دلیل تحریرالوسیله للامام الخمینی قدس سره : کتاب الوصیه

اشارة

سرشناسه:سیفی، علی اکبر، 1335 -

عنوان و نام پديدآور:دلیل تحریرالوسیله للامام الخمینی قدس سره : کتاب الوصیه/ تالیف علی اکبر السیفی المازندرانی.

مشخصات نشر:تهران:موسسه تنظیم و نشر آثارالامام الخمینی، 1430 ق=1389.

شابک:75000 ریال 978-964-212-094-9 :

وضعیت فهرست نویسی:فیپا

يادداشت:عربی

یادداشت:کتابنامه : به صورت زیر نویس

عنوان دیگر:کتاب الوصیه

موضوع:خمینی، روح الله، رهبر انقلاب و بنیانگذار جمهوری اسلامی ایران، 1279 - 1368 . تحریر الوسیله -- نقد و تفسیر

موضوع:فقه جعفری -- رساله عملیه

وصیت و وصیت نامه ها (فقه)

شناسه افزوده:خمینی، روح الله، رهبر انقلاب و بنیانگذار جمهوری اسلامی ایران، 1279 - 1368 . تحریر الوسیله.شرح

شناسه افزوده:موسسه تنظیم و نشر آثار امام خمینی (س)

رده بندی کنگره:BP183/9/خ 8ت 30234576 1389

رده بندی دیویی:297/3422

شماره کتابشناسی ملی:2000141

ص: 1

اشارة

ص: 2

دلیل تحریرالوسیله للامام الخمینی قدس سره : کتاب الوصیه

تالیف علی اکبر السیفی المازندرانی.

موسسه تنظیم و نشر آثارالامام الخمینی

ص: 3

ص: 4

مقدّمة الناشر

بسم اللّه الرحمن الرحيم

إنّ «تحرير الوسيلة» هو خير وسيلة يبتغيها المكلّف في سيره و سلوكه ، و هو أوثقها عُرًى ، و أصلحها منهاجاً ؛ لِما امتاز به من سداد في تحديد الموقف العملي ، و إصابة في تشخيص الوظائف المُلقاة على عاتق المكلّفين ، و ذلك على ضوء الدليلين:الاجتهادي و الفقاهتي ، النابعين من الكتاب و السنّة.ناهيك عن جمعه للمسائل العملية ، و نأيه عن المسائل ذات الصبغة النظرية التي لا تمسّ إلى واقعنا المُعاش بصلة.

و لئن كتب الشهيد الأوّل قدّس اللّه نفسه الزكيّة كتاب «اللّمعة الدمشقيّة» و هو سجين، فإنّ إمامنا العظيم نوّر اللّه ضريحه قد ألّف هذا الكتاب حينما كان منفيّاً في مدينة بورسا التركيّة من قبل الطاغوت الغاشم ، و لم يكن بحوزته إلّا«وسيلة النجاة» و «العروة الوثقى» و «وسائل الشيعة».

نعم، لم تكن بيده المباركة إلّا هذه الكتب الثلاثة ، و لكنّ نفسه العلوية لو لم تكن خزانة للعلوم الحقّة ، و فؤاده مهبطاً للإلهام و التحديث ، لامتنع وجود هذا السفر الخالد في تلك الظروف العصيبة.

ص: 5

و نظراً إلى أهمّية هذا الكتاب ، و ضرورة نشره على مختلف المستويات و الأصعدة ؛ لذا فقد أخذت مؤسّسة تنظيم و نشر آثار الإمام الخميني قدس سره على عاتقها نشر شروح و تعاليق العلماء المحقّقين على «تحرير الوسيلة» و من نفقتها الخاصّة.

و يعدّ الكتاب الذي بين يديك ، واحداً من هذه السلسلة الضخمة التي تروم مؤسّستنا طبعها ، و هو شرح لمسائل حقوق الزوجين، احكام الصبي، صلة الرحم و قطيعتها و كتاب الوصية من «التحرير» ، تأليف الشيخ علي أكبر السيفي المازندراني دام بقائه.

نسأل اللّه تعالى أن يوفّقه و إيّانا و أن يختم لنا جميعاً بالحسنى إنّه سميع الدعاء.

مؤسّسة تنظيم و نشر آثار الإمام الخميني قدس سره

فرع قم المقدّسة

ص: 6

مقدّمة المؤلّف

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه ربّ العالمين أحمده استتماماً لنعمته، و استسلاماً لعزّته و استعصاماً من معصيته، و أستعينه فاقةً إلى كفايته.

و الصلاة على محمّد عبده و رسوله المصطفى، أرسله بالهدى و دين الحقّ، و جعله بلاغاً لرسالته، و كرامةً لاُمّته، و أنزل عليه القرآن نوراً لا تطفأُ مصابيحه، و بحراً لا يدرك قعره، و منهاجاً لا يضلّ نهجه، و فرقاناً لا يخمد برهانه.

و السلام على آله المعصومين المكرّمين الذين هم معادن الإيمان و بحبوحاته، و ينابيع العلم، و أساس الدين، و عماد اليقين.

و نسأل اللّه سبحانه أن يوفّقنا لمعرفتهم و طاعتهم، و نشر علومهم و معارفهم، و يرزقنا شفاعتهم يوم نأتيه فرداً.

و أمّا بعد:فقد دوّنت هذا الكتاب على أساس متن «تحرير الوسيلة» للإمام الخميني الراحل قدس سره ،بعد التحقيق و الدراسة و إلقاء مباحثه إلى عدّة من الفضلاء و حلّ المعضلات و غوامض الإشكالات التي اوردت في حلقات البحوث.

ص: 7

و الذي ينبغي أن نشير إليه هاهنا، هو أنّ منهجنا في تحقيق مسائل هذا الكتاب يبتني على أساس المراحل التالية.

1-ابتدأنا في تحقيق الفروعات المهمّة بالتتبّع في آراء الفقهاء و تحرير أقوالهم، و لا سيّما القدماء و فحول المتأخّرين و المعاصرين و تعيين القول المشهور أو الأشهر.و ترتيب أقوالهم على أساس ما به الاختلاف بينهم.

2-ثمّ تعرّضنا للوجوه المستَدلّ بها لكلِّ قولٍ من الأقوال المذكورة، و أشرنا إلى موافقة السيد الماتن لواحدٍ منها.و بالطبع يتّضح وجه مخالفته لسائر الأقوال.

3-ثمّ تعرّضنا في كلّ مسألة إلى ما ادّعي أو نقل من الإجماعات المحصّلة و المنقولة، و أشرنا إلى عدم صلاحية غالب هذه الإجماعات للدليلية؛ نظراً إلى وجود ما يصلح للدليلية من آيات الكتاب و نصوص السنّة و القواعد العامّة، و إلى أنّ استناد الأصحاب إليها في مقام الاستدلال، أو كونها في مظانّ استدلالهم بها، ينفي حجّية الإجماع؛ لعدم كشفه تعبّداً عن رأي المعصوم حينئذٍ، و فقدان ملاك حجّيته.

4-حيث إنّا بنينا على انجبار ضعف سند الخبر بعمل المشهور، كما أثبتنا ذلك في كتابنا «مقياس الرواية».فمن هنا نوافق رأي السيد الماتن في أمثال هذا المورد.و لكنّه فيما إذا لم تتعارض الأخبار، و إلّا فإنّما الشهرة الروائية هي التي ترجّح بها إحدى الطائفتين المتعارضتين بعد استقرار تعارضهما، و لا تصلح الشهرة الفتوائية للدليلية على ترجيح إحدى الطائفتين حينئذٍ.

و أمّا إعراض المشهور، فليس عندنا موجباً لوهن الخبر الصحيح، و قد أثبتنا ذلك أيضاً في كتابنا المشار إليه.و لكن ذلك فيما إذا كان المخالف للمشهور جماعة

ص: 8

معتنى بهم مع تعرّضهم للمسألة و مخالفتهم، و إلّا فلو انحصر المخالف في واحد أو اثنين من القدماء أو المتأخّرين، أو لم يتعرّض سائر القدماء لعنوان المسألة أو تعارضت النصوص و كانت الموافقة منها لرأي المشهور مشتهرةً من حيث الرواية، فلا إشكال في رفع اليد عن تلك الرواية المخالفة للمشهور، و إن كانت صحيحة.

و ذلك إمّا لتسالم الأصحاب على خلافها أو لأجل شهرتها الروائية.

5-قد يتّفق في خلال الاستدلال ببعض النصوص تصحيح سنده بقاعدة تبديل السند، مشيراً إلى مفاد القاعدة، كما في طريق الشيخ إلى علي بن الحسن بن الفضّال.و قد فصّلنا البحث عن هذه القاعدة في كتابنا «مقياس الرواة»، فراجع.

6-و قد أشرنا إلى وجه تصحيح بعض الاُصول الروائية، مثل كتاب علي بن جعفر بطريق صاحب الوسائل، لا طريق العلّامة المجلسي في البحار.و أيضاً أشرنا إلى ضعف بعضها الآخر في هذا الكتاب، و لكن بحثنا عن تفصيل ذلك كلّه في كتابنا المشار إليه، فراجع.

7-و قد فحصنا عن حال آحاد الرواة الواقعين في أسناد الروايات التي يدور مدارها رحى الاستدلال و الاستنباط في المسألة.و نشير إلى قواعد رجالية لإثبات أو نفي وثاقة الراوي أو اعتبار روايته.و إنّما ذلك في الرواة الذين وقع الخلاف في اعتبار رواياتهم.و بنينا في أمثال هذه الموارد على اعتبار روايات من كان صاحب أصل و كثير الرواية و واقعاً في ضمن توثيق عامّ، مع نقل أجلّاء الأصحاب عنه، و عدم ورود قدح في حقّه.و قلنا:إنّ هذه القرائن-إذا توفّرت في حقّ أحد-تورث الوثوق النوعي بحسن حاله،بل تكشف عادةً عن اعتبار روايته،بل عن وثاقته، و إلّا

ص: 9

لو كان في مثله قدحٌ لبان.و أيضاً أشرنا إلى قواعد عامّة اصولية خلال المباحث و الاستدلال.

هذه الخصوصيات هي أهمّ ما يبتني عليه منهجنا في تحقيق المسائل المهمّة و بها يمتاز هذا الكتاب.

و في الختام أرجو من الفضلاء الكرام و العلماء الأبرار أن يسامحوا موارد زلّاتي و يذكّروني في مواضع الخطأ، فإنّ أحبّ إخواني من أهدى إليَّ عيوبي.غفر اللّه لي و لكم و تقبّل منّي آمين.

علي أكبر السيفي

المازندراني

ص: 10

ص: 11

ص: 12

تعريف الوصيّة و مبدأ اشتقاقها و أقسامها

اشارة

وقع الخلاف في أصل لفظ «الوصيّة» و مبدأ اشتقاقه بأنّه هل يكون ثلاثياً مجرّداً من «وصى يَصي»بمعنى الوصل ، أو ثلاثياً مزيداً من «وصّى يوصِّي توصيةً» أو «أوصى يوصي إيصاءً».

ذهب جماعة من الفقهاء إلى الأوّل.و لعلّ الأصل في هذا القول ما ذكره الشيخ قدس سره ، حيث قال في «المبسوط»:«الوصيّة» مشتقّة من «وصى يَصي» ، و هو الوصل.فاستشهد لذلك بقول الشاعر ، ثمّ قال:و معناه:أنّه يصل تصرّفه بما يكون بعد الموت ما قبل الموت ، يقال منه:«أوصى يوصي إيصاءً» و«وصّى يوصّي توصيةً».و الاسم:الوصيّة و الوصاة...(1)».

و نظير ذلك في «السرائر» و«التذكرة» و«جامع المقاصد» و«التحرير» و«المهذّب البارع» و«كنز العرفان» ، و من تبعهم من الفقهاء.

و تردّد بعض الفقهاء في كون لفظ «الوصيّة» مأخوذة من الثلاثي المجرّد أو المزيد ، كما في «الروضة» و«الرياض» و«الحدائق الناضرة» و تبعهم السيّد اليزدي في «العروة».

********

(1) -المبسوط 3:4.

ص: 13

و قد وقع البحث أيضاً في أنّ الثلاثي المجرّد و المزيد هل يكونان مادّتان مستقلّتان مع وضعين على حدة على نحو الاشتراك اللفظي ، أو داخلان في معنى واحد جامع و لهما وضع واحدٌ على سبيل الاشتراك المعنوي ؟

يخطر بالبال:أنّ القول الثاني هو الأقوى ، و إن رجّح في «المستمسك» القول الأوّل ؛ نظراً إلى أنّه قدس سره جعل الاشتراك اللفظي بين الثلاثي و الرباعي ، و الحال أنّ الاشتراك واقع بين الثلاثي المجرّد و بين المزيد منه ؛ فإنّ التوصية و الإيصاء مصدران للثلاثي المزيد لا الرباعي ، و كلّ فعل مزيد يشترك مع مجرّده في حاقّ المعنى و أصله بنحوٍ ، و إنّ معنى التوصية و الإيصاء و إن كان بمعنى العهد-كما هو المعروف- أو الأمر و التذكير و الاستعطاف-كما في «المصباح المنير»-إلّا أنّ العهد هنا عهد خاصّ في حال الحياة بما بعد الوفاة ؛ فكأنّ الموصي بإعمال مالكيته يجرّ ولايته على التصرّف إلى ما بعد الموت.

و هذا في الحقيقة نوع استعطاف لمالكيته و ولايته حالَ الحياة على حال الممات ، كما أشار إليه في «المصباح المنير».

و أمّا التذكير و الأمر فمن قبيل التعريف بالأسباب ، و إنّهما كما يكونان سببان لتحقّق العهد الخاصّ فكذلك سببان لتحقّق الوصل و الاستعطاف على النحو الخاصّ المزبور.

و على فرض كونهما بمعنى مطلق العهد في اللغة ، فأيضاً اشرب فيه معنى الوصل،بلحاظ أنّ العهد هو نوعٌ من الارتباط و الاستعطاف بين طرفي العهد؛ و لذا فُسّر العقود في قوله تعالى:«أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» (1)بالعهود، فكأنّ بالعهد يُعقد بين الطرفين.

********

(1) -المائدة (5):1.

ص: 14

فالتحقيق:أنّ الاشتراك بين الثلاثي المجرّد و بين المزيد منه معنوي ،بل الثاني يتفرّع عن الأوّل تبعاً ؛ لاشتقاقه منه لفظاً.

و أمّا استعمال لفظ «الوصيّة» و سائر مشتقّاته في لسان الكتاب و السنّة بمعنى العهد الخاصّ لا ينافي ما قلنا.كما أنّ الأمر كذلك في كثير من اللغات الاُخر المشتقّة المستعملة في الكتاب و السنّة في غير معناه الأصلي.

و على أيّ حالٍ فالحاصل:أنّ لفظ «الوصيّة» في أصل اللغة مشتقّة من «وصى ، يصي»بمعنى الوصل ، و أنّه اسم مصدر للإيصاء ؛ و ذلك بدليل قوله تعالى:

«وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها» و«وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها» و«وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها» (1).

و لكن الإيصاء و التوصية مصدران للثلاثي المزيد ، و إنّ أصلهما هو الثلاثي المجرّد من «وَصِيَ ، يصي».

هذا في اللغة.

و أمّا في عرف المتشرّعة:فمعناه هو العهد الخاصّ المتعلّق بما بعد الموت.

و نشأ هذا الارتكاز في أذهانهم من استعمال لفظ «الوصيّة» في الكتاب(2) و السنّة.

و إنّ إرادة هذا المعنى في لسان الآيات و الروايات معلومة بقرينة السياق ، و لم يشكّ أحدٌ في ذلك.

و هذا المعنى هو المصطلح عليه في لسان الفقهاء.

********

(1) -النساء (4):11-13.

(2) -مثل قوله تعالى:«مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ» النساء (4):11 ، و قوله:«كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَ الْأَقْرَبِينَ» البقرة (2):180 ، و قوله تعالى:«وَ الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَ يَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ» البقرة (2):240 و غير ذلك من الآيات.

ص: 15

و هي:إمّا تمليكيّة ، كأن يوصي بشيء من تركته لزيد ، و يلحق بها الإيصاء بالتسليط على حقّ.و إمّا عهديّة ، كأن يوصي بما يتعلّق بتجهيزه ، أو باستئجار الحجّ أو الصلاة أو نحوهما له(1).و إمّا فكّيّة تتعلّق بفكّ ملك كالإيصاء بالتحرير.

تحرير الوسيلة 89:2

أقسام الوصيّة و تعريف كلّ قسم

اشارة

1-هذا التثليث في أقسام الوصيّة لم أرى في موضع من كلمات الفقهاء ؛ فإنّ من تعرّض لأقسام الوصيّة قسّمها إلى تمليكية و عهدية ، كما في «الجواهر» و«العروة» و شروحهما.

نعم ، صاحب «العروة» عدَّ الوصيّة بفكّ المِلك من أفراد الوصيّة التمليكية ، حيث قال:«و هي إمّا تمليكية أو عهدية ، و بعبارةٍ اخرى:إمّا تمليك عين أو منفعة أو تسليطٌ على حقٍّ أو فكّ ملكٍ أو عهدٍ متعلّق بالغير أو عهدٍ متعلّق بنفسه ، كالوصيّة بما يتعلّق بتجهيزه»(1).

و لكن قد يشكل على ذلك:بأنّ فكّ الملك غير التمليك ،بل هو ضدّه ؛ فكيف يمكن إدخال الوصيّة بفكّ الملك في الوصيّة التمليكية ؟

ثمّ إنّ المحقّق عرّف الوصيّة في «الشرائع»بأنّها تمليك عينٍ أو منفعةٍ بعد الوفاة(2) ، و نسب ذلك إلى أكثر الأصحاب.

و أشكل عليه في «المستمسك» طرداً:بأنّه غير جامع ؛ نظراً إلى خروج الوصيّة بالولاية على الثلث و بالولاية على الأطفال و المجانين.و لذا ترى بعض

********

(1) -العروة الوثقى 877:2.

(2) -شرائع الإسلام 189:2.

ص: 16

الفقهاء أضاف إلى التعريف بقوله:«أو تسليط على تصرّف بعد الوفاة»(1).

و لنِعم ما قال صاحب «الحدائق» في تعريف الوصيّة حيث قال:

قالوا:الوصيّة تمليك عين أو منفعة أو تسليط على التصرّف.و المراد بالتسليط المذكور هو أن يوصي إليه بإنفاذ وصاياه و القيام بأطفاله و مجانينه ، و هي الوصاية.و ربّما اقتصر بعضهم على تمليك العين أو المنفعة ، و لم يذكر التسليط على التصرّف و منشأ ذلك:أنّ بعضهم أدرج الوصاية التي هي عبارة عن التسليط المذكور في الوصيّة كذكرها في تعريف الوصيّة ، و بعضهم جعلها قسماً آخر برأسها و قسيماً للوصيّة ، كالشهيد في «الدروس» ؛ فإنّه جعل لكلٍّ من الوصيّة و الوصاية كتاباً على حدة.و في «اللمعة» قال بالأوّل فعرّفهما بما ذكرناه(2).

و مقتضى التحقيق في تعريف الوصيّة هذا التعريف الذي نسب صاحب «الحدائق» إلى الأصحاب ؛ فلا يرد عليه إشكال السيّد الحكيم ، كما لا يرد عليه إشكال السيّد الخوئي-على ما في تقريرات «محاضراته»-حيث إنّه أشكل على صاحب «العروة»بأنّ في قوله «أو تسليط على حقٍّ» مسامحة ؛ نظراً إلى كون الحقّ نفسه هو السلطة ؛ فلا معنى لجعل التسليط عليه.

فقال قدس سره:إنّ الأنسب تبديل العبارة المذكورة بقوله:«أو تسليط على التصرّف».

و أنت ترى:أنّ هذا التعبير يوجد بعينه في تعريف صاحب «الحدائق».

و لكن لا يخفى عليك:أنّ هذا التعريف-الذي قوّيناه-هو تعريف الوصيّة التمليكية ، و إليها ينصرف تعريف الوصيّة بذلك في كلمات الأصحاب ؛ فإنّهم

********

(1) -مستمسك العروة الوثقى 534:14.

(2) -الحدائق الناضرة 383:22.

ص: 17

عنوا بالتعريف ، الوصيّة التمليكية.

ثمّ إنّ في «التذكرة» و«إيضاح النافع» اضيف قيد «التبرّع» إلى التعريف المزبور ؛ نظراً إلى إخراج الوصيّة بالبيع و التمليك المعاوضي ، حيث تصدق الوصيّة التمليكية على الوصيّة بهما أيضاً ، مع عدم كونهما مقصوداً من التعريف.

و قد نفى الحاجة إلى هذا القيد في «الجواهر» ،بدعوى انصراف التمليك في التعريف إلى المجّاني(1).

و لكنّه لا يخلو من تأمّل ، كما قال في «المستمسك» ؛ فالأجود إضافة قيد المجّانية.

و أيضاً نقض على التعريف في «المسالك»:بأنّه غير جامع لمثل الوصيّة بالعتق و التدبير و إبراء الدين و الوقف و نحو ذلك ، حيث إنّ حقيقة ذلك كلّه هي في فكّ الملك ، و هو غير التمليك ،بل ضدّه ، و الحال:أنّه لا إشكال في صحّة الوصيّة بهذه الاُمور.

و ردّه في «المستمسك»بمنع صحّة الوصيّة بما ذكر من الاُمور ، غير التدبير الذي دلّ عليه الدليل المنصوص ؛ لأنّ الوصيّة بهذه الاُمور من قبيل الإنشاء المعلّق المجمع على بطلانه ، من دون فرق بين كون المعلّق عليه الموت أو غيره ؛ فإنّ مانعية التعليق من صحّة الإنشاء لا تختصّ بالبيع المعلّق على غير الموت ،بل هي ثابتة في كلّ معلّق على الموت ما لم يقم على صحّته دليل خاصّ كالتدبير ؛ سواءٌ كان وصيّةً أم لا ، على اختلاف الآراء فيه(2).و لا فرق في ذلك بين البيع و غيره.و بناءً على ذلك لا يرد نقض صاحب «المسالك» على التعريف.

********

(1) -جواهر الكلام 242:28.

(2) -مستمسك العروة الوثقى 535:14-536.

ص: 18

و لكن يرد على السيّد الحكيم قدس سره أوّلاً:أنّ الوصيّة التمليكية أيضاً من قبيل الإنشاء المعلّق ؛ فلو كان التعليق في الإنشاء مانعاً من صحّتها لكان مانعاً هناك أيضاً.

و ثانياً:أنّ الإنشاء في جميع موارد الوصيّة فعلي منجّز ، و إنّما يكون ظرف ثبوت المنشأ ما بعد الموت ، أي:يُنشئ فعلاً كون ماله الفلاني لزيد بعد موته ؛ فلا تعليق في البين.و تعليق الوصيّة بأن يقول مثلاً:«إن شفيتُ اوصي بكذا».

و ثالثاً:على فرض كون الإنشاء بنفسه معلّقاً في جميع موارد الوصيّة، فلا دليل على اعتبار التنجيز في صحّة إنشاء المعاملات ؛ نظراً إلى عدم كفاية ما استدلّ به لإثبات البطلان بالتعليق، حيث إنّ إنشاء المعاملات أمر اعتباري، و لا مانع من اعتبار الملكية و غيرها معلّقاً على حصول شيء.كما قال به السيّد الماتن في كتاب «البيع»:

فالتحقيق عدم اعتبار التنجيز في المعاملات مطلقاً ؛ سواءٌ كانت معلّقة على معلوم في الحال أو الاستقبال ، أو مجهول كذلك ،بل أو معلوم العدم كذلك ثمّ بان تحقّقه(1).

و لكنّ الإنصاف:أنّ التعليق في الإنشاء و إن لا مانع منه من هذه الجهة ، إلّا أنّه مبطل للعقد المعاوضي من جهة الغرر إذا كان المعلّق عليه مجهول الوجود ، فضلاً عن كونه معلوم العدم.

و لكن هذا الإشكال إنّما يأتي في العقد المعاوضي ، فلا يأتي في مثل الوصيّة التي هي تمليك مجّاني.

و أمّا الإجماع التعبّدي الكاشف عن رأي المعصوم ، فلا تحقّق له في البين بعد وقوع الخلاف في أصل اعتبار التنجيز بين الفقهاء.

و محصّل الكلام في المقام:أنّ نقض صاحب «المسالك» على تعريف الوصيّة

********

(1) -كتاب البيع ، الإمام الخميني قدس سره 236:1.

ص: 19

واردٌ ظاهراً.اللهمّ إلّا أن يقال:إنّ مرادهم تعريف خصوص الوصيّة التمليكية.

و أمّا التدبير و إن قام الدليل على صحّته و يتعلّق بما بعد الوفاة ، إلّا أنّ ذلك لا يستلزم دخوله في الوصيّة ؛ نظراً إلى عدم كون المولى المدبّر في مقام الوصيّة بقوله:

«أنت حرٌّ بعد وفاتي».نعم لو كان في مقام الوصيّة أو صرّح بها بمثل قوله:«أوصي أن تكون حرّاً معتقاً بعد وفاتي» يدخل في مفهوم الوصيّة ؛ و لذلك مثّل السيّد الماتن للوصيّة الفكّية بالإيصاء بالتحرير.

فاتّضح بهذا البيان:أنّ الحقّ مع السيّد الماتن قدس سره في تقسيم الوصيّة إلى ثلاثة أقسام:ملكية و عهدية و فكّية.

الفرق بين الوصيّة التمليكية و العهدية

قد يُفرَّق بين الوصيّة التمليكية و العهدية:أنّ الاُولى تصرّف اعتباري من جانب الموصي فيما يتعلّق بما بعد وفاته ، و يستتبع تحقّق النتيجة قهراً بالموت ، كأن يوصي بكون عينٍ من أعيان أمواله أو منفعتها ملكاً للموصى له بعد الموت.

فهذا في الحقيقة إنشاء تمليك من جانب الموصي حال حياته ، إلّا أنّه جَعَل المُنشأ-و هو كون العين أو المنفعة ملكاً للموصى له-في ظرف الموت ؛ فلذا بمجرّد تحقّق الموت يستتبع إنشاؤه الكذائي ملكية تلك العين أو المنفعة للموصى له قهراً.

و لكنّ الثانية عهد من جانب الموصي إلى الغير ؛ بأن يتولّى بعد موته فعلاً خارجياً ؛ من تجهيز أو زيارة أو إطعام و نحو ذلك ، أو اعتبارياً ؛ من تمليك أو عتق أو إيقاف و نحوه.

و بعبارة اخرى:أنّ ملاك الفرق بينهما:أنّ الاُولى تتعلّق بالاُمور الاعتبارية التي هي نتيجة الفعل الخارجي ؛ سواءٌ كان تمليك شيءٍ أو فكّ ملك ، كالإيقاف

ص: 20

(مسألة 1):إذا ظهرت للإنسان أمارات الموت ، يجب عليه إيصال ما عنده من أموال الناس-من الودائع و البضائع و نحوها-إلى أربابها(1)،

و نحوه.و لكن الثانية تتعلّق بالأفعال الخارجية.

و لكن للمناقشة في ذلك مجال واسع ، حيث إنّه لو كان هذا ملاك الفرق يلزم كون الاسم و العنوان أخصّ من المسمّى و المعنون في الوصيّة التمليكية ؛ نظراً إلى شمول الملاك المذكور لما هو ضدّ التمليك-أعني به الإيصاء بالتحرير و فكّ الملك- حيث إنّ الوصيّة بذلك إذا لم تكن عهدية فتدخل في التمليكية قهراً بهذا الملاك ، و الحال:أنّ تعريف الوصيّة التمليكية غير شامل لما هو ضدّ التمليك.

نعم ، يصحّ جعل ذلك فرقاً بين الوصيّة العهدية و بين غيرها الشامل للوصيّة التمليكية و الفكّية ، كما هو واضح.

اللهمّ إلّا أن يراد من الوصيّة التمليكية ما هو أعمّ من الفكّية ، كما هو ظاهر «العروة».و لكنّه غير صحيح كما قلنا.

ما يجب على المودّع و الأمين عند ظهور أمارات الموت

1-قال في «الشرائع» ؛ إذا ظهر للمودّع أمارة الموت وجب الإشهاد بها(1).

و قال صاحب «الجواهر» في شرحه:كما صرّح به غير واحد ،بل لا أجد فيه خلافاً بينهم.نعم في «القواعد» إبدال ذلك بالوصيّة بها ، و لعلّه يريد ذلك أي الإشهاد ؛ ضرورة انحصار وجه وجوب ذلك في لزوم الحفظ و حرمة التفريط بها.

و ترك ذلك أي الإشهاد يقتضي ذلك أي التفريط ؛ فإنّ الوارث بدونه يستحقّ بإرثه

********

(1) -شرائع الإسلام 130:2.

ص: 21

جميع ما كان يده عليه ، و كذا الديّان.و الوصيّة بها مع عدم الإشهاد لا يرفع ذلك ؛ فلا محيص حينئذٍ عن إرادة معنى الإشهاد عليها من الوصيّة بها كالعكس(1).

و أنت ترى:أنّ كلّ واحدٍ من الإشهاد و الوصيّة إنّما يجب لحفظ الوديعة و ردّها إلى صاحبها سالماً عند انتهاء وقت الاستيداع ، و هذا غير الوصيّة بردّها بمجرّد الموت.

و إنّ إطلاقات وجوب ردّ الأمانات و الودائع إلى أهلها إنّما تصلح للدليلية على وجوب حفظها و أدائها عند انتهاء أمد الاستيداع و الاستئمان ، لا قبله بمجرّد ظهور أمارة موت المودّع و المؤتمن.

اللهمّ إلّا أن يراد بذلك الوصيّة بأداء الأمانات و ردّ الودائع بعد الموت عند انتهاء وقت الاستئمان و الاستيداع لا بمجرّد الموت ، و ذلك إذا لم يحلّ الوقت عند ظهور أمارة الموت ، و إلّا فلا كلام في وجوب إيصاله عند التمكّن منه و الوصيّة به عند عدمه ؛ لأنّه حيّ و توجّه التكليف إلى نفسه لا إلى غيره.بخلاف ما إذا لم يحلّ الوقت حيث لا تكليف بالأداء بعده.

و لكن التحقيق:أنّه إذا لم يحلّ الوقت فأصل وجوب الإيصال أو الوصيّة بالأداء-حتّى عند انتهاء الأمد-لا يخلو من المناقشة ،بل المنع إذا علم الموصي بعدم خيانة الورثة و أدائهم الأمانات و الودائع إلى أربابها بعد موته ؛ نظراً إلى أنّ الذي يجب قبل انتهاء الأمد بمقتضى الأدلّة هو حفظ الأمانات و الودائع و عدم التفريط فيه لتُردَّ إلى أهلها عند حلول أمدها.

و عليه فمقتضى القاعدة:أنّ الواجب على المودّع و الأمين إذا ظهر له أمارات

********

(1) -جواهر الكلام 118:27.

ص: 22

و كذا أداء ما عليه خالقيّاً كقضاء الصلوات و الصيام و الكفّارات و غيرها(1) ،

الموت ، هو الوصيّة بأداء الأمانات و الودائع عند انتهاء أمدها إذا لم يعلم بعدم خيانة الورثة و احتمل عدم أدائهم للأمانات إلى أربابها.و أمّا إذا علم بعدم خيانتهم و اطمأنّ بأنّ الورثة يؤدّون الأمانات و الودائع إلى أهلها فلا وجه للوصيّة بذلك ؛ لأنّ الواجب -و هو حفظ الأمانة و الوديعة و أدائها إلى أهلها-معلوم الحصول للأمين و المودّع في هذا الفرض ؛ فلا تجب الوصيّة بها حينئذٍ.

فالحاصل:أنّ الأمانات و الودائع إذا حلّ وقتها أو لم يحلّ و لكن لم يطمئنّ بالأداء من جانب الورثة و احتمل خيانتهم ، يجب إيصالها عند ظهور أمارات الموت و الوصيّة به إذا لم يتمكّن من الإيصال.

استدلال على تضيّق الواجبات الموسّعة بظهور أمارات الموت

1-و قد عُلّل ذلك بحكم العقل بتقريبين:

أحدهما:أنّ العقل بعد الالتفات إلى طروّ ما يمنع من امتثال أمر المولى -الثابت في الذمّة-من موت أو نوم مستغرق للوقت أو غيرهما ، لا يجوّز التخيير بالنسبة إلى الأفراد الطولية للواجب ،بل يحكم بلزوم الإتيان به فوراً ، حيث لا يرى عذراً للمكلّف في التأخير ؛ لما فيه من احتمال فوت المأمور به.

و بعبارة اخرى:أنّ العقل بمجرّد احتمال العجز عن امتثال الأمر في الأفراد الطولية يحكم بلزوم الإتيان به فوراً ؛ تحصيلاً للفراغ اليقيني ، فلا يجوّز التأخير باختيار الفرد المتأخّر من بين الأفراد الطولية إلّا إذا أحرز التمكّن من ذلك ليكون محرِزاً للتمكُّن من تفريغ الذمّة يقيناً.و أمّا عند عدم إحراز ذلك باحتمال عروض

ص: 23

المانع تسقط تلك الأفراد الطولية عن الطرفية للتخيير العقلي.

ثانيهما:أنّ حكم العقل بجواز التأخير في الواجبات الموسّعة بترك الفرد السابق و الإتيان باللاحق يختصّ بما إذا أحرز وجود تمام الأفراد الطولية ،بخلاف ما إذا شكّ في وجود الفرد اللاحق باحتمال الموت.

و الحاصل:أنّ مرجع الشكّ في البقاء باحتمال الموت إلى الشكّ في وجود الفرد اللّاحق ، و مرجع ذلك إلى الدوران بين التعيين و التخيير.و إنّ العقل حينئذٍ يحكم بالتعيين ؛ نظراً إلى أنّ في ترك الفرد السابق المعلوم وجوده احتمال الضرر ، من دون مؤمّن منه ما دام لم يعلم وجود فرد آخر من الأفراد الطولية.

و أنت ترى:أنّ مقتضى هذين التقريبين وجوب المبادرة إلى الإتيان بالواجب بمجرّد احتمال عدم التمكّن من الفرد اللّاحق و إن لم يظنّ بالموت أو لم تظهر أماراته.فلا بدّ من التماس دليل آخر يقتضي اختصاص حكم العقل المزبور بظنّ الموت أو ظهور أماراته.

و قد استدلّ على اختصاص حكم العقل بتضيّق الواجبات الموسّعة بظهور أمارات الموت بالإجماع القولي و العملي على جواز التأخير مع عدم الظنّ بالضيق.

و رُدّ:بأنّ الإجماع القولي غير ثابت جزماً.و أمّا الإجماع العملي فهو غير معلوم الثبوت ؛ إذ لم يعهد من المتشرّعة الصالحين-الذين يُهمّهم أمر دينهم-تأخير الفرائض و الواجبات الدينية مع احتمال فوتها.

و لكن الإنصاف:أنّ الإجماع العملي-و إن شئت فعبّر «سيرة المتشرّعة»-لا يمكن إنكار استقرارها على عدم مبادرة المتديّنين و المؤمنين الصالحين إلى الإتيان بالواجبات بمجرّد احتمال الموت-لا لسبب خاصّ-باعتقاد وجوبها الفوري.

نعم ، ربّما يتّفق في كثير منهم المبادرة إلى الإتيان بما في عهدتهم من

ص: 24

أو خلقيّاً إلّا الديون المؤجّلة(1)، و لو لم يتمكّن من الإيصال و الإتيان بنفسه يجب عليه أن يوصي بإيصال ما عنده من أموال الناس إليهم ، و الإشهاد عليها ، خصوصاً إذا خفيت على الورثة ،

الواجبات لاحتمال موتهم لسبب خاصّ ، كما إذا أرادوا للذهاب إلى سفر طويل غير خالٍ من خوف الخطر و الموت.لكنّه ليس من باب الوظيفة ، و لا لاعتقادهم بوجوب الإتيان بها فوراً حينئذٍ ،بل من باب الاحتياط الحسن و التقرّب بذلك إلى اللّه تعالى.

و عليه:فالإجماع القولي المدّعى و إن لا يصلح للدليلية على المطلوب.و أمّا الإجماع العملي-المعبّر عنه ب «سيرة المتشرّعة»-فلا وجه لإنكار استقرارها على جواز التأخير في الواجبات الموسّعة عند مجرّد احتمال الفوت ما دام لم يُظنّ أو لم تقم أمارة على الفوت بالتأخير.و بذلك يختصّ الدليل العقلي المزبور بصورة الظنّ بالموت أو قيام الأمارة عليه.

و الإشكال بأنّه لا تخصيص في حكم العقل ، غير وارد ؛ لأنّ المقصود تخصيص الحكم العقلي من ناحية العقل نفسه ، و إلّا فلا مانع من تخطئة الشارع بعض مصاديق حكم العقل ، كما له أن يخطّئه رأساً ؛ نظراً إلى توقيفية الحكم الشرعي و تعبّديته.و في المقام ، الإجماع دليل شرعي كاشف تعبّدي عن رأي المعصوم.

حكم الدين الحالّ عند ظهور أمارات الموت

1-يقع الكلام تارةً في أنّه هل يتوقّف على مطالبة الدائن ، أم لا؟بل يجب أداؤه و يحرم التصرّف فيه بمجرّد انتهاء أمد الدين ، و لو لم يطالبه الدائن.

ص: 25

و اخرى في أنّ وجوب أداء الدين الحالّ هل يتوقّف على ظهور أمارات الموت ، أم لا ؟

و ثالثة:في وجوب الوصيّة.

أمّا المقام الأوّل:فالظاهر وجوب أداء الدين بمجرّد انتهاء أمده و حلول وقت أدائه ؛ و ذلك لأنّ مقتضى عموم «لا يحلّ دم امرئ مسلم و لا ماله إلّا بطيبة نفسه» في صحيح زيد الشحّام(1) ، عدم جواز التصرّف في مال الغير إلّا عند إحراز رضاه ، فضلاً عن صورة الظنّ بعدم رضاه ، كما في المقام ؛ نظراً إلى أنّ توقيت زمان التصرّف في الدين من جانب الدائن قرينة على عدم رضاه بالتصرّف فيه بعد مُضيّ الأجل المضروب ، و عليه:فعدم رضاه بالتصرّف مظنون بظاهر الحال.

و قد يقال:إنّ بقاء الدين في عهدة المديون لا يُعدّ تصرّفاً.

و فيه منع واضح ؛ نظراً إلى أنّه أيّ مال كائن عند أيّ شخص بصورة الدين فإنّما يكون عنده لرفع حاجته و على أساس غرضٍ لأجل تأمينه يتصرّف في ذلك المال ، و إلّا لم يتحمّل مشقّة الاستقراض.فكلّ آنٍ من الآنات إلى قبل حلول الأجل يكون المال المستقرض تحت تصرّفه و استفادته ، و مع ذلك فكيف يمكن التفوّه بأنّ بقاء الدين لا يكون تصرّفاً فيه ؟! و هذا عجبٌ من هذا العَلَم ، و لعلّ السهو من المقرّر.

فتحصّل من ذلك:أنّ الدين بمجرّد انتهاء أمده و حلول أجله المضروب يجب أداؤه ، من دون توقّف على مطالبة الدائن ، كما قال به في «المستمسك».

و أمّا المقام الثاني:فمقتضى التحقيق أنّ بمجرّد انتهاء أمد الدين و حلول أجله يجب أداؤه كما قلنا ، و لا دخل لظهور أمارات الموت في ذلك.

********

(1) -وسائل الشيعة 10:29 ، كتاب القصاص ، أبواب القصاص في النفس ، الباب 1، الحديث 3.

ص: 26

نعم ، لو لم يتمكّن من الأداء يجب عليه الوصيّة بالأداء عند ظهور أمارات الموت.

و الحاصل:أنّ الذي يجب عند ظهور أمارات الموت هو وجوب الوصيّة بالأداء في فرض عدم التمكّن من الأداء و الإشهاد إذا خفي ما عليه من الدين على الورثة ، أو خاف خيانتهم ، أو كانوا ممّن لا يبالي بالشرع.أمّا وجوب أدائه فلا يتوقّف على ظهور أمارات الموت بشيء.

هذا إذا كان الدين مالاً موجوداً في يد المديون.

و أمّا لو صار معدومة ببعض أنحاء التصرّفات المعدمة-كالأكل و الصرف لعلاج الأمراض و نحو ذلك-فالضمان ثابت بقاعدة ضمان الإتلاف و«على اليد» ، بناءً على شمول الثانية لموارد التلف و أنّهما تدلّان على وجوب ردّ الدين في جميع آنات اشتغال الذمّة بها ، و لو تلف المال بالتصرّف بل و غير تفريط ما لم يكن طيب نفس الدائن حاصلاً ؛ لما قلنا.بل نفس سلطة المديون على مال الغير من دون رضاه غير مشروعة ، فيجب عليه إزالة هذه السلطة الغير المشروعة برفع اليد عنه.

فوجوب رفع اليد عن مال الغير و ردّه إليه لا ينوط بصدق التصرّف ، مع أنّه يصدق في كثير من موارد الدين.

دليل وجوب الوصيّة

أمّا المقام الثالث-في دليل وجوب الوصيّة-فقد اتّضح ممّا بيّناه:أنّ في صورة تضيّق الواجبات الموسّعة العبادية ، هو حكم العقل بعدم جواز التأخير ؛ إمّا لحكمه بتحصيل فراغ الذمّة اليقيني عند اشتغاله اليقيني بالتكليف ، أو لحكمه

ص: 27

بالتعيين عند الدوران بينه و بين التخيير في الأفراد الطولية للواجب.

و أمّا في الواجبات المالية و حقوق الناس:فيجب الوصيّة بها عند عدم التمكّن من أدائها ،بدليل إطلاقات وجوب حفظ الأمانات و الودائع و ردّها إلى أهلها من الكتاب و السنّة ، كما يجب الإشهاد بها ؛ نظراً إلى توقّف ذلك على الوصيّة و الإشهاد بها ، كما قلنا سابقاً.

أمّا الأدلّة اللفظية في خصوص المقام:فيستفاد من الأخبار الكثيرة المستفيضة(1) استحباب الوصيّة و كراهة تركها مطلقاً ؛ سواء ظهرت أمارات الموت أم لا.و لا خلاف في ذلك بين الفقهاء.

ثمّ إنّه قد يستدلّ على وجوب الوصيّة مطلقاً لمن عليه أو له حقّ لما ورد في الصحيح عن الباقر و الصادق عليهما السلام:«إنّ الوصيّة حقّ على كلّ مسلم»(2)، كما استفاد صاحب «الوسائل» وجوب الوصيّة لمن عليه أو له حقّ من هذه النصوص ، على ما يظهر من عنوان الباب الأوّل من أحكام الوصايا.و قد حمل في «الحدائق» هذه الطائفة من النصوص على من كان مشغول الذمّة بواجب من الواجبات المالية و العبادية ، مع احتماله حملها على تأكّد الاستحباب.

قال قدس سره:لا ريب في وجوب الوصيّة على من كان مشغول الذمّة بواجب ؛ من دين أو زكاة أو خمس أو نحو ذلك من الحقوق الواجبة.و يمكن أن تحمل الأخبار الدالّة على أنّ الوصيّة حقّ على كلّ مسلم لإشعارها بالوجوب على ذلك ؛ فيجب تخصيصها بما ذكرناه من الأفراد.و يمكن حملها على تأكّد الاستحباب ؛ فتختصّ

********

(1) -وسائل الشيعة 257:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 1 و 2 و 3 و 4 ؛ الحدائق الناضرة 376:22-380.

(2) -وسائل الشيعة 257:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 1 ، الحديث 1 و2 و3.

ص: 28

بغير ما ذكرناه من الاُمور المستحبّة(1).

و التحقيق:أنّه لا حاجة إلى حمل هذه الطائفة من النصوص على الاستحباب ،بل لا تصل النوبة إلى هذا الحمل ، حيث إنّه لا ظهور لها في وجوب الوصيّة ؛ فإنّ التعبير بالحقّ أعمّ من الوجوب و الاستحباب ؛ نظراً إلى أنّ لفظ «الحقّ» في اللغة هو الثابت اللازم الذي لا يتغيّر ، و ثبوت الوصيّة أعمّ من كونه بنحو الوجوب أو الاستحباب ؛ فإنّ غير الواجبات-من المستحبّات و المكروهات- أيضاً أحكام إلهية ثابتة لا تتغيّر إلى يوم القيامة ، كما في صحيح زرارة عن الصادق عليه السلام:«حلال محمّد حلال أبداً إلى يوم القيامة ، و حرامه حرام أبداً إلى يوم القيامة»(2).

من الواضح:أنّه لا خصوصية في الحلال و الحرام ،بل إنّما ذكرا بعنوان نموذج من الأحكام الإلهية ؛ فالمقصود:أنّ كلّ ما جاء به محمّد صلى الله عليه و آله و سلم من الأحكام ثابت مجعول في حقّ كلّ مسلم ، و لا يتغيّر إلى يوم القيامة.أ يصحّ أن يقال:

إنّ سائر الأحكام الإلهية ليست حقّاً من اللّه على كلّ مسلم ؟! راجع إلى وجدانك فاقض.

مع أنّ وجوب الوصيّة بإطلاقه خلاف الإجماع و السيرة القطعية و الضرورة.

ثمّ إنّه يظهر من موثّقة السكوني وجوب الوصيّة لذوي القرابة ممّن لا يرث ؛ فإنّه روى عن جعفر بن محمّد عن أبي جعفر عليهما السلام قال:«من لم يوص عند موته لذوي قرابته ممّن لا يرثه فقد ختم عمله بمعصيته»(3).

********

(1) -الحدائق الناضرة 379:22.

(2) -الكافي 19/58:1.

(3) -وسائل الشيعة 263:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 4 ، الحديث 3.

ص: 29

و لكن حملها في «الحدائق» على تأكّد الاستحباب ،بقرينة صحيح أبي بصير.

قال قدس سره:ظاهر حديث السكوني المروي في «الفقيه» استحباب الوصيّة لذوي القرابة ممّن ليس له حظّ في ميراثه استحباباً مؤكّداً ، و إنّما حملناه على الاستحباب -و إن كان ظاهره الوجوب-لما رواه العيّاشي عن أبي بصير في الصحيح عن أحدهما عليهما السلام في قوله تعالى:«كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَ الْأَقْرَبِينَ» (1)، قال عليه السلام:«منسوخة ، نسختها آية الفرائض ، التي هي المواريث»(2).

و بالاستحباب صرّح في كتاب «الفقه الرضوي» ، مع تصريحه في آخر كلامه:و أنّ ترك ذلك معصية.و هو محمول على المبالغة ، انتهى(3).

و فيه:أنّه لو كان ظاهر الموثّقة الاستحباب ، فأيّ حاجة إلى الحمل عليه ؟!

و مثله في «الوسائل» ، مع احتمال التقيّة ، حيث قال بعد نقل هذه الرواية:

هذا محمول على التقيّة ، أو على نسخ الوجوب دون الاستحباب و الجواز ؛ لما مرّ(4).

و قد اتّضح بهذا البيان:أنّ آية الوصيّة و إن كان ظاهرها الوجوب ، إلّا أنّها محمولة على الاستحباب بقرينة آية الفرائض.و هذا الحمل هو المراد من النسخ في صحيح أبي بصير ، كما قال في «الوسائل» و«الحدائق».

********

(1) -البقرة (2):180.

(2) -وسائل الشيعة 290:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 15 ، الحديث 15 ؛ تفسير العيّاشي 167/77:1.

(3) -الحدائق الناضرة 380:22.

(4) -وسائل الشيعة 290:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 15 ، ذيل الحديث 15.

ص: 30

و كذا بأداء ما عليه من الحقوق الماليّة:خلقيّاً كالديون و الضمانات و الديات و اروش الجنايات ، أو خالقياً كالخمس و الزكاة و الكفّارات و نحوها ،بل يجب عليه أن يوصي بأن يستأجر عنه ما عليه من الواجبات البدنيّة ؛ ممّا يصحّ فيها الاستيناب و الاستئجار ، كقضاء الصلاة و الصوم إن لم يكن له وليّ يقضيها عنه ،بل و لو كان له وليّ لا يصحّ منه العمل ، أو كان ممّن لا يوثق بإتيانه ، أو يرى عدم صحّة عمله(1).

(مسألة 2):إن كان عنده أموال الناس ، أو كان عليه حقوق و واجبات ، لكن يعلم أو يطمئنّ بأنّ أخلافه يوصلون الأموال و يؤدّون الحقوق و الواجبات ، لم يجب عليه الإيصال و الإيصاء و إن كان أحوط و أولى(2).

(مسألة 3):يكفي في الوصيّة كلّ ما دلّ عليها من الألفاظ من أيّ لغة كان(3) ،

1-وجه ذلك كلّه واضح ؛ نظراً إلى توقّف أداء الواجبات و الفرائض و الحقوق -الإلهية و المالية ، خَلقياً أو خالقياً-في فرض عدم تمكّن المكلّف المشرِف على الموت من الإتيان بها على الوصيّة بأدائها فيما بعد الموت ؛ فتجب من جهة لزوم تفريغ الذمّة و تحصيل المؤمّن من العقاب.

2-هذا الاحتياط استحبابي بعد الإفتاء بعدم الوجوب.و أمّا وجه عدم وجوب الإيصال و الإيصاء في هذا الفرض فقد تبيّن ممّا سردناه لك آنفاً في شرح أوائل المسألة الاُولى.

ما تتحقّق به الوصيّة

3-مقتضى إطلاقات الوصيّة و وجوب العمل بها و حرمة تبديلها ، كفاية كلّ ما دلّ على إنشائها من جانب الموصي ؛ لفظاً كان أو فعلاً أو إشارة أو كتباً أو غير

ص: 31

ذلك.كما يساعده الاعتبار ؛ نظراً إلى أنّ حقيقة كلّ أمر إنشائي من الأوامر و النواهي و العقود و الإيقاعات متقوّمة بالاعتبار النفساني المُبرَز بأيّ مظهرٍ خارجي ؛ سواء أ كان فعلاً من الأفعال الجوارحية أو كان قولاً.هذا هو الذي يساعده الاعتبار و تقتضيه إطلاقات المقام.

و عليه:فلا بدّ من قيد ليثبت اعتبار خصوصيةٍ شرعاً فيما تتحقّق به الوصيّة من الدوالّ.هذا هو مقتضى القاعدة في المقام.

و أمّا آراء الفقهاء:فلا خلاف بينهم و لا إشكال في كفاية كلّ لفظٍ دلّ على الوصيّة في تحقّقها و صحّتها ،بلا اعتبار لفظ خاصّ في ذلك ، كما صرّح بعدم الخلاف في ذلك في «مفتاح الكرامة»بقوله:و أمّا مع وجود القرينة على إرادة الوصيّة أو وجود المانع من إرادتها فلا كلام ، كما هو واضح(1).

نعم ، يستفاد من تعبير صاحب «العروة» وجود المخالف في المقام ، حيث قال قدس سره:الأقوى في تحقّق الوصيّة كفاية كلّ ما دلّ عليها من الألفاظ(2).

و لكن لم يعلم الخلاف في ذلك إلّا من صاحب «الجواهر» حيث قال:نعم ينبغي أن يكون استعماله اللفظ في ذلك جارياً مجرى الاستعمال المتعارَف ، و لا يكفي إرادته ذلك من لفظٍ غير صالح لإرادته حقيقةً ، و لا مجازاً(3).

و قد أشكل عليه:بأنّه بعد ظهور المراد لا مجال للتوقّف في الصحّة عملاً بإطلاق الأدلّة.و هذا الإشكال وارد في فرض العلم بالمراد ، كما هو واضح.

و إنّما الكلام في الاستناد بظاهر اللفظ مع عدم معلومية المراد.و مرجع ذلك

********

(1) -مفتاح الكرامة 368:9/السطر 3.

(2) -العروة الوثقى 669:5.

(3) -جواهر الكلام 243:28.

ص: 32

في الحقيقة إلى البحث في ظهور بعض الصيغ في الوصيّة صغروياً ، و في صحّة إرادة الوصيّة منه.و لعلّ هذا هو مراد صاحب «الجواهر» قدس سره ، كما هو الظاهر.

و ذلك مثل ما لو قال:«وهبته» و قصد الوصيّة ، فوقع الكلام في صحّة تفسيره بالوصيّة ، كما في «القواعد» و«التذكرة» و«التحرير» و«جامع المقاصد» و«الإيضاح» و«مفتاح الكرامة» و غير ذلك من الكتب و الجوامع الفقهية.

قال في «مفتاح الكرامة»:إنّ المفروض-كما في «التذكرة»-أنّه قال:

«وهبته» و اقتصر ثمّ فسّره بأنّه قَصد الوصيّة.و أمّا مع وجود القرينة على إرادة الوصيّة أو وجود المانع من إرادتها فلا كلام ، كما هو واضح(1).

هذا في الدالّ اللفظي.و أمّا الفعلي فقد يُدّعى تقييد إطلاقات الوصيّة بإجماع الفقهاء على احتياج العقود إلى اللفظ.و عليه فكفاية الدالّ الفعلي تدور مدار كون الوصيّة عقداً أو لا.

قال في «الجواهر»بعد اختيار الجواز:إلّا أنّه ليس عقداً لها ، فهو شبه المعاطاة في العقود اللازمة التي تندرج في الاسم و لا يجري عليها حكم العقد(2).

و أشكل عليه في «المستمسك»:بأنّ ذلك ينافي ما ذكره الفقهاء من كونه عقداً.

و لكن الذي يُسهّل الخطب:أنّ الوصيّة-بناءً على كونها عقداً-تكون من العقود الجائزة ، كما قال في «مفتاح الكرامة»-بعد أن نسب إلى كثير من الفقهاء كون الوصيّة عقداً-:و لعلّ كونها عقداً ممّا لا ينكر.ثمّ قال قدس سره:و ستسمع تصريحهم:أنّه من العقود الجائزة(3).

********

(1) -مفتاح الكرامة 368:9.

(2) -جواهر الكلام 244:28.

(3) -مفتاح الكرامة 365:9/السطر 9.

ص: 33

و لا يعتبر فيها لفظ خاصّ ، ففي التمليكيّة يقول:«أوصيت لفلان بكذا» أو «اُعطوا فلاناً» أو «ادفعوا إليه بعد موتي» أو «لفلان بعد موتي كذا» ، و نحوها بأيّ نحو يفيد ذلك.و في العهديّة:«افعلوا بعد موتي كذا و كذا» ، و الظاهر الاكتفاء بالكتابة حتّى مع القدرة على النطق(1) ،

و أنّ الإجماع المدّعى-على فرض تحقّقها-فهو مختص بالعقود اللازمة.

و أمّا العقود الجائزة فلا إجماع منهم على اعتبار اللفظ فيها.

و على أيّ حال:فملاك تحقّق الوصيّة و صحّتها و ترتّب أحكامها هو مجرّد صدق الوصيّة عرفاً و لو لم يصدق اسم العقد ؛ سواءٌ كان الدالّ عليها لفظاً أو فعلاً.

هل يجوز الاكتفاء بالكتابة مع القدرة على النطق ؟

1-مقتضى إطلاقات أدلّة نفوذ الوصيّة و لزوم العمل بها جواز الاكتفاء بأيّ دالّ عليها ، كما قلنا آنفاً.و عليه:فيجوز الاكتفاء بالكتابة في تحقّق الوصيّة و نفوذها ؛ حتّى مع القدرة على النطق و التلفّظ بها.

و لكن مع ذلك يدلّ على ذلك بعض النصوص ، كما ذكره في متن «العروة»:

منها:ما رواه المفيد في «المقنعة» مرسلاً عن المعصوم عليه السلام:«ما ينبغي لامرئٍ مسلم أن يبيت ليلةً إلّا و وصيّته تحت رأسه»(1).

و نوقش فيه سنداً بالإرسال ، و دلالةً بأنّه في مقام الترغيب إلى الوصيّة في الاستعداد للموت ، من دون نظرٍ إلى حجّية مكتوبه.

و لكن الإنصاف:عدم ورود الإشكال دلالةً ؛ لوضوح أنّ المكتوب إن صحّ

********

(1) -وسائل الشيعة 258:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 1 ، الحديث 7.

ص: 34

إطلاق الوصيّة عليه في كلام المعصوم عليه السلام يدخل في إطلاقات الوصيّة ؛ فهذا المرسل يدلّ على كون المكتوب وصيّة بنظر الإمام عليه السلام كالملفوظ.فكما لا فرق بينهما في صدق اسم الوصيّة و عنوانها، كذلك لا فرق أيضاً في ترتّب أحكامها قهراً ، و هذا واضح.

منها:معتبرة إبراهيم بن محمّد الهمداني قال:كتبت إلى أبي الحسن:رجل كتب كتاباً بخطّه و لم يقل لورثته:هذه وصيّة ، و لم يقل:إنّي قد أوصيت ، إلّا أنّه كتب كتاباً فيه ما أراد أن يوصي به ، هل يجب على ورثته القيام بما في الكتاب بخطّه ، و لم يأمرهم بذلك ؟ فكتب عليه السلام:«إن كان له وُلدٌ يُنفِذون كلّ شيءٍ يجدونه في كتاب أبيهم في وجه البرّ و غيره»(1).هذه الرواية معتبرة بإبراهيم بن محمّد الهمداني ؛ لأنّه كان من وكلاء الأئمّة عليهم السلام.

و كون الرجل وكيل الإمام يُثبت وثاقته ،بل عدالته:

أمّا إثبات الوثاقة فواضح ؛ لأنّ العقلاء لا يعتمدون في أماناتهم و ودائعهم على غير الثقة ، فكيف بالإمام المعصوم عليه السلام !

هذا.مع أنّ صاحب «الحدائق» نقل عن الكشّي توثيقه في ترجمة أحمد بن إسحاق(2).

و أمّا العدالة:فلأنّ شأن الإمامة ينافي اعتماده في اموره على رجلٍ فاسق.

و على فرض ثبوت فسق وكيل من وكلائه في موردٍ ، فلعلّه خرج عن العدالة في أثناء الوكالة و كان وكالته قبل زمان فسقه ، كما وقع لبعض وكلائهم من الانحراف بعد موت إمام وقته.

********

(1) -وسائل الشيعة 372:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 48 ، الحديث 2.

(2) -الحدائق الناضرة 637:22 ؛ اختيار معرفة الرجال 831:2.

ص: 35

نعم ، حاول بعض المحقّقين في مقدّمة «معجم رجال الحديث»(1) لعدم إثبات العدالة بوكالة الإمام عليه السلام اتّكالاً على قيام الإجماع على جواز توكيل الفاسق.و لكنّه لا يثبت كون ذلك في شأن الإمام عليه السلام.

هذا ، مع ما روي من التوقيعات في جلالة قدر إبراهيم بن محمّد الهمداني ، و إن وقع نفسُه في طريق بعضها.

مع أنّ الوثاقة كافية لإثبات اعتبار الرواية ، و هي لا يمكن إنكارها في وكيل الإمام المعصوم عليه السلام.فهذه الرواية معتبرة سنداً.

و أمّا دلالةً:فهي تدلّ على كفاية وجود المكتوب في الوصيّة إذا كان من عادة الموصي إلقاء مقاصده و اموره بطريق الكتابة و كان من عادة وُلدِه إجراء ذلك و إنفاذ ما يجدونه في مكتوباته.

و بما أنّ في زماننا هذا صارت هذه الطريقة دَيدن عامّة الناس ، فلا إشكال في دلالة هذه المعتبرة على كفاية الكتابة في تحقّق الوصيّة و ترتّب أحكامها ، كما هو سيرة العقلاء بلا كلام.

و لنعم ما قال في «الحدائق»:و بالجملة:فإنّ الخبر المذكور حَسَن السند ، واضح المتن ، لا تطرّق للطعن فيه بوجهٍ من الوجوه ، و لا معارض له كما عرفت ، إلّا مجرّد كلامهم ؛ فالعمل به متعيّن(2).

فالحاصل:أنّه لا إشكال في تحقّق الوصيّة و ترتّب أحكامها بالكتابة.

********

(1) -معجم رجال الحديث 87:1.

(2) -الحدائق الناضرة 637:22.

ص: 36

خصوصاً في الوصيّة العهديّة إذا علم أنّه كان في مقام الوصيّة ، و كانت العبارة ظاهرة الدلالة على المعنى المقصود ، فيكفي وجود مكتوب من الموصي بخطّه و إمضائه أو خاتمه إذا علم من قرائن الأحوال كونه بعنوان الوصيّة ، فيجب تنفيذها ، بل الاكتفاء بالإشارة المفهمة-حتّى مع القدرة على النطق أو الكتابة-لا يخلو من قوّة ؛(1) و إن كان الأحوط عدم الإيصاء بها اختياراً.

هل يجوز الاكتفاء بالإشارة مع القدرة على النطق ؟

1-لا إشكال في تحقّق الوصيّة بالإشارة المفهمة للمراد ؛ حتّى مع القدرة على النطق و الكتابة ؛ لما قلناه في كفاية الكتابة من مساعدة الاعتبار و اقتضاء إطلاقات المقام.و لكن ظاهر كلمات الفقهاء عدم جواز الاكتفاء بها و بالكتابة مع القدرة على النطق ، حيث قيّدوا جواز الوصيّة بهما بتعذّر النطق.

و لكن لا دليل على ذلك ،بل الدليل على خلافه ، كما قلنا من أنّ الاكتفاء بهما في الوصيّة-حتّى مع القدرة على النطق-مساعدٌ للاعتبار و مقتضى إطلاقات المقام ، مع دلالة بعض النصوص الخاصّة.

و أمّا النصوص التي أوردها صاحب «الوسائل» قدس سره تحت عنوان «جواز الوصيّة بالكتابة مع تعذّر النطق»(1) و«صحّة الوصيّة بالإشارة في الضرورة»(2)فلا تصلح لإثبات مطلوبه ؛ فإنّها-على فرض صحّة سندها-غاية مدلولها إثبات جواز الوصيّة لمن اعتقل لسانه و عجز عن النطق ؛ نظراً إلى أنّ موضوعها هو العاجز

********

(1) -وسائل الشيعة 372:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 48.

(2) -وسائل الشيعة 373:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 49.

ص: 37

عن النطق ؛ فدلّت على ثبوت حكم جواز الوصيّة بالكتابة و الإشارة للعاجز عن النطق ، و لا مفهوم لها لتدلّ على عدم جوازه للقادر على النطق.و من الواضح:أنّ مجرّد إثبات حكم لموضوعٍ لا ينفي ثبوت ذلك الحكم لما عداه.

نعم ، لو كان إثبات الحكم لموضوع باستعمال أداة الحصر يمكن استفادة نفيه عمّا عداه بالمفهوم.و لكن ليس نصوص جواز الوصيّة بالإشارة و الكتابة من هذا القبيل ، حيث لم تُستعمل فيها أداة الحصر ، كما لم ترد رواية تدلّ على نفي جواز الوصيّة بهما للقادر على النطق.

فالحاصل:أنّ الأقوى هو جواز الاكتفاء بالإشارة في تحقّق الوصيّة ؛ حتّى مع القدرة على النطق ، كما قال به السيّد الماتن قدس سره ؛ و لذا يكون الاحتياط هنا استحبابياً.

ص: 38

أركان الوصيّة

اشارة

(مسألة 4):للوصيّة التمليكيّة أركان ثلاثة:الموصي و الموصى به و الموصى له ، و قوام العهديّة بأمرين:الموصي و الموصى به.نعم إذا عيّن الموصي شخصاً لتنفيذها تقوم-حينئذٍ-باُمور ثلاثة:هما و الموصى إليه ، و هو الذي يطلق عليه «الوصيّ»(1).

1-قد اتّضح أركان الوصيّة بقسميها ؛ من تعريف الوصيّة التمليكية ، و بيان الفرق بينها و بين الوصيّة العهدية ؛ فإنّ التمليك يحتاج إلى مملّك ؛ و هو الموصي ، و إلى مملوك ؛ و هو عين المال الموصى به ، و إلى من يملَّك له ؛ و هو الموصى له.

و أمّا العهد من جانب الموصي فلا يحتاج إلى أزيد من شيء متعلّق له ، و هو فعل من الأفعال.إلّا إذا عيّن شخصاً لإنفاذ الوصيّة ؛ فيحتاج حينئذٍ إلى الموصى إليه المعبّر عنه بالوصيّ.و هذا واضح ، لا يحتاج إلى بيان أزيد ممّا قلنا.

و لكن يظهر من بعض(1):أنّ العهدية أيضاً تحتاج إلى الموصى له إذا كان متعلّق

********

(1) -و هو السيّد الخوئي في المباني في شرح العروة الوثقى 295:33.

ص: 39

(مسألة 5):لا إشكال في أنّ الوصيّة العهديّة لا تحتاج إلى قبول(1).نعم لو عيّن وصيّاً لتنفيذها لا بدّ من قبوله ، لكن في وصايته ، لا في أصل الوصيّة.

الوصيّة من العقود المعاوضية ، كأن يوصي أن يبيع الوصيّ ماله المعيّن من زيد ، فحينئذٍ تتقوّم هذه الوصيّة بوجود زيد الموصى له.

و لكن يردّه:عدم إطلاق عنوان الموصى له عليه اصطلاحاً في باب الوصيّة.

نعم، لو أوصى إعطاء ماله شخصاً يطلق عليه الموصى له ،بل يكون وجود الموصى له من أركان الوصيّة العهدية حينئذٍ.

1-ذهب جماعة من الفقهاء إلى اعتبار القبول في مطلق الوصيّة ، كما في «القواعد» و«جامع المقاصد» و«مفتاح الكرامة» و غيرها ؛ نظراً إلى كونها عقداً ؛ فتحتاج إلى إيجاب و قبول كسائر العقود.بل نسب ذلك في «الحدائق»(1) إلى مشهور الفقهاء.

و في قبال ذلك:ذهب بعض إلى عدم اعتبار القبول في مطلق الوصيّة ، كصاحب «الحدائق» و غيره.

قال في «الحدائق»:فاعلم أنّي لم أقِف في الأخبار على ما يدلّ على وجوب القبول و إن كانت الوصيّة لمعيّن ،بل ربّما ظهر من إطلاقها العدم و أنّه لا يتوقّف على أزيد من الإيجاب بالألفاظ المذكورة ، إلّا أنّه خلاف ما يفهم من عامّة كلامهم(2).

و يُفهم من كلامه قدس سره:أنّ عدّة من الفقهاء-قبال المشهور-ذهبوا إلى عدم اعتبار القبول في مطلق الوصيّة.

********

(1) -الحدائق الناضرة 396:22.

(2) -الحدائق الناضرة 384:22.

ص: 40

و فصّل آخرون في المقام بين الوصيّة التمليكية و ما يلحق بها ، و بين العهدية.

فحكموا باحتياج الاُولى إلى القبول ؛ لأنّها في الحقيقة عقد تمليك ، و كونها مجّانية جائزة لا ينافي الحاجة إلى القبول ، على تفصيل سيأتي ،بخلاف الثانية ؛ و هي الوصيّة العهدية ، حيث لا يكون عقداً و لا دليل آخر على اعتبار القبول فيها.

و هذا ممّا لا ينبغي الشكّ فيه ، كما قال في «الجواهر»:إنّ الوصيّة بهذا المعنى ليست من العقود قطعاً ،بل ضرورة(1).

و لا يخفى:أنّ الذي رأيته من كلمات الفقهاء ظاهر في أنّ مقصودهم من الوصيّة المحتاجة إلى القبول هو التمليكية ، كما يفهم ذلك من التفصيل المتراءى في مطاوي كلماتهم بين التمليك لمعيّن و لغير معيّن.

و يشهد على ذلك أيضاً ما دلّ على وجوب العمل بالوصيّة على الموصى إليه إذا لم يردّها ، أو ردّها و لكن لم يبلغ الموصي.

و من هنا تعرف المنافاة بين بناء المشهور على ذلك ، و بين كون الوصيّة عقداً.

و عند التأمّل في ذلك يُعلم:أنّ مرادهم هناك من الوصيّة المحتاجة إلى القبول هو التمليكية.و لكن مقصودهم هنا هو الوصيّة العهدية.و بذلك يرتفع المنافاة ، كما قال في «الدروس»:و على ما قلناه-من اللزوم بالموت و عدم الردّ-لا عبرة بقبول الوصيّ و عدمه ،بل العبرة بعدم الردّ الذي يبلغ الموصي ، فإن حصل ، و إلّا لزم(2).

هذا حاصل كلامهم.و أمّا مقتضى التحقيق فسيأتي بيانه ، إن شاء اللّه.

و هنا نكتة اخرى لا ينبغي الغفلة عنها ، و هي:أنّ من لا يعتبر قبوله في العهدية هل هو خصوص الموصى إليه-أي الوصيّ-كما هو ظاهر «الدروس» ، أو

********

(1) -جواهر الكلام 242:28.

(2) -الدروس الشرعية 326:2.

ص: 41

و أمّا الوصيّة التمليكيّة فإن كانت تمليكاً للنوع كالوصيّة للفقراء و السادة ، فهي كالعهديّة لا يعتبر فيها القبول ، و إن كانت تمليكاً للشخص فالمشهور على أنّه يعتبر فيها القبول من الموصى له(1).و الظاهر أنّ تحقّق الوصيّة و ترتّب أحكامها من حرمة التبديل و نحوها ، لا يتوقّف على القبول ، لكن تملّك الموصى له متوقّف عليه ، فلا يتملّك قهراً.فالوصيّة من الإيقاعات ، لكنّها جزء سبب للملكيّة في الفرض.

الأعمّ منه و الموصى له كما هو مقتضى التفصيل المزبور ؟ إذ لازمه عدم حاجة الوصيّة العهدية إلى القبول مطلقاً.

قال بعض الأعلام باختصاص ذلك بالموصى إليه-الوصيّ-و أمّا الموصى له فاعتبار قبوله يدور مدار متعلّق الوصيّة ؛ فإن كان ممّا يحتاج إلى القبول-كالعقود المعاوضي-فيعتبر حينئذٍ قبول الموصى له ، و إلّا فلا.

و لكن يرد عليه:أنّ طرف البيع في الوصيّة العهدية لا يعدّ موصى له اصطلاحاً و لا اعتبار لقبوله في لزوم الوصيّة العهدية ؛ فإنّ على الموصى إليه عرض البيع إليه ؛ قِبَل أم لا.

نعم، لو أوصى إلى وصيّه أن يعطي زيداً-مثلاً-شيئاً يكون زيد هو الموصى له.و لكن لا يعتبر قبوله في الوصيّة العهدية بالتمليك.نعم يعتبر في تحقّق التمليك.

فلو لم يقبل وقعت الوصيّة بلا مصرف.

هل يعتبر القبول في الوصيّة التمليكية ؟

1-وقع الخلاف في اعتبار القبول في الوصيّة التمليكية على أقوال:

الأوّل:كون القبول شرطاً في صحّة الوصيّة التمليكية و انتقال الملك إلى

ص: 42

الموصى له على نحو النقل من حين حدوث القبول.

الثاني:كونه شرطاً في صحّتها و انتقال الملك على نحو الكشف من حين حدوث موت الموصي ؛ إذ المنشأ بالوصيّة هو التمليك بعد حدوث الموت لا قبله ، و إلّا لخرج عن كونها وصيّة.

الثالث:كون القبول جزءاً للوصيّة بنحو النقل.

الرابع:كونه جزءاً لها على نحو الكشف.

و الفرق بين النقل و الكشف نظير الفرق بينهما في الإجازة اللاحقة بالبيع الفضولي.

و تظهر الثمرة في الآثار المترتّبة على الوصيّة من حين موت الموصي إلى زمان حدوث قبول الموصى له ؛ فعلى القول بالكشف تترتّب جميع تلك الآثار عند لحوق القبول ، و أمّا على القول بالنقل لا تترتّب شيء منها ،بل إنّما تترتّب آثار الوصيّة من بعد زمان حدوث القبول.

الخامس:أنّ القبول لا دخل له في أصل انتقال الملك ،بل ينتقل الملك بمجرّد الموت ، لكنّه متزلزل ، فإذا حصل القبول استقرّ.و على هذا القول يكون القبول جزء السبب للانتقال.

السادس:ما ذهب إليه صاحب «العروة» من عدم دخل للقبول في الملك مطلقاً ؛ حتّى في استقراره ،بل إنّما يكون ردّ الموصى له مانعاً من انتقال الملك إليه.

و قد فسّر هذا المبنى بعض المحقّقين(1)بمعنى كشف الردّ عن بطلان الوصيّة ؛ مستشهداً بما نقل من دعوى الإجماع عليه.

********

(1) -و هو السيّد الخوئي قدس سره في المباني في شرح العروة الوثقى 300:33.

ص: 43

و لكن هذا التفسير لعلّه ممّا لا يرضى صاحبه ؛ لأنّه خلاف تصريح صاحب «العروة»بأنّ الوصيّة من الإيقاع الصريح الموجب للملك القهري ما لم يَردّ الموصى له.و لازم ذلك صيرورة الوصيّة بعد الردّ بلا مصرف ، من دون أن يصير باطلاً ؛ لأنّها إذا كان عقداً فاعتبار القبول في صحّته أوّل الكلام ، فضلاً عن كون الردّ مبطلاً له ؛ و لا سيّما بعد البناء على كونه إيقاعاً ؛ بداهة أنّ الإيقاع يقتضي بذاته عدم دخل شيءٍ من القبول و الردّ فيه.

السابع:ما ذهب إليه السيّد الماتن قدس سره من كون القبول جزء السبب ؛ لانتقال الملك إلى الموصى له ، من دون أن يتوقّف عليه تحقّق الوصيّة و ترتّب أحكامها.

و أنّ الوصيّة من الإيقاعات ، لكنّها جزء السبب للملكية ، فلا يحصل بها انتقال الملك قهراً.

كما هو ظاهر عبارة صاحب «العروة» في دفع الإشكال بذلك على مبناه بعد بيان مرامه ، قال قدس سره:و يحتمل قويّاً عدم اعتبار القبول فيها ،بل يكون الردّ مانعاً ؛ و عليه تكون من الإيقاع الصريح.و دعوى أنّه يستلزم الملك القهري ، و هو باطل في غير مثل الإرث ، مدفوعة بأنّه لا مانع منه عقلاً.و مقتضى عمومات الوصيّة ذلك.مع أنّ الملك القهري موجود في مثل الوقف(1).

ثمّ إنّه قال في «المستمسك»(2):لم يُعرف القائل بشرطية القبول مطلقاً ، إلّا ما نسب إلى الشيخ الأعظم:أنّه استظهر ذلك من عبارة «الشرائع»:«و ينتقل بها الملك إلى الموصى له بموت الموصي و قبول الموصى له» ؛ معلّلاً بأنّ الموت شرط قطعاً ،

********

(1) -العروة الوثقى 653:5-654.

(2) -مستمسك العروة الوثقى 537:14.

ص: 44

فسياق القبول مساقه يقتضي كونه شرطاً أيضاً.ثمّ تأمّل في هذا الاستظهار.

و قد نقل أيضاً فيه عن الشهيد الثاني في «المسالك»:أنّه نسب القول بالجزئية على نحو النقل إلى العلّامة في «المختلف» ؛ مستظهراً ذلك من عبارة «الشرائع» أيضاً.و نسب القول بالجزئية على نحو الكشف إلى الأكثر.

و لكن الذي يظهر من «المسالك» خلاف ذلك ؛ فإنّه قدس سره بعد نفي كون القبول من أركان الوصيّة-نظراً إلى عدم اعتباره على بعض الوجوه-و أنّ الإيجاب هو تمام الركن ، جعل محلّ الخلاف في كون القبول شرطاً على نحو النقل أو الكشف أو شرطاً لاستقرار الملكية بالوصيّة على نحو جزء السبب الناقل.و نسب هذا القول الثالث إلى صاحب «الشرائع».و نسب القول بشرطية القبول على نحو النقل إلى العلّامة في «المختلف» ، و احتمل كونه مراد صاحب «الشرائع» قدس سره ؛ مستظهراً ذلك من عبارة.و نسب القول بالشرطية على نحو الكشف إلى الأكثر.

فينبغي هنا نقل عبارته من صدرها إلى ذيلها ليقضي المحقّق المنصف نفسه بالتأمّل في عبارته:

قال في «المسالك»:لا خلاف في توقّف ملك الوصيّة على الإيجاب من الموصي ؛ لأنّه أحد أركان العقد الناقل للملك و تمام الركن ، حيث لا يعتبر القبول على بعض الوجوه.و لا خلاف أيضاً في توقّفه على موته ؛ لأنّ متعلّقها هو الملك و ما في معناه بعد الموت ، فقبله لا ملك.

و إنّما الخلاف في أنّ قبول الموصى له هل يعتبر في انتقال الملك إليه بالموت ؛ بمعنى كونه شرطاً في الملك أم تمام السبب المعتبر فيه فلا يحصل الملك بدونه أصلاً...أو لا يُعتبر أصلاً ،بل ينتقل إليه الملك على وجه القهر ، كالإرث ، لا بمعنى استقراره كذلك ،بل بمعنى حصوله متزلزلاً ؛ فيستقرّ بالقبول و يبطل

ص: 45

استمراره بالردّ ، فينتقل عنه به إلى ورثة الموصي ؟

فهذه أقوال ثلاثة.

و الذي اختاره المصنّف:أنّ الملك لا يحصل بالموت منفرداً عن القبول ،بل يبقى المال على حكم مال الميّت ، فينتقل إلى وارثه انتقالاً متزلزلاً ، فيستقرّ بردّ الموصى له ، و ينتقل إلى ملكه بقبوله.فقبوله-على هذا-جزء السبب الناقل للملك إليه ؛ لأنّ الباء في قوله «و ينتقل بها الملك إلى الموصى له بموت الموصي» للسببية ، و هو مفيد لما ذكرناه.

و مع ذلك يُحتمل أن يريد الانتقال المبتدأ من حين القبول على تقدير تأخّره عن الموت ، كما هو ظاهر العبارة ؛ فقبله لا ملك له أصلاً.و هذا هو القول الأوّل الذي حكيناه ، و هو مختار العلّامة في «المختلف».و أن يريد به مجرّد سببية القبول في الملك ؛ بمعنى توقّفه عليه.و لكنّه يكشف عن سبق ملك الموصى له من حين الموت ، و هذا القول هو مختار الأكثر.و هو الذي حكيناه ثانياً(1) ، انتهى كلام صاحب «المسالك».

و من هنا قال بعض المحقّقين-على ما في تقريرات بحثه-بعد نفي المجال للالتزام بكون الوصيّة من العقود ، و عدم إمكان القول بجزئية القبول:

و من هنا فلو اعتبر القبول فلا بدّ من جعله شرطاً-كشفاً أو نقلاً-لا محالة ؛ لاستحالة القول بكون الوصيّة عقداً(2).

و على أيّ حال:يمكن توجيه عدم كون القبول شرطاً في صحّة الوصيّة أنّها إمّا عقد أو إيقاع.

********

(1) -مسالك الأفهام 117:6-118.

(2) -المباني في شرح العروة الوثقى 296:33.

ص: 46

فعلى الأوّل يكون القبول جزء العقد و من أركانه ؛ فلا معنى لكونه شرطاً بعد كون تمليك الموصي في ملكه و عدم إناطته بشيءٍ غير حدوث الموت.و لا يقاس بالعقد الفضولي ؛ لأنّه لا يكون في ملك العاقد ، فالقياس مع الفارق.و أمّا في فرض المقام:فإنّ مقتضى ماهية العقد بين الالتزامين كون القبول جزءاً للعقد لا شرطاً لصحّتها ، و أنّ المُنشأ في الوصيّة هو التمليك بعد الموت.و إناطته بالقبول ينافي إطلاقات أدلّة نفوذ الوصيّة من الآية و النصوص.

و على الثاني فلا معنى لكونه شرطاً أيضاً ؛ نظراً إلى عدم توقّف صحّة الإيقاع على القبول ، كما هو معنى الإيقاع ، و مقتضى ذاته من تقوّمه بمجرّد إنشاء المنشئ.

و أمّا القول بجزئية قبول الموصى له للوصيّة ، فالوجه فيه ظاهراً:كون الوصيّة عقداً ، كما نسبه في «مفتاح الكرامة» إلى مشهور الفقهاء ، و في «المستمسك» إلى الإجماع ؛ فإنّ كلّ عقد متقوّم بالإيجاب و القبول ،بل سمّي بذلك لأنّه عقد و ربط بين الالتزامين من الموجب و القابل.

و لكن يشكل:بأنّه يعتبر التوالي بين الإيجاب و القبول ، و أنّ الفصل الطويل بينهما بالموت مانع من تأنى العقد.

و بعبارة اخرى:أنّ العقد عبارة عن ضمّ الالتزامين من جانب الموجب و القابل و ربط أحدهما بالآخر ، كما في ربط حبل بحبلٍ آخر.و هذا المعنى غير متحقّق في المقام ؛ إذ لا يبقى للموصي التزام بعد موته كي ينضمّ إليه التزام الموصى له ، و إنّ ماهية العقد غير متحقّقة في الوصيّة ؛ فإذا لم تكن الوصيّة من العقود لا معنى لكون القبول جزءاً لها مطلقاً ؛ ناقلاً كان أم كاشفاً.

و لا يخفى:أنّ هذا الإشكال إنّما هو وارد في فرض لحوق القبول للموت.

و أمّا إذا كان قبل الموت و بنينا على نفوذه حال حياة الموصي فلا فصل بين

ص: 47

الإيجاب و القبول حينئذٍ ، ليرد الإشكال المزبور.

و مع قطع النظر عن الإشكال المزبور ، فإنّ أدلّة الوفاء بالعقد غير شاملة للوصيّة إذا كان القبول جزءاً ناقلاً ؛ نظراً إلى أنّ الذي أنشأه الموصي هو الملكية بعد الموت ، و ما يدّعى إمضاؤه-و هو الملكية بعد القبول-لم يُنشئه الموصي ؛ فيكون من قبيل «ما وقع لم يقصد و ما قصد لم يقع».

و إنّ الاختلاف بين المنشأ و الممضى و إن قد يتّفق-كما في الهبة ، حيث إنّ المنشأ فيها هو التمليك الفعلي ، و المُمضى هو التمليك بعد القبض-إلّا أنّ مشروعيته يحتاج إلى دليل خاصّ.و أمّا في سائر العقود المعاوضية-كالبيع و الإجارة و نحو ذلك-فالمُنشأ هو الملكية على تقدير القبول لا مطلقاً ، و هذا عين ما تعلّق به الإمضاء.بخلاف الوصيّة ؛ فإنّ ماهيتها هي التمليك بعد الموت مجّاناً بلا دخل للقبول فيها.

و لا يخفى:أنّ هذين الإشكالين يبتنيان على كون القبول كاشفاً أو ناقلاً ، و اتّصاف القبول بهما إنّما يتصوّر فيما إذا صدر القبول بعد الموت لا قبله حال حياة الموصي ، و إلّا فبناءً على اعتبار هذا القبول

و أمّا إذا كان جزءاً كاشفاً فيلزم ترتّب أحكام الوصيّة و آثارها بمجرّد الموت قبل القبول ، و هذا خلاف ارتكاز المتشرّعة.

ثمّ إنّه ربّما يستدلّ على اعتبار القبول في الوصيّة التمليكية بما دلّ على سلطة الناس على أنفسهم ، و أنّ ذلك ينافي نفوذ الوصيّة في حقّ الموصى له بلا دخلٍ لقبوله.

و فيه:أنّ هذا الدليل-على فرض تماميّته-يكفي في سلطة الموصى له على نفسه قدرته على الردّ و مانعيّته عن نفوذ الوصيّة ، و عليه:فالوصيّة في الحقيقة

ص: 48

مقتضية لحصول التمليك ، و إنّ تأثير أيّ مقتضٍ مشروط بعدم وجود المانع ؛ فلا تمليك قهري في البين حينئذٍ.

و أمّا ما نسب في «المسالك» إلى المحقّق صاحب «الشرائع»-من كون القبول شرط استقرار الملكية و حدوثها متزلزلاً بمجرّد الوصيّة-و إن كان لا بأس به في نفسه ، إلّا أنّه مبنيٌّ على كون الوصيّة عقداً ، و إنّ القول بعقدية الوصيّة لا دليل عليه ،بل الدليل على خلافه ؛ إذ تنافي ماهية العقد ، كما قلنا آنفاً.

و أمّا ما ذهب إليه صاحب «العروة» ففيه:أنّ كون الوصيّة من الإيقاع الصريح ، و حصول الملكية القهرية ينافي كون الردّ مخلّاً بصحّة الوصيّة ،بل لا بدّ على ذلك أن لا يكون له دخلٌ في صحّتها.

فالمتعيّن في المقام:ما ذهب إليه الإمام الراحل قدس سره ؛ من كون القبول جزء السبب لحصول التملّك للموصى له ، كما أنّ الوصيّة و تحقّق الموت جزءان آخران له ، من دون دخل للقبول في أصل صحّة الوصيّة ، كما لا دخل أيضاً لعدم الردّ فيه أيضاً.و لا ملكية قهرية في البين ،بل إنّما هو معتبر لحصول التملّك.و عليه:فلو لم يقبل الموصى له يبقى الوصيّة بلا مصرف ، من دون اختلال في صحّتها بذلك.

و عليه:فالوصيّة من الإيقاعات ، و هو مقتضى القاعدة ؛ من عدم انطباق ماهية العقد على الوصيّة ؛ لعدم إمكان ضمّ الالتزامين و ربطهما بعد تخلّل الفصل الطويل بينهما بالموت.و لا دليل خاصّ على كون الوصيّة عقداً سوى الإجماع ، كما استظهره في «المستمسك»(1) من كلمات الفقهاء.

و في «مفتاح الكرامة»:إنّ ذلك ممّا لا يُنكر ، حيث قال بعد أن نسب ذلك إلى

********

(1) -مستمسك العروة الوثقى 538:14.

ص: 49

(مسألة 6):يكفي في القبول كلّ ما دلّ على الرضا قولاً أو فعلاً(1)، كأخذ الموصى به و التصرّف فيه بقصد القبول.

(مسألة 7):لا فرق بين وقوع القبول في حياة الموصي أو بعد موته(2) ،

كثير من الفقهاء:و لعلّ كونها عقداً ممّا لا ينكر(1).

و لكن هذا الاتّفاق-على فرض تحقّقه-ليس إجماعاً على حكم شرعي تأسيسي ليكشف عن رأي المعصوم تعبّداً ، و ليس من القيود المعتبرة من جانب الشارع تعبّداً ؛ نظراً إلى عدم كون العقود و الإيقاعات أحكاماً شرعية تأسيسية ،بل هي أحكام إمضائية ثابتة متداولة بين العقلاء ، و إنّ المرجع في مثلها هو اعتبار العقلاء و أهل العرف ، إلّا أن يدلّ دليل خاصّ لفظي على تحديدها من الشارع باعتبار خصوصيات و قيودٍ فيها.هذا مع وجود المخالف في المقام.

1-و الوجه في كفاية ذلك في القبول قد اتّضح ممّا بيّناه في تحقّق الوصيّة بكلّ ما دلّ عليها من اللفظ و الفعل ، فراجع هناك.

2-هذا البحث إنّما يكون على فرض اعتبار قبول الموصى له في صحّة الوصيّة.و عليه:فلا إشكال و لا خلاف في كفاية قبوله في نفوذ الوصيّة و ترتيب آثارها إذا صدر من الموصى له بعد موت الموصي.

كما قال في «المسالك»:حيث اعتبرنا قبول الموصى له ، فقَبِل بعد وفاة الموصي فلا إشكال في اعتبار قبوله ؛ لمطابقته الإيجاب الصادر من الموصي ؛ لأنّه أوقع تمليكاً بعد الوفاة ، فقبله في تلك الحال.و إن قبل في حياة

********

(1) -مفتاح الكرامة 365:9.

ص: 50

الموصي فالأكثر على اعتباره أيضاً(1).

و قال في «الحدائق»:و أمّا بعد الوفاة فلا إشكال و لا خلاف في اعتبار القبول(2).

و أمّا إذا صدر القبول من الموصى له قبل موت الموصي فالمعروف بين الفقهاء كفايته في نفوذ الوصيّة.

و يمكن الاستدلال على ذلك:

أوّلاً:بمطابقة القبول للإيجاب حينئذٍ ؛ لأنّه كما وقع الإيجاب حال حياة الموصي و كان متعلّقه التمليك بعد الموت ، فكذلك القبول على طبقها ، من دون فرقٍ ؛ فإنّه كما يكون الإيجاب في سلطة الموصي و باختياره فينشئ التمليك ما بعد الموت ، فكذلك القبول يكون تحت اختيار الموصى له و داخل في سلطته ، فقَبِل التمليك على النحو الذي أنشأه الموصي.

هذا الاستدلال يفهم من كلام صاحب «المسالك» قال قدس سره:

و إن قبِل في حياة الموصي فالأكثر على اعتباره أيضاً ؛ لحصول المطلوب، و هو قبول ما نقل إليه من الملك على الوجه الذي نقل إليه ، و إن لم يكن في وقته، فإنّ ذلك هو المعتبر ، كما وقع التمليك قبل وقت الانتقال فقبوله كذلك ، و كما أنّ الموصي مالك للمال حينئذٍ ، فله نقله في أيّ وقت شاء.فالموصى له مالك أن يتملّك أيضاً في أيّ وقت شاء ، و إن لم يكن وقت الملك باختياره ، كما في نظائره من قبول البيع بشرطٍ و أجلٍ في الثمن و غيره(3).

********

(1) -مسالك الأفهام 123:6.

(2) -الحدائق الناضرة 390:22.

(3) -مسالك الأفهام 123:6-124.

ص: 51

و ثانياً:بإطلاقات أدلّة نفوذ الوصيّة-من الكتاب و السنّة-غاية الأمر:قُيّدت بما دلّ على اعتبار القبول من إجماع أو غيره.و أمّا اعتبار صدوره بعد موت الموصي فلا دليل عليه.و لذا لا مناص من تحكيم إطلاقات أدلّة نفوذ الوصيّة.و إنّ مقتضاها نفوذ الوصيّة و ترتيب آثارها بمجرّد لحوق القبول مطلقاً ؛ سواءٌ صدر من الموصى له قبل موت الموصي أم بعده.

و ثالثاً:بإطلاقات أدلّة نفوذ العقد ، على فرض كون الوصيّة عقداً.و إنّ الإشكال السابق على عقديتها بتخلّل الفصل الطويل بالموت غير وارد في هذا الفرض ؛ نظراً إلى فرض صدوره حال حياة الموصي.

و أمّا إشكال التعليق مدفوع بأنّ ماهية الوصيّة تتقوّم بالتعليق على الموت.

فأدلّة اعتبار التنجيز-من الإجماع أو غيره-منصرفة عن الوصيّة قطعاً.مع عدم كون التعليق في الإنشاء بوجهٍ ،بل إنّما هو في متعلّقه ؛ و هو الملكية.

ثمّ إنّ الاستدلال بالوجهين الأخيرين يفهم من كلام صاحب «الجواهر» حيث قال في تعليل جواز الوصيّة قبل وفاة الموصي:وفاقاً للمشهور ؛ لصدق اسم الوصيّة و العقد معه ، فيندرج تحت أدلّتهما(1).

و أمّا كون القبول ناقلاً أو كاشفاً ، فإنّما هو ما إذا صدر بعد الموت ، و أمّا إذا صدر حال الحياة فانتقال الملك إلى الموصى له يكون بمجرّد تحقّق الموت بلا إشكال.

فاتّضح:عدم ورود الإشكال بذلك على جواز القبول قبل الموت.

ثمّ إنّ في المقام شبهتان:

********

(1) -جواهر الكلام 252:28.

ص: 52

إحداهما:ما يخطر بالبال في ذيل كلام صاحب «المسالك» ، و حاصله:أنّ قياس القبول الواقع قبل الموت في الوصيّة بالبيع المشروط فيه الأجل ، في غير محلّه ؛ لأنّ الأجل المعلّق عليه في البيع وقت معيّن ؛ و لذا لا يستلزم الغرر.بخلاف الوصيّة ؛ فإنّ زمان الموت-المعلّقة عليه الملكية المُنشأة-غير معلوم ، و هو موجب للغرر.

و لكن جوابه واضح ، حيث إنّ التمليك في الوصيّة مجّاني محض لا يتطرّق إليه غرر.

ثانيتهما:أنّه لا خلاف في عدم تأثير ردّ الموصى له قبل موت الموصي ؛ نظراً إلى عدم تحقّق الملكية قبل الموت لكي يرفعها الردّ.و إذا كان الردّ الصادر قبل الموت غير مؤثّرٍ ، فكذلك القبول الصادر حال الحياة.

و قد اجيب عنه:بأنّ معنى عدم تأثير الردّ في حياة الموصي هو عدم إلغائه إنشاء الوصيّة ،بحيث لا يقبل القبول بعد صدور الردّ.و بهذا المعنى لا تأثير للقبول أيضاً ، حيث إنّه لا يلزم الوصيّة ،بحيث لا يؤثّر الردّ في إلغائه قبل موت الموصي.

فالردّ و القبول مشتركان في عدم التأثير بهذا المعنى.

و لكن لا يضرّ ذلك لما نحن بصدده ؛ من كفاية القبول الصادر قبل الموت في نفوذ الوصيّة إذا لم يلحقه الردّ إلى حين الموت.و لا ملازمة بين عدم تأثير الردّ بالمعنى المزبور و بين عدم كفاية القبول بالمعنى الثاني ، و المطلوب إثبات كفاية القبول بهذا المعنى الثاني.

و يرد على هذا الجواب:أنّ معقد الإجماع و الاتّفاق في المقام هو عدم تأثير الردّ لإبطال الوصيّة-حتّى لو لم يلحقه القبول قبل الموت-و إنّ المفروض كفاية القبول لإنفاذ الوصيّة ما دام لم يلحقه الردّ قبل تحقّق الموت.

ص: 53

كما لا فرق في الواقع بعد الموت ،بين أن يكون متّصلاً به أو متأخّراً عنه مدّة(1).

و بعبارة اخرى:أنّ كلّ واحدٍ من القبول و الردّ قبل الموت مجرّداً عن لحوق الناقص لا يبطل الوصيّة.و لكن القبول الصادر قبل الموت مجرّداً عن لحوق الردّ الناقض يكفي في نفوذ الوصيّة.

و الجواب الصحيح عن هذه الشبهة:أنّ عدم تأثير الردّ الصادر قبل الموت في إبطال الوصيّة إنّما ثبت بالإجماع.و أمّا اعتبار القبول فلا إجماع على اختصاص اعتباره و كفايته بما إذا صدر بعد الموت.بل المشهور على كفايته و لو صدر حال الحياة ، كما عرفت من كلام صاحب «المسالك» و«الحدائق» و«الجواهر» آنفاً.

و قد عرفت أيضاً:أنّ إطلاقات أدلّة نفوذ الوصيّة هي المحكّم ما لم يثبت تقييدها بدليل.و مقتضى ذلك الرجوع إلى إطلاقات الوصيّة و الحكم بصحّتها و نفوذها إذا صدر قبول الموصى له حال حياة الموصي ، و معناه كفاية القبول في نفوذ الوصيّة حينئذٍ.

و هذا بخلاف الردّ الصادر منه حال حياة الموصي ؛ فإنّ الإجماع على عدم تأثيره في إبطال الوصيّة.نعم لو لا هذا الإجماع يمكن القول بتأثير هذا الردّ في إبطال الوصيّة-بناءً على عقديته-دون ما إذا بنينا على كونه إيقاعاً-كما هو الحقّ- حيث لا ينوط نفوذه حينئذٍ بالقبول ، كما هو واضح.

1-لأنّه بعد التسالم على إلغاء اعتبار اتّصال القبول بالإيجاب بمقتضى ذات الوصيّة-من الفصل الطويل بينهما بالموت-لا مجال لهذا الفرق.

و ببيان آخر:أنّ الخارج من إطلاقات أدلّة نفوذ الوصيّة هو غير الملحوق منها بالقبول ؛ لأنّ الدليل الدالّ على اعتباره في صحّة الوصيّة-على فرض تماميته-

ص: 54

(مسألة 8):لو ردّ بعضاً و قبل بعضاً صحّ فيما قبله ، و بطل فيما ردّه على الأقوى(1)إلّا إذا أوصى بالمجموع من حيث المجموع.

فإنّما دلّ على أصل اعتباره ، فقُيّدت به الإطلاقات في الوصيّة التي لم يلحقها القبول رأساً.و أمّا بعد لحوقه فلم يدلّ دليل على تقييدها بما إذا اتّصل القبول بالموت.

و عليه:فالمحكّم عند لحوق القبول هو إطلاقات نفوذ الوصيّة مطلقاً ،بلا فرق بين كون القبول قبل الموت أم بعده ، و لا بين كون القبول الصادر بعد الموت متّصلاً بالموت أم متأخِّراً عنه مدّةً.

هل يصحّ قبول بعض الوصيّة مع ردّ بعضها ؟

1-لا إشكال و لا كلام في بطلان الوصيّة حينئذٍ بالنسبة إلى ما ردّه الموصى له.و إنّما الكلام في أنّها هل تبطل-حتّى بالنسبة إلى ما قبله-نظراً إلى عدم تبعّض القبول ؛ لوحدة إنشاء الوصيّة و وحدة متعلّقه ، أو تبطل بالنسبة إلى المردود خاصّة و تصحّ فيما قَبِله ؟

قوّى السيّد الماتن قدس سره الصحّة فيما قبلَه ، و اختصاص البطلان بالمردود ، و هو الصحيح.

و الدليل على ذلك:إطلاق أدلّة نفوذ الوصيّة الشامل لمفروض الكلام ، كما قال في «الجواهر»(1).

بتقريب:أنّه لا إشكال في صدق الوصيّة بالنسبة إلى كلٍّ من المردود و المقبول على حدٍّ سواء.غاية الأمر:بطلت في المردود بردّ الموصى له ، و هذا

********

(1) -جواهر الكلام 257:28.

ص: 55

لا يمنع عن صدق عنوان الوصيّة بالنسبة إلى ما قبلَه.و مع صدق عنوانها عليه يدخل تحت إطلاقات نفوذ الوصيّة.و عليه:فتصحّ و تنفذ الوصيّة بالنسبة إلى ما قَبِله.

و قد يتوهّم:أنّ وجه صحّة الوصيّة في خصوص المقبول عدم اعتبار المطابقة بين الإيجاب و القبول في الوصيّة ؛ نظراً إلى كونها من التبرّعات المحضة ؛ و لذا تعتبر المطابقة في العقود المعاوضية خاصّةً.

و لكنّه غير صحيح ، حيث إنّ مدرك اعتبار المطابقة بين الإيجاب و القبول في جميع العقود واحد ؛ و هو اقتضاء ماهية العقد أن يعقد بين التزام الموجب و القابل ، و أنّ الارتباط بين هذين الالتزامين يتوقّف على مطابقتهما.

و هذا الملاك يأتي في جميع أنواع العقود ،بلا فرق بين المعاوضي و بين غيره.

إلّا أنّ المطابقة متحقّقة في المقام ؛ نظراً إلى انحلال عنوان الوصيّة بالنسبة إلى كلٍّ من المردود و المقبول ؛ لعدم دخل لاجتماعهما في أصل الإيصاء ، كما هو مفروض الكلام.

و عليه:فالمطابقة بين الإيجاب و القبول حاصلة بالنسبة إلى البعض المقبول كما قلنا.

هذا التوهّم و ردّه قد تعرّض لهما في «الجواهر»(1).

و لا يخفى:أنّهما يبتنيان على كون الوصيّة من العقود.و أمّا بناءً على كونها من الإيقاعات و كون القبول شرطاً في تملّك الموصى له ، لا في صحّة أصل الوصيّة -كما بنى عليه السيّد الماتن قدس سره-فلا وجه لهما ،بل ينتفيان بانتفاء الموضوع.

********

(1) -جواهر الكلام 257:28.

ص: 56

(مسألة 9):لو مات الموصى له في حياة الموصي أو بعد موته ، قبل أن يصدر منه ردّ أو قبول ، قام ورثته مقامه في الردّ و القبول(1)، فيملكون الموصى به بقبولهم كمورّثهم لو لم يرجع الموصي عن وصيّته.

و لكن هذا كلّه فيما لم تتعلّق الوصيّة بمجموع مال بجميع أجزائه من حيث المجموع ، و إلّا يشكل الالتزام بصحّة الوصيّة بالنسبة إلى الجزء المقبول ؛ نظراً إلى عدم انحلال الوصيّة حينئذٍ بالنسبة إلى أجزاء المال ،بل يقطع بكون نظر الموصي هو الإيصاء بالمجموع من حيث المجموع.فما قبله الموصى له غير ما تعلّقت به الوصيّة ؛ فالمطابقة غير حاصلة حينئذٍ بين الإيجاب و القبول.

حكم ما لو مات الموصى له قبل القبول أو الردّ

1-وقع الخلاف في هذه المسألة على أربعة أقوال:

الأوّل:ما ذهب إليه المشهور و أفتى به السيّد الماتن قدس سره ؛ من قيام الوارث مقام الموصى له في اختيار القبول أو الردّ ، فله القبول ما دام لم يرجع الموصي عن وصيّته مطلقاً ، من غير فرق بين كون موته حال حياة الموصي أو بعد موته ، و لا بين كون الموصي عالماً بموت الموصى له أو جاهلاً ، و لا بين ما إذا كان غرض الموصي خصوص الموصى له أم لا.

الثاني:بطلان الوصيّة بموت الموصى له قبل القبول مطلقاً.نقله في «الحدائق»(1) عن جماعة ؛ منهم ابن الجنيد و العلّامة في «المختلف».

الثالث:التفصيل بين ما إذا علم أنّ غرض الموصي خصوص الموصى له ،

********

(1) -الحدائق الناضرة 397:22.

ص: 57

و بين غيره ؛ فتبطل الوصيّة بموت الموصى له على الأوّل.و نقله أيضاً في «الحدائق»(1) عن ابن الجنيد و العلّامة في «المختلف».بل الثاني اختار هذا التفصيل.

و حكاه أيضاً في «الجواهر».و نقل عن «الدروس»:إنّ هذا التفصيل حقّ ، و به يجمع بين النصوص(2).

الرابع:التفصيل بين موته حال حياة الموصي فتبطل الوصيّة حينئذٍ ، و بين موته بعد موت الموصي فتصحّ.حكاه في «المسالك» عن بعض الأصحاب ، و في «الدروس» عن المحقّق.

كلّ هذه الأقوال الأربعة يفهم من كلام صاحب «العروة»(3).

و إنّ البحث واقع في كلّ واحدٍ من هذه الأقوال.

و نقدّم الكلام في قول المشهور ، فنقول:لا ريب أنّ قيام الوارث مقام الموصي خلاف مقتضى القاعدة ؛ و ذلك لأنّ الموصي قد أنشأ التمليك للموصى له ، فله أن يقبل الإيجاب ، و أنّ قبول الوارث يتضمّن إيجاب التمليك له ، و الحال أنّ الموصي لم يُنشئه.

و تلقّي الوارث المال من الموصى له لا ينفع في المقام شيئاً ، حيث لم يتحقّق القبول من الموصى له لينتقل الملك إليه حتّى يتلقّى الوارث منه المال.

و لا يكون الوارث نائباً أو وكيلاً للموصى له و لا وليّه لكي ينزّل وجوده منزلته-كما هو شأن النائب و الوكيل و الوليّ-و مجرّد كونه وارثاً لا يكفي لذلك ؛ فإنّ انتقال تركة الموصى له بعد موته إلى وارثه بحكم الشارع لا يجعله نازلاً منزلة

********

(1) -الحدائق الناضرة 553:22.

(2) -مستمسك العروة الوثقى 553:14.

(3) -العروة الوثقى 661:5، المسألة السابعة.

ص: 58

الموصى له في جميع شئونه ، كما هو واضح.

أمّا دليل قول المشهور:فقد استدلّ لهم بوجوه:

الوجه الأوّل:أنّ القبول حقّ للموصى له ، فينتقل بموته إلى ورثته.

و قد ردّه صاحب «العروة» صغروياً:بأنّ القبول ليس بحقٍّ ،بل هو حكم.

و كبروياً:بأنّ كلّ حقّ ليس قابلاً للانتقال.

تنقيح ذلك يستدعي بيان الفرق بين الحقّ و الحكم و الملك ، فنقول:إنّ الحقّ عبارة عن حكم تكليفي أو وضعي يتعلّق دائماً بفعل الإنسان ، و هو قابل للإسقاط ، و أمره بيد المكلّف.و عليه:فكلّ حكم تكليفي أو وضعي قابل للإسقاط باختيار المكلّف فهو حقّ ، و كلّ حكم لا يقبل الإسقاط من جانب المكلّف ليس بحقّ.

و من الفرق بينهما:أنّ الحكم قد يتعلّق بالأعيان و الأشياء الخارجية ، كالطهارة و النجاسة و ملكية الأعيان.و اخرى بالمنافع ، كملكية المنافع في الإجارات.و قد تتعلّق بالأفعال ، كالأحكام التكليفية الخمسة.و أمّا الحقّ فيتعلّق دائماً بفعل من له الحقّ و إن كان حكماً في الحقيقة.

و على أيّ حال:فالفارق الأصلي بين الحقّ و الحكم ، أنّ الحقّ متعلّق بالفعل دائماً و قابل للإسقاط ، دون سائر الأحكام.

و اتّضح بهذا البيان الفرق بين الملك و بين الحقّ ؛ فإنّ الملك يتعلّق بالمنافع و الأعيان أيضاً ، دون الحقّ ؛ لاختصاص تعلّقه بالفعل.

ثمّ إنّ ما ينتقل إلى الورثة في موارد الإرث هو الأموال-من الأعيان الخارجية و المنافع-دون الملكية ؛ لأنّها أمر اعتباري محض ، و كذلك الحقّ ؛ لعدم كونه من الأعيان و المنافع ،بل هو اعتبار محض من الشارع أو العقلاء ؛ فهو كالملكية لا يقبل الانتقال.

ص: 59

و تبيّن بهذا البيان عدم كون الحقّ نفسه من الأفعال الخارجية التكوينية ،بل هو اعتبار يتعلّق بالأفعال دائماً.و يتّضح بذلك وجه عدم كون القبول حقّاً ؛ لأنّه في الحقيقة فعلٌ صادرٌ من الموصى له ، كإنشاء الموصي.فهو كسائر الأفعال المباحة- كالقيام و الجلوس-محكوم بالجواز الحكمي ، و لا يكون من الحقوق.هذا غاية تقريب ما قيل في ردّ هذا الاستدلال.

و لكن يمكن أن يقال:إنّه ليس المقصود انتقال نفس القبول إلى الورثة لكي يستشكل بذلك ،بل المقصود:أنّه حدث بإنشاء الوصيّة من الموصي حقٌّ للموصى له ، فله أن يقبلها دون غيره.و لذا لو قبِل غيره لا أثر لقبوله.فهذا حقّ يختصّ بالموصى له ، و هو غير القبول نفسه ، و أنّه الذي ينتقل إلى الورثة دون القبول.فلا يرد إشكال من هذه الناحية.

و قد يشكل:بأنّ ثبوت الحقّ لا بدّ أن يكون إمّا بجعل الشارع-كحقّ الشفعة و التحجير-أو باعتبار العقلاء و إمضاء الشارع-كالخيار في العقود-و ليس حقّ القبول من قبيل شيء من ذلك.

و فيه:أنّ حقّ القبول يوجد بنفس إنشاء الوصيّة من الموصي ، و هذا حقّ ثابت للموصى له عند العقلاء ، و قد أمضاه الشارع بأدلّة نفوذ الوصيّة.

و أمّا الإشكال بأنّه ليس من الأعيان و لا من المنافع لينتقل إلى الورثة ،بل هو اعتبار محض ، ففيه:أنّه أيّ فرق بين حقّ الخيار و حقّ القبول ؟! و هل يكون حقّ الخيار إلّا سلطة مَن له الخيار على كلّ واحدٍ من نقض العقد و إبرامه ؟! فكذلك حقّ القبول ليس إلّا سلطة القابل على إبرام العقد بالقبول أو نقضه بالردّ أو بنفس الامتناع من إظهار القبول و لو بالسكوت ، لو اعتبرنا صدور ما يدلّ على القبول.

فأيّ فرق بين حقّ الخيار و حقّ القبول ؟! فإنّ شيئاً منهما ليس من الأعيان

ص: 60

و لا من المنافع ، و هذا واضح ،بل كلاهما أمران اعتباريان ، فلا فرق بينهما من هذه الجهة.

و أمّا الإشكال بأنّ الحقّ يعتبر فيه القابلية للإسقاط ، و ليس حقّ القبول من قبيل ذلك.

ففيه:أنّ حقّ القبول أيضاً يسقط في المقام برجوع الموصي عن وصيّته ، و معنى سقوط حقّ القبول برجوع الموصي:أنّه ينتفي بذلك أثر قبوله ؛ فلا يترتّب عليه شيء من آثار الوصيّة و الملكية.

فالحاصل:أنّه لا يرد على هذا الدليل شيء من الإشكالات المزبورة ، فهو تامّ لا نقاش فيه.

و لا يخفى:أنّ مقتضى القاعدة الأوّلية و إن كان هو عدم قيام الوارث مقام الموصى له-كما أشرنا إليه قبل الخوض في الاستدلال-إلّا أنّ حقّ القبول لمّا كان قابلاً للإسقاط و الانتقال-كما قلنا في دفع الإشكال عن الاستدلال المزبور-فلذا يكون قيام الوارث مقام الموصى له مقتضى القاعدة ،بلا حاجة إلى أدلّة تنزيل النائب و الوكيل و الوليّ منزلة المنوب عنه و الموكّل و المولّى عليه.

الوجه الثاني:ما ذكره بعضٌ ؛ من أنّ مقتضى إطلاقات أدلّة الوصيّة نفوذها مطلقاً ؛ سواءٌ تعقّبها القبول أم لا.و إنّما قُيّد هذا الإطلاق بدليل اعتبار القبول من إجماع أو غيره.و حيث إنّ الإجماع دليل لبّي يؤخذ بالقدر المتيقّن منه ؛ و هو القبول في الجملة الشامل لقبول الموصى له و قبول وارثه.و عليه:فيحكم بمقتضى الإطلاقات بصحّة الوصيّة إذا قَبِلها وارث الموصى له بعد موته.

و فيه أوّلاً:أنّ مقتضى لبّية دليلية الإجماع هو الاكتفاء بقبول الموصى له نفسه و عدم جواز التعميم إلى قبول الوارث.

ص: 61

و ثانياً:بناءً على كون الوصيّة عقداً يكون دليل اعتبار القبول مقتضى ذات العقد ، حيث لا يُعقد بين الالتزامين بدون القبول.و إنّما ينوط تحقّق هذا الملاك بقبول الموصى له نفسه لأنّه الذي انشئ له.

و ثالثاً:مع غضّ النظر عن الإشكالين المزبورين ، إنّما يتمّ هذا الاستدلال على تقدير كون موت الموصى له بعد موت الموصي و كون القبول كاشفاً ؛ نظراً إلى معقولية قيام الوارث مقام الموصى له حينئذٍ ، حيث يكشف عن نفوذ الوصيّة من حين حياة الموصى له ؛ فيُقال:إنّ الإجماع قام على اعتبار القبول في الجملة و لو بقبول الوارث القائم مقام الموصى له.

و أمّا بناءً على النقل فمعناه:نفوذ الوصيّة من حين القبول-أي:بعد موت الموصى له-و عدم نفوذ الوصيّة و لا ترتُّب أثرٍ عليه من زمان وجود الموصى له ؛ فلا ربط حينئذٍ للوصيّة بالموصى له.و لم تنفذ في زمانه لحظةً لكي يكون الوارث قائماً مقامه.

و كذا لو مات الموصى له حال حياة الموصي ، حيث لا نفوذ للوصيّة قبل موت الموصي ، و لم يتحقّق موضوع الوصيّة لكي يقوم الوارث مقام الموصى له ، و إن يرد الإشكال على هذا الوجه الأخير بأنّه بعد ثبوت حقّ القبول للموصى له حال حياة الموصى له فلِمَ لا ينتقل إلى وارثه ؟

و على أيّ حال:لا يصلح هذا الدليل لإثبات المطلوب كما قلناه.

الوجه الثالث:نصوص دلّت على قيام الوارث مقام الموصى له في القبول بعد موته مطلقاً.و هذا هو المدرك الأصلي لرأي المشهور في المقام.

فمن تلك النصوص صحيحة محمّد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال:«قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجل أوصى لآخر و الموصى له غائب فتوفّي الموصى له

ص: 62

-الذي اوصي له-قبل الموصي ، قال عليه السلام:الوصيّة لوارث الذي اوصي له.

قال عليه السلام:و من أوصى لأحدٍ-شاهداً كان أو غائباً-فتُوفّي الموصى له قبل الموصي فالوصيّة لوارث الذي أوصى له ، إلّا أن يرجع في وصيّته قبل موته»(1).

و لا يخفى:أنّ اشتراك محمّد بن قيس بين الثقة و الضعيف اسماً لا يمنع من الحكم بصحّتها ؛ نظراً إلى أنّ الذي له كتاب قضايا أمير المؤمنين و يروي عنه عاصم بن حميد ، هو محمّد بن قيس الثقة.

و يؤيّدها صحيحة العبّاس بن عامر قال:سألته عن رجل اوصي له بوصية ، فمات قبل أن يقبضها و لم يترك عقباً ؟ قال عليه السلام:«اُطلب له وارثاً أو مولى فادفعها إليه» ، قلت:فإن لم أعلم له وليّاً ؟ قال:«اجهد على أن تقدر له على وليّ ، فإن لم تجد و علم اللّه منك الجدّ فتصدّق بها»(2).

نوقش في سند هذه الرواية:بأنّ في «الكافي» و إن رواها العبّاس بن عامر عن الإمام بلا واسطة-و لو مضمرةً-إلّا أنّ في طريق الصدوق و الشيخ رواها العبّاس بن عامر عن المثنّى عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، و حيث إنّ المثنّى الواقع في طريقها مجهول فلا مجال للحكم بصحّة هذه الرواية.

و جوابه واضح ، حيث إنّ المثنّى على فرض تردّده مردّدٌ بين المثنّى بن عبد السلام ، و بين المثنّى بن الوليد ، و كلاهما ثقة على ما ذكره الكليني.مع أنّ الظاهر:أنّه المثنّى بن عبد السلام ، كما صرّح به العيّاشي في تفسيره ؛ فلا يرد هذا النقاش.

و أمّا وجه كون هذه الرواية مؤيّدة ، احتمال كون المراد من «القبض» هو

********

(1) -وسائل الشيعة 333:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 30 ، الحديث 1.

(2) -وسائل الشيعة 334:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 30 ، الحديث 2.

ص: 63

القبض الخارجي ، كما هو الظاهر من لفظه ، و ذلك يكون عادةً فيما إذا كان موت الموصى له بعد موت الموصي و بعد القبول ، و إلّا لا تصل النوبة إلى القبض ، و عليه:

فتخرج هذه الصحيحة عن محلّ الكلام.

و يحتمل كون المقصود من «القبض» هو القبول ؛ إذ القبول عادة يكون حسب المتعارف بنفس القبض ، و هو أعمّ من كونه قبل موت الموصي و بعده ؛ فلذا يدلّ على المطلوب.

و لكنّ الظاهر من لفظ «القبض» هو الأوّل لأنّه المتبادر من لفظه.و أمّا الاكتفاء به عن القبول في الخارج لا يوجب ظهور لفظه في القبول ؛ لأنّ ظهور اللفظ في المعنى تابع لغلبة الاستعمال.

و عليه:فلا تصلح هذه الصحيحة ؛ حتّى للتأييد.

منها:رواية محمّد بن عمر الباهلي (الساباطي) قال:سألت أبا جعفر عن رجل أوصى إليّ و أمرني أن اعطي عمّاً له في كلّ سنة شيئاً ، فمات العمّ ؟ فكتب عليه السلام:

«أعط ورثته»(1).

و لكنّها ضعيفة سنداً ؛ لأنّ محمّد بن عمر إن كان هو الباهلي فلم يُعرف له وجود في الرجال ، و إن كان هو الساباطي فلم يوثّق.

و أمّا دلالةً:فإنّ موردها هو الوصيّة العهدية ، و لا كلام في عدم اعتبار القبول فيه و خارج عن محلّ البحث.و إنّما الكلام في التمليكية.

و عليه:فعمدة دليل المشهور من بين النصوص هي صحيحة محمّد بن قيس ، إلّا أنّ بإزائها صحيحتين قد يقال بمعارضتهما لها:

********

(1) -وسائل الشيعة 334:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 30 ، الحديث 3.

ص: 64

إحداهما:صحيحة محمّد بن مسلم و أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:سئل عن رجل أوصى لرجل ، فمات الموصى له قبل الموصي ؟ قال عليه السلام:«ليس بشيء»(1).

ثانيتهما:صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:سألته عن رجل أوصى لرجل بوصيّة إن حدث به حدث ، فمات الموصى له قبل الموصي ؟ قال عليه السلام:

«ليس بشيء»(2).

و لا يخفى:أنّ معارضة هاتين الصحيحتين تبتني على رجوع الضمير في قوله:«ليس بشيء» إلى الوصيّة ؛ فالمعنى حينئذٍ:أنّ الوصيّة لا اعتبار بها شرعاً.

و أمّا بناءً على رجوعه إلى الحدث الحادث-و هو الموت-فالمعنى:أنّ موته لا يضرّ بالوصيّة شيئاً ،بل هي باقية على صحّتها بعد موت الموصى له.و هذا هو الأظهر ؛ لأنّ السؤال عن تأثير الموت الحادث في بطلان الوصيّة.و أيضاً لفظ «الحدث» هو الأقرب في الكلام من الوصيّة إلى قوله:«ليس بشيء»، هذا.

مضافاً إلى أنّ المرجع لو كان هو «الوصيّة» لا بدّ من تأنيث الضمير بقوله:

«ليست بشيء».و عليه:فرجوع الضمير في كلتا الصحيحتين إلى الحدث-و هو الموت-هو الظاهر.

و على فرض التعارض لا إشكال أيضاً في تقديم صحيحة محمّد بن قيس ؛ نظراً إلى مخالفة مضمونها لما هو المعروف بين العامّة من بطلان الوصيّة حينئذٍ ؛ و لذا تحمل الصحيحتان-على فرض رجوع الضمير إلى الوصيّة-على التقيّة.

و قد اتّضح بذلك:أنّ مقتضى القاعدة و ظاهر النصوص المعتبرة ، هو رأي المشهور في المقام.و اتّضح أيضاً:أنّه لا تصل النوبة إلى الجمع بين

********

(1) -وسائل الشيعة 335:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 30 ، الحديث 4.

(2) -وسائل الشيعة 335:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 30 ، الحديث 5.

ص: 65

هاتين الطائفتين من النصوص ، كما هو واضح.

و أمّا سائر التفاصيل فلا دليل عليها و لا شاهد لها من النصوص ، حيث أنّ البطلان مطلقاً لا يمكن المصير إليه بعد قيام الدليل على الصحّة.

و أمّا بطلانها لو مات الموصى له حال حياة الموصي فلا دليل عليه ،بل الأدلّة المزبورة دليل على خلافه.

نعم ،بطلانها لو كان غرض الموصي هو التمليك لخصوص الموصى له على وجه الاختصاص و التقييد-بحيث ينفي ورثته-قد يُقوّى بدعوى انصراف النصوص عن هذه الصورة ،بل خروجها عن محلّ النزاع.

و لكنّه مشكل ؛ نظراً إلى أنّ ذلك مقتضى نفوذ الوصيّة فيما إذا كان موت الموصى له بعد موت الموصي ؛ و لا سيّما على القول بعدم اعتبار القبول.

نعم ، قد يشكل فيما لو مات قبل موت الموصي في هذا الفرض ؛ نظراً إلى عدم تحقّق ملك للموصى له قبل موت الموصي ،بل لا نفوذ للوصيّة حينئذٍ لينتقل إلى وارثه.

و فيه:أنّ حقّ القبول ثابت للموصى له عرفاً و شرعاً بمجرّد إنشاء الوصيّة.

و الذي ينتقل إلى الموصى له هو هذا الحقّ ، لا المِلك لكي يرد الإشكال المزبور.

و أمّا إذا شرط ذلك ضمن التمليك ، فإنّ هذا الشرط-على فرض موافقته للكتاب و السنّة-لا تعهّد للموصى له به ،بل هو من جانب الموصي فقط ، و إنّما يجب الوفاء بالشرط بعد الالتزام به ، و الفرض عدم صدور القبول منه بالنسبة إلى أصل الوصيّة ليلتزم بلوازمه.

هذا كلّه بناءً على كون الوصيّة عقداً يحتاج إلى قبول.و أمّا بناءً على كونه إيقاعاً فلا اعتبار لأصل القبول حتّى تصل النوبة إلى هذا البحث.

ص: 66

(مسألة 10):الظاهر أنّ الوارث يتلقّى المال من الموصي ابتداءً ، لا أنّه ينتقل إلى الموصى له أوّلاً ، ثمّ إلى وارثه(1)

و على أيّ حال:فالأمر بعد إطلاق النصوص الصحيحة ،بل صريح بعضها في صحّة الوصيّة ؛ حتّى لو مات الموصى له قبل القبول حال حياة الموصي-مثل صحيح محمّد بن قيس-فالأمر سهل.

وارث الموصى له يتلقّى المال من الموصي

اشارة

1-وقع الكلام في أنّ وارث الموصى له هل يتلقّى المال الموصى به من الموصي ابتداءً بلا انتقال إلى الموصى له الميّت ، أو يتلقّاه من الموصى له ،بمعنى أنّ المال الموصى به ينتقل أوّلاً إلى ملك الموصى له ، ثمّ ينتقل إلى ملك وارثه بالقبول ؟ وجوه بل أقوال:

الأوّل:ما يظهر من بعض الفقهاء أنّ وارث الموصى له يتلقّى المال من الموصي ابتداءً.كما صرّح به العلّامة في «القواعد» حيث قال:و لو مات قبل القبول قام وارثه مقامه في مقام الوصيّة ، و لا يدخل في ملك الميّت(1).

و قد أشكل في «جامع المقاصد»(2) على إطلاق كلام العلّامة بما إذا كان قبول الموصى له بعد موت الموصي و قلنا بكونه كاشفاً و انتقال الملك إلى الموصى له حال حياته بمجرّد موت الموصي ، حيث لا إشكال أنّ الوارث يتلقّى المال حينئذٍ من الموصى له.

********

(1) -قواعد الأحكام 444:2.

(2) -جامع المقاصد 16:10.

ص: 67

و من هنا وجّه في «مفتاح الكرامة» قول العلّامة-فراراً عن الإشكال المزبور بأنّه أراد ما إذا مات الموصى له في حياة الموصي ، حيث قال في ذيل كلام العلّامة-المنقول آنفاً:جزمُه بعدم دخوله في ملك الميّت يقضي بأنّه فَرَض المسألة في موت الموصى له في حياة الموصي ؛ لأنّ الوارث إن قَبِل بعد موت الموصي و قلنا:إنّ القبول كاشف-كما اختاره المصنّف-دخلت الوصيّة في ملك الميّت عنده(1).

و على أيّ حال:فظاهر كلام العلّامة هو تلقّي وارث الموصى له المال من الموصي مطلقاً.و هذا أحد الأقوال في المسألة.و قد أفتى به صاحب «العروة».و إليه ذهب السيّد الماتن قدس سره.

الثاني:ما يظهر من صاحب «الحدائق»-بل ظاهره:أنّه مورد اتّفاق الأصحاب من أنّ وارث الموصى له يتلقّى المال منه لا من الموصي ، حيث قال قدس سره:

و الوارث إنّما تلقّى الملك عن مورِّثه لا من حيث قبوله خاصّة.و مقتضى ما ذكروه من أنّ الموصى له لو مات قبل القبول أنّه لم يحصل له الملك ، و الملك إنّما حصل لوارثه من حيث قبوله ، فيكون الوارث قد مَلِك شيئاً لم يملكه مورّثُه ، و هذا خلف ظاهر ؛ فإنّ الوارث بالاتّفاق إنّما تلقّى المال من مورّثه ، فكيف يملك هنا شيئاً لم يملكه مورِّثه(2) ؟!

الثالث:ما يظهر من «جامع المقاصد» و«مفتاح الكرامة» ،بل نسبه في«مفتاح الكرامة» إلى ظاهر كلام العلّامة ، و اختاره السيّد الخوئي قدس سره.

********

(1) -مفتاح الكرامة 374:9/السطر 19.

(2) -الحدائق الناضرة 402:22.

ص: 68

و هو التفصيل بينما لو مات الموصى له حال حياة الموصي ، و بينما لو مات بعد موته.

فعلى الأوّل:يتلقّى وارث الموصى له المال من الموصي مباشرةً ، من دون وساطة الموصى له ، حيث لا نفوذ للوصيّة و لا انتقال ملكٍ قبل موت الموصي.

و أمّا على الثاني:فعلى فرض عدم اعتبار القبول لا إشكال في أنّ الوارث يتلقّى المال من الموصى له ، حيث لم يصدر منه ردٌّ ليمنع عن نفوذ الوصيّة في حقّه.

و أمّا بناءً على اعتبار القبول فعلى القول بالكشف فأيضاً يتلقّى الوارث المال من الموصى له ؛ لما قلناه في بيان كلام «جامع المقاصد» و«مفتاح الكرامة».و أمّا بناءً على النقل فيتلقّى الوارث المال من الموصي ابتداءً ؛ نظراً إلى عدم انتقال المال إلى الموصى له لكي يتلقّى منه الوارث.

و مقتضى التحقيق في المقام:

ما ذهب إليه السيّد الماتن قدس سره و لكنّه مبنيٌّ على ما ذهب إليه ؛ من كون القبول جزء السبب لانتقال الملك إلى الموصى له.و عليه:

فوارث الموصى له يتلقّى المال من الموصي ابتداءً مطلقاً ؛ سواءٌ مات حال حياة الموصي أو بعد موته.

أمّا لو مات حال حياته فواضح ؛ لما سبق آنفاً.و أمّا لو مات بعد ممات الموصي فلأنّ المفروض موت الموصى له قبل القبول-الذي يتوقّف عليه انتقال الملك إلى الموصى له-فلم ينتقل المال إلى ملكه في آنٍ لينتقل منه إلى وارثه ، هذا.

و لكن يظهر من صاحب «الحدائق»بطلان الوصيّة حينئذٍ رأساً ، حيث قال:

ثمّ إنّه أيّ حقّ للموصى له لو مات قبل القبول ليرثه وارثه ؟! فإنّه إذا كان القبول عندهم شرطاً في صحّة الملك أو جزء السبب-و لم يحصل-فإنّه لا يحصل الملك ،

ص: 69

و إن كانت القسمة بين الورثة-مع التعدّد-على حسب قسمة المواريث(1)، فعلى هذا لا يخرج من الموصى به ديون الموصى له ، و لا تنفذ فيه وصاياه(2).

و بموجبه تبطل الوصيّة ؛ فليس هنا شيء يرثه الوارث بالكلّية(1).

و لكنّه غير وجيه ؛ نظراً إلى أنّ الوصيّة من الإيقاعات ، و أنّ الإيقاع لا يتوقّف على القبول.و قد سبق بيان ذلك في تحرير ما ذهب إليه السيّد الماتن ؛ من كون قبول الموصى له جزء السبب لانتقال الملك إليه ، من دون دخل له في أصل صحّة الوصيّة.

1-هنا إشكال ، حاصله:أنّه إذا لم تتلقّى ورثة الموصى له المال من مورّثه لا بدّ أن تكون قسمة المال الموصى به بينهم بالسوية ، حيث لا يكون إرثاً حينئذٍ ، لينقسم بينهم طبق قانون الإرث.و الحال:أنّ الفقهاء اتّفقوا على قسمته بينهم على حسب سهام الإرث.

و الجواب:أنّ حقّ القبول لمّا كان مختصّاً بالموصى له و انتقال المال الموصى له إلى الورثة كان من آثار حقّ القبول ، فيكون في حكم الإرث.مضافاً إلى أنّ التعبير بالوارث في نصوص المقام ظاهر في ترتّب أحكام الإرث.

2-و ممّا يتفرّع على تلقّي الوارث المال من الموصي:أنّه لا يجوز إخراج ديون الموصى له من المال الموصى به ، و لا تنفذ وصاياه ؛ نظراً إلى عدم دخول المال حينئذٍ في ملك الموصى به ، و إنّما يجوز إخراج ديون الميّت و إنفاذ وصاياه من ملكه.

********

(1) -الحدائق الناضرة 402:22.

ص: 70

(مسألة 11):إذا قبل بعض الورثة و ردّ بعضهم ، صحّت الوصيّة فيمن قَبِل ، و بطلت فيمن ردّ بالنسبة(1).

1-قال في «العروة»:إذا قبِل بعض الورثة و ردّ بعضهم ، فهل تبطل أو تصحّ و يرث الرادُّ أيضاً مقدار حصّته ، أو تصحّ بمقدار حصّة القابل فقط ، أو تصحّ و تمامه للقابل ، أو التفصيل بين كون موته قبل موت الموصي فتبطل أو قبله فتصحّ بالنسبة إلى مقدار حصّة القابل ؟ وجوهٌ(1).

و الأقوى في المقام ما ذهب إليه السيّد الماتن قدس سره.و الوجه في ذلك انحلال الوصيّة في قوله عليه السلام:«الوصيّة لوارث الذي اوصي له»(2) في صحيحة محمّد بن قيس بحسب آحاد الورثة في فرض المقام ؛ نظراً إلى أنّ المقصود من الوارث في كلام الإمام هو طبيعي الوارث المنحلّ إلى أفراده.و عليه:فلكلّ واحدٍ من الورثة أن يقبل الوصيّة بالنسبة إلى حصّته ، كما له ردّه.

و عليه:فلا وجه لكون تمام المال للقابل ، حيث إنّه لا حقّ له بالنسبة إلى سهم سائر الورثة.

كما لا وجه للقول ببطلان الوصيّة رأساً ؛ بأنّه بعد انحلال الوصيّة إلى آحاد الورثة لا وجه للالتزام ببطلانها في سهم القابل لأجل ردّ بعض الورثة؛ فإنّ المانع عن نفوذ الوصيّة إنّما هو ثابت بالنسبة إلى سهم الوارث الذي ردّ الوصيّة، دون الذي قبلها.

و أمّا احتمال إرث جميع الورثة-حتّى الرادّ-فلا يمكن الالتزام به ؛ نظراً إلى أنّ القبول جزء السبب تملّك المال الموصى به، و هو غير حاصل في الوارث الذي ردّها.

********

(1) -العروة الوثقى 663:5.

(2) -وسائل الشيعة 333:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 30 ، الحديث 1.

ص: 71

(مسألة 12):يعتبر في الموصي:البلوغ و العقل و الاختيار و الرشد ، فلا تصحّ وصيّة الصبيّ.نعم الأقوى صحّة وصيّة البالغ عشراً إذا كانت في البرّ و المعروف ، كبناء المساجد و القناطر و وجوه الخيرات و المبرّات(1).

نعم ، يمكن القول بصحّة الوصيّة مطلقاً ؛ لعدم كون القبول شرطاً في صحّة الوصيّة حسب ما بنى عليه السيّد الماتن قدس سره.

و أمّا التفصيل بين موت الموصى له حال حياة الموصي ، و بين موته بعد ممات الموصي ، فقد سبق ردّه في المسألة السابقة.

فالحقّ في المقام:تفصيل السيّد الماتن قدس سره.

و لكن مقتضى ما ذهب إليه-من كون القبول جزء السبب للتملّك ، و عدم اشتراطه في أصل صحّة الوصيّة ؛ نظراً إلى كونها إيقاعاً غير متوقّف على القبول- كون هذا التفصيل في تملّك الورثة لا في أصل صحّة الوصيّة.فكان ينبغي أن يقول:

ينتقل المال الموصى به إلى من قَبِل الوصيّة بقدر سهمه ، دون الذي ردّها.

ما يعتبر في الموصي

1-ذهب عدّة من الفقهاء إلى اعتبار البلوغ في نفوذ الوصيّة ؛ فقالوا بعدم نفوذ وصيّة غير البالغ و إن كان مميّزاً بلغ عشراً ،بلا فرق بين كون وصيّته في وجوه المعروف و بين غيره.

و قد نسب هذا القول في «مفتاح الكرامة»(1) إلى «السرائر» و«التحرير» و«الإيضاح» و«شرح الإرشاد» و«التبصرة» و«المسالك» و«الروضة».

********

(1) -مفتاح الكرامة 388:9/السطر 11.

ص: 72

و في «المختلف» و«المهذّب البارع» و«جامع المقاصد»:أنّه الأحوط.

و لكن ذهب كثير من الفقهاء إلى جواز وصيّة البالغ عشراً في المعروف ، و نسبه في «الشرائع» إلى الأشهر ، هذا بحسب الأقوال.

و الأقوى:ما نُسب إلى الأشهر ؛ من كفاية البلوغ عشراً في جواز وصيّة الصبيّ في وجوه المعروف.

و الدليل على ذلك نصوص كثيرة:

منها:معتبرة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال:

«إذا بلغ الغلام عشر سنين جازت وصيّته»(1).

منها:معتبرة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال:«إذا أتى على الغلام عشر سنين فإنّه يجوز له في ماله ما أعتق أو تصدّق أو أوصى على حدٍّ معروف و حقّ فهو جائز»(2).

منها:معتبرة اخرى عن عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«إذا بلغ الصبيّ خمسة أشبار اكلت ذبيحته ، و إذا بلغ عشر سنين جازت وصيّته»(3).

منها:معتبرة أبي أيّوب عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الغلام ابن عشر سنين يوصي ؟ قال عليه السلام:«إذا أصاب موضع الوصيّة جازت»(4).

منها:معتبرة منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:سألته عن وصيّة الغلام

********

(1) -وسائل الشيعة 362:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 44 ، الحديث 3.

(2) -وسائل الشيعة 362:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 44 ، الحديث 4.

(3) -وسائل الشيعة 362:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 44 ، الحديث 5.

(4) -وسائل الشيعة 363:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 44 ، الحديث 6.

ص: 73

هل تجوز ؟ قال:«إذا كان ابن عشر سنين جازت وصيّته»(1).

إلى غير ذلك من النصوص المعتبرة البالغة حدّ الاستفاضة ، و هي دلّت صريحاً على نفوذ وصيّة الصبيّ إذا بلغ عشر سنين.

و قد ورد في المقام بعض النصوص دلّ بظاهره على اعتبار العقل في جواز وصيّة الصبيّ ، مثل معتبرة جميل بن درّاج عن أحدهما عليهما السلام قال:«يجوز طلاق الغلام إذا كان قد عقل و صدقتُه و وصيّته و إن لم يحتلم»(2).

قد يقال بمعارضتها لما دلّ من النصوص على اعتبار البلوغ عشراً ، فلا مناص حينئذٍ من العمل بكلا الشرطين بمقتضى القاعدة.

و رُدّ ذلك:بأنّ اعتبار العقل في نفوذ الوصيّة أمر مسلّم ؛ حتّى في البالغ ، فضلاً عن الصبيّ الذي لم يبلغ الحُلُم.فلا يكون المقام من تنافي الشرطين و معارضتهما.

نعم ، هذه المعتبرة مطلقة من جهة شمولها لغير البالغ عشراً ، فدلّت على بلوغه لمجرّد وجود العقل و التمييز فيه.و مقتضى القاعدة حينئذٍ تقييد إطلاقها بما دلّ على اعتبار البلوغ عشراً ؛ فيحكم بعدم نفوذ وصيّة الصبيّ المميّز العاقل ما دام لم يبلغ عشراً.

ثمّ إنّ في المقام ورد بعض النصوص ، قد يُستفاد معارضته لنصوص المقام ، فلا بدّ من البحث عنه لتتّضح حقيقة الحال:

منها:ما دلّ على نفوذ وصيّة الصبيّ إذا بلغ ثماني سنين ، و هو ما رواه الشيخ بإسناده عن علي بن الحسن بن الفضّال عن العبدي عن الحسن بن راشد عن العسكري عليه السلام قال:«إذا بلغ الغلام ثماني سنين فجائز أمره في ماله ، و قد وجب

********

(1) -وسائل الشيعة 363:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 44 ، الحديث 7.

(2) -وسائل الشيعة 212:19 ، كتاب الوقوف و الصدقات ، الباب 15 ، الحديث 2.

ص: 74

عليه الفرائض و الحدود ، و إذا تمّ للجارية سبع سنين فكذلك»(1).

هذه الرواية بإطلاقها تعارض سائر نصوص المقام الدالّة على نفوذ وصيّة الصبيّ البالغ عشر سنين-كما هو واضح-حيث تشمل الوصيّة بإطلاقها ، و بمنطوقها تعارض مفهوم نصوص المقام الدالّ على عدم جواز وصيّة الصبيّ ما لم يبلغ عشراً.

و لكنّها لا تصلح للمعارضة ؛ و ذلك أوّلاً:لوقوع العبدي في سندها ، و هو مجهول لم يُذكر اسمه في الرجال.

نعم ، يحتمل كون الصحيح هو العبيدي-الذي هو محمّد بن عيسى بن عبيد- بقرينة رواية علي بن الحسن بن الفضّال عنه و روايته عن الحسن بن راشد كثيراً.

و عليه:فتكون الرواية معتبرة ؛ لوثاقة العبيدي ، كما بحثنا عن حاله في بعض مباحثنا السابقة(2).إلّا أنّ الموجود في جميع النسخ الموجودة هو العبدي لا العبيدي ، فهي ضعيفة سنداً.

و ثانياً:مع غضّ النظر عن ضعف سندها لا تصلح للمعارضة أيضاً ؛ لأنّ مدلولها المطابقي هو نفوذ جميع تصرّفات الصبيّ و نفوذ أمره مطلقاً ، و هي بهذا المضمون تخالف جميع ما دلّ من النصوص المتواترة على رفع القلم عن الصبيّ و كونه محجوراً عليه ؛ فلا مناص من طرح هذه الصحيحة و رفع اليد عنها.

منها:صحيحة أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«إنّه إذا بلغ الغلام عشر سنين و أوصى بثلث ماله في حقٍّ جازت وصيّته ، و إذا كان ابن سبع سنين فأوصى من

********

(1) -وسائل الشيعة 212:19 ، كتاب الوقوف و الصدقات ، الباب 15 ، الحديث 4.

(2) -دليل تحرير الوسيلة ، كتاب إحياء الموات:237.

ص: 75

ماله باليسير في حقٍّ جازت وصيّته»(1).

فقد يُتوهّم:أنّها تنافي سائر نصوص المقام الدالّة على جواز وصيّة الصبيّ البالغ عشراً ، حيث تضمّنت التفصيل بين الغلام البالغ عشر سنين فتنفذ وصيّته في ثلث ماله إذا كان في حقّ ، و بين البالغ سبع سنين فتنفذ وصيّته في اليسير من ماله.

و لكنّه في غير محلّه ؛ لأنّ الوصيّة في الزائد عن الثلث أو في غير الحقّ ؛ بمعنى الباطل-غير المشروع-لا تنفذ حتّى من البالغ.

و عليه:فالنصوص الدالّة على وصيّة البالغ عشراً لم تدلّ على غير ما دلّت عليه هذه الصحيحة في الصبيّ البالغ عشراً.و أمّا في البالغ سبع سنين فمدلولها خارج عن نطاق تلك النصوص ، من دون منافاة بينهما.

و حينئذٍ:فإن لم يكن إجماع على خلاف مضمونها فيؤخذ به ، و إلّا فلو قام الإجماع على خلافه فلا مناص من رفع اليد عنها و ردّ علمها إلى أهله.

منها:صحيحة محمّد بن مسلم قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول:«إنّ الغلام إذا حضره الموت فأوصى و لم يدرك جازت وصيّته لذوي الأرحام و لم تجز للغرباء»(2).

فإنّ التفصيل المدلول عليه في هذه الصحيحة ينافي إطلاق النصوص الدالّة على نفوذ وصيّة البالغ عشراً ، فحينئذٍ نقول:إن تمّ إجماع على نفي هذا التفصيل فلا مناص من طرح هذه الصحيحة ، و إلّا فإن لم يكن إجماع على نفيه تقع المعارضة ، كما يظهر ممّا نقله في «مفتاح الكرامة»(3) عن «التذكرة» من قول بعض

********

(1) -وسائل الشيعة 361:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 44 ، الحديث 2.

(2) -وسائل الشيعة 360:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 44 ، الحديث 1.

(3) -مفتاح الكرامة 389:9/السطر 26.

ص: 76

و كذا لا تصحّ وصيّة المجنون(1)

بهذا التفصيل ، و أنّه ظاهر الصدوق حيث نقل هذه الرواية هنا في مقام الإفتاء ، و ظاهره كون رأيه على وفق مضمونها.

و عليه:فدعوى الإجماع على خلاف هذا التفصيل مشكلة.

و بناءً على ذلك:فلا بدّ من العمل بمقتضى الصناعة ؛ و هو تقييد إطلاق النصوص الدالّة على نفوذ وصيّة الصبيّ البالغ عشراً بما إذا كانت وصيّته لذوي الأرحام.

بيان ذلك:أنّ النسبة بين مدلولها و مدلول نصوص المقام هي العموم و الخصوص من وجه ؛ لافتراقهما في وصيّة البالغ عشراً لغير ذوي الأرحام و وصيّة غير البالغ عشراً في ذوي الأرحام ؛ فتسقط الطائفتان فيهما ، حيث تقتضي الاُولى فساد الوصيّة في الثاني دون الأوّل ، و تقتضي الثانية عكس ذلك.

و أمّا في مورد الاجتماع-و هو وصيّة البالغ عشراً لذوي الأرحام-فيؤخذ بمدلول كلتيهما و يُحكم بنفوذ وصيّته ؛ نظراً إلى توفّر كلا القيدين و دلالتهما معاً على نفوذ الوصيّة حينئذٍ.فالأقوى في المقام:جواز وصيّة الصبيّ البالغ عشراً في خصوص ذوي الأرحام ، دون الغرباء.

1-لا إشكال و لا خلاف في اعتبار العقل في صحّة الوصيّة و نفوذها ، فلا تصحّ وصيّة المجنون لرفع القلم عنه و سلب عبارته عن أيّ أثر عقلائي أو شرعي ، فلا يشمله أدلّة الوصيّة من الكتاب و السنّة.

ثمّ إنّ العقل يعتبر في صحّة الوصيّة حدوثاً ؛ بمعنى اعتباره في الموصي حين إنشاء الوصيّة.و أمّا في استمرار صحّه الوصيّة و دوام نفوذها فلا دليل على اعتبار

ص: 77

و لو أدواريّاً في دور جنونه ، و لا السكران(1) و لا المكره(2)

دوام العقل في الموصي ؛ و لذا لا تبطل الوصيّة بعروض الجنون أو الإغماء بعد وجود العقل حين إنشائها.

1-قد يقال:إنّه مقيّد بما إذا بلغ حدّ زوال العقل و سلب الإدراك و الشعور ؛ نظراً إلى إلحاقه حينئذٍ إلى المجنون ، و إلّا فلا دليل على بطلان وصيّته ؛ لانحصار دليل البطلان في إلحاقه بالمجنون.

و فيه:أنّ السكران بعنوانه سلب عبارته-قبال الجنون-في لسان الأدلّة.مثل ما دلّ على بطلان عتقه و طلاقه ، كصحيح الحلبي عن الصادق عليه السلام قال:سألته عن طلاق السكران؟ فقال:«لا يجوز، و لا عتقه»(1) ، و كذا غيره من النصوص المعتبرة(2).

و الوجه فيه:ظهور عنوان الحكم الوارد في لسان الخطاب في الموضوعية.

2-استُدلّ عليه بالإجماع ، و لكن لا يعبأ به في مثل المقام ؛ لأنّه محتمل المدرك.و إنّما الدليل على ذلك ما دلّ من النصوص المعتبرة على رفع القلم عن المكره:

منها:صحيح البزنطي عن أبي الحسن عليه السلام في الرجل يُستكره على اليمين فيحلف بالطلاق و العتاق و صدقة ما يملك ، أ يلزمه ذلك ؟ فقال عليه السلام:«لا ، قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله و سلم:وضع عن امّتي ما اكرهوا عليه و ما لم يُطيقوا و ما أخطئوا»(3).

منها:صحيحة إسماعيل بن جابر الجعفي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:سمعته

********

(1) -وسائل الشيعة 42:23 ، كتاب العتق ، الباب 21 ، الحديث 1.

(2) -وسائل الشيعة 42:23، كتاب العتق، الباب 21، الحديث 2 و 3.

(3) -وسائل الشيعة 226:23 ، كتاب الأيمان ، الباب 12 ، الحديث 12.

ص: 78

و لا المحجور عليه(1) إذا كانت متعلّقة بالمال المحجور فيه.

يقول:«وُضع عن هذه الاُمّة ستُّ خصال:الخطأ و النسيان و ما استكرهوا عليه و ما لا يعلمون و ما لا يطيقون و ما اضطرّوا إليه»(1).

و مثلها صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله و سلم:وضع عن امّتي الخطأ و النسيان و ما استكرهوا عليه»(2).

و من الواضح:أنّ وضع قلم التكليف عن المجنون و المكره و السكران يكون بمعنى سلب عبارتهم و عدم ترتيب أيّ أثر عقلائي أو شرعي عليه.و لا يخفى:أنّ الإكراه هنا بمعنى سلب الاختيار ، و هو غير الاضطرار الذي لا ينافي الاختيار ، كما هو واضح.

1-و لا يخفى:أنّ الحجر تارة يكون من ناحية السفاهة ، و اخرى من ناحية الإفلاس:

أمّا الأوّل:قال في «جامع المقاصد»:المشهور بين الأصحاب جواز وصيّة السفيه في البِرّ و المعروف(3).

و عن عدّةٍ من الفقهاء اعتبار الرشد في صحّة الوصيّة و عدم صحّتها من السفيه ؛ فمنهم أبو الصلاح الحلبي في «الكافي» و سلّار في «المراسم» و العلّامة في «القواعد» و«التحرير» و ظاهر ابن حمزة و غيرهم.

و يفهم من إطلاق كلام السيّد الماتن قدس سره في اعتبار الرشد ، عدم صحّة وصيّة

********

(1) -وسائل الشيعة 227:23 ، كتاب الأيمان ، الباب 12 ، الحديث 3.

(2) -وسائل الشيعة 227:23 ، كتاب الأيمان ، الباب 12 ، الحديث 5.

(3) -جامع المقاصد 36:10.

ص: 79

السفيه مطلقاً.و لكن الظاهر قصور أدلّة حجر السفيه عن شمول المقام ؛ إذ ظاهرها رعاية حال السفيه و سدّ باب الإضرار عليه ، و من الواضح:أنّ ذلك يتصوّر في حال حياته ، فلا ينفذ قوله و لا تصرّفاته في أمواله حال حياته ؛ نظراً إلى عدم كونه مأموناً من الإضرار على نفسه.

و هذا المطلب-مع وضوحه في نفسه-قد دلّ عليه بعض النصوص المعتبرة ، مثل معتبرة أبي الحسن الخادم بيّاع اللؤلؤ عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:سأله أبي-و أنا حاضر-عن اليتيم ، متى يجوز أمره ؟ قال عليه السلام:«حَتّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ» ، قال:و ما أشدُّه ؟ قال عليه السلام:«احتلامه»، قال:قلت:قد يكون الغلام ابن ثمان عشرة سنةً أو أقلّ أو أكثر و لم يحتلم ؟ قال عليه السلام:«إذا بلغ و كتب عليه الشيء و نبت عليه الشعر جاز عليه أمره ، إلّا أن يكون سفيهاً أو ضعيفاً»(1).

فإنّ قوله:«جاز عليه ، إلّا أن يكون سفيهاً أو ضعيفاً»-بقرينة التعدّي بحرف «على»-ظاهرٌ في عدم نفوذ تصرّفات السفيه ؛ لأنّها تكون على ضرره.و هذا المعنى تُتصوّر في تصرّفاته حال حياته ، دون ما كان بعد مماته كما في الوصيّة حيث لا وجود و لا مالكية له حال الموت ليتصوّر الضرر عليه.و لا فرق في ذلك بين حكم الحاكم بحجره و بين غيره ، هذا.

و لكن الإنصاف:أنّه لا مناص من تقييد ذلك بوصيّته في البرّ و الجهة النافعة له معنوياً و أجراً-كما عليه المشهور-نظراً إلى أنّ ذلك أنفع بحاله من المنافع المادّية.

و دليل هذا التقيّد هو الملاك المزبور المستفاد من أدلّة محجورية السفيه ؛ من كون حجره لدفع إيراد الضرر على نفسه ، و أنّ وصيّته في غير ذلك هدرٌ لأمواله

********

(1) -وسائل الشيعة 412:18 ، كتاب الحجر ، الباب 2 ، الحديث 5.

ص: 80

(مسألة 13):يعتبر في الموصي-مضافاً إلى ما ذكر-أن لا يكون قاتل نفسه متعمّداً(1) ،

و موجب لحرمانه من الثواب.

و أمّا الثاني-و هو الحجر من ناحية الإفلاس-فلا ريب في نفوذ وصيّة المفلس ما لم تتعلّق بحقّ الغرماء ؛ نظراً إلى كماله عقلاً و رشداً.و إلّا فلو تعلّقت وصيّته بحقّ الغرماء فلا نفوذ لوصيته ، و هذا هو مراد السيّد الماتن بما إذا كانت الوصيّة متعلّقة بالمال المحجور فيه.

اعتبار عدم كون الموصي قاتل نفسه

1-اشتهر بين الأصحاب:أنّه يعتبر في الموصي أن لا يكون قاتل نفسه متعمّداً.و عليه فلو أحدث في نفسه ما يوجب هلاكه-من جرح أو شرب سمٍّ أو إلقاء نفسه في نار أو من شاهق و نحو ذلك-لا تصحّ وصيّته بعد ذلك.

و قد صرّح في «المهذّب البارع» و«جامع المقاصد» و«المسالك» و«الكفاية»:أنّه المشهور بين الأصحاب.و نسب غيرهم ذلك إلى الأكثر ، كما في «مفتاح الكرامة»(1) و ذكر فيه أسامي كثير من الفقهاء القائلين بذلك من القدماء و المتأخِّرين.بل في «الجواهر»:بلا خلاف معتدّ به أجده(2).

أمّا دعوى الإجماع فلا يُعبأ به في مثل المقام ؛ نظراً إلى استنادهم إلى النصّ المعتبر الآتي.

********

(1) -مفتاح الكرامة 390:9 ؛ جامع المقاصد 34:10.

(2) -جواهر الكلام 275:28.

ص: 81

و عمدة الدليل على ذلك صحيحة أبي ولّاد المصرّحة بذلك ، قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول:«من قتل نفسه متعمِّداً فهو في نار جهنّم خالداً فيها»، قلت:

أ رأيت إن كان أوصى بوصيّة ثمّ قتل نفسه من ساعته تنفذ وصيّته ؟ قال:فقال عليه السلام:

«إن كان أوصى قبل أن يحدث في نفسه حدثاً-من جراحةٍ أو قتل-اُجيزت وصيّته في ثلثه ، و إن كان أوصى بوصيّةٍ بعد ما أحدث في نفسه-من جراحة أو قتل-لعلّه يموت لم تجز وصيّته»(1).

و قد علّل في «جامع المقاصد»(2) أيضاً:بأنّه إذا اقتضى إتلاف المال و إفساده سفاهة المتلف ، فإتلاف النفس و الإقدام على قتلها يقتضي ذلك بالفحوى ، و عليه:

فعبارته مسلوبة ، كما في السفيه.

و لكن ضعفه ظاهر ؛ لوضوح عدم نقصان عقله بذلك في حدّ السفاهة ، و عدم إطلاق السفيه عليه عرفاً.

و علّل في «القواعد»(3)بعدم استقرار حياته ،بل عليه حَمل الصحيحة المزبورة.

و ضعفه ظاهر ، حيث لم يقل أحد باعتبار استقرار حياة الموصي في صحّة الوصيّة ؛ لعدم دليلٍ عليه ؛ و لذا تعجّب منه صاحب «الجواهر»(4).

و حمل بعضٌ الصحيحة على اختصاصها بالمال ،بقرينة قوله عليه السلام:«في ثلثه»، فحكم بعدم شمولها للوصيّة بغير المال.

********

(1) -وسائل الشيعة 378:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 52 ، الحديث 1.

(2) -جامع المقاصد 34:10.

(3) -قواعد الأحكام 447:2.

(4) -جواهر الكلام 275:28.

ص: 82

فمن أوقع على نفسه جرحاً ، أو شرب سمّاً ، أو ألقى نفسه من شاهق ، و نحو ذلك ممّا يقطع أو يظنّ كونه مؤدّياً إلى الهلاك لم تصحّ وصيّته المتعلّقة بأمواله.و إن كان إيقاع ما ذكر خطأً ، أو كان مع ظنّ السلامة فاتفق موته به ، نفذت وصيّته(1).

و اجيب بأنّ قوله عليه السلام:«في ثلثه» قيد لصورة تقدّم الوصيّة على إحداث الحدث في النفس.و أمّا صورة تأخّرها عنه لم يرد فيها هذا القيد ،بل نفى عليه السلام جواز الوصيّة حينئذٍ مطلقاً.

و لكن يخطر بالبال ابتناء نفي جوازها في الصورة الثانية على النحو المجاز في الاُولى ؛ لوحدة السياق.

و يمكن الجواب عنه أيضاً:بأنّه لا نظر للإمام عليه السلام إلى الاختصاص بالمال ،بل بصدد بيان أصل نفوذها ، و لكن على نحوه المشروع ؛ و هو نفوذها في الثلث.

و بهذا البيان اتّضح:أنّه لا وجه لتخصيص عدم نفوذ الوصيّة في مفروض الكلام بما إذا تعلّقت الوصيّة بالأموال ، كما هو ظاهر السيّد الماتن من قوله:

«لم تصحّ وصيّته المتعلّقة بأمواله».

1-لظهور إسناد إحداث الحدث إلى الموصي في الصحيحة المزبورة في عمده بذلك ؛ نظراً إلى ظهور حال كلّ فاعل ذي شعور مريد في التفاته و عمده بإتيان الفعل الصادر منه بمقتضى فطرته المفطورة على الانتباه و الالتفات.

و يقوّي هذا الظهور:استشهاده بقوله تعالى:«مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً...» ، هذا.

مضافاً إلى ظهور قوله عليه السلام:«لعلّه يموت» في ذلك ؛ لدلالته على كون الموت محتملاً حين إحداث الحدث.و هذا إنّما يتصوّر فيما إذا كان الشخص ملتفتاً إلى ذلك و قاصداً متعمِّداً في قتل نفسه.

ص: 83

و لو أوصى ثمّ أحدث في نفسه ما يؤدّي إلى هلاكه ، لم تبطل وصيّته و إن كان حين الوصيّة بانياً على أن يحدث ذلك بعدها(1).

(مسألة 14):لا تبطل الوصيّة بعروض الإغماء و الجنون للموصي و إن بقيا إلى حين الممات(2).

(مسألة 15):يشترط في الموصى له الوجود حين الوصيّة ، فلا تصحّ للمعدوم كالميّت(3) ، أو لما تحمله المرأة في المستقبل ، و لمن سيوجد من أولاد فلان.

و تصحّ للحمل بشرط وجوده حين الوصيّة و إن لم تلجه الروح ، و انفصاله حيّاً ، فلو انفصل ميّتاً بطلت و رجع المال ميراثاً لورثة الموصي.

1-و الدليل على ذلك قوله:«إن كان أوصى قبل أن يحدث حدثاً في نفسه -من جراحة أو قتل-اُجيزت وصيّتُه في ثلثه».و إنّ إطلاق كلامه يقتضي عدم الفرق بين كونه بانياً على قتله نفسه حين الوصيّة ، و بين عدمه.

و أمّا قيد «في ثلثه» لا يدلّ على اختصاص الحكم بما إذا تعلّقت الوصيّة بالمال ؛ لما قلناه آنفاً.

2-اتّضح وجه ذلك ممّا بيّنا آنفاً في المسألة الثانية عشر.

هل يشترط وجود الموصى له حين الوصيّة

3-ظاهر أكثر الفقهاء اشتراط وجود الموصى له حين الوصيّة في صحّتها.

بل ادّعى في «مفتاح الكرامة»(1) الإجماع على عدم صحّة وصيّة المعدوم و الميّت.

و في «الحدائق» نفى الخلاف فيه.

********

(1) -مفتاح الكرامة 394:9.

ص: 84

و لكن ذهب جماعة إلى صحّتها ، كما نسبها في «المبسوط»(1) إلى قوم ، و مال إليه في «جامع المقاصد» و«الجواهر» و غيرهما.

قال في «جامع المقاصد»:و اعلم أنّه قد سبق في الوقت جوازه على المعدوم إذا كان تابعاً ، كما لو وقف على أولاد فلان و من سيولَد له.فأيّ مانع من صحّة الوصيّة كذلك ؟! فإذا أوصى بثمرة بستانه مثلاً خمسين سنة لأولاد فلان و من سيولد له فلا مانع من الصحّة ،بل تجويز ذلك في الوقف يقتضي التجويز هنا بطريق أولى ؛ لأنّه أضيق مجالاً من الوصيّة(2).

و ردّه في «المسالك»:بأنّ في الوقف يتحقّق الملك أوّلاً للموجود ، ثمّ ينتقل منه إلى المعدوم ؛ فليس من التمليك للمعدوم ابتداءً كما في المقام ؛ فالقياس مع الفارق(3).

و في «الجواهر»:أنّ عمدة الدليل على الصحّة إطلاق الأدلّة المقتضي لصحّة الوصيّة بذلك(4).

و مقتضى التحقيق في ذلك:أنّ الوصيّة إمّا تمليكية ، أو عهدية.أمّا في التمليكية فالموصى له تارة يكون معيّناً ، و اخرى غير معيّن.

أمّا إذا كان معيّناً فمقتضى القاعدة الأوّلية و إن كان هو اشتراط وجود الموصى له حين الوصيّة-حيث لا يُعقل التمليك للمعدوم ؛ لوضوح عدم قابليته للتملّك-و لكن يمكن دفع ذلك بأنّه صحيح في غير الوصيّة.و أمّا الوصيّة:فلمّا

********

(1) -المبسوط 14:4.

(2) -جامع المقاصد 41:10.

(3) -مسالك الأفهام 216:6.

(4) -جواهر الكلام 337:28.

ص: 85

كانت في ماهيتها معلّقة على موت الموصي فلا مانع من تعليقها على وجود الموصى له أيضاً.نعم ، لو لم يوجد في وقته المترقّب تبطل الوصيّة و ترجع المال إلى ورثة الموصي.

مضافاً إلى شمول إطلاق أدلّة الوصيّة للمقام بعد صدق عنوانها عرفاً.

فليس شأن الوصيّة مثل أيّ تمليك آخر ليعتبر وجود من يتملّك ؛ فلا مجال لرفع اليد عن إطلاقات الوصيّة.

و أمّا إذا كان الموصى له نوعياً و ما إذا كانت الوصيّة عهدية ، فالأمر واضح ؛ نظراً إلى عدم ورود الإشكال المزبور و خفاؤه بالنسبة إلى الصورة الاُولى.

فالأقوى:عدم اشتراط وجود الموصى له حين الوصيّة في صحّتها.

و بهذا البيان اتّضح عدم اعتبار وجود الحمل حين الوصيّة له ،بل تصحّ الوصيّة لأوّل أولاد زيد الذكور مثلاً مع عدم ولدٍ له حين الوصيّة.

و عمدة الدليل على الصحّة-كما قال في «الجواهر»-شمول إطلاق أدلّة الوصيّة بعد صدق عنوانها.و إنّ المانع المذكور-أعني به التمليك المعدوم- قابل للرفع بالتعليق على وجود الموصى له المعيّن.و لا حاجة إلى التصريح بهذا التعليق في إنشاء الوصيّة ،بل هو ظاهر من سياقها في مثل هذه الموارد ، كما مثّلنا آنفاً.

ص: 86

(مسألة 16):تصحّ الوصيّة للذمّي و كذا للمرتدّ الملّي ؛ إن لم يكن المال ممّا لا يملكه الكافر كالمصحف ، و في عدم صحّتها للحربي و المرتدّ الفطري تأمّل(1).

حكم الوصيّة للكافر بأقسامه

1-قال في «جامع المقاصد»:اختلف الأصحاب في جواز الوصيّة للكافر على أقوال:

الأوّل:المنع مطلقاً ، و هو مختار ابن البرّاج.

الثاني:الجواز مطلقاً ، و هو مختار المفيد و ابن إدريس.

الثالث:جواز الوصيّة للكافر القريب دون غيره ، و هو مختار الشيخ في «المبسوط» و جماعة.

الرابع:جواز الوصيّة للذمّي دون الحربي ، و هو مختار الشيخ في «الخلاف» و المصنّف(1).مقصوده بالمصنّف صاحب «القواعد».

و قد مال إلى الجواز مطلقاً صاحب «الجواهر» ، و كأنّ السيّد الماتن قدس سره مال إلى ذلك أيضاً ، حيث تأمّل في عدم جواز الوصيّة للحربي و المرتدّ الفطري ،بعد جزمه بجواز الوصيّة للذمّي و المرتدّ الملّي.

ثمّ إنّه قبل الورود في البحث ينبغي الإشارة إلى الفرق بين المرتدّ الفطري و المرتدّ الملّي:

فنقول:«المرتدّ» من خرج عن دين الإسلام ، و هو قسمان:فطري و ملّي.

فالمرتدّ الفطري:هو الذي ولد على الإسلام من أبوين مسلمين أو من أبوين

********

(1) -جامع المقاصد 51:10.

ص: 87

أحدهما مسلم ، ثمّ ارتدّ و كفر.و يجب قتله و تبين منه زوجتُه و تعتدّ عدّة الوفاة و تنقسم أمواله حال ردّته بين ورثته ، من دون أن يستتاب.

و المرتدّ الملّي:هو الذي أسلم عن كفر ثمّ ارتدّ و رجع إلى الكفر ؛ بأن كان كافراً فأسلم ثمّ ارتدّ و رجع إلى حالته الاُولى ؛ أي الكفر.

و سمّى الأوّل فطرياً لأنّه ارتدّ عمّن ولد عليه من فطرة الإسلام ،بخلاف الثاني حيث رجع بالارتداد إلى ملّته الأصلية التي هي الكفر.

إذا عرفت ذلك فنقول:أمّا الذمّي فالمعروف بين الفقهاء جواز الوصيّة له في الجملة ،بل لم يعرف القائل بالخلاف من بين الفقهاء ، إلّا ما نسبه في «جامع المقاصد» إلى ابن البرّاج حيث قال بعدم جواز الوصيّة للكافر مطلقاً.

و لكن قال في «الجواهر»(1):لم نعرف القائل بالمنع مطلقاً ،بل نقل في «مفتاح الكرامة» عن «الخلاف» و«المبسوط» من أنّ الوصيّة جائزة لأهل الذمّة بلا خلاف.

نعم قيّد بعض بكونه ذا رحم و أنّه لا يصحّ وصيّة الكافر الأجنبيّ ، كما قال في «مفتاح الكرامة»:أنّه صريح «الوسيلة» ،بل في «الغنية» الإجماع عليه ، و هو ظاهر «النهاية» و موضع من «المبسوط».و في «المراسم»:أنّه الأثبت(2).

و قد عرفت وجهه في كلام «جامع المقاصد».و أيضاً استشهد لذلك بما في الآية من الوصيّة للأقربين.

و على أيّ حال:فيمكن الاستدلال على صحّة الوصيّة للكافر الذمّي أوّلاً:

بإطلاقات أدلّة صحّة الوصيّة و نفوذها و حرمة تبديلها.

و ثانياً:بما دلّ من النصوص المستفيضة على جواز الوصيّة لليهود و النصارى

********

(1) -جواهر الكلام 366:28.

(2) -مفتاح الكرامة 406:9/السطر 14.

ص: 88

و حرمة تبديلها ، مستدلّاً بالآية.

مثل صحيح محمّد بن مسلم قال:سألت أبا جعفر عن رجل أوصى بماله في سبيل اللّه ؟ قال:«أعطه لمن أوصى له به ، و إن كان يهودياً أو نصرانياً ، إنّ اللّه- عزّ و جلّ-يقول:«فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ» (1).

و صحيح الريّان بن شبيب (الصلت) قال:أوصت ماردة (مارية) لقوم نصارى فِراشَين بوصيّة ، فقال أصحابنا:اقسم هذا في فقراء المؤمنين من أصحابك ، فسألت الرضا عليه السلام فقلت:إنّ اختي أوصت بوصيّة لقوم نصارى و أردتُ أن أصرف ذلك إلى قوم من أصحابنا مسلمين فقال:«أمض الوصيّة على ما أوصتْ به ، قال اللّه تعالى:

«فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ» (2) .

و كذا في صحيح آخر عن محمّد بن مسلم قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل أوصى بماله في سبيل اللّه ؟ قال:«أعطه لمن أوصى له ، و إن كان يهودياً أو نصرانياً ، إنّ اللّه يقول:«فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ» (3).

و غيرها من الروايات الكثيرة الدالّة على ذلك.و لا ريب في شمول اليهود و النصارى لأهل الذمّة.

و ثالثاً:معتبرة أبي خديجة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«لا يرث الكافر المسلم ، و للمسلم أن يرث الكافر ، إلّا أن يكون المسلم قد أوصى للكافر بشيء»(4)، فدلّت

********

(1) -وسائل الشيعة 337:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 32 ، الحديث 1.

(2) -وسائل الشيعة 343:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 35 ، الحديث 1.

(3) -وسائل الشيعة 345:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 35 ، الحديث 5.

(4) -وسائل الشيعة 344:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 35 ، الحديث 4.

ص: 89

هذه المعتبرة بعمومها الاستغراقي على جواز وصيّة المسلم للكافر مطلقاً ، ذمّياً كان أم حربياً.

و قد يستدلّ على عدم جواز الوصيّة للذمّي بقوله تعالى:«لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ لَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ» (1)،بتقريب:أنّ الوصيّة نوع من الموادّة.

و فيه:أنّه خصّص بقوله تعالى:«لا يَنْهاكُمُ اللّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَ لَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَ تُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّما يَنْهاكُمُ اللّهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَ أَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَ ظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَ مَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ» (2).

فلا يبقى إشكال في جواز الوصيّة للذمّي.

و أمّا الحربي و المرتدّ بقسميه:فيمكن الاستدلال لجواز الوصيّة لهما أوّلاً:بعمومات صحّة الوصيّة و إطلاقات نفوذها و حرمة تبديلها ، مع عدم ورود ما يصلح لتقييدها بغير الكافر ،بل الدليل على نفي هذا التقييد ، كما تدلّ عليه المعتبرة الآتية.

و ثانياً:بدلالة معتبرة أبي خديجة السابقة آنفاً.و حملها على خلاف الظاهر لا شاهد عليه.كما أنّ حملها على الذمّي لا شاهد له.

و ثالثاً:بما دلّ على جواز الوصيّة لليهود و النصارى ،بتقريب عدم انحصارهم في الذمّي ،بل ربّما يكون الحربي منهم ، كما قال في «الجواهر»(3).و لا شاهد

********

(1) -المجادلة (58):22.

(2) -الممتحنة (60):8 و9.

(3) -جواهر الكلام 367:28.

ص: 90

(مسألة 17):يشترط في الموصى به في الوصيّة التمليكيّة:أن يكون مالاً ، أو حقّاً قابلاً للنقل كحقّي التحجير و الاختصاص ؛ من غير فرق في المال بين كونه عيناً أو دَيناً في ذمّة الغير أو منفعة ، و في العين بين كونها موجودة فعلاً أو ممّا ستوجد ، فتصحّ الوصيّة بما تحمله الدابّة أو يثمر الشجر في المستقبل(1).

لحملهم على الذمّي ،بل أكثر أهل الحرب كانوا من كفّار اليهود.

و أمّا الآية الناهية عن مُوادّة الكفّار ، فلا يصحّ الاستدلال بها على عدم جواز الوصيّة للكافر الحربي و المرتدّ ؛ نظراً إلى أنّها و إن تُثبت حرمة مُوادّتهم ، إلّا أنّ الوصيّة لا تكون دائماً مصداقاً للمُوادّة ،بل ربّما تكون بأغراض صحيحة شرعية ، كالمنع من مفاسدهم و محادّتهم للمؤمنين ، أو لدعوتهم و جلبهم إلى الإسلام ، أو تأليف قلوبهم نحو الحقّ.

و كذا قوله:«إِنَّما يَنْهاكُمُ اللّهُ...» ؛ فإنّ المنهي عنه هو موادّة الكفّار الذين قاتلوا المؤمنين و تولّيهم ، و ليست الوصيّة من ذلك دائماً.

و أمّا سائر التفاصيل فلا يبقى لها وجه بعد إثبات جواز الوصيّة للكافر مطلقاً.

فالأقوى:جواز الوصيّة للكافر بأقسامه.

و قد ذكر لإثبات الجواز مطلقاً وجوهٌ اخرى ضعيفة غير وجيهة من النصوص و غيرها ، و لا حاجة إلى ذكرها بعد تمامية ما ذكرناه من أدلّة الجواز.

اشتراط كون الموصى به قابلاً للنقل

1-يعتبر في الموصى به كونه قابلاً للنقل ،بلا فرق بين كونه مالاً أو حقّاً ، و لا بين كون المال عيناً أو ديناً في ذمّة الغير أو منفعةً ، و لا بين كون العين موجودة

ص: 91

بالفعل حين الوصيّة أو بالقوّة ؛ بأن توجد بعداً ، مثل ما تحمله الدابّة أو يُثمر الشجر في المستقبل.

و الوجه في ذلك:شمول إطلاقات أدلّة صحّة الوصيّة و نفوذها لكلّ ما صدق عليه عنوان الوصيّة عرفاً ، و هو صادق عرفاً على جميع ذلك.و أمّا متعلّقها الموصى به فلم تؤخذ في لسان دليلها أزيد من صدق خيرٍ تركها الموصي ، كما في قوله تعالى:«كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ...» (1).

فالمعتبر في الموصى به أن يصدق عليه عنوان «ما تركه الموصي من الخير» -أي:ما فيه نفع-و هو صادق على كلّ شيء ذي نفع كان قابلاً للنقل.

فلا تصحّ الوصيّة لما لا يقبل النقل ؛ لعدم كونه قابلاً للتملّك ، حيث إنّ الوصيّة و إن لا تكون عقداً-بل تكون إيقاعاً-إلّا أنّها من الأسباب المملّكة ، فلا تصحّ فيما لا يقبل التملّك و لو بالقوّة ، كما علّل في «الجواهر»بقوله:لما عرفت من أنّ الوصيّة التمليكية قسمٌ من العقود أو الأسباب المملِّكة ؛ فلا تتعلّق بما لا يقبل الملك ،بلا خلاف أجده فيه ، كما اعترف به في «الرياض» ،بل حكى فيه عن «التذكرة» الإجماع عليه(2).

********

(1) -البقرة (2):180.

(2) -جواهر الكلام 279:28.

ص: 92

(مسألة 18):لا بدّ و أن تكون العين الموصى بها ذات منفعة محلّلة مقصودة(1) حتّى تكون مالاً شرعاً ، فلا تصحّ الوصيّة بالخمر غير المتّخذة للتخليل و الخنزير و آلات اللهو و القمار ، و لا بالحشرات و كلب الهراش و نحوها ، و أن تكون المنفعة الموصى بها محلّلة مقصودة ، فلا تصحّ الوصيّة بمنفعة المُغنّية و آلات اللهو ، و كذا منفعة القردة و نحوها.

اشتراط كون العين الموصى بها ذات منفعة مقصودة محلّلة

1-لا تصحّ الوصيّة بما لا منفعة له ، كذرّة من التراب أو كناسة البيت و نحو ذلك.و لا بما لا يُقصد الانتفاع به عادةً ، كالحشرات و الأشياء الحقيرة التي لا يعتنى بها ، و لا بما لا تحِلّ منفعته كالآلات المعدّة للّهو أو الخمر للشرب و الخنزير للأكل.

و الوجه في ذلك:أنّ ما لا منفعة له لا خير فيه ؛ فلا يصدق عليه «خيرٌ تركه الموصي».و لأنّه ليس قابلاً للتمليك ، كما قلنا آنفاً.و كذا ما لا يُقصد الانتفاع به من الأشياء الحقيرة غير القابلة للتملّك.

و أمّا ما لا تحلّ منفعته فعدم صحّة الوصيّة فيها واضح ؛ لما دلّ على عدم جواز الانتفاع به ؛ فإنّ دليل عدم مشروعية التصرّف فيه يمنع عن صحّة الوصيّة بتمليكه ، كما يمنع عن جواز بيعه و شرائه و إجارته و سائر وجوه المعاملات فيه.

و بعبارة اخرى:لا يكون هذه الأشياء قابلة للتملّك شرعاً ؛ فلذا لم يعتبرها الشارع من الأموال ، و الحال أنّه يعتبر في الموصى به كونه مالاً في نظر الشارع.

مضافاً إلى عدم صدق عنوان « الخير » في نظر الشارع على ما لا منفعة محلّلة فيه.

ص: 93

(مسألة 19):لا تصحّ الوصيّة بمال الغير و إن أجاز المالك إذا كان الإيصاء به عن نفسه ؛(1)بأن جعل مال الغير لشخص بعد وفاة نفسه.و أمّا عن الغير ؛ بأن جعله لشخص بعد وفاة مالكه فلا تبعد صحّته و نفوذه بالإجازة.

لا تصحّ الوصيّة بمال الغير

1-يقع الكلام في مقامين:

أحدهما:أن يوصي بمال الغير عن نفسه ؛ بأن يملّكه لشخص بعد موت نفسه.

ثانيهما:أن يوصي بمال الغير فضولاً عن صاحب المال ؛ بأن يملّكه لشخص بعد موت صاحب المال.

فوقع الكلام في المقامين في أنّ الوصيّة هل تصحّ و تنفذ بلحوق إجازة مالك المال الموصى به بعد إنشاء الوصيّة على أحد النحوين المزبورين ؟

فنقول:

أمّا المقام الأوّل:فالمعروف بين الفقهاء عدم صحّة الوصيّة بمال الغير ، كما في «القواعد» و«جامع المقاصد» و«مفتاح الكرامة»(1) و كذا في «الشرائع» و«التذكرة» و«النافع» و«الإرشاد» و«الدروس» و غيرها.

حيث قيّد بعضهم كون الموصى به ملكاً للموصي و قيّد جماعة منهم كونه مختصّاً بالموصي ، و صرّح آخرون بعدم صحّة الوصيّة بمال الغير.و ظاهرهم عدم الصحّة مطلقاً ؛ سواءٌ كان عن نفسه أو عن المالك ، و سواءٌ لحقته إجازة المالك أم لا.

********

(1) -قواعد الأحكام 455:2؛ جامع المقاصد 101:10 ؛ مفتاح الكرامة 441:9/السطر 23 ،و443/السطر الأخير.

ص: 94

و لكن عدم الصحّة فيما إذا أوصى عن نفسه واضح ؛ نظراً إلى عدم صدق عنوان «الوصيّة» و انصراف أدلّة نفوذها عنه ، حيث اخذ فيها تعلُّقها بمال الموصي.

و عُلّل ذلك أيضاً:بأنّ التعليق في التمليك مبطل ، إلّا ما خرج بالدليل ، و الدليل إنّما قام في الوصيّة على عدم إضرار التعليق ؛ فإذا لم يصدق عنوان الوصيّة فلا يبقى مانع من إبطال التعليق.

و فيه أوّلاً:أنّ هذا التعليل مبنيٌّ على بطلان التمليك بالتعليق ، و هو أوّل الكلام ، كما أنكر السيّد الماتن كون التعليق مبطلاً ، و سبق كلامه.

و ثانياً:أنّ عمدة دليل بطلان التمليك بالتعليق هي صيرورة المعاملة غررية بالتعليق على مجهول الحصول أو ما لم يعلم زمان حصوله و إنّما الغرر يكون في المعاوضات غير المجّانية.و حيث إنّ في التمليك المجّاني لا يُتصوّر غررٌ ، و أنّ الوصيّة من التمليك المجّاني ، فلذا لا يرد إشكال في المقام من ناحية التعليق.

فعمدة الإشكال من ناحية عدم صدق عنوان الوصيّة.

أمّا المقام الثاني:فاتّضح بالبيان المزبور صحّة الوصيّة بلحوق إجازة المالك ؛ نظراً إلى انتساب الوصيّة إليه بذلك ؛ لفرض إنشاء الوصيّة فضولاً عن قِبَله و معلّقاً على موته ، فإذا أجاز يتحقّق عنوان الوصيّة المنتسبة إليه ؛ فكأنّه أوصى بنفسه.

و عليه:فلا مانع من شمول إطلاقات صحّة الوصيّة و نفوذها ، و ذلك نظير البيع الفضولي.فكيف بلحوق إجازة المالك هناك ينسب البيع إلى المجيز ، فكأنّ نفسه باع ؟ فكذلك في المقام.

ص: 95

(مسألة 20):يشترط في الوصيّة العهديّة أن يكون ما أوصى به عملاً سائغاً تعلّق به أغراض العقلاء(1)، فلا تصحّ الوصيّة بصرف ماله في معونة الظلمة و قطّاع الطريق و تعمير الكنائس و نسخ كتب الضلال و نحوها ، و كذا بصرف المال فيما يكون سفهاً و عبثاً.

نعم ، هنا إشكال ، و هو:أنّ الوصيّة-بناءً على رأي السيّد الماتن قدس سره-من الإيقاعات ، و الإجماع قائم على عدم جريان الفضولية في الإيقاعات.

و الجواب:أنّ معقد الإجماع هو عدم صحّة العتق و الطلاق الفضوليين ، دون غيرهما.و حيث إنّ الإجماع دليل لبّي فيؤخذ بالقدر المتيقّن من معقده ؛ و هو الطلاق و العتق.و يرجع في غيره إلى مقتضى القاعدة ؛ و هو صحّة الوصيّة الفضولية ، كسائر المعاملات الفضولية ، كما قلنا.

بل ربّما يقال:إنّ الوصيّة الفضولية أولى بالجواز ؛ نظراً إلى عدم توقّفها على القبول-بناءً على كونها إيقاعاً-فلا يرد إشكال أنّ في زمان القبول لم تكن إجازة ، و عند الإجازة لا قبول.

وجه عدم الورود:أنّ القبول في مثل الوصيّة يتحقّق بنفس الإجازة ، و لا يضرّ الفصل الطويل بين الإنشاء و القبول بعد ابتناء الوصيّة في ماهيتها على الفصل الطويل بينهما بموت الموصي ، كما سبق بيان ذلك مفصّلاً.

1-و الوجه فيه:أنّ ما ليس فيه غرض عقلائي يكون خارجاً عن عناوين المعاملات كلّها ؛ لانصرافها عنه ، و كذا الوصيّة.و أمّا ما لا يكون جائزاً شرعاً فيمنع ما دلّ على حرمته عن نفوذ الوصيّة فيه ؛ نظراً إلى شمول إطلاقات أدلّة حرمتها لموارد الوصيّة ، فتكون غير مشروعة.

ص: 96

(مسألة 21):لو أوصى بما هو سائغ عنده-اجتهاداً أو تقليداً-و غير سائغ عند الوصي ، كما أوصى بنقل جنازته بعد دفنه و هو غير جائز عند الوصيّ ، لم يجز له تنفيذها(1)، و لو انعكس الأمر انعكس.

(مسألة 22):لو أوصى لغير الوليّ بمباشرة تجهيزه-كتغسيله و الصلاة عليه-مع وجود الوليّ ، ففي نفوذها و تقديمه على الوليّ و عدمه وجهان بل قولان ، و لا يترك الوصيّ الاحتياط بالاستئذان من الوليّ ، و الوليّ بالإذن له(2).

أحكام الوصيّة

اشارة

1-و الوجه في ذلك:أنّ الموصي لا تكليف له بعد الموت ، و إنّما الوصيّ هو حيّ مكلّف ؛ فلا يجوز له العمل بما هو غير مشروع له اجتهاداً أو تقليداً ، و هذا واضح.

2-إذا أوصى الميّت في تجهيزه إلى غير الوليّ ، فالمشهور بين الفقهاء عدم نفوذ الوصيّة حينئذٍ ، إلّا بإجازة الوليّ ، كما في «جامع المقاصد» و«المسالك» و محكيّ «المختلف» ،بل في «المختلف»:لم يعتبر علماؤنا ما ذكر ابن الجنيد من تقديم الوصيّ(1).

و عن «المدارك» نفي البأس من صحّة الوصيّة في فرض المقام ، و مال إليه في «جامع المقاصد» ، موجّهاً:بأنّ إطلاق دليل وجوب الوفاء بالوصيّة يقتضي ثبوت الولاية له في المقام ، و لأنّ فيه رعاية مصلحة الميّت ، حيث جعل الوصيّ لعلمه بصلاحه.

********

(1) -راجع:مستمسك العروة الوثقى 61:4.

ص: 97

و الحاصل:أنّه قد يقال في المقام بتقديم الوصيّة على الولاية ؛ لأنّ تبديل الوصيّة إثم في صريح الكتاب ، و أنّ إطلاقه يشمل المقام ؛ فلا يجوز تغييرها.

و لأنّ تقديم الوليّ إنّما هو على سائر الأرحام و الأجانب ، كما جاء في الكتاب في قوله تعالى:«وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ...» (1)، و أنّ الوصيّ-كالوكيل- يكون بمنزلة نفس الميّت ، و لا يستفاد من أدلّة الولاية تقديم الوليّ على نفس الميّت.

هذا إذا كان دليل ولاية الوليّ هو الأدلّة اللفظية ، و إلّا فلو كان هو السيرة فهي لمّا كانت دليلاً لبّياً يؤخذ بالقدر المتيقّن من استقرارها ، و هو غير صورة الوصيّة بغير الوليّ.و أدلّة الولاية إنّما تمنع عن تصرّف الوصيّ من قبل نفسه لا من جانب الميّت من حيث كونه كالوكيل.

و قد يقال بتقديم الولاية ؛ لعدم نفوذ الوصيّة فيما لم يوافق الشرع.و تقديمها في المقام مخالف لما دلّ على مشروعية ولاية الوليّ على الميّت و حرمة مخالفتها.

و إنّما تجوز الوصيّة فيما لم تخالف الشرع ،بل هي غير مشروعة فيما خالفت حكم الشارع ، نظير النذر و العهد و الشرط.

و الأقوى في المقام:ما ذهب إليه السيّد الماتن من الاحتياط الواجب باستئذان الوصيّ من الوليّ و بإذن الوليّ له ؛ لما فيه من رعاية الجانبين.

********

(1) -الأنفال (8):75.

ص: 98

(مسألة 23):يشترط في نفوذ الوصية-في الجملة-أن لا تكون في الزائد على الثلث(1).

اشتراط عدم كون الوصيّة في الزائد عن الثلث

1-لا خلاف بين الفقهاء في عدم صحّة الوصيّة في أكثر من ثلث مجموع ما تركه الميّت.و عليه:فمن أوصى بأكثر من ثلث أمواله تنفذ وصيّته في الثلث و بطلت في الباقي.و هذا مورد اتّفاق جميع الفقهاء من القدماء و المتأخِّرين.و لم ينسب الخلاف إلّا إلى علي بن بابويه ، كما صرّح به في «العروة»(1).و النسبة غير ثابتة ، كما أشار إليه في «العروة».

و الدليل على ذلك هو النصوص المتواترة الصريحة في ذلك ، و نحن نكتفي بذكر بعضها:

منها:صحيحة العبّاس بن معروف قال:مات غلام محمّد بن الحسن و ترك اختاً و أوصى بجميع ماله له عليه السلام ، قال:فبعنا متاعَه ، فبلغ ألف درهم ، و حُمل إلى أبي جعفر عليه السلام ، قال:فكتبتُ إليه و أعلمته أنّه أوصى بجميع ماله ، قال:فأخذ عليه السلام ثلث ما بعثتُ إليه و ردّ الباقي و أمرني أن أدفعه إلى وارثه(2).

و نظيرها صحيحته الاُخرى(3).

منها:موثّقة عمّار الساباطي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«الميّت أحقّ بماله ما

********

(1) -العروة الوثقى 677:5.

(2) -وسائل الشيعة 277:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 11 ، الحديث 8.

(3) -وسائل الشيعة 277:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 11 ، الحديث 7.

ص: 99

و تفصيله:أنّ الوصيّة إن كانت بواجب ماليّ ، كأداء ديونه و أداء ما عليه من الحقوق ، كالخمس و الزكاة و المظالم و الكفّارات ، يخرج من أصل المال بلغ ما بلغ(1) ،

دام فيه الروح يبيّن به ، فإن قال بعدي ، فليس له إلّا الثلث»(1).

و حيث إنّ هذا الحكم من المسلّمات و تكون النصوص الدالّة(2) عليه بالغة حدّ التواتر ، لا حاجة إلى ذكر جميع هذه النصوص.

الواجب المالي يخرج من أصل المال

1-و ذلك لأنّ الواجب المالي قد صرّح في الكتاب العزيز بتقديمه على الميراث ، قال اللّه تعالى:«مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ» (3).و قد دلّت النصوص المتظافرة على أنّه يُبدأ أوّلاً بتجهيز الميّت ؛ فإنّه أولى بماله ، ثمّ الدين ، ثمّ الوصيّة ، ثمّ الميراث.و هذا من المسلّمات ، و لا شبهة فيه.و لا حاجة في إخراج الدين من أصل التركة إلى الوصيّة ،بل لا دخل لها في وجوب إخراج الدين من أصل المال.

أمّا الحجّ:فإن كان واجباً بالاستطاعة-المعبّر عنه بحجّة الإسلام- فلا خلاف في إخراجه من أصل المال.و قد صرّح به في صحيح ضريس الكناسي ، قال:سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل عليه حجّة الإسلام ، فنذر نذراً في شكر ليحجّنَّ به رجلاً ، فمات الذي نذر قبل أن يحجّ حجّة الإسلام و من قبل أن يفي بنذره الذي

********

(1) -وسائل الشيعة 278:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 11 ، الحديث 12.

(2) -وسائل الشيعة 277:19 و 398 ، كتاب الوصايا ، الباب 11 و 66 و 67.

(3) -النساء (4):11.

ص: 100

نذر ؟ قال عليه السلام:«إن ترك مالاً يُحجّ عنه حجّة الإسلام من جميع المال و أخرج من ثلثه ما يحجّ به رجلاً لنذره ، و قد و في بالنذر»(1).

و في صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«يُقضى عن الرجل حجّة الإسلام من جميع ماله»(2).و النصوص الدالّة على ذلك متظافرة.

و أمّا الواجب بالنذر:فوقع الخلاف في إخراجه من أصل التركة ، و قد قوّاه السيّد الماتن ، وفاقاً لصاحب «العروة»(3).

و قد استدلّ على ذلك بصحيحة مسمع قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:كانت لي جارية حبلى ، فنذرت للّه-عزّ و جلّ-إن ولدت غلاماً أن أحجّه أو أحجّ عنه ؟ فقال عليه السلام:«إنّ رجلاً نذر للّه-عزّ و جلّ-في ابن له:إن هو أدرك أن يحجّ عنه أو يحجّه فمات الأب و أدرك الغلام بعدُ ، فأتى رسول اللّه الغلامُ ، فسأله عن ذلك ، فأمر رسول اللّه أن يحجّ عنه ممّا ترك أبوه»(4)؛ فإنّ أمر النبي بالحجّ عن الغلام ممّا ترك أبوه ظاهر في إخراجه من أصل تركة الأب.

و لكن يعارضها صحيحة ضريس السابقة ؛ لأنّها صريحة في إخراجه من ثلث التركة.

و كذا يعارضه صحيحة ابن أبي يعفور قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:رجل نذر للّه أن عافى اللّه ابنه من وجعه ليحجّنّه إلى بيت اللّه الحرام ، فعافى اللّه الابن و مات

********

(1) -وسائل الشيعة 74:11 ، كتاب الحجّ ، أبواب وجوب الحجّ ، الباب 29 ، الحديث 1.

(2) -وسائل الشيعة 72:11 ، كتاب الحجّ ، أبواب وجوب الحجّ ، الباب 28 ، الحديث 3.و يدلّ على ذلك سائر روايات هذا الباب.

(3) -العروة الوثقى 80:3.

(4) -وسائل الشيعة 316:23 ، كتاب النذر و العهد ، الباب 16 ، الحديث 1.

ص: 101

الأب ؟ فقال:«الحجّة على الأب ، يؤدّيها عنه بعض ولده»، قلت:هي واجبة على ابنه الذي نذر فيه ؟ فقال:«هي واجبة على الأب من ثلثه ، أو يتطوّع ابنه فيحجّ عن أبيه»(1).

و مقتضى القاعدة حمل صحيح مسمع على الثلث ؛ لشموله غير الثلث بالإطلاق ، و لكن صحيحة ضريس صريحة في إخراجه من الثلث ؛ فيرفع اليد عن ظاهر صحيحة مسمع بصريح صحيحة ضريس.

مضافاً إلى كون مفاد صحيح مسمع خلاف مقتضى القاعدة ؛ نظراً إلى موت الأب الناذر قبل تحقّق المنذور ، حيث أدرك الغلام بعد موته ، فلا تكليف له بالوفاء له.

فالأقوى:عدم إخراج الحجّ الواجب بالنذر من أصل التركة ، فيجب إخراجه من الثلث.

و قد يتوهّم:أنّ صحيحة ضريس غاية مدلولها إثبات إخراج مخارج الحجّ المنذور من الثلث ، و هو لا ينافي إخراجه من أصل التركة أيضاً.

و بعبارة اخرى:تكون هاتان الطائفتان مثبتين ، فلا تنافي بينهما حتّى تُقيّد إحداهما بالاُخرى.

و لكنّه مدفوع ؛ لوضوح ظهور جعل المقابلة بين حجّة الإسلام و بين الحجّ المنذور ،بإخراج الأوّل من أصل التركة و الثاني من ثلثها في اختصاص الحجّ المنذور بالثلث و عدم جواز إخراجه من أصل التركة ، و إلّا لصارت المقابلة لغواً.

كما أنّ الترديد في قوله عليه السلام:«هي واجبة على الأب من ثلثه ، أو يتطوّع ابنه»

********

(1) -وسائل الشيعة 75:11 ، كتاب الحجّ ، أبواب وجوب الحجّ ، الباب 29 ، الحديث 3.

ص: 102

بل لو لم يوص به يخرج منه و إن استوعب التركة.و يلحق به الواجب المالي المشوب بالبدني ، كالحجّ و لو كان منذوراً على الأقوى.و إن كانت تمليكيّة أو عهديّة تبرّعيّة ، كما إذا أوصى بإطعام الفقراء أو الزيارات أو إقامة التعزية و نحو ذلك ، نفذت بمقدار الثلث(1)،

في صحيحة ابن أبي يعفور ظاهر في نفي الشقّ الثالث ؛ و هو إخراج الحجّ المنذور من أصل التركة.فهاتان الصحيحتان بمفهومهما تقيّدان إطلاق صحيح المسمع.

اشتراط كون الوصيّة التمليكية و العهدية التبرّعية بمقدار الثلث

1-و الوجه فيه:دلالة إطلاقات نصوص عدم نفوذ الوصيّة في الزائد عن الثلث ، مثل قول أبي عبد اللّه عليه السلام:«فإن قال بعدي، فليس له إلّا الثلث» في موثّقة عمّار(1) ؛ فإنّ إطلاقها يقتضي عدم نفوذ مطلق الوصيّة في الزائد عن الثلث ، إلّا ما خرج بالدليل.

و قد دلّت النصوص المعتبرة على تقدّم تجهيز الميّت و الدّين على الوصيّة ، كما في موثّقة السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«أوّل شيء يُبدأ به من المال الكفَن ، ثمّ الدين ، ثمّ الوصيّة ، ثمّ الميراث»(2).

و صحيح محمّد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال:«قال أمير المؤمنين عليه السلام:إنّ الدين قبل الوصيّة ، ثمّ الوصيّة على إثر الدين ، ثمّ الميراث بعد الوصيّة...»(3).

********

(1) -وسائل الشيعة 278:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 11 ، الحديث 12.

(2) -وسائل الشيعة 328:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 28 ، الحديث 1.

(3) -وسائل الشيعة 330:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 28 ، الحديث 2.

ص: 103

و غيرهما من النصوص(1) الدالّة على ذلك.

و عليه:فمخارج التجهيز و الدين يُخرج من أصل المال ،بدليل الكتاب و السنّة ؛ سواءٌ أوصى بهما الميّت أم لا ، من دون دخل للوصيّة.

أمّا الوصيّة بغيرهما هي المقصود من الوصيّة بعنوانها المطلق في الكتاب و السنّة-بقرينة جعلها مقابل التجهيز و الدين ، كما في الصحيحتين المزبورتين-هي تخرج من الثلث ؛ لما دلّ من النصوص على عدم نفوذها في الزائد عنه ،بلا فرق بين التمليكية و العهدية.

و أمّا قيد «التبرّعية» في كلام السيّد الماتن ، فهو مأخوذ في ماهية الوصيّة بقسميها ، فليس قيداً احترازياً ، كما عرفت سابقاً في تعريف الوصيّة.

و أمّا قول السيّد الماتن قدس سره «و إلّا بطلت» فمقصوده بطلان الوصيّة في خصوص الزائد عن الثلث ، كما دلّ عليه قوله عليه السلام:«فإن قال بعدي، فليس له إلّا الثلث»، أي:

لا يجوز له الإيصاء في الزائد عن الثلث.و معنى ذلك:عدم مشروعية الوصيّة فيما زاد عن الثلث.

و أمّا التبعّض في مفاد الوصيّة بالزائد بصحّتها في مقدار الثلث ، و بطلانها في الزائد عنه ، فلا يضرّ بشيء بعد انحلال الوصيّة بحسب إجزاء الموصى به بعد تحديد الشارع.و أمّا لو أجاز الورثة فسيأتي الكلام فيه قريباً ، إن شاء اللّه.

و أمّا عدم الفرق من جهة صحّة الموصي و مرضه ، فلإطلاق أدلّة نفوذ الوصيّة و مقيّداتها.و لقيام الإجماع على عدم إضرار المرض المخوّف في نفوذ التصرّفات المؤجّلة ، التي منها الوصيّة.كما صرّح به في «الشرائع» و«الجواهر» و غيرهما.

********

(1) -وسائل الشيعة 330:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 28 ، الحديث 4 و5.

ص: 104

و في الزائد صحّت إن أجاز الورثة ، و إلّا بطلت من غير فرق بين وقوعها في حال الصحّة أو المرض ، و كذلك إذا كانت بواجب غير ماليّ على الأقوى(1)، كما لو أوصى بالصلاة و الصوم عنه إذا اشتغلت ذمّته بهما.

قال في «الشرائع»:تصرّفات المريض نوعان:مؤجّلة و منجّزة.و المؤجّلة حكمها حكم الوصيّة إجماعاً.

و فسّر المؤجّلة في «الجواهر»بقوله:وصيّةً كتمليك عين أو منفعة مثلاً ، و غير وصيّة كالتدبير و النذر المؤجّل بالموت(1).

حكم الوصيّة بالواجب غير المالي

1-وقع الخلاف في جواز إخراج الواجبات البدنية-كالصوم و الصلاة- المشتغلة بها ذمّة الميّت ، من أصل التركة أو من ثلثها.

و قد قوّى السيّد الماتن إخراجها من الثلث ، حيث ألحقها بالوصيّة التمليكية و التبرّعية ، من جهة عدم نفوذها في الزائد عن الثلث.

و أيضاً قال في حاشيته على «العروة»(2):«الأقوى هو الخروج من الثلث» خلافاً لصاحب «العروة» حيث قوّى إخراجها من أصل التركة.

و ينبغي-قبل الورود في الاستدلال-الكلام في ضابطة الدين المأخوذ من أصل التركة ، مقدّماً على الدين في الكتاب و السنّة ؛ فهل يشمل مثل الصلاة و الصوم -المشتغلة بهما ذمّة الميّت-أم لا ؟ نظراً إلى دوران إخراج الواجبات البدنية

********

(1) -جواهر الكلام 464:28.

(2) -العروة الوثقى 81:3.

ص: 105

المذكورة من أصل التركة أو من ثلثها ، مدار كونها ديناً.فلو كانت من الديون دخلت في إطلاقات أدلّة إخراجها من أصل التركة:

فنقول:إنّ الدين المقدّم على الوصيّة و الإرث هو الدين المالي ؛ و ذلك لظهور لفظ «الدين»بإطلاقه في ذلك بحسب الارتكاز ، كما لا يتبادر مثل «الدائن» و«المديون» إلّا هذا المعنى ، هذا.

مضافاً إلى أنّ التعبير بإخراج الدين من تركة الميّت و استثناءه منها في لسان النصوص ، ظاهرٌ في ذلك ؛ نظراً إلى لزوم السنخية بين المخرج و المخرج منه ، و كون المخرَج منه-و هو التركة-مالاً يقتضي كون المُخرَج-و هو الدين-من الأموال أيضاً.

بيان ذلك:أنّ الأفعال تارةً:تجب بما لها من المالية ، كفعل الأجير من خياطة ثوب أو بناء دار أو صنع شيءٍ و نحو ذلك.فهذا القسم من الأفعال تقابل بالمال ؛ فلو كانت ذمّة الميّت مشغولة بها لا يبعُد إخراجها من الأصل ؛ نظراً إلى اعتبار هذه الأفعال مالاً عرفاً ، فتلحق بالديون.

و اخرى:تُلقى حيثية المالية عن الأفعال ، فتجب على المكلّف بما أنّها عبادات مخصوصة ؛ فمنها الصلاة و الصوم.و هذا القسم من الأفعال الواجبة حيث لم تُعتبر أموالاً لا تكون من سنخ التركة لتُخرج منها.

اللهمّ إلّا أن تُخرج اجرة الإتيان بها ، و ذلك لا يصحِّح إطلاق الدين عليها ،بل يوجب كون فعل الأجير ديناً في ذمّته ، فلو مات قبل الإتيان يُخرج من أصل تركته.

و من هنا تنصرف أدلّة إخراج الدين من أصل التركة عن الواجبات البدنية-مثل الصوم و الصلاة-لظهورها في الدين المالي أو ما يلحق بها من الأفعال التي لها مالية.

ثمّ إنّه قد استدلّ على إخراج الصلاة و الصوم من أصل التركة بنصوص اطلق

ص: 106

في بعضها عنوان «الدين على الصلاة» ، مثل ما رواه زرارة عن أبي جعفر قال:قلت له:رجل عليه دين من صلاة قام يقضيه ، فخاف أن يُدركه الصبح فلم يُصلّ صلاة ليلته تلك ؟ قال عليه السلام:«يؤخِّر القضاء و يُصلّي صلاة ليلته تلك»(1).

و اشكل فيه سنداً:بأنّه في حكم المراسيل ، حيث نقله ابن طاوس من كتابه «غياث سلطان الورى» ، و أنّ روايات هذا الكتاب في حكم المراسيل.

و دلالةً:بأنّ إطلاق الدين على الصلاة يكون من كلام زرارة لا من كلام المعصوم.

و ما رواه الصدوق بإسناده عن حمّاد بن عيسى عن أبي عبد اللّه قال-في حديث طويل مشتمل على جملة من وصايا لقمان لابنه-«يا بُنيّ إذا جاء وقت الصلاة فلا تؤخّرها لشيء ، صلّها و استرح منها ؛ فإنّها دينٌ...»(2).

و رُدّ أوّلاً:بأنّ طريق الصدوق إلى سليمان بن داود المنقري-الواقع في سنده ضعيف-بالقاسم بن محمّد الأصفهاني ؛ لعدم توثيقه ، و عدم معلومية اتّحاده مع القاسم بن محمّد الجوهري.

و ثانياً:بأنّ مجرّد حكاية الإمام عن لقمان لا يستلزم تقريره ، حتّى من جهة إطلاق الدين على الصلاة ،بل نظره عليه السلام إلى الاستشهاد بكلام لقمان لإثبات أهمّية الصلاة و حسن المبادرة إليه.

و لهذه الرواية طريق آخر رواها ابن طاوس في كتابه المزبور ، و قد عرفت:

أنّه في حكم المراسيل.

و من النصوص المستدلّ بها:رواية الخثعمية لمّا سألت رسول اللّه صلى الله عليه و آله و سلم:إنّ

********

(1) -وسائل الشيعة 286:4 ، كتاب الصلاة ، أبواب المواقيت ، الباب 61 ، الحديث 9.

(2) -وسائل الشيعة 440:11 ، كتاب الحجّ ، أبواب آداب السفر ، الباب 52 ، الحديث 1.

ص: 107

أبي أدرك فريضة الحجّ شيخاً زمناً لا يستطيع أن يحجّ ، إن حججت عنه أ ينفعه ذلك ؟ فقال لها:«أ رأيت لو كان على أبيكِ دين فقضيته أ كان ينفعه ذلك ؟» قالت:نعم ، قال صلى الله عليه و آله و سلم:«فدَين اللّه أحقّ بالقضاء»(1).

و رُدّ أوّلاً:بضعف سندها ؛ إذ هي غير مروية في طرقنا ،بل رواها العامّة.

و ثانياً:بأنّها وردت في الحجّ ، لا في الصلاة و الصوم ، و قد عرفت تفصيل الكلام في حكم إخراج الحجّ الواجب.

هذا ، مضافاً إلى ما يرد على الاستدلال بهذه النصوص:أنّه على فرض إطلاق الدين على الواجبات البدنية في بعض النصوص ، لا دليل على وجوب أداء كلّ دين ، و إنّما قام الدليل قام على أداء الدين المالي.

و لا ريب:أنّ المتبادر من لفظ «الدين» عند الإطلاق هو خصوص الدين المالي ، و هو ظاهر ما دلّ من النصوص على إخراج الدين من الأصل و تقدّمه على الوصيّة و الإرث.كما أنّه الظاهر ممّا دلّ على وجوب أدائه على المديون.

فتحصّل:أنّه لا دليل على إخراج الواجبات البدنية من أصل التركة ، فتدخل في عنوان الوصيّة.و إنّما المحكَّم فيها إطلاق ما دلّ على عدم نفوذ الوصيّة في الزائد عن الثلث.

فالأقوى:إخراج الواجبات غير المالية الموصى بها من الثلث ، كما اختاره السيّد الماتن قدس سره.

********

(1) -مستدرك الوسائل 26:8، كتاب الحجّ، أبواب وجوب الحجّ و شرائطه، الباب 18، الحديث 3.

ص: 108

(مسألة 24):لا فرق فيما ذكر بين ما إذا كانت الوصيّة بكسر مشاع أو بمال معيّن أو بمقدار من المال(1)، فكما أنّه لو أوصى بالثلث نفذت ، و لو أوصى بالنصف نفذت في الثلث إلّا إذا أجاز الورثة ، كذلك لو أوصى بمال معيّن كبستانه أو بمقدار معيّن كألف دينار ، فإنّه ينسب إلى مجموع التركة ، فإن لم تزد على ثلث المجموع نفذت ، و إلّا تحتاج إلى إذن الورثة.

لا فرق في نفوذ الوصيّة بمقدار الثلث بين تعلّقها بالمعيّن أو المشاع

1-لا خلاف في عدم الفرق من جهة عدم نفوذ الوصيّة في الزائد عن الثلث بين كون المال الموصى به معيّناً أو مشاعاً.

و ذلك أوّلاً:لإطلاق الأدلّة بالنسبة إليهما ، مثل قوله عليه السلام:«فإن قال بعدي، فليس له إلّا الثلث» في موثّقة عمّار السابقة(1).

و ثانياً:لورود النصوص الدالّة على عدم نفوذ الوصيّة في الزائد عن الثلث في كلّ واحدٍ من المعيّن و المشاع.و نكتفي هنا بذكر بعضها:

فمن النصوص الواردة في الوصيّة بالمعيّن صحيحة أحمد بن محمّد قال:

كتب أحمد بن إسحاق إلى أبي الحسن عليه السلام:أنّ ردّة بنت مقاتل توفّيت و تركت ضيعة أشقاصاً في مواضع ، و أوصت لسيّدنا في أشقاصها بما يبلغ أكثر من الثلث و نحن أوصياؤها و أحببنا إنهاء ذلك إلى سيّدنا ؛ فإن أمرنا بإمضاء الوصيّة على وجهها أمضيناها و إن أمرنا بغير ذلك انتهينا إلى أمره في جميع ما يأمر به إن شاء اللّه ؟ قال:فكتب عليه السلام بخطّه:«ليس يجب لها في تركتها إلّا الثلث ، و إن تفضّلتم

********

(1) -وسائل الشيعة 278:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 11 ، الحديث 12.

ص: 109

و كنتم الورثة كان جائزاً لكم إن شاء اللّه»(1).

و صحيح محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:سألته عن رجل حضره الموت فأعتق غلامه و أوصى بوصيّته و كان أكثر من الثلث ؟ قال:«يُمضى عتق الغلام و يكون النقصان فيما بقي»(2).

و أمّا النصوص الواردة في الوصيّة بالمشاع:

فمنها:ما رواه حسين بن مالك قال:كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام اعلم سيّدي:

أنّ ابن أخ لي توفّي أوصى لسيّدي بالضيعة ، و أوصى أن يُدفع كلّ ما في داره-حتّى الأوتاد-تباع و يُحمل الثمن إلى سيّدي ، و أوصى بحجٍّ ، و أوصى للفقراء من أهل بيته ، و أوصى لعمّته و أخيه بمال ، فنظرت ، فإذا ما أوصى به أكثر من الثلث ، و لعلّه يقارب النصف ممّا ترك و خلّف ابناً لثلاث سنين و ترك ديناً ، فرأى سيّدي ؟ فوقّع عليه السلام:

«يقتصر من وصيّته على الثلث من ماله ، و يُقسَّم ذلك بين من أوصى له على قدر سهامهم ، إن شاء اللّه»(3).

و منها:ما رواه الحسين بن محمّد الرازي قال:كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام:

الرجل يموت فيوصي بماله كلّه في أبواب البرّ و بأكثر من الثلث ، هل يجوز له ذلك ؟ و كيف يصنع الوصيّ ؟ فكتب عليه السلام:«تُجاز وصيّته ما لم ينفذ (يتعدّ) الثلث»(4).

********

(1) -وسائل الشيعة 275:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 11 ، الحديث 1.

(2) -وسائل الشيعة 276:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 11 ، الحديث 3.

(3) -وسائل الشيعة 279:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 11 ، الحديث 14.

(4) -وسائل الشيعة 276:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 11 ، الحديث 5.

ص: 110

(مسألة 25):لو كانت إجازة الورثة لما زاد على الثلث بعد موت الموصي ، نفذت بلا إشكال(1) و إن ردّها قبل موته ، و كذا لو أجازها قبل الموت و لم يردّها بعده.

و أمّا لو ردّها بعده ، فهل تنفذ الإجازة السابقة و لا أثر للردّ بعدها أم لا ؟ قولان ، أقواهما الأوّل(2).

1-لا خلاف بين فقهائنا في ذلك ، و الوجه فيه واضح ؛ لأنّ الورثة مالكون لما تركه الميّت حقيقة ، حيث انتقل إليهم بالإرث ؛ فلهم أن يتصرّفوا فيه كيف شاءوا.مضافاً إلى دلالة النصوص الخاصّة المتظافرة(1) على ذلك.نكتفي هنا بذكر واحدٍ منها ؛ نظراً إلى وضوح الحكم ؛ و هو صحيح أحمد بن محمّد السابق ذكره آنفاً(2).

كما أنّه من الواضح:أنّه لا أثر لردّها ؛ لأنّ بإجازتهم خرج المال عن ملكهم و دخل في ملك الموصى به.و لفحوى ما دلّ على عدم اعتبار ردّهم لو أجازوا حال حياة الموصي.

2-وقع الخلاف فيما لو أجاز الورثة لما زاد عن الثلث قبل موت الموصي ثمّ ردّوها بعد موته ، في نفوذ الإجازة بحيث لا يؤثّر الردّ اللّاحق ، و عدم نفوذها ، و التفصيل بين الوصيّة حال المرض و حال الصحّة فتنفذ على الثاني دون الأوّل ، على أقوال.

ربّما يقال:بعدم اعتبار الإجازة حال الحياة ، كما نسبه في «الجواهر» إلى «المقنعة» و«المراسم» و«السرائر» و«الوسيلة» و«الجامع» و«الإيضاح» و«شرح

********

(1) -وسائل الشيعة 275:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 11.

(2) -وسائل الشيعة 275:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 11 ، الحديث 1.

ص: 111

الإرشاد» ، و نسبه في «الحدائق» إلى الشيخ المفيد.

و لكن المشهور اعتبارها و نفوذها و عدم الأثر للردّ اللّاحق ، كما حكى الشهرة في «الشرائع»(1) و«الجواهر»(2) و«الحدائق»(3) ، و نسبه في «جامع المقاصد»(4) إلى الأكثر.

و عمدة الدليل على ذلك هو النصّ المعتبر ؛ ففي صحيح محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام في رجل أوصى بوصيّة و ورثته شهود فأجازوا ذلك ، فلمّا مات الرجل نقضوا الوصيّة ، هل لهم أن يردّوا ما أقرّوا به ؟ فقال عليه السلام:«ليس لهم ذلك ، و الوصيّة جائزة عليهم إذا أقرّوا بها في حياته»(5).

و مثله صحيح منصور بن حازم قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجلٍ أوصى بوصيّة أكثر من الثلث و ورثته شهود ، فأجازوا ذلك له ؟ قال عليه السلام:«جائز»(6).

هاتان الصحيحتان صريحتان في نفوذ إجازة الوارث و عدم اعتبار الردّ اللّاحق.

و في «المسالك» جعل ذلك مدلولاً لغيرهما من الأخبار أيضاً ، و كذا في «الجواهر».و لكن لا حاجة في الاستدلال لذلك إلى غير الصحيحتين المزبورتين بعد صراحتهما في المطلوب.

********

(1) -شرائع الإسلام 191:2.

(2) -جواهر الكلام 284:28.

(3) -الحدائق الناضرة 424:22.

(4) -جامع المقاصد 113:10.

(5) -وسائل الشيعة 283:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 13 ، الحديث 1.

(6) -وسائل الشيعة 284:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 13 ، الحديث 2.

ص: 112

ثمّ إنّه استدلّ لذلك في «المختلف» أوّلاً:بعموم قوله تعالى:«مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ» (1).

و ثانياً:لأنّ الردّ حقٌّ للورثة ، فإذا رضوا بالوصيّة سقط حقّهم ، كما لو رضي المشتري بالعيب.

و ثالثاً:بأنّ الموصي إنّما منع من الوصيّة بالزائد من الثلث إرفاقاً بالورثة ، فإذا رضي الوارث زال المانع.و لا يتحقّق بعد زواله ؛ نظراً إلى كون إجازة الوارث في حكم تصرّف المالك في ملكه ، فكيف لا ينتقض برجوعه ؟ فكذلك في المقام.

و رابعاً:بأنّ الزائد عن الثلث من المال الموصى به لا يخرج عن ملك الموصي و الورثة ؛ لأنّ الموصي لو بَرئ و نجا من الموت كان المال له ، و إن مات كان للورثة ؛ فإن كان للموصي فقد أوصى به ، و إن كان للورثة فقد أجازوه(2).

و لكن هذه الوجوه الأربعة بأجمعها غير وجيهة ، حيث إنّه يرد على الأوّل:

بأنّ إطلاقات نفوذ الوصيّة قد قيّدت بالثلث.فالمرجع في المقام عموم عدم نفوذ الوصيّة في الزائد عن الثلث ، مثل قول أبي عبد اللّه عليه السلام في موثّقة عمّار السابقة:«فإن قال بعدي، فليس له إلّا الثلث»، و المفروض في المقام:أنّه كانت وصيّته في الزائد عن الثلث.

و على الثاني:بأنّه لم يكن لهم حقّ للإجازة ، فضلاً عن حقّ الردّ ؛ نظراً إلى عدم ثبوت حقّ لهم حال حياة الموصي ، و إنّما يحدث بعد موته.

********

(1) -النساء (4):12.

(2) -مختلف الشيعة 304:6.

ص: 113

و على الثالث:بأنّ كون منع الموصي عن الوصيّة بالزائد عن الثلث إرفاقاً بالورثة لا يجعل المال الموصى به ملكاً للوارث حال حياة الموصي ليثبت له حقّ الإجازة أو تكون إجازته في حكم تصرّف المالك في ملكه.

و على الرابع:بأنّ الترديد المذكور لا معنى له في حال حياة الموصي ؛ بداهة تعيُّن ملكية المال الموصى به للموصي حال حياته.

و بذلك ظهر ضعف توجيه صاحب «العروة» لتأييد ذلك باحتمال كون الوارث ذا حقٍّ في الثلثين ، فيرجع إجازته إلى إسقاط حقّه.و استظهره ممّا دلّ على أنّه ليس للموصي من ماله إلّا الثلث(1).

وجه الضعف واضح بعد ما ذكرناه ؛ من عدم ثبوت ملك و لا حقٍّ للوارث حال حياة الموصي ،بل إنّما يحدث له الملك بعد موته.

و عليه:فنفوذ إجازة الوارث قبل موت الموصي خلاف مقتضى القاعدة ، و إنّما الدليل على نفوذها هو النصّ المزبور.

انقدح بذلك أيضاً:أنّه لا وجه للتفصيل بين ما إذا كانت الوصيّة حال مرض الموصي فتنفذ إجازة الوارث ، دون ما إذا كانت حال صحّته.

فإنّ هذا التفصيل-مضافاً إلى عدم وجهٍ له في نفسه-كالقول بعدم نفوذ إجازتهم مطلقاً ، اجتهادٌ في مقابل النصّ المعتبر ، و إن كان القول بعدم نفوذها بمقتضى القاعدة ، إلّا أنّه بعد صراحة النصّ المعتبر يكون العمل بالقاعدة اجتهاداً في مقابل النصّ.

فالأقوى في المقام ما ذهب إليه السيّد الماتن قدس سره وفاقاً للمشهور.

********

(1) -العروة الوثقى 679:5، المسألة 4.

ص: 114

(مسألة 26):لو أجاز الوارث بعض الزيادة لا تمامها نفذت بمقدار ما أجاز(1)، و بطلت في الزائد عليه.

(مسألة 27):لو أجاز بعض الورثة دون بعضهم نفذت في حقّ المجيز في الزائد ، و بطلت في حقّ غيره(2).

1-و الوجه فيه واضح ؛ و ذلك لإطلاق الحكم بنفوذ إجازة الورثة عليهم فيما زاد عن الثلث في صحيحة محمّد بن مسلم و منصور بن حازم ؛ نظراً إلى شموله لكلّ ما صدق عليه الزائد عن الثلث ؛ سواءٌ كان بعض الثلثين أو جميعه ،بلا فرق.

2-هذا هو المشتهر بين الفقهاء ، كما في «الشرائع» و«القواعد» و«جامع المقاصد» و«المفاتيح» و«مفتاح الكرامة» و«الحدائق» و«الجواهر» و«العروة» و غيرها.

و الوجه في ذلك:إطلاقات النصوص الدالّة على نفوذ إجازة الوارث ، مثل صحاح أحمد بن محمّد و محمّد بن مسلم و منصور بن حازم و غيرها ؛ نظراً إلى شمولها لما إذا أجاز بعض الورثة ، و لم يفصّل فيها من هذه الجهة ، هذا.

مضافاً إلى أنّه مقتضى القاعدة فيما إذا صدرت الإجازة بعد موت الموصي ؛ لأنّ الورثة هم المالكون لما زاد عن الثلث طبق قانون الإرث ؛ فلكلّ واحدٍ منهم يجوز التصرّف في سهمه المملوك له بأيّ نحو شاء ، كما هو مقتضى المالكية.

و قد يتوهّم عدم نفوذ إجازة بعض الورثة خاصّةً ،بدعوى أنّ الذي أنشأه الموصي وصيّة واحدة تعلّقت بالمجموع الزائد عن الثلث بعنوانه الواحد ، و أنّ نفوذها في بعض دون بعض يوجب التبعيض في متعلّق الوصيّة ، و هذا ينافي وحدة الوصيّة و متعلّقها.

ص: 115

فإذا كان للموصي ابن و بنت و أوصى لزيد بنصف ماله ، قسّمت التركة ثمانية عشر ، و نفذت في ثلثها و هو ستّة ، و في الزائد و هو ثلاثة احتاج إلى إمضاء الابن و البنت ، فإن أمضى الابن دون البنت نفذت في اثنين و بطلت في واحد ، و إن أمضت البنت نفذت في واحد و بطلت في اثنين(1).

(مسألة 28):لو أوصى بعين معيّنة أو مقدار كلّي من المال كمائة دينار ، يلاحظ في كونه بمقدار الثلث أو أقلّ أو أزيد بالنسبة إلى أمواله حين الفوت ، لا حين الوصيّة(2).فلو أوصى بعين كانت بمقدار نصف أمواله حين الوصيّة ، و صارت لجهة بمقدار الثلث ممّا ترك حين الوفاة ، نفذت في الكلّ ،

و لكنّه واضح البطلان ؛ لما سبق في توجيه بطلان الوصيّة بالزائد عن الثلث من انحلال الوصيّة إلى آحاد أجزاء متعلّقها.و مقتضى ذلك:أن يكون كلّ جزءٍ من أجزاء متعلّقها متعلّقاً بالوصيّة بحياله.و عليه:فكلّ قدر من متعلّق الوصيّة كان لنفوذها فيه منعاً شرعياً تنفذ فيما سواه من متعلّقها.

1-ففي المقام:كلّ مقدار أجاز فيه الورثة لا مانع من نفوذ الوصيّة فيه.و هذا أمر واضح بمقتضى القاعدة و إطلاق النصوص المشار إليها.و أمّا فرض مجموع التركة ثمانية عشر سهماً في كلام السيّد الماتن قدس سره فإنّما هو لأجل توقّف فرض سهم الابن و البنت في النصف الموصى به على ذلك.

يعتبر في تقدير الثلث لحاظ حال موت الموصي

2-لا خلاف في أنّه يعتبر في تقدير الثلث لحاظ حال موت الموصي ثلث أموال الموصي حال موته لا وقت الوصيّة في الجملة ، كما قال في «الجواهر»:بلا

ص: 116

خلاف أجده(1).و نقل في «مفتاح الكرامة» عن «المفاتيح»:أنّه المشهور ، و نقل عن «الخلاف»:أنّه مجمع عليه(2).

ثمّ إنّه يبحث في المقام تارةً بمقتضى القاعدة ، و اخرى بمقتضى الأدلّة اللفظية الواردة في الوصيّة:

أمّا مقتضى القاعدة فقد يقال:إنّ القاعدة تقتضي حمل كلام الموصي على حال الوصيّة لا حال الفوت ، كما في سائر الموارد ؛ نظراً إلى حمل العنوان المأخوذ في موضوع الحكم على مصداقه حال الخطاب(3).

و مقتضى التأمّل:أنّ المدار في ذلك على ظهور المشتقّ في المتلبّس بالمبدإ في الحال ؛ نظراً إلى كون عنوان الثلث و الربع و السدس و نحو ذلك من عناوين الكسر المشاع داخل في المشتقّ الاُصولي ؛ لدلالته على المال المتّصف بالتثلُّث ؛ فإنّ المال ذاتٌ و اتّصافه بالثلث هو تلبّسه بالمبدإ.

و قد يزول عنه المبدأ فيما نقص مجموع أموال الميّت حين الموت ، فيصير ثلث ماله حال الوصيّة نصفه في زمان الموت حينئذٍ.

********

(1) -جواهر الكلام 289:28.

(2) -مفتاح الكرامة 455:9/السطر 2.

(3) -راجع:مستمسك العروة الوثقى 613:14.

ص: 117

و لو انعكس نفذت في مقدار الثلث ممّا ترك ، و بطلت في الزائد.و هذا ممّا لا إشكال فيه.و إنّما الإشكال فيما إذا أوصى بكسر مشاع ، كما إذا قال:«ثلث مالي لزيد بعد وفاتي» ثمّ تجدّد له بعد الوصيّة أموال ، و أنّه هل تشمل الوصيّة الزيادات المتجدّدة بعدها أم لا ؟ سيّما إذا لم تكن متوقّعة الحصول ، و الظاهر-نظراً إلى شاهد الحال- أنّ المراد بالمال هو الذي لو لم يوص بالثلث كان جميعه للورثة ، و هو ما كان له عند الوفاة.نعم لو كانت قرينة تدلّ على أنّ مراده الأموال الموجودة حال الوصيّة اقتصر عليها(1).

1-و قد ثبت في علم الاُصول ظهور عنوان المشتقّ في المتلبّس بالمبدإ حين الجري و الإسناد ؛ و لذا لو قال:«نصف مالي لزيد» و كان حين التكلّم بذلك نصف ماله ألف تومان مثلاً ، ثمّ زاد ماله بعد يوم أو يومين فصار نصف ماله ألفين تومان ، لا يحكم عليه بألفين تومان ،بل يحكم بخروج ألف تومان من ملكه ؛ لأنّه كان نصف ماله حين التكلّم ؛ لظهور نصف ماله الواقع متعلّق التمليك في ماله المتّصف بالنصف حال إنشاء التمليك ، دون ما صار نصفاً بعد ذلك.و مثله ما لو قال:

«أتصدّق بثلث مالي أو نصفه».

فكذلك في الوصيّة بالثلث ؛ فإنّ مقتضى القاعدة تعلّق الوصيّة بما صدق عليه عنوان الثلث حال الوصيّة ؛ لأنّه حال النطق و الجري لا حال الموت.و إنّما يحمل على الثلث حال الفوت بقرينة المقام من تعلّق الوصيّة بما يتركه الميّت بعد موته و يفارقه و يصير للورثة ؛ فكأنّ الموصي في مقام التصرّف في المال الذي يذهب منه.

و لكن التحقيق:أنّ قاعدة ظهور المشتقّ في المتلبّس بالمبدإ في حال الجري

ص: 118

و الإسناد إنّما هو فيما إذا لم تكن قرينة في مقام التكلّم تكشف عن مراد المتكلِّم ، و إلّا فهي توجب ظهور الكلام فيما تقتضيه القرينة ، كما في المجاز.

و أنّ في محلّ الكلام تقتضي القرينة ظهور الوصيّة بالثلث في تعلّقها بما هو ثلث ما تركه الموصي بعد موته ، دون ما هو ثلث أمواله حال حياته.

و أنّ هذا الظهور المستند إلى القرينة القطعية المقامية أيضاً يكون بمقتضى القاعدة المحكّمة في قانون المحاورات.

و عليه:فحمل الوصيّة بالثلث على تعلّقها بثلث ما تركه الموصي بعد موته لا يكون خلاف مقتضى القاعدة ،بل يكون هذا ظاهر الوصيّة بمقتضى القاعدة ، بلا حاجة إلى حملٍ و تأويل ؛ نظراً إلى وجود القرينة القطعية-بشهادة الحال و مقام الوصيّة-أنّ المراد من الثلث هو ثلث المال الذي لو لم يوص بثلثه لكان جميعه للورثة ، و هو لا يكون إلّا ما تركه الموصي بعد موته ، كما أشار إليه السيّد الماتن قدس سره.

هذا مقتضى القاعدة.

و أمّا الأدلّة اللفظية:فيدلّ على ذلك قوله تعالى:«كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ...» (1)؛ نظراً إلى دلالته على تعلّق الوصيّة المكتوبة المشروعة بالمال الذي تركه الموصي عند موته ، و معناه:عدم نفوذ الوصيّة فيما كان من أمواله حال حياته.

و عليه:فالمقصود من الثلث في النصوص الدالّة على نفوذ الوصيّة في خصوص الثلث و عدم نفوذها في الزائد عنه ، هو ثلث ما تركه الموصي من الأموال

********

(1) -البقرة (2):180.

ص: 119

بعد موته لتكون الوصيّة مشروعة ،بل هذه النصوص ظاهرة في هذا المعنى بقرينة الآية المزبورة ، هذا.

مضافاً إلى التصريح بذلك في بعض النصوص ، مثل قوله عليه السلام في صحيحة أحمد بن محمّد:«ليس يجب لها في تركتها إلّا الثلث»(1)؛ فإنّ عنوان «التركة» لا يصدق إلّا على ما تركه الموصي من الأموال بعد موته ، و إنّما حكم الإمام بنفوذ الوصيّة في ثلث ما تركه الموصي بعد موته.فهذه الصحيحة صريحة في المطلوب.

و ممّا يدلّ على ذلك موثّقة السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«قال أمير المؤمنين عليه السلام:من أوصى بثلثه ثمّ قُتِل خطأً ، فإنّ ثلث ديته داخلٌ في وصيّته»(2).و مثلها صحيحة محمّد بن قيس(3) في الدلالة.

وجه الدلالة:أنّ ملكية الدية متأخّرة عن الموت ؛ نظراً إلى دخولها في ملك المقتول بسبب قتله ، مع أنّ الإمام عليه السلام حكم بنفوذ الوصيّة في ثلثها أيضاً ؛ فيعلم منه:

أنّ المعتبر ثلث أموال الميّت بعد موته لا حال الوصيّة.

و أمّا الفرق بين ما لو تعلّقت الوصيّة بعين معينة أو مقدار كلّي-كمائة دينار- و بين تعلّقها بالكسر المشاع ، فقد اتّضح ممّا بيّناه:أنّه لا وجه للفرق بينهما في المقام ؛ لعدم مساعدة الدليل لهذا الفرق ، و إن قال به في «الحدائق»(4) ، و نسبه أيضاً في «مفتاح الكرامة»(5) إلى «جامع المقاصد» و«المسالك» و«الروضة».

********

(1) -وسائل الشيعة 275:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 11 ، الحديث 1.

(2) -وسائل الشيعة 285:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 14 ، الحديث 2.

(3) -وسائل الشيعة 285:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 14 ، الحديث1.

(4) -الحدائق الناضرة 427:22.

(5) -مفتاح الكرامة 455:9/السطر 8.

ص: 120

(مسألة 29):الإجازة من الوارث إمضاء و تنفيذ(1)، فلا يكفي فيها مجرّد الرضا و طيب النفس ؛ من دون قول أو فعل يدلّان على الإمضاء.

إجازة الوارث إمضاءٌ للوصيّة

1-اشتهر بين الفقهاء:أنّ إجازة الورثة للوصيّة بالزائد عن الثلث إمضاءٌ للوصيّة و تنفيذٌ لعمل الموصي ، لا ابتداء عطية.بل نَفى الخلاف في ذلك صاحب «الحدائق»(1).و قال في «مفتاح الكرامة»:لا أجد فيه خلافاً.و استظهر من «التذكرة» و«جامع المقاصد» و«المفاتيح» الإجماع عليه ، و من «المبسوط» و«المسالك»:أنّه مذهب الأصحاب(2).

و على أيّ حال ؛ لا كلام في كون إجازة الوارث إمضاء للوصيّة إذا صدرت قبل موت الموصي ؛ نظراً إلى عدم كون الزائد عن الثلث ملكاً له حال حياة الموصي ،بل هو أجنبيّ عن ماله كسائر الناس ، فلا يعقل كون إجازته عطية حينئذٍ ، هذا.

مضافاً إلى دلالة صحيحة أحمد بن محمّد السابقة على ذلك ؛ لورودها في خصوص ما لو صدرت الإجازة من الوارث قبل موت الموصي ، فعُبّر عنها بالإمضاء.

و إنّما الكلام-كما قال في «الحدائق»(3)-فيما إذا صدرت الإجازة من الورثة

********

(1) -الحدائق الناضرة 426:22.

(2) -مفتاح الكرامة 451:9/السطر 11.

(3) -الحدائق الناضرة 425:22.

ص: 121

بعد موت الموصي ؛ نظراً إلى دخول مال الموصي في ملك ورثته بمجرّد موته ، فيحتمل حينئذٍ ، كون إجازتهم عطيةً منهم للموصى له.

و قد ذهب صاحب «الحدائق» إلى كونها عطيةً-خلافاً للمشهور ،بل المتسالم بين الأصحاب-حيث قال في ختام بحثه عن ذلك:و بالجملة فإنّ الأقرب إلى الاعتبار و الأنسب بالأخبار و هو ما علّل به الاحتمال المذكور و جميع ما اجيب به عنه و ما عُلّل به ، القول المشهور لا يخلو من القصور(1).

و على أيّ حال:فقد استدلّ على كون الإجازة عطيةً:

أوّلاً:بأنّها تمليك ، و قد انتقل حقّ التمليك بموت الموصي إلى الورثة بانتقال أموال الموصي بعد موته إليهم.

و ثانياً:بما ورد من النهي عن تصرّف الموصي في الزائد عن الثلث و بطلان وصيّته فيه بقوله عليه السلام:«فإن قال بعدي، فليس له إلّا الثلث»(2) في موثّقة عمّار السابقة.فإذا كانت الوصيّة باطلة فكيف تكون الإجازة إمضاءً لها ؟!

و ثالثاً:بقوله عليه السلام:«فإن تفضّلتم و كنتم الورثة كان جائزاً لكم»(3) في مكاتبة أحمد بن إسحاق السابقة ،بدعوى:أنّ فيه نوع إشارة إلى أنّ ذلك عطية منهم للموصى له و تفضّلٌ منهم عليه.

هذه الوجوه الثلاثة استدلّ بها صاحب «الحدائق».

و لكن يرد على الوجه الأوّل:أنّ كون العطية تمليكاً و ثبوت حقّ التمليك

********

(1) -الحدائق الناضرة 426:22.

(2) -وسائل الشيعة 278:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 11 ، الحديث 12.

(3) -وسائل الشيعة 275:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 11 ، الحديث 1.

ص: 122

للورثة-نظراً إلى كون التركة ملكهم-غاية ما يلزم منه إمكان صدور العطية من الورثة و صحّتها على فرض الصدور ، و لكنّه لا يثبت كون الإجازة الصادرة منهم عطية.

و على الوجه الثاني:بأنّ بطلان الوصيّة في الزائد عن الثلث إنّما هو فيما إذا لم يُجِزها الورثة.و أمّا في فرض الإجازة فتصحّ الوصيّة في الزائد قطعاً.

و على الثالث:باحتمال كون المقصود هو التفضّل على الموصي بإمضاء وصيّته ،بل هو الظاهر بشهادة ما جاء في استفتاء الراوي من إمضاء الوصيّة في الزائد لو أمر به الإمام عليه السلام ، كما احتمل ذلك في «الحدائق» أيضاً.

و أمّا وجه كون الإجازة إمضاء الوصيّة بالزائد:

فأوّلاً:أنّه عند صدور الإجازة من الوارث فإمّا ينتقل الزائد إلى الموصى له من الموصي لا من الوارث ؛ نظراً إلى صحّة الوصيّة في الزائد بإجازة الوارث و تقدّم الوصيّة على الإرث في الكتاب و السنّة.و أمّا قوله عليه السلام:«فليس له إلّا الثلث» لا يفيد كون الزائد ملكاً للوارث ، و إلّا لأفاد ملكية الثلث للموصي ؛ لاقتضاء وحدة السياق.

فإذا انتقل الزائد عن الثلث من الموصي إلى الموصى له لا معنى لكون إجازة الوارث عطية منه ، حيث لا يكون الزائد ملكاً.و العطية تمليك ، و لا يصحّ تمليك ما لا يملك ، كما هو واضح.

و إمّا ينتقل من الوارث إلى الموصى له.فحينئذٍ:غاية ما يلزم منه صحّة حمل الإجازة على كلٍّ من الإمضاء و العطية ؛ لوضوح عدم تعيين أحدهما بمجرّد ذلك.

و لكن حيث إنّ المتبادر من الإجازة ليس إلّا التنفيذ و الإمضاء-كما في باب الفضولي و نحوه-فلذا لا مناص من الالتزام بكونها إمضاءً.

و ثانياً:يشهد على ذلك صحيحة أحمد بن محمّد ؛ لظهور قوله عليه السلام:«و إن تفضّلتم و كنتم الورثة كان جائزاً لكم» في التفضّل على الموصي بإمضاء وصيّته

ص: 123

المتعلّقة بالزائد عن الثلث ، و ذلك بقرينة استفتاء الراوي عن حكم الإمضاء ، كما صرّح به في صدر هذه الصحيحة.

و ثالثاً:مقابلة الإجازة و النقل في صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام:في رجلٍ أوصى بوصيّة و ورثته شهود ، فأجازوا ذلك ، فلمّا مات الرجل نقضوا الوصيّة ، هل لهم أن يردّوا ما أقرّوا به(1) ؟

فإنّها و إن وردت في إجازة الورثة قبل موت الموصي ، إلّا أنّ الفرق بينها و بين الإجازة بعد موته في المعنى المقصود غير محتمل.فلا ريب أنّهما من سنخ واحد.

و لا ريب أنّ الإجازة المتضادّة للنقض تكون بمعنى الإمضاء ؛ لأنّه مرادف للإبرام المقابل للنقض ، هذا.

مضافاً إلى إطلاق الإقرار عليها في كلام السائل ، و هو مرادف الإمضاء و التنفيذ لا من العطية.و إنّما أجاب الإمام عليه السلام مبنياً على ما كان مرتكزاً في ذهن السائل من معنى الإجازة.

ثمّ إنّ ثمرة الاختلاف في المقام تظهر فيما لو مات الوارث أو الموصى له بعد الإجازة و قبل القبض:

فعلى ما ذهب إليه صاحب «الحدائق»-من كون الإجازة عطية-يبقى المال في ملك المجيز ، و بعد موته ينتقل إلى وارثه ؛ نظراً إلى كون العطية في حكم الهبة ، و لا تصحّ الهبة إلّا بالقبض.

أمّا بناءً على كون الإجازة إمضاءً للوصيّة ، فبمجرّد صدور الإجازة ينتقل المال الموصى به إلى ملك الموصى له بنفس الوصيّة ؛ سواءٌ مات المجيز بعد

********

(1) -وسائل الشيعة 283:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 13 ، الحديث 1.

ص: 124

(مسألة 30):لا تعتبر في الإجازة الفوريّة(1).

الإجازة ، أو مات الموصى له ، أو هما.

ففي الصورتين الأخيرتين قامت ورثة الموصى له مقامه بعد موته ، كما سبق البحث عن ذلك.

عدم اعتبار الفورية في إجازة الورثة

1-وجه اعتبار الفورية في إجازة الورثة لعلّه توهّم بطلان الوصيّة في الزائد عن الثلث بمجرّد موت الموصي إذا لم تصدر الإجازة من الورثة ؛ نظراً إلى اشتراط إجازتهم في صحّة الوصيّة بالزائد.فإذا لم تصدر الإجازة منهم بعد موت الموصي تبطل الوصيّة في الزائد ؛ نظراً إلى انتقاله بمجرّد موته إلى الورثة ، و بعد انتقاله إليهم لا يبقى موضوع للوصيّة ؛ فتبطل قهراً ، و لا تنقلب إلى الصحّة بالإجازة بعد ما صارت باطلة.

و من هنا لا تأثير للإجازة المتراخية عن الموت في تصحيح الوصيّة الباطلة.

و لأجل ذلك تعتبر الفورية في الإجازة.

و لكن هذا التوهّم في غير محلّه ، حيث إنّ إطلاق النصوص الدالّة على تصحيح الوصيّة بالزائد عن الثلث بإجازة الورثة بعد موت الموصي-كصحيح أحمد بن محمّد(1) و غيرها-يقتضي تأثير إجازتهم في تصحيح الوصيّة مطلقاً ؛ سواءٌ صدرت منهم بمجرّد موت الموصي فوراً ، أو بعد مضيّ مدّةٍ من موته متراخياً.و هذا الإطلاق كاشف عن عدم بطلان الوصيّة بالزائد ما دام لم تقسّم

********

(1) -وسائل الشيعة 275:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 11 ، الحديث 1.

ص: 125

(مسألة 31):يحسب من التركة ما يملك بالموت كالدية ، و كذا ما يملك بعد الموت إذا أوجد الميّت سببه قبل موته(1)،

التركة ،بل كونها مراعاة قبل تقسيمها.

فما دام لم تُقَسَّم التركة كان للإجازة محلّاً و تصحّ الوصيّة بصدورها من الورثة.

نعم ،بعد تقسيم التركة لا يبقى محلّ للإجازة ، فيكون إعطاء الورثة سهمهم -بعضه أو كلّه-إلى الموصى له حينئذٍ من قبيل العطية بلا كلام.

فالحاصل:أنّ إطلاق نصوص المقام ينفي اعتبار الفورية في إجازة الورثة.

حكم ما يُملك بالموت و بعد الموت

1-يقع الكلام تارةً:فيما يملك بالموت كالدية.

و اخرى:فيما يملك بعد الموت ، كنماء الأشجار و نتاج الحيوان و الصيد الواقع في الشبكة.

أمّا المقام الأوّل:فلا إشكال و لا خلاف في حساب الدية من التركة و نفوذ الوصيّة فيها ،بل ادّعي الإجماع بل الإطباق عليه ، كما في «جامع المقاصد»(1)و«الجواهر»(2).

و عمدة الدليل على ذلك دلالة النصّ الصريح ، مثل صحيح محمّد بن قيس قال:قلت له:رجل أوصى لرجلٍ بوصيّة من ماله ثلث أو ربع ، فيُقتل الرجل خطأً

********

(1) -جامع المقاصد 116:10.

(2) -جواهر الكلام 291:28.

ص: 126

مثل ما يقع في الشبكة التي نصبها الميّت في زمان حياته ، فيخرج منه دين الميّت و وصاياه.نعم بعض صورها محلّ تأمّل(1).

-يعني الموصي-فقال عليه السلام:«يجاز لهذه الوصيّة من ماله و من ديته»(1).

دلالته صريحة في نفوذ الوصيّة في الدية.و أمّا سنده فصحيح ، و لا يضرّه الإضمار ؛ لعدم احتمال إضمار محمّد بن قيس عن غير الإمام عليه السلام ، كما يشهد لذلك صحيحه الآتي.

و صحيحه الآخر عن أبي جعفر عليه السلام قال:«قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجل أوصى لرجل بوصيّة مقطوعة غير مسمّاة من ماله ثلثاً أو ربعاً أو أقلّ من ذلك أو أكثر ، ثمّ قُتل بعد ذلك الموصي فودي.فقضى عليه السلام في وصيّته:أنّها تنفذ من ماله و من ديته كما أوصى»(2).

قوله «مقطوعة» أي:قيّد في الوصيّة عدم قيام ورثة الرجل الموصى له مقامه لو مات قبل العمل بالوصيّة أو قبل موت الموصي.و يحتمل كونها بمعنى منجّزة بتّية لا رجعة فيها ، كما عبّر بذلك في وقف موسى بن جعفر عليه السلام أرضه لأولاده(3).

و موثّقة السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«قال أمير المؤمنين عليه السلام:«من أوصى بثلثه ثمّ قُتل خطأً فإنّ ثلث ديته داخل في وصيّته»(4).

1-أمّا المقام الثاني:فالمشهور نفوذ الوصيّة فيما يملكه الميّت بعد موته

********

(1) -وسائل الشيعة 285:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 14 ، الحديث 1.

(2) -وسائل الشيعة 286:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 14 ، الحديث 3.

(3) -وسائل الشيعة 202:19 ، كتاب الوقوف و الصدقات ، الباب 10 ، الحديث 4.

(4) -وسائل الشيعة 285:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 14 ، الحديث 2.

ص: 127

و حسابه من تركته فيما إذا أوجد سببه قبل موته مطلقاً في جميع صور الوصيّة.

و الوجه فيه:كون المِلك لمن أوجد سببه ؛ لإضافته إليه عرفاً ؛ فإنّ المسبّب أثر للسبب ؛ فمن أوجد السبب هو الذي أوجد المسبّب.

ففي محلّ الكلام:يكون الصيد مسبّباً لنصب الشبكة و أثره ، و إنّ نصب الشبكة سبب له.فحيث إنّ الميّت هو الذي أوجد السبب بنصب الشبكة في زمان حياته فهو الموجد للمسبّب أيضاً ؛ فلذا يضاف الصيد عرفاً إلى الصائد و الزرع إلى الزارع ، لا إلى مالك الشبكة و الأرض.

هذا واضح فيما إذا وقع الصيد في الشبكة قبل تقسيم التركة.

و كذا إذا لم يكن الموصى به معيّناً زائداً عن الثلث أو كلّياً كذلك ، كمائة دينار ؛ بأن كان كسراً مشاعاً بقدر الثلث أو أزيد ، كالنصف و أربعة أخماس و نحو ذلك من الكسور الزائدة عن الثلث ؛ لأنّ الصيد الواقع في الشبكة يكون كسائر أموال الميّت من التركة ، فيُضمّ إلى سائر أمواله ، و يحسب من المجموع الوصيّة و الدين ، و ينتقل الباقي إلى الورثة بلا كلام.

و أمّا لو وقع الصيد في الشبكة أو حصل أيّ ثمار و نتاج آخر أوجد الميّت سببه بعد تقسيم التركة ، أو فيما إذا أوصى بمعيّن زائد عن الثلث ، فصار بقدر الثلث بعد وقوع الصيد في الشبكة بضمّه إلى التركة.

و كذا لو أوصى بكلّي-كمائة دينار-و كان زائداً عن الثلث ، ثمّ صار بقدر الثلث بعد وقوع الصيد في الشبكة بضمّه إلى التركة ، فقد يشكل حينئذٍ بأنّ آلة الصيد بعد التقسيم كان ملك الوارث.

و كذا في الوصيّة بالمعيّن و الكلّي الزائد عن الثلث ؛ نظراً إلى تعيُّن باقي الأموال-التي منها الشبكة-لملك الورثة.

ص: 128

(مسألة 32):للموصي تعيين ثلثه في عين مخصوصة من التركة(1) ،

و عليه:فإذا كانت الشبكة للورثة فلا بدّ أن يكون الصيد-الذي هو بمنزلة نمائها-لهم أيضاً ؛ فلا يدخل في الوصيّة.

و لعلّ هذا هو مراد السيّد الماتن قدس سره من الإشكال في بعض صور الوصيّة.

و لكن يمكن الجواب عن هذا الإشكال بما أشرنا إليه في أوّل البحث:بأنّ ملكية الصيد تضاف عرفاً إلى الصائد ؛ لأنّه موجِدٌ لسبب وقوع الصيد في الشبكة ، لا إلى مالك الشبكة.كما ورد:أنّ الزرع للزارع و لو كان غاصباً ؛ فإنّ هذا ليس تعبّدي ،بل ثابت في ارتكاز عرف العقلاء ، حيث إنّ الزارع هو الذي أوجد سبب الزرع ، و إنّما الأرض هي آلة الزرع.و كذلك في الشبكة.

فالأقوى في المقام:ما ذهب إليه المشهور في المقام من نفوذ الوصيّة فيما يُملك بعد الموت مطلقاً.

حكم تعيين الثلث و إطلاقه

1-لا إشكال في ذلك ؛ نظراً إلى إطلاق ما دلّ من النصوص على نفوذ الوصيّة في الثلث(1) ، هذا.

مضافاً إلى كون مورد السؤال في كثيرٍ من هذه النصوص ما إذا أوصى بشيء معيّن ، مثل صحيح أحمد بن محمّد و صحيح محمّد بن مسلم(2) ، و قد سبق ذكرهما.

و أمّا الاستدلال بقاعدة السلطنة ، ففي غير محلّه ؛ لاختصاصها بالتصرّفات

********

(1) -وسائل الشيعة 271:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 10.

(2) -وسائل الشيعة 275:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 11 ، الحديث 1 و3.

ص: 129

و له تفويض التعيين إلى الوصيّ(1)، فيتعيّن فيما عيّنه ، و مع الإطلاق-كما لو قال:

ثلث مالي لفلان-يصير شريكاً مع الورثة بالإشاعة(2)، فلا بدّ و أن يكون الإفراز و التعيين برضا الجميع كسائر الأموال المشتركة.

المتعلّقة بحال حياته ، دون ما يتعلّق منها بما بعد الموت ، كما في الوصيّة.

و إنّ ذلك ظاهر دليل قاعدة السلطنة.فهي قاصرة عن الشمول للتصرّفات المتعلّقة بما بعد الموت.و قد دلّ على ذلك بالخصوص موثّقة عمّار الساباطي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«الميّت أحقّ بماله ما دام فيه الروح يُبيِّن به ، فإن قال بعدي فليس له إلّا الثلث»(1)؛ فإنّ مفادها تخصيصٌ لقاعدة السلطنة بغير الوصيّة من أنحاء التصرّفات ، لو لم تكن الوصيّة خارجة منها تخصّصاً ؛ نظراً إلى قصور قاعدة السلطنة عن شمولها للوصيّة.

1-لأنّ الوصيّ بمنزلة الموصي و نائبه ، فيثبت له ما كان ثابتاً للموصي.

و لمّا كان تعيين الثلث حقّاً ثابتاً للموصي فله تفويض ذلك إلى الوصيّ ، كما هو مقتضى النيابة.

2-لوضوح ظهور الكسر المشاع في الشركة بالإشاعة ، كما في الخمس.

و عليه:فيكون للموصى له من كلّ شيءٍ من التركة ثلثهُ ؛ حاضراً كان أو غائباً ، عيناً كان أو ديناً ، منقولاً كان أو غير منقول.بل هو شريكٌ للورثة في كلّ جزءٍ جزءٍ من التركة ، فيتوقّف إفراز سهمه و تعيينه برضى جميع الورثة ، كما هو مقتضى القاعدة في سائر الأموال المشتركة.

********

(1) -وسائل الشيعة 278:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 11 ، الحديث 12.

ص: 130

(مسألة 33):إنّما يحسب الثلث بعد إخراج ما يخرج من الأصل كالدين و الواجبات المالية ، فإن بقي بعد ذلك شيء يخرج ثلثه(1).

و لا يخفى:أنّ جميع الأحكام المذكورة في هذه المسألة مورد تسالم الفقهاء ، و لا خلاف في ذلك.

و لكن بقيت صورة لم يتعرّض لها السيّد الماتن ، و هو:أنّ تعيين الثلث من جانب الموصي إنّما يكون نافذاً فيما إذا كان الثلثان حاضراً و في سلطة الورثة.

و أمّا إذا لم يكن حاضراً أو لم يكن في سلطتهم-بأن كان غائباً أو في سلطة غيرهم-ففي نفوذ تعيين الثلث في مال معيّن أو مبلغ كلّي-كمائة دينار-إشكال ، كما قال به في «جامع المقاصد» و«الحدائق» و«الجواهر»(1).

و الوجه فيه:أنّ للورثة سهمين من العين الموصى بها ، و للموصي سهم ؛ فإذا عيّنها بعنوان الثلث لا بدّ من تمكين الورثة من قيمة ثلثي العين الموجودة في ثلثي التركة ؛ فمن هنا يعتبر في تعيين الثلث تسليط الورثة على ثلثي التركة.

و لكن إطلاق دليل نفوذ الوصيّة في الثلث ينفي هذا الإشكال.

يحسب الثلث بعد الدين و الواجبات المالية

1-و الوجه فيه:أنّ إخراج الثلث عملٌ بالوصيّة ، و إنّما يجوز العمل بالوصيّة بعد إخراج الدين و ما يلحق به من الواجبات المالية ؛ نظراً إلى وجوب تقديم إخراج الديون على العمل بالوصيّة.

و قد دلّ على ذلك نصوص معتبرة بالصراحة:

********

(1) -جامع المقاصد 126:10 ؛ الحدائق الناضرة 449:22 ؛ جواهر الكلام 314:28.

ص: 131

(مسألة 34):لو أوصى بوصايا متعدّدة غير متضادّة و كانت من نوع واحد ، فإن كانت جميعاً واجبة ماليّة ينفذ الجميع من الأصل ، و إن كانت واجبة بدنيّة أو كانت تبرعية تنفذ من الثلث(1)،

مثل صحيح محمّد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال:«قال أمير المؤمنين عليه السلام:

إنّ الدين قبل الوصيّة ، ثمّ الوصيّة على أثر الدين ، ثمّ الميراث بعد الوصيّة...»(1).

و موثّقة السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«أوّل شيءٍ يُبدأ به من المال الكفن ، ثمّ الدين ، ثمّ الوصيّة ، ثمّ الميراث»(2).

و ما رواه الطبرسي في «مجمع البيان» عن أمير المؤمنين عليه السلام في قوله تعالى:

«مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أَوْ دَيْنٍ» ، قال عليه السلام:«إنّكم لتقرءون في هذه الوصيّة قبل الدين ، و أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله و سلم قضى بالدين قبل الوصيّة»(3).

و هذا ممّا لا إشكال و لا خلاف فيه ،بل من المتسالم بين الفقهاء.

حكم ما لو أوصى بوصايا متعدّدة من نوع واحد

1-إنّ الوصيّة تارةً تكون واحدة ، و اخرى متعدّدة.و على الثاني:إمّا أن تكون الوصايا المتعدّدة متضادّة ، أو غير متضادّة.

أمّا الوصايا المتضادّة فسيأتي تفسيرها و بيان حكمها في المسألة السادسة و الثلاثين.

********

(1) -وسائل الشيعة 330:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 28 ، الحديث 2.

(2) -وسائل الشيعة 329:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 28 ، الحديث 1.

(3) -وسائل الشيعة 331:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 28 ، الحديث 5.

ص: 132

أمّا الوصايا المتعدّدة غير المتضادّة:فإمّا أن تكون متنوّعة ، فسيأتي بيان المقصود منها و بيان حكمها في المسألة القادمة.و إمّا أن تكون من نوع واحد ، و هذه المسألة انعقدت لبيان حكم هذه الصورة.

و عليه:فالكلام فيما إذا تعلّقت الوصايا المتعدّدة باُمور لها وحدة نوعية ؛ بأن تعلّقت كلّها بواجبات مالية محضة-كأداء الديون و الكفّارات و المظالم و الأخماس و الزكوات-أو تعلّقت كلّها بواجبات بدنية محضة-كالصلاة و الصوم-أو تعلّقت كلّها بواجبات مالية غير محضة مشوبة بالواجب البدني ، كالحجّ.

هذا كلّه في بيان صور المسألة.

أمّا حكمها:فالواجبات المالية المحضة لا إشكال في إخراجها من أصل التركة ؛ لأنّها دين ،بل و لو لم يوص بها لاُخرجت من أصل التركة ، كما دلّ من الكتاب و السنّة القطعية على تقديم الدين على الوصيّة و الإرث ، فهذا لا كلام فيه.

و يلحق بها الواجب المالي المشوب بالبدني-و هو الحجّ-بلا كلام ؛ لدلالة النصوص المعتبرة بالصراحة ، كما سبق في المسألة الثالثة و العشرين.

و أمّا الواجبات البدنية المحضة-كالصلاة و الصوم-فقد سبق عدم جواز إخراجها من أصل التركة ،بل إنّما تُخرَج من الثلث ؛ لعدم كونها ديناً مالياً.و إنّ المتبادر من لفظ «الدين»بإطلاقه هو الدين المالي ، و هو الذي قُدّم في الكتاب و السنّة على الوصيّة و الإرث ، لا مطلق ما اطلق عليه لفظ «الدين» و لو بالعناية.

و عليه:فلا دليل على إخراج الواجبات البدنية من أصل التركة ، فتدخل في عنوان الوصيّة النافذة في خصوص الثلث.

فمن هنا يتعيّن إخراج الواجبات البدنية من الثلث.

نعم ذهب جماعة إلى إخراجها من أصل التركة ،بدعوى كونها من الدين

ص: 133

فإن وفى بالجميع أو زادت عليه و أجاز الورثة تنفذ في الجميع.و إن لم يُجيزوا فإن لم يكن بين الوصايا ترتيب و تقديم و تأخير في الذكر ،بل كانت مجتمعة-كما إذا قال:«اقضوا عشرين سنة واجباتي البدنيّة» ، أو «اقضوا عشرين سنة صلواتي و صيامي» ، أو قال:«أعطوا زيداً و عمراً و خالداً كلاًّ منهم مائة دينار»-كانت بمنزلة وصيّة واحدة ، فيوزّع النقص على الجميع بالنسبة(1)،

المقدّم على الوصيّة و الإرث.و لكنّها في غير محلّها.و قد سبق البحث عن ذلك و ردّ أدلّة هذه الجماعة مفصّلاً في ذيل المسألة الثالثة و العشرين ، فراجع.

و في حكمها الوصيّة التبرّعية-تمليكية كانت أو عهدية-نظراً إلى دخولها في عنوان الوصيّة ،بل هذا القيد مأخوذ في ماهية الوصيّة ، كما سبق في البحث عن تعريف الوصيّة و بيان ماهيتها الشرعية.

فلا إشكال في ترتّب حكم الوصيّة عليها ؛ من تأخّرها عن الدين و عدم نفوذها في الزائد عن الثلث ، فيجب إخراجها من الثلث بعد إخراج الديون المالية من أصل التركة.

1-إذا وفى الثلث بجميع الوصايا أو زادت الوصايا عن مقدار الثلث و لكن أجاز الورثة ، فلا كلام و لا إشكال في نفوذ الوصايا كلّها ؛ نظراً إلى تحقّق مقتضى النفوذ و فقد المانع ، و لتحقّق شرط النفوذ في الوصايا الزائدة عن الثلث.

و أمّا إذا زادت الوصايا عن مقدار الثلث و لم يُجِز الورثة ، فإن كانت سهام الوصايا متساوية يرد عليها النقص بالسوية.

و أمّا لو اختلفت السهام فيوزّع النقص على الجميع بالنسبة.

و ذلك أوّلاً:لقاعدة العدل و الإنصاف المستقرّة بين العقلاء ، و قد قرّبناه مفصّلاً

ص: 134

فلو أوصى بمقدار من الصوم و مقدار من الصلاة ، و لم يفِ الثلث بهما ، و كانت اجرة الصلاة ضعف اجرة الصوم ، ينتقص من وصيّة الصلاة ضعف ما ينتقص من الصوم ، كما إذا كانت التركة ثمانية عشر ، و أوصى بستّة لاستئجار الصلاة و ثلاثة لاستئجار الصوم و لم يجز الورثة ،بطلتا في الثلاثة ، و توزّع النقص عليهما بالنسبة ، فينتقص عن الصلاة اثنان فيصرف فيها أربعة ، و عن الصوم واحد و يصرف فيه اثنان ، و كذا الحال في التبرّعيّة(1).

في كتاب الخمس(1) ، فراجع.

و ثانياً:لدلالة ما ورد من النصوص في موارد مختلفة على ذلك بالخصوص بعد تنقيح الملاك ؛ فإنّها و إن وردت في موارد خاصّة ، إلّا أنّها بعد تنقيح الملاك تشمل المقام ؛ نظراً إلى عدم احتمال خصوصية فيها غير مفاد هذه القاعدة.

فمن هذه النصوص ما ورد في الدرهم الودعي ، كموثّقة السكوني عن الصادق عن أبيه عليهما السلام في رجل استودع رجلاً دينارين ، فاستودعه آخر ديناراً ، فضاع دينارٌ منها ؟ قال عليه السلام:«يعطي صاحب الدينارين ديناراً و يُقسّم الآخر بينهما نصفين»(2).

1-و منها:ما ورد في الثوبين المشتبهين بين شخصين ، كموثّقة إسحاق بن عمّار ، قال:قال أبو عبد اللّه عليه السلام في الرجل يُبضعه الرجل ثلاثين درهماً في ثوب و آخر عشرين درهماً في ثوب ، فبعث الثوبين و لم يعرف هذا ثوبه و لا هذا ثوبه ؟ قال عليه السلام:«يباع الثوبان و يعطى صاحب الثلاثين ثلاثة أخماس الثمن ، و الآخر

********

(1) -دليل تحرير الوسيلة ، كتاب الخمس:321.

(2) -وسائل الشيعة 452:18 ، كتاب الصلح ، الباب 12 ، الحديث 1.

ص: 135

و إن كانت بينها ترتيب و تقديم و تأخير في الذكر ؛ بأن كانت الثانية بعد تمامية الاُولى ، و الثالثة بعد تمامية الثانية و هكذا ، و كان المجموع أزيد من الثلث ، و لم يجز الورثة ، يبدأ بالأوّل فالأوّل إلى أن يكمل الثلث ، ولغت البقيّة(1).

خُمسي الثمن» ، قلت:فإنّ صاحب العشرين قال لصاحب الثلاثين:اختر أيّهما شئت ؟ قال عليه السلام:«قد أنصفه»(1).

«الإبضاع» هو أن يدفع شخص إلى غيره مالاً ليبتاع به متاعاً و لا حصّة له في ربحه ،بخلاف المضاربة ، كما قال في «مجمع البحرين» و غيره.

1-وجّه ذلك بظهور الترتيب و التقديم في إخراج المتقدّم من الثلث قبل ما هو المتأخّر ، و عدم وصول النوبة إلى المتأخّر ما دام لم يخرج المتقدّم من الثلث.

و هذا الظهور في ترتيب الوصايا بمثل «ثمّ» مسلّم لا يمكن إنكاره ؛ لدلالته على الترتيب وضعاً.و أمّا في التقديم الذكري و الزماني فيشكل الالتزام بذلك ،بل عمدة الدليل هي النصوص:

فمنها:صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:سألته عن رجل حضَره الموت ، فأعتق غلامه و أوصى بوصيّته و كان أكثر من الثلث ؟ قال:«يمضي عتق الغلام ، و يكون النقصان فيما بقي»(2).

و حمله على تقديم خصوص العتق على سائر التبرّعيات-كما عن الشيخ و ابن الجنيد-أو على منجّزات المريض-كما عن صاحب «الحدائق»(3)-غير

********

(1) -وسائل الشيعة 451:18 ، كتاب الصلح ، الباب 11 ، الحديث 1.

(2) -وسائل الشيعة 276:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 11 ، الحديث 3.

(3) -الحدائق الناضرة 437:22-438.

ص: 136

وجيه ؛ لعدم احتمال خصوصية في العتق و عدم فرض مرض الموصي في هذه النصوص ، هذا.

مضافاً إلى دلالة قوله عليه السلام:«بوصيّة اخرى» في خبر أبي بصير الآتي على كون العتق من الوصيّة.

و منها:خبر أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«إن أعتق رجل عند موته خادماً له ثمّ أوصى بوصيّة اخرى ، الغيت الوصيّة و اعتقت الجارية من ثلثه ، إلّا أن يفضل من ثلثه ما يبلغ الوصيّة»(1).

و منها:خبر حمران عن أبي جعفر عليه السلام:في رجل أوصى عند موته و قال:

أعتق فلاناً و فلاناً و فلاناً ، حتّى ذكر خمسة ، فنظر في ثلثه ، فلم يبلغ ثلثه أثمان قيمة المماليك الخمسة الذين أمر بعتقهم ؟ قال عليه السلام:«يُنظر إلى الذين سمّاهم و بدأ بعتقهم فيقوّمون ، و يُنظر إلى ثلثه فيعتق منه أوّل شيء ذكر ثمّ الثاني و الثالث ثمّ الرابع ثمّ الخامس ، فإن عجز الثلث كان في الذين سمّى أخيراً ؛ لأنّه أعتق بعد مبلغ الثلث ما لا يملك ؛ فلا يجوز له ذلك»(2).

********

(1) -وسائل الشيعة 276:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 11 ، الحديث 6.

(2) -وسائل الشيعة 398:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 66 ، الحديث 1.

ص: 137

(مسألة 35):لو أوصى بوصايا مختلفة بالنوع-كما إذا أوصى بأن يُعطى مقدار معيّن خمساً و زكاة ، و مقدار صوماً و صلاة ، و مقدار لإطعام الفقراء-فإن أطلق و لم يذكر المخرج يبدأ بالواجب المالي ، فيخرج من الأصل(1)،

حكم ما لو أوصى بوصايا مختلفة بالنوع

1-أمّا إخراج الواجب المالي من أصل التركة مقدّماً على سائر الوصايا ، فلما سبق أنّه دين ، و قد دلّت النصوص-كتاباً و سنّةً-على تقدّم الدين على الوصيّة و على الإرث ، و إنّ المقصود من الواجب المالي كالخمس و الزكاة و الكفّارات و حجّة الإسلام.و قد سبق بيان هذه النصوص و تقريب الاستدلال بها مفصّلاً ، فراجع.

و أمّا إذا بقي بعد إخراج الواجبات المالية من أصل التركة شيءٌ فيُعيَّن ثلثه و يُخرج منه الواجب البدني و الوصيّة التبرّعية ؛ لما سبق من دخول الواجبات البدنية و الوصيّة التبرّعية في عنوان الوصيّة بإطلاقها ، و ذكرنا النصوص الدالّة على تأخّر العمل بالوصيّة عن إخراج الديون المالية ، و أنّه لا يدخل مثل الصلاة و الصوم من الواجبات البدنية في عنوان الدين المالي ؛ فلا محالة يشملها إطلاقات الوصيّة و ترتّب أحكامها ؛ من تعيّن إخراجها من الثلث ، و توقّف نفوذ الوصيّة بها في الزائد عن الثلث على إجازة الورثة.و قد تقدّم تفصيل ذلك آنفاً.

و أمّا وجه تقدّم إخراج الواجب البدني و ورود النقص على التبرّعي-عند عدم وفاء الثلث بالجميع و عدم إجازة الورثة في الزائد عن الثلث-فواضح ؛ نظراً إلى تقدّم الواجب ، و لأهمّيته من التبرّعي الذي ليس بواجب.و لا ريب في كونه بمصلحة الميّت ، كما هو واضح بلا إشكال ، هذا.

ص: 138

فإن بقي شيء يعيّن ثلثه و يخرج منه البدني و التبرّعي ، فإن وفى بهما أو لم يف و أجاز الورثة نفذت في كليهما ، و إن لم يف و لم يُجيزوا يقدّم الواجب البدني و يردّ النقص على التبرّعي.و إن ذكر المخرج و أوصى بأن تخرج من الثلث تقدّم الواجبات -ماليّة كانت أو بدنيّة-على التبرّعي على الأقوى.و أمّا الواجبات فلا يقدّم بعضها على بعض(1)،

مضافاً إلى دلالة صحيح معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال في امرأة أوصَتْ بمال في عتق و حجّ و صدقة ، فلم يبلغ قال عليه السلام:«ابدأ بالحجّ ؛ فإنّه مفروض ، فإن بقي شيءٌ فاجعل في الصدقة طائفة و في العتق طائفة»(1)؛ فإنّ تعليله عليه السلام يشمل جميع الفرائض و لو كانت بدنية.

و مثله صحيحان آخران لابن عمّار(2).

1-أمّا تقديم مطلق الواجبات على التبرّعي ، فاتّضح وجهه آنفاً فيما إذا لم يصرّح الموصي بإخراجها من الثلث.

و أمّا لو ذكر المخرج ؛ بأن أوصى بإخراج الجميع-الواجب المالي و البدني و كذا التبرّعي-من الثلث ، فاستظهر صاحب «الجواهر» من كلمات الفقهاء عدم الفرق بين الواجبات المالية و البدنية في إيراد النقص عند توزيع الثلث و عدم كفايته للجميع ، و أنّه لا تقدّم لإحداهما على الاُخرى.

قال:لو أوصى في الفرض بإخراج الجميع من الثلث و كان قاصراً ، فإنّ الذي صرّح به غير واحدٍ إخراج الواجب أوّلاً منه و إن كان هو متأخّراً في الوصيّة ، ثمّ

********

(1) -وسائل الشيعة 396:19 ، كتاب الوصايا الباب 65 ، الحديث 2.

(2) -وسائل الشيعة 396:19 ، كتاب الوصايا الباب 65 ، الحديث 1 و3.

ص: 139

بل الظاهر أنّه لو أوصى مرتّباً يقدّم المقدّم فالمقدّم إلى أن يفنى الثلث ، فإن بقي من الواجب المالي شيء يخرج من الأصل ، و إن بقي من البدني يُلغى ، و إن لم يكن بينها ترتيب يوزّع الثلث عليها ، و يتمّ الواجب المالي من الأصل دون البدني(1).

يخرج غيره من بعده الأوّل فالأوّل إن كان.بل صرّح غير واحدٍ بمساواة الواجب البدني له في ذلك أيضاً ؛ بمعنى أنّه لو أوصى بالواجب البدني و غيره من الثلث اخرج أوّلاً الواجب و إن كان متأخّراً ، ثمّ غيره الأوّل فالأوّل إن كان.بل ربّما ظهر من بعض نفي الخلاف فيه ، فضلاً عن الأوّل(1).

و لكن صرّح في «جامع المقاصد»بتقديم الواجب المالي على البدني في محلّ الكلام ، و حصَر المساواة بين خصوص الواجب البدني و التبرّعي ، حيث قال:

و لو حَصَر الجميع في الثلث بُدئ بالواجب الصُّلبي ، فإن فضل من الثلث شيءٌ و لم يف بالباقي اعتبر الترتيب في الوصيّة و عدمه.و من هذا يعلم:أنّ الواجب الذي لا تعلّق له بالمال لا فرق بينه و بين سائر الوصايا التي ليست بواجبة(2).

1-و لكن خالفه السيّد الماتن قدس سره بتقوية تقديم مطلق الواجبات على التبرّعية.

و إلى ذلك أشار بقوله «تُقدَّم الواجبات-ماليةً كانت أو بدنية-على التبرّعي على الأقوى».

و الحقّ في المقام مع السيّد الماتن قدس سره ؛ و ذلك لأنّ أخذ الواجب المالي من الثلث-في فرض الكلام-عملٌ بالوصيّة ، و أنّ العمل بالوصيّة واجب.

و أمّا ما دلّ على إخراج الواجب المالي من أصل التركة ، فلسانه رعاية حال

********

(1) -جواهر الكلام 301:28.

(2) -جامع المقاصد 120:10.

ص: 140

الموصي و حفظ حقّه بعدم التعرّض إلى الثلث ، حيث إنّه لو اخرج الواجب المالي من الثلث فيما إذا كان بقدر الثلث أو النصف لا يبقى من الثلث شيءٌ ليعمل بوصايا الميّت ،بخلاف ما لو اخرج من الأصل قبل تعيين الثلث.

و عليه:ففي إيجاب إخراج الواجب المالي من أصل التركة رعاية لحال الموصي.و من هنا لو رضي الموصي نفسه بإخراجه من الثلث فأوصى بذلك ، يجب العمل بوصيته.

و هذا بخلاف التبرّعي ؛ فإنّ الواجب-مالياً كان أو بدنياً-مقدّم على التبرّعي الذي ليس بواجب ؛ لما في ترك الواجب من عقاب الميّت ، فلا ريب في أهمّية الواجب من غيره ، هذا.

مضافاً إلى التعليل الوارد في صحيح ابن عمّار السابق ذكره آنفاً ، فراجع كلمات الفقهاء و تأمّل في مفاد نصوص المقام بدقّة لئلّا يشتبه عليك الحقّ.

ثمّ إنّه بناءً على ذلك يرد النقص على التبرّعي لو وفى الثلث بجميع الواجبات.

و أمّا لو لم يف بالواجبات يوزّع النقص على كلٍّ من الواجبات المالية و البدنية على السواء ، و يُكمّل القدر الناقص من المالية بإخراجه من أصل التركة.هذا إذا لم يكن بين الوصايا ترتيب.

و أمّا لو أوصى مرتّباً ؛ بأن قال مثلاً:«اُوصي بأداء خمسي و زكاتي من ثلث مالي ، ثمّ الإتيان بصيامي و صلاتي ، ثمّ الإطعام للفقراء» يُبدأ بالأوّل فالأوّل ، فإن لم يف الثلث بالواجب المالي يخرج القدر الناقص منه من أصل التركة.و أمّا لو وفى به الثلث و لكن لم يف بالواجب البدني يُلغى البدني ؛ نظراً إلى عدم جواز إخراجه من أصل التركة.و كذا الحال في التبرّعي.

ص: 141

(مسألة 36):لو أوصى بوصايا متضادّة ؛ بأن كانت المتأخّرة منافية للمتقدّمة-كما لو أوصى بعين شخصيّة لواحد ثمّ أوصى بها لآخر ، أو أوصى بثلثه لشخص ثمّ أوصى به لآخر-كانت اللاحقة عدولاً عن السابقة فيعمل باللاحقة(1)،

حكم ما لو أوصى بوصايا متضادّة

1-و الوجه في ذلك:أنّه بعد عدم إمكان العمل بكلتا الوصيّتين-لفرض تضادّهما-فلا بدّ من العمل بأحدهما.و لمّا كانت الوصيّة اللاحقة رجوعاً عن الاُولى في نظر العرف و إبطالاً لها يتعيّن العمل بها.

ثمّ إنّ الوصيّة بالثلث تارةً:يكون في الثلث الراجع إليه ؛ بأن يقول مثلاً:

«ثلثي أو ثلث مالي الراجع إليّ لزيد بعد موتي» ، ثمّ يقول بعين ذلك لعمروٍ ، فلا كلام في تضادّ مثل هاتين الوصيّتين.و كذا الوصيّة بشيءٍ معيّن لزيد ، ثمّ الوصيّة بعين ذلك الشيء الموصى به لعمرو ، فلا إشكال و لا كلام في كون الوصيّة الثانية رجوعاً عن الاُولى عرفاً.

و أمّا إذا لم يقيّد الثلث بالسهم الراجع إليه ،بل أطلق ؛ بأن قال أوّلاً:«ثلث مالي لزيد بعد موتي» ، ثمّ قال:«ثلث مالي لعمروٍ بعد موتي» ، فوقع الخلاف في كون الوصيّة الثانية رجوعاً.

فنقل في «الجواهر»(1) عن «المهذّب» و«المختلف» و«الإيضاح»:أنّها ليست رجوعاً عن الاُولى ؛ لعدم صراحتها في إرادة الثلث الراجع إلى الموصي ، و أنّه ما دام حيّاً جميع المال في قبضته ، و هو مسلّط على ماله.و عليه:فتنفذ الوصيّة الاُولى

********

(1) -جواهر الكلام 304:28-305.

ص: 142

و لو أوصى بعين شخصيّة لشخص ثمّ أوصى بنصفها-مثلاً-لشخص آخر ، فالظاهر كون الثانية عدولاً بالنسبة إلى النصف لا التمام ، فيبقى النصف الآخر للأوّل(1).

(مسألة 37):متعلّق الوصيّة إن كان كسراً مشاعاً من التركة-كالثلث أو الربع-ملكه الموصى له بالموت و القبول ، و له من كلّ شيء ثلثه أو ربعه ، و شارك الورثة فيها من حين ما ملكه.هذا في الوصيّة التمليكيّة(2).

و يتوقّف نفوذ الثانية على إجازة الورثة.

و لكن المعروف بين الأصحاب:أنّ الوصيّة الثانية حينئذٍ رجوع عن الاُولى ، و هو صحيح ؛ نظراً إلى ظهور «ثلث مالي» في الثلث الراجع إلى الموصي ؛ لأنّه المتبادر من إطلاق ذلك في مقام الوصيّة ؛ لعدم نفوذها في أكثر من الثلث شرعاً ؛ فلذا تكون الثانية ظاهرة في الرجوع عن الاُولى عرفاً.

1-قد اتّضح بالبيان المزبور وجه كون الوصيّة الثانية عدولاً بالنسبة إلى نصف العين الموصى بها ؛ لكون التضادّ بين الوصيّة بتمامها لشخصٍ و بنصفها لآخر.

و لذا يرتفع التضادّ ببطلان الوصيّة الاُولى في نصف العين الموصى بها ؛ لوضوح عدم تضادّ بين الوصيّة بنصف عينٍ لشخصٍ و بين الوصيّة بنصفها الآخر لغيره.

حكم ما لو تعلّقت الوصيّة بالكسر المشاع

2-وجه إناطة تملّك الموصى له بموت الموصي فواضحٌ ؛ نظراً إلى أخذ تعليق تمليك الموصى به للموصى له على موت الموصي في ماهية الوصيّة ، حيث إنّ حقيقة الوصيّة هي التمليك بعد الموت.

ص: 143

و أمّا في العهديّة ، كما إذا أوصى بصرف ثلثه أو ربع تركته في العبادات و الزيارات ، كان الموصى به فيها باقياً على حكم مال الميّت ، فهو يشارك الورثة حين ما ملكوا بالإرث ؛ فكان للميّت من كلّ شيء ثلثه أو ربعه و الباقي للورثة.و هذه الشركة باقية ما لم يفرز الموصى به عن مالهم ، و لم تقع القسمة بينهم و بين الموصى له ، فلو حصل نماء متّصل أو منفصل قبل القسمة كان بينهما ، و لو تلف شيء من التركة كان منهما(1).

أمّا القبول:فقد سبق أنّه معتبر في تملّك الموصى له ، لا في أصل صحّة الوصيّة ؛ نظراً إلى كونها إيقاعاً ، و الإيقاع لا يتوقّف على القبول في ذاته.

أمّا مشاركة الموصى له مع الورثة من كلّ شيء ثلثه أو ربعه:فالوجه فيه واضح ؛ لأنّه مقتضى الكسر المشاع الظاهر في الإشاعة و الشركة في المالية.

1-و الوجه فيه:أنّ ذلك مقتضى الإشاعة و من شئون الشركة ، من دون فرق بين العهدية و التمليكية ، و إنّما الفرق بينهما في اعتبار القبول في التمليكية دون العهدية.و إذا كان الموصى به في العهدية من الزيارات و العبادات الراجعة إلى الموصي فيكون هو طرف الشركة في الحقيقة ؛ لعود منفعة العبادات و الزيارات المعنوية إليه.و أمّا إذا كان الموصى به في العهدية تمليك شيء لشخص يكون الموصى له طرف الشركة.

و على أيّ حال:لا فرق بين صور الوصيّة المتعلّقة بالكسر المشاع من جهة ترتيب آثار الإشاعة و الشركة.و هذا واضح لا يحتاج إلى بيان.و ليطلب تفصيل ذلك في كتاب الشركة.

هذا كلّه لا كلام فيه.

ص: 144

و إن كان ما أوصى به مالاً معيّناً يساوي الثلث أو دونه اختصّ بالموصى له ، و لا اعتراض فيه للورثة ، و لا حاجة إلى إجازتهم ، لكن إنّما يستقرّ ملكيّة الموصى له أو الميّت في تمام الموصى به ؛ إذا كان يصل إلى الوارث ضعف ما أوصى به ، فإذا كان له مال عند الورثة بهذا المقدار استقرّت ملكيّة تمام المال المعيّن ، فللموصى له أو الوصيّ التصرّف فيه ؛ أنحاء التصرّفات ، و إن كان ما عدا ما عيّن غائباً توقّف ذلك على حصول مثليه بيد الورثة(1).

و إنّما الكلام فيما إذا كان للموصي مال غائب غير حاضر ، فوقع الكلام في جواز أخذ جميع الموصى به-سواءٌ كان كسراً مشاعاً أو مالاً معيّناً-من المال الحاضر ، و أنّه على فرض أخذ تمامه منه لا تستقرّ ملكيته في سهام الورثة ما دام لم يحصل لهم المال الغائب.

حكم ما إذا كان بعض أموال الموصي غائباً

1-لا يخفى:أنّ ما أشرنا إليه آنفاً من محلّ الكلام لا يختصّ بما إذا أوصى بالمال المعيّن ،بل يأتي فيما تعلّقت الوصيّة بالكسر المشاع أيضاً ؛ فوقع الكلام في أنّه هل يؤخذ جميع الموصى به-كسراً كان أو معيّناً-من المال الحاضر ، أو يؤخذ بقدر ما كان من السهم بإزاء المال الحاضر ؟

فالأقوى هو الثاني ، كما يظهر من «الحدائق»(1) و«الجواهر»(2).

فلو كان مجموع المال الحاضر و الغائب ألف دينار و كان الحاضر ستمائة ،

********

(1) -الحدائق الناضرة 449:22.

(2) -جواهر الكلام 314:28.

ص: 145

نعم للموصى له أو الوصيّ التصرّف في الثلث بمثل الانتقال إلى الغير ،بل لهما المطالبة بتعيين الثلث حتّى يتصرّفا فيه كيف شاءا ؛ و إن لم يكن للورثة التصرّف في الثلثين بوجه من الوجوه(1)، و لو لم يحصل بيد الورثة شيء منه شاركوا الموصى له في المال المعيّن أثلاثاً:ثلث للموصى له ، و ثلثان للورثة(2).

و أوصى بثلث التركة ، يؤخذ ثلث المال الحاضر-و هو مائتان-فيصرف في جهة الوصيّة.و كذلك فيما إذا كان الموصى به مالاً معيّناً بقدر الثلث أو دونه.

و الوجه في ذلك:أنّ المال الغائب في معرض التلف ، إلّا أن يكون في مثل البنك و نحوه ممّا يطمئنّ باستحصاله ؛ فهو في حكم الحاضر.و إلّا فأخذ جميع سهام الكسر أو تمام الشيء المعيّن من المال الحاضر ضررٌ على الوارث.و عليه:فلو تملّك الموصى له تمام العين الموصى بها في هذا الفرض لا تستقرّ ملكيته ما لم يحصل الثلثان بيد الورثة ،بل بطلت في ثلثي العين الموصى بها عند فقدان ثلثي التركة.

1-نظراً إلى أنّ تعيين الثلث و تصرّف الموصى له أو الوصيّ فيه لا ينوط برضى الورثة ؛ لأنّه حكم شرعي لا يجوز لهم مخالفته ؛ فإنّ العمل بالوصيّة واجب ، و هو يتوقّف على تعيين الثلث.و هذا بخلاف تصرّف الورثة في الثلثين ، حيث يتوقّف على إفرازه سهامهم المتوقّف على رضى جميعهم أو حكم الحاكم ، كما سبق في كتاب الشركة(1).

2-حيث تنحصر تركة الميّت في المال الحاضر حقيقةً ؛ لأنّ المقصود منها ما

********

(1) -تحرير الوسيلة 597:1، المسألة 4.

ص: 146

تركه من الأموال للورثة ،بحيث كانت حاصلة لهم و في أيديهم و تحت سلطتهم.فما لم يحصل لهم و لا سلطة لهم عليه بوجه لا يصدق أنّ الميّت تركه لهم.

و الذي يستفاد من الأدلّة-كتاباً و سنّةً-أنّ ما تركه الميّت تنفذ في ثلثه الوصيّة و ينتقل ثلثاه إلى الورثة.فما لم يحصل لهم خارج عن دائرة الإرث و الشركة.

ص: 147

ص: 148

الوصاية أقسامها و أحكامها

اشارة

(مسألة 38):يجوز للموصي أن يعيّن شخصاً لتنجيز وصاياه و تنفيذها فيتعيّن ، و يقال له:الموصى إليه و الوصيّ(1).

تعريف الوصاية و حكمها و دليل مشروعيّتها

1-هذا العمل-أي:تعيين شخص لتنجيز الوصايا و تنفيذها و إعطاء الولاية على هذا الأمر-يقال له:الوصاية أو الوصيّة بالولاية ، كما عبّر عنه بذلك في «القواعد» و«جامع المقاصد» و غيره.

ثمّ إنّه عرّف الوصاية في «القواعد»:بأنّها استنابة بعد الموت في التصرّف فيما كان له التصرّف فيه ؛ من قضاء ديونه و استيفائها و ردّ الودائع و استرجاعها و الولاية على أولاده الذين له الولاية عليهم من الصبيان و المجانين و النظر في أموالهم و التصرّف فيها بما لهم الحظّ فيه و تفريق الحقوق الواجبة و المتبرّع بها و بناء المساجد(1).و تبعه في «جامع المقاصد»(2).

********

(1) -قواعد الأحكام 562:2.

(2) -جامع المقاصد 257:11.

ص: 149

و لكن عرّفها في «الحدائق»بالولاية على إخراج حقّ أو استيفائه أو على طفل و مجنون(1).و اختار في «الجواهر»(2) هذا التعريف و فسّر به ما في «القواعد».

و لكن يرد عليه:بأنّ هذا من قبيل تعريف الشيء بمتعلّقه ؛ فإنّ الولاية هي متعلّق الوصاية لا نفسه ؛ لأنّ حقيقة الوصاية هي جعل الوصيّ بإعطاء الولاية إليه.

بل ما قال في «القواعد» هو الأصحّ ؛ لأنّ حقيقة الاستنابة هي جعل النائب بإعطاء الولاية لها ، و لمّا تتعلّق بما بعد الموت تكون وصاية.

و عليه:فالوصاية في الحقيقة هي الاستنابة ، إلّا أنّها تتعلّق بما بعد الموت ، و بهذا تفترق الوصاية عن الاستنابة.و بعبارة اخرى:تكون الوصاية استنابة خاصّ بما بعد الموت.

ثمّ إنّه وقع الكلام في أنّ الوصاية عقد أم لا ؛ ففي «القواعد»(3) و«جامع المقاصد»(4) و غيره:أنّها عقد جائز ،بل في «الحدائق»:أنّه المشهور في كلام الفقهاء ، بل ظاهرهم الاتّفاق عليه(5).

و لكن اشكل عليهم:بأنّه لا دليل على ذلك ،بل المستفاد من النصوص عدم خروج الوصايا من مجرّد الإذن و الاستنابة.

و اعترض عليهم في «الجواهر»:بأنّ العقد يحتاج إلى إيجاب و قبول.و لكن المشهور بينهم:أنّ المعتبر في لزوم الوصيّة عدم الردّ البالغ إلى الموصي ، و هو أعمّ

********

(1) -الحدائق الناضرة 558:22.

(2) -جواهر الكلام 391:28.

(3) -قواعد الأحكام 565:2.

(4) -جامع المقاصد 282:11.

(5) -الحدائق الناضرة 597:22.

ص: 150

من القبول ،بل تلزم حتّى فيما إذا ردّ و لم يبلغ الموصي.و هذا منافٍ لعقديتها(1).

و هذا هو الحقّ في المقام ؛ فإنّ حقيقة الوصاية-كما قلنا-هي مجرّد الاستنابة.و من هنا لا يعتبر فيها القبول ،بل يكفي مجرّد عدم الردّ.

ثمّ إنّه بما قلناه في تعريف الوصاية ظهر الفرق بينها و بين الوصيّة ؛ فإنّ حقيقة الوصيّة-كما سبق في تعريفها-هي تمليك أو عهد متعلّق بالغير أو بنفسه لما بعد الموت.و لكن الوصاية هي تسليط على التصرّف لما بعد الموت بالاستنابة و إعطاء الولاية ، كما أشار إليه في «الحدائق»(2) ، و إن عبّر عنها في «القواعد» و«جامع المقاصد»بالوصيّة بالولاية.و ظاهره:أنّ حقيقة الوصاية هي الوصيّة ، و إنّما الفرق بينهما في المتعلّق ؛ بأنّ الوصاية هي وصيّة تعلّقت بالولاية.و لكنّ الأصحّ الأنسب بالاعتبار هو ما قلناه.

ثمّ إنّ الوصاية قد تجب فيما كان الوصيّة واجبة على الموصي و لم يطمئنّ من الورثة و لا غيرهم القيام بإنفاذ الوصيّة ؛ فيجب عليه تعيين الوصيّ لذلك حينئذٍ.

ثمّ إنّ للوصاية صيغ ، مثل:«أوصيت إليك» و«فوّضت إليك» و«جعلتك وصيّاً» و نحو ذلك ممّا يفيد تولية الوصيّ لما بعد الموت.

و لكن هنا نكتةٌ تستفاد من كلام السيّد الماتن قدس سره ، و هو انحصار ولاية الوصيّ فيما اوصي إليه ، و هذا هو الحقّ الصحيح ؛ لوضوح عدم ولاية له على ما هو خارج عن دائرة وصايا الميّت ممّا هو يرتبط به.

و من هنا يعلم:أنّ أصحّ التعاريف ما يستفاد من كلام السيّد الماتن قدس سره من أنّ الوصاية هي تعيين شخصٍ لتنجيز وصاياه و تنفيذها.أمّا مشروعية الوصاية فيدلّ

********

(1) -جواهر الكلام 391:28.

(2) -الحدائق الناضرة 383:22.

ص: 151

و يُشترط فيه:البلوغ و العقل و الإسلام(1)،

عليها-مضافاً إلى الإجماع و الضرورة-النصوص المتواترة المتضمّنة لأحكام الوصيّ و شرائطه ، و قد نقلت في أبواب مختلفة من «الوسائل»(1) ، هذا.

مضافاً إلى استقرار سنّة النبي صلى الله عليه و آله و سلم و الأئمّة عليهم السلام و سيرة المتشرّعة على ذلك.

شرائط الوصيّ

1-يقع الكلام في جهات ثلاث:

الاُولى:اعتبار البلوغ في الوصيّ ، و هذا ممّا لا خلاف فيه بين الأصحاب ، كما صرّح بنفي الخلاف فيه في «الجواهر»(2).

و الوجه فيه واضحٌ ؛ نظراً إلى ما دلّ من النصوص على رفع القلم عن الصبيّ ، و أنّه مسلوب الاعتبار شرعاً في أقواله و أفعاله.

و عليه:فكيف يمكن أن يُعطى إليه الولاية على أموال الميّت ؟!بل على الكبار من الموصى له و غيره!بل لا يُعقل ولاية الصبيّ الغير المميّز على ذلك ، فهذا واضح.

مضافاً إلى دلالة قول أبي الحسن الكاظم عليه السلام:«فإذا بلغ الصبيّ...فإنّ له أن يردّه إلى ما أوصى به الميّت»(3) على ذلك بالخصوص.

نعم ، ورد في صحيح زياد بن أبي الحلال قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله و سلم:هل أوصى إلى الحسن و الحسين مع أمير المؤمنين عليهم السلام ؟ قال عليه السلام:

********

(1) -وسائل الشيعة 319:19 ، كتاب الوصايا، الباب 23 و36 و37 و38 و46 و50 و53.

(2) -جواهر الكلام 401:28.

(3) -وسائل الشيعة 375:19 ، كتاب الوصايا، الباب 50 ، الحديث 2.

ص: 152

«نعم»، قلت:و هما في ذلك السنّ ؟! قال عليه السلام:«نعم ، و لا يكون لغيرهما في أقلّ من خمس سنين»(1).

فقد يتوهّم دلالة قوله عليه السلام:«نعم ، و لا يكون لغيرهما في أقلّ من خمس سنين» على جواز الوصاية إلى الصبيّ الزائد عن خمس سنين.و ظاهره كفاية التمييز في الوصاية و نفي اعتبار البلوغ الشرعي ؛ مؤيّداً بأنّه أمر معقول عند العقلاء ؛ لكفاية التمييز عندهم في ذلك.

و لكن يردّه:أنّ مورد السؤال في هذه الصحيحة هو الإيصاء إلى الحسنين منضمّاً إلى أمير المؤمنين عليهم السلام.و عليه:فيكون مفاد القول المزبور نفي جواز وصاية الصبيّ منضمّاً إلى البالغ إذا كان أقلّ من خمس سنين ، لا وصايته منفرداً.و سيأتي أنّ الأصحاب أعرضوا عن مفاد هذا الحديث ، هذا.

مضافاً إلى دلالة حسنة ابن يقطين السابقة آنفاً على عدم ثبوت أحكام الوصيّ في حقّ غير البالغ شرعاً.مع أنّ اشتراط البلوغ في الوصيّ مورد اتّفاق الأصحاب و تسالمهم.

الجهة الثانية:في اشتراط العقل.

وجه اشتراطه واضح ؛ لعدم إمكان تولية مَن لا عقل له على أموال الناس ، كما هو واضح.مضافاً إلى ما دلّ من النصوص على رفع قلم التكليف عنه ، و ما دلّ على أنّه مولّى عليه.

أمّا الوصاية إلى المجنون الأدواري حال إفاقته ، فلا إشكال فيه ؛ و ذلك لما قيل من أنّ المعتبر في صحّة الوصاية أهلية الوصيّ لذلك حين إنشائها ، كما في

********

(1) -وسائل الشيعة 376:19 ، كتاب الوصايا، الباب 50 ، الحديث 3.

ص: 153

«الدروس» و«جامع المقاصد»(1).نعم وقع الكلام في أنّه عند عروض الجنون هل تبطل الوصيّة أم لا ؟ و سيأتي الكلام فيه إن شاء اللّه.

و أمّا لو أنشأ الوصاية إلى المجنون الأدواري معلّقاً على حال إفاقته مع فعلية جنونه حال إنشاء الوصاية ، فقد يقال ببطلانه ؛ نظراً إلى التعليق المبطل و عدم وجود العقل حين الوصاية.و لكن لا يبعد القول بالصحّة ؛ لما قلنا من عدم الدليل على بطلان العقود و الإيقاعات بالتعليق ما لم يلزم منه غررٌ في المعاملات.و لمّا لا يتصوّر في الوصاية غرر لا إشكال في تعليقها على حال الإفاقة ، هذا.

مضافاً إلى ما قلناه سابقاً من أخذ التعليق على موت الموصي في ذات الوصيّة و الوصاية.

الجهة الثالثة:في اشتراط الإسلام.

لا خلاف في اشتراطه في الوصيّ ، كما في «الجواهر»(2) و«الرياض»(3).

و قد استدلّ لذلك:بأنّه لا ولاية بين الكافر و بين المسلم ، كما دلّ عليه قوله تعالى:«لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْ ءٍ» (4).

بل إنّما يكون الولاية بين المؤمنين أنفسهم ، كما قال تعالى:«اَلْمُؤْمِنُونَ وَ الْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ» (5).

********

(1) -جامع المقاصد 270:11.

(2) -جواهر الكلام 405:28.

(3) -رياض المسائل 484:9.

(4) -آل عمران (3):28.

(5) -التوبة (9):71.

ص: 154

و لكن الاستدلال بمثل هذه الآيات يبتني على كون «الأولياء» فيها صيغة جمع «الوليّ»بمعنى من له السلطنة و الاختيار ، لا بمعنى الصديق و الزميل ، و إلّا تكون على وزان النهي عن إلقاء المودّة إلى الكفّار.و قد سبق:أنّ الوصيّة ربّما لا تكون إلقاء المودّة ،بل تكون لغرض عقلائي آخر.و لكن الظاهر من هذه الآيات هو الولاية بمعنى السلطنة و الاختيار.

و ممّا يدلّ على عدم جواز الوصاية إلى الكافر قوله تعالى:«وَ لَنْ يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً» (1)؛ نظراً إلى ما قلناه:من أنّ الوصاية هي إعطاء الولاية إلى الوصيّ و تسليطه على أمر الميّت.

و قوله تعالى:«وَ لا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا» (2)؛ فإنّ تسليط الكافر على أموال المسلم الميّت و أولاده ركونٌ إليه.

نعم ، تصحّ وصاية الكافر إلى الكافر إذا كان ممّن يوثّق به في دينه ؛ لحصول الغرض من الوصاية ، و لاختصاص دليل المنع بوصاية المسلم إلى الكافر ، دون الكافرين بعضهم مع بعض.

كما قال في «الجواهر»(3):بل علّل في «المسالك»بذلك ؛ لصحّة الوصاية إلى الكافر الموثّق في دينه مطلقاً.

و لكنّه غير وجيه ؛ لما قلنا من استلزام ذلك تولية الكافر على المسلم ، و هو غير جائز في صريح الكتاب.

********

(1) -النساء (4):141.

(2) -هود (11):113.

(3) -جواهر الكلام 406:28.

ص: 155

و أمّا اشتراط العدالة في الوصيّ فلا ينافي صحّة وصاية الكافر إلى الكافر فلا تصحّ وصاية الصغير و لا المجنون ، و لا الكافر عن المسلم و إن كان ذمّياً قريباً(1).و هل يشترط فيه العدالة أم يكفي الوثاقة ؟ لا يبعد الثاني و إن كان الأحوط الأوّل(2).

الموثّق في مذهبه و ملّته ؛ لأنّ مقتضى الجمع بين ذهاب مشهور الفقهاء إلى اشتراط العدالة في الوصيّ و بين حكمهم بصحّة وصاية الكافر إلى الكافر الموثّق في دينه هو اشتراط عدالة الوصيّ من كلّ دين بحسبه.

و لازمه:الاكتفاء بعدالة الكافر في دينه.بل ظاهره:اشتراط الوثاقة في الوصيّ مطلقاً ، لا العدالة بمعناه الخاصّ.

و يشهد على ما قلناه ما قال في «الحدائق»:و أطلق الأكثر-كالمحقّق في «الشرائع» و الشهيد في «اللمعة» و«الدروس» و العلّامة في جملةٍ من كتبه و غيرهم- جواز وصيّة الكافر إلى مثله ، مع أنّ المشهور عندهم اشتراط العدالة في الوصيّ.

و هو مؤذّن بالقول بالاكتفاء بعدالة الكافر في دينه(1).

1-كما في «الشرائع» و«الحدائق» و«القواعد» و«جامع المقاصد».

و الوجه فيه:الاشتراك في سبب المنع من الآيات و القواعد و الإجماع.

اشتراط العدالة في الوصيّ

2-وقع الكلام في اشتراط العدالة في الوصيّ.

فالمشهور بين الفقهاء و اشتراطها.و ذهب جماعة إلى عدم اشتراطها ،

********

(1) -الحدائق الناضرة 564:22.

ص: 156

كالعلّامة في «المختلف»(1) و ابن إدريس في «السرائر»(2) و المحقّق في «النافع» على ما نسب إليه في «الحدائق»(3).و منهم صاحب «الجواهر»(4) ؛ فاختار عدم اشتراط العدالة.

و قيل باشتراط عدم ظهور الفسق من الوصيّ لا ظهور العدالة ، كما ذهب إليه في «المسالك»(5).

و قد استُدلّ على عدم اشتراط العدالة في الوصيّ باُمور:

الأوّل ؛ إطلاق أدلّة مشروعية الوصاية من النصوص(6) المتواترة الدالّة على جواز تعيين الوصيّ و نفوذ تصرّفه ؛ فإنّها دلّت بإطلاقها على مشروعية تعيين الوصيّ و نفوذ تصرّفه مطلقاً ؛ سواءٌ كان عادلاً أم لا.هذا الاستدلال يفهم من صاحب «الجواهر».

و فيه:أنّ هذه النصوص ليست بصدد بيان شرائط الوصيّ ، فلا إطلاق لها من هذه الجهة.و أمّا دعوى عمومها-كما في «الجواهر»-فهي كما ترى.

الثاني:أنّ المسلم محلٌّ للأمانة ، كما في الوكالة و الاستيداع.

و ضعفه واضح ؛ لعدم كون المسلم الفاسق محلّاً للأمانة ، و لا مورداً للاستئمان و الاعتماد ، و إلّا لم يأمر اللّه تعالى بالتثبُّت في خبره ، و لم يمنع من سماع شهادته.

********

(1) -مختلف الشيعة 351:6-352.

(2) -السرائر 189:3.

(3) -الحدائق الناضرة 559:22.

(4) -جواهر الكلام 395:28.

(5) -مسالك الأفهام 242:6.

(6) -وسائل الشيعة 319:19 ، كتاب الوصايا، الباب 23 و36 و37 و46 و50 و53.

ص: 157

فإذا لم يعتمد عليه في مثل هذه الاُمور لا يعتمد عليه في مثل الوصاية بالفحوى ؛ لأنّه إعطاء المنصب و تفويض الولاية.و أمّا في الوكالة و الإيداع فسيأتي الكلام فيهما.

الثالث:أنّ الوصاية هي إعطاء الولاية ، و هي بيد الموصي ؛ فله أن يعطي الولاية إلى أيّ فردٍ شاء.

و فيه:أنّ ولاية الوصيّ لمّا كانت متعلّقة بما يرجع إلى غير الموصي-من الموصى له و أولاده و غيرهم ممّن يرتبط بالوصيّة و التركة-يكون تسليط الفاسق عليهم ظلماً و تضييعاً لحقّهم.و من هنا يجب على الموصي مراعاة مصالحهم في إعطاء الولاية إلى الوصيّ.

الرابع:ما استدلّ به العلّامة في «المختلف»(1) ؛ من أنّ الوصاية نيابة ، فيتبع اختيار المنوب.

و ردّه في «جامع المقاصد»(2):بأنّه ليس كلّ نيابة يتبع اختيار المنوب ؛ فإنّ من عجز عن الحجّ و وجب عليه الاستنابة لا يجوز له استنابة غير العادل.مضافاً إلى أنّها نيابة عن حقّ الغير ، فتعتبر فيها عدالة النائب مراعاةً لحقّ الغير.

الخامس:ما استدلّ به ابن إدريس ؛ من أنّ إيداع الفاسق جائز إجماعاً مع كونه استئماناً ، فكذلك الوصاية(3).

و ردّه في «جامع المقاصد»:بأنّ الإيداع حقٌّ للمودع و يجوز له إتلاف مال نفسه ، فضلاً عن إيداعه عند الفاسق ، و هذا بخلاف الوصاية ؛ فإنّها تتعلّق

********

(1) -مختلف الشيعة 352:6.

(2) -جامع المقاصد 275:11.

(3) -السرائر 189:3.

ص: 158

بحقّ الغير و لا بدّ من مراعاته(1).

السادس:ما ورد من النصوص في وصاية الامرأة(2) ،بدعوى:أنّ الغالب عدم عدالتها.

و قد استدلّ بهذا الوجه صاحب «الجواهر»(3) ، و هو عجيب منه ؛ لوضوح منع دعوى غلبة فسق المرأة ، فضلاً عن دعوى الملازمة المبتنية عليها الاستدلال.

السابع:صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج ، قال:أوصى أبو الحسن عليه السلام بهذه الصدقة:«هذا ما تصدّق به موسى بن جعفر عليه السلام تصدّق بأرضه في مكان كذا و كذا كلّها ، و حدّ الأرض كذا و كذا...تصدّق موسى بن جعفر بصدقته هذه ، و هو صحيح صدقة حبساً بتّاً بتّاً مبتوتةً لا رجعة فيها...و جعل صدقته هذه إلى علي و إبراهيم ، فإذا انقرض أحدهما دخل القاسم مع الباقي ، فإذا انقرض أحدهما دخل إسماعيل مع الباقي منهما ، فإذا انقرض أحدهما دخل العبّاس مع الباقي ، فإذا انقرض أحدهما دخل الأكبر من ولدي مع الباقي ، و إن لم يبقَ من ولدي إلّا واحدٌ فهو الذي يليه»(4).

وجه دلالتها على عدم اعتبار العدالة في الوصيّ:أنّه عليه السلام أوصى إلى جميع وُلده و جعل لهم الولاية على الوقف ، مع أنّ فيهم غير العدل و وجود علي بن موسى الرضا عليه السلام فيهم لا يجدي بناءً على عدم صلاحية الفاسق للوصاية ، و لو منضمّاً إلى العدل.

********

(1) -جامع المقاصد 275:11.

(2) -وسائل الشيعة 375:19 ، كتاب الوصايا، الباب 50 و53.

(3) -جواهر الكلام 395:28.

(4) -وسائل الشيعة 202:19 ، كتاب الوقوف و الصدقات ، الباب 10 ، الحديث 4.

ص: 159

و فيه:أنّ هذا البناء غير مسلّم و لا مقبول ،بل الأقوى صحّة الوصاية إلى الفاسق منضمّاً إلى العدل.و لا سيّما إذا كان العدل مثل علي بن موسى الرضا عليه السلام ؛ فإنّ وجوده بينهم يوجب الاطمئنان بعدم اختلال في العمل بالوقف المزبور على حسب ما وقفه الإمام الكاظم عليه السلام ، هذا.

مضافاً إلى ما سيأتي من كفاية مجرّد الوثاقة في الوصيّ ، و لعلّها كانت حاصلة لموسى بن جعفر عليه السلام في سائر أولاده.

أمّا القول باشتراط العدالة في الوصيّ ، فاستُدلّ له بوجوهٍ:

الأوّل:أنّ الوصاية استئمان الوصيّ على أموال الميّت و أطفاله و من يجري مجراه من الفقراء و الجهات العامّة من وجوه الخيرات و المبرّات ، و الفاسق ليس أهلاً للاستئمان على مثل هذه الاُمور ، حيث لا اعتبار بفعله و لا قوله شرعاً ؛ و من هنا وجب التثبّت و التحقيق في خبره ، كما قال تعالى:«إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا...» (1).

الثاني:أنّ الوصاية ركون و اعتماد على الوصيّ في أموال المسلم الميّت و أولاده و ما يرتبط بشئون المسلمين ، و لا يجوز الركون إلى الظالم ، كما قال تعالى:

«وَ لا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّارُ» (2) .

الثالث:أنّ الوصاية و إن كانت استنابة ، إلّا أنّها لمّا كانت على مال الغير-من الموصى له و أولاد الميّت و أطفاله و غيرهم-نظراً إلى انتقال تركته بعد موته إليهم ، فلذا تشترط في نائبه العدالة.كما في وكيل الوكيل و وكيل الحاكم ؛ نظراً إلى تعلّق وكالتهما بحقّ الغير من الموكّل و عموم المسلمين ،بل هو أولى منهما ؛ لأنّ الوكيل

********

(1) -الحجرات (49):6.

(2) -هود (11):113.

ص: 160

و الموكّل و الحاكم أحياء حاضرون ناظرون على وكيل الوكيل و وكيل الحاكم ؛ فلذا يكون هذا من أعظم البواعث و أهمّ الدواعي على تحرّزهما من التجاوز و التعدّي في أمر الوكالة.و هذا بخلاف الوصيّ ؛ نظراً إلى أنّ بعد موت الموصي لا ناظر و لا مشرف عليه ليراقبه حتّى يردعه عن التجاوز من الحدّ الشرعي ، و سائر الناس لا يداخلون فيما يرتبط بالوصيّ عادةً.

الرابع:ما دلّ من النصوص على اعتبار العدالة في متولّي أمر الميّت إذا لم يوص و ترك أموالاً و أولاداً صغاراً ؛ فإنّ مفاده و إن كان أخصّ من المدّعى ، إلّا أنّ فيها إشعاراً بأنّ المتولّي لأمر الوصاية مطلقاً كذلك بلا فرق.

كموثّقة سماعة قال:سألته عن رجل مات و له بنون و بنات صغار و كبار من غير وصيّة ، و له خدم و مماليك و عُقَدٌ ، كيف يصنع الورثة بقسمة ذلك الميراث ؟ قال:

«إن قام رجل ثقة قاسمهم ذلك كلّه فلا بأس»(1).

و قوله:«عُقَدٌ» جمع «العُقْدَة» و هي الضيعة.

و لا يخفى:أنّ إضمار مثل سماعة لا يضرّ باعتبار الرواية ، فهي موثّقة سنداً.

و قد تمسّك بهذه الطائفة من النصوص في «الجواهر»(2) لاعتبار العدالة تأييداً.

و قد أشكل في «الجواهر» على الوجه الأوّل:بأنّ الفسق بمعناه الأخصّ -المضادّ للعدالة-لا ينافي الاعتماد في حفظ المال و أداء الأمانة لأنّ الدخيل في ذلك إنّما هو الوثاقة.فالفاسق بهذا المعنى لا مانع من ائتمانه و كذا الركون و الاعتماد عليه.

و على الوجه الثاني:أنّ من حُرّم الركون إليه في الآية الشريفة إنّما هو الظالم ،

********

(1) -وسائل الشيعة 422:19 ، كتاب الوصايا، الباب 88 ، الحديث 2.

(2) -جواهر الكلام 394:28.

ص: 161

و ليس كلّ فاسق ظالم؛ فلا دلالة للآية على حرمة الركون إلى غير الظالم من الفسّاق(1).

و دعوى:أنّ مطلق الفاسق ظالم لنفسه بالمعصية ، فواضح الفساد ؛ لخروجه عن ظاهر عنوان «الظالم» ؛ لعدم تبادره من إطلاق مادّة الظلم و صيغه.

و يمكن الجواب عن الوجه الثالث:بكفاية وثاقة الوصيّ لرعاية مصلحة الموصى له و أولاد الميّت و مَن له حظٌّ في تركته.

و عن الرابع:بأنّ الذي صرّح به في الموثّقة هو اعتبار الوثاقة فيمن يتولّى أمر تركة الميّت و شئونه لا العدالة.

و أمّا اعتبار عدم ظهور الفسق فلا يكفي للركون و الائتمان و الاعتماد على من لم يظهر منه فسق ، إلّا أن يكون علامة توجب الاطمئنان بالوثاقة ، كما لو عاشره الموصي منذ مدّة طويلة و لم ير منه شيءٌ يدلّ على فسقه أو سلب وثاقته ؛ فيكون عدم ظهور الفسق حينئذٍ من علائم إثبات وثاقة الشخص.

و مقتضى التحقيق في المقام:ما ذهب إليه السيّد الماتن قدس سره.

و أمّا وجهه:فقد اتّضح لك من خلال ردّ أدلّة القول باشتراط العدالة ، فلا نعيد ؛ حذراً من الإطالة.

هل المعتبر وجود الصفات من حين الوصيّة أو الوفاة ؟

وقع الكلام في أنّ الصفات المذكورة هل تعتبر من حين الوصيّة أو من حين وفاة الموصي ، أو من حين الوصيّة إلى حين الوفاة ، أو إلى حين تنفيذ الوصيّة و انتهاء العمل بها ، أو من حين الوفاة إلى انتهاء إعمال الوصيّة ؟ على

********

(1) -جواهر الكلام 396:28.

ص: 162

أقوال ، كما قرّر في «الجواهر»(1).

و استدلّ على اعتبار وجودها في الوصيّ من حين الوصيّة:

أوّلاً:أنّ كلّ شرط يعتبر تقدّمه على المشروط أو مقارنته معه ؛ نظراً إلى استحالة تحقّق المشروط قبل تحقّق الشرط ، حيث يتوقّف على تحقّق الشرط ، و إلّا لم يشترط.فهذا مقتضى ماهية الاشتراط.

و عليه:فلمّا كانت الصفات المزبورة شرطاً في صحّة الوصاية و لم تكن موجودةً حال إنشائها ، لا تصحّ الوصاية ؛ نظراً إلى انتفاء الشرط ، و هو يقتضي انتفاء المشروط.

و ثانياً:أنّ الوصيّ إذا كان فاقداً للصفات المزبورة-بأن كان صبيّاً أو فاسقاً أو مجنوناً-لكان نصبه بعنوان الوصيّ و تفويض الولاية و السلطة إليه على مال الميّت و أولاده و مَن له حظٌّ في تركته إليه منهيّاً عنه و غير جائز.و إنّ تفويض الولاية على ذلك من أهمّ أركان الوصاية ،بل هو ماهيّتها الأصلية ، فإذا تعلّق به النهي يقتضي فساد الوصاية ؛ نظراً إلى أنّ النهي في العقود إرشاد إلى اشتراط شيءٍ مفقود في المنهي.

و ثالثاً:أنّ الوصاية إذا كانت صحيحة لا بدّ أن ينفذ تصرّف الوصيّ بمجرّد موت الموصي ، حيث لا مانع من نفوذ تصرّفه إلّا حياة الموصي.مع أنّه لو مات حال فقدان هذه الصفات في الوصيّ لم ينفذ تصرّفه ؛ فيُعلم منه:أنّ الوصاية كانت غير صحيحة ، و إلّا لترتّب آثارها.

و أشكل في «الجواهر» على هذه الوجوه:بأنّها إنّما تتمّ على فرض اشتراط

********

(1) -جواهر الكلام 434:28.

ص: 163

هذه الصفات حال إنشاء الوصاية ، و إلّا لم تعتبر وجود هذه الصفات حين إنشاء الوصيّة لكي تبطل بفقدانها-كما يقتضيه الوجه الأوّل-و لم يتعلّق النهي بتفويض الولاية إلى الوصيّ حين إنشاء الوصاية-كما يقتضيه الوجه الثاني-و لم يستلزم صحّة الوصاية نفوذ تصرّف الوصيّ حين موت الموصي عند فقدان الصفات.

مع أنّ الوجه الأخير يكون في الحقيقة وجهاً لاعتبار الصفات المزبورة من حين موت الموصي ؛ و لذا لا ينفذ تصرّف الوصيّ إذا لم يكن واجداً للصفات عند موت الموصي ، هذا.

و لكن مقتضى التحقيق:اعتبارها من حين موت الموصي ؛ لأنّه زمان تنفيذ الوصاية و تلبّس الوصيّ بالولاية.بل إنّما يتحقّق نصب الوصيّ لذلك حقيقةً من حين موت الموصي ، حيث لا تثبت له الولاية و لا ينفذ شيءٌ من تصرّفاته على ذلك قبل موت الموصي.فالمتحقّق قبل الموت إنّما هو مجرّد إنشاء الوصاية ، لا نفوذها و لا شيءٌ من آثارها.

و إنّ الصفات المزبورة إنّما تعتبر في إعمال الولاية ؛ فإنّ الذي يستدعي اعتبارها إنّما هو إعمال الولاية و السلطة على أموال الميّت و أولاده و سائر من له حظّ في تركته.و إنّ إعمال الولاية إنّما يجوز للوصي من حين موت الموصي ،بل الولاية نفسها لا تثبت له قبل موت الموصي ، فضلاً عن جواز إعمالها.

فتحصّل:أنّ الأقوى اعتبار وجود هذه الصفات من حين موت الموصي ، كما ذهب إليه في «الجواهر»(1).

********

(1) -جواهر الكلام 435:28.

ص: 164

و أمّا أمدها:فواضح أنّه إلى زمان انتهاء القسمة و وصول كلّ حقّ إلى صاحبه.

و بهذا البيان اتّضح ضعف سائر الأقوال في المقام.

نعم ، يشترط في صحّة الوصاية-بناءً على هذا المبنى-أن يحتمل الموصي حين إنشاء الوصيّة حصول الصفات و توفّرها في الوصيّ حين موته ؛ بأن لا يعلم فقدانها فيه في ذلك الوقت.و إلّا لا تصحّ الوصاية ، حيث يعتبر في صحّتها أن يقصد الموصي إعطاء الولاية و جعل المنصب لمن كان له أهلية لذلك.

فما دام لم يحتمل أهلية الوصيّ حين تنجُّز الوصاية بموته لا يتمشّى منه هذا القصد.و إنّما يقصد أن يجعل الولاية للوصي باعتبار حال كونه واجداً للصفات إذا احتمل حصولها فيه حين الموت.

و أمّا تصحيح الوصاية بتعليقها على حصول هذه الصفات في الوصيّ ، فلا ينفع فيما لو عَلم الموصي بفقدانها عند موته ؛ لوضوح كون الوصاية المعلّقة عليها لغواً حينئذٍ.

و لكن كلّ ذلك إنّما يكون فيما لو لم تكن الصفات حاصلة حين إنشاء الوصيّة ، و إلّا فلا كلام في صحّة الوصاية ؛ سواءٌ قلنا باعتبار تحقّقها من حين إنشاء الوصاية كما عليه الشيخ و ابن إدريس ، على ما نسب إليهما في «الحدائق»(1) و رجّحه المحقّق في «الشرائع»(2) و الشهيد في «المسالك»(3) ، أو حال موت الموصي كما قوّاه في «الجواهر»(4).

********

(1) -الحدائق الناضرة 566:22.

(2) -شرائع الإسلام 203:2.

(3) -مسالك الأفهام 270:6-272.

(4) -جواهر الكلام 435:28.

ص: 165

(مسألة 39):إنّما لا تصحّ وصاية الصغير منفرداً ، و أمّا منضمّاً إلى الكامل فلا بأس به ، فيستقلّ الكامل بالتصرّف إلى زمان بلوغه ، فإذا بلغ شاركه من حينه ، و ليس له الاعتراض فيما أمضاه الكامل سابقاً ، إلّا ما كان على خلاف ما أوصى به الميّت ، فيردّه إلى ما أوصى به(1)،

1-لا إشكال في أصل صحّة الوصاية إلى الصغير منضمّاً إلى الكبير ، كما في «الحدائق»(1) و«الجواهر»(2).و لكن لا يجوز للصبيّ التصرّف و لا المداخلة في شيءٍ من تصرّفات الكبير الراجعة إلى العمل بالوصيّة قبل بلوغه.فإذا بلغ لا يجوز له الاعتراض فيما أمضاه الكبير ، إلّا ما كان على خلاف الوصيّة-من تغيير و تبديل- فيجب عليه حينئذٍ ردّ الوصيّة إلى أصلها.

و قد دلّ على ذلك نصوص معتبرة:

فمنها:صحيحة محمّد بن الحسن الصفّار قال:كتبت إلى أبي محمّد عليه السلام:رجل أوصى إلى ولده و فيهم كبار قد أدركوا و فيهم صغار ، أ يجوز للكبار أن ينفذوا وصيّته و يقضوا دينه لمن صحّ على الميّت بشهود عدول قبل أن يُدرك الأوصياءُ الصغار ؟ فوقّع عليه السلام:«نعم ، على الأكابر من الولد أن يقضوا دين أبيهم ، و لا يحبسوه بذلك»(3).

و منها:حسنة علي بن يقطين قال:سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل أوصى إلى امرأة و شرّك في الوصيّة معها صبيّاً ؟ فقال عليه السلام:«يجوز ذلك و تمضي المرأة الوصيّة و لا تنتظر بلوغ الصبيّ ، فإذا بلغ الصبيّ فليس له أن لا يرضى إلّا ما كان من تبديل

********

(1) -الحدائق الناضرة 564:22.

(2) -جواهر الكلام 402:28.

(3) -وسائل الشيعة 375:19 ، كتاب الوصايا، الباب 50 ، الحديث 1.

ص: 166

أو تغيير ؛ فإنّ له أن يردّه إلى ما أوصى به الميّت»(1).

وجه التعبير عنها بالحسنة وقوع جعفر بن عيسى بن عبيد في طريقها ؛ لأنّه إمامي ممدوح ، حيث لم يرد فيه توثيق صريح ، إلّا أنّ الكشّي روى في الصحيح ما يدلّ على مدحه ، و كذا العلّامة.

و أمّا دلالتهما على المطلوب فواضح.و لا كلام فيه.و إنّما الكلام في أمرين:

أحدهما:في أنّ صحّة الوصاية إلى الصبيّ منضمّاً إلى الكبير هل هي بمقتضى القاعدة ، أم لا بل الدلالة النصّ ؟

يظهر من صاحب «الجواهر» الأوّل ،بدعوى:أنّ مرجع ذلك إلى تعليق الوصاية إلى الصبيّ على بلوغه و رشده.و أنّ الوصاية كالإمارة لا يقدح فيها التعليق ، كما روي أنّ النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال:«الأمير زيد ، فإن قتل فجعفر ، فإن قتل فعبد اللّه بن رواحة»(2).بل ورد التعليق في وصيّة فاطمة عليها السلام و موسى بن جعفر عليه السلام (3).

و اشكل عليه:بأنّ محلّ الكلام هو الوصاية الفعلية المنجّزة ، لا المعلّقة على البلوغ.و لا ريب في عدم أهلية الصبيّ للولاية الفعلية ، و إنّما ثبت جواز ذلك في خصوص الصبيّ المنضمّ إلى الكبير دون الوصاية إليه منفرداً ، فيقتصر في مخالفة الأصل على موضع النصّ.

و أجاب عنه في «الجواهر»:بأنّ الوصاية إلى الصبيّ إذا لم تكن صحيحة فلا بدّ أن لا تصحّ في الصبيّ المنضمّ إلى الكبير أيضاً.و لا يستفاد من نصوص المقام صحّة الوصاية حينئذٍ ، و إلّا لاشترك مع البالغ في العمل بالوصيّة.بل يستفاد من هذه

********

(1) -وسائل الشيعة 375:19 ، كتاب الوصايا، الباب 50 ، الحديث 2.

(2) -جواهر الكلام 403:28.

(3) -وسائل الشيعة 198:19 ، كتاب الوقوف و الصدقات ، الباب 10 ، الحديث 1و5.

ص: 167

النصوص عدم أهليته لذلك ؛ فلذا صرّح بانفراد الكبير في العمل بالوصيّة قبل بلوغ الصبيّ.

و في قبال ذلك:ذهب في «المسالك» إلى أنّ الوصيّة إلى الصغير منضمّاً إلى الكبير مخالفاً للقاعدة ؛ لعدم كون الصبيّ أهلاً للولاية و المنصب.

مقتضى التحقيق:أنّ الوصيّة إلى الصبيّ منضمّاً إلى البالغ مستبطنةٌ لتعليقها في الصبيّ على بلوغه و رشده.

و الحقّ مع صاحب «المسالك» من كون الوصاية إلى الصبيّ مخالفاً للقاعدة ، و هي ما يستفاد ممّا دلّ على عدم أهلية الصبيّ للولاية و المنصب.

و لا دلالة لنصوص المقام على خلاف مقتضى القاعدة المزبورة لكي يتعبّد بها.

و لكن يمكن الجمع:بأنّ مراد صاحب «الجواهر» من القاعدة هو التعليق المبنية عليه الوصاية إلى الصغير منضمّاً إلى الكبير.

و عليه:فالوصاية إلى الصغير معلّقاً على بلوغه صحيحة منفرداً ، فضلاً عن صورة انضمامه إلى البالغ.

و لا نظر لصاحب «المسالك» إلى التعليق.و مع قطع النظر عن التعليق تكون الوصاية إلى الصغير مخالفاً لمقتضى القاعدة مطلقاً ، كما صرّح به صاحب «الجواهر» في الجواب عن الإشكال.

ثانيهما:أنّه لا فرق بين تمييز الصبيّ-المنضمّ إلى البالغ-و بين عدمه ، و لا بين بلوغه خمس سنين و عدمه.

و أمّا صحيح زياد بن أبي الحلال قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله و سلم هل أوصى إلى الحسن و الحسين مع أمير المؤمنين عليهم السلام ؟ قال:«نعم»، قلت:

و هما في ذلك السنّ ؟! قال:«نعم ، و لا يكون لغيرهما في أقلّ من خمس

ص: 168

و لو مات الصغير أو بلغ فاسد العقل كان للكامل الانفراد بالوصاية(1).

سنين»(1)، فأعرض عنه الأصحاب ، كما صرّح بذلك في «الجواهر» و«الحدائق».

مضافاً إلى احتمال كون المقصود وصيّة الحسنين بالصبر على ما يرد عليهما من المصائب ، كما احتمل في «الحدائق»(2).

و لكن هذا الاحتمال غير وجيه ؛ لعدم قرينة في هذه الصحيحة تدلّ على هذا الاحتمال.بل نفي جواز الإيصاء إلى غير الحسنين عليهما السلام إذا كان أقلّ من خمس سنين و لو منضمّاً إلى البالغ ظاهر في كون المقصود من الإيصاء ما هو محلّ الكلام ، دون ما احتمله في «الحدائق».

و أمّا إعراض الأصحاب عن هذه الصحيحة ، فبناءً على كونه قادحاً في حجّيتها و على فرض إثبات إعراضهم عنها صغروياً ، فتسقط عن الاعتبار.و لكنّهما أوّل الكلام.و من هنا لا يترك الاحتياط بترك الوصاية إلى الصبيّ الذي لم يبلغ خمس سنين و لو منضمّاً إلى البالغ.

1-كما قال في «الشرائع» و«الجواهر» و«الحدائق» ،بل هو المشهور.

و علّل ذلك أوّلاً:بأنّ للميّت وصيّاً مستقلّاً حينئذٍ من دون شريك ؛ لفرض موت الصبيّ قبل البلوغ-الذي هو شرط صحّة نصبه وصياً-و كذا الكمال ، و عليه:

فلم يشاركه أحدٌ في وصايته.و على فرض الشكّ يستصحب استقلاله الثابت سابقاً ، حيث لم يحدث ما يزيله.

و ثانياً:بأنّ أقصاه كونه من قبيل الوصيّة إلى اثنين مات أحدهما.فالمشهور

********

(1) -وسائل الشيعة 376:19 ، كتاب الوصايا، الباب 50 ، الحديث 3.

(2) -الحدائق الناضرة 565:22.

ص: 169

بين الأصحاب استقلال الباقي منهما بلا انضمام الحاكم ، فكذلك في المقام.

و لكن تردّد العلّامة في «التذكرة» و الشهيد في «الدروس» ،بل رجّح بطلان استقلاله و مداخلة الحاكم في «الرياض» و«المسالك» ؛ نظراً إلى أنّ الموصي إنّما فوّض الاستقلال إلى البالغ و إلى زمان بلوغ الصبيّ ، فكأنّه جعله مستقلّاً إلى مدّة مخصوصة لا مطلقاً ، فإذا انتهى أمد هذه المدّة ينتفي الاستقلال.

مقتضى التحقيق هو الأوّل ؛ وفاقاً لما ذهب إليه في «الشرائع» و«الجواهر» و«الحدائق» ؛ و ذلك لظهور إنشاء الوصاية في اعتبار الانضمام عند إمكانه ببقاء الصبيّ و بلوغه رشيداً ، و انصرافها عن صورة موته أو بلوغه مجنوناً ؛ لعدم قابليته للوصاية إليه حينئذٍ.

ثمّ إنّ في «الجواهر» نقل عن «الرياض» القطع ببطلان الوصاية فيما إذا بلغ الصبيّ رشيداً ثمّ مات بعده و لو بلحظة ؛ لانقطاع استصحاب استقلال البالغ حينئذٍ بلا خلاف ، و تبدّله باستصحاب عدم الاستقلال.و تبعه في «المسالك».

و قد أجاب عنهما في «الجواهر»:بأنّ أقصاه صيرورته كالوصيّة إلى اثنين كاملين ثمّ مات أحدهما ، و ستعرف:أنّ المشهور بين الأصحاب استقلال الباقي ، و أنّه لا يُضمّ إليه الحاكم(1).

ثمّ لا يخفى:أنّه لا خصوصية لبلوغه فاسد العقل ،بل لو بلغ كافراً أو فاسقاً و فاقداً للوثاقة فكذلك للكامل الانفراد به ، حيث إنّ الملاك في انفراد الكامل عدم أهلية الصبيّ للولاية ، فإذا بلغ فاقد الأهلية لذلك فانفراد الكامل يبقى على حاله.

فالأصحّ:أن يكون المتن «أو بلغ فاقد الأهلية للوصاية كان للكامل الانفراد

********

(1) -جواهر الكلام 404:28.

ص: 170

(مسألة 40):لو طرأ الجنون على الوصيّ بعد موت الموصي ، فهل تبطل الوصاية أم لا ؟ لا يخلو الثاني من وجه و إن لم تنفذ تصرّفاته ، فلو أفاق جازت التصرّفات ، لكن الأحوط نصب الحاكم إيّاه.نعم لو كان جنونه بحيث لا يُرجى زواله فالظاهر بطلانها(1).

بها».و هذا موافق للاعتبار و ارتكاز العقلاء ؛ فإنّ أمد استقلال الكامل في ارتكاز الموصي هو حدوث أهلية الصبيّ للوصاية بالبلوغ.

لو طرأ الجنون على الوصيّ بعد موت الموصي

1-كما قوّاه في «الجواهر»(1) ، معلّلاً:بأنّ ولاية الوصيّ كولاية الأب و الفقيه ، فكيف بعروض الجنون عليهما لا تزول ولايتهما رأساً ،بل تعود بزوال الجنون ؟ فكذلك ولاية الوصيّ.و إن كان فرق بينهما من جهة أنّ ولاية الأب و الفقيه من جانب الشارع بخلاف الوصيّ ، إلّا أنّ النصب من الموصي بعد مشروعيته بإمضاء الشارع صار كالنصب من الشارع.

فكما أنّ الولاية هناك متحقّقة من حيث الاُبوّة و الاجتهاد بعد زوال الجنون ، فكذلك في المقام تكون الولاية متحقّقة من حيث الوصاية إلى زيد أو ابن مثلاً بعد زوال الجنون.

نعم ، تنقطع الولاية بعروض الجنون ؛ فلا يجوز للوصي التصرّف حينئذٍ ،بل يقوم بها الحاكم.إلّا أنّ ذلك لا يوجب زوال سبب الولاية من أصله.

و بعبارة اخرى:يكون الجنون العارض بمنزلة المانع ؛ فبعروضه لا يزول

********

(1) -جواهر الكلام 437:28.

ص: 171

المقتضي من أصله ،بل إنّما يمنع من تأثيره.و عليه:فإذا ارتفع المانع يؤثّر المقتضي.

و قد جزم العلّامة بعدم عود الولاية بعد ارتفاع الجنون ، كما نقل عنه في «الحدائق»(1).بل يظهر من بعض الفقهاء المفروغية من بطلان الوصاية بذلك ، كما قال في «الجواهر»(2).

و عُلّل:بأنّ الوصاية في حكم العقد ، إن لم تكن بنفسها عقداً.و لا ريب في انفساخه بعروض الجنون أو بدعوى اشتراط استمرار الأهلية في الوصيّ.

و فيه:أنّ الوصاية ليست بعقد.مضافاً إلى عدم بطلان العقد بعد تماميته بعروض الجنون على العاقد.و أمّا استمرار الأهلية فلا دليل عليه ،بل الدليل قائم على أهلية الوصيّ حين إعمال الولاية و تنفيذ الوصاية.

و لكن فرق بين الوصيّ و بين الأب و المجتهد ؛ فإنّ عنوان «الوصيّ» مجعول بنفس وصاية الموصي.و لمّا كانت الوصاية مبنية على كون من يوصى إليه أهلاً للوصاية فبزوال الأهلية تزول الوصاية.و أمّا تجديدها بعد عود الأهلية إلى الوصيّ فيحتاج إلى دليل ؛ فلذا لا يُترك الاحتياط وجوباً بنصب الحاكم إيّاه للوصاية بعد عود العقل.و إن كان احتياط السيّد الماتن قدس سره استحبابياً ؛ لإفتائه ببقاء الوصاية بعد عود العقل.

ثمّ إنّ هذا كلّه إذا كان زوال الجنون مرجوّاً.

و أمّا إذا لم يُحتمل زواله:فالظاهر بطلان الوصاية ؛ نظراً إلى فقدان أهلية الوصيّ لذلك.فإذا لم يتوقّع زوال الجنون لا يرى العرف بقاء الوصاية و عودها متوقّعاً ؛ فإنّ توقُّع عودها يتبع توقُّع زوال الجنون عرفاً.

********

(1) -الحدائق الناضرة 558:22.

(2) -جواهر الكلام 436:28.

ص: 172

(مسألة 41):الأحوط أن لا يردّ الابن وصيّة والده ، و لا يجب على غيره قبول الوصاية ، و له أن يردّها ما دام الموصي حيّاً بشرط أن يبلغه الردّ(1)؛

حكم ردّ الوصيّة من الموصي

1-إنّ الكلام تارةً:في جواز ردّ الولد وصاية والده.

و اخرى:في أنّه-بعد البناء على عدم جوازه-هل تنتفي وصايته ، أو يكون ردّه كلا ردٍّ ؟

و ثالثة:في أصل جواز ردّ الوصاية للوصي في غير الولد.

فالكلام في ثلاث مقامات:

أمّا المقام الأوّل:فاستظهر صاحب «الجواهر» من إطلاق كلام الأصحاب ، ذهابهم إلى جواز ردّ الولد وصيّة والده.

و قد أنكر في «الرياض» إطلاق كلامهم لذلك ،بدعوى:أنّهم في مقام الإفتاء بأصل جواز ردّ الوصيّة في نفسه ، من دون نظرٍ إلى حكم ردّ الولد وصاية أبيه.

و قد ذهب الصدوق-على ما نسب إليه في «الجواهر»(1) إلى وجوب قبول الولد وصاية والده و عدم جواز ردّها ؛ معلّلاً بما رواه محمّد بن يعقوب عن عدّة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن علي بن الريّان قال:كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام:رجلٌ دعاه والده إلى قبول وصيّته ، هل له أن يمتنع من قبول وصيّته ؟ فوقّع عليه السلام:«ليس له أن يمتنع»(2).

********

(1) -جواهر الكلام 415:28.

(2) -وسائل الشيعة 322:19 ، كتاب الوصايا، الباب 24 ، الحديث 1.

ص: 173

و فيه:أنّ هذه الرواية و إن تمّت دلالتها ، إلّا أنّها غير نقيّة السند ؛ بلحاظ وقوع سهل في طريقها ، و قد صرّح النجاشي بضعفه و عدم الاعتماد بحديثه و قال:كان أحمد بن محمّد بن عيسى يشهد عليه بالغلوّ و الكذب و أخرجه من قم إلى الري.

و أيضاً ضعّفه الشيخ في بعض المواضع ،بل قال في «الاستبصار»:إنّه ضعيف.و قد استثناه ابن بابويه من رجال «نوادر الحكمة» و استثناه ابن وليد-شيخ الصدوق- من روايات محمّد بن أحمد بن يحيى.و تبعه الصدوق و ابن نوح ، فلم يعتمدوا على ما رواه محمّد بن أحمد بن يحيى عن سهل.

و ممّن صرّح بضعفه ابن الغضائري ، و نقل الكشّي عن محمّد القُتيبي عن الفضل بن شاذان:أنّه كان لا يرتضي سهل بن زياد و يقول هو الأحمق.

و عليه:فلا يُعتنى بدعوى وثاقته ، كما عن صاحب «الوسائل» و الوحيد البهبهاني ؛ تمسّكاً بكثرة روايته و رواية أجلّاء الأصحاب عنه و كونه شيخ إجازة و صاحب أصل و نحو ذلك من الوجوه ؛ فإنّها لا تنفع شيئاً بعد تصريح مثل أحمد بن محمّد بن عيسى و النجاشي و غيرهما من أكابر علماء الرجال و أعاظم الأصحاب بكذبه و ضعفه.

ثمّ إنّه قد مال إلى مذهب الصدوق في «المختلف»-على ما نسب إليه في «الجواهر»(1) معلّلاً بأنّ امتناع الولد نوع من العقوق.

و قد ردّه في «الجواهر»:بأنّ العقوق إنّما يكون في مخالفة أمر الوالدين أو فعل ما يؤذيهما بهتك حرمتهما ، لا مطلق المخالفة.نعم لو أمر الوالد ولدَه بقبول الوصاية أو كان ردّها إيذاءً له لا يجوز له ردّها.

********

(1) -جواهر الكلام 416:28.

ص: 174

و الحقّ في المقام مع صاحب «الجواهر» ؛ نظراً إلى ضعف سند الخبر المزبور ، و عدم إفتاء المشهور بوجوب القبول و حرمة الردّ لينجبر به ضعف سنده.

اللهمّ إلّا أن يقال:إنّ ردّ وصاية الوالد هتكٌ لحرمته عرفاً ، كما لا يبعد.

و عليه:فلا بدّ أن يفصّل بين ما لو كان ردّها هتكاً لحرمة الوالد أو مؤذّياً له أو مخالفة أمره فلا يجوز ردّها حينئذٍ ، و إلّا فيجوز.

و لكن كان الأحوط الأولى قبولها مطلقاً ، و إن كان مقصود السيّد الماتن من الاحتياط هو الاحتياط الوجوبي.

أمّا المقام الثاني:ففي بطلان الوصاية بردّ الولد-على فرض عدم جوازه- أو كون ردّه في حكم العدم-من دون تأثير له في بطلان الوصاية ،بل هي باقية كما كانت ، و إنّما يأثم بالردّ فقط-وجهان:قوّى في «الجواهر»(1) الأوّل.و لعلّه بدلالة ما دلّ من النصوص على بطلان الوصاية بردّ الوصيّ ، و إن ليس مطلقاً بل مشروط ببلوغه الوالد.

و لكن يرد عليه:بأنّ الردّ إنّما ينفع في بطلان الوصاية فيما إذا كان جائزاً ، دون ما إذا لم يَجز ؛ لأنّ منع الشارع عنه يمنع من ترتيب الأثر عليه شرعاً ، كما في الردّ الغير البالغ.و هذا عجيب منه قدس سره ، حيث أفتى بعدم تأثير الردّ هناك لمنع الشارع عنه ، فكيف أفتى هنا بتأثيره في البطلان ؟! فإذا كان القبول واجباً عليه يجب عليه ترتيب آثار الوصاية أيضاً.

المقام الثالث:اشتهر بين الفقهاء أنّ للوصي يجوز ردّ الوصاية ما دام الموصي حيّاً ،بشرط أن يبلغه الردّ ، كما في «الشرائع» و«الجواهر»(2) و غيرهما ،بل في

********

(1) -جواهر الكلام 416:28.

(2) -جواهر الكلام 415:28.

ص: 175

«الحدائق»(1):أنّه لا خلاف بين الأصحاب في ذلك.

و خالفهم العلّامة في «التحرير» و«المختلف» و الشهيد في «الدروس» و هو ظاهر الشيخ في «المبسوط» و مسائل «الخلاف» ،بل يظهر من «المسالك» الميل إليه ، على ما نسب إليهم في «الحدائق»(2).

و قد اختار السيّد الماتن قدس سره ما ذهب إليه المشهور.

و استُدلّ لذلك بعدّة نصوص:

منها:صحيح محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«إن أوصى رجل إلى رجل و هو غائب فليس له أن يردّ وصيّته ، و إن أوصى إليه و هو بالبلد فهو بالخيار ؛ إن شاء قَبِل و إن شاء لم يقبل»(3).

و صحيح الفضيل بن يسار عن أبي عبد اللّه عليه السلام في رجل يوصى إليه ، قال عليه السلام:

«إذا بُعث بها إليه من بلد فليس له ردّها ، و إن كان في مصر يوجد فيه غيره فذاك إليه»(4).

و ما عن «الفقه الرضوي»:«و إذا أوصى رجلٌ إلى رجلٍ و هو شاهد، فله أن يمتنع من قبول الوصيّة ، و إن كان الموصى إليه غائباً و مات الموصي من قبل أن يلتقي مع الموصى إليه، فإنّ الوصيّة لازمة للموصى إليه»(5).

بتقريب:أنّ وجه التفصيل بين غياب الوصيّ و بين حضوره عند الموصي أو

********

(1) -الحدائق الناضرة 574:22.

(2) -الحدائق الناضرة 574:22.

(3) -وسائل الشيعة 319:19 ، كتاب الوصايا، الباب 23 ، الحديث 1.

(4) -وسائل الشيعة 320:19 ، كتاب الوصايا، الباب 23 ، الحديث 2.

(5) -مستدرك الوسائل 110:14 ، كتاب الوصايا ، الباب 22 ، الحديث 2.

ص: 176

في بلده:أنّ الردّ الصادر من الوصيّ لا يبلغ إلى الموصي إلى أن يموت في هذا الحال.و مع عدم بلوغ الردّ إلى الموصي في زمان حياته فهو لا يُقدم على تعيين وصيّ آخر اتّكالاً على الذي نصبه بعنوان الوصيّ ؛ فيبقى بلا وصيّ ؛ فلا يُعمل بوصايته ، هذا.

و لكن القدر المتيقّن من مدلول هذه النصوص:أنّ الوصيّ إذا كان حاضراً عند الموصي أو كان متمكِّناً من الحضور عنده ، لا يجب عليه قبول الوصاية ،بل يجوز له ردّها حينئذٍ.و هذا مورد اتّفاق الطرفين في الجملة لا كلام فيه.

و إنّما الكلام أوّلاً:في اعتبار إبلاغ الردّ إلى الموصي ،بمعنى:أنّه لو لم يبلغه لا أثر لردّه ، فيجب عليه القبول ، كما هو المشهور باستظهاره من النصوص المزبورة.

و ثانياً:في اعتبار حضور الوصيّ ، فلو كان غائباً لا يجوز له ردّ الوصاية ، كما هو ظاهر صحيح محمّد بن مسلم السابق آنفاً ، و صحيح منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«إذا أوصى الرجل إلى أخيه و هو غائب فليس له أن يردّ عليه وصيّته...»(1).

و ثالثاً:في اعتبار إمكان نصب وصيّ آخر غيره ، مضافاً إلى اشتراط الإبلاغ نفسه.فلو لم يمكن ذلك لا يجوز له ردّها ؛ سواءٌ كان حاضراً أم غائباً ، في البلد أو في غيره ، كما يظهر من «الرياض»(2) و«المسالك»(3) استناداً إلى تعليله عليه السلام بقوله:

«لأنّه لو كان شاهداً فأبى أن يقبلها طُلِب غيره» في صحيح منصور ،بتقريب:أنّه إذا لم يمكنه نصب وصيّ آخر يكون بمنزلة ما لو لم يعلم بالردّ.

********

(1) -وسائل الشيعة 320:19 ، كتاب الوصايا، الباب 23 ، الحديث 3.

(2) -رياض المسائل 493:9.

(3) -مسالك الأفهام 256:6.

ص: 177

و رابعاً:في اعتبار وجود غيره ممّن له أهلية الوصاية إليه ، فلو لم يوجد لا يجوز له ردّها ، كما صرّح بذلك في قوله عليه السلام:«و إن كان في مصر يوجد فيه غيره فذاك إليه» في صحيحة الفضيل(1).

و لكن الأقوى في المقام:ما ذهب في «الرياض» و«المسالك» من اعتبار بلوغ الردّ إلى الموصي و تمكّنه من نصب وصيّ آخر غيره.

و هذا هو الظاهر من مجموع هذه النصوص ،بل يرجع اشتراط بلوغ الردّ إلى اشتراط تمكّن الموصي من تعيين وصيّ آخر غير الرادّ.

و الوجه فيه:أنّ ردّ الوصيّ لو بلغ إلى الموصي يُقدّم على الوصاية إلى شخص آخر غير الرادّ.و أمّا لو لم يبلغ إليه لا يقدّم على ذلك ، فيبقى بلا وصيّ.و الدليل على ذلك:تعليله عليه السلام في صحيح منصور بقوله:«لأنّه لو كان شاهداً فأبى أن يقبلها طُلِب غيره».

و من هنا اتّضح:أنّ اشتراط وجود مَن له أهلية الوصاية-ليوصي إليه الموصي عند بلوغ الردّ ، و إلّا يكون إبلاغ ردّ الوصيّة إليه بلا ثمر-يرجع في الحقيقة إلى اشتراط إمكان نصب وصيّ آخر للموصي عند ردّ وصايته الاُولى.و يرشد إليه قوله:

«و إن كان في مصر يوجد فيه غيره فذاك إليه» في صحيح الفضيل السابق آنفاً.

و أمّا المخالف للمشهور فعمدة دليله أمران:

أحدهما:ما يظهر من صاحب «المسالك»-على ما نسب إليه في «الحدائق»-(2) من كون نصوص المقام ناظرة إلى التفصيل بين غياب الوصيّ و بين حضوره في البلد.و قد أجبنا عنه بالبيان المزبور آنفاً.

********

(1) -وسائل الشيعة 320:19 ، كتاب الوصايا، الباب 23 ، الحديث 2.

(2) -مسالك الأفهام 258:6 ؛ الحدائق الناضرة 577:22.

ص: 178

و إن كان الأحوط الأولى أن لا يردّ فيما إذا لم يتمكّن الموصي من الإيصاء إلى غيره(1)،

ثانيهما:ما يظهر من الشيخ في «المبسوط» و في مسائل «الخلاف» ، و كذا من العلّامة في «المختلف»-على ما نسب إليهما في «الحدائق»(1)-و هو:ورود الحرج و الضرر-المنفيين في شريعة الإسلام-على الوصيّ بتحميل القبول و إيجابه إليه.

و فيه:أنّ لزوم الحرج و الضرر يمنع من فعلية جميع الأحكام ، من دون أن ينافي أصل ثبوتها ، فمن الممكن أن نقول بوجوب قبول الوصاية و عدم جواز ردّها ما دام لم يلزم من ذلك حرج أو ضرر عليه ، كما أنّ الأمر كذلك أيضاً في أصل وجوب العمل بالوصيّة.

و أمّا دعوى لزوم الحرج و الضرر من أصل القيام بالوصاية مطلقاً فهو كما ترى.و على فرض لزومهما فيكون من قبيل الأحكام التي اخذ الحرج و الضرر في موضوع وجوبها في الجملة، كما في الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و الجهاد، مع ممنوعية دعوى لزومهما من العمل بالوصاية في جميع الموارد ، كما قلنا.

1-هذا الاحتياط استحبابي ،بقرينة لفظة «الأولى».و لكن اتّضح لك ممّا سردناه آنفاً:أنّ الأقوى اشتراط تمكّن الموصي من الإيصاء إلى غيره في جواز ردّ وصايته ، فتأمّل في البيان المزبور لتصدّق ما قلناه.

و بناءً على ما قلنا:لا يجوز ردّ الوصاية فيما إذا لم يتمكّن الموصي من الإيصاء إلى نصب وصيّ آخر.

********

(1) -المبسوط 37:4 ؛ الخلاف 148:4 ، المسألة 21 ؛ مختلف الشيعة 299:6 ؛ الحدائق الناضرة 576:22-577.

ص: 179

فلو كان الردّ بعد موت الموصي ، أو قبله و لكن لم يبلغه حتّى مات ، كانت الوصاية لازمة على الوصيّ و ليس له الردّ(1)،بل لو لم يبلغه أنّه قد أوصى إليه و جعله وصيّاً إلّا بعد موت الموصي ، لزمته الوصاية و ليس له ردّها(2).

1-هذا تفريع على اشتراط بلوغ الردّ إلى الموصي في جواز ردّ وصايته ، و قد سبق الاستدلال عليه آنفاً.

2-كما قال في «الشرائع»(1) و«الحدائق»(2) ،بل في الثاني:أنّه المشهور ، و كذا في «الجواهر»(3).

و الوجه فيه:ما سمعته من النصوص بالتقريب الذي بيّناه آنفاً.

خلافاً للعلّامة في «التحرير» و«المختلف» ، قال:أطلق الأصحاب عدم جواز ردّ الوصيّة إذا لم يعلم الوصيّ بها حتّى يموت الموصي أو يعلم و يردّ و لمّا يعلم الموصي بالردّ؛ لروايات كثيرة، مثل صحيح منصور بن حازم و صحيح محمّد بن مسلم.

ثمّ قال:و الوجه عندي المصير إلى ذلك إن كان قد قَبِل الوصيّة أوّلاً ، و إن لم يكن قَبِل و لا علم جاز له الرجوع للأصل و لا زالت الضرر الواصل بتحمّل غير المستحقّ ، و قد قال اللّه تعالى:«ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ» (4) و قال عليه السلام:

«لا ضرر و لا ضرار في الإسلام»(5).و تحمل الأحاديث على حصول القبول ؛ لأنّه

********

(1) -شرائع الإسلام 203:2.

(2) -الحدائق الناضرة 576:22.

(3) -جواهر الكلام 418:28.

(4) -الحجّ (22):78.

(5) -وسائل الشيعة 428:25 ، كتاب إحياء الموات ، الباب 12 ، الحديث 3 ، مع تفاوت يسير.

ص: 180

(مسألة 42):يجوز للموصي أن يجعل الوصاية لاثنين فما فوق ، فإن نصّ على الاستقلال و الانفراد لكلّ منهما ، أو كان لكلامه ظهور فيه-و لو بقرينة حال أو مقال-فيتّبع ، و إلّا فليس لكلّ منهما الاستقلال بالتصرّف ؛ لا في جميع ما أوصى به و لا في بعضه (1)،

عقد و لا بدّ فيه من القبول.

و قد نبّه الشيخ في «المبسوط» و في مسائل «الخلاف» و كذا الشهيد في «الدروس» على إناطة لزوم الوصاية في المقام بقبولها حال حياة الموصي(1).

و لكن قد سبق الجواب عن الاستدلال بأدلّة نفي الحرج و الضرر.و إنّ العمدة هي مدلول نصوص المقام ، و قد بيّنا وجه دلالتها على اشتراط بلوغ الردّ و تمكّن الموصي من نصب وصيّ آخر.

حكم ما لو كان الوصيّ شخصين فصاعداً

1-إذا نصّ الموصي على الاستقلال و الانفراد لكلّ واحدٍ من الوصيّين أو كان لكلامه ظهورٌ في ذلك-و لو بقرينة حال أو مقال-فلا إشكال و لا خلاف في وجوب اتّباعه.و تثبت الولاية لكلّ واحدٍ منهما مستقلّاً ؛ فيجوز لكلٍّ منهما التصرّف في تركة الميّت و العمل بالوصيّة منفرداً ، من دون اطّلاع الوصيّ الآخر أو مشاورته.

و كذا لو نصّ على الاجتماع أو كان لكلامه ظهور فيه-بقرينة حال أو مقال- فلا إشكال و لا خلاف في ثبوت الولاية لهما حينئذٍ مجتمعاً ؛ فلذا تبطل الوصاية

********

(1) -مختلف الشيعة 299:6 ؛ الحدائق الناضرة 575:22-576.

ص: 181

و ليس لهما أن يقسّما الثلث و ينفرد كلّ منهما في نصفه ؛ من غير فرق في ذلك بين أن يشترط عليهما الاجتماع أو يطلق(1) ،

بردّ أحدهما مع حصول شرطه و لو قبل الآخر ، كما صرّح بذلك في «الجواهر»(1).

هذا لا كلام فيه.

و إنّما الكلام فيما إذا اطلق من دون قرينة توجب ظهوره في الانفراد أو الاجتماع.و يأتي البحث عنه في التعليق الثاني ، فارتقب.

1-وقع الكلام فيما إذا أوصى الموصي إلى اثنين فأطلق.من دون تصريح أو نصب قرينة على الاستقلال أو الاجتماع.

فالمشهور ثبوت الولاية لهما حينئذٍ مجتمعاً و عدم جواز الانفراد و الاستبداد لكلٍّ منهما في التصرّف و العمل بالوصاية.

و علّل ذلك أوّلاً:بتساوي الوصيّين في استحقاق الولاية بمقتضى الوصاية ، و إنّ انفراد أحدهما في العمل بالوصاية ينافي ولاية الآخر ، و عليه:فلا مناص من مراعاة حقّهما بالاشتراك في الولاية ؛ بأن تثبت الولاية لهما معاً.

و ثانياً ببعض النصوص المعتبرة:

منها:صحيح محمّد بن الحسن الصفّار قال:كتبت إلى أبي محمّد عليه السلام:رجلٌ كان أوصى إلى رجلين أ يجوز لأحدهما أن ينفرد بنصف التركة و الآخر بالنصف ؟ فوقّع عليه السلام:«لا ينبغي لهما أن يخالفا الميّت ، و أن يعملا على حسب ما أمرهما إن شاء اللّه»(2).

********

(1) -جواهر الكلام 407:28.

(2) -وسائل الشيعة 376:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 51 ، الحديث 1.

ص: 182

و من الواضح:أنّه إذا لم يجز الاستبداد بنصف التركة و كان مخالفة لوصاية الميّت ، ففي مجموع التركة لا يجوز بالفحوى.

و أشكل على دلالته في «المسالك»:بأنّ لفظ «لا ينبغي» ظاهرٌ في الكراهة ، فلا يدلّ على عدم جواز الانفراد(1).

و جوابه-كما قال في «الجواهر»-:أنّ هذا اللفظ-على فرض كونه بمعنى الكراهة في غير مورد الرواية-لا يمكن حمله على ذلك في خصوص مورد الرواية ؛ لأنّ مخالفة الميّت لا ريب في حرمته ؛ لتصريح الكتاب المجيد بحرمة تبديل الوصيّة ؛ ففي مورد الرواية لا إشكال في كونه بمعنى نفي الجواز(2).

منها:صحيح صفوان بن يحيى قال:سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل كان لرجل عليه مال فهلك و له وصيّان ، فهل يجوز أن يدفع إلى أحد الوصيّين دون صاحبه ؟ قال:«لا يستقيم ، إلّا أن يكون السلطان قد قسّم بينهما المال فوضع على يد هذا النصف و على يد هذا النصف ، أو يجتمعان بأمر سلطان»(3).

و قد وجّه الشيخ الطوسي ذيل هذا الصحيح:بأنّه إن قسّم السلطان العادل كان جائزاً ، و إن كان السلطان الجائر ساغ التصرّف فيه للتقيّة(4).

أمّا وجه دلالته فواضح ، حيث صرّح فيه بعدم جواز تسليط أحد الوصيّين على الدين المملوك.

********

(1) -مسالك الأفهام 249:6.

(2) -جواهر الكلام 408:28.

(3) -وسائل الشيعة 377:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 51 ، الحديث 2.

(4) -الاستبصار 119:4 ، ذيل الحديث 450 ؛ وسائل الشيعة 377:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 51 ، ذيل الحديث 2.

ص: 183

منها:ما عن «الفقه الرضوي»:«و إذا أوصى رجلٌ إلى رجلين فليس لهما أن ينفرد كلّ منهما بنصف التركة ، و عليهما إنفاذ الوصيّة على ما أوصى الميّت»(1).

و دلالته أوضح من الصحيحين.

نعم ، في موثّق بريد بن معاوية العجلي قال:إنّ رجلاً مات و أوصى إليَّ و إلى آخر أو إلى رجلين ، فقال أحدهما:خذ نصف ما ترك و أعطني النصف ممّا ترك ، فأبى عليه الآخر ، فسألوا أبا عبد اللّه عليه السلام عن ذلك ، فقال عليه السلام:«ذلك له»(2).

و قد زعم الشيخ الصدوق:أنّ هذه الموثّقة منافية لسائر نصوص ؛ فلذا طرحها.

و لكن ردّه الشيخ الطوسي في «التهذيب»:بأنّه كما يحتمل كون لفظ «ذلك» إشارة إلى طلب الاستبداد بنصف التركة و رجوع ضمير «الهاء» المجرور في «له» إلى طالب القسمة-على ما زعمه الصدوق-كذلك يحتمل أن يكون إشارة إلى إباء الآخر عن قبول القسمة و امتناعه عن الاستبداد بالنصف و رجوع الضمير «الهاء» إلى الممتنع(3).

و الحقّ في المقام مع الشيخ ،بل الذي احتمله هو الأظهر ، و إن وافق الصدوق في «نهايته» ، و لكن ما قال في «التهذيب» هو الأقوى.

********

(1) -مستدرك الوسائل 127:14 ، كتاب الوصايا ، الباب 43 ، الحديث 1.

(2) -وسائل الشيعة 377:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 51 ، الحديث 3.

(3) -تهذيب الأحكام 186:9 ، ذيل الحديث 746.

ص: 184

و لو تشاحّا و لم يجتمعا أجبرهما الحاكم على الاجتماع ، فإن تعذّر استبدل بهما.هذا إذا لم يكن التشاح لاختلاف اجتهادهما و نظرهما ، و إلّا فألزمهما على نظر ثالث إذا كان في أنظارهما تعطيل العمل بالوصاية ، فإن امتنعا استبدل بهما ، و إن امتنع أحدهما استبدل به(1).

حكم ما لو تشاحّ الوصيان

1-و قد وقع الكلام في حكم ما لو تشاحّ الوصيان في صورة وجوب الاجتماع ؛ إمّا لتصريح الموصي بذلك ، أو لحمل إطلاق كلامه عليه.

فقد أطلق جمعٌ من الفقهاء-منهم الشيخ في «المبسوط»(1)-عدم جواز تصرّف أحدهما منفرداً.و الوجه فيه واضح ؛ لأنّ الموصي لم يرض برأي أحدهما منفرداً ، فيكون تصرّفه كذلك تصرّفاً بلا إذن الموصي كتصرّف الأجنبيّ.

و استثنى جماعة-منهم المحقّق في «الشرائع»-ما تدعو الحاجة إليه و لا بدّ من تحقّقه و لا يمكن تأخيره إلى وقت الاتّفاق أو الرجوع إلى الحاكم ، مثل شراء كفن الميّت و ما يرتبط بتجهيزه ، و كذا نفقة اليتيم و الدواب(2) ،بل زاد بعضهم-كما في «جامع المقاصد»-قضاء ديونه و إنفاذ وصيّته ؛ معيّنةً كانت أو غير معيّنة ، و قبول الهبة عن الصغير مع خوف فوات النفع و الخصومة عن الميّت و له ، و عن الطفل و له مع الحاجة ، و ردّ الوديعة المعيّنة و العين المغصوبة.

********

(1) -المبسوط 254:4.

(2) -شرائع الإسلام 202:2.

ص: 185

بل قال في «جامع المقاصد»:إنّ استثناء ذلك مشهور بين الفقهاء(1).

و عن أبي الصلاح الحلبي:أنّه مع التشاحّ يُردّ الناظر في مصالح الأمر إلى من كان أعلم بالأمر و أقوى عليه ، و يجعل الباقي تبعاً له(2).

و ردّه في «المختلف»(3) و«الحدائق»(4):بأنّه تخصيص لأحدهما مع عدم رضا الموصي بذلك ؛ لفرض تعلّق إرادته باجتماعهما في أمر الوصاية ؛ إمّا بالتصريح به ، أو لكونه مقتضى إطلاق كلامه مع علمه بحالهما.

و قد فصّل العلّامة في «القواعد»بين صورة الإطلاق في الوصاية و بين صورة النهي عن الانفراد ؛ فخصّص الاستثناء المزبور بالصورة الاُولى ، و احتمل ضمان المنفرد-حتّى في المستثنيات-في الصورة الثانية.و بعبارة اخرى:وافق المشهور في استثناء ما لا بدّ منه في صورة الإطلاق ، و خالفهم بتضمين المنفرد مطلقاً عند نهي الموصي عند الانفراد(5).

و قد أشكل عليه في «جامع المقاصد»(6) و«الجواهر»(7):بأنّه لا فرق بين الصورتين بعد تنزيل إطلاق كلام الموصي على اشتراط اجتماعهما.و هذا الجواب لا غبار عليه ، كما هو واضح.

********

(1) -جامع المقاصد 292:11.

(2) -الكافي في الفقه:366.

(3) -مختلف الشيعة 361:6.

(4) -الحدائق الناضرة 571:22.

(5) -قواعد الأحكام 566:2.

(6) -جامع المقاصد 293:11.

(7) -جواهر الكلام 411:28.

ص: 186

و لكن الإنصاف:أنّه ينبغي استثناء خصوص ما دَعَت الضرورة إلى التصرّف فيه على وجه لا يمكن الوصول إلى الحاكم أو من يقوم مقامه ، مثل تجهيز الميّت أو إعطاء النفقة إلى اليتيم أو الدوابّ إذا توقّف حفظهم من التلف و الهلاك على ذلك.

و أمّا في غير ذلك فيجب الرجوع إلى الحاكم ، و للحاكم أن يُجبرهما على الاجتماع ؛ و ذلك للزوم العمل بالوصيّة ، و لحسم مادّة الخلاف.

و اشكل على ذلك:أنّ بمجرّد التشاحّ و المنازعة يفسقان ، و بعد زوال عدالتهما لا يصلحان للوصاية حتّى يجبرهما الحاكم عليها ؛ فلا مناص حينئذٍ من الاستبدال بهما.

و أمّا ما نسب إلى الحلبي-من أنّ الحاكم يردّ الوصاية إلى أعلمهما و أقومهما و يجعل الثاني تبعاً له-فقد سبق آنفاً أنّه أشكل عليه في «الحدائق» و«الجواهر»:

بأنّه تخصيصٌ لأحدهما بالولاية ، و هذا لا يرضى به الموصي.

و أجاب عنه في «الجواهر»:أنّ ذلك أيضاً من مصاديق الاجتماع ؛ نظراً إلى دخالة رأي الحاكم ، الذي هو شخص ثالث.

و يمكن الجواب أيضاً:بأنّ الحاكم إذا كان الولاية على الاستبدال بهما و عزلهما معاً ، فتحكيم الأعلم منهما و جعل الآخر تبعاً له فيجوز له بالفحوى.و هذا هو الأقوى في المقام ، و لكنّه فيما إذا كان التشاحّ منافياً للعدالة.

و أمّا إذا لم يكن أحدهما أعلم و تعاسرا على وجه تعذّر جمعهما ، استبدل الحاكم ؛ حذراً من الترجيح بلا مرجّح ، و صوناً للوصاية عن التعطيل و التغيير ، و حفظاً للتركة عن الضياع و التلف ، و لئلّا يبقى الميّت و تركته و أولاده بلا وليّ.

و لكن لا يخفى:أنّ الرجوع إلى الحاكم إنّما يجوز إذا لم يكن للميّت وليٌّ

ص: 187

(مسألة 43):لو مات أحد الوصيّين ، أو طرأ عليه الجنون أو غيره ممّا يوجب ارتفاع وصايته ، فالأحوط مع عدم استقلال كلّ منهما ضمّ الحاكم شخصاً إليه ،بل اللزوم لا يخلو من قوّة(1).

-من الأب أو الجدّ أو أكبر أولاده الذكور-غير الوصيّ.و إلّا لا ريب في أنّ الوليّ يتولّى أمر الميّت من دون حاجة إلى الحاكم.

و بهذا البيان اتّضح وجه إلزام الوصيّين على نظر ثالث إذا كان تشاحّهما ناشئاً من اختلاف اجتهادهما.فالوجه فيه بعينه هو الوجه في إجبارهما على الاجتماع ؛ لأنّ بإلزامهما على نظر الثالث يتحقّق اجتماعهما ، و إن لم يمكن ذلك تصل النوبة إلى الاستبدال.

و الحاصل:أنّه ما دام أمكن إلزامهما على الاجتماع فهو الواجب ؛ لأنّ بذلك يُعمل بالوصيّة ، و لكنّه ما دام لم يخرجا بالتشاحّ عن العدالة.

1-وفاقاً للعلّامة في «القواعد» و محكي «إرشاده» و«تحريره» و الشهيدين و صاحب «الرياض» و فخر المحقّقين و جماعة آخرين ، على ما نسب إليهم في «الجواهر»(1).

و الوجه فيه:أنّ مقتضى تعدّد الوصيّ و اشتراط اجتماعهما عدم رضا الموصي برأي أحدهما مستقلّاً ،بل الوصيّ هما معاً لا أحدهما منفرداً ؛ فيكون هذا من قبيل ما لو لم يمكن اجتماع الوصيّين في الرأي للتشاحّ أو غيره.

فكيف هناك لو كان المانع من جانب أحد الوصيّين يجوز للحاكم أن يستبدل

********

(1) -جواهر الكلام 413:28-414.

ص: 188

به ؟ فكذلك في المقام يجوز له ضمّ آخر.

و لكن ذهب جمع من الفقهاء إلى استقلال الآخر الباقي في الوصاية و جواز انفراده في العمل بها.

بل نسب ذلك في «الجواهر» إلى الأكثر.

و علّل ذلك:بأنّه لا ولاية للحاكم مع وجود الوصيّ.و أمّا الاجتماع فإنّما يشترط على فرض وجود القابلية ، دون ما إذا انتفت رأساً بالموت أو عروض الجنون.

و لذا فصّل العلّامة في «القواعد»بين ما لو مرض أحدهما أو عجز فحكم بضمّ الحاكم إليه من يعينه ، و بين ما لو مات أو فسق فجوّز للآخر الاستبداد من غير ضمّ(1).

و علّله في «جامع المقاصد»بعدم زوال الولاية في الصورة الاُولى بالمرض و العجز ،بخلاف الصورة الثانية فتنتفي بانتفاء القابلية(2).و إن قوّى العلّامة وجوب الضمّ حتّى في الصورة الثانية.

و على أيّ حال:عمدة دليل وجوب الضمّ ظهور تعدّد الوصيّ و اعتبار اجتماعهما في عدم رضا الموصي بالانفراد مطلقاً ؛ سواءٌ مات أحدهما أو جُنّ عليه أو مرض أو عجَزَ ،بلا فرق بين انتفاء أصل القابلية و بين عروض المانع من إعمال الولاية.

********

(1) -قواعد الأحكام 566:2.

(2) -جامع المقاصد 294:11.

ص: 189

و لو ماتا معاً احتاج إلى النصب من قبله ، فهل اللازم نصب اثنين أو يجوز نصب واحد إذا كان كافياً ؟ وجهان ، أحوطهما الأوّل و أقواهما الثاني(1).

(مسألة 44):يجوز أن يوصي إلى واحد في شيء و إلى آخر في غيره ، و لا يشارك أحدهما الآخر(2).

1-أمّا كون الأوّل أحوط:فلمراعاة وصاية الموصي من تعدّد الوصيّ و لزوم الاجتماع.

و أمّا كون الثاني هو الأقوى:فلأنّ للحاكم الولاية الشرعية على مثل ذلك من الاُمور الحسبية ، فيجوز له نصب الوليّ على تركة الميّت و أولاده و ما يرتبط بوصيّته كيف شاء ؛ واحداً كان المنصوب أو اثنين.

و لا يخفى:أنّه إذا لم يمكن اجتماع الوصيّين بأيّ دليل ، حَكم السيّد الماتن بالاستبدال بهما بنصب وصيّين آخرين ، و الحال:أنّه لا فرق بين المقامين ؛ لأنّ الملاك في تحقّق موضوع ولاية الحاكم هو عدم وجود وليّ ينفذ قوله و فعله ؛ سواءٌ كان بالموت أو فقدان الأهلية أو تعذّر اجتماعهما.ففي جميع هذه الصور تثبت الولاية الشرعية للحاكم الشرعي ، و إذا ثبتت له الولاية يجوز له نصب شخص واحد إذ كان كافياً بنظره.

2-كما صرّح بذلك في «القواعد»(1) و«جامع المقاصد»(2).

و الوجه فيه واضح ؛ نظراً إلى وجود المقتضي لجواز الوصاية بذلك و مشروعيته و فقدان المانع ؛ فإنّ للموصي أن يوصي إلى كلّ من له الأهلية لذلك في

********

(1) -قواعد الأحكام 567:2.

(2) -جامع المقاصد 297:11.

ص: 190

(مسألة 45):لو قال:«أوصيت إلى زيد فإن مات فإلى عمرو» صحّ و يكون وصيّاً بعد موته ، و كذا لو قال:«أوصيت إلى زيد ، فإن كبر ابني ، أو تاب عن فسقه ، أو اشتغل بالعلم ، فهو وصيّي» ، فإنّه يصحّ(1)، و تنتهي وصاية زيد بحصول ما ذكر.

أيّ جزءٍ من ثلث ماله و فيما يرتبط بما بعد موته.

و أمّا عدم جواز مشاركة أحد الوصيّين الآخر في فرض المقام ، فلأجل تبعيض الموصي في الوصاية إليهما بتخصيص ولاية كلّ واحدٍ منهما بموردٍ ، و أنّ التفصيل قاطعٌ للشركة.

1-كما صرّح بذلك العلّامة في «القواعد»(1) و المحقّق الثاني في «جامع المقاصد»(2).و علّله في «جامع المقاصد»:بما ورد في صحيح أبي بصير عن الباقر عليه السلام:«أنّ فاطمة عليها السلام أوصت في وقفها إلى علي بن أبي طالب ، فإن مضى علي فإلى الحسن ، فإن مضى الحسن فإلى الحسين ، فإن مضى الحسين فإلى الأكبر من ولدها»(3).

و بما روي أنّ النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال:«الأمير زيد ، فإن قُتل فجعفر ، فإن قتل فعبد اللّه بن رواحة»(4)،بعد نفي الفرق بين نصب الأمير و بين نصب الوصيّ.

و يمكن التعليل لذلك أيضاً بصحيح عبد الرحمن بن الحجّاج الوارد في إيصاء الإمام الكاظم عليه السلام في وقف أرضه:«إلى علي عليه السلام و إبراهيم ، فإذا انقرض أحدهما

********

(1) -قواعد الأحكام 567:2.

(2) -جامع المقاصد 301:11.

(3) -وسائل الشيعة 198:19 ، كتاب الوقوف و الصدقات ، الباب 10 ، الحديث 1.

(4) -إعلام الورى:102.

ص: 191

(مسألة 46):لو ظهرت خيانة الوصيّ ، فعلى الحاكم عزله و نصب شخص آخر مكانه ، أو ضمّ أمين إليه حسب ما يراه من المصلحة(1).و لو ظهر منه العجز عن الاستقلال ضمّ إليه من يساعده.و أمّا إن عجز عن التدبير و العمل مطلقاً-بحيث لا يرجى زواله-كالهرم الخرف ، فالظاهر انعزاله ، و على الحاكم نصب شخص آخر مكانه.

دخل القاسم مع الباقي ، فإذا انقرض أحدهما دخل إسماعيل مع الباقي منهما ، و إذا انقرض أحدهما دخل العبّاس مع الباقي ، فإذا انقرض أحدهما دخل الأكبر من ولدي مع الباقي ، و إن لم يبق من وُلدي إلّا واحدٌ فهو الذي يليه»(1)، هذا.

مضافاً إلى صحّة الوصاية التعليقية على النحو المزبور بمقتضى القاعدة في الوصيّة ؛ إذ التعليق على موت الموصي مأخوذ في ذاتها.

فعلى فرض كون التعليق مضرّاً بصحّة العقود و الإيقاعات-و هو ممنوع بإطلاقه كما قلنا سابقاً-لا يضرّ بصحّة الوصيّة.و يترتّب على ذلك:أنّه ما دام لم يحصل ما عُلِّق عليه الإيصاء إلى الثاني لا ينتهي أمد الأوّل.

لو ظهرت خيانة الوصيّ

1-نظراً إلى سقوطه عن الأهلية للوصاية فيما إذا أضرّت الخيانة بعدالته.

أمّا لو كانت الخيانة في غير العمل بالوصاية و كانت بحيث لم تضرّ بعدالته ؛ بأن تاب فوراً-بناءً على عود العدالة بالتوبة-أو كانت في فعل و أمر لا تنافي العدالة ، فوقع الكلام في جواز عزله:

********

(1) -وسائل الشيعة 202:19 ، كتاب الوقوف و الصدقات ، الباب 10 ، الحديث 4.

ص: 192

فقد يفصّل بينما لو كانت خيانة الوصيّ موجبة لسقوط عدالته و بين ما لم توجب ذلك.فعلى الأوّل يجوز عزله ،بل ينعزل بنفسه ؛ نظراً إلى انتفاء أهليته بمجرّد الخيانة.و على الثاني فلا دليل على جواز عزله ؛ لفرض بقاء الأهلية.

و لكن قال في «المسالك»:إنّما يتوقّف على عزل الحاكم لو لم نشترط عدالته.فللحاكم حينئذٍ أن يعزل الخائن مراعاةً لحقّ الأطفال و أموال الصدقات و نحوهما.أمّا إذا اشترطنا عدالته فإنّه ينعزل بنفس الفسق و إن لم يعزله الحاكم(1).

و ظاهره:أنّ الخيانة سبب مستقلّ لإسقاط الوصيّ عن الأهلية-غيرَ الفسق- و مع ذلك يحتاج إلى عزل الحاكم ،بخلاف سائر الشرائط.

و استشهد لذلك بخبر «دعائم الإسلام» عن علي عليه السلام:«لا يُزيل الوصيّ عن الوصيّة إلّا ذهاب عقل أو ارتداد أو تبذير أو خيانة أو ترك سُنّةٍ ، و السلطان وصيّ من لا وصيّ له و الناظر لمن لا ناظر له»(2).

و فيه:أنّ في هذا الخبر لم يفرّق بين أسباب العزل.

و أشكل عليه في «الجواهر» فيما لو علم الموصي حال الوصيّ حين الوصاية ، فيعلم من ذلك:أنّه لم يوص إليه من حيث أمانته لكي يستكشف بالخيانة عدم رضائه.نعم لو فُهم بقرينة:أنّ الموصي أوصى إليه من حيث أمانته أو اشترطها في الوصاية إليه فلا إشكال في انعزاله بالخيانة حينئذٍ بلا حاجة إلى عزل ، و إنّما على الحاكم أن يمنع من مداخلته في أمر الوصاية و تصرّفاته أو ضمّ أمين إليه.

و لكن التحقيق في المقام:أنّه إذا قلنا باشتراط الوثاقة في الوصيّ دون العدالة

********

(1) -مسالك الأفهام 260:6.

(2) -مستدرك الوسائل 141:14 ، كتاب الوصايا ، الباب 69 ، الحديث 3 ؛ دعائم الإسلام 363:2.

ص: 193

-كما هو الحقّ ؛ لما سبق من النصوص و بناء العقلاء-فيكون انعزال الوصيّ بالخيانة بمقتضى القاعدة ؛ نظراً إلى كاشفية الخيانة عن عدم الوثاقة و انتفاء الأهلية للوصاية.

و عليه:فعلى الحاكم منعه من أصل التصرّف و نصب شخص آخر لذلك ، أو منعه من الاستبداد في التصرّف و ضمّ أمين إليه.

و أمّا كون عزل الوصيّ الخائن و نصب الوصيّ الآخر بيد الحاكم:فلما دلّ من القواعد و النصوص على جعل الولاية الشرعية له في الاُمور الحسبة.

و لا يخفى:أنّ عنوان «الحسبة» إمّا مأخوذ من «الحَسب»بمعنى الكفاية ، أي:الاُمور التي لا بدّ لإقامتها وجود مَن به الكفاية ، أو من «الحِسبة»بمعنى التدبير ، كما نقل في «المصباح المنير» عن الأصمعي:فلان حَسَن الحسبة ، أي:حسن التدبير و النظر في الاُمور.

فالحاكم في الحقيقة حافظ لمصالح من لا وليّ له ، و مدبّرٌ لمن يحتاج إلى تدبير ، و كفيل من لا كافل له.

و في المقام:إذا ظهرت الخيانة في الوصيّ يجب على الحاكم أن يقوم بمصالح الميّت و يدبّر أمره ؛ حفظاً لأمواله من الضياع و التلف ، و صيانةً لصغاره من الظلم و التعدّي ، و صوناً لوصايته من التغيير و التبديل.

و أمّا ضمّ من يُعين الوصيّ و يساعده في صورة عروض العجز:فقد سبق وجهه آنفاً في تفصيل العلّامة.و لكنّه فيما إذا كان عجزه في العمل لا التدبير.و أمّا لو عجز مطلقاً-حتّى عن التدبير-بحيث لا يُرجى زواله-كما في الهرم الخَرِف- فمقتضى القاعدة انعزاله ؛ لانتفاء أهليته بذلك.فعلى الحاكم حينئذٍ نصب شخص آخر مكانه.

ص: 194

(مسألة 47):لو لم ينجز الوصيّ ما اوصي إليه في حياته ، ليس له أن يجعل وصيّاً لتنجيزه بعد موته إلّا إذا كان مأذوناً من الموصي في الإيصاء(1).

هل يجوز للوصي الإيصاء إلى غيره ؟

1-لا خلاف في جواز الإيصاء للوصي إذا أذن له الموصي بذلك ،بل ادّعى في «الجواهر» الإجماع عليه بقسميه ، و إن لا حاجة إلى الإجماع بعد كون الجواز حينئذٍ بمقتضى القاعدة ؛ لأنّه من حقّ الموصي بلا ريب ، فله أن يوصي كيف شاء ، و هذا لا كلام فيه.

و إنّما الكلام فيما لو أطلق الموصي من دون إذن أو منع في ذلك ، فهل يجوز للوصي فيما لم ينجّزه حال حياته أن يوصي إلى غيره ، فينصب وصيّاً لتنجيز وصيّة الموصي الأوّل ، أم لا ؟

ذهب أكثر الفقهاء إلى عدم الجواز ، و خالفهم الشيخ و ابنا الجنيد و البرّاج فجوّزوا الإيصاء له.

و استدلّ المجوّزون أوّلاً:بأنّ استنابة الوصيّ لنفسه لأجل تنجيز الوصيّة التي على عُنقه ، يكون من قبيل التصرّفات التي له الولاية عليها بعنوان الوصيّ ، حيث إنّ له الولاية و الاختيار في تنجيز وصيّة الميّت بأيّ نحو شاء ؛ و لا سيّما إذا لم يتمكّن من تنجيزها حال حياته.فلا مناص له حينئذٍ من الإيصاء إلى الغير.

و ثانياً:بأنّ الموصي بالوصاية إلى الوصيّ أقامه مقام نفسه ، فهو بمنزلة الموصي ؛ فيثبت له الولاية على كلّ ما يرتبط بالوصيّة و يكون من شئونها على

ص: 195

النحو الذي كانت ثابتة للموصي نفسه.و عليه:فكلّ ما كان ثابتاً للموصي من الولاية في أمر الوصاية يثبت للوصي أيضاً بلا فرق ، و إنّ منها الاستنابة.

و ثالثاً:بصحيحة الصفّار عن أبي محمّد الحسن العسكري عليه السلام أنّه كتب إليه:

رجل كان وصيّ رجلٍ ، فمات و أوصى إلى رجل ، هل يلزم الوصيّ وصيّة الرجل الذي كان هذا وصيّه ؟ فكتب عليه السلام:«يلزمه بحقّه إن كان له قبله حقّ إن شاء اللّه»(1)، بناءً على كون مراد الإمام عليه السلام في الجواب:أنّه يلزم الوصيّ الثاني القيام بوصيّة الموصي الأوّل إن كان له على الوصيّ الأوّل حقّ الوصاية قبل أن يوصي إلى الوصيّ الثاني ، أو كان المقصود:إن كان له قِبَل الوصيّ الأوّل-أي:على عنقه-حقّ بالوصاية إليه.

و أمّا المانعون فاستدلّوا أوّلاً:بعدم ثبوت ولاية للوصي فيما بعد موته على أمر الوصاية ،بل إنّها تنقطع بموته ؛ لما هو مقتضى القاعدة في الوكالة و الاستنابة ، إلّا أن يأذن له بذلك.

و لكن المفروض عدم ظهور كلام الموصي في ولايته على الإيصاء.و يكفي في عدم جوازه عدم صدور الإذن من الموصي الأوّل بذلك.

و ثانياً:بأنّ المتبادر من الوصاية إلى شخص-حسب الارتكاز-تصدّي الوصيّ للقيام بالوصيّة و تنجيزها.و مقتضى ذلك عدم جواز الإيصاء إلى الغير.

و مقتضى التحقيق في المقام:عدم الجواز ؛ نظراً إلى انقطاع ولاية الوصيّ على تنجيز الوصيّة و إنفاذها بالموت ، نظير انقطاع النيابة و الوكالة بالموت.و أمّا كون ولايته على الإيصاء داخلة في ولايته الناشئة من وصاية الموصي فلا دليل عليه ،

********

(1) -وسائل الشيعة 402:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 70 ، الحديث 1.

ص: 196

بل ظاهر الوصاية إلى الوصيّ إعطاء الولاية إليه لتصدّي القيام بالوصيّة بنفسه بحيث يكون بتدبيره و حسب نظره-و لو من غير مباشرة-و هذا الغرض لا يحصل بالإيصاء إلى الغير.

أمّا قيام الوصيّ مقام الموصي فصحيح ، و لكن حسب مقتضى الوصاية و في دائرة مفادها.

و أمّا مكاتبة الصفّار فيحتمل فيها وجوه:

الأوّل:كون المراد حقّ الإيمان ،بمعنى:أنّه يلزم الوصيّ الثاني الوفاء بحقّه الناشئ من قبول الوصاية إن كان مؤمناً.

الثاني:أنّه يلزم الوصيّ الثاني أن يُنفذ وصيّة الموصي الأوّل بسبب حقّه الذي يكون عليه-أي:الوصيّ الثاني-من حيث الوصاية.

الثالث:أنّ الوصيّة تلزم الوصيّ الثاني بحقّ الأوّل إن كان له من قبله حقّ -أي:إن كان للموصي الأوّل من قِبل الوصيّ الأوّل حقّ الإيصاء ؛ بأن أوصى إليه بالإيصاء-فحينئذٍ:لزم على الوصيّ الثاني تنجيز الوصيّة.

الرابع:كون المراد بالسؤال أنّ الوصيّ الأوّل إذا أوصى إلى الغير فيما يتعلّق بنفسه ، فهل تدخل في هذه الوصيّة وصيّة الموصي الأوّل حتّى يلزم الوصيّ الثاني أن يعمل بها أيضاً مضافاً إلى العمل بوصيّة الموصي الثاني-الذي هو الوصيّ الأوّل- أم لا يلزم عليه العمل بوصيّة الموصي الأوّل ،بل إنّما يلزم عليه العمل بوصيّة الموصي الثاني خاصّة ؟

و لا يخفى:أنّ الاحتمالين الأوّلين موافق للقائلين بجواز الإيصاء.و الاحتمال الثالث مطابق لرأي الأكثر القائلين بعدم جواز الإيصاء إلّا مع إذن الموصي الأوّل بالإيصاء.

ص: 197

(مسألة 48):الوصي أمين ، فلا يضمن ما كان في يده إلّا مع التعدّي أو التفريط و لو بمخالفة الوصيّة ، فيضمن لو تلف(1).

و أمّا الاحتمال الرابع فلا ربط له بالمقام أصلاً ؛ لفرض عدم إيصاء الوصيّ الأوّل بما يتعلّق بوصيّة الموصي الأوّل ،بل إنّما أوصى فيما يتعلّق بنفسه ، و هو خارج عن محلّ الكلام.

و هنا احتمال خامس ، و هو:كون لفظ «قبل» من الظروف المبنية ، أي:يلزم الوصيّ الثاني القيام بوصيّة الموصي الأوّل إن كان له قبل إيصاء الوصيّ الأوّل إلى الثاني حقّ الإيصاء ؛ بأن أوصى إلى الوصيّ الأوّل بالإيصاء.

و هذا الاحتمال أيضاً موافق للقول بالمنع.

و من الواضح:أنّه مع وجود هذه الاحتمالات المتخالفة ، تصير هذه الصحيحة مجملة بحسب الدلالة ، فلا يمكن الاستدلال بها لأحد القولين في المقام.

و الحاصل:أنّ الأقوى في المقام هو القول بالمنع ؛ وفاقاً للسيّد الماتن قدس سره.و قد اتّضح وجهه ممّا بيّناه آنفاً.

الوصيّ أمين لا يضمن إلّا مع التعدّي

1-يقع الكلام في مقامين:

أحدهما:في أنّ الوصيّ أمين لا يضمن.

ثانيهما:أنّ الوصيّ يضمن بالتعدّي و التفريط في أموال الميّت بإتلافها أو صرفها في غير مورد الوصيّة.

أمّا المقام الأوّل:فإنّ كون الوصيّ أميناً ممّا لا إشكال فيه و لا خلاف في ذلك

ص: 198

بين الفقهاء كما في «الجواهر»(1) ،بل لا خلاف في ذلك بين أهل الإسلام كما عن «جامع المقاصد»(2).

أمّا أنّ الأمين لا يضمن:فلا خلاف فيه أيضاً ، كما هو واضح ،بل من المسلّمات.و قد دلّت عليه النصوص المتواترة الواردة في أبواب الفقه المختلفة ، كالوديعة و العارية و اللقطة و غيرها من الأبواب.

و نكتفي بذكر بعضها ، مثل قول الصادق عليه السلام:«صاحب الوديعة و البضاعة مؤتمنان» في صحيح الحلبي(3).

و من الواضح:أنّ المال الموصى به وديعة عند الوصيّ.و المقصود من قوله عليه السلام:«مؤتمنان» عدم جواز اتّهامه و لا تحميل الضمان عليه عند عدم التفريط.

و في صحيح آخر عنه عليه السلام:«إذا كان مسلماً لا ضمان عليه»(4).

و قول أبي جعفر عليه السلام:«ليس عليه غرم بعد أن يكون الرجل أميناً» في مرسل أبان(5).

و قوله عليه السلام في صحيح مسعدة بن زياد:«ليس لك أن تتّهم من قد ائتمنته»(6).

و مثله معتبرة مسعدة بن صدقة(7) و غيرها من النصوص الدالّة على نفي ضمان الأمين.

********

(1) -جواهر الكلام 422:28.

(2) -جامع المقاصد 285:11.

(3) -وسائل الشيعة 79:19 ، كتاب الوديعة ، الباب 4 ، الحديث 1.

(4) -وسائل الشيعة 79:19 ، كتاب الوديعة ، الباب 4 ، الحديث 3 ، مع تفاوت يسير.

(5) -وسائل الشيعة 80:19 ، كتاب الوديعة ، الباب 4 ، الحديث 5.

(6) -وسائل الشيعة 81:19 ، كتاب الوديعة ، الباب 4 ، الحديث 10.

(7) -وسائل الشيعة 81:19 ، كتاب الوديعة ، الباب 4 ، الحديث 9.

ص: 199

و قد دلّ على ذلك أيضاً بالخصوص صحيح محمّد بن مسلم قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:رجل بَعث بزكاة ماله لتُقسّم فضاعت ، هل عليه ضمانها حتّى تقسّم ؟ فقال عليه السلام:«إذا وجد لها موضعاً فلم يدفعها فهو لها ضامن.» إلى أن قال عليه السلام:

«فكذلك الوصيّ الذي يوصى إليه يكون ضامناً لما دُفع إليه إذا وجد ربّه الذي أمر بدفعه إليه ، فإن لم يجد فليس عليه ضمان»(1).و دلالته على المطلوب واضحة.

و أمّا المقام الثاني:فمضافاً إلى عدم الخلاف في ضمان الأمين عند التعدّي و التفريط ، و إلى النصوص المستفيضة(2) الدالّة على ذلك في الوَدعي ، دلّت على ذلك بالخصوص نصوص مستفيضة وردت في خصوص المقام ، مثل:صحيح محمّد بن مسلم المزبور آنفاً.

و صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال في رجل تُوفّي فأوصى إلى رجل ، و على الرجل المتوفّى دَينٌ ، فعَمَد الذي أوصى إليه ، فعزل الذي للغرماء فرفعه في بيته ، و قسَّم الذي بقي بين الورثة ، فسُرق الذي للغرماء من الليل ، ممّن يؤخذ ؟ قال عليه السلام:«هو ضامن حين عزله في بيته يؤدّي من ماله»(3).

و صحيح محمّد بن مارد قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل أوصى إلى رجل و أمره أن يُعتِق عنه نَسَمة بستّمائة درهم من ثلثه ، فانطلق الوصيّ فأعطى الستمائة درهم رجلاً يحُجُّ بها عنه ؟ فقال أبو عبد اللّه عليه السلام:«أرى أن يغرِم الوصيّ ستّمائة درهم من ماله و يجعلها فيما أوصى الميّت في نسمة»(4).و مثله صحيح

********

(1) -وسائل الشيعة 346:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 36 ، الحديث 1.

(2) -وسائل الشيعة 81:19 ، كتاب الوديعة ، الباب 5.

(3) -وسائل الشيعة 346:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 36 ، الحديث 2.

(4) -وسائل الشيعة 348:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 37 ، الحديث 1.

ص: 200

(مسألة 49):لو أوصى إليه بعمل خاصّ أو قدر مخصوص أو كيفيّة خاصّة ، اقتصر عليه و لم يتجاوز إلى غيره(1)،

سعيد الأعرج(1).

و مرسل أبان عن رجل قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل أوصى إلى رجل أنّ عليه ديناً ؟ فقال عليه السلام:«يقضي الرجل ما عليه من دَينه ، و يقسّم ما بقي بين الورثة»، قلت:فسُرق ما أوصى به من الدين ، ممّن يؤخذ الدين ؟ أمن الورثة أم من الوصيّ ؟ قال:«لا يؤخذ من الورثة ، و لكن الوصيّ ضامن لها»(2).

و خبر أبي سعيد عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:سئل عن رجل أوصى بحجّةٍ فجعلها وصيّه في نسمة ؟ فقال عليه السلام:«يغرمها وصيّه و يجعلها في حجّةٍ كما أوصى به»(3).

و غيرها من الأخبار الواردة(4) في خصوص المقام.

1-و الوجه فيه واضح ؛ لأنّ تجاوزه عن وصيّته المخصوصة المصرَّح بها إلى غيرها ، يكون من التعدّي و التبديل الممنوع شرعاً ؛ لصريح قوله تعالى:«فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإنَّمَا إثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ»(5).

و موجب للضمان ، كما صرّح بذلك صحيح محمّد بن مارد و صحيح سعيد الأعرج.

********

(1) -وسائل الشيعة 349:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 37 ، الحديث 3.

(2) -وسائل الشيعة 347:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 36 ، الحديث 4.

(3) -وسائل الشيعة 350:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 37 ، الحديث 5.

(4) -وسائل الشيعة 346:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 36 و37.

(5) -البقرة (2):181.

ص: 201

و أمّا لو أطلق-بأن قال:«أنت وصيّي»-من دون ذكر المتعلّق ، فالأقرب وقوعه لغواً إلّا إذا كان هناك عُرف خاصّ و تعارف يدلّ على المراد(1)، فيتّبع ، كما في عُرف بعض الطوائف ؛ حيث إنّ مرادهم-بحسب الظاهر-الولاية على أداء ما عليه من الديون ، و استيفاء ماله على الناس ، و ردّ الأمانات و البضائع إلى أهلها ، و إخراج ثلثه و صرفه فيما ينفعه-و لو بنظر الحاكم-من استئجار العبادات و أداء الحقوق الواجبة و المظالم و نحوها.

و خبر أبي سعيد و غير ذلك.و قد سبق ذكر هذه النصوص آنفاً ، فراجع.

1-و أمّا وجه وقوع مثل قوله:«أنت وصيّي» من دون ذكر المتعلّق لغواً ، فواضح فيما إذا لم يكن ظاهراً في الولاية على شئون الوصيّ ؛ نظراً إلى أنّ الوصاية منصب ، و أنّ جعل شخصٍ لهذا المنصب و إعطاء الولاية إليه على أموال الموصي و صغاره و أداء ديونه و ودائعه و أخذ حقوقه و غير ذلك ممّا هو من شئون الوصيّ ، يحتاج إلى دليل ، و هو مفقود حسب الفرض.

و أمّا إذا كان التعبير المزبور و ما شابهه ظاهراً في إعطاء الولاية على جميع هذه الاُمور ، فلا وجه للتشكيك في ثبوت ولايته على ذلك للوصي حينئذٍ ؛ حتّى القيمومة على الأطفال.و إنّما يُتّبع في ذلك فهم عرف بلد الموصي ؛ فلو كان مثل هذا التعبير ظاهراً في الولاية على جميع ذلك يُتَّبع ، و إلّا فلا.

و الأصل عند الشكّ عدم ثبوت الولاية له ، فيرجع عندئذٍ إلى الحاكم.

و لكن الإنصاف:أنّ ظهور مجرّد هذا التعبير في القيمومة مشكل.

ص: 202

نعم في شموله بمجرّده للقيمومة على الأطفال تأمّل و إشكال ، فالأحوط أن يكون تصدّيه لاُمورهم بإذن من الحاكم(1).و بالجملة:المدار هو التعارف بحيث يكون قرينة على مراده ، فيختلف باختلاف الأعصار و الأمصار.

(مسألة 50):ليس للوصيّ أن يعزل نفسه بعد موت الموصي ، و لا أن يفوّض أمر الوصيّة إلى غيره(2).نعم له التوكيل في بعض الاُمور المتعلّقة بها ؛ ممّا لم يتعلّق الغرض إلّا بوقوعها من أيّ مباشر كان ، خصوصاً إذا كان ممّا لم يجر العادة على مباشرة أمثال هذا الوصيّ ، و لم يشترط عليه المباشرة.

1-و لكنّه فيما إذا لم يكن التعبير المزبور ظاهراً في ذلك في عرف بلد الموصي ، و إلّا فلا وجه للاستئذان ، كما هو واضح.

و إليه أشار السيّد الماتن بقوله:«و بالجملة:المدار هو التعارف...».و لا يخفى:أنّ احتياط الماتن قدس سره هنا وجوبي.

حكم عزل الوصيّ نفسه و توكيله الغير

2-إنّ البحث في ثلاث جهات:

الاُولى:في عدم جواز عزل الوصيّ نفسه.

الثانية:في تفويض أمر الوصيّة إلى غيره.

الثالثة:جواز توكيل الوصيّ غيره في امور يتحقّق غرض الموصي بمباشرة غيره.

أمّا الجهة الاُولى:فالوجه في عدم جواز عزل الوصيّ نفسه ،بعد موت الموصي:أنّ عزله نفسَه ردٌّ لوصاية الموصي عملاً ، حيث إنّ الردّ تارةً:يتحقّق

ص: 203

بالقول ؛ بأن يقول مثلاً:«لا أقبل» ، و نحو ذلك.و اخرى:يتحقّق بالفعل ، مثل أن يعزل نفسه عن الوصاية و لا يداخل في شيءٍ من امور الميّت.

و قد سبق في المسألة الواحدة و الأربعين:أنّه لا يجوز للوصي ردّ وصاية الموصي بعد موته ، أو قبل موته إذا لم يبلغه.

و في المقام:حيث إنّه لا يمكن إبلاغ الردّ إلى الموصي بعد موته فلا يجوز عزله نفسه.نعم لو أخبر بذلك حين حياته يجوز له عزل نفسه ، و لو بعد موته.و قد سبق وجه هذا التفصيل و بيان ما دلّ على ذلك من النصوص في المسألة المشار إليها ، فراجع.

أمّا الجهة الثانية:فالوجه في عدم جواز تفويض أمر الوصيّة إلى غيره واضحٌ ؛ نظراً إلى عدم دليلٍ على جوازه.بل الدليل على عدم الجواز ، حيث إنّ الموصي جعل الوصيّ بشخصه وصيّاً لغرض تصدّيه أمر الوصيّة بنفسه ، و معنى ذلك عدم رضاه بتصدّي غيره لذلك ؛ فإنّ مقتضى ظاهر الوصاية إلى أيّ شخص تصدّي الموصى إليه إجراء الوصيّة و العمل بها بشخصه.و التفويض في الحقيقة هو التوكيل المطلق إلى الوكيل المفوّض.

أمّا الجهة الثالثة:قد تبيّن ممّا قلناه وجه جواز توكيل الوصيّ غيره في امور يتحقّق من أيّ مباشر ، حيث لا ظهور للوصيّة مباشرة الوصيّ في مثل هذه الاُمور ، حيث لا دخل له في تحقّق غرض الموصي.

و لكن مع ذلك:لا بدّ أن يكون الإتيان بها على طبق نظر الوصيّ و تحت إشرافه ؛ حتّى في مثل هذه الاُمور أيضاً ،بحيث يستند إليه كيفية الإتيان بها مطلقاً ؛ باشر بنفسه أم لم يباشر.نظير المستأجر و الموكّل ، حيث يكون عمل الوكيل و الأجير على طبق نظرهما ، من دون تخطٍّ في شيءٍ ممّا يرتبط بالوكالة

ص: 204

(مسألة 51):لو نسي الوصيّ مصرف الوصيّة مطلقاً ، فإن تردّد بين أشخاص محصورين يقرع بينهم على الأقوى(1) ،

و الإجارة ؛ خصوصاً في امورٍ لا يكون مباشرة الوصيّ للعمل بالوصيّة مناسباً لشأنه عرفاً.

و لكن هذا كلّه إذا لم يشترط الموصى عليه المباشرة بجميع موارد الوصيّة ، و إلّا فيجب عليه المباشرة في جميع ذلك إذا قَبِل الشرط ،بل و إن ردّ ما دام لم يبلغ الردّ إلى الموصي.

ثمّ الماتن قدس سره لم يتعرّض لعزل الوصيّ نفسه حال حياة الموصي.و الوجه فيه -ظاهراً-عدم تحقّق ذلك في الخارج ؛ نظراً إلى عدم فعلية ولاية الوصيّ حال حياة الموصي ، و لا يُتوقّع منه المداخلة في شيء من امور الموصي و أمواله لكي يُفهم من عدم مداخلته عزله نفسه.

حكم ما لو نسي الوصيّ مصرف الوصيّة

ما لو نسي الوصيّ مصرف الوصيّة

1-إنّ في مثل المقام-ممّا تردّد المال بين أشخاص محصورين-فقد يقال:

بوجوب الاحتياط بإرضاء الجميع.

و اخرى:بالتصدّق من قبل المالك المجهول ؛ لفرض عدم معرفته بشخصه.

و ثالثةً:بالتوزيع بينهم بالسوية ؛ استناداً إلى قاعدة العدل و الإنصاف.و رابعة:

بالرجوع إلى القرعة ؛ أخذاً بإطلاق أدلّتها.

و رُدّ الأوّل:بأنّ إرضاء الجميع يتوقّف على تحمّل الضرر بدفع مقدار المال الموصى به إلى كلّ واحدٍ منهم و لو من كيسه ؛ تحصيلاً للفراغ اليقيني.و لا ريب

ص: 205

في نفي تحمّل الضرر بحكم العقل و الشرع.

و الثاني:بأنّ نصوص مجهول المالك تختصّ بما إذا كان المالك مجهولاً مطلقاً و لم يمكن إيصال ماله إليه بأيّ طريق-و لو تعبّدي-و المفروض في المقام وجود الطريق التعبّدي ؛ و هو القرعة.

و الثالث:بأنّه لا دليل على قاعدة العدل و الإنصاف ؛ نظراً إلى قصور نصوص تنصيف درهم الودعي عن شمولها لمثل المقام و منع جريان السيرة عليها بهذا العرض العريض.مضافاً إلى مخالفتها لوجوب ردّ مال الغير إلى صاحبها و عدم جواز التصرّف فيه بغير طيبةٍ من نفسه.

فبقي طريق واحد-و هو القرعة-و أنّ ظاهر نصوصها مشروعية القرعة في كلّ مورد خفي سهم شخصٍ مُحقٍّ بين عدّة محصورين فلم يعلم به.

أمّا وجه اعتبار اختفائه بين عدّة محصورين فواضح ؛ ضرورة عدم إمكان القرعة بين غير المحصورين.

فمن هذه النصوص صحيحة أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام:«ليس من قوم تقارعوا ثمّ فوّضوا أمرهم إلى اللّه إلّا خَرَج سهم المُحقّ»(1)، و غير ذلك من النصوص لا حاجة إلى ذكرها هنا.و قد سبق نظير هذا الفرع في بعض مسائل خمس المال المختلط بالحرام فيما لو عُلم قدر المال و عرف صاحبُه في عدد محصور.

و قد قوّى السيّد الماتن قدس سره هناك الرجوع إلى القرعة أيضاً.و قد بيّنا الوجوه الخمسة في تلك المسألة و وجه قوّة الرجوع إلى القرعة مفصّلاً ، فراجع(2).

********

(1) -وسائل الشيعة 258:27 ، كتاب القضاء ، أبواب كيفية الحكم ، الباب 13 ، الحديث 6.

(2) -دليل تحرير الوسيلة ، كتاب الخمس:287.

ص: 206

أو جهات محصورة يقسّط بينها ، و تحتمل القرعة ، و يحتمل التخيير في صرفه في أيّ الجهات شاء منها ، و لا يجوز صرفه في مطلق الخيرات على الأقرب(1).

1-أمّا وجه التوزيع و التقسيط بين الجهات المحصورة:فإمّا هو قاعدة العدل و الإنصاف.و لكنّها منصرفة عن الجهات التي لا تتعلّق بحقوق الأشخاص ، حيث لا يوجب عدم مراعاة القاعدة حينئذٍ ظلماً و لا تضييع حقّ بالنسبة إلى شخص.و إمّا هو الاحتياط ؛ نظراً إلى حصول العلم الإجمالي بصرف المال الموصى به في الجهة الموصى لها حينئذٍ.

و أمّا وجه القرعة:فقد تبيّن آنفاً.و لكن يشكل شمول أدلّتها للجهات ؛ لظهورها في جعل القرعة لإخراج سهم شخصٍ خفي بين عدّة أشخاص.

و أمّا وجه التخيير بين الجهات المحصورة:أنّه بعد عدم إمكان الموافقة القطعية في العمل بالوصيّة لا مناص لنا من الموافقة الاحتمالية ، و هي تحصل بصرف المال الموصى به في إحدى الجهات المحصورة التي يُعلم إجمالاً بعدم خروج الوصيّة منها.

و أمّا عدم جواز صرفها في غير هذه الجهات:فللقطع بمخالفة الوصيّة حينئذٍ ، و هو غير جائز.

و أمّا وجه قول السيّد الماتن:«إنّ الأقرب عدم جواز صرفه فيها»:احتمال استظهار ذلك من بعض النصوص الآتية.و لكن الأقوى في المقام هو التوزيع بين الجهات المحصورة ، كما يظهر من تقديمه في كلام السيّد الماتن على سائر الوجوه على نحو الجزم.و الوجه فيه:حصول القطع بصَرف المال الموصى به-و لو بجزئه- في الجهة الموصى لها ، و هذا غير حاصل في سائر المحتملات.

ص: 207

و إن تردّد بين أشخاص أو جهات غير محصورة ، يجوز صرفه في الخيرات المطلقة في الأوّل(1)، و الأولى عدم الخروج عن طرف الشبهة ، وجهة من الجهات في الثاني بشرط عدم الخروج عن أطراف الشبهة.

1-كما نسب ذلك في «الحدائق»(1) إلى المشهور بين الأصحاب فيما لو نسي الوصيّ مصرف الوصيّة.

و ذهب إليه العلّامة في «القواعد»(2) و اختاره المحقّق في «جامع المقاصد»(3)و المفيد في «المقنعة»(4) و الشيخ في «النهاية»(5) و الصدوق في «المقنع»(6).

بل يظهر من كلماتهم:أنّه لم يخالف في المسألة إلّا ابن إدريس و الشيخ في بعض كتبه(7).

و قد دلّ عليه بالخصوص ما رواه المشايخ الثلاثة عن محمّد بن الريّان قال:

كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام أسأله عن إنسان أوصى بوصيّةٍ فلم يحفظ الوصيّ إلّا باباً واحداً منها ، كيف يصنع في الباقي ؟ فوقّع عليه السلام:«الأبواب الباقية اجعلها في البرّ»(8).

********

(1) -الحدائق الناضرة 466:22.

(2) -قواعد الأحكام 470:2.

(3) -جامع المقاصد 216:10.

(4) -المقنعة:674.

(5) -النهاية:613.

(6) -المقنع:486.

(7) -الحدائق الناضرة 467:22 ؛ السرائر 208:3-209 ؛ جامع المقاصد 216:10.

(8) -وسائل الشيعة 393:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 61 ، الحديث 1.

ص: 208

فإنّ هذا الخبر دلّ بإطلاقه على وجوب صرف المال الموصى به في وجوه البرّ في مطلق موارد نسيان الوصيّة ؛ سواءٌ كان المنسي الأشخاص أو الجهات الموصى بها.

و بناءً على انجبار ضعف سند الخبر بعمل المشهور ، يتمّ الاستدلال بهذا الخبر على المطلوب.و حيث لم يرد في المقام خبر يدلّ على ذلك بالخصوص غير هذا الخبر ، يُحرز استناد المشهور إليه في فتواهم بذلك.

نعم ، وردت عدّةٌ من النصوص في موارد مختلفة من الوصايا و غيرها يمكن أن تستفاد منها ضابطة كلّية بأنّه متى تعذّر صرف المال الموصى به في جهة الوصيّة -لأيّ عذر كان-يُصرف في وجوه البرّ ، من دون أن يرجع إلى الورثة لأجل تعذّر الصرف.

مثل صحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال:سألته عن رجل جعل ثمن جاريته هدياً للكعبة ؟ فقال عليه السلام:«إنّ أبي أتاه رجل قد جعل جاريته هدياً للكعبة ، فقال له أبي:مُر منادياً ينادي على الحجر:ألا من قصُرت به نفقته أو نفد طعامه فليأت فلان بن فلان و أمره أن يعطي الأوّل فالأوّل حتّى ينفد ثمن الجارية»(1).

و مثله في الدلالة خبر صاحب السابري(2) و غير ذلك من النصوص المتفرّقة في أبواب الوصيّة.و لا يحتمل استناد المشهور إلى هذه النصوص ؛ لعدم ورودها في خصوص المقام ، و لعدم دلالتها بالمطابقة على المطلوب.و أمّا أولوية عدم الخروج عن أطراف الشبهة غير المحصورة ، فالوجه فيها مراعاة الوصيّة مهما أمكن.

********

(1) -وسائل الشيعة 392:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 60 ، الحديث 1.

(2) -وسائل الشيعة 349:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 37 ، الحديث 2.

ص: 209

(مسألة 50):لو أوصى الميّت وصيّة عهديّة و لم يعيّن وصيّاً ، أو بطل وصاية من عيّنه بموت أو جنون أو غير ذلك تولّى الحاكم أمرها أو عيّن من يتولّاه ، و لو لم يكن الحاكم و لا منصوبه تولّاه من المؤمنين من يوثق به(1).

حكم من لا وصيّ له أو بطل وصاية وصيّه

1-إنّ الكلام في مقامين:أحدهما:في تولّي الحاكم أمر من مات و لا وصيّ له.ثانيهما في تولّي من يوثق به من المؤمنين لذلك.

أمّا المقام الأوّل:لا خلاف بين الأصحاب في جواز تولّي الحاكم الشرعي أمر من مات و لا وصيّ له ، كما صرّح به في «الحدائق»(1) و«الشرائع»(2)و«الجواهر»(3).

و قد دلّت القواعد و النصوص على ثبوت الولاية للحاكم في الاُمور الحسبة و غيرها ممّا يحتاج إلى من يقيمه و يدبّر أمره و لا يرضى الشارع بتركه و تعطيله.

و البحث عن ذلك موكول إلى محلّه من الاستدلال على ثبوت الولاية العامّة للفقيه.

و قد بحثنا عن ذلك في كتاب الاجتهاد و التقليد.

و مقتضى هذه الأدلّة-بنطاقها الواسع-أنّ الحاكم وليّ من لا وليّ له ، و مدبّر لمن هو قاصر عن تدبير اموره ، و كفيل من لا كافل له.و أنّ له الولاية الشرعية أن يقوم بأمرهم و يحفظ مصالحهم.و أنّ منهم صغار الميّت و أيتامه و ما يرتبط به من أداء

********

(1) -الحدائق الناضرة 589:22.

(2) -شرائع الإسلام 203:2.

(3) -جواهر الكلام 430:28.

ص: 210

ديونه و إحقاق حقوقه و القيام بسائر اموره.

و المراد من الحاكم-كما قال في «المسالك» هو الإمام العدل عليه السلام و نائبه الخاصّ و العامّ، و هو الفقيه العادل الجامع لشرائط الفتوى.و سيأتي عبارة «المسالك».

و قد دلّ على ذلك أيضاً بالخصوص بعض نصوص وردت في خصوص المقام ، مثل صحيح محمّد بن إسماعيل بن بزيع قال:مات رجل من أصحابنا و لم يوص ، فرفع أمره إلى قاضي الكوفة ، فصيّر عبد الحميد القيِّم بماله ، و كان الرجل خلّف ورثة صغاراً و متاعاً و جواري ، فباع عبد الحميد المتاع ، فلمّا أراد بيع الجواري ضعُفَ قلبه عن بيعهنّ ؛ إذ لم يكن الميّت صيّر إليه وصيّته و كان قيامه فيها بأمر القاضي ؛ لأنّهنّ فروج ؟ قال:فذكرتُ ذلك لأبي جعفر عليه السلام ، و قلت له:يموت الرجل من أصحابنا و لا يوصي إلى أحدٍ و يُخلّف جواري فيقيّم القاضي رجلاً منّا فيبيعهنّ ، أو قال:يقوم بذلك رجلٌ منّا فيضعف قلبه ؛ لأنّهنّ فروج ، فما ترى في ذلك ؟ قال:

فقال عليه السلام:«إذا كان القيّم به مثلك أو مثل عبد الحميد فلا بأس»(1).

و صحيح إسماعيل بن سعد قال:سألت الرضا عليه السلام عن رجل مات بغير وصيّة و ترك أولاداً ذكراناً و غلماناً صغاراً و ترك جواري و مماليك ، هل يستقيم أن تُباع الجواري ؟ قال عليه السلام:«نعم»، و عن الرجل يصحب الرجل في سفرٍ فيحدث به حدث الموت و لا يدرك الوصيّة ، كيف يصنع بمتاعه-و له أولاد صغار و كبار ؟ أ يجوز أن يدفع متاعه و دوابّه إلى ولده الأكابر أو إلى القاضي ؟ و إن كان في بلدةٍ ليس فيها قاضٍ كيف يصنع ؟ و إن كان دفع المتاع إلى الأكابر و لم يعلم فذهب فلم يقدر على ردّه كيف يصنع ؟ قال عليه السلام:«إذا أدرك الصغار و طلبوا لم يجد بدّاً

********

(1) -وسائل الشيعة 363:17 ، كتاب التجارة ، أبواب عقد البيع و شروطه ، الباب 16 ، الحديث 2.

ص: 211

من إخراجه إلّا أن يكون بأمر السلطان...»(1).

فدلّ هذا الصحيح على جواز تولّي الحاكم لذلك و نفوذ حكمه عند مسيس الحاجة إليه.و مثله صحيحهُ الآخر(2).

و لكن لا يخفى:أنّه إنّما تصل النوبة إلى الحاكم فيما إذا لم يكن للميّت وليّ غير الوصيّ كالأب و الجدّ أو قيّم على أولاده ، و إلّا يثبت له الولاية على ذلك ، من دون حاجة إلى الحاكم.

و قد دلّ على ذلك صحيح علي بن رئاب قال:سألت أبا الحسن موسى عليه السلام عن رجل بيني و بينه قرابة مات و ترك أولاداً صغاراً و ترك مماليك له غلماناً و جواري و لم يوصِ ، فما ترى فيمن يشتري منهم الجارية فيتّخذها امّ ولدٍ ؟ و ما ترى في بيعهم ؟ قال:فقال عليه السلام:«إن كان لهم وليّ يقوم بأمرهم باع عليهم و نَظَر لهم و كان مأجوراً فيهم» ، قلت:فما ترى فيمن يشتري منهم الجارية فيتّخذها امّ ولد ؟ فقال عليه السلام:«لا بأس بذلك إذا باع عليهم القيّم لهم الناظر فيما يصلحهم ، فليس لهم أن يرجعوا فيما صنع القيّم لهم الناظر فيما يصلحهم»(3).

و عليه:فينبغي تقييد تولّي الحاكم لأمر الميّت بما إذا لم يكن له وليّ أو وصيّ أو قيّم.

و لا يخفى:أنّ كلام الماتن قدس سره موهم للإطلاق بالنسبة إلى الوليّ.

و لكن يمكن توجيه كلام السيّد الماتن قدس سره:بأنّ محلّ كلامه في الوصيّة

********

(1) -وسائل الشيعة 423:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 88 ، الحديث 3.

(2) -وسائل الشيعة 362:17 ، كتاب التجارة ، أبواب عقد البيع و شروطه ، الباب 16 ، الحديث 1.

(3) -وسائل الشيعة 421:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 88 ، الحديث 1.

ص: 212

العهدية ، و هي لا يرتبط بتولّي صغار الميّت و أطفاله و مماليكه.فلا ينافي وجود وليّ له يتولّى صغاره ؛ فإنّ له الولاية على صغار الميّت و مماليكه.و أمّا إجراء الوصيّة و أداء الديون و استيفاء حقوقه فعلى الوصيّ ، و مع فقده تصل النوبة إلى الحاكم ، كما يستفاد ذلك من صحيح ابن رئاب و غيره ممّا سبق ذكر بعضها.

و يشهد على ذلك تفصيل الشهيد الثاني بين هاتين الجهتين ، حيث قال في «المسالك»:و اعلم أنّ الاُمور المفتقرة إلى الولاية إمّا أن يكون أطفالاً أو وصايا أو حقوقاً أو ديوناً.فإن كان الأوّل فالولاية فيهم لأبيه ، ثمّ لجدّه لأبيه ، ثمّ لمن يليه من الأجداد على ترتيب الولاية، الأقرب منهم إلى الميّت فالأقرب.فإن عدم الجميع فوصي الأب ، ثمّ وصيّ الجدّ و هكذا.فإن عدم الجميع فالحاكم.

و الولاية في الباقي-غير الأطفال-للوصي ، ثمّ الحاكم.و المراد به السلطان العادل ، أو نائبه الخاصّ ، أو العامّ مع تعذّر الأوّلين ؛ و هو الفقيه الجامع لشرائط الفتوى العدل إلى أن قال:فإن فُقد الجميع فهل يجوز أن يتولّى الناظر في تركة الميّت من المؤمنين من يوثق به ؟ قولان ، أحدهما:المنع ، ذهب إليه ابن إدريس...

و الثاني:و هو مختار الأكثر تبعاً للشيخ، الجواز(1).

أمّا المقام الثاني:فقد نسب إلى المشهور بين الأصحاب:أنّ من مات و لا وصي له يتولّى أمره من يوثق به من المؤمنين عند فقد الحاكم و منصوبه ، كما في «الجواهر»(2) و«الحدائق»(3) ، و نسب ذلك إلى أكثر الأصحاب في «المسالك»(4).

********

(1) -مسالك الأفهام 264:6-265.

(2) -جواهر الكلام 430:28.

(3) -الحدائق الناضرة 593:22.

(4) -مسالك الأفهام 265:6.

ص: 213

و لم يخالف في المسألة إلّا ابن إدريس ،بدعوى عدم صدور الإذن من الشارع في ذلك لغير الفقيه الجامع العدل(1).

و الأقوى في المقام:ما ذهب إليه المشهور.

و قد استدلّ على ذلك في «المسالك» و«الجواهر»باُمور:

الأوّل:قوله تعالى:«وَ الْمُؤْمِنُونَ وَ الْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ» (2)، حيث جعل الولاية لكلّ مؤمنٍ في حقّ أخيه لجهة إقامة المعروف.و لا ريب:أنّ إجراء الوصيّة و أمر قيمومة صغار الميّت و حفظ مصالحهم و تدبير امورهم من أبرز مصاديق المعروف.

الثاني:قوله تعالى:«ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ» (3)، حيث دلّ بإطلاقه على جواز فعل كلّ ما كان إحساناً في حقّ الأخ المؤمن ، و نفى عنه الضمان بالنسبة إلى ما تلف في سبيل الإحسان إلى الغير ، إلّا ما خرج بالدليل.و لا ريب:أنّ تولّي امور الميّت و أداء ديونه و استيفاء حقوقه إحسان إليه قطعاً.

و لكن يرد على الوجه الأوّل:أنّ نظر الآية إلى جعل الولاية للمؤمنين بالنسبة إلى أنفسهم للأمر بالمعروف أوّل الكلام ؛ لاحتمال كون المقصود:أنّ المؤمنين بعضهم أصدقاء بعض و أحبّاؤه ، و بمقتضى حبّ بعضهم بعضاً يأمرون بالمعروف ، كما يشهد على ذلك الوجدان ، و لا أقلّ من عدم ظهور الآية في المعنى الأوّل.

و على فرض كونه المقصود ، يكون جعل الولاية لهم في خصوص أمر الأخ

********

(1) -السرائر 193:3-194.

(2) -التوبة (9):71.

(3) -التوبة (9):91.

ص: 214

المؤمن بالمعروف الذي تركه أو المنكر الذي فعله ، و ليس المقام من هذا القبيل ، كما هو واضح ؛ نظراً إلى احتمال خصوصية في الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر بلحاظ أهمّيتهما.

و يرد على الثاني ؛ بأنّ الإحسان إلى الغير و إن يستفاد من الآية المزبورة جوازه ، و نفي السبيل على المحسن بإضراره أو عتابه ، و لكنّها لا تدلّ على جواز التصرّف في مال الغير في مقام الإحسان ، و لا نظر لها إلى جعل الولاية على تولّي امور الميّت.

و من هذا القبيل استدلال صاحب «المسالك»(1)بقوله تعالى:«تَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَ التَّقْوى...» (2) حيث يرد عليه الإشكال الوارد على الوجه الثاني، كما هو واضح.

فعمدة الدليل على ذلك هو:ما ورد من النصوص المستفيضة في خصوص المقام:

منها:قول أبي جعفر عليه السلام:«إذا كان القيّم به مثلك أو مثل عبد الحميد فلا بأس»(3) في صحيح محمّد بن إسماعيل بن بزيع السابق آنفاً.

و منها:قول الرضا عليه السلام:«فلا بأس إذا رضي الورثة و قام عدل في ذلك» في صحيح آخر لإسماعيل بن سعد(4).

و منها:موثّقة سماعة قال:سألته عن رجل مات و له بنون و بنات صغار و كبار من غير وصيّة و له خَدَم و مماليك و عُقَد ، كيف يصنع الورثة بقسمة ذلك الميراث ؟

********

(1) -مسالك الأفهام 265:6.

(2) -المائدة (5):2.

(3) -وسائل الشيعة 363:17 ، كتاب التجارة ، أبواب عقد البيع و شروطه ، الباب 16 ، الحديث 2.

(4) -وسائل الشيعة 363:17 ، كتاب التجارة ، أبواب عقد البيع و شروطه ، الباب 16 ، الحديث1.

ص: 215

(مسألة 53):يجوز للموصي أن يجعل ناظراً على الوصيّ(1)، و وظيفته تابعة لجعله:فتارة:من جهة الاستيثاق على وقوع ما أوصى به ، يجعل الناظر رقيباً على الوصيّ ؛ بأن يكون أعماله باطّلاعه حتّى أنّه لو رأى منه خلاف ما قرّره الموصي لاعترض عليه.و اخرى:من جهة عدم الاطمئنان بأنظار الوصيّ و الاطمئنان بأنظار الناظر ، يجعل على الوصيّ أن يكون أعماله على طبق نظره ،

قال:«إن قام رجل ثقة قاسمهم ذلك كلّه فلا بأس»(1).قوله:«عُقَدٌ» جمع العقدة ، و هي الضيعة و الأرض.

و لا يخفى:أنّ المعتبر وثاقة من يتولّى من المؤمنين لاُمور الميّت ، كما دلّت عليه هذه الموثّقة ، و لأنّ الدخيل في تحقّق غرض الموصي و القيام بأمره هو الوثاقة لا العدالة.و قد سبق هذا البحث مفصّلاً في شرائط الوصيّ.

ثمّ إنّ الكلام في المقام إنّما هو في تولّي غير ما يضطرّ إلى الإتيان به ؛ من إطعام الأطفال و مئونة الدوابّ و صيانة من هو مشرف على التلف ، و كذا تجهيز الميّت ؛ فإنّ ذلك واجب كفايةً على جميع المسلمين.

و اتّضح بما ذكرنا:أنّ تعيين العدول باختيار الورثة.

حكم جعل الناظر على الوصيّ

حكم جعل الناظر على الوصيّ

1-قد سبق في ذيل المسألة الثامنة و الثلاثين:أنّه لا كلام في جواز جعل الوصيّ و إعطاء الولاية إليه في أمر الوصيّة للموصي.

و قد دلّ على مشروعية ذلك للموصي-مضافاً إلى الإجماع و الضرورة-

********

(1) -وسائل الشيعة 422:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 88 ، الحديث 2.

ص: 216

و لا يعمل إلّا ما رآه صلاحاً ، فالوصيّ و إن كان وليّاً مستقلاًّ في التصرّف ، لكنّه غير مستقلّ في الرأي و النظر ، فلا يمضي من أعماله إلّا ما وافق نظر الناظر ، فلو استبدّ الوصيّ بالعمل على نظره من دون مراجعة الناظر و اطّلاعه ، و كان عمله على طبق ما قرّره الموصي ، فالظاهر صحّته و نفوذه على الأوّل ،بخلافه على الثاني(1)، و لعلّ الغالب المتعارف في جعل الناظر في الوصايا هو النحو الأوّل.

نصوص متواترة متضمّنة لبيان أحكام الوصيّ و تعيين وظائفه و شرائطه ، و هي متفرّقة في الأبواب المختلفة(1) ، و قد استقرّت سيرة النبي صلى الله عليه و آله و سلم و الأئمّة عليهم السلام و المتشرّعة من زمنهم عليهم السلام إلى زماننا هذا.

و إذا كان جواز جعل الوصيّ و الولاية على نصبه ثابتاً للموصي شرعاً يثبت له الولاية على جعل الناظر على الوصيّ أيضاً بالفحوى ؛ لأنّه أيضاً من شئون ولايته على الوصاية و سلطنته على الاستنابة لنفسه في أمر وصيّته و صغاره و ما يرتبط به بعد موته ،بل يكون جعل الناظر طريقاً لاستيثاق الموصي من صحّة عمل الوصيّ و مطابقته للوصيّة.

و لا ريب:أنّ وظيفة الناظر تابعة لكيفية جعله من جانب الموصي ، فتارةً:

تكون صِرف المراقبة و تذكار الوصيّ في موارد التخلّف و الزلّة بنظره ، و اخرى:بأن يكون الوصيّ مطيعاً لنظره من دون استقلال في الرأي ،بحيث لا ينفذ شيءٌ من تصرّفاته في مقام العمل بالوصيّة إلّا ما كان موافقاً لرأي الناظر.

1-حيث إنّ عمل الوصيّ حينئذٍ كان على خلاف نظر الموصي ، حيث كان نظره أن لا يستبدّ الوصيّ في الرأي ،بل وظّفه أن يكون تابعاً لرأي الناظر ، و أن

********

(1) -وسائل الشيعة 319:19، كتاب الوصايا، الباب 23، 36 ، 37 ، 38 ، 46 ، 50 ، 53 ، و 88.

ص: 217

(مسألة 54):يجوز للأب مع عدم الجدّ ، و للجدّ للأب مع فقد الأب ، جعل القيّم على الصغار(1) ،

لا يتخطّأ من رأيه في شيء من موارد العمل بالوصيّة.

بل في الحقيقة:يكون عمل الوصيّ حينئذٍ على خلاف ما أوصى إليه الموصي ؛ لأنّ تبعيته لرأي الناظر و منعه عن مخالفته داخل في جملة وصاياه أيضاً.

و هذا بخلاف الصورة الاُولى التي لا يكون غرض الموصي من جعل الناظر إلّا مجرّد المراقبة بعد إعطاء الولاية التامّة إلى الوصيّ ؛ نظراً إلى ظهور وصايته حينئذٍ في جواز استقلال الوصيّ في العمل و الرأي معاً.

جعل القيّم على الصغار

1-لا خلاف بين الفقهاء في ثبوت الولاية للأب و الجدّ على جعل القيّم للصغار ،بل ادّعي الإجماع على ذلك بقسميه ، كما في «القواعد» و«جامع المقاصد» و«الجواهر» و«المسالك» و«المستمسك» من الجوامع و الكتب الفقهية ،بل لم يعرف في ذلك حتّى مخالف واحد.

و قد دلّت على ذلك نصوص متظافرة متفرّقة في الأبواب المختلفة من الفقه ، كالتي وردت في باب النكاح الدالّة على أنّ عقدة النكاح بيدهما(1) ، فتدلّ على ثبوت الولاية لهما في المقام بالأولوية القطعية ؛ نظراً إلى أهمّية أمر الزواج من غيره جزماً.

و يدلّ على ذلك بالخصوص معتبرة محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه سُئل عن رجل أوصى إلى رجل بولده و بمال لهم و أذن له عند الوصيّة أن يعمل

********

(1) -وسائل الشيعة 284:20 ، كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح ، الباب 9.

ص: 218

و معه لا ولاية للحاكم(1)،

بالمال بأن يكون الربح بينه و بينهم ؟ فقال عليه السلام:«لا بأس به من أجل أنّ أباهم قد أذن له في ذلك و هو حيّ»(1).

فإنّ مقتضى عموم التعليل الوارد فيه:عدم اختصاص الحكم بالمضاربة.

و لا يخفى:أنّها و إن وردت في ولاية الأب ، إلّا أنّ ولاية الجدّ يمكن أن يستفاد منها بالملازمة ،بل الفحوى كما يستفاد من نصوص باب النكاح ، مع عدم تفصيل الأصحاب بينهما في الولاية.

1-دلّ عليه-مضافاً إلى اتّفاق الفقهاء و إجماعهم على ذلك-:

أوّلاً:أنّ أدلّة ولاية الحاكم اخذ في موضوعها مَن لا وليّ له من الأيتام و الصغار ، كما قرّر في محلّه.

و ثانياً:ما يظهر من بعض النصوص الدالّة على ثبوت الولاية للأب و الجدّ ، مثل قول الصادق عليه السلام:«ما أرى وليّه إلّا بمنزلة السلطان» في صحيح أبي خالد القمّاط(2).

و في خبره الآخر عنه عليه السلام:«فإنّي أراه بمنزلة الإمام عليه»(3).

فإنّ مقتضى تنزيله عليه السلام الأب و الجدّ منزلة الإمام المعصوم عليه السلام:أنّ ما له من الولاية على الصغير و السفيه مطلقاً-من دون اختصاص بالطلاق و النكاح-ثابت للأب و الجدّ أيضاً ، و عليه:فمع وجودهما لا تصل النوبة إلى الحاكم.

********

(1) -وسائل الشيعة 19 ؛ 427 ، كتاب الوصايا ، الباب 92 ، الحديث 1.

(2) -وسائل الشيعة 84:22 ، كتاب الطلاق ، أبواب مقدّمات الطلاق ، الباب 35 ، الحديث 1.

(3) -وسائل الشيعة 84:22 ، كتاب الطلاق ، أبواب مقدّمات الطلاق ، الباب 35 ، الحديث 3.

ص: 219

و ليس لغيرهما أن ينصب القيّم عليهم حتّى الاُمّ(1).

(مسألة 55):يشترط في القيّم على الأطفال ما اشترط في الوصيّ على المال ، و الأحوط اعتبار العدالة ؛ و إن كان الاكتفاء بالأمانة و وجود المصلحة ليس ببعيد(2).

نعم ، فرق بينهما و بين الحاكم، كما أشار إليه في «الجواهر»(1) حيث إنّ ولايتهما على الصغار بعد موتهما فرع وصايتهما بجعل القيّم عليهم ، نظير ولاية الموصي على ثلث المال ؛ فكيف تتنجّز بوصيته في الثلث ؟ فكذلك في المقام.و أمّا الحاكم فموضوع ولايته فقد الأب و الجدّ و عدم جعل القيّم من ناحيتهما.

و بتعبير آخر:يكون الأب و الجدّ شبه وكيل الحاكم ؛ فكيف أنّ الوكيل بمنزلة الموكّل و بموته تنقطع ولايته فترجع إلى أصلها الذي هو الموكّل ؟ فكذلك في الأب و الجدّ اللذان هما بمنزلة الحاكم.

1-حيث لا دليل على جعل الولاية لها على ذلك ،بل الدليل على عدم ولايتها ؛ نظراً إلى ما يستفاد من مجموع نصوص ظاهرة في حصر الولاية على الصغار و المجنون في الأب و الجدّ.

2-أمّا اشتراط شرائط الوصيّ في القيّم على الصغار فواضح ؛ لشمول أدلّة الوصيّ للقيّم بالفحوى ؛ إذ له الولاية على النفس و للوصي الولاية على المال ، و لا شرائط ريب أنّ الولاية على النفس أعظم خطراً من الولاية على المال عند الشارع.

و أمّا احتياط السيّد الماتن باعتبار العدالة في القيّم استحبابي ؛ نظراً إلى لحوقه بالفتوى بجواز الاكتفاء بالأمانة و الوثاقة.

********

(1) -جواهر الكلام 277:28.

ص: 220

(مسألة 56):لو عيّن الموصي على القيّم تولّي جهة خاصّة و تصرّفاً مخصوصاً اقتصر عليه(1)،

و وجه الاحتياط:ما أشرنا إليه من عِظم خطر الولاية على النفوس و الفروج ، و ما ورد في بعض النصوص من اعتبار العدالة في القيّم ، كقوله عليه السلام:«فلا بأس إذا رضي الورثة بالبيع و قام عدلٌ في ذلك» في صحيح إسماعيل بن سعد الأشعري(1).

حكم تولية القيّم

1-و ذلك لأنّ تجاوز القيّم عمّا عيّنه الموصي تبديل للوصيّة ، و هو حرام ؛ لصريح الكتاب بقوله تعالى:«فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ» (2).

و موجب للضمان ، كما صُرّح به في صحيح محمّد بن مارد(3) و سعيد الأعرج(4)و خبر أبي سعيد(5) ، و قد سبق ذكر هذه النصوص في المسألة الثانية و الأربعين.

مضافاً إلى أنّ تصرّفه في أموال الميّت و سلطته على صغاره من قبيل التصرّف في مال الغير و السلطة على نفس الغير ، و لا ريب في عدم جوازه إلّا بإذن مالك المال و وليّ الصغار.فكلّ تصرّف أو إعمال سلطة منه لم يكن بإذنه لا يجوز قطعاً.

********

(1) -وسائل الشيعة 362:17 ، كتاب التجارة ، أبواب عقد البيع و شروطه ، الباب 16 ، الحديث 1.

(2) -البقرة (2):181.

(3) -وسائل الشيعة 348:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 37 ، الحديث 1.

(4) -وسائل الشيعة 349:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 37 ، الحديث 3.

(5) -وسائل الشيعة 350:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 37 ، الحديث 5.

ص: 221

و يكون أمر غيره بيد الحاكم أو المنصوب من قبله(1)، فلو جعله قيّماً في حفظ ماله و ما يتعلّق بإنفاقه-مثلاً-ليس له الولاية على أمواله بالبيع و الإجارة و نحوهما ، و على نفسه بالإجارة و نحوها ، و على ديونه بالوفاء و الاستيفاء.و لو أطلق ، و قال:

«فلان قيّم على أولادي»-مثلاً-كان وليّاً على جميع ما يتعلّق بهم ممّا كان للموصي الولاية عليه(2)، فله الإنفاق عليهم بالمعروف(3)، و الإنفاق على من عليهم نفقته ، و حفظ أموالهم و استنماؤها ، و استيفاء ديونهم ، و إيفاء ما عليهم ، كأرش ما أتلفوا من أموال الناس ، و كذا إخراج الحقوق المتعلّقة بأموالهم كالخمس و غير ذلك ، و في ولايته على تزويجهم كلام يأتي في محلّه إن شاء اللّه تعالى(4).

1-لما سبق آنفاً من أنّ وليّ الصغار بمنزلة الحاكم ؛ فلو نصب قيّماً في أمر من امور الصغار فبها ، و إلّا فأمرهم بيد من له الولاية على ذلك بالأصالة ، كما في صحيح أبي خالد القمّاط السابق(1).

2-نظراً إلى ظهور إطلاق كلام الموصي في شمول ولاية القيّم لجميع ما يتعلّق بالصغار ممّا هو من شئون القيّم عرفاً.

3-أي في الجهات المشروعة ، من دون إسراف و لا تبذير و لا إفراط و لا تفريط.

4-و سيأتي في محلّه من أولياء العقد في كتاب النكاح:أنّ مقتضى الاحتياط في تزويجهم استئذان القيّم من الحاكم الشرعي ؛ إذ لا دليل لفظي لولاية الحاكم في تزويجهم لكي يتمسّك به في خصوص المقام ،بل تبتني ولايته على أساس أنّه وليّ

********

(1) -وسائل الشيعة 84:22 ، كتاب الطلاق ، أبواب مقدّمات الطلاق ، الباب 35 ، الحديث 1.

ص: 222

(مسألة 57):يجوز جعل الولاية على الأطفال لاثنين فما زاد بالاستقلال و الاشتراك(1)، و جعل الناظر على الوصيّ كالوصيّة بالمال.

من لا وليّ له ، و القدر المتيقّن منه غير صورة وجود القيّم ؛ إذ احتمال شمول إطلاق كلام الموصي لتزويج الصغار يمنع من الجزم بعدم ولاية القيّم على تزويجهم.و على هذا الأساس:لا بدّ من الاحتياط الواجب ؛ باستئذان القيّم من الحاكم الشرعي في تزويج الصغار ، و قد صرّح السيّد الماتن قدس سره بهذا الاحتياط في المسألة الحادية عشرة من أولياء العقد(1).

1-لأنّه بعد ثبوت الولاية للأب و الجدّ على جعل القيّم بالإجماع و النصوص المعتبرة المتظافرة في النكاح و في خصوص المقام-كما سبق في المسألة الرابعة و الخمسين-بلا فرق بين جعل القيمومة لواحد أو اثنين فما فوق.

ثمّ إنّه لا كلام فيما إذا صرّح الموصي بالاستقلال أو الاشتراك.

و إنّما الكلام فيما إذا أطلق من دون قرينةٍ على أحد الوجهين ، و قد سبق هذا البحث مفصّلاً في الوصيّة إلى اثنين فصاعداً.

و الكلام في الناظر و القيّم المتعدّد هو الكلام في الوصيّ المتعدّد بعينه بلا فرق ، و قد سبق البحث عنه مفصّلاً في المسألة الثانية و الأربعين.

********

(1) -تحرير الوسيلة 244:2.

ص: 223

(مسألة 58):يُنفق الوصيّ على الصبيّ من غير إسراف و لا تقتير ، فيطعمه و يلبسه عادة أمثاله و نظرائه ، فإن أسرف ضمن الزيادة(1)، و لو بلغ فأنكر أصل الإنفاق أو ادّعى عليه الإسراف ، فالقول قول الوصيّ بيمينه(2)،

1-سبق بيان وجه ذلك آنفاً في المسألة السادسة و الخمسين.

و قد دلّ عليه أيضاً قوله تعالى:«وَ الَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَ لَمْ يَقْتُرُوا وَ كانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً» (1).

أي:لم يفرطوا في الإنفاق و لا يتجاوزون عن الحدّ المتعارف ، و لم يُمسكوا في الإنفاق بتقليل مقداره بحيث يضيّقوا على الصغار و اليتامى ، و لا في الجهات الغير المشروعة.

فيُكشف من هذه الآية:أنّ الشارع الأقدس حدّد ولاية الوصيّ و القيّم في الإنفاق على الصغار و الأيتام بذلك ، و عليه:فلا ولاية له في الخارج عن هذا الحدّ ، و أيضاً لا يكون مأذوناً من قبل الموصي في الإنفاق الخارج عن حدّ المتعارف بالإسراف و الإفراط فيه ؛ فيكون إنفاقه هذا من التصرّف في مال الغير بغير إذنه و لا طيبة من نفسه ؛ فيكون ضامناً.

2-و الوجه فيه أوّلاً:أنّ الوصيّ أمين لا يضمن-كما سبق الاستدلال عليه في المسألة الثامنة و الأربعين-فيقبل قوله بيمينه ما لم تقم حجّة شرعية على الخلاف.

و ثانياً:ما علّل به في «جامع المقاصد» من تعذّر البيّنة على ذلك عادةً ، حيث

********

(1) -الفرقان (25):67.

ص: 224

و كذا لو ادّعى عليه أنّه باع ماله من غير حاجة و لا غبطة.نعم لو اختلفا في دفع المال إليه بعد البلوغ ، فادّعاه الوصيّ و أنكره الصبيّ ، قُدّم قول الصبيّ(1)، و البيّنة على الوصيّ.

إنّ إشهاد الشاهدين في كلّ يوم-بل كلّ دفعة-على إنفاق الطفل أمر عسير يصعب على القيّم(1).

و ثالثاً:أنّ عدم قبول قول الوصيّ و القيّم بلا بيّنة في ذلك يؤدّي إلى عدم قبول الوصاية من أحدٍ.و هذا يُفضي إلى تضييع مصلحة الأطفال و اليتامى الصغار.هذا التعليل أيضاً من «جامع المقاصد»(2).هذا في أصل الإنفاق.

و أمّا لو ادّعي عليه:أنّه باع ماله بلا حاجة أو أنفق زائداً عن المتعارف و نحوه ممّا يرجع إلى دعوى أمر وجودي ، فلا إشكال في الاكتفاء بيمين الوصيّ ؛ لأنّه منكر ؛ فعلى الصبيّ إقامة البيّنة ؛ لأنّه المدّعي.

1-نظراً إلى أنّه ينكر دفع المال ، و إنّما يدّعيه الوصيّ ، و أنّ البيّنة على المدّعي و اليمين على من أنكر.و قد حرّر في محلّه-من كتاب القضاء-أنّ ضابطة المنكر كون قوله موافقاً للأصل ، و الأصل في المقام:عدم دفع المال إليه.

و أمّا حديث «أنّ الوصيّ أمين لا يضمن» ، فلا ينفع في فرض المقام شيئاً ؛ نظراً إلى انقطاع الوصاية ببلوغ الصبيّ.

********

(1) -جامع المقاصد 289:11.

(2) -نفس المصدر.

ص: 225

(مسألة 59):يجوز للقيّم الذي يتولّى امور اليتيم أن يأخذ من ماله اجرة مثل عمله ؛ سواء كان غنيّاً أو فقيراً(1)،

حكم أخذ الاُجرة للقيّم و الوصيّ

1-إنّ أصل أخذ الاُجرة لمن يتولّى امور الميّت فقد دلّ على جوازه في الجملة قوله تعالى:«وَ مَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ» (1).هذه الآية قد دلّت في الجملة على جواز الأكل من مال اليتيم للقيّم بإزاء تولّيه.و لا كلام في ذلك بين الفقهاء.

و أمّا اعتبار الفقر و إن كان ظاهر الآية يقتضيها ، إلّا أنّ بعض النصوص المعتبرة دلّ على نفي اعتباره ؛ و لذا حمل مفاد الآية من هذه الجهة على الرجحان و الأولوية.

و إنّما الكلام في مقدار الاُجرة المأخوذة ، و وقع الخلاف فيه على خمسة أقوال:

أحدها:أن يأخذ اجرة المثل ، كما عن الإسكافي(2) و الشيخ في «النهاية»(3)-في آخر باب التصرّف في مال اليتيم-و العلّامة في «القواعد»(4).و عن الطبرسي في «مجمع البيان»:أنّه الظاهر من روايات أصحابنا(5).

********

(1) -النساء (4):6.

(2) -مختلف الشيعة 65:5.

(3) -النهاية:362.

(4) -قواعد الأحكام 567:2.

(5) -مجمع البيان 17:3.

ص: 226

الثاني:أن يأخذ بقدر الكفاية.ذهب إليه الشيخ أيضاً في موضع آخر من «نهايته»(1) و ابن إدريس(2).

الثالث:أن يأخذ أقلّ الأمرين من الاُجرة و الكفاية ؛ فإن كانت كفايته أقلّ من اجرة المثل فله قدر الكفاية دون اجرة المثل ، و إن كانت اجرة المثل أقلّ من قدر الكفاية فله اجرة المثل دون الكفاية.ذهب إلى هذا القول الشيخ في «خلافه»(3)و«تبيانه»(4) على ما نسب إليه في «الجواهر» ، و رجّحه المحقّق الثاني في «جامع المقاصد»(5).

الرابع:التفصيل المزبور بشرط فقر القيّم.اختاره الشيخ في «المبسوط» ، قال:الوليّ إن كان فقيراً جاز له أن يأكل من مال اليتيم أقلّ الأمرين:كفايته أو اجرة مثله(6).

الخامس:أن يأخذ اجرة المثل بشرط الفقر ؛ فلو كان فقيراً يأخذ اجرة المثل ، و أمّا إذا كان غنيّاً لا يستحقّ شيئاً.نسب هذا القول في «الجواهر» إلى الشهيد الثاني في «المسالك»(7).

و الذي اختاره السيّد الماتن:هو القول الأوّل ، كما قوّاه في «الشرائع»(8)

********

(1) -النهاية:361.

(2) -السرائر 211:2.

(3) -الخلاف 179:3.

(4) -اُنظر جواهر الكلام 440:28.

(5) -جامع المقاصد 302:11.

(6) -المبسوط 163:2.

(7) -جواهر الكلام 440:28 ؛ مسالك الأفهام 277:6.

(8) -شرائع الإسلام 204:2.

ص: 227

و اختاره في «الجواهر»(1).

و قد استدلّ في «الجواهر» على هذا القول أوّلاً:بأصالة احترام فعل المسلم كحرمة ماله.و يمكن انتهاء هذا الأصل إلى نصوص حرمة مال المسلم ؛ نظراً إلى ما لفعله من المالية ، أو إلى بناء العقلاء.

لكنّه يرجع إلى أصل احترام مطلق عمل الإنسان ما دام لم يثبت سقوطه عن الاحترام بدليل ، و لم يردع الشارع عن بنائهم ،بل السيرة المستمرّة من زمن المعصومين إلى الآن تقرّره.

و على أيّ حال:هذا الأصل غير قابل للإنكار.

و ثانياً:بصحيح هشام بن الحكم قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عمّن تولّى مال اليتيم ، ما له أن يأكل منه ؟ فقال عليه السلام:«ينظر إلى ما كان غيره يقوم به من الأجر لهم فليأكل بقدر ذلك»(2).

فإنّ مقصوده عليه السلام من قوله:«ما كان غيره يقوم به من الأجر لهم» هو اجرة المثل ، كما هو واضح.

فلا إشكال في دلالة هذه الصحيحة على المطلوب ، كما لا ضعف في سنده.

و علي بن السندي الواقع في طريقه هو علي بن إسماعيل ، و قد يعبّر عنه بعلي بن السري ، و هو ثقة كما صرّح به النجاشي و الكشي و ابن عقدة و العلّامة و صاحب «الوسائل» و غيرهم.

و على مدلول هذه الصحيحة حُمل قوله عليه السلام:«و ليأكل بقدرٍ و لا يسرف» في

********

(1) -جواهر الكلام 440:28.

(2) -وسائل الشيعة 251:17 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 72 ، الحديث 5.

ص: 228

موثّق سماعة(1) ، أي:بقدر سهمه المطابق لاُجرة مثله ، من دون إسراف في أكل مال اليتيم بالزيادة عن اجرة المثل.

و لكن يرد على الاستدلال بهذه الصحيحة لنفي اعتبار الفقر أوّلاً:بأنّه لا إطلاق لها لتنفي اعتبار الفقر بالإطلاق ؛ و ذلك لأنّ السؤال عن مقدار ما يجوز أكله من مال اليتيم ، و الإمام بصدد الجواب عن ذلك ، من دون نظر إلى بيان اعتبار الفقر في أصل جواز الأكل.

و ثانياً:مع قطع النظر عن الإشكال الأوّل ، و على فرض الإطلاق بقرينة ترك الاستفصال بين الغني و الفقير ، لا يكون هذا الإطلاق قرينة صالحة لرفع اليد عن ظهور الآية المستند إلى صيغة الأمر الدالّ على اللزوم وضعاً في قوله:

«فَلْيَسْتَعْفِفْ» و«فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ» المفسّر في الصحيح بالقوت ، أي:قدر الكفاية ؛ فإنّ ما هو بالوضع من الظهور مقدَّم على ما هو بالمقدّمات.

ثمّ إنّه قد فسّر الأكل بالمعروف-المذكور في الآية-بالقوت في صحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قول اللّه عزّ و جلّ:«فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ» قال عليه السلام:«المعروف هو القوت ، و إنّما عنى الوصيّ أو القيّم في أموالهم و ما يصلحهم»(2).

و ظاهر لفظ «القوت»:ما يحتاج إليه في إمرار المعاش من المئونة ، و عليه:

فيكون معنى كلام الإمام عليه السلام:أنّه يجوز للوصي و القيّم أن يأكل من مال اليتيم بقدر قوته و ما يحتاج إليه في معاشه من المئونة.و هذا يقيّد إطلاق صحيح هشام باعتبار

********

(1) -وسائل الشيعة 251:17 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 72 ، الحديث 4.

(2) -وسائل الشيعة 250:17 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 72 ، الحديث 1.

ص: 229

الفقر.مضافاً إلى ظهور قوله تعالى:«وَ مَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَ مَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ» (1) في عدم جواز أكل الغني من مال اليتيم و لزوم كون أكل الفقير منه بقدر المعروف المفسّر في الصحيحة ب «القوت».

و على فرض عدم أخذ الفقر في معنى لفظ «القوت»-بأن يكون بمعنى مطلق ما يقوم به بدن الإنسان من الطعام ، كما لا يبعد-فحيث ورد في تفسير فقرةٍ من الآية اخذ في موضوعها الفقر ، فلذا يدلّ على تقدير المأكول بالقوت.

و عليه:فتدلّ الآية-بضميمة هذه الصحيحة-على اشتراط الفقر أوّلاً ، و لزوم كون الأكل بقدر الكفاية ثانياً.فتقيّد بذلك إطلاق صحيح هشام.

و مقتضى الأخذ بمدلول الصحيحين و التحفّظ على ظاهر الآية هو القول الرابع.

و على ذلك:فمقتضى الجمع بين نصوص المقام و بين الآية هو اعتبار أمرين في جواز أخذ اجرة المثل من مال اليتيم للقيّم.

أحدهما:اشتراط الفقر ؛ عملاً بظاهر الآية ؛ إذ لم يرد من النصوص ما يكون أظهر من الآية بحيث يصلح لأن يكون قرينة لرفع اليد عن ظاهر الآية.

ثانيهما:كون الأخذ بقدر الكفاية.و مقتضى ذلك هو الاكتفاء بأقلّ الأمرين من اجرة المثل و قدر الكفاية ، لكن بشرط الفقر ، كما يقول به القول الرابع ، هذا.

و لكن يستفاد من مضمر محمّد بن مسلم عدم اشتراط الفقر و جواز أخذ القيّم من مال اليتيم و لو كان غنياً ، حيث روى في «مجمع البيان» عن محمّد بن مسلم عن أحدهما قال:«إن كان يليط حوضها و يقوم على مهنتها و يردُّ نادتها فيشرب من

********

(1) -النساء (4):6.

ص: 230

ألبانها غير منهكٍ للحلاب و لا مضرٍّ بالولد»(1).

حيث دلّ بإطلاقه على جواز أكل من يكفل و يتولّى مال اليتيم ؛ سواءٌ كان فقيراً أو غنيّاً.

قوله:«يردُّ نادتها» أي:ينظف مَبْرَكها و يرفع بللها.و قوله:«غير منهك للحلاب»، أي:لا يبالغ في حلب الحيوان بحيث يضرّ بولده.

و فيه:أنّ هذه الرواية ضعيفة سنداً بالإرسال ، حيث رواه في «المجمع» مرسلاً مضافاً إلى عدم انعقاد إطلاق له بعد دلالة الآية و النصّ المعتبر على اشتراط الفقر في جواز أكل مال اليتيم و أخذ اجرة التولّي و التكفّل باُموره من ماله.

نعم ، ورد في صحيح حنّان بن سدير قال:قال أبو عبد اللّه عليه السلام:«سألني عيسى بن موسى عن القيّم للأيتام في الإبل و ما يحلّ له منها ، فقلت له:إذا لاط حوضها و طلب ضالتها و هنّأ جرباها فله أن يصيب من لبنها في غير نهكٍ لضرع و لا فسادٍ لنسلٍ»(2).و لكن يرد عليه أنّه لا إطلاق له بعد دلالة الآية و النصّ المعتبر على اشتراط الفقر ، هذا.

مضافاً إلى أنّ ما دلّ على نفي اعتبار الفقر مخالف للكتاب ، و ما دلّ على اعتباره-مثل صحيح عبد اللّه بن سنان-موافق للكتاب ، و مقتضى القاعدة الأخذ بما وافق الكتاب من بين النصوص المتعارضة و طرح ما خالفه.

و إن كان الحقّ عدم تعارض في البين ؛ لما قلناه آنفاً من صلاحية الآية المزبورة و صحيح عبد اللّه بن سنان للقرينية على عدم إطلاق صحيح حنّان و مضمر محمّد بن مسلم.

********

(1) -وسائل الشيعة 252:17 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 72 ، الحديث 6.

(2) -وسائل الشيعة 250:17 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 72 ، الحديث 2.

ص: 231

و أمّا صحيح هشام و إن كان بإطلاقه مخالف الكتاب ، و لكن يمكن تقييده بصحيح عبد اللّه بن سنان.

و بعبارة اخرى:كلّ واحد من هذين الصحيحين مخالف للآخر بإطلاقه ؛ فمقتضى القاعدة تقييد إطلاق كلّ منهما بصريح الآخر.

و بعبارة ثالثة:أنّ صحيح عبد اللّه بن سنان موافق لمضمون الآية ، و صحيح هشام يخالفه ، و لكن ليس مخالفته للآية على نحو غير قابل للجمع العرفي ؛ نظراً إلى مخالفته لها بإطلاقه.كما أنّ الآية و صحيح عبد اللّه بن سنان يخالفانه بالإطلاق ؛ فمقتضى الصناعة تقييد إطلاق كلٍّ من الطائفتين بصريح الآخر.

و قال في «جامع المقاصد»:بأنّ من قال بأخذ اجرة المثل ، حقّه أن لا يفرّق في جواز الأخذ بين الغني و الفقير ؛ لأنّ محطّ نظره هو العمل دون الفقر(1).

و فيه:أنّ القاعدة إنّما هي محكّمة ما لم يرد نصّ في قبالها.فبعد دلالة النصّ المعتبر على اعتبار الفقر في المقام لا بدّ من الاقتصار على مدلوله في العمل بالقاعدة ، كما هو واضح.

و الحاصل:أنّ مقتضى الصناعة و القاعدة في المقام جواز أخذ اجرة المثل بقدر الكفاية.و لازم ذلك:عدم جواز أخذ اجرة المثل زائداً عن قدر الحاجة.

فالأقوى في المقام:هو القول الرابع ؛ من جواز أخذ الأقلّ من الكفاية و أخذ اجرة المثل بشرط الفقر ؛ وفاقاً للشيخ في «المبسوط».

********

(1) -جامع المقاصد 302:11.

ص: 232

و إن كان الأحوط الأولى للأوّل التجنّب(1).و أمّا الوصيّ على الأموال ، فإن عيّن الموصي مقدار المال الموصى به و طبّقه على مصرفه المعيّن ؛ بحيث لم يبق شيئاً لاُجرة الوصيّ ، و استلزم أخذها إمّا الزيادة على المال الموصى به أو النقصان في مقدار المصرف ، لم يجز له أن يأخذ الاُجرة لنفسه(2).و إن عيّن المال و المصرف على نحو قابل للزيادة و النقصان ، كان حاله حال متولّي الوقف ؛ في أنّه لو لم يعيّن له جعلاً معيّناً ، جاز له أن يأخذ اجرة مثل عمله ، كما إذا أوصى بأن يصرف ثلثه-أو مقداراً معيّناً من المال-في بناء القناطر و تسوية المعابر و تعمير المساجد.

1-هذا الاحتياط استحبابي.و لكن عرفت:أنّ الأقوى اشتراط الفقر و وجوب التجنّب للغني ؛ وفاقاً لصاحب «المسالك» و الشيخ في «المبسوط».

2-نظراً إلى انجرار أخذ الاُجرة في هذا الفرض إلى مخالفة الوصيّة ، حيث إنّه لو أخذ الاُجرة لا يكفي المال الموصى به للعمل بالوصيّة ،بل ينقص عن مصرفه المعيّن.

فمقصوده قدس سره:أنّ لازم أخذها:إمّا كون المال الموصى به زائداً عمّا عيّنه الموصي ليكفي اجرة الوصيّ ، و إلّا يلزم النقصان في مقدار المصرف ؛ لفرض مطابقته لمصرفه المعيّن.بخلاف ما لو عيّن المال الموصى به و مصرفه على نحو قابل للزيادة و النقصان ، حيث لا يوجب أخذ الاُجرة حينئذٍ مخالفة الوصيّة.

و قد يقال:إنّ مقتضى أصالة احترام عمل المسلم جواز أخذ اجرة المثل ، و إنّما المانع مخالفة الوصيّة ، و لمّا كان منتفياً في هذا الفرض فالمقتضي لجواز أخذ اجرة المثل موجود و المانع مفقود.

ص: 233

و لكن يرد عليه:أنّ أصالة احترام العمل إنّما تنفع فيما إذا لم يقدّم الشخص على العمل المجّاني ، و لا يبعد كون قبول الوصيّة من قبيل ذلك ؛ لأنّه المرتكز في الأذهان و المنسبق إليها من مقام الوصيّة و قبولها ما دام لم يصرّح باشتراط أخذ الاُجرة.

نعم ، حيث إنّه لا يجب العمل بالوصيّة على الوصيّ بالمباشرة يجوز له أخذ الاُجرة للأجير من المال الموصى به ، كما في مثل بناء القناطر و المساجد و المستشفى و إصلاح المعابر و نحو ذلك ممّا يحتاج إلى مهارة و عمل كثير ؛ فكيف لو أنّ الوصيّ استأجر شخصاً للعمل بالوصيّة يجوز له إعطاء الاُجرة إيّاه من المال الموصى به ؟ فكذلك إذا تولّى لذلك بشخصه فيستحقّ اجرة المثل.

و عليه:فلا إشكال في جواز أخذ اجرة العمل بالوصيّة من المال الموصى به ؛ نظراً إلى صرفها في جهة العمل بالوصيّة ، هذا.

مع وضوح عدم مشروعية إيراد الضرر على الوصيّ بتحميل العمل المجّاني لإجراء الوصيّة ، إلّا أن يُصرّح بالتبرّع حين قبول الوصاية ؛ فلا يجوز له أخذ الاُجرة حينئذٍ مطلقاً ؛ نظراً إلى ابتناء الوصاية على التبرّعية في هذا الفرض.

إن قلت:كيف اشترطتم الفقر في أخذ اجرة المثل في تولّي صغار الميّت و أيتامه ، ما هو الفارق بين المقامين ؟

قلت:إنّما الفارق بين المقامين هو ورود النصّ المعتبر في تولّي الأيتام دون الوصيّ في خصوص أموال الميّت.

ص: 234

(مسألة 60):الوصيّة جائزة من طرف الموصي(1)، فله أن يرجع عنها ما دام فيه الروح ، و تبديلها من أصلها ، أو من بعض جهاتها و كيفيّاتها و متعلّقاتها ، فله تبديل الموصى به كلاًّ أو بعضاً ، و تغيير الوصيّ و الموصى له و غير ذلك ، و لو رجع عن بعض الجهات يبقى غيرها بحاله.فلو أوصى بصرف ثلثه في مصارف مخصوصة و جعل الوصاية لزيد ، ثمّ بعد ذلك عدل عن وصاية زيد و جعلها لعمرو يبقى أصل الوصيّة بحاله.

الوصيّة جائزة من طرف الموصي

1-لا خلاف في ذلك بين الفقهاء.صرّح به في «التذكرة» و«المسالك»(1)و«الحدائق»(2) و«جامع المقاصد»(3).

قال في «التذكرة»:لا نعلم فيه خلافاً ؛ فيجوز له الاستبدال بالموصى إليه و تخصيص ولايته و تعميمها و إدخال غيره معه و إخراج من كان معه(4).بل ادّعى في «الجواهر»(5)-مضافاً إلى نفي الخلاف-تحقّق الإجماع بقسميه.و قد دلّت على ذلك عدّة نصوص معتبرة بالغة حدّ التواتر ، نكتفي هنا بذكر بعضها:

فمن هذه النصوص صحيح عبيد بن زرارة قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول:

********

(1) -مسالك الأفهام 135:6.

(2) -الحدائق الناضرة 402:22.

(3) -جامع المقاصد 282:11.

(4) -تذكرة الفقهاء 514:2/السطر 34.

(5) -جواهر الكلام 265:28.

ص: 235

«للموصي أن يرجع في وصيّته إن كان في صحّةٍ أو مرضٍ»(1).

و منها:صحيح بريد العجلي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:«لصاحب الوصيّة أن يرجع و يُحدِث في وصيّته ما دام حيّاً»(2).

و منها:صحيح معاوية بن عمّار قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المدبِّر ؟ فقال عليه السلام:«هو بمنزلة الوصيّة ، يرجع فيما شاء منها»(3).

و منها:موثّق زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:سألته عن المدبّر أ هو من الثلث ؟ قال عليه السلام:«نعم ، و للموصي أن يرجع في وصيّته ؛ أوصى في صحّةٍ أو مرضٍ»(4).

و منها:صحيح منصور بن حازم قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل قال:إن حدث بي حدثٌ في مرضي هذا فغلامي فلانٌ حرٌّ ؟ فقال أبو عبد اللّه عليه السلام:«يرد من وصيّته ما يشاء و يجيز ما يشاء»(5).

و منها:معتبرة محمّد بن عيسى بن عبيد قال:كتبت إلى علي بن محمّد عليه السلام:

رجل أوصى لك بشيء معلوم من ماله ، و أوصى لأقربائه من قِبل أبيه و امّه ، ثمّ إنّه غيّر الوصيّة فحرم من أعطى و أعطى من منع ، أ يجوز ذلك ؟ فكتب عليه السلام:«هو بالخيار في جميع ذلك ، إلّا أن يأتيه الموت»(6).

********

(1) -وسائل الشيعة 303:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 18 ، الحديث 3.

(2) -وسائل الشيعة 303:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 18 ، الحديث 4.

(3) -وسائل الشيعة 306:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 18 ، الحديث 13.

(4) -وسائل الشيعة 307:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 18 ، الحديث 14.

(5) -وسائل الشيعة 305:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 18 ، الحديث 8.

(6) -وسائل الشيعة 305:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 18 ، الحديث 6.

ص: 236

و كذلك إذا أوصى بصرف ثلثه في مصارف معيّنة على يد زيد ، ثمّ بعد ذلك عدل عن تلك المصارف إلى اخرى تبقى الوصاية على يد زيد بحالها و هكذا.و كما له الرجوع في الوصيّة المتعلّقة بالمال ، كذلك له الرجوع في الوصيّة بالولاية على الأطفال(1).

(مسألة 61):يتحقّق الرجوع عن الوصيّة بالقول ، و هو كلّ لفظ دالّ عليه عرفاً بأيّ لغة كان ، نحو «رجعت عن وصيّتي أو أبطلتها أو عدلت عنها أو نقضتها» و نحوها.و بالفعل ، و هو إمّا بإعدام موضوعها كإتلاف الموصى به ، و كذا نقله إلى الغير بعقد لازم كالبيع ، أو جائز كالهبة مع القبض ، و إمّا بما يعدّ عند العرف رجوعاً و إن بقي الموصى به بحاله و في ملكه ، كما إذا وكّل شخصاً على بيعه(2).

و غير ذلك من النصوص(1) الصريحة في ذلك لا حاجة إلى ذكرها.

1-كلّ ذلك إمّا صرّح به في الصحاح المزبورة ، أو مقتضى ظهورها.

و أمّا عدم الفرق في جواز رجوع الموصي بين الوصيّة بالولاية و بين الوصيّة بالمال ، فقد صرّح به في «القواعد»(2) و«جامع المقاصد»(3) و«الشرائع»(4) و«الجواهر»(5)و«الحدائق»(6) و غير ذلك من الجوامع الفقهية، و هو مقتضى إطلاق النصوص المزبورة.

2-كلّ ذلك ممّا لا خلاف فيه بين الفقهاء ، فراجع المصادر المذكورة آنفاً.

********

(1) -وسائل الشيعة 302:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 18.

(2) -قواعد الأحكام 565:2.

(3) -جامع المقاصد 282:11.

(4) -شرائع الإسلام 190:2.

(5) -جواهر الكلام 265:28.

(6) -الحدائق الناضرة 402:22.

ص: 237

(مسألة 62):الوصيّة بعد ما وقعت تبقى على حالها ، و يعمل بها لو لم يرجع الموصي و إن طالت المدّة(1)، و لو شكّ في الرجوع-و لو للشكّ في كون لفظ أو فعل رجوعاً-يحكم ببقائها و عدم الرجوع.هذا إذا كانت الوصيّة مطلقة ؛ بأن كان مقصود الموصي ، وقوع مضمون الوصيّة و العمل بها بعد موته في أيّ زمان قضى اللّه عليه.

و أمّا لو كانت مقيّدة بموته في سفر كذا ، أو عن مرض كذا ، و لم يتّفق موته في ذلك السفر أو عن ذلك المرض ،بطلت تلك الوصيّة(2)،

و الوجه فيه:هو الأخذ بظاهر القول و الفعل ؛ فإذا كان عرفاً ظاهراً في الرجوع يؤخذ به و يحكم ببطلان الوصيّة.

1-لوضوح عدم كون طول المدّة مبطلاً للوصيّة ؛ فما دام لم يرجع الموصي يجب العمل بالوصيّة و يحرم تبديلها و تغييرها على الوصيّ ؛ لصريح قوله تعالى:

«فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ» (1) .و لما دلّ من النصوص على ذلك ، و هذا لا كلام فيه.

و أمّا لو شكّ في رجوع الموصي-لأيّ سبب كان-فمقتضى الاستصحاب عدم تحقّق الرجوع منه.

2-أمّا لو كانت الوصيّة مطلقة:فوجه وجوب العمل بها مطلقاً ما دام لم يرجع الموصي فواضح ، كما بيّناه.

و أمّا لو كانت مقيّدة بسفرٍ أو مرضٍ:فلمّا كان ظاهره اختصاص وصيّته هذا بصورة خاصّة-و هي ما إذا مات في السفر أو المرض المعيّن المشار إليه بلفظه-

********

(1) -البقرة (2):181.

ص: 238

و لو أوصى في جناح سفر أو في حال مرض و نحوهما ، و قامت قرائن-حاليّة أو مقاليّة-على عدم الإطلاق ؛ و أنّ نظره مقصور على موته في هذه الأحوال ، لا يجوز العمل بها ، و إلّا فالأقرب الأخذ بها و العمل عليها و لو مع طول المدّة إلّا إذا نسخها ، سيّما إذا ظهر من حاله أنّ عدم الإيصاء الجديد لأجل الاعتماد على الوصيّة السابقة(1)، كما إذا شوهد منه المحافظة على ورقة الوصيّة مثلاً.

(مسألة 63):لا تثبت الوصيّة بالولاية-سواء كانت على المال أو على الأطفال -إلّا بشهادة عدلين من الرجال ، و لا تقبل فيها شهادة النساء لا منفردات و لا منضمّات بالرجال(2).

فلا يشمل ما إذا اتّفق موته في غير الصورة التي عيّنها و علّق عليها الوصيّة.

و بعبارة اخرى:تكون وصيّته معلّقة على موته الحاصل بسبب خاصّ لا بمطلق السبب ؛ فلذا لا وصيّة له لغير السفر أو المرض المعيّن في كلامه.

أمّا وصيّته المعلّقة على موته الواقع في ذلك السفر أو المرض فتبطل بانتفاء شرطها ،بل بانتفاء موضوعها في الحقيقة.

1-كلّ ذلك للأخذ بظاهر الحال أو المقال.و إنّ مقتضى الأصل في أمثال المقام هو وجوب العمل بالوصيّة ما دام لم يصدر منه ما كان ظاهراً في تقييد الوصيّة و اختصاصها بزمان أو حال خاصّ.

ما يثبت به الوصاية و الوصيّة

ما يثبت به الوصاية و الوصيّة

2-لا خلاف في ثبوت الوصيّة بالولاية مطلقاً-سواءٌ كانت الولاية على المال أو على الأطفال-بشهادة رجلين مسلمين عدلين ، كما لا خلاف في

ص: 239

عدم ثبوتها بشهادة النساء منفردات.

و إنّما الخلاف في أمرين:

أحدهما:في شهادة النساء منضمّات ، كما نسب في «الحدائق»(1) إلى الشيخ في «المبسوط» أنّه قوّى ثبوت الوصيّة بالولاية بشهادة المرأتين مع الرجل ، و نقل عن ابن الجنيد.

و لا يخفى:أنّ المقصود من الوصيّة بالولاية هو جعل الوصيّ و القيّم.

و في «جامع المقاصد» نفي الخلاف في عدم ثبوت الوصيّة بالولاية بشهادة النساء مطلقاً ؛ منفردات أو منضمّات(2).

و لكن ناقش في «الجواهر» أوّلاً:بأنّ ضابط قبول شهادة النساء منضمّات كون المشهود عليه مالاً لا ولاية ، و أنّ الوصيّة بالولاية أيضاً قد تتضمّن المال ، كما إذا أراد الوصيّ أخذ الاُجرة و الأكل بالمعروف.

و ثانياً:بأنّ الولاية و إن لم تكن بنفسها مالاً ، إلّا أنّها تتعلّق بالمال ، كبيع التركة و إجارتها و إعارتها و نحو ذلك من التصرّفات.

و لذلك يتّجه القول بقبول شهادة النساء في الوصيّة بالولاية.

و ثالثاً:بعموم ما دلّ على قبول خبر العدل الشامل للذكر و الاُنثى ، و لو بقاعدة الاشتراك.

اللهمّ إلّا أن يقوم إجماع هنا بالخصوص على عدم ثبوت ذلك بشهادتهنّ منفردات و منضمّات.

ثمّ إنّه قدس سره لم يستبعد تحقّق هذا الإجماع في المقام ؛ مؤيّداً بعدم العثور

********

(1) -الحدائق الناضرة 503:22.

(2) -جامع المقاصد 310:11.

ص: 240

على وجود المخالف.و بظهور تقرير الفقهاء هذه المسألة في اتّفاقهم على ذلك(1).

و مقتضى التحقيق في المقام:عدم قبول شهادة النساء في المقام ؛ لانصراف ما دلّ على خبر العدل و اعتبار البيّنة عن شهادة النساء و ظهوره في خبر الرجل العدل.

و أمّا قاعدة الاشتراك لا تكفي لإثبات العموم في مثل المقام الذي ليس من قبيل التكليف على العباد ،بل من قبيل جعل الحجّية و الاعتبار المتوقّف ثبوته على قيام الدليل المعتبر المفقود في المقام.

بل ظاهر قوله تعالى:«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ...» (2) ينفي اعتبار شهادة النساء في الوصيّة.

و عليه:فمقتضى الأصل عدم اعتبار شهادتهنّ في الوصايا ، إلّا ما خرج بالدليل.

و أمّا قوله تعالى:«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلّهِ» ، و في آخر:«شُهَداءَ بِالْقِسْطِ» (3)، فليس في مقام بيان شرائط الشاهد ، بل بصدد التكليف بأصل القيام بالقسط و الشهادة بها ، و لم يرد أمر آخر بها ، فلا إطلاق للآيتين ، و إلّا لتشملان شهادة الفاسق و النساء المنفردات ؛ حتّى في الوصيّة بالولاية.

أمّا شهادة أهل الذمّة:فمع وجود عدول المسلمين لا كلام في عدم اعتبارها.

********

(1) -جواهر الكلام 354:28.

(2) -المائدة (5):106.

(3) -المائدة (5):135 و8.

ص: 241

و أمّا مع عدم فقد تردّد في «القواعد»(1).

و وجّه الترديد في «جامع المقاصد»بقوله:و هل تثبت بشهادة عدول أهل الذمّة مع عدم المسلمين ؟ فيه نظر ، ينشأ من أنّ الوصيّة المتضمّنة لنقل الملك تثبت بشهادتهم ، فالوصيّة بالولاية-التي هي عبارة عن سلطنة التصرّف-أولى ؛ لأنّها أحقّ من نقل الملك ، و لأنّ ظاهر الآية(2) لا يأبى ذلك ، و من أنّ قبول شهادة الكافر على خلاف الأصل ؛ لأنّه فاسق ؛ فيجب التثبّت عند خبره.و لا يجوز الركون إليه ؛ لأنّه ظالم ، و قبول الشهادة ركونٌ.و الأقرب عند المصنّف عدم القبول ؛ لضعف دليله ؛ فإنّ الأولوية ممنوعة ، و النصّ إنّما نزل على الشهادة بالمال ، فلا يتجاوز به ذلك ، و هذا هو المختار(3).

و أضاف في «الجواهر»:بأنّ قبول شهادة غير المسلم العدل ، خلاف مقتضى الضوابط الشرعية ، و لا بدّ في مخالفتها من الاقتصار على المتيقّن من إطلاق ما يتوهّم إطلاقه من النصوص ، مع عدم إطلاق في البين تطمئنّ به النفس(4).

و التحقيق:اختصاص اعتبار شهادة الذمّي في خصوص الوصيّة بالمال ؛ لقصور الآية و الرواية الدالّة على قبول شهادته عن شمولهما للوصيّة بالولاية ، كما سيتّضح وجه ذلك في خلال البحث.

فحاصل الكلام:أنّ الوصاية بالولاية تثبت بشهادة مسلمين عدلين من الرجال ، و لا تقبل فيها شهادة النساء ، و لا غير المسلم مطلقاً ؛ حتّى الذمّي.

********

(1) -قواعد الأحكام 568:2-569.

(2) -و هي قوله تعالى:«أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ...» المائدة (5):106.

(3) -جامع المقاصد 310:11.

(4) -جواهر الكلام 355:28.

ص: 242

و أمّا الوصيّة بالمال فهي كسائر الدعاوي الماليّة ؛ تثبت بشهادة رجلين عدلين ، و شاهد و يمين ، و شهادة رجل عدل و امرأتين عادلتين.و تمتاز من بين الدعاوي الماليّة بأمرين:أحدهما:أنّها تثبت بشهادة النساء منفردات و إن لم تكمل أربع و لم تنضمّ اليمين ؛ فتثبت ربعها بواحدة عادلة ، و نصفها باثنتين ، و ثلاثة أرباعها بثلاث ، و تمامها بأربع(1).

1-كلّ ما سبق كان في الوصيّة بالولاية.و أمّا الوصيّة بالمال فلا كلام في أنّها -كسائر الدعاوي المالية-تثبت بشهادة رجلين عدلين ، و شاهد و يمين ، و شهادة رجل و امرأتين.

و إنّما الكلام فيما تمتاز به الوصيّة بالمال عن سائر الدعاوي المالية ، و ذلك أمران:

أحدهما:ثبوتها بشهادة النساء منفردات و إن لم تكمل الأربع و لم تنضمّ اليمين.

و الدليل على ذلك هو النصّ المعتبر الدالّ على ذلك بالصراحة ، و هو صحيح ربعي عن أبي عبد اللّه عليه السلام في شهادة امرأة حضرت رجلاً يوصي ليس معها رجل ، فقال عليه السلام:«يُجاز ربع ما أوصى بحساب شهادتها»(1).

و صحيح محمّد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام:«قضى أمير المؤمنين عليه السلام في وصيّة لم يشهدها إلّا امرأة أن تجوز شهادة المرأة في ربع الوصيّة»(2).

********

(1) -وسائل الشيعة 316:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 22 ، الحديث 1.

(2) -وسائل الشيعة 317:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 22 ، الحديث 3.

ص: 243

و في صحيحة الآخر مثله(1).

و معتبرة أبان عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال في وصيّة لم يشهدها إلّا امرأة ، فأجاز شهادتها في الربع من الوصيّة بحساب شهادتها(2).

و أمّا ما دلّ على عدم جواز شهادة النساء في الوصيّة إلّا أن يكون رجلاً و امرأتان ، مثل مكاتبة أحمد بن هلال إلى أبي الحسن عليه السلام:امرأة شهدت على وصيّة رجل لم يشهدها غيرها و في الورثة من يصدّقها و منهم من يتّهمها ؟ فكتب:«لا ، إلّا أن يكون رجل و امرأتان ، و ليس بواجب أن تنفذ شهادتها»(3).

و ما دلّ على حصر جواز شهادتها في المنفوس و العذرة ، مثل صحيح عبد الرحمن قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المرأة يحضرها الموت و ليس عندها إلّا امرأة ، تجوز شهادتها ؟ قال:«تجوز شهادة النساء في العذرة و المنفوس»، و قال:

«تجوز شهادة النساء في الحدود مع الرجل»(4).

و صحيح عبد اللّه بن سنان قال:سألته عن امرأة حضرها الموت و ليس عندها إلّا امرأة ، أ تجوز شهادتها ؟ فقال عليه السلام:«لا تجوز شهادتها إلّا في المنفوس و العذرة»(5).

فيحتمل في الجميع صدورها على وجه التقيّة ، كما يحتمل الاستفهام الإنكاري في صحيح عبد اللّه بن سنان ، و يحتمل في صحيح عبد الرحمن عدم جواز

********

(1) -وسائل الشيعة 317:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 22 ، الحديث 4.

(2) -وسائل الشيعة 317:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 22 ، الحديث 2.

(3) -وسائل الشيعة 319:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 22 ، الحديث 8.

(4) -وسائل الشيعة 318:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 22 ، الحديث 6.

(5) -وسائل الشيعة 318:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 22 ، الحديث 7.

ص: 244

شهادتها في جميع الوصيّة دون ربعها ، و غير ذلك من المحامل و التوجيهات الوجيهة التي احتملها الشيخ و صاحب «الوسائل» و«الجواهر» و غيرهم.مضافاً إلى ضعف أحمد بن هلال.

و على أيّ حال:فلا مناص من القول بجواز شهادة النساء منفردات في الشهادة على الوصيّة بالمال.

فإذا جازت شهادة المرأة الواحدة في ربع الوصيّة تجوز شهادة المرأتان في نصفهما و ثلاث نساء في ثلاثة أرباعها و أربع في جميعها ؛ و ذلك لظهور قوله:«يجاز ربع ما أوصى بحساب شهادتها» في ذلك بالملازمة العرفية ،بل العقلية.

و أمّا وجه دلالة هذه النصوص على جواز شهادة النساء منفردات في خصوص الوصيّة بالمال هو:أنّ الذي يتبعّض بالربع هو الوصيّة بالمال دون الوصيّة بالولاية.

و أمّا وجه استفادة شهادة النساء منضمّات بالرجال في الوصيّة بالمال ، فهو بالفحوى ، كما هو واضح.

و أمّا جواز شهادة النساء بالولاية-منضمّات أو منفردات-فلا يستفاد من هذه النصوص و لا دليل آخر يدلّ على جواز شهادة النساء في مطلق الوصيّة ، بل دلّ بعض النصوص المعتبرة على عدم جوازها ، مثل صحيح عبد الرحمن(1)المذكورة آنفاً.

********

(1) -وسائل الشيعة 318:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 22 ، الحديث 6.

ص: 245

ثانيهما:أنّها تثبت بشهادة رجلين ذمّيين عدلين-في دينهما-عند الضرورة و عدم عدول المسلمين ، و لا تقبل شهادة غير أهل الذمّة من الكفّار(1).

1-ثانيهما:ثبوت الوصيّة بالمال بشهادة رجلين ذمّيين عدلين في دينهما عند الضرورة أو عدم عدول المسلمين.و لا خلاف بين الفقهاء في ذلك.

و ذلك بدليل الكتاب و السنّة:

أمّا الكتاب فقوله تعالى:«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ...» (1).

فإنّ قوله تعالى:«أوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ» أي:عدلان من غير ملّتكم و دينكم.

و اتّفق الفقهاء في تفسير أنّ المراد أهل الذمّة ، و دلّت عليه النصوص المفسّرة.

و من السنّة عدّة نصوص معتبرة:

منها:صحيح حمزة بن حمران عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:سألته عن قول اللّه -عزّ و جلّ «ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ» قال:فقال عليه السلام:«اللّذان منكم مسلمان ، و اللّذان من غيركم من أهل الكتاب»، فقال عليه السلام:«إذا مات الرجل المسلم بأرض غربة فطلب رجلين مسلمين يشهدهما على وصيّته ، فلم يجد مسلمين ، فليشهد على وصيّته رجلين ذمّيين من أهل الكتاب مرضيين عند أصحابهما»(2).

منها:صحيح هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قوله-عزّ و جلّ-«أَوْ

********

(1) -المائدة (5):106.

(2) -وسائل الشيعة 312:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 20 ، الحديث 7.

ص: 246

آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ» ، قال عليه السلام:«إذا كان الرجل في بلد ليس فيه مسلم جازت شهادة من ليس بمسلم على الوصيّة»(1).

و مثله صحيح هشام بن حكم عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قول اللّه-عزّ و جلّ- «أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ» ، قال:«إذا كان الرجل في أرض غربة لا يوجد فيها مسلم جازت شهادة من ليس بمسلم على الوصيّة»(2).

منها:موثّق سماعة قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن شهادة أهل الذمّة ؟ فقال عليه السلام:«لا تجوز إلّا على أهل ملّتهم ، فإن لم يوجد غيرهم جازت شهادتهم على الوصيّة ؛ لأنّه لا يصلح ذهاب حقّ أحد»(3).

و غير ذلك من النصوص المعتبرة الكثيرة البالغة حدّ التظافر(4).

و أمّا شهادة غير أهل الذمّة من الكفّار ، فلا تثبت بها الوصيّة مطلقاً ؛ نظراً إلى الاقتصار فيما خالف القاعدة على المتيقّن من إطلاق النصوص-كصحيح هشام بن سالم و هشام بن حكم و غيرهما-فيُحمل على المقيّدات من النصوص ، مثل صحيح حمزة بن حمران و موثّق سماعة.

و أمّا خبر يحيى بن محمّد(5) ، فلا عامل به من الأصحاب ، كما قال في «الجواهر»(6).

********

(1) -وسائل الشيعة 310:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 20 ، الحديث 4.

(2) -وسائل الشيعة 310:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 20 ، ذيل الحديث 4؛ الكافي 6/398:7.

(3) -وسائل الشيعة 311:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 20 ، الحديث 5.

(4) -راجع:وسائل الشيعة 311:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 20.

(5) -وسائل الشيعة 311:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 20 ، الحديث 6.

(6) -جواهر الكلام 347:28.

ص: 247

(مسألة 64):لو كانت الوَرَثة كباراً ، و أقرّوا كلّهم بالوصيّة بالثلث و ما دونه لوارث أو أجنبيّ ، أو بأن يصرف في مصرف ، تثبت في تمام الموصى به ، و يلزمون بالعمل بها أخذاً بإقرارهم ، و لا يحتاج إلى بيّنة(1).و إن أقرّ بها بعضهم دون بعض ، فإن كان المقرّ اثنين عدلين تثبت أيضاً في التمام ؛ لكونه إقراراً بالنسبة إلى المقرّ و شهادة بالنسبة إلى غيره ، فلا يحتاج إلى بيّنة اخرى ، و إلّا تثبت بالنسبة إلى حصّة المقرّ ، و يحتاج إلى البيّنة في الباقين.نعم لو كان المقرّ عدلاً واحداً ، و كانت الوصية بالمال لشخص أو أشخاص ، كفى ضمّ يمين المقرّ له بإقرار المقرّ في ثبوت التمام ، بل لو كان امرأة واحدة عادلة تثبت في ربع حصّة الباقين على حذو ما تقدّم في المسألة السابقة.و بالجملة:المقرّ من الورثة شاهد بالنسبة إلى حصص الباقين كالأجنبي ، فيثبت به ما يثبت به(2).

حكم إقرار الورثة بالوصية و اختلافهم في ذلك

حكم إقرار الورثة بالوصية و اختلافهم في ذلك

1-و الوجه فيه واضح-كما أشار إليه السيّد الماتن قدس سره-فإنّ إقرار العقلاء على أنفسهم جائز ؛ فإنّ ذلك ممّا استقرّ عليه بناء العقلاء ، و لم يردعهم الشارع ،بل ورد منه ما يدلّ(1) على تقريرهم.هذا مقتضى القاعدة-كما أشار إليه السيّد الماتن-و لا يحتاج إلى دليل خاصّ.

2-فما كان إقراراً على نفسه يؤخذ به ؛ لبناء العقلاء.و ما كان شهادة على غيره يعمل بدليل حجّية البيّنة لو أقرّ به عدلان من الورثة.و أمّا لو أقرّ به

********

(1) -مستدرك الوسائل 31:16 ، كتاب الإقرار ، الباب 2 ، الحديث 1.

ص: 248

عدل واحد منهم ، يعمل بدليل اعتبار شاهد و يمين بعد ضمّ يمين المقرّ له.و كذا لو (مسألة 65):لو أقرّ الوارث بأصل الوصيّة كان كالأجنبي ، فليس له إنكار وصاية من يدّعيها ، و لا يسمع منه كغيره(1).نعم لو كانت الوصيّة متعلّقة بالقصّر ، أو العناوين العامّة كالفقراء ، أو وجوه القرب كالمساجد و المشاهد ، أو الميّت نفسه كاستئجار العبادات و الزيارات له و نحو ذلك ،

أقرّت امرأة عادلة منهم يؤخذ بها في ربع المال الموصى به.كلّ ذلك بمقتضى عمومات الشهادة.

و قد دلّ على ذلك أيضاً بالخصوص بعض نصوص وردت في المقام ، كموثّق إسحاق بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام في رجل مات فأقرّ بعض ورثته لرجل بدين ؟ قال عليه السلام:«يلزم ذلك في حصّته»(1).

و ما ورد في حديث آخر عن الصدوق:«إن شهد اثنان من الورثة و كانا عدلين اجيز ذلك على الورثة ، و إن لم يكونا عدلين الزما ذلك في حصّتهما»(2).

حكم ما لو أنكر الوارث الوصيّة بعد إقراره

1-و ذلك بمقتضى دليل اعتبار الإقرار ، فإنّ مقتضى اعتبار إقرار العاقل على نفسه و أخذه بذلك الإقرار عدم سماع إنكاره لما أقرّه.فالوارث بعد إقراره بأصل الوصيّة يصير كالأجنبيّ من جهة عدم استحقاقه لإنكار الوصاية.نعم كان له حقّ إنكار الوصيّة قبل إقراره بها ، و أمّا بعد ذلك فلا حقّ له.

********

(1) -وسائل الشيعة 324:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 26 ، الحديث 3.

(2) -وسائل الشيعة 326:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 26 ، الحديث 7.

ص: 249

كان لكلّ من يعلم كذب مدّعي الوصاية-خصوصاً إذا رأى منه الخيانة-الإنكار عليه و الترافع معه عند الحاكم من باب الحسبة(1).لكن الوارث و الأجنبي في ذلك سيّان إلّا فيما تعلّقت باُمور الميّت ، فإنّه لا يبعد أولويّة الوارث من غيره ، و اختصاص حقّ الدعوى به مقدّماً على غيره.

1-و هي امورٌ يقطع بعدم رضا الشارع بتعطيله و تركه بأيّ وجه ، و يُعلم رضاه بالقيام بها على النحو المشروع من أيّ أحدٍ.

و يُستدلّ لذلك ببعض العمومات ، مثل:«وَ الْمُؤْمِنُونَ وَ الْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ» (1)،بناءً على إرادة السلطنة لا المودّة.فدلّ على جعل الولاية للمؤمنين بالنسبة إلى أنفسهم في سبيل الأمر بالمعروف و إقامته.

و قوله:«ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ» (2)، و لا ريب في كون القيام بالمعروف من أظهر مصاديق الإحسان ؛ فيدلّ بالملازمة على ولاية المؤمنين على الإحسان إلى إخوانهم ، و لو انجرّ إلى التصرّف في أموالهم ، كما في المقام.

و ما ورد في النصوص:«اللّه في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه»(3).

و قوله عليه السلام:«كلّ معروف صدقة»(4)؛ نظراً إلى دلالتهما بالإطلاق على رضا الشارع بالقيام بكلّ معروف من أيّ عبد مؤمن ، و من الواضح:أنّه لا فرق في ذلك

********

(1) -التوبة (9):71.

(2) -التوبة (9):91.

(3) -مستدرك الوسائل 429:12 ، كتاب الأمر بالمعروف ، أبواب فعل المعروف ، الباب 34 ، الحديث 10.

(4) -وسائل الشيعة 286:16 ، كتاب الأمر و النهي ، أبواب فعل المعروف ، الباب 1 ، الحديث 5.

ص: 250

(مسألة 66):قد مرّ في كتاب الحجر:أنّ الوصيّة نافذة في الثلث ، و في الزائد يتوقّف على إمضاء الوارث(1)، و المنجّزات نافذة في الأصل حتّى من المريض في مرض موته ، و حتّى المجّانيّة و المحاباتيّة على الأقوى(2).

بين الوارث و غيره إلّا فيما تعلّق باُمور الميّت ؛ فإنّ أولويته من غيره في هذه الاُمور ثابت في ارتكاز المتشرّعة و مستفادة من النصوص المربوطة باُمور الميّت في موارد مختلفة ؛ فإنّ الورثة أقرباء الميّت و اولوا أرحامه ، فهم أولى به من غيره في تجهيزه و سائر شئونه.

أمّا الفرق بين القصر و العناوين العامّة و ما يرجع إلى الميّت نفسه و بين غير ذلك ممّا إذا تعلّقت الوصيّة بالموصى له العاقل في سماع إنكار من يعلم كذب مدّعي الوصاية في الأوّل دون الثاني.

فلعلّ الوجه فيه:أنّ الموصى له العاقل البالغ متمكِّن من الدفاع عن نفسه بردّ دعوى من يعلم كذبه ، دون القُصّر و الميّت و الجهات العامّة.

في منجّزات المريض

1-قد سبق وجه ذلك مفصّلاً في المسألة الثالثة و العشرين ، فراجع.

2-إنّ محلّ الكلام-كما صرّح في «الشرائع»(1) و«الجواهر»(2) و غيرهما-هو المرض المخوف الذي لا يؤمَن معه من الموت غالباً.و تشخيص ذلك موكول إلى خوف شخص المريض و إلى أهل الخبرة و التخصّص من الأطبّاء ، كما لا كلام في

********

(1) -شرائع الإسلام 207:2.

(2) -جواهر الكلام 465:28.

ص: 251

اللزوم و الإخراج من الأصل إذا برئ من ذلك المرض.

و إنّما الخلاف فيما إذا مات بذلك المرض.و عليه:فمحلّ الكلام في المرض المخوف المنجرّ إلى الموت.

و لكن صرّح في «القواعد»(1)بعدم اعتبار خوف الموت ، و أنّ محلّ الكلام في كلّ مرض اتّفق معه الموت ؛ سواء كان مخوفاً أم لا.

و على أيّ حال:إنّ المراد بمنجّزات المريض هي تصرّفاته التي لم تُعلَّق على موته ؛ من بيع و شراء وهبة و نحو ذلك.

ثمّ لا يخفى:أنّ عمدة الكلام و الخلاف في التصرّفات التبرّعية.

و أمّا المعاوضية فأمرها سهل ؛ إذ لا يذهب المال حينئذٍ من كيس المريض بلا عوض.

و على أيّ حال:فقد وقع الخلاف في أنّ منجّزات المريض في التبرّعيات هل تكون نافذة في أصل تركة الميّت أو في ثلثها ؟

ذهب إلى الأوّل الشيخ في «النهاية»(2) و المفيد في «المقنعة»(3) و ابن البرّاج ، نقل عنه العلّامة في «المختلف»(4) و ابن إدريس في «السرائر»(5) ، و وافقهم صاحب «الحدائق»(6).و المحدّث الشيخ الحرّ العاملي و الفقيه السبزواري.

********

(1) -قواعد الأحكام 529:2.

(2) -النهاية:620.

(3) -المقنعة:671.

(4) -مختلف الشيعة 369:6.

(5) -السرائر 200:3.

(6) -الحدائق الناضرة 599:22.

ص: 252

و إلى الثاني الشيخ في «المبسوط»(1) و الصدوق في «المقنع»(2) و ابن الجنيد نقل عنه العلّامة في «المختلف»(3) و«جامع المقاصد»(4).

و في «الحدائق»:أنّه المشهور بين المتأخّرين.و اختاره العلّامة في «القواعد»(5) و المحقّق الثاني في «جامع المقاصد»(6).

و قد اختار السيّد الماتن القول الأوّل ، و هو الأقوى.و عمدة الوجه في ذلك هو النصوص الواردة في المقام:

فمنها:موثّق عمّار بن موسى الساباطي أنّه سمع أبا عبد اللّه عليه السلام يقول:

«صاحب المال أحقّ بماله ما دام فيه شيءٌ من الروح ، يضعه حيث شاء»(7).

منها:صحيح أبي شعيب المحاملي عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«الإنسان أحقّ بماله ما دامت الروح في بدنه»(8).

منها:خبر سماعة قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:الرجل يكون له الولد ، أ يصلح أن يجعل ماله لقرابته ؟ قال:«هو ماله يصنع ما شاء به إلى أن يأتيه الموت»(9).

منها:موثّق سماعة عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام:«إنّ لصاحب المال أن

********

(1) -المبسوط 43:4-44.

(2) -المقنع:482.

(3) -مختلف الشيعة 369:6.

(4) -جامع المقاصد 94:11.

(5) -قواعد الأحكام 529:2.

(6) -جامع المقاصد 94:11.

(7) -وسائل الشيعة 297:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 17 ، الحديث 4.

(8) -وسائل الشيعة 299:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 17 ، الحديث 8.

(9) -وسائل الشيعة 296:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 17 ، الحديث 1.

ص: 253

يعمل بماله ما شاء ما دام حيّاً ؛ إن شاء وهبه و إن شاء تصدّق به و إن شاء تركه ، إلى أن يأتيه الموت ، فإن أوصى به فليس له إلّا الثلث»(1)، هذه الرواية موثّقة بطريق الصدوق ؛ نظراً إلى صحّة سنده إلى عبد اللّه بن جبلّة.

منها:موثّق آخر لعمّار الساباطي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:قلت:الميّت أحقّ بماله ما دام فيه الروح يبيّن به ؟ قال عليه السلام:«نعم ، فإن أوصى به فليس له إلّا الثلث»(2).

هذه النصوص لا إشكال في سندها ، و لا في دلالتها على نفوذ جميع منجّزات المريض في ماله ما دام فيه الروح.

و قد فُصّل في الثلاثة الأخيرة منها بين الوصيّة و التصرّفات المنجّزة ؛ فدلّت بالصراحة على عدم جواز الوصيّة فيما زاد عن الثلث ، أمّا التصرّفات المنجّزة فدلّت على جوازها في جميع المال.و هذه المقابلة في هذه النصوص لا تبقى أيّ شكّ في نفوذ منجّزات المريض.

و في قبال ذلك استدلّ في «جامع المقاصد»(3)بعدّة نصوص على عدم نفوذ منجّزات المريض فيما زاد عن الثلث:

مثل صحيح علي بن يقطين قال:سألت أبا الحسن عليه السلام:ما للرجل من ماله عند موته ؟ قال عليه السلام:«الثلث ، و الثلث كثير»(4).

و صحيح يعقوب بن شعيب قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يموت ، ما لَه

********

(1) -وسائل الشيعة 297:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 17 ، الحديث 2.

(2) -وسائل الشيعة 299:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 17 ، الحديث 7.

(3) -جامع المقاصد 94:11.

(4) -وسائل الشيعة 274:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 10 ، الحديث 8.

ص: 254

من ماله ؟ فقال عليه السلام:«له ثلث ماله ، و للمرأة أيضاً»(1).

هاتان الصحيحتان تشملان منجّزات المريض بالإطلاق.

و موثّق علي بن عقبة عن أبي عبد اللّه عليه السلام في رجل حضره الموت فأعتق مملوكاً له ليس له غيره ، فأبى الورثة أن يُجيزوا ذلك ، كيف القضاء فيه ؟ قال عليه السلام:«ما يُعتق منه إلّا ثلثه ، و سائر ذلك الورثة أحقّ بذلك و لهم ما بقي»(2).

و فيه ما لا يخفى ؛ لوضوح حمل الأوّلين على الوصيّة بقرينة موثّقي عمّار و سماعة المذكورين آنفاً.و أمّا موثّق علي بن عقبة فقد يقال:بأنّه لا يمكن حمله على الوصيّة ؛ لظهور «أعتق» في التنجيز ، إلّا أنّه موافق للعامّة ؛ لذهاب أكثر علماء العامّة إلى عدم نفوذ منجّزات المريض فيما زاد عن الثلث ، كما صرّح به في «الحدائق»(3).مضافاً إلى احتمال إرادة الوصيّة بلحاظ الصيغة بمثل قوله:«أعتقت مملوكي بعد موتي» ، أو لأجل تحقّق العتق بعد موت الموصي و تأخّر زمان الإخبار عنه و استناد العتق الواقع إلى الموصي عرفاً ، هذا.

مضافاً إلى عدم صلاحية مثل الخبر الغير الصريح للمقاومة في قبال النصوص الكثيرة الصريحة في المطلوب البالغة حدّ الشهرة الروائية ، التي هي بنفسها من المرجّحات عند التعارض.

فالأقوى:ما سلكه السيّد الماتن قدس سره من نفوذ منجّزات المريض مطلقاً ؛ حتّى في المجّانية و المحاباتية ، و حتّى في مرض الموت الذي قد يُشكّك فيه من جهة عدم استقرار الحياة أو كونه في شرف الموت ؛ و ذلك لإطلاق النصوص المزبورة.

********

(1) -وسائل الشيعة 272:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 10 ، الحديث 2.

(2) -وسائل الشيعة 276:19 ، كتاب الوصايا ، الباب 11 ، الحديث 4.

(3) -الحدائق الناضرة 603:22.

ص: 255

(مسألة 67):لو جمع في مرض الموت بين عطيّة منجّزة و معلّقة على الموت ، فإن وفى الثلث بهما لا إشكال في نفوذهما في تمام ما تعلّقتا به ، و إن لم يفِ بهما يبدأ بالمنجّزة ، فتخرج من الأصل ، و تخرج المعلّقة من ثلث ما بقي مع عدم إذن الورثة(1).

1-قد اتّضح وجه ذلك ممّا سبق آنفاً ؛ لأنّ العطية المنجّزة نافذة في أصل التركة ، فتقدّم و تخرج منه.و أمّا العطية المعلّقة فيترتّب عليها حكم الوصيّة ، و لا بدّ من إخراجه من ثلث التركة.فلو بقي شيء من التركة بعد إخراج العطية المنجّزة يحسب ثلثه ، فإن وفى بالعطية المعلّقة فبها ، و إلّا فبقدر الوفاء و لكنّه فيما إذا لم يكن وصايا اخرى ملكية أو عهدية مالية للميّت ، و إلّا فتقدّم الوصايا مطلقاً ؛ واجباً كان متعلّقها أو مندوباً.

هذا إذا لم يأذن الورثة إخراجها من أصل التركة ، و إلّا فلا إشكال في إخراجها منه.

الحمد للّه ربّ العالمين ،

و الصلاة على محمّد و آله المعصومين.

فرغت من تسويد هذه الرسالة بعون اللّه تعالى و لطفه

في اليوم التاسع و العشرين من شهر رمضان سنة 1418ه.ق

أحقر الطلّاب الخجلان من ساحة ربّه الغفّار ،

علي أكبر السيفي المازندراني

ص: 256

فهرس المحتويات

مقدّمة الناشر5

مقدّمة المؤلّف7

حقوق الزوجين

في الحقوق الواجبة بين الزوجين13

وجوب طاعة الزوج على المرأة في الخروج من البيت13

عدم جواز صلة الوالدين بغير إذن الزوج20

نذر المرأة و يمينها وهبتها و صدقتها25

في حقوق الزوجة على الزوج29

بعض حقوق واجبة اخرى بين الزوجين34

حكم الشرط المخالف للمشروع من جانب الزوج أو الزوجة38

تنقيح أقوال الفقهاء39

رأي الشيخ الطوسي39

كلام الفاضل الهندي40

كلام ميرزا القمي411

ص: 257

كلام المحقّق صاحب الشرائع421

كلام صاحب الجواهر431

كلام المحقّق النائيني451

كلام السيّد الإمام الخميني471

مقتضى التحقيق48

حقّ القسم55

أحكام الصبيّ

علامات البلوغ67

الأوّل:في سنّ بلوغ الذكور سنّ بلوغ75

الثاني:في سنّ بلوغ البنات83

الأحكام العبادية89

إسلام الصبيّ و كفره89

المقام الأوّل:في إسلام الصبيّ 90

المقام الثاني:في ارتداد الصبيّ 93

مشروعية عبادات الصبيّ 95

استحباب إحجاج غير المميّز من الصبيان102

عدم وجوب إحرام الوليّ 104

جواز إحجاج غير الوليّ الشرعي للصبيّ 104

نفقة حجّ الصبيّ 105

حكم ما لو أدرك الصبيُّ المشعر بالغاً106

ص: 258

بلوغ الصبيّ أثناء الحجّ 108

حكم ما إذا حجّ ندباً فانكشف كونه بالغاً108

ميقات الصبيان109

هل يتعلّق الخمس بمال الصبيّ ؟112

زكاة الصبيّ 114

ردُّ سلام الصبيّ 115

غُسل الصبيّ الميّت116

الصلاة على الصبيّ الميّت118

الأحكام المعاملية123

حكم تصرّفات الصبيّ في أنواع المعاملات123

آراء الفقهاء123

تنقيح أدلّة المقام126

التفصيل في معاملات الصبيّ بين اليسير و الخطير138

الكلام في اعتبار الرشد اعتبار الرشد143

بيان الاحتمالات في الآية144

نقد رأي صاحب «الجواهر»147

رأي السيّد الإمام الراحل1 و نقد كلام بعض الأعاظم148

مقتضى التحقيق في المقام152

شرائط المتعاقدين160

حكم ما لو كان الصبيّ بمنزلة الآلة في المعاملة160

وكالة الصبيّ عن غيره166

ص: 259

صحّة توكيل الصبيّ في مجرّد إجراء الصيغة169

هل يجوز كون الصبيّ عاملاً في الجعالة ؟170

حكم إعارة الصبيّ و استعارته172

ايداع الصبيّ و استيداعُه175

عدم جواز وضع اليد على ما أودعه الصبيّ 176

إرسال الوديعة بواسطة الصبيّ 177

استيداع الصبيّ 177

ضمان الصبيّ 179

1-ضمان الصبيّ بالإتلاف179

2-ضمان الصبيّ بالتسبيب184

3-ضمان الصبيّ باليد185

4-ضمان الصبيّ بالغرور186

توكيل الصبيّ و وكالته187

جواز توكيل الصبيّ فيما جازت وصيّته فيه187

هبة الصبيّ 188

قبض الصبيّ لهبة الوليّ 190

قبض الصبيّ لغير هبة الوليّ 191

إقرار الصبيّ 193

دعوى الصبيّ للبلوغ195

حكم وصيّة الصبيّ 197

جعل الصغير وصيّاً203

ص: 260

جواز وصاية الصبيّ منضمّاً إلى البالغ205

نذر الصبيّ و عهده211

يمين الصغير212

ثبوت الشفعة للصغير212

صدقة الصبيّ 216

حكم وقف الصبيّ 217

طلاق الصبيّ 219

حكم اقتراض الصبيّ 224

حكم نكاح الصبيّ 225

إجارة الصبيّ و مضاربته228

حكم إجارة الوليّ الصبيّ مدّة زائدة على زمان بلوغه230

حيازة الصبيّ و تملّكه الجُعل234

ذبح الصبيّ و صيده237

صيد الصبيّ 241

هل يعتبر قول الصبيّ في الإذن بدخول الدار ؟242

خبر الصبيّ 244

شهادة الصبيّ و الصبيّة246

حكم اغتياب الصبيّ 250

استئذان الصبيّ أباه عند الدخول عليه252

استحباب التفريق بين الأطفال في المضاجع255

حكم الصبيّ و الصبيّة ستراً و نظراً256

ص: 261

حكم نظر الرجل إلى الصبيّة و تقبيلها و وضعها في الحجرة260

حكم تستّر المرأة من الصبيّ 263

هل يجب نهي الصبيّ عن المنكر ؟265

حكم سقي الصبيّ المسكر268

تأديب الصّبي و تعزيره270

تأديب الصبيّ و الصبك الصوم و الصلاة274

سرقة الصبيّ سرقة الصبيّ 277

قصاص الصبيّ وديته286

قتل البالغ للصبيّ 289

أولياء الصغار291

ولاية الأب و الجدّ291

ولاية الوصيّ و القيّم295

ولاية الحاكم الشرعي300

عدم ولاية الاُمّ و الجدّ للاُمّ و الأخ و العمّ و الخال303

ولاية عدول المؤمنين308

صلة الرحم و قطيعتها

أهمّية صلة الرحم و منصّتها في الشريعة المقدّسة315

فوائد صلة الرحم و عواقب قطعها316

منشأ قطيعة الرحم319

قطيعة الرحم من الكبائر320

ص: 262

معنى الصلة و القطيعة و الرحم331

الاستدلال على وجوب صلة الرحم و حرمة قطيعتها 339

ينبغي التنبيه على امور:345

حكم صلة الأرحام الكافرين و قطيعتهم347

حكم صلة أهل البِدَع من الرحم357

صلة الأرحام المخالفين و قطيعتهم359

حكم صلة أهل الفسق و المعاصي من الرحم365

حكم صلة قاطع الرحم367

حكم ما لو دار الأمر بين حقّ الرحم و بين سائر الحقوق368

حكم الصلة المالية369

اشتراط فقر القريب في وجوب الإنفاق عليه376

حكم صلة الرحم إذا استلزمت الضرر390

حكم ما لو ترتّبت المعصية على الصلة392

كتاب الوصيّة

تعريف الوصيّة و مبدأ اشتقاقها و أقسامها397

أقسام الوصيّة و تعريف كلّ قسم400

الفرق بين الوصيّة التمليكية و العهدية404

ما يجب على المودّع و الأمين عند ظهور أمارات الموت405

استدلال على تضيّق الواجبات الموسّعة بظهور أمارات الموت407

حكم الدين الحالّ عند ظهور أمارات الموت409

ص: 263

دليل وجوب الوصيّة411

ما تتحقّق به الوصيّة415

هل يجوز الاكتفاء بالكتابة مع القدرة على النطق ؟418

هل يجوز الاكتفاء بالإشارة مع القدرة على النطق ؟421

أركان الوصيّة423

هل يعتبر القبول في الوصيّة التمليكية ؟426

هل يصحّ قبول بعض الوصيّة مع ردّ بعضها ؟439

حكم ما لو مات الموصى له قبل القبول أو الردّ441

وارث الموصى له يتلقّى المال من الموصي451

ما يعتبر في الموصي456

اعتبار عدم كون الموصي قاتل نفسه465

هل يشترط وجود الموصى له حين الوصيّة468

حكم الوصيّة للكافر بأقسامه471

اشتراط كون الموصى به قابلاً للنقل475

اشتراط كون العين الموصى بها ذات منفعة مقصودة محلّلة477

لا تصحّ الوصيّة بمال الغير478

أحكام الوصيّة481

اشتراط عدم كون الوصيّة في الزائد عن الثلث483

الواجب المالي يخرج من أصل المال484

اشتراط كون الوصيّة التمليكية و العهدية التبرّعية بمقدار الثلث487

حكم الوصيّة بالواجب غير المالي489

ص: 264

لا فرق في نفوذ الوصيّة بمقدار الثلث بين تعلّقها بالمعيّن أو المشاع493

يعتبر في تقدير الثلث لحاظ حال موت الموصي500

إجازة الوارث إمضاءٌ للوصيّة505

عدم اعتبار الفورية في إجازة الورثة509

حكم ما يُملك بالموت و بعد الموت510

حكم تعيين الثلث و إطلاقه513

يحسب الثلث بعد الدين و الواجبات المالية515

حكم ما لو أوصى بوصايا متعدّدة من نوع واحد516

حكم ما لو أوصى بوصايا مختلفة بالنوع522

حكم ما لو أوصى بوصايا متضادّة526

حكم ما لو تعلّقت الوصيّة بالكسر المشاع527

حكم ما إذا كان بعض أموال الموصي غائباً529

الوصاية أقسامها و أحكامها533

تعريف الوصاية و حكمها و دليل مشروعيّتها533

شرائط الوصيّ 536

اشتراط العدالة في الوصيّ 540

هل المعتبر وجود الصفات من حين الوصيّة أو الوفاة ؟546

لو طرأ الجنون على الوصيّ بعد موت الموصي555

حكم ردّ الوصيّة من الموصي557

حكم ما لو كان الوصيّ شخصين فصاعداً565

حكم ما لو تشاحّ الوصيان569

ص: 265

لو ظهرت خيانة الوصيّ 576

هل يجوز للوصي الإيصاء إلى غيره ؟579

الوصيّ أمين لا يضمن إلّا مع التعدّي582

حكم عزل الوصيّ نفسه و توكيله الغير587

حكم ما لو نسي الوصيّ مصرف الوصيّة589

حكم من لا وصيّ له أو بطل وصاية وصيّه594

حكم جعل الناظر على الوصيّ 600

جعل القيّم على الصغار602

حكم تولية القيّم605

حكم أخذ الاُجرة للقيّم و الوصيّ 610

الوصيّة جائزة من طرف الموصي619

ما يثبت به الوصاية و الوصيّة623

حكم إقرار الورثة بالوصية و اختلافهم في ذلك632

حكم ما لو أنكر الوارث الوصيّة بعد إقراره633

في منجّزات المريض635

ص: 266

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.