دلیل تحریر الوسیله للامام الخمینی : احکام الاسره

اشارة

سرشناسه:سیفی، علی اکبر ، شارح.

عنوان قراردادی:تحریر الوسیله . برگزیده. شرح.

عنوان و نام پديدآور:دلیل تحریر الوسیله للامام الخمینی : احکام الاسره/تالیف علی اکبر السیفی المازندرانی؛ موسسه تنظیم و نشر آثار الامام لخمینی.

مشخصات نشر:تهران: موسسه تنظیم و نشر آثار الامام الخمینی(س)، 1387.

مشخصات ظاهری:400ص.

شابک:52000 ریال:978-964-335-975-1

يادداشت:عربی.

يادداشت:احکام الاسره.

یادداشت:کتابنامه به صورت زیرنویس.

عنوان دیگر:احکام الاسره.

موضوع:خمینی، روح الله، رهبر انقلاب و بنیانگذار جمهوری اسلامی ایران، 1279 - 1368 . تحریر الوسیله -- نقد و تفسیر.

موضوع:فقه جعفری -- رساله عملیه .

حقوق خانواده (فقه).

زناشویی(فقه).

شناسه افزوده:خمینی، روح الله، رهبری انقلاب و بنیانگذار جمهوری اسلامی ایران، 1279 - 1368 . تحریر الوسیله . برگزیده.شرح.

شناسه افزوده:موسسه تنظیم و نشر آثار امام خمینی (س).

رده بندی کنگره:BP183/9/خ8تت3023427 1387

رده بندی دیویی:297/3422

شماره کتابشناسی ملی:1191779

ص: 1

اشارة

ص: 2

دلیل تحریر الوسیله للامام الخمینی : احکام الاسره

تالیف علی اکبر السیفی المازندرانی

موسسه تنظیم و نشر آثار الامام لخمینی.

ص: 3

*هوية الكتاب

اسم الكتاب:دليل تحرير الوسيلة/أحكام الاُسرة

* المؤلف:علي أكبر السيفي المازندراني

* الناشر:مؤسسة تنظيم و نشر آثار الإمام الخميني قدس سره-فرع قم

* سنة الطبع:1428/1386

* الطبعة:الاُولى

* المطبعة:مطبعة مؤسسة العروج

* الكمية:1500 نسخة

* السعر:25000 ريال *

ص: 4

مقدّمة الناشر

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

إنّ «تحرير الوسيلة» هو خير وسيلة يبتغيها المكلّف في سيره و سلوكه ، و هو أوثقها عُرًى ، و أصلحها منهاجاً ؛ لِما امتاز به من سداد في تحديد الموقف العملي ، و إصابة في تشخيص الوظائف المُلقاة على عاتق المكلّفين ، و ذلك على ضوء الدليلين:الاجتهادي و الفقاهتي ، النابعين من الكتاب و السنّة.ناهيك عن جمعه للمسائل العملية ، و نأيه عن المسائل ذات الصبغة النظرية التي لا تمسّ إلى واقعنا المُعاش بصلة.و لئن كتب الشهيد الأوّل قدّس اللّه نفسه الزكيّة كتاب «اللمعة الدمشقية» و هو سجين، فإنّ إمامنا العظيم نوّر اللّه ضريحه قد ألّف هذا الكتاب حينما كان منفيّاً في مدينة بورسا التركيّة من قبل الطاغوت الغاشم ، و لم يكن بحوزته إلّا«وسيلة النجاة» و «العروة الوثقى» و «وسائل الشيعة».نعم، لم تكن بيده المباركة إلّا هذه الكتب الثلاثة ، و لكنّ نفسه العلوية لو لم تكن خزانة للعلوم الحقّة ، و فؤاده مهبطاً للإلهام و التحديث ، لامتنع وجود هذا السفر الخالد في تلك الظروف العصيبة.

ص: 5

و نظراً إلى أهمّية هذا الكتاب ، و ضرورة نشره على مختلف المستويات و الأصعدة ؛ لذا فقد أخذت مؤسّسة تنظيم و نشر آثار الإمام الخميني قدس سره على عاتقها نشر شروح و تعاليق العلماء المحقّقين على «تحرير الوسيلة» و من نفقتها الخاصّة.و يعدّ الكتاب الذي بين يديك ، واحداً من هذه السلسلة الضخمة التي تروم مؤسّستنا طبعها ، و هو شرح لمسائل حقوق الزوجين، أحكام الصبي، صلة الرحم و قطيعتها من «التحرير» ، تأليف الشيخ علي أكبر السيفي المازندراني دام بقائه.نسأل اللّه تعالى أن يوفّقه و إيّانا و أن يختم لنا جميعاً بالحسنى إنّه سميع الدعاء.مؤسّسة تنظيم و نشر آثار الإمام الخميني قدس سره فرع قم المقدّسة

ص: 6

مقدّمة المؤلّف

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّه ربّ العالمين أحمده استتماماً لنعمته، و استسلاماً لعزّته و استعصاماً من معصيته، و أستعينه فاقةً إلى كفايته.و الصلاة على محمّد عبده و رسوله المصطفى، أرسله بالهدى و دين الحقّ، و جعله بلاغاً لرسالته، و كرامةً لاُمّته، و أنزل عليه القرآن نوراً لا تطفأُ مصابيحه، و بحراً لا يدرك قعره، و منهاجاً لا يضلّ نهجه، و فرقاناً لا يخمد برهانه.و السلام على آله المعصومين المكرّمين الذين هم معادن الإيمان و بحبوحاته، و ينابيع العلم، و أساس الدين، و عماد اليقين.و نسأل اللّه سبحانه أن يوفّقنا لمعرفتهم و طاعتهم، و نشر علومهم و معارفهم، و يرزقنا شفاعتهم يوم نأتيه فرداً.و أمّا بعد:فقد دوّنت هذا الكتاب على أساس متن «تحرير الوسيلة» للإمام الخميني الراحل قدس سره ، بعد التحقيق و الدراسة و إلقاء مباحثه إلى عدّة من الفضلاء و حلّ المعضلات و غوامض الإشكالات التي اوردت في حلقات البحوث.

ص: 7

و الذي ينبغي أن نشير إليه هاهنا، هو أنّ منهجنا في تحقيق مسائل هذا الكتاب يبتني على أساس المراحل التالية.1-ابتدأنا في تحقيق الفروعات المهمّة بالتتبّع في آراء الفقهاء و تحرير أقوالهم، و لا سيّما القدماء و فحول المتأخّرين و المعاصرين و تعيين القول المشهور أو الأشهر.و ترتيب أقوالهم على أساس ما به الاختلاف بينهم.2-ثمّ تعرّضنا للوجوه المستَدلّ بها لكلِّ قولٍ من الأقوال المذكورة، و أشرنا إلى موافقة السيّد الماتن لواحدٍ منها.و بالطبع يتّضح وجه مخالفته لسائر الأقوال.3-ثمّ تعرّضنا في كلّ مسألة إلى ما ادّعي أو نقل من الإجماعات المحصّلة و المنقولة، و أشرنا إلى عدم صلاحية غالب هذه الإجماعات للدليلية؛ نظراً إلى وجود ما يصلح للدليلية من آيات الكتاب و نصوص السنّة و القواعد العامّة، و إلى أنّ استناد الأصحاب إليها في مقام الاستدلال، أو كونها في مظانّ استدلالهم بها، ينفي حجّية الإجماع؛ لعدم كشفه تعبّداً عن رأي المعصوم حينئذٍ، و فقدان ملاك حجّيته.4-حيث إنّا بنينا على انجبار ضعف سند الخبر بعمل المشهور، كما أثبتنا ذلك في كتابنا «مقياس الرواية».فمن هنا نوافق رأي السيّد الماتن في أمثال هذا المورد.و لكنّه فيما إذا لم تتعارض الأخبار، و إلّا فإنّما الشهرة الروائية هي التي ترجّح بها إحدى الطائفتين المتعارضتين بعد استقرار تعارضهما، و لا تصلح الشهرة الفتوائية للدليلية على ترجيح إحدى الطائفتين حينئذٍ.و أمّا إعراض المشهور، فليس عندنا موجباً لوهن الخبر الصحيح، و قد أثبتنا ذلك أيضاً في كتابنا المشار إليه.و لكن ذلك فيما إذا كان المخالف للمشهور جماعة

ص: 8

معتنى بهم مع تعرّضهم للمسألة و مخالفتهم، و إلّا فلو انحصر المخالف في واحد أو اثنين من القدماء أو المتأخّرين، أو لم يتعرّض سائر القدماء لعنوان المسألة أو تعارضت النصوص و كانت الموافقة منها لرأي المشهور مشتهرةً من حيث الرواية، فلا إشكال في رفع اليد عن تلك الرواية المخالفة للمشهور، و إن كانت صحيحة.

و ذلك إمّا لتسالم الأصحاب على خلافها أو لأجل شهرتها الروائية.5-قد يتّفق في خلال الاستدلال ببعض النصوص تصحيح سنده بقاعدة تبديل السند، مشيراً إلى مفاد القاعدة، كما في طريق الشيخ إلى علي بن الحسن بن الفضّال.و قد فصّلنا البحث عن هذه القاعدة في كتابنا «مقياس الرواة»، فراجع.6-و قد أشرنا إلى وجه تصحيح بعض الاُصول الروائية، مثل كتاب علي بن جعفر بطريق صاحب «الوسائل»، لا طريق العلّامة المجلسي في «البحار».و أيضاً أشرنا إلى ضعف بعضها الآخر في هذا الكتاب، و لكن بحثنا عن تفصيل ذلك كلّه في كتابنا المشار إليه، فراجع.7-و قد فحصنا عن حال آحاد الرواة الواقعين في أسناد الروايات التي يدور مدارها رحى الاستدلال و الاستنباط في المسألة.و نشير إلى قواعد رجالية لإثبات أو نفي وثاقة الراوي أو اعتبار روايته.و إنّما ذلك في الرواة الذين وقع الخلاف في اعتبار رواياتهم.و بنينا في أمثال هذه الموارد على اعتبار روايات من كان صاحب أصل و كثير الرواية و واقعاً في ضمن توثيق عامّ، مع نقل أجلّاء الأصحاب عنه، و عدم ورود قدح في حقّه.و قلنا:إنّ هذه القرائن-إذا توفّرت في حقّ أحد-تورث الوثوق النوعي بحسن حاله، بل تكشف عادةً عن اعتبار روايته، بل عن وثاقته، و إلّا

ص: 9

لو كان في مثله قدحٌ لبان.و أيضاً أشرنا إلى قواعد عامّة اصولية خلال المباحث و الاستدلال.هذه الخصوصيات هي أهمّ ما يبتني عليه منهجنا في تحقيق المسائل المهمّة و بها يمتاز هذا الكتاب.و في الختام أرجو من الفضلاء الكرام و العلماء الأبرار أن يسامحوا موارد زلّاتي و يذكّروني في مواضع الخطأ، فإنّ أحبّ إخواني من أهدى إليَّ عيوبي.غفر اللّه لي و لكم و تقبّل منّي آمين.علي أكبر السيفي المازندراني

ص: 10

حقوق الزوجين

اشارة

ص: 11

ص: 12

الحقوق الواجبة بين الزوجين

اشارة

لكلّ واحد من الزوجين حقّ على صاحبه يجب عليه القيام به و إن كان حقّ الزوج أعظم.و من حقّه عليها أن تطيعه و لا تعصيه و لا تخرج من بيتها إلّا بإذنه(1) تحرير الوسيلة 2:288

وجوب طاعة الزوج على المرأة في الخروج من البيت

1-إنّ من الحقوق الواجبة للزوج على الزوجة وجوب إطاعته في الخروج عن البيت بأن لا تخرج من بيته بغير إذنه.و لذا عدّ الفقهاء خروج الزوجة عن البيت بغير إذن زوجها من مصاديق النشوز.و الوجه في ذلك:أنّ النشوز في أصل اللغة بمعنى الارتفاع و التعالي ، يقال:

نشز من مكانه إذا ارتفع منه و نهض قائماً بعد القعود ، كما قال تعالى: «وَ إِذا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا» (1)أي أمضوا و انهضوا.و في الاصطلاح هو خروج كلّ من الزوج و الزوجة عن الطاعة الواجبة عليه.

و سمّي بذلك لأنّ كلّ واحدٍ من الزوجين ارتفع و تعالى عمّا أوجب اللّه تعالى عليه

ص: 13


1- -المجادلة (58):11.

بالعصيان و الطغيان ، كما قال في «الحدائق» (1)و«المسالك» (2) و غيرهما.و قد فسّر لفظ النشوز في معاجم اللغة بما يقرب المعنى الاصطلاحي.قالوا:

نشزت المرأة نشوزاً استعصت على زوجها و أبغضته.و قال بعضهم عصته و خالفته و امتنعت عليه و خرجت عن طاعته.و نشز الزوج:أي جفاها و أضرّ بها و ضربها و أساء صحبتها.مقتضى التحقيق:أنّه لم يوضع لفظ النشوز في اصطلاح الشرع لمعنى آخر غير معناه اللغوي ، نظراً إلى كون الخروج عن الطاعة الواجبة و الطغيان و العصيان عن الوظيفة نوع ارتفاع و استعلاء على ما أوجب اللّه عليه كما في «الحدائق» و«المسالك».و عليه فالمعنى الاصطلاحي يكون في الحقيقة من مصاديق المعنى اللغوي.

و الحاصل:أنّ تفسير النشوز بالخروج عن الطاعة الواجبة من قبيل التفسير بالمصداق.و على أيّ حال:فإذا دلّ الدليل على وجوب طاعة الزوج في الخروج من البيت يكون خروجها من البيت بغير إذنه من مصاديق النشوز.فلو خرجت من بيت زوجها بغير إذنه لا إشكال في خروجها بذلك عن طاعته ، فتكون بذلك ناشزة و تترتّب عليها أحكام النشوز و آثاره.فالعمدة ملاحظة دليل وجوب طاعة الزوج على الزوجة في خروجها عن بيته.فنقول:لا خلاف بين الأصحاب في وجوب طاعة الزوج على الزوجة في الخروج من البيت ، فإنّ التصريح بعدم الخلاف في خصوص هذه المسألة و نقل4.

ص: 14


1- -الحدائق الناضرة 24:614.
2- -مسالك الأفهام 8:354.

الإجماع على ذلك و إن لا يوجد في تعابير الفقهاء غير بعضهم ، إلّا أنّ المتتبّع في مطاوي كلماتهم في بيان معنى النشوز و ذكر موارد خروج الزوجة عن طاعة الزوج ، و كذا في بيان الحقوق الواجبة لكلّ من الزوج و الزوجة على الآخر في أوّل أحكام القسمة يقطع بأنّ ذلك مورد تسالمهم و اتّفاقهم من غير مخالف حتّى واحد.أمّا النصوص الدالّة على ذلك.فمنها:صحيح محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال:«جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه و آله ، فقالت:يا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ما حقّ الزوج على المرأة ؟ فقال صلى الله عليه و آله لها:أن تطيعه و لا تعصيه و لا تُصدِّق من بيته إلّا بإذنه و لا تصوم تطوعاً إلّا بإذنه، و لا تمنعه نفسها و إن كان على ظهر قتب و لا تخرجُ من بيتها إلّا بإذنه .و إن خَرَجَتْ من بيتها بغير إذنه لَعَنَتْها ملائكة السماء و ملائكة الأرض و ملائكة الغضب و ملائكة الرحمة حتّى ترجع إلى بيتها ، قالت:يا رسول اللّه من أعظم الناس حقّاً على الرجل ؟ قال:والده ، فقالت:من أعظم الناس حقّاً على المرأة ؟ قال:زوجها .

قالت:فما لي عليه من الحقّ مثل ما له عليّ.قال:لا و لا من كلّ مائة واحدة ، قال:

فقالت:و الذي بعثك بالحقّ نبياً لا يملك رقبتي رجلٌ أبداً» (1).

بتقريب:أنّه لو لم يحرم خروج الزوجة من بيت زوجها بغير إذنه لم يتوجّه إليها بذلك لعن جميع الملائكة ، فهذا قرينة قطعية على كون المقصود من حقّ الزوج على المرأة هو الحقّ الواجب للزوج عليها.و يشهد على ذلك تصريح النبي صلى الله عليه و آله في الذيل بكون حقّ الزوج على المرأة أعظم من جميع ما عليها من الحقوق حتّى من حقّ الوالدين عليها.1.

ص: 15


1- -الكافي 5:1/506؛ وسائل الشيعة 20:157 ، كتاب النكاح ، أبواب مقدّمات النكاح ، الباب 79 ، الحديث 1.

و منها:موثّقة السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

«قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله أيّما امرأة خرجت من بيتها بغير إذن زوجها فلا نفقة لها حتّى ترجع» (1) فإنّ حرمان الزوجة شرعاً عن النفقة ظاهرٌ في كون خروجها من البيت بغير إذن الزوج في موارد النشوز ؛ لأنّه السبب الوحيد الموجب لحرمانها عن استحقاق النفقة بالإجماع و النصوص القطعية.و منها:ما رواه في «الوسائل» بسنده عن كتاب علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام:سألته عن المرأة هل لها أن تخرج بغير إذن زوجها قال:

«لا» (2) .و إنّ سند صاحب «الوسائل» إلى كتاب علي بن جعفر ضعيف ؛ حيث رواه عن المحدّث المجلسي و إنّه روى كتاب علي بن جعفر بتمامه في «البحار» و سنده إلى هذا الكتاب ضعيف لوقوع بعض المجاهيل في طريقه ، و رواه المجلسي مقطوعاً في «البحار».و قد رواه أيضاً عبد اللّه بن جعفر الحميري بسنده عن علي بن جعفر عن أخيه و لكنّه ضعيف أيضاً بوقوع عبد اللّه بن الحسن في طريقه فهذه الرواية ضعيفة بجميع طرقها.و منها:خبر العزرمي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«جاءت امرأة إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقال:يا رسول اللّه! ما حقّ الزوج على المرأة ؟ قال:أكثر من ذلك ، فقالت:

فخبِّرني عن شيءٍ منه ، فقال صلى الله عليه و آله:ليس لها أن تصوم إلّا بإذنه يعني تطوّعاً و لا تخرج من بيتها إلّا بإذنه...» (3).و منها:ما رواه في «الخصال» مرفوعاً إلى أبي عبد اللّه في وصيّة النبي صلى الله عليه و آله:2.

ص: 16


1- -وسائل الشيعة 21:517 ، كتاب النكاح ، أبواب النفقات ، الباب 6 ، الحديث 1.
2- -وسائل الشيعة 20:159 ، كتاب النكاح ، أبواب مقدّمات النكاح ، الباب 79 ، الحديث 5.
3- -وسائل الشيعة 20:158 ، كتاب النكاح ، أبواب مقدّمات النكاح ، الباب 79 ، الحديث 2.

«يا علي! ليس على النساء جمعة و لا جماعة...و لا تخرج من بيت زوجها إلّا بإذنه فإن خرجت بغير إذنه لعنها اللّه و جبرئيل و ميكائيل...» (1).و منها:و ما رواه في «الكافي» بسنده الصحيح عن الباقر عليه السلام في حديث:

«و لا تخرج من بيتها ، إلّا بإذنه ، و إن خرجت بغير إذنه لعنته ملائكة السماء و ملائكة الأرض و ملائكة الغضب و ملائكة الرحمة ، حتّى ترجع إلى بيتها...» (2).و منها:ما رواه في «الخصال» بسنده عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال:

«أربعة لا تقبل لهم صلاة ؛ الإمام الجائر...و المرأة تخرج من بيت زوجها بغير إذنه» (3).و منها:ما رواه في «الوسائل» بإسناده عن شعيب بن واقد ، عن الحسين بن زيد ، عن جعفر بن محمّد ، عن آبائه عليهم السلام في حديث المناهي قال:«نهى رسول اللّه صلى الله عليه و آله أن تخرج المرأة من بيتها بغير إذن زوجها ، فإن خرجت لعنها كلّ ملك في السماء و كلّ شيء تمرّ عليه من الجنّ و الإنس حتّى ترجع إلى بيتها» (4) .إلى غير ذلك من النصوص المتظافرة المطمئنّ بصدور مضمونها عن المعصوم.ثمّ إنّه قد يستدلّ لذلك بما ورد من النصوص الآمرة بتحصين الزوجة في البيوت.6.

ص: 17


1- -وسائل الشيعة 20:212 ، كتاب النكاح ، أبواب مقدّمات النكاح ، الباب 117 ، الحديث 6.
2- -وسائل الشيعة 20:157-158، كتاب النكاح ، أبواب مقدّمات النكاح ، الباب 79 ، الحديث 1.
3- -وسائل الشيعة 8:349 ، كتاب الصلاة ، أبواب صلاة الجماعة ، الباب 27 ، الحديث 3.
4- -وسائل الشيعة 20:161 ، كتاب النكاح ، أبواب مقدّمات النكاح ، الباب 80 ، الحديث 6.

مثل معتبرة عبد الرحمن بن سيابة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«إنّ اللّه خلق حوّاءَ من آدم ، فهمّة النساء الرجال ، فحصّنوهنّ في البيوت» (1).و صحيح غياث بن إبراهيم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«إنّ المرأة خلقت من الرجل و إنّما هِمَّتُها في الرجال فاحبسوا نسائكم» (2).و صحيح هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله:النساء عيّ و عورة فاستروا العورة بالبيوت» (3).وجه الاستدلال بهذه النصوص على المطلوب بأنّه لو لم يجب على النساء طاعة الأزواج في الخروج من البيت و جاز خروجهنّ بدون إذنهم لما يؤمر الرجال بتحصينهنّ للزوم اللغوية حينئذٍ.و فيه:أنّ غاية مدلول هذه النصوص وجوب طاعة الزوج للمرأة لو أمرها زوجها بالقرار في البيت أو نهاها عن الخروج منه.و أمّا حرمة خروجها من البيت بغير إذنه مطلقاً و لو لم ينهاها عن الخروج بحيث يجب عليها الاستئذان من الزوج للخروج مطلقاً-كما هو محلّ الكلام-فلا يستفاد من هذه النصوص.ثمّ إنّ مراد السيّد الماتن قدس سره من قوله:«لكلّ واحد من الزوجين حقّ على صاحبه يجب عليه القيام به» ليس وجوب القيام بجميع حقوقهما للقطع بعدم وجوب كثيرٍ منها ، بل مقصوده بعضها و هو الحقّ الواجب منها.و يشهد لذلك ما في «الجواهر» حيث عطف على العبارة المزبورة من «الشرائع» بقوله:«و يستحبّ كتاباً4.

ص: 18


1- -وسائل الشيعة 20:62 ، كتاب النكاح ، أبواب مقدّمات النكاح ، الباب 23 ، الحديث 4.
2- -وسائل الشيعة 20:66 ، كتاب النكاح ، أبواب مقدّمات النكاح ، الباب 24 ، الحديث 5.
3- -وسائل الشيعة 20:66 ، كتاب النكاح ، أبواب مقدّمات النكاح ، الباب 24 ، الحديث 4.

و سنّةً متواترة» (1).و كذا ما قال في «الحدائق»:«لا خلاف و لا إشكال في أنّ لكلّ من الزوجين حقوقاً واجبةً و مستحبّةً» (2).و عليه فما يوهمه قوله قدس سره:«أن تطيعه و لا تعصيه» من وجوب طاعة الزوج و حرمة عصيانه مطلقاً في جميع الاُمور ، فليس بصحيح ؛ لضرورة عدم وجوب طاعة الزوج في الحقوق المستحبّة كما لو أمرها الزوج بالصوم المندوب أو الصلاة النافلة و التصدّق من مالها و غير ذلك من المندوبات ، فضلاً عن المباحات.و هذا من الضروريات الواضحات بين المسلمين و قامت عليه السيرة القطعية المتشرّعة بل من المسلّمات المرتكزة في أذهانهم.و لأجل هذه القرينة اللبّية الارتكازية لا ينعقد ظهورٌ لما دلّ من النصوص على وجوب طاعة الأزواج و حرمة معصيتهم في مطلق الاُمور، مثل معتبرة سعدان بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث مبايعة النبي صلى الله عليه و آله و سلم النساء أنّه قال لهنّ:

«اسمعن يا هؤلاء أبايعكنّ على أن لا تشركن باللّه شيئاً و لا تسرقن و لا تزنين و لا تقتلن أولادكنّ و لا تأتين ببهتان تفترينه بين أيديكنّ و أرجلكنّ و لا تعصين بعولتكنّ في معروف أقررتنّ ؟ قلن:نعم» (3).فإنّ مبايعة النبي صلى الله عليه و آله و سلم على عدم عصيان النساء أزواجهنّ و إن يقتضي وجوب طاعة الأزواج و حرمة عصيانهنّ إلّا أنّ الارتكاز المزبور يمنع عن انعقاد هذا الظهور في أصل الوجوب ؛ و ذلك لأنّ الارتكاز العرفي المحفوف به الكلام إذا كان على خلاف مدلوله الاستعمالي يمنع منه.1.

ص: 19


1- -جواهر الكلام 31:146.
2- -الحدائق الناضرة 24:587.
3- -وسائل الشيعة 20:210 ، كتاب النكاح ، أبواب مقدّمات النكاح ، الباب 117 ، الحديث 1.

و لو إلى أهلها حتّى لعيادة والدها أو في عزائه(1) ،تحرير الوسيلة 2:288و قد يتوهّم بأنّه من قبيل المخصّص المتّصل المانع من ظهور العامّ في العموم بحسب مدلوله الاستعمالي من دون أن يمنع انعقاد ظهوره في أصل الوجوب ، فإنّه يوجب صرف العموم عن متعلّق الأمر إلى غير المخصّص من أفراد العامّ ، كما في «أكرم العلماء إلّا الفسّاق» فإنّ الاستثناء المتّصل قرينة على كون متعلّق الأمر غير الفسّاق لا صرف صيغة الأمر عن ظهورها في الوجوب.و لكنّه توهّم غير وجيه ؛ إذ مع الارتكاز المزبور يكون الأمر بطاعة الزوج في مطلق الاُمور مستلزماً للاستثناء المستهجن ، نظراً إلى العلم بعدم وجوب طاعة الزوج في غير موارد معدودة ، فهذه القرينة اللبّية تمنع عن أصل ظهور قوله صلى الله عليه و آله:

«و لا تعصين بعولتكنّ في معروف» في وجوب طاعة الزوج في مطلق الاُمور.

و من هنا لا يصحّ توهّم أنّ مقتضى القاعدة وجوب طاعة الزوج، و أنّ عدم الوجوب يحتاج إلى الدليل بل الأمر بالعكس.عدم جواز صلة الوالدين بغير إذن الزوج

عدم جواز صلة الوالدين بغير إذن الزوج

1-دلّ على ذلك عدّة نصوص معتبرة.منها:صحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال:«إنّ رجلاً من الأنصار على عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله خرج في بعض حوائجه و عهد إلى امرأته عهداً أن لا تخرج من بيتها حتّى يقدم ، قال:و إنّ أباها مرض فبعثت المرأة إلى النبي ، فقالت:إنّ زوجي خرج و عهد إليّ أن لا أخرج من بيتي حتّى يقدم و إنّ أبي قد مرض ، فتأمرني أن أعوده ؟ فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله:لا ، اجلسي في بيتك و أطيعي زوجك فثقل فأرسلت إليه ثانياً بذلك فقالت:فتأمرني أن اعوده، فقال صلى الله عليه و آله:اجلسي

ص: 20

في بيتك و أطيعي زوجك ، قال:فمات أبوها فبعثت إليه أنّ أبي قد مات ، فتأمرني أن اصلّي عليه ؟ فقال صلى الله عليه و آله:لا ، اجلسي في بيتك و أطيعي زوجك ، قال:فدفن الرجل فبعث إليها رسول اللّه صلى الله عليه و آله إنّ اللّه قد غفر لك و لأبيك بطاعتك لزوجك» (1).هذه الرواية صحيحة بطريق الصدوق ، فإنّه رواها في «الفقيه» بسنده عن ابن أبي عمير عن عبد اللّه بن سنان و لكن وردت في واقعة شخصية في مورد عهد الزوج إلى امرأته بعدم خروجها من البيت في غيابه ، إلّا أنّ أمر النبي صلى الله عليه و آله إيّاها في طاعة الزوج و عدم الخروج من بيته ثلاث مرّات في الجواب عن سؤال الزوجة ظاهرٌ في وجوب طاعة الزوج في الخروج عن البيت حتّى في عيادة الوالدين و الأهل أو في عزائهم كما أفتى بذلك السيّد الماتن قدس سره ، فكأنّ نظره الشريف كان إلى متن هذه الرواية.و صحيح محمّد بن مسلم (2) المزبور آنفاً المصرّح بأنّ حقّ الزوج على الزوجة أعظم من جميع ما عليها من الحقوق حتّى حقّ الوالدين.و لكن ورد في قبال ذلك صحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

«ليس للمرأة أمرٌ مع زوجها في عتق و لا صدقة و لا تدبير و لا هبة و لا نذرٍ في مالها إلّا بإذن زوجها إلّا في زكاة أو برّ والديها أو صلة قرابتها» (3).فإنّ هذه الصحيحة دلّت بظاهرها على جواز خروج المرأة عن بيت زوجها بغير إذنه في برّ والديها أو صلة قرابتها ، فقد يتوهّم التعارض بين هذه الصحيحة و بين الطائفة الاُولى.1.

ص: 21


1- -الكافي 5:1/513 ؛ وسائل الشيعة 20:174 ، كتاب النكاح ، أبواب مقدّمات النكاح ، الباب 91 ، الحديث 1.
2- -تقدّم تخريجه في الصفحة 15.
3- -وسائل الشيعة 21:516 ، كتاب النكاح ، أبواب النفقات ، الباب 5 ، الحديث 1.

و لكن صحيحة عبد اللّه بن سنان الاُولى ورد في عهد الرجل بالمرأة في قضية شخصية فيحتمل كون أمره بجلوس المرأة في بيت زوجها لأجل خصوصية في العهد ، أو لخصوصية أمر الزوج بها بالقرار في البيت و عدم الخروج منه ، و ذلك بقرينة لفظ «أطيعي» الظاهر في أمر الزوج بذلك.و الكلام في اعتبار إذن الزوج و عدم جواز خروج المرأة من البيت بغير إذن زوجها لا في وجوب طاعته في ذلك لو صدر منه أمر.فتكون هذه الصحيحة أخصّ من المدّعى ، كما يمكن حملها على ترتّب مفسدة في مخالفة الزوج و الخروج عن البيت في سفره البعيد و لمّا كان النبي صلى الله عليه و آله عالماً بتلك المفسدة فأمر الزوجة بطاعة الزوج و عدم الخروج من البيت في ذلك المورد.فهذه الصحيحة لا تفيد شمول الحكم لغير موردها ؛ نظراً إلى عدم عموم أو إطلاق لها ، بل إنّما تدلّ على مفاد القضية الشخصية.اللهمّ إلّا بإلغاء الخصوصية عن موردها و هو مشكل كما قلنا.فالعمدة في المقام هي صحيحة محمّد بن مسلم و قد دلّت بإطلاقها على كون حقّ الزوج أعظم حتّى من حقّ الوالدين.و يقوّي ظهورها في تقدّم حقّ الزوج على حقّ الوالد تصريح النبي صلى الله عليه و آله بتقديم حقّ الوالد من حقّ غيره في الجواب عن سؤال المرأة بقولها:«يا رسول اللّه! من أعظم الناس حقّاً على الرجل ؟» فهذا الجواب من النبي صلى الله عليه و آله يدلّ على كون نظره الشريف في الجواب عن السؤال الثاني تفضيل حقّ الزوج مطلقاً حتّى من حقّ الوالد.فلا إشكال في ظهور هذه الصحيحة في تقديم حقّ الزوج على حقّ الوالدين مطلقاً.و أمّا صحيح عبد اللّه بن سنان الآخر فلا يصلح للمعارضة ؛ لوضوح أنّ

ص: 22

بل ورد:أن ليس لها أمر مع زوجها في صدقة و لا هبة و لا نذر في مالها إلّا بإذنه ، إلّا في حجّ أو زكاة أو برّ والديها أو صلة قرابتها(1)، و تفصيل ذلك كلّه موكول إلى محلّه. تحرير الوسيلة 2:288المقصود من قوله عليه السلام:«أو برّ والديها أو صلة قرابتها» هو البرّ و الصلة بإنفاق المال كما هو المنهيّ في العقد المستثنى منه.فليس المقصود هو البرّ و الصلة بالذهاب إليهم ليتوقّف على الخروج من البيت.و أمّا الإشكال بأنّه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، و أنّ صلة الوالدين و برّهما من أعظم الواجبات بعد عبادة اللّه كما قال تعالى: «وَ قَضى رَبُّكَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيّاهُ وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً» (1).و أنّ قطع الرحم و عقوق الوالدين من أبغض المحرّمات عند اللّه ، فكيف تقدّم طاعة الزوج على مثل هذا الحكم الإلهي ؟ففيه:أنّه بعد إيجاب طاعة الزوج بحكم الشارع يكون طاعته في الحقيقة امتثالاً لحكم الشارع و طاعة للخالق لا معصيته ، بل يكون مخالفته معصية و لو بصلة الوالدين لفرض دلالة الدليل المعتبر الشرعي على ذلك.

1-كما ورد في صحيح ابن سنان المذكور آنفاً إلّا أنّ في نسخ «الكافي» و«التهذيب» لم يذكر قوله:«في حجّ» و إنّما ذكر في «الفقيه» ، و قد روى الصدوق بإسناده عن عبد اللّه بن سنان و بإسناده عن الحسن بن محبوب عن عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«ليس للمرأة مع زوجها أمرٌ في عتق و لا في صدقة و لا تدبير و لا هبة و لا نذر في مالها إلّا بإذن زوجها إلّا في حجّ أو زكاة أو برّ والديها أو3.

ص: 23


1- -الإسراء (17):23.

صلة رحمها» (1) ، و لكن كلّها في الأصل رواية واحدة.و مقتضى الأصل عند الدوران بين الزيادة و النقيصة عدم الزيادة أي عدم كون لفظ «حجّ» زائداً فيثبت بذلك كونه من الرواية.ثمّ لا يخفى:أنّ ظاهر العقد المستثنى منه و إن كان عدم جواز هبة الزوجة و صدقتها و نذرها في مالها بدون إذن زوجها ، إلّا أنّه محمول على الكراهة كما عقد الباب في «الوسائل» (2) بهذا العنوان ، و لكن دلالتها على وجوب الاستئذان في الإنفاق حتّى من مالها لا يرفع اليد عنها إلّا بدليل و سيأتي الكلام فيه.و يؤيّده مرسل جميل في المرأة تهب من مالها شيئاً بغير إذن زوجها ؟ قال: «لا» (3).و الحكمة في منع إنفاق الزوجة بغير إذن زوجها حتّى من مالها لعلّه -و اللّه العالم-هو لفت أنظار الأجانب و جلب قلوبهم إلى نفسها و زرع بذر المحبّة في الرجال الأجانب بذلك.فلا بدّ من كون إنفاقها بمراقبة الزوج و بالاستئذان منه.نعم، في الواجبات المالية المتعلّقة بحقّ الإمام عليه السلام أو عموم الفقراء أو الجهات الخيرية العامّة لا حاجة إلى إذنه لعدم وجود هذا المحذور.و أمّا احتمال كون المراد من مالها هو ما كان بيدها من أموال زوجها نظير «من بيتها» الوارد في بعض النصوص ، فكما يكون المراد بيت زوجها و إنّما اضيف إليها بلحاظ سكونتها فيه ، فكذلك في «مالها» بلحاظ كونها بيدها و إعطاء الزوج اختياره إليها.2.

ص: 24


1- -وسائل الشيعة 19:214 ، كتاب الوقوف و الصدقات ، الباب 17 ، الحديث 1.
2- -وسائل الشيعة 21:516 ، كتاب النكاح ، أبواب النفقات ، الباب 5.
3- -وسائل الشيعة 19:214 ، كتاب الوقوف و الصدقات ، الباب 17 ، الحديث 2.

(مسألة 3):لا يصحّ نذر الزوجة مع منع الزوج ؛ و إن كان متعلّقاً بمالها(1) و لم يكن العمل به مانعاً عن حقّه ، بل الظاهر اشتراط انعقاده بإذنه ، و لو أذن لها فنذرت انعقد ، و ليس له بعد ذلك حلّه و لا المنع عن الوفاء به ،... تحرير الوسيلة 2:111فهو مخالف لظهور إضافة الشيء إلى الشخص في الملكية ، مع أنّه لا شاهد لهذا الاحتمال.هذا مضافاً إلى أنّ استثناء الزكاة قرينة قطعية إلى إرادة أموالها المملوكة.

نذر المرأة و يمينها وهبتها و صدقتها

1-إنّ اشتراط إذن الزوج في صحّة نذر المرأة في مالها مشهور بين الأصحاب كما قال به في «المسالك» (1) و«الجواهر» (2) و غيرهما.و قد دلّ على ذلك صحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«ليس للمرأة مع زوجها أمرٌ في عتق و لا صدقة و لا تدبير و لا هبة و لا نذر في مالها إلّا بإذن زوجها إلّا في حجّ أو زكاة أو برّ والديها أو صلة رحمها» (3) ، فإنّ لفظ الأمر في كلام الإمام عليه السلام بمعنى الشأن ؛ أي ليس للمرأة مع زوجها شأنٌ ، أي لا نفوذ.و مرجع ذلك إلى نفي صحّة الاُمور المذكورة.و أيضاً يدلّ عليه ما دلّ على عدم انعقاد يمين الزوجة بغير إذن زوجها بناءً على إرادة النذر من اليمين كما اطلق عليه في النصوص، و قد ذكر بعض هذه

ص: 25


1- -مسالك الأفهام 11:310.
2- -جواهر الكلام 35:358.
3- -وسائل الشيعة 23:315 ، كتاب النذر و العهد ، الباب 15 ، الحديث 1.

النصوص في «الجواهر» (1) فراجع ، و لا أقلّ من شموله للنذر.و لا يخفى:أنّ محلّ الكلام نذر المرأة في مال شخصها.و أمّا في مال زوجها فلا ريب في عدم جواز نذرها فيه بغير إذن الزوج ؛ نظراً إلى حرمة التصرّف في مال الغير بغير إذنه و رضاه بلا فرق بين الزوج و غيره ؛ لعموم قوله عليه السلام:«لا يحلّ مال امرءٍ مسلم إلّا بطيبة نفسه» (2) ، فهذا لا كلام فيه.و إنّما الكلام في جواز نذرها في مال نفسها بغير إذن الزوج.و الذي دلّ عليه الصحيح المزبور هو هذا المعنى الذي محلّ الكلام ، و مع وجود هذا النصّ الصحيح تبيّن أنّه لا وجه لما قال في «المسالك»:«لا نصّ على ذلك كلّه هنا و إنّما ورد في اليمين» (3).و كذا اليمين فلا تنعقد من الزوجة بغير إذن زوجها بلا خلاف كما في «الجواهر» (4) و لا إشكال كما في «المسالك» (5).و قد دلّت عليه عدّة نصوص:منها:صحيح منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله:

لا يمين للولد مع والده و لا للمملوك مع مولاه و لا للمرأة مع زوجها و...» (6).منها:خبر ابن القدّاح عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«لا يمين لولد مع2.

ص: 26


1- -جواهر الكلام 35:358.
2- -وسائل الشيعة 5:120 ، كتاب الصلاة ، أبواب مكان المصلّي ، الباب 3 ، الحديث 1.مع تفاوت يسير.
3- -مسالك الأفهام 11:310.
4- -جواهر الكلام 35:260.
5- -مسالك الأفهام 11:206.
6- -وسائل الشيعة 23:217 ، كتاب الأيمان ، الباب 10 ، الحديث 2.

والده و لا للمرأة مع زوجها...» (1).و خبر أنس بن محمّد عن أبيه عن جعفر بن محمّد عليه السلام عن آبائه عليهم السلام في وصيّة النبي صلى الله عليه و آله لعلي عليه السلام قال:«و لا يمين في قطيعة رحم و لا يمين لولد مع والده و لا لامرأةٍ مع زوجها...» (2).و لعلّ الحكمة في اختصاص النذر و اليمين بذلك:أنّ للزوجة توجد بهما سلطة على الزوج.فكلّما إذا شاءت تتمكّن أن تخرج بذلك عن تحت سلطة الزوج ، بل تتسلّط و تتوفّق عليه ، فسدّ الشارع هذا الطريق عليها.و الحاصل:أنّه لا ينعقد نذر و لا يمين للزوجة بغير إذن زوجها.قال السيّد الإمام قدس سره في المسألة التاسعة من كتاب اليمين:لا تنعقد يمين الولد مع منع الوالد و لا يمين الزوجة مع منع الزوج إلّا أن يكون المحلوف عليه فعل واجب أو ترك حرام...و هل يشترط إذنهما و رضاهما في انعقاد يمينهما حتّى أنّه لو لم يطّلعا على حلفهما أو لم يحلّا مع علمهما لم تنعقد أصلاً ، أو لا، بل كان منعهما مانعاً عن انعقادها و حلّهما رافعاً لاستمرارها فتصحّ و تنعقد في الصورتين المزبورتين ؟ قولان ، أوّلهما لا يخلو من رجحان.فحينئذٍ لا يبعد عدم الانعقاد بدون إذنهما حتّى في فعل واجب أو ترك حرام ، لكن لا يترك الاحتياط خصوصاً فيهما (3).و لكنّ التحقيق عدم اشتراط إذن الزوج في صحّة نذر الزوجة و لا مانعية منعه عن انعقاده و كذلك في يمينها إذا تعلّقا بفعل واجب و ترك حرام.و ذلك لوضوح عدم اعتبارٍ لإذن الزوج و لا منعه في وجوب إتيان الزوجة بالواجبات و تركها9.

ص: 27


1- -وسائل الشيعة 23:216 ، كتاب الأيمان ، الباب 10 ، الحديث 1.
2- -وسائل الشيعة 23:217 ، كتاب الأيمان ، الباب 10 ، الحديث 3.
3- -تحرير الوسيلة 2:108-109.

للمحرّمات ، فليس وجوب ذلك من ناحية الوفاء بالنذر و اليمين ، بل إنّما هو لنفس الأمر المتعلّق بذلك الواجب و النهي عن ذلك الحرام.و بهذا الاعتبار يصحّ القول بعدم انعقاد نذر الزوجة و لا يمينها بغير إذن الزوج مطلقاً ، حتّى في فعل الواجبات و ترك المحرّمات.نعم ، يمكن كون فعل الواجب و ترك الحرام وفاءً لليمين أيضاً فيما إذا أذن الزوج.و أمّا إذا كان حلفها بغير إذنه فلا يكون ذلك وفاءً لليمين ، بل امتثال للأمر الأوّلي المتعلّق بالواجب و النهي المتعلّق بالحرام، و أمّا وجه ما ذهب إليه السيّد الإمام قدس سره من عدم انعقاد يمينها بدون إذن الزوج حتّى في فعل الواجب و ترك الحرام ، فلعلّه عموم «لا» النافية للجنس في قوله عليه السلام:«لا يمين للمرأة مع زوجها»، و لكنّه غير وجيه، إذ ظاهره نفي نفوذ جنس اليمين و ليس وجوب فعل الواجب و لا ترك الحرام من ناحية نفوذ اليمين حتّى يفنى ، و لعلّه مراد السيّد الماتن قدس سره.و أمّا الصدقة و الهبة:فقد يستدلّ على عدم جوازهما للزوجة بغير إذن زوجها حتّى في مالها بصحيح ابن سنان المزبور.و لكن يشكل باحتمال رجوع القيد «في مالها» إلى الأخير الأقرب المانع عن رجوعه إلى الأبعد.مضافاً إلى مخالفة المشهور لاعتبار إذن الزوج فيهما ، فالأقوى جوازهما للزوجة في مالها بغير إذن زوجها ما دام لم تضيّع بذلك حقّه و لم يوجب مفسدة كجلب أنظار الأجانب بإنفاق المال.هذا مع دلالة بعض النصوص على جواز تصدّق المرأة من بيت زوجها بغير إذنه في المحقّرات.مثل موثّقة محمّد بن الوليد عن عبد اللّه بن بكير قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عمّا يحلّ للمرأة أن تتصدّق من بيت زوجها بغير إذنه ، قال عليه السلام:

ص: 28

و أمّا حقّها عليه فهو أن يُشبعها و يكسوها ، و أن يغفر لها إذا جهلت ، و لا يقبّح لها وجهاً(1)، كما ورد في الأخبار ، و التفصيل موكول إلى محلّه. تحرير الوسيلة 2:288«المأدوم» (1) .قوله عليه السلام:«المأدوم» من الإدام أي ما يطيب به الطعام ، و المقصود جواز تصدّقها من بيت زوجها في المحقّرات مثل ما يطيب به الطعام و لا مفهوم له ليدلّ على عدم جوازه في غيره ؛ لوضوح أنّ إثبات شيء لا ينفي عمّا عداه.نعم ، يستفاد من بعض النصوص عدم جواز هبة الزوجة من مالها بغير إذن زوجها مثل مرسل جميل عن بعض أصحابنا في المرأة تهب من مالها شيئاً بغير إذن زوجها ؟ قال:«لا» (2) .و لكن لا يخفى ضعفه بالإرسال ، بل لم يثبت كونه قول المعصوم عليه السلام لعدم إسناد إليه عليه السلام و لو مضمراً ، بل الظاهر أنّه قول غير الإمام عليه السلام.

في حقوق الزوجة على الزوج

1-لا إشكال و لا خلاف في ذلك بين الفقهاء ، و قد دلّ عليه الكتاب و السنّة المتواترة و السيرة القطعية من النبي صلى الله عليه و آله و أهل البيت عليهم السلام.فمن الكتاب قوله تعالى: «وَ لَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَ لِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ» (3) فقد دلت هذه الآية بالصراحة على أنه كما يكون للزوج حقوق على الزوجة كذلك يكون للزوجة على الزوج حقوق مثل حقوق الزوج إلا أن للرجال درجة و فضلا في الحقوق، بمعنى أن حق الزوج على الزوجة أعظم من

ص: 29


1- -وسائل الشيعة 19:214، كتاب الوقوف و الصدقات، الباب 17، الحديث 3.
2- -وسائل الشيعة 19:214 ، كتاب الوقوف و الصدقات ، الباب 17 ، الحديث 2.
3- -البقرة (2):228.

حقها عليه.و قد فسرت الدرجة بوجوب طاعة الزوجة من الزوج في موارد في الجملة.و لكن لا يجب على الزوج طاعة الزوجة في مورد حتى المعروف ، بل أمر في النصوص بمخالفته لها في المعروف حتى لا تطمع في المنكر.و أيضا فسرت الدرجة بالإرث.و الحاصل:أنه لا إشكال في صراحة الآية في ثبوت حقوق للزوجة على الزوج ، و قد فسّرت هذه الحقوق في النصوص و ستأتي.و من ذلك قوله تعالى: «وَ عَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَ كِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ» (1)-النساء (4):19.(2) .

فقد صرّح في هذه الآية ببعض الحقوق التي ثبتت في الشريعة المقدّسة للزوجة على الزوج ، و هو تأمين نفقة الزوجة و كسوتها.بل يعلم منه وجوب تأمين مسكنها ، بل كلّ ما تحتاج إليه في معاشها اليومية بمقدار المعروف اللائق بشأنها حسب المتعارف.و هذا التعميم إنّما هو لأجل القطع بعدم خصوصية في بعض ما تحتاج إليه المرأة ، و عدم تفصيل في البين.و منه قوله تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً وَ لا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَ عاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَ يَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً» (2) .

قوله:لا تعضلوهنّ أي لا تمنعوهنّ من التزويج.دلّت هذه الآية على أمرين ؛ أحدهما:أنّ الرجل إذا لم يكن له ميل بالمرأة بأن كان كارهاً لها و لم يكن له فيها حاجة لا يجوز له حبسها في البيت بلا استمتاع و لا حسن معاشرة بقصد أن تموت في بيته ، فيرث أموالها أو استراد ما أنفق عليها9.

ص: 30


1- -البقرة
2- :233.

من المهر و النفقات ، كما قال به المفسّرون، و نطقت به النصوص الكثيرة (1).بل يجب عليه إمّا قضاء حوائجها المشروعة و حسن معاشرتها بالمعروف المشروع المستحسن عند العقل و الفطرة و العقلاء من دون تعدٍّ و ظلم أو تخلية سبيلها بالطلاق لازدواجها مع زوج آخر.و هذا هو المراد من قوله تعالى: «فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَ لا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَ لا تَتَّخِذُوا آياتِ اللّهِ هُزُواً» (2).قوله تعالى: «ظَلَمَ نَفْسَهُ» أي اشترى سخط اللّه و عذاب الآخرة بالعصيان و الطغيان عمّا أوجب اللّه تعالى عليه في هذه الآية ، بل عدّ ذلك استهزاءً بآيات اللّه فكأنّه تعالى ينادي بهذا البيان أنّ التبعيض بين الرجل و المرأة بعدم رعاية حدود اللّه بالمعاشرة بالمعروف و بالإضرار و الظلم و التعدّي في حقّ الزوجة بمثابة استهزاء أحكام اللّه ؛ لكون ذلك خلاف حكم العقل البديهي و الوجدان و الفطرة التي فطر الناس عليها.إلى غير ذلك من الآيات الناطقة بذلك لا مجال لذكرها هنا.ثانيهما:وجوب المعاشرة بالمعروف و حسن السلوك مع النساء.و من ذلك قوله: «أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ...» (3).فإنّه و إن ورد في النساء المطلّقات إلّا أنّه يدلّ على المطلوب بالفحوى.و كذا قوله: «الرِّجالُ قَوّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما أَنْفَقُوا» فدلّ على أنّ كون الإنفاق في عهدة الرجال مفروغ عنه.و الحاصل:أنّ تأمين ما تحتاج إليه النساء من النفقات في المأكل أو الملبس6.

ص: 31


1- -تفسير نور الثقلين 1:136/458-139 و راجع:غيره من الجوامع الروائية.
2- -البقرة (2):231.
3- -الطلاق (65):6.

أو المسكن و غير ذلك و أيضاً حسن السلوك و المعاشرة بالمعروف قد نطقت الآيات القرآنية بوجوبهما على الزوج.فلو لم ترد أيّة رواية لَكفت الآيات لإثبات ذلك.و من السنّة:قد وردت نصوص متواترة دلّت على ذلك و نكتفي في هذا المختصر بذكر بعضها.فمنها:صحيح ربعي بن عبد اللّه و الفضيل بن يسار جميعاً عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قوله تعالى: «وَ مَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمّا آتاهُ اللّهُ» قال عليه السلام:«إن أنفق عليها ما يقيم ظهرها مع كسوة و إلّا فرّق بينهما» (1).منها:صحيح جميل بن درّاج قال:لا يجبر الرجل إلّا على نفقة الأبوين و الولد.قال ابن أبي عمير قلت لجميل:و المرأة ؟ قال:قد روى عنبسة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«إذا كساها ما يواري عورتها و يطعمها ما يقيم صُلبَها أقامت معه و إلّا طلّقها».قلت:فهل يُجبر على نفقة الاُخت ؟ فقال:لو اجبر على نفقة الاُخت كان ذلك خلاف الرواية (2).منها:صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:قلت:من الذي اجبر على نفقته ؟ قال عليه السلام :«الوالدان و الولد و الزوجة و الوارث الصغير» (3).منها:صحيح أبي بصير (يعنى المرادي) قال:سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول:

«من كانت عنده امرأة فلم يكسُها ما يواري عورتها و يُطعمها ما يقيم صلبها كان حقّاً على الإمام أن يفرّق بينهما» (4).2.

ص: 32


1- -وسائل الشيعة 21:509 ، كتاب النكاح ، أبواب النفقات ، الباب 1 ، الحديث 1.
2- -وسائل الشيعة 21:510 ، كتاب النكاح ، أبواب النفقات ، الباب 1 ، الحديث 4.
3- -وسائل الشيعة 21:511 ، كتاب النكاح ، أبواب النفقات ، الباب 1 ، الحديث 11.
4- -وسائل الشيعة 21:509 ، كتاب النكاح ، أبواب النفقات ، الباب 1 ، الحديث 2.

منها:موثّق إسحاق بن عمّار:أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن حقّ المرأة على زوجها ، قال عليه السلام:«يشبع بطنَها و يكسو جثّتها و إن جهلت غفر لها» (1).إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة الدالّة على وجوب الإنفاق على الزوجة و حرمة أذاها و تقبيح الوجه و التضييق عليها.و أمّا ثبوت حقّ واجب غير ذلك للزوجة على الزوج فيستفاد من بعض النصوص عدمه.فمن هذه النصوص صحيح شهاب بن عبد ربّه قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:ما حقّ المرأة على زوجها ؟ قال :«يسدّ جوعتها و يستر عورتها و لا يقبّح لها وجهاً ، فإذا فعل ذلك فقد و اللّه أدّى إليها حقّها» (2).هذه الرواية صحيحة بطريق الشيخ و لا إشكال في دلالتها المؤكّدة بالقسم.و يؤيّدها خبر العزرمي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«جاءَت امرأة إلى النبي صلى الله عليه و آله فسألته عن حقّ الزوج على المرأة فخبّرها ، ثمّ قالت:فما حقّها عليه ؟ قال صلى الله عليه و آله:

يكسوها من العَرى و يُطعمها من الجوع و إذا أذنبت غفر لها ، قالت:فليس لها عليه شيءٌ غير هذا ؟ قال صلى الله عليه و آله:لا» (3).هذا ، مضافاً إلى احتياج إثبات حقّ واجب آخر للزوجة على الزوج إلى دليل شرعي يدلّ على ذلك ، فإذا لم ترد في المقام رواية تدلّ على ذلك بالخصوص يكون إيجاب وظيفة اخرى على الرجل خلاف القاعدة، فضلاً عن دلالة النصّ الصحيح الصريح في نفي ذلك.7.

ص: 33


1- -وسائل الشيعة 21:510 ، كتاب النكاح ، أبواب النفقات ، الباب 1 ، الحديث 3.
2- -وسائل الشيعة 21:513 ، كتاب النكاح ، أبواب النفقات ، الباب 2 ، الحديث 1.
3- -وسائل الشيعة 21:511 ، كتاب النكاح ، أبواب النفقات ، الباب 1 ، الحديث 7.

هذا ، و لكنّ الإنصاف أنّ مدلول هذين الخبرين لا ينافي ثبوت بعض حقوق اخرى بالدليل المعتبر.

بعض حقوق واجبة اخرى بين الزوجين

بقي الكلام في بعض حقوق اخرى للرجل يجب على الزوجة القيام به.منها:حقّ الاستمتاع ، فيجب على الزوجة التمكين منه و لو على ظهر قتب -كما ورد هذا التعبير في النصوص-و يحرم عليها الامتناع منه إذا طلب منها الزوج ، و هذا ممّا لا خلاف فيه بين الفقهاء.و قد دلّت عليه نصوص معتبرة متظافرة ، كقول النبي صلى الله عليه و آله في صحيح محمّد بن مسلم:«و لا تمنعه نفسها و إن كانت على ظهر قتب» (1)، أي على ظهر رحل الدابّة من بعير و غيره من المراكب.و مثله:خبر أبي بصير (2).و صحيح أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال:«قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله:لا تطولنّ صلاتكنّ لتمنعن أزواجكنّ» (3).و خبر ضريس الكناسي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«إنّ امرأة أتت رسول اللّه لبعض الحاجة.فقال لها:لعلّكِ من المسوّفات ، قالت:و ما المسوّفات يا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟ قال:المرأة التي يدعوها زوجها لبعض الحاجة فلا تزال تسوّفه حتّى ينعس زوجها فينام فتلك التي لا تزال الملائكة يلعنها حتّى يستيقظ

ص: 34


1- -وسائل الشيعة 20:157 ، كتاب النكاح ، أبواب مقدّمات النكاح ، الباب 79 ، الحديث 1.
2- -وسائل الشيعة 20:158 ، كتاب النكاح ، أبواب مقدّمات النكاح ، الباب 79 ، الحديث 3.
3- -وسائل الشيعة 20:164 ، كتاب النكاح ، أبواب مقدّمات النكاح ، الباب 83 ، الحديث 1.

زوجها» (1) .و غير ذلك من النصوص.منها:حقّ الطلاق ؛ فإنّه بيد الزوج كما يظهر من جميع الآيات الناطقة بآيات الطلاق ، ففي جميعها خوطب الرجال بالطلاق و جعل أمره بأيديهم و لم يسند في واحدٍ منها إلى النساء.و يدلّ عليه أيضاً قوله تعالى: «الرِّجالُ قَوّامُونَ عَلَى النِّساءِ» .وجه الدلالة أنّ كون الطلاق بيد الرجال ممّا يوجب سلطتهم عليهنّ و إلّا فينقلب الأمر إلى العكس لوضوح كون السلطة لمن بيده الطلاق.بل لا خلاف بين الأصحاب أنّه لو شرط المرأة على الرجل في متن عقد الزواج كون الطلاق بيدها يفسد الشرط و إن قبله الزوج فلا نفوذ لهذا الشرط و لا يجب على الرجل الوفاءُ به ، فضلاً عن صورة عدم الاشتراط.بل اتّفقوا على أنّ الرجل لو خيّر امرأته اختيار الطلاق فاختارت الطلاق لا حكم له ، بل العقد باقٍ على صحّته.كما قال في «الجواهر»:«لم يُحك الخلاف في ذلك إلّا من ابني أبي عقيل و الجنيد و المرتضى» (2).و قد دلّت على ذلك عدّة نصوص معتبرة.فمنها:صحيح محمّد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام:«أنّه قضى علي عليه السلام في رجل تزوّج امرأةً و أصدقته هي و اشترطت عليه أنّ بيدها الجماع و الطلاق .

قال عليه السلام:خالفت السنّة و وَلِيَت حقّاً ليست بأهله، فقضى أنّ عليه الصداق و بيده الجماع و الطلاق و ذلك السنّة» (3).1.

ص: 35


1- -وسائل الشيعة 20:164، كتاب النكاح، أبواب مقدّمات النكاح، الباب 83، الحديث 2.
2- -جواهر الكلام 32:68.
3- -وسائل الشيعة 21:289 ، كتاب النكاح ، أبواب المهور ، الباب 29 ، الحديث 1.

و مثله مرسل مروان (1) و مرسل ابن بكير (2).و منها:صحيح عيص بن القاسم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:سألته عن رجلٍ خيّر امرأته فاختارت نفسها ، بانت منه ؟ قال عليه السلام :«لا ، إنّما هذا شيءٌ كان لرسول اللّه صلى الله عليه و آله خاصّةً ، امِر بذلك ففعل ، و لو اخترن أنفسهنّ لطلّقهنّ و هو قول اللّه عزّ و جلّ:

«قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَ زِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَ أُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلاً» (3) .فهذا الصحيح دلّ أوّلاً:على عدم مشروعية اختيار المرأة طلاق نفسها لو خيّرها زوجها في ذلك.و ثانياً:على اختصاص ذلك بالنبي صلى الله عليه و آله و عدم ثبوته لغيره.و ثالثاً:على أنّ النبي صلى الله عليه و آله كان يطلّق نساءَه لو اخترن أنفسهنّ من دون أن يقع الطلاق بمجرّد اختيارهنّ.و مثله:موثّق زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال:قلت له:رجل خيّر امرأته.

قال عليه السلام:«إنّما الخيار لها ما داما في مجلسهما فإذا تفرّقا فلا خيار لها» (4).و منها:صحيح محمّد بن مسلم.قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:إنّي سمعت أباك يقول:إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله خيّر نساءَه فاخترن اللّه و رسوله و لم يمسكهنّ على طلاقٍ و لو اخترن أنفسهنّ لَبِنَّ ، فقال عليه السلام:«إنّ هذا حديث كان يرويه أبي عن عائشة و ما7.

ص: 36


1- -وسائل الشيعة 22:93 ، كتاب الطلاق ، أبواب مقدّماته و شرائطه ، الباب 41 ، الحديث 5.
2- -وسائل الشيعة 22:98 ، كتاب الطلاق ، أبواب مقدّماته و شرائطه ، الباب 42 ، الحديث 1.
3- -وسائل الشيعة 22:93 ، كتاب الطلاق ، أبواب مقدّماته و شرائطه ، الباب 41 ، الحديث 4.
4- -وسائل الشيعة 22:94 ، كتاب الطلاق ، أبواب مقدّماته و شرائطه ، الباب 41 ، الحديث 7.

للنساء و الخيار ؟ إنّما هذا شيءٌ خصّ اللّه به رسوله» (1).فإنّ قوله عليه السلام:«و ما للنساء و الخيار» يدلّ بالوضوح على عدم كون أمر الطلاق بيد النساء و نفي صلاحيتهنّ لذلك.و منها:النبوي المقبول:«الطلاق بيد من أخذ بالساق» (2) .إلى غير ذلك من النصوص المتظافرة.و يفهم من جميع هذه النصوص أنّ أمر الطلاق ليس محض حقٍّ للرجل لكي يغمض عنه و يفوّضه إلى المرأة ، بل هو حكم شرعي توقيفي غير قابل للتغيّر و التخلّف بأيّ وجهٍ.ثمّ إنّ من حقّها عليه المسكن بقدر شأنها و لكن ليس لها الخيار في انتخاب مكان السكنى و لا كيفية ذلك ، بل أمر ذلك بيد الزوج.و الوجه في ذلك:عموم قوله عليه السلام في صحيح عبد اللّه بن سنان السابق:«ليس للمرأة أمر مع زوجها...» (3) .و إطلاق ما دلّ على كون حقّه عليها أعظم من حقّها عليه ، كما في صحيح محمّد بن مسلم (4) ، فإذا دار الأمر في انتخاب مكان المسكن و خصوصياته فمقتضى هذا الصحيح تقديم حقّ الزوج.و قد دلّ على ذلك أيضاً قوله تعالى: «أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ1.

ص: 37


1- -وسائل الشيعة 22:92 ، كتاب الطلاق ، أبواب مقدّماته و شرائطه ، الباب 41 ، الحديث 3.
2- -مستدرك الوسائل 15:306 ، كتاب الطلاق ، أبواب مقدّماته و شرائطه ، الباب 25 ،الحديث 3 ؛ كنز العمّال 9:640.
3- -وسائل الشيعة 21:516 ، كتاب النكاح ، أبواب النفقات ، الباب 5 ، الحديث 1.
4- -وسائل الشيعة 20:157 ، كتاب النكاح ، أبواب مقدّمات النكاح ، الباب 79 ، الحديث 1.

(مسألة 2): إذا شرط في عقد النكاح ما يخالف المشروع ، مثل أن لا يمنعها من الخروج من المنزل متى شاءت ، و إلى أين شاءت ، أو لا يعطي حقّ ضرّتها من المضاجعة و نحوها ، و كذا لو شرط أن لا يتزوّج عليها ، أو لا يتسرّى ، بطل الشرط ، و صحّ العقد(1) و المهر و إن قلنا بأنّ الشرط الفاسد يفسد العقد. تحرير الوسيلة 2:287 وُجْدِكُمْ» (1) فإنّ هذه الآية و إن وردت في المطلّقة و لكن لا خصوصية لموردها من حيث يستفاد منه أنّ انتخاب المسكن باختيار الزوج بدلالة قوله تعالى: «مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ» كما لا خصوصية من جهة كون ذلك بقدر وُجد الرجل و وُسعه ، و إنّما الخصوصية من جهة توهّم انتفاء أصل حقّ السكنى للزوجة بالطلاق فأمر اللّه تعالى بذلك دفعاً لهذا الوهم.هذا مضافاً إلى أنّ أصل النفقة و تهيئة المسكن إذا كان بيد الزوج-كما سبق البحث عنه آنفاً-فكذلك مكانه و خصوصياته.نعم، لا بدّ أن يكون اختيار المسكن من جانب الزوج على الوجه المعروف من غير تضييق على الزوجة و لا إضرارٍ بها كما قال تعالى: «وَ لا تُضآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ» في ذيل الآية المزبورة.

حكم الشرط المخالف للمشروع من جانب الزوج أو الزوجة

اشارة

1-قد تعرّض الفقهاء لحكم الشرط المخالف للكتاب و السنّة في موارد من أبواب الفقه.و عمدة ذلك موردان:أحدهما:في بيان حكم الشرط الواقع في ضمن العقد المعاملي، من بيع و نحوه.

ص: 38


1- -الطلاق (65):6.

ثانيهما:في باب المهور من النكاح فحكموا ببطلان اشتراط ترك التزوّج و التسرّي للزوجة و عدم منعها من الخروج عن المنزل متى شاءَت حين عقد النكاح.و بعدم جواز جعل ذلك مهراً من جانب الزوجة.مستدلاًّ بكون شرط ذلك مخالفاً للكتاب و السنّة في مثل هذه الموارد.و قد استندوا في ذلك-مضافاً إلى القاعدة المزبورة-إلى نصوص خاصّة سنذكرها.ثمّ إنّه قد نسب الحكم المزبور في «الحدائق» إلى المشهور بين الأصحاب، بل إلى ظاهر كلام الشيخ في «المبسوط» أنّه متفقٌ بين الأصحاب (1).و كذا في «المسالك» و«الجواهر» و«كشف اللثام» (2)، نسب ذلك إلى اتّفاقهم.

تنقيح أقوال الفقهاء
اشارة

يناسب في المقام تنقيح كلمات بعض الفحول من الفقهاء المحقّقين في المقام نظراً إلى أهمّية هذا البحث و شدّة الابتلاء بهذا الفرع و إلى ما في كلماتهم من النكات الدقيقة العلمية النافعة في المقام.

رأي الشيخ الطوسي

قال الشيخ قدس سره في «النهاية»:«فإن عقد الرجل على امرأةٍ و شرط لها في الحال شرطاً مخالفاً للكتاب و السنّة كان العقد صحيحاً و الشرط باطلاً.مثلاً أن يشرط لها ألّا يتزوّج عليها.و لا يتسرّى أو لا يتزوّج بعد موتها و ما أشبه ذلك.فإنّ ذلك كلّه باطل فليفعل، و ليس عليه شيءٌ» (3).

ص: 39


1- -الحدائق الناضرة 24:525 و527.
2- -مسالك الأفهام 8:245 ؛ جواهر الكلام 31:95 ؛ كشف اللثام 7:420.
3- -النهاية:473.
كلام الفاضل الهندي

قال في «كشف اللثام»:و بطل الشرط إن خالف المشروع اتّفاقاً.و لقوله في خبر ابن سنان:«من اشترط شرطاً سوى كتاب اللّه فلا يجوز ذلك له و لا عليه».. (1) .

و مخالف المشروع مثل أن يشترط لها أو عليه (2) أن لا يتزوّج عليها أو لا يتسرّى عليها أو لا يمنعها من الخروج من المنزل متى شاءَت...فالعقدان (3) و المهران صحيحان لوجود مقتضيهما و انتفاء المانع، و يبطل الشرط خاصّة لمخالفة المشروع.

و يُرشد إلى جميع ذلك-مع ما عرفت-خبر محمّد بن قيس عن الباقر عليه السلام في رجل تزوّج امرأة و شرط لها إن هو تزوّج عليها امرأة أو هجرها، أو اتّخذ عليها سريّة منهى طالق، فقضى في ذلك؛ «إنّ شرط اللّه قبل شرطكم، فإن شاء وفى لها بما شرطه، و إن شاء أمسكها، و اتّخذ عليها و نكح عليها» (4).و صحيحة إن كان البجلي بقرينة رواية عاصم بن حميد عنه، عنه عليه السلام قال:

«قضى علي عليه السلام في رجل تزوّج امرأة و أصدقها و اشترطت أنّ بيدها الجماع و الطلاق .قال عليه السلام:خالفت السنّة و ولّيت الحقّ من ليس بأهله، قال:فقضى أنّ على الرجل النفقة و بيده الجماع و الطلاق و ذلك السنّة» (5) .و كذا لو شرط تسليم المهر في أجلٍ ، و إن لم يسلّمه كان العقد باطلاً.فإنّه يبطل الشرط...دون العقد لما عرفت

ص: 40


1- -وسائل الشيعة 21:297، كتاب النكاح، أبواب المهور، الباب 38، الحديث 2.
2- -أي تشترط الزوجة ذلك على الزوج.
3- -التثنية:بلحاظ (لها و عليه) لكون ذلك في عقدين.
4- -وسائل الشيعة 21:296-297، كتاب النكاح، أبواب المهور، الباب 38، الحديث 1.
5- -وسائل الشيعة 21:289 ، كتاب النكاح ، أبواب المهور ، الباب 29 ، الحديث 1 ؛ تهذيب الأحكام 7:60/369.

و لصحيح محمّد بن قيس عن الباقر عليه السلام قال:«قضى علي عليه السلام في رجلٍ يتزوّج المرأة إلى أجلٍ مسمّى فإن جاء بصداقها إلى أجلٍ مسمّى فهي امرأته و إن لم يجئ بالصداق فليس له عليها سبيل ، شرطوا بينهم حيث أنكحوا.فقضى عليه السلام أنّ بيد الرجل بضع امرأته و أحبط شرطهم» (1) .انتهى كلام فاضل الهندي في «كشف اللثام» (2).

كلام ميرزا القمي قدس سره

و ممّن تعرّض للمقام هو المحقّق ميرزا القمي قدس سره صاحب «القوانين» على ما حكى عنه الشيخ الأعظم رحمه الله.و حاصله:إنّ الشروط على قسمين:قسم منها:لا يجوز في نفسه مع قطع النظر عن الاشتراط مثل شرب الخمر و الزنا.و قسم آخر:لا يجوز بلحاظ الالتزام و الاشتراط كشرط أخذ الظفر بالسن و شرط فعل النوافل أبداً أو ترك لُبس الخزّ أبداً ، فالالتزام بترك المباح أو فعل المرجوح إلى الأبد لا يجوز إلّا فيما دلّ دليل على جوازه كموارد النذر و اليمين، كما دلّ عليه قول علي عليه السلام في موثّقة عمّار:«من اشترط لامرأته شرطاً فلْيَفِ لها به فإنّ المسلمين عند شروطهم إلّا شرطاً حرّم حلالاً أو أحلّ حراماً» (3).فإن قلت:إنّ الشرط أيضاً-كالنذر و نحوه-من الأسباب المغيّرة للحكم ، بل الغالب أنّ الاُمور الجائزة تصير بالاشتراط واجبةً ، مثل بيع المال المملوك أو هبته ؛

ص: 41


1- -وسائل الشيعة 21:265 ، كتاب النكاح ، أبواب المهور ، الباب 10 ، الحديث 2.
2- -كشف اللثام 7:420-421.
3- -وسائل الشيعة 21:300 ، كتاب النكاح ، أبواب المهور ، الباب 40 ، الحديث 4.

حيث يكون في نفسه جائزاً و لكن يجب بالاشتراط ضمن العقد.فلا وجه لتخصيص شرط الجائز بغير المذكورات-من فعل المرجوحات أو ترك المباحات و المندوبات-لأنّ جميعها تصير بالاشتراط واجبة كما تجب بالنذر و الحلّ.

و الشرط في جميع هذه الأمثلة نافذٌ يجب الوفاءُ به.قلت:إنّ المراد بتحليل الحرام و تحريم الحلال هو الالتزام بترك المباح و فعل الحرام على النحو الكلّي الدائم بحيث يتضمّن إبداء حكم جديد غير الحكم الأوّلي.

و يؤسّس حكماً كلّياً مغايراً لحكم الكتاب و السنّة من دون لحاظ الخصوصيات الفردية لذلك الحكم.فكما أنّ تحريم الخمر و الزنا و تحليل البيع و التزوّج و التسرّي على الزوجة من جانب الشارع يكون كلّياً فكذلك تحليل الحرام و تحريم الحلال من جانب المكلّف يكون باشتراطه ترك المباح و فعل الحرام على النحو الكلّي ، بحيث يقنّن بذلك حكماً جديداً-في حقّ نفسه-مغايراً للحكم الشرعي الأوّلي الثابت في الكتاب و السنّة.و من هنا لا يكون الالتزام بترك التزوّج و التسرّي مع المرأة الخاصّة أو الالتزام ببيعٍ خاصّ في ضمن عقدٍ من مصاديق تحريم الحلال ؛ لعدم كونه من قبيل تقنين حكم كلّي و تأسيس حكم جديد مغاير لحكم الشارع.انتهى كلامه قدس سره (1).

و سيأتي في ختام البحث ما فيه من الإشكال.

كلام المحقّق صاحب الشرائع قدس سره

قال صاحب «الشرائع» في باب مهر النكاح:«إذا شرط في العقد ما يخالف المشروع ، مثل أن لا يتزوّج عليها أو لا يتسرّى بطل الشرط و صحّ العقد و المهر.

ص: 42


1- -كتاب المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19:42-44.

و كذا لو شرط تسليم المهر في أجلٍ فإن لم يسلِّمه كان العقد باطلاً ، لزم العقد و المهر و بطل الشرط» (1).

كلام صاحب الجواهر قدس سره

و قال صاحب «الجواهر» في شرح قول الماتن قدس سره ما يتحصّل في امور:1-لا يبطل عقد النكاح باشتراط غير المشروع ، بل يصحّ العقد و المهر ، و انّما يفسد الشرط فقط ؛ نظراً إلى افتراق عقد النكاح عن سائر العقود ، و من هنا لا يبطل ببطلان المهر الذي هو بمنزلة الركن لعقد النكاح.2-المشهور عدم بطلان عقد النكاح باشتراط تسليم المهر في أجل معيّن على نحو شرط النتيجة بأن لو لم يسلّم في الوقت المضروب بطل الشرط.3-إنّ الشرط المخالف للمشروع لا ينحصر في اشتراط ترك التزوّج و التسرّي على المرأة ، بل يشتمل مثل اشتراط الزوجة أن لا يمنعها من الخروج من المنزل متى شاءت و نحو ذلك.و إنّ الدليل على ذلك-مضافاً إلى اتّفاق الأصحاب-؛ ما رواه زرارة أنّ ضريساً كان تحته بنت حمران بن أعين فجعل لها أن لا يتزوّج عليها و لا يتسرّى عليها أبداً في حياتها و لا بعد موتها...إلى أن قال عليه السلام:«اذهب فتزوّج و تسرَّ فإنّ ذلك ليس بشيءٍ» (2) .فإنّ حكمه عليه السلام ليس إلّا لأجل كون الشرط غير مشروع و إلّا لكان نافذاً.و خبر ابن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام:في رجل قال لامرأته إن نكحتُ عليكِ

ص: 43


1- -شرائع الإسلام 2:329.
2- -وسائل الشيعة 21:276 ، كتاب النكاح ، أبواب المهور ، الباب 20 ، الحديث 2.

أو تسرّيت فهي طالق ، قال عليه السلام:«ليس ذلك بشيء ، إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال:إنّ من اشترط شرطاً سوى كتاب اللّه فلا يجوز له و لا عليه» (1).و لكن قد يشكل بما في صحيح محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام:في الرجل يقول لعبده اعتقك على أن ازوّجك ابنتي فإن تزوّجت أو تسرّيت عليها فعليك مائة دينار ، فأعتقه على ذلك ، فتزوّج أو تسرّى ، قال عليه السلام: «عليه شرطه» (2) .و خبر بزرج:

قلت لأبي الحسن موسى عليه السلام و أنا قائمٌ... (3).و خبره الآخر عن العبد الصالح:قلت إنّ رجلاً من مواليك... (4).حيث إنّ هذه النصوص قد دلّت على مشروعية هذا الشرط و عدم كونه مخالفاً للمشروع.اللهمّ إلّا أن يحمل على التقيّة لموافقتها العامّة ، كما عن «الاستبصار» ، أو يفرّق بين النذر و الشرط كما عن الشيخ في «التهذيبين» و إن كان هو كما ترى.

و على كلّ حال فالمعروف فساد الشرط و صحّة العقد و المهر.انتهى حاصل كلامه قدس سره (5).و لا يخفى:أنّ خبر محمّد بن مسلم ظاهرٌ في اشتراط إعطاء مائة دينار عند التزوّج و التسرّي و إن يحتمل كونه جزاء نقض اشتراط ترك التزوّج و التسرّي و سيأتي البحث عن ذلك.8.

ص: 44


1- -وسائل الشيعة 21:297 ، كتاب النكاح ، أبواب المهور ، الباب 38 ، الحديث 2.
2- -وسائل الشيعة 21:296، كتاب النكاح، أبواب المهور، الباب 37، الحديث 1.
3- -الكافي 5:8/404.
4- -وسائل الشيعة 21:276 ، كتاب النكاح ، أبواب المهور ، الباب 20 ، الحديث 4.
5- -جواهر الكلام 31:95-98.
كلام المحقّق النائيني قدس سره

ثمّ إنّ للمحقّق النائيني في تحقيق الشرط المخالف للكتاب و السنّة كلاماً مبسوطاً نذكر ما يرتبط منه بمحلّ البحث في ضمن امور:الأوّل:يستفاد بطلان الشرط المخالف للكتاب و السنّة من أخبار متظافرة ، فذكر في بعضها:بطلان الشرط المخالف للكتاب، و في بعضها الآخر:بطلان ما ليس في كتاب اللّه ، و في ثالث:بطلان ما كان من الشروط سوى كتاب اللّه ، و في رابع:

بطلان ما حرّم حلالاً أو أحلّ حراماً ، و في خامسٍ:ذُكِر اعتبار موافقة الشرط للكتاب.الثاني:أنّ في عدّ اشتراط الولاء لغير المعتق مخالفاً للكتاب كما في النبوي (1)دلالة على أنّ المراد بالشرط المخالف هو الأعمّ من المخالف للسنّة كما صرّح بذلك في رواية محمّد بن قيس في من تزوّج امرأةً و اشترطت عليه أنّ بيدها الجماع و الطلاق.قال عليه السلام:«خالفت السنّة...» (2).الثالث:أنّه لا فرق بين موافقة الشرط للكتاب و بين عدم مخالفته في الاعتبار ؛ لأنّ الملاك هو مخالفة المشروع الأعمّ من مخالفة السنّة.فما لم يخالف المشروع فلا محالة يكون موافقاً لواحدٍ من العمومات أو الإطلاقات الواردة في الكتاب و السنّة.الرابع:أنّه لا فرق بين كون المشروط-أي الملتزم به-مخالفاً للكتاب و بين

ص: 45


1- -مستدرك الوسائل 15:471، كتاب العتق، أبواب كتاب العتق، الباب 30، الحديث 1؛ السنن الكبرى، البيهقي 10:295.
2- -وسائل الشيعة 21:289 ، كتاب النكاح ، أبواب المهور ، الباب 29 ، الحديث 1.

مخالفة الالتزام له كاشتراط عدم التزوّج و التسرّي ، بناءً على استفادة عدم جواز اشتراط ذلك من نصوص المقام نظراً إلى كون نفس الملتزم به مباحاً حينئذٍ و عدم كون تركه أو فعله مخالفاً لمقتضى الإباحة.فلا محالة يستند عدم الجواز حينئذٍ إلى الالتزام.الخامس:أنّ استفادة كون اشتراط ترك مثل التزوّج و التسرّي على المرأة مخالفاً للكتاب و السنّة من روايات المقام مشكل جدّاً ؛ لأنّ المتعرّض لذلك روايتان ، إحداهما:صريحة في جواز هذا الشرط و هي رواية بزرج بقوله عليه السلام:

«و أمّا الآن فليتمّ للمرأة شرطها.فإنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال:المؤمنون عند شروطهم...» (1) .ثانيهما:ناظرة إلى تعليق الطلاق ، و هي رواية ابن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام:في رجل قال لامرأته إن نكحت عليك أو تسرّيت فهي طالق... (2).اللهمّ إلّا أن يكون بلحاظ مخالفة الشرط ، نظراً إلى بعض العمومات المذكورة فيها لاستشهاد الإمام عليه السلام و تعليله بقوله تعالى: «فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ» و قوله تعالى: «وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ» فيتمّ المطلوب حينئذٍ (3).ثمّ تعرّض المحقّق المزبور لبيان ضابطة الشرط المخالف للكتاب و السنّة و مقتضى الأصل عند الشكّ بالتفصيل ليس هنا محلّ بحثه، و قد بحثنا عن ذلك في رسالة مفردة.4.

ص: 46


1- -الكافي 5:8/404.
2- -وسائل الشيعة 21:298، كتاب النكاح، أبواب المهور، الباب 38، الحديث 2.
3- -منية الطالب 2:103-104.
كلام السيّد الإمام الخميني قدس سره

إنّ السيّد الإمام قدس سره تعرّض لتحقيق الشرط المخالف للكتاب و السنّة و تنقيح حدوده مفصّلاً في «كتاب البيع» (1) ، ليس المقام محلّ تعرّضه، و قد بيّنّاه في رسالة أفردناها في الشرط المخالف للكتاب و السنّة.و إنّ له هناك كلاماً جامعاً نافعاً في ضابطة الشرط المخالف للكتاب و السنّة و تعرّض في خلال كلامه لما نحن فيه.و حاصله:أنّ تشخيص ذلك موكول إلى العرف كسائر الموضوعات المترتّبة عليها الأحكام الشرعية ، ففي الأحكام الإلزامية التكليفية كما يكون فعل الحرام و ترك الواجب مخالفاً للشرع عرفاً فكذا اشتراطهما بلا فرقٍ.و أوضح منه ما لو شرط حرمة حلالٍ كشرط كون الزوجة حراماً عليه.و أمّا التكليفية غير الإلزامية كالمباحات و المستحبّات و المكروهات فكما لا يكون فعلها أو تركها مخالفاً للشرع عرفاً فكذلك لا يعدّ شرط ذلك مخالفاً للشرع عرفاً.و كذا في الأحكام الوضعية ، فلو تضمّن الشرط تغييرها مثل «كون الطلاق بيد المرأة» فيعدّ مخالفاً للشرع عرفاً بخلاف اشتراط أن لا يطلّقها أو لا يجامعها فلا يعدّ ذلك عرفاً مخالفاً للشرع.حيث لا يتضمّن تغيير الحكم ، و ذلك مثل ترك الطلاق و الجماع من دون شرط.ثمّ إنّه قد يستفاد من بعض روايات المقام مثل صحيحة ابن سنان و محمّد بن قيس بطلان شرط ترك التزوّج و التسرّي.و الحال أنّ مقتضى ما ذكرناه صحّة شرط ترك المباح لعدم كونه مخالفاً للشرع عرفاً.

ص: 47


1- -كتاب البيع ، الإمام الخميني قدس سره 5:236-279.

و لكنّ التحقيق أنّ هذه الروايات ناظرة إلى اشتراط الطلاق بنحو شرط النتيجة و تعليق الطلاق على التزوّج و التسرّي ، و في الحقيقة مرجعه إلى اشتراط الطلاق في صورة التزوّج و التسرّي.و حيث يكون ذلك مخالفاً للشروط الشرعية في الطلاق يكون مخالفاً للمشروع.و أمّا رواية حمّادة (1) فهي ناظرة إلى فساد شرط ترك التزوّج و التسرّي لأجل جعله مهراً.و مثلها:رواية زرارة (2) في عدم الدلالة على المطلوب لظهورها في الشرط الابتدائي لا في ضمن العقد فيحتمل كون بطلان الشرط لأجل ذلك لا لأجل مخالفته للكتاب.هذا مضافاً إلى دلالة رواية منصور بن يونس بزرج عن عبد صالح على صحّة هذا الشرط بقوله عليه السلام:«قل له:فليف للمرأة بشرطها...» (3) .حيث دلّت على صحّة شرطهما ، إمّا ابتداءً إن كان المراد شرط تركهما أو بواسطة اشتراط نذرهما لو اريد ذلك ؛ حيث إنّ صحّة النذر مستلزم لعدم كون المنذور مخالفاً للكتاب و السنّة و إلّا لكان النذر باطلاً.ثمّ شرع في ردّ كلام الشيخ و بيان حكم الشكّ في مخالفة الشرط للكتاب و السنّة ، ليس هنا محلّ نقله ، انتهى حاصل كلامه قدس سره في المقام.

مقتضى التحقيق

إنّ الذي يقتضيه التحقيق ما ذهب إليه السيّد الإمام قدس سره من إيكال تشخيص الشرط المخالف للكتاب و السنّة إلى العرف ، بمعنى أنّه لو القي إلى أهل العرف

ص: 48


1- -وسائل الشيعة 21:275 ، كتاب النكاح ، أبواب المهور ، الباب 20 ، الحديث 1.
2- -وسائل الشيعة 21:276 ، كتاب النكاح ، أبواب المهور ، الباب 20 ، الحديث 2.
3- -وسائل الشيعة 21:276 ، كتاب النكاح ، أبواب المهور ، الباب 20 ، الحديث 4.

حكم الشرع و مدلول الكتاب و السنّة رأوا ذلك الشرط مخالفاً للكتاب و السنّة و مناقضاً للمشروع.و عليه فالضابط في مخالفة الشرط للكتاب و السنّة هو تشخيص أهل العرف نظراً إلى إلقاء الخطابات الشرعية إلى العرف.فالمراد من مخالفة الكتاب و السنّة هو ما يراه أهل العرف مخالفاً لهما.و إنّما يكون مخالفة الشرط للمشروع تابعةً لصدق ذلك على المشروط نفسه عرفاً.ففي الأحكام الإلزامية التكليفية حيث كان فعل الحرام و ترك الواجب مخالفاً للشرع عرفاً فكذلك اشتراطهما يعدّ مخالفاً للمشروع و كذا الحكم الوضعي.فكما أنّ إرث الزوجة المتمتّع بها و كون الطلاق بيد المرأة ، يعدّان ممّا يخالف المشروع فكذلك اشتراطهما.و من هنا لا يعدّ اشتراط ترك المباحات مخالفاً للمشروع، فإنّه كما لا يعدّ فعلها أو تركها مخالفاً للمشروع عرفاً فكذلك اشتراط ذلك لا يعدّ مخالفاً للمشروع عندهم.و لكن ليس هذا على إطلاقه في المباحات.بل التأمّل يقتضي التفصيل بينما إذا ترتّب على ترك شرط المباح أو فعله حكم مخالف للمشروع و بينما إذا لم يترتّب عليه ذلك.فمثلاً في التزوّج و التسرّي فتارةً:يشترط تركهما في أصل عقد النكاح بحيث يبطل العقد و تصير المرأة مطلّقة لو نقض الشرط بفعل التزوّج و التسرّي أو يثبت بذلك الخيار للمرأة في فسخ العقد فيكون الطلاق بيدها لا بيد الزوج بالمآل.و اخرى:يشترط تركهما في ضمن العقد من دون أن يوجد نقض الشرط خللاً في العقد ، بل العقد باقٍ على صحّته ، حتّى على فرض نقض الشرط.غاية الأمر قد يترتّب على نقضه شيءٌ آخر من دون أن يضرّ بصحّة العقد كإعطاء الدنانير ، كما في صحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام:في الرجل يقول لعبده:

ص: 49

اعتقك على أن ازوّجك ابنتي فإن تزوّجت عليها أو تسرّيت فعليك مائة دينار ، فأعتقه على ذلك ، و زوّجه فتسرّى أو تزوّج.قال عليه السلام: «عليه شرطه» (1).و مثله صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه:«أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجلٍ قال لغلامه:اُعتقك على أن ازوّجك جاريتي هذه فإن نكحت عليها أو تسرّيت فعليك مائة دينار ؛ فأعتقه على ذلك ، فنكح أو تسرّى، أ عليه مائة دينار و يجوز شرطه ؟ قال عليه السلام:«يجوز عليه شرطه» ، قال:و قال أبو عبد اللّه عليه السلام في رجل أعتق مملوكه على أن يزوّجه ابنته و شرط عليه إن تزوّج أو تسرّى عليها فعليه كذا و كذا ، قال عليه السلام:«يجوز» (2).هاتان الصحيحتان قد دلّتا على جواز شرط ترك التزوّج و التسرّي في ضمن عقد النكاح مع بقاء العقد على صحّته و عدم ترتّب الطلاق على نقض الشرط ، و إنّما المترتّب على نقضه بالتزوّج و التسرّي إعطاء مائة دينار.و الذي يستفاد من نصوص المقام هو كون النوع الأوّل من شرط ترك المباح مخالفاً للكتاب و السنّة دون الثاني.و عليه فالضابط في مخالفة شرط ترك المباح للمشروع هو أن يترتّب على نقضه أمرٌ مخالف للمشروع كوقوع الطلاق و العتاق.و ذلك لأنّ شرط ترك المباح أو فعله و إن لا يخالف الكتاب و السنّة في نفسه بمقتضى الإباحة و لكن بلحاظ ما يترتّب عليه من الحكم المخالف للكتاب و السنّة يتّصف بذلك عند العرف فيصير الشرط نفسه مخالفاً للكتاب و السنّة و محرّماً للحلال و محلّلاً للحرام عرفاً لما يراه أهل العرف حينئذٍ مخالفاً للشرع بلحاظ ما يترتّب عليه من المخالف للمشروع.2.

ص: 50


1- -وسائل الشيعة 23:27 ، كتاب العتق ، الباب 12 ، الحديث 4.
2- -وسائل الشيعة 23:27 ، كتاب العتق ، الباب 12 ، الحديث 1 و2.

و هذا بخلاف ما إذا لم يترتّب عليه ما يخالف المشروع فلا يراه العرف مخالفاً للكتاب و السنّة كما لا يرون ترك المباح أو فعله مخالفاً للمشروع بمقتضى الإباحة.و على ذلك فلا حاجة إلى حمل نصوص المقام على كون اشتراط ترك التزوّج و التسرّي من قبيل اشتراط مخالفة الأحكام الإلزامية مطلقاً أو على اشتراط الطلاق بنحو شرط النتيجة كما يظهر من بعض الفقهاء.و يشهد لما قلنا ما ورد في نصوص المقام من بطلان اشتراط ترك التزوّج و التسرّي في أصل العقد بحيث لو تزوّج عليها امرأة أو هجرها أو أتى عليها سريةً فإنّها طالق.فحكم الإمام عليه السلام ببطلان مثل هذا الشرط موجّهاً بمخالفته للكتاب و السنّة.و من هنا استشهد الإمام عليه السلام في صحيح العيّاشي بقوله تعالى:

«فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ» (1) .و بقوله تعالى: «إِلاّ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ» (2) بلحاظ أنّ مرجع ترتّب الطلاق على فعل التزوّج و التسرّي إلى منع النكاح و شراء الأمة زائداً على الزوجة الواحدة.و عليه فاتّصاف شرط ذلك بمخالفة الكتاب و السنّة إنّما هو بلحاظ ذلك.و هذا بخلاف مجرّد اشتراط ترك التزوّج و التسرّي لا في أصل العقد و من دون ترتّب الطلاق على مخالفته ، بل في ضمنه كما في صحيح منصور بزرج و عبد الرحمان و محمّد بن مسلم ، فإنّ صحيحة منصور و إن كان ظاهرها اشتراط نذر ترك التزوّج و التسرّي و لكن يتفرّع حكم الإمام بنفوذ شرط النذر على عدم كون المنذور مخالفاً للمشروع.و من هنا نستنتج أنّ شرط ترك التزوّج و التسرّي لا يكون بنفسه مخالفاً للمشروع و إلّا لبطل النذر.4.

ص: 51


1- -النساء (4):3.
2- -النساء (4):24.

و أمّا صحاح العيّاشي (1) و محمّد بن قيس (2) و عبد اللّه بن سنان (3) فلا نظر لها إلى اشتراط الطلاق بنحو شرط النتيجة كما يظهر من السيّد الإمام قدس سره ، بل إنّما يترتّب الطلاق على نقض اشتراط ترك التزوّج و التسرّي فهو من آثار النقض.فقوله:«إن تزوّج عليها امرأة أو هجرها أو أتى عليها سريّة فهي طالق» كناية عن بطلان العقد بنقض الشرط.و ممّا يشهد لما قلنا استظهار الفقهاء ، حيث إنّهم استفادوا من هذه النصوص بطلان اشتراط ترك التزوّج و التسرّي في أصل العقد، كما سبق ذلك عن شيخ الطائفة و المحقّق صاحب «الشرائع» و«الجواهر» و الفاضل الهندي و غيرهم.و يظهر ذلك بوضوح من صحيحة اخرى لمحمّد بن قيس، حيث دلّت على بطلان اشتراط تسليم المهر في الأجل المعيّن بحيث لو لم يسلّم فيه بطل العقد.فإنّه روى عن الباقر عليه السلام:«قضى علي عليه السلام في الرجل يتزوّج المرأة إلى أجلٍ مسمّى فإن جاء بصداقها إلى أجلٍ مسمّى فهي امرأته و إن لم يأت بصداقها إلى الأجل فليس له عليها سبيل و ذلك شرطهم بينهم حين أنكحوا .فقضى عليه السلام للرجل أنّ بيده بضع امرأته و أحبط شرطهم» (4).فإنّ قول السائل:«و إن لم يأت بصداقها إلى الأجل فليس له عليها سبيل»2.

ص: 52


1- -وسائل الشيعة 21:277 ، كتاب النكاح ، أبواب المهور ، الباب 20 ، الحديث 6.
2- -وسائل الشيعة 21:296 ، كتاب النكاح ، أبواب المهور ، الباب 38 ، الحديث 1.
3- -وسائل الشيعة 21:297 ، كتاب النكاح ، أبواب المهور ، الباب 38 ، الحديث 2.
4- -تهذيب الأحكام 7:61/370 ؛ وسائل الشيعة 21:265 ، كتاب النكاح ، أبواب المهور ، الباب 10 ، الحديث 2.

بمعنى بطلان النكاح بسبب نقض الشرط و عدم الإتيان بالصداق في رأس الأجل المعيّن و ذلك بمنزلة وقوع الطلاق كما ورد في سائر النصوص ، و إنّ ذلك مقتضى اشتراط ترك التزوّج و التسرّي في أصل العقد بحيث يدور بقاء العقد على نفوذه و صحّته مدار الوفاء بالشرط و بطلانه بمجرّد نقض الشرط بالتزوّج و التسرّي ، من دون أن يكون وقوع الطلاق هو المشروط على نحو شرط النتيجة.و ما قال به الفقهاء في المقام يلائم ما قلنا كما سبق عباراتهم ، و إليك نصّ بعضهم:قال في «الشرائع»:«و كذا لو شرط تسليم المهر في أجلٍ فإن لم يسلّمه كان العقد باطلاً ، لزم العقد و المهر و بطل الشرط» (1).و قال في «كشف اللثام»:«و كذا لو شرط تسليم المهر في أجل فإن لم يسلّمه كان العقد باطلاً ؛ فإنّه يبطل الشرط-أي شرط أنّه إن لم يسلّمه في الأجل بطل العقد-لمخالفته المشروع» (2).إلى غير ذلك من كلمات الفقهاء و قد سبق بعضها في بداية البحث.و بهذا البيان يرتفع التنافي بين صحيح منصور بزرج و عبد الرحمان و نحوهما ممّا دلّ على جواز اشتراط ترك التزوّج و التسرّي و بين صحاح محمّد بن قيس و عبد اللّه بن سنان و العيّاشي ممّا كان ظاهره عدم جواز اشتراط ذلك بلا حاجة إلى حملها على اشتراط الطلاق بنحو شرط النتيجة ، كما عن السيّد الإمام و المحقّق النائيني أو على كشفها عن كون جعل حكم التزوّج و التسرّي من قبيل جعل الأحكام الإلزامية مطلقاً و غير قابل للتغيّر بعروض أيّ عارض كما عن الشيخ1.

ص: 53


1- -شرائع الإسلام 2:273.
2- -كشف اللثام 7:421.

الأعظم قدس سره.كما لا حاجة أيضاً إلى حمل مثل صحيح منصور و عبد الرحمان على الفرق بين الشرط و النذر لوجود خصوصية في النذر ، كما سبق عن بعض أو على التقيّة أو الاستحباب ، كما نسب إلى الشيخ في «الوسائل» (1).و أمّا اعتبار كون الشرط مؤسّساً لحكم جديد غير الحكم الأوّلي الشرعي في صدق عنوان المخالفة للكتاب و السنّة ، كما عن الميرزا القمي فلا يصحّ نظراً إلى تحقّق مخالفة المشروع عرفاً بمجرّد اشتراط شرب الخمر أو فعل الزنا أو ترك صلاة الفريضة و لو مرّةً واحدة مع عدم كون ذلك تأسيساً لحكم جديد بلا كلام.هذا ، مضافاً إلى عدم كون العبد في مقام تأسيس الحكم و تشريعه ، بل ذلك في حقّه غير معقول كما قال به الإمام قدس سره.و أمّا التفصيل الذي ذكره المحقّق النائيني قدس سره فلا محصّل له إلّا أن يرجع إلى تحكيم نظر العرف في تشخيص مخالفة المشروع.و أمّا إذا كان الشرط مخالفاً للحكم الوضعي مثل كون الطلاق بيد المرأة و إرث الزوجة المتمتّع بها ، فقد اتّضح ممّا قلنا أنّه مخالف للمشروع عرفاً مطلقاً فيفسد مثل هذا الشرط و صحّ العقد بلا كلام.هذا ، مضافاً إلى التصريح بذلك في عدّة نصوص معتبرة مثل صحيح محمّد بن قيس (2)و غيره (3).و أمّا الإجماع أو الشهرة على بطلان شرط ترك التزوّج و التسرّي و صحّة العقد بإطلاقه فعلى فرض قيام الإجماع المحصّل في المقام بإطلاقه فمن المظنون قويّاً استناد المجمعين إلى نصوص المقام.فيبتني على استنباطهم فهو مدركي أو8.

ص: 54


1- -وسائل الشيعة 21:276 ، كتاب النكاح ، أبواب المهور ، الباب 20 ، ذيل الحديث 4.
2- -وسائل الشيعة 21:289 ، كتاب النكاح ، أبواب المهور ، الباب 29 ، الحديث 1.
3- -وسائل الشيعة 21:296 ، كتاب النكاح ، أبواب المهور ، الباب 38.

(مسألة 1): من كانت له زوجة واحدة ، ليس لها عليه حقّ المبيت عندها و المضاجعة معها في كلّ ليلة ، بل و لا في كلّ أربع ليالٍ ليلة على الأقوى ، بل القدر اللازم أن لا يهجرها و لا يذرها كالمعلّقة ؛ لا هي ذات بعل و لا مطلّقة(1) .تحرير الوسيلة 2:288لا أقلّ من احتماله فلا يمكن الاعتماد عليه مع أنّه دليل لبّي يؤخذ بالقدر المتيقّن منه و هو اشتراط ذلك في أصل العقد بمعنى بطلان العقد بمخالفته أو ترتّب الطلاق عليه ؛ دون مجرّد شرط ذلك في ضمن العقد من دون ترتّب هذا الأثر عليه.و أمّا استشهاد الإمام عليه السلام بالكتاب للاستدلال في خبر العيّاشي و إن كان ظاهره كون شرط ترك التزوّج و التسرّي مخالفاً للكتاب إلّا أنّها مقطوعة لقطع الواسطة بين العيّاشي و محمّد بن مسلم لعدم معاصرتهما.

حقّ القسم

1-إنّ من حقوق الزوجة على الزوج حقّ القسم و قد تعرّض السيّد الإمام الراحل قدس سره إلى بيان أحكامه في ضمن مسائل.و لا يخفى:أنّه لا خلاف و لا إشكال في أصل وجوب القسمة في الجملة ، فاتّفقوا في وجوب القسمة بين الزوجات إذا كُنَّ أربعاً بعد الابتداء بها.و إنّما الخلاف في غير ذلك.و منشأ الخلاف في أنّه هل تجب القسمة بنفس العقد و التمكين أم يتوقّف على الشروع في القسمة فتجب استدامتها.و أنّ القسمة هل هي حقٌّ للزوج خاصّةً أو مشترك بينه و بين الزوجة ؟فالمشهور وجوب القسمة ابتداءً بمعنى وجوبها بالعقد و التمكين كالنفقة ، كما

ص: 55

نقل عنهم في «الحدائق» (1).و قد نسب في «الجواهر» (2) حكاية رأي المشهور على ذلك إلى غير واحدٍ من الأصحاب.و قد فرّع على رأي المشهور في «الحدائق» أنّه إذا كان للرجل زوجة واحدة فلها ليلة واحدة من أربع ليالٍ ، قال قدس سره:«ينبغي أن يُعلم أنّ ممّا يتفرّع على الخلاف المتقدّم-كما صرّح به الأصحاب أيضاً-أنّه لو لم يكن له إلّا زوجة واحدة فعلى المشهور من وجوب القسم ابتداءً ؛ فإنّ لها ليلة من أربع ليال يبيت فيها عندها و ثلاث له يضعها حيث يشاء ؛ لأنّ اللّه تعالى أباح له أن ينكح أربع نساءٍ لا أزيد ، فللواحدة من الأربع ليلةٌ ، فإذا انقضت الأربع وجب أن يبيت عندها ليلة.ثمّ له ثلاث يضعها حيث يشاء و هكذا.و من كان له زوجتان فلكلّ واحدة ليلة من الأربع ، و اثنتان من الدور له يضعهما حيث يشاء و من كان له ثلاث زوجات يبقى له من الدور ليلة يضعها حيث يشاء.و من كان له أربع فقد كلّ الدور لهنّ فليس له شيءٌ زائد.و لم يكن له الإخلال بالمبيت عند صاحبة الليلة أبداً مع الاختيار و عدم الإذن و كلّ ما فرغ الدور استأنف الدور على الترتيب الذي فعل في الدور الأوّل» (3).و عن الشيخ في «المبسوط»:«لا يجب عليه القسمة ابتداءً.لكنّ الذي يجب عليه النفقة و الكسوة و المهر و السكنى ، فمتى تكفّل بهذا لا يلزمه القسم ؛ لأنّه حقٌّ له فإذا أسقطه لا يُجبر عليه و يجوز له تركه و أن يبيت في المساجد و عند أصدقائه.فأمّا إذا أراد أن يبتدئ بواحدة منهنّ فيجب عليه القسمة ؛ لأنّهنّ1.

ص: 56


1- -الحدائق الناضرة 24:590-591.
2- -جواهر الكلام 31:150.
3- -الحدائق الناضرة 24:591.

ليس واحدةٌ منهنّ أولى بالتقديم من الاُخرى» (1).و يتفرّع على ذلك كما أشار إليه في «الحدائق» و«الجواهر» أنّه لو لم يكن عند الرجل إلّا زوجة واحدة لا يجب عليه القسم مطلقاً ، بل له أن يبيت عندها متى شاء و يعتزلها متى شاء و من كانت عنده زوجتان لا يجب عليه القسم ابتداءً ، نعم لو بات عند واحدة يجب أن يبيت عند الاُخرى بمثل المبيت عند الاُولى و هكذا لو كانت له ثلاث أو أربع زوجات.و قد رجّح المحقّق في «الشرائع» رأي الشيخ و كذا العلّامة في «التحرير» و السيّد السند في شرح «النافع».و استدلّ لرأي المشهور:أوّلاً:بما ورد من الأمر بالمعاشرة بالمعروف في قوله تعالى: «وَ عاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ» بدعوى كون القسم من المعاشرة بالمعروف.و ثانياً:بالتأسّي بالنبي صلى الله عليه و آله حيث إنّه كان يقسّم بين أزواجه دائماً حتّى كان يُطاف به في مرضه محمولاً (2) و كان يقول:«اللهمّ هذا قسمي فيما أملك و أنت أعلم بما لا أملك» (3) يعني من جهة الميل القلبي.و ثالثاً:بإطلاق قول الصادق عليه السلام في خبر البصري:في الرجل يكون عنده المرأة فيتزوّج الاُخرى ، كم يجعل للّتي يدخل بها ؟ قال:«ثلاثة أيّام ثمّ يقسّم» (4).4.

ص: 57


1- -الحدائق الناضرة 24:590.
2- -وسائل الشيعة 21:343 ، كتاب النكاح ، أبواب القسم و النشوز ، الباب 5 ، الحديث 2.
3- -السنن الكبرى ، البيهقي 7:298.
4- -وسائل الشيعة 21:339 ، كتاب النكاح ، أبواب القسم و النشوز ، الباب 2 ، الحديث 4.

و رابعاً:بالنصوص المستفيضة الآمرة بالقسم للحرّة مثلي ما للأمة (1).و خامساً:بخبر علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال:سألته عن رجلٍ له امرأتان.قالت إحداهما:ليلتي و يومي لك يوماً أو شهراً أو ما كان ، أ يجوز ذلك ؟ قال عليه السلام:«إذا طابت نفسها و اشترى ذلك منها فلا بأس» (2) ؛ حيث دلّ بظاهره على كون القسم حقّاً لها على وجه يجوز لها بيعه و مقتضاه كون القسم حقّاً لها قابلاً للبيع و الشراء من الزوج.و قد يستشهد لذلك بآية النشوز ؛ نظراً إلى إشعارها باختصاص جواز الهجر في المضاجع بصورة نشوز المرأة و عدم جوازها في غير صورة النشوز.و أشكل عليه في «الجواهر»:أوّلاً:بأنّ الأمر بالمعاشرة بالمعروف لا يقتضي وجوب المبيت ؛ لأنّ كون المبيت مع الواحدة-في كلّ ليلة أو في كلّ أربع ليال ليلة-من المعاشرة بالمعروف أوّل الكلام ما لم يفض تركه إلى الظلم و الجور عليها.و ثانياً:بأنّ التأسّي بالنبي صلى الله عليه و آله لا محلّ له ؛ نظراً إلى معلومية عدم وجوب القسم عليه.و لذا اذن له بإيواء من شاء منهنّ و اعتزال من شاء ، كما في قوله تعالى:

«تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَ تُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ وَ مَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَيْكَ...» (3) .و ثالثاً:بأنّ مقصوده في خبر البصري بيان عدم استحقاق الجديدة أكثر من ثلاث ليالٍ يختصّ بها ابتداءً.و إنّ بعد ذلك يكون استحقاقهما على حسب القسمة1.

ص: 58


1- -وسائل الشيعة 21:346 ، كتاب النكاح ، أبواب القسم و النشوز ، الباب 8.
2- -وسائل الشيعة 21:344 ، كتاب النكاح ، أبواب القسم و النشوز ، الباب 6 ، الحديث 2.
3- -الأحزاب (33):51.

من دون نظر إلى وجوب القسمة ابتداءً.هذا مضافاً إلى ضعف سند هذا الخبر لوقوع معلّى بن محمّد البصري في طريقه فلا يصلح للاستدلال.و رابعاً:بأنّ النصوص الآمرة بالقسم للحرّة مثلي ما للأمة ناظرة إلى بيان كيفية العدل حيث يريد القسمة.و خامساً:بأنّ خبر علي بن جعفر ورد في الامرأة التي تخاف من الضرّة أو الطلاق كما عقد في «الوسائل» (1) الباب-المذكور فيه هذا الحديث-بهذا العنوان ، هذا.مضافاً إلى ضعف سنده بمحمّد بن أحمد العلوي الواقع في طريقه.و أمّا الآية فلا نظر لها إلى القسم و لا إلى وجوب المضاجعة ، فإنّ الأمر بالهجر فيها إرشاد إلى تأديب المرأة الناشزة.و أمّا ما ذهب إليه الشيخ فاستدلّ له:أوّلاً:بأصالة عدم ثبوت حقٍّ عليه ما لم يبتدئ لعدم دليل على وجوب القسمة حينئذٍ.و ثانياً:بظهور قوله تعالى : «فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ» (2) في أنّ الزوجة الواحدة كملك اليمين لا حقّ لها أصلاً و تتمّ دلالته على رأي الشيخ بضميمة الإجماع المركّب كما قال في «المسالك»:من أنّ كلّ من قال بعدم ثبوت حقّ القسم للزوجة الواحدة قال بعدمه للأزيد إلّا مع الابتداء بواحدةٍ.و فيه:أنّ الأصل المزبور لا يصلح للتفصيل بين الابتداء بالقسمة و بين عدمه ؛ لأنّ وجوب القسم بعد الابتداء يحتاج إلى الدليل و لا دليل عليه في غير من له أربع زوجات ، بل ورد الدليل على خلافه كما ستسمع.4.

ص: 59


1- -وسائل الشيعة 21:343 ، كتاب النكاح ، أبواب القسم و النشوز ، الباب 6.
2- -النساء (4):34.

و أمّا دعوى دلالة الآية على نفي الحقوق للزوجة الحرّة الواحدة و جعلها كالأمة من جميع الجهات ممنوعة ؛ إذ هو خلاف ما تسالم عليه الفقهاء من اختصاص الحرّة ببعض الحقوق في الجملة.و مقتضى التحقيق في المقام أنّه لا دليل على شيءٍ من القولين كما قال في «الحدائق» (1).و الذي يساعده الأخبار ما ذهب إليه السيّد الماتن قدس سره ، و القدر اللازم أن لا يهجرها و لا يذرها كالمعلّقة كما قال تعالى: «وَ لَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَ لَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ» (2)-وسائل الشيعة 21:345 ، كتاب النكاح ، أبواب القسم و النشوز ، الباب 7 ، الحديث 2.(3).و قد فسّرت الآية في النصوص بما قال السيّد الماتن قدس سره ، و صرّح بذلك الطبرسي في «مجمع البيان» و نسبه إلى جمع من الصحابة المفسّرين و إلى المرويّ عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السلام.و في صحيح هشام في حديث:أنّه سئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن قوله تعالى: «وَ لَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا...» قال عليه السلام:«يعني في المودّة» (4) .و ورد في حديث زيد بن علي بن الحسين ، عن آبائه عليهم السلام قال عليه السلام:

«عذاب القبر يكون من النميمة و البول و عزب الرجل عن أهله» (4) .و قد دلّ على ذلك قوله تعالى: «وَ لا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَ لا تَتَّخِذُوا آياتِ اللّهِ هُزُواً» (5).1.

ص: 60


1- -الحدائق الناضرة 24:591.
2- -النساء
3- :129.
4- -وسائل الشيعة 21:345 ، كتاب النكاح ، أبواب القسم و النشوز ، الباب 7 ، الحديث 1.
5- -البقرة (2):231.

نعم لها عليه حقّ المواقعة في كلّ أربعة أشهر مرّة(1) كما مرّ.و إن كانت عنده أكثر من واحدة فإن بات عند إحداهنّ يجب عليه أن يبيت عند غيرها أيضاً(2)،فإن كنّ أربع و بات عند إحداهنّ طاف على غيرها لكلّ منهنّ ليلة ، و لا يفضّل بعضهنّ(3)على بعض ، و إن لم تكن أربع يجوز له تفضيل بعضهنّ ، فإن تك عنده مرأتان يجوز له أن يأتي إحداهما ثلاث ليال و الاُخرى ليلة ، و إن تك ثلاث فله أن يأتي إحداهنّ ليلتين و الليلتان الاُخريان للاُخريين. تحرير الوسيلة 2:288 1-و الدليل عليه صحيح صفوان بن يحيى ، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام:أنّه سأله عن الرجل تكون عنده المرأة فيمسك عنها الأشهر و السنة لا يقربها ، ليس يريد الإضرار بها ، يكون له مصيبة يكون في ذلك اثماً ؟ قال:«إذا تركها أربعة أشهر كان اثماً بعد ذلك» (1).

2-هذا ليس من كلام المشهور و لا من كلام الشيخ ؛ لأنّه أوجب القسمة بعد الابتداء بواحدٍ منهنّ ، و إنّ ما أوجب السيّد الماتن قدس سره أصل المبيت عند غير من بات عنده أوّلاً ، لا القسمة.و الدليل عليه وجوب المعاشرة بالمعروف و العدل بين النساء و المبيت عند بعض دون بعض ليس من المعاشرة بالمعروف و العدل بالنسبة إلى من ترك المبيت عنده رأساً.

3-و الدليل على ذلك عدّة نصوص معتبرة:كصحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:سئل عن الرجل يكون عنده امرأتان إحداهما أحبّ إليه من الاُخرى.أله أن يفضّل إحداهما على الاُخرى ؟ قال:1.

ص: 61


1- -وسائل الشيعة 20:140 ، كتاب النكاح ، أبواب مقدّمات النكاح ، الباب 71 ، الحديث 1.

«نعم ، يفضّل بعضهنّ على بعض ما لم يكنّ أربعاً...» (1).و صحيح الحسن بن زياد عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال:سألته عن الرجل تكون له المرأتان و إحداهما أحبّ إليه من الاُخرى ، له أن يفضّلها بشيء ؟ قال عليه السلام:«نعم ، له أن يأتيها ثلاث ليال و الاُخرى ليلة ؛ لأنّ له أن يتزوّج أربع نسوة فليلتاه يجعلهما حيث يشاء-إلى أن قال -و للرجل أن يفضّل نساءَه بعضهنّ على بعضٍ ما لم يكنّ أربعاً» (2) .و في نسخة «الوسائل»:الحسين بن زياد لكنّه غير صحيح.و صحيح محمّد بن مسلم قال:سألته عن الرجل تكون عنده امرأتان و إحداهما أحبّ إليه من الاُخرى ، قال عليه السلام:«له أن يأتيها ثلاث ليال و الاُخرى ليلة فإن شاء أن يتزوّج أربع نسوة كان لكلّ امرأةٍ ليلة ، فلذلك كان له أن يفضّل بعضهنّ على بعض ما لم يكنّ أربعاً» (3).3.

ص: 62


1- -وسائل الشيعة 21:337 ، كتاب النكاح ، أبواب القسم و النشوز ، الباب 1 ، الحديث 1.
2- -وسائل الشيعة 21:337 ، كتاب النكاح ، أبواب القسم و النشوز ، الباب 1 ، الحديث 2.
3- -وسائل الشيعة 21:338 ، كتاب النكاح ، أبواب القسم و النشوز ، الباب 1 ، الحديث 3.

و المشهور:أنّه إذا كانت عنده زوجة واحدة كانت لها في كلّ أربع ليال ليلة و له ثلاث ليال.و إن كانت عنده زوجات متعدّدة يجب عليه القسم بينهنّ في كلّ أربع ليال ، فإن كانت عنده أربع كانت لكلّ منهنّ ليلة ، فإذا تمّ الدور يجب عليه الابتداء بإحداهنّ و إتمام الدور و هكذا ، فليس له ليلة ، بل جميع لياليه لزوجاته.و إن كانت له زوجتان فلهما ليلتان في كلّ أربع و ليلتان له، و إن كانت ثلاث فلهنّ ثلاث(1)و الفاضل له، و العمل به أحوط ، خصوصاً في أكثر من واحدة ، و الأقوى ما تقدّم ، خصوصاً في الواحدة. تحرير الوسيلة 2:288-289 1-تقدّم من صاحب «الحدائق» (1) أنّه لا دليل على رأي المشهور بالخصوص لعدم شاهدٍ له من الأخبار ، بل الأخبار المجوّزة لتفضيل بعض النساء على بعضهنّ فيما دون الأربع-كما سبق ذكرها آنفاً-تدلّ على خلاف رأي المشهور.و أمّا وجه احتياط السيّد الماتن استحباباً كون ذلك أقرب إلى العدل بين النساء و المعاشرة معهنّ بالمعروف المأمور بهما في الكتاب المجيد ، و لكن لو لا الأخبار الصريحة في جواز التفضيل فيما دون الأربع كان رأي المشهور وجيهاً لمساعدة ظاهر الكتاب.هذا خلاصة الكلام في حقوق الزوجين حسب ما تعرّض إليه السيّد الماتن في المقام و تركنا التعرّض إلى بعض المسائل الفرعية في ذلك، و التفصيل موكول إلى محلّه.و قد تمّت هذه الرسالة بعون اللّه في اليوم السابع عشر من شهر ذي الحجّة الحرام من سنة 1418 ه.ق.الحمد للّه و صلواته على محمّد و آل بيته الأطهار.العبد الخجلان من ساحة ربّه الغفّار علي أكبر السيفي المازندراني.1.

ص: 63


1- -الحدائق الناضرة 24:591.

ص: 64

أحكام الصبيّ

اشارة

ص: 65

ص: 66

علامات البلوغ

اشارة

(مسألة 3):يعرف البلوغ في الذكر و الاُنثى بأحد امور ثلاثة:الأوّل:نبات الشعر الخشن على العانة ، و لا اعتبار بالزّغَب و الشعر الضعيف(1) .تحرير الوسيلة 2:14 1-اشتهر بين فقهائنا أنّ نبات الشعر الخشن على العانة ، من إحدى علامات البلوغ مطلقاً ؛ بلا فرقٍ بين الذكور ، و الإناث ، بل في «الخلاف» إجماع الفرقة على ذلك ، و كذا في «التذكرة».و في «الجواهر»:«أنّ به قال مالك ، و أحمد ، و الشافعي في أحد قوليه ، خلافاً لأبي حنيفة ؛ فقال:إنّه لا اعتداد بالإنبات مطلقاً ؛ لأنّه كغيره من الشعر و الرأس» (1).و لا يخفى:أنّ الإجماع لا قيمة له في مثل المقام ؛ لاستناد الفقهاء هنا إلى النصوص ، فالعمدة في الدليلية هي النصوص:فمنها:خبر حُمْران ، قال:سألت أبا جعفرٍ عليه السلام قلت له:متى يجب على الغلام أن يؤخذ بالحدود التامّة، و يقام عليه، و يؤخذ بها؟ قال:«إذا خرج عنه اليُتم و أدرك».

ص: 67


1- -جواهر الكلام 26:5.

قلت:فلذلك حدّ يعرف به ؟ فقال:«إذا احتلم أو بلغ خمس عشرة سنة أو أشعر أو أنبت قبل ذلك ، اقيمت عليه الحدود التامّة ، و اخذ بها ، و اخذت له...

و الغلام لا يجوز أمره في الشراء و البيع و لا يخرج من اليُتم ، حتّى يبلغ خمس عشرة سنة ، أو يحتلم ، أو يشعر ، أو ينبت قبل ذلك» (1).و يرد عليه سنداً:أنّه ضعيف ؛ لوقوع العبد العزيز العبدي في طريقه ، و دلالةً باشتماله على «الإشعار» المقصود به نبات الشعر في الوجه ؛ و هو اللحية ، كما صرّح بذلك في خبر يزيد الكناسي ، و لم يلتزم أكثر فقهائنا-بل مشهورهم-بكون ذلك من علامات البلوغ.و يمكن دفع هذا الإشكال:بأنّ عدم إمكان الالتزام ببعض فقرات الحديث ، لا يمنع عن حجّيته في سائر الفقرات إذا تمّت شروط الظهور و الحجّية فيها.هذا مضافاً إلى دلالته على اختصاص ذلك بالغلام ؛ نظراً إلى دلالة قوله عليه السلام:

«إنّ الجارية ليست مثل الغلام» (2).و منها:خبر يزيد الكناسي ، عن أبي جعفر عليه السلام:«إنّ الغلام إذا زوّجه أبوه و لم يُدرك ، كان بالخيار إذا أدرك و بلغ خمس عشرة سنة ، أو يُشعر في وجهه ، أو يُنبت في عانته قبل ذلك...» (3).و هذه الرواية أيضاً ضعيفة سنداً بيزيد الكناسي ؛ لما سيأتي وجهه ، و دلالةً ؛ لما أوردناه على خبر حمران آنفاً.و منها:ما في «تفسير علي بن إبراهيم» في تفسير قوله تعالى: «وَ ابْتَلُوا الْيَتامى حَتّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ...» قال:«و إن كانوا لا يعلمون أنّه قد بلغ ، فإنّه يمتحن بريح إبطه ، أو نبت عانته ، فإذا كان ذلك فقد بلغ ، فيدفع إليه ماله إذا كان رشيداً...» (1).و فيه:أنّه لم يعلم كونه كلام المعصوم ؛ لاحتمال رجوع الضمير في «قال» إلى علي بن إبراهيم ، و عليه فلا رواية صحيحة تتمّ دلالتها على كون إنبات الشعر الخشن على العانة علامة للبلوغ ، غير الروايتين المزبورتين.نعم ، في خبر أبي البَخْتَري ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه عليهما السلام أنّه قال:9.

ص: 68


1- -وسائل الشيعة 1:43 ، أبواب مقدّمة العبادات ، الباب 4 ، الحديث 2.
2- -وسائل الشيعة 1:43 ، أبواب مقدّمة العبادات ، الباب 4 ، الحديث 2.
3- -وسائل الشيعة 20:278 ، كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح ، الباب 6 ، الحديث 9.

«إنّ الجارية ليست مثل الغلام» (1).و منها:خبر يزيد الكناسي ، عن أبي جعفر عليه السلام:«إنّ الغلام إذا زوّجه أبوه و لم يُدرك ، كان بالخيار إذا أدرك و بلغ خمس عشرة سنة ، أو يُشعر في وجهه ، أو يُنبت في عانته قبل ذلك...» (2).و هذه الرواية أيضاً ضعيفة سنداً بيزيد الكناسي ؛ لما سيأتي وجهه ، و دلالةً ؛ لما أوردناه على خبر حمران آنفاً.و منها:ما في «تفسير علي بن إبراهيم» في تفسير قوله تعالى: «وَ ابْتَلُوا الْيَتامى حَتّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ...» قال:«و إن كانوا لا يعلمون أنّه قد بلغ ، فإنّه يمتحن بريح إبطه ، أو نبت عانته ، فإذا كان ذلك فقد بلغ ، فيدفع إليه ماله إذا كان رشيداً...» (3).و فيه:أنّه لم يعلم كونه كلام المعصوم ؛ لاحتمال رجوع الضمير في «قال» إلى علي بن إبراهيم ، و عليه فلا رواية صحيحة تتمّ دلالتها على كون إنبات الشعر الخشن على العانة علامة للبلوغ ، غير الروايتين المزبورتين.نعم ، في خبر أبي البَخْتَري ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه عليهما السلام أنّه قال:

«عرضهم رسول اللّه صلى الله عليه و آله يومئذٍ» يعني بني قريظة «على العانات ؛ فمن وجده أنبت قتله ، و من لم يجده أنبت ألحقه بالذراري» (2).و لكنّه ضعيف أيضاً بأبي البختري ؛ وهب بن وهب.و قد روي ما يدلّ على ذلك بطريق العامّة (3).و التحقيق:أنّه لا مناص في تحكيم مفاد هذه النصوص ، من جبر ضعف إسنادها بعمل مشهور القدماء-بل معظمهم-بمضمونها ، فلا يفرّق حينئذٍ بين شعر الوجه و العانة ؛ و إن خالف بعض الفقهاء في علامية شعر الوجه ، و لكنّ الغالب المتعارف تقدّم البلوغ على نبات شعر الوجه ، فالأقوى علامية كلّ واحدٍ منهما.نعم ، قد ذكرا علامة لبلوغ الغلام على وزان واحد ، و مقتضاه كون نبات الشعر5.

ص: 69


1- -وسائل الشيعة 1:44 ، أبواب مقدّمة العبادات ، الباب 4 ، الحديث 8.
2- -السنن الكبرى ، البيهقي 6:58 ؛ مستدرك الوسائل 1:86، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 4، الحديث 5.
3- -تفسير القمي 1:131.

على العانة ، أيضاً من علامة بلوغ الذكر ، كشعر الوجه ، لا الاُنثى ، و لا انجبار لضعف الدلالة بفتوى المشهور ، كما حقّقنا ذلك في كتابنا «مقياس الرواية» و عليه فيشكل الالتزام بعلاميته في الاُنثى بحسب مدلول النصوص ، فإن كان في الاُنثى إجماع تعبّدي تامّ يلتزم به ، و إلّا فلا دليل عليه.هذا مع نقل القول المخالف في المقام ، و كون الإجماع دليلاً لبّياً يؤخذ بقدره المتيقّن.و لكن مع ذلك كلّه فمقتضى الاحتياط ، رعاية جانب المشهور.و أمّا ريح الإبط أو نبات الشعر عليه ، فلم يدلّ شيء من النصوص على كونه من علامات البلوغ.و لا يخفى:أنّ هذه النصوص و إن لم يذكر في أكثرها لفظ «العانة» إلّا أنّه قد صرّح بها في خبر يزيد الكناسي ، و فيه كفاية.بل هو قرينة على أنّه المقصود من ذكر «الإنبات»-قبال «الإشعار»-في سائر النصوص.هذا مضافاً إلى التصريح بذلك في كلمات الأصحاب.و قد يقال:إنّ عدم ذكر الإناث في هذه النصوص ، يمكن أن يكون من باب تغليب جانب الذكورة ، لا لأجل خصوصية للذكور في الاقتصار على ذكر الغلام ، فلا مانع من عمومها للإناث من جهة شعر العانة.و لا ينافي ذلك اختصاص ، شعر الوجه بالذكور ؛ لأنّه معلوم بالقرينة ، و لذا لا ترى الاختصاص في كلام واحدٍ من الأصحاب ، بل يعمّهما معاقد الإجماعات المنقولة.و فيه:أنّه لا إجماع في البين ، و التوجيه المذكور لا يصلح للدليلية.و أمّا وجه تقييد شعر العانة بالخشونة ، فهو مقتضى العادة و الطبع ؛ لوضوح وجود الشعر الخفيف و الزغب على عانة الصغير أيضاً.

ص: 70

الثاني:خروج المنيّ ؛ يقظة أو نوماً ، بجماع أو احتلام أو غيرهما(1) .تحرير الوسيلة 2:14 1-لا خلاف بين المسلمين في كون خروج المنيّ من الموضع المعتاد ، من علامات البلوغ ، و قد صرّح غير واحدٍ بتحقّق الإجماع على ذلك ، كما عن «التذكرة» و«المسالك» بل في «الجواهر» (1):«أنّ الإجماع بقسميه عليه» ، فلا كلام و لا إشكال في أنّه متّفق عليه بين جميع فقهاء الخاصّة و العامّة.و قد دلّ على ذلك الكتاب و السنّة:أمّا الكتاب ، فقوله تعالى: «وَ ابْتَلُوا الْيَتامى حَتّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ...» (2)-وسائل الشيعة 18:407 ، كتاب الحجر ، الباب 1 ، الحديث 1.(3) ، و لا ريب في أنّ الصبيّ لا يبلغ النكاح إلّا بالاحتلام ؛ فإنّ بلوغ النكاح كناية أبلغ من التصريح في إفادة الاحتلام.مضافاً إلى التصريح بذلك في النصوص المفسّرة لهذه الآية ، و اتّفاق المفسّرين على ذلك.و قد بحثنا عن مفاد هذه الآية مفصّلاً في بحث معاملات الصبيّ في «دليل تحرير الوسيلة» فراجع.و قوله تعالى: «وَ لا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ» (4) ؛ بضميمة النصوص المفسّرة.و أمّا السنّة ، فقد دلّت النصوص الصحيحة على أنّ المقصود من قوله تعالى:

«حَتّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ» هو الاحتلام ، كما في معتبرة هشام ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

«انقطاع يتم اليتيم بالاحتلام ، و هو أشدّه» (4).1.

ص: 71


1- -جواهر الكلام 26:10.
2- -النساء
3- :6.
4- -الإسراء (17):36.

و في صحيحة عبد اللّه بن سنان و موثّقته ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:سأله أبي -و أنا حاضر-عن قول اللّه عزّ و جلّ: «حَتّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ» .قال عليه السلام:«الاحتلام» (1).و النبوي المشهور بين الفريقين «رُفع القلم عن ثلاثة:عن الصبيّ حتّى يحتلم ، و عن المجنون حتّى يُفيق ، و عن النائم حتّى ينتبه» (2) ، بل نقل في «الجواهر» (3) ، عن ابن إدريس:«أنّه مجمع على روايته».و روى الصدوق أيضاً مثله ، بإسناده عن ابن ظبيان ، قال:«اتي عمر بامرأة مجنونة قد زنت ، فأمر برجمها ، فقال علي عليه السلام:أما علمت أنّ القلم يرفع عن ثلاثة:

عن الصبيّ حتّى يحتلم...؟!» (4).و ما رواه الصدوق أيضاً في «الفقيه» بإسناده عن حمّاد بن عمرو و أنس بن محمّد و عن أبيه جميعاً ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن آبائه عليهم السلام في وصيّة النبي صلى الله عليه و آله لعليّ عليه السلام قال:«لا يُتم بعد احتلام ؟» (5).و موثّقة عمّار الساباطي ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:سألته عن الغلام ، متى تجب عليه الصلاة ؟ قال:«إذا أتى عليه ثلاث عشرة سنة ، فإن احتلم قبل ذلك فقد وجبت عليه الصلاة ، و جرى عليه القلم ، و الجارية مثل ذلك» (6).2.

ص: 72


1- -وسائل الشيعة 18:412 ، كتاب الحجر ، الباب 2 ، الحديث 5 ؛ و19:363 ، كتاب الوصايا ، الباب 44 ، الحديث 8.
2- -الخلاف 3:179 ؛ وسائل الشيعة 1:45 ، أبواب مقدّمة العبادات ، الباب 4 ، الحديث 11.
3- -جواهر الكلام 26:10.
4- -وسائل الشيعة 1:45 ، أبواب مقدّمة العبادات ، الباب 4 ، الحديث 11.
5- -وسائل الشيعة 1:45 ، أبواب مقدّمة العبادات ، الباب 4 ، الحديث 9.
6- -وسائل الشيعة 1:45 ، أبواب مقدّمة العبادات ، الباب 4 ، الحديث 12.

و معتبرة طلحة بن زيد ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«إنّ أولاد المسلمين موسومون عند اللّه...فإذا بلغوا الحُلُم كتبت عليهم السيّئات» (1).و صحيح البزنطي:«يؤخذ الغلام بالصلاة و هو ابن سبع سنين ، و لا تغطّي المرأة شعرها منه حتّى يحتلم» (2).و خبر حمران المتقدّم آنفاً (3).و خبر علي بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال:سألته عن اليتيم ، متى ينقطع يُتمه ؟ قال:«إذا احتلم ، و عرف الأخذ و العطاء» (4)...إلى غير ذلك من النصوص البالغة حدّ التواتر.و أنت تعرف:أنّه بعد إجماع الفريقين و دلالة الكتاب و السنّة المتواترة ، لا ينبغي التشكيك في ذلك ، فلا إشكال في علامية الاحتلام للبلوغ.و أمّا اعتبار خروج المنيّ من الموضع المعتاد ، فالوجه فيه عدم صدق «الاحتلام» على الخارج من غيره.كما لا يبعد اعتبار السلامة و عدم كون خروجه ناشئاً من المرض ؛ لأجل ذلك.ثمّ لا يخفى:أنّ ظاهر صاحب «الجواهر» (5) كفاية الاستعداد لخروج المنيّ -بالقوّة القريبة من الفعل-في البلوغ ، بل جعل ذلك علامة حقيقية ؛ بدعوى أنّ البلوغ أمر عرفي ، و إنّما يرجع في مثله إلى الشرع في صورة الشكّ في حصولها ،1.

ص: 73


1- -وسائل الشيعة 1:42 ، أبواب مقدّمة العبادات ، الباب 4 ، الحديث 1.
2- -وسائل الشيعة 21:460 ، كتاب النكاح ، أبواب أحكام الأولاد ، الباب 74 ، الحديث 1.
3- -وسائل الشيعة 1:43 ، أبواب مقدّمة العبادات ، الباب 4 ، الحديث 2.
4- -وسائل الشيعة 1:44 ، أبواب مقدّمة العبادات ، الباب 4 ، الحديث 6.
5- -جواهر الكلام 26:11.

و لا شكّ عند أهل العرف في بلوغ من استعدّ للإنزال ، و قدر على الوطء ، و تحقّقت فيه شهوة النكاح.و لكن يدفعه عمومات نفي التكليف ؛ و رفع القلم عمّا قبل الاحتلام ، فلو كان مراده حصول البلوغ الشرعي بذلك ، فهو أشبه بالاجتهاد في مقابل النصّ ، و لذا فقد رجع عن ذلك بقوله:«لكنّه خلاف ما عليه الأصحاب ؛ من أنّ السنّ بلوغ في الشرع و إن كانت العلّة فيه كشفه عن غيره ، و متى كان كذلك فالمشتبه الحكم ، دون الموضوع...و موضوعية البلوغ لبعض الأحكام لا ينافي كونه حكماً...» (1).و بهذا البيان اتّضح عدم ورود إشكاله على اعتبار خروج المنيّ-من الموضع المعتاد-في البلوغ ؛ إذ الذي جعل ملاك البلوغ و علامته في النصوص ، هو الاحتلام ، و الاحتلام لا يصدق عرفاً إلّا إذا خرج المنيّ من الموضع المعتاد المتعارف.ثمّ إنّ أقلّ سنّ يمكن فيه الاحتلام هو العشر ؛ بمقتضى العادة ، كما في «المسالك» و«الجواهر» (2) ؛ فإنّ الصبيّ لا يحتمل فيه حصول استعداد ذلك قبل العشر.و لعلّها الحكمة في الأمر بالتفريق في المضاجع بين النساء و بين الصبيّ البالغ عشراً ، كما ورد في عدّة نصوص معتبرة (3).ثمّ لا يخفى:أنّ هذه العلامة مشتركة بين الذكر و الاُنثى ، كما صرّح به غير واحد ، بل في «التذكرة» الإجماع على هذه التسوية ، و كذا في «المسالك» و غيرها ،6.

ص: 74


1- -جواهر الكلام 26:17.
2- -جواهر الكلام 26:13.
3- -وسائل الشيعة 21:460 و461 ، كتاب النكاح ، أبواب أحكام الأولاد ، الباب 74 ، الحديث 2 و5 و6.

الثالث:السّنّ ، و هو في الذكر إكمال خمس عشرة سنة ، و في الاُنثى إكمال تسع سنين(1) .تحرير الوسيلة 2:14 و قد نقل ذلك في «مفتاح الكرامة» (1).هذا مضافاً إلى إطلاق ما دلّ من النصوص الصحيحة ، على أنّ انقطاع اليتم بالاحتلام ؛ و أنّه «لا يُتم بعد احتلام» و كذا إطلاق قوله تعالى: «وَ ابْتَلُوا الْيَتامى حَتّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ...» (2).

1-و يقع الكلام في مقامين:

الأوّل:في سنّ بلوغ الذكور

اشتهر بين الأصحاب شهرة عظيمة،أنّ سنّ بلوغ الذكور خمس عشرة سنة، و في «الجواهر» (3):«أنّ هذه الشهرة كادت تكون إجماعاً» ، بل حكى في «مفتاح الكرامة» (4) الإجماع على ذلك عن «الخلاف» و«الغنية» و ظاهر «السرائر» و«التذكرة» و«كنز العرفان» و«آيات الأحكام» للمقدّس الأردبيلي.و حيث إنّه لا دليلية للإجماع وحده في مثل المقام ؛ لاستناد الفقهاء في الحكم إلى النصوص ، فالعمدة هي النصوص الدالّة على ذلك:فمنها:خبر يزيد الكناسي ، قال:قلت لأبي جعفر عليه السلام:متى يجوز للأب أن

ص: 75


1- -مفتاح الكرامة 5:237.
2- -النساء (4):6.
3- -جواهر الكلام 26:16.
4- -مفتاح الكرامة 5:238.

يزوّج ابنته و لا يستأمرها ؟ قال عليه السلام:«إذا جازت تسع سنين ، فإن زوّجها قبل بلوغ التسع سنين ، كان الخيار لها إذا بلغت تسع سنين».قلت:أ فتقام عليها الحدود و تؤخذ بها و هي في تلك الحال ، و إنّما لها تسع سنين ، و لم تدرك مدرك النساء في الحيض ؟ قال عليه السلام:«نعم ، إذا دخلت على زوجها و لها تسع سنين ، ذهب عنها اليُتم ، و دفع إليها مالُها ، و اقيمت الحدود التامّة عليها و لها».قلت:فالغلام يجري في ذلك مجرى الجارية ؟ فقال عليه السلام:«يا أبا خالد ، إنّ الغلام إذا زوّجه أبوه و لم يدرك ، كان بالخيار إذا أدرك و بلغ خمس عشرة سنة...» (1).و منها:خبر آخر عن يزيد الكناسي ، عن أبي جعفر عليه السلام قال:«الجارية إذا بلغت تسع سنين ، ذهب عنها اليُتم ، و زُوّجت ، و اقيمت عليها الحدود التامّة ؛ لها ، و عليها».قال:قلت:الغلام إذا زوّجه أبوه ، فدخل بأهله و هو غير مدرك ، أ تقام عليه الحدود على تلك الحال ؟ قال عليه السلام:«أمّا الحدود الكاملة التي يؤخذ بها الرجال فلا ، و لكن يجلد في الحدود كلّها على مبلغ سنّه ؛ فيؤخذ بذلك ما بينه و بين خمس عشرة سنة ، و لا تبطل حدود اللّه في خلقه ، و لا تبطل حقوق المسلمين بينهم» (2).و قد عبّر في «الجواهر» عنه ب «الحسنة ، بل الصحيحة» و لكنّه مشكل ، كما سيأتي منّا.1.

ص: 76


1- -وسائل الشيعة 20:278 ، كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح ، الباب 6 ، الحديث 9.
2- -وسائل الشيعة 28:20 ، كتاب الحدود و التعزيرات ، أبواب مقدّمات الحدود ، الباب 6 ، الحديث 1.

و منها:صحيح ابن وهب-في حديث-قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام:في كم يؤخذ الصبيّ بالصيام ؟ قال عليه السلام:«ما بينه و بين خمس عشرة سنة ، و أربع عشرة سنة ، فإن هو صام قبل ذلك فدعه ، و لقد صام ابني فلان قبل ذلك فتركته» (1).بتقريب:أنّ المقصود كون غاية زمان التأديب ، هو ما بين أوان الصبا و بين خمس عشرة ، أو أربع عشرة ، و ظاهره كون ما بعده حدّ البلوغ ، و لا تأديب حينئذٍ ؛ لاختصاص التأديب بالصبيّ.و منها:خبر حمران ، عن الباقر عليه السلام:«إذا احتلم أو بلغ خمس عشرة سنة أو أشعر أو أنبت قبل ذلك ، اقيمت عليه الحدود التامّة ، و اخذ بها ، و أخذت له...» و كذا ذيلها (2).و قد سبق ذكره مفصّلاً ، و أشرنا إلى ضعف سنده بوقوع العبدي في طريقه.و أنت تعرف:أنّ الروايات الدالّة على التحديد بخمس عشرة سنة ، ليس شيئاً منها صحيحة سنداً ؛ و إن انجبر ضعف إسنادها بعمل المشهور.و لكن وردت في المقام روايات صحيحة دلّت على التحديد بإكمال ثلاث عشرة ، و الدخول في الأربع عشرة ، مثل صحيح عبد اللّه بن سنان المروي بطرق المشايخ الثلاثة ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«إذا بلغ الغلام أشدّه-ثلاث عشرة سنة- و دخل في الأربع عشرة ، وجب عليه ما وجب على المحتلمين ؛ احتلم أو لم يحتلم...» (3).1.

ص: 77


1- -وسائل الشيعة 10:233 ، كتاب الصوم ، أبواب من يصحّ منه الصوم ، الباب 29 ، الحديث 1.
2- -وسائل الشيعة 1:43 ، أبواب مقدّمة العبادات ، الباب 4 ، الحديث 2.
3- -وسائل الشيعة 19:364 ، كتاب الوصايا ، الباب 44 ، الحديث 11.

و عليه يحمل موثّقه الذي رواه عنه آدم بيّاع اللؤلؤ (1) ، و كذا موثّقه الآخر الذي رواه عنه أحمد بن عمر الحلبي (2).و ممّا دلّ على التحديد بثلاث عشرة سنة موثقة عمّار (3) ، و خبر أبي حمزة الثمالي (4) ، و غيره من النصوص ، و هذه الطائفة من النصوص أكثر من سائر الطوائف.و قد حملها في «الوسائل» على حصول الاحتلام أو الإنبات عند ذلك ، أو الاستحباب ، و هو كما ترى ، و لا سيّما بلحاظ موثّقة عبد اللّه بن سنان المصرّحة بحصوله عند ستّ عشرة أو سبع عشرة.و الحمل على الوجوب بمعناه اللغوي -على فرض قبوله-لا ينفع شيئاً في المخالفة ، بل مؤيّد لرجوعه إلى ثبوت التكليف و الحدود عند ذلك.و في «الحدائق» لم يستبعد الجمع بحمل ما دلّ على التحديد بخمس عشرة ، على نفوذ المعاملات ؛ و إقامة الحدود عند ذلك ، و التحديد بثلاث عشرة على صحّة العبادات و مشروعيتها.و لكن لم أرَ أحداً التزم بهذا التفصيل غيره.مضافاً إلى اشتمال بعض هذه الطائفة أيضاً على «جاز أمره».و التحقيق:أنّ إعراض المشهور بما أنّه غير قادح في صحّة الروايات و تمامية دلالتها ، فالأقوى كفاية الدخول في الأربع عشرة مطلقاً في الذكر ؛ بلا فرق بين العبادات و المعاملات ، و لا بين حصول سائر العلائم و عدمه.3.

ص: 78


1- -وسائل الشيعة 19:365 ، كتاب الوصايا ، الباب 44 ، الحديث 12.
2- -وسائل الشيعة 19:363 ، كتاب الوصايا ، الباب 44 ، الحديث 8.
3- -وسائل الشيعة 1:45 ، أبواب مقدّمة العبادات ، الباب 4 ، الحديث 12.
4- -وسائل الشيعة 19:367 ، كتاب الوصايا ، الباب 45 ، الحديث 3.

و أمّا انجبار ضعف سند الطائفة الاُولى بعمل المشهور ، فإنّما هو فيما إذا لم تكن النصوص الضعيفة الموافقة لعمل المشهور ، معارضة بنصوص صحيحة.و أمّا ما دلّ على التحديد بالعشر فروايات ، مثل معتبرة زرارة ، عن الصادق عليه السلام:«إذا أتى على الغلام عشر سنين ، فإنّه يجوز في ماله ما أعتق ، أو تصدّق ، أو أوصى على حدّ معروف و حقّ ، فهو جائز» (1).و صحيح أبي بصير ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال:«إذا بلغ الغلام عشر سنين و أوصى بثلث ماله في حقّ ، جازت وصيّته» (2).و صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام-في حديث- قال:«إذا بلغ الغلام عشر سنين جازت وصيّته» (3).و صحيح منصور بن حازم ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:قال:سألته عن وصيّة الغلام ، هل تجوز ؟ قال:«إذا كان ابن عشر سنين جازت وصيّته» (4).و لكن هذه الطائفة من النصوص تحمل على مواردها ؛ من الوصيّة ، و العتق ، و الصدقة ؛ حيث لا عموم لها لكي يتعدّى منها إلى سائر الموارد ، و غاية مدلولها رفع الحجر عن الصبيّ عند بلوغه إلى هذه السنّ في خصوص هذه الموارد الثلاثة ، لا عند تمييزه قبل البلوغ و لو في خصوص هذه الموارد كما عن صاحب «الحدائق» (5) ؛ لوضوح حصول التمييز في كثير من الصبيان قبل هذه السنّ ، و عدم حصوله في4.

ص: 79


1- -وسائل الشيعة 19:211 ، كتاب الوقوف و الصدقات ، الباب 15 ، الحديث 1.
2- -وسائل الشيعة 19:361 ، كتاب الوصايا ، الباب 44 ، الحديث 2.
3- -وسائل الشيعة 19:361 ، كتاب الوصايا ، الباب 44 ، الحديث 3.
4- -وسائل الشيعة 19:361 ، كتاب الوصايا ، الباب 44 ، الحديث 7.
5- -الحدائق الناضرة 13:184.

بعضهم بعد هذه السنّ ؛ لما يشاهد من اختلافهم في التمييز و الفهم و الذكاء بحسب اختلاف الأمزجة و الأمكنة.كما لا دلالة لها على حصول البلوغ في هذه السنّ ؛ بالنسبة إلى خصوص هذه الاُمور ، كما نسب (1) إلى صاحب «المفاتيح» فاستفاد منها كون البلوغ مراتب ؛ باعتبار اختلاف موارد التكليف ، و تنوّع سنخها.و أمّا حمل اختلاف نصوص المقام على اختلاف الناس في الفهم و الذكاء ، و اختلاف بدء زمان التمييز و الرشد باختلاف الاُصول و الأمزجة و الأمكنة ، فهو جمع تبرّعي لا شاهد له من النصوص.مضافاً إلى عدم كونه موافقاً لما ذهب إليه فقهاؤنا في المقام ، بل لم يعهد منهم إلّا هذا العَلَم (2).كما سبق آنفاً عدم شاهد لحملها على التفصيل بين الحدود و المعاملات ، و بين العبادات.ثمّ إنّ ما قوّينا من تحديد البلوغ بإكمال الثلاث عشرة و الدخول في الأربع عشرة ، قد استظهره صاحب «الحدائق» (3) من أكثر نصوص المقام ، و جعلها دالّة على ما ذهب إليه ابن الجنيد.و استظهر هذا القول في «مجمع الفائدة» (4) من كلام الشيخ في «التهذيب» و«الاستبصار» بعد ما ذكر فيها رواية عمّار الدالّة على التحديد بثلاث عشرة ، ثمّ نقل أخباراً دالّة على وجوب الصلاة بستّ و سبع ، ثمّ رجّح رواية عمّار.و لكن هذا9.

ص: 80


1- -الحدائق الناضرة 13:184.
2- -الحدائق الناضرة 13:184.
3- -الحدائق الناضرة 13:184.
4- -مجمع الفائدة و البرهان 9:189.

الاستظهار لا يستفاد من كلام الشيخ بوجه ، فراجع (1).ثمّ إنّ المحقّق الأردبيلي ضعّف قول المشهور بعدم إجماع عليه في البين ، و عدم رواية معتبرة تدلّ عليه ، و قوّى القول بإكمال ثلاث عشر ، و الشروع في الأربع عشر ؛ معلّلاً برواية ابن سنان ، و كونه الأحوط بلا شكّ (2).و قال في «مفتاح الكرامة»:«ظاهر «الفقيه» في باب انقطاع يُتم اليتيم ، أنّه يحصل بإكمال ثلاث عشرة ، و الدخول في الأربع عشرة ، و كأنّه صار إليه بعض متأخّري المتأخّرين ، كالأردبيلي ، و صاحب «المدارك» و صاحب «الكفاية».و أيضاً نقل في «المفتاح» عن الصدوق:«أنّه ذكر في «الخصال» في أبواب الثلاثة عشر:أنّ بلوغه ثلاث عشرة ، إلى أربع عشرة» و قال:«يلوح من قضاء «النهاية» العمل بحديث الثُّمالي المتضمّن أنّ بلوغ الصبيان ثلاث عشرة ، أو أربع عشرة ، و قد يلوح أيضاً من الشيخ في «الاستبصار» (3).و أمّا طرح النصوص الدالّة على التحديد بثلاث عشرة، كما قال في «الجواهر»:«إنّه مقتضى صناعة الفقه» (4) فلا يمكن الالتزام به ؛ لما عرفت من ضعف النصوص الدالّة على التحديد بخمس عشرة إمّا سنداً ، أو دلالة ، بخلاف الطائفة المحدّدة بثلاث عشرة الصريحة في الدلالة ، و الصحيحة في السند.

مضافاً إلى كون التحديد بثلاث عشرة مخالف العامّة ، كما اعترف به في «الجواهر» (5)5.

ص: 81


1- -تهذيب الأحكام 2:381.
2- -مجمع الفائدة و البرهان 9:190-191.
3- -مفتاح الكرامة 5:239.
4- -جواهر الكلام 26:36.
5- -جواهر الكلام 26:35.

و هو ملاك الترجيح عند التعارض.هذا مع عدم تحقّق إجماع في البين ؛ لما نقل من خلاف كبار المحدّثين و الفقهاء المحقّقين ، مثل الصدوق ، و الشيخ ، و ابن الجنيد ، و ميل مثل صاحب «المدارك» و الأردبيلي ، و الكاشاني ، و المجلسي الأوّل.ثمّ إنّك قد عرفت من المقدّس الأردبيلي في «مجمع الفائدة»:«أنّ مقتضى الاحتياط هو القول بالتحديد بثلاث عشرة» موجّهاً:«بأنّ عمومات تكليف المؤمنين ، هي المحكّمة عند الشكّ في اعتبار القدر الزائد من السنّ في البلوغ».و لكنّه خلاف القاعدة ؛ لأنّ تلك العمومات قد خصّت بعمومات نفي التكليف «و رفع القلم عن الصبيّ حتّى يحتلم» فما دام لم يحتلم الصبيّ يكون خارجاً عن عمومات التكليف ، و القدر المتيقّن من تخصيص هذا العموم هو البالغ حدّ خمس عشرة سنة ، و أمّا البالغ ثلاث عشرة سنة فيشكّ في تخصيص هذا العموم به ، و مقتضى القاعدة هو تحكيم العامّ عند الشكّ في التخصيص ، و عليه فمقتضى القاعدة هو شمول عمومات «رفع القلم عن الصبيّ» للبالغ ثلاث عشرة ما دام لم يحتلم.و لكن في صحيحة اخرى قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام:في كم يؤخذ الصبيّ بالصلاة ؟ فقال:«فيما بين سبع سنين ، و ستّ سنين» (1).ثمّ إنّه دلّ بعض النصوص على بلوغه بثلاث عشرة سنة ، كما في موثّقة عمّار الساباطي ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:سألته عن الغلام ، متى تجب عليه الصلاة ؟ قال:

«إذا أتى عليه ثلاث عشرة سنة ، فإن احتلم قبل ذلك فقد وجبت عليه الصلاة ، و جرى عليه القلم ، و الجارية مثل ذلك ؛ إن أتى لها ثلاث عشرة سنة أو حاضت1.

ص: 82


1- -وسائل الشيعة 4:18 ، كتاب الصلاة ، أبواب أعداد الفرائض ، الباب 3 ، الحديث 1.

قبل ذلك ، فقد وجبت عليها الصلاة ، و جرى عليها القلم» (1).و خبر أبي حمزة الثمالي ، عن أبي جعفر عليه السلام قال:قلت له:في كم تجري الأحكام على الصبيان ؟ قال عليه السلام:«في ثلاث عشرة ، و أربع عشرة».قلت:فإنّه لم يحتلم فيها ؟ قال:«و إن كان لم يحتلم ، فإنّ الأحكام تجري عليه» (2).ثمّ إنّه لا يخفى عليك:أنّ المعيار في سنّ البلوغ هو السنة الهلالية ؛ لكونها المعهودة بين المتشرّعة و المرتكزة في أذهانهم في عصر المعصومين عليهم السلام كما هو المتيقّن في أبواب الحيض ، و الطلاق ، و العِدَد.و لا ينافي ذلك ما قلنا في باب الخمس:من أعمّية سنة الربح و المئونة من الهلالية و الشمسية ؛ نظراً إلى ما وجّهنا هناك ، فراجع.

الثاني:في سنّ بلوغ البنات

المشهور بين الفقهاء القدماء و المتأخّرين ، تحديده بتسع سنين ، و قد صرّح كثير من الفقهاء بهذه الشهرة ، كما في «المختلف» و«غاية المرام» و«المهذّب البارع» و«الروضة» و«مجمع البرهان» و«الكفاية» و «المفاتيح» و غير ذلك.بل في «السرائر» دعوى الإجماع على ذلك ، و كذا في «الخلاف» و«الغنية» و«التذكرة» و غيرها ؛ نقل كلّ ذلك في «مفتاح الكرامة» (3).و في «الجواهر» (4):«أنّه المشهور بين الأصحاب ، بل هو الذي استقرّ عليه

ص: 83


1- -وسائل الشيعة 1:45 ، أبواب مقدّمة العبادات ، الباب 4 ، الحديث 12.
2- -وسائل الشيعة 19:367 ، كتاب الوصايا ، الباب 45 ، الحديث 3.
3- -مفتاح الكرامة 5:238.
4- -جواهر الكلام 26:38.

المذهب» خلافاً للشيخ في صوم «المبسوط» و ابن حمزة في خمس «الوسيلة» فاختارا العشر ، إلّا أنّ الشيخ رجع عنه في كتاب الحجر ، فوافق المشهور ، و كذا الثاني في كتاب النكاح.و على أيّ حالٍ:فالعمدة في الدليلية هي النصوص ، و لا يعبأ بالإجماع في مثل المقام ؛ لكونه مدركياً ، لا تعبّدياً كاشفاً عن رأي المعصوم عليه السلام:فمنها:ما رواه الكليني بسنده الصحيح ، عن يزيد الكناسي ، عن أبي جعفر عليه السلام قال:«الجارية إذا بلغت تسع سنين ذهب عنها اليُتم ، و زُوّجت ، و اقيمت عليها الحدود التامّة ؛ لها ، و عليها» (1).و لا إشكال في دلالة هذه الرواية-بل صراحتها-على المطلوب ، و إنّما الكلام في سندها ؛ لما وقع من الكلام في يزيد الكناسي المكنّى ب «أبي خالد» حيث إنّه بعنوانه لم يرد فيه توثيق ، و لم ينسب إليه كتاب ، و ليس كثير الرواية.

و يظهر من بعض-كالمحدّث المجلسي-مدحه.نعم ، بناءً على اتّحاده مع أبي خالد القمّاط ، يحكم بوثاقته ؛ لما له من التوثيق و الكتاب ، و قد استقربه السيّد الخوئي رحمه الله بلحاظ ما ذكره النجاشي:«من أنّ يزيد-أبا خالد القمّاط-له كتاب» و مع ذلك لم يذكر الشيخ في رجاله إلّا يزيد أبا خالد الكناسي ، و لا وجه لترك ذكره إلّا اتّحادهما.مع أنّ يزيد أبا خالد القمّاط كوفي ، كما صرّح به النجاشي ، و الكناسة محلّة بالكوفة ، فيزيد أبو خالد قمّاط ، كوفي ، كُنَاسي.و لكن يبعّد ذلك ذكر البرقي كلّ واحدٍ منهما بعنوانه من أصحاب الصادق عليه السلام4.

ص: 84


1- -وسائل الشيعة 1:43 ، أبواب مقدّمة العبادات ، الباب 4 ، الحديث 4.

و هو ظاهر في التعدّد.مع أنّ في الجوامع الرجالية لم يذكر «القمّاط» لقباً لأبي خالد الكناسي ، و ظاهر ذلك هو التعدّد ، و إنّما الاتّحاد هو المحتاج إلى الدليل ، و ما ذكر لا يصلح للدليلية.و منها:موثّقة عبد اللّه بن سنان ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«إذا بلغ الغلام ثلاث عشرة سنة كتبت له الحسنة ، و كتبت عليه السيّئة.و إذا بلغت الجارية تسع سنين فكذلك ؛ و ذلك أنّها تحيض تسع سنين» (1)و حملها على إمكان الحيض ، خلاف ظهور الإخبار عن وقوع الحيض في هذه السنّ بصيغة المضارع.و لا إشكال في سندها ، و إنّما الكلام في دلالتها ، حيث يظهر منها أنّ الملاك في بلوغ الجارية هو الحيض ، و إنّما الاعتبار بتسع سنين لأجل أنّها تحيض في هذه السنّ ، و عليه فلو اتّفق أنّها حاضت قبل التسع أو بعدها ، لا اعتبار بالتسع حينئذٍ ، و إنّما الاعتبار بزمان وقوع الحيض.كما لا يبعد وقوع ذلك لبعض الأمزجة ؛ لإمكان اختلاف زمان الحيض بحسب اختلاف المزاج ؛ و القوّة و الضعف ، و سرعة الرشد و بطئه.و مثلها:في الدلالة خبر عبد الرحمن بن الحجّاج ، قال:قال أبو عبد اللّه عليه السلام:

«ثلاثة يتزوّجن على كلّ حال:التي لم تحض و مثلها لا تحيض» قال:قلت:و ما حدّها ؟ قال عليه السلام:«إذا أتى لها أقلّ من تسع سنين ، و التي لم يدخل بها ، و التي قد يئست من المحيض...» (2).و منها:ما رواه الصدوق مرسلاً ، عن الصادق عليه السلام:«إذا بلغت الجارية تسع7.

ص: 85


1- -وسائل الشيعة 19:365 ، كتاب الوصايا ، الباب 44 ، الحديث 12.
2- -تهذيب الأحكام 8:77/137.

سنين دفع إليها مالها ، و جاز أمرها في مالها ، و اقيمت الحدود التامّة ؛ لها ، و عليها» (1).و لا إشكال في دلالته على المطلوب ، و إنّما الإشكال في سنده ؛ لما فيه من الإرسال و إن كان من جوازم مرسلات الصدوق ، إلّا أنّ الالتزام بحجّيتها مشكل ؛ حيث لا دافع لاحتمال وقوع غير الثقة في طريقها.و منها:ما دلّ من النصوص الصحاح المستفيضة على عدم جواز الدخول بالجارية قبل تسع سنين (2) ، و هي كثيرة لا إشكال فيها سنداً ، كما لا إشكال في دلالتها على ذلك.و إنّما الكلام في نظرها إلى بيان حدّ البلوغ ؛ لاحتمال اختصاص هذا التعليل بجواز الدخول.و لكنّ الظاهر من سياق هذه النصوص-و لا سيّما مع الالتفات إلى ما سبق من النصوص-أنّها ناظرة إلى حدّ بلوغ الجارية.و منها:ما يدلّ على المطلوب بهذا التقريب ؛ و هو قوله تعالى: «وَ ابْتَلُوا الْيَتامى حَتّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ...» و كذا ما ورد من النصوص المفسّرة له الدالّة على انقطاع اليتم بذلك ، بضميمة مدلول الصحاح المستفيضة الدالّة على كون بلوغ النكاح في الجارية بتسع سنين.و على أيّ حال:فهذه المجموعة من النصوص-بعد فتوى المشهور بمضمونها-لا تبقي أيّ شكّ في صلاحيتها لإثبات تحديد سنّ بلوغ البنات بالتسع.و لكن دلّ بعض النصوص على خلاف ذلك:5.

ص: 86


1- -وسائل الشيعة 19:367 ، كتاب الوصايا ، الباب 45 ، الحديث 4.
2- -وسائل الشيعة 20:101-104 ، كتاب النكاح ، أبواب مقدّمات النكاح ، الباب 45.

فمنها:خبر حمران ، عن أبي جعفر عليه السلام-في حديث-:«إنّ الجارية إذا تزوّجت و دُخل بها و لها تسع سنين ، ذهب عنها اليتم ، و دفع إليها مالها ، و جاز أمرها في الشراء و البيع ، و اقيمت عليها الحدود التامّة ، و أخذ لها ، و بها» (1).فإنّ ظاهر هذه الرواية كون التسع ، علامة لبلوغ الجارية من حيث تزوّجها ؛ و الدخول بها ، و قد أفتى بمضمونها ابن الجنيد ، حيث نقل عنه العلّامة في «المختلف» (2):«أنّ الجارية إذا تزوّجت و لها تسع سنين أيضاً ، لم يحجر عليها».ثمّ أشكل عليه:«بأنّ تعليق عدم الحجر بالتزوّج ، خلاف مذهب علماء الإمامية» ، و عليه فهذه الرواية لا تصلح للمعارضة ؛ نظراً إلى إعراض فقهائنا الإمامية عن مضمونها.هذا مضافاً إلى ضعف سندها بعبد العزيز العبدي.و منها:صحيح أبي أيّوب الخزّاز ، عن إسماعيل بن جعفر-في حديث-:

«إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله دخل بعائشة و هي بنت عشر سنين ، و ليس يُدخل بالجارية حتّى تكون امرأة» (3).و فيه:أنّ هذا الخبر ليس قول النبي ، بل و لا المعصوم ، بل هو استنباط لإسماعيل بن جعفر الصادق عليه السلام من فعل النبي صلى الله عليه و آله و لا حجّية لاستنباط إسماعيل.كما أنّ فعل النبي صلى الله عليه و آله لا لسان و لا مفهوم له ؛ لكي ينافي مدلول النصوص السابقة.و منها:موثّقة عمّار الساباطي ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:سألته عن الغلام ، متى تجب عليه الصلاة ؟ قال:«إذا أتى عليه ثلاث عشرة سنة...و الجارية مثل5.

ص: 87


1- -وسائل الشيعة 1:43 ، أبواب مقدّمة العبادات ، الباب 4 ، الحديث 2.
2- -مختلف الشيعة 5:452، المسألة 99.
3- -وسائل الشيعة 1:44 ، أبواب مقدّمة العبادات ، الباب 4 ، الحديث 5.

ذلك ؛ إن أتى لها ثلاث عشرة سنة أو حاضت قبل ذلك ، فقد وجبت عليها الصلاة ، و جرى عليها القلم» (1).و هذه الرواية و إن لم يكن إشكال في سندها ، إلّا أنّ الأصحاب أعرضوا عن مدلولها ؛ حيث دلّت على تسوية الذكر و الاُنثى في سنّ البلوغ ، و لم يلتزم به الأصحاب ، و كذا في دلالتها على تحديد سنّ بلوغ الاُنثى بثلاث عشرة ، و هو خلاف ما التزم به مشهور الفقهاء من القدماء و المتأخّرين-بل عمدتهم-من التحديد بالتسع ، بل قال في «مفتاح الكرامة» (2):«إنّ تحديد سنّ البلوغ بثلاث عشرة ، خلاف الإجماع في الاُنثى» و من هنا حملها صاحب «الوسائل» (3) على صورة عدم عقل الجارية قبل ثلاث عشرة سنة ، أو على عدم إرادة مفهوم الشرط ، و عليه فمقتضى التحقيق أنّ سنّ البلوغ في البنات تسع سنين.2.

ص: 88


1- -وسائل الشيعة 1:45 ، أبواب مقدّمة العبادات ، الباب 4 ، الحديث 12.
2- -مفتاح الكرامة 5:244.
3- -وسائل الشيعة 1:45 ، أبواب مقدّمة العبادات ، الباب 4 ، الحديث 12.

الأحكام العبادية

اشارة

(مسألة 2):يعتبر في الحكم بالارتداد:البلوغ و العقل و الاختيار و القصد ، فلا عبرة بردّة الصبيّ و إن كان مراهقاً(1) .

تحرير الوسيلة 2:469

إسلام الصبيّ و كفره

اشارة

1-قال في «العروة»:«ولد الكافر يتبعه في النجاسة ؛ إلّا إذا أسلم بعد البلوغ أو قبله ، مع فرض كونه عاقلاً مميّزاً».و قال:«الأقوى قبول إسلام الصبيّ المميّز إذا كان عن بصيرة» (1).يقع الكلام في مقامين:أوّلهما:في إسلام الصبيّ.و ثانيهما:في ارتداده و كفره.و قد تعرّض السيّد الإمام قدس سره للثاني ، دون الأوّل ، و نحن نبحث عن كليهما.

ص: 89


1- -العروة الوثقى 1:67 و142.
المقام الأوّل:في إسلام الصبيّ

وقع الكلام في قبول إسلام الصبيّ ؛ فقد نُسب إلى الشيخ في «الخلاف» قبول إسلام الصبيّ المراهق (1) ، و ذهب في «الجواهر» إلى عدم قبول إسلامه مستدلّاً «بعدم توجّه الواجبات العقلية الاُصولية إلى الطفل ، و بأنّ القول بذلك اجتهاد في مقابل النصّ.و أمّا قبول إسلام علي عليه السلام فهو من خواصّه و خواصّ أولاده المعصومين عليهم السلام كيحيى ، و عيسى ، و الحجّة صاحب الأمر روحي له الفداء» (2).و عن الشافعية:أنّ ولد الكافر إذا نطق بالإسلام ، لم ينفع في إسلامه (3).و مقتضى التحقيق:أنّ الأقوى قبول إسلام الصبيّ المميّز ، كما صرّح به صاحب «العروة»، و يظهر من السيّد الإمام قدس سره موافقته ؛ نظراً إلى عدم تعليقه على ذلك.و الوجه في ذلك إطلاق ما دلّ من النصوص ، على أنّ الإسلام مجرّد إظهار الشهادتين ، و أنّ به حقنت الدماء ، و جاز النكاح (4) ؛ و إن لم يكن عن خضوع باطني ، و عقد قلبي ، كما قال تعالى: «قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَ لكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَ لَمّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ» (5) ، و من الواضح أنّ تحقّق ذلك من الصبيّ المميّز ، بمكانٍ من الإمكان.نعم ، تحقّق ذلك من غير المميّز غير ممكن ؛ لعدم شعوره و إدراكه لمعنى

ص: 90


1- -راجع:مستمسك العروة الوثقى 2:124 ؛ جواهر الكلام 38:181.
2- -جواهر الكلام 38:182.
3- -الفقه على المذاهب الأربعة 2:365.
4- -الكافي 2:26 ؛ وسائل الشيعة 1:14 ، كتاب الطهارة ، أبواب مقدّمة العبادات ، الباب 1.
5- -الحجرات (49):14.

الشهادتين ، فهو بمنزلة بعض الطيور الناطقة ببعض الألفاظ بالتعويد و التمرين.و هذا بخلاف الصبيّ المميّز ، فإنّه يفهم معناها ، بل ربّ صغير أذكى و أفهم من الكبار ، بل إنّ بعض الصبيان أكمل إيماناً من الكبار ؛ نظراً إلى صفاء باطنهم ، و طهارة أنفسهم ؛ لعدم تلوّثها بالمعاصي و الآثام ، فإذا كان فهماً ذكيّاً لا نقص فيه من أيّة جهةٍ-لا من جهة المعرفة ، و لا من جهة صفاء الباطن ، و طهارة النفس ، و التنزّه عن الصفات الرذيلة ، و التلوّث بالمعصية-فأيّ مانع من قبول إسلامه ؟!و أمّا عدم وجوب إسلامه ، فلا ينافي قبوله لو أسلم باختياره ، فلا ينبغي الخلط بينهما.و أمّا حديث رفع القلم ، فمعناه رفع قلم السيّئات ، و عدم تشريع الأحكام الإلزامية في حقّه ، كما سيأتي البحث عن مفاد هذا الحديث مفصّلاً في معاملات الصبيّ.و أمّا ما دلّ من النصوص على أنّ «عمد الصبيّ خطأ» فناظر إلى ما كان لعمده حكم غير حكم الخطأ ، و يشهد لذلك ما ورد في بعض هذه النصوص:من أنّ «عمد الصبيّ و خطأه واحد» و من هنا يختصّ مدلولها بباب الجنايات ؛ نظراً إلى أنّ لكلّ واحدٍ من العمد و الخطأ فيها ، حكماً على حدة.و يشهد لذلك أيضاً قوله عليه السلام في ذيل بعض هذه النصوص:«تحمله العاقلة» فإنّ هذه الجملة قرينة قطعية على اختصاص نظر هذه النصوص بباب الجنايات.و قد اتّضح بهذا البيان:أنّه لا فرق بين الصبيّ المراهق و بين غيره ؛ و أنّ الملاك في قبول إسلام الصبيّ ، هو تمييزه بين الحقّ و الباطل ، و تمكّنه من فهم المعارف الحقّة ، و تمييزها عن الأباطيل و الخرافات.فالحقّ في ذلك مع المقدّس الأردبيلي لو أراد ما قلناه ، كما هو الظاهر من تعليله ذلك بقدرة غير المراهق أيضاً

ص: 91

على الاستدلال ؛ و فهم أدلّة وجود الواجب تعالى و التوحيد.نعم ، لا يصلح هذا البيان لإثبات وجوب إسلامه و تكليفه بذلك ؛ لمنافاته لأدلّة رفع قلم التكليف عنه ، و لذا يتوجّه إشكال صاحب «الجواهر» (1) على المحقّق الأردبيلي من هذه الجهة ، لا من جهة قبول إسلامه و صحّة عباداته ؛ فإنّ هذا البيان يصلح للاستدلال على مشروعية إسلام الصبيّ المميّز ، و لا سيّما بضميمة النصوص المفسّرة للإسلام بإظهار الشهادتين.هذا في المميّز.و أمّا غير المميّز ، فهو ملحق بأبيه في ترتيب أحكام الإسلام و الكفر ؛ فإن كان أبوه مسلماً يترتّب عليه أحكام الإسلام ، و إن كان كافراً يترتّب عليه أحكام الكفر.

و إلى ذلك تنصرف كلمات فقهائنا في تسالمهم على قاعدة التبعية في باب النجاسات و المطهّرات ؛ أي تبعية الأولاد لآبائهم في الإسلام و الكفر ، كما قال في «الجواهر» (2) ، و هو المراد من الاستدلال بقوله تعالى: «ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ» .و قد ورد في الخبر عن علي عليه السلام:«إذا أسلم الأب جرّ الولد إلى الإسلام ؛ فمن أدرك من ولده دعي إلى الإسلام ، فإن أبى قتل ، و إن أسلم الولد لم يجرّ أبويه ، و لم يكن بينهما ميراث» (3).فإنّ الولد الذي يُجرّ إلى الإسلام بإسلام أبيه ، هو غير المميّز.و لا ينافي ذلك ما ورد في ذيله من اختصاص الدعوة إلى الإسلام و القتل-إذا أبى-بما بعد البلوغ ؛ فإنّ المقابلة بين البالغ و غيره في هذا الخبر ، بلحاظ إقامة حدّ الارتداد ، لا من جهة7.

ص: 92


1- -جواهر الكلام 38:182.
2- -جواهر الكلام 38:183.
3- -وسائل الشيعة 28:329 ، كتاب الحدود و التعزيرات ، أبواب حدّ المرتد ، الباب 3 ، الحديث 7.

قبول إسلام الولد و صحّته ؛ لكي يصلح للاستدلال على عدم قبول إسلام الصبيّ ما لم يبلغ و لو كان مميّزاً.و أمّا قوله تعالى: «وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ اتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ» (1) ، فلا ربط له بالمقام ؛ لنظره إلى تبعية ذرّيتهم إيّاهم في اختيار الإيمان بعد البلوغ.و على الأقلّ يكون المقصود هو الأعمّ ، لا خصوص غير البالغ.و من النصوص الدالّة على ذلك ، خبر حفص بن غياث ، قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل من أهل الحرب إذا أسلم في دار الحرب ، فظهر عليهم المسلمون بعد ذلك ، فقال عليه السلام:«إسلامه إسلام لنفسه و لولده الصغار ، و هم أحرار...» (2) ، فإنّ المقصود من «ولده الصغار» هم غير المميّزين.و قد اتّضح بما قلنا:أنّ ما قاله في «الجواهر» خلاف مقتضى التحقيق ، فإنّه قدس سره قال:«ولد الكافر كافر نجس تجري عليه أحكام الكفّار ؛ و إن وصف الإسلام ، و استدلّ عليه بأدلّة قاطعة ، و عمل بأحكامه» (3) ، ثمّ استدلّ قدس سره على ذلك بعموم أدلّة التبعية ، و لكن عرفت عدم إمكان الالتزام بها في الصبيّ المميّز ؛ فإنّ المقصود منها هو غير المميّز ، كما هو المتيقّن من تسالم الأصحاب و اتّفاقهم على التبعية.

المقام الثاني:في ارتداد الصبيّ

المشهور بين الفقهاء اشتراط البلوغ فيه ، بل جعله في «الجواهر» من ضروري الدين ، و قال ما حاصله:أنّ إسلام الصبيّ و كفره ليس إلّا تبعياً ؛ فإنّ ذلك

ص: 93


1- -الطور (52):21.
2- -وسائل الشيعة 15:116 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد العدوّ ، الباب 43 ، الحديث 1.
3- -جواهر الكلام 39:26 و27.

لا يخفى على من له أدنى خبرةٍ بكلمات الأصحاب في جميع المقامات (1).و لكن اشتراط البلوغ في الحكم بالارتداد مشكل ؛ فإنّ مقتضى ما بيّناه من القاعدة في إسلام الصبيّ ، هو الحكم بكفر الصبيّ و ترتّب أحكامه-من النجاسة و غيرها-إلّا ما يرجع إلى العقوبة ، كحدّ المرتدّ ؛ نظراً إلى ارتفاعه بحديث رفع قلم المؤاخذة و العقوبة عنها.نعم ، يجوز للحاكم تعزيره و ضربه على الإسلام إذا رأى المصلحة في ذلك ، كما في خبر عبيد بن زرارة ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:في الصبيّ يختار الشرك و هو بين أبويه ، قال عليه السلام:«لا يُترك ؛ و ذاك إذا كان أحد أبويه نصرانياً» (2).و مرسل أبان بن عثمان ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:في الصبيّ إذا شبّ فاختار النصرانية ، و أحد أبويه نصراني أو مسلمين ، قال عليه السلام:«لا يُترك ، و لكن يُضرب على الإسلام» (3).بناءً على إرادة التمييز و بلوغه حدّ المراهق من قوله:«إذا شبّ» و إرادة التعزير من الضرب.و أمّا لو قلنا بكون المقصود من الأوّل البلوغ ، و من الثاني الحدّ ، فيخرج عن محلّ الكلام.و أمّا إجماع الأصحاب ففيه:أنّ الظاهر استنادهم في ذلك إلى عمومات أدلّة التبعية ، فهو مدركي ، لا كاشف تعبّدي عن رأي المعصوم عليه السلام فلا بدّ من ملاحظة2.

ص: 94


1- -جواهر الكلام 39:27.
2- -وسائل الشيعة 28:326 ، كتاب الحدود و التعزيرات ، أبواب حدّ المرتد ، الباب 2 ، الحديث 1.
3- -وسائل الشيعة 28:326 ، كتاب الحدود و التعزيرات ، أبواب حدّ المرتد ، الباب 2 ، الحديث 2.

أحدها:الكمال بالبلوغ و العقل ، فلا يجب على الصبيّ و إن كان مراهقاً ، و لا على المجنون و إن كان أدواريّاً ؛ إن لم يف دور إفاقته بإتيان تمام الأعمال مع مقدّماتها غير الحاصلة ، و لو حجّ الصبيّ المميّز صحّ لكن لم يجز عن حجّة الإسلام ، و إن كان واجداً لجميع الشرائط عدا البلوغ.و الأقوى عدم اشتراط صحّة حجّه بإذن الوليّ ؛ و إن وجب الاستئذان في بعض الصور(1) .تحرير الوسيلة 1:350 عمومات التبعية ، و من تأمّل فيها يجدها ناظرة إلى ما قلنا ، و يذعن بدلالة سياقها على إرادة غير المميّز من الصبيان ؛ فإنّهم لازمون دائماً لأبويهم.و على فرض تحقّق الإجماع التعبّدي ، فالمتيقّن من معقده هو الصبيّ غير المميّز ، و لا حجّية للدليل اللبّي في أكثر من القدر المتيقّن من مدلوله.هذا كلّه مضافاً إلى أنّ ذلك خلاف القاعدة و البرهان ؛ فإنّه كما يقبل إسلام الصبيّ المميّز إذا كان فهماً ذكيّاً كالبالغ ، بل أكثر فهماً منه ، و يترتّب عليه حكمه ، فكذلك كفره بلا فرقٍ ؛ نظراً إلى وحدة الملاك.و لا ينافي ذلك رفع قلم العقوبة و الحدّ عنه من جانب الشارع امتناناً و رأفةً.

مشروعية عبادات الصبيّ

1-تعرّض السيّد الماتن في هذه المسألة إلى صحّة حجّ الصبيّ المميّز ، و حيث إنّها تبتني على مشروعية عبادات الصبيّ و صحّتها ، فلذا ينبغي البحث عن ذلك.فنقول:إنّ الكلام في مشروعية عبادات الصبيّ ، هو بعينه الكلام في قبول إسلامه ؛ فما دلّ على قبول إسلامه ، صالح لإثبات مشروعية عباداته ؛ فإنّ من

ص: 95

الأحكام المترتّبة على إسلامه ، صحّة عباداته و طاعاته ، و قد قلنا:إنّ ذلك لا ينافي عدم وجوب العبادات و الفرائض عليه ؛ بدليل رفع قلم التكليف عنه.هذا مجمل الكلام حسب مقتضى القاعدة.و يمكن الاستدلال على مشروعيتها في حقّ الصبيان بأدلّة:منها:عمومات الأمر بالصلاة ، و الصوم ، و الحجّ ، و نحوها من العبادات الواجبة ؛ لدخول الصبيّ المميّز الذكيّ الفهم-بعد اعتقاده و إيمانه باللّه ، و دينه ، و الرسالة ، و الإمامة ، و المعاد-في عنوان «المؤمنين» بلا ريب ، و لا إشكال.و قد يقال:إنّ مقتضى حديث رفع القلم عن الصبيّ ، عدم مشروعيتها منه ؛ نظراً إلى ظهوره في تعلّق رفع القلم بما تعلّق به قلم الوضع ، و إنّ متعلّق الوضع في الواجبات العبادية ، أمر بسيط غير قابل للتقسيم إلى أصل المشروعية و الجواز -بالمعنى الأعمّ-و إلى الوجوب مع المنع من الترك ، بل صيغة الأمر و ما في معناها ، موضوعة لإبراز اعتبار المادّة في ذمّة المكلّف فقط ، و أمّا الوجوب فإنّما نشأ من ناحية حكم العقل بوجوب طاعة المولى-ما لم يرخّص في الترك-قضاءً لحقّ العبودية و المولوية ، فما هو قابل للوضع و الرفع هو نفس الاعتبار ، دون الوجوب المترتّب عليه بحكم العقل ، و عليه فإذا ارتفع هذا الاعتبار الذي وضعت له صيغة الأمر-بدلالة حديث الرفع-لا يبقى موضوع للوجوب.و فيه:أنّ حكم العقل بوجوب طاعة المولى و إن لم يكن قابلاً للإنكار ، و لكنّه خارج عن ظواهر مداليل الألفاظ و المرتكز منها بين أهل المحاورة عند التخاطب ؛ فإنّ المتبادر إلى أذهانهم من صيغة الأمر الصادر من العالي ، هو الوجوب و اللزوم ما لم ينصب الآمر قرينةً على الترخيص في الترك ، و لذلك نستطيع أن نقول:إنّ صيغة الأمر وُضعت للبعث الإلزامي ؛ و إن كان الإلزام لوناً للبعث من دون أن يُجزئه ،

ص: 96

فلا يرجع ذلك إلى وضع هيئة الأمر لطلب الفعل ، مع المنع عن الترك ؛ لكي يلزم التركّب فيما وُضعت له ، بل هي موضوعة لبعث خاصّ ؛ لأجل تبادر ذلك منها لدى أذهان أبناء العرف و أهل المحاورة عند إطلاق صيغة الأمر في نفسها ؛ مع قطع النظر عن القرائن الخارجية ، التي منها حكم العقل بلزوم طاعة المولى قضاءً لحقّ العبودية و المولوية.و حينئذٍ فنقول:من تلك القرائن الخارجية الصارفة لصيغة الأمر عن ظهورها في الوجوب ، حديث رفع القلم عن الصبيّ ، فإنّ الشارع الآمر بالواجبات العبادية ، لمّا نَصَب قرينةً على رفع الأحكام الإلزامية عن الصبيان-بحيث صار ذلك مرتكزاً في أذهان المتشرّعة-أوجب صرف ظهور أمره عن الوجوب إلى أصل الجواز و المشروعية في حقّهم ؛ بمعنى كشف ذلك عن عدم تعلّق إرادته الجدّية بظاهر الأمر بها في حقّ الصبيان ، و أنّ المراد به أصل البعث ، من دون إلزام ، و لذا يمكن استفاد مشروعية عبادات الصبيان و صحّتها-حتّى في الفرائض-من عمومات الأمر بها.و منها:إطلاق ما امر الناس فيه بالعبادات ، مثل قوله تعالى: «يا أَيُّهَا النّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ» (1)-الحجّ (22):77.(2).و قوله تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَ اسْجُدُوا وَ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ» (2).و لا ريب في كون الصبيان المميّزين من الناس ؛ لصدق عنوان «الناس» عليهم عرفاً ، و كذا عنوان «المؤمنين» كما قلنا آنفاً:إنّ من الصبيان من يبلغ إلى أعلى درجات الإيمان و المعرفة ، و إنّ إطلاق مثل هذه الآيات و النصوص ، يشمل مطلق العبادات ؛ الفرائض ، و المندوبات ، و في الفرائض تبقى دلالتها على أصل7.

ص: 97


1- -البقرة
2- :21.

البعث و مشروعية العبادة ؛ بقرينة حديث رفع القلم عن الصبيّ.و منها:نصوص وردت فيها ترغيب الأولياء ؛ و حثّهم على إتيان الصبيان بالصلاة ، و الصوم ، و الحجّ ، و أمرهم بها ، مثل صحيح الحلبي ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام -في حديث-قال:«إنّا نأمر صبياننا بالصيام إذا كانوا بني سبع سنين بما أطاقوا من صيام اليوم ؛ فإن كان إلى نصف النهار ، أو أكثر من ذلك ، أو أقلّ ، فإذا غلبهم العطش و الغرث أفطروا حتّى يتعوّدوا الصوم و يطيقوه ، فمروا صبيانكم-إذا كانوا بني تسع سنين-بالصوم ما أطاقوا من صيام...» (1).و ما ورد عن النبي صلى الله عليه و آله:«مروا صبيانكم بالصلاة إذا كانوا أبناء ستّ سنين».و في رواية عنه صلى الله عليه و آله:«عشر سنين» (2).و في صحيح الفضيل بن يسار قال:«كان علي بن الحسين عليه السلام يأمر الصبيان يجمعون بين المغرب و العشاء ، و يقول عليه السلام:هو خيرٌ من أن يناموا عنها» (3).و في خبر عبد اللّه بن فضالة ، عن أبي عبد اللّه أو أبي جعفر عليهما السلام-في حديث- قال:سمعته يقول:«يُترك الغلام حتّى يتمّ له سبع سنين ، فإذا تمّ له سبع سنين قيل له:اغسل وجهك و كفّيك ، فإذا غسلهما قيل له:صلّ ، ثمّ يُترك حتّى يتمّ له تسع سنين ، فإذا تمّت له عُلّم الوضوء ، و ضُرب عليه ، و امر بالصلاة ، و ضُرِب عليها ، فإذا1.

ص: 98


1- -وسائل الشيعة 10:234 ، كتاب الصوم ، أبواب من يصحّ منه الصوم ، الباب 29 ، الحديث 3.
2- -مستدرك الوسائل 3:19 ، كتاب الصلاة ، أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ، الباب 3 ، الحديث 3.
3- -الكافي 3:2/409 ؛ وسائل الشيعة 4:21 ، كتاب الصلاة ، أبواب أعداد الفرائض ، الباب 4 ، الحديث 1.

تعلّم الوضوء و الصلاة غفر اللّه لوالديه إن شاء اللّه» (1).بل ورد في بعض النصوص أمر الصبيان بالصلاة الواجبة في أوّل وقتها ، كما في خبر جابر ، عن أبي جعفر عليه السلام:«لا تؤخّروهم عن الصلاة المكتوبة» (2) ؛ أي لا تدعوهم لأن يؤخّروا الصلاة المكتوبة.و قد ورد في عدّة من النصوص المعتبرة ، أخذ الصبيان بالفرائض ؛ من الصلاة ، و الصوم ، و تأديبهم عليها ، و سيأتي ذكر هذه النصوص في البحث عن تأديب الصبيان و تعزيرهم.و من النصوص الآمرة بأمر الصبيان بالعبادة ، صحيح زرارة ، عن أحدهما عليهما السلام قال:«إذا حجّ الرجل بابنه و هو صغير ، فهو يأمره أن يُلبّي ، و يفرض الحجّ...» (3)...

إلى غير ذلك من النصوص.و لا ريب في دلالة الأمر بالعبادة على مشروعيتها و صحّتها ؛ حيث لا يعقل الأمر بدونها.بل ورد في النصوص المستفيضة:أنّه تجب الصلاة على الصبيان إذا بلغوا ستّ سنين ، كما في صحيح محمّد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما السلام:في الصبيّ ، متى يصلّي ؟ فقال عليه السلام:«إذا عقل الصلاة». قلت:متى يعقل الصلاة و تجب عليه ؟ قال عليه السلام:«لستّ سنين» (4).و في صحيح علي بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه السلام قال:سألته عن الغلام ،2.

ص: 99


1- -وسائل الشيعة 4:20 ، كتاب الصلاة ، أبواب أعداد الفرائض ، الباب 3 ، الحديث 7.
2- -الكافي 3:3/409.
3- -وسائل الشيعة 11:288 ، كتاب الحجّ ، أبواب أقسام الحجّ ، الباب 17 ، الحديث 5.
4- -وسائل الشيعة 4:18-19 ، كتاب الصلاة ، أبواب أعداد الفرائض ، الباب 3 ، الحديث 2.

متى يجب عليه الصوم و الصلاة ؟ قال:«إذا راهق الحُلُم ، و عرف الصلاة و الصوم» (1).و في موثّق إسحاق بن عمّار ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«إذا أتى على الصبيّ ستّ سنين ، وجب عليه الصلاة ، و إذا أطاق الصوم وجب عليه الصيام» (2).نعم ، مقتضى التأمّل حمل «الوجوب» في هذه النصوص على معناه اللغوي ؛ و هو الثبوت ، بقرينة ما دلّ على رفع قلم التكليف الإلزامي عن الصبيّ ، و بذلك تُرفع اليد عن ظاهر لفظ «الوجوب» في معناه الاصطلاحي ، كما ترفع اليد عن ظاهر صيغة الأمر في الوجوب بهذه القرينة القطعية الخارجية.و ليس معنى ثبوت الصلاة في حقّهم ، إلّا مشروعيتها و استحبابها ؛ لأنّ مشروعيتها إمّا على نحو الوجوب ، أو الاستحباب ، فإذا لم تكن بمعنى الوجوب الاصطلاحي ، تتعيّن في الاستحباب.و الحاصل:أنّه بعد التأمّل في مفاد هذه النصوص ، لا يبقى أيّ شكّ و لا ترديد في دلالتها على مشروعية عبادات الصبيّ.و أمّا اعتبار إذن الوليّ في صحّة حجّ الصبيّ ، فقد نُسب إلى المشهور ، و ذهب إليه في «الجواهر» (3) ، و عُلّل ذلك:«بأنّ الحجّ عبادة توقيفية تحتاج إلى الدليل ، فلا بدّ من الاقتصار على المتيقّن من دليل صحّته في الصبيّ ؛ و هو صورة إذن الوليّ».و فيه:أنّه بعد قيام الدليل المعتبر على مشروعية حجّ الصبيّ و استحبابه ،4.

ص: 100


1- -وسائل الشيعة 4:19 ، كتاب الصلاة ، أبواب أعداد الفرائض ، الباب 3 ، الحديث 3.
2- -وسائل الشيعة 4:19 ، كتاب الصلاة ، أبواب أعداد الفرائض ، الباب 3 ، الحديث 4.
3- -جواهر الكلام 17:234.

فالمحكّم هو إطلاق هذه النصوص ، و لا مقيّد لإطلاقها يدلّ على عدم صحّته من الصبيّ إذا كان بغير إذن الوليّ.نعم ، في الموارد التي يحتاج فيها فعل واجبات الحجّ إلى تصرّف مالي ببيع و شراء-مثل الهدي-يعتبر فيه إذن الوليّ.و هذا هو مراد السيّد الماتن قدس سره من قوله:«و إن وجب الاستئذان في بعض الصور» و لكنّه خارج عن مناسك الحجّ و واجباته.و أمّا ما رواه الصدوق في «العلل» عن الصادق عليه السلام عن النبي صلى الله عليه و آله-في حديث-:«من برّ الولد ، أن لا يصوم تطوّعاً و لا يحجّ تطوّعاً و لا يصلّي تطوّعاً إلّا بإذن أبويه و أمرهما ، و إلّا...كان الولد عاقّاً» (1).ففيه أوّلاً:أنّه ضعيف بوقوع أحمد بن هلال العَبَرْتائي في سنده.و ثانياً:أنّه روي في «الكافي» مقتصراً على الضيف و الزوجة و العبد ، من دون ذكر الولد ، و رواه الصدوق في «الفقيه» مع ذكر الولد ، و لكن اقتصر على الصوم بلا تعرّض للحجّ و الصلاة.3.

ص: 101


1- -وسائل الشيعة 10:530 ، كتاب الصوم ، أبواب الصوم المحرّم و المكروه ، الباب 10 ، الحديث 2 و3.

(مسألة 1):يستحبّ للوليّ أن يُحرم بالصبيّ غير المميّز(1)، فيجعله محرماً و يلبسه ثوبي الإحرام ، و ينوي عنه ، و يلقِّنه التلبية إن أمكن ، و إلّا يلبّي عنه ، و يجنّبه عن محرّمات الإحرام ، و يأمره بكلٍّ من أفعاله ، و إن لم يتمكّن شيئاً منها ينوب عنه ، و يطوف به ، و يسعى به ، و يقف به في عرفات و مشعر و منى ، و يأمره بالرمي ، و لو لم يتمكّن يرمي عنه ، و يأمره بالوضوء و صلاة الطواف ، و إن لم يقدر يصلّي عنه ، و إن كان الأحوط إتيان الطفل صورة الوضوء و الصلاة أيضاً ، و أحوط منه توضّؤه لو لم يتمكّن من إتيان صورته. تحرير الوسيلة 1:350

استحباب إحجاج غير المميّز من الصبيان

1-لا خلاف في أصل استحباب إحجاج الصبيّ غير المميّز للوليّ ، كما صرّح به في «الجواهر» (1) ، و «العروة» (2) ، و قد دلّت على ذلك عدّة من النصوص المعتبرة لا حاجة إلى ذكرها ، و قد عقد في «الوسائل» (3) باباً مستقلّاً لذلك.هذا في الصبيّ.و أمّا في الصبيّة ، فقد أشكل في «المستند» بدعوى اختصاص نصوص المقام بالصبيّ ؛ و أنّ إلحاق الصبيّة يحتاج إلى الدليل.و لكنّ المشهور لم يفرّقوا بينهما.و قد يُستدلّ للمشهور (4) بمعتبرة يونس بن

ص: 102


1- -جواهر الكلام 17:235.
2- -العروة الوثقى 4:346-347، المسألة 2.
3- -وسائل الشيعة 11:286 ، كتاب الحجّ ، أبواب أقسام الحجّ ، الباب 17.
4- -كما في المعتمد في شرح العروة الوثقى 26:22.

يعقوب ، عن أبيه ، قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:إنّ معي صبيةً صغاراً ، و أنا أخاف عليهم البرد ، فمن أين يُحرَمون ؟ قال:«ايت بهم العرج ، فليُحرموا منها ؛ فإنّك إذا أتيت بهم العرج وقعت في تهامة» ثمّ قال:«فإن خِفت عليهم فأتِ بهم الجحفة» (1).بدعوى:أنّ لفظ «الصبيّة» في هذه المعتبرة و إن كان جمعاً للصبيّ ، و جمع الصبيّة «الصبايا» إلّا أنّ المتفاهم العرفي من «الصبيّة» الصغار من الأولاد ، هو أعمّ من الذكر و الاُنثى.و لكنّه كما ترى ؛ بعد خروجه عن المعنى الموضوع له ، و عدم مساعدة الدلالة الوضعية ، بل هي على الخلاف ، و لا قرينة اخرى-من النصوص و لا غيرها-على استحباب إحجاج الوليّ للصبيّة.و أمّا كيفية إتيان الوليّ بواجبات الحجّ عن غير المميّز-في صورة عدم تمكّنه منها ، و أمره بها عند التمكّن-فكلّ ذلك مستفاد من نصوص المقام ، فراجع.و أمّا الوضوء ، فلا دليل على توضّؤ الوليّ عنه عند عدم تمكّنه ؛ نظراً إلى خروجه عن أفعال الحجّ ، فلا يدخل في نطاق هذه النصوص ؛ و إن كان هو الأحوط استحباباً نظراً إلى ارتباطه بمناسك الحجّ ، بل هو مقدّمة لها ، و بذلك اتّضح وجه احتياط السيّد الماتن قدس سره في المقام.7.

ص: 103


1- -وسائل الشيعة 11:289 ، كتاب الحجّ ، أبواب أقسام الحجّ ، الباب 17 ، الحديث 7.

(مسألة 2):لا يلزم أن يكون الوليّ مُحرِماً في الإحرام بالصبيّ ، بل يجوز ذلك و إن كان مُحلاًّ(1) .

(مسألة 3):الأحوط أن يقتصر في الإحرام بغير المميّز على الوليّ الشرعي ؛(2) من الأب و الجدّ و الوصيّ لأحدهما و الحاكم و أمينه أو الوكيل منهم و الاُمّ و إن لم تكن وليّاً ، و الإسراء إلى غير الوليّ الشرعيّ-ممّن يتولّى أمر الصبيّ و يتكفّله-مشكل و إن لا يخلو من قرب. تحرير الوسيلة 1:350

عدم وجوب إحرام الوليّ

1-و الوجه فيه إطلاق النصوص الدالّة على استحباب إحجاج الوليّ ؛ حيث لا إشارة في شيءٍ منها إلى اعتبار إحرام الوليّ.

جواز إحجاج غير الوليّ الشرعي للصبيّ

2-الوجه في الاقتصار ، ظهور نصوص المقام في الوليّ الشرعي.و لكن يشكل على ذلك:أنّه لا أساس لهذا الاستظهار ؛ نظراً إلى عدم كون إحجاج الصبيّ ، مستلزماً لتصرّف مالي لكي يحتاج إلى إذن وليّه الشرعي ، فلا دليل عليه ، بل يصحّ إحجاج الصبيّ من كلّ من يتولّى أمره في الحجّ و إن لم يكن وليّه الشرعي.هذا مضافاً إلى ظهور بعض نصوص المقام ، في صحّة إحجاج الصبيّ من أيّ شخص يمكنه أن يتولّى إحجاجه ، كصحيحة معاوية بن عمّار ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«انظروا من كان معكم من الصبيان ؛ فقدّموه إلى الجحفة ، أو إلى بطن مرّ ، و يُصنع بهم ما يصنع بالمحرم ؛ و يطاف بهم ، و يُرمى عنهم ، و من

ص: 104

(مسألة 4):النفقة الزائدة على نفقة الحضر على الوليّ ، لا من مال الصبيّ إلّا إذا كان حفظه موقوفاً على السفر به ، فمئونة أصل السفر-حينئذٍ- على الطفل ، لا مئونة الحجّ به لو كانت زائدة(1) .تحرير الوسيلة 1:351 لا يجد الهدي منهم فليصم عنه وليّه» (1).و بهذا البيان اتّضح صحّة إحجاج الاُمّ بالفحوى.مضافاً إلى دلالة قوله عليه السلام:

«مُر امّه تلقي حميدة ، و تسألها:كيف تصنع بصبيانها» فأتتها و سألتها كيف تصنع ؟ فقالت:إذا كان يوم التروية فأحرموا عنه ، و جرّدوه و غسّلوه ، كما يُجرّد المُحرم ، وقفوا به المواقف... (2).و صحيح عبد اللّه بن سنان ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:سمعته يقول:«مرّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله برويثة و هو حاجّ ، إليه امرأة و معها صبيّ لها ، فقالت:يا رسول اللّه صلى الله عليه و آله أ يحجّ عن مثل هذا ؟ قال صلى الله عليه و آله:نعم ، و لك أجره» (3).و الحاصل:أنّ الإسراء إلى غير الوليّ الشرعي-ممّن يتولّى أمر الصبيّ-هو الأقوى ، كما انتهى إليه رأي السيّد الماتن بقوله:«و إن لا يخلو من قرب».

نفقة حجّ الصبيّ

1-الوجه في ذلك رجوع مصلحة السفر و منافعه المعنوية-من الأجر و ثواب الحجّ-إلى الصبيّ ؛ و إن اشترك معه الوليّ ، كما في صحيح عبد اللّه بن سنان

ص: 105


1- -وسائل الشيعة 11:287 ، كتاب الحجّ ، أبواب أقسام الحجّ ، الباب 17 ، الحديث 3.
2- -وسائل الشيعة 11:286 ، كتاب الحجّ ، أبواب أقسام الحجّ ، الباب 17 ، الحديث 1.
3- -وسائل الشيعة 11:54 ، كتاب الحجّ ، أبواب وجوبه و شرائطه ، الباب 20 ، الحديث 1.

(مسألة 6):لو حجّ الصبيّ المميّز و أدرك المشعر بالغاً ، و المجنون و عقل قبل المشعر ، يجزيهما عن حجّة الإسلام على الأقوى ؛ و إن كان الأحوط الإعادة بعد ذلك مع الاستطاعة(1) .تحرير الوسيلة 1:351 السابق آنفاً ، إلّا أنّه لمّا كان بأمر الشارع و لأجل الصبيّ و رعاية مصلحته ، فلذا تكون نفقته من ماله ؛ إلّا أن تكون زائدة عمّا يرجع إلى حجّه و السفر المتوقّف حفظه عليه.

حكم ما لو أدرك الصبيّ المشعر بالغاً

1-كما هو المشهور بين الأصحاب ؛ قال في «الحدائق»:«ذكره الشيخ و أكثر الأصحاب» و نقل فيه الإجماع عن العلّامة في «التذكرة» و قد تردّد في «المنتهى» و«التحرير» و كذا تردّد المحقّق في «المعتبر» و «الشرائع» في الإجزاء عن حجّة الإسلام ، و مال إليه في «الحدائق» بعد نقل ذلك قائلاً:«إنّي لم أقف لهم على دليل في المسألة» (1).و على أيّ حالٍ:يشكل دعوى الإجماع بعد وجود المخالف.و على فرض تحقّقه فيحتمل استناد المجمعين إلى أحد الوجوه التي استدلّ بها بعضهم:منها:النصوص الدالّة على إجزاء حجّ العبد إذا أدرك المشعر معتقاً.و فيه:أنّ أحكام الشرع توقيفية ، و لا سيّما في العبادات ، و إلغاء الخصوصية يحتاج إلى قرينة قطعية ، و لا قرينة في المقام ، فهو قياس مع الفارق ، كما قال في «المنتهى».

ص: 106


1- -الحدائق الناضرة 14:60-61.

و منها:ما دلّ على أنّ من لم يحرم من مكّة ، أحرم من حيث أمكنه و لو قبل المشعر (1).و فيه:أنّ مورد تلك النصوص هو المكلّف الذي ترك الإحرام لجهل، أو نسيان، أو أيّ عذر آخر ، و الكلام هنا في غير المكلّف الذي هو فاقد لشرط أصل التكليف.و بذلك اتّضح الجواب عن التمسّك بما دلّ على أنّ من أدرك المشعر ، فقد أدرك الحجّ (2) ؛ لأنّ مورده من ترك الوقوف لمانع ، أو عذر.و قد يُستدلّ لذلك:بأنّ الحجّ طبيعة واحدة مشتركة بين الصبيّ و البالغ ، و إنّما الاختلاف بينهما في وجه الحكم ؛ من الاستحباب و الوجوب ، و حيث إنّ النصوص الدالّة على عدم إجزاء حجّ الصبيّ عن حجّة الإسلام ، لا تشمل ما إذا بلغ في أثناء الحجّ ، فلا مناص من كون حجّه حينئذٍ داخلاً في الحجّ الصحيح المُجزي عن حجّة الإسلام.و فيه:أنّ تعدّد حقيقة الحجّ بالاستحباب و الوجوب و البلوغ و عدمه ، و إن لم يكن دليل عليه ، بل هو خلاف ظواهر الآيات و الروايات ، إلّا أنّه لا محيص من عدم الإجراء في المقام ؛ بعد عدم إجزاء حجّ الصبيّ عن حجّة الإسلام ، و عدم تحقّق البلوغ الذي هو شرط الوجوب ، و لأنّ الإجزاء في النيّة و الإحرام-اللذين هما من أركان الحجّ-يحتاج إلى دليل خاصّ ، و هو مفقود في المقام.نعم ، بناءً على مبنى السيّد الماتن قدس سره من كون الشهرة الفتوائية القدمائية ، واجدة لملاك الإجماع-أعني به الكشف عن رأي المعصوم تعبّداً ، كما حرّر ذلك3.

ص: 107


1- -وسائل الشيعة 11:328 ، كتاب الحجّ ، أبواب المواقيت ، الباب 14.
2- -وسائل الشيعة 14:37 ، كتاب الحجّ ، أبواب الوقوف بالمشعر ، الباب 23.

(مسألة 7):لو مشى الصبيّ إلى الحجّ ، فبلغ قبل أن يحرم من الميقات ، و كان مستطيعاً و لو من ذلك الموضع ، فحجّه حجّة الإسلام(1) .

(مسألة 8):لو حجّ ندباً باعتقاد أنّه غير بالغ ، فبان بعد الحجّ خلافه ، أو باعتقاد عدم الاستطاعة ، فبان خلافه ، لا يجزي عن حجّة الإسلام على الأقوى ، إلّا إذا أمكن الاشتباه في التطبيق(2).

تحرير الوسيلة 1:351 في محلّه-يكون للحكم بالإجزاء حينئذٍ وجه.و لكن يرد عليه:أنّه بتمسّك بعضهم بطوائف من النصوص في ذلك ، ينفتح باب احتمال استناد فتوى المشهور إلى هذه النصوص ، فيكون مدركياً غير كاشف عن رأي المعصوم تعبّداً ، فالأقوى عدم الإجزاء في المقام.

بلوغ الصبيّ أثناء الحجّ

1-و ذلك لوضوح تمامية شرط الوجوب ، و عدم نقصان في شيء من أركان حجّة الإسلام و واجباتها و شرائطها.

حكم ما إذا حجّ ندباً فانكشف كونه بالغاً

2-إنّ في المقام صورتين:

الاُولى:أن ينوي خصوص الحجّ المندوب من غير البالغ ؛ بحيث يكون منويه مقيّداً بذلك ، و الأقوى حينئذٍ عدم إجزائه عن حجّة الإسلام عند كشف الخلاف ؛ لوضوح المغايرة بين منويه و بين حجّة الإسلام في الواقع.الثانية:أن ينوي أصل الحجّ ، لا بقيد كونه مندوباً مختصّاً بغير البالغ

ص: 108

-و إن عَلِم أنّ حجّه مندوب ؛ لاعتقاده بعدم بلوغه-بل يقصد أصل عنوان الحجّ قبال العمرة بلا التفات و قصد لذلك ، و الأقوى حينئذٍ الصحّة ؛ لأنّه و إن لم يقصد الحجّ الواجب ، إلّا أنّه لا يضرّ بالإجزاء عن حجّة الإسلام ؛ لأنّه قصد الحجّ المشروع ، و قد ثبت في محلّه عدم اعتبار نيّة الوجه ، و كفاية نيّة الحجّ و العمرة ؛ و إن أفتى السيّد الماتن باعتبار نيّة حجّة الإسلام في المسألة الثانية من كيفية الإحرام ، و قد بحثنا عن ذلك هناك في كتابنا «دليل تحرير الوسيلة» و أثبتنا أنّه لا دليل على أزيد من اعتبار نيّة الحجّ أو العمرة ؛ و إن كان مقتضى الاحتياط عدم الإجزاء مطلقاً.

ميقات الصبيان

لم يتعرّض السيّد الماتن لميقات الصبيان في كتاب الحجّ من «تحرير الوسيلة» و لكن ينبغي البحث عن ذلك بلحاظ ما له من الأهمّية ، فنقول:ذهب جماعة من الفقهاء إلى أنّ ميقات الصبيان هو فخّ ، بل حكي ذلك عن «المعتبر» و «المنتهى» و «التحرير» و «التذكرة» و في «الجواهر»:«و ربّما نسب إلى الأكثر ، بل في «الرياض» يظهر من آخر عدم الخلاف فيه» (1).قال في «كشف اللثام»:«فخّ-بفتح الفاء و تشديد الخاء المعجمة- بئر معروف على نحو فرسخٍ من مكّة ، كذا قيل ، و في «القاموس»:موضع بمكّة دُفن بها ابن عمر ، و في «النهاية الأثيرية»:موضع عند مكّة ، و قيل:وادٍ و دُفن به عبد اللّه بن عمر ، و في «السرائر»:أنّه موضع على رأس فرسخ من مكّة قتل به الحسين بن علي بن أمير المؤمنين يعني الحسين بن علي بن الحسن بن

ص: 109


1- -جواهر الكلام 18:120.

الحسن بن الحسن بن أمير المؤمنين عليهما السلام » (1).و استُدلّ لذلك بصحيح أيّوب بن الحرّ ، قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام:من أين تُجرّد الصبيان ؟ قال عليه السلام:«كان أبي يُجرّدهم من فخّ» (2).و لا يخفى:أنّ الاستدلال به مبنيّ على إرادة الإحرام من «التجريد» مع أنّه بعض أفعال الإحرام.و في صحيح معاوية بن عمّار ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«انظروا من كان معكم من الصبيان ؛ فقدّموه إلى الجُحفة ، أو إلى بطن مرّ ، و يُصنعُ بهم ما يُصنع بالمحرم...» (3).و مقتضى التحقيق في المقام ، شمول إطلاقات سائر المواقيت للصبيان أيضاً ؛ نظراً إلى شمولها لكلّ من شرع له الحجّ ، و لمّا كان الحجّ مشروعاً للصبيّ ، فتشمله إطلاقات نصوص المواقيت ، و عليه فيؤخذ بظاهر لفظ «التجريد» فيقال بجواز الإحرام للصبيّ من المواقيت المعروفة ، و إنّما يجرّد في فخّ ؛ لقربه من مكّة رعاية لحال الصبيّ.و أمّا صحيح معاوية فلا إشكال في تمامية دلالته ، كما لا إشكال في الأخذ بمدلوله.و أمّا صحيح يونس بن يعقوب ، عن أبيه ، قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:إنّ معي صبيةً صغاراً ، و أنا أخاف عليهم البرد، فمن أين يحرمون ؟ قال عليه السلام:«ايت بهم العرج ، فليحرموا منها ؛ فإنّك إذا أتيت بهم العرج وقعت في تهامة» ثمّ قال عليه السلام:3.

ص: 110


1- -كشف اللثام 5:218.
2- -وسائل الشيعة 11:336 ، كتاب الحجّ ، أبواب المواقيت ، الباب 18 ، الحديث 1.
3- -وسائل الشيعة 11:287 ، كتاب الحجّ ، أبواب أقسام الحجّ ، الباب 17 ، الحديث 3.

«فإن خفت عليه فأت بهم الجحفة» (1) ، فيختصّ مدلوله بصورة الخوف من البرد ، فيكون قرينة على تقديم الصبيان إلى الجحفة بل إلى بطن مرّ-القريب من الجحفة- من باب خوف البرد.فالأقوى أنّ ميقات الصبيان ، كميقات غيرهم بإضافة بطن مرّ ؛ بدلالة صحيح معاوية ، فإن كان بطن مرّ داخلاً في سائر المواقيت-كما احتمل في «الجواهر» (2)- فبها ، و إلّا فهو بنفسه ميقات آخر للصبيّ مضافاً إلى سائر المواقيت.و أمّا فخّ ، فإنّما يجوز تأخير نزع ثياب الصبيّ إليه ، بدليل صحيح أيّوب بن حرّ أخي اديم.و الحاصل:أنّ للصبيان ميقاتاً اختيارياً ؛ و هو المواقيت الموقّتة للبالغين ، و ميقاتاً اضطرارياً ؛ و هو العرج ، و الجحفة ، و بطن مرّ ؛ بقرينة تأخيره عن ذكر الجحفة لفظاً في كلام الإمام عليه السلام الظاهر في تأخّره من الجحفة خارجاً ؛ و كونه أقرب منها إلى مكّة.1.

ص: 111


1- -وسائل الشيعة 11:289، كتاب الحجّ ، أبواب أقسام الحجّ ، الباب 17 ، الحديث 7.
2- -جواهر الكلام 18:121.

(مسألة 1):لا فرق في وجوب إخراج خمس المعدن بين كونه في أرض مباحة أو مملوكة ؛ و إن كان الأوّل لمن استنبطه ، و الثاني لصاحب الأرض و إن أخرجه غيره ، و حينئذٍ إن كان بأمر من مالكها يكون الخمس بعد استثناء المئونة، و منها اجرة المخرج إن لم يكن متبرّعاً، و إن لم يكن بأمره يكون المخرج له و عليه الخمس من دون استثناء المئونة ؛ لأنّه لم يصرف مئونة ، و ليس عليه ما صرفه المخرج.و لو كان المعدن في أرض مفتوحة عنوة ، فإن كان في معمورتها حال الفتح التي هي للمسلمين ، و أخرجه أحد منهم ملكه ، و عليه الخمس إن كان بإذن والي المسلمين ، و إلّا فمحلّ إشكال ، كما أنّه لو أخرجه غير المسلمين ففي تملّكه إشكال.و إن كان في مواتها حال الفتح يملكها المخرج ، و عليه الخمس و لو كان كافراً كسائر الأراضي المباحة ، و لو استنبط المعدن صبيّ أو مجنون تعلّق الخمس به على الأقوى ، و وجب على الوليّ إخراجه(1) .تحرير الوسيلة 1:333

هل يتعلّق الخمس بمال الصبيّ ؟

1-ذهب المشهور إلى تعلّق الخمس بالصغير و المجنون ؛ و أنّه يجب على وليّهما إخراجه من مالهما.و لكن قد يقال بخلاف ذلك ؛ نظراً إلى أنّ حديث رفع القلم ، يرفع عنهما كلّ حكم يوجب الثقل و الكلفة عليهما ، بل يدلّ على أنّه لم يكتب في حقّهما في الشريعة ؛ من دون فرق في ذلك بين الأحكام التكليفية ، و الوضعية ، و من الواضح أنّ تعلّق الخمس بمال الصبيّ ، نقص مالي يوجب الثقل و الكلفة عليه في دفعه ، فلا موجب لتقييده بالحكم التكليفي ؛ حيث لم يرد في المقام دليل خاصّ يدلّ على تعلّق الخمس بمال الصبيّ غير إطلاق أدلّة وجوب الخمس.

ص: 112

نعم ، إذا كان رفع الحكم الوضعي عن الصبيّ ، خلاف الامتنان بالنسبة إلى سائر العباد-و ذلك مثل نفي الضمان عن فعله-فهو خارج عن نطاق حديث الرفع ؛ نظراً إلى كونه بصدد الامتنان على الاُمّة ، و كون نفي الضمان عن فعل الصبيّ ، يوجب الضرر على سائر المكلّفين ، و ذلك خلاف الامتنان في حقّهم.أو كان ممّا ثبت فيه الحكم الوضعي لذات الموضوع في نفسه ؛ مع قطع النظر عن أيّ مكلّف ، بأن كان من صفات الموضوع و خصوصياته ، كالنجاسة ، فإنّها تسري و تنجّس من أيّ منشأ نشأت ؛ بلا فرق بين البالغ ، أو غيره ، بل حتّى من الحيوان أو الجمادات أيضاً تسري إلى غيرها ، و إنّ المقام ليس من هذا القبيل.و فيه:أنّ إشكال نفي الضمان عن الصبيّ ، يأتي في المقام أيضاً ؛ حيث إنّه بعد ما صار خمس كلّ فائدة مِلكاً للإمام-بمقتضى إطلاق الأدلّة-يكون نفي الضمان عن الصبيّ ، خلاف الامتنان بالنسبة إلى من لا يقاس بسائر الاُمّة في حرمة حقّه و أهمّية حفظه ؛ أعني به الإمام المعصوم و ذرّية رسول اللّه صلى الله عليه و آله و عليه فعلى فرض إطلاق حديث رفع القلم و شموله للأحكام الوضعية ، يشكل شموله للمقام ؛ نظراً إلى منافاته لحقّ من هو أولى بالمؤمنين من أموالهم و أنفسهم ، فهذا من أظهر مصاديق خلاف الامتنان.و الإشكال:بأنّ أصل تعلّق الخمس بمال الصبيّ ، أوّل الكلام ؛ نظراً إلى كون حديث الرفع مانعاً عن شموله ، و أنّ مخالفة الامتنان فرع تعلّق الخمس بأمواله ، في غير محلّه ؛ و ذلك لفرض إطلاق أدلّة الخمس لكلّ من يكون قابلاً لتملّك الفوائد ؛ و تصدق الإفادة بالنسبة إليه ، و لا كلام قابلية الصبيّ لذلك ، فيدخل في إطلاق أدلّة الخمس ، و إنّما الكلام في تقييده و تضييق دائرته بغير أموال الصبيّ ؛ لأدلّة رفع قلم التكليف عنه ، كما أنّ الأمر كذلك لإطلاق أدلّة الضمان ، و نحن ننفي هذا التقييد ؛ لما

ص: 113

(مسألة 1):يشترط فيمن تجب عليه الزكاة امور:

أحدها:البلوغ ، فلا تجب على غير البالغ(1) .تحرير الوسيلة 1:295 يستلزم ما هو المخالف للامتنان بالنسبة إلى أرباب الخمس ، فالحقّ في المقام ما ذهب إليه المشهور.ثمّ إنّه لو بقيت العين المتعلّقة للخمس إلى بعد زمان البلوغ ، يجب على البالغ تخميسها حينئذٍ بلا إشكال و لا كلام ؛ لوضوح تعلّق الخمس بذات المعدن المخرَج ، و لا يسقط بعد تعلّقه بمضيّ زمان الإخراج.و لا يخفى:أنّ هذا الكلام يجري في المعدن و نظيره ؛ ممّا تعلّق الخمس فيه بذات الشيء من دون تحديد بزمان ، و أمّا ما حُدّد فيه تعلّق الخمس بانتهاء السنة -كما في الفوائد و أرباح التجارات-فلا ينفع البلوغ بعد عام الخمس في وجوبه حتّى مع بقاء العين ؛ حيث لم يتعلّق الخمس فيها بغير ربح السنة ، كما دلّ عليه صحيح علي بن مهزيار في قوله عليه السلام:«فأمّا الغنائم و الفوائد ، فهي واجبة عليهم في كلّ عام» (1) ؛ نظراً إلى عدم سقوط الوجوب بعد ثبوته في ظرفه ، إلّا أن يبلغ قبل انتهاء تلك السنة ، فلا إشكال في تعلّق الخمس بأمواله حينئذٍ.

زكاة الصبيّ

1-عمدة الدليل على ذلك-بعد ذهاب المشهور-هي النصوص المتواترة:منها:ما ورد في النصوص الكثيرة من أنّه :«ليس على مال اليتيم زكاة» (2).

ص: 114


1- -وسائل الشيعة 9:501، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 8، الحديث 5.
2- -وسائل الشيعة 9:83 ، كتاب الزكاة ، أبواب من تجب عليه الزكاة ، الباب 1.

(مسألة 5): لو سلّم على جماعة كان المصلّي أحدهم ، فالأحوط له عدم الردّ إن كان غيره يردّه ، و إذا كان بين جماعة فسلّم واحد عليهم ، و شكّ في أنّه قصده أم لا ، لا يجوز له الجواب(1) .

تحرير الوسيلة 1:177 و منها:صحيح يونس بن يعقوب ، قال:أرسلتُ إلى أبي عبد اللّه:أنّ لي إخوةً صغاراً ، فمتى تجب على أموالهم الزكاة ؟ قال:«إذا وجب عليهم الصلاة وجب عليهم الزكاة» قلت:فما لم تجب عليهم الصلاة ؟ قال عليه السلام:«إذا اتُّجرَ به فزكّ» (1).هذا مضافاً إلى ما دلّ من النصوص على رفع قلم التكليف عن الصبيّ ، الشامل بإطلاقه للمقام ، و الأقوى شمول نطاقه للوضع.

ردُّ سلام الصبيّ

1-الوجه في وجوب ردّ سلام الصبيّ المميّز ، هو صدق التحيّة على سلامه ؛ لأنّ للتحيّة حقيقة عرفية تصدق على سلام الصغير و الكبير بلا فرق ، فيشملها قوله تعالى: «وَ إِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها» (2).و ليس التسليم من العبادات الشرعية لكي يقال:بعدم مشروعية عبادات الصبيّ ، و أنّها تمرينية ، و أنّه إذا لم يكن سلامه مشروعاً لا يجب ردّه ، لوضوح أنّ التسليم ليس إلّا التحيّة ، و هي من الحقائق العرفية.نعم ، لا تصدق التحيّة على سلام غير المميّز ؛ لأنّها من العناوين القصدية ، و هي لا تتمشّى من غير المميّز ؛ لأنّ قصد التحيّة فرع فهم المعنى و تمييزه.

ص: 115


1- -وسائل الشيعة 9:85 ، كتاب الزكاة ، أبواب من تجب عليه الزكاة ، الباب 1 ، الحديث 5.
2- -النساء (4):86.

يجب كفاية تغسيل كلّ مسلم ؛ و لو كان مخالفاً على الأحوط فيه ، كما أنّ الأحوط تغسيله بالكيفيّة التي عندنا و التي عندهم ، و لا يجوز تغسيل الكافر و من حكم بكفره من المسلمين ، كالنواصب و الخوارج و غيرهما على التفصيل الآتي في النجاسات ، و أطفال المسلمين حتّى ولد الزنا منهم بحكمهم ، فيجب تغسيلهم.بل يجب تغسيل السِّقط إذا تمّ له أربعة أشهر ، و يُكفَّن و يُدفن على المتعارف ، و لو كان له أقلّ من أربعة أشهر لا يجب غسله ، بل يُلفّ في خرقة و يُدفن(1) .

تحرير الوسيلة 1:65-66

غُسل الصبيّ الميّت

1-الوجه في ذلك ما مرّ في إسلام الصبيّ ؛ من أنّ غير المميّز يتبع أباه في الإسلام و الكفر ، فلا نعيد.و أمّا المميّز ، فقد سبق أنّه لا تبعية في حقّه ؛ لأنّ المتيقّن من السيرة و الإجماع في التبعية هو الصبيّ غير المميّز ، و عليه فإن أقرّ ولد الكافر بالشهادتين و كان مميّزاً يترتّب عليه أحكام المسلم ؛ من الغسل و الكفن و الدفن و الصلاة ، و كذا بالعكس ؛ فلو أنكر ولد المسلم المميّز التوحيد أو الرسالة أو ضروري الدين لا تترتّب عليه أحكام المسلم في الاُمور المذكورة و غيرها.و أمّا وجوب تغسيل السقط الذي تمّت له أربعة أشهر ، فالدليل عليه هو ما ورد من النصوص ، و هي على طوائف:الاُولى:ما جُعل فيها مناط الوجوب تمامية أربعة أشهر ، مثل خبر أحمد بن محمّد ، عمّن ذكره ، قال:«إذا أتمّ السقط أربعة أشهر غُسّل» و قال:«إذا تمّ له ستّة

ص: 116

أشهر فهو تامّ ، و ذلك أنّ الحسين بن علي عليهما السلام وُلِدَ و هو ابن ستّة أشهر» (1).و لكنّها مضمرة لم يُحرز كونها عن المعصوم عليه السلام.و مثل خبر زرارة ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«السقط إذا تمّ له أربعة أشهر غُسّل» (2).الثانية:ما جُعِل المناط فيها الاستواء ، و هو بمعنى تمامية الأعضاء و الصورة ، مثل موثّقة سماعة ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:قال:سألته عن السقط إذا استوت خِلقتُه ؛ يجب عليه الغسل و اللحد و الكفن ؟ قال عليه السلام:«نعم ، كلّ ذلك يجب عليه إذا استوى» (3).الثالثة:ما جمع فيها بين الأمرين ، مثل موثّق ابن فضّال ، عن الحسن بن الجَهْم ، قال:قال:سمعت أبا الحسن الرضا عليه السلام يقول:«قال أبو جعفر عليه السلام:إنّ النطفة تكون في الرحم أربعين يوماً ، ثمّ تصير مُضغةً أربعين يوماً ، فإذا كمل أربعة أشهر بعث اللّه ملَكين خلّاقين فيقولان:يا ربّ ، ما تخلق ؛ ذكراً ، أو انثى ؟ فيؤمران...» (4).و يؤيّده ما ورد في «الفقه الرضوي»:«إذا أسقطت المرأة و كان السقط تامّاً غُسّل...و حدُّ تمامه إذا أتى عليه أربعة أشهر» (5).و مقتضى الصناعة هو الجمع بين الطائفة الاُولى و الثانية ؛ بحمل الأربعة أشهر على استواء الخلقة ، فيقال:إنّ خلقة الجنين تستوي و تتمّ إذا تمّت أربعة أشهر ،9.

ص: 117


1- -وسائل الشيعة 2:502 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل الميّت ، الباب 12 ، الحديث 2.
2- -وسائل الشيعة 2:502 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل الميّت ، الباب 12 ، الحديث 4.
3- -وسائل الشيعة 2:501 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل الميّت ، الباب 12 ، الحديث 1.
4- -الكافي 6:3/13.
5- -الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام:19.

و أطفال المسلمين-حتّى ولد الزنا منهم-بحكمهم في وجوب الصلاة عليهم إذا بلغوا ستّ سنين، و في الاستحباب على من لم يبلغ ذلك الحدّ إذا ولد حيّاً تأمّل(1) .تحرير الوسيلة 1:78 كما في موثّق ابن فضّال ؛ نظراً إلى ظهوره في استواء الخلقة عند تمامية أربعة أشهر ، مضافاً إلى التصريح به في خبر «الفقه الرضوي» مع التصريح بإناطة وجوب الغسل باستواء الخلقة.هذا مضافاً إلى ضعف سند ما دلّ على وجوب الغسل بمجرّد تمامية أربعة أشهر ، فالأقوى في وجوب غسل السقط هو استواء الخلقة.

الصلاة على الصبيّ الميّت

1-هذا هو المعروف المشهور بين الأصحاب ، كما عن «الانتصار» و«الغنية» و«المنتهى» بل يظهر من «الخلاف» الإجماع عليه.و لكن لا إشكال في عدم تحقّق الإجماع مع وجود المخالف ، و أمّا الشهرة فهي ثابتة.و عمدة الدليل على ذلك هي النصوص:منها:صحيح زرارة و الحلبي جميعاً ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«أنّه سئل عن الصلاة على الصبيّ ، متى يصلّى عليه ؟ قال عليه السلام:«إذا عقل الصلاة» قلت:متى تجب الصلاة عليه ؟ فقال:«إذا كان ابن ستّ سنين ، و الصيام إذا أطاقه» (1).بتقريب:أنّ قوله:«إذا عقل الصلاة» و إن لم يدلّ بنفسه على التحديد بزمان ، إلّا أنّ تحديد زمان وجوب صلاته بما إذا بلغ ستّ سنين ، قرينة على كونه مبدأ عقل

ص: 118


1- -وسائل الشيعة 3:95 ، كتاب الطهارة ، أبواب صلاة الجنازة ، الباب 13 ، الحديث 1.

الصلاة ؛ إذ لا معنى لأمره بالصلاة و هو لا يعقلها.و منها:صحيح زرارة الوارد في موت ابن أبي جعفر عليه السلام قال:مات ابن لأبي جعفر عليه السلام فاُخبر بموته ، فأمر به فغسّل و كفّن ، و مشى معه ، و صلّى عليه...فقال:

«أما إنّه لم يكن يصلّى على مثل هذا» و كان ابن ثلاث سنين «كان علي عليه السلام يأمر به فيُدفن ، و لا يُصلّي عليه ، و لكنّ الناس صنعوا شيئاً ، فنحن نصنع مثله». قال:

قلت:فمتى تجب عليه الصلاة ؟ فقال عليه السلام:«إذا عَقَلَ الصلاة ، و كان ابن ستّ سنين...» (1).و هذه الصحيحة تدلّ على اعتبار كلا القيدين:عقل الصلاة ، و بلوغ ستّ سنين.و احتمال نظرها إلى وجوب الصلاة على الصبيّ-بمعنى تكليف نفسه بذلك- خلاف ظاهر لفظة «الفاء» في قوله:«فمتى...» لدلالتها على ترتّب السؤال في الذيل على كلام الإمام عليه السلام في الصدر ، فلا بدّ أن يكون ناظراً إلى صدر الحديث الوارد في الصلاة على الصبيّ الميّت.و غير ذلك من النصوص.و قد ذهب ابن الجنيد إلى وجوب الصلاة على الطفل بمجرّد استهلاله ؛ أي تولّده حيّاً ، و قد دلّت عليه عدّة من الأخبار المعتبرة (2).و لكن لا يمكن الالتزام بمفاد هذه النصوص ؛ نظراً إلى حملها على صدور ذلك من الأئمّة عليهم السلام رعايةً لعادة الناس ، لئلّا يقولوا:إنّ بني هاشم لا يصلّون على أطفالهم ، كما صرّح بذلك في صحيحة زرارة.مع أنّه ورد في بعض الأخبار أنّ النبي صلى الله عليه و آله لم يُصلّ على ابنه إبراهيم (3).).

ص: 119


1- -وسائل الشيعة 3:95 ، كتاب الطهارة ، أبواب صلاة الجنازة ، الباب 13 ، الحديث 3.
2- -وسائل الشيعة 3:96 ، كتاب الطهارة ، أبواب صلاة الجنازة ، الباب 14.
3- -مصباح الفقيه 2:494 ، (ط-الحجرية).

و أمّا ما ذهب إليه ابن أبي عقيل و مال إليه الكاشاني-من عدم الوجوب و لو على المميّز-فقد دلّت عليه رواية هشام ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام-في حديث- قال عليه السلام:«إنّما يجب أن يُصلّى على من وجبت عليه الصلاة و الحدود ، و لا يُصلّى على من لم تجب عليه الصلاة و لا الحدود» (1).و لكنّها ضعيفة بوقوع حسين الحرسوسي أو الجرسوسي ، كما في «الوسائل» أو الحسين المرجوس ، كما في «التهذيب» و على أيّ حال فهو مهمل لم يبيّن حاله.و استدلّ لذلك أيضاً برواية عمّار ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:أنّه سئل عن المولود ما لم يجر عليه القلم ، هل يُصلّى عليه ؟ قال عليه السلام:«لا ، إنّما الصلاة على الرجل و المرأة إذا جرى عليهم القلم» (2).و لا إشكال في دلالة هذه الرواية على عدم مشروعية الصلاة على الطفل الميّت قبل بلوغه.و أمّا سندها ، فهي موثّقة بناءً على نسخة «التهذيب».و أمّا بناءً على نسخة الشيخ فهي ضعيفة ؛ لضعف طريق الشيخ إلى أحمد بن محمّد بن يحيى ، و لمّا كانت الرواية في أصلها واحدة رواها الشيخ فقط ، فمن المستبعد جدّاً رواية الشيخ لها بطريقين ، فلا بدّ من كون الرواية إمّا بطريق أحمد بن محمّد بن يحيى ، أو بطريق أحمد بن الحسن ، فيحتمل روايته عن أحمد بن محمّد بن يحيى ، و طريقه إليه ضعيف ، فباحتمال ذلك يتطرّق الضعف إلى سند هذه الرواية.مضافاً إلى معارضتها لجميع النصوص السابقة ، و عليه فلا يمكن المصير إلى ما ذهب إليه ابن أبي عقيل.5.

ص: 120


1- -وسائل الشيعة 3:100 ، كتاب الطهارة ، أبواب صلاة الجنازة ، الباب 15 ، الحديث 3.
2- -وسائل الشيعة 3:97 ، كتاب الطهارة ، أبواب صلاة الجنازة ، الباب 14 ، الحديث 5.

فالأقوى في المقام هو وجوب الصلاة على الصبيّ الميّت إذا بلغ ستّ سنين ، كما اختاره الماتن قدس سره.و بما ذكرنا ظهر وجه القول باستحباب الصلاة على الطفل إذا وُلِد حيّاً ؛ فإنّ الوجه في ذلك هو عدّة من النصوص ، كما أشرنا إلى مصدرها في بيان ما ذهب إليه ابن الجنيد ؛ نظراً إلى رفع اليد عن ظهورها في الوجوب بصراحة سائر النصوص المعتبرة في نفي وجوب الصلاة على الصبيّ الميّت قبل ستّ سنين.و أمّا وجه التأمّل في الأمر بالصلاة على المولود الميّت بعد الاستهلال ، فهو لاحتمال صدور الأمر بذلك من جهة رعاية عادة الناس ؛ و مخافة الاتّهام ، لا من جهة تشريع الاستحباب كما قلنا ، فلأجل هذا الاحتمال يشكل حملها على الاستحباب.و بذلك تمّ الكلام في عبادات الصبيّ.

ص: 121

ص: 122

الأحكام المعاملية

اشارة

(مسألة 1):الصغير-و هو الذي لم يبلغ حدّ البلوغ-محجور عليه شرعاً لا تنفذ تصرّفاته في أمواله-ببيع و صلح وهبة و إقراض و إجارة و إيداع و إعارة(1) .تحرير الوسيلة 2:13

حكم تصرّفات الصبيّ في أنواع المعاملات

آراء الفقهاء

1-المشهور بين فقهائنا بطلان معاملات الصبيّ ، كما عن «الدروس» و «الكفاية» بل ادّعي عليه الإجماع ، كما في «الجواهر» و غيره ؛ قال في «الجواهر»:

«و للفقيه نفي الخلاف في المسألة على الإطلاق ، بل صحّ له دعوى تحصيل الإجماع على ذلك ، كما وقع من بعضهم ، بل ربما كان كالضروري ، و خصوصاً بعد ملاحظة كلام الأصحاب و إرسالهم لذلك إرسال المسلّمات ؛ حتّى ترك جماعة منهم الاستدلال عليه اتّكالاً على معلوميته» (1).و نسب دعوى الإجماع إلى «الغنية» أيضاً.بل قال الشيخ الأعظم قدس سره:

ص: 123


1- -جواهر الكلام 22:261 و260.

«فالعمدة في سلب عبارة الصبيّ ، هو الإجماع» (1).و لكن لا قيمة لمثل هذا الإجماع ؛ نظراً إلى استناد فقهائنا-قديماً و حديثاً- في عدم جواز تصرّفات الصبيّ ، إلى الأدلّة اللفظية من الكتاب و السنّة ، كما سيأتي بيانها في ضمن الاستدلال ، و عليه فالإجماع-على فرض حصوله-ليس كاشفاً تعبّدياً عن رأي المعصوم عليه السلام فلا حجّية له.مع أنّ أصل تحقّق الإجماع في المقام غير معلوم ؛ فإنّ الشيخ في «الخلاف» استدلّ على ذلك بغير الإجماع ؛ حيث قال:«لا يصحّ بيع الصبيّ و شراؤه ؛ سواء أذن له الوليّ ، أم لم يأذن» إلى أن قال:«دليلنا:أنّ البيع و الشراء حكم شرعي ، و لا يثبت إلّا بشرعٍ ، و ليس فيه ما يدلّ على أنّ بيع الصبيّ و شراءه صحيحان.و أيضاً قوله عليه السلام:

«رفع القلم...».فلم يستدلّ بالإجماع في المقام ، مع أنّ دأبه في كتابه «الخلاف» استقرّ على التمسّك بالإجماع في كلّ مسألة إجماعية.نعم ، لا ريب في كون عدم نفوذ معاملات الصبيّ ، مورداً لتسالم الأصحاب في الجملة ، لا بإطلاقه ، كما يتّضح وجه ذلك في خلال البحث.و أمّا العامّة ، فاختلف فقهاؤهم في جواز تصرّفات الصبيّ حسب مذاهبهم ؛ فعن الحنفية:«أنّ الصبيّ إذا كان غير مميّز ، لا ينعقد شيء من تصرّفه.أمّا إذا كان مميّزاً فتصرّفه على ثلاثة أقسام:لأنّه إمّا أن يكون ضارّاً بماله ضرراً بيّناً ، كالطلاق ، و العتاق ، و القرض ، و الصدقة.8.

ص: 124


1- -كتاب المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16:278.

و إمّا أن يكون نافعاً بيّناً ، كقبول الهدية ، و الدخول في الإسلام.و إمّا أن يتردّد بين النفع و الضرر ، كالبيع و الشراء.أمّا الأوّل ، فلا شبهة في عدم نفوذه و إن أجازه الوليّ.و أمّا الثاني ، فلا شبهة في نفوذه و إن لم يُجزه الوليّ.و أمّا الثالث ، فينعقد موقوفاً على إجازة الوليّ ، و ليس للولي أن يجيزه إذا كان فيه غبن» (1).و لكن نقل في «الخلاف» عن أبي حنيفة:«أنّ تصرّف الصبيّ إن كان بإذن الوليّ صحّ ، و إن كان بغير إذنه وقف على إجازة الوليّ» و يحمل ذلك على بعض فتاواه.و عن المالكية:«أنّه إذا تصرّف الصبيّ المميّز ببيع و شراء و نحوهما-من كلّ عقد فيه معاوضة-فإنّ تصرّفه فيه يقع موقوفاً.ثمّ إن كانت المصلحة في إجازته تعيّن على الوليّ أن يجيزه ، و إن كانت المصلحة في ردّه تعيّن على الوليّ أن يردّه».و عن الشافعية:«أنّه لا يصحّ تصرّف الصبيّ ؛ سواء كان مميّزاً ، أو غير مميّز ، فلا تنعقد منه عبارة ، و لا تصلح له ولاية ؛ لأنّه مسلوب العبارة و الولاية ، فإذا نطق ولد الكافر بالإسلام لم ينفع إسلامه ، و لو تولّى نكاحاً لا ينعقد ، إلّا أنّ الصبيّ المميّز تصحّ عبادته ، كما يصحّ إذنه للغير بدخول الدار».و عن الحنابلة:«أنّ تصرّف الصبيّ الذي لا يميّز ، باطل مطلقاً.أمّا الصبيّ المميّز فإنّه يصحّ إذا أذنه الوليّ» (2).6.

ص: 125


1- -الفقه على المذاهب الأربعة 2:363.
2- -الفقه على المذاهب الأربعة 2:364-366.
تنقيح أدلّة المقام

إنّ محلّ الكلام في المقام هو الصبيّ المميّز ، و إلّا فالصبيّ غير المميّز الذي لا يعرف معنى المعاملة و العقود ، لا كلام في بطلان ما صدر منه من المعاملات.نعم ، لا فرق بينه و بين غيره في بعض الأحكام الوضعية ، كحصول الجنابة بالدخول ، و ضمان الإتلاف ، كما صرّح به السيّد الماتن قدس سره في «كتاب البيع» (1).و إنّما الكلام في حكم تصرّفات الصبيّ المميّز غير الرشيد مستقلّاً بلا إذن من الوليّ.و أمّا المميّز الرشيد و ما صدر منه بإذن الوليّ ، فوقع فيهما الكلام من جهة نفوذ تصرّفاتهما ، و سيأتي البحث عنهما تفصيلاً إن شاء اللّه.و يمكن الاستدلال على عدم جواز تصرّفات الصبيّ في الجملة بالكتاب و السنّة:أمّا الكتاب ، فقوله تعالى: «وَ ابْتَلُوا الْيَتامى حَتّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ» (2).فإنّ المتيقّن من مدلوله ، عدم جواز دفع الأموال إلى الصبيّ قبل البلوغ و الرشد ، و هذا المدلول للآية ممّا لم يخالف فيه أحد.و أمّا ذكر اليتامى ، فلا خصوصية له إلّا بلحاظ ما يقع في أيديهم من أموال آبائهم بعد موتهم ، فلذا اسند اليتم في نصوص المقام إلى مطلق الصبيّ و الصبيّة قبل البلوغ ، و ارتفاعه بالبلوغ ، فكأنّه في النصوص كناية عن عدم البلوغ.

ص: 126


1- -كتاب البيع ، الإمام الخميني قدس سره 2:3.
2- -النساء (4):6.

هذا مضافاً إلى عدم ذهاب أحد من فقهاء الخاصّة و العامّة إلى التفصيل بين اليتيم و غيره ، فلا إشكال في دلالة هذه الآية على المطلوب في المقام.و أمّا دلالتها على كفاية مجرّد الرشد أو مع البلوغ ، فسيأتي فيها الكلام إن شاء اللّه.و أمّا السنّة ، فعمدة الدليل على عدم جواز معاملات الصبيّ في محلّ الكلام ، طوائف ثلاث من النصوص:اُولاها:ما صرّح فيها بعدم جواز أمر الصبيّ.ثانيتها:ما صرّح فيها برفع القلم عنه.ثالثتها:ما ورد فيها أنّ «عمد الصبيّ خطأ».الطائفة الاُولى:ما صرّح فيها بعدم جواز أمر الصبيّ ؛ و عدم نفوذ تصرّفاته في المعاملات:فمنها:معتبرة أبي الحسين الخادم بيّاع اللؤلؤ ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:سأله أبي و أنا حاضر عن اليتيم ، متى يجوز أمره ؟ قال عليه السلام: «حَتّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ» قال:و ما أشدّه ؟ قال عليه السلام:«احتلامه». قال:قلت:قد يكون الغلام ابن ثمان عشرة سنة ، أو أقلّ ، أو أكثر ، و لم يحتلم ، قال عليه السلام:«إذا بلغ و كتب عليه الشيء و نبت عليه الشعر ، جاز عليه أمره ؛ إلّا أن يكون سفيهاً ، أو ضعيفاً» (1).هذه المعتبرة رواها الصدوق في النسخة المطبوعة من «الخصال» عن أبي الحسين الخادم بيّاع اللؤلؤ ، عن عبد اللّه بن سنان ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام و لكن رواها في «الوسائل» بلا وساطة عبد اللّه بن سنان ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام نقلاً عن «الخصال».5.

ص: 127


1- -وسائل الشيعة 18:412 ، كتاب الحجر ، الباب 2 ، الحديث 5.

و على أيّ حالٍ:إنّ المقصود من أبي الحسين الخادم بيّاع اللؤلؤ ، هو آدم بن المتوكّل ظاهراً ، و قد وثّقه النجاشي ، و قال:«إنّه صاحب أصل» و لم يرد فيه تضعيف ، و أمّا إهمال ابن داود له فلا يدلّ على ضعفه ، و عليه فهذه الرواية معتبرة ، بل صحيحة.و قوله عليه السلام:«جاز عليه أمره» أي نفذ عليه تصرّفه في أمواله و ما يتعلّق به من العمل و الذمّة ، فالمقصود-بقرينة السياق ، و تناسب الحكم و الموضوع-بيان سلطنته الشرعية على أمواله و أفعاله و ما يتعلّق به ، و بالمفهوم دلّت هذه المعتبرة على عدم ثبوت هذه السلطنة للصبيّ قبل البلوغ.و منها:ما رواه الصدوق في «الخصال» عن أبيه ، عن محمّد العطّار ، عن ابن عيسى ، عن الوشّاء ، عن عبد اللّه بن سنان ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:قال:«إذا بلغ الغلام أشدّه ثلاث عشرة سنة و دخل في الأربع عشرة سنة ، وجب عليه ما وجب على المحتلمين، احتلم أم لم يحتلم ، و كتبت عليه السيّئات ، و كتبت له الحسنات ، و جاز له كلّ شيءٍ من ماله ؛ إلّا أن يكون ضعيفاً ، أو سفيهاً» (1).هذه الرواية صحيحة ؛ لوثاقة جميع رواتها ، بل إنّهم من أجلّاء الأصحاب.

و المقصود من محمّد العطّار ، هو محمّد بن يحيى أبو جعفر العطّار القمّي ، فإنّه معاصر لعلي بن بابويه والد الصدوق ، و قد نقل عنه الصدوق روايات بواسطة أبيه ، فلا إشكال في سند هذه الرواية.و أمّا دلالتها على المطلوب فواضحة ؛ نظراً إلى قوله عليه السلام:«و جاز له كلّ شيءٍ من ماله» فإنّ المقصود منه نفوذ جميع تصرّفاته في أمواله.2.

ص: 128


1- -بحار الأنوار 100:7/162.

و أمّا تحديد زمان البلوغ فيه بأربع عشرة سنة و معارضته مع ما دلّ من النصوص على تحديده بالخمس عشرة سنة ، فهو كلام آخر لا يضرّ بالمطلوب ؛ حيث لا معارضة بينهما في عدم نفوذ تصرّفات الصبيّ في الجملة و لو قبل الدخول في الأربع عشرة سنة.و منها:خبر حمْران ، عن أبي جعفر عليه السلام:«و الغلام لا يجوز أمره في الشراء و البيع و لا يخرج من اليتم ، حتّى يبلغ خمس عشرة سنة ، أو يحتلم ، أو يشعر ، أو ينبت قبل ذلك» (1).و لا تخفى دلالة هذا الخبر على عدم نفوذ تصرّفات الصبيّ في المعاملات قبل زمان البلوغ.و قوله:«يَشعُر»-بضمّ العين ظاهراً-من الشعور ؛ أي يعقل و يفهم ، لا «يُشعِر»-بكسر العين-من الشَّعْر ؛ بمعنى الإنبات ، و إلّا يلزم التكرار.و منها:ما أرسله الصدوق جزماً بقوله:قال أبو عبد اللّه عليه السلام:«إذا بلغت الجارية تسع سنين دُفع إليها مالُها ، و جاز أمرها في مالها...» (2) .و غير ذلك من النصوص الواردة بهذا التعبير.الطائفة الثانية:ما صرّح فيها برفع القلم عن الصبيّ:منها:موثّقة عمّار الساباطي ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:سألته عن الغلام ، متى تجب عليه الصلاة ؟ قال عليه السلام:«إذا أتى عليه ثلاث عشرة سنة ، فإن احتلم قبل ذلك فقد وجبت عليه الصلاة ، و جرى عليه القلم ، و الجارية مثل ذلك ؛ إن أتى لها ثلاث عشرة سنة أو حاضت قبل ذلك ، فقد وجبت عليها الصلاة ، و جرى عليها القلم» (3).2.

ص: 129


1- -الكافي 7:1/197 ؛ وسائل الشيعة 1:43 ، أبواب مقدّمة العبادات ، الباب 4 ، الحديث 2.
2- -وسائل الشيعة 18:411 ، كتاب الحجر ، الباب 2 ، الحديث 3.
3- -وسائل الشيعة 1:45 ، أبواب مقدّمة العبادات ، الباب 4 ، الحديث 12.

و منها:معتبرة حمزة بن الطيّار أو حسنته ، عن أبي جعفر عليه السلام قال:سألته عن المستضعف ، فقال عليه السلام:«هو الذي لا يستطيع حيلة الكفر فيكفر ، و لا يهتدي سبيلاً إلى الإيمان فيؤمن ؛ لا يستطيع أن يؤمن ، و لا يستطيع أن يكفر ، فهم الصبيان ، و من كان من الرجال و النساء على مثل عقول الصبيان ، و من رفع عنه القلم» (1).رواها في «البحار» نقلاً عن «تفسير علي بن إبراهيم» و عبّرنا عنها ب «المعتبرة» بلحاظ يحيى بن أبي عمران ، فإنّه و إن لم يرد فيه توثيق ، إلّا أنّه صاحب كتاب ؛ روى عنه الصدوق بواسطة إبراهيم بن هاشم ، و أنّه تلميذ يونس بن عبد الرحمن ، و يكفي ذلك في الاعتماد عليه ، مع عدم ورود أيّ ذمّ أو تضعيف فيه.و أمّا التعبير ب «أنّها حسنة» فهو بلحاظ ابن الطيّار ؛ لأنّه و إن لم يرد فيه توثيق ، إلّا أنّ الصادق عليه السلام ترحّم عليه ، و دعا له ، و مدحه ، كما رواه الكشّي ، و نقله العلّامة.و أمّا وجه الدلالة ، فهو أنّه عليه السلام عطف على «الصبيان» «من رفع عنه القلم» في الحكم ، فيعلم بذلك أنّ الصبيان مرفوع عنهم القلم أيضاً.و منها:ما رواه عبد اللّه بن جعفر في «قرب الإسناد» عن علي بن السندي ، عن أبي البختري ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن علي عليه السلام:«أنّه كان يقول في المجنون و المعتوه الذي لا يفيق و الصبيّ الذي لم يبلغ:عمدهما خطأ ؛ تحمله العاقلة ، و قد رفع عنهما القلم» (2).و هذه الرواية-مضافاً إلى ضعفها بأبي البختري-وقع في طريقها علي بن2.

ص: 130


1- -بحار الأنوار 69:1/157.
2- -وسائل الشيعة 29:90 ، كتاب القصاص ، أبواب القصاص في النفس ، الباب 36 ، الحديث 2.

السندي ؛ و هو علي بن إسماعيل ، و قد نقل الكشّي ، عن نصر بن الصباح ، أنّه قال:

«علي بن إسماعيل ثقة ، و هو علي بن السندي ، لُقّب إسماعيل بالسندي» و تبعه الأردبيلي في «جامع الرواة» مستدلّاً باتّحاد الراوي و المروي عنه فيهما.و لكن رُدّ ذلك:بأنّ موارد اختلافهما في الراوي و المروي عنه ، أكثر من ذلك.

و يؤكّده ظهور تعدّد الاسم في تعدّد المسمّى ، فعلى الأقلّ يحتمل مغايرته لعليّ بن إسماعيل ، و عليه يشكل الاعتماد على رواياته ؛ حيث لم تثبت وثاقته ؛ لا بالخصوص ، و لا بالعموم ، و ليس صاحب أصل و لا من المعاريف ليكتفى بذلك في الاعتماد عليه ، كما يشكل الاعتماد عليه بمجرّد كثرة رواياته و عدم تضعيفه.و منها:ما رواه في «الخصال» بسنده عن ابن ظبيان ، قال:«اتي عمر بامرأة مجنونة قد زنت ، فأمر برجمها ، فقال عليه السلام:أما علمت أنّ القلم يرفع عن ثلاثة:عن الصبيّ حتّى يحتلم ، و عن المجنون حتّى يفيق ، و عن النائم حتّى يستيقظ ؟!» (1)...

إلى غير ذلك من النصوص.ثمّ إنّه قد اشكل على دلالة هذه الطائفة من النصوص:بأنّ المراد من «رفع القلم» هو رفع المؤاخذة و العقاب ، كما عن الشيخ الأنصاري ، و هو أعمّ من عدم التكليف ؛ لإمكان كونه لأجل العفو عن عصيان التكليف المجعول امتناناً.و لكن ردّ ذلك:بأنّ الرفع فرع الجعل ، و لم يتعلّق بالمؤاخذة و العقاب جعل لكي يُرفع ، بل هو أثر لعصيان التكليف الإلزامي المجعول ، و عليه فالمؤاخذة و العقاب من تبعات جعل التكليف و آثاره ، و بالطبع يرتفع بانتفاء أصل التكليف ، و لكنّه غير رفع المؤاخذة ابتداءً.1.

ص: 131


1- -وسائل الشيعة 1:45 ، أبواب مقدّمة العبادات ، الباب 4 ، الحديث 11.

و ردّ أيضاً:بأنّ الظاهر من هذه النصوص ، رفع قلم التكليف عن الصبيّ ؛ نظراً إلى دخول الصبيان في التكليف المجعول لعامّة الناس بمقتضى عمومات الكتاب و السنّة ، فرفع عنهم بهذا اللحاظ.و أمّا مشروعية عبادات الصبيّ ، فليست لأجل عدم إرادة قلم التكليف من هذه النصوص ، كما بنى عليه الشيخ الأنصاري قدس سره بل إنّما هي لدلالة الروايات الخاصّة.و لكن مع ذلك نقول:إنّ مقتضى التحقيق تمامية دلالة هذه الطائفة من النصوص على عدم نفوذ تصرّفات الصبيّ فيما يؤاخذ به من العبادات و المعاملات ، و عليه فالتكاليف الإلزامية مطلقاً ، داخلة في مدلولها ، و كذا الأحكام الوضعية التي يؤاخذ بها الصبيّ ؛ بلحاظ ما يترتّب عليه من الثقل و الضرر ، و أمّا المعاملات التي تكون بنفع الصبيّ و لم ينشأ منها ثقل و كلفة عليه بنحو من الأنحاء ، فلا دلالة لهذه الطائفة من النصوص على رفعها.و كأنّ ما نسب إلى أبي حنيفة في بعض فتاواه-من التفصيل بين التصرّفات الضارّة و النافعة بحال الصبيّ-مبنيّ على مدلول هذه الطائفة ؛ و إن كان أخصّ ممّا استظهرناه من هذه النصوص ، من إرادة مطلق الأحكام الناشئ منها الثقل و الكلفة و الوزر ؛ بأيّ نحو من الأنحاء ، فيتّضح بذلك عدم صحّة اختصاص مدلولها بالأحكام التكليفية الإلزامية.و ممّا يشهد على ما قلنا-مضافاً إلى ظهور هذه النصوص بالتقريب المتقدّم- رواية أبي البختري ، حيث استدلّ الإمام عليه السلام بقوله:«و قد رفع عنهما القلم» في توجيه حمل العاقلة للضرر المالي الناشئ من ضمان جناية الصبيّ ، و لا ريب في أنّ الضمان حكم وضعي.

ص: 132

و لا يخفى:أنّ رفع الحكم الوضعي الإلزامي عن الصبيّ ، لا يلازم رفع ما يترتّب على فعله من إلزام البالغين ، و كذا لا يستلزم إلزامه بعد بلوغه بسبب فعله حين الصبا ، كما أشار إليه الشيخ الأنصاري بقوله:«لو سلّمنا اختصاص الأحكام -حتّى الوضعية-بالبالغين ، لكن لا مانع من كون فعل غير البالغ ، موضوعاً للأحكام المجعولة في حقّ البالغين ، فيكون الفاعل-كسائر غير البالغين-خارجاً عن ذلك الحكم إلى وقت البلوغ» (1).ثمّ إنّ استظهار كون المراد من عدم جواز أمر الصبيّ في الطائفة الاُولى من النصوص ، نفيَ استقلاله في تصرّفاته المعاملية ، لا مطلق تصرّفاته و لو بإذن الوليّ ، أو في إجراء الصيغة ، لا يضرّ بما نحن بصدده في المقام ؛ من الاستدلال بهذه النصوص على عدم جواز تصرّفات الصبيّ في الجملة ؛ و لو مستقلّاً من غير إذن الوليّ ، كما هو واضح ، و أمّا تفصيل ذلك فسيأتي الكلام فيه إن شاء اللّه في البحث عن اعتبار إذن الوليّ.الطائفة الثالثة:ما دلّت على أنّ عمد الصبيّ في حكم خطأه ؛ لا اعتبار به:منها:صحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«عمد الصبيّ و خطأه واحد» (2).دلّت على كون عمد الصبيّ في حكم الخطأ مطلقاً.و منها:موثّقة إسحاق بن عمّار ، عن جعفر ، عن أبيه:«أنّ علياً عليه السلام كان يقول:

عمد الصبيان خطأ ؛ يحمل على العاقلة» (3).3.

ص: 133


1- -كتاب المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16:278.
2- -وسائل الشيعة 29:400 ، كتاب الديات ، أبواب العاقلة ، الباب 11 ، الحديث 2.
3- -وسائل الشيعة 29:400 ، كتاب الديات ، أبواب العاقلة ، الباب 11 ، الحديث 3.

حيث دلّت على كون عمد الصبيّ في حكم الخطأ في الجناية ، و رتّب عليه أنّ ديته على عاقلته.و قد يقال بضعف هذه الرواية ؛ لوقوع غياث بن كلوب في طريقها.و لكنّ الأقوى اعتبار رواياته ؛ لأنّه و إن كان عامّياً ، إلّا أنّ الأصحاب عملوا برواياته ، كما قال الشيخ في «العدّة» و اعتماد الأصحاب عليه كاشف عن وثاقته ، و على الأقلّ كاشف عن تحرّزه من الكذب.و قد دلّ على مضمون هذه الموثّقة عدّة روايات اخر:منها:ما نقل في «الجعفريات» عن علي عليه السلام:«ليس بين الصبيان قصاص ؛ عمدهم خطأ يكون فيه العقل» (1) ؛ أي يحمل على العاقلة.و منها:ما رواه مرسلاً في «دعائم الإسلام» عن علي عليه السلام:«ما قتل المجنون المغلوب على عقله و الصبيّ ، فعمدهما خطأ على عاقلتهما» (2).و منها:ما رواه أيضاً في «الدعائم» مرسلاً ، عن أبي جعفر عليه السلام أنّه قال:«و ما جنى الصبيّ و المجنون على عاقلتهما» (3).و منها:رواية أبي البختري المتقدّمة ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن علي عليهم السلام:

«أنّه كان يقول في المجنون و المعتوه الذي لا يفيق و الصبيّ الذي لم يبلغ:عمدهما4.

ص: 134


1- -الجعفريات:124 ؛ مستدرك الوسائل 18:242 ، كتاب القصاص ، أبواب قصاص في النفس ، الباب 33 ، الحديث 2.
2- -دعائم الإسلام 2:1453/417 ؛ مستدرك الوسائل 18:243 ، كتاب القصاص ، أبواب قصاص في النفس ، الباب 33 ، الحديث 3.
3- -دعائم الإسلام 2:1454/417 ؛ مستدرك الوسائل 18:243 ، كتاب القصاص ، أبواب قصاص في النفس ، الباب 33 ، الحديث 4.

خطأ ؛ تحمله العاقلة ، و قد رفع عنهما القلم» (1).دلّت هذه الرواية على مفاد الموثّقة المزبورة ، مضافاً إلى التصريح برفع القلم عن الصبيّ في ذيلها ، و لكنّها ضعيفة ؛ لوقوع أبي البختري و علي بن السندي في طريقها ، كما سبق الكلام في ذلك آنفاً.ثمّ إنّ إطلاق هذه الطائفة من النصوص ، و إن اقتضى كون عمد الصبيّ في حكم خطأه مطلقاً حتّى العبادات ، إلّا أنّ العبادات قد خرجت-بدلالة النصوص الخاصّة-عن مفادها ، بل خرجت بذلك عن مفاد مجموع هذه الطوائف الثلاث ، كما سبق الإشارة إلى ذلك آنفاً ، و بناءً على ذلك فلا يصحّ النقض بالعبادات على عموم هذه الطائفة ، كما لا ينقض على مدلول الطائفتين الاُوليين بذلك.و أمّا تقييد إطلاق صحيحة محمّد بن مسلم بمدلول ما ورد من هذه الطائفة في خصوص جناية الصبيّ-كموثّقة إسحاق ، و رواية أبي البختري ، و غيرهما-فلا وجه له ؛ حيث إنّهما مثبتتان ، فلا تنافي بين صحيحة محمّد بن مسلم و سائر نصوص هذه الطائفة ، لكي يحمل المطلق على المقيّد.و دعوى انصراف الصحيحة إلى مورد جناية الصبيّ-بقرينة التعبير ب «العمد» و «الخطأ»-لا وجه لها ؛ نظراً إلى أعمّية هذا التعبير عن الجناية ، لصدور كلّ من العمد و الخطأ عن الصبيّ في مطلق أفعاله ؛ من المعاملات و العبادات ، و لا سيّما بلحاظ ما يترتّب على عمده من الكفّارات في باب الصوم ، و إحرام الحجّ ، و حنث العهد و النذر ، و غير ذلك من الآثار المقرّرة لبعض الأفعال و التروك العمدية في العباديات بعنوان كونها عمدية ، و كذا الآثار المقرّرة للخطأ ، و إنّما يخرج عن نطاق2.

ص: 135


1- -وسائل الشيعة 29:90 ، كتاب القصاص ، أبواب القصاص في النفس ، الباب 36 ، الحديث 2.

الصحيحة المزبورة ما خرج بالدليل ، و الباقي مشمول لها من غير خروج.و الحاصل:أنّ ظاهر قوله عليه السلام:«عمد الصبيّ و خطأه واحد» في صحيحة محمّد بن مسلم ، أنّ عمد الصبيّ في حكم العدم ، و معناه عدم ترتّب شيءٍ من آثار العمد عليه ، و هو حجّة مأخوذ بها ما لم يثبت خلافها في الشريعة بدليل خاصّ ، أو إجماع.و لا يلزم منه تخصيص الأكثر.و أمّا العبادات ، فما دلّ من النصوص الخاصّة على صحّتها و مشروعيتها من الصبيّ ، ظاهر في ترتيب الأثر الشرعي-من الصحّة و الثواب و الأجر-على فعله العمدي الإرادي ، فهي خارجة عن نطاق هذه الصحيحة بالدليل.و أمّا العقاب المترتّب على ترك الأحكام الإلزامية في العبادات ، فعمد الصبيّ في حكم العدم ؛ لدخوله في مفاد هذه الطائفة ، نظراً إلى كونها في مقام الامتنان و رفع الوزر و الثقل عن الصبيّ.و أمّا ذيل رواية أبي البختري ، فهل يكون قوله:«و قد رفع عنهما القلم» معلولاً لكون عمد الصبيّ في حكم الخطأ ؛ أي لمّا كان عمد الصبيّ بمنزلة العدم في نظر الشارع و في الواقع ، رفع عنه القلم ؟أو يكون علّة لحكم ثبوت الدية على العاقلة ؟أو أنّ الرواية متضمّنة لعقد سلبي ؛ و هو عدم الاعتبار بعمد الصبيّ ، و عقد إثباتي ؛ و هو كون عمده في حكم خطأه ، و أنّ حمل «عمد الصبيّ» على «العاقلة» متفرّع على العقد الثاني ، و رفع القلم عنه معلول للعقد الأوّل ؟فيه وجوه ؛ يظهر الأوّلين من الشيخ الأنصاري (1) ، و الثالث من السيّد الخوئي (2) ،7.

ص: 136


1- -كتاب المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16:281-283.
2- -مصباح الفقاهة 3:257.

إلّا ما استثني ، كالوصيّة على ما سيأتي إن شاء اللّه تعالى(1) .تحرير الوسيلة 2:13و نظيره من السيّد الإمام قدّست أسرارهم (1).و لكن لا ملزم للبحث عن مفاد هذه الرواية بعد ضعف سندها ؛ و إن كان بيان السيّد الماتن قدس سره أحسن ما وجدته في تحقيق مفادها ، و هو الصحيح المعتضد بفهم العرف و الاعتبار.و لكنّ الذي هو مقتضى التحقيق-بعد التأمّل في قوله عليه السلام:«عمد الصبيّ و خطأه واحد»-أنّه فيما يترتّب الأثر على الخطأ ، يكون عمد الصبيّ في حكم الخطأ ؛ أي حكمهما واحد ، و هذا مختصّ بباب الجنايات ، و يشهد لذلك قوله عليه السلام:

«يحمل على العاقلة» في ذيل موثّق إسحاق بن عمّار.و ممّا يوجب حمل هذه الطائفة على ذلك ، عدم إمكان الأخذ بإطلاق صحيحة محمّد بن مسلم ؛ لما يلزمه من الحكم بعدم بطلان صوم الصبيّ بالإفطار العمدي ، و لا صلاته بالتكلّم العمدي...إلى غير ذلك من المحذورات المخالفة للضرورة و الإجماع ، بل و اصول المذهب ، فلا مناص من اختصاص مفاد هذه النصوص بما كان لكلٍّ من العمد و الخطأ ، حكم مستقلّ ، كباب الجنايات ، و بعض كفّارات الحجّ على بعض الأقوال.

1-سيأتي الكلام مفصّلاً في وصيّة الصبيّ ضمن بعض المسائل الآتية إن شاء اللّه ، و سنبيّن هناك وجه تفصيل السيّد الماتن قدس سره بين وصيّة الصبيّ البالغ عشراً ، و بين غيره.7.

ص: 137


1- -كتاب البيع ، الإمام الخميني قدس سره 2:27.

و كالبيع في الأشياء غير الخطيرة ، كما مرّ(1) .تحرير الوسيلة 2:13

التفصيل في معاملات الصبيّ بين اليسير و الخطير

1-قد استدلّ على التفصيل بين الأشياء الخطيرة و بين اليسيرة و الحقيرة-في نفوذ معاملات الصبيّ-بثلاثة امور:و هي السيرة ، و قاعدة نفي العسر و الحرج ، و بعض النصوص:

أمّا السيرة ، فاستدلّ بها المحقّق التستري ؛ على ما حكي عنه (1) ، و هو ظاهر صاحب «الجواهر» حيث إنّه استدلّ بالسيرة القطعية-في الأعصار و الأمصار-على مباشرة الأطفال للبيع و الشراء في الأشياء اليسيرة ، مثل الخبز ، و الماء ، و نحوهما (2) ، و قد احتمل «اختصاص هذه السيرة بما علم فيه إذن الوليّ بإباحة المبادلة التي يطلق اسم «البيع» عليها ، و كان الطفل بمنزلة الآلة ، فلا ينافي عدم جواز تصرّف الصبيّ مستقلّاً حتّى في الأشياء اليسيرة ، و أنّ المبادلة ليست من المعاطاة ؛ إذ على القول برجوع المبادلة إلى البيع أو كونها معاوضة مستقلّة برأسها مفيدة للملك ، فواضح ، و أمّا على فرض كونها مفيدة للإباحة ، فإباحة المبادلة من الوليّ تكون بيعاً ؛ حيث إنّه لا بدّ فيها من إنشاءٍ و قصد للمعاوضة من جانب الوليّ ، و يترتّب عليها الملك بالتلف ، و التصرّف ، و نحوهما» انتهى (3).و يستفاد من كلام الشيخ الأعظم إشكال على هذه السيرة ، و حاصله:أنّ الذي

ص: 138


1- -مصباح الفقاهة 3:268.
2- -جواهر الكلام 22:262.
3- -جواهر الكلام 22:263.

جرت عليه السيرة ، هو الإيكال إلى الصبيّ الفطن ؛ مع ما فيه من الاختلاف حسب اختلاف خطر الأشياء ، و أنّ ثبوت السيرة بهذا الاختلاف و التفصيل بين المتشرّعة -من عصرنا إلى زمن الأئمّة-مشكل ؛ لو لم يدع العلم بكون عدمها كذلك.و قد مرّ تفصيل كلامه آنفاً.و ردّها المحقّق النائيني بوجوه ثلاثة:أوّلها:ما سبق من الشيخ الأعظم.ثانيها:احتمال اختصاص هذه السيرة بمن لا يبالي بالمحرّمات ، كما أشار إليه الشيخ الأعظم أيضاً في ردّ كلام صاحب «الرياض».و لكن دفع هذا الإشكال بشهادة الوجدان على تداول ذلك بين المتديّنين.ثالثها:كون الصبيّ بمنزلة الآلة.ثمّ وجّهها بثلاثة وجوه سبق بيانها آنفاً ، و حاصلها:أنّه قدس سره رجّح كون المقام من قبيل الاكتفاء بوصول كلّ من العوضين إلى مالك الآخر ، مع رضا الطرفين بأيّة وسيلة كانت ، و هذا نوع من المعاطاة ، و إنّما الصبيّ بمنزلة الوسيلة و الآلة للإيصال ، و هي مصبّ السيرة في المقام ، فلا وجه لجعل ذلك من مستثنيات الصبيّ في المعاملات ؛ إذ المراد منه هو التصرّف المالكي الإنشائي.و أمّا قاعدة نفي العسر و الحرج ، فعن المحدّث الكاشاني التمسّك بها ؛ لتصحيح معاملات الصبيّ في الأشياء اليسيرة.و أجاب عنه الشيخ الأعظم بمنع الحرج ؛ سواء أراد لزومه من منع الصبيان عن المعاملة في المحقّرات ، و الالتزام بمباشرة البالغين لشرائها ، أم أراد لزومه من الاجتناب عن معاملتهم فيها بعد بناء الناس على ذلك (1) ؛ نظراً إلى لزوم اختلاط7.

ص: 139


1- -كتاب المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16:287.

أموال أهل السوق بالحرام ، بعد مخالطة الصغار مع الكبار في المعاملات ؛ و الأخذ و الإعطاء.و على أيّ حال:فبناءً على فرض لزوم الحرج-و هو بعيد-لا بأس برفع المنع عن معاملة الصبيّ ؛ و الالتزام بصحّتها تعبّداً في موارد لزومه بعنوانها الثانوي.

و لكن لا ينبغي عدّ ذلك من المستثنيات في المقام ، كما في سائر الموارد من الأحكام الثانوية الحاكمة على الأحكام الأوّلية.فهذه القاعدة قاصرة عن إثبات الحكم الكلّي ؛ لكي تصحّح بها مطلق معاملات الصبيّ.و أمّا النصوص ، فاستدلّ المحقّق التستري بموثّق عبيد بن زرارة ، قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن شهادة الصبيّ و المملوك ، فقال عليه السلام:«على قدرها يوم اشهد ؛ تجوز في الأمر الدون ، و لا تجوز في الأمر الكثير» (1).و رُدّ:بأنّه وارد في الشهادة ، و لا ملازمة بينها و بين باب المعاملات ، و لا يجوز القياس.مضافاً إلى عدم ذهاب الفقهاء إلى قبول شهادة الصبيّ في الأمر الدون ، فمفاد هذه الصحيحة غير قابل للالتزام به بوجهٍ.و منها:رواية السكوني ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«نهى رسول اللّه عن كسب الإماء ؛ فإنّها إن لم تجد زنت ؛ إلّا أمة قد عُرفت بصنعة يدٍ ، و نهى عن كسب الغلام الصغير الذي لا يحسن صناعة بيده ؛ فإنّه إن لم يجد سرق» (2).بتقريب:أنّ النهي فيها تنزيهي ظاهر في الكراهة ، و يدلّ على جواز معاملات1.

ص: 140


1- -تهذيب الأحكام 6:650/252؛ وسائل الشيعة 27:344-345، كتاب الشهادات، الباب 22، الحديث 5.
2- -وسائل الشيعة 17:163 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 33 ، الحديث 1.

الصبيّ و عدم فسادها ، و إلّا لكان الأنسب تعليل النهي بفساد معاملة الصبيّ ؛ و عدم حصول النقل و الانتقال ، لا بالزنا و السرقة عند فقدان المال ؛ نظراً إلى أولوية التعليل بالأمر الذاتي من التعليل بالأمر العرضي.و رُدّ أوّلاً:بأنّها ضعيفة بالنوفلي.و ثانياً:بأنّ «كسب الغلام» في الرواية:إمّا هو بمعناه المصدري ؛ و هو مباشرة الصبيّ للتجارة.أو بمعنى المكسوب الذي يعبّر عنه باسم المصدر.فعلى الأوّل ، لا دليل على كون مباشرة الصبيّ للتجارة استقلالية ؛ لاحتمال كونها تبعية ، بأن كان الصبيّ بمنزلة الآلة لوليّه ، فحكمة النهي الوقوع في السرقة ؛ خوفاً من وليّه عند عدم تحصيل المال بالتجارة.و يشهد على ذلك نهي النبي صلى الله عليه و آله عن كسب الإماء ، مع وضوح جواز كسب الأمة بإذن مولاها.و على الثاني ، المراد من «كسب الغلام» ما يكسبه من الأموال باختياره ؛ بالاستعطاء ، و الالتقاط ، و نحو ذلك ، و عليه فحكمة النهي عن كسب الصبيّ و الإماء ، عدم تحرّزهما عن السرقة و الفجور ، و حينئذٍ لا ربط للرواية بنفوذ معاملة الصبيّ.و على فرض دفع الإشكال عن الفرض الأوّل-بدعوى ظهورها في معاملاته بنفسه ، أو في الأعمّ منها و من معاملته في مال الوليّ بإذنه ؛ بنحو الوكالة في إجراء الصيغة ، و استقلاله في الأشياء ، لا كونه كمجرّد الآلة-فعلى الأقلّ يحتمل إرادة خصوص الحيازة و الاستعطاء و الإجارة ؛ بأخذ اجرة المثل و نحو ذلك ، لا مثل البيع و الشراء و نحوهما من العقود.هذا مضافاً إلى ما قلنا من عدم نظر هذه الرواية إلى بيان حكمة الكراهة ، لكي تثبت أصل الجواز و الصحّة ، بل بصدد بيان حكمة النهي التحريمي عن معاملة

ص: 141

الصبيّ ، كما ورد نظير ذلك في بيان حِكم «الشرائع» الإلزامية و الفرائض التعبّدية ، لا بيان عللها التامّة لكي يقال:بتقديم التعليل بالأمر الذاتي على العرضي.راجع كتاب «علل الشرائع» للصدوق رحمه الله لتجد هذه النصوص.ثمّ إنّ الإمام الراحل قرّب السيرة في المقام بما حاصله:أنّ معاملة الصبيّ في الأشياء غير الخطيرة ، كان أمراً رائجاً متعارفاً بين نوع البشر من لدن اجتماعه المدني ؛ من دون اختصاص بالمتشرّعة ، و احتمال حدوث تعارف معاملة الصبيّ بعد عصر النبي و الأئمّة عليهم السلام مقطوع الخلاف ، و إلّا لاحتاج تفهيم ذلك إلى بيان زائد ، و هو مفقود في كلماتهم صلوات اللّه عليهم.و هذا كاشف عن عدم حدوث هذه السيرة من عصر ظهور الإسلام ، فعلى أيّ حال لا ريب في ثبوت هذه السيرة بين المتشرّعة من لدن صدر الإسلام (1).هذا.و لكن مقتضى التأمّل في حال السيرة في زماننا ، ما قرّرناه من التفصيل بين الصبيّ المميّز ، و غير المميّز.اللهمّ إلّا أن يقال:إنّ الكلام في الصبيّ المميّز ، فيخرج غير المميّز عن محلّ الكلام.نعم ، لا يبعد دعوى استقرار السيرة على المعاملة مع غير المميّز ، كالآلة و صِرف الوسيلة في الإيصال ، و أمّا الصبيّ المميّز فمقتضى التحقيق ، استقرار سيرة المتشرّعة على نفوذ تصرّفاته الإنشائية إذا كانت بإذن وليّه من دون اعتبار للآلية ، فعمدة الدليل على ذلك هو السيرة ، و أمّا النصوص و قاعدة نفي العسر و الحرج ، فلا تصلحان للاستدلال هنا.ثمّ إنّ مقتضى القاعدة الأوّلية ، هي نفوذ تصرّفات الصبيّ المميّز في الأشياء3.

ص: 142


1- -كتاب البيع ، الإمام الخميني قدس سره 2:32-33.

و إن كان في كمال التميّز و الرشد ، و كان التصرّف في غاية الغبطة و الصلاح.بل لا يجدي في الصحّة إذن الوليّ سابقاً و لا إجازته لاحقاً عند المشهور ، و هو الأقوى(1) .تحرير الوسيلة 2:13اليسيرة إذا كانت بإذن الوليّ ؛ و ذلك لأنّ أحكام المعاملات إمضائية ، لا تأسيسية ، كما قرّر في محلّه ، و عليه فمقتضى الأصل في المعاملات ، هو الرجوع إلى سيرة أهل العرف و العقلاء ، فما استقرّت عليه سيرتهم هو المحكّم شرعاً ما دام لم يثبت الردع من جانب الشارع ، و هي قد استقرّت في المقام على نفوذ معاملات الصبيّ المميّز في الأشياء اليسيرة ، من غير فرق بين تصرّفه في ماله ، أو مال غيره ، فالدليل هو السيرة ، لا إطلاق عمومات حلّية البيع و التجارة عن تراضٍ ، كما عن الأردبيلي ، لكي يستشكل على ذلك بانصراف عمومات الكتاب و إطلاقاتها إلى المكلّفين ؛ حسب ارتكاز ما هو الشائع بين أهل الشرع ، كما أشكل عليه السيّد في الحاشية.و أمّا عمومات منع تصرّفات الصبيّ ، فظاهرها منع تصرّفاته الاستقلالية ، كما هو ظاهر النهي عن دفع المال إليه في الآية.

الكلام في اعتبار الرشد

اشارة

1-إنّ عمدة ما يدور مداره الاختلاف في اعتبار الرشد ، هو قوله تعالى:

«وَ ابْتَلُوا الْيَتامى حَتّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ وَ لا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَ بِداراً أَنْ يَكْبَرُوا وَ مَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَ مَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ» (1) .

ص: 143


1- -النساء (4):6.

و للسيّد الماتن قدس سره كلام جامع و تحقيق دقيق حول مفاد هذه الآية لم يسبقه إلى مثله أحدٌ ، و نحرّر كلامه في ضمن المطالب التالية إن شاء اللّه:

بيان الاحتمالات في الآية

إنّ في مدلول الآية المزبورة المبحوث عنها في المقام ، أربعة احتمالات:أوّلها:أن يكون الأمر بالاختبار حتّى زمان البلوغ مطلقاً ؛ سواء كان بالاحتلام ، أو غيره ، نظير قولهم:«أكلت السمكة حتّى رأسَها» و عليه فالمقصود هو الأمر بالاختبار من وقت يحتمل الرشد في اليتامى ؛ قبل البلوغ ، و بعد ما حان وقته ؛ بحيث يكون زمانا اليتم و البلوغ داخلين في الاختبار ، و حينئذٍ فإيناس الرشد في كلا الزمانين موضوع لحكم ردّ المال إلى الصبيّ و صحّة معاملاته ؛ سواء كان قبل البلوغ ، أو بعده.و إنّما ذكر حال البلوغ ؛ لدفع توهّم اختصاص الاختبار بغير البالغ و عدم حاجة البالغ-بالسنّ ، أو الاحتلام ، أو إنبات الشعر-إلى الاختبار ؛ و وجوب دفع المال إليه حتّى مع عدم رشده ، فلأجل دفع هذا التوهّم ، أدخل حال البلوغ فيما قبل البلوغ بقوله تعالى: «حَتّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ» .ثانيها:أن تكون الغاية خارجة عن المغيّا ، كقوله تعالى: «كُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ...» فيكون الاختبار من زمان يحتمل فيه الرشد إلى زمان انقطاع اليتم ؛ و هو أوّل آن البلوغ ، و لازمه أن يكون رشد الصبيّ قبل حصول بلوغه ، موضوعاً مستقلّاً لصحّة معاملاته ، و يكون البلوغ موضوعاً آخر مستقلّاً لصحّتها ؛ من غير احتياج إلى الاختبار ، بل و لو مع عدم الرشد.

ص: 144

نعم ، بناءً على كون الرشد من الصفات اللازمة-و لو نوعاً-لمن بلغ النكاح ، يكون عدم اختبار البالغ لأمارية البلوغ على تحقّق الرشد.و الفرق بين ما قبل البلوغ و ما بعده:أنّ العلم بالرشد قبل البلوغ ؛ يحتاج إلى الاختبار بخلاف ما بعد البلوغ ؛ نظراً إلى أمارية البلوغ عليه.و يظهر ذلك من المحقّق الإيرواني اختيار هذا الاحتمال ، حيث قال:«لا يبعد استفادة أنّ المدار في صحّة معاملات الصبيّ ، على الرشد من الآية...على أن تكون الجملة الأخيرة ، استدراكاً عن صدر الآية ، و أنّه مع استئناس الرشد لا يتوقّف في دفع المال ، و لا ينتظر البلوغ ، و أنّ اعتبار البلوغ طريقي اعتبر أمارة إلى الرشد بلا موضوعية له».ثالثها:أن تكون الغاية أيضاً خارجةً عن المغيّا ، إلّا أنّ إحراز الرشد بالاختبار قبل البلوغ يكون لأجل إحراز شرط جواز دفع المال إليه حين البلوغ ، فلا يدفع إليه المال ما لم يبلُغ و لو احرز رشده.و لازم هذا الاحتمال كون الرشد و البلوغ معاً ، موضوع صحّة معاملات الصبيّ ، لا كلّ واحدٍ منهما مستقلّاً.و لعلّ وجه الأمر بالابتلاء قبل البلوغ ، هو الاحتياط في أموال اليتامى ؛ حذراً من منع الصبيّ عن التصرّف في ماله بعد بلوغه إذا لم يحرز رشده.رابعها:أن تكون «حَتَّى» حرف ابتداءٍ للتعليل ، و «إذا» للشرط ، و جملة «فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ» جزاءً له ، و المراد وجوب الابتلاء لأجل إيناس الرشد منهم عند البلوغ ، و تكون النتيجة كالثالث.و إنّما الفرق بينهما كون «حَتَّى» للتعليل في هذا الاحتمال ، و لكن في الاحتمال الثالث للغاية ، كما هي كذلك بناءً على الاحتمالين الأوّلين.

ص: 145

و لا يخفى:أنّ الابتلاء إنّما هو لإيناس الرشد ، لا لكشف البلوغ ؛ بناءً على غير احتمال الرابع:أمّا على الأوّل فواضح ، لفرض كون الرشد تمام الموضوع حينئذٍ.و أمّا على الثاني و الثالث-ممّا كان بلوغ النكاح غايةً للابتلاء-فلعدم معقولية كون الابتلاء إلى البلوغ كاشفاً عن البلوغ ، حيث لا يعقل كون الكاشف مقيّداً أو مغيّا بالمنكشف ؛ لأنّ الابتلاء إلى البلوغ يوجب العلم بالبلوغ ، و الكشف بالأمارة إنّما هو في فرض عدم العلم بالبلوغ.و أمّا على الاحتمال الرابع ، فلا مانع عقلي من كون الابتلاء لكشف البلوغ أو الرشد ، و عليه فمعنى الآية:و ابتلوا اليتامى ؛ فإذا بلغوا النكاح-بكشف الابتلاء عن ذلك-فادفعوا إليهم أموالهم ؛ إذا آنستم منهم الرشد.أو يكون معناها:و ابتلوهم ؛ لأجل أنّه إذا بلغوا النكاح و كان ابتلاؤهم كاشفاً عن رشدهم ، فادفعوا...و لكن هذا الاحتمال ضعيف ؛ نظراً إلى عدم ربط بين الابتلاء و بين البلوغ بوجوده الواقعي ، و إنّما الربط بينه و بين العلم بالبلوغ ، و عليه فكان حقّ العبارة هكذا:و ابتلوا اليتامى ؛ حتّى إذا علمتم بلوغهم حدّ النكاح....هذا مضافاً إلى أنّ قوله تعالى: «فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً» قرينة على كون الابتلاء لإيناس الرشد ؛ لوضوح المناسبة بينهما.و ربّما يتشبّث لإثبات أنّ الابتلاء لكشف البلوغ ، بما رواه علي بن إبراهيم في تفسيره ، عن أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى: «وَ ابْتَلُوا الْيَتامى...» :قال عليه السلام:«من كان في يده مال بعض اليتامى ، فلا يجوز أن يعطيه حتّى يبلغ النكاح و يحتلم ، فإذا احتلم ، و وجب عليه الحدود ، و إقامة الفرائض ، و لا يكون مضيّعاً ، و لا شارب خمرٍ ، و لا زانياً ، فإذا اونس منه الرشد دفع إليه المال ،

ص: 146

و يشهد عليه ، فإذا كانوا لا يعلمون أنّه قد بلغ فليمتحن بريح إبطه ، أو نبت عانته ، و إذا كان ذلك فقد بلغ ، فيدفع إليه المال إذا كان رشيداً» (1).و فيه:-مضافاً إلى ضعف سنده-أنّه لا يفيد أكثر من اعتبار البلوغ و الرشد كليهما معاً.

نقد رأي صاحب «الجواهر»

قد استظهر صاحب «الجواهر» كون «إِذَا» للشرط ، و رجّحه على سائر الوجوه ؛ بدعوى أنّها ظرفية شرطية ، و أنّه يندر خروجها عنهما ، فلا يحمل عليه التنزيل.هذا مع اقتضاء كونها لغير الشرط ، انقطاع الابتلاء بالبلوغ ، و هو خلاف ظهور قوله: «فَإِنْ آنَسْتُمْ» في استمرار الابتلاء إلى بروز الرشد ، أو اليأس منه.بل يلزم منه حجر البالغ ما لم يؤنس منه الرشد ، و يرتفع الحجر عن غير البالغ إذا اونس منه الرشد ؛ نظراً إلى انتفاء الشرط-و هو إيناس الرشد-في الأوّل ، دون الثاني.و أشكل عليه السيّد الماتن قدس سره:«بأنّ الميزان في الاستظهار من الكلام ، هو العرف العامّ ، و لا ريب في كون «حَتَّى» في الآية للغاية حسب فهم أهل العرف ، و عليه فإيناس الرشد متفرّع على الابتلاء إلى زمان البلوغ.و ندرة استعمال «إذا» في غير الشرط-على فرض تسليمها-لا توجب عدم حمل الكتاب عليه عند ظهوره فيه ؛ لأجل القرينة ما لم يخلّ بالفصاحة.مع أنّ جعل «إذا» شرطيةً ، و جملة الشرط و الجزاء جزاءً ، و كون المجموع غاية ل «حَتَّى» احتمالٌ مخالف لفهم العقلاء ، و محتاجٌ إلى التأويل ، بل خارج عن

ص: 147


1- -تفسير القمي 1:131؛ مستدرك الوسائل 13:428، كتاب الحجر ، الباب 2 ، الحديث 1.

اسلوب الفصاحة ، فلا يُحمل عليه التنزيل.مع أنّ كون «حتّى» ابتدائية لا للغاية ، نادرٌ أيضاً.و أمّا اقتضاء انقطاع الابتلاء بالبلوغ ، فهو يلزم من الوجه الذي اختاره صاحب «الجواهر» أيضاً ؛ لأنّه مقتضى كون «حَتَّى» استئنافية ، حيث تقتضي قطع ارتباط ما بعدها عمّا قبلها ، فتكون الآية حينئذٍ ساكتة عمّا بعد البلوغ.و لا يلزم من سائر الوجوه ؛ لأنّ النكتة في الأمر بالابتلاء ، هي الاحتياط في أموال اليتامى بالاجتناب عن الولاية عليهم بعد خروجهم عن الحجر واقعاً ، و من هنا تقتضي مناسبات الحكم و الموضوع ، عدم المفهوم للغاية في المقام ، و ثبوت الابتلاء حتّى بعد البلوغ.بل الآية ليست بصدد بيان حدود الابتلاء من جهة الغاية ، و إنّما سيقت لنكتةٍ اخرى ؛ و هي تقديم الابتلاء على زمان البلوغ ؛ لأجل ردّ مال اليتيم إليه في أوّل زمان رشده بعد البلوغ من غير انتظار رشده ، و في مثله لا مفهوم للآية ؛ نظراً إلى تحقّق النكتة المذكورة قبل الغاية و بعدها بلا فرق».

رأي السيّد الإمام الراحل قدس سره و نقد كلام بعض الأعاظم

و قد رجّح السيّد الإمام قدس سره ثالث الاحتمالات الأربعة المذكورة في الآية ؛ و ذلك لا لما ذكره بعض الأعاظم مستدلّاً عليه «أوّلاً:بأنّ اللّه لمّا أمر بإيتاء اليتامى أموالهم بقوله تعالى: «وَ آتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ...» و نهى عن دفع المال إلى السفيه بقوله تعالى: «وَ لا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ» فقد بيّن الحدّ الفاصل بين ما يحلّ للوليّ و ما لا يحلّ ؛ باشتراط البلوغ و إيناس الرشد».و لا لما ذكره «ثانياً:من أنّ قوله: «فَادْفَعُوا» لو لم يكن تفريعاً على إيناس

ص: 148

الرشد بعد البلوغ ، لم يكن وجه لجعل البلوغ غاية للابتلاء ، و كان الأنسب أن يقال:

«و ابتلوا اليتامى فإن آنستم رشداً» بحذف «حَتّى إِذا بَلَغُوا» .و ذلك لما يرد على الوجه الأوّل في كلامه:من كون مقتضى الجمع بين الأمر بإيتاء المال إلى اليتامى و بين النهي عن دفع المال إلى السفيه ، كفاية الرشد و البلوغ في دفع المال إلى اليتامى ، و هذا عين الاحتمال الثاني.كما يرد على الوجه الثاني من كلامه:أنّ جعل البلوغ غايةً ، لعلّه لأجل إفهام أنّ اعتبار الرشد إنّما هو قبل البلوغ ، و أمّا بعده فيكفي البلوغ وحده بلا اعتبار لإيناس الرشد ، و مرجع ذلك إلى اعتبار كلٍّ من البلوغ و إيناس الرشد مستقلّاً في دفع مال اليتامى إليهم ، و هذا أيضاً عين الاحتمال الثاني ، فالوجهان المذكوران في كلامه لا صلة لهما بالوجه الثالث.بل الوجه في أظهرية الاحتمال الثالث ، ظهور الآية-و لا سيّما بعد مسبوقية الآية بآية: «لا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ» -في كون وجوب دفع المال إلى البالغ الرشيد ، معلول رفع حجره ؛ و سقوط ولاية الوليّ عنه ، و استقلاله في اموره ، و ذلك على حذو وجوب ردّ مال الغير إليه ، و أنّ اليتيم يصير بالبلوغ و الرشد ، كسائر الناس.ثمّ إنّه بناءً على رأي السيّد الماتن قدس سره تدلّ الآية على عدم نفوذ معاملات الصبيّ قبل الرشد أو قبل البلوغ مستقلّاً ، و هل تدلّ الآية على عدم نفوذ معاملات الصبيّ و لو بإذن الوليّ ، أو تدلّ على نفوذها في الجملة ؟نقل السيّد الماتن قدس سره عن أبي حنيفة ، دلالة الآية على نفوذ معاملات الصبيّ الاختبارية إذا كانت بإذن الوليّ ؛ تمسّكاً بإطلاق قوله: «وَ ابْتَلُوا الْيَتامى...» لظهوره في جواز ابتلاء الصبيّ مطلقاً حتّى في المعاملات ، و لازمه صحّتها و نفوذها.و حكى جوابه عن الشافعي:«بأنّ مقتضى الأمر بدفع المال إلى الصبيّ بعد

ص: 149

البلوغ و إيناس الرشد ، عدم جواز دفعه و لا التصرّف فيه-بأيّ وجهٍ-حال الصغر ؛ لأنّه لا قائل بالفرق».و قد ردّ السيّد الماتن قدس سره جواب الشافعي:«بأنّ كلام أبي حنيفة ناظر في اختبار الصبيّ بالمعاملات بإذن الوليّ ، لا في معاملاته مستقلّاً لكي يرد إشكال الشافعي».ثمّ أجاب قدس سره عن أبي حنيفة:«بأنّ إطلاق الآية ثابت من جهة كلّ ما يتحقّق به الابتلاء ، و أنّ الذي يتحقّق به الابتلاء هو ذات المعاملة ؛ من دون دخل لصحّتها أو نفوذها في ذلك ، فلا إطلاق للأمر بالابتلاء من هذه الجهة».ثمّ أضاف قدس سره:أنّ مقتضى حجر الصبيّ و البالغ غير الرشيد عن التصرّف ، عدم نفوذ معاملاته ؛ سواء دفع إليه ماله فيتصرّف فيه مستقلّاً كسائر الناس المالكين ، أو لم يدفع ، و لكن كان مستقلّاً في التصرّف من دون اعتبار إذن الوليّ ؛ بحيث يجب على الوليّ متابعته ، أو كانت بإذن الوليّ ؛ بأن يأذن له في أن يتصرّف في أمواله مستقلّاً من قبل نفسه ، أو وكالةً عن الوليّ ، ففي جميع هذه الصور الأربع ، مقتضى اعتبار البلوغ و الرشد معاً ، عدم نفوذ المعاملة:أمّا عدم نفوذها مستقلّاً بلا اعتبار إذن الوليّ ، فاتّضح وجهه من خلال ما بيّناه.و أمّا عدم نفوذها مستقلّاً و لو بإذن الوليّ أو وكالةً عنه ، فالوجه فيه:أنّ مقتضى اعتبار الرشد ، هو صيانة أموال الصبيّ من الضياع بمعاملته السفهية ، و أنّ استقلاله في التصرّف مستلزم لهذا المحذور قطعاً ، و من الواضح عدم تأثير لمجرّد إذن الوليّ في دفع هذا المحذور ؛ ما لم يكن الصبيّ تحت نظر الوليّ و تشخيصه في المعاملة ، فإنّ النكتة العقلائية في حجر الصبيّ ، تقتضي عدم استقلاله في المعاملات

ص: 150

بأيّ وجهٍ من الوجوه ، بل لزوم كونه تابعاً لنظر الوليّ و تحت ولايته في معاملاته ، بل جميع تصرّفاته.نعم ، لا دلالة لها على حجره عن مجرّد إجراء الصيغة ؛ نظراً إلى انتفاء المحذور المذكور حينئذٍ.هذا حاصل كلام السيّد الماتن قدس سره في المقام (1).و للمحقّق الخوئي قدس سره كلام في المقام يرجع إلى الاحتمال الثالث ، فراجع (2).ثمّ إنّ في المقام إشكالاً:و هو أنّ الابتلاء لا يتوقّف على دفع المال إلى الصبيّ ، بل يمكن بتولية المساومة ، و تقويم المتاع ، و بعض مقدّمات المعاملة ، و هذا لا ينافي عدم جواز دفع المال إليه قبل البلوغ.و كذا اشكل بتحقّق الابتلاء بدفع المال إليه لمجرّد حفظه ، لا المعاملة به ، كما في مرسل الصدوق ، عن الصادق عليه السلام:«إيناس الرشد حفظ المال» (3) ، و ظاهره تحقّق إيناس الرشد بحفظ المال ، لا المعاملة نفسها.و يدفع:بأنّه خلاف ظاهر إطلاق الأمر بالابتلاء ؛ فإنّه يشمل الاختبار بأيّ نحوٍ كان ، و التقييد ببعض أنواعه لا دليل عليه.و قد يقال في توجيه الإشكال المزبور:إنّ المأمور به طبيعي الاختبار ، و هو يمتثل بالإتيان ببعض أفراد الابتلاء ، كما هو الشأن في الأمر بالطبيعي في سائر الموارد ؛ إلّا أنّ الكلام في إمكان الاختبار في مقدّمات العقد.و فيه:أنّ مفاد الإطلاق في المقام ، ليس هو الشمول الاستغراقي لكي يشكل بذلك ، بل هو الشمول البدلي ، فمعنى الإطلاق أنّ الأمر بالابتلاء ، يشمل أيّ نحوٍ4.

ص: 151


1- -كتاب البيع ، الإمام الخميني قدس سره 2:4-18.
2- -مصباح الفقاهة 3:245.
3- -وسائل الشيعة 18:411 ، كتاب الحجر ، الباب 2 ، الحديث 4.

و مصداق من مصاديق الابتلاء على البدل ؛ سواء أ كان الابتلاء بمقدّمات المعاملة ، أو نفسها ، أو بغير ذلك ، فالتقييد ببعض مصاديق الابتلاء لا دليل عليه.ثمّ إنّ المحقّق النائيني قدس سره (1)احتمل كون مفاد الآية ، اعتبار الرشد و كفايته إذا حصل قبل البلوغ ، و كون «حَتَّى» للغاية المخرِجة ما بعدها ، ثمّ جزم بأنّ المقصود هو اعتبار الرشد و البلوغ معاً ، و وجّه الأمر بالابتلاء قبل البلوغ ، بالاحتراز عن تصرّف الوليّ في مال الصبيّ إسرافاً و بداراً ؛ نظراً إلى انتفاء ولايته عليه عند البلوغ و الرشد ، فكأنّ الآية تقول:و ابتلوا اليتامى حتّى إذا بلغوا ، فإذا بلغوا راشدين فادفعوا إليهم أموالهم ؛ و ذلك لأنّ الصبيّ إذا بلغ حال كونه رشيداً في الواقع ، لا ولاية لأحد على ماله ، كسائر البالغين ، و عليه فلا يجوز للوليّ التصرّف في ماله بأيّ وجهٍ.و هذا الوجه الذي اختاره المحقّق المزبور ، هو الاحتمال الثالث من الاحتمالات الأربعة الذي اختاره السيّد الماتن قدس سره.

مقتضى التحقيق في المقام

قد يخطر بالبال-بعد التأمّل في مفاد الآية-:أنّه لو كنّا نحن و الآية ، لما كان ترجيح للاحتمال الثالث على الاحتمالين الأوّل و الثاني ، بل يمكن أن يقال:إنّ الآية بصدد بيان اعتبار إيناس الرشد أيضاً ؛ في عَرْض اعتبار البلوغ ، بمعنى أنّه -كالبلوغ-سبب مستقلّ لنفوذ التصرّف و صحّة المعاملات ، كما قوّاه شيخ الطائفة في تفسير «التبيان» (2) و استظهره المحقّق الإيرواني قدس سره و قد سبقت عبارته في بيان الاحتمال الثاني من الاحتمالات الأربعة ؛ و ذلك لأنّ الأنسب بالمحاورة ، أن يكون

ص: 152


1- -منية الطالب 1:169.
2- -التبيان 3:117.

تفريع الحكم على إيناس الرشد مرتبطاً بالأمر بالابتلاء الكاشف عن الرشد قبل البلوغ.و أمّا ذكر البلوغ غاية للابتلاء ، فلعلّه للتنبيه على أنّه بمجرّد البلوغ لا اعتبار للابتلاء ؛ نظراً إلى كون البلوغ أمارة على الرشد ، فلا حاجة إلى كشفه بالابتلاء.كما أنّ احتمال كون «حَتَّى» ابتدائية و جملة ما بعدها مستأنفة ، خلاف الظاهر ؛ لندور ذلك و بُعده عن ارتكاز أهل المحاورة.و أمّا اعتبار البلوغ فيستفاد من السنّة المتواترة ، بل عليه تسالم الفقهاء ؛ نظراً إلى دلالة الأخبار المتظافرة على عدم نفوذ تصرّف الصبيّ غير البالغ ، فلأجل ذلك يتعيّن الاحتمال الثالث ؛ و هو اعتبار البلوغ و الرشد معاً ، لا كلّ واحدٍ منهما وحده ؛ نظراً إلى دلالة الآية على عدم نفوذ تصرّف غير الرشيد ، كما دلّت النصوص المتظافرة على عدم جواز معاملة غير البالغ ، و مقتضى الصناعة في الأخذ بمدلولهما ، هو اعتبار البلوغ و الرشد كليهما في نفوذ التصرّف.هذا غاية توجيه القول بظهور الآية في بيان اعتبار الرشد مستقلّاً في عَرض البلوغ.و لكن مقتضى التحقيق:أنّ لفظة «حَتَّى» في الآية استئنافية ، كما يظهر من الزمخشري (1) ، و تبعه الطبرسي رحمه الله في «جوامع الجامع» (2) ، و اختاره صاحب «الجواهر» قدس سره (3)بعد ما نقله عن العلّامة الطباطبائي قدس سره و لفظة «إِذَا» شرطية و إن9.

ص: 153


1- -الكشّاف 1:501.
2- -تفسير جوامع الجامع 1:137.
3- -جواهر الكلام 26:19.

اشرب فيها معنى الظرفية ، و مجموع الشرط و الجزاء في قوله: «فَإِنْ آنَسْتُمْ...» جزاءٌ لمدخول «إِذَا» و هو «بَلَغُوا النِّكاحَ» و المعنى حينئذٍ:أنّ اليتامى إذا بلغوا و وجدتم فيهم رشداً ، فادفعوا إليهم أموالهم.و ابتدائية «حَتَّى» و استئنافيتها ، لا تنافي كونها بمعنى انتهاء الغاية ، فكما أنّ «حتّى» الجارّة تأتي بمعنى انتهاء الغاية ، فكذلك «حتّى» الاستئنافية اشرب فيها أيضاً معنى انتهاء الغاية ، بل هو الغالب في موارد استعمالها.بيان ذلك:أنّ لفظة «حتّى» جاءت في لغة العرب لثلاثة معانٍ:انتهاء الغاية ، و هو الغالب ، و التعليل ، و بمعنى «إلّا» و هذا أقلّ استعمالاً من الثاني.و تستعمل على ثلاثة أوجه من جهة الإعراب:الجارّة ، و العاطفة ، و الاستئنافية ، كما قال ابن هشام: (1)أمّا «حتّى» الجارّة ، فتدخل على المفردات ، و لو دخلت على الجمل اوّلت إلى المفرد ، فلذا تفتح همزة «أنّ» بعدها.و أمّا «حتّى» العاطفة ، فتكون بمنزلة واو العطف ، إلّا أنّها تفترق عن الواو بعدم دخولها على المضمر و الجمل.و أمّا «حتّى» الاستئنافية ، فتأتي غالباً بمعنى انتهاء الغاية ، كالجارّة (2).و الفرق بينهما:أنّ «حتّى» الجارّة لا تدخل إلّا على المفرد ، أو على المأوّل إليه ، بخلاف «حتّى» الاستئنافية ، فإنّها لا تدخل إلّا على الجمل الاسمية و الفعلية التي فعلها ماضٍ أو مضارع.و مثّل ابن هشام للماضي بقوله تعالى: «ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتّى9.

ص: 154


1- -مغني اللبيب 1:123.
2- -مغني اللبيب 1:129.

عَفَوْا وَ قالُوا قَدْ مَسَّ آباءَنَا الضَّرّاءُ وَ السَّرّاءُ» (1) ، و قوله تعالى: «وَ لَقَدْ صَدَقَكُمُ اللّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتّى إِذا فَشِلْتُمْ وَ تَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ» (2)-مغنى اللبيب 2:386.مثّل لذلك في المغني بقول جرير:حتّى ماء دجلة أشكلُ.و قد مثّل به بعينه في تفسير الكشّاف في ذيل الآية المبحوث عنها في المقام [المؤلّف].(3).و مثّل للمضارع بقول حسّان: يُغْشون حتّى ما تَهِرُّ كلابُهم لا يَسْألون عن السواد المقبل

و عليه فلا تنافي بين كون «حتّى» استئنافية ، و بين كونها بمعني الغاية ؛ لأنّ الجملة المستأنفة هي المنقطعة عمّا قبلها في الإعراب ، أي لا يعمل فيها عامل سابق عليها في الكلام ، و ليس معناها الانقطاع عمّا قبلها من جهة مضمون الكلام و مفاده ، و لذا تأتي «حتّى» الاستئنافية غالباً بمعنى انتهاء الغاية ، كما هي بهذا المعنى في الآيتين المزبورتين.فمقتضى التحقيق:أنّ لفظة «حَتَّى» حرف ابتداءٍ ، و الجملة الواقعة بعدها مستأنفة ، كما عليه جمهور ادباء العرب و نحاتهم ، كما قال ابن هشام (3) ، و قد اشرب فيها معنى الغاية:أمّا كونها استئنافية ، فلدخولها على الجملة الفعلية التي فعلها ماضٍ ، و هي «بَلَغُوا النِّكاحَ» و هذه خصوصية «حتّى» الاستئنافية ، كما قال ابن هشام (4) ، و قال الزمخشري: (5) «إنّ لفظة «حَتَّى» في هذه الآية ، هي التي تدخل على الجمل».1.

ص: 155


1- -الأعراف (7):95.
2- -آل عمران
3- :151.
4- -مغني اللبيب 1:129.
5- -الكشّاف 1:501.

و أمّا كونها بمعنى الغاية ، فلوضوح كون إيناس الرشد من الصبيّ بعد بلوغه ، نتيجة اختباره بأنواع المعاملات قبل البلوغ ، كما هو الغرض من الأمر بابتلاء اليتامى في صدر الآية.و بذلك تترجّح شرطية «إِذَا» لأنّها تلائم «حتّى» الاستئنافية ، كما أنّها تناسب سياق الآية.مضافاً إلى غلبة استعمالها في الشرطية ، كما قال في «الجواهر» (1).و عليه فالجملة الواقعة بعدها تكون شرطية، و جملة: «فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ» شرطٌ و جزاء ، و وقعت بمجموعها جواباً للشرط الأوّل ؛ و هو «إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ» كما نقل في «الجواهر» (2) عن العلّامة الطباطبائي ، قال:«الأصوب أن تكون «إِذَا» للشرط ، كما هو الأصل فيها ، و جوابه مجموع الشرط و الجزاء ؛ و هو قوله: «فَإِنْ آنَسْتُمْ...» و«حَتَّى» حرف ابتداءٍ ، و غايتها مضمون الجملة التي بعدها ؛ و هو دفع المال عقيب إيناس الرشد الواقع عقيب بلوغ النكاح».و قد تبيّن ممّا قلنا:أنّه ليس دليل شرطية «إِذَا» في الآية ، مجرّد غلبة استعمالها في ذلك ، و لزوم محذور انقطاع الابتلاء بالبلوغ من القول بظرفيتها ، لكي يرد عليه الإشكال المتقدّم من السيّد الإمام قدس سره بل إنّها تناسب سياق الآية ، و تُلائم «حتّى» الاستئنافية ، كما قرّرنا.و عليه فحيث عرفت أنّ استئنافية «حَتَّى» لا تنافي كونها بمعنى انتهاء9.

ص: 156


1- -جواهر الكلام 26:18 و19.
2- -جواهر الكلام 26:18 و19.

الغاية ، فلذا يترجّح المعنى الثالث من الاحتمالات الأربعة المذكورة للآية ، فالأظهر أنّ معنى الآية:و اختبروا اليتامى و امتحنوهم ؛ لإحراز رشدهم و كمالهم ، فإذا بلغوا النكاح و وجدتم فيهم رشداً و بصيرةً في المعاملات ، فادفعوا إليهم أموالهم ، و بناءً على ذلك يكون إحراز الرشد بالاختبار قبل البلوغ ؛ لأجل إحراز شرط جواز دفع المال إليه حين البلوغ ، حذراً من منعه عن التصرّف في أمواله بعد البلوغ ، و لازم ذلك اشتراط البلوغ و الرشد معاً في جواز تصرّفات الصبيّ.و قد دلّ على اعتبار البلوغ و الرشد معاً ، عدّة نصوص معتبرة:منها:صحيح هشام ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«انقطاع يتم اليتيم بالاحتلام ، و هو أشدّه ، و إن احتلم و لم يؤنس منه رشده و كان سفيهاً أو ضعيفاً ، فليمسك عنه وليّه ماله» (1).فإنّه صريح في اعتبار الرشد و كمال العقل ، و عدم كفاية مجرّد البلوغ بالاحتلام في نفوذ تصرّفات الصبيّ و جواز دفع ماله إليه.و مثله:موثّقة أبي بصير ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:سألته عن اليتيم قد قرأ القرآن ، و ليس بعقله بأس ، و له مالٌ على يد رجلٍ ، فأراد الذي عنده المال أن يعمل به مضاربة ، فأذن له الغلام ؟ فقال عليه السلام:«لا يصلح له أن يعمل به حتّى يحتلم و يدفع إليه ماله». قال عليه السلام:«و إن احتلم و لم يكن له عقل ، لم يدفع إليه شيء أبداً» (2).و منها:خبر علي بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال:سألته عن5.

ص: 157


1- -وسائل الشيعة 18:407 ، كتاب الحجر ، الباب 1 ، الحديث 1.
2- -وسائل الشيعة 19:367 ، كتاب الوصايا ، الباب 45 ، الحديث 5.

اليتيم ، متى ينقطع يتمه ؟ قال عليه السلام:«إذا احتلم ، و عرف الأخذ و العطاء» (1) .و غير ذلك من النصوص (2).

و ينبغي التنبيه في المقام على نكات:

الاُولى:أنّ وجه تنكير «الرشد» في قوله تعالى: «آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً» هو بيان نوع من الرشد ؛ و هو رشد الصبيّ و كماله في التصرّفات ، و المعاملات ، و التجارات.أو هو إشارة إلى قدرٍ من الرشد يحفظ به الصبيّ ماله ، و يصونه عن الغرور و الخدعة في المعاملات ، كما أشار إليه الزمخشري في «الكشّاف» (3).الثانية:أنّه قد يستدلّ لكفاية الرشد ببعض النصوص:منها:صحيح عيص بن القاسم ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:قال:سألته عن اليتيمة ، متى يدفع إليها مالُها ؟ قال عليه السلام:«إذا علمت أنّها لا تفسد ، و لا تضيّع» (4).و فيه:أنّ مفاد هذه الصحيحة ، يلائم أصل اشتراط الرشد في دفع المال إلى اليتيمة و لو مع البلوغ ، فلا ظهور لها في دخل الرشد مستقلّاً ؛ بحيث يكون تمام الموضوع كما قيل.و منها:رواية الأصبغ بن نباتة ، عن أمير المؤمنين عليه السلام:«أنّه قضى أن

ص: 158


1- -وسائل الشيعة 1:44 ، أبواب مقدّمة العبادات ، الباب 4 ، الحديث 6.
2- -وسائل الشيعة 18:412 ، كتاب الحجر ، الباب 2 ، الحديث 5 ؛ و1:43 و45 ، أبواب مقدّمة العبادات ، الباب 4 ، الحديث 2 و11.
3- -الكشّاف 1:501.
4- -وسائل الشيعة 18:410 ، كتاب الحجر ، الباب 1 ، الحديث 3 ؛ و1:43 و45 ، أبواب مقدّمة العبادات ، الباب 4 ، الحديث 2 و11.

يحجر على الغلام المفسد حتّى يعقل» (1).و يرد عليها الإشكال الوارد على الصحيحة السابقة ، مضافاً إلى ضعف سندها.فتحصّل:أنّ مقتضى التحقيق الأخذ بمدلول الآية و النصوص المزبورة ، فيعتبر الرشد و البلوغ معاً في نفوذ تصرّفات الصبيّ ، و اللّه العالم.الثالثة:أنّه قد ورد في ذيل كلام السيّد الماتن ، عدم تأثير لكون تصرّف الصبيّ في غاية الغبطة و الصلاح ؛ في مشروعية معاملاته ؛ و نفوذ تصرّفاته ، و الوجه في عدم تأثيره أنّ المعاملات إمضائية ؛ بلا تأسيس فيها للشارع ، فيكون منع الشارع عن معاملات غير البالغ ، ردعاً لسيرة العقلاء الجارية في مورد الغبطة و الصلاح ، فلا أثر لكون معاملة الصبيّ في غاية الغبطة و الصلاح ؛ بعد فرض عدم إمضاء الشارع ، بل ردعه.و أمّا ما قاله قدس سره:«من عدم تأثير لإذن الوليّ في الصحّة» فقد عرفت ممّا بيّناه:

أنّ الأقوى تأثيره في الأشياء غير الخطيرة إذا كان الصبيّ مميّزاً.و لكنّه يرجع إلى التفصيل السابق بين الخطير و غيره ، فالحقّ مع السيّد الماتن قدس سره في المقام.4.

ص: 159


1- -وسائل الشيعة 18:410 ، كتاب الحجر ، الباب 1 ، الحديث 4.

و هي امور:الأوّل: البلوغ ، فلا يصحّ بيع الصغير-و لو كان مميّزاً ، و كان بإذن الوليّ -إذا كان مستقلاًّ في إيقاعه ؛ على الأقوى في الأشياء الخطيرة ، و على الأحوط في غيرها ، و إن كان الصحّة في اليسيرة إذا كان مميّزاً-ممّا جرت عليها السيرة-لا تخلو من وجه و قوّة(1).كما أنّه لو كان بمنزلة الآلة-بحيث تكون حقيقة المعاملة بين البالغين- ممّا لا بأس به مطلقاً (2).تحرير الوسيلة 1:483

شرائط المتعاقدين

1-قد سبق الكلام في وجه عدم نفوذ تصرّفات الصبيّ في الجملة ، و عدم كفاية التمييز و كذا إذن الوليّ إذا كان الصبيّ مستقلّاً في المعاملات ، كما أشبعنا الكلام في وجه التفصيل بين الأشياء الخطيرة ، و بين الحقيرة اليسيرة.و أمّا غير المميّز و ما لم تجر عليه السيرة من معاملات الصبيّ في الأشياء اليسيرة و الحقيرة ، فيكون الاحتياط وجوبياً ، فلا تصحّ معاملاته حينئذٍ على الأحوط وجوباً ، و إلّا فلو كان مميّزاً أو كانت معاملته ممّا جرت عليه السيرة ، يكون الاحتياط المزبور استحبابياً.

حكم ما لو كان الصبيّ بمنزلة الآلة في المعاملة

2-وقع الكلام في نفوذ تصرّفات الصبيّ و صحّة معاملاته إذا كان آلة فيها ؛ فذهب السيّد الطباطبائي في «الرياض» إلى صحّتها ، حيث قال:«نعم ، الأظهر جوازه فيما كان فيه بمنزلة الآلة لمن له الأهلية ؛ لتداوله في الأعصار و الأمصار

ص: 160

السابقة و اللاحقة من غير نكير ، بحيث يعدّ مثله إجماعاً من المسلمين كافّة.لكن ينبغي تخصيصه بما هو المعتاد في أمثال هذه الأزمنة ؛ فإنّه الذي يمكن فيه دعوى اتّفاق الاُمّة ، ضرورة ظهوره في إرادة التصرّف الإنشائي الذي يترتّب عليه الملك و التمليك ، لا الإباحة بالمعنى الأعمّ» (1).و قد أشكل عليه الشيخ الأنصاري قدس سره من جهة قوّة احتمال كون السيرة المدّعاة ، ناشئةً عن عدم المبالاة في الدين ، كما في سِيَرهم الفاسدة.ثمّ أيّد ذلك «بما يرى من استمرار سيرتهم على عدم الفرق بين المميّزين و غيرهم ، و لا بينهم و بين المجانين ، و لا بين معاملتهم لأنفسهم بالاستقلال-بحيث لا يعلم الوليّ أصلاً-و معاملتهم لأوليائهم على سبيل الآلية ، مع أنّ هذا ممّا لا ينبغي الشكّ في فساده ، خصوصاً الأخير.مع أنّ الإحالة على ما جرت العادة به ، كالإحالة على المجهول ؛ فإنّ الذي جرت عليه السيرة ، هو الوكول إلى كلّ صبيّ ما هو فطن فيه ؛ بحيث لا يغلب في المساومة عليه ، فيكلون إلى من بلغ ستّ سنين شراء باقة بقلٍ ، أو بيع بيضة دجاج بفلس ، و إلى من بلغ ثماني سنين اشتراء اللحم و الخبز و نحوهما ، و إلى من بلغ أربع عشرة سنة شراء الثياب ، بل الحيوان ، بل يكلون إليه امور التجارة في الأسواق و البلدان ، و لا يفرّقون بينه و بين من أكمل خمس عشرة سنة ، و لا يَكِلون إليه شراء مثل القرى و البساتين و بيعها إلّا بعد أن يحصل له التجارب ، و لا أظنّ أنّ القائل بالصحّة ، يلتزم العمل بالسيرة على هذا التفصيل...فالظاهر أنّ هذا القول أيضاً مخالف لما يظهر منهم».4.

ص: 161


1- -جواهر الكلام 22:264.

ثمّ استظهر عدم نفوذ معاملات الصبيّ-حتّى فيما لو كان بمنزلة الآلة-من حكم العلّامة في «التذكرة» بعدم جواز ردّ المال إلى الصبيّ إذا دفعه إلى الناقد لينقده ، أو المتاع الذي دفعه إلى المقوّم ليقوّمه ، و عدم جواز ردّ مال الصبيّ إليه بإذن الوليّ ؛ موجّهاً «بأنّ الصبيّ غالباً في هذه المقامات ، بمنزلة الآلة للوليّ» (1).ثمّ إنّ صاحب «الجواهر» فهم من ذيل كلام صاحب «الرياض»-و هو قوله:

«ضرورة ظهوره في إرادة التصرّف الإنشائي الذي يترتّب عليه الملك و التمليك»- أنّ مصبّ السيرة ما إذا كان تصرّف الصبيّ ، إنشائياً مترتّباً عليه التمليك و التملّك ، و لذا أشكل عليه:بأنّ قول الطفل و فعله مسلوب الاعتبار و القابلية لذلك.و لكن احتمل كون مراد السيّد في «الرياض» أنّ مصبّ السيرة ما لو كان تصرّف الوليّ ، إنشائياً مترتّباً عليه التمليك و التملّك ، حيث قال بعد استظهار المعنى الأوّل:«و يمكن أن يريد ما ذكرناه» (2) ؛ و ذلك بقرينة كلام السيّد:«نعم ، الأظهر جوازه فيما كان فيه بمنزلة الآلة لمن له الأهلية...» حيث إنّ آلية الصبيّ تنافي تصرّفه الإنشائي ، و هو الأظهر من كلام السيّد ، و عليه فقوله في المقام موافق لرأي صاحب «الجواهر» و لا مخالفة بينهما في الرأي ؛ و هو قصد المعاوضة و إنشاء المبادلة من جانب الوليّ المفيد لترتّب الملك بإتلاف المبيع من جانب المشتري و تصرّفه فيه ، كما قال في «الجواهر» (3).

و مقتضى التحقيق: أنّ الحقّ في المقام مع صاحب «الرياض» إذ ظاهر النصوص منع نفوذ تصرّفات الصبيّ مستقلّاً ؛ بحيث تُسند إليه المعاملة عرفاً ، دون ما4.

ص: 162


1- -كتاب المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16:289.
2- -جواهر الكلام 22:264.
3- -جواهر الكلام 22:264.

إذا كان آلة من دون أيّ استقلالٍ ؛ بحيث تُسند المعاملة إلى الوليّ حقيقةً ، كما هو مفروض الكلام ؛ و موضوع البحث في المقام ، و أشار إليه السيّد الماتن قدس سره.نعم ، لو كان له استقلال في إنشاء العقد و لو كان بإذن الوليّ ، يشكل استفادة جواز معاملته حينئذٍ من الأدلّة ، بل إطلاقها ينفيه ، و سيأتي الكلام فيه إن شاء اللّه.و هذا بخلاف ما لو كان آلة في المعاملة ، كأن يكتب الوليّ إنشاء العقد ، و مقدار الثمن و يعيّن المثمن في قرطاس ، ثمّ يعطيه إلى الصبيّ ليوصله إلى صاحب الدكّان ، أو اتّفق معه على أنّه كلّما أرسل الصبيّ الفلاني إليك لشراء شيءٍ فبعه ، أو تيقّن صاحب الدكّان ذلك بحسب القرائن ، ففي جميع هذه الصور يكون الصبيّ بمنزلة الآلة من دون استقلال له ، و لا استناد المعاملة إليه ، و تكون نصوص المنع منصرفة عن هذه الصورة.هذا مضافاً إلى جريان السيرة القطعية على ذلك بين المؤمنين و المتشرّعة ، و هي قرينة لبّية موجبة لهذا الانصراف ، بل هي كالمخصّص المتّصل المانع من ظهور النصوص و شمولها لهذه الصورة ؛ حتّى بحسب المدلول الاستعمالي ، كما قرّر في محلّه من علم الاُصول.ثمّ إنّ المحقّق النائيني قدس سره وجّه آلية الصبيّ في المعاملات بثلاثة وجوه:الأوّل:ما ذكره كاشف الغطاء:«من وقوع المعاملة في الحقيقة بين الوليّ و الطرف الآخر ؛ بأن كان الطرف الآخر موجباً من قِبَل الوليّ وكالة ، و قابلاً من قِبَل نفسه أصالة ، فيكون فعل الصبيّ مجرّد كاشف عن رضا الوليّ».و ردّه المحقّق المزبور:«بأنّ إثبات وكالة الطرف الآخر مشكل ؛ لعدم توكيله من جانب الوليّ عادةً في الخارج ، و مجرّد رضا المالك لا يدخله تحت هذا العنوان ؛ فإنّ ما هو الواقع في الخارج ليس إلّا معاملة الصبيّ ، و أمّا إنشاء التوكيل من الوليّ

ص: 163

فمعلوم العدم.كما أنّ الطرف الآخر لا يقصد الوكالة عادة.مع أنّ مقتضى ذلك اعتبار كون المال للوليّ ، لا للصغير ، مع أنّ بناء أهل العرف على عدم الفحص عن ذلك».الثاني:أن يكون المنشئ للمعاملة هو الوليّ مع طرف الصبيّ ، و إنّما هو واسطة في إيصال المال و إقباضه ، كإيصال الهديّة إلى المهدى إليه.و ردّه:«بأنّ إنشاء التمليك لشخص غير معلوم ، لا يدخل تحت أحد العناوين التمليكية ، و أنّ ما هو واقع في الخارج خلاف ذلك».الثالث:كون المقام من مصاديق المعاطاة ، فيكتفي بوصول كلّ من العوضين إلى مالك الآخر ، مع رضا الطرفين ؛ إمّا لكونه من مصاديق المعاطاة حقيقة ، بناءً على عدم اعتبار التعاطي فيها يداً بيدٍ ؛ و كفاية إيصال العوضين بأيّة وسيلةٍ و نحوٍ كان ، و إمّا لأنّه في حكم المعاطاة ؛ بناءً على كون ملاك صحّة المعاطاة ، كاشفيتها عن التسليط المالكي ، و أنّه يكفي في النقل و الانتقال ؛ من دون اعتبار تعيين المباح له-كما في نثار العرس-و لا الموالاة بين الإيجاب و القبول.و على فرض عدم دخوله في عنوان المعاطاة ، يكفي في صحّته السيرة الجارية على ذلك بين المتشرّعة.نعم، لا بدّ من الاكتفاء بالمتيقّن من مصبّ السيرة ؛ و هو ما إذا لم تكن المعاملة محتاجة إلى مساومة في القيمة ، بل كانت قيمة العين معيّنة معلومة ؛ بحيث كان الصبيّ مجرّد آلة (1).هذا حاصل كلام المحقّق النائيني في المقام.و الحقّ في المقام:أنّ توكيل الطرف الآخر من الوليّ و كون معاملات الصبيّ5.

ص: 164


1- -منية الطالب 1:175.

من قبيل الوساطة في إيصال الهدية ، خلاف ارتكاز المتشرّعة ، و ما هو الواقع في الخارج.و أمّا كونها من قبيل المعاطاة ، فهو و إن ظهر من كلام كاشف الغطاء ، و اختاره السيّد الخوئي أيضاً ، إلّا أنّه لا دليل عليه ، بل هو خلاف الارتكاز ؛ فإنّ المرتكز في أذهان المتشرّعة ، دخول معاملات الصبيّ في عنوان «البيع» و «الشراء» و السيرة إنّما استقرّت على هذا العنوان.و أمّا كون الصبيّ كالآلة ، فلا بدّ من التفصيل فيه بين الصبيّ المميّز ، و بين غيره ؛ ففي غير المميّز يعامل معه بمنزلة مجرّد آلة و أمّا المميّز فليس مجرّد آلة ، بل هو ينشئ العقد حسب نظر الوليّ و رضاه ، فيشتري أو يبيع من جانب الوليّ ، فلذا ربما يقول له الوليّ:«لو كانت قيمة المتاع أكثر من كذا و كذا فلا تشتره» بل لا فرق بين ما يحتاج إلى المساومة و غيرها ، فإنّه ربما يتّفق أنّ الوليّ يقول لصبيّه المميّز:

«ساوم في القيمة ، و اشتر المتاع بالقيمة النازلة» و ربما يعاتبه على ما إذا اشترى بقيمةٍ غالية بمثل قوله:«لِمَ اشتريت المتاع بهذا المبلغ الكثير ؟!».و مقتضى التحقيق و التأمّل في مصبّ السيرة ، اندراج معاملات الصبيّ في عنوان «البيع» و «الشراء» فإنّه المرتكز في أذهان أهل الشرع ، و دارج في ألسنة المتشرّعة في زماننا هذا ، و لم يثبت خلاف ذلك في سالف الزمان ، بل لا ينبغي التشكيك في هذه السيرة ، كما صرّح بذلك السيّد الحكيم (1) ، إلّا أنّها مختصّة بالصبيّ المميّز على نحو الوكالة في البيع و الشراء من جانب الوليّ و بإذنه.و لكن لا ريب في اختصاصها بالأشياء اليسيرة ، و أمّا الأشياء الخطيرة فلم3.

ص: 165


1- -نهج الفقاهة:183.

و كما لا تصحّ معاملة الصبيّ في الأشياء الخطيرة لنفسه ، كذلك لا تصحّ لغيره-أيضاً-إذا كان وكيلاً ؛ حتّى مع إذن الوليّ في الوكالة(1) .

تحرير الوسيلة 1:483يعهد نفوذ معاملات الصبيّ لدى المتشرّعة ؛ حتّى و لو كان مميّزاً ، و كان بإذن الوليّ.

و هذا هو منصرف الإجماع و نفي «الخلاف» كما في «الجواهر» (1) ، و حكي عن الشيخ الطوسي.و هذه السيرة مانعة عن انعقاد الإطلاق لمطلقات «رفع القلم عن الصبيّ» و مساواة عمده و خطأه ، و ما دلّ على منع نفوذ تصرّفاته ؛ لأنّ السيرة قرينة لبّية محفوفة بالكلام ، فهي في حكم المخصّص المتّصل المانع عن انعقاد المدلول الاستعمالي للكلام ، فضلاً عن المدلول الجدّي ، و عليه فمعاملة الصبيّ في الأشياء غير الخطيرة ، خارجة عن مفاد عمومات المنع تخصّصاً.و أمّا اعتبار الآلية ، فلا دليل عليها في الصبيّ المميّز ، كما قلنا.بل تجوز معاملاته اليسيرة-حتّى في ماله-بإذن الوليّ.و أمّا في الأشياء الخطيرة، فلا دليل على جواز تصرّفات الصبيّ و معاملاته في ماله و لو بإذن الوليّ (2)، بل يستفاد منعه من الآية.

وكالة الصبيّ عن غيره

1-يقع الكلام تارةً:في وكالة الصبيّ عن الوليّ أو غيره في تصرّفاته في مال نفسه ، و اخرى:في مال غيره:أمّا في مال نفسه ، فالأقوى عدم جواز معاملاته في أمواله وكالةً عن الوليّ في

ص: 166


1- -جواهر الكلام 22:260.
2- -كما يظهر من السيّد الخوئي ، راجع:مصباح الفقاهة 3:260.

الأشياء الخطيرة ، كما سبق منّا ؛ و ذلك لعموم منع دفع أموال الصبيّ إليه قبل البلوغ و إيناس الرشد ، حيث يشمل دفع ماله إليه مطلقاً ؛ سواء أ كان أصيلاً ، أو وكيلاً ، و الخارج عن هذا العموم هو المتيقّن ممّا جرت عليه السيرة ؛ و هو تصرّف الصبيّ في أمواله اليسيرة الحقيرة وكالةً عن الوليّ ، أو بإذنه ، فيبقى سائر تصرّفاته في مال نفسه تحت عموم المنع.و أمّا في مال غيره-وليّاً كان ، أم غيره-فاختار السيّد الماتن قدس سره عدم نفوذ معاملات الصبيّ في مال غيره ؛ إذا كان خطيراً ، وكالةً عن الوليّ ، أو غيره ؛ حتّى و لو كانت وكالته عن غيره بإذن الوليّ.و يظهر ذلك أيضاً من المحقّق النائيني ؛ معلّلاً:«بأنّ صحّة وكالة الصبيّ عن غيره ، فرع صحّة تولية الصبيّ فيه بنفسه ، و حيث لا يجوز له التصرّف في مال نفسه و لو بإذن الوليّ ، فكذلك لا يجوز وكالته في ذلك ، كما في المحرم ، فلا يجوز وكالته عن غيره في ابتياع الصيد ؛ لحرمة نفس الصيد عليه مع قطع النظر عن الوكالة» (1).و لكن ذهب السيّد الخوئي (2) إلى جواز وكالته في التصرّفات الراجعة إلى أموال غيره ، و استدلّ لذلك:«بأنّ جواز وكالته ثابت بمقتضى عمومات أدلّة جواز الوكالة و النيابة ، و لذا لا بدّ لإثبات عدم جواز وكالة الصبيّ من إقامة دليل ، و هو إنّما قام في تصرّفاته الراجعة إلى أموال نفسه وكالةً عن الوليّ ، كما سبق ، و ما قد يتوهّم دليليته لإثبات عدم جواز وكالته في تصرّفاته الراجعة إلى أموال غيره ، غير صالح لذلك ، لأنّه إمّا هو الآية المتقدّمة ؛ بزعم إطلاقها للتصرّفات الراجعة إلى أموال غيره.9.

ص: 167


1- -منية الطالب 1:171-172.
2- -مصباح الفقاهة 3:259.

و لكنّه ممنوع ؛ لأنّ موضوع الحكم فيها هو دفع مال اليتامى إلى أنفسهم ، لا دفع أموال غيرهم إليهم ، و حيث قد علمنا عدم خصوصية لليتيم ، فلذا عمّمناه إلى مطلق الصبيّ ، و أمّا التعميم إلى أموال غير الصبيّ فغير معلوم ؛ لعدم دليل عليه ، بل هو خلاف مقتضى القاعدة الأوّلية في الوكالة و النيابة ؛ فإنّ عموماتها تدفع ذلك.و إمّا هو دعوى عدم الفصل بين مال نفسه و بين مال غيره.و فيه:أنّ عهدتها على مدعيها ؛ حيث إنّ هذا أوّل الكلام ، و محلّ البحث ، و اختلف فيه الآراء و الأقوال.و إمّا هو النصوص ، مثل ما دلّ على «رفع القلم عن الصبيّ» و أنّ «عمده خطأ».و فيه:أنّه لا دلالة لهذه النصوص على بطلان معاملات الصبيّ إذا كانت نافعة بحاله ، و لا على سلب عبارته مطلقاً ، كما سبق.مع أنّ ذلك خلاف السيرة في الأشياء غير الخطيرة».

و التحقيق في المقام: أنّه لا فرق بين مال نفسه و مال غيره من هذه الجهة ؛ نظراً إلى إطلاق الآية و النصوص ، و ذلك لأنّ ظاهرهما اعتبار البلوغ و الرشد في مطلق تصرّفات الصبيّ ؛ سواء أ كانت في أمواله ، أو في أموال غيره ، حيث إنّ عدم البلوغ و الرشد قصور من ناحية الصبيّ نفسه ، و لا فرق في ذلك بين تصرّفاته في مال نفسه ، أو في مال غيره.و أمّا ذكر مال اليتامى في الآية فباقتضاء المورد ؛ بلحاظ انتقال الأموال إليهم ، و دخولها في ملكهم بعد موت آبائهم ، و ليست هذه الخصوصية ثابتة في سائر الصبيان ، و من الواضح عدم صلاحية المورد لتقييد الإطلاق ، أو تخصيص عموم الخطاب.

ص: 168

و أمّا لو كان وكيلاً لمجرّد إجراء الصيغة ، و كان أصل المعاملة بين البالغين ، فصحّته لا تخلو من قرب ، فليس هو مسلوب العبارة ، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط(1) .تحرير الوسيلة 1:483-484 فالحقّ في المقام مع السيّد الماتن قدس سره أي عدم نفوذ تصرّفات الصبيّ وكالة عن غيره أو الوليّ ؛ حتّى في أموال الوليّ أو غيره في الأشياء الخطيرة ، و نفوذ تصرّفاته في غير الخطيرة بإذن الوليّ ، أو وكالةً عنه ، أو عن غيره مطلقاً ؛ سواء أ كانت في مال نفسه ، أو مال غيره ؛ و ذلك لأنّه المتيقّن ممّا جرت عليه السيرة بين المتشرّعة ، و هي توجب انصراف عمومات المنع عن هذه الصورة ، و تمنع عن شمول تلك العمومات لها.

صحّة توكيل الصبيّ في مجرّد إجراء الصيغة

1-الوجه في الصحّة ، عدم إنشائه المعاملة لنفسه ، و لذا لا تسند إليه عرفاً ، فلم يتصرّف هو في المال بوجه ، بل إنّما أنشأ صيغة العقد لموكّله ، فهو الذي أنشأ المعاملة حقيقةً في نفسه ، و إلّا فلا أثر لإجراء الصيغة من الصبيّ حينئذٍ ، و عليه فلو اطمأنّ الوليّ بمعرفة الصبيّ بإجراء الصيغة ، فلا إشكال في إيكاله ذلك إلى الصبيّ.و أمّا سلب عبارته كالمجنون ، فلا يستفاد من نصوص رفع القلم عنه.و كذا لا يستفاد ذلك من قوله عليه السلام:«عمد الصبيّ خطأ» لاختصاصه باُروش الجنايات و الديات و القصاص ، كما قرّر في محلّه.و لكن مع ذلك احتاط السيّد الماتن قدس سره استحباباً بترك توكيل الصبيّ حتّى في إجراء العقد ؛ نظراً إلى ذهاب عدّة من الفقهاء-بل كثير منهم-إلى عدم جواز ذلك ،

ص: 169

(مسألة 4): يعتبر في الجاعل أهليّة الاستئجار؛ من البلوغ و العقل و الرشد و القصد و الاختيار و عدم الحجر.و أمّا العامل فلا يعتبر فيه إلّا إمكان تحصيل العمل ؛ بحيث لم يكن مانع منه عقلاً أو شرعاً ، فلو أوقع الجعالة على كنس المسجد فلا يمكن حصوله شرعاً من الجنب و الحائض ، فلو كنساه لم يستحقّا شيئاً على ذلك.و لا يعتبر فيه نفوذ التصرّف ، فيجوز أن يكون صبيّاً مميّزاً و لو بغير إذن الوليّ ، بل و لو كان غير مميّز أو مجنون على الأظهر ، فجميع هؤلاء يستحقّون الجعل المقرّر بعملهم(1) .تحرير الوسيلة 1:559 و لا سيّما في الأشياء الخطيرة.مضافاً إلى احتمال شمول عمومات المنع للمقام ، مع عدم إحراز استقرار سيرة المتشرّعة على ذلك.

هل يجوز كون الصبيّ عاملاً في الجعالة ؟

1-لا إشكال و لا خلاف في اعتبار أهلية الاستئجار في جاعل الجعالة ؛ بأن يكون مطلق التصرّف ؛ كما في محكيّ «التذكرة» و «المسالك» (1) ، و «الجواهر» (2) ، و غيرها (3) ، فلا ينفذ جعل الصبيّ.و الوجه فيه ما عرفت في نظائره ؛ من عمومات رفع القلم عنه تكليفاً و وضعاً ، و عدم جواز أمره في مطلق التصرّفات ؛ من العقود ، و الإيقاعات ، و أنواع المعاملات ، فهذا لا كلام فيه.

ص: 170


1- -مسالك الأفهام 11:154.
2- -جواهر الكلام 35:196.
3- -مفتاح الكرامة 6:189.

و إنّما الكلام في جواز كونه عاملاً في الجعالة ، ليستحقّ الاُجرة بعمله ، و المعروف عدم اعتبار شيء في عامل الجعالة غير إمكان تحصيل العمل منه عقلاً و شرعاً ؛ بأن لم يكن مانع من عمله عقلاً ، كأن يكون عاجزاً ، أو محبوساً ، و نحو ذلك ممّا يسلب القدرة و التمكّن منه تكويناً ، و لم يكن مانع من عمله شرعاً ، مثل الجنابة و الحيض المانعين من كنس المسجد ؛ نظراً إلى حرمة دخول الجنب و الحائض في المسجد ، و مثل الكفر المانع من تسليط الكافر على المسلم ، و لذا حكموا بعدم جواز كون العامل في استيفاء الدين من المسلم ، كافراً ذمّياً ؛ لأنّ ذلك نوع سبيل له على المسلم ، و ذلك ممنوع بقوله تعالى: «وَ لَنْ يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً» (1).و الحاصل:أنّ المعتبر في عامل الجعالة ، هو إمكان تحصيله العمل ، و عدم كونه ممنوعاً عقلاً و شرعاً من نفس العمل ؛ بأن لم يكن العمل محرّماً بحكم الشرع ، كما اتّضح في المثال المزبور ، و لم يكن غير مقدورٍ له تكويناً ، و أمّا نفوذ تصرّفاته شرعاً-بترتّب آثاره المعاملية-فلم يعتبروه في عامل الجعالة ؛ نظراً إلى كون قوام الجعالة بالجاعل ، و قد عرفت اعتبار نفوذ مطلق تصرّفات الجاعل ، و أمّا من جهة العامل فالذي له دخل في الجعالة ، هو إمكان تحصيل العمل ، دون نفوذ تصرّفاته ؛ حيث لا دخل له في تحقّق الجعالة و صحّتها.و بذلك اتّضح وجه عدم اعتبار البلوغ في عامل الجعالة.و أمّا التمييز و العقل فالظاهر اعتبارهما ؛ لعدم تمشّي قصد تملّك الاُجرة و الجُعل بإزاء العمل من غير المميّز و المجنون ، و قد سبق في الحيازة و الإحياء ، وجه اعتبار قصد التملّك في حصول الملكية بذلك.1.

ص: 171


1- -النساء (4):141.

(مسألة 1): يعتبر في المعير أن يكون مالكاً للمنفعة ، و له أهليّة التصرّف ، فلا تصحّ إعارة الغاصب عيناً أو منفعة ، و في جريان الفضوليّة فيها -حتّى تصحّ بإجازة المالك-وجه قويّ.و كذا لا تصحّ إعارة الصبي و المجنون و المحجور عليه-لسفه أو فلس-إلّا مع إذن الوليّ أو الغرماء ، و في صحّة إعارة الصبي بإذن الوليّ احتمال لا يخلو من قوّة(1) .تحرير الوسيلة 1:563

حكم إعارة الصبيّ و استعارته

1-لا خلاف في اشتراط البلوغ في المعير في الجملة ، و لا إشكال فيه بعد دلالة الإطلاقات و العمومات ، على منع الصبيّ و حجره عن مطلق التصرّفات و المعاملات ، و لا مخصّص لها في خصوص العارية.و أمّا إعارته بإذن الوليّ فالمشهور صحّتها ، و قيّدها في «الشرائع» بمراعاة المصلحة ، و هو الأصحّ ؛ و ذلك لأنّ عمدة الدليل على ذلك هي سيرة المتشرّعة ، كما قال في «الجواهر» (1) ، و لمّا كانت السيرة في قبال مطلقات المنع ، فلا بدّ من الاقتصار على المتيقّن من مصبّها ؛ و هو ما إذا كانت إعارة الصبيّ بإذن الوليّ ، مع مراعاة المصلحة ، فالحقّ في المقام مع صاحب «الشرائع».و لكن لا بدّ من التقييد بمال نفسه ، دون مال غيره ؛ لأنّه المتيقّن من مصبّ السيرة.و دعوى شمول السيرة لإعارة مال غيره ، لو لم يقطع بعدمها ، فعلى الأقلّ يشكل إحرازها.هذا مضافاً إلى قوّة الإطلاقات المانعة.هذا في الإعارة.

ص: 172


1- -جواهر الكلام 27:161.

و كذلك الحال في الاستعارة ، بل هي أولى بالمنع ؛ لكونها على وجه التضمين ، و لا غُرم و لا عهدة و لا ذمّة للصبيّ ، كما سيأتي.و قد علّل في «المسالك» (1) جواز إعارة الصبيّ بإذن الوليّ:«بأنّ العارية لمّا كانت جائزةً ، و لا تختصّ بلفظٍ-بل كلّ ما دلّ على رضا المعير ؛ و هو هنا الوليّ- كان إذنه للصبيّ بمنزلة الإيجاب ، فالعبرة حينئذٍ بإذنه ، لا بعبارة الصبيّ ، و على هذا لا فرق بين المميّز و بين غيره» انتهى كلامه قدس سره.و لكن ردّه في «الجواهر»:«بلزوم عدم الفرق حينئذٍ بين المميّز و غيره ، بل و بينه و بين المجنون ، بل بين العارية و غيرها من العقود الجائزة ؛ حيث يرجع ذلك إلى كون الصبيّ حينئذٍ بمنزلة الآلة ، و كون الإيجاب و الإنشاء بفعل الوليّ ؛ و هو إذنه ، و هذا خلاف ما يظهر من الفقهاء ؛ من اختصاص العارية بهذا الحكم لأجل السيرة المعتضدة بكلمات الأصحاب ، و إرسالهم الحكم إرسال المسلّمات».و الحقّ في المقام مع صاحب «الجواهر».ثمّ إنّه يخطر بالبال:أنّ الالتزام بجريان السيرة المزبورة في الأموال الخطيرة ، مشكل و إن كانت إعارته من الصبيّ بإذن الوليّ.نعم ، لا إشكال في الالتزام باستقرارها في الأشياء الحقيرة اليسيرة ؛ بلا فرق بين أمواله ، و أموال والديه ، و جدّه ؛ ممّن يتولّى اموره.و أمّا وجه التفصيل بين الإعارة و الاستعارة ، فهو ذهاب المشهور من الفقهاء -شهرة عظيمة-في المميّز ، كما في «التحرير» و المحكيّ عن «الإرشاد» و «اللمعة» و «القواعد» و «جامع المقاصد» و «مفتاح الكرامة» و قد نفى الريب عنه في6.

ص: 173


1- -مسالك الأفهام 5:136.

الأخيرين.و قيّده في «التحرير» بالمميّز ، و علّله:«بأنّ إذن الوليّ لا يجعل مسلوب العبارة غير المسلوب في غير المميّز» إلّا أنّهم لم يفرّقوا بين الخطير و غيره.لكنّ السيرة لا تساعد في الخطير.و على أيّ حال:فالمتيقّن من السيرة و الشهرة ، هو إعارة الصبيّ المميّز في الأشياء الحقيرة اليسيرة إذا كان بإذن وليّه ؛ بلا فرق بين مال نفسه ، و مال وليّه ، و أمّا في غير ذلك ، فالأحوط وجوباً الاجتناب عنه ؛ نظراً إلى قوّة الإطلاقات و العمومات المانعة.و أمّا عدم التزام المشهور بذلك في الاستعارة ، فلعلّه لعدم إحراز السيرة فيها ، مع كونها نوع تضمين و انتقال للعين المستعارة إلى عهدة المستعير ، فيجب عليه حفظها و ردّها إلى مالكها ، كما دلّ عليه قوله تعالى: «إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها» و ليس الصبيّ قابلاً لذلك ؛ حيث لا ذمّة و لا عهدة له ، و لا غرم عليه ، و لا تكليف عليه بالردّ.و مجرّد إذن الوليّ لا يوجد فيه القابلية لذلك ، و لا يرفع عنه الحجر.و قد يتوهّم:أنّ عدم جواز إعارة الصبيّ ، ليس إلّا لأجل منعه و حجره عن التصرّف ، و عدم جواز أمره ، فإن كان إذن الوليّ رافعاً لهذا المنع ، فلا بدّ أن يرتفع به المانع في الاستعارة أيضاً ، فلا فرق بينهما ، كما أنّ منع الصبيّ عن الاستعارة ، إنّما هو لأجل حجره عن التصرّف في أمواله ، و لذلك لا يصحّ ضمانه ، و لا عهدة له ؛ حيث لا يقدر شرعاً على ردّ مثل العين المستعارة أو قيمتها عند الإتلاف أو التفريط ؛ نظراً إلى توقّف ذلك على التصرّف في أمواله ، و هو محجور عنه ، فإذن لا فرق في ملاك المنع بين الإعارة و الاستعارة.و يمكن الجواب عنه أوّلاً:بأنّ عمدة الفارق هو الشهرة المعتضدة بالسيرة.

ص: 174

(مسألة 4): يعتبر في كلّ من المستودع و المودع البلوغ و العقل ، فلا يصحّ استيداع الصبي و لا المجنون ، و كذا إيداعهما ؛ من غير فرق بين كون المال لهما أو لغيرهما من الكاملين(1)، بل لا يجوز وضع اليد على ما أودعاه ، و لو أخذه منهما ضمنه و لا يبرأ بردّه إليهما ، و إنّما يبرأ بإيصاله إلى وليّهما.

نعم لا بأس بأخذه إذا خيف هلاكه و تلفه في يدهما ، فيؤخذ بعنوان الحسبة في الحفظ، و لكن لا يصير بذلك وديعة و أمانة مالكيّة ، بل تكون أمانة شرعيّة ، يجب عليه حفظها و المبادرة إلى إيصالها إلى وليّهما أو إعلامه بكونها عنده ، تحرير الوسيلة 1:568 و ثانياً:بأنّ تضمين شيءٍ و جعله في العهدة و الذمّة ، أمر قبال التصرّف ؛ فإنّه كما يكون التصرّف و إنشاء المعاملة من مصاديق الأمر في قوله عليه السلام:«و لا يجوز أمره» فكذلك الضمان في العهدة و الذمّة و التعهّد بحفظ العين المستعارة و ردّها إلى المعير ، من مصاديقه ، بل هو أشدّ أهمّية و أعظم خطراً من التصرّف ، و لذا لا يقبل أهل العرف تضمين أيّ أحدٍ ، فعلى فرض رفع منع الصبيّ عن التصرّف في ماله بالإعارة بإذن الوليّ ، يمكن القول بعدم ارتفاع حجره عن التضمين و التعهّد المزبور بمجرّد إذن الوليّ ؛ إلّا بكفالة الوليّ لذلك ، و هو أمر آخر.

ايداع الصبيّ و استيداعُه

1-عمدة الدليل على عدم صحّة إيداع الصبيّ و استيداعه ، هي إطلاقات و عمومات منع الصبيّ عن مطلق التصرّفات و المعاملات ، و من المعاملات الوديعة ، و لا سيرة قبال هذه العمومات.بل عدم صحّة إيداع الصبيّ و استيداعه ، قد تسالم عليه الفقهاء ، بل ادّعى في «الجواهر» الإجماع عليه بقسميه.

ص: 175

و ليس عليه ضمان لو تلفت في يده(1).

تحرير الوسيلة 1:568

عدم جواز وضع اليد على ما أودعه الصبيّ

1-لعموم قوله صلى الله عليه و آله و سلم:«على اليد ما أخذت حتّى تؤدّيه» (1) ، و ما دلّ على ضمان اليد من بناء العقلاء ، مع عدم ردع الشارع ، بل إمضائه بمثل الحديث المزبور.و إنّما تبرأ ذمّة قابض الوديعة من الصبيّ بردّها إلى الوليّ ؛ لأنّ مصبّ بناء العقلاء و مفاد النصّ ، هو ردّ المال المأخوذ إلى صاحبه الشرعي ؛ و هو الوليّ في المقام.و وجه عدم البأس بأخذه بقصد الحفظ و الإيصال إلى صاحبه ، أنّه محسن ، و لا ضمان عليه ؛ لقوله تعالى: «ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ» كما قال في «المسالك» و «الجواهر».و أمّا لو خاف هلاك المال ، فالظاهر وجوب حفظه عليه بعنوان الحسبة لو كان المال كثيراً ؛ بحيث يقطع بعدم رضا الشارع بتلفه ، و لا ضمان لو تلف في يده حينئذٍ من غير تفريط ؛ لما قلنا.و لا يخفى:أنّ الأمانة المالكية هي الحاصلة من قبل نفس المالك، كما إذا أودع شخص ماله عند آخر ، و أمّا الأمانة الشرعية فهي الحاصلة بسبب حكم الشارع ، كما في أمر الشارع بحفظ المال الملتقط ، و المجهول المالك ، و إيصاله إلى صاحبه.

ص: 176


1- -مستدرك الوسائل 14:8 ، كتاب الوديعة ، الباب 1 ، الحديث 12؛ و17:88 ، كتاب الغصب ، الباب 1 ، الحديث 4.

(مسألة 5): لو أرسل شخص كامل مالاً-بواسطة الصبي أو المجنون- إلى شخص ليكون وديعة عنده ، و أخذه منه بهذا العنوان ، فالظاهر صيرورته وديعة عنده ؛ لكونهما بمنزلة الآلة للكامل(1).

(مسألة 6): لو أودع عند الصبي و المجنون مالاً لم يضمناه بالتلف ، بل بالإتلاف-أيضاً-إذا لم يكونا مميّزين ، و إن كانا مميّزين صالحين للاستئمان ، لا يبعد ضمانهما مع التلف مع تفريطهما في الحفظ ، فضلاً عن الإتلاف(2).

تحرير الوسيلة 1:568

إرسال الوديعة بواسطة الصبيّ

1-و ذلك لما سبق في بيع الصبيّ ؛ من جريان السيرة القطعية على جواز ما كان الصبيّ فيه بمنزلة الآلة من الأفعال و التصرّفات ، مع خروجه عن نطاق عمومات رفع القلم عنه و عدم جواز أمره ؛ لقصورها عن شمول مثل هذه الأفعال.

استيداع الصبيّ

2-إنّ الكلام في مقامين:المقام الأوّل:في عدم ضمان غير المميّز ، و استدلّ عليه بعدم تمشّي قصد منه بالإتلاف ، كما في الدابّة.و ردّه في «المسالك»:«بأنّ المقتضي فيه-و هو الإتلاف-موجود ، و المانع و هو عدم القصد ، غير صالح للمانعية ؛ لعدم دخل للقصد في الضمان ، كما في النائم ، و الغافل.و أمّا تسليط المالك فإنّما كان لأجل الحفظ ، لا الإتلاف.غاية الأمر أنّه جعل ماله في معرض الإتلاف ؛ بلحاظ عدم صلاحية الصبيّ

ص: 177

للحفظ ، و هذا غير كافٍ في سقوط الضمان عن الصبيّ لو باشره ، بخلاف ما لو ترك الحفظ».و لذا حكم في «المسالك» (1) بالضمان مطلقاً ؛ حتّى في غير المميّز.و قد وافقه في «الجواهر» (2) ، و حكم بالضمان «لكن مع مباشرته الإتلاف ، دون ما إذا كان التلف بإهماله ؛ و ذلك لاستناد الإتلاف إليه في الفرض الأوّل عرفاً ، لا إلى المالك ، بخلاف الفرض الثاني ، حيث يسند الإتلاف حينئذٍ عرفاً إلى كلّ من المالك بإيداعه ، و غير المميّز على حدّ سواء ؛ نظراً إلى عدم أقوائية أحد السببين من الآخر».و هذا التفصيل قد ذهب في «الشرائع» لكن في مطلق الصبيّ.و مقتضى التحقيق عدم ضمان غير المميّز ؛ لأنّه مسلوب العبارة و الفعل ، فإنّه في حكم الدابّة من جهة عدم ذمّةٍ له ، فلا يكون قابلاً للتضمين.و يساعده بناء العقلاء ، مع عدم ردع الشارع ، بل تساعده سيرة المتشرّعة.المقام الثاني:في ضمان المميّز ، و هو الأقوى فيما لو أتلف شيئاً بالتفريط ، كما هو المشهور.و لا يشمله عموم «رفع القلم عن الصبيّ» ، لكونه خلاف الامتنان بالنسبة إلى مالك المال المتلَف.و لا سيرة على خلافه ، بل إنّها تساعده.8.

ص: 178


1- -مسالك الأفهام 5:94.
2- -جواهر الكلام 27:118.

(مسألة 1):يشترط في كلّ من الضامن و المضمون له أن يكون بالغاً(1) .تحرير الوسيلة 2:25

ضمان الصبيّ ضمان الصبيّ

اشارة

1-يقع الكلام تارة:في الضمان المعاملي ، و اخرى:في غيره:أمّا الضمان المعاملي ، فهو المبحوث عنه في كتاب الضمان ، و هو المعقودة لأجله هذه المسألة ، و لا كلام في اعتبار بلوغ كلّ من الضامن و المضمون له ، كما في «المسالك» (1) ، و«الجواهر» (2) ؛ لأنّه عقد لازم يوجبه الضامن ، و يقبله المضمون له ، و قد ثبت أنّه لا يجوز أمر الصبيّ في شيءٍ من العقود و الإيقاعات ؛ و أنّه قد رفع عنه قلم التكليف و الوضع.و أمّا المضمون عنه فلا يعتبر فيه البلوغ ؛ لفرض عدم صدور تصرّف و أمر- من إيجاب أو قبول-منه ؛ لعدم اعتبار قبوله.و أمّا الضمان غير المعاملي ، فهو على أنحاء:

1-ضمان الصبيّ بالإتلاف

قسّم في «المبسوط» ما يتلف في يد الصبيّ إلى ثلاثة أضربٍ:الأوّل:ما يدفع باختياره ؛ و يسلّطه على هلاكه و إتلافه ، كما إذا باعه ، أو أقرضه ، أو وهبه ، فلا ضمان هنا على الصبيّ.الثاني:ما لم يسلّطه عليه ، و لم يختر هلاكه ، كما إذا أتلف الصبيّ مالَ رجل

ص: 179


1- -مسالك الأفهام 4:174.
2- -جواهر الكلام 26:114.

عدواناً ، فحكم حينئذٍ بتعلّق الضمان بذمّته في ماله ؛ معلّلاً:«بأنّ البالغ و الصبيّ سواء في باب إتلاف الأموال.و أمّا في الجناية على البدن فديته على عاقلته مطلقاً ؛ عمداً كان ، أو خطأً ؛ لأنّ عمد الصبيّ و خطأه سواء».الثالث:ما إذا دفع إليه باختياره ، و لم يسلّطه على الإتلاف ، كما إذا أودع عنده مالاً ، فتلف في يده ، فاحتمل فيه وجهين ، ثمّ قوّى عدم لزوم الضمان ، و هو الأقوى ؛ لأنّه باختياره سلّطه على إتلافه و هلاكه ، فأشبه ما لو باعه.هذا حاصل كلام الشيخ في «المبسوط» (1).بيان ذلك:أنّ وجه عدم الضمان في الصورة الاُولى ، أنّه لا يجوز أمر الصبيّ في شيء من العقود و الإيقاعات ، فالمعاملة غير مشروعة ، و قد أقدم صاحب المال عليها ، فهو في الحقيقة أسقط بذلك حرمة ماله ، و أقدم على هلاكه بتسليط الصبيّ على إتلافه.و أمّا وجه الضمان في الصورة الثانية ، فهو عموم قول النبي صلى الله عليه و آله:«على اليد ما أخذت حتّى تؤدّيه» (2) .و قوله عليه السلام:«لأنّ الغصب كلّه مردود» و قاعدة:«من أتلف مال الغير فهو له ضامن» حيث إنّه و إن تلف في يد الصبيّ ، إلّا أنّه -بلحاظ أخذه غصباً و عدواناً-يستند التلف إليه عرفاً ، فيدخل بذلك في عموم «من أتلف...» لأنّه يشمل البالغ و الصبيّ على السواء.و أمّا وجه عدم الضمان في الصورة الثالثة ، فهو أنّ منشأ إتلافه بيد الصبيّ ، هو أنّ المالك سلّطه على ماله باختياره ، فيشبه الصورة الاُولى.0.

ص: 180


1- -المبسوط 4:146.
2- -عوالي اللآلي 1:106/224 و3:3/251 ؛ مستدرك الوسائل 14:7 ، كتاب الوديعة ،الباب 1 ، الحديث 12 ؛ السنن الكبرى ، البيهقي 6:90.

و وجه الضمان عدم اختياره التسليط ، بل كان دفعه لغرض الحفظ.و المشهور في هذه الصورة الأخيرة ضمان الصبيّ بالإتلاف ، و قد صرّحوا بضمان الصبيّ في إتلافه الوديعة ، كما ذهب إليه في «السرائر» و «الشرائع» و «الإرشاد» و«التذكرة» و «التحرير» و «المسالك».و قد قيّد في «جامع المقاصد» و غيره ضمان الصبيّ بما إذا كان مميّزاً ؛ معلّلاً:

«بأنّ غير المميّز لا يتمشّى منه قصد الإتلاف ، فهو كالدابّة».و ردّه في «المسالك»: (1) «بأنّ المقتضي للضمان-و هو الإتلاف-موجود ، و المانع منه مفقود، و مجرّد عدم القصد لا يكون مانعاً عن الضمان؛ لعدم دخل للقصد في الضمان ، كما في النائم و الغافل.و غاية ما يمكن أن يقال في المقام:إنّ المودع عرّض ماله للإتلاف ، و أسقط حرمة ماله بإيداعه عند من لا أهلية له للحفظ شرعاً.و لكنّه غير كافٍ في سقوط الضمان عن الصبيّ إذا باشر الإتلاف ؛ لأنّه أقوى في السببية بالإتلاف من إيداع المالك ماله عنده ، و هذا بخلاف ما لو تلف المال بسبب إهمال الصبيّ» و لكن مع ذلك قوّى الضمان مطلقاً.و قد خالفه السيّد الإمام قدس سره و حكم بضمان الصبيّ المميّز إذا تلف المال عنده بإهماله ، فضلاً عن إتلافه ، دون غير المميّز.و قد أشكل صاحب «الجواهر» (2) على الشهيد الثاني بما حاصله:أنّ اليد بغير إذن شرعي ، من أسباب الضمان مطلقاً ؛ بلا فرق بين المكلّف و غيره ، فالمقتضي للضمان هو اليد ، دون الإتلاف خاصّة ، كما في «المسالك».و الفرق بين الصبيّ غير المميّز و بين الدابّة ، أنّ له ذمّة و ملكاً ، بخلاف الدابّة ، و أنّ الضمان حكم وضعي ، و لا8.

ص: 181


1- -مسالك الأفهام 5:94.
2- -جواهر الكلام 28:118.

فرق في أسباب الوضع بينه و بين الجنابة و الحدث ، و أنّ ملاك الضمان هو اليد بلا إذن شرعي ؛ إلّا أن يحصل من المالك مباشرة التلف ، أو سبب أقوى ممّا صدر من الصبيّ ، كما لو تلفت الوديعة بإهمال الصبيّ غير المميّز و تفريطه ، فإنّ إيداع المال عنده من قبل المالك ، أقوى في السببية للتلف من إهمال الصبيّ حينئذٍ ، و لذا قد يتوقّف في ضمانه بالإهمال حينئذٍ.هذا حاصل كلام صاحب «الجواهر» قدس سره.و لا يخفى:أنّه قدس سره مع إشكاله على صاحب «المسالك» في كيفية الاستدلال ، قد وافقه في أنّ الإتلاف إذا كان بمباشرة الصبيّ ، يوجب الضمان مطلقاً ؛ سواء كان مميّزاً، أم لا، فلا إشكال في ضمان الصبيّ مال الغير بإتلافه؛ مميّزاً كان، أو غير مميّز.و أمّا الدليل على ضمانه بالإتلاف ، فأمران:فأوّلاً:عموم قاعدة:«من أتلف مال الغير فهو له ضامن» كما استدلّ بها في «المسالك» و «جامع المقاصد» و أكثر الجوامع الفقهية ، فإنّها تشمل البالغ و الصبيّ و المميّز و غيره على السواء ؛ لعدم فرقٍ من جهة الحكم الوضعي بينهم ، و إنّ هذه القاعدة و إن لم تكن بلفظها روايةً ، إلّا أنّها مصطادة من عدّة نصوص واردة في الرهن ، و العارية ، و الوديعة ، و الإجارة ، و قد دلّت هذه النصوص على ضمان كلّ مالٍ كان عند الشخص بعنوان الرهن ، أو العارية ، أو الوديعة ، أو الاستئجار ؛ ليحفظه ، أو يصلحه ، أو ينتفع منه ، فأتلفه عن تفريط و تقصير.و هذه النصوص كثيرة بالغة حدّ التواتر المعنوي (1).و دعوى انصرافها إلى البالغ لا وجه لها ، بل التعليلات الواردة فيها آبية عن الاختصاص بالبالغين.و مجرّد ذكر الرجل في أسئلة بعض هذه النصوص ، لا يوجب هذا الانصراف.ف]

ص: 182


1- -راجع:مصباح الفقاهة 3:131 ؛ الكافي 5:234 و236 و241-242 ؛ الوافي 10:118.[المؤلّف]

و يدلّ على ذلك قول الصادق عليه السلام في موثّقة السكوني:«قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله:

من أخرج ميزاباً أو كنيفاً ، أو أوتد وتداً ، أو أوثق دابّةً ، أو حفر شيئاً في طريق المسلمين ، فأصاب شيئاً فعطب ، فهو له ضامن» (1).و قوله عليه السلام في صحيح الحلبي:«كلّ شيءٍ يضرّ بطريق المسلمين ، فصاحبه ضامن لما يصيبه» (2).و نظيره صحيح الكناني (3).فإنّ هذه النصوص صريحة في بيان الحكم الوضعي ، و تتمّ دلالتها على المطلوب بضميمة عدم القول بالفصل بين الطريق و غيره ، كما قال في «مفتاح الكرامة» (4).و ثانياً:ما دلّ على حرمة مال المسلم ؛ و أنّ حرمته كحرمة دمه ، فإنّه يقتضي عدم جواز إتلافه و غصبه ، و كذا يقتضي ضمان ماله عند الإتلاف ؛ و إن كان في دلالته على الضمان خفاء ، بل إشكال.و قد يتوهّم عدم شمول قاعدة الإتلاف للصبيّ ؛ استناداً إلى ما دلّ على أنّ «عمد الصبيّ خطأ» و ما دلّ على رفع قلم التكليف و الوضع عنه.و ردّ:بأن تنزيل عمد الصبيّ منزلة خطأه ، إنّما هو فيما يكون موضوعاً للأحكام ؛ بعنوان أنّه فعل اختياري صدر من الفاعل بالقصد و الإرادة ، لا في الأفعال التي هي بنفسها موضوع للحكم من غير دخل للقصد و العمد كالجنابة ، فإنّها توجب7.

ص: 183


1- -وسائل الشيعة 29:245 ، كتاب الديات ، أبواب موجبات الضمان ، الباب 11 ، الحديث 1.
2- -وسائل الشيعة 29:243 ، كتاب الديات ، أبواب موجبات الضمان ، الباب 9 ، الحديث 1.
3- -وسائل الشيعة 29:255 ، كتاب الديات ، أبواب موجبات الضمان ، الباب 18 ، الحديث 2.
4- -مفتاح الكرامة 6:7.

الغسل و إن تحقّقت حال النوم ، و كالأحداث الناقضة للطهارة ، و لا ريب أنّ إتلاف مال الغير من قبيل الثاني ؛ نظراً إلى عدم أخذ شيءٍ في موضوع قاعدة الإتلاف غير صدق الإتلاف.مع أنّ حديث تسوية عمد الصبيّ و خطأه ، إنّما ينظر إلى ما كان لعمده أثر ، دون الخطأ ، و من المعلوم عدم الفرق بين العمد و الخطأ في الإتلاف.و أمّا حديث رفع القلم ، فإنّما يرفع الحكم الإلزامي عن الصبيّ ، و لا ينافي ذلك توجّه الحكم الإلزامي إلى الصبيّ بعد زمان بلوغه ؛ بأن يتوجّه إليه ضمان الإتلاف حال الصبا من حين إتلافه المال ، و لكن يلزم بدفعه إلى صاحبه بعد البلوغ ، فإذا بلغ توجّه إليه التكليف الإلزامي بالخروج عن عهدة الضمان ، كما أنّ ثبوت نجاسة بوله و غائطه ، لا ينافي عدم تكليفه بالاجتناب ، و كذا ثبوت مالكيته للمال لا ينافي كونه محجوراً حال الصبا ، فيجوز تصرّفه بعد البلوغ.و اتّضح بذلك عدم الفرق في ضمان الإتلاف بين الصبيّ المميّز و غيره ؛ نظراً إلى دفع شبهة عدم تعلّق قصدٍ من غير المميّز بالإتلاف ؛ و عدم إمكان توجّه التكليف الإلزامي إليه ، و أنّه ليس مثل الدابّة ؛ نظراً إلى ثبوت الذمّة له بلحاظ بعد البلوغ ، كما قال في «المسالك» و «الجواهر» ، فالأقوى ضمان الصبيّ مطلقاً بالإتلاف ؛ مميّزاً كان ، أو غير مميّز ، و هذا بخلاف ضمان اليد و الغرور ؛ لوضوح توقّفهما على القصد و الالتفات ، كما سيتّضح في خلال بيان دليلهما.

2-ضمان الصبيّ بالتسبيب

و أمّا ضمان التسبيب ، فهو في الحقيقة من قبيل ضمان الإتلاف ، إلّا أنّه إتلاف بغير مباشرةٍ ، و يكفي في ثبوته قوّة السبب ؛ بحيث يستند الإتلاف إلى عامل السبب عرفاً ، فيدخل بذلك في عموم قاعدة الإتلاف.

ص: 184

3-ضمان الصبيّ باليد

وقع الكلام في ضمان الصبيّ باليد ، و منشأ الخلاف في ذلك شمول قول النبي صلى الله عليه و آله:«على اليد ما أخذت حتّى تؤدّيه» (1) ، فقد أشكل في «جامع المقاصد» و «المسالك» (2) على شموله للصبيّ ؛ بدعوى ظهور لفظة «على» في وجوب الدفع و التكليف بالردّ ، فيختصّ بالمكلّف ؛ و هو البالغ.و ردّه في «الجواهر»: (3) «بأنّ المقصود من «على» هو الإثبات في الذمّة مطلقاً ؛ سواء كان ثابتاً في ذمّة البالغ ، أو الصبيّ ، لا تقييد موضوع الضمان بما إذا كان مكلّفاً».و الحقّ مع صاحب «الجواهر» نظراً إلى ظهور لفظة «على» في الأعمّ من الوضع و التكليف ؛ أي مطلق الثبوت في الذمّة ، سواء كان الثابت هو التكليف ، مثل قوله تعالى: «وَ لِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ...» (4) ، أو الأعمّ منه و من الوضع ، كقوله صلى الله عليه و آله:«على اليد...» أو خصوص الوضع ، مثل قولك:«لي عليك عشرة دراهم» لوضوح عدم كون جعل التكليف من شأن العبد ، بل ليس له ذلك.و يمكن أن يقال:إنّ مدخول «على» إذا كان من الأفعال ، تفيد معنى الإيجاب و التكليف ، و إذا كان من الأموال تفيد معنى الإثبات في الذمّة ، و إنّما لازمه التكليف بالدفع ، فتدلّ الرواية على الأعمّ من اليد الأمانية و العادية.

ص: 185


1- -السنن الكبرى ، البيهقي 6:90 ؛ كنز العمّال 5:257.
2- -مسالك الأفهام 5:93.
3- -جواهر الكلام 27:117.
4- -آل عمران (3):97.

نعم ، عمدة الإشكال في سند هذه الرواية ؛ إذ لم تنقل جوامعنا الروائية ، بل نقلها العامّة بإسنادهم إلى سمرة بن جندب ، عن النبي صلى الله عليه و آله و ضعف حال سمرة معلوم لمن لاحظ ترجمته.و لكنّ الأصحاب تمسّكوا بهذه الرواية ، و قبلوا مضمونها ، فهي مقبولة.و ممّا يدلّ على ذلك النصوص الدالّة على وجوب ردّ المال المغصوب إلى صاحبه ، مثل قوله عليه السلام:«لأنّ الغصب كلّه مردود» (1) ، إذ لا إشكال في عدم اختصاص مدلول هذه النصوص بغصب البالغين ؛ و شموله للصبيّ ، إلّا أنّ مدلولها يختصّ باليد العادية.و الحاصل:أنّ الأقوى ثبوت ضمان اليد ، بل لا ينبغي الإشكال في ذلك ، و لكنّه في الصبيّ المميّز ؛ و ذلك لظهور «أخذت» في الأخذ الإرادي.

4-ضمان الصبيّ بالغرور

أمّا ضمان الغرور ، فإنّ عموماته-مثل:«المغرور يرجع إلى من غرّه» و بعض نصوص التدليس-شاملة للصبيّ ، و لا وجه لدعوى انصرافها إلى البالغين ؛ استناداً لما ورد فيها من التعليلات و العمومات ، كما قلنا في قاعدة الإتلاف.بل يمكن أن يقال:إنّ هذا النوع من الضمان ، من قبيل ضمان الإتلاف بالتسبيب ، إلّا أنّ السبب هنا هو الغرور ، بل يشمله تعليله عليه السلام:«فإنّك إنّما دفعته إليه ليصلحه ، و لم تدفعه إليه ليفسده» (2) ، فإنّ من دعاه غيره إلى طعام ، ثمّ أخبره بعد أكله أنّه كان من مال الآكل ، فقد غرّه ؛ لأنّ الآكل إنّما أكله مع علمه و قصده بأنّه من

ص: 186


1- -وسائل الشيعة 9:524 ، كتاب الخمس ، أبواب الأنفال ، الباب 1 ، الحديث 4.
2- -الكافي 5:7/242.

(مسألة 2):يشترط في كلّ من الموكّل و الوكيل البلوغ و العقل و القصد و الاختيار ، فلا يصحّ التوكيل و لا التوكّل من الصبيّ و المجنون و المكره.نعم لا يشترط البلوغ في الوكيل في مجرّد إجراء العقد على الأقرب ، فيصحّ توكيله فيه إذا كان مميّزاً مراعياً للشرائط(1).

(مسألة 5):لو جوّزنا للصبيّ بعض التصرّفات في ماله-كالوصيّة بالمعروف لمن بلغ عشر سنين-جاز له التوكيل فيما جاز له(2).

تحرير الوسيلة 2:37-38 مال الداعي ، لا مال نفسه ، فإنّه قد دفع ماله إلى الداعي ليحفظه ، لا لأن يطعمه بعنوان ملك نفسه ، فالداعي أفسد مال المدعوّ بذلك.و إن شئت فقل:إن الداعي أتلف مال الغير بسبب هذه الدعوة ؛ لأنّ الإتلاف و إن تحقّق بمباشرة الآكل ، إلّا أنّ الداعي هو الذي سبّب ذلك ؛ لأجل غروره الآكل بدعوته إلى طعام من مال نفسه.

توكيل الصبيّ و وكالته

1-لا إشكال و لا خلاف في أصل اشتراط البلوغ في كلّ من الموكّل و الوكيل.نعم ، يصحّ مجرّد إجراء عقد الوكالة من الصبيّ المميّز العارف بالصيغة ؛ لما سبق من عدم كونه مسلوب العبارة.

جواز توكيل الصبيّ فيما جازت وصيّته فيه

2-و الوجه في ذلك:أنّ المستفاد من دليل مشروعية التوكيل و الوكالة ، صحّة التوكيل في كلّ ما كان للموكّل الولاية و السلطنة عليه ؛ و جاز له فعله بالمباشرة ، و كذا صحّة الوكالة لمن جاز له فعل متعلّق الوكالة بالمباشرة ؛ ممّا يترتّب

ص: 187

(مسألة 1):يشترط في كلّ من الواهب و الموهوب له القابل:البلوغ(1) .تحرير الوسيلة 2:54 الغرض الشرعي أو العقلائي على استناد الفعل إلى شخص الموكّل ، دون ما ليس كذلك ، كالأُمور التوصّلية ، فكلّ فعل جاز فعله للموكّل و الوكيل بنفسه ، جاز فيه التوكيل و التوكّل.و كذلك الأمر في الصبيّ ؛ فكلّ ما جاز له فعله بنفسه مباشرة ، جاز له توكيله فيه و وكالته ؛ إلّا أن تعتبر المباشرة في الموكّل ، فلا يجوز فيه التوكيل ؛ و ذلك لأنّ دليل مشروعية التوكيل:إمّا هو بناء العقلاء مع إمضاء الشارع ، فالقدر المتيقّن من مصبّها ما قلناه.و إمّا هو النصوص ، و هي أيضاً تنصرف إلى ما ذكرناه ، مثل صحيح جابر بن يزيد ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال:«من وكّل رجلاً على إمضاء أمرٍ من الاُمور ، فالوكالة ثابتة أبداً حتّى يعلمه بالخروج منها ، كما أعلمه بالدخول فيها» (1).و إمّا هو مقتضى سلطته على فعله و تصرّفه بنفسه-لأنّ التوكيل أيضاً من شئونه-فالأمر أوضح حينئذٍ ، و عليه فكلّ ما ثبت فيه جواز أمر الصبيّ ، يجوز توكيله و وكالته ، و ذلك مثل الوصيّة بالمعروف لمن بلغ عشراً ، و كذا الصدقة ، كما قرّرنا في محلّه.

هبة الصبيّ

1-مقتضى التحقيق عدم جواز هبة الصبيّ من ماله ؛ و ذلك للعمومات الدالّة على عدم جواز مطلق تصرّفاته في أمواله ، و لا مخصّص لهذه العمومات.

ص: 188


1- -وسائل الشيعة 19:161 ، كتاب الوكالة ، الباب 1 ، الحديث 1.

و لم يخالف ذلك إلّا بعض الأصحاب من الخاصّة ، و بعض العامّة ، كما قال في «المسالك» (1) ؛ فمن الخاصّة خالف الشيخ في «النهاية» (2) ، و ابن البرّاج في «المهذّب» (3) ، حيث جوّزا هبة الصبيّ و صدقته إذا بلغ عشراً ، و من العامّة نسب إلى الشافعية في «التذكرة» (4).و لكنّه لا يمكن الالتزام به ؛ لأنّ منشأ القول به ، هو ما دلّ من النصوص على جواز صدقة الصبيّ البالغ عشراً ؛ إذا عقل ، و وضعها في موضعها ، و المذكور في هذه النصوص هو الصدقة ، و لا يمكن التعدّي منها إلى مثل الهبة و الهدية ؛ نظراً إلى احتمال دخل الفارق بينهما-و هو قصد القربة في الصدقة-في هذا الحكم ، و لذا قيّد في بعض النصوص بما إذا وضعها في موضعها ، فإنّ ذلك مانع من تضييع المال و إهداره.و لا فرق في ذلك بين إيجاب الهبة و قبولها ؛ فلا يصحّ قبوله و قبضه ، فمن أخذ ما قبضه الصبيّ هبةً و تصرّف فيه ، فهو ضامن.).

ص: 189


1- -مسالك الأفهام 6:12.
2- -النهاية:611.
3- -المهذّب 2:119.
4- -تذكرة الفقهاء 2:415 ، (ط-الحجرية).

(مسألة 3):يشترط في صحّة الهبة قبض الموهوب له و لو في غير مجلس العقد.و يشترط في صحّة القبض كونه بإذن الواهب على الأحوط.نعم لو وهب ما كان في يد الموهوب له صحّ ، و لا يحتاج إلى قبض جديد ، و لا مضيّ زمان يمكن فيه القبض.و كذا لو كان الواهب وليّاً على الموهوب له-كالأب و الجد للولد الصغير-و قد وهبه ما في يده صحّ ، و إن كان الأحوط أن يقصد القبض عنه بعد الهبة(1).

تحرير الوسيلة 2:55

قبض الصبيّ لهبة الوليّ

1-لو وهب الأب أو الجدّ للصبيّ ما في يدهما صحّ ، بل لزم بنفس العقد ؛ و ذلك لأنّ قبض الوليّ قبض عنه ، و لا خلاف في ذلك ، و لكنّه فيما إذا كان الموهوب في يد الواهب.و عبارة «الشرائع» خالية من التصريح بهذا القيد ، إلّا أنّه تركه اتّكالاً على عبارته السابقة.و من هنا قال في «المسالك»:«و إنّما ترك التصريح هنا بكون الموهوب تحت يده-مع أنّ هبته للولد ما هو ملكه ، أعمّ من كونه تحت يده و عدمه ، و الحكم مختصّ بما هو تحت يده-اتّكالاً على ما علم في المسألة السابقة ، و قد شبّه بها حكم اللاحقة تنبيهاً عليه بالتعليل».و الدليل على الاكتفاء بقبض الوليّ عن الولد الصغير و جواز هبته له ، عدّة نصوص معتبرة:منها:موثّق داود بن الحصين ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:الهبة و النحلة ما لم تقبض حتّى يموت صاحبها ، قال عليه السلام:«هو ميراث ، فإن كانت لصبيّ في حجره فأشهد عليه ، فهو جائز» (1).

ص: 190


1- -وسائل الشيعة 19:235 ، كتاب الهبات ، الباب 5 ، الحديث 2.

و لو وهبه غير الوليّ فلا بدّ من القبض ، و يتولّاه الوليّ(1) .تحرير الوسيلة 2:55 و منها:صحيح عبيد بن زرارة ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:أنّه قال في رجل تصدّق على ولدٍ له قد أدركوا ، قال عليه السلام:«إذا لم يقبضوا حتّى يموت فهو ميراث ، فإن تصدّق على من لم يدرك من ولده فهو جائز ؛ لأنّ الوالد هو الذي يلي أمره» (1).و منها:علي بن جعفر في كتابه ، عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السلام قال:سألته عن الصدقة إذا لم تقبض ، هل تجوز لصاحبها ؟ قال عليه السلام:«إذا كان أب تصدّق بها على ولد صغير فإنّها جائزة ؛ لأنّه يقبض لولده إذا كان صغيراً ، و إذا كان ولداً كبيراً فلا يجوز له حتّى يقبض...» (2).و غير ذلك من النصوص الصريحة في ذلك.و إنّما الكلام في اعتبار قصد القبض عن الطفل بعد الهبة ، و الأحوط اعتباره ، كما صرّح به السيّد الماتن قدس سره لتمحّض القبض عن الصبيّ بذلك ؛ ضرورة لحوق الاستدامة بالبداية ما لم يفصل بينهما بقصد القبض عن الصبيّ ، كما قال في «الجواهر» (3).

قبض الصبيّ لغير هبة الوليّ

يتوقّف جواز هبة غير الوليّ للصبيّ على قبض الوليّ عنه ؛ للاقتصار فيما خالف القاعدة على موضع النصّ.و يظهر من بعض الأعلام جواز قبض الصبيّ في مثل الهبات و العطيات ، و أنّه

ص: 191


1- -وسائل الشيعة 19:180 ، كتاب الوقف و الصدقات ، الباب 4 ، الحديث 5.
2- -وسائل الشيعة 19:236 ، كتاب الهبات ، الباب 4 ، الحديث 5.
3- -جواهر الكلام 28:173.

يفيد الملكية في الهبة و غيرها ؛ مستدلّاً بقيام السيرة على ذلك ، و بجملة من النصوص:منها:صحيح أبي بصير ، قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:الرجل يموت و يترك العيال ، أ يعطون من الزكاة ؟ قال:«نعم» (1).و منها:موثّق يونس بن يعقوب ، قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:عيال المسلمين ، اعطيهم من الزكاة ؛ فأشتري لهم منها ثياباً و طعاماً ؟ و أرى أنّ ذلك خير لهم ، قال:

فقال عليه السلام:«لا بأس» (2).و منها:ما عن يونس بن عبد الرحمن ، عن أبي الحسن عليه السلام قال:سألته عن رجل عليه كفّارة عشرة مساكين ، أ يعطي الصغار و الكبار سواء ، و الرجال و النساء ، أو يفضّل الكبار على الصغار ، و الرجال على النساء ؟ فقال عليه السلام:«كلّهم سواء» (3).و منها:خبر أبي خديجة ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«ذرّية الرجل المسلم إذا مات ، يعطون من الزكاة و الفطرة-كما كان يعطى أبوهم-حتّى يبلغوا» (4).و لكن لا يصلح شيء من هذه النصوص لإثبات المدّعى ؛ لورودها في صرف الزكاة و الكفّارة ، و هذا غير الهبة و العطية.مضافاً إلى عدم نظرها إلى قبض الصبيّ نفياً أو إثباتاً ، بل ينظر بعضها إلى أصل مشروعية إعطاء الزكاة لعيال الرجل المسلم الميّت الفقير ، و بعضها إلى لزوم6.

ص: 192


1- -الكافي 3:548.
2- -قرب الإسناد:24 ؛ وسائل الشيعة 9:227 ، كتاب الزكاة ، أبواب المستحقّين للزكاة ، الباب 7 ، الحديث 3.
3- -الوافي 7:96.
4- -الوافي 6:26.

(مسألة 8):يعتبر في المقرّ البلوغ و العقل و القصد و الاختيار ، فلا اعتبار بإقرار الصبيّ و المجنون و السكران ، و كذا الهازل و الساهي و الغافل و المكره.

نعم لا يبعد صحّة إقرار الصبيّ إن تعلّق بماله أن يفعله ، كالوصيّة بالمعروف ممّن له عشر سنين(1) .

تحرير الوسيلة 2:49-50رعاية الذكورة و الاُنوثة أو الصغر و الكبر في سهم الكفّارة المدفوع إليهم ، أو جواز التسوية بينهم بحسب ذلك.و مضافاً إلى ضعف سند بعضها.و مقتضى التحقيق:عدم جواز قبض الصبيّ للهبة و النحلة و العطية ، و قد سبق آنفاً في الهبة أنّه لا خلاف في ذلك بين الفقهاء ، و من هنا اعتبروا القبض عن الصبيّ فيما إذا وهبه غير الأب و الجدّ دونهما ؛ معلّلين «بأنّ قبض الوليّ قبض عن الصبيّ».كما سبق آنفاً ذكر عدّة نصوص معتبرة دلّت على هذا المضمون ، و لا إشكال في دلالة هذه النصوص على عدم الاعتبار بقبض الصبيّ ، بل صرّح بذلك في بعضها ، مثل ما رواه علي بن جعفر في كتابه ، عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السلام:«لأنّه يقبض لولده إذا كان صغيراً...».

إقرار الصبيّ

1-لا خلاف بين فقهائنا في عدم نفوذ إقرار الصبيّ مطلقاً ؛ سواء كان مراهقاً، أو لا ، و سواء كان مميّزاً ، أو لا ، بل و حتّى لو كان بإذن الوليّ ، خلافاً لبعض العامّة (1) ،

ص: 193


1- -راجع:المغني ، ابن قدامة 5:271-272 ؛ فتح القدير 7:301 ؛ الحاوي الكبير 7:4.

كما في «المسالك» (1) ، و «جامع المقاصد» (2) ، و «الجواهر» (3) ، و «مفتاح الكرامة» (4) ، و غير ذلك من الجوامع الفقهية.و عمدة الدليل على ذلك عمومات رفع قلم التكليف و الوضع عن الصبيّ في مطلق التصرّفات ؛ و عدم جواز أمره مطلقاً.نعم ، فيما يجوز أمره فيه و يصحّ له أن يفعله-كالوصيّة بالمعروف إذا بلغ عشراً-فالأقوى صحّة وصيّته ، كما صرّح به غير واحدٍ من فقهائنا ، و قد علّل ذلك بأمرين:أوّلهما:قاعدة «من ملك شيئاً ملك الإقرار به» حيث إنّ الصبيّ البالغ عشراً ، يملك الوصيّة بالمعروف ؛ نظراً إلى نفوذها منه شرعاً ، فلذا ينفذ و يصحّ إقراره بها.

و هذا التعليل مذكور في أكثر تعابير الأصحاب.و أشكل في «الجواهر»:«بأنّ هذه القاعدة إنّما تدلّ على أصل صحّة إقرار الصبيّ في مفروض الكلام ، و لكن ليس مقتضاها أكثر من نفوذ إقراره بما كان على نفسه ، لا بما كان على غيره ؛ حيث إنّ إقرار الصبيّ بالوصيّة ، ربّما يكون على غيره ؛ نظراً إلى دخول المال بذلك في ملك الموصى له بعد الموت ، و يمنع عن انتقاله إلى ملك الورثة ، و القاعدة المزبورة إنّما تنظر إلى أصل نفوذ الإقرار في المملوك شرعاً ، لكن بما كان على نفس المقرّ ؛ لأنّه مقتضى قول النبي صلى الله عليه و آله:«إقرار العقلاء على أنفسهم جائز» (5).3.

ص: 194


1- -مسالك الأفهام 11:89.
2- -جامع المقاصد 9:201.
3- -جواهر الكلام 35:103.
4- -مفتاح الكرامة 9:/226السطر 20.
5- -جواهر الكلام 35:103.

(مسألة 11):لو ادّعى الصبيّ البلوغ فإن ادّعاه بالإنبات اختبر ، و لا يثبت بمجرّد دعواه ، و كذا إن ادّعاه بالسنّ ، فإنّه يطالب بالبيّنة.و أمّا لو ادّعاه بالاحتلام في الحدّ الذي يمكن وقوعه ، فثبوته بقوله بلا يمين-بل معها-محلّ تأمّل و إشكال(1) .

تحرير الوسيلة 2:50 و الحقّ أنّ إشكاله وارد فيما كان على غيره ، لا على نفسه.ثانيهما:ما علّل به في «المسالك»:«و هو أنّ الإقرار بالوصيّة في معنى الوصيّة به».و هو متين ؛ لأنّ قوله مثلاً:«قد أوصيت بكذا و كذا» أو قوله:«إنّ وصيّتي ما أوصيت به في السنة الماضية» أو قوله:«نعم» في جواب من سأله مثلاً:«هل وصيّتك بهذا المضمون ؟» و نحو ذلك من التعابير ، يعدّ بنفسه وصيّة بنظر أهل العرف ، و يترتّب عليه حكم الوصيّة ؛ بلا فرق بين ما كان له ، أو عليه ، فهذا الاستدلال منه قدس سره متين جدّاً.

دعوى الصبيّ للبلوغ

1-قد أدرج هذه المسألة في «الشرائع» تحت عنوان «إقرار الصبيّ بالبلوغ» و عبّر عنها في «القواعد» ب «دعواه البلوغ» كما فعل السيّد الماتن ، و هو الأصحّ ، و صرّح به في «المسالك» (1) ، و«الجواهر» (2) ؛ و ذلك لوضوح عدم كون البلوغ بضرره في كثيرٍ من الموارد.و يشهد لذلك حكمهم بأنّه يطالب بالبينة في البلوغ بالسنّ ، كما

ص: 195


1- -مسالك الأفهام 11:99.
2- -جواهر الكلام 35:119.

صرّح به الفاضل ، و الشهيدان ، و الكركي ، و غيرهم ؛ و ذلك لإمكان الشهادة بذلك.

و هذا بخلاف الاحتلام ، حيث إنّه لا يعلم إلّا من قِبله.و على أيّ حال:فالمعروف قبول دعواه البلوغ بالاحتلام ؛ إذا كان في حدّ أمكن منه الاحتلام.و ردّه المحقّق الكركي بعدم دليلية مجرّد إمكان البلوغ ، قال:

«و ضعفه ظاهر ؛ لأنّ إمكان البلوغ غير كافٍ في صحّة أقوال الصبيّ و أفعاله» (1).و أمّا اليمين فلا تنفع ؛ لاختصاصها بالمنكر ، و لا دليل على اعتبارها في المقام.و من هنا تأمّل و أشكل فيه السيّد الماتن حتّى مع اليمين ، و كذا أشكل في «الجواهر» (2) لو لا الإجماع.و أمّا دعواه البلوغ بالإنبات ، فلا إشكال في عدم قبولها إلّا بالاختبار ، و ليس محلّ الإنبات من الآلة لكي يحرم النظر إليها.و على فرض كونه منها يجوز النظر عند الضرورة ، كما في الشهادة على الزنا.و قد بحثنا عن ذلك مفصّلاً في كتاب الستر و النظر من «دليل تحرير الوسيلة» فراجع.و أمّا لو ادّعى البلوغ إجمالاً ، فيشكل قبول دعواه بمجرّد ذلك ؛ حيث إنّه و إن احتمل أن يكون من أسبابه ، الاحتلام الذي يصدّق فيه ، كما وجّه بذلك قبول دعواه البلوغ إجمالاً ، و لكنّه غير وجيه ؛ حيث إنّ كون سبب البلوغ المدّعى هو الاحتلام ، غير معلوم لكي يصدّق فيه.مع ما عرفت من الإشكال في دعواه الاحتلام مفصّلاً ، فضلاً عن دعواه البلوغ مجملةً ، كما أشكل بذلك في «الجواهر» (3).9.

ص: 196


1- -جامع المقاصد 9:202.
2- -جواهر الكلام 35:118.
3- -جواهر الكلام 35:119.

(مسألة 12):يعتبر في الموصي:البلوغ و العقل و الاختيار و الرشد ، فلا تصحّ وصيّة الصبيّ.نعم الأقوى صحّة وصيّة البالغ عشراً إذا كانت في البرّ و المعروف ، كبناء المساجد و القناطر و وجوه الخيرات و المبرّات(1) .تحرير الوسيلة 2:91 و أمّا دعوى البلوغ من جانب الصبيّة، فقبولها أشكل بعد ما عرفت من الإشكال في دعوى البلوغ من الصبيّ.مضافاً إلى إمكان رجوع دعوى الحيض من الصبيّة ، إلى دعوى السنّ ؛ لعدم إمكان حيضها قبل سنّ البلوغ ، كما قال في «الدروس».هذا مع عدم إمكان تحصيل الإجماع فيها-لو فرض إمكانه في دعوى الصبيّ-لعدم تعرّض غالب الأصحاب لحكم دعوى البلوغ من الصبيّة ، كما أشار إليه في «الجواهر» (1).

حكم وصيّة الصبيّ

1-ذهب عدّة من الفقهاء إلى اعتبار البلوغ في نفوذ الوصيّة ؛ فقالوا بعدم نفوذ وصيّة غير البالغ و إن كان مميّزاً بلغ عشراً ، بلا فرق بين كون وصيّته في وجوه المعروف ، و بين غيرها.و قد نسب هذا القول في «مفتاح الكرامة» (2) إلى «السرائر» و«التحرير» و«الإيضاح» و«شرح الإرشاد» و«التبصرة» و «المسالك» و«الروضة».

و في «المختلف» و«المهذّب البارع» و«جامع المقاصد»:«أنّه الأحوط».و ذهب كثير من الفقهاء إلى جواز وصيّة البالغ عشراً في المعروف ، و نسبه في «الشرائع» إلى الأشهر.هذا بحسب الأقوال.

ص: 197


1- -جواهر الكلام 35:118.
2- -مفتاح الكرامة 9:388.

و الأقوى ما نسب إلى الأشهر من كفاية البلوغ عشراً في جواز وصيّة الصبيّ في وجوه المعروف ، و الدليل على ذلك نصوص كثيرة:منها:معتبرة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام-في حديث- قال:«إذا بلغ الغلام عشر سنين جازت وصيّته» (1).و منها:معتبرة زرارة ، عن أبي جعفر عليه السلام قال:«إذا أتى على الغلام عشر سنين ، فإنّه يجوز له في ماله ما أعتق أو تصدّق أو أوصى على حدّ معروف و حقّ ، فهو جائز» (2).و منها:معتبرة اخرى عن عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«إذا بلغ الصبيّ خمسة أشبار اكلت ذبيحته ، و إذا بلغ عشر سنين جازت وصيّته» (3).و منها:معتبرة أبي أيّوب ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:في الغلام ابن عشر سنين ، يوصي ؟ قال عليه السلام:«إذا أصاب موضع الوصيّة جازت» (4).و منها:معتبرة منصور بن حازم ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:سألته عن وصيّة الغلام ، هل تجوز ؟ قال:«إذا كان ابن عشر سنين جازت وصيّته» (5).إلى غير ذلك من النصوص المعتبرة البالغة حدّ الاستفاضة ، و هي صريحة في نفوذ وصيّة الصبيّ إذا بلغ عشر سنين.7.

ص: 198


1- -وسائل الشيعة 19:362 ، كتاب الوصايا ، الباب 44 ، الحديث 3.
2- -وسائل الشيعة 19:362 ، كتاب الوصايا ، الباب 44 ، الحديث 4.
3- -وسائل الشيعة 19:362 ، كتاب الوصايا ، الباب 44 ، الحديث 5.
4- -وسائل الشيعة 19:363 ، كتاب الوصايا ، الباب 44 ، الحديث 6.
5- -وسائل الشيعة 19:363 ، كتاب الوصايا ، الباب 44 ، الحديث 7.

و قد ورد في المقام بعض النصوص ، دلّ بظاهره على اعتبار العقل في جواز وصيّة الصبيّ ، مثل معتبرة جميل بن درّاج ، عن أحدهما عليهما السلام قال:«يجوز طلاق الغلام-إذا كان قد عقل-و صدقته و وصيّته و إن لم يحتلم» (1) ، فقد يقال بمعارضة هذه المعتبرة لما دلّ على اعتبار البلوغ عشراً في جواز الوصيّة ، فلا مناص حينئذٍ من العمل بالشرطين كليهما ؛ و هما العقل ، و البلوغ عشراً.و ردّ ذلك:بأنّ اعتبار العقل في نفوذ الوصيّة ، أمر مسلّم حتّى في البالغ ، فضلاً عن الصبيّ الذي لم يبلغ الحلم ، فلا تنافي في المقام بين الشرطين.نعم ، هذه المعتبرة مطلقة من جهة شمولها لغير البالغ عشراً ، حيث دلّت على جواز وصيّة الصبيّ بمجرّد العقل و التمييز و إن لم يبلغ عشراً ، و مقتضى القاعدة حينئذٍ تقييد إطلاقها بما دلّ على اعتبار البلوغ عشراً ، فيحكم بعدم نفوذ وصيّة الصبيّ المميّز العاقل ما دام لم يبلغ عشراً.ثمّ إنّه قد ورد بعض النصوص ممّا قد يستفاد معارضته لنصوص المقام ، فلا بدّ من البحث عنه لتتّضح حقيقة الحال:منها:ما دلّ على نفوذ وصيّة الصبيّ إذا بلغ ثماني سنين ؛ و هو ما رواه الشيخ ، بإسناده عن علي بن الحسن بن فضّال ، عن العبدي ، عن الحسن بن راشد ، عن العسكري عليه السلام قال:«إذا بلغ الغلام ثماني سنين فجائز أمره في ماله ، و قد وجب عليه الفرائض و الحدود ، و إذا تمّ للجارية سبع سنين فكذلك» (2).هذه الرواية تشمل الوصيّة بإطلاقها ، فقد يتوهّم:أنّها تعارض بمنطوقها4.

ص: 199


1- -وسائل الشيعة 19:212 ، كتاب الوقوف و الصدقات ، الباب 15 ، الحديث 2.
2- -وسائل الشيعة 19:212 ، كتاب الوقوف و الصدقات ، الباب 15 ، الحديث 4.

مفهوم نصوص المقام الدالّ على عدم جواز وصيّة الصبيّ ما لم يبلغ عشراً.و لكنّها لا تصلح للمعارضة ؛ و ذلك:أوّلاً:لوقوع العبدي في سندها ، و هو مجهول لم يذكر اسمه في الرجال.نعم ، يحتمل كون الصحيح لفظ «العبيدي» الذي هو محمّد بن عيسى بن عبيد ؛ بقرينة رواية علي بن الحسن بن فضّال عنه ، و روايته عن الحسن بن راشد كثيراً ، و عليه فتكون الرواية معتبرة ؛ لوثاقة العبيدي على الأقوى.و قد بحثنا عن حاله في بعض المباحث السابقة من مباحث «دليل تحرير الوسيلة» (1).إلّا أنّ الموجود في جميع النسخ هو «العبدي» لا «العبيدي» فهذه الرواية ضعيفة سنداً.و ثانياً:أنّها -مع غضّ النظر عن ضعف سندها-لا تصلح للمعارضة أيضاً ؛ لأنّ مدلولها المطابقي ، هو نفوذ جميع تصرّفات الصبيّ و نفوذ أمره مطلقاً بمجرّد بلوغه ثماني سنين ، و هي بهذا المضمون تخالف أيضاً جميع ما دلّ من النصوص المتواترة على رفع القلم عن الصبيّ ؛ و كونه محجوراً عليه ، فلا مناص من طرح هذه الصحيحة ؛ و رفع اليد عنها.و منها:صحيحة أبي بصير ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«أنّه إذا بلغ الغلام عشر سنين و أوصى بثلث ماله في حقّ ، جازت وصيّته ، و إذا كان ابن سبع سنين فأوصى من ماله باليسير في حقّ ، جازت وصيّته» (2).فقد يتوهّم:أنّها تنافي سائر نصوص المقام الدالّة على جواز وصيّة الصبيّ2.

ص: 200


1- -دليل تحرير الوسيلة ، كتاب إحياء الموات و اللقطة:237.
2- -وسائل الشيعة 19:361 ، كتاب الوصايا ، الباب 44 ، الحديث 2.

البالغ عشراً ، حيث تضمّنت التفصيل بين الغلام البالغ عشراً ؛ فتنفذ وصيّته في ثلث ماله إذا كان في حقّ مطلقاً ، سواء كان متعلّق وصيّته يسيراً ، أو كثيراً ، و بين البالغ سبع سنين ، فتنفذ وصيّته في ماله اليسير فقط.و لكنّه في غير محلّه ؛ لأنّ الوصيّة في الزائد عن الثلث أو في غير الحقّ -بمعنى الباطل غير المشروع-لا تنفذ حتّى من البالغ ، و عليه فالنصوص الدالّة على نفوذ وصيّة البالغ عشراً ، لم تدلّ على غير ما دلّت عليه هذه الصحيحة في الصبيّ البالغ عشراً.و أمّا في البالغ سبع سنين ، فمدلولها خارج عن نطاق تلك النصوص ؛ من دون منافاة بينهما ، فحينئذٍ إن لم يكن إجماع على خلاف مضمون هذه الفقرة ، يؤخذ بها ، و إلّا فلا مناص من رفع اليد عنها و ردّ علمها إلى أهلها.و منها:صحيحة محمّد بن مسلم ، قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول:«إنّ الغلام إذا حضره الموت فأوصى و لم يدرك ، جازت وصيّته لذوي الأرحام ، و لم تجز للغرباء» (1).فإنّ التفصيل المدلول عليه في هذه الصحيحة ، ينافي إطلاق النصوص الدالّة على نفوذ وصيّة البالغ عشراً ، فحينئذٍ نقول:إن تمّ إجماع على نفي هذا التفصيل ، فلا مناص من طرح هذه الصحيحة ، و إلّا تقع المعارضة بينها و بين تلك النصوص ، كما يظهر ممّا نقله في «مفتاح الكرامة» (2) عن «التذكرة» من قول بعض بهذا التفصيل ؛ و أنّه ظاهر الصدوق ، حيث نقل هذه الرواية هنا في مقام الإفتاء ، و ظاهره كون رأيه9.

ص: 201


1- -وسائل الشيعة 19:361 ، كتاب الوصايا ، الباب 44 ، الحديث 1.
2- -مفتاح الكرامة 9:389.

على وفق مضمونها ، و عليه فدعوى الإجماع على خلاف هذا التفصيل مشكلة ، و بناءً على ذلك فلا بدّ من العمل بمقتضى الصناعة ؛ و هو تقييد إطلاق النصوص الدالّة على نفوذ وصيّة الصبيّ البالغ عشراً ؛ بما إذا كانت وصيّته لذوي الأرحام.بيان ذلك:أنّ النسبة بين مدلول هذه الصحيحة و مدلول نصوص المقام ، هي العموم و الخصوص من وجه ؛ فهذه دلّت على عدم جواز وصيّة البالغ عشراً لغير ذوي الأرحام ، و تلك النصوص دلّت على جوازها ، كما أنّ في وصيّة غير البالغ عشراً لذوي الأرحام ، دلّت هذه على نفوذها بمجرّد الإدراك و التمييز ، و تلك النصوص دلّت على عدم نفوذها ، و عليه فتسقط الطائفتان في هذين الموردين اللذين هما مورد افتراقهما ، و أمّا في مورد الاجتماع-و هو وصيّة البالغ عشراً لذوي الأرحام-فيؤخذ بمدلول كليهما بلا محذورٍ ؛ و يحكم بنفوذ وصيّته ، نظراً إلى حصول كلا القيدين ، و دلالتهما معاً على نفوذ الوصيّة حينئذٍ ، و بناءً على ذلك فالأقوى في المقام جواز وصيّة الصبيّ البالغ عشراً لخصوص ذوي الأرحام ، دون الغرباء.و لكنّ الالتزام بذلك ، فرع عدم إعراض المشهور عن مدلول هذه الصحيحة ، فعلى فرض تعرّض المشهور لهذا الفرع و مخالفتهم لمدلول هذه الصحيحة ، فلا مناص من رفع اليد عن مدلولها ؛ لوهن سندها بذلك ، فلا بدّ حينئذٍ من الالتزام بنفوذ وصيّة الصبيّ البالغ عشراً مطلقاً ، كما قلنا في كتاب الوصيّة.و لكنّه فرع تعرّضهم لهذه المسألة ، و نفيهم لهذا التفصيل بعيد ، مع أنّا لا نسلّم كبرى وهن سند الخبر بإعراض المشهور ، كما أثبتنا ذلك في كتاب «مقياس الرواية في علم الدراية».فالأحوط وجوباً نفوذ وصيّة الصبيّ البالغ عشراً لخصوص ذوي الأرحام ، دون الغرباء.

ص: 202

(مسألة 38):يجوز للموصي أن يعيّن شخصاً لتنجيز وصاياه و تنفيذها فيتعيّن ، و يقال له:الموصى إليه و الوصيّ.و يُشترط فيه:البلوغ و العقل و الإسلام ، فلا تصحّ وصاية الصغير(1) .تحرير الوسيلة 2:97

جعل الصغير وصيّاً

1-لا خلاف في عدم جواز وصاية الصغير ؛ أي جعله وصيّاً ، كما صرّح بنفي الخلاف فيه في «الجواهر» (1) ، و الوجه فيه واضح ؛ نظراً إلى ما دلّ من النصوص على «رفع القلم عن الصبيّ» فإنّه مسلوب الاعتبار شرعاً في أقواله و أفعاله ، و عليه فكيف يمكن أن يعطى إليه الولاية على أموال الميّت ، بل على أولاده ؟! بل لا يعقل ولاية الصبيّ غير المميّز على ذلك ، كما هو واضح.مضافاً إلى دلالة قول أبي الحسن الكاظم عليه السلام-في حسنة ابن يقطين-:«فإذا بلغ الصبيّ...فإنّ له أن يردّه إلى ما أوصى به الميّت» (2) ، على ذلك بالخصوص ؛ نظراً إلى دلالته على عدم الولاية للصبيّ الوصيّ قبل بلوغه.نعم ، ورد في صحيح زياد بن أبي الحلال ، قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله:هل أوصى إلى الحسن و الحسين مع أمير المؤمنين عليهم السلام ؟ قال:«نعم» قلت:و هما في ذلك السنّ ؟ قال عليه السلام:«نعم ، و لا يكون لغيرهما في أقلّ من خمس سنين» (3).

ص: 203


1- -جواهر الكلام 28:401.
2- -وسائل الشيعة 19:375 ، كتاب الوصايا ، الباب 50 ، الحديث 2.
3- -وسائل الشيعة 19:376 ، كتاب الوصايا ، الباب 50 ، الحديث 3.

فقد يتوهّم دلالة قوله عليه السلام:«نعم ، و لا يكون لغيرهما في أقلّ من خمس سنين» على جواز الوصاية إلى الصبيّ البالغ خمس سنين.و لعلّه إشارة إلى كفاية التمييز في الوصاية ، و نفي اعتبار البلوغ.و قد يؤيّد ذلك بأنّه أمر معقول عند العقلاء ؛ لكفاية التمييز عندهم في ذلك.و لكن يردّه:أنّ مورد السؤال في هذه الصحيحة ، هو الإيصاء إلى الحسنين منضمّين إلى أمير المؤمنين عليهم السلام و عليه فيكون مفاد القول المزبور ، نفي جواز وصاية الصبيّ منضمّاً إلى البالغ إذا كان أقلّ من خمس سنين ، لا وصايته منفرداً.و سيأتي أنّ الأصحاب أعرضوا عن مفاد هذا الحديث.هذا مضافاً إلى دلالة حسنة ابن يقطين المذكورة آنفاً ، على عدم ثبوت أحكام الوصيّ في حقّ غير البالغ شرعاً.مع أنّ اشتراط البلوغ في الوصيّ ، مورد اتّفاق الأصحاب و تسالمهم.

ص: 204

(مسألة 39):إنّما لا تصحّ وصاية الصغير منفرداً ، و أمّا منضمّاً إلى الكامل فلا بأس به ، فيستقلّ الكامل بالتصرّف إلى زمان بلوغه ، فإذا بلغ شاركه من حينه ، و ليس له الاعتراض فيما أمضاه الكامل سابقاً ، إلّا ما كان على خلاف ما أوصى به الميّت ، فيردّه إلى ما أوصى به(1) .تحرير الوسيلة 2:97-98

جواز وصاية الصبيّ منضمّاً إلى البالغ

1-لا كلام في أصل جواز الوصاية إلى الصبيّ منضمّاً إلى البالغ الكبير ، كما قال في «الحدائق» (1) ، و«الجواهر» (2) ، و فائدته كما قال في «المسالك» (3):«تأثير نصبه وصيّاً في حال الصبا ، في جواز تصرّفه بعد البلوغ ؛ بردّ ما عمل به الكبير إلى ما أوصى به الميّت ، لو كان فيه تغيير ، أو تبديل» كما صرّح بذلك في حسنة علي بن يقطين ، قال:سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل أوصى إلى امرأة ، و شرّك في الوصيّة معها صبيّاً ، فقال عليه السلام:«يجوز ذلك ، و تُمضي الامرأة الوصيّة ، و لا تنتظر بلوغ الصبيّ ، فإذا بلغ الصبيّ فليس له أن لا يرضى ؛ إلّا ما كان من تبديل أو تغيير ، فإنّ له أن يردّه إلى ما أوصى به الميّت» (4).و وجه التعبير عنها ب «الحسنة» وقوع جعفر بن عيسى بن عبيد في طريقها ؛ لأنّه إمامي ممدوح ، حيث لم يرد فيه توثيق صريح ، إلّا أنّ الكشّي روى في

ص: 205


1- -الحدائق الناضرة 22:564.
2- -جواهر الكلام 28:402.
3- -مسالك الأفهام 6:245.
4- -وسائل الشيعة 19:375 ، كتاب الوصايا ، الباب 50 ، الحديث 2.

الصحيح ما يدلّ على مدحه ، و كذا العلّامة.و أمّا أخوه محمّد بن عيسى بن عبيد ، فالأقوى وثاقته ، و قد بحثنا عن حاله في بعض مجلّدات «دليل تحرير الوسيلة» مفصّلاً.و أمّا دلالتها على المطلوب فواضحة.و يدلّ على ذلك أيضاً صحيح الصفّار ، قال:كتبت إلى أبي محمّد عليه السلام:رجل أوصى إلى ولده ، و فيهم كبار قد أدركوا ، و فيهم صغار ، أ يجوز للكبار أن يُنفذوا وصيّته ؛ و يقضوا دينه لمن صحّ على الميّت بشهود عدول قبل أن يدرك الأوصياء الصغار ؟ فوقّع عليه السلام:«نعم ، على الأكابر من الولد أن يقضوا دين أبيهم ، و لا يحبسوه بذلك» (1).و في «الجواهر» (2):«أنّ الأصحاب قد أفتوا بمضمون هذين الخبرين ؛ على وجهٍ لا يعرف بينهم خلاف في ذلك».و لا يخفى:أنّ انضمام الصبيّ إلى البالغ ، لا يمنع من استقلال البالغ الكبير بالوصيّة حال صبا الصبيّ ؛ لفرض عدم تأثير لذلك ، كما قال في «المسالك»:«إنّه» أي الكبير «وصيّ في تلك الحال» أي حال صبا الصبيّ «و إنّما التشريك معه بعد البلوغ ، كما لو قال:أنت وصيّي ، و إذا حضر فلان فهو شريكك ، و من ثمّ لم يكن للحاكم أن يداخله ، و لا أن يضمّ إليه آخر ليكون نائباً عن الصغير».ثمّ إنّ هذا كلّه لا كلام فيه ، و إنّما الكلام في أمرين:الأمر الأوّل:أنّ الوصيّة إلى الصبيّ منضمّاً إلى البالغ ، هل هي خلاف الأصل ، أو تكون على وفقه ؟1.

ص: 206


1- -وسائل الشيعة 19:375 ، كتاب الوصايا ، الباب 50 ، الحديث 1.
2- -جواهر الكلام 28:401.

ذهب في «المسالك» إلى كونها خلاف الأصل «لعدم كون الصبيّ أهلاً للولاية ، و لذا لا بدّ من الاقتصار على مورد النصّ في مخالفة القاعدة» و فرّع على ذلك:«أنّه لا يلزم من ذلك ، صحّة الوصيّة إلى الصبيّ مستقلّاً ، مع اشتراط البلوغ في تصرّفه ؛ و إن كان الملاك فيهما واحداً ، و لكن مع ذلك لا يجوز التسرية إليه ؛ وقوفاً فيما خالف الأصل على موضع النصّ» (1).و أشكل عليه في «الجواهر»:«بأنّ مقتضى الأصل ، جواز نصب الصبيّ وصيّاً بتعليقه على بلوغه رشيداً ؛ لكونه موافقاً للعمومات ، و أنّ الوصاية-كالإمارة-لا يقدح فيها التعليق ، و قد ورد في الإمارة عن النبي صلى الله عليه و آله ما يتضمّن التعليق ؛ و هو قوله صلى الله عليه و آله:«الأمير زيد ، فإن قُتل فجعفر ، فإن قُتل فعبد اللّه بن رَوَاحَة» (2).و من هنا جازت الوصيّة إلى المجنون الأدواري و جاز الإيصاء إلى زيد ، فإن مات فإلى عمرو و إلى ولده إن بلغ رشيداً ، كما نصّ عليه في «القواعد» و «الدروس» و عليه فالانضمام المزبور على وفق الأصل ، لا على خلافه» (3).و قد استنتج قدس سره من ذلك:أنّه لا مانع من الوصاية إلى الصبيّ مستقلّاً معلّقاً على بلوغه رشيداً.و الحقّ في المقام مع صاحب «الجواهر» و ذلك مضافاً إلى ما أشار إليه من الوجه:أوّلاً:لإشراب التعليق-على موت الموصي-في ماهية الوصيّة.و ثانياً:لما دلّ من النصوص على وصاية فاطمة عليها السلام و موسى بن جعفر عليهما السلام2.

ص: 207


1- -مسالك الأفهام 6:246.
2- -المغازي ، واقدي 2:756.
3- -جواهر الكلام 28:402.

معلّقة ؛ ففي صحيح أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه السلام-في حديث وصيّة فاطمة- «...هذا ما أوصت به فاطمة عليها السلام بنت محمّد صلى الله عليه و آله...إلى علي بن أبي طالب ، فإن مضى علي فإلى الحسن ، فإن مضى الحسن فإلى الحسين ، فإن مضى الحسين فإلى الأكبر من ولدي...» (1).و في صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج قال:أوصى أبو الحسن عليه السلام بهذه الصدقة:«هذا ما تصدّق به موسى بن جعفر عليه السلام...و جعل صدقته هذه إلى علي و إبراهيم ، فإذا انقرض أحدهما دخل القاسم مع الباقي ، فإذا انقرض أحدهما دخل إسماعيل...» (2).الأمر الثاني:أنّه لا فرق بين تمييز الصبيّ-المنضمّ إلى البالغ-و بين عدم كونه مميّزاً ، و لا بين بلوغه خمس سنين و عدمه.و أمّا صحيح زياد بن أبي الحلال المتقدّم آنفاً ، فأعرض الأصحاب عن العمل بمدلوله ، كما صرّح بذلك في «الجواهر» و«الحدائق» (3).و لكن إعراض الأصحاب ، لا نسلّم كونه قادحاً في سند الخبر الصحيح.

مضافاً إلى معلومية وجه إعراضهم ؛ و هو دلالة بعض النصوص-مثل حسنة علي بن يقطين-على الجواز.نعم ، مقتضى القاعدة رفع اليد عن ظهوره بصراحة حسنة علي بن يقطين معتضدة بفتوى الأصحاب ، فلا بدّ من حمل ظاهره على الكراهة.و أمّا النقاش في دلالته باحتمال كون المقصود وصيّة الحسنين عليهما السلام بالصبر على ما يرد عليهما من المصائب-كما قال في «الحدائق»-فغير وجيه ؛ لعدم قرينة على5.

ص: 208


1- -وسائل الشيعة 19:198 ، كتاب الوقوف و الصدقات ، الباب 10 ، الحديث 1.
2- -وسائل الشيعة 19:202 ، كتاب الوقوف و الصدقات ، الباب 10 ، الحديث 5.
3- -جواهر الكلام 28:404 ؛ الحدائق الناضرة 22:565.

و لو مات الصغير أو بلغ فاسد العقل كان للكامل الانفراد بالوصاية(1) .تحرير الوسيلة 2:98 ذلك، بل الظاهر من نفي جواز الإيصاء إلى غير الحسنين عليهما السلام إذا كان أقلّ من الخمس و لو منضمّاً إلى البالغ ، كون المقصود هو الوصاية المعهودة التي هي محلّ الكلام. 1-كما قال في «الشرائع» و«الجواهر» و«الحدائق» بل هو المشهور ، و قد عُلّل ذلك بأمرين:فأوّلاً:«بأنّ للميّت وصياً مستقلّاً حينئذٍ من دون شريك ؛ لفرض موت الصبيّ قبل البلوغ الذي هو شرط صحّة نصبه وصياً ، و كذا الكمال ، و عليه فلا يشاركه أحد في وصايته.و على فرض الشكّ يستصحب استقلاله الثابت سابقاً ؛ حيث إنّه لم يحدث ما يزيله».و ثانياً:«بأنّ أقصاه كونه من قبيل الوصيّة إلى اثنين مات أحدهما ، و المشهور بين الأصحاب استقلال الباقي منهما بلا انضمام الحاكم ، فكذلك في المقام».و لكن تردّد العلّامة في «التذكرة» و الشهيد في «الدروس» بل رجّح بطلان استقلاله و مداخلة الحاكم في «الرياض» و«المسالك» نظراً إلى أنّ الموصي إنّما فوّض الاستقلال إلى البالغ ، إلى زمان بلوغ الصبيّ ، فكأنّه جعله مستقلّاً إلى مدّة مخصوصة ، لا مطلقاً ، فإذا انتهى أمد هذه المدّة ، ينتفي الاستقلال.و مقتضى التحقيق هو الأوّل ، وفاقاً لما ذهب إليه في «الشرائع» و«الجواهر» و«الحدائق» بل المشهور ، و الوجه في ذلك ظهور إنشاء الوصاية ، في اعتبار الانضمام عند إمكانه ببقاء الصبيّ و بلوغه رشيداً ، و انصرافها عن صورة موته أو بلوغه مجنوناً ؛ لعدم قابليته للوصاية حينئذٍ.

ص: 209

ثمّ إنّ في «الجواهر» (1) ، نقل عن «الرياض» القطع ببطلان الوصاية فيما إذا بلغ الصبيّ رشيداً ، ثمّ مات بعده و لو بلحظة ؛ لانقطاع استصحاب استقلال الأوّل حينئذٍ بلا خلاف ، و تبدّله باستصحاب عدم الاستقلال.و تبعه في «المسالك».و قد أجاب عنهما في «الجواهر»:«بأنّ أقصاه صيرورة الوصيّة إلى اثنين كاملين ، ثمّ مات أحدهما ، و أنّ المشهور بين الأصحاب استقلال الباقي ، و أنّه لا يضمّ إليه الحاكم».ثمّ لا يخفى:أنّه لا خصوصية لبلوغه فاسد العقل ، بل لو بلغ كافراً أو فاسقاً و فاقداً للوثاقة ، فللكامل الانفراد بها أيضاً ، حيث إنّ الملاك في انفراد الكامل ، عدم أهلية الصبيّ للولاية ، فإذا بلغ فاقداً للأهلية ، يبقى انفراد الكامل على حاله ، فالأصحّ أن يكون المتن:«أو بلغ فاقد الأهلية للوصاية ، كان للكامل الانفراد بها» و هذا موافق للقواعد و ما عليه المشهور.بل إنّ أمد استقلال الكامل في قصد الموصي و ارتكاز ذهنه ، هو حدوث أهلية الصبيّ للوصاية بتحقّق بلوغه.بقي الكلام في مورد تعرّض إليه صاحب «الجواهر» (2) ؛ و هو ما إذا مات الكبير قبل بلوغ الصغير ، ففي بطلان الوصاية و عدمه وجهان:أمّا وجه البطلان و لو بعد بلوغ الصبيّ ، فهو اعتبار الانضمام في صحّة الوصاية ابتداءً و استدامة ، و المفروض انتفاء الانضمام من كلتا الجهتين.و أمّا وجه الصحّة فأمران:فأوّلاً:ظهور كلام الوصيّ في اعتبار الانضمام في صورة إمكانه عادةً ، و كفاية الانفراد عند عدمه ، كما هو المفروض.5.

ص: 210


1- -جواهر الكلام 28:424.
2- -جواهر الكلام 28:405.

(مسألة 2):يشترط في الناذر:البلوغ و العقل و الاختيار و القصد و انتفاء الحجر في متعلّق نذره ، فلا ينعقد نذر الصبيّ و إن كان مميّزاً و بلغ عشراً(1) .تحرير الوسيلة 2:111و ثانياً:استصحاب الصحّة المتيقّنة حال حياة الكبير على فرض الشكّ.و قد قوّى الصحّة في «الجواهر» (1) ؛ لبنائه على صحّة وصاية الصبيّ معلّقة على بلوغه ، فإنّ غاية ما يلزم من الالتزام بالصحّة في مفروض الكلام ، كونه من هذا القبيل.و الأقوى ما ذهب إليه في «الجواهر» لما أشرنا إليه من الوجه خلال البحث ، و لا سيّما ظهور كلام الموصي في الانضمام عند إمكانه ؛ إلّا أن يصرّح بعدم رضاه بالانفراد على أيّ حالٍ ، و هو أمر آخر.

نذر الصبيّ و عهده

1-لا خلاف في عدم جواز نذر الصبيّ و إن بلغ عشراً مميّزاً ، بل و لو كان متعلّق نذره صدقةً ، أو وقفاً ؛ فإنّ جواز صدقته قد ثبت بدلالة النصوص المعتبرة الصريحة في جوازها منه ، و هي غير الصدقة ؛ للفرق الواضح بينما إذا تصدّق بماله ، و بين ما إذا كان التصدّق متعلّق نذره ، فيجب عليه وفاءً بالنذر ، و معلوم أنّ الأحكام الشرعية توقيفية لا يقاس بعضها ببعض ، فلا ربط لتلك النصوص بالنذر المتعلّق بالتصدّق ؛ لكي تُردّ بإعراض الأصحاب ، كما صدر عن بعض المحقّقين (2).ثمّ إنّ عمدة الدليل على عدم جواز نذر الصبيّ ، هي عمومات رفع القلم

ص: 211


1- -جواهر الكلام 28:405.
2- -مهذّب الأحكام 22:280.

(مسألة 8):يعتبر في الحالف:البلوغ و العقل و الاختيار و القصد و انتفاء الحجر في متعلّقه ، فلا تنعقد يمين الصغير(1).

(مسألة 11): تثبت الشفعة للسفيه ؛ و إن لم ينفذ أخذه بها إلّا بإذن الوليّ أو إجازته في مورد حجره.و كذا تثبت للصغير و المجنون و إن كان المتولّي للأخذ بها عنهما وليّهما (2).تحرير الوسيلة 1:531 الشامل للتكليف و الوضع ، و إطلاقات عدم جواز أمر الصبيّ ، و أمّا البالغ منه عشراً مميّزاً ، فلم يُخرجه دليل خاصّ عن تلك الإطلاقات ، و إنّما أخرجه الدليل الخاصّ في الوصيّة ، و الصدقة ، و العتق ، و لا بدّ من الاقتصار على مورده.و بذلك اتّضح حكم العهد ؛ لعدم فرق بينه و بين النذر من جهة ما قلناه.

يمين الصغير

1-قد تبيّن وجه عدم انعقاد يمين الصغير ممّا سردناه في النذر آنفاً ؛ لعدم الفرق بينهما من جهة ما له الدخل في المقام ، فلا فرق بين كون متعلّق يمينه صدقة ، أو وقفاً ، فلا تنعقد منه اليمين و إن بلغ عشراً مميّزاً ؛ نظراً إلى عمومات رفع القلم عنه ، و إطلاق ما دلّ على حجره ؛ و عدم جواز أمره.

ثبوت الشفعة للصغير

2-قبل الورود في البحث ينبغي التنبيه على نكتة:و هي أنّ قوله:«و إن كان...» ليس بمعنى توسعة التولية على الأخذ إلى الوليّ ، لكي يدلّ بالفحوى على جوازها للصبيّ ، بل المقصود أنّه يعتبر أن يتولّى الأخذ بالشفعة عن الصبيّ

ص: 212

نعم لو كان الوليّ الوصيّ ليس له ذلك إلّا مع الغِبطة و المصلحة ، بخلاف الأب و الجدّ ، فإنّه يكفي فيهما عدم المفسدة ، لكن لا ينبغي لهما ترك الاحتياط بمراعاة المصلحة(1) .تحرير الوسيلة 1:531 و المجنون وليّهما ، و لذا كان الأصحّ أن يقول:«و لكنّ المتولّي...» كما عبّر بذلك في «الجواهر» (1).ثمّ إنّه لا خلاف بين الفقهاء و لا شبهة في ثبوت الشفعة للصبيّ ، كما في «الجواهر» (2) ، و «المسالك» (3) ، و غيرهما.مضافاً إلى دلالة معتبرة السكوني على ذلك بالخصوص ، فإنّه روى عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال:«قال أمير المؤمنين عليه السلام:وصيّ اليتيم بمنزلة أبيه ؛ يأخذ له الشفعة إذا كان له رغبة» (4).و لا يخفى:أنّ قوله عليه السلام:«إذا كان له رغبة» ليس بمعنى ميله النفساني الناشئ من صباه ؛ للقطع بإرادة رغبته الناشئة من إدراك المصلحة في ثبوت الشفعة له ، فيعلم من هذا التعبير ، اشتراط أمرين في ثبوت الشفعة للصبيّ عند ما كان آخذها الوصيّ:أوّلهما:تمييز الصبيّ ؛ بحيث يتميّز المصلحة من المفسدة ، و ثانيهما:رغبته في الشفعة لأجل المصلحة ، فلو انتفى أحدهما تنتفي الشفعة ؛ بأن كانت المصلحة ، و لم تكن له رغبة ، أو بالعكس.

1-الوجه فيه:أنّ ولاية الوصيّ عارضية مجعولة بجعل الموصي ، و أنّ2.

ص: 213


1- -جواهر الكلام 37:290.
2- -جواهر الكلام 37:290.
3- -مسالك الأفهام 12:286.
4- -وسائل الشيعة 25:401 ، كتاب الشفعة ، الباب 6 ، الحديث 2.

الوصاية عند العقلاء مبنية على الغبطة و مصلحة الصبيّ.بل يستفاد اعتبار ذلك من معتبرة السكوني المزبورة ، كما بيّنّا آنفاً ، و كذا يستفاد من ظاهر النصوص الواردة فيما يعتبر في الولاية بالوصاية و شروط الوصيّ.و قد بحثنا عن ذلك في كتاب الوصيّة من «دليل تحرير الوسيلة».و هذا بخلاف ولاية الأب و الجدّ ، فإنّها ذاتية ؛ بمعنى أنّها من الأحكام الأوّلية الوضعية المجعولة بجعل الشارع ، و أدلّة جعلها مطلقة من غير تقييد بالغبطة و المصلحة، ففي صحيح ابن بزيع، عن أبي الحسن عليه السلام:«يجوز عليها تزويج أبيها» (1).و في صحيح عبد اللّه بن الصلت ، عن الصادق عليه السلام:«ليس لها مع أبيها أمر ؛ ما لم تكبر» (2).و عن الباقر عليه السلام:«إن كان أبواهما اللذان زوّجهما ، فنعم جائز» (3).و مثلها غيرها من إطلاقات ولاية الأب و الجدّ.بل الجدّ أولى من الأب باُمور الصبيّ و الصبيّة ، كما صرّح بذلك في نصوص باب النكاح (4).و أمّا اعتبار عدم المفسدة ، فمعلوم من سياق هذه النصوص ، و مساعدة الاعتبار ، و الفهم العرفي.و قد فرّق في «الجواهر» (5) بين ولاية الوصيّ ، و بين ولاية الأب و الجدّ ؛1.

ص: 214


1- -وسائل الشيعة 20:275 ، كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح ، الباب 6 ، الحديث 1.
2- -وسائل الشيعة 20:276 ، كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح ، الباب 6 ، الحديث 3.
3- -وسائل الشيعة 20:277 ، كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح ، الباب 6 ، الحديث 8.
4- -وسائل الشيعة 20:291 ، كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح ، الباب 11 ، الحديث 8.
5- -جواهر الكلام 37:290-291.

و لو ترك الوليّ الأخذ بها عنهما إلى أن كملا فلهما أن يأخذا بها(1) .تحرير الوسيلة 1:531 باعتبار الغبطة و المصلحة في الأوّل ، دون الآخرين ، مستدلّاً باستظهار ذلك من نصوص المقام ، فراجع.و أمّا وجه الاحتياط الاستحبابي بمراعاة المصلحة حتّى في الأب و الجدّ ؛ فلاحتمال ابتناء ولايتهما على رعاية مصلحة المولّى عليه واقعاً ، كما اعتبر ذلك صاحب «الشرائع» و من تأخّر عنه.هذا مضافاً إلى ما في تنزيل الوصيّ منزلة الأب و الجدّ-في معتبرة السكوني-من الإشعار بذلك.

1-بلا خلاف و لا إشكال في ذلك ، كما قال في «الجواهر» (1) ، و علّل ذلك- كما في «الشرائع» و «المسالك» و «الجواهر»:«بأنّ تأخير الصغير في أخذ الشفعة ، إنّما وقع لعذرٍ ، و أنّ تقصير الوليّ في أخذها ، لا يسقط الحقّ الثابت للصغير حال قصوره و عجزه عن الأخذ ، فحقّه ثابت و مستمرّ كما كان ؛ من دون تجدّد عند البلوغ ، و إنّما المتجدّد أهلية الصبيّ للأخذ ، لا حقّه».بل يجوز للوليّ أخذها بعد البلوغ في هذا الفرض ؛ إلّا أن يقال:بفسقه و خروجه عن العدالة بالتقصير و العصيان عن أداء وظيفته ؛ بترك أخذ حقّ الشفعة للصغير ، و عليه فلو وجّه تركه للأخذ بوجه لا يضرّ بعدالته ، يجوز أخذه حينئذٍ.1.

ص: 215


1- -جواهر الكلام 37:291.

(مسألة 4):يعتبر في المتصدّق:البلوغ و العقل و عدم الحجر لفلس أو سفه ، فلا تصحّ صدقة الصبيّ حتّى من بلغ عشراً(1) .

تحرير الوسيلة 2:87

صدقة الصبيّ

1-لا إشكال و لا خلاف في اشتراط بلوغ المتصدّق ؛ لأنّه مقتضى عمومات منع تصرّف الصبيّ ، لوضوح كون صدقته تصرّفاً في المال ، و قد دلّت عمومات «رفع القلم عن الصبيّ» و عدم جواز أمره ، على كونه محجوراً عن التصرّف في أمواله مطلقاً.و أمّا البالغ عشراً ، فقد دلّت عدّة نصوص معتبرة على جواز تصدّقه بماله ، مثل صحيحة زرارة ، عن أبي جعفر عليه السلام (1)، و صحيح جميل ، عن أحدهما عليهما السلام (2)، و صحيح الحلبي و محمّد بن مسلم ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام (3)، و سيأتي ذكر هذه النصوص في وقف الصبيّ.و دعوى إعراض الأصحاب عن هذه النصوص ، غير وجيهة ؛ نظراً إلى عدم تعرّض أكثر الأصحاب لشروط المتصدّق ، بل يظهر من كثير منهم العمل بها ، حيث استدلّوا بهذه النصوص على صحّة وقف الصبيّ البالغ عشراً ؛ بدعوى شمول الصدقة للوقف باعتبار كونها من أظهر أفراد الصدقة ، فالأقوى في المقام جواز صدقة الصبيّ البالغ عشراً.

ص: 216


1- -وسائل الشيعة 19:211 ، كتاب الوقوف و الصدقات ، الباب 15 ، الحديث 1.
2- -وسائل الشيعة 19:212 ، كتاب الوقوف و الصدقات ، الباب 15 ، الحديث 2.
3- -وسائل الشيعة 19:211 ، كتاب الوقوف و الصدقات ، الباب 15 ، الحديث 3.

(مسألة 29):يعتبر في الواقف:البلوغ و العقل و الاختيار و عدم الحجر لفلس أو سفه ، فلا يصحّ وقف الصبيّ و إن بلغ عشراً على الأقوى.نعم حيث إنّ الأقوى صحّة وصيّة من بلغه-كما يأتي-فإن أوصى به صحّ وقف الوصيّ عنه(1) .

تحرير الوسيلة 2:66 و لكن لا بدّ من كونه مميّزاً ، و أن يضع الصدقة في موضعها ؛ و ذلك لما سيأتي من أنّ مقتضى الصناعة في مخالفة عمومات المنع و إطلاقاته ، الاقتصار على المتيقّن من مدلول دليل المقيّد ؛ و هو ما إذا توفّرت القيود الثلاثة المصرّح بها في النصوص المقيّدة ؛ و إن كان هذان القيدان من الواضحات ، و لا شكّ في اعتبارهما بمقتضى القواعد المسلّمة بلا حاجة إلى ذكرهما في هذه النصوص ، فالعمدة هي البلوغ عشراً.

حكم وقف الصبيّ

1-المشهور بين الفقهاء القدماء منهم و المتأخّرين ، اشتراط البلوغ في الواقف ؛ و أنّه لا يصحّ وقف الصبيّ و إن بلغ عشراً.و ذهب عدّة من الفقهاء إلى جواز وقف الصبيّ إذا بلغ عشراً ، كما نسب في «مفتاح الكرامة» (1) و «الجواهر» (2) إلى الحلّي في «المهذّب البارع» و إلى الشيخ في «النهاية» و إلى التقي ، و أبي علي.و عمدة ما استدلّ به على جواز وقف الصبيّ ، عدّة نصوص دلّت على جواز صدقته ؛ بناءً على شمولها للوقف ، لكون الوقف من الصدقة أيضاً ، كما عبّر عنه ب «الصدقة» في كثير من النصوص ،

ص: 217


1- -مفتاح الكرامة 9:44.
2- -جواهر الكلام 28:20.

أمّا النصوص الدالّة على جواز صدقة الصبيّ:فمنها:معتبرة زرارة ، عن أبي جعفر عليه السلام قال:«إذا أتى على الغلام عشر سنين ، فإنّه يجوز في ماله ما أعتق أو تصدّق أو أوصى على حدٍّ معروف و حقّ ، فهو جائز» (1).هذه الرواية صحيحة بطريق الصدوق ؛ فإنّه رواها بإسناده عن صفوان بن يحيى.و منها:صحيح جميل بن درّاج ، عن أحدهما عليهما السلام قال:«يجوز طلاق الغلام -إذا كان قد عقل-و صدقته و وصيّته و إن لم يحتلم» (2).و منها:صحيح الحلبي و محمّد بن مسلم ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:سئل عن صدقة الغلام ما لم يحتلم ، قال عليه السلام:«نعم ؛ إذا وضعها في موضع الصدقة» (3).و لكن لا يتمّ الاستدلال بهذه النصوص ؛ و ذلك:أوّلاً:لعدم ذكر لفظ «الوقف» في شيءٍ منها ، و لا ظهور للفظ «الصدقة» في الوقف و إن استعمل فيه أحياناً ، و لكن لا يوجب ذلك ظهوره في الوقف عند الإطلاق.و ثانياً:لعدم فهم معظم الأصحاب من هذه النصوص ، جواز وقف الصبيّ البالغ عشراً.و ثالثاً:لمخالفة هذه النصوص إطلاقات أدلّة منع تصرّفات الصبيّ ، و رفع القلم عنه ، و سلب عبارته ، فلا بدّ من كون هذه الطائفة ، أظهر من تلك المطلقات في3.

ص: 218


1- -وسائل الشيعة 19:211 ، كتاب الوقوف و الصدقات ، الباب 15 ، الحديث 1.
2- -وسائل الشيعة 19:212 ، كتاب الوقوف و الصدقات ، الباب 15 ، الحديث 2.
3- -وسائل الشيعة 19:211 ، كتاب الوقوف و الصدقات ، الباب 15 ، الحديث 3.

(مسألة 1):يشترط في الزوج المطلّق:البلوغ-على الأحوط-و العقل ، فلا يصحّ-على الأحوط-طلاق الصبيّ-لا بالمباشرة و لا بالتوكيل-و إن كان مميّزاً و له عشر سنين ، و لو طلّق من بلغه فلا يترك الاحتياط(1) .

تحرير الوسيلة 2:309الدلالة حتّى تقيّدها ، و الحال أنّ أصل ظهورها غير ثابت ، فضلاً عن أظهريتها ، و من هنا قال في «جامع المقاصد»:«و مثل هذه الأخبار لا تنهض معارضاً للمتواتر» (1) ، و نظيره في «المسالك».فالأقوى في المقام عدم جواز وقف الصبيّ مطلقاً ؛ و إن بلغ عشراً.و لا يقاس ذلك بوصيّة الصبيّ البالغ عشراً ؛ لدلالة النصوص المعتبرة على جواز وصيّته بالصراحة ، فتقيّد إطلاقات المنع ، مع اعتضادها بالشهرة العظيمة بين الأصحاب.نعم ، لمّا ثبت نفوذ وصيّة الصبيّ البالغ عشراً مطلقاً ، و كان من موارد ذلك وصيّته بالوقف ، فلذا يجوز وصيّته بالوقف ، و عليه فلو أوصى بالوقف ، صحّ وقفه بعد موته.

طلاق الصبيّ

1-وقع الكلام في اشتراط البلوغ في الزوج المطلِّق ؛ فذهب عدّة من القدماء و مشهور المتأخّرين-بل عامّتهم-إلى اشتراط البلوغ بالسنّ أو الاحتلام في الزوج المطلّق ؛ و أنّه لا يصحّ طلاق الصبيّ ما دام لم يبلغ خمسة عشر ، أو يحتلم.و استدلّوا لذلك-مضافاً إلى إطلاقات رفع القلم الشامل للحكم التكليفي و الوضعي ، و بعض مطلقات منع تصرّفات الصبيّ-بعدّة نصوص معتبرة دلّت

ص: 219


1- -جامع المقاصد 9:36.

بالصراحة على عدم جواز طلاق الصبيّ:و منها:صحيح أبي الصباح الكناني ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«ليس طلاق الصبيّ بشيء» (1).و منها:موثّق السكوني ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«كلّ طلاق جائز إلّا طلاق المعتوه ، أو الصبيّ ، أو مبرسم ، أو مجنون ، أو مكره» (2).و المبرسم:الذي يهذي و يخلط في كلامه (3).و منها:و موثّق الحسين بن علوان ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن علي عليه السلام قال:«لا يجوز طلاق الغلام حتّى يحتلم» (4).و لا كلام في رواة هذا الخبر إلّا في الحسين بن علوان ، و الأقوى وثاقته ؛ لقول ابن عقدة:«إنّ الحسن أوثق من أخيه و أحمد عند أصحابنا» و لما ذكره النجاشي:«الحسين بن علوان الكلبي...عامّي ، و أخوه الحسن ، يكنّى أبا محمّد ، ثقة» فإنّ الأظهر رجوع التوثيق إلى الحسين.و حكي عن الشيخين و جماعة من القدماء ، جواز طلاق الصبيّ إذا بلغ عشراً عاقلاً ، و طلّق للسنّة ، و مستندهم في ذلك عدّة نصوص معتبرة:منها:موثّق محمّد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما السلام:«يجوز طلاق الغلام-إذا8.

ص: 220


1- -وسائل الشيعة 22:77 ، كتاب الطلاق ، أبواب مقدّماته و شرائطه ، الباب 32 ، الحديث 1.
2- -وسائل الشيعة 22:77 ، كتاب الطلاق ، أبواب مقدّماته و شرائطه ، الباب 32 ، الحديث 3.
3- -قال في تاج العروس:البرسام بالكسر:«علّة يهذى فيها ، نعوذ باللّه منها ، و هو ورم حارّ يعرض للحجاب الذي بين الكبد و الأمعاء ، ثمّ يتّصل بالدماغ ، و قد برسم الرجل بالضم ، فهو مبرسم» تاج العروس 8:199.
4- -وسائل الشيعة 22:79 ، كتاب الطلاق ، أبواب مقدّماته و شرائطه ، الباب 32 ، الحديث 8.

كان قد عَقَلَ-و صدقته و وصيّته و إن لم يحتلم» (1).و منها:موثّق ابن بكير الذي رواه الشيخ ، عن محمّد بن يعقوب ، عن محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد و محمّد بن الحسين جميعاً ، عن ابن فضّال ، عن ابن بكير ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«يجوز طلاق الصبيّ إذا بلغ عشر سنين» (2).و هذا الخبر نقله الشيخ هنا عن الكليني بهذا الإسناد ، و لكن رواه في فروع «الكافي» (3) عن ابن أبي عمير مرسلاً ؛ و إن عامله الأصحاب معاملة المسانيد المعتبرة.و منها:موثّق سماعة ، قال:سألته عن طلاق الغلام و لم يحتلم ، و صدقته ، فقال:«إذا طلّق للسنّة و وضع الصدقة في موضعها و حقّها ، فلا بأس ، و هو جائز» (4).و لا يضرّ إضماره ؛ لعدم احتمال إضماره عن غير الإمام عليه السلام.و منها:موثّق آخر لابن بكير ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«يجوز طلاق الغلام -إذا كان قد عقل-و وصيّته و صدقته و إن لم يحتلم» (5).رواه الكليني في «الكافي» و كذا رواه الشيخ عن الكليني.و لكنّه معارض بنسخة اخرى في «الكافي»:«لا يجوز طلاق الغلام2.

ص: 221


1- -تهذيب الأحكام 9:736/182 ؛ وسائل الشيعة 19:212 ، كتاب الوقوف و الصدقات ، الباب 15 ، الحديث 2.
2- -تهذيب الأحكام 8:254/75.
3- -الكافي 6:5/124.
4- -وسائل الشيعة 22:79 ، كتاب الطلاق ، أبواب مقدّماته و شرائطه ، الباب 32 ، الحديث 7.
5- -وسائل الشيعة 19:212 ، كتاب الوقوف و الصدقات، الباب 15، الحديث 2.

و وصيّته و صدقته ؛ إن لم يحتلم» (1).و طريق كلتا النسختين معتبر ، و من راوٍ واحد ؛ و هو ابن بكير ، و هذا يوجب إجمال الرواية في مدلولها ؛ و سقوطها عن الاعتبار.ثمّ إنّ مقتضى القاعدة-لو لا موثّقة الحسين بن علوان-تقييد مطلقات المقام بهذه النصوص ؛ و الذهاب إلى ما حكي عن الشيخين و جماعة من القدماء ، إلّا أنّ بهذه الموثّقة أشكل الأمر ؛ لأنّها كالصريح في عدم جواز طلاق الصبيّ قبل الاحتلام و إن بلغ عشراً عاقلاً ، فتقع المعارضة بينها و بين المقيدات.و لعلّه لذلك احتاط السيّد الماتن قدس سره وجوباً في عدم جواز طلاق الصبيّ البالغ عشراً عاقلاً ، بل لم يعتنِ في «الشرائع» بالمقيّدات ، و في «الجواهر» (2) لم يرها ناهضة لتقييد مطلقات المنع ؛ لقوّة إطلاقها.و لكن مع ذلك يشكل رفع اليد عن مقيّدات المقام ؛ لصراحتها في جواز طلاق البالغ عشراً عاقلاً ، و طلّق للسنّة ، و صحّة إسنادها ، و عدم ثبوت إعراض الأصحاب عنها ، و لا سيّما القدماء منهم ؛ نظراً إلى إفتاء الشيخين و جماعة من القدماء بمضمونها ، مضافاً إلى مخالفتها لما نسب إلى أكثر العامّة ، فالأقوى في المقام مع توفّر هذه الشروط الثلاثة-أعني التمييز ، و البلوغ عشراً ، و مطابقة الطلاق للسنّة- نفوذ طلاقه ، و حمل موثّقة الحسين بن علوان ، على صورة عدم توفّر هذه الشروط كلّها ، أو بعضها ، فمقتضى التحقيق ما حكي عن الشيخين و جماعة من القدماء.و لا معنى للاحتياط في خلافه ؛ بعد استظهار جواز الطلاق و صحّته من نصوص المقام.5.

ص: 222


1- -وسائل الشيعة 22:78 ، كتاب الطلاق ، أبواب مقدّماته و شرائطه ، الباب 32 ، الحديث 5.
2- -جواهر الكلام 32:5.

و أمّا اعتبار الشروط الثلاثة ، فهو مقتضى الجمع بين المقيّدات ؛ فإنّه المتيقّن من مدلول هذه النصوص ، و موافق للاحتياط ، فلو اختلّ أحد هذه الشروط يرجع إلى عمومات المنع ، مع عدم احتمال صحّة طلاق غير العاقل و إن بلغ عشراً.و قد يتوهّم:أنّ ما دلّ على جواز طلاق البالغ عشر سنين ، معارضٌ بصحيح الحلبي ، قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:الغلام له عشر سنين ، فيزوّجه أبوه في صغره ، أ يجوز طلاقه و هو ابن عشر سنين ؟ قال:فقال عليه السلام:«أمّا تزويجه فهو صحيح ، و أمّا طلاقه فينبغي أن تحبس عليه امرأته حتّى يدرك فيُعلم أنّه كان قد طلّق ، فإن أقرّ بذلك و أمضاه فهي واحدة بائنة ، و هو خاطب من الخطّاب ، و إن أنكر ذلك و أبى أن يمضيه ، فهي امرأته» (1).و لكنّه لا يصلح للمعارضة ؛ لدلالته على نفوذ طلاق البالغ عشر سنين بشرط إمضائه بعد البلوغ ، فلم يدلّ على عدم نفوذ طلاقه مطلقاً.هذا مضافاً إلى مخالفة ما دلّ عليه-من التفصيل-للإجماع المركّب من الأصحاب ؛ لأنّهم بين قائل بصحّة طلاق البالغ عشر سنين ، و بين قائل بفساده من دون تفصيل في البين.4.

ص: 223


1- -وسائل الشيعة 26:221 ، كتاب الفرائض و الميراث ، أبواب ميراث الأزواج ، الباب 11 ، الحديث 4.

(مسألة 3):القرض عقد يحتاج إلى إيجاب-كقوله:«أقرضتك» أو ما يؤدّي معناه-و قبول دالّ على الرضا بالإيجاب.و لا يعتبر فيه العربيّة ، بل يقع بكلّ لغة.بل تجري المعاطاة فيه بإقباض العين و قبضها بهذا العنوان.و يعتبر في المقرض و المقترض ما يعتبر في المتعاقدين ؛ من البلوغ(1) .

تحرير الوسيلة 1:619

حكم اقتراض الصبيّ

1-عمدة الدليل على ذلك عمومات «رفع القلم عن الصبيّ» الشامل للأحكام التكليفية و الوضعية ، و ما دلّ من النصوص على عدم جواز أمر الصبيّ حتّى يحتلم ، و لا يختصّ مدلول هذه النصوص بباب البيع و الشراء ، بل تشمل بعمومها جميع معاملات الصبيّ.كما لا فرق في المقام بين المقرض و المقترض ؛ لوضوح أنّهما طرفا عقد القرض.ثمّ إنّ الفقهاء و إن لم يتعرّض أكثرهم في كتاب القرض لشروط المقترض ، و اكتفوا ببيان شروط المُقرض ، و لكنّ الاقتراض بما أنّه يرجع إلى ضمان مال القرض في الذمّة ، يكون المقترض نظير الضامن من جهة كون المال في ذمّتهما ، و قد ذكروا:«أنّ من شروط الضامن البلوغ» معلّلين:«بعدم ذمّة لغير البالغ».هذا مضافاً إلى أنّ جواز الاقتراض ، يوجب نوع ثقل و كلفة على الصبيّ ؛ و ذلك لاشتغال ذمّته بمال القرض ، و لازم ذلك كونه ملزماً بدفع المال.نعم ، هذا الإشكال لا يأتي فيما إذا كان أجل الدين ، مصادفاً لزمان بلوغه.و لا فرق في ذلك بين الأشياء الحقيرة و الخطيرة ؛ لعدم إحراز جريان سيرة المتشرّعة على اقتراض الصبيّ و لو في الأشياء الحقيرة ، و إنّما تختصّ السيرة المدّعاة في المقام بالبيع و الشراء.

ص: 224

(مسألة 2):كما أنّ الصبيّ محجور عليه بالنسبة إلى ماله ، كذلك محجور عليه بالنسبة إلى ذمّته ، فلا يصحّ منه الاقتراض و لا البيع و الشراء في الذمّة- بالسلم و النسيئة-و إن كانت مدّة الأداء مصادفة لزمان بلوغه(1).

(مسألة 11):يشترط في العاقد المجري للصيغة:البلوغ و العقل ، فلا اعتبار بعقد الصبيّ و المجنون و لو أدواريّاً حال جنونه ؛ سواء عقدا لنفسهما أو لغيرهما ، و الأحوط البناء على سقوط عبارة الصبيّ ، لكن لو قصد المميّز المعنى و عقد لغيره وكالة أو فضولاً و أجاز ، أو عقد لنفسه مع إذن الوليّ أو إجازته ، أو أجاز هو بعد البلوغ ، يتخلّص بالاحتياط(2).

تحرير الوسيلة 2:237 1-قد انقدح عدم جواز اقتراض الصبيّ حتّى فيما إذا كان أجل الدين ، مصادفاً لزمان بلوغ الصبيّ ؛ حيث لا فرق بينهما من جهة عدم نفوذ أمره في أصل الاقتراض حال الصبا ، و إن افترق من حيث عدم كونه ملزماً بالأداء حينئذٍ ، كما أشرنا إليه آنفاً ؛ فإنّ المقصود من جواز أمره ، نفوذ إنشائه المعاملة و إيجابه و قبوله ؛ بحيث تترتّب عليه آثار ملكية العوضين.و اتّضح ممّا بيّناه حكم البيع و الشراء في الذمّة بالسلم و النسيئة و إن كان زمان الأداء ، مصادفاً لزمان بلوغه ؛ نظراً إلى كونهما في حكم الاقتراض من جهة اشتغال ذمّته بالدين ؛ و تملّكه بالبيع و الشراء ، و نفوذ أمره في المعاملة.

حكم نكاح الصبيّ

2-مقتضى التحقيق في المقام:أنّه لا خلاف و لا إشكال في اشتراط البلوغ في عاقد النكاح المجري للصيغة ، و أنّه لا اعتبار بعقد الصبيّ إذا كان انشاؤه لنفسه ،

ص: 225

و كان مستقلّاً في الإنشاء و لو بإذن الوليّ ، و أنّ ذلك ممّا تسالم عليه الفقهاء.مضافاً إلى ما دلّ من النصوص ، على عدم جواز أمر الصبيّ في المعاملات قبل الاحتلام ؛ و أنّه يجوز أمره بعد الاحتلام ، مثل معتبرة عبد اللّه بن سنان ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:سأله أبي-و أنا حاضر-عن اليتيم ، متى يجوز أمره ؟ قال عليه السلام:

«حتّى يبلغ أشُدّه» قال:و ما أشُدّه ؟ قال عليه السلام:«احتلامه» (1).رواها في «الوسائل» عن أبي الحسين الخادم بيّاع اللؤلؤ ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام و لكن رواها الصدوق في «الخصال» عنه ، عن عبد اللّه بن سنان ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام و هو الصحيح ؛ لأصالة عدم الزيادة ، و بقرينة الطبقة.و مثل صحيح آخر لعبد اللّه بن سنان ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«إذا بلغ أشُدّه- ثلاث عشرة سنة ، و دخل في الأربع عشرة-وجب عليه ما وجب...و كُتب عليه السيّئات...و جاز له كلّ شيء...» (2).و خبر حمزة بن حُمْران ، عن حُمْران ، قال:سألت أبا جعفر عليه السلام قلت له:متى يجب على الغلام أن يؤخذ بالحدود التامّة ، و يقام عليه ، و يؤخذ بها ؟ قال:«إذا خرج عنه اليتم ، و أدرك» قلت:فلذلك حدّ يُعرف به ؟ فقال:«إذا احتلم أو بلغ خمس عشرة سنة أو أشعر أو أنبت قبل ذلك ، اقيمت عليه الحدود التامّة ، و اخذ بها...

و الغلام لا يجوز أمره في الشراء و البيع و لا يخرج من اليتم ، حتّى يبلغ خمس عشرة سنة ، أو يحتلم ، أو يشعر ، أو ينبت قبل ذلك» (3).و كذا ما دلّ من النصوص على «رفع القلم عن الصبيّ» بناءً على شموله2.

ص: 226


1- -وسائل الشيعة 18:412 ، كتاب الحجر ، الباب 2 ، الحديث 5.
2- -وسائل الشيعة 19:364 ، كتاب الوصايا ، الباب 44 ، الحديث 11.
3- -وسائل الشيعة 1:44 ، أبواب مقدّمة العبادات ، الباب 4 ، الحديث 2.

للوضعيات الإلزامية ، كما هو مقتضى التحقيق ، و قد سبق وجهه منّا في أوائل الكتاب.و أمّا ما دلّ على أنّ عمد الصبيّ في حكم خطأه ، فناظر إلى مورد كان فيه لكلّ من الخطأ و العمد أثر مستقلّ ، كباب الجنايات ، و بعض كفّارات الحجّ ، كما يشهد له ما ورد في ذيل بعض نصوص هذه الطائفة: «يُحمل على العاقلة» كموثّقة إسحاق بن عمّار ، و غيرها.هذا مع عدم إمكان الأخذ بإطلاق بعض هذه النصوص ؛ لما يلزمه من الحكم بعدم بطلان صوم الصبيّ بالإفطار العمدي ، و لا بطلان صلاته بالتكلّم العمدي ، و نحو ذلك من المحاذير المخالفة لضرورة المذهب.هذا كلّه ما إذا كان الصبيّ مستقلّاً في إنشاء عقد النكاح و لو بإذن الوليّ.و أمّا إذا كان مجرياً للصيغة خاصّة-بأن كان العقد واقعاً بين الوليّ و الطرف الآخر البالغ-فقد يقال بالصحّة ؛ لعدم سلب عبارته مطلقاً ، و هو الأقوى ؛ لظهور النصوص المانعة كلّها في صورة استقلال الصبيّ في العقد ، و أمّا في مجرّد إجراء الصيغة ، فلا دلالة لها على حجر الصبيّ.و لعلّ السيرة بين المتشرّعة ، تساعد على الصحّة إذا كان وكيلاً في إجراء الصيغة ، و كان مميّزاً عارفاً بأدائها.مضافاً إلى عموم أدلّة الوكالة ؛ حيث لا مانع من شمولها للصبيّ.و أمّا إذا كان وكيلاً في إنشاء عقد النكاح للغير ، فلا يترك الاحتياط ؛ لعدم إحراز السيرة ، و لا شمول عمومات أدلّة الوكالة بعد قوّة الإطلاقات المانعة ؛ لأنّه حينئذٍ مستقلّ في إنشاء العقد و لو وكالة عن غيره ، و لا سيّما بلحاظ اهتمام الشارع بأمر الفروج.

ص: 227

و كذا لا يجوز إجارة نفسه ، و لا جعل نفسه عاملاً في المضاربة و غير ذلك(1) .

تحرير الوسيلة 2:14

إجارة الصبيّ و مضاربته

1-يقع الكلام هنا في مقامين:

المقام الأوّل:في إجارة نفسه مستقلّاً ، و لا خلاف و لا كلام في عدم جوازها للصبيّ ؛ لما دلّ من النصوص على عدم جواز أمره ، و رفع القلم عنه الشامل للوضعيات.و إنّما الكلام فيما إذا كانت إجارته بإذن وليّه، و كذا فيما إذا كان وكيلاً في إجارة غيره، و فيما إذا كان وكيلاً في خصوص إجراء الصيغة، فالكلام هنا في ثلاث مسائل:أمّا إذا كان وكيلاً في خصوص إجراء صيغة الإجارة ، فلا إشكال فيه إذا كان مميّزاً عارفاً بالصيغة ؛ لما سبق آنفاً.و أمّا وكالته في إجارة غيره ، فقد سبق الكلام فيها مفصّلاً في وكالة الصبيّ.و أما إذا كانت إجارته نفسه بإذن وليّه ، فقد استثناه في «الشرائع» من عمومات المنع ، ثمّ تردّد فيه بقوله:«و كذا الصبيّ الغير المميّز ، و كذا المميّز إلّا بإذن وليّه ، و فيه تردّد».قال في «الجواهر» (1) في ذيل العبارة المزبورة:«و هو مخالف لما تقدّم له في البيع ، بل لم نعرف به قائلاً قبله و إن تردّد هنا أيضاً ؛ فإنّه غير خفي عليك عدم خصوص دليل في المقام يصلح فارقاً بينه و بين البيع ، كما أنّه لا وجه معتدّ به للتردّد في أصل ذلك في المقام».

ص: 228


1- -جواهر الكلام 27:219.

و الحقّ مع صاحب «الجواهر».و قد يستدلّ في المقام على جواز إجارة الصبيّ نفسه ، برواية السكوني ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«نهى رسول اللّه...عن كسب الغلام الصغير الذي لا يُحسن صناعةً بيده ؛ فإنّه إن لم يجد سرق» (1).بتقريب:أنّ النهي تنزيهي ظاهر في الكراهة ، فيدلّ على جواز معاملات الصبيّ ؛ و عدم فسادها ، و إلّا لكان الأنسب تعليل النهي بفساد معاملة الصبيّ ؛ و عدم حصول النقل و الانتقال ، لا بالسرقة عند فقدان المال ؛ نظراً إلى أولوية التعليل بالأمر الذاتي من التعليل بالأمر العرضي ، و المتيقّن من كسب الصبيّ هو إجارة نفسه.و ردّت بضعف السند ، و لكنّ الأقوى اعتبارها ؛ لمعروفية النوفلي ، و اشتهاره بين الأصحاب بكثرة الرواية ، و كونه صاحب مصنّفات و اصول روائية ، مع عدم ورود قدح و ذمّ فيه.و أمّا ما نقل عن بعض القمّيين من نسبة الغلوّ إليه في آخر عمره ، فلم يسلم من هذه النسبة كثير من أجلّاء الأصحاب ؛ لشدّة حبّهم ، و علوّ اعتقادهم بالأئمّة عليهم السلام مع دخوله في إسناد «كامل الزيارات».و لكن عمدة ما يرد عليها ، هي الإشكال من جهة الدلالة:فأوّلاً:بأنّها تدلّ على التفصيل بين الصغير الذي لا يحسن صناعةً بيده ، و بين غيره ، و هذا التفصيل لم يقل به أحد.و ثانياً:بإمكان حملها على موارد لم يكن الصبيّ فيها مستقلّاً في المعاملة ، كما لا مناص منه بعد حمل عمومات المنع على صورة استقلاله في التصرّف.و ثالثاً:بأنّه يمكن حملها على إرادة المكسوب من «الكسب» و كون المقصود1.

ص: 229


1- -وسائل الشيعة 17:163 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 33 ، الحديث 1.

(مسألة 12): لو آجر الوليّ الصبيّ المولّى عليه أو ملّكه مدّة مع مراعاة المصلحة و الغبطة ، فبلغ الرشد قبل انقضائها ، فله نقض الإجارة و فسخها بالنسبة إلى ما بقي من المدّة ، إلّا أن تقتضي المصلحة اللازمة المراعاة فيما قبل الرشد ، الإجارة مدّة زائدة على زمان تحقّقه ؛ بحيث تكون بأقلّ منها خلاف مصلحته ، فحينئذٍ ليس له فسخها بعد البلوغ و الرشد(1) .

تحرير الوسيلة 1:547 بيان كراهة أكل ما كسبه بغير طريق المعاملة ، كالحيازة ، و الاستعطاء ، و نحو ذلك ممّا لا يدخل في عنوان المعاملة.المقام الثاني:في المضاربة ، و لا خلاف بين الأصحاب في اشتراط البلوغ في متعاقديها ؛ بلا فرق بين المالك ، و العامل.

حكم إجارة الوليّ الصبيّ مدّة زائدة على زمان بلوغه

1-يقع الكلام في المقام تارةً:في إجارة أموال الصبيّ ، و اخرى:في إجارة الصبيّ نفسه:أمّا أموال الصبيّ ، فلا إشكال في جواز إجارة الوليّ أموال الصبيّ ؛ و لو في مدّة زائدة على زمان بلوغه ، و ذلك لوضوح كونه مقتضى ولاية الوليّ على أموال الصبيّ ؛ من دون اشتراط شيء فيه غير مراعاة الغبطة و المصلحة ؛ فإنّ إطلاق أدلّة الولاية ، يشمل جميع أنحاء التصرّفات في أموال الصبيّ في جميع الأزمان ، فكما لا تختصّ ولاية الوليّ بتصرّف خاصّ ، بل يجوز له أيّ تصرف إذا كان على أساس الغبطة و المصلحة ؛ بلا فرق بين إخراج المال عيناً و منفعة أبداً ؛ و انتقالهما إلى ملك الغير رأساً بالبيع ، و بين إخراج المنفعة خاصّة عن ملك الصبيّ ؛ و انتقالها إلى ملك

ص: 230

الغير بالإجارة ، كذلك لا تختصّ ولايته بإخراج المال أو المنفعة عن ملكه في خصوص زمان صباه ، بل تعمّ إخراجهما عن ملكه حتّى بعد زمان بلوغه إذا اقتضت المصلحة ؛ و ذلك لإطلاق أدلّة ولاية الوليّ على الصبيّ في أمواله ، و لا دليل يدلّ على تقييد نطاقها بزمان صغره.نعم ، نفس الولاية و إعمالها مخصوصة بزمان ما قبل البلوغ.و أمّا الصبيّ نفسه ، فلا إطلاق لأدلّة الولاية يشمل ما بعد زمان بلوغه من التصرّف إلّا في النكاح ، حيث إنّه قام الدليل المعتبر على ولاية الوليّ على تزويج الصبيّ و الصبيّة حتّى في النكاح الدائم ، و أمّا في غير النكاح فلم يقم دليل على ولاية الوليّ على نفس الصبيّ بالنسبة إلى ما بعد بلوغه.بل لسان أدلّة ولاية الوليّ على الصبيّ ، ظاهرة في موضوعية الصبيّ لولاية الوليّ ؛ و انتفاء موضوع الولاية بالبلوغ ، و عليه فمع بلوغ الصبيّ لا موضوع للولاية ، كما هو واضح ، فلا إشكال في عدم نفوذ تصرّفات الوليّ بالنسبة إلى الصبيّ نفسه ، كإجارته بالنسبة إلى الزمان المتيقّن بلوغه فيه.نعم ، بالنسبة إلى الزمان المحتمل بلوغه فيه ، تصحّ إجارته ظاهراً ؛ لعدم العلم ببلوغه.مضافاً إلى استصحاب عدمه.كما لا إشكال في صحّة إجارته بالنسبة إلى الزمان المتيقّن صباه فيه ، و هذا ممّا لا كلام فيه.و إنّما الكلام فيما إذا اقتضت المصلحة اللازمة المراعاة حال الصبا ، إجارةَ الصبيّ مدّة زائدة على زمان بلوغه ، كإجارة الصبيّ لتعلّم صنعةٍ ، لكن بشرط أن يعمل للمستأجر مدّة زائدة على زمان بلوغه ؛ بحيث لو لم يقبل هذا الشرط مثلاً ، لما رضي المستأجر بتعليمه ، فمحلّ الكلام هو هذه المصلحة الخاصّة ، و إلّا فمن

ص: 231

الواضح ابتناء صحّة الإجارة-بل مشروعية أصل ولاية الوليّ-على وجود المصلحة و الغبطة للصبيّ ، كما أنّ إعمال الولاية بأيّ نحوٍ كان يبتني على ذلك.و قد أفتى في «العروة» بلزوم الإجارة حينئذٍ ؛ و أنّه لا يجوز للصبيّ بعد بلوغه فسخها ، حيث استثنى هذه الصورة بقوله:«نعم لو اقتضت المصلحة اللازمة المراعاة ، إجارتَه مدّة زائدة على زمان البلوغ-بحيث يكون إجارته أقلّ من تلك المدّة ، خلاف مصلحته-تكون لازمةً ؛ ليس له فسخها بعد بلوغه.و كذا الكلام في إجارة أملاكه» (1).و هذا يظهر من صاحب «الجواهر» (2) أيضاً.و قد وافقهما السيّد الإمام قدس سره في المتن.و لكن يخطر بالبال إشكال أشار إليه بعض المحقّقين (3):و هو أنّ مجرّد وجود المصلحة و لو بلغت حدّ اللزوم ، لا يوجب صحّة الإجارة ، فضلاً عن لزومها ؛ نظراً إلى توقّف صحّتها على ثبوت الولاية للوليّ على الصبيّ بعد بلوغه ، و هي لا تثبت بذلك ؛ لأنّ مجرّد وجود المصلحة اللازمة ، لا تكون دليلاً على ثبوت الولاية للوليّ ، بل يبتني ثبوت الولاية على الصبيّ على عدم رشده ؛ لأجل صباه ، فإذا رشد بالبلوغ ينهدم أساس الولاية ، و لا يبقى لها موضوع.إن قلت:إذا كانت إجارة الصبيّ حال صباه ، مشروعةً لأجل وجود المصلحة ، و اقتضت تلك المصلحة استمرار الإجارة إلى ما بعد البلوغ ، ففي الحقيقة يكون استمرار الإجارة ، ناشئاً من الولاية الثابتة حين الصبا ؛ و من آثارها ، من دون6.

ص: 232


1- -العروة الوثقى 5:31.
2- -جواهر الكلام 27:334.
3- -المستند في شرح العروة الوثقى 30:136.

ولاية جديدة عليه من حين بلوغه.قلت:إنّ نطاق الولاية مضيّق و محدود-من أوّل الأمر-بما قبل بلوغ الصبيّ ؛ لوضوح خروج البالغ عن موضوع الولاية و ملاكها ، كما قلنا ، و عليه فلا وجه لصحّة الإجارة بالنسبة إلى ما بعد بلوغ الصبيّ ؛ و لو كانت زيادة مدّة الإجارة على زمان الصبا و شمولها لما بعد البلوغ ، لأجل مصلحة لازمة المراعاة.نعم ، إذا كانت المصلحة في حدّ من اللزوم-بحيث يتوقّف عليها حفظ نفس الصبيّ ، و كان هلاكه بعدم مراعاتها-فلا ريب في لزوم الإجارة حينئذٍ ، و عدم تأثير فسخ الصبيّ.و لكن يندرج ذلك في الاُمور الحسبية ، لذا ترجع الولاية إلى الحاكم الشرعي ، لا إلى الوليّ أو الوصيّ.و عليه فلو كان المقصود من «المصلحة اللازمة المراعاة» في كلام السيّد الماتن قدس سره و صاحب «العروة» مثل هذا الأمر الذي يقطع بعدم رضا الشارع بتركه بأيّ وجه ، فلا ريب في لزوم الإجارة حينئذٍ ، و عدم جواز فسخ الصبيّ ، لكنّه لا لأجل ولاية الوليّ ، بل إنّما هو لأجل هذا الملاك الموجود في جميع الاُمور الحسبية ، فتكون الولاية على مثل هذه الاُمور للحاكم الشرعي.ثمّ إنّ الإجارة هل تبطل بالنسبة إلى المدّة الواقعة في زمان البلوغ ، أو تقع فضولية بالنسبة إلى ذلك ؛ و منوطة بإجازة الصبيّ البالغ ؟نسب إلى «الإرشاد» و غيره البطلان ، و لكن حمل في «الجواهر» ما في «الإرشاد» على إرادة الفضولي ، لا البطلان من رأس (1) ، و هو الصحيح.4.

ص: 233


1- -جواهر الكلام 27:334.

نعم لو حاز المباحات بالاحتطاب و الاحتشاش و نحوهما يملكها بالنيّة ، بل و كذا يملك الجعل في الجعالة بعمله و إن لم يأذن وليّه فيهما(1) .

تحرير الوسيلة 2:14 و الوجه فيه:أنّ الصبيّ بمجرّد بلوغه ، يكون بنفسه طرف الإجارة ، فلا محالة يكون إمضاؤها بيده ، نظير المالك الذي هو طرف عقد الفضولي في الحقيقة ، دون العاقد ، فلا فرق بين المقام و سائر المعاملات الفضولية.

حيازة الصبيّ و تملّكه الجُعل

1-الأقوى مشروعية حيازة الصبيّ ، بل إحيائه الأرض ؛ و أنّه يملك شرعاً ما حازه أو أحياه بالحيازة أو الإحياء.و عمدة الدليل عليه بناء العقلاء ؛ حيث جرت سيرتهم على ترتيب آثار الملكية على ما حازه الصبيّ أو أحياه ؛ بلا اعتبار للبلوغ ، و هذا البناء لم يردع عنه الشارع.نعم ، يعتبر عندهم تمييز الصبيّ ؛ بحيث يتمشّى منه قصد التملّك.و أمّا نصوص رفع القلم و عدم جواز أمره قبل الاحتلام ، فغاية مدلولها حجره عن التصرّفات و المعاملات التي يلزم الصبيّ بآثارها و أحكامها الوضعية ؛ بحيث يكون عليه كلفة لأجلها ، و ليست الحيازة و الإحياء من هذا القبيل ؛ لعدم إلزام و لا أخذه بهما ، بل إنّما ينتفع الصبيّ بهما.و الحاصل:أنّ النصوص المانعة ، لمّا كانت بصدد رفع الإلزام و التكليف و الثقل عن الصبيّ امتناناً ، أو أنّها لمّا كانت ناظرة إلى بيان عدم ترتيب الآثار الوضعية على إنشائه في المعاملات ، و عدم أخذه بها ؛ لعدم كتابة حكم في حقّه-في دفتر التشريع-تكليفاً و وضعاً ، فلذا تكون منصرفة عن مثل الحيازة و الإحياء ؛ ممّا

ص: 234

لا توجب تكليفاً و لا إلزاماً على الصبيّ ، بل إنّما ينتفع بها الصبيّ محضاً ؛ إذ ليست الحيازة و الإحياء من الألفاظ المعاملية-إيجاباً أو قبولاً-كي يؤخذ بها الصبيّ ، أو يُلزم بآثارها.بل لا قصور لعمومات الحيازة و الإحياء في شمولها للصبيّ ، مثل صحيح عبد اللّه بن سنان ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «من أصاب مالاً أو بعيراً في فلاةٍ من الأرض قد كلّت و قامت ، و سيّبها صاحبها-ممّا لم يتبعه-فأخذها غيره ، فأقام عليها و أنفق نفقة ؛ حتّى أحياها من الكلال و من الموت ، فهي له ، و لا سبيل له عليها ، و إنّما هي مثل الشيء المباح» (1).و معتبرة السكوني ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام عن أمير المؤمنين عليه السلام: «قال في رجل أبصر طيراً ، فتبعه حتّى وقع على شجرةٍ ، فجاء رجل فأخذه ، فقال عليه السلام:للعين ما رأت ، و لليد ما أخذت» (2).و أمّا تضعيفها بوقوع النوفلي في طريقها ، فغير وجيه ؛ لما تقدّم (3).و ما روي عن النبي صلى الله عليه و آله:«من سبق إلى ما لم يسبِقهُ أحدٌ فهو أحقّ به» (4).و عموم قوله عليه السلام في معتبرة طلحة:«من سبق إلى مكان فهو أحقّ به» (5).و موثّقة السكوني الاُخرى ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله:

من غرس شجراً ، أو حفر وادياً بديئاً لم يسبقه إليه أحدٌ ، أو أحيا أرضاً ميتةً ،1.

ص: 235


1- -وسائل الشيعة 25:458 ، كتاب اللقطة ، الباب 13 ، الحديث 2.
2- -وسائل الشيعة 23:391 ، كتاب الصيد و الذباحة ، أبواب الصيد ، الباب 38 ، الحديث 1.
3- -تقدّم في الصفحة 229 ، عند الحديث عن إجارة الصبيّ و مضاربته ، فراجع.
4- -السنن الكبرى ، البيهقي 6:142.
5- -وسائل الشيعة 17:405 ، كتاب التجارة ، أبواب آداب التجارة ، الباب 17 ، الحديث 1.

فهي له ؛ قضاءً من اللّه و رسوله» (1).و صحيح محمّد بن مسلم ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«و أيّما قوم أحيوا شيئاً من الأرض أو عملوه ، فهم أحقّ بها ، و هي لهم» (2).و مثله صحيحه الآخر (3).و في صحيحة الفضلاء ، عن الباقر عليه السلام قال:«قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله:من أحيا أرضاً مواتاً فهي له» (4).و مثلها صحيح زرارة (5).فهذه النصوص و مثلها غيرها ، دلّت بعمومها أو إطلاقها على مملّكية الإحياء و الحيازة لكلّ من قصد تملّك ما أحياه أو حازه ؛ صبيّاً كان ، أو بالغاً ، مسلماً كان ، أو كافراً.نعم ، يُعتبر تمييزه ؛ لتوقّف قصد التملّك عليه ، و بناءً على ذلك فلا إشكال في جواز حيازة الصبيّ و إحيائه شرعاً.و قد اتّضح ممّا بيّناه وجه مشروعية تملّك الجُعْل في الجُعالة بعمله و لو لم يأذن وليّه ؛ لأنّه في الحقيقة حاز الجُعْل بعمله ، فلا يكون ذلك إلّا محض نفع عائد إليه بسبب عمله المحترم عند العقلاء و الشارع ؛ من دون إلزام و ثقل عليه بذلك ، كما في الحيازة و الإحياء.6.

ص: 236


1- -وسائل الشيعة 25:413 ، كتاب إحياء الموات ، الباب 2 ، الحديث 1.
2- -وسائل الشيعة 25:411 ، كتاب إحياء الموات ، الباب 1 ، الحديث 1.
3- -وسائل الشيعة 25:412 ، كتاب إحياء الموات ، الباب 1 ، الحديث 4.
4- -وسائل الشيعة 25:412 ، كتاب إحياء الموات ، الباب 1 ، الحديث 5.
5- -وسائل الشيعة 25:412 ، كتاب إحياء الموات ، الباب 1 ، الحديث 6.

(مسألة 2):لا يشترط فيه الذكورة و لا البلوغ و لا غير ذلك ، فتحلّ ذبيحة المرأة ، فضلاً عن الخُنثى ، و كذا الحائض و الجنب و النفساء و الطفل إذا كان مميّزاً(1) .

تحرير الوسيلة 2:138

ذبح الصبيّ و صيده

1-يقع الكلام حول ذبح الصبيّ في مقامين:أوّلهما:الصبيّ المميّز ، و ثانيهما:

غير المميّز.أمّا الصبيّ المميّز ، فلا خلاف و لا إشكال في مشروعية ذبحه و حلّية ذبيحته ؛ إذا أحسن و أجاد في قطع الأوداج ، و عرف التسمية و استقبال الذبيحة ، و الوجه فيه- مضافاً إلى اتّفاق الأصحاب ، بل إجماعهم ، كما قال في «الجواهر» (1)-أمران:فأوّلاً:أنّ حقيقة الذبح ليست إلّا فري الأوداج الأربعة ، و لا ريب في تحقّقه بيد كلّ من قوي عليه ؛ سواء كان مكلّفاً ، أم لا ، و إنّما اعتُبر فيه شرعاً التسمية ، و الاستقبال ، و إسلام الذابح ، فإذا كان الصبيّ مسلماً ، أو ولد مسلم ، و أمكن منه استقبال الذبيحة ، و التسمية عليها ، و كان مميّزاً متمكّناً من فهم هذه الاُمور ، و قصد ذلك ، فالمقتضي لصحّة ذبحه حينئذٍ موجود ، و المانع مفقود.و من هنا يكون مشروعية ذبح ولد المسلم-إذا كان مميّزاً و أجاد الذبح- مقتضى القاعدة.بل هو داخل في عموم قوله تعالى: «إِلاّ ما ذَكَّيْتُمْ». و ثانياً:النصوص الدالّة على ذلك بالخصوص:منها:صحيح عمر بن اذينة ، عن غير واحدٍ رواه عنهما: «أنّ ذبيحة المرأة

ص: 237


1- -جواهر الكلام 36:90.

إذا أجادت الذبح و سمّت ، فلا بأس بأكله ، و كذلك الصبيّ ، و كذلك الأعمى إذا سدّد» (1).و منها:صحيح محمّد بن مسلم ، قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن ذبيحة الصبيّ ، فقال عليه السلام: «إذا تحرّك ، و كان له خمسة أشبار ، و أطاق الشفرة» (2).قوله: «تحرّك» أي تحرّك المذبوح بعد الذبح ، كما صرّح بذلك في نصوص اخرى.و مثله صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه (3).و منها:معتبرة مَسْعَدة بن صدقة ، قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن ذبيحة الغلام ، فقال:«إذا قوي على الذبح ، و كان يحسن أن يذبح ، و ذكر اسم اللّه عليها ، فكُل» (4).و منها:صحيح سليمان بن خالد ، قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن ذبيحة الغلام و المرأة ، هل تؤكل ؟ فقال عليه السلام: «إذا كانت المرأة مسلمة ، فذكرت اسم اللّه على ذبيحتها ، حلّت ذبيحتها ، و كذلك الغلام إذا قوي على الذبيحة ، فذكر اسم اللّه...» (5).و منها:إلى غير ذلك من النصوص.و لا يخفى:أنّ المقصود من بلوغ الصبيّ خمسة أشبار-في صحيحي7.

ص: 238


1- -وسائل الشيعة 24:45 ، كتاب الصيد و الذباحة ، أبواب الذبائح ، الباب 23 ، الحديث 8.
2- -وسائل الشيعة 24:42 ، كتاب الصيد و الذباحة ، أبواب الذبائح ، الباب 22 ، الحديث 1.
3- -وسائل الشيعة 24:42 ، كتاب الصيد و الذباحة ، أبواب الذبائح ، الباب 22 ، الحديث 3.
4- -وسائل الشيعة 24:42 ، كتاب الصيد و الذباحة ، أبواب الذبائح ، الباب 22 ، الحديث 2.
5- -وسائل الشيعة 24:45 ، كتاب الصيد و الذباحة ، أبواب الذبائح ، الباب 23 ، الحديث 7.

محمّد بن مسلم و عبد الرحمان-كون طول قامته بهذا المقدار ؛ بحيث يقوى على قطع الأوداج الأربعة.و يشهد لذلك قوله عليه السلام:«و أطاق الشفرة» عقيب القول المزبور.و بهذا تعرف ما في «الجواهر» (1) حيث قال:«إنّ المراد من ذلك هو الإشارة إلى التمييز».و أمّا لفظ «الغلام» في بعض نصوص المقام ، فالمقصود منه عند إطلاقه-من غير إضافة إلى أحد-هو الصبيّ.ثمّ إنّه قد دلّ في قبال ذلك بعض النصوص ، على اشتراط جواز ذبح الصبيّ بالاضطرار إليه ؛ و خوف فوت الذبيحة ، و عدم وجود البالغ المسلم ، مثل قوله عليه السلام في صحيح سليمان بن خالد:«و ذلك إذا خيف فوت الذبيحة ، و لم يوجد من يذبح غيرهما» (2).و مثله مرسل أحمد بن محمّد ، عن بعض أصحابه ، قال:«لا بأس بذبيحة الصبيّ و الخصي و المرأة إذا اضطرّوا إليه» (3).و لكنّهما لا يصلحان لتقييد تلك النصوص الكثيرة المعتبرة:أمّا المرسل فلضعفه بالإرسال.و أمّا صحيح سليمان بن خالد ، فمحمول على كراهة ذبيحته ؛ جمعاً بينه و بين الروايات المعتبرة المصرّحة بحلّها.و على فرض صراحته في التقييد ، فهو مورد إعراض الأصحاب.هذا كلّه في الصبيّ المميّز.0.

ص: 239


1- -جواهر الكلام 36:92.
2- -وسائل الشيعة 24:45 ، كتاب الصيد و الذباحة ، أبواب الذبائح ، الباب 23 ، الحديث 7.
3- -وسائل الشيعة 24:46 ، كتاب الصيد و الذباحة ، أبواب الذبائح ، الباب 23 ، الحديث 10.

و أمّا الصبيّ غير المميّز ، فلا إشكال في عدم مشروعية ذبحه ؛ و ذلك لأنّ الذبح من العناوين القصدية ، كما قال في «المسالك» (1) ، فلا بدّ أن يكون الذابح قاصداً لعنوان الذبح ، و هذا لا يتأتّى من غير المميّز ، فهو بمنزلة النائم الذي في يده سكّين ، فانقلب و قطع حلقوم حيوان بحركة يده غير الاختيارية.مع أنّه لا يمكن منه استقبال الذبيحة و التسمية عليها أيضاً.هذا مضافاً إلى عدم العبرة بفعله شرعاً ، كما قال في «الجواهر» (2).و أمّا النصوص المزبورة فلا تشمله ؛ لأخذ قيود فيها لا يمكن حصولها من غير المميّز ، مثل إجادة الذبح ، و التسمية ، و التسديد ، و إطاقة الشفرة ، و بلوغه خمسة أشبار.و أمّا عمومات التذكية فمنصرفة عن غير المميّز ، كالمجنون.7.

ص: 240


1- -مسالك الأفهام 11:466.
2- -جواهر الكلام 36:97.

(مسألة 3):يشترط في حلّيّة صيد الكلب المعلَّم امور:الأوّل:أن يكون ذلك بإرساله للاصطياد ، فلو استرسل بنفسه من دون إرسال لم يحلّ مقتوله ؛ و إن أغراه صاحبه بعده حتّى فيما أثّر إغراؤه فيه ؛ بأن زاد في عدوه بسببه على الأحوط.و كذا الحال لو أرسله لا للاصطياد ، بل لأمر آخر ؛ من دفع عدوّ أو طرد سبع أو غير ذلك ، فصادف غزالاً فصاده.و المعتبر قصد الجنس لا الشخص ، فلو أرسله إلى صيد غزال فصادف غزالاً آخر فأخذه و قتله كفى في حلّه.و كذا لو أرسله إلى صيد فصاده مع غيره حلّا معاً.الثاني:أن يكون المرسل مسلماً أو بحكمه ، كالصبيّ الملحق به بشرط كونه مميّزاً(1) .

تحرير الوسيلة 2:129

صيد الصبيّ

1-لا إشكال في مشروعية صيد الصبيّ ؛ لأنّه نوع من الحيازة ، فلذا لم يقل أحد باعتبار البلوغ في الصيد.هذا مضافاً إلى شمول عمومات الصيد للمكلّف و غيره على السواء ؛ بلا فرق بين أنواع الصيد:سواء كان الصيد بالحيوان ، كقوله تعالى: «فَكُلُوا مِمّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَ اذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ عَلَيْهِ» (1) ، فيشمل ما لو أغرى صبيٌّ كلباً معلّماً ، و سمّى حين إغرائه ، فيحلّ أكل ما اصطاده الكلب حينئذٍ بلا إشكال.أو كان بآلة جمادية ، كقول أبي جعفر عليه السلام: «كُلْ من الصيد ما قتل السيفُ ، و الرّمح ، و السهم» (2).

ص: 241


1- -المائدة (5):4.
2- -وسائل الشيعة 23:362 ، كتاب الصيد و الذباحة ، أبواب الصيد ، الباب 16 ، الحديث 2.

أو بالإخراج من الماء ، كما في ذكاة الأسماك و صيدها ، مثل قول أبي عبد اللّه عليه السلام:«إنّما صيد الحيتان أخذها» (1).نعم ، في صيد غير المميّز بالآلة الجمادية و كذا صيده السمك بإخراجه من الماء إشكال ؛ إذ ظاهر هذه النصوص اعتبار قصد الصيد في حلّية أكله.و أمّا في الصيد بالحيوان، فالأقوى مشروعيته حتّى من غير المميّز؛ إذا أمسكه الكلب المعلّم للصيد ، و ذكر البالغ اسمَ اللّه عليه ، و عليه فلو أغرى الكلبَ صبيّ غير مميّز ، و أمسكه الكلب المعلَّم ، و ذكر البالغ اسم اللّه عليه ، حلّ أكل ذلك الصيد ؛ نظراً إلى عموم قوله تعالى: «فَكُلُوا مِمّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَ اذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ عَلَيْهِ». و أمّا تملّك الصيد ، فلا يحصل لغير المميّز بوجه ، كما قلنا في الحيازة و الإحياء ؛ لأنّ التملّك أيضاً من العناوين القصدية.

هل يعتبر قول الصبيّ في الإذن بدخول الدار ؟

لا ريب في وجوب الاستئذان من أهل الدار على من أراد الدخول فيها ؛ و ذلك لقوله تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتّى تَسْتَأْنِسُوا وَ تُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها» (2) ، و المقصود اعتبار إذن أهل الدار و أصحابها.و كذا للسنّة ، و الإجماع.و لكنّ الكلام في أنّ الصبيّ لو فتح الباب و أذن بدخول الدار من جانب أهلها ، فهل يجوز الدخول اعتماداً على قوله ، أم لا ؟و كذلك الكلام فيما لو أوصل هدية إلى شخصٍ عن جانب المُهدي ، فهل

ص: 242


1- -وسائل الشيعة 24:77 ، كتاب الصيد و الذباحة ، أبواب الذبائح ، الباب 32 ، الحديث 5.
2- -النور (24):27.

يجوز الاعتماد عليه ، أم لا ؟يظهر من العلّامة جواز الاعتماد ؛ قال في «التذكرة»:«لو فتح الصبيّ الباب ، و أذن في الدخول عن إذن أهل الدار ، أو أوصل الهدية إلى إنسان عن إذن المُهدي ، فالأقرب الاعتماد ؛ لتسامح السلف فيه» (1).و أشكل عليه السيّد الخوئي:«بأنّه لا وجه لاستثناء ذلك من عموم ما دلّ على عدم نفوذ أمر الصبيّ.نعم لو حصل الاطمئنان النوعي بإذن صاحب الدار بقول الصبيّ ، يجوز الاعتماد عليه ، و لكن لا ربط لذلك باعتبار قول الصبيّ في نفسه ، بل بما أنّه يوجب الوثوق بإذن صاحب الدار.و أمّا إيصال الهدية فالصبيّ بمنزلة الآلة ، و حينئذٍ لم يصدر منه أمر لكي يقال بنفوذه و اعتباره ، فهو حينئذٍ بمنزلة الحيوان المعلَّم ، و خارجٌ عن عمومات المنع تخصّصاً ، لا تخصيصاً» (2).و مقتضى التحقيق:أنّ الكلام في الصبيّ المميّز ، و إلّا فلا ريب في عدم العبرة بقول غير المميّز في شيءٍ.نعم في إيصال الهدية لا بأس به ؛ حيث لا يقصر عن الحيوان المعلَّم فيما إذا كان معلّماً.و أمّا المميّز فلو كان مراهقاً أو ذكياً ، فالظاهر جريان سيرة المتشرّعة على الاعتماد على قوله ؛ و دخول الدار بإذنه عن جانب صاحب الدار.و لعلّ ذلك هو منشأ تسامح السلف الذي استند إليه العلّامة.بل لا يبعد دعوى السيرة العقلائية على ذلك ، فالأقوى جواز الاعتماد على إذن الصبيّ المميّز في دخول الدار إذا كان من جانب وليّه و صاحب الدار.7.

ص: 243


1- -مصباح الفقاهة 3:267.
2- -مصباح الفقاهة 3:267.

(مسألة 8): لا فرق في ذي اليد بين كونه عادلاً أو فاسقاً.و في اعتبار قول الكافر إشكال ، و إن كان الأقوى اعتباره.و لا يبعد اعتبار قول الصبيّ إذا كان مراهقاً ، بل يُراعى الاحتياط في المميّز غير المراهق أيضاً(1) .

تحرير الوسيلة 1:119 و أمّا العمومات المانعة ، فلا تشمل مورد استقرار السيرة على ذلك ؛ فإنّ السيرة بمنزلة المخصّص المتصل.

خبر الصبيّ

1-يقع الكلام تارةً:في اعتبار قول الصبيّ عمّا في يده إذا كان ذا اليد ، و اخرى:في حجّية خبره مطلقاً في غير ما إذا كان ذا اليد.أمّا المقام الأوّل ، فلا يبعد القول باعتبار قوله ، كما يظهر من السيّد الماتن قدس سره و إن كان كلامه قدس سره في خصوص إخباره عن نجاسة ما في يده.و الوجه في ذلك شمول عمومات حجّية إخبار ذي اليد لما في يده ؛ فإنّها تشمل الصبيّ المميّز ، و لا سيّما المراهق.و لعلّ سيرة العقلاء تساعد على ذلك.و أمّا عدم جواز معاملته و تصرّفه ، فهو أمر آخر لا ينافي ذلك.و أمّا المقام الثاني ، فمقتضى العمومات الدالّة على عدم نفوذ أمر الصبيّ ، عدم اعتبار إخبار الصبيّ.و قد يشكل على ذلك ؛ نظراً إلى ظهور «الأمر»-في العمومات المانعة-في الفعل و التصرّف و الإنشاء ؛ ممّا له آثارٌ و لوازم معاملية ، أو غيرها من الشئون الشرعية أو العرفية ؛ بحيث تستند إلى الصبيّ باعتبار صدور الفعل المستلزم لها منه ، و مجرّد الإخبار ليس من هذا القبيل.و فيه:أنّ خبر الصبيّ أيضاً يترتّب عليه آثارٌ ، كخبر البالغ ؛ فإنّ الأخذ بقوله

ص: 244

موجب لترتيب آثاره و لوازمه العرفية ، و العادية ، و الشرعية ، فلا يقصر خبره عن سائر أفعاله في الأثر ، و حينئذٍ فمعنى قوله عليه السلام:«لا يجوز أمر الصبيّ» عدم اعتبار خبره ؛ و عدم جواز الأخذ به شرعاً.نعم ، حديث رفع القلم ، لا دلالة له على نفي اعتبار خبر الصبيّ ؛ لعدم ربطٍ لخبره بتكليف أو وضع راجع إلى نفسه.و أمّا ما دلّ على أنّ «عمد الصبيّ خطأ» فمختصّ بباب الجنايات ، كما سبق.ثمّ إنّه قد سبق الكلام في حكم إخباره عن بلوغه ، و قلنا:إنّه يقبل قوله في ذلك إذا ادّعى البلوغ بالاحتلام ؛ حيث لا يُعلم ذلك إلّا من قِبَله ، و لا يمكن اختباره بذلك ، و أمّا إذا ادّعاه بما يمكن اختباره-كنبت الشعر ، و بلوغ سنّه إلى خمس عشرة سنة-فلا يقبل قوله ، بل لا بدّ من اختباره ، و قد سبق الكلام في وجه ذلك مفصّلاً ، فيعلم من هذا التفصيل:أنّه لا عبرة بقول الصبيّ بما أنّه خبره ، و إلّا لم يحتجّ إلى الاختبار. هذا مضافاً إلى ما سبق من عدم الاعتبار بإقرار الصبيّ و لو على نفسه ، فكيف بإخباره عمّا يرتبط بغيره ؟!ثمّ إنّ للمحقّق الحلّي كلاماً نافعاً في المقام ينبغي نقله ، فإنّه قدس سره قال:«المجنون و الصبيّ لا تُقبل روايتهما في حال كونهما كذلك ؛ لأنّ الوثوق بهما لا يحصل ، لعدم تحقّق الضبط ؛ سواء كان الصبيّ مميّزاً ، أو غير مميّز.لا يقال:الصبيّ تقبل شهادته في الجراح و الشجاج ، فيجب قبول روايته.لأنّا نقول:لِمَ لا يجوز أن يكون ذلك احتياطاً في الدم ، لا لصحّة خبره ؟!على أنّ منصب الرواية أعظم ؛ إذ الحكم بها مستمرّ ، و الثابت عنها شرع عامّ في المكلّفين ، و ليس كذلك الشهادة ، فلا يقاس أحدهما على الآخر.أمّا لو تحمّل

ص: 245

فلا اعتبار بشهادة الصبيّ غير المميّز مطلقاً ، و لا بشهادة المميّز في غير القتل و الجرح ، و لا بشهادته فيهما إذا لم يبلغ العشر.و أمّا لو بلغ عشراً و شهد بالجراح و القتل ففيه تردّد.نعم لا إشكال في عدم اعتبار شهادة الصبيّة مطلقاً(1) .

تحرير الوسيلة 2:419 الشهادة صبيّاً ، لَقُبِلت إذا أدّاها بالغاً» (1).و فيه أوّلاً:أنّ الصبيّ ربّما يكون أحفظ و أضبط من البالغ الكبير ، كما نرى سرعة حفظهم ، و جودة ذكرهم ؛ على نحو يعجز عنه البالغ الكبير ، و لذا ورد:«أنّ العلم في الصغر كالنقش في الحجر ، و العلم في الكبر كالنقش في الماء».و ثانياً:أنّ ما أفتى به-من الاقتصار في قبول شهادة الصبيّ على الشجاج و الجراح ، دون القتل ؛ احتياطاً في التهجّم على الدماء-خلاف صريح النصّ المعتبر الدالّ على قبول شهادة الصبيّ في القتل بأخذ أوّل كلامه فيما بين الصبيان قبل تفرّق اجتماعهم ، كما سيأتي البحث عن ذلك مفصّلاً.

شهادة الصبيّ و الصبيّة

1-كلّ ما سبق كان في غير باب الشهادات ، و أمّا فيها فقد وردت نصوص دلّت بظاهرها على عدم جواز شهادة الصبيّ ، مثل ما دلّ على اعتبار بلوغ الصبيّ في الشهادة على ما تحمّله حال الصبا ، كمعتبرة السكوني ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

«قال أمير المؤمنين عليه السلام:إنّ شهادة الصبيان إذا أشهدوهم و هم صغار ، جازت إذا كبروا ما لم ينسوها» (2).

ص: 246


1- -معارج الاُصول:150.
2- -وسائل الشيعة 27:342 ، كتاب الشهادات ، الباب 21 ، الحديث 2.

و قد وقع في سندها النوفلي ، و الأقوى اعتبار حديثه ؛ لعدم ورود تضعيف فيه ، و أنّ له كتاب «التقيّة و السنّة» و لوقوعه في إسناد «كامل الزيارات».و كصحيحة عبيد بن زرارة-في حديث-قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الذي يشهد على الشيء و هو صغير قد رآه في صغره ، ثمّ قام به بعد ما كبُر ، فقال عليه السلام:

«تجعل شهادته نحواً من شهادة هؤلاء» (1).و موثّقة إسماعيل بن أبي زياد-و هو السكوني-عن جعفر ، عن أبيه ، عن علي عليهم السلام:«إنّ شهادة الصبيان إذا شهدوا و هم صغار ، جازت إذا كبروا ما لم ينسوها...» (2).فإنّ هذه النصوص دلّت بالمفهوم على اعتبار بلوغ الصبيّ في الشهادة على ما تحمّله حال الصبا.بل ورد في عدّة نصوص معتبرة عدم جواز شهادة الصبيّ إلّا في القتل ، مثل صحيح محمّد بن حُمْران ، قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن شهادة الصبيّ ، قال:

فقال عليه السلام:«لا ، إلّا في القتل ؛ يؤخذ بأوّل كلامه ، و لا يؤخذ بالثاني» (3).و صحيح جميل ، قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:تجوز شهادة الصبيان ؟ قال عليه السلام:

«نعم ، في القتل ؛ يؤخذ بأوّل كلامه ، و لا يؤخذ بالثاني منه» (4).نعم ، فُصّل في صحيح آخر عن عبيد بن زرارة ، بين الأمر الدون و الخطير ، قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن شهادة الصبيّ و المملوك ، فقال عليه السلام: «على قدرها يوم1.

ص: 247


1- -وسائل الشيعة 27:343 ، كتاب الشهادات ، الباب 21 ، الحديث 3.
2- -وسائل الشيعة 27:343 ، كتاب الشهادات ، الباب 21 ، الحديث 4.
3- -وسائل الشيعة 27:344 ، كتاب الشهادات ، الباب 22 ، الحديث 2.
4- -وسائل الشيعة 27:343 ، كتاب الشهادات ، الباب 22 ، الحديث 1.

اشهد ؛ تجوز في الأمر الدون ، و لا تجوز في الأمر الكبير» (1).و في معتبرة طلحة بن زيد قيّد ذلك بعدم تفرّق اجتماع الصبيان ؛ و عدم رجوعهم إلى أهلهم ، فإنّه روى عن الصادق جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن آبائه عليهم السلام :«شهادة الصبيان جائزة بينهم ؛ ما لم يتفرّقوا ، أو يرجعوا إلى أهلهم» (2).دلّ بمفهوم التحديد على عدم قبول شهادته في غير ما يكون بينهم.و قد اختلفت عبارات الأصحاب-من القدماء و المتأخّرين-في قبول شهادة الصبيّ في القتل مطلقاً ، أو مقيّداً بهذه القيود المذكورة في النصوص المزبورة ، أو عدم قبولها في القتل ، بل في خصوص الجرح.و لكن لا دليل على قبول شهادته في الجراح في النصوص ، بل لا إشارة في شيءٍ منها على ذلك.اللهمّ إلّا أن يكون إجماع في البين ، كما يظهر من تسالم الأصحاب عليه ؛ فيما إذا لم نقل بأنّه مدركي ، كما هو الظاهر من تعليله في «الشرائع» بالاجتناب عن التهجّم على الدماء.و مقصوده:أنّ دليل قبول شهادة الصبيّ في القتل خبر الواحد ، و لا يمكن الاعتماد عليه في الدماء ؛ لما لها من الأهمّية و عظم الخطر في نظر الشارع ، و لذلك اقتصر المحقّق المزبور على خصوص الجراح ؛ مقيّداً ببلوغ العشر سنين ، و بقاء الاجتماع ، و كون اجتماعهم على مباح.و لكنّ السيّد الماتن قدس سره تردّد في قبول شهادة الصبيّ في القتل و الجراح كليهما ؛ و لو بلغ عشراً.6.

ص: 248


1- -وسائل الشيعة 27:344 ، كتاب الشهادات ، الباب 22 ، الحديث 5.
2- -وسائل الشيعة 27:345 ، كتاب الشهادات ، الباب 22 ، الحديث 6.

و اختار صاحب «الجواهر» (1) التسرية إلى مورد القتل ، و لكن قيّده-مضافاً إلى ما اعتبره في «الشرائع»-بإثبات الدية ؛ حذراً من التهجّم على الدماء ، و أضاف:

«أنّه لا بدّ من الأخذ بأوّل كلامه ؛ عملاً بما ورد في النصوص.مضافاً إلى أنّ المتيقّن من إجماع الأصحاب ، هو صورة توفّر هذه القيود».و هذا هو الأقوى في المقام.مع أنّ في ذلك رعايةً لما ورد في الصحيح من الاقتصار على شهادة الصبيّ في الأمر الدون ، و من الواضح أنّ الدية-التي هي من الحقوق المالية-أدون من القتل ؛ لوضوح عظم خطره بالنسبة إلى المال.و الشاهد على الجمع بين نصوص المقام بذلك ، هو معتبرة السكوني ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«رفع إلى أمير المؤمنين عليه السلام ستّة غلمان كانوا في الفرات ، فغرق واحدٌ منهم ، فشهد ثلاثة منهم على اثنين أنّهما غرّقاه ، و شهد اثنان على الثلاثة أنّهم غرّقوه ، فقضى علي عليه السلام بالدية أخماساً:ثلاثة أخماسٍ على الاثنين ، و خُمسين على الثلاثة» (2).و قد استشهد في «الجواهر» (3) بهذه المعتبرة على الجمع بين نصوص المقام بالإطلاق و التقييد.و يشهد على ذلك أيضاً معتبرة طلحة السابقة آنفاً ، و من هنا يعتبر في قبول شهادة الصبيان ، الاجتماع و عدم تفرّقهم.فالأقوى اعتبار شهادة الصبيان في الاُمور الحقيرة التي لا خطر لها في نظر العرف و الشرع.و أمّا في الاُمور المهمّة ، ففي خصوص القتل يؤخذ بأوّل كلامهم ، و في خصوص إثبات الدية ، بقيد عدم تفرّق اجتماعهم ؛ نظراً إلى إمكان حمل معتبرة3.

ص: 249


1- -جواهر الكلام 41:13.
2- -وسائل الشيعة 29:235 ، كتاب الديات ، أبواب موجبات الضمان ، الباب 2 ، الحديث 1.
3- -جواهر الكلام 41:13.

السكوني على صورة الاجتماع و عدم التفرّق.مضافاً إلى كون مفادها قضية خارجية، فلا إطلاق لها.و قد تبيّن من مطاوي كلامنا وجه ما ذهبنا إليه من التفصيل.و أمّا الحمل على مورد الجراح-كما فعل صاحب «الشرائع»-فلا شاهد له من نصوص المقام ، بل هي تشهد على خلافه ، كما قال في «الجواهر» (1).كما لا شاهد على اعتبار بلوغه عشراً.و أمّا قول إسماعيل بن جعفر فليس بحجّة.مضافاً إلى ابتنائه على القياس.و أمّا القول بأنّ معتبرة السكوني و طلحة ، لا مفهوم لهما لكي تقيّد بهما إطلاقات نصوص المقام ، ففيه:أنّه بعد إحراز اهتمام الشارع في التحفّظ على الدماء -بملاحظة العمومات الدالّة على ذلك ، و مساعدة القواعد-لا حاجة إلى المفهوم.

مضافاً إلى كون معتبرة طلحة ، في مقام تحديد جواز شهادة الصبيان ، فلو كان قيد آخر لبيّنه الإمام عليه السلام.و يظهر من قيد: «فيما بينهم» عدم جواز شهادة الصبيان في القتل على الكبار.هذا كلّه في الصبيّ.و أمّا الصبيّة ، فلا اعتبار بشهادتها مطلقاً ؛ نظراً إلى عمومات المنع من غير مخصّص ، و لا كلام فيها.

حكم اغتياب الصبيّ

مقتضى التحقيق:أنّه لا يستفاد من الأدلّة ، اشتراط كون المغتاب-بالفتح- مكلّفاً أو بالغاً في حرمة الغيبة ، بل المستفاد منها اشتراط صدق عنوان «الأخ المؤمن» على المغتاب ، كما يستفاد من نصوص تحديد الغيبة أنّها كشف عيبٍ ستره

ص: 250


1- -جواهر الكلام 41:13.

اللّه على الأخ المؤمن ، و من الواضح أنّ الصبيّ المميّز إذا كان معتقداً بالإسلام و بأُصول المذهب و أقرّ بها ، يصدق عليه عنوان «الأخ المؤمن» عرفاً ، بل قد يكون أكمل إيماناً من البالغين:إمّا لصفاء باطنه ، و جلاء نفسه ، و سلامة قلبه ؛ لعدم تلوّثه بأنواع المعاصي ، فلا يكون إيمانه مشوباً بالوساوس ، بخلاف المكلّفين ، و حيث إنّ مقرّ الإيمان هو القلب و الباطن ، فيستقرّ في قلب الصبيّ و باطنه على نحوٍ أكمل و أجلى ؛ بلا كدورة و ظُلمة نفسانية.و إمّا بلحاظ احتياج فعل الطاعات و الإتيان بالعبادات في الصبيّ ، إلى إيمان أقوى ليحرّكه نحو الطاعة ؛ حيث لا مُخوِّف له على تركها ، بخلاف المكلّف المنذر بعذاب العصيان و ترك الطاعة.كما لا ريب في أنّ اللّه قد ستر عيوب جميع الناس ؛ حتّى الصبيان المميّزين ، و أنّهم يكرهون ذكر مساوئهم ، و يتألّمون من كشف معايبهم ، و كذا عنوان «الأخ».

فصدقُه عليهم عرفاً أوضح.هذا مضافاً إلى إطلاق عنوان «الأخ» عليهم في قوله تعالى: «يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَ إِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ» (1).و قد يشكل:بأنّه لا ريب في أنّ المراد من «البعض» الأوّل في قوله تعالى:

«لا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً» هو المكلّفون ، و هو لا يشمل الصبيّ حتّى المميّز ؛ لما دلّ على «رفع القلم عن الصبيّ » فكذلك البعض الثاني ؛ فلا بدّ أن يراد به أيضاً المكلّفون ؛ نظراً إلى اقتضاء وحدة السياق.8.

ص: 251


1- -البقرة (2):218.

و جوابه واضح ؛ لأنّ عنوان «بعض الناس» أو «بعض المؤمنين» يشمل كلّ واحدٍ من البالغين و غيرهم على حدّ سواء ، و إنّما دلّ الدليل على خروج غير البالغين عن المراد بالبعض الأوّل في الآية ، دون البعض الثاني ، فيبقى على ظاهره بلا صارف.و لا تنثلم به وحدة السياق ؛ بعد ما كان إخراج فردٍ أو أفراد بالدليل الخارجي ، كما خرج عن البعض الثاني المتجاهر بالفسق و سائر مستثنيات الغيبة بالدليل ، فالأقوى عدم جواز اغتياب الصبيّ المميّز.و أمّا غير المميّز ، فلا غيبة له ، حيث إنّه لا تعدّ القبائح الصادرة منه عيباً عرفاً ، كما لا تتمشّى كراهته لذلك ؛ لفقدان تمييزه.و كذا هو الحال في المجانين ؛ إلّا في المجنون الأدواري ، فيشكل ذكر القبائح الصادرة منه حال الجنون في حال إفاقته ؛ لدخول ذلك في عمومات المنع من ذكر الأخ بما يكرهه ، و كشف ما ستره اللّه عليه ؛ ما دام لم يشتهر بين الناس بذلك.و أمّا حكم غيبة الصبيّ لغيره-بأن يكون مغتاباً بالكسر-فلا ريب في عدم حرمتها عليه ؛ نظراً إلى ارتفاع التكليف بحديث رفع القلم ، بل عدم جعل تكليف في حقّه في دفتر التشريع ؛ على وجه سبق في بيانه في أوائل هذا الكتاب.

استئذان الصبيّ أباه عند الدخول عليه

قال في «العروة»:«لا يدخل الولد على أبيه-إذا كانت عنده زوجته-إلّا بعد الاستئذان.و لا بأس بدخول الوالد على ابنه بغير إذنه» (1).و يدلّ على ذلك قوله تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ وَ الَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَ حِينَ

ص: 252


1- -العروة الوثقى 5:498.

تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَ مِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَ لا عَلَيْهِمْ جُناحٌ بَعْدَهُنَّ طَوّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلى بَعْضٍ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الْآياتِ وَ اللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ» (1) .و لا يخفى:أنّه لا يختصّ مدلول هذه الآية ، بما إذا كان المدخول عليه أباً ، بل تدلّ بإطلاقها على لزوم الاستئذان بالدخول على كلّ من خلا بزوجته ؛ لأنّ الموضوع هو حالة خلوة الزوج بالزوجة المعبّر عنها ب «العورات».بل و لا يختصّ مدلولها بمن لم يبلغ الحُلُم.و أمّا وجه ذكر غير البالغين و الصبيان ، فلعلّه لكثرة دخولهم على آبائهم ، أو لدفع توهّم اختصاص لزوم الاستئذان بالبالغين-بعد كون لزوم ذلك مفروغاً عنه في حقّهم-فإنّ غير البالغ و إن لم يكلّف شرعاً ، إلّا أنّه يُلزم بذلك ، و يؤدّب عليه.كما أنّ وجه ذكر الساعات الثلاث و التعبير عنها ب «العورات» هو أنّها حالة خلوة الزوج و الزوجة ، كما في معتبرة جرّاح المدائني ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إنّما أمر اللّه تعالى بذلك للخلوة ؛ فإنّها ساعة غِرّة و خلوة» (2).و يدلّ على نفي الاختصاص بدخول الولد على الأب ، ذيل صحيح أبي أيّوب الخزّاز ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام-في حديث-:«و يستأذن الرجل على ابنته و اخته إذا كانتا متزوّجتين» (3).1.

ص: 253


1- -النور (24):58.
2- -وسائل الشيعة 20:218 ، كتاب النكاح ، أبواب مقدّمات النكاح و آدابه ، الباب 121 ، الحديث 3.
3- -وسائل الشيعة 20:215 ، كتاب النكاح ، أبواب مقدّمات النكاح و آدابه ، الباب 120 ، الحديث 1.

و بمفهوم هذه الصحيحة يقيّد إطلاق صحيح محمّد بن قيس ، عن أبي جعفر عليه السلام قال:«و من بلغ الحُلُم منكم فلا يلج على امّه ، و لا على اخته ، و لا على ابنته ، و لا على من سوى ذلك ؛ إلّا بإذنٍ ، و لا يأذن لأحدٍ حتّى يسلّم ؛ فإنّ السلام طاعة الرحمن» (1).و بعد تقييد إطلاق الثانية بالاُولى ، يستفاد من مدلولها أنّ ملاك وجوب الاستئذان من المدخول عليه ، خلوته بالزوج أو الزوجة.نعم ، يمكن أن يقال:إنّ من المعلوم أنّ ملاك الاستئذان ، كون المرأة على حالة غير مناسبة ؛ بأن كانت مجرّدة من الملابس ، و عليه فلو علم الأب أنّ ابنته كذلك ، لا يبعد القول بلزوم استئذانه عند الدخول عليها و لو كانت غير متزوّجة.و لكن لا دليل على ذلك ؛ فإنّ مقتضى نصوص المقام ما قلنا.و أمّا في غير حالة خلوة الأب بزوجته ، فهل يلزم على الولد الاستئذان منه عند الدخول عليه ؟ قد دلّ على ذلك صحيح أبي أيّوب الخزّاز ، عن الصادق عليه السلام قال:«يستأذن الرجل إذا دخل على أبيه ، و لا يستأذن الأب على الابن» (2) .و لكنّه-بقرينة السيرة القطعية من المتشرّعة على الجواز-محمول على الاستحباب.1.

ص: 254


1- -وسائل الشيعة 20:216 ، كتاب النكاح ، أبواب مقدّمات النكاح و آدابه ، الباب 120 ، الحديث 4.
2- -وسائل الشيعة 20:214 ، كتاب النكاح ، أبواب مقدّمات النكاح و آدابه ، الباب 119 ، الحديث 1.

استحباب التفريق بين الأطفال في المضاجع

ورد الأمر بالتفريق بين الأطفال في المضاجع إذا بلغوا عشر سنين ، كما في صحيحة عبد اللّه ابن ميمون ، عن جعفر بن محمّد ، عن آبائه عليهم السلام قال:«قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله:الصبيّ و الصبيّ ، و الصبيّ و الصبيّة ، و الصبيّة و الصبيّة ، يُفرّق بينهم في المضاجع لعشر سنين» (1).و روى الصدوق مرسلاً:«أنّه يفرّق بين الصبيان في المضاجع لستّ سنين» (2).و ظاهر الأمر الوارد في الصحيحة ، و إن كان وجوب التفريق بين الصبيان في المضاجع إذا بلغوا عشر سنين ، إلّا أنّ السيرة القطعية من المتشرّعة ، قرينة على صرف ظهوره عن الوجوب إلى الاستحباب في المقام ، و عليه فيشكل الالتزام بوجوب التفريق بين الأطفال في المضاجع ، كما يظهر من صاحب «العروة» حيث قال:«يفرّق بين الأطفال في المضاجع إذا بلغوا عشر سنين.و في رواية:إذا بلغوا ستّ سنين» (3).

ص: 255


1- -وسائل الشيعة 20:231 ، كتاب النكاح ، أبواب مقدّمات النكاح و آدابه ، الباب 128 ، الحديث 1.
2- -وسائل الشيعة 20:231 ، كتاب النكاح ، أبواب مقدّمات النكاح و آدابه ، الباب 128 ، الحديث 2.
3- -العروة الوثقى 5:498.

(مسألة 22):لا إشكال في أنّ غير المميّز-من الصبيّ و الصبيّة-خارج عن أحكام النظر و اللمس بغير شهوة ، لا معها لو فرض ثورانها(1) .

تحرير الوسيلة 2:232

حكم الصبيّ و الصبيّة ستراً و نظراً

1-إنّ الكلام تارة:في حكم غير المميّز من الصبيّ و الصبيّة ، و اخرى:في المميّز.و في كلٍّ منهما تارة:يقع الكلام في حكمهما ستراً و نظراً مع فرض ثوران الشهوة ، و اخرى:بدونه.أمّا مع فرض ثوران الشهوة ، فلا إشكال في حرمة النظر إليهما ، و كذا لا إشكال في وجوب التستّر عنهما إذا بلغ المميّز منهما مبلغاً كان نظرهما إلى عورة البالغين أو البالغات ، سبباً لثوران شهوتهما ، فيجب عليهم التستّر حينئذٍ بلا إشكال.كما أنّ غير المميّز منهما ، لا ريب في خروجه عن أحكام الستر و النظر ما لم يترتّب ثوران شهوة البالغين.و إنّما الكلام في حكم الصبيّ و الصبيّة المميّزين ستراً و نظراً ؛ بلا ترتّب ثوران الشهوة ، و الكلام واقع تارة:من حيث النظر ، و اخرى:من حيث الستر ، و نقدّم الكلام من جهة النظر فنقول:يقع البحث عن حكم النظر في مقامين:المقام الأوّل:في حكم نظرهما إلى الغير ، و لا شكّ في جواز نظرهما إلى الغير ؛ حتّى العورة ، كما لا إشكال أيضاً في عدم وجوب حفظ العورة و البدن و سترهما عليهما من الغير و إن كانا مميّزين ؛ نظراً إلى أنّ كلّ ذلك من التكليف المترتّب على مخالفته العقاب ، و لا تكليف على الصبيّ ؛ لما دلّ على رفع قلم التكليف عنه.

ص: 256

نعم ، نسب إلى المحقّق النراقي عدم جواز نظرهما إلى عورة الغير ؛ بدعوى تخصيص حديث «رفع القلم عن الصبيّ» بقوله تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ وَ الَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَ حِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَ مِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَ لا عَلَيْهِمْ جُناحٌ بَعْدَهُنَّ طَوّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلى بَعْضٍ...» (1).حيث إنّ الخطاب في هذه الآية و إن توجّه إلى المكلّفين ، و لكنّ الأمر بالاستئذان توجّه إلى غير المكلّفين ، و ظاهره تكليف الصبيان في هذا المورد بترك النظر إلى عورة الغير.و قد اشكل عليه أوّلاً:بأنّ الوجوب لا يستفاد من صيغة الأمر بنفسها ، بل إنّه مستفاد من حكم العقل بلزوم طاعة المولى إذا لم يرد ترخيص ، و في المقام حيث إنّ الدليل دلّ على رفع القلم عن الصبيّ و ترخيصه في جميع أفعاله ، فلذا لا يستفاد من الأمر بالاستئذان وجوب ترك نظر الصبيّ إلى عورة الغير.و ثانياً:بأنّ الآية أجنبيّة عن محلّ الكلام ؛ لأنّها في مقام نهي غير البالغ المميّز عن التطلّع إلى عورة الزوج و الزوجة و النظر إليهما حال الخلوة.و لكن يمكن الجواب عن الأوّل:بأنّ حديث رفع القلم ، لمّا كان ظاهره عدم كتابة تكليف على الصبيّ في دفتر التشريع-كما اعترف بذلك هذا العَلَم في الاستدلال على عدم وجوب الخمس في مال الصبيّ-فلذا لا يصلح للقرينية على صرف الأمر بالاستئذان في الآية عن ظهوره في الوجوب ؛ و ذلك لأنّ الآية ظاهرة8.

ص: 257


1- -النور (24):58.

في كتابة التكليف على الصبيّ في هذا المورد ، و عليه لا مناص من تقييد إطلاق الحديث بمدلول الآية في خصوص هذا المورد.و يمكن الجواب عن الثاني:بأنّ حرمة النظر حالة الخلوة و التطلّع إلى ما يستقبح من الغير ، مستلزمة لحرمة النظر إلى عورته قطعاً ، بل هي متوقّفة على حرمة النظر إلى العورة.و لكنّ الذي يمكن أن يناقش به في دلالة الآية على ذلك:هو أنّها بصدد بيان تكليف الزوج و الزوجة يمنع الصبيّ عن التطلّع إليهما حال الخلوة ؛ و أمره بالاستئذان ، و تعويده على عدم الدخول عليهما بغتةً بغير إذنهما ، و هذا الغرض معلوم من سياق الآية.و هذا النحو من الخطاب رائج بين أهل العرف.و على هذا الوزان أيضاً قوله تعالى: «لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَ لا عَلَيْهِمْ جُناحٌ بَعْدَهُنَّ طَوّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلى بَعْضٍ» في ذيل الآية.المقام الثاني:في حكم نظر الغير إليهما ، يمكن الاستدلال على جواز نظر كلّ من الرجل إلى الصبيّة و المرأة إلى الصبيّ-على فرض حرمة نظرها إلى الرجل- بأمرين:فأوّلاً:بانصراف قوله تعالى: «وَ لا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ...» عن غير البالغات ؛ نظراً إلى عدم شمول التكليف لغير البالغ ، و عليه فلا تدلّ الآية على وجوب التستّر على الصبيّة ، فإذا لم يجب عليها التستّر ، يجوز نظر الغير إليها بالملازمة العرفية ، كما مرّ بيانها سابقاً.و ثانياً:بصحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج ، قال:سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن الجارية التي لم تدرك ، متى ينبغي لها أن تغطّي رأسها ممّن ليس بينها و بينه محرم ،

ص: 258

و متى يجب عليها أن تقنّع رأسها للصلاة ؟ قال عليه السلام: «لا تغطّي رأسها حتّى تحرم عليها الصلاة» (1).و لا إشكال في دلالتها على عدم وجوب التستّر على الصبيّة غير البالغة ؛ و جواز إبدائها شعرها ما لم تحض ، و بذلك يثبت جواز النظر إليها بالملازمة العرفية.و أمّا الاستدلال بإطلاق قوله تعالى: «قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ...

وَ قُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ» على عدم جواز النظر إلى الصبيّ و الصبيّة ؛ نظراً إلى عدم ذكر متعلّق خاصّ له ، فيدلّ بإطلاقه على وجوب غضّ البصر عن جميع المؤمنات ؛ سواءٌ كنّ بالغات ، أم غيرهنّ ، و كذا في أمر المؤمنات بغضّ البصر عن الرجال الأجانب من المؤمنين.ففيه:أنّ التقابل بين المؤمنين و المؤمنات في هذه الآية ، يوجب ظهورها في وجوب غضّ كلّ طائفة عن الجنس المخالف ؛ من البالغين و البالغات المكلّفين بالأمر بالغضّ ، فكلّ من الطائفتين-ضمن تكليفه بغضّ البصر عن الاُخرى-اُمر بغضّ البصر عنه أيضاً.و الحاصل:أنّ المستفاد من هذه الآية ، وجوب غضّ البصر عن المكلّفين من المؤمنين و المؤمنات ، فلا تدلّ على وجوب غضّ البصر عن غير البالغين ؛ لعدم توجّه تكليف إليهم في الآية ، فإنّهم خارجون عن المقصود من المؤمنين و المؤمنات.2.

ص: 259


1- -وسائل الشيعة 20:228 ، كتاب النكاح ، أبواب مقدّمات النكاح و آدابه ، الباب 126 ، الحديث 2.

(مسألة 25):يجوز للرجل أن ينظر إلى الصبيّة ما لم تبلغ إذا لم يكن فيه تلذّذ و شهوة.نعم الأحوط الأولى الاقتصار على مواضع لم تجرِ العادة على سترها بالألبسة المتعارفة ، مثل الوجه و الكفّين و شعر الرأس و الذراعين و القدمين ، لا مثل الفخذين و الأليين و الظهر و الصدر و الثديين ، و لا ينبغي ترك الاحتياط فيها(1).و الأحوط عدم تقبيلها و عدم وضعها في حجره إذا بلغت ستّ سنين (2).تحرير الوسيلة 2:232-233

حكم نظر الرجل إلى الصبيّة و تقبيلها و وضعها في الحجرة

1-وجه جواز النظر إلى الصبيّة غير البالغة ، انصراف أدلّة المنع عنها ؛ لظهورها في حرمة النظر إلى النساء البالغات.و أمّا وجه الاحتياط الاستحبابي في ترك النظر إلى مواضع جرت العادة على سترها ، فهو جريان سيرة المتشرّعة على ترك النظر إليها و سترها.و لعلّ هذه السيرة لم يحرزها السيّد الماتن ، فلذا احتاط استحباباً.و لكن يشكل غضّ النظر عن هذه السيرة في الصبيّة المميّزة المراهقة للبلوغ ، فلا يجوز ترك الاحتياط فيها بالنسبة إلى مواضع جرت العادة على سترها.

2-هذا الاحتياط وجوبي ؛ لأنّه موضوع مستقلّ لم يسبق بالفتوى بالجواز.ثمّ إنّه لا خلاف و لا إشكال في جواز تقبيل الرجل للصبيّة قبل أن يأتي عليها ستّ سنين ؛ للسيرة القطعية ، و أصالة البراءة من الحرمة ، و دلالة مفهوم النصوص الآتية.

ص: 260

و أمّا بعد ستّ سنين فقد قال في «الجواهر»:«نعم ينبغي عدم وضع الصبيّة في الحجر و تقبيلها إذا كان قد أتى لها ستّ سنين ، بل خمس ؛ فإنّ ذلك ربما يثير الشهوة» (1) ، و ظاهر كلامه استحباب الاجتناب عن ذلك ؛ لقوله:«ينبغي» و لتعليله بكونه في معرض إثارة الشهوة.و قد حمل في «المستمسك» النصوص الواردة في ذلك على الكراهة:فمنها:معتبرة عبد اللّه بن يحيى الكاهلي ، قال:سأل أحمد بن النعمان أبا عبد اللّه عليه السلام فقال له:جويرية ليس بيني و بينها رحم ، و لها ستّ سنين ، قال عليه السلام: «لا تضعها في حِجرك» (2).و في سندها إشكال ؛ لاحتمال عدم حضور الكاهلي في مجلس سؤال أحمد بن النعمان للإمام عليه السلام مع عدم ثبوت وثاقة هذا الرجل.و أمّا دلالتها فهي على الحرمة ؛ لظهور النهي فيها ، فتستفاد حرمة حمل الصبيّة البالغة ستّ سنين و وضعها في الحجر.و أمّا التقبيل فلا يبعد استفادة حرمته بالملازمة.مضافاً إلى كونه مظنّة لإثارة الشهوة و خوفها.و منها:رواية زرارة ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«إذا بلغت الجارية الحرّة ستّ سنين ، فلا ينبغي لك أن تقبّلها» (3).2.

ص: 261


1- -جواهر الكلام 29:83.
2- -الفقيه 2:275 ؛ وسائل الشيعة 20:229 ، كتاب النكاح ، أبواب مقدّمات النكاح و آدابه ، الباب 127 ، الحديث 1.
3- -وسائل الشيعة 20:230 ، كتاب النكاح ، أبواب مقدّمات النكاح و آدابه ، الباب 127 ، الحديث 2.

و منها:مرفوعة زكريّا المؤمن ، قال:قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «إذا بلغت الجارية ستّ سنين فلا يقبّلها الغلام» (1).و منها:مرسل علي بن عقبة ، عن أبي الحسن الكاظم عليه السلام-في حديث-قال:

«إذا أتت على الجارية ستّ سنين ، لم يجز أن يقبّلها رجل ليست هي بمحرم له ، و لا يضمّها إليه» (2).و لا إشكال في دلالة هذه النصوص بمجموعها ، على حرمة حمل الجارية البالغة ستّ سنين ، و تقبيلها ، و وضعها في الحِجر.و أمّا سندها ، فأكثرها و إن كان ضعيفاً بآحاده ، إلّا أنّها كثيرة بالغة حدّ الاستفاضة.هذا مع كون ذلك مظنّة لإثارة الشهوة.اللهمّ إلّا أن يدّعى جريان السيرة القطعية من المتشرّعة على خلاف ظاهر هذه النصوص.و لكن إحرازها مشكل جدّاً ، و لذا فلا وجه لحملها على الكراهة.و على أيّ حال:بعد دلالة هذه النصوص الكثيرة على الحرمة ، يشكل الفتوى بالجواز ، فلا مناص من الاحتياط الوجوبي بترك ذلك ، كما اختاره السيّد الماتن قدس سره.6.

ص: 262


1- -وسائل الشيعة 20:230 ، كتاب النكاح ، أبواب مقدّمات النكاح و آدابه ، الباب 127 ، الحديث 4.
2- -وسائل الشيعة 20:230 ، كتاب النكاح ، أبواب مقدّمات النكاح و آدابه ، الباب 127 ، الحديث 6.

(مسألة 26):يجوز للمرأة النظر إلى الصبيّ المميّز ما لم يبلغ ، و لا يجب عليها التستّر عنه ؛ ما لم يبلغ مبلغاً يترتّب على النظر منه أو إليه ثوران الشهوة ؛ على الأقوى في الترتّب الفعلي ، و على الأحوط في غيره(1) .

تحرير الوسيلة 2:233

حكم تستّر المرأة من الصبيّ

1-أمّا الكلام من جهة تستّر المرأة من الصبيّ المميّز ، فيظهر من قوله تعالى:

«أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ» (1) ، وجوب التستّر منه عليها ؛ و ذلك لكون الصبيّ المميّز ، من قبيل الطفل الذي ظهر على عورات النساء ، فيبقى تحت عموم المنع في العقد المستثنى منه.هذا بالنسبة إلى مدلول الآية.و لكن ورد في النصوص صحيحتان عن البَزَنْطي ، تدلّان على عدم وجوب تستّر المرأة عن الصبيّ حتّى يبلغ:إحداهما:ما رواها عن أبي الحسن الرضا عليه السلام: «يؤخذ الغلام بالصلاة و هو ابن سبع سنين ، و لا تغطّي المرأة شعرها منه حتّى يحتلم» (2).و الاُخرى:ما رواها عنه عليه السلام: «لا تغطّي المرأة رأسها من الغلام حتّى يبلغ الغلام» (3).

ص: 263


1- -النور (24):31.
2- -وسائل الشيعة 20:229 ، كتاب النكاح ، أبواب مقدّمات النكاح و آدابه ، الباب 126 ، الحديث 3.
3- -وسائل الشيعة 20:229 ، كتاب النكاح ، أبواب مقدّمات النكاح و آدابه ، الباب 126 ، الحديث 4.

و قد فُسّر «الطفل الذي ظهر على عورات النساء» بالغلام المراهق الذي بلغ حدّ ثوران الشهوة.و لكن مقتضى الجمع بين هاتين الصحيحتين و بين ظاهر الآية الشريفة المزبورة ، حمل مدلولها على مفادهما ، فيحمل «الطفل الذي ظهر على عورات النساء»-في الآية-على البالغ من الصبيان ، و عليه فمقتضى إطلاق الآية ، جواز كشف المرأة جميع مواضع بدنها أمام الصبيّ.و لكن لا بدّ من الاقتصار على الرأس ، و الرقبة ، و الشعر ؛ نظراً إلى استقرار السيرة القطعية بين النساء المتشرّعات ، على ستر سائر مواضع بدنهنّ من الصبيّ المميّز.و أمّا إذا قلنا:بأنّ المراد من «الطفل الذي لم يظهر على عورات النساء» خصوص غير المميّز-كما يشعر به التعبير ب «الطِّفْلِ» و أنّ الموصول و الصلة وصف له-فيدخل المميّز في الذي ظهر على عورات النساء في عقد المستثنى منه ، فحينئذٍ إطلاق الآية يقتضي عدم جواز كشف المرأة شيئاً من مواضع بدنها أمام الصبيّ المميّز ، فيقيّد النصّ الصريح في جواز كشفها رأسها و شعرها أمام الصبيّ ما لم يحتلم و إن كان مميّزاً.ثمّ إنّه قد يستدلّ على الجواز بآية الاستئذان في غير الأوقات الثلاثة المعبّر عنها ب «ثَلاثُ عَوْراتٍ» .و لكنّه غير صحيح ؛ لظهورها في كون ملاك المنع هو التطلّع إلى العورة ، و ليس حرمة ذلك إلّا لعدم جواز كشف عورة النساء-بل الرجال-أمام غير البالغين.و أمّا عند ثوران الشهوة-بل و خوف ذلك-فلا إشكال في حرمة كشفها

ص: 264

(مسألة 21):لا يجب الأمر و النهي على الصغير و لو كان مراهقاً مميّزاً ، و لا يجب نهي غير المكلّف كالصغير و المجنون و لا أمره.نعم لو كان المنكر ممّا لا يرضى المولى بوجوده مطلقاً ، يجب على المكلّف منع غير المكلّف عن إيجاده(1) .

تحرير الوسيلة 1:452 مطلقاً ؛ بلا فرق بين مواضع بدنها ، و لا بين المميّز و غير المميّز ؛ لما فيه من الفتنة و الفساد ، وبل و خوف ذلك يوجب الاحتياط ، كما قال به السيّد الماتن في الفرض الأخير من كلامه قدس سره.

هل يجب نهي الصبيّ عن المنكر؟

1-مقتضى القاعدة:أنّ كلّ ما ليس بواجب لا يجب الأمر به ، و ما لا يحرم فعله لا يجب النهي عنه ؛ إلّا أنّ في الشريعة بعض المنكرات يقطع بعدم رضا الشارع بوقوعه من أيّ أحدٍ كان ، مثل القتل ، و الزنا ، و اللواط ، و السرقة ، و شرب المسكر ، و الإهانة لمقدّسات الشريعة و شعائر اللّه تعالى كما يقطع بعدم رضاه بترك بعض الواجبات المهمّة ، و لذا دلّت النصوص المتضافرة على ثبوت جلد الصبيّ و تعزيره و تأديبه على ترك بعض الواجبات ، مثل الصوم ، و الصلاة.و قد أفتى به الفقهاء ، كما عن الشهيد في «البيان» (1) ، و السيّد في «المدارك» (2) ، و حكم العلّامة في «القواعد» (3) بمطالبة الصبيّ بالصلاة إذا بلغ تسع سنين ، و التشديد

ص: 265


1- -البيان:153.
2- -مدارك الأحكام 6:160.
3- -قواعد الأحكام 1:312 و 383.

على الصبيّة البالغة سبع سنين في الصوم.و في «الحدائق» (1):«أنّه يؤخذ الصبيان بذلك-إذا أطاقوه-و إن لم يكن واجباً عليهم» و كذا في «الجواهر» (2) و غيره.و حكم في «الجواهر» (3) أيضاً بمنع الصبيان عن عمل الصور المجسّمة.و قد دلّت النصوص على تعزير الصبيّ و جلده على الزنا ، كما في صحيح أبي بصير ، و موثّق ابن بكير (4) ، و سيأتي ذكرهما.كما أفتى به الفقهاء ، و ستأتي كلماتهم في البحث عن تعزير الصبيّ.و كذا أفتوا بذلك في لواط الصبيّ.نعم ، في موارد تضييع المال و التعدّي ، يكره تعزيره بأكثر من عشرة أسواط ، بل ستّة ، أو خمسة ، كما دلّت عليه موثّقتا إسحاق بن عمّار ، و مرسل «الفقيه» (5).و على أيّ حال:لا إشكال في وجوب منع الصبيّ بالتعزير و التأديب ، مع فرض ترتّب الفساد و الفتنة على تركه.و أمّا اختلاف النصوص في بيان مراتب التأديب ، فلاختلاف مراتب شرف الزمان و المكان ، و شناعة ما ارتكبه من فعل الحرام ، و طاقة بدنه ، كما صرّح بذلك كلّه في «الجواهر» (6).5.

ص: 266


1- -الحدائق الناضرة 13:176.
2- -جواهر الكلام 26:27.
3- -جواهر الكلام 22:43.
4- -وسائل الشيعة 28:81 ، كتاب الحدود و التعزيرات ، أبواب حدّ الزنا ، الباب 9 ، الحديث1 و2.
5- -وسائل الشيعة 28:51 ، كتاب الحدود و التعزيرات ، أبواب مقدّمات الحدود ، الباب 30 ، الحديث 2 ؛ و375 ، أبواب بقيّة الحدود و التعزيرات ، الباب 10 ، الحديث 1 و2.
6- -جواهر الكلام 41:445.

و من هذا القبيل دخوله على الوالدين في أوقات الخلوة بغير إذنهما ، كما دلّت على وجوب منعه من ذلك آية الاستئذان ، و قد سبق البحث عن ذلك مفصّلاً.و منها غير ذلك من الموارد المنبثّة في الفقه من أوّله إلى آخره ، و على المحقّق أن يفحص عن كلمات الفقهاء و النصوص الواردة في ذلك.و يعلم من ذلك كلّه ، وجوب نهي الصبيّ و ردعه عن ارتكاب مثل هذه المنكرات و المحرّمات الخطيرة في نظر الشارع الأقدس.و قد وقع الكلام في أنّه هل يجب نهي الصبيّ عن المحرّمات الخطيرة على غير الوليّ ؟ مقتضى التحقيق:أنّ منع الصبيّ و نهيه بغير الضرب-أعني بالوعظ و الإرشاد و الإزعاج اللساني ؛ عند توقّف الردع عليه-يجب على كلّ مؤمن ؛ نظراً إلى القطع بعدم رضا الشارع بوقوع مثل هذه المحرّمات من أيّ أحد ، فيدخل تحت إطلاقات أدلّة وجوب النهي عن المنكر ، و لا سيّما قوله تعالى: «وَ الْمُؤْمِنُونَ وَ الْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ...» (1) ؛ بناءً على ظهوره في جعل الولاية لهم على ذلك.و لا يخفى:أنّ إطلاق النصوص من جهة المأمور و شمولها لغير البالغين في المنكرات الخطيرة المهمّة من هذه الحيثية ، لا ينافي اختصاصها من جهة الآمر بالبالغين.و أمّا التأديب و التعزير فلا يجوز إلّا لوليّه ، أو وليّ الأمر ؛ أي الحاكم الشرعي ، كما ثبت في محلّه بدلالة النصوص و فتوى الفقهاء.مع أنّ بعض ما أشرنا إليه من1.

ص: 267


1- -التوبة (9):71.

النصوص ، يدلّ على ذلك ، و سيأتي ذكرها في تعزير الصبيّ.

حكم سقي الصبيّ المسكر

مقتضى القاعدة الأوّلية عدم جواز سقي الحرام و إطعامه الصبيّ ؛ لأنّ حرمة ذلك و إن لم تثبت في حقّ الصبيّ ، حيث لا تكليف له بواجب ، و لا حرامٍ ، إلّا أنّه يجب على الغير نهيه عن ذلك ، فلا يخرج عن مقتضى هذه القاعدة إلّا بدليل خاصّ.و لذا قال السيّد في «العروة»:«لا يجوز سقي المسكرات للأطفال ، بل يجب ردعهم.و كذا سائر الأعيان النجسة إذا كانت مضرّة لهم ، بل مطلقاً...» (1).أقول:لا إشكال و لا خلاف في عدم جواز سقي المسكر للصبيّ ، و قد دلّت على ذلك عدّة من النصوص البالغة حدّ الاستفاضة ، مثل صحيح أبي الربيع الشامي ، قال:سئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن الخمر ، فقال عليه السلام:«قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله:إنّ اللّه-عزّ و جلّ-بعثني رحمةً للعالمين ، و لأمحق المعازف و المزامير ، و امور الجاهلية ، و الأوثان و قال صلى الله عليه و آله:أقسم ربّي:لا يشرب عبد لي خمراً في الدنيا ، إلّا سقيته مثل ما يشرب منها من الحميم ؛ معذّباً له ، أو مغفوراً له ، و لا يسقاها عبد لي صبيّاً صغيراً أو مملوكاً ، إلّا سقيته مثل ما سقاه من الحميم يوم القيامة ؛ معذّباً ، أو مغفوراً له» (2).و صحيح عجلان أبي صالح ، قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول:«يقول اللّه عزّ و جلّ:من شرب مسكراً أو سقاها صبيّاً لا يعقل ، سقيته من ماء الحميم ؛

ص: 268


1- -العروة الوثقى 1:187.
2- -وسائل الشيعة 25:307 ، كتاب الأطعمة و الأشربه ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 10 ، الحديث 1.

مغفوراً له ، أو معذّباً...» (1).و ما رواه الصدوق في «الخصال» بإسناده عن علي عليه السلام-في حديث الأربعمائة-قال:«من سقى صبيّاً مسكراً و هو لا يعقل ، حبسه اللّه عزّ و جلّ في طينة خبال حتّى يأتي ممّا صنع بمخرج» (2).و أمّا ردعه عن شربه ، فحكم في «العروة» بوجوبه ، و وافقه سائر الفقهاء في التحشية ، و الوجه فيه أنّه إذا علمنا-بدلالة النصوص المزبورة-أنّ الشارع لا يرضى بشرب الصبيان للمسكر ، فلا مناص من الالتزام بوجوب ردعهم عن ذلك.و أمّا سقي الأعيان النجسة و المتنجّسة و إطعامها للصبيان ، و كذا ردعهم عن شربها و أكلها ، فالأقوى جواز السقي و عدم وجوب الردع ؛ إلّا إذا كان شربها أو أكلها مضرّاً لهم في حدّ الخوف على أنفسهم من هلاك ، أو مرض شديد ، فلا يجوز حينئذٍ سقيها ، و لا إطعامها لهم ؛ و ذلك لعدم جواز الإضرار في هذا الحدّ بالمؤمنين الشاملين للصبيان أيضاً.و أمّا ما يوجب ضرراً خفيفاً لا يخاف به عليهم ، فلا دليل على حرمته على غير الوليّ ؛ و إن حسن الإرشاد له.و أمّا الوليّ فالظاهر حرمة سقيه و إطعامه للصبيّ إذا كان مضرّاً له و لو دون حدّ خوف الهلاك ؛ و ذلك لوجوب حفظ الصبيان عن أيّ خطر و ضرر معتنى به على أوليائهم ، نظراً إلى اقتضاء جعل الولاية ؛ حيث إنّها تبتني على أساس حفظ المولّى عليه.6.

ص: 269


1- -وسائل الشيعة 25:308 ، كتاب الأطعمة و الأشربه ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 10 ، الحديث 3.
2- -وسائل الشيعة 25:309 ، كتاب الأطعمة و الأشربه ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 10 ، الحديث 6.

قيل:إنّه يكره أن يُزاد في تأديب الصبيّ على عشرة أسواط ، و الظاهر أنّ تأديبه بحسب نظر المؤدّب و الوليّ ، فربما تقتضي المصلحة أقلّ و ربما تقتضي الأكثر ، و لا يجوز التجاوز ، بل و لا التجاوز عن تعزير البالغ ، بل الأحوط دون تعزيره ، و أحوط منه الاكتفاء بستّة أو خمسة(1) .

تحرير الوسيلة 2:453

تأديب الصّبي و تعزيره

1-يقع الكلام هنا في أمرين:الأوّل:في أصل مشروعية تعزير الصبيّ.و الثاني:في مقداره.أمّا الأوّل:فلا إشكال في أصل مشروعية تأديب الصبيّ و تعزيره في الجملة ، و لا خلاف بين الفقهاء في ذلك ، و قد أفتى بتعزير الصبيّ صاحب «الجواهر» في الزنا ، و اللواط ، و القذف ، و غير ذلك من المحرّمات التي لها خطر في نظر الشارع ، كما نقله أيضاً عن «القواعد» و شرحها (1).و قد دلّت النصوص على تعزير الصبيّ و جلده على الزنا ، كما في صحيح أبي بصير ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:في غلام صغير لم يدرك-ابن عشر سنين-زنى بامرأة ، قال عليه السلام:«يجلد الغلام دون الحدّ ، و تجلد المرأة الحدّ كاملاً...» (2).و في موثّق ابن بكير ، عن أبي مريم ، قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام في آخر ما لقيته عن غلام لم يبلغ الحُلُم ، وقع على امرأة ، أو فجر بامرأة ، أيّ شيء يصنع بهما ؟

ص: 270


1- -جواهر الكلام 41:321 و379.
2- -وسائل الشيعة 28:82 ، كتاب الحدود و التعزيرات ، أبواب حدّ الزنا ، الباب 9 ، الحديث 1.

قال عليه السلام:«يجلد الغلام دون الحدّ ، و يقام على المرأة الحدّ» (1).و مثلهما غيرهما من النصوص الواردة في سائر أبواب الفقه.و أمّا إطلاق نصوص «رفع القلم عن الصبيّ» فلا مانع من تقييده بهذه النصوص في موارد خاصّة.هذا مع عدم منافاته لعدم تكليف الصبيّ و نفي العقاب الاُخروي ؛ فإنّ الحكمة في تعزيره ، تأديبه و عدم إشاعة الفحشاء و الفساد بين المؤمنين.و أمّا الثاني:فقال في «الشرائع »:«إنّه يكره أن يزاد في تأديب الصبيّ على عشرة أسواط».و أشكل عليه في «الجواهر» (2) بعدم دليل واضح على ذلك.و لكن يخطر بالبال عند التأمّل:أنّ في موارد تضييع المال و الإضرار و الإيذاء ، يكره التعدّي في تعزير الصبيّ عن خمسة أسواط ، كما دلّ عليه موثّق إسحاق بن عمّار ، قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:ربما ضربت الغلام في بعض ما يجرم ، قال عليه السلام:«و كم تضربه ؟» قلت:ربما ضربته مائةً ، فقال عليه السلام:«مائة ؟! مائة ؟!» فأعاد ذلك مرّتين ، ثمّ قال عليه السلام:«حدّ الزنا ؟! اتق اللّه».فقلت:جعلت فداك ، فكم ينبغي لي أن أضربه ؟ فقال:«واحداً» فقلت:و اللّه ، لو علم أنّي لا أضربه إلّا واحداً ، ما ترك لي شيئاً إلّا أفسده ، قال عليه السلام:«فاثنين» فقلت:هذا هو هلاكي ، قال:فلم أزل اماكسه حتّى بلغ خمسة ، ثمّ غضب فقال:«يا إسحاق ، إن كنت تدري حدّ ما أجرم فأقم الحدّ فيه ، و لا تعدّ حدود اللّه» (3).2.

ص: 271


1- -وسائل الشيعة 28:82 ، كتاب الحدود و التعزيرات ، أبواب حدّ الزنا ، الباب 9 ، الحديث 2.
2- -جواهر الكلام 41:444.
3- -وسائل الشيعة 28:51 ، كتاب الحدود و التعزيرات ، أبواب حدّ الزنا ، الباب 30 ، الحديث 2.

و المستفاد من كلام السائل:«ما ترك لي شيئاً إلّا أفسده» اختصاصها بالإفساد و الإضرار المالي.و لا يخفى:أنّ السؤال و إن كان عن حكم تأديب الأب لولده الصغير ، إلّا أنّه يستفاد من كلام الإمام عليه السلام عدم جواز تعزير الصبيّ على ما أجرمه أكثر من ذلك مطلقاً ، فيشمل تعزير الحاكم أيضاً ، فلا فرق بينه و بين الأب في عدم جواز التعدّي عن خمسة أسواط في موارد الإضرار المالي.نعم ، خبر المعلّى بن محمّد مطلق يشمل غير المورد المذكور ؛ فإنّه روى عن الحسن بن علي بن فضّال ، عن حمّاد بن عثمان ، قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام في أدب الصبيّ و المملوك ، فقال عليه السلام:«خمسة ، أو ستّة ، و ارفق» (1) و في موثّقه الآخر حدّد التعزير بما بين عشرة إلى عشرين سوطاً ؛ قال:

سألت أبا إبراهيم عن التعزير ، كم هو ؟ قال عليه السلام:«بضعة عشرة سوطاً ؛ ما بين العشرة إلى العشرين» (2).و كذا في مرسل «الفقيه» قال الصدوق:قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله:«لا يحلّ لوالٍ -يؤمن باللّه و اليوم الآخر-أن يجلد أكثر من عشرة أسواط ؛ إلّا في حدٍّ...» (3).و مقتضى إطلاق نصوص الزنا ، جواز جلد الصبيّ الزاني ما دون الحدّ ، و لذا2.

ص: 272


1- -وسائل الشيعة 28:372 ، كتاب الحدود و التعزيرات ، أبواب بقيّة الحدود ، الباب 8 ، الحديث 1.
2- -وسائل الشيعة 28:375 ، كتاب الحدود و التعزيرات ، أبواب بقيّة الحدود ، الباب 10 ، الحديث 1.
3- -وسائل الشيعة 28:375 ، كتاب الحدود و التعزيرات ، أبواب بقيّة الحدود ، الباب 10 ، الحديث 2.

فقد يوجّه ما ذهب إليه صاحب «الشرائع» بحمل هذه المرسلة على الكراهة ؛ بقرينة النصوص المجوّزة.و لكنّه غير وجيه ؛ إذ المرسلة صريحة في نفي الجواز ، فلا مناص من طرحها.هذا مع عدم وصول النوبة إلى ذلك ؛ لضعفها بالإرسال.و على أيّ حال:لا بدّ في تأديب الصبيّ من مراعاة طاقته ، و ملاحظة أهمّية الذنب ، كما في صحيح حمّاد بن عثمان ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:قلت له:كم التعزير ؟ فقال عليه السلام:«دون الحدّ» قال:دون ثمانين ؟ قال:«لا ، و لكن دون أربعين ؛ فإنّها حدّ المملوك».قلت:و كم ذاك؟ قال:«على قدر ما يراه الوالي من ذنب الرجل، و قوّة بدنه» (1).فتحصّل:أنّه لا إشكال في وجوب تأديب الصبيّ و تعزيره ؛ مع فرض ترتّب الفساد و الفتنة على تركه.و أمّا اختلاف النصوص في بيان مراتب التعزير و التأديب ، فمحمول على اختلافه باختلاف مراتب شرف الزمان ، و مكان ارتكاب المعصية ، و شناعة ما ارتكبه من فعل الحرام ، و طاقة بدنه ، كما صرّح بذلك كلّه في «الجواهر» (2).هذا كلّه في الأب و الحاكم.و أمّا المعلّم ، فلا يجوز له التعدّي عن ثلاثة أسواط في تأديب التلميذ الصبيّ ؛ و ذلك بدلالة موثّقة السكوني ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«أنّ أمير المؤمنين عليه السلام ألقى صبيان الكتّاب ألواحهم بين يديه ليخيّر بينهم ، فقال عليه السلام:أما إنّها حكومة ، و الجور5.

ص: 273


1- -وسائل الشيعة 28:375 ، كتاب الحدود و التعزيرات ، أبواب بقيّة الحدود ، الباب 10 ، الحديث 3.
2- -جواهر الكلام 41:445.

فيها كالجور في الحكم أبلغوا معلّمكم:إن ضربكم فوق ثلاث ضربات في الأدب ، أقتصّ منه» (1).

تأديب الصبيّ و الصبية على ترك الصوم و الصلاة

دلّت النصوص على تعزير الصبيّ و تأديبه و كذا الصبيّة على ترك الصوم و الصلاة ، و قد أفتى به الفقهاء ، كما عن الشهيد في «البيان» (2) ، و السيّد في «المدارك» (3) ، و حكم العلّامة في «القواعد» (4) بمطالبة الصبيّ بالصلاة إذا بلغ تسع سنين ، و التشديد على الصبيّة البالغة سبع سنين في الصوم.و في «الحدائق» (5):«أنّه يؤخذ الصبيان بذلك-إذا أطاقوه-و إن لم يكن واجباً عليهم».و لكن لا خلاف بين الأصحاب في عدم وجوب ذلك ، بل إنّما يستحبّ تمرين الصبيّ و الصبيّة على الصلاة و الصوم ، كما صرّح بذلك في «الحدائق» و نقل عن الشيخ في «النهاية» و«المبسوط» و عن ابن الجنيد.نعم ، نقل عن الشيخ المفيد و ابن الجنيد:«أنّ الغلام إذا أطاق صيام ثلاثة أيّام ، يؤخذ بذلك» و عن ابني بابويه:«أنّه يؤخذ بذلك إذا بلغ تسع سنين» و رجّح العلّامة في «المختلف» قول الشيخ في «المبسوط».

ص: 274


1- -وسائل الشيعة 28:372 ، كتاب الحدود و التعزيرات ، أبواب بقيّة الحدود ، الباب 8 ، الحديث 2.
2- -البيان:152.
3- -مدارك الأحكام 6:160.
4- -قواعد الأحكام 1:312 و 383.
5- -الحدائق الناضرة 13:176.

و الوجه في اختلاف الأقوال ، هو اختلاف الأخبار الواردة ، فلا بدّ من التحقيق فيها:فمنها:صحيح الحلبي ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«إنّا نأمر صبياننا بالصيام إذا كانوا بني سبع سنين بما أطاقوا من صيام اليوم ؛ ما كان إلى نصف النهار ، أو أكثر من ذلك ، أو أقلّ ، فإذا غلبهم العطش و الغرث أفطروا ؛ حتّى يتعوّدوا الصوم ، و يُطيقوه ، فمروا صبيانكم إذا كانوا أبناء تسع سنين ما أطاقوا من صيام ، فإذا غلبهم العطش أفطروا» (1).و الغرث:-بالغين المعجمة ، و الراء المهملة ، و الثاء المثلّثة-هو الجوع.و قد روى الصدوق هذا الخبر في «الفقيه» أيضاً مرسلاً.و منها:مرسله الآخر عن الصادق عليه السلام قال:قال الصادق عليه السلام:«الصبيّ يؤخذ بالصيام إذا بلغ تسع سنين على قدر ما يطيقه ؛ فإن أطاق إلى الظهر أو بعده ، صام إلى ذلك الوقت ، فإذا غلب عليه الجوع و العطش أفطر» (2).و منها:صحيح معاوية بن وهب-في حديث-قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام:

في كم يؤخذ الصبيّ بالصيام ؟ قال عليه السلام:«ما بينه و بين خمس عشرة سنة ، و أربع عشرة سنة ، فإن هو صام قبل ذلك فدعه...» (3).1.

ص: 275


1- -وسائل الشيعة 10:234 ، كتاب الصوم ، أبواب من يصحّ منه الصوم ، الباب 29 ، الحديث 3.
2- -وسائل الشيعة 10:236 ، كتاب الصوم ، أبواب من يصحّ منه الصوم ، الباب 29 ، الحديث 11.
3- -وسائل الشيعة 10:233 ، كتاب الصوم ، أبواب من يصحّ منه الصوم ، الباب 29 ، الحديث 1.

و منها:موثّقة سماعة ، قال:سألته عن الصبيّ ، متى يصوم ؟:قال:«إذا قوي على الصيام» (1).و منها:موثّقة السكوني ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«إذا أطاق الغلام صوم ثلاثة أيّام متتابعة ، فقد وجب عليه صوم شهر رمضان» (2).و منها:صحيح علي بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال:سألته عن الغلام ، متى يجب عليه الصوم و الصلاة ؟ قال عليه السلام:«إذا راهق الحُلُم ، و عرف الصلاة و الصوم» (3).و الذي يستفاد من مجموع هذه النصوص ، أنّ ملاك أخذ الصبيّ بالصلاة و الصوم ، هو طاقة الصوم ، و معرفة الصلاة ، لا التمكّن من الإتيان بأجزائها و شروطهما على الوجه الصحيح ، و إلّا لا معنى للتعويد و التمرين عليهما.و أمّا اختلاف مقدار السنّ ، فبحسب اختلاف الأمزجة و الطبائع و القوّة.

بل يظهر منها أنّ ذلك هو الحدّ الذي يستحبّ فيه تعويد الصبيّ على الصوم و الصلاة.6.

ص: 276


1- -وسائل الشيعة 10:234 ، كتاب الصوم ، أبواب من يصحّ منه الصوم ، الباب 29 ، الحديث 2.
2- -وسائل الشيعة 10:235 ، كتاب الصوم ، أبواب من يصحّ منه الصوم ، الباب 29 ، الحديث 5.
3- -وسائل الشيعة 10:235 ، كتاب الصوم ، أبواب من يصحّ منه الصوم ، الباب 29 ، الحديث 6.

(مسألة 1):يشترط في وجوب الحدّ عليه امور:الأوّل:البلوغ ، فلو سرق الطفل لم يحدّ ، و يؤدّب بما يراه الحاكم ؛ و لو تكرّرت السرقة منه إلى الخامسة فما فوق.و قيل:يُعفى عنه أوّلاً ، فإن عاد ادّب ، فإن عاد حكّت أنامله حتّى تدمي ، فإن عاد قطعت أنامله ، فإن عاد قطع كما يقطع الرجل.و في سرقته روايات ، و فيها:«لم يصنعه إلّا رسول اللّه صلى الله عليه و آله و سلم و أنا» ؛ أي أمير المؤمنين عليه السلام.فالأشبه ما ذكرنا(1) .

تحرير الوسيلة 2:457

سرقة الصبيّ

1-لا خلاف و لا إشكال في أصل مشروعية تعزير الصبيّ و تأديبه-لأجل السرقة-بغير القطع ، و إنّما الكلام في قطع بنانه و أصابعه-بعد العفو و التهديد و التعزير-في صورة عوده إلى السرقة بعد ذلك ، فذهب أكثر الفقهاء إلى مشروعية ذلك للحاكم الشرعي ، كما عن الصدوق في «المقنع» ، و ابن حمزة في «الوسيلة» ، و الحلبي (1) ، و الشيخ في «النهاية» (2) ، و العلّامة في «المختلف» (3) ، و السيّد الطباطبائي في «الرياض» (4) ، و الشهيد الثاني في «المسالك» (5) ، و المحقّق الكركي في «جامع المقاصد» (6).

ص: 277


1- -الكافي في الفقه:411.
2- -الينابيع الفقهية 23:98.
3- -مختلف الشيعة 9:217.
4- -رياض المسائل 2:485، (ط-الحجري).
5- -مسالك الأفهام 14:478.
6- -جامع المقاصد 4:9.

و قد نقل هذا القول عن الفقهاء المحقّقين من القدماء و المتأخّرين.بل قال في «المختلف»:«إنّه مشتهر بين فقهائنا» و كذا نسبه إلى المشهور ابن فهد الحلّي في «المهذّب البارع» (1) ؛ و لقد أجاد في تحرير الأقوال في المسألة ، فراجع.قال الصدوق في «المقنع»:«و الصبيّ إذا سرق مرّة يعفى عنه ، فإن عاد قطعت أنامله أو حكّت حتّى تدمى ، فإن عاد قطعت أصابعه ، فإن عاد قطع أسفل من ذلك» (2).و قال أبو الصلاح الحلبي في «الكافي»:«و إذا ثبت سرق الصبيّ هدّد في الأوّلة ، و حُكّت أصابعه بالأرض حتّى تدمى في الثانية ، و قطعت أطراف أنامله الأربع من المفصل الأوّل في الثالثة ، و من المفصل الثاني في الرابعة ، و من اصول الأصابع في الخامسة» (3).و قال الشيخ في «النهاية»:«فإن كان صبيّاً عفي عنه مرّة ، فإن عاد ادّب ، فإن عاد ثالثة حكّت أصابعه حتّى تدمى ، فإن عاد قطعت أنامله ، فإن عاد بعد ذلك قطع أسفل من ذلك ، كما يقطع الرجل سواء» (4).و قال ابن حمزة في «الوسيلة »:«فأمّا الصبيّ فله خمسة أوجه:فإذا سرق أوّل مرّة عفي عنه ، فإن عاد ثانياً ادّب ، فإن عاد ثالثة حكّت أصابعه حتّى تدمى ، فإن عاد رابعاً قطعت أنامله ، فإن عاد خامساً قطع» (5).7.

ص: 278


1- -المهذّب البارع 5:92.
2- -الينابيع الفقهية 23:12 و71.
3- -الكافي في الفقه:411.
4- -النهاية:716.
5- -الينابيع الفقهية 23:98 و317.

و مثلها عبارات سائر الفقهاء الذين اختاروا هذا القول ، فراجع.و لكن ذهب عدّة من الفقهاء إلى عدم القطع في الصبيّ ؛ و أنّه يؤدّب لأجل السرقة ، فأفتوا بالاقتصار على تأديبه و تعزيره بما يراه الحاكم ، دون القطع ؛ فمن هذه الطائفة الشيخ المفيد ، حيث قال في «المقنعة»:«و إذا سرق الصبيّ ادّب ، و لم يقطع ، و عزّره الإمام بحسب ما يراه» (1).و منهم:العلّامة في «القواعد» قال:«فلو سرق الصبيّ لم يقطع ، بل يؤدّب و لو تكرّرت سرقته.و قيل:يعفى عنه أوّل مرّةٍ ، فإن سرق ثانياً ادّب ، و إن عاد ثالثاً حكّت أنامله حتّى تدمى ، فإن سرق رابعاً قطعت أنامله ، فإن سرق خامساً قطع كما يقطع الرجل.و ليس ذلك من باب التكليف ، بل يوجب التأديب على الحاكم باشتماله على المصلحة» (2).و منهم:ابن إدريس في «السرائر» (3).و على أيّ حال:فعمدة الوجوه في المقام قولان:أوّلهما:ما نسب إلى المشهور من العفو و التهديد في المرّة الاُولى ، و قطع البنان في الثانية ، و الأصابع في الثالثة ، و أسفل من ذلك في الرابعة ؛ مع اختلاف يسير في تعابيرهم في المرّات الأخيرة ، كما عرفته من الحلبي ، و الصدوق ، و الشيخ.و ثانيهما:ما اختاره جمع من فقهائنا قبال المشهور ؛ و هو الاكتفاء بالتعزير و التأديب ، و عدم جواز القطع ، كما ذهب إليه السيّد الماتن قدس سره و قد نسب هذا القول6.

ص: 279


1- -المقنعة:803.
2- -قواعد الأحكام 3:554.
3- -الينابيع الفقهية 23:256.

في «الجواهر» إلى المشهور ، و لكن لم أره في كلام غيره ، و اختاره أيضاً صاحب «الشرائع».و زاد في «الجواهر»:«أنّ غاية ما يمكن الالتزام به الإدماء بالحكّ ، أو بقطع اللحم من أطراف الأنامل شيئاً فشيئاً» و وجّه ذلك بما دلّ على قضاء أمير المؤمنين عليه السلام بقطع لحم الأنامل ، و بإمكان حمل القطع في بعض نصوص المقام على ذلك.و لكن من العجب أنّه قدس سره نسب إلى المشهور إعراضهم عن مفاد النصوص ، مع أنّك عرفت من كلام العلّامة في «المختلف» و ابن فهد الحلّي في «المهذّب البارع» نسبة ذلك إلى المشهور!و على أيّ حال:فعمدة دليل منع القطع عمومات «رفع القلم عن الصبيّ» و أصالة البراءة ، خصوصاً في الحدود التي تدرأ بالشبهات.و أمّا دليل ما نسب إلى المشهور في المقام فهو النصوص ، و هي مستفيضة ، بل متواترة ، و صريحة في القطع ، إلّا أنّ في بعضها ذكر التعزير في المرّة الثانية ، أو الثالثة ، و لكنّ أكثرها خالية عن ذكره ، فهي على طوائف:الطائفة الاُولى:ما دلّت على العفو في المرّة الاُولى و الثانية ، أو التعزير في الثانية و الثالثة ، و قطع أطراف الأصابع بعد التعزير ، و قطع أسفل من ذلك في الأخيرة ، كصحيح عبد اللّه بن سنان ، قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الصبيّ يسرق ، قال:«يعفى عنه مرّة و مرّتين ، و يعزّر في الثالثة ، فإن عاد قطعت أطراف أصابعه ، فإن عاد قطع أسفل من ذلك» (1).1.

ص: 280


1- -وسائل الشيعة 28:293 ، كتاب الحدود و التعزيرات ، أبواب حدّ السرقة ، الباب 28 ، الحديث 1.

و صحيح الحلبي ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«إذا سرق الصبيّ عفي عنه ، فإن عاد عُزّر ، فإن عاد قطع أطراف الأصابع ، فإن عاد قطع أسفل من ذلك» (1).الطائفة الثانية:ما ذكر فيها العفو ، ثمّ القطع ؛ من دون ذكر التعزير ، مثل صحيح محمّد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما السلام قال:سألته عن الصبيّ يسرق ، فقال عليه السلام:

«إذا سرق مرّة و هو صغير عفي عنه ، فإن عاد عفي عنه ، فإن عاد قطع بنانه ، فإن عاد قطع أسفل من ذلك» (2).و صحيح عبد اللّه بن سنان ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:في الصبيّ يسرق ، قال عليه السلام:

«يعفى عنه مرّةً ، فإن عاد قطعت أنامله ، أو حكّت حتّى تدمى ، فإن عاد قطعت أصابعه ، فإن عاد قطع أسفل من ذلك» (3).و موثّق إسحاق بن عمّار ، عن أبي الحسن عليه السلام قال:قلت:الصبيّ يسرق ، قال عليه السلام:«يعفى عنه مرّتين ، فإن عاد الثالثة قطعت أنامله ، فإن عاد قُطع المفصل الثاني ، فإن عاد قطع المفصل الثالث ، و تركت راحته و إبهامه» (4).الطائفة الثالثة:ما ذكر فيها القطع فقط ، مثل موثّق آخر لإسحاق بن عمّار ، قال:قلت لأبي إبراهيم عليه السلام:الصبيان إذا اتي بهم علي عليه السلام قطع أناملهم ، من أين قطع ؟5.

ص: 281


1- -وسائل الشيعة 28:294 ، كتاب الحدود و التعزيرات ، أبواب حدّ السرقة ، الباب 28 ، الحديث 2.
2- -وسائل الشيعة 28:294 ، كتاب الحدود و التعزيرات ، أبواب حدّ السرقة ، الباب 28 ، الحديث 4.
3- -وسائل الشيعة 28:295 ، كتاب الحدود و التعزيرات ، أبواب حدّ السرقة ، الباب 28، الحديث 7.
4- -وسائل الشيعة 28:298 ، كتاب الحدود و التعزيرات ، أبواب حدّ السرقة ، الباب 28 ، الحديث 15.

فقال عليه السلام:«من المفصل ؛ مفصل الأنامل» (1).و موثّق سماعة ، قال:«إذا سرق الصبيّ و لم يبلغ الحلم قطعت أنامله» و قال أبو عبد اللّه عليه السلام:«اتي أمير المؤمنين بغلام قد سرق و لم يبلغ الحلم ، فقطع من لحم أطراف أصابعه ، ثمّ قال:إن عدت قطعتُ يدك» (2).و لا يخفى:أنّ كلّ ذلك من باب التعزير و التأديب ، أو لدفع الضرر و منع شيوع الفساد و حفظ أموال المؤمنين ، و إيجاد الأمن المالي بينهم ، بل و حفظ نظام حكومة الإسلام عن الاختلال ، كما أشار إليه صاحب «الجواهر» (3) ، و غيره من الفقهاء المذكور بعضهم آنفاً ، و لذا لا ينافي نفي التكليف و رفع الحدود و الفرائض عن الصبيّ ؛ لأنّ ذلك من شئون الحاكم.و أمّا ما دلّ على إناطة جواز القطع بعلم الصبيّ بالعقوبة و نوعها ، كما في خبر محمّد بن خالد بن عبد اللّه القسري (4) ، أو اعتبار بلوغه تسع سنين ، كما في مرسل محمّد بن الحسين (5) ، أو سبع سنين ، كما في خبر محمّد بن عبد اللّه0.

ص: 282


1- -وسائل الشيعة 28:294 ، كتاب الحدود و التعزيرات ، أبواب حدّ السرقة ، الباب 28 ، الحديث 5.
2- -وسائل الشيعة 28:295 ، كتاب الحدود و التعزيرات ، أبواب حدّ السرقة ، الباب 28 ، الحديث 6.
3- -جواهر الكلام 41:479.
4- -وسائل الشيعة 28:296 ، كتاب الحدود و التعزيرات ، أبواب حدّ السرقة ، الباب 28 ،الحديث 11.
5- -وسائل الشيعة 28:296 ، كتاب الحدود و التعزيرات ، أبواب حدّ السرقة ، الباب 28 ،الحديث 10.

بن هلال (1) ، فكلّها ضعيفة السند غير قابلة للتعويل عليها ، و إنّما يكون ذلك من شئون الحاكم ؛ و باختيار وليّ الأمر و تشخيصه.نعم ، خصوص الرواية الأخيرة صحيحة بطريق الصدوق ، إلّا أنّها تدلّ على تفصيل مخالف لجميع نصوص المقام و أقوال الفقهاء ، فالأولى إيكال الخصوصيات إلى نظر الحاكم.نعم ، ورد في المقام صحيحتان قد يستدلّ بهما على اختصاص جواز القطع بالنبي صلى الله عليه و آله و أمير المؤمنين عليه السلام:اُولاهما:صحيحة زرارة ، قال:سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول:«اتي علي عليه السلام بغلام قد سرق ، فطرّف أصابعه (2) ، ثمّ قال:أما لئن عُدت لأقطعنّها ، ثمّ قال:أما إنّه ما عمله إلّا رسول اللّه صلى الله عليه و آله و أنا» (3).و أمّا التعبير في سنده ب «غير واحد» فلا يضرّ باعتبار السند ، بل يقوّيه ؛ لظهوره في كثرة الناقلين المغنية عن ذكر أساميهم.ثانيتهما:صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«إذا سرق الصبيّ و لم يحتلم ، قطعت أطراف أصابعه» قال:و قال عليه السلام:«و لم يصنعه إلّا رسول اللّه صلى الله عليه و آله و أنا» (4).9.

ص: 283


1- -وسائل الشيعة 28:297 ، كتاب الحدود و التعزيرات ، أبواب حدّ السرقة ، الباب 28 ،الحديث 12.
2- -أي خضّبها بدم أصابع الصبيّ.
3- -وسائل الشيعة 28:295 ، كتاب الحدود و التعزيرات ، أبواب حدّ السرقة ، الباب 28 ، الحديث 8.
4- -وسائل الشيعة 28:296 ، كتاب الحدود و التعزيرات ، أبواب حدّ السرقة ، الباب 28 ، الحديث 9.

و لكن لا تصلحان للاستدلال بهما على ذلك:حيث لا دلالة لهما على الاختصاص ، بل غاية مدلولهما عدم صدور القطع من غير النبي صلى الله عليه و آله و أمير المؤمنين عليه السلام و أمّا عدم جواز العمل بهذا الحكم و إجرائه لغيرهما من الحكّام الشرعيين ، فلا دلالة لهما عليه بوجهٍ.بل إطلاقات النصوص الصحيحة المذكورة تنفي هذا الاختصاص.و يؤيّده التصريح بالجواز لغيرهما في خبر محمّد بن خالد ، فلا دليل على اختصاص جواز الحكم بالقطع بالنبي صلى الله عليه و آله و أمير المؤمنين عليه السلام كما يفيده كلام السيّد الماتن قدس سره.و الحاصل:أنّه لا مناص من العمل بهذه النصوص ؛ فإنّها-لما لها من الكثرة البالغة حدّ التواتر ، و صراحتها في القطع ، و لا سيّما اعتضادها بفتوى أكثر الفقهاء ، بل مشهورهم-لا تبقي مجالاً للتشكيك في ذلك.و أمّا عمومات رفع قلم التكليف و الوضع عن الصبيّ ، فغاية مدلولها نفي التكليف ، و الأحكام الأوّلية الوضعية ؛ و الآثار الشرعية المعاملية ، و إلّا فلا ريب في ثبوت ضمان الإتلاف و اليد و نحو ذلك-ممّا يرجع إلى الإضرار بالناس و إفساد أموالهم-في حقّ الصبيّ.مع أنّ تلك العمومات قابلة للتخصيص بمورد السرقة ، كما خصّصت بموارد اخرى ، كالوصيّة و نحوها.هذا مضافاً إلى أنّ القطع من باب التعزير و التأديب ؛ و من شئون الإمام و الوالي ، و لذا يكون تشخيص شدّة الجرم و طاقة بدن الصبيّ السارق و ما يترتّب على عقوبته من المصلحة ، موكولاً إلى نظر الحاكم ؛ فربّ مورد لا يرى في إجراء القطع مصلحة ، و ربما يرى فيه المصلحة اللازمة ، و الكلام في أنّه على فرض تحقّق

ص: 284

شروط القطع و عدم الموانع من إجرائه ، هل يكون العمل بهذا الحكم مشروعاً ، أم لا ؟ فليس ذلك من باب الحدّ ؛ و إن كان جوازه و مشروعيته بالحكم الشرعي الأوّلي.فالأقوى في المقام هو العمل بمفاد الطائفة الاُولى من النصوص ؛ حيث لا تنافي سائر نصوص الباب ، لإمكان حمل ما دلّ على القطع خاصّةً ، على ما بعد العفو و التعزير ، كما يمكن حمل العفو في النصوص الخالية من ذكر التعزير ، على العفو عن القطع ، فلا ينافي ثبوت التعزير.مع أنّ ذلك يختلف بتشخيص الحاكم بحسب اختلاف الموارد ، فلا اضطراب و لا تهافت في نصوص المقام من هذه الجهة.و أمّا ما ذهب إليه الشيخ في «النهاية» و أشار إليه السيّد الماتن قدس سره-من قطع يد الصبيّ ، كقطع الرجل في المرّة الأخيرة-فلا يدلّ عليه شيء من نصوص المقام إلّا رواية واحدة ؛ و هي موثّقة إسحاق بن عمّار ، حيث صرّح فيها بقطع المفصل الثالث من الأصابع ، و ترك الراحة و الإبهام ، إلّا أنّه ليس حدّ الرجل السارق بتمامه ، بل يقطع بهذا النحو في المرّة الاُولى ، و أمّا في الثانية فتقطع رجله اليسرى من تحت قُبّة القدم ، ثمّ يحبس دائماً حتّى يموت ، ثمّ لو سرق أثناء الحبس قتل ، فما ذكر في هذه النصوص لا ينطبق شيء منها على حدّ الرجل.هذا كلّه في الصبيّ.و أمّا الصبيّة ، فالأحوط عدم جواز القطع ، و وجوب الاقتصار على التأديب و التعزير ؛ و ذلك لموثّقة السكوني ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«اتي علي عليه السلام بجارية لم تحض قد سرقت ، فضربها أسواطاً ، و لم يقطعها» (1).و أمّا المشهور فلم يذكر في كلامهم إلّا الصبيّ.كما لم يرد في شيء من6.

ص: 285


1- -وسائل الشيعة 28:295 ، كتاب الحدود و التعزيرات ، أبواب حدّ السرقة ، الباب 28 ، الحديث 6.

فلا يقتل المجنون ؛ سواء قتل عاقلاً أو مجنوناً.نعم تثبت الدية على عاقلته.

و لا يقتل الصبيّ بصبيّ و لا ببالغ و إن بلغ عشراً أو بلغ خمسة أشبار ، فعمده خطأ حتّى يبلغ حدّ الرجال في السنّ أو سائر الأمارات ، و الدية على عاقلته(1) .تحرير الوسيلة 2:496 النصوص ، قطع الصبيّة السارقة.مع كون ذلك مقتضى رفع قلم التكليف و الوضع و رفع الحدود عن غير البالغ.نعم ، يحتمل حمل ذكر لفظ «الصبيّ» على تغليب جانب الذكورة ، كما هو كذلك فيما دلّ على «رفع القلم عن الصبيّ» إلّا أنّ موثّقة السكوني تدفع هذا الاحتمال.و لكن يحتمل كون تركه للقطع في تلك القضية ، لأجل مصلحة كان هو عليه السلام أعلم بها بمقتضى ولايته ، فلا يدلّ ذلك على عدم مشروعيته مطلقاً.فعلى أيّ حال:لا يترك الاحتياط في الصبيّة السارقة بالاقتصار على التأديب.

قصاص الصبيّ و ديته

1-اشتهر بين الأصحاب اشتراط البلوغ في القصاص ؛ و أنّ الصبيّ لا يقتل بصبيّ و لا ببالغ قصاصاً ، بل نسب ذلك إلى الإجماع ، فعن «المهذّب البارع»:«أنّه المشهور» و عن «النافع»:«أنّه الأشهر» و عن «مجمع البرهان»:«أنّ عليه الأصحاب» بل عن «الخلاف» و«الغنية»:«عليه إجماع الطائفة و أخبارهم» كما نقله في «الجواهر» (1).

ص: 286


1- -جواهر الكلام 42:178.

و لقد أجاد في «مفتاح الكرامة» (1) في تحرير أقوال الفقهاء في المقام.و الحاصل:أنّ اشتراط البلوغ في القصاص و عدم جواز الاقتصاص من الصبيّ ، مورد اتّفاق الأصحاب و تسالمهم.نعم ، في الصبيّ البالغ عشراً أو خمسة أشبار ، احتمل المقدّس الأردبيلي ثبوت القصاص ، و سيأتي بيان مرامه و دليله و الجواب عنه.و الدليل على ارتفاع القصاص عن الصبيّ أمران:فأوّلاً:عمومات رفع قلم التكليف و الوضع عنه ؛ فإنّ العقوبة فرع ثبوت التكليف و حرمة الفعل ، مع أنّه مقتضى الاحتياط في الدماء.و ثانياً:النصوص المعتبرة الدالّة على أنّ «عمد الصبيّ و خطأه واحد» كما في صحيح محمّد بن مسلم (2) ، عن الصادق عليه السلام.و كقول أمير المؤمنين عليه السلام:«عمد الصبيان خطأ ؛ تحمله العاقلة» كما في موثّق إسحاق بن عمّار (3) ، عن الباقر عليه السلام.و كغير ذلك من النصوص الواردة بهذا المضمون ، و قد سبق ذكرها في أوائل البحث عن معاملات الصبيّ و حجره ، و واضح أنّ هذه الطائفة من النصوص ، صريحة في ارتفاع القصاص-بل الدية-عن الصبيّ ، و ثبوتها على عاقلته.نعم ، ورد في رواية مقطوعة أو مرسلة مذكورة في جوامعنا الفقهية:«أنّه يقتصّ من الصبيّ إذا بلغ عشراً» ، و حكي عن الشيخ في «النهاية» و«المبسوط» و«الاستبصار» العمل بها ، و لكن لا مستند لهذا القول و لا دليل عليه سوى هذه3.

ص: 287


1- -مفتاح الكرامة 11:28.
2- -وسائل الشيعة 29:400 ، كتاب الديات ، أبواب العاقلة ، الباب 11 ، الحديث 2.
3- -وسائل الشيعة 29:400 ، كتاب الديات ، أبواب العاقلة ، الباب 11 ، الحديث 3.

المرسلة ، و لذا قال في «الجواهر» بعد نقل ذلك:«لم نظفر بها مسندة ، كما اعترف به غير واحدٍ من الأساطين.نعم النصوص المسندة بجواز طلاقه و وصاياه و إقامة الحدود عليه ، موجودة ، و لعلّ من رواها أراد هذه النصوص بإدخال القصاص في الحدود ، أو أنّ مبنى ما تضمّنته على ثبوت البلوغ بذلك ، و لا فرق بينه و بين القصاص.و كيف كان فلم نقف عليها بالخصوص» (1).نعم ، ورد في المروي عن العسكري عليه السلام:«إذا تمّ للغلام ثمان سنين فجائز أمره ، و قد وجبت عليه الفرائض و الحدود» (2).و في موثّقة السكوني ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«قال أمير المؤمنين عليه السلام في رجل و غلام اشتركا في قتل رجلٍ ، فقتلاه ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام:إذا بلغ الغلام خمسة أشبار اقتصّ منه ، و إذا لم يكن يبلغ خمسة أشبار قضي بالدية» (3).و لكن الخبر الأوّل أعرض عنه الأصحاب ، و لم يعمل به أحد ، بل هو مخالف لضروري الدين من عدم تكليف الصبيّ بالفرائض ما لم يبلغ.و أمّا الموثّقة ، فيمكن حمل الخمسة أشبار على حدّ البلوغ ، كما أشار إليه في «الجواهر» فيكون هذا التعبير كناية عن البلوغ ، و إلّا فمفادها خلاف النصوص المتواترة المشار إلى بعضها آنفاً ، الدالّة على ارتفاع القصاص عنه ؛ و كون ديته على عاقلته.بل خلاف إجماع المسلمين ، كما صرّح به في1.

ص: 288


1- -جواهر الكلام 42:180.
2- -وسائل الشيعة 28:297 ، كتاب الحدود و التعزيرات ، أبواب حدّ السرقة ، الباب 28 ، الحديث 13.
3- -وسائل الشيعة 29:90 ، كتاب القصاص ، أبواب القصاص في النفس ، الباب 36 ، الحديث 1.

(مسألة 5):لو قتل البالغ الصبي قتل به على الأشبه ؛ و إن كان الاحتياط أن لا يختار وليّ المقتول قتله ، بل يصالح عنه بالدية(1) .

تحرير الوسيلة 2:497 «المسالك» (1) ؛ و إن أفتى بمضمون الأوّل الشيخ في «النهاية» (2) ، و بالثاني الصدوق في «المقنع» (3) ، و المفيد في «المقنعة» (4).مضافاً إلى عدم تصريح أحد بوثاقة النوفلي.و بذلك اتّضح بطلان ما عن الأردبيلي في المقام ؛ من تخصيص عمومات الرفع بمثل هذه الموثّقة و الخبر الذي قبلها ؛ لما عرفت من عدم صلاحيتهما للدليلية في نفسهما ، فضلاً عن تخصيص العمومات المتواترة الآبي بعضها عن التخصيص ، مثل ما ورد منها في خصوص القصاص.و أمّا ثبوت تخصيصها في موارد-مثل ضمان المتلفات ، و الوصيّة ، و القطع في السرقة ، و التعزير في الزنا و اللواط ، و غيرهما-فهو تابع للدليل الخاصّ المعتبر التامّ السند و الدلالة ، و هو لم يرد في المقام.و بهذا البيان اتّضح حكم دية الصبيّ ؛ و أنّها على عاقلته ، كما صرّح به فيما عرفته من النصوص.

قتل البالغ للصبيّ

1-المشهور بين الفقهاء أنّ البالغ إذا قتل الصبيّ ، يقتل به قصاصاً ، بل في «الجواهر»:«لم أجد فيه خلافاً بين المتأخّرين منهم ، بل و لا بين القدماء ،

ص: 289


1- -مسالك الأفهام 15:163.
2- -النهاية:760-761.
3- -المقنع:523.
4- -المقنعة:748.

عدا ما يحكى عن الحلبي من عدم قتله به» (1).و الدليل على ذلك عموم نصوص الاقتصاص من القاتل ، فهو يشمل الحرّ المقتول مطلقاً ؛ صبيّاً كان ، أم بالغاً.و ثبوت العموم و الإطلاق من ناحية المقتول ، لا ينافي عدم ثبوته في جانب القاتل ؛ بقرينة النصوص المتواترة و ارتكاز المتشرّعة الموجبين للانصراف.و يدلّ على ذلك موثّق ابن فضّال ، عن عبد اللّه بن بكير ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«كلّ من قتل شيئاً صغيراً أو كبيراً-بعد أن يتعمّد-فعليه القَوَد» (2).و هي موثّقة بطريق الصدوق ، و لكن رواها في «الوسائل» مرسلة بطريق الشيخ.و القَوَد:هو القصاص.و لا يخفى:أنّ احتياط الماتن قدس سره استحبابي ؛ لظهور قوله:«على الأشبه» في الفتوى بجواز القصاص.4.

ص: 290


1- -جواهر الكلام 42:184.
2- -وسائل الشيعة 29:76 ، كتاب القصاص ، أبواب القصاص في النفس ، الباب 31 ، الحديث 4.

أولياء الصغار

اشارة

(مسألة 5):ولاية التصرّف في مال الطفل و النظر في مصالحه و شئونه لأبيه و جدّه لأبيه(1) .

تحرير الوسيلة 2:14

ولاية الأب و الجدّ

1-لا خلاف في ولاية الأب و الجدّ للأب على الصغير ؛ بلا فرق بين الذكر و الاُنثى ، كما في «المسالك» و«الكفاية» (1) بل في «التذكرة» الإجماع ، و في «مجمع البرهان»:«إجماع الاُمّة» (2) ، و في «الجواهر»:«الإجماع بقسميه عليه» (3).بل قد دلّت النصوص المستفيضة-بل قيل:«المتواترة»-على ذلك ، و هي العمدة في الاستدلال ؛ لاحتمال استناد المجمعين في الحكم إلى هذه النصوص ، و قد وردت هذه النصوص في أولياء عقد النكاح ، و أموال اليتامى ، و في الوصيّة ، و نكتفي هنا بذكر بعضها:

ص: 291


1- -مسالك الأفهام 4:161 ؛ كفاية الأحكام:/13السطر 15.
2- -مجمع الفائدة و البرهان 9:231.
3- -جواهر الكلام 29:170.

فمنها:ما دلّت على صحّة وصيّة الأب بالولاية على الأطفال مطلقاً ، مثل معتبرة محمّد بن مسلم ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:أنّه سئل عن رجل أوصى إلى رجل بولده ، و بمال لهم ، و أذن له عند الوصيّة أن يعمل بالمال ، و أن يكون الربح بينه و بينهم ، قال:«لا بأس به ؛ من أجل أنّ أباه قد أذن له في ذلك و هو حيّ» (1).فإنّها و إن وردت في المضاربة بمال الصغير ، إلّا أنّ مقتضى عموم التعليل ، عدم اختصاص الحكم بالمضاربة ، كما تدلّ بالفحوى على ثبوت الولاية للجدّ ؛ لما سيأتي من النصوص الدالّة على أقوائية ولاية الجدّ من ولاية الأب.و منها:ما دلّت على جواز تصرّف الأب في مال ولده-صغيراً كان ، أو كبيراً-بغير إذنه ؛ معلّلاً بأنّ «الولد و ماله لأبيه» مثل صحاح محمّد بن مسلم ، و عبد اللّه بن سنان ، و سعيد بن يسار ، و ابن أبي يعفور ، و غيرها من النصوص البالغة حدّ الاستفاضة (2).و لكن تحمل إطلاقات هذه النصوص ، على صورة احتياج الأب إلى مال الولد ؛ و اضطراره إليه في قوته ، بل هو ظاهر نصوص متعدّدة من هذه الطائفة ، مثل صحيح عبد اللّه بن سنان (3) ، و خبر علي بن جعفر (4) ، و لا سيّما بقرينة صحيحة الحسين بن أبي العلاء (5) ، فإنّها حاكمة على إطلاقات هذه النصوص ، و ناظرة إليها ، و هي8.

ص: 292


1- -وسائل الشيعة 19:427 ، كتاب الوصايا ، الباب 92 ، الحديث 1.
2- -وسائل الشيعة 17:262-265 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 78 ، الحديث 1 و 3 و 4 و 5 و 7.
3- -وسائل الشيعة 17:263 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 78 ، الحديث 3.
4- -وسائل الشيعة 17:263 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 78 ، الحديث 6.
5- -وسائل الشيعة 17:265 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 78 ، الحديث 8.

صحيحة بطريق الصدوق في «معاني الأخبار».و منها:ما دلّت على ولاية الأب على عقد نكاح الصغير مطلقاً ؛ بلا فرق بين الذكر و الاُنثى ، مثل صحيح محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السلام:في الصبيّ يتزوّج الصبيّة ، يتوارثان ؟ فقال عليه السلام:«إذا كان أبواهما اللذان زوّجاهما فنعم» (1) .و من الواضح:أنّ المقصود من «الأبوين» في هذه الصحيحة ، هو أب الصبيّ و أب الصبيّة ، فتثنية «الأب» بلحاظ ذلك.و صحيح إسماعيل بن بزيع ، قال:سألت أبا الحسن عن الصبيّة يزوّجها أبوها ، ثمّ يموت و هي صغيرة ، فتكبر قبل أن يدخل بها زوجها ، يجوز عليها التزويج ، أو الأمر إليها ؟ قال عليه السلام:«يجوز عليها تزويج أبيها» (2).و صحيح ابن أبي يعفور ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«لا تنكح ذوات الآباء من الأبكار إلّا بإذن آبائهنّ» (3).و منها:ما دلّت على أولوية عقد الجدّ من عقد الأب ؛ بعد الفراغ عن ثبوت الولاية لهما ، مثل صحيح محمّد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما السلام قال:«إذا زوّج الرجل ابنة ابنه فهو جائز على ابنه ، و لابنه أيضاً أن يزوّجها» فقلت:فإن هوى أبوها رجلاً ، و جدّها رجلاً ؟ فقال عليه السلام:«الجدّ أولى بنكاحها» (4).و موثّق عبيد بن زرارة ، قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:الجارية يريد أبوها أن يزوّجها من رجل ، و يريد جدّها أن يزوّجها من رجلٍ آخر ، فقال عليه السلام:«الجدّ أولى1.

ص: 293


1- -وسائل الشيعة 20:292 ، كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح ، الباب 12 ، الحديث 1.
2- -وسائل الشيعة 20:275 ، كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح ، الباب 6 ، الحديث 1.
3- -وسائل الشيعة 20:277 ، كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح ، الباب 6 ، الحديث 5 و6.
4- -وسائل الشيعة 20:289 ، كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح ، الباب 11 ، الحديث 1.

بذلك ما لم يكن مضارّاً ؛ إن لم يكن الأب زوّجها قبله» (1).و صحيح هشام بن سالم و محمّد بن حكيم ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«إذا زوّج الأب و الجدّ كان التزويج للأوّل ، فإن كانا جميعاً في حالٍ واحدةٍ فالجدّ أولى» (2)...إلى غير ذلك من النصوص.و ظاهر لفظ «الجدّ» بإطلاقه هو الجدّ للأب ، فلا يشمل الجدّ للاُمّ.هذا مضافاً إلى أنّ قوله عليه السلام في صحيح ابن مسلم:«إذا زوّج الرجل ابنة ابنه...» قرينة على كون المراد بالجدّ هو الجدّ للأب ؛ لوضوح أنّه الذي تكون الصغيرة ابنة ابنه ، دون الجدّ للاُمّ.و الحاصل:أنّه لا ريب في ثبوت الولاية للأب و الجدّ للأب على الصغير في أمر التزويج ، و التصرّف في أمواله ، و غير ذلك ممّا يرتبط بشئونه ، بلا فرقٍ بين كون الولد ذكراً ، أو انثى.و أمّا اختصاص الولاية بهما دون غيرهما من الاُمّ و الجدّ للاُمّ و الأخ و العمّ ، فلعدم دليل على ثبوت الولاية لغيرهما.نعم، دلّ بعض النصوص في عقد النكاح على ثبوت الولاية لبعضهم ، إلّا أنّه معارض بما هو أكثر عدداً ، و أقوى سنداً و دلالةً.مضافاً إلى اتّفاق الفقهاء و إجماع الأصحاب على الاختصاص المزبور.و سيأتي البحث عن ذلك في شرح ذيل كلام السيّد الماتن قدس سره.3.

ص: 294


1- -وسائل الشيعة 20:289 ، كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح ، الباب 11 ، الحديث 2.
2- -وسائل الشيعة 20:289 ، كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح ، الباب 11 ، الحديث 3.

و مع فقدهما للقيّم من أحدهما ، و هو الذي أوصى أحدهما بأن يكون ناظراً في أمره(1) .تحرير الوسيلة 2:14

ولاية الوصيّ و القيّم

1-لا خلاف في ولاية الوصيّ و القيّم المنصوب من ناحية الوليّ الميّت-أباً كان ، أو جدّاً للأب-على الصغير اليتيم ، و أنّه لا تصل النوبة مع وجودهما إلى القاضي و الحاكم ، كما صرّح بذلك في «مفتاح الكرامة» (1) و غيره.و قد دلّت على ذلك النصوص المستفيضة ، بل يمكن استفادته من النصوص المتواترة بأنحاء الدلالات ، و نحن نكتفي هنا بذكر بعض هذه النصوص:فمنها:صحيح عيص بن القاسم ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:سألته عن اليتيمة ، متى يدفع إليها مالها ؟ قال عليه السلام:«إذا علمت أنّها لا تفسد ، و لا تضيّع» فسألته:إن كانت قد تزوّجت ؟ فقال عليه السلام:«إذا تزوّجت فقد انقطع ملك الوصيّ عنها» (2).فإنّ مفهوم قوله عليه السلام:«إذا تزوّجت...» دالّ على ثبوت الملك-أي ولاية الوصيّ-على اليتيمة قبل البلوغ و التزوّج.و منها:صحيح علي بن رئاب ، قال:سألت أبا الحسن موسى عليه السلام عن رجلٍ بيني و بينه قرابة ، مات و ترك أولاداً صغاراً ، و ترك مماليك له غلماناً و جواري ، و لم يوصِ ، فما ترى فيمن يشتري منهم الجارية فيتّخذها امّ ولد ، و ما ترى في بيعهم ؟ فقال عليه السلام:«إن كان لهم وليّ يقوم بأمرهم باع عليهم ، و نظر لهم ، كان مأجوراً

ص: 295


1- -مفتاح الكرامة 5:257.
2- -وسائل الشيعة 19:366 ، كتاب الوصايا ، الباب 45 ، الحديث 1.

فيهم».قلت:فما ترى فيمن يشتري منهم الجارية ، فيتّخذها امّ ولد ؟ قال:«لا بأس بذلك إذا باع عليهم القيّم لهم ، الناظر فيما يصلحهم» (1).فدلّ على ثبوت ولاية القيّم على الصغار اليتامى بالمطابقة ، و على ثبوت ولاية الوصيّ بالدلالة السياقية ، فلا إشكال في تمامية دلالته على ثبوت ولاية الوصيّ و القيّم على اليتامى الصغار.و منها:معتبر محمّد بن مسلم ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:أنّه سئل عن رجل أوصى إلى رجل بولد ، و بمال لهم ، و أذن له عند الوصيّة أن يعمل بالمال ، و أن يكون الربح بينه و بينهم ، فقال عليه السلام:«لا بأس به ؛ من أجل أنّ أباه قد أذن له في ذلك و هو حيّ» (2).و لا إشكال في دلالته على ثبوت ولاية الوصيّ على الصغار ؛ معلّلاً بإذن الأب له حال حياته ، فلذا يشمل القيّم المنصوب من قِبله.و أمّا سنداً فالتحقيق اعتباره ؛ حيث لا كلام في رجال سنده إلّا حسن بن علي بن يوسف بن بَقّاح ، و التحقيق اعتبار رواياته.و مثله في الدلالة خبر خالد بن بكير الطويل ، قال:دعاني أبي حين حضرته الوفاة ، فقال:يا بُنيّ ، اقبض مال إخوتك الصغار ، و اعمل به ، و خذ نصف الربح ، و أعطهم النصف ، و ليس عليك ضمان ، فقدّمتني امّ ولد أبي بعد وفاة أبي إلى ابن أبي ليلى ، فقالت:إنّ هذا يأكل أموال ولدي ، قال:فاقتصصتُ عليه ما أمرني به أبي ، فقال لي ابن أبي ليلى:إن كان أبوك أمرك بالباطل لم اجزه ، ثمّ أشهد علي ابن أبي ليلى إن أنا حرّكته فأنا له ضامن.1.

ص: 296


1- -وسائل الشيعة 19:422 ، كتاب الوصايا ، الباب 88 ، الحديث 1.
2- -وسائل الشيعة 19:427 ، كتاب الوصايا ، الباب 92 ، الحديث 1.

فدخلت على أبي عبد اللّه عليه السلام فقصصت عليه قصّتي ، ثمّ قلت له:ما ترى ؟ فقال عليه السلام:«أمّا قول ابن أبي ليلى فلا أستطيع ردّه ، و أمّا فيما بينك و بين اللّه عزّ و جلّ ، فليس عليك ضمان» (1)...إلى غير ذلك من النصوص.هذا كلّه في ولاية الوصيّ و القيّم على أموال الصغار.و أمّا سائر شئونهم مثل أمر التزويج و النكاح ، فلا ولاية لهما عليه ما دام لم يصرّح الموصي في وصيّته بذلك.و أمّا إذا صرّح بذلك فالأقوى ثبوت الولاية لهما على ذلك ؛ و إن نسب خلافه في «المسالك» (2) إلى الأشهر ، و في «الجواهر» (3) إلى المشهور ، و الوجه فيه امور:فأوّلاً:إطلاقات أدلّة نفوذ الوصيّة ، كقوله تعالى: «كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَ الْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ * فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ...» (4).فإنّ قوله تعالى: «فَمَنْ بَدَّلَهُ...» يدلّ بإطلاقه على نفوذ الوصيّة ؛ و وجوب العمل بها في غير ما كان فيها جنف ، أو إثم ، أو ضرر على الوارث.و الإشكال باختصاص الآية المباركة بالوصيّة المالية ، مدفوع بأنّ صدر الآية الكريمة و إن كان في مورد الوصيّة بالمال ، و لكن خصوصية المورد لا توجب ضيقاً في مدلول الخطاب بعد إطلاقه اللفظي.2.

ص: 297


1- -وسائل الشيعة 19:427 ، كتاب الوصايا ، الباب 92 ، الحديث 2.
2- -مسالك الأفهام 7:148.
3- -جواهر الكلام 29:189.
4- -البقرة (2):180-182.

و ثانياً:إطلاق ما دلّ من النصوص على نفوذ الوصاية على الأطفال و الصغار ؛ بناءً على شمول الإطلاق للنكاح ، و قد سبق ذكر هذه النصوص آنفاً.و ثالثاً:إطلاقات النصوص الواردة في تفسير من «بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ» نظراً إلى اشتمال كثير من هذه النصوص على الوصيّ ، مثل صحيح ابن مسلم و أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه السلام قال:سألته عن الذي بيده عقدة النكاح ، قال عليه السلام:«هو الأب ، و الأخ و الرجل يوصى إليه» .و خبر أبي بصير ، عن الصادق عليه السلام:قال:سألته عن الذي بيده عقدة النكاح، قال عليه السلام:«هو الأب ، و الأخ و الرجل يوصى إليه» (1) .و اشتمالهما على ذكر «الأخ» لا يسقطهما عن الحجّية في سائر الفقرات ، كما قال في «الجواهر» (2).مع إمكان حمله على كون الأخ وكيلاً لها ، أو وصياً.و لا يضرّ كون عطف «الوصيّ» عليه من عطف العامّ على الخاصّ.و لا يخفى:أنّ المراد ب «الوصيّ» في هذه النصوص-بقرينة مناسبة الحكم و الموضوع-هو من اوصي إليه بأمر النكاح ، دون الاُمور المالية.و أمّا مع عدم نصّ الموصي أو قرينة قطعية على إرادة نكاح الأولاد الصغار ، فيشكل الالتزام بثبوت ولاية الوصيّ على ذلك ؛ نظراً إلى عدم ظهور الوصيّة في أمر النكاح ، بل ظاهرها الاُمور العامّة الراجعة إلى الشئون المالية ، و لعدم دليل يثبت ولاية الوصيّ-بعنوان أنّه وصيّ مطلق-على أمر النكاح و الزواج.بل يستفاد من بعض النصوص خلاف ذلك ، مثل صحيح ابن بزيع و محمّد بن0.

ص: 298


1- -وسائل الشيعة 20:283 ، كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح ، الباب 8 ، الحديث 4 و5.
2- -جواهر الكلام 29:190.

مسلم (1) ؛ فإنّ الأوّل كالصريح في عدم ولاية الوصيّ المطلق على أمر الزواج و النكاح ، و الثاني دلّ على ذلك بمفهوم الشرط.بقيت هنا نكتة:و هي أنّه وقع الكلام في اشتراط حياة الأب في ولاية الجدّ ؛ فعن الصدوق و الشيخ و بني الجُنيد و البرّاج و زهرة و أبي الصلاح ، اشتراطه ، خلافاً للأكثر.و استدلّ للاشتراط برواية الفضل بن عبد الملك ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«إنّ الجدّ إذا زوّج ابنة ابنه ، و كان أبوها حيّاً ، و كان الجدّ مرضياً ، جاز...» (2).و قد حكم في «الشرائع» بضعفها ، و في «الجواهر» بكونها موثّقة ، و ما قاله في «الجواهر» هو الأرجح ؛ لأنّ توهّم ضعفها ناشئ من جعفر بن سماعة الواقع في طريقها ؛ بزعم كونه عمّ الحسن بن محمّد بن سماعة ، و هو ضعيف.لكنّه توهّم غير وجيه ؛ نظراً إلى إطلاق هذا الاسم كثيراً ما ، على جعفر بن محمّد بن سماعة أخي الحسن ، و هو معروف صاحب أصل رواه الحسن ، بخلاف العمّ ، و إذا دار الاسم المشترك بين معروف و غيره ، ينصرف إلى المعروف ، فالأقوى أنّها موثّقة ، كما قال في «الجواهر».و أمّا دلالتها ، فاستدلّ بمفهوم الحال أو الوصف في قوله:«و كان أبوها حيّاً» كما أنّ المفهوم ثابت بهذا المنوال في قوله:«و كان الجدّ مرضياً».و لكنّه مخدوش ؛ لأنّ فرض حياة الأب من قبيل تمهيد الموضوع ، لبيان حكم صورة تخالف إرادة الجدّ و الأب.هذا مضافاً إلى أنّ ولاية الجدّ إذا كانت ثابتة4.

ص: 299


1- -وسائل الشيعة 20:282 ، كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح ، الباب 8 ، الحديث 1 ؛ و292 ، الباب 12 ، الحديث 1.
2- -الكافي 5:5/396 ؛ وسائل الشيعة 20:290 ، كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح ، الباب 11 ، الحديث 4.

و مع فقده للحاكم الشرعي(1) .

تحرير الوسيلة 2:14 مع وجود المعارض-و هو حياة الأب-فعند عدم المعارض ثابتة بالفحوى ، فهذه الرواية لا تتمّ دلالتها على المطلوب في نفسها ، فضلاً عن كونها أظهر مطلقات النصوص الدالّة على ثبوت الولاية للجدّ حتّى مع فرض حياة الأب ، فلا تصلح لتقييد الإطلاقات قطعاً.

ولاية الحاكم الشرعي

1-إنّ الكلام تارة:في ولاية الحاكم على نكاح اليتامى الصغار ، و اخرى:

في سائر شئونهم ، فالبحث في مقامين:أمّا المقام الأوّل ، فالظاهر ثبوت الولاية للحاكم في صورة فقدان الوصيّ و لو من باب الحسبة ؛ لأنّه القدر المتيقّن ممّن يجوز له التصدّي لشئون اليتيم حينئذٍ.و قد نفى في «مفتاح الكرامة» الخلاف في ذلك ، حيث قال:«و أمّا أنّهما إن فقدا فالولاية للوصيّ لأحدهما ، فإن فقد الوصيّ فالحاكم ، فلا خلاف في ذلك ولايةً و ترتيباً ، و لا في كون المراد بالحاكم-حيث يطلق-من يعمّ الفقيه المأمون الجامع لشرائط الفتوى.و يستفاد من بعض الأخبار ثبوت الولاية للحاكم مع فقد الوصيّ ، و المؤمنين مع فقده» (1).و الظاهر أنّ مقصوده من «الأخبار» ما ورد في باب الوصيّة من الأخبار الدالّة على ذلك ، و قد ذكرناها في كتاب الوصيّة من «دليل تحرير الوسيلة».هذا مضافاً إلى ما دلّ على ثبوت الولاية العامّة للفقيه الجامع.

ص: 300


1- -مفتاح الكرامة 5:257.

و ممّن صرّح بثبوت الولاية للحاكم مع فقد الوصيّ ، العلّامة في «القواعد» فعمدة الكلام في صورة وجود الوصيّ.و على أيّ حال:فالمشهور عدم ثبوت الولاية للحاكم على نكاح الصغار مطلقاً ، كما في «الروضة» و«الجواهر» (1) ، و نسبه في «الحدائق» إلى الأصحاب (2) ، و كذا في «المستمسك» (3) ، بل نقل فيه عن «رسالة الشيخ الأنصاري»:«أنّه لا يبعد كونه إجماعياً».و لكنّ الإنصاف:أنّه لا إجماع في المقام ؛ نظراً إلى وجود المخالف في المسألة.مع أنّهم استندوا في ذلك إلى وجوه تُخرج الإجماع عن كونه كاشفاً تعبّدياً ، فهو ساقط عن الحجيّة في مثل المقام.و قد استدلّ للمشهور بوجوه:فأوّلاً:بأصالة عدم ثبوت الولاية لأحدٍ على آخر ؛ ما لم يدلّ عليها دليل قطعي من جانب الشارع ، و في المقام لا دليل على ولاية الحاكم على نكاح اليتامى الصغار.و ثانياً:بأنّ ولاية الحاكم إنّما هي ثابتة من باب الحسبة ، و هي في امور لا بدّ من القيام بها ؛ للحاجة إليها ، بحيث لا يرضى الشارع بتركها و تعطيلها ، و لا حاجة في تزويج الصغار ؛ لأنّ مصلحة النكاح في الوطء ، و الجماع ، و الاستمتاع الجنسي ، و الفرض عدم قابلية الصغير لذلك.و اجيب عن الأوّل:بأنّ الأصل مقطوع بعمومات ولاية الحاكم ، كالنبوي6.

ص: 301


1- -جواهر الكلام 29:188.
2- -الحدائق الناضرة 23:237.
3- -مستمسك العروة الوثقى 14:476.

المروي عن العامّة:«السلطان وليّ من لا وليّ له» (1) ، و معتبرة أبي خديجة:«فإنّي قد جعلته عليكم قاضياً» (2).و لكنّ النبوي لا اعتبار له سنداً.و كونه معمولاً به عند مشهور القدماء بعيد ؛ لعدم تعرّضهم إليه.و المعتبرة مورد للنقاش دلالة ؛ لأنّ كون أمر نكاح الصغار من شئون القضاء ، أوّل الكلام ، بل الظاهر العدم.و الوجه الصحيح في الجواب:أنّ الأصل المزبور مقطوع بالأدلّة القطعية على ثبوت الولاية للفقيه الجامع لشروط الفتوى ؛ من الضرورة ، و النصوص ، و قد بحثنا عن أدلّة ولاية الفقيه في بعض مجلّدات «دليل تحرير الوسيلة» فراجع.و الجواب عن الثاني أوّلاً:أنّه بعد قطع الأصل النافي بالدليل ، لا تصل النوبة إلى التوسّل بدليل الحسبة لإثبات ولاية الحاكم ، بل المحكّم هو مفاد الدليل اللفظي.و ثانياً:أنّ مصلحة النكاح لا تنحصر في الوطء ، كما قال في «الجواهر» (3) ، بل ربما تكون في أمر آخر ، كقرابة المصاهرة ، و سائر الاستمتاعات غير الوطء.نعم ، نُفي ترتّب بعض الآثار على نكاح غير الأب و الجدّ ، كما دلّ على ذلك بعض النصوص الصحيحة ، مثل صحيحي محمّد بن مسلم و الحذّاء ، حيث دلّا على نفي التوارث عن نكاح غير الأب و الجدّ (4).و أمّا المقام الثاني-و هو ولاية الحاكم على الصغار في غير أمر النكاح و لو1.

ص: 302


1- -كنز العمّال 8:4003 ؛ السنن الكبرى ، البيهقي 7:125.
2- -وسائل الشيعة 27:139 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 11 ، الحديث 6.
3- -جواهر الكلام 29:188.
4- -وسائل الشيعة 20:292 ، كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح ، الباب 12 ، الحديث 1.

و أمّا الاُمّ و الجدّ للاُمّ و الأخ-فضلاً عن سائر الأقارب-فلا ولاية لهم عليه(1) .

تحرير الوسيلة 2:14 من باب الحسبة-فلا خلاف فيه في صورة فقدان الأب و الوصيّ.و أمّا مع وجودهما ، فلا ولاية له ما داما واجدين للشروط المعتبرة ؛ و ذلك لدلالة النصوص المعتبرة على ولاية الأب و الوصيّ على الصغار بعنوانها بالأصالة ، كما سبق ذكرها في الفرع السابق.نعم ، لو فقدا الصلاحية تصل النوبة إلى الحاكم.و لا خلاف في ذلك بين فقهائنا ، كما سبق آنفاً عن «مفتاح الكرامة» فإنّ مقصوده-ظاهراً-غير أمر النكاح ، و إلّا فهو مذعن بذهاب الأصحاب إلى عدم ولاية الحاكم على نكاح الصغير مطلقاً ، و كذا صاحب «الحدائق» و على الأقلّ فهو ظاهر عبارات كثير من الأصحاب.

عدم ولاية الاُمّ و الجدّ للاُمّ و الأخ و العمّ و الخال

1-إنّ الكلام تارةً:في ولاية الاُمّ ، و اخرى:في الجدّ للاُمّ ، و ثالثةً:في الأخ ، و رابعة:في العمّ و الخال و أولادهما.أمّا الاُمّ ، فالمعروف بين فقهائنا عدم ثبوت الولاية لها على الصغار ، بل حكي الإجماع على ذلك في كلمات غير واحد ، كما عن «التذكرة» و«مجمع البرهان» و في «مفتاح الكرامة»:«أنّه لا خلاف في ذلك» (1) ، و كذا في «الجواهر» (2).و لم ينسب

ص: 303


1- -تذكرة الفقهاء 2:/80السطر 30؛ مجمع الفائدة و البرهان 9:231؛ مفتاح الكرامة 5:/258السطر 6.
2- -جواهر الكلام 29:234.

الخلاف إلّا إلى ابن الجنيد الإسكافي ، و لكن قال في «الجواهر»:«يمكن تحصيل الإجماع على خلافه» (1).و على أيّ حال:لا اعتبار بالإجماع في مثل المقام ؛ لاستناد الفقهاء في المقام إلى وجوه:منها:أصالة عدم الولاية لأحد إلّا بدليل من الشارع ، و لم يرد منه دليل على ولاية الاُمّ ، بل الدليل على خلاف ذلك.و منها:ما دلّ من النصوص على حصر الولاية في الأب ، كما في صحيح محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السلام:في الصبيّ يتزوّج الصبيّة ، يتوارثان ؟ فقال:«إذا كان أبواهما اللذان زوّجاهما فنعم» (2).فإنّ مقتضى مفهوم هذه الصحيحة ، عدم ثبوت الولاية لغير الأب ، و لا يخرج عن عموم هذا المفهوم إلّا بدليل ، و لم يرد دليل إلّا في الجدّ للأب.و قد قلنا إنّ تثنية «الأب» بلحاظ أب الصبيّ و أب الصبيّة.و في صحيح ابن أبي يعفور ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«لا تنكح ذوات الآباء من الأبكار إلّا بإذن آبائهنّ» (3) .فإنّ مدلول هذه الصحيحة و إن اختصّ بزمان حياة الأب ، إلّا أنّ البحث في ثبوت الولاية للاُمّ ، يشمل حال حياة الأب أيضاً ، كما يظهر من استدلال المخالف برواية إبراهيم بن ميمون.إلى غير ذلك من النصوص الدالّة على ذلك.و قد استدلّ للمخالف برواية إبراهيم بن ميمون ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«إذا5.

ص: 304


1- -جواهر الكلام 29:234.
2- -وسائل الشيعة 20:292 ، كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح ، الباب 12 ، الحديث 1.
3- -وسائل الشيعة 20:277 ، كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح ، الباب 6 ، الحديث 5.

كانت الجارية بين أبويها ، فليس لها مع أبويها أمر...» (1).و فيه أوّلاً:أنّها ضعيفة السند ؛ فإنّ إبراهيم بن ميمون لم يرد فيه أيّ توثيق ، بل و لا مدح.و ثانياً:أنّه لا دلالة لها على استقلال الاُمّ في الولاية ، بل غاية مدلولها ثبوت الولاية لها منضمّة إلى الأب ، و لم يقل بذلك أحد ، فلا تصلح هذه الرواية للدليلية بوجه ، فضلاً عن معارضتها للنصوص الحاصرة.و أمّا الجدّ للاُمّ ، فلا دليل على ولايته ، و لم يقل بثبوت الولاية له أحد من الفقهاء.نعم ، يظهر الترديد في ثبوت الولاية لجدّ امّ الأب ، من العلّامة في «التذكرة» و لذا تعجّب منه السيّد الحكيم قدس سره حيث قال:«و من الغريب ما في «التذكرة »:الوجه أنّ جدّ امّ الأب ، لا ولاية له مع جدّ أب الأب ، و مع انفراده نظر!» (2).و قد يستدلّ لذلك بإطلاق لفظ «الجدّ» عليه ، فيدخل في نطاق ما دلّ على ولاية الجدّ ؛ حيث إنّ الوارد في نصوص المقام هو لفظ «الجدّ» من غير تقييد بكونه للأب ، كقوله عليه السلام:«الجدّ أولى بذلك» في موثّق عبيد بن زرارة (3) ، و قوله عليه السلام:«الجدّ أولى بنكاحها» في صحيح ابن مسلم (4) ، و مثله صحيح هشام (5).و فيه أوّلاً:أنّ قوله عليه السلام:«إذا زوّج الرجل ابنته فهو جائز»-في صدر صحيح3.

ص: 305


1- -وسائل الشيعة 20:284، كتاب النكاح، أبواب عقد النكاح، الباب 9، الحديث 3.
2- -مستمسك العروة الوثقى 14:437.
3- -وسائل الشيعة 20:289 ، كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح ، الباب 11 ، الحديث 2.
4- -وسائل الشيعة 20:289 ، كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح ، الباب 11 ، الحديث 1.
5- -وسائل الشيعة 20:289 ، كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح ، الباب 11 ، الحديث 3.

ابن مسلم-قرينة قطعية على كون المراد من «الجدّ» في ذيله هو الجدّ للأب ؛ لأنّه الذي تكون الصغيرة المزوّجة ابنة ابنه ، دون الجدّ للاُمّ ، و كذا الخبر الآخر لعبيد بن زرارة (1).و ثانياً:أنّ ظاهر لفظ «الجدّ» عند الإطلاق هو الجدّ للأب ، دون الجدّ للاُمّ ، فلا يشمله.و أمّا الأخ ، فلا خلاف في عدم ثبوت ولايته على الصغار ، و لم يدلّ على ذلك دليل.نعم ، قد يظهر من بعض النصوص ثبوت ولايته ، مثل صحيح أبي بصير ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:سألته عن الذي بيده عقدة النكاح ، قال عليه السلام:«هو الأب ، و الأخ ، و الرجل يوصى إليه» (2) .و مثله صحيح ابن مسلم (3).و من هذه النصوص مرسل الحسن بن علي ، عن بعض أصحابنا ، عن الرضا عليه السلام قال:«الأخ الأكبر بمنزلة الأب» (4).و لكن هذه النصوص حملت على التقيّة ، كما عن الشيخ الطوسي ، و صاحب «الجواهر» (5).أو كون الأخ وكيلاً لها ، أو استحباب وكالتها ، كما عن صاحب «الوسائل» (6).6.

ص: 306


1- -الكافي 5:3/395.
2- -وسائل الشيعة 20:282 ، كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح ، الباب 8 ، الحديث 4.
3- -وسائل الشيعة 20:282 ، كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح ، الباب 8 الحديث 5.
4- -وسائل الشيعة 20:282 ، كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح ، الباب 8 ، الحديث 6.
5- -جواهر الكلام 29:171.
6- -وسائل الشيعة 20:282 ، كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح ، الباب 8 ، ذيل الحديث 6.

و حملها في «الجواهر» أيضاً على الولاية العرفية ؛ بمعنى أنّ هؤلاء و أشباههم ، لا ينبغي مخالفتهم في ذلك ما لم يضارّوا بالصغار.هذا مضافاً إلى دلالة بعض النصوص على عدم ثبوت الولاية للأخ ، مثل صحيح الحلبي ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام-في حديث-قال:سئل عن رجلٍ يريد أن يزوّج اخته ، قال:«يؤامرها ؛ فإن سكتت فهو إقرارها ، و إن أبت لا يزوّجها» (1).و صحيح داود بن سرحان ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:في رجل يريد أن يزوّج اخته ، قال عليه السلام:«يؤامرها ؛ فإن سكتت فهو إقرارها ، و إن أبت لم يزوّجها ، و إن قالت:زوّجني فلاناً ، زوّجها ممّن ترضى» (2).و غاية الأمر وقوع المعارضة بين هاتين الطائفتين من النصوص ، و المرجع- بعد سقوطهما-هو عموم النصوص الحاصرة في الأب.و أمّا العمّ ، فلا خلاف أيضاً في عدم ولايته على صغار أولاد أخيه.مع أنّه مقتضى الأصل ، و مفهوم صحيح محمّد بن مسلم المتقدّم.مضافاً إلى دلالة رواية محمّد بن الحسن الأشعري ، قال:كتب بعض بني عمّي إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام:ما تقول في صبيّة زوّجها عمّها ، فلمّا كبرت أبت التزويج ؟ فكتب عليه السلام لي:«لا تكره على ذلك ، و الأمر أمرها» (3).و أمّا الخال و أولاد العمّ و الخال ، فلم تدلّ أيّة رواية على ولايتهم على الصغار ، و لم يذهب إليها أحد.2.

ص: 307


1- -وسائل الشيعة 20:273 ، كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح ، الباب 4 ، الحديث 4.
2- -وسائل الشيعة 20:280 ، كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح ، الباب 7 ، الحديث 1.
3- -وسائل الشيعة 20:276 ، كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح ، الباب 6 ، الحديث 2.

نعم الظاهر ثبوتها-مع فقد الحاكم-للمؤمنين مع وصف العدالة على الأحوط(1) .

تحرير الوسيلة 2:14

ولاية عدول المؤمنين

1-يظهر من عبائر عدّة من الفقهاء ، عدم الولاية لأحد على أموال الصغار و شئونهم عند فقد الحاكم ؛ حتّى الأخ ، و العمّ ، و الخال ، و الاُمّ ، فضلاً عن سائر المؤمنين، كما عن صريح محكي ابن إدريس، و«التذكرة» و«مجمع البرهان» و غيرهم.و في «الحدائق»:«أنّ الذي صرّح به الشيخ و تبعه الأكثر ، ثبوت الولاية لعدول المؤمنين مع فقد الحاكم الشرعي» (1).قال الشيخ في «النهاية»:«فإن لم يكن السلطان الذي يتولّى ذلك أو يأمر به ، جاز لبعض المؤمنين أن ينظر في ذلك من قِبل نفسه ، و يستعمل فيه الأمانة و يؤدّيها ؛ من غير إضرار بالورثة ، و يكون ما يفعله صحيحاً ماضياً» (2).و قال ابن إدريس في «السرائر»-بعد نقل كلام الشيخ-:«هكذا ذكره شيخنا أبو جعفر في نهايته ، و الذي يقتضيه المذهب أنّه إذا لم يكن سلطان يتولّى ذلك ، فالأمر فيه إلى فقهاء شيعته عليه السلام من ذوي الرأي و الصلاح ؛ فإنّهم عليهم السلام قد ولّوهم هذه الاُمور ، فلا يجوز لمن ليس بفقيه تولّي ذلك بحال ، فإن تولّاه فإنّه لا يمضي شيء ممّا يفعله ؛ لأنّه ليس له ذلك بحال» (3).

ص: 308


1- -الحدائق الناضرة 22:589.
2- -الينابيع الفقهية 12:67.
3- -الينابيع الفقهية 12:254.

و رجّح في «المسالك» قول الشيخ نافياً البأس عنه.و يظهر من موضع آخر من «الحدائق» أنّ هذا القول هو المشهور (1) ، و قد رجّحه-بعد ذكر الأخبار الدالّة على ذلك-بقوله:«لا يخفى أنّ الظاهر من هذه الأخبار-باعتبار ضمّ بعضها إلى بعض ، و حمل مطلقها على مقيّدها ، و مجملها على مفصّلها-هو ما صرّح به الأكثر ؛ فإنّه هو الأقرب منها و الأظهر» (2).و ممّن ذهب إلى ذلك صاحب «الجواهر» فإنّه-بعد الاستشهاد لذلك بقاعدة الإحسان ، و دفع الضرر ، و حكاية فعل الخضر عليه السلام و بعض النصوص-قال:«فالقول به حينئذٍ لا يخلو من قوّة ، وفاقاً لصريح بعض الأصحاب ، بل نسب إلى مشهورهم ، بل ربما نسب ذلك إليهم» (3).و أمّا مقتضى الأصل فهو عدم الولاية ؛ لما قرّرناه في محلّه من عدم ولاية أحد على غيره ، إلّا بدليل وارد من الشارع ، و لأصالة عدم جواز تصرّف أحد في مال غيره إلّا بإذنه ، أو بإذن الشارع.نعم ، حيث إنّ حفظ أموال الميّت من الضياع و القيام بإيصالها إلى مستحقّيها ، ممّا لا بدّ منه ، و يتعذّر الوصول إلى الحاكم ، و يدور الأمر بين عدول المؤمنين و غيرهم ، يكون المتيقّن ولاية العدول ، دون غيرهم.و على أيّ حال:فقد استدلّ لولايتهم بقاعدة الإحسان ، و نفي الضرر ، و حكاية فعل الخضر عليه السلام.و لكن لا يصلح شيء من ذلك للدليلية على ثبوت الولاية لعدول المؤمنين4.

ص: 309


1- -الحدائق الناضرة 22:594 و592.
2- -الحدائق الناضرة 22:594 و592.
3- -جواهر الكلام 26:104.

على الأيتام و الصغار عند فقد الوليّ و الحاكم.نعم يصلح للتأييد.و إنّما العمدة في الاستدلال لذلك هي النصوص ، فقد دلّ على ذلك عدّة نصوص معتبرة:منها:صحيح ابن بزيع ، عن أبي جعفر-في حديث-قال عليه السلام:«إذا كان القيّم مثلك و مثل عبد الحميد ، فلا بأس» (1) .وجه الدلالة:أنّ قاضي الكوفة لم يكن شيعياً إمامياً عادلاً ، و لا ولاية له ، بل في حكم الطاغوت ، فلم يكن مقصود الإمام عليه السلام من نفي البأس إلّا ولاية عدول المؤمنين.و قد احتمل الشيخ الأعظم (2) في المراد من «المماثلة» أربعة احتمالات:المماثلة في التشيّع ، أو في الوثاقة ؛ و ملاحظة مصلحة اليتيم ، أو في الفقاهة ، أو في العدالة.و الاحتمال الثالث دفعه بعدم كون إطلاق مفهومه ، قابلاً للالتزام به ؛ و هو عدم ثبوت الولاية لأحد في صورة تعذّر الوصول إلى الفقيه.و أشكل عليه السيّد الخوئي (3) نقضاً:«بورود هذا الإشكال على الاحتمال الرابع أيضاً ؛ إذ عدم جواز التصرّف لأحد في صورة عدم وجود عدول المؤمنين ، غير قابل للالتزام به ؛ لعدم رضا الشارع بتعطيل ذلك قطعاً».و أشكل حلّاً:«بأنّ أصالة الإطلاق-شأنها كسائر الاُصول اللفظية-إنّما تُحكّم عند الشكّ في أصل مراد المتكلّم ، و في المقام لا نشكّ في إرادته5.

ص: 310


1- -الكافي 5:2/209 ؛ تهذيب الأحكام 9:932/240.
2- -كتاب المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16:565.
3- -مصباح الفقاهة 5:55.

وصول النوبة إلى العدول عند فقد الحاكم».و التحقيق:أنّ ظاهر هذه الرواية-بقرينة سياق الكلام ، و تناسب الحكم و الموضوع-هو الاحتمال الثاني و الرابع ؛ أي الوثاقة و العدالة.بل احتمال المماثلة في الوثاقة و رعاية مصلحة اليتيم ، لا يقصر في القوّة عن احتمال إرادة المماثلة في العدالة و إن كان هذا الاحتمال أظهر ؛ لفرض عدالة عبد الحميد بن سالم ، فالظاهر أنّ المراد نفي البأس عن تصرّف شخص عدل مثل عبد الحميد.و لكنّ الإنصاف:أنّ العلم بالأحكام الشرعية و الفقاهة ، لا يقصر عن العدالة في إناطة جواز التصرّف به ؛ لأنّ الجاهل لا يدري كيف يصنع ، و حيث إنّ عبد الحميد كان صاحب أصل روائي ، فمن القريب جدّاً إرادة المماثلة من جهة الفقاهة أيضاً ، فالأقوى إرادة مطلق المماثلة حتّى التشيّع ؛ نظراً إلى عدم اعتبار حكم قاضي الكوفة ، لعدم تشيّعه ، بل إنّهم بحكم الطاغوت ، كما في مقبولة ابن حنظلة ، و معتبرة أبي خديجة ؛ لعدم كون حكمهم مطابقاً للشرع.و منها:موثّقة سَماعة ، عن الصادق عليه السلام-في حديث-قال:«إن قام رجل ثقة قاسمهم ذلك كلّه ، فلا بأس» (1).و منها:صحيح إسماعيل بن سعد القمّي ، عن الرضا عليه السلام-في حديث-قال:

«إذا كان الأكابر من ولده معه في البيع ، فلا بأس به إذا رضي الورثة بالبيع ، و قام عدل في ذلك» (2).فدلّ على ولاية عدول المؤمنين على تصدّي أمر اليتامى على وجه3.

ص: 311


1- -الكافي 7:3/67 ؛ تهذيب الأحكام 9:929/240 ؛ وسائل الشيعة 19:422 ، كتاب الوصايا ، الباب 88 ، الحديث 2.
2- -الكافي 7:1/66 ؛ وسائل الشيعة 19:422 ، كتاب الوصايا ، الباب 88 ، الحديث 3.

الاسترضاء و المصالحة بين الورثة ، لا على وجه الحكومة.و على ذلك يحمل قوله عليه السلام في صحيح ابن رِئاب:«إن كان لهم وليّ يقوم بأمرهم باع عليهم ، و نظر لهم ، كان مأجوراً».و قوله:«لا بأس بذلك إذا باع عليهم القيّم لهم ، الناظر فيما يصلحهم ، و ليس لهم أن يرجعوا فيما صنع القيّم لهم ، الناظر لهم فيما يصلحهم» (1).و الوجه في الحمل فرض موت الوليّ و عدم الوصيّة إلى أحدٍ ، فما احتاط فيه السيّد الماتن قدس سره وجوباً هو الأقوى.العبد الخجلان من ساحة ربّه الغفّار علي أكبر السيفي المازندراني عفي عنه و عن والديه1.

ص: 312


1- -الكافي 7:2/67 ؛ وسائل الشيعة 19:422 ، كتاب الوصايا ، الباب 88 ، الحديث 1.

صلة الرحم و قطيعتها

اشارة

ص: 313

ص: 314

أهمّية صلة الرحم و منصّتها في الشريعة المقدّسة

إنّ لصلة الرحم من بين فضائل الأخلاق أهمّية خاصّة ، بحيث عُرّف في النصوص المعتبرة سبباً لتزكية جميع الأعمال الصالحة.كما ورد عن أبي جعفر عليه السلام في الصحيح:«إنّ صلة الرحم تزكّي الأعمال» (1) .و في صحيح آخر عن أبي جعفر عليه السلام قال:«صلة الرحم تحسّن الخلق و تسمح الكفّ و تطيّب النفس» (2) .قوله عليه السلام:«تسمح الكفّ» أي يورث صفة الجود.و من الواضح أنّ السبب لتزكية جميع الأعمال الصالحة و تحسين الخلق و تهذيب النفس ذو خطرٍ عظيم و دورٍ كبير في سبيل تحصيل الكمال و الرشد في عرصة الجهاد الأكبر لتزكية النفس ، الذي ذكر في صريح الكتاب المجيد سبباً لفلاح الإنسان بعد أحد عشر قسماً بقوله تعالى : «قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكّاها* وَ قَدْ خابَ مَنْ دَسّاها» (3) .هذا من جهة علم الأخلاق.

ص: 315


1- -وسائل الشيعة 21:534 ، كتاب النكاح ، أبواب النفقات ، الباب 17 ، الحديث 3 و10.
2- -وسائل الشيعة 21:535 ، كتاب النكاح ، أبواب النفقات ، الباب 17 ، الحديث 9.
3- -الشمس (91):9 و10.

و أمّا من الجهة الفقهية فإنّ صلة الرحم من أهمّ الواجبات التكليفية بحيث وقع قاطع الرحم في صريح الكتاب و السنّة مورداً للّعن و وُعّد بالعذاب الخالد.و من هنا عُدّ في نصوص أهل البيت عليهم السلام من الكبائر ، كما سيأتي إن شاء اللّه.و قد عرفت بهذا البيان أنّ لصلة الرحم و قطيعته منصّتين في الشريعة المقدّسة.إحداهما:منصّتها في علم الأخلاق ، و إنّ المناسب للمقام و إن كان هو البحث عن الجهة الثانية ، إلّا أنّ الجهة الاُولى بلحاظ ما لها من الأهمّية في نفسها و دخلها في الإشارة إلى ملاك حكمها الشرعي فلذا ينبغي التعرّض إليها بالاختصار رعايةً لغرض هذه الرسالة.

فوائد صلة الرحم و عواقب قطعها

قد ذكرت في النصوص الواردة عن أهل بيت العصمة عليهم السلام فوائد مهمّة و نتائج ثمينة نذكر أهمّها.

1-صلة الرحم تدفع البلاء.ورد في صحيح أبي حمزة الثمالي عن الباقر عليه السلام في حديث:«صلة الأرحام تدفع البلوى» (1) .2-تيسّر الحساب كما ورد في الصحيح عن الباقر عليه السلام في الحديث المزبور:

«إنّ صلة الرحم تيسّر الحساب» (2) .3-تعصم من المعاصي و تصون من ارتكاب الذنوب كما ورد في موثّق إسحاق بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث:«إنّ صلة الرحم و البرّ لَيُهوّنان

ص: 316


1- -وسائل الشيعة 21:534 ، كتاب النكاح ، أبواب النفقات ، الباب 17 ، الحديث 3.
2- -وسائل الشيعة 21:534 ، كتاب النكاح ، أبواب النفقات ، الباب 17 ، الحديث 3.

من الحساب و يعصمان من الذنوب» (1).4-تكسب المحبوبية بين الأهل كما روى أبو حمزة الثمالي عن الباقر عليه السلام في حديث:«صلة الأرحام تحبّب في أهل بيته» (2) .و في صحيح البزنطي عن أبي الحسن الرضا عليه السلام:«صلة الرحم مُحَبِّبَةٌ في الأهل» (3) .5-صلة الرحم تزيد في العمر و قطع الرحم تنقصه.و قد ورد في النصوص المتواترة (4) أنّ صلة الرحم تطيل في العمر و تنسئ الأجل أي:تؤخّره ، بل ورد في موثّق إسحاق بن عمّار عن الصادق عليه السلام:«ما نعلم شيئاً يزيد في العمر إلّا صلة الرحم حتّى أنّ الرجل يكون أجله ثلاث سنين فيكون وصولاً للرحم فيزيد اللّه في عمره ثلاثين سنة فيجعلها ثلاثاً و ثلاثين سنة و يكون أجله ثلاثاً و ثلاثين سنة فيكون قاطعاً للرحم فينقصه اللّه تعالى ثلاثين سنة و يجعل أجله إلى ثلاث سنين» (5) .و مثله ما عن أبي الحسن الرضا عليه السلام (6).و ورد في النصوص الكثيرة المعتبرة أنّ قطيعة الرحم تنقص الأجل و تقرّب الموت كما ورد عن أمير المؤمنين و زين العابدين عليهما السلام: «إنّ من الذنوب التي تعجّل الفناء قطيعة الرحم» (7) .و في موثّق إسحاق بن عمّار قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام8.

ص: 317


1- -وسائل الشيعة 21:539 ، كتاب النكاح ، أبواب النفقات ، الباب 19 ، الحديث 3.
2- -وسائل الشيعة 21:535 ، كتاب النكاح ، أبواب النفقات ، الباب 17 ، الحديث 10.
3- -الكافي 2:9/151 ؛ بحار الأنوار 71:78/117.
4- -الكافي 2:151 و152 و157.
5- -الكافي 2:17/152.
6- -الكافي 2:153 ، ذيل الحديث 17.
7- -وسائل الشيعة 12:273 ، كتاب الحجّ ، أبواب العشرة ، الباب 149 ، الحديث 2 ؛ وسائل الشيعة 16:281 ، كتاب الأمر و النهى ، أبواب الأمر و النهى ، الباب 41 ، الحديث 8.

يقول:«كان أبي يقول:تعوّذ باللّه من الذنوب التي تعجّل الفناء و تقرّب الآجال و تُخَلّي الديار و هي:قطيعة الرحم و العقوق و ترك البرّ» (1) .و غيرها من النصوص المتواترة الدالة على ذلك.6-قطيعة الرحم تسلب الأموال من قاطعها و تجعلها في أيدي الأشرار ، كما ورد في صحيح أبي حمزة الثمالي عن الباقر عليه السلام:«إذا قطعوا الأرحام جُعلت الأموال في أيدي الأشرار» (2) .7-صلة الرحم توجب الزيادة في الرزق و قطعها يوجب الفقر.و قد دلّت على هذا المضمون نصوص متظافرة.فمنها:ما ورد عن الصادق عليه السلام: «إنّ صلة الأرحام...تنمي الأموال...

و تزيد في الرزق» (3) .هذا التعبير ورد في عدّة نصوص عنه عليه السلام (4).و منها:ما روى الصدوق بسنده في «الخصال» عن أمير المؤمنين عليه السلام:«قطيعة الرحم تورث الفقر» (5) .و غير ذلك من النصوص.8-قطيعة الرحم تورث عدم التقوى ، كما ورد عن أبي الحسن الرضا عليه السلام:

«من لم يصل رحمه لم يتّق اللّه» (6) .و قد سبق في الرقم الثالث أنّ صلة الرحم تعصم من المعاصي و تقي من ارتكاب الذنوب.0.

ص: 318


1- -وسائل الشيعة 16:274 ، كتاب الأمر و النهى ، الباب 41 ، الحديث 4.
2- -وسائل الشيعة 16:273 ، كتاب الأمر و النهى ، الباب 41 ، الحديث 2.
3- -الكافي 2:33/157.
4- -راجع:الكافي 2:150-157.
5- -وسائل الشيعة 15:347 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس ، الباب 49 ، الحديث 21.
6- -وسائل الشيعة 9:25 ، كتاب الزكاة ، أبواب ما تجب فيه الزكاة ، الباب 3 ، الحديث 10.

9-قطيعة الرحم توجب العقوبة الدنيوية، كما ورد في الصحيح عن أبي جعفر عليه السلام:«ثلاثة لا يموت صاحبهنّ أبداً حتّى يرى وبالَهُنّ:البغي و قطيعة الرحم و اليمين الكاذبة...» (1) .

منشأ قطيعة الرحم

إنّ من أهمّ ما ينبغي أن لا يُغفل عنه في المقام هو المنشأ و السبب الموجب لقطع الرحم.و ذلك لأنّ الطريق الوحيد للنيل إلى توفيق العمل بهذه الفريضة و رفع المانع عنه هو إعدام منشئه في النفس.و ذلك المنشأ هو الشّحّ كما ورد في معتبرة مسعدة عن الصادق ، عن آبائه ، عن أمير المؤمنين عليهم السلام:«و الشحيح إذا شَحَّ منع الزكاة و الصدقة وصلة الرحم» (2) و الشحّ هو بخلٌ مع حرصٍ كما في «المفردات».و أمّا الجهة الثانية: و هي منصّة صلة الرحم في الفقه فالكلام فيها يقع في امور:

ص: 319


1- -وسائل الشيعة 21:492 ، كتاب النكاح ، أبواب أحكام الأولاد ، الباب 95 ، الحديث 1.
2- -وسائل الشيعة 9:35 ، كتاب الزكاة ، أبواب ما تجب فيه الزكاة ، الباب 5 ، الحديث 1.

و أمّا الكبائر فهي كلّ معصية ورد التوعيد عليها بالنار أو بالعقاب أو شدّد عليها تشديداً عظيماً ، أو دلّ دليل على كونها أكبر من بعض الكبائر أو مثله ، أو حكم العقل بأنّها كبيرة ، أو كان في ارتكاز المتشرّعة كذلك ، أو ورد النصّ بكونها كبيرة.و هي كثيرة:منها...و قطيعة الرحم(1) .تحرير الوسيلة 1:258

قطيعة الرحم من الكبائر

1-قد ورد في النصوص و اشتهر بين الفقهاء أنّ الكبائر ما أوعد اللّه عليه النار.و مع ذلك عُدّت الكبائر في النصوص مختلفةً.ففي كثيرة منها عُدّت الكبائر سبعة ، كما في صحيح ابن محبوب و صحيح عبيد بن زرارة و صحيح محمّد بن مسلم و صحيح أبي بصير (1).و عُدّت في بعضها عشرة ، كما في معتبرة مسعدة بن صدقة (2).و في بعضها عشرين، كما في صحيح عبد العظيم الحسني (3) و في بعضها أحد و ثلاثين، كما ورد فيما رواه الصدوق بأسانيده عن الفضل بن شاذّان عن الرضا عليه السلام في كتابه إلى المأمون (4).و قد عدّ الشيخ عبد الكريم الحائري (5) هذه الرواية حسنةً ، بل كالصحيحة في الاعتبار.

ص: 320


1- -وسائل الشيعة 15:318 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس ، الباب 46 ، الحديث 1 و4و6 و 16.
2- -وسائل الشيعة 15:324 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس ، الباب 46 ، الحديث 13.
3- -وسائل الشيعة 15:318 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس ، الباب 46 ، الحديث 2.
4- -وسائل الشيعة 15:329 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس ، الباب 46 ، الحديث 33.
5- -الصلاة ، المحقّق الحائري:524.

و لكن لا يخفى:أنّ اختلاف تعداد الكبائر محمول على اختلاف مراتبها ، كما قال الشيخ الأنصاري (1).و يشهد على ذلك قوله عليه السلام في صحيح عبد العظيم الحسني «أكبر الكبائر الإشراك باللّه و بعده الإياس من رَوح اللّه ثمّ الأمن من مكر اللّه» (2) .

و قوله عليه السلام:«أكبر الكبائر سبعة» كما في خبري أبي الصامت و سليمان بن طريف (3).

و بذلك جَمَع الصدوق بين هذه الأخبار حيث قال:الأخبار في الكبائر ليست مختلفة لأنّ كلّ ذنب بعد الشرك كبير بالنسبة إلى ما هو أصغر منه (4).و كذا نفى المنافاة بينها في «الجواهر» إمّا لأجل إلغاء مفهوم العدد أو للحمل على أكبرية بعضها من بعض (5).ثمّ إنّه قد اختلف كلمات الفقهاء في بيان ضابطة الكبائر فقال بعضهم:إنّها كلّ ما أوعد اللّه عليه النار.و عمّمها بعض آخر إلى كلّ ما أوعد اللّه عليه العذاب بأيّ نحوٍ في الكتاب.و قال ثالث:إنّها كلّ ما أوعد اللّه عليه العذاب في الكتاب و السنّة و ما صرَّح في الأخبار بأنّه من الكبائر و لا يبعد كونه المشهور بين الفقهاء.و ممّن اختار ذلك هو الشيخ عبد الكريم الحائري (6) ، استاذ السيّد الماتن قدس سره.و عمّمها رابع:4.

ص: 321


1- -كتاب الصلاة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 7:267.
2- -وسائل الشيعة 15:318 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس ، الباب 46 ، الحديث 2.
3- -وسائل الشيعة 15:325، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس، الباب 46، الحديث 20 و35.
4- -وسائل الشيعة 15:330 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس ، الباب 46 ، ذيل الحديث35.
5- -جواهر الكلام 13:320.
6- -الصلاة ، المحقّق الحائري:523-524.

إلى ما عُدّ عظيماً بين أهل الشرع و إن لم يرد في النصوص غير النهي عنه.و قد ذهب إليه في «الجواهر» ، حيث قال:و الذي يظهر أنّ الكبائر لم تثبت لها حقيقة شرعية ، بل هي باقية على معناها اللغوي و المراد بها هنا كلّ معصية عظيمة في نفسها لا من جهة المعصي و يعرف ذلك إمّا من ورود الأخبار بأنّه كبيرة.و الذي يحصل منها-بعد إلغاء مفهوم العدد في بعضها أو حملها على معنى لا ينافي المطلوب كالأكبرية و نحوها-أربعون.ثمّ عدَّها كلّها فقال:و إمّا بتوعّد النار عليها في الكتاب أو السنّة صريحاً أو ضمناً كما تقدّم أو من غير توعّد و لكن شُدِّدَ على الفعل أو الترك تشديداً أعظم من التوعّد بالنار ، كالبراءَة منه و لعنه و كونه كالزاني باُمّه و نحو ذلك ممّا يُعدّ لعظمته أزيد من التوعُّد بالنار بعد فرض أنّه معصية أو ما بقي عظمته في أنفس أهل الشرع و إن لم نعثر على غير النهي عنه (1).و عمّمها خامسٌ إلى ما حكم العقل المستقلّ بكونه أقبح من أحد الكبائر و قد اختار ذلك الشيخ الأنصاري قدس سره حيث قال:ثمّ إنّ اختلاف الأخبار في عدد الكبائر محمول على اختلاف مراتبها فكلّ ما ثبت بنصّ معتبر كون الشيء كبيرة فيؤخذ به و لا يعارضه ترك ذكرها في نصّ آخر و إلّا فإن كان بحسب العقل المستقلّ أقبح من أحد الكبائر المنصوصة فهي أيضاً كبيرة ؛ لأنّ الظاهر أنّ اتّصاف الذنب بالكبيرة ليس إلّا من جهة عظمته و شدّة قبحه عند اللّه عزّ و جلّ لا لأجل خصوصية مرتبة من القبح أو لخصوصية اخرى (2).و قد اختار السيّد الماتن قدس سره هذا القول الأخير و خالف في ذلك رأي استاذه الشيخ عبد الكريم الحائري قدس سره.7.

ص: 322


1- -جواهر الكلام 13:320-321.
2- -الصلاة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 7:267.

و لكن مقتضى التحقيق في المقام ما ذهب إليه استاذ السيّد الماتن قدس سره ، و ذلك لما ورد من التحديد للكبائر في نصوص أهل البيت عليهم السلام.نعم ، ما سُمِّي صريحاً من الكبائر في النصوص يؤخذ به.و لكن لا مفهوم له لينفي غيره نظراً إلى عدم ثبوت المفهوم للعدد كما أشار إليه في «الجواهر».و لا ينحصر ما وُعد عليه بالنار و العذاب فيما وُعد عليه بهما في خصوص الكتاب العزيز نظراً إلى دلالة نصوص معتبرة على تعميمها إلى كلّ ما وعد عليه بالعذاب في السنّة.و عليه فتشمل الكبائر كلّ ما وُعِد عليه بالعذاب ، سواء كان في الكتاب أو في السنّة.نعم ، يعتبر في الكبائر الوعد بالعذاب إمّا صريحاً أو بالظهور كالبراءة منه و لعنه و كونه كالزاني أو أشدّ من الزنا باُمّه مرّات عديدة و نحو ذلك من التعابير.و ممّا يشهد على ذلك ما استدلّ به الإمام عليه السلام (1)على كون الأمن من مكر اللّه من الكبائر بقوله تعالى: «فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ» و على العقوق بجعل العاقّ جبّاراً شقيّاً في الكتاب.و على اليمين الفاجرة بقوله تعالى: «لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ» ، و على كتمان الشهادة بقوله تعالى: «آثِمٌ قَلْبُهُ» .و من هذا القبيل استدلاله عليه السلام على كون قطيعة الرحم من الكبائر بقوله تعالى: «لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَ لَهُمْ سُوءُ الدّارِ» ، فإنّ استدلال الإمام عليه السلام بمثل هذه التعابير على كون الذنب كبيرة يكشف عن ظهورها في ذلك.و عليه فإذا ورد نظير هذه التعابير ممّا يكون ظاهراً في التوعيد بالنار و العذاب بالكناية أبلغ من التصريح في ذنب يدلّ على كون ذلك الذنب من الكبائر.نعم ، مجرّد النهي و ما يفيد مفاده لا يدلّ على كون المنهيّ أو المأمور بتركه2.

ص: 323


1- -وسائل الشيعة 15:318 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس ، الباب 46 ، الحديث 2.

من الكبائر ، و عليه فالضابطة في الكبيرة هي التوعيد بالنار العذاب بالمعنى العامّ الذي قلنا.و أمّا ما ورد من اختلاف مراتب الكبائر في النصوص فلا ينافي تحديدها بذلك.و أمّا حكم العقل بقبح فعل أو بأقبحية ذنب من ذنب آخر لا دخل له في كونه من الكبائر لعدم حكم للعقل في ذلك.فإنّ غاية ما يحكم العقل به هي استحقاق العذاب بمخالفة أمر المولى و عصيانه من دون تعرّض لسائر الخصوصيات ، كما أنّ ارتكاز المتشرّعة و أهل العرف لا دخل له في ذلك ، و إلّا فربّ ذنب كبير لا أهمّية له عند أهل العرف كالغيبة و البهتان و قطع الرحم و استماع الغناء و كذلك في عكسه.مع أنّ ذلك كلّه تعدٍّ عن الضابطة المذكورة في النصوص.و قد دلّ على هذه الضابطة عدّة نصوص معتبرة و غيرها.فمنها:صحيح محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«الكبائر سبع:قتل المؤمن متعمّداً...و كلّ ما أوجب اللّه عليه النار» (1) .و منها:ما رواه علي بن جعفر في كتابه عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السلام قال:

سألته عن الكبائر التي قال اللّه عزّ و جلّ: «إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ» .

قال عليه السلام:«التي أوجب اللّه عليها النار» (2) .و منها:ما رواه الصدوق بإسناده عن أحمد بن النضر عن عباد بن كثير النوا قال:سألت أبا جعفر عليه السلام عن الكبائر فقال عليه السلام:«كلّ ما أوعد اللّه عليه النار» (3) .و لا يخفى:أنّ ما عُدّ من الكبائر في هذه النصوص و كثير من غيرها هو ما4.

ص: 324


1- -وسائل الشيعة 15:322 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس ، الباب 46 ، الحديث 6.
2- -وسائل الشيعة 15:326 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس ، الباب 46 ، الحديث 21.
3- -وسائل الشيعة 15:327 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس ، الباب 46 ، الحديث 24.

أوعد اللّه تعالى عليه النار في الكتاب ، و لكن لا ينحصر الكبائر في ذلك-كما قلنا في بيان ضابطة الكبائر-نظراً إلى أنّ كثيراً من الذنوب عدّ في النصوص من الكبائر بالصراحة أو بما يقرّبه من التعابير مع عدم الإيعاد عليه بالعذاب في الكتاب.و عليه فكلّ معصية أوعد اللّه عليها النار و العذاب في الكتاب أو في السنّة يكون من الكبائر و كذا ما دلّت في النصوص-بالصراحة أو الظهور-أنّه من الكبائر.و بناءً على ذلك يكون قطع الرحم من الكبائر ، نظراً إلى كونه ممّا أوعد اللّه تعالى عليه بالنار و العذاب في الكتاب و السنّة.و سيأتي ذكر ما دلّ منهما على ذلك.ثمّ إنّ هذا كلّه في بيان ضابطة الكبائر و الاستدلال بها على كون قطيعة الرحم من الكبائر.فمن الكتاب قوله تعالى: «فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَ تُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ * أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَ أَعْمى أَبْصارَهُمْ» (1) .وجه الدلالة ظهوره في كون قاطع الرحم ممّن لعنهم اللّه و أصمّهم.و أمّا احتمال رجوع اللعن إلى المفسدين في الأرض في هذه الآية فيدفعها الإطلاق ، و كذا احتمال أخذ الفساد في الأرض في متعلّق اللعن بأن تعلّق اللعن بالقاطع للرحم المفسد في الأرض ، فيدفعها الإطلاق ؛ لظهور اولئك في كونه إشارة إلى كلّ من المفسد في الأرض و القاطع للرحم باستقلاله و مقتضاه تعلّق اللعن بكلّ واحدٍ منهما مطلقاً من دون تقيّد بالآخر.و لا ينقض ذلك بما إذا رتّب الفلاح و الثواب على الواجبات المتعدّدة كالإيمان و العمل الصالح.و ذلك لوجود القرينة الخارجية هناك على إناطة الفلاح بفعل جميع الواجبات و عدم كفاية امتثال بعضها3.

ص: 325


1- -محمّد (47):22-23.

في ذلك ، بخلاف المحرّمات فإنّ ارتكاب بعضها من دون توبة يكفي في العذاب و كذا شمول اللعن في المقام.و أمّا احتمال كون المشار إليهم هم المتولّون عن القتال في سبيل اللّه فهو و إن لا يبعد بل لعلّه الظاهر من سياق الآية إلّا أنّها تدلّ على كون قطيعة الرحم و الإفساد في الأرض من الكبائر بالفحوى القطعي ؛ حيث ذكر الإفساد في الأرض و قطيعة الرحم نتيجة سوءٍ للإعراض عن القتال في سبيل اللّه و من عواقبه الموحشة نظير قوله تعالى: «ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللّهِ» (1) .فلا بدّ من كونهما أشدّ قبحاً و أكبر ذنباً من الإعراض عن القتال بمقتضى قانون المحاورة ارتكاز أذهان العرف ، إمّا بحكم العقل أو بارتكاز المتشرّعة الثابت من الأديان السابقة المقرَّر له من جانب النبي صلى الله عليه و آله أو بحكم الإسلام المعلوم للمسلمين بنزول الوحي و إبلاغ النبي صلى الله عليه و آله.و أمّا نفي الفحوى بدعوى كون المراد هو التولّي عن الدين و الكتاب و ما جاء به النبي صلى الله عليه و آله فغير وجيهة ؛ لوضوح مخالفتها لسياق الآية المعلوم من الآيات السابقة الواردة في ذمّ المعرضين عن القتال في سبيل اللّه المتمحّلين للأعذار المترصّدين للفرصة لأجل الفرار عن الجهاد ، و عليه فقوله تعالى: «فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ...» كالصريح في كون المراد هو الإعراض عن القتال في سبيل اللّه.و على أيّ حال فلا إشكال في دلالة الآية على توجّه اللعن إلى قاطع الرحم إمّا بالإطلاق أو بالتقريب المزبور ، و كذا على وجوب صلة الرحم في الجملة و لو بمرتبةٍ يوجب تركها قطيعة الرحم.0.

ص: 326


1- -الروم (30):10.

و يشهد على ذلك مرسل محمّد بن مسلم أو أبي حمزة الثمالي عن أبي عبد اللّه عن أبيه عليهما السلام قال:«قال لي علي بن الحسين-صلوات اللّه عليهما-:يا بُنيّ انظر إلى خمسة فلا تصاحبْهم و لا ترافقهم في طريق فقلت:يا أبه مَن هم ؟ قال عليه السلام:إيّاك و مصاحبة الكذّاب...و إيّاك و مصاحبة القاطع لرحمه فإنّي وجدته ملعوناً في كتاب اللّه عزّ و جلّ في ثلاثة مواضع قال اللّه عزّ و جلّ: «فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَ تُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ * أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَ أَعْمى أَبْصارَهُمْ» و قال تعالى: «وَ الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَ يَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَ لَهُمْ سُوءُ الدّارِ» و قال تعالى في البقرة: «الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَ يَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ» (1).و من الآيات قوله تعالى: «وَ الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَ يَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَ لَهُمْ سُوءُ الدّارِ» (2) .و دلالتها على المطلوب واضحة بالتقريب المتقدّم في الآية السابقة.و إنّ احتمال رجوع اللعن إلى المفسدين في الأرض لكونه أقرب أو إلى من جُمع فيه الصفات الثلاث المذكورات في الآية ؛ أي نقض العهد و قطع الرحم و الإفساد من حيث المجموع ، يدفعه الإطلاق بالبيان السابق آنفاً.هذا مضافاً إلى صراحة صحيح عبد العظيم الحسني في توجّه اللعن في هذه الآية إلى قاطع الرحم5.

ص: 327


1- -الكافي 2:7/376 ؛ وسائل الشيعة 12:32 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 17 ، الحديث 1 ، مع تفاوت يسير.
2- -الرعد (13):25.

بعنوانه مستقلّاً بلا انضمام سائر الصفات ، قال:حدّثني أبو جعفر الثاني عليه السلام قال:

«سمعت أبي عليه السلام يقول:سمعت أبي موسى بن جعفر يقول:دخل عمر بن عبيد على أبي عبد اللّه عليه السلام فلمّا سلّم و جلس تلا هذه الآية: «الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَ الْفَواحِشَ» ثمّ أمسك.فقال له أبو عبد اللّه عليه السلام:ما أسْكَتَكَ ؟ قال:اُحبّ أن أعرف الكبائر من كتاب اللّه عزّ و جلّ فقال:...قطيعة الرحم ؛ لأنّ اللّه عزّ و جلّ يقول:

«لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَ لَهُمْ سُوءُ الدّارِ» (1) .و قوله تعالى: «الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَ يَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ» (2) .فإنّها تدلّ على كون قطع الرحم من الكبائر ، نظراً إلى شمول قوله تعالى: «ما أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ» لصلة الرحم ، فإنّها أوّل ما يتبادر و ينسبق إلى ذهن المتشرّعة ممّا أمر اللّه به أن يوصل بمقتضى ارتكاز أهل الشرع.و لذا لا يرد إشكال إناطة دلالة الآية على المطلوب بإثبات كون صلة الرحم ممّا أمر اللّه أن يوصل به بالدليل ، فإنّ ذلك معلوم في الجملة و مرتكز في أذهان أهل الشرع.و أمّا كونها كبيرة فيفهم من قوله تعالى: «أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ» نظراً إلى شموله لقاطع الرحم بالإطلاق-الدافع لاحتمال اختصاص الإشارة بالأخير ، أي المفسدين في الأرض ، و كذا احتمال كون المشار إليه الجامع للصفات الثلاث بمجموعها-بالبيان المتقدّم ، و إلى ظهور الوعيد بالخسران في كون الذنب الموعود عليه من الكبائر ، كما استدلّ الإمام عليه السلام بهذا التعبير على كون الأمن من مكر اللّه من الكبائر في صحيح عبد العظيم الحسني.7.

ص: 328


1- -وسائل الشيعة 15:318 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس ، الباب 46 ، الحديث 2.
2- -البقرة (2):27.

و من السنّة:صحيح عبد العظيم الحسني السابق آنفاً.منها:مرسل أبي حمزة الثمالي المتقدّم ذكره آنفاً.فإنّه صريح في كون قاطع الرحم ملعوناً في كتاب اللّه.و منها:حسنة الفضل بن شاذّان (1) عن الرضا عليه السلام حيث عدّ فيها حبس الحقوق من غير عُسر من الكبائر.و لا ريب في كون صلة الرحم من أعظم حقوق الرحم و لا إشكال في صدق الحبس على قطعها.و منها:معتبرة طلحة بن زيد رواها البرقي في «المحاسن» عن أبيه ، عن محمّد بن سنان و عبد اللّه بن المغيرة جميعاً ، عن طلحة بن زيد ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«إنّ رجلاً من خثعم جاء إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقال:يا رسول اللّه أخبرني ما أفضل الإسلام ؟ قال صلى الله عليه و آله:الإيمان باللّه ، قال:ثمّ ما ذا ؟ قال صلى الله عليه و آله:صلة الرحم ، قال:ثمّ ما ذا ؟ قال صلى الله عليه و آله:الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ، قال:فقال الرجل فأخبرني أيّ الأعمال أبغض إلى اللّه ؟ قال صلى الله عليه و آله:الشرك باللّه ، قال:ثمّ ما ذا ؟ قال صلى الله عليه و آله:ثمّ قطيعة الرحم ، قال:ثمّ ما ذا ؟ قال صلى الله عليه و آله:الأمر بالمنكر و النهي عن المعروف» (2) .هذه الرواية معتبرة بطريق البرقي.و أمّا وجه التعبير عنها بالمعتبرة بلحاظ وقوع طلحة بن زيد في طريقها فإنّه عامّي إلّا أنّ له الكتاب المعتمد عند الأصحاب فهو من المعروفين المعتمد رواياته عند الأصحاب مع عدم ورود أيّ ذمٍّ أو تضعيف في حقّه.هذا مضافاً إلى نقل هذه الرواية بطرق عديدة اخرى من الكليني و الشيخ في «التهذيب».و أمّا دلالتها على كون قطيعة الرحم من الكبائر فواضحة ؛ حيث عُدّت أبغض الذنوب عند اللّه تعالى بعد الشرك ، و إن كان ذلك أمراً إضافياً.و بذلك1.

ص: 329


1- -وسائل الشيعة 15:329 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس ، الباب 46 ، الحديث 33.
2- -وسائل الشيعة 16:121 ، كتاب الأمر و النهي ، الباب 1 ، الحديث 11.

يرتفع منافاتها مع عدِّ الإياس من رَوْح اللّه أكبر الكبائر بعد الشرك ، و هذا التعبير يدلّ على كون قطيعة الرحم من الكبائر بلا إشكال كما قدّمناه في بيان ضابطة الكبائر.و منها:موثّقة السكوني عن الصادق جعفر بن محمّد ، عن آبائه عليهم السلام قال:

«قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله:إذا ظهر العلم و احتُرِزَ العمل و ائتلفت الألسن و اختلفت القلوب و تقاطعت الأرحام هنالك لعنهم اللّه فأصمّهم و أعمى أبصارهم» (1) .و دلالتها على كون قطيعة الرحم من الكبائر واضحة بالتقريب المتقدّم سابقاً.و منها:موثّقة عمّار قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول:«كان أبي يقول:تَعَوَّذْ باللّه تعالى من الذنوب التي تعجّل الفناءَ و تُقَرّب الآجال و تخلّي الديار و هي قطيعة الرحم و العقوق و ترك البرّ» (2).وجه الدلالة أنّ التعوّذ باللّه و التعجيل في الفناء و الموت ظاهرٌ في شدّة الحرمة و كِبَر الذنب.و أمّا قوله عليه السلام:«و ترك البرّ» فالمقصود برّ الوالدين و الأقارب الفقراء لوضوح عدم وجوب مطلق البرّ.و منها:خبر يونس بن يعقوب قال:سمعت الصادق جعفر بن محمّد عليه السلام يقول في حديث:«...يا يونس ملعون ملعون من آذى جاره...ملعون ملعون قاطع رحمٍ...» (3) .

ثمّ إنّ في المقام لا بدّ من التحقيق في امور:

الأوّل:معنى الصلة و القطيعة و معنى الرحم و القرابة و مقدار شمولهما.الثاني:الاستدلال على وجوب الصلة و حرمة القطيعة.

ص: 330


1- -وسائل الشيعة 21:494 ، كتاب النكاح ، أبواب أحكام الأولاد ، الباب 95 ، الحديث 7.
2- -وسائل الشيعة 16:274 ، كتاب الأمر و النهي ، الباب 41 ، الحديث 4.
3- -وسائل الشيعة 16:280 ، كتاب الأمر و النهي ، الباب 41 ، الحديث 7.

الثالث:حكم صلة الكفّار و النواصب و الفسّاق و قواطع الرحم.الرابع:في حدّ وجوب الصلة و حرمة القطع باعتبار الموارد و المراتب و ما يلزم من الضرر و الحرج و ارتكاب المعصية.الخامس:في وجوب الصلة بالمال و ما يترتّب عليه من الأحكام.

معنى الصلة و القطيعة و الرحم

قبل الورود في البحث ينبغي أن يعلم أنّ للصلة و القطيعة و الرحم ليست حقائق شرعية ، بل اخذت في موضوع الحكم بمعناها العرفي.ثمّ إنّ لفظ الصلة في الأصل الوصل فحُذفت الواو من أوّله و عوّض عنها التاء في آخره نظير العدة و الوعد.و الوصل ضدّ الفصل كما هو واضح.وصلة الرحم تتحقّق بالزيارة و مراودة و اللقاء و البرّ و الإحسان بأيّ نحو كان ، حضوراً أو مخابرةً أو مكاتبةً أو نداءً.و لفظ القطيعة من القطع و معناه واضح.و إنّ قطيعة الرحم و قطعها بمعنى هجرانهم و ترك الزيارة و المراودة و اللقاء و البرّ و لو بأدنى مراتبه.قال في «مجمع البحرين» ذيل قوله:صلوا أرحامكم أراد بالصلة ما يسمّى إحساناً و لو زيارةً و مطائبةً و جلوساً و لو بالسلام كما جاءت به الرواية.و في المفردات:قطع الرحم يكون بالهجران و منع البرّ و نظير ذلك في سائر معاجم اللغة.قال ابن الأثير في «النهاية»:قد تكرّر في الحديث ذكر صلة الرحم و هي كناية عن الإحسان إلى الأقربين من ذوي النسب و الأصهار و التعطّف عليهم و الرفق بهم رعاية لأحوالهم و كذلك إن بَعدوا و أساءوا ، و قطع الرحم ضدّ ذلك كلّه ، يقال:

ص: 331

وَصَل رحمه يصلها وصلاً و صلةً ، و الهاء فيها عُوِّض من الواو المحذوفة فكأنّه بالإحسان إليهم قد وصل ما بينه و بينهم من علاقة القرابة و الصهر.و لكنّ المسلّم أنّ معنى الصلة و القطيعة يختلف بحسب اختلاف درجات الأرحام فلا يعدّ مجرّد السلام مكاتبةً أو في حال المشي في الشارع و السوق من دون أيّة مراودة و زيارة في البيت صلة عرفاً بالنسبة إلى الأب و الاُمّ و الولد و الأخ الاُخت ، و إن ربّما يُعدّ صلة بالنسبة إلى الأرحام و الأقرباء البعيدة فما يتحقّق به الصلة و القطيعة يختلف عرفاً بحسب اختلاف درجات الأرحام و قربهم و بُعدهم و اختلاف الرسوم و العادات.قال الشهيد قدس سره في «قواعده»-في بيان معنى الصلة التي يخرج بها عن القطيعة-:إنّ المرجع في ذلك إلى العرف ؛ لأنّه ليس له حقيقة شرعية و لا لغوية و هو يختلف باختلاف العادات و بُعد المنازل و قربها ، و في قوله صلى الله عليه و آله و سلم:«بلّوا أرحامكم و لو بالسلام» تنبيه على أنّ السلام صلة... (1).و سيأتي الكلام في مراتب صلة الرحم.ثمّ إنّ في المقام نكتة لا ينبغي الغفلة عنها و هي أنّ الصلة ليست مجرّد الإحسان و البرّ كما يفهم من بعض معاجم اللغة ، بل هي بحسب ارتكاز أهل العرف أعمّ منه و المراودة و الارتباط و الزيارة و يشهد له قوله عليه السلام:«و أفضل ما تُوصل به الرحم كفّ الأذى» (2) ؛ أي المراودة و الزيارة من دون أذىً ، لا مجرّد كفّ الأذى.

و لوضوح عدم كون مجرّد كفّ الأذى من دون مراودة و ارتباط صلة عرفاً و إن قد يتحقّق القطيعة بالأذى.1.

ص: 332


1- -بحار الأنوار 71:111.
2- -وسائل الشيعة 21:539 ، كتاب النكاح ، أبواب النفقات ، الباب 19 ، الحديث 1.

أمّا الرحم:على وزن فَعِل و في الأصل اسم ثلاثي مجرّد.سُمّي به موضع تكوين الولد ، ثمّ اطلق لفظ الرحم على القرابة قبال الأجنبيّ.قال الراغب في «المفردات»:الرحم رَحِم المرأة.و امرأة رحوم تشتكى رحِمَها.و منه استعير الرحم للقرابة ؛ لكونهم خارجين من رحم واحدة يقال:رَحِمٌ و رُحْمٌ ، قال تعالى: «أَقْرَبَ رُحْماً» .ثمّ قال:و الرحمة رقّة تقتضي الإحسان إلى المرحوم...و على هذا قول النبي صلى الله عليه و آله:«ذاكراً عن ربّه أنّه لمّا خلق الرحم قال له أنا الرحمن و أنت الرحِم شققت اسمك من اسمي فمن وصلك وصلته و من قطعك بتَتُّه» أي قطعته.و في «مجمع البحرين»:و في الحديث:«صلوا أرحامكم» جمع رَحِم و هم القرابة و يقال على من يجمع بينك و بينه نسب و قيل من عُرِف بنسبه و إن بعد كما رُوي في قوله تعالى: «وَ تُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ» أنّها نزلت في بنى اميّة بالنسبة إلى أئمّة الحقّ.و في «القاموس»:الرحِم بالكسر ككتف بيتُ منبِتِ الولد و وعاؤه و القرابة و أصلها و أسبابها.و قد فسّرت الرحم في سائر معاجم اللغة ك «الصحاح» و غيره بالقرابة.

و يُفهم من كلام صاحب «القاموس» أنّ إطلاق لفظ رحم على القرابة بلحاظ انتهاء القرابة إلى رحمٍ واحد و كونها أصل القرابة.و هذا قد صرّح به «المفردات» في صدر كلامه.و أمّا ذيل كلامه فمقصوده منها:أنّ الرحمة بمعنى الرقّة و التلطّف كأنّه اشرب في معنى الرحِم.و هذا صحيح لأنّ انتهاء الأقرباء و ذوي الأرحام إلى رحم واحد

ص: 333

سببٌ للرحمة و الشفقة و الرقّة بينهم.و لكن ليس معنى ذلك أنّ لفظ الرحم مأخوذ من الرحمة بل هو اسم ثلاثي مجرّد جامد على وزن كَتِفٍ كما قال في «القاموس».

هذا بحسب اللغة.

و أمّا الفقهاء فلهم أقوال في المقام:

أحدها:ما ذكره المجلسي من أنّها نسبة و اتّصال بين المنتسبين يجمعها رحم واحدة (1).و هذا التعريف يشبه ما قال في «المفردات» و «القاموس».و المراد منه ظاهراً مطلق القرابة.ثانيها:ما عن المفيد و الشيخ 0 من أنّها القرابة المنتهية إلى آخر الأبوين في الإسلام.قال في «المقنعة»:و إذا أوصى الإنسان بثلث ماله لقرابته و لم يُسَمّ أحداً كان في جميع ذوي النسبة الراجعين إلى آخر أب له و امّ في الإسلام (2).قال في «النهاية»:إذا أوصى بثلث ماله لقرابته و لم يُسمّ أحداً كان ذلك في جميع ذوي النسبة الراجعين إلى آخر أب له و امّ له في الإسلام فيكون ذلك بين الجماعة بالسوية (3).و قال ابن إدريس:إنّ الشيخ تبع في ذلك الفتوى لشيخه المفيد في «المقنعة» (4).قال العلّامة في «القواعد»:و لو أوصى لقرابته...و قيل لمن يتقرّب إليه إلى

ص: 334


1- -بحار الأنوار 71:108 و109.
2- -المقنعة:675.
3- -النهاية:614.
4- -السرائر 3:210.

آخر أب و امّ له في الإسلام و معناه الارتقاء إلى أبعد جدّ في الإسلام و إلى فروعه و لا يرتقي إلى آباء الشرك و لا يعطى الكافر (1).قال المحقّق الكركي في «أطايب الكَلِم»:و للمفيد رحمه الله قول بارتقاء القرابة إلى آخر أب و امّ في الإسلام ، و هو قول الشيخ في «النهاية» و نقّحه العلّامة في «القواعد» بأنّ المراد به من يتقرّب إليه و لو بأبعد جدّ أو جدّة بشرط كونهما مسلمين ، فالجدّ البعيد و من كان فروعه و إن بَعُدت مرتبته بالنسبة إليه معدودٌ قرابةً إذا كان مسلماً (2).و للشيخ كلام آخر في «المبسوط» ، قال قدس سره:و في أصحابنا من قال إنّه ينصرف إلى آخر أب و امّ له في الإسلام و لم أجد به نصّاً و لا عليه دليلاً مستخرجاً و لا به شاهداً (3) ، و نظيره في «الخلاف» (4).و قال في «المسالك»:و للشيخ قول بانصرافه إلى من يتقرّب إلى آخر أب و امّ له في الإسلام...و إنّما اعتبر الإسلام لقوله صلى الله عليه و آله قَطَع الإسلامُ أرحام الجاهلية ، و قال لنوح عليه السلام عن ابنه: «إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ» .قال المصنّف (أي صاحب الشرائع):هو-أي قول الشيخ-غير مستند إلى شاهدٍ-أي دليل معتبر-من خبر أو عرف ، أمّا الخبر فظاهر ؛ إذ لم يرد فيه شيءٌ بخصوصه إلّا ما ذكرناه من قوله صلى الله عليه و آله و هو مع تسليم سنده غير دالّ على المراد ، لأنّ قطع الإسلام الرحم للجاهلية لا يدلّ على قطع القرابة مطلقاً مع أصناف الكفّار و كذا قطع الأهلية عن0.

ص: 335


1- -قواعد الأحكام 2:450.
2- -أطايب الكلم:27.
3- -المبسوط 4:40.
4- -الخلاف 4:150.

ابن نوح مع أنّ اللغة و العرف يدلّان على خلاف ذلك ، فإنّ من عرف تقرّبه إلى جدٍّ بعيدٍ جدّاً لا يعدّ قرابة و إن كان الجدّ مسلماً (1).ثالثها:إنّ الرحم و القرابة هي خصوص المحارم من الأقرباء أي من يحرم نكاحه ذكراً أو انثى و من ليس بمحرم ليس من الرحم و هذا القول نسب إلى بعض أبناء العامّة.قال الشيخ في «الخلاف»:إذا أوصى بثلثه لقرابته...و ذهب أبو حنيفة إلى أنّه يدخل فيه كلُّ ذي رحم محرم.فإنّه من ليس بمحرم فإنّه لا يدخل فيه و إن كان له رحم مثل بني الأعمام و غيرهم (2).و قال الشهيد في «قواعده»:و قصّره بعض العامّة على المحارم الذين يحرم التناكح بينهم إن كانوا ذكوراً و إناثاً.و إن كان من قبيل يُقدَّر أحدهما ذكراً و الاُخرى انثى فإن حَرُم التناكح فهو الرحم...ثمّ قال:و هذا بالإعراض عنه حقيق... (3).رابعها:إنّ المراد به الوارث و هذا منقول عن مالك.قال الشيخ:إذا أوصى بثلثه لقرابته...فذهب مالك إلى أنّ هذه الوصيّة للوارث من الأقارب فأمّا من ليس بوارث فإنّه لا يدخل فيها (4).خامسها:إنّ الرحم هي القرابة من جهة الوالد أو الولد و لكن لا يتجاوز عن ولد الأب الرابع.و هذا قول ابن الجنيد نسب إليه العلّامة ، قال في «المختلف»:و قال ابن الجنيد:و من جعل وصيّته لقرابته و ذوي رحمه غير مسمّين كانت لمن تقرّب إليه من جهة ولده أو والديه ، و لا أختار أن يتجاوز بالتفرقة ولد الأب الرابع ؛ لأنّ1.

ص: 336


1- -مسالك الأفهام 6:232.
2- -الخلاف 4:151.
3- -القواعد و الفوائد 2:51.
4- -الخلاف 4:151.

رسول اللّه صلى الله عليه و آله لم يتجاوز ذلك في تفرُّقه سهم ذوي القرابة من الخمس (1).سادسها:إنّ الرحم مطلق قرابة الإنسان من كلّ واحدٍ من الأب و الاُمّ.

فيشمل جميع الأقارب المعروفين بالنسب ، سواءٌ كانوا من المحارم أم لا.و سواءٌ كانوا من الوُرّاث أم لا.و لكن لا بدّ من صدق القرابة و النسب عرفاً فلا تشمل الأقرباء البعيدة التي لا تعدّ عرفاً من القرابة و المنسوبين ، و قد اختار هذا القول الشيخ في «الخلاف» و«المبسوط» و ابن إدريس و العلّامة المجلسي و غيرهم.قال في «الخلاف»:إذا أوصى بثلثه لقرابته فمن أصحابنا من قال:إنّه يدخل فيه كلُّ من يتقرّب إليه إلى آخر أب و امّ في الإسلام و اختلف الناس في القرابة ، فقال الشافعي:إذا أوصى بثلثه و قرابته و لأقربائه و لذي رَحِمه فالحكم واحدٌ.فإنّها تنصرف إلى المعروفين من أقاربه في العرف فيدخل فيه كلّ من يُعرف في العادة أنّه من قرابته سواءٌ كان وارثاً أو غير وارث و هذا قريب يُقوّي في نفسي و ليس لأصحابنا نصٌّ عن الأئمّة عليهم السلام (2).و قال في «المبسوط»:إذا أوصى فقال:أعطوا ثلث مالي لقرابتي و لأقربائي و لذوي رحمي فالحكم في الكلّ واحد فقال قوم:إنّ هذه الوصيّة للمعروفين من أقاربه في العرف فيدخل فيه كلّ من يعرف في العادة أنّه من قرابته سواءٌ كان وارثاً أو غير وارث و هو الذي يقوّي في نفسي-ثمّ يذكر قول بعض العامّة-ثمّ يقول:

و الأوّل أقوى لأنّ العرف يشهد به (3).و قال ابن إدريس:إذا أوصى فقال أعطوا ثلث مالي لقرابتي فإنّ الوصيّة0.

ص: 337


1- -مختلف الشيعة 6:320.
2- -الخلاف 4:150.
3- -المبسوط 4:40.

تكون للمعروفين من أقاربه في العرف فيدخل فيه كلّ من يعرف في العادة إنّه من قرابته سواءٌ كان وارثاً أو غير وارث ؛ لأنّ العرف يشهد بذلك (1).و قال العلّامة المجلسي في «البحار»:و اعلم أنّ العلماء اختلفوا في الرحم -الذي يلزم صلتها-فقيل:الرحم و القرابة نسبة و اتّصال بين المنتسبين يجمعها رَحِمٌ واحدة.و قيل:الرحم عبارة عن قرابة الرجل من جهة طرفيه:آبائه و إن علوا و أولاده و إن سفلوا و ما يتّصل بالطرفين من الإخوان و الأخوات و أولادهم و الأعمام و العمّات و قيل:الرحم التي تجب صلتها كلّ رحم بين اثنين لو كان ذكراً لم يتناكحا.

فلا يدخل فيه أولاد الأعمام و الأخوال.و قيل هي عامٌّ في كلّ ذي رحم من ذوي الأرحام المعروفين بالنسب محرّمات أو غير محرّمات و إن بعدوا.و هذا أقرب إلى الصواب بشرط أن يكون في العرف من الأقارب و إلّا فجميع الناس يجمعهم آدم حوّاء (2).و قد نسب الشهيد هذا القول في «المسالك» إلى الأكثر حيث قال:اختلف الأصحاب في أنّ القرابة مَن هُم ؟ لعدم نصّ وارد في تحقيقه فالأكثر أحالوه على العرف و هم المعروفون بنسبهم عادةً ، سواء في ذلك الوارث و غيره (3).و هذا القول هو مقتضى التحقيق حيث يساعده اللغة و العرف و ليس للفظ الرحم حقيقة شرعية لعدم ورود تحديد خاصّ له من الشارع في الكتاب و السنّة.

هذا مضافاً إلى أنّه مقتضى إطلاق صحيحة البزنطي.فإنّه روى الشيخ بإسناده عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن أحمد بن محمّد2.

ص: 338


1- -السرائر 3:210.
2- -بحار الأنوار 71:108-109.
3- -مسالك الأفهام 6:232.

بن أبي نصر:نسخت من كتاب بخطّ أبي الحسن عليه السلام:رجل أوصى لقرابته بألف درهم و له قرابةٌ من قبل أبيه و امّه ما حدّ القرابة يعطي من كان بينه و بينه قرابة أوّلها حدٌّ ينتهي إليه فرأيك فَدَتْك نفسي ، فكتب عليه السلام: «إن لم يُسمّ أعطاها قرابته» (1) .و رواه الحميري في «قرب الإسناد» بالإسناد المزبور مثله إلّا أنّه قال:«أَعطى أهل قرابته» (2).

الاستدلال على وجوب صلة الرحم و حرمة قطيعتها

اشارة

لا إشكال في وجوب صلة الرحم و حرمة قطيعتها في الجملة بعد ما أثبتنا كون قطيعة الرحم من الكبائر ، و لكن ينبغي التعرّض لما دلّ من النصوص على ذلك و بيان بعض نكاتها، حيث لا يخلو من فوائد فقهية و أخلاقية.و أنّ النصوص المستدلّ بها في المقام كثيرةٌ ، و لكنّنا نتعرّض لما تمّ سنداً و دلالةً لما فيه من الغِنى عن التمسّك بغيره فنقول:أمّا حرمة قطيعة الرحم فلا ريب فيها بعد ما ثبت كونها من الكبائر بالكتاب و السنّة.أمّا وجوب صلة الرحِم:فأصل وجوبها في الجملة و لو بمرتبةٍ يوجب تركها قطع الرحم فلا إشكال في حرمته لوضوح كفاية دليل حرمة القطيعة على وجوبها بهذه المرتبة.و قد دلّت عدّة نصوص معتبرة و غيرها بالخصوص على وجوب صلة الرحم بأقلّ مراتبها ، مثل ما رواه الكليني بسنده عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال:

«قال أمير المؤمنين عليه السلام:صلوا أرحامكم و لو بالتسليم ، إنّ اللّه يقول: «اتَّقُوا اللّهَ

ص: 339


1- -وسائل الشيعة 19:401، كتاب الوصايا، الباب 68، الحديث 1.
2- -وسائل الشيعة 19:401 ، كتاب الوصايا ، الباب 68 ، ذيل الحديث 1.

اَلَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَ الْأَرْحامَ إِنَّ اللّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً» (1) .و لا يخفى:ما في سند هذه الرواية من الإشكال بلحاظ وقوع الحسن بن راشد في طريقه فإنّه كوفي مولى بني العبّاس نظراً إلى معاصرته مع الإمام الصادق عليه السلام.فهو الذي عُدّ من أصحابه عليه السلام ، و يشمله تضعيف ابن الغضائري ، و إنّه غير الحسن بن راشد الثقة ؛ لأنّه من أصحاب الإمام الهادي عليه السلام و بغدادي من آل مهلب ، و قد بحثنا عن حال المسمّى بالحسن بن راشد مفصّلاً في كتاب الخمس، فراجع (2).و نظيره خبر موسى بن إسماعيل قال حدّثنا أبي ، عن أبيه ، عن جدّه جعفر بن محمّد ، عن علي بن أبي طالب قال:«قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله:صلوا أرحامكم بالدنيا بالسلام» (3) .و رُوي عنه صلى الله عليه و آله بطريق آخر:«صلوا أرحامكم في الدنيا و لو بالسلام» (4) .و مثله خبر أبي سعيد الخدري قال:قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله:«لا يدخل الجنة صاحب خمس-إلى أن قال:-و لا قاطع رحم و لو بسلامٍ» (5) .و من هذه النصوص صحيحة أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال:«قال أبو عبد اللّه عليه السلام:صِل رحمك و لو بشربةٍ من ماءٍ و أفضل ما توصَل به الرحم كفّ الأذى عنها...» (6) .1.

ص: 340


1- -وسائل الشيعة 21:539 ، كتاب النكاح ، أبواب النفقات ، الباب 19 ، الحديث 2.
2- -دليل تحرير الوسيلة ، كتاب الخمس:14.
3- -مستدرك الوسائل 15:255 ، كتاب النكاح ، أبواب النفقات ، الباب 13 ، الحديث 1.
4- -مستدرك الوسائل 15:255 ، كتاب النكاح ، أبواب النفقات ، الباب 13 ، الحديث 2.
5- -مستدرك الوسائل 9:107 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 129 ، الحديث 7.
6- -وسائل الشيعة 21:539 ، كتاب النكاح ، أبواب النفقات ، الباب 19 ، الحديث 1.

قوله عليه السلام:«شربة» ، أي ما يشرب من الماء مرّة و تطلق على المرّة من فعل الشرب ، كما في «الصحاح».و كذا في «مجمع البحرين» إلّا أنّه قال:«الشِّربة» بكسر الشين.و لكنّ الأنسب بالسياق في المقام هو المعنى الثاني ، و إن يصحّ إرادة المعنى الأوّل أيضاً.و المقصود بيان أقلّ ما يتحقّق به الصلة.ثمّ إنّ المتيقّن من مدلول هذه النصوص الثلاثة و ما شابهها وجوب صلة الرحم بأقلّ مراتبها و مصاديقها العرفية.و أمّا وجوب صلة الرحم مطلقاً حتّى بمراتبها العالية فقد دلّ عليه بعض النصوص بإطلاقه.مثل صحيح جميل بن درّاج قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن قول اللّه جلّ ذكره: «وَ اتَّقُوا اللّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَ الْأَرْحامَ...» قال فقال عليه السلام :«هي أرحام الناس إنّ اللّه عزّ و جلّ أمر بصلتها و عظّمها.أ لا ترى أنّه جعلها منه ؟!» (1).و نظيره ما رواه في «تفسير البرهان» عن «الكافي» عن الحسين بن سعيد، عن محمّد بن أبي عمير، عن جميل بن درّاج قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن قول اللّه:

«وَ اتَّقُوا اللّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَ الْأَرْحامَ...» قال عليه السلام: «هي أرحام الناس إنّ اللّه أمر بصلتها و عظّمها ، أ لا ترى أنّه جعلها معه ؟!» (2) .و من هذه الطائفة ما رواه الصدوق بأسانيده عن علي بن الحسن بن فضّال في الخطبة المعروفة في فضل شهر رمضان عن النبي صلى الله عليه و آله:«وصلوا أرحامكم» (3).هذه الرواية بلحاظ محمّد بن إبراهيم بن إسحاق حسنة و بلحاظ علي بن0.

ص: 341


1- -وسائل الشيعة 21:533 ، كتاب النكاح ، أبواب النفقات ، الباب 17 ، الحديث 1.
2- -تفسير البرهان 1:338 ، ذيل الآية 1 من سورة النساء.
3- -وسائل الشيعة 10:313 ، كتاب الصوم ، أبواب أحكام شهر رمضان ، الباب 18 ، الحديث 20.

الحسين بن فضّال موثّقة.و على أيّ حال لا إشكال في اعتبار سندها ، و لا سيّما بلحاظ عدّة من الرواة الواقعة في عَرض محمّد بن إبراهيم بطريق الصدوق في «العيون».و أمّا دلالة فهيئة الأمر ظاهرة في الوجوب و لا يمنعه السياق نظراً إلى ورود الأوامر فيها بعدّة من الواجبات فلا تنحصر الأوامر الواردة فيها بالمستحبّات لكي تكون قرينة على الخلاف.و معتبرة طلحة بن زيد عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«إنّ رجلاً من خثعم جاء إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقال:يا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ! أخبِرني ما أفضل الإسلام ؟ قال صلى الله عليه و آله:

الإيمان باللّه ، قال ثمّ ما ذا ؟ قال صلى الله عليه و آله:صلة الرحم ، قال ثمّ ما ذا ؟ قال صلى الله عليه و آله:الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر» (1) .هذه الرواية قد سبق وجه اعتبار سندها سابقاً.و أمّا دلالتها على المطلوب بلحاظ السياق حيث جعلت صلة الرحم بعد الإيمان باللّه من أهمّ الفرائض ، حتّى الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر اللذين جعلا فريضة عظيمة بها تُقام الفرائض.و ما رواه الزبيري عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث طويل قال: «إنّ اللّه فرض الإيمان على جوارح ابن آدم -إلى أن قال- و فَرض على اليدين أن لا يُبْطَش بهما إلّا ما حرّم اللّه و أن يبطش بهما إلى ما أمر اللّه به و فرض عليهما من الصدقة وصلة الرحم» (2).و ما رواه ابن الشيخ في «مجالسه» بسنده عن أمير المؤمنين عليه السلام في حديث1.

ص: 342


1- -وسائل الشيعة 16:121 ، كتاب الأمر و النهي ، الباب 1 ، الحديث 11.
2- -وسائل الشيعة 15:164 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس ، الباب 2 ، الحديث 1.

قال:«صِلوا أرحامكم و إن قطعوكم» (1) .هاتان الروايتان-و لا سيّما الاُولى منهما-لا إشكال في دلالتهما على وجوب صلة الرحم بمراتبها و مصاديقها.و ما رواه الصدوق في «العيون» و«الخصال» بسنده عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال:«إنّ اللّه تعالى أمر بثلاثة مقرون بها ثلاثة اخرى:أمر بالصلاة و الزكاة ، فمن صلّى و لم يُزَكِّ لم تُقبل منه صلاته و أمر بالشكر له و للوالدين ، فمن لم يشكر والديه لم يشكر اللّه و أمر باتّقاء اللّه وصلة الرحم فمن لم يصل رحمه لم يتّق اللّه» (2).ثمّ إنّ الأمر بالصلة في هذه النصوص قد دلّ بظاهره-إمّا بمادّته أو بهيئته- على وجوب صلة الرحم.و مقتضى إطلاق الهيئة وجوبها مطلقاً حتّى بمراتبها العالية ، سواء تحقّقت بمراتبها الدانية أم لا.و لكن مقتضى الجمع بين هذه الطائفة و بين ما دلّ على جواز الاكتفاء بأقلّ ما تصدُق عليه صلة الرحم-كالسلام أو شربة من ماء كما ذكر في النصوص بعنوان المثال-اختصاص الوجوب بصرف الوجود ، و حيث إنّه لا حقيقة شرعية لصلة الرحم ؛ فأيّ فعل تحقّقت به صلة الرحم عرفاً يُمتثل به الوجوب.و تحمل النصوص المطلقة على الاستحباب في غير أدنى المراتب من صلة الرحم.و لا ينافي ذلك ترتّب كثير ممّا وُعد به في نصوص المقام من الأجر و الثواب و الفوائد و الآثار الثمينة على المراتب العالية المستحبّة من صلة الرحم.و لكن يترتّب ما وُعد من العذاب و اللعن و عدم طعم ريح الجنّة على ترك الصلة بأقلّ مراتبها الموجبة لقطع الرحم.0.

ص: 343


1- -وسائل الشيعة 15:222 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس ، الباب 14 ، الحديث 14.
2- -وسائل الشيعة 9:25 ، كتاب الزكاة ، أبواب ما تجب فيه الزكاة ، الباب 3 ، الحديث 10.

و عليه ليس لترك الصلة حرمة غير حرمة القطيعة، بل المقصود من حرمة قطع الرحم هو حرمة ترك الصلة و لو بأقلّ مراتبها.و قد اتّضح بذلك أنّ صرف عنان الكلام إلى استفادة حرمة القطيعة من اقتضاء الأمر بالصلة النهي عن ضدّه العامّ أشبه بالأكل من القفا ؛ إذ حرمة القطيعة قد صرّح بها في النصوص المتواترة فلا حاجة لإثبات حرمته إلى التشبّث بذلك ، كما أنّ توجيه وجوب الصلة بأقلّ مراتبها الموجب تركها للقطيعة باقتضاء النهي عن القطيعة الأمر بضدّه العامّ لا يخفى فساده.ثمّ إنّه ممّا يشهد على ما قلنا في الجمع بين نصوص المقام كلام الشهيد الأوّل حيث قال في «قواعده»:«هل الصلة واجبة أو مستحبّة ؟ و الجواب:أنّها تنقسم إلى واجب و هو ما يخرج به عن القطيعة ؛ فإنّ قطيعة الرحم معصية بل قيل:هي من الكبائر و المستحبّ ما زاد على ذلك ، ثمّ قال:ما الصلة التي يخرج بها عن القطيعة ؟ و الجواب في ذلك:أنّ المرجع إلى العرف ؛ لأنّه ليس له حقيقة شرعية و لا لغوية و هو يختلف باختلاف العادات و بُعد المنازل و قربها» (1).و لا ينافيه كلام العلّامة المجلسي:«فاعلم أنّه لا ريب في حسن صلة الأرحام و لزومها في الجملة و لها درجات متفاوتة بعضها فوق بعض ، و أدناها الكلام و السلام و ترك المهاجرة.و يختلف ذلك أيضاً باختلاف القدرة عليها و الحاجة إليها ، فمن الصلة ما يجب و منها ما يستحبّ ، و الفرق بينهما مشكل ، و الاحتياط ظاهر.و من وصل بعض الصلة و لم يبلغ أقصاها ، و من قصّر عن بعض ممّا ينبغي أو عمّا يقدر عليه ، هل هو واصل أو قاطع ؟ فيه نظر.3.

ص: 344


1- -القواعد و الفوائد 2:51-53.

و بالجملة:التمييز بين المراتب الواجبة و المستحبّة في غاية الإشكال و اللّه أعلم بحقيقة الحال و الاحتياط طريقة النجاة» (1).وجه عدم المنافاة بينهما ما أشرنا إليه في معنى الصلة أنّها لمّا كانت حقيقة عرفية فيتّبع نظر أهل العرف في صدقها و ذلك يختلف باختلاف العادات و الرسوم و قرب المكان و بُعدها و كذا قرب الرحم و بُعدها من حيث القرابة و بحسب شدّة احتياجها و فقرها ، و كلّ ما إذا شككنا في تحقّق الصلة في مورد فمقتضى القاعدة الاشتغال و ذلك لاشتغال الذمّة يقيناً بوجوب الصلة و لا بدّ من الفراغ عنه يقيناً.و عليه فيجب صلة الرحم بكيفية يحصل اليقين بفراغ الذمّة ، و ذلك بفعل ما يُطمأنّ بصدق عنوان الصلة عليه في نظر أهل العرف.

ينبغي التنبيه على امور:

الأمر الأوّل:أنّه لا معنى لكون كلّ من الأمر بالصلة و النهي عن القطيعة نفسياً بعد البناء على عدم كون القطيعة شيئاً غير ترك الصلة ، لوضوح عدم كون النهي عن القطيعة حينئذٍ إلّا لأجل التوصّل به إلى الإتيان بالصلة.إنّ وجود المفسدة الشديدة في القطيعة-مضافاً إلى فقدان مصلحة الصلة-لا يكفي لكون النهي عنها نفسياً ، نظراً إلى كون تلك المفسدة من آثار ترك الصلة بالمآل و تنتفي كلّها بفعل الصلة.و عليه:فالنهي عن القطيعة غيري و فائدته التأكيد في البعث إلى الصلة و زيادة التأثير في انبعاث المكلّفين ، فلا يكون لغواً بعد الأمر بالصلة كما قد يتوهّم.نعم ، يكشف التشديد في النهي و التوعيد بالعذاب على القطيعة عن تأكّد

ص: 345


1- -بحار الأنوار 71:110.

وجوب الصلة و تغليظ حرمة القطيعة من دون ترتّب عقابين.الأمر الثاني:ليست قطيعة الرحم شيئاً غير ترك الصلة رأساً حتّى بأقلّ مراتبها.و أمّا ما يقال في توجيه كون القطيعة أمراً وجودياً:من أنّ الرحمية اتّصال طبيعي بين الأرحام عرفاً كالحبل و أنّ قطع الرحم كقطع الحبل-تشبيهاً للمعقول بالمحسوس-فليس بوجيه ؛ حيث لا ينسبق إلى أذهان أهل العرف من قطع الرحم إلّا ترك الصلة رأساً-حتّى بأقلّ مراتبها-و هو المقصود من الهجران و الفصل و التباعد ، كما يعلم ذلك من تعابير أهل اللغة في تعريف قطيعة الرحم.و عليه:فليس النهي عن القطيعة و تحريمها في الحقيقة إلّا النهي عن ترك الصلة و تحريمه.و إن شئت فقل:إنّ قطيعة الرحم عبارة اخرى عن ترك صلة الرحم هجران الرحم و التباعد منها.و ذلك لأنّ قطع كلّ شيء بحسبه ، فإذا اسند إلى الأرحام يكون بمعنى ترك صلتهم و هجرانهم عرفاً ، و لا يكون ترك الصلة و الهجران أمراً عدمياً محضاً ، بل هو أمر إرادي من أفعال النفس و يعاقب عليه.و من هنا فسّر الفاعل المختار بالقادر على كلّ من الفعل و الترك ، فلو كان الترك أمراً عدمياً محضاً لم يعقل تعلّق القدرة به و العقاب عليه ، و لذا ورد «من ترك الصلاة متعمّداً فقد كفر» (1) .الأمر الثالث:أنّه بناءً على ما قلنا من كون قطيعة الرحم في نظر أهل العرف بمعنى ترك الصلة رأساً حتّى بأقلّ مراتبها لا يلزم محذور حمل النصوص الآمرة بالصلة على الاستحباب و لا غيره من المحاذير ممّا لا ينبغي التفوُّه به.بداهة أنّ أيّ واجب مهمّ في نظر الشارع يكون تركه أيضاً ذا خطر عظيم بحسب درجة أهمّية2.

ص: 346


1- -مستدرك الوسائل 1:80 ، أبواب مقدّمة العبادات ، الباب 2 ، الحديث 12.

الإتيان به كما في الصلاة و الجهاد و الصوم و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و غير ذلك من الفرائض المهمّة.و عليه:فالنصوص الدالّة على كون قطيعة الرحم من الكبائر كاشفة عن أهمّية صلة الرحم عند الشارع.و يشهد على ذلك عدّ ترك الصلاة و سائر ما فرضه اللّه في الكتاب من الكبائر ، كما في صحيح عبد العظيم الحسني عن الصادق عليه السلام في عدّ الكبائر من كتاب اللّه عزّ و جلّ:«ترك الصلاة متعمّداً أو شيئاً ممّا فرض اللّه عزّ و جلّ لأنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال:من ترك الصلاة متعمّداً فقد بَرِئ من ذمّة اللّه و ذمّة رسوله» ثمّ قال عليه السلام: «و نقض العهد و قطيعة الرحم» (1) .و أنّهما في الحقيقة ترك فريضتي الوفاء بالعهد وصلة الرحم.فكما أنّ نقض العهد ليس شيئاً غير ترك الوفاء في نظر أهل العرف فكذلك قطيعة الرحم ليست شيئاً غير ترك الصلة في أنظارهم.

حكم صلة الأرحام الكافرين و قطيعتهم

صلة الأرحام الكافرين و قطيعتهم مقتضى عموم النصوص الواردة في المقام و إطلاقها وجوب صلة جميع الأرحام و حرمة قطيعة جنس الرحم ، فاسقاً كان أو مخالفاً أو كافراً.و ذلك لدلالة «الأرحام» مثل قوله صلى الله عليه و آله:«صِلوا أرحامكم» (2) على جميع الأرحام بأنواعهم و أقسامهم بالوضع ؛ لأنّ لفظ «الأرحام» صيغة الجمع فإذا دخلت عليه هيئة الأمر تدلّ على الشمول المجموعي ، و كذا الرحم في قوله عليه السلام:«و قطيعة الرحم...» ؛ فإنّ لفظ «الرحم» اسم جنس يدلّ على الشمول الاستغراقي بالوضع.و لكن ينبغي

ص: 347


1- -وسائل الشيعة 15:318 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس ، الباب 46 ، الحديث 2.
2- -تقدّم تخريجه في الصفحة 343.

البحث عن كلّ واحدٍ من الكافر و الفاسق و المخالف على حدة نظراً إلى ما ورد من الآيات و الروايات في كلّ واحد ، فنقول:أمّا الكافر فمقتضى التحقيق التفصيل بين الكافر الحربي و بين غيره.أمّا الحربي فلا إشكال في عدم جواز صلته و إظهار المحبّة و إلقاء المودّة إليه بأيّ وجهٍ ، و لو كان أباً أو ابناً أو امّاً.نظراً إلى النهي عن ذلك و تحريمه في صريح الكتاب مثل قوله تعالى: «لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ لَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ» (1).و قوله تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَ عَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَ قَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ» (2) .فإنّ الموادّة و إلقاء المودّة بمعنى إظهار المودّة و الإحسان و إنّ الصلة من مصاديق ذلك حسب ارتكاز العرف و اللغة.و قوله تعالى: «قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَ الَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَ مِمّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ كَفَرْنا بِكُمْ وَ بَدا بَيْنَنا وَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَ الْبَغْضاءُ أَبَداً حَتّى تُؤْمِنُوا بِاللّهِ وَحْدَهُ» (3) .هذه الآيات الثلاث ظاهرة في تحريم الموادّة و المراودة مع الكفّار الحربي و ذلك بقرينة التعبير عنهم بمن حادّ اللّه و رسوله و عدوّهما و بُدُوّ العداوة و البغضاء بينهم و بين المؤمنين.و قد دلّت آيات على تحريم تولّي مطلق الكفّار ، مثل قوله تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَ النَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ4.

ص: 348


1- -المجادلة (58):22.
2- -الممتحنة (60):1.
3- -الممتحنة (60):4.

بَعْضٍ وَ مَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ» (1)-التوبة (9):24.(2) .و قوله تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَ لَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَ الْكُفّارَ أَوْلِياءَ وَ اتَّقُوا اللّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ» (3) .و قوله تعالى: «لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً وَ يُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَ إِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ» (4) .و قوله تعالى: «الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَ يَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً» (5) .و قوله تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَ إِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمانِ وَ مَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ» (5) .فإنّ اتّخاذ الكفّار أولياء يتوقّف على إظهار المحبّة لهم و إلقاء المودّة المنهية في الآية ، بل امر في بعض الآيات بإظهار التبرّي و هذه التعابير لا تبقى أيّ شكّ في الدلالة على تحريم صلة الكفّار بل وجوب قطيعتهم و لكن تحمل على الحربي بقرينة بعض الآيات و النصوص.و قد دلّت على ذلك السنّة القطعية و نكتفي هنا بذكر بعضها.مثل صحيح4.

ص: 349


1- -المائدة
2- :53.
3- -المائدة (5):57.
4- -آل عمران (3):28.
5- -النساء (4):139.

محمّد بن قيس ، عن أبي جعفر ، عن آبائه ، عن علي عليهم السلام قال في حديث:«إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله كان يقول:من كان يؤمن باللّه و اليوم الآخر فلا يؤاخيَنَّ كافراً و لا يخالطن فاجراً و من آخى كافراً أو خالط فاجراً كان فاجراً كافراً» (1) .قوله صلى الله عليه و آله:«فلا يؤاخين كافراً» أي لا يتّخذونه أخاً.و من هذه الطائفة النصوص الناهية عن السلام على اليهود و النصارى و غيرهما من الكفّار.مثل موثّقة مسعدة بن صدقة ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه عليهما السلام قال:«لا تسلّموا على اليهود و النصارى و لا على المجوس و لا على عَبَدة الأوثان و لا على شرّاب الخمر و لا على صاحب الشطرنج و النرد و لا على المخنّث و لا على الشاعر الذي يقذف المحصنات...و لا على الفاسق المعلن بفسقه» (2) .

قوله:«المخنّث» أي من كان على صفة النساء أي المتشبّه بهنّ.و حسنة السكوني ، عن جعفر بن محمّد ، عن آبائه عليهم السلام قال:«ستّة لا يسلّم عليهم ، اليهودي و النصراني ، و الرجل على غائطه و على موائد الخمر و على الشاعر الذي يقذف المحصنات و على المتفكّهين بسبّ الاُمّهات» (3) .هذه الرواية حسنة أو معتبرة بلحاظ بنان بن محمّد بن عيسى أخي أحمد بن محمّد بن عيسى فإنّه لم يرد فيه توثيق خاصّ إلّا أنّه مشمول للتوثيق العامّ من ابن قولويه حيث وقع في أسناد «كامل الزيارات».و هو ممّن لم يستثنه ابن الوليد من رجال نوادر أحمد بن محمّد بن عيسى و هذا كاشف عن اعتماد الأصحاب عليه.5.

ص: 350


1- -وسائل الشيعة 16:265 ، كتاب الأمر و النهي ، الباب 38 ، الحديث 18.
2- -وسائل الشيعة 12:51 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 28 ، الحديث 7.
3- -وسائل الشيعة 12:50 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 28 ، الحديث 5.

و مثله ما رواه أصبغ بن نباتة عن علي عليه السلام في حديث:«ستّة لا ينبغي أن يسلّم عليهم:اليهود و النصارى و أصحاب النرد و الشطرنج و...» (1) .و النهي في هذه النصوص و إن كان ظاهراً في الحرمة إلّا أنّ المشهور بين الفقهاء إرادة الكراهة منه ، كما في «الجواهر» (2).و يشهد على ذلك ذكر بعض أهل الفسق من المسلمين في جنب أهل الذمّة مع القطع بإرادة الكراهة فيهم ؛ ضرورة عدم حرمة التسليم إلى فسّاق المسلمين.هذا مضافاً إلى ما دلّ على معاملة المسلمين مع أهل الذمّة.و من هذه الطائفة ما دلّ على النهي عن الابتداء بالسلام على أهل الكتاب و المشركين و عن التفوّه بالسلام في جواب سلامهم.مثل موثّق غياث بن إبراهيم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«قال أمير المؤمنين :

لا تبدءوا أهل الكتاب بالتسليم.و إذا سلّموا عليكم فقولوا:و عليكم» (3) .و في موثّق محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«إذا سلّم عليك اليهودي و النصراني و المشرك فقل:عليك» (4) .و ما رواه زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«تقول في الردّ على اليهود و النصراني:سلام» (5) .و الوجه في الاكتفاء بلفظ «سلام» في الجواب فلعلّه من أسماء اللّه ، كما2.

ص: 351


1- -وسائل الشيعة 12:50 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 28 ، الحديث 6.
2- -جواهر الكلام 21:279.
3- -وسائل الشيعة 12:77 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 49 ، الحديث 1.
4- -وسائل الشيعة 12:77 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 49 ، الحديث 3.
5- -وسائل الشيعة 12:77 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 49 ، الحديث 2.

صرّح به في آخر سورة الحشر فيتفوّه به بهذا القصد ، مع عدم فرض تخاطب في الحديث لعدم إلحاق «عليكم».و موثّقة سماعة قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن اليهودي و النصراني و المشرك إذا سلّموا على الرجل و هو جالس كيف ينبغي عن يردّ عليهم ؟ فقال عليه السلام:«يقول:

عليكم» (1) .و رواية أبي البختري ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه «أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال:

لا تبدءوا أهل الكتاب (اليهود و النصارى) بالسلام.و إن سلّموا عليكم فقولوا:

عليكم ، و لا تصافحوهم و لا تُكِنّوهم إلّا أن تضطرّوا إلى ذلك» (2) .أي لا تخلوا إليهم و لا تكونوا معهم في الخلوات و لا تقولوا لهم أسراركم.هذه النصوص دلّت بظاهر صيغة النهي على حرمة الابتداء بالتسليم على الكفّار.و كذا التفوُّه بالسلام في جواب سلامهم ، و أمّا الجواب ب «عليكم» فلعلّه من جهة أنّهم كانوا قد يسلّمون المسلمين بلفظ «السام» و هو بمعنى الموت ، كما في صحيح زرارة و غيره (3).و يمكن حمل هاتين الطائفتين على غير الأرحام من اليهود و النصارى و سائر أصناف أهل الكتاب و المشركين ، و هي بخلاف الآيات الناهية عن الموادّة مع الكافر الحربي، حيث صرّح فيها بالأرحام بقوله تعالى: «وَ لَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ» (4) .2.

ص: 352


1- -وسائل الشيعة 12:79 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 49 ، الحديث 6.
2- -وسائل الشيعة 12:80 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 49 ، الحديث 9.
3- -وسائل الشيعة 12:80 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 49 ، الحديث 4.
4- -المجادلة (58):22.

و أمّا غير الحربي من الكفّار فيشملهم عمومات وجوب الصلة و حرمة القطيعة.و أمّا الآيات المزبورة فبعضها ظاهر في خصوص الحربي لدلالة مثل:

«المحادّة مع اللّه و رسوله» و«بُدُوّ العداوة و البغضاء».و عموم الاُخرى مخصّص بقوله تعالى: «لا يَنْهاكُمُ اللّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَ لَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَ تُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ» (1) .و قد استدلّ به صاحب «الجواهر» للتفصيل بين كافر الحربي و غيره في جواز الوصيّة إليه (2).و لا يخفى أنّ الصلة من مصاديق البرّ بالرحم عرفاً ، كما أنّها من القسط و العدل حيث يعدّ قطع الرحم نوعاً من الظلم عند العقلاء.و بذلك يرفع اليد عن مطلقات نهي الموادّة مع مطلق الكافر.و على ذلك يُحمل ما دلّ من النصوص على جواز الصلة.و ممّا دلّ من النصوص على جواز الوصيّة إلى الكافر مثل:رواية أبي خديجة عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال:«لا يرث الكافرُ المسلِمَ و للمسلم أن يرث الكافر إلّا أن يكون المسلم قد أوصى للكافر بشيء» (3) .و ما رواه محمّد بن مسلم قال:

سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل أوصى بماله في سبيل اللّه ، قال عليه السلام:«أعطه بمن أوصى له ، و إن كان يهودياً أو نصرانياً ، إنّ اللّه يقول: «فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ...» (4).و يعلم من استشهاد الإمام بالآية أنّ إطلاق قوله تعالى: «الْوَصِيَّةُ5.

ص: 353


1- -الممتحنة (60):8.
2- -جواهر الكلام 28:366.
3- -وسائل الشيعة 19:344 ، كتاب الوصايا ، الباب 35 ، الحديث 4.
4- -وسائل الشيعة 19:345، كتاب الوصايا، الباب 35، الحديث 5.

لِلْوالِدَيْنِ وَ الْأَقْرَبِينَ» (1)-وسائل الشيعة 9:409 ، كتاب الزكاة ، أبواب الصدقة ، الباب 19 ، الحديث 3.(2) يشمل الأرحام من الكفّار ، و غير ذلك من النصوص.و هذه الطائفة إمّا أن تُحمل على غير الحربي أو على ما إذا لم تكن الوصيّة بداعي البرّ و الموادّة ، بل لأجل رفع الفتنة و رعاية مصلحةٍ عقلائية كما قال في «الجواهر» و قد بحثنا عن ذلك مفصّلاً في كتاب الوصيّة من «دليل تحرير الوسيلة» فراجع.ثمّ إنّ في المقام قد يستفاد من بعض النصوص عدم جواز البرّ و التصدّق إلى أهل الذمّة في غير صورة الاضطرار مثل ما رواه المصادف قال:كنت مع أبي عبد اللّه عليه السلام فيما بين مكّة و مدينة فمررنا على رجل في أصل شجرة و قد ألقى بنفسه ، فقال:«مِل بنا إلى هذا الرجل.فإنّي أخاف أن يكون قد أصابه عطشٌ» .فمِلْتُ إليه.

فإذاً رجل من القراشين طويل الشعر ، فسأله أ عطشان أنت ؟ فقال:نعم ، فقال لي:

«انزل يا مصادف فاسقه» فنزلت و سقيته ، ثمّ ركبت فسرنا ، فقلت:هذا نصراني ، أ فتُصدِّق على نصراني ؟ فقال:«نعم إذا كانوا في مثل هذه الحال» (2) .فدلّ هذا الخبر على عدم جواز الإحسان و الصلة و البرّ إلى النصراني في غير حال الاضطرار.و لكنّه في غير مورد الرحم المشمول لعمومات صلة الأرحام.و ممّا يدلّ على جواز التصدّق و الإحسان إلى أهل الذمّة من الكفّار حسنة إسحاق بن عمّار عن جعفر الصادق عليه السلام عن أبيه عليه السلام: «إنّ علياً عليه السلام كان يقول:

لا يذبح نسككم إلّا أهل ملّتكم و لا تصدّقوا بشيء من نُسُكِكم إلّا على المسلمين و تصدّقوا بما سواه غير الزكاة على أهل الذمّة» (3) .6.

ص: 354


1- -البقرة
2- :180.
3- -وسائل الشيعة 9:410 ، كتاب الزكاة ، أبواب الصدقة ، الباب 19 ، الحديث 6.

و ممّا يشهد على جواز الصلة بغير أهل الحرب صحيح سدير الصيرفي قال:

قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:أطعِمُ سائلاً لا أعرفه مسلماً ؟ قال عليه السلام:«نعم أعط من لا تعرفه بولاية و لا عداوة للحقّ ، إنّ اللّه يقول: «وَ قُولُوا لِلنّاسِ حُسْناً» .و لا تُطعِم من نصب بشيء من الحقّ أو دعا إلى شيء من الباطل» (1) .فالمتيقّن ممّن نصب العداوة للحقّ هو الكافر الحربي و إن يشمل الناصبي أيضاً.و لكن يرفع اليد عنه لما ورد من الدليل على جواز صلة الرحم الناصبية كما سيأتي بيانه إن شاء اللّه.و من أظهر ما يدلّ على جواز صلة الكفّار ما دلّ من النصوص على جواز المؤاكلة مع الكفّار و المجالسة معهم إذا لم تسر النجاسة منهم إلى أبدان المؤمنين و طعامهم ، مثل صحيح عيص بن القاسم قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن مؤاكلة اليهودي و النصراني و المجوسي.فقال عليه السلام :«إن كان من طعامك و توضَّأ فلا بأس» (2).و صحيح الكاهلي قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن قوم مسلمين يأكلون حضرهم مجوسي أ يدعونه إلى طعامهم ؟ فقال عليه السلام:«أمّا أنا فلا اؤاكل المجوسي و أكره أن احرّم عليكم شيئاً تصنعونه في بلادكم» (3) .و قد عقد في «الوسائل» باباً بهذا العنوان (4) ، بل في صحيح إسماعيل بن جابر:3.

ص: 355


1- -وسائل الشيعة 9:414 ، كتاب الزكاة ، أبواب الصدقة ، الباب 21 ، الحديث 3.
2- -وسائل الشيعة 24:208 ، كتاب الأطعمة و الأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 53 ، الحديث 1.
3- -وسائل الشيعة 24:208 ، كتاب الأطعمة و الأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 53 ، الحديث 2.
4- -وسائل الشيعة 24:208 ، كتاب الأطعمة و الأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 53.

قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:ما تقول في طعام أهل الكتاب ، فقال عليه السلام:«لا تأكله» ، ثمّ سكت هنيئةً ، ثمّ قال عليه السلام: «لا تأكُله» ، ثمّ سكت هنيئةً.ثمّ قال عليه السلام:«لا تأكله و لا تتركه تقول إنّه حرام و لكن تتركه تتنزّه عنه إنّ في آنيتهم الخمر و لحم الخنزير» (1) .

فإنّه كالصريح في عدم حرمة المؤاكلة مع الكفّار من جهة المجالسة معهم و إنّما يجب التنزّه و التجنّب عن التلوّث بنجاستهم.و هذه الصحيحة قرينة على حمل النصوص الناهية عن مؤاكلة الكفّار على ذلك.و لا ريب أنّ من أظهر مصاديق الصلة هو المؤاكلة و المجالسة فإذا ارتفع حرمة ذلك فلا مانع من شمول إطلاقات وجوب الصلة و حرمة القطيعة للأرحام الكافرين.ثمّ إنّه قد يستدلّ لعدم شمول عمومات الصلة و حرمة القطيعة للكافر من الرحم بأنّ الكفر من أعظم مصاديق الفسق و لمّا كان هو متجاهراً في كفره فيشمله ما دلّ من النصوص على استثناء المعلن بالفسق من عمومات وجوب الصلة و حرمة القطيعة.و فيه:أنّ المقصود من المعلن بالفسق في نصوص المقام هو المسلم الفاسق المتجاهر بفسقه لعدم مبالاته و اعتنائه بالدين و أنّ فيه خصوصية لا توجد في الكافر و هو أنّه لمّا كان في زمرة المسلمين و يخالطهم و يعاشرهم في مجالسهم و مجامعهم يسري فسقه إلى سائر المسلمين و يوجب نشر الفسق و الفجور و الفساد بينهم ، فهو مادّة الفساد بل هو كالغدّة السرطانية المهلكة التي يجب قلعها و قطع سراية فسادها بين مجتمع المؤمنين.و هذا بخلاف الكافر حيث لا اعتقاد للمؤمنين به و لا بمذهبه و ديدنه و مسلكه لكي يتأثّروا من أفعاله فهو ما دام لم يكن بصدد هدم معالم الدين و توهين مقدّسات4.

ص: 356


1- -وسائل الشيعة 24:210 ، كتاب الأطعمة و الأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 54 ،الحديث 4.

الشريعة لا يكون في حكم المعلن بالفسق و لا المبدع من جهة ما نحن فيه.نعم لو كان بصدد ذلك يدخل في حكم الكافر الحربي الخارج عن إطلاقات وجوب الصلة.و عليه فقياس الكافر غير الحربي بالفاسق المعلن بالفسق أو بأهل البِدَع من المسلمين في المقام قياس مع الفارق.ثمّ إنّ هذا كلّه في غير الوالدين و أمّا الوالدين فيحتمل خروجهما عن مطلقات منع صلة الكافر-حتّى الحربي-بدليل قوله تعالى: «وَ إِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما وَ صاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً» (1) بناءً على شموله للكافر الحربي بقرينة المجاهدة على شرك الولد.و لكن لا يبعد حمل هذه الآية على غير الحربي لما سبق من القرائن و لتحريم الموادّة مع من حادّ اللّه و رسوله و إن كان أباً أو ابناً في صريح الآية 22 من سورة المجادلة.

حكم صلة أهل البِدَع من الرحم

و أمّا أهل البدع فقد دلّت الصحيح المزبور على منع صلتهم بإيتاء المال و الإطعام حيث قال عليه السلام:«و لا تطعم من نصب بشيء من الحقّ أو دعى إلى الباطل» (2) .و قد دلّ على منع الصلة بل لزوم قطيعة أهل البدع عدّة نصوص اخرى:

مثل صحيح داود بن سرحان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله:«إذا رأيتم أهل الريب و البدع من بعدي فأظهروا البراءة منهم و أكثروا من سبِّهم و القول فيهم و الوقيعة و باهتوهم كيلا يطمعوا في الفساد في الإسلام...» (3) .فإنّ مقتضى البراءة

ص: 357


1- -لقمان (31):15.
2- -وسائل الشيعة 9:414 ، كتاب الزكاة ، أبواب الصدقة ، الباب 21 ، الحديث3.
3- -وسائل الشيعة 16:267 ، كتاب الأمر و النهي ، الباب 39 ، الحديث1.

و الإكثار من سبّهم و هو ترك صلتهم و قطعها.بل ورد في بعض النصوص المعتبرة النهي عن مجالستهم.مثل صحيح عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّه عليه السلام:أنّه قال:«لا تصحبوا أهل البدع و لا تجالسوهم فصيروا عند الناس كواحدٍ منهم ، قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله:المرءُ على دين خليله و قرينه» (1).و مثله ما رواه الصدوق بإسناده عن أمير المؤمنين عليه السلام و أبي عبد اللّه عليه السلام:«من مشى إلى صاحب بدعة فوقّره فقد سعى في هدم الإسلام» (2) .بل دلّ بعض النصوص المعتبرة على النهي عن ذلك في خصوص الأرحام ، كما في صحيحة داود بن القاسم الجعفري قال:سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول:«ما لي رأيتك عند عبد الرحمن بن يعقوب ؟» فقلت:إنّه خالي ، فقال عليه السلام: «إنّه يقول في اللّه قولاً عظيماً يصف اللّه و لا يوصف فإمّا جلست معه و تركتنا ؟ و إمّا جلستَ معنا و تركته» (3) .الواو في قوله:«و لا يوصف» حالية و المقصود توصيف اللّه بما تعالى شأنه عنه كالتجسّم.و هذه الصحيحة قرينة على تعميم منع مجالسة أهل البدع إلى الأرحام منهم ، بل و لو لا هذه الصحيحة ليفهم هذا التعميم بلحاظ ما ورد فيها من شدّة النهي و المنع عن مجالستهم و الأمر ببهتانهم و الوقيعة فيهم ، فإنّ عموم هذه التعابير الأكيدة الشديدة آبية عن التخصيص.نعم ، لا مناص من رفع اليد عن إطلاق هذه النصوص5.

ص: 358


1- -وسائل الشيعة 16:259 ، كتاب الأمر و النهي ، الباب 38 ، الحديث1.
2- -وسائل الشيعة 16:271 ، كتاب الأمر و النهي ، الباب 40 ، الحديث7.
3- -وسائل الشيعة 16:260، كتاب الأمر و النهي، الباب 38، الحديث5.

في خصوص الوالدين و ذلك لقوله تعالى: «وَ إِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما وَ صاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً» (1) .فإنّه يدلّ بظاهره على وجوب مصاحبة الوالدين بالمعروف و إن دعيا إلى الشرك و الباطل...و لكن لا يخفى أنّ هذا الحكم ثابت ما دام لم يحتمل ضلالة بمصاحبتهما و إلّا لا ريب في وجوب ترك المصاحبة بحكم العقل ؛ فإنّه أولى بالاحتياط عقلاً من احتمال هلاك الجسم.

صلة الأرحام المخالفين و قطيعتهم

أمّا المخالف فهو على قسمين؛ناصب و غير ناصب.أمّا غير الناصب:فلا إشكال في وجوب صلة الأرحام من المخالفين غير الناصبين و حرمة قطيعتهم.و ذلك لأنّه-مضافاً إلى شمول إطلاقات وجوب صلة الأرحام و حرمة قطيعتهم لهم-يدلّ على ذلك بالخصوص عدّة نصوص ، مثل موثّقة أبي بصير قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يصرم ذوي قرابته ممّن لا يعرف الحقّ.قال عليه السلام:«لا ينبغي له أن يصرمه» (2).و معتبرة المعلّى بن خنيس عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث:أنّه خرج و معه جِراب من خُبز فأتينا ظلّة بني ساعدة ، فإذاً نحن بقوم نيام فجعل يدسُّ الرغيف و الرغيفين حتّى أتى على آخرهم ، ثمّ انصرفنا فقلت:جعلت فداك يعرف هؤلاء الحقّ ؟ فقال عليه السلام: «لو عرفوه لواسَيْناهم بالدقّة ، (و الدقَّة هي الملح)» (3).و إنّما عبّرنا عنها بالمعتبرة بلحاظ وقوع سعدان بن مسلم و المعلّى بن خنيس

ص: 359


1- -لقمان (31):15.
2- -وسائل الشيعة 12:261 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 144 ، الحديث4.
3- -وسائل الشيعة 9:408 ، كتاب الزكاة ، أبواب الصدقة ، الباب 19 ، الحديث1.

في طريقها.فإنّ الأقوى اعتبار روايتهما ، لأنّ الأوّل صاحب أصل و من المعاريف مع عدم ورود أيّ قدح أو ذمّ فيه.و الثاني له توثيق بل تجليل و مدح كثير ، فلذا يحمل ما ورد في ذمّه على التقيّة و ما قيل في تضعيفه على توهّم الغلوّ في حقّه ، كما في زرارة.و صحيح أبي بصير قال:سأله رجل و أنا أسمع ، قال:اُعطي قرابتي من زكاة مالي و هم لا يعرفونك ؟ قال:فقال عليه السلام: «لا تُعْطِ الزكاة إلّا مسلماً و أعطهم من غير ذلك» .ثمّ قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «أ ترون أنّ ما في المال الزكاة وحدها ؟ ما فرض اللّه في المال من غير الزكاة أكثر تعطي منه القرابة و المعترض لك ممّن يسألك فتعطيه ما لم تعرفه بالنصب ، فإذا عرفته بالنصب فلا تعط إلّا أن تخاف لسانه فتشتري دينك و عرضك منه» (1) .و موثّقته قال:قلت لأبي عبد اللّه:الرجل يكون له الزكاة و له قرابة محتاجون غير عارفين فيعطيهم من الزكاة ، فقال: «لا و لا كرامة ، لا يجعل الزكاة وقايةً لماله ، يعطيهم من غير الزكاة إن أراد» (2) .و ممّا يدلّ على ذلك بالعموم صحيح معاوية بن وهب ، قال:قلت له:كيف ينبغي لنا أن نصنع فيما بيننا و بين قومنا و فيما بيننا و بين خُلطائنا من الناس ؟ قال:

فقال عليه السلام: «تؤدّون الأمانة إليهم و تقيمون الشهادة لهم و عليهم و تعوّدون مرضاهم و تشهدون جنائزهم» (3) .و أمّا الناصب:فهو كغيره من فرق المخالفين من جهة شمول إطلاق أدلّة1.

ص: 360


1- -وسائل الشيعة 9:247 ، كتاب الزكاة ، أبواب المستحقّين للزكاة ، الباب 16 ، الحديث1.
2- -وسائل الشيعة 9:248 ، كتاب الزكاة ، أبواب المستحقّين للزكاة ، الباب 16 ، الحديث2.
3- -وسائل الشيعة 12:5 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 1 ، الحديث 1.

وجوب الصلة و حرمة القطع.هذا بالنسبة إلى الإطلاقات و أمّا النصوص الواردة في خصوص النواصب فهي على طائفتين:الاُولى:ما دلّ على حرمة المعاشرة و المراودة و المجالسة مع النواصب و البرّ و الإحسان إليهم.مثل صحيح سدير الصيرفي قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:اُطعم سائلاً لا أعرفه مسلماً ؟ قال عليه السلام: «نعم ، أعط من لا تعرفه بولاية و لا عداوة للحقّ ، إنّ اللّه عزّ و جلّ يقول:«قولوا للنّاس حُسْناً».و لا تطعم من نصب لشيء من الحقّ أو دعا إلى شيء من الباطل» (1).و صحيح عمر بن يزيد ، قال:سألته عن الصدقة على النُّصّاب و على الزيدية فقال عليه السلام: «لا تصدّق عليهم بشيء و لا تسقهم من الماء إن استطعت» ، و قال عليه السلام:

«الزيدية هم النُّصّاب» (2).فإنّ من عُرف بالعداوة و النصب للحقّ لا ريب في شموله للناصب مطلقاً سواءٌ كان من الأرحام أم لا.و صحيح أبي بصير-السابق آنفاً-عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«فإذا عرفته بالنصب فلا تعط إلّا أن تخاف لسانه فتشتري دينك و عِرضك منه» (3) .و موثّق ابن فضّال قال:سمعت الرضا عليه السلام يقول: «و من واصل لنا قاطعاً أو قطع لنا واصلاً أو مدح لنا عائباً أو أكرم لنا مخالفاً فليس منّا و لسنا منه» (4) .بناءً5.

ص: 361


1- -وسائل الشيعة 9:414 ، كتاب الزكاة ، أبواب الصدقة ، الباب 21 ، الحديث3.
2- -وسائل الشيعة 9:414 ، كتاب الزكاة ، أبواب الصدقة ، الباب 21 ، الحديث2.
3- -وسائل الشيعة 16:265 ، كتاب الأمر و النهي ، الباب 38 ، الحديث19.
4- -وسائل الشيعة 16:264 ، كتاب الأمر و النهي ، الباب 38 ، الحديث15.

على كون المراد من قاطع أهل البيت و مخالفهم هو الناصب.و رواية هشام بن سالم عن الصادق عليه السلام:«من جالس لنا عائباً أو مدح لنا غالياً أو وصل لنا قاطعاً أو قطع لنا واصلاً أو والى لنا عدوّاً أو عادى لنا وليّاً فقد كفر بالذي أنزل السبع المثاني و القرآن العظيم» (1) .و صحيح عبد الرحمن بن أبي نجران، عن عمر بن يزيد، عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال عليه السلام:«لا تصْحبوا أهل البِدَع و لا تجالسوهم فتصيروا عند الناس كواحدٍ منهم ، قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله:المرء على دين خليله و قرينه» (2).و صحيح هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«إذا ابتُلِيت بأهل النصب و مجالستهم فكن كأنّك على الرضف حتّى تقوم ؛ فإنّ اللّه يمقتهم و يلعنهم فإذا رأيتهم يخوضون في ذكر إمامٍ من الأئمّة فقم فإنّ سخط اللّه نزل هناك عليهم» (3) .

قوله:«الرضف» ، هو الحجر المحمى الحارّ المُحرِق.هذه النصوص تشمل بإطلاقها الأرحام من النواصب و غيرهم.الثانية:نصوص دلّت بظاهرها على جواز الصلة و البرّ و الإحسان إلى الأرحام و الأقرباء من النواصب مثل صحيح داود الرقي قال:كنت جالساً عند أبي عبد اللّه عليه السلام إذ قال مبتدئاً من قبل نفسه:«يا داود! لقد عُرضتْ عليَّ أعمالكم يوم الخميس فرأيت فيما عُرض عليَّ من عملك صلتك لابن عمّك فلان فسرّني ذلك إنّي علمت أنّ صلتك له أسرع لفناء عمره و قطع أجله» .قال داود:و كان لي ابن عمٍّ معانداً ناصبياً خبيثاً ، بلغني عنه و عن عياله سوء حال ، فصككت له نفقة قبل5.

ص: 362


1- -وسائل الشيعة 16:259 ، كتاب الأمر و النهي ، الباب 38 ، الحديث1.
2- -وسائل الشيعة 16:263 ، كتاب الأمر و النهي ، الباب 38 ، الحديث13.
3- -وسائل الشيعة 16:111، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس، الباب 101، الحديث15.

خروجي إلى مكّة فلمّا صرت في المدينة أخبرني أبو عبد اللّه عليه السلام بذلك.قوله فصككت أي كتبت في الصكّ.و رواه المفيد أيضاً بطريق آخر عن الرقي مع الفرق مختصر في العبارة (1).و يدلّ عليه ما رواه علي بن أبي حمزة في أصله و هو من رجال الصادق و الكاظم عليهما السلام.قال:سألته عن الرجل يحجّ فيعتمر و يصلّي و يصوم و يتصدّق عن والديه و ذوي قرابته ، قال عليه السلام: «لا بأس به ، يؤجر فيما يصنع و له أجر آخر بصلة قرابته» قلت:إن كان لا يرى ما أرى و هو ناصب ؟ قال:«يُخفّف عنه بعض ما هو فيه» (2) .أي يخفِّف الصلة عن وزر الواصل ، و أمّا منافاة غياب الضمير مع صيغة المتكلّم بقوله:«أرى» فيدفعها التعبير بالغائب عن الرجل الواصل في الصدر.و ممّا يدلّ على ذلك ما رواه الشيخ الطوسي بإسناده عن سالمة مولاة أبي عبد اللّه عليه السلام قال:كنت عند أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد عليه السلام حين حضرته الوفاة و اغمي عليه فلمّا أفاق قال: «أعطوا الحسن بن علي بن الحسين و...». فقلت:أ تعطي رجلاً ؛ حمل عليك بالشفرة يريد أن يقتلك ؟ قال عليه السلام: «تريدين أن لا أكون من الذين قال اللّه عزّ و جلّ: «وَ الَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ...» نعم ، يا سالمة إنّ اللّه خلق الجنّة فطيّبها و طيّب ريحها و إنّ ريحها ليوجد من مسيرة ألفي عام فلا يجد ريحها عاقّ و لا قاطع رحم» (3) .بناءً على كون الرجل ناصبياً بقرينة أنّه حمل على الإمام بالشفرة بقصد قتله.2.

ص: 363


1- -بحار الأنوار 71:20/93.
2- -وسائل الشيعة 8:278 ، كتاب الصلاة ، أبواب قضاء الصلوات ، الباب 12 ، الحديث 8.
3- -وسائل الشيعة 19:417 ، كتاب الوصايا ، الباب 83 ، الحديث 1 و2.

إذا عرفت هاتين الطائفتين من النصوص ، فنقول:إنّ النسبة بين الطائفة الاُولى من هاتين الطائفتين و بين إطلاقات وجوب الصلة و حرمة القطيعة هي العموم و الخصوص من وجه فتفترق الإطلاقات عن الطائفة الاُولى في الرحم غير الناصب كما تفترق الطائفة الاُولى عن المطلقات في الناصب غير الرحم و تجتمعان في الرحم الناصب.و أمّا هاتين الطائفتين فالنسبة بينهما هي العموم و الخصوص المطلق كما هو واضح.ثمّ إنّ الأمر في حلّ الاختلاف بين الإطلاقات الأوّلية و بين هاتين الطائفتين يدور بين تقديم ملاحظة النسبة بين الإطلاقات و بين الطائفة الاُولى.فحينئذٍ حيث إنّ النسبة بينهما هي العموم و الخصوص من وجه يسقطان بالتعارض و يبقى الطائفة الثانية بلا معارض.و بين تقديم ملاحظة النسبة بين الطائفة الاُولى و الثانية و تخصيص الاُولى بالثانية.و بذلك يوجد انقلاب النسبة.يعني تنقلب النسبة بين الإطلاقات و الطائفة الاُولى من العموم و الخصوص من وجه إلى العموم و الخصوص المطلق.و بالمآل تقيّد إطلاقات وجوب صلة الأرحام و حرمة القطيعة بغير الرحم من الناصب و يبقى الناصب من الرحم تحت تلك الإطلاقات الأوّلية.مقتضى الصناعة و التحقيق تقديم ملاحظة النسبة بين الطائفة الاُولى و الثانية و تخصيص الاُولى بالثانية.و الوجه في ذلك أنّ الطائفة الثانية قرينة و كاشفة عن المراد الجدّي من الطائفة الاُولى عند أهل العرف ، حيث إنّهم لا يرون المدلول الجدّي للطائفة الاُولى منعقداً مع ملاحظة مدلول الطائفة الثانية من النصوص ؛ فلذا لا يرون الطائفة الاُولى صالحة للمعارضة مع الإطلاقات الأوّلية.و هذا هو ملاك تقديم ملاحظة النسبة بين العامّ التحتاني و بين مخصّصه على ملاحظة النسبة بين

ص: 364

العمومات الأوّلية و بين العامّ التحتاني في مسألة انقلاب النسبة.و الحاصل:إنّ مقتضى الأدلّة وجوب صلة الرحم المخالف و إن كان ناصباً.

نعم ظاهر صحيح داود و رواية علي بن أبي حمزة هو جواز صلة الرحم الناصبية.

و لكن لا نظر له عليه السلام إلى مجرّد الجواز و الإباحة ظاهراً-لما كان في موضع توهّم الحرمة-بل إلى نفي الحرمة المتوهّمة و إلحاقه بحكم الرحم.و عليه فيدخل تحت إطلاقات وجوب الصلة و حرمة القطيعة.ثمّ إنّ هذا كلّه في الحدّ الواجب من الصلة و أمّا فوقه من المراتب العالية فلا ريب في عدم مطلوبيته في المخالفين بل عدم جوازه في الكافر و الناصب بمقتضى ما دلّ من النصوص على وجوب التبرّي منهما ، بل هو من اصول المذهب.

حكم صلة أهل الفسق و المعاصي من الرحم

أمّا الفاسق فلا ريب في كونه مشمولاً لإطلاقات وجوب الصلة و حرمة القطيعة إذا كان من الأرحام و لا مقيّد لهذه الإطلاقات إلّا في موردين:أحدهما:مؤاخاة الفاسق و مصاحبته و معاشرته.فهذه المرتبة من الصلة ليست مطلوبة بالنسبة إلى الفسّاق من الأرحام و قد دلّ على ذلك نصوص:منها:صحيحة محمّد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام عن آبائه عن علي عليه السلام قال:

«مجالسة الأشرار تورث سوءَ الظنّ بالأخيار و مجالسة الأخيار تلحق الأشرار بالأخيار ، و مجالسة الفجّار للأبرار تلحق الفجّار بالأبرار.فمن اشتبه عليكم أمره و لم تعرفوا دينه فانظروا إلى خُلَطائه ، فإن كانوا أهل دين اللّه فهو على دين اللّه و إن لم يكونوا على دين اللّه فلا حظّ لهم في دين اللّه ، إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله كان يقول:من

ص: 365

كان يؤمن باللّه و اليوم الآخر فلا يؤاخين كافراً و لا يخالطنّ فاجراً ، و من آخى كافراً أو خالَط فاجراً كان فاجراً كافراً» (1).و منها:صحيحة أبي حمزة عن علي بن الحسين عليه السلام في حديث طويل ، قال عليه السلام:«إيّاكم و صحبة العاصين و معونة الظالمين و مجاورة الفاسقين ، احذروا فتنتهم و تباعدوا من ساحتهم» (2) .و منها:ما رواه مُيَسِّر عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«لا ينبغي للمرء (للمسلم) أن يؤاخي الفاجر و لا الأحمق و لا الكذّاب» (3) .و غير ذلك من النصوص (4) فإنّها و إن لم ترد في خصوص الأرحام إلّا أنّ لسانها آبٍ عن التخصيص بلحاظ ما فيها من التشديد و ما بُيّن فيها من الحكمة بأنّ مجالستهم تورث سوء الظنّ بالأخيار و انتشار الفتنة و الفساد.ثانيهما:السلام على الفاسق المعلن بفسقه كما دلّ عليه موثّق مسعدة بن صدقة عن جعفر بن محمّد عن أبيه قال:«لا تسلّموا على اليهود و لا النصارى و لا على المجوس و...و لا على شرّاب الخمر و لا على صاحب الشطرنج و النرد و لا على المخنّث و لا على الشاعر الذي يقذف المحصنات و...و لا على آكل الربا...

و لا على الفاسق المعلن بفسقه» (5).و ما رواه في «الخصال»-مرفوعاً-عن أمير المؤمنين عليه السلام:قال «نهى7.

ص: 366


1- -وسائل الشيعة 16:265 ، كتاب الأمر و النهي ، الباب 38 ، الحديث 18.
2- -وسائل الشيعة 16:260 ، كتاب الأمر و النهي ، الباب 38 ، الحديث 3.
3- -وسائل الشيعة 12:29 ، كتاب الحجّ ، أبواب العشرة ، الباب 15 ، الحديث3.
4- -وسائل الشيعة 12:28 ، كتاب الحجّ ، أبواب العشرة ، الباب 15 و17.
5- -وسائل الشيعة 12:51 ، كتاب الحجّ ، أبواب العشرة ، الباب 28 ، الحديث7.

رسول اللّه صلى الله عليه و آله أن يسلّم على أربعة:على السكران في سكره و على من يعمل التماثيل و على من يلعب بالنرد و على من يلعب بالأربعة عشر و أنا أزيدكم الخامسة:أنهاكم أن تسلّموا على أصحاب الشطرنج» (1) .و المقصود ظاهراً من أصحاب الشطرنج أهل المقامرة به.و مثله خبر السكوني و الأصبغ بن نباتة فراجع (2).و عليه فلا بدّ أن تكون صلة الفسّاق من الأرحام بغير السلام و بغير المؤاخاة و المعاشرة و المخالطة.و أن لا يوصل المعلن بفسقه و أمّا من اشير إليه في هذه النصوص من بعض أصناف الفسّاق فليحمل على غير الأرحام؛ لأنّ في صلة الفاسق المعلن بالفسق وهن الشريعة و محق الحقّ و هتك المقدّسات بخلاف غير المُعلن.

حكم صلة قاطع الرحم

و أمّا قاطع الرحم فلا إشكال في وجوب صلته و حرمة قطيعته نظراً إلى ما دلّ على ذلك بالخصوص من النصوص.مثل صحيح حمّاد قال:جاءَ إلى الصادق رجل فقال:يا بن رسول اللّه صلى الله عليه و آله أخبرني عن مكارم الأخلاق فقال: «العفو عمَّن ظلمك وصلة من قطعك» (3) .و موثّقة السكوني: «لا تقطع رحمك و إن قطعك» (4) .

ص: 367


1- -وسائل الشيعة 12:49 ، كتاب الحجّ ، أبواب العشرة ، الباب 28 ، الحديث3.
2- -وسائل الشيعة 12:50 ، كتاب الحجّ ، أبواب العشرة ، الباب 28 ، الحديث 5 و6.
3- -وسائل الشيعة 15:199 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس ، الباب 6 ، الحديث6.
4- -وسائل الشيعة 12:273 ، كتاب الحجّ ، أبواب العشرة ، الباب 149 ، الحديث4.

و نظيره ما ورد في وصيّة النبي صلى الله عليه و آله (1)و موثّقة إسحاق بن عمّار (2).و في صحيحة عبد اللّه بن سنان قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:إنّ لي ابن عمٍّ أصِلُه فيقطعني حتّى لقد هممت لقطيعته إيّاي أن أقطعه.قال عليه السلام: «إنّك إذا وصلته و قطعك وصلكما اللّه جميعاً و إن قطعته و قطعك قطعكما اللّه جميعاً» (3) .هذا مضافاً إلى كونه من قبيل الدفع بالأحسن المأمور به في قوله تعالى: «ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ» (4) .و أمّا قوله تعالى: «لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ» (5) .فلا ربط له بالمقام كما أنّ قوله تعالى: «فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ» (6) .لا يرتبط بما نحن فيه ، نظراً إلى كون الأوّل في مورد الابتداء بالقتل و التعرّض للمقاتلة ، كما ورد أنّ القاتل و المقتول كلاهما في النار.و الثاني ناظر إلى الدفاع عمّن ابتدأ بالحرب أو القصاص في حقّ من ابتدأ بالجناية.و الحاصل:أنّه لا إشكال في شمول عمومات وجوب الصلة و حرمة القطيعة لقاطع الرحم مضافاً إلى ما دلّ على ذلك بالخصوص.

حكم ما لو دار الأمر بين حقّ الرحم و بين سائر الحقوق

ص: 368


1- -وسائل الشيعة 15:182 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس ، الباب 4 ، الحديث4.
2- -وسائل الشيعة 21:538 ، كتاب النكاح ، أبواب النفقات ، الباب 18 ، الحديث1.
3- -وسائل الشيعة 21:538 ، كتاب النكاح ، أبواب النفقات ، الباب 18 ، الحديث2.
4- -المؤمنون (23):96؛ فُصّلت (41):34.
5- -المائدة (5):28.
6- -البقرة (2):194.

قد اتّضح من خلال ما بيَّنّاه تقدّم حقّ الرحم على حقّ الإسلام و الإيمان و غيره من الحقوق إلّا أنّه في مورد الدوران بين حقّ الرحم و بين حقّ الزوج يجب (مسألة 1):يجب-على التفصيل الآتي-الإنفاق على الأبوين و آبائهما و امّهاتهما و إن علوا ، و على الأولاد و أولادهم و إن نزلوا ؛ ذكوراً و إناثاً ، صغيراً أو كبيراً ، مسلماً أو كافراً ، و لا يجب على غير العمودين من الأقارب و إن استحبّ ، خصوصاً الوارث منه(1) .تحرير الوسيلة 2:304 على الزوجة تقديم حقّ الزوج على حقّ الرحم و ذلك بدلالة النصّ المعتبر و هو صحيح محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام في حديث قال عليه السلام:«جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه و آله...فقالت:يا رسول اللّه صلى الله عليه و آله...من أعظم الناس حقّاً على الرجل ؟ قال صلى الله عليه و آله:والده ، فقالت:من أعظم الناس حقّاً على المرأة ؟ قال صلى الله عليه و آله:زوجها» (1).و مثله في الدلالة صحيح عبد اللّه بن سنان (2).و بهذين الصحيحين يُخصَّص عموم «حقّ الرحم لا يقطُعه شيءٌ» كما ورد في رواية الجهم بن حميد قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام يكون لي القرابة على غير أمري أ لهم علي حقّ ؟ قال:«نعم ، حقّ الرحم لا يقطعه شيء...» (3).

حكم الصلة المالية

1-وقع الكلام في وجوب صلة الرحم بإيتاء المال.ظاهر كلماتهم استحباب الصلة المالية في غير العمودين و من يلحق بهم و وجوبها فيهم بشرط الفقر ، كما في «الشرائع» و«الجواهر» و غيرهما و إليه ذهب السيّد الماتن.بل لا إشكال و لا خلاف

ص: 369


1- -وسائل الشيعة 20:157 ، كتاب النكاح ، أبواب مقدّمات النكاح ، الباب 79 ، الحديث1.
2- -وسائل الشيعة 20:174 ، كتاب النكاح ، أبواب مقدّمات النكاح ، الباب 91 ، الحديث1.
3- -الكافي 2:30/157.

محقّق في ذلك كما قال في «الجواهر» (1) بل في «الرياض» الإجماع عليه و كذا في المحكيّ عن «مبسوط» الشيخ.و ممّن ذهب إلى ذلك الشهيد الأوّل قدس سره حيث قال في «قواعده»:«و لا ريب أنّ مع فقر بعض الأرحام و هم العمودان تجب الصلة بالمال و يستحبّ لباقي الأقارب و يتأكّد في الوارث» (2).و منهم الشيخ حسن بن المحقّق الكركي في رسالة «أطايب الكلم» في بيان صلة الرحم في ذيل المطلب الثاني:«و لا ريب أنّه مع فقر بعض الأرحام و هم العمودان أعني الآباء و إن علوا و الأولاد و إن نزلوا تجب الصلة بالمال و تستحبّ لباقي الأقارب و تتأكّد في الوارث ؛ لأنّه إذا كانت القرابة قريبة كان الأمر بالصلة آكد و أقوى...» (3).و قد يستدلّ على وجوب الصلة المالية مطلقاً بنصوص.منها:موثّقة سماعة بن مهران عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث: «و ممّا فرض اللّه عزّ و جلّ أيضاً في المال غير الزكاة قوله عزّ و جلّ: «وَ الَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ...» (4) .بتقريب:أنّ ما فرض اللّه في المال ظاهر في الواجب المالي ممّا يجب أداؤه.و قد طبّق الإمام عليه السلام ذلك عن الصلة بالمال.و فيه:أنّ لفظ «فرض» و إن كان ظاهراً في الوجوب في نفسه إلّا أنّ استعماله في بعض الاُمور المالية المستحبّة كالقرض و الإعارة و الصدقات المستحبّة ، بل2.

ص: 370


1- -جواهر الكلام31:368 و371.
2- -القواعد و الفوائد 2:53.
3- -أطايب الكلم:31.
4- -وسائل الشيعة 9:46 ، كتاب الزكاة ، أبواب ما تجب فيه الزكاة ، الباب 7 ، الحديث2.

و مطلق المعروف-الأعمّ من الواجب المستحبّ-يمنع عن ظهوره في الوجوب و إرادة معناه اللغوي من الثبوت و أصل التشريع أو ما يفرضه الرجل على نفسه كما يأتي في موثّق سماعة.منها:صحيح أبي بصير قال:كنّا عند أبي عبد اللّه عليه السلام و معنا بعض أصحاب الأموال فذكروا الزكاة.فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: «إنّ الزكاة ليس يحمد بها صاحبها ، و إنّما هو شيء ظاهر.إنّما حُقِنَ بها دمه و سُمِّي بها مسلماً و لو لم يؤدّها لم تقبل له صلاة ، و إنّ عليكم في أموالكم غير الزكاة».فقلت:أصلحك اللّه ، و ما علينا في أموالنا غير الزكاة ؟ فقال عليه السلام: «سبحان اللّه أما تسمع اللّه عزّ و جلّ يقول في كتابه:

«وَ الَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسّائِلِ وَ الْمَحْرُومِ» . قال:قلت:ما ذا الحقّ المعلوم الذي علينا ؟ قال:فقال عليه السلام:«هو (و اللّه) الشيء الذي يعمله الرجل في ماله يعطيه في اليوم أو في الجمعة أو في الشهر قلّ أو كثُر ، غير أنّه يدوم عليه ، و قوله عزّ و جلّ: «وَ يَمْنَعُونَ الْماعُونَ» ، قال عليه السلام:«هو القرض يقرِضه و المعروف يصطنعه و متاع البيت يعيره و منه الزكاة...» فقلت:قوله عزّ و جلّ: «إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمّا هِيَ وَ إِنْ تُخْفُوها وَ تُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ» .قال عليه السلام:«ليس من الزكاة وصلتك قرابتك ليس من الزكاة» (1) .وجه دلالته على المطلوب أنّ قوله في صدر الرواية «و إنّ عليكم في أموالكم غير الزكاة» ظاهر في الوجوب و قد جعل من ذلك صلة القرابة في ذيل الحديث.و فيه:أنّ الجملة المزبورة لا تدلّ على الوجوب ، بل تدلّ على الأعمّ من3.

ص: 371


1- -وسائل الشيعة 9:47 ، كتاب الزكاة ، أبواب ما تجب فيه الزكاة ، الباب 7 ، الحديث3.

الحقوق الواجبة و المستحبّة.و على فرض دلالتها على الوجوب في نفسه لا بدّ من رفع اليد عن ظهوره بقرينة تطبيق الإمام عليه السلام هذه الجملة على الصدقة المستحبّة و الإنفاق إلى السائل و المحروم؛ حيث إنّه لا يجب في غير الزكاة، بل و مطلق المعروف و الإعارة و بذلك تنتفي دلالة هذه الصحيحة على وجوب الصلة المالية.و أظهر ممّا سبق صحيح آخر عن أبي بصير قال:قال أبو عبد اللّه عليه السلام:«أَ تَرون أنّ ما في المال الزكاة وحدها ؟ ما فرض اللّه في المال من غير الزكاة أكثر ، تُعطي منه القرابة و المعترض لك ممّن يسألك» (1).و يرد على دلالته ما سبق من الإشكال لوضوح عدم وجوب الإنفاق على كلّ من اعترض بالسؤال.ثمّ إنّه على فرض دلالة هذه النصوص على وجوب صلة الأرحام بإيتاء المال في الجملة يمكن حملها على أقلّ مراتب الصلة ممّا يتوقّف عليه صدق عنوان صلة الرحم ، كما يحمل ما ظاهره استحباب الصلة المالية على فوق ذلك من المراتب كما يحتمل حمل القرابة على خصوص العمودين و من يلحق بهما بقرينة النصوص المصرّحة على ذلك.و في قبال هذه الطائفة يمكن الاستدلال على عدم وجوب الصلة المالية بعدّة نصوص.منها:موثّقة عمّار الساباطي أنّ الصادق عليه السلام قال له:«يا عمّار أنت رَبّ مال كثير ؟» قال:نعم جعلت فداك ، قال:«فتؤدّي ما افترض اللّه عليك من الزكاة ؟» فقال:نعم ، قال عليه السلام: «فتخرج الحقّ المعلوم من مالك ؟» قال:نعم ، قال عليه السلام:«فتصل4.

ص: 372


1- -وسائل الشيعة 9:48 ، كتاب الزكاة ، أبواب ما تجب فيه الزكاة ، الباب 7 ، الحديث4.

قرابتك ؟» قال:نعم ، قال عليه السلام :«فتصل إخوانك ؟».قال:نعم... (1).و منها:موثّقة سماعة بن مهران عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«الحقّ المعلوم ليس من الزكاة ، هو الشيء تخرجه من مالك إن شئت كلّ جمعة و إن شئت كلّ شهر و لكلّ ذي فضل فضله و قول اللّه عزّ و جلّ: «وَ إِنْ تُخْفُوها وَ تُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ» فليس هو من الزكاة ، و الماعون ليس من الزكاة ، هو المعروف تصنعه و القرض تقرضه و متاع البيت تعيره وصلة قرابتك ليس من الزكاة ، و قال اللّه عزّ و جلّ: «الَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ» ، فالحقّ المعلوم غير الزكاة و هو شيء يفرضه الرجل على نفسه أنّه في ماله و نفسه يجب أن يفرضه على قدر طاقته و وسعه» (2) .و منها:صحيح عمر بن يزيد قال:قال أبو عبد اللّه:«المعروف شيء سوى الزكاة فتقرّبوا إلى اللّه بالبرّ وصلة الرحم» (3) .و منها:صحيح آخر لعمر بن يزيد عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:سئل عن الصدقة على من يسأل على الأبواب أو يمسك ذلك عنهم و يعطيه ذوي قرابته قال:«لا ، بل يبعث بها إلى من بينه و بينه قرابة فهذا أعظم للأجر» (4) .و غير ذلك من النصوص الواردة في المقام.فإنّ هذه النصوص المعتبرة ظاهرة في عدم وجوب الصلة بالمال حيث قوبل فيها بين الصلة المالية و بين الزكاة الواجبة و عدّت الصلة المالية ممّا به يطلب الأجر6.

ص: 373


1- -وسائل الشيعة 9:50 ، كتاب الزكاة ، أبواب ما تجب فيه الزكاة ، الباب 7 ، الحديث10.
2- -وسائل الشيعة 9:51 ، كتاب الزكاة ، أبواب ما تجب فيه الزكاة ، الباب 7 ، الحديث11.
3- -وسائل الشيعة 9:51 ، كتاب الزكاة ، أبواب ما تجب فيه الزكاة ، الباب 7 ، الحديث 13.
4- -وسائل الشيعة 9:412 ، كتاب الزكاة ، أبواب الصدقة ، الباب 20 ، الحديث 6.

و يتقرّب إلى اللّه كسائر أفعال البرّ ، و أمّا التعبير عن صلة الأرحام بإيتاء المال بأنّه ممّا فرض اللّه في المال فيمكن أن يكون ذلك بواسطة فرض العبد ذلك على نفسه كما صرّح بذلك في ذيل موثّقة سماعة.ثمّ إنّ الصلة المالية تارةً:تكون أقلّ ما تتحقّق به صلة الرحم بحيث لا تتحقّق بنحو آخر غير الصلة المالية ، فحينئذٍ لا إشكال في وجوبها كغيرها ممّا تتوقّف عليه صلة الرحم.و إنّما الكلام في فرضه الخارجي و موارده غير قليلة ، كما لو كان رحم الإنسان في شدّة الفقر و صعوبة المعيشة أو كان مريضاً محتاجاً إلى مخارج المعالجة و كان الإنسان متمكّناً في المال فلا يعينه بإنفاق شيء من المال ، فحينئذٍ و إن واصله بالمراودة و المعاشرة فمع ذلك لا يبعد صدق ترك صلة مثل هذه الرحم و قطيعتها بالإمساك عن الإنفاق.و على هذا المعنى يحمل ما دلّ من النصوص على أنّ الصلة المالية من الفرائض.و اخرى:تكون فوق هذه المرتبة بأن لا يتوقّف عليها صدق صلة الرحم.

فحينئذٍ في خصوص العمودين و من يلحق بهما إذا كانوا فقراء يجب الإنفاق عليهم.

و إلّا فهو من الصلة المالية المستحبّة المتقرّب به إلى اللّه ، و هذا هو مقتضى الجمع بين نصوص المقام.أمّا وجوب الصلة بالمعنى الأوّل فهو مقتضى القاعدة في تعريف الصلة ؛ إذ ليس لها حقيقة شرعية بل هي حقيقة عرفية.و عليه فكلّما توقّف صدق صلة الرحم عليه فيجب ماليةً كانت الصلة أو غيرها.و أمّا وجوب الإنفاق على العمودين و من يلحق بهما عند الحاجة فقد دلّت عليه عدّة نصوص معتبرة نكتفي بذكر بعضها و يأتي الباقي في خلال المباحث الآتية.فمنها:صحيح محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:قلت له من يلزم

ص: 374

الرجل من قرابته ممّن ينفق عليه ؟ قال عليه السلام: «الوالدان و الولد و الزوجة» (1) .و صحيح حريز عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:قلت له:من الذي اجبَر عليه و تلزمني نفقته ؟ قال عليه السلام: «الوالدان و الولد و الزوجة» (2) .و موثّقة إسحاق بن عمّار عن أبي الحسن موسى عليه السلام قال:قلت:فمن ذا الذي يلزمني من ذوي قرابتي حتّى لا أحتسب الزكاة عليهم.فقال عليه السلام :«أبوك و امّك».

قلت:أبي و امّي ؟ قال عليه السلام:«الوالدان و الولد» (3) .و صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:قلت:من الذي اجبر على نفقته ؟ قال عليه السلام:«الوالدان و الولد و الزوجة و الوارث الصغير» (4) .و في صحيح آخر عنه مثله إلّا أنّ في ذيله:«و الوارث الصغير يعني الأخ و ابن الأخ و نحوه» (5) .و في موثّقة غياث بن إبراهيم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«أتى أمير المؤمنين بيتيم فقال:خذوا بنفقته أقرب الناس منه من العشيرة كما يأكل ميراثه» (6) .هذه النصوص و ما شابهها تدلّ بإطلاقها على وجوب الإنفاق على العمودين و من يلحق بهما مطلقاً ، سواء توقّف عليه صدق صلة الرحم أم لا.و عليه فلو تحقّقت صلة الرحم بغير الإنفاق لا يسقط بذلك وجوب الإنفاق ،4.

ص: 375


1- -وسائل الشيعة 21:526 ، كتاب النكاح ، أبواب النفقات ، الباب 11 ، الحديث5.
2- -وسائل الشيعة 21:525 ، كتاب النكاح ، أبواب النفقات ، الباب 11 ، الحديث3.
3- -وسائل الشيعة 9:241 ، كتاب الزكاة ، أبواب المستحقّين للزكاة ، الباب 13 ، الحديث 2.
4- -وسائل الشيعة 21:511 ، كتاب النكاح ، أبواب النفقات ، الباب 1 ، الحديث9.
5- -وسائل الشيعة 21:512 ، كتاب النكاح ، أبواب النفقات ، الباب 1 ، الحديث10.
6- -وسائل الشيعة 21:526 ، كتاب النكاح ، أبواب النفقات ، الباب 11 ، الحديث4.

(مسألة 2):يشترط في وجوب الإنفاق على القريب فقره و احتياجه ؛ بمعنى عدم وجدانه لما يقوت به فعلاً(1)، فلا يجب إنفاق من قدر على نفقته فعلاً ؛ و إن كان فقيراً لا يملك قوت سنته ، و جاز له أخذ الزكاة و نحوها.و أمّا غير الواجد لها فعلاً القادر على تحصيلها ، فإن كان ذلك بغير الاكتساب-كالاقتراض و الاستعطاء و السؤال-لم يمنع ذلك عن وجوب الإنفاق تحرير الوسيلة 2:304 كما هو واضح بمقتضى مدلول هذه النصوص و أمّا في غير العمودين و الملحق بهما فتستحبّ الصلة ما دام لم يتوقّف عليه صدق عنوان صلة الرحم.و هذا الاستحباب يتأكّد في الوارث من الأقارب ، كما أشار إليه السيّد الماتن قدس سره بقوله:«خصوصاً الوارث منه».و الوجه فيه دلالة موثّقة غياث بن إبراهيم-السابقة آنفاً-على ذلك.

اشتراط فقر القريب في وجوب الإنفاق عليه

1-لا إشكال في أصل اشتراط فقر القريب في وجوب الإنفاق عليه في الجملة ؛ بمعنى عدم وجدانه شيئاً ممّا يقوت به أو تمام ما يقوت به.و الوجه فيه:-مضافاً إلى الإجماع ، كما استظهره في «الجواهر» (1)-أنّه لا يحتمل ملاك لوجوب الإنفاق على الرحم غير رفع الحاجة و سدّ الخَلّة.و يفهم ذلك من بعض نصوص المقام أيضاً مثل قوله عليه السلام: «لا صدقة و ذو رحم محتاج» (2) فيما أرسله الصدوق جزماً ، و قول صاحب الأمر-عجّل اللّه تعالى فرجه الشريف-:

ص: 376


1- -جواهر الكلام 31:371.
2- -وسائل الشيعة 9:412 ، كتاب الزكاة ، أبواب الصدقة ، الباب 20 ، الحديث4.

عليه بلا إشكال(1).و إن كان ذلك بالاكتساب فإن كان ذلك بالاقتدار على تعلّم صنعة بها إمرار معاشه ، و قد ترك التعلّم و بقي بلا نفقة ، فلا إشكال في وجوب الإنفاق عليه(2)، و كذا الحال لو أمكن له التكسّب بما يشقّ عليه تحمّله ، كحمل الأثقال أو لا يناسب شأنه ، فترك التكسّب بذلك ، فإنّه يجب عليه الإنفاق عليه.

و إن كان قادراً على التكسّب بما يناسب حاله و شأنه ، و تركه طلباً للراحة ، فالظاهر عدم وجوبه عليه(3).

تحرير الوسيلة 2:304 «لا يقبل اللّه الصدقة و ذو رحم محتاج» (1) ، فيما رواه الطبرسي في «الاحتجاج» عن محمّد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري عن صاحب الزمان-عجّل اللّه تعالى فرجه الشريف-.و لأجل ذلك يعتبر الاحتياج فعلاً حيث إنّ مناط وجوب الإنفاق احتياج المنفق عليه حال الإنفاق، و هذا واضح معلوم بتناسب الحكم و الموضوع بالوجدان و الضرورة من دون حاجة إلى إقامة البرهان.هذا مضافاً إلى ظهور المشتقّ في المتلبّس بالمبدإ في الحال ، و عليه فقوله عليه السلام:«ذو رحم محتاج» ظاهر في المتلبّس بالاحتياج حال الإنفاق و التصدّق.

1-لوضوح عدم مانعية ذلك عن صدق الاحتياج و عنوان الفقر عرفاً.

2-لعدم كونه قادراً على التكسّب فعلاً ، بل هو عاجز عنه و لو لأجل ترك تعلّم الصنعة.

3-و ذلك لكونه قادراً على التكسّب و لا يكون تركه طلباً للراحة عذراً له عرفاً و لا شرعاً ، فهو في حكم الغنيّ عرفاً.ثمّ إنّه وقع الخلاف في اشتراط7.

ص: 377


1- -وسائل الشيعة 9:413 ، كتاب الزكاة ، أبواب الصدقة ، الباب 20 ، الحديث7.

نعم لو فات عنه زمان الاكتساب ؛ بحيث صار فعلاً محتاجاً بالنسبة إلى يوم أو أيّام غير قادر على تحصيل نفقتها ، وجب(1) و إن كان العجز حصل باختياره.

كما أنّه لو ترك التشاغل به ؛ لا لطلب الراحة ، بل لاشتغاله بأمر دنيويّ أو دينيّ مهمّ كطلب العلم الواجب ، لم يسقط بذلك وجوبه(2).

تحرير الوسيلة 2:304 (مسألة 4):يشترط في وجوب النفقة على القريب قدرة المنفق على نفقته بعد نفقة نفسه و نفقة زوجته لو كانت له زوجة دائمة.فلو حصل عنده قدر كفاية نفسه خاصّة اقتصر على نفسه ، و لو فضل منه شيء و كانت له زوجة فلزوجته ، و لو فضل شيء فللأبوين و الأولاد(3).

تحرير الوسيلة 2:305 العجز عن الاكتساب اللائق بحاله في وجوب الإنفاق عليه.و الأشهر ما ذهب إليه السيّد الماتن قدس سره من اشتراطه و هو الأظهر كما في «الشرائع» بل قال في «الجواهر»:

«لم أعثر فيه على مخالف» (1) ، و هو الأقوى المساعد للاعتبار.و يدلّ عليه ما روي عن النبي صلى الله عليه و آله:«لا يحلّ الصدقة لغنيّ و لا لقويّ مكتسب» (2).

1-لما سبق من صدق عجزه عن الاكتساب و لا يمنع عن استحقاقه للإنفاق كون مقدّمة ذلك باختياره.

2-لأنّ الاشتغال بالوظيفة عذر له عرفاً و شرعاً ، فلا يمنع عن استحقاقه للإنفاق في فرض احتياجه الفعلي.

3-لا إشكال في اعتبار قدرة المنفق على الإنفاق في وجوبه كأيّ تكليف2.

ص: 378


1- -جواهر الكلام 31:371.
2- -مستدرك الوسائل 7:109 ، كتاب الزكاة ، أبواب المستحقّين للزكاة ، الباب 6 ، الحديث 2.

آخر كما صرّح بذلك في الكتاب المجيد: «لا يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها» (1)-جواهر الكلام 31:365.(2) ، و هو معلوم بحكم العقل أيضاً ، و هذا لا كلام فيه.و إنّما الكلام في تقديم النفس على الزوجة و الوالدين ، فنقول:لا خلاف و لا إشكال في تقديم النفس على الغير في الإنفاق كما قال في «الجواهر» (2) ، لوجوب حفظ النفس عقلاً و شرعاً و أهمّية النفس عند الشارع.و أمّا تقديم نفقة الزوجة على الوالدين فعُلّل في «الشرائع» و«الجواهر» (3)بأنّها من المعاوضة بخلاف نفقة الأقارب التي هي من المساواة.و فيه:أنّ المعاوضة تحقّقت بإعطاء المهر قبال البضع كما ورد في النصوص:

«إنّما يشتريها بأغلى الثمن» (4) ، فهذا الوجه غير وجيه.و علّل بعض بأنّ نفقة الزوجة وضعية و تكليفية بخلاف نفقة الأقارب ؛ فإنّها تكليفية محضة (5).و فيه:أنّه لا يرجع إلى محصّل لوضوح عدم ابتناء عقد النكاح على ذلك لكي يفسد بعدم الإنفاق ، فلذا لم يُفْتِ أحد ببطلان النكاح بامتناع الزوج عن الإنفاق.و العمدة في ذلك إمّا هو الإجماع أو قول الصادق عليه السلام:«و ليقدّر لكلّ إنسان منهم قوته ، فإن شاء أكله و إن شاء وهبه و إن شاء يتصدّق به» في صحيح شهاب (6)1.

ص: 379


1- -البقرة
2- :286.
3- -جواهر الكلام 31:365.
4- -وسائل الشيعة 20:89 ، كتاب النكاح ، أبواب مقدّمات النكاح ، الباب 36 ، الحديث7.
5- -مهذّب الأحكام 25:314.
6- -وسائل الشيعة 21:513، كتاب النكاح، أبواب النفقات، الباب 2، الحديث 1.

(مسألة 5):المراد بنفقة نفسه-المقدّمة على نفقة زوجته-مقدار قوت يومه و ليلته و كسوته اللائقة بحاله(1)، و كلّ ما اضطُرّ إليه من الآلات للطعام و الشراب و الفراش و الغطاء و غيرها ، فإن زاد على ذلك شيء صرفه على زوجته ثمّ على قرابته.

تحرير الوسيلة 2:305 حيث دلّ على مالكية الزوجة لنفقتها و عدم كون الإنفاق عليها لأجل المساواة.

و لكن مع ذلك كلّه فالحكم بتقديم الزوجة على الوالدين مشكلٌ بلحاظ ما جاء في الكتاب المجيد من تقديم الإحسان بهما على كلّ وظيفة بعد عبادة اللّه تعالى.ثمّ إنّ هذا كلّه حسب مقتضى القاعدة و رأي الفقهاء.و لكن قد يستفاد من بعض النصوص تقديم الوالدين على النفس و العيال كما في موثّقة مسعدة بن صدقة عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث طويل قال:«قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله:خمس تمرات أو خمس قُرَصٍ أو دنانير أو دراهم يملكها الإنسان و هو يريد أن يُمضِيَها فأفضلها ما أنفقها الإنسان على والديه ثمّ الثانية على نفسه و عياله ، ثمّ الثالثة على قرابته الفقراء ، ثمّ الرابعة على جيرانه الفقراء ، ثمّ الخامسة في سبيل اللّه و هو أخسّها أجراً» (1) .و لكن يمكن حمله على الاستحباب كما يشعر بذلك قوله عليه السلام «أفضله».

و عليه ففي غير صورة الاحتياج بالمعنى المزبور فالإنفاق على الوالدين أفضل من الإنفاق على النفس و الأهل و الولد.

1-و الوجه فيه ما سبق من تعليل وجوب الإنفاق و بيان ملاك الوجوب ؛ فإنّ المعنى المذكور في المتن واجد لملاك الوجوب و هو منساق أدلّة اعتبار الفقر8.

ص: 380


1- -وسائل الشيعة 9:432 ، كتاب الزكاة ، أبواب الصدقة ، الباب 28 ، الحديث8.

(مسألة 8):لا تقدير في نفقة الأقارب ، بل الواجب قدر الكفاية من الطعام و الإدام و الكسوة و المسكن ؛ مع ملاحظة الحال و الشأن و الزمان و المكان ؛ حسب ما مرّ في نفقة الزوجة(1).

(مسألة 10):يجب على الولد نفقة والده ، دون أولاده لأنّهم إخوته ، و دون زوجته(2).و يجب على الوالد نفقة ولده و أولاده ، دون زوجته.

تحرير الوسيلة 2:306 و الاحتياج في وجوب الإنفاق.هذا مضافاً إلى تسالم الفقهاء على ذلك و هو مقتضى القاعدة و المساعد للاعتبار المبنيّ عليه توجيه تقديم حفظ النفس على غيرها. 1-لا خلاف في ذلك و لا إشكال كما صرّح به في «الشرائع» و«الجواهر» (1)و عمدة الدليل على ذلك هي مقتضى أدلّة وجوب الإنفاق ، فإنّ ملاك الوجوب لمّا كان هو سدّ الخلّة و رفع الحاجة فلا بدّ أن يكون الإنفاق بقدر الكفاية بحيث يسدّ الخَلّة و يرفع الحاجة بتناسب شأن المنفق عليه و نوع الحاجة ، و المرجع في تشخيص ذلك هو العرف و العادة.

2-ذلك لأنّ الذي وجب الإنفاق عليه بمقتضى نصوص المقام المتقدّمة في بداية هذا البحث هو أبوا المنفق و أولاده و زوجته.فمن لم يصدق عليه أحد هذه العناوين الثلاثة لا تشمله هذه النصوص و لا دليل آخر على وجوب الإنفاق عليه.

و على هذا الأساس فأولاد الأب-و هم الإخوة و الأخوات-خارجون عن نطاق هذه النصوص.و كذا زوجة الأب إذا لم يكن امّ المنفق كما هي مقصود السيّد الماتن من زوجة الوالد فإنّ زوجة المنفق يجب الإنفاق عليها لا زوجة الوالد.و كذلك6.

ص: 381


1- -جواهر الكلام 31:376.

(مسألة 11):لا تقضى نفقة الأقارب ، و لا يتداركها لو فاتت في وقتها و زمانها و لو بتقصير من المنفق ، و لا تستقرّ في ذمّته ، بخلاف الزوجة(1) كما مرّ.نعم لو لم ينفق عليه لغيبته ، أو امتنع عن إنفاقه مع يساره ، و رفع المنفق عليه أمره إلى الحاكم ، فأمره بالاستدانة عليه فاستدان عليه ، اشتغلت ذمّته به ، و وجب عليه قضاؤه(2).

تحرير الوسيلة 2:306 الكلام بعينه في زوجة الولد فلا يجب على الأب الإنفاق عليها بخلاف أولاد الولد فيجب على الأب الإنفاق عليهم أيضاً ؛ لأنّهم أولاده عرفاً فتشملهم النصوص المزبورة كما يدخل الأجداد في نطاقها لدخولهم في آباء الرجل عرفاً كما اطلق ذلك في الآيات القرآنية كثيراً.

1-و علّل لذلك-مضافاً إلى التسالم و الإجماع كما في «الجواهر» (1)-في «الشرائع» و«الجواهر» بأنّ نفقة الأقارب من باب المساواة لسدّ خلّتهم و رفع حاجتهم و هو لا يمكن تداركه بعد فواته عن وقت الحاجة ، و إن كان تفويته عن تقصير و لذا لا وجه لاستقراره في الذمّة بمضيّ يوم و هذا بخلاف الزوجة ؛ فإنّها تملك مقدار النفقة اللائقة بشأنها ، سواءٌ أنفقها الزوج أم لا.و ذلك إمّا لكون نفقتها من قبيل المعاوضة كما قال في «الشرائع» و«الجواهر»، و إمّا لأجل قول الصادق عليه السلام في صحيح شهاب (2) السابق آنفاً أو للإجماع، و تفصيل ذلك موكول إلى محلّه.

2-و ذلك لكون أمر الحاكم حينئذٍ بالاستدانة و الإنفاق بمنزلة أمر الوليّ و المالك.نظراً إلى ولايته على مثل هذه الاُمور الحسبة و لكنّه مخصوص بصورة1.

ص: 382


1- -جواهر الكلام 31:379.
2- -وسائل الشيعة 21:513 ، كتاب النكاح ، أبواب النفقات ، الباب 2 ، الحديث1.

(مسألة 12):لوجوب الإنفاق ترتيب من جهة المنفق و من جهة المنفق عليه:(1)أمّا من الجهة الاُولى:فتجب نفقة الولد-ذكراً كان أو انثى-على أبيه(2)، و مع عدمه أو فقره فعلى جدّه للأب ، تحرير الوسيلة 2:306 امتناعه أو غيبته أو تعذّر الوصول إليه مع يساره و رفع الأمر إلى الحاكم و أمره المنفق عليه بالاستدانة.و أمّا مع عدم الحاكم أو تعذّر الوصول إليه فهل يكفي استدانة عدول المؤمنين أو استدانة المنفق عليه نفسه بنيّة المنفق و من جانبه ؟ فيه كلام ، ظاهر السيّد الماتن قدس سره عدم الكفاية ، و في «كشف اللثام» تتّجه الاستدانة عليه مع التعذّر دفعاً للحرج.و أشكل عليه في «الجواهر» (1) بعدم ولاية غير الحاكم و عدول المؤمنين على ذلك.و الأقوى في المقام ما سلكه السيّد الماتن قدس سره لعدم دليل على ولاية غير الحاكم على ذلك ، و لا إطلاق أو عموم لدليل تنزيل الحاكم منزلة الوليّ أو المالك ليشمل عدول المؤمنين، و قد بحثنا عن ذلك في بعض مباحث كتاب الوصيّة من «دليل تحرير الوسيلة» فراجع.

1-يستفاد هذا الترتيب من الإطلاقات و عمومات الآيات و النصوص الواردة في المقام و مساعدة الاعتبار و تسالم الفقهاء عليه في الجملة و إن خالف بعضهم في بعض جزئياته كما سيأتي في خلال البحث إن شاء اللّه.

2-لا خلاف و لا إشكال في ذلك كما في «الجواهر» (2) و غيره.و الدليل على ذلك ظهور الأدلّة في أنّ الأب هو الأصل في الإنفاق على الولد0.

ص: 383


1- -جواهر الكلام 31:380.
2- -جواهر الكلام 31:380.

و توجّه التكليف إليه ابتداءً في ذلك مطلقاً ، سواء وجد قريب أم لا.فمع وجوده و لو في الدرجات البعيدة لا تصل النوبة إلى غيره و لو كان في الدرجة القريبة.و أمّا الأدلّة الدالّة على ذلك:فمن الكتاب قوله تعالى: «فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ» (1) فدلّ بالوضوح على كون نفقة الولد و هي اجرة الرضاعة على أبيه.و مثله في الدلالة قوله تعالى: «وَ عَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَ كِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ» (2) .وجه دلالته على المطلوب هو التعبير عن الأب بالمولود له فيشعر بأنّ وجوب الإنفاق على الزوجة بلحاظ كونها امّ ولده و أنّ ما تحمّلت من المشقّة و ما تحتاج إليه من نفقة صيانة الولد من إرضاعه و لباسه و غذائه لأجل ذلك.و من السنّة:ما سبق من النصوص المعتبرة الدالّة على أنّه يجب على الرجل الإنفاق على ولده و إجباره على ذلك.فإنّ إطلاق هذه النصوص ينفي اعتبار عدم وجود قريب آخر في البين.و ممّا يدلّ على ذلك ما رواه العامّة:«أنّ هند امرأة أبي سفيان جاءت إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقالت:إنّ أبا سفيان شحيح لا يعطيني ما يكفيني و ولدي إلّا ما آخذ منه سرّاً و هو لا يعلم فهل عليّ من ذلك شيء ؟ فقال صلى الله عليه و آله:

«خذي ما يكفيك و ولدك بالمعروف» (3) .فإنّ ترك استفصال النبي صلى الله عليه و آله بين وجود قريب آخر و عدمه ظاهر في وجوب إنفاق الولد على الأب مطلقاً سواء كان قريب آخر غيره أم لا حتّى الاُمّ كما هو مورد هذه الرواية.7.

ص: 384


1- -الطلاق (65):6.
2- -البقرة (2):233.
3- -جواهر الكلام31:302 ؛ كنز العمّال 16:557 ؛ السنن الكبرى ، البيهقي 7:477.

و هكذا متعالياً الأقرب فالأقرب ، و مع عدمهم أو إعسارهم فعلى امّ الولد ، و مع عدمها أو إعسارها فعلى أبيها و امّ أبيها و أبي امّها و امّ امّها و هكذا الأقرب فالأقرب(1)، و مع التساوي في الدرجة يشتركون فيه بالسويّة ؛ و إن اختلفوا في الذكورة و الاُنوثة.و في حكم آباء الاُمّ و امّهاتها امّ الأب ، و كلّ من تقرّب إلى الأب بالاُمّ ، كأبي امّ الأب و امّ امّه و امّ أبيه و هكذا(2)، فإنّه تجب عليهم نفقة الولد مع فقد آبائه و امّه، مع مراعاة الأقرب فالأقرب إلى الولد.فإذا كان له أب و جدّ موسران فالنفقة على الأب ، و لو كان له أب و امّ فعلى الأب ، و لو كان جدّ لأب مع امّ فعلى الجدّ ، و مع جدّ لاُمّ و امّ فعلى الاُمّ ، و مع جدّ و جدّة لاُمّ تشاركا بالسويّة ، و مع جدّة لأب و جدّ و جدّة لاُمّ تشاركوا ثلاثاً.هذا في الاُصول ؛ أعني الآباء و الاُمّهات. تحرير الوسيلة 2:306-307 أمّا وصول النوبة إلى الجدّ مع فقد الأب و إلى جدّ الأب مع فقد الجدّ فالوجه فيه ما قلنا سابقاً من كون الأجداد آباء الرجل حقيقة في نظر أهل العرف.

1-أمّا رعاية الأقرب فالأقرب فوجهه-مضافاً إلى تسالم الفقهاء و مساعدة الاعتبار و القاعدة المصطادة من النصوص في أمثال المقام-إطلاق آية: «أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّهِ» (1) ، فإنّ إطلاقها يشمل مثل المقام.و قد دلّ على ذلك بالخصوص قول أمير المؤمنين عليه السلام:«خذوا بنفقته أقرب الناس في العشيرة كما يأكل ميراثه» (2) في موثّقة غياث بن إبراهيم السابق آنفاً.

2-و الوجه فيه:-مضافاً إلى التسالم و الإجماع كما في «الجواهر» (3)-ظهور1.

ص: 385


1- -الأنفال (8):75.
2- -وسائل الشيعة 21:526 ، كتاب النكاح ، أبواب النفقات ، الباب 11 ، الحديث4.
3- -جواهر الكلام 31:381.

أدلّة وجوب الإنفاق على الأقارب ؛ لأنّ أخذ النفقة من أقرب العشيرة إنّما يتصوّر مع الاختلاف في الدرجة و أمّا مع تساويهم في الدرجة و عدم وجود الأقرب بينهم فلا بدّ من اشتراكهم بالسويّة في وجوب الإنفاق بالطبع كما هو واضح.و لكن لا يبعد تقدّم الذكور على الإناث في الدرجة الواحدة أخذاً بإطلاق قوله: «الرِّجالُ قَوّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَ بِما أَنْفَقُوا» (1)بعد فرض تعميم الآية عن موردها-و هي إنفاق الزوج على الزوجة-إمّا للعموم أو الإطلاق اللفظي كما قال به بعض الفقهاء و المفسّرين ، و منهم العلّامة الطباطبائي في تفسيره ، أو لتنقيح الملاك كما سلكناه.و قد بحثنا عن ذلك مفصّلاً في رسالة قضاء المرأة من «دليل تحرير الوسيلة» فراجع.أو لأنّ الذكور أكثر ميراثاً ، أو لتقدّم الأب في وجوب الإنفاق عند اجتماعه مع الاُمّ ، كما قال في «الجواهر» (2).و لا ريب أنّ وجوب الإنفاق في صورة تساوي الدرجة كفائي فمع إقدام بعضهم يسقط عن الباقين و إلّا يعصي الجميع و احتمل أيضاً في «الجواهر» كون انتخاب المنفق و تعيينه بيد المنفَق عليه فهو يرجع إلى أيّ واحد من المنفقين باختياره ، نظير رجوع المالك على ذوي الأيدي ، و احتمل أيضاً تعيين المنفق منهم بالقرعة.و لكنّ الأقوى ما قلنا ؛ نظراً إلى أنّ قياس المقام بالمال المغصوب ماله مع الفارق.و أمّا القرعة فلكلّ أمر مشكل فما دام لم يشكل الأمر بامتناع الجميع أو تعذّر الوصول إليهم و نحو ذلك من موجبات الإشكال لا تصل النوبة إلى القرعة.

و أمّا ما قال في «المسالك» من تقديم العصبة مع التساوي في الدرجة فلا دليل عليه4.

ص: 386


1- -النساء (4):34.
2- -جواهر الكلام 31:384.

إلّا ما اشتهر بينهم من كون ضمان دية الجناية على عصبة الجاني و لكن قياسه و أمّا الفروع-أعني الأولاد-فتجب نفقة الأب و الاُمّ عند الإعسار على الولد مع اليسار ؛ ذكراً كان أم انثى ، و مع فقده أو إعساره فعلى ولد الولد ؛ أعني ابن ابن أو بنت ، و بنت ابن أو بنت و هكذا الأقرب فالأقرب(1)، و مع التعدّد و التساوي في الدرجة يشتركون بالسويّة ، فلو كان له ابن أو بنت مع ابن ابن- مثلاً-فعلى الابن أو البنت ، و لو كان له ابنان أو بنتان أو ابن و بنت اشتركا بالسويّة.و إذا اجتمعت الاُصول و الفروع يُراعى الأقرب فالأقرب ، و مع التساوي يتشاركون ، فإذا كان له أب مع ابن أو بنت تشاركا بالسويّة ، و إن كان له أب مع ابن ابن أو ابن بنت فعلى الأب ، و إن كان ابن و جدّ لأب فعلى الابن ، و إن كان ابن ابن مع جدّ لأب تشاركا بالسويّة ، و إن كانت له امّ مع ابن ابن أو ابن بنت-مثلاً -فعلى الاُمّ.و يشكل الأمر فيما إذا اجتمعت الاُمّ مع الابن أو البنت(2) ، و الأحوط التراضي و التسالم على الاشتراك بالسويّة.

تحرير الوسيلة 2:307 بالمقام مع الفارق.مضافاً إلى كونه مخالفاً لما سمعت من أدلّة رعاية الأقرب فالأقرب و تقديم الرجال على النساء في الدرجة الواحدة.

1-قد اتّضح الوجه في ذلك كلّه ممّا سبق آنفاً و كلّ ما بيّنّاه من الوجوه في رعاية الأقرب فالأقرب و تقديم الرجال على النساء في الدرجة الواحدة أو العصبة على غيرهم أو كون تعيين المنفق حينئذٍ بيد المنفَق عليه و غير ذلك ممّا ذكر في الاُصول يأتي في الفروع أيضاً بلا فرق بين المقامين.

2-لا يبعد تقدّم الابن على الاُمّ في وجوب الإنفاق على أبيه نظراً إلى ذكوريته و كونه و ماله لأبيه و من كسبه و لما دلّ بعض النصوص من نفي وجوب الإنفاق عن الاُمّ.مثل صحيحة عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام في رجل مات و ترك امرأة و معها منه ولد فألقته على خادمٍ لها فأرضعته ثمّ جاءَت تطلب رضاع

ص: 387

و أمّا الجهة الثانية:فإذا كان عنده زائداً على نفقته و نفقة زوجته ، ما يكفي لجميع أقاربه المحتاجين ، وجب عليه نفقة الجميع ، و إذا لم يكف إلّا لإنفاق بعضهم ينفق على الأقرب فالأقرب منهم ، و إذا كان قريبان أو أزيد في مرتبة واحدة ، و لا يكفي ما عنده الجميع ، فالأقرب أنّه يقسّم بينهم بالسويّة مع إمكانه و إمكان انتفاعهم به ، و إلّا فيقرع بينهم(1) .

تحرير الوسيلة 2:307الغلام من الوصيّ.فقال عليه السلام: «لها أجر مثلها و ليس للوصيّ أن يُخرجه من حُجرها حتّى يدرك و يدفَع إليه ماله» (1) ، فإنّها دلّت على وجوب أخذ اجرة مرضعة الولد ممّا يرث الولد من تركة أبيه بعد بلوغه و لم يأمر امّه بالإنفاق عليه مع فرض حياتها.و كذلك الكلام في صورة الدوران بين الاُمّ و البنت الموسرتان فتُقدَّم البنت لأنّها ولد الرجل و من كسبه فهي و ما في يدها لأبيها و لما دلّ عليه صحيح ابن سنان المذكور آنفاً و بناءً على ما قلنا يكون الاحتياط استحبابياً ، و بناءً على مبنى الإمام من إشكال الأمر في مفروض الكلام فالاحتياط وجوبي.

1-أمّا وجه تقديم النفس على غيرها و تقديم الزوجة على الوالدين في الإنفاق أو تقديم الوالدين عليها في ذلك فقد سبق فيه الكلام.و أمّا رعاية الأقرب منهم فالأقرب في المنفق عليه عند عدم كفاية النفقة الموجودة لجميع الأقارب المحتاجين فقد اتّضح وجهها من خلال ما بيّنّاه في توجيه مراعاة الأقرب فالأقرب من الأقارب في المنفقين لاشتراك المقامين في شمول إطلاق آية اولي الأرحام و ما يستفاد من إطلاقات النصوص في أمثال المقام و مساعدة الاعتبار حسب ارتكاز المتشرّعة و سيرتهم و أمّا الرجوع إلى القرعة1.

ص: 388


1- -وسائل الشيعة 21:456 ، كتاب النكاح ، أبواب أحكام الأولاد ، الباب 71 ، الحديث1.

(مسألة 14):لو امتنع من وجبت عليه النفقة عنها أجبره الحاكم(1).و مع عدمه فعدول المؤمنين ، و مع فقدهم ففسّاقهم.و إن لم يمكن إجباره ، فإن كان له مال أمكن للمنفق عليه أن يقتصّ منه مقدارها ، جاز للزوجة ذلك(2)دون غيرها إلّا بإذن الحاكم ، فمعه جاز له الأخذ و إن لم يكن اقتصاصاً.و إن لم يكن له مال كذلك أمر الحاكم بالاستدانة عليه ، و مع تعذّر الحاكم يشكل الأمر.

تحرير الوسيلة 2:307 عند حدوث الإشكال فوجهه معلوم.

1-أمّا وجه إجبار الممتنع من قِبَل الحاكم فواضحٌ ؛ نظراً إلى ما دلّ على ولايته العامّة على مثل هذه الاُمور الحسبة.أمّا جواز إجباره من جانب عدول المؤمنين فوجهه ما دلّ على ولاية المؤمنين بعضهم على بعض في الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر كقوله تعالى:

«وَ الْمُؤْمِنُونَ وَ الْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ...» (1) .بناءً على نظر الآية إلى الولاية بمعنى السلطة و الاختيار الشرعي لا إلى المودّة و المحبّة و لا يبعد الثاني و لا سيّما بلحاظ ورود عين هذا التعبير في الآيات السابقة عن هذه الآية في حقّ المنافقين و المنافقات.و على أيّ حال فهو متسالم عليه بين الفقهاء و ممّا جرت به السيرة ، و أمّا فسّاق المؤمنين فيشكل ولايتهم على ذلك ، اللهمّ إلّا أن يكون ذلك إجماعياً بين الفقهاء.

2-وجه جواز ذلك للزوجة ما دلّ من النصوص على ملكية النفقة لها و كونها ديناً على الزوج كصحيح شهاب المتقدّم.و أمّا غيرها فحيث إنّ الإنفاق عليه1.

ص: 389


1- -التوبة (9):71.

ليس من قبيل ذلك فلذا لا يجوز للمنفَق عليه التقاصّ عند امتناع المنفق عن الإنفاق ، بل يتوقّف جواز التقاصّ حينئذٍ على إذن الحاكم عند عدم إمكان الإجبار ، بل مع إذن الحاكم لا يلزم كون أخذ ماله من باب التقاصّ.و أمّا لو لم يكن للمنفق مال فعلاً مع تمكّنه من ذلك في نفسه يأمر الحاكم المنفَقَ عليه بالاستدانة من جانبه أي بحسابه ثمّ يُجبر المنفِق على دفع دينه المستدان عليه.و أمّا نفوذ حكم غير الحاكم بالاستدانة فمشكل كما أشار إليه السيّد الماتن قدس سره لعدم دليل على مشروعيته من نصّ أو إجماع أو سيرة.

حكم صلة الرحم إذا استلزمت الضرر

ينبغي لتحقيق هذه المسألة بيان مقدّمة و هي:أنّ الأحكام الشرعية بالنسبة إلى استلزامها للضرر و الحرج تنقسم إلى قسمين ، أحدهما:ما لم يكن العمل به و لا فعل مقدّماته مستلزماً للضرر و الحرج باقتضاء طبعه و نوعه و إنّما يكون بعض مصاديقه ضررياً حسب الاتّفاق و الصدفة ، سواءٌ كان في نفس العمل بالحكم كالإتيان بالصلاة أو في فعل مقدّماته كالوضوء.ثانيهما:ما كان العمل به أو فعل مقدّماته مستلزماً للضرر و الحرج باقتضاء طبعه و ذاته بحيث لا ينفكُّ عن الضرر و الحرج نوعاً و لو لأجل مقدّماته ، و ذلك مثل الحدود و الديات و الجهاد و الخمس و الزكاة و الحجّ بل و مثل الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و غير ذلك من الأحكام التي تكون بنفسها أو بمقدّماتها ضررية أو حرجية.إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ أدلّة نفي الضرر و الحرج حاكمة على القسم الأوّل من الأحكام ، فإذا استلزمت للضرر بنفسها أو بمقدّماتها ضرراً معتنى بها تسقط عن التنجّز و يرتفع وجوب العمل بها.و أمّا القسم الثاني من الأحكام فلا حكومة لنفي

ص: 390

الضرر و الحرج عليها.و ذلك لفرض كونها ضررية باقتضاء ذاتها و نوعها فتكون ضررية بحسب أصل الجعل ، حيث جعل الشارع هذه الأحكام الضررية و الحرجية ، فلا معنى لهدمها بأدلّة نفي الضرر و الحرج لوضوح ما فيه من التناقض.ثمّ إنّ ما سردناه لك من الضابطة لا فرق في جريانها بين الأحكام الواجبة و المستحبّة.فإنّ الشارع إذا ندب إلى ما كان بذاته أو بمقدّماته ضررياً لا معنى لنفيها بأدلّة نفي الضرر لما فيه من التناقض.فلا فرق بين الأحكام الواجبة و المستحبّة من هذه الجهة ، كما لا فرق بينهما في القسم الأوّل من الأحكام من جهة شمول أدلّة نفي الضرر لأنّها في مقام الامتنان و لا ريب في كون ندب الشارع إلى ما فيه الضرر خلاف الامتنان.و أمّا صلة الرحم فهل هي من القسم الأوّل أو الثاني من القسمين المزبورين ؟ فالتحقيق أنّه لا إشكال في كون بعض أنحاء الصلة من قبيل القسم الأوّل كالمراودة و الزيارة و المجالسة و السلام و شَربة من ماءٍ و نحو ذلك ممّا لا ضرر و لا حرج بحسب طبعه و نوعه.نعم ، قد يتّفق كون بعض مصاديقها مستلزماً للضرر أو الحرج و لكنّه لا يوجب شمول أدلّة نفي الضرر و الحرج لذلك كما قلنا.و لكن يندرج بعض أنحاء الصلة في القسم الثاني إمّا بنفسها كالصلة المالية فإنّ الصلة بإيتاء المال بنفسها موجبة لتحمّل الضرر المالي أو بمقدّماتها ، كزيارة الأقارب البعيدة إذا توقّف صلتهم على السفر إلى مكان إقامتهم كما ورد في رواية الجابر الجعفي عن أبي جعفر عليه السلام قال:«قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله:أوصى الشاهد من امّتي و الغائب منهم و من في أصلاب الرجال و أرحام النساء إلى يوم القيامة أن يصل الرحم و لو كانت منه على مسيرة سَنَةٍ فإنّ ذلك من الدين» (1).1.

ص: 391


1- -الكافي 2:5/151.

ففي النوع الأوّل من الصلة لا يجب تحمّل الضرر في موارد ترتّبه نظراً إلى حكومة أدلّة نفي الضرر على هذا النوع من الأحكام بخلاف النوع الثاني من الصلة فلا يمنع ترتّب الضرر عليه من وجوب العمل بها.و إنّ ما قلنا في جريان الضابطة في المستحبّات يأتي في المراتب المستحبّة من الصلة فلا تغفل و لا فرق في الضرر على المال أو النفس أو العرض.و لا فرق بين الضرر الوارد على نفسه أو أهله أو والديه أو أولاده أو سائر أقاربه بل مثل ذلك الضرر الوارد على أيّ مؤمن و مؤمنة و لو من غير الأقارب.و لا يخفى:أنّ الحرج مثل الضرر من جهة جريان الضابطة المذكورة بلا فرق بينهما.

حكم ما لو ترتّبت المعصية على الصلة

و أمّا إذا استلزمت الصلة معصية أو توقّف تركها أو فعل واجب على القطيعة ، فنقول:إنّ عمومات وجوب الصلة و حرمة القطيعة و إن تشمل المقام بظاهرها ، إلّا أنّه لا بدّ من ملاحظة أهمّية المعصية المترتّبة على الصلة و الواجب المترتّب تركه عليها.فلو استلزمت الصلة الوقوع في معصية كبيرة ، بل إذا خيف الوقوع فيها فلا ريب في ارتفاع الوجوب أمّا لو استلزمت الوقوع في بعض الصغائر مثل النظر إلى الأجنبيّة بحيث خيف منه الوقوع في الفتنة و الفساد فلا ريب في وجوب الصلة المستلزمة لمثل هذا المحذور.و كذا فيما إذا توقّف عليه الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.و الضابطة في ذلك الاكتفاء بقدر ما يتوقّف عليه ذلك.و الحاصل:أنّه لا بدّ من إحراز أهمّية المعصية التي يستلزمها الصلة أو الواجب الذي يتوقّف على القطيعة ، و إلّا فتقدّم عمومات وجوب الصلة و حرمة

ص: 392

القطيعة و لا سيّما بلحاظ قول أبي جعفر عليه السلام:«فلو أنّ إذا رأينا شيئاً من الباطل مع الحقّ تركنا له الحقّ لم نقض حقّ مسلم» في صحيح زرارة (1) ، و قول أبي عبد اللّه عليه السلام:

«حقّ الرحم لا يقطعه شيء» في رواية الجهم بن حميد (2).هذا تمام الكلام في حكم صلة الرحم و قطيعتها.و الحمد للّه و صلّى اللّه على محمّد و آله الطيّبين الأطهار.فرغت من تسويد هذه الرسالة بعون اللّه تعالى في اليوم السابع و العشرين من صفر المظفّر سنة 1419 ه.ق.العبد العاصي الخجلان من ساحة ربّه الغفار علي أكبر السيفي المازندراني.

ص: 393


1- -وسائل الشيعة 3:140 ، كتاب الطهارة ، أبواب صلاة الجنازة ، الباب 40 ، الحديث1.
2- -بحار الأنوار 71:97/131.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.