مع الشيخ جاد الحق في إرث العصبة

اشارة

نام كتاب: مع الشيخ جاد الحق في إرث العصبة

عنوان و نام پديدآور : مع الشيخ جاد الحق شيخ الازهر الاكبر في ارث العصبه

لطف الله الصافي

موضوع: فقه استدلالي

نويسنده: گلپايگاني، لطف الله صافي

تاريخ وفات مؤلف: ه ق

زبان: عربي

قطع: وزيري

تعداد جلد: 1

ناشر: دار القرآن الكريم

تاريخ نشر: 1409 ه ق

نوبت چاپ: اول

مكان چاپ: قم - ايران

سرشناسه : صافي، لطف الله

مشخصات نشر : قم.

مشخصات ظاهري : ص 42

وضعيت فهرست نويسي : فهرستنويسي قبلي

يادداشت : عربي

شماره كتابشناسي ملي : 75103

[مقدمة]

مسألة التعصيب

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ و الصلاة و السلام علي رسوله و حبيبه و صفيه و خير خلقه سيدنا أبي القاسم محمد و آله الطاهرين

و بعدُ فقد طالعت كلمة فضيلة شيخ الأزهر الأكبر الشيخ جاد الحق علي جاد الحق- ألهمنا اللّٰه تعالي و إياه الخير و الصواب- التي نشرتها جريدة الأهرام المصرية الصادرة بتاريخ 27- 1- 89 حول مطالبة الأستاذ أحمد بهاء الدين المالكي مراجعة الفقه الشيعي في باب المواريث، و هو منع العَصَبة من إرث باقي التركة و ردُّ ما بقي علي أصحاب الفروض كالبنت و البنات، طالباً إعادةَ النظر في المسألة و ملاحظة أدلة القائلين بعدم إرث العصبة و ردِّ ما بقي إلي أصحاب الفروض و أدلة القائلين بإرث العصبة و الأخذ برأي الذي أدلته من الكتاب و السنة أقوي من الآخر و أنه لا ينبغي الإعراض عن رأي انفرد به تلامذة مدرسة أهل البيت عليهم السلام لأنه رأي شيعي، فالْحَريُّ بالمجتهد أن يكون حراً في اجتهاده لا ينظر إلي الأدلة ليصل إلي مذهب فقهي معين، بل ينظر فيها ليصل إلي ما تنتهي الأدلة إليه، و لا يختار رأياً إلا بعد ملاحظة أدلة آراء الفقهاء و الغور فيها،

و مقارنة بعضها مع بعض، سواء انتهي اجتهاده إلي ما يوافق الفقه الشيعي أو السني.

و البحث كله يجري في أن أي المذهبين في الموضوع معتمد علي نصوص الكتاب و السنة و أيهما خرج عنهما.

مع الشيخ جاد الحق في إرث العصبة، ص: 6

قال الشيخ جاد الحق: و الواضح من نصوص القرآن الكريم في آيات المواريث، و من نصوص السنة الشريفة التي وثقها جمهور المحدثين ان ما انفرد به فقه المذهب الشيعي الإمامي في هذا الموضوع و غيره خروج علي نصوص القرآن و السنة الصحيحة فضلًا عن عمل الصحابة. انتهي

و من الواضح أن هذا كلام معارض بمثله من الشيعة و هو: أن ما انفرد به فقه المذهب السني في القول بالتعصيب و استحقاق العصبة ما بقي من السهام المقدرة و غيره خروج علي نصوص القرآن العزيز و السنة الشريفة، و مستلزم في الموضوع للآراء الفاسدة التي لا يقبلها العقل و العرف، و ينزه الدين الحنيف منها.

مع الشيخ جاد الحق في إرث العصبة، ص: 7

ما يستدل لإثباته في الفقه السني أو الشيعي

اشارة

الذي يستدل لإثباته في الفقه السني أمران:

أحدهما أن رد ما بقي من السهام إلي أرباب الفروض خروج علي النصوص.

و ثانيهما أن التعصيب و القول باستحقاق العصبة ما بقي من السهام مأخوذ من النصوص كتاباً و سنة.

و الذي يستدل لإثباته في الفقه الشيعي أمران أيضاً: الأول أن القول بالتعصيب خروج علي النصوص. و الثاني أن القول برد ما بقي إلي أقرباء الميت من ذوي الفروض مأخوذ من الكتاب و السنة.

و نحن نتكلم في كل واحد من هذه الأمور الأربعة من غير تعصب لمذهب دون آخر إنشاء اللّٰه تعالي.

[ما يستدل لإثباته في الفقه السني]

هل رد ما بقي من السهام إلي أرباب الفروض خروج علي النصوص؟

و الجواب، أما النصوص القرآنية،

فاعلم أن المقطوع به من دلالة آيات الفرائض عليه أن لأربابها الفرائض المقدرة، فإذا لم ينقص المال عن السهام المفروضة يرثونها بالفرض أما إنهم إذا بقي من السهام شي ء يرثونه

مع الشيخ جاد الحق في إرث العصبة، ص: 8

أم لا يرثونه فلا دلالة لهذه الآيات عليه، فكما لا دلالة لهذه الآيات علي أن ما بقي للعصبة و الأولي من الذكور دون الأنثي، لا دلالة لها علي حرمان أرباب الفرائض عما بقي إذا زاد المال عن السهام، و الحكم علي الفقه الشيعي بخروجه علي النصوص القرآنية موقوف علي استظهار حصر نصيب البنت أو البنات و سائر أرباب الفروض في السهام المقدرة، و حرمانهم عما بقي من آيات المواريث بالاستظهار العرفي المعتبر المفقود في الموضوع، لأن هذا الاستظهار مبني علي الأخذ بمفهوم اللقب المعلوم عدم اعتباره، قال الغزالي في درجات دليل الخطاب: الأولي و هي أبعدها و قد أقر ببطلانها كل محصل من القائلين بالمفهوم و هو مفهوم اللقب كتخصيص الأشياء الستة في الربا «1».

و علي هذا لا نص من القرآن علي حصر نصيب أرباب الفروض فيها، و حرمانهم عما بقي

حتي يكون القول برده إليهم خروجاً عليه.

و أما النصّ في السنّة الشريفة:
اشارة

فالذي يستدل به علي خروج القول برد ما بقي إلي أرباب الفروض خروجاً عليه هو عين ما يستدل به في الفقه السني علي استحقاق العصبة ما بقي من المال و هو خبران:

الأول: ما رووه عن طاوس مرسلًا عن رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله و عن ابن عباس مسنداً بألفاظ مختلفه.

و يناقش فيه أولًا بضعفه لإرساله في بعض طرقه كما في الترمذي، و اختلاف الطرق في لفظ الحديث ففي بعضها (ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأولي رجل ذكر) و في بعضها (أقسموا المال بين أهل الفرائض

______________________________

(1) المستصفي ج 2، ص 46.

مع الشيخ جاد الحق في إرث العصبة، ص: 9

علي كتاب اللّٰه فما تركت الفرائض فلأولي رجل ذكر) و يدل ذلك علي عدم ضبط الخبر سنداً و متنا، و علي وقوع الاشتباه إما في الطريق المرسل بوقوع النقص فيه أو الزيادة في الطرق المسندة، و لا ترجيح لأحدهما علي الآخر، و لا يرجح الطريق المسند علي المرسل، لتقدم أصالة عدم الزيادة علي أصالة عدم النقيصة، لعدم تقدم الأصل الأولي علي الثانية مطلقاً، سيما إذا كان الطريق الذي يجري فيه أصالة عدم النقيصة أضبط و أحفظ، و تمام الكلام في ذلك يطلب من كتب أصول الفقه.

و ثانياً: بضعفه، لأن راويه عبد اللّه بن طاوس مجروح بأنه كان علي خاتم سليمان بن عبد الملك الأموي المرواني: قاتل أبي هاشم عبد اللّٰه بن محمد بن علي (ابن الحنفية) بالسم ظلماً و خداعاً، و كان ابن طاوس كما هو شأن كل من يوالي بني امية كثير الحمل علي أهل البيت عليهم السلام «1».

و ثالثاً: روي عن ابن عباس و طاووس والد عبد اللّٰه تكذيبه، و تبرؤهما من هذا الخبر، روي ذلك أبو طالب الأنباري قال: حدثنا محمد بن أحمد البربري، قال: حدثنا بشر بن هارون، قال: حدثنا

الحميدي، قال: حدثني سفيان، عن أبي إسحاق، عن قارية بن مضرب قال: جلست عند ابن عباس و هو بمكة فقلت: يا ابن عباس حديث يرويه أهل العراق عنك و طاووس مولاك يرويه: أن ما أبقت الفرائض فلأولي عصبة ذكر؟ قال: أمن أهل العراق أنت؟ قلت: نعم قال: أبلغ من وراءك أني أقول: إن قول اللّٰه عز و جل (آبٰاؤُكُمْ وَ أَبْنٰاؤُكُمْ لٰا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنَ اللّٰهِ) و قوله (وَ أُولُوا الْأَرْحٰامِ بَعْضُهُمْ أَوْليٰ بِبَعْضٍ فِي كِتٰابِ اللّٰهِ)* و هل هذه إلا فريضتان و هل أبقتا شيئاً؟ ما قلت هذا، و لا طاوس

______________________________

(1) العتب الجميل علي أهل الجرح و التعديل، ص 103- 104، الكامل، ج 5، ص 44 تهذيب التهذيب، ج 5 ص 268.

مع الشيخ جاد الحق في إرث العصبة، ص: 10

يرويه عليّ، قال: قارية بن مضرب فلقيت طاوس فقال: لا و اللّٰه ما رويت هذا علي ابن عباس قط، و إنما الشيطان ألقاه علي ألسنتهم، قال سفيان: أراه من ابنه عبد اللّٰه بن طاوس، فإنه كان علي خاتم سليمان بن عبد الملك، و كان يحمل علي هؤلاء القوم حملًا شديداً، يعني بني هاشم «1».

و رابعاً: بضعفه من جهة دلالته، و أنه لا يثبت به ضابطة عامة أو نظام جامع كلِّي، فمن أين ذهبتم إلي إرادة العموم من لفظي (المال) و (الفرائض) فلعله صلي الله عليه و آله أمر بذلك في مورد خاص، و واقعة خاصة، و أراد بالمال ما كان معهوداً بين المتكلم و المخاطب أي مال ميت خاص، و بالفرائض أيضاً فرائض أهلها في مورد خاص خفي علينا، و طرأ عليه الإجمال لتقطيع الخبر، و حذف السبب الذي اقتضي صدور

هذا الكلام، و كم لذلك من نظير من الأحاديث، و يؤيد ذلك و أن الخبر ليس علي ظاهره، إجماعهم علي ترك الأخذ بظاهره في موارد كثيرة «2».

هذا، و من تأمل في ما ذكر من العلل يعرف أن ترك مثل هذا الخبر بها ليس من الخروج علي السنة بشي ء، و إلا فليعدَّ كل من ترك خبراً لعلة من العلل خارجاً علي السنة، و سواء قبل القائل بالتعصيب سقوط هذا الخبر عن الاعتبار، أم لم يقبل فهو معارض بالأخبار الصحيحة المخرجة في الصحيحين و غيرها، و بالنصوص القرآنية كما سنبينه إنشاء اللّٰه تعالي.

الخبر الثاني: خبر جابر بن عبد اللّٰه الأنصاري رضي اللّٰه عنهما.

ففي الترمذي في باب ما جاء في ميراث البنات:

حدثنا عبد بن

______________________________

(1) تهذيب التهذيب ج 5 ص 268، تهذيب الأحكام ج 9، ص 262، الخلاف ج 2، ص 67.

(2) يراجع في ذلك تهذيب الاحكام ج 9 ص 263، 264 و كتب فقه المذاهب السنية.

مع الشيخ جاد الحق في إرث العصبة، ص: 11

حميد، حدثني زكريا بن عدي، أخبرنا عبيد اللّٰه بن عمرو، عن عبد اللّٰه بن محمد بن عقيل، عن جابر بن عبد اللّه قال: جاءت امرأة سعد بن الربيع بابنتيها من سعد إلي رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله فقالت: يا رسول اللّٰه هاتان ابنتا سعد بن الربيع قتل أبوهما معك يوم أُحد شهيداً، و إن عمهما أخذ مالهما فلم يدع لهما مالًا، و لا تنكحان إلا و لهما مال، قال:

يقضي اللّٰه في ذلك، فنزلت آية الميراث، فبعث رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله إلي عمهما فقال: أعط ابنتي سعد الثلثين و أعط أمهما الثمن و ما بقي فهو لك.

و أخرجه أحمد في مسنده، و أخرج نحوه ابن ماجة في باب فرائض الصلب

قال: حدثنا محمد بن ابن عمرو العدني، حدثنا سفيان بن عيينة، عن عبد اللّٰه بن محمد بن عقيل، عن جابر.

و أخرج أبو داود بسنده عن عبد اللّٰه في باب ما جاء في الصلب و ساق نحوه.

و الاحتجاج به ضعيف لأمور:

الأول: لأنه معارض بغيره من الأخبار الواردة في سبب نزول الآية أيضاً عن جابر.

قال السيوطي أخرج عبد بن حميد و البخاري و مسلم و أبو داود و الترمذي و النسائي و ابن ماجة، و ابن جرير و ابن المنذر و ابن أبي حاتم و البيهقي في سننه من طرق عن جابر بن عبد اللّه قال: عادني رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله و أبو بكر في بني سلمة ماشيين، فوجدني النبي صلي الله عليه و آله لا أعقل شيئاً، فدعا بماء فتوضأ منه ثمّ رش عليّ فأفقت فقلت: ما تأمرني أن أصنع في مالي يا رسول اللّٰه، فنزلت (يُوصِيكُمُ اللّٰهُ فِي أَوْلٰادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ)

و أخرج عبد بن حميد و الحاكم عن جابر قال:

كان رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله يعودني و أنا مريض فقلت:

كيف أقسم مالي بين ولدي؟ فلم يرد عليّ شيئاً و نزلت

مع الشيخ جاد الحق في إرث العصبة، ص: 12

(يُوصِيكُمُ اللّٰهُ فِي أَوْلٰادِكُمْ) «1».

الثاني: لضعف سنده لأن راويه عبد اللّٰه بن محمد بن عقيل، و هو و إن وصفه ابن حبان بأنه من سادات المسلمين و فقهاء أهل البيت و قرائهم، إلا أنهم لا يحتجون بروايته، و ضعفوه و قالوا بوجوب مجانبة أخباره، و رموه برداءة الحفظ «2» و الراوي عنه في مسند الترمذي و السند عبيد اللّٰه بن عمرو، و هو مرمي بأنه كان أخطأ «3» و الراوي عنه

و هو زكريا بن عدي، قال أبو نعيم فيه: ماله و للحديث هو بالتوراة أعلم، و كان أبوه يهودياً فأسلم «4».

و محمد بن أبي عمرو الواقع في سند ابن ماجة هو محمد بن يحيي بن أبي عمرو العدني المكي، قال أبو حاتم: كان به غفلة و رأيت عنده حديثاً موضوعاً حدث به عن ابن عيينة «5».

الثالث: لأنه أخرج أبو داود الحديث بلفظ آخر قال: حدثنا مسدد، حدثنا بشر بن المفضل «6» حدثنا عبد اللّٰه بن محمد بن عقيل عن جابر، عن عبد اللّه قال: خرجنا مع رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله حتي جئنا امرأة من الأنصار في الأسواق فجاءت المرأة باثنتين فقالت: يا رسول اللّٰه هاتان بنتا ثابت بن قيس قتل معك يوم أُحد، و قد استيفاء عمهما مالهما

______________________________

(1) الدر المنثور ج 2، ص 124- 125.

(2) المجروحين من المحدثين، ج 2 ص 41، الجرح و التعديل، ج 2 ص 154، تهذيب التهذيب، ج 6، ص 13- 15.

(3) تذكرة الحفاظ ج 1، ص 241.

(4) تهذيب التهذيب ج 3، ص 331، تذكرة الحفاظ ج 1، ص 396.

(5) الجرح و التعديل ج 4 ق 1- 560 ص 124 و 125.

(6) بشر بن المفضل كان عثمانيا أي منحرفا عن علي عليه السلام فوصفوه بأنه صاحب السنة.

مع الشيخ جاد الحق في إرث العصبة، ص: 13

و ميراثهما كله فلم يدع لهما مالًا إلا أخذه، فما تري يا رسول اللّٰه فو الله لا تنكحان أبداً إلا و لهما مال، فقال رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله يقضي اللّٰه في ذلك، قال و نزلت سورة النساء (يُوصِيكُمُ اللّٰهُ فِي أَوْلٰادِكُمْ) الآية، فقال رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله: ادعوا

لي المرأة و صاحبها فقال لعمهما: أعطهما الثلثين، و أعط أمهما الثمن و ما بقي فلك، فقال أبو داود: أخطأ فيه، هما بنتا سعد بن الربيع، و ثابت بن قيس قتل يوم اليمامة.

و هذا الخبر كما تري مخالف لفظاً و مدلولًا لما رواه الترمذي و المسند و ابن ماجة و أبو داود في طريقه الآخر، و لا ريب أنه لا يحتج به لأن ثابت بن قيس، كما ذكره أبو داود و غيره، كان حيّاً إلي واقعة اليمامة، و قتل في هذه الواقعة، إلا أنه حيث إن الأقرب أن الذي وقع في هذا الغلط و الاشتباه هو عبد اللّٰه الذي وصفوه برداءة الحفظ يكون هذا الخبر أيضاً شاهداً علي ذلك، و سقوط روايته عن الاعتبار.

و بعد ذلك كله هذا الخبر لا يصلح للاحتجاج به لأنه أيضاً معارض بغيره مثل خبر سعد بن أبي وقاص الذي سنذكره إنشاء اللّٰه تعالي.

ما هو الدليل من الكتاب و السنة علي القول بالتعصيب؟

قد علم مما ذكرناه أنه ليس هنا نص من القرآن الكريم يدل علي حرمان أرباب الفرائض عما بقي منها، و حصر نصيبهم في السهام المقدرة، فضلًا من أن يدل علي استحقاق العصبة له.

و أما السنّة الشريفة فما تعلقوا به كما عرفت هو خبر ابن طاوس و جابر بن عبد اللّٰه، و قد تبين لك حال خبريهما و أنهما لا يصلحان للاحتجاج بهما.

ما يترتب علي القول بالتعصيب من الآراء الفاسدة

اشارة

بعد ما عرفت من عدم وجود نص قرآني علي صحة القول بالتعصيب، و ضعف ما تعلقوا به من السنة سنداً و دلالة، فاعلم أنه يضعف هذا القول بما يترتب عليه من الأقوال الباطلة.

منها: أنهم الزموا أن يكون الولد الذكر للصلب أضعف سبباً من ابن ابن ابن عم، بأن قيل لهم: إذا قدرنا أن رجلًا مات و خلف ثمانية و عشرين بنتاً و ابناً كيف يقسم المال؟ فمن قول الكل: إن لِلابنِ سهمين من ثلاثين سهماً و لكل واحدة من البنات جزء من الثلاثين، و هذا بلا خلاف فقيل لهم: فلو كان بدل الابن، ابن ابن ابن العم؟ فقالوا لابن ابن ابن العم عشرة أسهم من ثلاثين سهماً و عشرين سهماً بين الثمانية و العشرين بنتاً، و هذا علي ما تري تفضيل للبعيد علي الولد الصلب، و في ذلك خروج عن العرف و الشريعة «1».

و ترك لقوله تعالي (وَ أُولُوا الْأَرْحٰامِ بَعْضُهُمْ أَوْليٰ بِبَعْضٍ فِي كِتٰابِ اللّٰهِ)*.

ثمّ قيل لهم: فما تقولون إن ترك هذا الميت هؤلاء البنات و معهم بنت ابن، فقالوا: للبنات ثلثان و ما بقي فللعصبة، و ليس لبنت الابن شي ء،

______________________________

(1) من جهة زيادة نصيب ابن ابن ابن العم إذا كان مع البنات علي نصيب الولد الصلب، و من جهة زيادة نصيب

ابن ابن ابن العم إذا كان مع البنات علي نصيب الابن إذا كان معهن، و المثال الآخر لذلك إذا كان له خمس بنات و ابن فللابن سهمان من سبعة أسهم، و لكل من البنات سهم واحد، و إذا كان له خمس بنات و ابن عم فلكل من البنات سهمان من خمسة عشر، و لابن العم خمسة أسهم و في كل ذلك تفضيل للبعيد علي القريب.

مع الشيخ جاد الحق في إرث العصبة، ص: 15

لأن البنات قد استكملن الثلثين، فإذا استكملن فلا شي ء لهن، قيل لهم: فإن المسألة علي حالها إلا أنه كان مع بنت الابن ابن ابن قالوا: للبنات ثلثان و ما بقي فبين ابن الابن و ابنة الابن لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، قلنا لهم: فقد نقضتم أصلكم و خالفتم حديثكم، فلم لا تجعلون ما بقي للعصبة في هذه المسألة كما جعلتموه في التي قبلها، و لم لم تأخذوا في هذه المسألة بالخبر الذي رويتموه فتعطوا ابن الابن، و لا تعطون ابنة الابن شيئاً، في أي كتاب أو سنة وجدتم أن بنات الابن إذا لم يكن معهن أخوهن لا يرثن شيئاً فإذا حضر أخوهن ورثن بسبب أخيهن الميراث؟ «1»

القول بالتعصيب خروج علي النصوص القرآنية.
اشارة

اعلم أنه يستدل علي بطلان القول بالتعصيب بخروجه علي النصوص القرآنية المبينة لأنظمة المواريث و قواعدها المحكمة.

منها قوله تعالي [لِلرِّجٰالِ نَصِيبٌ مِمّٰا تَرَكَ الْوٰالِدٰانِ وَ الْأَقْرَبُونَ، وَ … ]

(لِلرِّجٰالِ نَصِيبٌ مِمّٰا تَرَكَ الْوٰالِدٰانِ وَ الْأَقْرَبُونَ، وَ لِلنِّسٰاءِ نَصِيبٌ مِمّٰا تَرَكَ الْوٰالِدٰانِ وَ الْأَقْرَبُونَ مِمّٰا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً) «2».

قد أبطل اللّٰه تعالي بهذه الآية النظام الجاهلي المبني علي توريث الرجال دون النساء مثل توريث الابن دون البنت، و توريث الأخ دون الأخت، و توريث العم دون العمة، و ابن العم دون بنته، فقرر بها مشاركة النساء مع الرجال في الإرث إذا كن معهم في القرابة في مرتبة واحدة، كالابن و البنت

______________________________

(1) تهذيب الأحكام ج 9، ص 265- 266.

(2) سورة النساء/ 7.

مع الشيخ جاد الحق في إرث العصبة، ص: 16

و الأخ و الأخت، و ابن الابن و بنته و العم و العمة و غيرهم، فلا يوجد في الشرع مورد تكون المرأة مع المرء في درجة واحدة الا و هي ترث من الميت بحكم هذه الآية الكريمة.

و الآية صريحة و نص علي إبطال النظام الجاهلي المذكور، و إعطاء النظام الإلهي المبني علي توريث أهل طبقة واحدة، كما أنها صريحة في توريث الرجال مع النساء، فكما أن القول بحرمان الرجال الذين هم في طبقة واحدة نقض لهذه الضابطة المحكمة الشريفة، كذلك القول بحرمان النساء أيضاً و الحال هذا نقض لهذه الضابطة القرآنية.

و مثل هذا النظام الذي تجليٰ فيه اعتناء الإسلام بشأن المرأة، و رفع مستواها في الحقوق المالية كسائر حقوقها، يقتضي أن يكون عاماً لا يقبل التخصيص و الاستثناء إلا إذا كان وجهه ظاهراً بنظر العرف لا يعد عنده نقض القاعدة المقررة، كما هو كذلك (أي نقض للقاعدة) علي القول بالتعصيب.

فالفرق واضح بين إخراج الوارث الكافر أو

القاتل من تحت العمومات بالتخصيص، و إخراج العمة إذا كانت مع العم عن إرث ابن الأخ بالتعصيب، و كذا إخراج بنت العم إذا كانت مع ابن العم، و الحكم بحرمانها عما بقي من الفرائض، و اختصاص ما بقي بابن العم، فإن في الأول تخصيص عمومات الإرث بالوارث الكافر و القاتل، تخصيص عرفي يحمل به العام علي الخاص تحكيماً للأظهر علي الظاهر، فإخراج الولد القاتل عن عموم قوله تعالي: (لِلرِّجٰالِ نَصِيبٌ) الآية، لا يعد نقضاً لأصل القاعدة التي بينتها هذه الآية، بخلاف تخصيص هذه القاعدة بالنساء فيما بقي من الفرائض، فإنه عند العرف يعد نقضاً لهذه القاعدة التي قررت مشاركة النساء مع الرجال في الميراث بلا موجب ظاهر، فلا يراه العرف إلا كنفي تلك القاعدة و رفع اليد عن حكمتها و فائدتها قاعدة تقتضي شمولها لجميع الموارد.

و هذا أمر يظهر

مع الشيخ جاد الحق في إرث العصبة، ص: 17

بالتأمل و ملاحظة مناسبة الحكم و الموضوع، ففي الأول ليس التخصيص و الإخراج منافياً لمناسبتهما، بخلاف الثاني فان الحكم باختصاص المرء بالمال مناف لمناسبة الحكم و الموضوع في النظام المذكور الآبي عن الاستثناء.

إن قلت: لا اعتبار بفهم العرف وجهَ حكم الشرع، فسواء فهِمه أم لم يفهمه وجب علينا القول و الإتباع و التسليم، قال اللّٰه تعالي (وَ مٰا كٰانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لٰا مُؤْمِنَةٍ إِذٰا قَضَي اللّٰهُ وَ رَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) «1» و هذا أي عدم دخل فهم وجه حكم الشرع في وجوب الامتثال و التسليم القلبي و العملي ثابت بالعقل و الشرع، و لعلك لم تجد عارفاً بحكمة جميع الأحكام بالتفصيل لا من العلماء و لا من غيرهم إلا من علمه اللّٰه تعالي ذلك.

قلنا:

نعم يجب علينا التسليم و الإطاعة و إن لم نفهم وجه حكمة الحكم، بل كمال العبودية للّٰه تعالي لا يتحقق إلا بالتسليم المحض قبال أوامر المولي، فلا يسأل العبد في مشهد العبودية عن وجه أمر المولي، لا يلتفت إلي نفسه و لا يري إلا مولاه، لا يقصد بعمله إلا وجه اللّٰه تعالي و إطاعة أمره، قال اللّٰه تعالي (وَ مٰا أُمِرُوا إِلّٰا لِيَعْبُدُوا اللّٰهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) «2» و قال سبحانه و تعالي (وَ مَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّٰهِ وَ هُوَ مُحْسِنٌ) «3»

إلا أن ذلك لا يدفع ما ذكرناه، و لا يبطل به ما يستظهر العرف بمناسبة الحكم و الموضوع من الألفاظ، فيري في مورد العموم المستفاد من اللفظ آبيا عن التخصيص، فيردّ دليل المخصص أو يحمله علي ما لا ينافي

______________________________

(1) الأحزاب- 36

(2) البيّنة- 5

(3) النساء- 25

مع الشيخ جاد الحق في إرث العصبة، ص: 18

العموم، و في مورد آخر لا يري بأساً بتخصيص العموم، فبعد ورود المخصص يحمل العام علي الخاص حملًا للظاهر علي الأظهر كما مر، و هذا أمر واضح عند العارف بالمحاورات العرفية.

و لمزيد التوضيح و ظهور إباء الآية عن التخصيص بالنسبة إلي المرأة، و عدم جواز تخصيص عمومه بالخبرين المذكورين، حتي و لو سلما عن المناقشة فيهما دلالة أو سنداً نقول: إن الأحكام الشرعية علي قسمين:

قسم منها الأحكام العبادية المتعلقة بما بين العبد و بين اللّٰه تعالي، و الوظائف التي يتقرب بها كل فرد إلي اللّٰه تعالي، و يستكمل بها الكمالات الإنسانية، و يحضر بها مشاهد القرب، و يتشبه بها بالملائكة الروحانية، و يرتفع بها إلي الحضور في عالم القدس و الأنس.

و هذه الأحكام و إن كانت أساس السعادات الدنيوية

و الأخروية، و الجسمية و الروحية، و روح جميع الأنظمة الشرعية إلا أن الغرض الأول و الأسني من تشريعها إيصال العباد إلي المقامات المعنوية، و التوجه إلي خالقهم الحقيقي، و المنعم عليهم، و جلوسهم علي بساط الشكر و حصول حال التعبد و التسليم و الانقياد للحق في نفوسهم و غير ذلك.

فهذه أحكام تعبدية صرفة لا يطلع علي ما فيها من الحكم بالتفصيل إلا الأوحدي من الناس ممن أكرمه اللّٰه تعالي بالاطّلاع علي ذلك، و لا يتحقق الغرض الأصلي منها إلا بامتثالها بقصد الإطاعة و التعبد الخالص، فلو اطلع العبد علي بعض ما فيه من الفائدة و الحكمة غير ما يتحقق بالعبادة و الإتيان به تعبداً، فأتي به لتحصيل هذه الفائدة و الحكمة لم يكن ممتثلًا لها، و لا يستحق بها ما يستحق عباد اللّٰه المخلصون.

و القسم الثاني: الأحكام المشروعة لنظم أمور الدنيا، و سياسة المدن،

مع الشيخ جاد الحق في إرث العصبة، ص: 19

و إدارة المجتمع، و روابط الأفراد بعضها مع بعض في الأموال و غيرها، ففي مثل هذه الأحكام بملاحظة الأحكام و موضوعاتها و المناسبة بينهما، يفهم العرف في الجملة غرض الشارع، و ما يحققه و ما يرتبط به، و يكون لهذا الفهم دخل في استظهار مراده من كلامه من العموم و الخصوص و غيرهما، و تكون هذه المناسبات التي يفهمها العرف من القرائن الحالية أو المقالية الدالة علي ما أراده المتكلم من كلامه.

فإذا قرر الشارع الذي أخذ بيد المرأة المسكينة، و أنقذها من دركات السقوط و الشقاء، أن للنساء نصيباً مما ترك الوالدان و الأقربون كما قرر ذلك للرجال، بمناسبات كثيرة من عنايته بحفظ حقوق النساء و كرامتهن الإنسانية و المنع عن استضعافهن، يفهم

أن عموم هذا الحكم الحافظ لشئون المرأة و تثبيت حقوقها في المجتمع لا يقبل التخصيص بحرمان المرأة عن حقها و استقلال المرء بإرث جميع ما بقي لكونه من الكرّ علي ما فرّ.

فكما لا يقبل التخصيص قوله تعالي: (اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْويٰ). و قوله تعالي: (مٰا عَلَي الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ) و قوله تعالي (وَ إِنْ عٰاقَبْتُمْ فَعٰاقِبُوا بِمِثْلِ مٰا عُوقِبْتُمْ بِهِ) و غيرها من القواعد الشرعية القرآنية، لا تقبل هذه القاعدة المحكمة، الحاكمة بإرث المرأة من الميت إذا كانت مع المرء في طبقة واحدة، أيضاً التخصيص.

و هذه أمور لا بد للفقيه ملاحظتها عند النظر في أدلة الأحكام.

فإن قلتم: فكيف اختلف نصيب المرء و المرأة من الميراث و صار لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ.

قلنا: إن اختلاف الذكر و الأنثي في تقدير الميراث لا ينافي القاعدة المذكورة، فإنها تقرر إرث المرأة مع الرجل من تركة الميت إذا كانت معه في

مع الشيخ جاد الحق في إرث العصبة، ص: 20

درجة واحدة، و أما تقدير السهام فأمر آخر يثبت بدليله، لا ينافي المحافظة علي حقوق المرأة و رفع الاستضعاف عنها، سيما إذا كان ذلك بملاحظات اقتصادية مثل أن المرء يعطي و لا يعطي، و الحاصل أن تقدير المواريث بالاختلاف أمر لا يخالف القاعدة المشار إليها بخلاف حرمانها عن الميراث.

هذا، و قد ظهر مما ذكر بطوله أن هذا النص القرآني الدال علي إرث المرأة من تركة الميت إذا كانت مع الرجل في درجة واحدة لا يقبل التخصيص، سواء كان المال الذي يرثاه تمام تركة الميت، أو بعضها مما بقي من سهام أرباب الفرائض، و هذا، أي إباء هذا النص من قبول هذا التخصيص، من أقوي الشواهد علي ضعف خبر ابن طاوس و خبر

جابر.

آية أُخري: [قوله تعالي (وَ أُولُوا الْأَرْحٰامِ بَعْضُهُمْ أَوْليٰ بِبَعْضٍ فِي كِتٰابِ اللّٰهِ)*]
اشارة

و من النصوص القرآنية التي يكون القول بالتعصيب خروجاً عليها قوله تعالي: (وَ أُولُوا الْأَرْحٰامِ بَعْضُهُمْ أَوْليٰ بِبَعْضٍ فِي كِتٰابِ اللّٰهِ)* «1».

فقد دلّت علي قاعدة مهمة مبنية علي أهم ما بنيت عليه أحكام المواريث الشرعية، و هي أن الإرث علي ترتيب الطبقات، الأقرب فالأقرب، و الأقرب ذكراً كان أو أُنثي يمنع الأبعد، و من كان منهما في الطبقة المتقدمة يمنع من كان في الطبقة المتأخرة، و لا ريب أن البنت أقرب من ابن ابن أخ و من ابن العم و من العم، لأنها تتقرب إلي الميت بنفسها و هؤلاء يتقربون إليه بغيرهم، فالحكم بتقديم كل واحد من هؤلاء

______________________________

(1) الأنفال- 75، الأحزاب- 6

مع الشيخ جاد الحق في إرث العصبة، ص: 21

عليها تقديم للأبعد علي الأقرب، و من يتقرب بالميت بغيره علي من يتقرب بنفسه، و لا ريب أن هذا خروج علي هذا النص القرآني الذي قرر أن الأقرب من أولي الأرحام أولي من الأبعد.

و من جانب آخر

يخالف القول بالتعصيب الآيتين الكريمتين، لأن مدلولهما أن الأقربية إلي الميت هي تمام المناط لإرث الوارث لتركته، ففي أي شخص وجد هذا المناط فإنه يرث الميت، لا ترجيح لأقرب علي أقرب إذا كان الأقرب أكثر من واحد، سواء كان الجميع ذكوراً أم إِناثاً، أو بعضهم من الذكور و بعضهم من الإِناث، و سواء كان ما يرثونه جميع تركة الميت، أو بعضها مما بقي من الفرائض، فالقول بأن ما بقي من الفروض لأولي رجل ذكر، دون من كان في درجته من الإِناث خروج علي ما تنص عليه الآيتان، من أن تمام المناط في إرث المال الأقربية إلي الميت.

فإن قلتم: إن المستفاد من الآيتين أن أولي الْأَرْحٰامِ بَعْضُهُمْ أَوْليٰ بِبَعْضٍ*، إلا أنه لم يعين

هذا البعض الأولي، فذلك يستفاد من غير الآيتين من الكتاب و السنة.

قلنا: إن ما قلتم خلاف الظاهر، فإن مدلولها ليس أن بعضهم أولي ببعض تشريعاً و قانوناً و إن كان أبعد من الميت من غيره، بل في الآيتين مضافاً إلي تشريع أولوية بعضهم ببعض إشارة إلي جهة واقعية، و رابطة تكوينية تكون بين الوارث و المورث و هي المناط في أولوية الوارث، فمن كان بهذه الرابطة أقرب إلي الميت فالعرف و الارتكاز يراه أولي به، و الشرع قرر هذا الارتكاز العرفي، فجاء تشريعه موافقاً للتكوين، فكأنه بقوله

مع الشيخ جاد الحق في إرث العصبة، ص: 22

(وَ أُولُوا الْأَرْحٰامِ … )* بيَّن ما يراه العرف، و يأمر به حسب اقتضاء طبع الموضوع.

و كيف كان فلا ريب في أن الأقرب يمنع الأبعد بحكم الآيتين، و أن توريث الأبعد بالعصبة في الموارد الكثيرة نقض لهذه القاعدة المرتكزة في الأذهان التي حكم بها الشارع، و أبطل بها غيرها من أحكام الجاهلية، كما أنه لا ريب في أن توريث خصوص الذكر الأقرب من الميت دون الأنثي التي هي في درجته، كما يفعله القائل بالتعصيب، خروج علي هذا النص القرآني.

آية أُخري: [(إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَ لَهُ أُخْتٌ فَلَهٰا نِصْفُ مٰا تَرَكَ وَ … ]

و مما خرجوه علي النصوص القرآنية قولهم بأن الأخ يرث النصف مع البنت، فإنه مضافاً إلي خروجه علي قوله تعالي (وَ أُولُوا الْأَرْحٰامِ … )*

خروج علي النص القرآني الآخر و هو قوله تعالي (إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَ لَهُ أُخْتٌ فَلَهٰا نِصْفُ مٰا تَرَكَ وَ هُوَ يَرِثُهٰا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهٰا وَلَدٌ) «1» و ذلك لأن إرث الأخ من الأخت مشروط بحكم الآية بانتفاء الولد، و لا ريب في أن البنت ولد، بدليل قوله تعالي:

(يُوصِيكُمُ اللّٰهُ فِي أَوْلٰادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ

حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) فلا يكون الأخ وارثاً مع الولد مطلقاً بنتاً كان الولد أو ابناً، لأن المشروط ينتفي بانتفاء شرطه، فتوريث الأخ النصف مع البنت خروج علي الكتاب العزيز.

و من جهة أخري خالفوا الكتاب في توريث أخت الميت لأبيه

______________________________

(1) النساء- 176

مع الشيخ جاد الحق في إرث العصبة، ص: 23

و امه النصف مع بنت الميت فإن ذلك أيضاً خروج علي قوله تعالي (إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَ لَهُ أُخْتٌ)، لصدق الولد علي البنت.

و قد أخرج الحاكم في المستدرك أنه سئل ابن عباس عن رجل توفي و ترك بنته و أخته لأبيه و أُمه فقال: ليس لأخته شي ء و البنت تأخذ النصف فرضاً و الباقي تأخذه رداً، الحديث.

القول بالتعصيب خروج علي نصوص السنة الشريفة
منها ما أخرجه البخاري في مواضع من صحيحه، و كذا مسلم و غيرهما،

و من جملة طرقه ما رواه البخاري في باب ميراث البنات قال: حدثنا الحميدي، حدثنا سفيان، حدثنا الزهري، أخبرني عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه قال: مرضت بمكة مرضاً فأشفيت منه علي الموت فأتاني النبي صلي الله عليه و آله يعودني فقلت: يا رسول اللّٰه إن لي مالًا كثيراً، و ليس يرثني إلا ابنتي أ فأتصدق بثلثي مالي؟ قال:

لا، قلت: فالشطر؟ قال: لا، قلت: الثلث؟ قال:

الثلث كبير، إنك إن تركت ولدك أغنياء خير من أن تتركهم عالة يتكففون الناس، الحديث.

و في مسلم في باب الوصية بالثلث و فيه (و لا يرثني إلا ابنة لي واحدة) و في الترمذي في باب ما جاء في الوصية بالثلث قال: و هذا حديث حسن صحيح.

و قد روي هذا الحديث من غير وجه عن سعد بن أبي وقاص، و أخرجه كما في الدر المنثور مالك و الطيالسي، و ابن أبي شيبة و أبو داود و النسائي، و ابن خزيمة و ابن

الجارود و ابن حبان.

و هذا الحديث نص علي بطلان القول بالتعصيب، لأنه قال: (و ليس يرثني إلا ابنتي) و لم ينكر عليه رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله

مع الشيخ جاد الحق في إرث العصبة، ص: 24

و سلم و قرره علي ما قال، و مقتضاه كون جميع التركة للبنت، و لا تحوز جميعها إلا بالرد عليها، و يؤكد دلالة هذا النص علي المذهب المختار في الفقه الشيعي، و أنه لا دلالة لآيات الميراث في الفرائض علي حرمان أربابها عما بقي، أن واقعة سعد و مرضه هذا وقعت بعد نزول آيات المواريث.

نص آخر من السنة يدل علي بطلان التعصيب

و مما يدل من السنة الشريفة علي بطلان القول بالتعصيب خبر واثلة بن الأسقع قال: قال رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله: (المرأة تحوز ثلاث مواريث: عتيقها، و لقيطها و ولدها الذي تُلاعن عليه) و في لفظه الآخر: (و الولد الذي لاعنت عليه) «1».

وجه دلالته أنه لما منعت الملاعنة إرث الأب من الولد تحوز الأم- مع أنها من أرباب الفرائض- ما بقي من فرضها بالرد لا محالة، و لا يسمع دعوي انصراف ما دل من الكتاب عن سهم الأم من تركة ولدها الذي لاعنت عليه حتي يكون الخبر وارداً في مورد لم يفرض له فريضة في الكتاب، لعدم وجه لهذا الانصراف مع شمول الآية للأم مطلقاً سواء كان ولدها الولد الذي تلاعنت عليه أو غيره.

نعم هذا الخبر نص علي صحة رد ما بقي من الفرض علي صاحب الفرض، كما بين في الفقه الشيعي، و هو و إن لم يدل علي حرمان العصبة من الباقي، لأن لازم الحكم لعدم لحوق الولد بالملاعن عدم وجود العصبة له بحكم الشرع، إلا أن القائل بالتعصيب حيث

______________________________

(1) المسند

جزء 3، ص 490 و ج 4 ص 107 و ابن ماجة باب تحوز المرأة ثلاث مواريث.

مع الشيخ جاد الحق في إرث العصبة، ص: 25

يقول بحرمان أرباب الفرائض من الباقي، سواء كان للميت عصبة أم لا، هذا الخبر يرد ما اختاره في المال الباقي من السهام فتدبر، و كيف كان فالاعتماد علي خبر سعد المخرج في الصحيحين النص علي بطلان التعصيب.

و مثله ما أخرجه البيهقي في السنن الكبري عن سويد بن غفلة في ابنة و امرأة و مولي قال قال:

كان علي عليه السلام يعطي الابنة النصف، و المرأة الثمن و يرُد ما بقي علي الابنة «1».

ما هي الأدلة في الفقه الشيعي علي صحة قولهم بالرد؟

اشارة

ربما يقال: إنه و إن ثبت بما ذكرتم بطلان القول بالتعصيب و خروجه علي النصوص القرآنية كما ثبت أن القول بمنع العصبة من إرث الباقي و رده إلي أرباب الفرائض من قربي الميت ليس خروجاً علي النصوص إلا أنه لا يثبت بذلك أن حكم اللّٰه تعالي فيما بقي هو الرد إلي أرباب الفرائض (غير الزوج و الزوجة) بحسب سهامهم المقدرة، فلا يجوز الفتوي بذلك و القول به إلا بدليل من الكتاب أو السنة أو الإجماع.

فيقال: نعم هذا صحيح لا بد من إثبات القول بالرد من دليل من الكتاب أو السنة أو الإجماع، و علي ذلك بني الفقه الشيعي في جميع المسائل.

و في مسألتنا هذه، و إن ظهر مما ذكرناه أدلة القول بالرد من الكتاب و السنة، إلا أنه لمزيد التوضيح نقول:

______________________________

(1) كنز العمال ج 11، ص 7، ح 30388.

مع الشيخ جاد الحق في إرث العصبة، ص: 26

قد ثبت هذا القول بالدليل من الثلاثة.

أما الإجماع:

فإنه لا شك في أن إجماع الأمة قد انعقد علي قولين، و لا شك في أن إجماعهم كذلك إجماع علي نفي القول الثالث يعبر عنه في الاصطلاح بالإجماع المركب، و معه لا يجوز لأحد إلا اختيار أحد القولين، و معناه أن الحق ليس خارجاً عنهما فبإثبات بطلان أحدهما تثبت صحة الآخر و إن لم تثبت صحته بدليل خاص، فلا بد من القول به، و إلا يلزم رد ما عليه جميع الأمة و مخالفة إجماعهم.

و أما الكتاب العزيز،

فيدل علي أن ما بقي من المال بعد إلحاق الفرائض بأهلها يكون لذوي قرباهم قوله تعالي: (وَ أُولُوا الْأَرْحٰامِ بَعْضُهُمْ أَوْليٰ بِبَعْضٍ فِي كِتٰابِ اللّٰهِ)* حيث دل علي أن من كان قرباه أقرب إلي الميت كان أولي بتركته، سواء كان هنا عَصَبة أم لم تكن أو كان له التسمية أو لم تكن، لأنه مع كونه أقرب يكون هو أولي بإرث جميع المال من غيره الأبعد.

فإذا لم يكن للميت غير البنت أو البنات، ترث بحكم هذه الآية تمام التركة، لكونها أقرب دون غيرها.

فإن قلتم: لا تصريح في الآية الكريمة بأن أولي الأرحام بعضهم أولي ببعض في الميراث فيجوز أن تكون هذه الأولوية في غير ذلك.

قلنا: لا ريب في ظهور الآية في الميراث و إن احتمل اللفظ الميراث و غيره، و غاية الأمر حمله علي العموم مما يحتمله اللفظ من الميراث و غيره، فادعاء التخصيص بغير الميراث مضافاً إلي أنه لا دليل عليه خلاف الظاهر، فإن أظهر مصاديق العموم و ما يتبادر منه هو الميراث و الآية نص فيه.

مع الشيخ جاد الحق في إرث العصبة، ص: 27

و أما السنة من طرق أهل السنة،

فالذي يدل عليه من الصحيحين و غيرهما خبر سعد بن أبي وقاص الذي هو نص علي صحة مذهب الشيعة، و خبر واثلة بن الأسقع و خبر سويد بن غفلة، و قد مر بيان الاستدلال بهما فلا نعيد الكلام في ذلك.

و أما من طرق الشيعة،

فالأحاديث الثابتة عندهم من طرق أهل البيت عليهم السلام عن رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله كثيرة متواترة مخرجة في جوامعهم في الحديث في باب الفرائض و المواريث، بحيث لا يشك من راجعها أن أهل البيت عليهم السلام هم الأصل لهذا المذهب بأحاديثهم و رواياتهم، و أقوالهم الثابتة بالأحاديث المتواترة لا عذر لمن ترك الرجوع إلي هذه الأحاديث التي تحمل فقهاً ضخماً، و علوماً جمة، و تغني المراجع عن إعمال القياس و القول بالرأي و الاستحسان في دين اللّٰه، و العجب ممن يأخذ بأخبار النصاب و أعوان الظلمة، و يترك هذه الأحاديث المروية عنهم عليهم السلام.

و قد قيل فيهم و نعم ما قيل:

إذا شئت أن ترضي لنفسك مذهبا ينجيك يوم الحشر عن لهب النار

فوال أُناساً قولهم و حديثهم روي جدنا عن جبرئيل عن الباري

هذا مضافاً إلي أن حجية ما عند أهل البيت من العلم قد ثبت بمثل أحاديث الثقلين المتواترة، التي نص فيها الرسول الأعظم صلي الله عليه

مع الشيخ جاد الحق في إرث العصبة، ص: 28

و آله علي وجوب التمسك بالكتاب و العترة، و قال: (ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا فإنهما لن يفترقا حتي يردا علي الحوض) فالعلم الذي هذا شأنه مأمون عن الخطاء فيه، و رواية من شأنه عدم الافتراق من الكتاب أولي بالأخذ و الإتباع من رواية غيرهم كائنا مَن كان، و إذا كان مثل الشافعي في مسألة التعويل علي أخبار

الآحاد يعوِّل علي عمل أئمة أهل البيت عليهم السلام، و يقول: وجدنا علي بن الحسين رضي الله عنه يعول علي أخبار الآحاد، و كذلك محمد بن علي «1» فكيف يجوز الإعراض عن علومهم و أحاديثهم تعصباً لأعدائهم، و تمسكاً بالخوارج و النواصب، و جرحهم الثقات الأثبات بجرم ولائهم لأهل البيت عليهم السلام و التمسك بهداهم، فتراهم يخرجون حديث مَن ثبت نفاقه ببغض أمير المؤمنين علي عليه السلام الذي قال له النبي صلي الله عليه و آله: لا يحبك إلا مؤمن و لا يبغضك إلا منافق، و يصدقونه، مع أن اللّٰه تعالي يقول: (وَ اللّٰهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنٰافِقِينَ لَكٰاذِبُونَ) و ربما يؤولون هذا الحديث و أمثاله بتأويلات باردة غير مقبولة «2» و قد خسر الإسلام و أُمته بهذه السيرة السيئة خسارات كبيرة، لا يمكن تداركها إلا بإعادة النظر في الأحاديث بقطع النظر عن الشرائط السياسية السائدة علي أخذ الحديث و تحمله و روايته.

______________________________

(1) المستصفي ج 1 ص 96.

(2) راجع كتاب العتب الجميل علي أهل الجرح و التعديل، و مقدمة دلائل الصدق، و كتابنا أمان الأمة من الضلال و الاختلاف.

مع الشيخ جاد الحق في إرث العصبة، ص: 29

المقارنة العلمية

اشارة

قال فضيلة الشيخ جاد الحق في آخر كلمته المنشورة في الأهرام: (و بالمقارنة العلمية إجمالًا بين أدلة من يرون الإرث بالتعصيب و هم فقهاء المذاهب السبعة المدون فقههم و غيرهم، و من الفقهاء الذين توالت الروايات عنهم في كتب الفقه العام، و بين من لا يرون هذا و هم الشيعة الجعفرية، إنَّ المقارنة ترجح أدلة الأولين علي الآخرين و ذلك لأن الشيعة حينما منعوا الإرث بالتعصيب كمبدإ لمذهبهم قالوا:

يرد باقي التركة علي أصحاب الفروض بوجه عام، حتي إذا ما

كان للمتوفي بنت أو بنات فقط، و وجد معها أو معهن عاصب من غير الأبناء و الأب، حازت البنت أو البنات كل التركة فرضاً و رداً، و التوريث بالرد أمر اجتهادي لا يستند إلي نص خاص، و من ثمّ كان الاختلاف واسعاً في مداه و في مواضعه، و ليس لدي الشيعة من سند في هذا إلا ما يتردد في كتبهم- علي ما سبقت الإشارة إلي نصه المنقول في كتاب جواهر الكلام- و هو قول أئمتهم و هو قول لا يثبت عند غيرهم).

أقول: أما المقارنة العلمية فمن تأمل فيما ذكرناه من الأدلة علي عدم وجود نص قرآني علي القول بالتعصيب، و المناقشة فيما استندوا به من السنة للقول بالتعصيب سنداً و دلالة، و فيما يترتب علي القول به من اللوازم الفاسدة و الأدلة علي خروج القول به علي النصوص القرآنية و السنة الشريفة يظهر له رجحان قول المانعين من إرث العصبة ما بقي من السهام.

و أما استناد الشيعة الجعفرية إلي نص خاص فنقول: كأنه يري دلالة النص العام علي الفقه الشيعي في الموضوع فيسأل منه أنه ما الفرق

مع الشيخ جاد الحق في إرث العصبة، ص: 30

بين دلالة النص الخاص علي حكم و دلالة النص العام عليه بعمومه، نعم إذا كان النص الخاص واردا علي النص العام يقدم عليه لكونه أخص و أظهر، و أما العام الذي لم يرد عليه الخاص فهو حجة لجميع أفراده فكما لا فرق بين أن يكون دليل وجوب إكرام زيد العالم قوله أكرم زيد العالم الدال بخصوصه، أو قوله أكرم العلماء الدال بعمومه علي وجوب إكرامه، و كذلك لا فرق بين أن يكون في البين نص خاص يدل علي رد ما بقي

من الفرائض إلي أصحابها أيضاً، أو يثبت ذلك بدليل عام يشمل عمومه الموضوع، مثل قوله تعالي: (وَ أُولُوا الْأَرْحٰامِ بَعْضُهُمْ أَوْليٰ بِبَعْضٍ فِي كِتٰابِ اللّٰهِ).*

هذا و قد ظهر لك وجود الدليل الخاص علي بطلان القول بالتعصيب و وجوب رد ما بقي إلي أصحاب الفرائض من طرق أهل السنة فضلًا عن طرق الشيعة، فإن ذلك ثابت من طرقهم المتواترة.

و أما قوله: إن قول أئمتهم قول لا يثبت عند غيرهم فلم يعلم ما ذا أراد بذلك فضيلة الشيخ:

يقول: إن قول أئمتهم ليس بحجة فلا يحتج مثلًا بقول الإمام أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين الباقر عليهم السلام، و بأحاديثه التي تفرد هو بروايتها عن آبائه عن جده رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله؟

فهذا خروج ظاهر علي نصوص الثقلين المتواترة التي نصت علي أن التمسك بالكتاب و بعترة النبي صلي الله عليه و آله هو سبب الأمن من الضلال، و لا أظنه يقول هذا، و كذا قول الإمام أبي عبد اللّه جعفر الصادق عليه السلام و رواياته، و الشيعة ترجح أقوالهم و رواياتهم في علوم الدين من العقائد و التفسير و الفقه علي روايات غيرهم أخذا بهذه النصوص و نصوص متواترة أخري، فيرجحون قول أمير المؤمنين الإمام علي

مع الشيخ جاد الحق في إرث العصبة، ص: 31

عليه السلام علي قول غيره من الصحابة، و إن كان الجميع علي قول و الإمام علي قول يخالف الجميع، كل ذلك ثابت عندهم بالأدلة القاطعة الصحيحة «1».

أو أن الشيخ يريد بقوله: إن قول أئمة أهل البيت عليهم السلام لم يثبت عند غير الشيعة، يعني لم يثبت صدوره منهم عند غير الشيعة.

فيقال له: و هل يثبت قول الشخص و رأيه إلا من

طريق أصحابه و خواصه و تلامذته الذين أخذوا منه العلم، فمن راجع كتب الشيعة في

______________________________

(1) و قد مدح أئمتهم جماعة من أسلاف الشيخ جاد الحق من شيوخ الأزهر السابقين عليه مثل الشيخ عبد اللّه الشبراوي الشافعي مادح أهل البيت عليهم السلام بقصائده الرائعة و مؤلف كتاب الإتحاف بحب الأشراف المملوء بفضائل أئمة الشيعة و مناقبهم، فقال ناقلًا عن بعض أهل العلم و معجباً بكلامه و مصدقاً له: إن آل البيت حازوا الفضائل كلها علماً و حلماً، و فصاحة و صباحة، و ذكاء و بديهة، وجوداً و شجاعة، فعلومهم لا تتوقف علي تكرار درس، و لا يزيد يومهم فيها علي ما كان بالأمس، بل هي مواهب من مولاهم، من أنكرها و أراد سترها كان كمن أراد ستر وجه الشمس، فما سألهم في العلوم مستفيد و وقفوا، و لا جري معهم في مضمار الفضل قول إلا عجزوا و تخلفوا، و كم عاينوا في الجلاد و الجدال أموراً فتلقوها بالصبر الجميل وَ مَا اسْتَكٰانُوا و مٰا ضَعُفُوا، تقر الشقائق إذا هدرت شقائقهم، و تصغي الأسماء إذا قال قائلهم و نطق ناطقهم سجايا خصهم بها خالقهم إلخ (الإتحاف ص 9).

و هذا الشيخ سليم البشري المالكي من شيوخ الأزهر يقول: مخاطباً للشريف الإمام السيد عبد الحسين شرف الدين الموسوي: أشهد أنكم في الفروع و الأصول علي ما كان الأئمة من آل الرسول، و قد أوضحت هذا الأمر فجعلته جلياً، و أظهرت من مكنونه ما كان خفياً، فالشك فيه خيال و التشكيك تضليل، و قد استشففته فراقني إلي الغاية، و تمخرت ريحه الطيبة فأنعشني قدسي مهبها بشذاه أيضاً إلخ (المراجعات المراجعة 111 ص 337 و 338) و أما الشيخ الأكبر الشيخ

محمد شلتوت فقد أفتي بفتواه التاريخية جواز التعبد بمذهب الشيعة الإمامية.

مع الشيخ جاد الحق في إرث العصبة، ص: 32

الحديث و الفقه و التفسير يعرف اختصاصهم بأهل البيت عليهم السلام، و إن علومهم مذخورة عندهم و في كتبهم، لا شك أنهم معتمدون في مذهبهم و فقههم علي هؤلاء الأئمة الذين شهد بعلمهم و فقههم حتي أَلد أعدائهم، لم ينكر ذلك أحد عليهم، و صحة نسبة كثير مما انفرد به فقه المذهب الشيعي الجعفري إلي أئمة العترة عليهم السلام ثابتة عند أهل العلم و الباحثين، مشهور بين العلماء كقولهم ببطلان العول و التعصيب.

و بعد ذلك نقول: يا فضلية الشيخ أنتم تقولون ان الشيعة لم يستندوا الي نص خاص، و منعوا الإرث بالتعصيب حتي إذا كان للمتوفي بنت أو بنات فقط و وجد معها عاصب من غير الأبناء و الأب حازت البنت أو البنات كل التركة فرضاً وردا.

فما تقولون في خبر سعد بن أبي وقاص الذي أخرجه الشيخان في عدة مواضع من صحيحيهما، و الترمذي و غيرهم، أ لا يدل علي أن البنت الواحدة ترث جميع التركة، و أن الأب إن أوصي بثلث ماله ترث بنته الباقي و هو الثلثان؟ فإن لم يكن هذا النص الخاص فما هو إذا النص الخاص؟

فإن كان الشيعة هم القائلون بالتعصيب أ فلا تحتجون عليهم و تستدلون علي بطلانه به، و تقدمونه علي خبر ابن طاوس و خبر عبد اللّه بن محمد بن عقيل لما فيهما من العلل الكثيرة، و صحة سند خبر سعد بن أبي وقاص و قوة متنه فليكن عملكم هكذا و الحال بالعكس فأنتم القائلون بالتعصيب، و الشيعة قائلون بمنع العصبة عن إرث ما بقي من المال و رده إلي

أرباب الفرائض من قرابة الميت، فلما ذا تركتم هذا النص الصحيح السالم من العلل، و خبر واثلة بن الأسقع المخرج في المسند و سنن ابن ماجة،

مع الشيخ جاد الحق في إرث العصبة، ص: 33

و خبر سويد بن غفلة المخرج في السنن الكبري للبيهقي، و أخذتم بالخبرين المذكورين مع ما فيهما من العلل و مخالفتهما لنصوص الكتاب، و هل بعد ما علم، الترجيح يكون مع خبر سعد و خبر واثلة و سويد مع موافقتها لنصوص الكتاب أو لهذين الخبرين؟ أنتم و فقهكم و إنصافكم.

و إذا كان الحال في الموضوع الذي درسه الشيخ و نظر فيه هكذا فما ظنك بغيره مما حكم فيه علي الشيعة أهل البيت بالخروج علي النصوص في سائر الأبواب، و اللّٰه هو المستعان علي ما يصفون.

نكتة مهمة

من راجع الأحاديث المخرجة في جوامع حديث أهل السنة يعرف أنهم في الفروع التي لا نص فيها من القرآن و السنة الثابتة معتمدون علي آراء عدة من الصحابة متناقضة بعضها مع بعض، ففي مسألة واحدة ينقلون مثلًا أن عمر قال كذا، و زيد بن ثابت قال كذا، و ابن عباس قال كذا، في حين إنهم كثيراً ما لم يستندوا فيما قالوا إلي دليل من الكتاب و السنة، حتي أنهم رووا عن عبيدة السلماني أنه قال: حفظت من عمر بن الخطاب في الجد مائة قضية مختلفة كلها، ينقض بعضها بعضاً «1».

و قضي هو في ميراث، فلما اعترض عليه رجل بأنه قد قضي فيه في عام كذا خلاف هذا القضاء، فقال عمر: تلك علي ما قضيناه يومئذ و هذه علي ما قضيناه «2».

______________________________

(1) كنز العمال ج 11، ص 58، ح 30613.

(2) راجع كنز العمال ج 11، ص 26 ح

30481.

مع الشيخ جاد الحق في إرث العصبة، ص: 34

و من قضاياه أنه لم يورِّث أحداً من الأعاجم إلا أحدا ولد في العرب «1».

و ورَّث عمر جدّةَ رجل مع ابنها، و كان عثمان لا يورِّث الجدة و ابنها حي «2».

و أخرج ابن جرير و الحاكم و صححه، و البيهقي في سننه عن ابن عباس إنه دخل علي عثمان فقال: إن الأخوين لا يردان الأم عن الثلث قال اللّٰه:

(فَإِنْ كٰانَ لَهُ إِخْوَةٌ) فالأخوان ليسا بلسان قومك إخوة، فقال عثمان: لا أستطيع أن أردَّ ما كان قبلي و مضي في الأمصار و توارث به الناس «3».

و أخرج ابن راهويه و ابن مردويه عن عمر إنه سأل رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله كيف تورث الكلالة؟

فأنزل اللّٰه: (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّٰهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلٰالَةِ) إلي آخرها فكان عمر لم يفهم، فقال لحفصة: إذا رأيتِ من رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله طيب نفس فسليه عنها، فرأت منه طيب نفس فسألته فقال: أبوك ذكر لك هذا، ما أري أباك يعلمها، فكان عمر يقول: ما أراني أعلمها، و قد قال رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله ما قال، و الأخبار بذلك عن عمر كثيرة «4».

فهذه المناقضات القولية و الفعلية التي نري نموذجاً منها في باب المواريث من أقوي الشواهد علي أنه يجب أن يكون في الأمة عالمٌ بالأحكام يكون قوله حجة علي الجميع، لا يفارق الحق و لا يفارقه الحق، و هم الذين

______________________________

(1) كنز العمال ج 11، ص 29، ح 30493.

(2) كنز العمال ج 11، ح 30487 و ح 30518.

(3) الدر المنثور ج 2، ص 126. كنز العمال ج 11، ص 34- 35، ح 30517.

(4) الدر المنثور ج 2،

ص 249.

مع الشيخ جاد الحق في إرث العصبة، ص: 35

جعلهم النبي صلي الله عليه و آله عِدلًا للقرآن، و أخبر بأن التمسك بهم و بالكتاب أمان من الضلالة أبداً، و هم الذين أراد النبي صلي الله عليه و آله الوصية بهم و النص عليهم بالكتاب لما قال في مرضه: (ايتوني بكتاب أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده) فخرج بعضهم علي نص النبي صلي الله عليه و آله و قال:

غلبه الوجع و حسبنا كتاب اللّٰه فاختصموا، و منهم من يقول: قربوا يكتب لكم النبي صلي الله عليه و آله كتاباً لن تضلوا بعده، و منهم من يقول ما قال عمر، فلما كثر اللغو و الاختلاف عند النبي صلي الله عليه و آله و رأي بأبي هو و أُمي أن الأمر انتهي إلي التخاصم، و أنهم مصرون علي منعه من كتابة وصيته، و آل الأمر إلي ما آل، قال: قوموا، فكان ابن عباس يقول: الرزية كل الرزية ما حال بين رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله، و بين أن يكتب لهم ذلك الكتاب «1».

______________________________

(1) يراجع في ذلك البخاري كتاب العلم باب كتابة العلم و كتاب المرضي و الطب باب قول المريض: قوموا عني، و كتاب المغازي و الاعتصام و المسند و صحيح مسلم.

مع الشيخ جاد الحق في إرث العصبة، ص: 36

إجماع الصحابة

من راجع جوامع الحديث رجوع تبصر و تعمق يظهر له أن ادعاء إجماع الصحابة في مسائل كثيرة ليس مقطوعاً به، لا يثبت بنقل أقوال عدة قليلة منهم، فإنهم لم ينقلوا في المسائل التي عدوها إجماعية إلا أقوال عدة من الصحابة لعلها لا تتجاوز في مسألة واحدة عن العشرة، و أكثر هؤلاء أيضاً كان من الفئة

السياسية الغالبة علي الأمر و الحكم و السلطة، ثمّ في نقل أقوالهم و رواياتهم أيضاً عملت السياسة عملها الغاشم، و مع ذلك من أين يأتي الجزم بإجماع الصحابة و يحكم بتحققه و هم ألوف، و فيهم مئات من أكابرهم و عظمائهم.

و من أين يحصل العلم بالإجماع الذي يدعي تحققه بعد عصر الصحابة في المسائل التي امتاز أهل البيت عليهم السلام برأيهم الخاص بهم، الذي لا ترضي السياسة و الحكومة الأخذ بها و اتباعها و إشاعتها دون آراء غيرهم، ممن يري شرعية حكوماتهم و لا ينكر عليهم استبدادهم و استضعافهم عباد اللّٰه، و اتخاذهم إياهم خولا و مال اللّٰه دولا.

و كيف يحكم بإجماع الصحابة بعد ما نري أن مثل حبر الأمة عبد اللّه بن عباس رضي اللّٰه تعالي عنهما حينما يقول: (تري إن الذي أحصي رمل عالج عدداً لم يحص في مال نصفاً

مع الشيخ جاد الحق في إرث العصبة، ص: 37

و نصفاً و ثلثاً إذا ذهب نصف و نصف فأين موضع الثلث؟ و قال: أول من عال الفرائض عمر بن الخطاب، قال: و اللّٰه ما أدري كيف أصنع بكم ما أري أيكم قدم اللّٰه و أيكم أخر، ثمّ قال ابن عباس: و أيم اللّٰه لو قدم من قدم اللّٰه، و أخر مَن اخَّر اللّٰه ما عالت فريضة، فقيل: ما منعك أن تشير بهذا الرأي علي عمر؟ قال: هبته و اللّٰه «1».

فإذا كان هذا حال مثل ابن عباس فما ظنك بغيره، و ما ظنك بأعصار وقعت فيها شيعة أهل البيت عليهم السلام و حاملو علومهم و حفظة أحاديثهم تحت أشد الاضطهاد من الحكام، و صار نقل العلم عنهم من أكبر الجرائم السياسية، فمع ما نري ذلك في

نقل آراء الصحابة و أن السياسة لم تكن تسمح لنقل الحديث و آراء الصحابة إلا عن فئة ممن كان هواه موافقاً لهوي الحكام كيف يجوز للعارف بالتاريخ الحكم بإجماع الصحابة في المسائل الفقهية.

هذا مضافاً إلي أن حجية إجماع الصحابة إن تحقق لا تكون إلا بأمرين:

أحدهما: أن إجماعهم قد يكشف عن السنة الشريفة و أنهم أخذوا ذلك عن رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله، فإجماعهم يكون بمنزلة رواية الجميع عنه صلي الله عليه و آله و ذلك إذا علم أنهم لم يعتمدوا فيما أجمعوا عليه علي آرائهم.

و ثانيهما: وجود من ثبت بالنص الصحيح أنه لا يفارق الحق و لا يفارقه الحق يدور معه حيثما دار فيهم، و أما إذا كان مَنْ هذه صفته خارجاً عنهم و يقول غير ما قالوه فلا حجية لقول السائرين.

______________________________

(1) كنز العمال ج 11، ص 27- 28، ح 30489.

مع الشيخ جاد الحق في إرث العصبة، ص: 38

الفقه المدون الصحيح الثابت

لا يكاد ينقضي عجبي من فضيلة الشيخ و هو شيخ الأزهر الأكبر و ما في كلمته من الغمز بالشيعة بأنه ليس لهم فقه صحيح مدون.

قال: (و لهم يعني للشيعة) في هذا فروع ترددت في المصادر الفقهية لمذهبهم هذا الذي انفرد بهذه القاعدة دون باقي مذاهب الفقه الإسلامي التي نقل فقهَها نقلًا مدوناً صحيحاً ثابتاً).

يقول الشيخ هذا، تعريضاً علي الشيعة في حين أنه يقول عنده أحد الموسوعات الفقهية الشيعية (جواهر الكلام) و هي موسوعة كبيرة طبعت في هيئتها الجديدة في أكثر من أربعين مجلداً تتضمن جميع أبواب الفقه من العبادات و المعاملات، و القضاء و الشهادات و الحدود و الديات و غيرها قد أبدي فيه مؤلفه في المسائل الفقهية أقوي الأدلة علي ضوء الكتاب و

السنة المأثورة المروية من طرق أهل البيت عليهم السلام، و أقوالهم المعتمدة علي ما عندهم من العلوم و الأحاديث عن رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله.

و للشيعة موسوعات كبيرة في خلافات الفقهاء، و النظر في أدلتهم، و مقايسة آراء المذاهب بعضها مع بعض، مثل كتاب الخلاف للشيخ الإمام أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (م 460) المؤلف في أكثر العلوم

مع الشيخ جاد الحق في إرث العصبة، ص: 39

الإسلامية، و هو كتاب قيِّم لا يستغني عنه الباحث في المذاهب الفقهية ممن لم يجعل اجتهاده تقليداً و محصوراً في فقه مذهب خاص و يجتهد في مستوي أعلي من ذلك، و يري لنفسه الحق أن يقابل كل هذه المذاهب برأيه الفقهي الذي استنبطه باجتهاده في الكتاب و السنة.

و مثل كتاب تذكرة الفقهاء للعلامة الحلي (م 726) و كان سيدنا الأستاذ الفقيه الأكبر الإمام البروجردي (م 1380) تغمده اللّٰه بغفرانه عالماً بفقه جميع المذاهب و بآراء جميع الفقهاء و الصحابة و الصحابيات يتذاكرها و يدرسها في بحوثه الفقهية التي كان يلقيها يومياً علي مئات من الفقهاء و المجتهدين و طلبة الفقه.

و من يراجع كتب الفقه للشيعة يظهر له جلياً أنهم متمسكون في العقائد و الأصول و الفروع بأقوي الأدلة من الكتاب و السنة، لا يحكمون آراءهم و لا رأي أحد من الناس علي دين اللّٰه، إليهم ينتهي الفخر في الابتداء بالتأليف في أكثر العلوم الإسلامية، و هم بدءوا و اهتموا بحفظ الحديث و ضبطه و كتابته، حينما تركه غيرهم حتي نهوا عن كتابته، و أمروا بمحو ما كتب منه «1».

و بعد ذلك نقول: ما ذا يريد الشيخ من نقل المذاهب السبعة فقهَها نقلًا مدوناً صحيحاً ثابتاً، فإن أراد

به مثلًا أن الشوافع أو الأحناف نقلوا فقه الشافعي أو أبي حنيفة بالنقل الصحيح الثابت، فمضافاً إلي اختلافهم في ذلك ما قيمة هذا النقل لغيره من المجتهدين و إن كان صحيحاً، فكل مجتهد هو و اجتهاده و ما يستنبطه من الكتاب و السنة سواء ثبت عنده نقل المذاهب السبعة نقلًا مدوناً صحيحاً ثابتاً أم لم يثبت، لأن

______________________________

(1) يراجع في ذلك (كتاب أضواء علي السنة المحمدية) و (كتاب تأسيس الشيعة).

مع الشيخ جاد الحق في إرث العصبة، ص: 40

المجتهد ينظر في هذا المقام إلي المنقول لا إلي المنقول منه، فإن وجده صحيحاً عند ما يعرضه علي الكتاب و السنة يختاره و يقول به و إن لم يثبت نقله عن المنقول منه، و إن لم يجده صحيحاً عليه أن يذره و يتركه و إن ثبت نقله عن الشافعي و غيره أو سمعه بنفسه منه، فلم يدل دليل من الشرع علي أن ما أدي إليه اجتهاد أئمة المذاهب السبعة هو أصوب و أقرب إلي الواقع من اجتهاد غيرهم، و لم ينفع تقسيم المذاهب الفقهية بالمذاهب المعروفة إلا الاختلاف بين الأمة و إثارة الفتن الدامية التي ليس هنا محل الإشارة إلي بعضها.

و تمام القول و القول التمام أنه لا حجية لهذه المذاهب بنفسها للمجتهد و الباحث في الأدلة، و لا يجوز للمجتهد أن يقصر اجتهاده في فقه مذهب خاص من المذاهب الأربعة أو السبعة، و لا يكفيه هذا الاجتهاد في العمل بالتكاليف الشرعية.

إن قلت: فما تقول في الفقه الشيعي.

قلت: أولًا، في الفقه الشيعي يجتهد الفقيه بالنظر في أدلة المذاهب و يرجح ما هو أقوي من الأدلة التي أُخذت من الكتاب و السنة.

و ثانياً، يمتاز الفقه الشيعي بأنه معتمد علي فقه

العترة الطاهرة الثابت حجيته و وجوب الأخذ به بالسنة الثابتة المتواترة، فكما لا يجوز التقدم علي الكتاب و لا التأخر عنه كذلك لا يجوز التقدم عليهم و لا التأخر عنهم، قال رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله:

(فلا تقدموهما (الكتاب و العترة) فتهلكوا، و لا تقصروا عنهما فتهلكوا و لا تعلموهم فإنهم أعلم منكم).

و لا ريب أن مذاهب أهل البيت عليهم السلام في الفقه منقولة عنهم بالنقل الصحيح المدون الثابت من عصر الأئمة عليهم السلام إلي

مع الشيخ جاد الحق في إرث العصبة، ص: 41

زماننا، و ليس في الأمة من يختص بهم في فقهه غير الشيعة الإمامية.

و إن أراد الشيخ من نقل فقه المذاهب نقلًا …

نقل مصادرهم في الفقه فهذا أمر لا يعترف أهل كل مذهب للآخر، و لا يخلو من المجازفة سيما في المسائل الخلافية التي ربما ينتهي القول بصحة مصادر الجميع إلي التناقض و التهافت.

ثمّ إن في ذلك أي نقل المصادر، الفقه الشيعي معتمد علي الأدلة الصحيحة من الكتاب و السنة، ينظر في عمومهما و خصوصهما و مطلقهما و مقيدهما و مجملهما و مبينهما، و هم في معرفة الرواة و تمييز المجاهيل عن المعاريف، و الثقات و الأثبات عن الضعاف معتمدون علي الأصول العقلائية العرفية المقبولة، و مصادر فقههم من السنة الشريفة التي جلها ثبت من طرق أهل البيت عليهم السلام، كانت في الأعصار المتتالية ثابتة مدونة.

حتي أنه حكي أن الحافظ ابن عقدة الشهير، خرج عن أربعة آلاف رجل من تلامذة مدرسة الإمام جعفر الصادق عليه السلام.

و الحاصل أن استناد الشيعة في مذهبهم و فقههم إلي أهل البيت عليهم السلام من الأمور المعلومة الثابتة بالتاريخ و النقل الصحيح بل المتواتر، من يطلب علوم أهل

هذه البيت لا يجدها عند غير الشيعة، و في غير الجوامع الشيعية، مثل الجوامع الأربعة المعروفة و غيرها.

و لم يكن لترك هذه العلوم الكثيرة و الأخذ بأخبار أمثال سمرة بن جندب، و عمران بن حطان، و حريز بن عثمان، و أزهر الحمصي، و خالد بن سلمة الذي ينشد بني مروان الأشعار التي هجا بها الرسول الأعظم صلي الله عليه و آله، و شبابة ابن سوار، و شبث بن ربعي، و عمرو بن سعيد، و المغيرة بن شعبه، و غيرهم و غيرهم باعث إلا سياسة الحكام و الأغراض السياسية التي حملت الناس علي سب أخ النبي صلي الله عليه

مع الشيخ جاد الحق في إرث العصبة، ص: 42

و آله أمير المؤمنين علي عليه السلام علي رءوس المنابر، حتي عد ذلك من السنة، و كان منهم من يفتخر علناً تقرباً إلي الولاة ببغض من قال النبي صلي الله عليه و آله: (لا يحبه إلا مؤمن و لا يبغضه إلا منافق) و آل الأمر إلي ما آل، و صار الحديث في يد تجاره وسيلة للتقرب إلي الحكام و أخذ الجوائز منهم، و ترك حديث من عرف بالميل إلي أهل البيت عليهم السلام أو اتُّهم بذلك، و قتل و سجن و عذب في سبيل ذلك خلايق كثيرة، و هدرت دماء الأبرياء، ف إِنّٰا لِلّٰهِ وَ إِنّٰا إِلَيْهِ رٰاجِعُونَ، و لا حول و لا قوة إلا باللّٰه العلي العظيم.

و آخر دعوانا أَنِ الْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ

حرره في شهر رمضان المبارك 1409 لطف اللّٰه الصافي

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.