دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة

اشارة

نام كتاب: دليل تحرير الوسيلة- الصيد و الذباحة

موضوع: فقه استدلالي

نويسنده: مازندراني، علي اكبر سيفي

تاريخ وفات مؤلف: ه ق

زبان: عربي

قطع: وزيري

تعداد جلد: 2

ناشر: دفتر انتشارات اسلامي وابسته به جامعه مدرسين حوزه علميه قم

تاريخ نشر: 1415 ه ق

نوبت چاپ: اول

مكان چاپ: قم- ايران

المقدمة

اشارة

______________________________

أعوذ باللّه من الشّيطان الرّجيم بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّه رب العالمين، أحمده استتماما لنعمته و استسلاما لعزّته و استعصاما من معصيته و أستعينه فاقة إلي كفايته.

و الصّلاة علي محمّد عبده و رسوله المصطفي أرسله بالهدي و دين الحق و جعله بلاغا لرسالته و كرامة لأمّته و أنزل عليه القرآن نورا لا تطفأ مصابيحه و بحرا لا يدرك قعره و منهاجا لا يضلّ نهجه و فرقانا لا يخمد برهانه.

و السّلام علي آله المعصومين المكرّمين الذين هم معدن الايمان و بحبوحته و ينابيع العلم و بحاره و أساس الدين و عماد اليقين.

و نسأل اللّه سبحانه أن يوفّقنا لمعرفتهم و طاعتهم و نشر علومهم و معارفهم و يرزقنا شفاعتهم يوم نأتيه فردا.

و نشكره جلّ جلاله علي أن وفّق أمّتنا المناضلة الأبطال لانتصار الثورة الإسلامية بالاطاحة بالطاغوت و متّعهم بنعمة الجمهوريّة الإسلاميّة المقدّسة تحت قيادة القائد الكبير، محيي الشريعة و معرّف الشيعة، الإمام الخميني الرّاحل (س).

و نحمده تعالي علي إتمام هذه النعمة العظيمة بقدرته المطلقة في ضوء قيادة الفقيه الخبير آية اللّه الخامنه اي «دام عزّه». فيضي ء اليوم كالشمس في قلوب جميع المؤمنين و المستضعفين.

و من العجائب أنّ مؤسّس الثورة، ذلك العارف الربّاني و الحكيم الإلهي كيف شاهد هذا التلألؤ قبل الطلوع بنور الايمان و المعرفة، فقال «قده»: «إنّه سيلمع

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، المقدمة، ص: 2

______________________________

كالشّمس»؟! و نسألك اللّهم بحرمة نبيّك و آله المعصومين (صلواتك

عليهم أجمعين) أن توفّقنا لشكر هذه النعمات و حراسة معطيات ثورتنا الإلهيّة و صيانة دماء شهدائنا الأبرار.

و أن تعيننا علي طيّ خطّة عمل إمامنا الرّاحل و إطاعة أوامر قائدنا المعظّم آية اللّه الخامنه اي و تنفيذ قوانين الدّولة الإسلامية و مظاهرة مسئوليها.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، المقدمة، ص: 3

باعث النشر

______________________________

إن الباعث لنشر هذه المجموعة من المباحث الفقهية أنّ الامام الرّاحل «قده» - هذا الفقيه النحرير العالم بزمانه الذي كان من أعلم فقهاء العصر- قد كتب في تحرير الوسيلة دورة كاملة من الفقه. و إنّه جدّا من أحسن المتون الفتوائية الجامعة لأهمّ المسائل الفقهية. و قد صار اليوم محورا لتنظيم القوانين في الحكومة الجمهورية الإسلامية. و لا ريب أنّ الكتاب الذي ألّفه مؤسّس هذا النظام الثائر علي أساس ذوقه الفقهي يناسب مقتضيات العصر الحاضر و يلائم شئون النظام الإسلامي الحاكم.

و من هنا ينبغي أن ينتخب تحرير الوسيلة متنا دراسيا للسطوح العالية و يكون موردا للبحث و التحقيق و مطرح أنظار فقهائنا العظام (دامت بركاتهم) حتّي تخطي بهذا التحوّل الأساسي خطوة شاسعة مثمرة في جهة ازدهار الحوزات العلمية و إراءة الفقه الشيعي الباحث إلي العالم العصري.

و لا سيّما أنّ شيخنا الأستاذ الفقيه الأصولي آية اللّه ميرزا جواد التبريزي «دام ظلّه» قد ألقي إلينا كثيرا من المسائل المهمّة حول هذا الموضوع و بحث عنها مشيرا إلي وجوهها الاستدلالية. و كان يحضر في مجلس بحثه بعض الفضلاء من أصدقائي و يستشكلون أحيانا و الأستاذ كان يجيبهم بدقّة و تأمّل

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، المقدمة، ص: 4

______________________________

كاشفة عن مبهمات غوامض البحوث. فحلّ دام ظلّه عقدا كثيرة من معضلات المسائل. و إنّي قد فحصت عن مصادر الاستدلال- من

النصوص و القواعد- و رتّبت المسائل علي حسب متن تحرير الوسيلة و نظَّمت مباحث هذا الكتاب علي أساس ما خطر ببالي و انتهي اليه نظري القاصر بعد الفحص و البحث حدّ وسعي الضعيف و بضاعتي القليلة.

و في الختام أرجو من الأفاضل الكرام و العلماء الكبار أن يذكروني في موارد لا تخلو بنظرهم من الإشكال أو تكون باعتقادهم خلاف مقتضي التحقيق. فإنّ أحبّ إخواني من أهدي إليّ عيوبي. غفر اللّه لي و لكم و تقبّل منّي آمّين.

أحقر الطلاب: علي أكبر السيفي

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 1

كتاب الصيد

اشارة

______________________________

تعريف الصيد و دليل مشروعيته بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

كتاب الصيد القول في الصّيد (1).

(1) تعريف الصيد 1- إنّ لفظ الصيد في كلام من جعل عنوان الكتاب «الصيد و الذبائح» بمعني المفعول- يعني المصيد. و في كلام من جعل عنوانه «الصيد و الذباحة» بمعني المصدر، يعني التذكية بغير الذبح.

و هو- كما قال صاحب الجواهر- بمعنيين. أحدهما: جعل اليد علي الحيوان الممتنع بالأصالة و الاستيلاء عليه. و الثاني: إزهاق روحه بغير الذبح.

و هو إمّا بالحيوان أو بآلة حديدية- من رمح أو سيف أو سهم- و نحو ذلك.

و المراد في المقام هو المعني الثاني لأنّه المحقّق للتّذكية. فإنّ البحث في المقام يكون فيما يتحقق به التذكية. و هي تارة: تتحقّق بالصّيد و أخري:

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 2

______________________________

بالذّبح. و إنّ الصّيد- بمعناه الثاني المحقّق للتذكية- تارة: يكون بالحيوان و أخري: بالآلة الجمادية.

دليل مشروعية الصيد ثمّ إنّ الدليل علي أصل مشروعية الصيد بمعناه الأعم، قوله تعالي أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَ طَعٰامُهُ مَتٰاعاً لَكُمْ وَ لِلسَّيّٰارَةِ «1». و قوله تعالي وَ حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مٰا دُمْتُمْ حُرُماً

«2». حيث دلّ بمفهوم الغاية علي حلّية صيد البرّ في غير حال الإحرام خصوصا بقرينة قوله تعالي وَ إِذٰا حَلَلْتُمْ فَاصْطٰادُوا «3».

و من الواضح عدم كون المقصود في هذه الآيات خصوص حلّية أكل الصيد أو حرمته. بل يكون بالمعني الأعمّ منه و معناه المصدري- أي نفس الاصطياد-، بجعل اليد علي الحيوان و حيازته أو إزهاق روحه بحيوان أو آلة في صيد البرّ و بإخراجه من الماء- المتوقف عليه حياته- في صيد البحر.

و اما الدليل علي مشروعية الصيد بمعناه الأخصّ، فمن الكتاب: قوله تعالي وَ مٰا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوٰارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمّٰا عَلَّمَكُمُ اللّٰهُ فَكُلُوا مِمّٰا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَ اذْكُرُوا اسْمَ اللّٰهِ عَلَيْهِ «4».

قوله تعالي مِنَ الْجَوٰارِحِ مُكَلِّبِينَ- الْجَوٰارِحِ جمع الجارحة و هي

______________________________

(1) المائدة/ 96.

(2) المائدة/ 96.

(3) المائدة/ 2.

(4) المائدة/ 4.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 3

______________________________

في اللّغة بمعني الكاسبة، يقال: فلان جارحة أهله، أي كاسبهم. و من هنا سمّيت أعضاء الإنسان بالجوارح. و عليه فلفظ الجارحة مأخوذ من الجرح بمعني الاكتساب لا بمعني شقّ العضو و قطعه.

و مُكَلِّبِينَ: جمع المكلّب أي صاحب الصيد. يقال: رجل مكلّب أي صاحب الصيد. و هو حال لفاعل فعل عَلَّمْتُمْ، يعني: حال كونكم صاحبين و آخذين للصيد بالكلب.

ثمّ إنّه اختلف الفريقان في تفسير هذه الآية. فقال فقهاء العامة: إنّ المقصود من الجوارح و المكلّب معناهما اللّغوي و إنّ لفظة «من» بيانية، يعني: ما أدّبتم من كواسب السباع- من الطيور و البهائم- حال كونكم صائدين و صاحبين للصيد بهنّ يجوز لكم أكل ما أمسكن.

و من هنا أفتوا بجواز أكل ما اصطاده مطلق الجوارح من السباع بلا فرق بين الكلب و غيره.

و لكن دلّت النصوص [1] المستفيضة المعتبرة علي انّ

المراد خصوص

______________________________

[1] منها: صحيح الحلبي عن الصادق (ع) انه قال: في كتاب أمير المؤمنين في قول اللّه عز و جلّ وَ مٰا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوٰارِحِ مُكَلِّبِينَ قال: هي الكلاب.

الوسائل/ ج 16- ص 207- ب 1- ح 1.

و منها: صحيح زرارة عن الصادق (ع): «و اما خلاف الكلب ممّا تصيد الفهود و الصقور و أشباه ذلك فلا تأكل من صيده الّا ما أدركت ذكاته لان اللّه عز و جل قال:

مُكَلِّبِينَ فما كان خلاف الكلاب فليس صيده بالذي يؤكل إلّا ان تدرك ذكاته».

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 4

______________________________

الكلب و عليه فلفظة «من» في الآية للتبعيض أي بعض الجوارح و هو الكلب.

و يشهد علي ذلك لفظ مكلّبين: أي صاحبين للصيد بالكلب. و من هنا يحرم أكل ما اصطاده غير الكلب من سائر جوارح السباع عند فقهائنا.

و من السّنّة الدالّة علي مشروعية الصيد بمعناه الأخصّ، نصوص متواترة «1» دلّت علي جواز أكل ما اصطاده الكلاب المعلّمة و أنّ صيدها ذكاة للحيوان المصيد و كذا بالآلة الحديدية- من الرمح و السيف و السهم- و هي علي حدّ من الكثرة لا احتياج الي ذكرها هنا و يأتي ذكرها خلال المسائل الآتية. إن شاء اللّه.

______________________________

الوسائل/ ج 16- ص 213- ح 3. و قد علّل (ع) في الثاني بظهور لفظ مُكَلِّبِينَ في صيد الكلب.

______________________________

(1) راجع الوسائل/ ج 16- أبواب 1 و 3 و 6 و 9- ص 207 و 212 و 216 و 219.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 5

كما يذكّي الحيوان و يحلّ لحم ما حلّ أكله بالذبح الواقع علي النحو المعتبر شرعا، يذكّي أيضا (1) بالصيد علي النحو المعتبر. و هو إمّا بالحيوان أو بغيره. و

بعبارة أخري الآلة التي يصاد بها إمّا حيوانية أو جمادية. و يتمّ الكلام في القسمين في ضمن مسائل.

______________________________

(1) تحقّق التذكية بالصّيد 1- كما صرّح بذلك في النصوص.

منها: حسنة سيف بن عميرة:

رواه علي بن إبراهيم في تفسيره عن أبيه عن فضالة بن أيوب عن سيف بن عميرة عن أبي بكر الحضرمي عن أبي عبد اللّه (ع) قال: «إذا أرسلت الكلب المعلّم فاذكر اسم اللّه عليه فهو ذكاته «1»». فإنّها صريحة في كون صيد الكلب المعلّم تذكية و عبّرنا عنها بالحسنة بلحاظ عبد اللّه بن محمد أبي بكر الحضرمي فإنه ممدوح و لم يرد فيه توثيق صريح.

و منها: صحيح حكم بن حكيم الصيرفي:

رواه الكليني عن محمد بن يحيي عن أحمد بن محمد عن محمد بن يحيي الخزّاز عن جميل بن دراج عن حكم بن حكيم الصيرفي قال: «قلت لأبي

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ب 1- ص 208- ح 4.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 6

______________________________

عبد اللّه (ع) ما تقول في الكلب يصيد الصّيد فيقتله؟ قال (ع): لا بأس بأكله. قلت: إنّهم يقولون إنّه إذا قتله و أكل منه فإنّما أمسك علي نفسه فلا تأكله. فقال (ع): كل، أو ليس قد جامعوكم علي أنّ قتله ذكاته. قال: قلت: بلي. قال (ع): فما يقولون في شاة ذبحها رجل أذكّاها؟ قال: قلت: نعم، قال (ع): فإنّ السّبع جاء بعد ما ذكّاه فأكل بعضها أ تؤكل البقيّة؟ قلت: نعم. قال (ع): فإذا أجابوك إلي هذا فقل لهم كيف تقولون: إذا ذكّي ذلك و أكل منه لم تأكلوا و إذا ذكّي هذا و أكل أكلتم «1»». هذه الصحيحة لا غبار عليها سندا و دلالة.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 208- ب 2-

ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 7

صيد الكلب و شرائطه و أحكامه

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 9

دليل اختصاص الحلّية بصيد الكلب المعلّم

مسألة 1: لا يحلّ من صيد الحيوان و مقتوله الّا ما كان بالكلب المعلّم. (1)

______________________________

(1) الدليل علي ذلك النصوص المستفيضة المعتبرة:

مثل صحيحي «1» الحلبي و زرارة السابقين.

و حسنة أبي بكر الحضرمي: «قال سألت أبا عبد اللّه (ع) عن صيد البزاة و الصّقورة و الفهد و الكلب. فقال (ع): لا تأكل صيد شي ء من هذه إلّا ما ذكّيتموه إلّا

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 207- ح 1 و ص 213- ح 3.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 10

______________________________

الكلب المكلّب» «1» و صحيح أبي عبيدة الحذّاء عن الصادق (ع) «2»: «ليس شي ء يؤكل منه مكلّب إلّا الكلب «3»».

هذا مضافا الي الشهرة بل الإجماع عليه و لم يخالف ذلك فقهاؤنا غير ابن أبي عقيل فذهب إلي حلّية أكل صيد سائر السباع المعلّمة- غير جوارح الطير.

و لكن لا دليل عليه بل الدليل علي خلافه. و إنّ منشأ وهمه- ظاهرا- ما دل من النصوص علي جواز أكل صيد بعض الجوارح من السباع- غير الطير- كالفهد و الأسد و أنّهما ممّا قال تعالي مُكَلِّبِينَ فلا بأس بأكله «4».

و لكنها مبتلاة بالمعارض «5» في خصوص جوارح السباع- غير الطير.

مضافا الي النصوص المستفيضة الدالّة علي عدم جواز أكل صيد غير الكلب و سيأتي ذكر هذه النصوص و حل مشكل المعارضة بنحو لا ينافي عدم جواز أكل صيد غير الكلب من جوارح السباع مطلقا طيرا كان أو غيره.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 213- ح 2.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 212- ب 3- ح 1.

(3) راجع الوسائل/ ج 16- ب 1 و 3 و 6 و 9 من كتاب الصيد

و الذبائح.

(4) الوسائل/ ج 16- ص 216- ب 6- ح 3 و 4 و 5 و 6 و 8.

(5) الوسائل/ ج 16- ص 216- ب 6- ح 1 و ص 213- ح 2.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 11

سواء كان سلوقيا أو غيره و سواء كان أسود (1) أو غيره.

______________________________

(1) حكم صيد الكلب الأسود 1- خلافا لابن الجنيد حيث ذهب الي حرمة أكل صيد الكلب المعلّم الأسود بدعوي تخصيص العمومات بموثقة السكوني عن أبي عبد اللّه (ع):

قال، قال أمير المؤمنين (ع): «الكلب الأسود البهيم لا تأكل صيده لأنّ رسول اللّه (ص) أمر بقتله» «1».

قال في الوسائل: يمكن حملها علي غير المعلّم لما تقدّم. و يمكن حملها علي الكراهية و هو الأقرب. و مقصوده ممّا تقدم ما دلّ علي عدم جواز أكل صيد الكلب غير المعلّم من الكتاب و السنة. و أمّا وجه حمله علي الكراهة صراحة النصوص المستفيضة في جواز أكل صيد مطلق الكلب المعلّم أسودا كان أم غيره فيرفع اليد عن ظهور نهي الموثقة في الحرمة بصراحة هذه النصوص و يحمل علي النهي التنزيهي. و أمّا إرادة خصوص غير المعلّم من الأسود البهيم فلا وجه له و ذلك لعدم وجود قرينة علي ارادة الكلب غير المعلم من الكلب الأسود في الموثقة حتي يجمع بذلك بين الطائفتين.

هذا و لكن يشكل بأنّ النصوص الدالّة علي جواز أكل صيد الكلب المعلّم

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 224- ب 10- ح 2.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 12

______________________________

شملت الأسود من الكلاب المعلّمة بالعموم كما ان الموثقة شملت الكلب المعلّم من سواد الكلاب بالعموم فإحدي الطائفتين ظاهرة في جواز أكل صيد الكلب المعلّم الأسود و أخريهما

في حرمته. و عليه فتتعارضان و تتساقطان.

و قد يقال: إنه يرجع حينئذ إلي عموم قوله تعالي فَكُلُوا مِمّٰا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ. و فيه: أنّ الكتاب في المقام علي وزان سائر النصوص الدالة علي جواز أكل صيد الكلب المعلّم لعدم فرق بينهما في موضوع الحكم.

و الصحيح في المقام أن يقال: إن النصوص المجوّزة مع كثرتها موافقة لعموم الكتاب فتقدم علي الموثقة و يحكم بالجواز علي كراهية رعاية لجانب الموثقة.

ثم انه ربما يقال في المقام: إنّ لفظ «البهيم» قرينة علي ارادة الكلب الهراش المتروك غير المعلّم. و فيه: ان لفظ «البهيم» في اللّغة بمعني ما لم يميّز من الحيوان و هو مأخوذ من لفظ الإبهام يعني المبهم في لونه و هذا كناية عن اللون الواحد في قبال الأبلق المتلوّن بلونين أو الألوان المختلفة ممّا لا إبهام فيه.

و يشهد علي ذلك ما ورد في بعض النصوص من المقابلة بين الأبلق و بين البهيم.

مثل صحيح سالم بن مكرم:

رواه الكليني عن محمد بن يحيي عن محمد بن الحسين عن عبد الرحمن بن أبي هاشم عن سالم بن مكرّم أبي سلمة عن أبي عبد اللّه (ع): «قال: سئل عن الكلاب. فقال (ع): كلّ أسود بهيم و كلّ أحمر بهيم و كلّ أبيض بهيم فذلك خلق

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 13

فلا يحلّ صيد غيره من جوارح السباع كالفهد (1) و النمر و غيرهما.

______________________________

من الكلاب من الجنّ و ما كان أبلق فهو مسخ من الجنّ و الإنس «1»».

فيفهم من هذه الصحيحة- بقرينة المقابلة بين البهيم و الأبلق- أنّ المراد بالبهيم ما كان من الكلاب علي لون واحد. و عليه فلا يكون لفظ البهيم في الموثقة قرينة علي ارادة غير المعلّم من

الكلب.

فالمتعيّن في المقام حمل الموثقة علي إرادة الكراهة من النهي فيها كما ذهب اليه صاحب الوسائل و اختاره صاحب الجواهر «2».

(1) حكم صيد سائر جوارح السباع غير الطيور 1- سبق أنّ ابن أبي عقيل خالف الفقهاء فذهب إلي حلّية أكل صيد سائر جوارح السباع المعلّمة- غير الطيور. و منشأ ذهابه الي ذلك بعض النصوص الظاهرة في جواز أكل صيد بعض الجوارح من سباع غير الطير كالفهد و الأسد و استشهد له بانّ الكلب في اللّغة بمعني كلّ سبع عقور كما عن القاموس و هو لا يختصّ بالكلب المعهود المعروف.

و فيه: أوّلا: ما يظهر من القاموس و غيره هو أنّ لفظ الكلب في أصل

______________________________

(1) الوسائل/ ج 18- ص 389- ب 44- ح 3.

(2) الجواهر/ ج 36- ص 11.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 14

______________________________

اللّغة يكون بهذا المعني العام و لا ينافي ذلك معروفيته في معني الكلب المعهود لأجل غلبة الاستعمال و من هنا ذكر بعض أهل اللّغة- كالجوهري و غيره- أنّ الكلب هو الحيوان النابح و النّبح في الفارسية بمعني: پارس و عوعو.

و ثانيا: ان النصوص في المقام مختلفة تدل جملة منها علي حرمة أكل صيد الفهد و الأسد و غيرهما من جوارح السباع المعلّمة غير الكلب.

فمنها: صحيحة الحذّاء عن أبي عبد اللّه (ع) في حديث قال: «قلت:

فالفهد؟ قال (ع): إن أدركت ذكاته فكل. قلت: أ ليس الفهد بمنزلة الكلب؟ قال (ع):

لا ليس شي ء يؤكل منه مكلّب إلّا الكلب «1»».

و منها: موثقة سماعة في حديث قال: سألته عن صيد الفهد و هو معلّم للصيد فقال (ع): «إن أدركته حيّا فذكّه و إن كان قد قتله فلا تأكل منه «2»».

و منها: حسنة سيف بن عميرة

عن أبي بكر الحضرمي قال: سألت أبا عبد اللّه (ع): «عن صيد البزاة و الصّقورة و الكلب و الفهد فقال (ع): لا تأكل صيد شي ء من هذه إلّا ما ذكّيتموه إلّا الكلب المكلّب «3»».

و في قبال ذلك دلّ بعض النصوص علي الجواز. مثل صحيحي زكريّا بن آدم، ففي أحدهما: «قال: سألت أبا الحسن الرّضا عن الكلب و الفهد يرسلان فيقتلان. قال: فقال (ع): هما ممّا قال اللّه: «مكلّبين، فلا بأس بأكله «4»».

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 216- ب 6- ح 1 و 3.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 216- ب 6- ح 1 و 3.

(3) الوسائل/ ج 16- ص 219- ب 9- ح 1.

(4) الوسائل/ ج 16- ص 217- ح 5 و ص 216- ح 4.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 15

و جوارح الطير كالبازي و العقاب و الباشق و غيرهما و ان كانت معلّمة (1).

______________________________

و الآخر عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال: «سأل زكريّا بن آدم أبا الحسن (ع)- و صفوان حاضر-: عمّا قتل الكلب و الفهد. فقال (ع): قال جعفر بن محمّد (ع): الفهد و الكلب سواء قدرا «1»».

فهاتان الطائفتان متعارضتان و مقتضي الصناعة حمل النصوص الناهية علي الكراهة أخذا بصراحة الطائفة الثانية في الجواز الّا انّ النوبة لا تصل الي هذا الجمع و ذلك لتعيّن العمل بالطائفة الأولي لجهتين.

إحديهما: أعراض فقهائنا عن الطائفة الثانية و عدم عملهم بها. و ثانيهما:

موافقة الطائفة الأولي للسنّة المستفيضة الدالّة علي حرمة أكل صيد جوارح السباع من غير الكلب و مخالفتها للعامّة.

و عليه فلا إشكال في تعيّن العمل بالنصوص الناهية و طرح الطائفة المجوّزة.

حكم صيد جوارح الطير

(1) لا يحل صيد جوارح الطير و ان

كانت معلّمة لما دلّ من النصوص المعتبرة علي حرمة أكل ما صاده جوارح الطير المعلّمة مثل المذكورات في المتن.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 216- ح 4 و ص 217- ح 5.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 16

______________________________

منها: حسنة أبي بكر الحضرمي عن أبي عبد اللّه (ع): «أنّه سأله عن صيد البزاة و الصّقورة و الكلب و الفهد فقال: لا تأكل صيد شي ء من هذه إلّا ما ذكّيتموه إلّا الكلب المكلّب «1»».

و منها: صحيح الحذّاء قال: قلت لأبيعبد اللّه (ع): «ما تقول في البازي و الصّقر و العقاب؟ قال (ع): إذا أدركت ذكاته فكل منه و إن لم تدرك ذكاته فلا تأكل «2»».

منها: صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه (ع): «أنّه سئل عن صيد البازي و الكلب إذا صاد و قد قتل صيده و أكل منه آكل فضلهما أم لا؟ فقال (ع): أمّا ما قتله الطّير فلا تأكل منه إلّا أن تذكّيه «3»».

و غيرها من النصوص «4» الدالة علي ذلك.

نعم في قبال ذلك دلّت عدّة من النصوص علي جواز أكل صيد البازي و الصقر من جوارح الطير.

مثل: صحيح علي بن مهزيار قال كتب الي أبي جعفر (ع) عبد اللّه بن خالد بن نصر المدائني: «جعلت فداك، البازي إذا أمسك صيده و قد سمّي عليه

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 213- ح 2.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 221- ح 11.

(3) الوسائل/ ج 16- ص 219- ب 219- ح 2.

(4) الوسائل/ ج 16- ص 219 ب 9.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 17

______________________________

فقتل الصّيد هل يحلّ أكله؟ فكتب (ع) بخطّه و خاتمه: إذا سمّيته أكلته «1»».

و صحيح أبي مريم الأنصاري قال: «سألت أبا جعفر (ع)

عن الصّقورة و البزاة، من الجوارح هي؟ قال (ع): نعم، هي بمنزلة الكلاب «2»».

و صحيح زكريّا بن آدم قال: سألت الرضا (ع): «عن صيد البازي و الصّقر يقتل صيده و الرّجل ينظر إليه. قال: كل منه و إن كان قد أكل منه أيضا شيئا. قال:

فرددت عليه ثلاث مرّات، كلّ ذلك يقول مثل هذا «3»».

و غيرها من النصوص الدالّة علي ذلك. و مقتضي الصّناعة و ان كان حمل الطائفة الأولي علي الكراهة لرفع اليد عن ظهورها في الحرمة أخذا بصراحة الطائفة الثانية في الجواز. الّا أنّه وردت في المقام طائفة أخري من النصوص صرّح فيها بصدور الطائفة الثانية الدالّة علي الجواز تقية.

مثل صحيح الحلبي قال: قال أبو عبد اللّه (ع): «كان أبي يفتي و كان يتّقي و نحن نخاف في صيد البزاة و الصّقورة و أمّا الآن فإنّا لا نخاف و لا يحلّ صيدها إلّا أن تدرك ذكاته فإنّه في كتاب عليّ (ع): إنّ اللّه عزّ و جلّ قال وَ مٰا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوٰارِحِ مُكَلِّبِينَ، في الكلاب «4»».

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 222- ح 16 و ص 223- ح 17.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 222- ح 16 و ص 223- ح 17.

(3) الوسائل/ ج 16- ص 223- ح 18.

(4) الوسائل/ ج 16- ص 220- ح 3.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 18

فما يأخذه الكلب المعلّم و يقتله بعقره و جرحه مذكّي حلال أكله

______________________________

و في صحيح أبان بن تغلب، قال: سمعت أبا عبد اللّه (ع) يقول: «كان أبي يفتي في زمن بني أميّة أنّ ما قتل البازي و الصّقر فهو حلال و كان يتّقيهم و أنا لا أتّقيهم و هو حرام ما قتل «1»». وجه

التقية أنّ البازي و الصقر كان آلة صيد السلاطين و خلفاء الجور غالبا و لم يكن الإمام الباقر مأمونا منهم في إفتائه بحرمة أكل صيدهما.

و عليه فتسقط الطائفة المجوّزة عن الحجيّة و ذلك لأنّ من مقدّمات حجّية الخبر علي الحكم الشرعي تمامية جهة صدوره بأن يحرز كون الامام (ع) في مقام بيان الحكم الواقعي. و قد دلّ هذان الصحيحان علي عدم صدور تلك النصوص لبيان الحكم الواقعي و أنّها صدرت تقية. و بناء علي ذلك تبقي الطائفة الأولي بلا معارض. فلا إشكال في حجّيتها علي حرمة أكل صيد مطلق جوارح الطير حتّي المعلّمة فضلا عن غيرها.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 222- ح 12.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 19

من غير ذبح (1)

______________________________

(1) بقتل الحيوان المصيد تتحقق ذكاته 1- أي من غير حاجة الي الذّبح لانّ ذلك بمنزلة ذبحه لما دلّ من النصوص علي انّ صيد الكلب و قتله الحيوان المصيد بعقره و جرحه، تذكيته.

و قد سبق الاستدلال علي ذلك بحسنة سيف بن عميرة «1» و صحيح حكم بن حكيم الصيرفي «2».

ففي الأوّل: قال أبو عبد اللّه (ع): «إذا أرسلت الكلب المعلّم فاذكر اسم اللّه عليه فهو ذكاته «3»». بناء علي كون مرجع ضمير «هو» إرسال الكلب المنجرّ إلي قتل الصيد بالجرح و ان كان الظاهر رجوعه الي ذكر اسم اللّه و لكن المقصود انه مع الإرسال ذكاته.

و في الثاني: قال أبو عبد اللّه (ع) للصيرفي: «أو ليس قد جامعوكم علي أنّ قتله ذكاته؟ قال: قلت: بلي، قال (ع): فما يقولون في شاة ذبحها رجل أذكاها؟ قال:

قلت: نعم. قال (ع): فإنّ السّبع جاء بعد ما ذكّاها- إلي أن قال (ع): - قل لهم كيف

______________________________

(1)

الوسائل/ ج 16- ب 1- ص 208- ح 4.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 208- ب 2- ح 1.

(3) الوسائل/ ج 16- ب 1- ص 208- ح 4.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 20

فيكون عضّه و جرحه (1) علي أيّ موضع من الحيوان بمنزلة ذبحه.

مسألة 2: يعتبر في حلّية صيد الكلب ان يكون معلّما للاصطياد.

______________________________

تقولون: إذا ذكّي ذلك و أكل منه لم تأكلوا و إذا ذكّي هذا و أكل منه أكلتم؟ «1»».

(1) لا يعتبر الجرح في تذكية الصيد 1- لا دليل علي اعتبار الجرح في حلية صيد الكلب بل ظاهر ترتيب جواز الأكل علي الإمساك في الآية و النصوص المستفيضة ينفي اعتبار الجرح و كذا إطلاق قوله: «إذا أرسلت الكلب المعلّم فاذكر اسم اللّه عليه فهو ذكاته».

في حسنة سيف بن عميرة و قوله: «قتله ذكاته» في صحيح الصيرفي. و غير ذلك من المطلقات. و اما الاستدلال بقوله تعالي الْجَوٰارِحِ مُكَلِّبِينَ بزعم كونه من الجرح- بمعني الشق- أو بكون الكلب مفترسا في ذاته علي اعتبار الجرح، غير تامّ. لأن الجوارح جمع الجارحة و هي في اللغة بمعني الكاسبة- كما قلنا في تفسير هذه الآية- فليس بمعني الجرح و الشقّ. و اما كون الكلب مفترسا في ذاته فلا دليلية له لفظا أو عقلا علي اعتبار الجرح في حلية أكل صيده. كما هو واضح لان المعتبر في نصوص المقام من الكتاب و السنة هو إرسال الكلب و إمساكه و قتله و لا دلالة لشي ء من ذلك علي اعتبار جرحه و عقره في حلّية صيده. فالأقوي عدم اعتباره.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 208- ب 2- ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 21

و علامة (1) كونه بتلك الصفة أن يكون من عادته- مع عدم المانع-

أن يسترسل و يهيج الي الصيد لو أرسله صاحبه و أغراه به و أن ينزجر و يقف عن الذهاب و الهياج إذا زجره. نعم لا يضرّ إذا لم ينزجر حين رؤية الصيد و قربه منه (2). و الأحوط أن يكون من عادته التي لا تتخلّف الّا

______________________________

(1) علامة كون الكلب معلّما 1- تارة: يقع البحث في اعتبار تعليم الكلب للاصطياد في حلّية صيده فقد سبق الاستدلال علي ذلك بالكتاب و السنة. و اخري: في علامة إثبات كونه معلّما و ما هو الأمارة علي ذلك عرفا. و ان الدليل علي اعتبار ما ذكره الماتن (قده) في العلاميّة للتعليم هو العرف و لا دليل آخر علي ذلك غير دعوي الإجماع و يبعد كشفه عن رأي المعصوم تعبّدا لاحتمال استناده الي الصدق العرفي.

(2) لغلبة هيجانها الغريزي علي تعلّمه في خصوص هذه الحالة و عدم انزجاره حينئذ لا ينافي كونه معلّما عرفا.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 22

نادرا أن يمسك الصيد و لا يأكل (1) منه شيئا حتي يصل صاحبه.

______________________________

(1) اعتبار اعتياد الكلب علي عدم أكل الصيد في حلّيته 1- هذا الاحتياط وجوبيّ ثم ان اشتراط ذلك مذهب مشهور فقهائنا و استدلّ عليه:

أوّلا: باعتبار عدم الاعتياد بالأكل في صدق كون الكلب معلّما عرفا. و فيه: انه لا منافاة بين اعتياد الكلب بأكل الصيد و بين كونه معلّما كما قال في الجواهر «1» لوضوح إمكان كون تعليم الكلب علي أكل جزء معيّن من الحيوان المصيد في كل دفعة يصيد. و إنّ قوله تعالي فَكُلُوا مِمّٰا أَمْسَكْنَ مطلق بالنسبة الي بعض الصيد أو كلّه. نعم لو اعتادت الكلاب بغير ما علّمت خرجت عن كونها معلّمة. و هذا لا ينافي نظر

المشهور لظهور كلامهم في اعتبار عدم الاعتياد المنافي للتعليم لا مطلق الاعتياد.

و ثانيا: بعموم قوله تعالي وَ مٰا أَكَلَ السَّبُعُ. و فيه: ان تحريم ما أكل السبع في الآية استثني بقوله إِلّٰا مٰا ذَكَّيْتُمْ فلذا يدخل ما أكله السبع بعد التذكية في عقد المستثني في الآية. ففي المقام لا يحرم ما أكله الكلب من الصيد بعد ما قتله لان قتله ذكاته فهو من قبيل الأكل بعد التذكية. كما صرّح بذلك في

______________________________

(1) الجواهر/ ج 36- ص 23.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 23

______________________________

صحيح الصيرفي.

و ثالثا: بانّ قوله تعالي فَكُلُوا مِمّٰا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ دلّ علي اعتبار إمساك الكلب علي مرسلة في حلّية صيده و هو غير متحقّق إذا اعتاد الكلب بالأكل كما يشهد علي ذلك صحيح رفاعة.

رواه الشيخ بإسناده عن الحسين بن سعيد عن فضالة بن أيوب عن رفاعة بن موسي قال: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن الكلب يقتل. فقال (ع): كل، قلت: إن أنا أكل منه؟ قال (ع): إذا أكل منه فلم يمسك عليك إنّما أمسك علي نفسه «1»».

و صحيح البزنطي: رواه الشيخ بإسناده عن الحسين بن سعيد عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي قال: سألت أبا الحسن (ع): «عمّا قتل الكلب و الفهد. فقال: قال أبو جعفر (ع): الكلب و الفهد سواء فإذا هو أخذه فأمسكه فمات و هو معه فكل فإنّه أمسك عليك و إذا أمسكه و أكل منه فلا تأكل فإنّه أمسك علي نفسه «2»».

و فيه: أنّ الاعتياد بأكل بعض الصيد لا ينافي إمساك الباقي علي صاحبه إذا كان معلّما علي هذا النحو. و أمّا الخبران- فمضافا إلي إمكان حملهما علي الأكل المنافي للتعليم- يحملان علي التقية بقرينة

صحيح حكم الصيرفي.

رواه الكليني عن محمد بن يحيي عن أحمد بن محمد عن محمد بن يحيي عن جميل بن درّاج عن حكم بن حكيم الصيرفي قال: «قلت لأبي عبد اللّه (ع)

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 212- ب 2- ح 17 و 18.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 212- ب 2- ح 17 و 18.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 24

______________________________

ما تقول في الكلب يصيد الصّيد فيقتله؟ قال (ع): لا بأس بأكله. قلت: إنّهم يقولون:

إنّه إذا قتله و أكل منه فإنّما أمسك علي نفسه فلا تأكله فقال: كل أو ليس قد جامعوكم علي أنّ قتله ذكاته؟ الحديث «1»».

و صحيح ابن مسلم: رواه الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن عمر بن أذينة عن محمد بن مسلم و غير واحد عنهما جميعا أنّهما (ع) قالا: «في الكلب يرسله الرّجل و يسمّي قالا إن أخذه فأدركت فذكّه و إن أدركته و قد قتله و أكل منه فكل ما بقي و لا ترون ما يرون في الكلب «2»».

و ذلك لدلالتها خصوصا قوله (ع): «و لا ترون ما يرون في الكلب». في صحيح ابن مسلم علي أنّ نهيهم في الطائفة الأولي كان لمراعاة التقية.

مع انّ في المقام وردت نصوص كثيرة- بعضها صحيح- دلّت علي الحلية.

مثل صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه قال: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن رجل أرسل كلبه فأخذ صيدا فأكل منه آكل من فضله؟ قال: كل ما قتل الكلب إذا سمّيت عليه فإذا كنت ناسيا فكل منه أيضا و كل فضله «3»».

و صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه في حديث قال (ع): «و أمّا ما قتله

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16-

ص 208- ب 2- ح 1 مضي ذكر متن هذا الصحيح تماما في ص 4 فراجع.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 208- ب 2- ح 2.

(3) الوسائل/ ج 16- ص 210- ح 8.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 25

______________________________

الكلب و قد ذكرت اسم اللّه عليه فكل منه و إن أكل منه «1»».

و صحيح مسعدة بن زياد عن جعفر بن محمد (ع) قال: «سئل عن صيد الكلاب و البزاة و الرّمي. فقال (ع): أمّا ما صاد الكلب المعلّم و قد ذكر اسم اللّه عليه فكله و إن كان قد قتله و أكل منه «2»».

و موثقة الحسين بن علوان عن جعفر بن محمّد عن أبيه عن علي (ع) قال: «إذا أخذ الكلب المعلّم الصّيد فكله- أكل منه أو لم يأكل، قتل أو لم يقتل «3»».

و معتبرة ابن سعيد المكاري قال: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن الكلب يرسل علي الصّيد و يسمّي فيقتل و يأكل منه فقال: كل و إن أكل منه «4»».

و صحيح الحلبي قال: قال أبو عبد اللّه (ع): «من أرسل كلبه و لم يسمّ فلا يأكله. قال: و سألته عن الكلب يصطاد فيأكل من صيده تؤكل بقيّته؟ قال: نعم «5»». و غيرها من النصوص «6».

و اما الجمع بين الطائفتين بحمل ما دلّ علي التحريم علي ما إذا كان الأكل عن اعتياد و حمل ما دلّ علي الحلّية علي الأكل الاتّفاقي من غير اعتياد، فجمع تبرّعي و لا شاهد له من النصوص.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 210- ح 9.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 211- ح 11 و 12.

(3) الوسائل/ ج 16- ص 211- ح 11 و 12.

(4) الوسائل/ ج 16- ص 211- ح 14

و 15.

(5) الوسائل/ ج 16- ص 211- ح 14 و 15.

(6) راجع الوسائل/ ج 16- ب 2- ص 208- 211.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 26

______________________________

كما ينبغي التفصيل في أكل الكلب المعلّم أيضا بين ما إذا كان أكله قبل ان يقتل صيده بأن قتله بأكل جزء من بدنه و بين ما إذا كان أكله بعد ذلك فيحرم علي الأول دون الثاني. و الشاهد علي هذا التفصيل صحيح الصيرفي.

فالأقوي ان يحكم بالحرمة في صورتين:

الاولي: ما إذا كان أكل الكلب قبل قتل صيده بأن قتله بأكل جزء منه و الثّانية: ما إذا كان أكله ناشئا عن اعتياد مناف لصدق عنوان المعلّم عليه. و الدليل علي حرمة صيد الكلب في الصورة الأولي هو صحيح الصيرفي و عليه يحمل عمدة النصوص الناهية. و اما الدليل علي الحرمة في الصورة الثانية مانعية ذلك عن صدق عنوان المعلّم عليه.

و الحاصل أنّه إذا كان الأكل عن اعتياد مناف للتعليم لا يمكن الحكم بالحلّية و ذلك لما دلّ من الكتاب و السنة علي اعتبار كون الكلب معلّما في حلّية صيده.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 27

مسألة 3: يشترط في حلية صيد الكلب المعلّم أمور.

الأوّل: ان يكون ذلك بإرساله للاصطياد

فلو استرسل بنفسه من دون إرسال لم يحلّ (1) مقتوله.

______________________________

(1) في شرائط حلية صيد الكلب الأول: إرساله للاصطياد: 1- لما دل من النصوص المعتبرة علي اعتبار إرسال الكلب الي الصيد في حلّية أكله.

و من هذه النصوص ما رواه الكليني عن محمد بن يحيي عن أحمد عن علي بن الحكم عن موسي بن بكر عن زرارة عن ابي عبد اللّه (ع) انه قال في صيد الكلب: «إن أرسله الرّجل «صاحبه» و سمّي فليأكل ممّا أمسك عليه «1»».

لا إشكال في دلالة هذه الرواية علي اعتبار

الإرسال في حلية صيد الكلب بمفهوم الجملة الشرطية و لكن في سندها موسي بن بكر و هو واقفي لم يرد فيه قدح و تضعيف و له كتاب و يستفاد من أمر الإمام إيّاه بأكل اللحم كبابا و سؤاله عن علّة اصفرار لون وجهه و إرساله الي بعض حوائجه نوع تلطّف و توجّه اليه و ان وقع نفسه في طريق الرواية الدّالة علي ذلك و لكن باعتبار كتابه

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 210- ح 7.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 28

______________________________

و كثرة روايته يمكن الحكم باعتبار روايته.

و منها ما رواه الكليني عن محمد بن يحيي عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن نضر بن سويد عن القاسم بن سليمان قال: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن الكلب أفلت و لم يرسله صاحبه فصاد فأدركه صاحبه و قد قتله أ يأكل منه؟ فقال: لا «1»».

دلالتها واضحة و لكن في سندها القاسم بن سليمان و الأقوي اعتبار روايته لان له كتابا و روايات كثيرة تبلغ مأة و تسعة و واقع في طريق كامل الزيارات.

و لكن يمكن الخدشة في دلالة معتبرة موسي بن بكر بأنّ شرطية «إن أرسله الرجل و سمّي» مصوغة لبيان الموضوع و المقصود اعتبار التسمية عند الإرسال و لا نظر لها الي اعتبار الإرسال.

و يستفاد من بعض النصوص انّ إرسال الكلب الي الصيد ذكاته مثل حسنة سيف بن عميرة عن أبي عبد اللّه (ع) قال: «إذا أرسلت الكلب المعلّم فاذكر اسم اللّه عليه فهو ذكاته «2»». حيث يرجع ضمير هو في قوله: «هو ذكاته» الي الإرسال و التسمية و يرجع ضمير الهاء في «ذكاته» الي الكلب باعتبار كونه السبب المباشر لقتل الحيوان

المصيد و تذكيته. و يؤيّد ذلك فهم صاحب الجواهر ما استفدناه من هذه الحسنة حيث قال في تعليل اعتبار الإسلام في

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 224- ب 11- ح 1.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 208- ب 1- ح 4.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 29

و إن أغراه صاحبه بعده حتي فيما أثّر إغراؤه فيه بأن زاد في عدوه بسببه علي الأحوط (1) و كذا الحال لو أرسله

______________________________

المرسل: «و لأنّ الإرسال نوع من التذكية نصّا «1»».

و لكن لا يخفي عدم كون مجرد الإرسال و التسمية ذكاة بل لا بد من استتباعهما قتل الحيوان المصيد بأخذ الكلب إمساكه. و إنّ ذلك معلوم بمناسبة الحكم و الموضوع.

و أدلّ منها معتبرة موسي بن بكر حيث صرح فيها بأنّ الإرسال بمنزلة الذّبح.

رواها المشايخ الثلاثة باسنادهم عن موسي بن بكر عن زرارة عن أبي عبد اللّه (ع) قال: «إذا أرسل الرّجل كلبه و نسي أن يسمّي فهو بمنزلة من ذبح و نسي أن يسمّي و كذلك إذا رمي بالسّهم و نسي أن يسمّي «2»».

(1) هذا الاحتياط وجوبي لموافقته الفتوي بالحرمة في صورة الاسترسال مطلقا. و الوجه في ذلك عدم صدق الإرسال علي الإغراء فإنه عبارة عن تحريك الحيوان و تسريع عدوه بإشارة أو لفظ، و هو غير الإرسال. و أمّا القول بأنه من مراتب الإرسال فغير وجيه، لوضوح عدم كون الإرسال ذا مراتب فإنه إمّا أن يوجد أو لا يوجد. و إنّما يتصف بذلك العدو، فيقال: عدو سريع أو بطي ء

______________________________

(1) الجواهر/ ج 36- ص 26.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 225- ب 12- ح 2.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 30

لا للاصطياد (1) بل لأمر آخر من دفع

عدوّ أو طرد سبع أو غير ذلك فصادف غزالا فصاده. و المعتبر قصد الجنس لا الشخص (2). فلو أرسله إلي صيد غزال فصادف غزالا آخر فأخذه و قتله كفي في حلّه. و كذا لو أرسله إلي صيد فصاده مع غيره حلًّا معا.

______________________________

و لا يقال إرسال سريع أو بطي ء.

(1) اعتبار كون الإرسال للاصطياد و ان لم يصرّح به في نصوص المقام الّا أنّ اعتباره يستفاد منها بمناسبة الحكم و الموضوع كما يعتبر ذلك في الرمي أيضا فلو لم يقصد الرّامي الصيد برميه بان رمي سهما في الهواء أو فضاء الأرض لاختبار قوّته أو عبثا أو رمي الي هدف فاعترض صيدا فأصابه فقتله فلا يحلّ و ان سمي عند الرمي.

(2) لا اعتبار لقصد شخص الحيوان المصيد 2- و ذلك لإطلاق نصوص اعتبار الإرسال كقوله في معتبرة موسي بن بكر عن زرارة عن أبي عبد اللّه (ع): «إنّه قال في صيد الكلب إن أرسله الرّجل و سمي فليأكل ممّا أمسك عليه «1»». و قوله (ع) في حسنة سيف بن عميرة: «إذا أرسلت

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 210- ح 7.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 31

______________________________

الكلب المعلّم.. فهو ذكاته «1»». و ليس في النصوص ما يدلّ علي اعتبار قصد شخص الصيد المعيّن في الإرسال. هذا مضافا الي كفاية صحيح عبّاد بن صهيب.

رواه الكليني عن محمد بن يحيي عن أحمد بن محمّد عن ابن محبوب عن عبّاد بن صهيب قال: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن رجل سمي و رمي صيدا فأخطأه و أصاب آخر قال (ع): يأكل منه «2»».

هذه الرواية معتبرة لأن الأقوي وثاقة عبّاد بن صهيب و ذلك لشهادة النجاشي خصوصا و شهادة علي بن إبراهيم

في تفسيره عموما علي وثاقته. و أمّا صحيحة عبد اللّه بن سنان فلا تنفي وثاقته لانّ من دلّت علي كونه مرائيا هو عبّاد بن كثير بنقل الكليني.

فإنّه روي عن الحسين بن محمد عن معلّي بن محمد عن الوشّاء عن عبد اللّه بن سنان قال: سمعت أبا عبد اللّه (ع) يقول:

«بينا أنا في الطّواف و إذا برجل يجذب ثوبي و إذا هو عبّاد بن كثير البصري. فقال: يا جعفر بن محمّد تلبس مثل هذا الثّياب و أنت في هذا الموضع مع المكان الذي أنت فيه من عليّ (ع)؟ فقلت: ثوب فرقبي «3» اشتريته بدينار و كان عليّ

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 208- ح 4.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 239- ب 27- ح 1.

(3) الفرقبي ثوب مصري أبيض من كتان منسوب الي فرقوب و هو موضع قريب من مصر.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 32

الثاني: أن يكون المرسل مسلما (1) أو بحكمه

كالصبي الملحق به بشرط كونه مميزا فلو أرسله كافر- بجميع أنواعه- أو من كان بحكمه كالنواصب (لعنهم اللّه) لم يحلّ أكل ما قتله.

______________________________

(ع) في زمان يستقيم له ما لبس فيه و لو لبست مثل ذلك اللّباس في زماننا لقال النّاس: هذا مرائي مثّل عبّاد «1»».

مع انّ في أكثر نسخ الكشي- غير نسخة القهبائي- نقل هذه الرواية في حال عباد بن بكير. فالأقوي وثاقة عباد بن صهيب.

و أمّا دلالة فإنّها و ان وردت في الرمي و لكن لا فرق بينه و بين إرسال الكلب قطعا لعدم احتمال خصوصية فيه.

(1) الشرط الثاني: اعتبار إسلام المرسل 1- و ذلك أوّلا: لدلالة النصوص مثل معتبرة عبد الرحمن بن سيابة قال:

قلت لأبي عبد اللّه (ع): «إنّي أستعير كلب المجوسي فأصيد به قال: لا تأكل من

صيده إلّا أن يكون علّمه مسلم فتعلّم «2»».

هذه الرواية لا إشكال في سندها لأن الأقوي وثاقة عبد الرحمن بن

______________________________

(1) فروع الكافي/ ج 6- ص 443- باب اللباس- ح 9.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 227- ب 15- ح 2.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 33

______________________________

سيابة لما ورد في بعض النصوص من دفع أبي عبد اللّه (ع) اليه مالا ليقسّمه في عيالات من أصيب مع عمّه زيد (رض) و هذا يدلّ علي اعتماد الامام (ع) عليه. مضافا الي وقوعه في اسناد كامل الزيارات.

و ما رواه الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد اللّه (ع): قال: «كلب المجوسيّ لا تأكل صيده إلّا أن يأخذه المسلم فيعلّمه و يرسله «1»».

و ثانيا: لما قال في الجواهر: «من انّ الإرسال نوع من التذكية نصّا» و قد دلّ علي ذلك معتبرة موسي بن بكر عن زرارة عن أبي عبد اللّه (ع): «قال: إذا أرسل الرّجل كلبه و نسي أن يسمّي فهو بمنزلة من ذبح و نسي أن يسمّي «2»». و حينئذ فمقتضي ما دلّ علي اعتبار إسلام الذابح اشتراط إسلام المرسل أيضا في المقام. و اما اعتبار كون الصبي مميّزا لكونه بحكم المسلم في اعتبار قصده و فعله دون غير المميّز، نظرا إلي أنّه لا اعتبار بقصده و فعله.

و لكن الإنصاف انه لا دلالة لمعتبرة عبد الرّحمن علي اعتبار إسلام المرسل بل غاية مدلولها اعتبار كون معلّم الكلب مسلما. نعم لا إشكال في دلالة موثقة السكوني علي المطلوب.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 227- ب 15- ح 3.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 225- ب 12- ح 2.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص:

34

الثالث: أن يسمّي بأن يذكر اسم اللّه عند إرساله

فلو تركه عمدا لم يحلّ مقتوله (1).

______________________________

(1) دليل اعتبار التسمية في تذكية الصيد 1- دل عليه الكتاب و السنّة. اما الكتاب فقوله تعالي فَكُلُوا مِمّٰا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَ اذْكُرُوا اسْمَ اللّٰهِ عَلَيْهِ «1».

فإنّ الأمر بشي ء في المركب ظاهر في الإرشاد إلي الجزئية و الشرطية فيدل علي شرطية التسمية في حلّية الأكل.

و قوله تعالي وَ لٰا تَأْكُلُوا مِمّٰا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّٰهِ عَلَيْهِ وَ إِنَّهُ لَفِسْقٌ «2». و أمّا السّنّة: فلدلالة النصوص المعتبرة المستفيضة علي ذلك.

منها: صحيح عبد الرّحمن بن أبي عبد اللّه. قال: «سألت أبا عبد اللّه عن رجل أرسل كلبه فأخذ صيدا فأكل منه آكل من فضله؟ قال (ع): كل ما قتل الكلب إذا سمّيت عليه فإذا كنت ناسيا فكل منه أيضا و كل فضله «3»».

و منها صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه (ع) في حديث قال: «و أمّا ما قتله

______________________________

(1) المائدة/ 5.

(2) الأنعام/ 122.

(3) الوسائل/ ج 16- ص 210- ح 8.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 35

______________________________

الكلب و قد ذكرت اسم اللّه عليه فكل منه «1»».

و منها: صحيح مسعدة بن زياد عن جعفر بن محمد (ع) قال: «سئل عن صيد الكلاب و البزاة و الرّمي فقال: أمّا ما صاده الكلب المعلّم و قد ذكر اسم اللّه عليه فكله و إن كان قد قتله و أكل منه «2»».

و منها: صحيح الحلبي قال: قال أبو عبد اللّه (ع): «من أرسل كلبه و لم يسمّ فلا يأكله «3»».

و منها: صحيح قاسم بن سليمان عن أبي عبد اللّه (ع) في حديث قال:

«إذا صاد الكلب و قد سمّي فليؤكل و إذا صاد و لم يسمّ فلا يؤكل «4»».

بل يظهر من بعض النصوص أنّ ذكر اسم

اللّه علي الإرسال تذكية الحيوان المصيد مثل حسنة سيف بن عميرة عن أبي عبد اللّه (ع) قال: «إذا أرسلت الكلب المعلّم فاذكر اسم اللّه عليه فهو ذكاته «5»». و ان كان الأظهر كونه مع الإرسال تذكية، كما قلنا سابقا.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 210- ح 9.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 211- ح 11 و 15.

(3) الوسائل/ ج 16- ص 211- ح 11 و 15.

(4) الوسائل/ ج 16- ص 211- ح 15.

(5) الوسائل/ ج 16- ص 225- ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 36

و لا يضرّ نسيانا (1).

______________________________

(1) حكم نسيان التسمية عند الإرسال 1- و الدليل علي الحلية عند نسيان التسمية طائفتان من النصوص إحديهما: ما دلّت علي الحلّية في خصوص المقام و هي صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه عن أبي عبد اللّه (ع) في حديث قال: «كل ما أكله الكلب إذا سمّيت فإن كنت ناسيا فكل منه أيضا و كل من فضله «1»».

و معتبرة موسي بن بكر عن زرارة عن أبي عبد اللّه (ع): «قال إذا أرسل الرّجل كلبه و نسي أن يسمّي فهو بمنزلة من ذبح و نسي أن يسمّي «2»».

و ثانيتهما: ما دلّت من النصوص علي حلّية كلّ ذبيحة نسي الذابح التسمية عليها قبل الذّبح.

منها: صحيح ابن مسلم قال: سألت أبا جعفر (ع): «عن الرّجل يذبح و لا يسمّي. قال (ع): إن كان ناسيا فلا بأس إذا كان مسلما «3»».

و منها: صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه (ع) في حديث: «أنّه سأل عن

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 225- ب 12- ح 4.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 225- ح 2.

(3) الوسائل/ ج 16- ص 267- ح 2.

دليل تحرير الوسيلة

- الصيد و الذباحة، ص: 37

و الأحوط (1) ان تكون التسمية عند الإرسال فلا يكتفي بها قبل الإصابة

الرابع: ان يكون موت الحيوان مستندا إلي جرحه

______________________________

الرّجل يذبح فينسي أن يسمّي أتوكل ذبيحته؟ فقال (ع): نعم إذا كان لا يتّهم.. «1»».

و منها: صحيح آخر لمحمد بن مسلم في حديث: «أنّه سأل أبا عبد اللّه (ع) عن رجل ذبح و لم يسمّ. فقال (ع): إن كان ناسيا فليسمّ حين يذكر و يقول: بسم اللّه علي أوّله و علي آخره «2»».

فهذه النصوص بضميمة معتبرة موسي بن بكر تثبت حلّية أكل صيد الكلب إذا نسي التسمية عند الإرسال.

(1) هل يجوز الاكتفاء بالتسمية قبل الإصابة؟ 1- و فيه انه لا دليل في النصوص يدلّ علي اعتبار مقارنة التسمية للإرسال بل إطلاق الكتاب و السّنة ينفي اعتبار ذلك.

أمّا الكتاب فقوله فَكُلُوا مِمّٰا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَ اذْكُرُوا اسْمَ اللّٰهِ عَلَيْهِ.

و أمّا السنة: فإطلاق نصوص المقام مثل قوله (ع): «كل ما قتل الكلب إذا سمّيت عليه «3»». في صحيح عبد الرحمن. و قوله (ع): «و أمّا ما قتله الكلب و قد

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 267- ب 5- ح 3 و 4.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 267- ب 5- ح 3 و 4.

(3) الوسائل/ ج 16- ص 210- ح 8.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 38

______________________________

ذكرت اسم اللّه عليه فكل منه «1»» في صحيح الحلبي. و قوله (ع): «أمّا ما صاد الكلب المعلّم و قد ذكر اسم اللّه عليه فكله «2»». و ليست الواو فيها للجمع بل حالية داخلة علي الفعل الماضي و تفيد اتصاف ما صاده الكلب بذكر اسم اللّه عليه سابقا. و لا دلالة لها علي تعيين زمان ذكر اسم اللّه حتي تثبت اعتبار مقارنته لزمان

الصيد أو الإرسال. و كذا الكلام في صحيح الحلبي. نعم قوله (ع): «إذا أرسلت الكلب المعلّم فاذكر اسم اللّه عليه «3»» في حسنة سيف بن عميرة، ظاهر في اعتبار التسمية حين الإرسال أو بعده. و ذلك لصدق قوله (ع):

«إذا أرسلت..» علي أوّل زمان الإرسال إلي آخره. فهذه الحسنة تدلّ علي تعيين زمان التسمية بكونها في زمان الإرسال و تقيّد بذلك إطلاق النصوص المتقدمة. و بناء عليه يعتبر كون التسمية عند الإرسال.

ثم إنّ ظاهر الماتن «قده» اعتبار كون التسمية بعد الإرسال و حين إصابة الكلب بالصيد. و بناء علي ذلك تعتبر التسمية حينما أصاب الكلب بالصيد بأخذه أو إعيائه و الوقوف علي رأسه. و علي هذه الاحتمال لا بدّ من تبديل لفظ «الإرسال» في المتن بالإصابة. و إنّ إطلاق النصوص ينفي اعتبار ذلك كما ينفي اعتباره مقارنا للإرسال.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 210- ح 9.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 211- ح 11.

(3) الوسائل/ ج 16- ص 208- ح 4.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 39

و عقره (1) فلو كان بسبب آخر كصدمه أو خنقه أو إتعابه أو ذهاب مرارته من الخوف أو إلقائه من شاهق أو غير ذلك لم يحلّ.

______________________________

(1) دليل اعتبار الجرح و العقر في حلية صيد الكلب 1- لا دليل علي اعتبار جرح الكلب و عقره في حلّيته ما أمسكته و قتلته لتعلّق حلّيّة الأكل في الكتاب و السّنة بما أمسكه الكلب و ما قتلته و صادته.

بل في صحيح جميل: «قتله ذكاته». و اما كون الكلب حيوانا مفترسا عقورا في ذاتها لا دخل له في حلّيّة الأكل ما لم يؤخذ في لسان خطابات المقام مع انّ ظهور عنوان الإمساك و إطلاق سائر

العناوين المترتبة عليها جواز الأكل ينفي دخل هذه الخصوصية في موضوع الحكم.

فتحصّل ان المعتبر في حلية ما صاده الكلب أن تقتله بإمساكه و أخذه سواء جرحته أم لا. و أمّا الجوارح في الآية بمعني الكواسب- كما قلنا سابقا- لا ما من شأنه إيجاد الجرح.

نعم لو استند موت الحيوان إلي إتعابه أو صدمه أو ذهاب مرارته أو إلقائه من شاهق و غير ذلك- من غير أن يأخذه و يمسكه الكلب- لم يحلّ كما أفاد في المتن. و ذلك لدخوله في عموم قوله تعالي حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ الدَّمُ وَ لَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَ مٰا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّٰهِ بِهِ وَ الْمُنْخَنِقَةُ وَ الْمَوْقُوذَةُ وَ الْمُتَرَدِّيَةُ وَ النَّطِيحَةُ وَ مٰا أَكَلَ السَّبُعُ إِلّٰا مٰا ذَكَّيْتُمْ

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 40

الخامس: عدم ادراك صاحب الكلب الصيد حيّا مع تمكّنه من تذكيته،

بأن أدركه ميتا أو أدركه حيّا لكن لم يسع الزمان لذبحه.

و بالجملة إذا أرسل كلبه الي الصيد فإن لحق به بعد ما أخذه و عقره و صار غير ممتنع فوجده ميّتا كان ذكيّا و حلّ أكله (1). و كذا إن وجده حيّا

______________________________

«1». و إنّما خرج من عموم هذه الآية ما استند موته إلي أخذ الكلب و إمساكه و صيده بدلالة الآية و النصوص المتقدّمة. و لا يصدق شي ء من ذلك علي مجرّد إتعابه أو صدمه أو ذهاب مرارته أو إلقائه من شاهق.

(1) اعتبار عدم ادراك الحيوان حيّا قبل قتله 1- و الدليل علي هذا الحكم نصوص خاصّة معتبرة:

منها: صحيح الحذّاء عن أبي عبد اللّه (ع): «أنّه سأله عن الرّجل يسرّح كلبه المعلّم و يسمّي إذا سرّحه قال: يأكل ممّا أمسك عليه فإذا أدركه قبل قتله ذكّاه «2»».

و منها: صحيح محمد بن مسلم عنهما «عليهما السلام» أنّهما

قالا في الكلب يرسله الرجل و يسمّي، قالا: «إن أخذته فأدركت ذكاته فذكّه «3»».

______________________________

(1) المائدة/ 5.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 213- ب 4- ح 1.

(3) الوسائل/ ج 16- ص 214- ب 4- ح 2.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 41

و لم يتّسع الزمان لذبحه فتركه حتي مات (1). و أمّا إن اتّسع لذبحه لا يحلّ الّا بالذبح فلو تركه حتي مات كان ميتة و أدني ما يدرك ذكاته ان يجده تطرف عينيه أو تركض رجله أو يحرّك ذنبه أو يده فان وجده كذلك و اتسع الزمان لذبحه

______________________________

(1) لعدم صدق ادراك ذكاته حينئذ مضافا الي ما رواه الشيخ بإسناده عن الحسين بن سعيد عن القاسم بن محمد عن علي عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه (ع): «و إن أدركت صيده فكان في يدك حيّا فذكّه فإنّ عجّل عليك فمات قبل أن تذكّيه فكل «1»».

و عليه يحمل ما رواه العياشي في تفسيره عن جميل عن أبي عبد اللّه (ع): «أنّه سئل عن الصّيد يأخذه الرّجل و يتركه حتي يموت قال (ع): نعم، إنّ اللّه يقول: فَكُلُوا مِمّٰا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ «2»».

و أيضا يكون هذا ظاهر مفهوم قوله (ع): «إن أخذته فأدركت ذكاته فذكّه».

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 214- ب 4- ح 2 و 3 و 4.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 214- ب 4- ح 2 و 3 و 4.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 42

لم يحل أكله إلّا بالذّبح (1).

و كذلك الحال لو وجده بعد عقر الكلب عليه ممتنعا فجعل يعدو خلفه فوقف. فإن بقي من حياته زمانا يتّسع لذبحه لم يحلّ إلّا به. و ان لم يتّسع حلّ بدونه. و يلحق بعدم

اتساعه ما إذا وسع و لكن كان ترك التذكية لا بتقصير منه. كما إذا اشتغل بأخذ الآلة و سلّ السكين مع المسارعة العرفية و كون الآلات علي النحو المتعارف. فلو كان السكين في غمد ضيّق غير متعارف فلم يدرك الذكاة لأجل سلّه منه

______________________________

(1) حكم صورة اتساع الزمان لذبح الصيد 1- ان في هذه الصورة تارة: يكون للحيوان المصيد حياة مستقرّة و أخري: غير مستقرّة. فعلي الأوّل: لا كلام في عدم الحليّة إلّا بالذّبح. و أمّا علي الثاني: فقد يقال: إنّ مفهوم قوله (ع) في صحيح الحذّاء: «فإذا أدركه قبل قتله ذكّاه «1»». دلّ علي حلّيّة أكله لو أدركه بعد قتله بحيث يصدق عرفا انه قتل و إذا كان للحيوان حياة غير مستقرّة بعد الجرح و كان في شرف الموت يصدق عرفا انه قتل فلذا يحلّ أكله بدلالة مفهوم هذا الصحيح بلا اعتبار للذّبح.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 214- ح 2.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 43

______________________________

و لكن يمكن الجواب عنه أنّ ملاك وجوب الذبح قد ذكر في صحيح ابن مسلم إدراك الذكاة. و أيضا دلّت عدة من النصوص علي انّ ملاك ادراك ذكاة الحيوان ركض الرجل و طرف العين و تحرّك الذنب. و بناء علي ذلك و ان صدق عنوان القتل حينئذ الّا أنّ صدقه العرفي بالعناية المذكورة لا يمنع من إدراك الذكاة بدلالة هذه النصوص:

فمنها: صحيح عبد الرحمن عن أبي عبد اللّه (ع) قال: (ع) في كتاب عليّ (ع): «إذا طرفت العين أو ركضت الرّجل أو تحرّك الذّنب فكل منه «1»».

و منها: صحيح زرارة عن أبي جعفر (ع): «فإن أدركت شيئا منها و عين تطرف أو قائمة تركض أو ذنب يمصع فقد

أدركت ذكاته فكله «2»».

و منها: معتبرة عبد اللّه بن سليمان عن أبي عبد اللّه (ع) قال: «في كتاب عليّ (ع): إذا طرفت العين أو ركضت الرّجل أو تحرّك الذّنب فأدركته فذكّه «3»».

و منها: ما رواه الكليني عن عدة من أصحابنا عن سهل عن ابن أبي نجران عن مثنّي الحنّاط عن ابان بن تغلب عن أبي عبد اللّه (ع): قال: «إذا شككت في حياة شاة فرأيتها تطرف عينها أو تحرّك أذنيها أو تمصع بذنبها فاذبحها فإنّها لك حلال «4»».

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 263- ب 11- ح 6.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 262- ب 11- ح 1.

(3) الوسائل/ ج 16- ص 263- ب 11- ح 7 و 5.

(4) الوسائل/ ج 16- ص 263- ب 11- ح 7 و 5.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 44

______________________________

دلالة الأخيرتين واضحة للأمر بالتذكية و الذّبح بعد حركة أعضاء الحيوان. و ظاهره مشروعية الذبح حينئذ. و لكن ظاهر الأوليين أنّهما في مقام بيان اعتبار حركة الأعضاء بعد تحقّق الذبح في مشروعيته كما استفاده الفقهاء.

و ذلك بقرينة تفريع جواز الأكل علي حركة الأعضاء لا جواز التذكية أو الذبح كما في الأخيرتين. و علي ايّ حال لا إشكال في دلالتها علي المطلوب أعني به اعتبار أصل الحياة و إدراك الزكاة و لكن حركات العين و الرجل و الذنب لا موضوعية لها بل ذكرت بعنوان الأمارة علي بقاء حياة الحيوان.. و يشهد علي ذلك قوله (ع): «إن أدركت صيده فكان في يدك حيّا فذكّه «1»». في خبر أبي بصير.

حيث دلّ علي أنّ دوران وجوب الذبح و عدمه مدار حياة الحيوان. و عليه فكلّ حركة من الحيوان إذا كانت فيه أمارة علي حياة

الحيوان يكفي في وجوب الذبح و إدراك الذكاة. فلا خصوصية لهذه المذكورات في النصوص.

ثم ان من هذه النصوص خبر ليث المرادي عن الصادق (ع): قال: «آخر الذّكاة إذا كانت العين تطرف و الرّجل تركض و الذّنب يتحرّك». و يحتمل فيه الوجهان المذكوران من اعتبار حركة الأعضاء بعد الذبح في مشروعيته أو قبله في إدراك التذكية و لكنّه ضعيف لأنّ في طريقه مفضل بن صالح و هو أبو جميلة الكذّاب.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 214- ح 3.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 45

لم يحلّ. (1) و كذا لو كان لأجل لصوقه به بدم و نحوه. و من عدم التقصير ما إذا امتنع الصيد من التمكين بما فيه من بقية قوّة و نحو ذلك فمات قبل أن يمكنه الذّبح.

نعم لا يلحق به فقد الآلة علي الأحوط لو لم يكن أقوي فلو وجده حيّا و اتّسع الزمان لذبحه الّا انه لم يكن عنده السكّين فلم يذبحه لذلك حتي مات

______________________________

(1) عدم حلية الصيد إذا قصّر في إدراك ذكاته 1- لانّه قصّر في ذلك حيث كان يمكن له جعل السكين في غمد واسع من بدء الأمر و إنّ الزمان في نفسه كاف للتذكية لو لا الموانع الموجودة من قبل الصائد. فإنّ قوله (ع): «أدركت ذكاته» ظاهر في اتساع الزمان و كفايته للذبح في نفسه مع قطع النظر عن الموانع الموجودة من قبل الذابح. و كذا قوله (ع): «فإن عجّل عليك فمات قبل أن تذكّيه» ظاهر في ضيق الوقت للذبح في نفسه و عليه فنصوص المقام منصرفة عمّا إذا كان عدم الإدراك لأجل الموانع الموجودة من قبل الصائد أو المرتبطة به بنحو مع اتساع الزمان للذبح في نفسه.

دليل تحرير

الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 46

لم يحلّ أكله (1).

______________________________

(1) حكم الصيد إذا لم يوجد السكين لذبحه 1- لما مرّ من انّ المقصود من إدراك الذكاة المعتبر في وجوب الذبح هو اتساع الزمان في نفسه لذبح الحيوان المصيد مع قطع النظر عن الموانع العارضة من قبل الصائد. و عليه فنصوص المقام منصرفة عما إذا كان عدم التمكن من الذبح لأجل عروض الموانع من قبل الصائد كفقد آلة الذبح و غير ذلك مع اتساع الزمان في نفسه للذبح. فإنه في سعة من الوقت للذبح حينئذ فيصدق انه قد أدرك ذكاة الحيوان و لكن لم يتمكن من ذبحه لفقد ما يذكيه. و مقتضي القاعدة عدم حلّية أكل الصيد حينئذ لصدق ادراك ذكاته و عدم تحقق الذبح المأمور به. نعم لو ترك الحيوان حينئذ علي حاله و سرّحه عند ما فقد آلة التذكية حتي قتله الكلب يحلّ أكله و ذلك لا لأجل القاعدة فإن مقتضاها عدم الحلية في هذه الصورة أيضا. حيث انه قد أدرك الحيوان قبل قتله فهو مأمور بذبح الحيوان حينئذ لإطلاق قوله (ع): «فإذا أدركه قبل قتله ذكّاه» في صحيح الحذّاء و غيره من النصوص و انما خرجنا من إطلاق هذه النصوص بدلالة النصوص الخاصّة علي جواز ترك الحيوان حينئذ حتي يقتله الكلب و حلّية الأكل لو قتله الكلب في هذه الحالة.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 47

______________________________

فمن هذه النصوص صحيح جميل «قال: سألت أبا عبد اللّه (ع) عن الرّجل يرسل الكلب علي الصّيد فيأخذه و لا يكون معه سكّين فيذكّيه بها أ فيدعه حتي يقتله و يأكل منه؟ قال (ع): لا بأس قال اللّه عزّ و جلّ فَكُلُوا مِمّٰا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ «1»».

و

منها: صحيحه الآخر «قال: قلت لأبي عبد اللّه (ع): أرسل الكلب و أسمّي عليه فيصيد و ليس معي ما أذكيّه به. قال (ع): دعه حتي يقتله و كل منه «2»».

و منها: مرسل الفقيه «قال أبو عبد اللّه (ع): إن أرسلت كلبك علي صيد فأدركته و لم يكن معك حديدة تذبحه بها فدع الكلب يقتله ثمّ كل منه «3»».

ثم انه قد يستدل علي عدم حلية الحيوان حينئذ لو مات علي هذه الحالة بمفهوم قوله (ع): «دعه حتّي يقتله و كل منه». و لكن لا مفهوم لهذه الجملة و غاية مدلولها جواز ترك الكلب ليقتل الصيد و حلية الحيوان حينئذ. بل مقتضي تعليله (ع) بقوله تعالي فَكُلُوا مِمّٰا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ في صحيح جميل جواز أكل الحيوان المصيد لو وجده حيا بعد ما صار مجروحا بعضّ الكلب و عقره و تركه حتي زهق روحه بعد ساعات. و ذلك لاستناد قتله إلي إمساك الكلب و عقره و جرحه عرفا، فيشمله تعليل الامام (ع). نعم لو وجد الحيوان حيّا و لكن لم يكن فيه أثر من جرح الكلب و عقره بل انما صار غير ممتنع و في شرف الموت لصدمه أو ذهاب مرارته من الخوف أو سقوطه من مرتفع و تركه الصائد حتي مات علي حاله لم يحلّ أكله قطعا. لعدم استناد موته الي

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 218- ب 8- ح 1.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 218- ب 8- ح 2.

(3) الوسائل/ ج 16- ص 218- ب 8- ح 3.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 48

______________________________

إمساك الكلب و جرحه.

فالحاصل ان، في المقام ثلاث صور:

الاولي: ما إذا وجد الصائد الحيوان المصيد حين عدو الكلب عقيبه و اتباعه و

عضّه و لم يكن معه ما يذكّيه فلا إشكال حينئذ في جواز ترك الكلب ليقتل الحيوان و يحلّ أكله و هذه الصورة هي مورد النصوص و إنّه مفروض سؤال السائل كما عقد الباب في الوسائل بهذا العنوان.

الثانية: ما إذا وجد الحيوان حيّا بعد ما صار مجروحا بعضّ الكلب و عقره فسقط في جانب بحالة النزع و مات بعد ساعات. فالأقوي في هذه الصورة أيضا جواز تركه حتي يموت و حلّية أكله عند فقد آلة الذبح. و ذلك لدلالة عموم تعليل الامام (ع) بالآية الشريفة في صحيح جميل. حيث يستند زهوق روحه حينئذ إلي إمساك الكلب و جرحه عرفا و المفروض أنّه لم تكن معه آلة التذكية. اللّهم إلّا أن يقال: إنّ المستفاد من قوله (ع): «دعه حتي يقتله» اعتبار قتل الكلب بعد ادراك الحيوان حيّا لأن منشأ سؤال السائل انه مع فرض إدراكه الحيوان حيا فهل يحل الحيوان بقتل الكلب مع ذلك، أم لا؟

فأمره الإمام (ع) في هذه الصورة بترك الكلب حتي يقتل الحيوان. و هو و إن يشمل ما إذا لم يكن مع الصائد آلة التذكية من أوّل الأمر و لكن نظر السائل إلي صورة إدراكه الحيوان حيّا. و لذا يكون ظاهر قوله (ع): «دعه حتي يقتله» اعتبار قتل الحيوان بإمساك الكلب و جرحه الواقع بعد إدراك الذكاة فيدل

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 49

______________________________

علي عدم حلّيته لو مات بالجرح السابق عن الإدراك. مع انه لو لم يدل علي ذلك لكفي إطلاق النصوص النافية لتحقق التذكية بقتل الكلب عند ادراك الحيوان حيّا الشامل لهذه الصورة فلا يحلّ الأكل حينئذ.

الثالثة: ما لو وجده الصائد حيّا و لم يكن فيه اثر من جرح الكلب

و عقره بل سقط علي الأرض و صار في شرف الموت لصدمه أو ذهاب مرارته من الخوف أو سقوطه من مرتفع فتركه الصائد حتي مات علي حالته. فحينئذ لم يحلّ أكله قطعا و ذلك لصدق ادراك ذكاته و عدم استناد زهوق روحه إلي إمساك الكلب أو جرحه. فلا بد من ذبحه و الّا يحرم أكله بمقتضي النصوص المتقدّمة آنفا. بل و إن كان الصائد لم يدرك ذكاته فمع ذلك يحرم أكله لفرض عدم استناد زهوق روحه إلي إمساك الكلب و جرحه.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 50

مسألة 4: هل يجب علي من أرسل الكلب المسارعة و المبادرة إلي الصيد من حين الإرسال

أو من حين ما رآه قد أصاب الصيد و ان كان بعد امتناعه أو من حين ما أوقفه و صار غير ممتنع أو لا تجب أصلا؟

الظاهر وجوبها (1) من حين الإيقاف.

______________________________

(1) هل يجب المبادرة إلي الصيد بعد إرسال الكلب 1- لا دليل علي وجوب المسارعة إلّا إذا ظنّ أو اطمئنّ بإدراك ذكاة الحيوان بذلك عادة و كان معه ما يذكّي به و ذلك لصدق إدراكه حيّا حينئذ من جهة اتساع الزمان فيشمله عموم الأمر بالتذكية حينئذ. و انما كان ضيقه بإبطاء المشي و تأخيره الاختيار العمدي. و أمّا غير هذه الصورة فلا دليل علي وجوب المسارعة بل مقتضي إطلاق الكتاب و السّنة حلية الصيد عند عدم المسارعة و دعوي انسياق النصوص إلي صورة المسارعة العادية واضحة المنع كما قال في الجواهر «1» و لا تجب المسارعة بمجرّد احتمال إدراك الذكاة بتسريع المشي بل لا بدّ من إحراز إدراكها حتي يصدق أنه أدرك ذكاة الحيوان حين الإيقاف فإنّ من الواضح ان مطلق الإيقاف ليس إدراكا فاذا صدق الإدراك يجب المسارعة إلي الذبح لانّ الذبح واجب في فرض

صدق إدراك الذكاة فما دام لم

______________________________

(1) الجواهر/ ج 36- ص 69.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 51

فإذا أشعر به يجب عليه المسارعة العرفية حتي انه لو أدركه حيّا ذبحه. فلو لم يتسارع ثم وجده ميتا لم يحلّ و اما قبل ذلك فالظاهر عدم وجوبها. و ان كان الاحتياط لا ينبغي تركه هذا إذا احتمل ترتّب الأثر علي المسارعة و اللحوق بالصيد بأن احتمل أن يدركه حيّا و يقدر علي ذبحه من جهة اتّساع الزمان و وجود الآلة. و اما مع عدم احتماله (1) و لو من جهة عدم ما يذبح به فلا إشكال في عدم وجوبها (2). فلو خلّاه حينئذ علي حاله إلي أن قتله الكلب و أزهق روحه بعقره حلّ أكله. نعم لو توقف إحراز كون موته بسبب جرح الكلب لا بسبب آخر علي التسارع اليه و تعرّف حاله لزم لأجل ذلك (3).

______________________________

يصدق لا اعتبار للذبح في التذكية شرعا لوضوح استفادة ذلك من شرطية «إن أدركت ذكاته فذكّه».

(1) لا يكفي مجرد الاحتمال بل لا بدّ من الظن أو الاطمئنان بإدراكه حيّا عند المسارعة العرفية حتي يصدق ادراك ذكاته كما قلنا.

(2) لقوله (ع)- لمن لم يكن معه آلة التذكية-: «دعه حتي يقتله الكلب» فإنه شامل لما إذا لم يكن معه آلة التذكية حين الإيقاف و مقتضاه عدم وجوب المسارعة من حين الإيقاف و حلية أكل الصيد إذا قتله الكلب حينئذ.

(3) أي لأجل إحراز استناد موت الحيوان إلي إمساك الكلب و جرحه

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 52

مسألة 5: لا يعتبر في حلية الصيد وحدة المرسل و لا وحدة الكلب

فلو أرسل جماعة كلبا واحدا أو أرسل واحد أو جماعة كلابا متعددة فقتلت صيدا حلّ أكله (1). نعم يعتبر في المتعدد صائدا و آلة

أن يكون الجميع واجدا للأمور المعتبرة شرعا. فلو كان المرسل اثنين أحدهما كافر أو لم يسمّ أحدهما أو أرسل كلبان أحدهما معلّم و الآخر غير معلّم

______________________________

فهذا الوجوب شرطي بمعني اشتراط التسارع الي الصيد في إحراز تذكيته و عليه فلو لم يتسارع اليه فلم يحرز استناد موت الحيوان إلي إمساك الكلب و جرحه لم يحل لأصالة عدم التذكية عند الشك.

(1) حكم صورة تعدد المرسل أو الكلب 1- وجه الحلية: مضافا الي إطلاق نصوص المقام، دلالة النصوص الخاصّة: مثل صحيح الحذّاء عن أبي عبد اللّه (ع): «إن وجدت معه كلبا غير معلّم فلا تأكل منه «1»».

و خبر أبي بصير عن أبي عبد اللّه (ع) قال: «سألته عن قوم أرسلوا كلابهم و هي معلّمة كلّها و قد سمّوا عليها فلمّا أن مضت الكلاب دخل فيها كلب غريب لا

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 215- ب 5- ح 1 و 2.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 53

فقتلاه لم يحلّ (1).

______________________________

يعرفون له صاحبا فاشتركت جميعها في الصّيد فقال: لا يؤكل منه لأنّك لا تدري أخذه معلّم أم لا «1»».

فإنّهما قد دلّتا بمفهومهما علي حلّية أكل الصيد عند عدم مشاركة الكلب غير المعلّم مع تعدد المرسل و الكلاب.

(1) و ذلك لان مقتضي القاعدة حرمة أكل الصيد عند مشاركة الكافر في الإرسال أو الكلب غير المعلم في الصيد لاستناد الإرسال و الصيد الي الكافر و الكلب غير المعلم أيضا لا الي المسلم و الكلب المعلم وحده. هذا مضافا الي أنّ الأصل عدم التذكية و عدم الحلية ما لم يحرز تحقّق السبب المحلّل شرعا.

ثم انه إذا كان المرسل اثنين و كان أحدهما كافرا فتارة: يتحقق الإرسال بفعل مجموعهما بحيث يكون إغراء كلّ

واحد منهما جزء السبب و لولاه لم يسترسل الكلب. فحينئذ لا إشكال في عدم الحلية و لا تؤثر تسمية المسلم في الحلية قطعا. و ذلك لعدم استناد الإرسال إليه عرفا. حيث لا يصح ان يقال انّ المرسل أرسل الكلب و سمّي. و أخري: يتحقق الإرسال بفعل كل واحد منهما مستقلّا بأن كان إغراء كل واحد سببا تامّا لإرسال الكلب. فحينئذ إذا كان أحدهما كافرا أو لم يسمّ فهل يحلّ الصيد للمرسل الآخر الذي سمّي أم لا،

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 215- ب 5- ح 1 و 2.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 54

______________________________

وجهان:

أحدهما: الحليّة لتحقق شرط التذكية، و هو إسلام المرسل و التسمية، فيحلّ الصيد و الثاني: عدم الحلية لأنّ المعتبر تسمية المرسل و إسلامه لا مطلق التسمية و الإسلام. و في المقام يستند الإرسال إلي كليهما معا لا الي خصوص المسلم الذي سمّي. و مقتضي التحقيق هو الوجه الأوّل. و ذلك لانّ مفاد النصوص عدم إجزاء تسمية غير المرسل مثل صحيحة محمد بن مسلم قال:

«سألت أبا جعفر (ع) عن القوم يخرجون جماعتهم إلي الصّيد فيكون الكلب لرجل منهم و يرسل صاحب الكلب كلبه و يسمّي غيره أ يجزئ ذلك؟ قال: لا يسمّي إلّا صاحبه الذي أرسله «1»». و لا إشكال في المقام أنّ المسلم الذي سمّي قد أرسل الكلب. و يشمله أيضا عموم مفهوم قوله (ع) في صحيح الحلبي: «من أرسل الكلب و لم يسمّ فلا يأكل «2»». بل منطوق قوله (ع): «إذا صاد الكلب و قد سمّي فليأكل «3»». و المفروض في المقام أنّ المسلم أرسل الكلب و قد سمّي. و أمّا إغراء الكافر أو الذي لم يسمّ لا يمنع من

استناد الإرسال إلي المسلم الذي سمّي. مع فرض الاستقلال في سببية اغرائه للإرسال و يشهد علي استناد الإرسال إليه عدم صحة سلبه عنه عرفا.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 226- ب 13- ح 1.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 226- ب 12- ح 5.

(3) الوسائل/ ج 16- ص 225- ب 12- ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 55

______________________________

الصّيد بالآلة الجمادية

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 57

مسألة 6: لا يؤكل من الصيد المقتول بالآلة الجمادية إلّا ما قتله السيف أو السكين

أو الخنجر و نحوها من الأسلحة التي تقطع بحدّها أو الرّمح و السهم و النشاب. ممّا يشاك بحدّه حتّي العصا التي في طرفها حديدة محدّدة (1). من غير فرق بين ما كان فيه نصل كالسهم الذي يركب عليه الريش أو صنع قاطعاً أو شائكا بنفسه. بل لا يبعد عدم اعتبار كونه من الحديد. فيكفي بعد كونه سلاحا قاطعاً أو شائكا، كونه من أيّ فلزّ كان حتي الصفر و الذهب و الفضّة. و الأحوط اعتباره. و يعتبر كونه مستعملا سلاحا في العادة.

______________________________

(1) بيان ما يعتبر في حلّية المقتول بالآلة الجمادية 1- دلّ علي ذلك عدّة نصوص معتبرة.

منها: صحيح محمد بن قيس عن أبي جعفر (ع) قال: «من جرح صيدا بسلاح و ذكر اسم اللّه عليه ثمّ بقي ليلة أو ليلتين لم يأكل منه سبع و قد علم أنّ سلاحه هو الذي قتله فليأكل منه إن شاء «1»».

و منها: صحيح ابن مسلم عن أبي جعفر: «كل من الصّيد ما قتل السّيف و الرّمح و السّهم «2»».

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 228- ب 16- ح 1 و 2.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 228- ب 16- ح 1 و 2.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 58

______________________________

و منها: صحيح

الحلبي قال: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن الصّيد يضربه الرّجل بالسّيف أو يطعنه بالرّمح أو يرميه بسهم فيقتله و قد سمّي حين فعل فقال: كل لا بأس به «1»». و غيرها من النصوص.

و لكن يستفاد من صحيح محمد بن قيس انّ المعتبر في حلّية الصيد بالآلة الجمادية أمران: أحدهما: كونها سلاحا معدّا للصّيد و آلة لقتل الحيوان.

و الآخر: جرح الصيد باصابتها و هذان الملاكان يوجدان في كلّ سلاح يخرق و يقطع اللحم بحدّته. و من هنا يشكل الحكم بحلّية ما قتله العصا و ان جرح لعدم كونه سلاحا للصيد عادة. فكلّ مقتول لم يجرح بالسلاح لا يحلّ بمقتضي صحيح محمد بن قيس إلّا ما خرج بالدليل كالمعراض و سيأتي نصوصه. و أمّا العصا فيشكل الحكم بحلّية ما قتل بجرحها و ذلك لعدم كونها سلاحا و لا مصنوعة للصيد و لم يرد في نصوص المقام ما يدلّ علي حلّية أكل صيدها بالخصوص.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 228- ب 16- ح 3.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 59

علي الأحوط (1) فلا يشمل المخيط و الشوك و السفود و نحوها.

______________________________

(1) اعتبار كون آلة الصيد سلاحا 1- بل علي الأظهر لدلالة قول أبي جعفر (ع) في صحيح محمد بن قيس المتقدم سابقا. و أما الحكم بحلية صيد كلّ ما فيه نصل أو حديدة محدّدة و ان لم يكن سلاحا في العادة فمشكل جدّا. و اما قوله (ع): «إن علم أنّ رميته هي الّتي قتلته فليأكل «1»» في صحيح حريز، فناظر إلي اعتبار استناد القتل إلي السهم الذي رماه للاصطياد و لا نظر له إلي حلية صيد مطلق الآلة- سلاحا أم غيره. فالمعتبر في حلّية أكل ما

قتل بالآلة الجمادية استناد قتله الي جرح ما يعدّ سلاحا في العادة بلا فرق بين أنواع السلاح. و لا فرق في الجرح بين إيجاده بالقطع و خرق اللّحم و شقّه و بين حصوله بنفوذ الآلة و ثقبها اللّحم لسرعتها و حرقتها. لصدق الجرح بذلك عرفا في كلتا الصورتين بعد ما خرق اللّحم و شقّ بدن الحيوان و جري منه الدم. و من هنا لا إشكال في حلّية ما قتل بالتفنك و لا يعبأ بإشكال عدم كون بندق التفنك ذا حدّة حتي يخرق.

و ذلك لعدم اعتبار الخرق في حلية مقتول السلاح بل المعتبر جرحه و هو يحصل بكل من الخرق و الثقب. و ممّا يتفرّع علي ذلك عدم الفرق بين

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 230- ب 18- ح 2.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 60

و الظاهر انه لا يعتبر الخرق و الجرح (1) في الآلة المذكورة أعني ذات الحديد المحدّدة فلو رمي الصيد بسهم أو طعنة برمح فقتله بالرمح و الطعن من دون ان يكون فيه أثر السهم و الرمح حلّ أكله. و يلحق بالآلة الحديدية المعراض الذي هو- كما قيل- خشبة لا نصل فيها الّا انّها محدّدة الطرفين ثقيلة الوسط أو السّهم الحادّ الرأس الذي لا نصل فيه أو سهم بلا ريش غليظ الوسط يصيب بعرضه دون حدّه. و كيف كان إنّما يحل مقتول هذه الآلة لو قتلت الصيد.

______________________________

أنواع السلاح من الحديد و الذهب و الفضّة و النحاس و سائر أنحاء الفلزّات بل و غير الفلز من الخشب و الحجر و غير ذلك مما كان سلاحا في العادة.

(1) هل يعتبر الخرق و الجرح في حلية الصيد بالآلة الجمادية؟ 1- اما اعتبار الخرق في

حلية صيد أيّ نوع من أنواع السلاح بلا اعتبار كون الآلة ذات حديدة محدّدة كما قلنا، فلدلالة قوله: «من جرح صيدا بسلاح» في صحيح محمد بن قيس «1» علي كفاية مطلق الجرح في حلية المقتول بالسلاح. و انّ الجرح يحصل عادة بسبب ضربة السيف أو طعن الرمح أو رمي السهم كما في صحيح الحلبي: «قال: سألت أبا عبد اللّه (ع) عن الصّيد يضربه

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 228- ب 16- ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 61

______________________________

الرّجل بالسّيف أو يطعنه بالرّمح أو يرميه بسهم فيقتله و قد سمّي حين فعل. فقال (ع): كل لا بأس به «1»».

و من هنا لا إطلاق لهذا الصحيح حتي يشمل المقتول بغير الجرح لظهوره في القتل بالجرح حسب حصوله عادة من إصابة السيف و الرمح و السهم، و أما الإشكال بأنّ خصوصية الطعن و الضرب بالسيف إنّما هي في كلام السائل لا في كلام الامام (ع)، فمدفوع بأنه لا عموم في كلام الامام (ع) حتي ينفي الخصوصية المذكورة في كلام السائل بل إنّما أجاب- عليه السلام- في فرض كلام السائل.

ثمّ انّ في خصوص المعراض دلّ بعض النصوص علي اعتبار الخرق و لا يبعد القول بكفاية الخرق في الحلية في مطلق غير السلاح بإلغاء الخصوصية عن المعراض و إعطائها للخرق في منطوق شرطية «إذا رميت بالمعراض فخرق فكل». نعم لو كان المعراض مصنوعا للصيد يدخل في عنوان السلاح و لا يعتبر الخرق في حلية مقتوله ذا كئذ كما دلّ عليه صحيح زرارة: «أنّه سمع أبا جعفر (ع) يقول: فيما قتل المعراض لا بأس به إذا كان إنّما يصنع لذلك «2»».

و معتبرة إسماعيل الجعفي عن أبي جعفر (ع) قال:

«لا بأس إذا كان هو مرماتك أو صنعته لذلك «3»».

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 228- ب 16- ح 3.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 234- ب 22- ح 6.

(3) الوسائل/ ج 16- ص 234- ب 22- ح 6.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 62

______________________________

و يؤيّده مرسل الفقيه قال: «و كان أمير المؤمنين (ع) يقول: إذا كان ذلك سلاحه الذي يرمي به فلا بأس «1»». و قوله (ع): «إن لم يكن له نبل غيره «2»». في صحيح الحلبي لا يخلو من إشارة الي ذلك حيث ان المعراض لا يتخذ آلة مع وجود النبل.

و اما الجرح فقد يستدلّ علي عدم اعتباره في مطلق السلاح أوّلا: بإطلاق مثل قوله (ع): «كل من الصّيد ما قتل السّيف و الرّمح و السّهم «3»». و غيره من النصوص «4». و فيه انه ظاهر في كون قتل الحيوان بسبب الجرح حسب ما يتّفق عادة بإصابة مثل هذه الأسلحة المحدّدة.

و ثانيا: بصحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه (ع) قال: «سألته عن الصّيد يرميه الرّجل بسهم فيصيبه معترضا فيقتله و قد كان سمّي حين رمي و لم تصبه الحديدة قال (ع): إن كان السّهم الذي أصابه هو الذي قتله فإذا رآه فيأكله «5»». فإنّه ظاهر- بعد إلغاء الخصوصية عن السهم- في عدم اعتبار الجرح في حلية المقتول بإصابة السلاح.

و فيه: انه لم يفرض في كلام السائل و لا في كلام الامام (ع) عدم الجرح

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 234- ب 22- ح 7.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 234- ح 3.

(3) الوسائل/ ج 16- ص 228- ب 16- ح 2 و..

(4) الوسائل/ ج 16- ص 228- ب 16- ح 2 و..

(5) الوسائل/ ج 16-

ص 233- ب 22- ح 2.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 63

بخرقها (1) إيّاه و شوكها فيه و لو يسيرا فلو قتله بثقلها من دون خرق لم يحلّ.

______________________________

و انّما المفروض اصابة السهم معترضا و هو لا ينافي حصول الجرح بذلك و لعلّه كان في ذهن السائل اعتبار الجرح بإصابة الطرف المحدّدة من السهم فنفاه الامام (ع) بهذا الجواب. مع انّ صحيح محمد بن قيس يكفي في الدلالة علي اعتبار ذلك. فالأقوي اعتبار الجرح في حلية مقتول مطلق السلاح.

(1) اعتبار الخرق في حلّية مقتول المعراض 1- لدلالة صحيح الحذّاء عن أبي عبد اللّه (ع) قال: «إذا رميت بالمعراض فخرق فكل و إن لم يخرق و اعترض فلا تأكل «1»». و قد قلنا إنّ هذا التفصيل ثابت فيما إذا لم يصنع المعراض لذلك و لم يعدّ سلاحا للصيد عرفا و الّا فلا إشكال في حلّية مقتوله و ان لم يخرق لكفاية صحيح محمد بن قيس في إثبات حليّته بمجرد الجرح و لو بغير خرق من ثقب و نفوذ و يحمل الخرق في الصحيح المذكور علي مطلق الجرح فيما إذا كان المعراض مصنوعا للصّيد و سلاحا في العادة عملا بما سبق من النصوص الدالّة علي حلية مقتول المعراض إذا كان سلاحا مصنوعا للصيد و هذا القول هو مقتضي الصناعة و عليه فلا يستفاد من

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 233- ب 22- ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 64

و الأحوط عدم التجاوز (1) عن المعراض الي غيره من المحدّدة غير الحديد.

مسألة 7 [حكم المقتول بالآلة الجمادية]

كلّ آلة جمادية لم تكن ذات حديدة محدّدة و لا محدّدة غير حديدية قتلت بخرقها من المثقلات كالحجارة و المقمعة و العمود و

البندقة

______________________________

نصوص المعراض أزيد من حلية كلّ حيوان مقتول بجرح السلاح فلا خصوصية للمعراض.

و الحاصل: إنّ مقتضي العمل بصحيح الحذّاء و سائر النصوص الواردة في المعراض، اعتبار أمرين في حلية ما قتل بالمعراض. أحدهما: الجرح و الآخر: كونه سلاحا مصنوعا للصيد في العادة و لا يختصّ اعتبارهما بالمعراض بل يعتبر في أيّ سلاح آخر.

(1) بعد نفي الخصوصية عن المعراض لا وجه للاحتياط بعدم التجاوز عن المعراض.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 65

لا يحلّ (1) مقتولها كالمقتول بالحبائل و الشبكة و الشرك و نحوها. نعم لا بأس بالاصطياد بها و كذا بالحيوان غير الكلب كالفهد و النمر و البازي و غيرها بمعني جعل الحيوان الممتنع غير ممتنع بها و لكنّه لا يحلّ ما يصطاد بها إلّا إذا أدركه و ذكّاه.

______________________________

(1) حكم المقتول بالآلة الجمادية غير ذات الحديدة و بالحبائل و الشباك 1- إنّ الآلة الجمادية غير ذات الحديدة إنّما لا يحلّ مقتولها إذا لم تكن سلاحا مصنوعا للصيد و الّا فيحلّ مقتولها بمجرّد الجرح كما قلنا. و ما ورد في النصوص من حرمة ما قتل بالحجر و البندقة يحمل علي غير السلاح فمن تلك النصوص:

صحيح سليمان بن خالد «قال سألت أبا عبد اللّه (ع) عمّا قتل الحجر و البندق أ يؤكل؟ قال (ع): لا «1»».

و منها: صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه (ع): «إنّه سئل عن قتل الحجر و البندق أ يؤكل منه؟ فقال (ع): لا «2»». و مثله صحيح حريز «3» و عبد اللّه بن

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 235- ب 23- ح 1 و 3.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 235- ب 23- ح 1 و 3.

(3) الوسائل/ ج 16- ص 236- ب 23-

ح 4.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 66

مسألة 8: لا يبعد حلّية ما قتل بالآلة المعروفة المسمّاة بالبندقيّة

مع اجتماع الشرائط بشرط أن تكون البندقة محدّدة نافذة بحدّته علي الأحوط. فيجتنب ممّا قتل بالبندق الذي ليس كذلك و ان جرح و خرق

______________________________

سنان «1» و محمد بن مسلم. «2»

و منها: معتبرة الحسين بن علوان عن جعفر (ع) عن أبيه (ع): «إنّ عليّا (ع) كان يقول: لا تأكل ما قتل الحجر و البندق و المعراض إلّا ما ذكّيت «3»». و أمّا المقتول بالحبائل و الشباك فقد دلّ عدّة من النصوص المعتبرة علي حرمته.

منها: صحيح محمد بن قيس عن أبي جعفر (ع) قال: «قال أمير المؤمنين (ع): ما أخذت الحبالة من صيد فقطعت منه يدا أو رجلا فذروه فإنّه ميّت «4»».

و منها: صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه عن أبي عبد اللّه (ع) قال: «ما أخذته الحبالة فقطعت منه شيئا فهو ميّت «5»».

و منها: صحيح زرارة عن أبي جعفر قال: «ما أخذته الحبائل فقطعت منه شيئا فهو ميّت «6»».

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 236- ب 23- ح 5.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 236- ب 23- ح 6.

(3) الوسائل/ ج 16- ص 236- ب 23- ح 8.

(4) الوسائل/ ج 16- ص 236- ب 24- ح 1.

(5) الوسائل/ ج 16- ص 236- ب 24- ح 2.

(6) الوسائل/ ج 16- ص 236- ب 24- ح 4.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 67

بقوّته (1). و البندقة التي قلنا في المسألة السابقة بحرمة مقتولها غير هذه النافذة الخارقة بحدّتها.

______________________________

(1) حكم ما قتل بالبندق 1- تبين مما قلنا كفاية جرح السلاح في حلية الصيد. و اما حرمة ما قتل بالبندق الذي جرح و خرق بقوته لا بحدّته فلعلّ وجهه

ظهور قوله (ع): «من جرح صيدا بسلاح» في اعتبار استناد الجرح الي حدّة السلاح بأن يقال: انه سلاح قاطع. و لكنه غير وجيه لشموله كلّ ما جرح بأيّ سلاح- سواء كان الجرح بالخرق و القطع أو بالثقب و النفوذ و من هنا لم يفرّق المشهور بين القاطع و الشائك مع أنّ شأن الشائك النفوذ و الثقب و لم تكن البندقة الموجودة في سالف الزمان من قبيل الموجود منها الآن المسمّي بالتفنك. و الحاصل انه لا مانع من الأخذ بإطلاق قوله (ع): «من جرح صيدا بسلاح» و الحكم بحلّية ما قتل بالتفنك.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 68

مسألة 9: لا يعتبر في حلية الصيد بالآلة الجمادية وحدة الصائد و لا وحدة الآلة (1)

فلو رمي شخص بالسهم و طعن آخر بالرمح و سمّيا معا

______________________________

(1) عدم اعتبار وحدة الصائد و الآلة 1- لإطلاق نصوص المقام مثل قوله (ع): «كل من الصّيد ما قتل السّيف و الرّمح و السّهم». و قوله (ع): «من جرح صيدا بسلاح و ذكر اسم اللّه عليه و قد علم أنّ سلاحه هو الذي قتله فليأكل منه إن شاء «1»». فالحكم بحلية الصيد عند تعدد الصائد و آلة الصيد مقتضي القاعدة لإطلاق هذه النصوص.

هذا مضافا إلي صحيح علي بن جعفر عن أخيه (ع) قال: «سألته عن الضّبي أو حمار وحش أو طير رماه رجل ثمّ رماه غيره فقال: كله ما لم يتغيّب إذا سمي و رماه «2»».

و أما قوله (ع): «و قد علم أنّ سلاحه هو الذي قتله» في صحيح محمد بن قيس و قوله (ع): «إن كان يعلم أنّ رميته هي الّتي قتلته» في النصوص الصحاح «3» فهي بصدد بيان عدم حلّية الصيد إذا احتمل قتله بغير آلة الصيد و انه لا بد من إحراز استناد

زهوق روحه إلي إصابة آلة الصيد. و هذا مقتضي القاعدة لأن

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 228- ب 16- ح 1.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 231- ح 7.

(3) الوسائل/ ج 16- ص 230- ب 18.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 69

______________________________

الأصل عدم التذكية ما لم يعلم السبب المحلّل شرعا. و هذا لا ينافي تعدّد الصائد أو آلة الصيد بل يكون إحراز الاستناد المذكور أسهل حينئذ. ثم إنّه يمكن استفادة حلية الصيد عند تعدّد الصائد و الآلة من مفهوم صحيح الحذّاء و خبر أبي بصير المتقدّمين في مسألة عدم اعتبار وحدة المرسل و الكلب.

و ممّا يدل علي ذلك بالخصوص ما دلّ من النصوص علي جواز قتل الذبيحة بالسلاح إذا استصعبت و امتنعت.

مثل: صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه (ع): «في ثور تعاصي فابتدره قوم بأسيافهم و سمّوا فأتوا عليّا (ع) فقال: هذه ذكاة وحيّة و لحمه حلال «1»». و مثله صحيح عيص بن القاسم «2» و غيرهما من النصوص.

و الوحيّة: من الوحا، أي السرعة. و المعني السريعة التي استوحشت و فرّت من القوم. و لا يخفي دلالتها لفرض تعدّد القاتل و الآلة في ابتدار القوم بأسيافهم. و لكن الاستدلال بها للمقام فرع تعميمها عن مورد الثور و الإبل المستعصيين إلي كل حيوان ممتنع. و لكنّه لا يخلو من اشكال. و ما «3» دلّ علي التعميم ضعيف سندا لوقوع أبي البختري في طريقه.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 260- ب 10- ح 1.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 260- ب 10- ح 2.

(3) و هو ما رواه في قرب الاسناد عن السندي بن محمد عن أبي البختري عن جعفر عن أبيه انّ عليا (ع) قال: «إذا استصعبت عليكم

الذّبيحة فعرقبوها و إن لم تقدروا علي أن تعرقبوها فإنّه يحلّها ما يحلّ الوحش». الوسائل/ ج 16- ص 262- ح 9.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 70

فقتلا صيدا حلّ إذا اجتمع الشرائط فيها بل إذا أرسل أحد كلبه الي صيد و رماه آخر بسهم فقتل بهما حلّ.

مسألة 10: يشترط في الصيد بالآلة الجمادية جميع ما اشترط في الصيد بالآلة الحيوانية

فيشترط كون الصائد مسلما (1). و التسمية عند استعمال الآلة (2).

______________________________

(1) سبق انّ ذلك مقتضي ما دلّ علي كون الصيد تذكية و انه في حكم الذبح فيشترط إسلام الصائد كاعتبار إسلام الذابح مضافا الي قول أبي عبد اللّه (ع) في موثقة السكوني: «كلب المجوسيّ لا تأكل صيده إلّا أن يأخذه المسلم فيعلّمه و يرسله «1»». و لكن دلّ ذيلها علي حلية صيد كلاب أهل الذمة. فبعد إلغاء الخصوصية عن الكلب و التعميم الي المصيد بالآلة الجمادية تدل علي حلية ما صاده أهل الذمة بالآلة الجمادية.

(2) هل تعتبر التسمية حين استعمال الآلة؟ 2- لا إشكال في أصل اعتبار التسمية كتابا و سنّة و إجماعا و امّا اعتبارها حين استعمال الآلة- بحث لا تنفع بعد الإصابة- فتدلّ عليه عدّة نصوص معتبرة.

منها: صحيح الحلبي قال: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن صيد المعراض، قال: إن لم

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 227- ب 15- ح 3.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 71

______________________________

يكن له نبل غيره و كان قد سمّي حين رمي فليأكل منه «1»».

و منها: صحيح علي بن جعفر عن أخيه (ع) قال: «سألته عن ظبي أو حمار وحش أو طير رماه رجل ثمّ رماه غيره بعد ما صرعه غيره فقال: كله ما لم يتغيّب إذا سمّي و رماه «2»».

فان تقديم التسمية علي الرّمي ظاهر في اعتبار كون

التسمية قبل الرّمي أو حينه و ينفي بمفهوم الشرط اعتبار التسمية بعد الرمي و منها: صحيح آخر للحلبي قال: «سألت أبا عبد اللّه (ع): عن الصّيد يضربه الرّجل بالسّيف أو يطعنه بالرّمح أو يرميه بسهم فيقتله و قد سمّي حين فعل. فقال (ع): كل لا بأس به «3»». فان قوله:

«قد سمّي حين فعل» و ان كان من كلام السائل الّا ان جواب الامام (ع) ظاهر في تقدير اعتباره لكونه في فرض كلام السائل.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 234- ح 3.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 231- ب 18- ح 7.

(3) الوسائل/ ج 16- ص 228- ب 16- ح 3.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 72

و أن يكون استعمالها للاصطياد (1). فلو رمي إلي هدف أو إلي عدوّ أو إلي خنزير فأصاب غزالا فقتله لم يحلّ، و ان سمّي عند الرمي لغرض من الأغراض. و كذا لو أفلت من يده فأصابه فقتله. و أن لا يدركه حيّا زمانا اتّسع للذّبح.

______________________________

(1) اعتبار كون استعمال الآلة للاصطياد 1- و الوجه فيه- مضافا الي اتفاق الفقهاء- سياق نصوص مشروعية الصيد بأنواع السلاح مثل قوله (ع): «من جرح صيدا بسلاح «1»» في صحيح محمد بن قيس. و قوله (ع): «كل من الصّيد ما قتل السّيف و الرّمح و السّهم «2»» في صحيح ابن مسلم و غيرهما.

فان في جعل الصيد- المجروح بالسلاح أو المقتول بالسيف و نحوه- موضوعا للحلية دلالة علي اعتبار ارادة الصيد من استعمال الآلة في الحلية. و ذلك لأن من رمي إلي هدف أو عدوّ فأصاب غزالا، لا يقال انه صاد الغزال و لا يطلق عنوان الصيد علي ذلك الغزال المقتول حينئذ. و بهذا البيان تبيّن حكم

ما إذا أفل السهم من يده فأصاب حيوانا فقتله حيث لم يكن بصدد الاصطياد حتي يطلق عنوان الصيد علي المقتول.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 228- ب 16- ح 1.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 228- ب 16- ح 2.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 73

فلو أدركه كذلك لم يحلّ الّا بالذّبح (1).

و الكلام في وجوب المسارعة و عدمه كما مرّ و أن يستقلّ الآلة المحلّلة في قتل الصيد فلو شاركها فيه غيرها لم يحلّ (2).

______________________________

(1) عمدة الوجه فيها النصوص. عدّة منها: وردت في صيد الكلب، و ذكرناها هناك. و طائفة منها: وردت في المقام- أعني به الصيد بالآلة الجمادية- فدلّت بسياقها علي اعتبار استناد قتل الحيوان إلي آلة الصيد. و من الواضح ان الحيوان الذي أدركه الصائد بعد الجرح لم يقتل بالسلاح، بل إنّما جرح به فقط فلا سبب محلّل له شرعا فلا بدّ من ذبحه.

(2) اعتبار استقلال الآلة المحلّلة في قتل الصيد 2- قد دلّت علي ذلك عدّة نصوص معتبرة.

منها: صحيح سليمان بن خالد عن أبي عبد اللّه (ع) قال: «إن كان يعلم أنّ رميته هي الّتي قتلته فليأكل «1»». و مثله صحيح حريز «2».

و منها: موثقة سماعة عن أبي عبد اللّه (ع) قال: «إن علم أنّه أصابه و أنّ سهمه هو الذي قتله فليأكل منه و إلّا فلا يأكل منه «3»».

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 230- ح 1.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 230- ح 2.

(3) الوسائل/ ج 16- ص 231- ح 3.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 74

فلو سقط بعد إصابة السّهم من الجبل أو وقع في الماء و استند موته إليهما بل و إن لم يعلم استقلال السهم في

إماتته لم يحلّ (1) و كذا لو رماه شخصان فقتلاه و فقدت الشرائط في أحدهما.

______________________________

و منها: معتبرة زرارة عن أبي عبد اللّه (ع) قال: «إذا رميت فوجدته و ليس به أثر غير السّهم و تري أنّه لم يقتله غير سهمك فكل «1»».

و منها: صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه (ع) قال: «إن كان السّهم الذي أصابه هو الذي قتله فإذا رآه فيأكل «2»».

و أما وجه الدلالة فواضح. حيث دلّت بالصراحة علي اعتبار استناد قتل الحيوان إلي إصابة خصوص الآلة المرميّة. فإنّ شرطية: «إن علم أنّ رميته هي الّتي قتلته فليأكل» و غيرها الموجود في سائر النصوص المذكورة قد دلّت بمفهومها علي حرمة الأكل ما لم يحرز استناد قتل الحيوان إلي إصابة الآلة المرميّة و تدل بالفحوي علي الحرمة عند مشاركة غير الآلة في القتل.

(1) دلت علي ذلك- مضافا الي النصوص العامة المتقدمة- نصوص خاصّة في المقام.

منها: صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه (ع): «إن وقع في الماء من رميتك

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 231- ح

(2) الوسائل/ ج 16- ص 23- ب 2- ح 2.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 75

______________________________

فمات فلا تأكل منه «1»». و مثله صحيحه الآخر و موثقة سماعة «2». و منها: مرسل الفقيه: «إن رميت الصّيد و هو علي جبل فسقط و مات فلا تأكله فإن رميت فأصابه سهمك و وقع في الماء فمات فكله إذا كان رأسه خارجا من الماء «3»». و منها:

موثقة سماعة عن أبي عبد اللّه (ع) قال: «فإن وقع في ماء أو تدهده «4» من جبل فمات فلا تأكله «5»».

و منها: صحيح حمران عن أبي عبد اللّه (ع) قال: «فإن تردّي في جبّ أو وهدة من

الأرض فلا تأكله و لا تطعمه، فإنّك لا تدري التّردّي قتله أو الذّبح؟ «6»».

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 238- ب 26- ح 1.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 238- ب 26- ح 2.

(3) الوسائل/ ج 16- ص 238- ب 26- ح 3.

(4) علي وزن تدحرج و أصله دهده رباعي، بمعني قذف الشي ء و سقوطه من أعلي إلي أسفل. راجع لسان العرب.

(5) الوسائل/ ج 16- ص 232- ب 20- ح 1.

(6) الوسائل/ ج 16- ص 255- ب 3- ح 2.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 76

مسألة 11: لا يشترط في إباحة الصيد إباحة الآلة

فيحلّ (1) الصيد بالكلب أو السهم المغصوبين، و إن فعل حراما. و عليه الأجرة. و يملكه الصائد دون صاحب الآلة.

______________________________

(1) عدم اعتبار اباحة الآلة في حلّية الصيد 1- و ذلك لإطلاق أدلّة مشروعية الصيد و لم يدلّ دليل علي تقييده بصورة إباحة آلة الصيد و انّ الصائد يملك ما صاده لان الصيد كالحيازة من المملّكات و ان نصوص مملّكيته مطلقة مثل قوله (ع) في معتبرة السكوني:

«للعين ما رأت و لليد ما أخذت «1»». و في صحيح محمد بن أبي نصر البزنطي «قال: فقلت: فإن صاد ما هو مالك لجناحيه لا يعرف له طالبا؟ قال (ع): هو له «2»». و قوله (ع): «إذا ملك الطّائر جناحيه فهو لمن أخذه «3»».

و غير ذلك من النصوص الدالة علي كون الصيد من أسباب الملك كالحيازة فإنّها مطلقة شاملة لما إذا لم تكن آلة الصيد مباحة. نعم علي الصائد أجرة مثلها للمالك كسائر الأعيان المغصوبة المتصرف فيها بغير اذن صاحبها.

و كذا نصوص حلّية الصيد- بالآلة الحيوانية و الجمادية- مطلقة مثل

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 246- ح 1.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 244- ح 1

و ص 245- ح 1.

(3) الوسائل/ ج 16- ص 244- ح 1 و ص 245- ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 77

مسألة 12: الحيوان الذي يحلّ مقتوله بالكلب و الآلة مع اجتماع الشرائط كلّ حيوان ممتنع (1) مستوحش من طير أو غيره.

سواء كان كذلك بالأصل كالحمام و الظبي و البقر الوحشي أو كان إنسيا فتوحّش أو استعصي كالبقر المستعصي

______________________________

قوله تعالي فَكُلُوا مِمّٰا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ. و قوله (ع): «كل من الصّيد ما قتل السّيف و الرّمح و السّهم «1»». و لم يرد دليل يقيّد إطلاقها بصورة إباحة الآلة. و لا منافاة بين حرمة التصرف في الآلة و حلية مقتولها بعد ما دلّ الدليل علي إناطة حلّية الصيد بقتل الآلة.

(1) اعتبار امتناع الحيوان في حلّية مقتوله بالاصطياد 1- و الدليل علي اعتبار امتناع الحيوان و استيحاشه في حلّية أكله بالصيد سياق نصوص مشروعية الصيد. مثل ما دلّ «2» علي ملكية ما يملك جناحيه من الطيور لصائده و آخذه و ما دلّ علي حلّية أكل الحمار أو الظبي إذا لحقهما الرجل و قطعهما نصفين بضربة السيف. فإنّ لحوق الرجل و عدوه عقيب الحيوان إشارة إلي فرار الحيوان و توحّشه من الإنسان كما ان ملك الجناحين

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 228- ب 16- ح 2.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 245- ب 37.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 78

و البعير كذلك (1). و كذلك الصائل من البهائم كالجاموس الصائل و نحوه. و بالجملة كلّ ما لا يجي ء تحت اليد و لا يقدر عليه غالبا الّا بالعلاج فلا تقع التذكية الصيدية علي الحيوان الأهلي المستأنس

______________________________

في الطيور إشارة الي ذلك. بل الاصطياد بالكلب أساسا يناسب صيد الحيوانات الوحشية لا الأهلية التي تصل إليها أيدي الناس بسهولة و هذا واضح. و عليه فاعتبار امتناع الحيوان و توحّشه

معلوم من سياق هذه النصوص باقتضاء تناسب الحكم و الموضوع.

(1) حلّية مقتول الحيوان المستعصي بغير الذبح 1- و الدليل علي حلّية مقتول كل حيوان مستعص حتّي الأهلية بغير الذبح عدّة نصوص فيها الصحيح و المعتبر و هي علي طائفتين.

الأولي: نصوص خاصة واردة في الإبل و البقر حيث دلّت علي أنّهما إذ استعصيا و امتنعا من الذبح أو سقطا في بئر و نحوها جاز قتلهما بالسلاح و حلّ أكلهما بشروط التسمية و عدم إدراك الذكاة كما في الصيد.

فمن هذه النصوص:

صحيح الحلبي قال: قال أبو عبد اللّه (ع): «في ثور تعاصي فابتدره قوم

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 79

______________________________

بأسيافهم و سمّوا فأتوا عليّا (ع) فقال: هذه ذكاة وحيّة و لحمه حلال «1»».

و صحيح عيص بن القاسم عن أبي عبد اللّه (ع) قال: «إنّ ثورا بالكوفة ثار فبادر النّاس إليه بأسيافهم فضربوه فأتوا أمير المؤمنين (ع) فأخبروه فقال: ذكاة وحيّة و لحمه حلال «2»».

و صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه عن أبي عبد اللّه (ع): «إنّ قوما أتوا النّبيّ (ص) فقالوا: إنّ بقرة لنا غلبتنا و استصعبت علينا فضربناها بالسّيف. فأمرهم بأكلها «3»».

و معتبرة إسماعيل الجعفي. قال: قلت لأبي عبد اللّه (ع): «بعير تردّي في بئر كيف ينحر؟ قال: يدخل الحربة فيطعنه بها و يسمّي و يأكل «4»».

و صحيح زرارة عن أبي جعفر (ع) قال: «سألته عن بعير تردّي في بئر فذبح من قبل ذنبه. فقال (ع): لا بأس إذا ذكر اسم اللّه عليه «5»».

و مثل ذلك خبر أبي بصير «6» و معتبرة الحسين بن علوان «7».

و قد دلّ علي ذلك بعض النصوص في الطير أيضا مثل صحيح حمران ابن أعين عن أبي عبد اللّه

(ع) قال: «و إن أفلتك شي ء من الطّير و أنت تريد ذبحه أو ندّ عليك «8» فارمه بسهمك فإذا هو سقط فذكّه بمنزلة الصّيد «9»». فان في هذه الرواية

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 260- ح 1- 7.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 260- 6 1- ح 1- 7.

(3) الوسائل/ ج 16- ص 260- ح 1- 7.

(4) الوسائل/ ج 16- ص 260- ح 1- 7.

(5) الوسائل/ ج 16- ص 260- ح 1- 7.

(6) الوسائل/ ج 16- ص 260- ح 1- 7.

(7) الوسائل/ ج 16- ص 260- ح 1- 7.

(8) قوله: ندّ عليك: أي نفر و شرد علي وجهك.

(9) الوسائل/ ج 16- ص 255- ب 3- ح 2.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 80

______________________________

و إن أمر الإمام (ع) بتذكية الطير بعد سقوطه إلّا أنّ المقصود صورة إدراك الذكاة كما ان الحكم كذلك في الصيد و ذلك بقرينة تنزيله (ع) الرمي المذكور منزلة الصيد. فكيف أنّ الصيد إذا أدرك ذكاته عند ما سقط علي الأرض و لم يمت، لا بدّ من ذبحه و يكون قتله بإصابة السهم ذكاته بلا اعتبار للذبح عند عدم ادراك ذكاته فكذلك في المقام. و ان لم تترتب هذه الفائدة لكان التنزيل لغوا لعدم ترتّب أيّ أثر آخر عليه. و لا مجال لتوهم اختصاصه بالطير الوحشي لوضوح عدم اختصاص الأفول و الندود و النفور عند الذبح بالطير الوحشي لوضوح عدم اختصاص الأفول و الندود و النفور عند الذبح بالطير الوحشي فربما ينفر و يندّ بعض الطيور الأهلية عند أخذه للذبح إذا كان ذا جناحين عظيمين قويّين يقدر بها علي الطيران.

الثانية: النصوص العامّة الدالة علي جواز قتل أيّ حيوان استصعب أو اضطرّ الي قتله

بالطعن و الجرح من غير مذبحه لتردّيه في بئر و نحوها جاز قتله بلا اختصاص بالإبل و البقر. فمن هذه النصوص:

معتبرة الحسين بن علوان عن جعفر بن محمد عن أبيه عن عليّ (ع):

«أيّما إنسيّة تردّت في بئر فلم يقدر علي منحرها فلينحرها من حيث يقدر عليه و يسمّي اللّه عليها و تؤكل «1»». و الإنسيّة ضد الوحشية و تطلق علي كلّ حيوان أهلي. و لكن بقرينة ذكر المنحر ظاهرة في إرادة خصوص البعير. و ذلك لاختصاص النحر بالإبل و الذبح بغيره كما في النصوص المستفيضة المعتبرة.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 262- ح 8.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 81

______________________________

مثل: صحيح معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه (ع): «النّحر في اللّبّة و الذّبح في الحلق «1»». و غيره من النصوص. راجع الباب (4 و 5) من ذبائح الوسائل.

و ممّا يدل علي ذلك خبر أبي البختري عن جعفر عن أبيه عن عليّ (ع):

«قال: إذا استصعبت عليكم الذّبيحة فعرقبوها و إن لم تقدروا علي أن تعرقبوها فإنّه يحلّها ما يحلّ الوحش «2»».

فإنه تامّ دلالة حيث دلّ علي حلية مقتول كل حيوان ممتنع بغير الذبح و انه في حكم الوحوش من جهة حلية أكلها بالصيد. و لكن سنده ضعيف بأبي البختري.

و منها: صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه (ع): «في رجل ضرب بسيفه جزورا أو شاة في غير مذبحها و قد سمّي حين الضّرب. قال (ع): لا يصلح أكل ذبيحة لا تذبح من مذبحها، يعني إذا تعمّد ذلك و لم تكن حاله حال اضطرار فأمّا إذا اضطرّ إليه و استصعب عليه ما يريد أن يذبح فلا بأس بذلك «3»». و دلالتها علي حلية مقتول كل حيوان

اضطرّ الي قتله بغير الذبح لتردّيه في بئر و نحو ذلك واضحة. و لكن يحتمل كون المراد بالاضطرار خصوص ما ينشأ من الاستصعاب في غير مثل الشاة. و الوجه في هذا الاحتمال قرينية العطف بالواو الظاهر في الجمع بخلاف العطف بأو الظاهر في استقلال كلّ من الاضطرار

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 256- ح 2.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 262- ح 9.

(3) الوسائل/ ج 16- ص 256- ح 3.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 82

سواء كان استيناسه أصليا كالدجاج و الشاة و البعير (1) و البقر أو

______________________________

و الاستصعاب في السببية للحلّية. و لكن علي فرض تمامية الدلالة لا يصلح هذا الصحيح للاستدلال به علي المطلوب لان الظاهر انّ قوله: «يعني إذا تعمّد..»

قول الكليني و يحتمل كونه كلام ابن أبي عمير و غيره من أصحاب الأصول.

هذا و قد نقله في الوسائل- في الباب 32 من أبواب الصيد- بدون لفظ «يعني» و لكنه موجود في النسخة المطبوعة الدارجة من فروع الكافي «1» و لا أقلّ من احتمال كونه كلام غير الامام فيسقط بذلك عن الحجّية.

و الحاصل انه لم ترد في المقام رواية معتبرة عامّة تدلّ بعمومها علي جواز التذكية بغير الذبح في أيّ حيوان لا يمكن ذبحه لامتناعه و تردّيه في البئر و نحوها. نعم ورد في البعير و الثور و الطّير بأنواعه. اللّهم الّا أن يقال بإلغاء الخصوصية و تعميم الجواز الي أي حيوان ممتنع خصوصا بقرينة الروايات العامة. و أمّا ما لم يمكن ذبحه لأجل سبب آخر- غير الامتناع و الاستعصاء- من تردّيه في بئر أو كونه علي رأس قلّة أو مرتفع فلا دليل علي جواز تذكيته بغير الذبح في غير البعير. بل مشمول

لعموم قوله تعالي حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ..

وَ الْمُتَرَدِّيَةُ وَ النَّطِيحَةُ «2».

(1) إلّا إذا لم يمكن نحره لتردّيه في البئر و نحوها. و ذلك لمعتبرة الحسين بن

______________________________

(1) فروع الكافي/ ج 6- ص 231. باب: الذبيحة تذبح من غير مذبحها.

(2) سورة المائدة/ الآية 3.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 83

عارضيا كالظبي و الطير المستأنسين و كذا ولد الوحش قبل ان يقدر علي العدو و فرخ الطير قبل نهوضه للطيران فلو رمي طائرا و فرخه الذي لم ينهض فقتلهما حلّ الطائر دون الفرخ (1).

______________________________

علوان «1» السابقة حيث دلّت علي حلّية أكل أيّ إنسية تردّت في بئر و نحرت علي غير منحرها لعدم القدرة علي النحر من منحره إلّا أنّ هذا الحكم مختصّ بالبعير فلا يشمل ما يذبح من الحيوانات.

(1) عدم حلية مقتول الفرخ بالصيد 1- دلّ علي ذلك خبر الأفلح قال: سألت عليّ بن الحسين (ع) عن العصفور يفرخ في الدار: «هل تؤخذ فراخه؟ فقال (ع): لا إنّ الفرخ في وكرها في ذمّة اللّه ما لم يطر و لو أنّ رجلا رمي صيدا في وكره فأصاب الطّير و الفراخ جميعا فإنّه يأكل الطّير و لا يأكل الفراخ و ذلك أنّ الفراخ ليس بصيد ما لم يطر و إنّما تؤخذ باليد و إنّما يكون صيدا إذا طار «2»». و هو ضعيف السند فان عبد الرحمن بن المهدي و من بعده- الواقع في سنده- من المجاهيل. و لكن المشهور أفتوا بذلك كما قال في الجواهر: «بلا خلاف و لا اشكال» و عليه ينجبر ضعف هذا

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 262- ح 8.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 241- ب 31- ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص:

84

مسألة 13 [تذكية غير مأكول اللحم بصيد الكلب]

الظاهر انه كما تقع التذكية الصيدية علي الحيوان المأكول اللحم فيحلّ بها أكله و يطهر جلده، تقع علي غير مأكول اللّحم القابل للتذكية أيضا فيطهر بها جلده و يجوز الانتفاع به (1) هذا إذا كانت بالآلة الجمادية

______________________________

الخبر بعمل المشهور فيحكم بحرمة أكله. هذا مع ان مقتضي الأصل عدم التذكية ما لم يحرز السبب المحلّل.

نعم دلّ خبر «1» عبد الرحمن العرزمي علي كراهة صيده الّا انه ضعيف سندا لعدم توثيق لعبد الرحمن.

(1) و ذلك بدلالة بعض من النصوص المعتبرة نكتفي بذكر واحد منها حيث إنّه كاف لإثبات المطلوب و هو موثقة سماعة قال: «سألته عن جلود السّباع فقال (ع): إذا رميت و سمّيت فانتفع بها و أمّا الميتة فلا «2»».

______________________________

(1) الوسائل- ج 16- ص 239- ب 28- ح 1.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 368- ب 34- ح 4.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 85

و اما الحيوانية ففيها تأمّل و إشكال (1).

______________________________

(1) تذكية غير مأكول اللحم بصيد الكلب 1- بل لا إشكال ظاهرا و ذلك لعموم تنزيل صيد الكلب منزلة التذكية و الذبح بالآلة الجمادية.

و ممّا دلّ علي هذا التنزيل حسنة سيف بن عميرة عن أبي عبد اللّه (ع) قال: «إذا أرسلت الكلب المعلّم فاذكر اسم اللّه عليه فهو ذكاته «1»».

و منها: معتبرة موسي بن بكر عن زرارة عن أبي عبد اللّه (ع) قال: «إذا أرسل الرّجل كلبه و نسي أن يسمّي فهو بمنزلة من ذبح و نسي أن يسمّي و كذلك إذا رمي بالسّهم و نسي أن يسمّي «2»».

و منها: صحيح حكم بن حكيم الصيرفي عن أبي عبد اللّه (ع)، قال (ع) للصيرفي في حديث: «أو ليس قد جامعوكم علي أنّ قتله ذكاته

قال: قلت بلي. قال (ع): فما يقولون في شاة ذبحها رجل أذكّاها؟ قال: قلت نعم. قال (ع): فإنّ السّبع جاء بعد ما ذكّاها فأكل بعضها أتوكل البقيّة؟ قلت نعم. قال (ع): فإذا أجابوك إلي هذا فقل لهم: كيف تقولون إذا ذكيّ ذلك و أكل منه لم تأكلوا و إذا ذكّي هذا و أكل

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 208- ح 4.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 225- ب 12- ح 2.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 86

مسألة 14: لو قطعت الآلة قطعة من الحيوان

فان كانت الآلة غير محلّلة كالشبكة و الحبالة مثلا يحرم الجزء الذي ليس فيه الرأس و محالّ التذكية (1). و كذلك الجزء الآخر إذا زالت عنه الحياة المستقرّة

______________________________

أكلتم؟ «1»».

و تخصيص عموم التنزيل في هذه النصوص بجهة الأكل أو التسمية لا وجه له بعد التصريح بكون المقتول بجرح الكلب و إمساكه في حكم المذكّي- و ان كان المقصود بالتنزيل الاستشهاد به علي حلّية الأكل و سقوط التسمية عن الاعتبار عند النسيان- و ذلك لانّ الحيوان بعد ما صار مذكي يترتب عليه جميع أحكام التذكية. و لا وجه للتبعيض بين أحكامها في الترتّب الّا بالدليل و لا دليل علي ذلك.

(1) حكم ما لو قطعت الآلة جزء من الحيوان 1- عمدة الدليل علي ذلك النصوص المعتبرة الدالة علي انّ ما قطعته الشبائك و الحبائل من أعضاء الحيوان المصيد ميّت يحرم أكله إلّا ما أدرك ذكاته من سائر جسده فيحلّ بالذبح. و من الواضح أنّ القابل للتذكية بالذبح من جسد الحيوان هو ما كان فيه الرأس. و عليه فأيّ عضو منه لم يكن فيه الرأس

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 209- ب 2- ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 87

علي

الأحوط (1) بأن تكون حركته حركة المذبوح. و إن بقيت حياته

______________________________

ليس قابلًا للتذكية و يكون في حكم الميتة.

و اما النصوص الدّالّة علي ذلك:

فمنها: صحيح زرارة عن أبي جعفر (ع) قال: «ما أخذت الحبائل فقطعت منه شيئا فهو ميّت و ما أدركت من سائر جسده حيّا فذكّه ثمّ كل منه «1»».

و منها: صحيح عبد الرحمن عن أبي عبد اللّه (ع) قال: «ما أخذت الحبالة فقطعت منه شيئا فهو ميّت و ما أدركت من سائر جسده حيّا فذكّه ثمّ كل منه «2»».

و منها: صحيح محمد بن قيس عن أبي جعفر (ع) قال: قال أمير المؤمنين (ع): «ما أخذت الحبالة من صيد فقطعت منه يدا أو رجلا فذروه فإنّه ميّت و كلوا ما أدركتم حيّا و ذكرتم اسم اللّه عليه «3»».

(1) هذا الاحتياط وجوبي بل الأقوي عدم جواز الأكل حيث لا يقع التذكية بذلك. و الدليل عليه صحيح عبد اللّه بن سليمان رواه الكليني بإسناده عن ابان عن عبد اللّه بن سليمان عن أبي عبد اللّه (ع): «ما أخذت الحبالة و انقطع منه شي ء أو مات فهو ميتة «4»». رواه في الوسائل بدون قوله: «أو مات» و

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 237- ح 4 و 2.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 237- ح 4 و 2.

(3) الوسائل/ ج 16- ص 236- ب 24- ح 1.

(4) فروع الكافي/ ج 6- ص 214. باب الصيد بالحبالة/ ح 4.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 88

المستقرّة يحلّ بالتذكية (1). و ان كانت الآلة محللة كالسيف في الصيد

______________________________

مقتضي أصالة عدم الزيادة ثبوته.

و يدلّ عليه أيضا قوله: «كلوا ما أدركتم حيّا و ذكرتم اسم اللّه عليه». فإنه لا يخلو من دلالة علي عدم

جواز أكل ما لم يدرك حيّا و ان ذكر اسم اللّه عليه كما لا إشكال في دلالته علي عدم جواز ما لم يذكر اسم اللّه عليه و ان أدرك حيّا.

(1) كما دلّ عليه قوله (ع): «و ما أدركت من سائر جسده حيّا فذكّه ثمّ كل منه» في صحيحي زرارة و عبد الرحمن. فإنّ المراد به الحياة المستقرّة بحيث كان لتذكيته مجال متعارف بلا فرق في ذلك بين الصيد بالشباك و الحبائل و بين الصيد بالسلاح كما دلّ عليه صحيح مسعدة بن زياد عن جعفر بن محمد (ع) في حديث قال: «و الذي ترميه بالسّيف و الحجر و النّشاب و المعراض لا تأكل منه إلّا ما ذكيّ «1»».

و صحيح علي بن جعفر قال: «و سألته عن رجل لحق صيدا أو حمارا فضربه بالسّيف فصرعه أ يؤكل؟ فقال (ع): إذا أدرك ذكاته أكل و إن مات قبل أن يغيب عنه أكله «2»». فإن قوله (ع): «إذا أدرك ذكاته أكل» بقرينة مقابله في الذيل ظاهر فيما إذا أدرك الحيوان حيّا بعد صرعه بضربة السيف. فاشترط

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 235- ح 11.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 229- ب 16- ح 5.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 89

مع اجتماع الشرائط فإن زالت الحياة المستقرة عن الجزئين بهذا القطع خلًّا معا (1). و إن بقيت الحياة المستقرة حرم الجزء الذي ليس فيه الرأس (2) و محالّ التذكية، و يكون ميتة سواء اتّسع الزمان للتذكية أم لا. و أمّا الجزء الآخر فحلال مع عدم اتّساع الزمان للتذكية و لو اتّسع لها لا يحلّ الّا بالذبح.

______________________________

الامام (ع) ذكاته في حلية أكله حينئذ. و بهذا المضمون قوله في صحيح حمران: «فإذا

هو سقط فذكّه بمنزلة الصّيد «1»».

(1) لوضوح كونه مقتولا بالسيف فيشمله عموم قوله (ع): «كل من الصّيد ما قتل السّيف و الرّمح و السّهم» في صحيح محمد بن مسلم «2». و قد دلّ علي ذلك بالخصوص صحيح عليّ بن جعفر عن أخيه موسي بن جعفر (ع): «قال:

سألته عن رجل لحق حمارا أو ظبيا فضربه بالسّيف فقطعه نصفين هل يحلّ أكله؟

قال (ع): نعم إذا سمّي «3»».

(2) لأنه جزء مبان من الحيّ و غير قابل للتذكية فيكون ميتة بخلاف الجزء الذي فيه الرأس فإنه حيوان حيّ قابل للتذكية فيحلّ بالذبح و قد دلّ علي

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 255- ح 2.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 228- ب 16- ح 2.

(3) الوسائل/ ج 16- ص 229- ب 16- ح 4.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 90

مسألة 15: يملك الحيوان الوحشي سواء كان من الطيور أو غيره بأحد أمور ثلاثة.

أحدها: أخذه (1) حقيقة بأن يأخذ رجله أو قرنه أو جناحه أو شدّه بحبل و نحوه،

______________________________

ذلك عدّة من النصوص.

منها: صحيح غياث بن إبراهيم عن أبي عبد اللّه (ع): «في الرّجل يضرب الصّيد فيجد له بنصفين. قال (ع): يأكلهما جميعا و إن ضربه فأبان منه عضوا لم يأكل منه ما أبان منه و أكل سائره «1»».

و خبر إسحاق بن عمار عن أبي عبد اللّه (ع): «في رجل ضرب غزالا بسيفه حتّي أبانه أ يأكله؟ قال (ع): نعم يأكل ممّا يلي الرّأس و يدع الذّنب «2»».

(1) أسباب تملّك الحيوان الوحشي 1- و مما يدلّ علي ذلك صحيح ابن سنان عن أبي عبد اللّه (ع) قال:

«من أصاب مالا أو بعيرا في فلاة من الأرض قد كلّت و قامت و سيّبها صاحبها ممّا لم يتبعه فأخذها غيره.. فهي له و لا سبيل له عليها

و إنّما هي مثل الشّي ء المباح «3»». فإنّ تعليله (ع) في ذيل هذا الصحيح بقوله: «إنّما هي مثل الشّي ء

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 243- ب 35- ح 1 و 2.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 243- ب 35- ح 1 و 2.

(3) الوسائل/ ج 17- ص 364- ح 2.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 91

بشرط ان يكون بقصد الاصطياد و التملّك و أمّا مع عدم القصد ففيه إشكال (1). كما انه مع قصد الخلاف لا يملك.

ثانيها: وقوعه في آلة معتادة للاصطياد بها كالحبالة و الشرك و الشبكة و نحوها إذا نصبها (2) لذلك. ثالثها: أن يصير غير ممتنع بآلة كما لو رماه فجرحه جراحة منعته عن العدو أو كسر جناحه فمنعه عن الطيران. سواء كانت الآلة من الآلات المحلّلة للصيد كالسهم و الكلب المعلّم أو من غيرها كالحجارة و الخشب و الباز و الشاهين و غيرها. و يعتبر في هذا أيضا أن يكون إعمال الآلة بقصد الاصطياد و التملّك (3). فلو رماه عبثا أو هدفا أو لغرض آخر لم يملكه.

______________________________

المباح». يدلّ علي جواز تملّك جميع المباحات بالأخذ.

(1) منشأه كون الحيازة و الأخذ امرا اختياريا متقوّما بقصد الاصطياد و التملّك. و فيه: ان إطلاق النصوص ينفي اعتبار القصد فإن الملكية فيها قد فرّعت علي مجرّد الأخذ و هو غير متقوّم بقصد التملّك.

(2) و ذلك لصدق الأخذ و الحيازة- من أسباب الملك- علي وقوعه في مثل هذه الآلات المعدّة للصيد.

(3) لما مرّ من انه المنساق من نصوص مشروعية الصيد و حلية مقتوله. و في الحقيقة يكون هذا القسم و القسم الثالث من مصاديق الحيازة.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 92

فلو أخذه شخص آخر بقصد

التملّك ملكه.

مسألة 16 [في تعميم آلة الصيد]

الظاهر انه يلحق بآلة الاصطياد كلّ ما جعل وسيلة (1)

______________________________

(1) في تعميم آلة الصيد 1- و ذلك أوّلا: لصدق عنوان الصيد علي أيّ حيوان وقع في مطلق آلات الصيد و انجذب فيها و لم يدلّ دليل علي اعتبار آلة خاصّة. بل مقتضي إطلاق النصوص نفي الخصوصية. مثل قوله (ع): «إنّ تلك الحظيرة إنّما جعلت ليصاد بها» في صحيح الحلبي «1» و قوله (ع): «ما عملت يده فلا بأس بأكل ما وقع فيها «2»». و ثانيا: لصدق الحيازة و الأخذ علي مطلق ما دخل تحت الاستيلاء.

إمّا بإلصاقه و انجذابه بآلة الصيد أو بربطه و وصله بالحبائل و الشرك أو بحبسه في داخل البيت بإغلاق بابه أو سقوطه في بئر محفورة لأجل الاصطياد أو توحّله في موحلة أجري الماء عليها بغرض الاستيلاء علي الحيوان الممتنع و أخذه و نحو ذلك ممّا عدّ عرفا آلة و اتّخذ وسيلة للاصطياد. ففي جميع هذه الموارد يصدق الحيازة و الأخذ بمجرد الاستيلاء علي الحيوان فيشمله ما دل من نصوص مملّكية حيازة مطلق الشي ء المباح بأخذه و الاستيلاء عليه. مثل صحيح

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 303- ح 3.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 302- ح 2.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 93

لإثبات الحيوان و زوال امتناعه و لو بحفر حفيرة في طريقه ليقع فيها فوقع أو باتّخاذ أرض و إجراء الماء عليها لتصير موحلة فيتوحل فيها فتوحّل، أو فتح باب شي ء ضيّق و إلقاء الحبوب فيه ليدخل فيه العصافير فأغلق عليها و زال امتناعها. و امّا لو فتح باب البيت لذلك فدخلت فيه مع بقائها علي امتناعها في البيت فالظاهر (1) عدم تملّكه به مع إغلاق الباب. كما انه

لو عشّش الطير في داره لم يملكه بمجرّده. و كذا لو توحّل حيوان في أرضه الموحلة ما لم يجعلها كذلك لأجل الاصطياد. فلو أخذه شخص بعد ذلك ملكه و إن عصي لو دخل داره أو أرضه بغير اذنه (2).

______________________________

ابن سنان المذكور. و قوله (ع) في موثقة السكوني: «للعين ما رأت و لليد ما أخذت «1»».

(1) بل الظاهر تملّكه بذلك إذا صدق عرفا أنّه استولي علي الطائر.

(2) لعدم منافاة بين حرمة التصرف و بين مملّكيّة الحيازة و الأخذ ما لم يكن الشي ء المأخوذ ملكا للغير- و إن حرم أخذه و نقله من مكانه تكليفا- نظرا إلي استلزامه التصرف في ملك الغير الّا انّه لمّا كان مباحا أصليا و لم يدخل في ملك صاحب الأرض بتوحّله فيها، يدخل تحت ملك الأخذ

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ب 38. من أبواب الصيد/ ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 94

مسألة 17: لو سعي خلف حيوان حتّي أعياه و وقف عن العدو لم يملكه (1)

ما لم يأخذه و لو أخذه غيره قبل أن يأخذه ملكه.

مسألة 18: لو وقع الحيوان في شبكة منصوبة للاصطياد و لم تمسكه الشبكة لضعفها و قوته فانفلت منها

لم يملكه ناصبها و كذا إن أخذ الشبكة و انفلت بها من دون أن يزول عنه الامتناع (2) فان صاده غيره ملكه و ردّ الشبكة إلي صاحبها. نعم لو أمسكته الشبكة و أثبتته ثم انفلت منها بسبب من الأسباب الخارجية

______________________________

بالحيازة لأنّها من الأسباب الشرعية للملك. فلا يصلح دليل حرمة التصرف في مال المسلم بغير طيب نفسه لتخصيص عموم دليل مملّكية الأخذ أو الحيازة في المقام. لأنّ موضوعه مال الغير و المفروض عدم كون الحيوان المتوحّل مال الغير. و إنّما الحرمة و العصيان بلحاظ مقدمات أخذه من الدخول في الدار و التصرف في أرض الغير.

(1) و ذلك إذا لم يصدق استيلاؤه علي الحيوان باعيائه و إيقافه و الّا يملكه الساعي لصدق الحيازة و الأخذ بذلك عرفا كما ربّما يتفق ذلك.

(2) لوضوح عدم صدق الأخذ و الاستيلاء بذلك كله عرفا.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 95

لم يخرج (1) بذلك عن ملكه. كما لو أمسكه بيده ثم انفلت منها.

و كذا لو مشي بالشبكة علي وجه لا يقدر علي الامتناع فإنّه لناصبها

______________________________

(1) عدم خروج الصيد عن الملك بالإرسال أو الفرار 1- و الدليل علي عدم خروج الحيوان عن ملك صاحبه بالفرار و الإرسال و الإطلاق ما دلّ من النصوص علي وجوب ردّ الطائر المالك لجناحيه الي صاحبه إذا أخذه غيره و عرفه.

مثل صحيح البزنطي قال: «سألت أبا الحسن الرّضا (ع) عن الرّجل يصيد الطّير.. و هو مستوي الجناحين فيعرف صاحبه أو يجيئه فيطلبه من لا يتّهمه فقال: لا يحلّ له إمساكه يردّه عليه «1»».

و صحيح محمد بن الفضيل قال: «سألت أبا الحسن (ع) عن صيد الحمامة..

قال:

إذا عرفت صاحبه فردّه عليه «2»». و مثلهما موثقة إسحاق بن عمار «3». و إنّ المفروض أنّ الصيد صار ملكا لصاحب الشبكة باستيلائه عليه بعد ما أمسكته الشبكة و أثبتته و إنّما انفلت منه و فرّ بعد ذلك بسبب خارجي.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 244- ب 36- ح 1.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 244- ب 36- ح 2.

(3) الوسائل/ ج 16- ص 246- ب 37- ح 6.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 96

فلو أخذه غيره يجب أن يردّه إليه (1).

مسألة 19: لو رماه فجرحه و لكن لم يخرج عن الامتناع فدخل دارا فأخذه صاحبها ملكه بأخذه لا بدخول الدار.

كما أنّه لو رماه و لم يثبته فرماه شخص آخر فأثبته فهو للثاني.

مسألة 20: لو أطلق الصائد صيده

فان لم يقصد الاعراض عنه لم يخرج عن ملكه (2) و لا يملكه غيره باصطياده و إن قصد الاعراض و زوال ملكه عنه فالظاهر

______________________________

(1) و ذلك لعدم موضوعية للرمي و الجرح في ملكية الحيوان و إنّما الملاك في ذلك صدق عنوان الصيد و الأخذ و الحيازة. و هو إمّا بأخذه حقيقة أو بالاستيلاء عليه بأن سعي خلفه حتّي أعياه و أوقفه و سلب عنه قدرة الامتناع ثم وقف قربه أو علي رأسه مسلّطا عليه و من الواضح انّ هذا لا يتحقق بمجرد الرمي أو الجرح.

(2) و ذلك لعدم كون الإطلاق و الإرسال سببا شرعا و لا عرفا لإزالة الملك ما لم يكن أمارة علي الاعراض. كما لا يخرج الحيوان عن الملك بمجرد انفلاته و نفوره. و الشاهد علي ذلك ما دلّ من النصوص علي وجوب ردّ الحمام المالك لجناحيه إلي صاحبه بعد ما نفر و خرج من يده و أخذه الغير.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 97

أنّه يصير كالمباح (1)

______________________________

(1) صيرورة الشي ء مباحا للغير بإعراض صاحبه 1- كما في صحيح ابن سنان: «إنّما هي مثل الشّي ء المباح «1»» بلا فرق بين كون قصد الاعراض اختياريا كما هو مورد الصحيح و بين كونه قهريا مثل ما لو غرق شي ء في البحر ثمّ أخرج بالغوص أو بأمواج البحر. حيث قال (ع): «فهو لهم و هم أحقّ به «2»» قال ابن إدريس: «وجه فقه هذا الحديث انّ ما أخرجه البحر فهو لأصحابه. و ما تركه أصحابه آيسين منه فهو لمن وجده و غاص عليه، لأنه صار بمنزلة المباح. و مثله من ترك بعيره

من جهد في غير كلأ و لا ماء فهو لمن أخذه لأنه خلّاه آيسا منه و رفع يده فصار مباحا. و ليس هذا قياسا و إنّما هذا علي جهة المثال و المرجع فيه إلي الإجماع و تواتر النصوص دون القياس و الاجتهاد «3»».

و كذا ما وجد في الأرض الخربة بعد انجلاء أهلها بدلالة النصوص المعتبرة «4». هذا مضافا الي السيرة فيما خلّفه المسافر من محلّ جلوسه في

______________________________

(1) الوسائل/ ج 17- ص 364- ب 13- ح 2.

(2) الوسائل/ ج 17- ص 362- ب 11- ح 2.

(3) الجواهر/ ج 40- ص 400.

(4) الوسائل/ ج 17- ص 354- ب 5.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 98

جاز اصطياده لغيره و يملكه و ليس للاوّل الرجوع اليه بعد تملّكه علي الأقوي (1)

______________________________

الصحاري و البوادي حيث يتملّكه من جاء بعده إذا كان آيسا من الظفر علي صاحبه في سيرة العقلاء و المتشرعة.

(1) عدم جواز رجوع المالك الي ماله بعد ما أعرض عنه و تملّكه الغير 1- كما قال الامام (ع) في صحيح ابن سنان: «و لا سبيل له عليها «1»». و مثله ما دلّ من النصوص علي جواز تملّك ما يوجد في الأرض الخربة من الورق. كقول الباقر (ع) في صحيح ابن مسلم: «و إن كانت خربة قد جلا عنها أهلها فالّذي وجد المال أحقّ به «2»». و ما قذف به البحر علي ساحله و أخذه أهله كما في موثقة السكوني عن أبي عبد اللّه (ع): «فما قذف به البحر علي ساحله فهو لأهله و هم أحقّ به «3»». و ما ورد في الأرض التي تركها صاحبها و أخربها فأخذها غيره و عمّرها. كما في صحيح معاوية بن عمار

عن أبي عبد اللّه (ع) قال: «فإن كانت أرض لرجل قبله فغاب عنها و تركها فأخربها ثمّ جاء بعد يطلبها فإنّ الأرض للّه و لمن عمّرها «4»».

______________________________

(1) الوسائل/ ج 17- ص 364- ب 13- ح 2.

(2) الوسائل/ ج 17- ص 354- ب 5- ح 1.

(3) الوسائل/ ج 17- ص 361- ب 11- ح 1.

(4) الوسائل/ ج 17- ص 328- ب 3- ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 99

مسألة 21: إنّما يملك غير الطير بالاصطياد إذا لم يعلم كونه ملكا للغير

و لو من جهة آثار اليد التي هي أمارة علي الملك فيه. كما إذا كان طوق في عنقه أو قرط في أذنه أو شدّ حبل في أحد قوائمه. و لو علم ذلك لم يملكه الصائد (1) بل يردّ الي صاحبه إن عرفه، و ان لم يعرفه

______________________________

فيستفاد من مجموع هذه النصوص و كثير من غيرها الواردة في الأبواب المتفرّقة، انّ المال يخرج عن ملك مالكها بالاعراض و يصير مباحا بلا فرق بين الحيوان و غيره. هذا مضافا الي استقرار السيرة علي ذلك. كما قال في الجواهر: «لعلّ ذلك- أي النصوص- هو العمدة في تملّك المعرض عنه، مضافا الي السيرة في عطب المسافر و نحوه «1»».

و لكن خالف المشهور بدعوي عدم خروجه عن ملك المالك بمجرّد الإعراض. و ادّعي لهم استقرار السيرة علي عدم زوال العلقة الملكية بمجرّده.

و من هنا تري العقلاء أنّهم يرون المالك أحقّ بماله من غيره فيما إذا ندم و بدا له فطلبه ممّن أخذه. و لكن التحقيق ما قلنا لما دلّ عليه من النصوص و استقر عليه السيرة. و الظاهر أنّ مخالفة المشهور بدعوي هذه السيرة وجه تعبير الماتن «قده» بالأقوي.

(1) لأن الصيد الأخذ سببان للملك في المباحات. و لذا علّل الامام

(ع)

______________________________

(1) الجواهر/ ج 40- ص 401.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 100

يكون بحكم اللقطة (1) و أما الطير فان كان مقصوص الجناحين كان بحكم ما علم أنّ له مالكا فيردّ إلي صاحبه إن عرف

______________________________

في صحيح ابن سنان سببيّة أخذ البعير المسيّبة في الفلاة و إحياءها عن الكلال للملكية، بأنّها مثل الشي ء المباح. و الا فمن الواضح أنّ أخذ مال الغير و التصرف فيه بغير اذنه غصب و ظلم و لا إشكال في حرمته. فما علم عدم إعراض صاحبه عنه لو أخذه الغير يكون ضامنا و يجب عليه ردّه الي صاحبه ان عرفه بمقتضي قاعدة «علي اليد ما أخذت حتّي تؤدّيه». مضافا الي دلالة بعض النصوص علي ذلك بالخصوص في المقام. مثل قوله (ع) في صحيح محمد بن فضيل: «إذا عرفت صاحبه فردّه عليه «1»».

و في موثقة إسحاق بن عمّار «إذا عرفته فردّه علي صاحبه «2»».

(1) لأنه حيوان مملوك للغير فاذا وجده شخص و أخذه يترتب عليه حكم واجد الضالة من وجوب تعريفها و حفظها في عرض ماله كما في صحيح علي بن جعفر عن أخيه عن موسي بن جعفر (ع) قال: «و سألته عن الرّجل يصيب درهما أو ثوبا أو دابّة كيف يصنع بها؟ قال (ع): يعرّفها سنة فإن لم يعرف حفظها في عرض ماله حتّي يجي ء طالبها «3»».

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 244- ب 36- ح 2 و ص 246- ح 6.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 244- ب 36- ح 2 و ص 246- ح 6.

(3) الوسائل/ ج 17- ص 370- ب 2- ح 2.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 101

و ان لم يعرف كان لقطة. و أمّا إن ملك

جناحيه يتملّك بالاصطياد (1) إلّا إذا كان له مالك معلوم فيجب ردّه اليه. و الأحوط فيما إذا علم انّ له مالكا و لو من جهة وجود آثار اليد فيه و لم يعرفه، أن يعامل معه معاملة اللقطة كغير الطير.

______________________________

(1) التفصيل بين مقصوص الجناحين و مالكهما في جواز تملك الطير بالصيد 1- يستفاد هذا التفصيل من النصوص.

منها: صحيح البزنطي عن أبي الحسن الرضا (ع): «عن الرّجل يصيد الطّير يساوي دراهم كثيرة و هو مستوي الجناحين فيعرف صاحبه أو يجيئه و يطلبه من لا يتّهمه. فقال (ع): لا يحلّ له إمساكه يردّه عليه. فقلت له: فإن صاد ما هو مالك لجناحيه لا يعرف له طالبا؟ قال (ع): هو له» «1».

فإنّه (ع) بقوله: «فإن صاد ما هو مالك لجناحيه»، قابل بين مقصوص الجناحين و بين مالكهما من الطيور فحكم بملكية الثاني بمجرّد الاصطياد إذا لم يعرف له طالب. و كذا في سائر نصوص الباب و قد دلّ هذه النصوص بمفهوم الشرط علي عدم جواز تملّك مقصوص الجناحين بالصيد. و الوجه فيه

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 244- ب 36- ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 102

مسألة 22: لو صنع برجا لتعشيش الحمام فعشّش فيه لم يملكه (1).

خصوصا لو كان الغرض حيازة ذرقه مثلا. فيجوز لغيره صيده و يملك ما صاده. بل لو أخذ حمامة من البرج ملكها، و ان أثم من جهة الدخول فيه بغير اذن صاحبه. و كذلك لو عشّش في بئر مملوكة و نحوها فإنه لا يملكه مالكها.

مسألة 23: الظاهر انه يكفي في تملّك النحل- غير المملوكة- أخذ أميرها

فلو أخذها من الجبال مثلا و استولي عليه يملكه و يملك كلّ ما تتبعه من النحل ممّا تسير بسيرة و تقف بوقوفه و تدخل الكنّ و تخرج منه بدخوله و خروجه (2).

______________________________

كما قال في المسالك دلالة ذلك علي كون الحمام المقصوص مملوكا للغير و لذا يتعدي من الحمام المغصوب و الموسوم و المطوّق إلي غير الحمام من سائر الحيوانات المعلمة بالعلامة.

(1) لعدم كونه حيازة و لا غيرها من أسباب الملك بل الطير باق علي إباحته الأصلية و يملكه أيّ آخذ حازه إلّا إذا كان محلّ التعشيش تحت يد صاحب العشّ و استيلائه بحيث كلّما أراد قدر علي أخذ الطير فلا يبعد القول بملكيته لصاحب العشّ حينئذ إذا كان قاصدا بذلك صيد الطير و حيازته.

(2) هذا انما يصح إذا أخذ الأمير مع الكنّ بحيث يدخل سائر أفراد النحل بتبعه و ذلك لصدق الأخذ و الاستيلاء عرفا حينئذ.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 103

ذكاة السّمك و الجراد

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 105

مسألة 24: ذكاة السمك إمّا بإخراجه من الماء حيّا أو بأخذه بعد خروجه منه قبل موته (1)

سواء كان ذلك باليد أو بالآلة كالشبكة و نحوها. فلو وثب علي الجدّ أو نبذه البحر إلي الساحل أو نضب الماء الذي كان فيه حلّ. لو أخذه شخص قبل أن يموت. و حرم لو مات قبل

______________________________

(1) ما تحقّق به ذكاة السمك 1- لدلالة النصوص و هي علي طائفتين:

الأولي: ما دل علي أنّ أخذ السمك صيده مثل موثقة سماعة عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه (ع) في حديث قال: «إنّما صيد الحيتان أخذها». «1» و مثلها صحيح الحلبي «2».

الثانية: ما دلّ علي اعتبار أخذها حيّا لا ميّتا مثل صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه (ع) في حديث قال: «و سألته

عمّا يؤخذ من السّمك طافيا علي الماء أو يلقيه البحر ميّتا فقال: لا تأكله». «3» و صحيح زيد الشحّام قال: «سئل أبو عبد اللّه (ع) عمّا يؤخذ من الحيتان طافيا علي الماء فيلقيه البحر ميّتا آكله؟ قال (ع): لا «4»». و مقتضي الأخذ بمدلول هاتين الطائفتين الحكم بحلية مطلق ما أخذ من الأسماك حيّا- سواء كان في الماء أو في الساحل- حيث دلّت الطائفة الأولي

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 299- ص 5.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 299- ص 9.

(3) الوسائل/ ج 16- ص 300- ب 33- ح 3.

(4) الوسائل/ ج 16- ص 300- ب 33- ح 4.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 106

أخذه و ان أدركه حيّا ناظرا اليه علي الأقوي (1).

______________________________

علي حلّية مطلق ما أخذ من الأسماك، حيّا أو ميّتا من الماء أو خارجه، و إنّما خرج منه بدلالة الطائفة الثانية خصوص ما مات من الأسماك- في الماء أو في خارجه قبل الأخذ- فيبقي مطلق ما أخذ حيّا تحت إطلاق الطائفة الأولي سواء كان في الماء أو في أرض الساحل.

هذا مضافا الي صحيح علي بن جعفر عن أخيه موسي بن جعفر (ع) قال:

«سألته عن سمكة و ثبت من نهر فوقعت علي الجدّ من النّهر فماتت هل يصلح أكلها قال: إن أخذتها قبل أن تموت ثمّ ماتت فكلها و إن ماتت قبل أن تأخذها فلا تأكلها «1»».

(1) حكم ما لو وثب السمك علي شاطئ النهر فمات 1- بدلالة صحيح علي بن جعفر حيث فصل بين الأخذ قبل موت السمك و بين الأخذ بعد موته بجواز أكله علي الأول و حرمته علي الثاني و بهذا الصحيح يقيد إطلاق ما دل علي تحقق ذكاة السمك

بخروجه من الماء. مثل معتبرة مسعدة بن صدقة عن أبي عبد اللّه (ع) قال: «إنّ عليّا (ع) قال: إنّ الجراد و السّمك إذا خرج من الماء فهو ذكيّ و الأرض للجراد مصيدة و للسّمك قد تكون

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 301- ب 34- ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 107

______________________________

أيضا «1»». فإنه أعمّ من أخذ السّمك بعد الخروج و عدمه و صحيح علي بن جعفر يقيده بصورة الأخذ قبل الموت «2».

و صحيح زرارة حيث دلّ علي حلّية أكل السمك بوقوعه علي أرض الساحل و اضطرابه حتي يموت. سواء توسّط الأخذ أم لا. رواه الصدوق بإسناده عن ابان عن زرارة قال: قلت: «سمكة ارتفعت فوقعت علي الجدد فاضطربت حتّي ماتت آكلها؟ قال (ع): نعم» و بهذا المضمون خبر سلمة «3» فإطلاق مثل هذه النصوص يقيّد بصحيح علي بن جعفر. و ان لا يبعد القول بوقوع المعارضة بينهما لظهور قوله: «إذا خرج من الماء فهو ذكيّ» في كون ذكاة السمك بموته خارج الماء حيّا من دون دخل لشي ء آخر. و كذا صحيح زرارة و خبر سلمة ظاهران في كون الاضطراب المتعقب بموت السمك خارج الماء ذكاته. فإنّ ظاهر قوله (ع): «تضطرب حتّي تموت» ينفي اعتبار أخذ السمك في حلّيته و أنّ تمام الدّخل في ذكاته اضطرابه المتعقّب بالموت خارج الماء.

فهاتان الروايتان تنفيان بظاهرهما اعتبار أخذ السمك من أرض خارج الماء في تذكيته. فيرجع عند التعارض و التساقط الي عموم ما دلّ من النصوص علي اعتبار أخذ السمك حيّا و لو خارج الماء. فعلي أيّ حال يعتبر أخذ السمك حيّا في تحقق ذكاته إمّا عملا بصحيح علي بن جعفر و تقييده مطلقات النصوص أو لأجل

الرجوع الي مدلول النصوص العامة بعد تعارض هاتين الطائفتين.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 305- ب 37- ح 3.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 302- ب 34- ح 5 و 2.

(3) الوسائل/ ج 16- ص 302- ب 34- ح 5 و 2.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 108

مسألة 25: لا يشترط في تذكية السمك عند إخراجه من الماء أو أخذه بعد خروجه التسمية (1).

كما انه لا يعتبر في صائده الإسلام. فلو أخرجه كافر أو أخذه حلّ، سواء كان كتابيا أو غيره.

______________________________

(1) عدم اعتبار التسمية و الإسلام في تذكية السمك 1- و الدليل علي عدم اعتبار التسمية و الإسلام في حلية صيد السمك النصوص.

مثل: صحيح الحلبي قال: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن صيد الحيتان و إن لم يسمّ. فقال: لا بأس «1»».

و صحيح أبي بصير قال: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن صيد المجوس للسّمك حين يضربون بالشّبك و لا يسمّون أو يهوديّ. قال (ع): لا بأس إنّما صيد الحيتان أخذها «2»».

و صحيح سليمان بن خالد قال: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن الحيتان التي تصيدها المجوس فقال: إنّ عليّا (ع) كان يقول: الحيتان و الجراد ذكيّ «3»».

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 298- ب 32- ح 1.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 299- ب 32- ح 5.

(3) الوسائل/ ج 16- ص 298- ح 4.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 109

نعم لو وجده في يده ميتا لم يحلّ أكله (1) ما لم يعلم انه قد مات خارج الماء بعد إخراجه. أو أخذه بعد خروجه و قبل موته و لا يحرز ذلك بكونه في يده و لا بقوله لو أخبر به. بخلاف ما إذا كان في يد المسلم فإنه يحكم بتذكيته حتي يعلم خلافها.

______________________________

و صحيح علي بن جعفر عن أخيه موسي

بن جعفر قال: «سألته عمّا صاد المجوس من الجراد و السّمك أ يحل أكله؟ قال (ع): صيده ذكاته لا بأس «1»».

و صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه (ع): «إنّه سئل عن صيد المجوس للحيتان حين يضربون عليها بالشّباك و يسمّون بالشّرك. فقال (ع): لا بأس بصيدهم إنّما صيد الحيتان أخذه «2»». و غيرها من النصوص.

(1) الحكم بعدم تذكية ما في يد الكافر دون المسلم 1- لأنه مقتضي أصالة عدم التذكية عند الشك فيها لاحتمال أن يأخذ الكافر السّمك بعد موته في الماء. و لا اعتبار بقوله حتي يؤخذ به و لا بفعله حتي يحمل علي الصحيح. و لا أمارية ليده علي التذكية كما في المسلم. و إلي هذه الجهة ينظر ما ورد من النصوص في المقام. مثل صحيح عيسي بن عبد اللّه قال: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن صيد المجوس فقال: لا بأس إذا أعطوكاه

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 299- ح 8.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 299- ح 9.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 110

______________________________

أحياء و السّمك أيضا و إلّا فلا تجوز شهادتهم إلّا أن تشهده «1»».

و صحيح محمد بن مسلم قال: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن مجوسيّ يصيد السّمك أ يؤكل منه؟ فقال (ع): ما كنت لآكله حتّي أنظر إليه «2»». و مثله صحيح الحلبي. «3»

و هذا بخلاف ما إذا كان في يد المسلم فإنّها أمارة علي التذكية حسبما يستفاد من النصوص و هي علي طائفتين.

الأولي: ما دلّ علي أمارية يد المسلم و سوق المسلمين علي التذكية و الحلية مثل صحيح علي بن جعفر عن أخيه موسي (ع) في حديث قال: «سألته عن رجل اشتري ثوبا من السّوق للّبس لا

يدري لمن كان هل تصلح الصّلاة فيه؟

قال: إن كان اشتراه من مسلم فليصلّ فيه و إن اشتري من نصراني فلا يصلّ فيه حتّي يغسله «4»».

و موثقة إسحاق بن عمّار عن العبد الصالح «موسي بن جعفر (ع)» انه (ع) قال: «لا بأس بالصّلاة بالفراء اليمانيّ و فيما صنع في أرض الإسلام، قلت: فإن كان فيها غير أهل الإسلام؟ قال: إذا كان الغالب عليها المسلمين فلا بأس «5»».

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 298- ح 3.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 298- ح 2.

(3) الوسائل/ ج 16- ص 298- ح 2.

(4) الوسائل/ ج 2- ص 1071- ب 50- ح 1.

(5) الوسائل/ ج 2- ص 1072- ب 50- ح 5.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 111

______________________________

و صحيح البزنطي عن الرضا (ع) قال: «سألته عن الخفّاف يأتي السّوق فيشتري الخفّ لا يدري أ ذكيّ هو أم لا ما تقول في الصّلاة فيه و هو لا يدري، أ يصلّي فيه؟ قال (ع): نعم، أنا أشتري الخفّ من السّوق و يصنع لي و أصلّي فيه و ليس عليكم المسألة «1»».

و صحيحة الفضلاء أنّهم سألوا أبا جعفر (ع) عن شراء اللّحوم من الأسواق و لا يدري ما صنع القصّابون. فقال (ع): كل إذا كان ذلك في سوق المسلمين و لا تسأل عنه «2»». فإنّ هذه النصوص تدلّ علي أمارية سوق المسلمين علي كون اليد يد المسلم و أنّها أمارة علي التذكية ففي الحقيقة يستفاد من هذه النصوص أنّ سوق المسلمين أمارة علي أمارة التذكية- أي إسلام ذي اليد. و الشاهد علي ذلك ما ورد في ذيل بعض هذه النصوص من التصريح بعدم حلّية ما يؤخذ من أيدي المشركين و لو في سوق

المسلمين.

و الطائفة الثانية: ما دلّ علي حلّية ما يؤخذ من أيدي المسلمين و ما يشتري من أسواقهم حتي يعلم أنه ميتة.

مثل صحيح الحلبي قال: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن الخفاف الّتي تباع في السّوق فقال: اشتر و صلّ فيها حتّي تعلم أنّه ميتة بعينه «3»».

______________________________

(1) الوسائل/ ج 2- ص 1072- ب 50- ح 6.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 294- ب 29- ح 1.

(3) الوسائل/ ج 2- ص 1071- ب 50- ح 2.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 112

______________________________

و معتبرة السكوني عن أبي عبد اللّه (ع) انّ أمير المؤمنين (ع): «سئل عن سفرة وجدت في الطّريق مطروحة كثير لحمها و خبزها و جبنها و بيضها و فيها سكّين. فقال أمير المؤمنين (ع): يقوّم ما فيها ثمّ يؤكل لأنّه يفسد و ليس له بقاء فإذا جاء طالبها غرموا له الثّمن. قيل له: يا أمير المؤمنين لا يدري سفرة مسلم أو سفرة مجوسيّ؟ فقال (ع): هم في سعة حتّي يعلموا «1»». إنّ المستفاد من هذه الموثقة أصالة الحلّية في كلّ ما احتمل حرمته من جهة عدم التذكية أو أيّة جهة أخري.

و لا نظر لها إلي أمارية يد المسلم كما توهّم لعدم إحراز يد المسلم علي السفرة المطروحة في الطريق المجهول مالكها لاحتمال كونه مجوسيا و أمّا قوله: «لأنّه يفسد» تعليل في الحقيقة لعدم وجوب حفظه لصاحبه. و موثقة سماعة: «أنّه سأل أبا عبد اللّه (ع) عن تقليد السّيف في الصّلاة و فيه الفراء و الكيمخت، فقال: لا بأس ما لم تعلم أنّه ميتة «2»».

و في صحيح علي بن أبي حمزة: «إنّ رجلا سأل أبا عبد اللّه (ع) و أنا عنده عن الرّجل يتقلّد السّيف و

يصلّي فيه؟ قال (ع): نعم. فقال الرّجل: إنّ فيه الكيمخت.

قال (ع): و ما الكيمخت؟ قال: جلود الدّوابّ منه ما يكون ذكيّا و منه ما يكون ميتة.

فقال (ع): ما علمت أنّه ميتة فلا تصلّ فيه «3»».

______________________________

(1) الوسائل/ ج 2- ص 1073- ح 11- ج 16- ص 307- ب 38- ح 2.

(2) الوسائل/ ج 2- ص 1073- ح 12- ج 16- ص 307- ب 38- ح 1.

(3) الوسائل/ ج 2- ص 1072- ح 4.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 113

مسألة 26: لو وثب من الماء سمكة إلي السفينة لم يحلّ ما لم يؤخذ باليد (1)

و لم يملكه السّفّان و لا صاحب السفينة. بل كلّ من أخذه بقصد التملك ملكه. نعم لو قصد صاحب السفينة الصيد بها بأن يجعل فيها ضوء بالليل و دقّ بشي ء كالجرس ليثب فيها السموك فوثبت فيها فالوجه انه يملكها (2). و يكون وثوبها فيها بسبب ذلك بمنزلة إخراجها حيّا فيكون به تذكيتها.

______________________________

هذا مضافا إلي جريان أصالة الصحة في فعل المسلم بحمله علي الصحيح المشروع عند الشك في تذكيته و لكن مع أمارية يده و سوق المسلمين لا تصل النوبة الي الأصل. ثم إنّه لو شك أنّ السمك من النوع الحلال أو الحرام يحكم أيضا بحلّيته بمقتضي إطلاق قوله (ع): «هم في سعة حتي يعلموا» في معتبرة السكوني و قوله (ع): «كل إذا كان ذلك في سوق المسلمين و لا تسأل عنه» في صحيحة الفضلاء لكون السؤال فيه عن مطلق اللّحوم و أنّه لا يدري ما صنع القصّابون. حيث من المحتمل أنّ الذين لا يبالون منهم بالدين أن يذبحوا غير مأكول اللّحم علي الحيوانات كما يحتمل عدم تذكيتهم مأكول اللحم علي الوجه الشرعي.

(1) لدلالة النصوص علي دوران تذكية السمك مدار أخذه من الماء.

(2) لصدق الاصطياد بالآلة

و إخراج السمك من الماء حيّا و أخذه عرفا فيشمله عمومات نصوص المقام.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 114

مسألة 27: لو نصب شبكة أو صنع حظيرة في الماء لاصطياد السمك فكلّ ما وقع و احتبس فيها ملكه (1).

فإن أخرج ما فيهما من الماء حيّا حلّ بلا اشكال. و كذا لو نضب الماء و غار و لو بسبب جزره فمات فيها بعد نضوبه. و أمّا لو مات في الماء فهل هو حلال أم لا؟ قولان، أشهرهما و أحوطهما الثاني.

بل لا يخلو من قوّة (2) و لو أخرج الشبكة من الماء فوجد بعض ما فيها

______________________________

(1) لأنه صيد و حيازة للسمك الواقع في الحظيرة و انّ نضوب الماء و غوره لا يمنع عن صدق ذلك.

(2) لو مات السمك في آلة الصيد داخل الماء 2- بل الأقوي الحليّة- و ان نسب الحرمة إلي المشهور- و ذلك لدلالة النصوص الواردة في المقام علي حلية ما مات في آلة الصيد و يكون دلالة بعضها بمناسبة الحكم و الموضوع- و ان كان السؤال عن الحظيرة. مثل صحيح الحلبي قال: «سألته عن الحظيرة من القصب تجعل في الماء للحيتان فيدخل فيها الحيتان فيموت بعضها فيها. فقال (ع): لا بأس لأنّ تلك الحظيرة إنّما

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 115

______________________________

جعلت ليصاد بها «1»».

و صحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه (ع) قال: «سألته عن الحظيرة من القصب تجعل للحيتان في الماء فيدخلها الحيتان فيموت بعضها فيها. قال (ع):

لا بأس «2»». و دلالة بعضها واضحة.

مثل صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع): «في رجل نصب شبكة في الماء ثم رجع إلي بيته و تركها منصوبة فأتاها بعد ذلك و قد وقع فيها سمك فيموتنّ. فقال (ع): ما عملت يده فلا بأس بأكل ما وقع فيها «3»».

و

معتبرة مسعدة بن صدقة عن أبي عبد اللّه (ع) قال: «سمعت أبي (ع) يقول: إذا ضرب صاحب الشّبكة بالشّبكة فما أصاب فيها من حيّ أو ميّت فهو حلال ما خلا ما ليس له قشر و لا يؤكل الطّافي من السّمك «4»».

و ما رواه في قرب الاسناد عن عبد اللّه بن الحسن عن جدّه علي بن جعفر عن أخيه موسي بن جعفر (ع) قال: «سألته عن الصّيد نحبسه فيموت في مصيدته أ يحلّ أكله؟ قال (ع): إذا كان محبوسا فكله فلا بأس «5»».

و أمّا ما تمسّك بها في قبال هذه النصوص فلا تقاومها لأنّ تلك

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 303- ب 35- ح 3.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 304- ب 35- ح 5.

(3) الوسائل/ ج 16- ص 303- ب 35- ح 2.

(4) الوسائل/ ج 16- ص 304- ب 35- ح 4.

(5) الوسائل/ ج 16- ص 304- ب 35- ح 6.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 116

______________________________

النصوص ناظرة إلي إعادة السمك الي الماء بعد ما صيد أو اخرج منه.

مثل ما رواه في قرب الاسناد عن عبد اللّه بن الحسن عن علي بن جعفر عن أخيه (ع) قال: «سألته عن السّمك يصاد و لم يوثّق فيردّ إلي الماء حتّي يجي ء من يشربه فيموت بعضه أ يحلّ أكله؟ قال: لا لأنّه مات في الذي فيه حياته» مع انه ضعيف سندا بعبد اللّه بن الحسن العلوي لعدم توثيقه.

و صحيح عبد المؤمن بن القسّام قال: «أمرت رجلا أن يسأل لي أبا عبد اللّه (ع) عن رجل صاد سمكا و هنّ أحياء ثمّ أخرجهنّ بعد ما مات بعضهنّ. فقال (ع):

ما مات فلا تأكله فإنّه مات فيما كان فيه حياته «1»».

فإنه يحتمل كون المراد إبقاء السمك في الماء بعد صيده و أخذه و إخراجه كما قال في الجواهر «2». و أمّا عمل المشهور فلا ينجبر به ضعف دلالة الخبر.

و أمّا عموم تعليل: «لأنّه مات في الذي فيه حياته» - كما في عدّة من النصوص «3» - فخصّص بما ذكرنا من النصوص الدالة علي حلّية ما مات في الحظيرة. ثم ان ظاهر عموم تعليله (ع) بقوله: «إنّ الحظيرة إنّما جعلت ليصاد بها»، حلية ما مات من الأسماك في مطلق آلات الصيد حيث علّل (ع) حلّية ما مات

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 303- ب 35- ح 1.

(2) الجواهر/ ج 36- ص 169.

(3) الوسائل/ ج 16- ص 300- ب 33- ح 2، و ص 301- ح 6 و ص 303- ب 35- ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 117

أو كلّه ميّتا و لم يدر انه قد مات في الماء أو بعد خروجه فالأحوط الاجتناب عنه (1).

______________________________

في الحظيرة بأنّها جعلت آلة للصيد. و القول بأنّ هذا التعليل في خصوص الحظيرة، و انّه لخصوصية- مثل وقوع جمع من الأسماك فيها أو غيره ذلك من الخصوصيات المحتملة- هدم لقاعدة عموم التعليل. لوضوح كون أيّ تعليل في مورد خاصّ، و الا لم يكن معني لتعميم الحكم المعلّل عليه فإنه المقصود من معمّمية العلة عن مورد التعليل.

و عليه فلا فرق في حلّية ما مات في آلة الصيد بين أنواع آلات الصيد.

(1) لا وجه للاحتياط الوجوبي بعد تقوية حلية كل ما مات في آلة الصيد بمقتضي عموم التعليل المذكور فينبغي ان يكون استحبابيا.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 118

مسألة 28: لو اخرج السمك من الماء حيّا ثم أعاده إليه مربوطا

أو غير مربوط فمات فيه حرم (1).

مسألة 29: لو طفي السمك علي الماء و زال امتناعه بسبب

مثل أن ضرب بمضراب أو بلع ما يسمّي بالزهر- في لسان بعض الناس- أو غير ذلك، فإن أدركه شخص و أخذه و أخرجه من الماء قبل أن يموت حلّ

______________________________

(1) حكم ما لو أعيد السمك في الماء بعد ما أخرج منه 1- لدلالة النصوص: مثل صحيح أبي أيوب: «أنّه سأل أبا عبد اللّه (ع) عن رجل اصطاد سمكة فربطها بخيط و أرسلها في الماء فماتت أتوكل؟ فقال لا «1»».

و معتبرة عبد الرحمن بن سيابة قال: «سألت أبا عبد اللّه عن السّمك يصاد ثمّ يجعل في شي ء ثمّ يعاد في الماء فيموت فيه. فقال (ع): لا تأكل لأنّه مات في الذي فيه حياته «2»».

و خبر علي بن جعفر عن أخيه (ع) قال: «سألته عن السّمك يصاد و لم يوثّق فيردّ إلي الماء حتي يجي ء من يشتريه فيموت بعضه يحلّ أكله؟ قال (ع): لا، لأنّه مات في الذي فيه حياته «3»».

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 300- ب 33- ح 1.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 300- ب 33- ح 2.

(3) الوسائل/ ج 16- ص 300- ب 33- ح 6.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 119

و ان مات علي الماء حرم (1) و ان ألقي الزهر أحد فبلعه السّمك و صار علي وجه الماء و زال امتناعه، فان لم يكن بقصد الاصطياد لم يملكه (2). فلو أخذ غيره ملكه من غير فرق بين

______________________________

هذه النصوص و ان وردت في السمك المصيد بآلة خاصّة مثل المقلاع و الصنارة المربوطة بالخيط الّا انّ المستفاد منها إناطة الحرمة بإخراج السمك من الماء بعد اصطياده و إعادته ثانيا من دون خصوصية لآلة الصيد.

(1) لما سبق من

النصوص الدالة علي حلّية السمك إذا أخذ و أخرج من الماء حيّا و حرمته إذا مات في الماء.

(2) حكم صيد السّمك بإلقاء السّمّ 2- و الوجه فيه ما سبق من اعتبار قصد الاصطياد في صدق عنوان الصيد.

فاذا لم يقصد ذلك لا يملك السّمك بعنوان الصيد. نعم لو أخذه ملكه لعدم اعتبار القصد في مملّكية الأخذ لكونه بنفسه حيازة كما سبق في كتاب احياء الموات و اللقطة. و هذا بخلاف ما إذا قصد الاصطياد بإلقاء السّمّ أو الموادّ المنفجرة فيملك الأسماك بمجرّد زوال امتناعها و وقوعها علي وجه الماء نظرا إلي صدق عنوان الصيد عليه لوضوح عدم الفرق في صدقه باختلاف آلاته و أسبابه. و قد مرّ أنّ الصيد من مصاديق الحيازة فلا يعتبر فيه الأخذ الحقيقي بل

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 120

ما إذا قصد سمكا معيّنا أولا (1). و ان كان بقصد الاصطياد و التملّك فلا يبعد أن تكون إزالة امتناعه مملّكا له فلا يملكه غيره بالأخذ. و كذا الحال إذا كان ازالة امتناعه بشي ء آخر كاستعمال آلة كما إذا رماه بالرصاص فطفي علي الماء. و بالجملة لا يبعد أن تكون إزالة امتناعه بقصد الاصطياد و التملّك مطلقا موجبة للملكية كالحيازة.

مسألة 30: لا يعتبر في حلية السمك بعد ما اخرج من الماء حيا أو أخذ حيّا بعد خروجه أن يموت خارج الماء بنفسه (2).

فلو قطعه قبل أن

______________________________

يكفي الاستيلاء عليه.

(1) كما مرّ من كفاية قصد جنس الصيد في دخوله تحت الملك بالاصطياد و عدم اعتبار قصد الحيوان المعيّن في ذلك.

(2) نعم لا يخلو مرسل الاحتجاج من دلالة علي اعتبار موت السمك بنفسه في ذكاته الّا انّه ضعيف لا يقاوم النصوص المعتبرة المستفيضة الدالّة علي عدم اعتبار أصل الموت في ذكاة السمك فضلا عن موته بنفسه.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 121

يموت و مات

بالتقطيع أو غيره حلّ أكله (1).

بل لا يعتبر في حلّه الموت رأسا فيحلّ بلعه حيا (2). بل لو قطع منه

______________________________

(1) عدم اعتبار الموت في ذكاة السّمك 1- كما قال في الجواهر: «بل يمكن القطع بعدم اعتبار الموت حتف الأنف في تذكيته و حينئذ فالمذهب الجواز.. و لعلّه لذا لو قطع منه قطعة بعد خروجه فهي حلال و ان عاد الباقي الي الماء سواء مات فيه أو لا. كما نص عليه في الدروس. نعم لو قطع منه قطعة و هو بعد في الماء حيّ أو ميّت لم تحلّ لأنها قطعة مبانة من حيّ غير مذكّي إذ ليس في الأدلة ما يقتضي ذكاة تلك القطعة بأخذها كما هو واضح «1»». و الدليل علي ذلك النصوص المستفيضة النافية بظاهرها اعتبار أصل الموت.

(2) لما دلّ من النصوص علي أنّ «صيد السّمك ذكاته» كما في ما رواه علي بن جعفر «2» و تضمّنه معتبرة مسعدة «3» و إنّ «صيد الحيتان أخذها»، كما

______________________________

(1) الجواهر/ ج 36- ص 171.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 299- ح 8.

(3) الوسائل/ ج 16- ص 305- ب 37- ح 3.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 122

قطعة و أعيد الباقي الي الماء حلّ ما قطعة (1) سواء مات الباقي في الماء أم لا. نعم لو قطع في الماء قطعة- و هو في الماء حيّ أو ميّت- لم

______________________________

في موثقة سماعة «1» و صحيح الحلبي «2» و في معتبرة مسعدة: «إذا ضرب صاحب الشّبكة بالشّبكة فما أصاب فيها من حيّ أو ميّت فهو حلال ما خلا ما ليس له قشر «3»». و قوله (ع): «ذكاة الجراد و السّمك أخذه «4»». كما في ما رواه الصدوق بإسناده عن الأعمش

عن الصادق (ع).

فان هذه النصوص تنفي بظهورها- بل صراحة بعضها- اعتبار موت السمك في ذكاته و حلية أكله. و اما قوله (ع): «إنّ السّمك ذكاته إخراجه من الماء ثمّ يترك حتّي يموت من ذات نفسه «5»». في رواية الاحتجاج، فينظر إلي نفي اعتبار الذّبح. كما يشير اليه تعليله- عليه السلام- ذلك بقوله: «و ذلك أنّه ليس له دم» أي دم سائل.

(1) لأنه جزء مبان من مذكّي فحلال أكله لتذكيته و الموت اللاحق للباقي لا يؤثّر في هذا الجزء المنفصل عنه.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 299- ح 5.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 299- ح 9.

(3) الوسائل/ ج 16- ص 303- ب 35- ح 4.

(4) الوسائل/ ج 16- ص 322- ب 3- ح 9.

(5) الوسائل/ ج 16- ص 297- ب 31- ح 8.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 123

يحلّ (1) ما قطعه.

مسألة 31: ذكاة الجراد أخذه حيّا

سواء كان باليد أو بالآلة فلو مات قبل أخذه حرم (2).

______________________________

(1) لأنه جزء مبان من غير المذكّي فيحرم أكله لعدم وقوع التذكية عليه.

(2) في ذكاة الجراد 2- لدلالة النصوص. مثل ما رواه الصدوق في الخصال بإسناده إلي الأعمش عن الصادق (ع): «ذكاة الجراد و السّمك أخذه «1»».

و ما رواه علي بن جعفر في كتابه عن أخيه موسي بن جعفر (ع): «قال:

سألت عمّا أصاب المجوس من الجراد و السّمك يحلّ أكله؟ قال (ع): صيده ذكاته، لا بأس «2»».

و ما رواه الطبرسي في الاحتجاج عن أبي عبد اللّه (ع) في حديث: «إنّ زنديقا قال له: السّمك ميتة. قال (ع): إنّ السّمك ذكاته إخراجه من الماء ثمّ يترك حتي يموت من ذات نفسه و ذلك أنّه ليس له دم و كذلك الجراد «3»». و غيرها من

______________________________

(1)

الوسائل/ ج 16- ص 322- ب 3- ح 9.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 299- ب 32- ح 8.

(3) الوسائل/ ج 16- ص 297- ب 31- ح 8.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 124

و لا يعتبر فيه التسمية و لا الإسلام (1) كما مرّ في السمك. نعم لو وجده ميّتا في يد الكافر لم يحلّ ما لم يعلم بأخذه حيّا. و لا تجدي يده و لا إخباره في إحرازه.

______________________________

النصوص «1» الدالة علي اشتراك السمك و الجراد في الحكم.

(1) لأنه مقتضي اتّحادهما في الحكم و انّ ظاهر ما دلّ علي أنّ السمك و الجراد ذكيّ في نفسه أو بمجرّد الخروج من الماء أو بالأخذ، نفي اعتبار التسمية و الإسلام.

مثل صحيح سليمان بن خالد قال: سألت أبا عبد اللّه (ع) عن الحيتان التي تصيدها المجوس فقال: ان عليّا (ع) كان يقول: «الحيتان و الجراد ذكيّ «2»».

و مثله صحيح أبي مريم الأنصاري قال: قلت لأبي عبد اللّه (ع): ما تقول فيما صادت المجوس من الحيتان؟ فقال: كان عليّ (ع) يقول: «الحيتان و الجراد ذكيّ «3»».

و صحيح حماد بن عيسي قال: سمعت أبا عبد اللّه (ع) يذكر عن أبيه قال:

قال عليّ (ع): «الحيتان و الجراد ذكيّ كلّه «4»». و غيرها من النصوص «5».

______________________________

(1) راجع الوسائل/ ج 16- ص 305- ب 37.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 299- باب 32- ح 4.

(3) الوسائل/ ج 16- ص 299- باب 32- ح 6.

(4) الوسائل/ ج 16- ص 306- ب 37- ح 9.

(5) الوسائل/ ج 16- ص 299- ح 8- و ص 297- ب 31- ح 6 و 8 و ص 305- ح 3.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 125

مسألة 32: لو وقعت نار في أجمة و نحوها فأحرقت ما فيها من الجراد لم يحلّ و إن قصده المحرق (1).

نعم

لو مات بعد أخذه- بأيّ نحو كان- حلّ. كما انه لو فرض كون النار آلة صيد الجراد بأنّه لو أجّجها اجتمعت من الأطراف و ألقت أنفسها فيها فأجّجت لذلك فاجتمعت و احترقت بها لا يبعد حليتها (2).

______________________________

(1) حكم ما لو احترقت الجراد في الأجمة 1- لعدم صدق عنوان الصيد بذلك و قد دلّ عليه بالخصوص موثّق عمّار عن أبي عبد اللّه (ع): «أنّه سئل عن السّمك يشوي و هو حيّ. قال (ع): نعم لا بأس به. و سئل عن الجراد إذا كان في قراح فيحرق ذلك القراح فيحترق ذلك الجراد و ينضج بتلك النّار، هل يؤكل؟ قال (ع): لا «1»».

(2) بدعوي صدق عنوان الصيد عليه و انصراف موثقة عمّار عنه لنظرها ظاهرا إلي ما إذا لم يتّخذ القراح آلة للصيد و لم يكن إحراقه بقصد الاصطياد.

هذا و لكن الإنصاف أنّه لا يبعد دعوي إطلاق هذه الموثقة لما إذا اتّخذ القراح آلة للصّيد بأن قصد باحراقه صيد ما تعشّش فيه من الجراد. فان إحراق ذلك القراح الكائن فيه الجراد أعمّ من أن يكون بقصد الاصطياد أم لم يكن. و عليه

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 306- ح 5.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 126

مسألة 33: لا يحلّ من الجراد ما لا يستقل بالطيران (1)

و هو المسمّي بالدّبي علي وزن «عصا» و هو الجراد إذا تحرّك و لم تنبت بعد أجنحته.

______________________________

فالأحوط وجوبا- لو لم يكن الأقوي- الاجتناب عن الجراد المحترق بإحراق الأجمة. نعم لو جمع الجراد بنفس إشعال النّار بحيث صاده بوسيلة ضوء النّار فألقي الجراد نفسه في النّار بسببه- كما فرض في المتن- لا يبعد حلّيته كما قال الماتن «قده» لان الموثقة ظاهرة فيما إذا كان الجراد في القراح بنفسه و طبعه دون ما

إذا اتّخذ القراح مصيدة و ألقي فيها الجراد بإشعال النّار.

(1) اعتبار الاستقلال بالطيران في حلّية الجراد 1- كما هو المشهور بل المتّفق عليه. و قد دلّ عليه صحيح عليّ بن جعفر عن أخيه (ع) قال: «سألته عن الدّبا من الجراد قال: لا يحلّ حتي يستقلّ بالطّيران».

و ممّا يدلّ علي ذلك موثّقة عمّار عن أبي عبد اللّه (ع): «في الذي يشبه الجراد و هو الذي يسمّي الدّبا ليس له جناح يطير به إلّا أنّه يقفز قفزا أ يحلّ أكله؟

قال (ع): لا يؤكل ذلك لأنّه مسخ «1»».

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 306- ح 7.

كتاب الذباحة

اشارة

شرائط الذّابح آلة الذّبح و شرائطه و أحكامه

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 129

القول في الذباحة و الكلام في الذّابح و آلة الذّبح و كيفيّته و بعض الأحكام المتعلّقة به في طيّ مسائل.

مسألة 1: يشترط في الذابح أن يكون مسلما أو بحكمه

كالمتولّد منه فلا تحلّ ذبيحة الكافر مشركا كان أم غيره حتّي الكتابي علي الأقوي (1).

______________________________

(1) اشتراط الإسلام في الذّابح 1- هو المشهور شهرة عظيمة، بل استقرّ عليه إجماع الأصحاب، كما حكاه الشيخ و المرتضي بل عدّ من ضروريات المذهب. مضافا الي دلالة النصوص المستفيضة البالغة حدّ التواتر المعنوي المقطوع صدور مضمونها من الأئمّة (ع).

مثل صحيح حنان بن سدير قال: «دخلنا علي أبي عبد اللّه (ع) أنا و أبي فقلنا له: جعلنا فداك إنّ لنا خلطاء من النّصاري و إنّا نأتيهم فيذبحون لنا الدّجاج و الفراخ و الجداء أ فنأكلها؟ قال (ع): لا تأكلوها و لا تقربوها فإنّهم يقولون علي

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 130

______________________________

ذبائحهم ما لا أحبّ لكم أكلها «1»».

و صحيح قتيبة الأعشي قال: «سألت أبا عبد اللّه عن ذبائح اليهود و النّصاري فقال (ع): الذّبيحة اسم و لا يؤمن علي الاسم إلّا مسلم «2»».

و موثّقة سماعة عن الكاظم (ع) قال: «سألته عن ذبيحة اليهوديّ و النّصرانيّ فقال: لا تقربوها «3»».

و صحيح إسماعيل بن جابر قال: «قال لي أبو عبد اللّه (ع): لا تأكلوا ذبائحهم، يعني أهل الكتاب «4»». و قوله: «يعني أهل الكتاب» من كلام الراوي و الكليني. و حسنة الحسين بن علوان عن جعفر عن أبيه إنّ عليّا كان يقول: «كلوا من طعام المجوس كلّه ما خلا ذبائحهم فإنّها لا تحلّ و إن ذكر اسم اللّه عليها «5»».

و صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه (ع)

قال: «لا يذبح لك اليهوديّ و لا النّصرانيّ أضحيّتك «6»». و غيرها من النصوص فراجع الوسائل «7».

و أمّا النصوص الواردة في مقابلها فهي علي كثرتها محمولة علي التّقية لموافقتها مذهب العامّة مع اختلاف مضامينها و من هنا أعرض عنها المشهور.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 283- ب 27- ح 3.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 284- ب 27- ح 8.

(3) الوسائل/ ج 16- ص 284- ب 27- ح 9.

(4) الوسائل/ ج 16- ص 284- ب 27- ح 10 و 12.

(5) الوسائل/ ج 16- ص 284- ب 27- ح 10 و 12.

(6) الوسائل/ ج 16- ص 290- ب 27- ح 42.

(7) الوسائل/ ج 16- ب 27 من الذبائح.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 131

______________________________

و يكون اختلافها إلي حدّ قد عدّها في الجواهر اثني عشرة صنفا ثم قال بعد ذكر هذه الأصناف: «الي غير ذلك من الاختلاف الذي يورث الفقيه القطع بخروج هذه النصوص مخرج التقية التي قد خفي الأمر من جهتها في ذلك الزمان علي مثل أبي بصير و المعلّي و هما من البطانة «1»». ثم استشهد «قده» لذلك بصحيح شعيب العقرقوفي «2» و ما روي عن ابن أبي عمير «3» الدالّين علي خفاء جهة التقية عنهما. و لا نذكر هذه الروايات هنا حذرا من الاطناب و نرجعكم إلي المصدر «4» فراجع.

______________________________

(1) الجواهر/ ج 36- ص 85.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 287- ح 25.

(3) الوسائل/ ج 16- ص 285- ح 16.

(4) الجواهر/ ج 36- ص 81 و الي الوسائل/ ج 16- ص 282- ب 27.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 132

و لا يشترط فيه الايمان (1) فتحلّ ذبيحة جميع فرق الإسلام

______________________________

(1) عدم اعتبار الايمان

في الذّابح 1- و ذلك لإطلاق قوله تعالي فَكُلُوا مِمّٰا ذُكِرَ اسْمُ اللّٰهِ عَلَيْهِ «1». و قوله تعالي وَ مٰا لَكُمْ أَلّٰا تَأْكُلُوا مِمّٰا ذُكِرَ اسْمُ اللّٰهِ عَلَيْهِ وَ قَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مٰا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ «2».

و لدلالة النصوص علي عدم اشتراطه بالخصوص:

مثل صحيح قتيبة الأعشي عن أبي عبد اللّه (ع) قال: «الذّبيحة اسم و لا يؤمن علي الاسم إلّا مسلم «3»». حيث دلّ علي حلّية ذبيحة المسلم و نفي اعتبار غير الإسلام.

و صحيح محمد بن قيس عن أبي جعفر (ع) قال: «قال أمير المؤمنين:

ذبيحة من دان بكلمة الإسلام و صام و صلي لكم حلال إذا ذكر اسم اللّه عليها «4»».

و صحيح سليمان بن خالد قال: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن ذبيحة الغلام و المرأة هل تؤكل؟ فقال: إذا كانت المرأة مسلمة فذكرت اسم اللّه علي ذبيحتها حلّت

______________________________

(1) الانعام/ 118- 119.

(2) الأنعام/ 118- 119.

(3) الوسائل/ ج 16- ص 284- ح 8.

(4) الوسائل/ ج 16- ص 292- ب 28- ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 133

عدا النّاصب (1) و إن أظهر الإسلام.

______________________________

ذبيحتها «1»».

و معتبرة مسعدة بن صدقة عن أبي عبد اللّه (ع) في حديث: «إنّه سئل عن ذبيحة المرأة فقال إذا كانت مسلمة و ذكرت اسم اللّه عليها فكل «2»». و مثل ذلك ما رواه في تفسير العياشي عن ابن سنان «3».

و مما يدلّ علي ذلك النصوص الدالّة علي حلّية ذبائح سوق المسلمين ما لم يعلم أنّها ميتة و نقلناها آنفا.

(1) هو المشهور بل المتّفق عليه بين الأصحاب و قد دلّ عليه ما يثبت كفره من النصوص بضميمة ما دلّ علي حرمة ذبيحة الكفار. مضافا إلي موثّق أبي بصير قال: سمعت أبا عبد

اللّه (ع) يقول: «ذبيحة النّاصب لا تحلّ «4»».

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 277- ح 6 و 7.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 277- ح 6 و 7.

(3) الوسائل/ ج 16- ص 277- ح 11.

(4) الوسائل/ ج 16- ص 292- ب 28- ح 2.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 134

مسألة 2: لا يشترط فيه الذكورة و لا البلوغ و لا غير ذلك (1)

فتحلّ ذبيحة المرأة فضلا عن الخنثي و كذا الحائض و الجنب و النفساء

______________________________

(1) عدم اشتراط الذكورة و البلوغ 1- لاتّفاق الأصحاب و دلالة النصوص المستفيضة. مثل صحيح سليمان بن خالد قال: سألت أبا عبد اللّه (ع): «عن ذبيحة الغلام و المرأة هل تؤكل؟ فقال (ع): إذا كانت المرأة مسلمة فذكرت اسم اللّه علي ذبيحتها حلّت ذبيحتها. و كذلك الغلام إذا قوي علي الذّبيحة فذكر اسم اللّه و ذلك إذا خيف فوت الذّبيحة و لا يوجد من يذبح غيرهما «1»».

يحتمل قويا كون قوله: «و ذلك..» قول الرّاوي أو أحد المشايخ الثلاثة حيث نقله كلّهم.

و صحيح عمر بن أذينة عن غير واحد رواه عنهما: «إنّ ذبيحة المرأة إذا أجادت الذّبح و سمّت فلا بأس بأكله و كذلك الصّبيّ و كذلك الأعمي إذا سدّد «2»» و ممّا يدلّ علي عدم اعتبار البلوغ صحيح محمد بن مسلم قال: «سألت أبا عبد اللّه عن ذبيحة الصّبي. فقال (ع): إذا تحرّك و كان له خمسة أشبار و أطاق الشّفرة «3»». و مثله صحيح عبد الرّحمن «4» و معتبرة مسعدة بن صدقة «5».

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 277- ح 7.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 277- ح 8.

(3) الوسائل/ ج 16- ص 275- ب 22- ح 1.

(4) الوسائل/ ج 16- ص 275- ب 22- ح 2.

(5) الوسائل/ ج 16- ص 275- ب 22-

ح 3.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 135

______________________________

و المقصود من قوله (ع): «كان له خمسة أشبار» كون طول قامته بهذا المقدار.

حيث يقوي علي الذّبح حينئذ.

و مما يدلّ علي عدم اشتراط الذكورية بالخصوص معتبرة مسعدة بن صدقة عن أبي عبد اللّه (ع) في حديث أنّه سئل عن ذبيحة المرأة فقال: «إذا كانت مسلمة فذكرت اسم اللّه عليها فكل «1»».

و حسنة الحسين بن علوان أو معتبرته- بناء علي كونه عاميّا كما قيل- عن جعفر بن محمد عن أبيه عن عليّ (ع): «إنّه كان يقول: لا بأس بذبيحة المرأة «2»».

و صحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه (ع): «إنّ عليّ بن الحسين (ع) كانت له جارية تذبح له إذا أراد «3»». و مثله صحيح الحلبي «4».

و يدل علي ذلك أيضا ما رواه العياشي في تفسيره عن ابن سنان عن أبي عبد اللّه (ع) قال: «سألت عن ذبيحة المرأة و الغلام هل تؤكل؟ قال: نعم إذا كانت المرأة مسلمة و ذكرت اسم اللّه حلّت ذبيحتها و إذا كان الغلام قويّا علي الذّبح و ذكر اسم اللّه حلّت ذبيحته «5»».

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 288- ح 12- و ص 277- ح 6.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 288- ح 12- و ص 277- ح 6.

(3) الوسائل/ ج 16- ص 276- ب 23- ح 2 و ص 277- ح 9.

(4) الوسائل/ ج 16- ص 276- ب 23- ح 2 و ص 277- ح 9.

(5) الوسائل/ ج 16- ص 277- ح 11.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 136

و الطفل إذا كان مميّزا و الأعمي و الأغلف و ولد الزّنا (1).

______________________________

(1) جواز ذبح الجنب و الحائض و ولد

الزّنا 1- لا خلاف في ذلك كلّه بين الأصحاب و قد دلّت عليه النصوص المعتبرة مثل صحيح صفوان بن يحيي قال: سأل المرزبان أبا الحسن (ع): «عن ذبيحة ولد الزّنا- قد عرفناه بذلك- قال (ع): لا بأس به و المرأة و الصّبيّ إذا اضطرّوا إليه «1»».

و موثّقة السكوني عن أبي عبد اللّه (ع) في حديث قال: «و لا بأس أن يتنوّر الجنب و يحتجم و يذبح «2»».

و معتبرة مسعدة بن صدقة عن جعفر (ع): «إنّه سئل عن ذبيحة الأغلف قال (ع): كان عليّ (ع) لا يري به بأسا». «3»

و غير ذلك من النصوص مع عدم الحاجة إليها لدلالة مطلقات النصوص و عموماتها علي الحلّية. و من هنا يحكم بحلّية ذبيحة الحائض و النفساء.

مضافا الي استفادة اشتراكهما مع الجنب في الحكم. فمن النصوص المطلقة في المقام ما دلّ من الكتاب علي حلّيّة أكل مطلق ما ذكر اسم اللّه عليه. و من السنّة ما دلّ علي حلّية ذبيحة كلّ مسلم و مسلمة كما سبق ذكرها.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 279- ب 25- ح 1.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 269- ب 17- ح 2.

(3) الوسائل/ ج 16- ص 269- ب 17- ح 3.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 137

مسألة 3: لا يجوز الذّبح بغير الحديد مع الاختيار.

فان ذبح بغيره مع التمكن منه لم يحلّ (1) و ان كان من المعادن المنطبعة كالصفر و النحاس و الذهب و الفضّة و غيرها. نعم لو لم يوجد الحديد و خيف فوت الذبيحة بتأخير ذبحها

______________________________

(1) عدم جواز الذبح بغير الحديد اختيارا 1- لا خلاف فيه بين الأصحاب و قد دلّ عليه النصوص المعتبرة مثل صحيح محمد بن مسلم قال: «سألت أبا جعفر (ع) عن الذّبيحة باللّيطة و

بالمروة.

فقال (ع): لا ذكاة إلّا بحديدة «1»».

المروة: هي حجارة بيضاء براقة تقدح منها النار و المراد هنا الحادّة منها.

و اللّيطة: هي قشر القصب.

و حسنة سيف بن عميرة عن أبي بكر الحضرمي عن أبي عبد اللّه (ع):

«أنّه قال: لا يؤكل ما لم يذبح بحديدة «2»».

و موثقة سماعة قال: «سألته عن الذّكاة فقال (ع): لا تذكّ إلّا بحديدة نهي عن ذلك أمير المؤمنين «3»».

و صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه (ع) قال: «سألته عن ذبيحة العود و الحجر

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 252- ب 1- ح 1.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 252- ب 1- ح 3.

(3) الوسائل/ ج 16- ص 252- ب 1- ح 4.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 138

أو اضطرّ اليه جاز (1) بكلّ ما يفري أعضاء الذبح و لو كان قصبا أو ليطة أو حجارة حادّة أو زجاجة أو غيرها.

______________________________

و القصبة فقال: قال عليّ (ع): لا يصلح إلّا بحديدة «1»».

و عليه فلا يجوز الذبح بغير الحديد مطلقا كالذهب و الفضة و النّحاس و الصفر و حتي ما يسمي بإستيل إلّا ما كان منه عمدة اجزائه من جنس الحديد بحيث يلحقه أهل العرف بالحديد، نظير المذهّب و المفضّض حيث لا يعدّان ذهبا و لا فضّة بل يلحقهما أهل العرف بالحديد.

(1) جواز الذبح بغير الحديد حال الاضطرار 1- اتّفق الأصحاب علي جواز الذبح بغير الحديد حينئذ في الجملة. و قد دلّت عليه النصوص.

فمنها: صحيح عبد الرّحمن بن الحجّاج قال: «سألت أبا إبراهيم (ع) عن المروة و القصبة و العود يذبح بهنّ الإنسان إذا لم يجد سكّينا فقال: إذا فري الأوداج فلا بأس بذلك «2»».

و منها: صحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه

(ع) قال: «لا بأس أن تأكل ما ذبح بحجر إذا لم تجد حديدة «3»».

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 252- ب 1- ح 2.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 253- ب 2- ح 1.

(3) الوسائل/ ج 16- ص 253- ب 2- ح 2.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 139

نعم في وقوع الذكاة بالسنّ و الظّفر مع الضرورة إشكال. و ان كان عدم الوقوع بهما في حال اتّصالهما بالمحلّ لا يخلو من رجحان و الأحوط الاجتناب مع الانفصال أيضا و ان كان الوقوع لا يخلو من قرب (1).

______________________________

و منها صحيح زيد الشّحّام قال: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن رجل لم يكن بحضرته سكّين أ يذبح بقصبة؟ فقال (ع): اذبح بالحجر و بالعظم و بالقصبة و بالعود إذا لم تصب الحديدة إذا قطع الحلقوم و خرج الدّم فلا بأس به «1»».

و منها صحيح محمد بن مسلم قال: «قال أبو جعفر (ع) في الذّبيحة بغير حديدة قال: إذا اضطررت إليها فإن لم تجد حديدة فاذبحها بحجر «2»».

(1) حكم الذّبح بالسّن و العظم و الظّفر 1- وقع الخلاف في جواز الذّبح بالسّن و العظم و الظّفر مع الضّرورة بين القدماء و المتأخرين- بعد اتّفاقهم علي عدم جواز ذلك عند التمكن من الذبح بالحديد. فقال القدماء بعدم الجواز و ذهب المتأخرون إلي الجواز و هو الأقوي. و ذلك لانّ في المقام وردت روايتان:

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 254- ب 2- ح 3.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 254- ب 2- ح 4.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 140

______________________________

إحداهما: معتبرة الحسين بن علوان عن جعفر بن محمد عن أبيه عن عليّ (ع): «إنّه كان يقول: لا بأس بذبيحة المروة

و العود و أشباههما ما خلا السّنّ و العظم «1»».

و الثانية: صحيح زيد الشّحّام السابق آنفا و مقتضي القاعدة تقديم صحيح زيد و ذلك لإطلاق النهي في معتبرة الحسين بن علوان. فهو يشمل ما إذا لم يكن العظم ذا حدّة قاطعة للحلقوم. و لكن قد قيّد جواز الذبح بالعظم في صحيح الشّحّام بما إذا قطع الحلقوم. فهو مقيّد لإطلاق الحسنة. فيحكم بجواز الذبح بالعظم إذا كان ذا حدّة قاطعة. و إذا كان المناط ذلك فيقال به في السنّ أيضا بقرينة ذكره جنب العظم في النهي في فقرة واحدة و عدم اختصاصه بخصوصية.

هذا مضافا إلي قوّة احتمال إرادة الكراهة من البأس كما قال في الوسائل. و امّا الظفر فلم يرد فيه نهي بالخصوص في نصوصنا. نعم نقل من العامة «2» ما يدلّ عليه مع تفسير الظّفر فيه بمدي الخشبة و هو غير الظفر المعهود بل بمعني الشفرة كما قال في المجمع.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 254- ح 5.

(2) راجع الجواهر/ ج 36- ص 103.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 141

مسألة 4: الواجب في الذّبح قطع تمام الأعضاء الأربعة:

الحلقوم و هو مجري النفس دخولا و خروجا. و المري ء- و هو مجري الطعام و الشراب و محلّه تحت الحلقوم-، و الودجان: و هما العرقان الغليظان المحيطان بالحلقوم أو المري ء. و ربما يطلق علي هذه الأربعة الأوداج الأربعة (1). و اللازم قطعها و فصلها فلا يكفي شقّها من دون القطع و الفصل.

______________________________

(1) اعتبار قطع الأوداج الأربعة بتمامها 1- هذا علي المشهور. و لكن الوارد في النصوص اعتبار قطع الحلقوم و فري الأوداج من دون ذكر وصف الأربعة. كقوله (ع): «إذا فري الأوداج فلا بأس». في صحيح عبد الرّحمن «1». و قوله (ع): «إذا قطع

الحلقوم و خرج الدّم فلا بأس به «2»». في صحيح زيد الشحّام.

و أما اعتبار الأوداج الأربعة فاستدلّ عليه تارة: بأن لفظ الأوداج قد يطلق في عرف العرب علي الأوداج الأربعة كما قال في الجواهر «3» و اخري: بأنّ قطع الحلقوم يستلزم عادة قطع الأوداج الأربعة كلّها.

و يمكن الاستدلال علي ذلك أيضا بأنّه لا يصدق قطع الأوداج عرفا ما

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 253- ب 2- ح 1.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 253- ب 2- ح 3.

(3) الجواهر/ ج 36- ص 105.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 142

مسألة 5: محلّ الذبح في الحلق تحت اللّحيين علي نحو يقطع به الأوداج الأربعة.

و اللّازم وقوعه تحت العقدة المسمّاة في لسان أهل هذا الزمان بالجوزة، و جعلها في الرأس دون الجثّة و البدن بناء علي ما يدّعي من تعلّق الحلقوم أو الأعضاء الأربعة بتلك العقدة علي وجه لو لم تبق في الرأس بتمامها و لم يقع الذبح من تحتها لم يقطع الأوداج بتمامها.

و هذا أمر يعرفه أهل الخبرة فإن كان الأمر كذلك أو لم يحصل العلم بقطعها بتمامها بدون ذلك فاللازم مراعاته (1).

______________________________

دام لم يقطع جميعها فاذا قال شخص مثلا: «قطعت أوداج عنق الحيوان» - مع عدم قطع بعضها- يقال له حينئذ: «كيف قطعت الأوداج مع بقاء بعضها علي حالها كما كان؟!» و الرواية إنما وردت علي منوال فهم أهل العرف و عليه فظاهر قوله (ع): «إذا فري الأوداج» قطع الأوداج الأربعة كلّها.

(1) اعتبار وقوع الذبح تحت الجوزة 1- إنّ الذي دلّت النصوص علي اعتباره قطع الحلقوم و قطع الأوداج كما عرفت. و أيضا ورد في بعض النصوص من لزوم كون محلّ الذّبح في الحلق مثل صحيح معاوية بن عمّار قال: قال أبو عبد اللّه (ع): «النّحر في اللّبة

و

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 143

كما أنّه يلزم أن يكون شي ء من كلّ من الأوداج الأربعة علي الرأس حتي يعلم أنّها انقطعت و انفصلت عمّا يلي الرأس.

______________________________

الذّبح في الحلق «1»». و عليه فلا بد في الذّبح من قطع الحلقوم بحيث تقطع مع قطعه الأوداج الأربعة كلّها. و هذا لا يتحقق الّا بقطع ما تحت الجوزة من الحلقوم و ذلك لانتهاء بعض الأوداج الي الجوزة فلو قطعت الجوزة نفسها أو ما فوقها- الي جانب الرأس- لم تقطع تلك الأوداج المنتهية إلي الجوزة. و من هنا اعتبر قطع الحلقوم من تحت الجوزة. هذا مضافا إلي كفاية عدم قطع بعض الأوداج بقطع الجوزة أو فوقها في وجوب قطع ما تحتها من الحلقوم احتياطا بمقتضي أصالة عدم التذكية عند الشك في وقوعها علي الوجه الشرعي. كما قال في الجواهر: «و أمّا ما هو متعارف في زماننا هذا من اعتبار جعل العقدة التي في العنق المسماة في لسان أهل هذا الزمان بالجوزة في الرأس علي وجه يكون القطع من تحتها، فلم أجد له أثرا في شي ء من النصوص و الفتاوي اللّهم إلّا أن لا يحصل قطع الأوداج الأربعة بدون ذلك و لا أقلّ من الشك و الأصل عدم التذكية «2»».

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 254- ب 3- ح 1.

(2) الجواهر/ ج 36- ص 120.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 144

مسألة 6: يشترط أن يكون الذبح من القدّام

فلو ذبح من القفا و أسرع إلي أن قطع ما يعتبر قطعه من الأوداج قبل خروج الدّم حرمت (1).

______________________________

(1) اشتراط كون الذّبح من القدّام 1- و الدليل علي ذلك ظاهرا قوله (ع): «النّحر في اللّبّة و الذّبح في الحلق» في صحيح معاوية بن عمار «1»

و قوله (ع): «لا تأكل ذبيحة لم تذبح من مذبحها «2»». في صحيح محمّد بن مسلم. فإنّ الأوّل دلّ علي تعيين محلّ الذبح في الحلق و الثاني دلّ علي عدم كون الذّبح مشروعا إذا كان من غير هذا الموضع.

و عليه فلو ذبح الحيوان من جانب القفا يصدق عرفا انه لم يذبح من طرف الحلق. فان حرف «من» يفيد ابتداء الذّبح و شروعه من طرف الحلق و جانب قدّام الحيوان. و قد أشكل علي ذلك بانّ المقصود من هذا الصحيح النهي عن أكل ذبيحة ذبحت بغير قطع الحلقوم و فري الأوداج بأن قطع عضو آخر منه و الشاهد علي ذلك:

صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه (ع) في رجل ضرب سيفه جزورا أو شاة

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 256- ب 4- ح 2.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 256- ب 4- ح 2.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 145

______________________________

في غير مذبحها و قد سمي حين الذّبح قال (ع): «لا يصلح أكل ذبيحة لا تذبح من مذبحها «1»».

فان في صدر هذه الصحيحة جعل قتل الحيوان بضربة السيف في غير المذبح مقابل الذبح من المذبح. و عليه فليس المقصود منه وقوع الذبح من طرف الحلق و جانب قدّام الحيوان بل المراد أصل قطع الحلقوم و فري الأوداج كما في صحيحي زيد الشّحّام و عبد الرّحمن بن الحجّاج السابقين آنفا.

و يمكن الجواب عن هذا الاشكال بما حاصله أنّ هذه المقابلة ليست في كلام الامام (ع) بل الذبح في غير المذبح يكون مورد سؤال الرّاوي فلا تكون مانعة من ظهور كلام الإمام في ما قلناه.

و أمّا صحيح زيد و عبد الرّحمن ففي صدد بيان اعتبار أصل قطع الحلقوم و فري

الأوداج و لا نظر لهما إلي سائر خصوصيات الذبح. و علي فرض إطلاقهما لا ينافي تقييدهما بالدليل.

و لكن مع ذلك كلّه في النفس شي ء من التشكيك في تمامية دليل اشتراط كون الذّبح من القدّام فيشكل الفتوي بذلك بل الأنسب أن يحتاط وجوبا بترك أكل ما ذبح من القفا. و أمّا إشكال التنخيع فيمكن دفعه بأن من حين الشروع في قطع الرأس من القفا لا يصدق الذبيحة حتي يشمله قوله: «لا تنخع الذبيحة» «2» و يمكن الجواب عنه بصحة إطلاق الذبيحة حين ارادة الذبح

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 256- ح 3.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 258- ح 2.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 146

نعم لو قطعها من القدّام لكن لا من الفوق بأن أدخل السّكين تحت الأعضاء و قطعها الي الفوق لم تحرم (1) الذبيحة، و ان فعل مكروها علي الأوجه. و الأحوط ترك هذا النحو.

______________________________

كما ورد: «استقبل بذبيحتك القبلة».

و قد يشكل بعدم صدق الذبح علي ذلك بل هو قطع الرأس من القفا و إنّما سبب التذكية هو الذبح. و فيه أنّ السبب هو فري الأوداج و قطع الحلقوم.

بل هو الذبح و هذا متحقق في فرض الكلام.

(1) حكم إدخال السكين تحت الأوداج و قطعها الي الفوق 1- استدلّ علي الحرمة بما رواه الكليني عن عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن هاشم الجعفري عن أبيه عن حمران بن أعين عن أبي عبد اللّه (ع): قال:

«سألته عن الذّبح. فقال: إذا ذبحت فأرسل و لا تكتّف و لا تقلّب السّكين لتدخلها تحت الحلقوم و تقطعه إلي فوق و الإرسال للطّير خاصة فإن تردي في جب أو وهدة من الأرض فلا تأكله و لا تطعمه فإنّك لا

تدري التّردّي قتله أو الذّبح، الحديث «1»».

بتقريب: كون النهي عن قطع الحلقوم من تحته الي الفوق بقوله (ع): «و لا تقلّب السكين لتدخلها تحت الحلقوم و تقطعه الي فوق» إرشادا إلي مانعية

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 255- ب 3- ح 2.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 147

______________________________

ذلك من تحقّق الذّبح شرعا.

و فيه- مضافا إلي اكتناف هذه الفقرة صدرا بالآداب المستحبة حين الذبح و ذيلا بما هو مخالف للنصوص «1» الدالّة علي حلّية الذبيحة إذا وقعت بعد الذكاة من مرتفع أو في نار أو ماء- أنّ في سنده ضعفا، لأنّ أبا هاشم الجعفري و هو داود بن قاسم بن إسحاق و إن كان ثقة بل قيل بجلالة قدره و عظم منزلته عند الأئمة (ع). الّا ان أباه و هو قاسم بن إسحاق لم يرد فيه توثيق و لا مدح. و عليه فلا يصلح هذا الخبر لإثبات الحرمة بل و لا الكراهة إلّا بناء علي جريان التسامح في أدلّة المكروهات كما في السنن.

نعم لمّا كان هذا النوع من الذبح خارجا عن المتعارف الغالب فلذا في شمول النصوص له خفاء خصوصا بقرينة هذه الرواية فالأحوط استحبابا تركه كما قال الماتن «قده».

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 265- ب 13.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 148

مسألة 7: يجب التتابع في الذّبح بأن يستوفي قطع الأعضاء قبل زهوق الروح

فلو قطع بعضها و أرسل الذبيحة حتي انتهت الي الموت ثم قطع الباقي حرمت (1). بل لا يترك الاحتياط، بأن لا يفصل بينها بما يخرج عن المتعارف المعتاد و لا يعدّ معه عملا واحدا عرفا بل يعدّ عملين و ان استوفي التمام قبل خروج الروح منها (2).

______________________________

(1) وجهه دلالة نصوص المقام علي اعتبار كون فري الأوداج و قطع الحلقوم حال

حياة الحيوان و عليه فلا يحلّ إذا قطع بعض أوداجه بعد زهوق الرّوح.

هذا مضافا إلي ما دلّ علي اعتبار وجود آثار الحياة في المذبوح و هذا غير متحقّق في فرض الموت.

(2) لا يجب التتابع في الذبح 2- لا دليل علي اعتبار التتابع و عدم الفصل في قطع الأوداج بل الدّليل علي خلافه. و ذلك لدلالة النصوص علي أنّ المعتبر في تحقّق الذبح و حدّ إدراك الذكاة بروز آثار الحياة من الحيوان- بعد فري الأوداج- بتحريك رجل أو ذنب أو طرف عين. كما في صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه (ع) قال: «سألته عن الذّبيحة فقال: إذا تحرّك الطّرف أو الذّنب أو الأذن فهو ذكيّ «1»».

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 263- ب 11- ح 3.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 149

مسألة 8: لو قطع رقبة الذبيحة من القفا و بقيت أعضاء الذّباحة،

فإن بقيت لها الحياة المستكشفة بالحركة و لو يسيرة بعد الذبح و قطع الأوداج حلّت (1).

______________________________

و معتبرة عبد اللّه بن سليمان عن أبي عبد اللّه (ع) قال: في كتاب عليّ (ع): «إذا طرفت العين أو ركضت الرّجل أو تحرّك الذنب فأدركته فذكّه «1»».

فبناء علي ذلك في فرض الفصل بين قطع الأوداج خارجا عن الحدّ المتعارف المعتاد لو تحقق هذا الملاك بأن تحرّكت رجل المذبوح أو ذنبه أو طرفت عينه لا إشكال في حليّته و عليه فلا دليل علي اعتبار التتابع.

(1) حكم فري الأوداج بعد قطع رقبة الذبيحة 1- كما دلّ من النصوص علي أنّ حدّ إدراك الذكاة حركة أعضاء المذبوح كصحيح الحلبي و معتبرة عبد اللّه بن سليمان المزبورة آنفا. فاذا تحرّكت أعضاء الحيوان بعد الذبح و لو يسيرة بحيث تكشف عن حياة الحيوان حال الذبح يحلّ بإطلاق هذه النصوص. هذا مضافا الي

قوله تعالي:

إِلّٰا مٰا ذَكَّيْتُمْ. بتقريب أنّ في صدر الآية ذكرت الموقوذة في عقد المستثني منه، و هو الحيوان المصدوم بالضرب. و يشمل ما إذا قطعت رقبته من القفا

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 263- ب 11- ح 7.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 150

و ان كان لها حركة و لو يسيرة قبل الذّبح ذبحت. و إن خرج مع ذلك الدم المعتدل حلّت (1).

______________________________

بذلك فاستثنيت حرمته بالتذكية. و المفروض تحقّق حدّ إدراك الذّكاة بدلالة النصوص المزبورة. و عليه فالآية بضميمة هذه النصوص دليل علي وقوع الذكاة و حلّية الذبيحة بفري الأوداج حينئذ. مضافا إلي ما ورد من بعض النصوص المفسّرة في ذيل الآية.

مثل صحيح زرارة عن أبي جعفر (ع) قال: «كل كلّ شي ء من الحيوان غير الخنزير و النّطيحة و المتردّية و ما أكل السّبع.. و هو قول اللّه عز و جلّ إِلّٰا مٰا ذَكَّيْتُمْ، فإن أدركت شيئا منها و عين تطرف أو قائمة تركض أو ذنب يمصع فقد أدركت ذكاته فكله «1»».

(1) اعتبار خروج الدّم المعتدل بعد الذّبح 1- دلّ علي حلّية أكل الذبيحة بمجرّد خروج الدّم عدّة نصوص.

منها: صحيح زيد الشّحّام قال: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن رجل لم يكن بحضرته سكّين أ يذبح بقصبة؟ فقال: اذبح بالحجر و بالعظم و بالقصبة و العود إذا لم

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 262- ب 11- ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 151

______________________________

تصب الحديدة إذا قطع الحلقوم و خرج الدّم فلا بأس به «1»».

و منها: صحيح محمد بن مسلم قال: «سألت أبا جعفر (ع) عن مسلم ذبح و سمّي فسبقته السّكين بحدّتها فأبان الرّأس. فقال (ع): إن خرج الدّم فكل «2»».

و منها:

موثّقة سماعة عن أبي عبد اللّه (ع) قال: «لا بأس به إذا سال الدّم «3»».

و أمّا اعتبار خروج الدّم المعتدل فقد دلّ عليه ما رواه الحميري في قرب الاسناد عن أحمد بن إسحاق عن بكر بن محمد الأزدي عن أبي عبد اللّه (ع) إذ جاءه محمد بن عبد السّلام فقال له: «جعلت فداك يقول لك جدّتي إنّ رجلا ضرب بقرة بفأس فوقذها ثم ذبحها. فلم يرسل معه بالجواب و دعا سعيدة مولاة أمّ فروة فقال لها: إنّ محمّدا جاءني برسالة منك فكرهت أن أرسل إليك بالجواب معه.

فإن كان الرّجل الذي ذبح البقرة حين ذبح خرج الدّم معتدلا فكلوا و أطعموا و إن كان خرج خروجا متثاقلا فلا تقربوه «4»».

هذه الرّواية نقلت بطريقين أحدهما طريق الشيخ و هو ضعيف لوقوع الحسن بن مسلم في طريقه علي الأصح لما في نسختي الكافي و التهذيب «أو الحسين بن مسلم» - علي ما في نسخة الاستبصار- و كلاهما لم يرد فيهما

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 254- ب 11- ح 1.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 259- ب 9- ح 4.

(3) الوسائل/ ج 16- ص 259- ب 9- ح 2.

(4) الوسائل/ ج 16- ص 264- ب 12- ح 2 و 1.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 152

و الّا فان لم تتحرّك حتّي يسيرا قبل الذّبح حرمت و إن تحرّكت قبله و لم يخرج الدم المعتدل فمحلّ اشكال (1).

______________________________

توثيق و لا مدح و ليسا من المعاريف. و الآخر طريق الحميري في قرب الاسناد كما نقلنا و هو صحيح لتوثيق جميع رواته.

و أمّا دلالة فلا غبار عليها. و بدلالة هذه الصحيحة يحمل الدّم المذكور في صحيح أبي بصير علي الدم المتثاقل

كما قال في الوسائل.

و هو ما رواه الشيخ بإسناده عن الحسين بن سعيد عن عاصم بن حميد عن أبي بصير- يعني المرادي- قال: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن الشاة تذبح فلا تتحرّك و يهراق منها دم كثير عبيط. فقال (ع): لا تأكل إن عليّا (ع) كان يقول: إذا ركضت الرّجل أو طرفت العين فكل «1»».

(1) حكم ما لو تحرّكت الذبيحة قبل الذبح و لم يخرج الدم المعتدل بعده 1- لما يستفاد من النصوص المذكورة اعتبار أحد أمرين في حلّية الحيوان بالذبح. أحدهما: صدور حركة منه يعلم بها حياته بعد الذبح لكي يحرز وقوع التذكية علي الحيّ. و الآخر خروج الدم المعتدل بعده. فاذا انتفي الأمران معا لا دليل علي الحلّية بل محكوم بالحرمة بمقتضي أصالة عدم

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 264- ب 12- ح 1

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 153

______________________________

التذكية عند الشك.

نعم يفهم من إطلاق خبر سهل الحلّية في هذه الصورة:

و هو ما رواه الكليني عند عدّة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن ابن أبي نجران عن مثنّي الحنّاط عن أبان بن تغلب عن أبي عبد اللّه (ع) قال: «إذا شككت في حياة شاة فرأيتها تطرف عينها أو تحرّك أذنيها أو تمصع بذنبها فاذبحها فإنّها لك حلال «1»». فإنّه بإطلاقه دلّ علي حلّية أكل أيّة ذبيحة ذبحت حال حياته. سواء خرجت منها دم معتدل أم لا، و سواء صدر منها حركة بعد الذبح أم لا. بل يستكشف منه أنّ اعتبار الحركة بعد الذبح إنّما يكون لإحراز وقوع التذكية علي الحيّ فإذا أحرز ذلك بصدور حركة منه حين الذبح تفيد في الحلّية بل يدلّ علي ذلك:

صحيح زرارة عن أبي جعفر (ع)

قال: «كل كلّ شي ء من الحيوان غير الخنزير و النّطيحة و المتردّية و ما أكل السّبع و هو قول اللّه عزّ و جلّ إِلّٰا مٰا ذَكَّيْتُمْ فإن أدركت شيئا منها و عين تطرف أو قائمة تركض أو ذنب يمصع فقد أدركت ذكاته فكله «2»».

فان ظاهر قوله: «فقد أدركت ذكاته فكله» وقوع التذكية المحلّلة بمجرّد الذبح حينئذ. و إلي ذلك تنظر معتبرة عبد اللّه بن سليمان عن أبي عبد اللّه (ع)

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 263- ح 5.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 262- ب 11- ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 154

مسألة 9: لو أخطأ الذّابح و ذبح من فوق العقدة و لم يقطع الأعضاء الأربعة

فان لم تبق لها الحياة حرمت. و إن بقيت، يمكن أن يتدارك بأن يتسارع إلي إيقاع الذّبح من تحت و قطع الأعضاء و حلّت و استكشاف الحياة كما مرّ (1).

______________________________

قال: في كتاب عليّ (ع): «إذا طرفت العين أو ركضت الرّجل أو تحرّك الذّنب فأدركته فذكّه «1»».

و من هنا يعلم بقرينة هذه النصوص أنّ قوله (ع): «إذا تحرّك الذّنب أو الطّرف أو الأذن فهو ذكيّ «2»» في صحيح الحلبي و ان دلّ بظاهره علي اعتبار صدور الحركة بعد الذبح بقرينة كون السؤال عن الذبيحة إلّا أنّه ناظر إلي أمارية ذلك علي وقوع التذكية علي الحيّ و أنّه لا بدّ من إحرازه بالحركة بعد الذبح.

و عليه فلو صدرت من الحيوان حركة حال الذبح لا اعتبار لهذا الشرط.

بل هو شرط في خصوص ما إذا لم يصدر من الحيوان حركة حال الذبح. و اليه ينظر صحيح الحلبي المزبور. و عليه فحركة الحيوان حال الذبح يكفي لوقوع التذكية بلا اعتبار لخروج الدّم حينئذ.

(1) لكونه ذبح الحيوان الحيّ حينئذ فيشمله إطلاق ما دلّ من النصوص علي كفاية

وجود آثار الحياة حال الذبح في إدراك التذكية و حلّية الأكل.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 263- ب 11- ح 7.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 263- ب 11- ح 3.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 155

مسألة 10: لو أكل الذئب مثلا مذبح الحيوان و أدركه حيّا

فإن أكل تمام الأوداج الأربعة بتمامها بحيث لم يبق شي ء منها و لا منها شي ء فهو غير قابل للتذكية و حرمت (1) و كذا إن أكلها من فوق أو من تحت و بقي مقدار من الجميع معلّقة بالرأس أو متّصلة بالبدن علي الأحوط فلا يحلّ بقطع ما بقي منها (2). و كذلك لو أكل بعضها تماما فأبقي بعضها كذلك.

كما إذا أكل الحلقوم بالتمام و أبقي الباقي كذلك. فلو قطع الباقي مع الشرائط يشكل وقوع التذكية عليه (3). فلا يترك الاحتياط.

______________________________

(1) حكم ما لو أكل بعض الأوداج قبل الذبح 1- لاعتبار التذكية في حلية ما أكل السّبع بصريح قوله تعالي حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ.. وَ مٰا أَكَلَ السَّبُعُ إِلّٰا مٰا ذَكَّيْتُمْ و المفروض عدم قابلية الحيوان للتذكية.

(2) لعدم صدق الودج علي جزء منه اتّصل به الرأس بالبدن. و إنّ المأخوذ في حلّيّة أكل الذبيحة إبانة الأوداج بقطع كلّ واحد منها تماما لأنّه ظاهر قوله (ع): «إذا فري الأوداج فلا بأس». و أمّا قطع جلد ظريف خفيف باق من الودج فلا يصدق عليه قطع الودج و لا فرية.

(3) و ذلك لما يستفاد من الأدلّة من اعتبار قطع الأوداج الأربعة بتمامها و

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 156

مسألة 11: يشترط في تذكية الذبيحة مضافا إلي ما مرّ أمور:

أحدها: الاستقبال بالذبيحة حال الذبح

بأن يوجّه مذبحها و مقاديم

______________________________

هو غير متحقّق في فرض أكل بعضها تماما.

و الإشكال بأنّ فري الأوداج الأربعة إنّما استفيد اعتباره من نصوص المقام في صورة وجودها في الحيوان. و ظاهر ذلك عدم اعتباره في صورة فقدها كما هو مفروض المسألة، موجّها بأنّ ظاهر دليل اعتبار شي ء في موضوع أيّ حكم اشتراطه في فرض قابلية الموضوع لاتّصافه بذلك الشي ء و وجدانه.

واضح الدفع، و ذلك لان الكبري المعلّل بها و إن

صحّت في محلّها إلّا أنّها غير منطبقة علي المقام لان المقصود بها اعتبار الشرط فيما يكون قابلًا لوجدانه طبعا و مستعدّا لاتّصافه به في نفسه. و المفروض في المقام أنّ الحيوان المذبوح كان واجدا لجميع الأوداج و قابلًا لفريها و انّما عدم بعضها بأكل السبع.

هذا مضافا الي انّ مقتضي أصالة عدم التذكية عند الشك في تحقق التذكية بقطع بعضها أو قطع مقدار من كلّ واحد منها حرمة أكل الحيوان في جميع الموارد.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 157

بدنها إلي القبلة (1) فإن أخلّ به فان كان عالما عامدا حرمت. و إن كان ناسيا أو جاهلا أو مخطئا

______________________________

(1) في اشتراط استقبال الذبيحة 1- و الدليل علي ذلك مضافا إلي اتّفاق الأصحاب، النصوص المعتبرة منها: صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) قال: «سألته عن الذّبيحة. فقال (ع): استقبل بذبيحتك القبلة «1»».

و منها صحيحه الآخر عن أبي جعفر (ع) قال: «إذا أردت أن تذبح فاستقبل بذبيحتك القبلة «2»».

و أمّا توجيه مقاديم البدن إلي القبلة- مضافا إلي استقبال الرأس و الرقبة- فلأنّ استقبال الذبيحة ظاهر عرفا في ذلك فلا يصدق علي توجيه خصوص الرأس و الرقبة إلي القبلة.

و أمّا استقبال الذّابح فليس بلازم لعدم استفادته من نصوص المقام. فان حرف الباء في قوله (ع): «استقبل بذبيحتك القبلة» للتعدية. و يؤيّد هذا المعني فهم محمد بن مسلم، حيث سأل أبا جعفر «عن رجل ذبح ذبيحة فجهل أن يوجّهها

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 266- ب 14- ح 1.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 266- ب 14- ح 2.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 158

في القبلة أو في العمل لم تحرم (1) و لو لم يعلم جهة

القبلة أو لم يتمكن من توجيهها إليها سقط هذا الشرط. و لا يشترط استقبال الذّابح علي الأقوي و إن كان أحوط و أولي.

______________________________

إلي القبلة «1»». و أمّا وجه احتياط الماتن «قده» باستقبال الذّابح استحبابا فلعلّه لاحتمال إرادة معني المصاحبة و المعيّة من لفظ الباء فيكون المقصود استقبل أنت مع ذبيحتك القبلة.

(1) سقوط اشتراط استقبال الذبيحة في التذكية عند النسيان و الجهل 1- لا خلاف في ذلك و الدّليل عليه النصوص المعتبرة:

فمنها: صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه (ع) قال: «سئل عن الذّبيحة تذبح لغير القبلة، فقال (ع): لا بأس إذا لم يتعمّد «2»».

و منها: صحيح محمد بن مسلم قال: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن الذّبيحة ذبحت لغير القبلة فقال (ع): كل و لا بأس بذلك ما لم يتعمّده «3»».

و منها: ما رواه المجلسي في البحار عن عليّ بن جعفر في كتابه قال:

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 265- ب 14- ح 2.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 266- ب 14- ح 3.

(3) الوسائل/ ج 16- ص 266- ب 14- ح 4.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 159

______________________________

«سألته عن الرّجل يذبح إلي غير القبلة قال (ع): لا بأس إذا لم يتعمّد «1»».

بتقريب أنّ المستفاد من ظاهر هذه النصوص حلّية الذبيحة لغير القبلة إذا لم يكن عن عمد. و هو شامل لمطلق موارد غير العمد سواء كان نسيانا أو خطأ و سواء كان الخطأ ناشئا من الجهل بالحكم أو بالموضوع. و علي فرض عدم شموله لموارد الجهل بالحكم لعدم منافاته مع صدق العمد الي الفعل نفسه، يدلّ علي وقوع التذكية و حلية الذبيحة الغير المستقبلة لأجل الجهل بالحكم صحيح محمد بن مسلم. قال: «سألت أبا جعفر

(ع) عن رجل ذبح ذبيحة فجهل أن يوجّهها إلي القبلة. قال (ع): «كل منها. فقلت له: فإنّه لم يوجّهها. فقال لا تأكل منها «2»».

فان ظاهر قوله: «فجهل أن يوجّهها إلي القبلة». أنّ الذّابح كان جاهلا بحكم التوجيه لا أن يكون جاهلا بالقبلة. و علي فرض عدم ظهوره في ذلك بدعوي كون المجهول في فرض السائل فعل التوجيه نفسه لا حكمه و أنّ المقصود هو غفلة الذّابح عن استقبال الذبيحة حين الذبح كما يتّفق ذلك كثيرا للعالمين بحكم وجوب الاستقبال، فلا أقلّ من إطلاقه لكلتا الصورتين حيث لا دليل علي الاختصاص بالثاني لو لم يكن ظاهرا في الجهل بالحكم.

فالحاصل أنّ المستفاد من نصوص المقام حلّية الذّبيحة الغير المستقبلة

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 266- ب 14- ح 3 و 4 و 5.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 266- ب 14- ح 2.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 160

ثانيها: التسمية من الذّابح

بأن يذكر اسم اللّه عليها حينما يتشاغل بالذّبح أو متّصلا به عرفا أو قبيله المتّصل به (1).

______________________________

عن عمد مطلقا. و امّا حال الاضطرار و عدم التمكّن من الاستقبال فيسقط اعتباره لاختصاص النصوص الدّالّة علي اعتباره بصورة التعمّد. و لا يصدق عرفا علي من اضطرّ الي الذّبح الي غير جهة القبلة أنّه لم يستقبل الذبيحة عمدا. هذا مضافا الي ما دلّ من النصوص السابقة علي سقوط وجوب الاستقبال في تذكية الحيوان المستعصي و الواقعة في البئر بعد إلغاء الخصوصية منها إلي مطلق موارد الاضطرار. ثم إنّ هذا كلّه في الاضطرار إلي الذّبح بأن يخاف موت الحيوان إذا لم يعجّل في ذبحه إلي غير القبلة. و أمّا عند الاضطرار إلي أكله فلا شبهة في حلّية أكل أيّ حرام عند ذلك

فضلا عن الذبح الي غير القبلة.

(1) اعتبار التسمية مقارنا مع الذبح في التذكية 1- دلّ علي اعتبار التسمية في التذكية الكتاب و السنّة فمن الكتاب: قوله تعالي فَكُلُوا مِمّٰا ذُكِرَ اسْمُ اللّٰهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآيٰاتِهِ مُؤْمِنِينَ.. مٰا لَكُمْ أَلّٰا تَأْكُلُوا مِمّٰا ذُكِرَ اسْمُ اللّٰهِ عَلَيْهِ «1». و قوله وَ لٰا تَأْكُلُوا مِمّٰا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّٰهِ عَلَيْهِ وَ إِنَّهُ

______________________________

(1) الانعام/ الاية: 118 و 119.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 161

______________________________

لفسق «1»».

و من السّنّة النصوص المتواترة:

منها: صحيح محمد بن قيس عن أبي جعفر (ع) قال: قال أمير المؤمنين (ع): «ذبيحة من دان بكلمة الإسلام و صام و صلي لكم حلال إذا ذكر اسم اللّه تعالي عليها «2»».

و منها: صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه (ع) قال: «من لم يسمّ إذا ذبح فلا تأكله «3»».

و صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) في حديث قال: «و لا تأكل من ذبيحة ما لم يذكر اسم اللّه عليها «4»».

و صحيح سليمان بن خالد قال: «سألت أبا عبد اللّه عن ذبيحة الغلام و المرأة هل تؤكل؟ فقال (ع): إذا كانت المرأة مسلمة فذكرت اسم اللّه علي ذبيحتها حلّت ذبيحتها و كذلك الغلام «5»». و مثله معتبرة مسعدة «6» و غيرها من النصوص الكثيرة.

و أمّا اعتبار المقارنة العرفية بين التسمية و الذّبح فيمكن أن يستفاد من

______________________________

(1) الانعام/ الاية: 10121 و 121.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 292- ب 28- ح 1.

(3) الوسائل/ ج 16- ص 268- ب 15- ح 6.

(4) الوسائل/ ج 16- ص 267- ب 15- ح 1.

(5) الوسائل/ ج 16- ص 277- ب 23- ح 6.

(6) الوسائل/ ج 16- ص 277- ب 23- ح 7.

دليل تحرير

الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 162

فلو أخلّ بها فان كان عمدا حرمت و إن كان نسيانا لم تحرم (1)

______________________________

قوله (ع): «من لم يسمّ إذا ذبح فلا تأكله» في صحيح الحلبي السّابق. فان لفظ «إذا» في قوله: «إذا ذبح» حينيّة أي حينما ذبح. و استفادة ذلك من حرف «علي» في قوله تعالي وَ لٰا تَأْكُلُوا مِمّٰا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّٰهِ عَلَيْهِ، فغير صحيح لوضوح صدق كون التسمية علي الذبيحة عرفا إذا اشتغل الذّابح بها عند شروعه في مقدّمات الذّبح. فالعمدة في ذلك صحيح الحلبي المذكور. هذا مضافا إلي أصالة عدم التذكية عند الشك في تحقّقها بذكر اسم اللّه عند مقدمات الذّبح و عليه فلا تحلّ الذبيحة حينئذ.

(1) لا خلاف في ذلك و قد دلّت عليه النصوص المعتبرة.

منها: صحيح محمد بن مسلم قال: «سألت أبا جعفر (ع) عن رجل يذبح و لا يسمّي. قال (ع): إن كان ناسيا فلا بأس إذا كان مسلما «1»».

و منها: صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه (ع) في حديث: «إنّه سأله عن رجل يذبح فينسي أن يسمّي أتوكل ذبيحته؟ فقال (ع): نعم إذا كان لا يتّهم و كان يحسن الذّبح قبل ذلك «2»».

و منها: صحيح آخر لمحمد بن مسلم في حديث أنّه سأل أبا عبد اللّه (ع):

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 267- ب 15- ح 2.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 267- ب 15- ح 3.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 163

و في إلحاق الجهل بالحكم بالنسيان أو العمد قولان: أظهرهما الثّاني (1). و المعتبر في التّسمية وقوعها بهذا القصد أعني بعنوان كونها علي الذّبيحة. و لا تجزي التسمية الاتّفاقية الصّادرة لغرض آخر (2).

______________________________

«عن رجل ذبح و لم يسمّ. فقال

(ع): إن كان ناسيا فليسمّ حين يذكر «1»».

(1) لدلالة الآية و النصوص بإطلاقهما علي حرمة أكل مطلق ما لم يذكر اسم اللّه عليه. و إنّما خرج من الإطلاق خصوص نسيان التسمية حيث دلّت النصوص المعتبرة علي حلّية الذبيحة حينئذ. و أمّا باقي صور ترك التسمية فمشمول للإطلاق المزبور. و من تلك الصّور الباقية تحت الإطلاق صورة ترك التسمية عن جهل. فلا وجه للحكم بالحلّيّة حينئذ كما نسب الي المحقّق الأردبيلي بل يحكم بالحرمة كما نسب إلي صاحب الرّياض و اختاره في الجواهر «2».

(2) و ذلك لأنّ المعتبر في صريح الكتاب و السّنّة اعتبار كون ذكر اسم اللّه علي الذّبيحة. و هذا غير صادق عرفا علي التسمية الاتّفاقيّة الصادرة لغرض آخر بل لا بدّ من قصد تلك الذبيحة حين الذبح حتّي يصدق عرفا أنّه ذبح الحيوان بذكر اسم اللّه و سمي علي ذبحه.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 267- ب 5- ح 4.

(2) الجواهر/ ج 36- ص 115.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 164

ثالثها: صدور الحركة منها بعد تمامية الذّبح

كي (1) تدلّ علي وقوعه علي الحيّ- و لو كانت يسيرة- مثل أن تطرف عينها أو تحرّك أذنها أو ذنبها أو تركض برجلها و نحوها (2). و لا يحتاج مع ذلك إلي خروج الدم المعتدل فلو تحرّك و لم يخرج الدّم أو خرج متثاقلا

______________________________

(1) اشتراط صدور الحركة بعد الذّبح 1- مقتضي ذلك حلّيّة الذّبيحة لو أحرز وقوع الذّبح حال حياتها بأيّ طريق آخر كصدور الحركة منه حال الذّبح. و عليه فلا اعتبار لهذا الشرط مستقلا بل إنّما هو شرط في تحقّق التذكية إذا لم يصدر من الحيوان حركة حال الذبح. نعم لو لم يتحرّك الحيوان حين الذبح و لا بعده لا

بدّ من خروج الدم المعتدل بعد الذّبح في حلّية الذبيحة لما يستفاد من النصوص اعتبار أحد الأمرين.

(2) دلّت علي ذلك النصوص المعتبرة البالغة حدّ الاستفاضة و إنّ المستفاد منها اعتبار صدور أيّة حركة من الحيوان بعد الذبح أو حاله ليستكشف منها وقوع التذكية علي الحيوان حال الحياة و قد مرّ ذكر هذه النصوص و تقريب استفادة ذلك منها.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 165

و متقاطرا لا سائلا معتدلا كفي في التذكية (1).

و في الإكتفاء به أيضا حتي يكون المعتبر أحد الأمرين من الحركة أو خروج الدم المعتدل، قول مشهور بين المتأخّرين و لا يخلو من وجه (2)، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط.

______________________________

(1) لإطلاق منطوق الشرطية في النصوص المبيّنة لحدّ إدراك التذكية كما سبق ذكرها و سيأتي تقريب إطلاقها.

(2) اعتبار واحد من خروج الدّم المعتدل و صدور الحركة في التذكية 2- لما سبق من النصوص و بيّنّا هناك كيفية الجمع بينها. و قلنا إنّ إطلاقها يقيّد بصحيح بكر بن محمد الأزدي. و بقرينته حملنا صحيح أبي بصير علي صورة خروج الدم المتثاقل، فراجع.

فإنّ في هذه الطائفة من النصوص قد دلّت شرطية «إذا خرج الدّم المعتدل فلا بأس به» بمنطوقها علي كفاية خروج الدم المعتدل في حلية الذّبيحة.

و دلّت بمفهومها علي حرمة الذبيحة ما لم يخرج الدم و إن تحرّك الذنب و طرفت العين و ركضت الرّجل. و لكن في الطائفة المبيّنة لحدّ إدراك الذّكاة قد دلّت شرطية «إذا تحرّك الطّرف أو الذّنب أو الأذن فهو ذكيّ». بمنطوقها علي كفاية صدور الحركة من أعضاء الحيوان في تحقّق التذكية. و دلّت بمفهومها علي

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 166

______________________________

حرمة الذّبيحة ما لم تصدر منها

حركة و إن جري الدم. و مقتضي الصّناعة- كما ثبت في علم الأصول- الأخذ بمنطوقهما و رفع اليد عن مفهوم كلّ واحد منها بمنطوق الطائفة الأخري فيحكم بكفاية كلّ واحد من صدور الحركة و خروج الدم في حلّيّة الذبيحة. نعم لا يكفي مطلق خروج الدّم بل لا بدّ من خروج الدّم المعتدل كما سبق البحث عن النصوص الدالّة علي ذلك.

و قد قلنا أيضا إنّ المستفاد من النصوص كون الحركة بعد الذبح معتبرة بعنوان أنّها أمارة كاشفة عن وقوع التذكية حال حياة الحيوان و قد سبق تقريب استفادة ذلك من النصوص.

فالحاصل أنّ مقتضي الصّناعة الأخذ بمنطوق الشرطية في الطائفتين من نصوص المقام و رفع اليد عن مفهومها. و يكون احتياط الماتن «قده» في ذيل المسألة استحبابيا حيث قوّي حلّية الذّبيحة بمجرّد خروج الدّم المعتدل.

و قد يقال: إن مقتضي رفع اليد عن مفهوم كلّ من الشرطيتين بمنطوق الأخري اعتبار خروج الدم و صدور الحركة كليهما. لأنّ مقتضي نفي النحصار في سببية الشرط للجزاء كون الشرطين دخيلين معا في تحقّق الجزاء.

و فيه: أنّ في كلّ جملة شرطية ظهور للمنطوق- و هو استقلال الشرط في سببيّته للجزاء. و عليه فالّذي يلزم من رفع اليد عن مفهوم الشرطين و الأخذ بمنطوقهما، هو نفي الانحصار في السببيّة و القول باستقلال كلّ واحد من خروج الدم و صدور الحركة في سببيّته لحليّة الذّبيحة. هذا مجمل الكلام و ليطلب مفصّلة في علم أصول الفقه.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 167

هذا إذا لم يعلم حياته و أمّا إذا علم حياته بخروج هذا الدم فيكتفي (1) به بلا إشكال.

مسألة 12: لا يعتبر كيفية خاصّة في وضع الذّبيحة علي الأرض حال الذّبح

فلا فرق بين أن يضعها علي الجانب الأيمن كهيئة الميّت حال الدفن و أن

يضعها علي الأيسر (2).

______________________________

(1) بل يكتفي بمجرّد فري الأوداج الأربعة إذا علم حياة الحيوان في تمام حالات الذبح من أوّله الي آخره فمقتضي ما استظهرناه من النصوص المبيّنة لحدّ إدراك الذكاة كون اعتبار الحركة بعدم الذّبح لأجل استكشافها عن وقوع التذكية علي الحيوان الحيّ.

(2) بل لا دليل علي أصل وضع الحيوان علي الأرض و ذلك لأنّ إطلاق الأمر باستقبال الذّبيحة يقتضي كفايته بأيّ نحو حتي معلّقا في الفضاء فضلا عن وضعها علي الأرض قائمة أو علي الجانب الأيسر.

فإنّ تحقق الاستقبال المأمور به في النصوص يدور مدار صدقه عرفا و لا دخل لوضع الذّبيحة علي الأرض في صدق الاستقبال بنظر العرف بل يصدق إذا كان مقاديم بدن الحيوان إلي القبلة حتّي معلّقا في الفضاء و أمّا الكيفية الخاصّة حال الدفن فورد فيها نصّ خاص.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 168

مسألة 13: لا يعتبر في التسمية كيفية خاصّة

و أن تكون في ضمن البسملة بل المدار صدق اسم اللّه عليها. فيكفي أن يقول «بسم اللّه» أو «اللّه أكبر» أو «الحمد للّه» أو «لا إله إلّا اللّه» و نحوها (1) و في الاكتفاء بلفظ «اللّه» من دون أن يقرن بما يصير به كلاما تامّا دالّا علي صفة

______________________________

(1) عدم اعتبار كيفية خاصة في التّسمية 1- لتضمّن جميع هذه الأذكار لفظ الجلالة و لكونها كلاما تامّا دالا علي تعظيم اللّه و تحميده و ثناؤه. و هو المتيقّن من ذكر اسم اللّه و قد دلّ علي ذلك صحيح محمد بن مسلم قال: «سألته عن رجل ذبح فسبّح أو كبّر أو هلّل أو حمد اللّه قال (ع): هذا كلّه من أسماء اللّه لا بأس به «1»».

و قد يشكّك في الاكتفاء بالبسملة بزعم أنّها غير التسمية. و لكن

لا أساس له لوضوح أنّ البسملة اسم للقول بسم اللّه و أنّ التسمية اسم لفعل التلفّظ بذكر اسم اللّه عند الذبح و هذا التغاير بينهما لا يوجب عدم وقوع التسمية بقول بسم اللّه. بل كان وقوع التسمية بالبسملة مرتكزا في ذهن محمد بن مسلم و لم يشك فيه. و إنّما سأل عن الاكتفاء بالتهليل و التكبير و التحميد و التسبيح.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 268- ب 16- ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 169

كمال أو ثناء أو تمجيد اشكال (1). نعم التعدي من لفظ «اللّه» الي سائر أسمائه الحسني كالرّحمن و البارئ و غيرها من أسمائه الخاصّة غير بعيد (2)، لكن لا يترك الاحتياط فيه كما أنّ التعدّي إلي ما يرادف لفظ

______________________________

(1) لفهم العرف من ذكر اسم اللّه ذكره بصفة كمال و تعظيم كالتسبيح و التكبير كما قال في الجواهر.

و فيه: ان الذّابح إذا تكلّم بلفظ الجلالة عند الذبح مع توجّه و التفات فلا إشكال في أنّ أهل العرف يقولون إنّه ذكر اسم اللّه علي الذبيحة فالأقوي حلّية الذبيحة بمجرّد ذكر لفظ الجلالة عند الذّبح و بقصده.

(2) حلّية الذبيحة بذكر سائر أسماء اللّه غير لفظ الجلالة 2- و ذلك لإطلاق ذكر اسم اللّه في الكتاب و السّنّة. فإنّه يشمل أيّ اسم من أسماء اللّه. و يشهد علي ذلك قوله تعالي وَ لِلّٰهِ الْأَسْمٰاءُ الْحُسْنيٰ فَادْعُوهُ بِهٰا «1». و قوله تعالي قُلِ ادْعُوا اللّٰهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمٰنَ أَيًّا مٰا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمٰاءُ الْحُسْنيٰ «2». و قوله تعالي هُوَ اللّٰهُ الَّذِي لٰا إِلٰهَ إِلّٰا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلٰامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبّٰارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحٰانَ اللّٰهِ عَمّٰا يُشْرِكُونَ. هُوَ اللّٰهُ الْخٰالِقُ الْبٰارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمٰاءُ

الْحُسْنيٰ

______________________________

(1) الأعراف/ 180.

(2) الإسراء/ 110.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 170

______________________________

«1». و قد يقال: إنّ المقصود من اسم اللّه في المقام خصوص لفظ الجلالة و يكون علما للذّات المستجمع لجميع صفات الكمال دون أسمائه الحسني التي هي من قبيل الصّفات.

و فيه: أنّه مجرّد دعوي لا شاهد عليه. فان غاية ما يستفاد من الكتاب و السّنّة في المقام اعتبار ذكر اسم اللّه علي الذبيحة في وقوع التذكية و حلّية أكلها و قد دلّت سائر الآيات القرآنية علي كون بعض الأوصاف من أسماء اللّه. و يلحق بها أيضا من الأوصاف ما دلّت النصوص المعتبرة علي كونها من أسماء اللّه. كما في صحيح محمد بن مسلم- السابق آنفا- فان فيه و إن ذكر لفظ الجلالة في كلام السائل لكن لا دلالة لكلام الامام (ع) علي الحصر. بل دلّ علي كون ما فرضه السائل من بعض أسماء اللّه لظهور لفظ «من» في قوله (ع): «هذا كلّه من أسماء اللّه» في التبعيض. فدلّ كلامه (ع) علي عدم حصر اسم اللّه في ذلك و كونها من بعض أسماء اللّه.

و بناء علي ذلك فمقتضي ظاهر هذه الصحيحة و ما دلّ من الآيات علي كون بعض أوصاف اللّه تعالي من أسمائه كون ذكر سائر أسماء اللّه علي الذّبيحة من قبيل ذكر اسم اللّه عليه فالأقوي حلّية الذبيحة بذكر مطلق اسم اللّه عليه. و لا تصل النوبة إلي أصالة عدم التذكية مع وجود الإطلاق اللّفظي.

______________________________

(1) الحشر/ 23 و 24.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 171

الجلالة في لغة أخري كلفظة «يزدان» في الفارسية و غيرها في غيرها لا يخلو من وجه و قوّة (1). لكن لا ينبغي ترك الاحتياط و مراعاة

العربيّة.

مسألة 14: الأقوي عدم اعتبار استقرار الحياة في حلّية الذّبيحة بالمعني الذي فسّروه

و هو أن لا تكون مشرفة علي الموت بحيث لا يمكن أن يعيش مثلها اليوم أو نصف اليوم كالمشقوق بطنه و المخرج حشوته و المذبوح من قفاه الباقية أوداجه و الساقط من شاهق و نحوها

______________________________

(1) بدعوي أنّ المراد من اللّه تعالي ذاته المقدّسة فيكفي ذكر أيّ اسم من أسمائه في أيّة لغة كانت. و لكنّه لا يخلو من إشكال، و ذلك لقوّة ظهور قوله (ع): «هذا كلّه من أسماء اللّه» في كفاية مطلق أسماء اللّه التي ذكرت في الكتاب و السّنة ممّا وصف اللّه تعالي بها أئمّتنا المعصومون (ع) و هي كلّها عربيّة.

و من هنا قال في الجواهر بعد احتمال عدم اعتبار العربيّة: «إلا أنّه لا يجدي الاحتمال بعد أن لم يكن ظهور معتبر شرعا بل يدّعي الظّهور بعكسه «1»».

______________________________

(1) الجواهر/ ج 36- ص 113.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 172

بل المعتبر أصل الحياة و لو كان عند إشراف الخروج (1).

______________________________

(1) لا يعتبر استقرار الحياة حال الذّبح في حلّية الذبيحة 1- وقع الخلاف بين الأصحاب في اعتبار استقرار الحياة حين الذبح في حلّيّة الذبيحة فذهب جماعة إلي اعتباره كما عن الشيخ في الخلاف و المبسوط و ابني حمزة و إدريس و الفاضل و ولده و الشهيد في اللّمعة و غاية المراد و السيوري في كنز العرفان و الصيمري. في تلخيص الخلاف و المقدس الأردبيلي و الفاضل الأسترآبادي و الجواد الكاظمي في آيات الأحكام بل عن الصيمري نسبته إلي أكثر المتأخرين بل في الروضة نسبته إليهم بل هو ظاهر المرتضي و الطبرسي.

و استدلّ عليه السيّد المرتضي بما حاصله: أنّ ما لا حياة مستقرّة له من الحيوان يدخل في عنوان الموقوذة الّتي هي مشرفة

علي الموت فيحرم بظاهر الآية الشريفة. و هي قوله تعالي حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ الدَّمُ.. وَ الْمَوْقُوذَةُ وَ الْمُتَرَدِّيَةُ.. «1».

و يستفاد من كلام الشهيد و محكيّ الخلاف أنّ الحيوان إذا لم تكن له حياة مستقرة في حكم الميتة و لا يكون ذبحه أولي من سبب زوال استقرار

______________________________

(1) المائدة/ 3.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 173

______________________________

حياته في استناد زهوق الروح اليه.

و في قبال ذلك ذهب أكثر القدماء إلي عدم اعتبار استقرار الحياة و جواز الاكتفاء بمطلق حركة الحيوان حتي حال الذبح. كما عن الإسكافي و الصدوق و الشيخ في النّهاية و بني حمزة و البرّاج و زهرة و أبي الصلاح و سلّار و الطبرسي في جوامع الجامع و جملة من المتأخّرين كالمحقّق في النافع و العلّامة في التبصرة و الشهيد في الدروس و الصيمري في غاية المرام و ثاني الشهيدين في المسالك بل هو صريح بعضهم كيحيي بن سعيد في الجامع و الشهيد الثاني في الروضة و المحقق الأردبيلي في المجمع و الخراساني و الكاشاني و المجلسي و العلّامة الطباطبائي و الفاضل النراقي و غيرهم من متأخّري المتأخرين.

و مقتضي التحقيق عدم اعتبار استقرار الحياة.

و الوجه فيه ما دلّ من النصوص علي كفاية صدور الحركة من الحيوان حال الذبح في إدراك ذكاته و حلّية أكله بمجرّد الذبح و ان لم تصدر منه حركة بعده. و قد تقدّم تقريب دلالة هذه النصوص علي ذلك و نكتفي هنا بنقلها.

فمنها: صحيح زرارة عن أبي جعفر قال: «كل كلّ شي ء من الحيوان غير الخنزير و النّطيحة و المتردّية و ما أكل السّبع و هو قول اللّه عزّ و جلّ إِلّٰا مٰا ذَكَّيْتُمْ، فإن أدركت شيئا منها و عين تطرف

أو قائمة تركض أو ذنب يمصع فقد أدركت ذكاته فكله». «1»

______________________________

(1) الوسائل ج 16/ ص 262- ب 11- ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 174

______________________________

و منها: معتبرة عبد اللّه بن سليمان عن أبي عبد اللّه (ع) قال: في كتاب عليّ (ع): «إذا طرفت العين أو ركضت الرّجل أو تحرّك الذّنب و أدركته فذكّه «1»».

و خبر أبان بن تغلب عن أبي عبد اللّه (ع) قال: «إذا شككت في حياة شاة فرأيتها تطرف عينها أو تحرّك أذنيها أو تمصع ذنبها فاذبحها فإنّها لك حلال «2»».

و أمّا ما استدلّ به المرتضي، ففيه أنّ الموقوذة استثنيت حرمتها في الآية الشريفة بقوله إِلّٰا مٰا ذَكَّيْتُمْ. و قد دلّت النصوص المفسّرة- مثل صحيح زرارة المذكور آنفا و غيره- علي كفاية صدور الحركة من الموقوذة و نحوها حين الذّبح في إدراك الذكاة. و هذه النصوص نفت بظاهرها اعتبار استقرار الحياة في إدراك تذكيتها.

و أمّا عدم أولويّة الذبح في استناده زهوق الروح اليه من استناده إلي السّبب الموجب لزوال استقرار الحياة فمن قبيل الاجتهاد في قبال هذه النصوص.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 262- ب 11- ح 7.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 263- ب 11- ح 5.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 175

______________________________

حكم الشك في حياة الحيوان إلي فري تمام الأوداج ثم إنّ هذا كلّه مع قطع النظر عن الشك في الحياة و أمّا إذا شكّ في حياة الحيوان الي فري تمام الأوداج فقد يقال: بحلّية أكل الذبيحة حينئذ لاستصحاب بقاء حياته المتيقّن وجودها حين الذبح إلي تمامه. و يمكن تقريبه أيضا بأنّ زهوق الروح أمر حادث و لم يكن متحقّقا حال فري الأوداج و الأصل عدمه إلي فري

تمام الأوداج فيثبت بذلك وقوع فري كلّها حال حياة الحيوان.

و في قبال ذلك يقال: إنّ أصالة عدم زهوق الروح إلي آخر الذّبح لا يثبت كونه بعد الذبح لرجوعه إلي الأصل المثبت و إنّ المعتبر تأخّره عن الذّبح حسب ما يستفاد من النصوص الدّالّة علي اعتبار صدور الحركة من الذبيحة بعد الذّبح. بل إنّ أصالة عدم فري تمام الأوداج إلي زهوق الرّوح تقتضي عدم تأخّر زهوق الروح عن الذبح.

و فيه: ما مرّ من دلالة نصوص المقام علي أمارية الحركة المتأخّرة عن الذّبح و كاشفيتها عن وقوع التّذكية حال الحياة و هي ما دلّ من النصوص علي حلية أكل الحيوان المذبوح بمجرّد صدور الحركة منه بعد الذّبح كما تقدّم البحث عن ذلك مفصّلا.

و لكن المهمّ في المقام أنّ النصوص دلّت بظاهرها علي إلغاء

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 176

فإن علم ذلك فهو و الّا يكون الكاشف عنها الحركة بعد الذبح (1) و لو كانت يسيرة كما تقدّم.

______________________________

الاستصحاب في المقام و ذلك لدلالتها علي اعتبار خصوص صدور الحركة أو خروج الدم المعتدل من الحيوان في العلاميّة علي زهوق روح الذّبيحة بعد الذّبح و وقوع التذكية علي الحيّ.

خصوصا خبر سهل «1» حيث دلّ علي اعتبار الحركة في خصوص حال الشك في بقاء حياة الشاة المذبوحة- و علي القول بضعف هذا الخبر لوقوع سهل في طريقه- فإنّ سائر الأخبار المبيّنة لحدّ إدراك الذكاة كافية في إلغاء الاستصحاب مع قوّة احتمال وثاقة سهل كما قوّاه صاحب الوسائل.

(1) وجه حلّيّة الذبيحة بالحركة المتأخّرة 1- و ذلك لدلالة صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه (ع) قال: «سألته عن الذّبيحة فقال: إذا تحرّك الذّنب أو الطّرف أو الأذن فهو ذكيّ «2»». فان

بقرينة السؤال عن الذّبيحة و كون الامام (ع) بصدد بيان حدّ إدراك ذكاة الذبيحة يعلم أنّ

______________________________

(1) و هو ما رواه ابان بن تغلب و سبق آنفا.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 263- ب 11- ح 3

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 177

مسألة 15: لا يشترط في حلّية الذبيحة بعد وقوع الذبح عليها حيّا أن يكون خروج روحها بذلك الذّبح.

فلو وقع عليها الذبح الشرعي ثمّ وقعت في نار أو ماء أو سقطت من جبل و نحو ذلك فماتت بذلك حلّت

______________________________

المقصود بيان علاميّة الحركة بعد الذبح.

و ممّا يدل علي ذلك صحيح عبد الرحمن عن أبي عبد اللّه (ع) قال: في كتاب عليّ (ع): «إذا طرفت العين أو ركضت الرّجل أو تحرّك الذّنب فكل منه فقد أدركت ذكاته «1»». فإنّ أمره (ع) بالأكل و تعليل حلّيته بإدراك ذكاته بحركة الأعضاء من دون أن يأمر بالذبح أو بالتذكية- كما في سائر النصوص-، قرينة علي إرادة الحركة بعد الذبح.

و يستفاد ذلك أيضا من خبر رفاعة عن أبي عبد اللّه (ع) انه قال في الشاة: «إذا طرفت عينها أو حرّكت ذنبها فهي ذكيّة «2»».

و قد تقدّم بيان أنّ النصوص المتقدمة الواردة في تفسير الآية المستثناة بقوله تعالي إِلّٰا مٰا ذَكَّيْتُمْ مثل صحيح زرارة و معتبرة عبد اللّه بن سليمان و خبر سهل، قرينة علي أنّ اعتبار الحركة بعد الذبح في هذه النصوص لأجل كونها كاشفة عن حياة الحيوان حال الذبح.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 263- ب 11- ح 4.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 263- ب 11- ح 6.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 178

علي الأقوي (1).

______________________________

(1) حلّية الذبيحة إذا وقعت في نار أو ماء بعد الذبح 1- لإطلاق ما دلّ من النصوص المتقدمة علي كفاية قطع الحلقوم و فري الأوداج و صدور الحركة و

خروج الدّم في حلّية الذبيحة. هذا مضافا إلي ما دلّ من النصوص المعتبرة علي الحليّة في خصوص المقام.

مثل صحيح زرارة عن أبي جعفر (ع) في حديث قال: «إن ذبحت ذبيحة فأجدت الذّبح فوقعت في النّار أو في الماء أو من فوق بيتك إذا كنت قد أجدت الذّبح فكل «1»».

و يعارضه خبر حمران عن أبي جعفر (ع) في حديث: «أنّه سأله من الذّبح فقال: إن تردّي في جبّ أو وهدة من الأرض فلا تأكله و لا تطعم فإنّك لا تدري التّردّي قتله أو الذّبح «2»». فان هذا الخبر دلّ علي حرمة الذبيحة المتردّية بعد ذبحها و ذلك بقرينة السؤال عن الذبح و كونه بمعني المذبوح بقرينة استناد التردّي إليه في كلام الامام (ع). و من هنا لا شاهد لحمله علي صورة الاشتباه

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 265- ب 13- ح 1.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 265- ب 13- ح 2.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 179

______________________________

في تحقّق تمامية الذبح و وقوع التذكية كما قال في الوسائل بل ظاهر الخبر ينفيه. و لكن مع ذلك لا يصلح هذا الخبر للمعارضة لأنّ في سنده ضعف و ذلك لأنّ أبا هاشم الجعفري و ان كان من الثقات و الأجلّاء الّا انه نقل هذا الخبر عن أبيه- قاسم بن إسحاق- و هو لم تثبت وثاقته.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 181

شرائط النحر و أحكامه

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 183

مسألة 16: يختصّ الإبل من بين البهائم بكون تذكيتها بالنّحر.

كما أنّ غيرها يختصّ بالذّبح فلو ذبحت الإبل أو نحر غيرها كان ميتة (1).

______________________________

(1) دليل اختصاص الإبل بالنحر 1- لا خلاف في ذلك بل هو إجماعي كما عن الغنية و الخلاف و قد دلّ

عليه النصوص المستفيضة بل يمكن دعوي بلوغها حدّ التواتر المعنوي.

فمنها: صحيح صفوان قال: «سألت أبا الحسن (ع) عن ذبح البقر من المنحر.

فقال (ع): للبقر الذّبح و ما نحر فليس بذكيّ «1»».

و منها: خبر يونس بن يعقوب قال: قلت لأبي الحسن الأوّل (ع): «إنّ أهل مكّة لا يذبحون البقرة إنّما ينحرون في لبّة البقر فما تري في أكل لحمها؟ قال: فقال (ع): فذبحوها و ما كادوا يفعلون، لا تأكل إلّا ما ذبح «2»».

و منها: صحيح صفوان عن معاوية بن عمّار قال: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن رجل أحصر فبعث بالهدي قال (ع):.. و إن كان مرض في الطّريق بعد ما أحرم فأراد الرّجوع إلي أهله رجع و نحر بدنة إن أقام مكانه.. «3»».

و منها: صحيح معاوية بن عمّار قال: قال أبو عبد اللّه (ع): «إنّ رسول اللّه (ص)

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 257- ح 2.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 257- ح 1.

(3) الوسائل/ ج 9- ص 305- ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 184

______________________________

ذبح عن أمّهات المؤمنين بقرة بقرة و نحر بدنة «1»».

و منها: صحيح عبد اللّه بن سنان قال: قلت لأبي عبد اللّه (ع): «المحرم ينحر بعيره أو يذبح شاته؟ قال (ع): نعم «2»».

و منها: صحيح أبي الصباح الكناني قال: «سألت أبا عبد اللّه (ع): كيف تنحر البدنة قال: تنحر و هي قائمة من قبل اليمين «3»».

و منها: صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه (ع): «في رجل ساق بدنة فأنتجت قال (ع): ينحرها و ينحر ولدها «4»».

و بمضمونه صحيح سليمان بن خالد «5» و صحيح محمد بن مسلم «6».

و منها: معتبرة إسماعيل الجعفي قال: قلت لأبي عبد اللّه (ع):

«بعير تردّي في بئر كيف ينحر قال يدخل الحربة فيطعنه بها و يسمّي و يأكل «7»».

و منها: ما رواه في الفقيه قال الصّادق (ع): «كلّ منحور مذبوح حرام و كلّ مذبوح منحور حرام «8»». و غيرها من النصوص الكثيرة الواردة في بيان كيفية النحر في وظيفة المحرم. و هي بمجموعها توجب القطع باختصاص النحر بالإبل.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 10- ص 98- ح 4.

(2) الوسائل/ ج 9- ص 170- ح 4.

(3) الوسائل/ ج 10- ص 133- ب 34- ح 1 و 6 و 7.

(4) الوسائل/ ج 10- ص 133- ب 34- ح 1 و 6 و 7.

(5) الوسائل/ ج 10- ص 133- ب 34- ح 1 و 6 و 7.

(6) الوسائل/ ج 10- ص 133- ب 34- ح 1 و 6 و 7.

(7) الوسائل/ ج 16- ص 261- ح 4.

(8) الوسائل/ ج 16- ص 257- ب 5- ح 3.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 185

نعم لو بقيت له الحياة بعد ذلك أمكن التدارك بأن يذبح ما يجب ذبحه بعد ما نحر أو ينحر ما يجب نحره بعد ما ذبح و وقعت عليه التذكية (1).

مسألة 17: كيفية النحر و محلّه

أن يدخل سكّينا أو رمحا و نحوهما من الآلات الحادّة الحديدية في لبّته (2)- و هي المحلّ المنخفض الواقع بين أصل العنق و الصدر. و يشترط فيه كلّ ما اشترط في التذكية الذبحيّة.

______________________________

(1) لإطلاق صحيح زرارة و معتبرة عبد اللّه بن سليمان و خبر سهل فإنّها دلّت بإطلاقها علي حلية كلّ حيوان مشرف علي الموت- لجرح أو سقوط أو اختناق أو ضرب- بالذبح إذا كانت فيه آثار الحياة. و ممّا يدل علي ذلك بالخصوص معتبرة أبي خديجة قال: «رأيت أبا عبد

اللّه (ع) و هو ينحر بدنته ثمّ يطعن في لبّتها ثمّ يخرج السّكين بيده فإذا وجبت قطع موضع الذّبح بيده «1»».

(2) لا خلاف في ذلك و قد دلّت عليه النصوص.

فمنها: صحيح معاوية بن عمّار قال: قال أبو عبد اللّه (ع): «النّحر في اللّبة و الذّبح في الحلق «2»».

و منها: معتبرة أبي خديجة السابقة آنفا.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 10- ص 135- ح 3.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 254- ب 3- ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 186

فيشترط في النّاحر ما يشترط في الذّابح (1) و في آلة النّحر ما يشترط في آلة الذّبح (2) و تجب التّسمية عنده كما تجب عند الذّبح (3) و يجب

______________________________

(1) اعتبار كون آلة النّحر حديدا و لزوم التّسمية و الاستقبال 1- من الإسلام و عدم النّصب.

(2) من كون النّحر بالآلة الحادّة الحديديّة حيث دلّت علي اعتباره النصوص الدالّة علي عدم جواز التذكية بغير الحديدة حيث إنّ النّحر تذكية فتشمله تلك النصوص.

فمنها: صحيح محمد بن مسلم قال: «سألت أبا جعفر (ع) عن الذّبيحة باللّيطة و بالمروة فقال: لا ذكاة إلّا بحديدة «1»».

و منها: موثقة سماعة قال: سألته عن الذّكاة فقال (ع): «لا تذكّ إلّا بحديدة نهي عن ذلك أمير المؤمنين (ع) «2»».

بل يعتبر في النحر كلّ ما دلّت النصوص علي اعتباره في التذكية حيث إنّ النّحر كالذّبح تذكية.

(3) لعموم قوله تعالي وَ لٰا تَأْكُلُوا مِمّٰا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّٰهِ عَلَيْهِ. مضافا إلي إطلاق كثير من النصوص. و قد دلّ بالخصوص علي اعتبارها قوله تعالي:

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 252- ب 1- ح 1.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 252- ب 1- ح 4.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 187

الاستقبال

في المنحور (1) و في اعتبار الحياة و استقرارها هنا ما مرّ في الذبيحة.

مسألة 18: يجوز نحر الإبل قائمة و باركة مقبلة إلي القبلة.

بل يجوز نحرها ساقطة علي جنبها مع توجيه منحرها و مقاديم بدنها إلي القبلة و إن كان الأفضل كونها قائمة. (2)

______________________________

فَاذْكُرُوا اسْمَ اللّٰهِ عَلَيْهٰا صَوٰافَّ. و فسّره الامام الصادق (ع) في صحيح عبد اللّه بن سنان بقوله: «ذلك حين تصفّ للنّحر بربط يديها ما بين الخفّ إلي الرّكبة.. «1»».

(1) بلا خلاف في ذلك و قد دلّ عليه من النصوص موثّقة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه (ع) قال: «إذا اشتريت هديك فاستقبل به القبلة و انحره أو اذبحه «2»».

(2) استحباب إقامة الإبل حين النحر 2- قد دلّ علي لزوم كون نحر الإبل حال قيامها الكتاب و السّنة.

فمن الكتاب: قوله تعالي فَاذْكُرُوا اسْمَ اللّٰهِ عَلَيْهٰا صَوٰافَّ فَإِذٰا وَجَبَتْ جُنُوبُهٰا فَكُلُوا مِنْهٰا وَ أَطْعِمُوا الْقٰانِعَ وَ الْمُعْتَرَّ «3».

______________________________

(1) الوسائل/ ج 10- ص 134- ب 35- ح 1.

(2) الوسائل/ ج 10- ص 137- ب 37- ح 1.

(3) الحج/ 36.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 188

______________________________

فإنّ قوله وَجَبَتْ جُنُوبُهٰا بمعني سقوط جوانب الإبل إلي الأرض و لازم ذلك كون النحر حال القيام حتّي تسقط بعد نحرها إلي الأرض.

مضافا إلي أنّ لفظ صَوٰافَّ جمع «الصافّة» بمعني القائمة، و صفّ الإبل: أي أقامها.

و من السّنة: صحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه (ع): «في قول اللّه عزّ و جلّ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللّٰهِ عَلَيْهٰا صَوٰافَّ، قال (ع): ذلك حين تصفّ للنّحر بربط يديها ما بين الخفّ إلي الرّكبة و وجوب جنوبها إذا وقعت علي الأرض «1»».

و صحيح أبي الصّباح الكناني قال: سألت أبا عبد اللّه (ع): «كيف تنحر البدنة؟ فقال (ع): تنحر و

هي قائمة من قبل اليمين «2»».

و معتبرة أبي خديجة قال: «رأيت أبا عبد اللّه (ع) و هو ينحر بدنته معقولة يدها اليسري ثمّ يقوم به من جانب يدها اليمني «3»».

ظاهر الآية الشريفة و هذه النصوص وجوب كون النحر حال قيام الإبل حيث تعلّق به الأمر و ظاهره الوجوب.

و قد دلّ علي الجواز ما رواه عبد اللّه بن جعفر الحميري في قرب الإسناد عن عبد اللّه بن الحسن عن جدّه عليّ بن جعفر عن أخيه قال: «سألته عن البدنة كيف ينحرها قائمة أو باركة قال (ع): يعقلها إن شاء قائمة و إن شاء باركة «4»».

______________________________

(1) الوسائل/ ج 10- ص 134- ب 35- ح 1 و ص 135- ح 2.

(2) الوسائل/ ج 10- ص 134- ب 35- ح 1 و ص 135- ح 2.

(3) الوسائل/ ج 10- ص 135- ب 35- ح 2 و 5.

(4) الوسائل/ ج 10- ص 135- ب 35- ح 2 و 5.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 189

مسألة 19: كلّ ما يتعذّر ذبحه و نحره

إمّا لاستعصاء أو لوقوعه في موضع لا يتمكّن الإنسان من الوصول إلي موضع ذكاته ليذبحه أو ينحره، كما لو تردّي في البئر أو وقع في مكان ضيّق و خيف موته جاز أن يعقره بسيف أو سكّين أو رمح أو غيرها ممّا يجرحه و يقتله و يحلّ

______________________________

و مقتضي الصّناعة رفع اليد عن ظهور تلك النصوص في الوجوب بصراحة هذا الخبر في الجواز. هذا بحسب الجمع الدّلالي. و لكن سند هذا الخبر ضعيف لوقوع عبد اللّه بن الحسن في طريقه.

فالدّليل علي الاستحباب غير تامّ سندا و لا يصلح للدّليلية علي رفع اليد عن ظهور الأمر في الوجوب. هذا هو مقتضي القاعدة في المقام. إلّا أن

الأصحاب لا خلاف بينهم في عدم ارادة الوجوب كما في الحدائق و الجواهر و المنتهي و التذكرة و غيرها. فالأحوط وجوبا إقامة الإبل حين النّحر رعاية لظهور النصوص في الوجوب و لاتّفاق الأصحاب علي الاستحباب.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 190

أكله (1) و ان لم يصادف العقر موضع التذكية. و سقطت شرطيّة الذبح و النّحر. و كذلك الاستقبال. نعم سائر الشرائط من التسمية و شرائط الذّابح و النّاحر تجب مراعاتها. و أمّا الآلة فيعتبر ما مرّ في آلة الصيد الجماديّة و في الاجتزاء

______________________________

(1) حكم ما تعذّر ذبحه أو نحره لاستعصائه أو تردّيه 1- و ذلك لدلالة النصوص المستفيضة.

فمنها: صحيح الحلبي قال: «قال أبو عبد اللّه (ع) في ثور تعاصي فابتدره قوم بأسيافهم و سمّوا فأتوا عليّا (ع) فقال: هذه ذكاة وحيّة و لحمه حلال «1»».

و منها: صحيح عيص بن القاسم عن أبي عبد اللّه (ع): «إنّ ثورا بالكوفة ثار فبادر النّاس إليه بأسيافهم فضربوه فأتوا أمير المؤمنين فأخبروه فقال (ع): ذكاة وحيّة و لحمه حلال «2»».

و منها: صحيح عبد الرّحمن عن أبي عبد اللّه (ع): «إنّ قوما أتوا النّبيّ (ص) فقالوا: إنّ بقرة لنا غلبتنا و استصعبت علينا فضربناها بالسّيف فأمرهم بأكلها «3»».

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 260- ب 10- ح 1

(2) الوسائل/ ج 16- ص 260- ب 10- ح 2.

(3) الوسائل/ ج 16- ص 260- ب 10- ح 3.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 191

______________________________

و منها: صحيح إسماعيل الجعفي قال: قلت لأبي عبد اللّه (ع): «بعير تردّي في بئر كيف ينحر؟ قال (ع): يدخل الحربة فيطعنه بها و يسمّي و يأكل «1»».

و منها: صحيح أبي بصير عن أبي عبد اللّه

(ع) قال: «إن امتنع عليك بعير و أنت تريد أن تنحره فانطلق منك فخشيت أن يسبقك فضربته بسيف أو طعنته بحربة بعد أن تسمّي فكل إلّا أن تدركه و لم يمت بعد فذكّه «2»».

و منها: صحيح زرارة عن أبي جعفر (ع) قال: «سألته عن بعير تردّي في بئر فذبح من قبل ذنبه. فقال (ع): لا بأس إذا ذكر اسم اللّه عليه «3»».

و لكن غاية ما يستفاد من هذه النصوص جواز التذكية من غير المذبح و المنحر في كلّ حيوان مستعص. و ذلك لأنّ في هذه النصوص قد بيّن حكم كلّ من الثور- و هو ممّا يذبح- و البعير- و هو ممّا ينحر.

و يتسرّي منهما إلي كلّ حيوان مستعص بإلغاء الخصوصية.

و أمّا الحيوان المتردّي في بئر و نحوه فلا يستفاد من هذه النصوص جواز تذكيته من غير المذبح علي النحو العام. نعم قد دلّت علي جواز تذكية خصوص البعير المتردّية في البئر و نحوها من غير منحرها. كما دلّ علي ذلك صحاح زرارة و أبي بصير و إسماعيل الجعفي.

و قد يستدلّ علي التعميم إلي كلّ حيوان متردّ بعموم معتبرة الحسين بن علوان عن جعفر بن محمد عن أبيه عن عليّ (ع): «إنّه سئل عمّا تردّي علي

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 261- ب 10- ح 4

(2) الوسائل/ ج 16- ص 261- ب 10- ح 5

(3) الوسائل/ ج 16- ص 261- ب 10- ح 6

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 192

______________________________

منحره فيقطع و يسمّي عليه. فقال (ع): لا بأس به. و أمره بأكله «1»».

و لا سيّما معتبرته الأخري عن عليّ (ع) قال: «أيّما إنسيّة تردّت في بئر فلم يقدر علي منحرها فلينحرها من حيث يقدر عليه

و يسمّي اللّه عليها و تؤكل «2»».

لعدم ذكر اسم البعير فيها و عموميّة «ما» الموصولة في الأولي و كذا كلمة «الإنسيّة» في الثانية فإنّها مقابل الوحشية فتشمل كلّ حيوان أهلي بلا اختصاص بالبعير.

و يرد علي هذا الاستدلال: أنّ قوله (ع): «تردي علي منحره» في المعتبرة الأولي و قوله (ع): «فلم يقدر علي منحرها فلينحرها» في الثّانية قرينة علي أنّ المراد من «ما» الموصولة و لفظ الإنسيّة هو خصوص البعير. فهذه النصوص دلّت علي إخراج خصوص البعير المتردّية من مطلقات النهي مثل قوله تعالي:

حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ الدَّمُ.. وَ الْمُتَرَدِّيَةُ- إلي قوله- إِلّٰا مٰا ذَكَّيْتُمْ «3».

و مطلقات سائر النصوص الواردة في المقام مثل:

صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه (ع): «في رجل ضرب بسيفه جزورا أو شاة في غير مذبحها و قد سمي حين ضرب. قال (ع): لا يصلح أكل ذبيحة لا تذبح من مذبحها «4»». و غير ذلك من النصوص الدّالّة علي حرمة أكل كلّ ما لم يذبح من مذبحه.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 261- ب 10- ح 7.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 262- ح 8.

(3) الوسائل/ ج 16- ص 262- ب 11- ح 1.

(4) الوسائل/ ج 16- ص 256- ح 3.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 193

هنا بعقر الكلب وجهان (1) أقواهما ذلك في المستعصي و منه الصائل المستعصي دون غيره كالمتعدّي.

______________________________

اللّهم إلّا أن يقال بالتعميم لإلغاء الخصوصية من المتردّي و عدم الفرق بينه و بين المستعصي. و أنّ المقصود من مجموع نصوص المقام كلّ ما تعذّر ذبحه أو نحره حتي بغير الاستعصاء أو التردّي بحيث لم يتمكن الإنسان من الوصول إلي موضع ذكاته كما قال في الشرائع: «كلّ ما يتعذّر ذبحه أو

نحره من الحيوان إمّا لاستعصائه أو لحصوله في موضع لا يتمكن المذكّي من الوصول الي موضع الذكاة منه و خيف فوته جاز أن يعقر بالسيوف أو غيرها ممّا يجرح و يحلّ و ان لم يصادف العقر موضع التّذكية «1»».

(1) هل يكتفي بعقر الكلب في تذكية ما تعذّر ذبحه أو نحره 1- بل هنا ثلاثة أوجه:

أحدها: الاجتزاء بعقر الكلب في تذكية الأهلي الممتنع ذكاته بالذبح أو النحر مطلقا سواء كان امتناع ذكاته لأجل استعصائه أو تردّيه في بئر أو لدخوله في غار أو جحر و نحو ذلك. بدعوي أنّ التأمّل في مجموع نصوص المقام و سائر النصوص الواردة في تذكية الحيوان الوحشي الممتنع بالسيف و بالذبح

______________________________

(1) الجواهر/ ج 36- ص 140.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 194

______________________________

عند زوال امتناعه يقتضي أنّ الشارع شرّع فردين للتذكية أحدهما: الذبح و النحر في الحيوان المقدور علي ذلك فيه و لو كان وحشيّا قد استأنس أو جرح بحيث لا يستطيع الامتناع بفرار و نحوه ثانيهما: العقر بكلب أو سلاح للحيوان الممتنع ذكاته بالكيفية المزبورة و لو لاستيحاش بعد الاستيناس أو لظهور سبعية فيه بهجمة و نحوها أو للتّردّي في بئر و نحوه أو لدخوله في جحر ضيّق أو نحو ذلك و حينئذ يكون الاستيحاش في وحشي الأصل سببا للتذكية المزبورة باعتبار كونه أحد أفراد عدم القدرة عليه لا لخصوصيّة فيه كما قال في الجواهر «1».

بل قال في الجواهر: «إنّه بناء علي ذلك لا مدخلية لصدق عنوان الصيد و عدمه في التذكية المزبورة و هو قويّ جدّا «2»».

و ثانيها: عدم الاجتزاء به في تذكية الأهلي الممتنع ذبحه أو نحره مطلقا سواء كان امتناع ذلك للاستعصاء أو للتردّي. و ذلك

بدعوي الإشكال في صدق عنوان الصيد علي الأهلي المستوحش لظهوره عرفا و لغة في الوحشي الممتنع بالأصل. فلا يشمله إطلاق ما دلّ من النصوص- كتابا و سنة- علي جواز تذكية الوحوش بالصيد. و أمّا النصوص الواردة في المستعصي فما دلّ علي حلّيته بما تحلّ به الوحوش- و هو خبر أبي البختري- فهو ضعيف سندا. و ما تمّ من

______________________________

(1) الجواهر/ ج 36- ص 53 و 54.

(2) الجواهر/ ج 36- ص 53 و 54.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 195

______________________________

نصوص المقام سندا، لا دلالة له علي حلّية أكل مطلق الحيوان المستعصي و جواز تذكيته بغير ضربة الآلات الجماديّة. و أمّا المتردّي فلا يدلّ علي جواز تذكيته بغير ذلك من شي ء من النصوص الواردة في المقام.

و ثالثها: ما ذهب اليه الماتن «قده» من جواز الاجتزاء بعقر الكلب في تذكية خصوص ما امتنع ذبحه أو نحره لأجل استعصائه و استيحاشه لا لأجل تردّيه في بئر أو دخوله في جحر أو غار.

و الوجه فيه أوّلا: صدق عنوان الصيد علي كلّ حيوان قتل بضربة سيف أو طعن رمح أو رمي سهم أو عقر كلب لأجل استيحاشه و امتناعه بلا فرق في ذلك بين كونه وحشيا ممتنعا بالأصالة أو بالعرض بأن استوحش و امتنع بعد ما كان أهليا مستأنسا. و إذا صدق عليه عنوان الصيد فيحلّ أكل مقتوله بكلّ من الآلة الجماديّة و الحيوانيّة كما في صيد الوحشيّ بالأصل لدخوله تحت مطلقات حلّية مقتول الوحوش بصيد كلتا الآلتين.

و ثانيا: بما رواه في قرب الاسناد عن السندي بن محمد عن أبي البختري عن جعفر عن أبيه: «إنّ عليّا (ع) قال: إذا استصعبت عليكم الذّبيحة فعرقبوها و إن لم تقدروا علي أن

تعرقبوها فإنّه يحلّها ما يحلّ الوحش «1»».

و لكن يمكن الخدشة في كلا الوجهين:

أمّا الوجه الأوّل ففيه: أنّ صدق عنوان الصيد علي مقتول الأهلي

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 262- ب 10- ح 9.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 196

______________________________

المستعصي بالآلة الجمادية أو عقر الكلب غير معلوم. بل الظاهر من العرف و اللّغة عدم صدقه و هو المرتكز في الأذهان. و عليه فلا يشمله إطلاق نصوص الصيد.

و أما الوجه الثاني: ففيه أنّ خبر أبي البختري و ان لا إشكال في دلالته علي التعميم المذكور و لكنّه ضعيف سندا بأبي البختري الكذّاب بل نقل عن الفضل بن شاذان انه كان من أكذب البريّة.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 197

آداب الذّبح و النّحر

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 199

مسألة 20: للذباحة و النحر آداب و وظائف مستحبة و مكروهة.

[أما المستحبة]

فمنها: - علي ما حكي الفتوي به عن جماعة- أن يربط يدي الغنم مع إحدي رجليه و يطلق الأخري (1)

______________________________

(1) ما يستحبّ في ذبح الغنم 1- هكذا قال في الشرائع و نسبه في الجواهر إلي جماعة من الفقهاء و لكن لا مستند لذلك من النصوص غير خبر حمران كما اعترف به في الجواهر و المسالك.

و هو ما رواه الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن أبي هاشم الجعفري عن أبيه عن حمران بن أعين عن أبي عبد اللّه (ع): «قال: سألته عن الذّبح فقال: إذا ذبحت فأرسل و لا تكتّف و لا تقلّب السّكين لتدخلها تحت الحلقوم و تقطعه إلي فوق، و الإرسال للطّير خاصّة. و إن تردّي في جبّ أو وهدة من الأرض فلا تأكله و لا تطعمه فإنّك لا تدري التّردّي قتله أو الذّبح و إن كان شيئا من الغنم فأمسك صوفه أو شعره و لا تمسكنّ يدا و لا رجلا. فأمّا البقر فأعقلها و أطلق الذّنب و أمّا البعير

فشدّ أخفافه إلي آباطه و أطلق رجليه «1»».

هذه الرّواية تدلّ علي خلاف ما حكي من الفتوي عن جماعة في الغنم و

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 255- ب 3- ح 2.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 200

و يمسك صوفه و شعره بيده حتّي تبرد و في البقر أن يعقل قوائمه الأربع و يطلق ذنبه (1).

و في الإبل أن تكون قائمة و يربط يديها ما بين الخفّين إلي الرّكبتين أو الإبطين

______________________________

ذلك لانّ قوله (ع): «و إن كان شيئا من الغنم فأمسك صوفه أو شعره و لا تمسكنّ يدا و لا رجلا». ظاهر في إطلاق يديه و رجليه كلّها و عدم ربط شي ء منها بل انما يمسك صوفه أو شعره فقط. و عليه فلا منشأ من بين النصوص للفتوي باستحباب ما في المتن.

ثم إنّ في سند هذا الخبر ضعف لعدم ثبوت وثاقة قاسم بن إسحاق و ان كان ابنه- و هو داود بن قاسم المكني بأبي هاشم الجعفري- من الثقات كما قلنا سابقا. و علي ذلك فيبتني الاستحباب المزبور علي التسامح في أدلّة السّنن. و البحث فيه موكول إلي محلّه.

(1) و ذلك لدلالة قوله (ع): «فأمّا البقر فأعقلها و أطلق الذّنب» في خبر حمران المتقدّم آنفا.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 201

و يطلق رجليها (1).

______________________________

(1) ما يستحبّ في نحر الإبل 1- دلّ عليه صحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه (ع) في قول اللّه عزّ و جلّ «فَاذْكُرُوا اسْمَ اللّٰهِ عَلَيْهٰا صَوٰافَّ، قال: ذلك حين تصفّ للنّحر بربط يديها ما بين الخفّ إلي الرّكبة «1»».

و لكن في معتبرة أبي خديجة قال: رأيت أبا عبد اللّه (ع): «و هو ينحر بدنته معقولة يدها

اليسري ثمّ يقوم به من جانب يدها اليمني «2»».

و عليه فالّذي يساعده الدّليل استحباب هاتين الكيفيتين كلتيهما. و هما لا تنافيان قيام الإبل حال النحر- الذي دلّ الدليل علي استحبابه بل لزومه- نظرا إلي دخوله تحت الأمر في الآية الشريفة.

و أمّا شدّ أخفافها إلي آباطها و إطلاق رجليه كما أفتي به في الشرائع فقد دلّ عليه خبر حمران، إلّا أنّ سنده ضعيف كما قلنا فلا دليل علي استحباب هذه الكيفية بل ينافيه ما دلّ علي لزوم قيام الإبل أو استحبابه حال النحر لعدم إمكان قيامها عند شدّ أخفافها إلي آباطها كما قال في الجواهر. اللّهم إلّا أن

______________________________

(1) الوسائل/ ج 10- ص 134- ب 35- ح 1.

(2) الوسائل/ ج 10- ص 135- ب 35- ح 3.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 202

و في الطّير أن يرسله بعد الذّبح حتّي يرفرف (1). و منها: أن يكون الذّابح و النّاحر مستقبل القبلة (2). و منها: أن يعرض عليه الماء قبل

______________________________

يقال بإمكان قيامها عندئذ عادة و انّ المقصود به مضمون صحيح عبد اللّه بن سنان كما هو الظاهر.

فالحاصل أنّه يستحبّ أحد النحوين في نحر الإبل: أحدهما: ما أفتي به الماتن «قده». و الآخر: ما دلّ عليه معتبرة أبي خديجة.

(1) لقوله (ع) في خبر حمران المتقدّم: «إذا ذبحت فأرسل و لا تكتّف- الي ان قال: - و الإرسال للطّير خاصّة «1»». و من الواضح أن المقصود إرساله بعد الذبح لا حينه.

(2) استحباب استقبال الذابح و الناحر 2- كما روي عن الصادق (ع): «أنّه (ع) سئل عن البعير يذبح أو ينحر قال:

السّنّة أن ينحر. قيل: كيف ينحر؟ قال (ع): يقام قائماً حيال القبلة و تعقل يده الواحدة و يقوم

الذي ينحره حيال القبلة فيضرب في لبّته بالشّفرة حتي تقطع و تفري «2»». و يمكن استفادة ذلك أيضا من قوله (ع): «استقبل بذبيحتك القبلة» في صحيح محمد بن مسلم «3» بناء علي كون لفظة «الواو» بمعني «مع» خصوصا بقرينة هذه الرواية.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 255- ب 3- ح 1.

(2) المستدرك/ ج 3- ص 66.

(3) الوسائل/ ج 16- ص 257- ب 6- ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 203

الذبح و النحر (1).

و منها: أن يعامل مع الحيوان في الذبح و النحر و مقدّماتهما ما هو الأسهل و الأروح و أبعد من التعذيب و الإيذاء له

بأن يساق الي الذّبح و النّحر برفق و يضجعه برفق. و أن يحدّد الشّفرة و تواري و تستر عنه حتّي لا يراها. و أن يسرع في العمل و يمرّ السكين في المذبح بقوّة (2).

______________________________

(1) ذكره في المسالك و لا شاهد له من النصوص. نعم لا يبعد دعوي جريان سيرة المتشرعة عليه.

(2) استحباب الرّفق بالذّبيحة و التّسريع في الذّبح 2- دلّ علي ذلك عدة نصوص:

منها: النّبوي: «إنّ اللّه تعالي شأنه كتب عليكم الإحسان في كلّ شي ء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة و إذا ذبحتم فأحسنوا الذّبيحة و ليحدّ أحدكم بشفرته و ليرح ذبيحته «1»».

و منها: النبوي الآخر: «إنّه أمر أن تحدّ الشّفار و أن تواري عن البهائم. و قال (ص): إذا ذبح أحدكم فليجّهز «2»».

______________________________

(1) سنن البيهقي/ ج 9- ص 280.

(2) سنن البيهقي/ ج 9- ص 280.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 204

و أمّا المكروهة،

فمنها: أن يسلخ جلده قبل خروج الروح

و قيل بالحرمة و إن لم تحرم به الذبيحة (1) و هو أحوط.

______________________________

و منها: ما في دعائم الإسلام روينا عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه (ع) عن رسول اللّه (ص) قال: «من ذبح ذبيحة فليحدّ شفرته و ليرح ذبيحته». «1»

و منها: ما رواه في الدّعائم عن أبي جعفر (ع) انه قال: «إذا أردت أن تذبح ذبيحة فلا تعذّب البهيمة و أحدّ الشّفرة و استقبل القبلة و لا تنخنقها حتي تموت». «2» و في بعض النسخ «لا تنخعها».

و منها: ما رواه أيضا في الدعائم عن أبي جعفر الباقر (ع) انه قال: «يرفق بالذّبيحة و لا يعنف بها قبل الذّبح و لا بعده و كره أن يضرب عرقوب الشّاة بالسّكّين «3»».

و هذه النصوص و إن كانت ضعيفة سندا إلّا أنّ الأمر سهل

بعد التسامح في أدلّة السنن.

(1) ذهب إلي حرمة الأكل بسلخ الذبيحة قبل خروج الروح الشيخ في النهاية و بني زهرة و حمزة البرّاج. بل عن ابن زهرة دعوي الإجماع عليه و مستندهم في ذلك ظاهر مرفوعة محمد بن يحيي قال: قال أبو الحسن الرضا

______________________________

(1) المستدرك/ ج 3- ص 65- ح 1.

(2) المستدرك/ ج 3- ص 65- ح 2.

(3) المستدرك/ ج 3- ص 66- ح 3.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 205

و منها: أن يقلّب السّكين و يدخلها تحت الحلقوم و يقطع إلي فوق (1)

______________________________

(ع): «إذا ذبحت الشّاة و سلخت أو سلخ شي ء منها قبل أن تموت لم يحلّ أكلها «1»».

و ذهب المشهور إلي كراهة ذلك و هو الأقوي لضعف الخبر المزبور. و أمّا الإجماع المدّعي- فمضافا إلي عدم تحقّقه بمخالفة المشهور- لا اعتبار به لاستناد المخالفين إلي هذا الخبر. و هو ضعيف سندا بالرّفع.

و أمّا كراهة فعل السّلخ فيمكن أن يستفاد من النبوي المرسل: «إنّه (ص) نهي أن تسلخ الذّبيحة أو يقطع رأسها حتي تموت «2»». و قد تبيّن ممّا قلناه أنّ احتياط الماتن «قده» هنا استحبابي.

(1) كراهة قلب السّكّين و قطع الحلقوم من تحته 1- اعتبر ذلك ابن زهرة في حلّية الذبيحة و ذهب جمع من القدماء إلي حرمته تكليفا من دون اشتراطه في حلية الذبيحة و اختار المتأخّرون كافّة كراهة ذلك و مستند الأقوال الثلاثة خبر حمران.

رواه الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن أبي هاشم الجعفري عن

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 258- ب 8- ح 1.

(2) الجواهر/ ج 36- ص 124.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 206

و منها: أن يذبح حيوان و حيوان آخر مجانس له ينظر اليه

و أمّا غيره ففيها تأمّل و إن لا تخلو من وجه (1).

______________________________

حمران بن أعين عن أبي عبد اللّه (ع) قال: «سألته عن الذّبح فقال: إذا ذبحت فأرسل و لا تكتّف و لا تقلّب السّكين لتدخلها تحت الحلقوم و تقطعه إلي فوق «1»».

فالقائل بالحرمة الوضعية أخذ النّهي عن قطع الحلقوم من تحته إلي الفوق إرشادا إلي مانعية ذلك من تحقق الذّبح شرعا. و القائل بالحرمة التكليفية تمسّك بظهور النهي في الحرمة التكليفية و قال بعدم ظهوره في الإرشاد المذكور. و لكن الأمر سهل بعد ضعف سند الرواية كما تقدّم. هذا مضافا إلي اكتناف النهي فيه صدرا

و ذيلا بالآداب المستحبّة. و عليه فلا مناص من القول بالكراهة وفاقا للمشهور و إن لا يجبر ضعف سندها- كما توهّم- لعدم معلومية اشتهار القول بالكراهة بين القدماء و إنّما المعلوم اشتهاره بين المتأخّرين و هو لا يجبر ضعف سند الخبر كما ثبت في محلّه.

(1) كراهة ذبح الحيوان حينما ينظر إليه حيوان آخر مجانس له 1- عن الشيخ «قده» في النّهاية حرمة أكل الذّبيحة بذبحها حينما ينظر إليها حيوان آخر مجانس له. و المشهور عدم الحرمة بل كراهة أكل الذبيحة بذلك.

و إنّ مستند الشيخ معتبرة غياث بن إبراهيم عن أبي عبد اللّه (ع) عن

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 255- ب 3- ح 2.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 207

______________________________

أمير المؤمنين (ع) قال: «لا تذبح الشّاة عند الشّاة و لا الجزور عند الجزور و هو ينظر إليه «1»».

و لكن دلالتها قاصرة عن إثبات الحرمة. و الوجه في ذلك أنّ الشيخ (قده) قد روي مثل هذه الرواية بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيي عن أحمد بن محمد البرقي عن محمد بن يحيي عن طلحة بن زيد عن جعفر عن أبيه: «أنّ أمير المؤمنين (ع) كان لا يذبح الشّاة عند الشّاة..».

و من المعلوم أنّ ترك المعصوم (ع) فعل شي ء لا يثبت حرمته كما ان إتيانه به لا يثبت الوجوب. و لمّا كان من المحتمل قويّا أن يكون المروي بهذا الطريق عين الرواية المروية بطريق الكليني فتقصر الرواية عن إثبات الحرمة.

و أمّا توجيه الحرمة بأنّ هذا النحو من الذبح تعذيب للحيوان الناظر- كما في كشف اللثام- فغير وجيه لعدم معلومية تحقق تعذيب الناظر بذلك لتوقّفه علي إدراك الحيوان و شعوره بذلك و هو غير معلوم مضافا

الي عدم صلاحية ذلك في نفسه لإثبات الحرمة. و أمّا لو نظر حيوان غير مجانس إليه فلا يستفاد كراهة الذّبح حينئذ من الخبر المزبور بل ظاهره الخلاف.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 258- ب 7- ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 208

و منها: أن يذبح ليلا و بالنهار قبل الزوال يوم الجمعة

إلّا مع الضرورة (1).

______________________________

(1) كراهة الذّبح في اللّيل و قبل صلاة الجمعة 1- بأن يخاف موت الحيوان لو لم يذبح ليلا. و قد دلّ علي كراهة الذبح ليلا إلّا مع الخوف من الموت صحيح أبان.

قال سمعت علي بن الحسين (ع)- و هو يقول لغلمانه- «لا تذبحوا حتي يطلع الفجر فإنّ اللّه عزّ و جلّ جعل اللّيل سكنا لكلّ شي ء. قال: قلت جعلت فداك فإن خفت؟ قال: إن كنت تخاف الموت فاذبح «1»».

و يدلّ علي كراهة الذبح يوم الجمعة قبل الصّلاة ما رواه الكليني عن محمد بن يحيي عن محمد بن موسي عن العبّاس بن معروف عن مروك بن عبيد عن بعض أصحابنا و عن عبد اللّه بن مسكان عن محمد الحلبي عن أبي عبد اللّه (ع) قال: «كان رسول اللّه (ص) يكره الذّبح و إراقة الدّم يوم الجمعة قبل الصّلاة إلّا عن ضرورة «2»». هذه الرّواية مسندة صحيحة بناء علي وجود لفظة «الواو العاطفة» في متنها كما في نسخة الوسائل. و مرسلة بناء علي عدم وجودها كما

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 274- ب 21- ح 2.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 274- ب 20- ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 209

و منها: أن يذبح بيده ما ربّاه من النعم (1).

______________________________

في نسخة الكافي. و لمّا يتطرّق بذلك احتمال عدم وجودها تسقط الرّواية عن الاعتبار سندا إلّا أنّ الأمر سهل في السّنن و المكروهات بناء علي التسامح في أدلّتهما.

و علي أيّ حال قد عرفت أنّ الكراهة في الرواية مقيّدة بما قبل الصّلاة- و لو بعد الزّوال-، لا قبل الزوال كما قال به الماتن (قده).

(1) كراهة ذبح ما ربّاه الذّابح 1- دلّ عليه بعض النصوص.

مثل ما رواه الشيخ بإسناده عن محمد بن الحسن الصّفار

عن يعقوب بن يزيد عن يحيي بن المبارك عن عبد اللّه بن جبلة عن محمد بن فضيل عن أبي الحسن الرّضا (ع) قال: «قلت له: كان عندي كبش سمّنته لأضحي به فلمّا أخذته فأضجعته نظر إليّ فرحمته و رققت له ثمّ إنيّ ذبحته. قال: فقال (ع): ما كنت أحبّ لك أن تربّينّ شيئا من هذا ثمّ تذبحه «1»».

و ما رواه بإسناده عن محمد بن الحسن الصفار عن سلمة بن الخطاب عن زرقان بن أحمد عن محمد بن عاصم عن أبي الصّحاري عن أبي عبد اللّه

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 308- ب 40- ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 210

و أمّا إبانة الرّأس قبل خروج الروح

فالأحوط تركها بل الحرمة لا تخلو من وجه (1). نعم لا تحرم

______________________________

(ع): «قال: قلت له: الرّجل يعلف الشّاة و الشّاتين ليضحي بها قال (ع): لا أحبّ ذلك.

قلت: فالرّجل يشتري الجمل أو الشّاة فيتساقط علفه من ههنا و ههنا فيجي ء الوقت و قد سمن فيذبحه؟ فقال (ع): لا و لكن إذا كان ذلك الوقت فليدخل سوق المسلمين و ليشتر منها و يذبحه «1»». فان قوله: «لا أحبّ» ظاهر في الكراهة.

(1) حكم إبانة الرأس قبل خروج الرّوح 1- لدلالة صحيحي محمد بن مسلم و الحلبي.

ففي الأوّل: قال: «سألت أبا جعفر (ع) عن الرّجل يذبح و لا يسمّي أتوكل ذبيحته؟ فقال (ع): نعم إذا كان لا يتّهم و كان يحسن الذّبح و لا ينخع و لا يكسر الرّقبة حتي تبرد الذّبيحة «2»».

وجه الدّلالة ظهور النهي في قوله: «و لا يقطع الرّقبة بعد ما يذبح» في الحرمة.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 308- ب 40- ح 2.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 267- ب 15- ح 2 و 3.

دليل

تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 211

الذّبيحة بفعلها علي الأقوي (1) هذا مع التعمّد و أمّا مع الغفلة أو سبق السّكين فلا حرمة و لا كراهة لا في الأكل و لا

______________________________

(1) هل تحرم الذبيحة بإبانة رأسها؟ 1- بل الأقوي حرمتها إذا كان قطع الرأس عمدا- من دون أن تسبقه السّكّين وفاقا للمحكي عن صريح النهاية و ابن زهرة و ظاهر ابن حمزة و الإسكافي و القاضي. و الدّليل علي ذلك دلالة معتبرة مسعدة بن صدقة و معتبرة الحسين بن علوان بمفهومها.

ففي الأولي: قال مسعدة: «سمعت أبا عبد اللّه (ع) و سئل عن الرّجل يذبح فتسرع السّكين فتبين الرّأس. فقال (ع): الذّكاة الوحيّة لا بأس بأكله ما لم يتعمّد ذلك». و في نسخة الكافي «إذا لم يتعمّد ذلك «1»».

و في الثانية: عن الصادق (ع) عن أبيه عن عليّ (ع): «إنّه كان يقول: إذا أسرعت السّكّين في الذّبيحة فقطعت الرّأس فلا بأس بأكلها «2»».

فإن قوله (ع): «لا بأس بأكله ما لم يتعمّد ذلك» في الأولي و قوله: «إذا أسرعت السّكّين فقطعت الرّأس فلا بأس بأكلها» و في الثّانية يدلّان بمفهومهما

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 259- ب 9- ح 3 و فروع الكافي/ ج 6- ص 230- ح 3.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 260- ب 9- ح 6.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 212

______________________________

علي ثبوت البأس إذا كان قطع رأس الذبيحة عمدا و ظاهر البأس في الأكل حرمته. فإنّه و إن يحتمل إرادة الكراهة منه، إلّا أنّ هنا بقرينة المقابلة مع نفي البأس المقصود منه أصل الجواز ظاهر في عدم الجواز.

نعم بناء علي كون فعل «أسرعت» متعدّيا و كون «السّكّين» مفعولا لا يدلّ مفهومهما علي

المطلوب بل إنّما يدلّان علي حرمة أكل الذبيحة إذا قطع الذّابح رأسها بطيئا من غير إسراعه السّكين. و لكن التحقيق أنّ الإسراع فعل لازم و الشاهد عليه تعدّيه بالحرف- إمّا بإلي أو في أو الباء.

و مثلهما: في الدّلالة صحيحا محمد بن مسلم و الحلبي المتقدّمان آنفا.

فان الظاهر كون قوله: «و لا يقطع» في الأوّل و قوله: «و لا يكسر» في الثاني عطفا علي مدخول «إذا» الشرطية. فإنّ الظّاهر في الواو كونها للعطف لا الاستئناف حتي تكون «لا» ناهية. و عليه فيكون عدم إبانة الرأس شرطا في مشروعية الذّبح و حلّية أكل الذبيحة.

و قد استدلّ علي الحلّية وضعا ببعض النصوص.

مثل صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه (ع): «إنّه سئل عن رجل ذبح طيرا فقطع رأسه أ يؤكل منه؟ قال (ع): نعم و لكن لا يتعمّد قطع رأسه «1»».

فإن غاية مدلول نهيه (عليه السلام) عن التعمّد بقطع الرّأس الحرمة التكليفية لتصريحه بحليّة الأكل مع عدم تعليقه علي عدم التّعمّد بقطع الرأس.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 259- ب 9- ح 5.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 213

______________________________

و إلّا لقال (ع): نعم إذا لم يتعمّد قطع رأسه.

و يمكن الجواب عنه: بأنّ قطع الرأس- في قول السائل- أعمّ من التعمّد به، مضافا إلي احتمال كون فعل «قطع» مجهولا خصوصا بقرينة قوله: «أ يؤكل».

و بناء علي ذلك فجواب الامام (ع) و ان كان صريحا في حلّية أكل الذبيحة إذا قطع رأسها إلا أنّه يشمل صورة القطع العمدي حينئذ بالإطلاق نظرا إلي شمول قطع الرّأس صورة العمد و غيرها. فيكون بالمآل ظاهرا في حلّية أكل ما قطع رأسه عمدا بالإطلاق. بل قوله (ع) في الذيل: «و لكن لا يتعمّد» قرينة

علي نظر السّائل إلي صورة الخطأ، فيترجّح بذلك احتمال كون فعل «قطع» مجهولا.

حيث لا معني للاستدراك بالنّهي عن التعمّد بعد الحكم بحلّية أكل ما قطع رأسه عمدا.

و يشهد علي ذلك- أي اختصاص الحلّية بغير العمد- ما رواه عليّ بن جعفر في كتابه عن أخيه موسي بن جعفر (ع) قال: «سألته عن الرّجل ذبح فقطع الرّأس قبل أن تبرد الذّبيحة كان ذلك منه خطأ أو سبقته السّكّين أ يؤكل ذلك؟ قال (ع): نعم، و لكن لا يعود «1»».

فقوله: «و لكن لا يعود» يعني لا يعود عمدا حيث لا يصحّ هذا التعبير في تكرّر الخطأ و الغفلة فقوله هذا بمعني قوله: «و لكن لا يتعمّد قطع رأسه» في صحيح الحلبي المزبور. و بهذا البيان فيقيّد إطلاق الصحيح المذكور بما دلّ من

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 260- ب 9- ح 7.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 214

في الإبانة بلا اشكال (1) و الأحوط ترك أن تنخع الذبيحة (2) بمعني إصابة السّكّين إلي نخاعها- و هو الخيط الأبيض في وسط الفقار الممتدّ من الرّقبة إلي عجز الذنب.

______________________________

النصوص علي حرمة أكل الذبيحة عند قطع رأسها عمدا. مع احتمال اختصاصه بصورة الغفلة لما قلناه.

هذا مضافا إلي اختصاصه بالطير و نسبته مع مطلقات النهي عموم و خصوص مطلقا.

(1) تبيّن وجهه مما بيّنّاه آنفا.

(2) تنخيع الذبيحة 2- بل لا تبعد دعوي حرمة الذبيحة وضعا بالتنخيع عمدا و ذلك بدلالة صحيح الحلبي «1» و محمد بن مسلم «2» المتقدّمين. فان الظاهر كون قوله: «و لا ينخع» عطفا علي مدخول «إذا» الشرطية لأنّه الأصل في الواو فحملها علي الاستئنافية و إرادة النهي خلاف الظاهر. مع أن ظاهر النهي أيضا الإرشاد إلي المانعية كما

في الصحيحين الآخرين. ففي أحدهما: «و لا تنخعها حتي

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 267- ب 15- ح 2.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 267- ب 15- ح 3.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 215

______________________________

تموت «1»». و في الآخر: «لا تنخع الذّبيحة حتي تموت فإذا مات فانخعها «2»».

بقرينة كون النهي عن التنخيع في عداد الأمر بالاستقبال في كلام واحد. و أمّا كون النهي عنه بعد الذبح بقرينة قوله: «حتي تموت» و قوله: «و لا ينخع و لا يقطع الرقبة بعد ما يذبح» فلا ينافي اشتراطه في حلّية الذبيحة كما أنّ صدور الحركة بعد الذبح معتبر في حليّتها. فلا منافاة في كون عدم التنخيع شرطا متأخرا، لمشروعية التذكية بأن اعتبر الشارع في التذكية خصوص فري الأوداج لا أزيد- من قطع النخاع و إبانة الرأس- كما قال عدّة من القدماء قال في الجواهر «3» - بعد استظهار عدم حرمة الذبيحة بذلك-: «خلافا للمحكي عن صريح النهاية و ابن زهرة و ظاهر ابن حمزة و الإسكافي تمسّكا بدعوي أنّ الذبح المشروع هو المشتمل علي قطع الأربعة خاصّة فالزائد عليها يخرج عن كونه ذبحا شرعا فلا يكون مبيحا و جري مجري ما لو قطع عضوا من أعضائه فمات».

و أمّا إشكال صاحب الجواهر: «بأنّ مقتضاها حرمة الزيادة و ان لم تكن إبانة و لا أظنّ أحدا يقول بذلك». ففيه: أنّ القياس مع الفارق لاحتمال خصوصية في التنخيع و هو استناد زهوق الروح إليه دون فري الأوداج كما ربما يتفق أن الذبيحة. بعد فري أوداجها يتحرّك بل يمشي و هذا الاحتمال غير آت في قطع سائر الأعضاء.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 257- ب 6- ح 1.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 257-

ب 6- ح 2.

(3) الجواهر/ ج 36- ص 122.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 217

ذكاة الجنين و أحكامها

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 219

مسألة 21: لو خرج الجنين أو أخرج من بطن أمّه فمع حياة الأمّ أو موتها بدون التذكية لم يحلّ أكله (1)

إلّا إذا كان حيّا و وقعت عليه التذكية و كذا إن خرج أو أخرج حيا من بطن أمّه المذكّاة فإنّه لا يحلّ إلّا

______________________________

(1) حكم الجنين الخارج من بطن امّه الغير المذكّاة 1- لعدم كون الأمّ مذكاة في كلتا الصورتين حتي يكون الجنين مذكي بتبع ذكاة أمّه بلا فرق بين قبل ولوج الروح و بين بعده لأنّه علي الأوّل جزء مبان من بدن الحيّ أو الميّت و لا إشكال في حرمة أكله. و علي الثّاني فان لم يخرج حيّا فهو ميتة لم تقع عليه التذكية. و أمّا إذا خرج حيّا من بطن امّه- الحيّ أو الميّت- فمن الواضح عدم حليّته بدون التذكية، لأنه حيوان حيّ مستقلّ عن امّه فيدخل في عمومات التذكية كتابا و سنة. فتعتبر التذكية في حلّية أكله كسائر الحيوانات من دون فرق بين أن خرج أو أخرج من بطن امّه الحيّ أو الميت أو المذكّاة.

هذا مضافا إلي أنّه قد دلّ علي ذلك بالخصوص فحوي موثّق عمّار عن أبي عبد اللّه (ع)، في حديث: «انّه سأله عن الشّاة تذبح فيموت ولدها في بطنها.

قال (ع): كله فإنّه حلال لأنّ ذكاته ذكاة أمّه. فإن هو خرج و هو حيّ فاذبحه و كله فإن مات قبل أن تذبحه فلا تأكله. و كذلك البقر و الإبل «1»». حيث دلّ علي اعتبار

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 371- ح 8.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 220

بالتذكية فلو لم يذكّ لم يحلّ و إن كان عدمها من جهة عدم اتّساع الزّمان

لها علي الأقوي (1).

______________________________

الذبح في حلّية أكل الجنين الحيّ الخارج من بطن امّه المذكّاة فبالفحوي يدلّ علي اعتبار الذبح في حلية أكله إذا خرج حيّا من امّه الميت أو الحيّ لعدم ذكاتها حتي تستتبع ذكاة الولد.

(1) حكم الجنين إذا خرج حيّا و لم يتّسع الزمان لتذكيته 1- قد وقع الخلاف في حلية أكل الجنين إذا خرج حيّا و كان حياته غير مستقرّة بحيث لم يتّسع الزمان لتذكيته. فذهب الشيخ في المبسوط و الشهيدان و غيرهم إلي الحلّية بدعوي إلحاقه بالميّت عرفا فيكون ذكاته بذكاة أمّه بمقتضي عموم النصوص الواردة في المقام. و لكن ذهب صاحب الشرائع و الجواهر و غيرهما إلي الحرمة. و استدلّوا عليها أوّلا: بأنّ مقتضي عمومات الكتاب و السنّة اعتبار التذكية بالذبح في حلّية أكل أيّ حيوان إلّا ما أخرجه الدّليل- كالصيد و ما تعذّر ذبحه لاستعصاء و نحوه. و في المقام دلّت النصوص علي إخراج خصوص الجنين الذي مات بعد ذبح امّه قبل خروجه من بطن امّه فيبقي الباقي تحت العموم فالجنين الذي مات قبل تذكية امّه أو بعد خروجه من بطنها تشمله العمومات الدالّة علي اعتبار التذكية في حلّية أكل

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 221

______________________________

أيّ حيوان. فلا مناص من تذكيته و الّا يحرم بمقتضي الأدلّة.

و ثانيا: بموثقة عمّار فإنّها دلّت بإطلاقها في خصوص المقام علي الحرمة و ذلك لأنّ قوله: «فإن خرج و هو حيّ فاذبحه و كله فإن مات قبل أن تذبحه فلا تأكله» يشمل بإطلاقه الجنين الذي كان له حياة غير مستقرّة بعد خروجه من بطن أمّه، و ان لم يتّسع الزمان لذبحه و لكن يصدق أنّه مات- بعد ما خرج من بطن أمّه- قبل

الذّبح بلا ريب. فلا وجه لعدم دخوله تحت الإطلاق المزبور.

اللّهم إلّا أن يقال إنّ العرف لا يعدّ مثل هذا الجنين- الذي في شرف الموت بحيث لا تدوم حياته بعد ثواني- حيّا بل يلحقه بالميت مع أنّ الأمر بالذبح و إن كان إرشاديا إلّا أنّ ظاهره الإرشاد إلي شرطية ما هو ممكن في نفسه مع قطع النظر عن الموانع العارضة من قبل المكلّف.

توضيح ذلك: إنّ أدلّة اعتبار الشروط علي قسمين فمنها: ما دلّ علي اشتراط ما هو خارج عن الاختيار مثل قولهم (ع): «إذا دخل الوقت فصلّ» و لكن هذا النوع من الخطابات ليست بلسان الأمر بتحصيل الشرط لعدم معقولية الأمر بما هو غير ممكن في نفسه أو خارج عن الاختيار.

و منها: ما دلّ علي اشتراط شي ء في الواجبات- الوضعية أو التكليفية- بلسان الأمر بذلك الشي ء مثل الأمر بتحصيل الطهور و الاستقبال في الصّلاة.

و من هذا القبيل- أي القسم الثاني- ما ورد في المقام من الأمر بالاستقبال في قوله: «و استقبل بذبيحتك القبلة» و منه أيضا الأمر بذبح الجنين

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 222

______________________________

إذا خرج حيّا فإنّه إرشاد إلي اشتراط الذبح الممكن في نفسه.

إن قلت: لو كان الأمر كذلك فلا بدّ من الالتزام بحلّية كلّ حيوان مات لعدم إمكان ذبحه- و لو بغير الصيد أو الآلة الحديدية عند تعذّر ذبحه- و هذا ممّا لم يلتزم به أحد.

قلت: فرق بين هذا المقام و موارد المقيس عليه. فان المفروض أنّ في المقام قد دلّ الدليل علي كون ذكاة الجنين بذكاة امّه فهي من قبيل المقتول بالصيد الذي يحلّ أكله ما لم يدرك تذكيته.

كما في صحيح أبي بصير عن أبي عبد اللّه (ع) قال: «و إن

أدركت صيده فكان في يدك حيّا فذكّه فإن عجّل عليك فمات قبل أن تذكّيه فكل «1»».

و لكن مع ذلك كلّه لا تخلو المسألة من إشكال نظرا إلي إطلاق قوله (ع):

«فإن مات قبل أن تذبحه فلا تأكله» في موثّق عمّار خصوصا بلحاظ كثرة اتّفاق ذلك في الخارج و ترك استفصال الامام (ع). فلا بدّ من الاجتناب عن أكل الجنين حينئذ بالاحتياط الواجب. و ان يشكل الفتوي بذلك نظرا إلي إشكال الإرشاد إلي شرطية غير الممكن. و أما الجواب عنه بأنّ الذبح ممكن بلحاظ قابلية الحيوان للتذكية فلا يخلو من مناقشة لأنّ بقابلية الحيوان للتذكية لا يصير الذبح مع عدم اتساع الزّمان ممكنا. فالإشكال المزبور باق علي حاله. بل لا تبعد دعوي خروج هذا المصداق الغير الممكن عن الإطلاق المزبور تخصّصا

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 214- ح 3.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 223

و اما لو خرج أو أخرج ميّتا من بطن امّه المذكّاة حلّ أكله و كانت تذكيته بتذكية أمّه لكن بشرط كونه تام الخلقة و قد أشعر أو أوبر و إلّا فميتة (1).

______________________________

أو انصرافه عنه بقرينة الاستحالة العقلية المذكورة. و علي أيّ حال لا تخلو المسألة من الاشكال. و المرجع عند الشك و عدم نهوض الخطابات اللّفظية إلي أصالة عدم التذكية.

(1) حلّية أكل الجنين الخارج من بطن أمّه المذكّاة ميّتا 1- إذا خرج الجنين أو أخرج من بطن أمّه المذكّاة قد دلّت عدّة نصوص معتبرة بالغة حدّ الاستفاضة علي حلّية أكله و كون تذكيته بتذكية امّه و لكن لا مطلقا بل بشرط أن تتمّ خلقته و يشعر و يؤبر.

فمنها: صحيح محمد بن مسلم قال: «سألت أحدهما (ع) عن قول اللّه عزّ و جلّ

أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعٰامِ. قال (ع): الجنين في بطن أمّه إذا أشعر و أوبر فذكاته ذكاة أمّه فذلك الذي عني اللّه عزّ و جلّ «1»».

و منها: صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه (ع) قال: «إذا ذبحت الذّبيحة فوجدت في بطنها ولدا تامّا فكل و إن لم يكن تامّا فلا تأكل «2»».

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 270- ب 18- ح 7- 3.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 270- ب 18- ح 7- 3.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 224

______________________________

و منها: معتبرة مسعدة بن صدقة عن أبي عبد اللّه (ع): «إنّه قال في الجنين إذا أشعر فكل و إلّا فلا تأكل «1»».

و منها: صحيح ابن مسكان عن أبي جعفر (ع): «إنّه قال في الذّبيحة تذبح و في بطنها ولد. قال (ع): إن كان تامّا فكله فإنّ ذكاته ذكاة أمّه و إن لم يكن تامّا فلا تأكله «2»».

و منها: صحيح جرّاح المدائني عن أبي عبد اللّه (ع): قال: «إذا ذبحت ذبيحة و في بطنها ولد تامّ فإنّ ذكاته ذكاة أمّه فإن لم يكن تامّا فلا تأكله «3»».

و منها: ما رواه الصدوق في العيون بإسناده عن الفضل بن شاذان عن الرّضا (ع) في كتابه إلي المأمون قال: «و ذكاة الجنين ذكاة أمّه إذا أشعر و أوبر «4»».

و منها: موثّق سماعة قال: «سألته عن الشّاة يذبحها و في بطنها ولد و قد أشعر قال: ذكاته ذكاة أمّه «5»».

و منها: صحيح يعقوب بن شعيب قال: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن الحوار تذكي أمّه أ يؤكل بذكاتها؟ فقال (ع): إذا كان تماما و نبت عليه الشّعر فكل «6»».

فان في هذه النصوص و إن لم يصرّح باعتبار موت الجنين بسبب تذكية

______________________________

(1)

الوسائل/ ج 16- ص 270- ب 18- ح 5.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 270- ب 18- ح 6.

(3) الوسائل/ ج 16- ص 270- ب 18- ح 7.

(4) الوسائل/ ج 16- ص 271- ح 12.

(5) الوسائل/ ج 16- ص 269- ب 18- ح 1.

(6) الوسائل/ ج 16- ص 269- ب 18- ح 2.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 225

______________________________

الامّ قبل أن يخرج من بطنها إلّا أنّ ذلك يستفاد منها بالوضوح. و الوجه فيه أنّه لا معني للحكم بتذكيته إلّا في فرض زهوق روحه فلا معني للحكم بتذكيته مع كونه حيّا بعد الخروج من البطن و أمّا كون موته بسبب تذكية الامّ فيمكن استفادته من قوله (ع): «ذكاته ذكاة أمّه». لأنّ معناه كون ذكاة الجنين تابعة لذكاة امّه و حاصلة بذكاتها. و لذا لا يصحّ هذا التعبير فيما إذا مات الجنين قبل تذكية الأمّ.

هذا مضافا إلي أنّه دلّت علي ذلك بالخصوص موثّقة عمّار عن أبي عبد اللّه (ع) في حديث: «أنّه سأله عن الشّاة تذبح فيموت ولدها في بطنها. قال (ع):

كله فإنّه حلال لأنّ ذكاته ذكاة أمّه فإن هو خرج و هو حيّ فاذبحه و كل «1»».

حيث إنّه (ع) طبّق الكبري المذكورة علي ما فرضه السائل من موت الجنين في البطن بسبب الذبح لظهور السؤال عن «الشّاة تذبح فيموت ولدها في بطنها» في ذلك و قد علّل الإمام (ع) حلية أكل الجنين حينئذ بأنّ ذكاته ذكاة أمّه.

ثم إنّ ظاهر بعض هذه النصوص و ان كان كفاية واحد من الاشعار و الايبار إلّا أنّ ظاهر بعضها اعتبارهما معا كما في صحيح محمد بن مسلم قال:

«سألت أحدهما (ع) عن قول اللّه عزّ و جلّ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ

الْأَنْعٰامِ، قال: الجنين في بطن أمّه إذا أشعر و أوبر فذكاته ذكاة أمّه «2»».

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 271- ب 18- ح 8.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 270- ب 18- ح 3.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 226

و لا فرق في حلّيّته مع الشرط المزبور بين ما لم تلجه الروح و بين ما ولجته و مات في بطن أمّه علي الأقوي (1).

______________________________

و مقتضي الصّناعة تقييد إطلاق النصوص به فلا بدّ من القول باعتبارها إلّا في الحيوان الذي لا يعتاد فيه أحدهما فهو خارج عن منصرف النصوص.

(1) لا يعتبر ولوج الروح في حلّية الجنين بذكاة أمّه 1- ذهب في الجواهر إلي اعتبار ولوج الروح مستدلا بعدم صدق التذكية المفروض اعتبارها في حلّية أكل الجنين و لو بتبع تذكية امّه.

قال (قده): «و أمّا لو خرج تامّ الخلقة حتّي في الشعر قبل أن تلجه الرّوح فربّما ظهر من بعض الناس حلّه لأصل الإباحة إلّا أنّ الظّاهر خلافه لظهور الأدلّة في اعتبار تذكية الجنين في حلّه و أنّ تذكيته بتذكية أمّه فلا يحلّ بدونها لعدم التذكية حينئذ بل ذلك هو مقتضي حصر تذكيته بتذكيتها «1»».

و قد يستدلّ علي ذلك بموثّق عمّار حيث حكم الامام (ع) بحلّية أكل الجنين إذا مات في بطن امه بعد الذبح و إنّ الموت هو زهوق الروح و لا يكون إلّا بعد ولوجه و استدلّ أيضا بأنّ تمامية الخلقة لا ينفك عن ولوج الروح.

و يرد علي الوجه الأوّل: أنّ معني قولهم (ع) «ذكاة الجنين ذكاة امّه» نفي

______________________________

(1) الجواهر/ ج 36- ص 185.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 227

______________________________

احتياج الجنين إلي الذكاة. فالمقصود أنّه لا يحتاج إلي الذكاة بل يكفي في حلّية

أكله ذكاة امّه. و هذا أعمّ من أن يكون قابلًا للتذكية بولوج الروح و إن لم يكن قابلًا لها لعدم ولوج الروح فيه. فان في الفرض الثاني يصحّ أن يقال: إنّه و إن ليس قابلًا للتذكية و لكن ذكاة أمّه كافية في حلّية أكله. و بعبارة أخري إنّه في حكم المذكي من جهة حلّية أكله بذكاة امّه.

و يرد علي الوجه الثاني: أنّ موت الولد في بطن امّه بعد ذبحها إنّما فرض في كلام السائل. و حكم الامام (ع) بحلّيته بتطبيق كبري «ذكاته ذكاة امّه» علي مورد فرض السائل لا ينافي عموميّتها. بل مقتضي التعليل بها التعميم.

و يرد علي الوجه الثالث: أنّ الذي لا ينفك عن نبات أعضاء الجنين و تمامية الخلقة هو الروح النباتي و أمّا الروح الحيواني فإنّما يلج بعد تماميتها كما في جنين الإنسان.

و الحاصل: أنّ إطلاق نصوص المقام يقتضي حلّية أكل الجنين بذكاة أمّه إذا تمّت خلقته و أشعر أو أوبر مطلقا، سواء ولج فيه الروح قبل التذكية أم لا. و لم يثبت مقيّد لهذا الإطلاق.

و في قبال ذلك ذهب جمع من الفقهاء إلي اعتبار عدم ولوج الروح في حلّية أكل الجنين بذكاة أمه كالشيخ و القاضي و ابن حمزة و الديلمي و الحلّي- علي ما حكي- فقالوا: إنّ الجنين لو خرج من بطن امّه ميّتا بعد ولوج الروح كان ميتة يحرم أكله حتّي فيما إذا تمّت خلقته و أشعر و أوبر.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 228

______________________________

و استدلّوا عليه بأنّ ظاهر قولهم (ع): «ذكاة الجنين ذكاة أمّه» عدم استقلال الجنين عن امّه في الحياة. و الوجه في ذلك أنّ تبعيته لأمّه في الذكاة يتطلّب تبعيّته لها في الحياة، و

إلّا فلو كان له حياة مستقلّة عن أمّه يكون ذا كئذ مثل أيّ حيوان آخر مشمولا لعمومات التذكية.

و فيه: أنّ ظاهر إطلاقات المقام و ترك استفصال الامام (ع) يدفع اعتبار عدم ولوج الروح. هذا مع أنّ توهّم احتياج الجنين إلي الذكاة إنّما يكون بعد ولوج الروح كما كان مرتكزا في ذهن المستدلّ. و إنّما يناسب قولهم: «ذكاة الجنين ذكاة أمّه» دفع هذا الوهم و من هنا لو لم تكن نصوص المقام ظاهرة في اعتبار ولوج الروح في حلّية أكله بذكاة امّه- كما قال في الجواهر-، لا دلالة لها علي اعتبار عدمه قطعا.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 229

مسألة 22: لو كان الجنين حيّا حال إيقاع الذبح أو النحر علي امّه و مات بعده قبل أن يشقّ بطنها و يستخرج منها،

حلّ علي الأقوي (1) لو بادر علي شقّ بطنها و لم يدرك حياته. بل و لو لم يبادر و لم يؤخّر زائدا علي القدر المتعارف في شقّ بطون الذبائح بعد الذبح (2) و ان كان الأحوط المبادرة و عدم التأخير حتّي بالقدر المتعارف.

______________________________

(1) لا تجب المبادرة إلي شقّ بطن الأمّ المذكّاة لإخراج الجنين 1- بل لا إشكال في حلّية الجنين حينئذ حيث لا قصور لإطلاق قولهم (ع): «ذكاة الجنين ذكاة أمّه» في شموله لهذا الفرض. مضافا إلي دلالة موثقة عمّار علي حلّية أكله بالخصوص. فان قول الصادق (ع)- حينما سئل عن شاة و مات ولدها في بطنها-: «كله فإنّه حلال لأنّ ذكاته ذكاة أمّه» لا إشكال في شموله للمقام. خصوصا بعموم التعليل و ترك استفصاله (ع)، فإنّ ظاهره كفاية ذكاة الأمّ في تذكية الولد مطلقا و أنّ ذكاة الولد يتحقّق بمجرّد ذكاة أمّه إذا تحقّق موته في البطن و لم يخرج حيّا.

(2) ظهر ممّا قلنا عدم وجه لوجوب المبادرة إلي شقّ بطن الامّ. و احتياط

الماتن «قده» هنا استحبابي لسبقه بالفتوي بالحلّية. و لكن وجه الاحتياط غير معلوم و لعلّه احتمال استناد زهوق روح الولد إلي التأخير المتعارف عند عدم المبادرة.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 230

و لو أخّر زائدا عن المتعارف و مات قبل أن يشق البطن فالأحوط الاجتناب عنه (1).

______________________________

(1) لو أخّر في إخراج الجنين من بطن أمّه المذكّاة 1- هذا الاحتياط وجوبي لعدم شمول فتوي الماتن «قده» بالحلّية لهذا الفرض. و الوجه فيه ظاهرا انصراف إطلاقات تذكية الجنين بذكاة امّه- في النصوص المطلقة و في موثّقة عمّار- عن هذه الصورة. حيث أنّها ظاهرة في الخروج أو الإخراج المتعارف. و لكنّه غير وجيه لعدم قصور إطلاقات نصوص المقام خصوصا تعليله (ع) في موثّق عمّار لكونه في فرض موت الجنين في بطن امّه مع ترك استفصاله (ع). فان ظاهر ذلك كون ذكاة الامّ سببا لتذكية الجنين عند الشارع مطلقا من دون دخل لاستناد زهوق روح الجنين إلي زهوق روح امّه لعدم دليل عليه بل هو خلاف ظاهر الإطلاق و إلّا يلزم الحكم بعدم حلّية الجنين ما لم يعلم استناد زهوق روحه إلي زهوق روح امّه و إن خرج ميّتا من بطن امّه بعد ذكاتها و هذا ممّا لم يلتزم به أحد.

فالظاهر من النصوص أنّ في ذكاة الجنين لا يشترط أزيد من أمرين:

أحدهما: تذكية الام و الآخر: عدم خروج الحيوان حيّا من بطن امّه. و إن شئت فقل: خروجه من بطن أمّه ميّتا. و عليه فيحكم بحلّية الجنين إذا مات في بطن

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 231

______________________________

أمّه- بعد ذكاتها- مطلقا سواء تأخّر خروجه أو إخراجه زائدا عن المتعارف أم لا، إلّا إذا علم كون التأخير

سببا تامّا لموت الولد من دون دخل لتذكية الأم و لكن لا علم بذلك غالبا لوضوح دخل تذكية الأمّ في موت الولد عند التأخير و لذا لا يموت به عند حياة امّه. و استناد موته إلي الجزء الأخير من العلّة- و هو التأخير- لا ينفي دخل تذكية الأمّ في موت ولده و ظاهر نصوص المقام كفاية مجرّد دخل تذكية الأمّ في موت الجنين.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 233

ما يقبل التذكية من الحيوانات و ما لا يقبلها

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 235

مسألة 23: لا إشكال في وقوع التذكية علي كل حيوان حلّ اكله ذاتا (1).

______________________________

(1) وقوع التذكية علي الحيوان المأكول اللّحم 1- إنّ الحيوان- بلحاظ قبول التذكية- ينقسم إلي مأكول اللّحم و غيره. و الثاني إلي نجس العين و غيره. و غير نجس العين ينقسم إلي ما لا نفس سائلة له و إلي ما له نفس سائلة. و ما له النفس السائلة ينقسم إلي السّباع و المسوخات و الحشرات و غيرها.

و أما الإنسان فهو خارج عن موضوع التّذكية بالاتفاق و ضرورة الدين و إنّ أدلّة التذكية منصرفة عنه بلا ريب.

و يقع البحث عن كل قسم علي حدة في أنّه هل يقبل التذكية أم لا؟ أمّا المأكول اللّحم فيقع عليه التذكية بلا خلاف و لا إشكال و قد دلّ عليه الكتاب و السّنة المتواترة.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 236

و ان حرم بالعارض كالجلّال و الموطوء (1) بحريا كان أو برّيا

______________________________

فمن الكتاب: قوله تعالي وَ مٰا لَكُمْ أَلّٰا تَأْكُلُوا مِمّٰا ذُكِرَ اسْمُ اللّٰهِ عَلَيْهِ وَ قَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مٰا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ «1». فإنّ تجويز أكل ما ذكر اسم اللّه عليه من الحيوان بقرينة قوله وَ قَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مٰا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ

لا يبقي أيّ شك في أنّ المقصود تجويز أكل الحيوان المأكول اللّحم. و كذا غيرها من الآيات الدالّة علي حلّية أكل الحيوان المذكي فهي نصوص كثيرة علي حدّ من الكثرة لا حاجة إلي ذكرها. و أمّا غير مأكول اللّحم بأنواعه فيأتي البحث عنه خلال فقرأت هذه المسألة.

(1) حكم الجلّال و قبوله التذكية 1- الجلّال- كما قال في الشرائع- هو الحيوان الذي يغتذي من عذرة الإنسان لا غير. فذهب المشهور إلي حرمة أكله حتي يستبرأ و حكي عن الإسكافي و الشيخ الكراهة. و لكن نقل في الجواهر أنّه قائل بالكراهة في الذي كان أكثر علفه العذرة لا الذي لا علف له غيرها. فعلي أيّ حال لا إشكال

______________________________

(1) الأنعام/ 119.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 237

______________________________

في أصل حرمة أكل الحيوان الجلّال قبل الاستبراء لدلالة النصوص المعتبرة المروية من طرق العامّة و الخاصّة:

مثل صحيح هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه (ع) قال: «لا تأكلوا لحوم الجلّالات و إن أصابك من عرقها فاغسله «1»».

و موثقة السكوني عن أبي عبد اللّه جعفر عن محمّد (ع): «قال: قال أمير المؤمنين (ع): الدّجاجة الجلّالة لا يؤكل لحمها حتي تغتذي ثلاثة أيّام و البطّة الجلّالة بخمسة أيّام و الشّاة الجلّالة عشرة أيام و البقرة الجلّالة عشرين يوما و النّاقة الجلّالة أربعين يوما «2»». و غيرهما من النصوص الكثيرة، سيأتي ذكرها مفصّلا في ضمن مسائل الأطعمة المحرّمة.

و إنّما الكلام هنا أنّ الجلّال هل يقبل التذكية حتي يطهر جلده و لحمه؟

فربّما يستدلّ علي عدم قبوله للتذكية- ما دام جلّالا- بأمره (ع) بغسل عرقه بدعوي ظهوره في نجاسة عرقه و هو كاشف عن نجاسة بدنه. فيكون من قبيل نجس العين الذي لا يقبل

التذكية.

و ردّ ذلك بوجهين: أحدهما: ما قال في الجواهر من أنّ الأمر بغسل العرق أعمّ من نجاسة الحيوان و من العرق نفسه خصوصا بعد الشهرة علي الطّهارة، إذ يمكن كون الأمر بغسله لأجل الصّلاة باعتبار صيرورته فضلة ما لا يؤكل لحمه

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 354- ب 27- ح 1.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 356- ب 28- ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 238

______________________________

المانعة من الصّلاة و إن كانت طاهرة. و بهذا تبيّن ضعف ما ذهب إليه في كشف اللثام و ما حكاه عن الفاضل في المنتهي من القول بالنجاسة.

و ثانيهما: ما عن بعض أساتذتنا من أنّ الأمر بالغسل إذا تعلّق بموضع الإصابة- من الثوب و البدن- كاشف عن تنجّسه بالإصابة. و إن تعلّق الأمر بنفس الشي ء المصيب إنّما يدل علي مانعيته للصلاة فيكون الأمر بغسله لأجل رفع المانع عن الصّلاة و لا يكشف عن نجاسة الموضع. و في المقام قد تعلّق الأمر بغسل عرق الموطوء الذي أصاب بدن الإنسان لا نفس البدن فيكشف عن مانعيته للصّلاة. و لعلّه لأجل كونه فضلة ما لا يؤكل لحمه- و ان كانت طاهرة- كما قال في الجواهر.

هذا مجمل الكلام في الجلّال و سيأتي البحث عن ذلك تفصيلا في الأطعمة المحرّمة إن شاء اللّه. و سنتعرّض هناك للبحث عمّا يحصل به الجلل و المدّة التي يحصل فيها الجلل و أنّ التعذّي بالعذرة يترتّب عليه حكم الجلل دون غيرها من النجاسات. و المدّة التي يستبرء فيها أنواع الحيوانات الجلّالة.

حكم الموطوء لا اشكال و لا خلاف في حرمة أكله و قد دلّت علي ذلك النصوص المعتبرة المستفيضة. و إنّما الكلام في أنّه هل يقبل التذكية أم لا. قال

في الجواهر: «لا إشكال في قبول ما كانت حرمته عارضة فيها كالجلّال و الموطوء

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 239

______________________________

للاستصحاب. و أمّا غيره فقد عرفت أنّ الأصل عدم التذكية إلّا ما يندرج منها في الصحيح المزبور «1»». مقصوده صحيح ابن بكير «2» بدعوي ظهوره في كون ما يحرم أكله من الحيوان قابلًا للتذكية و ان لا تصحّ الصّلاة في أجزائه و ذلك لفرض الذكاة فيه بقوله (ع): «ذكّاه الذّبح أم لم يذكّه».

و قد يستدل علي عدم قبوله للتذكية بعدّة نصوص:

منها: صحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه (ع)- المرويّ عن الرضا (ع) و الكاظم (ع) أيضا- في الرجل يأتي البهيمة فقالوا (ع) جميعا «إن كانت البهيمة للفاعل ذبحت فإذا ماتت أحرقت بالنّار و لم ينتفع بها و ضرب هو خمسة و عشرون سوطا- ربع حدّ الزّاني. و إن لم تكن البهيمة له قوّمت و أخذ ثمنها منه و دفع إلي صاحبها و ذبحت و أحرقت بالنّار و لم ينتفع بها و ضرب خمسة و عشرون سوطا. فقلت: و ما ذنب البهيمة؟ فقال (ع): لا ذنب لها و لكن رسول اللّه (ص) فعل هذا و أمر به لكي لا يجترئ النّاس بالبهائم و ينقطع النّسل «3»».

______________________________

(1) الجواهر/ ج 36- ص 201.

(2) رواه عن الصادق (ع) قال: «هذا عن رسول اللّه (ص) فاحفظ ذلك يا زرارة.

فإن كان ممّا يؤكل لحمه فالصّلاة في وبره و بوله و شعره و روثه و ألبانه و كلّ شي ء منه جائز إذا علمت أنّه ذكيّ و قد ذكّاه الذّبح. و ان كان غير ذلك ممّا قد نهيت عن أكله و حرّم عليك أكله فالصّلاة في كلّ شي ء منه

فاسد ذكّاه الذّبح أم لم يذكّه».

الوسائل/ ج 3- ص 250- ب 2- ح 1.

(3) الوسائل/ ج 18- ص 570- ب 1- ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 240

______________________________

و منها: حسنة سدير عن الباقر (ع): «في الرّجل يأتي البهيمة قال: يجلّد دون الحدّ و يغرم قيمة البهيمة لصاحبها لأنّه أفسدها عليه و تذبح و تحرق إن كانت ممّا يؤكل لحمه و إن كانت ممّا يركب ظهره غرم قيمتها و جلّد دون الحدّ و أخرجها من المدينة الّتي فعل بها فيها إلي بلاد أخري حيث لا تعرف فيبيعها فيها كيلا يعيّر بها صاحبها «1»».

و منها: صحيح محمد بن عيسي عن الرجل «و هو العسكري (ع)»: «إنّه سئل عن رجل نظر إلي راع نزا علي شاة قال (ع): إن عرفها ذبحها و أحرقها و إن لم يعرفها قسمها نصفين أبدا حتي يقع السّهم فتذبح و تحرق و قد نجت سائرها». «2»

و منها: ما رواه الحسن بن علي بن شعبة في تحف العقول عن أبي الحسن الثالث (ع) في جواب مسائل يحيي بن أكثم قال (ع): «و أمّا الرّجل النّاظر إلي الرّاعي و قد نزا إلي شاة فإن عرفها ذبحها و أحرقها و إن لم يعرفها قسم الغنم قسمين و ساهم بينهما فإذا وقع علي أحد النّصفين فقد نجا النّصف الآخر ثمّ يفرّق النّصف الآخر فلا يزال كذلك حتي يبقي شاتان فيقرع بينهما فأيّهما وقع السّهم بها ذبحت و أحرقت و نجي سائر الغنم «3»».

بتقريب أنّ الأمر بإحراق الموطوء و الحكم بعدم جواز الانتفاع منه و بأنّ

______________________________

(1) الوسائل/ ج 18- ص 571- ح 4.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 358- ب 30- ح 1.

(3) الوسائل/ ج 16-

ص 359- ب 30- ح 4.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 241

______________________________

الوطئ إفساده كاشف عن عدم قبوله للتذكية. حيث إنّه لو كان قابلًا للتذكية لم يكن منعا في الانتفاع منه و لم يصر فاسدا حينئذ حتي يحرق.

و فيه أنّ مدلول هذه النصوص عدم جواز الانتفاع بالحيوان الموطوء في الأكل و يكون الأمر باحراقه بغرض المنع عن أكله. و إنّ ما ورد في حسنة سدير أنّ الواطئ أفسد البهيمة يكون بلحاظ سقوطه عن الانتفاع بالأكل. و الحاصل أنّ غاية مدلول هذه النصوص حرمة الانتفاع بالحيوان الموطوء بالأكل و هذا لا ينافي بقاء قابليته للتذكية و قد يستشهد لذلك:

أوّلا: بتفصيل الامام (ع) في حسنة سدير بين ما كان الانتفاع منه بالأكل و بين ما كان الانتفاع منه بالرّكوب حيث قال (ع): «تذبح و تحرق إن كانت ممّا يوكل لحمه و إن كانت ممّا يركب ظهره غرم قيمتها و جلّد دون الحدّ و أخرجها من المدينة الّتي فعل بها فيها إلي بلاد أخري حيث لا تعرف فيبيعها فيها كيلا يعيّر بها صاحبها «1»». نظرا إلي أنّ حكمه (ع) ببيع الموطوء المركوب و تجويز الانتفاع منه بغير الأكل كاشف عن وقوع التذكية علي الحيوان الموطوء و إلّا لم يكن فرق بين الأكل و بين سائر أنحاء الانتفاع في عدم الجواز.

و يمكن المناقشة فيه بأنّ جواز بيع الموطوء المركوب لأجل الانتفاع به في الركوب لا يثبت قبوله للتذكية كما أنّ الكلب المعلّم يجوز الانتفاع منه في الصيد. فان الرّكوب أساسا لا يتوقّف علي كون المركوب قابلًا للتذكية و هذا

______________________________

(1) الوسائل/ ج 18- ص 571- ب 1- ح 4.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 242

______________________________

بخلاف الأكل.

و ثانيا:

أمر الإمام (ع) في هذه النصوص بالذبح قبل الإحراق و ظاهره عدم زوال قابلية الحيوان للتذكية بالوطي ء. و هذا الوجه متين لا غبار عليه.

إن قلت: لا يستلزم الذبح التذكية بل هو أعمّ منها. و يشهد علي ذلك قوله (ع) في ذيل صحيح ابن بكير: «ذكّاه الذّبح أم لم يذكّه» فإنّه (ع) نفي الملازمة بين الذبح و بين التذكية فيما يحرم أكل لحمه من الحيوان. و أمّا وجه الأمر بالذبح في المقام فلعلّه لكون إحراق الحيوان حال حياته موجبا لتعذيبه و لا يرضي به الشارع.

قلت: سلّمنا أنّ الذّبح أعمّ من التذكية إلّا أنّ في المقام توجد القرينة علي أنّ الذّبح لأجل التذكية. حيث لا وجه للأمر به غيرها و أمّا الوجه المذكور فلا يصحّ لتوجيه الأمر به و ذلك لوضوح انتفاء التعذيب بقتل الحيوان قبل إحراقه بأيّ نحو كان. و لا يتوقف ذلك علي الذبح.

و الحاصل: إنّ نصوص المقام لا تدلّ علي عدم قابلية الموطوء للتذكية بل هو خلاف ظاهر الأمر بالذبح قبل الإحراق. و إن يمكن الإشكال بأنّه لا تترتّب أية ثمرة علي التذكية لوجوب إحراقه و حرمة أكله و أمّا الرّكوب في الموطوء المركوب فليس انتفاعا متوقّفا علي التذكية. و أمّا احتمال كون الأمر بالذبح لكونه من أسهل أنواع القتل و أبعد عن تعذيب الحيوان من سائر الأنحاء فليس بشي ء.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 243

وحشيا كان أو إنسيّا طيرا كان أو غيره، و إن اختلف في كيفية التذكية علي ما مرّ.

و أثر التذكية فيها طهارة لحمها و جلدها و حلّية لحمها- لو لم يحرم بالعارض (1). و أمّا غير المأكول من الحيوان فما ليس له نفس سائلة لا أثر للتذكية فيه

لا من حيث الطهارة و لا من حيث الحلّية لأنّه طاهر و محرّم أكله علي كلّ حال.

______________________________

ثم إنّ المستفاد من نصوص المقام اختصاص حرمة الأكل و وجوب الإحراق بالموطوء من البهائم لا من غيرها من أنواع الحيوانات و سيأتي البحث عن أحكام الحيوان الموطوء مفصّلا في الأطعمة المحرّمة.

(1) أثر التذكية في مأكول اللّحم و غيره 1- فان مقتضي الاستثناء من حرمة الميتة و.. في قوله تعالي إِلّٰا مٰا ذَكَّيْتُمْ حلّية أكل المذكّي. و مقتضي المقابلة بينهما الخروج من عنوان الميتة إلي المذكّي. فلا تترتّب عليه أحكام الميتة التي منها النجاسة بل صرّح في النصوص بطهارته و جواز الصّلاة في اجزائه. كما في صحيح ابن بكير عن أبي عبد اللّه (ع) قال: «هذا عن رسول اللّه فاحفظ يا زرارة فإن كان ممّا يؤكل لحمه فالصّلاة في وبره و بوله و شعره و روثه و ألبانه و كلّ شي ء منه جائزة إذا علمت أنّه

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 244

و ما كان له نفس سائلة فإن كان نجس العين كالكلب و الخنزير فليس قابلًا للتذكية (1) و كذا المسوخ غير السباع كالفيل و الدبّ و القرد

______________________________

ذكيّ قد ذكّاه الذّبح فإن كان غير ذلك ممّا نهيت عن أكله و حرّم عليك أكله فالصّلاة في كلّ شي ء منه فاسدة ذكّاه الذّبح أم لم يذكّه «1»»، و غيره من النصوص المعتبرة لا حاجة الي ذكرها.

و من الواضح أنّ حلية اللّحم إنّما تترتّب علي التذكية إذا لم يكن أكل لحم الحيوان المذكّي حراما بالعارض كما في الجلّال و موطوء الإنسان. و قلنا إنّه لا منافاة بين حرمة أكل لحمه و بين طهارته بالتذكية كما في ما لا نفس سائلة

له فإنّه طاهر، محرّم أكله.

(1) أمّا نجس العين فلا إشكال في عدم قبوله للتذكية بل من ضروريات الدين. و أمّا جواز الانتفاع بالكلب في غير جهة الأكل كالصيد و تذكية الحيوان بإمساكه فلا ينافي عدم قبول نفسه للتذكية كما هو واضح.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 3- ص 250- ب 2- ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 245

و نحوها (1) و كذا الحشرات و هي الدوابّ الصّغار التي تسكن باطن الأرض كالفأرة و ابن عرس و الضبّ و نحوها علي الأحوط الذي لا يترك فيهما.

______________________________

(1) وقوع التذكية علي المسوخ 1- قد وقع الخلاف في انّ المسوخ هل تقبل التذكية أم لا. فنسب في الجواهر إلي المشهور عدم وقوع التذكية فيها و منهم الشيخ و الديلمي و ابن حمزة. و ذهب السيد المرتضي و الشهيد إلي مشروعية التذكية فيها، بل نسبه في كشف اللثام إلي المشهور و في غاية المراد إلي الأكثر.

و استدلّ علي عدم وقوع التذكية فيها بخبر عليّ بن أبي حمزة قال:

«سألت أبا عبد اللّه و أبا الحسن عليهما السّلام عن لباس الفراء و الصّلاة فيها فقال: لا تصلّ فيها إلّا ما كان منه ذكيّا. قلت: أو ليس الذّكيّ ما ذكي بالحديد؟ قال: بلي إذا كان ممّا يؤكل لحمه «1»».

حيث دلّ قوله (ع): «بلي إذا كان ممّا يؤكل لحمه» بمفهومه علي عدم وقوع التذكية في كلّ ما يحرم أكل لحمه و في المقام قد دلّت النصوص المعتبرة علي حرمة أكل لحم المسوخ.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 3- ص 252- ب 3- ح 3.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 246

______________________________

فمنها: موثقة سماعة بن مهران عن أبي عبد اللّه (ع) في حديث «قال (ع): و حرّم

اللّه و رسوله المسوخ جميعا «1»».

و منها: حسنة الحسين بن خالد قال: قلت لأبي الحسن (ع): «أ يحلّ أكل لحم الفيل؟ فقال (ع): لا فقلت: لم؟ فقال (ع): لأنّه مثلة و قد حرّم اللّه لحوم الأمساخ و لحم ما مثّل به في صورها «2»».

و منها: صحيح الحلبي قال: «سألته عن أكل الضّبّ فقال: إنّ الضّبّ و الفارة و القردة و الخنازير مسوخ «3»».

و غيرها من النصوص الكثيرة.

و فيه: أن ما دلّ من النصوص علي حرمة أكل المسوخ لا تدلّ علي عدم وقوع التذكية فيها إلّا بضميمة خبر علي بن أبي حمزة. و لكنّه ضعيف لوقوع عبد اللّه بن إسحاق العلوي و محمد بن سليمان الديلمي في طريقه و لم يرد فيهما توثيق. مضافا إلي ضعف عليّ بن أبي حمزة البطائني.

فلا دليل علي عدم قابلية المسوخ للتذكية و قد سبق قوله (ع): «ذكّاه الذّبح أم لم يذكّه» في ذيل صحيح ابن بكير حيث دلّ علي مشروعية التذكية فيما لا يؤكل لحمه في الجملة و لم يرد في المقام دليل علي كون المسوخ ممّا لا يقبل التذكية. هذا مضافا إلي دخوله في عموم ما دلّ من النصوص علي وقوع التذكية في جميع ما يحرم أكله مثل صحيح عليّ بن يقطين قال: «سألت

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 313- ب 2- ح 3.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 313- ب 2- ح 2.

(3) الوسائل/ ج 16- ص 313- ب 2- ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 247

الطهارة لا تخلو من وجه (1).

و أمّا السباع و هي ما تفترس الحيوان و تأكل اللّحم سواء كانت من الوحوش كالأسد و النمر و الفهد و الثعلب و ابن آوي و

غيرها أو من

______________________________

أبا الحسن (ع) عن لباس الفراء و السّمور و الفنك و الثّعالب و جميع الجلود. قال (ع): لا بأس بذلك «1»».

نعم لا تصحّ الصّلاة في شي ء منها لدلالة النصوص المعتبرة علي عدم جواز الصّلاة في أجزاء ما لا يؤكل لحمه. كما في صحيح ابن بكير حيث قال الصادق (ع) في ذيله: «و إن كان غير ذلك ممّا قد نهيت عن أكله و حرّم عليك أكله فالصّلاة في كلّ شي ء منه فاسد ذكّاه الذّبح أم لم يذكّه «2»». و غيره من النصوص المعتبرة «3».

(1) هل تقع التذكية علي الحشرات؟ 1- خلافا لصاحب الشرائع، قال: «في وقوع الذكاة عليها- أي الحشرات- تردّد أشبهه أنّه لا يقع». و قد نسبه في الجواهر إلي الأكثر بل المشهور.

و لكن الأقوي طهارتها بالتذكية و إن يحرم أكله و لا تصح الصّلاة فيها.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 3- ص 255- ب 5- ح 1.

(2) الوسائل/ ج 3- ص 250- ب 2- ح 1 و غيرها.

(3) الوسائل/ ج 3- ص 250- ب 2- ح 1 و غيرها.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 248

الطيور كالصقر و البازي و الباشق و غيرها فالأقوي قبولها للتذكية (1).

______________________________

أمّا وجه طهارتها بالتذكية فلما قدّمناه في المسوخ. و أمّا حرمة أكلها فللإجماع بقسميه. و أمّا عدم صحة الصّلاة فيها، فقد دلّ عليه ذيل صحيح ابن بكير المتقدم ذكره آنفا و غيرها من النصوص. و عليه فلا وجه لوجوب الاحتياط حتي في الفأرة و الضبّ اللّذين عدّا في النصوص من المسوخات و ذلك لجواز التذكية فيها.

اللّهم إلّا أن يقال بانصراف قوله: «جميع الجلود» في صحيح ابن يقطين عن الحشرات خصوصا بقرينة المذكورات في السؤال و لكنّه مشكل بعد

دلالة لفظ الجميع علي العموم وضعا.

(1) وقوع التذكية علي السّباع 1- وفاقا للمشهور بل عن غاية المراد نفي الخلاف. و عن السرائر و غيره دعوي الإجماع و الاتّفاق خلافا للمفيد و سلّار و ابن حمزة حيث حكي عنهم عدم وقوع التذكية في السّباع.

و استدل في الجواهر للمشهور:

أوّلا: بإطلاق موثّقتي سماعة إحديهما: ما رواه الشيخ بإسناده عن الحسين بن سعيد عن الحسن عن زرعة عن سماعة قال: «سألته عن جلود السّباع

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 249

______________________________

أ ينتفع بها؟ فقال (ع): إذا رميت و سمّيت فانتفع بجلده و أمّا الميتة فلا «1»». و ثانيتهما: ما رواه بإسناده عن الحسين بن سعيد عن عثمان بن عيسي عن سماعة قال: «سألته عن لحوم السّباع و جلودها؟ فقال: أمّا لحوم السّباع و السّباع من الطّير و الدّواب فإنّا نكرهه. و أمّا جلودها فاركبوا عليها و لا تلبسوا منها شيئا تصلّون فيه «2»».

و عموم صحيح علي بن يقطين قال: «سألت أبا الحسن (ع) عن لباس الفراء و السّمور و الفنك و الثّعالب و جميع الجلود قال: لا بأس بذلك «3»». بتقريب أنّه لو لم يقع التذكية علي السباع لصارت ميتة و لم يحلّ الانتفاع بها قطعا لما دلّ من النصوص علي عدم جواز الانتفاع بشي ء من أجزاء الميتة.

كما في صحيح علي بن أبي المغيرة قال: «قلت لأبي عبد اللّه (ع): الميتة ينتفع منها بشي ء؟ فقال (ع): لا، الحديث «4»». و غيرها من النصوص. فيدلّنا ذلك علي وقوع التذكية في السّباع.

هذا مضافا إلي ما ورد بالخصوص من النصوص الدّالة علي جواز الانتفاع بأجزاء بعض السباع مثل الثعالب و السمور. كما دلّ عليه صحيح أبي

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 368-

ب 34- ح 4.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 321- ح 4.

(3) الوسائل/ ج 3- ص 255- ح 1.

(4) الوسائل/ ج 16- ص 368- ب 34- ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 250

______________________________

علي الحسن بن راشد في حديث قال: قلت لأبي جعفر (ع): «الثّعالب يصلّي فيها؟ قال (ع): لا و لكن تلبس بعد الصّلاة. قلت: أصلّي في الثّوب الذي يليه؟ قال (ع): لا «1»». و غيره من النصوص فراجع.

و ثانيا: بالسيرة المستمرّة في جميع الأعصار و الأمصار علي استعمال جلود السباع في غير الصّلاة من الفراء و الخفاف و أغماد السيوف و دلاء السقي و الألبسة التي يتّقي بها من البرد خصوصا في الرّعاة.

و ممّا يؤيّد استقرار هذه السيرة و اتصالها بزمان المعصوم ما حكي عن بعض فقهائنا الأقدمين من إجماع الأصحاب و اتّفاقهم علي وقوع التذكية في جلود السباع كما عن السرائر و غيره و عن غاية المراد نفي الخلاف في ذلك.

و التحقيق أنّ استدلاله بهذين الوجهين تام لا غبار عليه. و أمّا ما حكي عن المفيد و الشيخ في الخلاف و سلّار و ابن حمزة من عدم وقوع التذكية علي السّباع فلا يصغي إليه لعدم دليل لهم علي ذلك غير خبر أبي مخلّد. رواه الشيخ بإسناده عن عليّ بن أسباط عن أبي مخلّد السرّاج قال: «كنت عند أبي عبد اللّه (ع) إذ دخل عليه معتب فقال: بالباب رجلان. فقال (ع): أدخلهما، فدخلا. فقال أحدهما: إنّي رجل سرّاج أبيع جلود النّمر فقال (ع): مدبوغة هي؟ قال: نعم. قال (ع): ليس به بأس «2»».

______________________________

(1) الوسائل/ ج 3- ص 258- ب 7- ح 4.

(2) الوسائل/ ج 12- ص 124- ب 38- ح 1.

دليل تحرير

الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 251

و بها تطهر لحومها و جلودها فيحلّ الانتفاع بها بأن تلبس في غير الصّلاة و يفترش بها، بل بأن تجعل وعاء للمائعات كأن تجعل قربة ماء أو عكّة سمن أو دبّة دهن و نحوها.

و ان لم تدبغ علي الأقوي (1) و إن كان الأحوط أن لا تستعمل ما لم تكن مدبوغة.

مسألة 24: الظاهر أنّ جميع أنواع الحيوان المحرّم الأكل [تقع عليها التذكية]

ممّا كانت له نفس سائلة غير ما ذكر آنفا-، تقع عليها

______________________________

و فيه: مضافا إلي ضعف سنده لعدم ثبوت وثاقة أبي مخلّد بل نقل عن بعض فحول الرجال أنّه قاسم بن إسماعيل- كما في جامع الرواة- و قد قيل في حق قاسم بن إسماعيل إنّه كذّاب ضعيف الحديث، أنّه قد دلّ علي اشتراط طهارة جلود السباع بالدبغ و هو خلاف مذهب فقهائنا الشيعة و موافق لمذهب العامة. و من هنا مع غضّ النظر عن قصوره سندا يحمل علي التّقية كما قال في الجواهر «1».

و أما الاحتياط بالدبغ فهو استحبابي و لا وجه له ظاهرا لما فيه من مخالفة العامّة و قد دلّت النصوص المتظافرة علي الترغيب في مخالفتهم.

(1) لما مرّ بيانه آنفا في الهامش السابق.

______________________________

(1) الجواهر/ ج 36- ص 201.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 252

التذكية فتطهر بها لحومها و جلودها (1).

______________________________

(1) وقوع التذكية علي جميع أنواع الحيوان المحرم الأكل 1- كما دلّ عليه عموم صحيح ابن يقطين قال: «سألت أبا الحسن (ع): عن لباس الفراء و السّمور و الفنك و الثّعالب و جميع الجلود. قال (ع): لا بأس بذلك «1»». و ذيل صحيح ابن بكير عن أبي عبد اللّه (ع): «و إن كان غير ذلك ممّا قد نهيت عن أكله و حرّم عليك أكله فالصّلاة في

كلّ شي ء منه فاسد، ذكّاه الذّبح أم لم يذكّه «2»».

فان قوله (ع): «ذكّاه الذّبح أم..». دلّ علي قابلية ما يحرم أكله من الحيوانات للتذكية بعد ما صرّح بفساد الصّلاة فيه من جهة مانعيته للصّلاة.

فهذه الصحيحة و إن لا عموم لها يشمل جميع ما يحرم و إنّما دلّ علي أصل قابليتها للتذكية في الجملة إلّا أنّ صحيح عليّ بن يقطين قد دلّ بعمومه علي وقوع التذكية في كلّ ما يحرم أكله من الحيوانات لما قلنا أنّه لا وجه لجواز الانتفاع بجلودها و لبسها مع غير قبولها للتذكية و إلّا لدخل في الميتة و لا يجوز مطلق الانتفاع بها لدلالة النصوص المعتبرة.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 3- ص 255- ب 5- ج 1.

(2) الوسائل/ ج 3- ص 250- ب 2- ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 253

مسألة 25: تذكية جميع ما يقبل التذكية من الحيوان المحرّم الأكل إنّما تكون بالذّبح

مع الشرائط المعتبرة في ذبح الحيوان المحلّل.

و كذا بالاصطياد بالآلة الجماديّة في خصوص الممتنع منها كالمحلّل (1).

______________________________

(1) تذكية جميع ما يحرم أكله تقع بالذّبح مع الشرائط المعتبرة 1- قد دلّ علي وقوع تذكية كلّ قابل لها من الحيوان المحرّم الأكل بالذبح المشروع إطلاق نصوص اعتبار شرائط تذكية الحيوان المأكول اللّحم ممّا دلّ علي تحقق الذّبح المشروع بفري الأوداج. كقوله (ع): «إذا فري الأوداج فلا بأس «1»». و ما دلّ علي اعتبار الحديد في الآلة بقوله: «لا ذكاة إلّا بحديدة «2»». و الاكتفاء بغيره إذا لم يوجد الحديد كقوله (ع): «إذا لم تصب الحديدة إذا قطع الحلقوم و جري الدّم فلا بأس به «3»». و ما دلّ علي أنّ محلّه الحلق كقوله (ع): «الذّبح في الحلق «4»». و كذلك التسمية. بل دلّ بعض النصوص علي اعتبارها في غير مأكول اللّحم

بالخصوص كقوله (ع) في موثقة

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 253- ب 2- ح 1.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 252- ح 1.

(3) الوسائل/ ج 16- ص 254- ح 3.

(4) الوسائل/ ج 16- ص 254- ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 254

و في تذكيتها بالاصطياد بالكلب المعلّم تردّد و إشكال (1).

______________________________

سماعة: «إذا رميت و سمّيت فانتفع بجلده «1»». و كذا ما دلّ علي اعتبار الإسلام، مثل صحيح محمد بن قيس عن أبي جعفر قال: قال أمير المؤمنين (ع): «ذبيحة من دان بكلمة الإسلام و صام و صلي لكم حلال إذا ذكر اسم اللّه تعالي عليه «2»». و غيرها من مطلقات شرائط التذكية الشاملة لغير مأكول اللحم.

و أمّا الاصطياد بالآلة الجمادية فيكفي في إثبات وقوع التذكية به علي غير مأكول اللحم قوله (ع) في موثّقة سماعة: «إذا رميت و سمّيت فانتفع بها».

(1) في تذكية ما يحرم أكله بصيد الكلب 1- وجه الاشكال ظاهر قوله تعالي فَكُلُوا مِمّٰا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ و قوله (ع) في صحيح أبي عبيدة الحذّاء: «يأكل ممّا أمسك عليه فإذا أدركه قبل قتله ذكّاه و إن وجد معه كلبا غير معلّم فلا يأكل منه «3»». و غيره من النصوص الظاهرة في اختصاص هذه التذكية بمأكول اللّحم.

و هذا الاشكال مندفع بإطلاق النصوص المعتبرة الّتي أطلق فيها عنوان

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 368- ب 34- ح 4.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 292- ب 28- ح 1.

(3) الوسائل/ ج 16 ب 1- ص 207- ح 2.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 255

______________________________

التذكية علي صيد الكلب كقوله (ع) في حسنة سيف بن عميرة: «إذا أرسلت الكلب المعلّم فاذكر اسم اللّه عليه فهو ذكاته «1»». و

قد نزل في بعض نصوص آخر منزلة الذّبح كما في معتبرة زرارة عن أبي عبد اللّه (ع) قال: «إذا أرسل الرّجل كلبه و نسي أن يسمّي فهو بمنزلة من ذبح و نسي أن يسمّي «2»». لدلالته ضمنا علي كون صيد الكلب بمنزلة الذّبح المشروع. و في صحيح الصيرفي عنه (ع): «أو ليس قد جامعوكم علي أنّ قتله ذكاته.. «3»».

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 208- ح 4.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 225- ب 12- ح 2.

(3) الوسائل/ ج 16- ص 209- ب 2- ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 257

حكم ما لم يعلم تذكيته

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 259

مسألة 26: ما كان بيد المسلم من اللّحوم و الشّحوم و الجلود إذا لم يعلم كونها من غير المذكّي يؤخذ منه

و يعامل معه معاملة المذكّي (1) بشرط تصرّف ذي اليد فيه تصرّفا مشروطا بالتذكية علي الأحوط (2).

______________________________

(1) حكم ما يؤخذ من يد المسلم 1- لا خلاف في ذلك و الدليل عليه النصوص المعتبرة:

منها: صحيح علي بن جعفر عن أخيه موسي (ع)- في حديث- «قال:

سألته عن رجل اشتري ثوبا من السّوق للّبس لا يدري لمن كان هل تصلح الصّلاة فيه؟ قال (ع): إن كان اشتراه من مسلم فليصلّ و إن اشتري من نصرانيّ فلا يصلّ فيه حتّي يغسله «1»».

و منها: خبر إسماعيل بن عيسي قال: «سألت أبا الحسن (ع) عن جلود الفراء يشتري بها الرّجل في سوق من أسواق الجبل، أ يسأل عن ذكاته إذا كان البائع مسلما غير عارف؟ قال (ع): عليكم أن تسألوا عنه إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك.

و إذا رأيتم يصلّون فيها فلا تسألوا عنه «2»».

(2) هذا الاحتياط وجوبي و لكن لا وجه له ظاهرا حيث لا مدرك لاعتبار

______________________________

(1) الوسائل/ ج 2- ص 1071- ب 50- ح 1.

(2) الوسائل/

ج 2- ص 1072- ب 50- ح 7.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 260

فحينئذ يجوز بيعه و شراؤه و أكله و استصحابه في الصّلاة و سائر الاستعمالات المتوقّفة علي التذكية. و لا يجب عليه الفحص و السؤال، بل و لا يستحب، بل نهي عنه (1) و كذلك ما يباع منها في سوق المسلمين سواء كان بيد

______________________________

هذا الشرط في معاملة المذكّي مع المأخوذ من يد المسلم غير قوله (ع): «و إذا رأيتم يصلّون فيه فلا تسألوا عنه «1»». نظرا إلي كون الصّلاة تصرّفا مشروطا بالتذكية. و لكن هذا الخبر لا يصلح للدّليلية لضعف سنده بسعد بن إسماعيل و إسماعيل بن عيسي الواقعين في سنده إذ لم يرد فيهما توثيق. و لم يعلم اشتهار ذلك بين القدماء حتي يكون جابرا لضعفه أو يوجب الاحتياط.

(1) كقول أبي الحسن الرضا (ع) في صحيح البزنطي: «و ليس عليكم المسألة «2»». و قول أبي جعفر الباقر (ع) في صحيح الفضلاء: «و لا تسأل عنه «3»».

______________________________

(1) الوسائل/ ج 2- ص 1072- ح 7.

(2) الوسائل/ ج 2- ص 1072- ح 6.

(3) الوسائل/ ج 16- ص 294- ب 29- ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 261

المسلم أو مجهول الحال (1).

بل و كذا ما كان مطروحا في أرضهم إذا كان فيه أثر الاستعمال كما إذا كان اللحم مطبوخا

______________________________

(1) حكم ما يباع في سوق المسلمين 1- و ذلك لإطلاق النصوص الدالّة علي أمارية سوق المسلمين مثل موثقة إسحاق بن عمّار عن العبد الصالح (ع) انه قال: «لا بأس بالصّلاة في الفراء اليماني و في ما صنع في أرض الإسلام. قلت: فإن كان فيها غير أهل الإسلام؟ قال: إذا كان الغالب عليها

المسلمين فلا بأس «1»».

و صحيح البزنطي عن الرضا (ع) قال: «سألته عن الخفّاف يأتي السّوق فيشتري الخفّ لا يدري أ ذكيّ هو أم لا ما تقول في الصّلاة فيه،- و هو لا يدري- أ يصلي فيه؟ قال (ع): نعم أنا أشتري الخفّ من السّوق و يصنع لي و أصلّي فيه و ليس عليكم المسألة «2»».

و صحيح الفضلاء: «أنّهم سألوا أبا جعفر عن شراء اللّحوم من الأسواق و لا يدري ما صنع القصابون. فقال (ع): كل إذا كان ذلك في سوق المسلمين و لا تسأل

______________________________

(1) الوسائل/ ج 2- ص 1072- ح 5.

(2) الوسائل/ ج 2- ص 1072- ح 6.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 262

______________________________

عنه «1»».

و صحيح الحلبي قال: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن الخفاف الّتي تباع في السّوق. فقال (ع): اشتر و صلّ فيها حتي تعلم أنّه ميتة بعينه «2»».

و صحيح البزنطي قال: «سألته عن الرّجل يأتي السّوق و يشتري جبّة فراء لا يدري أذكيّه هي أم غير ذكيّة أ يصلّي فيها؟ فقال (ع): نعم ليس عليكم المسألة، إنّ أبا جعفر (ع) كان يقول: إنّ الخوارج ضيّقوا علي أنفسهم بجهالتهم إنّ الدّين أوسع من ذلك «3»».

و صحيح حمّاد بن عيسي قال: سمعت أبا عبد اللّه (ع) يقول: «كان أبي يبعث بالدّراهم إلي السّوق فيشتري بها جبنا فيسمّي و يأكل و لا يسأل عنه «4»».

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 294- ب 29- ح 1.

(2) الوسائل/ ج 2- ص 1071- ب 50- ح 2.

(3) الوسائل/ ج 2- ص 1071- ب 50- ح 3.

(4) الوسائل/ ج 2- ص 1071- ب 50- ح 8.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 263

و الجلد مخيطا أو مدبوغا

(1) و كذا إذا أخذ من الكافر و علم كونه مسبوقا بيد المسلم علي الأقوي (2) بشرط مراعاة الاحتياط المتقدّم. و أمّا ما يؤخذ من الكافر و لو في بلاد المسلمين و لم يعلم كونه مسبوقا بيد

______________________________

(1) ما كان فيه أثر استعمال المسلم محكوم بالتذكية 1- كما في موثقة إسحاق بن عمّار عن الكاظم (ع) إنّه قال: «لا بأس بالصّلاة في الفراء اليماني و في ما صنع في أرض الإسلام. قلت: فإن كان فيها غير أهل الإسلام؟ قال: إذا كان الغالب عليها المسلمين فلا بأس «1»».

و في موثقة السكوني عن أبي عبد اللّه (ع): «إنّ أمير المؤمنين سئل عن سفرة وجدت في الطّريق مطروحة كثير لحمها و خبزها و جبنها و بيضها و فيها سكّين- إلي قوله: - لا يدري سفرة مسلم أو سفرة مجوسي؟ فقال (ع): هم في سعة حتي يعلموا «2»».

(2) و ذلك لكون يد المسلم أمارة علي التذكية و عدم كون يد الكافر أمارة علي عدمها. غاية الأمر أنّها لا تكون أمارة علي التذكية. فلا تصلح لإسقاط يد المسلم السابقة عن الأمارية.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 2- ص 1072- ح 5.

(2) الوسائل/ ج 2- ص 1073- ح 11.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 264

المسلم و ما كان بيد مجهول الحال في بلاد الكفار أو كان مطروحا في أرضهم و لم يعلم أنّه مسبوق بيد المسلم و استعماله، يعامل معه معاملة غير المذكّي و هو بحكم الميتة (1). و المدار في كون البلد أو الأرض منسوبا إلي المسلمين غلبة السكّان و القاطنين بحيث ينسب عرفا إليهم و لو كانوا تحت سلطة

______________________________

(1) حكم ما أخذ من يد الكافر أو مجهول الحال 1- فإنّ للميتة

معنيين. أحدهما: معناها اللّغوي المرتكز في أذهان أهل العرف و هو ما مات حتف أنفه. و الآخر: معناها الشرعي و هو كلّ ما لم يكن زهوق روحه بفري الأوداج الأربعة علي الوجه المشروع. فيشمل كلّ ما قتل بغير الذبح الشرعي، كما هو المقصود في قوله تعالي حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ.. إِلّٰا مٰا ذَكَّيْتُمْ «1».

و قوله (ع) في موثّق سماعة: «إذا رميت و سمّيت فانتفع بجلده و أمّا الميتة فلا «2»». و إرادة هذا المعني من الميتة معلوم فيهما بقرينة المقابلة بينها و بين المذكي. و في المقام قد دلّت النصوص علي عدم جواز ترتيب آثار التذكية

______________________________

(1) المائدة/ 3.

(2) الوسائل/ ج 2- ص 1070- ب 49- ح 2.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 265

______________________________

علي المأخوذ من يد الكافر مثل قوله (ع): «و إن اشتراه من نصراني فلا يصلّ فيه حتّي يغسله «1»» في صحيح عليّ بن جعفر. و قوله: «إذا كان الغالب عليها المسلمين فلا بأس «2»» في موثّقة إسحاق بن عمّار. حيث دلّ بمفهومه علي ثبوت البأس إذا علم كون الفراء في يد الكافر. و قوله (ع): «و عليكم أن تسألوا إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك «3»» في خبر إسماعيل بن عيسي.

و في صحيح قتيبة الأعشي قال: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن ذبائح اليهود و النّصاري. فقال (ع): الذّبيحة اسم و لا يؤمن علي الاسم إلّا المسلم «4»». فإنّه دلّ بمفهوم الحصر علي كون المأخوذ من يد مجهول الحال- في بلاد الكفّار- في حكم غير المذكّي. و في صحيح عيسي بن عبد اللّه قال: سألت أبا عبد اللّه (ع):

«عن صيد المجوس فقال: لا بأس إذا أعطوكاه أحياء و السّمك أيضا و إلّا

فلا تجوز شهادتهم إلّا أن تشهده «5»». و مثله صحيحا محمد بن مسلم «6» و الحلبي «7». و كذلك المأخوذ من يد مجهول الحال في غير سوق المسلمين لفقد الأمارة علي التذكية حينئذ.

______________________________

(1) الوسائل/ ج 2- ص 1071- ب 50- ح 1.

(2) الوسائل/ ج 2- ص 1072- ب 5- ح 5.

(3) الوسائل/ ج 2- ص 1072- ب 5- ح 7.

(4) الوسائل/ ج 16- ص 284- ح 8.

(5) الوسائل/ ج 16- ص 298- ب 32- ح 3.

(6) الوسائل/ ج 16- ص 298- ب 32- ح 2.

(7) الوسائل/ ج 16- ص 298- ب 32- ح 1.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 266

الكفّار (1) كما هو المدار في بلد الكفار. و لو تساوت النسبة من جهة عدم الغلبة فحكمه حكم بلد الكفار (2).

مسألة 27: لا فرق في إباحة ما يؤخذ من يد المسلم بين كونه مؤمنا أو مخالفا يعتقد طهارة جلد الميتة بالدبغ

و يستحلّ ذبائح أهل الكتاب و لا يراعي الشروط التي اعتبرناها في التذكية (3). و كذا لا فرق بين كون الأخذ موافقا.

______________________________

(1) كما في موثّق إسحاق المتقدّم. و لا تبعد دعوي استقرار سيرة المتشرعة إلي حدّ صار مرتكزا في أذهانهم بحيث إذا أطلق عنوان بلاد المسلمين ينسبق إلي الذهن ما كان الغالب من سكنتهم المسلمين من دون دخل لنوع الحكومة في ذلك و كذلك المدار في صدق بلد الكفار.

(2) لوضوح عدم صدق أرض الإسلام و بلد المسلمين حينئذ فلا أمارة علي التذكية فيجري حكم بلد الكفّار.

(3) عدم اعتبار إيمان المأخوذ منه 3- و ذلك أوّلا: لما دلّ علي عدم اعتبار الايمان بالمعني الأخص وفاقا للمشهور و خلافا لما حكي عن الحلّي و أبي الصلاح و ابني حمزة و البرّاج.

و استدلّ للمشهور في الجواهر بأمور:

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 267

______________________________

منها: تعليل

حرمة ذبائح أهل الكتاب في صحيح قتيبة الأعشي عن أبي عبد اللّه (ع) بأنّ «الذّبيحة اسم و لا يؤمن علي الاسم إلّا المسلم «1»». فان مقتضاه أنّ المسلم هو الذي يؤمن علي التذكية و ظاهره نفي مدخلية الإيمان بالمعني الأخصّ.

منها: صحيح محمّد بن قيس عن الباقر (ع) قال: قال أمير المؤمنين (ع):

«ذبيحة من دان بكلمة الإسلام و صام و صلي لكم حلال إذا ذكر اسم اللّه تعالي عليه «2»». فإنّه بظاهره نفي اعتبار الايمان بالمعني الأخص في الذّابح.

و منها: استقرار السيرة القطعية المستمرة بين المتشرّعة لدن عصر الأئمّة إلي زماننا هذا علي عدم فرقهم بين أنواع فرق المسلمين في عدم الاجتناب عن ذبائحهم من غير نكير. و قد ذكرنا نصوصا اخري تدلّ علي نفي اعتبار الايمان في مبحث عدم اعتبار الايمان في الذابح تنفع لإثبات المقصود في المقام.

و ثانيا: لدلالة النصوص المعتبرة المتظافرة علي حلّية ما يؤخذ من يد المسلم و كون يدها أمارة علي التذكية و ما دلّ منها علي أمارية سوق المسلمين عليها و حلية ما يشتري فيه ما لم يعلم أنّه ميتة. ما عدا المأخوذ من يد الناصب فذهب المشهور الي عدم حلية ذبيحته. و قد دلّ عليه موثّق أبي بصير:

«قال: سمعت أبا عبد اللّه (ع) يقول: ذبيحة النّاصب لا تحلّ «3»».

______________________________

(1) الوسائل/ ج 16- ص 284- ح 8.

(2) الوسائل/ ج 16- ص 292- ب 28- ح 1.

(3) الوسائل/ ج 16- ص 292- ب 28- ح 2.

دليل تحرير الوسيلة - الصيد و الذباحة، ص: 268

مع المأخوذ منه في شرائط التذكية- اجتهادا أو تقليدا- أو مخالفا معه فيها إذا احتمل الأخذ تذكيته علي وفق مذهبه (1). كما إذا اعتقد الأخذ لزوم التسمية بالعربية

دون المأخوذ منه إذا احتمل أنّ ما بيده قد روعي فيه ذلك و ان لم يلزم رعايته عنده، و اللّه العالم.

______________________________

(1) كفاية احتمال رعاية ذي اليد شرائط التذكية 1- لما مرّ من إطلاق النصوص و استقرار السيرة علي حلّية ما يؤخذ من يد المسلم و أسواق المسلمين و كونه محكوما بالتذكية بلا فرق بين فرق المسلمين و أصناف المؤمنين. نعم إذا اعتقد الأخذ عدم كفاية ذكر لفظ «إيزد» أو «يزدان» مثلا ممّا يدعي به اللّه تعالي في الفارسية. و لكن يعتقد ذو اليد كفايته و علم الأخذ أنّه اكتفي بذكره و لم يحتمل أنّه ذكر اسم اللّه عليه لا يحلّ قطعا. و الوجه فيه واضح لفقد شرط التذكية في اعتقاد الأخذ.

قد فرغت بعون اللّه تعالي من تسويد هذا الجزء من دليل تحرير الوسيلة في عصر اليوم الثامن و العشرين من شهر شعبان سنة 1414. و الحمد للّه أوّلا و آخرا و صلواته علي رسوله محمّد المصطفي و آل بيته سرمدا.

أحقر الطلاب: علي أكبر السيفي المازندراني

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.