دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة

اشارة

نام كتاب: دليل تحرير الوسيلة- الشركة و القسمة

موضوع: فقه استدلالي

نويسنده: مازندراني، علي اكبر سيفي

تاريخ وفات مؤلف: ه ق

زبان: عربي

قطع: وزيري

تعداد جلد: 1

ناشر: مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خميني قدس سره

تاريخ نشر: 1427 ه ق

نوبت چاپ: اول

مكان چاپ: تهران- ايران

شابك: 4- 822- 335- 964

[مقدمات التحقق]

مقدّمة الناشر

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

إنّ «تحرير الوسيلة» هو خير وسيلة يبتغيها المكلّف في سيره و سلوكه، و هو أوثقها عُرًي، و أصلحها منهاجاً؛ لِما امتاز به من سداد في تحديد الموقف العملي، و إصابة في تشخيص الوظائف المُلقاة علي عاتق المكلّفين، و ذلك علي ضوء الدليلين: الاجتهادي و الفقاهتي، النابعين من الكتاب و السنّة. ناهيك عن جمعه للمسائل العملية، و نأيه عن المسائل ذات الصبغة النظرية التي لا تمسّ إلي واقعنا المُعاش بصلة.

و لئن كتب الشهيد الأوّل قدّس اللّٰه نفسه الزكيّة كتاب «اللّمعة الدمشقيّة» و هو سجين، فإنّ إمامنا العظيم نوّر اللّٰه ضريحه قد ألّف هذا الكتاب حينما كان منفيّاً في مدينة بورسا التركيّة من قبل الطاغوت الغاشم، و لم يكن بحوزته إلّا «وسيلة النجاة» و «العروة الوثقي» و «وسائل الشيعة».

نعم، لم تكن بيده المباركة إلّا هذه الكتب الثلاثة، و لكنّ نفسه العلوية لو لم تكن خزانة للعلوم الحقّة، و فؤاده مهبطاً للإلهام و التحديث، لامتنع وجود هذا السفر الخالد في تلك الظروف العصيبة.

و نظراً إلي أهمّية هذا الكتاب، و ضرورة نشره علي مختلف المستويات

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 6

و الأصعدة؛ لذا فقد أخذت مؤسّسة تنظيم و نشر آثار الإمام الخميني قدس سره علي عاتقها نشر شروح و تعاليق العلماء المحقّقين علي «تحرير الوسيلة» و من نفقتها الخاصّة.

و يعدّ الكتاب الذي بين يديك، واحداً من هذه السلسلة الضخمة التي

تروم مؤسّستنا طبعها، و هو شرح لمباحث الشركة من «التحرير»، تأليف الشيخ علي أكبر السيفي المازندراني دام بقائه.

نسأل اللّٰه تعالي أن يوفّقه و إيّانا و أن يختم لنا جميعاً بالحسني إنّه سميع الدعاء.

مؤسّسة تنظيم و نشر آثار الإمام الخميني قدس سره

فرع قم المقدّسة

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 7

مقدّمة المؤلّف

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّٰه ربّ العالمين أحمده استتماماً لنعمته، و استسلاماً لعزّته و استعصاماً من معصيته، و أستعينه فاقةً إلي كفايته.

و الصلاة علي محمّد عبده و رسوله المصطفي، أرسله بالهدي و دين الحقّ، و جعله بلاغاً لرسالته، و كرامةً لُامّته، و أنزل عليه القرآن نوراً لا تطفأُ مصابيحه، و بحراً لا يدرك قعره، و منهاجاً لا يضلّ نهجه، و فرقاناً لا يخمد برهانه.

و السلام علي آله المعصومين المكرّمين الذين هم معادن الإيمان و بحبوحاته، و ينابيع العلم، و أساس الدين، و عماد اليقين.

و نسأل اللّٰه سبحانه أن يوفّقنا لمعرفتهم و طاعتهم، و نشر علومهم و معارفهم، و يرزقنا شفاعتهم يوم نأتيه فرداً.

و أمّا بعد: فقد دوّنت هذا الكتاب علي أساس متن «تحرير الوسيلة» للإمام الخميني الراحل قدس سره، بعد التحقيق و الدراسة و إلقاء مباحثه إلي عدّة من الفضلاء و حلّ المعضلات و غوامض الإشكالات التي اوردت في حلقات البحوث.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 8

و الذي ينبغي أن نشير إليه هاهنا، هو أنّ منهجنا في تحقيق مسائل هذا الكتاب يبتني علي أساس المراحل التالية.

1- ابتدأنا في تحقيق الفروعات المهمّة بالتتبّع في آراء الفقهاء و تحرير أقوالهم، و لا سيّما القدماء و فحول المتأخّرين و المعاصرين و تعيين القول المشهور أو الأشهر. و ترتيب أقوالهم علي أساس ما به الاختلاف بينهم.

2-

ثمّ تعرّضنا للوجوه المستَدلّ بها لكلِّ قولٍ من الأقوال المذكورة، و أشرنا إلي موافقة السيد الماتن لواحدٍ منها. و بالطبع يتّضح وجه مخالفته لسائر الأقوال.

3- ثمّ تعرّضنا في كلّ مسألة إلي ما ادّعي أو نقل من الإجماعات المحصّلة و المنقولة، و أشرنا إلي عدم صلاحية غالب هذه الإجماعات للدليلية؛ نظراً إلي وجود ما يصلح للدليلية من آيات الكتاب و نصوص السنّة و القواعد العامّة، و إلي أنّ استناد الأصحاب إليها في مقام الاستدلال، أو كونها في مظانّ استدلالهم بها، ينفي حجّية الإجماع؛ لعدم كشفه تعبّداً عن رأي المعصوم حينئذٍ، و فقدان ملاك حجّيته.

4- حيث إنّا بنينا علي انجبار ضعف سند الخبر بعمل المشهور، كما أثبتنا ذلك في كتابنا «مقياس الرواية». فمن هنا نوافق رأي السيد الماتن في أمثال هذا المورد. و لكنّه فيما إذا لم تتعارض الأخبار، و إلّا فإنّما الشهرة الروائية هي التي ترجّح بها إحدي الطائفتين المتعارضتين بعد استقرار تعارضهما، و لا تصلح الشهرة الفتوائية للدليلية علي ترجيح إحدي الطائفتين حينئذٍ.

و أمّا إعراض المشهور، فليس عندنا موجباً لوهن الخبر الصحيح، و قد أثبتنا ذلك أيضاً في كتابنا المشار إليه. و لكن ذلك فيما إذا كان المخالف للمشهور جماعة

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 9

معتني بهم مع تعرّضهم للمسألة و مخالفتهم، و إلّا فلو انحصر المخالف في واحد أو اثنين من القدماء أو المتأخّرين، أو لم يتعرّض سائر القدماء لعنوان المسألة أو تعارضت النصوص و كانت الموافقة منها لرأي المشهور مشتهرةً من حيث الرواية، فلا إشكال في رفع اليد عن تلك الرواية المخالفة للمشهور، و إن كانت صحيحة.

و ذلك إمّا لتسالم الأصحاب علي خلافها أو لأجل شهرتها الروائية.

5- قد يتّفق في خلال

الاستدلال ببعض النصوص تصحيح سنده بقاعدة تبديل السند، مشيراً إلي مفاد القاعدة، كما في طريق الشيخ إلي علي بن الحسن بن الفضّال. و قد فصّلنا البحث عن هذه القاعدة في كتابنا «مقياس الرواة»، فراجع.

6- و قد أشرنا إلي وجه تصحيح بعض الاصول الروائية، مثل كتاب علي بن جعفر بطريق صاحب الوسائل، لا طريق العلّامة المجلسي في البحار. و أيضاً أشرنا إلي ضعف بعضها الآخر في هذا الكتاب، و لكن بحثنا عن تفصيل ذلك كلّه في كتابنا المشار إليه، فراجع.

7- و قد فحصنا عن حال آحاد الرواة الواقعين في أسناد الروايات التي يدور مدارها رحي الاستدلال و الاستنباط في المسألة. و نشير إلي قواعد رجالية لإثبات أو نفي وثاقة الراوي أو اعتبار روايته. و إنّما ذلك في الرواة الذين وقع الخلاف في اعتبار رواياتهم. و بنينا في أمثال هذه الموارد علي اعتبار روايات من كان صاحب أصل و كثير الرواية و واقعاً في ضمن توثيق عامّ، مع نقل أجلّاء الأصحاب عنه، و عدم ورود قدح في حقّه. و قلنا: إنّ هذه القرائن- إذا توفّرت في حقّ أحد- تورث الوثوق النوعي بحسن حاله، بل تكشف عادةً عن اعتبار روايته، بل عن وثاقته، و إلّا

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 10

لو كان في مثله قدحٌ لبان. و أيضاً أشرنا إلي قواعد عامّة اصولية خلال المباحث و الاستدلال.

هذه الخصوصيات هي أهمّ ما يبتني عليه منهجنا في تحقيق المسائل المهمّة و بها يمتاز هذا الكتاب.

و في الختام أرجو من الفضلاء الكرام و العلماء الأبرار أن يسامحوا موارد زلّاتي و يذكّروني في مواضع الخطأ، فإنّ أحبّ إخواني من أهدي إليَّ عيوبي. غفر اللّٰه لي و لكم و تقبّل منّي

آمين.

علي أكبر السيفي

المازندراني

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 11

كتاب الشركة

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 13

[القول في الشركة]

اشارة

و هي كون شي ء واحد لاثنين أو أزيد (1)، تحرير الوسيلة 1: 591

______________________________

تعريف الشركة

المعني اللغوي

(1) 1- لفظ الشركة و مادّتها في اللغة بمعني المقارنة و عدم الانفراد.

قال ابن فارس في مقاييس اللغة: «الشين و الراءُ و الكاف أصلان: أحدهما يدلّ علي مقارنة و خلاف الانفراد و الآخر يدلّ علي امتداد و استقامة.

فالأوّل: الشركة، و هو أن يكون الشي ءُ بين اثنين لا ينفرد به أحدهما … و أمّا الأصل الآخر: فالشرك لقم الطريق … و منه شَرَك الصائد، سمِّي بذلك لامتداده» «1».

قوله: لقم الطريق؛ أي فوهة الطريق و يقال له في الفارسية: دهانۀ راه.

و المناسب للمقام هو المعني الأوّل و هو المقارنة و عدم الانفراد. و هذا يقارب ما فسّر به في الجواهر «2» ماهية الشركة لغةً، بقوله: «ماهية الشركة لغةً

______________________________

(1)- مقاييس اللغة 3: 265.

(2)- جواهر الكلام 26: 284.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 14

______________________________

- علي ما قيل- الاختلاط و الامتزاج شيوعاً أو مجاورةً».

و نظيره ما قال في المفردات: «الشركة و المشاركة خلط الملكين. و قيل: هو أن يوجَدَ شي ءٌ لاثنين فصاعداً، عيناً كان ذلك الشي ء أو معنيً.

المعني الاصطلاحي

و اختلف الفقهاءُ في تعريف الشركة، و وقع بينهم النقض و الإبرام في ذلك.

و قد يقال «1»: لفظ الشركة في تعابير الفقهاء جاءَ بمعناه اللغوي، و هو ما يقابل الاختصاص، و إنّه ليس لهم في المقام اصطلاح خاصّ، بل إنّما اريد منه مصداق خاص من معناه اللغوي. و فيه نظرٌ ستعرف في تحرير كلمات الفقهاء.

و قد عرّفها في الشرائع بقوله: «الشركة اجتماع حقوق المُلّاك في الشي ء الواحد علي سبيل الشياع». و جعل صاحب الجواهر هذا التعريف ماهية الشركة شرعاً، و فرّق بينه و بين تعريفها اللغوي؛ حيث قال في بيان ماهيتها اللغوية: «إنّ ماهية الشركة لغةً- علي ما قيل-: الاختلاط

و الامتزاج شيوعاً أو مجاورةً، و شرعاً اجتماع حقوق المُلّاك … » «2».

قوله: شيوعاً؛ أي سريان الاختلاط و الامتزاج و شيوعهما في جميع أجزاء المال، إمّا بالدقّة كامتزاج السمن بالزيت أو عرفاً كاختلاط أدقّة الحبوبات. كما لو امتزج دقيق الحنطة بدقيق الشعير من كيسين لزيد و عمرو مثلًا. و إمّا بالمجاورة كاختلاط الحبوبات، كما لو اختلط عدّة كيس من الأرز أو الحنطة بعضها لزيد و بعضها لعمروٍ، أو اشتبه كيس كلّ منهما بكيس الآخر.

______________________________

(1)- المباني في شرح العروة الوثقي 31: 181.

(2)- جواهر الكلام 26: 284.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 15

______________________________

و يعلم من ذلك وجه المناقشة فيما قال بعض الأعلام «1» من كون لفظ الشركة في كلمات الفقهاء مستعملًا في معناه اللغوي، فإنّك تري صاحب الجواهر قابَلَ بين معناه اللغوي و بين معناه الشرعي. نعم في الحدائق «2» أنّ هذا التعريف هو المتبادر لغة و عرفاً من لفظ الشركة.

و هذا التعريف الذي ذكره في الشرائع جاءَ في القواعد و غيرها أيضاً، بل نسبه السيد الحكيم «3» إلي المشهور. و قد نقل في المفتاح «4» هذا التعريف عن جماعة من فحول القدماء و المتأخّرين، و نسب إلي المحقّق الأردبيلي أنّه وصف هذا التعريف بأنّه المشهور.

و قد ناقش في جامع المقاصد بقوله: «و في التعريف نظرٌ؛ لانتقاضه بالشركة في القصاص، و حدّ القذف، و الخيار، و الرهن، و الشفعة، و نحو ذلك، فإنّه ليس هناك ملك حقيقي فلا مالك حقيقة. و قد صرّحوا بأنّ هذا أحد أقسام الشركة الثلاثة» «5».

و رُدّ ذلك بأنّ الحقّ نوع من الملك، و إنّما الاختلاف بينهما بحسب المورد، لا غير. و علي أيّ حال زاد في العروة «ملكاً أو حقاً»؛

فراراً عن هذا الإشكال.

ثمّ إنّه يفترق التعريف الاصطلاحي عن التعريف اللغوي المذكور في الجواهر بإضافة قيدين.

أحدهما: كون المختلط قابلًا للتملّك و الملكية، و إلّا لا يصدق ما جاء

______________________________

(1)- المباني في شرح العروة الوثقي 31: 181.

(2)- الحدائق الناضرة 21: 148.

(3)- مستمسك العروة الوثقي 13: 3.

(4)- مفتاح الكرامة 7: 388.

(5)- جامع المقاصد 8: 8.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 16

______________________________

في التعريف الاصطلاحي من اجتماع حقوق المُلّاك.

ثانيهما: كون اجتماع الحقوق علي سبيل الشياع لا علي سبيل المجاورة ممّا لا يرتفع فيه التمييز بالاختلاط و المجاورة، كاجتماع حقوق الملّاك في موارد اختلاط الحبوبات المختلفة جنساً أو وصفاً، أو في مثل دارٍ كان خشبها لواحدٍ و حديدها لآخر و طينها لثالث و هكذا فكانت ملكاً لعدّة أشخاص، فحينئذٍ و إن تحقّق اجتماع حقوق الملّاك في شي ء واحد، لكن لا علي سبيل الشياع، بل علي سبيل المجاورة.

فإنّ شيئاً من هذين القيدين لم يؤخذ في التعريف اللغوي. و بذلك صار التعريف الاصطلاحي أخصّ من التعريف اللغوي.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 17

______________________________

أقسام الشركة و أسبابها

[أقسام الشركة]

اشارة

قد قسّم الفقهاء الشركة من جهات:

الاولي: تقسيمها من جهة سنخ وجود سببها إلي تكوينية و اعتبارية.

الثانية: تقسيمها من جهة سبب حصولها إلي مزجية، و هي ما كان سببها الامتزاج الرافع للتمييز، و إلي غير مزجية.

ثمّ المزجية إلي ظاهرية و واقعية. و الظاهرية إلي قهرية و اختيارية. و الواقعية إلي عقدية و غير عقدية.

ثمّ الواقعية غير العقدية- و هي ما كان سببها غير العقد- إلي قهرية كالإرث المشترك، و اختيارية كالحيازة و الإحياء علي وجه الاشتراك.

و الأصح أنّ المزجية كلَّها من قبيل الواقعية؛ لعدم اعتبار قصد الشركة في الواقعية المزجية بعد ارتفاع التمييز.

و قسّموا الواقعية العقدية إلي

ما كان سببها عقد ناقل- غير عقد الشركة- إمّا بالتشريك أو بغير التشريك، و ما كان سببها عقد الشركة. و هذا النوع من الشركة العقدية هو المعقود لأجله البحث في كتاب الشركة.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 18

______________________________

الثالثة: تقسيمها من جهة سنخ الشركة و ماهيتها- لا سببها- إلي إشاعية و بدلية و إلي الكلّي في المعيّن.

الرابعة: تقسيمها من جهة سائر الخصوصيات الراجعة إلي الشركاء أو كيفية الاشتراك أو ما فيه الشركة، إلي شركة العنان (الأموال)، و شركة الأبدان (الأعمال)، و شركة المفاوضة و شركة الوجوه.

الخامسة: تقسيمها من جهة متعلّق الشركة و ما تتحقّق فيه، إلي الشركة في الأعيان و الديون و الحقوق و المنافع.

و إليك تعريف كلّ واحد من هذه الأقسام و ما اورد عليه من المناقشات و الإشكالات و الدفوع.

الشركة التكوينية و الاعتبارية

ثمّ إنّ مفهوم الشركة قد يتحقّق في الامور التكوينية الخارجية، كأن يتحقّق أمرٌ و يحدث حدث بفعل اثنين أو أزيد؛ بحيث يُسند ذلك الفعل إليهم جميعاً، فيقال:

إنّهم اشتركوا في قتل فلان أو حفر ذلك البئر أو إحياء تلك الأرض. و هذا المعني هو المراد في قوله تعالي: «وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ» «1» * و قوله تعالي: «أَمْ جَعَلُوا لِلّٰهِ شُرَكٰاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشٰابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ» «2».

و قد يتحقّق في الامور الاعتبارية، من ملكٍ أو حقٍّ؛ لأنّ كلًاّ من الملك و الحقّ قد يختصّ بشخص واحد، و قد يكون لاثنين أو أزيد. و من هنا أضاف في العروة علي التعريف المزبور «ملكاً أو حقاً». و بهذا المعني جاءَ في قوله تعالي: «فَإِنْ كٰانُوا

______________________________

(1)- الفرقان (25): 2.

(2)- الرعد (13): 16.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 19

______________________________

أَكْثَرَ مِنْ ذٰلِكَ فَهُمْ

شُرَكٰاءُ فِي الثُّلُثِ» «1». و قوله تعالي: «وَ جَعَلُوا لِلّٰهِ مِمّٰا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَ الْأَنْعٰامِ نَصِيباً فَقٰالُوا هٰذٰا لِلّٰهِ بِزَعْمِهِمْ وَ هٰذٰا لِشُرَكٰائِنٰا فَمٰا كٰانَ لِشُرَكٰائِهِمْ فَلٰا يَصِلُ إِلَي اللّٰهِ وَ مٰا كٰانَ لِلّٰهِ فَهُوَ يَصِلُ إِليٰ شُرَكٰائِهِمْ سٰاءَ مٰا يَحْكُمُونَ» «2».

فإنّ الشركة في خلق السماوات و الأرض هي تكوينية خارجية، و أمّا في باب الإرث و فيما جعله المشركون للّٰه بزعمهم و اعتبروه له تعالي؛ من ملكية حصّة من الحرث و الأنعام، اعتبارية. و كذا فيما جعلوه لشركائهم الذين هم الأوثان.

و أمّا الامتزاج الرافع للتمييز بين أجزاء شيئين، كامتزاج المائعات و الأدقّة، فهو من قبيل الشركة الحقيقية- التي هي من أقسام الشركة الاعتبارية- و ليس من قبيل الشركة التكوينية.

و لا إشكال في دخول القسم الثاني في محلّ الكلام. و أمّا القسم الأوّل فإنّما يدخل في محلّ الكلام إذا كان للمسبّب مالية قابلة للاشتراك و قصد الفاعلون بفعلهم الشركة كقلع شجرة أو حيازة شي ءٍ أو حفر بئر أو إحياء أرض مشتركاً. و في الحقيقة تكون الشركة التكوينية سبباً للشركة الاعتبارية في مثل هذه الموارد.

تقسيم آخر الشركة إمّا ظاهرية أو واقعية.
اشارة

و الواقعية إمّا عقدية أو غير عقدية. و كلٌّ من الشركة الظاهرية و الواقعية غير العقدية إمّا قهرية أو اختيارية.

و هل يعتبر في الشركة الواقعية الاختيار و قصد الشركة، فيُجعل ما لم يكن عن اختيار و لا بقصد الشركة من قبيل الشركة الظاهرية أم لا، بل تتحقّق

______________________________

(1)- النساء (4): 12.

(2)- الأنعام (6): 136.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 20

______________________________

الشركة الواقعية بمجرّد المزج التامّ، و لو بغير اختيار؟

قال في الشرائع: «و كلّ مالين مزج أحدهما بالآخر؛ بحيث لا يتميّزان تحقّقت فيهما الشركة، اختياراً كان المزج أو اتّفاقاً» «1».

و قال

في الجواهر في ذيله: «مقصوداً به الشركة أو لا، بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه» «2».

و قال في القواعد: «و تحصل الشركة بالمزج، سواءٌ كان اختيارياً أو اتّفاقاً» «3».

و عرفت من إطلاق كلام المحقّق و العلّامة تحقّق الشركة الواقعية بالمزج مطلقاً، سواءٌ كان المزج قهرياً أو اختيارياً، قصد به الشركة أم لا، كما عرفت آنفاً من تفسير صاحب الجواهر لكلام المحقّق.

و لكن في الجواهر «4» خصّ الواقعية منها بالمزج الاختياري الذي بقصد الشركة. و أمّا إذا كان قهرياً أو بغير قصد الشركة، فجعله من قبيل الشركة الظاهرية الحكمية التي تترتّب عليه أحكام الشركة ظاهراً؛ بمعني أنّه لا إشاعة في الملكية واقعاً، بحيث لو اتّفق العلم بكون بعض أجزاء المال لأحدهما لم يكن للآخر شركة فيه، بل لو بقي من ذلك المال المختلط ما لا يمكن أن يكون ملكاً لهما معاً، يرجع فيه إلي القرعة لتعيين مالكيته لأحدهما.

فإنّه قدس سره بعد تفصيل الكلام «5» في ذلك قال في ذيل كلام صاحب الشرائع

______________________________

(1)- شرائع الإسلام 2: 105.

(2)- جواهر الكلام 26: 291.

(3)- قواعد الأحكام 2: 326.

(4)- جواهر الكلام 26: 291.

(5)- نفس المصدر: 288- 289.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 21

______________________________

المزبور: «لكن قد عرفت سابقاً الفرق بين المزج الاختياري المقصود فيه الشركة و غيره بالملك مشاعاً في نفس الأمر في الأوّل، بخلاف الثاني و إن عومل معاملته في الأحكام، إلّا أنّه لو فرض اتّفاق العلم ببعضه لأحدهما لم يكن للآخر شركة فيه» «1».

كلام السيد الحكيم
اشارة

و قد جعل السيد الحكيم «2» ما قال في الجواهر مقتضي القواعد العامّة، و رتّب عليه عدم اعتبار ما ذكروه في الشركة الواقعية الحقيقية في الظاهرية منها، و أنّها لا تتوقّف في

ترتيب آثار الشركة و أحكامها ظاهراً علي أكثر من الامتزاج.

و لكنّه قدس سره جعل مقتضي التحقيق حصول الشركة الحقيقية بنفس الامتزاج الرافع للتمييز، بل عدّه من ضروريات الفقه في الجملة و استظهره من كلمات الأصحاب؛ حيث قال- بعد كلامه المزبور-: «هذا، و لكنّ التحقيق أنّ الامتزاج بين المالين الموجب لارتفاع التمييز بينهما موجب للشركة الحقيقية، كما هو ظاهر الأصحاب، و إن كانت أجزاءُ المالين متميّزة في نفس الأمر. فإنّ ذلك من الأحكام العرفية الممضاة لدي الشارع المقدّس. بل إنّ ذلك في الجملة من الضروريات الفقهية و العرفية و قد حكي عن التذكرة الإجماع عليه و في المسالك أنّه لا خلاف فيه» «3».

ثمّ ركّز الإشكال فيما لا يتحقّق فيه مزج رافع للتميّز ممّا كان له أفراد كبيرة جسيمة متميّزة، كما في القيميات مثل الثوب و الخشب و العبيد و الإماء و الحيوانات،

______________________________

(1)- جواهر الكلام 26: 291.

(2)- مستمسك العروة الوثقي 13: 5.

(3)- نفس المصدر: 6.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 22

______________________________

و استشهد لذلك بما حكي عن المقداد، و بقول صاحب الشرائع حيث قال: «و أمّا ما لا مثل له- كالثوب و الخشب و العبد- فلا يتحقّق فيه المزج». ثمّ قال قدس سره «1» ما يتحصّل في امور:

1- إنّ التعبير بالشركة الظاهرية لم يُذكر في كلام الأصحاب، و إنّما ذكر في كلام صاحب العروة هاهنا و صاحب الجواهر في غير المقام.

2- إنّ الشركة الحاصلة بالامتزاج الرافع للتمييز مطلقاً،- قهرياً كان أم قصدياً- مع اتحاد الجنس و الوصف، حقيقة واقعية، و إنّها مع اختلاف الوصف حكمية مطلقاً؛ سواءٌ انتفي التمييز، مثل خلط الأدهان و المائعات، أم لا، كخلط الحنطة بالشعير و العدس بالأرز، و سواءٌ كان بين

جنسين أو بين أفراد جنس واحد مع اختلاف الوصف كأصناف الحنطة أو الأرز بعضها ببعض.

3- إنّ وجه حكم الفقهاء في النوعين من الشركة بناءُ أهل العرف العامّ. و ما ذكره في الجواهر من كون الشركة في مطلق موارد الامتزاج القهري- حتّي في مختلفي الوصف- من قبيل الشركة الحكمية لم يُعلم وجهُه، و لا يمكن تصديقه.

هذا حاصل كلام السيد الحكيم في المقام.

نقد كلام السيد الحكيم

و لكن يرد عليه أنّ المزج إذا لم يكن بقصد الشركة لا تسري الشركة في الملكية إلي جميع أجزاء المالين الممزوجين، كما قال في الجواهر «2». و من هنا لو اتّفق علم أحدهما بماله و حصل التمييز بين المالين تنتفي الشركة و كذا فيما لا يكون

______________________________

(1)- نفس المصدر: 6- 7.

(2)- جواهر الكلام 26: 191.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 23

______________________________

إلّا لأحدهما كما في القيميات؛ حيث يمكن تعيين مال كلٍّ منهما بالقرعة أو بالصلح القهري، من دون حصول شركة.

و هذا بخلاف ما إذا كان الامتزاج بقصد الشركة؛ فإنّها لإشاعتها و سريانها إلي جميع أجزاء المالين، لا ترتفع حتّي فيما لو اتّفق علم أحدهما بماله و تمييزه. و كذا فيما لا يكون عادةً قبل الشركة إلّا لأحدهما.

و عليه فالمزج إذا لم يكن اختيارياً بقصد الشركة، إنّما يرتّب أحكام الشركة ظاهراً ما لم ينكشف الواقع. و لأجل ذلك يصحّ التعبير عنه بالشركة الظاهرية.

و أمّا كلمات الأصحاب فهي ناظرة إلي ترتّب أحكام الشركة في الجملة بمجرّد المزج الرافع للتمييز و هذا لا إشكال فيه؛ و لم يكونوا بصدد التفصيل بين الشركة الظاهرية و الواقعية، بل إنّما كانوا بصدد بيان تحقّق أصل الشركة و ترتّب أحكامها بمجرّد المزج الرافع للتمييز، و أنّه لا دخل للاختيار و القصد

في ترتّب أحكام الشركة، و لو ظاهراً ما لم ينكشف الواقع، بل يكفي في ذلك مجرّد المزج الرافع للتمييز.

و أمّا لو كان المزج بالاختلاط غير الرافع لتمييز آحاد الأجزاء، فتارة:

يتعذّر تخليص المالين و تفكيكهما و عزل كلٍّ منهما عن الآخر، و اخري: لا يتعذّر ذلك عادة.

يظهر من السيد الحكيم في الصورة الاولي الحكم بتحقّق الشركة الحكمية الظاهرية كما في صورة الامتزاج الرافع للتمييز؛ «1» حيث قال قدس سره: «إنّ الشركة مع الامتزاج بين الجنسين سواءٌ انتفي التمييز مثل خلط الأدهان و مثل خلط الدبس

______________________________

(1)- مستمسك العروة الوثقي 13: 11.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 24

______________________________

بالخلّ، أم كان تمييز- مثل خلط الحنطة بالشعير- أو بين أفراد جنس واحد مع اختلاف الوصف- مثل الحنطة الحمراء بالصفراء- شركة حكمية؛ بمعني أنّه لا يجوز لأحد المالكين التصرّف بدون إذن الآخر و يجوز المطالبة بالقسمة و أنّ العوض يكون مشتركاً بين المالكين» «1».

ثمّ قال في موضع آخر: «إذا كان الاختلاط بالمزج مثل اختلاط الحنطة البيضاء بالصفراء، فقد عرفت أنّه مع تعذّر التخليص و العزل فهو أيضاً يوجب الشركة الحكمية» «2».

و يفهم من كلامه الأخير اعتبار تعذّر تخليص أجزاء الخليطين المتميّزين في حصول الشركة الحكمية.

و يرد عليه أنّه مع عدم ارتفاع تميُّز آحاد حبّات الخليطين في الحبوبات، لا يمكن الالتزام بتحقّق الشركة مطلقاً. و الوجه في ذلك أنّ مقتضي ماهية الشركة و مفهومها، سريان ملكية مال كلّ من الشريكين أو الشركاء في جميع أجزاء المال المشترك، فما من جزءٍ إلّا أنّه مملوك للجميع. و هذا المعني لا يمكن تحقّقه مع تمييز حبّات المختلطين من الحبوبات. و من هنا يجوز لكلّ واحد من المالكين أن يأخذ ماله بتخليص آحاد حبّاته

المتميّز و لو مع التعسّر و ليس للآخر حينئذٍ منعه عن ذلك و طلب قسمة الجميع. نعم مقتضي القاعدة حينئذٍ تعيّن الصلح لو أمكن التراضي، و إلّا فالقرعة. و في الحقيقة يجري حينئذٍ حكم المالين المشتبهين، لا الشركة.

و أمّا في الصورة الثانية: و هي ما إذا لم يتعذّر التفكيك، فلا شركة في البين قطعاً، بل يبقي كلّ مال في ملك مالكه من دون تغيّر في حكمه.

______________________________

(1)- مستمسك العروة الوثقي 13: 7.

(2)- نفس المصدر: 9.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 25

______________________________

كلام صاحب العروة

هذا، و لكن حكم في العروة «1» بأنّ الاختلاط مع التمييز لا يوجب الشركة مطلقاً، و لو ظاهراً. و مقصوده من التمييز تمييز أجزاء المالين كما في خلط الحنطة بالشعير أو الحنطة البيضاء بالحنطة الصفراء. و علّل ذلك بأنّ مع الاشتباه إمّا يتحقّق الصلح القهري أو يرجع إلي القرعة.

و هو متين عند اشتباه المالين و لو مع تمييز أجزائهما و حباتهما، سواءٌ تعذّر تفكيكهما أم لم يتعذّر. و قد بيّنّا وجه ذلك آنفاً. و لكن عند تعذّر التفكيك لو لم يتراضيا بالصلح، يقرع بينهما، و لكلّ منهما ما خرج له من السهم، كما ورد في نصوص القرعة أنّ اللّٰه تعالي يُخرج بالقرعة سهم المحقّ. و لا قصور لإطلاقات نصوص القرعة في شمولها لمثل المقام، ممّا ليس مورد النزاع واحداً شخصياً متردّداً بين شخصين أو أشخاص، بل متاع ذو أجزاء خلط آحاد أجزائهما بحيث لا يمكن تفكيك المالين عادةً، و إن كانت الأجزاء بآحادها متميّزة.

الشركة الظاهرية القهرية و الاختيارية
اشارة

أمّا الشركة الظاهرية القهرية، فقد مثّل لها في العروة بما لو امتزج مال شخصين أو أزيد قهراً بغير اختيار واحدٍ منهما. علي وجه لا يتميّز بينهما.

أمّا الشركة الظاهرية الاختيارية فهي الحاصلة بالامتزاج اختياراً لكن لا بقصد الشركة، فهي ظاهرية، لا واقعية، بناءً علي ما قاله في العروة. و قد عَلّل ذلك بأنّ مال كلٍّ من المالكين حينئذٍ ممتاز عن الآخر في الواقع، و لذا يختصّ كلّ من المالين بمالكه لو اتّفق تمييزه.

______________________________

(1)- نفس المصدر.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 26

______________________________

هذا مع عدم تمييز آحاد أجزاء المالين.

و أمّا إذا كان الاختلاط بغير مزج- كما في القيميات- فلو أمكن التمييز، فلا إشكال في كون كلّ من المالين لمالكه. و أمّا لو

لم يمكن التمييز فهو من قبيل اشتباه المالين و تردّد كلّ منهما بين المالكين، فيُرجع حينئذٍ إلي القرعة لتعيين مالكه ما دام لم يتراضيا بالصلح، و إلّا لا إشكال في تعيّن الصلح و تقدّمه علي القرعة بالورود.

لارتفاع المشكل- الذي هو موضوع القرعة- بالصلح.

إشكال المحقّق الخوئي علي الشركة الظاهرية

و قد أشكل السيد الخوئي «1» علي مطلق الشركة الظاهرية بأنّ ترتّب الأحكام الظاهرية إنّما يكون في صورة الجهل و الشكّ بالواقع. و لمّا كان الواقع في مفروض الكلام معلوماً لا معني لثبوت الحكم الظاهري. و لا موجب لترتيب أحكام الشركة ظاهراً بعد العلم بعدم ثبوتها واقعاً و استقلال كلٍّ من المالكين في ماله. نعم، إذا صار المالان بالامتزاج شيئاً واحداً ثالثاً مغايراً لهما- كمزج السكر بالخلّ حيث يتولّد بامتزاجهما شي ءٌ ثالثٌ مسمّي بالسكنجبين- تكون الشركة فيه واقعية حقيقية.

و لا ينافي ذلك اختصاص كلّ مال بمالكه فيما لو اتّفق تفكيكهما بوجه من الوجوه؛ نظراً إلي دوام الشركة الواقعية بدوام موضوعها و هو الشي ء الثالث المتولّد بالامتزاج، فلو انعدمت بحصول التفكيك و الامتياز تنتفي الشركة الواقعية عرفاً.

و أمّا إذا لم يتولّد بالامتزاج شي ءٌ جديد؛ بأن كان الممتزج أشياء متعدّدة غير قابلة للتمييز خارجاً كمزج الدراهم و الحبوبات، فلا موجب لحصول الشركة بعد العلم بكون كلّ شي ءٍ لمالكه الأوّل واقعاً. نعم، امتزاج دقيق الحبوبات من قبيل الأوّل.

______________________________

(1)- المباني في شرح العروة الوثقي 31: 182.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 27

______________________________

فالمعيار في حصول الواقعية صيرورة المالين بالامتزاج شيئاً واحداً ثالثاً في نظر أهل العرف. فإذا حصل ذلك تحقّق موضوع الشركة الواقعية، و إلّا فلا موضوع للشركة لا واقعاً و لا ظاهراً. فلا بدّ حينئذٍ من الصلح القهري أو الرجوع إلي القرعة.

و ما أبعد

بين السيد الحكيم؛ حيث إنّه حكم بتحقّق الشركة الظاهرية حتّي في صورة عدم ارتفاع التمييز بالمزج و الاختلاط لأجل تعذّر تفكيك أجزاء الخليطين، و بين هذا العَلَم؛ حيث حكم بانتفاء الشركة الظاهرية حتّي في المزج الرافع للتمييز إذا لم يحصل بالمزج شي ءٌ ثالث.

و فيه: أنّ هذا الكلام إنّما يصحّ فيما إذا كانت آحاد أجزاء المالين متميّزة بعد المزج و إن لم يمكن أو تعذّر التفكيك بينهما. و قد بيّنّا وجه ذلك آنفاً. و إلّا فلا وجه لمنع حصول الشركة بعد ارتفاع التمييز كامتزاج الأدقّة بعضها مع بعض بل الشركة متحقّقة حينئذٍ حقيقةً؛ لصدق مفهومها في نظر أهل العرف حقيقةً بلا عناية و المعيار في صدق الشركة الحقيقية نظر أهل العرف؛ حيث لا حقيقة شرعية و لا متشرّعة لها.

ثمّ إنّه قال هذا العَلَم: إنّ المراد بالصلح القهري إجبار الحاكم لهما علي الصلح بالتراضي، و إلّا فالصلح لا يكون قهرياً «1».

و لكنّه توجيه غير وجيه، بل المراد من الصلح القهري هاهنا ما كان من الصلح سببه قهرياً؛ لأنّ المزج لم يكن بقصد الصلح، و إلّا فلو تراضيا بالصلح فهو، و أمّا لو تعاندا و لم يتراضيا بالصلح ينتهي الأمر إلي القرعة. فلا قهر و لا إجبار علي الصلح في البين. و هذا واضح لا يغفل عن مثله فقيه فحل فطن مثل السيد اليزدي.

ثمّ أشكل هذا العَلَم علي القرعة: بأنّه لا مورد لها لعدم اشتباه بعد امتياز كلّ من المالين. لكنّه إشكال غير وارد لإمكان تمييز آحاد أجزاء المالين كآحاد الحبّات

______________________________

(1)- المباني في شرح العروة الوثقي 31: 183.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 28

______________________________

في اختلاط الحبوبات و عدم إمكان التفكيك بين مجموع المالين أو تعذّره عادةً؛

فلا مناص من القرعة في تقسيمه بينهما، ما لم يتصالحا، بل يدخل هذه الصورة في إطلاقات أدلّة القرعة كما أشرنا إليه. فإنّ القرعة لكلّ أمر مشكل، و تعذّر تفكيك المالين مشكل مانع لإيصال كلّ مال إلي مالكه.

الشركة الواقعية غير العقدية

أمّا الشركة الواقعية فهي عقدية و غير عقدية.

أمّا غير العقدية، فهي كون مال لاثنين أو أزيد حقيقةً و واقعاً علي نحو الإشاعة؛ بأن كان المال ملكاً لعدّة مُلّاك واقعاً علي نحو الإشاعة.

و هي إمّا واقعية قهرية؛ و هي ما كان- من الشركة الواقعية- سببها قهرياً خارجاً عن الاختيار، كما في المال أو الحقّ الموروث.

و إمّا واقعية اختيارية؛ و هي ما كان- من الشركة الواقعية- سببها اختيارياً، من غير استناد إلي عقد، كما إذا أحيا شخصان أرضاً مواتاً بالاشتراك، أو استخرجا معدناً أو كنزاً. فإنّ الأرض المحياة أو البئر المحفور أو الشجر المقلوع أو المعدن أو الكنز المستخرج بفعلهما، ملكٌ لهما واقعاً علي وجه الشركة و الإشاعة الحقيقية.

و منه تحجير الأرض مشتركاً، إلّا أنّه يورث حقّاً مشتركاً، لا عيناً.

الشركة الواقعية العقدية

أمّا الشركة الواقعية العقدية، فقسَّمها في العروة «1» إلي ثلاثة أقسام:

1- شركةٌ واقعية حصلت بعقد من العقود، غير عقد الشركة، كما لو ملك

______________________________

(1)- عروة الوثقي 5: 274- 275.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 29

______________________________

شخصان شيئاً واحداً بالشراء أو الصلح أو الهبة و نحوها. و ذلك كأن اشتريا بمالهما شيئاً واحداً لأنفسهما، أو تصالحا علي مال أو يهبهما شخص مالًا، أو يأذن أحدهما الآخر و يوكّله في شراء مال لهما. فيقول مثلًا: «اشتر السلعة و لي نصفها» فيشتركان فيها و في ربحها.

2- شركة واقعية حاصلة بتشريك أحدهما الآخر في ماله؛ بأن طلب شخصٌ من آخر أن يشركه فيما يشتريه من السلعة، و قد دلّ علي صحّتها عدّةٌ من النصوص المعتبرة.

منها: صحيح

إسحاق بن عمّار قال: قلت للعبد الصالح عليه السلام الرجل يدلّ الرجل علي السلعة، فيقول: اشترها و لي نصفها. فيشتريها الرجل و ينقد من ماله، قال

عليه السلام:

«له نصف الربح»، قلت: فإن وضع، يلحقه من الوضيعة شي ءٌ؟ قال عليه السلام: «عليه من الوضيعة، كما أخذ الربح» «1».

و منها: صحيح

هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن الرجل يشارك في السلعة، قال: «إن ربح فله، و إن وضع فعليه» «2»

. و من هذا القبيل ما لو اشتري شخصٌ شيئاً و ليس عنده ثمنه فيجي ءُ صاحبه، و يقول له ذلك الشخص: «ادفع عنّي ثمن هذا المتاع- الذي اشتريته- نقداً و ربحه بيني و بينك». فيشتركان في ذلك المتاع و عليهما ثمنه و ما حصل من الربح و الوضيعة، كما دلّ عليه صحيح

محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن الرجل يشتري الدابّة و ليس عنده نقدها، فأتي رجل من أصحابه فقال: يا فلان انقد عنّي ثمن هذه الدابّة و الربح بيني و بينك، فنقد عنه فنفقت الدابّة، قال: «ثمنها عليهما

______________________________

(1)- وسائل الشيعة 19: 6، كتاب الشركة، الباب 1، الحديث 4.

(2)- وسائل الشيعة 19: 6، كتاب الشركة، الباب 1، الحديث 5.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 30

______________________________

لأنّه لو ربح فيها لكان بينهما» «1»

. هذه الصحيحة بهذا الطريق رواها الشيخ بإسناده عن محمّد بن مسلم. و رواها الصدوق أيضاً بطريقين صحيحين عن الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام.

قوله: «و ليس عنده نقدها» أي ليس عند الرجل الذي اشتري الدابّة ثمنها نقداً.

و قوله: «انقد عنّي … »؛ أي ادفع عنّي ثمنها نقداً، من نَقَدَ يَنْقُدُ، علي وزن نصر ينصُر؛ أي دفع النقود.

و قوله: «فنقد عنه فنفقت الدابّة» أي دفع رجلٌ من أصحاب المشتري ثمن الدابّة عن جانبه ثمّ ماتت الدابّة. قوله: «نفقت الدابّة»: أي ماتت.

و مثله

موثّقة

إسحاق بن عمّار قال: قلت للعبد الصالح عليه السلام الرجل يدلّ الرجل علي السلعة، فيقول: اشترها ولي نصفها. فيشتريها الرجل و ينقد من ماله، قال عليه السلام:

«له نصف الربح» قلت: فإن وضع، يلحقه من الوضيعة شي ءٌ؟ قال عليه السلام: «عليه من الوضيعة، كما أخذ الربح» «2»

. و مثلها سائر نصوص الباب.

و ما يظهر من ذيل هذه النصوص، من توجّه ضرر الوضيعة إليهما معاً، إنّما هو مقتضي الشركة. و لكن لا بأس بتحمّل أحدهما الضرر بالاشتراط الراجع إلي شرط العمل، دون ما كان منه علي نحو شرط النتيجة؛ نظراً إلي مخالفته لمقتضي الشركة.

اللّهم إلّا أن يقال بعدم مخالفة مثل هذا الشرط لأصل الشركة؛ نظراً إلي كفاية اشتراكهما في الربح لذلك.

و علي أيّ حال فقد دلّ علي جواز ذلك صحيح

رفاعة، قال: سألت أبا الحسن

______________________________

(1)- وسائل الشيعة 19: 5، كتاب الشركة، الباب 1، الحديث 2.

(2)- وسائل الشيعة 19: 6، كتاب الشركة، الباب 1، الحديث 4.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 31

______________________________

موسي عليه السلام عن رجل شارك رجلًا في جارية له و قال: إن ربحنا فيها فلك نصف الربح، و إن كانت وضيعة فليس عليك شي ء، فقال: «لا أري بهذا بأساً إذا طابت نفس صاحب الجارية» «1».

3- شركة واقعية حصلت بعقد الشركة مبنيّاً علي تشريك كلّ من المتعاقدين الآخر في ماله. و هذا النوع من الشركة معدودٌ من العقود.

و صيغة عقدها كلّ لفظ يدلّ علي رضا المالكين بالمزج و إذنهما، كما صرّح به في التحرير «2» و القواعد، و قوّاه في جامع المقاصد «3»، و اختاره في التذكرة «4».

الشركة الإشاعية و البدلية

ثمّ إنّ الشركة بأقسامها- بحسب الكيفية- إمّا إشاعية أو بدلية أو علي نحو الكلّي في المعيّن. و لا

يخفي أنّ هذا التقسيم بحسب الثبوت. و لكن ستعرف أنّ الشركة علي نحو البدلية خارجة عن محلّ الكلام، بل خارجة عن حقيقة الشركة و تعريفها.

أمّا الشركة الإشاعية فهي شركة حقيقية متحقّقة في كلّ جزءٍ من أجزاء المال المشترك، و من هذا القبيل الشركة الواقعية بأنحائها.

أمّا الشركة البدلية فهي شركة عدّة أشخاص في مال أو حقّ علي نحو البدلية،

______________________________

(1)- وسائل الشيعة 19: 7، كتاب الشركة، الباب 1، الحديث 8.

(2)- تحرير الأحكام 1: 272.

(3)- جامع المقاصد 8: 14.

(4)- تذكرة الفقهاء 2: 221.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 32

______________________________

و هي علي نحو الاستحقاق، كاستحقاق أرباب الخمس و مستحقّي الزكاة في سهمهم من الخمس و الزكاة.

و قد ورد التعبير عن هذا الاستحقاق بالشركة في بعض النصوص، كما في معتبرة

أبي المعزا عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إنّ اللّٰه تبارك و تعالي أشرك بين الأغنياء و الفقراء في الأموال، فليس لهم أن يصرفوا إلي غير شركائهم» «1».

و لكنّ التعبير بالشركة في مثل هذه الموارد مبنيٌّ علي المسامحة و ضرب من العناية، و إلّا فلا شركة في الواقع.

و ذلك أوّلًا: لأنّ الشركة في متعلّق الخمس و الزكاة علي نحو البدلية. و هي خارجة في الحقيقة عن ماهية الشركة؛ إذ لا يكون فيها مال واحد لاثنين أو أزيد.

و بعبارة اخري: لم يجتمع فيها حقوق الملّاك في مال واحد علي الإشاعة. و ذلك أنّه لا يعقل اجتماع حقوق المُلّاك إذا كان الاستحقاق علي نحو البدلية، كما هو واضح.

و ثانياً: لأنّ موارد الزكاة و الخمس من باب المصرف، لا الملكية فليس متعلّق الزكاة و الخمس ملكاً لهم بمجرّد تعلّقهما و استقرار وجوبهما. و من هنا التزم الأصحاب بعدم وجوب البسط و

الاستيعاب؛ إذ لو كان ملكاً لهم لوجب ذلك؛ إيصالًا للمال إلي مالكه. و قد سبق الكلام في ذلك منّا مفصّلًا في مصارف الخمس من كتابنا «دليل تحرير الوسيلة» و قلنا هناك: إنّ الملكية للعنوان، لا لآحاد أشخاص المستحقّين، حتّي يكونوا شركاء في متعلّق الخمس و الزكاة حقيقةً.

و أمّا ما يوهمه كلام صاحب العروة من أنّهم مستقلّين في التصرّف

______________________________

(1)- وسائل الشيعة 9: 215، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 2، الحديث 4.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 33

______________________________

فللمناقشة فيه مجالٌ واسع؛ لما أثبتنا في محلّه من عدم جواز التصرّف لهم في متعلّق الخمس و الزكاة بغير إذن الولي و هو الحاكم الشرعي. و لكنّ التأمّل في كلامه يقضي إرادة استقلال المستحقّين بعضهم عن بعض، لا بالنسبة إلي الحاكم أو المالك.

ثمّ إنّ التعبير بالشركة و إن لم يرد في الخمس، إلّا أنّه في حكمه من هذه الجهة؛ لأنّه جعل للهاشميين بدلًا عن الزكاة، و للتعبير بلام الملكية في آية الخمس و نصوصه أيضاً. و من هنا لم يفرّقوا بينه و بين الزكاة في المصرف من جهة عدم وجوب البسط و الاستيعاب.

و من قبيل ذلك أيضاً الوقف العامّ إذا كان علي نحو التمليك، لا للانتفاع أو الصرف.

الشركة علي نحو الكلّي في المعيّن

و أمّا الشركة علي نحو الكلّي في المعيّن، فهي شركة حاصلة بين شخصين في مال خارجي، لأحدهما حصّة كلّية منه و للآخر باقيه، كالشركة في صبرة معيّنة خارجية، لأحدهما صاعٌ منها و للآخر باقيها. و لمّا كان الصاع الكلّي غير معيّن و متردّداً بين أجزاء الصبرة، تتحقّق فيها الشركة بينهما. فإنّ الصاع الكلّي لمّا كان متردّداً بين أفراده الموجودة في الصبرة المعيّنة الخارجية، يكون له نحو من السريان و

الإشاعة في الأصوع الموجودة في الصبرة.

و بذلك يمكن تصوير الشركة الإشاعية في الكلّي في المعيّن، كما يمكن أن يقال بكفاية عدم تعيين الصاع لتحقّق الشركة الإشاعية؛ نظراً إلي كون الصاع المملوك واحداً غير معيّن من بين الأصوع الموجودة في الصبرة.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 34

______________________________

و علي أيّ حال وقع الكلام في ذلك.

قال في الجواهر: «إنّما الكلام في ملك الكلّي في الصبرة مثلًا كالصاع منها، و كملك مائة في الثلث بالوصية و نحو ذلك- بناءً علي عدم تنزيله علي الإشاعة ممّا لا إشكال في صدق الشركة معه و لا إشاعة- اللّهم إلّا أن يراد منها عدم التعيين، لا خصوص الثلث و الربع و نحوهما» «1».

قوله يراد منها؛ أي من الإشاعة.

و ظاهره نفي الإشكال عن صدق الشركة علي ملكية الكلّي في المعيّن، بناءً علي عدم اختصاص الشركة الإشاعية بالكسر المشاع، و صدقها علي الواحد لا بعينه. فلا إشكال حينئذٍ في صدق مفهوم الشركة علي ملكية الكلّي في المعيّن.

و أشكل عليه بعض «2» بأنّ الشركة إنّما تتحقّق فيما إذا كان المال الواحد مملوكاً لشخصين أو أكثر علي نحو الإشاعة؛ بحيث كان لكلّ منهم حصّة في كلّ جزءٍ من المال. دون ما إذا كان مال كلٍّ منهما مستقلّاً عن الآخر، كما في المقام؛ حيث إنّ مال أحدهما صاع كلّي من الصبرة و مال الآخر الصبرة المعيّنة الخارجية.

و هذا الإشكال لا يُعبأ به؛ نظراً إلي صدق كون الصبرة المعيّنة لهما كليهما بلحاظ كون صاع منها لأحدهما و باقيها للآخر. و لا إشكال في صدق عنوان الشركة علي ذلك في نظر أهل العرف، بل تكون علي نحو من الإشاعة؛ نظراً

______________________________

(1)- جواهر الكلام 26: 286.

(2)- المباني في شرح العروة

الوثقي 31: 185.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 35

______________________________

إلي ما أشرنا إليه من سريان الصاع الكلّي و شياعه بين الأصوع الموجودة في الصبرة الخارجية.

و لا يبعد كون شركة الفقراء في الزكاة و السادة في الخمس من هذا القبيل بالنسبة إلي عين متعلّق الزكاة و الخمس. و إن كان فرق من جهة كون المالك هناك واحداً لا بعينه؛ حيث يتعيّن بالإقباض، بخلاف المقام؛ لأنّ المالك فيه شخص معيّن خارجي. و لا يتصوّر الاستحقاق علي نحو الكلّي في المعيّن في الأوقاف العامّة، كما يظهر من العروة، بل إنّما هي علي نحو البدلية فقط. و ذلك لأنّ عيناً متعلّق الزكاة و الخمس كلّي مردّد بين أجزاء مجموع المال المتعلّق للزكاة، و هذا بخلاف العين الموقوفة.

أقسام اخري للشركة

و هناك أقسام اخري للشركة ذكرها الفقهاءُ من جهة سائر الخصوصيات الراجعة إلي الشركاء و كيفية الاشتراك و ما تتحقّق فيه الشركة.

و هي: 1- شركة العنان 2- شركة الأبدان 3- شركة الوجوه 4- شركة المفاوضة.

و نكتفي هاهنا بذكر ما قاله في التذكرة في تعريف كلّ واحد من هذه الأقسام.

قال: «الشركة علي أربعة أنواع، شركة العنان و شركة الأبدان، و شركة المفاوضة، و شركة الوجوه.

فأمّا شركة العنان فهي أن يخرج كلٌّ مالًا و يمزجاه، و يشترطا العمل فيه بأبدانهما.

و أمّا شركة الأبدان بأن يشترك اثنان أو أكثر فيما يكتسبون بأيديهم، كالصناع

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 36

______________________________

يشتركون علي أن يعملوا في صناعتهم، فما رزق اللّٰه فهو بينهم علي التساوي أو التفاوت.

و أمّا شركة المفاوضة فهو أن يشتركا ليكون بينهما ما يكتسبان، و يربحان و يلتزمان من غرم و ما يحصل لهما من غنم، فيلزم كلّ واحد منهما ما يلزم الآخر

من أرش جناية، و ضمان غصب، و قيمة متلف، و غرامة لضمان أو كفالة، و يقاسمه فيما يحصله من ميراث، أو يجده من ركاز أو لقطة، أو يكتسبه في تجارته بماله المختصّ به …

و أمّا شركة الوجوه فقد فسِّرت بمعانٍ، أشهرها أن يشترك اثنان وجيهان عند الناس لا مال لهما، ليبتاعا في الذمّة إلي أجل، علي أنّ ما يبتاعه كلّ واحد منهما يكون بينهما، فيبيعاه و يؤدّيا الأثمان، فما فضل فهو بينهما.

و قيل: أن يبتاع وجيه في الذمّة و يفوّض بيعه إلي خامل، و يشترطان أن يكون الربح بينهما.

و قيل: أن يشترك وجيه لا مال له، و خامل ذو مال ليكون العمل من الوجيه و المال من الخامل، و يكون المال في يده لا يسلِّمه إلي الوجيه، و الربح بينهما.

و قيل: أن يبيع الوجيه مال الخامل بزيادة ربح، ليكون بعض الربح له. و لا يصحّ شي ءٌ من أنواع الشركة، سوي شركة العنان» «1» انتهي كلامه قدس سره. و بيانه واضح في تعريف كلّ من الأقسام المزبورة للشركة و لا يحتاج إلي توضيح.

و سيأتي البحث عن كلّ واحد من هذه الأقسام في شرح كلام السيد الماتن.

______________________________

(1)- تذكرة الفقهاء 2: 219/ السطر 35.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 37

و هي إمّا في عين أو دين أو منفعة أو حقّ (1).

______________________________

تقسيم الشركة بلحاظ متعلّقها

(1) 1- إنّ الشركة إمّا أن تكون في العين؛ بأن كانت عينٌ بشخصها مملوكة لشخصين أو أزيد.

فلا تتحقّق الشركة في الشي ء الواحد المركّب من أجزاء متعدّدة، كالبيت مثلًا إذا كان خشبه لواحد و حائطه لآخر. و أرضه لثالث؛ نظراً إلي عدم اجتماع ملكية المُلّاك في عين واحدة شخصية، بل مملوك كلّ شخص عين غير العين

المملوكة لشخص آخر. فلا تكون الملكية علي وجه الإشاعة حينئذٍ حتّي تتحقّق بها الشركة.

و من هنا استفاد هذا المعني في جامع المقاصد «1» و المسالك «2» من قيد الشياع الوارد في تعريف صاحب الشرائع. ففي الحقيقة لا شركة في شي ءٍ واحد حينئذٍ.

و لا في الشي ء الواحد الشخصي علي سبيل البدلية كما في مستحقّي الزكاة و الخمس.

و إمّا في دين كأن يكون لاثنين أو أزيد دين في ذمّة شخص علي وجه الإشاعة.

و إمّا في منفعة كما لو كان بيت لشخصين أو أزيد علي وجه الإشاعة،

______________________________

(1)- جامع المقاصد 8: 7.

(2)- مسالك الأفهام 4: 302.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 38

______________________________

فاستأجر ذلك البيت منهم ثالثٌ. فتكون منفعة البيت- و هي مال الإجارة- للمالكين أو المُلّاك علي وجه الإشاعة.

و إمّا في حقّ، و ذلك كالشركة في القصاص و حدّ القذف و الخيار و الرهن و الشفعة.

قال الشيخ الطوسي في المبسوط: «الشركة علي ثلاثة أضرب: شركة في الأعيان، و شركة في المنافع، و شركة في الحقوق. فأمّا الشركة في الأعيان فمن ثلاثة أوجه:

أحدها: بالميراث. الثاني: بالعقد. و الثالث: بالحيازة.

فأمّا الميراث فهو اشتراك الورثة في التركة، و أمّا العقد فهو أن يملك جماعة عيناً ببيع أو هبة أو صدقة أو وصيّة مشتركة. و أمّا الشركة بالحيازة فهو أن يشتركوا في الاحتطاب و الاحتشاش و الاصطياد و الاغتنام و الاستقاء و غير ذلك فإذا صار محازاً لهم كان بينهم.

و أمّا الاشتراك في المنافع كالاشتراك في منفعة الوقف و منفعة العين المستأجرة و منفعة الكلاب الموروثة عند من قال إنّها غير مملوكة و أمّا عندنا فإنّها تملك إذا كانت للصيد؛ فعلي هذا دخلت في شركة الأعيان.

و أمّا الاشتراك في الحقوق فمثل

الاشتراك في حقّ القصاص و حدّ القذف و حقّ خيار الردّ بالعيب و خيار الشرط، و حقّ الرهن و حقّ المرافق من المشي في الطرقات و مرافق الدار و الضيعة و ما أشبه ذلك» «1».

______________________________

(1)- المبسوط 2: 343.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 39

و سببها: قد يكون إرثاً (1)، و قد يكون عقداً ناقلًا، كما إذا اشتري اثنان معاً مالًا، أو استأجرا عيناً، أو صولحا عن حقّ. و لها سببان آخران يختصّان بالشركة في الأعيان:

أحدهما: الحيازة، كما إذا اقتلع اثنان معاً شجرة مباحة، أو اغترفا ماءً مباحاً بآنية واحدة دفعة.

و ثانيهما: الامتزاج، كما إذا امتزج ماء أو خلّ من شخص بماء أو خلّ من شخص آخر؛ سواء وقع قهراً أو عمداً و اختياراً.

و لها سبب آخر: و هو تشريك أحدهما الآخر في ماله، و يسمّي بالتشريك، و هو غير الشركة العقديّة بوجه.

______________________________

أسباب الشركة

اشارة

(1) 1- قد سبق آنفاً أنّ سبب الشركة إذا كان إرثاً تكون من قبيل الشركة الواقعية القهرية. و إذا كان عقداً ناقلًا تدخل في النوع الأوّل من الشركة العقدية.

و إذا كان سببها حيازة تكون من قبيل الشركة الواقعية الاختيارية؛ نظراً إلي اختيارية الحيازة، و إلي كون الشركة حينئذٍ علي وجه الإشاعة الحقيقية. هذا، و لكنّ الأولي جعل سبب هذا النوع من الشركة فعلًا اختيارياً، حتّي لا يختصّ بالأعيان و يشمل الحقوق كحقّ التحجير المشترك بين اثنين المسبّب من تحجيرهما.

و قد سبق في كلام صاحب العروة أنّه إذا كان سببها الامتزاج فتارة: يكون المزج اختيارياً بقصد الشركة. فالشركة حينئذٍ واقعية اختيارية؛ لأنّها علي نحو الإشاعة الحقيقية و لأنّ سببها فعل اختياري. و اخري: يكون اختيارياً لا بقصد الشركة. فالشركة حينئذٍ ظاهرية اختيارية.

و ثالثةً: غير اختيارية، فتكون

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 40

(مسألة 1): الامتزاج قد يوجب الشركة الواقعية (1) الحقيقية
اشارة

، و هو فيما إذا حصل خلط و امتزاج تامّ بين مائعين متجانسين، كالماء بالماء، و الدهن بالدهن، بل و غير متجانسين كدهن اللوز بدهن الجوز مثلًا، رافع للامتياز عرفاً بحسب الواقع و إن لم يكن عقلًا كذلك. و أمّا خلط الجامدات الناعمة بعضها ببعض كالأدقّة، ففي كونه موجباً للشركة الواقعية تأمّل و إشكال، و لا يبعد كونها ظاهريّة.

______________________________

الشركة حينئذٍ ظاهرية قهرية. و يشترك الأخيران في عدم كون الشركة فيها علي وجه الإشاعة الحقيقية. و قد سبق الكلام في بيان الفرق بين الأقسام الثلاثة و ما يرد عليها من النقض و الإبرام.

و أمّا إذا كان سببها تشريك أحدهما الآخر، فقد سبق الكلام فيه آنفاً و استشهدنا لمشروعيتها ببعض النصوص، و بيّنّا وجه عدم كونها من الشركة العقدية.

و أمّا ما جاء في كلام السيد الماتن من كون التشريك غير الشركة العقدية بوجه، فلو كان مقصوده أنّ سببه ليس من العقود، فلا وجه له؛ لما سبق من أنّ سببه البيع و الشراء أيضاً.

و أمّا لو كان مقصوده أنّه غير عقد الشركة فهو حقّ، و لكنّه خلاف ظاهر كلامه.

و قد سبق بيان كلّ قسم من أقسام الشركة المذكورة في المتن.

الشركة الواقعية و سببها
اشارة

(1) 1- يستفاد من كلام صاحب العروة أنّه يشترط في حصول الشركة الواقعية بالامتزاج ثلاثة امور:

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 41

______________________________

الأوّل: كون الامتزاج رافعاً للتمييز عرفاً، و إن كان الشي ءُ الممتزج متميّزاً بالدقّة العقلية، فلا يضرّه التمييز العقلي. فإذا كان الممتزج متميّزاً في نظر أهل العرف بحيث يمكن تخليص الممزوجين و عزل كلّ منهما عن الآخر، لا تتحقّق شركة لا واقعاً و لا ظاهراً كما في القيميات. و الامتزاج الرافع للتمييز مثل امتزاج المائعين مطلقاً،

سواءٌ كانا متجانسين كالماء بالماء و الدهن بالدهن أو مختلفين، كالماء بالحليب أو دهن اللوز بدهن الجوز و الدهن النباتي بالدهن الحيواني. و أمّا خلط الأدقّة فالتحقيق أنّه من هذا القبيل؛ نظراً إلي ارتفاع التمييز بخلطها. و لا فرق من هذه الجهة بينها و بين مزج المائعات في نظر أهل العرف. و ما يظهر من السيد الماتن قدس سره من الفرق بينهما، فوجهه غير معلوم.

ثمّ إنّه لا إشكال في اعتبار ارتفاع التمييز في حصول الشركة الواقعية الحقيقية، بل في حصول أصل الشركة بالامتزاج.

نعم، لو لم يرتفع التمييز و لكن تعذّر تخليص أجزاء الممزوجين و حبّاتها بعضها عن بعض، كما في خلط أنواع الحبوبات، مثل خلط الحنطة بالشعير و الخشخاش بالسمسم، ففي تحقّق الشركة الحكمية بذلك كلام سبق آنفاً. و قد حكم السيد الحكيم «1» حينئذٍ بتحقّق الشركة الحكمية و اختار صاحب العروة انتفاءَ الشركة مع عدم ارتفاع التمييز مطلقاً.

و قلنا آنفاً: إنّ مقتضي التحقيق حينئذٍ عدم تحقّق الشركة مطلقاً، و لو ظاهراً.

و ذلك لأنّه اخذ في مفهوم الشركة و ماهيتها الإشاعة في الملكية؛ بمعني سريانها في جميع أجزاء المال. و لا يتحقّق ذلك مع تمييز الأجزاء. و من هنا يجوز لكلّ واحد من المالكين أن يأخذ أجزاء ماله و حبّاته المتميّزة و لو مع التعسّر، و ليس للآخر منعه.

______________________________

(1)- مستمسك العروة الوثقي 13: 7.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 42

______________________________

و مقتضي القاعدة حينئذٍ تعيّن الصلح لو تيسّر التراضي، و إلّا فالقرعة، و لو لأجل تخصيص كلّ حصّة من الحصص الخارجية المنحازة بكلّ واحد منهما في موارد اختلاف المالين في المالية.

الثاني: كون الامتزاج اختيارياً، لا قهرياً، و إلّا تتحقّق به الشركة الظاهرية القهرية كما

سبق بيان ذلك آنفاً.

الثالث: كونه بقصد حصول الشركة، و إلّا لا تتحقّق به الشركة الواقعية الحقيقية، و إن كان اختيارياً. بل إنّما تتحقّق به الشركة الظاهرية الاختيارية.

فقد حكم صاحب العروة «1» بأنّ الشركة الحاصلة بالامتزاج الاختياري الذي هو بغير قصد حصول الشركة من قبيل الشركة الظاهرية. كالحاصلة منها بالامتزاج القهري. و علّل ذلك بأنّ كلًاّ من المالين ممتازٌ عن الآخر في الواقع. و من هنا يختصّ كلٌ من المالين بمالكه عند تمييزها. و يظهر من كلامه أنّه قدس سره جعل ملاك الشركة الواقعية كون المزج بقصد حصول الشركة، لا مجرّد ارتفاع التمييز.

نقد كلام صاحب العروة

و يرد عليه أنّ مع ارتفاع التمييز و عدم إمكان التخليص و التمييز بين المالين كيف يمكن امتياز كلٍّ من المالين عن الآخر و اختصاص كلٍّ منهما بمالكه؟! و مع عدم إمكانه هل مناصٌ من الالتزام بحصول الشركة الواقعية الحقيقية؟ فالحقّ في المقام مع السيد الماتن قدس سره؛ حيث جعل الملاك في حصول الشركة الواقعية الحقيقية ارتفاع التمييز و عدم إمكان التخليص بين المالين عرفاً. و ذلك لأنّ الشركة ليست لها حقيقة شرعية، فالمحكّم في تعيين واقعيتها و حقيقتها نظر أهل العرف.

______________________________

(1)- العروة الوثقي 5: 374.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 43

______________________________

و توجيه كلام صاحب العروة بأنّ مراده من الشركة الواقعية خصوص العقدية منها. فيصحّ كلامه حينئذٍ؛ حيث يتقوّم إنشاء عقد الشركة بالقصد بل و إنشاء سائر العقود إذا كان بقصد حصول الشركة في السلعة المشتراة أو ربحها؛ حيث فسّر قدس سره الشركة الواقعية بما كانت مستندة إلي عقد من العقود؛ إمّا عقد الشركة أو غيرها، ممّا لا وجه له؛ حيث جعل المزج الاختياري الذي لم يكن بقصد الشركة من قبيل

الشركة الظاهرية و إن كان مزجاً تامّاً رافعاً للتمييز رأساً، بل و إن كان اختيارياً ما لم يكن بقصد الشركة.

و قد سبق تصريح صاحب الشرائع و الجواهر و القواعد بتحقّق الشركة الواقعية بالمزج الرافع للتمييز، بل ادّعي في الجواهر عليه الإجماع بقسميه «1».

نعم يفهم من ذيل كلام صاحب الجواهر اختصاص الشركة الواقعية الحقيقية بالمزج الاختياري بقصد حصول الشركة و كون الحاصلة منها بغير قصد الشركة، من قبيل الشركة الحكمية الظاهرية.

و لكن سبق جواب السيد الحكيم عنه، و استظهاره حصول الشركة الحقيقية بمجرّد الامتزاج الرافع للتمييز من كلمات الأصحاب، بل عدّ ذلك من ضروريات الفقه في الجملة.

نقد كلام السيد الماتن في خلط الجامدات

و أمّا خلط الجامدات فأشكل السيد الماتن في كونه موجباً للشركة الواقعية.

و لكنَّ للمناقشة فيه مجالًا واسعاً لوضوح أنّ الجامدات قد يكون خلط بعضها ببعض من قبيل المزج الرافع للامتياز، كمزج دقيق الحنطة بدقيق الشعير، أو دقيق كلٍّ منهما

______________________________

(1)- جواهر الكلام 26: 291.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 44

و قد يوجب الشركة الظاهرية الحكمية (1)، و هي مثل خلط الحنطة بالحنطة و الشعير بالشعير. و منها خلط ذوات الحبّات الصغيرة بمجانسها علي الأقوي، كالخشخاش بالخشخاش، و الدخن و السمسم بمثلهما و جنسهما. و أمّا مع الخلط بغير جنسهما فالظاهر عدم الشركة، فيتخلّص بالصلح و نحوه. كما أنّ الأحوط التخلّص بالصلح و نحوه في خلط الجوز بالجوز و اللّوز باللّوز،

______________________________

بدقيق الأرز. فلا ريب في عدم إمكان تخليص أجزاء الخليطين في مثل هذه الجامدات عادةً.

و قد جعل السيد الماتن نفسه المعيار في حصول الشركة الواقعية الحقيقية ارتفاع التمييز عرفاً و عدم إمكان تخليص أجزاء الخليطين عادةً. و هذا الملاك حاصل في امتزاج الأدقّة. نعم، إذا كانت الجامدات من قبيل

ما يمكن التمييز بين أجزاء الخليطين منها عادةً، وقع الكلام في حصول أصل الشركة حينئذٍ. و قد سبق القول بعدم حصولها من صاحب العروة، و بحصولها حكماً و ظاهراً من السيد الحكيم.

و قد قوّينا عدم حصول الشركة حينئذٍ، و لو ظاهراً و بيّنّا وجه ذلك آنفاً.

و هذا بخلاف ما إذا كان الخليطان من قبيل الدقيق، فلا إشكال في حصول الشركة الواقعية الحقيقية بمزجها؛ ضرورة ارتفاع التمييز بمزجهما عرفاً و عدم إمكان تخليص أجزائهما و عزلهما عادةً.

الشركة الظاهرية و سببها و حكمها
اشارة

(1) 1- و قد سبق آنفاً تعريف الشركة الظاهرية الحكمية بأنّها التي تترتّب عليه أحكام الشركة ظاهراً؛ بمعني أنّه لا إشاعة في الملكية واقعاً، بحيث لو اتّفق

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 45

______________________________

تخليص أجزاء الخليطين و عزل كلّ منهما عن الآخر تنتفي الشركة رأساً و لا يترتّب عليها شي ءٌ من أحكامها. و لكن ما دام لم يتّفق ذلك تترتّب أحكام الشركة ظاهراً، من عدم جواز التصرّف في المختلط لواحد منهما بدون إذن الآخر قبل الإفراز.

ملاك الشركة الظاهرية في رأي السيد الإمام قدس سره

و الامتزاج في رأي السيد الماتن قدس سره إنّما يوجب الشركة الظاهرية الحكمية فيما إذا لم يتحقّق مزج تامّ- بحيث حصل الاندكاك في أجزاء المالين و ارتفع التمييز رأساً و لم يمكن التمييز عادة- كأن وقع الامتزاج باختلاط الحبوبات المتجانسة، كالحنطة بالحنطة و الشعير بالشعير.

و الوجه فيه ظاهراً عدم سريان المزج في الأجزاء و لا الإشاعة الحقيقية في الملكية حينئذٍ بنظر أهل العرف، بل إنّما ارتفع التمييز ظاهراً بسبب الاختلاط و اشتباه الحبّات بعضها مع بعض. و من هنا ترتّب أحكام الشركة الظاهرية، بل فرق بين اختلاط كبار الحبّات و بين صغارها.

و أمّا في غير المتجانسين من الحبوبات لمّا لا يرتفع التمييز و لو ظاهراً، حكم السيد الماتن قدس سره بعدم تحقّق الشركة حينئذٍ حتّي ظاهراً.

و مبني الاستدلال في المقام صدق مفهوم الشركة و تحقّق ماهيتها في نظر أهل العرف كما أشار إلي ذلك السيد الحكيم. فإنّه بعد الحكم بتحقّق الشركة الحقيقية الواقعية في امتزاج المتّحدين جنساً أو وصفاً، و بالشركة الحكمية في امتزاج المختلفين جنساً أو وصفاً مطلقاً بلا فرق بين الجامدات و المائعات قال: «إنّ وجه الحكم في المقامين بناءُ الفقهاء الموافق لبناء العرف» «1».

______________________________

(1)- مستمسك

العروة الوثقي 13: 9.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 46

______________________________

ثمّ إنّ المراد من عدم التمييز في كلمات الفقهاء عدمه ظاهراً، لا عدمه في نفس الأمر، كما قال في الرياض «1» و الجواهر «2»، بل يظهر من التذكرة «3» الإجماع علي ذلك. و لكن أشكل في الرياض منافاة ذلك لما ذكره الفقهاءُ في تعريف الشركة، من أنّها اجتماع حقوق الملّاك علي الإشاعة؛ لظهور لفظ الإشاعة عند الإطلاق في الإشاعة الواقعية النفس الأمرية.

و ردّه في الرياض باتّفاق الأصحاب و إجماعهم علي عدم اعتبار ارتفاع التمييز في نفس الأمر. و من هنا جرت سيرة المسلمين من زمن النبي صلي الله عليه و آله إلي زماننا علي الشركة في الأثمان من غير نكير في ذلك. و أمّا ما جاء في كلماتهم في تعريف الشركة من اعتبار الإشاعة فلا دليل علي اعتبارها لو كانت بمعني الإشاعة الحقيقية النفس الأمرية. راجع كلامه فإنّه دقيق نافع «4». و الحقّ في المقام مع صاحب الجواهر، بل الاتّفاق المزبور و نحوه ممّا بني عليه الفقهاء في حصول الشركة الظاهرية، قرينة علي أنّ مرادهم في التعريف ما هو أعمّ من الشركة الظاهرية.

لا ريب في عدم ورود نصّ في خصوص المقام يدلّ علي ما تتحقّق فيه الشركة و غيره. و من هنا لم يستشهد أحدٌ من الفقهاء برواية و لو ضعيفة في المقام.

و عليه فليلتمس دليل غير النصّ. و مبني الاستدلال إمّا هو نظر أهل العرف، أو الإجماع و الاتّفاق، أو سيرة المسلمين.

أمّا العرف فيمكن الاستدلال بنظر أهل العرف؛ بمعني انصراف عنوان الشركة

______________________________

(1)- رياض المسائل 9: 56.

(2)- جواهر الكلام 26: 292.

(3)- تذكرة الفقهاء 2: 221/ السطر 38.

(4)- رياض المسائل 9: 56- 57.

دليل تحرير الوسيلة

- الشركة و القسمة، ص: 47

______________________________

الوارد في النصوص- بما له من الأحكام- إلي ما هو المرتكز في أذهانهم من لفظها.

فيكون المتفاهم العرفي هو الظاهر من لفظ الشركة الوارد في نصوص المقام.

و لا يري العرف مفهوم الشركة متحقّقاً في موارد الامتزاج و الاختلاط، إلّا ما كان منه رافعاً لتمييز أجزاء المالين. و من هنا لمّا لا يرتفع التمييز في اختلاط غير المتجانسين لا شركة في البين بخلاف المتجانسين.

أمّا الإجماع و السيرة، فيفهم من كلام الأصحاب اتّفاق الأصحاب علي حصول الشركة بالامتزاج مع اتّحاد جنس الممزوجين و وصفهما، كما صرّح به في الجواهر «1»، بل في الرياض: «بلا خلاف فيه عندنا، بل عليه في الغنية و عن الخلاف و السرائر و التذكرة إجماعنا» «2».

و كذا استقرار سيرة المسلمين علي ذلك كما أشار إليه في الرياض «3» في حصول الشركة بامتزاج الأثمان المتماثلة.

و علي أيّ حال لا شركة مع تمييز الأجزاء حتّي في المتجانسين المختلفين في الوصف، كأصناف التمر و الأرز. و عليه فما يظهر من السيد الإمام من حصول الشركة في المتجانسين مطلقاً محلّ تأمّل، بل منع؛ نظراً إلي انتفاء ملاك الشركة مع التمييز باختلاف الوصف عرفاً، كما أنّ معقد الإجماع اعتبار اتّحاد الجنس و الوصف معاً في حصول الشركة و هو المتيقّن من السيرة.

ثمّ إنّ احتياط السيد الماتن في خلط مثل الجوز بالجوز وجوبيٌ لو كان مقصوده العدول عمّا أفتي به في المتجانسين من الحبوبات و إدخال مثل الجوز في

______________________________

(1)- جواهر الكلام 26: 291- 293.

(2)- رياض المسائل 9: 55.

(3)- نفس المصدر: 57.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 48

______________________________

حكم غير المتجانسين من جهة عدم ارتفاع التمييز بالخلط، و استحبابي لو كان مقصوده دخول ذلك في

فتواه في المتجانسين. و لا يبعد كون الاحتياط استحبابياً بعد إطلاق فتواه بحصول الشركة في المتجانسين.

حكم امتزاج غير المتجانسين

هذا كلّه في خلط المتجانسين من الحبوبات. و أمّا في خلط غير المتجانسين منها، فقد حكم السيّد الماتن بعدم تحقّق الشركة به. و لا وجه لذلك، إلّا بناءُ أهل العرف بدعوي استقرار بنائهم علي عدم تحقّق الشركة بخلط مختلفي الجنس من جهة كون حبّات الجنسين متميّزة عندهم و عدم ارتفاع ميّزها باختلاطها. و من هنا قد يستشكل في صدق عنوان المزج، بناءً علي أخذ رفع التمييز في صدق عنوانه عرفاً. و إن كان في اعتباره تأمّل، كما يشهد له أخذ قيد «الرافع للتمييز» في المزج الموجب للشركة.

و لكن إذا تعسّر تخليص أجزاء الخليطين منها و تفكيك حبّاتها و عزل المالين، فلا مناص فيها من الصلح لو أمكن التراضي، و إلّا فالقرعة. و قد سبق أنّه لا تتحقّق الشركة بذلك حينئذٍ، و لو ظاهراً و حكماً، كما سبق آنفاً من السيد الحكيم، و بيّنّا ما فيه من النقاش.

نعم، في المائعات و الأدقّة لا يختصّ ارتفاع التمييز بخلط المتجانسين؛ ضرورة ارتفاعه بامتزاج مختلفي الجنس أيضاً، كما في امتزاج جنسين مختلفين من الدُّهن و أدقّة الحبوبات بعضها ببعضٍ. ففي مثل هذه الموارد لا دليل عرفاً و لا شرعاً علي عدم حصول الشركة الواقعية الحقيقية بعد حصول الامتزاج و ارتفاع التمييز به و تحقّق الإشاعة في ملكية جميع أجزاء المالين حقيقة من غير مسامحة عرفية.

و أمّا الإجماع المدّعي علي اعتبار اتّحاد الجنس و الوصف، فالمتيقّن منه غير

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 49

و كذا الدراهم و الدنانير المتماثلة إذا اختلط بعضها ببعض علي نحو يرفع الامتياز (1).

______________________________

مثل المائعات و الأدقّة، ممّا

يرتفع تمييز مختلفَيه بالامتزاج. بل نسب اعتبار ذلك في الجواهر إلي بعض و وجّهه بقوله: «و اعتبار بعض اتّحاد الجنس و الوصف إنّما هو للاحتراز عمّا لا يرتفع بالامتزاج امتيازه من مختلفهما» «1».

و حاصل الكلام أنّ المعتبر في صدق الشركة تحقّق الامتزاج الرافع للتمييز في نظر أهل العرف، لا صيرورة المالين ماهية واحدة، كما يظهر من بعض الأعلام «2»، بل يكفي عدم إمكان التمييز بينهما. و بهذه العناية يري أهل العرف الخليطين- بعد الامتزاج الرافع للتميّز- شيئاً واحداً. و هذا المعني من الوحدة العرفية يكفي في تحقّق موضوع الشركة الظاهرية الحكمية.

و لمّا لا يرتفع التمييز باختلاط المختلفين جنساً أو وصفاً من الحبوبات لا تحصل الشركة. و من هنا اعتبروا في حصول الشركة بامتزاج مثل الحبوبات اتّحاد الجنس و الوصف، و ليس مقصوده اعتبار ذلك مطلقاً، كما أشار إليه في الجواهر.

(1) 1- ظاهره الاحتياط الوجوبي بالصلح لو أمكن التراضي، و إلّا فالقرعة.

و مرجعه إلي عدم حصول الشركة بالامتزاج الرافع للتمييز في اختلاط الدراهم و الدنانير بمثلها.

و لكن صرّح في الشرائع بعدم الفرق بين الأثمان و العروض «3» و قد استشهد

______________________________

(1)- جواهر الكلام 26: 295.

(2)- المباني في شرح العروة الوثقي 31: 182.

(3)- جواهر الكلام 26: 292.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 50

______________________________

لذلك في الجواهر «1» برواية

دعائم الإسلام «2» عن الصادق عليه السلام- في حديث- قال: «إذا أراد رجلان أن يشتركا في الأموال، فأخرج كلّ منهما مالًا مثل مال صاحبه دنانير أو دراهم ثمّ خلطا ذلك حتّي يصير مالًا واحداً لا يتميّز بعضها عن بعض علي أن يبيعا و يشتريا ما رأياه من أنواع التجارات فما كان في ذلك من فضل كان بينهما، و ما كان

من وضيعة كان عليها بالسواء»

، بل في الرياض «3» استقرار طريقة المسلمين في الأعصار و الأمصار علي التشارك في الأثمان من زمن النبي صلي الله عليه و آله إلي زماننا هذا من غير نكير في صقع من الأصقاع أو عصر من الأعصار فكان إجماعاً، بل استدلّ بذلك علي عدم استقامة ما استظهر الفاضل المقداد من تعريف الشركة- في كلمات الأصحاب- من اعتبار عدم التمييز في نفس الأمر.

و ظاهر كلامه و ما ورد في رواية الدعائم و إن كان مشروعية الشركة العقدية بمزج الدراهم و الدنانير بمثلها- لا بمجرّد المزج من دون عقد الشركة أو شراء سلعة بها مشتركاً- إلّا أنّه لا إشكال في دلالة ذلك كلّه علي حصول المزج المعتبر في الشركة باختلاط الدراهم و الدنانير المتماثلة، و إن كان الأقوي الاقتصار في ذلك بعقد الشركة عليها أو شراء سلعةٍ بها مشتركاً؛ نظراً إلي عدم حصول المزج باختلاط الدراهم، بل هو أشبه بالاشتباه، إن ارتفع به التمييز فلا تتحقّق شركة ظاهرية قهرية بها.

و لعلّ ذلك هو مقصود السيد الماتن في المقام، دون الشركة العقدية. و أمّا كلمات الأصحاب و مجري السيرة و معقد الإجماع و ظاهر رواية الدعائم، فالجميع ناظرة إلي مشروعية الشركة العقدية- بشقّيها المذكورين آنفاً- باختلاطها الرافع

______________________________

(1)- نفس المصدر: 291.

(2)- دعائم الإسلام 2: 85.

(3)- رياض المسائل 9: 57.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 51

______________________________

للتمييز، كما عرفت.

و لا تتحقّق الشركة لا واقعاً و لا ظاهراً بخلط القيميات (1) بعضها ببعض، كما لو اختلط الثياب بعضها ببعض مع تقارب الصفات، و الأغنام بالأغنام و نحو ذلك، فالعلاج فيها التصالح أو القرعة.

لا تتحقّق الشركة بالمزج في القيميات

(1) 1- و ذلك لعدم رفع التمييز بخلط القيميات، بل و لا

يصدق عنوان المزج عرفاً، بل إنّما يصدق عنوان اشتباه المالين أو الأموال.

و مقتضي القاعدة في تعيين المال المشتبه المتردّد بين مالكين أو أزيد الرجوع إلي القرعة لو لم يتيسّر الصلح بالتراضي.

و ليست ملكية القيميات المشتبهة علي وجه الإشاعة، بل و لا اجتماع في ملكيتها للمُلّاك؛ ضرورة كون كلِّ واحدٍ منها ملكاً لواحد من المُلّاك، لا لاثنين منهم حتّي تجتمع حقوق الملّاك في مملوك واحد، فلا إشاعة في الملكية حينئذٍ. و من هنا لا شركة في خلط القيميات، كما سبقت الإشارة إلي ذلك آنفاً.

هذا، و يظهر من صاحب الشرائع جواز الاحتيال لغرض تحقّق الشركة في القيميات ببيع كلّ من المالكين حصّةً من ماله للآخر أو يهبه له؛ حيث قال: «و لو أراد الشركة فيما لا مثل له باع كلُّ واحد منهما حصّته ممّا في يده بحصّته ممّا في يد الآخر» و زاد في الجواهر: «أو وهب كلّ منهما كذلك، أو باعها بثمن اشتري الاخري به منه، أو غير ذلك» «1».

______________________________

(1)- جواهر الكلام 26: 295- 296.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 53

اشارة

(1)، بل لو أذن أحد الشريكين لشريكه في التصرّف جاز للمأذون دون الآذن إلّا بإذن صاحبه،

______________________________

أحكام الشركة

وجه عدم جواز تصرّف الشريك بغير إذن صاحبه

(1) 1- و الوجه في عدم الجواز أنّ الشركة بذاتها لا تصلح أن تكون سبباً لجواز تصرّف الشريك في المال المشترك بغير رضا شريكه؛ لعدم كشفها عن رضاه، بل تقتضي عدم جواز ذلك؛ لأنّ مقتضي الشركة إشاعة ملكية الطرفين و سريانها في جميع أجزاء المال المشترك. فما من جزءٍ أراد أحدهما التصرّف فيه، إلّا دخل فيه ملك صاحبه.

و الظاهر أنّ كلام السيد الماتن هاهنا في الشركة غير العقدية الحاصلة بمزج أو غيره؛ نظراً إلي ما أشار إليه في المسألة اللّاحقة من أنّ ما تقدّم هو الشركة غير العقدية.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 54

______________________________

و لكن ما أفتي به السيد الماتن قدس سره في هذه المسألة قد استقرّ عليه رأيه في مطلق الشركة عقدية كانت أو غير عقدية؛ لما سيأتي من التصريح به في المسألة الثامنة: «لا يقتضي عقد الشركة و لا إطلاقه جواز تصرّف كلٍّ من الشريكين في مال الآخر بالتكسّب». فإذا كان التصرّف بالتكسّب- المعقود لأجله عقد الشركة- غير جائز فكذلك التصرّفات الشخصية بالفحوي. و علي أيّ حال لا إشكال في سريان الحكم في مطلق الشركة في رأي السيد الماتن قدس سره.

و لا يبعد كون مقصوده بيان حكم ذات الشركة، مع قطع النظر عن سبب تحقّقها، فتشمل مطلق الشركة، سواءٌ كانت قهرية أو اختيارية، و سواءٌ حصلت بعقد الشركة أو غيره من العقود أو بغير العقد، من امتزاج أو حيازة أو إحياء مشتركاً و غير ذلك من أسبابها الاختيارية و القهرية.

لا خصوصية للامتزاج

و لا فرق في ذلك بين حصول الشركة بالمزج و بين حصولها بالعقد أو بسبب قهري كالإرث و نحوه.

نعم، في القواعد و غيره خصّ المسألة بالمال الممتزج؛ حيث قال: «لا يجوز

لأحد الشريكين التصرّف في المال الممتزج، إلّا بإذن صاحبه». و في المفتاح «1»:

«طفحت بهذا المعني عباراتهم». و علّله في جامع المقاصد «2» بأنّ مجرد الامتزاج غير كاف في جواز التصرّف. و بذلك وجّه في المفتاح «3» تخصيص الفقهاء المسألة بالمال الممتزج.

______________________________

(1)- مفتاح الكرامة 7: 399.

(2)- جامع المقاصد 8: 21.

(3)- مفتاح الكرامة 7: 399- 400.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 55

______________________________

و لكن لا خصوصية للامتزاج في ذلك، بل أصل الشركة لا يصلح لإثبات جواز التصرّف في مال الشريك؛ حيث لا يكشف عن إذنه بالتصرّف مطلقاً، سواءٌ حصلت بسبب قهري كالإرث و الامتزاج القهري، أو اختياري كالمزج الاختياري أو عقد معاملي، أو تحقّقت بعقد الشركة، بل تقتضي خلاف ذلك؛ لأنّ عنان المال بيد الشريكين كليهما لا أحدهما. و من هنا سمّيت الشركة في الأموال بشركة العنان.

أمّا الأسباب القهرية للامتزاج، فوجه عدم صلاحيتها لذلك واضحٌ لخروجها عن القصد و الاختيار.

و أمّا الأسباب الاختيارية؛ فلعدم دلالة لإيجادها عرفاً علي إذن موجدها- الذي هو المالك- بتصرّف شريكه في ماله الشائع في جميع أجزاء المال المشترك.

فإنّ مزج المالك ماله بمال غيره، أو شرائه مالًا لنفسه و لغيره بقصد الشركة أو إنشاء عقد الشركة علي ماله الممتزج بمال غيره، لا دلالة لشي ءٍ منها عرفاً علي رضاه و إذنه بتصرّف شريكه في ماله الممتزج، بل المرتكز من ذلك في الأذهان جعل عنان المال المشترك و اختياره بيد الشريكين معاً، كما قلنا.

و عليه فلا يجوز لأحد الشريكين التصرّف في المال المشترك إلّا بإذن صاحبه؛ نظراً إلي سريان ماله و شياع مالكيته في جميع أجزاء المال المشترك، كما هو مقتضي الإشاعة الحقيقية، كما صُرِّح بذلك في كلمات الأصحاب.

قال في المفتاح- بعد توجيه عدم

جواز التصرّف في المال المشترك من دون إذن الشريك بقبح التصرّف في مال الغير بغير إذنه: «و لا فرق في ذلك بين كون الشركة بمزج أو غيره، و لا في المزج بين كونه بفعلهما أو غيره.

فوصف المال بالممتزج في العبارة و جامع الشرائع و النافع لبيان أنّ مجرّد

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 56

و يجب علي المأذون أن يقتصر علي المقدار المأذون فيه كمّاً و كيفاً (1).

______________________________

الامتزاج غير كاف في جواز التصرّف» «1».

و قال في الرياض: «و هذا الحكم جار في مطلق الشركة، حتّي بالمعني الأوّل، و سواء كان سببها المزج، أو غيره، باختيارهما كانت، أم بدونه، فإنّ الإذن في التصرّف أمر زائد علي مفهوم الشركة بهذا المعني. و من هنا يظهر ما في تخصيص العبارة الحكم بصورة الامتزاج خاصّة» «2».

و لا يخفي أنّ مراده من المعني الأوّل اجتماع حقوق المُلّاك في الشي ءِ الواحد علي سبيل الشياع. و المعني الثاني عقد الشركة، كما أشار إليه في أوّل الكتاب «3».

و مقصوده عدم اختصاص ذلك بعقد الشركة و لا بما كان سببه غير المزج من أقسام الشركة. هذا، و لكن التأمّل في كلمات الفقهاء يقضي بتسالمهم علي ذلك في الشركة غير العقدية، و إنّما الاختلاف بينهم في جواز التصرّف في جهة التكسّب بغير إذن الشريك في عقد الشركة. و قد عرفت أنّ السيد الماتن و كثيراً من الفحول أفتوا بذلك في مطلق الشركة. و سيأتي البحث عن ذلك أيضاً في المسألة الثامنة.

(1) 1- مقصوده من الاقتصار كمّاً؛ أن يقتصر بمقدار الإذن، كأن يأذن بالتصرّف في ربع المال المشترك أو في اليوم خاصّة، أو في ساعة معيّنة.

و كيفاً كأن يأذن بالتصرّف لنفسه لا لعياله أو ضيوفه.

أو في جهة التجارة لا للمصرف الشخصي.

______________________________

(1)- مفتاح الكرامة 7: 399- 400.

(2)- رياض المسائل 9: 62.

(3)- نفس المصدر: 53.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 57

نعم الإذن في الشي ء إذن في لوازمه (1) عند الإطلاق، و الموارد مختلفة لا بدّ من لحاظها، فربما يكون إذنه له في سكني الدار لازمه إسكان أهله و عياله و أطفاله، بل و تردّد أصدقائه و نزول ضيوفه بالمقدار المعتاد، فيجوز ذلك كلّه إلّا أن يمنع عنه كلًاّ أو بعضاً فيتّبع.

[أحكام الشركة]

(مسألة 2): لا يجوز لبعض الشركاء التصرّف في المال المشترك إلّا برضا الباقين

(مسألة 3): كما تطلق الشركة علي المعني المتقدّم-

اشارة

و هو كون شي ء واحد لاثنين أو أزيد- تطلق- أيضاً- علي معني آخر، و هو العقد الواقع بين اثنين أو أزيد علي المعاملة بمال مشترك بينهم، و تسمّي الشركة العقديّة و الاكتسابية (2). و ثمرته جواز تصرّف الشريكين فيما اشتركا فيه بالتكسّب به، و كون الربح و الخسران بينهما علي نسبة مالهما. و هي عقد يحتاج إلي إيجاب و قبول، و يكفي قولهما: اشتركنا، أو قول أحدهما ذلك مع قبول الآخر، و لا يبعد جريان المعاطاة فيها؛ بأن خلطا المالين بقصد اشتراكهما في الاكتساب و المعاملة به.

______________________________

(1) 1- و أمّا كون الإذن في الشي ء إذناً في لوازمه، فالوجه فيه هو المتفاهم العرفي كما لا يخفي. و قد سبق بيان ذلك في مواضع من كتاب المضاربة، كإذن المالك للعامل بالسفر. فقد بيّنّا هناك أنّه ظاهرٌ عرفاً في الإذن بلوازمه، ممّا يستتبعه السفر من المخارج و نحو ذلك.

الشركة العقدية و خصوصياتها

(2) 2- و قد سبق عند بيان أقسام الشركة، تعريف الشركة العقدية بأنّها شركة واقعية حصلت بعقد من العقود؛ إمّا بعقد الشركة مبنيّاً علي تشريك كلٍّ من

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 58

(مسألة 4): يعتبر في الشركة العقديّة كلّ ما اعتبر في العقود المالية؛

من البلوغ و العقل و القصد و الاختيار و عدم الحجر لفلس أو سفه (1).

______________________________

المتعاقدين الآخر في ماله. أو بسائر العقود من شراءٍ أو صلح أو هبة و نحوها بأن يشتري شخصان مالًا لأنفسهما أو تصالحا علي مال أو يهبهما شخصٌ مالًا، أو يأذن أحدهما الآخر و يوكّله في شراء مالٍ لهما، فيقول له مثلًا: اشتر السلعة ولي نصفها.

فيشتركان فيها و في ربحها و قد ذكرنا بعض النصوص «1» الدالّة علي ذلك.

و أمّا الشركة الحاصلة بعقد الشركة فهي بنفسها من العقود، و تسمّي بالشركة العقدية. و إنّها موضوع البحث في هذه المسألة و ما يلحقها من المسائل الآتية. فهي عقد و بحاجة إلي إيجاب و قبول و سبق الكلام في صيغته و أنّه يكفي في إيجابها قولهما: «اشتركناه»، أو يقوله أحدهما و يقبل الآخر.

و الكلام في جريان المعاطاة فيها مثل الكلام في البيع و المضاربة. و الظاهر جريانها في الشركة؛ نظراً إلي استقرار سيرة أهل العرف علي ذلك. و حكمها كون الربح الحاصل بالتكسّب من المال المشترك لهما و الخسران بينهما علي نسبة المالين و سيأتي تفصيل ذلك في المسألة العاشرة.

ما يعتبر في الشركة العقدية

(1) 1- وجه اعتبار هذه الشروط في المتعاقدين في الشركة العقدية نفس الوجه في اعتبارها فيهما في سائر العقود المالية.

و ذلك لأنّ اشتراك الغير في المال تصرّف مالكي فيعتبر فيه ما يشترط

______________________________

(1)- وسائل الشيعة 19: 6، كتاب الشركة، الباب 1، الحديث 4.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة

و القسمة، ص: 59

(مسألة 5): لا تصحّ الشركة العقديّة إلّا في الأموال

اشارة

(1) نقوداً كانت أو عروضاً،

______________________________

في نفوذ تصرّف كلّ مالك في ماله.

و قد ذكر الفقهاء شرطاً آخر في صحّة الشركة العقدية، و هو امتزاج المالين سابقاً علي العقد أو لاحقاً بحيث لا يمكن تمييزهما، و لو بعداً.

و يأتي الكلام في ذلك مفصّلًا في شرح المسألة السابعة. إن شاء اللّٰه.

اختصاص الشركة بالأعيان

(1) 1- مقصوده نفي صحّة شركة الأعمال و المفاوضة و الوجوه بعقد الشركة.

و مقصوده من الشركة العقدية، عقد الشركة، كما جري عليه اصطلاح الفقهاء، لا الشركة الحاصلة بأيّ عقد من العقود- الأعمّ من عقد الشركة-، كما جري عليه اصطلاح صاحب العروة، و قد سبق ذلك في تقسيمات الشركة في أوّل هذا الكتاب.

ثمّ إنّه لا إشكال في صحّة الشركة العقدية- المتحقّقة بعقد الشركة- في الأموال إذا كانت من الأعيان القابلة للامتزاج الرافع للتمييز، و عدم حصولها في الأعيان غير القابلة لذلك كالقيميات، بناءً علي اعتبار الامتزاج الرافع للتمييز، كما عليه السيد الماتن قدس سره. و ادُّعي عليه الإجماع. و أمّا بناءً علي اعتباره تصحّ في مطلق الأموال. و سيأتي الكلام في اعتبار المزج و عدمه.

و أمّا غير الأعيان فيقع الكلام تارةً: في الديون و اخري: في المنافع.

عدم صحّة الشركة العقدية في الديون

أمّا الديون فتصوير إنشاء عقد الشركة فيها بأن كان لكلّ منهما دينٌ في ذمّة

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 60

______________________________

شخص، فيقولا: «اشتركنا في الدين الذي لكلّ واحد منّا علي ذمّة فلان و فلان»، أو يقول أحدهما للآخر: «أنت شريكٌ معي في مالي في ذمّة فلان و أنا شريكٌ لك في مالك في ذمّة فلان»، ثمّ يقبل الآخر.

و الأقوي عدم صحّة الشركة العقدية فيها؛ نظراً إلي رجوعها إلي تعويض الدين بالدين

و مبادلته، و هو ممنوع شرعاً. و هذا خلاف الشركة غير العقدية، فلا مانع من إيجادها بسائر العقود. بيان ذلك: أنّه بناءً علي اعتبار الامتزاج في عقد الشركة- كما بني عليه السيد الماتن في المسألة السابعة، فالأمر واضحٌ؛ إذ لا يتصوّر تحقّق الامتزاج في الديون حتّي تصحّ فيها الشركة العقدية. فإنّ لكلّ دين وجوداً منحازاً مستقلًاّ عن الآخر بلحاظ صاحبه الذي اشتغلت ذمّته بذلك الدين.

و قد يشكل علي ذلك بأنّه لم يدلّ علي اعتبار الامتزاج دليلٌ لفظي؛ لكي يؤخذ بإطلاقه أو عمومه، فيتعبّد به في جميع الموارد حتّي الديون، بل إنّما دليله- كما سيأتي بيانه- هو المتفاهم العرفي من عنوان الشركة و الإشاعة الحقيقية؛ حيث لا تُعقل مع تمييز المالين. و لكنّ الشركة و الإشاعة الحقيقية في المتمايزين إنّما لا تعقل فيما إذا كان المال من الأعيان. و ذلك لأنّه لمّا كانت للأعيان المتمايزة وجود منحاز في الخارج و مستقلّ بعضها عن بعض- كما في القيميات- لا تُعقل فيه الشركة و الإشاعة الحقيقية. فمن هنا اعتبروا في شركة الأعيان الامتزاج الرافع للتمييز. و هذا بخلاف غير الأعيان من الديون و المنافع؛ حيث لا وجود منحاز لهما في الخارج مستقلّاً.

و الجواب: أنّ للديون أيضاً وجوداً منحازاً في الذمّة بلحاظ صاحب الذمّة، كما أنّ للمنافع أيضاً وجوداً ممتازاً بلحاظ تعلّقها بالأعيان بالقوّة و القابلية الموجودة

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 61

______________________________

بالفعل في العين المحتوية لها؛ حيث لا امتزاج في صاحب الذمّة و لا ذات القابلية الكائنة في الأعيان، لا قبل عقد الشركة و لا بعده حتّي يسري امتزاجهما إلي ما يتبعهما من الدين و المنفعة.

و أمّا بناءً علي عدم اعتبار الامتزاج في صحّة الشركة العقدية-

كما لم يستبعده صاحب العروة بمقتضي لو لا الإجماع في المسألة الرابعة من كتاب الشركة من العروة الوثقي- فالوجه في عدم صحّة الشركة العقدية في الديون أنّ حقيقة هذه الشركة ترجع حينئذٍ إلي تمليك كلٍّ من المتعاقدين ما في ذمّة مدينه من الدين للآخر بإزاء تمليكه له حصّةً ممّا له في ذمّة مدينه. فهي في الحقيقة معاوضة دين بدين بلفظ الشركة. و يكون كإيجاد الشركة في القيميات بتمليك كلّ منهما نصف ماله للآخر. و إنّ المنهي عنه في نهي النبي صلي الله عليه و آله عن بيع الدين بالدين، و إن كان عنوان البيع، إلّا أنّ المنصرف منه بقرينة المتفاهم العرفي هو مطلق معاوضة الدين بالدين، من غير اختصاص بالبيع.

و يشهد له جملةٌ من النصوص الناهية عن قسمة الدين كما في صحيحة سليمان بن خالد قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجلين كان لهما مال بأيديهما، و منه متفرّق عنهما، فاقتسما بالسوية ما كان في أيديهما و ما كان غائباً عنهما، فهلك نصيب أحدهما ممّا كان غائباً و استوفي الآخر، عليه أن يرد علي صاحبه؟ قال:

«نعم، ما يذهب بماله» «1».

و في صحيحة غياث بن إبراهيم عن جعفر بن محمّد عن آبائه عليهما السلام عن علي عليه السلام: في رجلين بينهما مال منه بأيديهما، و منه غائب عنهما، فاقتسما الذي بأيديهما، و احتال كلّ واحد منهما بنصيبه، فقبض أحدهما و لم يقبض الآخر،

______________________________

(1)- وسائل الشيعة 19: 370، كتاب التجارة، أبواب الدين و القرض، الباب 29، الحديث 1.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 62

______________________________

فقال عليه السلام: «ما قبض أحدهما فهو بينهما، و ما ذهب فهو بينهما» «1». و نظيرها صحاح ابن مسلم و

معاوية بن عمّار «2».

و في صحيحة

عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن رجلين بينهما مال؛ منه دين، و منه عين. فاقتسما العين و الدين. فتويٰ الذي كان لأحدهما من الدين أو بعضه، و خرج الذي للآخر. أ يرُدَّ علي صاحبه؟ قال: عليه السلام «نعم ما يذهب بماله» «3».

قوله:

«فتوي الذي كان لأحدهما … »

؛ أي هلك من الثوي مقصوراً بمعني هلاك المال، كما قال في الصحاح و غيره.

وجه دلالة هذه النصوص علي المطلوب أنّها دلّت علي عدم صحّة قسمة الدين المشترك. و عدم صحّة قسمة الدين إنّما هو لرجوع قسمته إلي معاوضة حصّة من دين كلٍّ منهما بحصّةٍ من دين الآخر. و من هنا لا تصحّ قسمة الدين المشترك، كما جاء في هذه النصوص و أفتي به المشهور المعروف، خلافاً لابن إدريس؛ حيث يظهر منه اختصاص كلٍّ من الشريكين بما يستوفيه من دينه معلّلًا بأنّ اشتراك الدين في الذمّة لا يمنع من تعيين حقّ واحد في معيّن، و أيضاً علّل ذلك بوجوه اخري نقلها في الجواهر «4» و أجاب عن جميعها.

و أمّا وجه ارتباطها بالمقام أنّ عقد الشركة في الديون المتفرّقة المتمايزة يرجع أيضاً إلي معاوضة الدين بالدين كقسمة الدين المشترك.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة 19: 435، كتاب الضمان، أبواب الدين و القرض، الباب 13، الحديث 1.

(2)- راجع وسائل الشيعة 19: 12، كتاب الشركة، الباب 6، الحديث 1.

(3)- وسائل الشيعة 19: 12، كتاب الشركة، الباب 6، الحديث 2.

(4)- جواهر الكلام 26: 332.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 63

______________________________

هذا، و لكن لا حاجة إلي الاستشهاد بهذه النصوص مع ما فيها من خفاء الدلالة علي المطلوب في المقام. و ذلك لقيام النصّ

و اتّفاق الفتاوي علي بطلان معاوضة الديون.

و الحاصل: أنّه لا يصحّ عقد الشركة في الديون. نعم لا إشكال في حصول الشركة الواقعية غير العقدية في الدين، كأن ينتقل ما للميّت في ذمّة المدين إلي الورثة، فتحصل الشركة للورثة في ذلك الدين لا محالة. و لكن الشركة العقدية- الحاصلة بعقد الشركة- لا تصحّ في الديون.

مقتضي التحقيق بطلان الشركة العقدية في الدين مطلقاً، سواءٌ قلنا باعتبار الامتزاج فيها، كما سيأتي من السيد الماتن في المسألة الرابعة، أم لم نقل به كما قد يُستظهر من كلام صاحب العروة «1». و ذلك لعدم امتزاج في الديون بناءً علي اعتباره.

و لرجوع الشركة العقدية في الدين إلي معاوضة الدين بالدين و هو غير جائز؛ نظراً إلي إطلاق النصوص الناهية عن بيع الدين بالدين و عن قسمة الدين، كما قلنا.

حكم الشركة العقدية في المنافع

و أمّا المنافع فعلي القول باعتبار الامتزاج في الشركة العقدية لا إشكال في عدم صحّة الشركة العقدية فيها؛ حيث إنّها متمايزة بتبع متعلّقها و متبوعها.

و علي القول بعدم اعتباره، فلو كان المقصود عين المنفعة الخارجية الحاصلة بالاستيفاء، فإيجاد الشركة فيها بالعقد خلاف مقتضي القاعدة.

و ذلك كالنماءات المتّصلة و المنفصلة و الاجرة علي الأعيان فيما إذا كانت من أعيان مختلفة لشخصين علي نحو الاستقلال، لا مشتركاً. و لكنّهما يوجدان الشركة

______________________________

(1)- العروة الوثقي 5: 279، و استظهر ذلك من كلامه السيد الخوئي.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 64

______________________________

في منافعها المتفرقة من النماءات و الاجور بإنشاء عقد الشركة بالصيغة، كأن يقول أحدهما: «اشتركنا في منافع أموالنا الحاصلة بالنماء و الاجرة المأخوذة عليها».

و لكنّها راجعة في الحقيقة إلي الشركة في الأعيان المعدومة المترقّبة الوجود.

و علي أيّ حال فحصول الشركة في هذا النوع من المنافع

خلاف القاعدة؛ حيث لا يعقل حصول الملكية و لا الشركة فيها؛ لعدم وجود لعين المنفعة حين إنشاء عقد الشركة. و إنّما قد خرجنا عن القاعدة في خصوص المضاربة تعبّداً بالنصوص الواردة فيها.

و إن كان المراد حصول الشركة في ذات المنفعة: و هي القابلية الموجودة في العين للانتفاع- كقابلية الدار للسكني؛ بأن يشتركا بالصيغة في نفس القابلية- فلا مانع منه عرفاً و لا عقلًا. و ذلك لأنّه بعد البناء علي عدم اعتبار الامتزاج في الشركة العقدية، لا محذور عقلي في حصولها حتّي تبطل من أجل ذلك.

و أمّا شرعاً، فقد يقال «1» إنّه لا مانع من صحّة عقد الشركة في المنافع بهذا المعني؛ نظراً إلي عدم دلالة دليل لفظي من النصوص علي منع الشركة في المنافع و لا علي منع معاوضة المنافع و مبادلتها، كما وردت في معاوضة الديون و مبادلتها.

و ذلك بعد القطع بثبوت الشركة فيها بغير عقد الشركة كإجارة شي ءٍ مشتركاً.

نعم، إذا لم يكن زمان الشركة محدوداً، يشكل الالتزام بالصحّة؛ نظراً إلي لزوم الجهالة و الغرر.

و مقتضي التحقيق في ذلك صحّة الشركة العقدية في المنافع في الزمان المعين في غير اجرة الأعمال، كما لعلّه مقصود هذا العَلَم؛ لأنّه في الحقيقة من قبيل الشركة في الأموال؛ حيث إنّ ذات المنفعة بالمعني المزبور من توابع العين و دخيلة في

______________________________

(1)- المباني في شرح العروة الوثقي 31: 189- 191.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 65

و تسمّي تلك: شركة العنان (1).

______________________________

ماليتها، و لعلّه لهذه الجهة لم يعتبر الفقهاء في شركة العنان كونها في الأعيان، بل إنّما اعتبروا كونها في الأموال. و إلّا فإيجاد الشركة في اجرة الأعمال و عقدها يدخل في شركة الأبدان و قد تحقّق الإجماع علي

بطلانها.

فالأقوي عدم صحّة عقد الشركة في عين المنفعة الخارجية قبل تحقّقها.

و جواز الشركة العقدية في ذات المنافع بالمعني المزبور؛ بناءً علي عدم اعتبار الامتزاج فيها. و لكنّه لا يلائم ما بني عليه السيد الماتن قدس سره من اعتبار امتزاج المالين في الشركة العقدية، كما سيأتي في المسألة السابعة.

شركة العنان

(1) 1- و الكلام فيه من جهتين:

إحداهما: تعريف هذه الشركة.

ثانيتهما: وجه تسميتها.

أمّا الجهة الاولي: فشركة العنان هي: الشركة في الأموال كما جاءَ في المتن.

و ذلك بأن يمزج شخصان مالهما، ثمّ ينشئان عقد الشركة عليه بقولهما اشتركنا و نحو ذلك.

قال في التذكرة: «و أمّا شركة العنان فهي أن يُخرج كلٌّ مالًا و يمزُجاه و يشترطا العمل فيه بأبدانهما» «1».

و أمّا الجهة الثانية: - و هي وجه تسميتها بشركة العنان- فهو إمّا مأخوذ من

______________________________

(1)- تذكرة الفقهاء 2: 219/ السطر 36.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 66

______________________________

عنان الدابّة بكسر العين؛ نظراً إلي استواء الشريكين في الولاية علي الفسخ و التصرّف و استحقاق الربح علي قدر رأس المال كاستواء طرفي العنان. أو بلحاظ منع العنان الدابّة من الطغيان؛ نظراً إلي منع كلٍّ منهما الآخر من التصرّف كما يشتهي و يريد. و بهذا المعني يمكن أخذها من «عنّ الفرسَ»؛ أي منعه، و إمّا من «عنّ» بمعني ظهر. و ذلك بلحاظ ظهور مال كلّ منهما لصاحبه بما له من الفائدة، أو لأنّها من أظهر أنحاء الشركة. و قيل من «المعانّة» بمعني المعارضة؛ حيث عارض كلّ منهما الآخر بماله.

و قد أشار إلي هذه الوجوه في المبسوط «1» و التذكرة «2» و المسالك «3» و الحدائق «4» و الجواهر «5» و أنسب الوجوه الأوّل و الثاني. و الأمر في ذلك سهل.

هذا، و لكن

ذكر في المستمسك وجهاً للتسمية بقوله: «و كأنّ وجه تسميتها بذلك أنّ كلًاّ من الشريكين كأنّه فارس و بيده عنان الفرس يذهب حيث يشاء، بخلاف من لا يكون بيده العنان، فإنّه يذهب حيث تشاء الفرس، لا حيث يشاء هو. و إن كان هذا الوجه لم يذكر في وجه التسمية بشركة العنان، مع أنّهم ذكروا الوجوه الكثيرة» «6».

و لاحظت من ذيل كلامه أنّه زعم أنّ هذا الوجه غير مذكور في كلمات

______________________________

(1)- المبسوط 2: 347.

(2)- تذكرة الفقهاء 2: 219.

(3)- مسالك الأفهام 4: 310.

(4)- الحدائق الناضرة: 21: 162.

(5)- جواهر الكلام 26: 298.

(6)- مستمسك العروة الوثقي 13: 25.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 67

و لا تصحّ في الأعمال، و هي المسمّاة بشركة الأبدان (1)؛ بأن أوقع العقد اثنان علي أن تكون اجرة عمل كلّ منهما مشتركاً بينهما؛ سواء اتّفقا في العمل كالخيّاطين، أو اختلفا كالخيّاط مع النسّاج، و من ذلك معاقدة شخصين علي أنّ كلّ ما يحصل كلّ منهما بالحيازة من الحطب- مثلًا- يكون مشتركاً بينهما، فلا تتحقّق الشركة بذلك، بل يختصّ كلّ منهما بأُجرته و بما حازه.

______________________________

الأصحاب. و لكن التأمّل و الإنصاف يقضيان بخلاف ما زعمه؛ حيث إنّ ما ذكره لا يغاير الوجه الأوّل من الوجوه المذكورة، بل هو عينه. و علي أيّ حال لا ثمرة معتدّ بها في البحث عن ذلك كما قال في الجواهر «1».

شركة الأعمال (الأبدان)
اشارة

(1) 1- يقع الكلام أوّلًا في تعريفها و وجه تسميتها، و ثانياً في حكمها.

أمّا التعريف: فهي- كما يشعر عنوانها-: إنشاء شخصين عقد الشركة في اجرة عملهما، من دون مال مشترك لهما في البين.

و أمّا وجه تسميتها بشركة الأعمال، أنّ عقد الشركة إنّما يُنشئ بين اجرة العملين، و لمّا كانت

الاجرة للعمل الصادر من المتعاقدين، تكون الشركة في العمل بالمآل.

و هي ليست من قبيل الشركة في الأموال. و ذلك لأنّ المفروض عدم وجود مال مشترك لهما؛ لكي يشتركا في ربحه بالعقد، بل الذي توافقا علي الاشتراك فيه بالعقد هو اجرة العمل الصادر منهما.

______________________________

(1)- جواهر الكلام 26: 298.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 68

______________________________

و أمّا وجه تسميتها بشركة الأبدان أنّ العمل صادر من البدن فهو منشأ الأعمال و الأفعال. و في الحقيقة تكون هذا النوع من الشركة فيما يصدر عن الأبدان، من الأعمال. فسُمّيت بهذا الاسم بلحاظ منشأ العمل.

و علي أيّ حال فهذه الشركة إنّما هي في اجرة العمل.

و لقد أجاد العلّامة في التذكرة في تعريف شركة الأبدان؛ حيث قال:

«و أمّا شركة الأبدان؛ بأن يشترك اثنان أو أكثر فيما يكتسبون بأيديهم، كالصناع يشتركون علي أن يعملوا في صناعتهم، فما رزق اللّٰه فهو بينهم علي التساوي، أو التفاوت» «1».

أمّا حكم شركة الأعمال فمضافاً إلي تصريح العلّامة في التذكرة- بعد ذكر أقسام الشركة الأربعة- ببطلانها، قد صرّح في الشرائع بعدم صحّتها بقوله:

«و لا تصحّ الشركة بالأعمال كالخياطة و النساجة» و قال في المسالك- في ذيل كلام صاحب الشرائع-: «و لا خلاف عندنا في بطلان شركة الأعمال، إلّا من ابن الجنيد» «2». و قال في الجواهر- في ذيل كلام المحقّق-: «بلا خلاف معتدّ به أجده فيه بيننا، بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكي منهما مستفيض أو متواتر» «3».

أمّا ابن الجنيد، فقد حكي عنه العلّامة في المختلف أنّه قال: «لو اشترك رجلان علي أن يعملا عملًا لكلّ واحد منهما فيه منفرداً و أن يكون أيديهما جميعاً في العمل و يقسّم الاجرة بينهما، لم أجز ذلك؛ لأنّ الاجرة عوض

عن عمل، فإذا

______________________________

(1)- تذكرة الفقهاء 2: 219/ السطر 43.

(2)- مسالك الأفهام 4: 307.

(3)- جواهر الكلام 26: 296.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 69

______________________________

لم يتميّز مقدار عمل كلّ واحد منهما لم يأمنْ أن يلحق أحدهما غبن أو أن يأخذ ما لا يستعقد، فإن شاركا الفضل أو تحالا، أو يضمن أحدهما بالعمل ثمّ قسّمه علي الآخر من غير شركة، جاز» «1».

و لكن في دلالة كلامه علي صحّة شركة الأعمال نظر، بل هو علي بطلانه أدلّ، كما ناقش في المسالك «2» في استفادة صحّتها من كلامه.

بل في الجواهر بعد نقل كلامه قال: «و هو كما تري صريح في عدم الجواز، لكنّ في المختلف- بعد أن حكي ذلك عنه- قال: و الوجه البطلان، لنا إجماع الفرقة و خلاف ابن الجنيد غير معتدّ به؛ لانقراضه بحصول الاتّفاق بعده، و لأنّ الأصل عدم الشركة و بقاء حقّ كلّ واحد عليه، و لأنّه غرر عظيم، و لأنّ الشركة عقد شرعي، فيقف علي الإذن فيه، و يمكن أن يريد ما ذكره أوّلًا من شركة الوجوه» «3».

و عليه فلا مخالف في البين من فقهائنا القدماء.

كلام المحقّق الأردبيلي و نقده

و أمّا المتأخّرون، فلم يظهر الخلاف منهم، إلّا المحقّق الأردبيلي؛ حيث إنّه- بعد نقل كلام العلّامة في التذكرة من بطلان غير شركة العنان مطلقاً- ناقش في البطلان بدعوي عدم دليل عليه غير الإجماع. و أنّه لا مانع من صحّته في العقل و الشرع؛ لرجوعه إلي الوكالة أو تمليك المال أو بذل العمل بإزاء مال. و بذلك وجّه تجويز بعض العامّة بعض الأقسام من سائر أنحاء الشركة، غير شركة العنان.

______________________________

(1)- مختلف الشيعة 6: 230.

(2)- مسالك الأفهام 4: 307.

(3)- جواهر الكلام 26: 297.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة،

ص: 70

______________________________

و استنتج من ذلك أنّه إن كان هناك إجماع فهو، و إلّا فلا مانع من الحكم بالصحّة «1».

و التحقيق أنّه يكفي في ردّ دعوي المحقّق الأردبيلي ما ستعرف من أدلّة بطلان شركة الأعمال، فانتظر. و أمّا ما ذكره من التوجيهات، فيرد عليه أنّ الكلام في إيجاد هذه الشركات بنفس عقد الشركة، لا بسائر أسباب الشركة، مع أنّ تمليك المال- الذي لم يوجد بعدُ- من قبيل تمليك المعدوم. و كذا بذله بإزاء العمل.

ثمّ إنّهم لم يفرقوا بين اختلاف نوع العملين و بين اتّحادهما، و لا بين كون الاكتساب من قبيل حيازة المباحات و بين كونه في مال مملوك للغير كخياطة الثوب المملوك للغير؛ نظراً إلي تميّز عمل كلّ واحد منهما ببدنه و تشخّصه.

كلام صاحب المسالك في توجيه بطلان شركة الأعمال

قال في المسالك: «لا فرق في ذلك بين أن يتّفق عملهما؛ بأن يكون كلّ واحدٍ منهما خيّاطاً، أو يختلف بأن يكون أحدهما خيّاطاً و الآخر نجّاراً، و يعمل كلّ واحد منهما في صنعته، و لا بين كون الشركة البدنية في مال مملوك أو تحصيل مال مباح كالاصطياد و الاحتطاب؛ لأنّ كلَّ واحد متميّز ببدنه و منافعه، فيختصّ بفوائده، كما لو اشتركا في مالين و هما متميّزان» «2». و كذا قال في الجواهر «3».

______________________________

(1)- قال قدس سره- بعد نقل كلام العلّامة الظاهر في اتّفاق الأصحاب علي بطلان غير شركة العنان- ما لفظه: «و لا يظهر لنا دليل علي عدم الجواز سوي الإجماع، فإن كان فهو، و إلّا فلا مانع، فإنّه يرجع إلي الوكالة في بعض الامور و تمليك مال في البعض الآخر و بذل نفس و عمل في مقابلة عوض، و لا مانع منه في العقل و الشرع، و لهذا جوّز بعض أقسامها

بعض العامّة». مجمع الفائدة و البرهان 10: 193.

(2)- مسالك الأفهام 4: 307.

(3)- جواهر الكلام 26: 296.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 71

______________________________

و لا يخفي أنّ في تعليل الشهيد لنفي الفرق في بطلان غير شركة العنان بقوله:

«لأنّ كلَّ واحد متميّز ببدنه و منافعه فيختصّ بفوائده، كما لو اشتركا في مالين و هما متميّزان» «1» إشارة إلي أنّ بطلان شركة الأعمال مقتضي القاعدة. و السرّ في ذلك- علي ما يستفاد من قوله المزبور- أنّ المزج الرافع للتمييز شرط في صحّة الشركة العقدية عند الأصحاب بالإجماع، و من هنا لا تصحّ في القيميات. و أنّ شركة الأعمال من قبيل الشركة في الأموال المتميّزة، من القيميات و نحوها من المثليات.

فإنّ قوله المزبور بيانٌ لعدم قابلية اجور الأعمال للمزج الرافع للتمييز.

ثمّ إنّ في نفي الفرق من الجهات المذكورة إشارة إلي ردِّ ما ذهب إليه بعض العامّة من التفصيل بحسب هذه الجهات، كما أشار إليه في المسالك- بعد قوله المزبور-: «و أمّا العامّة، فمنهم من وافقنا علي بطلانها، و منهم من أجازها مطلقاً، و منهم من أجازها مع اتّفاق الصنعتين لا مع اختلافهما، و منهم من أجازها في غير اكتساب المباح» «2».

عمدة ما يمكن الاستدلال به علي بطلان شركة الأعمال

و علي أيّ حال فالعمدة في الاستدلال علي بطلان شركة الأعمال ثلاثة وجوه:

أحدها: إجماع الأصحاب و اتّفاقهم كما قال الشيخ الطوسي: «و شركة الأبدان عندنا باطلة» «3». و إنّه لم يُشر إلي وجه غير الإجماع. و مثله ما سبق نقله من العلّامة

______________________________

(1)- مسالك الأفهام 4: 307.

(2)- نفس المصدر.

(3)- المبسوط 2: 348.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 72

______________________________

و المحقّق و الشهيد و صاحب الجواهر. و أمّا ما يُتراءي في كلمات بعض المتأخّرين و المعاصرين من تعليل

ذلك ببعض الوجوه- كالوجهين الآتيين- لا يضرّ بتعبُّدية الإجماع و كشفه عن رأي المعصوم عليه السلام، بعد عدم اتّكال القدماء- الذين هم الأصل في دعوي هذا الإجماع- إلي وجه غيره.

ثانيها: ما جاء من التعليل في ذيل كلام الشهيد المنقول آنفاً. و قد عرفت بيان المراد منه و تقريب الاستدلال به.

ثالثها: كونها من قبيل تمليك المعدوم. و ذلك لأنّ اجرة العمل إنّما توجد بنفس العمل و لا وجود لها قبل صدور العمل، فهي معدومة حال إنشاء عقد الشركة قبل صدور العمل من طرفي العقد.

و ظاهر كلمات الأصحاب أنّهم أرادوا من شركة الأعمال الشركة في منافع الأعمال بأعيانها- كأُجرة الأعمال- و إيجادها بمجرّد إنشاء عقد الشركة، من دون أن يكون مسبوقاً بتحقّق أحد أسباب الشركة من إجارة و نحوها. و عليه فلا إشكال في بطلانها؛ لرجوعها إلي تمليك المعدوم. و لا دليل من سيرة العقلاء و لا الشرع علي صحّته. و السرّ في بطلانه أنّ العاقد لا يملك المعدوم بالفعل حتّي يملّكه لشريكه.

و قد يناقش في هذا الوجه بأنّ سبب إيجاد المعدوم و منشأ وجوده لو كان تحت قدرة العاقد و ممّا يملكه بالفعل- مثل العمل في المقام- لا مانع من صحّة تمليكه و جواز نقله.

و الجواب: أنّ الدليل- من النصوص و السيرة و الإجماع- إنّما قام علي جواز تمليك ما هو مملوك بالفعل حين إنشاء العقد. و لا دليل علي جواز تمليك ما ليس مملوكاً بالفعل؛ لعدم وجوده في الخارج، و إن كان منشأ وجوده مقدوراً. و إنّ إثبات

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 73

______________________________

سببية سبب النقل شرعاً بحاجة إلي دليل معتبر شرعي.

و أمّا إيجاد الشركة بأحد أسبابها- غير عقد الشركة- أو الشركة في

ذات منفعة العمل- بمعني قابلية العمل للانتفاع به، كما في قابلية الدار للسكني- و لو بمجرّد عقد الشركة، فلا ينبغي الإشكال في صحّته. و من هنا يجوز للأجير أن يوجر نفسه. فإنّ مرجع الثاني إلي شركة الأموال، كما سبقت الإشارة إليه آنفاً، و مرجع الأوّل إلي الشركة غير العقدية، كصنع شي ء أو حفر بئرٍ أو استخراج معدن معاً؛ بحيث يُستند العمل إلي فعلهما كليهما عرفاً.

و لكن جواز إيجاد الشركة في ذات منفعة العمل بعقد الشركة إنّما هو بعد البناء علي عدم اعتبار الامتزاج في شركة الأموال و تحديد زمان العمل. و لا يصحّ بناءً علي اعتبار الامتزاج؛ حيث لا امتزاج في منافع الأعمال؛ لتقوّمها بالأعمال المتميّزة دائماً بتشخُّص فاعلها، فإنّ منفعتها الذاتية هي القوّة غير المنفكّة عن العمل. و قد سبق الكلام في ذلك آنفاً في شركة المنافع.

مقتضي التحقيق بطلان الشركة العقدية في منافع الأعمال مطلقاً؛ سواءٌ كانت المنافع بأعيانها الخارجية كالأُجور، أم كانت بذواتها.

أمّا الشركة العقدية في اجور الأعمال؛ بأن كانت بمجرّد إنشاء عقد الشركة في اجرة العملين، كما فسّرها بذلك السيّد الماتن قدس سره و كذلك في العروة «1»، و هو ظاهر كلمات الفقهاء، فهي باطلة؛ لما سبق من الوجوه الثلاثة.

هذا مضافاً إلي أنّه لا دليل علي صحّتها. و بما أنّ عقد الشركة- كسائر الأسباب الشرعية للنقل و الملك- يحتاج في مملّكيته إلي إمضاء الشارع، فلا بدّ من دليل يدلّ علي إمضائه من الشارع، و هو لم يثبت في الأعمال بالمعني المزبور.

______________________________

(1)- العروة الوثقي 5: 276.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 74

نعم لو صالح أحدهما الآخر بنصف منفعته إلي مدّة- كسنة أو سنتين- علي نصف منفعة الآخر إلي تلك المدّة و

قبل الآخر صحّ، و اشترك كلّ منهما فيما يحصّله الآخر في تلك المدّة بالأجر و الحيازة، و كذا لو صالح أحدهما الآخر عن نصف منفعته إلي مدّة بعوض معيّن- كدينار مثلًا- و صالحه الآخر- أيضاً- نصف منفعته في تلك المدّة بذلك العوض (1).

______________________________

و أمّا إذا كانت بمعني الشركة في ذات منفعة العمل بمعني قابليته للانتفاع، فقد عرفت التفصيل المزبور فيها. و هي في الحقيقة من قبيل شركة الأموال؛ لأنّ مالية الأفعال و الأمتعة إنّما تدور مدار قابليتها للانتفاع، فقابلية الشي ء للانتفاع به قوام ماليته. و لمّا بنينا علي اعتبار الامتزاج في شركة الأموال- كما سيأتي البحث عن ذلك- مقتضي القاعدة بطلان الشركة العقدية في منافع الأعمال، بل في منافع الأموال بهذا المعني أي ذات المنفعة.

و عليه فمقتضي التحقيق بطلان الشركة في المنافع مطلقاً، حتّي في ذات المنافع، بلا فرق في ذلك بين منافع الأعمال و بين منافع الأموال، إلّا في منافع الأموال الممزوجة لو تُصوِّرت بارتفاع قيمة المال الممزوج و نحو ذلك.

بيان صور المصالحة المحقّقة للشركة

(1) 1- لمّا بني السيد الماتن علي منع الشركة في الأعمال و حكم بعدم صحّتها في اجرة الأعمال علي النحو المزبور، صار بصدد تصحيح الشركة في منافع الأعمال علي نحو المصالحة.

و قد صوّر المصالحة علي نحوين:

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 75

______________________________

أحدهما: المصالحة بين الحصّتين علي نحو المعاوضة إلي مدّة معيّنة؛ بأن صالح كلُّ واحد منهما الآخر في حصّة من منفعة عمله، كأن يصالحه بنصف منفعة عمله إلي سنة أو سنتين بإزاء نصف منفعة عمل الآخر إلي نفس تلك المدّة، و قبل الآخر. فيقول أحدهما مثلًا: صالحتك علي أن يكون نصف منفعة عملي لك و نصف منفعة عملك لي إلي سنة

أو سنتين. فتصحّ الشركة في منافع عملهما بالمصالحة فيها علي هذا النحو و يشترك كلّ منهما في نصف ما يكتسبه الآخر من الاجرة و المال المحاز.

ثانيهما: مصالحة الحصّتين بدينار معيّن، كأن يقول أحدهما: صالحتك نصف منفعة عملي بدينار، و قبل الآخر و أعطاه ديناراً. ثمّ يقول الآخر: صالحتك نصف منفعة عملي بنفس ذلك الدينار الذي أعطيته. فيردّ الأوّل نفس ذلك الدينار الذي أخذه منه؛ عوضاً عن نصف منفعة عمل الآخر المصالح عليه.

و لا يخفي أنّ المصالحة بعوض معيّن- من نقد أو غيره- لا يتوقّف علي كون المصالح عليه نفس ذلك العوض الذي أعطاه أحدهما، بل تصحّ أيضاً بعوض آخر غير ذلك العوض، فتعطي نتيجة الشركة في المنافع بالمآل، كما لا فرق أيضاً بين كون العوضين متساويين في الجنس و المقدار و بين كونهما مختلفين في ذلك.

نعم هذا النوع من المصالحة- أي بنفس ذلك الدينار- أخفّ مئونة من غيره؛ حيث لا يستلزم خروج مال من كيس واحد من الشريكين، بل يرجع العوض المعطي إلي كيس صاحبه الذي أعطاه أوّلًا.

و هاهنا صورة ثالثة للمصالحة صوّرها السيد الحكيم «1»، و هي المصالحة

______________________________

(1)- راجع مستمسك العروة الوثقي 13: 16.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 76

______________________________

علي نحو المعاوضة بين التمليكين. بأن يقول أحدهما: صالحتك علي أن تملك حصّة من مالي بإزاء أن أملك حصّةً من مالك. و لكن المصالح عليه حينئذٍ تمليك كلٍّ منهما حصّةً من ماله للآخر. و لا بدّ من تعيين الحصّة و المدّة لئلّا يلزم الغرر.

و عليه لا بدّ أن يقول أحدهما مثلًا: صالحتك علي أن تملك نصف منفعة عملي إلي سنة بإزاء أن أملك نصف منفعة عملك إلي نهاية نفس تلك السنة.

و اتّضح لك

بما أشرنا إليه- من دفع محذور الغرر- وجه تعيين الحصّة و المدّة في كلام السيد الماتن قدس سره.

وجه تصحيح شركة الأبدان بالمصالحة

و الوجه في صحّة عقد الصلح بالكيفيات المزبورة، دون عقد الشركة، أنّه لا يعتبر المزج في عقد الصلح، بخلاف عقد الشركة. فإنّ المزج معتبر في صحّته مع أنّ المنافع غير قابلة للامتزاج. فإذا صحّ عقد الصلح تتحقّق الشركة لا محالة؛ لأنّ المصالحة بإحدي الكيفيات المزبورة ينتج نتيجة الشركة، كما عرفت في بيان الصور المزبورة. و قد صرّح السيد الحكيم بهذا الوجه- بعد تصوير الصور المزبورة للمصالحة-: «كلّ ذلك لعدم اعتبار المزج في هذه العقود بخلاف الشركة، فإنّ إنشاءها لا يصحّ إلّا بالمزج، علي ما سيأتي بيانه، و لا يمكن ذلك في المنفعة» «1».

و إنّ الشركة الحاصلة بالمصالحة ليست بعقد الشركة، إلّا أنّها حاصلة بعقد شرعي؛ من مصالحة كما عرفت الآن، أو هبة معوّضة، بأن يهب أحدهما نصف منفعة

______________________________

(1)- مستمسك العروة الوثقي 13: 16.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 77

______________________________

عمله للآخر بدينار، ثمّ يهب له الآخر نصف منفعة عمله بنفس ذلك الدينار، أو بدينار آخر فتنتج الهبة بهذا النحو نتيجة الشركة في المنافع، بلا اعتبار شرائط عقد الشركة. و كذا لو آجر اثنان نفسهما بعقد واحد لعمل واحد بأُجرة معيّنة، فتكون الاجرة الحاصلة مشتركةً بينهما. و لكن ذلك كلّه ليس من قبيل الشركة العقدية، بل إنّما ينتج نتيجتها علي نحو الشركة في الأموال، لا الأعمال، كما أنّها ليست بعقد الشركة، و إن حصلت بعقد شرعي.

و أمّا وجه عدم إمكان تحقّق الامتزاج في المنافع، فقد عرفت تفصيلًا في البحث عن حكم الشركة العقدية في المنافع؛ هذا.

مقتضي التحقيق في المقام

و لكن مقتضي التحقيق بطلان المصالحة في المقام بأيّ نحو. و ذلك لرجوعها إلي تمليك المعدوم؛ حيث إنّ اجرة العمل- التي هي المقصود من منفعة العمل في باب شركة

الأعمال- لا وجود لها في الخارج حين المصالحة. و نصوص مشروعية المصالحة إنّما وردت في المصالحة بين الأموال الموجودة.

و أمّا المنفعة بمعني ذاتها أي قابلية العمل للانتفاع، فإنّها و إن كانت موجودة حين المصالحة، إلّا أنّها خارجة عن مقصود الفقهاء من شركة الأبدان؛ لأنّها في اصطلاحهم إنّما هي في اجور الأعمال التي هي عين المنفعة، لا ذاتها التي هي قابلية العمل للنفع و بها قوام مالية العمل.

و هل يمكن إيجاد الشركة فيها بالمصالحة و نحوها من العقود الشرعية، غير عقد الشركة؟ مقتضي التحقيق جواز ذلك و صحّة الشركة الحاصلة فيها. و ذلك لأنّ ذات المنفعة و إن كانت متقوّمة بنفس العمل بل أثره القهري الذي لا ينفكّ

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 78

______________________________

عنه، و أنّ العمل و إن كان غير موجود بالفعل حين إنشاء المصالحة، و ذات المنفعة التي أثره معدومة طبعاً، و تمليك المعدوم غير جائز، إلّا أنّ عمل كلّ شخص في قوّة الموجود؛ لفرض قدرته عليه في كلّ آنٍ أراد إيجاده. و من هنا يعتبره العقلاء مالًا قبل صدوره، كما في باب إجارة الأعمال. فإنّ العقلاء يحكمون بصحّة إجارة الأشخاص، كإجارة الحمّال و البنّاء و الخيّاط و النجّار. فإنّ إجارتهم تصحّ و تتمّ قبل صدور أعمالهم- التي هي متعلّق الإجارة- في الخارج. و قد أمضاها الشارع، و لم يُفت أحدٌ هناك باشتراط تحقّق العمل من الأجير حين إنشاء الإجارة في صحّتها، بل يرونها صحيحة تامّة قبل تحقّق العمل منه. و لذلك يُلزمونه علي العمل بعد عقد الإجارة، وفاءً له بالعقد، فلو لم يصحّ لم يجب الوفاء به.

فكذلك في المقام. فالمصالحة علي الأعمال بهذا المعني- أي علي ذات منافعها، لا علي اجورها-

من قبيل الإجارة علي الأعمال من هذه الجهة؛ أي عدم اشتراط تحقّق العمل و وجود منفعته حين إنشاء العقد، في صحّة المصالحة و الإجارة.

و علي أيّ حال فالمصالحة بأحد الوجوه الثلاثة المزبورة، بالمعني المقصود في المقام- و هو تمليك كلّ واحد حصّة من اجرة عمله بإزاء تمليك الآخر له حصّة من اجرة عمله- باطلة؛ لرجوعها إلي تمليك المعدوم. فلا تصحّ لإنتاج نتيجة شركة الأعمال. و أمّا بمعني تمليك حصّة من ذات منفعة العمل، تصحّ لما قلناه و تفيد بالمآل الشركة في اجرة العملين- التي هي نتيجة شركة الأبدان- لأنّها وجود ذات المنفعة في الخارج. لكنّها إنّما تصحّ لو لا إشكال كون العوضين ما في الذمّة، و إلّا فلا مناص من تعيُّن الحيلة في المصالحة بين الحصّتين بدينار، أو أيّ عوض موجود.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 79

و لا تصحّ- أيضاً- شركة الوجوه (1). و أشهر معانيها- علي المحكيّ- أن يوقع العقد اثنان وجيهان عند الناس- لا مال لهما- علي أن يبتاع كلّ منهما في ذمّته إلي أجل، و يكون ذلك بينهما، فيبيعانه و يؤدّيان الثمن، و يكون ما حصل من الربح بينهما. و لو أرادا حصول هذه النتيجة بوجه مشروع، وكّل كلّ منهما الآخر في أن يشاركه فيما اشتراه؛ بأن يشتري لهما و في ذمّتهما، فيكون- حينئذٍ- الربح و الخسران بينهما.

______________________________

شركة الوجوه

(1) 1- يقع الكلام أوّلًا في تعريفها، ثمّ في حكمها.

أمّا التعريف: فقد عرّفها العلّامة في التذكرة بقوله: «و أمّا شركة الوجوه فقد فسّر بمعان أشهرها أن يشترك اثنان وجيهان عند الناس لا مال لهما، ليبتاعا في الذمّة إلي أجل علي أنّ ما يبتاعه كلّ واحد منهما يكون بينهما، فيبيعاه و يؤدّيا الأثمان،

فما فضل فهو بينهما.

و قيل: أن يبتاع وجيه في الذمّة و يفوّض بيعه إلي خامل، و يشترطا أن يكون الربح بينهما.

و قيل: أن يشترك وجيه لا مال له. و خامل ذو مال ليكون العمل من الوجيه و المال من الخامل، و يكون المال في يده لا يسلّمه إلي الوجيه، و الربح بينهما.

و قيل: أن يبيع الوجيه مال الخامل بزيادة ربح، ليكون بعض الربح له» «1».

و قد عرفت من السيد الماتن قدس سره أنّ ما جاءَ في كلامه من التعريف ينطبق علي

______________________________

(1)- تذكرة الفقهاء 2: 220/ السطر 3؛ و نقله أيضاً في الحدائق الناضرة 21: 159.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 80

______________________________

أشهر تعاريف شركة الوجوه، كما جاء في كلام العلّامة. و لا فرق بينه و بين سائر التعاريف، إلّا في بعض خصوصيات لا أثر له في حكمها. و الخامل من لا وجاهة و لا نباهة و لا مال له.

و قد صرّح في المسالك «1» و الجواهر «2» أنّ التعريف المزبور هو أشهر معاني شركة الوجوه.

و الوجه في اشتهار هذا المعني- مضافاً إلي كونه أنسب إلي صيغة الجمع في الوجوه؛ لظهوره في كون طرفي هذه الشركة وجيهاً فإنّ شركة الوجيه و الخامل ليست بين الوجهين أو الوجوه- أنّ في ضوء وجاهة عدّة وجوه يمكن تهيئة رأس مال أكثر لإيجاد الشركة و هو مستلزم لتحصيل ربح أكثر طبعاً؛ ضرورة أنّ ما يوجد لوجيه واحد من منابع تأمين رأس المال أقلّ ممّا يوجد لعدّة وجوه. و أيضاً ما يتحمّله كلُّ واحد من الشركاء المتعدّدين أقلّ ممّا يتحمّله شخصان شريكان، و من أجل ذلك يكون رغبة العقلاء إلي الشركة بين عدّة وجوه أكثر من الشركة بين وجيه و

خامل. و لعلّ ما ذكرناه من المناسبة اللفظية و الرغبات العقلائية منشأ اشتهار هذا المعني.

و أمّا حكمها: فلا خلاف بين فقهاء الشيعة في بطلانها، إلّا ابن الجنيد. و من العامّة جوّزها أبو حنيفة بجميع معانيها.

و قد ردّه العلّامة في المختلف بقوله: «لنا إجماع الفرقة، و خلاف ابن الجنيد غير معتدّ به؛ لانقراضه و حصول الاتّفاق بعده، و لأنّ الأصل عدم الشركة و بقاء

______________________________

(1)- مسالك الأفهام 4: 308.

(2)- جواهر الكلام 26: 298.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 81

______________________________

حقّ كلّ واحد عليه، و لأنّه ضررٌ عظيم، و لأنّ الشركة عقد شرعي يتوقّف علي الإذن فيه» «1».

و نظيره ما قال في المفتاح- بعد نقل اتّفاق فقهاء الشيعة و إجماعهم علي بطلانها-: «و الحجّة علي بطلانها- بعد الإجماع- الأصل و الغرر و الضرر، و أنّه عقد يتوقّف علي الإذن» «2».

أمّا الإجماع، فمن البعيد كونه إجماعاً تعبّدياً كاشفاً عن رأي المعصوم عليه السلام بما هو إجماعٌ. و ذلك لاستدلال مدّعي الإجماع بالأصل و نفي الغرر و الضرر.

و أمّا الأصل، فالمقصود ظاهراً عموم حرمة التصرّف في مال الغير؛ حيث لا مُخرج عنه من نصّ شرعي يدلّ علي جواز هذا العقد. و يمكن أن يراد به أصالة عدم انتقال مال كلٍّ من الطرفين إلي ملك الآخر بغير سبب شرعي ثابت بدليل شرعي من نصّ أو إجماع؛ حيث لا نصّ يدلّ علي جواز هذا النوع من الشركة. و أمّا الإجماع فهو علي بطلانها متحقّق، لا علي جوازها.

و أمّا أدلّة نفي الغرر و الضرر، فالوجه في دلالتها علي بطلان شركة الوجوه، الجهل بأصل المال المتّجر به و مقداره و قابليته للاسترباح.

هذا مضافاً إلي ما سبق آنفاً من الاستدلال علي بطلان شركة الأعمال،

من أنّ مرجع الشركة- مطلقاً أيّ نوع منها- إلي تمليك كلٍّ من الشريكين ماله لصاحبه.

و أنّ تمليك المال و نقله إلي ملك الغير بحاجة إلي سبب شرعي، و لو بامضاء السبب العرفي.

و لم يرد دليل من الشارع يدلّ علي مشروعية هذا النوع من الشركة، بل

______________________________

(1)- مختلف الشيعة 6: 230.

(2)- مفتاح الكرامة 7: 393.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 82

و لا تصحّ- أيضاً- شركة المفاوضة (1)، و هي أن يعقد اثنان علي أن يكون كلّ ما يحصل لكلّ منهما- من ربح تجارة، أو فائدة زراعة، أو اكتساب، أو إرث، أو وصية، أو غير ذلك- شاركه فيه الآخر، و كذا كلّ غرامة و خسارة ترد علي أحدهما تكون عليهما. فانحصرت الشركة العقديّة الصحيحة بشركة العنان.

______________________________

مقتضي إطلاقات النصوص و عموماتها و القواعد الشرعية و فتاوي الأصحاب بطلانها.

نعم، لو وكَّل كلُّ واحدٍ منهما صاحبه في أن يشاركه فيما اشتراه؛ بأن يشتري المتاع لهما و في ذمّتهما، يكون ذلك مشروعاً و يكون الربح و الخسران بينهما. و لا يعتبر في ذلك التصريح اللفظي بقوله مثلًا: «اشتريت هذا المتاع لنفسي و لموكّلي»، بل يكفي مجرّد نيّة الشراء لهما. كما هو مقتضي القاعدة في باب الوكالة. و إنّ التوكيل بهذا النحو ينتج نتيجة شركة الوجوه كما أشار إليه السيد الماتن، إلّا أنّه ليس بعقد الشركة.

شركة المفاوضة

(1) 1- عرّفها العلّامة في التذكرة بقوله: «و أمّا شركة المفاوضة، فهي أن يشتركا ليكون بينهما ما يكتسبان و يربحان و يلتزمان من غرم و ما يحصل لهما من غنم، فيلزم كلَّ واحد منهما ما يلزم الآخر، من أرش جناية، و ضمان غصب، و قيمة متلف، و غرامة لضمان أو كفالة، و يقاسمه فيما يحصل

له من ميراث، أو يجده من ركاز أو لقطة، أو يكسبه. شركة المفاوضة أن يكون مالُهما- من كلّ شي ءٍ يملكانه- بينهما» «1».

______________________________

(1)- تذكرة الفقهاء 2: 220/ السطر 1؛ انظر الحدائق الناضرة 21: 159.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 83

(مسألة 6): لو آجر اثنان نفسهما بعقد واحد لعمل واحد بأُجرة معيّنة، كانت الاجرة مشتركة بينهما

اشارة

(1).

______________________________

و هذا التعريف لا يفترق عن تعريف السيد الماتن، إلّا في بعض الألفاظ من غير تغيير في المعني. و كذلك في المسالك «1» و الجواهر «2» و غيرهما.

و هي باطلة باتّفاق فقهائنا الخاصّة. و قد عرفت آنفاً ما نُقل من الإجماع علي بطلان غير شركة العنان في كلمات الأصحاب و لا مخالف إلّا ما يوهمه كلام ابن الجنيد و المحقّق الأردبيلي و قد عرفت آنفاً ما يستفاد من كلامهما.

و الدليل علي بطلانها نفس الوجوه المستدلّ بها علي بطلان شركة الوجوه، بل هي علي بطلان هذه الشركة أوضح دلالةً و أقوي.

و عليه لا دليل علي صحّة أنحاء الشركة العقدية غير شركة العنان، فانحصرت الشركة العقدية الصحيحة في شركة العنان.

الشركة فيما حصل بعمل مشترك

(1) 1- يقع الكلام في هذه المسألة من جهات:

الاولي: صحّة مثل هذه الإجارة، و عدم إضرار الجهل بمقدار حصّة كلّ من الأجيرين- حين إنشاء العقد- في صحّته.

الثانية: كون هذه الشركة من قبيل شركة الأموال، لا من قبيل شركة الأعمال، رغماً لإنشاء عقد الإجارة في مفروض هذه المسألة علي عمل الأجير.

______________________________

(1)- مسالك الأفهام 4: 309.

(2)- جواهر الكلام 26: 298.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 84

______________________________

الثالثة: بيان وجه اشتراك الاجرة أو الشي ء المحاز بين العاملين و كيفية تقسيمها بينهما.

لا يضر الجهل بالحصّة في صحّة هذه الإجارة

أمّا الجهة الاولي: فتصحّ هذه الإجارة بمقتضي القاعدة؛ لأنّها راجعة إلي تمليك ذات منفعة العمل- بمعني قابليته للانتفاع به- بإزاءِ الاجرة. و قد ثبت صحّتها بالنصوص المتواترة و الإجماع و الضرورة، و لا كلام في ذلك.

و إنّما الكلام في أنّ الجهل بحصّة كلٍّ من العاملين هل يضرّ بصحّتها؛ نظراً إلي لزوم الغرر و الضرر من ذلك، أم لا؟

و قد صرّح في الشرائع بتحقّق الشركة بذلك

بقوله: «نعم، لو عملا معاً لواحد بأُجرة و دفع إليهما شيئاً واحداً و عوضاً عن اجرتهما تحقّقت الشركة في ذلك الشي ء» «1».

و قال في العروة: «لو استأجر اثنين لعمل واحد بأُجرة معلومة صحّ، و كانت الاجرة مقسَّمة عليهما بنسبة عملهما. و لا يضر الجهل بمقدار حصّة كلٍّ منهما حين العقد، لكفاية معلومية المجموع» «2».

و علّل في الجواهر صحّة هذه الإجارة و جواز الشركة هذه بقوله: «و حينئذٍ فلا إشكال في جوازها، من غير فرق بين اختلاف عملهما و اتّفاقه، و لا بين علمهما بنسبة أحد العملين إلي الآخر و عدمه؛ لأنّ الاعتبار في الصفقة بالعلم بعوض المجموع، لا الأجزاء، و اجرة المجموع هنا معلومة» «3».

______________________________

(1)- جواهر الكلام 26: 297.

(2)- العروة الوثقي 5: 277.

(3)- جواهر الكلام 26: 297- 298.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 85

______________________________

و حاصل التعليل أنّ المعتبر في صحّة البيع و مشروعيته علم المتعاقدين بمجموع العوض الواقع بإزاءِ مجموع المعوّض، لا بآحاد أجزائه. و كذلك في المقام؛ حيث إنّ المعوّض منفعة مجموع العملين، و بإزائها تدفع الاجرة، لا بإزاء منفعة كلّ واحدٍ من العملين علي حدة. و اجرة المجموع معلومة في مفروض الكلام.

و قد أشكل بعض الأعلام «1» علي التعليل المزبور بما يتحصّل في جهتين:

إحداهما: أنّ قياس المقام بالصفقة في البيعة- كما قال في الجواهر- مع الفارق.

و ثانيتهما: لزوم الغرر لو وقعت الإجارة مبنيّة علي توزيع الاجرة بنسبة العملين.

أمّا الجهة الاولي: فبيانها أنّ المقام لا يقاس بالبيع؛ حيث إنّ الجهل بما يقابل كلّ جزءٍ من الثمن لا يقدح في صحّة البيع و يكفي العلم بمجموع المبيع و مجموع الثمن. و ذلك لأنّ البيع فعل واحد صادر من بائع واحد لمشترٍ واحد متعلّق

بمجموع شيئين بثمن واحد، فكلٌّ من البائع و المشتري و المبيع و الثمن معلوم، غاية الأمر أنّ جزءَ كلٍّ منهما الواقع بإزاءِ جزءِ الآخر مجهول، و هو غير قادح بعد علم كلٍّ من البائع و المشتري بمقدار ما يملكه بإزاءِ ما يدفعه.

و هذا بخلاف المقام؛ لأنّ المملوك لكلٍّ من المستأجر و الأجيرين مجهولٌ.

فإنَّ المستأجر لا يعلم بمقدار ما يملكه في ذمّة كلّ واحد من الأجيرين، كما أنّ كلّ واحد منهما لا يعلم بما يملكه في ذمّة المستأجر. و السرّ في ذلك أنّ الإجارة إذا وقعت مع الأجيرين تكون في الحقيقة بمنزلة إجارتين. و من هنا لا يكفي معلومية مقدار مجموع العمل، بل لا بدّ من علم المستأجر بمقدار ما يُملّكه كلُّ واحد من الأجيرين للمستأجر من منفعة العمل، كما لا بدّ من علم كلّ واحد منهما بمقدار ما

______________________________

(1)- المباني في شرح العروة الوثقي 31: 192- 195.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 86

______________________________

يملّكه المستأجر لكلّ واحدٍ منهما من الاجرة.

و عليه فقياس المقام ببيع الصفقة مع الفارق. و بهذا التوجيه فرّق هذا العَلَم بين المقامين و حكم ببطلان الإجارة في مفروض الكلام بمقتضي القاعدة.

ثمّ إنّه قدس سره صار بصدد تصحيح الإجارة في المقام، بتوجيه: أنّ المنصرف عرفاً من إجارة شخصين لعمل واحد بأُجرة واحدة، إرادة تنصيف الاجرة بينهما.

فمرجعها إلي إجارة كلٍّ منهما بإزاء نصف الاجرة. و من هنا يكون اجرة كلٍّ منهما معلومة لكلّ من المستأجر و الأجير. و لا يُعتني بزيادة عمل أحدهما عن عمل الآخر.

و أمّا الجهة الثانية: لو وقعت الإجارة مبنيّةً علي توزيع الاجرة بينهما بنسبة العملين بطلت؛ للجهل بمقدار ما يملِّكه كلّ من المستأجر و الأجيرين للآخر. و لا يكفي العلم

بالمجموع في مثل المقام؛ نظراً إلي انحلاله إلي عقدين. هذا تحرير كلام هذا العَلَم في المقام.

و فيه: أنّ اعتبار العلم بمقدار اجرة كلِّ واحد من الأجيرين و كذا مقدار منفعة عمل كلّ منهما في مفروض الكلام، لا وجه له، إلّا لزوم الغرر و الضرر الناشئين من الجهل بذلك.

و مقتضي التأمّل و الإنصاف عدم لزوم الغرر و الضرر بعد ما كان مجموع الاجرة معلوماً، سواءٌ كانت الشركة بينهما علي التنصيف، أو كانت بنسبة عمل كلٍّ منهما إلي مجموع العملين، كما يرتفع الغرر بمعلومية نسبة ما يستحقّه كلٌّ من المالك و العامل من الربح في المضاربة. و كذا في المقام إذا كانت الشركة بعقد الجعالة، كما اعترف به هذا العَلَم في المقام «1». و السرّ في ذلك أنّ العلم بنسبة سهم كلّ واحد من طرفي أو أطراف العقد رافع للغرر عند العقلاء.

______________________________

(1)- المباني في شرح العروة الوثقي 31: 194.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 87

______________________________

و أمّا دعوي انحلال عقد الإجارة في مثل المقام إلي إجارتين و جعل ذلك ملاك الفرق بين المقام و بين صفقة البيع، فهي غير وجيهة، بعد تباني المستأجر و الأجيرين علي وقوع مجموع العملين بعنوان عمل واحد بإزاء مجموع الاجرة. بل لا فرق بين المقام و بين الصفقة في البيع من هذه الجهة، بل حتّي لو كان منصرف الإجارة في مفروض الكلام إرادة توزيع الاجرة بين العاملين نصفين متساويين، لا تنحل الإجارة إلي إجارتين لما قلنا، من تباني الأجيرين علي كون مجموع العملين- بعنوان عمل واحد- معوّضاً. و عليه فمقتضي التحقيق في المقام صحّة الإجارة.

هذه الشركة من قبيل الشركة في الأموال لا الأبدان

أمّا الجهة الثانية: و هي أنّ الشركة في مفروض الكلام من قبيل الشركة في الأموال، لا

الشركة في الأعمال كما لعلّه يوهمه جمع العملين و وقوعهما لمستأجر واحد.

و الوجه في ذلك أنّ الأجيرين إنّما يستحقّان و يملكان اجرة عملهما بعقد الإجارة علي وجه الشركة. و هي تصير بذلك مالًا لهما و بحاجة إلي التقسيم و التفكيك. ففي الحقيقة تكون الشركة في الأموال، لا الأعمال.

و قد سبق أنّ الشركة في الأعمال هي متحقّقة بعقد الشركة، مبنيّاً علي كون اجرة عمل كلٍّ من المتعاقدين مشتركاً بينهما، قبل أن يكون هناك أيّ سبب شرعي للشركة. و ليس المقام من قبيل ذلك؛ حيث لم تتحقّق شركة بعقد الشركة قبل عقد الإجارة، بل إنّما الشركة حصلت بعقد الإجارة للأجيرين اللّذين هما أحد طرفي العقد.

و إنّما اعتُبرت الاجرة هاهنا مالًا بخلافها في شركة الأعمال؛ لأنّ الاجرة هاهنا دخلت في ملك الأجير بسبب ناقل شرعي- و هو عقد الإجارة- فصارت مالًا.

و هذا بخلاف شركة الأعمال؛ حيث لم يتحقّق هناك سببٌ ناقل لتصير

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 88

______________________________

الاجرة مالًا بدخولها في ملك الأجير.

و الحاصل: أنّ في المقام بعد ما تملّك الأجيران الاجرة بعقد الإجارة و صارت مالًا لهما، تحقّقت الشركة بينهما في مالهما، من دون أن تتحقّق بعقد الشركة. و قد سبق أنّ الشركة في الأموال قد تتحقّق بسبب عقد من العقود من بيع شيئين بثمن واحد، أو شراءِ مال لأنفسهما مشتركاً أو هبة شخص ماله إيّاهما، أو إجارة كما نحن فيه، و غير ذلك من العقود، و استشهدنا لذلك ببعض النصوص.

و هذا النوع من الشركة في الأموال ليس من قبيل عقد الشركة. و عليه فالشركة في الأموال أعمّ من المتحقّق بعقد الشركة و بعقد من العقود. و لكن الشركة في الأعمال إنّما تتحقّق بنفس عقد

الشركة- كما سبق في تعريفها؛ بأن يقولا اشتركنا في اجرة أعمالنا. و ذلك قبل أن يتحقّق عقد من العقود.

و يشهد لما قلنا ما قال صاحب الجواهر- في ذيل كلام صاحب الشرائع السابق آنفاً-: «إلّا أنّها ليست من شركة الأعمال، بل هي من شركة الأموال نحو ما لو آجر كلّ منهما نفسه منفرداً، ثمّ أدّي المستأجر إليهما مالًا مشتركاً، فإنّ الشركة في المال خاصّة قطعاً» «1».

و ما قال في مفتاح الكرامة في ذيل كلام العلّامة: «و هذه و إن اشتبهت شركة الأبدان بحسب الصورة، لكنّها في الواقع راجعة إلي شركة الأموال» «2».

هذا، و لكن ليست هذه الشركة من قبيل عقد الشركة؛ لعدم إيجاد الشركة بعقدها، بل بعقد آخر و هو عقد الإجارة. فليست بعقد الشركة، و إن كانت سبب إيجادها عقد الإجارة في الصورة الاولي، و الحيازة في الصورة الثانية.

______________________________

(1)- جواهر الكلام 26: 297.

(2)- مفتاح الكرامة 7: 398.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 89

______________________________

وجه اشتراك الأجيرين في الاجرة و كيفية تقسيمها

و أمّا الجهة الثالثة: و هي وجه اشتراك الاجرة، فقد تبيّن ممّا قلناه آنفاً، و هو تبانيهما و التزامهما بكون مجموع عملهما- بعنوان عمل واحد- معوّضاً بإزاء مجموع الاجرة المدفوعة، بل انشئَ العقد مبنيّاً علي ذلك. و عليه فيستحقّان الاجرة علي وجه الاشتراك.

و أمّا كيفية تقسيم الاجرة بينهما، فمقتضي التحقيق و المساعد لفهم أهل العرف في المقام أنّه لو كانت هناك قرينة توجب ظهور كلام المتعاقدين في تقسيم الاجرة بنسبة العملين تُؤخذ بها، و إلّا تُقسّم الاجرة بينهما نصفين. و ذلك لانصراف الإنشاء إليه في مثل المقام عند الإطلاق و عدم القرينة.

و حاصل الكلام: أنّ مقتضي القاعدة التنصيف بينهما عند إطلاق عقد الإجارة و عدم وجود قرينة صارفة.

و عليه فلو

كانت هناك قرينة صارفة إلي التقسيم بنسبة العملين كمّاً و كيفاً، تؤخذ بها و تقسّم الاجرة حينئذٍ بينهما بحسب ذلك. و تلك القرينة إمّا لفظية بتعيين سهم كلّ منهما بالكسر المشاع، أو قرينة عرفية، كاستقرار عادة أهل العرف علي إعطاء الاستاذ ضعف اجرة التلميذ. و أمّا إذا لم تكن هناك قرينة علي التقسيم بالنسبة تُقسَّم الاجرة بينهما نصفين.

هذا، و لكن يظهر من جماعة من الفقهاء تقسيم الاجرة بين الأجيرين بنسبة عمل كلّ واحد منهما إلي مجموع العملين. قال العلّامة في القواعد: «و لو باعا بثمن واحد أو عملا بأُجرة واحدة ثبتت الشركة، تساوت القيمتان أو اختلفتا و لكلّ منهما بقدر النسبة من القيمة» «1».

______________________________

(1)- قواعد الأحكام 2: 326.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 90

و كذا لو حاز (1) اثنان معاً مباحاً، كما لو اقتلعا معاً شجرة، أو اغترفا ماءً دفعة بآنية واحدة، كان ما حازاه مشتركاً بينهما. و ليس ذلك من شركة الأبدان حتّي تكون باطلة. و تقسم الاجرة و ما حازاه بنسبة عملهما، و لو لم تُعلم النسبة فالأحوط التصالح.

______________________________

و قال في جامع المقاصد: «و طريق معرفة حقّ كلّ منهما من مجموع الثمن و الاجرة، نسبة قيمة مال أحدهما أو عمله إلي مجموع القيمتين، و اخذ بتلك النسبة من الثمن و الاجرة» «1». و اختار ذلك في العروة، كما سبق نقل كلامه آنفاً.

و هذا موافق لما صرّح به السيد الماتن قدس سره في ذيل هذه المسألة بقوله: «و تقسّم الاجرة و ما حازاه بنسبة عملهما». و لكن مقتضي القاعدة ما قلناه. فلو كان مقصودهم التقسيم بالكسر المشاع المعيّن في مجلس العقد لفظاً أو بقرينة قطعية أو غالبية عرفية بحيث تعطي الظهور لإنشاء

العقد، فلا بأس به، و إلّا لا يمكن الالتزام به؛ لعدم إمكان تعيين حدّ و لا ضابطة في تحديد مقدار النسبة في الموارد المختلفة بما لها من الخصوصيات الجزئية.

حكم حيازة شخصين شيئاً واحداً

(1) 1- كلُّ ما سبق كان في إجارة اثنين، و الكلام هاهنا في حيازة اثنين شيئاً واحداً، كما لو اقتلعا شجرةً أو اغترفا ماءً بآنية واحدة أو اصطادا بشبكة واحدة أو حفرا بئراً أو أحييا أرضاً معاً. و مقتضي القاعدة هاهنا أيضاً تحقّق الشركة في الحيازة و صحّتها و عدم كونها من شركة الأبدان.

______________________________

(1)- جامع المقاصد 8: 18.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 91

______________________________

و أمّا تحقّق الشركة و صحّتها، فالوجه فيه اشتراك سبب الملك، الذي هو العمل. و لا دخل لقصد الشركة بعد ما كان كلٌّ من المحاز و سبب تملّكه واحداً؛ لصدوره منهما معاً. فلا يرد الإشكال حينئذٍ بعدم قبول الحيازة، النيابة و الوكالة. نعم لو كان لكلّ منهما حيازة مقدار من الأرض أو بئر علي حدة، أو ماءٍ بآنية اخري غير ما اغترف به الآخر، لا وجه للشركة؛ نظراً إلي تعدد كلٍّ من المحاز و الفعل المحاز الذي هو سبب الملك. فيختصّ حينئذٍ كلُّ محاز بحائزه، بخلاف ما لو عُدّ فعلهما عملًا واحداً مشتركاً عرفاً لوحدة الشي ء المحاز، كالأمثلة المزبورة. فتحصّل أنّ وجه اشتراكهما في المحاز في مفروض الكلام وحدة المحاز عرفاً، بل و اتّحاد عملهما يدور مدار وحدة المحاز عرفاً.

و أمّا إذا كان عمل الحيازة متعدّداً في نظر العرف، و لو باعتبار تعدُّد ما حازه العاملان، وقع الكلام في أنّه هل تحصل لهما الشركة في المحازين إذا كان حيازة كلٍّ منهما بقصد كون نصف ما حازه للآخر نيابةً عنه حتّي يفيد

الشركة؛ نظراً إلي البناء علي كون الحيازة ممّا تقبل النيابة و الوكالة أم لا؛ للبناء علي عدم قبولها النيابة؟

و علي الصورة الثانية ينبغي حمل كلام صاحب الشرائع في قوله: «لكن الأشبه في الحيازة اختصاص كلّ واحد بما حازه». و من هنا استدركه بقوله: «نعم لو اقتلعا شجرة أو اغترفا ماءً دفعةً تحقّقت الشركة».

و يشهد لذلك تعليل صاحب الجواهر الاختصاص المزبور بقوله: «لأصالة عدم دخوله في ملك الغير حتّي مع النيّة؛ لعدم ثبوت قبول مثله النيابة، فضلًا عمّا إذا لم ينو، فإنّه لا وجه له، إلّا علي جواز شركة الأبدان المعلوم بطلانها عندنا» «1».

و قد عرفت أنّ شركة الأبدان هي الشركة في اجرة الأعمال الحاصلة بعقد

______________________________

(1)- جواهر الكلام 26: 290.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 92

______________________________

الشركة، من دون حصولها بسبب شرعي كالإجارة و الحيازة. و عليه فينبغي أن يكون مقصوده من الاستثناء؛ أنّه لا وجه لذلك، إلّا بناءً علي حصول الشركة في الاجرة أو المحاز بنفس عقد الشركة.

ثمّ إنّه قدس سره لمّا بني علي عدم قبول الحيازة النيابة، اعترض علي صاحب المسالك بقوله: «و من ذلك يعلم ما في المسالك من أنّه ينبغي أن يستثني من ذلك ما لو كان عمل كلٍّ بنيّة الوكالة لصاحبه في تملّك نصف ما يحوزه، فإنّه حينئذٍ يتوجّه الاشتراك؛ لأنّ ذلك ممّا يقبل النيابة» «1». هذا.

مقتضي التحقيق في المقام

و لكنّ الأقوي أنّ الحيازة تقبل النيابة. و الوجه في ذلك استقرار السيرة العقلائية علي ذلك؛ إذ يوكّلون الغير في الحيازة و الإحياء، و أيضاً يستأجرون الأشخاص لحيازة الأشياء في البرّ و البحر. و إنّهم يحوزون للمستأجرين و الموكّلين.

و لم يرد من الشارع ما يردع عن ذلك.

و أمّا ما اشتهر في ألسنة الفقهاء،

من أنّ: «من حاز شيئاً ملكه» ليس من لفظ النصّ لكي يؤخذ بإطلاقه. و إنّما ورد النصّ في موارد خاصّة، مثل الإحياء و أخذ الطائر المالك لجناحيه. و علي أيّ حال فهذا التعبير محمول علي حيازة الحائز لنفسه. فالمعني المقصود أنّ من حاز شيئاً لنفسه يملكه.

فالحقّ في المقام مع صاحب المسالك. و لا يرد عليه إشكال صاحب الجواهر. و اتّضح بذلك أنّه إذا تعدّد عمل الحيازة عرفاً يجوز إيجاد الشركة في الشي ء المحاز بقصد كلّ منهما نيابة صاحبه في نصف ما يحوزه. و أنّ الشركة هذه

______________________________

(1)- نفس المصدر.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 93

______________________________

من قبيل شركة الأموال؛ إذ لم يعقدا علي كون اجرة عمل كلِّ منهما مشتركاً بينهما حتّي تكون من قبيل شركة الأبدان، بل إنّما أوجدا سبب ملكية شي ءٍ معاً، فلا محالة يكون المحاز المسبّب منه مشتركاً بينهما.

و حاصل الكلام: أنّ الأقوي في المقام التفصيل بينما إذا كان العملان واحداً بسيطاً في الخارج، كقلع الشجرة أو اغتراف الماء بآنية واحدة و الاصطياد بشبكة واحدة أو إخراج المعدن بآلة واحدة و نحو ذلك، ممّا يعدّ في نظر أهل العرف عملًا واحداً بسيطاً. فمقتضي القاعدة حينئذٍ الاشتراك في المحاز. و إنّ الشركة الحاصلة علي التنصيف عند الإطلاق، و إن كان أحدهما أكثر قوّة من الآخر، كما جري علي ذلك مذهب الأصحاب في أبواب الضمانات. و هذا بخلاف ما لم يكن من هذا القبيل، بأن كان عملًا مركّباً ذا أجزاء أو كان عمل كلّ منهما واحداً مستقلّاً عن الآخر، فينبغي الحكم حينئذٍ باختصاص كلّ محاز بمن حازه بعمله الخاصّ، إلّا إذا نوي كلّ واحد منهما النيابة عن الآخر في نصف ما يحوزه، أو يملّكه له

بعد الحيازة.

و لأجل ذلك أشكل بعض الأعلام «1» علي صاحب الجواهر؛ حيث قال بالتنصيف مطلقاً بلا فرق بين المركّب و البسيط «2».

و لا يخفي أنّه يمكن أيضاً إيجاد الشركة بطريق المصالحة علي منفعة العملين بدينار فيُنتج ذلك نتيجة شركة الأعمال، من دون لزوم محذورها، كما سبق.

و أمّا كيفية تقسيم المحاز، فمقتضي التحقيق فيها ما سبق آنفاً، من أنّ المتفاهم العرفي المرتكز بين أهل العرف بمقتضي عادتهم في مثل إجارة شخصين أو

______________________________

(1)- المباني في شرح العروة الوثقي 31: 196.

(2)- جواهر الكلام 26: 290.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 94

______________________________

حيازتهما شيئاً واحداً تنصيف الاجرة و المحاز، إلّا أن يكون هناك قرينة علي إرادة التقسيم بنسبة العملين.

و بناءً علي القول بالتقسيم بنسبة العملين فإذا عُلمت النسبة و لو بالكسر المشاع فهي، و إلّا فمع الجهل يظهر من السيد الماتن الاحتياط الوجوبي بالتصالح.

و لكن لا وجه له ظاهراً، بل مقتضي الإنصاف حينئذٍ التنصيف، بل هو المتيقّن من مورد التنصيف عند الإطلاق؛ لأصالة عدم زيادة سهم كلٍّ منهما عن الآخر. كما أشار إليه في الجواهر بقوله: «أو يحكم بالنصف لأصالة عدم زيادة أحدهما علي الآخر، بل قد يحتمل كونه كذلك مع اختلافهما في القوّة و الضعف لصدق اتّحاد فعلهما في السببية و اندراجهما في قوله «من حاز ملك»، و لعدم الدليل علي اقتضاء ذلك التفاوت في المحاز، و إن كان هو منافياً للاعتبار العقلي الذي لا يرجع إلي دليل معتبر شرعاً» «1».

بل حتّي لو علم إجمالًا بزيادة عمل أحدهما عن الآخر، مقتضي القاعدة التنصيف عند عدم قرينة علي التقسيم بالنسبة. نعم الأحوط استحباباً حينئذٍ. فلا وجه للاحتياط بالتصالح حينئذٍ مطلقاً.

______________________________

(1)- نفس المصدر.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة،

ص: 95

[شرائط الشركة]

(مسألة 7): يشترط في عقد الشركة العنانية: أن يكون رأس المال من الشريكين ممتزجاً امتزاجاً رافعاً للتميّز

اشارة

(1) قبل العقد أو بعده؛ سواء كان المالان من النقود أم العروض، حصل به الشركة كالمائعات أم لا، كالدراهم و الدنانير، كانا مثليّين أم قيميّين. و في الأجناس المختلفة التي لا يجري فيها المزج الرافع للتميّز، لا بدّ من التوسّل بأحد أسباب الشركة علي الأحوط، و لو كان المال مشتركاً كالمورّث يجوز إيقاع العقد عليه، و فائدته الإذن في التجارة في مثله.

______________________________

شرائط الشركة

(1) 1- و قد تقدّم في المسألة الاولي وجه اعتبار الامتزاج الرافع للتمييز في تحقّق الشركة الواقعية غير العقدية، و كفايته لذلك، من غير اعتبار قصد حصول الشركة بذلك.

و حاصل ما سبق هناك من الكلام في وجه اعتباره: أنّ بالامتزاج الرافع للتمييز تسري الملكية إلي جميع أجزاء المال الممزوج علي نحو الإشاعة الحقيقية، و تتحقّق بذلك الشركة الواقعية قهراً، من دون دخل لقصد حصول الشركة. و قلنا هناك- في ردّ كلام السيد اليزدي؛ حيث اعتبر كون المزج بقصد الشركة- إنّ مجرّد حصول الامتزاج الرافع للتمييز يكفي في حصول الشركة؛ حيث إنّه لا يتصوّر

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 96

______________________________

اختصاص كلّ من المالين بمالكه عند ارتفاع التمييز و عدم إمكان التمييز بين المالين و عزل كلّ منهما عن الآخر. فلا مناص حينئذٍ من الالتزام بحصول الشركة الواقعية.

و من هنا رجّحنا هناك ما ذهب إليه السيد الماتن من كفاية ارتفاع التمييز بين المالين في حصول الشركة الواقعية.

نعم، قد يقال باعتبار كون المزج اختيارياً و إنّ بالمزج القهري الخارج عن الاختيار لا تتحقّق إلّا الشركة الظاهرية و لكن سبق من السيد الماتن كفاية مجرّد المزج الرافع للتمييز في تحقّق الشركة الواقعية غير العقدية.

و لكن كلُّ ما سبق كان في الشركة غير العقدية.

و الذي محلّ الكلام في هذه المسألة هو الشركة العقدية في الأموال المعبّر عنها بشركة العنان.

المعروف بين الفقهاء- من القدماء و المتأخّرين- اعتبار الامتزاج في عقد الشركة.

قال في المفتاح: «و قد طفحت عباراتهم، كالمبسوط و الخلاف و الكافي و الوسيلة و الغنية و السرائر و غيرها بأنّها لا تصحّ بدون المزج، و أنّها إنّما تصحّ مع المزج. و ادّعي في الغنية و السرائر الإجماع علي أنّ من شرطها خلط المالين حتّي يصيرا مالًا واحداً. و في التذكرة و ظاهر جامع المقاصد الإجماع علي أنّها لا تصحّ بدون مزج المالين. و في الخلاف أنّ ذلك مجمع عليه. قال في النافع: تصحّ مع امتزاج المالين المتجانسين علي وجه لا يمتاز أحدهما عن الآخر. انتهي فليتأمل.

و الحاصل أنّ كلماتهم متّفقة علي أنَّ المزج شرط في الصحّة و متي لم يخلُطاه لم تصحّ. و ما خالف في ذلك، إلّا أبو حنيفة و صاحب الحدائق. قال الأوّل: إذا قال: قد اشتركنا انعقدت الشركة، و إن لم يمزجاه كالوكالة. و فيه أنّ الشركة ليس من شرطها أن يكون من جهة الوكيل مال. و قال الثاني: إنّا لم نظفر لهم بدليل علي ما ذكروه من

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 97

______________________________

اشتراط التجانس و الامتزاج، بل ظاهر الأخبار العموم» «1».

قوله: «من جهة الوكيل مالٌ» أي: سلطة الشريك علي مال صاحبه ليست من ناحية كونه وكيلًا عنه كما في الوكالة، فلا يقاس بها؛ هذا.

و لكن قال في المبسوط: «و في الناس من قال: الخلط ليس من شرط صحّة الشركة، فإذا تلفّظا بالشركة انعقدت. و إذا ارتفع الربح كان بينهما. و الأوّل أقوي لحصول الإجماع علي انعقاد الشركة به و في الثاني خلافٌ

فيه. و لأنّ الاشتراك هو الاختلاط في اللغة فينبغي أن يُراعيٰ معني الاختلاط» «2».

و كلامه- كما تري- ظاهرٌ في أنّ معقد الإجماع إنّما هو انعقاد الشركة بالخلط، لا عدم انعقادها بدونه، بل في انعقادها بدونه اختلاف بين الفقهاء.

و نظير ذلك يظهر منه في الخلاف؛ حيث قال: «لا تنعقد الشركة إلّا في مالين مثلين في جميع صفاتهما و يخلطان … و قال أبو حنيفة: تنعقد الشركة بالقول، و إن لم يخالطاهما؛ بأن يُعيِّنا المال و يحضراه و يقولا: قد تشاركنا في ذلك، صحّت الشركة … دليلنا: أنّ ما اعتبرناه مجمع علي انعقاد الشركة به و ليس علي انعقادها بما قاله دليلٌ فوجب بطلانه» «3».

و عليه فما نقله في مفتاح الكرامة من كتاب الخلاف من أنّ اشتراط المزج في شركة العنان و عدم انعقادها بدونه، مجمعٌ عليه، لا يستفاد من كلام الشيخ في الخلاف كما لاحظته، بل غايته عدم دليل من إجماع أو غيره علي انعقادها بدون المزج.

______________________________

(1)- مفتاح الكرامة 7: 396.

(2)- المبسوط 2: 347.

(3)- الخلاف 3: 327.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 98

______________________________

كلام السيد الخوئي

و لكن للسيد الخوئي في المقام كلاماً، حاصله:

أنّ في اعتبار المزج في صحّة الشركة العقدية مناقشة ثبوتاً و إثباتاً. أمّا في مقام الثبوت بلحاظ إمكان أخذ الامتزاج شرطاً، فإن كان المراد المزج التامّ الرافع للتمييز الذي تتحقّق به الشركة الواقعية، فلا يخلو الامتزاج من أخذه شرطاً إمّا قبل العقد أو بعده. أمّا قبل العقد، فلا يُعقل أخذه في حصول الشركة. و ذلك لأنّه تمام سبب الشركة، فيصبح العقد لغواً لا أثر له في حصول الشركة. و إن كان المقصود أخذ الامتزاج المتأخّر عن العقد في حصولها، فأيضاً يصير العقد لغواً؛ لتحقّق

الشركة بالمزج، سواءٌ سبقه العقد أم لا، كما لا فرق في ذلك بين المزج الاختياري و بين المزج القهري.

و احتمال كون المزج المتأخّر كاشفاً عن تحقّق الشركة سابقاً بالعقد- كالإجازة اللاحقة من المالك في البيع الفضولي- تكلُّف بلا موجب؛ نظراً إلي استقلال المزج في سببيته للشركة، فبمجرّد تحقّقه تتحقّق الشركة بلا حاجة إلي سبق العقد، و هذا بخلاف الإجازة اللاحقة؛ لعدم كونه سبباً مستقلّاً للنقل. هذا، مع أنّه خلاف ظاهر كلمات الأصحاب؛ لظهور كلماتهم في أنّ المزج شرط مقارن.

نعم، لو كان المراد المزج غير التامّ الحاصل به الشركة الظاهرية- علي ما التزم به صاحب العروة- كمزج الدرهم بمثله، فهو أمر معقول. و لا يلزم حينئذٍ لغوٌ؛ نظراً إلي حصول الشركة الواقعية بالعقد و الظاهرية بالمزج. و لعلّه مرادهم من الامتزاج المعتبر في عقد الشركة، و لا سيّما من لم يشترط في الامتزاج اتّحاد الجنس و الوصف.

و أمّا في مقام الإثبات و قيام الدليل علي اعتبار المزج في الشركة العقدية فلم يُدَّعَ إلّا الإجماع. و الظاهر عدم انعقاده، و إن جاء في كلمات بعض كالعلّامة؛ حيث

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 99

______________________________

لم يتعرّض لهذه المسألة أكثر القدماء بالمرّة، و من تعرّض لها عبارته قاصرة عن إثبات الإجماع علي اعتبار المزج، بل غاية ما يستفاد من كلامه- كالمحكي عن الشيخ و القاضي في الجواهر- حصول الإجماع علي صحّة عقد الشركة مع الامتزاج و عدم حصوله علي الصحّة مع عدم الامتزاج.

نعم، تعرّض ابن حمزة إلي اشتراط المزج و ادّعي عليه الإجماع، إلّا أنّ الشهيد في اللمعة و المحقّق في الشرائع لم يتعرّضاه بالمرّة، و إنّما تعرّضا لسببية المزج قهراً للشركة، هذا مع تصريح صاحب الحدائق بعدم

اعتباره. ثمّ استنتج هذا العَلَم في ختام كلامه أنّه لا طريق إلي إحراز الإجماع التعبّدي علي اعتبار الامتزاج.

فلا مناص حينئذٍ من الرجوع إلي مقتضي القاعدة، و هو عدم اعتباره في عقد الشركة، كما مال إليه في العروة. انتهي حاصل كلام هذا العَلَم «1».

نقد كلام السيد الخوئي

و لكنّك تعرف أنّه ما أبعد بين كلامه و بين ما نقل في المفتاح عن فحول الفقهاء من القدماء و المتأخّرين من دعوي الإجماع علي ذلك و حصر المخالف في أبي حنيفة من العامّة و صاحب الحدائق من الخاصّة.

نعم، في عبارة المبسوط السابقة آنفاً دلالة علي وجود من قال بعدم اشتراط الامتزاج، إلّا أنّ في تعبيره بالناس لا يخلو من الإشارة إلي بعض أهل العامّة كأبي حنيفة، كما صرّح بذلك في الخلاف «2».

و أمّا ميل صاحب العروة فلو كان مقصود هذا العَلَم أنّه مال إلي إنكار الإجماع

______________________________

(1)- المباني في شرح العروة الوثقي 31: 197- 199.

(2)- الخلاف 3: 328.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 100

______________________________

فهو ممنوع، بل ظاهر كلامه أنّ تحقّق الإجماع و ظهوره في اعتبار الامتزاج في شركة العنان أمر مفروغ عنه. و لكن مقتضي القاعدة- لو لا الإجماع- عدم اعتبار الامتزاج عملًا بالعمومات. و هذا لا ينكره أحدٌ. و إن شئت فإليك نصّ كلامه، قال:

«بل لو لا ظهور الإجماع علي اعتبار الامتزاج أمكن منعه مطلقاً، عملًا بالعمومات» «1». و أمّا عدم تعرّض الشهيد و المحقّق لاعتبار المزج في شركة العنان فلعلّ الوجه فيه اكتفاؤهما بذكر سببيته في أصل الشركة و لو بغير اختيار. هذا، مع أنّه لم يذكر مخالفٌ باسمه في كلمات واحد من الأصحاب، إلّا أبو حنيفة من العامّة و المحدّث البحراني من الخاصّة.

و أمّا إشكاله في مقام

الثبوت، فلا وجه له. و ذلك لأنّ عقد الشركة عمدة فائدتها هي التجارة بالمال المشترك تحت تدبير كلّ واحد من الشريكين؛ رجاءً لحصول النفع الأكثر ببركة فكرته الاقتصادية و تجربته التجارية. و هذا الغرض الاقتصادي أمر مرتكز في أذهان العقلاء و جرت عليه سيرتهم في الشركات العقدية، سواءٌ كان ذلك بإذن صريح أم بتضمّن نفس إنشاء العقد للإذن لأجل قرينةٍ.

و إنّ عقد الشركة و إن جرت عليه سيرة العقلاء من لدن زمان الشارع، إلّا أن المتيقّن من مصبّها صورة تحقّق المزج، و أمّا جريانها في غير صورة تحقّقه فغير معلوم؛ هذا.

مع أنّ العقود و الإيقاعات- بعد العلم باستقرار دأب الشارع علي ردع كثير ممّا جرت عليه سيرة العقلاء من المعاملات باعتبار قيود و شرائط شرعية- أسباب شرعية و بحاجة إلي إمضاء الشارع، و لو بإحراز عدم ردعه. و إحراز ذلك مع عدم ذهاب الأصحاب علي صحّتها بدون المزج مشكلٌ جداً.

______________________________

(1)- العروة الوثقي 5: 279.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 101

______________________________

و أمّا ما نشاهده في عصرنا من إنشاء عقد الشركة في النقود بين العقلاء- المتشرعة و غيرهم- فمن قبيل عقد الشركة في الدراهم و الدنانير المتماثلة. و قد سبق من الرياض و الجواهر جريان سيرة المسلمين علي ذلك في طيّ القرون و تمادي الأعصار. مع أنّهم اعتبروا فيها اختلاط النقود. و هذا متحقّق في زماننا بجعل مجموع السهام في رقم واحد من الحساب البنكي إذ لا ميز بين النقود عندهم، إلّا باختلاف أرقام الحساب البنكي و أسامي صاحبيها، أو بعلامة جعلية اخري معدومة في هذه الشركات.

و من هنا جعل جماعةٌ من فحول الفقهاء- كما سيأتي كلامهم- جواز تكسّب كلّ من الشريكين بالمال المشترك من

ثمرات عقد الشركة، من دون حاجة إلي صدور إذن غير ما تضمّنه نفس إنشاء عقد الشركة بالقرينة. و عليه فلا يُصبح عقد الشركة بحصول الامتزاج لغواً، بل الامتزاج يفيد أصل الشركة. و إنشاء العقد يفيد فائدة جواز التكسّب بالمال المشترك لكلّ من الشريكين رأساً، و لو بمعونة القرينة.

و أمّا ما جاءَ في كلام شيخ الطائفة من التعليل لاشتراط المزج بقوله: «و لأنّ الاشتراك هو الاختلاط في اللغة فينبغي أن يُراعي معني الاختلاط» «1»، فلا يصلح للدليلية. و ذلك لأنّ الاختلاط الذي فُسّر به الاشتراك في اللّغة هو ضربٌ من الاختلاط و هو سريان الحقوق و شياع الملكية، و هذا المعني ليس إلّا حقيقة الشركة و ماهيتها. فلو كان الاختلاط الذي اعتبره الأصحاب في شركة العنان هذا المعني، ليرجع كلامهم إلي اعتبار حقيقة الشركة في شركة العنان. فليس الاختلاط بهذا المعني معتبراً في صحّة شركة العنان، بل المعتبر هو اختلاط أجزاء عين المالين و امتزاجهما بحيث يرتفع التمييز عن أجزائهما تماماً بالمرّة أو عن آحادهما ظاهراً

______________________________

(1)- المبسوط 2: 347.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 102

______________________________

كما في اختلاط الدراهم و نحوها.

و اتّضح بهذا البيان وجه جواز إيقاع الشركة علي المال المشترك كالإرث و إفادته الإذن في التجارة، كما جاء في ذيل كلام السيد الماتن.

و أمّا نفي الفرق في حصول الشركة بالامتزاج الرافع للتمييز بين حصول المزج قبل العقد و بعده، فقد عرفت وجهه بما أجبنا عن بعض الأعلام لترتّب الفائدة المزبورة في كلتا الصورتين بلا فرق و لحصول الشركة علي أيّ حال.

و أمّا نفي الفرق بين كون المالين من النقود أو من العروض و بين المزج التامّ الحاصل به الشركة الواقعية كمزج المائعات و الأدقة

و بين المزج غير التام الحاصل به الشركة الظاهرية في غيرهما من الدراهم و الدنانير و الحبوبات، و كذا عدم الفرق بين مختلفي الجنس و متّحديه، فقد عرفت وجه ذلك كلّه في مباحث الشركة غير العقدية.

و عرفت آنفاً أنّ إشكال اللغوية مرتفع فيما إذا حصلت الشركة الظاهرية بالمزج غير التامّ، كما اعترف به العَلَم المذكور.

و أمّا عدم الفرق بين القيميات و غيره فالوجه فيه أنّ فيها و في المزج غير الرافع للتمييز- حتّي في المثليات- يتوسّل قبل العقد بأحد أسباب الشركة قبل العقد أو بعده؛ لأنّه مقتضي اعتبار المزج.

و من هنا لا يلائم احتياط السيد الماتن في ذلك مع فتواه باعتبار المزج، بل التوسّل بأسباب الشركة معتبر حينئذٍ.

و أمّا ما أشار إليه الماتن في ذيل المسألة، من كون فائدة العقد في شركة المال المورّث الإذن في التجارة، فهو منقوض بما سيأتي منه، من اعتبار الإذن الخاصّ من كلّ واحد من الشريكين لصاحبه بالتصرّف في المال المشترك للتكسّب، و عدم كفاية مجرّد عقد الشركة في ذلك.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 103

(مسألة 8): لا يقتضي عقد الشركة- و لا إطلاقه- جواز تصرّف كلّ من الشريكين في مال الآخر بالتكسّب

اشارة

، إلّا إذا دلّت قرينة حالية أو مقالية عليه، كما إذا كانت الشركة حاصلة- كالمورّث- فأوقعا العقد، و مع عدم الدلالة لا بدّ من إذن صاحب المال (1)،

______________________________

اعتبار إذن الشريك في تصرّف صاحبه

(1) 1- سبق الكلام مفصّلًا في وجه عدم جواز تصرّف بعض الشركاء في المال المشترك من غير إذن سائر الشركاء في المسألة الثانية.

و حاصله: أنّ الشركة بنفسها لا تكشف عن رضا أحد الشريكين بتصرّف الآخر في المال المشترك، مطلقاً من غير فرق بين كون سببها اختيارياً كالمزج الاختياري أو قهرياً، كالإرث و الامتزاج القهري؛ لخروج ذلك عن حقيقة الشركة، كما

هو خارج عن مقتضي السبب القهري.

نعم، لو أذن أحدهما بتصرّف صاحبه في سهمه، جاز لصاحبه التصرُّف في جميع المال المشترك- في سهمه يجوز استحقاقاً و في سهم صاحبه بالإذن- و يدور ذلك مدار كيفية الإذن سعةً و ضيقاً.

و الحاصل: أنّهم اتّفقوا علي عدم جواز تصرّف كلٍّ من الشريكين بغير إذن صاحبه بعد تحقّق الشركة بالمزج، كما أشار إليه في المفتاح بقوله: «كما طفحت بهذا المعني عباراتهم» «1».

و قد سبق تحرير كلمات الأصحاب هناك، فراجع.

______________________________

(1)- مفتاح الكرامة 7: 399.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 104

______________________________

و لكن كلّ ما سبق من الكلام كان في الشركة غير العقدية. و هي خارجةٌ عن محلّ الكلام، فإنّ محلّ الكلام هاهنا في الشركة العقدية.

و أمّا الشركة العقدية، فقد وقع الخلاف في ذلك، و ذهب جماعة إلي جواز تصرّف كلٍّ من الشريكين بنفس إنشاء عقد الشركة بالصيغة، بلا حاجة إلي تصريح الآخر بالإذن، بل عرّفوا الصيغة بما دلّ علي الإذن كما في القواعد و التذكرة و التحرير و المسالك و جامع المقاصد «1». و نقل في المفتاح عن التذكرة أنّه علّل ذلك بما حاصله: «لأنّ الاصل عصمة الأموال علي أربابها، فلا يصحّ التصرّف فيها، إلّا بإذنهم. و إنّما يُعلم الرضا و الإذن باللفظ الدالّ عليه؛ لأنّ الأفعال لا دلالة لها. و هذه الصيغة قد تكون قبل المزج فتدلّ علي الرضا به و بالتصرّف للاستنماء و الاسترباح» «2».

و خالف ذلك جماعة و اختاروا عدم جواز تصرُّف كلِّ من الشريكين في المال المشترك، مطلقاً حتّي في التكسُّب و التجارة به، إلّا بإذن الآخر، و هو قول أبي حنيفة و أحد قولي الشافعي كما قال في المفتاح «3».

قال في جامع المقاصد: «و لا

بدّ من صيغة؛ لأنّ الأصل عصمة الأموال علي أربابها، فلا يصحّ التصرّف فيها إلّا بإذنهم. و إنّما يعلم الإذن باللفظ الدالّ عليه؛ لأنّ الأفعال لا دلالة لها، فإن أذن كلّ منهما لصاحبه صريحاً فلا بحث في الصحّة.

و لو قال كلٌّ منهما: «اشتركنا» و اقتصر عليه مع قصدهما الشركة بذلك، ففيه وجهان:

______________________________

(1)- جامع المقاصد 8: 15.

(2)- مفتاح الكرامة 7: 395.

(3)- نفس المصدر.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 105

______________________________

أحدهما: الاكتفاء به في جواز التصرّف، و اختاره المصنّف هنا، و قرّبه في التذكرة. و هو ظاهر اختياره في التحرير؛ حيث قال: و يكفي في الصيغة ما يدلّ علي الرضا بالمزج؛ لفهم المقصود منه عرفاً.

و الثاني: لا؛ لقصور اللفظ عن الإذن؛ إذ لا يلزم من حصول الشركة جواز التصرّف، فإنّهما لو ورثا مالًا أو اشترياه صفقةً واحدةً، تحقّقت الشركة مع عدم جواز التصرّف.

و الأوّل أقوي؛ لأنّ المقصود الأصلي من الشركة هو الاستنماءُ و الاسترباح.

و لا يكون ذلك إلّا بالتصرّف، خصوصاً ما لا ينمو بنفسه» «1».

تحرير كلام صاحب الجواهر في المقام

و ممّن اختار هذا القول صاحب الجواهر؛ حيث قال في ردّ القائلين بالجواز:

«إلّا أنّه لا يخفي عليك ما في ذلك؛ إذ لا دلالة في قول «اشتركنا» علي الإذن بوجه من الوجوه، كما أنّه لا حاجة في حصول الإذن منهما أو من أحدهما إلي عقد.

و ليس من مقوّمات الشركة حصولها؛ إذ يمكن اشتراكهما في المال مع الإذن في العمل لثالث، بل يمكن إرادة الشركة من دون عمل أصلًا، لغرض من الأغراض.

فالتحقيق أن يقال حينئذٍ- بعد الإجماع علي كونها عقداً-: إنّ قول «اشتركنا» لإنشاء تحقيقها و صيرورة كلٍّ من المالين بينهما علي الإشاعة، إلّا أنّه يشترط في صحّة ذلك تحقّق المزج بعده، إن لم

يكن. فهو حينئذٍ شرط كاشف أو ناقل، نحو القبض في الوقف، أو أنّه جزءُ السبب» «2».

______________________________

(1)- جامع المقاصد 8: 15- 16.

(2)- جواهر الكلام 26: 288.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 106

______________________________

قوله: «حصولها»، كان الأنسب «حصوله» لرجوع الضمير إلي الإذن.

و قوله: «لغرض من الأغراض»، كأن يعقد أحدٌ الشركة مع شخص وجيه ذي نفوذ سياسي أو عسكري لمجرّد اكتساب الوجهة و النفوذ بين الناس، لا للاسترباح. قوله: «تحقيقها» ينبغي أن يكون مقصوده تأكيدها؛ حيث لا معني للتتميم و التنجيز بعد كون المزج سبباً تامّاً للشركة؛ إذ ليس سبباً ناقصاً متزلزلًا؛ لكي تتمّ و تستقرّ سببيته بالعقد. كاستقرار سببية إنشاء عقد البيع أو الوقف بالقبض علي رأي.

ثمّ قال قدس سره في بيان منشأ التزام الأصحاب بعدم الحاجة إلي الإذن: «فكان السبب الذي أوقعهم في الوهم، هو دعوي حصول الشركة بالمزج القهري. فمع فرض اعتبار الامتزاج في شركة العنان لم يكن معني لعقدها حينئذٍ؛ ضرورة حصولها بالمزج المزبور المفيد لذلك مع القهر، و عدم القصد به إليها، فضلًا عما لو قُصدت به اختياراً. فلم يكن حينئذٍ معني لعقدها إلّا جواز التصرّف، خصوصاً مع ملاحظة الشركة الاكتسابية التي هي من أقسام التجارة المبنيّة علي العمل، من الشريكين، أو من أحدهما التي قد وردت النصوص بها … و لعلّه لذا اكتفوا في صيغتها بقول «اشتركنا»، باعتبار امتناع أن يراد بإنشائه حصولها بدون مزج، و لا المزج الذي لا يحصل باللفظ. فتعيّن أن يكون معناه جواز التصرّف، و إلّا لم يكن له معني أصلًا كما صرّح بذلك في جامع المقاصد» «1». انتهي موضع الحاجة من كلام صاحب الجواهر.

قوله: «باعتبار امتناع أن يراد … » مقصوده أنّه لمّا كانت إرادة حصول

الشركة

______________________________

(1)- نفس المصدر.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 107

______________________________

بمجرّد إنشاء عقدها من دون مزج ممتنعةً، و كذا إرادة حصولها بالمزج القهري الذي لا دخل للتلفّظ بالصيغة في سببيته للشركة، فمن هنا لا يبقي معني للتلفّظ بالصيغة، إلّا الإذن بالتصرّف.

و قد عرفت من السيد الماتن موافقة صاحب الجواهر في الاحتياج إلي الإذن.

نقد كلام صاحب الجواهر

و لكن يرد علي صاحب الجواهر أوّلًا: أنّ التحقيق و تأكيد الشركة بعد تحقّقها بالمزج ليس غرضاً مهمّاً تجارياً عند العقلاء. و من هنا لا اعتناء لهم بذلك في إيجاد عقد الشركة. فليس عقد الشركة مبنيّاً عندهم علي مثل هذا الغرض، فضلًا عما لا غرض تجارية فيه. و لو اتّفق في مورد فهو أمرٌ نادر شاذّ خلاف المتعارف. و ما لا تعارف عليه خارجٌ عن نطاق الخطابات العرفية و الشرعية و لا سيّما في باب المعاملات. و من هنا يعطي جريان التعارف لمثل قول: «اشتركنا أو شاركنا» عند الإطلاق ظهوراً في إفادة الإذن به و عدم الحاجة إلي التصريح بالإذن. و هذا الظهور هو المتّبع ما دام لم تكن هناك قرينة علي خلافه.

و ليس منشأ هذا الظهور مجرّد الغلبة في الوجود، بل منشؤه جريان التعارف عليه، بحيث صار إيجاد عقد الشركة مبنيّاً علي غرض الاسترباح، متفاهماً عرفياً من التلفّظ بعقدها.

و أمّا حديث جزء السبب، لا معني له بعد كون المزج سبباً مستقلّاً تامّاً لتحقُّق الشركة. و كذا الكلام في كونه أو كون المزج بمنزلة الشرط. فإنّ ذلك كلّه غير قابل للالتزام فيما إذا تحقّق المزج قبل العقد أو بعده، مع عدم التفرقة بينهما في كلام الأصحاب.

و ثانياً: أنّه توجد القرينة العامّة علي إفادة العقد الإذن في موارد تحقّق أصل الشركة بأحد أسبابها-

غير عقدها- من مزج أو إرث أو شراءٍ، و نحو ذلك. كما جعل

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 108

______________________________

السيد الماتن قدس سره تحقّق أحد أسباب الشركة كالإرث و نحوه قرينة علي ذلك. و الوجه في القرينية أنّه لو لا إفادة العقد الإذن في مثل هذه الموارد، يصبح إنشاءُ عقد الشركة لغواً؛ كما أشار إليه بعض الأعلام. اللّهم إلّا أن يقال بعدم اعتبار المزج أو سائر أسباب الشركة في صحّة عقدها، و لكنّه خلاف اتّفاق الأصحاب.

و الوجه في ذلك ما بيّنّاه آنفاً، من كون عقد الشركة مبنيّاً في ارتكاز العقلاء علي غرض تجاري و هو التكسّب و التجارة بالمال المشترك لغرض الاسترباح و الاستنماء بتدبير كلّ واحد من الشريكين؛ رجاءً لحصول النفع الأكثر ببركة فكرته الاقتصادية و تجربته التجارية. و هذا الغرض الاقتصادي أمر مرتكز في أذهان العقلاء. و جرت عليه سيرتهم في الشركات العقدية.

و السرّ في ذلك أنّ الاسترباح- الذي هو غرض العقلاء في إيجاد عقد الشركة- لا يتحقّق، إلّا بازدياد رأس المال كمّاً و بحسب المقدار؛ لأنّ المال الأكثر له ربح أوفر و أكثر طبعاً و هذا حاصل بنفس المزج و اختلاط الأموال أو بحُسن كيفية الاتّجار و التكسّب بالمال المشترك. و ذلك منوط بازدياد التدبير التجاري و التجربة الاقتصادية. و الملاك الثاني إمّا حاصل بمشاورة الشركاء و تبادل آرائهم و سلائقهم و تضارب تجاربهم التجارية أو بإعمال كلّ واحد منهم تدبيره و تجربته التجارية مستقلّاً.

و الملاك الأوّل يتوقّف حصوله علي اعتبار الإذن في كلّ معاملة و تجارة بخلاف الثاني لتوقّف حصوله علي جواز تصرّف كلّ واحد منهما مستقلّاً.

و لكن الأوّل حاصل قبل العقد بمجرّد إيجاد الشركة بأحد أسبابها من مزج أو

غيره. و لا تأثير للعقد في تحقّقه. فيبقي الثاني مستفاداً من العقد منحصراً. و لو لاه لأصبح العقد لغواً. هذا، و لا سيّما بناءً علي اعتبار الامتزاج أو أحد أسباب الشركة في صحّة الشركة العقدية، كما عليه السيد الماتن قدس سره؛ حيث إنّ الشركة حاصلة بنفس

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 109

______________________________

المزج أو بأحد أسباب الشركة، فإذاً لا تبقي لعقد الشركة فائدة غير إذن كلّ من الشريكين لصاحبه بالتكسّب و التجارة بالمال المشترك بتدبيره التجاري و فكرته الاقتصادية مستقلّاً.

و أمّا جواز التجارة بإذن كلِّ منهما لصاحبه، فهو و إن لا ينافِ السيرة العقلائية في عقد الشركة، بل يلائمها كمال الملائمة، إلّا أنّه حاصل بنفس الإذن من غير دخلٍ لعقد الشركة فيه. فيعود حينئذٍ محذور لغوية العقد.

تفصيل شيخ الطائفة

نعم، يظهر من عبارة المبسوط جواز تصرّف كلّ من الشريكين بعد عقد الشركة و تحقّق المزج، لكن لا في الجميع، بل في خصوص نصيبه.

قال: «إذا عقدا الشركة علي المالين و خلطاهما، كان لكلّ واحد منهما أن يتصرّف في نصيبه و لا يجوز أن يتصرّف في نصيب شريكه حتّي يأذن له فيه» «1».

و قال في المفتاح بعد نقل عبارة المبسوط: «و التأويل ممكن» «2». و وجه التأويل لعلّه إرادة بيع سهمه المشاع علي الوجه الكلّي و نقله إلي الغير، من دون تصرّف في عين المال المشترك، و إلّا فهو موقوف علي الإذن في تصرّف كلّ جزءٍ من أجزاء المشترك.

و علّل في المبسوط اعتبار إذن كلٍّ من الشريكين لصاحبه بالتصرّف في سهمه في عقد الشركة في العروض- بعد حصول الشركة بتمليك كلّ منهما نصف ماله لصاحبه- بقوله: «لأنّ عقد البيع و عقد الشركة لا يتضمّن الإذن في التصرّف» «3».

______________________________

(1)-

المبسوط 2: 348.

(2)- مفتاح الكرامة 7: 399.

(3)- المبسوط 2: 345.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 110

و يتّبع في الإطلاق و التقييد، و إذا اشترطا كون العمل من أحدهما أو من كليهما معاً فهو المتّبع (1). هذا من حيث العامل. و أمّا من حيث العمل و التكسّب، فمع إطلاق الإذن يجوز مطلقه (2) ممّا يريان فيه المصلحة كالعامل في المضاربة، و لو عيّنا جهة خاصّة- كبيع الأغنام أو الطعام و شرائهما أو البزازة أو غير ذلك- اقتصر عليه، و لا يتعدّي إلي غيره.

______________________________

و قد عرفت ما في هذا الاستدلال بما ناقشنا به في الجواب عن كلام صاحب الجواهر.

و حاصل الكلام: أنّ مقتضي القاعدة حسب ما يساعده الاعتبار و الارتكاز في عقد الشركة، كفاية مجرّد عقدها لإثبات إذن كلّ واحد من الشريكين لصاحبه في التجارة بالمال المشترك. و إنّما يستفاد الإذن من مقتضي إطلاق عقد الشركة و تجرُّد الصيغة عن القرينة الصارفة.

و هو الأقوي في المقام، إلّا أن تكون هناك قرينة صارفة عن ظهور إنشاء العقد بالصيغة في ذلك إلي خلافه.

(1) 1- و ذلك لدوران الإذن مدار الشرط. فكلّما تحقّق فيه الشرط يتعلّق به الإذن.

(2) 2- و الوجه في جواز مطلق التكسّب و التجارة بالمال عند إطلاق الإذن واضح؛ لشمول إطلاق الإذن في العمل مطلق التكسّب و التجارة.

لكنّه لا بدّ أن يكون بمصلحة المال لخروج موارد ضرر المال و ضياعه عن إذن المالك بلا إشكال؛ حيث لا غرض له من الإذن بالتكسب و التجارة بالمال، إلّا الاسترباح و تحصيل المنفعة بذلك.

نعم، لو اتّفق الخسران و الوضيعة، لا ضمان علي العامل خاصّة، بل عليهما معاً؛ لأنّ من له الغنم فعليه الغرم. و قد دلّت علي ذلك

عدّة نصوص معتبرة

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 111

(مسألة 9): حيث إنّ كلّ واحد من الشريكين كالوكيل و العامل عن الآخر، فإذا عقدا علي الشركة في مطلق التكسّب أو تكسّب خاصّ، يقتصر علي المتعارف

(1)، فلا يجوز البيع بالنسيئة و لا السفر بالمال إلّا مع التعارف، و الموارد فيهما مختلفة، و إلّا مع الإذن الخاصّ، و جاز لهما كلّ ما تعارف؛ من حيث الجنس المشتري و البائع و المشتري و أمثال ذلك. نعم لو عيّنا شيئاً لم يجز لهما المخالفة عنه إلّا بإذن الشريك، و إن تعدّي عمّا عيّنا أو عن المتعارف ضمن الخسارة و التلف.

______________________________

بالخصوص «1»، و إن وردت هذه النصوص في الشركة الحاصلة بالشراء- لا بعقد الشركة- إلّا أنّها تشمل المقام؛ لأنّ ملاك الشمول أصل الشركة، بأيّ عقد حصلت.

و المقصود من خروج الإضرار بالمال و ضياعه عن إذن المالك، خروج كلّ عمل و تكسّب يقتضي بطبعه ضياع المال، بحيث لا يخفي ذلك علي أهل العرف. و ذلك لأنّ الإذن للغير بالتصرّف في المال في جهة التكسّب إنّما هو لمصلحة المال بالاستنماء و الاسترباح، فما ليس بمصلحته خارج عن نطاق إذنه، فضلًا عمّا كان بضرره.

و لو عيّن نوعاً معيّناً أو جهة خاصّة من التكسّب و التجارة كالموارد المذكورة في المتن، لا يجوز التعدي إلي غيره؛ ضرورة وجوب الاقتصار علي مورد الإذن.

وجوب التكسّب بالمتعارف في عقد الشركة

(1) 1- لا خصوصية للوكالة و التوكيل و التوكّل في ذلك، بل إنّ وجوب الاقتصار علي المتعارف من التكسّبات، إنّما هو لأجل انصراف الإذن المطلق إلي ذلك بقرينة

______________________________

(1)- وسائل الشيعة 19: 5، كتاب الشركة، الباب 1.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 112

______________________________

جريان عادة أهل العرف، فيكون التعارف قرينة صارفة لإطلاق الإذن إلي ما جرت عليه سيرة العرف، بلا فرق بين كون الإذن بعنوان التوكيل أو بعنوان غيره من وجوه الإذن.

و

من هنا قال في جامع المقاصد: «و إنّما ينزّل الإطلاق علي الامور الغالبة في التجارة، كالبيع و الشراء مرابحةً و مساومةً و مواضعةً و توليةً و قبض الثمن، و إقباض المبيع، و المطالبة بالدين و الحوالة و الاحتيال، و الردّ بالعيب، و الاستئجار علي مال الشركة، و المؤاجرة لأموالها، و نحو ذلك، بشرط مراعاة المصلحة كما في الوكيل» «1».

و قد لاحظت في كلامه أنّ وجوب الاقتصار علي المتعارف الغالب من التكسّبات إنّما هو لانصراف إطلاق الإذن و تنزيله علي الامور الغالبة في التجارة، كما قلنا.

نعم، رعاية مصلحة الشريك في تصرّف المال المشترك إنّما هي بمقتضي الوكالة، كما يفهم من ذيل كلام المحقّق الكركي؛ حيث قال: «بشرط مراعاة المصلحة كما في الوكيل» «2». و ذلك لأنّ الموكّل لا يوكّل الوكيل، إلّا لغرض تحصيل مصلحة ماله بفعل الوكيل، و من هنا يجب علي الوكيل مراعاة مصلحة موكّله بمقتضي الغرض المبني عليه التوكيل. و لمّا كانت الشركة في الحقيقة من قبيل التوكيل و التوكّل فيجب علي كلّ شريك مراعاة مصلحة شريكه في تكسّباته و معاملاته بالمال المشترك.

و ممّا يشهد لما قلناه ما قال في الحدائق، فإنّه بعد ما حكم برعاية المصلحة في التصرّف بقوله: «فإن أطلق في التصرّف تصرّف كذلك. و إن خصّص اختص بما

______________________________

(1)- جامع المقاصد 8: 22.

(2)- نفس المصدر.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 113

______________________________

خصّصه، و يراعي فيه المصلحة»، استشهد لذلك بقول العلّامة في التذكرة: «و قد صرّح في التذكرة في غير موضع بأنّ إذن الشريك توكيلٌ فيجب حينئذٍ أن يُراعي فيه ما يجب مراعاته في الوكالة» «1».

و من هنا يجوز للشريك بيع النسيئة لو كان فيه مصلحة شريكه. و كذلك السفر بالمال المشترك

للتجارة، و إن لم تكن النسيئة و لا السفر متعارفاً غالباً. و الوجه فيه أنّ التوكيل و التوكّل- الذي هو حقيقة عقد الشركة و روحها- قرينة صارفة لإطلاق الإذن في عقد الشركة إلي ما فيه المصلحة من وجوه التكسّبات بالمال المشترك، فيجوز ذلك لكلّ واحد من الشريكين سواءٌ كان متعارفاً أو لم يكن. نعم ما لم تُحرز فيه المصلحة يجب الاقتصار علي ما هو الغالب المتعارف من التكسّبات.

و حاصل الكلام في المقام: أنّ لعقد الشركة حيثيتين:

إحداهما: كونها من العقود الإذنية و إطلاق الإذن محمول علي المتعارف الذي جرت عليه عادة أهل العرف؛ لأنّه يعطي للإذن ظهوراً في المتعارف من التصرّفات، كظهور إذن المضيف للضيف في التصرّف المتعارف مع عدم وكالة في البين.

ثانيتهما: حيثية كونها من قبيل الوكالة و الولاية علي مال الغير. و هي تبتني علي رعاية مصلحة المال المولّي عليه. فيجب علي الشريك رعاية مصلحة مال شريكه بمقتضي الوكالة.

و بعبارة اخري لمّا كان الإذن في التجارة بالمال من قبيل التوكيل يجب علي المأذون- مضافاً إلي رعاية التعارف بمقتضي ظاهر الإذن- رعاية مصلحة المال بمقتضي الوكالة، و إن كانت الحيثيتان متلازمتين في الشركة، بل في مطلق الإذن في

______________________________

(1)- الحدائق الناضرة 21: 166.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 114

______________________________

التجارة و لكن لا ينافي ذلك تفكيك الجهتين بالتحليل بلحاظ الحيثية التعليلية. بل حيثية الوكالة تقييدية؛ نظراً إلي تقيُّد إذنه بمقتضي الوكالة؛ بمعني الإذن لو خُلّي و طبعه و إن كان ظاهراً في مطلق التصرّفات المتعارفة، إلّا أنّه لمّا كان الإذن بالتجارة من قبيل التوكيل يتقيّد بما تقتضيه الوكالة و ينصرف إلي ما كان من التجارات المتعارفة بمصلحة المال.

و عليه فما يظهر من السيد الماتن من

ابتناء لزوم رعاية مصلحة المال علي حيثية الوكالة، ففي غير محلّه.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 115

(مسألة 10): إطلاق الشركة يقتضي بسط الربح و الخسران علي الشريكين علي نسبة مالهما

اشارة

(1)، فإن تساوي تساويا فيهما، و إلّا يتفاضلان حسب تفاوته؛ من غير فرق بين ما كان العمل من أحدهما أو منهما، مع التساوي فيه أو الاختلاف.

______________________________

تقسيم الربح و الخسارة بين الشريكين

(1) 1- و ذلك لقاعدة تبعية النماء و الربح لأصل المال. كما علّل بذلك الشهيد في المسالك؛ حيث قال: «لا ريب أنَّ الربح تابعٌ لرأس المال؛ لأنّه نماؤه، فإذا كان مال أحدهما أزيد من مال الآخر، فله من الربح بنسبة ماله و إن عملا معاً؛ لتراضيهما بذلك علي وجهٍ لا يخالف المشروع؛ حيث جعلا الربح تابعاً للأصل» «1».

و لا خلاف في ذلك بين فقهائنا، بل ادّعي عليه في الجواهر «2» الإجماع بقسميه. نعم، نسب الشهيد؛ الخلاف إلي بعض العامّة؛ حيث قال: «و خالف في ذلك بعض العامّة» «3».

______________________________

(1)- مسالك الأفهام 4: 311.

(2)- جواهر الكلام 26: 300.

(3)- نفس المصدر.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 116

______________________________

هذا إذا عملا معاً. و أمّا إذا عمل أحدهما مع تساوي المالين، فمقتضي السيرة العقلائية و ارتكازهم كون سهم العامل أكثر؛ لأنّهم يرون للعمل أيضاً حظّاً من الربح، كما قلنا في باب المضاربة. و أمّا قاعدة تبعية الربح للمال، فلم ترد في آية أو روايةٍ، حتّي نتمسّك بإطلاقها، كما أشرنا هناك، بل إطلاق هذه القاعدة مخالف للسيرة العقلائية في مثل المضاربة و الشركة و المزارعة و المساقاة ممّا فيه مالك و عامل. و أمّا النماء فقياسه بالربح مع الفارق و ذلك لأنّ النماء جزءُ المال، و لا منشأ لتوليده إلّا أصل المال، بلا فرق بين المتّصل و المنفصل. و هذا بخلاف

الربح، فإنّه مال آخر يحصل بالتجارة و البيع و الشراء و الإجارة و نحوها، و لكلّ من رأس المال و العمل في توليده دخلٌ، بل ربما يكون للعمل حظٌّ أكثر في حصوله. و قد جرت سيرة العقلاء علي استحقاق العامل حظّاً من الربح بإزاء عمله، كما أنّ للمالك حظّاً منه بإزاء ماله.

و من هنا قلنا في كتاب المضاربة أنّها ليست خلاف مقتضي القاعدة؛ نظراً إلي جريان السيرة العقلائية عليها. و قلنا إنّ نصوص المضاربة إمضاءٌ لما جرت عليه سيرتهم.

هذا مقتضي القاعدة. و لكن المستفاد من نصوص المقام خلافها؛ حيث دلّت نصوص عقد التشريك «1» علي كون الربح و الخسران بين الشريكين، مع فرض كون العمل لأحدهما و إنّ الفقهاء تسالموا علي ظهور تعبير «الربح بينهما» في التنصيف و عليه فيُعلم من هذه النصوص نفي استحقاق حظٍّ من الربح بالعمل في باب الشركة عند الشارع. و هي و إن وردت في عقد التشريك، و لكن المقام من قبيله من جهة أصل حقيقة الشركة و ملاك استحقاق الربح. مع أنّه لا خلاف بين الفقهاء في بسط

______________________________

(1)- وسائل الشيعة 19: 5، كتاب الشركة، الباب 1.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 117

______________________________

الربح و الخسران عند الإطلاق بنسبة المالين.

و لو شرط التفاوت في الربح مع التساوي في المال، أو تساويهما فيه مع التفاوت فيه، فإن جعل الزيادة للعامل منهما أو لمن كان عمله أزيد صحّ بلا إشكال (1)،

لو شرط تفاوت الربح مع تساوي المالين أو بالعكس

(1) 1- و الوجه في نفي الإشكال في ذلك أوّلًا: أنّه مقتضي العدل بعد تساوي المالين. و ثانياً: حصول الاتّفاق و عدم الخلاف في ذلك، كما قال في الجواهر: «بل لا خلاف فيه بينهم علي ما اعترف به جماعة» «1».

و

لكن قال في الشرائع- بعد الحكم بصحّته-: «إنّه بالقراض أشبه». و أشكل عليه في الجواهر «2». أوّلًا: بعدم قصد القراض، و ثانياً: بعدم تماميته فيما إذا عملا معاً و كان عمل أحدهما أكثر، و ثالثاً: بعدم كون رأس المال من النقود. و كلامه متين و إشكاله وارد.

و علي أيّ حال لا إشكال في صحّة اشتراط الزيادة للعامل من الشريكين أو لمن كان له عمل أكثر.

و قد وجّه السيد الخوئي الصحّة في المقام برجوع الشرط المزبور في المقام إلي اشتراط عقد المضاربة في ضمن عقد الشركة، و هذا يخالف ما يظهر من صاحب الشرائع؛ حيث إنّ ظاهر قوله: «إنّه بالقراض أشبه» أنّ نفس عقد الشركة المشروط بذلك من قبيل المضاربة، و لكن ظاهر كلام هذا العَلَم أنّ عقد الشركة علي ما هو

______________________________

(1)- جواهر الكلام 26: 301.

(2)- نفس المصدر: 302.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 118

______________________________

عليه، إلّا أنّ مرجع الاشتراط فيه إلي اشتراط عقد المضاربة.

ثمّ إنّ هذا العَلَم أجاب عن إشكال صاحب الجواهر بنفي محذور عدم كون رأس المال من النقود. و علّل ذلك بأنّ اعتبار كون رأس المال من النقدين- لو تمّ في المضاربة- فهو إنّما في المضاربة المستقلّة، دون ما إذا كان في ضمن عقد الشركة مثل المقام. و بيّن السرّ فيه أنّه لا دليل علي اعتبار ذلك هناك إلّا الإجماع. و هو دليل لبّي و حجّة في القدر المتيقّن منه، و القدر المتيقّن منه ما إذا كانت المضاربة مستقلّة، فهو قاصر عن إثبات اعتباره فيما إذا كانت المضاربة في ضمن عقد الشركة. هذا مضافاً إلي تحقّق الإجماع علي جواز اشتراط ذلك في المقام.

و فيه: أنّه لو ثبت اعتبار قيد أو شرط في

صحّة معاملة بأيّ دليل فإنّما هو ثابت لطبيعي تلك المعاملة و ماهيته. و ما اعتبر في ماهية معاملةٍ، لا يسقط اعتباره فيها باشتراطها في ضمن عقد آخر. فهل تري لو اشترط بيع شي ءٍ في عقد إجارة أو عكسه أن يسقط لذلك بعض شرائط الإجارة أو البيع؟! فكذلك الكلام في المقام.

هذا، مع أنّ من أهمّ أركان المضاربة كون المال من أحدهما و العمل من الآخر. و المال في الشركة لهما معاً، كما أنّ العمل ربما يكون منهما معاً. فهي خارجة عن حقيقة المضاربة.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 119

و إن جعلت لغير العامل أو لمن لم يكن عمله أزيد، ففي صحّة العقد و الشرط معاً، أو بطلانهما، أو صحّة العقد دون الشرط، أقوال أقواها أوّلها (1).

______________________________

لو جعلت الزيادة لغير العامل أو ذي العمل الأكثر

(1) 1- مقصوده تقوية القول بصحّة الشرط و العقد معاً، كما اختاره صاحب العروة «1». و هذا أحد الأقوال الثلاثة في المسألة. و قد اختار هذا القول السيد المرتضي في الانتصار «2»، و العلّامة في التذكرة و التحرير و التبصرة و المختلف. و نقله أيضاً في المختلف «3» عن والده و عن ظاهر ابن الجنيد. و وافقه ولده فخر المحقّقين «4». كلُّ ذلك نقله الشهيد في المسالك «5» و المحقّق الكركي في جامع المقاصد «6» و المحدّث البحراني «7» و غيره «8».

و قد اختار في الجواهر الصحّة حينئذٍ مطلقاً، حتّي إذا لم يعمل الشريكان، بل نمي المال في نفسه، فشرط لأحدهما زيادة في الربح مع تساوي المالين أو شرط تساويه مع اختلافهما. و بذلك أشكل علي العلّامة و غيره من اشتراط الصحّة بعملهما

______________________________

(1)- العروة الوثقي 5: 280.

(2)- الانتصار: 227.

(3)- مختلف الشيعة: 479.

(4)- إيضاح الفوائد 2: 301.

(5)- مسالك الأفهام 4:

311.

(6)- جامع المقاصد 8: 24.

(7)- الحدائق الناضرة 21: 163.

(8)- رياض المسائل 9: 60؛ مفتاح الكرامة 7: 401؛ جواهر الكلام 26: 300.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 120

______________________________

أو عمل أحدهما. قال في الجواهر- بعد بحث طويل في ذلك و توجيه القولين الآخرين-: «هذا كلّه مماشاة مع الخصم، و إلّا فالمتّجه الصحّة مطلقاً، حتّي إذا لم يعملا، بل نمي المال في نفسه، فما في القواعد من اشتراط الصحّة بذلك- قال: و لو شرط التفاوت مع تساوي المالين أو التساوي مع تفاوته فالأقرب جوازه إن عملا أو أحدهما؛ سواء شرطت الزيادة له أو للآخر- في غير محلّه؛ ضرورة انحصار السبب في استحقاق الزيادة فيما فرضه بالشرط المتحقّق في الصورتين كما هو واضح، و بذلك كلّه ظهر لك ما في كلام جملة من الأصحاب كالكركي و ثاني الشهيدين و أتباعهما» «1».

القول الثاني: بطلان الشرط و عقد الشركة معاً. و قد ذهب إليه الشيخ الطوسي «2» و صاحب الشرائع و ابن إدريس في السرائر و جماعة آخرون منهم ابن البرّاج في جواهر الفقه «3» و المحقّق الكركي في جامع المقاصد «4» و شرح الإرشاد و اللمعة و المفاتيح.

القول الثالث: ما حكي عن الغنية و النافع و جامع الشرائع. و في المسالك: قال به أبو الصلاح الحلبي. و هو صحّة الشركة دون الشرط، و كون شرط الزيادة إباحة لها و جواز الرجوع فيها ما دامت عينها باقية. فإنّه- بعد ذكر شروط صحّة عقد الشركة- قال: «فإذا تكاملتْ هذه الشروط، انعقدت الشركة و أوجبت لكلّ واحدٍ من الشريكين من الربح بمقدار ماله و من الوضيعة بحسبه. فإن اصطلحوا في الربح علي

______________________________

(1)- جواهر الكلام 26: 302.

(2)- المبسوط 2: 349؛ الخلاف 3: 332،

المسألة 9.

(3)- جواهر الفقه: 73، المسألة 247.

(4)- جامع المقاصد 8: 25.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 121

______________________________

أكثر من ذلك، حلّ تناول الزيادة بالإباحة، دون عقد الشركة. و يجوز لمبيحها الرجوع بها ما دامت عينها قائمة. و إن اشتُرط في عقد الشركة تفاضلٌ في الوضيعة، صحّت الشركة و بطل الشرط و كان الوضيعة بحسب الأموال، إلّا أن يتبرّع أحد الشريكين علي الآخر. فإن كان أحد الشريكين عاملًا في البضاعة فجعل له الآخر فضل الربح بإزاء عمله، لم يمض الشرط و كان للعامل أجر عمله و من الربح بحسب ماله. و إن كانا متساويين في العمل لم يكن لأحدهما أجرٌ» «1».

و قد اختار هذا القول السيد الخوئي «2».

و قد استدل السيد الخوئي «3» للقول الثالث- و هو صحّة عقد الشركة و فساد الشرط بما حاصله: أنّ اشتراط الزيادة لغير العامل أو لغير ذي العمل الأكثر، و إن لا ينافي مقتضي عقد الشركة، إلّا أنّه مخالف للسنّة الدالّة علي تبعية النماء و الربح للمال، فهو شرط مخالف للسنّة فيصير فاسداً، دون عقد الشركة.

و قال في بيان ذلك ما لبُّه: إنّ مقتضي السنّة كون الربح لصاحب المال؛ لما دلّت عليه من تبعية الربح للمال في الملكية.

فإذا كان الربح المشترط كونه لغير صاحب المال، موجوداً بالفعل و داخلًا في ملك الشارط- كما لو كان ربحاً لتجارة سابقة- فلا مانع من اشتراط كونه للغير؛ لأنّ المالك مسلّط علي ماله يتصرّف فيه كيف شاء.

و أمّا إذا لم يكن موجوداً بالفعل- كما هو مفروض المسألة- يكون اشتراط ملكيته للغير من قبيل تمليك المعدوم. و من المسلّم اعتبار كون ما يراد تمليكه

______________________________

(1)- الكافي في الفقه: 343.

(2)- المباني في شرح العروة الوثقي 31:

201- 202.

(3)- نفس المصدر: 258- 259.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 122

______________________________

موجوداً حال الاشتراط و داخلًا في ملك المملِّك. و من هنا لا يصحّ تمليك المعدوم.

و لأجل ذلك لم يتوقّف أحدٌ في بطلان هذا الشرط في ضمن عقد البيع؛ كأن يشترط البائع علي المشتري في بيع عقد الدار أن يكون أرباح بستانه له. و من الواضح عدم كون الشرط مشرّعاً، بل إنّما تدلّ أدلّة الشرط علي لزوم الوفاء به إذا كان في نفسه مشروعاً سائغاً غير مخالف للكتاب و السنّة. فلا مناص إذاً من تحكيم قاعدة تبعية الربح للمال.

و لا يخفي أنّ ظاهر كلام هذا العَلَم و إن يرجع إلي الاستدلال في المقام بوجهين مستقلّين. أحدهما: قاعدة التبعية. و الآخر: قاعدة تمليك المعدوم.

و لكن التأمّل يقضي برجوع الوجه الأوّل إلي الثاني، بل الاستدلال يتوقف علي الوجه الثاني، و إلّا فقاعدة التبعية تقتضي خلاف مطلوب هذا العَلَم.

بيان ذلك: أنّ قاعدة «الناس مسلّطون علي أموالهم» تقتضي جواز جميع تصرّفات المالك علي ماله و ما يتّبعه من النماءات و الأرباح؛ لأنّ الفرع تابعٌ للأصل و الربح تابعٌ للمال. فإذا كان مسلّطاً علي ماله فكذلك علي ما هو تابعٌ له. فكما يجوز تصرُّفه في عين ماله، فكذلك يجوز تصرّفه في ما يتّبعه من النماءات و الأرباح بمقتضي قاعدة السلطنة.

و لكن لمّا كان الربح الحاصل بتجارة المال معدوماً حين إنشاء عقد الشركة، و ليس من قبيل ما كان منشؤه بيد الإنسان في كلّ آنٍ، كما في منفعة العمل الذاتية في إجارة الأشخاص- لما بيّنّاه سابقاً أنّها في حكم المال- و لمّا كان من شرط صحّة تمليك الشي ء كونه مملوكاً للمملِّك، و المعدوم لا وجود له حتّي يكون مملوكاً،

فلا يصحّ تمليك حصّة من الربح- الحاصل بالتجارة بالمال المشترك في المستقبل- لأنّها معدومة غير قابلة للتمليك و التملُّك.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 123

______________________________

و علي أيّ حال فساد هذا الشرط لا يوجب فساد عقد الشركة؛ نظراً إلي ما حقِّق و ثبت في محلّه من عدم فساد العقد بفساد الشرط.

ثمّ إنّ هذا العَلَم ردّ التفصيل بين شرط ملكية أحدهما الزيادة ابتداءً و بنفس العقد؛ بأن ينتقل المقدار الزائد إليه قبل أن يدخل شي ءٌ منه في ملك الشريك الشارط، فيحكم ببطلانه لمخالفته للسنّة، و بين شرط تملّكه لها بعد دخوله في ملك الشريك و لو آناً ما فيصحّ؛ نظراً إلي عدم منافاة الثاني لقاعدة التبعية.

و علّل ردّ ذلك بأنّ شرط الفعل أيضاً يتضمّن تمليك المعدوم حال الاشتراط، و إن لا ينافِ قاعدة تبعية الربح لأصل المال.

ثمّ استدلّ لإثبات مرامه، من صحّة العقد مع فساد الشرط- مضافاً إلي ما بني عليه من مقتضي القاعدة، من عدم بطلان العقد بفساد الشرط- بصحيحة

رفاعة، قال: سألت أبا الحسن موسي عليه السلام عن رجل شارك رجلًا في جارية له، و قال: إن ربحنا فيها فلك نصف الربح، و إن كانت وضيعة فليس عليك شي ءٌ، فقال: «لا أري بهذا بأساً إذا طابت نفس صاحب الجارية» «1».

بتقريب أنّ المشار إليه بهذا في قوله عليه السلام:

«لا أري بهذا بأساً»

هو الشرط.

و ظاهره فساد الشرط؛ لدلالة ما ورد فيها من تعليق نفي البأس علي طيبة نفس صاحب الجارية علي ذلك؛ حيث إنّه لو كان الشرط صحيحاً لم يكن وجهاً لاعتبار طيب النفس، بل لكان الشرط نافذاً مطلقاً و كان صاحب الجارية مجبوراً عليه، سواءٌ أطابت نفسه أم لا.

و ليس المشار إليه نفس العقد. و

ذلك لأنّ حصول طيب نفس صاحب الجارية أمرٌ مفروغ عنه؛ لفرض إقدامه علي عقد التشريك، فلا معني لتعليق جواز العقد

______________________________

(1)- وسائل الشيعة 19: 7، كتاب الشركة، الباب 1، الحديث 8.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 124

______________________________

علي طيب نفسه بعد فرض كونه هو الذي أقدم علي العقد.

هذا، و لكن في استشهاده بهذه الصحيحة ما لا يخفي؛ إذ الصحيحة تدلّ بوضوح علي صحّة الشرط؛ نظراً إلي وضوح ظهور قوله عليه السلام:

«لا أري بهذا بأساً»

في صحّة الشرط- و هو شرط عدم كون شي ءٍ من الوضيعة عليه- و أمّا قوله عليه السلام:

«إذا طابت … »

فهو بيان لاعتبار كون الاشتراط المزبور عن طيب نفس صاحب الجارية، و عدم كفاية مجرّد ذكر الشرط لفظاً و المقصود أنّه إذا رضي بذلك الشرط الذي بضرره فاشترطه باختياره و إرادته فلا بأس. و هذا التعبير في الجواب عن السؤال المزبور في مثل هذا المورد متعارفٌ. و ليس المراد به التعليق حقيقةً، فلا يضرّ بصحّة الشرط.

تصحيح الشرط بنحو شرط الفعل

و هاهنا صورة من الاشتراط لا يستلزم محذور تمليك المعدوم. و هي اشتراط هبة مقدار من الربح لأحدهما- زائداً عن استحقاقه- بنحو شرط الفعل. بأن يلتزم بهذا الاشتراط فعل تمليك ذلك المقدار عند حصول الربح. فلا يلزم حينئذٍ محذور تمليك المعدوم؛ لعدم كون التمليك فعلياً حال كون الربح معدوماً، بل إنّما هو حاصل بعد حصول الربح و تحقّقه في الخارج، إلّا أنّ الالتزام بذلك فعليٌّ بنفس الاشتراط.

بل يمكن دعوي ظهور اشتراط زيادة الربح لغير العامل أو لمن كان عمله أقلّ في الاشتراط بهذا المعني؛ لأنّه المتفاهم العرفي بعد وجود القرينة الصارفة الارتكازية العقلائية- بل العقلية- علي امتناع تمليك المعدوم و خروجه عن مراد طرفي الشرط. و هذه

القرينة الارتكازية العرفية تعطي الظهور للاشتراط المزبور في المعني الأخير؛ أي شرط فعل تمليك الربح عند حصوله.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 125

______________________________

و يمكن تصحيح هذا الشرط أيضاً بنحو آخر، و هو كون الاشتراط راجعاً إلي تعلُّق التمليك الفعلي بالربح الموجود في ظرف تحقّقه. و هذا يرجع في الحقيقة إلي تعليق متعلّق التمليك، لا التعليق في نفس التمليك حتّي تأتي شبهة استحالة التعليق في إنشاء التمليك. كما يمكن تصحيح التعليق في العقود و دفع شبهة استحالة التعليق في العقود بهذا النحو.

و حاصل هذا الوجه أنّ التمليك فعلي و يُنشأ بنفس الاشتراط، إلّا أنّه تعلّق بالربح الحاصل الموجود في ظرف وجوده عند ما حصل بالاتّجار، و إن شئت فقل: إنّ متعلّق التمليك إنّما هو معلّق علي تحقّقه و وجوده الخارجي، لا نفس التمليك.

و هذا التصحيح أوفق بالمتفاهم العرفي و أقرب إلي ارتكاز أهل العرف من توجيه الاشتراط المزبور بشرط الفعل.

و الشاهد علي ذلك أنّه لا ينتظر الشريك المشروط له بعد حصول الربح تمليك الشارط القدر الزائد له، بل يراه داخلًا في ملكه بمجرّد حصوله و يتملّكه من دون انتظار لتمليكه من جانب الشارط. و هذا الارتكاز يكشف عن حصول التمليك بنفس الاشتراط و أنّه كان فعلياً. و عليه فالظاهر عرفاً من الاشتراط المزبور ما قلناه.

و لا فرق في ذلك بين اشتراطها للعامل أو لغيره، و لا بين اشتراطها لمن كان عمله أكثر أو أقلّ. فالمحذور المزبور مرتفع في كلتا الصورتين، و لو لا حلّ هذه العويصة بالتوجيه الذي ذكرنا، فلا مناص منها في كلتا الصورتين بلا فرق بينهما، اللّهمّ إلّا أن تخرج الصورة الاولي- أي صورة اشتراطها للعامل أو أكثر عملًا- بالإجماع.

دليل تحرير الوسيلة

- الشركة و القسمة، ص: 126

______________________________

و عليه فكما يصحّ عقد الشركة، فكذلك يصحّ اشتراط تخصيص مقدار من الربح بأحد الشريكين، من دون أيّ محذور. و لا ملزم لنا حينئذٍ لتصحيح الشرط أن نلتجئ إلي التمسّك بعدم سراية الفساد من الشرط إلي العقد، كما التجأ إليه هذا العَلَم.

دليل بطلان العقد و الشرط كليهما

و قد استدلّ الشهيد في المسالك «1» لبطلان العقد و الشرط كليهما في المقام.

أوّلًا: بأنّ الصحّة بحاجة في إثباتها إلي دليل، و هو منتفٍ في المقام؛ لأنّ أسباب الملك معدودة و ليست عقد الشركة منها. و لم يقع اشتراطها في عقد معاوضة حتّي تضمّ إلي أحد العوضين، و لا عقد هبة في البين ليقتضي ملكيتها.

و عليه فيكون اشتراطها من قبيل اشتراط كون مال للغير بغير سبب ناقل للملك، مثل ما لو دفع إليه دابّة للكراء مبنيّاً علي كون الاجرة الحاصلة لهما، فيبطل العقد المتضمّن لذلك؛ حيث لم يقع سهم الشخص المدفوع إليه الدابّة في مقابل عوض، بل يرجع إلي الجمع بين العوض و المعوّض. و ما نحن فيه من هذا القبيل في الحقيقة. فلا يندرج في الأمر بالإيفاء بالعقود، و لا في عموم

«المؤمنون عند شروطهم».

و ليست الشركة تجارة لكي تصحّ لأجل حصول التراضي باندراجها في آية التراضي، إلّا أن يكون الشرط للعامل فيكون معاوضةً و تجارة؛ نظراً إلي وقوع الزيادة بإزاء العمل حينئذٍ.

و ثانياً: بأنّه أكل المال بالباطل؛ لأنّ الزيادة لا عوض في مقابلها لكي تقع

______________________________

(1)- مسالك الأفهام 4: 312.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 127

______________________________

بإزائها؛ لفرض عدم كونها بإزاء عمل «1».

إن قلت: التصرّف في مال الغير إنّما يكون حراماً و أكلًا بالباطل إذا لم يكن برضا المالك و طيب نفسه. و أمّا إذا كان بطيب

نفسه و رضاه- كما في المقام- فلا يكون حراماً.

قلت: ليس مقصود الشهيد حرمة أصل التصرّف؛ لوضوح ارتفاعها بإذن المالك و رضاه و إباحته للتصرّف، بل مراده منع جواز التصرّف المالكي المتوقّف علي حصول التمليك، كما هو المراد من قوله تعالي: «لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ» «2»؛ لأنّ من الواضح جواز التصرّف في مال الغير بإذنه و رضاه و إباحته كتصرّف الضيف في مال المضيف، بل مطلق موارد التصرّف في مال الغير عند رضاه و طيب نفسه، مع عدم صدق عنوان التجارة و المعاوضة في شي ءٍ من هذه الموارد.

______________________________

(1)- قال قدس سره في تعليل فساد العقد و الشرط: لانتفاء دليل يدلّ علي الصحّة، و لأنّه أكل مالٍ بالباطل، لأنّ الزيادة ليس في مقابلها عوض، لأنّ الفرض أنّها ليست في مقابله عمل، و لا وقع اشتراطها في عقد معاوضة لتضمّ إلي أحد العوضين، و لا اقتضي تملّكها عقد هبةٍ، و الأسباب المثمرة للملك معدودة، و ليس هذا أحدها، فيكون اشتراطها اشتراطاً لتملّك شخص مال غيره بغير سببٍ ناقلٍ للملك، كما لو دفع إليه دابّة يحمل عليها، و الحاصل لهما، فيبطل العقد المتضمّن له؛ إذ لم يقع التراضي بالشركة و الإذن في التصرّف، إلّا علي ذلك التقدير و قد تبيّن فساده، فلا يندرج في الأمر بالإيفاء بالعقود، و لا في «المؤمنون عند شروطهم». و ليست الشركة تجارةً إلّا أن يكون الشرط للعامل، و جوازه مسلّم، فلا تتناوله آية التراضي. و هذا يتمّ مع عدم زيادة عمل ممّن شرطت له الزيادة و إلّا لكان معاوضة و تجارة، و لم يرد عليه ما ذكر، فينبغي علي هذا تقييد الجواز بذلك. مسالك الأفهام 4: 312.

(2)-

النساء (4): 29.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 128

______________________________

و فيه: أنّا نمنع عدم كون عقد الشركة من قبيل التمليك، و إلّا كيف يدخل نصف مال كلّ منهما في ملك الآخر و يتحقّق الإشاعة في ملكية جميع أجزاء المال لهما؟! فعقد الشركة في الحقيقة يتضمّن قصد تمليك كلٍّ منهما نصف ماله للآخر، و بذلك تحصل لهما ملكية جميع أجزاء المال المشترك علي وجه الإشاعة، فما من جزءٍ منه إلّا و هو ملك لهما معاً. و هذه الملكية الإشاعية، و إن حصلت بنفس المزج و نحوه من سائر أسباب الشركة، إلّا أنّه لمّا تعلّق القصد بها بإنشاء عقد الشركة يصير بذلك تمليكاً معاوضياً.

بمعني أنّهما يتراضيان بالملكية الإشاعية علي أن يدخل نصف مال كلّ منهما في ملك صاحبه متقابلًا و علي وجه المعاوضة. و إن شئت فقل: يقصد كلٌّ منهما أن يدخل نصف ماله في ملك الآخر بإزاء دخول نصف مال صاحبه في ملكه. و إنشاء عقد الشركة مبنيّ علي هذا القصد بشهادة الوجدان و الارتكاز و المتفاهم العرفي من إنشاء عقدها بمثل قولهما: «اشتركنا أو شاركنا».

و عليه فعقد الشركة من قبيل المعاوضة و التجارة في الحقيقة. و ذلك لأنّ كلّ واحد من الشريكين يقصد بإنشاء عقد الشركة كون نصف ماله لشريكه بإزاء دخول نصف مال شريكه في ملكه. نعم لا يتلفّظان بهذا التمليك، إلّا أنّه مطوي و منوي في قولهما: «تشاركنا أو اشتركنا» بالارتكاز و حسب المتفاهم العرفي. و هذا من إحدي فوائد إنشاء عقد الشركة الدافعة لمحذور اللغوية. فتصير الشركة به عقداً معاوضياً.

و بعبارة اخري: يكشف إنشاء عقد الشركة عن تعلّق رضاهما المعاملي بالشركة؛ بأن يدخل نصف ماله في ملك شريكه بالإشاعة بإزاء دخول

نصف مال شريكه في ماله علي الإشاعة. فإنّ بهذا الالتزام المعاملي و الرضا المعاوضي- الذي هو روح الشركة العقدية- يصير عقد الشركة معاوضياً.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 129

______________________________

و العجب من الشهيد أنّه ينكر كون عقد الشركة من أسباب الملك، مع أنّه يعترف قطعاً بحصول الملكية المشاعة حقيقةً للشريكين في جميع أجزاء المال المشترك بنفس عقد الشركة. فهل هي إلّا ملكية جديدة حاصلة بعقد الشركة و لم تكن من قبل، و لا سيّما بناءً علي عدم اعتبار الامتزاج في عقد الشركة.

و بما بيّنّاه اتّضح وجه عدم كون التصرّف في الزيادة المشترطة من الربح لغير العامل أكلًا بالباطل؛ نظراً إلي صحّة الشرط، بل لزوم الوفاء به لوقوعه في ضمن عقد شرعي.

مقتضي التحقيق في المقام

فتحصّل أنّ مقتضي التحقيق صحّة عقد الشركة في مفروض المسألة مطلقاً، سواءٌ أقلنا بفساد الشرط المزبور أم قلنا بصحّته.

و أمّا الشرط نفسه، فإذا كان علي نحو شرط النتيجة يفسد مطلقاً، من دون فرق بين نحويه المشار إليهما في التفصيل الذي ردّه السيد الخوئي آنفاً؛ نظراً إلي لزوم محذور تمليك المعدوم في النحوين منه.

و أمّا إذا كان علي نحو شرط الفعل، أو كان راجعاً إلي تعلُّق التمليك الفعلي بالربح المتحقّق في ظرفه- الذي مرجعه إلي تعليق متعلّق التمليك- بالبيان المتقدّم منّا، فلا إشكال في صحّته كما قلنا.

فحاصل التحقيق: صحّة العقد مطلقاً في المقام، و صحّة الشرط المزبور إذا كان علي نحو شرط فعل تمليك الزائد عند حصول الربح. فالحقّ مع السيد الماتن قدس سره علي النحو الذي فصّلناه.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 130

[بعض خصوصيات الشركة]

(مسألة 11): العامل من الشريكين أمين

اشارة

(1)، فلا يضمن التلف إلّا مع التعدّي أو التفريط. و إن ادّعي التلف قبل قوله (2).

______________________________

العامل من الشريكين أمين

(1) 1- قال العلّامة في القواعد: «الشريك أمين لا يضمن ما تلف في يده، إلّا بتعدٍّ أو تفريط». و علّله في جامع المقاصد «1» بأنّه وكيل عن جانب شريكه.

و يفهم من كلام صاحب الشرائع تعليل عدم ضمانه بأنّه أمين؛ حيث قال:

«و لا يضمن الشريك ما تلف في يده؛ لأنّه أمانة، إلّا مع التعدّي أو التفريط في الاحتفاظ». و في الجواهر «2» نفي الخلاف و الإشكال عن ذلك و الدليل علي ذلك- بعد التسالم- ما دلّ من النصوص علي نفي الضمان عن الأمين. و أمّا كون العامل أميناً فهو ثابت بالوجدان العرفي مع دلالة النصوص علي ذلك أيضاً «3».

(2) 2- يُحتمل في مقصود السيد الماتن من هذه الفقرة وجهان:

الأوّل: كون مراده صورة تخاصم

الشريكين في أصل تلف المال المشترك بيد العامل فيدّعيه العامل و يُنكره شريكه فيُقبل حينئذٍ قول العامل؛ لأنّه أمين و لا يطالب بالبيّنة. و هو كذلك ما دام لم يكن متّهماً، لما دلّ من النصوص علي عدم قبول قوله إذا كان متّهماً و قد سبق البحث عن مفاد هذه النصوص في كتاب المضاربة.

______________________________

(1)- جامع المقاصد 8: 27.

(2)- جواهر الكلام 26: 308.

(3)- راجع وسائل الشيعة 19: 155، كتاب الإجارة، الباب 32 و 19: 79، كتاب الوديعة، الباب 4 و 19: 96، كتاب العارية، الباب 3.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 131

و كذا لو ادّعي الشريك عليه التعدّي و التفريط و قد أنكر (1).

______________________________

الثاني: أن يكون مقصوده دعواه التلف بمعني عدم إتلافه بالتعدّي و التفريط؛ لأنّه الظاهر من لفظ التلف. فحينئذٍ قول العامل و إن يكن دعوي بحسب متن كلامه و لفظه، إلّا أنّ مصبّه و مرجعه إلي إنكار التعدّي و التفريط. فهو يدعي في الحقيقة تلف المال بغير تعدّيه و تفريطه. و مرجع ذلك إلي إنكار التعدّي و التفريط.

و الاحتمال الثاني هو الأنسب إلي عنوان المسألة بأنّ العامل لا يضمن التلف، إلّا مع التعدّي و التفريط. فإنّ ذيل المسألة تفريع علي صدرها.

(1) 1- و قد نفي الخلاف و الإشكال في الجواهر عن قبول قوله مع يمينه. و لكنّه علّله بأنّه منكرٌ، و البيّنة علي المدّعي و اليمين علي من أنكر؛ هذا.

لما ذا يكون علي العامل اليمين في قبول إنكاره؟

و لكن يخطر بالبال في البداية أنّ قاعدة المدعي و المنكر لا تجري في حقّ العامل، بل إنّما هي المرجع في غيره. و ذلك لأنّ وجه تقديم قوله إنّما هو كونه أميناً، و الأمين مقبول قوله و مصدَّق في دعواه مطلقاً، سواءٌ كانت

في أصل التلف أو في مقداره. و ذلك بدليل النصوص المتواترة و اتّفاق الأصحاب، من دون فرق في ذلك بين ما رجع قوله إلي الدعوي و صدق عنوان المدّعي عليه، و بين رجوعه إلي الإنكار و دخوله في عنوان المنكر. و قد سبق ذكر هذه النصوص و تحقيق مفادها في كتاب المضاربة.

و عليه فالأمين لا يحتاج لإثبات دعواه إلي البيّنة، بل يكتفي بيمينه؛ بخلاف غير الأمين؛ فإنّه يحتاج في إثبات دعواه إلي البيّنة. فالاستناد إلي قاعدة المدّعي و المنكر في مورد الأمين في غير محلّه.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 132

______________________________

و كذلك الكلام في الحاجة إلي اليمين إذا كان العامل منكراً؛ نظراً إلي عدم جريان قاعدة «و اليمين علي من أنكر» في حقّ العامل المنكر؛ لأنّه أمينٌ مصدّق في قوله مطلقاً، سواءٌ أ كان مدعياً أم منكراً.

و لكنّ الفقهاء مع ذلك قد حكموا بلزوم اليمين علي العامل، و إن كان أميناً كما في الجواهر «1» و غيره، بلا فرق بين كونه مدّعياً أو منكراً. و لا يخفي عليك أنّه منافاة في البين. و السرّ في ذلك أنّ مقتضي كونه أميناً نفي الضمان عنه فيما إذا تلف ما بيده من غير تعدّ و تفريط، بخلاف غير الأمين، فإنّه يضمن مطلقاً.

و أمّا إثبات كون التلف بغير تعدٍّ و تفريط، فهو بحاجة إلي الدليل، و كونه أميناً لا يُغنيه من ذلك. و لمّا يرجع قوله إلي إنكار التعدّي و التفريط من جانبه مطلقاً- و لو كان بصورة الدعوي ظاهراً- فعليه أن يحلف لإثباته؛ لأنّه منكر، و اليمين علي من أنكر. نعم بعد ما ثبت عدم التعدّي و التفريط بيمينه يُنفي عنه الضمان بمقتضي كونه أميناً. بخلاف

ما لو لم يكن أميناً، حيث لا ينفع إثبات عدم تفريطه باليمين لنفي الضمان عنه؛ لأنّه ضامن مطلقاً، و إن تلف ما في يده بغير تفريطه و تعدّيه.

و عليه فقاعدة «المدّعي و المنكر» إنّما تُثبت موضوع قاعدة «لا ضمان علي الأمين»، و هو التلف بغير تعدٍّ و تفريط.

و اتّضح ممّا بيّنّاه وجه حكمهم بيمينه لإثبات دعواه، و هو رجوع دعواه في الحقيقة إلي إنكار التفريط و التعدّي من جانبه.

______________________________

(1)- جواهر الكلام 26: 308.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 133

(مسألة 12): عقد الشركة جائز من الطرفين

اشارة

(1)، فيجوز لكلّ منهما فسخه فينفسخ.

______________________________

الشركة عقد جائزٌ

(1) 1- قد اشتهر التعبير بذلك بين الفقهاء، كالمحقّق الحلّي و العلّامة و المحقّق الكركي و الشهيد الثاني و غيرهم. بل عن الغنية و التذكرة الإجماع عليه. و هل الجواز هاهنا بمعني زوال أصل الشركة بالفسخ، أو بمعني جواز رفع الإذن و مطالبة القسمة لكلّ من الشريكين؟ ينبغي فيه التحقيق.

قال العلّامة في القواعد: «و يجوز الرجوع في الإذن و المطالبة بالقسمة؛ إذ الشركة من العقود الجائزة من الطرفين» «1».

و علّله في جامع المقاصد بقوله: «لمّا كانت الشركة عبارة عن توكيل و توكّل، كان فسخها جائزاً من الطرفين كالوكالة، فمتي رجعا عن الإذن انفسخت من الجانبين» «2». و ظاهره فسخ أصل الشركة لظهور التعليل في انتفائها و زوالها بالفسخ كزوال التوكيل به.

______________________________

(1)- قواعد الأحكام 2: 327.

(2)- جامع المقاصد 8: 22.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 134

______________________________

و قال في الشرائع: «و لكلّ من الشركاء الرجوع في الإذن و المطالبة بالقسمة، لأنّها غير لازمة» «1» و قال في المسالك في شرحه: «الشركة بمعنييها غير لازمة» «2».

و مقصوده من المعنيين الشركة العقدية و غيرها. ثمّ استظهر من قول المحقّق:

«و

المطالبة بالقسمة» غير العقدية، بل جعلها من أحكام الشركة. و من قوله:

«الرجوع في الإذن» العقدية.

ثمّ جعل الأنسب في قوله: «غير لازمة» أن يكون إشارة إلي العقدية.

و لكن يظهر من الجواهر «3» أنّ الجواز في المقام إنّما هو بمعني الرجوع عن الإذن في التصرّف. و ذلك لأنّ عقد الشركة تارة: يراد به التزام كلّ واحد من الشريكين بإذن صاحبه بالتصرّف في سهمه. فهذا في الحقيقة ليس عقداً، بل من أحكام الإذن. و إنّه ليس من العقود قطعاً، نحو الإذن في دخول الدار و أكل الطعام، بل لو جُعل الإذن في المقام عقداً، فليس إلّا وكالةً، لا شركةً.

و اخري: يراد به إنشاء الشركة بمثل صيغة: «اشتركنا»، أو «شاركنا». و إنّه عقد لازمٌ لا ينافيه بطلان الشركة بالقسمة، كما لا ينافي لزوم البيع الإقالة «4».

و حاصل كلامه: أنّ الذي هو عقد جائزٌ من الطرفين و ينفسخ، هو عقد الشركة المنشأ للإذن في التصرّف، بل ليس عقداً في الحقيقة و إنّما هو مجرّد إذن في التصرّف. فلمّا كان ثبوته بالإذن يزول بالفسخ، فلا يجوز حينئذٍ لهما التصرّف في المال المشترك.

______________________________

(1)- شرائع الإسلام 2: 107.

(2)- مسالك الأفهام 4: 315.

(3)- جواهر الكلام 26: 306.

(4)- راجع جواهر الكلام 26: 302.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 135

______________________________

و كلامه- مع ما له من المتانة- لا يخلو من مناقشة. و هو أنّ عقد الشركة لو كان بمعني التزام كلٍّ من الشريكين إذن الآخر بالتصرّف في ماله لا مانع من إطلاق عنوان العقد عليه. و أمّا لو كان بمعني سبب الملكية الإشاعية أو الإشاعة في الملكية، فلا يمكن الالتزام بسببيته لذلك؛ لفرض حصول الإشاعة في الملكية بالمزج و نحوه، فلا معني لسببية العقد لذلك.

فلا دخل للعقد في أصل حصول الشركة.

و عليه فالشركة الحاصلة بالمزج و نحوه، ليست عقداً فضلًا عن اتّصافه باللزوم. فلا مناص من تعيُّنه في المعني الأوّل؛ أي بمعني التزام كلٍّ من الشريكين إذن الآخر بالتصرّف. و يمكن عدّه عقداً بضربٍ من العناية.

و إنّ للمحقّق الخوئي بياناً آخر نظير ذلك في المقام. و حاصله: أنّ الجواز في المقام ليس بمعني ارتفاع الشركة و زوالها بالفسخ؛ لأنّها موجودة ما دام لم تتحقّق القسمة في الخارج، بل إنّما هو بمعني جواز مطالبة كلٍّ منهما القسمة و عدم جواز امتناع صاحبه منها.

ثمّ قال في توضيح ذلك ما حاصله: أنّ الشركة تارة: تُلاحظ بالقياس إلي أصل المال، فانفساخها يدور مدار تحقّق القسمة في الخارج؛ لأنّها في الحقيقة الملكية المشاعة الاشتراكية، و هي لا تتبدّل بالملكية الاختصاصية، إلّا بالقسمة.

و اخري: تلاحظ بالقياس إلي الربح الحاصل من التجارة. فإنّ استحقاق الربح إنّما يثبت بإذن الشريك بالتصرّف في سهمه و لا دخل لعقد الشركة في ذلك. و إنّ بقاء الإذن كحدوثه بيد الآذن، فله أن يرجع عن إذنه و يرفعه متي شاء. و إذا رجع لا يجوز لشريكه التصرّف في المال المشترك. و هذا المعني هو المقصود من الجواز في المقام.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 136

______________________________

و كلامه هاهنا متين لا غبار عليه، إلّا أنّه يناقض ما سبق من هذا العَلَم، من عدم كون عقد الشركة مفيداً للإذن بالتصرّف في المال المشترك، بل لا بدّ بعد العقد من إذن كلّ من الشريكين لصاحبه بالتصرّف.

وجه المناقضة أنّه لو لم يكن الإذن ثابتاً بنفس عقد الشركة فكيف يرتفع بالفسخ؟ فلا بدّ من ثبوته بالعقد حتّي يزول بالفسخ.

فتحصَّل أنّ الإذن بالتصرّف في المال المشترك

لمّا كان مستفاداً من نفس إنشاء عقد الشركة بمثل قول: «اشتركنا» أو «شاركنا»، فلا محالة يرتفع الإذن بقوله:

«فسخت عقد الشركة».

و أمّا في دلالته علي مطالبة القسمة محلّ تأمّل، بل الظاهر عدم دلالةٍ للفسخ علي ذلك. بل غاية مدلوله انتفاءُ عقد الشركة، لا أصلها. و إنّما تبقي الشركة علي حالها قبل العقد، قهرية كانت أم اختيارية. و الإشكال بعدم الفائدة لها بعد فسخ العقد، مدفوع بأنّ فائدتها في نماء المال المشترك أو ازدياد قيمتها بنفس المزج أو بارتفاع القيمة السوقية. هذا، مع عدم دَوَران بقاء الشركة مدار وجود فائدة و مصلحة فيها، كما في الشركة القهرية الحاصلة بالمزج القهرية.

فتحصّل أنّ فسخ عقد الشركة إنّما هو بمعني رفع إذن الفاسخ بالتصرّف في المال المشترك، و لا دلالة له علي مطالبة القسمة، بل إنّما ترجع الشركة إلي حالها قبل العقد. و مطالبة القسمة بحاجة إلي دالّ لفظي آخر غير فسخ العقد.

مقتضي التحقيق في المقام

و الذي يقتضيه التحقيق: أنّ فسخ عقد الشركة في المقام إنّما هو بمعني رفع الإذن بالتصرّف في المال المشترك. و إنّه كما يستفاد إذن كلِّ من الشريكين لصاحبه بالتصرّف في ماله، من نفس إنشاء عقد الشركة بالصيغة- كما بيّنّا وجه ذلك

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 137

______________________________

سابقاً- كذلك يستفاد رفع الإذن من فسخ عقد الشركة. و هذا من أحد شواهد كون فائدة إنشاء عقد الشركة إذن كلٍّ من الشريكين صاحبه بالتصرّف في المال المشترك للاتّجار و التكسّب به.

و أمّا أصل الشركة فلمّا كان ثبوته بالمزج و نحوه، و لم يكن لعقد الشركة دخلٌ فيه، لا ينتفي بفسخ العقد، بل إنّما ينتفي بالقسمة المزيلة للملكية الإشاعية الاشتراكية بتبديلها إلي الملكية المفرزة الاختصاصية.

إن قلت: إيجاد عقد الشركة

لمّا كان لغرض الاسترباح بالمال المشترك و تحصيل الربح المشترك بالتجارة، يكون فسخ العقد بمعني انتفاء هذا الغرض و رفع استحقاق سهمٍ من الربح مشاعاً.

قلت: ربح المال المشترك علي قسمين: أحدهما: نماؤه المتصلة و المنفصلة.

و هذا القسم من الربح حاصل من نفس المال المشترك بلا وساطة تجارة أو تكسّب. ثانيهما: الربح الحاصل بالتجارة و التكسّب بالمال المشترك.

و هذا النوع من الربح لمّا يتوقّف حصوله علي التجارة و التكسّب بالمال المشترك و التصرّف فيه، لا يحصل الشركة فيه بمجرّد الشركة في أصل المال- كالنوع الأوّل- بل إنّما تتوقّف الشركة فيها علي إذن الشريك بالتصرّف في ماله للتجارة. فعقد الشركة في الحقيقة يفيد الشركة في هذا القسم من الربح، لا الشركة في النماء.

و عليه ففسخ عقد الشركة يرفع الإذن الذي هو منشأ النوع الثاني من الربح.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 138

و الظاهر بطلان أصل الشركة به فيما إذا تحقّقت بعقدها، لا بالمزج و نحوه (1)، كمزج اللوز باللوز، و الجوز بالجوز، و الدرهم و الدينار بمثلهما. ففي مثلها لو انفسخ العقد يرجع كلّ مال إلي صاحبه، فيتخلّص فيه بالتصالح. و كذا ينفسخ بعروض الموت و الجنون و الإغماء و الحجر بالفلس أو السفه (2).

______________________________

تبطل الشركة المتحقّقة بالعقد بفسخه

(1) 1- و قد فصّل السيد الإمام الراحل في المقام بين ما إذا تحقّقت الشركة أوّلًا بالمزج ثمّ أنشأ الشريكان عقد الشركة، و بين ما إذا تحقّقت الشركة بنفس إنشاء عقدها، من دون تحقّق مزج بين المالين، كما في القيميات و ما شابهها ممّا لا يتحقّق فيه مزج تامٌّ، كمزج الجوز بالجوز و الدرهم و الدينار بمثلهما.

ففي الصورة الاولي حَكم بأنّه لا ينتفي أصل الشركة بالفسخ، بل إنّما ثمرة الفسخ

انتفاء الإذن في التصرّف و استحقاق الربح، بخلاف الصورة الثانية فينتفي حينئذٍ أصل الشركة؛ نظراً إلي تقوّمها في غير موارد المزج بنفس العقد، فإذا انفسخ العقد تنتفي الشركة. فإذاً لا قسمة في البين، بل المتعيّن هو التصالح لو أمكن، و إلّا فالقرعة، كما هو مقتضي القاعدة في القيميات المشتبهة.

(2) 2- و أمّا وجه انفساخ عقد الشركة بالموت و الجنون و الإغماء و الفلس و السفه واضح. و ذلك إمّا لانتفاء الإذن بانتفاء وجود الآذن بالموت. و إمّا لانتفاء اعتبار قوله و فعله و إذنه بالجنون و الإغماء؛ لأنّ المغمي عليه ملحق بالمجنون. و لا يقاس بالنائم حتّي يتوهّم عدم انقطاع الإذن به. و ذلك لأنّ بالنوم لا يزول الإذن السابق الثابت قبل النوم، بل هو باقٍ بعد النوم عرفاً؛ حيث لا يري أهل العرف عروض النوم

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 139

و لا يبعد بقاء أصل الشركة في ذلك مطلقاً (1)؛ مع عدم جواز تصرّف الشريك.

______________________________

موجباً لانقطاع الإذن. و إمّا لمنعه عن التصرّف في ماله، كما في المحجور. فلا اعتبار لإذنه بالتصرّف في أمواله.

(1) 1- أي؛ سواءٌ كان انفساخ العقد بعروض الموت أو الجنون أو الإغماء أو الحجر بالفلس أو السفه. فلم يستبعد السيد الإمام بقاءَ أصل الشركة فيما لو حصل الانفساخ بهذه العوارض و هو الصحيح؛ نظراً إلي عدم دخل للإذن في أصل الشركة الحاصلة بالمزج و نحوه حتّي تزول بالعوارض المزبورة.

و مقتضي التحقيق في المقام ما ذهب إليه السيد الإمام الراحل في المقام.

و حاصله: التفصيل بين ما إذا تحقّقت الشركة بنفس العقد و كانت متقوّمة بإنشائه فتنتفي لا محالة بفسخه و تبطل الشركة من أصلها حينئذٍ، و بين ما إذا كانت

الشركة متحقّقة بسائر الأسباب من مزج أو غيره، فحينئذٍ لا ينتفي أصل الشركة بالفسخ، بل إنّما ينتفي به الإذن بالتصرّف في المال المشترك و استحقاق الربح بالتكسّب به.

و بذلك اتّضح ضعف القول ببقاءِ أصل الشركة في المقام مطلقاً. نعم، بناءً علي اعتبار المزج في الشركة العقدية لا تنتفي أصل الشركة مطلقاً، بل إنّما ينتفي خصوص الإذن بالتصرّف حينئذٍ. و من هنا يرد علي السيد الإمام الراحل إشكال التناقض في المقام. و ذلك لأنّه أفتي في المسألة السابعة باشتراط المزج و احتاط وجوباً بتحقّق سائر أسباب الشركة- غير عقدها- في صحّة عقد الشركة العنانية.

و لكن ظاهره في المقام تحقّق الشركة بعقدها وحده- مع عدم تحقّق أحد أسباب الشركة من المزج و غيره و حَكَم بصحّته قبل الفسخ. اللّهم إلّا أن يقال: إنّ كلامه هاهنا مبتنٍ علي فرض بناء تحقّق الشركة بمجرّد عقدها و بدون سائر أسباب الشركة.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 140

(مسألة 13): لو جعلا للشركة أجلًا لم يلزم

اشارة

(1)، فيجوز لكلّ منهما الرجوع قبل انقضائه، إلّا إذا اشترطا في ضمن عقد لازم عدم الرجوع، فيجب عليهما الوفاء، بل و كذا في ضمن عقد جائز، فيجب الوفاء ما دام العقد باقياً.

______________________________

حكم تأجيل عقد الشركة

(1) 1- و قد سبق نظير هذا الكلام في اشتراط الأجل لعقد المضاربة. و الوجه في عدم لزوم هذا الشرط، بل عدم صحّته، كونه مخالفاً لمقتضي عقد الشركة؛ لأنّه كناية عن لزوم عقد الشركة الجائز من الطرفين. و السرّ في ذلك أنّ المقصود من اشتراط الأجل لعقد الشركة، اشتراط نفي سلطته و عدم قدرته علي فسخه إلي انتهاء ذلك الأجل. و هذا المعني يؤول إلي لزوم العقد و منافٍ لجواز عقد الشركة، كما هو واضح.

بيان ذلك: أنّ

تأجيل عقد الشركة تارة: يكون بمعني إزالة حقّ الرجوع عن الإذن إلي نهاية الأجل المضروب و نفي السلطة علي فسخه إلي ذلك الزمان، فيعود إلي شرط النتيجة المفيد لعدم جواز الفسخ و صيرورة العقد لازماً. و قد فهم المشهور هذا المعني؛ حيث أخذوا التأجيل كناية عن لزوم العقد إلي نهاية الأجل. و هذا المعني مخالف لمقتضي عقد الشركة الذي هو عقد جائز. و من هنا يبطل هذا الشرط و يُصبح لغواً. و من أجل ذلك حكموا ببطلان هذا الشرط و عدم نفوذه.

و اخري: بمعني توقيت أصل ثبوت الإذن و استمراره إلي نهاية الأجل. فيكون الأجل شرط أصل ثبوت الإذن، و لازمه انتفاءُ الإذن بعد مضيّ الأجل لا كنايةً عن لزوم العقد و إزالة حقّ الرجوع و نفي السلطة علي الفسخ، بل بمعني انتفاء الإذن بعد

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 141

______________________________

مضيّ الأجل. و قد سبق نظير هذا الكلام من السيد الخوئي في المسألة الحادية عشر من كتاب المضاربة من دليل تحرير الوسيلة.

و عليه فالشرط في الصورة الثانية صحيح؛ لعدم كون التوقيت و تأجيل عقد الشركة كناية عن لزومه، بل بمعني توقيت أصل الإذن. و لا ينافي ذلك ثبوت حقّ الرجوع له قبل مضيّ المدّة مهما شاءَ، كما كان ثابتاً لو كان يأذن مطلقاً من دون توقيت.

و هذا المعني هو المساعد للمتفاهم العرفي من تأجيل عقد الشركة؛ حيث يفهم أهل العرف منه توقيت أصل العقد بما له من المقتضيات، بمعني انتفاؤه و انفساخه بمجرّد مضيّ الأجل، بلا حاجة إلي الفسخ.

و علي أيّ حال لا ينتفي حقّ الرجوع عن الإذن و جوازه بتأجيل عقد الشركة؛ إمّا لبطلان اشتراط عدم الرجوع؛ نظراً إلي كونه من الشرط

المخالف لمقتضي العقد؛ بناءً علي كونه كناية عن اللزوم. و إمّا لعدم كونه كناية عن اللزوم، بل بمعني توقيت أصل الإذن، كما قلنا.

ثمّ في المقام بقيت نكتة و هي: أنّ لتأجيل العقد مدلولين:

أحدهما: بلحاظ ما قبل انتهاء الأجل. و كلّ ما سبق من البحث كان بهذا اللحاظ.

ثانيهما: بلحاظ ما بعد الأجل فلا بدّ من التأمّل في مدلول تأجيل عقد الشركة بهذا اللحاظ بالنسبة إلي التفسيرين المزبورين للتأجيل.

فنقول: مقتضي القاعدة أنّ من جعل التأجيل كناية عن لزوم العقد بالنسبة إلي ما قبل انتهاء الأجل ينبغي أن يلتزم بظهور التأجيل في انتفاء اللزوم فيما بعد الأجل و رجوع عقد الشركة إلي مقتضاه الأصلي.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 142

______________________________

و أمّا من جعل التأجيل مجرّد تحديد زمان الإذن و توقيت أصل العقد، لا مناص له من الالتزام بانتفاء الإذن بعد مضيّ الأجل.

و لكن عمدة الكلام و النزاع في المقام إنّما في مدلول التأجيل بالنسبة إلي ما قبل انتهاء الأجل، و إن كان مرجع التفسيرين بالمآل إلي الجواز و يفترق الحكم بينهما بالنسبة إلي ما بعد الأجل.

هذا كلُّه في تأجيل عقد الشركة.

حكم اشتراط عدم الرجوع عن الإذن في عقد الشركة

و أمّا اشتراط أحدهما أو كليهما عدم الرجوع عن إذنه، فتارة: يكون هذا الاشتراط في ضمن عقد الشركة نفسه. و اخري: في ضمن عقد جائز أو لازم آخر.

أمّا اشتراط عدم الرجوع في ضمن عقد الشركة؛ فتارة: يكون علي نحو شرط النتيجة علي نحو ما بيّنّاه و يراد به إزالة حقّ الفسخ و نفي السلطة علي الرجوع، فيكون الاشتراط حينئذٍ كناية عن لزوم العقد و لا يصحّ؛ نظراً إلي منافاته لمقتضي العقد. فيلغو الشرط حينئذٍ و يبقي عقد الشركة صحيحاً جائزاً كما كان.

و اخري: يكون علي

نحو شرط الفعل؛ بأن يشترط الشريكان عدم الرجوع عن إذنهما عملًا إلي مدّة أو ما دامت الشركة باقية، فمقتضي القاعدة صحّة الشرط بهذا المعني، لو احرز كونه المقصود من اشتراط عدم الرجوع.

و ذلك لرجوع اشتراط عدم الرجوع عملًا إلي إعمال قدرته علي الفسخ. فلمّا كان كلّ منهما قادراً علي الفسخ و معني القدرة أنّ صاحبها إن شاء فعل و إن شاء لم يفعل، يدخل اشتراط عدم الرجوع في إعمال قدرته بترك الرجوع عن الإذن. فتبيّن

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 143

______________________________

ممّا قلنا عدم اعتبار وقوع اشتراط ذلك في ضمن عقد لازم أو جائز آخر غير عقد الشركة، بل يصحّ و ينفذ اشتراط عدم الرجوع- علي نحو شرط عدم الفعل- و يجب الوفاء به، إذا كان في ضمن عقد الشركة أيضاً.

و أمّا إذا اشترطا عدم الرجوع في ضمن عقد لازم أو جائز آخر يصحّ و ينفذ، و وجهه ما ذكرناه. فالملاك المصحح للشرط في الجميع واحد، و هو عدم مخالفة الشرط لمقتضي عقد الشركة حينما كان راجعاً إلي إعمال سلطة المالك علي ماله باشتراط عدم الرجوع عن إذنه عملًا علي نحو شرط الفعل. بلا فرق بين وقوع الشرط المزبور في ضمن عقد الشركة و بين وقوعه في عقد آخر لازم أو جائز.

و أمّا وجوب الوفاء بهذا الشرط في الواقع منه ضمن عقد لازم فلا خلاف و لا إشكال. و أمّا في الواقع منه ضمن العقد الجائز فعلي المبنيٰ؛ لما فيه من الاختلاف.

فيجب الوفاءُ به بناءً علي صحّة الشرط الواقع في ضمن العقد الجائز.

ثمّ إنّه لو قامت القرينة علي إرادة أحد المعنيين من الشرط فهو، و إلّا فالمساعد للمتفاهم العرفي هو كون اشتراط ذلك علي

نحو شرط الفعل لوضوح كون جواز العقد و لزومه و ثبوت السلطة الشرعية علي الرجوع و العدم بيد الشارع، فلا يخطر ببال أيّ متشرّع التعرّض إلي حريم الشارع و تغيير ما جعله من الأحكام الشرعية. بل إنّما يفهم العرف من الاشتراط المزبور أنّ المشترط أراد بذلك إعمال حقّه الذي جعل له الشارع. و هذا لا يلائم إلّا اشتراط عدم الرجوع علي نحو شرط الفعل.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 144

(مسألة 14): لو تبيّن بطلان عقد الشركة، كانت المعاملات- الواقعة قبله- محكومة بالصحّة

إذا لم يكن إذنهما متقيّداً بالشركة إذا حصلت بالعقد، أو بصحّة عقدها في غيره (1). هذا إذا اتّجر كلّ منهما أو واحد منهما مستقلًاّ، و إلّا فلا إشكال. و علي الصحّة لهما الربح و عليهما الخسران علي نسبة المالين، و لكلّ منهما اجرة مثل عمله بالنسبة إلي حصّة الآخر.

______________________________

حكم المعاملات الواقعة قبل بطلان عقد الشركة

(1) 1- قوله: «إذا لم يكن إذنهما متقيّداً بالشركة إذا حصلت بالعقد» مقصوده أنّ الشركة إذا حصلت بنفس عقدها لا بالمزج و نحوه، فالإذن يكون طبعاً متقيّداً بصحّة العقد. و ذلك لأنّ سبب حصول الشركة حينئذٍ عقدها، فإذا انتفي السبب ينتفي المسبّب لا محالة. و مع انتفاء الشركة بانتفاء سببها ينتفي الإذن؛ نظراً إلي تقيّده و اشتراطه بالشركة. و ينتفي المشروط بانتفاء شرطه. و كان الأنسب أن يقول السيد الماتن: «إذا لم يكن إذنهما متقيّداً بالشركة الحاصلة بعقدها».

و قوله: «أو بصحّة عقدها في غيره» مراده ما إذا لم يكن الإذن متقيّداً بصحّة عقد الشركة في غير ما إذا حصلت بعقدها، بل حصلت بمزج و نحوه، و كان العقد تأكيداً أو شرطاً. فلو كان الإذن متقيّداً بصحّة عقد الشركة، لا أصل الشركة، ينتفي الإذن لا محالة بتبيّن فساد عقدها، و

لو بقي أصل الشركة؛ نظراً إلي تقيّد الإذن و اشتراطه حينئذٍ بصحّة عقد الشركة، لا بتحقّق أصل الشركة، و المشروط ينتفي بانتفاء شرطه. و هاهنا كان الأنسب أن يقول السيد الماتن: «أو بصحّة عقدها فيما حصلت الشركة بمزج و نحوه».

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 145

______________________________

و أمّا الوجه في الصحّة في غير الموردين المزبورين، صدور الإذن من الشريك لصاحبه بالمعاملات الواقعة منه قبل تبيّن فساد العقد.

و إنّما يمكن إحراز إذنه بالمعاملات الواقعة منه قبل تبيّن فساد العقد فيما إذا لم يقيّد إذنه بصحّة عقد الشركة، و إلّا تصير المعاملات الواقعة قبل انكشاف بطلانه فضولية و بحاجة في صحّتها إلي لحوق إذن الشريك.

و السرّ في ذلك أنّ الملاك في تصحيح المعاملات الواقعة صدور الإذن بها من الشريك، و بعد ما صدر منه الإذن بذلك لا يضرّ تبيّن فساد عقد الشركة بصحّة المعاملات المأذونة؛ لعدم دخل لصحّة عقد الشركة في صحّتها، ما لم يكن الإذن مقيّداً بصحّة عقد الشركة. و قد اتّضح بذلك عدم خصوصيةٍ لوقوع المعاملات قبل تبيّن بطلان عقد الشركة؛ نظراً إلي عدم منافاة صحّة المعاملات المأذونة من جانب الشريك مع فساد عقد الشركة، بل حتّي بعد تبيّن فساد عقدها لو أذن الشريك بالتجارة بماله صحّت المعاملة بالمال المشترك.

هذا كلّه إذا اتّجر كلّ واحد من الشريكين مستقلّاً. و أمّا إذا اتّجرا معاً فلا يضرّ تبيّن فساد عقد الشركة بصحّة المعاملات الواقعة قبله أو بعده؛ لفرض حصول إذنهما معاً علي أيّ حال؛ نظراً إلي مباشرتهما في الاتّجار.

ثمّ إنّه علي فرض صحّة المعاملة عند تبيّن فساد عقد الشركة يستحقّ العامل من الشريكين اجرة مثل عمله؛ نظراً إلي احترام عمل المسلم و عدم كونه مقدّماً علي

المجانية؛ لأنّه إنّما أقدم علي العمل في مال شريكه بإذنه فيستحقّ اجرة عمله. و إنّما المانع من استحقاقه لها التزامه بالاكتفاء بالربح في ضمن عقد الشركة و المفروض تبيّن فساده و ارتفاع الالتزام بذلك. فإذا بطل عقد الشركة تنتفي آثاره و أحكامه. نعم، الربح الحاصل بتلك المعاملات الواقعة قبل تبيّن الفساد يُقسَّم بينهما علي نسبة

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 146

______________________________

المالين؛ لأنّه مقتضي أصل الشركة المفروض حصولها بمزج و نحوه.

قوله: «بالنسبة إلي حصّة الآخر»؛ أي كلّ واحد من العاملين يستحقّ اجرة مثل عمله بالقياس إلي مال شريكه؛ حيث لا يستحقّ الشخص اجرة في مال نفسه.

و عليه فاستحقاق العامل لُاجرة المثل عند تبيّن فساد عقد الشركة يبتني علي اختصاص حصّة معيّنة من الربح لأجل عمله زائداً عن سهمه من الربح بنسبة ماله.

و إلّا يشكل القول باستحقاق العامل اجرة مثل عمله؛ إذ لم يجعل له شيئاً زائداً من الربح بإزاء عمله لكي يستحقّا اجرة المثل عند تبيّن فساد العقد. و الإقدام علي العمل و إن لم يكن علي نحو المجانية، بل طمعاً في الربح، إلّا أنّهما التزما بالاكتفاء بالربح الثابت لهما بمقتضي أصل الشركة بنسبة المالين. و معناه إنّه لم يكن في قبول العمل بصدد طلب اجرة بإزاء عمله، بل التزم بعدم استحقاقه شيئاً غير الربح الثابت بمقتضي الشركة. و قد سبق نظير ذلك منّا مفصّلًا في كتاب المضاربة. و لا فرق في ذلك بين صدور العمل من أحدهما أو من كليهما. فلا يستحقّ حينئذٍ كلٌّ منهما علي الآخر شيئاً. نعم، لو صدر العمل من أحدهما دون الآخر و جُعل له قدر زائد من الربح، يستحقّ العامل علي الآخر عند تبيّن فساد العقد اجرة مثل

عمله بإزاء ما فات من الربح الزائد المجعول له لأجل عمله.

و يحتمل حينئذٍ عدم استحقاق شي ء عند تبيّن فساد العقد؛ لصدور العمل من كليهما، و لكون تخصيص الربح الزائد بأحدهما من آثار عقد الشركة و انتفائه لا محالة بتبيّن فساده.

هذا تمام الكلام في أحكام الشركة من كتاب دليل تحرير الوسيلة.

و الحمد للّٰه أوّلًا و آخراً و صلواته علي محمد و آله سرمداً.

فرغت منه بعون اللّٰه تعالي و لطفه في أواخر شهر رمضان المبارك

من سنة 1425 ه ق.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 147

القول في القسمة

اشارة

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 149

القول في القسمة

و هي تمييز حصص الشركاء بعضها عن بعض (1)؛ بمعني جعل التعيين بعد ما لم تكن معيّنة بحسب الواقع، لا تمييز ما هو معيّن واقعاً و مشتبه ظاهراً.

______________________________

تعريف القسمة و خصوصياتها

اشارة

(1) 1- هذا المعني هو المتبادر من عنوان القسمة بلا إشكال و قد جاء في كلمات الفحول تعريف القسمة بتعابير متشابهة.

قال في الجواهر: «هي تمييز الحقّ لكلّ شريك عن غيره» «1».

و عرّفها في المسالك بقوله: «و اعلم أنّ القسمة عندنا تمييز حقّ أحد الشركاء عن حقّ الآخر» «2»، و نظيره في الحدائق «3» و غيره «4».

______________________________

(1)- جواهر الكلام 26: 309.

(2)- مسالك الأفهام 4: 318.

(3)- الحدائق الناضرة 21: 169.

(4)- مجمع الفائدة و البرهان 10: 210.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 150

______________________________

و أمّا ما أشار إليه السيد الماتن في توضيح التعريف- من أنّه بمعني جعل التعيين بعد ما لم تكن معيّنة بحسب الواقع، لا تمييز ما هو معيّن واقعاً و مشتبهٌ ظاهراً- فالوجه فيه أنّ القسمة فرع تحقّق حقيقة الشركة، و هي لا تتحقّق فيما كان معيّناً واقعاً و مشتبهاً ظاهراً. و لكنّه مبنيّ علي عدم القول بتحقّق القسمة في الشركة الظاهرية السابق تعريفها في أوّل هذا الكتاب في بيان أقسام الشركة.

و قد سبق هناك أنّ أحكام الشركة تترتّب علي الشركة الظاهرية أيضاً- و منها القسمة- كما صرّح به فحول الفقهاء، مع أنّهم عرّفوا الشركة الظاهرية بما كان أجزاءُ المال المشترك معيّنة في الواقع و نفس الأمر، و إنّما ارتفع التمييز عنها ظاهراً.

نعم ما قال به السيد الماتن قدس سره هاهنا يلائم ما سبق منه، من اعتبار المزج التامّ في الشركة العقدية؛ إذ بناءً علي ذلك لا

شركة في ما لا مزج تامّ فيه. و ما تحقّق فيه المزج التامّ لا تعيُّن لأجزاء الممزوج واقعاً، كما في المائعات، و القسمة إنّما تصحّ في مورد تحقّق الشركة. و لمّا لا شركة عقدية في غير المزج التامّ، فإذاً تكون القسمة تمييز ما هو غير معيّن واقعاً. و كذا في الشركة الحاصلة في القيميات لعقد التشريك، أو الإرث، أو الإحياء، أو الحيازة، أو بالبيع و الشراء، أو الهبة و نحو ذلك من أسباب الشركة غير العقدية فالشركة في جميع هذه الموارد واقعية، و حصص الشركاء غير معيّنة واقعاً، بل علي نحو الإشاعة الحقيقية. فالقسمة في جميع هذه الموارد تمييز حقوق غير معيّنة واقعاً.

و لكن لا يلائم ما سبق من السيد الماتن قدس سره، من تحقّق الشركة الظاهرية في غير المائعات، فالقسمة حينئذٍ تكون بحسبها.

بيان ذلك: أنّ في موارد تكون الشركة ظاهرية في رأي السيد الماتن قدس سره، كما

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 151

______________________________

في الشركة الحاصلة بمزج غير تامٍّ، كمزج الحبوبات التي لها حبات صغيرة بمجانسها، كالخشخاش بالخشخاش و الدخن و السمسم و الحنطة و الشعير بمثلها، بل مزج الجامدات الناعمة بعضها ببعض كالأدقة. و قد صرّح السيد الماتن بذلك كلّه في المسألة الاولي من كتاب الشركة و قد سبق البحث عن ذلك في أوائل هذا الكتاب في أقسام الشركة.

و إنّ الشركة في جميع هذه الموارد ظاهرية في رأي السيد الماتن. و معني الشركة الظاهرية أنّ أجزاء المال المشترك معيّنة واقعاً و إنّما ارتفع عنها التمييز ظاهراً. فالقسمة في مطلق موارد الشركة الظاهرية تكون تمييز ما هو غير متميّز ظاهراً و لكنّه معيّن واقعاً.

و لا يبعد كون مقصود السيد الماتن اخراج القيميات التي

تصير باختلاطها مشتبهة بين مُلّاكها من دون ارتفاع تمييز بعضها عن بعض حتّي ظاهراً. فيتعيّن التراضي و إلّا فالقرعة، و لا تكون القسمة مشروعة حينئذٍ. و لكن تعبير السيد الماتن يشمل مطلق موارد الشركة الظاهرية أيضاً مع اتّفاق الفقهاء علي مشروعية القسمة هناك؛ حيث حكموا بترتّب جميع أحكام الشركة علي الظاهرية منها و من أحكامها القسمة. و هي حينئذٍ ظاهرية بمعني تمييز ما هو غير متميّز ظاهراً، و إن كان معيّناً في الواقع.

و قد سبق «1» استظهار الشركة الظاهرية في مواردها و ترتّب أحكام الشركة- و منها القسمة- عليها، من كلام صاحب الجواهر، و صرّح به صاحب العروة و السيد الحكيم.

______________________________

(1)- راجع مبحث أقسام الشركة في أوائل هذا الكتاب.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 152

و ليست ببيع و لا معاوضة (1)، فلا يجري فيها خيار المجلس و لا خيار الحيوان المختصّان بالبيع، و لا يدخل فيها الربا و إن عمّمناه لجميع المعاوضات.

______________________________

ليست القسمة ببيع و لا أيّة معاوضة اخري

(1) 1- إنّ القسمة عنوان مستقلّ، كما عرفت من تعريفها. و ليست ببيع و لا صلح و لا أيّة معاوضة اخري، كما صرّح به في الشرائع و المسالك «1» و الجواهر «2»، و الحدائق «3» و مجمع البرهان «4» و غيره، بل لا خلاف في ذلك كما صرّح به الأصحاب «5». و في المسالك: «خالف في ذلك بعض العامّة مطلقاً و في قسمة الردّ، لشبهة أنّ كلّ جزء يفرض مشترك بينهما، فتخصيص كلّ واحدٍ بجزءٍ معيّن، و إزالة ملك الآخر عنه بعوضٍ مقدّر- و هو ملكه في الجزء الآخر- علي جهة التراضي، يقتضي البيع، لأنّ ذلك حدّه. و هذا إنّما يتمّ علي تقدير تسليم كون البيع كذلك. و منعه واضح، بل

له صيغة خاصّة إيجاباً و قبولًا، بخلاف القسمة، و لا يلزم من المشاركة في بعض الأحكام الاتّحاد» «6».

و دلّ علي مشروعيتها- مضافاً إلي سلطة الناس علي أموالهم و وجوب ردّ

______________________________

(1)- مسالك الأفهام 4: 318.

(2)- جواهر الكلام 23: 390 و 26: 309.

(3)- الحدائق الناضرة 21: 169.

(4)- مجمع الفائدة و البرهان 10: 211.

(5)- راجع المصادر المزبورة.

(6)- مسالك الافهام 4: 318.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 153

______________________________

المال إلي مالكه- من الكتاب قوله تعالي: «وَ إِذٰا حَضَرَ الْقِسْمَةَ» «1» و قوله تعالي:

«وَ نَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمٰاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ» «2».

و من السنّة: النصوص الواردة في القسمة كصحيح

غياث بن إبراهيم عن أبيه عن آبائه عن علي عليه السلام: في رجلين بينهما مال منه بأيديهما، و منه غائب عنهما، فاقتسما الذي بأيديهما، و احتال كلّ واحد منهما بنصيبه، فقبض أحدهما و لم يقبض الآخر، فقال: «ما قبض أحدهما فهو بينهما، و ما ذهب فهو بينهما» «3».

و صحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن رجلين بينهما مال منه دين، و منه عين، فاقتسما العين و الدين، فتوي الذي كان لأحدهما من الدين أو بعضه، و خرج الذي للآخر أ يرد علي صاحبه؟ قال: «نعم، ما يذهب بماله؟» «4».

و الظاهر أنّ لفظة «ما» في قوله: «ما يذهب بماله؟» استفهامية؛ أي: ما الذي ذهب بماله. و هذا الاستفهام إنكاري، و المقصود أنّ تلف الدين المجعول لأحدهما لا يوجب ذهاب حقّه من الدين.

و صحيح

سليمان بن خالد، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجلين كان لهما مال بأيديهما و منه متفرّق عنهما فاقتسما بالسويّة، ما كان في أيديهما، و ما كان غائباً عنهما، فهلك نصيب أحدهما ممّا

كان غائباً و استوفي الآخر، عليه أن يرد علي صاحبه؟ قال: «نعم، ما يذهب بماله» «5».

______________________________

(1)- النساء (4): 8.

(2)- القمر (54): 28.

(3)- وسائل الشيعة 18: 435، كتاب الضمان، الباب 13، الحديث 1.

(4)- وسائل الشيعة 19: 12، كتاب الشركة، الباب 6، الحديث 2.

(5)- وسائل الشيعة 18: 371، كتاب التجارة، أبواب الدين و القرض، الباب 29، الحديث 1.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 154

______________________________

و صحيح

علي بن جعفر في كتابه عن أخيه موسي بن جعفر عليهما السلام قال: سألته عن رجلين اشتركا في السلم أ يصلح لهما أن يقتسما قبل أن يقبضا؟ قال: «لا بأس به» «1»

. فإنّ إطلاق هذه النصوص تدلّ علي مشروعية القسمة و نفوذها و صحّتها عند التراضي، بلا حاجة إلي شي ء آخر من قرعة أو وجود قاسم منصوب، كما سيأتي استظهار ذلك منها في كلام صاحب الحدائق في المسألة الثالثة عشر.

و استدلّ في المسالك علي عدم كون القسمة بيعاً أوّلًا: بعدم افتقار إيقاع القسمة إلي صيغة، و هذا بخلاف البيع.

و ثانياً: بمشروعية الإجبار عليها مطلقاً، بخلاف البيع. حيث لا يجوز الإجبار عليه إلّا في موارد خاصّة لعارض، كإفلاس أو احتكار أو الامتناع عن أداء دين عاجل.

و ثالثاً: تساوي النصيبين عند تساوي سهميهما في المال، و هذا بخلاف البيع، لعدم لزوم تساوي العوضين في المالية قال في المسالك: «و اعلم أنّ القسمة عندنا تمييز حقّ أحد الشركاء عن حقّ الآخر، و ليست بيعاً و إن اشتملت علي ردٍّ، لأنّها لا تفتقر إلي صيغة، و يدخلها الإجبار في غير تلك الأفراد التي يدخلها الجبر في البيع، و يتقدّر أحد النصيبين بقدر الآخر مع تساويهما، و البيع ليس فيه شي ء من ذلك، و اختلاف اللوازم

و الخواصّ المطلقة يدلّ علي اختلاف الملزومات و المعروضات» «2».

و علّل في الجواهر لذلك بأنّ القسمة لا تحتاج في وقوعها إلي أزيد من قصد مفهومها. قال في تعليل ذلك: «ضرورة عدم اعتبار قصد شي ء زائد علي مفهومها في صحّتها» «3».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة 18: 371، كتاب التجارة، أبواب الدين و القرض، الباب 29، الحديث 2.

(2)- مسالك الأفهام 4: 318.

(3)- جواهر الكلام 26: 309.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 155

______________________________

و تحرير مقصوده أنّ المعني المتبادر من عنوان القسمة غير ما هو المتبادر من البيع و الصلح و غيرهما من سائر عناوين المعاوضات. و لا يعتبر في صحّة القسمة غير تحقّق مفهومها. و مراعاة العدل فيها شي ءٌ آخر ممّا يعتبر في سائر المعاملات، من قصد عنوان إحدي المعاوضات و صيغة إنشائها و لا يترتّب عليها حكم من أحكام سائر المعاملات من شفعة أو خيار و لا بطلان بالتفرّق قبل المجلس ممّا يثبت في البيع، كما أشار إليه الأصحاب «1».

و أمّا ثمرة ذلك- أي عدم كون القسمة معاوضة- إنّما تظهر في عدم ترتّب أحكام شي ءٍ من البيع عليها، كما أشار إليه في المسالك بقوله: «و تظهر الفائدة في الشفعة، و في بطلانها بالتفرّق قبل القبض فيما يعتبر فيه التقابض قبله في البيع، و في قسمة الوقف من الطلق، و خيار المجلس و غير ذلك» «2».

و في الجواهر: «و حينئذٍ فلا شفعة فيها و لا خيار مجلس و لا بطلان بالتفرّق قبل القبض فيما يعتبر فيه البيع» «3».

و قد دلّ علي عدم الشفعة فيها

ما رواه الشيخ في المبسوط، «أنّ عبد اللّه بن يحيي كان قسّاماً لأمير المؤمنين عليه السلام، و قد قسَّم رسول اللّٰه صلي الله عليه و

آله خيبر علي ثمانية عشر سهماً. و قال صلي الله عليه و آله: «و الشفعة فيما لم يُقسّم، فإذا وقعت الحدود و عُرفت الطرق فلا شفعة» «4».

و أمّا الوجه في عدم دخول الربا في القسمة فلأنّ حقيقة الربا إمّا بيع الربوي

______________________________

(1)- راجع المصادر المزبورة.

(2)- مسالك الأفهام 4: 319.

(3)- جواهر الكلام 26: 309.

(4)- المبسوط 8: 133؛ جواهر الكلام 40: 326.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 156

[شرائطها]

(مسألة 1): لا بدّ في القسمة من تعديل السهام

اشارة

(1):

______________________________

بأزيد من مثله أو اشتراط زيادة في القرض لا مطلق الزيادة. و القسمة ليست شيئاً من ذلك؛ لعدم كونها بيعاً و لا قرضاً.

اعتبار التعديل في القسمة

(1) 1- و ذلك أوّلًا: لوجوب القيام بالقسط و العدل بحكم العقل و الشرع، كما هو واضح. و القسمة في الحقيقة حكمٌ و من هنا أدرجها كثيرٌ من الفقهاء في كتاب القضاء. و قال تعالي: «وَ إِذٰا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النّٰاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ» «1».

و ثانياً: لاستلزام القسمة غصب مال الغير لو لم يُراع فيها التعديل. و هو لا يجوز قطعاً.

و ثالثاً: لشهادة بعض النصوص الدالّة علي ذلك بالخصوص. مثل خبر

المنهال القصّاب، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: أشتري الغنم أو يشتري الغنم جماعةٌ. ثمّ يدخُل داراً، ثمّ يقوم رجلٌ علي الباب فيعدُّ واحداً و اثنين و ثلاثة و أربعاً و خمساً، ثمّ يخرج السهم، قال عليه السلام: «لا يصلح هذا، إنّما تصلح السهام إذا عُدّلت القسمة» «2».

مقصوده ظاهراً السؤال عن حكم قسمة الأغنام المشتراة من بين قطيع علي نحو الكسر المشاع بإخراج السهم المشتري علي النحو المذكور في النصّ. فنهي الإمام عليه السلام عن ذلك؛ نظراً إلي عدم مراعاة التعديل بذلك. و أمر بتعديل القسمة. و في مورد السؤال إنّما التعديل بحسب

القيمة و المالية.

______________________________

(1)- النساء (4): 58.

(2)- وسائل الشيعة 17: 356، كتاب التجارة، أبواب عقد البيع و شروطه، الباب 12، الحديث 8.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 157

______________________________

ثمّ إنّ في فقه هذه الرواية نكتتان ينبغي التنبيه عليها:

الاولي: أنّ لفظ التعديل هاهنا بمعناه اللغوي، لا بالمعني الواقع قسيماً للأقسام الثلاثة، كما هو واضح. و لفظ الغنم بمعني الجنس لا غنماً واحداً.

و الضمير الفاعلي في «يدخل» يرجع إلي الرجل المشتري. و المقصود أنّه بعد إنشاء عقد الشراء يدخل داراً فيها قطيع الغنم فيُخرج سهمه المشتري بالكيفية المذكورة في الرواية.

الثانية: أنّ شراء الغنم في مفروض سؤال الراوي يمكن تصويره بأحد النحوين الآتيين.

أحدهما: شراءُ تعداد غنم من قطيع ثمّ يُخرج الأغنام المشتراة من بين القطيع بالعدّ علي النحو المذكور في النصّ.

و لا إشكال في بطلان هذا الشراء؛ نظراً إلي الجهل بمقدار المبيع؛ حيث إنّ الأغنام المشتراة و إن كانت معلومة بالعدد، و لكنّها لمّا تختلف في الصغر و الكبر و الوزن لا يعلم مقدار المشتراة منها بمجرّد تعيين العدد فيكون من قبيل بيع المجهول و يبطل.

و هذا المعني يلائم عنوان الباب- المذكورة فيه هذه الرواية- في الوسائل؛ حيث عقده بعنوان عدم جواز بيع المجهولات و ما لا يُقدر عليه، إلّا أنّ ذلك لا يلائم سؤال الراوي و جواب الإمام عليه السلام؛ لأنّ كليهما عن حكم القسمة، و ظاهرهما المفروغية عن صحّة أصل البيع و الشراء في مفروض السؤال. مضافاً إلي إشعار قول السائل: «ثمّ يُخرج السهم» بأنّ المشتري سهم من قطيع غنم لا تعداد غنم.

ثانيهما: شراءُ سهم من قطيع غنم و إخراج السهم المشتري بالكيفية المذكورة في النصّ. و لا إشكال حينئذٍ في صحّة هذا الشراء و البيع

لعدم الجهل بالمبيع. و إنّما

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 158

و هو إمّا بحسب الأجزاء و الكمّية؛ كيلًا أو وزناً أو عدّاً أو مساحة، و تسمّي قسمة إفراز، و هي جارية في المثليات، كالحبوب و الأدهان و الأخلّ و الألبان (1)، و في بعض القيميات المتساوية الأجزاء، كطاقة واحدة من الأقمشة التي تساوت أجزاؤها، و قطعة واحدة من أرض بسيطة تساوت أجزاؤها. و إمّا بحسب القيمة و المالية، كما في القيميات إذا تعدّدت، كالأغنام و العقار و الأشجار إذا ساوي بعضها مع بعض بحسب القيمة، كما إذا اشترك اثنان في ثلاثة أغنام قد ساوت قيمة أحدها مع اثنين منها، فيجعل الواحد سهماً و الاثنان سهماً. و تسمّي هذه قسمة التعديل. و إمّا بضمّ مقدار من المال مع بعض السهام ليعادل الآخر، كما إذا كان بين اثنين غنمان قيمة أحدهما خمسة دنانير و الآخر أربعة، فإذا ضمّ إلي الثاني نصف دينار تساوي مع الأوّل. و تسمّي هذه قسمة الردّ.

______________________________

السؤال و الإشكال في كيفية التقسيم المذكورة في كلام السائل؛ لعدم رعاية التعديل فيه؛ نظراً إلي اختلاف آحاد الأغنام صِغَراً و كِبَراً و وزناً، و من هنا نهي عنه الإمام عليه السلام.

و هذا المعني ظاهر هذه الرواية؛ لأنّ السؤال فيها عن حكم النحو المذكور من القسمة، لا عن صحّة البيع، و كذلك الجواب. لكنّه لا يلائم عنوان الباب في الوسائل. و الظاهر أنّ إدراجها في هذا الباب ليس في محلّه.

قسمة الإفراز و التعديل و الردّ و أحكامها

(1) 1- قوله الأخُل جمع القلّة للخَلّ، كما ذكره في المنجد. و لكن التعبير بجمع القلّة لا يناسب السياق، بل الأنسب التعبير بالخُلول، بل لم يذكر المصباح غير الخلول صيغة اخري لجمع الخَلّ. ثمّ إنّه جعل

السيد الماتن الملاك في مشروعية

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 159

______________________________

كلٍّ واحد من قسمتي الإفراز و التعديل تساوي أجزاء الشي ء المقسوم و عدمه، فحكم في متساوي الأجزاء بجريان قسمة الإفراز. و جعل المثليات و بعض القيميات من قبيل ذلك. و في مختلفها حكم بجريان قسمة التعديل إذا تساوت قيمة بعضها مع بعض.

و يشهد لذلك كلام صاحب الجواهر؛ حيث جعل المدار في ذلك تساوي أجزاء المقسوم و اختلافها، فحكم في الأوّل بتعديل السهام بحسب الأجزاء و في الثاني بحسب القيمة. و قال: «و يكون الأقسام بتعديل السهام بالأجزاء إن كانت في متساويها كيلًا أو وزناً أو ذرعاً أو عدّاً بعدد الأنصباء، أو بالقيمة إن اختلفت كالأرض و الحيوان» «1».

قوله: بعدد الأنصباء؛ أي بحسب النصيب و بتعداده. و الأنصباء جمع النصيب.

و أمّا تعريف كلّ واحد من هذه الأقسام الثلاثة فقد عرفته في المتن ببيان جامع.

و من هنا لا يدخل فيها الربا، و إن يأتِ الربا في جميع المعاوضات؛ نظراً إلي عدم كون القسمة معاوضةً، لا بيعاً و لا قرضاً.

و هل تكون قسمة الردّ داخلة في حقيقة القسمة؟ فيه إشكال؛ لعدم صدق تعريف القسمة عليها حقيقةً؛ إذ لا يتحقّق بها تمييز حصص الشركاء و لا تعديل تقسيم الحصص نفسها، بل هي في الحقيقة مصالحة بعض الحصص بعوض، أو بيع أحدهما بالآخر معاطاةً؛ لاشتمالها علي معاوضة بين المال الزائد الداخل في أحد القسمين و بين ما بإزائه من قيمته المردودة إلي من كان سهمه أقلّ.

______________________________

(1)- جواهر الكلام 26: 309.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 160

(مسألة 2): الظاهر إمكان جريان قسمة الردّ في جميع صور الشركة

(1) ممّا يمكن فيها التقسيم؛ حتّي فيما إذا كانت في جنس واحد من المثليات؛ بأن يقسّم متفاضلًا و يضمّ إلي

الناقص دراهم- مثلًا- تجبر نقصه و يساوي مع الزائد قيمة، و كذا إذا كانت في ثلاثة أغنام تساوي قيمة واحد منها مع الآخرين؛ بأن يُجعل غالي قيمةً مع أحد الآخرين سهماً و ضمّ إلي السهم الآخر ما يساويهما قيمة و هكذا.

و أمّا قسمة التعديل فقد لا تتأتّي في بعض الصور كالمثال الأوّل، كما أنّ قسمة الإفراز قد لا تتأتّي كالمثال الثاني. و قد تتأتّي الأقسام الثلاثة، كما إذا اشترك اثنان في وزنة حنطة قيمتها عشرة دراهم، و وزنة شعير قيمتها خمسة، و وزنة حمّص قيمتها خمسة عشر، فإذا قسّم كلّ منها بانفرادها كانت قسمة إفراز، و إن جعلت الحنطة مع الشعير سهماً و الحمّص سهماً كانت قسمة تعديل، و إن جعل الحمّص مع الشعير سهماً و الحنطة مع خمسة دراهم سهماً كانت قسمة الردّ، و لا إشكال في صحّة الجميع مع التراضي إلّا قسمة الردّ مع إمكان غيرها، فإنّ في صحّتها إشكالًا، بل الظاهر العدم. نعم لا بأس بالمصالحة المفيدة فائدتها.

______________________________

إمكان قسمة الردّ في جميع صور الشركة، دون غيرها

(1) 1- و الوجه في جريان قسمة الردّ في جميع موارد الشركة واضح؛ ضرورة تحقّق تعديل السهام بالكسر و الانكسار، و لو بحسب القيمة. لكنّه في مقام الثبوت، و أمّا إثباتاً ففي صحّة قسمة الردّ مع إمكان قسمة الإفراز أو التعديل إشكال، حتّي مع

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 161

______________________________

التراضي، كما سيأتي من السيد الماتن قدس سره.

و أمّا وجه عدم جريان قسمة الإفراز و التعديل في بعض صور القسمة، فقد عرفت آنفاً من عدم جريان الأوّل في القيميات المختلفة في الأجزاء، بل هي مختصّة بقسمة التعديل، كما أنّ الثاني- و هو قسمة التعديل- يختصّ بالقيميات

المختلفة الأجزاء، فلا تأتي في المثليات المتساوية الأجزاء.

بقي هناك كلام و هو أنّ في كون قسمة الردّ داخلة في حقيقة القسمة إشكالًا؛ لعدم صدق تعريف القسمة عليها حقيقةً؛ إذ لا تتميّز بها حصص الشركاء نفسها و لا تعديل تقسيمها؛ نظراً إلي اشتمالها علي مصالحة بعض حصّةٍ بعوض أو بيعه به معاطاةً.

و ذلك لاشتمالها علي معاوضة نصف المال الزائد الموجود في أكثر السهمين بما يعادله من العوض المردود إلي من وصل إليه السهم الأقلّ.

و من هنا لا يبعد دعوي أنّ قسمة الردّ ليست في الحقيقة بقسمة؛ حيث لا يعتبرها عرف العقلاء قسمةً، و إنّ للقسمة حقيقة عرفية، لا شرعية، و ما لا يُعدّ عند أهل العرف قسمة ليس بقسمة.

و من هنا اتّضح وجه ما قال السيد الماتن في ذيل كلامه من صحّة القسمة بجميع أقسامها مع التراضي في مواردها، إلّا قسمة الردّ، فلا تجوز مع إمكان أخويها؛ نظراً إلي أنّ تعديل السهام في عين المال المشترك إمّا بحسب الأجزاء و هو حاصل بقسمة الإفراز، أو بحسب القيمة و هو حاصل بقسمة التعديل، فلا وجه لاعتبار قسمة الردّ نوعاً مستقلّاً من القسمة. نعم، يجوز المصالحة المفيدة فائدتها عند التراضي، لكنّها ليست بقسمة. هذا، و لكن للمناقشة في ذلك مجالًا واسعاً؛ نظراً إلي أنّ الشركاء إذا لم يطلبوا قسمة الإفراز و التعديل و رضوا بقسمة التراضي

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 162

(مسألة 3): لا يعتبر في القسمة تعيين مقدار السهام بعد أن كانت معدّلة

(1)، فلو كانت صبرة من حنطة مجهولة الوزن بين ثلاثة، فجعلت ثلاثة أقسام معدّلة بمكيال مجهول المقدار، أو كانت بينهم عرصة أرض متساوية الأجزاء، فقسّمت ثلاثة أقسام معدّلة بخشبة أو حبل لا يدري مقدار طولهما، صحّ.

______________________________

علي نحو المصالحة، لا إشكال في البين، و لا

سيّما بمقتضي عموم سلطة الناس علي أموالهم.

هذا مع إمكان قسمة الإفراز و التعديل و أمّا مع عدم إمكانهما فلا إشكال في جواز قسمة الردّ بالتراضي لكنّها في الحقيقة ترجع إلي المصالحة بين السهم الأكثر و بين السهم الأقلّ مع الضميمة.

عدم اعتبار تعيين السهام مع التعديل

(1) 1- و ذلك لأنّ ما يعتبر في صحّة القسمة إيصال حقّ كلّ واحد من الشركاء إليه. و هذا حاصل بنفس تعديل الحصص. و تعديل الحصص و التسوية بينها لا يتوقّف علي العلم بمقدار كلّ حصّة وزناً، إذا أمكن حصوله بكيل أو ميزان أو نحوه ممّا يحصل العلم بتساوي مقادير الحصص.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 163

[أحكام القسمة]

(مسألة 4): لو طلب أحد الشريكين القسمة بأحد أقسامها، فإن كانت قسمة ردّ أو كانت مستلزمة للضرر، فللشريك الآخر الامتناع

و لم يجبر عليها، و تسمّي هذه قسمة تراض، و إن لم تكن قسمة ردّ و لا مستلزمة للضرر يجبر عليها الممتنع (1)، و تسمّي قسمة إجبار.

______________________________

أحكام القسمة

متي يُجبر الشريك علي القسمة؟

(1) 1- و الضابط في ذلك أنّه كلّما كانت القسمة مستلزمة ضرراً علي أحد الشريكين، ليست بمشروعة؛ لأدلّة نفي الضرر و الضرار، أو لانجراره إلي غصب مال الغير، مع منافاته لسلطة الناس علي أموالهم. و أيضاً لا تجوز القسمة إذا استلزمت ردّاً؛ نظراً إلي كون الردّ معاوضة بين نصف القدر الزائد و بين عوضه، فلا يجوز الإجبار عليها، بل لا بدّ من تراضي الشريكين علي القسمة حينئذٍ. و من هنا سمّيت بقسمة التراضي.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 164

______________________________

و بعبارة اخري: إنّ القسمة تتوقّف صحّتها و مشروعيتها علي تعديل السهام.

و في قسمة الردّ تعديل السهام متوقّف علي الردّ. و الردّ في الحقيقة معاوضة بين نصف الزائد الواقع في سهم أحدهما و بين قيمته المردودة إلي من وصل إليه السهم

الأقلّ.

و المعاوضة تتوقّف صحتها علي التراضي. و بالإجبار ينتفي التراضي. فإذا انتفي التراضي بطلت المعاوضة. و إذا بطلت المعاوضة لم يجز الردّ. و إذا انتفي الردّ انتفي تعديل السهام. و إذا انتفي تعديل السهام بطلت القسمة؛ نظراً إلي اشتراط صحّتها بتعديل السهام.

و لكن لا يجوز الإجبار علي قسمة الردّ، و لو مع الأمن من الضرر.

و علّل ذلك في المسالك بأنّ قسمة الردّ في الحقيقة من قبيل بيع جزءٍ من المال؛ حيث قال قدس سره:

«و اعلم أنّ ما لا ضرر في قسمته أعمّ من كونه مشتملًا علي ردٍّ و عدمه، و إنّما يجبر الممتنع ممّا لا ضرر فيه مع عدم اشتماله علي الردّ، لأنّه حينئذٍ يكون كبيع جزءٍ من المال، و لا يجبر عليه أحدهما» «1».

و هو متين؛ لأنّ ردّ العوض بإزاء نصف المقدار الزائد الواقع في سهمه، معاوضة بينهما في الحقيقة.

و أمّا إذا لم تستلزم القسمة ضرراً و لا ردّاً، يجبر الممتنع عليها، و تسمّي قسمة الإجبار. و قد اتّفق الفقهاء علي ذلك كما قال في الشرائع و المسالك «2» و الجواهر «3»

______________________________

(1)- مسالك الأفهام 4: 320.

(2)- نفس المصدر: 319 و 14: 35.

(3)- جواهر الكلام 26: 309 و 40: 339.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 165

______________________________

و غيرهما «1». بل في المسالك و الجواهر نفي الخلاف عن ذلك.

ثمّ إنّه لو اختلفت الأنصباءُ في القيمة بالجودة و الرداءة- كقطعات الأرض المشتركة لاختلافها في قوة الإنبات أو القرب من النهر و البعد عنه أو للوقوع في جنب الشارع العامّ، و نحو ذلك- فمقتضي عبارة صاحب الشرائع و كلمات المشهور- و منهم السيد الماتن- كون قسمتها قسمة إجبار؛ لإمكان تعديل السهام فيها بحسب القيمة، بأن يُجعل ثلث

الأرض المشتركة من ناحيتها الجيّدة سهماً و ثلثيها من ناحيتها الرديئة سهماً.

و لكن أشكل في المسالك بقوله: «و مقتضي عبارة المصنّف قدس سره قسمة هذه إجباراً إلحاقاً للتساوي في القيمة بالتساوي في الأجزاء. و يُحتمل عدم الإجبار هنا لاختلاف الأغراض و المنافع. و الوجهان جاريان فيما إذا كان الاختلاف لاختلاف الجنس، كالبستان الواحد المختلف الأشجار و الدار الواحدة المختلفة البناء.

و الأشهر الإجبار في الجميع» «2».

و الضابطة في عدم جواز إجبار الممتنع، توجّه الضرر إليه بالقسمة. و هذا لا خلاف و لا إشكال فيه، و إنّما النزاع و الخلاف في معني الضرر المانع من الإجبار.

و سيأتي تفصيل الكلام فيه، إن شاء اللّٰه.

______________________________

(1)- راجع المصادر المزبورة.

(2)- مسالك الأفهام 14: 36.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 166

فإن كان المال لا يمكن فيه إلّا قسمة الإفراز أو التعديل فلا إشكال. و أمّا فيما أمكن كلتاهما، فإن طلب قسمة الإفراز يجبر الممتنع، بخلاف ما إذا طلب قسمة التعديل (1)، فإذا كانا شريكين في أنواع متساوية الأجزاء- كحنطة و شعير و تمر و زبيب- فطلب أحدهما قسمة كلّ نوع بانفراده قسمة إفراز اجبر الممتنع، و إن طلب قسمة تعديل بحسب القيمة لم يجبر (2)، و كذا إذا كانت بينهما قطعتا أرض أو داران أو دكّانان، فيجبر الممتنع عن قسمة كلّ منها علي حدة، و لا يجبر علي قسمة التعديل. نعم لو كانت قسمتها منفردة مستلزمة للضرر دون قسمتها بالتعديل، اجبر الممتنع علي الثانية دون الاولي.

______________________________

(1) 1- إذا لم يمكن واحدٌ من قسمة الإفراز أو التعديل، لا إشكال في جواز الإجبار علي الممكن منهما. و أمّا لو أمكن كلتاهما، لا يجبر علي قسمة التعديل عند إمكان الإفراز دون العكس. وجه

الفرق أنّ في قسمة الإفراز يقسّم عين المملوك بجميع أجزائه و يصل مال كلّ شريك إليه بعينه، بخلاف قسمة التعديل؛ حيث يصل بها سهم كلّ شريك إليه بقيمته و ماليته، فمن أجل ذلك يُقدّم قسمة الإفراز علي قسمة التعديل، و يُجبر علي الاولي مع الطلب دون الثانية؛ لمنافاة الإجبار عليها حينئذٍ لسلطة الناس علي مالهم.

(2) 2- لما عرفت آنفاً من عدم إيصال مال كلّ شريك إليه بعينه، بل إنّما تصل إليه بهذه القسمة قيمة ماله، فله أن لا يرضي و يأبي عن القسمة، إلّا عمّا يصل به إلي عين ماله.

نعم، لو لم تمكن قسمة الإفراز، اجبر الممتنع علي قسمة التعديل، لو لم يتوجّه بها ضررٌ إليه.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 167

(مسألة 5): لو اشترك اثنان في دار ذات علو و سفل

(1)، و أمكن قسمتها إفرازاً؛ بأن يصل إلي كلّ بمقدار حصّته منهما، و قسمتها علي نحو يحصل لكلّ منهما حصّة من العلو و السفل بالتعديل، و قسمتها علي نحو يحصل لأحدهما العلو و للآخر السفل، فإن طلب أحد الشريكين النحو الأوّل و لم يستلزم الضرر يجبر الآخر، و لا يجبر لو طلب أحد النحوين الآخرين. هذا مع إمكان الأوّل و عدم استلزام الضرر، و إلّا ففي النحوين الآخرين يقدّم الأوّل منهما، و يجبر الآخر لو امتنع، بخلاف الثاني. نعم لو انحصر الأمر فيه يجبر إذا لم يستلزم الضرر و لا الردّ، و إلّا لم يجبر كما مرّ. و ما ذكرناه جار في أمثال المقام.

______________________________

قسمة دار ذات علوّ و سفل

(1) 1- لا إشكال في عدم جواز الإجبار علي قسمة الردّ كما تقدم، بلا فرق بين إمكان النحوين الآخرين و بين عدمه، كما عرفت آنفاً أنّه مقتضي القاعدة.

و أمّا لو أمكن كلٌّ من

قسمتي الإفراز و التعديل، فالتحقيق عدم جواز الإجبار علي الإفراز مع إمكان التعديل في خصوص المقام؛ نظراً إلي عدم تساوي أجزاء العلوّ و أجزاء السفل من الدار، بل و لا أجزاء كلّ واحد منهما، فيلزم الضرر و الحرج من قسمة الإفراز في مثل المقام عادةً.

فالأقوي تعيّن قسمة التعديل في مفروض المسألة و عدم جواز الإجبار علي قسمة الإفراز حينئذٍ؛ نظراً إلي تفاوت الأجزاء كمّاً و كيفاً و إلي استلزام الضرر و الحرج من الإفراز عادة.

و أمّا لو أمكنت قسمة الإفراز من دون ضرر و لا حرج، لا إشكال في جواز

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 168

(مسألة 6): لو كانت دار ذات بيوت أو خان ذات حجر (1) بين جماعة، و طلب بعض الشركاء القسمة، اجبر الباقون

، إلّا إذا استلزم الضرر من جهة ضيقهما و كثرة الشركاء.

______________________________

إجبار الممتنع عليها و تقديمها علي قسمة التعديل، كما أفاده السيد الماتن. كما أنّه لو تراضيا علي الإفراز بأيّ نحو كان لا بأس به، إلّا أنّه ربما يخرج عن حقيقة القسمة و يكون أشبه بالتصالح.

و لا يخفي أنّ الصورة الاولي في كلام السيد الماتن ما إذا أمكن قسمة كلّ من الطبقتين علي نحو متساوية الأجزاء و القيمة. و إلي ذلك أشار بقوله: «بأن يصل إلي كلٍّ بمقدار حصّته منهما». و القسمة في هذه الصورة قسمة إفراز.

و الصورة الثانية: ما إذا وصلت إلي كلّ منهما حصّة من طبقتي العالية و السافلة، لكن لا بتقسيم كلّ منهما قسمين متساوي الأجزاء و القيمة، بل بالتعادل القيمي بين مجموع الحصّتين من نصف كلّ واحد من الطبقتين.

و الصورة الثالثة: ما إذا أمكن قسمة التعديل باختصاص كلٍّ منهما بطبقة واحدة. و الثانية مقدّمة علي الثالثة؛ لإيصال عين مال كل منهما إليه من كلتا الطبقتين بها، فهي أقرب إلي الإفراز من الثالثة، لكن الاولي

مقدّمة عليهما؛ لأنّها قسمة إفراز.

قسمة دار ذات بيوت أو خان ذات حُجَر

(1) 1- مقتضي التحقيق: كما تقدّم آنفاً، أنّه لو أمكن قسمة الإفراز من دون ضرر و حرج، لا إشكال في تقديمها علي النحوين الآخرين، و إن كان الغالب لزومهما عادةً من الإفراز في أمثال المقام. و إذا كانت قسمة الإفراز مستلزمة لضرر أو حرج،

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 169

(مسألة 7): لو كان بينهما بستان مشتمل علي نخيل و أشجار، فقسمته بأشجاره و نخيله بالتعديل قسمة إجبار

، بخلاف قسمة كلّ من الأرض و الأشجار علي حدة، فإنّها قسمة تراض لا يجبر عليها الممتنع (1).

______________________________

لا إشكال في جواز الإجبار علي قسمة التعديل.

و ذلك بأن تُقسَّم بيوت الدار أو حُجَر الخان علي سهام متساوية القيمة، لا متساوية الأجزاء.

و حاصل الكلام: أنّ المعيار في جواز الإجبار علي القسمة و عدمه، استلزامها الضرر و الحرج و عدمه.

قسمة بستان فيه نخيل و أشجار

(1) 1- و الوجه في ذلك إمكان وقوع بعض الأشجار من حصّة كلّ شريكٍ في قطعة أرضٍ من حصّة الآخر، فيما إذا قُسّم كلٌّ من أرض البستان و أشجاره علي حدة؛ نظراً إلي عدم مطابقة الحصص المفرزة بالقرعة من الأرض و الأشجار بعضها مع بعض فتقع أشجار بعض الشركاء في أرض الآخر. و تكون الأرض حينئذٍ لواحد منهم و أشجارها لآخر. و من هنا لا يجوز الإجبار علي هذه القسمة.

و هذا بخلاف ما إذا جعلت الأشجار تابعةً للأرض في القسمة؛ بأن تجعل قطعة من الأرض مع الأشجار الواقعة فيها سهماً لواحدٍ من الشركاء، و هكذا في سائر الشركاء. و هذا النحو من القسمة لا يستلزم المحذور المزبور.

و هذا المحذور و إن يلزم في قسمة الأرض و الزرع في المسألة الآتية، إلّا أنّ الزرع لمّا لا يدوم أكثر من فصل واحد من

السنة غالباً، يكون في حكم المنقول،

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 170

(مسألة 8): لو كانت بينهما أرض مزروعة، يجوز قسمة كلّ من الأرض و الزرع-

قصيلًا كان أو سنبلًا- علي حدة، و تكون قسمة إجبار (1).

______________________________

كالمتاع في البيت، كما جاء هذا التعبير في كلمات الفقهاء. فمن هنا لا يعتني فيه بهذا المحذور و يعامَل معه مستقلّاً عن الأرض. و من هنا يُقسّم القصيل مستقلّاً عن الأرض.

و بعبارة اخري: إنّ كلّ واحد من الأموال المشتركة تارة: يلاحظ مستقلًا عن الآخر عرفاً، و اخري: يُلحظ بعضها تابعاً للآخر؛ نظراً إلي بعض المحاذير و الأغراض التجارية و الاقتصادية. و الأرض و ما فيها من النخيل و الأشجار من قبيل الثاني؛ لما أشرنا إليه من المحذور و نحوه. و أمّا زرع الأرض فمن قبيل الأوّل؛ لعدم اعتناء أهل العرف بالمحذور المذكور في قسمته؛ لقصر عمره و أمده، و لبعض الأغراض المالية و التجارية الحاصلة في المدّة القصيرة.

و من هنا لا يجوز الإجبار علي قسمة كلّ واحد من الأرض و ما فيها من النخيل و الأشجار علي حدة، و أمّا اختلاف جنس الأشجار و تفاوت قيمتها، فلا يضرّ بصحّة القسمة؛ إذ المفروض حصول تعديل السهام بحسب القيمة، بل هي قسمة تراض، و هذا بخلاف قسمة كلّ واحد من الأرض و ما فيها من الزرع و القصيل.

قسمة الأرض المزروعة

(1) 1- قال في الشرائع: «لو كان بينهما أرض و زرع، فطلب قسمة الأرض حسب، أجبر الممتنع، لأنّ الزرع كالمتاع في الدار. و لو طلب قسمة الزرع، قال الشيخ: لم يجبر الآخر، لأنّ تعديل ذلك بالسهام غير ممكن. و فيه إشكال من حيث

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 171

و أمّا قسمتهما معاً فهي قسمة تراضٍ؛ لا يجبر الممتنع عليها (1)،

______________________________

إمكان التعديل بالتقويم

إذا لم يكن فيه جهالة» «1».

و قال في المسالك في شرحه: «إذا كان بينهما أرض مزروعة فأراد قسمة الأرض وحدها، فلا إشكال في وجوب إجابة الآخر، لأنّ الأرض ممّا يقسّم قسمة إجبار، و الزرع فيها غير مانع من ذلك، لأنّه في حكم المنقول. و إن أراد قسمة الزرع فمقتضي الاصول الشرعية كون الحكم كذلك؛ حيث يمكن تعديله، بأن لا يكون بذراً مستوراً، سواء كان سنبلًا أم حشيشاً أم قصيلًا، و الشيخ رحمه الله أطلق المنع من قسمته قسمة إجبار، محتجّاً بأن تعديله غير ممكن. و لا يخفي منعه؛ إذ لا مانع منه، سواء أ كان سنبلًا أم لا» «2».

و قد سبق آنفاً بيان وجه جواز قسمة كلّ من الأرض و الزرع علي حدة، و الفرق بينها و بين قسمة كلٍّ من أرض البستان و أشجاره و نخيله علي حدة.

(1) 1- سبق بيان الوجه فيه آنفاً. فإنّ قسمة كلٍّ من الأرض و ما فيها من الزرع- قصيلًا كان أو سنبلًا- علي حدة، لمّا كانت غير مستلزمة لمحذور تداخل الأملاك الموجب للضّيق و الحرج في الانتفاع من الملك، و تختلف الأغراض في الانتفاع من رقبة الأرض و من الزرع، تكون قسمة إجبار، بخلاف قسمتهما معاً. فإنّها و إن تستلزم محذور تداخل الأملاك، لكنّها مخالفة للغرض المتعارف في الانتفاع من الزرع مستقلّاً عن الأرض. بخلاف قسمتهما معاً؛ نظراً إلي اختلاف الأغراض في الانتفاع من رقبة الأرض و من الزرع. و من هنا قد يستلزم الإجبار علي قسمتهما

______________________________

(1)- شرائع الإسلام 4: 95.

(2)- مسالك الأفهام 14: 52- 53.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 172

إلّا إذا انحصرت القسمة الخالية عن الضرر فيها فيجبر عليها. هذا إذا كان قصيلًا أو

سنبلًا، و أمّا إذا كان حبّاً مدفوناً، أو مخضرّاً في الجملة و لم يكمل نباته، فلا إشكال في قسمة الأرض وحدها و بقاء الزرع علي إشاعته (1)، و الأحوط إفراز الزرع بالمصالحة. و أمّا قسمة الأرض بزرعها- بحيث يجعل من توابعها- فمحلّ إشكال.

______________________________

معاً الضرر، إلّا إذا انحصرت القسمة الخالية عن الضرر في ذلك.

هذا غاية ما يمكن أن يقال في توجيه كلام السيد الماتن. و لكنّ الإنصاف أنّه لا يستلزم قسمتهما معاً ضرراً عادةً، فلا يبعد جواز الإجبار علي هذه الكيفية من القسمة، بل نسب في المسالك جواز الإجبار علي قسمتهما معاً إلي الإمامية؛ حيث قال: «و لو أرادا قسمتهما معاً، فالحكم كما لو أراد قسمة أحدهما عندنا» «1».

(1) 1- و الوجه في ذلك عدم الأمن من لزوم الغرر و الضرر في قسمتهما معاً؛ نظراً إلي الجهل بأصل حصول الثمرة لاحتمال فساد الحبّات المدفونة تحت الأرض بالآفات و سائر الموانع الطبيعية، و ليست حال دفنها قابلة للانتفاع و التقسيم، و أمّا المصالحة فلا بأس بها علي أيّ حالٍ، كما أنّ قسمة التعديل بحسب القيمة يجوز الإجبار عليها في أمثال المقام؛ لعدم تصوّر ضرر فيها و لما في قسمة الإفراز من المحذور؛ هذا.

و لكن لما كان احتمال فساد الحبّات المدفونة و عدم حصول الزرع و الثمرة ثابتاً في حقّ الشريكين، و لا يختصّ بسهم أحدهما، فمن هنا لا مانع من تقسيمها كذلك في سيرة العقلاء. و من هنا لا إشكال في جواز قسمة الأرض بزرعها فيما إذا

______________________________

(1)- نفس المصدر: 53.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 173

(مسألة 9): لو كانت بينهم دكاكين متعدّدة- متجاورة أو منفصلة

- فإن أمكن قسمة كلّ منها بانفراده و طلبها بعض الشركاء، و طلب بعضهم قسمة تعديل لكي تتعيّن حصّة

كلّ منهم في دكّان تامّ أو أزيد، يقدّم ما طلبه الأوّل و يجبر عليها الآخر (1)، إلّا إذا انحصرت القسمة الخالية عن الضرر بالنحو الثاني، فيجبر الأوّل.

______________________________

كان الزرع حباً مدفوناً أو مخضرّاً في الجملة. فاتّضح بذلك أنّ إشكال السيد الماتن في ذيل المسألة محلّ تأمّل. بل و كذلك قسمة الأرض مع زرعها، كما سبق آنفاً.

و أمّا النقصان و الضرر الحاصلان من استهلاك قوّة الأرض- الواقع فيها سهم الغير من الزرع- فلا يُعتني به، بل هو معفوٌّ في نظر الشارع بعد إخراج سهم المحقّ بالقرعة. فلو لم يكن معفوّاً و كان غصباً لحقّ الغير، لم يُخبر الشارع بأنّ المُخرَج بالقرعة سهم المحقّ. هذا مضافاً إلي عدم اختصاص الاستهلاك المزبور بواحد، بل هو متحقّق في حقّ جميع الشركاء مع اختلاف قليل، كيف و إنّهم رضوا بذلك برضاهم بتعيين الحصص بالقرعة، بل و لو لم يرضوا بها، فإنّها حكم الشارع.

قسمة دكّاكين متعدّدة

(1) 1- و الوجه في تقديم ما طلبه الأوّل، أنّ مطلوبه من قبيل قسمة الإفراز، و مطلوب الثاني من قبيل قسمة التعديل. و لا يجوز الإجبار علي قسمة التعديل مع إمكان قسمة الإفراز، بل إنّما يجبر حينئذٍ علي قسمة الإفراز، إلّا إذا استلزمت ضرراً لسائر الشركاء، فلا يجوز إجبارهم عليها، بل لا بدّ حينئذٍ من

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 174

(مسألة 10): لو كان بينهما حمّام و شبهه- ممّا لا يقبل القسمة الخالية عن الضرر- لم يجبر الممتنع

(1). نعم لو كان كبيراً؛ بحيث يقبل الانتفاع بصفة الحمّامية من دون ضرر- و لو بإحداث مستوقد أو بئر اخري- فالأقرب الإجبار.

______________________________

التراضي. كما أنّه لو انحصرت القسمة الخالية عن الضرر في كيفية خاصّة و طلبها أحدهما يجبر سائر الشركاء عليها، بلا فرق بين كون مطلوبه قسمة إفراز أو قسمة تعديل.

لا إجبار علي ما لا

تخلو قسمته عن ضرر

(1) 1- و ذلك لما اتّضح بما أسلفناه، من عدم جواز الإجبار علي القسمة المستلزمة للضرر. و أمّا إحداث المستوقد و نحوه مع الأمن من الضرر، فإنّما يجوز إذا لم يستلزم حرجاً أيضاً. فلا يكفي مجرّد الأمن من الضرر.

و حاصل الكلام: أنّه لا خلاف بين الأصحاب في عدم جواز إجبار أحد الشركاء علي القسمة المستلزمة للضرر، أيّ قسم منها كان، كما قال في المسالك «1» و الحدائق «2» و الجواهر «3».

و لكن قال في الشرائع: «أنّه لا يجوز قسمة كلّ ما في قسمته ضرر، و لو اتّفق الشركاء علي القسمة».

______________________________

(1)- مسالك الأفهام 4: 321.

(2)- الحدائق الناضرة 21: 171.

(3)- جواهر الكلام 26: 313.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 175

______________________________

و قد أشكل عليه في المسالك بقوله: «و حكمه هنا بعدم جواز قسمة ما يشتمل علي ضرر و إن اتّفقا علي القسمة، غير معروف، و إنّما المعهود الذي ذكره هو في بابه و غيره، أنّ القسمة المشتملة علي ضررٍ لا يُجبر الممتنع عليها، لكنّها تصحّ بالتراضي، خصوصاً مع تفسيره الضرر بنقصان القيمة، فإنّ مجرّد ذلك لا يبلغ حدّ المنع. نعم، لو فسّر بعدم الانتفاع أمكن من حيث استلزامها تضييع المال بغير عوض؛ لأنّه إذا لم ينتفع بالأجزاء، لا فائدة في القسمة، بل هو محض الإتلاف» «1».

و أشكل في الجواهر علي المحقّق، أوّلًا: بأنّ ما قال به منافٍ لقاعدة تسلّط الناس علي أموالهم.

و ثانياً: بأنّه قد يتعلّق الغرض الصحيح بالغرض المستلزم للضرر، و يرتفع بذلك السفه الذي هو ملاك المنع عند العقلاء.

و ثالثاً: بأنّ المحقّق فسّر الضرر المانع في كتاب القضاء بنقصان القيمة، لا خروج المال عن حيّز الانتفاع. و عليه فلا يلزم سفه

و لا إتلاف من القسمة المتضمّنة للضرر بهذا المعني، فلا دليل علي منع المالك عن التصرّف في ماله.

و رابعاً: بأنّ الفقهاء صرّحوا بجواز القسمة المتضمّنة للضرر و جواز إجبار الممتنع عليها، إذا كان الضرر علي طالبها دون غيره من الشركاء، كما في الدروس. و في مفروض الكلام يرد الضرر علي جميع الشركاء أنفسهم، فلا بدّ أن يكون جائزاً.

و خامساً: بأنّ غاية ما يلزم من عدم الجواز الاثم، و هو لا ينافي صحّة

______________________________

(1)- مسالك الأفهام 4: 321.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 176

(مسألة 11): لو كان لأحد الشريكين عشر من دار- مثلًا- و هو لا يصلح للسكني

، و يتضرّر هو بالقسمة دون الشريك الآخر، فلو طلب القسمة لغرض يجبر شريكه، و لم يجبر هو لو طلبها الآخر (1).

______________________________

الشركة وضعاً «1».

و هذه المناقشات أكثرها واردة علي المحقّق. و مقتضي التحقيق صحّة القسمة الضررية مع تراضي الشركاء و اتّفاقهم عليها، ما دام لم تكن سفهية و إتلافاً محضاً.

(1) 1- لما سبق من عدم جواز الإجبار علي القسمة المستلزمة للضرر، دون غير المستلزمة منها. و كذلك الكلام في المستلزمة منها للحرج. و لمّا كان السكني في عشر الدار مستلزماً للضرر و الحرج، لا يجوز إجبار صاحب العشر، علي قسمة الدار.

______________________________

(1)- قال في الجواهر في الإشكال علي المحقّق ما لفظه: «و فيه أنّه مناف لقاعدة تسلط الناس علي أموالهم، و السفه قد يرتفع بالغرض الصحيح. علي أنّه هو في كتاب القضاء فسّر الضرر المانع من القسمة بنقص القيمة، لا خروج المال عن الانتفاع، و لا ريب في عدم منع المالك من التصرّف فيه و إن استلزم نقصاً فاحشاً في المال. و أيضاً فالإثم بذلك لا ينافي صحّة القسمة شرعاً. كلّ ذلك مع أنّه منافٍ لما قيل: من وجوب الإجابة فيما لو

فرض ضرر القسمة علي أحدهما خاصّة، و كان الطالب لها المتضرّر. قال في الدروس: و لو تضرّر أحد الشريكين دون الآخر أجبر غير المتضرّر بطلب الآخر دون العكس. لكن قال: و في المبسوط لا يجبر أحدهما ممّا يتضرّر الطالب، و هذا حسن إن فسّر التضرّر بعدم الانتفاء، و إن فسِّر بنقص القيمة فالأوّل أحسن و كأنّه لحظ إمكان فرض الغرض الواقع للسفه علي تقدير التفسير بالنقص بخلافه علي الآخر» جواهر الكلام 26: 313- 314.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 177

(مسألة 12): يكفي في الضرر المانع عن الإجبار (1)، حدوثُ نقصان في العين أو القيمة بسبب القسمة-

بما لا يتسامح فيه في العادة- و إن لم يسقط المال عن قابلية الانتفاع بالمرّة.

______________________________

المراد من الضرر المانع من الإجبار

(1) 1- يمكن إعطاءُ الضابطة في المقام بأنّ المعيار في الضرر المانع عن الإجبار ما يراه العرف ضرراً. فإنّ الضرر من العناوين العرفية المحضة، و لا مداخلة للشرع في تحديد موضوعه. و كلّ نقصان في العين أو القيمة ممّا لا يتسامح فيه عرفاً يُعدّ ضرراً عند أهل العرف لم يتسامحوا فيه؛ حيث إنّه لا يُعدّ النقصان المتسامح فيه ضرراً عندهم. و لا يعتبر في صدق الضرر عندهم سقوط المال عن قابلية الانتفاع بالمرّة، بل يكفي نقصان قابليتها للانتفاع، بأن لا يمكن أن يُنتفع به علي نحو يتوقّع منه عادةً. و ذلك يوجب عادة نقصان القيمة.

و لقد أجاد في المسالك في إعطاء الضابطة في ذلك؛ حيث قال: «لا خلاف في إجبار الممتنع علي قسمة ما لا ضرر فيه في الجملة، و لكن اختلفوا في معني الضرر المانع من الإجبار- و منه يعرف قسيمه- علي أقوالٍ:

أحدها: نقصان القيمة نقصاناً لا يتسامح فيه عادةً؛ لأنّ فوات المالية مناط الضرر في الأموال، و لقوله صلي الله عليه و

آله

: «لا ضرر و لا ضرار»

، و هو عامّ.

و ثانيها: عدم الانتفاع بالنصيب منفرداً، لتضمّنه الضرر و الحرج و إضاعة المال المنفي و المنهي عنه.

و ثالثها: عدم الانتفاع به منفرداً فيما كان ينتفع به مع الشركة، مثل أن يكون

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 178

(مسألة 13): لا بدّ في القسمة من تعديل السهام ثمّ القرعة

اشارة

(1).

______________________________

بينهما دارٌ صغيرة إذا قسّمت أصاب كلّ واحدٍ منهما موضعٌ ضيّق لا ينتفع به في السكني كالأوّل و إن أمكن الانتفاع به في غير ذلك. و هذا أعمّ من الثاني بحسب الحمل، و الثاني أعمّ بحسب الاستغراق و الأقوي اعتبار الأوّل» «1».

و لا يخفي أنّ في الجواهر «2» جَعَل القسم الثاني عدم الانتفاع بالمال أصلًا، و الفرق بينه و بين ما قال في المسالك في القسم الثاني واضح.

ثمّ قال في الجواهر- بعد نقل التفاسير الثلاثة المزبورة للضرر المانع- ما لفظه: «و لا يخفي عليك ما في الثاني و الثالث؛ ضرورة اقتضاء قاعدة نفي الضرر و الضرار الأعمّ من أوّلهما، و قاعدة وجوب إيصال الحقّ إلي مستحقّه الطالب له ما ينافي ثانيهما، فتعيّن حينئذٍ تفسيره بالأوّل» «3».

و قد عرفت من كلام هذين الفحلين تعيُّن المعني المراد من الضرر المانع في التفسير الأوّل من التفاسير الثلاثة المزبورة. و هذا يلائم ما ذكرناه من الضابطة في تعيين الضرر المانع عن الإجبار علي القسمة؛ نظراً إلي الملازمة بين نقصان قابلية المال للانتفاع المتوقّع منه و بين نقصان قيمته.

حكم القرعة بعد تعديل السهام

(1) 1- أمّا وجوب تعديل السهام فقد عرفت وجهه في المسألة الاولي، و لا نعيد.

أمّا وجوب القرعة بعد تعديل السهام، فقد استظهره في الجواهر من ظاهر

______________________________

(1)- مسالك الأفهام 4: 319.

(2)- جواهر الكلام 26: 315.

(3)- نفس المصدر.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و

القسمة، ص: 179

______________________________

كلمات كثير من الأصحاب بل جميعهم، عدا المحقّق الأردبيلي و المحدّث البحراني.

استدلال الأردبيلي لعدم اعتبار القرعة

و قد استدلّ المحقّق الأردبيلي «1» لعدم اعتبارها بعد تعديل السهام و حصول التراضي:

أوّلًا: بعموم تسلّط الناس علي أموالهم.

و ثانياً: بأنّه من التجارة عن تراضٍ.

و ثالثاً: بأنّه من أكل مال الغير بطيب نفسه.

و رابعاً: بفحوي صحيح

ابن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام أنّه قال: في رجلين كان لكلّ واحد منهما طعام عند صاحبه، و لا يدري كلّ واحد منهما كم له عند صاحبه.

فقال كلّ واحد منهما لصاحبه: لك ما عندك، و لي ما عندي. فقال عليه السلام: «لا بأس بذلك إذا تراضيا و طابت أنفسهما» «2».

و خامساً: بعمل المسلمين مع المقسوم معاملة الملك، و اكتفائهم بالرضا في جواز التصرّف، من غير توقّف علي الملك.

و لا يخفي أنّ كلامه متين و لا إشكال في الوجوه التي استدلّ بها لعدم اعتبار القرعة عند تراضي الشركاء علي القسمة و علي تعيين السهام بعد تعديلها، إلّا الوجه الثاني، فإنّه لا يخلو من مناقشة؛ لعدم صدق عنوان التجارة علي القسمة عرفاً فإنّه بعيد عن ارتكاز أذهان أهل العرف، كما أنّها ليست ببيع و لا معاوضة، كما سبق في أوائل بحث القسمة.

______________________________

(1)- مجمع الفائدة و البرهان 10: 215- 216.

(2)- وسائل الشيعة 18: 445، كتاب الصلح، الباب 5، الحديث 1.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 180

______________________________

و أمّا صحيح ابن مسلم و إن ليس في مورد قسمة المال المشترك، إلّا أنّ تعليق الإمام عليه السلام الجواز علي التراضي و طيب النفس في ذيله، يشمل التراضي علي تعيين السهام بعد تعديلها في القسمة، بل و لو لم يحصل العلم بالتعديل.

كلام المحدّث البحراني

و قال المحدّث البحراني بعد بحث في ذلك: «و بالجملة فإنّي لم أقف في الأخبار علي ما ذكروه من القرعة- إلي أن

قال-: و القرعة قد وردت بها الأخبار في جملة من الموارد، و لم يُذكر فيها هذا الموضع الذي ذكروه هنا. و غاية ما يدلّ عليه عمومات بعض أخبارها التوقّف عليها في موضع النزاع، مثل قول الصادق عليه السلام فيما رواه الصدوق:

«و ما تقارع قوم ففوّضوا أمرهم إلي اللّٰه تعالي، إلّا خرج سهم المحقّ».

و أمّا مع التراضي فلا أثر في الأخبار لاعتبارها و التوقّف عليها، و كأنّه بسبب التراضي يكون من قبيل الصلح في هذه المعاوضة، كما ورد في صحيحة

محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام أنّه قال: في رجلين كان لكلّ واحد منهما طعام عند صاحبه، و لا يدري كلّ واحد منهما كم له عند صاحبه، فقال كلّ واحد منهما لصاحبه: لك ما عندك و لي ما عندي، فقال عليه السلام: «لا بأس بذلك إذا تراضيا، و طابت أنفسهما».

نعم، لو لم يحصل التراضي بعد تعديل القسمة أمكن القول بالقرعة، لهذا الخبر و نحوه، و بالجملة فإنّ القسمة و ما ذكر فيها من الأحكام غير موجود في كلام متقدّمي علمائنا الأعلام و لا أخبار أهل الذكر عليهم السلام.

و الذي يغلب علي الظنّ القاصر أنّ الشيخ و من تبعه من الأصحاب قد تبعوا في هذه المقامات العامّة؛ حيث أطالوا البحث عن ذلك في كتبهم بهذه الفروع التي ذكرها الأصحاب اختلافاً و اتّفاقاً. و لا يخفي علي الخائض في الفنّ و الناظر في كتب

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 181

______________________________

المتقدمين المقصورة علي الأخبار، و أنّه لم يقع التفريع في الأحكام و كثرة الفروع في المسألة الواحدة سيّما في هذا الباب، إلّا من الشيخ و تبعه من تأخر عنه، و كلّها من كتب العامّة» «1».

و يتحصّل كلامه

في امور:

1- عدم الوقوف علي خبر يدلّ علي اعتبار القرعة في القسمة، و الأخبار الدالّة علي مشروعية القرعة إنّما وردت في موارد اخري غير القسمة.

2- إذا لم يحصل تراضي الشركاء و وقع النزاع بينهم في تعيين الحصص، تشمله عمومات الدالّة علي مشروعية القرعة في التنازع في الحقوق و كلّ أمر مشكل، فلا بدّ من القرعة حينئذٍ. و أمّا إذا حصل التراضي فيكون القسمة من قبيل الصلح.

3- ما ذكره الشيخ الطوسي و من حذا حذوه في تعيين السهام بالقرعة، حتّي مع تراضي الشركاء بدونها و التفريع علي ذلك بتفريعات كثيرة و ذكر الجزئيات، إنّما تأثّروا و تبعوا أبناءَ العامّة في ذلك.

و قد حمل عليه صاحب الجواهر بقوله: «إنّه أساءَ الأدب و نسبهم في ذلك إلي متابعة العامّة» «2».

جواب صاحب الجواهر عن صاحب الحدائق و نقده

و أجاب في الجواهر «3» أوّلًا: بأنّ سيرة الأصحاب و المتشرعة قد جرت في القسمة قديماً علي تعيين السهام بالقرعة بعد تعديلها. و هي تعطي لنصوص القسمة

______________________________

(1)- الحدائق الناضرة 21: 175- 176.

(2)- جواهر الكلام 40: 330.

(3)- نفس المصدر 26: 311.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 182

______________________________

ظهوراً في ذلك، بحيث لا يصدق عنوانها بدون القرعة.

و ثانياً: بأنّ تعريف القسمة بأنّها تمييز حصص الشركاء و تفكيك حقوقهم بعضها عن بعض، يقتضي كون حصّة كلّ شريك كلّيةً دائرةً بين مصاديق متعدّدة، و لا مناص حينئذٍ في تشخيص حصّة كلّ شريك و تعيينها من القرعة؛ لأنّها متردّدة و مشتبهة يشكل تعيينها، و القرعة لكلّ أمر مشكل، فليست القرعة ناقلة، بل إنّما تُخرج الحصّة عن الاشتباه و تُعيّنها. و بذلك يتّجه اعتبار القرعة بعد تعديل السهام.

و فيه أوّلًا: أنّ دعوي السيرة المتّصلة بزمان الشارع، لا دليل عليها بعد دعوي صاحب الحدائق

خلوّ كلمات القدماء في المقام عن القرعة في القسمة و تبعية الشيخ العامّة في ذلك.

و ثانياً: أنّه بعد تراضي الشركاء علي تعيين الحصص بينهم بعد تعديلها، لا مشكلة في البين. و إنّما المشكل فيما إذا لم يتراضوا بذلك. فلا يبعد القول باختصاص القرعة بهذه الصورة و اعتبارها حينئذٍ، كما قال في الحدائق «1». و جميع أدلّة القرعة إنّما هي ناظرة إلي هذه الصورة.

فإذا اقرع بين الشركاء عند اختلافهم و تعيّنت السهام بعد تعديلها بالقرعة، اجبر الشركاءُ علي ما اخرج لهم من السهم بالقرعة.

اعتراف صاحب الجواهر بما اختاره في الحدائق

و قد اعترف في الجواهر بما اختاره في الحدائق، و استشهد له بكلام المحقّق صاحب الشرائع، و ادّعي صراحته في مشروعية القسمة بدون القرعة حينئذٍ ذلك.

______________________________

(1)- الحدائق الناضرة 21: 176.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 183

______________________________

قال في الشرائع: «أمّا لو أراد أحد الشركاء التخيير، فالقسمة جائزة، لكن لا يجبر الممتنع عنها».

و قال في الجواهر في ذيله: «ضرورة صراحة ذلك في مشروعية القسمة بدونها، و أنّ الفرق بينها و بين الاولي جبر الممتنع عنها دونها. و أصرح منه ما في اللمعة في القسمة في القضاء: و إذا عدلت السهام و اتّفقا علي اختصاص كلّ واحد بسهم، لزم، و إلّا اقرع. و في الروضة في شرحها: لزم من غير قرعة؛ لصدق القسمة مع التراضي الموجبة لتميّز الحقّ. و لا فرق بين قسمة الردّ و غيرها. و إلّا يتّفقا علي الاختصاص اقرع. و هو صريح في عدم اعتبارها في أصل القسمة، إلّا حال عدم التراضي. و المحدّث البحراني قد صرّح باعتبار القرعة حينئذٍ و عدمها مع التراضي، و هو عين ما سمعته منهم فما أدري أين محلّ إنكاره» «1».

أقول: محلّ إنكاره اعتبار القرعة

مع تراضي الشركاء علي تعيين الحصص بعد تعديل السهام بدون القرعة، كما يظهر من السيد الماتن هاهنا. و الحقّ في المقام مع صاحب الحدائق و قد وافقه الأصحاب، بل لا يخالفه صاحب الجواهر نفسه، كما عرفت من كلامه هاهنا مستشهداً بكلام الشهيد. بل قد عرفت أنّ كلام المحقّق الأردبيلي أيضاً راجع إلي ذلك، فكلامه أيضاً- كصاحب الحدائق- موافق لرأي الأصحاب.

الاستشهاد ببعض النصوص لعدم اعتبار القرعة

و قد يستشهد لإثبات عدم اعتبار القرعة و مشروعية القسمة عند التراضي، بما ورد في نصوص قسمة الدين المشترك.

______________________________

(1)- جواهر الكلام 26: 313.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 184

______________________________

مثل صحيح

غياث بن إبراهيم عن أبيه عن آبائه عن علي عليه السلام: في رجلين بينهما مال منه بأيديهما، و منه غائب عنهما، فاقتسما الذي بأيديهما، و احتال كلّ واحد منهما بنصيبه، فقبض أحدهما و لم يقبض الآخر، فقال: «ما قبض أحدهما فهو بينهما، و ما ذهب فهو بينهما» «1».

و صحيح

عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن رجلين بينهما مال منه دين، و منه عين، فاقتسما العين و الدين، فتوي الذي كان لأحدهما من الدين أو بعضه، و خرج الذي للآخر أ يردّ علي صاحبه؟ قال: «نعم، ما يذهب بماله» «2».

و صحيح

سليمان بن خالد، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجلين كان لهما مال بأيديهما و منه متفرّق عنهما فاقتسما بالسويّة، ما كان في أيديهما، و ما كان غائباً عنهما، فهلك نصيب أحدهما ممّا كان غائباً و استوفي الآخر، عليه أن يردّ علي صاحبه؟ قال: «نعم، ما يذهب بماله» «3».

و صحيح

علي بن جعفر في كتابه عن أخيه موسي بن جعفر عليهما السلام قال: سألته عن رجلين اشتركا في

السلم أ يصلح لهما أن يقتسما قبل أن يقبضا؟ قال: «لا بأس به» «4».

بتقريب أنّ إطلاق هذه النصوص ينفي اعتبار القرعة في صحّة القسمة، بعد تعديل السهام، كما يشير إليه قوله: «فاقتسما بالسويّة» و بعد التراضي كما يظهر من

______________________________

(1)- وسائل الشيعة 18: 435، كتاب الضمان، الباب 13، الحديث 1.

(2)- وسائل الشيعة 19: 13، كتاب الشركة، الباب 6، الحديث 2.

(3)- وسائل الشيعة 18: 370، كتاب التجارة، أبواب الدين و القرض، الباب 29، الحديث 1.

(4)- وسائل الشيعة 18: 371، كتاب التجارة، أبواب الدين و القرض، الباب 29، الحديث 2.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 185

______________________________

إسناد القسمة إليهما في قوله: «فاقتسما»، كما ينفي اعتبار وجود قاسم من جانب الإمام عليه السلام أو نائبه.

و في الحدائق في بيان مفاد هذه الأخبار بعد ذكرها، قال: «و المتبادر من هذه الروايات أنّ الاقتسام إنّما وقع من الشركاء بمجرّد تميّز سهام كلّ واحد من ذلك المال المشترك الموجود بأيديهم، مثلياً كان ذلك المال أو قيمياً بعد تعديله كما تقدّم، من غير توقّف علي قاسم من جهة الإمام عليه السلام، و لا قرعة في البين؛ بأن رضي كلٌ منهم بعد تساوي السهام بنقل حصّته، ممّا في يد شريكه بحصّة شريكه ممّا في يده، و كذلك قسمة ما في الذمم ممّا لم يكن في أيديهما، إلّا أنّه عليه السلام أبطل قسمة الغائب» «1».

و لا غبار علي دلالة هذه النصوص بإطلاقها علي عدم اعتبار القرعة في قسمة ما قُبض من الدين المشترك عند التراضي و إلّا أنّها دلّت علي بطلان قسمة الدين المشترك، كما عقد لها في الوسائل «2» بهذا العنوان و استظهره المشهور من هذه النصوص. فلا دلالة لها علي صحّة أصل

قسمة الدين، فضلًا عن دلالتها علي عدم اعتبار القرعة في قسمتها.

و أمّا عمومات القرعة المستدلّ بها لاعتبار القرعة في صحّة القرعة و لزومها عند الاختلاف:

فمنها: حسنة

محمّد بن الحكيم قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن شي ءٍ، فقال عليه السلام لي: «كلُّ مجهول ففيه القرعة»، قلت له: إنّ القرعة تخطئُ و تصيب.

______________________________

(1)- الحدائق الناضرة 21: 174- 175.

(2)- وسائل الشيعة 19: 12، كتاب الشركة، الباب 6.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 186

______________________________

قال عليه السلام: «كلُّ ما حكم اللّٰه به فليس بمُخطئٍ» «1».

و منها: قول أبي عبد اللّه عليه السلام:

«و القرعة سنّة»

في صحيح إبراهيم بن عمر و سيّابة «2».

و منها:

ما ورد في صحيح جميل عن زرارة في حديث قال: إنّما جاء الحديث بأنّه «ليس من قوم فوّضوا أمرهم إلي اللّٰه ثمّ اقترعوا إلّا خرج سهم المحقّ» «3».

و منها: صحيح

أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام: «ليس من قوم تقارعوا ثمّ فوّضوا أمرهم إلي اللّٰه، إلّا خرج سهم المحقّ» «4».

و منها: ما رواه ابن أبي جمهور الأحسائي في عوالي اللئالي بقوله: و روي في الصحيح عن النبي صلي الله عليه و آله، قال: «في كلّ أمر مشكل القرعة» «5».

و قال في موضع آخر:

و نقل عن أهل البيت عليهم السلام: «كلّ أمر مشكل فيه القرعة» «6».

هذه النصوص تشمل بعمومها و إطلاقها كلّ مورد اشتبه الحقوق، و اشكل إخراج سهم المحقّ و لم يمكن تعيينه بتنصيف أو تراضٍ علي تعديل السهام أو

______________________________

(1)- من لا يحضره الفقيه 3: 92، الحديث 3389؛ وسائل الشيعة 27: 260، كتاب القضاء، أبواب كيفية الحكم، الباب 13، الحديث 11 و 18.

(2)- وسائل الشيعة 27: 257، كتاب القضاء، أبواب كيفية الحكم، الباب 13، الحديث 2.

(3)- وسائل

الشيعة 27: 257، كتاب القضاء، أبواب كيفية الحكم، الباب 13، الحديث 4.

(4)- وسائل الشيعة 27: 258، كتاب القضاء، أبواب كيفية الحكم، الباب 13، الحديث 5 و 6.

(5)- عوالي اللئالي 2: 285، الحديث 25.

(6)- عوالي اللئالي 2: 112، الحديث 308.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 187

أمّا كيفية التعديل (1): فإن كانت حصص الشركاء متساوية- كما إذا كانوا اثنين و لكلّ منهما النصف، أو ثلاثة و لكلّ منهم الثلث و هكذا- يعدّل السهام بعدد الرءوس، و يعلّم كلّ سهم بعلامة تميّزه عن غيره. فإذا كانت قطعة أرض متساوية الأجزاء بين ثلاثة- مثلًا- تجعل ثلاث قطع متساوية مساحة، و يميّز بينها بمميّز كالأُولي لإحداها، و الثانية للُاخري، و الثالثة للثالثة.

و إذا كانت دار مشتملة علي بيوت بين أربعة- مثلًا- تجعل أربعة أجزاء متساوية بحسب القيمة إن لم يمكن قسمة إفراز إلّا بالضرر، و تميّز كلّ منها بمميّز كالقطعة الشرقية و الغربية و الشمالية و الجنوبية المحدودات بحدود كذائية. و إن كانت الحصص متفاوتة- كما إذا كان المال بين ثلاثة: سدس لعمرو، و ثلث لزيد، و نصف لبكر- تجعل السهام علي أقلّ الحصص، ففي المثال تجعل السهام ستّة معلّمة كلّ منها بعلامة، كما مرّ.

______________________________

مصالحة و نحو ذلك. و تدلّ علي مشروعية القرعة في هذه الموارد. و ذلك لصدق المشكل و تحقّق موضوع القرعة بذلك.

كيفية تعديل السهام و القرعة

(1) 1- لم ترد كيفية التعديل و القرعة في نصّ خاصّ. و إنّما ذكرها الفقهاء، كما ذكرها في الجواهر «1». و المعيار مراعاة أحكام القسمة من تعديل السهام و تعيينها بالقرعة و تفويض الأمر إلي اللّٰه و إخراج كلّ سهم، من غير اطلاع و علم بأنّه لأيّ شخص من الشركاء قبل إخراجه.

______________________________

(1)- جواهر

الكلام 40: 344- 347.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 188

و أمّا كيفية القرعة: ففي الأوّل- و هو ما كانت الحصص متساوية- تؤخذ رقاع بعدد رءوس الشركاء؛ رقعتان إذا كانوا اثنين، و ثلاث إذا كانوا ثلاثة و هكذا، و يتخيّر بين أن يكتب عليها أسماء الشركاء- علي إحداها زيد، و اخري عمرو مثلًا- أو أسماء السهام: علي إحداها أوّل، و علي الاخري ثاني و هكذا، ثمّ تشوّش و تستر، و يؤمر من لم يشاهدها فيخرج واحدة واحدة. فإن كتب عليها اسم الشركاء يعيّن سهم كالأوّل، و تخرج رقعة باسم هذا السهم قاصدين أن يكون لكلّ من خرج اسمه، فكلّ من خرج اسمه يكون له، ثمّ يعيّن السهم الآخر و تخرج رقعة اخري لذلك السهم، فمن خرج اسمه فهو له و هكذا.

و إن كتب عليها اسم السهام يعيّن أحد الشركاء و تخرج رقعة، فكلّ سهم خرج اسمه فهو له، ثمّ تخرج اخري لشخص آخر و هكذا.

و في الثاني- و هو ما كانت الحصص متفاوتة، كالمثال المتقدّم الذي قد تقدّم: أنّه تجعل السهام علي أقلّ الحصص و هو السدس- يتعيّن فيه أن تؤخذ الرقاع بعدد الرءوس؛ يكتب- مثلًا- علي إحداها زيد، و علي الاخري عمرو، و علي الثالثة بكر، و تستر كما مرّ. و يقصد أنّ كلّ من خرج اسمه علي سهم، كان له ذلك مع ما يليه بما يكمّل تمام حصّته، ثمّ تخرج إحداها علي السهم الأوّل، فإن كان عليها اسم صاحب السدس تعيّن له، ثمّ تخرج اخري علي السهم الثاني، فإن كان عليها اسم صاحب الثلث كان الثاني و الثالث له، و يبقي الرابع و الخامس و السادس لصاحب النصف، و لا يحتاج إلي

إخراج الثالثة. و إن كان عليها اسم صاحب النصف كان له الثاني و الثالث و الرابع، و يبقي الباقي لصاحب الثلث. و إن كان ما خرج علي السهم الأوّل اسم صاحب الثلث كان الأوّل

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 189

و الثاني له، ثمّ تخرج اخري علي السهم الثالث، فإن خرج اسم صاحب السدس فهو له، و تبقي الثلاثة الأخيرة لصاحب النصف. و إن خرج اسم صاحب النصف كان الثالث و الرابع و الخامس له، و يبقي السادس لصاحب السدس. و قس علي ذلك غيره.

(مسألة 14): الظاهر أنّه ليست للقرعة كيفية خاصّة

(1)، و إنّما تكون منوطة بمواضعة القاسم و المتقاسمين؛ بإناطة التعيّن بأمر ليست إرادة المخلوق دخيلة فيه؛ مفوّضاً للأمر إلي الخالق جلّ شأنه؛ سواء كان بكتابة رقاع، أو إعلام علامة في حصاة أو نواة أو ورق أو خشب، أو غير ذلك.

______________________________

ليست للقرعة كيفية خاصّة

(1) 1- قال في الجواهر في بيان كيفية القرعة: «بأن يُكتب أسماءُ الشركاء أو السهام، كلٌّ في رقعة و تصان و يؤمر من لم يطّلع علي الحال بإخراج إحداها علي اسم أحد المتقاسمين أو أحد السهام، هذا إن اتّفقت السهام قدراً. و لو اختلفت، قسّم علي أقلّ السهام، و جعل لها أوّل يعيّنه المتقاسمون، و إلّا الحاكم و تكتب أسماؤهم، لا أسماء السهام؛ حذراً من التفريق، فمن خرج اسمه أوّلًا أخذ من الأوّل، و اكمل نصيبه منها علي الترتيب، ثمّ يخرج الثاني إن كانوا أكثر من اثنين، و هكذا» «1».

ثمّ قال: «و بذلك تتمّ القسمة، من غير حاجة إلي شي ءٍ آخر، من رضي

______________________________

(1)- جواهر الكلام 26: 309.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 190

______________________________

بعده و غيره، في قسمة الإجبار و غيرها» «1».

و أنت تري أنّه

لم يستند في كيفية القرعة إلي نصّ أو إجماع أو دليل آخر.

و قال في المسالك- في ذيل كلام المحقّق في بيان كيفية القرعة- ما لفظه:

«و ما ذكره من كتابة الأسماء و السهام و وضعه في بندقة من طين و نحوه، هو المشهور في استعمال الفقهاء، و لكن لا يتعيّن. فلو جعلها بالأقلام و الحصي و الورق و ما جري مجراها مع مراعاة الستر، كفي» «2».

و حاصل الكلام: أنّ المعيار في كيفية القرعة مراعاة الستر في كتابة السهام و الأسماء و الرُّقَع المكتوبة و كذا في إخراجها. و لا ريب في أولوية ما هو أدقّ رعاية و أقلّ كلفة و أخصر طريقاً من الطرق المذكورة، كما يستفاد ذلك من كلمات الشهيد «3» و غيره من فحول المحقّقين.

و قال في الجواهر- بعد نقل كلام صاحب الشرائع في كيفية القسمة-:

«و الظاهر عدم وجوب خصوص كتابة الرقاع و عدم الصون في ساتر، بل و عدم وجوب كون المأمور مكلّفاً، بل و غير ذلك من القيود المزبورة؛ إذ المراد حصول التعيين من غير اختيارهما أو وكيلهما، بل يفوّضان أمره إلي اللّٰه تعالي و يفعلان ما يفيده و إن كان الأولي الاقتصار علي المأثور و المعهود» «4».

و ليس مراده من المأثور ورود كيفية خاصّة في رواية بل مراده الكيفية المأثورة في فتاوي الأصحاب.

______________________________

(1)- جواهر الكلام 26: 309.

(2)- مسالك الأفهام 14: 41.

(3)- نفس المصدر.

(4)- جواهر الكلام 40: 344- 345.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 191

(مسألة 15): الأقوي أنّه تتمّ القسمة بإيقاع القرعة كما تقدّم، و لا يحتاج إلي تراضٍ آخر بعدها

(1)، فضلًا عن إنشائه و إن كان أحوط في قسمة الردّ.

______________________________

هل يعتبر الرضا بعد القرعة؟

(1) 1- مقتضي التحقيق عدم اعتبار الرضا بعد القرعة لتعيين السهام و تخصيصها بآحاد الشركاء في قسمة الإفراز و التعديل، فيما

إذا تراضوا بالقرعة قبلها مطلقاً، بلا فرق بين ما إذا تراضوا بالقرعة بعد الاختلاف التجاءً إليها، و بين ما إذا تبانوا علي تعيين السهام بالقرعة ابتداءً من دون اختلاف.

و أمّا إذا لم يتراضوا بالقرعة قبلها، فقد وقع الخلاف في اعتبار الرضا بعدها و عدم اعتباره حينئذٍ.

و وجه اعتبار الرضا بعد القرعة في قسمة الردّ أنّها تتضمّن معاوضة بين نصف المقدار الزائد- الواقع في السهم الأكثر- و بين عوضه المردود إلي ذي السهم الأقلّ.

و صحّة المعاوضة بحاجة إلي التراضي. و قد ردّه في الجواهر بأنّ القسمة في جميع أقسامها كالمعاوضة التي يدّعيها الخصم؛ حيث قال: «مع أنّها في الجميع كالمعاوضة التي يدّعيها الخصم» «1».

و أمّا وجه عدم اعتباره أنّ بالقرعة يخرج سهم المحقّ و تتنجّز بها القسمة، هذا، مع حصول التراضي بالقرعة قبلها.

______________________________

(1)- نفس المصدر 26: 310.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 192

______________________________

و قد نسب في الجواهر «1» اعتبار الرضا بعد القرعة في لزوم قسمة الردّ إلي المبسوط و التحرير و الإرشاد و الدروس و الإيضاح و المسالك، و غاية المرام و الرياض.

و لكن ظاهر نسبة المحقّق و العلّامة ذلك إلي القيل عدم اعتباره بعدها، بل في الجواهر «2» صريح الدروس. و هو الأقوي. و ذلك لأنّ بالقرعة يخرج سهم المحقّ و تحلّ المشكلة و يرتفع الجهل، كما نطقت بذلك نصوص القرعة، و بعد ذلك فأيّ حاجة إلي التراضي؟! هذا مع حصول التراضي قبل القرعة بتباني الشركاء عليها.

بل صرّح المحقّق بالإشكال في اعتبار الرضا معلّلًا بما قلنا؛ حيث قال:

«و في هذا- أي اعتبار الرضا بعد القرعة- إشكال؛ من حيث إنّ القرعة وسيلة إلي تعيين الحقّ و قد قارنها الرضا» «3».

و قال في الجواهر: «نعم،

الظاهر عدم اعتبار الرضا بعد القرعة مع فرض سبق الرضا بالقسمة بها؛ ضرورة ظهور أدلّتها في اقتضائها التعيين و التمييز، فمع حصوله بها لا دليل علي عوده» «4».

و أيضاً نسب في الجواهر إلي المشهور اعتبار الرضا بعد القرعة، و أشكل عليه بوجوه ثلاثة؛ حيث قال بعد بيان كيفية القرعة: «و بذلك تتمّ القسمة، من غير حاجة إلي شي ءٍ آخر من رضي بعده و غيره في قسمة الإجبار و غيرها،

______________________________

(1)- جواهر الكلام 40: 350.

(2)- نفس المصدر.

(3)- نفس المصدر: 329.

(4)- نفس المصدر: 331.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 193

______________________________

بل و لا في قسمة الردّ إذا كان القاسم في الجميع منصوباً. أمّا إذا كانت من غيره و لو منصوباً منهما، فالمشهور علي ما قيل الاحتياج إلي رضا بعد القرعة، خصوصاً في قسمة الردّ لاشتمالها علي المعاوضة المتوقّفة علي ما يدلّ علي الرضا بذلك.

و قد يشكل أوّلًا: بالاكتفاء بالرضا بالقرعة.

و ثانياً: بفحوي الاكتفاء بها في قسمة الإجبار، و فيما إذا كان القاسم منصوباً من الإمام، مع أنّها في الجميع كالمعاوضة التي يدّعيها الخصم.

و ثالثاً: بما دلّ من نصوص القرعة علي كونها مميّزة للحقّ، و مشخّصة له، و ملزمة به، بل لعلّ ذلك هو حكمة مشروعيتها، و بذلك يخرج عن أصالة بقاء المال علي الإشاعة» «1».

و يرد علي إشكال الأوّل، أنّ الكلام فيما إذا لم يتراضوا بالقرعة، بل كانت بحكم الحاكم.

و علي إشكاله الثاني، أنّ القرعة عند صاحب الجواهر تعيين الحصص و تمييز حقوق الشركاء عن الإبهام فهذا الإشكال مخالف لمبناه.

و أمّا إشكاله الثالث فلا غبار عليه. و العمدة في عدم اعتبار الرضا بعد القرعة هي هذا الوجه؛ لأنّ نصوصها تنادي بأعلي صوتها أنّ السهم الخارج بالقرعة قد

أخرجه اللّٰه بحكمه و قضائه. و لا اعتبار بإرادة المخلوقين و لا رضاهم بعد حكم الخالق سبحانه و تعالي.

فالأقوي عدم اعتبار الرضا بعد القرعة مطلقاً، كما أفاده السيد الماتن قدس سره.

______________________________

(1)- جواهر الكلام 26: 309- 310.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 194

(مسألة 16): لو طلب بعض الشركاء المهاياة في الانتفاع بالعين المشتركة:

اشارة

إمّا بحسب الزمان؛ بأن يسكن هذا في شهر و ذاك في شهر مثلًا، و إمّا بحسب الأجزاء؛ بأن يسكن هذا في الفوقاني و ذلك في التحتاني مثلًا، لم يلزم علي شريكه القبول، و لم يجبر إذا امتنع (1)،

______________________________

لا يجوز الإجبار علي قسمة المهاياة

(1) 1- قال في مجمع البحرين: تهايأ القوم تهايؤاً؛ إذا جعلوا لكلّ واحدٍ هيئة معلومة، و المراد النوبة. و المهاياة في كسب العبد أنّهما يقسمان الزمان بحسب ما يتّفقان عليه و يكون كسبه في كلّ وقت لمن ظهر له بالقسمة.

و المقصود من المهاياة تقسيم الانتفاع من العين المشتركة بين الشركاء، إمّا بحسب أجزائها أو بحسب الزمان.

و أمّا عدم جواز إجبار الممتنع علي قسمة المهاياة في مفروض كلام السيد الماتن، فالوجه فيه:

أوّلًا: أنّها ليست بقسمة إفراز و لا تعديل؛ نظراً إلي عدم تعديل السهام بها؛ لعدم تساوي منفعة الجزءين من الأرض أو البناء، و لا تساوي مقدار المنفعة في الزمانين غالباً.

و ثانياً: عدم خلوّها من احتمال الضرر؛ لاحتمال نقصان المنفعة المنتفعة بها في إحدي النوبتين من المنفعة في النوبة الاخري. و ثالثاً: أنّه منافٍ لسلطة الناس علي أموالهم. و ذلك لأنّ الشريك الممتنع مالكٌ لحصّته من عين المال المشترك. فله الامتناع من كيفية الانتفاع، بل من أصل الانتفاع بها و مطالبة عين ماله أو قيمتها.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 195

______________________________

و إجباره علي خلاف مطلوبه في ماله منافٍ لسلطته علي ماله.

قال في الجواهر: «ثمّ إنّ الظاهر ما صرّح به في الدروس و اللمعة و الروضة و غيرها، من عدم وجوب الإجابة إلي المهاياة؛ أي قسمة المنفعة بالأجزاء، أو بالزمان، كأن يسكن أو يزرع هذا الجزء المعيّن، بل في الأخير: سواء كان ممّا يصحّ قسمته إجباراً أم

لا، و أنّه لا يلزم الوفاء بها لو أجاب إليها، فيجوز لكلّ منهما فسخها. و حينئذٍ فلو استوفي أحدهما ففسخ الآخر أو هو، كان عليه اجرة حصّة الشريك» «1».

و الضابطة في جواز الإجبار علي المهاياة عدم توجّه الضرر و الحرج بها إلي الممتنع عنها، و عدم المنافاة لسلطته علي ماله. و من هنا لو عُدّت قسمة المهاياة في مورد من قبيل قسمة الإفراز؛ بأن قُسّمت أجزاءُ المال متساويةً، يجوز إجبار الممتنع عليها، كما في قسمة الماء بحسب الساعات أو الأيام مع العلم بتساوي مقدار الماء الخارج في كلّ ساعة أو يوم. فيجوز حينئذٍ إجبار الممتنع عليها، كما سبق في كتاب المشتركات من كتابنا دليل تحرير الوسيلة. و ممّا يؤيد ذلك قوله تعالي: «وَ نَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمٰاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ» «2».

هذا، و لكن قسمة الماء حينئذٍ بالكيفية المزبورة من قبيل قسمة الإفراز في الحقيقة. و إنّ إطلاق قسمة المهاياة عليها في باب المشتركات مسامحي، و إنّما هو بلحاظ ابتناء القسمة حينئذٍ عن تناوب ساعات الزمان، و إلّا فهي في الحقيقة ليست من قسمة المهاياة؛ لعدم كونها قسمة الانتفاع، بل إنّما هي قسمة العين المشتركة.

______________________________

(1)- جواهر الكلام 26: 314.

(2)- القمر (54): 28.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 196

نعم يصحّ مع التراضي لكن ليس بلازم (1)، فيجوز لكلّ منهما الرجوع. هذا في شركة الأعيان. و أمّا في شركة المنافع فينحصر إفرازها بالمهاياة، لكنّها فيها- أيضاً- غير لازمة. نعم لو حكم الحاكم الشرعي بها في مورد- لأجل حسم النزاع- يجبر الممتنع و تلزم (2).

______________________________

(1) 1- كان الكلام آنفاً في الانتفاع من العين المشتركة مهاياةً؛ بأن يقسّم الشريكان منافعها علي نحو المهاياة كما سبق بيانه.

و أمّا في هذا الفرع،

فالكلام في ما إذا كانت الشركة في المنفعة خاصّة، من دون اشتراك في العين. كما لو استأجر أرضاً أو بستاناً أو خاناً، فاشتركا بذلك في منافع العين المستأجرة، فيجوز لهما قسمة منافعها مهاياةً، بل القسمة تنحصر حينئذٍ في المهاياة؛ إذ لا مناص لهما في قسمتها من الانتفاع بالعين المستأجرة علي نحو المهاياة.

و إنّ قسمة المهاياة في المنافع أيضاً غير لازمة بل جائزة و من قبيل قسمة التراضي.

و الوجه في ذلك عين ما عرفت آنفاً من الوجوه الثلاثة، و لعدم كون المهاياة تمليك عين بعوض كبيع أو إجارة أو نحوهما من العقود اللازمة، بل مجرّد تراضٍ علي كيفية الانتفاع بالمال المشترك. و سيأتي نصّ كلام صاحب الجواهر لتعليل ذلك في ختام هذا الفرع. و لكن انحصار إفرازها بالمهاياة لا يستلزم جواز الإجبار عليها؛ لعدم كونها من قبيل قسمة الإفراز و لا التعديل، و لما سبق من الوجوه آنفاً.

(2) 2- و ذلك أوّلًا؛ لتوقّف حسم مادّة النزاع و المخاصمة علي حكم الحاكم و لعدم جواز ردّ حكم الحاكم

كما ورد في مقبولة ابن حنظلة: «فإذا حكم بحكمنا فلم

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 197

______________________________

يقبل منه؛ فإنّما استخفّ بحكم اللّٰه و علينا ردَّ، و الرادّ علينا الرادّ علي اللّٰه، و هو علي حدّ الشرك» «1»

. و ثانياً؛ لانحصار القسمة في المهاياة حينئذٍ، و امتناع الشريك منها موجب لحرمان شريكه عن الانتفاع بماله، و في ذلك ضررٌ عليه، مع أنّه مناف لسلطته علي ماله.

و أمّا بدون حكم الحاكم، فلا يجوز الإجبار عليها، حتّي مع انحصار القسمة فيها؛ لما أشرنا إليه آنفاً من عدم تعديل السهام فيها و تضرّر الممتنع و منافاة إجباره لسلطته علي ماله، كما يمكن حسم

مادّة النزاع، ببيع المال المشترك أو إجارته و تقسيم ثمنه أو اجرته بين الشركاء.

هل يجوز إجبار الممتنع عن المهاياة علي البيع أو الإجارة؟

و علي القول بعدم جواز إجبار الممتنع علي قسمة المهاياة عند انحصار القسمة فيها، فهل يجوز إجباره علي حكم الحاكم بإيجار المال المشترك أو بيعه و تقسيم اجرته أو ثمنه بين الشركاء؟ فيه كلام.

و قد أشار في الجواهر إلي ذلك. فإنّه- بعد إفتائه بعدم جواز الإجبار علي قسمة المنافع بالمهاياة، و نقله عن الروضة، حتّي فيما إذا لم تجز قسمة الإجبار- قال: «لكن قد يقال فيما إذا كانت قسمته ممتنعة: إنّه ينتزعه الحاكم منهما مع التعاسر و يؤجر عليهما إن كان له اجرة، جمعاً بين الحقّين و صوناً للمال عن التلف، و جبراً للضرر كما صرّح به في الدروس، و لعل ذلك من السياسات بناءً علي أنّ للحاكم ذلك و نحوه. و حينئذٍ لا ينحصر الأمر في ذلك، فله حينئذٍ بيعه عليهم، مع كونه مقتضاها،

______________________________

(1)- وسائل الشيعة 27: 136، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، الباب 11، الحديث 1.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 198

(مسألة 17): القسمة في الأعيان بعد التمامية و الإقراع لازمة

(1)،

______________________________

كما عن بعض العامّة من كون ذلك وجهاً، أمّا مع قطع النظر عنها. فالمتّجه ما صرح به بعضهم، من عدم وجوب بيع المشترك مع التنازع، و عدم إمكان القسمة و انتفاء المهاياة، لأصلي عدم الوجوب، و عدم صحّة البيع عليهم» «1».

قوله: مع كونه مقتضاها؛ أي: مع كون بيعه عليهم مقتضي السياسة أيضاً كالإيجار.

و الوجه في عدم وجوب البيع و الإجبار عليه مع قطع النظر عن السياسة و حسم النزاع، عدم خلوّه من الضرر و منافاته لسلطة الناس علي أموالهم.

و أمّا عدم صحّة البيع؛ فلعدم حصول التراضي عليه، فهو من التجارة عن غير تراض.

و مقتضي التحقيق: أنّه لو امتنع عن المهاياة و لم يمكن قسمة الإجبار، و عن البيع و

الإيجار، لا إشكال في جواز إجبار الحاكم علي الإيجار و تقسيم المنفعة أو علي قسمة الردّ، و إلّا فعلي البيع و قسمة الثمن بينهم؛ حسماً لمادّة النزاع، فإنّ ذلك من اختيارات الحاكم و داخل في ولايته.

القسمة لازمة بعد القرعة

(1) 1- كما قال في الشرائع: «و تكون بتعديل السهام و القرعة»، و قال في المسالك في شرحه، «أي تكون القسمة الإجبارية تامّة بذلك. فمتي حصلت القرعة، لزمت» «2». و الوجه فيه:

______________________________

(1)- جواهر الكلام 26: 314.

(2)- مسالك الأفهام 4،: 320.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 199

و ليس لأحد من الشركاء إبطالها و فسخها، بل الظاهر أنّه ليس لهم فسخها و إبطالها بالتراضي، لأنّ الظاهر عدم مشروعية الإقالة فيها (1).

______________________________

أوّلًا: حكم الشارع بنفوذ القرعة و صحّتها و إخراج حقّ المحقّ بها، فلا يحتاج إلي تمليك المخلوق بعد تمليك الخالق تعالي. فإنّ حكم الشارع بكون الخارج بالقرعة حقّاً للمحقّ، يفيد فائدة التمليك و اللزوم، فلا يجوز نقض حكم الشارع و إزالة تمليكه بالفسخ.

و يمكن استفادة ذلك من كلام صاحب الجواهر؛ حيث قال: «و القرعة لاستخراج خصوص ما لكلّ منهما من المصداق المتردّد واقعاً، فتكشف حينئذٍ عن كون حقّه في الواقع ذلك، و لو لسبق علم اللّٰه تعالي بوقوعها عليه، و لا يحتاج بعد إلي عموم، أو عقد آخر يقتضي الملك أو اللزوم. فتأمّل جيّداً، فإنّه دقيق نافع» «1».

و ثانياً: بأنّ القرعة جعلت في لسان نصوصها لرفع مشكلة النزاع بين المتخاصمين كما ورد أنّ

«القرعة لكلّ أمر مشكل»

، لأنّها عُدِّل بحكم الشارع بخروج حقّ المحقّ بها. فهي فاصلة الخصومة، فلا بدّ من إفادتها لزوم القسمة الحاصلة بها، و إلّا لم تُفصل بها خصومة و نزاع أبداً. و هذا في

الحقيقة هو مراد الأصحاب، من اعتبار القرعة حال عدم تراضي الشركاء. كما قال في الجواهر: «إنّ مراد الأصحاب اعتبار القرعة حال عدم التراضي؛ لأنّها العدل» «2».

(1) 1- لظهور أدلّة القرعة في كون السهم الخارج بها لمن خرج اسمه بحكم الشارع. فهي كاشفةٌ عن كون القسمة بالقرعة لازمة بحكم الشارع تعبُّداً. و تدلّ

______________________________

(1)- جواهر الكلام 26: 312.

(2)- نفس المصدر: 313.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 200

______________________________

بذلك علي كون لزومها حكمياً غير قابل للإقالة، و ليس من قبيل اللزوم الحقّي القابل لذلك.

بيان ذلك: أنّ لزوم الوفاء تارة: يكون في المعاملات ثابتاً بعنوان حقّ لطرفي العقد. و لازمه جواز رفع اليد عنه للمتعاملين بالإقالة و الفسخ و نحو ذلك.

و اخري: يكون ثابتاً بعنوان حكم شرعي تعبّدي، فلا يجوز حينئذٍ التخلّف عنه. و قد يُعبّر عن الأوّل باللزوم الحقّي، كما في باب العقود المعاوضية اللفظية، سواءٌ كانت تنجيزية كالبيع و الإجارة و الصلح، أو تعليقية، كالجعالة و السبق و الرماية.

و السرّ في ذلك أنّ بقول المتعاملين: «بعت و اشتريت» - مثلًا- كما يُنشأ مدلوله المطابقي- و هو المبادلة بين المالين- كذلك ينشأ مدلوله الالتزامي؛ و هو التزامهما بما أنشئٰاه. و هو يوجب لزوم العقد. و هذا اللزوم حقّي مالكي، و قد أمضاه الشارع بقوله: «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ»؛ حيث أنشأه المتعاقدان بما لهما من السلطة علي مالهما و حقّ التصرّف فيه كيف شاءا، و لم يشرّعه الشارع بالتعبّد الصرف.

و من هنا يجري فيه الإقالة، و حقّ الفسخ بجعل الخيار، سواءٌ كان باشتراط المتعاقدين، أو بجعل الشارع.

فلو كان اللزوم في هذا القسم ثابتاً لذات المُنشأ بحكم الشارع تعبّداً، لما صحَّ جعل الخيار فيه، لا بجعل الشارع كخيار الحيوان و المجلس

أو بجعل من المتعاقدين كخيار الشرط.

و يُعبّر عن الثاني باللزوم الحكمي، كما في باب النكاح و الضمان و الهبة لذي الرحم، و نحو ذلك من العقود التي لا يجري فيها الإقالة و لا جعل الخيار. و سمّي بذلك؛ لأنّه ثابت لذات العقد بحكم الشارع تعبّداً.

و إنّما يُستكشف ذلك بالدليل الدالّ علي عدم جواز الإقالة و اشتراط خيار

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 201

______________________________

الفسخ في بعض العقود. فإنّ في باب النكاح- مثلًا- يُستكشف من عدم صحّة الإقالة و عدم صحّة جعل الخيار لأحد الزوجين، أنّ اللزوم فيه حكم شرعي تعبّدي غير قابل للإزالة بإقالة أو فسخ. و كذلك الهبة لذي الرحم و الضمان و نحوه.

و يشهد لما قلنا كلام المحقّق النائيني، فإنّ له كلاماً مبسوطاً في المقام، و إليك نصّ بعض مواضع كلامه.

قال: «باب العقد علي قسمين: لزوم حكمي تعبّدي، و لزوم حقّي.

فالأوّل: كما في باب النكاح و الضمان و الهبة لذي الرحم، و نحو ذلك من القربات التي لا رجعة فيها، فإنّ في باب النكاح- مثلًا- يستكشف من عدم صحّة الإقالة، و عدم صحّة جعل الخيار لأحد الزوجين أنّ اللزوم فيه حكم شرعي تعبّدي من لوازم ذاته … و الثاني كما في باب العقود المعاوضية اللفظية، تنجيزيةً كانت كالصلح و البيع و الإجارة، أو تعليقيةً كالسبق و الرماية.

فإنّ بقوله: «بعت» ينشأ أمران:

أحدهما: مدلول مطابقيٌ للّفظ، و هو تبديل أحد طرفي الإضافة بمثله الذي ينشأ بالفعل أيضاً؛ لأنّه أيضاً مصداق لعنوان البيع بالحمل الشائع الصناعي.

و ثانيهما: مدلول التزامي له، و هو التزامهما بما انشئ … ثمّ إنّ هذا اللزوم العقدي حقّ مالكي أمضاه الشارع بقوله: «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ». فإنّه إذا كان من منشآت المتعاقدين، لا

من التعبّد الصرف يصير حقّاً مالكياً، و لذا يجري فيه الإقالة و حقّ الفسخ، فإنّه لو كان اللزوم من لوازم ذات المنشأ لما صحّ جعل الخيار في مقابله، سواء كان بجعلٍ شرعي كخيار الحيوان و المجلس، أو بجعلٍ من المتعاقدين كخيار الشرط» «1».

______________________________

(1)- منية الطالب 1: 156- 158.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 202

و أمّا بغير القرعة فلزومها محلّ إشكال (1).

______________________________

هذا، و لكن يمكن الاستدلال علي عدم مشروعية الإقالة في القرعة بأنّ سهم كلّ واحد إنّما خرج له و تعيّن بحكم الشارع تعبّداً و صار ملكه، و المخرج يحتاج إلي سبب شرعي جديد ناقل، و لا تصحّ الإقالة لذلك؛ لأنّها مزيلة لسببية العقد، و ليس سبباً مستقلًاّ للنقل. نعم لو جدَّد الشركاءُ عقد الشركة، فإنّه يصلح لتبديل الملكية المفرزة بالقرعة مشاعاً، و إرجاعها إلي الحالة السابقة. و لا يخفي عليك أنّ هذا الكلام كلّه فيما إذا كانت القسمة بالقرعة.

(1) 1- و علّل ذلك في الجواهر بعدم كون مجرّد الرضا بالقسمة من الأسباب المملّكة، فضلًا عن إفادة اللزوم. فإنّه- بعد ما أنكر كون المدار في صحّة القسمة علي مجرّد الرضا بها، و إلّا لم يعتبر فيها تعديل السهام، مع عدم كون فاقد التعديل من القسمة-، قال ما لفظه: «علي أنّ هذا الرضا بعد فرض عدم اندراجه في عقد من العقود المملّكة، كيف يكون سبباً لنقل المال إلي الآخر، فضلًا عن لزومه، و ليس في القسمة عموم أو إطلاق يقتضي ذلك كي يكون حينئذٍ أمراً مستقلّاً برأسها» «1».

و أمّا كون القسمة إجبارية و جواز الإجبار علي قسمة الإفراز و التعديل، لا ينافي اعتبار القرعة في لزومها؛ لما قلناه آنفاً. و عليه فما جاء في كلماتهم

من الإجبار علي قسمة الإفراز و التعديل، يحمل علي ما إذا كانا بالقرعة أو بحكم الحاكم، بعد تعديل السهام.

______________________________

(1)- جواهر الكلام 26: 312.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 203

______________________________

ثمّ إنّ من النكات التي ينبغي الالتفات إليها في المقام: أنّ أصل ملكية الحصّة لكلّ شريك لا تحصل بالقسمة- حتّي بحكم الحاكم أو القرعة- بل إنّما تتعيّن الحصّة المملوكة بها و تتبدّل الملكية من الإشاعة إلي المفرزة. فالذي تفيده القسمة تعيين الملك و إفراز الحصّة المملوكة لكلّ شريك، لا إيجاد أصل الملك، و من هنا قيل: إنّ القسمة ليست من أسباب الملك، بل هي سبب لإفرازه و تبديله من الإشاعة إلي المفرزة.

و أمّا قسمة الردّ، فالظاهر أنّه لا يجوز الإجبار عليها و لو بالقرعة؛ لأنّ القرعة إنّما شُرّعت لتعيين السهام و إخراج سهم المحقّ، و لا تتمّ قسمة الردّ، إلّا بوقوع المعاوضة بين ما نقص من السهم الأقلّ و بين ما يقابله من العوض. و لا تُجوّز القرعة الإجبار علي ذلك، بل تتوقّف صحّتها علي التراضي حتّي تكون من التجارة عن تراض. كما أنّ القرعة لا تجوّز الضرر علي من يرد عليه الضرر بالقسمة.

هذا، و قد يخطر بالبال أنّه لا يبعد القول بلزوم قسمة الإفراز و التعديل، لكن لا بمجرّد التراضي، بل لأجل تعديل السهام فيهما؛ نظراً إلي أن الشركاء بعد وصول سهم كلّ واحد منهم إليه بالتعديل، من دون أيّ ضرر، لا حقّ لبعضهم في الامتناع و الفسخ.

و لكن لا يخفي أنّه علي فرض لزومها، فإنّها لزوم حقّي، و يجوز فيه الإقالة و اشتراط خيار الفسخ، كما سبق آنفاً في بيان الفرق بين اللزوم الحقّي و الحكمي.

و ممّا يؤيّد لزوم القسمة في نفسها ارتكاز

المتشرّعة و سيرتهم الجارية علي عدم ثبوت حقّ الرجوع و الفسخ بعد القسمة، إلّا باشتراط ذلك قبلها.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 204

(مسألة 18): لا تشرع القسمة في الديون المشتركة

اشارة

(1)، فإذا كان لزيد و عمرو معاً ديون علي الناس بسبب يوجب الشركة كالإرث، فأرادا تقسيمها قبل استيفائها، فعدّلا بينها و جعلا ما علي الحاضر- مثلًا- لأحدهما، و ما علي البادي للآخر، لم تفرز، بل تبقي علي إشاعتها.

______________________________

عدم مشروعية قسمة الدين المشترك

(1) 1- هذا هو المشهور، كما صرّح به في جامع المقاصد «1».

و يمكن أن يستدلّ علي عدم جواز قسمة الدين المشترك تارة: بمقتضي القاعدة، و اخري: بدلالة النصوص علي ذلك.

و أمّا القاعدة المقتضية لذلك، فهي: عدم جواز قسمة الدين المشترك.

و الوجه في ذلك: أمّا بناءً علي كون القسمة نوع معاوضةٍ في الحقيقة، فلرجوع قسمة الدين المشترك حينئذٍ في الحقيقة إلي معاوضة الدين بالدين، المعبّر عنه ببيع الكالي بالكالي. و قد اتّفق النصّ و الفتوي علي بطلانه، بل بطلان مطلق معاوضتهما.

و ذلك لأنّ القسمة لا تتحقّق إلّا بتمليك كلِّ شريك سهمه- المشاع المنتقل إلي الآخر- بالتعيين و الإفراز، و إلّا لا يملك المنتقل إليه تمام الحصّة المعيّنة له؛ نظراً إلي كون نصفها المشاع ملكاً للشريك الآخر قبل القسمة. و ذلك لسريان الملكية المشاعة- الثابتة لجميع الشركاء قبل القسمة- إلي جميع أجزاء المال المشترك، بلا

______________________________

(1)- جامع المقاصد 8: 37.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 205

______________________________

فرق في ذلك بين العين و الدين. و عليه فلا بدّ في قسمة الدين أيضاً من تمليك كلّ شريك سهمه المشاع- المنتقل إلي الآخر بالقسمة- حتّي تصير الحصّة المعيّنة بالقسمة ملكاً للآخر بتمامها، و إلّا لا يملك تمامها و لا تتمّ القسمة.

و أمّا بناءً علي

كون القسمة تعيين الحصص المشاعة، لا معاوضة و لا نقلًا، فلعدم تحقّق تعيين الحصّة المشاعة من الدين المشترك بمجرد التقاول و التباني علي ذلك، و لا بمجرد قبض مقدار منه لنفسه، كما أفاد ذلك في الجواهر «1».

هذا هو مقتضي القاعدة.

و أمّا النصوص: فقد دلّ علي عدم جواز قسمة الدين المشترك عدة نصوص معتبرة مثل:

صحيح غياث بن إبراهيم عن جعفر بن محمّد عن أبيه عن آبائه عن علي عليه السلام:

في رجلين بينهما مال، منه بأيديهما، و منه غائب عنهما. فاقتسما الذي بأيديهما، و احتال كلّ واحد منهما بنصيبه. فقبض أحدهما و لم يقبض الآخر. فقال عليه السلام: «ما قبض أحدهما فهو بينهما، و ما ذهب فهو بينهما» «2».

قوله:

«و احتال كلّ واحد منهما بنصيبه»

أي بنصيبه من الدين. و ذلك بقرينة قوله:

«فاقتسما الذي بأيديهما»

أي اقتسما الدين. و المقصود أنّ كلّ واحد من الشريكين أحال صاحبه إلي غريم في قبض سهمه من الدين حسبما تبانيا و اقتسماه.

و صحيح معاوية بن عمار، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجلين بينهما مال بعضه بأيديهما و بعضه غائب عنهما فاقتسما الذي بأيديهما و احتال كلّ واحد منهما بحصّته من الغائب، فاقتضي أحدهما و لم يقتض الآخر. فقال عليه السلام: «ما

______________________________

(1)- جواهر الكلام 26: 311- 312 و 334.

(2)- وسائل الشيعة 18: 435، كتاب الضمان، الباب 13، الحديث 1.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 206

______________________________

اقتضي أحدهما فهو بينهما، ما يذهب بماله»؟! «1».

قوله: «بحصّته من الغائب» أي من المال الغائب، و هو أعمّ من العين الموجودة في يد الغريم الغائب و من الدين، بلحاظ كونه كلّياً في الذمّة، لا جزئياً خارجياً حاضراً كالعين.

و نظيره صحيح محمّد بن مسلم «2».

و صحيح عبد

اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن رجلين بينهما مال منه دين، و منه عين، فاقتسما العين و الدين، فتوِي الذي كان لأحدهما من الدين أو بعضه، و خرج الذي للآخر، أ يُرَدُّ علي صاحبه؟ قال: «نعم، ما يذهب بماله» «3».

و الظاهر أنّ لفظة «ما» في قوله: «ما يذهب بماله؟» استفهامية؛ أي ما الذي ذهب بماله. و هذا الاستفهام إنكاري. و المقصود أنّ قسمة الدين و تلف الدين المجعول لأحدهما، لا يوجب ذهاب حقّه من الدين المشترك.

و يظهر من المحدّث المجلسي كون ما نافية؛ أي ما يذهب القابض بماله.

قال قدس سره: «قوله عليه السلام: ما يذهب بماله؛ أي ما يذهب القابض بمال من لم يقبض» «4».

و لكن التفسير الأوّل أنسب.

و صحيح سليمان بن خالد، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجلين كان لهما

______________________________

(1)- تهذيب الاحكام 7: 186/ 820.

(2)- نفس المصدر: / 819.

(3)- وسائل الشيعة 19: 12، كتاب الشركة، الباب 6، الحديث 2.

(4)- نقله مصحّح التهذيب في هامشه عن المحدّث المجلسي في كتابه ملاذ الأخيار في شرح تهذيب الأخيار، و راجع تهذيب الأحكام تصحيح علي أكبر الغفاري 7: 221، باب الشركة، ذيل الحديث 4.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 207

______________________________

مال بأيديهما و منه متفرّق عنهما فاقتسما بالسوية، ما كان في أيديهما، و ما كان غائباً عنهما، فهلك نصيب أحدهما ممّا كان غائباً و استوفي الآخر، عليه أن يردّ علي صاحبه؟ قال عليه السلام: «نعم ما يذهب بماله» «1».

و قد عقد في الوسائل باباً بعنوان «عدم جواز قسمة الدين المشترك قبل قبضه» «2».

تقريب دلالتها علي المطلوب: أنّ هذه النصوص قد دلّت علي ذهاب الدين التالف من كيس الشريكين

كليهما، فيما لو قسّماه و كان التالف من حصّة أحدهما.

و معني ذلك عدم الاعتبار بقسمة الدين المشترك.

و الذي يقتضيه التحقيق في المقام أنّ هذه النصوص ناظرة إلي صورة التراضي و حصول الإذن من الشريك بالقبض، و لو لزعم القسمة الفاسدة و نحوها، كما استظهر ذلك في الجواهر و جزم بالشركة في المقبوض في هذه الصورة. و أخرجه عن محلّ الكلام، بقوله: «لكن هذه النصوص- بل و المتن و ما شابهه- مشتملة علي الجزم بالشركة. و ما ذاك إلّا لحصول الإذن من الشريك بالقبض، و لو لزعم القسمة الفاسدة و نحوها. و حينئذٍ يتّجه الجزم بشركة المقبوض» «3».

كلام صاحب الجواهر في تنقيح محلّ النزاع

و قال قدس سره في تحرير محلّ النزاع: «إنّما الكلام فيما إذا قبض أحد الشريكين حصته لنفسه من دون إذن شريكه، و قد ذكر غير واحد من الأصحاب، بل نسب إلي

______________________________

(1)- وسائل الشيعة 18: 370، كتاب التجارة، أبواب الدين و القرض، الباب 29، الحديث 1.

(2)- وسائل الشيعة 19: 12، كتاب الشركة، الباب 6.

(3)- جواهر الكلام 26: 330.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 208

______________________________

المشهور أنّ للشريك مشاركة الآخر فيما قبض، و له مطالبة الغريم بمقدار حصّته» «1».

و مرجع ذيل كلامه إلي تخيير غير القابض بين مطالبة سهمه المقبوض من الشريك القابض و بين مطالبته من الغريم.

و يظهر من كلامه هذا أنّ محلّ الكلام بين المشهور و بين غيرهم- كابن إدريس و الشهيد الثاني و المحقّق الأردبيلي- في جواز قسمة الدين المشترك و عدمه، إنّما هو فيما إذا قبض أحد الشريكين حصّته لنفسه من دون إذن شريكه.

و قال في تحرير كلام المشهور ما حاصله: إنّ الشريك الآخر لو أجاز القابض ملك سهمه الموجود في يده، كالفضولي، و تبعه

النماء. و إن ردّه ملكه القابض و تعيّن المقبوض كلُّه له. و علي أيّ حال يضمن القابض، إلّا أن يتلف قبل اختيار الشريك الآخر فلا يضمن له ويتعيّن حقّ القابض في التالف حينئذٍ.

و الوجه فيه ظاهراً عدم كون القبض بإذن شريكه و لا باختياره. و لكنّه خلاف مقتضي قاعدة من أتلف مال الغير فهو له ضامن؛ لأنّها تقتضي كون القابض ضامناً لشريكه نصف التالف. و لعلّه لبّ مراد صاحب الجواهر في الإشكال علي ذلك.

ثمّ أشكل علي ذلك بأنّه لا ينطبق علي القواعد الشرعية؛ لأنّ الشركة مع الإجازة و إن اتّجهت بناءً علي تأثير الإجازة اللّاحقة في مثل المقام، مع ما فيه من الإشكال و المنع من وجوه، بل لم نجده في كلام غير الشهيد الثاني.

و لكن اختصاص المقبوض كلّه بالقابض مع الردّ، لا وجه له؛ لعدم كون المقبوض مال الشركة مع عدم الإجازة. و ليس للقابض، إلّا نصف المال المشاع.

و نيّة الدافع كون المقبوض سهم القابض لا تنفع، و إن وافقتها نيّة القابض، بل حتّي مع رضا الشريك الآخر؛ لعدم صحّة مثل هذه القسمة.

______________________________

(1)- نفس المصدر.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 209

______________________________

و ردّ دعوي جواز قسمة الدين مراعاةً بقبض الشريك الآخر- فإن لم يقبض بقي علي الشركة و الإشاعة- بأنّه حدس و تخرُّصٌ بلا دليل، بل مخالف لما هو المعروف من عدم صحّة قسمة الدين، مع أنّه إذا لم يكن المقبوض من مال الشركة في صورة عدم لحوق إجازة الشريك الآخر، كيف يكون منه في صورة عدم قبضه.

ثمّ أشكل في كون المقبوض كلّه للقابض بالردّ- لو لا الإجماع- بل و لا بعضه، إلّا بتراضي الشريكين علي اختصاص كلّ منهما بما في يده، بعد

قبض الشريك الآخر ما يقابل المقبوض من سهمه. و إلّا يبقي المال المقبوض علي الشركة و الإشاعة، و لغير القابض حينئذٍ الرجوع علي القابض و أخذ نصيبه.

و أمّا كون رضا الشريك الآخر في البداية مفيداً لملك نصيبه متزلزلًا حتّي القبض و إن كان محتملًا، إلّا أنّ الأقوي خلافه «1».

قال قدس سره: «و حينئذٍ فإن لم يكن ثمة إجماع أشكل الحكم بملك القابض جميع ما قبضه، بعد عدم الإجازة، بل و لا بعضه.

اللّهم إلّا أن يقال: إنّه برضا الشريك يكون المقبوض حصّة للقابض بتمحّض المقبوض مالًا للشركة، بل هو في الحقيقة إجازة بذلك.

نعم جعله حصّة له، لا يَتُمُّ قسمةً، إلّا بقبض الشريك مقابله، علي وجه يقع الرضا منهما معاً بأنّ لكلّ منهما ما في يده.

فمع فرض عدمه يبقي ذلك المال المقبوض علي الشركة، فله الرجوع عليه، و أخذ نصيبه منه؛ إذ لم يدخل في ملك القابض.

و ذلك الرضا الذي وقع من الشريك أوّلًا بكون ما قبضه حصّة له، لا يفيد

______________________________

(1)- جواهر الكلام 26: 330- 331.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 210

______________________________

تمليكاً، مع احتماله، لكن علي جهة التزلزل، إلّا أنّ الأقوي خلافه، و إن كان ذلك كلّه كما تري» «1».

كلام ابن إدريس و نقده

و خالف ابن إدريس المشهور في محلّ النزاع «2»، و استدلّ له بتسعة وجوه:

1- إنّ اشتراك الدين في الذمّة لا يمنع من تعيين حقّ واحد في معيّن، كما أنّ الاشتراك في العين لا يمنع من ذلك.

و أجاب عنه في الجواهر بأنّه مصادرة محضة، خصوصاً بعد ما عرفت من تحقّق الإشاعة في العين، كلّية كانت أو شخصية. فكذلك في الدين.

2- إنّ لكلّ واحد أن يبرئ الغريم من حقّه، و يصالح منه علي شي ءٍ، بحيث إذا استوفي

شريكه لم يلحقه فيه. و هذا فرع صحّة تعيين الدين المشترك و قسمته.

و أجاب عنه في الجواهر: بأنّ إبراءَ أحدهما الغريم أو الصلح معه بشي ءٍ يُمحِّضُ الباقي للشريك الآخر، و أنّ الإبراء يتعلّق بالمشاع علي إشاعته، و كذا الصلح. فمع فرض حصولهما و عدم تصوّر ملك الشخص علي نفسه، لَيتمحّض الباقي للشريك الآخر، و قد ذكر طرق متعدّدة لاختصاص كلّ منهما بما يأخذه إذا أراد، إلّا أنّه خروج عن مفروض المسألة.

قوله: «عدم تصوّر ملك الشخص علي نفسه»، كأنّه أراد بذلك عدم معقولية كون الغريم- المبَرأ عنه- دائناً بالنسبة إلي نفسه؛ بمعني أنّه كما كان الدائن- و هو الشريك المبرئ- مالكاً لما في ذمّة الغريم و مالكاً عليه، كذلك يكون الغريم مالكاً

______________________________

(1)- جواهر الكلام 26: 331- 332.

(2)- راجع السرائر 2: 402- 403.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 211

______________________________

علي نفسه كالدائن بالنسبة إليه. و من هنا إذا أبرأ أحد الشريكين الغريم في سهمه، يتمحّض الباقي للشريك الآخر.

و حاصل هذا الجواب: أنّ استدلال ابن إدريس في الوجه الثاني، يبتني علي كون الإبراء متوقّفاً علي تعيين متعلّقه من الدين. و هو غير صحيح؛ نظراً إلي تعلّق الإبراء بالدين المشاع فيبرئ الشريك سهمه من الدين علي إشاعته و أمّا تمحّض الباقي للشريك الآخر فأمر قهري. و هذا بخلاف القبض فإنّه فرع تعيين سهمه من الدين؛ لعدم صحّة قبض السهم المشاع لأحد الشركاء، ما لم يخرج عن الإشاعة.

3- إنّ متعلّق الشركة بينهما هو العين، و قد ذهبت، و لم يبق لهما إلّا دين في ذمّة الغريم. فإذا أخذ أحدهما نصيبه، لم يأخذ عيناً من أعيان الشركة، فلا يشاركه الآخر فيما أخذه.

و أجاب عنه في الجواهر: بأنّه مصادرة محضة، كما

عرفت في جوابه عن الدليل الأوّل.

4- إنّ ما في الذمّة لا يتعيّن إلّا بقبض المالك أو وكيله، و إنّ الشريك القابض لم يقبض سهمه، إلّا لنفسه. و عليه فليس للشريك الآخر سهماً فيما قبضه الشريك الأوّل بمطالبة حقّه.

و أجاب عنه في الجواهر: بأنّه مبنيٌّ علي ملك الشريك لما قبضه الآخر قهراً بدون إذن شريكه و لا لحوق إجازته، و القائل لا يلتزمه، بل يشترطه بالإجازة علي الوجه الذي سمعت. مقصوده أنّ القائل بملك أحد الشريكين لما قبضه الآخر- و هو المشهور القائل بعدم قسمة الدين المشترك- إنّما يلتزم بذلك في صورة عدم إذن الشريك بشرط لحوق إجازته كالفضولي. و قد سبق آنفاً بيان ذلك في تنقيح كلام صاحب الجواهر.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 212

______________________________

5- إن وجب الأداء بالمطالبة بحقّه، وجب أن لا يكون للشريك فيه حقّ، لكن المقدّم حقّ بالاتّفاق، فالتالي مثله.

بيان ذلك: أنّه لو طلب أحد الشريكين حقّه و سهمه من الدين، وجب أداؤه بمجرّد مطالبة حقّه. و عليه فلا حقّ للشريك الآخر فيما طالبه الأوّل. و ذلك لأنّ وجوب أداء حصّة أحد الشريكين بمجرّد مطالبته فرع التمكّن من تسليمها شرعاً؛ لاستحالة التكليف بالممتنع غير المشروع. فإذا ثبت تمكّنه من دفعها- علي أنّها للشريك- و دَفَعَها كذلك، امتنع أن يكون للشريك الآخر فيها حقّ.

و أجاب عنه في الجواهر: بأنّه بعد تسليم أنّ له المطالبة منفرداً، و وجوب الأداء له، لا يقتضي ذلك ما ذكره الخصم، بل يمكن أن يكون و لو بالجمع مع شريكه؛ بأن يطالب من الغريم الدين المشترك، لا سهمه خاصّة، و ذلك في فرض لحوق الإجازة من الشريك الآخر- بعد قبض شريكه الدين المشترك من الغريم- و إن

لم يكن بإذنه في البداية. أو بتعيُّن حقّه بأحد الوجوه المعيّنة له عن صاحبه، بصلح و نحوه. بأن يطالب حقّه بعد تعيينه بإبراء شريكه أو بالمصالحة معه.

6- لو كان للشريك الآخر في المدفوع حقّ، لزم وجه قبح، و هو تسلط الشخص علي قبض مال غيره بغير إذن. مع فرض جواز الدفع و مشروعيته، فهو كاشف عن عدم سلطة الشريك الآخر فيه.

و ردّه في الجواهر بما سبق منه آنفاً من توقّف ثبوت الحقّ للشريك الآخر علي إجازته، فلا جهة قبحٍ فيه.

7- لو كان للشريك الآخر في المدفوع حقّ، لوجب أن يبرئ من مقدار حقّه من المدفوع؛ لأنّه لو لم يُبرأ لزم دخول مقدار من سهمه في المقبوض مع أنّه

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 213

______________________________

لا يُريد قبضه، و يرجع ذلك إلي الجمع بين بقاء الدين في الذمّة و بين قبض عوضه.

مع أنّه غير ممكن؛ لاستحالة بقاء الدين في الذمّة، مع صحّة قبض عوضه. لكنّ التالي باطل عندهم؛ لكونهم يحكمون بأنّه مخيّر في الأخذ من أيّهما شاء.

قوله: لكنّ التالي؛ أي وجوب الإبراء. و قوله: من أيّهما شاء؛ أي من الشريك القابض و من الغريم.

و مقصوده من العوض هو المقبوض من الدين. و وجه التعبير بذلك أنّ المقبوض من الدين في الحقيقة عوض عمّا في الذمّة، أو لأنّه عوض من المال المشترك الذي باعه الشركاءُ نسيئةً.

و ردّه في الجواهر: بأنّه مع الإجازة، لا إشكال في تعيُّن الإبراء عند عدم إرادة القبض. و التخيير حينئذٍ إنّما هو في الإجازة و عدمها، كما عرفت ذلك مفصّلًا، أو في القسمة علي الوجه الذي ذكرناه من الإبراء أو المصالحة.

قال رحمه الله: «علي أنّ التخيير المزبور لم أجده في الخلاف و

النهاية و الوسيلة، بل الموجود «شارك» مثل عبارة المتن و ما شابهها، و ظاهرهم تعيّن الشركة. و ليس ذلك إلّا لإذن الشريك في القبض. فإنّه يكون حينئذٍ من مال الشركة، و إن نوي لنفسه. بل لو أذن له الشريك في القبض لنفسه فقبض، يكون أيضاً مشتركاً؛ لمعلومية كون القيد لغواً؛ لعدم إمكانه. و النصوص المزبورة محمولة علي الإذن، فلا يقدح عموم ما اقتضي أحدهما، لما عرفت» «1».

و لا يخفي أنّ مقصوده من القيد في قوله: «كون القيد لغواً» قبض الشريك

______________________________

(1)- جواهر الكلام 26: 333- 334.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 214

______________________________

لنفسه، فإنّ قصده كون القبض لنفسه لا أثر له.

و قوله: «بل الموجود شارك مثل عبارة المتن»، أراد به كلام صاحب الشرائع؛ حيث قال: «إذا باع الشريكان سلعةً صفقةً، ثمّ استوفي أحدهما منه شيئاً، شاركه الآخر فيه» «1».

و قوله: «فلا يقدح عموم ما اقتضي أحدهما»: أي عموم قوله عليه السلام:

«ما اقتضي أحدهما»

في نصوص المقام- كصحيحتي ابن مسلم و معاوية بن عمّار «2» - و شموله لصورتي قبض مجموع الدين و قبض حصّته لنفسه، لا يقدح في حصول القسمة بالإبراءِ أو المصالحة عند عدم لحوق الإجازة من الشريك الآخر لو قبض صاحبه بغير إذنه. و ذلك لأنّ النصوص ناظرة إلي ما إذا كان قبض أحدهما بإذن الآخر.

و السرّ في تعرّضه لدفع القدح المزبور، أنّ ابن إدريس أجاب عن المشهور- في استدلالهم بنصوص المقام- بأنّ المقبوض من الدين كما يحتمل كونه خصوص القابض لنفسه، كذلك يحتمل كونه مجموع الدين المشترك. و لا تتمّ دلالتها علي مطلوب المشهور، إلّا علي الاحتمال الأوّل، و لكنّه غير متعيّن؛ لأنّ قوله عليه السلام:

«ما اقتضي أحدهما»

يحتمل الأمرين.

و أشكل عليه المحقّق الكركي:

بأنّ لفظة «ما» في القول المزبور للعموم، فالصورتان المزبورتان كلتاهما داخلتان في عموم

«ما اقتضي أحدهما»

، مضافاً إلي قرينية ترك الاستفصال علي ذلك.

______________________________

(1)- نفس المصدر: 330.

(2)- تهذيب الأحكام 7: 186/ 5 و 6.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 215

______________________________

و قد نقل المحقّق الكركي كلام ابن إدريس و المناقشة فيه، فراجع «1».

8- لو نهاه الشريك عن قبض حقّه، فإن تمكّن شرعاً من المطالبة بحصّته، وجب أن لا يكون للشريك فيها حقّ، و إلّا لا يجوز له أخذ حقّه بمنع الشريك إيّاه من القبض. و لمّا يتمكّن من ذلك شرعاً و يجوز له أخذ حقّه مع منع الشريك، فيثبت المطلوب.

و ناقش فيه صاحب الجواهر بما تقدّم منه في الجواب عن الوجه الخامس.

9- إنّ المقبوض إمّا أن يكون مالًا مشتركاً، أو لا. فإن كان مشتركاً وجب علي تقدير تلفه أن يتلف منهما، كسائر أموال الشركة، و تبرأ ذمّة الغريم منه، و إلّا لم يكن للشريك فيه حقّ. و لمّا لا يكون تلفه بعد القبض عليهما، بل يذهب من كيس الآخذ، فيثبت المطلوب.

و قد أجاب عنه في الجواهر بما تقدّم منه في الجواب عن الوجه السابع و غيره.

انتهي تحرير كلام ابن إدريس «2»، و مناقشات صاحب الجواهر فيه «3».

______________________________

(1)- أمّا كلام ابن إدريس فنقله- بعد ذكر بعض النصوص- بقوله: و لا صراحة فيها بالنسبة إلي المدّعي؛ لأنّ المقتضي لم يصرّح بكونه هو مجموع الدين أو حصّة المقتضي فقط، و دلالتها علي المطلوب متوقّفة علي إرادة الأمر الثاني و ذلك غير معلوم و اللفظ يحتمل الأمرين. ثمّ ناقش فيه المحقّق الكركي بقوله: هذا محصل ما ذكره ابن إدريس عن الأخبار علي تقدير تسليم كونها حجّة. و يرد عليه: أنّ

«ما» الواقعة في الجواب للعموم، و العبرة بعموم اللفظ، و كذا ترك الاستفصال في حكاية الحال المحتملة يقتضيه أيضاً. جامع المقاصد 8: 38.

(2)- راجع السرائر 2: 403.

(3)- جواهر الكلام 26: 232- 234.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 216

______________________________

و قد مال إلي كلام ابن إدريس في جامع المقاصد؛ حيث قال: «و لا يخفي أنّ بعض هذه الوجوه في غاية القوّة و المتانة. و الروايات لا تقاومها، مع أنّها قابلة للتأويل. فمختار ابن إدريس قويّ متين، كما اعترف به المصنّف في المختلف، و إن كان الوقوف مع المشهور أولي» «1».

كلّ ذلك نقله في الجواهر «2» ثمّ قال:

«و تبعه علي ذلك ثاني الشهيدين، إلّا أنّ الجميع كما تري، بعد التأمّل الجيّد فيما ذكرنا، مع قطع النظر عن النصوص».

كلام العلّامة الحلّي في التذكرة

و قال في التذكرة: «لا يصحّ قسمة ما في الذمم- إلي قوله: - فلو تقاسما، ثمّ توي بعض المال، يرجع من توي ماله علي من لم يتو. و به قال ابن سيرين …

و قال أيضاً فيها: لو كان لرجلين دين بسبب واحد؛ إمّا عقد أو ميراث أو استهلاك أو غيره، فقبض أحدهما منه شيئاً، فللآخر مشاركته فيه، و هو ظاهر مذهب أحمد بن حنبل.

إلي قوله: و لأنّ تملّك القابض ما قبضه يقتضي قسمة الدين في الذمّة من غير رضا الشريك، و هو باطل، فوجب أن يكون المأخوذ لهما، و الباقي بينهما، و لغير القابض الرجوع علي القابض بنصفه، سواء كان باقياً في يده أو أخرجه عنها، و له أن يرجع علي الغريم؛ لأنّ الحقّ ثابت في ذمّته لهما علي وجه سوي، فليس له تسليم حقّ أحدهما إلي الآخر. فإن أخذ من الغريم، لم يرجع علي الشريك بشي ءٍ؛ لأنّ

حقّه ثابت في أحد المحلَّين، فإذا اختار أحدهما سقط حقّه من الآخر.

______________________________

(1)- جامع المقاصد 8: 39.

(2)- جواهر الكلام 26: 332- 333.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 217

______________________________

و ليس للقابض منعه من الغريم، بأن يقول: أنا أعطيتك نصف ما قبضت، بل الخيرة له من أيّهما شاء قبض. فإن قبض من شريكه شيئاً رجع الشريك علي الغريم بمثله. و إن هلك المقبوض في يد القابض، تعيّن حقّه مشاركته؛ لثبوته في الأصل مشتركاً.

و لو أبرأ أحد الشريكين الغريم من حقّه، برأ؛ لأنّه بمنزلة قبضه منه. و ليس للشريك الرجوع عليه بشي ءٍ؛ لأنّه لم يقبض شيئاً من حقّ الشريك» «1».

مناقشة المحقّق الأردبيلي في كلام العلّامة و نقدها

و أشكل عليه المحقّق الأردبيلي بوجوه أهمّها:

1- إنّ الذي قبضه الشريك، إن تعيّن كونه من الدين المشترك، ليس لشريكه الرجوع إلي الغريم في حصّته منه.

و أنّه لو تلف في يده يكون التالف منهما؛ لأنّ الحقّ المشترك قد تعيّن في المأخوذ، فهو لهما. و لا يجوز حينئذٍ للشريك التصرّف فيه بوجه، إلّا أن يأذن شريكه. و لا يجب الأداء علي المديون، بل لا يجوز.

2- إنّ قوله من غير رضا الشريك يشعر بأنّه مع الرضا يصحّ القسمة. و هو كما تري؛ لاتّفاق الأصحاب علي عدم صحّة القسمة حينئذٍ.

3- إنّ قوله: «فوجب أن يكون المأخوذ لهما و الباقي بينهما» صريح في كونهما شريكين في المقبوض، فينبغي أن يكون التالف منهما. و لازم ذلك أن لا يكون للشريك الرجوع إلي الغريم «2».

و قال المحقّق المزبور: «و كأنّه لا خلاف عندهم، إلّا عن ابن إدريس في أنّ

______________________________

(1)- تذكرة الفقهاء 2: 228.

(2)- مجمع الفائدة و البرهان 10: 207- 206.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 218

______________________________

ما في الذمّة مطلقاً لا يقبل القسمة،

فكلُّ ما يأخذه أحدهما شاركه الآخر، سواءٌ كان في ذمم متعدّدة أو في ذمّة واحدة» «1».

ثمّ قال، بعد نقل كلام العلّامة و الإشكال عليه: «و الذي يعلم من كلامهم أنّ الدين المشترك لم يقبل القسمة، سواءٌ كان في ذمّة واحدة أم متعدّدة، بمعني أنّه علي تقدير القسمة برضاهما، ما يحصل لكلّ منهما، و ما يبقي و يتلف فهو لهما.

فيرجع حينئذٍ بحصّته ممّا حصل، علي الآخر. و لا تدلّ الروايات أيضاً علي أكثر من ذلك» «2».

ثمّ إنّه قد ضعّف أسناد نصوص المقام تبعاً للشهيد الثاني في المسالك «3».

و لكنّه في غير محلّه. و ذلك لما نقلناه و استدللنا به، من النصوص، فإنّ كلّها صحيحة السند، كما لا إشكال في دلالتها علي المطلوب.

نعم، هي ناظرة إلي صورة تراضي الشريكين علي قبض كلٍّ منهما حصّته لنفسه.

و لا خلاف بين الأصحاب في عدم صحّة قسمة الدين المشترك حينئذٍ.

و لا كلام في ذلك.

و إنّما الكلام فيما إذا كان قبض أحدهما بغير إذن الآخر.

استظهار صاحب الحدائق من نصوص المقام و نقده

و قد استظهر ابن إدريس من نصوص المقام أنّها دلّت علي بطلان قسمة الدين المشترك فيما إذا توي و هلك سهم الآخر. و لا دلالة لها علي بطلانها فيها إذا لم يتو

______________________________

(1)- نفس المصدر: 205.

(2)- نفس المصدر: 208.

(3)- مسالك الأفهام 4: 335.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 219

______________________________

سهم الآخر، بل ظاهر نصوص المقام صحّة القسمة حينئذٍ. غاية الأمر حينئذٍ إذا قبض أحدهما سهمه من الدين و لم يقبض الآخر تكون القسمة جائزة. و أمّا إذا قبض الشريكان كلاهما سهمهما تكون لازمة.

قال قدس سره: «أ لا تري أنّ الاخبار المتقدّمة كلّها متّفقة في أنّه بعد القسمة، إن توي مال أحدهما و خرج مال الآخر، رجع من

لم يقبض علي من قبض؟

و إنّ رجوع من لم يقبض علي من قبض، إنّما هو من حيث ذلك.

و لا دلالة فيها علي المنع من القسمة، مع وصول كلّ حقّ إلي مستحقّه، بل ظاهرها أنّه مع ذلك فالقسمة صحيحة. فإنّ قوله، من جملتها «ما يذهب بماله» ظاهر، في أنّه لو لم يذهب شي ء من المال، كانت صحيحة.

و حينئذٍ فلو فرضنا وقوع القسمة بغير رضاها؛ بأن أخذ أحد الشريكين حصّة من الغريم، علي أنّها حصّته فقط، فليس للشريك الآخر مزاحمته و الأخذ منه؛ لأنّ حقّه في ذمّة الغريم، و قد أعطاه حقّه، فيكون المال له، إلّا أنّ لزوم ذلك و صيرورته بحيث لا يزاحمه الشريك الآخر موقوف علي وصول حقّ الشريك إليه و عدم تلفه، و هذا الوجه أنسب بالنظر إلي الأخبار كما عرفت، و الأوّل أنسب بالنسبة إلي كلام الأصحاب و اللّٰه العالم» «1».

و فيه: أوّلًا: أنّ توي بعض الدين و تلفه إنّما جاء في كلام الراوي. و لا شاهد في كلام الإمام لتخصيص كلامه عليه السلام بهذه الصورة. بل إنّما جاءَ في كلامه كبري كلّية منطبقة علي الأعمّ من صورة تلف بعض الدين فإنّ قوله عليه السلام:

«ما قبض أحدهما فهو بينهما»

، يدلّ بإطلاقه علي الأعمّ من ذلك، كما هو واضح.

و ثانياً: لم يُفرض تلف سهم أحد الشريكين في بعض نصوص المقام،

______________________________

(1)- الحدائق الناضرة 21: 187- 186.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 220

______________________________

مثل صحيح غياث و صحيح معاوية و صحيح ابن مسلم.

و ثالثاً: لا وجه للزوم القسمة عند ما أخذ كلّ من الشريكين مقدار سهمه؛ ضرورة أنّ ذلك مبني علي تراضيهما علي أخذ كلّ منهما مقدار سهمه، كما أشار إلي ذلك في الجواهر بقوله:

«اللّهم إلّا أن يقال: إنّه برضا الشريك يكون المقبوض حصّة القابض بتمحّض المقبوض مالًا للشركة، بل هو في الحقيقة إجازة لذلك. نعم، جملة حصة له، لا يتمّ قسمة إلّا بقبض الشريك مقابله، علي وجه يقع الرضا منهما معاً بأنّ لكلّ منهما ما في يده» «1».

و مقتضي التحقيق في المقام: عدم صحّة قسمة الدين مطلقاً، سواءٌ كان قبض أحد الشريكين بإذن صاحبه، أو لم يكن؛ نظراً إلي اتّفاق النصّ و الفتوي في الصورة الاولي، و لرجوعه إلي بيع الكالي بالكالي في الثانية.

فالحقّ مع المشهور، و منهم الشيخ و المحقّق و العلّامة، بل و أكثر الأصحاب، و خلافاً لابن إدريس و المحقّق الكركي «2» و الشهيد في المسالك؛ حيث قال:

«و بالجملة فالقول باختصاص القابض لا يخلو من قوّة، و إن كان الوقوف مع المشهور أولي» «3».

هذا مضافاً إلي أنّ النصوص المزبورة قد دلّت علي ذهاب دين الغائب عليهما، و إن قسّماه. فيُفهم منها أنّ القسمة لا اعتبار بها في دين الغائب، إلّا أن يبيع أحدهما دينه الحال المعجّل بعد قبضه بالدين المؤجّل بأقلّ منه؛ حيث يخرج حينئذٍ عن بيع الدين بالدين.

______________________________

(1)- جواهر الكلام 26: 331.

(2)- جامع المقاصد 7: 39.

(3)- مسالك الأفهام 4: 338.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 221

نعم لو اشتركا في دين علي أحد و استوفي أحدهما حصّته؛ بأن قصد كلّ من الدائن و المديون أن يكون ما يأخذه وفاءً و أداءً لحصّته، فالظاهر تعيّنه و بقاء حصّة الشريك في ذمّة المديون (1).

______________________________

و هذه النصوص و إن وردت في صورة تراضي الشريكين بالقسمة، إلّا أنّها تدلّ بالفحوي علي عدم صحّة قسمة الدين المشترك بمجرّد القبض القهري في صورة عدم التراضي.

و ذلك لأنّه في الصورة

الثانية لم يحدث شي ء غير القبض من غير تمهيد و توافق، بخلاف الصورة الاولي؛ لإمكان كون نفس التراضي بالقسمة و التوافق عليها، و لو بلحاظ تعيين من في ذمّته الدين- أعني الغريم- سبباً مميّزاً للحصّة و معيّناً لها لكلّ واحد من الشريكين و مخرجاً عن الإشاعة. فإذا دلّت النصوص علي عدم صحّة قسمة الدين المشترك في هذه الصورة، تدلّ علي عدم صحّتها في القبض القهري من دون تراضٍ بينهما و لا إذن من الشريك الآخر بالقبض، بالفحوي و الأولوية، و لا أقلّ من القطع بعدم خصوصية مائزة للصورة الثانية.

(1) 1- ظاهر السيد الماتن التفصيل في المقام بين ما إذا كان للشريكين غرماء متعدّدون و بينما إذا كان لهما غريم واحد. و لكنّه خلاف إطلاق أكثر نصوص المقام، و إن كان في قوله عليه السلام:

«و احتال كلّ واحد منهما بنصيبه»

إشارة إلي صورة تعدّد الغرماء، إلّا أنّ هذا التعبير لم يرد في بعض نصوص المقام، كصحيحي عبد اللّه بن سنان و سليمان بن خالد «1».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة 19: 12، كتاب الشركة، الباب 6، الحديث 2 و 18: 370، كتاب الدين و القرض، الباب 29، الحديث 1.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 222

______________________________

فإطلاق مثل هذه النصوص ينفي هذا التفصيل. و قد ادّعي هذا التفصيل ابن إدريس و وجّه بذلك نصوص المقام بعد تسليم اعتبارها. و أجاب عنه في الحدائق بإطلاق النصوص؛ حيث قال: «و أمّا من حيث الدلالة فهي دالّة بعمومها علي جريان الحكم المذكور في الدين مطلقاً، اتّحد المديون أو تعدّد، و تخصيصها كما ادّعاه ابن إدريس فيما قدّمنا نقله عنه بما: «إذا كان الدين علي رجلين إلي آخر ما ذكره» يحتاج إلي مخصّص من

الأخبار فليس، و به يظهر ما في المناقشة في الدلالة بأنّها غير صريحة في المطلوب، كما ذكره شيخنا المتقدّم ذكره» «1»، و لا يخفي أنّ مقصوده من «الشيخ المتقدّم ذكره» ابن إدريس.

مقتضي التحقيق في المقام

أنّ تعيّن الدين المستوفي بالقصد و بقاء حصّة الشريك في ذمّة المديون- كما حكم به السيد الماتن قدس سره- منافٍ لإطلاق نصوص منع قسمة الدين المشترك. و مجرّد القصد غير كافٍ لذلك بعد شمول الإطلاق المزبور، كما سبق آنفاً في الجواب عن ابن إدريس في الجواهر.

و قد يستدلّ لذلك

بصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي الحسن عليه السلام: في الرجل يكون عند بعض أهل بيته المال لأيتام، فيدفعه إليه فيأخذ منه دراهم يحتاج إليها، و لا يعلم الذي كان عنده المال للأيتام أنّه أخذ من أموالهم شيئاً، ثمّ ييسر بعد ذلك. أيّ ذلك خير له؟ أ يعطيه الذي كان في يده أم يدفع إلي اليتيم و قد بلغ؟ و هل يجزيه أن يدفعه إلي صاحبه علي وجه الصلة، و لا يُعلِمُهُ أنّه أخذ له مالًا؟ فقال عليه السلام:

«يجزيه أيّ ذلك فعل إذا أوصله إلي صاحبه، فإنّ هذا من السرائر إذا كان من نيّته.

______________________________

(1)- الحدائق الناضرة 21: 183.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 223

(مسألة 19): لو ادّعي أحد الشريكين الغلط في القسمة أو عدم التعديل فيها و أنكر الآخر، لا تُسمع دعواه

(1) إلّا بالبيّنة، فإن أقامت نقضت و احتاجت إلي قسمة جديدة، و إن لم تكن بيّنة كان له إحلاف الشريك.

______________________________

إن شاء ردّه إلي اليتيم، إن كان قد بلغ علي أيّ وجه شاء، و إن لم يعلمه أنّه كان قبض له شيئاً، و إن شاء ردّه إلي الذي كان في يده، و قال: إذا كان صاحب المال غائباً فليدفعه إلي الذي كان المال في يده» «1»

؛ حيث دلّت علي عدم اعتبار قصد اليتيم الدائن أو من في يده المال في أداء الدين، و كفاية نيّة المديون وحده، فضلًا عن نيّتهما معاً.

و لكنّه غير وجيه لعدم ارتباط لهذه الصحيحة بمحلّ الكلام. و

هو قبض أحد الشركاء الدين المشترك لنفسه.

هذا، مع أنّ غاية مدلوله عدم اعتبار قصد الدائن أو وكيله أو وليّه. و هذا لا يثبت المطلوب الذي هو عدم الكفاية؛ لأنّ الدلالة علي عدم الاعتبار غير الدلالة علي الكفاية؛ حيث لا ينافيه.

حكم ما لو ادّعي أحد الشريكين الغلط في القسمة

(1) 1- و ذلك لأنّ دعواه مخالفة لأصالة الصحّة، فعليه البيّنة. و قول منكر الغلط لمّا كان موافقاً للأصل المزبور، يُقدّم باليمين. فإنّ «البيّنة علي المدّعي و اليمين علي من أنكر».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة 17: 261، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 77، الحديث 1.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 224

______________________________

و علّل لذلك في المسالك و غيره «1» بأصالة صحّة القسمة إلي أن يثبت مزيلها و ناقضها بإقامة البيّنة.

و أمّا إذا لم تكن بيّنة، فهل يتوقّف جواز إحلاف الشريك علي دعوي العلم بالغلط أو يجوز مطلقاً؟ الأقوي الثاني؛ لعموم «و اليمين علي من أنكر» «2»، كما قال في المسالك:

«و لو لم يُقم بيّنةً، و أراد تحليف الشريك، مُكِّن منه إن ادّعي عليه العلم بالغلط، و إلّا فلا؛ لأنّ معه الأصل، خصوصاً إذا كان القاسم غيره، فإن التبعة عليه، لا عليه، مع عدم علمه. و قيل: له إحلاف الشريك مطلقاً. و هو الوجه؛ عملًا بالعموم» «3».

قوله: «لأنّ معه الأصل» أي لأنّ مع منكر الغلط أصالة الصحّة. و قوله: «عملًا بالعموم»؛ أي عموم «و اليمين علي من أنكر».

و أمّا ما جاءَ في المتن بقوله: «فإن أقامت»، خطأٌ. و الصحيح: فإن أقامها؛ أي أقام مدّعي الغلط البيّنة.

ثمّ إنّهم لم يفرّقوا بين ما لو كان القاسم الشريكان أنفسهما و بين ما لو كان القاسم غيره. فلو كان القاسم غير الشريكين

لا إشكال في جريان أصالة الصحّة.

و أمّا جريانها بالنسبة إلي الفاعل نفسه كلامٌ بحثنا عنه مفصّلًا في المجلّد الأوّل من كتابنا «مباني الفقه الفعّال».

و علي أيّ حال لا إشكال في كون قول منكر الغلط موافقاً للأصل.

______________________________

(1)- مسالك الأفهام 14: 54؛ جواهر الكلام 40: 360.

(2)- وسائل الشيعة 27: 233، كتاب القضاء، أبواب كيفية الحكم.

(3)- مسالك الأفهام 14: 55.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 225

(مسألة 20): لو قسّم الشريكان، فصار في كلّ حصّة بيت، و قد كان يجري ماء أحدهما علي الآخر، لم يكن للثاني منعه

(1)

لا يُمنع جريان الماء بعد القسمة

______________________________

(1) 1- و ذلك لأنّ القسمة قد وقعت علي الدار بما لها من الخصوصية. و كان جريان الماء علي أحد البيتين ثابتاً قبل القسمة، و قد وقع التعديل علي تقسيم البيتين بما لهما من الخصوصية و بحقوقهما و ليست القسمة مزيلةَ حقٍّ. و لأنّ عليه جرت سيرة العقلاء و المتشرّعة في باب القسمة.

و السرُّ في ذلك أنّ الذي تقتضيه القسمة بمقتضي مفهومها و ماهيتها هو تمييز حقوق الشركاء، لا إزالة حقوق بعضهم. و في مفروض الكلام كان جريان الماء حقّاً ثابتاً للشريكين قبل القسمة. فلا وجه لسقوطه عن من خرج له بالقسمة، بل هو باقٍ له بعد القسمة، كما كان.

و يشهد لما قلناه كلام صاحب الجواهر؛ حيث قال: «لو أخذ أحد الشريكين بيتاً في دار و الآخر غيره، و بيت الأوّل يجري ماؤه في حصّة الثاني لم يكن للثاني منعه من الجريان عليه، فإن التعديل قد كان بأن يكون لكلّ منهما حصّة بحقوقها، إلّا أن يشترط حين القسمة ردّ الماء عنه، فإن أطلق بقي علي حاله» «1».

______________________________

(1)- جواهر الكلام 40: 369.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 226

إلّا إذا اشترطا حين القسمة ردّه عنه. و مثله ما لو كان مسلك البيت الواقع لأحدهما في

نصيب الآخر من الدار (1).

(مسألة 21): لا يجوز قسمة الوقف

اشارة

(2) بين الموقوف عليهم إلّا إذا وقع تشاحّ بينهم مؤدٍّ إلي خرابه،

______________________________

(1) 1- حيث إنّ القسمة مبنيّة علي ذلك حينئذٍ، فهو ثابت بعدها أيضاً، ما لم يشترطا خلاف ذلك. و الوجه في ذلك ما عرفت، من مقتضي مفهوم القسمة و جريان السيرة.

لا يجوز قسمة الوقف

(2) 2- المعروف بين الأصحاب عدم مشروعية قسمة الوقف. بل في الجواهر:

«بلا خلاف أجده» «1».

و قد علّل في الشرائع لعدم مشروعية قسمة الوقف بعدم انحصار الحقّ في المتقاسمين. حيث قال: «و لا يُقسّم الوقف؛ لأنّ الحقّ ليس بمنحصر في المتقاسمين».

و مقصوده أنّ البطون الموقوف عليهم لا ينحصرون في الذين قسّمت العين الموقوفة بينهم؛ إذ لا يمكن الوقوف علي تعداد البطون الذين لم يوجدوا و لم يتولّدوا بعدُ. فقد يزيد تعدادهم عن عدد المفروضين الذين قُسّمت العين الموقوفة بينهم، كما قد يقل تعدادهم عن المقسوم عليهم الوقف.

و أنت تري أنّ هذا المحذور يدور مدار عدم العلم بتعداد الموقوف عليهم، كما في الوقف علي البطون.

______________________________

(1)- جواهر الكلام 40: 315.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 227

______________________________

و أمّا لو تعدّد الوقف أيضاً- كما لو وقف واقف نصف عينٍ علي بطن و نصفه الآخر علي بطن آخر، فلا محذور في قسمة العين الموقوفة علي نصفين حينئذٍ، فكلّ نصف لبطن. و كذلك الأمر لو تعدّد الواقف و الموقوف عليه، كما هو واضح.

و من هنا قال الشهيد في المسالك في شرح كلام المحقّق: «هذا إذا كان الواقف واحداً و إنّما التعدّد في الموقوف عليه كالبطون المتعدّدة. فإنّ الحقّ يتغيّر بزيادتها و نقصانها. فربما استحقّ بعض بطون المتقاسمين أكثر ممّا ظهر بالقسمة لمورِّثهم، و بالعكس. و كذا لو تعدّد الواقف و اتّحد

الموقوف عليه، كما لو وقف جماعة علي شخصٍ و علي ذرّيته و أراد بعض الذرّية القسمة، لعين ما ذكر.

أمّا لو تعدّد الواقف و الموقوف عليه، كما لو وقف واقف نصف عينٍ علي شخصٍ و ذرّيته، و آخر علي غيره كذلك، جاز للموقوف عليهما الاقتسام بحيث يميّزان كلّ وقف علي حدته، و كذا لذرّيتهما دون الذرّية الواحدة.

و لو كان التعدّد فيهما علي غير هذا الوجه، كما لو وقف اثنان علي كلّ واحدٍ من الاثنين، فحكمه حكم المتّحد.

و الضابطة أنّ الوقف الواحد لا تصحّ قسمته، و إن تعدّد الواقف و المصرف، و هو المراد من العبارة» «1».

قال في الحدائق: «قد صرّح الأصحاب بأنّه لا يصحّ قسمة الوقف؛ بأن يأخذ كلّ واحد من الشركاء فيه بعضاً و يتصرّف فيه علي حدة.

و تفصيل هذا الإجمال أن يقال: إنّه متي كان الواقف واحداً أو متعدّداً و الموقوف عليه متعدّداً، كأن يقف زيد داره علي ذرّيته من الموجودين و ما تناسل

______________________________

(1)- مسالك الأفهام 4: 321.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 228

______________________________

منهم، وقفاً مؤبّداً مشتملًا علي شرائط الصحّة و اللزوم، أو يكون نصف الدار لزيد، و نصفها لعمرو، فيقف كلّ منهما حصّته علي تلك الذرّية مثلًا. فإنّه في هذه الصورة لا يجوز للموقوف عليهم قسمة الوقف؛ لأنّه:

أوّلًا: علي خلاف وضع الواقف و الموقوف علي ما وقفت عليه، كما ورد به النصّ.

و ثانياً: أنّ الوقف ليس ملكاً لُاولئك الموجودين الآن، لمشاركة البطون الآخر لهم في ذلك.

و ثالثاً: إنّ الحقّ يتغيّر بزيادة البطون و نقصانها. فربما استحقّ بعض بطون المتقاسمين أكثر ممّا ظهر بالقسمة لمورّثهم و بالعكس» «1».

و أنت تري أنّ الوجهين الأوّلين تتوقّف تماميتهما علي الوجه الثالث. و ذلك لأنّه لو

لا مغايرة عدد المقسوم عليهم الوقف مع تعداد البطون الموقوف عليهم، لا مخالفة في البين لوضع الواقف و لا لكيفية وقفه.

و لكن زاد في الجواهر «2» في التعليل لذلك: إنّه لا ولاية لمتولّي الوقف علي قسمة الوقف.

بيان ذلك: أنّ الوقوف علي حسب ما يوقفها أهلها، كما ورد في نصوص الوقف. و إنّما تثبت الولاية للمتولّي علي العين الموقوفة علي حسب ذلك الحدّ المشروع في الوقف. و قسمة الوقف لمّا كانت مستلزمة لمخالفة حقّ الموقوف عليهم و موجبة لنقض حكم الشارع في الوقف، لا ولاية للمتولّي عليها.

______________________________

(1)- الحدائق الناضرة 21: 176- 177.

(2)- جواهر الكلام 26: 315.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 229

و لا ترتفع غائلته إلّا بالقسمة، فيقسّم بين الطبقة الموجودة، و لا ينفذ (1) التقسيم بالنسبة إلي الطبقة اللاحقة إذا كان مخالفاً لمقتضي الوقف؛ بسبب اختلاف البطون قلّة و كثرة.

نعم يصحّ إفراز الوقف عن الطلق و تقسيمهما (2)؛ بأن كان ملك نصفه المشاع وقفاً و نصفه ملكاً، بل الظاهر جواز إفراز وقف عن وقف، و هو فيما إذا كان ملك لأحد؛ فوقف نصفه علي زيد و ذرّيّته و نصفه علي عمرو كذلك، أو كان ملك بين اثنين؛ فوقف أحدهما حصّته علي ذرّيّته- مثلًا- و الآخر حصّته علي ذرّيّته، فيجوز إفراز أحدهما عن الآخر بالقسمة. و المتصدّي لها الموجودون من الموقوف عليهم و وليّ البطون اللاحقة.

______________________________

(1) 1- أي لا ينفذ التقسيم عند التشاح بين الطبقة الموجودة بالنسبة إلي اللاحقة.

و الوجه فيه عدم ولاية لهم علي اللاحقة و لأنّه خلاف مقتضي الوقف و نيّة الواقف لعدم مطابقة الكيفيتين، و لا سيّما عند اختلاف البطون قلةً و كثرةً.

قسمة الوقف المشتمل علي الملك

(2) 2- ثمّ إنّ ما سبق من الكلام

كان فيما إذا كان المال وقفاً بتمامه. أمّا إذا كان بعضه وقفاً و بعضه ملكاً طلقاً، تصحّ قسمته كما صرّح به في الشرائع.

و علّل ذلك بأنّ القسمة حينئذٍ موجبة لتمييز الوقف عن غيره؛ حيث قال: «لو كان الملك الواحد وقفاً و طلقاً صحّ قسمته؛ لأنّه تمييز للوقف عن غيره» «1». و مراده أنّ القسمة حينئذٍ ليست في الوقف نفسه، بل مرجعها إلي تفكيك الوقف عن الملك الطلق.

______________________________

(1)- جواهر الكلام 26: 315.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 230

______________________________

ثمّ إنّ القسمة في مفروض الكلام لو استلزمت ردّاً من جانب الموقوف عليه، وقع الكلام في أنّ مقدار ما يقابل العوض المردود من المال، هل يكون وقفاً أو ملكاً له؟ الأقوي هو الثاني. و ذلك لأنّ الموقوف عليه دفع بإزاء ذلك المقدار عوضاً، فيدخل في ملكه بإزاء ما دفعه من العوض، كما هو مقتضي أيّة معاوضة.

و يشهد لما قلنا كلام صاحب الجواهر؛ حيث قال: «ثمّ إنّ الظاهر مشروعية قسمة الوقف من الطلق، و إن استلزمت ردّاً من الموقوف عليه، لكن هل تكون الأجزاء المقابلة للردّ وقفاً أو ملكاً؟ وجهان: أقواهما الثاني» «1».

و قال في الجواهر في بيان مقتضي التحقيق في المسألة: «فالتحقيق أنّ الوقف متي كانت قسمته منافية لما اقتضاه الوقف باعتبار اختلاف البطون قلّةً و كثرةً و نحو ذلك، لم يجز قسمته. أمّا إذا لم يكن كذلك كما في المثال، بل فيما لو اتّحد الواقف و تعدد المصرف، مثل ما لو وقف نصف داره علي زيد مثلًا و ذرّيته و الآخر علي عمرو و ذرّيته، لم يكن بأس في قسمته، إلّا أنّ المتولّي لها الحاضرون من الموقوف عليهم، و وليُّ البطون» «2».

و قد تبيّن وجه كلامه

من ضوء ما بيّنّاه آنفاً. و قوله: «في المثال» أي في ما إذا كانت قسمة الوقف تمييزه عن الملك الطلق. و أمّا ما جاء في ذيل كلامه- من صورة اتّحاد الواقف و تعدّد المصرف- فهو متّحد الملاك مع قسمة الوقف المشتمل علي الملك الطلق في عدم منافاة القسمة لمقتضي الوقف. و لا يخفي أنّ مشروعية

______________________________

(1)- جواهر الكلام 26: 317.

(2)- جواهر الكلام 26: 316.

دليل تحرير الوسيلة - الشركة و القسمة، ص: 231

______________________________

قسمة الوقف عن الطلق لا تبتني علي رعاية المصلحة للموقوف عليهم لأنّ ملاك الجواز نفس تمييز الوقف عن غيره كما قال في الجواهر.

هذا تمام الكلام في أحكام القسمة من كتاب

دليل تحرير الوسيلة.

الحمد للّٰه أوّلًا و آخراً و صلواته علي محمّد و آله

سرمداً. و قد تمّ بعون اللّٰه تعالي و لطفه في ليلة

الخامس عشر من شهر ذي الحجّة بسنة 1425 ه. ق.

العبد الخجلان من ساحة ربّه الغفّار

علي أكبر السيفي المازندراني.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.