ميراث الزوجة

اشارة

نام كتاب: ميراث الزوجة

موضوع: فقه استدلالي

نويسنده: گلپايگاني، لطف الله صافي

تاريخ وفات مؤلف: ه ق

زبان: عربي

قطع: وزيري

تعداد جلد: 1

ناشر: دار القرآن الكريم

تاريخ نشر: 1405 ه ق

نوبت چاپ: اول

مكان چاپ: قم- ايران

محقق/ مصحح: محمد فاضل قائني

ملاحظات: اين كتاب همراه با كتاب" إبانة المختار في إرث الزوجة من ثمن العقار" و" صيانة الإبانة" تأليف شيخ الشريعة اصفهاني و" المحاكمة بين علمين" تأليف شيخ عبد الله مامقاني چاپ شده است.

[المقدمة]

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّٰه رب العالمين وارث السماوات و الأرضين، و الصلاة و السلام علي نبينا و سيدنا أبي القاسم محمد، و آله الطاهرين

و بعد: فإن علم الفرائض و المواريث من أهم العلوم الشرعية التي لا يقوم الاجتماع الإسلامي إلا علي بحثها، و دراستها، و العمل بنظامها و قد تجلت في هذا العلم روح العدل الإسلامي، و سماحة شريعة

ميراث الزوجة، ص: 3

القرآن، و عنايتها بما لم يكن مورداً للاعتناء قبل ظهور هذا الدين الحنيف.

و قد عرف عرف بعضهم هذا العلم بأنه علم بقواعد و جزئيات يعرف بها كيفية صرف تركة الميت إلي الوارث. و موضوعه الوارث و التركة، لأنه، يبحث فيه عما يعرض التركة و الوارث.

و وجه الحاجة إليه الوصول إلي إيصال كل وارث قدر استحقاقه. و غايته الاقتدار علي ذلك.

و قد اهتم المسلمون لا سيما الشيعة بهذا العلم، و تعليمه و تعلمه، و برع بينهم رجال أفذاذ في علم الفرائض.

كما قد أفرد فيه جمع كثير من الأصحاب، و المحدثين، و الفقهاء كتباً قيمة، و تكلموا في مسائله و فروعه فنقحوها تنقيحاً جيداً.

ميراث الزوجة، ص: 4

و ممن صنف فيه من قدماء الشيعة جمع من الشيوخ و كبار صحابة الأئمة و معاصريهم كالحسين بن سعيد الأهوازي، و عمر بن

أذينة، و يونس بن عبد الرحمن و صفوان بن يحيي، و الحسن بن محبوب السراد، و الحسن بن محمد بن سماعة، و الفضل بن شاذان مؤلف كتاب الفرائض الكبير، و الفرائض الأوسط، و الفرائض الصغير، و معاوية بن حكيم، و محمد بن أحمد بن يحيي الأشعري القمي، و علي بن الحسين بن بابويه و غيرهم من علمائنا رضوان اللّٰه عليهم إلي هذا العصر.

فقد أدوا حق البحث و الدراسة في هذا العلم بحيث ليس مغالياً من ادعي أن جل مسائله صار عند فقهائنا من الواضحات التي لا يحتاج استنباطها

ميراث الزوجة، ص: 5

إلي إتعاب النفس و الفحص و التتبع الكثير و مع ذلك لم يبلغ البحث في بعض مسائله منتهاه، و لم يرتفع الخلاف فيه.

من الأمور المعلومة عند الباحثين في فلسفة أحكام الشريعة أن قانون التوريث الإسلامي قد منع عن تكديس الأموال في أيد قليلة، و منع عن ظهور مفاسد نظام الطبقات، و تجمع الثروة فوزعها تحت رعاية أحكام الإرث بين ورثة الميت من الذكور و الإناث، و لم يجعلها ملكاً للولد الأكبر بعكس ما قضي به قانون الإرث في بعض الدول المدعية التمدن و التقدم فجعلها للولد الأكبر و جعل الثروة مكدسة في يد واحد من الورثة.

و ضرر هذا القانون من جعل الأموال و ادخارها عن آحاد من الناس و إثارة المنافرة بين الغني و الفقير، و الوارث الذي يملك جميع التركة،

ميراث الزوجة، ص: 6

و الوارث المحروم، غني عن التوضيح و البيان.

فالشريعة الإسلامية هي التي جاءت بأحكام و قواعد في الفرائض و المواريث تعالج مشاكل اقتصادية و اجتماعية. كما عالجت سائر المشكلات الاقتصادية و دفعت اسباب المنافرات بأساليبها الصحيحة الكاملة، و لكن المسلمين تركوا هذه الأساليب

المحكمة الشرعية فصاروا في بلادهم أذلاء.

و قانون الإرث في الإسلام هو القانون الذي منح النساء نصيبهن من الميراث بعد ما كان العرب، و غيرهم منعوهن ذلك فكانوا يورثون الرجال دون النساء. فراجع كتب التفاسير و أسباب النزول و آيات الأحكام مثل مجمع البيان، و أسباب النزول للواحدي و كنز العرفان و ما خرجوه في شأن نزول قوله تعالي في سورة النساء لِلرِّجٰالِ نَصِيبٌ مِمّٰا

ميراث الزوجة، ص: 7

تَرَكَ الْوٰالِدٰانِ، وَ الْأَقْرَبُونَ، وَ لِلنِّسٰاءِ نَصِيبٌ مِمّٰا تَرَكَ الْوٰالِدٰانِ، وَ الْأَقْرَبُونَ مِمّٰا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً.

و قوله تعالي: يُوصِيكُمُ اللّٰهُ فِي أَوْلٰادِكُمْ الآية..

حتي تعرف مبلغ رعاية الإسلام من هذه الناحية لحقوق المرأة.

و قد شهد علي ذلك بعض المشاهير من علماء أوروبا في كتابه (حضارة العرب) قال: و مبادئ المواريث التي نص عليها القرآن علي جانب عظيم العدل و الإنصاف … و الشريعة الإسلامية منحت الزوجات- اللواتي يزعم أن المسلمين لا يعاشرونهن بالمعروف- حقوقاً في المواريث لا نجد مثلها في قوانيننا.

و إن كان الأولي أن يقول (منحت النساء) لأن الإسلام منح النساء من الزوجات و غيرهن حقوقاً

ميراث الزوجة، ص: 8

في المواريث، و غيرها لا يجد هذا الرجل مثلها في قوانين أهل ملته و نحلته.

و أما الاختلاف في قدر نصيب الرجل و المرأة في بعض الموارد كالبنت و الابن حيث قدر للذكر مثل حظ الأنثيين، و كالزوج و الزوجة، فليس فيه احتقار للمرأة و بخس حقها، بل إنما جعل نصيب الرجل أكثر لكثرة حوائجه الاقتصادية و نفقاته المالية و لما ألقي عليه السلام من النفقات كنفقة الزوجة و الأولاد، أو يلقي عليه العرف و العادة كتجهيز البنات و إعطاء صداق زوجة الولد و غيرها.

و أما المرأة فليس عليها

هذه النفقات، و لا تدفع المهر عند الزواج بل تأخذه بعكس الرجل، كما يتحمل زوجها نفقتها. فحاشا الإسلام أن يدع الضعيف و يوفر نصيب القوي، أو ينظر في مثل هذه الأحكام المالية المتضمنة لحكم اقتصادية

ميراث الزوجة، ص: 9

إلي ما ليس له دخل في تشريعها.

فهذا الفرق الطفيف بينهما ليس إلا لإقامة العدل بين الذكر و الأنثي و الأخذ بأسباب الواقع و الحقيقة.

و يدفع تعليل هذه الأحكام بتفضيل الرجال علي النساء إن اللّٰه تعالي ساوي بين الأبوين في الميراث فقال سبحانه في سورة النساء (الآية 11):

وَ لِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وٰاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فلو كان الإسلام فضل نصيب الرجل علي المرأة مطلقاً لعلة أنه الرجل، و هذه المرأة، لما ساوي بينهما في هذا المقام، و في بعض المقامات الأخر.

فهذا شاهد علي أن الحكمة في امتياز الرجل علي المرأة في الميراث ليس فضله عليها، و هذا التوهم إنما نشأ من عدم مراجعة نصوص الكتاب و السنة و التأمل فيها.

و الحاصل أن من سبر الشرائع و القوانين

ميراث الزوجة، ص: 10

و تواريخ الملل يجد أن أي شريعة من الشرائع و أمة من الأمم لم تنصف المرأة كما أنصفها الإسلام و شريعته السمحاء.

فالإسلام قرر حقوق المرأة، و ناصر المرأة، و كرم المرأة، و حرر المرأة، و أخذ بيدها مما كانت تتردي فيه.

فعلي الذين يهتفون في بلاد المسلمين و تعلو صيحاتهم منادين بحقوق المرأة، و يظهرون الترحم علي النساء إن كانوا صادقين أن يدعوا الجميع الرجال و النساء إلي النظام الإسلامي الذي عالج مشاكل الحياة الإنسانية كلها.

و إن كانت نزعتهم في ذلك أن يتخذوا المرأة مطية لشهواتهم، و أن يروجوا الدعارة. و فوضي الأخلاق، و انحطاط الآداب و خروج النساء كاسيات عاريات يخلعن جلبات

الحياء و العفة،

ميراث الزوجة، ص: 11

و ينزعن زي النجابة، و يسلكن مسلك المرأة الغربية، فنعوذ باللّٰه من فتنهم، و من دعاياهم الفاسدة الهدامة، التي هي من أضر ألاعيب الاستعمار علي المسلمين.

هذا، و مما روعي أيضاً في أحكام الإرث الإسلامي مصلحة الوارث، فتري إذا كان دين الميت أكثر من تركته لا يتحمل الوارث الزائد كما لا ينفذ وصية المورث بحرمان الوارث من الإرث.

نعم تنفذ وصيته في ثلث ماله إذا لم تكن وصية بالحرمان، و تفصيل ذلك مذكور في الفقه.

و من ناحية أخري يقول مؤلف كتاب (الاسلام و مبادئه الخالدة): إنك لو تأملت في حكمة الإسلام في احترام الملكية الفردية، و وضع القواعد العامة للمواريث لعرفت أن هذا من أكبر الدوافع التي تحفز

ميراث الزوجة، ص: 12

الممولين إلي قوة الاستثمار و النشاط و الانتاج، و يدعو إلي السهر علي المصالح و بذل الجهود القوية في تكثير الأموال، و هو في الوقت نفسه يحمي هذه الأموال من أن تعبث بها يد السرف و التبذير فالرجل الذي يعرف أن الأموال التي بذل في جمعها صحته و عقله، ستصير بعد ذلك إلي الدولة لا ينتفع بها بنوه بطريق مباشر ليس هناك ما يحفزه إلي ادخارها و يدفعه إلي المحافظة عليها)

ففي الحديث المروي عن مولانا الرضا عليه السلام:

و علة إعطاء النساء نصف ما يعطي الرجال من الميراث لأن المرأة إذا تزوجت أخذت و الرجل يعطي فلذلك وفر علي الرجال، علة أخري في إعطاء الذكر مثل ما يعطي الأنثي لأن الأنثي في عيال الذكر إن احتاجت و عليه أن يعولها و عليه نفقتها و ليس علي المرأة أن

ميراث الزوجة، ص: 13

تعول الرجل و لا يؤخذ بنفقة إن احتاج فوفر اللّٰه تعالي علي الرجال

لذلك، و ذلك قول اللّٰه عز و جل: الرجال قوامون علي النساء بما فضل اللّٰه بعضهم علي بعض و بما انفقوا من أموالهم الحديث (عيون أخبار الرضا ج 2 ص 98).

و في حديث قوي السند أن الفهفكي سأل مولانا الإمام أبا محمد العسكري عليه و علي ابنه الذي وعد اللّٰه به الأمم الصلاة و السلام: ما بال المرأة المسكينة تأخذ سهما واحداً و يأخذ الرجل سهمين فقال أبو محمد عليه السلام: إن المرأة ليس عليها جهاد و لا نفقة و لا عليها معقلة إنما ذلك علي الرجال فقلت في نفسي: قد كان قيل لي: إن ابن أبي العوجاء سأل أبا عبد اللّٰه ع عن هذه المسألة فأجابه بهذا الجواب فأقبل أبو

ميراث الزوجة، ص: 14

محمد ع إلي فقال: نعم هذه مسألة ابن أبي العوجاء و الجواب منا واحد إذا كان معني المسألة واحداً الحديث (روضة المتقين ج 11 ص 413)

و من مسائل الإرث الخلافية إرث الزوجة، التي اختلفت فيها فتاوي الفقهاء رضوان اللّٰه عليهم حتي استقر رأي المشهور من متأخري المتأخرين، و المعاصرين علي حرمانها من الأراضي مطلقاً. إلا أنه لما استقرب سيدنا الأستاذ المرجع الديني الأعلي و العلامة الأكبر فقيد العلم و الإسلام الإمام البروجردي جزاه اللّٰه عن الإسلام و أهله خير الجزاء، اختصاص الحرمان بأراضي الدور و المساكن، بل أفتي به إذا لم يتصالح الورثة مع الزوجة، دخلت المسألة في دور جديد، و قامت معركة البحث فيها بين العلماء.

ميراث الزوجة، ص: 15

و إني و إن لم أكن أهلًا لهذا المضمار إلا أني لما رأيت رغبة بعض الفضلاء لاستنساخ ما كتبته في ذلك سالفاً، نزلت عند رغبته، و كتبت هذه الرسالة بعد مراجعة ما كتبته

مختصراً في عصر سيدنا الأستاذ قدس سره.

و اسأل اللّٰه تعالي أن يجعله في صحيفة حسناتي و يغفر لي، و لأساتذتي و لوالدي إنه غفور شكور.

24 ربيع الأول 1385 لطف اللّٰه الصافي

لطف اللّٰه به

ميراث الزوجة، ص: 17

[مقدار إرث الزوجة من مال الزوج عند العامة]

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

اعلم أنه لا خلاف بين غير الإمامية من المسلمين في أن الزوجة ترث من زوجها من جميع أمواله من أرض الدور و المساكن، و الضياع، و من الأشجار، و الأبنية و الثياب و غيرها من غير استثناء شي ء منها و إنما ترثه من عين ما تركه.

و حجتهم في ذلك قوله تعالي في سورة النساء:

وَ لَكُمْ نِصْفُ مٰا تَرَكَ أَزْوٰاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كٰانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمّٰا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهٰا أَوْ دَيْنٍ، وَ لَهُنَّ الرُّبُعُ مِمّٰا تَرَكْتُمْ إِنْ

ميراث الزوجة، ص: 18

لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كٰانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمّٰا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهٰا أَوْ دَيْنٍ، وَ إِنْ كٰانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلٰالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَ لَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وٰاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كٰانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذٰلِكَ فَهُمْ شُرَكٰاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصيٰ بِهٰا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللّٰهِ وَ اللّٰهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ «1»

وجه الاستدلال، و الاحتجاج بها أن الموصول موضوع لإيجاد الإشارة، و بهذا امتازت (ما) الموصولة عن الموصوفة لأن معني (ما) الموصولة ما يعبر عنه بالفارسية ب [آن چيزي] بخلاف الموصوفة فإذا كان في البين شي ء معهود رجعت الإشارة إليه و المشار إليه يكون ذلك الشي ء

______________________________

(1) النساء- 12

ميراث الزوجة، ص: 19

المعهود، و إلا فالموصول يشمل جميع ما يمكن أن يشار إليه لأن القول باختصاص الإشارة ببعض دون بعض ترجيح

بلا مرجح.

فعلي هذا يكون مفاد الآية الكريمة عموم إرث الزوجة من أعيان جميع التركة، و لا فرق في ذلك بين إرث الزوج من تركة الزوجة، و إرثها من تركته.

فكما أن الموصول في قول سبحانه: وَ لَكُمْ نِصْفُ مٰا تَرَكَ أَزْوٰاجُكُمْ استعمل في الإشارة إلي جميع تركة الزوجة كذلك استعمل في قوله تعالي قال: وَ لَهُنَّ الرُّبُعُ مِمّٰا تَرَكْتُمْ- في الاشارة إلي جميع تركة الزوج و أمواله.

و لا ريب في صحة هذا الاستظهار مع قطع النظر عن تخصيص عموم الآية بالروايات، و إجماع أئمة أهل البيت عليهم السلام. فأخذ الجمهور به لأنهم تركوا العمل بروايات أئمة أهل البيت،

ميراث الزوجة، ص: 20

و الاحتجاج بأقوالهم و فتاواهم مع أن الرجوع إلي أئمة أهل البيت عليهم السلام في العلوم الدينية، و المعارف الإسلامية واجب علي المسلمين بمقتضي حديث الثقلين المعروف المتواتر، و غيرها من الأحاديث المعتبرة كأحاديث الأمان. و أحاديث السفينة فلا يجوز العمل بعموم الكتاب، و السنة بدون الفحص عن ما ورد في تخصيص العمومات في أحاديث الشيعة و روايات أئمتهم عليهم السلام «1».

و الحاصل أن فتوي العامة، و أخذهم بعموم الآية ليس لأنهم لا يخصصون عموم الكتاب بأخبار الآحاد فإن مذهبهم استقر علي تخصيص الكتاب بخبر الواحد «2».

______________________________

(1) يراجع في ذلك كتابنا (أمان الأمة من الضلال)

(2) قال الشيخ في العدة (ص 132): و أما تخصيص الكتاب بالسنة فلا خلاف فيه بين أهل العلم، و قد وقع أيضاً في مواقع كثيرة لأن اللّٰه تعالي قال: يوصيكم اللّٰه في أولادكم. و قال للرجال نصيب مما ترك الوالدان. و غير ذلك من آيات المواريث و خصصنا من ذلك القاتل و الكافر لقول النبي صلي الله عليه و آله لا يرث

القاتل و لا يتوارث أهل ملتين و غير ذلك.

ميراث الزوجة، ص: 21

بل أخذوا بالعموم بدعوي عدم ثبوت المخصص عندهم علي ما التزموا به من ترك التمسك بالعترة الطاهرة أعدال الكتاب عليهم السلام و الأعراف عن الروايات المخرجة عنهم في أصول أصحابهم و جوامع شيعتهم.

فلا يرد علينا منهم اعتراض بأنكم تركتم الأخذ بالكتاب و أخذتم بالروايات فإن ذلك جائز علي مذهب الفريقين إذا كان الكتاب عاماً و الحديث خاصاً.

لا يقال لا ريب في تخصيص الكتاب بالخبر المروي عن أئمة أهل البيت عليهم السلام إذا

ميراث الزوجة، ص: 22

كان متواتراً أو بمنزلته من حيث حصول القطع بصدوره و أما تخصيصه بخبر الواحد فمحل الخلاف.

فإنه يقال مضافاً إلي أنه قد ثبت في محله صحة تخصيص الكتاب بخبر الواحد المعتبر عند العقلاء إن الأخبار في المسألة و إن لم تكن متواترة لفظاً و تفصيلًا لا ريب في كونها متواترة إجمالا و معني فيخصص بها عموم الكتاب.

مذهب الإمامية [في مقدار إرث الزوجة من مال الزوج]

اشارة

و أما مذهب أصحابنا الإمامية في المسألة فلا خلاف بينهم في حرمان الزوجة في الجملة من بعض ما ترك زوجها و لم يسمع نسبة خلاف إلي أحد منهم إلا ابن الجنيد و سيأتي ما فيها.

ميراث الزوجة، ص: 23

و قد عد ذلك من متفردات الإمامية «1» و مستندهم في ذلك روايات كثيرة متواترة مخرجة عن طرقهم الدالة علي حرمانها من بعض ما ترك زوجها المخصصة لعموم الآية.

و بعد ذلك فمن عجيب الاستظهار أن يقال: إن إطلاق كلام مثل الصدوق في المقنع و الهداية و القاضي في الجواهر و الديلمي في المراسم يؤذن بموافقتهم للإسكافي فإن إطلاق مثلهم بعد هذه النصوص التي هي في غاية الاعتبار و فوق حد التواتر الدالة علي الحرمان في الجملة لم

يكن إلا لإيكالهم حرمانها إلي الوضوح و الظهور فشأن هؤلاء الأجلة أرفع و أسمي من ترك هذه النصوص

______________________________

(1) قال السيد قدس سره: و مما انفردت به الإمامية القول: بأن الزوجة لا ترث من رباع المتوفي شيئاً بل تعطي بقيمة حقها من البناء و الآلات دون قيمة العراص إلخ (ص 301)

ميراث الزوجة، ص: 24

الدالة علي إجماع أهل البيت عليهم السلام و خواص شيعتهم و تلامذتهم علي الحرمان و كيف يستظهر ذلك من كلام الصدوق بعد اختياره الحرمان في الفقيه و أعجب من ذلك ادعاء القاضي نعمان في دعائم الإسلام إجماع الأمة و الأئمة علي ما نسب إلي ابن الجنيد و تأويله الروايات بما يطول الكلام بذكره و رده لوضوح فساده (رحمه اللّٰه تعالي).

إن قلت: لم لا يجوز أن يكون مستند إطلاق مثل الصدوق في المقنع و الهداية و الديلمي و غيرهما معارضة الأخبار الدالة علي الحرمان بأخبار ظاهرة في أنها ترث من جميع ما تركه الزوج مثل خبر عبيد بن زرارة و البقباق قالا: قلنا لأبي عبد اللّٰه عليه السلام: ما تقول في رجل تزوج امرأة ثمّ مات عنها زوجها و قد فرض لها الصداق قال: لها نصف الصداق و ترثه من

ميراث الزوجة، ص: 25

كل شي ء و ان ماتت هي فكذلك «1».

و خبر ابن أبي يعفور عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال:

سألته عن الرجل هل يرث من دار امرأته أو أرضها من التربة شيئاً أو يكون في ذلك بمنزلة المرأة فلا يرث من ذلك شيئاً؟ فقال: يرثها و ترثه من كل شي ء ترك و تركت «2». و إنما عملوا بهذه الأخبار لموافقتها للكتاب.

قلت: أولا يمكن أن يقال في خبر عبيد إن السائل أراد السؤال عن

مقدار استحقاق الزوجة غير المدخول بها للصداق إن مات زوجها فأجاب عليه السلام بأن لها نصف الصداق ثمّ دفع توهم مساواة إرثها

______________________________

(1) الاستبصار ج 3 ص 342 ب 197 ح 10- 12221.

(2) الفقيه ج 4، ص 252، ب 175، ح 8- 812

ميراث الزوجة، ص: 26

للصداق في التنصيف و إرثه منها إن ماتت قبل الدخول فقال ترثه من كل شي ء و إن ماتت فهي كذلك و هذه الجملة تكفي لبيان ذلك و لم يكن الإمام عليه السلام بصدد بيان أكثر من ذلك و تفصيل الحكم و احتمل بعضهم أن منشأ السؤال فيه توهم الراوي أن موت زوج غير المدخول بها موجب لحرمان الزوجة من الإرث فلا ترث منه شيئاً كطلاق المريض في بعض الأحوال لا سيما مع فرض الصداق لها.

فقال عليه السلام لها نصف الصداق يعني لا تستحق كله- كما ربما توهم السائل- و ترثه من كل شي ء يعني موت الزوجة لا يكون منصفاً بل ترث من كل شي ء ترثه كما احتمل أن منشأ السؤال توهم الراوي أن موت الزوج يوجب تنصيف نصيبها من الإرث كما يوجب تنصيف مهرها و الجواب مسوق لدفع هذا

ميراث الزوجة، ص: 27

الوهم و إنها ترث من كل شي ء ترثه الزوجة المدخول بها هذا و لكن الاحتمال الأول الذي ذكرناه أظهر.

و أما خبر ابن أبي يعفور فيمكن أن يقال فيه:

إن مراد السائل أن الرجل هل يرث من دار امرأته أو أرضها من التربة شيئاً يعني من عينها أو قيمتها أو لا يرث كما لا ترث المرأة من ذلك شيئاً لا من العين و لا من القيمة فأجاب عليه السلام بأنه يرثها و أنها ترثه من كل شي ء تركه و تركت و ردّ

ما في ذهن السائل من أنها محرومة من العين و القيمة و أثبت التوارث بينهما في الجملة و هذا كما تري يصلح لأن يكون مستند السيد قدس سره و إن كان ظهوره فيه أيضاً محل المنع بل دعوي عدم ظهوره في نفي الحرمان مطلقاً و في ثبوت الإرث من القيمة قريب جداً اللهم إلا أن يقال: إن القدر المتيقن منه هو نفي الحرمان من القيمة و فيه:

ميراث الزوجة، ص: 28

أولًا: إن الأخذ بالقدر المتيقن إنما يصح إذا دار الأمر بين الأقل و الأكثر و فيما نحن فيه الأمر دائر بين المتباينين العين أو القيمة و علي هذا لا يتم الاستدلال به علي سبيل الجزم لمختار السيد أيضاً فتدبر.

و ثانياً: إن ظهور هذه الطائفة من الأخبار في أن المرأة ترث من جميع تركة الزوج لو ثبت ليس أقوي و أظهر من ظهور الكتاب و لا أكثر اعتباراً منه فيخصص عمومه بالأخبار الدالة علي الحرمان كما خصصنا بها عموم الكتاب.

إن قلت هذا إذا لم تقع المعارضة بين هذه الأخبار الدالة علي عموم إرثها من تركة الزوج و بين الطائفة الأخري الدالة علي حرمانها في الجملة و بعد المعارضة يجب علاجها بالرجوع إلي المرجحات فيرجح الطائفة الأولي بموافقة الكتاب.

قلت: إن الرجوع إلي المرجحات إنما يجوز إذا لم

ميراث الزوجة، ص: 29

يمكن التوفيق العرفي بينهما و أما إذا جمع العرف بينهما بحمل الظاهر علي الأظهر أو العام علي الخاص يجمع بينهما فلا يرفع اليد عن العام المبتلي بالخاص في غير مورد الخاص و يعمل بالخاص في مورده كما استقر عليه بناء العرف في محاوراته و لا ريب أن ما دل علي الحرمان في الجملة خاص بالنسبة إلي ما دل علي

عموم إرثها من الزوج.

هذا مضافاً إلي أن الرجوع إلي ما يرجح مضمون أحد المتعارضين مثل الشهرة علي القول بأنها فتوائية، و موافقة الكتاب إنما يصح إذا كان الخبر ان المتعارضان متكافئين من حيث السند وجهة الصدور و إلا يلاحظ أولا المرجحات السندية فإن كانا متكافئين بحسبها يلاحظ المرجحات الجهتية التي منها مخالفة العامة و عليها ترجح الأخبار الدالة علي الحرمان علي غيرها

ميراث الزوجة، ص: 30

لمخالفة الأولي للعامة و موافقة الثانية لهم.

هذا و قد حاول بعض المعاصرين الجمع بين أخبار الحرمان و خبر ابن أبي يعفور بخبر ابن أذينة الذي يأتي في البحث عن الزوجة الممنوعة بأن هذا الخبر معارض لخبر ابن أبي يعفور و أخبار الحرمان جميعاً و أخص من الجميع لأن منطوقه معارض لأخبار الحرمان و مفهومه معارض لخبر ابن أبي يعفور و إذا كان أخص من الجميع وجب الجمع بينها بحمل العام علي الخاص و يتحصل منه أن الزوجة ذات الولد ترث من الرباع و غير ذات الولد لا ترث منها فيكون هذا الخبر شاهداً علي أن أخبار الحرمان مختصة بغير ذات الولد و خبر ابن أبي يعفور مختص بذات الولد.

أقول رفع التعارض بين أخبار الحرمان و خبر ابن أبي يعفور بحمل العام علي الخاص يمكن

ميراث الزوجة، ص: 31

بملاحظة نفس هذه الأخبار فإن خبر ابن أبي يعفور عام و أخبار الحرمان خاص و لو بنينا علي صحة الاحتجاج بخبر ابن أذينة تخصص به أخبار الحرمان بذات الولد كما يخصص بمفهوم خبر ابن أذينة و منطوق أخبار الحرمان خبر ابن أبي يعفور و إلا لو لم يتم تخصيص خبر ابن أبي يعفور بمنطوق أخبار الحرمان لا يتم بمفهوم خبر ابن أذينة بطريق أولي.

هذا و

قد تلخص من جميع ما ذكر أن الأخبار الدالة علي العموم لا يصح أن يكون مستنداً لمن أطلق القول في المسألة كالديلمي و القاضي مع منع ظهوره في العموم و مع كون الطائفة الثانية بكثرتها و تواترها أخص من الأولي و كيف كان لا اعتناء بنقل الخلاف عن ابن الجنيد و الاستناد بظاهر إطلاق مثل الصدوق الذي صرح في الفقيه

ميراث الزوجة، ص: 32

بالحرمان و ظاهر غيره في مثل هذه المسألة التي يحصل القطع للمطلع علي الأخبار بأن ذلك أي القول بالحرمان من مذهب أهل البيت عليهم السلام.

نعم إنهم اختلفوا بعد الاتفاق علي ذلك في موضعين.

الأول فيما تحرم منه الزوجة.

و الثاني في الزوجة الممنوعة.

ميراث الزوجة، ص: 33

أقوال الفقهاء فيما يحرم منه الزوجة

أما الكلام في الموضع الأول [فيما تحرم منه الزوجة.]

ففيه أقوال

أحدها حرمان الزوجة من عين الرباع خاصة لا من قيمته

، و هو مختار السيد قدس سره «1».

و ظاهر الصدوق رضوان اللّٰه عليه في الفقيه في

______________________________

(1) قال في الانتصار (ص 30) و الذي يقوي في نفسي أن هذه المسألة تجري مجري المسألة المتقدمة في تخصيص الأكبر من الذكور بالسيف و المصحف و إن الرباع و إن لم تسلم إلي الزوجات فقيمتها محسوبة إلخ.

ميراث الزوجة، ص: 34

باب نوادر الميراث فإنه بعد ما أخرج حديث ابن أبي يعفور قال: هذا إذا كان لها منه ولد فإذا لم يكن لها منه ولد فلا ترث من الأصول إلا قيمتها إلخ.

ثانيها حرمانها من الأرض عيناً و قيمة

خالية كانت أم مشغولة و سواء كانت من أراضي الدور و المساكن أم غيرها من الأراضي، و حرمانها من أعيان ما يكون كالأبواب و الخشب، و من عين الأبنية دون قيمة هذه المذكورات.

و هذا مختار الشيخ «1» و نسب إلي القاضي، و ابن حمزة، و الحلبي، و المحقق في الشرائع، و العلامة،

______________________________

(1) قال في النهاية (ص 462) و المرأة لا ترث من زوجها من الأرضين و القري و الرباع من الدور و المنازل بل يقوِّم الطوب و الخشب و غير ذلك من الآلات و تعطي حصتها منه و لا تعطي من نفس الأرض شيئاً إلخ.

ميراث الزوجة، ص: 35

و الفخر، و الشهيد في الدروس و اللمعة، و غيرهم، و هو المشهور بل ادعي عليه الإجماع.

و ثالثها حرمانها من أراضي الدور و المساكن خاصة عيناً و قيمة

، دون أراضي غيرها من القري و المزارع و غيرها، و حرمانها من عين الآلات و الأبنية من الدور، و المساكن دون قيمتها و هو مختار «1» المفيد و المحقق في النافع، و هو كتابه المصنف بعد الشرائع و أبي عبد اللّٰه العجلي، و اليوسفي،

______________________________

(1) قال في المقنعة: و لا ترث الزوجة شيئاً مما يخلفه الزوج من الرباع و تعطي قيمة الخشب و الطوب و البناء و الآلات فيه هذا هو منصوص عليه من نبي الهدي عليه و آله الصلاة و السلام و عن الأئمة من عترته عليهم السلام و الرباع هو الدور و المساكن دون البساطين و الضياع.

قال في الأعلام ص 20 اتفقت الامامية علي أن الزوجة لا ترث من الرباع شيئاً و لكن تعطي بقيمة حقها من البناء و الطوب، و الآلات.

ميراث الزوجة، ص: 36

و الفاضل المقداد، و مال إليه في المجمع، و استجوده في الكفاية، و مال إليه

سيدنا الأستاذ الفقيه الأكبر السيد البروجردي أعلي اللّٰه في الخلد مقامه بل كان يفتي بذلك إذا لم يتصالح ساير الورثة مع الزوجة «1».

______________________________

(1) لا يخفي عليك أن صاحب المستند (ره) ذكر في المسألة قولا آخر فيكون الأقوال فيها أربعة و هو حرمانها من عين الأشجار دون قيمتها مضافاً إلي حرمانها من مطلق الأرض عيناً و قيمةً و حرمانها من عين ما يكون كالأبواب، و الشباك و الطوب، و اللبن و من عين الأبنية دون القيمة، و نسبه إلي الإيضاح، و أنه نسبه إلي والده بل قال: بأنه ربما ينسب إلي أكثر المتأخرين و نسب القول بالحرمان في جميع ما ذكر دون الاشجار إلي الشيخ و القاضي و غيرهما و قال: باشتهاره عند القدماء، و زعم ان السر في عدم نقلهم ذلك الخلاف عدم كونه خلافاً يعتد به، و إلا فالظاهر تغاير القولين و نقل جعل الأقوال أربعة في مفتاح الكرامة عن المسالك فراجع.

أقول: الظاهر موافقة الشيخ قدس سره و غيرها في حرمانها من عين الأشجار دون قيمتها، و اقتصار البعض علي الآلات، و عدم التصريح بالأشجار يمكن دون قيمتها، و اقتصار البعض علي الآلات، و عدم التصريح بالأشجار يمكن أن يكون لشمول الآلات للأشجار أيضاً، و من ذكر الأشجار فلعله قصد الإيضاح.

مضافاً إلي ان هذا التفصيل أي عدم حرمانها من عين الأشجار مخالف لصريح رواية الأحول عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال: سمعته يقول: لا يرثن النساء من العقار شيئاً، و لهن قيمة البناء، و الشجر، و النخل، فكيف ينسب ذلك إلي مثل الشيخ اللهم إلا أن يقال: إن الشيخ لم يخرج هذا الحديث في كتابيه.

ميراث الزوجة، ص: 37

و ليعلم ان الخلاف في المسألة

كله راجع إلي القول الثاني و الثالث، و أما قول الاسكافي بعدم الحرمان مطلقاً فلا إشكال في فساده بحسب القواعد، و ليس فيما بايدينا من الكتب كتاب استدلالي منه بل لم يكن عند العلامة قدس سره أيضاً علي ما أفاده سيدنا الأستاذ قدس سره حتي يعلم منه وجه ما نسب اليه «1».

______________________________

(1) كتابه الاستدلالي الكبير هو كتاب (تهذيب الشيعة لأحكام الشريعة) قال الشيخ: له كتب كثيرة منها كتاب تهذيب الشيعة لأحكام الشريعة نحواً من عشرين مجلداً يشتمل علي عدد كتب الفقه علي طريقة الفقهاء و كتاب (المختصر الاحمدي للفقه المحمدي) في الفقه مجرداً و كتاب …

و الكتاب الذي لم يكن عتد العلامة هو الكتاب الأولي و أما المختصر الأحمدي فكان عنده نقل عنه في المختلف في نفس مسألتنا هذه و غيرها و في الروضات (ص 561) أن المنقول من العلامة في إيضاحه أنه قال: وجدت بخط السيد السعيد محمد بن معد ما صورته: وقع إليّ من هذا الكتاب أي كتاب (تهذيب الشيعة) مجلد واحد قد ذهب من أوله أوراق و هو كتاب النكاح فتصفحته و لمحت مضمونه فلم أر لأحد من هذه الطائفة كتاباً أجود منه و لا أبلغ و لا أحسن عبارة و لا أدق معني و قد استوخي منه الفروع و الأصول و ذكر الخلاف في المسائل و تحرر ذلك و استدل بطريق الإمامية و طريق مخالفيهم و هذا الكتاب إذا أمعن النظر فيه و حصلت معانيه و أديم الإطالة فيه علم قدره و مرتبته و حصل منه شي ء كثير لا يحصل من غيره و أقول أنا: وقع إلي من مصنفات هذا الشيخ المعظم كتاب (الأحمدي في الفقه المحمدي) و هو مختصر هذا

الكتاب جيد يدل علي فضل هذا الرجل و كماله و بلوغه الغاية القصوي في الفقه و جودة نظره و أنا ذكرت خلافه و أقواله في كتاب مختلف الشيعة في أحكام الشريعة (انتهي).

ميراث الزوجة، ص: 39

و أما مختار السيد رضوان اللّٰه عليه فوجهه إن كان الجمع بين الكتاب و الأخبار و الأخذ بكليهما فلا شاهد لهذا الجمع، و لا يصار إليه من غير شاهد.

و إن كان وجهه أن المعتمد في الحرمان هو الإجماع و القدر المتيقن منه هو حرمانها من عين الرباع فقط فيبقي غيرها و القيمة تحت عموم الآية.

ففيه إن الإجماع قائم علي حرمانها من أرض الرباع عيناً و قيمة فكيف يقال: إن القدر المتيقن منه حرمانها من عين الرباع فقط. هذا مع أن بعضهم ادعي تواتر الأخبار، و لو لم نقل به فلا ريب في استفاضتها، و عدم إمكان رفع اليد عن مثل هذه

ميراث الزوجة، ص: 40

الأخبار، و إن قلنا بعدم حجية خبر الواحد. و كيف كان يدور الأمر بين القول الثاني و الثالث.

و لا يخفي أن القول الثالث، و هو الحرمان من أراضي الدور، و المساكن خاصة عيناً و قيمة، و حرمانها من عين الآلات و الأبنية من الدور و المساكن دون قيمتها متفق عليه لأنه خاص بالنسبة إلي القول الثاني الذي هو مختار الشيخ و غيره.

فالخلاف في المسألة يرجع إلي حرمانها من أراضي غير الدور و المساكن عيناً و قيمة، و عدمه، و يتفرع علي ذلك الخلاف، الخلاف في حرمانها من عين الآلات و الأبنية من غير الدور و المساكن دون قيمتها فعلي القول الثالث لا تحرم منها لا عيناً و لا قيمة، و علي القول الثاني تحرم من عينها دون قيمتها.

ميراث

الزوجة، ص: 41

فالذي ينبغي أن يكون محلا للكلام، و مورداً للنقض و الإبرام هو حرمان الزوجة من أراضي غير الدور و المساكن عيناً و قيمة و عدمه.

اشارة

و لا ريب أن مقتضي القاعدة و هي عموم قوله تعالي (وَ لَهُنَّ الرُّبُعُ مِمّٰا تَرَكْتُمْ..) هو عدم الحرمان فلا يرفع اليد عنه إلا إذا ثبت المخصص و ما شك في تخصيصه يبقي علي العموم فالواجب علينا مراجعة الاخبار علّنا نظفر بما يخصص عموم الكتاب.

أخبار المسألة
اشارة

إذا عرفت ما ذكرنا فاعلم أن الروايات المأثورة في مسألتنا هذه كلها مروية عن الصادقين عليهم السلام إلا مكاتبة محمد بن سنان فإنه كتب إلي مولانا الرضا عليه السلام فأجابه بما رواه، و قال بعضهم (علي ما أفاد سيدنا الأستاذ قدس سره) إن محمد بن سنان زعم أن

ميراث الزوجة، ص: 42

الرضا عليه السلام أجابه هكذا، و إلا رواية عبد الملك عن أبي جعفر عليه السلام عن كتاب علي و إملاء رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله.

و لتحقيق الحق و إيضاحه ينبغي ذكر الروايات، و النظر في مقدار دلالتها، و أنه هل يستفاد منها الحكم بالحرمان من غير أراضي الدور، و المساكن أيضاً عيناً و قيمة حتي يخصص بها عموم الكتاب أم لا.

فنقول إن الروايات الواردة في المسألة علي طوائف.

منها ما لا يستفاد منه عموم

إما لأنه خاص أو لأنه ساكت عن حكم غير أراضي الدور أو مجمل كرواية علاء عن محمد بن مسلم قال: قال أبو عبد

ميراث الزوجة، ص: 43

اللّٰه عليه السلام: ترث المرأة الطوب، و لا ترث من الرباع «1» شيئاً قال: قلت: كيف ترث من الفرع و لا ترث من الرباع شيئاً؟ فقال: ليس لها منه نسب ترث به، و إنما هي دخيل عليهم فترث من الفرع و لا ترث من الأصل و لا يدخل عليهم داخل بسببها «2».

و هذا الحديث خاص بالرباع، و في متنه نحو اضطراب لأن الرباع الدور و المنازل بأعيانها، و المراد من الطوب إن كان طوب الدار فلا يستقيم الجمع بينه و بين قوله: و لا ترث من الرباع شيئاً، و إن كان غير طوب الدار فلا يخلو عن الدلالة علي عدم إرثها من البناء أيضاً عيناً و قيمة فيجب تخصيصه بما

دل علي إرثها من قيمة البناء.

______________________________

(1) قال في القاموس: الربع الدار بعينها جمع رباع و ربوع و أربع و أرباب و المحلة و المنزل، و قال ابن الأثير: الربع المنزل و دار الإقامة.

(2) وسائل الشيعة ب 6، ح 2

ميراث الزوجة، ص: 44

و مثل خبر جميل عن زرارة، و محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: لا ترث النساء من عقار «1» الأرض شيئاً «2» فإن قوله عليه السلام من عقار الأرض شيئاً مجمل لاحتمال أن يكون الإضافة بتقدير من كإضافة الخاتم إلي الفضة في قولنا هذا خاتم فضة و لاحتمال أن تكون الإضافة بتقدير في فعلي الاحتمال الأول يشمل الحكم جميع الأراضي و أما علي الاحتمال الثاني فلا.

و يظهر من بعض اللغويين كالراغب في مفردات القرآن: أن العقر يقال علي كل شي ء له أصل فالعقر

______________________________

(1) قال في الصحاح: و العقار بالفتح الأرض، و الضياع و النخل و منه قولهم ماله دار و لا عقار و يقال أيضاً في البيت عقار حسن أي متاع و أداة و قال الراغب عقر الحوض و الدار و غيرهما أصلها و يقال له: عقر و قيل: ما غزا قوم في عقر دارهم قط إلا ذلوا.

(2) الوسائل ب 6 ح 6

ميراث الزوجة، ص: 45

بمنزلة الفرع فلا يقال في الأرض الخالية عقر و لكن يقال عقر الدار، و عقر الحوض، و عقر الروضة و عقر البستان فلو كانت الإضافة بتقدير من أيضاً لا يدل الخبر إلا علي أنها لا ترث من عقار الأرض أي من الأرض التي هي أصل للبناء و الشجر و غيرهما.

فعلي كلا الاحتمالين لا يدل هذا الخبر علي إرثها من مطلق الأراضي لو لم نقل بدلالة مفهومه

علي عدم حرمانها من غير أراضي الدور و المساكن

و كرواية حماد عن زرارة و محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال: لا ترث النساء من عقار الدور شيئاً لكن يقوّم البناء و الطوب و تعطي ثمنها أو ربعها قال: و إنما ذلك لئلا يتزوجن فيفسدن علي أهل

ميراث الزوجة، ص: 46

المواريث مواريثهم «1» و اختصاص دلالة هذا الحديث بحرمانها عن خصوص أراضي الدور غني عن البيان.

و مثل حديث يزيد الصائغ قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: إن النساء لا يرثن من رباع الأرض شيئاً، و لكن لهن قيمة الطوب و الخشب قال: فقلت له إن الناس لا يأخذون بهذا فقال إذا وليناهم ضربناهم بالسوط فإن انتهوا، و إلا ضربناهم بالسيف عليه «2».

و عدم دلالة هذا الحديث أيضاً إلا علي حرمانها من عين الرباع لا يحتاج إلي البيان بل يمكن دعوي دلالته و دلالة حديث حماد علي عدم

______________________________

(1) الوسائل ب 6، ح 7.

(2) الوسائل ب 6 ح 11.

ميراث الزوجة، ص: 47

حرمانها من غير أراضي الرباع، لأن الظاهر منهما أن الإمام كان في مقام بيان جميع ما يحرم منه الزوجة، و لم يذكر غير عقار الدور، و رباع لأرض شيئاً، و إن لها قيمة الطوب و البناء، و الخشب فيفهم من ذلك قصر الحرمان علي أراضي الدور، و المساكن.

و أما حديث يزيد الصائغ عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال: سألته عن النساء هل يرثن من الأرض فقال:

لا و لكن يرثن قيمة البناء قال: قلت: إن الناس لا يرضون بذا قال: إذا ولينا فلم يرضوا ضربناهم بالسوط فإن لم يستقيموا ضربناهم بالسيف «1».

فالظاهر أنه و حديثه السابق واحد و سقط منه كلمة (رباع) و

قد وقع هو أو بعض الرواة في الاشتباه

______________________________

(1) الوسائل ب 6 ح 8 من ابواب ميراث الأزواج

ميراث الزوجة، ص: 48

في الإمام الذي رفع السند إليه و نظائره ليس بنادر في كتب الحديث مضافاً إلي إمكان أن يكون الألف و اللام في الأرض للعهد بدليل قوله: و لكن يرثن قيمة البناء.

و مثل خبر حماد بن عثمان عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال: إنما جعل للمرأة قيمة الخشب، و الطوب لئلا يتزوجن فيدخل عليهم يعني أهل المواريث من يفسد مواريثهم «1».

و هذا الخبر و إن كان لا يخلو عن الدلالة علي حرمانها في الجملة إلا أنه لا يدل علي حرمانها من أراضي غير الدور، و المساكن و القدر المتيقن منه هو الحرمان من أراضي الدور و المساكن هذا.

و يحتمل قوياً اتحاد خبر حماد هذا مع حديثه

______________________________

(1) ب 6، ح 9 الوسائل

ميراث الزوجة، ص: 49

إلا خبر عن زرارة و محمد بن مسلم و إنما ترك ذكر اسم زرارة، و محمد بن مسلم في هذا الحديث من جهة قطعه بقول الإمام عليه السلام فيكون هذا كسابقه مما دل علي حرمانها من خصوص أراضي الدور.

و يمكن أن يكون من هذه الطائفة حديث ميسر بياع الزطي عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام: قال:

سألته عن النساء ما لهن من الميراث؟ قال لهن قيمة الطوب، و البناء. و الخشب و القصب فأما الأرض و العقارات فلا ميراث لهن فيه قال: قلت فالبنات (فالثياب خ ل) قال: البنات (الثياب-/ خ ل) لهن نصيبهن منه قال قلت: كيف صار ذا، و لهذه الثمن و لهذه الربع مسمي؟ قال: لأن المرأة ليس لها نسب ترث به، و إنما هي دخيل عليهم إنما صار هذا كذا

لئلا تتزوج المرأة فيجي ء زوجها أو ولدها من قوم

ميراث الزوجة، ص: 50

آخرين فيزاحم قوماً آخرين في عقارهم «1».

فإنه يمكن دعوي إجماله لاحتمال أن يكون الألف و اللام في الأرض، و العقارات للعهد، و هذا احتمال ليس ببعيد لا سيما بعد ما نري من ذكر خصوص عقار الدور، و أرضها في بعض الروايات، و قد مر أن العقار علي ما يستفاد من كلام بعض أهل اللغة يطلق علي كل شي ء له أصل فلا يشمل الأرض الخالية عن البناء و الشجر، و نحوهما.

و لو سلمنا ظهوره في العموم، و شموله لجميع الأراضي فبالمفهوم الذي استظهرناه من رواية يزيد الصائغ عن أبي جعفر عليه السلام و رواية زرارة و محمد بن مسلم نخصص عمومه في أراضي غير الدور و المساكن.

______________________________

(1) الوسائل ب 6، ح 3.

ميراث الزوجة، ص: 51

و منها ما يمكن استفادة العموم منه مع قطع النظر عن غيره

و لكن لاحتمال اتحاده مع غيره مما لا يستفاد منه ذلك إن لم نقل باستفادة خلافه يسقط الاستدلال به خصوصاً إذا كان احتمال كون ما يستفاد منه العموم من النقل بالمعني لما لا يستفاد منه ذلك مقبولًا عند العقلاء و أهل العرف.

لا يقال إن احتمال اتحاد ما يستفاد منه العموم مع ما لا يستفاد منه أو يستفاد منه الخصوص غير مقبول عند العرف و العقلاء بل يجب الحكم بتعدد الحديث، و لو فتحنا هذا الباب في الأحاديث ليسقط أكثرها عن الحجية.

فإنه يقال قد يقوم في بعض الموارد قرائن تدل علي اتحاد الحديث و عدم صدوره مكرراً بحيث يحصل بها اليقين أو الاطمئنان أو الظن للناقد البصير العارف بأحوال الأحاديث، و إسنادها

ميراث الزوجة، ص: 52

و متونها فلا يحرز بمجرد تكرر نقل بعض الأحاديث تكرر صدوره عن الإمام عليه السلام، و لو

شككنا في ذلك فليس لنا في البين أصل يدفعه، فإذا أخبر زرارة أو غيره من الشيوخ أحد تلاميذه بحديث في إرث الزوجة مثلًا، و أخبر تلميذه الآخر أيضاً، و هكذا أخبر ساير تلاميذه به لا يستلزم ذلك تعدد المخبر به، و إن كان ما ذكره الشيخ لبعض تلاميذه غير ما ذكره لتلميذه الآخر، و إلا خرج عدد الأحاديث بتكثر الوسائط، و تعدد التلاميذ في كل طبقة عن حد الإحصاء.

إن قلت فمن أين جاء اختلاف المضمون.

قلت اختلاف المضمون إنما جاء من جهة النقل بالمعني، و اختلاف التعابير و الاتكال علي وضوح المعني عند المخاطب و عطف كلمة بكلمة في مقام التفسير و كون الناقل في مقام التفصيل أو الإجماع،

ميراث الزوجة، ص: 53

و الاختصار و الاحتياج إلي نقل بعض الحديث و عدم الحاجة إلي نقل تمامه، و دخالة فهم الناقلين و غير ذلك.

فهذا خبر يزيد الصائغ رووه تارة عن محمد بن عيسي عن يحيي الحلبي عن شعيب عنه، و تارة عن محمد بن أبي عبد اللّٰه عن معاوية بن حكيم عن علي بن الحسن بن رباط عن مثني عنه، و متنه يشهد بأنهما حديث واحد، و مع ذلك يقول في ما خرّجوه عن محمد بن عيسي: سألته عن النساء هل يرثن من الأرض؟ فقال لا و لكن يرثن قيمة البناء. و يقول فيما أخرجوه عن محمد بن أبي عبد اللّٰه: إنّ النساء لا يرثن من رباع الأرض شيئاً.

فلو كنا و الحديث الأول نعتمد عليه، و نستظهر من قوله: هل يرثن من الأرض العموم بسبب ترك الاستفصال في مقام الجواب، و لكن مع ملاحظة

ميراث الزوجة، ص: 54

الحديث الثاني يضعف هذا الاستظهار، و يسقط عن درجة الاحتجاج به، و

يقوي في النظر إسقاط كلمة مثل الرباع أو العقار أو كون الألف و اللام في الأرض للعهد و لذا ترك الإمام الاستفصال فلا يجوز الاعتماد علي مثله في تخصيص عموم الكتاب،

و كذا إذا رأينا أنهم خرّجوا عن زرارة، و محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام لا ترث النساء من عقار الأرض شيئاً، و استظهرنا منه الحكم بحرمانها من أرض الدور ثمّ رأينا ما خرّجوا عنهما بطريق آخر عن أبي جعفر عليه السلام قال: النساء لا يرثن من الأرض، و لا من العقار شيئاً لا يجوز الاتكال علي الحديث الثاني لاحتمال أن يكون هذا عين الحديث الأول، و يكون المراد من الأرض أرض الدور، و أن يكون قوله: و لا من العقار شيئاً من العطف بالتفسير.

و الحاصل أن الملاك كل الملاك في أعمال

ميراث الزوجة، ص: 55

قواعد باب التعارض أو العموم و الخصوص، و المطلق، و المقيد، و حمل الظاهر علي الأظهر إنما هو تعدد الحديث و المخبر به، و هكذا ملاحظة بعض الأصول العقلائية الأخر مثل أصالة عدم النقيصة و أصالة عدم الزيادة، و تقدمها علي أصالة عدم النقيصة مطلقاً أو في الجملة كما هو المختار، إنما يصح إذا كان الناقل في مقام نقل عين ألفاظ المروي عنه، و أما إذا لم يكن في هذا المقام، و كانت هناك قرائن علي عدم اعتماده علي نقل عين اللفظ فحجية هذه الأصول غير معلومة.

إذا عرفت ما تلونا عليك فاعلم أن في أخبار الباب ما يحتمل اتحاده مع غيره بحيث لا يمكن الاعتماد عليه مع عدم ملاحظة هذا الغير، و هذا كروايتي يزيد الصائغ و قد ذكرنا الوجه في احتمال اتحادهما.

ميراث الزوجة، ص: 56

و مثل رواية علي

بن رئاب عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: إن المرأة لا ترث مما ترك زوجها من القري و الدور و السلاح، و الدواب شيئاً، و ترث من المال، و الفرش، و الثياب، و متاع البيت مما ترك، و تقوم النقض و القصب فتعطي حقها منه «1» و رواية أخري عنه عن زرارة عن أبي جعفر عليهم السلام: إن المرأة لا ترث مما ترك زوجها من القري، و الدور، و السلاح، و الدواب شيئاً، و ترث من المال، و الثياب و متاع البيت مما ترك، و يقوم النقض، و الجذوع، و القصب فتعطي حقها منه «2» و روي هذا الحديث أبو محمد الهمداني عن طربال بن رجاء عن أبي جعفر عليه السلام، و هذا مضافاً إلي أن طربال رجل

______________________________

(1) الوسائل أبواب ميراث الازدواج ب 6، ح 1

(2) الوسائل ب 6، ح 12

ميراث الزوجة، ص: 57

مجهول لا يعتمد علي حديثه لا يضر باتحاد الحديث مع ما رواه زرارة.

و رواية محمد بن حمران عن زرارة، و محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: النساء لا يرثن من الأرض و لا من العقار شيئاً «1».

و روايته الأخري عنهما عن أبي جعفر عليه السلام: إن النساء لا يرثن من الدور، و لا من الضياع شيئاً إلا أن يكون أحدث بناء فيرثن ذلك البناء «2».

و رواية بعض الفضلاء الخمسة عن أبي جعفر عليه السلام: إن المرأة لا ترث من تركة زوجها من تربة دار أو أرض إلا أن يقوّم الطوب، و الخشب قيمة

______________________________

(1) الوسائل ب 6، ح 4

(2) الوسائل ب 6، ح 13

ميراث الزوجة، ص: 58

فتعطي ربعها أو ثمنها «1».

و رواية جميل عن زرارة، و محمد بن مسلم

عن أبي جعفر عليه السلام قال: لا ترث النساء من عقار الأرض شيئاً «2».

و الظاهر اتحاد رواية جميل، و محمد بن حمران عن زرارة و محمد بن مسلم لأن لهما كتاب حديث مشترك بينهما «3» و لا يبعد أن يكون المروي عن أحدهما أو كليهما من هذا الكتاب.

و رواية موسي بن بكر الواسطي قال: لزرارة إن بكيراً حدثني عن أبي جعفر عليه السلام أن النساء لا ترث امرأة مما ترك زوجها من تربة دار، و لا أرض إلا أن

______________________________

(1) الوسائل ب 6، ح 5

(2) الوسائل ب 6، ح 6

(3) راجع جامع الرواة ص 165، ج 1.

ميراث الزوجة، ص: 59

يقوم البناء و الجذوع و الخشب فتعطي نصيبها من قيمة البناء، فأما التربة فلا تعطي شيئاً من الأرض، و لا تربة دار؟ قال زرارة: هذا لا شك فيه «1».

فهذه سبعة أحاديث يحتمل قوياً كونها حديثين بل حديثاً واحداً لإمكان تشرف زرارة، و محمد بن مسلم في مجلس واحد بشرف حضرة الإمام و سماعهما معا هذا الحديث.

فعلي هذا الاحتمال لا يصح الاستناد بقوله عليه السلام:

من القري في روايتي علي بن رئاب في مقام الإفتاء بعموم الحرمان فإنه يمكن أن يكون المراد من القري المدن و المساكين التي تبني لاجتماع الناس، و مجاورة بعضهم مع بعض مضافاً إلي أنه يمكن أن يكون ذكر هذه الكلمة من اجتهادات بعض الرواة في فهم

______________________________

(1) الوسائل أبواب ميراث الازواج ب 6، ح 15

ميراث الزوجة، ص: 60

الحديث.

و لو صرفنا النظر عن ذلك و قلنا بدلالته علي العموم يخصص بمفهوم رواية يزيد الصائغ و رواية حماد عن زرارة و محمد بن مسلم.

و قوله عليه السلام: و في رواية الفضلاء من تربة دار أو أرض، و

في رواية موسي بن بكر: من تربة دار و لا أرض فالظاهر أن قوله: أو أرض، و قوله:

و لا أرض من العطف بالتفسير، و يجوز أن يكون الهمزة زائدة سهواً أو يكون الترديد من الراوي و احتمال ذلك يكفي في سقوط الاستدلال به للعموم، و روايتي محمد بن حمران، و رواية جميل بعد احتمال وحدتهم بل الاطمئنان بكونهن واحدة لا يحتج بهن إلا في القدر المتيقن، و هو الحرمان عن خصوص أراضي الدور، و لا يعتمد علي ذيل إحدي روايتي

ميراث الزوجة، ص: 61

محمد بن حمران فإن احتمال كونها مع روايته الأخري واحدة هنا أقوي فلا يبعد أن يكون قوله: (و لا من الضياع شيئاً إلا أن يكون أحدث بناء فيرثن ذلك البناء) من النقل بالمعني فمن المحتمل قوياً كون الأصل ما في رواية جميل: لا ترث النساء من عقار الأرض شيئاً أو جملة أخري ثمّ نقلها بعض الرواة بما فهم منه من المعني فقال بعضهم: النساء لا يرثن من الأرض و لا من العقار شيئاً، و قال غيره: إن النساء لا يرثن من الدور، و لا من الضياع شيئاً و لما فهم العموم منه زاد عليه: إلا أن يكون أحدث بناء فيرثن ذلك البناء.

و جملة القول في ذلك عدم حصول الاطمئنان بصدور قوله و لا من الضياع شيئاً إلا إلخ عن الإمام هذا مضافاً إلي جواز كون المراد من الضياع أيضاً

ميراث الزوجة، ص: 62

المنازل و العقار.

و مما لا يثبت تعدده بتعدد تخريجه لانتهائه إلي رجل واحد حديث علاء عن محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «1».

و حديث بعض الفضلاء الخمسة عنه عليه السلام «2» و حديث حماد عن زرارة و محمد بن

مسلم أيضاً عنه عليه السلام «3» و حديثه الآخر عنه عليه السلام «4».

فهذه الأحاديث أيضاً عند التأمل ترجع إلي حديث واحد، و إنما توهم تعددها لتكرر نقلها، و إن ترددنا في ذلك فلا ريب في عدم إثبات تعددها بتكرر نقلها و قد ظهر لك مما أسلفناه أن في مثل هذه

______________________________

(1) الوسائل ب 6، ح 2

(2) الوسائل ب 6، ح 5

(3) الوسائل ب 6، ح 7

(4) الوسائل ب 6، ح 9

ميراث الزوجة، ص: 63

الأحاديث يؤخذ بالقدر المتيقن من الجميع و أما الزائد علي ذلك فلا يحتج به لعدم حصول الاطمئنان بنقل ألفاظ الإمام عليه السلام و إمكان أخبار بعض الرواة عن الإمام أو بعض الوسائط بما فهم من كلامه، و إمكان إرجاع نقل الجميع إلي هذا القدر المتيقن مضافاً إلي إمكان منع دلالة كل واحد منها أيضاً علي عموم الحرمان فتدبر.

نعم إذا كان بعض طرق الحديث مشتملًا علي معني لم يذكر في غيره تلويحاً و لا تصريحاً و لا إجمالا و لا تفصيلًا و لا يمكن إرجاعه إلي غيره يجب الأخذ به.

بقي الكلام في حديث عبد الملك بن أعين عن أحدهما عليهما السلام قال: ليس للنساء من الدور، و العقار

ميراث الزوجة، ص: 64

شي ء «1».

و وجه عدم ظهوره في عموم الحرمان يظهر من مراجعة ما ذكرناه في حديث جميل عن زرارة و محمد بن مسلم، و في حديث ميسر بياع الزطي.

و يمكن أن يقال إن حديث الحسين بن أبي مخلد عن عبد الملك قال: دعا أبو جعفر عليه السلام بكتاب علي فجاء به جعفر مثل فخذ الرجل مطوياً فإذاً فيه: إن النساء ليس لهن من عقار الرجل إذا توفي عنهن شي ء فقال أبو جعفر عليه السلام: هذا

و اللّٰه خط علي عليه السلام بيده و إملاء رسول اللّٰه صلي الله عليه و آله «2» أيضاً ينتهي إلي عبد الملك بن أعين الراوي للحديث السابق فلو لم نقل باتحادهما لإباء متنهما عن ذلك، و إن كان لا يخلو

______________________________

(1) الوسائل ب 6، ح 10

(2) الوسائل ب 6، ح 17

ميراث الزوجة، ص: 65

أيضاً عن وجه فالكلام في دلالته هو الكلام في دلالة رواية جميل و ميسر و غيرهما.

و أما مكاتبة محمد بن سنان فقد أخرج الصدوق في باب نوادر الميراث في الفقيه «1» قال: و كتب الرضا عليه السلام إلي محمد بن سنان فيما كتب من جواب مسائله علة المرأة أنها لا ترث من العقارات شيئاً إلا قيمة الطوب و النقض لأن العقار لا يمكن تغييره و قلبه، و المرأة قد يجوز أن ينقطع ما بينها و بينه من العصمة، و يجوز تغييرها و تبديلها، و ليس الولد و الوالد كذلك لأنه لا يمكن التفصي منهما، و المرأة يمكن الاستبدال بها فما يجوز أن يجي ء و يذهب كان ميراثه فيما يجوز تبديله و تغييره إذا أشبههما [إذا أشبهه نسخة الوسائل] و كان الثابت

______________________________

(1) ص 6، ج 2

ميراث الزوجة، ص: 66

المقيم علي حاله كمن كان مثله في الثبات و القيام «1».

فهي مضافاً إلي أنها مكاتبة، و إن سيدنا الأستاذ الأكبر قدس سره قال: إن بعضهم قال: إن محمد بن سنان زعم أن الرضا عليه السلام أجابه هكذا ضعيفة جداً من حيث السند فإن في طريق الصدوق إليه علي بن العباس و هو من الضعفاء قال العلامة: رمي بالغلو، و غمز عليه، ضعيف جداً له تصنيف في الممدوحين، و المذمومين يدل علي خبثه، و تهالك مذهبه لا

يلتفت إليه، و لا يعبأ بما رواه «2».

و روي علي بن العباس هذه المكاتبة عن قاسم بن الربيع الصحاف الكوفي و هو أيضاً ضعيف ذكره العلامة في الضعفاء، و قال: قاسم بن الربيع الصحاف

______________________________

(1) الوسائل ب 6، ح 14

(2) رجال العلامة ص 234

ميراث الزوجة، ص: 67

الكوفي ضعيف في حديثه غال في مذهبه لا التفات إليه، و لا ارتفاع به «1».

و أما الكلام في متنه فيظهر مما ذكرناه في ذيل غيره من الأخبار.

و مما يشهد علي أن الحرمان مقصور بأراضي الدور، و المساكن مضافاً إلي ما قدمناه ذكر حكم البناء، و الطوب، و الخشب بعد ذكر حكم العقار و الدور و الأرض، و كذا استثناء البناء، و الطوب، و الخشب فإن جعل الاستثناء منقطعاً خلاف الظاهر لا يصار إليه إلا بالقرينة فظهور الاستثناء في الاتصال أيضاً مما يؤيد بعض ما قويناه في تحصيل مفاد الأحاديث.

و من الروايات الواردة في مسألتنا رواية

______________________________

(1) رجال العلامة ص 248

ميراث الزوجة، ص: 68

الأحوال عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال: سمعته يقول:

لا يرثن النساء من العقار شيئاً، و لهن قيمة البناء و الشجر و النخل «1».

و الخدشة في كون هذا الحديث غير بعض الأحاديث السابقة أيضاً بمكان من الإمكان لجواز أن يكون في مجلس إملاء الحديث جماعة من الأصحاب و هذا قريب جداً لا سيما في عصر الصادق عليه السلام الذي تجاوز عدد تلاميذه، و أصحابه عن أربعة آلاف رجل فيجوز أن يخرج عنه في موضوع خاص حديثاً واحداً جميع هؤلاء الرجال.

و لو سلمنا كون هذا الحديث حديثاً مستقلا بنفسه و ادعينا أن الظاهر أن ما أخبر به الأحول غير ما أخبر به زرارة و محمد بن مسلم فدلالته علي كون

______________________________

(1)

الوسائل ب 6، ح 16

ميراث الزوجة، ص: 69

المراد من العقار مطلق الأراضي محل المناقشة فإن غاية ما يمكن الاستدلال عليه بهذا الخبر حرمانها من أراضي الدور، و المشغولة بالبناء و الأشجار، و النخيل، و هذا أخص من مدعي الشيخ و أتباعه، مضافاً إلي أن الشيخ لم يخرجه في كتابيه، و الفتوي به مخالف للإجماع المركب.

إن قلت: ما المانع من أن يكون المراد من العقار مطلق الأرض.

قلت لا مانع من ذلك لو لا ظهور العقار في الأراضي المشغولة، و أن الأصل في استعمال العقر و العقار استعمالهما في كل شي ء له أصل كالدار، و قد استعمل في خصوص الدار، و في القصر الذي يكون معتمداً لأهل القرية فلو لم يكن ظاهراً في خصوص الأراضي المشغولة هنا، و خصوص أرض الدار في ما وقع مقابلًا للبناء و الطوب، و الخشب، و لم نقل

ميراث الزوجة، ص: 70

بأن العقار اسم للأرض و البناء أو الأرض و الشجر ليس ظاهراً في مطلق الأراضي أيضاً فحينئذ لا بد لنا إلا الأخذ بالقدر المتيقن من الأدلة و هو حرمانها من عين أراضي الدور و المساكن دون غيرها، و حرمانها من عين البناء، و الآلات و الطوب، و الخشب دون قيمتها فيجب الاقتصار عليه في تخصيص عموم الكتاب.

هذا و قد مر أن مفهوم رواية يزيد الصائغ، و رواية حماد عن زرارة و محمد بن مسلم خاص بالنسبة إلي ما ادعي عمومه من الروايات.

فتلخص مما ذكر أن إثبات تخصيص عموم الآية زائداً علي ما اتفقوا عليه من حرمانها من أراضي الدور و المساكن عيناً و قيمة، و من عين الآلات و أبنية الدور دون قيمتها بهذه الأخبار في غاية الإشكال.

ميراث الزوجة، ص: 71

وجوه الاستشكال في الاستدلال بهذه الأخبار
اشارة

اعلم

أن ما ذكرناه في وجه هذا الاستشكال يرجع إلي أمور.

أحدها أن أحاديث المسألة التي جمعها في الوسائل في الباب السادس لا تتجاوز عن الستة أو السبعة.

الأول أحاديث زرارة و محمد بن مسلم، و بعض الفضلاء عن أبي جعفر عليه السلام و كلها يرجع إلي حديث واحد عنه عليه السلام.

الثاني حديث علاء عن محمد بن مسلم، و حديث بعض الفضلاء و حديث حماد عن زرارة، و محمد بن مسلم، و حديثه الآخر كلهم عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام فكل هذه الأحاديث أيضاً يرجع إلي

ميراث الزوجة، ص: 72

حديث واحد.

الثالث حديث عبد الملك بن أعين عن أحدهما عليهما السلام، و حديث عبد الملك عن أبي جعفر عليه السلام فإنهما أيضاً علي احتمال حديث واحد، و يحتمل أن يكون كل منهما حديثاً مستقلًا بنفسه.

الرابع مكاتبة محمد بن سنان عن الرضا عليه السلام.

الخامس: حديث الأحول عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام و قد مر احتمال اتحاده مع غيره من الأحاديث المروية عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام.

السادس خبر يزيد الصائغ عن أبي جعفر و خبره الآخر عن أبي عبد اللّٰه عليهما السلام فإنهما أيضاً حديث واحد.

ثانيها إن ما يتراءي فيها من اختلاف المتن راجع إلي النقل بالمعني و اختلاف التعابير،

و الاتكال علي وضوح المعني عند المخاطب، و عطف كلمة بكلمة في

ميراث الزوجة، ص: 73

مقام التفسير، و كون الناقل في مقام التفصيل أو الإجمال، و الاحتياج إلي نقل بعض الحديث دون تمامه، و دخالة فهم الناقل و غير ذلك مما يرجع إلي عدم كون الناقل في مقام نقل ألفاظ الإمام عليه السلام بعينها.

ثالثها إجمال بعضها لعدم ظهوره لا في العموم، و لا في الخصوص

مثل رواية جميل، و إن قوينا أخيراً ظهوره في الخصوص بل و نفي العموم لكونه في مقام بيان ما هو تمام الموضوع للحرمان، و مثل ما احتملنا أن يكون الألف و اللام فيه للعهد كرواية يزيد الصائغ.

رابعها وجود بعض الشواهد في بعضها المبينة لمفاد بعضها الآخر

فإن الأخبار يفسر بعضها بعضاً.

خامسها ذكر حكم البناء، و الطوب و الخشب في مقابل حكم العقار و الدور و الضياع و الأرض

ميراث الزوجة، ص: 74

فإن وقوع العقار، و الضياع و الأرض في مقابل البناء و الطوب و الخشب لا يخلو عن ظهور في كون المراد من الأرض و الضياع هو الأراضي المشغولة بالبناء.

سادسها استثناء البناء و الطوب و الخشب لكونه ظاهراً في الاتصال

فإن جعل الاستثناء منقطعاً خلاف الظاهر لا يصار إليه إلا بالقرينة.

سابعها منع ظهور العقار، و الضياع و القري في مطلق الأرض

فإن العقار استعمل في معان متعددة منها الضيعة و متاع البيت، و الحقوق الكبار، و النخل و الأرض، و المنزل، و استعمل في بعض أخبار مسألتنا في أرض الدار، و قد مرّ أن الأصل في استعمال العقر و العقار استعمالهما في كل شي ء له أصل كالدار. و الضيعة و الضياع أيضاً مستعملان في معان متعددة منها العقار و منها الأرض المغلة، و منها

ميراث الزوجة، ص: 75

المنازل قال الليث: الضياع المنازل سميت لأنها إذا ترك تعدها، و عمارتها تضيع.

و القرية أيضاً المصر الجامع و في (كفاية المتحفظ) القرية كل مكان اتصلت به الأبنية و اتخذ قراراً: و تقع علي المدن، و غيرها «1».

فالاعتماد علي هذه الكلمات التي جاءت في هذه الأحاديث التي عرفت حالها في استفادة العموم، و تخصيص الكتاب مشكل جداً.

ثامنها صراحة بعضها في الخصوص مع كونه في مقام بيان ما هو تمام الموضوع للحرمان

مثل خبر جميل عن زرارة، و محمد بن مسلم، و رواية حماد عنهما، و حديث يزيد الصائغ عن أبي جعفر عليه السلام بل و غيرها علي بعض الاحتمالات التي ذكرناه في محله.

______________________________

(1) راجع تاج العروس و غيره من كتب اللغة.

ميراث الزوجة، ص: 76

تحقيق القول المشهور

اعلم أننا و إن قلنا إن المشهور حرمانها من مطلق الأراضي، و لكن لا يخفي عليك أن الشهرة علي هذا القول إنما تحققت بعد أن اختاره الشيخ قدس سره و كان عدم حرمانها من غير أراضي الدور و المساكن هو القول الأشهر بل المشهور بين القدماء السابقين علي الشيخ كالصدوق في الفقيه و المفيد في المقنعة، و السيد في الانتصار بل و الكليني علي ما ربما يستظهر مما جعله عنواناً للباب الذي عقده للأخبار المسألة فقال: (باب ان النساء لا يرثن من العقار شيئاً).

إن قلت: إن الكليني رضوان اللّٰه تعالي عليه خرج الأخبار الدالة علي العموم و مع ذلك كيف يدل هذا العنوان علي أن مختاره عدم الحرمان من غير

ميراث الزوجة، ص: 77

أراضي الدور.

قلت: ليس في الأخبار التي أخرجها ماله ظاهر معتبر في العموم و لا أظن أنه استفاد العموم من هذه الأخبار بل يستفاد مما جعله عنواناً للباب و مما خرجه من الأخبار في هذا الباب أنه لم يستفد منها العموم و هذا مقتضي إمعان النظر في الروايات و من مثله يظهر علوّ مرتبة هذا الرجل العظيم في الفقه و الحديث و قد قرأنا عليك ما يظهر به ضعف القول باستفادة العموم من الأخبار و لكن يستعرض لك ما رواه الكليني في هذا الباب فنقول:

الأخبار التي أخرجها في هذا الباب أكثرها لو لم تدل بالمنطوق أو المفهوم علي عدم حرمانها من

غير أراضي المساكن- لا تدل علي العموم علي أكثر من حرمانها من أراضي الدور و لا تصلح لأن تكون مخصصة لعموم الكتاب في

ميراث الزوجة، ص: 78

غيرها كرواية العلاء عن محمد بن مسلم (حديث 5) عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام و رواية حماد عن زرارة و محمد بن مسلم (حديث 6) عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام و رواية حماد (حديث 7) عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام التي يحتمل اتحادها مع ما رواه عن زرارة و محمد بن مسلم و رواية يزيد الصائغ (حديث 8) عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام و رواية ميسر بياع الزطي (حديث 11) عن أبي عبد اللّه عليه السلام لاحتمال كون الألف و اللام في (الأرض) فيهما للعهد و رواية عبد الملك بن أعين (حديث 9) عن أحدهما عليهما السلام أيضاً لا يستفاد منه أكثر من ذلك و رواية يزيد الصائغ (حديث 10) عن أبي جعفر عليه السلام و كذا رواية محمد بن مسلم (حديث 1) عن أبي جعفر عليه السلام يحتمل فيها أيضاً كون الألف و اللام للعهد و إرادة البناء من العقار، نعم بناء عليه تدل علي حرمانها من قيمة البناء أيضاً إلا أنه يمكن منع ذلك

ميراث الزوجة، ص: 79

بدعوي ظهور قوله عليه السلام (النساء لا يرثن من الأرض و لا من العقار شيئاً) في حرمانها من عين العقار و الأبنية و لو سلم ذلك يقيد إطلاقها بسائر الروايات و هكذا لا ظهور لرواية زرارة (حديث 2) عن أبي جعفر عليهما السلام لاحتمال كون (أو) في قوله (من تربة دار أو أرض) من الإمام عليه السلام و بمعني واو العطف و احتمال كونه ترديداً من بعض الرواة

و كذا يجي ء الكلام في رواية زرارة و محمد بن مسلم (حديث 4) عن أبي جعفر عليه السلام لعدم ظهور فيه للعموم لاحتمال كون المراد من عقار الأرض البناء.

هذا مضافاً إلي عدم إثبات تعدد ما توهم دلالته علي العموم و ما ليس فيه هذه الدلالة لانتهائها إلي رجل واحد كما ذكرناه مفصلًا و إنما أعدنا الكلام في خصوص ما أخرجه في الكافي ليعلم أننا سلكنا في الاستظهار من الأخبار مسلكاً سلكه

ميراث الزوجة، ص: 80

مثل الكليني شيخ المحدثين رضوان اللّٰه تعالي عليه.

ثمّ إنه يمكن استظهار ما اختاره المفيد بين القدماء السابقين علي الشيخ أيضاً من عد السيد هذا القول مما انفردت به الإمامية.

قال: (مسألة: و مما انفردت به الإمامية القول بأن الزوجة لا تورث من رباع المتوفي شيئاً بل تعطي بقيمة حقها من البناء و الآلات دون قيمة العراص و خالف باقي الفقهاء في ذلك و لم يفرقوا بين الرباع و غيرها في تعلق حق الزوجات و الذي يقوي في نفسي أن هذه المسألة تجري مجري المسألة المتقدمة في تخصيص الأكبر من الذكور بالسيف و المصحف و إن الرباع لم تسلم إلي الزوجات فقيمتها محسوبة لها) انتهي «1».

______________________________

(1) الانتصار ص 301

ميراث الزوجة، ص: 81

فلو كان بين الإمامية خلاف يعتد به في ذلك لذكره السيد هنا.

و قد تعرض أستاذه المفيد رضي اللّٰه عنهما لهذه المسألة في (المسائل الصاغانية) و أطال الكلام فيها و أنكر عموم الآية الكريمة «1» و لم يذكر في هذه الرسالة و لا في رسالة الأعلام و لا في المقنعة خلافاً عن الإمامية في هذه المسألة.

و كيف كان فالمستند لما اخترناه هو عموم الكتاب و الروايات المتواترة عن أهل بيت العصمة عليهم السلام.

هذا تمام

الكلام في الموضع الأول أي تحقيق ما تحرم منه.

______________________________

(1) لم يظهر لي ما ذكره من الوجه في إنكار عموم الآية فراجع (المسائل الصاغانية)

ميراث الزوجة، ص: 82

الموضوع الثاني في معرفة الزوجة الممنوعة

[أما بحسب الأقوال]

اعلم أنه اختلف كلمات الأصحاب في عموم الحرمان لذات ولد من الميت و عدم اختصاص الحكم بغير ذات الولد فاختار الصدوق في الفقيه و الشيخ في النهاية «1»، و المبسوط علي ما حكي عن الأخير، و ابن حمزة في الوسيلة، و المحقق في الشرائع، و العلامة في التحرير، و القواعد، و المختلف و التبصرة و الفخر في الايضاح

______________________________

(1) ظاهر كلامه في النهاية ص 642 عدم الخلاف في اختصاص الحرمان بغير ذات الولد لأنه بعد ما ذكر مختاره في أن الزوجة لا ترث من الأرضين و القري و الرباع و الدور و المنازل ذكر الخلاف فيه. ثمّ قال: و هذا الحكم الذي ذكرناه إنما يكون إذا لم يكن للمرأة ولد من الميت إلخ و لم يذكر خلافاً فيه.

ميراث الزوجة، ص: 83

و الفاضل في كنز العرفان، و الشهيد في الدروس و اللمعة اختصاص الحرمان بغير ذات الولد بل قيل إنه المشهور، و لا سيما بين المتأخرين بل ربما يستشعر ذلك من كلام ابن الجنيد فإنه قال: إذا دخل الزوج أو الزوجة علي الولد، و الأبوين كان للزوج الربع، و للزوجة الثمن من جميع التركة عقاراً أو اثاثاً، و صامتاً، و رقيقاً، و غير ذلك، و كذا إن كن أربع زوجات و لمن حضر من الأبوين السدس، و إن حضرا جميعاً السدسان و ما بقي للولد «1» و من هنا يعلم أن نسبة القول بعدم حرمانها مطلقاً إلي ابن الجنيد قدس سره علي سبيل البت ليس في محله.

فإن بيان حكم الزوجة إذا

دخل علي الولد، و أنها ترث حينئذ من جميع التركة مشعر بالفرق

______________________________

(1) مختلف الشيعة ج 2، ص 184

ميراث الزوجة، ص: 84

بينها، و بين غير ذات الولد.

إن قلت: إن دخول الزوجة علي الولد أعم من أن تكون ذات الولد و غيرها.

قلت غلبة كون الزوجة التي تدخل علي الولد ذات الولد من الميت موجب لصرف ظهور كلامه في الأعم منها و من غير ذات الولد إلي ذات الولد من الميت و كيف كان فليس كلامه هذا نصاً فيما نسب إليه من القول بعدم الحرمان مطلقاً.

و ذهب جماعة إلي عدم الفرق بين ذات الولد و غيرها فهما تشتركان في الحرمان، و نسب هذا القول إلي المفيد، و السيد، و الشيخ في الاستبصار، و التقي، و العجلي، و المحقق في النافع، و تلميذه الآبي.

قال في مفتاح الكرامة: قلت: لم يعلم الخلاف إلا من العجلي، و الآبي و صاحب المفاتيح، و أما المقنعة، و الانتصار،

ميراث الزوجة، ص: 85

و النافع فليس فيها إلا الإطلاق و مثل ذلك المنقول من عبارة الحلبي فنسبة الخلاف إليهم علي البت لعلها لم تصادف محلها فالأولي أن ينسب إلي ظاهرهم- إلي آخر كلامه الذي استظهر فيه حكم المفيد بعدم الفرق كما استظهر عدم صحة ما نسب إلي الشيخ في الاستبصار، و هو استظهار جيد. فنسبة القول بعدم الفرق إلي الشيخ في الاستبصار ليست في محلها.

نعم ظاهر كلامه في الخلاف في المسألة (131) عدم الفرق قال:

دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم.

و أنت تعلم أن الفرق بين ذات الولد و غيرها مقتضي الأخبار المخرجة في كتابيه فيمكن أن يقال كما أفاد في مفتاح الكرامة أن إجماعه، و إجماع المفيد لم يسق لبيان الفرق، و إنما سيق لبيان أمر آخر،

ميراث

الزوجة، ص: 86

و هو رد العامة و استخلص من ذلك أن المخالف صريحاً أي المصرح بعدم الفرق. إنما هو اليوسفي الآبي و العجلي. كما استظهر قبل ذلك عن بعضهم جعل محل الخلاف في غير ذات الولد.

فدعوي أن الأشهر بل المشهور بين الفقهاء اختصاص الحكم بغير ذات الولد قريب جداً.

هذا تحرير المسألة بحسب الأقوال.

و أما بحسب الأخبار

فما جعلوه دليلًا علي التخصيص بغير ذات الولد، و مخصصاً لعموم أخبار الحرمان هو مقطوع ابن أذينة، في النساء إذا كان لهن ولد أعطين من الرباع «1».

و استشكل فيه بعدم حجية المقطوع «2» لعدم

______________________________

(1) الوسائل أبواب ميراث الأزواج ب 7، ح 2

(2) الخبر المقطوع هو جزء من الخبر المسند إلي المعصوم عليه السلام المذكور بجملته في أصل من الأصول المشتملة علي أحكام متفرقة في أبواب الفقه و إنما وقع القطع فيه لما دون كتب الأحاديث علي ترتيب أبواب الفقه فالخبر المقطوع هو جزء من الخبر المسند إلي المعصوم عليه السلام و علي هذا يقال علي مثل خبر ابن أذينة أنه مقطوع إذاً فلا فرق بين المقطوع و المضمر غير أن المضمر يشتمل الإشارة بالمعصوم عليه السلام دون المقطوع فليست فيه هذه الإشارة و علي هذا يكون المقطوع أقوي من المرسل و لا حاجة في اعتباره بالعمل كما هو الشأن في الأحاديث الضعيفة مثل المرسل و غيره.

ميراث الزوجة، ص: 87

حجية قول غير المعصوم.

و أجيب عنه بأن ذلك إذا لم يجبر بالشهرة، و عمل المشهور به فإذا كان الخبر معمولًا به مشهوراً بين الأصحاب ينجبر ضعفه بالعمل.

لا يقال إن العمل يكون جابراً لضعف السند إذا كان الخبر مروياً عن الإمام كالمرسل، و أما إذا لم يكن حاكياً عن قول الإمام أو فعله أو تقريره

فلا معني لجبر ضعف سنده بالعمل مضافاً إلي أنه

ميراث الزوجة، ص: 88

لا ضعف لسند هذه المقطوعة فإنه لا كلام لنا في صحة السند إلي ابن أذينة.

فإنه يقال: لا فرق بين المقطوع، و المرسل إذا حصل الاطمئنان بصدور المتن أو مضمونه عن المعصوم، و عمل المشهور، و فتوي الأصحاب، و تخريجه في الكتب المعدة لتخريج أحاديث الأئمة المعصومين عليهم السلام يوجب الاطمئنان بالصدور.

و من القرائن التي تدل علي صدور هذه الجملة عن المعصوم أن ابن أذينة ليس ممن يقول شيئاً في أحكام اللّٰه من قبل نفسه، و من غير اعتماد علي قول المعصوم، و لا يفتي برأيه و لا يكون ذلك إلا إذا سمع من الإمام أو ثبت عنده قوله عليه السلام، و ابن أبي عمير أيضاً مع جلالة قدره، و علو شأنه في التحفظ، و التحرز لا يروي ما ليس صادراً عن المعصوم في الأحكام الشرعية، و لا يخبر عمن ليس فتواه حجة

ميراث الزوجة، ص: 89

و كذا من روي عن ابن أبي عمير إلي زمان الصدوق و الشيخ.

فهؤلاء الأجلة لا يخرجون في كتبهم و رواياتهم فتوي غيرهم؟ كائنا من كان فما كان الصدوق، و لا الشيخ أن يرويا و يحتجا بما ليس بحجة عند الشيعة، و لم يصدر عن أهل بيت الوحي.

فيكشف من ذلك أنهم اعتمدوا علي ما أخبر به ابن أذينة، و قال لديهم القرائن و الأمارات علي كون ما أخبر به كلام الإمام عليه السلام أو ما بمعناه.

و بالجملة فهذه القرائن الكثيرة تكفي للاعتماد علي خبر ابن أذينة و تحصل لنا الاطمينان بصدوره عن المعصوم عليه السلام كما تحصل لنا الاطمينان بكل حديث كان سنده في غاية الصحة و الاعتبار.

و يؤيد ذلك و

يقوي الاطمئنان بصدور هذه الجملة عن الإمام عليه السلام أن علماء الفهارس، و التراجم

ميراث الزوجة، ص: 90

عدوا من كتب ابن أذينة كتاب الفرائض رووه تلامذته عنه فاكتفي ابن أبي عمير باسم مؤلف الكتاب لمعروفية ذلك التصنيف منه.

و الحاصل أن الاطمئنان، و الوثوق بصدور هذا المقطوع عن الإمام لا يقل عن الوثوق بصدوره غيره من روايات مسألة حرمان الزوجة. هذا كله في سند المقطوعة.

أما الكلام في متنها. فدلالتها علي المراد ظاهرة لا يقبل الإنكار لا سيما مع ملاحظة روايات الباب و مغروسية حكم الحرمان إجمالًا في الأذهان.

فالإنصاف أن تخصيص عموم حرمانها عن الرباع علي ما قويناه و عن مطلق الأراضي علي القول الآخر بغير ذات الولد قوي جداً.

إن قلت: إن قوله عليه السلام في ذيل الفضلاء: فنعطي ربعها أو ثمنها إن كان لها ولد من قيمة الطوب،

ميراث الزوجة، ص: 91

و الجذوع و الخشب معارض مع مقطوعة ابن أذينة، و صريح في حرمان ذات الولد أيضاً.

قلت: خرج الشيخ في التهذيب: فتعطي ربعها أو ثمنها إن كان من قيمة الطوب و الجذوع و الخشب، و في الاستبصار أيضاً خرجه هكذا إلا أنه قال: إن كانت بدل إن كان.

و خرج في الوافي عن الكافي: فتعطي ربعها أو ثمنها إن كان له ولد من قيمة الطوب، و الجذوع، و الخشب.

و خرج الحديث في الوسائل إلي قوله: فتعطي ربعها أو ثمنها، و لم يخرج زائداً علي ذلك.

و قال في مفتاح الكرامة: الذي وجدته في الكافي في نسخة مضبوطة صحيحة فتعطي ربعها و ثمنها و ليس فيها زيادة علي ذلك أصلًا. و علي هذا الاعتماد علي ما في بعض النسخ المطبوعة.

ميراث الزوجة، ص: 92

مضافاً إلي أن ملاك إعطاء الثمن ليس كونها ذات

ولد بل الملاك المذكور المصرح به في القرآن المجيد في إعطائها الثمن إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد فلها الربع فما في النسخ المطبوعة من الكافي معارض لصريح قوله تعالي: فَإِنْ كٰانَ لَكُمْ وَلَدٌ.

و الجمع بينه و بين الآية، و إن كان ممكنا لإمكان أن يكون الملاك في إعطاء الثمن أن يكون له منها ولد و لكن هذا مخالف للاجماع مضافاً إلي أن النسبة بين هذه الجملة، و الآية ليست العموم و الخصوص بل النسبة بينهما العموم من وجه، فيبقي التعارض بينهما في زوجة غير ذات الولد، إذا كان له ولد من غيرها، و في زوجة ذات الولد إذا لم يكن من الزوج المتوفي، و من المعلوم أن الترجيح مع ما يوافق الكتاب.

هذا مضافاً إلي أننا لو أخذنا بهذا يجب أن

ميراث الزوجة، ص: 93

نفصل بين ذات الولد و غيرها إذا اجتمعتا، فنقول بأن ذات الولد من الميت ترث الثمن و غير ذات الولد ترث الربع، و هو تفصيل غريب مخالف للإجماع.

و الحاصل أن ما في هذه النسخ ساقط عن الاعتبار لا يصح الاتكال عليه.

إن قلت: إن مقطوع ابن أذينة أعم من القول المشهور فإنه كما يشمل ذات الولد من الميت يشمل ذات الولد من غيره.

قلت: احتمال شمول الخبر لذات الولد من غير الميت ضعيف جداً لا يعتني به، و لا يتبادر إلي الذهن لا سيما بمناسبة الحكم و الموضوع و التعليلات الواردة في الأخبار.

بل يرد هذا الاحتمال صريحاً للتعليل الوارد في رواية ميسر قال عليه السلام: و إنما صار هذا كذا لئلّا تتزوج المرأة فيجي ء زوجها أو ولدها من قوم آخرين

ميراث الزوجة، ص: 94

فيزاحم قوماً آخرين في عقارهم.

إن قلت: فما تقول في

بعض التعليلات الواردة في روايات كخبر ميسر و حديث محمد بن مسلم، و روايتي حماد من أنها ربما تزوجت فيفسد علي أهل المواريث مواريثهم، و يدخل عليهم داخل بسببها فيزاحم قوماً آخرين في عقارهم.

قلت: المراد من هذه التعليلات إنما هو بيان بعض ما في الحكم من الحكم و المصالح كأكثر ما هو مذكور في أحاديث علل الشرائع، و ليست من العلل التي تدور مدارها الأحكام حتي يصح الاستناد بها في تسرية الحكم إلي كل مورد كانت فيه هذه العلة، و في نفيها عن مورد ليست فيه، و إلا فهذه العلة موجودة في طرف الزوج أيضاً لأنه ليس له منها نسب يرث به، و إنما هو دخيل عليهم بل يمكن أن يقال بأولوية ذلك في طرف الزوج لأن

ميراث الزوجة، ص: 95

مقتضي هذه التعليلات أن المرأة لو ورثت الزوج تتزوج، و يجي ء زوجها أو ولدها من قوم آخرين إلخ و أما الزوج لو ورث الزوجة يجي ء و هو من قوم آخرين فيزاحم قوماً آخرين في عقارهم.

لا يقال فما معني ما جاء في هذه الروايات إذا كان الأمر في طرف الزوج أيضاً كذلك.

لأنه يقال معني ذلك اشتمال هذا الحكم في طرف الزوجة علي هذه الحكمة و المصلحة و التنبيه علي عدم خلو الحكم من الحكمة و لا ينافي ذلك عدم إنشاء الحكم في جانب الزوج لملاحظة حكم و مصالح أخري، و نظائر ذلك ليس بنادر في التشريعيات بل و في التكوينيات و العالم بهذه المصالح هو اللّٰه تعالي و رسوله و أوصيائه عليهم الصلاة و السلام، و الواجب علينا أن ندور مدار الدليل، وسعته و ضيقه و عمومه و مطلقه و ما يخصه

ميراث الزوجة، ص: 96

أو يقيده.

هذا كله

مضافاً إلي مكان دعوي كون المصلحة المذكورة في الحكم بالحرمان في غير ذات الولد من الميت أقوي فحرمانها يوجب عدم دخول الغير في مواريث قوم الميت، و أما ذات الولد منه فحرمانها لا يمنع من ذلك مطلقاً لإمكان موت ولدها و أخذها بما ورث من أبيه بل الغالب في ذات الولد عدم التزويج كما أن الغالب في غير ذات الولد التزويج.

إن قلت: إن تخصيص عموم الأخبار بخبر ابن أذينة مستهجن لاستلزامه تخصيص الأكثر و التخصيص إنما يصح فيما إذا بقي الغالب أو الأكثر بعد التخصيص تحت العموم، و لا ريب أن ذوات الولد من الأزواج أكثر أفراداً من غيرها.

قلت: مضافاً إلي أن إفادة العموم في هذه

ميراث الزوجة، ص: 97

المسألة ليست بصيغة صريحة و مضافاً إلي منع كون الأحاديث في مقام البيان من جهة تعيين الزوجة الممنوعة حتي أنه توجد فيها روايات بعمومها تشمل حرمانها جميع النساء من الزوجات و غيرهن مما حرمن منه مثل الرواية الأولي و الرابعة و الثامنة و التاسعة، و العاشرة المروية في الكافي (باب إن النساء لا يرثن من العقار شيئاً) فيدل هذا علي كون الألف و اللام للعهد أي النساء اللاتي حرمن من العقار دون غيرهن و إنما يلزم تخصيص النساء بغير الزوجات من البنات و الأمهات و الجدات و الأخوات و العمات و الخالات و غيرهن أو القول بإرادة الأزواج أو غير ذوات الولد من النساء.

نقول: ليس كل تخصيص بالأكثر مستهجناً إذا بقي تحت العام من أفراده مقدار يصح به جعل العنوان العام مرآة له و موضوعاً للحكم القانوني

ميراث الزوجة، ص: 98

ضرباً للقاعدة كما هو الشأن في هذه الروايات و إذا كان ما خرج بالمخصص من تحت العام عنواناً

كان له أفراد أكثر مما يبقي تحت العام.

كما هو كذلك في مسألتنا هذه، و إذا احتملنا أنه كان للمتكلم غرض عقلائي لإلقاء الكلام الدال علي العموم و إخراج الأكثر منه و إفادة مراده بهذه الصورة كإفهام أن علة الحكم علي ما يبقي تحت العام أو مقتضيه صدق هذا العنوان و إن الأكثر المخرج منه إنما أخرج لفقد الشرط أو وجود المانع أو غير ذلك، و القدر المتيقن من التخصيص المستهجن هو ما إذا كان ما تحت العام من الأفراد أفراد لا يجمعها جامع غيره و خصص العام بتخصيصات كثيرة بالنسبة إلي كل فرد من أفراده حتي لا يبقي تحته إلا فرد أو اثنان أو ثلاث أو نحو ذلك لأن هذا خلاف وضع المحاورة و لا يتكلم به إلا من لم يعرف أساليب الكلام.

ميراث الزوجة، ص: 99

و الحاصل أن تخصيص ما دل علي عموم الحرمان لذات الولد برواية ابن أذينة ليس من التخصيص المستهجن بشي ء و له شواهد كثيرة في المخصصات الواردة علي عمومات الكتاب و السنة و لذا لم أجد من رد الاستدلال برواية ابن أذينة بذلك أو احتمله و اللّٰه العالم.

فاندفع بتوفيق اللّٰه تعالي جميع ما يمكن أن يورد علي الاستدلال بالمقطوعة متناً، و سنداً، و تخلص من ذلك كله أن القول المشهور بين القدماء و هو اختصاص الحرمان بغير ذات الولد قوي جداً.

و ليكن هذا آخر ما كتبناه حول مسألتنا هذه علي سبيل الاستعجال، و في حال ضيق المجال و قد بقي هنا فروع في كيفية التقويم و غيرها لا يتعلق بها كثير بحث و من رامها فليطلبها من كتب فقهائنا المطولة في المواريث رضوان اللّٰه تعالي عليهم

ميراث الزوجة، ص: 100

أجمعين.

و الحمد للّٰه

الذي وفقني لتأليف هذه الرسالة في شهر ربيع المولود من شهور سنة 1385، و قد وقع الفراغ منه قبيل غروب الشمس من اليوم الرابع عشر من الشهر المذكور- و صلي اللّٰه علي محمد و آله الطاهرين.

لطف اللّٰه الصافي

ميراث الزوجة، ص: 101

الرسائل المؤلفة حول إرث الزوجة

اعلم أنّ مسألة إرث الزوجة من المسائل المهمة التي وقعت مورداً للبحث و النقاش، و التحقيق و النضال و قد عكفت عليها فحول العلماء و أساطين الفقه فأفردها بعضهم بالتأليف، و بحث عنها الآخرون في طيّات كتاب الإرث، و ها نحن نورد في هذا المجال بعض ما ألف مفرداً في هذا المضمار، فمن أراد الوقوف علي ما في هذه المسألة من الأقوال و الآراء و الاستدلال و البرهنة فعليه بهذه الرسائل التي ذكرها المتتبع الكبير شيخنا الطهراني في ذريعته الجزء 11 ص 55 و 56.

1- رسالة في إرث الزوجة من العقار أو ثمنه للميرزا محمد تقي النوري المتوفي سنة 1263- والد شيخنا النوري ضمن مجموعة من

ميراث الزوجة، ص: 102

رسائله كتابتها (1246) تقرب من أربع مائة بيت.

2- رسالة في إرث الزوجة للشهيد الثاني ألفها يوم الخميس (27 ذي حجة عام 956).

3- رسالة في إرث الزوجة: للشيخ الفاضل المعاصر عبد اللّٰه المامقاني المتوفي عام 1351 تعرض فيها للرد علي بعض المعاصرين في بعض فروع إرث الزوجة

4- رسالة في إرث الزوجة و حرمانها من العقار للشيخ علي بن الحسين الطريحي صاحب وسيلة السعادة المتوفي 1333.

5- رسالة في إرث الزوجة من الثمن أو العقار: للسيد محمد كاظم بن عبد العظيم اليزدي المتوفي سنة 1337 صاحب العروة الوثقي و غيرها من التآليف القيمة.

ميراث الزوجة، ص: 103

6- رسالة في إرث الزوجة: لآية اللّٰه السيد محسن بن السيد مهدي الطباطبائي الحكيم النجفي

المولود 1306- المتوفي عام 1390.

7- رسالة في إرث الزوجة من قيمة العقار: للمولي محمد بن عاشور الكرمانشاهي و هذه الرسائل و غيرها كنوز ثمينة تجب علي ذوي الهمم العالية القيام بطبعها و نشرها في الملأ الإسلامي.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.