (2).

و منها:معتبرة محمد بن مسلم عن ابی عبد اللّه(علیه السلام)انه سمعه:

یقول:(ان الانفال ما کان من ارض لم یکن فیها هراقة دم،او قوم

ص:326


1- 1) الوسائل ج 6 الباب 1 من أبواب الانفال و ما یختص بالامام الحدیث 1.
2- 2) الوسائل ج 6 الباب 1 من أبواب الانفال و ما یختص بالامام الحدیث 4.

صولحوا و اعطوا بأیدیهم،و ما کان من ارض خربة،و بطون اودیة) الحدیث (1).

ثم ان المستفاد من معتبرة محمد بن مسلم،و کذا من مرسلة حماد بن عیسی ان عقد الصلح فیهما کان مقتضیا لإعطاء الارض و تسلیمها،و قد عرفت ان ما تم علیه عقد الصلح بشأن الارض قد یکون مقتضاه تسلیم الارض لولی الامر و اعطائها له علی اساس انها بمقتضی هذا العقد تصبح ملکا للدولة.و لکن مع ذلک لولی الامر ابقاء الارض فی أیدیهم و تحت تصرفهم مقابل اخذ الخراج و الطسق منهم.

و علی الجملة فالکفار قد یسلموا الارض الی ولی الأمة تسلیما ابتدائیا و بدون شرط مسبق،و قد یسلموا الارض من جهة شرط مسبق کعقد الصلح.

و اما صحیحة حفض بن البختری فقد جعلت عنوان الصلح فی مقابل عنوان الاعطاء،و لکن من الطبیعی ان جعل الارض التی تم بشأنها الصلح من الانفال قرینة واضحة علی ان مقتضاه ملکیة الارض للإمام(علیه السلام)و المراد من الاعطاء فیها هو اعطاء الارض و تسلیمها للإمام(علیه السلام)تسلیما ابتدائیا و بدون أی شرط مسبق بقرینة جعله فی مقابل الصلح

و لکن هذه المجموعة من الروایات لیست فی مقام بیان تمام انواع الصلح و اقسامه،و انما هی فی مقام بیان ما هو من الانفال،و من الطبیعی ان ارض الصلح التی تکون من الانفال هی الارض التی

ص:327


1- 1) الرسائل ج 6 الباب 1 من ابواب الانفال و ما یختص بالامام الحدیث 10.

اقتضی الصلح ملکیتها للإمام(علیه السلام).

و اما اراضی اهل الذمة التی هی فی ایدیهم فالظاهر ان علاقتهم بها تکون علی مستوی الملک.و من الطبیعی ان ابقاء تلک الاراضی فی ایدیهم من قبل ولی الامر انما هو بموجب ما تم بینهم و بین ولی المسلمین بشأنها فی عقد الصلح،و تدل علی الملک مجموعة من الروایات:

منها:صحیحة محمد بن مسلم عن ابی جعفر(علیه السلام)قال سألته عن شراء ارض اهل الذمة فقال:(لا بأس بها فتکون اذا کان ذلک بمنزلتهم تؤدی عنها کما یؤدون)الحدیث (1).

و منها:مضمرة زرارة قال:قال:(لا بأس بان یشتری أرض اهل الذمة اذا عملوها و احیوها فهی لهم) (2).

و تؤکد ذلک روایة ابی الربیع الشامی عن ابی عبد اللّه(علیه السلام) قال:(لا تشتر من ارض السواد شیئا إلا من کانت له ذمة) الحدیث (3).

فان الظاهر من هذه المجموعة هو شراء رقبة الارض،و حملها علی شراء الحق المتعلق بها کما کان الامر کذلک فی شراء الارض المفتوحة عنوة و ان کان بمکان من الامکان إلا انه خلاف الظاهر فیکون بحاجة الی قرینة.

فالنتیجة ان ارض الصلح تختلف باختلاف ما تم علیه عقد الصلح بشأنها،و لیس لها ضابط کلی فی جمیع الموارد.

ص:328


1- 1) الوسائل ج 12 الباب 21 من ابواب عقد البیع الحدیث 8.
2- 2) الوسائل ج 12 الباب 21 من ابواب عقد البیع الحدیث 2.
3- 3) الوسائل ج 12 الباب 21 من ابواب عقد البیع الحدیث 5.

5- انواع اخری للأراضی

اشارة

انواع اخری للأراضی

1-الارض التی سلمها اهلها لولی الامة.

2-الارض التی باد اهلها و انقرضوا

3-الارض المستجدة فی دار الإسلام

4-بطون الاودیة،رءوس الجبال،الآجام

ص:329

ص:330

الارضی التی سلمها

اهلها لولی الامة

کل ارض سلمها الکفار لولی المسلمین من دون هجوم علیهم من قبلهم تسلیما ابتدائیا فهی تکون من الانفال یعنی-ملک للدولة- و تصرف مواردها فی شئون الدولة و مصالحها.

و یدل علی ذلک:من الکتاب قوله تعالی: «وَ ما أَفاءَ اللّهُ عَلی رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَیْهِ مِنْ خَیْلٍ وَ لا رِکابٍ،وَ لکِنَّ اللّهَ یُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلی مَنْ یَشاءُ وَ اللّهُ عَلی کُلِّ شَیْءٍ قَدِیرٌ» .

و اما من الروایات:فقد دلت علی ذلک عدة من النصوص:

و هی النصوص التی تقدمت فی خلال البحث عن مقدمة الکتاب فلاحظ

ص:331

(الارض التی باد اهلها)

لا شبهة فی ان هذه الارض من الانفال سواء أ کان الموت طارئا علیها أم ظلت عامرة،و ذلک لا من ناحیة مرسلة حماد بن عیسی، لأنها ضعیفة سندا من ناحیة الارسال فلا یمکن الاعتماد علیها،بل من ناحیة مجموعة من النصوص التی جاءت بهذا النص(کل ارض لا رب لها)فانها تدل علی ان ما لا رب لها فهی للإمام(علیه السلام)و بما ان الارض المزبورة قد باد اهلها و انقرضوا فتصبح مما لا رب لها.

هذا اضافة:الی انها تدخل فی النصوص التی تدل علی ان من لا وارث له فماله من الانفال،و هی روایات کثیرة:

منها:قوله(علیه السلام)فی موثقة اسحاق بن عمار المتقدمة(و من مات و لیس له مولی فماله من الانفال).

و منها:صحیحة محمد بن مسلم عن ابی جعفر(علیه السلام)قال(من مات و لیس له وارث من قرابته،و لا مولی عتاقه قد ضمن جریرته.

فما له من الانفال) (1).

و منها:صحیحة محمد الحلبی عن ابی عبد اللّه(علیه السلام)فی قول اللّه تعالی:«یسئلونک عن الانفال،قال:(من مات و لیس له مولی فما له من الانفال) (2).

و منها:صحیحة الحلبی عن ابی عبد اللّه(علیه السلام)قال:من مات و ترک دینا فعلینا دینه،و إلینا عیاله الی ان قال:و من مات و له موالی فما له من الانفال) (3).

ص:332


1- 1) الوسائل ج 17 الباب 3 من ابواب ولاء ضمان الجریرة و الامامة 1
2- 2) الوسائل ج 17 الباب 3 من ابواب ولاء ضمان الجریرة و الامامة 3
3- 3) الوسائل ج 17 الباب 3 من ابواب ولاء ضمان الجریرة و الامامة 4

الارض المستجدة فی دار الإسلام

و هی جزیرة ظهرت فی وسط البحر او النهر او ساحلها،و قد عبر عنها بسیف البحار فی کلمات الفقهاء.

و لا شبهة فی انها من الانفال،لأنها تدخل فی نطاق ملکیة الامام(علیه السلام)تطبیقا للکبری الفقهیة التی قد نصت:علی ان کل ارض لا رب لها فهی للإمام(علیه السلام).

و اما اذا افترضنا:ان الارض المزبورة لم تکن من الاول تحت الماء و کانت بید صاحبها،ثم استولی الماء علیها،و بعد مضی مدة زمنیة ظهرت الارض فهل تنقطع بذلک علاقة صاحبها عنها نهائیا او ظلت بحالها؟فیه تفصیل،فان کانت علاقة صاحبها بالارض علی مستوی الملک لم تنقطع بذلک،فان خروج رقبة الارض عن ملکه بحاجة الی دلیل،و لا دلیل فی المقام علی ذلک،بل مقتضی الاصل بقائها.و إن کانت علی مستوی الحق انقطعت علاقته عنها.لما عرفت من ان الحق متقوم بحیاتها و عمرانها فاذا زالت زال الحق نهائیا بزوال علته.

ص:333

رءوس الجبال،بطون الأودیة،الآجام

اشارة

البحث فیها یقع تارة فی مقتضی مجموعة من النصوص الخاصة.

و اخری:فی مقتضی مجموعة من النصوص العامة.

اما البحث فی الاول:فقد استدل علی انها من الانفال بعدة من النصوص الشرعیة:

منها:مرسلة حماد بن عیسی المتقدمة عن بعض اصحابنا عن العبد الصالح فی حدیث قال:(و للإمام صفو المال الی ان قال:و له رءوس الجبال،و بطون الاودیة،و الاجام)الحدیث

فانها و ان کانت تامة دلالة إلا انها ضعیفة سندا من ناحیة الارسال فلا یمکن الاستدلال بها.

و منها:مرسلة مقنعة عن محمد بن مسلم قال:سمعت ابا جعفر(علیه السلام)یقول:(الانفال الی ان قال:فقال:کل ارض خربة او شیء یکون للملوک،و بطون الاودیة،و رءوس الجبال)الحدیث (1)

فانها ضعیفة سندا من جهة الارسال و ان کانت تامة دلالة.

و منها:مرفوعة احمد بن محمد عن بعض اصحابنا رفع الحدیث الی ان قال:(قال:و بطون الاودیة،و رءوس الجبال)الحدیث (2).

فانها ضعیفة فلا یمکن الاعتماد علیها.

نعم قد ورد-فی صحیحة حفض بن البختری و معتبرة محمد بن

ص:334


1- 1) الوسائل ج 6 الباب 1 من ابواب الانفال الحدیث 33.
2- 2) الوسائل ج 6 الباب 1 من ابواب الانفال الحدیث 17.

مسلم المتقدمتین-بطون الاودیة خاصة،و تنصان علی انها من الانفال.

الی هنا قد انتهینا الی هذه النتیجة:و هی ان النصوص الخاصة المذکورة-التی تنص علی ان رءوس الجبال،و بطون الاودیة،و الاجام من الانفال-باجمعها ضعیفة سندا فلا یمکن الاعتماد علیها،فاذن النص الخاص غیر متوفر فی هذه الثلاثة ما عدی بطون الاودیة.

و دعوی:-ان ضعف تلک النصوص قد انجبر بعمل الاصحاب- خاطئة جدا.

اما اولا:فلانا لا نعلم بان الاصحاب قد استندوا فی الحکم بکون هذه الثلاثة من الانفال الی تلک الروایات،بل لعلهم استندوا فی ذلک الی الروایات العامة و تطبیقها علیها.

و اما ثانیا:فلان الجابر لو کان فانما هو عمل اصحابنا المتقدمین و استنادهم الیها فی مقام الفتیا و هو غیر معلوم لنا علی اساس انه لا طریق لنا إلی احراز ذلک،و أما عمل اصحابنا المتأخرین فلا یکون جابرا.

و اما ثالثا:فمع الاغماض عن جمیع ذلک فالکبری غیر تامة، فان الملاک فی اعتبار الروایة هو وثاقة الراوی سواء أ کان الاصحاب قد عملوا بها أم لم یعملوا.

نعم اذا حصل الاطمئنان بصدورها علی اساس عملهم بها فالروایة عندئذ و إن کانت حجة إلا انها من ناحیة الاطمئنان.

و اما البحث فی الثانی:فالظاهر دخول رءوس الجبال،و بطون الاودیة،و الاجام فی نطاق مجموعة من النصوص العامة التی تقدمت فی ضمن الابحاث السالفة.

فان منها:ما یدل علی ان الارض الخربة التی لم یوجف علیها

ص:335

بخیل و لا رکاب للإمام(علیه السلام).

و منها:ما یدل علی ان کل ارض لا رب لها فهی للإمام(علیه السلام).

و منها:ما یدل علی ان الارض کلها للإمام(علیه السلام).

و علیه فبطون الاودیة،و رءوس الجبال ان کانتا مواتا و لم یوجف علیهما بخیل و لا رکاب فهما داخلتان فی نطاق المجموعة الاولی،و إن کانتا عامرة طبیعیا و لم یوجف علیهما بخیل و لا رکاب فهما داخلتان فی نطاق المجموعة الثانیة،و کذا الحال فی الاجام،فانها داخلة فی نطاق هذه المجموعة.

و اما اذا کانت هذه الثلاثة مأخوذة من الکفار بعنوة و هراقة دم فهی ملک عام للمسلمین علی تفصیل قد سبق بشکل موسع.

هذا کله بحسب ما هو مقتضی النصوص العامة.

و اما بطون الاودیة خاصة:فبما ان النص الوارد فیها تام من ناحیة السند فالظاهر انه لا مانع من الحکم بکونها من الانفال مطلقا و ان کانت مأخوذة من الکفارة بعنوة و هراقة دم،و ان کانت عامرة بشریا و کان تاریخ عمرانها متقدما زمنیا علی تاریخ نزول آیة الانفال، فانها اذا دخلت دار الإسلام بعد ذلک التاریخ خرجت عن ملک مالکها و دخلت فی ملک الامام(علیه السلام)بمقتضی اطلاق هذا النص.

و لکن فی مقابل هذا النص مجموعتان من النصوص:

احداهما:عمومات الاحیاء التی تدل علی تملک المحیی لرقبة الارض.

و الاخری:العمومات الدالة علی ان الارض المأخوذة من الکفار عنوة ملک عام للمسلمین.

اما المجموعة الاولی:فالنسبة بینها و بین هذا النص عموم من

ص:336

وجه،و ملتقی المعارضة بینهما ما اذا کانت بطون الاودیة عامرة بشریا،فان مقتضی تلک المجموعة انها دخلت فی ملک المحیی، و مقتضی هذا النص انها ظلت فی ملک الامام(علیه السلام)فاذن لا یمکن الاخذ باطلاق النص المزبور.

و الجواب عن ذلک:

اما اولا:فقد تقدم فی ضمن البحوث السالفة ان عملیة الاحیاء لا توجب علاقة المحیی بالارض علی مستوی الملک،و انما توجب علاقته بها علی مستوی الحق فحسب،فاذن لا تنافی بینهما،و لا مانع من الاخذ باطلاق النص.

و اما ثانیا:فعلی تقدیر تسلیم التنافی و التعارض بینهما فی مورد الالتقاء إلا ان الارتکاز القطعی لدی العرف فی امثال المقام هو تقدیم هذا النص علی المجموعة المذکورة،إذ فی صورة العکس یلزم الغاء عنوان بطون الاودیة نهائیا،و تصبح حالها حال غیرها من الاراضی، و هو علی خلاف المتفاهم العرفی،فعندئذ لا بد من تقدیم النص علیها، فان الارتکاز المزبور بمثابة قرینة علی ذلک فیدخل المقام فی نطاق ضابط کلی المنقح فی محله-و هو ان فی کل مورد کان التعارض بین الدلیلین عموما من وجه فاذا لزم من تقدیم احدهما علی الآخر فی مورد الالتقاء الغاء عنوانه نهائیا دون العکس تعین العکس فیه-.

و اما ثالثا:فلانا لو سلمنا تساقط الطرفین بالمعارضة تعین الرجوع الی العام الفوقی الدال علی ان الارض کلها للإمام(علیه السلام)فان هذا العام یصلح للمرجعیة بعد تساقط النصوص الخاصة من جهة المعارضة.

و اما رابعا:فلانا لو قطعنا النظر عن العام الفوقی امکن الرجوع الی الاصل العملی-و هو استصحاب بقائها فی ملک الامام(علیه السلام)عدم

ص:337

خروجها عن ملکه-.

و اما خامسا:فلانا لو قطعنا النظر عن هذا الاصل العملی أیضا امکن الرجوع الی مجموعة اخری من نصوص ملکیة الامام(علیه السلام) و هی التی جاءت بهذا النص کل ارض لا رب لها فهی للإمام(علیه السلام) فانه بعد سقوط دلیل تملک المحیی بالاحیاء لا مانع من الرجوع الی استصحاب عدم وجود رب خاص لها،و بذلک تدخل فی نطاق هذه المجموعة فتکون للإمام(علیه السلام).

و اما المجموعة الثانیة:و هی النصوص التی تدل علی ان الارض المفتوحة عنوة ملک عام للمسلمین،فهی تصنف الی مجموعتین:

احداهما:تدل علی ان ما اخذ بالسیف فهو للمسلمین.

و الاخری:تدل علی ان الارض السواد ملک لهم.

اما النسبة بین النص المتقدم و المجموعة الاولی فهی عموم و خصوص مطلق فیکون مخصصا لعمومها فلا معارضة فی البین.

و اما النسبة بینه و بین المجموعة الثانیة فهی عموم من وجه، لاختصاص هذه المجموعة بالارض العامرة،و عموم النص من هذه الناحیة،فملتقی المعارضة بینهما ما اذا کانت بطون الاودیة عامرة و قد فتحت عنوة من قبل المسلمین،فان مقتضی هذا النص انها ملک للإمام(علیه السلام)و مقتضی تلک المجموعة انها ملک للأمة.

فالنتیجة:انه لا یمکن الاخذ بمقتضی هذا النص.

و الجواب عنه قد ظهر مما تقدم،و حاصله هو انه لا بد من تقدیم اطلاق ذلک النص علی اطلاق هذه المجموعة من النصوص بعین ملاک تقدیمه علی مجموعة عمومات نصوص الاحیاء حرفا بحرف.

إلی هنا قد استطعنا ان نخرج بهذه النتیجة و هی ان بطون

ص:338

الاودیة اذا دخلت دار الإسلام فان کان دخولها بعد نزول آیة الانفال فهی اصبحت ملکا للإمام(علیه السلام)هذا من دون فرق بین کونها مواتا، او عامرة بشریا او طبیعیا،و علی الثانی لا فرق بین کون تاریخ عمرانها متقدما زمنیا علی تاریخ نزول الآیة او متأخرا عنه کذلک.

و أیضا لا فرق بین کون دخولها فی دار الإسلام بالجهاد المسلح او بدون ذلک،کل ذلک انما هو لإطلاق النص و عدم ما یصلح لتقییده بغیر حالة من تلک الحالات.

و اما اذا کان دخولها قبل نزول الآیة فان کان بعنوة و کان بعد تاریخ تشریع ملکیة الارض للمسلمین بالفتح خارجا فهی تصبح ملکا لهم.و اما اذا کان قبله،او لم یکن بعنوة فهی و ان لم تکن عندئذ ملکا للإمام(علیه السلام)و لا للمسلمین إلا ان امرها بید ولی الامة.

و من هنا یظهر:انه لا ثمرة عملیة بین دخولها فی دار الإسلام قبل نزول الآیة او بعده اصلا علی اساس ان امرها علی کلا التقدیرین بید ولی الامة.

و من ذلک یظهر حال رءوس الجبال،و الاجام اذا افترضنا صحة النص الوارد فیهما أیضا.

و بذلک یتبین ان ما ذکره المحقق الهمدانی(قده)-من ان رءوس الجبال،و بطون الاودیة،و کذا الاجام مندرجة فی الارض الموات،و انفرادها فی الذکر فی الفتاوی لتبعیة النصوص.و اما ذکرها فی النصوص خاصة فهو من ناحیة انها من الافراد الخفیة التی ینصرف عنها اطلاق الارض الموات.

و قد حکی ذلک:عن المحقق الأردبیلی(قده)أیضا حیث قال:

ان هذه الثلاثة داخلة فی الموات إلا ان ذکرها للتوضیح،و احتمال

ص:339

صرف الموات الی غیرها-لا یمکن الاخذ به،و ذلک لأن الظاهر من نصوصها لدی العرف هو ان لها خصوصیة،لا ان ذکرها للتوضیح و التنبیه علی انها من الافراد الخفیة،ضرورة انه لو لم تکن لها خصوصیة لکانت الارض الموات شاملة لها جزما،فان بطون الاودیة و رءوس الجبال من الارض حقیقة و لا وجه لدعوی الانصراف.

و اما الاجام:فهی غیر داخلة فی الارض الموات،بل هی داخلة فی الارض العامرة طبیعیا،و تدخل فی نطاق ملکیة الامام(علیه السلام) تطبیقا للقاعدة التی جاءت بهذا النص(کل ارض لا رب لها فهی للإمام(علیه السلام).

فالنتیجة فی نهایة الشوط:ان دعوی الانصراف لا تقوم علی اساس صحیح اصلا،و علیه فالاطلاق هو المحکم فی کل ما کانت النصوص فیه تامة سندا و هو بطون الاودیة،دون رءوس الجبال،و الاجام، کما عرفت.

و من هنا تمتاز بطون الاودیة عن اخوتیها،فان حکمهما حکم غیرهما من الاراضی التی هی ملک عام للإمام(علیه السلام)تطبیقا للنصوص العامة علی اساس عدم وجود نص خاص معتبر فیهما،و وجوده فی بطون الاودیة.

و هذا بخلاف بطون الاودیة،فان دخولها فی نطاق ملکیة الدولة بما انه قد ثبت بنص خاص فظاهره بمقتضی الارتکاز العرفی هو ان لها خصوصیة و إلا فلا مقتضی لانفرادها بالذکر کما عرفت،و قد اشرنا إلی تلک الخصوصیة-و هی انها ملک للإمام(علیه السلام)مطلقا حتی فیما اذا اخذت من الکفار بعنوة و هراقة دم-و بهذه الخصوصیة تمتاز عن إخوتیها.

ص:340

هذا من ناحیة.

و من ناحیة اخری:ان مقتضی اطلاق النص المزبور کون بطون الاودیة داخلة فی نطاق ملکیة الدولة و ان کانت فی ارض غیر الامام (علیه السلام)و قد اختار هذا التعمیم صاحب المدارک(قده) حیث قال:ان اطلاق النص،و کلام اکثر الاصحاب یقتضی اختصاصه (علیه السلام)بهذه الانواع الثلاثة فی أی ارض کانت إلا انه(قده) منع عن هذا الاختصاص من جهة ضعف النصوص،و قد صرح بهذا القول شیخنا العلامة الانصاری(قده)،بل هذا هو المشهور بین الاصحاب.

و اما ما عن ابن ادریس(قده)-من منع اختصاص الامام(علیه السلام) بها مطلقا-فیرده انه خلاف ظاهر تلک النصوص،فان الظاهر منها عرفا هو ان للعناوین المذکورة فیها خصوصیة،و لأجل تلک الخصوصیة افردها بالذکر.هذا.

و فیه:ان ما نسب الی المشهور انما یتم بالاضافة الی بطون الاودیة خاصة،لا مطلقا،و ذلک لما عرفت من ان النص الخاص المتضمن لرءوس الجبال،و الاجام ضعیف سندا فلا یمکن الاعتماد علیه و من هنا قلنا ان دخولهما فی نطاق ملکیة الامام(علیه السلام)انما هو من ناحیة تطبیق العناوین العامة علیهما،و هذا بخلاف النص الخاص المتضمن لبطون الاودیة خاصة،فانه تام من حیث السند

و بذلک یظهر ما فی کلام صاحب المدارک(قده)حیث ان رمیه جمیع النصوص الواردة فی تلک الانواع الثلاثة بالضعف سندا فی غیر محله،لما عرفت من ان النص الوارد فی بطون الاودیة تام سندا.

فالنتیجة:ان بطون الاودیة ملک للإمام(علیه السلام)مطلقا-حتی بعد

ص:341

عملیة الاحیاء-علی ضوء نظریة المشهور فی المسألة من ان العملیة المزبورة تمنح المحیی ملکیة الارض،و لأجل هذه الخصوصیة تمتاز عن غیرها من الاراضی.

و اما علی ضوء ما هو المختار فی المسألة-من ان عملیة الاحیاء لا تمنح المحیی ملکیة الارض و انما تمنحه حقا فیها مع بقاء رقبة الارض فی ملک الامام(علیه السلام)-فلا فرق بینها و بین غیرها من الاراضی الموات من هذه الناحیة اصلا علی اساس ان عملیة الاحیاء فی کلا الموردین لا توجب انقطاع علاقة الامام(علیه السلام)عن الرقبة، و انما توجب علاقة المحیی بها علی مستوی الحق فحسب.

نعم ان لها خصوصیة من ناحیة اخری-و بها تمتاز عن غیرها- و هی ما اشرنا الیه آنفا من انها داخلة فی نطاق ملکیة الامام(علیه السلام) مطلقا حتی فیما اذا کانت فی الارض المفتوحة عنوة التی هی ملک عام للأمة،و هذا بخلاف غیرها من الاراضی فانها بالفتح تصبح ملکا للمسلمین و لو کانت مواتا و کان فتحها بعد تاریخ نزول آیة الانفال علی اساس ما قویناه سابقا،و لأجل هذه النکتة افردت فی الذکر فی النص.

و هذا البیان بعینه جار فی رءوس الجبال،و الاجام علی تقدیر اعتبار النص الوارد فیهما خاصة.

ثم انه لو اصبحت الارض المملوکة وادیا بحادث من الحوادث السماویة او الارضیة فهل تکون مشمولة لإطلاق النص المزبور؟فیه تفصیل،فان صیرورتها وادیا ان کانت علی نحو لم یوجب انقطاع علاقة صاحبها عنها لدی العرف لم تکن مشمولة عنه،لانصرافه عنها جزما و إن کانت علی نحو یوجب انقطاع علاقته عنها لدیهم فهی مشمولة له،

ص:342

و ذلک کما اذا انتقلت ارضه من مکانها الی مکان آخر او زالت و انتشرت اجزائها و اصبح مکانها وادیا بواسطة السیل الجارف او الزلزلة،فان ملکیة الارض و ان کانت تستلزم ملکیة بواطنها لکن بالمقدار المتعارف ای-بالمقدار الذی یتوقف علیه الانتفاع بها دون الاکثر-و اما اعماقها التی لا یمکن الوصول الیها إلا بحفر و جهد کبیر فلا تکون مملوکة لصاحب الارض،و لا تمتد علاقته بها الی اعماقها نهائیا عند العرف و العقلاء،و لا دلیل لدنیا من الشرع أیضا علی ان الفرد یملک اعماق الارض بتبع ملکیة نفسها.

و علیه فتصبح تلک الوادی ملکا للإمام(علیه السلام)لا من جهة هذا النص الخاص،فانه لو لم یکن ذلک النص أیضا نحکم بدخولها فی نطاق ملکیته(علیه السلام)تطبیقا للقواعد العامة المتقدمة.

و من هنا یظهر انه لا خصوصیة لبطون الاودیة هنا،بل الحال کذلک فی رءوس الجبال،فان الارض المملوکة اذا افترض انها اصبحت تلا و جبلا جری فیها التفصیل المتقدم.و اما الاجام فلا شبهة فی انها ملک لصاحب الارض،و لا یجری فیها التفصیل المزبور.

نتیجة هذا البحث عدة نقاط

الأولی:ان النصوص الخاصة الواردة فی مجموع من بطون الاودیة

و رءوس الجبال و الآجام بأجمعها ضعیفة سندا.

نعم النص الخاص الوارد فی بطون الاودیة خاصة تام من ناحیة السند.

الثانیة:ان حال رءوس الجبال و الاجام حال غیرهما من الاراضی

التی هی داخلة فی نطاق ملکیة الامام(علیه السلام)

تطبیقا للقواعد العامة

ص:343

و لا خصوصیة لهما من هذه الناحیة اصلا و هذا بخلاف بطون الاودیة فان لها خصوصیة تمتاز بها عن غیرها کما عرفنا.

الثالثة:ان بطون الاودیة بمقتضی اطلاق نصها لا تدخل فی ملک

المحیی بسبب الاحیاء،

بل ظلت فی ملکیة الامام(علیه السلام)حتی بعد قیام فرد باحیائها و عمرانها،و بهذه الخصوصیة تمتاز عن غیرها من الاراضی الموات،هذا علی ضوء نظریة المشهور من ان الاحیاء یوجب تملک المحیی للأرض.و اما علی ضوء ما هو المختار فی المسألة فلا فرق بینها و بین غیرها من هذه الناحیة اصلا کما عرفت.

الرابعة:ان الارض المملوکة اذا اصبحت وادیا ففی شمول

النص لها تفصیل تقدم آنفا.

و کذا الحال فیما اذا اصبحت تلا و جبلا.

هذا تمام ما اوردناه حول الاراضی بأنواعها.

ص:344

6- المعادن

اشارة

المعادن

مجموعة بحوث یبحث فیها عن انواعها:الظاهرة و الباطنة و ما یترتب علیهما من الآثار و الاحکام علی اساس دائرة الشرع الاسلامی المقدس

ص:345

ص:346

المعادن ذکر جماعة ان المعادن من الانفال،و استدلوا علی ذلک بمجموعة من النصوص:

منها:موثقة اسحاق بن عمار قال:سالت أبا عبد اللّه(علیه السلام) عن الانفال فقال:هی القری التی قد خربت و انجلی اهلها الی ان قال:و کل ارض لا رب لها،و المعادن منها الحدیث (1).

و منها:روایة أبی بصیر عن أبی جعفر(علیه السلام)قال:لنا الانفال قلت:ما الانفال قال:منها:المعادن،و الاجام الحدیث (2).

و منها:روایة داود بن فرقد عن أبی عبد اللّه(علیه السلام)فی حدیث قال:قلت:و ما الانفال قال:بطون الاودیة،و رءوس الجبال، و الاجام،و المعادن الحدیث (3).

و لکن لا یخفی ان العمدة فی المسألة انما هی الروایة الاولی علی اساس انها تامة سندا.و اما الروایتین الاخیرتین فبما انهما ضعیفتان من ناحیة السند فلا یمکن الاعتماد علیهما.

و فی مقابل هذا القول ذکر جماعة ان الناس فیها شرع سواء، بل عن الشهید(قده)،فی الدروس نسبته الی الاشهر،بل فی الجواهر انه المشهور نقلا و تحصیلا،و کیف کان فقد استدلوا علیه بوجوه:

الاول بالاصل العملی،فان مقتضاه ان المعادن غیر داخلة فی نطاق ملکیة احد،لا ملکیة خاصة،و لا ملکیة عامة،لان دخولها

ص:347


1- 1) الوسائل ج 6 الباب 1 من ابواب الانفال و ما یختص بالامام الحدیث 3.
2- 2) الوسائل ج 6 الباب 1 من ابواب الانفال و ما یختص بالامام الحدیث 28.
3- 3) الوسائل ج 6 الباب 1 من ابواب الانفال و ما یختص بالامام الحدیث 32.

فی ذلک بحاجة الی دلیل،و لا دلیل علیه،و اما النصوص المتقدمة فهی غیر مانعة عن التمسک بهذا الاصل،و ذلک لان النص الثانی و الثالث ضعیفان من ناحیة السند کما عرفت فلا یمکن الاعتماد علیهما فی اثبات حکم شرعی.

و اما النص الاول:فهو و ان کان تاما من ناحیة السند الا انه مجمل من ناحیة الدلالة،اذ من المحتمل قویا ان یکون قوله(علیه السلام) منها راجعا الی الارض التی لا رب لها،لا الی الانفال،فانه انسب بسیاق الروایة.

هذا اضافة الی ما قیل:من ان الوارد فی بعض النسخ کلمة فیها بدل کلمة منها،و علی هذا یتعین رجوعها الی الارض.

و نتیجة ذلک:هی ان الموثقة لا تدل علی ان المعادن مطلقا من الانفال حتی فیما اذا کانت فی ارض مملوکة بملکیة خاصة او عامة،و انما تدل علی کونها من الانفال اذا کانت فی الارض التی هی داخلة فی نطاق ملکیة الامام(علیه السلام)،فانه المتیقن منها،و علیه فاذا کان للأرض رب لم یثبت کون المعادن المتکونة فیها من الانفال.

و قد تحصل من ذلک:ان هذه المجموعة من النصوص لا تدل بوجه علی ان المعادن مطلقا من الانفال.و علیه فلا مانع من الرجوع الی الاصل المزبور بالاضافة الی المعادن التی تکون فی الارض التی لها رب خاص قبل التاریخ الزمنی لتشریع ملکیة الانفال للإمام(علیه السلام).

و اما اذا کانت فی الارض التی لها رب خاص بعد التاریخ المزبور:اما من ناحیة ان عملیة الاحیاء تمنح المحیی ملکیة الارض او من ناحیة اخری کتملیک الامام(علیه السلام)فهل عندئذ تنقطع علاقة

ص:348

الامام عن المعادن فی تلک الارض کما انقطعت عنها او تظل؟فیه و جهان:الظاهر هو الوجه الثانی.

و السبب فیه ان المعادن سواء أ کانت متوغلة فی اعماق الارض أم کانت علی سطحها فهی موجودات مستقلة فی قبال الارض،و لیست من شئونها و توابعها لدی العرف،فان نسبتها الی الارض نسبة المظروف الی الظرف،لا نسبة الثمرة الی الشجرة،و سوف نشیر فی ضمن البحوث القادمة الی ان اثر ملکیة الارض لا یمتد الی ما فیها من المصادر و الثروات الطبیعیة کالمعادن و نحوها الا بقرینة،هذا بناء علی کون عملیة الاحیاء تفید الاختصاص بالارض علی مستوی الملک.

و اما بناء علی کونها مفیدة للاختصاص بها علی مستوی الحق فایضا الامر کذلک،فان الحق لا یتعدی عن الارض الی ما فیها من المصادر و الثروات الطبیعیة،و کذا الحال فی تملیک الامام(علیه السلام).

و من ذلک یظهر انه لا مجال لدعوی انه لا خصوصیة لعنوان المعادن فی قبال الارض علی اساس انها تتبع الارض فی مبدأ الملکیة فاذا کانت الارض خاضعة لمبدإ ملکیة خاصة او عامة کانت المعادن کذلک،و علیه فلا موضوعیة لها،مع ان ظاهر الموثقة هو ان لها موضوعیة،فان ذکرها فی مقابل عنوان الارض الخربة،و الارض التی لا رب لها یدل علی ان لها خصوصیة و الا لکان ذکرها لغوا صرفا و لذا لا بد من الالتزام بانها مطلقا من الانفال.

و ذلک لما عرفت من ان المعادن لا تتبع الارض فی مبدأ الملکیة من ناحیة.و اجمال الموثقة و عدم دلالتها علی ان للمعادن موضوعیة فی قبال الارض التی لا رب لها من ناحیة اخری

ص:349

فالنتیجة فی نهایة الشوط:ان القدر المتیقن من الموثقة هو دخول المعادن الموجودة فی الارض التی لا رب لها فی نطاق ملکیة الامام(علیه السلام)من دون فرق بین المعادن الظاهرة و الباطنة فی ذلک،و اما المعادن الموجودة فی الارض الخاضعة لمبدإ الملکیة الخاصة او العامة کالأرض المفتوحة عنوة فلا تدل علی انها من الانفال.

الثانی:ان سیرة المسلمین قد جرت من لدن عصر النبی الاکرم(صلی الله علیه و آله)الی زماننا هذا علی استخراج المعادن و التصرف فیها من دون اذن ولی الامر،و لم یرد ردع عنها فی ای نص من النصوص الشرعیة،و من الطبیعی ان مثل هذه السیرة یکشف کشفا جزمیا عن انها لیست من الانفال و الا لم یجز القیام باستخراجها و السیطرة علیها بدون الاذن.

و الجواب عن هذا الوجه ان السیرة المذکورة و ان کانت قائمة بین المسلمین فی جمیع العصور الا انها رغم ذلک لا تکشف عن ان المعادن لم تکن من الانفال،و ذلک لأنه ان ارید بها سیرة المتعبدین بنصوص اهل البیت(علیه السلام)فالظاهر ان جریانها بینهم یقوم علی اساس اخبار التحلیل او نحوها مما یکشف عن رضائهم(علیه السلام)بتصرفاتهم فیها.

و ان ارید بها سیرة غیرهم من المسلمین فمن الواضح انها تقوم علی اساس منهجهم الفقهی.

فبالنتیجة:ان هذه السیرة لا تدل بوجه علی ان المعادن لم تکن من الانفال.

الثالث:ان ظاهر مجموعة من النصوص الدالة علی وجوب الخمس فی المعادن هو ان الاربعة الاخماس الباقیة ملک لمن کان قائما

ص:350

بعملیة استخراجها لا للإمام(علیه السلام).

و الجواب عنه:انه لا اطلاق لهذه النصوص من هذه الناحیة اصلا،و سوف نشیر الیه.

الی هنا قد استطعنا ان نخرج بهذه النتیجة:و هی ان المعادن الموجودة فی اراضی الامام(علیه السلام)فهی نفل،دون المعادن الموجودة فی غیرها من الاراضی،فانه و ان لم یثبت بدلیل اجتهادی انها لیست بنفل الا انک عرفت ان مقتضی الاصل العملی ذلک علی اساس ان خضوعها لمبدإ ملکیة الامام(علیه السلام)بحاجة الی دلیل،و لا دلیل علیه.

قد یقال:ان مقتضی قوله(علیه السلام)فی صحیحة أبی سیار مسمع ابن عبد الملک المتقدمة(الارض کلها لنا فما اخرج اللّه منها من شیء فهو لنا)ان الارض و ما فیها من المصادر و الثروات کالمعادن و نحوها کلها للإمام(علیه السلام)و علیه فتکون المعادن مطلقا من الانفال کالأرض

و فیه ما مرّ بنا سابقا من ان المراد بالارض فی الصحیحة هی الارض التی لا رب لها حین تشریع ملکیة الانفال للإمام(علیه السلام)سواء أ کانت میتة أم کانت عامرة فلا تشمل الارض التی هی داخلة فی نطاق ملکیة خاصة او عامة فی زمان التشریع المزبور،و علیه فلا تدل الصحیحة علی ان المعادن مطلقا من الانفال.

لحد الان قد تبین لنا انه لا یمکن اتمام القولین المشار الیهما فی صدر المسألة بدلیل:و من هنا لا بد لنا:من التفصیل فیها.

و سوف نشیر الیه فی ضمن البحوث القادمة.

ص:351

المعادن الظاهرة

و هی فی المصطلح الفقهی عبارة عما تکون طبیعته المعدنیة ظاهرة بارزة سواء أ کان الوصول الیها بحاجة الی انفاق عمل و بذل جهد کما اذا کانت فی اعماق الارض أم لم یکن کما اذا کانت علی سطح الارض)

و الیه اشیر:ما عن العلامة فی التذکرة من ان المراد بالظاهر ما یبدو جوهرها من غیر عمل،و انما السعی و العمل لتحصیله اما سهلا او متعبا،و لا یفتقر الی اظهار کالملح،و النفط،و القار،و القطران، و المومیا،و الکبریت،و احجار الرحی،و البرمة و الکحل،و الیاقوت، و مقالع الطین و اشباهها.

و اما حکم هذه المعادن:فقد نسب الی المشهور ان الناس فیها شرع سواء،و لا یعترف الإسلام بالاختصاص بها للأفراد،لا علی مستوی الملک،و لا علی مستوی الحق،و سوف نشیر الی تفصیل ذلک

و فی مقابل ذلک ذهب جماعة الی انها من الانفال،لخبر اسحاق بن عمار،او لأنها من الارض التی لا رب لها.

و قد اورد علی ذلک:فی الجواهر بان الخبر ضعیف و لا جابر له، بل الموهن متحقق،فان المشهور نقلا و تحصیلا علی ان الناس فیها شرع سواء،بل قیل:قد یلوح من محکی المبسوط،و السرائر نفی الخلاف فیه،مضافا الی السیرة المستمرة فی سائر الاعصار و الامصار فی زمن تسلطهم و غیره علی الاخذ منها بلا اذن حتی ما کان فی الموات التی هی ملک للإمام(علیه السلام)او فی المفتوحة عنوة التی هی ملک عام للمسلمین.

ص:352

اقول:ان لنا دعاوی اربع:

الاولی:عدم صحة ما نسب الی المشهور مطلقا،

الثانیة:ان ما نسب الی جماعة لا یمکن الأخذ به علی اطلاقه.

الثالثة:ان ما اورده فی الجواهر علی القول الثانی لا یتم.

الرابعة:ان الصحیح هو التفصیل فی المقام.

اما الدعوی الاولی:فقد تقدم ان مقتضی موثقة اسحاق بن عمار ان المعادن الموجودة فی الاراضی التی لا رب لها داخلة فی نطاق ملکیة الامام(علیه السلام)فلیست من المشترکات العامة بین کل الناس.

و اما المعادن الموجودة:فی الأراضی المملوکة بملکیة خاصة فهل هی خاضعة لمبدإ الملکیة العامة یعنی-ان الناس فیها شرع سواء- او تتبع الارض فی سنخ الملکیة؟فیه وجهان:

الظاهر هو الوجه الاول یعنی-ان المعادن فی تلک الاراضی من المشترکات العامة بین الناس-و لیست خاضعة للأرض فی مبدأ الملکیة.

و النکتة فی ذلک:ان وجودها فی ارض فرد معین بحد نفسه لا یکون کافیا لتملک ذلک الفرد لها،لأننا قد عرفنا فی ضمن البحوث السالفة ان مصدر علاقة الفرد بالارض انما هو عملیة الاحیاء فلا یمکن ان تنشأ العلاقة بینهما بدونها،و قد تقدم ان الناتج من عملیة الاحیاء انما هو علاقة المحیی بالارض،و من الطبیعی ان اثرها لا یمتد الی المعادن الموجودة فیها،لأنها لیست ارضا علی الفرض و من المعلوم ان مقتضی النصوص الشرعیة-التی جاءت بهذا النص:

(من أحیا ارضا مواتا فهی له)او قریبا منه-هو ان اثر الاحیاء منح المحیی ملکیة الارض لا غیرها،و علیه فالمصادر و الثروات الطبیعیة التی تتکون فیها بما انه لا یصدق علیها عنوان الارض فلا تکون

ص:353

مشمولة للنصوص المزبورة.

و بکلمة اخری:ان احیاء الارض احیاء لها فحسب،لا لغیرها، لما تقدم من ان احیائها عبارة عن توفیر الشروط للانتفاع بها بزرع او نحوه التی لم تکن متوفرة فیها قبل عملیة الاحیاء،و انما نتجت منها،و من الواضح ان تلک الشروط شروط للانتفاع بالارض و الاستفادة منها،و لا صلة لها بغیرها من المصادر الطبیعیة الموجودة فیها.

و قد ذکرنا ان علاقة العامل بتلک المصادر انما هی علی اساس انفاق العمل و بذل الجهد فی سبیل الاستیلاء و السیطرة علیها،مثلا:

علاقة العامل بالمناجم او العیون الموجودة فی اعماق الارض انما هی باکتشافها من خلال عملیات الحفر و بذل الجهد فی سبیل الوصول الیها،و من هنا قلنا انه لا یصدق علی ذلک عنوان الاحیاء،و اطلاقه علیه کما فی کلمات الاصحاب مبنی علی المسامحة.

نعم ان ارید بعملیة الاحیاء تصفیة المواد المعدنیة-کما اذا کانت من المعادن الباطنة و بذل الجهد و العمل فی سبیل انجازها و تطویرها علی اساس ان جوهرها لا یبدو بشکل کامل إلا بعد عملیة التصفیة و التطویر،کما هو الحال فی الذهب و الفضة او ما شاکلهما- فهی و ان کانت احیاء بالاضافة الیها-باعتبار ان احیاء کل شیء بحسبه،و احیاء تلک المواد انما هو بذلک-إلا انها لا تؤثر فی شیء علی اساس ان هذه العملیة من العامل إنما هی بعد دخول تلک المواد المعدنیة فی نطاق ملکیته کما اذا کانت من المباحات الاولیة،او احقیته کما اذا کانت من الانفال مثلا،ضرورة ان القیام بهذه للعملیة لا یمکن ما دامت فی موضعها الطبیعی فلا محالة یتوقف علی اخذها من موضعها و نقلها الی موضع هذه العملیة،و من الواضح ان

ص:354

الملک او الحق قد حصل بنفس عملیة الاخذ و النقل و جعلها فی حوزته.

فالنتیجة:ان ما یصدق علیه الاحیاء فلا یکون منشأ لعلاقة العامل بالمواد المعدنیة،علی ان هذه العملیة خاصة بالمعادن الباطنة حیث لا موضوع لها فی غیرها،لما قلنا:من ان احیاء شیء عبارة عن خلق صفة و حالة فیه التی لم تکن موجودة فی الشیء قبل عملیة الاحیاء و انما نتجت منها،و هذا یختلف باختلاف الاشیاء.

و سوف نشیر فی البحث القادم ان مصدر اختصاص الفرد بالمواد المعدنیة علی مستوی الملک او الحق انما هو عملیة استخراجها اذا کانت فی اعماق الارض،و عملیة الاخذ و الاستیلاء خارجا اذا کانت متکونة علی وجه الارض،و هذا یعنی ان الفرد یملک المادة التی یستخرجها خاصة،و لا یملک شیئا منها ما دام ظل فی موضعه الطبیعی.

نعم هو باکتشافها و الوصول الیها من خلال عملیة الحفر و بذل الجهد اصبح احق بها من الاخرین،و هذا الحق انما هو علی اساس انه یخلق بعمله و جهده هذا:فرصة الانتفاع بها و الاستفادة منها، و ما دامت تلک الفرصة موجودة فقد ظل حقه و ان لم یکن ممارسا الانتفاع بها،و لیس لأی واحد ان یزاحمه فی استخدام الحفرة -التی حفرها-فی سبیل الحصول علیها.

و اما المناجم الموجودة:فی الارض المفتوحة عنوة التی هی ملک عام للمسلمین فهل هی تخضع الارض فی مبدأ الملکیة یعنی-کما ان الارض ملک عام للمسلمین کذلک المناجم الموجودة فیها-؟ فیه وجهان.

الظاهر هو الوجه الاول.

و النکتة فیه:ان مصدر علاقة المسلمین بالارض التی کانت

ص:355

بایدی الکفار و تحت سیطرتهم انما هو استیلاء جیوش المسلمین علیها بعنوة و هراقة دم و اخذها منهم بالسیف،و من الطبیعی ان اثر الاستیلاء یمتد الی المصادر و الثروات الطبیعیة کالمناجم و نحوها الموجودة فی الارض سواء أ کانت متوغلة فی اعماقها أم کانت علی وجهها باعتبار ان الاستیلاء خارجا علی بقعة من الارض لدی العرف و العقلاء استیلاء علی جمیع ما فی هذه البقعة من الثروات الطبیعیة علی اساس ان الاستیلاء علی الظرف استیلاء علی المظروف طبعا.

و بذلک یختلف مفهوم الاستیلاء و الاخذ بالسیف عن مفهوم الاحیاء،و علی اثر هذا الاختلاف یختلف النتیجة.

فان ملکیة الارض:ان کانت نتیجة الاستیلاء علیها،و الاخذ بالسیف فامتدت الی المعادن الموجودة فیها علی الاساس المزبور،

و اما اذا کانت نتیجة الاحیاء فلا تمتد الی ما فیها من المعادن و المناجم علی اساس ان احیاء الارض لیس احیاء لها،لا بالاستقلال و لا بالتبع نظرا الی انها لیست من توابع الارض و شئونها،بل هی موجودات مستقلات فی قبال الارض،غایة الامر انها ظرف لها، و من المعلوم ان المظروف لیس تابعا للظرف،و لا فرق فی ذلک بین ان یکون الناتج من عملیة الاحیاء الملک او الحق،و من هنا قلنا ان نصوص الاحیاء خاصة بالارض فلا تشمل غیرها.

هذا اضافة:الی ان موضوع ملکیة المسلمین لیس خصوص الارض،فان موضوعها علی اساس صحیحة أبی نصر هو ما اخذ بالسیف،غایة الامر قد خرج من اطلاقه ما اذا کان المأخوذ من الثروات المنقولة،و اما اذا لم یکن منها فهو باق فیه و ان لم یصدق علیه اسم الارض کالمعادن،و علیه فاذا هاجموا المسلمون علی الکفار

ص:356

و غلبوا علیهم بالسیف و طردوهم من دیارهم و اراضیهم فانهم اخذوا منهم جمیع ما کان فی ایدیهم و تحت سیطرتهم.سواء أ کان ارضا أم کان غیرها کالمناجم و نحوها،و قد تقدم انه لا یعتبر فی کون المأخوذ ملکا للمسلمین ان تکون للکافر علاقة به،بل کل ما انتزع من سیطرة الکافر و ان لم تکن له علاقة به اصلا و لو علی مستوی الحق فهو ملک للامة،و لا شبهة فی ان المناجم الموجودة فیها کانت تحت استیلائه و سیطرته و قد انتزعت منها بعنوة.

فالنتیجة فی نهایة الشوط:ان المناجم فی الارض المفتوحة عنوة تخضع الارض فی مبدأ الملکیة،و لیست من المشترکات العامة بین جمیع الناس.هذا من ناحیة.

و من ناحیة اخری:ان المناجم الموجودة فی الارض التی هی من الانفال تخضع تلک الارض فی مبدأ الملکیة،و لیس الناس فیها شرع سواء.

و من ناحیة ثالثة:ان المعادن الموجودة فی الارض المملوکة بملکیة خاصة تکون من المشترکات العامة بین جمیع الناس،و لا تخضع الارض فی مبدأ الملکیة.

و اما الدعوی الثانیة:فقد ظهر مما ذکرناه انه لا یمکن اتمامها بوجه،لما عرفنا من ان المعادن انما تکون من الانفال اذا کانت فی اراضی الدولة،لا مطلقا علی اساس ان الدلیل علی ذلک منحصر بالموثقة المتقدمة،و قد عرفنا انها لا تدل علی اکثر من ذلک،کما انه لا وجه لدعوی انها داخلة فی الارض التی لا رب لها.

و اما الدعوی الثالثة:فقد تقدم ان روایة اسحاق بن عمار تامة سندا فلا تحتاج الی وجود جابر.

ص:357

و اما ما ذکره(قده)-من ان الشهرة المحققة نقلا و تحصیلا التی هی قامت علی خلافها و توجب و هنها الموجب لسقوطها عن الاعتبار-فیردّه:

اولا:ان تحقق الشهرة فی المسألة علی خلافها غیر ثابت

و ثانیا:انها لا توجب سقوطها عن الاعتبار،لما قد ثبت فی محله من ان اعراض المشهور عن روایة معتبرة لا یوجب سقوطها عن الحجیة علی اساس ان ملاک حجیة الروایة انما هو وثاقة رواتها الا اذا فرض حصول الاطمئنان منه فی مورد بالخلل فیها،فانه و ان کان یوجب سقوطها عن الاعتبار الا انه انما هو من ناحیة الاطمئنان لا من ناحیة الاعراض.و من هنا لو حصل الاطمئنان به من سبب آخر لکان موجبا لسقوطها عن الاعتبار أیضا.

و اما الدعوی الرابعة:فقد تبین مما تقدم صحة هذه الدعوی و انه لا مناص من الاخذ بها-و هی التفصیل بین المناجم الموجودة فی اراضی الدولة،و المناجم الموجودة فی اراضی المسلمین،و المناجم الموجودة فی ارض مملوکة لفرد خاص،فانها علی الاول تکون من الانفال کأرضها،و علی الثانی انها ملک عام للمسلمین،و علی الثالث انها من المشترکات العامة بین جمیع الناس-.

و هذا هو التفصیل الذی وعدنا الاشارة الیه سابقا.

الی هنا قد استطعنا ان نخرج بهذه النتیجة:و هی ان ما نسب الی المشهور-فی المعادن الظاهرة من ان الناس فیها شرع سواء- فقد عرفنا انه غیر صحیح،و لا بد فیها من التفصیل کما عرفت.

ص:358

المعادن الباطنة

و هی التی لا تبدو جوهرها من دون بذل جهد و عمل فی سبیل انجازه،و ذلک کالذهب و الفضة و ما شاکلهما،فان المادة الذهبیة لا تصبح ذهبا بشکله الکامل الا بعد التصفیة و التطویر العملی.

و هذه المادة علی قسمین:

احدهما:ان تکون المادة قریبة من سطح الارض.

و الآخر،ان تکون متوغلة فی اعماق الارض بحیث لا یمکن الوصول الیها الا من خلال الحفر المتزاید و الجهد الاکبر.

اما القسم الاول:فقد نسب الی المشهور ان حال هذا القسم حال المعادن الظاهرة التی عرفنا احکامها یعنی-ان الناس فیه شرع سواء فلا یملک بالاحیاء کما کان الامر کذلک فی المعادن الظاهرة-.

و اما القسم الثانی:ففیه خلاف فعن جماعة انه من الانفال.

و قیل:انه من المشترکات العامة کالمعادن الظاهرة.

و لکن الظاهر:انه لا فرق بین المعادن الباطنة بکلا نوعیها و المعادن الظاهرة.

و الوجه فی ذلک:ان مقتضی اطلاق الموثقة ان المعادن و المناجم الموجودة فی اراضی الدولة ملک لها مطلقا ای-من دون فرق بین کونها من الظاهرة او الباطنة-.

و اما المعادن الباطنة:الموجودة فی ارض مملوکة لفرد معین فلا دلیل علی کونها عن الانفال،کما انه لا دلیل علی انها تخضع الارض فی مبدأ الملکیة،فان منشأ ملکیة الفرد للأرض ینتهی فی

ص:359

نهایة المطاف الی عملیة الاحیاء،و قد تقدم ان اثرها لا یمتد الی المعادن و المناجم الموجودة فیها.

و اما المعادن الباطنة الموجودة فی الارض المفتوحة عنوة فهی ملک عام للمسلمین کالأرض لان ما دل علی ملکیة تلک الارض للامة لا یقصر عن شمول المعادن الموجودة فیها،فان الاستیلاء علیها استیلاء علیها طبعا کما اشرنا الیه آنفا.

فالنتیجة فی نهایة الشوط:انه لا فرق بین المعادن الظاهرة و الباطنة فی شکل الملکیة،فانها ان کانت فی أراضی الدولة فهی ملک لها،و ان کانت فی اراضی الأمة فهی ملک لهم،و ان کانت فی ارض تخضع لمبدإ ملکیة خاصة فهی من المشترکات العامة بین کل الناس من دون فرق بین الظاهرة منها و الباطنة.

الی هنا قد عرفنا:شکل ملکیة المعادن بکل انواعها.

هل یسمح الإسلام بتملک المعادن؟

اشارة

یقع الکلام فیه تارة فی المعادن الظاهرة.

و اخری فی المعادن الباطنة.

المعادن الظاهرة

اشارة

المعروف و المشهور بین الاصحاب:هو ان الإسلام لا یسمح باختصاص الفرد بالمعادن الظاهرة و تملکها بالاستیلاء علیها ما دامت فی موضعها الطبیعی،و انما اذن له بالحصول علی کمیة منها التی

ص:360

لا تتجاوز عن قدر حاجته و قد منع الإسلام عن احتکار تلک الثروات الطبیعیة و المواد الاولیة-بایجاد المشاریع الخاصة لاستثمارها-علی اساس ان الناس فیها شرع سواء،فلا یحق لأی فرد ان یزاحم الآخر فی ممارسة حقه منها-و هو الکمیة التی تکون بقدر حاجته-حیث ان ذلک یضر بالعدالة الاجتماعیة التی یهتم الإسلام بایجادها بین طبقات الامة و افرادها.

و فی عدة من المصادر الفقهیة:قد صرح بعدم السماح بالملکیة الخاصة للمعادن الظاهرة:منها:ما عن الشیخ الطوسی(قدس) فی المبسوط،و ابن ادریس فی السرائر،و العلامة فی التحریر، و الشهید فی الدروس و اللمعة،و الشهید الثانی فی الروضة و المحقق فی الشرائع،و لا فرق فی ذلک بین ان یکون الوصول الیها بحاجة الی انفاق العمل و بذل الجهد کما هو الحال فی الوصول الی آبار النفط او لم تکن بحاجة الیه و عن العلامة فی التذکرة ان هذه المعادن لا یملکها احد بالاحیاء و العمارة.

و فیه ان ذلک و ان کان معروفا بین الاصحاب،بل فی بعض المصادر الفقهیة دعوی عدم الخلاف،بل الاجماع علی ذلک إلا اننا قد عرفنا ان اتمامه بدلیل لا یمکن،فان الاجماع لم یثبت،و الدلیل الآخر غیر متوفر

فاذن علی ضوء ما قدمناه:یقع الکلام فی موارد ثلاثة:

الاول:فی المعادن الظاهرة الموجودة فی اراضی الدولة علی اساس انها تکون من الانفال.

الثانی:فی المعادن الظاهرة الموجودة فی الاراضی المفتوحة عنوة علی اساس انها تکون للمسلمین.

ص:361

الثالث:فی المعادن الظاهرة الموجودة فی الاراضی التی تخضع لمبدإ ملکیة خاصة علی اساس انها تکون من المشترکات العامة بین کل الناس.

اما المورد الاول:فالکلام فیه یقع فی مقامین:

احدهما:ان التصرف فیها هل یتوقف علی اذن الامام(علیه السلام)اولا؟

و الآخر:ان من یقوم بعملیة الاستخراج منها و حیازتها علی اساس بذل الجهد و العمل هل یملک المادة التی یحوزها خاصة او یحصل علی حق فیها؟

اما المقام الأول:فالظاهر بل لا شبهة فی ان التصرف فیها یتوقف علی اذنه(علیه السلام)لوضوح ان التصرف فی ملک الآخر غیر سائغ عقلا و نقلا إلا باذنه و رضاه بدون فرق فی ذلک بین الملک الخاص و العام.

ثم انه هل یمکن التمسک باخبار التحلیل لإثبات الاذن؟

الظاهر انه لا مانع منه،و النکتة فی ذلک ان موضوع نصوص التحلیل و ان کان هو الارض الا ان اثره بالارتکاز القطعی العرفی یمتد الی ما فی اعماقها و بطونها،و ما علی وجهها من المصادر و الثروات الطبیعیة کالمواد المعدنیة و نحوها،و لا یقتصر اثر التحلیل علی الارض فحسب،و لا سیما بقرینة حکمة هذا التحلیل.

و علی الجملة:فالمتفاهم العرفی-من تلک الاخبار-هو ان التحلیل لمن شملتهم انما هو لاتاحة الفرصة لهم للاستفادة من الارض و ما فیها من الثروات و الانتفاع بهما،و لا یفهم منها أیة خصوصیة للأرض.

نعم ان هذا التحلیل خاص لمن شملتهم اخبار التحلیل دون غیرهم.

و دعوی-ان سیرة المسلمین قد استقرت فی جمیع العصور علی

ص:362

جواز التصرف فی المعادن الموجودة فی الاراضی التی هی ملک للإمام (علیه السلام)و استثمارها و الانتفاع بها من دون ورود ردع عنها، و من الطبیعی ان ذلک کاشف عن امضاء الشارع لها جزما-.

خاطئة جدا و ذلک،لأنه ان ارید بها سیرة المتعبدین بنصوص اهل البیت(علیه السلام)فالظاهر ان استقرارها انما هو علی اساس اخبار التحلیل.و ان ارید بها سیرة غیرهم فمن الواضح انها انما تقوم علی اساس منهجهم الفقهی.

فالنتیجة:انها لا تکشف عن جواز التصرف فیها لکل فرد من المسلمین.

و اما المقام الثانی:فالظاهر ان العملیة المزبورة تمنحه حقا فیها دون الملک،و ذلک لأنه لم یدلنا دلیل علی ان تلک العملیة توجب انقطاع علاقة الامام(علیه السلام)عنها نهائیا و دخولها فی ملک من قام بهذه العملیة.

و اما اخبار التحلیل:فهی لا تدل علی ذلک اصلا،لأن مفادها انما هو اباحة التصرف فیها و الانتفاع بها لا الملکیة،بل فی نفس تلک الاخبار ما یدل علی ان رقبة الارض تظل فی ملک الامام(علیه السلام)، و علیه فبطبیعة الحال تبقی المصادر و الثروات الطبیعیة الموجودة فیها فی ملکه(علیه السلام)أیضا.

و اما نصوص الاحیاء:فهی خاصة بالارض فلا تشمل غیرها من المعادن او نحوها الموجودة فیها حیث لا یصدق علیها اسم الارض و من هنا قلنا انه لا یصدق الاحیاء علی اکتشاف المعدن من خلال عملیات الحفر إلا مسامحة.

هذا اضافة الی ان ما ذکرناه:من ان الاحیاء لا یمنح المحیی

ص:363

إلا حقا فی الارض دون الملک.

و دعوی-ان ما یحوزه العامل من المواد المعدنیة بعد اکتشافها یملکه علی اساس السیرة القطعیة من العقلاء الثابتة فی جمیع الاعصار بدون ورود ردع عنها-و ان کانت صحیحة فیما اذا لم یکن المحاز داخلا فی نطاق ملکیة احد،لا عاما،و لا خاصا.

و اما اذا کان المحاز ملکا لأحد فلا سیرة هنا علی ان الحیازة تمنح العامل ملکیة المحاز،و الفرض ان المحاز فیما نحن فیه ملک للإمام(علیه السلام)فلا دلیل علی انه اصبح ملکا للعامل علی اساس حیازته فاذن لا اثر لها الا ایجاد حق له فیه یعنی-انه اصبح اولی و احق بالتصرف فیه و الانتفاع به-و لا یجوز لغیره ان یزاحمه فی ذلک.

و اما النصوص الواردة فی خمس المعادن-الدالة علی وجوب اخراج الخمس من المادة التی یستخرجها خاصة-فهی لا تدل علی ان الاربعة الاخماس الباقیة ملک المستخرج،فان مقتضی نصوص التحلیل انه یباح التصرف فیها و الانتفاع بها من دون وجوب دفع شیء منها الی الامام(علیه السلام).

و لکن هذه النصوص:قد اوجبت علی العامل دفع خمس ما یستخرجه منها الی ولی الامر،و لا یجوز له التصرف فیه،و من الطبیعی انها ساکتة عن ان الباقی ملک للعامل او مباح له،و علیه فالمحکم هو ما دل علی کونها من الانفال،و لا دلیل علی خروجها عنها،

فالنتیجة فی نهایة المطاف:انه لم یقم برهان علی ان بذل العامل جهده و عمله-فی سبیل استخراج المعادن من اعماق الارض او فی سبیل الاستیلاء علیها و جعلها فی حوزته اذا کانت علی سطح الارض- یمنحه ملکیة المادة المستخرجة او المحوزة،و انقطاع علاقة

ص:364

الامام(علیه السلام)عنها نهائیا،فلا مانع من بقاء رقبتها فی ملک الامام(علیه السلام) و مع ذلک یجوز له الانتفاع بها و الاستفادة منها،و لا ینافی ذلک وجوب دفع خمس المادة المزبورة علیه،و عدم جواز تصرفه فیه، فانه لا یکون دلیلا علی الملک،

هذا تمام کلامنا فی المورد الاول.

و اما المورد الثانی:-و هو المعادن الموجودة فی الارض المفتوحة عنوة-فبما انک قد عرفت انها تخضع الارض المزبورة فی نوع الملکیة فلا محالة یکون حکمها حکم الارض،و قد تقدم انه یجوز لکل فرد من المسلمین ان یقوم بالتصرف فیها و الانتفاع بها فی ضمن الخطوط التی ترسم من قبل ولی الامر او الدولة فی دائرة الشرع حتی یکون کل فرد مساهما فی تحقیق العدالة الاجتماعیة بین طبقات الأمة،و کذا الحال فی المعادن المزبورة.

و اما المورد الثالث:-و هو المعادن الموجودة فی الارض التی تخضع لمبدإ الملکیة الخاصة التی تکون من المشترکات العامة بین کل الناس-فهل یملک الفرد منها المادة التی یستخرجها خاصة علی اساس الحفر و بذل الجهد فیه اذا کان استخراجها بحاجة الیه او المادة التی یحوزها منها اذا کانت موجودة علی سطح الارض او لا یملک و انما یبرّر ذلک وجود حق له فیها؟

الظاهر هو الوجه الأول:لان المقتضی للملک متوفر لدی العرف و العقلاء-و هو بذل العامل جهده و عمله فی سبیل جعلها فی حوزته بشکل مباشر-و المانع منه غیر موجود-و هو کونها خاضعة لمبدإ الملکیة الخاصة او العامة-و ذلک لما تقدم فی ضمن البحوث السالفة من انه لا دلیل علی کون تلک المعادن ملک خاص کالأرض التی

ص:365

هی فیها،أو ملک عام للدولة،فاذن بطبیعة الحال کان مقتضی الاصل عدم علاقة احد بها،لا خصوصا،و لا عموما،و هذا معنی ان الناس فیها شرع سواء،و لیس معناه انها ملک عام لجمیع الناس، و ان کان قد یعبر عنها بذلک علی اساس ان کل الناس یملک حق التصرف فیها و الانتفاع بها بدون خصوصیة خاصة لأحد،کما هو الحال فی جمیع المباحات الاصلیة.

فالنتیجة فی نهایة الشوط:ان المعادن المزبورة من المباحات الاصلیة،فاذا کان الأمر کذلک فبطبیعة الحال کما انه لا مانع لدی العقلاء من تملک العامل ما یستخرجه منها خاصة،کذلک لا مانع منه لدی الشرع،فان المانع منه کما مرّ بنا هو خضوعها لمبدإ الملکیة الخاصة او العامة.

ثم ان ما هو المشهور بین الفقهاء-من ان الإسلام لا یسمح فی المواد المعدنیة الظاهرة او التی تقع قریبة من سطح الارض بتملک الفرد لها ملکیة خاصة-انما هو فیما اذا کانت تلک المواد فی مکانها الطبیعی.و اما الکمیة التی یحوزها الفرد بشکل مباشر بعد بذل الجهد و العمل فی سبیل حیازتها فلا شبهة فی انه یملک تلک الکمیة فی مورد الکلام کما عرفت.هذا من ناحیة.

و من ناحیة اخری:ان المراد من عدم سماح الإسلام بتملک تلک المواد المعدنیة ملکیة خاصة فی موضعها الطبیعی انما هو من ناحیة عدم المقتضی لها-علی اساس ان اکتشافها من خلال عملیات الحفر(ما دام ظلت فی مکانها الطبیعی)لا یبرر الا وجود حق فیها فانه لا یملک الا فرصة الاستفادة منها.و هی الحفرة التی حفرها لاکتشافها و الوصول الیها دون نفسها-لا من ناحیة ورود نص صحیح

ص:366

فی الشریعة علی انها لا تملک فی مکانها الطبیعی.

و بکلمة واضحة:ان المقتضی لملکیة تلک المواد المعدنیة ان کان هو الاستیلاء علیها من دون بذل جهد و عمل فی سبیل حیازتها فقد تقدم سابقا ان الإسلام لا یعترف بالاستیلاء المزبور کذلک نهائیا، و ان کان المقتضی هو اکتشافها و الوصول الیها بالقیام بالحفر و بذل الجهد فیه فالاسلام لا یعترف به علی اساس انه یمنح العامل ملکیتها لا فی ضمن نص شرعی،و لا فی ضمن بناء عقلائی.

اما الأول:فلعدم وجوده.

و اما الثانی:فلانه لم یقم بناء من العقلاء علی ان اکتشافها بذلک یمنح المکتشف ملکیتها.

فالنتیجة:ان تلک المواد المعدنیة ما دامت فی موضعها الطبیعی لا یعترف الإسلام بملکیتها لأحد ملکیة خاصة علی اساس اکتشافها و حیازتها کما نص بذلک فی کثیر من المصادر الفقهیة.

هل یسمح للفرد ان یحوز من المعادن

الظاهرة کمیة اکبر من فدر حاجته

قد نص فی عدة من المصادر الفقهیة ان الإسلام لا یسمح للفرد أن یأخذ من المعادن و المناجم الظاهرة اکثر من قدر حاجته،و انما یسمح له ان یأخذ منها المقدار المعقول من حاجته.

و قد علل ذلک بعدم دلیل لفظی یدلنا علی ان الحیازة دائما و فی تمام الاحوال تمنح الفرد ملکیة المادة المعدنیة المحازة مهما کان قدرها و حتی فیما اذا کانت حیازته لها سببا لمنع الآخرین عن

ص:367

الانتفاع بها و الضیق علیهم،و انما الشیء الوحید المعلوم لنا هو ان الناس کانوا معتادین فی عصر التشریع بحیازة کمیات من تلک المواد المعدنیة التی توجد علی سطح الارض او قریبة منه لسد حاجاتهم و اشباعها،و من الطبیعی ان تلک الکمیات کانت ضئیلة جدا لقلة امکاناتهم الاستخراجیة و الانتاجیة،و هذه العادة هی التی سمحت بها الشریعة،و من الواضح انها لا تصبح دلیلا علی سماح الشریعة بتملک الفرد لما یحوزه من تلک المواد المعدنیة و ان اختلفت حیازته فی الکم عن الحیازة التی جرت علیها عادة الناس فی عصر التشریع،او فی الکیف یعنی-و ان کانت سببا للضیق علی الآخرین و مزاحمة لهم.

و لنأخذ بالنقد علی هذا الوجه و حاصله:اننا لا نعلم باستقرار العادة المزبورة فی ذلک الاطار الخاص فی عصر التشریع بحیث تصبح دلیلا فی المسألة.

و السبب فیه:ان الناس و ان کانوا معتادین فی ذلک العصر بحیازة کمیات من تلک المواد المعدنیة لإشباع حاجاتهم الا انهم بطبیعة الحال کانوا مختلفین بحسب امکاناتهم المادیة او العلمیة،و من الطبیعی ان کل فرد کانت الامکانات المادیة او العلمیة لدیه اکثر فلا محالة کانت قدرته الاستخراجیة و الانتاجیة اکبر ممن لم تکن لدیه تلک الامکانات،فاذا افترضنا ان فردا استخرج من المواد المعدنیة و انتج منها قدرا اکبر من حاجته من دون کونه مزاحما للآخرین فی الانتفاع بها فلا دلیل علی انه لا یملک ذلک القدر علی اساس انه اکثر من حاجته،و لا نعلم بوجود سیرة من المسلمین فی ذلک العصر علی خلافه،هذا من ناحیة.

ص:368

و من ناحیة اخری اننا لا نملک نصا معتبرا یدلنا علی ان کل فرد یملک الکمیة التی یحوزها من تلک المواد المعدنیة اذا لم تتجاوز عن القدر المعقول من حاجته،و اما اذا تجاوزت فلا یملک الزائد، بل اننا لا نملک دلیلا یدلنا علی ان حیازة،الکمیة من هذه المعادن التی تکون من المباحات الاصلیة انما تمنح ملکیتها اذا لم تکن مزاحمة للآخرین و ضیقا علیهم،بل لا مانع من الحکم بملکیتها حتی فی هذا الفرض،لأن المراد بمزاحمتهم لیس مزاحمة لحقوقهم المتعلقة بتلک المواد المعدنیة و تضییعا لها،فانها غیر جائزة جزما، و لا اثر لحیازتها علی اساس انها متعلقة لحقوقهم،بل المراد منها عدم اتاحة الفرصة لهم للانتفاع بها و الاستفادة منها من دون ان تکون لهم علاقة بها مطلقا حتی علی مستوی الحق،لفرض انها من المباحات الأولیة،ففرض سبق علاقة لأحد بها خلف.

فالنتیجة:ان المراد من المزاحمة هو ان قیامه بعملیة استخراج تلک المواد المعدنیة و انتاجها بقدر اکبر من حاجته مانع عن قیام الآخرین للانتفاع بها.

نعم علی ولی الامر ان یمنعه من مزاحمة الآخرین-فیما اذا کان الآخرون بحاجة ماسة الیها-تحقیقا للتوازن و العدالة الاجتماعیة و سوف نشیر الیه.

الی هنا قد استطعنا ان نخرج بهذه النتیجة:و هی ان ما نسب الی المصادر الفقهیة-من ان الإسلام لا یسمح للفرد ان یملک من المواد المعدنیة کمیة تتجاوز عن قدر حاجته-لا یقوم علی اساس صحیح حیث قد عرفت انه لا دلیل علیه،لا لدی الشرع،و لا لدی العقلاء، فاذن لا مانع من تملکه منها کمیة اکبر من مقدار حاجته

ص:369

هذا اضافة الی انه لیس لدی کل فرد امکانیة و طاقة لاستخراج المعادن و انتاجها،فاذن یدور امرها بین ان تظل فی مکانها الطبیعی او یقوم من لدیه امکانیة و طاقة بممارسة استخراجها و انتاجها کمیات اکبر و وضعها فی خدمة المجتمع،و من الطبیعی ان الثانی هو المتعین.

هذا من ناحیة.

و من ناحیة اخری:ان ما نسب الی تلک المصادر الفقهیة لا ینسجم مع اهتمام الإسلام بالعمل و صرف الطاقات و الامکانات التی تتوفر لدی الافراد فی استثمار المصادر الطبیعیة،و غیرها من النشاطات الاقتصادیة،فعلی من تتوفر لدیه طاقة و امکانیة لممارسة استخراج المواد المعدنیة و انتاجها ان یصرفها فی سبیل ذلک،و علی من تتوفر لدیه طاقة و امکانیة لممارسة نشاط آخر من النشاطات الاقتصادیة و الصناعیة ان یصرفها فی سبیل تحقیق ذلک و هکذا،کل علی حسب امکانیته و طاقته

و بذلک یظهر ان العادة المدعاة فی عصر التشریع علی تقدیر ثبوتها فی ذلک العصر لا تکون دلیلا لنا فی العصور المتأخرة،فان الإسلام لم یجعل تلک العادة فی ضمن ای نص من نصوصه الشرعیة طریقا لممارسة الافراد فی استخراج المواد المعدنیة و انتاجها فی کل عصر، لأنها لو کانت فانما هی من متطلبات ذلک العصر باعتبار ان الإسلام لم یرسم خطا خاصا لممارسة افراد المجتمع فی القیام بذلک کی لا یجوز التعدی عن ذلک الخط.بل جعل حریة الافراد فی ممارسة استثمارها فی کل عصر فی ظل اطار عام-و هو ما تطلبه المصلحة العامة فی ذلک العصر علی اساس العدالة الاجتماعیة التی یؤمن الإسلام بضرورة ایجادها بین افراد الامة و طبقاتهم-و قد منح ولی

ص:370

الأمر صلاحیة تطبیق ذلک حسب متطلبات العصر علی ذلک الاساس.

و من الطبیعی:انها تختلف باختلاف العصور فقد تطلب المصلحة العامة عدم السماح للفرد باستخراج کمیة اکبر من قدر حاجته، و قد تطلب بالسماح له باستخراج کمیة اکبر من حاجته،و هکذا، فاذن کیف تکون العادة المذکورة دلیلا لنا فی کل عصر.

ثم ان علی ولی الامر او الدولة ان یوفر الوسائل و الامکانات المادیة و العلمیة لاستخراج تلک المعادن و انتاجها و وضعها فی خدمة المجتمع تحقیقا للعدالة الاجتماعیة و التوازن بین طبقات الامة التین یؤمن الإسلام بضرورة ایجادهما فی المجتمع الاسلامی،و لا فرق فی ذلک بین ان تکون الدولة هی التی تباشر عملیة الاستخراج منها و الانتاج،او تتوفر الوسائل و الامکانات للأفراد لیباشروا تلک العملیة، حیث انه لیس للدولة ان تمنع الافراد عن ممارسة حریاتهم فی سبیل استخراج المعادن و انتاجها علی اساس انها من المباحات الاولیة، و لیست ملکا لها إلا اذا کان ذلک علی خلاف المصلحة العامة،فعندئذ للدولة ان تمنع عنها باعتبار ان المصلحة العامة تتقدم علی المصلحة الخاصة.

و من هنا کان علی ولی الامر او الدولة وضع خطوط لتصرفات الافراد فیها و استثمارهم لها فی ضمن دائرة الشرع،لتمنعهم عن حدی الافراد و التفریط فی المشارع الخاصة،و عن الاحتکار و السیطرة علیها،کل ذلک انما هو لغرض تحقق العدالة الاجتماعیة بین طبقات الامة.

و لیس مرد ذلک الی تحدید فی الملکیة و الثروة الخاصة فی الإسلام، بل مرده الی تحدید فی الطرق التی یتمکن الفرد من تحصیل الثروة

ص:371

من تلک الطرق.و قد تقدم ذلک فی ضمن البحوث السالفة بشکل موسع،قلنا هناک ان لکل فرد من المسلمین ان یمارس عملیة الاستخراج و الانتاج من الطرق المحددة بجوانبها الایجابیّة و السلبیه من قبل الشرع بحریة تامة،فلو حصل الفرد علی ثروة هائلة بممارسة العملیة المزبورة من تلک الطرق ملک تلک الثروة بلغت ما بلغت من الکثرة، و لیس فی الإسلام تحدید فی ذلک

نعم قد اعطی الإسلام صلاحیة لولی الأمر او الدولة ان یأخذ من أموال المسلمین بالمقدار الذی تقتضیه المصلحة العامة الملزمة کما اذا توقف حفظ بیضة الإسلام علی ذلک او حفظ حدود المملکة الاسلامیة فی مقابل هجوم الکفار او ما شاکل ذلک،و لکن لا صلة لذلک بما نحن فیه اصلا.

المعادن الباطنة

و هی کما عرفت علی قسمین:

احدهما:المعادن الباطنة القریبة من سطح الارض.

و الآخر:المعادن الباطنة المتوغلة فی اعماق الارض.

اما الأولی:فقد الحقها الاصحاب بالمعادن الظاهرة،و ذکروا ان حکمها حکم تلک المعادن.

و قد تقدم الکلام بشکل موسع فی المعادن الظاهرة،و قلنا هناک ان ما نسب الی المشهور بین الاصحاب من کون تلک المعادن مطلقا من المشترکات العامة بین کل الناس لا یمکن اتمامه بدلیل.

فالصحیح هو ما ذکرناه من التفصیل بین کونها فی اراضی الدولة،و کونها فی الارض المفتوحة عنوة،و کونها فی الارض الخاصة

ص:372

و علی الاول فهی من الانفال،و علی الثانی فهی ملک عام للمسلمین، و علی الثالث فهی من المشترکات العامة بین کل الناس.هذا من ناحیة.

و من ناحیة أخری:ان ما نسب الی کثیر من المصادر الفقهیة- من ان الإسلام لا یسمح للفرد ان یحوز کمیة اکبر من قدر حاجته -فقد عرفت انه لا یقوم علی اساس صحیح.

و من ناحیة ثالثة:ان ما ذکرناه من الاحکام للمعادن الظاهرة لا یختص بها،بل یعم غیرها أیضا کما یعرف ذلک بوضوح من خلال ما قدمناه من البحوث.و علیه فکما لا فرق بین المعادن الظاهرة و المعادن الباطنة القریبة من سطح الارض علی ضوء نظریة المشهور،فکذلک لا فرق بینهما علی ضوء ما ذکرناه.

و اما الثانیة:فقد نسب الی المشهور انها تملک بالاحیاء ای باکتشافها و الوصول الیها فی اعماق الارض من خلال بذل الجهد و العمل المتواصل و الحفر المتزاید.

و فی الجواهر قد ادعی عدم وجدان خلاف فیه بین من تعرض له کالشیخ و ابن البراج و ابن ادریس و الفاضل و الشهیدین و الکرکی و غیرهم بل نسب الی ظاهر المبسوط و السرائر الاجماع علی ذلک.

و قد علل ذلک:بان العمل المزبور احیاء و هو سبب للملک، فان احیاء کل شیء بحسبه،و من هنا قد بنوا الفقهاء علی ان تلک المعادن تملک بالاکتشاف من خلال عملیات الحفر علی اساس انه لون من الوان الاحیاء.هذا من ناحیة.

و من ناحیة اخری هل ان هذه الملکیة تمتد فی اعماق الارض الی منتهی عروق المواد المعدنیة و جذورها مهما بلغت اولا؟فیه وجهان

ص:373

المشهور بین الفقهاء:هو الثانی علی ما فی الجواهر،حیث ذکر فیه ان المصرح به فی کلام غیر واحد هو انه لو حفر فبلغ المعدن لم یکن له منع غیره من الحفر من ناحیة اخری فاذا وصل الی ذلک الغرق لم یکن له منعه

فالنتیجة:ان جمهور الفقهاء کما بنوا علی تملک المعادن الموجودة فی اعماق الارض باکتشاف عروقها و ینابعها من خلال عملیة الحفر، کذلک بنوا علی ان هذه الملکیة محدودة و ضیقة،و لا تمتد الی جذورها فی اعماق الارض مهما وصلت،بل تقتصر علی المواد المکتشفة من خلال عملیات الحفر.

و یمکن المناقشة:فی هذا الرأی الفقهی علی اساس المناقشة فی مستنده،فان مستنده لا یخلو من ان یکون عملیة الاحیاء او الحیازة

اما الاولی:فلان سببیتها للملک او الحق مطلقا و فی کل مورد بحاجة الی دلیل و الا لکان اکل المال بها اکلا بالباطل،و الفرض انه لا دلیل علیها الا فی خصوص الارض علی اساس مجموعة من النصوص الدالة علی ان احیائها یمنح حقا فیها و هی لا تشمل المعادن علی اساس انها لیست بارض.

فالنتیجة:انه لا یمکن اثبات اعتراف الإسلام بان اکتشاف المعادن فی اعماق الارض من خلال عملیات الحفر یمنح ملکیة تلک المعادن فی حدود کشفها،لا علی اساس نصوصه التشریعیة،و لا علی اساس اخر کبناء العقلاء حیث انه لم یثبت فی غیر الارض.

هذا اضافة الی ان صدق الاحیاء علی الاکتشاف المزبور محل اشکال بل منع لدی العرف و العقلاء.

و اما الحیازة:فلا دلیل علی انها سبب لتملک الثروات و المصادر

ص:374

الطبیعیة ما دامت فی موضعها الطبیعی.

و قد تحصل من ذلک:ان الفرد لا یملک المعدن باکتشافه و وصوله الی عروقه و ینابعه من خلال عملیات الحفر ما دام فی موضعه الطبیعی

و یؤکد ذلک ما مرّ بنا من تحدید ملکیة المعدن من قبل اصحاب هذا الرأی فان مرد هذا التحدید فی نهایة المطاف الی انکار الملکیة نهائیا.

بیان ذلک:انه اذا جاز قیام غیر الحافر الأول بعملیات الحفر من طرف آخر لاکتشاف عروق ذلک المعدن و الوصول الیها التی وصل الیها الحافر الأول،و بعد الوصول و الاکتشاف جاز له القیام بعملیة استخراجها و انتاجها،کما جاز ذلک للأول و لم یقیدوا قیام الثانی بعملیة الاستخراج و الانتاج بحد خاص و علیه فاذا انتهت عملیة استخراج و انتاج کل منهما الی حد لم یبق الفاصل بین الحفرة الأولی و الحفرة الثانیة الا کمیات قلیلة من المادة المعدنیة بحیث لو لم تکن تلک الکمیات فی البین لانتهت احدی الحفرتین بالاخری و وصلتا

فعندئذ نقول:ان هذه الکمیات من المادة المعدنیة ان قلنا:

بانها ملک للحافر الأول لم یجز تصرف الثانی فیها،و ان قلنا بانها ملک للثانی لم یجز تصرف الأول فیها،و ان قلنا:بانها مشترکة بینهما لم یجز تصرف کل منهما فیها بدون رضا صاحبه،مع انه لا شبهة فی جواز تصرف کل منهما فیها مطلقا حتی لدی اصحاب هذا القول،فاذن لا بد من القول بعدم دخول تلک الکمیات فی نطاق ملکیة احد ما دامت فی موضعها الطبیعی،غایة الأمر قد ثبت علی اساس اکتشافها من خلال عملیة الحفر حق خاص لکل

ص:375

منهما بممارسة استخراجها و انتاجها الی ان انتهت،و لا یجوز للاخر ان یزاحمهما فی ذلک.

و بکلمة اخری:انا اذا افترضنا ان الفرد یملک المعدن باکتشاف عروقه و ینابعه بسبب عملیات الحفر.فعندئذ یتوجه علیه السؤال التالی:

هل انه یملک المقدار المکتشف منها،او یملک تلک العروق مهما امتد نطاقها و اتسع طولا او عرضا او افقا،او یملکها الی حد خاص

لا یمکن الالتزام بالاحتمال الثانی،فانه مقطوع البطلان لدی الشرع و العرف.

و اما الاحتمال الثالث،فهو بحاجة الی دلیل و لا دلیل علیه.

و اما الاحتمال الأول:فهو لا ینسجم مع عدم تحدیدهم قیام الحافر الثانی بعملیة الاستخراج و الانتاج الی تلک الحدود ای-الحدود المکتشفة من المواد المعدنیة و عروقها من قبل الحافر الأول-فلو کانت تلک الحدود داخلة فی نطاق ملکیة الحافر الأول لکان علیهم التحدید المذکور لا محالة رغم انهم لم یحدّدوه،و جوزوا قیامه بالعملیة المزبورة مطلقا،و هذا معنی ما ذکرناه من ان تحدید ملکیة المعدن یرجع بالتالی ان انکارها.

فالنتیجة:انه لا دلیل علی ان الفرد یملک المعدن باکتشافه بسبب عملیة الحفر ما دام فی مکانه الطبیعی،و انما یملک المادة التی یستخرجها خاصة و یحوزها.

نعم ان اکتشافه المعدن من خلال عملیات الحفر و بذل الجهد یمنحه حقا فیه لدی العرف و الشرع فلا یجوز لغیره ان یزاحمه فی الحصول علیه.و لکن من المعلوم ان ثبوت هذا الحق له بمعنی انه اولی من غیره بالاستفادة من المواد المعدنیة فی اعماق الارض من طریق هذه

ص:376

الحفرة التی حفرها لاکتشافها و الوصول الیها،لأنه هو الذی خلق هذه الفرصة للاستفادة منها،فمن حقه ان یمنع الآخرین عن استخدام تلک الحفرة فی الحصول علیها.

نعم لو اعرض عنها او ترکها الی ان خربت سقط حقه عنها نهائیا،و جاز للاخر استخدام تلک الحفرة و استغلالها.

اما علی الأول:فلما بیناه فی ضمن الابحاث السالفة من ان الاعراض عن شیء یوجب سقوط علاقة صاحبه عنه نهائیا و ان کانت علی مستوی الملک،فضلا عما اذا کانت علی مستوی الحق.

و اما علی الثانی:فلان حقه معلول للحالة التی خلقها فی الارض للاستفادة من المواد المعدنیة التی تکون فی اعماق الارض-و هی الحفرة التی اوجدها علی اساس انها تتیح له فرصة الانتفاع بها-فاذا زالت تلک الفرصة و خربت الحفرة،و سقطت عن قابلیة استخدامها فی الحصول علیها سقط حقه عنها نهائیا بسقوط موضوعه.

هذا کله:بناء علی القول بکون المعادن الباطنة أیضا من المشترکات العامة بین کل الناس

و اما علی ضوء ما قویناه:-من ان المعادن مطلقا ان کانت فی اراضی الدولة فهی من الانفال،و ان کانت فی الارض المفتوحة عنوة فهی ملک عام للمسلمین،و ان کانت فی ارض خاضعة لمبدإ ملکیة خاصة فهی من المشترکات العامة بین جمیع الناس-.

فقد عرفنا ان العامل یملک المادة التی یستخرجها خاصة من اعماق الارض فی خصوص القسم الاخیر علی اساس انها من المباحات الاولیة.

و اما فی القسمین الأولین:فهو لا یملک تلک المادة علی اساس

ص:377

انها علی الأول ملک للإمام(علیه السلام)،و علی الثانی ملک للمسلمین، غایة الأمر ان الامام(علیه السلام)قد اباح التصرف فیها و الانتفاع بها بمقتضی اخبار التحلیل و غیرها و لا دلیل علی انقطاع علاقة صاحبها عنها، و اخبار التحلیل کغیرها لا تدل علی هذا الانقطاع،و قیام العامل بعملیة الاستخراج و الحیازة و ان کان من اسباب الملک الا ان سببیته لذلک انما هو فیما اذا کان المال المحاز من المباحات،و لم یکن خاضعا لمبدإ ملکیة خاصة او عامة.

و بما انه فی المقام خاضع لمبدإ الملکیة فالعملیة المزبورة لا تؤثر الا فی ایجاد حق للعامل فیه دون الملک.

فالنتیجة:ان مقتضی الأصل بقاء تلک المادة المعدنیة فی ملک مالکها بدون فرق فیه بیان کونها من المعادن الباطنة او الظاهرة.

نعم اذا کانت المعادن موجودة علی سطح الارض فقد اشرنا آنفا الی ان الاستیلاء و السیطرة علیها بدون انفاق عمل و بذل جهد فی سبیل تحصیلها و انتاجها لا یبرر وجود حق فیها بملاک ان الإسلام لا یعترف به اذا کان علی اساس القوة و التحکم علی الآخرین.

و اما اذا کانت المعادن موجودة فی اعماق الارض فعندئذ و ان کان الفرد باکتشافها من خلال قیامه بعملیات الحفر و بذل الجهد المتزاید یحصل علی حق فیها الا ان مورد هذا الحق لیس هو المعادن المکتشفة بل مورده انما هو نفس الحفرة التی وصلت الیها و اکتشفت المعادن بها.

و النکتة فی ذلک انه لا یجوز لآخر ان یستخدم تلک الحفرة فی سبیل الحصول علیها رغم انه یجوز له ان یستخدم طریقا آخر فی سبیل ذلک،فلیس للحافر الأول ان یمنعه من قیامه باستخدام

ص:378

طریق آخر لذلک،مع ان حقه لو کان متعلقا بنفس المواد المعدنیة المکتشفة کان له حق المنع عن الانتفاع بها و استغلالها و لو من طریق آخر،کما اشرنا الیه آنفا.

فالنتیجة:ان حق الفرد انما یتعلق بالمادة التی یستخرجها خاصة لا بها فی موضعها الطبیعی،هذا اذا کانت المعادن من الانفال او کانت ملکا للأمة.و اما اذا کانت من المشترکات العامة فقد عرفنا ان الفرد یملک تلک المادة علی اساس قیامه باستخراجها و جعلها فی حوزته بشکل مباشر.

هذا تمام ما اوردناه فی بحث المعادن.

ص:379

ص:380

7- المیاه الطبیعیة

اشارة

المیاه الطبیعیة

مجموعة من الدراسة و البحوث الفقهیة التی تلقی الضوء علی انواعها و ما یترتب علیها من الآثار و الاحکام فی دائرة الشریعة الاسلامیة المقدسة

ص:381

ص:382

المیاه الطبیعیة

و هی علی نوعین:

اشارة

احدهما:المیاه المکشوفة علی سطح الارض کالبحار،و الانهار، و العیون الطبیعیة الجاریة علیها.

و ثانیهما المیاه:المکنوزة فی اعماق الارض التی لا یمکن وصول الانسان الیها الا من خلال عملیات الحفر و بذل الجهد المتزاید،و ذلک کمیاه الآبار،و العیون العامرة بشریا.

هل ان المیاه:بکلا نوعیها من المشترکات العامة بین کل الناس؟!

المعروف و المشهور بین الاصحاب انها من المشترکات العامة، و ان الناس فیها شرع سواء،و قد استدل علی ذلک بعدة وجوه:

الأول:الاجماع المدعی فی المسألة،بل فی الجواهر ان الاجماع بقسمیه قائم علی ذلک.

و فیه:انه علی تقدیر تسلیم ان الاجماع المنقول حجة،و لکن لا یمکن الحکم بحجیة الاجماع هنا،لاحتمال ان یکون مدرکه احد الوجهین الآتیین.

الثانی:قد ورد فی الروایة النبویة:(الناس شرکاء فی ثلاثة:

النار و الماء و الکلاء).و قد ورد فی روایة محمد بن سنان عن أبی الحسن(علیه السلام)قال:سألته عن ماء الوادی فقال:(ان المسلمین شرکاء فی الماء و النار و الکلاء) (1).

و لکن کلتا الروایتین ساقطة سندا فلا یمکن الاستدلال بشیء

ص:383


1- 1) الوسائل ج 17 الباب 5 من ابواب احیاء الموات الحدیث 1

منهما علی حکم شرعی.

و اما الروایة الأولی:فهی لم تثبت لدینا.

و اما الروایة الثانیة فهی ضعیفة سندا بمحمد بن سنان.

هذا اضافة:الی انها لا تدل علی ان الماء من المشترکات العامة بین کل الناس،و انما تدل علی انه من المشترکات بین المسلمین خاصة.

الثالث:الاصل،فان مقتضاه عدم دخول المیاه فی مبدأ ملکیة خاصة او عامة،لوضوح ان دخولها فی ذلک بحاجة الی دلیل و لا دلیل علیه،و معه کان لا محالة مقتضی الاصل هو ان الناس فیها شرع سواء فلا خصوصیة فیها لأحد بالاضافة الی الآخر.

و الجواب عنه:ان مقتضی الاصل و ان کان ذلک الا انه غیر بعید ان یکون المتفاهم لدی العرف من قوله(علیه السلام)فی صحیحة الکابلی و صحیحة مسمع:المتقدمتین(و الارض کلها لنا)هو ان الارض و ما تضمه من المیاه المکنوزة فی اعماق الارض او المکشوفة علی وجهها ملک للإمام(علیه السلام)،و لذا لو قیل ان ارض العراق-مثلا-کلها لزید،فان المتفاهم منه عرفا ان الارض و ما فیها من الثروات الطبیعیة کالمیاه و نحوها ملک له،لا ان الارض وحدها ملک دون ما فیها،و لا سیما علی ما مر بنا من ان مرد ملکیة الامام(علیه السلام) للأرض الی ملکیة الدولة،و علیه فمناسبة الحکم و الموضوع تقتضی ملکیتها بما فیها من الثروات کما هو الحال فی ملکیة الارض للأمة

الی هنا قد استطعنا ان نخرج بهذه النتیجة:و هی ان المیاه مطلقا ای-سواء أ کانت مکشوفة أم کانت مکنوزة فی اعماق الارض- إذا کانت فی الارض التی هی داخلة فی ملکیة الامام(علیه السلام)فهی تخضع الارض فی مبدأ الملکیة فما عن المشهور من انها من المشترکات العامة

ص:384

بین کل الناس فلا یمکن اتمامه بدلیل.

و اما اذا کانت المیاه فی الارض المفتوحة عنوة التی هی ملک للمسلمین فالظاهر انها أیضا تتبع الارض فی مبدأ الملکیة،و لیست من المشترکات العامة بین جمیع الناس کما عن المشهور،و ذلک لما قدمناه فی بحث المعادن من ان سبب ملکیة المسلمین للأرض انما هو انتزاعها من سیطرة الکفار و ان لم تکن لهم علاقة بها و لو علی مستوی الحق،و حیث ان الکفار کانوا مسیطرین علی تلک الثروات الطبیعیة علی اساس سیطرتهم علی الارض التی تضمها فانتزاع الارض من سیطرتهم بعنوة انتزاع لجمیع ما فیها من المصادر و الثروات منها المیاه المکنوزة،و المکشوفة.

و اما إذا کانت المیاه فی ارض مملوکة لفرد خاص قبل تاریخ تشریع ملکیة الانفال للإمام(علیه السلام)فهل هی تتبع الارض فی مبدأ الملکیة او یکون الناس فیها شرع سواء او تکون من الانفال؟فیه وجوه:

الظاهر هو الوجه الثانی:و ذلک لما سوف نشیر الیه من ان المیاه لا تکون من توابع الارض و شئونها لدی العرف،و انما هی موجودة مستقلة فی قبال وجود الارض،غایة الأمر ان الارض ظرف لها فتکون نسبتها الیها نسبة المظروف الی الظرف،لا نسبة الثمرة إلی الشجرة،و علیه فلا تستلزم ملکیة الارض ملکیة ما فیها من الثروات:منها المیاه الکائنة فیها.

و أما الوجه الثالث فهو بحاجة إلی دلیل،لوضوح ان دخولها فی نطاق ملکیة الامام(علیه السلام)بحاجة الی سبب،و لا سبب لذلک اصلا فی مفروض الکلام علی اساس ان الدلیل علی کونها من الانفال خاص بما إذا کانت فی اراضی الدولة،لا مطلقا،فاذن یتعین الوجه الثانی

ص:385

علی اساس انه مطابق لمقتضی الاصل.

المیاه المکشوفة:

ان الفرد لا یملک المیاه المکشوفة طبیعیا بالحیازة و الاستیلاء علیها ما دامت فی مکانها الطبیعی،بل لا یحصل له علی اساس ذلک حق الأولویة فیها،و قد تقدم ان الإسلام لم یعترف بالحیازة علی اساس القوة و التحکم علی الآخرین فی میدان المنافسة.و من هنا قلنا.ان الحیازة علی اساس ذلک لا تبرر وجود حق فیها فضلا عن الملک، و لا سیرة عقلائیة علی انها تمنح علاقة بها،و لا فرق فی ذلک بین القول بکون المیاه المزبورة من المشترکات العامة بین کل الناس و القول بکونها من الانفال.

نعم تظهر الثمرة بین القولین:فیما إذا أخذ شخص کمیة من تلک المیاه و حازها باعتراف منها باناء،او سحب منها بآلة،او حفر حفیرة و اوصلها بها،او استجد نهرا و اوصله بها،او نحو ذلک مما یوجب جعلها فی حوزته.

فعلی القول الاول:یملک الکمیة التی عرفها الاناء،او سحبتها الآلة،او اجتذبتها الحفیرة،او ما جری فی النهر المستجد بسبب العمل المزبور الذی هو حیازة لدی العرف،فالحیازة اذا کانت علی اساس العمل و بذل الجهد فی سبیل جعل المحاز فی حوزته و سیطرته فهی تمنح الملک علی ضوء هذا القول.و اما اذا لم تکن علی اساس ذلک کما اذا دخل الماء تحت سیطرة الفرد بتسربه من النهر او البحر الی منطقته بدون بذل جهد و عمل فی سبیل ذلک،فانه لا یوجب تملکه

ص:386

تلک الکمیة من الماء بل ظلت علی اباحتها العامة.

و علی القول الثانی:لا یملک تلک الکمیة بالعمل المزبور،و انما یمنح ذلک العمل حقا فیها دون الملک.

و النکتة فیه:ان المیاه ملک للإمام(علیه السلام)و من الطبیعی ان خروجها عن ملکه و دخولها فی ملک من یقوم بحیازتها بحاجة الی دلیل،و لا دلیل علیه،فان الحیازة انما تبرر ملکیة المال المحاز للمحیز اذا کان من المباحات الأولیة،و اما اذا کان خاضعا لمبدإ ملکیة خاصة او عامة و کان التصرف فیه جائزا فحیازته لا تؤثر إلا فی إیجاد حق فیه دون الملک

و بکلمة اخری:ان الحیازة التی تقوم علی اساس انفاق الفرد العمل و بذل الجهد خارجا انما تمنح ملکیة المصادر الطبیعیة فیما اذا کانت تلک المصادر من المباحات من ناحیة،و نقل الفرد تلک المصادر من موضعها الطبیعی و جعلها فی حوزته من ناحیة اخری.

و اما إذا کانت المصادر المزبورة داخلة فی نطاق ملکیة الامام(علیه السلام) فلا دلیل علی انها تمنح ملکیتها،لا من الشرع،و لا من العقلاء، حیث لم تقم سیرتهم علی منحها الملکیة فی مثل المقام الذی لم یکن المال المحاز من المباحات و إن کان التصرف فیه مباحا کما فی المقام بمقتضی اخبار التحلیل،و من الطبیعی ان العامل انما یملک نتیجة عمله دون رقبة الارض.

إلی هنا قد انتهینا إلی هذه النتیجة:و هی ان المیاه المکشوفة علی وجه الارض کماء البحار،و الانهار،الکبیرة مثل دجله، و الفرات،و النیل،و العیون النابعة طبیعیا،فانها علی المشهور من المشترکات العامة بین کل الناس،و یملک ما یحوز منها من الکمیة

ص:387

و اما علی ما قویناه-من انها من الانفال اذا کانت فی اراضی الدولة- فقد عرفنا انه لا یملک ما یجوزه،لعدم الدلیل علی الملک، و انما له علی اساس ذلک الاحقیة و الاولویة به فحسب.

المیاه المکنوزة:

هل یملک الفرد تلک المیاه باکتشافها من خلال عملیات الحفر او یحصل له علی اساس هذا الاکتشاف حق فیها دون الملک؟فیه قولان:

قد نسب الی غیر واحد من الاصحاب القول الاول.

و استدل علیه بعدة وجوه:

الاول:بالسیرة القطعیة من العقلاء علی اساس انهم یعاملون مع الماء بعد اکتشافه بسبب عملیات الحفر معاملة الملک،و هذه السیرة بما انها ممتدة الی عصر التشریع من دون ورود ردع عنها فلا محالة تکون ممضاة من قبل الشرع.

و یرده:

انها لا تدل علی ان علاقة العامل بالماء الممنوحة له بسبب الاکتشاف و البلوغ من خلال عملیات الحفر تکون علی مستوی الملک،ضرورة انها لا تدل علی اکثر من ان للعامل علاقة به،و اما کونها علی مستوی الملک او علی مستوی الحق فلا تدل علی شیء منهما.

و دعوی-ان ترتیب آثار الملک علیه کاشف عن ان علاقته به انما هی علی مستوی الملک-خاطئة جدا،و ذلک لأن الآثار المزبورة کالبیع و نحوه لیست من آثار الملک خاصة،لما تقدم بنا فی ضمن

ص:388

البحوث السالفة من ان البیع او ما شاکله لا یتوقف علی کون المبیع ملکا للبائع،و من هنا قلنا بصحة بیع المحیی الارض علی القول بکون عملیة الاحیاء تمنحه حقا فیها،دون الملک،و ما نحن فیه کذلک.

فالنتیجة:ان القدر المتیقن من هذه السیرة هو ان العملیة المزبورة انما تمنح العامل حقا فیه،دون الملک.

و دعوی:-ان السیرة لیست حجة بذاتها،و انما هی حجة باعتبار کشفها عن امضاء الشارع لها،و من الطبیعی انه لا طریق لاکتشاف الامضاء الا من ناحیة عدم ورود الردع من قبل الشارع و علیه فلا بد لدی الاستدلال بالسیرة من الجزم بعدم الردع عنها لیتحقق الجزم بالامضاء،و فی المقام لا یمکن الجزم به،فان ما ورد تارة بلسان:ان الناس شرکاء فی الماء،و اخری بلسان النهی عن بیع منع فضل الماء و ثالثة بلسان النهی عن بیع القناة بعد الاستغناء عنها یؤدی علی أقلّ تقدیر الی احتمال ورود الردع عنها،و معه لا یمکن الجزم بالامضاء،و بدونه لا یمکن الحکم بحجیتها-.

خاطئة جدا فی المقام،فان هذه الدعوی انما تتم فیما اذا کانت السیرة فی مسألة لم تکن محلا للابتلاء بکثیر ففی مثل ذلک تکفی الروایات المزبورة لإسقاط حجیة السیرة و ان لم تکن تامة سندا او دلالة،اذ معها لا یمکن الجزم بحجیتها.

و اما فی المقام:فلا تتم تلک الدعوی،و ذلک لأن تلک السیرة بما انها کانت متداولة بین الناس امام الرسول الاعظم(صلی الله علیه و آله)و بعده امام الائمة الاطهار(علیه السلام)الی زماننا هذا فلا یمکن اسقاط حجیتها بالروایات المزبورة.

ص:389

فان الروایة الأولی-مضافا الی عدم ثبوتها-ظاهرة فی تساوی الناس فیه-ما دام فی مکانه الطبیعی-من دون أن یسبق احد الیه بالکشف عنه و الوصول الیه.

و اما الروایتین الأخیرتین فهما محمولتان علی الکراهة و الحزازة، علی ان الروایة الأولی منهما غیر ثابتة سندا،فلو کانت تلک السیرة غیر مقبولة عندهم(علیه السلام)لورد منهم(علیه السلام)ردع عنها طبعا لعدم محذور فیه،و اذا ورد لشاع بین الناس و اشتهر،لکثرة ابتلاء الناس بذلک،فمن عدم الاشتهار نستکشف عدم الردع.

فالنتیجة:ان دعوی المزبورة و ان کانت لا بأس بها فی الجملة الا انها لا تتم فی المقام.

فالصحیح ما ذکرناه:من ان هذه السیرة لا تدل علی اکثر من الاحقیة و الاولویة.

الثانی:ان الماء المستتر فی ارضه نماء تلک الارض فیکون مملوکا بتبع ملکیة الارض کثمرة الشجرة،و لبن الدابة،و ما شاکل ذلک،فالانسان اذا اکتشف فی ارضه عینا بسبب قیامه بعملیات الحفر کانت العین ملکا له شرعا،لأنها نماء الارض،فما دامت الارض ملکا له فیکون نمائها أیضا کذلک.

و الجواب عنه:واضح،فان المیاه المکنوزة فی اعماق الارض التی تکشف من خلال عملیات الحفر لا تعتبر لدی العرف و العقلاء نماء للأرض،و لیست حالها حال الثمرة بالاضافة الی الشجرة، و اللبن بالاضافة الی الدابة او نحو ذلک،فان علاقتها بها کانت علاقة طبیعیة علی اساس انها قد نتجت من مادة موجودة فی کمون ذاتها،حیث ان تلک المادة بتطورها الطبیعی و سیرها الزمنی قد

ص:390

بلغت بهذه الدرجة التی تسمی ثمرة لها.

و هذا بخلاف علاقة تلک المیاه بالارض،فانها لیست بطبیعیة، بل هی علاقة المظروف بالظرف،و الحال بالمحل،و من الطبیعی انه لیس لدینا قاعدة شرعیة،و لا عقلائیة علی ان تملک الظرف یستلزم تملک المظروف،و انما لدینا قاعدة تدل علی ان تملک الثمرة انما هو بتبع تملک اصلها.

الثالث:قد ورد فی مجموعة من النصوص جواز بیع الشرب، و بیع القناة.

منها:معتبرة سعید:الاعرج عن أبی عبد اللّه(علیه السلام)قال:

سألته عن الرجل یکون له الشرب مع قوم فی قناة فیها شرکاء فیستغنی بعضهم عن شربه لیبیع شربه قال:(نعم إن شاء باعه بورق و إن شاء باعه بحنطة) (1).

و منها:صحیحة عبد اللّه الکاهلی قال:سأل رجل ابا عبد اللّه(علیه السلام) و انا عنده عن قناة بین قوم لکل رجل منهم شرب معلوم،فاستغنی رجل منهم عن شربه،أ یبیع بحنطة او شعیر قال:(یبیعه بما شاء هذا مما لیس فیه شیء) (2).

و منها روایة علی بن جعفر عن اخیه موسی بن جعفر(علیه السلام) قال:سألته عن قوم کانت بینهم قناة ماء لکل انسان منهم شرب معلوم،فباع احدهم شربه بدراهم او بطعام،هل یصلح ذلک قال:

(نعم لا بأس) (3).

و هذه الروایات:و ان کانت لا یبعد دعوی ظهورها فی ملک

ص:391


1- 1) الوسائل:ج 12 الباب 24 من ابواب عقد البیع و شروطه الحدیث 1.
2- 2) الوسائل:ج 12 الباب 24 من ابواب عقد البیع و شروطه الحدیث 3.
3- 3) الوسائل:ج 12 الباب 24 من ابواب عقد البیع و شروطه الحدیث 5.

القناة،لا علی اساس ان البیع لا یکون الا فی ملک،لما عرفت فی ضمن البحوث السالفة من ان حقیقة البیع انما تتکفل منح المشتری نفس العلاقة التی کانت بین البائع و المبیع فی مقابل حصول البائع علی نفس العلاقة التی کانت بین المشتری و الثمن سواء أ کانت تلک العلاقة علی مستوی الملک أم کانت علی مستوی الحق،بل علی اساس ظهور اللام فی الاختصاص الملکی،الا ان ذلک الاختصاص انما هو بالاضافة الی الفرصة التی خلقها العامل من خلال عملیات الحفر للاستفادة بالماء و الانتفاع به،لا بالاضافة الی الماء نفسه،او لا أقلّ من اجمال تلک الروایات من هذه الناحیة.

فالنتیجة:ان الروایات لا تدل علی ان العامل یملک الماء بسبب اکتشافه و الوصول الیه فی اعماق الارض.

الرابع:ان کشف الماء فی باطن الارض من خلال عملیة الحفر احیاء له،فان احیاء کل شیء بحسبه.

و الجواب عنه:ان روایات الاحیاء تختص بالارض،کما اشرنا الی ذلک فی ضمن الابحاث الماضیة فلا تدل الا علی کون عملیة الاحیاء سببا لعلاقة المحیی بالارض،لا بما تضم الارض من المصادر و الثروات الطبیعیة علی اساس انها لیست بالارض،هذا من ناحیة.

و من ناحیة اخری:ان صدق الاحیاء علی الاکتشاف المزبور محل اشکال،بل منع،فان الاحیاء لدی العرف هو العمل فی الشیء و ایجاد صفة فیه بحیث یکون ذلک الشیء فاقدا لتلک الصفة قبل العمل المزبور،و انما نتجت منه،و اما کشف الشیء بما هو من دون عمل فیه و ایجاد صفة فلا یکون احیاء له.

هذا اضافة الی ما ذکرناه من ان عملیة الاحیاء لا تمنح المحیی

ص:392

اکثر من حق فیما قام باحیائه ارضا کان او غیرها

و من ناحیة ثالثة:اننا قد ذکرنا ان مصدر علاقة الفرد بالثروات الطبیعیة و حقه فیها انما هو العمل و بذل الجهد فی سبیل الانتفاع بها سواء اصدق علی ذلک العنوان عنوان الاحیاء أم لم یصدق،حیث لا موضوعیة لهذا العنوان،و علیه فالاکتشاف المزبور من خلال عملیات الحفر مصدر لعلاقة العامل بالمیاه و ان لم یصدق علیه عنوان الاحیاء،و بما ان المیاه المزبورة قد فرض کونها من الانفال فالعمل المذکور لا یبرر الا وجود حق فیها دون الملک.

الخامس:ان ملکیة الارض تتبع ملکیة ما فیها من الثروات علی اساس انها من توابعها و شئونها:منها المیاه المکنوزة فیها.

و الجواب عنه:ان تلک الثروات التی تضمها الارض:منها المیاه بما انها موجودات مستقلات فلا علاقة لها بالارض الا علاقة المظروف بالظرف و الحال بالمحل،و من الطبیعی ان ملکیة الظرف لا تستدعی ملکیة المظروف.

السادس:ان اکتشاف الماء بسبب عملیات الحفر حیازة له، و الحیازة من احد اسباب الملک لدی العرف و العقلاء.

و الجواب عنه:ان هذه العملیة و ان کانت حیازة بالاضافة الیه الا ان الحیازة لم تکن من اسباب الملک علی نحو الاطلاق،و انما تکون من اسبابه فیما اذا لم یکن المال المحاز خاضعا لمبدإ ملکیة خاصة او عامة من ناحیة و کونه تحت سیطرة المحیز و فی حوزته بشکل مباشر من ناحیة اخری،و الا فلا تمنح الملک،و قد اشرنا الی ذلک فی ضمن البحوث السالفة.و بما ان المیاه اذا کانت فی الارض التی لا رب لها ملک للإمام(علیه السلام)فلا تفید الملک،

ص:393

و حیث ان هذه الحیازة کانت باذن الامام(علیه السلام)فهی تفید الحق فیها،لأنها تلعب فیها نفس الدور الذی تلعبه عملیة الاحیاء فی الارض.

هذا اضافة الی اننا لا نملک نصا صحیحا یدل علی انها تمنح ملکیة الماء بمنتهی عروقه و مادته،فان عمدة الدلیل علی ان تلک العملیة تفید اختصاص المحیز بالماء انما هی سیرة العقلاء،و قد تقدم ان السیرة لا تدل علی اکثر من الاختصاص علی مستوی الحق

السابع:ان روایة(من سبق الی ما لم یسبق الیه مسلم فهو له) تدل علی الملک.

و الجواب عنه:ان الروایة ساقطة بحسب السند فلا یمکن الاستدلال بها علی حکم شرعی اصلا.

الی هنا قد استطعنا ان نخرج بهذه النتیجة:و هی أن اکتشاف الماء من خلال عملیات الحفر و بذل الجهد لا یفید اکثر من الاحقیة و الاولویة هذا من ناحیة.

و من ناحیة اخری:ان هذه الاحقیة تمتد الی منتهی مادة هذا الماء فی اعماق الارض و بواطنها،و لا یتقدّر امتداد هذا الحق من حیث المسافة الا بما یضره.و علیه فبما ان عروقها قد انفتحت من خلال عملیات الحفر التی اوصلها الحافر بها فبطبیعة الحال لا یجوز لآخر ان یقوم بفتح عروقها بحفر حفیرة من طرف آخر،و أیضا لها بها لأنها تضر الأولی.

و تدل علی امتداد هذا الحق-مضافا الی ما سوف نشیر الیه- مجموعة من النصوص الواردة فی تحدید مقدار المسافة المعتبرة بین الآبار و العیون التی تقدمت فی ضمن الابحاث السالفة،فان المستفاد

ص:394

من تلک المجموعة-بعد تحکیم بعضها ببعضها الآخر-هو ان الحد المکانی المعتبر بین الآبار و العیون انما هو بما لا تضر الثانیة بالاولی بلا فرق بین ان تکون المسافة بینهما قریبة او بعیدة.

فالنتیجة:ان هذه النصوص تدل علی ان الاحقیة لا تقتصر علی المقدار المکشوف من الماء بل تمتد الی منتهی عروقه و مادته الکامنة فی اعماق الارض.

و بذلک تفترق:المیاه المستورة فی باطن الارض عن المعادن المستورة فیه،فان احقیة الفرد فی المعادن علی اساس اکتشافه إیاها من خلال قیامه بعملیات الحفر لم تمتد الی منتهی عروقها و ینابعها،و لذا یجوز لغیره ان یقوم باستخراجها من طرف آخر.و من هنا قلنا:ان مرد ذلک بالتالی الی ان حق العامل انما هو قائم بنفس الحفیرة التی اوصلها بالمعادن،دون بنفسها ما دامت فی موضعها الطبیعی.

و نکتة الفرق بینهما:-مضافا الی الروایات-هی ان الماء بعد اکتشاف الفرد إیاه من خلال قیامه بعملیة الحفر ینتقل من موضعه الطبیعی الی الحفیرة فانها تجذب الماء،و علیه فتصبح نفس الماء متعلقة لعلاقته فلا یجوز لآخر ان یتصرف فیه بقطع النظر عن التصرف فی الحفیرة.هذا من ناحیة

و من ناحیة اخری بما ان هذا الماء یستمد قوته آنا فآنا من مادته المکنوزة فی باطن الارض فلا محالة یمتد حقه الی تلک المادة، و بذلک یمتاز الماء عن المعدن حیث ان المعدن غیر واجد لتلک الخصوصیة،لوضوح ان ما یحوزه الفرد منها من الکمیة لا ترتبط بما ظل فی اعماق الارض من الکمیات اصلا.

و علی اساس ذلک:فلا یجوز لاخر ان یقوم بفتح عروق ذلک

ص:395

الماء و مادته من مکان آخر بسبب عملیة الحفر،فان ذلک لا محالة یؤدی اما الی قطع جریانه من الحفیرة الاولی،او الی نقصه،و هو ضرر علی الحافر الاول فلا یمکن الجمع بین انتفاع الحافر الاول به و انتفاع الحافر الثانی بدون ان یکون ضررا علی الاول،إلا اذا افترض ان الماء اکثر من قدر حاجته،و هو خلاف الفرض.

و هذا بخلاف المواد المعدنیة:فانها لم تصبح متعلقة لحق الحافر بسبب اکتشافه إیاها من خلال عملیة الحفر.و من هنا قلنا انه یجوز لغیره ان یقوم بحفر حفیرة من طرف آخر.و اوصلها بها،فانه لا یکون ضررا علی الاول باعتبار ان انتفاعه بها من حفیرته لا یمنع من انتفاعه بها و لا یزاحمه فیه،فاذن لا مانع من انتفاع کل منهما بها من حفیرته بدون أیة مزاحمة فی البین علی اساس ان کل کمیة من المواد المعدنیة لا ترتبط بکمیة اخری منها،و لیست من هذه الناحیة کالمیاه.و علیه فاذا استخرج العامل کمیة منها فقد اصبحت تلک الکمیة متعلقة لعلاقته دون الکمیات الاخری التی ظلت فی موضعها الطبیعی.

ثم ان المیاه:المکنوزة فی اعماق الارض ان کانت من الانفال فحق الفرد فیها بسبب اکتشافها بعملیة الحفر و ان کان یمتد الی منتهی عروقها و ینابعها الا ان هذا الحق له انما هو بمعنی عدم جواز قیام غیره بما یضره کما اذا قام بفتح عروقها من مکان آخر،و اما قیامه بما لا یضره من التصرف فلا مانع منه،حیث ان ثبوت الحق له فیها باکثر من ذلک بحاجة الی دلیل و لا دلیل علیه.

نعم الماء الذی اجتذبته الحفیرة فحقه فیه اقوی من حقه فیما ظل فی عروقه و ینابعه علی اساس انه اصبح فی حوزته بشکل مباشر

ص:396

فیکون متعلقا لحقه کذلک،دون ما هو باق فی عروقه.و من هنا لا یجوز التصرف فیه مطلقا حتی فیما لا یکون فیه ضرر علیه الا باذنه.

بل یمکن ان یقال:ان تعلق حقه بما ظل فی عروقه انما هو من تبعات تعلقه بما اجتذبته الحفیرة من الماء-التی تسمی بالقناة او البئر- فان فتح عروقه من مکان اخر موجب لانقطاع مادة ما اجتذبته الحفیرة فلا محالة یکون ضررا علی تلک الحفیرة،فان الانتفاع بمائها انما یمکن فی فرض اتصاله بالمادة التی تمده أنا فآنا،و اما اذا انقطع اتصاله بها فلا یمکن الانتفاع به لانقطاع جریانه.

و اما علی القول-بکونها من المشترکات العامة بین کل الناس فلا تظهر الثمرة-بینه و بین القول بکونها من الانفال-فی المیاه التی ما دام ظلت فی عروقها و مادتها،فان حق المکتشف فیها علی کلا القولین انما هو علی الشکل الذی عرفت.

نعم تظهر الثمرة بینهما فی الماء الذی اجتذبته الحفیرة،فانه علی القول الاول متعلق لحقه فحسب مع بقاء رقبته فی ملک الامام(علیه السلام).

و علی القول الثانی فلا مانع من الالتزام بدخوله فی نطاق ملکیته، لتوفر المقتضی له-و هو دخوله فی حوزته بشکل مباشر-و عدم المانع منه.

و من هنا ذکرنا.انه علی اساس ما قویناه من التفصیل-بین المیاه الموجودة فی اراضی الدولة،و المیاه الموجودة فی اراضی الامة و المیاه الموجودة فی ارض لفرد خاص،فانها علی الأول ملک للدولة و علی الثانی ملک للامة،و علی الثالث فهی من المشترکات العامة بین کل الناس-تظهر الثمرة فیما اجتذبته الحفیرة من الماء،فانه علی

ص:397

الفرضین الاولین متعلق لحق الحافر،و علی الفرض الثالث متعلق لملکه.هذا من ناحیة.

و من ناحیة اخری:ان ما ذکرناه من التفصیل انما هو فیما اذا کان الفرد مالکا للأرض قبل التاریخ الزمنی لتشریع ملکیة الانفال للإمام(علیه السلام).فان المیاه الموجودة فیها یکون الناس فیها شرع سواء،و اما اذا کانت ملکیته لها بعد التاریخ المزبور بسبب عملیة الاحیاء بناء علی انها تمنح الملک فلا تکون المیاه الموجودة فیها من المشترکات العامة،بل هی ظلت فی ملک الامام(علیه السلام)رغم ان الارض قد خرجت عن ملکه و دخلت فی ملک المحیی،و قد عرفت ان ملکیة الارض لا تستلزم ملکیة ما فیها من المصادر و الثروات الطبیعیة.

نتیجة هذا البحث عدة خطوط

الاول:ان المیاه الطبیعیة التی هی موجودة فی اراضی الدولة

سواء أ کانت مکشوفة علی وجه الارض أم کانت مکنوزة فی اعماقها

داخلة فی نطاق ملکیة الامام(علیه السلام)،

و لا دلیل علی ما هو المشهور بین الاصحاب من انها من المشترکات العامة بین کل الناس.

الثانی:ان الفرد لا یملک المیاه المکشوفة طبیعیا بالحیازة

و الاستیلاء علیها-ما دامت فی مکانها الطبیعی

-بل لا یحصل علی حق الاولویة فیها و الحال هذه،فانه انما یحصل علی حق فی کمیة من المیاه التی اخذها منها و حازها بالاعتراف باناء،او بالسحب بآلة،او نحو ذلک بناء علی کونها من الانفال،کما اذا کانت فی

ص:398

اراضی الدولة او الامة.و اما بناء علی کونها من المشترکات العامة بین کل الناس فهو یملک تلک الکمیة.

الثالث:ان الفرد لا یملک المیاه المستورة فی باطن الارض

باکتشافها من خلال عملیات الحفر.

نعم ان ذلک یمنحه حق الاولویة فیها بالاضافة الی غیره،و لا فرق فی ذلک بین القول بکونها من الانفال و القول بکونها من المشترکات العامة بین کل الناس نعم یظهر الفرق بینهما فیما اجتذبته الحفیرة من المیاه کما عرفت.

الرابع:ان الحق الناجم فی المیاه عن اکتشافها من خلال

عملیات الحفر یمتد الی مادتها و منتهی عروقها،

و بذلک یفترق عن المعادن علی تفصیل قد سبق بشکل موسع.

الخامس:ان المیاه الموجودة فی الارض المفتوحة عنوة التی هی

ملک للمسلمین تتبع الارض فی مبدأ الملکیة

بلا فرق بین کون تلک المیاه مکشوفة علی وجه الارض،کماء البحار،و الانهار،و العیون الطبیعیة،او کانت مکنوزة فی اعماق الارض.

السادس:ان المیاه الموجودة فی الارض التی لها رب خاص

لا نتبع الارض فی مبدأ الملکیة،

بل هی من المشترکات العامة بین کل الناس.

هل یجوز بیع الماء اذا استغنی عنه؟

اشارة

فی المسألة قولان:

احدهما:انه لا یجوز بیعه فی هذه الحالة بل یجب علی من یستغنی عن الماء بذله للآخرین مجانا فلا تجوز له مطالبة العوض منهم،

ص:399

و عن الشیخ(قده)فی المبسوط اختیار هذا القول،حیث انه قال:

کل موضع قلنا:فیه بملک البئر،فانه احق بمائها بقدر حاجته لشربه،و شرب ماشیته،و سقی زرعه،فاذا فضل بعد ذلک شیء وجب بذله بلا عوض لمن احتاج الیه.و قد علل ذلک بان المادة لا تزال من المشترکات العامة بین کل الناس،و أنما حصل للمکتشف حق الاولویة بها بقدر حاجته،فاذا اشبع حاجته منها فقد انقطع حقه عنها نهائیا،و حینئذ یجوز للآخرین الانتفاع بها،و لیس له حق المنع عنه،و لا مطالبة العوض.

و تدل علی ذلک:موثقة أبی بصیر عن أبی عبد اللّه(علیه السلام)قال:

نهی رسول اللّه(صلی الله علیه و آله)عن النطاف و الاربعاء-أن یسنی مسناة فیحمل الماء فیسقی به الارض ثم یستغنی عنه-قال:(فلا تبعه، و لکن اعره جارک،و النطاف ان یکون له الشرب فیستغنی عنه یقول لا تبعه اعره اخاک او جارک) (1).

و موثقة عبد الرحمن البصری عن أبی عبد اللّه(علیه السلام)فی حدیث قال:و النطاف شرب الماء لیس لک اذا استغنیت عنه ان تبیعه جارک و تدعه له،و الاربعاء:المسناة تکون بین القوم فیستغنی عنها صاحبها قال:(یدعها لجاره،و لا یبیعها ایاه) (2).

فانهما تدلان:علی عدم جواز بیع ما یستغنی عنه من الماء، و وجوب اعارته.

و فی مقابلهما:مجموعة من الروایات التی قد صرح فیها بجواز البیع فی هذا الفرض،و قد اشرنا الی تلک الروایات سابقا و لا بأس

ص:400


1- 1) الوسائل ج 12 الباب 24 من ابواب عقد البیع و شروطه الحدیث 2.
2- 2) الوسائل ج 12 الباب 24 من ابواب عقد البیع و شروطه الحدیث 4.

بالاشارة الیها هنا أیضا.

منها:صحیحة سعید الاعرج عن أبی عبد اللّه(علیه السلام)قال:

سألته عن الرجل یکون له الشرب مع قوم فی قناة فیها شرکاء فیستغنی بعضهم عن شربه أ یبیع شربه؟قال:نعم إن شاء باعه بورق و إن شاء باعه بحنطة.

و منها:صحیحة عبد اللّه الکاهلی قال:سأل أبا عبد اللّه(علیه السلام) و انا عنده عن قناة بین قوم لکل رجل منهم شرب معلوم فاستغنی رجل منهم عن شربه أ یبیع بحنطة او شعیر،قال:(یبیعه بما شاء،هذا مما لیس فیه شیء).

و منها:روایة علی بن جعفر عن اخیه موسی بن جعفر(علیه السلام) قال:سألته عن قوم کانت بینهم قناة ماء لکل انسان منهم شرب معلوم فباع احدهم شربه بدراهم او بطعام هل یصلح ذلک،قال:

(نعم لا بأس).

طریقان للجمع بینهما:

الاول:ما فی الجواهر من حمل المجموعة الأولی علی الکراهة علی اساس ان المجموعة الثانیة نص فی الجواز.

و اورد علیه بانه لا یمکن التوفیق بینهما بذلک الطریق فان قوله(علیه السلام)فی المجموعة الأولی(و هذا لیس مما فیه شیء)ظاهر جدا فی خلوه عن کل حزازة و شبهة حتی الکراهة،فاذن لا یمکن حملها علیها.

و فیه:انه غیر ظاهر فی ذلک،بل الظاهر منه عرفا هو انه

ص:401

لیس فی هذا البیع شیء یمنع عن جوازه،و من الطبیعی انه قابل للحمل علی الکراهة اذا کانت هناک قرینة،و علیه فالایراد المزبور غیر وارد علی هذا الجمع.نعم لا موضوع لهذا الجمع علی اساس ما سنذکره من انه لا تعارض بین المجموعتین نهائیا.

الثانی:ان المجموعة الأولی تدل علی امرین:

احدهما:وجوب الاعارة و بذل الماء مجانا.

و الآخر:عدم جواز بیعه.و المجموعة الثانیة-التی تدل علی جواز البیع-لا تنافی الامر الأول-و هو وجوب الاعارة-علی اساس انها لا تدل علی عدم وجوب اعارة الماء لآخر،و انما تدل علی جواز بیعه،و جواز بیعه لا یستلزم عدم وجوب الاعارة.

و دعوی:-ان فرض جواز البیع ملازم لعدم وجوب الاعارة، لکی یتحقق الداعی العقلائی للشراء-خاطئة جدا،و ذلک لان الشخص قد لا یکتفی بمجرد الانتفاع المبذول له مجانا بالاعارة بل یرید ان یکون له حق الاولویة کما کان لصاحبه،و هذا الحق لا ینتقل الا بالبیع و الشراء،لا بالاعارة،فاذن الداعی للشراء موجود.

فالنتیجة:ان المجموعة الدالة علی جواز البیع لا تنافی وجوب الاعارة اصلا.

نعم تقع المعارضة بین هذه المجموعة الدالة علی جواز البیع و بین المجموعة المانعة بلحاظ مدلولها الثانی-و هو النهایة عن بیع الماء الزائد-.

و حل هذه المعارضة:ان المجموعة المانعة عن البیع یحتمل فی منعها عن البیع وجهان:

احدهما:انه نهی حقیقی عن البیع بقول مطلق.

ص:402

و الآخر:انه نهی عن البیع فی قبال الاعارة بمعنی ان من یرید ان یستعیر منک الماء لا تضطره الی الشراء،و لا تبعه علیه،بل اعره ایاه مجانا،فان کان النهی بالمعنی الاول وقعت المعارضة بینهما و ان کان بالمعنی الثانی فلا معارضة.

و علیه فینبغی ان یقال:ان ظهور المجموعة الدالة علی الجواز بما انه اقوی من ظهور النهی عن البیع فی المجموعة الأخری فی المعنی الاول-لو کان له ظهور فی ذلک و لم یقل بتردده بین المعنیین او ظهوره فی الثانی-فیقدم علیه فتکون النتیجة من مجموع الطائفتین وجوب اعارة الزائد علی الحاجة من القناة مجانا للاخر،و جواز بیعه المنتج لانتقال حق الاختصاص و الاولویة الی المشتری،و لا تنافی بین الامرین.

و لنأخذ بالنقد:علی هذا الطریق،فان المجموعة الأولی من الروایات ظاهرة فی الملازمة بین عدم جواز البیع و وجوب الاعارة بمعنی-ان المتفاهم منها عرفا هو ان وجوب اعارة الماء بعد الاستغناء عنه انما هو من ناحیة عدم جواز بیعه فلو کان بیعه جائزا فی هذه الحالة لم تجب اعارته جزما علی اساس ان العرف یفهم الملازمة بین الامرین،و علیه فالتنافی بین هذه المجموعة بالاضافة الی دلالتها علی وجوب الاعارة و بین المجموعة الثانیة من الروایات الدالة علی جواز البیع موجود لدی العرف.

الا ان یقال:انه لا تنافی بینهما علی اساس ان متعلق الاعارة نفس الماء،و متعلق البیع هو الحق المتعلق بالماء،فالواجب علی المستغنی اعارة نفس الماء لمن یکون بحاجة الیه،و هذا لا ینافی جواز بیع حقه المتعلق به،فاذن لا تنافی بین وجوب الاعارة و جواز البیع.

ص:403

و الجواب عن ذلک:ان متعلق الاعارة تارة یکون نفس الماء الجاری من القناة.و اخری یکون نفس القناة التی حفرها العامل للوصول الی ذلک الماء،و بما ان ظاهر روایات الاعارة هو الاول فلا محالة یکون المراد من اعارته هو رفع الید عنه،و وضعه تحت ید الآخر علی اساس ان الاعارة بمعنی الانتفاع بالشیء مع بقاء عینه لا تعقل بالاضافة الی نفس الماء.

و بکلمة اخری:ان الماء لا یخلو من ان یکون من الانفال،او یکون من المشترکات العامة بین کل الناس،و علی کلا التقدیرین فحق العامل فی الماء انما هو ما دام بحاجة الیه.و اما اذا اشبع حاجته و استغنی عنه فقد سقط حقه عنه نهائیا،و یجوز للآخر حینئذ الانتفاع به.و لیس له حق الاحتفاظ به.و منع الاخر عن الانتفاع.

نعم له المنع عن الانتفاع بالماء من قناته التی حفرها و اوصلها به،او من نهره الذی حفره و اوصله به باعتبار ان حقه القائم بالقناة او النهر باق،و لا موجب لسقوطه اصلا ما دام ظلت فرصة الانتفاع بها.

و علی ذلک فلا یبقی حقه فی الماء بعد استغنائه عنه،لیقال:کما قیل:انه لا تنافی بین وجوب اعارته و جواز بیعه علی اساس ان مرد اعارته هو ان حقه باق فیه رغم ان المنتفع به غیره.و مرد بیعه هو انتقال حقه المتعلق به الیه بسبب البیع فیکون المشتری ذا حق فعلا.

فاذن الصحیح فی المقام ان یقال:ان المجموعة من الروایات الدالة علی عدم جواز بیع الماء بعد الاستغناء عنه و وجوب اعارته ظاهرة لدی العرف فی الارشاد الی عدم جواز اخذ العوض بازائه علی اساس ان علاقة العامل به قد انقطعت عنه نهائیا بسبب استغنائه

ص:404

عنه فلا حق له فیه،کی یجوز اخذ العوض بازاء رفع الید عنه، و احتمال ان یکون الأمر بالاعارة امرا تکلیفیا بعید جدا و خارج عن المتفاهم العرفی،بل لا معنی لإعارته بعد سقوط حقه عنه، و کون نسبته الیه کنسبة غیره،و علیه فلا محالة یکون الأمر المزبور امرا ارشادیا یعنی ارشاد الی لزوم رفع الید عنه،و وضعه تحت ید الآخر،و عدم جواز اخذ العوض بازائه.

و اما المجموعة الأخری منها:الدالة علی جواز بیع الماء بعد الاستغناء عنه فلا بد من حملها علی بیع القناة کلا او بعضا،فان علاقة الفرد بها سواء أ کانت علی مستوی الملک أم کانت علی مستوی الحق فهی قابلة للانتقال الی الآخرین،و لا یبعد دعوی ظهور تلک المجموعة فی ذلک علی اساس انها وارد فی القناة التی فیها شرکاء و لکل منهم شرب معلوم من تلک القناة یعنی-الحصة المعلومة- و من الطبیعی انه یجوز ان یبیع کل منهم حصته منها،و مرد هذا البیع بالتالی الی بیع الفرصة التی خلقها العامل للانتفاع بمائها،لا نفس الماء، لما عرفت من ان علاقة العامل به قد انقطعت عنه باستغنائه،و ان کان لا یجوز للاخر ان یتصرف فیه فی نفس تلک القناة علی اساس ان التصرف فیه یستلزم التصرف فیها و هو غیر جائز.و اما التصرف فیه فی خارج القناة فلا مانع منه اصلا.

و علیه فلا تنافی بین المجموعتین من الروایات اصلا علی اساس ان المجموعة الأولی ناظرة الی عدم جواز بیع نفس الماء،و لزوم وضعه تحت ید الآخر کما هو موردها.و من هنا لو کان الماء المستغنی عنه من العیون الطبیعیة او الانهار الکبار لم بجز بیعه الا ما خلقه الفرد فی سبیل ایصاله الی منطقته من الفرصة و الشروط

ص:405

للانتفاع بمائها کحفر نهر او نحو ذلک،فانه یجوز بیعه.و المجموعة الثانیة ناظرة الی جواز بیع حصته من القناة یعنی-ما خلقه من الفرصة و الشروط للانتفاع بمائها-باعتبار انها نتیجة عمله،و قد تقدم ان کل عامل فی المصادر الطبیعیة یملک نتیجة عمله.

الی هنا قد استطعنا ان نخرج بهذه النتیجة:و هی ان ما تقدم من الطریقین للجمع بینهما انما هو یقوم علی اساس افتراض التنافی و التعارض بینهما.و اما علی ما ذکرناه من انه لا تنافی و لا تعارض بینهما علی اساس عدم ورودهما فی مورد واحد نفیا و اثباتا فلا موضوع للطریقین المزبورین.

نتیجة هذا البحث عدة خطوط

الاول:قد ظهر مما تقدم ان المراد من وجوب اعارة الماء الزائد

و المستغنی عنه هو الارشاد الی انهاء امد حق العامل فیه بذلک،و علیه فلا بد له من رفع الید عنه،و وضعه تحت ید الآخر مجانا فیما اذا کان بحاجة الیه کما هو الفرض.

الثانی:ان ما تقدم-من الطریقین للجمع بین المجموعتین من

الروایات

التین قد دلت احداهما علی جواز بیع الماء الزائد و الاخری علی عدم جوازه و وجوب اعارته مجانا-فقد عرفنا ما فیه من الاشکال بشکل موسع.

الثالث:قد مرّ بنا انه لا تعارض و لا تنافی بین هاتین

المجموعتین،

فان المجموعة الدالة علی عدم جواز بیع الماء الزائد و وجوب اعارته انما یکون موردها نفس الماء،و لذا قلنا:انها فی مقام

ص:406

الارشاد الی انتهاء امد حق العامل فیه باشباع حاجته منه.و اما المجموعة الدالة علی جواز بیعه فقد عرفت ان موردها القناة التی تتیح الفرصة للانتفاع بمائها،و لا مانع من بیع هذه الفرصة و نقلها الی الآخر.

ص:407

ص:408

المسائل

اشارة

فیها مجموعة من البحوث التی لها صلة بالابحاث السالفة

ص:409

ص:410

المسألة الاولی:اذا قام جماعة بحفر قناة او بئر الی ان اکتشفوا

الماء و وصلوا به فقد اصبحوا شرکاء فی تلک القناة

او البئر بنسبة العمل علی اساس ان کلا منهم یملک نتیجة عمله.

و علیه فان کانوا متساوین فی العمل کانت الشرکة بینهم بالسویة و ان کانوا متفاوتین فیه کانت الشرکة بالتفاوت،و لا فرق فی ذلک بین ان یکونوا متساوین فی النفقة او متفاوتین فیها فلو استأجر احدهم شخصا لذلک باجرة اکثر من اجرة المثل للآخرین لم یوجب ذلک کون حصته اکثر من حصتهم اذا کان متساویا معهم فی العمل، فالعبرة انما هی بالعمل لا بالنفقة.

فما عن الشیخ(قده)فی محکی المبسوط:من ان ملکیة النهر علی قدر النفقة لا یتم باطلاقه الا ان یکون منزلا علی الغالب، و هو ان التفاوت فی النفقة یوجب التفاوت فی العمل،و التساوی فیها یوجب التساوی فیه

فالنتیجة:ان الفرصة و الشروط التی تتیح لهم الانتفاع بالماء من خلال عملیات الحفر بما انها نتیجة عمل الجمیع فلا محالة تکون مملوکة للجمیع بنسبة العمل علی اساس ان کل عامل یملک نتیجة عمله،و لا فرق فی ذلک بین ان یکون قیامهم بهذه العملیة بشکل مباشر او غیر مباشر بعد ما ذکرناه من صحة الاجارة فی امثال المقام هذا من ناحیة.

و من ناحیة اخری:انه لا فرق بین ان یکونوا مشترکین فی الحفر الی ان وصلوا بالماء او یکونوا منفردین فیه-بان یقوم کل منهم بحفر مقدار من القناة او البئر الی اکتشاف الماء-و ذلک لان کلا من هؤلاء و ان کان یملک نتیجة عمله الا ان بنائهم لما کان علی

ص:411

الاشتراک فی النتیجة-و هی الفرصة التی تتیح لهم الانتفاع بالماء- علی نسبة خاصة فبطبیعة الحال کانت نیتهم علی المبادلة و المعاوضة بان یجعل کل واحد منهم مقدار حفره عوضا عن مقدار حفر الاخرین و ینشأ تلک المعاملة و المعاوضة بعملهم خارجا.

المسألة الثانیة:ان الماء المکشوف علی وجه الارض طبیعیا کماء

النهر،او العیون الطبیعیة اذا لم یکف لإشباع حاجة الجمیع،

و وقع التشاح فیه بینهم

قدم من کان اقرب الی فوهته فالاقرب فیأخذ منه لزراعته و اشجاره و نخیله و مواشیه بقدر ما تحتاج الیه،و یرسل الباقی الی من دونه،و هکذا،و قد استقرت علی ذلک السیرة القطعیة من العقلاء فی جمیع الاعصار،و من الطبیعی ان انتشارها فی تمام الاعصار من دون ورود ردع عنها کاشف عن امضائها جزما.

هذا اضافة الی ورود مجموعة من النصوص فی المقام الدالة علی ذلک.

منها:معتبرة غیاث ابن ابراهیم عن أبی عبد اللّه(علیه السلام)قال:

سمعته یقول:(قضی رسول اللّه(صلی الله علیه و آله)فی سیل وادی مهزور (للزرع الی الشراک،و للنخل الی الکعب،ثم یرسل الماء الی اسفل من ذلک) (1)

و منها:معتبرته الاخری عن أبی عبد اللّه(علیه السلام)قال:(قضی رسول اللّه(صلی الله علیه و آله)فی سیل وادی مهزور(ان یحبس الاعلی علی الاسفل للنخل الی الکعبین،و الزرع الی الشراکین) (2).

و منها:روایة عقبة بن خالد عن أبی عبد اللّه(علیه السلام)قال:(قضی رسول اللّه(صلی الله علیه و آله)فی شرب النخل بالسیل(ان الاعلی یشرب قبل الاسفل یترک من الماء الی الکعبین،ثم یسرح الماء الی الاسفل الذی

ص:412


1- 1) الوسائل ج 17 الباب 8 من ابواب احیاء الموات 1.
2- 2) الوسائل ج 17 الباب 8 من ابواب احیاء الموات 3.

یلیه،و کذلک حتی ینقضی الحوائط و یفنی الماء) (1).

فهذه المجموعة من النصوص تدل بوضوح ان من کان فی اعلی النهر احق بالماء ممن کان فی اسفله،و هذا مما لا اشکال فیه فی الجملة، و انما الاشکال و الکلام فیما اذا کان من فی الاسفل اسبق زمنیا فی الانتفاع بالماء بالاضافة الی من فی اعلاه فهل یجوز عندئذ لمن فی اعلی النهر ان یأخذ الماء لزرعه و ماشیته و نخیله و غیر ذلک مما یحتاج الیه و یمنع من ارساله الی من یعیش فی اسفله فیما اذا افترض عدم کفایة الماء لإشباع حاجة کلتا الطائفتین معا؟فیه قولان:

المعروف و المشهور بین الاصحاب کما فی الجواهر هو القول الثانی.

الظاهر انه الصحیح،و الوجه فیه ان من یعیش فی اسفل النهر بما انه کان اسبق زمنا فی الانتفاع بهذا النهر من خلال قیامه باحیاء الارض فی اطرافه و زرعها،او غرسها،او ما شاکل ذلک فقد اصبح احق به لدی العرف و العقلاء فلا یجوز لغیره ان یزاحمه فیه و ان کان فی اعلی النهر.

هذا اضافة:الی صحیحة محمد بن الحسن(الحسین)المتقدمة قال:

کتبت الی أبی محمد(علیه السلام)رجل کانت له قناة فی قریة فاراد رجل ان یحفر قناة اخری الی قریة له،کم یکون بینهما من البعد حتی لا تضر احداهما بالاخری فی الارض اذا کانت صلبة،او رخوة فوقع(علیه السلام)(علی حسب لا تضر احداهما بالاخری ان شاء اللّه).

فانها تنص علی ان العبرة فی الجواز و عدمه انما هی بلزوم الضرر و عدمه،و لا یمکن تحدید ذلک کلیا و فی جمیع الموارد بالبعد المکانی و مورد السؤال فی الصحیحة،و ان کان هو القناة الا ان الارتکاز

ص:413


1- 1) الوسائل ج 17 الباب 8 من ابواب احیاء الموات الحدیث 5.

القطعی لدی العرف قائم علی عدم خصوصیة لها.و لذا یعم الحکم البئر أیضا.و علیه فلا یبعد دعوی عموم الصحیحة-بضمیمة هذا الارتکاز-لما نحن فیه،و کذا یشمله التعلیل فی روایة الرحی التی نشیر الیها فی المسألة الثالثة.

و اما الروایات المتقدمة:الدالة علی کون الاعلی احق بالماء من الاسفل فلا یبعد دعوی انصرافها عن هذه الصورة اولا.و علی تقدیر اطلاقها فلا مانع من تقییده بما ذکرناه ثانیا

المسألة الثالثة:لا یجوز بناء رحی علی نهر مملوک بدون اذن

صاحبه،

و هذا لا کلام فیه،و انما الکلام فیما اذا استجد بنائها باذنه فهل له بعد ذلک تعطیل هذه الرحی اولا؟فیه وجهان:

الظاهر هو الوجه الاول:و ذلک لصحیحة محمد بن الحسین قال کتبت الی أبی محمد(علیه السلام)رجل کانت له رحی علی نهر قریة، و القریة لرجل فاراد صاحب القریة ان یسوق الی قریته الماء فی غیر هذا النهر،و یعطل هذه الرحی،أ له ذلک أم لا؟فوقع(علیه السلام) (یتقی اللّه و یعمل فی ذلک بالمعروف و لا یضر اخاه المؤمن (1).

فانها واضحة الدلالة:علی عدم جواز تعطیلها علی اساس انه یضر بصاحبها،بل قوله(علیه السلام)فی الصحیحة(و لا یضر اخاه المؤمن) کبری کلیة لا تنحصر مواردها بما نحن فیه.

و من هنا لو اذن:بغرس الاشجار فی حافتی نهره او غیرها فلیس له الرجوع عن اذنه بتحویل الماء فی غیر هذا النهر الموجب لهدم تلک الاشجار او غیرها.

فالنتیجة:ان الصحیحة تدل علی حکم سیال بقرینة التعلیل

ص:414


1- 1) الوسائل ج 17 الباب 15 من ابواب احیاء الموات الحدیث 1.

فیها فلا یختص بموردها.

المسألة الرابعة:الاقطاع و هو فی المصطلح الفقهی عبارة عن

اقطاع النبی الاکرم(صلی الله علیه و آله)او الامام(علیه السلام)قطعة ارض او معدن

لفرد او افراد،

و عن الشیخ(قده)فی المبسوط تحدیده بمنح الامام(علیه السلام)حق العمل فیها لشخص او اشخاص علی اساس ان الإسلام لا یجوز العمل فی المصادر و الثروات الطبیعیة الخام بدون اذن الامام(علیه السلام)او الدولة اذنا خاصا او عاما،فاذا سمح لفرد او افراد فی استثمار تلک الثروات فهو فی المصطلح الفقهی اقطاع.

فالنتیجة ان الاقطاع بدوره اسلوب من اسالیب الاستثمار و الانتاج فی الموارد الخام،و یترتب علی ذلک انه لا یجوز للإمام(علیه السلام) اقطاع الفرد ما یزید علی قدر طاقته و یعجز عن استثماره.

و علی هذا الاساس فالاسلام لم یعتبر الاقطاع سببا لتملک الفرد الثروة الطبیعیة التی اقطعها النبی الاکرم(صلی الله علیه و آله)او الامام(علیه السلام) ایاه،و انما جعل للفرد المقطع حق الاولویة فی استثمار تلک الثروة یعنی-لا یجوز لغیره انتزاعها منه و العمل فیها بدلا عنه- کما عن العلامة(قده)فی القواعد حیث قال:بان الاقطاع یفید الاختصاص،و عن الشیخ فی المبسوط بان السلطان اذا اقطع رجلا من الرعیة قطعة من الموات صار احق بها من غیره بلا خلاف، و قد صرح بذلک المحقق فی الشرائع أیضا هذا.

اقول:ان تفسیر الاقطاع بهذا المعنی و ان کان بمکان من الامکان علی اساس ان للنبی الاکرم(صلی الله علیه و آله)ذلک،و کذا للإمام(علیه السلام) الا ان اثباته بدلیل معتبر مشکل جدا.حیث لم یرد فی دلیل معتبر ان النبی الاکرم(صلی الله علیه و آله)او الامام(علیه السلام)اقطع لفرد او جماعة هذه

ص:415

الارض او ذلک المعدن.

نعم نقل عن ان النبی الاکرم(صلی الله علیه و آله)اقطع-عبد الله بن مسعود- الدور،و هی اسم موضع بالمدینة.و اقطع-وابل بن حجر-ارضا بحضر موت.و اقطع-الزبیر-حضر فرسه.

و لکن کل ذلک:لم یثبت بنص معتبر کما مر.هذا من ناحیة.

و من ناحیة اخری:انه لا مانع من تفسیر الاقطاع بمعنی منح النبی الاکرم(صلی الله علیه و آله)او الامام(علیه السلام)ملکیة هذه الارض او هذا المعدن لفرد او جماعة اذا رأی فیه مصلحة،لما تقدم فی ضمن البحوث السالفة من ان امر الاراضی بیده(علیه السلام)حتی الاراضی الخراجیة،و له ان یتصرف فیها بما یری و لو کان ذلک التصرف منح ملکیتها لفرد،و علیه فلا وجه لتخصیص الاقطاع بالتفسیر الاول

و علی الجملة:فلو ثبت الاقطاع فی الشرع المقدس بدلیل معتبر فلا وجه لتخصیصه بالتفسیر الاول،اذ هو کما ینسجم مع هذا التفسیر ینسجم مع التفسیر الثانی أیضا.

نعم یمتاز التفسیر الاول عن التفسیر الثانی فی نقطة اخری، و هی ان الاقطاع بالتفسیر الثانی خاص بالنبی الاکرم(صلی الله علیه و آله)و الامام (علیه السلام)و لیس لأحد غیرهما ذلک و اما الاقطاع بالتفسیر الاول فهو غیر خاص بهما.

المسألة الخامسة:ان الإسلام لم یعترف بالحمی علی اساس انه

مصدر حق فی الثروات الطبیعیة، حیث انه عند العرب فی زمن الجاهلیة عبارة عن الاستیلاء و السیطرة علی مساحات کبیرة من الارض بما فیها من الثروات بالقوة و التحکم علی الاخرین بحیث یعتبر المسیطر نفسه مالکة لتلک المساحات الکبیرة بما فیها من المصادر و الثروات،و قد

ص:416

تقدم فی ضمن الابحاث السالفة بشکل موسع ان الإسلام لم یعترف بای حق فی تلک الثروات و المواد الخام الا علی اساس العمل و بذل الجهد فی سبیل الانتفاع بها و الاستفادة منها،و لا قیمة للسیطرة علیها نهائیا بدون انفاق عمل.

نعم لا شبهة فی ثبوت حق الحمی فی الإسلام للرسول(صلی الله علیه و آله)علی اساس ان امر الاراضی بیده(صلی الله علیه و آله)و له ان یتصرف فیها بما یری فیجوز له(صلی الله علیه و آله)ان یحمی مساحة کبیرة من الارض لمصالح عامة.کما روی ان رسول اللّه قد حمی النقیع لخیل المسلمین، و کذا لا شبهة فی ثبوت هذا الحق للإمام(علیه السلام)بعده بعین الملاک المزبور،بل لا یبعد ثبوته لنائبه(علیه السلام)و هو الفقیه الجامع للشرائط -فی عصر الغیبة أیضا.

هذا آخر ما اوردناه فی هذا الکتاب بتوفیق من اللّه سبحانه و هو الموفق و المعین نحمده تعالی و نشکره علی نعمه و آلائه.

ص:417

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.