المادة و الطاقة

اشارة

نام کتاب: المادة و الطاقة
نویسنده: خالد فائق العبیدی
موضوع: اعجاز علمی
تاریخ وفات مؤلف: معاصر
زبان: عربی
تعداد جلد: 1
ناشر: دارالکتب العلمیة
مکان چاپ: بیروت
سال چاپ: 1426 / 2005
نوبت چاپ: اوّل‌

الفصل الأول المادة- الطاقة المادة و الطاقة علمیا

اشارة

الإنسان دائم التفکیر فی طبیعة المادة، و لقد تطور الفکر الإنسانی فی تفکره هذا عبر مراحل التأریخ المختلفة و وضع النظریات الفلسفیة و العلمیة المختلفة لتفسیر ما حوله من أشیاء محسوسة و هی المواد التی یستخدمها و یراها فی حیاته ..
المادة فلسفیا هی مفهوم ضبابی غیر محدد المعالم، و لغویا یقصد بها الشی‌ء الممتد القابل للانقسام و الذی له ثقل. و یمکنها أن تأخذ أی شکل هندسی و حالاتها هی الصلبة و السائلة و الغازیة و البلازما و الاضطرابیة و حدیثا عرفت مادة الظلام الکونی. و المادة هی سبب إحساساتنا، و هی علی ما هی قبل أن نخلق .. و علمیا النظریات عنها کثیرة، فعند الأقدمین عرفت علی أنها مجموعة دقائق صغیرة جدا تتمتع بالحرکة، و عند أرسطو هی نوع من الجوهر لا یمکن عزلها أبدا أو الإمساک بها کما أنه لا یمکن إدراکها مطلقا و کل ما نراه هو مادة اتخذت شکلا بعد ترکیبها من ذرات. و هذه الذرات هی الخامات الأولی التی ترکب منها المادة منذ الأزل «1».

الذرات:

الذرة هی أصغر دقائق العنصر الکیمیائی التی تستطیع أن توجد لوحدها محافظة علی جمیع الخواص الکیمیاویة للعنصر بحیث لو أننا جمعنا ملیون ذرة علی خط واحد فلن یتعدی طوله عقلة الإصبع و أن نقطة واحدة من قلم الرصاص علی قطعة الورق تحوی ذرات أکثر عددا من عدد البشر علی الأرض، و أن عدد الذرات المکونة لغرامین فقط من غاز الهیدروجین یساوی عدد حبات الرمل الموجودة فی کیلومتر مکعب من الأرض. عند اتحاد هذه الذرات مع بعضها تکون الجزئیات إذ ترتبط بعضها مع بعض بواسطة أواصر قویة مختلفة الأنواع، و قد تم لحد الآن مشاهدة الجزیئة باستخدام المجهر الآیونی الذی یکبر لحده 5 ملیون مرة.
و أما الذرة فقد کانت رؤیتها لحد وقت قریب حلما یراود العلماء، فاستمرت البحوث
______________________________
(1) د. مخلص الریس، د. علی موسی، (الکون و الحیاة من العدم حتی ظهور الإنسان)، ص 13، بتصرف.
المادة و الطاقة، ص: 6
المضنیة طیلة عشرات السنوات حتی اختراع المجهر الإلکترونی و الأیونی و من ثم مجهر المسح السطحی الذی أتاح اختراعه اقتحام ما یعرف بالفضاء المجهری أو النانومتری (نسبة للنانومتر و هو جزء من الملیون من المتر)، إذ یتکون هذا المجهر من إبرة نانومتریة تسلط إشعاعا علی حزم الذرات لیتحسسها و من ثم یعرضها علی شاشة خاصة. و قد تمکن العلماء الیابانیون من رؤیة و تصویر ذرات الذهب و الکالسیوم و الکبریت، بل و حتی تصویر لذرات تتحد لتشکل جزیئة. بل و تعدی الأمر إلی تمکن العلماء من التحکم بهذه الذرات و اصطیادها لکتابة حروف باستخدامها کما حصل مع کتابة حروف شرکة (IBM( المعروفة، کما و اکتشفوا أن هذه الذرات المعروضة علی الشاشة تتأثر بتصفیق الید للجالس أمام الکومبیوتر، فقالوا أن التناغم بیننا و بین کل ذرات الکون شی‌ء یدفع للعجب. و العجیب فی الأمر أن العلماء عند ما شخصوا الذرة عند رؤیتها للمرة الأولی وجدوها بشکل عناقید سموها العناقید الذریة، و هی تشبه بل تتطابق مع شکل العناقید المجریة فی الکون عند رؤیتها بالمرقاب، و هذا هو طابع التوحید فی الخلق الدال علی وحدته و جلال خالقه الواحد الأحد .. و یبدو أن التقنیات الحدیثة کتقنیة النانو ستحول مفاهیمنا الحالیة للاستفادة من التطبیقات الذریة إلی واقع ملموس مستقبلا خصوصا بعد تمکن العلماء من الاستفادة من هذه التقنیات بشکل کامل، و عموما فإننا نحس بوجود هذه الذرات من تأثیرها فی أجسامنا و ما حولنا من بیئة و کون دون الحاجة لرؤیتها ..
تقسم الذرة إلی نواة فیها النیوکلونات (نیوترونات ذی الشحنة المتعادلة+ بروتونات ذی الشحنة الموجبة)، و أغلفة أو مدارات تدور فیها الإلکترونات ذی الشحنة السالبة و هی المسئولة عن جمیع العملیات الکیمیائیة التی تحدثها الذرة، و تم مؤخرا تقسیم النیوترون إلی کوارکات و من ثم إلی أوتار، و سیظل العلم بتطوره یقسم الذرة حتی یصل إلی الأصل الأول للمادة و هو الطاقة و هو ما لا یختلف علیه اثنین من العلماء. و أدناه اختصار المراحل التأریخیة لمفهوم الذرة:
1. العصر الیونانی: الذرة کرة معتمة صغیرة جدا لا تقبل التجزئة فکلمة (atom( تعنی باللاتینیة الجسم الذی لا ینقسم. و لقد افترض الفلاسفة الإغریق دیمقراطس و لیوسیبوس منذ 300- 400 سنة قبل المیلاد أنه إذا شطر الشی‌ء نصفان، ثم شطر کل منهما شطران آخران، و هکذا مرات و مرات، فإننا سنحصل فی النهایة علی الوحدة البنائیة الأساسیة فی المادة و قد سموها الذرة (atom( أی الجوهر الذی لا یمکن تجزئته إلی أجزاء أصغر. ثم جاء أفلاطون و هو من فلاسفة الإغریق المتأخرین و نسف نظریة توافق الأعداد
المادة و الطاقة، ص: 7
لفیثاغورس و أکد المبدأ القائل بجوهر المادة و لبنتها الأساسیة التی لا تقبل التجزئة.
2. الحضارة الهندیة: ذکر الهنود القدماء بأن للمادة جزءا لا ینقسم و أسموه الجوهر الفرد، رغم اختلاف فرقهم فی تفصیل هذه المسألة.
3. العصر الإسلامی: فی القرن السادس و السابع المیلادیین ذکر علماء المسلمین کالإمام علی بن أبی طالب رضی اللّه عنه و من بعده ابن عطاء و غیره من المتصوفة أن فی داخل الذرة شمسا و کواکب فکان أول تشبیه فی تأریخ البشریة بین النظام الشمسی و النظام الذری، و حاول العدید من علماء المسلمین إثبات الذرة ریاضیا.
4. عام 1803 م: استطاع جون دالتون وضع نظریته الذریة إلا أنه لم یذکر قط أن للذرة وزنا أو حجما أو أیة صفة أخری.
5. عام 1865 م: استطاع العالم لوشمیدت أن یخمن و لو بشکل تقریبی حجم الذرة لأول مرة، أی أنه لحد هذا التأریخ لم یعترف العلم بوجود حجما أو وزنا للذرة.
6. نهایة القرن التاسع عشر المیلادی: استطاع فارادای من اکتشاف الذرات الکهربائیة و قال أنها مصاحبة لذرات العناصر الکیمیائیة، و لیست طلیقة. ثم جاء هیتروف و اکتشف الذرات الکهربیة الطلیقة غیر المرتبطة بذرات المادة العادیة.
و اقترح العالم ستونی اسم الإلکترونات کاسم لهذه الذرات، و اتضح فیما بعد أن الإلکترونات هذه هی جزء من الذرة، وضع مندلیف جدوله الدوری للعناصر «1».
7. بدایة القرن العشرین المیلادی: محاولة العلماء لتفسیر نشوء ظاهرة الألوان السبعة بعد الجو المطیر ثم تحلیل الأضواء الواردة من الشمس و النجوم، ثم اکتشاف أن لکل عنصر مادی خطوط طیفیة ملونة خاصة به تمثل شخصیته، التحلیل الطیفی لمصابیح النیون، ثم اکتشاف الإلکترون عام 1898 م و عام 1903 م من قبل عدة علماء مثل رذرفورد و تومسون. و ملخص نظریة رذرفورد و تومسون أن النواة داخل الذرة تحوی البروتونات الموجبة و النیوترونات المتعادلة و هی مغلفة بقوة نوویة تربطها کهربیا تمنع تناثر هذه الجسمیات، و تدور حول النواة جسمیات ضئیلة الکتلة هی الإلکترونات السالبة فی مدارات و هی مساویة لعدد البروتونات فی النواة و بمجموعهما
______________________________
(1) د. کارم السید غنیم، (الإشارات العلمیة فی القرآن الکریم بین الدراسة و التطبیق)، ص (349- 352) بتصرف.
المادة و الطاقة، ص: 8
تتعادل الذرة کهربیا و تستقر، و معظم حجم الذرة هو فراغ.
8. العقد الثانی و الثالث من القرن العشرین: اکتشف نیلزبور أن الإلکترون لا یدور عشوائیا بل علی مدارات دائریة و لیست حلزونیة و لا یخسر من طاقته شی‌ء أثناء الدوران بل یشع إذا اضطر للهبوط لمدار أقرب للنواة و طاقة الضوء هذه هی التی تحدد طول موجة الضوء الصادر و لونه و نوع خطه الطیفی. و فی العام 1924 م اکتشف لوی دوبری أن للإلکترون و بقیة الدقائق طبیعة غریبة فهو یتمتع بصفة مزدوجة موجبة جسیمیة، و لا یمکن معرفة مکان و سرعة الإلکترون فی آن واحد فهو یرسم غمامة کرویة سالبة الشحنة ذات ثخن و کثافة محددتین حول النواة الموجبة، و هذه الغامة تمتص أی نوع من الطاقة تأتی علیها لتغدو أکبر حجما و أعقد شکلا و أکثر طاقة لتصبح الذرة مثارة، و تسمی متأینة إیجابیا إذا اقتلع منها إلکترون أو أکثر بینما تسمی متأینة سلبیا إذا أضیف لها إلکترون أو أکثر.
الجدول الدوری للعناصر الکیمیائیة أو ما یعرف بجدول مندلیف نسبة إلی العالم الروسی دیمتری مندلیف.
9. بعد هذا التأریخ: تعتبر میکانیک الکم الطاقی (Quantum Mechanics( لماکس بلانک من أشهر منجزات القرن العشرین المیلادی، و هی النظریة التی توضح
المادة و الطاقة، ص: 9
العلاقة بین المادة و الطاقة علی مستوی الدقائق غیر الذریة رغم بعض العیوب التی رافقتها و المتمثلة فی عجزها عن تفسیر سلوک بعض الدقائق دون الذریة ذات الکتلة المتناهیة فی الصغر، و لکن شرویندنکر أضاف تعدیلات ریاضیة مهمة علی النظریة و اقترح القشور أو ما یعرف بالأوربیتالات .. و إلی جانب هذه النظریة المهمة جاءت النظریة النسبیة الخاصة لآینشتاین لتحدث تطورا هائلا فی المفاهیم العلمیة حول الذرة و نواتها و دقائقها فذکرت أن المادة و الطاقة وجهان لعملة واحدة، فکان القانون المهم (الطاقة الکتلة مضروبة بمربع السرعة) و هی تشمل الدقائق الطاقیة و المادیة علی حد سواء و أن سرعة الضوء فی الفراغ تستخدم لحالات الدقائق الطاقیة کالفوتونات، و قد دخلت هذه النظریة حیز التطبیق فی محطات الطاقة النوویة التی تدعی بالمعجلات أو المسرعات (accelerators( حیث یتم تحویل الطاقة إلی دقائق دون ذریة من أجل تحقیق هدف هو الأهم فی الفکر الإنسانی ألا و هو فهم أصل الکون و بناؤه «1» .. بعد هاتین النظریتین أصبح الکلام عن المادة و خامتها الأساسیة و هی الذرة من أنها علاقة تکافؤ بین الإعصارات الأثیریة المکثفة (الأمواج) و الطاقة، أی أن المادة و ذرتها هی طاقة مکثفة بشکل موجی کهرومغناطیسی. و یمکن القول أن المادة هی طاقة مهتزة بأمواج کهرومغناطیسیة مکثفة و متقطعة بشکل لا یقبل التجزئة هی الأوتار و منه تشکلت الکوارکات و التی منها تتشکل البروتونات و النیوترونات «2».
______________________________
(1) د. کارم السید غنیم، (الإشارات العلمیة فی القرآن الکریم بین الدراسة و التطبیق)، ص (349- 352) بتصرف.
(2) د. مخلص الریس، د. علی موسی، (الکون و الحیاة من العدم حتی ظهور الإنسان)، ص 13، بتصرف.
المادة و الطاقة، ص: 10
عمالقة علماء الفیزیاء الذریة الحدیثة علی التوالی: إینشتاین، ماکسویل، فارادای، ماکس بلانک، رذرفورد، شرویدنکر، هایزنبغ، دیراک إذن الذرة هی الجزء الأصغر من المادة التی تحمل صفاتها، و العدد الذری یمثل عدد البروتونات فی نواة الذرة و هو العدد الذی یتراوح بین الأقل و هو واحد فی عنصر الهیدروجین صعودا إلی الأثقل فی حالة ذرة الیورانیوم و هو 92 بروتون. عدد البروتونات فی النواة یجب أن یکون مساو لعدد الإلکترونات فی المدارات أو الأغفلة السبعة حول نواة الذرة غیر المشحونة و ترتیب هذه الإلکترونات یحدد الخصائص الکیمیائیة للذرة، کذلک فإن کمیة الشحنات الموجبة للبروتونات داخل النواة یساوی کمیة الشحنات السالبة للإلکترونات حول النواة و بذلک تکون الشحنة الصافیة للذرة غیر المشحونة یساوی صفرا مما یجعلها متعادلة کهربیا «1».
الذرة عالم کبیر جدا من الفراغ، فلو شبهنا الذرة بالنظام الشمسی و اعتبرنا الشمس نواة هذه المجموعة و الأرض بمثابة أحد الإلکترونات التی تدور حولها «2»، فإن الأرض یجب أن تبتعد عن الشمس 500 مرة ضعف بعدها الحالی المقدر بحوالی 150 ملیون کیلومتر ..
فالذرة قطرها حوالی 10- 8 سم تحوی نواة صغیرة قطرها 10- 13 سم، أی أن النواة لا تشغل سوی 1/ 100000 من حجم الذرة و الباقی کله فراغ، رغم أن معظم الکتلة الذریة تترکز فی النواة. و حتی نتخیل ضخامة الفراغ الموجود فی الذرة فإننا نحتاج إلی 10 15 نواة کی نملأ ذرة واحدة، و إذا کان وزن سنتیمتر مربع واحد من الماء یساوی غراما واحدا، 7 فإننا نحتاج
______________________________
(1) الموسوعة العالمیة، موسوعة انکارتا 2000، الفیزیاء، الذرة و مکوناتها.
(2) أول من أشار لهذه الحقیقة هم علماء المسلمین کالإمام علی رضی اللّه عنه و ابن عطاء.
المادة و الطاقة، ص: 11
إلی ملیار طن من الماء لمل‌ء الفراغات الموجودة بین ذرات هذه الکمیة «1».
النماذج الثلاثة للذرة الذی یوضح باختصار تطور المفهوم البشری للذرة بعد التطورات المذهلة فی علم الفیزیاء الذریة: نموذج رذرفورد (یشبه النظام الشمسی)، نموذج نیلزبور (الحرکة السریعة للألکترونات حول النواة)، و أخیرا نموذج شرویدنکر (القشور أو الأوربیتالات) .. عن موسوعة إنکارتا 2000.
______________________________
(1) د. کارم السید غنیم، (الإشارات العلمیة فی القرآن الکریم بین الدراسة و التطبیق)، ص (350- 351) بتصرف.
المادة و الطاقة، ص: 12
تقسم الذرة إلی نواة فیها النیوکلونات (نیوترونات ذی الشحنة المتعادلة+ بروتونات ذی الشحنة الموجبة)، و أغفلة أو مدارات تدور فیها الإلکترونات ذی الشحنة السالبة و هی المسئولة عن جمیع العملیات الکیمیائیة التی تحدثها الذرة.
و لقد قسم العلماء أنواع الذرات تقسیمات عدیدة منها البسیط کذرة الهیدروجین التی هی أساس لکل الذرات الأخری، و منها المعقد. و هکذا عرفت العناصر بأعداد الإلکترونات التی تدور حول أنویتها و عرف الجدول الدوری للعناصر- جدول مندلیف- و قسمت المواد حسب ترتیب علمی دقیق و هی 92 عنصرا طبیعیا، و تتمة العناصر المکتشفة لحد الآن و هی 118 تعتبر مختبریة. و لقد اتفق العلماء علی أن للذرة (7) أغلفة أو مدارات تدور فیها الغیوم الإلکترونیة باختلاف أعدادها و حسب نوع العنصر.
تتأثر الدقائق الذریة فی نواتها- النیوکلونات و هی البروتونات و النیوترونات، و کذلک فی أغفلتها- الإلکترونات- بالقوی الأربعة الأساسیة التی سببها اللّه تعالی لتحکم الأواصر التی تربط بین مختلف أنواع الدقائق فی الکون و هی:
1. القوی الکهرومغناطیسیة: و التی تتحقق فی الدقائق الحاملة للشحنات الکهربائیة، فهی تسبب الجذب الکهربی للبروتونات الموجبة مع الإلکترونات السالبة و تحملها علی الدوران حول النواة بمدارات دائریة. هذه القوة تجعل أیضا البروتونات المرصوصة فی النواة تتنافر فیما بینها بقوة تعادل 100 مرة قوة الجذب الإلکترونی و لکن هذه القوة تقهر من قبل قوة أخری هی القوة الذریة القویة، و الجسیمات التی یتم تبادلها فی هذا النوع من القوی هو (الفوتونات) أو دقیقة الطاقة. لهذه القوة الدور المهم فی التفاعلات الکیمیائیة، و انتشار الضوء، و حدوث التأثیر المتبادل بین الجزیئات و الجسیمات عدیمة الشحنة.
2. القوة النوویة القویة: و هی القوة التی تربط البروتونات و النیوترونات مع بعض داخل النواة و تمنعها من التبعثر، و کذلک تحکم هذه القوة دقائق الهادرونات، و الجسیمات التی یتم تبادلها فی هذا النوع من القوی هو (المیزونات). و إلی هذه القوة یرجع ثبات بنیة قوی العناصر، فتربط الکوارکات ببعضها لتشکل البروتونات و النیوترونات، و یؤدی تحطیمها إلی تحول جزء من المادة إلی طاقة کما یحدث فی الانفجار الذری فی المفاعلات النوویة. و یتم تشکل الطاقة وفق معادلة إینشتاین الأکثر
المادة و الطاقة، ص: 13
شهرة التی تقول أن الطاقة تساوی الکتلة مضروبة بمربع سرعة الضوء (E m .c 2(.
شکل یوضح محتویات الذرة من نواة تحوی البروتونات و النیوترونات و مدارات الإلکترونات التی تدور حولها
المادة و الطاقة، ص: 14
شکل یوضح الانشطار النووی و الطاقة الهائلة التی تولدها شکل یوضح حالة تکون ذرة الهیدروجین و حالة تفککها لتکون حالات المادة من غاز وسائل و صلب و بلازما (عن أطلس الکون الذری) 3. قوة الجذب: و هی القوة التی تتعلق بکتلة الدقیقة، فکل دقیقة لها کتلة تجذب ما حولها من الدقائق فی الکون بهذه القوة و بالمقابل فإن هذه الدقیقة بدورها تنجذب إلی کل الدقائق التی حولها بنفس القوة، و هذه القوة تقل کلما قلّت الکتلة و تزداد بزیادتها، و الجسیمات التی یتم تبادلها فی هذا النوع من القوی هو (الکرافیتونات) أو دقیقة
المادة و الطاقة، ص: 15
الجاذبیة. و هذه القوة مسئولة عن ما یعرف بالثقالة التی تسقط الأجسام اتجاه مراکز الکتل الفلکیة کالمجرات و النجوم و الکواکب و الکویکبات و غیرها، کما أنها مسئولة عن دوران هذه الأجرام فی أفلاکها.
4. القوة النوویة الضعیفة: و هی القوة الضعیفة غیر الفعالة التی تحدث بین أنواع معینة من الدقائق بضمنها البروتونات و النیوترونات و المسئولة عن تقسیم هذه الدقائق إلی دقائق أصغر و أصغر، و الجسمیات التی یتم تبادلها فی هذا النوع من القوی هو الجسیم الصفرون السالب (-W( و الصفرون الموجب (+W (، و کذلک یعرف بالجسیم واو (-W -( 1¬. و هذه القوة اکتشفها العالم المسلم الدکتور عبد السلام حسین، و نال علیها جائزة نوبل للفیزیاء عام 1979 م. و هذه القوة مسئولة عن دوران إلکترونات الذرة السالبة حول النواة الموجبة، بالضبط کما لقوة الجذب أو الثقالة المسئولیة عن دوران الأجرام حول مراکز أجرام أکبر منها.
شکل یوضح قوة الجاذبیة، القوة المغناطیسیة، القوی النوویة
______________________________
(1) الموسوعة العالمیة، موسوعة انکارتا 2000، الفیزیاء، الذرة و مکوناتها، و انظر کتاب (الإشارات العلمیة فی القرآن الکریم بین الدراسة و التطبیق) تألیف الدکتور کارم السید غنیم، ص 353.
المادة و الطاقة، ص: 16
شکل یوضح تحطم القوة النوویة القویة لیحصل الانشطار النووی و یقع جسم الإنسان وسطا بین عالمین: أما الأول فهو العالم الکبری (Macro( متمثلا بالکواکب و النجوم و المجرات و العناقید المجریة و النجمیة أو الأبراج أی بمعنی
المادة و الطاقة، ص: 17
أوضح الکون نفسه، إذ یقدر قطر الکون المرئی الذی یشکل 5% فقط من الکون الکلی بحوالی (10 27) کیلومتر أی (10 30) متر. و أما العالم الآخر فهو العالم الصغیر (Micro(، و هو عالم الجسیمات الدقیقة کالجسیمات التی تمثل العنصر المعروف بالجسیمات العنصریة مثل الجزیئة و الذرة و ما دونها من الدقائق کالإلکترون و البروتون و النیوترون و الکوارک و الأوتار، إذ من المعروف فإن طول بلانک الذی یمثل أصغر بعد «1» هو (10- 32) سنتیمتر أی (10- 30) متر. و إذا ما اعتبرنا معدل طول البشر بمختلف الأجناس و الأعمار و الأطوار هو (1) متر، فهذا یعنی أن أصغر جسم فی هذا الکون یساوی مقلوب أکبر جسم فیه، و هو الکون نفسه. و أجسامنا البشریة تتوسط هذه المسافة، فنحن نقع بین هذین البعدین «2».
و نتیجة للتطور الموجه لهذه القوی الأربعة تکونت الجزیئات و التراکیب الجزیئیة للعناصر و المواد فی الأجسام الحیة و غیر الحیة، و حدوث التفاعلات البیولوجیة فی الأجسام الحیة. فمن القوی أو الروابط التکافؤیة القویة نسبیا کالقوة الرابطة بین الصودیوم و الکلور فی ملح الطعام، إلی القوة اللاتکافئیة ضعیفة الترابط و المسئولة عن تشکل البنیة ثلاثیة الأبعاد للجزئیات البیولوجیة (الروابط الهیدروجینیة، الکهربیة الساکنة، التساهمیة، المکارهة للماء أو القطبیة، و قوی فان درفالس)، أصبح لدینا بفعل الضرورة لا المصادقة- کما یعتقد البعض خاطئا- حیاة ذکیة، شکل الإنسان ذروتها، فکان بحق خلیفة اللّه علی الأرض. هذه القوی الأربعة کما ذکرنا آنفا، ولدت تدریجیا أثناء تبرد الکون، و کانت قبل الانفجار العظیم قوة واحدة متفردة ذات بنیة غشائیة حویصلیة وتریة لها أحد عشر بعدا. و فی اللحظة صفر من عمر الکون ولد الزمن و ولدت معه القوی الأربعة الحاکمة لنوامیس الکون .. إن القوی الطبیعیة الأربعة هی إرادة اللّه تعالی الباقیة الخالدة مع الزمن، لا یصیبها التبدل و لا التغییر، فهی من أهم سنن و نوامیس اللّه تعالی فی الکون، و قد ولدت مع ولادة الکون، و ستظل معه حتی یرث اللّه
______________________________
(1) إذا أصبحت أبعاد جسم معین أصغر من طول بلانک فإنه یتحول إلی ثقب أسود، یتألف من کمیة محدودة من الطاقة و یبتلع نفسه، و بلانک نسبة إلی العالم ماکس کارل إرنست لودفیغ بلانک، الفیزیائی الشهیر الحائز علی جائزة نوبل للفیزیاء عام 1918 م.
(2) د. هانی رزوقی/ د. خالص جلبی، الإیمان و التقدم العلمی، ص 10- 13، بتصرف.
المادة و الطاقة، ص: 18
تعالی الأرض و السماوات و ما فیهما: سُنَّةَ اللَّهِ فِی الَّذِینَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَ لَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِیلًا (62) (الأحزاب: 62) .. سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِی قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَ لَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِیلًا (23) (الفتح: 23) .. فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِیلًا وَ لَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِیلًا (43) (فاطر: من الآیة 43) «1».
طاقة الفوتونات أکبر من طاقة الجرافیتونات بحوالی 10 29 مرة، و قد دلت الأبحاث التی أجریت فی الولایات المتحدة و بقیة دول العالم للفترة من 1974 و لحد الآن إلی وجود الکرافیتونات، کما و دلت أن الفوتون و الکرافیتون یشکل کل منهما المادة النقیضة لنفسه (anti -particle(.
تؤدی بعض التغیرات الحادثة داخل الذرة إلی انطلاق جزء من الطاقة بشکل جسیمات تسمی الفوتونات (Photons( إلی الخارج. و یعتبر الإشعاع الصادر حسب شدة الطاقة، أما کاما، إکس، فوق البنفسجیة، تحت الحمراء، أو الضوء المعتاد ..
و الفوتونات هذه لا کتلة لها و لا شحنة و سرعتها تعادل سرعة الضوء و هی 300000 کم/ ثانیة «2».

الأضداد و النظائر و الدقائق الأخری‌

منذ العقود الأولی للقرن العشرین المیلادی حاول العلماء کشف دقائق أولیة غیر تلک الموجودة فی الذرة و هی ما عرف بمضادات الدقائق الذریة و المضاد هو دقیقة أولیة لها نفس کتلة الدقیقة الأصلیة و حرکتها اللولبیة، و لکن شحنتها متساویة و متعاکسة و لها عزما مغناطیسیا متساوی و متعاکس بحیث إذا التقی الدقیق بضده تنعدم الشحنتین و تتلاشی الجسیمات و تفنی لتعطی طاقة بشکل فوتونات ضوئیة تعتمد خصائص موجاتها علی کتلة الجسیم و مضاده. تمکن العلماء أن یکتشفوا أن لکل دقیقة مضاداتها کما أثبت ذلک العالم البریطانی دیراک نظریا عام 1927 م و حققه العالم کارل دیفید أندرسون عملیا عام 1932 م فی معهد کالیفورنیا التکنولوجی فی باسادنیا عند ما اکتشف
______________________________
(1) د. هانی رزوقی/ د. خالص جلبی، الإیمان و التقدم العلمی، ص 21- 23، بتصرف.
(2) د. کارم السید غنیم، (الإشارات العلمیة فی القرآن الکریم بین الدراسة و التطبیق)، ص (353) بتصرف.
المادة و الطاقة، ص: 19
مضاد الإلکترون و أسماه (البوزیترون و هو نفس هیئة و ترکیب الإلکترون و لکن بشحنة موجبة). و قال دیراک عند تسلمه جائزة نوبل للفیزیاء (لعل هناک عوالم هی نظیرنا حذو القذة للقذة). و من ثم عرف أن للبروتون أیضا مضاد، و أعلن عن ذلک رسمیا فی جامعة کالیفورنیا الکائنة فی بیرکلی عام 1955 م «1». و هکذا بدأت ملامح صورة العالم الخفی (مضاد المادة) تسعی إلی الظهور تدریجیا، فعرف النیوترینو و مضاداتها (إلکترونی أو میزونی)، بوزوترون، هایبرونات، بالإضافة إلی البروتونات و مضاداتها، النیوترونات و مضاداتها، الإلکترونات و مضاداتها .. کما أن هناک دقائق أخری مثل وحدة الضوء (فوتون)، وحدة الصوت (فونون)، لبتونات، فیرونات «2».
فی الفیزیاء الحدیثة یحاول العلماء فهم کیفیة أن الإلکترون و ضدیده البوزیترون عند تصادم حزمتیهما فإنهما یفنیان و یتحولان إلی انفجار طاقة و یتشکل جراء ذلک أنواع أخری من الدقائق «3».
أما النظائر فهی أشکال مختلفة لذرة واحدة من نفس العنصر الکیمیائی و لها نفس الخصائص الکیمیائیة مع اختلاف الکتل الذریة النسبیة، و بینما یتماثل عدد البروتونات یختلف عدد النیوترونات فی النواة .. یوجد حوالی 250 نظیر مشع، و 50 نظیر مستقر و أکثر من 1000 نظیر مشع صناعیا، و الإشعاعات تکون أما نوع ألفا- غیر مضرة-، بیتا- ضرر نسبی-، أو غاما- الأکثر ضررا .. و من تطبیقات العناصر المشعة مثلا هو نظیر الکربون المشع الذی عن طریقه یعرف عمر الکائنات المنقرضة و المیتة و الصخور و غیرها.
و لأثر الإشعاع تأثیرا ممیتا یسبب أمراضا فتاکة کالسرطان و أمراض أخری مختلفة و هذه هی لعنة الذرة «4» ...
______________________________
(1) د. خالص جلبی و د. هانی رزق، الإیمان و التقدم العلمی، دار الفکر المعاصر، بیروت، بتصرف.
(2) د. أنیس الراوی، (أطلس الکون الذری)، بتصرف.
(3) الموسوعة العالمیة، موسوعة انکارتا 2000، الفیزیاء، الذرة و مکوناتها.
(4) د. أنیس الراوی، (أطلس الکون الذری)، بتصرف.
المادة و الطاقة، ص: 20

أشکال المادة و المادة المضادة

و أخیرا توصل العلماء فی وکالة ناسا الفضائیة الأمریکیة إلی أن الکون لا یتکون من فراغ بل أن هذه الظلمة العظیمة الموجودة فی الکون من حولنا هی ما عرف علمیا بمادة الظلام الأسود (Dark Matter(، و هی لا تتأثر
المادة و الطاقة، ص: 21
بالحرارة بل الأمواج الکهرومغناطیسیة فقط و هی نوعین البارد)Dark Matter Cold (، و الحار)HOT DArk Matter( 1¬.
و مما سبق یتضح لنا کیف أن کوننا الذی نعیش یتکون من أزواج یکمل بعضها البعض، و أنه ما من شی‌ء حولنا إلا و له نظیره و مکمله، و أن الوحدانیة هی للخالق تبارک و تعالی.

الکوارکات:

الکوارکات هی دقائق أساسیة عنصریة تشکل الأساس للجسمیات الأولیة المسماة هادرونز و ینسب إلیها جمیع الجسمیات الکونیة مثل البروتونات و النیوترونات و البایونز من ناحیة الترکیب، و کذا من ناحیة الکتلة و الشحنة و الطاقة. أی إنها الوحدات البدائیة للمادة رغم إنها طاقة، و إذن أصل بناء المادة هو طاقة.
أول اکتشافها النظری کان عام 1963 م من قبل العالمین موری جیل مان من معهد کالیفورنیا التکنلوجی و جورج زوفایک من سویسرا بینما لم تثبت عملیا حتی العام 1977 مرورا إلی العام 1995 م، حیث کانت تعرف ثلاثة فقط هی الکوارک الفوقی و یسمی علمیا (up quark -p -(، و الکوارک التحتی و یسمی علمیا (down quark -n -(، و الغریب و یسمی علمیا (Strange quark -?-( .. ثم بعد ذلک اکتشف الکوارک الرابع من قبل شیلدون جلاشو من جامعة هارفارد عام 1976 م و أطلق علیه اسم الفتنة (charm(، و توصل لیون لیدرمان و مجموعة من الباحثین معه بمعمل فیرمی للکوارک الخامس الذی أسموه الجمال (beauty( و کذلک سمی بالحضیض (bottom(، و فی العام 1984 م توصل العلماء فی مسرّع سیرن فی جنوب سویسرا إلی اکتشاف الکوارک السادس و أسموه القمة (top( و کذلک أسموه الحقیقة (truth( 2¬.
و إذن عدد هذه الدقائق الطاقیة المسماة بالکوارکات ستة فقط لکل منها مضاد و لکل منها له اسم و لون یختلف عن الآخر- لکن لیست إلا لون التی تراها العین البشریة- ثلاثة منها تحمل شحنة موجبة کسریة هی (+ 2/ 3) من شحنة الإلکترون، و ثلاثة لها
______________________________
(1) الموسوعة العالمیة، موسوعة انکارتا 2000، الفیزیاء الفلک.
(2) د. کارم السید غنیم، (الإشارات العلمیة فی القرآن الکریم بین الدراسة و التطبیق)، ص (354- 355) بتصرف، و الموسوعة العالمیة، موسوعة انکارتا 2000، الفیزیاء، الذرة و مکوناتها.
المادة و الطاقة، ص: 22
شحنات سالبة کسریة هی (1/ 3) من شحنة الإلکترون. فالبروتون یتکون من کوارکین موجبین و واحد سالب فتکون شحنته الکلیة تساوی شحنة إلکترون لکنها موجبة، بینما النیوترون یتألف من کوارکین سالبین و واحد موجب کی تکون شحنته صفرا، و هکذا تتشکل جمیع الجسمیات الکونیة مهما کان نوعها أو شحنتها أو کتلتها أو طاقتها «1»، و المعادلات التالیة توضح الأمر «2»:
(بروتون))Qp G Qp( G Qn -proton G Qn )نیوترون))Qn G Qn( G Qp -Neutron (Qp G Qn) G Q ?-?particle

البروتونات:

للبروتون شحنة موجبة قدرها (602، 1* 10- 19) کولومب و هی نفسها للإلکترون و لکنها سالبة، أما النواة فتحوی علی مصدر الشحنة الموجبة و هو البروتون الذی کتلته (Proton rest mass( مساویة إلی (67261، 1* 10- 27 کغم) أی أن البروتون أثقل من الإلکترون ب 1836 مرة «3».
اکتشف البروتون من قبل العالم إرنست رذرفورد عام 1919 م، و بعدها أجریت تجارب عدیدة لسبر أغواره، و فی عام 1950 اکتشف العلماء أن البروتون عبارة عن قشرة غیمیة قطرها الخارجی 10- 13 سم. و قد تکونت البروتونات أصلا بعد واحد من الألف من الثانیة بعد الانفجار الکبیر فی بدایة خلق الکون، خلال هذا الوقت القصیر انخفضت درجة حرارة الکون الأولی لیبدأ تکون الدقائق الطاقیة الکوارکات و التی تجمعت مع بعضها لتکون البروتونات و النیوترونات. و من المحتمل أن تتجزأ البروتونات ثانیة و هذا ما یطلق علیه انحلال البروتونات إلا أن ذلک احتمال قلیل و نادر رغم آلاف التجارب العلمیة التی تجری لتطبیق ذلک مختبریا. و لکن علمیا فإن معدل عمر البروتون هو 10 35
______________________________
(1) الموسوعة العالمیة، موسوعة انکارتا 2000، الفیزیاء، الذرة و مکوناتها.
(2) د. کارم السید غنیم، (الإشارات العلمیة فی القرآن الکریم بین الدراسة و التطبیق).
(3) الموسوعة العالمیة، موسوعة انکارتا 2000، الفیزیاء، الذرة و مکوناتها.
المادة و الطاقة، ص: 23
عام، إلا أن هذا یعارض ما توصل له العلماء من أن عمر الکون هو 15* 10 9 عام فقط، رغم أن کثیر من البروتونات لها عمر یقل عن هذا المعدل بکثیر «1» ... یغلف البروتون داخل النواة سحابة مؤلفة من میزون واحد أو أکثر «2».

النیوترونات:

النیوترونات هی أصغر الدقائق التی تحمل صفة المادة التی تمکن العلماء من الحصول علیها بعد تقسیم المادة. و النیوترون ذی الشحنة المتعادلة هو مرکز الاستقرار و التعادل و له کتلة (Neutron rest mass( مساویة إلی (67492، 1* 10- 27 کغم) أی أثقل من الإلکترون ب 1838 مرة، و لها قطر خارجی قدره 10- 13 سم.
النیوترونات اقترحت من قبل العالم البریطانی إرنست رذرفورد فور اکتشافه للبروتون عام 1919 م، و بعدها فی الأعوام 1930، 1932 قام العلماء الألمان و الفرنسیین و البریطانیین بتجارب عدیدة اکتشفوا من خلالها أن لهذه الدقیقة کتلة تربو قلیلا عن کتلة البروتون و لکن شحنته متعادلة و لذلک سمیت الدقیقة المتعادلة (Neutron(، و علیه فإن النیوترونات هی أثقل دقیقة داخل النواة بل و فی الذرة بأجمعها و تلعب الدور الأکبر فی استقرار النواة.
بواسطة دراسة فیزیاء النیوترون تمکن العلماء من فهم ما یحصل داخل النجوم النیوترونیة، و هی تلک النجوم المکونة أساسا من نیوترونات حیث أن قوة الجذب للنواة لا تقابل بقوة معاکسة فتندمج الإلکترونات مع البروتونات داخل النواة لتبقی النیوترونات منفردة، علما أن السنتیمتر المکعب من هذه النجوم یزن 100 ملیون طن.
کما دراسة هذا العلم مهم فی تصمیم المفاعلات و الأسلحة النوویة «3» ... یغلف النیوترون داخل النواة سحابة مؤلفة من میزون واحد أو أکثر «4».
______________________________
(1) الموسوعة العالمیة، موسوعة انکارتا 2000، الفیزیاء، الذرة و مکوناتها.
(2) د. کارم السید غنیم، (الإشارات العلمیة فی القرآن الکریم بین الدراسة و التطبیق)، ص 353.
(3) الموسوعة العالمیة، موسوعة انکارتا 2000، الفیزیاء، الذرة و مکوناتها.
(4) د. کارم السید غنیم، (الإشارات العلمیة فی القرآن الکریم بین الدراسة و التطبیق)، ص 353.
المادة و الطاقة، ص: 24

الإلکترونات:

هناک من یقول إن الإلکترون عبارة عن کون آخر له ذراته و مجراته، و إن الکون الذی نعیش فیه هو إلکترون ضخم جدا. تعتبر شحنة الإلکترون هی أصغر شحنة موجودة فی هذا الکون و هی مقیاس لکل الشحنات الکهربیة الأخری، و هو یحدد خواص الذرة الکیمیائیة و الفیزیائیة، إذن هو الرابط المطلق لمادة الکون کهربیا و مغناطیسیا مع القوی الأخری کالتجاذب التثاقلی الکتلی بین الأجسام. و کل خواص المواد الحراریة و الضوئیة و الصوتیة و الکهربیة و المغناطیسیة و التألق و القساوة و البنیة البلوریة عمادها هذه الإلکترونات، و کل ما حولک بضمنها أنا و أنت هو عبارة عن إلکترونات، إذ جل حجم الذرة فراغ فی فراغ و کأن المادة مکونة من لا شی‌ء «1» ..
و الإلکترون له کتلة (Electron rest mass( تساوی (10956، 9* 10- 31 کغم)، و لا یستطیع العلماء تحدید مکان الإلکترون بالضبط لسرعته الهائلة و لکن فقط یحددون المنطقة المحتمل وجوده فیها و هو ما یسمی علمیا بمبدإ عدم الانضباط (the uncertainty principle( و هی علی شکل غیمة تسمی الأوربیتال و الذی یحوی اثنین من هذه الإلکترونات یعملان باتجاهین متعاکسین، و هذه الغیوم تتراکب بشکل قشور تشبه لحد کبیر قشور البصل، و کل قشرة تحوی عدد محدد من الغیوم أو الأوربیتالات و هی بالتالی تحوی عددا محددا من الإلکترونات، و کل قشرة تمثل مستوی محدد من الطاقة و هذا یعنی بالضرورة أن إلکترونات القشرة المعینة لها نفس مستوی طاقة قشرتها، و کلما ابتعدت القشرة عن النواة فإنها تحوی عددا أکبر من الإلکترونات و کلما ازدادت طاقته.
______________________________
(1) د. مخلص الریس، د. علی موسی، (الکون و الحیاة من العدم حتی ظهور الإنسان)، ص 13، بتصرف.
المادة و الطاقة، ص: 25

جانب من الذرة

دور الإلکترونات فی الکهرباء

الکهرباء هو جریان الشحنات السالبة التی تسمی بالإلکترونات، و تقاس هذه الشحنات بوحدات تسمی الکولومب. و الکهرباء هو صورة من صور الطاقة ذات الأشکال المتعددة جدا لأن هناک نوعین من الکهرباء: التیار المستمر (DC -Direct( )Current -( و الذی یجری باتجاه واحد فقط، و التیار المتناوب-AC ) )ALternating Current- و الذی یتغیر اتجاهه بشکل مستمر کل ثانیة. و طبیعیا تحدث ظاهرة الکهرباء خلال بعض العواصف علی صورة إضاءة «1»، و هو ما یسمی بالبرق. التسمیة العربیة للکهرباء جاءت من حجر الکهرب الذی یضی‌ء لیلا، أما
______________________________
(1) موسوعة الراصد العلمیة، الکهرباء، قرص مدمج، دورلینک کیندرسلی 95، مؤسسة لالیه 1996.
المادة و الطاقة، ص: 26
التسمیة الإنکلیزیة فجاءت من إلکترون (Electricity( و هو سبب تکون التیار من خلال سرعة سریانه .. أما الإلکترونیک فهو نوع من الفروع الحدیثة فی علم الفیزیاء و یلعب دورا هاما فی حیاتنا المعاصرة، و یرتبط بالخدمات الکهربائیة خاصة فی مجال إنتاج الأمواج التی تحمل المعلومات و السیطرة علی بعض الأجهزة مثل أجهزة الحاسب الإلکترونی. و هذه الأجهزة تشتمل علی دوائر کهربائیة یجری خلالها التیار الکهربائی.
إن الأجزاء التی تقوم بالضبط علی الدوائر الکهربائیة تسمی الأدوات و هی تشمل الدایود و الترانزستر، تقوم هذه الأدوات بعملیة تقویة التیار أو تغییر اتجاهه «1».
الکهربائیة تشیر إلی مجموعة النشاطات التی تسببها الدقائق المشحونة مثل البروتونات و الإلکترونات. فکل دقیقة من هذه الدقائق تکون مجالا کهربیا حول نفسها تجذب أو تنفر من خلاله الدقائق الأخری، و الفرق بکمیة هذا الجذب أو التنافر فی أیة نقطة من هذا المجال یعرف علمیا بالفرق فی الجهد الکهربی (potential difference( و یقاس بالفولت نسبة إلی العالم الذی اکتشفه. البطاریة مثلا تحوی فی طرفیها شحنتین مختلفتین، فالطرف المشحون بشحنات موجبة یجذب إلیه الإلکترونات، بینما ینفرها الطرف السالب، مما یشکل فرقا بین الطرفین یسمی فرق الجهد أو الفولتیة. فإذا ما ربطنا معدنیة ذات توصیل کهربی جید فإن الإلکترونات ستتدفق بسرعة شدیدة بشکل شلال إلکترونی أو تیار من منطقة الجهد العالی- الطرف السالب- إلی منطقة الجهد الواطئ- الطرف الموجب- مسببة ما یعرف بالتیار الکهربائی، و تسمی الدائرة هذه بالدائرة الکهربائیة. و بسبب شدة و سرعة هذا التیار فإن قوته ستکون کبیرة و علیه یجب عزله عن اللمس البشری باستخدام مواد تتمیز بعزلها الکهربی الجید. هذه العوازل یمکن تحویلها إلی موصلات جیدة عن طریق تعریضها إلی مجال کهربی کبیر یستطیع التغلب علی قوة جذب الإلکترون الخارجی للنواة و یسحب الإلکترون من الذرة فینجذب عندئذ نحو الطرف الموجب من الدائرة الکهربائیة، و فی حالة
______________________________
(1) موسوعة الراصد العلمیة، الإلکترونیک، قرص مدمج، دورلینک کیندرسلی 95، مؤسسة لالیه 1996.
المادة و الطاقة، ص: 27
الغازات تنجذب الأیونات الموجبة نحو الطرف السالب، و هذا ما یحدث و یشاهد کتصریف کهربی للضوء کما فی حالة ضوء مصباح النیون «1».

دور الإلکترونات فی الضوء

لکی نفهم حقیقة الضوء و کیف یتکون علینا أن نفهم المادة علی مستوی ذراتها، و حیث أننا عرفنا أن الذرة هی الوحدة البنائیة الأساس فی ترکیب و تشکیل المادة، فإن حرکة الجزء الدقیق التابع لها و المسمی بالإلکترون سیؤدی إلی انبعاث طاقة علی شکل طیف مرئی یسمی الضوء.
عموما هناک (7) قشور للذرة حول نواتها تدور فیها الإلکترونات، و القشرة الأقرب للنواة تکون أقل طاقة. فی هذه القشرة تکون طاقة الإلکترون فی أقل حالاتها فتسمی الحالة الأرضیة للطاقة (ground state of energy(. و عند ما تأتی طاقة خارجیة علی الذرة کأن تکون طاقة حراریة أو کهربائیة أو ضوئیة أو غیرها، تثار الذرة و عندها تصبح طاقة الإلکترون أعلی فیقفز من هذا المستوی الذی کان علیه إلی مستوی أعلی للطاقة أی إلی قشرة أو أوربیتال أعلی تارکا فراغا فی مکانه الأول، فتحاول الذرة أن تعوض هذا الفائض من الطاقة لیعود الإلکترون إلی الفراغ الذی ترکه فی القشرة الأولی، و عندها یحرر طاقة ضوئیة بشکل دقیقة تسمی الفوتون. یعتمد لون الضوء المتحرر علی کمیة الطاقة المنبعثة.
______________________________
(1) الموسوعة العالمیة، موسوعة انکارتا 2000، الفیزیاء، الذرة و مکوناتها.
المادة و الطاقة، ص: 28
شکل یوضح کیفیة هبوط الإلکترونات من مستوی إلی آخر أوطأ منه محررا طاقة أو طیفا بشکل دقیقة طاقیة تسمی فوتون. عن موسوعة إنکارتا 2000.
عند ما تتحرک الإلکترونات عبر هذه القشور فإنها لا تتدرج فی الحرکة، بل یقفز مباشرة إلی مستوی الطاقة- القشرة- المعینة حسب الطاقة التی امتصها، و هذه القفزات تشبه إلی حد کبیر حالة السلم و تختلف عن حالة الصعود الانسیابی أو التل.
کل قفزة إلکترونیة تصاحبها انبعاث أو امتصاص طاقة، و الإلکترون لا یمتص أو یفقد
المادة و الطاقة، ص: 29
الطاقة تدریجیا بل یبعث آنیا الطاقة اللازمة لرجوعه إلی مستوی طاقة أقل أو یمتص آنیا الطاقة اللازمة لقفزه إلی مستوی طاقة أعلی. و کل إلکترون له مسارات و ترتیبات خاصة به للقفزة حسب بنائه الإلکترونی، بینما تقوم ذرة العنصر المکافئ بامتصاص أو بعث هذه الطاقات المنبعثة بشکل أطیاف لها ألوانها الممیزة لها، و بهذه الطریقة یتمکن العلماء من تمییز هذا العنصر من ذاک عند التحلیل الطیفی لعناصر مرکب أو مادة ما «1».
الطیف المرئی هو ذلک الجزء من الطیف الکهرومغناطیسی الذی سمح اللّه تبارک و تعالی لبنی البشر من رؤیته ضمن النافذة البصریة و لذلک سمی مرئیا، و هو ما یعرف بالضوء، فالضوء إذن هو جزء من شی‌ء أکبر منه یسمی الطیف الکهرومغناطیسی الذی یتضمن الموجات الکهرومغناطیسیة، الأشعة فوق البنفسجیة، تحت الحمراء، الأشعة السینیة، أشعة ألفا، أشعة غاما، أشعة بیتا.
الحقیقة أن نظریة الکم لماکس بلانک و تعدیلاتها التی أضافها لها شرویدنکر تشرح لنا طبیعة الإلکترونات، و کیف أنها توصف فی حالات علی أنها موجات طاقة، و فی حالات أخری علی أنها دقائق مادیة. فلو اعتبرنا أن الدقائق تعبر البوابتین (أ) و (ب)، فی الشکل التالی.
______________________________
(1) الموسوعة العالمیة، موسوعة انکارتا 2000، الفیزیاء، الذرة و مکوناتها.
المادة و الطاقة، ص: 30
حالة الإلکترون الدقائقیة تعطی تصرف یشبه طبیعة الموجة، و لکن کیف؟، هذا ما لم تفسره نظریة الکم. هذا یعنی أن المادة و الطاقة تتداخلان. فیما بعد أثبت ذلک عملیا من خلال اکتشاف دقائق أصغر من الإلکترون .. عن موسوعة إنکارتا 2000.
المادة و الطاقة، ص: 31
یسمی نوع الطاقة الذی یضی‌ء عالمنا بالضوء، إن الضوء و الإشعاع الکهرومغناطیسی الآخر یبعثان الحرارة من الأجسام النشطة (ذات الفعالیة)، فالضوء هو جزء من الطیف الکهرومغناطیسی الذی یمکن للعین البشریة أن تدرکه. إننا نشاهد الأجسام عند ما تعکس الضوء فی عیوننا، ینتقل الضوء بسرعة 000، 186 میل (أی 000، 300 کیلومتر) فی الثانیة «1» فی الفراغ و لیس هناک شی‌ء أسرع منه حسب علمنا التجریبی الحالی «2»- من الناحیة النظریة هناک ما هو أسرع و کما سنری لاحقا-.
تصاحب الضوء أمواج مهتزة لحقلین متعامدین أولهما کهربائی و الآخر مغناطیسی، و هذان الحقلان یشکلان قوی تحیط بالدقائق المشحونة و تؤثر فی الدقائق الأخری المجاورة. و بسبب هذین الحقلین یتشکل ما یعرف بالموجة الکهرومغناطیسیة و التی تنتقل باتجاه عمودی علی اتجاه الحقلین، و هو ما یمکن تصوره تماما کحالة حبل مشدود بشکل قوی جدا، یدلی و یحرک أعلی و أسفل لیمثل حرکة الدقائق المشحونة فی المجال الکهربائی. هذه الحرکة تشکل موجة تنتقل خلال الحبل باتجاه عمودی علی الحرکة الابتدائیة للأعلی و الأسفل «3».
______________________________
(1) الرقم الحقیقی هو (299793) کلم/ ثانیة.
(2) موسوعة الراصد العلمیة، الضوء، قرص مدمج، دورلنیک کیندرسلی 1995، مؤسسة لالیه 1996 م، بتصرف.
(3) الموسوعة العالمیة، موسوعة انکارتا 2000، الفیزیاء، الضوء، بتصرف.
المادة و الطاقة، ص: 32
الضوء أو الطیف الضوئی و طبیعته کجزء من الطیف الکهرومغناطیسی ..
عن موسوعة إنکارتا 2000.
یتکون الضوء من حزم دقیقة من الطاقة تسمی بالکمّات أو الفوتونات، لکنه یمکن لهذه الکمّات المستقلة أن تتمثل أیضا علی صورة أمواج. الدقائق التی یتشکل منه الضوء تسمی بالکمات أو الفوتونات و هی حزم من الطاقة أطلق علیها العلماء هذه التسمیة لغرض إعطاء صفة الدقیقة المادیة للضوء، فالمادة و الطاقة وجهان لعملة واحدة کما رأینا.
المادة و الطاقة، ص: 33
هذه الدقائق لا تشبه الدقائق العادیة مثل دقائق الحنطة أو السمنت أو المرمر أو غیرها، فهی لا یحدها حجم معین فی حیز أو زمن، و هی ترتبط بالموجة الکهرومغناطیسیة ذات التردد المعین.
فی عام 1900 م اکتشف العالم الألمانی ماکس بلانک أن الضوء یحمل علی هذه الفوتونات، و أن طاقة الفوتون تساوی لتردد الموجة الکهرومغناطیسیة التی تحمله مضروبا بثابت سمی علی اسمه- ثابت بلانک- و هو صغیر جدا نظرا لصغر طاقة الفوتون الواحد و مقداره (626، 6X 01- 43 جول أو واط- ثانیة. فمثلا الطاقة المتحررة من الواط الواحد- و هو وحدة الشغل- فی المصباح تساوی 5، 2 ملیون تریلیون فوتون من الضوء الأخضر، و علیه فإن ضوء الشمس یعطینا کم هائل من الفوتونات.
مصادر الضوء تختلف من حیث کیفیة تهیئة الطاقة اللازمة لشحن الدقائق الذریة کالإلکترونات المسببة بحرکتها فی انبعاث الطیف المرئی أو الضوء. فإذا کانت الطاقة متأتیة من الحرارة فالمصدر هنا یسمی مصدر منیر (incandescent(، أما إذا کان المصدر کیمیائی أو کهربائی فعندئذ یسمی مضی‌ء (luminescent( 1¬. و عموما من الناحیة العلمیة المصدر الضوئی أو الذی یخرج ضوءا من ذاته یسمی مصدرا ضوئیا أو ضیاء أو ضوءا کما هو الحال فی الشمس و النجوم و المصابیح، بینما الجسم الذی یعکس الضوء یسمی مصدرا منیرا أو نور کما هو الحال فی القمر و الکواکب و المرایا و بقیة الأجسام العاکسة.
تعرف الدینامیکیة الحراریة (Thermodynamics( أنها العلاقات الرابطة بین الحرارة و الضغط و الطاقة أو الشغل المتحققة فی نظام معین، و هذا العلم مهم جدا فی دراسة ظواهر کثیرة فی الکون و منها البرق و الصواعق «2».

تطبیقات إلکترونیة

بالإضافة إلی تطبیقات الإلکترونات فی الکهرباء، فقد استخدمت دفقات من أشعة الإلکترونات لتکوین صور التلفاز أو ما یعرف بأنبوبة الأشعة الکاثودیة، و فی الأشعة السینیة، و استخدمت أیضا فی تنویر الأشیاء تحت المجهر، و کذلک یستخدم الإلکترونات المعجلة ذی الشحنات العالیة (واحد بلیون إلکترون- فولت) للکشف عن
______________________________
(1) الموسوعة العالمیة، موسوعة انکارتا 2000، الفیزیاء، الضوء، بتصرف.
(2) أساسیات الفیزیاء الجامعیة، نولان، 1993، ص 466.
المادة و الطاقة، ص: 34
دقائق أخری کالبروتونات و النیوترونات و حتی الکوارکات «1».
صورة التلفاز: قصف إلکترونی علی شاشة معدنیة.
عن موسوعة إنکارتا 2000.
و فی مجال الهندسة الکهربائیة و الإلکترونیة یتم استغلال ظاهرة الکهرباء و التی هی ظاهرة إلکترونیة أصلا عبر محطات تولید هذه الطاقة و تحویلها إلی أنواع مختلفة من الطاقات التی تفید الإنسان فی جمیع مجالات حیاته و منها الضوئیة و الصوتیة و الحرکیة و الحراریة و غیرها .. و الهندسة الکهربائیة کما تعرفها الموسوعة البریطانیة: هی الهندسة التی تتعامل مع التطبیقات العملیة للکهرباء بکل أشکاله بما فی ذلک حقل الإلکترونیات.
بینما الهندسة الإلکترونیة هی جزء من الهندسة الکهربائیة المتعلقة بالأطیاف الکهرومغناطیسیة و تطبیقاتها فی الدوائر الإلکترونیة و الترانزستورات و الأنابیب المفرغة (Vacuum Tubes(. و الفرق بین الهندستین یعتمد علی التحمل المقارن بین التیار المستخدم، فالهندسة الکهربائیة تتعامل مع التیارات الکبیرة مثل الضوء الکهربائی
______________________________
(1) الموسوعة العالمیة، موسوعة انکارتا 2000، الفیزیاء، الضوء، بتصرف.
المادة و الطاقة، ص: 35
و أنظمة الطاقة و الأجهزة الکهربائیة الکبیرة، بینما الهندسة الإلکترونیة تتعامل مع التیارات الخفیفة و تطبیقاتها مثل الأسلاک البسیطة کالاتصالات الرادیویة و الحاسبات و الأجهزة الإلکترونیة الدقیقة و الرادارات و الأجهزة ذاتیة التحکم ..
بدأت تطبیقات الهندسة الکهربائیة الأولی مع بدء معرفة الإنسان لظاهرة الکهرباء منذ القرن السابع عشر المیلادی فکان الرواد لهذا الحقل هم: ویلیام جلبرت، جورج سایمون آدم فی ألمانیا، اوسترد من الدانمارک، اندریه ماریه أمبیر من فرنسا، الیساندرو فولتا من إیطالیا، جوزیف هنری من الولایات المتحدة، و مایکل فارادی من إنکلترا. إلا أن الانطلاقة الأولی لهذه الهندسة کانت مع العام 1864 م عند ما قام الفیزیائی الاسکتلندی جیمس کلارک ماکسویل بإعطاء قوانین ریاضیة مهمة لتخمین الطاقة الکهرومغناطیسیة و التی عرفت فیما بعد بموجات الإشعاع، ثم جاء الألمانی هیرتز لتطبیق هذه المعادلات عملیا عام 1887 م. و لا ننسی إسهامات مورس 1837 م صاحب التلغراف، و کراهام بیل 1876 م صاحب التلفون، و توماس أدیسون صاحب المصباح الکهربائی عام 1878 م. ثم استمر التطور مع انتون لورینتس صاحب نظریة الشحنة الکهربائیة عام 1895 م، و تومسون 1897 م، الذی طور تأثیر أدیسون، ثم مارکونی الإیطالی و فورست الأمریکی و آخرین غیرهم من الذین أسسوا هذا العلم المهم. أما بالنسبة للهندسة الإلکترونیة فهناک أیضا مخترعین مثل جون باردین، ویلیام براتین، ویلیام شوکلی أصحاب الترانزستور عام 1947 م، ثم جاءت تطبیقات مهمة لأجهزة الحالة الصلبة للإلکترون کالترانزستور، و الدایود (صمامات) أشباه الموصلات، و الدوائر المتکاملة «1» .. و لا یخفی علی أحد أن هذه الهندسة قد دخلت کل مجالات حیاتنا.
______________________________
(1) الموسوعة البریطانیة، الهندسة الکهربائیة و الإلکترونیة، قرص مدمج، 1999 م.
المادة و الطاقة، ص: 36
و لعل واحدة من أهم التقنیات الإلکترونیة الضوئیة هی تقنیة اللیزر، و هی نوع خاص من مصادر الضوء التی تکون موجات منتظمة تمکن الضوء من الترکیز فی نقطة محددة، فهی تجمع الشتات الموجی الضوئی لترکزه بشکل نقی جدا فی نقطة واحدة.
کلمة لیزر (LASER( هی اختصار للتعریف العلمی الذی هو تکبیر الضوء بالإطلاق المحفّز من الإشعاع أو (
Light Amplification by Stimulated Emission of Radiation
). هذه التقنیة تجعل من تماسک فوتونات الضوء أمرا ممکنا، فإذا کانت الذرة منغمسة فی موجة ضوء بتردد و اتجاه و قطبیة معینة هی نفسها التی تبثها الذرة عند شحنها، فعندئذ یحصل تحفیز للذرة لتشع أکثر و أکثر من الطیف نفسه بدل من أن تشع موجات و أطیاف تختلف نسبیا عن بعضها، و هکذا یحصل تکبیر للطیف الصادر أصلا بإضافة فوتون إضافی، لتستمر العملیة فنحصل فی النهایة علی ضوء غایة فی الترکیز و القوة و النقاء. البدایة الأولی أو التکبیر الأولی للضوء یکون بواسطة مصدر مضی‌ء (Luminescent light source(، ثم تتسلم مهمة التکبیر المتکرر المرایا التی تربط علی حافتی العصا الیاقوتیة لنموذج لیزر الیاقوتة و هو النموذج الأول و الأهم لهذه التقنیة کما موضح فی الشکل «1».
لقد أصبحت هذه التقنیة علما منفردا لما لها من تطبیقات واسعة فی خدمة الإنسان، فدخلت میادین الهندسة و الطب و الفیزیاء و الصناعة و المواصلات و العلوم
______________________________
(1) الموسوعة البریطانیة، الهندسة الکهربائیة و الإلکترونیة، قرص مدمج، 1999 م.
المادة و الطاقة، ص: 37
العسکریة و غیرها.

دور الإلکترونات فی البناء الذری و الأواصر

تعنی إلکترونات القشرة الأخیرة ما یعرف علمیا بمستوی أو قشرة التکافؤ الخصائص الکیمیائیة لأی عنصر، فمثلا مجموعة الغازات النبیلة فی الجدول الدوری و هی (هلیوم، نیون، آرکون، کربتون، کزینون، رادون) تحوی قشرة تکافؤ ممتلئة لذلک تعتبر هذه الغازات مستقرة کیمیائیا و تبقی بصورة ذرة مفردة، و نادرا ما تتفاعل مع بقیة العناصر. بقیة عناصر الجدول الدوری تحاول تقلید الغازات النبیلة لمحاولة ملأ قشرة التکافؤ التابعة لها عن طریق التبرع، القبول، أو المشارکة لإلکترونات فی تفاعلات کیمیائیة مع ذرات عناصر أخری. عندئذ تشکل هذه العناصر أواصر ربط تسمی الأواصر الکیمیائیة و یسمی ناتج التفاعل بالمرکب، و هناک أنواع مختلفة من الأواصر تعتمد علی نوعیة الإلکترونات الداخلة فی الآصرة هل هی مشارکة أم منقولة.
تحاول الذرات التی لها بعض الإلکترونات فی قشرة تکافؤها أن تملأ قشرة تکافؤ ذرة أخری هی ممتلئة أصلا أو أنها تشارک إلکترونات موجودة فی قشرة تکافؤ ذرة أخری. فإذا لم تنتقل أو تنفصل الإلکترونات نهائیا عن قشرة ذرتها الأصلیة و شارکت مع إلکترونات تکافؤ ذرة أخری فعندئذ تسمی الأواصر التساهمیة.
الذرات التی لها إلکترونات مشحونة تسمی آیونات، و هی إما سالبة أو موجبة، و هذه تنجذب مع ضدیداتها لتکون نوع آخر من الأواصر هی الأواصر الأیونیة «1». و عموما یمکن تقسیم الأواصر التی تربط المواد مع بعضها و تربط کتلها المتعددة لتعمل کجسم واحد:
1- الآصرة الفیزیائیة أو المیکانیکیة و المتمثلة بربط المونة من سمنت أو جص أو نورة مع الطابوق أو الکتل أو البلوک و هی تعتمد علی نوع الربط و أسلوب تراکب هذه الکتل بعضها فوق بعض حیث یکون محور الفشل علی زاویة مقدارها 45 درجة و تقوم المونة علی نقل الأحمال بهذه الزاویة مع الکتل إلی أسفل الجدار ثم إلی الأساس ثم إلی التربة، یضاف إلی ذلک الآصرة المیکانیکیة المتمثلة بالاحتکاک و التی هی نسبة معینة من الوزن الشاقولی.
2- الآصرة الکیمیاویة: و هی الآصرة التی بفضلها تعمل المونة علی ربط أجزائها
______________________________
(1) الموسوعة العالمیة، موسوعة انکارتا 2000، الفیزیاء، الذرة و مکوناتها.
المادة و الطاقة، ص: 38
مع بعضها من جهة و مع الکتل من جهة أخری و هی تعتمد علی العناصر الکیمیاویة الداخلة فی تفاعلها فتعتمد فی الإسمنت علی مرکبات الإسمنت و فی الجص أو الجبس علی مرکبات الجبس و عموما فإن الآصرة الکیمیائیة للمواد الهندسیة تقسم إلی:
أ- الآصرة الذریة (Atomic BOnd(: و هذه تقسم إلی القوی و التوازن بین الذرات و التجاذب و التنافر الذری و الطاقة الترابطیة و لکل واحدة من هذه القوی قانونها الخاص الذی وضعه اللّه لها و أمرها باتباعه و لبت مطیعة و جاء الإنسان لیکشفه و یستفید منه.
ب- الآصرة الداخلیة (Internal BOnd(: و تقسم إلی الآصرة الایونیةIonic )Bond و الآصرة التساهمیة (Covalent Bond( و الآصرة المعدنیة بتبادل الإلکترونات (Metallic Bond( و قوی فاندر والز (Vander Waals Forces( ج- النوع الأکبر من الأواصر هی الآصرة الجزیئیة (Molecular Bond( و هذه أیضا لها قوانین و حسابات معقدة سنها اللّه تعالی لها و هی تسیر علیها منذ بدء الخلیقة و لا تحید عنها و لا تمل «1».
الجزئیة: بناء محکم من ذرات متراصة، عن موسوعة إنکارتا العلمیة 2000
______________________________
(1) د. خالد العبیدی، (المنظار الهندسی للقرآن الکریم)، دار المسیرة، عمان، ص 367- 368.
المادة و الطاقة، ص: 39

صوت الذرة

کل شی‌ء حولنا مکون من ذرات، أجسامنا، الحیوانات، النباتات، المتحجرات، الجبال، الهواء، الماء، الشمس، المجرات، و کل ما فی الکون. و داخل کل ذرة حرکة دءوب لا تهدأ، و کل حرکة یصاحبها اهتزاز موجی، فهل یکون صوتا، و لما ذا لا نسمعه؟. الحقیقة علینا أولا أن نعرف ما هو الصوت:- یمکن تعریف الصوت علی أنه تباین فی الضغط للهواء أو الماء أو أی وسط آخر یمکن للأذن البشریة أن تلتقطه- تلتقط بین 16- 20000 ذبذبة فی الثانیة-، و مقیاس الضغط الجوی (البارومتر) هو الجهاز الشائع لقیاس أی تنوع للضغط فی الهواء. و مهما یکن فإن تنوع الضغوط الذی یحدث عند تغیر الطقس یحدث ببطء شدید لدرجة أن أذن الإنسان لا تلحظه و لهذا السبب لا یوصف بالصوت، و لکن إذا أحدثت تلک التغییرات فی الضغوط الجویة بطریقة أسرع- علی الأقل 20 ضغطا فی الثانیة- یمکن سماعها و من ثم یمکن تسمیتها صوتا، و علی کل حال فإن البارومتر لا یستجیب بسرعة کافیة و لذلک لا یصلح استعماله کمقیاس للصوت، لذلک فإن الموجات التی لا تلتقطها الأذن البشریة أکبر من 20000 ذبذبة فی الثانیة تسمی الموجات فوق الصوتیة، و سمیت هکذا نسبة إلی الإنسان رغم أن مخلوقات أخری تسمع بأکثر من هذا الحیز. فالقطة مثلا یبلغ المدی السمعی لها (50000 هرتز)، و فی الفأر یصل إلی (40000 هرتز)، و فی الشمبانزی (33 ألف هرتز)، و یصل فی الخفاش إلی (120 ألف هرتز).
الصوت ینتقل علی شکل موجات، لکنه لا یعتبر جزء من الطیف الکهرومغناطیسی کموجات الضوء و الموجات الإشعاعیة. یتولد الصوت عند ما تتذبذب المادة، تقاس الذبذبة هذه بوحدات تسمی الهرتز (HZ(، إن مصطلح الذبذبة یشیر إلی عدد الموجات المتولدة فی کل ثانیة، إن الاختلاف فی الذبذبة هو الذی ینتج اختلافا فی طبقات الصوت (صوت عال و صوت منخفض)، إن الحد الأقصی للسمع هو بین 20 هرتز و 000، 20 هرتز.
جمیع الأصوات تنجم عن اهتزازات تنتقل عبر المادة (غازیة، سائلة، صلبة) بشکل موجات إذ یمکننا أن نشعر بهذه الذبذبات الصوتیة إذا وضعنا یدنا علی فمنا عند ما نتکلم. فالرجفة الخفیفة التی نشعر بها فی الید ناجمة عن اهتزازات الصوت التی
المادة و الطاقة، ص: 40
أحدثناها خلال الکلام. و الصوت العالی ینتج عن اهتزازات قویة تولد أمواج قویة، بینما الخافت ینتج عن اهتزازات ضعیفة یولد أمواجا ضعیفة، فعند ما تسترخی الأوتار الصوتیة فی حنجرة الإنسان تسبب اهتزازات بطیئة و تولد أمواجا منخفضة التردد، فی حین أن الأوتار الصوتیة المشدودة تسبب اهتزازات سریعة تولد أمواجا صوتیة عالیة التردد. إذن فالصوت یعتمد علی شدة الهزة أو الذبذبة الصوتیة و التی تعتمد بدورها علی شدة الصوت کما و یعتمد علی الوسط الناقل و مرکز الهزة.
الموجات الطولیة لأصوات مختلفة من القلیلة کالأنین و الهدیر (110 هرتز- ذبذبة/ ثانیة-) و حتی الأقوی کالزعیق و الصفیر (880 هرتز). عن موسوعة أنکارتا 2000.
إن أنواع الأصوات المختلفة هی نتیجة أشکال مختلفة من الموجات، فإذا تذبذب جسم تذبذبا سریعا- أی عدة مرات فی الثانیة- ولّد صوتا ذا تردد عال فسنسمعه صوتا عالی النغمة کالصریر و الصفیر و الزعیق. و الأجسام التی تتذبذب ببطء تولّد أصواتا منخفضة الذبذبة و نسمعها کأصوات ضعیفة النغمة کالهدیر و الأنین و الأصوات العمیقة.
أما هندسة الصوت فهی التقنیات المستخدمة لاستغلال الصوت کظاهرة سواء بتحویله إلی طاقات أخری أو بتحویل طاقات أخری إلیه لتوصیل أکبر فائدة ممکنة
المادة و الطاقة، ص: 41
للإنسان فی شئون حیاته، تعرف الموسوعة البریطانیة علم السمع و الصوتیات (Acoustics( علی أنه:
العلم المتعلق بالإنتاج و السیطرة و النقل و الاستقبال و التأثیرات للأصوات، و المهندس الصوتی (Acoustical Engineer( یحاول إیجاد القیم المثلی لعوامل عدیدة یعتمد علیها الصوت کالشدة (و الضوضاء)، محتوی المعلومات، الوضوح، الصدی، و الترددات و غیرها، ثم یتعامل مع هذه العوامل بشکل یجعل منها استخدامات ذات أغراض مفیدة للإنسان بشکل مثالی. و هذا العلم یقسم إلی عدة فروع کالصوتیات المعماریة، و الصوتیات البیئیة، و الصوتیات الموسیقیة، و هذه تعنی بتأثیر الأنغام و الأصوات و الآلات الموسیقیة علی المستمع. و الصوتیات الهندسیة هی التی تعنی أساسا بتطویر أنظمة التسجیل و الأداء أما فوق الصوتیات (Ultrasonics( فیعنی بالبحوث المتعلقة بالأمواج الصوتیة و ظاهراتها ذات الاهتزازات التی تتعدی النافذة السمعیة للإنسان (أی فوق 20 کیلو هرتز) و تطبیقاتها فی الصناعة و العلوم الطبیة. أما الصوتیات المعماریة فتسلط الضوء علی تصرف الموجة الصوتیة داخل فضاءات مغلقة و بناء علی هذا تعطی السبل الکفیلة بجعل الأصوات داخل الأبنیة مناسبة و ذات تأثیر غیر سلبی علی السمع، بکل ما یتطلب هذا التصمیم من دراسة ظواهر الصدی و امتصاص الصوت داخل مواد البناء و أبعاد البنایة و الضوضاء و غیرها. بینما تدرس الصوتیات البیئیة أساسا ظاهرة السیطرة علی الضوضاء و الأصوات غیر المناسبة فی مناطق التجمعات البشریة و تأثیرات الأصوات علی البیئة التی أصبحت من أمراض العصر «1».
هناک عدة علوم ترتبط بعلم و هندسة الصوت تعالج هذه الظاهرة من وجهات نظر مختلفة منها سرعة الصوت، طول الموجة الصوتیة، تردد الصوت، ضغط الصوت، سعة الضغط (Pressure Amplitude(، شدة الصوت، منسوب الجهارة، مناطق التحسس السمعی و التحسس الحسی «2».
______________________________
(1) د. خالد العبیدی، (المنظار الهندسی للقرآن الکریم)، ص 267- 268، بتصرف. و انظر الموسوعة البریطانیة، الصوتیات، قرص مدمج، 1999 م.
(2) د. خالد العبیدی، (المنظار الهندسی للقرآن الکریم)، دار المسیرة، عمان، ص 633- 634 و صفحات أخری بعدها.
المادة و الطاقة، ص: 42
الدقیقة المسئولة عن نقل الصوت أو الاهتزاز ضمن الوسط المادی تسمی فونون (Phonon( و هی ذات طاقة قلیلة جدا إذ أنها تخضع لقانون ماکس بلانک فی نظریة الکم، و لکن یمکن مضاعفة هذه الطاقة آلاف المرات حتی تصبح مدمرة.
و علی أساس هذا التعریف فإن کل حرکة یصاحبها اهتزاز موجی ضمن الوسط، فإذا کان سریعا ضمن الحیز السمعی للبشر سمی صوتا، و إن لم یکن کذلک لا یسمی صوتا و لا نسمعه، و هذا من نعم اللّه علینا، إذ لا یمکن تصور الحیاة و نحن نسمع کل حرکة و اهتزاز بدءا من الذرة و انتهاء بما یحصل فی المفاعلات الهیدروجینیة العظیمة التی هی النجوم فی الکون. فالأصوات الرادیویة درست من قبل آلان ه. فری و من بعده، و تبین لهم أن الناس یمکنهم (سماع) الطاقة الکهرومغناطیسیة ضمن مدی تتراوح بین (200) میکاهرتز و (300) میکاهرتز عند تضمین الطاقة الکهرومغناطیسیة بشکل ما.
إن الصوت له طبیعة الأزیز أو الصریر و ربما یکشف عنه فی الفص الصدغی للدماغ، و یبدو کأنه یسمع داخل الرأس أو خلفه مباشرة، و توقف عتبة هذا الصوت الرادیوی بصفة رئیسیة علی شدة القدرة القصوی و لیس علی متوسط شدة القدرة .. و وردت تقاریر عن أشخاص سمعوا أصواتا تتعلق بمشاهدة الفجر و صوت نیازک تدخل الأرض، و أولئک هم الأشخاص شدیدو الحساسیة للأصوات الرادیویة «1». و علیه یمکننا سماع أی صوت إذا ما زیدت نافذتنا السمعیة، و کان الوسط الناقل ذا کفاءة توصیلیة ممتازة لا ضیاع طاقی فیه.
لقد استطاعت التقنیات الحدیثة من تحویل المواد الجامدة المختلفة و بالذات المعادن إلی خزائن تخزن الصوت و تعرضه متی نشاء و هو ما نشاهده فی الأشرطة الممغنطة و الأقراص اللیزریة المدمجة.
______________________________
(1) د. خالد العبیدی، (المنظار الهندسی للقرآن الکریم، دار المسیرة، عمان ص 639، و انظر التلوث بالطیفل الکهرومغناطیسی، جوزیف ه. باتوکلیتی، ص 71.
المادة و الطاقة، ص: 43
الصوت موجات تشبه رقرقات الماء عند رمی حجر فیه، و حقیقته اضطراب حرکی فی الترکیبة الجزیئیة لوسط المادی ناتج عن اختلال فی الضغط بین أجزاءها، و ینتج عنه انتقال و نزوح موجی یسمع إذا کان سریعا فیسمی صوتا. أما إذا کان بطیئا فلا یسمع و لا یسمی صوتا. و الشکل یوضح تقنیة الإیکو و هو موجة الصوت المنعکسة، و هی أحد التقنیات الحدیثة للصوت. عن موسوعة إنکارتا 2000.
أما الضوضاء فتعرف أنها کل صوت غیر مرغوب فیه بغض النظر عن نوعیته أو مکوناته الترددیة أو منسوب ضغطه الصوتی أو تأثیره علی المستمعین، و هو من أهم العوامل الفیزیائیة لتلوث البیئة. الکلام و الموسیقی و غیرها هی فعلا ضوضاء إن کان سمعها غیر مرغوب فیه، و هذه المشکلة تتزاید مع تزاید التکنولوجیا و لها تأثیرات سلبیة علی الصحة و السلوک .. و الضوضاء نوعین، الضوضاء النبضیة (Impulsive Noise( مثل المطارق و الانفجارات و یکون ضغطها عالی و مدمر للأذن، و الضوضاء المستمرة (Continuos Noise( مثل الماکینات و ضوضاء المدن الصناعیة .. و عموما فإن 140 دب فجائیة أو 90 دب لمدة 18 ساعة تسی‌ء للصحة بشکل کبیر.
تأثیر الضوضاء- و التی عرفناها سابقا- علی الإنسان کبیر و مدمر، لحظیة، طویلة أو قصیرة. تسبب الکثیر من المتاعب للإنسان و تؤدی إلی خسائر مادیة و بشریة کبیرة فی کل أنحاء العالم .. فتأثیر الضوضاء (الخافتة- المعتدلة) و المتراوحة شدتها من (صفر-
المادة و الطاقة، ص: 44
80) دب یؤدی تأثیرها سلبا علی مشاعر و أعصاب السامعین مما یؤدی إلی الانهیار العصبی و یخل بسلوکیة الإنسان.
أما تأثیر الضوضاء (المعتدلة- العنیفة) و البالغة شدتها (80- 160) دب فتسبب دمارا و تلفا للأذن الوسطی و الداخلیة، ففی دراسة تجریبیة قام بها العالم (اسبیندلین) عام 1976 م علی حیوانات عرضت إلی (140) دب أدت إلی تمزق الأذن الداخلیة، و أکد العالم (فیبی) عام 1959 م علی انفجار طبلة الأذن عند (160) دب حتی لو کانت قصیرة المدة مثل انفجار المدافع. بینما توصل العالمان جلوریک و هویلر عام 1955 م إلی أن متوسط الضوضاء لمدافع عادیة یصل إلی (188) دب، و أکد علماء آخرون علی دمار قوقعة الأذن الداخلیة و تهتک غشاء الطبلة مع إحساس بالطنین و الدوار عند سماع الأصوات الشدیدة إضافة إلی ارتفاع ضغط الدم و زیادة نوبات النبض و عدم انضباط ضخ القلب و انقباض العضلات و زیادة حدة العرق و إفراز اللعاب و العصارة المدیة و توقف الهضم و أمراض عدیدة أخری.
شکل یوضح أنواع مختلفة من السعات (Amplitudes( لنفس الترددات (Frequencies(، عن موسوعة إنکارتا 2000.
المادة و الطاقة، ص: 45
أما الضوضاء الشدیدة (160- 240) دب کحالات انفجارات القنابل الشدیدة و الصواریخ التی تحول المادة الصلبة إلی غازیة مباشرة خلال ثوان و تسبب ضغطا جویا هائلا مع حرارة عالیة نتیجة هذا التحول مسببة صوتا مهلکا و تنتقل إلی المحیط علی شکل موجات حول مرکز الانفجار، فترتفع موجة الانفجار بواحد من الملیون من الثانیة و تتلاشی خلال فترة واحد بالألف من الثانیة مسببة موتا بسبب التعجیل الهائل و التشظظ و الانفجار الضمنی بسبب موجة العصف الهائلة و موجات التخلخل التالیة لها و قوة الشفط. و کل هذه الإضرار للإنسان مرتبطة بعدة عوامل منها سرعة زیادة ضغط الموجة و کثافة و ارتفاع قمة الموجة و المدة الزمنیة للموجة الضاغطة، و أغلب حالات الموت الحاصلة من هذا النوع هی بسبب انفجار الأعضاء الداخلیة الحاویة علی موایع کالرئة و المثانة و المرارة. أما بقیة حالات الإصابة فتعتمد علی نوع الانفجار و بعده و زمنه «1».
و بالتالی فإن المتعرض لهکذا ضوضاء یعمد علی مسک بطنه بسبب انفجار أحشائه الداخلیة الناتج عن تخلخل الضغط بین الداخل و الخارج، و یقع علی وجهه میتا إذا کان خارج منطقة العصف، و إذا کان داخلها فإن العصف یقذفه بعیدا. و قد تم تصویر هذه التجارب و خصوصا الجنود الأمریکان الذین صوروا عند تفجیر إحدی القنابل النوویة بعد أن أوهموا أن المسألة هینة و لیس فی الأمر ما یدعو للقلق، فخرج المساکین لیشاهدوا التفجیر، فصور ما حصل لهم من قذف و انفجار الأحشاء الداخلیة و غیر ذلک من الأعراض التی وصفناها، و حفظ هذا الفلم کوثیقة علمیة من جهة و کدلیل علی اهتمام الساسة فی بلاد العم سام بشعوبهم، أیة مهزلة.
و یحصل أثناء انفجارات القنابل المدویة اهتزاز و ارتجاج فی الأرض و کلما کان الانفجار أقوی کان اهتزاز الأرض أعظم شدة کما یحصل فی الانفجارات النوویة. کما و یحصل مجال کهرومغناطیسی هائل أثناء التفجیرات النوویة مصاحبا للحرارة و العصف الهائلین.
أن لکل مجموعة من هذه المواد تصنیفات و تقسیمات کثیرة جدا و لکل مادة من هذه التصنیفات خواص فیزیائیة و کیمیاویة تختلف عن المواد الأخری کالعزل الصوتی و الرطوبی و قابلیة التوصیل الکهربائی و النفاذیة و الاحتراق و ما إلی ذلک من صفات متعددة. واحدة من هذه الصفات هو ما یسمی بالتردد الطبیعی)Natural( Frequency و هی خاصیة فیزیائیة حرکیة تعتمد علی الکتلة و معامل النابض و کذلک
______________________________
(1) د. خالد العبیدی، (المنظار الهندسی للقرآن الکریم)، دار المسیرة، عمان، ص 650.
المادة و الطاقة، ص: 46
ما یسمی عند أهل الریاضیات النسبة الثابتة أو (؟) بالاصطلاح اللاتینی العلمی و هذه النسبة ما قیمته (14، 3). فإذا ما عرضت هذه المادة إلی اهتزازات تصل بها عند زمن معین إلی ما قیمته التردد الطبیعی لتلک المادة فانه یحصل حالا ما یسمی بالرنین‌Resonance و الذی یحصل عند تطابق التردد مع شدة الاستثارة، و هو اهتزاز شدید (و کأنی به یشابه الهیجان و الارتجاف الشدید و الهلع لدی الإنسان عند تعرضه إلی ما یثیر) لتؤدی بالنهایة إلی احتمالین تطایر هذه المادة إذا کانت غیر ممسوکة أو تمزقها و کسرها إذا کانت ممسوکة. أی إننا کما نستثیر هذه المادة أو تلک بالحرارة لکی تسخن أو بالطرق علیه لکی تکسر فإننا نستثیرها بالاهتزاز لکی یحصل فیها عند زمن معین رنین أو اهتزاز غیر طبیعی. و هو أیضا من ضمن تماثل خلق اللّه حیث إنک لا یمکن أن تغضب إلا إذا استغضبت و لا أن تفرح إلا إذا کان هنالک داع لذلک و هکذا لبقیة الحالات العاطفیة و النفسیة .. ظاهرة الرنین هذه تختلف عن حالة العواصف و الزلازل و العصف الناتج من القنابل و الانفجارات و غیر ذلک من الظواهر الأخری و بالإمکان تصورها لأی شخص عند ما تمر طائرة فوق منطقة تجمع بشری فإنک للحظة معینة تحس أن الزجاج یهتز ثم یرجع إلی حالته الطبیعیة، عند تلک اللحظة حصل له رنین بسبب توافق الاهتزاز الناتج من صوت محرک الطائرة مع التردد الطبیعی لهذا الزجاج و لو قدر أن تبقی الطائرة فی محلها لأکثر من هذه الفترة الزمنیة (أی أکثر من الزمن الطبیعی لمادة الزجاج) لحصل اهتزاز أشد و استمر الاهتزاز حتی تنکسر الزجاجة.
فلو صادف أن کانت الموجة الاهتزازیة القادمة (t(F لها تردد یساوی عند زمن معین قیمة التردد الطبیعی للجسم (N .F .( فإن الذی یحصل تشوهات ذبذبیة کبیرة جدا غیر مسیطر علیها أو ما هو یشبه الهیجان لتلک المادة، و هذه الظاهرة تسمی الرنین‌Resonance ، و عموما أی جسم قابل للاهتزاز معرض إلی موجة اهتزازیة دوریة (Periodic Series of Impulse( تحمل ترددا له نفس قیم الترددات الطبیعیة لهذا الجسم فإن الجسم عندئذ یهتز و یرن.
و هذه الظاهرة لها تطبیقات کثیرة فی مجالات الهندسة و العلوم عموما، و أقرب مثال واضح علی ظاهرة الرنین هو مثال الشوکة الرنانة، فإذا مسکت شوکة من أحد أطرافها و حرکت الطرف الآخر باهتزازات قویة متتالیة فإن الحرکة السریعة للشوکة فی لحظة معینة تصدر صوتا و هذا الصوت هو نتیجة حصول رنین لها فی تلک اللحظة أی تساوی التردد الخارجی مع التردد الطبیعی لمادة الشوکة، و یمثل الشکل المخطط العلمی لظاهرة
المادة و الطاقة، ص: 47
الرنین. و مثال آخر هو اهتزاز زجاج النوافذ أثناء مرور طائرة فوق المنطقة و الذی ذکرناه آنفا، و من التطبیقات المهمة للرنین فی میادین الهندسة المختلفة:
1- الرنین المیکانیکی‌Mechanical Resonance : فضلا عن الشوکة و الزجاج السابقین اللذین یعتبران من أمثلة الرنین المیکانیکی، هناک أیضا الأرجوحة.
2- الرنین الإنشائی‌Structural Resonance : عند عبور جسر أو أی منشأ آخر ذات قابلیة اهتزازیة عند تعریضه لترددات معینة فإنه عند سیر جنود علیه یجب ألا تکون ضربات أقدامهم متتابعة منتظمة لأن ذلک سیؤدی إلی تراکب الموجات الاهتزازیة الناتجة من هذه الضربات مما یؤدی إلی کبر الترددات الموجیة و وصولها إلی أحد أرقام التردد الطبیعی لمادة الجسر و بالتالی حصول الرنین له و اهتزازه بشکل شدید حتی یسقط و هذه الحادثة اکتشفت بعد حصول کارثة بسببها.
3- الرنین الإلکترونی‌Electronic Resonance : و یعتمد لحصوله علی الموجة بتحصیل بوابة المرشح الذی یعتمد علی ممانعة الدائرة الکهربائیة، و هو یحصل عند ما تتلاعب بمیل أو موجة الرادیو تلاحظ أنک تحصل علی موجة رادیویة لمحطة معینة لها تردد معین عندئذ سیکون تردد التیار المتذبذب المار فی دائرة الاستلام له تردد طبیعی مساو لتردد البث الإذاعی لتلک المحطة و عندها سیحصل الرنین مؤدیا إلی سماع صوت المحطة بشکل واضح.
4- الرنین الضوئی‌Optical Resonance : و یحصل بین الذرات فی غاز بضغط قلیل مع موجات ضوئیة من مصباح یحوی نفس الذرات مثل مصباح الصودیوم، فالضوء القادم من مصباح یجعل ذرات الزجاج تنتفخ لتشع ضیاء بخصائص إشعاعیة صفراء اللون.
5- هناک أیضا الرنین المغناطیسی‌Magnetic Resonance و هو مهم جدا و ذو تطبیقات کثیرة فی المجالات الطبیة و علوم المواد و یکفی أن نقول إنّ أحدث جهاز لأشعة المخ و الجهاز العصبی یعتمد علی الرنین المغناطیسی، بالإضافة إلی استخدامه فی العلاج الطبی خصوصا فی علاج الأذن و العلاج النفسی.
حصلت کوارث بسبب الرنین منها حادثة الجسر المعلق)Tacoma Narrows( فی واشنطن 1940 م، و مسرح الأوبرا فی سانت لورانس فی السبعینات، و الجسر الحجری فی فرنسا إبان الحرب العالمیة الأولی، و أخیرا المرقص الیهودی فی تل‌أبیب 2001 م.
المادة و الطاقة، ص: 48

الجزیئات و العناصر و المواد:

یتألف الکون من ثلاثة مکونات، هی:
أولا- الإشعاع أو الفوتونات (الأشعة الکهرومغناطیسیة): و منها أشعة غاما حتی الأمواج المتریة- الرادیویة مرورا بالأشعة السینیة، و الأشعة فوق البنفسجیة، و الأشعة المرئیة، و الأشعة تحت الحمراء حراریة الفعل، و الأمواج المیلی متریة و السنتی متریة).
ثانیا- المادة: التی تؤلف کل ما یحیط بنا من المجرات و تعنقداتها (أی الأبراج)، النجوم، الکواکب، الکویکبات، الشهب و النیازک و المذنبات، إلی جمیع الأجسام الحیة و غیر الحیة التی تحیط بنا، بما فی ذلک أجسامنا. و المادة علی خمسة أطوار: الصلب، السائل، الغازی، البلازما، الاضطرابیة.
ثالثا- المادة السوداء الباردة: و هذه تعمل علی عدم انفلات الکون، و هروب المجرات بعضها عن البعض هروبا سریعا لا نهائیا، کما أنها تعمل علی منع انسحاق الکون علی نفسه انسحاقا آنیا، یعیده إلی انفجار أعظم جدید (New Big Bang(.
شکل یوضح تغیر حالات المادة بازدیاد الحرارة من الصلبة إلی السائلة ثم الغازیة فالبلازما
المادة و الطاقة، ص: 49
شکل یوضح مادة الظلام الکونی الأسود کما أعطاه مرقاب هابل (عن شبکة المعلومات الدولیة/ موقع معرض مرقاب هابل 2000) و یحکم الکون أربع قوی رئیسیة تکون المسئولة عن کل النشاطات التی تحفظ الکون من الهدم و الزوال، و هی التی ذکرناها آنفا فی القوی الکهرومغناطیسیة، القوة النوویة القویة، قوة الجذب، القوة النوویة الضعیفة «1».
الجزیئة هی الدقیقة الأکبر من الذرة و تتکون من مجموعة من الذرات تتشکل فیما بینها بسبب النشاط الإلکترونی للإلکترونات حول مدارات نواة الذرة و فی هذا تفصیل کبیر، یکفی أن نذکر أن عدد الجزیئات فی غرام جزیئی واحد هو (02217، 6* 2310 مول- 1)- هو ذرة لکل وزن جزیئی- و هو ما یطلق علیه عدد افوکادرو.
تعتبر جزیئة الهیدروجین أبسط الجزیئات فهی تحوی ذرتین و عند اتحاد ذرات الهیدروجین کأبسط أنواع الاندماج النووی یتکون الهلیوم مع تحرر طاقة هائلة، بینما ذرات الیورانیوم 235 تنشطر بدخول أحد النیوترونات إلیها محررة طاقة هائلة (+ 2- 3 نیوترون). و عموما جمیع العناصر ما هی إلا تضاعف متکرر لذرات الهیدروجین و بأعداد مختلفة حیث تندمج مع بعضها لتکون ذرة لعنصر أعلی رتبة بالعدد الذری مع حرارة عالیة جدا و هکذا و هذا ما یعرف بالاندماج النووی.
معلوم أن علم الکیمیاء یعتمد علی التفاعلات الذریة التی تحصل بین المواد المکونة
______________________________
(1) د. هانی رزوقی/ د. خالص جلبی، الإیمان و التقدم العلمی، ص 14- 16، بتصرف.
المادة و الطاقة، ص: 50
للجدول الدوری الذی عرفناه آنفا، و بالإمکان تقسیم المواد أو المرکبات الناتجة من اتحاد العناصر إلی أربعة أصناف أساسیة و هی: القاعدة، الحامض، الملح، و الماء، و التی منها تتشکل المجامیع الأربعة الأساسیة للمواد و التی سنذکرها لاحقا.
إن لکل عنصر من العناصر المکونة للجدول الدوری و الذی اکتشف منها لحد الآن 118 عنصر (و هی العناصر الکیمیاویة لمواد الکون کما بینا فی البدایة و الحقیقة أن الطبیعیة منها هو (92) کما سبق و أسلفنا). خواص معینة تختلف فیما بینها و هی بمثابة الصفات أو الأخلاق أو الطبائع لدی البشر و منها صفات اللون و الطعم و الرائحة و قابلیة الاشتعال ... الخ. تتحد هذه المواد فیما بینها لتکوین مجموعة و متنوعة حسب العناصر الداخلة فی الاتحاد و عموما فإن المواد المتکونة ممکن تقسیمها هندسیا إلی مجموعات أساسیة تنحدر منها أنواع لا حصر لها من المواد التی نراها یومیا فی حیاتنا طبیعیة کانت أم صناعیة:
1- مجموعة المعادن‌Metals : و تنحدر منها أصناف المعادن کلها کالحدید و الألمنیوم و الفلزات و تتصف بأنها مواد قویة و متینة و مطاوعة و لکن الالکترونات الخارجیة لها تحمل صفة عدم الاستقراریة الکیمیاویة فهی تمتلک نشاطا تفاعلیّا عالیا، و هذا یعنی أن أغلبها ضعیف ضد التآکل عدا المعادن النفیسة کالذهب و الفضة و بعض المعادن الأخری، و لها صفات نقل الحرارة و عکس الضوء و توصیل التیار الکهربائی بالإضافة إلی صفات أخری سنفصلها فی فصول لاحقة. و استخدامات هذه المجموعة واسعة جدا بدءا من البناء و التعدین و المواصلات و المعدات الثقیلة انتهاء إلی التسلیح و الفضائیات «1».
2- مجموعة الفخارCeramecs : و هی أقدم مجموعة استخدمها الإنسان (فیما عدا الخشب)، فیرجع تاریخ استخدامها بشریا إلی عشرة آلاف سنة قبل المیلاد، و هی تتشکل من عناصر مختلفة فی الجدول الدوری منها معدنیة و هی التی تسعی لفقدان الالکترونات الخارجیة و غیر معدنیة و هی التی تسعی لجذب الالکترونات نحوها.
و تنقسم إلی مجموعة السلیکات و تنحدر منها الأطیان و مجموعة الزجاج و مجموعة الأوکاسید، کما و تدخل ضمن هذه المجموعة المواد المسماة بالشبیه بالفخاریات و هی التی
______________________________
(1) أساسیات المواد الهندسیة، بیتر ثورنتون، ص 3- 4.
المادة و الطاقة، ص: 51
تشبهها من حیث الصفات الکیمیاویة و المیکانیکیة مثل الرمال و الصخور و المرمر و غیرها، و کذلک الفخاریات الحدیثة المستخدمة الیوم بشکل واسع فی المجالات الهندسیة مثل السیرامیک و أنواع عدیدة أخری. و تتصف هذه المجموعة بقوتها و تحملها و لکنها هشة سریعة الکسر مع تحملها العالی لظروف الحرارة مع خصائص حراریة و کهربیة و مغناطیسیة متمیزة «1».
3- مجموعة البولیمرات أو اللدائن‌Polymers : تترکب کلمة (Polymers( أی اللدائن من مقطعین لاتینی و إغریقی، فکلمة (Poly( تعنی المتعدد و کلمة (meros( تعنی الوحدات و یقصد بها الوحدات الجزیئیة التی تتشکل من سلسلة من الجزیئات بترتیبات مختلفة سنستعرضها لاحقا .. و تتشکل هذه المجموعة أصلا من الهیدروجین و الکاربون و المسماة الهیدروکاربونات، و منها اللدائن العضویة و غیر العضویة و تقسم أیضا بتصنیف آخر إلی مجموعتین الطبیعیة و الصناعیة، و من أنواعها الألیاف (Fibers(، و الأغشیة (Films(، و الأصباغ (Coatings(، و الرغویات (Foams(، و اللواصق (Adhesives(، بالإضافة إلی مضافات تضاف لها حسب الاستخدام کالموالئ (Fillers(، و الملدنات (Plasticizers(، بالإضافة إلی مضافات خاصة أخری ..
و تنحدر منها المطاط و النایلون و البلاستک و الألیاف و الراتنجات الطبیعیة و الصناعیة و الدهون و الشحوم و سوائل و إنزیمات مختلفة و لها صفات متباینة إلا إنها تمتاز باستقرارها الکیمیائی و تأثرها بالتحلل و الأکسدة و مقاومتها للرطوبة و البلل بالإضافة إلی لدونتها و خفة وزنها و عزلها الصوتی الجید و خصائصها التلاصقیة، و منها الأخشاب «2» الواسعة الاستخدام فی المجالات الصناعیة و الهندسیة و غیرها «3».
______________________________
(1) أساسیات المواد الهندسیة، بیتر ثورنتون، ص 4، 5، 538، بتصرف.
(2) هناک من یصنف الأخشاب علی أنها مواد لیفیة مسلحةFiber -reinforced )( composite material تدخل ضمن صنف المواد الخلیطة- أی المجموعة الرابعة- التی تختلف فی خصائصها عن صنف اللدائن، و قد أدخلتها ضمن صنف اللدائن بسبب ترکیبها اللیفی (إنه مجرد اختلاف فی التصنیف).
(3) أساسیات المواد الهندسیة، بیتر ثورنتون، ص 5- 8.
المادة و الطاقة، ص: 52
4- مجموعة الخلیطMixing Materials : و هی خلیط من المجامیع الثلاثة الأولی بنسب مختلفة و حسب الحاجة کما هو الحال فی خلط المعادن و الفخاریات فی وسط لدائنی، أو ألیاف فخاریة فی وسط معدنی، أو ألیاف لدائنیة فی وسط لدائنی. و من تطبیقات هذه المجموعة الواسعة الاستخدام فی الهندسة الإنشائیة ما یعرف بالسمنت و الخرسانة و الإسفلت و غیرها من الأنواع «1»، و تعتبر هذه المجموعة الأوسع استخداما فی حیاتنا المعاصرة.
هذه المجامیع الأربعة تشکل ما یسمی بالمواد الهندسیة الصلبة، السائلة و الغازیة و هناک أیضا حالة البلازما، و الحالة الاضطرابیة، و حالة مادة الظلام الکونی و هی الحالات الرابعة و الخامسة و السادسة للمادة کما أشرنا إلی ذلک فی بدایة الکتاب و فی هذا تفصیل کثیر. التقسیمات للمجموعات الأربعة السابقة الذکر هی فی حقیقة أمرها تتعلق بمجموعة علوم بدءا من الترکیب النووی‌Nuclear Structure ، و الإلکترونی‌Electronic Structure ، فالذری‌Atomic Structure ، فالترکیب المتکون لمجموعة ذرات‌Molecular Structure ، فالترکیب الکریستالی أو البلوری‌Crystal Structure ، ثم الترکیب المایکروی‌Micro -Structure ، ثم الماکروی‌Macro Structure ، صعودا إلی الترکیب الأکبر ثم المنشآت الأکبر حتی المنشآت المتوسطة و الکبیرة فالأراضی فالمساحات الواسعة ثم القارات ثم الکواکب و النجوم و الأفلاک عند ما نصعد إلی السماوات و عوالمها و آفاقها غیر المنتهیة.
______________________________
(1) أساسیات المواد الهندسیة، بیتر ثورنتون، ص 8، 9.
المادة و الطاقة، ص: 53
المواد الثلاث الأساسیة: من الیسار- الفخاریات مثل الزجاج، المعادن، اللدائن مثل المطاط (شجر المطاط الطبیعی)-، جاء ذکر هذه الأنواع فی القرآن الکریم.
إذن لما ذا لا تنحل المادة و تزول، و لما ذا لا نتلاشی نحن و نغرق، و لما ذا لا تذوب الأشیاء من حولنا؟. و الجواب طبعا هی تلک القوی الترابطیة المهولة و هی التجاذب النووی للإلکترون و یعاکسه و یساویه التنابذ الإلکترونی للنواة و محصلتها صفرا و لهما حامل واحد یمر من مرکز الذرة و بذلک تتزن حرکة الإلکترون دینامیکیا حول نواة الذرة فلا یقع أحدهما علی الآخر، و بسبب هذا تکتسب کل ذرات الکون استقرارا و صلابة فی بنیتها فتحفظ من الزوال و الانحلال فلا تنطفئ شحنتها الکهربیة، فلا تتفتت المادة متحولة إلی غبار دقیق لا مرئی مکون من البروتونات و النیوترونات و الکترونات الخامدة التی لا یربطها مع بعضها شی‌ء سوی التلاطم و التصادم، و بالتالی لا یزول الکون «1».
______________________________
(1) د. مخلص الریس، د. علی موسی، (الکون و الحیاة من العدم حتی ظهور الإنسان)، ص 13، بتصرف.
المادة و الطاقة، ص: 54
جزیئة الماء (H 2 O( بناء من ذرتی هیدروجین و ذرة أوکسجین فیکون الوزن الجزیئی (33)، عن موسوعة إنکارتا العلمیة 2000

احتراق و فناء المادة «1»

تعرف النار علمیا کل عملیة احتراق أو تدمیر ذری یصاحبه طاقة حراریة أحس بها الإنسان أم لم یحس. و عادة ما یصاب الاحتراق تحرر لعنصر الکربون و مرکباته و خصوصا غاز أول أوکسید الکربون و کذلک غاز ثانی أوکسید الکربون (CO 2( الذی له وزن جزیئی مقداره 44 علی هیئة دخان. و کل مادة من مواد الکون لها درجة اتقاد أو اشتعال تبدأ بالاحتراق عندها، و عند اشتعالها تتحرر المادة المکونة لها فتدمر ذراتها محررة طاقة حراریة تبدو للعین البشریة بهیئة لهیب أو ضوء براق علی شکل غازی ذی ألوان مختلفة تبعا لنوعیة المادة المکونة. و تختلف درجات حرارة النیران تبعا للمواد التی تحترق، فهناک من النیران ما تصل درجة حرارته إلی آلاف الدرجات المئویة، و هناک ما تکون درجات حرارته مئات الدرجات، بینما هناک نیران ذات درجات المئویة، و هناک ما تکون درجات حرارته مئات الدرجات، بینما هناک نیران ذات درجات حراریة قلیلة و قسم منها یسمی النیران الباردة أی التی لا تؤذی الإنسان لأن درجة حرارتها أقل من درجة حرارة الجسم. کما و یمکن زیادة درجة حرارة النار بعدة طرق منها حصرها فی حیز ضیق مما یشکل ضغطا حراریا یضاعف درجات الحرارة کما هو الحال فی قدر
______________________________
(1) انظر کتابنا (المنظار الهندسی للقرآن الکریم)، الباب الثانی، الفصل الأول، النیران، ص 333- 339، ففیه تفاصیل إضافیة.
المادة و الطاقة، ص: 55
الضغط و الأفران، أو بإضافة مواد له درجات ذوبان و صهر و اشتعال عالیة تزید من درجات حرارة الحریق، و علی العکس من هذا یمکن أن نقلل من درجة حرارة الحریق باستخدام طرق معاکسة للطرق فی الحالة الأولی. و قد یکون الاحتراق هو أکسدة أی تفاعل المادة مع الأوکسجین کما هو الحال فی حالات لا حصر لها من التفاعلات الحاصلة فی الکیمیاء الحیاتیة و غیرها و منها احتراق أو أکسدة الکلوکوز داخل الجسم و کما سنفصل لاحقا. تعرف موسوعة إنکارتا العلمیة النار بأنها:
هی الضوء و الحرارة الناتجة من اتحاد الأوکسجین و فی بعض الحالات الکلور بشکله الغازی مع مواد أخری. الضوء یکون بشکل لهیب ناتج من توهج دقائق المادة المحترقة مع نواتج غازیة معینة و التی تکون مضیئة بدرجة حرارة المادة المشتعلة. الشروط اللازمة لتکون النار هی وجود جوهر احتراقی، درجة حرارة تصل بالمادة إلی درجة اتقادها، وجود الأوکسجین فی بیئة الاحتراق أو الکلور لتمکین الاحتراق من الاستمراریة. و یمکن الوصول بالمواد إلی درجة اتقادها من سبیلین الاحتکاک و الطرق، فبالأولی ترتفع درجة حرارة المادة حتی تصل إلی درجة الاتقاد فیبدأ الاشتعال، و بالثانیة تحصل شرارة یبدأ بعدها الاشتعال.
فإذا ما توفر الأوکسجین أو الکلور الغازی استمر الحریق و إلا فإنه یخمد، أما إذا توفر وقود یساعد علی الاشتعال فإن الحریق سیکون أکبر و أطول عمرا. حصل فی القرون الثلاثة الأخیرة تطور کبیر فی کیفیة تکوین الشرارة اللازمة لإحداث الحریق، إذ تم استخدام تقنیة الطرق بین الصوان و الحدید للحصول علی شرارة قدح، ثم فی عام 1827 م تم اکتشاف طریقة أعواد الثقاب للحصول علی شرارة، حیث عن طریق الاحتکاک تصل المرکبات الموجودة فی رأس العود إلی درجة اتقادها فیبدأ اشتعال المادة فیها. هناک طرق أخری للحریق اکتشفت لاحقا منها ترکیز ضوء الشمس علی نقطة من المادة المطلوب حرقها بواسطة عاکس إلی أن تصل إلی درجة اتقادها فتبدأ بالاشتعال. و قد عرف الإنسان النار منذ حقب زمنیة سحیقة بعد أن عرفها تخرج من البراکین و من الأشجار المشتعلة بسبب الحرارة العالیة، ثم عرف أهمیتها فاستخدمها کما هی من ما حوله، ثم عرف کیف یکونها، و أخیرا عرف کیف یکافحها و یسیطر علیها. و عموما لا یمکن لحیاة الناس أن تستقیم بدون النار و فوائدها التی لا تحصی إذ إنها فی عصر التقنیة الیوم أصبحت تشکل العمود الفقری لکل الفعالیات المتطورة فی مجالات عدیدة کالهندسة و الصناعة و المواصلات و الاتصالات و غیرها الکثیر «1».
______________________________
(1) الموسوعة العالمیة، موسوعة انکارتا 2000، النار، بتصرف.
المادة و الطاقة، ص: 56
لعلنا لا نجافی الحقیقة إذا قلنا أن جمیع الدراسات الحدیثة بعد الثورة الأنشتاینیة و ما تبع ذلک من إثباتات ماکسویل و غیرهم من عظماء الفیزیاء الحدیثة تعتمد فی دراساتها بأن سرعة الضوء و الموجات الکهرومغناطیسیة هی السرعة القصوی فی الکون، و ظل مقدارها الانشتاینی (299800 کم/ ثا) أی حوالی 300000 (کم/ ثا) حتی العام 1983 میلادی حین أثبت أن المقدار المضبوط هو (299792485 (کم/ ثا)، إلا أن هذه الحقیقة هی أیضا لیست نهائیة و باعتراف العلماء أنفسهم .. یقول إینشتاین فی نسبیته أنک لو سرت بسرعة الضوء فإن کتلتک ستصبح هائلة و ستتحول إلی طاقة، أما إذا سرت بأسرع من ذلک فإنک ستعود إلی الزمن الماضی (Background Time(. و دلیل هذا من العلوم التطبیقیة ما یلاحظ فی اختبارات الأحلام و الباراسایکولوجی فی ما یسمی بالنوم العمیق أو نوم الریم (Rem Sleep( الذی تحدث فیه الأحلام، إذ أن الحالم یری أحداث کثیرة جدا تستغرق ساعات طوال بل و حتی أیام بقیاس زمننا الأرضی یراها خلال ثوانی معدودات، کما و أن الدراسات التی أجریت بتقنیة الخروج من الجسد فی الباراسایکولوجی و ما یعانیه صاحب التجربة من إرهاصات و أحداث موثقة علمیا فتراه یری شریطا کاملا لأحداث حیاته خلال ثوانی قلیلة، فکیف یکون کل ذلک؟.
أثبتت وکالة ناسا الفضائیة الأمریکیة أن جسیمات ألفا فی الماء تسیر بسرعة أکبر من الضوء و کذلک جسیمات الجاذبیة المسماة علمیا (کرافیتونات) هی أسرع من الضوء أیضا .. کما و أن هناک دراسات الآن تجری علی مادة الظلام فی الکون و المسماة (Dark Mater( لمعرفة إمکانیة سریانها بسرعة أسرع من الضوء .. إذن هناک فعلا سرعة أکبر من الضوء و أن سرعة الضوء لیست السرعة المطلقة فی الکون و علوم الفیزیاء.
إن من الثابت علمیا أن عملیة نقل الأجسام مکانیا یتطلب إلغاء الجسم من مکانه الأول و استحداثه فی مکانه الجدید و هو یختلف عن النقل التلفازی الذی ینقل صورة الجسم و لیس الجسم نفسه، و لکی یکون هذا بسرعة الضوء فیتطلب الأمر تحول المادة إلی طاقة ثم رجوعها مادة مرة ثانیة فما بالک بسرع أکبر من سرعة الضوء «1».
______________________________
(1) د. خالد العبیدی، (المنظار الهندسی للقرآن الکریم)، دار المسیرة، عمان، ص 685.
المادة و الطاقة، ص: 57

الفصل الثانی هندسة الذرة فی القرآن الکریم‌

ذکر حالات الطاقة و المادة تصریحا و تلمیحا فی القرآن الکریم‌

بناء علی ما تقدم من تفصیل علمی یتبین أن للذرة وجهین: وجه یمثل المادة بأصغر أشکالها، و وجه یمثل الطاقة بإشعاعها، و الاثنان معا متداخلان بشکل لا یمکن فصله إذا ما أردنا أن نفهم حقیقة الذرة، و علیه فالذرة هی المفتاح لوجهی العملة المادة و الطاقة ..
فهمنا لهذه الحقیقة یجعلنا نتساءل أ کان للسبق القرآنی فی هذا المجال من سبیل؟!، و هل یعنی ذلک ذکر القرآن الکریم للذرة و محتویاتها المکونة للمادة و الطاقة تصریحا أو تلمیحا أو استنباطا؟ .. الجواب فی هذا الفصل لیتبین لکل من یرید أن یفهم یتجرد کم هی عظمة هذا الدین.

الذرة و نواتها فی القرآن الکریم‌

وردت کلمة ذرة فی القرآن الکریم (6) مرات فی سور النساء و یونس و سبأ و الزلزلة، و کلمة النوی مرة واحدة فی سورة الأنعام:
1. إِنَّ اللَّهَ لا یَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَ إِنْ تَکُ حَسَنَةً یُضاعِفْها وَ یُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِیماً (40) (النساء: 40).
2. وَ ما تَکُونُ فِی شَأْنٍ وَ ما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَ لا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا کُنَّا عَلَیْکُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِیضُونَ فِیهِ وَ ما یَعْزُبُ عَنْ رَبِّکَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِی الْأَرْضِ وَ لا فِی السَّماءِ وَ لا أَصْغَرَ مِنْ ذلِکَ وَ لا أَکْبَرَ إِلَّا فِی کِتابٍ مُبِینٍ (61) (یونس: 61).
3. وَ قالَ الَّذِینَ کَفَرُوا لا تَأْتِینَا السَّاعَةُ قُلْ بَلی وَ رَبِّی لَتَأْتِیَنَّکُمْ عالِمِ الْغَیْبِ لا یَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِی السَّماواتِ وَ لا فِی الْأَرْضِ وَ لا أَصْغَرُ مِنْ ذلِکَ وَ لا أَکْبَرُ إِلَّا فِی کِتابٍ مُبِینٍ (3) (سبأ: 3).
المادة و الطاقة، ص: 58
4. قُلِ ادْعُوا الَّذِینَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا یَمْلِکُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ فِی السَّماواتِ وَ لا فِی الْأَرْضِ وَ ما لَهُمْ فِیهِما مِنْ شِرْکٍ وَ ما لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِیرٍ (22) (سبأ: 22).
5. فَمَنْ یَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَیْراً یَرَهُ (7) (الزلزلة: 7).
6. وَ مَنْ یَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا یَرَهُ (8) (الزلزلة: 8).
7.* إِنَّ اللَّهَ فالِقُ الْحَبِّ وَ النَّوی یُخْرِجُ الْحَیَّ مِنَ الْمَیِّتِ وَ مُخْرِجُ الْمَیِّتِ مِنَ الْحَیِّ ذلِکُمُ اللَّهُ فَأَنَّی تُؤْفَکُونَ (95) (الأنعام: 95)

وجه الإعجاز:

اشارة

إن التدبر البسیط و المعالجة العلمیة الدقیقة للنصوص القرآنیة التی ذکرت الذرة و النواة تصریحا أو تلمیحا أو استنباطا بواسطة اللغة و التفاسیر و الأحادیث النبویة الشریفة یرینا بوضوح کیف أن القرآن الکریم سبق العلوم بوصف دقیق للذرة.
صحیح أن مفردة الذرة فی لغة العرب لا تعنی بالضرورة معنی الجزء الذی لا ینقسم کما فسرت علمیا و کما یحتج البعض ممن تعجل الحکم، لکن المتدبر لألفاظها القرآنیة و بیان و بلاغة ذکرها و محل ورودها و تصاریفها اللغویة و إعرابها النحوی و عدد تکرارها لیعلم علم الیقین أن المقصود من مفرداتها لیس المعنی اللغوی و إنما المعنی الاصطلاحی لصغر الأشیاء، و إنما ذکرت بهذا اللفظ للتعبیر عن الصغر من جهة، و لحکمة من اللّه تعالی لما سیکون من أمر العلم لاحقا بعد عهد النزول بمئات السنین، و إلیکم التفاصیل:

1- الذرة و مثقالها لغة و اصطلاحا و تفسیرا:

یقول اللّه تعالی ... لا یَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِی السَّماواتِ وَ لا فِی الْأَرْضِ وَ لا أَصْغَرُ مِنْ ذلِکَ وَ لا أَکْبَرُ ...، قد یقول قائل أن الذرة فی القرآن لا تعنی الذرة بمفهومنا الحالی، فنقول و باللّه التوفیق:
تعرف الذرة فی اللغة من أنها الهبأة أو النملة فقد جاء فی مختار الصحاح و لسان العرب عنها (الذّرّ) جمع (ذرّة) و هی أصغر النمل و منه سمی الرجل (ذرّا) و کنّی (أبو ذرّ). و قال أیضا: (المذری) خشبة ذات أطراف یذری بها الطعام و تنقی بها الأکداس و منه (ذرّی) تراب المعدن إذا طلب منه الذهب. و (الذرة) حب معروف .. و الذرة هو النمل الأحمر و هو صغار النمل و قیل أنها رأس النملة و قیل أن مائة منها تزن حبة شعیر،
المادة و الطاقة، ص: 59
و قیل هی ما یری فی شعاع الشمس إذا دخل النافذة، و قیل هو ما تحمله الریح من تراب و نحوه، و قیل هو حب الخردل، و قیل هو الهبأة «1».
و أما المثقال فهو تصریفا من فعل ثقل و مصدره إثقال، و المثقال هو الوزن و جمعه مثاقیل و یقال للآلة التی یوزن بها میزان و أصله موزان و یجمع موازین و یجوز القول للواحد بصیغة الجمع، و معناه یدل علی الوزن قیل هو عشرون قیراطا و قیل غیر ذلک.
و مثقال علی وزن مفعال، و عند الصرفیین یحکم بزیادة المیم متی سبقت أکثر من أصلین و لم تلزم الاشتقاق کمحمود و منطلق و مفتاح، و هذا الوزن عادة ما یستخدم أما اسم آلة أو صیغة مبالغة و هی ما یبالغ فی وصف الحدث. فإذا کان الأول فإن معناه ما توزن به الذرة، و إن کان الثانی- و هو الأرجح- فمعناه المبالغة فی تصغیر الذرة «2».
و فی علم البلاغة هناک الحقیقة و المجاز و معلوم أن المجاز أبلغ من الحقیقة، و هنا فإن مثقال ذرة تحمل علی المجاز استعارة کانت أم کنایة «3». هذا فضلا علی أن هناک جناسا تاما فی الأمر و هو أن مثقال ذرة فی النساء و الزلزلة تتعلق بالأعمال و هی توزن وزنا یوم القیامة لقوله تعالی وَ نَضَعُ الْمَوازِینَ الْقِسْطَ لِیَوْمِ الْقِیامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَیْئاً وَ إِنْ کانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَیْنا بِها وَ کَفی بِنا حاسِبِینَ (47) (الأنبیاء: 47)، بینما فی یونس و سبأ فإنها تتعلق بحجم الأمور التی مهما صغرت فإنها لا تغیب عن ربها تبارک و تعالی علی أنه فی سبأ (22) یمکن حملها علی الوزن و الحجم معا. إذن فإن مثقال ذرة یمکن حملها علی الوزن تارة و علی الحجم تارة أخری، و تارة کلیهما.
و فی لفظ حدیث الشفاعة الطویل یقول اللّه تعالی فی الحدیث القدسی: (ارجعوا فمن وجدتم فی قلبه أدنی أدنی مثقال ذرة من إیمان فأخرجوه من النار) فیخرج خلق کثیر.
و أما قوله تعالی (وَ لا أَصْغَرَ مِنْ ذلِکَ) فلا نافیة بمعنی لیس، أی کل ما هو أصغر من
______________________________
(1) انظر مختار الصحاح للرازی و لسان العرب لابن منظور و تفاسیر ابن عباس و الجلالین و الطبری و القرطبی و ابن کثیر و غیرهم.
(2) انظر شذا العرف فی فن الصرف للحملاوی، و القرص المدمج (الصرف العربی)، و کذلک القرص المدمج (لسان العرب- الصرف-) و هی من إصدارات الجامعة العربیة.
(3) انظر التلخیص فی علوم البلاغة للقزوینی، دار الکتب العلمیة، بیروت، و کذلک القرص المدمج (لسان العرب- البلاغة-) و هو من إصدارات الجامعة العربیة.
المادة و الطاقة، ص: 60
ذلک ..
و أما قوله تعالی فی سورة الأنعام (فالِقُ الْحَبِّ وَ النَّوی) ففسرها المفسرون علی أن النوی هنا هو نواة الثمر الذی إذا ما زرع و هو میت فإنه سینبت و یخرج شجرا حیا، و لکن الأمر یتطلب منا البحث فی کلمة (فالق) و معانیها و أسانیدها اللغویة ..
الفلق لغة هو الشق و الفصل یقول اللّه تعالی: فَأَوْحَیْنا إِلی مُوسی أَنِ اضْرِبْ بِعَصاکَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَکانَ کُلُّ فِرْقٍ کَالطَّوْدِ الْعَظِیمِ (63) (الشعراء: 63)، أی فانشق البحر .. و یقول تعالی قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) (الفلق: 1)، و قد فسرت هنا بأنه الصبح .. و لنتدبر قوله تعالی فی سورة الأنعام.
* إِنَّ اللَّهَ فالِقُ الْحَبِّ وَ النَّوی یُخْرِجُ الْحَیَّ مِنَ الْمَیِّتِ وَ مُخْرِجُ الْمَیِّتِ مِنَ الْحَیِّ ذلِکُمُ اللَّهُ فَأَنَّی تُؤْفَکُونَ (95) فالِقُ الْإِصْباحِ وَ جَعَلَ اللَّیْلَ سَکَناً وَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ حُسْباناً ذلِکَ تَقْدِیرُ الْعَزِیزِ الْعَلِیمِ (96) وَ هُوَ الَّذِی جَعَلَ لَکُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِی ظُلُماتِ الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآیاتِ لِقَوْمٍ یَعْلَمُونَ (97) وَ هُوَ الَّذِی أَنْشَأَکُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَ مُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآیاتِ لِقَوْمٍ یَفْقَهُونَ (98) (الأنعام: 95- 98).
قال القرطبی فی تفسیر الآیات المبارکات من سورة الأنعام ما نصه: (عد من عجائب صنعه ما یعجز عن أدنی شی‌ء منه آلهتهم. و الفلق: الشق؛ أی یشق النواة المیتة فیخرج منها ورقا أخضر، و کذلک الحبة. و خرج من الورق الأخضر نواة میتة و حبة؛ و هذا معنی یخرج الحی من المیت و مخرج المیت من الحی؛ عن الحسن و قتادة. و قال ابن عباس و الضحاک: معنی فالق خالق. و قال مجاهد: عنی بالفلق الشق الذی فی الحب و فی النوی. و النوی جمع نواة. و یجری فی کل ما له کالمشمش و الخوخ) .. بینما فسرها ابن کثیر (یخبر تعالی أنه فالق الحب و النوی أی یشقه فی الثری فتنبت منه الزروع علی اختلاف أصنافها من الحبوب و الثمار علی اختلاف ألوانها و أشکالها و طعومها من النوی و لهذا فسر قوله" فالِقُ الْحَبِّ وَ النَّوی" بقوله" یُخْرِجُ الْحَیَّ مِنَ الْمَیِّتِ وَ مُخْرِجُ الْمَیِّتِ مِنَ الْحَیِ" أی یخرج النبات الحی من الحب و النوی الذی هو کالجماد المیت کقوله وَ آیَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَیْتَةُ أَحْیَیْناها وَ أَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا فَمِنْهُ یَأْکُلُونَ (33) إلی قوله وَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَ مِمَّا لا یَعْلَمُونَ و قوله" وَ مُخْرِجُ الْمَیِّتِ مِنَ الْحَیِ" معطوف علی" فالِقُ الْحَبِ
المادة و الطاقة، ص: 61
وَ النَّوی" ثم فسره ثم عطف علیه قوله" وَ مُخْرِجُ الْمَیِّتِ مِنَ الْحَیِ" و قد عبروا عن هذا و هذا بعبارات کلها متقاربة مؤدیة للمعنی فمن قائل یخرج الدجاجة من البیضة و عکسه و من قائل یخرج الولد الصالح من الفاجر و عکسه و غیر ذلک من العبارات التی تنتظمها الآیة و تشملها. ثم قال تعالی" ذلِکُمُ اللَّهُ" أی فاعل هذا هو اللّه وحده لا شریک له" فَأَنَّی تُؤْفَکُونَ" أی کیف تصرفون عن الحق و تعدلون عنه إلی الباطل فتعبدون معه غیره).
و فالق الإصباح أی شاقة أو کاشفة و فاصله عن الظلمات، و فی الحدیث: (اللهم فالق الإصباح و جاعل اللیل سکنا و الشمس و القمر حسبانا أقض عنی الدین و أغننی من الفقر و أمتعنی بسمعی و بصری و قوتی فی سبیلک) «1» ..
و هذا یعنی أن الاستخدام اللغوی لکلمة الفلق هو شق الصبح أو البحر أو الحب و الثمار «2».

2- الحقائق الذریة و النوویة القرآنیة:

اشارة

إذا ما عملنا بالتفسیر الموضوعی و هو تفسیر القرآن بالقرآن نقول و باللّه التوفیق:

2- 1. الدلیل القرآنی فی أن معنی الذرة لا یقتصر علی ما ذکره المفسرون الأوائل:

لو کان معنی الذرة یقتصر علی النمل و الهبأة لاقتصر ذکرها علی الأرض فقط و لما ذکرت فی السماوات لأن اللّه تعالی یقول فی مکان آخر: إِنَّ فِی خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ اخْتِلافِ اللَّیْلِ وَ النَّهارِ وَ الْفُلْکِ الَّتِی تَجْرِی فِی الْبَحْرِ بِما یَنْفَعُ النَّاسَ وَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْیا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَ بَثَّ فِیها مِنْ کُلِّ دَابَّةٍ وَ تَصْرِیفِ الرِّیاحِ وَ السَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَیْنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ لَآیاتٍ لِقَوْمٍ یَعْقِلُونَ (164) (البقرة: 164)،* وَ ما مِنْ دَابَّةٍ فِی الْأَرْضِ إِلَّا عَلَی اللَّهِ رِزْقُها وَ یَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَ مُسْتَوْدَعَها کُلٌّ فِی کِتابٍ مُبِینٍ (6) (هود: 6). و فی لقمان (10): خَلَقَ السَّماواتِ بِغَیْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها وَ أَلْقی فِی الْأَرْضِ رَواسِیَ أَنْ تَمِیدَ بِکُمْ وَ بَثَّ فِیها مِنْ کُلِّ دابَّةٍ وَ أَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا فِیها مِنْ کُلِّ زَوْجٍ کَرِیمٍ (10). أما قوله تعالی فی الشوری (29): وَ مِنْ آیاتِهِ خَلْقُ
______________________________
(1) عن تفاسیر القرطبی و ابن کثیر و الجلالین.
(2) مکتبة التفسیر و علوم القرآن، قرص مدمج عن دار التراث بعمان.
المادة و الطاقة، ص: 62
السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما بَثَّ فِیهِما مِنْ دابَّةٍ وَ هُوَ عَلی جَمْعِهِمْ إِذا یَشاءُ قَدِیرٌ (29)، فقد قال أغلب المفسرین أنها الناس و الملائکة و ذهب البعض أن الدواب فی الأرض فقط دون السماء و قال آخرون أنها قد تکون فی السماء أیضا، بینما قال آخرون یقصد به التفرقة بین السماء و الأرض علی أن لفظ السماوات یشمل کل طبقاتها السبعة بدءا من الغلاف الجوی و انتهاء بالسماوات العلی. و علی أیة حال و بافتراض وجود حیاة أخری فی الکون فإن الدواب فی اللغة هو کل ما یدب علی أرض و من ضمنها النمل و هو یختلف عن الطیر و یؤید هذا قوله تعالی وَ ما مِنْ دَابَّةٍ فِی الْأَرْضِ وَ لا طائِرٍ یَطِیرُ بِجَناحَیْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُکُمْ ما فَرَّطْنا فِی الْکِتابِ مِنْ شَیْ‌ءٍ ثُمَّ إِلی رَبِّهِمْ یُحْشَرُونَ (38) (الأنعام: 38)، و فی النور (45) خَلَقَ کُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ یَمْشِی عَلی بَطْنِهِ وَ مِنْهُمْ مَنْ یَمْشِی عَلی رِجْلَیْنِ وَ مِنْهُمْ مَنْ یَمْشِی عَلی أَرْبَعٍ یَخْلُقُ اللَّهُ ما یَشاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلی کُلِّ شَیْ‌ءٍ قَدِیرٌ (45)، و إذن یستوجب هذا معنی آخر للذرة غیر النملة و الخردل و ما تحمله الریح و الهبأة و غیر ذلک من التفاسیر التی ذکرناها فی معنی الذرة و هو علی الأرجح ما ذهبنا إلیه، و اللّه أعلم.

2- 2. الدلیل القرآنی فی صغر المواد التی لا تبصرها العین البشریة:

یقول اللّه تعالی فی سورة الحاقة (38، 39) فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ (38) وَ ما لا تُبْصِرُونَ (39).
و (ما) فی الآیة کما معروف تستخدم لغة لغیر العاقل و النملة یمکن أن تبصرها مهما صغرت فما بالک بأهل البادیة الذین یمتلکون بصرا ثاقبا، إذن الذرة تدخل ضمن ما لا نبصر، و اللّه أعلم.

2- 3. الدلیل القرآنی فی الزوجیة فی کل شی‌ء:

کما رأینا آنفا فقد أثبت العلم أن لکل شی‌ء نظیره و ضدیده، فإذا کان الإنسان یری وجهه فی المرآة و ظله علی الأرض، فإن للمادة نفس هذه الخاصیة فی جدلیة عجیبة، و مضاد المادة هذا لیس روحا و لا ظلا و لکنه مادة مثل المادة الأصلیة، و لکن بشکل متناظر یرجع فیه التناظر إلی البناء المقلوب للذرة «1».
یقول اللّه تعالی وَ مِنْ کُلِّ شَیْ‌ءٍ خَلَقْنا زَوْجَیْنِ لَعَلَّکُمْ تَذَکَّرُونَ (49) (الذاریات: 49)،
______________________________
(1) د. خالص جلبی و د. هانی رزق، الإیمان و التقدم العلمی، دار الفکر المعاصر، بیروت، بتصرف.
المادة و الطاقة، ص: 63
و هنا تصریح قرآنی واضح فی أن کل شی‌ء له زوج یعاکسه فی الصفات و عند اجتماعهما تحصل الاستقراریة و الثبات بالضبط کما یحصل للبشر، فتری الإنسان یسعی بشتی الوسائل إلی أن یحظی برضی الحبیبة فیکون مضطربا نفسیا فإذا حصل الزواج و الاقتران استقرت النفس و هدأت الجوارح، و هذا ما یوضحه القرآن الکریم بقوله عز و جل: وَ مِنْ آیاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَکُمْ مِنْ أَنْفُسِکُمْ أَزْواجاً لِتَسْکُنُوا إِلَیْها وَ جَعَلَ بَیْنَکُمْ مَوَدَّةً وَ رَحْمَةً إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیاتٍ لِقَوْمٍ یَتَفَکَّرُونَ (21) (الروم: 21)، فعبر عن السکینة و الاستقرار النفسی بعد اقتران النفس بزوجها، و کأن قبل ذلک تکون حالة النفس باضطراب دائم، و هو فعلا ما یحصل للنفس البشریة قبل اقترانها بزوجها. بل إن هذا القانون و هذه السنة الإلهیة تنطبق علی کل الأزواج باختلاف أنواعها، و هذا ما أثبته العلم الحدیث و خصوصا فی العوالم الذریة و ما دونها و قد فصلناه آنفا.
و لم یکتف القرآن الکریم بهذا بل لمّح بأن هناک عوالم لا نعلمها تحمل صفة الزوجیة أیضا، و هو ما جاء فی قوله تعالی فی سورة یس (36) سُبْحانَ الَّذِی خَلَقَ الْأَزْواجَ کُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَ مِمَّا لا یَعْلَمُونَ (36). و (من) هی للعاقل (مِنْ أَنْفُسِهِمْ)، بینما (ما) فی هذه الآیة هی لغیر العاقل النبات (مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ) و الجماد (مِمَّا لا یَعْلَمُونَ) و تدخل الذرة طبعا ضمن هذا الجماد، أی أن الزوجیة هی سنة اللّه تعالی فی خلقه حیاته و جماده و بضمن ذلک الذرة، و أن الوحدانیة هی صفة الخالق عز و جل ...

2- 4. الدلیل القرآنی فی الانشطار و الاندماج النووین:

لو تدبرنا قوله تعالی فی سورة الأنبیاء: أَ وَ لَمْ یَرَ الَّذِینَ کَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ کانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما وَ جَعَلْنا مِنَ الْماءِ کُلَّ شَیْ‌ءٍ حَیٍّ أَ فَلا یُؤْمِنُونَ (30)، لعلمنا أن الرتق و الفتق هما بالواقع التعریف القرآنی للانشطار و الاندماج النووی. أما الرتق فهو لفظ قرآنی لا مثیل له و لا بدیل فی أی کلمات أخری غیر کلمات اللّه (RATQE( و لذلک لا یجوز ترجمته. و هو (فعلا) إلحام أو إدماج کتلتین مستقلتین من جوهر واحد أو من جوهرین مختلفین معا فی جسم واحد، و (اسما) هو الجسد الواحد من کتلتین مستقلتین من جوهر واحد أو من جوهرین مختلفین لیصبحا جسدا واحدا ممیزا بجوهر کتلتیه .. و أما أنواعه فی القرآن
المادة و الطاقة، ص: 64
فزوجان رتوق کهربائیة: و هی الذرات و تعریفها الجسد الواحد لکتلتین مختلفتین مستقلتین و ملتصقتین ببعضهما التصاقا متلامسا أو غیر متلامس، فالذرة هی رتق من زوجین اثنین من وحدات الطاقة الکهربائیة السالبة و الموجبة و التی أبسطها الرتق الخاص بذرة الهیدروجین التی تتکون من إلکترون واحد سالب الشحنة یدور حول نواة الذرة، و بروتون واحد موجب الشحنة داخل النواة ... رتوق مادیة: و هذا النوع من الرتوق فی السماء و الأرض هو الجسد الواحد من رتقین اثنین أو أکثر من الرتوق الکهربائیة من المتشابهات منها أو المختلفات، و أبسط صورها هو جزءی المادة، و الذی هو عبارة عن رتق مادی لذرتین أو أکثر متشابهات أو غیر متشابهات ...
و أما الفتق فی القرآن الکریم فهو (فعلا) فصل کتل الرتوق الکهربائیة و المادیة دون فقد لمکوناتها. و أما طرق و وسائل هذا الفتق فیختلف حسب نوع الرتق المعنی بالفصل، فتختلف الفتوق للرتوق الکهربیة عن صاحبتها الرتوق المادیة «1» ..
و یؤید هذا التوجه ما ذکرناه فی الآیات المتعلقة بکلمة (الفلق)، إذ أن من ضروب البلاغة القرآنیة ما یعرف بالبدیع و من فنونه المشاکلة، المزاوجة، مراعاة النظیر- و هو التناسب و التوفیق- کما فی قوله تعالی: الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ بِحُسْبانٍ (5) وَ النَّجْمُ وَ الشَّجَرُ یَسْجُدانِ (6) (الرحمن: 5- 6)، و کذلک العکس، التوریة، و الجمع مع التفریق و التقسیم کقوله تعالی فی سورة الشوری (49): لِلَّهِ مُلْکُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ یَخْلُقُ ما یَشاءُ یَهَبُ لِمَنْ یَشاءُ إِناثاً وَ یَهَبُ لِمَنْ یَشاءُ الذُّکُورَ (49) و غیرها من أصناف البلاغة القرآنیة «2» ..
کما و أنه لیس من البلاغة عطف الشی‌ء علی نفسه خصوصا فی الآیات التی تعدد آلاء اللّه تعالی المتنوعة، فالحب و النوی هی من نفس الأصناف و هو الزرع رغم اختلاف تصانیفها النباتیة- و هذا إعجاز علمی فی مجال علم النبات- و علیه فإن زاویة النظر إلی الآیة تکون أشمل إذا ما کان الجمع هنا لغرض التقسیم و التفریق و التفصیل بمعنی أن النوی هنا هو أصل کل المواد حیها و میتها و هی الذرة و نواتها. و من هنا یتبین لنا أن المعنی اللغوی و الاصطلاحی لکلمة (فالق) و هی علی وزن فاعل هو شاق أو فاصل، و کلمة
______________________________
(1) د. خالد العبیدی، (المنظار الهندسی للقرآن الکریم)، دار المسیرة، عمان.
(2) التلخیص فی علوم البلاغة للقزوینی، دار الکتب العلمیة، بیروت.
المادة و الطاقة، ص: 65
فلق هو الصبح، و کلمة نوی جمع نواة یراد به نوی الأثمار .. إلا أن البلاغة القرآنیة المعجزة تحیل الأمر إلی شمولیة أکبر و هی نواة الذرة و جمعها نوی. و یؤید هذا أن القسم الربانی العظیم قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1)، أکبر من کونه متعلقا بفلق الصبح أو فلق البحر التی ذکرها المفسرون الأوائل رحمهم اللّه تعالی و جازاهم بألف خیر، بل أن العملیة العظیمة التی تحصل فی الانشطار النووی و منها یعود أصل تکون الکون و خلقه تجعل الآیة تحمل هذه الشمولیة، فضلا عن أن الآیة فی سورة الأنعام تصرح بوضوح أن هذا الأمر فیه آیات و دلالات لقوم یعلمون فجعل اسما من أسماءه تبارک و تعالی (العلیم) من صفة هؤلاء القوم الذین یعلمون. و إذا نرید أن نضیف سببا آخر نقول أن المترادفات اللغویة (فتق)، (فرق)، (فالفلق) کلها تدور حول محور واحد و هو الشق و الفصل و لکن لکل واحدة منها مرحلة، فالفلق أول بدایة عملیة الفصل ثم یأتی بعده فی التدرج الفتق عند ما یتسع الشق و الفصل ثم الفرق عند ما یصبح الشیئین مفترقان و مختلفان تماما، و اللّه أعلم.

2- 5. الدلیل القرآنی فی وجود الذرات فی الکون:

لو لاحظنا الآیة (61) من سورة یونس فإن المصطلح القرآنی مثقال ذرة جاء أولا فی الأرض ثم السماء، بینما فی سبأ (3) جاء أولا فی السماوات ثم فی الأرض، و نحن نعلم أن التقدیم و التأخیر مقصود فی اللغة و هو من ضروب البلاغة. فإن هذا یعنی أن الذرات نفسها موجودة فی الأرض و غلافها (السماء الأولی) و المجموعة الشمسیة (السماء الثانیة) صعودا إلی بقیة السماوات، و هذا ما اکتشفه العلم الحدیث و بیناه آنفا.

2- 6. الدلیل القرآنی فی أجزاء و تقسیمات الذرة:

فی اللفظ القرآنی (من مثقال ذرة) الوارد فی یونس (61) نلاحظ أن حرف الجر (من) یفید التبعیض أی أجزاء الشی‌ء، و هو بهذا الوضع یعنی (من مثقال کل ما یتعلق بالذرة أو کل ما أصله ذرة) و بمعنی أوضح من مثقال کل شی‌ء یتبع جنس الذرة و یدخل فی ترکیبها «1». و فی قوله تعالی (وَ لا أَصْغَرَ) یوضح التفاصیل و التقسیمات العلمیة للذرة، و یدخل فی هذا التفصیل- أی و لا أصغر- قوله جل و علا فی الحدیث القدسی (أدنی أدنی) أی أن هناک مرحلتین أصغر من الترکیب الذری و هی ما اکتشفه العلم الحدیث مرحلة دقائق ال (الهادرونز) و منها النیوکلونات أی ما له کتلة و طاقة معا مثل النیوکلونات کالبروتونات
______________________________
(1) د. کارم السید غنیم، (الإشارات العلمیة فی القرآن الکریم بین الدراسة و التطبیق)، بتصرف.
المادة و الطاقة، ص: 66
و النیوترونات، و من ثم مرحلة الدقائق الطاقیة فقط مثل الکوارکات و الأوتار، و اللّه أعلم.

2- 7. الإشارة القرآنیة فی أن المادة و الطاقة وجهان لعملة واحدة:

اللفظ القرآنی (مثقال ذرة) یشیر بوضوح إلی وحدة المادة- المادة تعرف بکتلتها أو ثقلها-، و کذلک تعرف بأصغر دقیقة فیها و هی الذرة. کما و یشیر اللفظ القرآنی إلی الطافة التی تترکب منها دقائق الذرة، فهو یشیر إذن إلی المادة و الطاقة معا. و هنا نذکر أن العالم دی بروجلی نال جائزة نوبل لأبحاثه فی هذا المجال عام 1929 م «1».

2- 8. الإشارة القرآنیة فی إمکانیة تحول المادة إلی الطاقة و بالعکس:

أشار القرآن الکریم بآیات تصریحیة واضحة إلی أن المادة و الطاقة یتحول کل منهما إلی الآخر، و العرض التالی یوضح ذلک بالتفصیل:
* خلق اللّه الملائکة من نور- و هو طاقة-، و الجن من مارج نار و المارج هو خلاصة الدخان الأسود الذی یخرج من القندیل- و هو طاقة أیضا و لکنه أکثف من الحالة الأولی أی أقل شحنة و أقل سرعة- و الإنس من طین مادی و هذا موضح فی آیات کثیرات و فی أحادیث شریفة عدیدة. یقول اللّه تعالی: وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (26) وَ الْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ (27) (الحجر: 26- 27) ..
و فی الحدیث الذی أخرجه مسلم: (حدّثنا محمّد بن رافع و عبد بن حمید قال عبد أخبرنا و قال ابن رافع حدّثنا عبد الرّزّاق أخبرنا معمر عن الزّهریّ عن عروة عن عائشة قالت قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم خلقت الملائکة من نور و خلق الجانّ من مارج من نار و خلق آدم ممّا وصف لکم) «2».
* طاقة نور الملائکة هی و اللّه أعلم طاقة الضوء و هی فی التعریف العلمی تسمی فوتونات، و کما عرفنا أن طاقة الفوتون عالیة جدا، بینما طاقة النار علی اختلاف أشکالها و درجاتها الحراریة المعتمدة أصلا علی نوع المادة المحروقة و نوع التفاعل و ظروفه أقل بکثیر من طاقة الفوتون إلا أنها بالتأکید أعلی من طاقة الدقیقة المادیة فی الذرة المستقرة کیمیائیا، فالاحتراق علمیا هو عملیة هدم الذرات و تحولها إلی طاقة حراریة.
______________________________
(1) د. کارم السید غنیم، (الإشارات العلمیة فی القرآن الکریم بین الدراسة و التطبیق)، بتصرف.
(2) رقم الحدیث 5314- باب الزهد و الرقائق-، و فی مسند أحمد باقی مسند الأنصار برقم (24038، 24186)
المادة و الطاقة، ص: 67
کذلک فإن دقیقة المادة- کرافیتون- و دقیقة الطاقة- فوتون- یشکلان دقائق متضادة و کما أوضحنا ذلک فی کلامنا عن الأبحاث الحدیثة فی مضمار الذرة و النسبیة.
* أشار القرآن الکریم فی آیات مبارکات عدیدة و خصوصا عند استعراض قصص الأنبیاء علیهم السلام الذین جاءتهم رسل اللّه من الملائکة متمثلین بشکل بشر، و کذلک تمثل الجن و الشیطان بشکل بشر، و الآیات و الأحادیث فی هذا کثیرة و لکننا سنذکر بعضا منها ... یقول اللّه تعالی فی سورة مریم الآیات (17- 21) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجاباً فَأَرْسَلْنا إِلَیْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِیًّا (17) قالَتْ إِنِّی أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْکَ إِنْ کُنْتَ تَقِیًّا (18) قالَ إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّکِ لِأَهَبَ لَکِ غُلاماً زَکِیًّا (19) قالَتْ أَنَّی یَکُونُ لِی غُلامٌ وَ لَمْ یَمْسَسْنِی بَشَرٌ وَ لَمْ أَکُ بَغِیًّا (20) قالَ کَذلِکِ قالَ رَبُّکِ هُوَ عَلَیَّ هَیِّنٌ وَ لِنَجْعَلَهُ آیَةً لِلنَّاسِ وَ رَحْمَةً مِنَّا وَ کانَ أَمْراً مَقْضِیًّا (21) و المرسل هو اللّه تعالی و المرسل هو جبریل علیه السلام إمام الملائکة و المرسل إلیها السیدة مریم علیها السلام، فتمثل لها الملک النورانی بهیئة بشر. و نری فی قصة الملائکة الذین أرسلوا إلی قوم لوط دلیل قرآنی آخر:
وَ لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِیمَ بِالْبُشْری قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِیذٍ (69) فَلَمَّا رَأی أَیْدِیَهُمْ لا تَصِلُ إِلَیْهِ نَکِرَهُمْ وَ أَوْجَسَ مِنْهُمْ خِیفَةً قالُوا لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنا إِلی قَوْمِ لُوطٍ (70) (هود: 69- 70)، فدلت الآیة أن التمثیل البشری للملائکة الکرام هو فی الشکل و الهیئة فقط، أما الماهیة فتضل من طاقة نورانیة إلا أنها تکثفت و أبطأت فاستطاعت العین البشریة أن تلتقطها لتراها و هو قوله تعالی: فَلَمَّا رَأی أَیْدِیَهُمْ لا تَصِلُ إِلَیْهِ نَکِرَهُمْ وَ أَوْجَسَ مِنْهُمْ خِیفَةً ...، أی أنهم عند ما مدوا أیدیهم إلی مادة الطعام- و هو العجل- اخترقتها و لم تمسکها. بل إن القرآن صرح بالقانون الإلهی العظیم فی أن عملیة تحول الملائکة- و هم نور- إلی بشر- و هم مادة- سیؤدی بالناظر إلی ضبابیة و اضطراب فی الفهم، فلا یمکن إدراک نور الملائکة بصفتها الحقیقیة إلا بعد أن تقل طاقتها و تبطأ سرعتها لتدرکها العین البشریة، فإذا ما رأی الناس الملائکة بصفة بشر اضطربت علیها الأمور و ظنت أن المقابل کائن بشری مادی اعتیادی، و یتضح هذا فی قوله تعالی فی سورة الأنعام (8- 9): وَ قالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَیْهِ مَلَکٌ وَ لَوْ أَنْزَلْنا مَلَکاً لَقُضِیَ الْأَمْرُ ثُمَّ لا یُنْظَرُونَ (8) وَ لَوْ جَعَلْناهُ مَلَکاً لَجَعَلْناهُ رَجُلًا وَ لَلَبَسْنا عَلَیْهِمْ ما یَلْبِسُونَ (9).

2- 9. الدلیل القرآنی فی التفرقة بین مادة النور و مادة الظلام:

یقول اللّه تعالی فی
المادة و الطاقة، ص: 68
سورة الأنعام (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ جَعَلَ الظُّلُماتِ وَ النُّورَ ثُمَّ الَّذِینَ کَفَرُوا بِرَبِّهِمْ یَعْدِلُونَ (1)، و هنا دلیل قرآنی واضح یمثل الإشارة الأولی فی تأریخ البشریة فی أن مادة الظلام و مادة النور تختلفان و هذا ما عرف تجریبیا فی السنوات الأخیرة من القرن العشرین فقط و کما فصلناه فی البدایة.

2- 10. الدلیل القرآنی فی الجاذبیة:

ذکرنا فی بدایة هذا الفصل القوی الأربعة التی تحکم الکون، و منها قوة الجذب أو التجاذب أو ما یعرف بقوة الجاذبیة نحو الأجسام و منها الجاذبیة الأرضیة، الأمر الذی عرفه العلماء فی القرون الثلاثة الأخیرة، و هو ما نجده فی قوانین مهمة مثل قانون نیوتن فی التجاذب بعد ما قال قولته المشهورة إثر تأمله فی سقوط التفاحة من الشجرة نحو الأرض"" وجدتها". هذه المسألة ثبتها القرآن الکریم قبل العلم الحدیث بعدة قرون، فتأمل قوله تعالی: یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا ما لَکُمْ إِذا قِیلَ لَکُمُ انْفِرُوا فِی سَبِیلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَی الْأَرْضِ أَ رَضِیتُمْ بِالْحَیاةِ الدُّنْیا مِنَ الْآخِرَةِ فَما مَتاعُ الْحَیاةِ الدُّنْیا فِی الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِیلٌ (38) (التوبة: 38). جاءت هذه الآیة المبارکة فی سورة التوبة التی تحث علی الجهاد فی سبیل اللّه تعالی، و لکن تأمل المثل القرآنی اثَّاقَلْتُمْ إِلَی الْأَرْضِ، أی تثاقلتم و لم یقل ثقلتم من الفعل الثلاثی (ثقل) بإضافة الألف و الشدة للتوکید علی زیادة الثقل. و من المعروف عند أهل اللغة و خصوصا عند الصرفیین أن الزیادة فی المبنی تدل علی الزیادة فی المعنی، أی أن معنی الفعل المزید یختلف عن معنی الفعل المجرد المشتق منه، و هنا جاء الفعل مزید علی الفعل الأصلی المجرد (ثقل)، فالفعل المزید تثاقل علی وزن تفاعل فعل خماسی مزید علی الفعل الثلاثی ثقل علی وزن فعل بحرفین، و قد یکون الفعل اثّاقل یدل علی قوة التثاقل أکثر من تثاقل. و المعنی أن الدنیا و ملذاتها قد سحبتکم إلیها و ترکتم الجهاد فی سبیل اللّه، و هنا إشارة واضحة إلی قوة الجذب «1».
2- 11. الدلیل القرآنی فی إمکانیة سماع صوت الذرات: یقول اللّه تعالی تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَ الْأَرْضُ وَ مَنْ فِیهِنَّ وَ إِنْ مِنْ شَیْ‌ءٍ إِلَّا یُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَ لکِنْ لا تَفْقَهُونَ
______________________________
(1) انظر التلخیص فی علوم البلاغة للقزوینی، دار الکتب العلمیة، بیروت، و کذلک القرص المدمج (لسان العرب- البلاغة-) و هو من إصدارات الجامعة العربیة.
المادة و الطاقة، ص: 69
تَسْبِیحَهُمْ إِنَّهُ کانَ حَلِیماً غَفُوراً (44) (الإسراء: 44). و هناک أحادیث تؤکد سماع الصحابة لتسبیح الحصی بید النبی صلی اللّه علیه و سلم، فإذا استطاع الإنسان من تحویل المواد إلی أشرطة مغناطیسیة و أقراص لیزریة تسجل الأصوات، فکیف یمکن لنا أن نقول أن هذا غیر ممکن لخالق الإنسان، فهل یتمکن المخلوق من خلق شی‌ء و یعجز خالقه من خلق نفس الشی‌ء؟، ما لکم کیف تحکمون؟.
و یقول تعالی وَ یَوْمَ یُحْشَرُ أَعْداءُ اللَّهِ إِلَی النَّارِ فَهُمْ یُوزَعُونَ (19) حَتَّی إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَیْهِمْ سَمْعُهُمْ وَ أَبْصارُهُمْ وَ جُلُودُهُمْ بِما کانُوا یَعْمَلُونَ (20) وَ قالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَیْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِی أَنْطَقَ کُلَّ شَیْ‌ءٍ وَ هُوَ خَلَقَکُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ إِلَیْهِ تُرْجَعُونَ (21) (فصلت: 19- 21). فی هذه الآیات المبارکات یقف الإنسان عاجزا عن الوصف لهول الموقف، أجزاء من جسمه من غیر اللسان تنطق و تتحدث، اللّه تعالی أنطقها و هو سبحانه قد أنطق کل شی‌ء .. ذرات الحصی و تسبح، بل أن کل شی‌ء یسبح و لکن لا نسمع و لا نفقه، أ لیس هذا دلیل قرآنی علی النافذة السمعیة للإنسان و أن کل شی‌ء یتحرک و له اهتزاز و لکننا لا نسمعه من جهة، و أنه یمکن أن نسمع کل هذا فی ظروف معینة من جهة أخری. و هذا کله أثبت فی مختبرات الأصوات حدیثا.

2- 12. الدلیل القرآنی فی إمکانیة تحول طاقة الصوت القلیلة إلی طاقة مدمرة:

یقول اللّه تعالی فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَ عَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَ قالُوا یا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ کُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِینَ (77) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِی دارِهِمْ جاثِمِینَ (78)، (الأعراف: 77- 78)، و فی نفس الموضوع یقول اللّه تعالی فی سورة هود (66- 67) جاءَ أَمْرُنا نَجَّیْنا صالِحاً وَ الَّذِینَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَ مِنْ خِزْیِ یَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّکَ هُوَ الْقَوِیُّ الْعَزِیزُ (66) وَ أَخَذَ الَّذِینَ ظَلَمُوا الصَّیْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِی دِیارِهِمْ جاثِمِینَ (67).
لو تدبرنا الآیات المبارکات للاحظنا أن القرآن الکریم سبق التشخیص العلمی الحدیث فأشر حقیقتین علمیتین أساسیتین:
1- الآیتان فی قصة قوم سیدنا صالح علیه السلام، ففی الأولی کان التعبیر (رجفة)، و فی الثانیة (صیحة)، أی أن هناک بلاغة قرآنیة فی تعبیر لفظی یخص ظاهرة واحدة و هی صوت مدو عال جدا أدی إلی کل هذه الأهوال.
2- الرجفة للأرض تکون بسبب الصوت المدوی و هو ما یلاحظ عند التفجیرات
المادة و الطاقة، ص: 70
النوویة إذ یحصل ارتجاج فی الأرض المحیطة، أما إذا کانت الرجفة للأجسام فإن المجال الکهرومغناطیسی الذی سیتکون نتیجة الصعقة التی تشبه الانفجار النووی، و للّه المثل الأعلی، ستؤدی حتما إلی إصابة القوم بالرجیف الشدید.
منسوب الضغط الصوتی (دب)/ (کیلو باسکال)/ التأثیر 185/ 30/ احتمالات تمزق طبلة الأذن 195/ 100/ احتمالیة 50% تمزق الطبلة 200/ 200- 300/ احتمالیة ضعیفة لتمزق الرئة 207/ 500/ تمزق و خلل فی الرئة 210/ 700- 800/ احتمالیة ضعیفة للموت 215/ 900- 1200/ احتمالیة 50% للموت 220/ 1400- 1700/ موت مؤکد جدا وَ أَخَذَ الَّذِینَ ظَلَمُوا الصَّیْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِی دِیارِهِمْ جاثِمِینَ (67) (هود: 67) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِی دارِهِمْ جاثِمِینَ (78) (الأعراف: 78) بعد الرجفة من الصوت الهائل و اختلال الضغط لداخل الجسم عن خارجه فستخرج أحشاءهم من أفواههم فیعمدون إلی التقوقع و مسک البطن ثم یسقطون علی وجوههم جاثمین، فالجاثم لغة هو من یسقط علی وجهه فلاحظ دقة الوصف سلمک اللّه.
و فی سورة الزمر الآیة (68) توضح الآیة تصریحا أن طاقة الصوت یمکن أن تتحول إلی طاقة تدمیریة ممثلة بالصاعقة، یقول اللّه تعالی وَ نُفِخَ فِی الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِی السَّماواتِ وَ مَنْ فِی الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِیهِ أُخْری فَإِذا هُمْ قِیامٌ یَنْظُرُونَ (68)، فالفاء هنا حرف عطف یفید التتابع بدون سقف زمنی أی فی الحال «1».
______________________________
(1) أما علاقة النفخ بالصور مع ظاهرة الرنین تلک الظاهرة المدمرة المرعبة فقد فصلناها بالإضافة إلی المنظومة الصوتیة فی القرآن الکریم فی کتابنا (المنظار الهندسی للقرآن الکریم
المادة و الطاقة، ص: 71
إن تتابع الأحداث فیها هو نفسه ما رأیناه فی سقوط الجسر (اهتزاز- تشوهات- رنین- صعود و نزول هائلین ثم دک و سقوط سریع)، و الآیة تذکر ذلک بالضبط (نفخ فی الصور الذی هو بوق من نور- اهتزازات صوتیة منقولة خلال وسط أو محمولة علی موجات کهرومغناطیسیة- تشوهات و حصول الرنین بحیث تحمل الأرض و الجبال صعودا و نزولا و الأرض هنا لیست الکرة الأرضیة و إنما هی الأرض المنبسطة لأن المعطوف لیس من جنس المعطوف علیه- دک) .. فکما رأینا أن الصوت یعتمد علی مرکز الهزة و شدة التردد و الوسط الناقل، فمرکز الهزة هنا هو الکون کله و شدتها لا تقارن بشی‌ء و الوسط الناقل هو مادة الکون کله، و حیث أن علم الفلک أثبت أن الکون عبارة عن بالون کبیر و جمیع الأجرام و الأفلاک و المجرات موجودة علی سطحه الخارجی و کل ما بداخله هو مادة الکون المسماة مادة الظلام البارد التی ذکرناها فی بدایة الفصل، فإن هذا البوق النورانی یکون علی محیط هذا الفراغ الهائل الحجم فیبعث بموجاته عبره فإذا کان هذا الفراغ مادیا أی یتکون من أیة مادة معروفة فإن الصوت ینتقل عبره أما إذا کان فراغا بحتا فإن الصوت ینتقل عبر المساحة السطحیة لبالونة الکون، و هذه المواد ذات طبیعة مختلفة بحیث أنها تنقل الموجات و لا تتمدد بالحرارة. و حیث أن الصور هو بوق من نور، و الآن أثبت علمیا أن الصوت یحمل علی موجات النور بموجات کهرومغناطیسیة، فعند ما ینفخ فی الصور یتولد الصوت و یرسل محمولا علی النور لهذا نسمع الإذاعة بسرعة الموجة الرادیویة أو الکهرومغناطیسیة عند ما یحصل الرنین، و اللّه أعلم.
و لقد وردت کلمة النفخ بالصیغ المبینة کذلک فی سور کریمة أخری مثلا: الکهف 99، ق 20، الأنعام 73، النمل 87، الحاقة 13، و غیرها من الآیات المبارکة الأخری کما و صرح القرآن الکریم بالنفخ و الصعق بتعابیر لفظیة أخری، فمثلا: وَ مِنْ آیاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذا دَعاکُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ (25)، (الروم: 25) .. فَتَوَلَّ عَنْهُمْ یَوْمَ یَدْعُ الدَّاعِ إِلی شَیْ‌ءٍ نُکُرٍ (6) (القمر: 6) ..
وَ اسْتَمِعْ یَوْمَ یُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَکانٍ قَرِیبٍ (41) یَوْمَ یَسْمَعُونَ الصَّیْحَةَ بِالْحَقِّ ذلِکَ یَوْمُ الْخُرُوجِ (42) (ق) إذا تدبرنا الآیات (13- 18) من سورة الحاقة نلاحظ: فَإِذا نُفِخَ فِی
______________________________
و عرضنا بعض تفاصیلها فی البرنامج الإعجازی (آیات و حوار) الذی عرضته قناة (ART(.
المادة و الطاقة، ص: 72
الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ (13) وَ حُمِلَتِ الْأَرْضُ وَ الْجِبالُ فَدُکَّتا دَکَّةً واحِدَةً (14) فَیَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْواقِعَةُ (15) وَ انْشَقَّتِ السَّماءُ فَهِیَ یَوْمَئِذٍ واهِیَةٌ (16) وَ الْمَلَکُ عَلی أَرْجائِها وَ یَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّکَ فَوْقَهُمْ یَوْمَئِذٍ ثَمانِیَةٌ (17) یَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفی مِنْکُمْ خافِیَةٌ (18) (الحاقة).
شکل یوضح مراحل ما حصل لجسر مضایق تاکوما فی واشنطن:
1- اهتزاز.- 2- تشوهات. 3- رنین.
4- صعود و نزول هائلین. 5- ثم دک و سقوط سریع.
المادة و الطاقة، ص: 73
فما بالک ببوق قطره کقطر السماوات الهائلة الحجم فإنه بالتأکید سیؤدی إلی اهتزازات صوتیة عالیة الشدة و بمدیات موجیة مختلفة تحوی بداخلها کل قیم إن نسبة قطر الکون إلی قطر البوق العادی یمکن حسابها من معرفة قطر الکون الذی قدره إینشتاین ب (6، 3* 10 23 کم) و علی فرض قبول هذا الرقم فإن هذه النسبة ستکون بتقسیم ضعف هذا الرقم علی قطر أکبر بوق ترددی معروف عالمیا و الذی لا یزید عن 30 سم فستکون هذه النسبة مساویة إلی (4، 2* 10 28)، و معلوم أن التردد للموجة الصوتیة یتناسب طردیا مع قطر البوق فلک أن تتخیل کم سیکون تردد هذا البوق العظیم. و إذ إن النفخ سیکون ببوق کبیر جدا ذا حجم هائل لو قدر لأکبر دولة متطورة صناعیا فی العالم أن تصنع بوق لا یصل إلا إلی 1 إلی 10- 20 من حجم البوق الذی سیحمله إسرافیل علیه السّلام و للّه المثل الأعلی ثم نفخت فیه لرجت الأرض رجا تمحیها و تمحی کل أثر للوجود فیها بسبب الاهتزازات الهائلة التی ستصدر من هذا البوق.
التردد الطبیعی لجمیع مواد الکون مما یستثیرها و یستحثها علی الاهتزاز و الحرکة الشدیدة و الارتجاج استجابة لأمر اللّه تعالی فیحصل بها الرنین ثم تتبع ذلک الحرکات الشدیدة و الهائلة لجمیع موجودات الکون ثم ظواهر أخری کالزلازل و الانفجارات الکونیة و غیرها.
لنتدبر قول اللّه تعالی: یا أَیُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّکُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَیْ‌ءٌ عَظِیمٌ (1) یَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ کُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَ تَضَعُ کُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وَ تَرَی النَّاسَ سُکاری وَ ما هُمْ بِسُکاری وَ لکِنَّ عَذابَ اللَّهِ شَدِیدٌ (2) (الحج) .. إذن هذا ما یحصل فعلا إذ کیف یمکن أن تکون الحالة و کل شی‌ء حولک یهتز، هذا الاهتزاز الذی لا یشبهه شی‌ء من الاهتزازات التی نراها أمامنا لا من عصف ناتج من انفجار صاروخ أو قنبلة ذریة و ما إلی ذلک من قیاساتنا الدنیویة بل أن الحالة لا یوجد بها مقارنة إلا لأغراض التحسس و التلمس و تقریب الصورة فقط ..

2- 13. الدلیل القرآنی فیما هو أکبر من الذرات و هی الجزیئات و المواد:

قوله تعالی (وَ لا أَکْبَرَ) یوضح التفاصیل و التقسیمات العلمیة لما هو أکبر من الذرة، و یدخل فی هذا التفصیل مرحلة الجزئیات و التراکیب الجزیئیة و العناصر و المواد فی حالة الأکبر، و اللّه أعلم.
المادة و الطاقة، ص: 74

2- 14. الدلیل القرآنی فی الأواصر التی تتشکل منها الجزیئات و المواد:

یقول اللّه تعالی فی سورة الصف إِنَّ اللَّهَ یُحِبُّ الَّذِینَ یُقاتِلُونَ فِی سَبِیلِهِ صَفًّا کَأَنَّهُمْ بُنْیانٌ مَرْصُوصٌ (4)، هنا تشبیه بلاغی رائع أی أنهم یکادون یکونون بنفس القانون و السنة الإلهیتین فی تراص و بناء الذرة و الجزیئة و العناصر و المرکبات و المواد باختلاف أنواعها، و اللّه أعلم .. یقول صاحب الظلال فی تفسیر هذه الآیة المبارکة: (و هذه الصورة التی یحبها اللّه للمؤمنین ترسم لهم طبیعة دینهم و توضح لهم معالم الطریق و تکشف لهم عن طبیعة التضامن الوثیق الذی یرسمه التعبیر القرآنی المبدع صَفًّا کَأَنَّهُمْ بُنْیانٌ مَرْصُوصٌ (4) بنیان تتعاون لبناته و تتضامن و تتماسک و تؤدی کل لبنة دورها و تسد ثغراتها لأن البنیان کله ینهار إذا تخلت فیه لبنة عن مکانها تقدمت أو تأخرت سواء و إذا تخلت منه لبنة عن أن تمسک بأختها تحتها أو فوقها أو علی جانبیها سواء انه التعبیر المصور للحقیقة لا لمجرد التشبیه العام، التعبیر المصور لطبیعة الجماعة و لطبیعة ارتباط الأفراد فی الجماعة، ارتباط الشعور و ارتباط الحرکة داخل النظام المرسوم المتجه إلی هدف مرسوم) «1».
و إذا ربطنا هذه الآیة المبارکة بحدیث رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم «مثل المؤمنین فی توادهم و تراحمهم و تعاطفهم کمثل الجسد إذا اشتکی منه عضو تداعی له سائر الجسد بالسهر و الحمی» «2». فإذن المطلوب هو تحول الجماعة المؤمنة إلی کتلة واحدة و جزء واحد لا ینفصم تربطه آصرة الأخوة و الإیمان کما تربط الجسد الواحد و الکتلة الواحدة أواصر معینة. و معروف لدی الإخوة المهندسین إن آصرة الربط بین اللبنات أو الکتل البنائیة و المونة المستخدمة للبناء کالجص و السمنت و النورة و غیرها تعتمد علی توزیع الکتل البنائیة من جهة و علی المکونات الکیمیائیة للمونة التی تعمل علی لصق الأجزاء و الکتل البنائیة بعضها ببعض، فالترتیب الخاص بالکتل البنائیة فیه مدارس و أنواع مختلفة فهناک المدرسة الإنکلیزیة و الألمانیة و غیرها و تختلف هذه المدارس بکیفیة ترتیب الکتل البنائیة بحیث أنها تنقل الأحمال بشکل یمنع التشقق و الفطور التی تظهر
______________________________
(1) تفسیر الظلال، سید قطب، ج/ 6، ص 3555.
(2) أخرجه البخاری فی الأدب (6011)، مسلم فی البعد و الصلة و الآداب (2586)، أحمد فی مسند الکوفیین (17891).
المادة و الطاقة، ص: 75
بالجدار من أن تنتقل بصورة شاقولیة علی مساحة قلیلة تؤدی إلی مضاعفة الإجهادات المسلطة و بالتالی تؤدی إلی الفشل و الانهیار للجدار ککل.
الصف بلغة العرب أی التراص و الترابط بخطوط متوازیة أو متقاطعة، یقول الإمام الرازی فی مختار الصحاح باب (صفف): (الصف) واحد، (الصفوف) و (صافوهم فی القتال)، و (المصف) الموقف فی الحر و الجمع (المصاف)، و (صفّ) القوم فی باب ردّ (فاصطفوا) أی أقامهم صفا. (صفت) الإبل قوائمها فهی (صافة) و (صواف) «1». فالصف هنا أی الترابط و لا یشترط أن یکون بخط واحد کما فی قوله تعالی: وَ جاءَ رَبُّکَ وَ الْمَلَکُ صَفًّا صَفًّا (22)، (الفجر: 22)، و قوله تعالی: یَوْمَ یَقُومُ الرُّوحُ وَ الْمَلائِکَةُ صَفًّا لا یَتَکَلَّمُونَ، (النبأ:
38). و إنما تعنی الکلمة الانتظام بشکل متراص و بخطوط متوازیة متراصة.
أما البناء فقد وردت هذه الکلمة العظیمة فی القرآن الکریم بکل تفاعیلها و صیغها (23) مرة، فجاءت فی بناء السماء و الإنسان و المجتمع، کما أن کلمة العمران تعنی فیما تعنیه البناء و التشیید، فکلمة بنی فی اللغة تعنی کما أوردها الإمام الرازی رحمه اللّه:
(بنی) بیتا و بنی و بنی علی أهله یبنی (بناء) فیهما، و البنیان الحائط و (البنیة) علی فعیلة الکعبة یقال لا و رب هذه البنیة ما کان کذا و کذا، و (البنی) بالضم مقصور البناء یقال (بنیة) و (بنی) و (بنیة) و (بنی) بکسر الباء مقصور مثل جزیة و جزی، و فلان صحیح (البنیة) أی الفطرة «2». فقوله تعالی: وَ السَّماءِ وَ ما بَناها (5)، إشارة إلی بنیان السماء و عظمتها من کواکب و نجوم و أفلاک و مجرات مبنیة بناء مرصوصا عظیما، کما هو بقیة خلق اللّه و منها الإنسان بذراته و مکوناته و وظائف جسمه الأخری، کلها مبنیة بناء مرصوصا فکل شی‌ء عنده بمقدار، و لم یبق للإنسان إلا أن یسیر علی صراط اللّه المستقیم الذی ارتضاه لعباده فیکون ضمن هذا البنیان المرصوص و کما أراده اللّه تعالی.

3- الثوابت الذریة و النوویة القرآنیة «3»:

ذکرنا فی کتابنا (المنظار الهندسی للقرآن الکریم) أن فی التوقیفات الربانیة للبناء المحکم فی تسلسل الکلمات و الآیات و السور المبارکات لأمر عجب، و أن هذا البناء
______________________________
(1) مختار الصحاح، الإمام الرازی، ص 365.
(2) مختار الصحاح، الرازی، ص 65- 66.
(3) انظر کتابنا (المنظار الهندسی للقرآن الکریم)، الباب الثانی، الفصل السادس و السابع.
المادة و الطاقة، ص: 76
الریاضی الاحتمالی إذا ما عرضناه علی نظریة الاحتمالات و التوافیق و التبادیل لمعرفة مدی احتمالیة تطابق هذه التسلسلات و النسب التابعة لها مع ثابت علمی یتعلق بنفس موضوع السورة أو الآیة أو الکلمة، لوجدنا أن هذه الاحتمالات تکون لا نهائیة، و علیه لا یمکن أن یکون ترتیبها بهذا الشکل دون قصد لا یبتغی منه البلاغة و البیان و التشریع فحسب و إنما یکون القرآن الکریم قد أضاف سبقا عددیا و ریاضیا فی مجالات العلوم التطبیقیة بکافة أشکالها و تفرعاتها.
إن مجموع التکرار الذی جاءت به الکلمات الذریة و النوویة فی القرآن الکریم (کلمة ذرة+ کلمة نواة) یساوی العدد (7)، و هو نفس عدد القشور أو الأغلفة الإلکترونیة حول نواة الذرة و هو من ضمن المنظومة السباعیة فی القرآن الکریم .. و الآن لنلاحظ الجدول أدناه.
جدول یوضح الثوابت القرآنیة الذریة السورة/ الکلمة/ النسبة 1/ النسبة 2/ النسبة 3/ النسبة 4 النساء/ ذرة/ 0351، 0/ 227، 0/ 264، 0/ 1014، 2* 10- 3 یونس/ ذرة/ 0877، 0/ 5596، 0/ 5899، 0/ 895، 2* 10- 2 یونس/ أصغر/ 0877، 0/ 5596، 0/ 5937، 0/ 9137، 2* 10- 2 سبأ/ ذرة/ 298، 0/ 056، 0/ 0588، 0/ 8125، 9* 10- 4 سبأ/ أصغر/ 298، 0/ 056، 0/ 0667، 0/ 1131، 1* 10- 3 سبأ/ ذرة/ 298، 0/ 407، 0/ 434، 0/ 26، 5* 10- 3 الزلزلة/ ذرة/ 868، 0/ 875، 0/ 7782، 0/ 91، 5* 10- 1 الزلزلة/ ذرة/ 868، 0/ 00، 1/ 94534، 0/ 21، 8* 10- 1
المادة و الطاقة، ص: 77
النسبة (1) تسلسل السورة/ عدد سور القرآن الکریم النسبة (2) تسلسل الآیة الحاویة للکلمة المقصودة (ذرة أو أصغر)/ عدد آیات السورة النسبة (3) تسلسل الکلمة نفسها (ذرة أو أصغر)/ عدد کلمات السورة النسبة (4) حاصل ضرب النسب (1)* (2)* (3) إذا لاحظنا الجدول و ما یحویه من ثوابت قرآنیة شاملة فی الذرة و مکوناتها من إلکترونات و بروتونات و نیوترونات، و لنتدبر بعض الأرقام المتعلقة بأوزان الإلکترون و البروتون و النیوترون و غیرها، و لنعمل الإحصائیة الآتیة المتعلقة بالذرة و ما أصغر منها:
1- سورة النساء تحوی علی کلمة (ذرة) و هی السورة التی تسلسلها (4) فی سور القرآن الکریم البالغ (114) سورة، و کلمة (ذرة) تقع فی الآیة (40) من عدد آیاتها البالغة (176) آیة، کما و إن عدد کلمات السورة (3712) کلمة، تقع کلمة (ذرة) بتسلسل (979).
2- سورة یونس تحوی علی کلمة (ذرة) و کلمة (أصغر). تسلسلها (10) و آیاتها (109)، و عدد کلماتها (1841) کلمة، بینما کلمتی (ذرة) و (أصغر) تقع ضمن الآیة (61)، و کلمة (ذرة) تسلسلها (1086) بینما کلمة أصغر تسلسلها (1093).
3- سورة سبأ تسلسلها (34) ضمن تسلسل سور القرآن الکریم، عدد آیاتها (54)، یبلغ عدد کلماتها (884) کلمة، وردت فیها کلمة (ذرة) مرتین، الأولی فی الآیة (3) تسلسلها (52)، و الثانیة فی الآیة (22) تسلسلها (384)، أما کلمة (أصغر) فوردت فی
المادة و الطاقة، ص: 78
الآیة (3) بتسلسل (59).
4- سورة الزلزلة، جاءت فی القرآن الکریم بتسلسل (99) آیاتها (8) آیات و یبلغ عدد کلماتها (36) کلمة، وردت فیها کلمة (ذرة) مرتین، فی الآیات (7، 8) علی التوالی.
إذا جعلنا النسب فی الجدول محل دراسة للحقائق القرآنیة الواردة أعلاه فإننا نحصل علی جواب نفهم منه معنی کلمة (ذرة) علی وجه الدقة، و اللّه أعلم. و من هذه الحقائق نحصل علی النتائج الآتیة التی تبین مدی اقتراب العلم من الحقیقة القرآنیة:
1- إذا أخذنا نسبة وزن البروتون إلی وزن الإلکترون و البالغة (1836) و نسبة وزن النیوترون إلی الإلکترون البالغة 1838 مرة تقریبا، و أخذنا عدد کلمات سورة یونس المتضمنة کلمتی (ذرة) و (أصغر) نجد أنها (1841)، إذن فالعلم یعطینا دقة تساوی 73، 99% من الحقیقة القرآنیة.
2- حاصل جمع وزن الإلکترون و البروتون و النیوترون یساوی (348، 3* 10- 27 کغم)، بینما النسبة (4) لکلمة (أصغر) فی سورتی سبأ و یونس تعطینا (243، 3* 10- 5) و إذا علمنا أن الأسس تمثل وحدات وزنیة بالإمکان تجزئتها إلی أصغر من ذلک، فالکیلو غرام یعادل 1000 غرام، و 10 6 ملغرام و 10 9 مایکروغرام و هکذا. فإن الرقم المقارن هو (348، 3) مع الحقیقة القرآنیة (243، 3) و هکذا تعطینا دقة مقدارها 864، 96% و هی دقة ممتازة فی علم الإحصاء.
3- النسبة 4 لکلمة أصغر فی سورة سبأ هی (113، 1* 10- 3) بینما معدل أوزان الإلکترون و البروتون و النیوترون هو (116، 1* 10- 27 کغم) و لنفس السبب المذکور فی النقطة السابقة فإن درجة الدقة تصل إلی 73، 99% أی بنسبة اختلاف 69، 2 بالألف فقط.
4- النسبة (3) لکلمتی ذرة و أصغر فی سورة یونس تعطی (5899، 0) و (5937، 0) علی التوالی أی أن نسبة النسبة (3) لکلمة ذرة إلی کلمة أصغر تعطی 36، 99%، بینما نسبة وزن البروتون إلی النیوترون الواقعان فی داخل نواة الذرة یعطی 86، 99% أی بنسبة دقة تصل إلی 5، 99%.
5- حاصل ضرب النسبة (4) لجمیع الحالات لکلمة ذرة یعطی (523538، 1* 10- 9)، و إذا ما ضربناه فی عدد تکرار الکلمة (ذرة) و هو 6 مرات نحصل علی الرقم
المادة و الطاقة، ص: 79
(14123، 9* 10- 9)، بینما وزن الإلکترون هو (10956، 9* 10- 31 کغم) و مرة أخری إذا أهملنا تأثیر أسس الوحدات لنفس السبب الوارد فی النقطة (2) و (3) فإن درجة الدقة هی 65، 99%.
6- إذا جمعنا النسبة (2) لکلمة ذرة لجمیع السور نحصل علی الرقم (1246، 3)، بینما وزن البروتون و النیوترون بمجموعهما یعطی (348، 3* 10- 27 کغم) أی بنسبة دقة تصل إلی 327، 93% أی باختلاف 15، 7% فقط «1».
و قبل أن ننهی الموضوع نورد النص الذی أورده جون أو نیل المحرر العلمی لجریدة نیویورک هیرالد تربیون الأمریکیة و التی وردت فی کتاب له (القصة الحقیقیة لهندسة الذرة):
(لقد کان العالم الرومانی أجدب فی هذا المجال الفکری، و لم یضف سوی النزر الیسیر لما وصله من حضارة الإغریق .. إن إحدی النقاط المتلألئة فی القرون الوسطی تأتی من العالم الإسلامی حیث نجد ما سطر الصوفی علی أبو الحسن، صهر محمد، الذی کتب یقول: (إذا فلقت الذرة تجد فی قلبها شمسا».
لقد کانت بصیرة هذا الصحابی الجلیل علی ابن أبی طالب- رضی اللّه عنه- و هو خریج مدرسة الإسلام و القرآن و النبی (صلی اللّه علیه و سلم) کفیلة بأن توصله إلی حقیقة الذرة العلمیة التی اکتشفت تجریبیا بعده بحوالی 1400 عام «2».

4- النار فی القرآن الکریم‌

اشارة

تعرف النار علمیا بأنها کل عملیة احتراق أو تدمیر کیمیائی حراری ناتج من تفاعل الأوکسجین بمواد الاحتراق، لینتج عنه أکسدة و تحرر لحرارة قد تکون بلهب مرئی أو غیر مرئی تبعا للمادة المحترقة أو مجموعة المواد المحترقة و عوامل أخری.
و یحصل الاشتعال نتیجة احتکاک فیزیائی أو بمصدر حراری تصل بالمادة إلی درجة اتقادها ثم بسبب وجود الأوکسجین فی الجو فإنه یساعد علی الاشتعال، و قد یستعان بمواد ذات قابلیات کبیرة للحرق کالمواد النفطیة و مشتقاتها.
و للنار أنواع و ألوان عدیدة حسب المواد الداخلة فیها، کما أن حرارتها تختلف
______________________________
(1) د. خالد العبیدی، (المنظار الهندسی للقرآن الکریم)، دار المسیرة، عمان، ص، 250- 251.
(2) د. کارم السید غنیم، (الإشارات العلمیة فی القرآن الکریم بین الدراسة و التطبیق)، بتصرف.
المادة و الطاقة، ص: 80
حسب تلک المواد، فمن النار ما یصل إلی ملایین الدرجات المئویة کاحتراق مادة مراکز الشموس أو النجوم، و منها ما درجته آلاف الدرجات المئویة کالسبائک المعدنیة التی تدخل بها المعادن الثقیلة کالحدید و الذهب و الفضة و النحاس و الکوبلت و غیرها، و فی الطرف الآخر من النار ما لا یحرق الجسم البشری، إذ تحترق بعض المواد دون درجة حرارة 37 مئویة التی هی الدرجة الطبیعیة للجسم البشری السلیم من المرض فلا تحرقه إذا ما مسته «1».
شجرة و شجر جمعها شجیرات و أشجار یعنی ما قام علی ساق من نبات الأرض، نبات خشبی عال یؤلف اجتماعه غابة أو حرجة، و هی تنسب إلی کل أصناف الفصائل النباتیة التی یقسمها الخبراء إلی فئتین دائمة الخضرة، و الأشجار التی یسقط ورقها فی الشتاء أی النفضیات ..
أما کلمة النار فإن معانیها فی القرآن الکریم کثیرة نذکر منها:
______________________________
(1) التعاریف و المعلومات و الصور عن عدة مصادر منها موسوعة إنکارتا 2003 م.
المادة و الطاقة، ص: 81
أسالیب تکون النار إما بالاحتکاک الفیزیائی أو تسلیط حرارة لإیصال المادة إلی درجة اتقادها و تکوین النار
المادة و الطاقة، ص: 82

النار و مکوناتها کالوقود و اللهب و مصدر الحرق و الدخان‌

1- النار تقال للهیب الذی یبدو للماسة، قال تعالی: أَ فَرَأَیْتُمُ النَّارَ الَّتِی تُورُونَ (71) (الواقعة: 71).
2- للحرارة المجردة و لنار جهنم، قال تعالی: وَ إِذا تُتْلی عَلَیْهِمْ آیاتُنا بَیِّناتٍ تَعْرِفُ فِی وُجُوهِ الَّذِینَ کَفَرُوا الْمُنْکَرَ یَکادُونَ یَسْطُونَ بِالَّذِینَ یَتْلُونَ عَلَیْهِمْ آیاتِنا قُلْ أَ فَأُنَبِّئُکُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِکُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِینَ کَفَرُوا وَ بِئْسَ الْمَصِیرُ (72) (الحج: 72)، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَ لَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِی وَقُودُهَا النَّاسُ وَ الْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْکافِرِینَ (24) (البقرة: 24)، نارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6) (الهمزة: 6).
المادة و الطاقة، ص: 83
3- نار الحرب، قال تعالی: وَ قالَتِ الْیَهُودُ یَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَیْدِیهِمْ وَ لُعِنُوا بِما قالُوا بَلْ یَداهُ مَبْسُوطَتانِ یُنْفِقُ کَیْفَ یَشاءُ وَ لَیَزِیدَنَّ کَثِیراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَیْکَ مِنْ رَبِّکَ طُغْیاناً وَ کُفْراً وَ أَلْقَیْنا بَیْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَ الْبَغْضاءَ إِلی یَوْمِ الْقِیامَةِ کُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَ یَسْعَوْنَ فِی الْأَرْضِ فَساداً وَ اللَّهُ لا یُحِبُّ الْمُفْسِدِینَ (64) (المائدة: 64) «1».
و بالنسبة لتفسیر الآیات المبارکات لخص الباحث ما یأتی:
1- قال الحجازی: و اللّه یضرب الأمثال لهم بأنه جعل من الشجر الأخضر نارا فإذا من ذلک الشجر الأخضر توقدون، و الشاهد أن الرجل یأتی الشجر السنط و هو أخضر مورق فیوقد فیه النار فتلتهب، و هم یقولون: أن المشهور بذلک شجر المرخ و العفار فیحتکان بشدة لیوقدا نار مع أنهما أخضران یقطران ماء. (عن التفسیر الواضح لمحمد محمود الحجازی- 23/ 15).
2- قال الطبری: أی الذی جعل لکم بقدرته من الشجر الأخضر نارا تحرق الشجر، لا یمتنع علیه فصل ما أراد، و لا یعجزه إحیاء العظام البالیة و إعادتها خلقا جدیدا. (عن جامع البیان فی تفسیر القرآن لأبی جعفر بن جریر الطبری 23/ 21).
3- و قال أبو حیان: ذکر تعالی لهم ما هو أغرب من خلق الإنسان من النطفة، و هو إبراز الشی‌ء من ضده، و ذلک أبدع بشی‌ء و هو اقتراح النار من الشی‌ء الأخضر، أ لا تری الماء یطفئ النار و مع ذلک خرجت مما هو مشتمل علی الماء، و الأعراب توری النار من المرخ و العفار، و فی أمثالهم (فی کل شی‌ء نار، و استجمر المرخ و العفار)، و لقد أحسن القائل:
جمع النقیضین من أسرار قدرته‌هذا السحاب به ماء به نار فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ، أی فإذا أنتم تقدحون النار علی هذه الشجر الأخضر.
(عن تفسیر البحر المحیط- أبو حیان الأندلسی 7/ 348).
4- و قال الزمخشری صاحب تفسیر الکشاف: ثم ذکر من بدائع خلقه انقداح النار من الشجر الأخضر، مع مضادة النار الماء و انطفائها به و هی الزناد التی توری بها
______________________________
(1) نقلها المؤلف الدکتور دلاور محمد صابر عن مفردات ألفاظ القرآن الکریم للراغب الأصفهانی، تحقیق صفوان داودی، دار القلم، ط/ 1، 1992، ص 828.
المادة و الطاقة، ص: 84
الأعراب و أکثرها من المرخ و العفار، و عن ابن عباس رضی اللّه عنهما: لیس من شجرة إلا و فیها النار إلا العتاب. (عن تفسیر الکشاف للزمخشری 4/ 31).
مما تقدم من کلام المفسرین أنهم أشاروا إشارة سریعة إلی بیان عظمة الخالق من خلال استخدام الشجر الأخضر للنار مع أن الشجر الأخضر یحوی علی الماء الذی یطفئ النار.
یقول صاحب الظلال فی تفسیره لهذه الآیة:
(و المشاهد الأولیة الساذجة تقنع بصدق هذه العجیبة التی یمرون علیها غافلین عجیبة أن هذا الشجر الأخضر الریان بالماء، یدلک بعضه ببعض فیولد نارا، ثم یصیر هو وقود النار بعد اللدونة و الاخضرار، و المعرفة العلمیة العمیقة بطبیعة الحرارة التی یخزنها الشجر الأخضر من الطاقة الشمسیة و التی یمتصها، و یحتفظ بها و هو ریان بالماء ناضر بالخضرة، و التی تولد النار عند الاحتکاک کما تولد النار عند الاحتراق .. هذه المعرفة العلمیة تزید العجیبة بروزا فی الحس و وضوحا. و الخالق هو الذی أودع الشجر خصائصه هذه. و الذی أعطی کل شی‌ء خلقه ثم هدی. غیر إننا لا نری الأشیاء بهذه العین المفتوحة و لا نتدبرها بذلک الحس الواعی. فلا تکشف لنا عن أسرارها العجیبة و لا تدلنا علی مبدع الوجود. و لو فتحنا قلوبنا لباحت لنا بأسرارها و لعشنا معها فی عبادة دائمة و تسبیح!).
و هنا لنتدبر الآیة جیدا، لما ذا قال اللّه تعالی الشجر الأخضر أ لیس هذا من باب جلب انتباه المتلقی إلی التناقض بین الخضرة و الماء من جهة و بین الاحتراق و النار من جهة أخری و کیف یجتمعان فی مکان واحد دون تأثیر أحدهما علی الآخر. و المعروف أن النار کانت معروفة منذ القدم و قبل مبعثه صلی اللّه علیه و سلم و الناس اعتادوا حرق الأشجار الیابسة و الأخشاب التالفة، أما کون استخدام الشجر الطری فی الاشتعال لتخرج منه النار فهذا یجرنا علی عملیة تقصی الآیة و تدبرها جیدا و العمل علی إیجاد التأویل العلمی الدقیق لهذا.

5- الضیاء و النور فی القرآن الکریم «1»

النور غیر الضیاء فالضوء یأتی من مصدر الضوء کالشمس مثلا، لذلک وصف اللّه تعالی الشمس بالسراج الوهاج، و أما القمر فلا یعطی الضوء من نفسه بل یعکسه فهو نور
______________________________
(1) انظر کتابنا (المنظار الهندسی للقرآن الکریم)، الباب الثانی، الفصل السادس و السابع.
المادة و الطاقة، ص: 85
فحق علیه وصف القرآن الکریم بأنه نور. یقول اللّه تعالی:
* اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ کَمِشْکاةٍ فِیها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِی زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ کَأَنَّها کَوْکَبٌ دُرِّیٌّ یُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَکَةٍ زَیْتُونَةٍ لا شَرْقِیَّةٍ وَ لا غَرْبِیَّةٍ یَکادُ زَیْتُها یُضِی‌ءُ وَ لَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلی نُورٍ یَهْدِی اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ یَشاءُ وَ یَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ وَ اللَّهُ بِکُلِّ شَیْ‌ءٍ عَلِیمٌ (35) (النور: 35). إن هذه الآیة العظیمة ترتبط بما نراه الیوم رأی العین فی مصابیح کهربائیة و لیزریة و غیرها و هذا التشبیه سماه اللّه تعالی مَثَلُ نُورِهِ و کلها أدوات تشبیه و لکنها علی قدر عقولنا و علومنا القاصرة لنور اللّه الحقیقی الذی لا ندرکه إلا بکمال الإیمان و نور البصیرة .. لقد فسر السلف الصالح هذه الآیة المبارکة بتفسیرات متعددة نقتطف منها ما قاله القرطبی و ابن کثیر رحمهما اللّه، یقول القرطبی:
النور فی کلام العرب: الأضواء المدرکة بالبصر. و استعمل مجازا فیما صح من المعانی و لاح فیقال منه: کلام له نور. و منه: الکتاب المنیر. فیجوز أن یقال: للّه تعالی نور من جهة المدح لأنه أوجد الأشیاء و نور جمیع الأشیاء منه ابتداؤها و عنه صدورها و هو سبحانه لیس من الأضواء المدرکة جل و تعالی عما یقول الظالمون علوا کبیرا. و قد قال هشام الجوالقی و طائفة من المجسمة: هو نور لا کالأنوار، و جسم لا کالأجسام. و هذا کله محال علی اللّه تعالی عقلا و نقلا علی ما یعرف فی موضعه من علم الکلام. ثم إن قولهم متناقض؛ فإن قولهم جسم أو نور حکم علیه بحقیقة ذلک، و قولهم لا کالأنوار و لا کالأجسام نفی لما أثبتوه من الجسمیة و النور؛ و ذلک متناقض، و تحقیقه فی علم الکلام.
و الذی أوقعهم فی ذلک ظواهر اتبعوها منها هذه الآیة، و قول علیه السّلام إذا قام من اللیل یتهجد «اللهم لک الحمد أنت نور السموات و الأرض». و قال صلی اللّه علیه و سلم و قد سئل: هل رأیت ربک؟ فقال: «رأیت نورا». إلی غیر ذلک من الأحادیث. اختلف العلماء فی تأویل هذه الآیة؛ فمنهم من قال: إن النور هو قدرة اللّه التی أنارت الدنیا فهی صفة له، و قال ابن عرفة و الضحاک و القرظی و مجاهد و الزهری و أبی بن کعب و الحسن و أبو العالیة قولا غیر هذا، فمنهم من قال: منور السماوات و الأرض، و منهم من قال: مدبر الأمور، و مزین السماوات بالشموس و الأفلاک و الأرض بالأنبیاء و العلماء و المؤمنین، و قال
المادة و الطاقة، ص: 86
ابن عباس: هادی أهل السماوات و الأرض. و منهم من قال: إن النور هو القرآن الکریم، و قال آخرون: أن النور هو النبی صلی اللّه علیه و سلم.
و المشکاة: الکوة فی الحائط غیر النافذة؛ قال ابن جبیر و جمهور المفسرین، و هی أجمع للضوء، و المصباح فیها أکثر إنارة منه فی غیرها، و أصلها الوعاء یجعل فیه الشی‌ء .. و أما المشکاة وعاء من أدم کالدلو یبرد فیها الماء؛ و هو علی وزن مفعلة کالمقراة و المصفاة. و قیل: المشکاة عمود القندیل الذی فیه الفتیلة. و قال مجاهد: هی القندیل.
و قال فِی زُجاجَةٍ لأنه جسم شفاف، و المصباح فیه أنور منه فی غیر الزجاج. و المصباح:
الفتیل بناره، أی فی الإنارة و الضوء. و ذلک یحتمل معنیین: إما أن یرید أنها بالمصباح کذلک، و إما أن یرید أنها فی نفسها لصفائها و جودة جوهرها کذلک. و هذا التأویل أبلغ فی التعاون علی النور. قال الضحاک: الکوکب الدری هو الزهرة .. و أما الشجرة فقد قیل فیها: أی من زیت شجرة، فحذف المضاف. و المبارة المنماة؛ و الزیتون من أعظم الثمار نماء، و الرمان کذلک. و المعنی یقتضی ذلک، و قیل: من برکتهما أن أغصانهما تورق من أسفلها إلی أعلاها. و قال ابن عباس: فی الزیتونة منافع، یسرج بالزیت، و هو إدام و دهان و دباغ، و وقود یوقد بحطبه و تفله، و لیس فیه شی‌ء إلا و فیه منفعة، حتی الرماد یغسل به الإبریسم. و هی أول شجرة نبتت فی الدنیا، و أول شجرة نبتت بعد الطوفان، و تنبت فی منازل الأنبیاء و الأرض المقدسة، و دعا لها سبعون نبیا بالبرکة؛ منهم إبراهیم، و منهم محمد صلی اللّه علیه و سلم فإنه قال: «اللهم بارک فی الزیت و الزیتون». قاله مرتین.
اختلف العلماء فی قوله تعالی: لا شَرْقِیَّةٍ وَ لا غَرْبِیَّةٍ فقال ابن عباس و عکرمة و قتادة و غیرهم: الشرقیة التی تصیبها الشمس إذا شرقت و لا تصیبها إذا غربت لأن لها سترا. و الغربیة عکسها؛ أی أنها شجرة فی صحراء و منکشف من الأرض لا یواریها عن الشمس شی‌ء و هو أجود لزیتها، فلیست خالصة للشرق فتسمی شرقیة و لا للغرب فتسمی غربیة، بل هی شرقیة غربیة. و قال الطبری عن ابن عباس: إنها شجرة فی دوحة قد أحاطت بها؛ فهی غیر منکشفة من جهة الشرق و لا من جهة الغرب. قال ابن عطیة:
و هذا قول لا یصح عن ابن عباس لأن الثمرة التی بهذه الصفة یفسد جناها و ذلک مشاهد فی الوجود. و قال الحسن: لیست هذه الشجرة من شجر الدنیا، و إنما هو مثل ضربه اللّه
المادة و الطاقة، ص: 87
تعالی لنوره، و لو کانت فی الدنیا لکانت إما شرقیة و إما غربیة. الثعلبی: و قد أفصح القرآن بأنها من شجر الدنیا؛ لأنها بدل من الشجرة، فقال زَیْتُونَةٍ. و قال ابن زید:
إنها من شجر الشأم؛ فإن شجر الشأم لا شرقی و لا غربی، و شجر الشآم هو أفضل الشجر، و هی الأرض المبارکة، و شَرْقِیَّةٍ نعت (لزیتونة) و لا لیست تحول بین النعت و المنعوت، وَ لا غَرْبِیَّةٍ عطف علیه مبالغة فی حسنه و صفائه و جودته .. و منهم من قال أنها لا یهودیة و لا نصرانیة.
و علیه یکون التفسیر: اجتمع فی المشکاة ضوء المصباح إلی ضوء الزجاجة و إلی ضوء الزیت فصار لذلک نور علی نور. و اعتقلت هذه الأنوار فی المشکاة فصارت کأنور ما یکون فکذلک براهین اللّه تعالی واضحة و هی برهان بعد برهان، و تنبیه بعد تنبیه؛ کإرساله الرسل و إنزاله الکتب، و مواعظ تتکرر فیها لمن له عقل معتبر. ثم ذکر تعالی هداه لنوره من شاء و أسعد من عباده، و ذکر تفضله لعباد فی ضرب الأمثال لتقع لهم العبرة و النظر المؤدی إلی الإیمان.
و بهذه الأقوال قال القرطبی و زاد علی بعض و اعترض علی البعض الآخر فقال:
و کذلک فی جمیع الأقوال لعدم ارتباطه بالآیة ما عدا القول الأول، و أن هذا مثل ضربه اللّه تعالی لنوره، و لا یمکن أن یضرب لنوره المعظم مثلا تنبیها لخلقه إلا ببعض خلقه لأن الخلق لقصورهم لا یفهمون إلا بأنفسهم و من أنفسهم، و لو لا ذلک ما عرف اللّه إلا اللّه وحده، قاله ابن العربی. قال ابن عباس: هذا مثل نور اللّه و هداه فی قلب المؤمن کما یکاد الزیت الصافی یضی‌ء قبل أن تمسه النار، فإن مسته النار زاد ضوؤه، کذلک قلب المؤمن یکاد یعمل بالهدی قبل أن یأتیه العلم، فإذا جاءه العلم زاده هدی علی هدی و نورا علی نور؛ کقول إبراهیم من قبل أن تجیئه المعرفة: هذا رَبِّی، من قبل أن یخبره أحد أن له ربا؛ فلما أخبره اللّه أنه ربه زاد هدی، فقال له ربه: أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِینَ (131) (البقرة: 131). و من قال إن هذا مثل للقرآن فی قلب المؤمن قال: کما أن هذا المصباح یستضاء به و لا ینقص فکذلک القرآن یهتدی به و لا ینقص فالمصباح القرآن و الزجاجة قلب المؤمن و المشکاة لسانه و فهمه و الشجرة المبارکة شجرة الوحی. یَکادُ زَیْتُها یُضِی‌ءُ وَ لَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ تکاد حجج القرآن تتضح و لو لم یقرأ.
المادة و الطاقة، ص: 88
نُورٌ عَلی نُورٍ، یعنی أن القرآن نور من اللّه تعالی لخلقه، مع ما أقام لهم من الدلائل و الإعلام قبل نزول القرآن، فازدادوا بذلک نورا علی نور .. أخبر أن هذا النور المذکور عزیز و أنه لا یناله إلا من أراد اللّه هداه فقال: یَهْدِی اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ یَشاءُ وَ یَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ، أی یبین الأشباه تقریبا إلی الأفهام. أی بالمهدی و الضال. و روی عن ابن عباس أن الیهود قالوا: یا محمد، کیف یخلص نور اللّه تعالی من دون السماء فضرب اللّه تعالی ذلک مثلا لنوره «1».
أما ابن کثیر فزاد علی أقوال الآخرین باستدلاله ببعض الأحادیث الشریفة التی تؤید اتجاهه فی التفسیر، فقال: قال السدی فی قوله نُورٌ عَلی نُورٍ قال: نور النار و نور الزیت حین اجتمعا أضاءا و لا یضی‌ء واحد بغیر صاحبه کذلک نور القرآن و نور الإیمان حین اجتمعا فلا یکون واحد منهما إلا بصاحبه. و قوله تعالی: یَهْدِی اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ یَشاءُ أی یرشد اللّه إلی هدایته من یختاره، و کما جاء فی الأحادیث النبویة «2».
یقول الدکتور أحمد محمد إسماعیل حول هذه الآیة: و النور هو الضوء و قوله تعالی نُورٌ عَلی نُورٍ واصفا ذاته العلیة بوصف غایة فی الدقة، فالموجات الضوئیة تقع الواحدة بعد الأخری لینتج عنها نوع من الطاقة تختلف فی فصائلها عن المألوف و دلیل ذلک قوله" یدرک الأبصار و لا تدرکه الأبصار" أی أن الضوء الکونی غیر قادر علی رؤیته سبحانه. إننا نعیش فی عالم صغیر و محدد فی قوانینه و خصائصه و عالم اللّه و علمه واسع و فسیح فیه من القوانین و الأنظمة ما لا ندرک إلا الشی‌ء القلیل من وَ لا یُحِیطُونَ بِشَیْ‌ءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِما شاءَ و تبقی حقیقة تستحق التأمل فی معنی قوله تعالی نُورٌ عَلی نُورٍ أی الضوء الطبیعی هو ألوان مختلفة لکل لون موجاته الخاصة به، انه موجات فوق أخری (نُورٌ عَلی نُورٍ) و بتحلیل الضوء إلی الموجات المکونة له إذا مر بمنشور زجاجی إلی ألوان الطیف الشمسی حیث ینفصل کل نور عن الآخر، فکیف إذا تداخلت موجات الضوء الطبیعی جمیعها بطریقة لا علم لنا بها .. اللّه وحده یعلم «3»، و لنفس الآیة یقول
______________________________
(1) تفسیر القرطبی، سورة النور الآیة 35.
(2) تفسیر ابن کثیر، سورة النور الآیة 35.
(3) أنظمة ریاضیة فی برمجة حروف القرآن الکریم، الدکتور المهندس أحمد محمد إسماعیل، ص 164.
المادة و الطاقة، ص: 89
الدکتور محمد حسین الصغیر، استعار کلمة نور للدلالة علی الهدایة و التوجیه المراد بذلک عند بعض العلماء أنه هادی أهل السموات و الأرض بصوادع برهانه و نواصع بیانه کما نهتدی بالأنوار الثاقبة و الشهب اللامعة «1».
الإعجاز البلاغی فی هذه الآیة بدیع بدیع، لا یخفی علی من یفهم لغة العرب، و لکن هذا لیس موضوعنا .. فموضوعنا الإعجاز العلمی فی الآیة و الذی یعجز أیضا عن الإحاطة به أکبر علماء الدنیا، فاللّه سبحانه و تعالی نور السموات و الأرض و هو فی هذه الآیة یقرب لنا الصورة و یرسم لنا النموذج المبسط کی نستطیع أن نتصور بعض خصائصه بعقولنا المحدودة بالنسبة لعظمته .. فهناک هندسة ضوئیة فی الأمر لها عدة مراحل:
* مشکاة فیها مصباح، و المشکاة هی الفتحة غیر النافذة فی الحائط.
* المصباح فی زجاجة.
* الزجاجة من نوع خاص، فهی کالکوب الدری الکرستالی الشدید النقاوة إذا سقطت علیه أشعة تنعکس بداخله ملایین المرات إلی ما شاء اللّه، و لا تتبعثر منها شی‌ء فیظهر للناظر کأنه یضی‌ء من داخله و هذا ما یسمی علمیا أنه ناری (Firey( أی کأن نارا تخرج من داخله ..
بمعنی أن الزجاجة تعکس الضوء المسلط علیها کما تفعل الکواکب السیارة و لیس کما تفعل النجوم ذاتیة الإضاءة، و هذا معناه: أن الضوء یسقط من المصباح علی الجدار الداخلی للزجاجة التی هی کوکب دریّ فتعکسه داخلها ملایین المرات إلی الجهة المقابلة من السطح ثم تتکرر العملیة هذه حتی تتحول الزجاجة إلی کتلة من الضوء یخرج منها و یسلط علی الجدران الداخلیة للمشکاة، و التی تقوم هی الأخری بعکسه مرات و مرات فلا یتبعثر من الضوء شی‌ء و لا یخرج إلا من جهة الغرفة التی فیها المشکاة ..
و بذلک تتحول هذه الهندسة العظیمة ضمن المعادلة (مشکاة- مصباح- زجاجة بشکل کوکب کرستالی دریّ) إلی مصدر عظیم للضوء لا یحدث بإزالة أی جزء من المعادلة .. و لو أننا سألنا عالما فی الفیزیاء الضوئیة فی زماننا هذا لما استطاع أن یضیف
______________________________
(1) الصورة الفنیة فی المثل القرآنی، د. محمد حسین علی الصغیر، ص 204.
المادة و الطاقة، ص: 90
شیئا للصورة التی أشار إلیها القرآن الکریم «1».
و هذا یعنی علمیا ترکیز الضوء من حالة إلی حالة حتی وصوله إلی أقوی الحالات و أکثرها إشعاعا و ترکیزا، و هی الفکرة الأساسیة للیزر الذی یعتمد علی ترکیز الضوء، فالکلمة (LASER( التی هی اختصارLight Amplification by Simulated Emission of Radiation ( تعنی بالعربیة تضخیم الضوء بابتعاث الإشعاع المنشط «2»، فسبحان من جعل نوره سراجا و ضیاءه یضی‌ء الصدور و الأبصار و العقول، و رحمة لأولی الألباب.
مکنتنا تقنیة اللیزر و هندسة الضوء الحدیثة من تشکیل أجسام ضوئیة مختلفة الأشکال و الأحجام و الألوان، فهی ضوئیة و لیست مادیة إلا أن ناظرها یعتقد أنها حقیقیة، و حیث إن بصرنا محدود بنافذة بصریة معرفة علمیا (کما سنری فی الفصل الثالث من الباب الثالث) فإننا ندرک هذه الأنوار و الأشکال الضوئیة ضمن حدود هذه النافذة، و أما ما وراءها فلا یدرک و لا یحس .. فما بالنا إذا ذکر هذا الأمر صدقناه، و إذا ذکرت الأجسام النورانیة الملائکیة و الأجسام الناریة الشیطانیة التی ذکرت فی القرآن الکریم مرارا و التی لا تدرکها أبصارنا قال بعضنا هذا من علم الغیب فلا جزم فیه، و قال آخرون هذه أساطیر، و أفتی آخرون أن الدین خرافة و لا یصدقه عقل، و قال غیرهم، و قال غیرهم: ... ذلِکَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ یُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِینَ کَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّی یُؤْفَکُونَ (30) (التوبة: 30).
و تقام و منذ سنوات عدیدة فی جمیع أنحاء العالم بحوث حول تأثیر القرآن الکریم و الدعاء و الذکر علی سلوک الإنسان و حیویته و نشاطه و طاقته. و من أهم هذه البحوث ما توصل إلیه فریق علمی مصری برئاسة الدکتور المهندس المعماری إبراهیم کریم، الذی یقوم بدراسة تنظیم طاقة الإنسان بما یوفر أفضل راحة نفسیة له و باستخدام تقنیات و أجهزة و مختبرات متطورة. بدء البحث أولا بتأثیر الأشکال و الألوان و ما شاکلها علی راحة الإنسان و من ثم نشاطه و طاقته ثم استمر باختراع جهاز صغیر (إیقونة) تلبس فی
______________________________
(1) نظرة علمیة للکتب السماویة، د. فاروق العبدلی، ص 120- 121 بتصرف.
(2) قاموس المصطلحات الفنیة، ص 335.
المادة و الطاقة، ص: 91
صدر الشخص بشکل حر تقوم بتنظیم طاقة الجسم معتمدا فی تصمیمها علی المجال الحراری و الکهرومغناطیسی للإنسان، و قد تمت دراسة هذا الموضوع فی عدة محاور و اتجاهات و بتطبیقات حقلیة و مختبریة عدیدة و منها تجربة البسکوتة و هی باختصار:
تم اخذ بسکوته و قرئ علیها بسم اللّه الرّحمن الرّحیم و وضعت مع عینة عشوائیة من البسکوت فی وعاء و طلب من رجل أن یأکل من الوعاء و هو لا یعرف الأمر، و تمت دراسة توزیع طاقته بواسطة الجهاز عند أکله لکل بسکوته و لوحظ أنه ما أن لمست یداه البسکوتة المذکورة حتی تنظمت کل أجهزة الجسم و خصوصا المعدة، بینما لم یحصل هذا مع البسکوتات الأخری .. و قد توصل الباحثون إلی أن طاقة الجسم تنتظم بشکل عجیب عند قراءة القرآن الکریم و الدعاء و الذکر و عند زیارة المساجد، و عند أداء الأعمال الصالحة «1».
ذکر القرآن الکریم حالة النور فی عدة سور بل إن سورة کاملة سمیت بسورة النور، و معلوم أن النور لیس طاقة فقط و إنما له خصائص المادة فهو انعکاس ضوئی و تشتت للضوء، و حقیقة الضوء کما هو معلوم هی طاقة (فوتونات)، و هذه الطاقة لها کتلة حسب قانون انشتاین، و کما أن الطاقة تنعکس علی الأجسام المادیة فبإمکانها اختراق المادة کما هو الحال فی حالة النیوترینوز .. فذکر أن الملائکة الکرام مخلوقون من نور و هم لا یرون من قبل البشر و یخترقون المادة، و هذا المعنی واضح فی قوله تعالی: فَلَمَّا رَأی أَیْدِیَهُمْ لا تَصِلُ إِلَیْهِ نَکِرَهُمْ وَ أَوْجَسَ مِنْهُمْ خِیفَةً قالُوا لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنا إِلی قَوْمِ لُوطٍ (70) (هود: 70)، و هذه القصة نزلت فی الملائکة الذین تلبسوا بهیئة البشر و نزلوا علی سیدنا إبراهیم علیه السّلام لیبشروه بسیدنا إسحاق علیه السّلام فما کان منه إلا أن قام بمراسیم الضیافة و ذبح لهم عجلا و قدمه لهم فلما رأی أن أیدیهم تخترق العجل أوجس منهم خیفة، و لکنهم طمأنوه بأنهم أتوا لتبشیره بابنه إسحاق .. فهذه سابقة قرآنیة إلی نوع الترکیبة التی خلق منها الملائکة و هی قطعا إشارة علمیة لاختراق النور للمادة.
إن وحدة الشحنة الکهرومغناطیسیة تعادل (3* 10 10) مرة من وحدة الشحنة الستاتیکیة، و أن الکولومب یساوی (9979، 2* 10 9) ستاتکولومب، کما أن الوحدة الطبیعیة لقیاس الشحنة الکهربائیة هی الشحنة المحمولة بواسطة الإلکترون أو البروتون، و تقاس بما
______________________________
(1) خبر تناقلته وکالات الأنباء و محطات التلفزة الفضائیة عام 2000 م.
المادة و الطاقة، ص: 92
یسمی بوحدة الشحنة (e( و التی تعادل الرقم (601864، 1* 10- 19 کولومب) أو ما یعادل (80223، 10- 10 ستاتکولومب) «1»، و أن ثابت قانون کولومب (K( یعادل (98742، 8* 10 9) و یؤخذ عادة (9* 10 9) «2».
سنتکلم فی الکتاب الخامس من هذه السلسلة بشی‌ء من التفصیل عن ظاهرة البرق و علاقته بفیزیاء السحب مع ذکر الآیات المتعلقة بوروده فی القرآن الکریم، و لکن ما یتعلق بالبرق کضوء أو طاقة فإن ذلک من اختصاص هذا الکتاب ..
لقد وردت کلمة (برق) فی القرآن الکریم و التی تمثل التطبیق الفعلی للکهرباء فی الطبیعة (5) مرات، کما وردت کلمة الصواعق مرتین، الأولی فی سورة الرعد آیة (13) و الأخری فی سورة البقرة آیة (19)، و کما یبین الجدول أدناه. أما کلمة نور فی سورة النور فقد وردت (6) مرات.
جدول الثوابت النوویة القرآنیة «3» تسلسلها الآیة تسلسل الکلمة حاصل ضرب عدد آیات السورة/ (1)/ (2)/ (3)/ (1* 2* 3)/ السورة البقرة/ 2/ 19/ 194/ 7372/ 286 البقرة/ 2/ 20/ 207/ 8280/ 286 الرعد/ 13/ 12/ 225/ 35100/ 43 النور/ 24/ 43/ 833/ 859656/ 64 الروم/ 30/ 24/ 257/ 158040/ 60 و کانت النتائج کما یلی:
1- کان حاصل ضرب الأعمدة الثلاث الأولی (العمود الرابع) ینتج (9108، 2* 10 23)
______________________________
(1) تم تحدیث هذا الرقم إلی (60219، 1* 10- 19 کولومب) أو (80325، 4* 10- 10 ستاتکولومب)، و هذا التحدیث البسیط یتأتی من تطور أجهزة القیاس عبر التقنیات التی تستحدث باستمرار.
(2) الفیزیاء الجامعیة، سیرس، ص 461- 462.
(3) انظر کتابنا (المنظار الهندسی للقرآن الکریم)، ص 287.
المادة و الطاقة، ص: 93
و هو الثابت الذی یمثل فرق الشحنة الکهرومغناطیسی الذی ذکرناه فی موضوع الهندسة الکیمیاویة، و علیه تکون نسبة الاختلاف 909، 2% فقط بین العلم و الحقیقة القرآنیة.
2- أما حاصل جمع العمود الرابع فهو (095448، 1* 10 6) و حیث أن البرق هو ظاهرة کهروضوئیة و تشکل حقل کهرومغناطیسی ممثل بالصاعقة، و حیث أن کلمة نور فی سورة النور وردت (6) مرات و هو یمثل الظاهرة الضوئیة للموضوع، و کلمة صواعق وردت مرتین کما سبق و أشرنا و هی تمثل الظاهرة الکهربائیة للموضوع، فحاصل جمعهما یساوی ثمان مرات، و إذن حاصل ضرب مجموع العمود الرابع* (8) یعطی الرقم (763584، 8* 10 6) و هذا یمثل اختلاف مقداره 22، 2% فقط للعلم فیما یتعلق بثابت قانون کولومب عن الحقیقة القرآنیة.
3- أن المتدبر لسورتی الرعد و النور یری فیما یراه ما یمیز هاتین السورتین من روعة النظم و الترتیب الشی‌ء الکثیر، و من أهم هذه الممیزات علاقتها بالظواهر الکهروضوئیة کالبرق و النور و الصواعق و الرعد.

6- الزوجیة فی القرآن الکریم‌

جاء مصطلح الزوجیة فی القرآن الکریم علی عدة أصناف، فجاءت الأزواج مرتین، أزواجا 14 مرة، زوجین 4 مرات، زوجها 4 مرات ... یقول تعالی:
وَ کُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً (7) (الواقعة: 7) .. حَتَّی إِذا جاءَ أَمْرُنا وَ فارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِیها مِنْ کُلٍّ زَوْجَیْنِ اثْنَیْنِ وَ أَهْلَکَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَیْهِ الْقَوْلُ وَ مَنْ آمَنَ وَ ما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِیلٌ (40) (هود: 40) ..
الزوجیة فی کل شی‌ء، فی الجماد و الحیوان و النبات و الأکوان. الزوج ضد الفرد کما تعرف قوامیس اللغة ذلک، و منها تشتق کلمات تعطی معنی مقارب منها المزاوجة، الازدواج، التزاوج، فیقال للاثنین زوجان، و یقال زوج، و هما سواء، و هما سیّان، فسواء و سیّان تعنی الزوجیة. و یقال أیضا البعل، و هو القرین الجنسی من أزواج البشر أی الذکر و الأنثی. و عموما الزوج هو القرین، فکل ما یقترن بمسألة فهو زوجها سواء أ کان هذا القرین جنسا أم أمور أخری.
و فی اللغة الإنجلیزیة نجد المقابل لهذا التعریف کلمات عدة منها (couple(،
المادة و الطاقة، ص: 94
(Pair(، (spouse(. هذه الکلمات تعطی معانی الازدواج أو التزاوج أو الزوجیة.
فعند ما تقول (couple of time ,couple of minutes(، فإنک تعنی بالمعنی الاصطلاحی زوج من الدقائق أو الوقت، و بالمعنی العام بعض الوقت. و المزدوج (couple( معروف عند أهل الهندسة و الفیزیاء. و فی لغة الریاضیات عند ما تقرن بین متغیرین تجعلهما بین قوسین مثل (س، ص) أو (x ,y(، و هذا الزوج من المتغیرات قد یکون متناظر أو متعاکس أو ما شابه فللأزواج فی الریاضیات صفات عدیدة ... و بالتالی لیس بالضرورة أن یکون اثنین، بل هو کل ما أکثر من اثنین، و کذا الحال فی لغة العرب کل ما هو أکثر من اثنین، فالزوج هو ضد الفرد.
و من هذه المقدمة یمکننا أن نصنف الزوجیة علی أصناف رئیسیة عدة منها:
1. التآلف و التوافق: کما هو الحال فی الجنسین أو حالة البعل و القرین.
2. التضاد: مثل المادة و المادة المضادة.
3. المقارنة و الاقتران: کما أن تقارن بین شیئین، أو أن تقرن شی‌ء بآخر، کحال التوائم فی المخلوقات و الجمادات.
4. التناظر و التشابه: کما هو الحال بین تشابه نصفی المخ البشری أو تناظر نصفی البرتقالة عند تنصیفها.
5. التقابلات: کما هو الحال فی التقابلات و التناظرات العددیة، و تجد فی القرآن الکریم من هذا النوع ما یطول شرحه و یعجز وصفه، فإنک تجد أن عدد مرات ورود کلمات ملائکة بعدد ورود ضدها أی الشیاطین، و عدد ورود أو تکرار الجنة بعدد تکرار النار و هکذا، و کأن المسألة خاضعة لترتیب ریاضی عجیب، فسبحان اللّه.
6. التنافس و المنافسة: کالمنافسة بین فردین أو أکثر، أو مجموعتین أو أکثر.
7. التوازی و التلاقی: کحال الأشیاء المتوازیة أو المتلاقیة.
الأزواج لا تستقر و لا تسکن حتی تلتقی بأزواجها أو أقرانها* هُوَ الَّذِی خَلَقَکُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها لِیَسْکُنَ إِلَیْها ... (الأعراف: من الآیة 189).
الأحیاء مثلا لا یستقرون حتی یسکنوا لأزواجهم، و الذرة فیها نواة موجبة بداخلها بروتونات موجبة الشحنة تشتاق لأن تدور حولها إلکترونات سالبة متحرکة فتجذبها
المادة و الطاقة، ص: 95
إلیها، فإذا ما کان ذلک و دارت الإلکترونات السالبة حول النواة الموجبة حصل السکون أی التعادل بالشحنات للذرة. کذلک الحال لأزواج المخلوقات کالنبات و الحیوان و الإنسان الَّذِی جَعَلَ لَکُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَ سَلَکَ لَکُمْ فِیها سُبُلًا وَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّی (53) (طه: 53) ... وَ مِنْ آیاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَکُمْ مِنْ أَنْفُسِکُمْ أَزْواجاً لِتَسْکُنُوا إِلَیْها وَ جَعَلَ بَیْنَکُمْ مَوَدَّةً وَ رَحْمَةً إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیاتٍ لِقَوْمٍ یَتَفَکَّرُونَ (21) (الروم: 21) .. وَ اللَّهُ خَلَقَکُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَکُمْ أَزْواجاً وَ ما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثی وَ لا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَ ما یُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَ لا یُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِی کِتابٍ إِنَّ ذلِکَ عَلَی اللَّهِ یَسِیرٌ (11) (فاطر: 11) .. فاطِرُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ جَعَلَ لَکُمْ مِنْ أَنْفُسِکُمْ أَزْواجاً وَ مِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً یَذْرَؤُکُمْ فِیهِ لَیْسَ کَمِثْلِهِ شَیْ‌ءٌ وَ هُوَ السَّمِیعُ الْبَصِیرُ (11) (الشوری: 11) .. وَ هُوَ الَّذِی مَدَّ الْأَرْضَ وَ جَعَلَ فِیها رَواسِیَ وَ أَنْهاراً وَ مِنْ کُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِیها زَوْجَیْنِ اثْنَیْنِ یُغْشِی اللَّیْلَ النَّهارَ إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیاتٍ لِقَوْمٍ یَتَفَکَّرُونَ (3) (الرعد: 3).
لأجل ذلک قنّن اللّه تعالی هذه العاطفة و الشحنات الناتجة من عدم الاستقرار هذا بضوابط الزواج لعد ترک المسألة علی عواهنها خصوصا لأکرم مخلوق و هو الإنسان.
هناک أیضا فی عالم الدقائق ما یعرف بالأجسام المضادة التی لها نفس الکتلة و لکن بشحنات متعاکسة کالإلکترون الموجب أو البوزیترون الذی یترک بحر الإلکترونات السالبة، و عند التقاء المتضادات یحصل الفناء أو الإبادة (Annihilation(، و هذا هو النوع الثانی من أصناف الأزواج، فهو عکس الأول الذی یؤدی تلاقیه إلی استقرار و سکن کما فی أزواج المخلوقات و أزواج الجمادات غیر المتضادة.
و تفصیل ذلک أن الطاقة السالبة هی الطاقة التی تبذل عکس واقع تطبیقها الفعلی، فمثلا إذا وضعت وزن فی میزان فبدل أن یهطل بفعل الوزن یرتفع، و بدل أن ینکسب الماء إلی الأسفل یعود فیتجمع فی الإناء إلی الأعلی، و بدل أن یسیر الزمن للأمام یجری نحو الخلف، و هکذا. عند ما ذکرها العالم دیراک فی بدایات القرن العشرین المیلادی سخر منه علماء عصره، و لکنهم عند ما اکتشفوا البوزیترون دعوه لیأخذ جائزة نوبل فرفض لأن تصدیقهم له جاء متأخرا و بعد 7 سنوات من السخریة و الاستهزاء. هذا الأمر یقود للقول
المادة و الطاقة، ص: 96
بالزمن السالب أو الزوج الملاصق لزمننا الموجب، کحال الناظر للمرآة بدل أن یری تقدمه للأمام یری نفسه یرجع للخلف فبدل أن تذهب للمستقبل معک فإنها تعود للماضی، و کما فی إرجاع الأفلام إلی الوراء رغم أنها مضحکة و لکنها مشخصة علمیا. أما من الناحیة العملیة فلا یوجد تطبیق لهذا الفعل حصل فی أرض الواقع إلا فی حالة معجزة المعراج التی اختص بها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم «1»، و کذلک عملیة الخلق بالبدء و الإعادة التی صرح بها القرآن الکریم، فنقرأ فی قوله تعالی إِلَیْهِ مَرْجِعُکُمْ جَمِیعاً وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ یَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ یُعِیدُهُ لِیَجْزِیَ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ وَ الَّذِینَ کَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِیمٍ وَ عَذابٌ أَلِیمٌ بِما کانُوا یَکْفُرُونَ (4) (یونس: 4) .. قُلْ هَلْ مِنْ شُرَکائِکُمْ مَنْ یَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ یُعِیدُهُ قُلِ اللَّهُ یَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ یُعِیدُهُ فَأَنَّی تُؤْفَکُونَ (34) (یونس: 34) .. أَمَّنْ یَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ یُعِیدُهُ وَ مَنْ یَرْزُقُکُمْ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ أَ إِلهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هاتُوا بُرْهانَکُمْ إِنْ کُنْتُمْ صادِقِینَ (64) (النمل: 64) ..
یَوْمَ نَطْوِی السَّماءَ کَطَیِّ السِّجِلِّ لِلْکُتُبِ کَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِیدُهُ وَعْداً عَلَیْنا إِنَّا کُنَّا فاعِلِینَ (104) (الأنبیاء: 104) .. اللَّهُ یَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ یُعِیدُهُ ثُمَّ إِلَیْهِ تُرْجَعُونَ (11) (الروم: 11).
هذه المسألة تقودنا لنسبیة إینشتاین، و عدم وجود زمن ماضی و مستقبل فی الکون السحیق، فکل زمن هناک متداخل و لیس حاله کما هو حال القیاس عندنا. و هذا أیضا یعنی وجود الطاقة و الطاقة المضادة، و کذلک الکون و الکون المضاد بل و الأکوان المتعددة، (multiverse(، فالثقوب السوداء مثلا و التی تمتص الضوء و تبیده- سنتکلم عنها فی کتاب الفلک- إحدی أوجه الأکوان المضادة و العوالم الأخری. و الکون الحالی بزمنه هو کالسهم الذی أسفله نهایته المدقوقة، و أعلاه الانفراج، بینما الکون الآخر و الزمن المضاد عکسه عند نهایته ..
لذلک نقرأ فی القرآن الکریم قوله تعالی قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) (الفلق: 1)،
______________________________
(1) راجع کتابنا (المنظار الهندسی للقرآن الکریم، الباب الثالث، الفصل السابع/ هندسة النقل و الاتصالات فی القرآن الکریم).
المادة و الطاقة، ص: 97
فاللّه تعالی قد فلق کل شی‌ء من الذرة إلی الأکوان، فأبعدها عن بعضها فأبقی العالم المحسوس و أخفی العالم المضاد، و لو یأتینا شی‌ء من هذا العالم لتدمرنا بفعل التقاء الضدیدین و حصول الإبادة، و اللّه أعلم. و تأمل بسیط بالطاقة الناتجة من إبادة شخص مع ضده تنبئک أخی الکریم بهول الأمر، لأن إبادة 1 بروتون تعطیک 982 ملیون إلکترون فولت من الطاقة، و علیه فإن طاقة الإبادة لشخص من عالمنا مع ضدیده من العالم المخفی تقدر ب 2200 قنبلة ذریة .. نعم، و لک أن تتخیل الأمر، فسبحان اللّه القوی العزیز.
إذن کل شی‌ء علی شکل أزواج من الذرة حتی المجرة سُبْحانَ الَّذِی خَلَقَ الْأَزْواجَ کُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَ مِمَّا لا یَعْلَمُونَ (36) (یس: 36) .. المادة و الطاقة 97 6 - الزوجیة فی القرآن الکریم ..... ص : 93
وَ الَّذِی خَلَقَ الْأَزْواجَ کُلَّها وَ جَعَلَ لَکُمْ مِنَ الْفُلْکِ وَ الْأَنْعامِ ما تَرْکَبُونَ (12) (الزخرف:
12) .. وَ خَلَقْناکُمْ أَزْواجاً (8) (النبأ: 8) .. وَ مِنْ کُلِّ شَیْ‌ءٍ خَلَقْنا زَوْجَیْنِ لَعَلَّکُمْ تَذَکَّرُونَ (49) (الذاریات: 49).
و قد یقول قائل هناک من أصناف الأحیاء فی النبات و الحیوان أصناف أحادیة الجنس، أی تحوی فی داخلها أعضاء الذکورة و الأنوثة معا، فما تعلیل ذلک؟. الجواب فی تعریف الزوجیة نفسه، فالزوج الجنسی هنا بدل أن یکون فی مکانین مختلفین عند الأنثی و الذکر، تراه متواجد فی مکان واحد هو هذا النوع أو ذاک من أصناف النباتات أو الحشرات.
أما بقیة أصناف الزوجیة فالأمثلة علیها کثیرة بل و أکثر من أن تذکر، فکل شی‌ء زوج، و صفة الزوجیة تلازم الوجود بأسره إلا خالق الوجود و مبدعه و مکونه تبارک عما یصفون من الزوج و الوالد، فهو تعالی عن النظیر و الضدید و المثیل لأنه فاطِرُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ جَعَلَ لَکُمْ مِنْ أَنْفُسِکُمْ أَزْواجاً وَ مِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً یَذْرَؤُکُمْ فِیهِ لَیْسَ کَمِثْلِهِ شَیْ‌ءٌ وَ هُوَ السَّمِیعُ الْبَصِیرُ (11) (الشوری: 11) .. قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ یَلِدْ وَ لَمْ یُولَدْ (3) وَ لَمْ یَکُنْ لَهُ کُفُواً أَحَدٌ (4) (الإخلاص).
فهل من دلیل بعد الذی ذکرنا من أدلة؟!، فسبحان من له ملکوت کل شی‌ء و إلیه ترجعون.
المادة و الطاقة، ص: 98
نعم أیها الأخوة، کم نحن ضعفاء أمام هذا الخالق العظیم، و کم ضعفنا بحاجة إلی قوته و فقرنا إلی غناه ... سبحان من بیده ملکوت کل شی‌ء و إلیه ترجعون ..
إلی اللقاء مع الکتاب القادم و السلام علیکم و رحمة اللّه تعالی و برکاته.
المادة و الطاقة، ص: 101

فهرس المحتویات‌

المقدمة 3 الفصل الأول: المادة- الطاقة المادة و الطاقة علمیا: الذرات 5 الأضداد و النظائر و الدقائق الأخری 18 الکوارکات 21 البروتونات 22 النیوترونات 23 الإلکترونات 24 دور الإلکترونات فی الکهرباء 25 دور الإلکترونات فی الضوء 27 تطبیقات إلکترونیة 33 دور الإلکترونات فی البناء الذری و الأواصر 37 صوت الذرة 39 الجزئیات و العناصر و المواد 48 احتراق و فناء المادة 54 الفصل الثانی: هندسة الذرة فی القرآن الکریم ذکر حالات الطاقة و المادة: تصریحا و تلمیحا فی القرآن الکریم 57
المادة و الطاقة، ص: 102
الذرة و نواتها فی القرآن الکریم 57 وجه الإعجاز 58 أعمال للمؤلف 99 مشاریع کتب للمؤلف 100 فهرس المحتویات 101

تعريف مرکز القائمیة باصفهان للتحریات الکمبیوتریة

جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة/41).
قالَ الإمامُ علیّ ُبنُ موسَی الرِّضا – علـَیهِ السَّلامُ: رَحِمَ اللّهُ عَبْداً أحْيَا أمْرَنَا... َ يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَ يُعَلِّمُهَا النَّاسَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا... (بَــنـادِرُ البـِحـار – فی تلخیص بحـار الأنوار، للعلاّمة فیض الاسلام، ص 159؛ عُیونُ أخبارِ الرِّضا(ع)، الشـَّیخ الصَّدوق، الباب28، ج1/ ص307).
مؤسّس مُجتمَع "القائمیّة" الثـَّقافیّ بأصبَهانَ – إیرانَ: الشهید آیة الله "الشمس آباذی" – رَحِمَهُ اللهُ – کان أحداً من جَهابـِذة هذه المدینة، الذی قدِ اشتهَرَ بشَعَفِهِ بأهل بَیت النبیّ (صلواتُ اللهِ علـَیهـِم) و لاسیَّما بحضرة الإمام علیّ بن موسَی الرِّضا (علیه السّلام) و بـِساحة صاحِب الزّمان (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرجَهُ الشَّریفَ)؛ و لهذا أسّس مع نظره و درایته، فی سَنـَةِ 1340 الهجریّة الشمسیّة (=1380 الهجریّة القمریّة)، مؤسَّسة ًو طریقة ًلم یـَنطـَفِئ مِصباحُها، بل تـُتـَّبَع بأقوَی و أحسَنِ مَوقِفٍ کلَّ یومٍ.
مرکز "القائمیّة" للتحرِّی الحاسوبیّ – بأصبَهانَ، إیرانَ – قد ابتدَأَ أنشِطتَهُ من سَنـَةِ 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریّة القمریّة) تحتَ عنایة سماحة آیة الله الحاجّ السیّد حسن الإمامیّ – دامَ عِزّهُ – و مع مساعَدَةِ جمع ٍمن خِرّیجی الحوزات العلمیّة و طلاب الجوامع، باللیل و النهار، فی مجالاتٍ شتـَّی: دینیّة، ثقافیّة و علمیّة...
الأهداف: الدّفاع عن ساحة الشیعة و تبسیط ثـَقافة الثـَّقـَلـَین (کتاب الله و اهل البیت علیهـِمُ السَّلامُ) و معارفهما، تعزیز دوافع الشـَّباب و عموم الناس إلی التـَّحَرِّی الأدَقّ للمسائل الدّینیّة، تخلیف المطالب النـّافعة – مکانَ البَلاتیثِ المبتذلة أو الرّدیئة – فی المحامیل (=الهواتف المنقولة) و الحواسیب (=الأجهزة الکمبیوتریّة)، تمهید أرضیّةٍ واسعةٍ جامعةٍ ثـَقافیّةٍ علی أساس معارف القرآن و أهل البیت –علیهم السّلام – بباعث نشر المعارف، خدمات للمحققین و الطـّلاّب، توسعة ثقافة القراءة و إغناء أوقات فراغة هُواةِ برامِج العلوم الإسلامیّة، إنالة المنابع اللازمة لتسهیل رفع الإبهام و الشـّـُبُهات المنتشرة فی الجامعة، و...
- مِنها العَدالة الاجتماعیّة: التی یُمکِن نشرها و بثـّها بالأجهزة الحدیثة متصاعدة ً، علی أنـّه یُمکِن تسریعُ إبراز المَرافِق و التسهیلاتِ – فی آکناف البلد - و نشرِ الثـَّقافةِ الاسلامیّة و الإیرانیّة – فی أنحاء العالـَم - مِن جـِهةٍ اُخرَی.
- من الأنشطة الواسعة للمرکز:
الف) طبع و نشر عشراتِ عنوانِ کتبٍ، کتیبة، نشرة شهریّة، مع إقامة مسابقات القِراءة
ب) إنتاجُ مئات أجهزةٍ تحقیقیّة و مکتبیة، قابلة للتشغیل فی الحاسوب و المحمول
ج) إنتاج المَعارض ثـّـُلاثیّةِ الأبعاد، المنظر الشامل (= بانوراما)، الرّسوم المتحرّکة و... الأماکن الدینیّة، السیاحیّة و...
د) إبداع الموقع الانترنتی "القائمیّة" www.Ghaemiyeh.com و عدّة مَواقِعَ اُخـَرَ
ه) إنتاج المُنتـَجات العرضیّة، الخـَطابات و... للعرض فی القنوات القمریّة
و) الإطلاق و الدَّعم العلمیّ لنظام إجابة الأسئلة الشرعیّة، الاخلاقیّة و الاعتقادیّة (الهاتف: 00983112350524)
ز) ترسیم النظام التلقائیّ و الیدویّ للبلوتوث، ویب کشک، و الرّسائل القصیرة SMS
ح) التعاون الفخریّ مع عشراتِ مراکزَ طبیعیّة و اعتباریّة، منها بیوت الآیات العِظام، الحوزات العلمیّة، الجوامع، الأماکن الدینیّة کمسجد جَمکرانَ و...
ط) إقامة المؤتمَرات، و تنفیذ مشروع "ما قبلَ المدرسة" الخاصّ بالأطفال و الأحداث المُشارِکین فی الجلسة
ی) إقامة دورات تعلیمیّة عمومیّة و دورات تربیة المربّـِی (حضوراً و افتراضاً) طیلة السَّنـَة
المکتب الرّئیسیّ: إیران/أصبهان/ شارع"مسجد سیّد"/ ما بینَ شارع"پنج رَمَضان" ومُفترَق"وفائی"/بنایة"القائمیّة"
تاریخ التأسیس: 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریة القمریّة)
رقم التسجیل: 2373
الهویّة الوطنیّة: 10860152026
الموقع: www.ghaemiyeh.com
البرید الالکترونی: Info@ghaemiyeh.com
المَتجَر الانترنتی: www.eslamshop.com
الهاتف: 25-2357023- (0098311)
الفاکس: 2357022 (0311)
مکتب طهرانَ 88318722 (021)
التـِّجاریّة و المَبیعات 09132000109
امور المستخدمین 2333045(0311)
ملاحَظة هامّة:
المیزانیّة الحالیّة لهذا المرکز، شـَعبیّة، تبرّعیّة، غیر حکومیّة، و غیر ربحیّة، اقتـُنِیَت باهتمام جمع من الخیّرین؛ لکنـَّها لا تـُوافِی الحجمَ المتزاید و المتـَّسِعَ للامور الدّینیّة و العلمیّة الحالیّة و مشاریع التوسعة الثـَّقافیّة؛ لهذا فقد ترجَّی هذا المرکزُ صاحِبَ هذا البیتِ (المُسمَّی بالقائمیّة) و مع ذلک، یرجو مِن جانب سماحة بقیّة الله الأعظم (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرَجَهُ الشَّریفَ) أن یُوفـِّقَ الکلَّ توفیقاً متزائداً لِإعانتهم - فی حدّ التـّمکـّن لکلّ احدٍ منهم – إیّانا فی هذا الأمر العظیم؛ إن شاءَ اللهُ تعالی؛ و اللهُ ولیّ التوفیق.