الانموذج فی منهج الحکومه الاسلامیه

اشارة

نام کتاب: الأنموذج فی منهج الحکومة الإسلامیة

عنوان های دیگر: القائمه علی اساس الحاکمیه لله تعالی

نویسنده: کابلی، محمد اسحاق فیَّاض

تعداد صفحات: 98ص

تاریخ وفات مؤلف: ه ق

زبان: عربی

موضوع: اسلام و دولت/ اسلام و سیاست

موضوع: فقه استدلالی

تعداد جلد: 1

ناشر: دفتر حضرت آیة الله فیاض

تاریخ نشر: 1426 ه ق

نوبت چاپ: اول

مکان چاپ: قم- ایران

کد کنگره: 8 الف9ف/231 BP

ص :1

مقدمة

الأنموذج فی منهج الحکومة الإسلامیة

عنوان های دیگر: القائمه علی اساس الحاکمیه لله تعالی

نویسنده: کابلی، محمد اسحاق فیَّاض

ص :2

*مقدمة

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ

اَلْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِینَ و الصلاة و السلام علی أشرف خلقه و أفضل بریته محمد و عترته الطاهرین.

و بعد لما کثر السؤال و الاستفسار من المؤمنین دامت توفیقاتهم فی الفترات السابقة عن رأینا فی مسألة (ولایة الفقیه الجامع للشرائط) و حدودها، فکان الجواب عنها بما تقتضیه طبیعة تلک الظروف من الإجمال و الاختصار. إلا إننا فی الظرف الحالی لمسنا الحاجة و الضرورة للکتابة عنها و بیان بعض حدودها استجابة لکثرة الأسئلة و الطلبات التی ترد علینا من الأوساط الدینیة

ص:3

و الثقافیة و غیرها، حیث ترغب للتعرف علی رأینا و نظرنا فی المسألة. فکان هذا الموجز الذی بین أیدیکم.

ص:4

المحتویات

ص:5

ص:6

1- تمایز الحکومة الإسلامیة الشرعیة عن الحکومة غیر الشرعیة

ص:7

ص:8

1

تمایز الحکومة الإسلامیة عن الحکومة غیر الإسلامیة الحکومة الإسلامیة الشرعیة هی الحکومة القائمة علی أساس مبدأ الحاکمیة لله وحده لا شریک له، و السلطة الحاکمة فیها تتمثل فی ولی أمر المسلمین و هو منصوب من قبل الله تعالی فی زمن الحضور و الغیبة معاً. أما فی زمن الحضور فإنه منصوب بالتنصیص بالاسم و الشخص و الصفات. و أما فی زمن الغیبة فإنه منصوب بالتنصیص بالصفات فقط کصفة الفقاهة التی هی متمثلة بالفقیه الجامع للشرائط منها الأعلمیة. ثمّ أن ثبوت الولایة و الزعامة الدینیة للنبی الأکرم (صلی الله علیه و آله) و الأئمة الأطهار (علیهم السلام) واضح و لا کلام و لا إشکال فیه لأن القدر المتیقن من قوله تعالی فی الآیة

ص:9

المبارکة: وَ أُولِی الْأَمْرِ مِنْکُمْ هو الأئمة الأطهار (علیهم السلام) هذا مضافاً إلی الروایات الدالة علی ذلک. و إنما الکلام و الإشکال فی ثبوت الولایة و الزعامة الدینیة للفقیه الجامع للشرائط و لا یمکن إثبات هذه الولایة بالنص لأن الروایات التی استدل بها علی ثبوت الولایة للفقیه باجمعها ضعیفة من ناحیة السند فلا یمکن الاعتماد علیها و من هنا فالمشهور بین الفقهاء عدم ثبوت الولایة للفقیه هذا. و لکن الصحیح ثبوت هذه الولایة له و هو لا یحتاج إلی دلیل خارجی لأن امتداد الشریعة المقدسة و خلودها یتطلب امتداد الولایة و الزعامة الدینیة المتمثلة فی زمن الحضور برسالة الرسول الأکرم (صلی الله علیه و آله) و بعده بإمامة الأئمة الأطهار (علیهم السلام)، و فی زمن الغیبة بفقاهة الفقیه الجامع للشرائط منها الاعلمیة إذ لا یمکن افتراض امتداد الشریعة و خلودها بدون افتراض امتداد الولایة و الزعامة الدینیة، ضرورة أن الشریعة فی کل عصر بحاجة إلی التطبیق و التنفیذ و إجراء الحدود و الحفاظ

ص:10

علی الحقوق و الاهتمام بمبدإ العدالة و التوازن بین طبقات الأمة، فإذن بطبیعة الحال ما هو ثابت للنبی الأکرم (صلی الله علیه و آله) و الأئمة الأطهار (علیهم السلام) فی زمن الحضور فی الدین الإسلامی فهو ثابت للفقیه الجامع للشرائط فی عصر الغیبة فإذا فرضنا أن الفقیه کان مبسوط الید و لم تکن هناک عوائق و موانع عن تشکیل الدولة الإسلامیة علی أساس مبدأ حاکمیة الدین فیجب علیه أن یقوم بتشکیل الدولة کذلک و من الواضح أن تشکیل الدولة الإسلامیة بتمام أرکانها و مکوناتها لا یمکن بدون ثبوت الولایة و الصلاحیة الواسعة للفقیه فی سن القانون و التشریع حسب متطلبات الظروف و حاجة الوقت و مصالح الناس العامة فی حدود منطقة الفراغ لأن ترک الإسلام هذه المنطقة بدون تشریع لزومی بعنوان أولی یدل علی أنه تعالی جعل صلاحیة التشریع فی هذه المنطقة لولی الأمر بعنوان ثانوی حسب متطلبات الوقت و حاجة البلد فی کل عصر کما سوف نشیر إلیه.

ص:11

إلی هنا قد وصلنا إلی هذه النتیجة و هی أن ثبوت الولایة و الزعامة الدینیة للفقیه الجامع للشرائط لا تحتاج إلی أی دلیل خاص خارجی لأنه مقتضی القاعدة حیث أن امتداد الشریعة و خلودها یقتضی امتداد الولایة و الزعامة الدینیة علیها. و مما ذکرناه فقد ظهر الفرق بین السلطة الحاکمة فی الحکومة الشرعیة حیث هی متعینة من قبل الله تعالی فی زمن الحضور و الغیبة معاً و بین السلطة الحاکمة فی الحکومات غیر الشرعیة حیث هی متعینة بالانتخابات الحرة أو بالقوة و الانقلاب. ثمّ إن للسلطة الحاکمة فی الحکومة الشرعیة صلاحیة واسعة فی تنفیذ الدستور الإلهی من جهة، و التشریع و سن القانون فی أجهزة الدولة کافة: الاقتصادیة و التعلیمیة و الاجتماعیة و الحقوقیة و الإداریة و جهاز الأمن و المخابرات و الشرطة و الجیش و غیرها حسب الظروف و متطلبات حاجة الوقت و مصالح البلد العامة فی حدود منطقة الفراغ من جهة أخری، و الهدف من

ص:12

وراء کل ذلک هو تحقیق مبدأ العدالة الاجتماعیة و التوازن بین طبقات الأمة و الاستقرار و الأمن هذا من جانب. و من جانب آخر إن الفرق بین الحکومة الشرعیة و الحکومة غیر الشرعیة إنما هو علی أساس مذهب الشیعة الإمامیة لأن الحکومة علی ضوء هذا المذهب إنما تکون شرعیة إذا کانت قائمة علی أساس مبدأ حاکمیة الدین بأن یکون تعیین السلطة الحاکمة من قبل الله عز و جل سواء أ کان فی زمن الحضور أم فی زمن الغیبة، إذ کما أن ولایة الرسول الأکرم (صلی الله علیه و آله) و الأئمة الأطهار (علیهم السلام) تکون من قبل الله تعالی کذلک ولایة الفقیه الجامع للشرائط فی زمن الغیبة. فالنتیجة إن الولایة و الخلافة علی أساس مذهب الشیعة الإمامیة مجعولة من قبل الله عز و جل سواء أ کانت فی زمن الحضور أم فی زمن الغیبة و أما علی أساس مذهب أهل السنة فالمجعول من قبل الله تعالی إنما هو ولایة الرسول الأکرم (صلی الله علیه و آله) فحسب و أما خلافة

ص:13

الخلفاء و ولایتهم فإنما هی ثابتة عندهم بالإجماع و آراء الناس لا بنص من الله تعالی. و علی هذا فکل حاکم فی البلاد الإسلامیة إذا ثبتت حکومته علی الناس بالانتخابات الحرة النزیهة یعنی بآراء الناس فهو ولی أمر المسلمین و حکمه نافذ و حکومته حکومة إسلامیة شرعیة عند أهل السنة هذا هو الفرق بین مذهب الشیعة الاثنی عشریة و مذهب أهل السنة. ثمّ إن الحکومة الإسلامیة القائمة علی أساس مبدأ الدین قد شکلت فی عصر النبی الأکرم (صلی الله علیه و آله) بیده المبارکة و بکافة أجهزتها و قد ظهرت فی الساحة و نجحت فی هذا التطبیق، أی تطبیق الحکومة الإسلامیة علی الساحة نجاحاً باهراً رغم قصر عمرها. و أما نظام المحاسبة فی الإسلام فلیس نظاماً محدوداً و مدروساً فیه ضمن نص تشریعی من الکتاب أو السنة لأنه بید السلطة الحاکمة فی الحکومة الإسلامیة الشرعیة باعتبار أنها مأمورة بتطبیق هذا النظام فی کل مجال من

ص:14

المجالات الاقتصادیة أو التعلیمیة أو غیرهما حتی تکون ناجحة. أما فی زمن الحضور فمن الواضح أن النبی الأکرم (صلی الله علیه و آله) إذا وضع خطة اقتصادیة أو تعلیمیة أو غیرهما فلا محالة یکون قد وضعها بعد دراستها بشکل موسع و دقیق و جمع المعلومات حولها و الظروف المحیطة بها بحیث أنه (صلی الله علیه و آله) کان یعلم بنجاح هذه الخطة. و أما فی زمن الغیبة فعلی السلطة الحاکمة إذا أرادت وضع خطة اقتصادیة أو تعلیمیة أو غیرهما أو إنشاء مشروع فلا بد أولاً من دراسة هذه الخطة أو المشروع بواسطة جماعة من العلماء و المفکرین و أهل الصلاح و الخبرة بالموضوع بشکل دقیق و موضوعی من جمیع جوانبها الإیجابیة و السلبیة و دراسة مفرداتها و جمع المعلومات حولها و الحوادث المرتبطة بها و بعد هذه الدراسة إذا اطمأنّت بنجاح الخطة أو المشروع تقوم بإنشائها و سوف نشیر إلی تفصیل ذلک.

ص:15

ص:16

2- ماهیة الإسلام مؤلفة من عناصر ثلاثة

اشارة

ص:17

ص:18

2 ماهیة الإسلام لا یخفی أن الإسلام مؤلف من عنصرین ثابتین غیر متحرکین و عنصر ثالث متحرک غیر ثابت:

العنصر الأول / الإیمان بوحدانیة الله تعالی و برسالة الرسول (صلی الله علیه و آله)

و هو المعیار و المیزان فی الإسلام فمن آمن بهما فهو مسلم محقون الدم و العرض و المال بلا فرق بین أن یکون بحسب المذهب شیعیا أو سنیا و لهذا الإیمان دور بارز و هام و کبیر فی تربیة الناس و تهذیب سلوکهم و تحقیق مبدأ العدالة و التوازن بینهم و سوف نشیر إلیه.

العنصر الثانی / التشریعات الإسلامیة

و هی متمثلة فی العبادات و المعاملات. أما العبادات بالمعنی الجامع بین الواجبات و المحرمات فهی مجموعة أفعال خاصة و تروک مخصوصة تشکّل

ص:19

علاقة معنویة روحیة بین العبد و ربه و لا تتغیر بتغیّر الحیاة العامة و لا تتطور بتطورها عصراً بعد عصر فإن الصلاة التی کان یصلیها الناس فی عصر النبی الأکرم (صلی الله علیه و آله) هی نفس الصلاة التی یصلیها الناس فی هذا العصر لأنها کما فرضت علی من یحرث الأرض بمحراثه الیدوی البسیط و یقود الأشیاء بقوة الید کذلک فرضت علی من یحرث الأرض بقوة الکهرباء و یقود الأشیاء بقوة الذرة فلا امتیاز للصلاة فی عصر الذرة و الفضاء عن الصلاة فی عصر النبی الأکرم (صلی الله علیه و آله) و فی الصوم و الحج فی هذا العصر عن الصوم و الحج فی ذلک العصر و هکذا. و کذلک الحال فی المحرمات الإلهیة فإنها بنفس الصیغ الموجودة فی عصر النبی الأکرم (صلی الله علیه و آله) موجودة فی العصر الحالی. و هذا بخلاف علاقة الإنسان بالطبیعة حیث هی علاقة مادیة تتأثر بتأثر الحیاة العامة و تتطور بتطورها عصراً بعد عصر هذا من جانب.

ص:20

و من جانب آخر إن للعبادات بتمام أصنافها و أنواعها دوراً تربویاً هاماً اجتماعیاً و فردیاً حیث أنها تهذب سلوک الإنسان فی الخارج و تمنع عن التصرفات المنحرفة المعیقة عن الوصول إلی القیم و المثل الدینیة و الإنسانیة، و لها دور أیضاً فی تحقیق مبدأ العدالة الاجتماعیة و التوازن بین طبقات الأمة، و فی نفس الوقت هی رمز للوحدة بین المسلمین لأن الصوم فی شهر رمضان و الصلاة فی أوقاتها الخاصة و الحج فی وقته المعین المحدد و التوجه إلی القبلة و غیرها جمیعاً من رموز الوحدة، فإذن للعبادات بعد اجتماعی مضافاً إلی بعدها الدینی. و من جانب ثالث إن للعبادات دوراً تربویاً روحیاً و تأثیراً کبیراً فی تقویة علاقة الإنسان بخالقه المطلق، و لها دور أساسی فی ترسیخ هذه العلاقة فی النفس لأن العبادات فی الخارج تنعکس علی الإیمان بالله تعالی فی النفس و تؤثر فی نموه و ترسیخه فیها کما إن الإیمان بالله عز و جل فی الداخل ینعکس تماما علی العبادات فی

ص:21

الخارج و یؤثر فی البعد الاجتماعی و الدینی فیها، لأنهما عنصران مرتبطان بترابط متبادل متفاعل طول التاریخ. و أما المعاملات فهی تتمثل بالأنشطة الاقتصادیة الإسلامیة و تختلف عن العبادات فی نقطة و هی إن العبادات بأسرها مجعولة من قبل الشارع فحسب بینما المعاملات ثابتة بین العقلاء قبل الشرع و الشریعة غایة الأمر أن الشارع ینظر إلی هذه المعاملات برمتها فما کان منها موافقاً لمبادئ الشریعة فهو ممضی من قبل الشارع و ما لم یکن موافقاً لها و خطراً علیها فهو ملغی شرعاً کالمعاملات المحذورة فی الشریعة المقدسة من الربا و بیع الخمر و الخنزیر و الکلب و الاحتکار و الغش و غیرها لأن الشارع قد ألغی هذه المعاملات المحذورة عن الاقتصاد الإسلامی نهائیاً. و السبب فیه هو أن الدین الإسلامی إنما جاء لإصلاح المجتمع الإنسانی ککل و وضع نظام معتدل متوازن بهدف تحقیق مبدأ العدالة و التوازن بین طبقات الأمة و الحفاظ علی حقوقها کافة بدون إفراط و تفریط فیه

ص:22

و حیث أن النظام الاقتصادی الإسلامی قائم علی أساس المصالح الواقعیة فلهذا قد یوافق النظام العقلائی و قد لا یوافق و من هنا قد یعتبر الشارع شرطاً زائداً فی صحة المعاملة بینما لا یکون هذا الشرط معتبراً عند العقلاء هذا من ناحیة. و من ناحیة أخری إن دراسة الأنشطة الاقتصادیة فی الإسلام بصورة معمقة و موسعة فی الحوزات العلمیة الکبری التی تطورت و تعمقت و توسعت عصراً بعد عصر تؤکد أصالة المسلمین فی التشریع و التفکیر و استقلالهم فی النظام الاقتصادی. و من هنا قلنا فی کتابنا) البنوک): أنه یمکن تصحیح الأنشطة الاقتصادیة و المبادلات التجاریة بکافة أنواعها و أصنافها فی الأسواق المالیة العالمیة) البورصات) من وجهة نظر إسلامیة ما عدا المعاملات المحذورة فی الشریعة المقدسة.

ص:23

إلی هنا قد وصلنا إلی هذه النتیجة و هی إن الاقتصاد الإسلامی قابل للتطبیق فی کل عصر و یعالج فیه مشاکل الإنسان فی الحیاة العامة بکل أصنافها. ثمّ إن علاقة الإنسان بالخالق المطلق کما تؤثر فی الجانب الإیجابی فکذلک تعالج الجانب السلبی من مشکلة الإنسان الکبری و هی الإلحاد، لأنها ترفع الضیاع و اللاانتماء و الإلحاد و تضع الإنسان موضع المسئولیة أمام الخالق المبدع فی اتجاهاته و تحرکاته کافة لأنها تتحکم علی الإنسان و تحدد مواقفه فی جمیع مرافق حیاتهالفردیة و العائلیة و الاجتماعیة و الاقتصادیة و التعلیمیة و الإداریة و هکذا و تجعل الجمیع موافقة لمرضاته تعالی و تقدس و من هنا یکون دور العبادات دور الارتباط بالخالق المطلق و ترسیخ هذا الارتباط و من الطبیعی أن الارتباط بالمطلق القادر یرفع الضیاع و اللاانتماء و الإلحاد من جهة و مشکلة الغلو و الارتباط بالمحدود الذی لا حول له و لا قوة من جهة أخری، لأن المشرک یحول ما ینتمی إلیه فی العبادات من الصنم

ص:24

المحدود المصنوع بید الإنسان إلی المعبود المطلق مع أنه لا حول له و لا شعور لأنه قد صنع بید الإنسان. و من الطبیعی إن منشأ هذا هو الجهل و الغرور و العناد و عدم التأمل و التفکر و الضلال و ضیاع الطریق من جهة و حس الحاجة إلی الارتباط بالمطلق فی مسیرته و حرکاته و مواقفه من جهة أخری، و المشرک من أجل ذلک یقوم بقلب الحقیقة و جعل ما لیس بحقیقة حقیقة مطلقة من خلال الأوهام و الأفکار الخاطئة المضلة التی تجعله أعمی بتمام المعنی، و تصویره إلهاً یعبد و هل من المعقول أن یصل الإنسان إلی هذه الدرجة من الانحطاط بحیث یفقد عقله و شعوره و یتبع الأوهام و الخیال و یجعل ما هو مصنوع بیده معبوداً مطلقاً. و الإیمان بالله وحده لا شریک له الذی قدمته شریعة السماء هدیة إلی الإنسان علی سطح الأرض یعالج هاتین المشکلتین فإنه ارتباط بالخالق المطلق و انتماء إلیه فیخرج الإنسان بذلک عن مشکلة الإلحاد و اللاانتماء کما أنه یخرج الإنسان بذلک عن مشکلة الغلو و الارتباط

ص:25

بالمحدود فإذن یکون الإیمان بالخالق المطلق سیفاً ذا حدین: فبأحدهما یقطع دابر الإلحاد و اللاانتماء و الضیاع و بالآخر یقطع دابر الوثنیة و الشرک و الغلو حیث أن الإیمان به یضع الإنسان فی أعلی مرتبة المسئولیة أمام الله تبارک و تعالی فی مسیرته و حرکاته و سلوکه فی کافة جوانب حیاته العامة الاجتماعیة و الفردیة و العائلیة و الاقتصادیة و هکذا و یتکفل دعوته إلی الطریق المستقیم و المعتدل الذی عینه و حدده فی الکتاب و السنة و یمنعه عن التصرفات اللامسئولة و المنحرفة و السلوکیات غیر المستقیمة. و علیه فدور الإیمان بالله تعالی دور الارتباط بالمطلق و دور الاستقرار و الطمأنینة فی النفوس، و دور الرفض للإلحاد و اللاانتماء و الضیاع، و للشرک و الوثنیة و الغلو، و دور الهدایة و الاستقامة، و دور اعتماد الإنسان المؤمن فی کل مرحلة من مراحل مسیرته الطویلة الشاقة. إلی هنا قد استطعنا أن نخرج بهذه النتیجة و هی إن للإیمان بالله القادر المطلق بعداً فردیاً حیث أنه یشکّل

ص:26

علاقة بین العبد و خالقه، و بعداً اجتماعیاً لأن ملامح الإیمان ملامح اجتماعیة حیث أن الإیمان یهذب النفس و یزودها بالملکات الفاضلة و الأخلاق السامیة و یهذب سلوک الإنسان فی الخارج و یجعله معتدلاً مستقیماً، و لهذا یکون له دور کبیر فی تحقیق مبدأ العدالة الاجتماعیة و التوازن بین طبقات الأمة.

ص:27

ص:28

3- العنصر الثالث: حدود منطقة الفراغ و صلاحیات الفقیه للتشریع فیها بعنوان ثانوی

اشارة

ص:29

ص:30

3 العنصر الثالث حدود صلاحیات الفقیه للتشریع إن من ممیزات الدین الإسلامی کشریعة عامة للبشر و لجمیع الأزمنة و الأمکنة، و منهج خالد یواکب العلم و التطور نحو الأفضل، هو أن ترک فی هذه الشریعة منطقة فراغ، و هی الرقعة الخالیة من النصوص التشریعیة فی الکتاب و السنة، و هی منطقة المباحات الأصلیة و هی عنصر ثالث فی الإسلام و هو العنصر المتحرک غیر الثابت فی الشریعة المقدسة

و ذلک لعدة عوامل

اشارة

:

العامل الأول: إن الشریعة الإسلامیة شریعة خالدة أبدیة متکاملة

تحل مشاکل الإنسان فی کل عصر و قرن طول التاریخ و إلی الأبد مهما تطور.

ص:31

العامل الثانی: إن الحکومة الإسلامیة التی شکلت فی عصر النبی الأکرم و بیده المبارکة (صلی الله علیه و آله) حکومة بسیطة بکافة أجهزتها و أرکانها

و من الواضح أن تلک الحکومة لا تغنی فی الوقت الحاضر لأن الحکومة فی هذا الوقت قد تطورت و توسعت بکل مکوناتها و أجهزتها و أنظمتها من النظام الاقتصادی و التعلیمی و الاجتماعی و الإداری و الأمنی و المخابراتی و الجیش و الشرطة و هکذا.

العامل الثالث: أنه لا یمکن وضع نظام ثابت کنظام العبادات طول التاریخ و فی کل عصر و إلی الأبد،

ضرورة إن نظام الحکومة یتغیّر بتغیّر الزمان و تتطور بتطور الحیاة العامة بکافة جوانبها و لا یمکن تطبیق نظام الحکومة فی عصر النبی الأکرم (صلی الله علیه و آله) علی الحکومة فی العصر الحالی المتطورة بکافة کیاناتها و تشکیلاتها و أجهزتها.

ص:32

العامل الرابع: إن الله تعالی جعل ولایة الأمر للأئمة الأطهار (علیهم السلام) بعد النبی الأکرم (صلی الله علیه و آله)

و فی زمن الغیبة للفقیه الجامع للشرائط منها الأعلمیة و من الطبیعی أن ولی الأمر مسئول و مکلف من قبل الله تعالی بتشکیل الحکومة علی أساس مبدأ حاکمیة الدین إذا کانت الظروف ملائمة و العوائق و الموانع غیر موجودة. العامل الخامس: أنه لا یسمح لولی الأمر أن یتصرف فی الأحکام الشرعیة الإلزامیة المجعولة فی الشریعة المقدسة کالمنع عن فعل الواجب و الأمر بفعل الحرام مثلا و هکذا. و هذه العوامل جمیعاً تتطلب من الشارع ترک منطقة فراغ فی الشریعة المقدسة و إعطاء صلاحیة واسعة لولی الأمر فیها للتشریع بعنوان ثانوی فی حدود هذه المنطقة و وضع دستور و نظام فیها للحکومة الإسلامیة بکافة مکوناتها و شرائحها و أرکانها حسب

ص:33

متطلبات الظروف و حاجة الوقت فی کل عصر لملءِ الفراغ. و من هنا یظهر أن منطقة الفراغ لیست نقصاً فی التشریع الإسلامی و لا إهمال فیه بل هی تعبر عن ضرورة استیعاب الشریعة لکل العصور المختلفة فی طول التاریخ و قدرتها علی الاستیعاب. و الخلاصة أنه لا یمکن تشریع نظام ثابت للحکومة فی هذه المنطقة فلهذا أوکل الشارع أمر التشریع و جعل النظام و القانون فی حدود المنطقة إلی ولی الأمر بعنوان ثانوی حسب متطلبات الظروف و الحاجة فی کل وقت لملءِ الفراغ فیه.

و أما نظام المحاسبة فی الإسلام فهو وظیفة السلطة الحاکمة فی الحکومة الإسلامیة

أما فی عصر الحضور

فحیث أن السلطة الحاکمة المتمثلة فی النبی الأکرم (صلی الله علیه و آله) و بعده بالأئمة الأطهار (علیهم السلام) فلا یحتمل أن یقوم النبی الأکرم (صلی الله علیه و آله) بوضع

ص:34

خطة اقتصادیة أو تعلیمیة أو إداریة أو أمنیة أو غیر ذلک عفویاً بدون دراسة هذه الخطة بکافة جوانبها الایجابیة و السلبیة و الظروف المحیطة بها و مفرداتها و جمع المعلومات حولها و إلا فقد خالف وظیفته الإلهیة و هذا غیر محتمل فی حق النبی الأکرم (صلی الله علیه و آله) هذا إضافة إلی أنه معصوم و لا یحتمل الخطأ فی حقه.

و أما فی زمن الغیبة فهی متمثلة فی الفقیه الجامع للشرائط:

اشارة

کالأعلمیة و العدالة و الأمانة و الإخلاص و الصرامة فی تنفیذ الأحکام الإلهیة و تحقیق مبدأ العدالة و التوازن بین طبقات الأمة بدون مجاملة أی جهة مهما کانت و استعمال صلاحیته للتشریع بصفة ثانویة فی حدود منطقة الفراغ حسب حاجة الوقت و ظروف البلد. و علی هذا فإذا فرضنا أن الفقیه المذکور قادر علی تشکیل الحکومة الإسلامیة کما إذا کانت الظروف مناسبة و العوائق غیر موجودة لا من الداخل و لا من

ص:35

الخارج وجب علیه شرعاً القیام أولاً بإنشاء مجلس الشوری المؤلف من العلماء البارزین و المفکرین و الخبراء و الأمناء المخلصین من کافة أنحاء البلد ثمّ المشاورة معهم بموضوعیه حول تشکیل الحکومة من الأفراد ذوی الخبرة و الکفاءة و اللیاقة و الإیمان و الإخلاص، لأنها المیزان و المعیار فی الحکومة الإسلامیة الشرعیة. و أما المعاییر الأخری فلا قیمة لها من منظور الإسلام کالطائفیة و الحزبیة و غیرهما من الخصوصیات، بینما تؤخذ هذه المعاییر بعین الاعتبار فی الحکومات غیر الشرعیة، و بذلک تختلف الحکومة الشرعیة عن غیرها. و علیه فإذا قامت السلطة الحاکمة بوضع خطة اقتصادیة، و تعلیمیة، و إداریة، و أمنیة أو بإنشاء مشروع فلا بد أولاً من دراسة هذه الخطة أو المشروع بواسطة المفکرین و العلماء و المثقفین و أهل الإیمان و الإخلاص

ص:36

و الخبرة بالموضوع دراسة مفصلة بکافة مفرداتها و جوانبها و ظروفها و مستقبلها و مدی نجاحها و بعد تکمیل الدراسة و الاطمئنان بنجاحها تقوم بوضع الخطة أو إنشاء المشروع. و لا یجوز لها وضع خطة أو مشروع عفویاً لأنه قد یؤدی إلی إتلاف الأموال من بیت مال المسلمین، و هذه جریمة لا تغتفر، و لا یمکن لولی الأمر أن یقدم علی مثل هذا العمل لأن عدالته و أمانته و وثاقته تمنع عن ذلک، فإذن فرض وضع الخطة أو المشروع عفویاً خلف فرض أنه عادل و أمین و ثقة من جهة و مأمور شرعاً بالدراسة حولها من جهة أخری. و من هنا یظهر أن نظام المحاسبة یسری فی تمام مکونات الحکومة و شرائحها لأن وضع مکوناتها لا بد أن یکون بعد دراسته بجمیع جهاته و جوانبه و ظروفه هذا من ناحیة.

ص:37

و من ناحیة أخری أن نظام المحاسبة فی الإسلام لا یمکن أن یکون نظاماً ثابتاً بل هو متغیر بتغیر الحکومات و متطور بتطورها سعة و دقة، و عصراً بعد عصر طول التاریخ، و لهذا یکون أمره بید السلطة الحاکمة فی کل عصر. ثمّ أن وضع نظام أجهزة الحکومة ککل من النظام الإداری و التعلیمی و الأمنی و غیرهما یکون فی حدود منطقة الفراغ لأن صلاحیة السلطة الحاکمة للتشریع و وضع الدستور إنما هو فی حدود هذه المنطقة لا مطلقاً، و هذه المنطقة منطقة واسعة تکفی للتشریع حسب ما تتطلب حاجة الوقت لملءِ الفراغ فیه.

و بکلمة أخری إن السلطة الحاکمة فی الحکومة الإسلامیة فی عصر الغیبة لا بد أن تکون واجدة للصفات التالیة:
اشارة

ص:38

الأولی: أن تکون عالمة و فقیهة بالأحکام الفقهیة الإسلامیة بکافة مسائلها

و أن تکون أعلم من غیرها فی هذه الأحکام.

الثانیة: أن تکون عادلة أمینة
الثالثة: أن تکون صارمة و قویة فی تنفیذ الأحکام الإلهیة

لتحقیق العدالة و التوازن بین طبقات المجتمع و حفظ الحقوق بدون ملاحظة أی جهة خارجیة مهما کانت. فإذا کان الفقیه واجداً لهذه الصفات فالولایة ثابتة له من قبل الله تعالی و أنه مأمور بتشکیل الدولة الإسلامیة علی أساس مبدأ حاکمیة الدین إذا لم تکن هناک عوائق و موانع من تشکیلها هذا من ناحیة. و من ناحیة أخری إن للسلطة الحاکمة حق التدخل فی جمیع شئون الدولة و مکوناتها و شرائحها بغرض

ص:39

الحفاظ علی التوازن و مبدأ العدالة بین جمیع طبقات الأمة التی أهتم الإسلام بها بل لها حق التدخل فی القطاعات الخاصة أیضاً فیما إذا أرادت تلک القطاعات السیطرة علی ثروات البلد بحیث توجب تزعزع العدالة و التوازن بین طبقات الأمة و حینئذ فعلی السلطة الحاکمة أن تمنعها إلا فی حدود لا تضر بمبدإ العدالة و التوازن. مثلاً إذا فرضنا إن لدی شخص إمکانیة السیطرة علی مساحات کبیرة من الأرض باستخدام الآلات الحدیثة لإحیائها و حیث أن هذه العملیة قد تضر بالعدالة الاجتماعیة و تزعزعها فللسلطة الحاکمة أن تمنعه عن ممارستها بعنوان ثانوی إلا فی حدود تتناسب مع أهداف الإسلام النبیلة. و قد تقدم إن تشکیل الدولة لا بد أن یکون بواسطة مجلس الشوری المؤلف من العلماء و المفکرین و الخبراء و الأمناء و المخلصین فإنهم کانوا یقومون بانتخاب

ص:40

أعضاء الدولة من الأفراد الکفوئین و المفکرین من ذوی اللیاقة و الخبرة و الإیمان و الإخلاص بعد دراسة سوابقهم بشکل موضوعی دقیق و جمع المعلومات حولهم و دراسة أوضاعهم و استقامتهم و قوة إرادتهم و عدم تأثیر الجهات الخارجیة فیهم کالطائفیة و الحزبیة و نحوهما. و من هنا تکون مثل هذه الحکومة الإسلامیة بالشروط التی ذکرناها حکومة نزیهة بتمام شرائحها و مکوناتها و بعیدة عن الاختلاس و الفساد الإداری و المالی و الأخلاقی و التساهل و التسامح فی العمل و أداء الوظیفة. و لهذا و ذاک تدفع مثل هذه الحکومة الإسلامیة البلد إلی التطور و الازدهار و التقدم و الأمن و الاستقرار بینما إذا لم تکن الحکومة نزیهة بکل مکوناتها و شرائحها تدفع البلد إلی التخلف و عدم الاستقرار.

ص:41

إلی هنا قد وصلنا إلی هذه النتیجة و هی إن الحکومة الإسلامیة لو طبقت بجمیع شرائطها لکانت حکومة نزیهة بتمام مکوناتها و شرائحها و أعضائها و بعیدة عن تأثیر أی جهة خارجیة فیها بینما الحکومات غیر الشرعیة لا یؤتمن معها علی عدم تدخل الجهات الخارجیة و تأثیرها علیها. و هنا یتضح أن اتهام الحکومة الإسلامیة بأنها دکتاتوریة ناشئ من الجهل و التعصب و العناد و عدم المعرفة بالنظام الإسلامی و تخیل إن السلطة الحاکمة مطلق العنان تفعل ما تشاء و تترک ما تشاء، و قد مر إن السلطة الحاکمة مأمورة من قبل الله تعالی بالتحاور و التشاور مع أهل الحل و العقد من العلماء و المفکرین و الخبراء و الأمناء و الصلحاء فی کل صغیرة و کبیرة. و بعد دراسة موسعة و شاملة حول السیرة الذاتیة لکل عضو من أعضاء الحکومة بشکل دقیق و موضوعی علی طبق معاییر خاصة کالنزاهة و الکفاءة

ص:42

و اللیاقة ینتخب إذا کانت المعاییر منطبقة علیه هذا إضافة إلی أن المعتبر فی السلطة الحاکمة العدالة و الأمانة و الوثاقة و هی تمنع عن إطلاق عنانها و أن تفعل ما تشاء.

ص:43

ص:44

4- دور الحوزات العلمیة فی تبلور أصالة المسلمین فی التفکیر و التشریع المعتدل ضد الأفکار المتطرفة و المنحرفة

ص:45

ص:46

4 دور الحوزات العلمیة فی تبلور أصالة المسلمین فی التفکیر و التشریع المعتدل ضد الأفکار المتطرفة و المنحرفة تقدم أن التشریعات الإسلامیة رکیزة أساسیة فی ماهیة الإسلام و هی تشمل العبادات و المعاملات، و قد تصدت الحوزات العلمیة إلی دراسة هذه التشریعات بکافة صنوفها فی الحوزات العلمیة الکبیرة کالنجف الأشرف و قم و غیرهما, و تقوم هذه الدراسات علی أساس مبدأ الکتاب و السنة و لا یمکن أن تتجاوز عن هذا المبدأ مهما تطورت و أصبحت أکثر عمقاً وسعة و دقة و إلا فهی مرفوضة، و لهذا لا توجد فی هذه الدراسات أفکار متطرفة و منحرفة باعتبار أن مبدأ الکتاب و السنة ضد التطرف و الإرهاب بکافة أشکاله و ألوانه.

ص:47

و إن شئت قلت إن هذه الحرکة الفکریة الاجتهادیة التی هی ذات طابع إسلامی علی طول التاریخ تفتح الآفاق الذهنیة و تحمل مشعل الکتاب و السنة فی کل عصر و لو لا هذه الحرکة الفکریة الاجتهادیة فی الإسلام التی تطورت و تعمقت عصراً بعد عصر بتطور الحیاة العامة و اتساعها و فی مختلف مجالاتها الاجتماعیة و الفردیة و المادیة و المعنویة لم تتبلور أصالة المسلمین فی التفکیر و التشریع المتمیز المستمد من الکتاب و السنة علی طول الخط فی عصر الغیبة و لو لا استمرار هذه الحرکة الفکریة و الاجتهادیة لظلت المشاکل الحیاتیة المتجددة فی کل عصر بدون حل حاسم. و من هنا یکون تطور علم الفقه و اتساعه فی تمام المجالات الحیاتیة علی طول الخط مؤکداً أصالة المسلمین الفکریة و شخصیتهم التشریعیة المستقلة المتمیزة، و لهذا لا توجد فی هذه الدراسات أفکار

ص:48

متطرفة منحرفة علی أساس أن مبدأ الکتاب و السنة ضد التطرف و الإرهاب بکل أشکاله، لأن منشأ الإرهاب و التطرف الجهل و الخداع و الغرور و التعصب الأعمی و العناد، لأن المتطرف جاهل مغرور مخدوع یفقد عقله و شعوره و تفکیره حیث أن من کان عنده أدنی تفکیر لا یقبل عقله و لا دینه و لا إنسانیته قتل الأبریاء و الأطفال و النساء و الشیوخ بالطریقة البشعة اللاإنسانیة، و کذا الاغتصاب و الاختطاف و غیر ذلک من التصرفات المنبوذة عقلاً و شرعاً. و من هنا علی علماء المسلمین کافة و قادتهم السیاسیین أن یوحدوا کلمتهم و صفوفهم حول علاج هذه المشکلة و حلها بکل الوسائل الممکنة و المتاحة لأنها غدة سرطانیة فی جسم الأمة و لا بد من إزالتها عنه.

ص:49

ص:50

5- ملامح الاقتصاد الإسلامی و امتیازه عن الاقتصاد الرأسمالی و الاشتراکی

ص:51

ص:52

5 ملامح الاقتصاد الإسلامی و امتیازه عن الاقتصاد الرأسمالی و الاشتراکی إن من یطلع علی مبادئ الاقتصاد الإسلامی یجده مذهباً اقتصادیاً مستقلاً فی ملامحه و توازنه و اعتداله فی مقابل الاقتصاد الرأسمالی و الاشتراکی و یمتاز عنهما روحاً و شکلاً. أما الاقتصاد الرأسمالی فهو قائم علی أساس مبدأ الخصخصة أی ملکیة الأفراد بلا حدود و لا یعترف بمبدإ الملکیة العامة و هی ملکیة الدولة إلا فی حالات خاصة استثنائیة. و أما الاقتصاد الاشتراکی فهو قائم علی أساس مبدأ الملکیة العامة و هی ملکیة الدولة و لا یعترف بالملکیة الخاصة و هی ملکیة الأفراد.

ص:53

و أما الاقتصاد الإسلامی فهو یقوم علی أساس مبدأ الملکیة المزدوجة لأن الإسلام کما یعترف بمبدإ الملکیة العامة کذلک یعترف بمبدإ الملکیة الخاصة و هی ملکیة الأفراد، هذا من جانب. و من جانب آخر إن مبدأ الخصخصة أی ملکیة الأفراد فی الإسلام قائم علی أساس مبدأ الحریة الاقتصادیة فی الحدود المسموح بها شرعاً بمعنی أنهم أحرار فی ممارسة حریاتهم فی کافة الأنشطة الاقتصادیة إلا الأنشطة المحذورة کالتعامل بالربا و الاتجار بالخمور و لحوم المیتة و الخنازیر و الاحتکار و الغش و ما شاکل ذلک. و بکلمة إن الإسلام قد أجاز للأفراد فی ممارسة حریاتهم فی الأنشطة الاقتصادیة التجاریة و التبادلیة و الاستفادة من الثروات الطبیعیة ببذل الجهد و العمل فی سبیلها کإحیاء الأراضی و حیازة الثروات المنقولة

ص:54

و نقلها من مکانها الطبیعی و جعلها فی حوزته بشکل مباشر و غیر مباشر فی الحدود المسموح بها شرعاً. و من هنا کان الإحیاء و الحیازة من الأعمال الاستثماریة و الانتفاعیة التی تکون ذات قیمة اقتصادیة و لیست من الأعمال الاحتکاریة لأن الأعمال الاحتکاریة متمثلة فی سیطرة الفرد علی مساحات کبیرة من الثروات الطبیعیة بالقوة و الغلبة و القهر بدون إنفاق أی عمل أو بذل أی جهد و تعب فی سبیلها، لأن الإسلام لا یعترف بکون هذه السیطرة مصدر حق أو ملک و إنما یعترف بها إذا کانت نتیجة العمل و الجهد حیث أن کل عامل إنما یملک نتیجة عمله و لا یعترف الإسلام بالملک أو الحق بدون العمل، لأن علاقة الفرد بهذه الثروات إنما نجمت عن عمله و بذل جهده فی سبیل الاستیلاء علیها بالإحیاء أو الحیازة و إن کان المحاز اکبر من قدر حاجته بقانون أن کل فرد یستحق نتیجة عمله و لا تحصل العلاقة من منظور

ص:55

الإسلام إذا کان الاستیلاء علیها بالقوة و الغلبة بدون بذل أی عمل و جهد. و من هنا یظهر أن الإسلام أعطی للأفراد حریة الممارسة فی الأنشطة الاقتصادیة بکافة أنواعها فی الحدود المسموح بها شرعاً لا مطلقاً بأن لا تکون من الأنشطة المحذورة و أن لا یکون الاستیلاء علی الثروات الطبیعیة بالقوة و الغلبة. و من الواضح أن هذا التحدید من الشارع المقدس لا یمکن أن یکون جزافاً بل الهدف من ورائه تحقیق مبدأ العدالة و التوازن بین طبقات المجتمع و لا یمکن تحقیق ذلک إلا بالتحدید المذکور. إلی هنا قد تبین أن الاقتصاد فی النظام الإسلامی یختلف عن الاقتصاد فی النظام الرأسمالی فی نقطتین: الأولی: إن الخصخصة فی النظام الاقتصادی الإسلامی أتاحت الحریة للأفراد و الشرکات الخاصة و أصحاب رءوس الأموال فی القیام بممارسة النشاطات

ص:56

الاقتصادیة بکافة أنواعها و أصنافها إلا النشاطات المحذورة فی الشریعة المقدسة بشرط أن لا تؤدی هذه الحریة إلی استغلال السوق و الإضرار بالطبقات الضعیفة و المحرومة و إلا فعلی الدولة الإسلامیة أن تتدخل و تمنع عن هذه التجاوزات التی تضر بالعدالة الاجتماعیة التی أهتم الإسلام بها. بینما الخصخصة فی النظام الاقتصادی الرأسمالی أتاحت الحریة الواسعة و بلا حدود لهم فی القیام بها و أن أدی ذلک إلی استغلال السوق و اقتصاد البلد و إیجاد الفجوات و الثغرات بین طبقات الأمة و الإضرار بمبدإ العدالة و التوازن الاجتماعی باعتبار أن هؤلاء الأفراد عند ممارستهم النشاطات الاقتصادیة فی النظام الرأسمالی إنما یأخذون مصالحهم الذاتیة بعین الاعتبار بدون ملاحظة مصالح المجتمع الواقعیة و أخذها بعین الاعتبار.

ص:57

الثانیة: إن النظام الاقتصادی فی الإسلام قائم علی أساس مبدأ الملکیة المزدوجة و الهدف الأساسی من وراء تشریع هذه الملکیة هو تحقیق مبدأ العدالة و التوازن فی المجتمع الذی أهتم الإسلام به و تضییق الفجوات و الثغرات بین طبقات الأمة علی أساس أن کلاً من الملکیة الخاصة و الملکیة العامة بمثابة الرقیب و الحارس علی الأخری لکی لا تتجاوز عن حدودها و لا تستغل السوق بینما النظام الاقتصادی الرأسمالی حیث أنه قائم علی أساس مبدأ الملکیة الخاصة یتیح الفرصة لأصحاب الشرکات و رجال الأعمال باستغلال السوق و السیطرة علی اقتصاد البلد باعتبار أنه لا مراقب علیهم فی ذلک و لا عوائق فیه هذا من ناحیة. و من ناحیة أخری إن الدولة إذا کانت إسلامیة کان للسلطة الحاکمة حق الإشراف علی کافة مؤسسات الدولة من القطاعات الخاصة و العامة لحمایة المصالح

ص:58

العامة للمجتمع و تحدید حریات الأفراد فیما یمارسونه من النشاطات الاقتصادیة و الاجتماعیة بما لا یضر العدالة و التوازن الاجتماعی. إلی هنا قد وصلنا إلی هذه النتیجة و هی إن الدین الإسلامی قائم علی ثلاثة عناصر أساسیة اثنان منها ثابتان غیر متحرکین: الأول / العنصر الداخلی الباطنی. و هو الإیمان بالله وحده لا شریک له و برسالة الرسول (صلی الله علیه و آله). الثانی / العنصر الخارجی. و هو متمثل فی العبادات و المعاملات. و ثالث منها: متحرک و غیر ثابت حسب متطلبات المجتمع، و فیه یتبلور دور الفقیه الجامع للشرائط بوضع تشریعات ثانویة حسب حاجة الوقت فی کل عصر و بهدف تنظیم الحیاة العامة الاقتصادیة و الاجتماعیة و الأمنیة و الفردیة و علاقة الأمة بالسلطة و صلاحیات رئیس الدولة و سائر کیاناتها و غیر ذلک.

ص:59

ص:60

6- معاییر تشکیل الحکومة الشرعیة

ص:61

ص:62

6 معاییر تشکیل الحکومة الشرعیة إن تشکیل الحکومة الإسلامیة و هی الحکومة القائمة علی أساس مبدأ الحاکمیة لله وحده لا شریک له إنما هو بید السلطة الحاکمة فی زمن الغیبة لا بالانتخابات و صنادیق الاقتراع علی أساس أن السلطة الحاکمة فی الدولة الإسلامیة منصوبة من قبل الله تعالی حتی فی زمن الغیبة و مأمورة بتشکیل الدولة إذا کانت الظروف مواتیة و الموانع و العوائق غیر موجودة و قد مرت الإشارة إلی أنه لا بد من التحاور و التشاور مع العلماء و المفکرین و الخبراء و الأمناء المخلصین فی انتخاب أعضاء الحکومة و ان یکون ذلک بعد دراسة شاملة لِسوابق کل عضو و مدی أهلیته فی الحکم و خبرویته و کفایته و صرامته و أمانته بدون أی دور للطائفیة و الحزبیة و العنصریة و القرابة

ص:63

بینما إن لهذه العناوین دوراً بارزاً و هاماً فی انتخاب أعضاء الحکومة عن طریق صنادیق الاقتراع لأن تلک العناوین تتحکم علی التعیینات لا الأهلیة و الخبرویة و الأمانة و الإخلاص. أما الناس المشترکون فی الانتخابات فأکثرهم لا یعرفون من هو الأهل لأن للدعایات الفارغة و الإعلانات البراقة الحزبیة و الطائفیة دوراً هاماً و کبیراً فی کسب آراء الناس بل قد تشتری الأصوات بالمال و یستخدم الدین کوسیلة للوصول إلی الحکم و لهذا لا تکون هذه الحکومات ناجحة غالباً و لا تدفع البلد إلی التقدم و التطور و الاستقرار بل تدفع إلی التخلف و عدم الاستقرار. و من هنا یظهر أن طریقة انتخاب أعضاء الحکومة الشرعیة و معاییره تمتاز عن طریقة انتخاب أعضاء الحکومة غیر الشرعیة و معاییره.

ص:64

و الخلاصة إن تشکیل الحکومة الشرعیة بکافة مکونتها و شرائحها و أعضائها إنما هو علی طبق معاییر خاصة و هی النزاهة و الکفاءة و الإخلاص علی ضوء تطبیق نظام المحاسبة علیها بشکل موضوعی و دقیق، و لهذا یکون لهذه الحکومة دور کبیر و هام فی تطور البلد و استقراره و تقدمه من جهة و فی تحقیق مبدأ العدالة و التوازن بین طبقات الأمة من جهة أخری، بینما تتحکم فی الحکومات غیر الشرعیة جهات أخری أیضاً کالقرابة و العلاقات الخاصة.

ص:65

ص:66

7- منشأ تخوف الغرب و عملائهم من الحکومة الإسلامیة

اشارة

ص:67

ص:68

7 منشأ تخوف الغرب و عملائهم من الحکومة الإسلامیة إن من المؤسف جداً إن عدداً کبیراً من المسلمین فی الداخل و الخارج الذین یسمون أنفسهم بالمثقفین و المفکرین یخشون من إقامة النظام الإسلامی فی البلاد الإسلامیة و منشأ هذا التخوف أمران: الأول: الجهل بالإسلام و نظامه الإنسانی. الثانی: الإعلام المضلل و الدعایات الفارغة من الغرب و الشرق التی تصب علی محاربة الإسلام، و اتصافه بالتطرف و التحجر و الأحکام المضادة للحریة و حقوق الإنسان، فإن لذلک دوراً بارزاً و هاماً فی هذا التخوّف، و تأثیراً کبیراً فی النفوس غیر المزودة و المجهزة بالقیم و المثل الدینیة و الإنسانیة.

ص:69

أما تخوّف الغرب من الإسلام فله مبرر لأنهم یخافون من النظام الإسلامی و قیمه الإنسانیة و الأخلاقیة و الاجتماعیة و الفردیة و العائلیة و قوة نفوذه و انتشاره فی العالم و تبلور نظامه الإنسانی فی کل یوم لا سیما بین الشباب و الشابات فی الدول الإسلامیة و غیر الإسلامیة و لهذا ینقل و یسمع أن عدداً کبیراً من الشباب و الشابات فی الدول الغربیة و غیرها ینتحلون الدین الإسلامی علی أنه دین الحضارة و العدل و المساواة، مع قلة معرفتهم به و عدم اطلاعهم إلا علی بعض القیم و المثل الإنسانیة کالنظام العائلی الموجود بین المسلمین فإنه منهار و متفکک فی المجتمع الغربی، حیث نری و نتعایش الاجتماع العائلی بین الآباء و الأمهات و الأبناء و البنات و الأحفاد علی سفرة واحدة فی کل یوم عدة مرات و هذه الظاهرة مفقودة فی حیاتهم الیومیة، و کذا کثیر من الظواهر الإیجابیة من الأخلاقیة و الاجتماعیة و العبادیة و غیرها.

ص:70

و من هنا کان هؤلاء یشعرون بأن الإسلام خطر علیهم و لذلک قاموا بالإعلام المضلل و الدعایات الفارغة علی الإسلام بذرائع مختلفة،

اشارة

(تارة) بذریعة أن الدین الإسلامی یروج للتطرف و الإرهاب، (و أخری) إن الدین الإسلامی ضد الحریة و الدیمقراطیة، (و ثالثة) إن الدین الإسلامی ضد حقوق الإنسان و هذه الدعایات کلها دعایات مغرضة و فارغة لا یمت إلی الإسلام بصلة، و لا واقع موضوع لها.

أما الذریعة الأولی:

فلأن الدین الإسلامی دین سلم و عدل و إنسانیة و رأفة و رحمة و ضد التطرف و الإرهاب بکل أشکاله و أنواعه و أنه دین یستنکر قتل الأبریاء بأشد الاستنکار حیث جعله أکبر جریمة فی تاریخ البشریة بنص قوله تعالی: مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَیْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِی الْأَرْضِ فَکَأَنَّما قَتَلَ النّاسَ جَمِیعاً، وَ مَنْ أَحْیاها فَکَأَنَّما أَحْیَا النّاسَ جَمِیعاً فالإسلام

ص:71

جعل قتل نفس واحدة بریئة بمثابة قتل الناس جمیعاً و هو أکبر جریمة فی عالم الإنسانیة کما أنه جعل إحیاء نفس واحدة بمثابة إحیاء الناس جمیعاً و هو أکبر خدمة فی عالم البشریة، بل الإسلام قد حرّم مثلة جسد الإنسان حتی فی ساحة الحرب مع العدو، و هذا هو الإسلام.

و أما الذریعة الثانیة:

فلأن الإسلام قد أعطی الحریة للأفراد فی کافة نواحی حیاتهم بشکل متزن معتدل بحیث لا تؤدی الحریة إلی زعزعة العدالة الاجتماعیة و التوازن بین طبقات الأمة، لأنهم أحرار فی ممارسة النشاطات الاقتصادیة بکافة أنواعها غیر النشاطات المحذورة المعیقة فی الإسلام و أحرار فی ممارسة النشاطات الثقافیة و الترفیهیة و غیرهما فی الحدود المسموح بها شرعاً و أحرار فی التعبیر عن آرائهم شریطة أن لا یکون کذباً و إیذاء للآخرین و تضییعاً لحقوقهم.

ص:72

و بکلمة إن الإنسان لا یمکن أن یبقی مطلق العنان یفعل ما یشاء و یترک ما یشاء و إلا لزم الهرج و المرج بل لا یمکن الحیاة حینئذٍ علی سطح الکرة الأرضیة لأن القوی یأکل الضعیف، فإذن لا بد من وضع حد لاطلاق عنانه، و لهذا قام العقلاء بوضع حدود له من جانبهم. و أما الشریعة الإسلامیة فقد قیدت إطلاق عنان الإنسان بخطوط عریضة و هی إن الإنسان حر فی سطح الکرة الأرضیة بکافة ممارساته و تصرفاته فی الحدود المسموح بها شرعاً لا مطلقاً و الهدف من وراء هذا التقیید و التحدید أمران: الأول / إن الإنسان حیث أنه أشرف مخلوقاته من جهة أنه تعالی أوهب العقل له فلا بد من الحفاظ علی مکانته و کرامته و شرفه و لا یمکن الحفاظ علیها إلا بتقیید إطلاق عنانه بالحدود المسموح بها شرعاً و إلا فهو إنسان ساقط فی المجتمع و لا قیمة له.

ص:73

الثانی / إن الإسلام قد أهتم فی تحقیق العدالة الاجتماعیة و التوازن بین طبقات الأمة و لا یمکن تحقیق هذا المبدأ إلا بتقیید حریة الإنسان بحدود لا تزعزع هذا المبدأ و لا تضر بحقوق الآخرین و تتناسب مع الحدود العقلائیة و الإنسانیة. فالنتیجة إن الدین الإسلامی دین حر شفاف یواکب العلم و الحضارة و التقدم و ینسجم مع متطلبات کل عصر مهما تطور کما إن الحریة فی الإسلام تتناسب مع قیم الرجل و مکانته و قیم المرأة و مکانتها فی الإسلام لأن المرأة حرة فی الحدود المسموح بها شرعاً و لها أن تلعب دوراً هاماً فی المجتمع کالرجل و لا فرق بینهما فأی عمل سیاسی أو اجتماعی أو ثقافی یجوز للرجل یجوز للمرأة أیضاً شریطة أن تحافظ علی کرامتها و شرفها و عفتها و سترها الإسلامی و قیمها الإنسانیة و لا تکون مبتذلة حیث لا قیمة للمبتذلات

ص:74

حتی عند المجتمع العقلائی، لأن حریة المرأة لا تتطلب منها السفور و الابتذال و لا تفرض علیها ذلک. و أما الحریة فی الغرب فحیث إنها لیست مبنیة علی قیم إنسانیة و أسس دینیة عقلائیة. فلهذا وصلت إلی درجة الابتذال و حضیض الحیوانیة و خرجت عن الحدود العقلائیة و الإنسانیة و الأخلاقیة بل وصلت إلی درجة یشمئز الإنسان عن ذکر اسمها و یخجل و لکن مع ذلک فهم مصرون علی تطبیق هذه الحریة المطلقة و نشرها فی الدول الإسلامیة و هدفهم من وراء ذلک تهدیم الإسلام و تقالیده الإنسانیة و ثقافته القیمة المبنیة علی الأخلاق و الاحترام.

و أما الذریعة الثالثة:

فلأن الدین الإسلامی لیس ضد حقوق الإنسان کیف فان الإسلام قد أهتم بالحفاظ علیها و عدم جواز تفویتها و جعل الغرامة علیها لتحقیق مبدأ العدالة الاجتماعیة بین طبقات الأمة و التوازن و لا یمکن تحقیق ذلک إلا بالحفاظ علی

ص:75

حقوق الجمیع علی حد سواء من دون أی تمییز بین فرد و فرد آخر هذا من جانب، و من جانب آخر أنه لا یمکن من منظور الإسلام أن یذهب حق أحد هدراً بل الأمر کذلک من منظور العقلاء أیضاً. و من هنا یری الإسلام المعادلة بالمثل فی الحقوق بین الناس و فی الجراحات: اَلنَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَ الْعَیْنَ بِالْعَیْنِ ... وَ الْأُذُنَ بِالْأُذُنِ و أشار تعالی إلی حکمة هذه المعادلة بقوله عز و جل وَ لَکُمْ فِی الْقِصاصِ حَیاةٌ یا أُولِی الْأَلْبابِ و فی الأموال المعادلة بالمثل أو القیمة. و من هنا لو فرض أن شخصاً قام بقلع عین شخص آخر عدوانا و ظلماً و انتهاکاً لحرمته و سلب عنه هذا الحق فقد جعل الله تعالی للمظلوم حق الاقتصاص من الظالم بأن یقوم بقلع عینه و سلب هذا الحق عنه لسببین: الأول / إن حق الظالم لیس أولی من حق المظلوم فإذا لم یر الظالم هذا الحق للمظلوم و سلب حقه

ص:76

و انتهک حرمته فقد جعل الله تعالی للمظلوم سلطانا علیه بأن یقوم بالاقتصاص منه بالمقدار الذی ظلمه فی حقه لا أکثر و هو مقتضی العدل و الإنصاف و المعادلة بالمثل کما فی الآیة الکریمة. الثانی / إن فی ذلک عبرة للظالم و للآخرین معاً بعدم التعدی علی حقوق الآخرین و لهذا للقصاص أثر کبیر فی حفظ التوازن و العدالة الاجتماعیة، و لا یمکن تطبیق حقوق الإنسان علی الظالم بدعوی أنه لا یجوز الاقتصاص منه لأنه ینافی حقه فی بقاء عینه سالمة و ذلک: أولاً: إن معنی هذا هو ذهاب حق المظلوم هدراً و هو لا یجوز لا شرعاً و لا عقلاً و لا عقلائیاً. و ثانیاً: إن تطبیق المنهج الغربی الجدید لحقوق الإنسان علی الظالم مکافئة له فی مقابل ظلمه و عدوانه و تشویق له فیه و للآخرین معاً، و ترویج للظلم و الطغیان و من الواضح إن ذلک مؤثر فی عدم استقرار

ص:77

البلد و الأمن و هذا معنی قوله تعالی: وَ لَکُمْ فِی الْقِصاصِ حَیاةٌ یا أُولِی الْأَلْبابِ . مثلا للإنسان حق البقاء فی الحیاة و لیس لأحد أن یسلب عنه هذا الحق ظلماً و عدواناً و أما إذا سلبه عنه فقد جعل الله تعالی لولیه سلطاناً علیه بأن یقتص منه، لأن هذا هو مقتضی العدل و الإنصاف، و مقتضی قوله تعالی: (النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَ الْعَیْنَ بِالْعَیْنِ) فمن قتل أحداً ظلماً و جوراً فقد أضاع و هدر حقه فی البقاء علی قید الحیاة إذ من لم یر هذا الحق للآخر لم یکن هذا الحق ثابتاً له أیضاً و لا یمکن تطبیق حقوق الإنسان علی القاتل دون المقتول لأنه مخالف للنظرة الإسلامیة و العقلائیة معاً و مکافأة له فی مقابل ظلمه و عدوانه و تشویقاً له و للآخرین علی ذلک مع أن فی إجراء القصاص علیه عبرة للناس و تحقیقاً للعدالة و التوازن فی الحقوق و الأمن فی البلد لأن دم الإنسان لا یذهب هدراً و قد أعترف بذلک کقانون عام فی أکثر دول

ص:78

العالم و سیقر العالم بقانون القصاص فی المستقبل القریب إذ من یؤید هذا القانون و یطلب من حکومته تشریعه فی ازدیاد مستمر.

ص:79

ص:80

8- أسباب تدخل الأجانب فی الدول الإسلامیة

اشارة

ص:81

ص:82

8 أسباب تدخل الأجانب فی الدول الإسلامیة أی منا لو ألتفت إلی حکومات الدول الإسلامیة لشاهد بوضوح سیطرة بعض الدول الکبری الاستعماریة علی حکوماتها بشکل أو آخر، و لهذه السیطرة و التدخل فی شئونها عوامل عدیدة نشیر إلی بعض منها:

العامل الأول: تخلف الدول الإسلامیة بشکل عام اقتصادیاً و تقنیاً

و هذا التخلف یدفعها إلی الاستسلام للغرب أو الشرق و عدم الاستقلال.

العامل الثانی: عدم الحریة و الدیمقراطیة فی الدول الإسلامیة غالباً

فإنه ذریعة لتدخل الأجانب فیها و فرصة ثمینة لهم.

العامل الثالث: إن لقلة معرفة المسئولین فی الدول الإسلامیة بالنظام الإسلامی کنظام إلهی عام لکافة البشر إلی یوم القیامة،

ص:83

و اعتقادهم غالباً بأنه نظام غیر قابل للتطبیق فی العصر الحالی دوراً کبیراً فی إعطاء الذریعة لهم و إفساح المجال أمامهم للتدخل فی البلاد الإسلامیة.

العامل الرابع: إن للتبلیغات المضللة و الدعایات الفارغة من الغرب و الشرق علی الإسلام دوراً کبیراً و تأثیراً هاماً فی نفوس القادة و المسئولین

و إنها تزودهم بالتقالید الغربیة أو الشرقیة و ثقافتهم و هی تحول دون تقبل التقالید الإسلامیة و ثقافتها، بل إلی رفضها و محاربتها.

العامل الخامس: إن للفرقة الموجودة بین القادة و المسئولین فی البلاد الإسلامیة و عدم رؤیة واضحة مشترکة بینهم أمام الشرق و الغرب

تأثیراً کبیراً فی عدم استقلالهم، إذ لو کانت لهم رؤیة واضحة مشترکة تجاه العالم الغربی و الشرقی لرأینا أنهم یحسبون لها ألف حساب حیث أن لها تأثیراً هاماً فی استقلال

ص:84

بلادهم الإسلامیة و قوتهم و شوکتهم و الحفاظ علی کرامتهم و کرامة شعوبهم المسلمة. العامل السادس: إن القادة و المسئولین فی البلاد الإسلامیة لعلهم کانوا یعتقدون بأن بقائهم فی کرسی الحکم مرتبط بعلاقتهم الوطیدة بالغرب أو الشرق و هذا خطأ منهم لأن بقاءهم فیه مرتبط بإخلاصهم للوطن و خدمة شعوبهم بأمانة و إخلاص و صدق و منحهم حق الحریة فی المعتقد و التعبیر فی الحدود المسموح بها شرعاً. و من الواضح أن لهذه العوامل دوراً أساسیا فی تدخل الأجانب فی شئون البلاد الإسلامیة و نشر أفکارهم المضللة و ثقافتهم المتدنیة المبتذلة و هدم الأفکار الإسلامیة و تقالیدها الإنسانیة و السیطرة علی ثروات البلاد و هکذا.

ص:85

ص:86

9- نظام المحاسبة فی الحکومة الإسلامیة

ص:87

ص:88

9 نظام المحاسبة فی الحکومة الإسلامیة إن نظام المحاسبة فی الإسلام لیس نظاماً محدداً و مدروساً فی ضمن نص تشریعی من الکتاب و السنة و ثابتاً بل هو بید السلطة الحاکمة فی کل عصر لأن وظیفة السلطة الحاکمة شرعاً فی الحکومة الإسلامیة تفرض علیها أنه إذا قامت بوضع خطة تعلیمیة أو أمنیة أو غیرها تقوم بدراسة تلک الخطة بواسطة الخبراء و المفکرین و الأمناء من جمیع جهاتها الإیجابیة و السلبیة و الظروف المحیطة بها و مستقبلها و مدی نجاحها و غیر ذلک دراسة موضوعیة دقیقة و بعد هذه الدراسة و الاطمئنان بنجاحها تقوم بوضعها مثلاً إذا أرادت الحکومة الإسلامیة إنشاء مشروع اقتصادی فلا بد من دراسته بکافة جوانبه و علاقة هذا المشروع بالاقتصاد

ص:89

العالمی أو الإقلیمی و مدی رغبة الناس إلیه فی الوقت الحاضر و فی المستقبل و تسجیل المعلومات و الأحداث المرتبطة به و بعد هذه الدراسة و الاطمئنان بنجاحه تقوم بإنشائه. و من هنا یظهر أمور: الأول / إن نظام المحاسبة لا یمکن أن یکون نظاماً ثابتا مستقرا و غیر متحرک طول التاریخ بل هو نظام متحرک و متغیر بتغیر الزمان و متطور بتطور الحکومة عصراً بعد عصر. و لا یمکن تطبیق نظام المحاسبة الذی کان متداولاً فی زمن النبی الأکرم) ص) علی الحکومة فی الوقت الحاضر لأن الحکومة فی ذلک الوقت کانت بسیطة بتمام مکوناتها و أجهزتها بینما الحکومة فی هذا الوقت قد تطورت و توسعت بکافة أجهزتها و مکوناتها و من الواضح أن تطور الحکومة و توسعها یتطلب تطور نظام المحاسبة و توسعه.

ص:90

الثانی / إن نظام المحاسبة لا یختص بالأنشطة الاقتصادیة فحسب بل یشمل کافة أنشطة الدولة بتمام تشکیلاتها و أعضائها علی أساس أن السلطة الحاکمة فی الحکومة الشرعیة مأمورة بتطبیق نظام المحاسبة بشکل مدروس و دقیق علی کافة أعضاء الحکومة و شرائحها و مکوناتها و مشروعاتها العامة و الخاصة باعتبار أن الهدف الأصلی من وراء الحکومة الشرعیة تحقیق الأهداف الإسلامیة النبیلة و هی العدالة الاجتماعیة و المحافظة علی التوازن و الاعتدال بین طبقات الأمة و الأمن و الاستقرار و لا یمکن تحقیق هذا الهدف و الوصول إلیه إلا بتطبیق نظام المحاسبة علی جمیع شرایین الحکومة بشکل دقیق و موضوعی. الثالث / إن نظام المحاسبة فی الإسلام لا یمتاز عن نظام المحاسبة الوضعیة إلا فی نقطة واحدة و هی إن نظام المحاسبة فی الإسلام محدود بالحدود المسموح بها شرعاً و لهذا لا یمکن تطبیق هذا النظام علی الأنشطة

ص:91

الاقتصادیة المحذورة شرعاً کإنشاء مصنع للخمور مثلا و الأنشطة الربویة و نحوها بینما لا یکون نظام المحاسبة الوضعیة محدودا بالحدود المذکورة. و حیث أن نظام المحاسبة فی الإسلام یتطور وقتا بعد وقت و عصرا بعد عصر فبطبیعة الحال یخضع للدراسة الأکادیمیة.

ص:92

10- أسباب نجاح الحکومة الإسلامیة

اشارة

ص:93

ص:94

10 أسباب نجاح الحکومة الإسلامیة بعد عرض النظام الإسلامی بمقوماته و رکائزه، لا بد من ملاحظة ما یرجح هذا النظام علی غیره، و معرفة أسباب نجاح الحکومة الإسلامیة. اعلم إن هناک عدة أسباب و عوامل لنجاح الحکومة المبتنیة علی أساس مبادئ الإسلام:

الأول / العامل النفسی و هو الإیمان بالله وحده لا شریک له،

حیث إن الحکومة الشرعیة علی أساس معاییرها الخاصة مؤلفة من الأعضاء الکفوئین و المؤمنین و الخبراء المخلصین بدون تأثیر أی جهة خارجیة أو أمور جانبیة فیها کالحزبیة و الطائفیة و العلاقات غیرها فبطبیعة الحال لها دور کبیر و هام فی نزاهة الحکومة، باعتبار أنهم بحسب إیمانهم بالله عز

ص:95

و جل یرون أنفسهم مسئولین أمام الله تعالی و لا یمکن الخروج عن هذه المسئولیة إلا بالعمل الجاد و النزیه المعتدل.

الثانی / إن جمیع الموظفین فی دوائر الحکومة الشرعیة سواء من المراتب الکبیرة أو الصغیر أجراء من قبل السلطة الحاکمة،

و بمقتضی عقد الإجارة یجب علیهم الوفاء بها و الإتیان بما استؤجروا علیه و لا یجوز لهم الإخلال بالعمل المستأجر علیه و إلا فلا یستحقون تمام الأجرة.

الثالث / إن إطاعة السلطة الحاکمة فی الحکومة الشرعیة واجبة علی الناس بعنوان ثانوی

بمقتضی قوله تعالی أَطِیعُوا اللّهَ وَ أَطِیعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِی الْأَمْرِ مِنْکُمْ و علی هذا فحیث أن الموظفین فی هذه الحکومة مأمورین بالعمل بوظائفهم من قبل السلطة الحاکمة و هی ولی الأمر، فیجب علیهم العمل بها.

ص:96

إضافة إلی الرقابة الموجودة من قبل السلطة الحاکمة علی جمیع شرائح الحکومة الشرعیة. و غیر خفی أنه لا یتوفر شیء من هذه العوامل فی الحکومات غیر الشرعیة. و هذه هی الممیزات الأساسیة للحکومة الشرعیة عن الحکومات غیر الشرعیة. و من الطبیعی أن تلک الممیزات تدفع البلد إلی التطور و النمو اقتصادیا و تعلیمیا و تقنیا و أمنیا و إداریا و هکذا و إن لها دورا بارزا فی تحقیق مبدأ التوازن و العدالة الاجتماعیة بین طبقات الأمة و رص الصفوف و توحید الکلمة و تکوین المجتمع المتلاحم الآمن المتحد الذی لا إفراط فیه و لا تفریط و لا یخاف أحد فیه علی نفسه و لا علی عرضه و لا علی ماله

ص:97

هذا نموذج من الحکومة الشرعیة و هی حکومة قائمة علی أساس مبدأ حاکمیة الدین و الله هو الموفق و المعین. وَ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِینَ النجف الأشرف 10 ذو القعدة 1426 ه

ص:98

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.