ضرورة وجود الحكومة او الولاية للفقهاء

اشارة

نام كتاب: ضرورة وجود الحكومة أو الولاية للفقهاء

موضوع: فقه استدلالي

نويسنده: گلپايگاني، لطف الله صافي

تاريخ وفات مؤلف: ه ق

زبان: عربي

قطع: وزيري

تعداد جلد: 1

تاريخ نشر: ه ق

ص: 1

مقدمة

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ*

الحمد للّٰه علي نعمة الإسلام و الإيمان حمداً سرمداً، و الصلاة و السلام علي خير البرية و أشرف الأنام أبي القاسم المصطفي و علي آله أنوار الهدي و مصابيح الظلام، و اللعنة علي أعدائهم إلي يوم النشور و القيام

ص: 1

و بعد، فمن المعروف المسلم به عند الشيعة أن الحاكم بعد النبي صلي الله عليه و آله هو الإمام المعصوم من أهل بيته عليهم السلام، عملًا بما نص عليه و أكَّده النبي صلي الله عليه و آله مراراً و تكراراً.

فالإمام المعصوم حاكم في الدين و الدنيا و مفترض الطاعة من اللّٰه عزَّ و جل، و أَوْليٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، كما كان رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله أولي بهم من أنفسهم.

و إن إبعاد الأئمة المعصومين عليهم السلام عن مناصبهم التي جعلها اللّٰه لهم لا يؤثر شيئاً في وجوب طاعتهم و الالتزام بأوامرهم و نواهيهم و وجوب اتباعهم في أقوالهم و أفعالهم.

و قد تكفلت بحوث العقائد إثبات هذا الأمر بالأدلة القاطعة من الكتاب العزيز و السنة المتواترة، و قد سار علي هذه العقيدة و هذه الطريقة شيعة أهل

ص: 2

البيت عليهم السلام من عهد رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله إلي أن غاب الإمام الثاني عشر الإمام المهدي أرواحنا و أرواح العالمين له الفداء، و حتي في زمن غيبته الصغري، حيث كان باستطاعة الفقهاء و الناس أن يراجعوا نوابه و وكلاءه المنصوبين من قبله و أشهرهم النواب الأربعة رضوان اللّٰه عليهم.

و لكن بعد عصر النواب الأربعة وقت الغيبة الكبري، إلي أن يشاء اللّٰه تعالي إظهار دينه علي الدين كله، فوقع البحث بين فقهاء الشيعة في من يكون نائب الإمام و الحاكم في زمن غيبته الكبري، فاختار كل فقيه في هذه المسألة ما أدي إليه نظره الاستنباطي و رأيه الاجتهادي، و صارت المسألة من مباحث الفقه يتعرض لها الفقهاء في كتبهم عند مناسباتها المختلفة، و يجيبون علي الاسئلة الموجهة إليهم بشأنها.

ص: 3

و هذه الرسالة الكريمة المختصرة لسماحة المرجع الديني و الباحث المتتبع القدير و العالم العامل الورع آية اللّٰه العظمي الشيخ لطف اللّٰه الصافي الگلپايگاني مد الله في عمره الشريف و نفع المسلمين و المؤمنين بعلمه و توجيهاته، هي جواب علي بعض الأسئلة التي قدمها إلي سماحته بعض العلماء و الفضلاء عن مسألة الحكم و الولاية في عصر الغيبة، و هي علي اختصارها تتضمن و الأركان الأساسية لهذا الموضوع، و هي واحدة من إجاباته العلمية و بحوثه الغزيرة التي تزيد علي الستين بحثاً و مقالة، و التي نأمل أن نتوفق لطباعتها في مجموعة كاملة، لتعم فائدتها إن شاء اللّٰه، و اللّٰه الموفق.

دار القرآن الكريم

ص: 4

ص: 5

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ، وَ الصَّلاةُ وَ السلامُ عَلي خَيْرِ

خَلْقِهِ وَ اشْرَفِ بَريَّتِهِ مُحمَّدٍ وَ آلِهِ الطاهِرِينَ

لا سيَّماٰ بَقيَّةُ اللّٰهِ في الأَرَضينَ، وَ لَعَنةُ اللّٰهِ

عَلي أَعْداٰئِهِمْ أجمَعِينَ إليٰ قِيٰامِ

يَوْمِ الدينِ.

مسألة: في ولاية الفقيه

اشارة

دلّت الأدلة العقلية و النقلية علي حاجة المجتمع البشري المتمدن إلي حكومةٍ تنظّم اموره،

ص: 6

و تحفظ كيانه، و تصونه عما يوجب الفساد و الزوال، و تقوم بوضع الخطط اللازمة لمصالحه، و تمنع القوي عن اغتصاب حق الضعيف، و تدفع عنه ظلم الظالمين، و تعمل فيه بالعدل، و تؤمِّن السبل، و تجعل الكل أمام الحق و القانون سواء.

إنه لا حالة أسوأ و أتعس للبشرية من الفوضيٰ المطلقة، و دين الإسلام الذي هو أكمل الأديان و أتمها، و أرقي الشرائع و القوانين و الأنظمة لم يترك في حياة البشر المادية و المعنوية أمراً إلا و قد بيّن فيه ما به صلاح الإنسان و رشده، و من أهم هذه الأمور:

أمر وجود الحكومة الأمر الأساسي الذي يدور مداره إجراء أكثر أحكامه، فقد اهتم به أشد الاهتمام، فجعل للنبي صلي الله عليه و آله الولاية المطلقة عليٰ المؤمنين، قال اللّٰه تعالي:

ص: 7

(النَّبِيُّ أَوْليٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) (1).

النص علي ولاية الامام علي عليه السلام المطلقة بعد النبي صلي الله عليه و آله.

فقامت بفضل هذه الولاية حكومة العدل الإسلامية بقيادة صاحب مقام الرسالة و النبوة صلي الله عليه و آله، ثمّ أكمل اللّٰه الدين بولاية أمير المؤمنين و أولاده الطاهرين الأئمة الاثني عشر عليهم السلام، و أكد علي أمر الولاية، سيما ولاية أمير المؤمنين عليه السلام، و قرنها بولاية اللّٰه و ولاية الرسول بقوله تعالي:

(إِنَّمٰا وَلِيُّكُمُ اللّٰهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلٰاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكٰاةَ وَ هُمْ 6

ص: 8


1- سورة الأحزاب- 6

رٰاكِعُونَ) (1).

و أمر بإعلانها في يوم غدير خُمٍّ في مشهدٍ عظيمٍ حضره جموع المسلمين، فقال:

(يٰا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مٰا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمٰا بَلَّغْتَ رِسٰالَتَهُ، وَ اللّٰهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّٰاسِ، إِنَّ اللّٰهَ لٰا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكٰافِرِينَ) (2).

فلما كمل الدين بإبلاغ الولاية أنزل اللّٰه تعالي:

(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلٰامَ دِيناً) (3).

النص علي ولاية و امامة و حكومة الأئمة الاثني عشر عليهم السلام.

ص: 9


1- المائدة- 55
2- المائدة- 67
3- المائدة- 3

و قد ثبت النص عن النبي صلي الله عليه و آله علي الأئمة الاثني عشر عليهم السلام بالولاية و الإمامة و الحكومة، بالنصوص المتواترة التي منها: أحاديث الأئمة الاثني عشر التي رواها أعاظم المحدثين من العامة و الخاصة في صحاحهم و جوامعهم و مسانيدهم و سننهم، و التي لا تنطبق إلا علي مذهب الإمامية القائلين بإمامة الأئمة الاثني عشر المعروفين من أهل البيت و عترة النبي صلي الله عليه و آله.

هذا و قد أوجب اللّٰه إطاعتهم علي المؤمنين بقوله تعالي:

(يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّٰهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) (1).

ص: 10


1- النساء- 59

فقرن إطاعتهم بإطاعة النبي صلي الله عليه و آله، و هذه خصيصةٌ لا يختص بها إلا من كان مثل النبي صلي الله عليه و آله معصوماً، و هو الإمام المعصوم الذي يقول به الإمامية، فلا يجوز أن يفسر (أُولِي الْأَمْرِ) في هذه الآية إلا بالأئمة المعصومين عليهم السلام دون غيرهم كائناً من كان، حتي الفقهاء.

و هذا هو مقتضي أساس حكومة اللّٰه تعالي، و معني أسمائه الحسني، و حاكميته التوحيدية، فليس لأحدٍ علي أحدٍ الحكومة إلا إذا اعطيت من اللّٰه تعالي، فهو الحاكم الآمر الناهي، و السلطان و القاضي، كما يستمد من لطفه و رحمانيته و رحيميته و عدله و حكمته و علمه، فهو الرحمن و الرحيم و اللطيف و العدل و الحكيم و العالم و العليم.

و قد أنهي العلامة قدس سره الأدلة الدالة علي لزوم جعل الحكومة من اللّٰه علي الناس و نصب الإمام لهم إلي

ص: 11

ألف دليل.

فكل حكومةٍ لم تكتسب المشروعية من حكومة اللّٰه تعالي باطلة زائفة.

فالواجب علي جميع المكلفين الإطاعة للحكومة الإلهية المتمثلة في وجود الإمام المعصوم في كل عصرٍ و زمان.

قال مولانا أمير المؤمنين عليه السلام:

(اللهمّ بليٰ، لا تخلو الأرض من قائمٍ للّه بحجّةٍ، إمّا ظاهراً مشهوراً، أو خائفاً مغموراً، لئلّا تبطل حجج اللّٰه و بيّناته) (1).

ضرورة الولاية و الحكومة للفقهاء زمن الغيبة

ص: 12


1- نهج البلاغة: جزء 4 ص 37، من كلامه عليه السلام لكميل بن زياد.

ثمّ إنه مما لا ريب فيه و من البديهي أنه لا فرق في حاجة الناس إلي من يتولي امورهم بين الأعصار و الأمصار، و بين عصر حضور الإمام و عصر غيبته، فكما كانت تحتاج البلاد و الأمكنة التي لم يكن يعيش فيها الأئمة عليهم السلام الي ولاةٍ و وكلاء منصوبين من قبلهم فكذلك الأزمنة التي يغيب فيها الإمام عليه السلام بأمر الله تعالي لحِكَمٍ و مصالح يعلمها اللّٰه عز و جل، تحتاج أيضاً إلي الوالي الذي يلي امورهم من قِبَله، فكما أن اللّٰه تعالي قد أتمَّ الحجة علي خلقه بنصب الإمام يجب علي الإمام الذي جعله اللّٰه ولي المؤمنين، و نصبه إماماً علي الخلق أجمعين، و كفيلًا لُامورهم، و حافظاً لمصالحهم أن يعيِّن في عصر غيبته من يكون حاكماً بينهم، و لا يجوز أن يجعل مصالحهم في معرض الضياع، و امورهم علي شفا حفرةٍ من

ص: 13

الفساد.

و قد عين أرواحنا له الفداء في عصر غيبته الصغري أو القصري جمعاً من أعيان الشيعة، منهم:

النواب الأربعة رضوان الله تعالي عليهم، المشهورون عند الكل بالنيابة و السفارة الخاصة.

دليل الحكومة و الولاية في عصر الغيبة للفقهاء

ففي الغيبة الكبري أو الطُّولي التي يطول زمانها كما أخبر به النبي صلي الله عليه و آله لا بد بطريقٍ أولي للإمام من رعاية مصالح شيعته، و دفع ما يؤدي إلي ضياع أمرهم و انحلاله، و ذلك بنصب القيِّم علي أمورهم، الحافظ لشئونهم الاجتماعية و السياسية، و قوانين دينهم و دنياهم.

و ليس ذلك بالإجماع و الاتفاق إلا ولاية الفقهاء

ص: 14

العدول المسماة بالنيابة العامة، فللفقهاء التدخل في أمور المسلمين بما تقتضيه مصالحهم، و يكون كل ما يقع تشريعاً تحت مسئولية الإمام عليه السلام و رعايته مما يرتبط بمصالح الامة الإسلامية و شئون الولاية علي الناس، و تقام لحفظها الحكومات يكون ذلك واقعاً تحت مسئولية الفقهاء و رعايتهم و إدارتهم.

فعلي عاتقهم إحياء السنة، و دفع البدعة، و حفظ الشريعة، و كفالة الامة.

فالزعامة لهم، و هم خلفاء الإمام و القائمون مقامه في تلك الشئون، و أمناؤه علي الحلال و الحرام، و لو لا ذلك لاندرس الدين و ضاعت آثار الشرع المبين.

و من تدبر حق التدبر يعرف أن إشراف الفقهاء علي الامور إضافةً لمنزلتهم الروحية و منزلتهم الروحانية في القلوب هو أقوي الأسباب الموجبة

ص: 15

لبقاء التشيع، و حفظ آثار المعصومين عليهم السلام إلي زماننا هذا.

إن هذه الولاية التي عرفت بعض شئونها هي الحكومة الشرعية الحقة التي لم تنقطع من عصر سيد المرسلين صلي الله عليه و آله، و لا تزال مستمرةً باستمرار زمان التكليف، لا يتفاوت الأمر في تحققها بين أن يكون ولي أمرها مبسوط اليد في جميع ما جعله اللّٰه في حوزة حكومته و هو الدنيا بما فيها و من فيها أو مبسوط اليد في بعضه، أو كان مرفوع اليد عن كله أو عن معظمه، أو كان حاضراً أو ظاهراً علي الأنام، أو غائباً عن الأبصار.

فالحكومة الشرعية منعقدة مستمرة بهذا الاعتبار، و الفقهاء العدول في عصر الغيبة هم الحاكمون شرعاً و الولاة علي الأمور، و هذا هو معني قوله عليه السلام في توقيعه الرفيع كما سنشير إليه:

ص: 16

(فإنّهم حجّتي عليكم و أنا حجّة اللّٰه).

و هذه هي الحكومة الشرعية التي يجب علي المكلفين إطاعتها و الانضواء تحت قيادتها، حتي و إن كانوا ساكنين في دائرةٍ غيرها، فالمؤمن و إن كان في دار الكفر أو في بلاد المسلمين تحت سلطةٍ غير شرعيةٍ: فإنه يجب عليه أن يكون منقاداً لهذه الحكومة الشرعية التي جعل الإمام أمرها في عصر الغيبة بيد الفقهاء.

و لا يخفي عليك أن ولاية الفقهاء في عصر الغيبة علي هذا المبني تكون كولاية الحكام و النواب المنصوبين من قبل الإمام في عصر الحضور، و أن الأحكام السلطانية التي تصدر عن صاحبها يجب أن تكون لتنفيذ الأحكام الشرعية، و لترجيح بعضها علي البعض في موارد تزاحم الأحكام و الحقوق، فلا ترفع اليد بهذه الأحكام عن الحكم الشرعي

ص: 17

بتاتاً، و إنما ترفع بها اليد عن الحكم المهم للأخذ بالأهم حسب تشخيص الحاكم بلزوم ترك حقٍّ أو جهةٍ لحفظ حقٍّ أو جهةٍ أهم.

و علي كل حالٍ، فكلامنا في المسألة ليس في الأحكام السلطانية، بل في المناصب الولائية التي يستمد الفقيه منها صلاحيته لإصدار الأحكام السلطانية.

ثمّ لا يخفي عليك أنه قد استدل علي ولاية الفقهاء في عصر الغيبة بطائفةٍ من الأحاديث المروية في كتاب القضاء من جوامع الحديث، و قد أخرج شطراً منها الفاضل النراقي في عوائده في العائدة الرابعة و الخمسين، لكن الاستدلال بأكثرها لا يخلو عن مناقشةٍ و نظرٍ. و لعل أقواها نصاً في الدلالة التوقيع الرفيع الذي أخرجه شيخنا الصدوق في كمال الدين، قال:

ص: 18

حدثنا محمد بن محمد بن عصام الكليني رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن يعقوب الكليني، عن إسحاق بن يعقوب، قال: سألت محمد بن عثمان العمري رضي الله عنه أن يوصل لي كتاباً قد سألت فيه عن مسائل أشكلت عليَّ، فورد [ت في] في التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان عليه السلام … إلي أن قال:

(و أما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلي رواة حديثنا، فإنهم حجتي عليكم، و أنا حجة اللّٰه عليهم).

و قال في آخر التوقيع:

(و السلام عليك يا إسحاق بن يعقوب و علي من اتّبع الهديٰ) (1).

و رواه شيخنا الطوسي رضوان اللّٰه عليه في4.

ص: 19


1- كمال الدين ج 2 ص 485، 483 ب 45، حديث 4.

كتاب الغيبة قال:

و أخبرني جماعة، عن جعفر بن محمد بن قولويه و أبي غالب الزراري و غيرهما، عن محمد بن يعقوب الكليني، عن إسحاق بن يعقوب، قال سألت محمد بن عثمان العمري رحمه اللّٰه أن يوصل لي كتاباً قد سألت فيه عن مسائل أشكلت عليَّ، فورد التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان عليه السلام … إلي أن قال:

(و أمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلي رواة حديثنا، فإنّهم حجّتي عليكم و أنا حجّة اللّه (عليكم).

إلي قوله عليه السلام:

و السلام عليك يا إسحاق بن يعقوب، و عَليٰ مَنِ اتَّبَعَ الْهُديٰ (1).3.

ص: 20


1- غيبة الشيخ: حديث 247 ص 290 و 293.

وقفة عند التوقيع الصادر عن الناحية المقدسة

و يظهر مما تضمّنه التوقيع المبارك كما حكي الأردبيلي في جامع الرواة عن الأسترآبادي علو رتبة إسحاق بن يعقوب، و لعله كما استظهره بعض الرجاليين أيضاً هو أخ الكليني، و كيف كان فلا مجال للخدشة في سنده بعدم مجي ء شي ءٍ من حاله في كتب الرجال بعد اعتماد مثل الكليني عليه و روايته التوقيع الشريف بما تضمنه من المطالب المهمة عنه، ثمّ اعتماد مثل الصدوق عليه، ثمّ شيخ الطائفة رضوان اللّٰه تعالي عليهم.

و من المستبعد جداً أن لا يكون الكليني عارفاً بحال مثله من معاصريه و هو ينقل عنه أنه يكتب الي مولانا صاحب الزمان عليه الصلاة و السلام

ص: 21

يسأله مثل هذه المسائل التي لا يسأل عنها إلا الخواص و عظماء الشيعة، و يأتيه الجواب بخطه الشريف عليه السلام. فالظاهر أنه كان يعرف الرجل بالوثاقة و الأهلية لمثل هذه المكاتبة. إذاً فلا ريب في اعتبار سند التوقيع المبارك.

و أما دلالته: فتارةً يستدل بقوله عليه السلام (و أمّا الحوادث الواقعة.)، و أن المراد منها ليس أحكام الوقائع، فإن السائل مثل إسحاق بن يعقوب الذي يظهر من مسائله أنه من أهل المعرفة و البصيرة، بل و غيره أيضاً، يعلم أنه يسأل عن الأحكام الرواةَ العالمون بها، فلا بد أن يكون المراد منها الحوادث التي يرجع فيها إلي السلطان و ولي الأمر و الحاكم الشرعي، و هذا هو الذي يحتاج إلي أن يكون المرجع فيه حجة الإمام عليه السلام.

و تارةً يستدل بقوله فيه: (فإنّهم حجّتي عليكم

ص: 22

و أنا حجّة اللّٰه)، فكما أن الإمام حجة اللّٰه علي العباد يحتج بوجوده عليهم في جميع أمورهم، و لا يكون معه للناس حجة علي اللّٰه فرواة أحاديثهم أيضاً حجة الإمام علي الناس، لا يكون معهم في أمرٍ من الامور حجة للناس علي الإمام.

و الحاصل: أنه كما أن الواجب علي الحكيم جل اسمه بمقتضي الحكمة و قاعدة اللطف نصب الإمام و الحجة و الوالي علي العباد فيجب علي الإمام و الوالي أيضاً نصب من يقوم مقامه في الأمصار التي هو غائب عنها، و كذا في الأزمنة التي هو غائب فيها، و تصديق ذلك قوله تعالي:

(وَ وٰاعَدْنٰا مُوسيٰ ثَلٰاثِينَ لَيْلَةً وَ أَتْمَمْنٰاهٰا بِعَشْرٍ، فَتَمَّ مِيقٰاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَ قٰالَ مُوسيٰ لِأَخِيهِ هٰارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَ أَصْلِحْ وَ لٰا تَتَّبِعْ سَبِيلَ

ص: 23

الْمُفْسِدِينَ) (1).

و ذلك لأنه لا يجوز علي اللّٰه ترك الناس بغير حاكم و وال.

مدي دائرة ولاية الفقهاء و صلاحيتهم

إذاً لا ريب في جعل الإمام الفقهاء ولاةً و حكاماً علي العباد؛ للاتفاق و الإجماع علي عدم ولاية غيرهم، و ليس مثل التوقيع الشريف و ما بمعناه إلا إنشاء هذه الولاية لهم، فلهم المناصب الولائية التي هي من شئون الوالي عند العرف و الشرع.

و من جملة ما يؤول أمره في عصر الغيبة الي الفقهاء العدول ما للإمام عليه السلام من الخمس و غيره مثل: ميراث من لا وارث له، فيكون للفقهاء

ص: 24


1- الأعراف- 142

الجامعين للشرائط بحكم منصبهم الولائي الذي تلقوه عن الإمام عليه السلام، فيقومون بصرفه في حفظ بيضة الإسلام، و الذب عن حريم الدين، و ما يوجب إعزاز الشرع المبين و قوة جماعة المؤمنين، مثل:

تأسيس الحوزات العلمية، و مصارف طلبة العلوم الدينية الذين يترتب علي وجودهم حفظ الآثار من الاندراس، و تعليم الناس بالحلال و الحرام، و بث الدعوة إلي الإسلام، و بناء المساجد و المدارس، و طبع الكتب الإسلامية، و تأسيس المشاريع الخيرية، و إنشاء المؤسسات الاقتصادية و التربوية، مما يوجب عز المسلمين و استغناءهم عن الكفار في الصناعة و التقنية، و يمنعهم من الوقوع في استضعافهم السياسي و الاقتصادي.

كما يصرفونه في إعانة الضعفاء، و كل أمرٍ نعلم أن الإمام عليه السلام لو كان حاضراً لصرف فيه أمواله

ص: 25

الشخصية، و إن كسبها بكد اليمين و عرق الجبين؛ لتكون به كَلِمَةُ اللّٰهِ هِيَ الْعُلْيٰا و كلمة الذين كفروا السفلي، مراعياً في كل ذلك الأهم فالأهم.

فإن قلت: السهم المبارك و ميراث من لا وارث له ملك لشخص الإمام عليه السلام، يجري عليه في عصر الغيبة حكم مال الغائب، يجب حفظه له إن أمكن، و إلا يجب علي الذي بيده أن يتصدق به عنه.

قلت أولًا: إن التصدق بالمال المجهول مالكه أو ما لا يمكن إيصاله إلي مالكه إذا كان في معرض التلف و الضياع، إنما يجوز إن لم يعلم من بيده رضاه بصرفه في موردٍ خاصٍ دون غيره، أما مع العلم بذلك فلا بد من صرفه في ذلك المورد.

و ثانياً: الظاهر أن السهم المبارك إنما جعل للإمام لكي يقوي به شئون ولايته، و يصرفه في إنفاذ وظائفه الولائية، و لازم جعل الولاية للفقهاء

ص: 26

جعل الولاية لهم عليه لأنها لا تقام إلا به.

و إن شئت قلت: إن السهم المبارك اختصت الولاية عليه بمن يلي الامور بإذن الشارع، و هو شخص الإمام عليه السلام في زمان الحضور، و من يليها بإذنه في عصر الغيبة، و هم الفقهاء العدول المنصوبون بالولاية بنصبه.

ثمّ إنه مما ذكرنا يظهر حكم سهم السادة العظام زاد اللّٰه في شرفهم، فإن مصرفه و إن كان السادة المحتاجين إليه، إلا أن المستفاد من بعض الأخبار و ما تقتضيه مناسبة الحكم و الموضوع أن الولاية عليه أيضاً للإمام و من يلي الامور من قبله، فالإمام يأخذه و يقسمه بين الأصناف، و قد ورد في هذه الأخبار أن ما يزيد منها علي مصارفهم يكون للإمام عليه اللام، و أن ما ينقص يتمه الإمام من غيره.

ص: 27

فقد روي ثقة الإسلام الكليني قدس سره (1) عن الإمام الكاظم عليه السلام أنه قال:

(الخمس من خمسة أشياء. إلي أن قال:

و نصف الخمس الباقي بين أهل بيته، فسهم ليتاماهم، و سهم لمساكينهم، و سهم لأبناء سبيلهم، يقسّم بينهم علي الكتاب و السنّة ما يستغنون به في سنّتهم، فإن فضل عنهم شي ء فهو للوالي، و إن عجز أو نقص عن استغنائهم كان علي الوالي أن ينفق من عنده بقدر ما يستغنون به).

و عليه يجب علي من يريد إيصاله إليهم بنفسه الاستئذان من الحاكم الشرعي، و إن أراد إيصاله إلي الفقيه فالأحوط أن يوكله بالإيصال إلي المستحق منهم.9.

ص: 28


1- في المجلد الأول من الكافي صفحة 539.

كما أن الأحوط للفقيه الذي يأخذ سهم السادة أن يأخذ الوكالة ممن عليه الخمس لإيصاله إلي السادة المستحقين.

و في البحث مسائل و فروع لا يسع المجال للخوض فيها، و نسأل اللّٰه تعالي العصمة عن الخطأ، و أن يوفقنا لما يحب و يرضي.

و آخر دعوانا أَنِ الْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ

15 ذي الحجة 1414 لطف اللّٰه الصافي الگلپايگاني

ص: 29

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ
الزمر: 9

عنوان المکتب المرکزي
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.