الفوائد الرجالية (للخواجوئي)

اشارة

سرشناسه : خواجوئي، محمداسماعيل بن حسين، - ق 1173

عنوان و نام پديدآور : الفوائد الرجاليه/ محمداسماعيل بن الحسين بن محمدرضا المازندراني الخواجوئي؛ تحقيق مهدي الرجائي

مشخصات نشر : مشهد: مجمع البحوث الاسلاميه، 1413ق. = 1372.

مشخصات ظاهري : ص 358

فروست : (سلسله آثار المحقق الخواجوئي 69)

وضعيت فهرست نويسي : فهرستنويسي قبلي

يادداشت : عربي

يادداشت : كتابنامه به صورت زيرنويس

موضوع : محدثان -- سرگذشتنامه

موضوع : حديث -- علم الرجال

شناسه افزوده : رجائي، مهدي، 1336 - ، مصحح

شناسه افزوده : بنياد پژوهشهاي اسلامي

رده بندي كنگره : BP115/خ86ف9 1372

رده بندي ديويي : 297/292

شماره كتابشناسي ملي : م 72-2532

موضوع: تاريخ فقيهان و راويان

نويسنده: مازندراني، خاتون آبادي،(محمد) اسماعيل خواجوئي

تاريخ وفات مؤلف: 1173 يا 1171 ه ق

زبان: عربي

قطع: وزيري

تعداد جلد: 1

ناشر: مجمع البحوث الإسلامية

تاريخ نشر: 1413 ه ق

نوبت چاپ: اول

مكان چاپ: مشهد- ايران

محقق/ مصحح: سيد مهدي رجايي

مقدمة

اشارة

بسم اللّه الرحمن الرحيم الحمد للّه ربّ العالمين، و الصلاة علي خير خلقه و أفضل بريّته محمّد و آله الطيّبين الطاهرين.

قد كتبنا رسالة حول حياة المؤلّف و تكلّمنا حول حياته الاجتماعيّة و الثقافية، و عن عصره الذي كان يعيش فيه، ذلك العصر الذي جرت فيه علي الشيعة و عاصمتها اصفهان أهوال من الاضطراب و الخوف، و كان العلماء و الزعماء الدّينيّين في عصره: ما بين شريد، أو محبوس، أو شهيد، أو في زاوية من الخمول و الوحدة.

و نري كثيرا من العلماء بعد ما كانوا مشهورين و معروفين، و كانت لهم رئاسة و زعامة دينيّة، لمّا قدموا في هذا العصر، خبأ ذكرهم و أسماؤهم، فلا نري منهم ذكرا و لا أثرا، كأكثر البيوتات العلميّة التي كانت في اصفهان عاصمة الشيعة آنذاك.

و نجد بعضهم مع خمول ذكرهم و انزوائهم عن الخلق، خدموا الشيعة بآثارهم و كتبهم الممتعة،

و حفظوا الآثار عن الانمحاء و الاندراس.

و نري امتداد نشاطهم و حركتهم الفكريّة إلي كلّ ما كان هناك من علوم معروفة و متداولة، و شملت حركتهم إلي جانب الفقه و اصوله و الكلام و علوم القرآن و اللغة و الادب، و نجد هذا النشاط بارزا في مؤلّفاتهم الكثيرة التي تعكس اتّجاههم العلمي و نشاطهم الفكري.

و من الواجب و الإنصاف علينا أن لا ننسي لهم ما قاموا به من الأدوار

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 4

الكبيرة في الحركة الثقافيّة في الأحقاب الإسلامية الماضية، و ما ساهم به اتّجاههم هذا الممعن بحثا، الذي جاب مناطق الانسان و الحياة في بناء الحضارة الإسلاميّة و إقامة دعائمها علي اسس قويمة منتجة.

و من زعماء الشيعة الذين برزوا في هذه الميادين العلميّة و العمليّة، هو الشيخ الفقيه المحقّق الحكيم المتألّه العارف الموالي لأهل البيت عليهم السلام المولي محمّد إسماعيل المازندراني الخواجوئي الأصفهاني أسكنه اللّه بحبوحات جناته.

و ها أنا أذكر نبذة من حياته الشريفة ممّا ذكرته مفصّلا المطبوعة في أوّل المجموعة الاولي من الرسائل الاعتقادية للمؤلّف قدّس سرّه.

اسمه و نسبه

المولي محمّد اسماعيل بن الحسين بن محمّد رضا بن علاء الدين محمّد المازندراني الاصفهاني المشهور بالخواجوئي.

المازندراني نسبة الي منطقة في شمال ايران، لعلّ آباءه و أسلافه كانوا يسكنونها، أو كانت ولادته فيها، كما يظهر من بعض آثاره.

و الاصفهاني نسبة الي بلدة معروفة في ايران، كان منشأ ترعرعه فيها الي أن توفّي و دفن فيها.

و الخواجوئي نسبة إلي محلّة معروفة في اصفهان، متّصلة بالجسر العتيق علي نهر «زاينده رود» المعروف ب «جسر الخواجو» و قد انتقل إليها المترجم في فتنة الأفاغنة، و كانت المحلّة في زمانه خارج بلدة اصفهان، و اتّخذها مسقط رأسه حتّي اشتهر بالنسبة إليها.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)،

ص: 5

أولاده و أحفاده

له من الأولاد الملّا محمّد جعفر، و كان من علماء و فضلاء عصره في أصفهان.

و للملّا محمّد جعفر ابن فاضل عالم محقّق اسمه الملّا محمّد إسماعيل الثاني الخواجوئي، و توفّي في أصفهان في (25) ربيع الأوّل سنة (1282) ه ق.

الإطراء عليه

قد ذكر المؤلّف في أكثر المعاجم و التراجم الرجاليّة مع التجليل و التبجيل التامّ، و أثنوا عليه كلّ الثناء و الإطراء، و إليك نصّ عباراتهم:

قال الشيخ عبد النبي القزويني قدس سرّه من معاصريه في كتاب تتميم أمل الآمل ص 76: كان من العلماء الغائصين في الأغوار، و المتعمّقين في العلوم بالأسبار، و اشتهر بالفضل، و عرفه كل ذكيّ و غبيّ، و ملك التحقيق الكامل، حتّي اعترف به كلّ فاضل زكيّ.

و كان من فرسان الكلام، و من فحول أهل العلم، و كثرة فضله تزري بالبحور الزاخرة عند الهيجان و التلاطم، و الجبال الشاهقة و الأطواد الباذخة، إذا قيست إلي علوّ فهمه كانت عنده كالنقط، و الدراري الثاقبة إذا نسبت إلي نفوذ ذهنه كأنّها حبط.

حكي عنه الثقات أنّه مرّ علي كتاب الشفاء ثلاثين مرّة: إمّا بالقراءة، أو بالتدريس، أو بالمطالعة. و أخبرني بعضهم أنّه كان سقط من كتاب الشفاء عنده أوراق، فكتبها من ظهر قلبه، فلمّا عورض بكتاب صحيح ما شذّ منه إلّا حرفان أو حرف.

و بالجملة الكتب المتداولة في الحكمة و الكلام و الاصول كانت عنده أسهل

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 6

من نشر الجراد، حتّي يمكن للناس أن يقولوا: إنّ هذا لشي ء عجاب، إن هذا لشي ء يراد.

و كان رحمه اللّه مع ذلك ذا بسطة كثيرة في الفقه و التفسير و الحديث مع كمال التحقيق فيها.

و بالجملة كان آية عظيمة من آيات اللّه و حجة بالغة من حجج

اللّه. و كان ذا عبادة كثيرة، و زهادة خطيرة، معتزلا عن الناس، مبغضا لمن كان يحصّل العلم للدنيا، عاملا بسنن النبيّ صلّي اللّه عليه و آله، و في نهاية الإخلاص لأئمّة الهدي عليهم السلام، و ذا شدّة عظيمة في تسديد العقائد الحقّة و تشديدها، و ذا همّة جسمية في إجراء امور الدين مجراها و تأييدها.

و الميرزا محمد علي الكشميري ترجم عبارة تتميم الأمل المتقدّمة بالفارسية في كتابه نجوم السماء في تراجم الرجال ص 269.

و قال المحقّق الخوانساري في الروضات 1/ 114: العلم العالم الجليل مولانا إسماعيل … كان عالما بارعا، و حكيما جامعا، و ناقدا بصيرا، و محقّقا نحريرا، من المتكلّمين الأجلّاء، و المتتبّعين الأدلّاء، و الفقهاء الأذكياء، و النبلاء الأصفياء.

طريف الفكرة، شريف الفطرة، سليم الجنبة، عظيم الهيبة، قويّ النفس نقيّ القلب، زكيّ الروح، وفيّ العقل، كثير الزهد، حميد الخلق، حسن السياق، مستجاب الدعوة، مسلوب الادّعاء، معظّما في أعين الملوك و الأعيان، مفخّما عند اولي الجلالة و السلطان.

حتّي أنّ نادر شاه- مع سطوته المعروفة و صولته الموصوفة- كان لا يعتني من بين علماء زمانه إلّا به، و لا يقوم إلّا بإذنه، و لا يقبل إلّا قوله، و لا يمتثل إلّا أمره، و لا يحقّق إلّا رجاه، و لا يسمع إلّا دعاه.

و ذلك لاستغنائه الجميل عمّا في أيدي الناس، و اكتفائه بالقليل من الأكل

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 7

و الشرب و اللباس، و قطعه النظر عمّا سوي اللّه، و قصده القربة فيما تولّاه.

ثمّ قال: غير أنّ هذا الشيخ الجليل لمّا كان في زمن فاسد عليل، و عصر لم يبق لأحد فيه إلي نصر العلم و الدين سبيل- من جهة استيلاء الأفغان علي ممالك إيران، و استحلالهم أعراض

الشيعة و دماءهم و أموالهم في كلّ مكان، سيّما محروسة اصبهان- لم يبق له، مع كونه الفحل المحلّ العجب العجاب، كثير ذكر بين الأصحاب، و لا جدير اشتهار لما صنّف من رسالة و كتاب.

بل لم يعرف من أجل ذلك له استاد معروف، أو اسناد متّصل إليه أو عنه علي وجه مكشوف، و كأنّ ذلك كان مفقودا فيه معوذا عليه، و إلّا لنقله و نقل عنه في مبادئ كتاب أربعينه لا محالة، كما هو ديدن مؤلّفي الأربعينات، و لم يكن يعتذر هناك عن تركه ذكر الاسناد منه إلي المعصوم عليه السلام بأعذار غير سديدة.

أقول: سيأتي شهرته بين الأصحاب و الأعلام المتأخّرين عنه، و له مشايخ و تلامذة، و سلسلة اسناد تتّصل إليه و منه إلي المعصوم عليه السلام، فانتظر.

ثمّ قال: و كان رحمه اللّه مرتفعا جدا في محبّتهم- أي: محبّة السادة الفاطميين- و الإخلاص لهم الوداد، كما حكاه الثقات.

و كان رحمه اللّه أيضا صاحب مقامات فاخرة، و كرامات باهرة، يوجد نقل بعضها في بعض المواقف، و يؤخذ بالسائر من الأفواه، و إنّما أعرضنا عن تفصيلها حذراً عن الإطناب المملّ، المخلّ بوضع هذه العجالة.

و خطّه رحمه اللّه أيضا قد كان بقسميه المعهودين في قاصي درجة من الجودة و الحسن و البهاء، كما اطّلعنا عليه من أكثر أرقامه و مصنّفاته الموجودة لدينا بخطوطه المباركة انتهي.

و المحدّث النوري في خاتمة المستدرك 3/ 396 ذكر من الإطراء ما ذكره الشيخ القزويني في التتميم و المحقّق الخوانساري في الروضات، و ذكر نصّ بعض عبارتيهما.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 8

و قال السيّد العاملي في أعيان الشيعة 3/ 402 عن بعض الكتب في حقّه:

عالم عارف حكيم متألّه جامع ناقد بصير محقّق نحرير عابد زاهد

جليل معظّم نبيل، مكتف من الدنيا بالقليل، قاطع نظره عمّا سوي اللّه تعالي، مستجاب الدعوة، معظّم عند الملوك و السلاطين، و كان نادر شاه مع سطوته يعظّمه و يمتثل أوامره، خطّه في نهاية الجودة.

ثمّ ذكر عن كتاب تجربة الاحرار في علماء قزوين قال: المولي إسماعيل الخواجوئي الفاضل النبيل، جامع مسائل الحكمة و الفقاهة، و العالم بأخبار الرواية و الدراية، من قدماء العلماء و مشاهير الفضلاء، ممتاز بحدّة الذهن، فضائله لا تعدّ، و له تعاليق كثيرة، و لم يكن له نظير، و قد كان في اصفهان التي كانت تفتخر به.

و ذكر السيّد الصفائي الخوانساري في كتابه كشف الأستار 1/ 132 في مقام الإطراء عليه ما ذكره المحقّق الخوانساري في الروضات، فراجع.

و قال الميرزا المدرّس الخياباني في ريحانة الأدب 2/ 105 ما هذا نصّ عبارة الكتاب باللغة الفارسية: عالمي است جامع، و حكيمي است بارع. متكلّم زاهد عابد، خبير بصير، از أكابر فقهاء و متكلّمين اماميّة عهد نادري، كه به حسن اخلاق و عزّت نفس و اخلاص ائمّة هدي، و عدم اعتناء به اكابر و أغنياء، و عمل بسنن نبويّه موصوف، و مستجاب الدعوة بود.

از كساني كه علم را وسيله مقاصد دنيويّه مي نموده اند بسيار تنفّر داشت، داراي نفسي سليم، و از خوراك و پوشاك به بسياري كمي قانع، و در اثر شهامت نفس از مال و متاع مردم مستغني بود، به كسي اعتنا نمي كرد، به همين جهت در نظر سلطان و اكابر وقت بسيار احترام داشت، حتي نادر شاه با آن صولت و سطوتي كه داشته به جز او كسي ديگر را وقعي نمي گذاشت، فقط اوامر و دستورات او را لازم العمل مي دانست، و متأدّب به آداب

وي بود.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 9

و قال الشهيد التبريزي في كتاب مرآة الكتب 1/ 46: كان عالما فاضلا محقّقا، و كان مهابا معظّما عند نادر شاه، و كان لا يعتني الّا به.

و قال المحدّث القمّي في الكني و الالقاب 2/ 179: العالم الورع الحكيم المتألّه الجليل القدر من أكابر علماء الامامية قالوا في حقّه: كان آية عظيمة من آيات اللّه، و حجّة بالغة من حجج اللّه، و كان ذا عبادة كثيرة و زهادة خطيرة، معتزلا عن الناس مبغضا لمن كان يحصّل العلم للدنيا، عاملا بسنن النبي صلّي اللّه عليه و آله.

و كان في نهاية الاخلاص لأئمّة الهدي عليهم السلام، مستجاب الدعوة، مسلوب الادّعاء، معظّما في أعين الملوك و الأعيان، مفخّما عند أولي الجلالة و السلطان.

و قال الفاضل كحّاله في معجم المؤلّفين 1/ 192: محدّث متكلّم، مشارك في بعض العلوم.

و غيرهم ممّن ذكره في تراجمهم الرجاليّة و غيرها.

الفتنة الهائلة الأفغانية

لا بأس بالاشارة إلي ابتلاء أهل هذا الزمان الذي كان يعيش فيه المترجم في محروسة اصفهان بجنود وافرة من الافغان؛ ليكون عبرة للناظرين، و غيرة للشاكرين، و تنبيها للغافلين، و تذكيرا للجاهلين، و تسلية للإخوان، و تعزية لأهل الايمان.

و كان هذا الرجل الجليل في عين هذه النائرة العظيمة، و لذا لم يبق له كثير ذكر، و كان هذا هو السبب لخمول ذكر أكثر علمائنا الذين كانوا يعيشون في هذه الفترة، و ضاع كثير من أساميهم و تآليفهم، فنحن نذكر نصّ عبارات أصحاب

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 10

التراجم و غيرهم:

قال المترجم نفسه في آخر كتابه الأربعين: جمعتها في زمان و ألّفتها في مكان كانت عيون البصائر فيه كدرة، و دماء المؤمنين المحرّم سفكها بالكتاب و السنّة فيه هدرة، و فروج

المؤمنات مغصوبة فيه مملوكة بأيمان الكفرة الفجرة، قاتلهم اللّه.

بنبيّه الكرام البررة.

و كانت الأموال و الأولاد منهوبة فيه مسبيّة مأسورة، و بحار أنواع الظلم موّاجة فيه متلاطمة، و سحائب الهموم و الغموم فيه متلاصقة متراكمة، زمان هرج و مرج مخرب الآثار، مضطرب الأخبار، محتوي الأخطار، مشوّش الأفكار، مختلف الليل، متلوّن النهار، لا يسير فيه ذهن ثاقب، و لا يطير فيه فكر صائب.

نمّقتها و هذه حالي و ذلك قالي، فإن عثرتم فيه بخلل، أو وقفتم فيه علي زلل فأصلحوه رحمكم اللّه، إنّ اللّه لا يضيع أجر المصلحين.

و قال صاحب الروضات في ترجمة المؤلف: و قد تواتر أضعاف ذلك النقل من معمّرينا الذين أدركوا ذلك الزمان، و حسبك شاهدا عليه بقاء خراب أكثر محلّات محروسة اصبهان من تلك الواقعة الكبري و الداهية العظمي إلي الآن، كما نراه بالعيان.

و ممّن أشار إلي نبذة من تلك الوقعات، و شرح علي جملة منها علي وجوه الألواح و الورقات، سيّدنا العالم الفاضل النسيب الحسيب ذي المجدين و صاحب الفخرين الأمير محمّد حسين بن الأمير محمّد صالح الحسيني الخواتون آبادي سبط العلّامة المجلسي (ره) في إجازته التي كتبها للشيخ الفاضل الكامل زين الدين بن عين علي الخوانساري، بقرية خواتون آباد من قري اصبهان، و سمّاها مناقب الفضلاء.

و كذا المولي الفاضل الاديب النجيب الآقا هادي بن مولانا محمّد صالح المازندراني في بعض مجاميعه، و نحن نذكرهما و إن طال الكلام بعين ما عبّرا عنه.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 11

ثمّ قال فنقول: قال الأوّل منهما بعد جملة من مواعظه للمولي المستجيز، و شرحه علي بعض ما جمع اللّه تعالي من خير الدارين للسلف الصالحين المجتبين.

فتغيّر ذلك الزمان، و تنزّل عاما فعاما، إلي أن فشا الظلم و الفسوق و

العصيان في أكثر بلاد إيران، و ظهرت الدواهي في جلّ الآفاق و النواحي، لا سيّما عراق العجم و العرب، فلم يزل ساكنوها في شدّة و تعب، و محنة و نصب، و انطمس العلم، و اندرست آثار العلماء، و انعكست أحوال الفضلاء، و انقضت أيّام الاتقياء.

حتّي أدرك بعضهم الذلّ و الخمول، و أدرك بعضهم الممات، فثلم في الاسلام ثلمات، و ضعفت أركان الدولة، و وهنت أساطين السلطنة، حتّي حوصرت بلدة اصفهان، و استولت علي أطرافها جنود أفغان، فمنعوا منها الطعام، و فشا القحط الشديد بين الانام، و غلت الأسعار، و بلغت قيمة لم يبلغ اليها منذ خلقت الدنيا و من عليها.

و صار سكنة أصل البلد: إمّا مقيمين فيه جائعين، و عن المشي و القيام عاجزين، مستلقين علي أقفيتهم في فراشهم، لا يقدرون علي السعي في تحصيل معاشهم، أو مشرفين علي الهلاك في مجلسهم، يجودون للموت بأنفسهم، حتّي صاروا أمواتا غير مدفونين في قبورهم، و إن اتّفق دفن بعضهم- قليل ما هم- ففي دورهم.

و إمّا هاربين من داخل البلد إلي الخارج، فأرسل عليهم شواظ من نار مارج، من صواعق نصال السهام و الرماح من جيوش أعدائهم، فاستحيوا مخدّرات نسائهم، و قتلوا رجالهم، و ذبحوا أطفالهم، و غصبوا أموالهم، و لم يبق منهم الّا قليل نجّاهم الأسر و الاسترقاق، فهم اسراء مشدودو الوثاق، فأكثر سكنة تلك الأقطار: إمّا مريض، أو مجروح، أو مذبوح علي التراب مطروح.

ثمّ آل الأمر إلي أن استولوا علي تلك الديار، فدخلوا في أصل البلدة، و

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 12

تصرّفوا في كلّ دار و عقار، و جعلوا أعزّة أهلها أذلّة، فحبسوا الملك، و قتلوا أكثر الامراء مع بعض السكنة، و باد بقيّة أهلها، و خرب

جبلها و سهلها، و لم يبق من أوطانها إلّا مقرّ يتيم ذي مقربة، أو مسكن مسكين ذي متربة.

و كنت قد حمدت اللّه ربّي في خلال تلك الأحيان راجيا من اللّه سهولة المخرج، متمسّكا بذيل الصبر، فإنّ الصبر مفتاح الفرج، محتسبا من اللّه الأجر، مفوّضا إليه كلّ أمر.

لكن لمّا تعسّرت في أصل البلد إقامتي لكثرة الشدائد و الدواهي، ترحّلت إلي بعض القري- يعني به خواتون آباد التي هي علي فرسخين من اصبهان- في جمع من إخواني في الدين و خلّاني المتّقين، خلّد اللّه ظلالهم و كثّر أمثالهم.

و لمّا كانت تلك القرية آمنة مطمئنّة يأتيها رزقها رغدا من كلّ مكان، اطمأنّ فيها قلبي بعض الاطمئنان، فحمدت اللّه سبحانه ثانيا، و أقمت فيها متوكّلا عليه، لعلّ اللّه يحدث بعد ذلك أمرا، و من يتوكّل علي اللّه فهو حسبه، إنّ اللّه بالغ أمره، قد جعل اللّه لكل شي ء قدرا.

ثمّ قال: و قال الفاضل الآقا هادي في ذيل ما نقله عن بعض التواريخ المعتمدة من أنّ الأسعار غلت بمصر سنة (465) و كثر الموت، و بلغ الغلاء إلي أنّ امرأة تقوّم عليها بألف دينار، و سبب ذلك أنّها باعت عروضا لها قيمتها ألف ألف دينار بثلاثمائة دينار، و اشترت عشرين رطلا حنطة، فنهبت من ظهر الحمّال، و نهبت هي أيضا مع الناس، فأصابها ممّا خبزته رغيف واحد.

و أقول: إنّ من حضر وقعة اصفهان من مخاذلة أفغان و محاصرة هذا العام، و هو سنة أربع و ثلاثين و مائة بعد الألف، و شاهد ما جري في ثمانية أشهر من شدّة الغلاء، حتّي أنّ منّا من الحنطة- و هو ثمانية عشر رطلا بالعراقي- بيع بخمسة توامين، و هو ألف درهم، ثمّ نفدت الحنطة

و الارز و سائر الحبوبات، و انتهي الأمر إلي اللحوم، فمن الغنم إلي البقر، و منه إلي الفرس و البغل، ثمّ الحمير ثمّ الكلاب

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 13

و السنّور، ثمّ لحوم الاموات، ثمّ قتل بعضهم بعضا ابتغاء لحمه. و ما وقع في طيّ ذلك من الموت و القتل، حتّي أنّه كان يموت في كلّ يوم ألف ألف نفس، و كان يباع الضياع و الفراش و الأثاث بربع العشر و دونه، لا يحصل منه شي ء أصلا.

و بالجملة فو ربّ البيت ما بولغ من ذلك فما كان جزافا، أعاذنا اللّه من مثله. لم يتعجّب ممّا في ذلك التاريخ، بل يجزم بتّا قطعا أنّه ما وقعت شدّة عظيمة و بليّة مرزيّة من يوم خلق السموات و الأرضون، و لا يقع مثلها إلي الساعة، و مع ذلك كان في خارج البلد في غاية الرخص و الوفور، نعوذ باللّه من شرور أنفسنا و سيّئات أعمالنا انتهي.

ثمّ قال: فهذان أيضا أقوي شاهدين علي صحّة ما بيّناه، و بكلام نفس صاحب العنوان أيّدناه، فلو لا أنّه أدرك برهة من الزمان بعد فتنة الأفغان لما بقي منه أثر، و لا بلغ من نحوه خبر.

و قال أيضا صاحب الروضات في ترجمة الفاضل الهندي: إنّ مرقده الشريف الواقع في شرقيّ بقعة تخت فولاد اصفهان معبر القوافل إلي الديار الفارسيّة من ممالك محروسة إيران ليس علي حدّ سائر مراقد علمائنا الأعيان، المتوفّين في ذلك الزمان، بل خال عن القبّة و العمارة و الصحن و الأيوان، و كلّ ما كان يضعه السلاطين الصفويّة علي مقابر العلماء الاثنا عشريّة من رفيع البنيان.

و ظاهر أنّه لم يكن ذلك إلّا من جهة وقوع هذه القضيّة الهائلة في عين اشتعال نائرة

غلبة جنود الافغان، و استيصال سلسلة الصفويّة بظلم أولئك النواصب في تلك البلدة فوق حدّ البيان.

فانّ تفصيل ذلك بناء علي ما ذكره بعض المعتمدين الحاضرين في تلك المعارك، أنّ بعد طول أزمنة محاصرتهم البلدة علي النحو الذي اشير اليه في ذيل ترجمة مولانا إسماعيل الخواجوئي، و سيّدنا الأمير محمّد حسين الحسيني الخواتون آبادي رحمة اللّه عليهما.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 14

و انتهي الأمر إلي إلجاء أهل البلدة إلي التسليم و التّمكين من أولئك الملاعين، و فتح باب المدينة علي وجوه تلك الكفرة بدون المضايقة بمقدار حين دخلها أميرهم المردود المسمّي بسلطان محمود مع جميع الأتباع و الجنود، و جلس علي سرير السلطنة فيها بمحض وروده الغير المسعود، في حدود سنة ثلاث و ثلاثين بعد المائة. و قيل: سنة ستّ و ثلاثين بعد المائة.

ثمّ أمر فيها بإهلاك جماعة من عظماء تلك الدولة العليّة، و كبراء الفرقة الصفويّة، بعد حكمه بحبس سلطانهم الشاه سلطان حسين بن الشاه سليمان و هم كانوا أربعة من إخوانه العظام، و أربعة و عشرين من أولاده المنتجبين الفخام، و ذلك في أواخر جمادي الاولي من شهور سنة السبع و الثلاثين التي هي بعينها سنة وفاة مولانا الفاضل المعظّم عليه.

ثمّ أمر بعد ذلك بقتل ستة أفاخم من أركان الدولة و ذوي أسمائهم الذين كانوا من أرباب الصولة، و هم صائمون متعبّدون في اليوم السابع و العشرين من شهر رمضان عين تلك السنة، مصادقا لثالث يوم وفاة مولانا الفاضل عليه الرحمة، و كان نفس السلطان الممتحن باقيا بعد ذلك في حبس أولئك إلي زمن جلوس طاغيتهم الثاني الباني للبارة المرتفعة المشهورة في البلدة، و هو الأشرف سلطان الذي كان أوّلا في زيّ الملازمين لركاب محمودهم المردود.

إلي

أن ابتلاه اللّه الملك القهّار بعقوبة ما فعله باولئك السادة الرفيعة المقدار بعارضة شبه الجنون، فحبسه بمقتضي مصلحة وقته هذا الملعون، إلي أن هلك أو اهلك بعد ذلك في ظلمات السجون، فجلس مجلسه المنحوس من غير مزاحم له في ذلك الجلوس، عصيرة يوم الاحد الثامن من شعبان هذه السنة بعينها الي آخره فراجع.

و ذكر نحوه العلامة السيد العاملي في أعيان الشيعة في ترجمة المترجم، فراجع.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 15

مشايخه في الدراية و الرواية

لم يصل إلينا تفصيل مشايخه العظام الذين تلمّذ لديهم أو روي عنهم، نعم ورد في بعض المعاجم نبذة قليلة من مشايخه في الرواية و الدراية و هم:

1- العالم الجليل الشيخ حسين الماحوزي.

ذكره المحدث النوري في المستدرك 3/ 396، راجع حول ترجمته تتميم أمل الآمل و اللؤلؤة، و صرّح في اللؤلؤة بأنّه بلغ من العمر ما يقارب تسعين سنة و مع ذلك لم يتغيّر ذهنه و لا شي ء من حواسّه.

و قال في التتميم: كان الشيخ حسين رحمه اللّه في عصره مسلّم الكلّ لا يخالف فيه أحد من أهل العقد و الحلّ الي آخره.

2- المولي محمّد جعفر بن محمّد طاهر الخراساني الأصفهاني صاحب كتاب الاكليل و غيره ولد سنة ثمانين و ألف.

قال في الروضات 3/ 261: و ظنّي أنّ قراءة مولانا اسماعيل الخواجوئي المتقدّم ذكره أيضا كان عليه و خصوصا في فنون الدراية و الرجال.

و عدّ في بعض التراجم من مشايخه في العلوم النقلية و العقلية المحقق النحرير الفاضل الهندي صاحب كشف اللثام. و أيضا الحكيم المتألّه الملّا محمد صادق الاردستاني. و أيضا الحكيم المتألّه الملّا حمزة الگيلاني.

تلامذته و من روي عنه

أيضا لم يصل الينا تفصيل تلامذته العظام الذين تلمّذوا لديه أو رووا عنه، الّا ما ورد في بعض التراجم الرجالية، و اليك نبذة ممّا وقفنا عليه في كتب التراجم و هم:

1- العالم النحرير و المولي الخبير الملّا مهدي النراقي صاحب كتاب

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 16

اللوامع و مشكلات العلوم و جامع السعادات و غيرها من المؤلّفات، ذكره في المستدرك 3/ 394.

أقول: و كان أكثر تلمّذه في العلوم لديه حتي قيل: انه كان في مدّة ثلاثين سنة يتلمّذ لديه لا يفارقه ليلا و لا نهارا حتي بلغ ما بلغ من العلم

و العمل. و بعد الفراغ من التحصيل رجع من اصفهان و توطّن في بلدة كاشان و كان خاليا من العلماء، و ببركة أنفاسه الشريفة صار مملوّا من العلماء و الفضلاء الكاملين، و صار مرجعا و محلا للمشتغلين، و برز من مجلسه جمع من العلماء الاعلام، و توفّي سنة 1209 ه.

2- العالم العارف الآقا محمّد بن المولي محمّد رفيع الجيلاني المشهور بالبيدآبادي الاصفهاني، كان من أعظم حكماء عصره ماهرا في العقليّات توفّي سنة سبع و تسعين و مائة بعد الالف من الهجرة.

3- المولي الجيلاني الحكيم العارف المشهور، المتوفي سنة (1217) ه ق.

4- الميرزا أبو القاسم المدرّس الاصفهاني الخواتون آبادي المتوفي سنة (1202) ه ق.

تآليفه القيّمة

كتب المترجم له مؤلّفات و رسائل و حواش كثيرة، قد تجاوزت جهود الفرد الواحد، تمثّل اضطلاعه بجوانب المعرفة الشاملة، و قد يعجب المرء من وفرة تآليفه ذات المواضيع المختلفة في شتّي العلوم و المعارف المتعدّدة، علي الرغم- كما عرفناه- من سيرة حياته من عدم استقراره و تفرّغه للعلم، للفتنة الهائلة الافغانية.

و لا ريب أنّ ذكاءه المفرط و ذاكرته العجيبة و وعيه الشامل، كان ذلك من الاسباب الرئيسيّة في تغلّبه علي تلك العقبات التي تحول دون تأليفه و تصنيفه، و قد أشار أكثر أرباب التراجم الي وفرة تآليفه.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 17

قال في تتميم الامل: و له رحمه اللّه تآليف كثيرة و حواش علي كتب العلوم.

و قال في الروضات بعد عدّ جملة من تصانيفه: الي غير ذلك من الرسائل و المقالات الكثيرة التي تبلغ نحوا من مائة و خمسين مؤلّفا متينا في فنون شتّي من العلوم و الحكم و المعارف.

و قال في موضع آخر: أكثرها لم يتجاوز نسخة الاصل الي زماننا هذا انتهي.

أقول: قد

وفّقني اللّه تبارك و تعالي لجمع أكثر مؤلّفاته و رسائله، و تحقيقها و نشرها، و ستطبع آثاره الممتعة تحت عنوان سلسلة آثار المحقّق الخواجوئي، و أنا أذكر أوّلا ما طبع من آثاره تحت عنوان سلسلة آثار المحقق الخواجوئي:

1- بشارات الشيعة.

و هو من أحسن ما كتب في بابه مشحون بالتحقيقات و بيان النكات و أنواع التّنبيهات، شرع فيه سنة (1155) و فرغ منه أواخر شوّال من تلك السنة.

2- ذريعة النجاة من مهالك تتوجّه بعد الممات.

في ذكر فضائل الامام أمير المؤمنين و أولاده المعصومين عليهم السلام، و انّهم أفضل من سائر الأنبياء عليهم السلام غير نبيّنا صلّي اللّه عليه و آله، و الاستدلال علي ذلك بالآيات و الروايات الواردة في ذلك.

3- الفوائد في فضل تعظيم الفاطميين.

رسالة مبسوطة في فضل اكرام ذريّة فاطمة الزهراء عليها السلام، و كون المنتسب اليها بالامّ منهم، و يستحقّ الخمس، و يحرم عليه الصدقة.

4- رسالة ميزة الفرقة الناجية عن غيرهم.

رسالة استدلاليّة اعتقاديّة في بعض أحكام المخالفين للشيعة.

5- رسالة في تحقيق و تفسير الناصبي.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 18

تحقيق حول معني الناصبي لغة و اصطلاحا، و أيّ الفرق من الفرق الاسلاميّة محكوم به، و انّ الناصبي علي صنفين: صنف محكوم بأحكام الاسلام، و الآخر خارج عن ربقة الاسلام و محكوم بالكفر.

6- طريق الارشاد الي فساد امامة أهل الفساد.

في الادلّة الدالّة علي جواز لعن الغاصبين لحقوق الأئمّة عليهم السلام و ما جري منهم علي فاطمة البتول عليها السلام من الاذي و الظلم.

7- الرسالة الاينيّة.

رسالة تحقيقية حول نفي الأين عن اللّه جلّ ذكره، و تأويل ما ورد من اثبات الاين له تعالي ذكره.

8- رسالة في توجيه مناظرة الشيخ المفيد.

رسالة مختصرة حول مناظرة الشيخ المفيد قدس سرّه مع

القاضي عبد الجبّار المعتزلي في مسألة خلافة الامام أمير المؤمنين عليه السلام.

أقول: طبعت هذه الرسائل من الرقم الاوّل الي هنا في المجموعة الاولي من الرسائل الاعتقاديّة.

9- تذكرة الوداد في حكم رفع اليدين حال القنوت.

رسالة استدلاليّة في استحباب رفع اليدين الي السماء في حال القنوت 10- رسالة في شرح حديث الطلاق بيد من أخذ بالساق.

رسالة استدلاليّة حول الرواية المذكورة عن النبي صلّي اللّه عليه و آله، و أنّه هل الوكيل و الولي في الطلاق بمنزلة الزوج أم لا؟

11- رسالة في حرمة النظر الي وجه الاجنبيّة.

رسالة استدلاليّة متقنة في عدم جواز النظر الي وجه الاجنبيّة الّا ما استثني حال الضرورة و غيرها.

12- رسالة خمسيّة.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 19

رسالة استدلاليّة في أحكام الخمس و مصارفه في زمن الغيبة، و هي في مقدّمة و أربع فصول و خاتمة.

13- رسالة في أقلّ المدّة بين العمرتين.

رسالة استدلاليّة ذهب المؤلّف فيها الي القول بجواز التوالي بين العمرتين، و ناقش الأقوال الاخر في ذلك.

14- رسالة في الرضاع.

رسالة استدلاليّة في جواز النكاح بين إخوان و أخوات المرتضعين، و ردّ علي رسالة الملّا أبي الحسن الفتوني النباطي المتوفّي سنة (1138) ه ق.

15- رسالة في جواز التعويل علي أذان الغير في دخول الوقت.

رسالة استدلاليّة في حكم التعويل علي دخول الوقت بأيّ امارة حصلت، كأذان المؤذّن، أو صيحة الديك، أو وقت ساعة و غيرها، و ذهب الي جواز التعويل علي تلك الامارات لو لم يحصل له العلم بدخول الوقت.

16- رسالة في حكم الاستيجار للحجّ من غير بلد الميت.

رسالة استدلاليّة حول الحديث المرويّ في التهذيب عن أبي عبد اللّه عليه السلام عن رجل اعطي حجّة يحجّ بها عنه من الكوفة فحجّ عنه من البصرة، قال عليه السلام: لا

بأس اذا قضي جميع المناسك، فقد تمّ حجّة.

17- رسالة في حكم الاسراج عند الميّت ان مات ليلا.

رسالة استدلاليّة مختصرة، ذهب فيها الي عدم استحباب ذلك، و أنّه لا دليل عليه.

18- رسالة في شرح حديث توضّئوا ممّا غيرت النار.

19- رسالة في حكم الغسل في الأرض الباردة و مع الماء البارد.

20- رسالة في أفضليّة التسبيح علي القراءة في الركعتين الأخيرتين.

21- رسالة في تحقيق وجوب غسل مسّ الميّت.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 20

22- رسالة في حكم شراء ما يعتبر فيه التذكية.

رسالة استدلاليّة حول شراء الفراء و اللحوم و الجلود و غيرها ممّا يعتبر فيها التذكية.

23- رسالة في حكم لبس الحرير للرجال في الصلاة و غيرها.

رسالة استدلالية في جواز لبس الحرير المحض مطلقا للنساء و الاطفال و الخناثي، و كراهته للرجال الّا في حال الضرورة و الحرب، و يعبر عنها المؤلف في بعض رسائله بالرسالة الحريريّة.

24- رسالة في حكم الغسل قبل الاستبراء.

25- الفصول الاربعة في عدم سقوط دعوي المدعي بيمين المنكر.

رسالة استدلاليّة في عدم سقوط دعوي المدعي لو حلف المنكر علي الوجه الشرعي، خلافا لجماعة من الفقهاء.

26- رسالة في وجوب الزكاة بعد اخراج المئونة.

رسالة استدلاليّة في وجوب زكاة الغلّات بعد اخراج المئونة و الخراج.

27- رسالة في صلاة الجمعة.

رسالة استدلاليّة في حرمة صلاة الجمعة و عدم وجوبها عينا في زمن الغيبة، و الردّ علي رسالة الشهاب الثاقب للمحقق الكاشاني، مع عناوين قال أقول.

أقول: طبعت هذه الرسائل من رقم (9) الي هنا في المجموعة الاولي من الرسائل الفقهية.

28- رسالة في شرح حديث ما من أحد يدخله عمله الجنّة و ينجيه من النار.

29- رسالة في شرح حديث لو علم أبو ذر ما في قلب سلمان لقتله.

30- رسالة في شرح حديث أعلمكم بنفسه أعلمكم

بربّه.

31- رسالة في شرح حديث لا يموت لمؤمن ثلاثة من الاولاد فتمسّه النار

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 21

الّا تحلّة القسم.

32- رسالة في شرح حديث أنّهم يأنسون بكم فاذا غبتم عنهم استوحشوا.

33- رسالة في شرح حديث النظر الي وجه العالم عبادة.

34- رسالة في تفسير آية «فاخلع نعليك انّك بالواد المقدس».

35- رسالة في تعيين ليلة القدر.

رسالة لطيفة في تعيين ليلة القدر مع اختلاف الافق في أنحاء العالم شرقها و غربها، ثمّ استدلّ علي أنّ ليلة القدر التي تقدّر فيها المقدّرات مطابق للافق الذي يعيش فيه الامام عليه السلام.

36- الحاشية علي أجوبة المسائل المهنائيّة.

37- رسالة عدليّة.

رسالة مبسوطة في معني العدالة، و ما تحصل به العدالة، و ما تزول به العدالة، و المناقشة في أقوال الفقهاء في ذلك، في ثلاثة أبواب، و كلّ باب يشتمل علي عدّة فصول.

38- رسالة في نوم الملائكة.

رسالة لطيفة حول الرواية المروية في الاكمال عن الصادق عليه السلام أنّه سئل عن الملائكة أ ينامون؟ فقال: ما من حيّ الّا و هو ينام الحديث.

39- هداية الفؤاد الي نبذ من أحوال المعاد.

رسالة مبسوطة استدلاليّة في المسألة الخلافيّة بين المتكلّمين و الحكماء في أنّ ما سوي اللّه تعالي هل يفني علي عمومه مجرّداته و مادّيّاته حتّي لا يبقي منه شي ء و لا يدوم منه موجود أم يبقي منه باق ببقاء اللّه تعالي؟ اختار المؤلّف الشقّ الثاني، و استدلّ عليه بالآيات و الروايات.

40- رسالة في بيان الشجرة الخبيثة.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 22

41- رسالة في الجبر و التفويض.

شرح لطيف حول كلام الامام أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة «انّا لا نملك مع اللّه شيئا و لا نملك الّا ما ملكنا» تكلّم في هذا الشرح حول الجبر و الاختيار، و القضاء

و القدر، و ما يستفاد من الآيات و الروايات و غيرهما.

42- رسالة في شرح حديث من أحبّنا أهل البيت فليعد للفقر جلبابا أو تجفافا.

43- المسائل الخمس.

44- رسالة في تفسير قوله تعالي «وَ كٰانَ عَرْشُهُ عَلَي الْمٰاءِ».

45- رسالة في ذمّ سؤال غير اللّه.

و فيها ذكر مكاشفة وقعت للمؤلّف قدّس سره.

أقول: و طبعت هذه الرسائل الشريفة من رقم (28) الي هنا في المجموعة الثانية من الرسائل الاعتقاديّة.

46- رسالة في أحكام الطلاق.

رسالة استدلالية في الطلاق الرجعي و حقيقته، و فيها بيان حقيقة الطلاق المزيل لعلاقة النكاح.

47- رسالة في شرح حديث لسان القاضي بين جمرتين من نار.

48- رسالة في ارث الزوجة.

رسالة استدلاليّة في بيان كيفيّة ميراث الزوجة من الزوج في مقدّمة و أربعة فصول و خاتمة.

49- رسالة في الحبوة.

رسالة استدلاليّة في ستّة فصول في بيان أحكام الحبوة و ما يختصّ من الميراث بالولد الأكبر.

50- رسالة في حرمة تزويج المؤمنة بالمخالف.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 23

رسالة استدلاليّة في جواز التزويج و عدمه.

51- رسالة في استحباب كتابة الشهادتين علي الكفن.

52- رسالة في حكم التنفّل قبل صلاة العيد و بعدها.

53- رسالة في بيان عدد الأكفان.

54- رسالة في جواز التداوي بالخمر عند الضرورة.

رسالة استدلاليّة ألّفها للسيّد مير محمّد طاهر، في أربعة فصول.

55- رسالة في حكم الحديث الأصغر المتخلّل في غسل الجنابة.

رسالة استدلاليّة في ثمانية فصول في حكم الحدث الاصغر المتخلّل أثناء الغسل، و انّه هل يبطل الغسل أم لا؟

56- المسائل الفقهيّة المتفرّقة.

يبحث عن ثلاثين مسألة فقهيّة و غيرها، و فيها مباحث هامّة.

57- رسالة في استحباب رفع اليدين حالة الدعاء.

58- رسالة في بيان علامة البلوغ.

59- رسالة في من أدرك الامام في أثناء الصلاة.

60- الرسالة الهلاليّة.

رسالة استدلاليّة مبسوطة في كيفيّة ثبوت الهلال.

61- الرسالة الذهبيّة.

رسالة استدلاليّة في

جواز لبس الذهب و اللباس المذهّب و الصلاة فيه و عدمه.

62- الفصول الاربعة في من دخل عليه الوقت و هو مسافر فحضر و بالعكس و الوقت باق.

63- رسالة في حكم من زني بامرأة ثمّ تزوّج بابنتها.

رسالة استدلالية في المسألة المذكورة، ردّ فيها علي المحقّق السبزواري

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 24

قدّس سرّه حيث أجاز ذلك علي كراهيّة.

64- رسالة في شرائط المفتي مناظرة و مناقشة مع أحد أساتيذه فيما يشترط في المفتي و الافتاء.

65- رسالة في منجّزات المريض.

رسالة استدلاليّة في منجزات المريض اذا كانت تبرّعا و مات في ذلك الزمن.

أقول: و طبعت هذه الرسائل الشريفة من رقم (46) الي هنا في المجموعة الثانية من الرسائل الفقهيّة. و تصدي لطبع هذه الرسائل المطبوعة في أربعة مجلدات دار الكتاب الاسلامي في قم المقدسة.

66- الاربعون حديثا. طبع الكتاب تحت منشورات مكتبة السيد الخادمي الصدر قدس سره.

67- الدرر الملتقطة من تفسير الآيات القرآنية. طبع الكتاب تحت منشورات دار القرآن الكريم في قم المقدسة.

68- مفتاح الفلاح و مصباح النجاح في شرح دعاء الصباح.

69- الفوائد الرجالية، من أعظم ما ألّف في هذا الباب. سيأتي الكلام حوله.

70- التعليقة علي مشرق الشمسين.

و ستنشر هذه الكتب الثلاثة تحت منشورات مجمع البحوث الاسلامية التابع للآستانة الرضويّة المقدّسة.

71- جامع الشتات، كتاب لطيف مشتمل علي فوائد متفرّقة و أكثرها شرح للأحاديث المنتخبة في المواضيع المختلفة.

72- التعليقة علي مفتاح الفلاح للشيخ البهائي، مبسوطة جدّا.

و هذان الكتابان معدّان للطبع، و هناك عدّة رسائل فارسية ستطبع تحت

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 25

عنوان مجموعة الرسائل الفارسيّة، و هي:

73- رساله اصول الدين، مبسوط.

74- رساله اصول الدين، كليّات.

75- رساله بيان أجل محتوم و غير محتوم.

76- رساله تحقيق در حديث سهو النبي و ردّ صوفيان.

77- رساله تحقيق دربارۀ

كوه قاف.

78- ترجمة المناظرة، در امامت.

79- رساله رضاعيه.

80- رساله أخبار و أحوال أبو هذيل علاف.

81- رساله نوروزيّه.

82- أجوبة مسائل مير محمد حفيظ.

83- رساله جواب از بعض مسائل ضروريه.

84- رساله وحدت وجود.

ولادته و وفاته

لم أعثر الي الآن علي تاريخ ولادته، و لم يتعرّض لذلك أرباب المعاجم و التراجم.

و أمّا وفاته، فالصحيح أنّه توفّي في حادي عشر من شهر شعبان سنة (1173) ه ق.

و الذي ظهر لي من عمره الشريف أنّه قدّس سرّه ناهز الثمانين سنة، و ذلك أنّه أدرك الفتنة الهائلة، و كان ابتداؤها من سنة (1133) ه ق، و انتقل المؤلف عند ذاك الي محلّة خواجو مع أهله و أولاده، و ألّف في حين الفتنة عدّة كتب و رسائل، منها كتابه الاربعون حديثا المحتوية علي التحقيقات و التدقيقات

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 26

اللطيفة، و أشار في آخر الكتاب الي بعض الوقائع الحادثة في عصره، و كان يعدّ مع ذلك من العلماء و الفحول، فمن كان في تلك الرتبة و المرتبة، فلا أقلّ من أن يكون عمره الشريف في حوالي الاربعين سنة، و من ابتداء الفتنة الي حين وفاته أيضا أربعون سنة، فيبلغ المجموع الي حوالي الثمانين سنة، و اللّه أعلم بحقائق الامور.

و مزاره في اصفهان في المزار المعروف ب «تخت فولاد» في بقعة لسان الأرض المشحونة بالعلماء و الصلحاء و الاولياء، و قبره الشريف بين قبر الفاضل الهندي و الشيخ العارف علي أكبر الاژه اي قدس سرّهما، و هو أقرب الي الأخير.

حول الكتاب

لا يسعني في هذا المقام التحدّث عن جلالة هذا الكتاب، و هو كتاب شريف مشحون بالتحقيقات الرجاليّة من السنديّة و الروائية، و فيه أبحاث هامّة في الدراية، و يستكشف من هذا الكتاب آراؤه الرجاليّة.

و كلّ من تعرّض لهذا الكتاب ذكره بالتبجيل و التجليل، كالتعبير عنه بأنه من أعظم ما ألّف في هذا الباب. و كقول صاحب الروضات: و فوائده الرجاليّة التي تقرّ برؤيته العين و غيرهما من

العبارات التي تكشف عن أهمّية الكتاب عند أرباب التراجم.

و الكتاب فوائد تحقيقية يبحث حول الرواة المختلفين عند أرباب الرجال، و لقد أجاد حقّه في كل بحث من الابحاث الرجالية.

قال في الذريعة [16: 337]: الفوائد الرجاليّة ينقل عنه في الروضات كثيرا، منها في ترجمة أحمد بن الحسين بن عبد اللّه الغضائري، و هو غير رجال المولي اسماعيل، و رجال الخواجوئي، ثمّ قال: و رأيت قطعة من هذه الفوائد بخطّ مصنّفه في آخر نسخة من تهذيب الحديث انتهي.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 27

و الكتاب غير مرتب علي ترتيب حروف المعجم، و السبب في ذلك هو ما قاله المؤلّف في مقدّمة الكتاب: هذه فوائد و زوائد استفدت بعضها من الكتب المصنّفة في الرجال، و بعضها من كتب الاخبار، و بعضها من غيرهما من أبواب متفرّقة و أسباب متشتّتة، سوّدت بعضها أيام اشتغالي بمقابلة الحديث، و بعضها بتقريبات اخر يطول نقلها، و لذلك جاءت علي غير ترتيب حروف المعجم.

و في الختام: في هذا المجال أقدّم ثنائي العاطر لإدارة مجمع البحوث الاسلاميّة التابع للآستانة المقدّسة الرضوية، لاخراج هذا الكتاب الشريف و الأثر القيّم بهذه الحلّة القشيبة و الطباعة الأنيقة، و أسأل اللّه تبارك و تعالي أن يوفّقهم و يسدّدهم لنشر آثار سلفنا الصالح، و اللّه خير ناصر و معين.

و الحمد للّه الذي هدانا لهذا، و ما كنّا لنهتدي لو لا أن هدانا اللّه، و نستغفره ممّا وقع من خلل و حصل من زلل، و نعوذ باللّه من شرور أنفسنا، و سيئات أعمالنا، و من الخيانة بالامانات، و تضييع الحقوق، فهو الهادي الي الرشاد، و الموفق للصواب و السداد، و السلام علي من اتّبع الهدي.

السيد مهدي الرجائي 15/ شعبان المكرم/ 1412 ه

ق. قم المشرفة

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 29

سلسلة آثار المحقّق الخواجوئي (69) الفوائد الرّجاليّة للعلّامة المحقّق محمّد اسماعيل بن الحسين بن محمّد رضا المازندراني الخواجوئي المتوفي سنة 1173 ه ق تحقيق السيّد مهدي الرّجائي

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 31

[الخطبة]

بسم اللّه الرحمن الرحيم أقول بعد الحمد و الصلاة، و أنا العبد الفقير الي رحمة ربّه الجليل محمّد بن الحسين بن محمّد رضا المشتهر باسماعيل:

هذه فوائد و زوائد استفدت بعضها من الكتب المصنّفة في الرجال، و بعضها من كتب الأخبار، و بعضها من غيرهما من أبواب متفرّقة و أسباب متشتّتة.

سوّدت بعضها أيّام اشتغالي بمقابلة الحديث، و بعضها بتقريبات اخر يطول نقلها، و كذلك جاءت علي غير ترتيب حروف المعجم التي أوّلها الهمزة و آخرها الياء.

جمعتها لالتماس بعض أصحابي، نفعه اللّه و سائر الطالبين، و جعلها لنا ذخيرة ليوم الدين، إنّه أكرم الأكرمين و أرحم الراحمين.

و ها أنا ذا شارع فيه بحول اللّه ربّ العالمين:

1- فائدة [ابراهيم بن هاشم و عثمان بن عيسي]

أقول: لمّا اشتهر بين متأخّري أصحابنا الاماميّة رضوان اللّه عليهم أنّ ابراهيم بن هاشم أبا علي الكوفي ثمّ القمّي، لم يلق حماد بن عثمان الناب، و لم

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 32

يرو عنه بغير واسطة.

و كان هذا مع أنّه خلاف الأمر في نفسه سبب القدح في كثير من الأخبار المروية عن الأئمة الأطهار صلوات اللّه عليهم ما بقي الليل و النهار.

أردت أن أدلّك علي حقيقة الحال، لتعلم مراتب بعض الرجال.

فاعلم أنّ ثقة الاسلام محمّد بن يعقوب رضي اللّه عنه روي في فروع الكافي في كتاب الجنائز في باب تحنيط الميّت و تكفينه، عن علي بن ابراهيم، عن أبيه، عن حمّاد بن عثمان، عن حريز، عن زرارة و محمّد بن مسلم قالا: قلنا لابي جعفر عليه السلام: العمامة للميت من الكفن؟

قال: لا إنّما الكفن المفروض ثلاثة أثواب و ثوب تامّ، لا أقلّ منه يواري به جسده كلّه فما زاد، فهو سنّة الي أن يبلغ خمسة أثواب فما زاد فهو مبتدع، و العمامة سنّة.

و قال:

أمر النبيّ صلّي اللّه عليه و آله بالعمامة، و عمّم النبيّ صلّي اللّه عليه و آله، و بعث الينا الشيخ الصادق عليه السلام و نحن بالمدينة لمّا مات أبو عبيدة الحذّاء بدينار، و أمرنا أن نشتري له حنوطا و عمامة ففعلنا «1».

قال صاحب منتقي الجمان فيما علّقه علي هذا الحديث: ذكر العلّامة في الخلاصة أنّ جماعة يغلطون في الاسناد من ابراهيم بن هاشم الي حمّاد بن عيسي، فيتوهّمونه حمّاد بن عثمان، و ابراهيم بن هاشم لم يلق حمّاد بن عثمان.

و نبّه علي هذا غير العلّامة أيضا من أصحاب الرجال، و الاعتبار شاهد به، و قد وقع هذا الغلط في أسناد هذا الخبر علي ما وجدته في نسختين عندي الآن للكافي.

و يزيد وجه الغلط في خصوص هذا السند بأنّ حمّاد بن عثمان لم يعهد له

______________________________

(1) فروع الكافي 3/ 144، ح 5.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 33

رواية عن حريز، بل المعروف المتكرّر رواية حمّاد بن عيسي عنه «1».

أقول: نقل ملّا ميرزا محمّد في الاوسط في الفائدة الرابعة عن «د» و «صه» أنهما قالا: اذا أورد عليك الاسناد من ابراهيم بن هاشم الي حمّاد، فلا تتوهم أنّه حمّاد بن عثمان، فانّ ابراهيم لم يلقه، بل هو حمّاد بن عيسي «2» انتهي.

و هذا منهم غريب؛ لأنّ الشيخ في أواخر باب تعجيل الزكاة و تأخيرها من التهذيب روي عن محمّد بن يعقوب، عن علي بن ابراهيم، عن أبيه، عن حمّاد بن عثمان، عن حريز، عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال: اذا أخرج الرجل الزكاة من ماله ثمّ سمّاها لقوم فضاعت، أو أرسل بها اليهم فضاعت، فلا شي ء عليه «3».

و روي فيه أيضا في أواخر باب صفة الاحرام، عن

محمد بن يعقوب، عن علي بن ابراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عثمان، عن الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال: لا بأس بأن تلبّي و أنت علي غير طهر و علي كلّ حال «4».

و روي فيه أيضا في أواخر باب الخروج إلي الصفا، عن محمّد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد بن عثمان، عن الحلبي، قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: جعلت فداك إنّي لمّا قضيت نسكي للعمرة أتيت أهلي و لم أقصّر.

قال: عليك بدنة.

قال قلت: انّي لما أردت ذلك منها و لم تكن قصرت امتنعت، فلمّا غلبتها

______________________________

(1) منتقي الجمان 1/ 261.

(2) الاوسط للميرزا محمّد مخطوط، راجع رجال ابن داود: 556.

(3) تهذيب الاحكام 4/ 47، ح 14.

(4) تهذيب الاحكام 5/ 93، ح 114.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 34

قرضت بعض شعرها بأسنانها.

فقال: رحمها اللّه كانت أفقه منك، عليك بدنة، و ليس عليها شي ء «1».

و في فروع الكافي في باب من يحلّ له أن يأخذ من الزكاة و من لا يحلّ له، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه [عن ابن أبي عمير] «2» عن حمّاد بن عثمان، عن الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال قلت له: ما يعطي المصدّق؟ قال: ما يري الامام، و لا يقدّر له شي ء «3».

و فيه في باب فضل المقام بالمدينة، علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد، عن الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إذا دخلت المسجد، فإن استطعت أن تقيم ثلاثة أيّام الاربعاء و الخميس و الجمعة «4» الحديث.

و الراوي عن الحلبي هو ابن عثمان لا ابن عيسي.

و في الاستبصار في باب أنّ ولد الملاعنة يرث أخواله و يرثونه، عن

علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد، عن الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال:

إذا قذف الرجل امرأته يلاعنها، ثمّ يفرّق بينهما، و لا تحلّ له أبدا الحديث «5».

كذا في النسخ التي رأيناها، و هي خمسة إحداها قديمة كتب في آخرها هكذا: انتهي مقابلة و تصحيحا من نسخة قوبلت بخطّ الامام المصنّف رضي اللّه تعالي عنه من أوّل كتاب المكاسب الي آخره، و قبل ذلك بغيرها.

و علي تلك النسخة خطّ محمّد بن ادريس رحمه اللّه تعالي، هذه عبارته

______________________________

(1) تهذيب الاحكام 5/ 162، ح 68.

(2) الزيادة ساقطة من النسخ.

(3) فروع الكافي 3/ 563، ح 13.

(4) فروع الكافي 4/ 558، ح 4.

(5) الاستبصار 4/ 181، ح 8.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 35

بعينها. و لها نظائر يطول نقلها، يشهد بها التتبّع.

و من هنا تبيّن أنّ هذا و ما شاكله ممّا لا فائدة له أصلا، بل هو مضرّ، فكيف قلّدهم مولانا ميرزا محمّد في ذلك؟ و عدّه كما عدوّه من الفوائد؟

و هذا منه هيّن، لحسن ظنّه بهما، و أنّهما حقّقا أمرا ثمّ قالا به، لكن العجب من «د» و «صه» مع أنّهما من أرباب الرجال كيف حكما بذلك؟

و رواية إبراهيم بن هاشم عن حمّاد بن عثمان معروفة، و ظنّي أنّهما قلّدا في ذلك الصدوق رحمه اللّه و أخذاه منه.

فإنّه قال في مشيخة الفقيه بعد أن روي عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسي، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: و يغلط أكثر الناس في هذا الاسناد، فيجعلون مكان حمّاد بن عيسي حمّاد بن عثمان، و إبراهيم بن هاشم لم يلق حمّاد بن عثمان، و إنّما لقي حمّاد بن عيسي و روي عنه «1».

و هذا

منه رحمه اللّه أغرب من سابقه؛ لأنّ رواية إبراهيم هذا عن حمّاد ذاك متكثّرة متكرّرة مذكورة في عدّة طرق.

و لا يمكن أن يقال: إنّ هذا كلّه من باب السهو و النسيان، أو هو من قبيل سقوط بعض الوسائط في تلك الأسانيد، و الأصل عدمه، و لا دليل عليه، مع استلزامه نوع تدليس ينافي عدالتهم الثابتة في الكتب، بل يلزم منه رفع الاعتماد عن الأسناد رأسا.

و لعلّ هذا و ما شابهه هو السبب المقدم لجعل أكثر الناس المعاصرين أو السابقين علي الصدوق حمّاد بن عثمان مكان حمّاد بن عيسي في هذا الأسناد.

فلو ثبت أنّ هذا غلط منهم، فليس منشؤه أنّ إبراهيم بن هاشم لم يلق حمّاد بن عثمان، بل منشؤه أنّه في هذا الأسناد لم يرو عنه، و إنّما روي فيه عن

______________________________

(1) مشيخة الفقيه 4/ 513.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 36

حمّاد بن عيسي، و هذا لا ينفي ملاقاته له و روايته عنه بغير واسطة في أسناد آخر، بل أسانيد اخر كما سبقت.

و منها: ما في الكافي في أبواب الحجّ في باب الوصيّة، علي، عن أبيه، عن حمّاد بن عثمان، عن حريز، عمّن ذكره، عن أبي جعفر عليه السلام قال: اذا صحبت فاصحب نحوك، و لا تصحبنّ من يكفيك، فإنّ ذلك مذلّة للمؤمن «1».

و أمّا ما نقل عن شيخنا زين الدين رحمه اللّه من قوله: الصحيح هنا حمّاد بن عيسي، لما ذكره الصدوق في أواخر أسانيد الفقيه، و لانّ الشائع روايته عن حريز لا رواية ابن عثمان.

فالجواب: عن الأوّل ظاهر ممّا سبق.

و عن الثاني أنّ حمّادين كليهما في طبقة واحدة، لاشتراكهما في صحابة الصادق و الكاظم و الرضا عليهم السلام، فكما صحّت رواية أحدهما عنه، فكذا رواية الآخر،

و قد تكرّر رواية ابن عثمان عن حريز في الاخبار، كما قد علم ممّا نقلناه أيضا.

و شيوع رواية ابن عيسي عنه لا يمنع من ذلك حتّي لا يكون صحيحا، و كذا الكلام لو بدّل قوله «الصحيح» بقوله «الظاهر».

و ممّا قرّرناه ظهر أنّ ما أفاده صاحب المنتقي بقوله «و يزيد وجه الغلط في خصوص هذا السند أنّ حمّاد بن عثمان لم يعهد له رواية عن حريز» غلط بعد غلط، منشؤه التقليد، و لنا معه مباحثات لطيفة ستأتي ان شاء اللّه العزيز.

و كأنّي بقائل يقول: كيف يسوغ لمثلك أن يردّ ما حقّقه أمثال هؤلاء الأعلام، و لا سيّما ما جزم به شيخنا الصدوق الإمام، و لكنّه يقول هذا و قد غفل أو تغافل عمّا هو كالمثل السائر «كم ترك الأوّل للآخر».

______________________________

(1) فروع الكافي 4/ 286. ح 6.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 37

و بالجملة ابن هاشم من أصحاب الرضا عليه السلام، و ابن عثمان أيضا من أصحابه، كما سبق آنفا، فالقول بأنّه لم يلقه قول من غير دليل و لا شاهد، و روايته عنه بغير واسطة مذكورة في عدّة طرق ممّا لا يقبله العقل و لا يساعده النقل.

و أمّا روايته عنه بواسطة ابن أبي عمير و هو الأكثر، فلا تنفي روايته بغير واسطة و هو الأقل.

كما أنّ روايته عن حمّاد بن عيسي بواسطة ابن أبي عمير و هو الأقلّ، كما في الكافي في أوّل باب اظهار السلاح بمكّة، هكذا: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد بن عيسي، عن حريز، عن أبي عبد اللّه عليه السلام «1».

و في أوّل باب من توالي عليه رمضانان، هكذا: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن

حمّاد بن عيسي، عن حريز، عن محمّد بن مسلم «2».

و في أوّل باب آخر منه في حفظ المال و كراهة اضاعته، هكذا: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد بن عيسي، عن حريز، قال:

كانت لإسماعيل بن أبي عبد اللّه عليه السلام دنانير الحديث «3».

لا تنفي روايته عنه بغير واسطة و هو الاكثر، و هذا أمر لا يخفي علي أولي الأبصار، و لا سيّما علي المتدرّب بالأخبار، و مع ذلك كلّه ينكر صاحب المنتقي رواية إبراهيم بن هاشم عن حمّاد بن عيسي بواسطة ابن أبي عمير.

حيث قال فيما هو المذكور في باب إظهار السلاح بمكة: الظاهر أنّ ذكر

______________________________

(1) فروع الكافي 6/ 228. و فيه عن حماد، بدون ابن عيسي.

(2) فروع الكافي 4/ 119، ح 1.

(3) فروع الكافي 5/ 299، ح 1.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 38

ابن أبي عمير في هذا السند سهو، و النسخ التي عندنا للكافي متّفقة فيه «1».

و فيه أنّ اتّفاقها فيه دليل واضح علي أنّه يروي عنه بواسطة، و لا استبعاد فيه، فانّ روايته بالواسطة كثيرة، لا يمكن الحكم بكون كلّها سهوا.

منها: ما هو المذكور في الكافي في أواخر باب أنّ الرجل يضرب الرجل فيذهب سمعه و بصره و عقله، هكذا: علي، عن أبيه، عن محمّد بن خالد البرقي، عن حمّاد بن عيسي، عن إبراهيم بن عمر، عن أبي عبد اللّه عليه السلام «2».

و أيّ استبعاد في رواية رجال طبقة واحدة بعضهم عن بعض بواسطة و بغيرها؟ فإنّ ذلك ممّا لا ينكره من له أدني معرفة بحقيقة الحال و أحوال الرجال.

هذا.

فان قلت: حمّاد بن عثمان مات سنة تسعين و مائة بالكوفة، و هذا يبعد لقاء إبراهيم بن هاشم له، و

روايته عنه من دون واسطة؟

قلت: ليس فيه بعد، لانّهم لم يضبطوا تاريخ ولادة إبراهيم هذا و لا مدّة عمره، و قد أطبقوا علي أنّهما أدركا صحبة الرضا عليه السلام و هما كوفيّان.

فإنّ إبراهيم هذا أوّل من نشر حديث الكوفيين بقم، كما صرّحوا به، فيجوز أن يكون قد رآه و لقاه في عنفوان شبابه، و هو في أواخر عمره، و كان قد سمع منه طرفا من الحديث.

بل يجوز أن يكون قد سمع ذلك الطرف من الحديث منه في صغر سنّه بغير واسطة، فرواه عنه بعد بلوغه، و هذا ممّا لا مانع منه.

فإنّهم كانوا يدخلون الأطفال في مجالس الحديث و هم بعد في مهادهم، كما

______________________________

(1) منتقي الجمان 3/ 32.

(2) فروع الكافي 7/ 325، ح 2.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 39

صرّح به الشهيد الثاني في دراية الحديث «1»، و لم يكن زمانهم كزماننا، و لا هممهم في سماع الحديث كهممنا هذه.

فهذه ثمانية أسانيد قد روي فيها عنه بدون واسطة، و بانضمام ما رواه الصدوق عن أكثر السابقين عليه أو المعاصرين له تصير تسعة، فإنّه يظهر منه أنّهم رووه عن إبراهيم بن هاشم عن حمّاد بن عثمان مكان حمّاد بن عيسي، و هو رحمه اللّه بدّله به زعما منه أنّه لم يلقه و لم يرو عنه، و قد وضح الصبح لذي العينين.

و الظاهر أنّ هؤلاء الأكثرين كانوا واقفين علي أسانيد هذه الأخبار و نظائرها، اذ لعلّهم وجدوا في الأخبار روايته عنه أكثر ممّا وجدناه، لقصورنا في التتبّع دونهم.

فلمّا رأوا روايته عنه في الأصول و الكتب شائعة ذائعة، قرّروه في هذا الأسناد أيضا في مكانه، فهم لم يجعلوه في مكان غيره ليكونوا بذلك غالطين، بل أثبتوه في ذلك المكان كما كان.

و

هو رحمه اللّه لمّا لم يكن واقفا علي أسناد آخر، روي فيه ابن هاشم عن ابن عثمان بدون واسطة، و الّا فتخصيص غلطهم بهذا الاسناد دون غيره و هم قد غلطوا فيه أيضا بزعمه ممّا لا وجه له، بل كان عليه أن يقول في مثل هذا الأسناد، أو في هذا الأسناد و نحوه، أو ما يؤدّي مؤدّاه، حكم بأنّه لم يلقه و لم يرو عنه، و انّ أكثر الناس قد غلطوا في ذلك، فجعلوه مكان ابن عيسي، و قد عرفت ما فيه.

فإن قلت: قرب عهد الصدوق بهم و اطّلاعه علي أحوالهم، دليل علي ما أفاده من عدم اللقاء.

قلت: هذا قدر مشترك بينه و بين أكثر السابقين عليه أو المعاصرين له، فإنّهم أيضا كانوا في ذلك مثله؛ لأنّه لم يرد ذلك علي أهل سوق زمانه، و إنّما ردّه

______________________________

(1) الرعاية في علم الدراية للشهيد الثاني: 272.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 40

علي الفضلاء المعاصرين له أو السابقين عليه، فكلّ ما يمكن أن يقال من قبله، يمكن أن يقال من قبلهم حرفا بحرف.

و خاصّة ثقة الاسلام الكليني، فإنّه كان أقدم منه زمانا، و أبصر بأحوال الرجال و حقيقة الحال، و هو قد ذكر هذا الأسناد في كتابه الكافي الذي لم ير مثله بطرق عديدة، كلّها متّفقة في كلّ النسخ، و ناطقة بتحقّق اللقاء، و روايته عنه من غير واسطة.

و القول بسقوط بعض الوسائط يرد عليه أنّ ذلك الاسقاط: إمّا من ثقة الاسلام، أو من شيخه علي، أو من أبيه، و كلّ ذلك في كلّ ذلك غير متصور.

و كذا لا يتصوّر إسناد كلّها الي غلط النسّاخ؛ لأنّ ذلك يرفع الأمان، و يدفع الاعتماد علي الأسناد جملة، و كيف يسوغ القول بأن

أبا علي إبراهيم بن هاشم و جلالة قدره أسقط الواسطة في هذا الاسناد كلّها بينه و بين حمّاد بن عثمان.

و هذا نوع تدليس يوجب القدح فيه، لما فيه من إيهام اتّصال السند مع كونه مقطوعا، فترتّب عليه أحكام غير صحيحة، حتّي قال بعضهم: التدليس أخو الكذب.

و مجرّد وقوع زيادة راو بينهما في بعض الطرق، لا يدلّ علي عدم اللقاء، الموجب للتدليس، المخرج للسند من الاتّصال إلي الانقطاع.

و جعله مرسلا لا حجيّة فيه، للجهل بحال المحذوف، فيحتمل كونه ضعيفا، و الّا لزم منه كون روايته عن حمّاد بن عيسي أيضا كذلك، لثبوت الواسطة بينهما بابن أبي عمير و غيره في بعض الطرق، كما سبق.

و في الكافي في أوّل باب أنّ البيّنة علي المدّعي و اليمين علي من أنكر، هكذا:

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 41

علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير و حمّاد «1»، عن الحلبي، عن جميل و هشام، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله:

البينة علي من ادّعي و اليمين علي من ادّعي عليه «2».

فتلك عشرة كاملة من الأسانيد المشتملة علي رواية إبراهيم بن هاشم عن حمّاد بن عثمان من دون واسطة، و لعلّ ما زاغ عنه البصر يكون أكثر.

و لمّا اشتهر بين من تأخّر عن الصدوق رحمه اللّه أنّه لم يلقه، بدّل بعضهم الواو في هذا الأسناد ب «عن» و كتبه في أصل السند.

و بعضهم ذكره في الهامش و جعله نسخة، و قد وقع مثل ذلك في بعض تلك الأسانيد أيضا، و هذا كغيره غلط نشأ من قوله رحمه اللّه.

فان قلت: فهؤلاء الفضلاء من المتأخّرين و القدماء غلطوا في ذلك؟

قلت: نعم نسبة الغلط إليهم أولي

من نسبته إلي أولئك الأعلام، و لا سيّما إلي ثقة الاسلام و شيخه و أبيه؛ لأنّهم قلّدوا في ذلك الصدوق و أخذوا منه، لحسن ظنّهم به.

و هو و ان كان صدوقا- أقول هذا و أستغفر اللّه- إلّا أنّ قوله غير مسموع في هذا الباب، مع وجود هذه الأسانيد المتكثّرة في مثل ذلك الكتاب الذي لا ريب فيه، و فيها كفاية لأولي الألباب، و أيّ بعد في إسناد الغلط في ذلك إلي الصدوق دون الاكثرين، و قد غلط في مثل ذلك من هو مثله.

فهذا شيخ الطائفة قد أنكر في الفهرست لقاء محمّد بن أبي عمير و إدراكه صحبة سيّدنا الصادق عليه السلام، حيث قال: أدرك محمّد بن أبي عمير الازدي من الأئمّة عليهم السلام ثلاثة: أبا إبراهيم موسي بن جعفر عليهما السلام و لم

______________________________

(1) في الكافي: عن حماد.

(2) فروع الكافي 7/ 415، ح 1.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 42

يرو عنه، و روي عن أبي الحسن الرضا و الجواد عليهما السلام «1».

هذا كلامه، و فيه نظر، أمّا أوّلا، فلأنّ محمّدا هذا قد روي عن الكاظم عليه السلام روايات كنّاه في بعضها، فقال: يا أبا أحمد.

و أمّا ثانيا، فلأنّه قد أدرك أربعة منهم عليهم السلام، كما يدلّ عليه ما في الكافي في باب وقت صلاة الجمعة، عن محمّد بن يحيي، عن أحمد بن محمّد عن محمّد بن خالد، عن القاسم بن عروة، عن محمّد بن أبي عمير، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الصلاة يوم الجمعة، فقال: نزل بها جبرئيل مضيّقة، إذا زالت الشمس فصلّها الحديث «2».

و فيه في باب صلاة النوافل، عن محمّد بن يحيي، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان، عن ابن مسكان،

عن محمّد بن أبي عمير، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن أفضل ما جرت به السنّة، فقال: تمام الخمسين «3».

و هذان كما تري لا يحتملان الإرسال، لمكان قوله «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام».

و لعلّ الشيخ رحمه اللّه ذهب عنه ما رواه في أواخر كتاب الحج، عن صفوان، عن حمّاد بن عثمان، عن محمّد بن أبي عمير، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن مفرد الحجّ أ يعجّل طوافه أو يؤخّر؟ فقال: هو و اللّه سواء عجّله أو أخّره «4».

و له نظائر يشهد بها التتبّع، و هذا لا ينافيه روايته عنه عليه السلام بواسطة

______________________________

(1) الفهرست ص 142.

(2) فروع الكافي 3/ 420، ح 4.

(3) فروع الكافي 3/ 443، ح 4.

(4) تهذيب الاحكام 5/ 477، ح 333.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 43

و واسطتين، كما في كثير من الأخبار، كما لا ينافيه رواية ابن مسكان و ابن عثمان عنه، و هو قد روي عنهما «1» في أخبار كثيرة؛ لانّ رواية أحد المتعاصرين عن الآخر و بالعكس غير منكر.

فظهر أنّه قد أدرك من الأئمّة أربعة، و إن كان المذكور في كتب الرجال أنّه كان من أصحاب الكاظم و الرضا عليهما السلام، و نسب بعضهم إليه صحابة الجواد عليه السلام أيضا.

و لم يذكر أحد منهم فيما علمناه أنّه أدرك صحبة سيّدنا الصادق عليه السلام، لكن تتبّع الأخبار يشهد بأنّه أدرك صحبته و سمع منه.

و هذا و نحوه يفيدك أن تقليدهم في كلّ ما أتوك، كما هو دأب بعض من تأخّر عنهم ممّا لا يليق بشأن الفقيه، بل عليه التتبّع و الاجتهاد في هذا الباب، كما عليه ذلك في سائر الابواب.

كيف لا و هذا الشيخ الفاضل النجاشي قد تشكّك

في رواية عبد اللّه بن مسكان عن أبي عبد اللّه الصادق عليه السلام، و روايته عنه كثيرة في كتب الاخبار، بحيث لا يحتمل الإرسال لمكان قوله «سألته».

و ذلك مثل ما في التهذيب في باب الغدوّ إلي عرفات، و عنه عن عبد الرحمن، عن عبد اللّه بن مسكان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن تلبية المتمتّع الحديث «2».

و فيه في باب آداب الأحداث الموجبة للطهارة، بإسناده عن صفوان، عن عبد اللّه بن مسكان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: كان رسول اللّه صلّي اللّه

______________________________

(1) عنه- خ.

(2) تهذيب الاحكام 5/ 182.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 44

عليه و آله أشدّ الناس توقّيا عن البول الحديث «1».

و فيه في باب القود بين الرجال و النساء، عن علي، عن محمّد بن عيسي، عن يونس، عن عبد اللّه مسكان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إذا قتلت المرأة رجلا قتلت به الحديث «2».

و فيه في هذا الباب أيضا، عن يونس، عن ابن مسكان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إذا قتل المسلم يهوديّا أو نصرانيّا أو مجوسيّا الحديث «3».

و فيه عن يونس عن ابن مسكان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: دية العبد قيمته و إن كان نفيسا الحديث «4».

و فيه عن ابن مسكان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إذا قتل العبد الحرّ، فدفع إلي أولياء الحرّ، فلا شي ء علي مواليه «5».

و عنه عن عبد اللّه بن مسكان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في رجلين قتلا رجلا الحديث «6».

و عنه عن ابن مسكان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام إذا قتل الرجلان أو الثلاثة رجلا الحديث «7».

و عنه عن ابن مسكان، عن

أبي عبد اللّه عليه السلام إذا قتل الرجل رجلين

______________________________

(1) تهذيب الاحكام 1/ 33، ح 26.

(2) تهذيب الاحكام 10/ 180، ح 2.

(3) تهذيب الاحكام 10/ 189، ح 38.

(4) تهذيب الاحكام 10/ 192، ح 57.

(5) تهذيب الاحكام 10/ 195، ح 69.

(6) تهذيب الاحكام 10/ 217، ح 2.

(7) تهذيب الاحكام 10/ 217، ح 3.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 45

أو أكثر من ذلك قتل بهم «1».

و بالجملة روايته عنه عليه السلام متكرّرة متكثّرة، و إنّما أوردنا هذه الجملة المعترضة في هذا المقام لتتكسّر سورة استبعادك من نسبة الغلط الي الشيخ الصدوق الإمام. فحريّ بنا الآن أن نعود الي ما كنّا فيه من الكلام.

فنقول: الظاهر بل الأزيد منه أنّه لم يكن في نسخ الكافي من هذه الأسانيد المذكورة و نحوها، مثل ما في نسخ عديدة من التهذيب في أواسط باب الغدوّ إلي عرفات، عن محمّد بن يعقوب، عن علي بن ابراهيم، عن أبيه، عن حمّاد، عن الحلبي «2»، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: الغسل يوم عرفة إذا زالت الشمس الحديث «3».

اختلاف «4» قبل انتشار ما أفاده الصدوق رحمه اللّه إلي زمن الشيخ و بعده إلي زمان العلّامة، فلمّا أخذه و هو و من بعده ذلك من الصدوق و كتبوه في رجالهم، و رآه من تأخّر منهم، حدث في بعضها اختلاف، كما أومأنا اليه.

يدلّ علي ذلك أنّ ما نقلناه عن التهذيب، و هو عن الكافي، لا اختلاف فيه فيما رأيناه من نسخ التهذيب المتعدّدة المتكثّرة، و قد صرّح صاحب المنتقي في كثير منها بأنّ الكافي و التهذيب في ذلك متّفقة.

و العجب منه كثيرا، فانّ اتّفاق النسختين شاهد عدل علي أنّ تلك الاسانيد كذلك كانت في نسخة الاصل الذي جمعه ثقة

الاسلام.

و هذا صريح في أنّ إبراهيم هذا قد لقي حمّادا ذلك، و أخذ منه شفاها،

______________________________

(1) تهذيب الاحكام 10/ 220، ح 14.

(2) مع هذا السند يصير مجموع ما ذكرنا من الاسانيد أحد عشر سندا و سيأتي سند آخر فانتظره «منه».

(3) تهذيب الاحكام 5/ 181، ح 11.

(4) اسم كان «منه».

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 46

فالجزم بعدم اللقاء و الحكم بكون الاسناد ناقصا فيما رواه عنه عن الحلبي، و غلط فيما رواه عنه عن غيره، كما فعله قدّس سرّه ممّا لا يصدّقه العقل و لا يطابقه النقل، فهو خارج عن الطريقين، و داخل في حدّ الكذب و المين، فوجب طرحه من البين، لئلّا يغيّر أحكام الدين و سنن سيّد المرسلين.

و بالجملة اختلاف نسخ الكافي في هذه الأزمان في هذه الأسانيد التي نقلناها عن التهذيب، باقتحام لفظ ابن أبي عمير في بعضها بين إبراهيم و حمّاد بن عثمان ممّا لا عبرة به؛ لانّهم لمّا رأوا ما في مشيخة الفقيه، و خلاصة العلّامة، و رجال ابن داود و غيرهم، جعلوا لفظة «ابن أبي عمير» نسخة، ثمّ جعلوها أصلا، فبقي إلي زماننا، و كذلك يكون الي آخر الدهر.

و مثل ذلك فعلوا في عبد اللّه بن مسكان، فإنّهم لمّا تشكّكوا في كونه من أصحاب الصادق عليه السلام و روايته عنه متكرّرة متكثّرة بدّلوه بعبد اللّه بن سنان، علي ما رأيناه في بعض نسخ التهذيب.

و لهذا نظائر يطول نقلها، و هذا كلّه غلط لا عبرة به، كما لا يخفي علي من له أدني ممارسة بالاخبار.

ثمّ لا يذهب عليك أنّ في أكثر ما نقلناه من الأسانيد، لا يمكن أن يقال:

إنّهم غلطوا فجعلوا مكان حمّاد بن عيسي حمّاد بن عثمان، كما قاله الصدوق في المشيخة؛ اذ

الراوي عن الحلبي كما سيأتي إنّما هو ابن عثمان لا ابن عيسي، فاضطرّ بعض من تأخّر عنه الي القول بأنّ فيها نقصانا و سقطا بين ابن هاشم و ابن عثمان. و هذا مع أنّه خلاف الظاهر و الاصل لا دليل عليه من العقل و النقل.

و أمّا قول صاحب المنتقي «و الاعتبار يشهد به» فليس كذلك، كما قد نبّهناك عليه، فإنّهما اشتركا في صحابة الرضا عليه السلام، فيجوز أن يكون قد لقاه في أواخر عمره و هو في أوائله، فتحمّل منه ما تحمّل، فرواه بعد البلوغ.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 47

فانّهم لم يشترطوا البلوغ وقت التحمّل، بل صرّحوا بأنّ جماعة من الصحابة سمعوا من النبي صلّي اللّه عليه و آله قبل بلوغهم، و قبل روايتهم بعده، من غير فرق بين ما تحمّلوا قبل البلوغ و بعده، بل صرّحوا بأنّ من فهم الخطاب، و ميّز ما يسمعه، صحّ سماعه و ان كان سنّه دون خمس، و من لم يكن كذلك لم يصحّ و ان كان ابن خمسين.

قالوا: و لم يزل الناس يسمعون الصبيان و يحضرونهم مجالس التحديث، و يعتدّون بروايتهم لذلك بعد البلوغ.

و نقل ابن داود أنّ رفيقه السيّد غياث الدين بن طاوس اشتغل بالكتابة و استغني عن المعلّم و عمره أربع سنين «1».

و أمّا قول الصدوق رحمه اللّه، فليس يجدينا نفعا، لما تبينّاه من كثرة وقوع الخطأ في الاجتهاد، و انّ مبني الأمر علي الظنّ لا علي القطع، فالموافقة له علي ما قاله تقليد لا يسوغ، و خاصّة إذا كان علي خلاف الأصل.

و الظاهر من تلك الأسانيد المتكثّرة المتكرّرة في مثل هذين الكتابين الكافي و التهذيب، و لو لم يكن في المقام الّا سند واحد من تلك

الاسانيد، لكان مقتضي الظاهر هو القول بلقائه له و روايته عنه، فما ظنّك و هذه الأسانيد.

أقول: و فوق ذلك كلّه كلام، و هو أنّ رواية إبراهيم بن هاشم عن أبي عبد اللّه الصادق عليه السلام مشافهة بدون الواسطة موجودة في كتابي الاخبار:

التهذيب، و الاستبصار، علي وجه لا يحتمل الارسال.

حيث روي فيهما عن محمّد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن صدقات أهل الذمّة و ما يؤخذ من ثمن

______________________________

(1) رجال ابن داود ص 228.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 48

خمورهم و لحم خنازيرهم و ميتتهم، قال: عليهم الجزية في أموالهم الحديث «1».

فان قوله «سألت» ينفي الإرسال، و لا منافاة بين روايته عنه عليه السلام و بين كونه من أصحاب الرضا و الجواد عليهما السلام؛ لأنّ سيّدنا الصادق عليه السلام توفّي سنة ثمان و أربعين و مائة.

و في هذه السنة تولّد الرضا عليه السلام، ثمّ قبض بأرض طوس سنة ثلاث و مائتين، و كان لمولانا الجواد عليه السلام وقتئذ من العمر تسع سنين، و الزمان المتخلّل بين الوفاتين خمس و خمسون سنة.

فيمكن أن يكون لإبراهيم هذا حينما روي عن الصادق عليه السلام من العمر عشرون سنة، ثمّ بقي إلي أن أدرك الجواد عليه السلام و روي عنه، و لا بعد فيه؛ اذ غاية ما يلزم منه أن يكون لإبراهيم هذا من العمر سبع و سبعون سنة. هذا ملخّص ما أفاده السيّد السند الداماد قدّس سرّه في الرواشح «2».

و منه يظهر كلّ الظهور أنّ لقاء إبراهيم هذا لحمّاد بن عثمان ذاك، و روايته عنه بغير واسطة، ممّا لا بعد فيه، و لا مانع منه أصلا؛ لأنّ حمّادا ذاك بقي إلي أن

أدرك صحبة الرضا عليه السلام.

فأيّ مانع من رواية إبراهيم عنه بغير واسطة، كما هو المذكور في أخبار كثيرة، فإنكار لقائه له و الحال هذه ممّا لا وجه له أصلا.

هذا و في الاستبصار في باب من أوصي بجزء ماله، علي بن إبراهيم، عن حمّاد، عن أبان بن تغلب، قال: قال أبو جعفر عليه السلام: الجزء واحد من عشرة،

______________________________

(1) تهذيب الاحكام 4/ 113 و 135، أقول: و في الموضعين: عن أبيه عن حماد عن حريز عن محمد بن مسلم.

(2) الرواشح السماوية ص 50.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 49

لأنّ الجبال عشرة و الطير أربعة. «1».

الظاهر أنّ المراد بحمّاد هذا ابن عثمان، لأنّ ابن عيسي لم يلق أبان بن تغلب؛ لأنّه توفّي سنة إحدي و أربعين و مائة في خلافة أبي جعفر المنصور الدوانيقي في حياة أبي عبد اللّه الصادق عليه السلام.

و توفّي ابن عيسي علي ما ذكره الكشي سنة تسع و مائتين، و عاش نيّفا و سبعين سنة «2»، و الفصل بين الوفاتين ثمانية و ستّون سنة، فإذا نقص من عمره يبقي ستّ أو سبع سنين، بل أقلّ بسنتين أو أكثر.

فان قلت: بين الكشي و النجاشي اختلاف في عمره، فإنّ النجاشي ذكر أنّه مات غريقا و له نيّف و تسعون سنة «3»، و علي هذا فروايته عنه و لقاؤه له ممكنة.

قلت: أوّلا أنّ الكشي أقدم زمانا و أبصر بأحوال الرجال و حقيقة الحال.

و ثانيا: أنّ الأصل عدم الزيادة، فالزائد مشكوك فيه، و العاقل لا يترك المتيقّن و المتّفق عليه بمشكوك مختلف فيه.

و ثالثا: أنّ شيخنا بهاء الدين رجّح في كتابه الاربعين قول الكشي علي قول النجاشي، حيث قال فيه في حديث حمّاد هذا في الصلاة البيانيّة: و كان عمره

نيفا و سبعين سنة «4».

و كذلك رجّح صاحب مجمع البحرين قوله علي قوله، حيث قال في باب ما أوّله الحاء: حمّاد بتشديد الميم ابن عيسي الجهني، لمّا أراد أن يحجّ حجّة الحادية و الخمسين غرق في الجحفة، حين أراد غسل الإحرام، و كان عمره نيفاً و سبعين

______________________________

(1) الاستبصار 4/ 132، ح 3.

(2) اختيار معرفة الرجال 2/ 605.

(3) رجال النجاشي: 143.

(4) الاربعين ص 74، الحديث السابع.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 50

سنة، و حديثه في الصلاة مشهور. «1».

و احتمال كونهما غافلين عمّا قاله النجاشي ساقط، و ظنّي أنّ كلمة تسعين لقربها حسّا من لفظة «سبعين» صحّفت منها: إمّا من النجاشي حين نقلها عن الكشي، أو عن غيره من الناسخين، و يؤيّده اتّفاق النسختين في لفظة «النيف» فإنّه يفيد أنّه نقله عنه، فصحّف السبعين بالتسعين، و اللّه يعلم.

2- فائدة [الحسين بن سعيد و حماد بن عثمان]

أقول: و من الغرائب أيضا أنّ صاحب المنتقي قد أنكر أيضا لقاء الحسين بن سعيد الاهوازي حمّاد بن عثمان الناب، كما فعل مثل ذلك في إبراهيم بن هاشم القمّي.

و لكنّه هناك كان معذورا لاشتهاره فيمن سبقه، بخلافه هنا فإنّه خالف فيه جميع من سبقه، و استند في تلك المخالفة بالممارسة، و هي تفيد خلاف ما أفاده.

حيث قال بعد نقل رواية الحسين بن سعيد عن حمّاد عن الحلبي، قال:

سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل جعل اللّه عليه الشكر «2» أن يحرم من الكوفة، قال: فليحرم من الكوفة، و ليف للّه بما قال «3».

قد اتّفقت كلمة المتعرّضين لتصحيح الأخبار علي صحّة هذا الخبر، و أوّلهم العلّامة في المنتهي، و لا شكّ عند الممارس في أنّه غير صحيح.

______________________________

(1) مجمع البحرين 3/ 41.

(2) في المنتقي و التهذيب: شكرا.

(3) تهذيب الاحكام 5/ 53. ح

8.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 51

فإنّ حمادا في الطريق: إن كان ابن عثمان- كما يشعر به روايته عن الحلبي- فالحسين بن سعيد لا يروي عنه بغير واسطة قطعا، و ليست بمتعيّنة علي وجه نافع، كما يتّفق في سقوط بعض الوسائط، و نبّهنا علي كثير منه فيما سلف.

و إن كان ابن عيسي، فهو لا يروي عن عبيد اللّه الحلبي فيما يعهد من الأخبار أصلا، و المتعارف عند إطلاق لفظة «الحلبي» أن يكون هو المراد، و ربّما أريد منه محمّد أخوه، و الحال في رواية ابن عيسي عنه كما في عبيد اللّه.

نعم يوجد في عدّة طرق عن حمّاد بن عيسي، عن عمران الحلبي، و حينئذ احتمال إرادته عند الإطلاق بعيد، لا سيّما بعد ملاحظة كون رواية الحديث بالصورة التي أوردناها وقعت في الاستبصار.

و امّا في التهذيب، فنسخه متّفقة علي إيراده هكذا: الحسين بن سعيد، عن حمّاد، عن علي «1» و رواية حمّاد بن عيسي عن علي بن أبي حمزة معروفة.

و الحديث مرويّ أيضا في الكتابين علي اثر هذه الرواية بغير فصل، باسناد معلّق عن أحمد بن محمّد بن عيسي، عن محمّد بن إسماعيل، عن صفوان، عن علي بن أبي حمزة، و ذكر معني الحديث، و تصحيف علي بالحلبي قريب، و خصوصا مع وقوعه في صحبة حمّاد.

و بالجملة فالاحتمالات قائمة علي وجه تنافي الحكم بالصحة، و أعلاها كون الراوي علي بن أبي حمزة، فيتّضح ضعف الخبر، و أدناها الشكّ في الاتّصال، بتقدير أن يكون هو الحلبي؛ فإنّ أحد الاحتمالات معه أن يكون المراد بحمّاد ابن عثمان، و الحسين بن سعيد لا يروي عنه بغير واسطة كما ذكرنا، و ذلك موجب للعلّة المنافية للصحّة، علي ما حقّقناه في مقدّمة الكتاب

«2».

______________________________

(1) تهذيب الاحكام 8/ 314، ح 43.

(2) منتقي الجمان 3/ 139.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 52

أقول: المراد بحمّاد هذا: إمّا ابن عثمان، فإنّ رواية ابن سعيد عنه بغير واسطة معروفة، مذكورة في أوائل باب حكم الجنابة و صفة الطهارة من التهذيب، هكذا:

و أخبرني الشيخ أيّده اللّه عن أحمد بن محمّد، عن أبيه، عن الحسين بن الحسن بن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن حمّاد بن عثمان، عن أديم بن الحرّ، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام «1».

و كذلك ذكره في الاستبصار أيضا «2».

و فيه أيضا في باب من يصلّي خلف من يقتدي به العصر قبل أن يصلّي الظهر. فأمّا ما رواه الحسين بن سعيد، عن حمّاد بن عثمان، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل يؤمّ بقوم، فيصلّي العصر و هي لهم الظهر، قال:

أجزأت عنه و أجزأت عنهم «3».

نعم رواية الحسين بن سعيد، عن حمّاد بن عثمان بغير واسطة قليلة، و لا كلام فيه، و إنّما الكلام في عدم روايته عنه بدونها أصلا، حتّي يلزم منه عدم صحّة هذا الخبر الذي اتّفقت علي صحّته كلمة المتعرّضين لتصحيح الأخبار.

فالقطع به مع وجدان روايته عنه بدونها، يؤذن بنقصان استقراء القاطع و عدم ممارسته، و القول بسقوط الواسطة في كلّ ذلك فيه ما سبق.

و بالجملة إبراهيم بن هاشم القمّي، و الحسين بن سعيد الاهوازي، كلاهما في طبقة واحدة، و أصلهما من الكوفة، و هما من أصحاب الرضا عليه السلام، كما أنّ حمّاد بن عثمان أيضا من أصحابه عليه السلام و هو أيضا كوفيّ.

______________________________

(1) تهذيب الاحكام 1/ 121، ح 10.

(2) الاستبصار 1/ 105، ح 2.

(3) الاستبصار 1/ 439، ح 2.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 53

فاللقاء ممكن محتمل، فإذا

وجدت روايتهما عنه من دون واسطة حملت علي ظاهرها المفيد للاتّصال و اللقاء؛ اذ الارسال علي خلاف الظاهر، فالقول بأنهما لم يلقاه من غير دليل عليه و لا شاهد، و روايتهما عنه مذكورة في عدّة طرق بغير واسطة ممّا لا يقبله العقل و لا يساعده النقل.

و قال شيخنا البهائي في مشرق الشمسين، بعد أن روي عن أحمد بن إدريس، عن أحمد بن محمّد، عن الأهوازي، عن ابن عمّار، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: ربّما توضّأت فنفد الماء فدعوت الجارية، فأبطأت عليّ بالماء، فيجفّ وضوئي، قال: أعد «1».

قد يتوقّف في رواية الحسين بن سعيد، عن معاوية بن عمّار بلا واسطة، فيظنّ أنّها ساقطة، و انّ الحديث ليس من الصحاح، و الحقّ أنّ روايته عنه بلا واسطة ممكنة من حيث ملاحظة الطبقات، فإنّ موت معاوية بن عمّار في قريب من أواخر زمان الكاظم عليه السلام، فملاقاة الحسين بن سعيد له غير بعيدة، فإنّه قد يروي عن أصحاب الصادق عليه السلام «2».

أقول: إذا كانت روايته عنه بغير واسطة ممكنة، و ملاقاته له غير بعيدة و هو قد مات سنة خمس و سبعين و مائة قبل وفاة الكاظم عليه السلام بستّ أو ثماني سنين، فروايته بغير واسطة عن حماد بن عثمان، و ملاقاته له أولي بالامكان، لانّه مات سنة تسعين و مائة. فأواخر زمانه أقرب إلي أوائل زمان الاهوازي من أواخر زمان معاوية بخمس عشرة سنة.

و كذا الكلام في إبراهيم بن هاشم؛ لأنّه يعاصر الأهوازي و يشاركه في صحابة الرضا عليه السلام و الرواية عن أصحاب الصادق عليه السلام.

______________________________

(1) تهذيب الاحكام 1/ 87- 88.

(2) مشرق الشمسين ص 297.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 54

ثمّ إنّ في هذا المقام نوعا

آخر من الكلام، و هو أنّ الشيخ في التهذيب في أواسط باب الغدوّ إلي عرفات، روي عن محمّد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد، عن الحلبي، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام الحديث «1».

فإن كان حمّاد هذا ابن عيسي، فهذا يبطل قول صاحب المنتقي أنّه لا يروي عن عبيد اللّه الحلبي، فيما يعهد من الأخبار، و المتعارف عند إطلاق لفظة «الحلبي» أن يكون هو المراد.

و ان كان ابن عثمان، فهذا يبطل قول هؤلاء العصابة أنّ إبراهيم بن هاشم لم يلقه و لم يرو عنه بغير واسطة، فهذا نقض وارد إمّا عليه أو عليهم.

و إمّا ابن عيسي و لعلّه أظهر؛ لانّه كان من مشايخ الحسين بن سعيد، و المراد بعلي هو علي بن أبي شعبة الحلبي، و القرينة عليه تصريحه في الاستبصار و المنتهي بالحلبي.

و القول بأنّ ابن عيسي لم يرو عن عبيد اللّه الحلبي و لا عن أخيه محمّد، و إطلاق لفظ الحلبي ينصرف إليهما، منقوض بما في أوائل باب الرجوع الي مني و رمي الجمار من التهذيب، هكذا: عنه عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمّار، و حمّاد بن عيسي، عن الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام «2».

و مثله ما في فروع الكافي في باب بناء مسجد النبي صلّي اللّه عليه و آله، هكذا: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد بن عيسي «3»،

______________________________

(1) تهذيب الاحكام 5/ 181، ح 11.

(2) تهذيب الاحكام 5/ 265، ح 16.

(3) و لا يذهب عليك أن هذا الاسناد أيضا صريح في رواية ابراهيم بن هاشم عن حماد بن عيسي بواسطة ابن أبي

عمير، فانكار صاحب المنتقي لا وجه له، و قد مر الكلام فيه فتدبر «منه».

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 55

عن الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن المسجد الذي أسّس علي التقوي، قال: مسجد قبا «1».

فهذا السند المذكور فيه رواية ابن عيسي عن الحلبي المطلق ينفي قوله «و إن كان ابن عيسي» إلي قوله «عند الإطلاق بعيد» أمّا الاوّلان، فظاهران.

و أمّا الثالث، فلأنّ كثرة روايته عن عمران الحلبي من القرائن الواضحة علي أنّه المراد عند الإطلاق، حتّي أنّ ذهن الماهر في الفنّ لا يذهب عنده إلي غيره، إلّا أن تكون هناك قرينة صارفة عنه كما هنا.

فإنّ ذكر علي في الاسناد المذكور في التهذيب، و ذكر الحلبي مكانه في الاستبصار و المنتهي قرينة جليّة علي أنّ المراد به علي الحلبي لا عمران الحلبي و لا عبيد اللّه و لا أخوه محمّد، و لا غيرهم من الحلبيين؛ اذ القرينة قاطعة للشركة و الاحتمال.

و لا بعد في رواية ابن عيسي هذا عن علي ذاك، فإنّهما من رواة الصادق عليه السلام، فهما في طبقة واحدة، و رواية أهل طبقة واحدة بعضهم عن بعض لا ينكر.

نعم بقي ابن عيسي إلي أن أدرك صحبة الجواد عليه السلام، ثمّ مات غريقا بواد السيل من الشجرة إلي المدينة كما سبق.

و إمّا ابن شعيب، لانّ الحسين بن سعيد كما يروي عن الحمّادين المذكورين، كذلك يروي عن حمّاد بن شعيب، كما في صلاة الوتر من التهذيب، روي هناك عنه، أي: عن الحسين بن سعيد، عن حمّاد بن شعيب، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام «2».

______________________________

(1) فروع الكافي 3/ 296، ح 2.

(2) تهذيب الاحكام 2/ 6، ح 11 و فيه السند هكذا:

الحسين بن سعيد عن حماد بن عيسي عن شعيب عن أبي بصير.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 56

و حمّاد هذا أيضا ثقة صدوق، كما يظهر ممّا نقله العلّامة في الخلاصة عن ابن عقدة، عن محمّد بن عبد اللّه بن أبي حكيمة، عن ابن نمير أنّ حمّاد بن شعيب صدوق، قال: و هذه الرواية من المرجّحات انتهي «1».

فان قلت: مجرّد كونه صدوقا لا يدلّ علي عدالته، فإنّ الصدوق قد يجامع عدم العدالة أيضا، اذ شرطها الصدق مع شي ء آخر.

قلت: قد صرّح الشيخ في كتابه العدّة بأنّ العدالة المراعاة في الراوي، أن يكون معتقدا للحقّ مستبصرا ثقة في دينه، متحرّجا من الكذب، غير متّهم فيما يرويه «2».

و حماد هذا لمّا كان إماميّا، كان معتقدا للحقّ مستبصرا ثقة في دينه، و لمّا كان صدوقا كان متحرّجا منه غير متهم فيما يرويه.

هذا و اعلم أنّ المراد بالاسناد المعلّق ما حذف من مبدأ أسناده واحد فأكثر، كقول الشيخ محمّد بن أحمد، أو محمّد بن يعقوب، أو الحسين بن سعيد، أو أحمد بن محمّد بن عيسي و نحو ذلك.

و هذا لا اختصاص له بهذا الاسناد، بل الاسناد السابق عليه أيضا كذلك، فلا وجه لتخصيصه به، علي أنّ تعليق الاسناد إنّما يكون قادحا فيه إذا لم يعلم المحذوف فيه من جهة ثقته، فإنّه بذلك يخرج من الاتصال إلي الإرسال و نحوه.

و أمّا إذا علم، كقول الشيخ في الكتابين: الحسين بن سعيد، أو محمّد بن يعقوب، أو غيرهما ممّن لم يدركه، ثمّ يذكر في آخر الكتاب طريقه إلي كلّ واحد ممّن ذكره في أوّل الاسناد، فهذا لا يقدح فيه إذا عرف المحذوف من جهة ثقته،

______________________________

(1) رجال العلامة ص 57.

(2) عدة الاصول 1/ 379.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)،

ص: 57

و المحذوف بين الشيخ و ابن سعيد معروف، فإنّ له إليه طرقا صحاحا بجميع رواياته و كتبه.

ثمّ اعلم أنّ التصحيف البصري إنّما يعرّض المبصر لتقارب الحروف، مثل تصحيف مراجم بالراء المهملة و الجيم بمزاحم بالزاي و الحاء، و تصحيف حريز بجرير، و ثريد بيزيد و نحوها.

و تصحيف علي بالحلبي، و الاصل عدمه، إنّما يكون قريبا أن لو كان منكرا. و أمّا اذا كان معروفا كما هو الواقع، فبينهما بون بعيد.

و لو جاز مثل هذا التصحيف و نسبته الي الشيخ، لجاز أن يقال بتصحيف عمران بعلي في التهذيب، و أن يجعل لفظ الحلبي المذكور في الاستبصار قرينة عليه، مع كثرة رواية حمّاد هذا عن عمران الحلبي ذاك.

بل هذا أولي من القول بتصحيف علي بالحلبي في الاستبصار؛ اذ لا قرينة له أصلا، مع أنّ رواية حمّاد بن عيسي عن علي بن أبي حمزة البطائني قليلة جدا.

ثمّ كيف يصير ورود مضمون واحد في طريقين أحدهما صحيح و الآخر ضعيف دليلا و قرينة علي هذا التصحيف، و ليس هذا بأوّل قارورة كسرت في الاسلام، فإنّ ورود معني واحد في طرائق شتّي صحاح و حسان و ضعاف و موثّقات و غيرها أكثر من أن يحصي.

و بالجملة جملة ما أورده في هذا المقام من الكلام علي الأعلام خالية عن التحصيل، لما عرفت من صحّة هذا الخبر علي جميع تلك التقادير.

و لو لا مخافة تغيير الاحكام، و تبديل بعض سنن سيّد الأنام عليه و آله السلام، و متابعة المقلّد قول من يدّعي شيئا لا يقدر علي إثبات ما يدّعيه، و ان بذل كمال جهده و تمام مساعيه، لما تعرّضت لما تعرّض؛ لأنّ لي من عيوب نفسي و تخليتها عنها لشغلا شاغلا،

و اللّه المستعان و عليه التكلان.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 58

3- فائدة [رواية موسي بن القاسم عن معاوية بن وهب]

قال شيخنا الحسن قدّس سرّه في بعض حواشيه علي التهذيب في أوائل كتاب الحجّ، عند رواية موسي بن القاسم، عن معاوية بن وهب، عن صفوان، عن العلاء بن رزين، عن محمّد بن مسلم، قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام:

قوله تعالي وَ لِلّٰهِ عَلَي النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا.

قال: يكون له ما يحجّ به، قلت: فإن عرض عليه الحجّ فاستحيا، قال:

هو ممّن يستطيع و لم يستحي؟ و لو علي حمار أجذع أبتر، قال: فإن كان يستطيع أن يمشي بعضا و يركب بعضا فليفعل «1».

في هذا الاسناد خلل واضح، فإنّ موسي بن القاسم يروي عن معاوية بن وهب بالواسطة لأنّه لم يلقه، و سيأتي ما يشهد بذلك، و صفوان ممّن لقيه موسي بن القاسم، و روايته عنه بغير واسطة في غاية الكثرة، فكيف صارت روايته عنه بالواسطة؟

ثمّ كيف تتصوّر رواية معاوية بن وهب و هو من أصحاب الصادق عليه السلام عن صفوان و هو من أصحاب الكاظم و الرضا عليهما السلام؟ بل الامر ينعكس، فإنّ صفوان يروي عن معاوية في بعض الطرق الصحيحة.

أقول: و في نسخة عندي قديمة للاستبصار موسي بن القاسم بن معاوية بن وهب، و الذي أراه أنّ هذا هو الصحيح و ما سواه تصحيح انتهي «2» كلامه.

______________________________

(1) تهذيب الاحكام 5/ 3- 4.

(2) منتقي الجمان 3/ 53.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 59

أقول: موسي بن القاسم بن معاوية بن وهب الكوفي البجلي الثقة من أصحاب الرضا و الجواد عليهما السلام، إذا روي عن صفوان بواسطة جدّه معاوية بن وهب البجلي الثقة من أصحاب الصادق و الكاظم عليهما السلام، فالمراد به صفوان بن مهران الجمّال الثقة

من أصحاب الصادق و الكاظم عليهما السلام أيضا.

و إذا روي عنه بغير واسطة، فالمراد به صفوان بن يحيي بيّاع السابري الثقة من أصحاب الكاظم و الرضا و الجواد عليهم السلام، و له شواهد:

منها: ما في باب ضروب الحج، حيث أنّ الشيخ رحمه اللّه يروي فيه عن موسي بن القاسم، عن صفوان بن يحيي، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام «1».

و في الاستبصار في باب المريض يطاف به أو يطاف عنه، موسي بن القاسم، عن صفوان بن يحيي، عن إسحاق بن عمّار، قال: سألت أبا الحسن موسي عليه السلام عن المريض يطاف عنه بالكعبة؟ قال: لا، و لكن يطاف به «2».

و فيه أيضا: و عنه، أي: عن موسي بن القاسم، عن صفوان بن يحيي، قال:

سألت أبا الحسن عليه السلام الحديث «3».

فظهر أنّ معاوية بن وهب و صفوان بن مهران في طبقة واحدة، و رواية أهل طبقة واحدة بعضهم عن بعض ممّا لا ينكر، فيجوز أن يروي معاوية عن صفوان، و صفوان عن معاوية.

كما يروي محمّد بن أبي عمير عن حمّاد بن عثمان و حمّاد عن محمّد، لسماع

______________________________

(1) تهذيب الاحكام 5/ 25، ح 3.

(2) الاستبصار 2/ 225، ح 1.

(3) الاستبصار 2/ 225، ح 2.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 60

كلّ منهما عن الإمام عليه السلام في وقت دون آخر، فالأصل و العكس كلاهما صحيحان.

علي أنّ الظاهر أنّ صفوان الراوي عن معاوية هو ابن يحيي، و هو من أصحاب الكاظم و الرضا عليهما السلام، لا ابن مهران.

و بهذا علم أن لا خلل في هذا الأسناد بوجه، فإنّ رواية موسي عن جدّه بالواسطة ممّا لم يثبت، و علي تقدير ثبوته لا ضير فيه.

لجواز أن يكون موسي هذا

قد سمع في صغر سنّه من جدّه معاوية ذاك طرفا من الحديث، فرواه عنه بعد بلوغه بغير واسطة، و كان قد سمع منه غيره قبل ذلك، أو في هذا الزمان أيضا طرفا آخر منه، فروي لموسي بعد وفاة جدّه، أو حال حياته فروي موسي هذا الطرف من الحديث عن جدّه بواسطة ذلك الغير، و هذا ممّا لا مانع منه.

و أمّا أنّه لم يلقه، فظنّي أنّه مجرّد دعوي من غير بيّنة، لأنّي لم أجد لموضع هذه الحوالة في الكتاب عينا و لا أثرا.

بل في أواسط باب ثواب الحج ما ينافيه، حيث أنّ الشيخ روي فيه عنه، أي: عن موسي بن القاسم، عن معاوية بن وهب، عن عمر بن يزيد، قال:

سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول «1».

و هذا الأسناد كما تري مثل ذاك في أنّ موسي بن القاسم روي فيه أيضا عن معاوية بن وهب بغير واسطة، و له نظائر. و منه يعلم أنّ ما في النسخة القديمة هو التصحيح و أنّ ما سواه هو الصحيح، و الشبهة الموجبة لتصحيحها كذلك هي بعينها التي عرضت لشيخنا قدس سرّه. و إنّي لأعجب من اشتباهاته و طول يده في هذا الشأن، فإنّه ممّا لا منشأ له، و هو أعرف بما قال، و اللّه أعلم بحقيقة الحال.

______________________________

(1) تهذيب الاحكام 5/ 22، ح 9.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 61

4- فائدة [المراد من حبيب في رواية الطواف]

اشارة

قال الفاضل الاردبيلي قدّس اللّه سرّه في شرح الإرشاد بعد نقله ما رواه الصدوق في الفقيه في الصحيح عن حبيب بن مظاهر المشكور، قال: ابتدأت في طواف الفريضة و طفت شوطا، فإذا إنسان قد أصاب أنفي فأدماه، فخرجت فغسلته، ثمّ جئت فابتدأت الطواف، فذكرت ذلك لأبي عبد اللّه عليه السلام، فقال: بئس

ما صنعت، كان ينبغي لك أن تبني علي ما طفت، ثمّ قال: أما أنّه ليس عليك شي ء «1».

الظاهر من كلامهم أنّه- أي: حبيب بن مظاهر- هو الذي قتل مع الحسين عليه السلام. قال في الخلاصة: مشكور. و الظاهر أنّ المراد بأبي عبد اللّه في الرواية هو الحسين عليه السلام، لعدم ادراكه الصادق عليه السلام «2» انتهي.

أقول: و أنت خبير بأنّ بين تسمية هذا الحديث صحيحا، و بين نقله عن الخلاصة، و قوله أوّلا بأنّ حبيبا هذا مشكور، نوع منافرة؛ لأنّ المشكور ليس من ألفاظ التعديل صريحا، كما صرّحوا به في الدرايات.

قال الشهيد الثاني في دراية الحديث: ألفاظ التعديل الدالّة عليه صريحا قول المعدّل: هو عدل، ثقة، حجّة، صحيح الحديث، و ما أدّي معناه. و أمّا قوله:

متقن، ثبت، شيخ، جليل، مشكور، خيّر، فاضل، و نحوها من الألفاظ، فالأقوي في جميع هذه الأوصاف عدم الاكتفاء بها في التعديل؛ لانّها أعمّ من المطلوب فلا

______________________________

(1) من لا يحضره الفقيه 2/ 395، ح 2798.

(2) مجمع الفائدة 7/ 70- 71.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 62

يدلّ عليه.

أمّا الاربعة الاولي، فظاهرة، و ساق الكلام إلي أن قال: و أمّا المشكور، فقد يكون الشكر علي صفات لا تبلغ حدّ العدالة، و لا تدخل فيها «1».

و لعلّه قدّس سرّه عرف من العلّامة أنّه اختار خلاف الاقوي، فاذا قال فلان مشكور، فمراده به الثقة، و الظاهر أنّ العلّامة لم يرد به توثيقه، لأنّ ما ذكره أئمّة الرجال في مدحه لا يبلغ به حدّ العدالة.

قال الكشي في كتابه: حبيب من السبعين الرجال الذين نصروا الحسين عليه السلام و لقوا جبال الحديد، و استقبلوا الرماح بصدورهم و السيوف بوجوههم، و هم يعرض عليهم الأمان، فيأبون و يقولون: لا عذر

لنا عند رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله إن قتل الحسين عليه السلام و هنا عين تطرف حتّي قتلوا حوله.

و لقد خرج حبيب بن مظاهر الأسدي و هو يضحك، فقال له يزيد بن حصين: يا أخي ليس هذه بساعة ضحك، قال: فأيّ موضع أحقّ من هذا بالسرور؟ و اللّه ما هذا إلّا أن يميل علينا هؤلاء الطغاة بسيوفهم فنعانق الحور العين «2».

و من البيّن أنّ هذا و نحوه لا يدلّ علي أنّ هؤلاء الرجال كلّهم كانوا من قبل هذه الواقعة أصحّاء عدولا موثّقين، حتّي تكون بذلك رواياتهم كلّها صحاحا إذا لم يكن في الطريق مانع من غير جهاتهم، و كأنّ هذا ظاهر من غير تأمّل.

______________________________

(1) الرعاية في علم الدراية ص 203- 207.

(2) اختيار معرفة الرجال 1/ 293.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 63

كشف غطاء و رفع غماء

ثمّ فوق هذا كلام، و هو أنّ هذا الحديث و إن كان مذكورا في الفقيه في باب حكم من قطع عليه الطواف بصلاة أو غيرها، إلّا أنّ الصدوق لا طريق له في مشيخته إلي حبيب بن مظاهر.

فمن أين علم أنّ طريقه اليه صحيح، حتّي حكم بصحّة الرواية، مع أنّ حبيب بن مظاهر هذا مجهول؛ لأنّه لا يعلم أنّه الذي قتل مع الحسين عليه السلام أو غيره، إذ ليس في الفقيه لفظ المشكور ليكون قرينة عليه لو سلّم له ذلك، بل هو ممّا أضافه إليه رحمه اللّه ظنّا منه أنّه هو.

و لعلّه غرّته عبارة الخلاصة، و هذا بعيد في غاية البعد؛ لانّه روي الصدوق في الفقيه عن حماد «1» بن عثمان عن حبيب بن مظاهر.

و حمّاد هذا من أصحاب الصادق و الكاظم و الرضا عليهم السلام، مات بالكوفة سنة تسعين و مائة، كما اتّفق

عليه الكشي و النجاشي، و حبيب بن مظاهر الأسدي المشكور من أصحاب أبي عبد اللّه الحسين عليه السلام قد قتل معه بكربلاء سنة إحدي و ستّين من الهجرة و داهية نينوي سنة إحدي و ستّين من الهجرة، و الفصل بين التاريخين كما تري ثلاثون و مائة سنة، و حمّاد هذا لا شكّ أنّه تحمّل الحديث عن حبيب ذاك قبل وقعة كربلاء بمدّة، و كان له يومئذ من العمر و لا أقل منه خمس عشرة سنة، فيلزم منه أن تكون مدّة عمره أكثر من خمس و أربعين و مائة سنة.

و هذا بالنظر إلي الأعمار الطبيعيّة في هذه الأعصار غير معقول، و لا

______________________________

(1) طريق الصدوق في الفقيه الي حماد هذا صحيح «منه».

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 64

منقول من عمره أيضا، مع أنّ أحدا من أئمّة الرجال لم يقل أنّ حمادا هذا كان من أصحاب الباقر عليه السلام، فضلا عن أن يكون من أصحاب علي بن الحسين عليهما السلام، أو أبيه الحسين عليه السلام كما يلزم ممّا أفاده قدّس سرّه، و هذا كلّه ظاهر لمن له أدني معرفة في هذا الشأن، و يدلّ علي أنّ حبيب بن مظاهر الذي روي عنه حمّاد بن عثمان غير حبيب الاسدي المشكور من أصحاب أبي عبد اللّه الحسين عليه السلام.

و يؤيّده أنّ أبا عبد اللّه، و ان كان مشتركا بين الحسين بن علي بن أبي طالب، و بين جعفر بن محمّد الصادق عليهم السلام، لكن المراد من المطلق في كتب الأخبار هو الصادق عليه السلام، كما صرّحوا به في كتب الرجال.

و بالجملة ما أفاده قدّس سرّه في هذا المقام لا شكّ أنّه من غريب الكلام، و لا وجه له ظاهرا سوي العجلة الدينية،

و اللّه يعلم.

و ظنّي أنّ لفظة «مظاهر» في الفقيه غلط من قلم الناسخ، و كان أصل النسخة هكذا: روي حمّاد بن عثمان عن حبيب بن المعلّي، كما يظهر من مشيخته.

حيث قال قدّس سرّه: و ما كان فيه عن حبيب بن المعلّي، فقد رويته عن أبي رضي اللّه عنه، عن سعد بن عبد اللّه، عن محمّد بن الوليد الخزّاز، عن حمّاد بن عثمان، عن حبيب بن المعلّي الخثعمي «1» «2».

و ليس له رحمه اللّه في مشيخته طريق الي حبيب غير هذا، و هو من أصحاب الصادق و الكاظم و الرضا عليهم السلام، كما أنّ حمادا هذا أيضا كذلك كما سبق.

______________________________

(1) مشيخة الفقيه 4/ 447.

(2) ذكر مولانا عناية اللّه القهبائي في حاشية كتابه بعد نقل هذا السند في أصل الكتاب: الظاهر المعلل بدل المعلي، فانه الخثعمي و ابن المعلي هو السجستاني، و تقدما يعني في كتابه الرجال «منه».

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 65

و علي هذا فلا إشكال فيه و لا بعد في روايته عنه، و يكون المراد بأبي عبد اللّه في الرواية هو الصادق عليه السلام، كما هو المعروف في كتب الاخبار اذا أطلق.

و أمّا السند، فبين موثّق و صحيح، فبعضهم وثّقه، و بعضهم صحّحه، و هو الظاهر؛ لأنّ رجال هذا السند كلّهم إماميّون موثّقون مصحّحون كما تري، فلا وجه لتسميته موثّقا دون صحيح، كما سمّاه به مولانا عناية اللّه القهبائي.

و اعلم أنّ طريق الصدوق في الفقيه الي حمّاد بن عثمان أيضا صحيح، لكن حبيب بن مظاهر المذكور في السند السابق كما سبق مجهول، فلو كان السند في الاصل كذلك يكون مجهولا به، لا صحيحا كما قال الفاضل الاردبيلي رحمه اللّه، و هو أعرف بما قال، و اللّه

أعلم بحقيقة الرجال.

5- فائدة [تحقيق حول اسحاق بن عمار]

قال الفاضل الاردبيلي في شرح الارشاد، بعد قول مصنّفه قدّس اللّه سرّهما «و في الاستمناء بدنة، و في الفساد به قولان»: دليل وجوب البدنة هو الاجماع المنقول في المنتهي.

و أمّا فساد الحجّ به و الحجّ من قابل كما في الجماع، ففيه الخلاف، و استدلّ للموجب بحسنة إسحاق بن عمّار عن أبي الحسن عليه السلام قال قلت له: ما تقول في المحرم عبث بذكره فأمني، قال: أري مثل من أتي أهله و هو محرم بدنة و الحجّ من قابل «1».

______________________________

(1) تهذيب الاحكام 5/ 324، ح 26.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 66

و في سندها إبراهيم بن هاشم و هو غير مصرّح بتوثيقه، و في إسحاق قول بأنّه فطحيّ إلّا أنّه ثقة، و كتابه معتمد، و قال المصنّف: الاولي عندي التوقّف فيما ينفرد به، و لهذا توقّف في الحكم في المنتهي. «1».

أقول: هذا حديث صحيح السند، و لا يقدح في صحّته، اشتمال سنده علي إبراهيم و إسحاق.

أمّا الاوّل، فلما ثبت من توثيقه، كما ذهب اليه الشارح الفاضل في آيات أحكامه في كتاب الصوم، حيث قال فيه، بعد أن نقل حديثين: أحدهما عن محمّد بن مسلم، و الثاني عن زرارة.

و أمّا الاوّل- و أراد به ما رواه محمّد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد «2» بن عيسي، عن حريز، عن محمّد بن مسلم،- فالظاهر أنّه حسن، لوجود أبي علي إبراهيم بن هاشم، و كذا سمّاه في المختلف و المنتهي.

و قال الشيخ زين الدين في شرح الشرائع: و لصحيحة محمّد بن مسلم و زرارة، و ما وجدت في كتب الأخبار غير ما ذكرته عن محمّد بن مسلم، فالظاهر أنّه إنّما

عني ذلك، فاشتبه عليه الأمر، أو تعمّد و ثبت توثيقه عنده، و الظاهر أنّه يفهم توثيقه من بعض الضوابط «3» انتهي.

و لعلّه منه رحمه اللّه إشارة إلي اعتبار مشايخ القمّيين له، و أخذ الحديث

______________________________

(1) مجمع الفائدة 7/ 12.

(2) فيه أيضا رواية ابراهيم هذا عن حماد ذاك بواسطة ابن أبي عمير، فقول صاحب المنتقي في مثل هذا السند و قد سبق: الظاهر ان ذكر ابن أبي عمير فيه سهو. و قد مر مثله مرارا، و اني لأعجب من مثله عن مثله «منه».

(3) زبدة البيان: 154- 155.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 67

عنه، و نشر الرواية منه، علي ما في الفهرست «1» و النجاشي «2»، يعطي أنّه ثقة عندهم في الرواية و النقل؛ لأنّ أهل قم كانوا يخرجون الراوي منه و يؤذونه لمجرّد توهّم شائبة ما فيه، فكيف يجتمعون عليه؟ و يقبلون حديثه؟ لو لا وثوقهم به و اعتمادهم عليه، فيصير حديثه صحيحا لذلك، كما لا يخفي علي من له قليل من الإنصاف.

قال في الفهرست و مثله في النجاشي: ابراهيم بن هاشم أبو إسحاق، أصله من الكوفة و انتقل الي قم، و أصحابنا يقولون: إنّه أوّل من نشر حديث الكوفيين بقم، و ذكروا أنّه لقي الرضا عليه السلام، و الذي أعرف من كتبه: كتاب النوادر، كتاب قضايا لأمير المؤمنين عليه السلام، أخبرنا بهما جماعة من أصحابنا، ثمّ ذكر سنده إليه «3».

و قال العلّامة في الخلاصة: إنّه عندي مقبول «4».

و في المنتهي كثيرا ما يسمّي الخبر الواقع هو فيه صحيحا، و يفهم منه أيضا توثيقه.

و أمّا الثاني، فلأنّ إسحاق الراوي عن الصادق و الكاظم عليهما السلام هو ابن عمّار بن حيّان الكوفي، أبو يعقوب الصّيرفي الإمامي الموثّق، و هو غير

إسحاق بن عمّار بن موسي الساباطي الفطحيّ الغير الراوي عن أحد من الأئمّة عليهم السلام.

و جدّ الأوّل حيّان، و الثاني موسي، و الأوّل كوفيّ صيرفيّ إماميّ له كتاب،

______________________________

(1) الفهرست: 4.

(2) رجال النجاشي: 16.

(3) الفهرست ص 4، رجال النجاشي ص 16.

(4) رجال العلامة ص 5.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 68

و الثاني ساباطيّ فطحيّ له أصل. و الاوّل روي عن أبي عبد اللّه و أبي الحسن عليهما السلام. و الثاني لم يرو لا عنهما و لا عن أحد من الأئمّة.

قال النجاشي في كتابه: إسحاق بن عمّار بن حيّان مولي بني تغلب أبو يعقوب الصّيرفي، شيخ من أصحابنا ثقة، و هو في بيت كبير من الشيعة، روي عن أبي عبد اللّه و أبي الحسن عليهما السلام، ذكر ذلك أحمد بن محمّد بن سعيد في رجاله، له كتاب نوادر يرويه عنه عدّة من أصحابنا، ثمّ أسنده اليه «1».

و قال الشيخ في الفهرست: إسحاق بن عمّار بن موسي الساباطي، له أصل، و كان فطحيّا إلّا أنّه ثقة، و أصله معتمد عليه، ثمّ أسنده بإسناده اليه «2».

فقول الاردبيلي رحمه اللّه «في إسحاق قول بأنّه فطحيّ إلّا أنّه ثقة و كتابه معتمد» خلط منه بين اسحاقين، و بين الأصل و الكتاب، لانّ الفطحيّ الثقة هو الساباطي، و له أصل معتمد لا كتاب، و صاحب الكتاب هو الكوفي الصّيرفي الإمامي الثقة، لا الفطحي الساباطي.

و من الغريب أنّه رحمه اللّه قال في كتاب الصلاة في بحث الشكّ: و روي إسحاق بن عمّار عن أبي الحسن الاوّل عليه السلام أنّه قال: اذا شككت فابن علي اليقين، قال قلت: هذا أصل؟ قال: نعم.

و الطريق اليه صحيح، و هو ثقة و له أصل معتمد و هو لا بأس

به، و ان قيل:

إنّه فطحيّ «3».

و لعلّ هذا الاضطراب منه رحمه اللّه إنّما نشأ من توهّمه اتّحاد الإسحاقين كما في الخلاصة، فتارة يقول: له كتاب معتمد، و أخري يقول: له أصل معتمد.

______________________________

(1) رجال النجاشي ص 71.

(2) الفهرست ص 15.

(3) مجمع الفائدة 3/ 178.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 69

و قد عرفت أنّ إسحاق بن عمّار الراوي عن أبي الحسن الأوّل عليه السلام إماميّ لا فطحيّ، و له كتاب معتمد لا أصل.

فظهر التمايز و التغاير بينهما، و بطل توهّم الاتّحاد و الاشتراك، و علي هذا فاذا وقع في كتب الأخبار إسحاق بن عمّار عن أبي عبد اللّه أو أبي الحسن عليهما السلام، كما في هذا الحديث و نحوه من الأحاديث المنقولة عنهما عليهما السلام الواردة في الأحكام و غيرها، فالصواب أنّه إسحاق بن عمّار بن حيّان الصّيرفي الإمامي الموثّق، لا إسحاق بن عمّار بن موسي الساباطي الفطحي، فظهر التّميز و صحّة الأوّل.

و قال بعض أصحابنا المتأخرين الماهر في هذا الشأن: هذا أمر اشتبه علي الشيخ العلّامة في الخلاصة، و علي ابن داود في كتابه، و علي غيرهما أيضا، حتّي جعلوهما: إمّا متّحدا كما في الخلاصة، أو مشتركا في الحديث، و اضطرب كلامهم فيها غاية الاضطراب، و قد نوّر الصبح لذي عينين و باللّه التوفيق.

و اذ قد ظهر عدم الاشتراك في إسحاق هذا، فصحّ الحديث من جهته، و يصير دليلا يثبت به الأحكام الشرعيّة الفرعيّة المخالفة للأصل.

مثل ما ذكره الفاضل المذكور قدّس سرّه في شرحه علي الارشاد بعد قول مصنّفه متّصلا بالمتن السابق ذكره «و لو جامع أمته محلا و هي محرمة بإذنه، فبدنة أو بقرة أو شاة، فإن عجز فشاة، أو صيام ثلاثة أيّام».

بقوله: دليله رواية إسحاق بن

عمّار، قال: قلت لأبي الحسن موسي عليه السلام أخبرني عن رجل محلّ وقع علي أمة له محرمة، قال: موسرا أو معسرا؟

قلت أجنبيّ عنهما، قال: هو أمرها بالاحرام أو لم يأمرها، أو أحرمت من قبل نفسها؟ قلت: أجنبيّ فيها.

قال: إن كان موسرا و كان عالما أنّه لا ينبغي له، و كان هو الذي أمرها

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 70

بالاحرام، كان عليه بدنة، و إن شاء بقرة، و إن شاء شاة. و إن لم يكن أمرها بالاحرام، فلا شي ء عليه، موسرا كان أو معسرا. و إن كان أمرها و هو معسر، فعليه دم شاة أو صيام «1».

قال: و السند إلي إسحاق صحيح، و في إسحاق ما تقدّم، إلّا أنّ الظاهر عدم الخلاف في الحكم، و أظنّ أنّ إسحاق لا بأس به، و إن قيل فيه ما قيل. «2»

انتهي.

و أمثالها في كتب الأخبار في الأحكام و غيرها كثيرة تكاد لا تعدّ، و من أمثاله تظهر فائدة ما تعرّضنا له في رسالتنا هذه من نقد الرجال و قلبهم، و اللّه المستعان و عليه التكلان.

6- فائدة [عبد الرحمن بن سيابة]

اشارة

قال الفاضل الاردبيلي قدّس اللّه روحه في شرحه علي الإرشاد، بعد قول مصنفه «و وقته من طلوع الشمس إلي غروبها» أي: وقت رمي الجمار ما بين طلوع الشمس إلي غروبها، هذا هو القول المشهور، و نقل عن الشيخ قول في الخلاف بعدم الجواز إلّا بعد الزوال.

دليل القول الأوّل رواية صفوان بن مهران، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: رمي الجمار ما بين طلوع الشمس إلي غروبها «3».

______________________________

(1) تهذيب الاحكام 5/ 320، ح 15.

(2) مجمع الفائدة 7/ 14- 15.

(3) تهذيب الاحكام 5/ 262، ح 3.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 71

و رواية منصور بن حازم، قال: سمعت

أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: رمي الجمار ما بين طلوع الشمس إلي غروبها «1».

و رواية زرارة و ابن أذينة عن أبي جعفر عليه السلام أنّه قال للحكم بن عتيبة: ما حدّ رمي الجمار؛ فقال الحكم: عند زوال الشمس، فقال أبو جعفر عليه السلام: يا حكم أ رأيت لو أنّهما كانا اثنين، فقال أحدهما لصاحبه: احفظ علينا متاعنا حتّي أرجع أ كان يفوته الرمي؟ هو و اللّه ما بين طلوع الشمس إلي غروبها «2».

قال في المنتهي: إنّ هذه الثلاثة كلّها صحيحة، و كذا سمّي الاخبار الكثيرة فيه بالصحّة.

و لي فيها تأمّل، لوجود موسي بن القاسم عن عبد الرحمن في الاولي و الثالثة و في الأخبار الكثيرة، و عبد الرحمن مشترك.

قال في التهذيب في مسألة من شكّ في الطواف: روي موسي بن القاسم عن عبد الرحمن بن سيّابة، و هو غير مذكور في الكتابين، فيحتمل كون ما في هذه الروايات و في جميع المواضع التي في صدر الحديث موسي بن القاسم عن عبد الرحمن، كونه ابن سيّابة، و كأنّ المصنّف قدّس سرّه يعرف أنّه الثقة «3».

أقول: ليس فيه كثير بعد؛ لأنّه يظهر من بعض الروايات كمال اعتباره عند أبي عبد اللّه عليه السلام، و ذلك مثل ما في ترجمة عبد اللّه بن الزبير الرسّان عن الكشي بسند حسن كالصحيح عن ابن أبي عمير، عن عبد الرحمن بن سيّابة، قال: دفع إليّ أبو عبد اللّه عليه السلام ألف دينار و أمرني أن أقسّمها في

______________________________

(1) تهذيب الاحكام 5/ 262، ح 4.

(2) تهذيب الاحكام 5/ 262، ح 5.

(3) مجمع الفائدة 7/ 352- 353.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 72

عيالات من أصيب مع عمّه زيد «1». أي: قتل معه.

و هذا بعد التأمّل

يظهر منه أنّه كان من خواصّه و بطانته المعتبرين عنده عليه السلام.

و قد ذكر بعض أصحابنا الماهر في نقد الرجال و تحقيق الحال أنّه إذا كان الرجال رووا عن معتبر «2»، أو يروي عنه معتبر و لا يذكر ذمّه، فهو معتبر ممدوح.

و عبد الرحمن هذا قد روي عنه جماعة من المعتبرين، كابن أبي عمير الذي قيل: إنّه لا يروي إلّا عن ثقة. و موسي بن القاسم بن معاوية بن وهب البجلي الثقة، و غيرهما من المعتبرين.

و روي الكشي باسناده عن علي بن عطيّة أنّه قال: كتب عبد الرحمن بن سيّابة إلي أبي عبد اللّه عليه السلام قد كنت أحذّرك إسماعيل:

جانيك من يجني عليك و قد يعدي الصحاح مبارك الحرب

فكتب إليه أبو عبد اللّه عليه السلام: قول اللّه أصدق وَ لٰا تَزِرُ وٰازِرَةٌ وِزْرَ أُخْريٰ و اللّه ما علمت و لا أمرت و لا رضيت «3».

و هذا أيضا لا يخلو من الدلالة علي اعتباره. فلا يبعد أن يفيد مجموع ذلك توثيقه عند العلّامة.

و من الغريب قوله رحمه اللّه في مواضع من شرحه، بأنّ عبد الرحمن هذا غير مذكور في الكتب، فهو مجهول.

منها: ما سبق.

______________________________

(1) اختيار معرفة الرجال 2/ 628- 629.

(2) اذا كان الرجل روي عن معتبر- ظ.

(3) اختيار معرفة الرجال 2/ 688- 689.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 73

و منها: ما قال في مسألة من شكّ في الطواف بعد نقله رواية محمّد بن مسلم، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل طاف بالبيت، فلم يدر ستّة طاف أو سبعة طواف فريضة، قال: فليعد طوافه، قيل: إنّه قد خرج وفاته ذلك، قال:

ليس عليه شي ء.

و لكن في السند موسي بن القاسم عن عبد الرحمن بن سيّابة، و عبد

الرحمن هذا غير مذكور في الكتب فهو مجهول.

قال في المختلف: و ما أعرف حاله، فان كان ثقة فالخبر صحيح، و قد سمّي أخبارا كثيرة بالصحّة في المنتهي مع وجود موسي بن القاسم عن عبد الرحمن، و قلّدناه نحن في ذلك، ظنّا بأنّه عرف أنّ عبد الرحمن الثقة هو غير ابن سيّابة، و يظهر من هذه التردد في ذلك، لظهور نقله عن ابن سيّابة، و ان نقل عن غيره أيضا مثل ابن أبي نجران الثقة «1» انتهي. و فيه ما عرفته.

[سيف بن عميرة]

ثمّ قال قدّس رمسه متّصلا بما نقلناه آنفا: و لوجود «عنه عن سيف»، أي:

موسي بن القاسم عن سيف في الثانية، و هو مشترك و لعلّه ابن عميرة «2».

أقول: هذا أيضا لا بعد فيه؛ لأنّ موسي بن القاسم من أصحاب الرضا و ابنه الجواد عليهما السلام، و سيف بن عميرة من أصحاب الصادق و الكاظم عليهما السلام، فهما متقاربان في الطبقة.

فلعلّ العلّامة طاب ثراه كانت له قرينة دلّته علي أنّ المراد بالسيف هنا ابن عميرة، أو ابن سلمان التمّار، فإنّه أيضا ثقة من أصحاب الصادق عليه

______________________________

(1) مجمع الفائدة 7/ 122- 123.

(2) مجمع الفائدة 7/ 353.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 74

السلام.

و له قدّس سرّه في هذا الشأن يد طولي و قدم راسخة، و هو في ذاته عدل لا يتكلّم إلّا بما تيقّن أو ظنّ أنّه الحقّ، فما صحّحه ينبغي أن يعتقد أنّه صحيح، إلي أن يدلّ دليل علي خلافه، و لا دليل هنا عليه سوي حديث الاشتراك، و الأمر فيه كما عرفت.

نعم يظهر من كتاب الشيخ شهرآشوب السروي من سواد مازندران أنّ سيف بن عميرة من أصحاب الكاظم عليه السلام واقفيّ ثقة «1».

و الظاهر أنّ الشهيد رحمه اللّه

إيّاه عني في شرح الإرشاد في نكاح الأمة بإذن المولي، حيث قال: و ربّما ضعّف بعضهم سيفا، و الصحيح أنّه ثقة.

قيل: و العجب من محمّد بن شهرآشوب في هذا كثير، فإنّه مجمع عليه الشيخان، و أراد بهما الطوسي و النجاشي، فإنّهما قالا: سيف بن عميرة ثقة كوفيّ نخعيّ عربيّ.

أقول: لا منافاة بين الوقف و التوثيق، و به تكسر سورة عجبه، فتأمّل.

7- فائدة [توثيق محمد بن سنان]

قال مولانا أحمد الأردبيلي قدّس رمسه في شرحه علي الإرشاد: قال في المنتهي: الأفضل في كلّ طواف صلاة، و القران مكروه في النافلة، و علي الخلاف في الفريضة، و لكن الأصل و عدم وضوح دليل الكراهة دليل العدم.

و يؤيّده ما رواه ابن مسكان عن زرارة في الموثّق- قاله في المنتهي. و صرح

______________________________

(1) معالم العلماء ص 56.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 75

بوجود محمّد بن سنان في الطريق، و هو ضعيف فلا يكون- موثّقا- قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: إنّما يكره أن يجمع الرجل بين الاسبوعين و الطوافين في الفريضة، فأمّا النافلة فلا بأس «1».

أقول: هذا من العلّامة قدّس سرّه صريح فيما تقرّر عندنا من كون محمّد بن سنان الزاهري موثّقا، كما فصّلناه في بعض رسائلنا، و لعلّنا سنذكره في هذه الرسالة أيضا بعون اللّه العزيز.

و نقل العلّامة في الخلاصة عن الشيخ المفيد رحمهما اللّه توثيق محمّد بن سنان الزاهري «2».

و في إرشاد المفيد أنّ محمّد بن سنان هذا ممّن روي النصّ علي الرضا من أبيه عليهما السلام، و انّه من خاصّته و ثقاته و أهل الورع و العلم و الفقه من شيعته «3».

فذمّ محمّد بن سنان عن كلّ من يكون غير المعصوم، معارض بتوثيق الشيخ السعيد المفيد، و قد قال أبو جعفر الثاني عليه

السلام عند موته بعد موت محمّد بن سنان: جزي اللّه محمّد بن سنان عنّي خيرا فقد و في لي «4». في طريق صحيح علي الظاهر.

و قد دلّ علي اعتبار محمّد هذا و قبول روايته حتّي يرتقي إلي ذروة التوثيق حديثان صحيحان مضمونهما مذكور في ترجمة صفوان بن يحيي و زكريّا بن آدم «5».

______________________________

(1) مجمع الفائدة 7/ 108.

(2) رجال العلامة ص 251.

(3) الارشاد ص 304.

(4) اختيار معرفة الرجال 2/ 792 برقم: 963.

(5) اختيار معرفة الرجال 3/ 793.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 76

و قد بسط الكلام في توثيقه مولانا عناية اللّه القهبائي قدّس سرّه في حواشيه «1» علي كتابه الكبير الموسوم بمجمع الرجال بما لا مزيد عليه، و ليطلب من هناك، فظهر أنّها دليل عليه لا مؤيّدة له، و باللّه التوفيق.

8- فائدة [تحقيق حول محمّد بن قيس]

ذهب جماعة من أصحابنا منهم المفيد و المرتضي و ابن بابويه و ابن أبي عقيل الي أنّ الواجب في الثلاثمائة و واحدة ثلاث شياه، و انّه لا يتغيّر الفرض من مائتين و واحدة حتّي تبلغ أربعمائة، و نقله في التذكرة عن الفقهاء الأربعة.

و ذهب الشيخ و ابن الجنيد و أبو الصلاح إلي أنّه يجب فيها أربع شياه، ثمّ لا يتغيّر الفرض حتّي تبلغ خمسمائة.

و احتجّ الاوّلون بما رواه الحسين بن سعيد عن النضر بن سويد، عن عاصم بن حميد، عن محمّد بن قيس، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: ليس فيما دون الاربعين من الغنم شي ء، فاذا كانت أربعين ففيها شاة إلي عشرين و مائة، فاذا زادت واحدة ففيها شاتان إلي المائتين، فاذا زادت واحدة ففيها ثلاث من الغنم إلي ثلاثمائة، فاذا كثرت الغنم ففي كلّ مائة شاة «2».

و اعترضها العلّامة في المختلف بأنّ محمّد بن

قيس مشترك بين أربعة، أحدهم ضعيف فلعلّه إياه «3».

______________________________

(1) مجمع الرجال 5/ 222- 224.

(2) تهذيب الاحكام 4/ 25.

(3) المختلف ص 177.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 77

و أجاب عنه الشهيد الثاني في فوائد القواعد بأنّ محمّد بن قيس الذي يروي عن الصادق عليه السلام غير محتمل للضعيف، و انّما المشترك بين الثقة و الضعيف من يروي عن الباقر عليه السلام. نعم يحتمل كونه ممدوحا خاصة و موثّقا، فيحتمل حينئذ كونها من الحسن و من الصحيح «1».

قال صاحب المدارك: انّ المستفاد من كلام النجاشي و غيره أنّ محمّد بن قيس هذا هو البجلي الثقة، بقرينة رواية عاصم بن حميد عنه، فتكون الرواية صحيحة «2».

أقول: هذا هو الحقّ، و هو ممّا تفطّن به قبله شيخه الفاضل الأردبيلي قدّس سرّهما.

فإنّه قال في شرحه علي الإرشاد بعد نقله الرواية المذكورة: و محمّد بن قيس و ان كان مشتركا، و ضعف الخبر به في المختلف، لكنّ القرينة تعينه بأنّه الثقة «3» هذا ما أفاده و أجاده في كتاب الزكاة.

و قال في كتاب الحج بعد نقله صحيحة عاصم بن حميد، عن محمّد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال: قضي أمير المؤمنين عليه السلام في رجل ملك بضع امرأة و هو محرم قبل أن يحلّ، فقضي عليه السلام أن يخلّي سبيلها، و لم يجعل نكاحه شيئا حتّي يحلّ، فاذا أحلّ خطبها إن شاء، فإن شاء أهلها زوّجوه، و إن شاءوا لم يزوّجوه.

و لا يضرّ اشتراك محمّد بن قيس؛ لأنّ الظاهر أنّه البجلي الثقة، لما قال في الفهرست: إنّ للبجلي كتاب قضايا أمير المؤمنين عليه السلام. ثمّ ذكر اسناده

______________________________

(1) نقله عن المدارك.

(2) مدارك الاحكام 5/ 62.

(3) مجمع الفائدة 4/ 71.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص:

78

إليه بطريق صحيح إلي عاصم بن حميد، و كأنّ لذلك قال في المنتهي في الصحيحة عن محمّد بن قيس.

و بالجملة اذا روي عاصم بن حميد، أو يوسف بن عقيل عن محمّد بن قيس، فمحمّد بن قيس هذا ثقة، و ذلك ظاهر لمن نظر في الفهرست و كتاب النجاشي و طريق الفقيه اليه.

فما قال في دراية الحديث أنّ ما اشتمل علي محمّد بن قيس عن الباقر عليه السلام مردود للاشتراك «1». محلّ تأمّل «2».

و قال في موضع آخر من كتاب الحجّ بفاصلة ثلاث كراريس تخمينا، بعد نقله الحديث المذكور بعينه: و الظاهر أنّ محمّد بن قيس المذكور هو البجلي الثقة الذي طريق الصدوق في الفقيه اليه حسن لوجود إبراهيم، و إن كان الضعيف أيضا ينقل عن أبي جعفر عليه السلام؛ لأنّ الشيخ في الفهرست صرّح بتوثيق محمّد بن قيس البجلي، و ذكر طريقه باسناده الي الصدوق حتّي انتهي إلي محمّد بن قيس، كما ذكر هذا الطريق بعينه إليه الصدوق في مشيخة الفقيه، و لأنّه قيل:

للبجلي كتاب قضايا أمير المؤمنين عليه السلام، فيصحّ ما يروي عاصم عن محمّد بن قيس، بشرط سلامة ما قبله.

و ما كان في الفقيه عنه حسن و حجّة علي تقدير قبول إبراهيم، كما هو الظاهر من الخلاصة و غيره، فهذه الرواية صحيحة، لأنّه الثقة و ما قبله و لهذا قال في المنتهي: إنّها صحيحة.

فقول الشهيد الثاني في درايته «3» في النوع المتّفق و المفترق، بعد أن ردّ قول

______________________________

(1) الرعاية في علم الدراية للشهيد الثاني: 372.

(2) مجمع الفائدة 6/ 273- 274.

(3) الرعاية ص 371.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 79

الاصحاب، بأنّ إطلاق الحجّة علي ما فيه محمّد بن قيس، مشكل.

و التحقيق في ذلك أنّ الرواية، أي:

رواية محمّد بن قيس إن كانت عن الباقر عليه السلام، فهي مردودة لاشتراكه بين الضعيف و الثقتين غير ظاهر.

و إنّما أظهرت ذلك؛ لأنّ الأخبار عن محمّد بن قيس هذا كثيرة جدّا، خصوصا في الفقيه في المجلّد الرابع، و في التهذيب أيضا يوجد ما ليس في سنده شي ء إلّا اشتراك محمّد بن قيس المذكور في قضايا أمير المؤمنين عليه السلام، و يلزم من كلامه ردّ هذه الاخبار الكثيرة المعتبرة جدّا، مع أنّ الظاهر قبولها كما عرفت، فتأمّل «1».

و اذ بلغ الكلام هذا المقام، ناسب أن ننقل ما في دراية الحديث، فنقول:

قال فيه: محمّد بن قيس مشترك بين أربعة: اثنان ثقتان، و هما: محمّد بن قيس الأسدي أبو نصر، و محمّد بن قيس البجلي أبو عبد اللّه، و كلاهما رويا عن الباقر و الصادق عليهما السلام.

و واحد ممدوح من غير توثيق، و هو محمّد بن قيس الأسدي مولي بني نصر، و لم يذكروا عمّن روي.

و واحد ضعيف و هو محمّد بن قيس أبو أحمد، روي عن الباقر عليه السلام خاصّة، و أمر الحجيّة بما يطلق فيه هذا الاسم مشكل.

و المشهور بين أصحابنا ردّ روايته حيث يطلق مطلقا، نظرا إلي احتمال كونه الضعيف، و لكنّ الشيخ أبا جعفر الطوسي كثيرا ما يعمل بالرواية من غير التفات إلي ذلك، و هو سهل علي ما علم من حاله. و قد يوافقه علي بعض الروايات بعض الأصحاب بزعم الشهرة.

______________________________

(1) مجمع الفائدة 7/ 29- 30.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 80

و التحقيق في ذلك أنّ الرواية إن كانت عن الباقر عليه السلام فهي مردودة، لاشتراكه حينئذ بين الثلاثة الذين أحدهم الضعيف، و احتمال كونه الرابع حيث لم يذكروا طبقته.

و إن كانت الرواية عن الصادق

عليه السلام، فالضعيف منتف عنها؛ لأن الضعيف لم يرو عن الصادق عليه السلام كما عرفت، لكنّها محتملة لأن تكون من الصحيح إن كان هو أحد الثقتين و هو الظاهر، لانّهما وجهان من وجوه الرواة، و لكلّ منهما أصل في الحديث بخلاف الممدوح خاصّة.

و يحتمل علي بعد أن يكون هو الممدوح، فتكون الرواية من الحسن، فيبني علي قبول الحسن في ذلك المقام و عدمه، فتنبّه لذلك فإنّه ممّا غفل عنه الجميع، و ردّوا بسبب الغفلة عنه روايات و جعلوها ضعيفة، و الأمر فيها ليس كذلك «1» انتهي. و فيه كلام سيأتي.

و قال العلّامة في المنتهي بعد الاحتجاج للشيخ و أتباعه بما رواه في الحسن عن زرارة و محمّد بن مسلم و أبي بصير و بريد العجلي و الفضيل عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السلام في الشاة في كلّ أربعين شاة شاة، و ليس فيما دون الأربعين شي ء، ثمّ ليس فيها شي ء حتّي تبلغ عشرين و مائة.

فاذا زادت علي عشرين و مائة ففيها شاتان، و ليس فيها أكثر من شاتين حتّي تبلغ مائتين، فاذا بلغت المائتين ففيها مثل ذلك، فإذا زادت علي المائتين شاة واحدة ففيها ثلاث شياه.

ثمّ ليس فيها شي ء أكثر من ذلك حتّي تبلغ ثلاثمائة، فإذا بلغت ثلاثمائة ففيها مثل ذلك ثلاث شياه، فإذا زادت واحدة ففيها أربع حتّي تبلغ أربعمائة، فاذا تمت أربعمائة كان علي كلّ مائة شاة و سقط الأمر الأوّل، و ليس علي ما دون

______________________________

(1) الرعاية في علم الدراية ص 371- 373.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 81

المائة بعد ذلك شي ء، و ليس في النيّف شي ء، و قالا: كلّما لا يحول عليه الحول عند ربّه فلا شي ء عليه، فإذا حال عليه

الحول وجب عليه «1».

طريق الحديث الأوّل أوضح من الثاني، و اعتضده بالأصل و عيّن به العمل «2». و هذا ينافي ما قاله في المختلف من اشتراك محمّد بن قيس بين أربعة أحدهم ضعيف فلعلّه ايّاه.

و بالجملة أنّه رحمه اللّه وصفه في المنتهي بالصحّة، و في المختلف بالضعف.

و الصواب هو الأوّل، و الاعتذار له كالاعتذار للشهيد الثاني.

ثمّ كون الطريق الأوّل أوضح من الثاني، بناء علي أنّ في طريق الثاني إبراهيم بن هاشم، و هو علي المشهور حسن، و لذا وصفه به في المنتهي، و قد عرفت أنّه ثقة، و إليه مال الشيخ الشارح في شرح الشرائع، و الأردبيلي في آيات أحكامه، فالطريق الثاني كالأوّل في الوضوح.

و الروايتان صحيحتان متعارضتان، و التوفيق بينهما في غاية الصعوبة، فمنهم من رجّح الثانية علي الأولي، و حملها علي التقيّة لموافقتها مذهب العامّة، و منهم من عكس لاعتضاد الاولي بالأصل.

و اعلم أنّ محمّد بن قيس المذكور في رجال الأئمّة عليهم السلام سبعة لا أربعة: اثنان منهم مهملان، و اثنان ثقتان، و واحد ممدوح، و واحد مذموم، و واحد ضعيف، و ها أنا ذا أذكرهم مفصّلا.

فأقول: محمّد بن قيس أبو قدامة الأسدي الكوفي، من أصحاب الصادق عليه السلام مهمل «3».

______________________________

(1) تهذيب الاحكام 4/ 25.

(2) المنتهي 1/ 489.

(3) رجال الشيخ: 298 برقم: 295.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 82

و مثله محمّد بن قيس الانصاري، من أصحاب الباقر عليه السلام «1».

و أمّا محمّد بن قيس الاسدي أبو نصر الكوفي، من أصحاب الباقرين عليهما السلام، فثقة عين له كتاب، يرويه عنه محمّد بن أبي عمير «2».

و كذا محمّد بن قيس البجلي الكوفي من أصحاب الصادقين عليهما السلام ثقة عين له كتاب يرويه عنه عاصم بن حميد الحنّاط، و

له أصل يرويه عنه ابن أبي عمير «3».

و الممدوح منهم محمّد بن قيس الأسدي أبو عبد اللّه مولي بني نصر من أصحاب أبي عبد اللّه عليه السلام و كان خصّيصا به، كما صرّح به النجاشي في كتابه «4» فقوله و لم يذكروا عمّن روي كما تري «5».

و أمّا الذي فيه نوع ذمّ، كما يفهم ممّا رواه الكشي «6»، فمحمّد بن قيس الذي بينه و بين عبد الرحمن القصير قرابة، و هو من أصحاب الصادق عليه السلام.

و الضعيف منهم محمّد بن قيس الاسدي أبو أحمد من أصحاب أبي جعفر عليه السلام «7».

فهؤلاء السبعة المذكورة بعضهم من أصحاب أحدهما، و بعضهم من أصحاب كليهما، إلّا الأنصاري فإنّه كان من أصحاب علي بن الحسين عليهما

______________________________

(1) رجال الشيخ: 135، برقم: 3.

(2) الفهرست: 162.

(3) الفهرست: 131.

(4) رجال النجاشي: 322.

(5) في نسخة: محل تأمل.

(6) اختيار معرفة الرجال 2/ 631، برقم: 630.

(7) رجال العلامة: 254.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 83

السلام أيضا كما كان من أصحاب الباقر عليه السلام.

فهذا نقد هؤلاء الرجال، و تنقيح الاحوال، و الحمد للّه العليّ المتعال، و الصلاة علي محمّد و آله خير آل.

9- فائدة [أبو علي بن راشد]

قال الفاضل الاردبيلي رحمه اللّه في شرحه علي الإرشاد، بعد نقل قول الشارح: و الروايات في السنجاب مختلفة، و جملتها لا تخلو عن شي ء: إمّا ضعف في السند، أو إشكال في المتن.

و أقوي دلالة علي الصحّة صحيحة أبي علي بن راشد عن أبي جعفر عليه السلام: صلّ في الفنك و السنجاب «1». و ليس من الجانبين صحيح غيرها، إلّا أنّها تضمّنت حلّ الصلاة في الفنك و لا يقولون به.

و فيه تأمّل؛ لانّ رواية أبي علي بن راشد التي قال: إنها صحيحة و أقوي دلالة علي الصحّة،

ليست بصحيحة في الكتب الثلاثة علي ما رأيتها، و ما سمّاها في المنتهي أيضا بها، نعم سمّاها في المختلف بها.

قال الشيخ في التهذيب و الاستبصار: عن علي بن مهزيار، عن أبي علي بن راشد، قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: ما تقول في الفر و أيّ شي ء يصلّي فيه؟ قال: أيّ الفرو؟ قلت: الفنك و السنجاب و السمور، قال: صلّ في الفنك و السنجاب، و أمّا السمور فلا تصلّ فيه، قلت: فالثعالب يصلّي فيها؟ قال: لا.

______________________________

(1) تهذيب الاحكام 2/ 210.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 84

الخبر «1».

و الطريق إلي علي بن مهزيار صحيح، و لكن أبا علي بن راشد غير ظاهر لعلّه يعرفه، و لعلّ مقصود المصنّف الصحّة إلي أبي علي، و هو يفعل كثيرا مثله. و لهذا قال في المختلف: أبو علي في الصحيح، و ما قال صحيحته فتأمّل «2»، إلي هنا كلامه رفع مقامه.

أقول: هذا منه رحمه اللّه غريب؛ لأنّ أبا علي بن راشد بغداديّ ثقة، من أصحاب الرضا و الجواد و الهادي عليهم السلام، نصّ عليه الكشي في ترجمته، و منه يظهر أنّ المراد بأبي جعفر هو الثاني عليه السلام.

و في ترجمة عروة بن يحيي الدهقان أنّه كانت لأبي محمّد عليه السلام خزانة، و كان يليها أبو علي بن راشد رضي اللّه عنه «3».

و مثله ما في ترجمة علي بن الحسين بن عبد ربه أنّ أبا علي هذا كان وكيل الهادي عليه السلام بعد علي ذاك «4».

و في ترجمة ابن بند أنّ أبا الحسن الثالث عليه السلام كتب في جواب محمّد بن الفرج عن سؤاله عن ابن بند هكذا: و أمّا ابن راشد رحمه اللّه، فإنّه عاش سعيدا و مات شهيدا «5».

و هذا كلّه

يدلّ علي جلالة قدر الرجل و علوّ درجته، بحيث لا يبقي فيه خفاء، فكيف يمكن التوقّف في روايته إذا لم يكن في الطريق مانع من غير جهته،

______________________________

(1) التهذيب 2/ 210، و الاستبصار 1/ 384.

(2) مجمع الفائدة 2/ 100- 101.

(3) اختيار معرفة الرجال 2/ 843.

(4) اختيار معرفة الرجال 2/ 797.

(5) اختيار معرفة الرجال 2/ 863.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 85

كما قال: و الطريق إلي علي بن مهزيار صحيح، و لكن علي بن راشد غير ظاهر.

و كيف يمكن القول بعدم ظهور توثيقه مع تصريح الكشي- و هو أبو أئمّة الرجال- به، و تنصيص الامام عليه السلام بعد وفاته بأنّه عاش سعيدا و مات شهيدا.

و أيّ مدح يكون فوق ذلك؟ و هو كان من وكلائهم عليهم السلام، و من المعتمدين عندهم، و قد ورد فيه توقيعات عنهم عليهم السلام.

منها: ما رواه الكشي عن محمّد بن مسعود، قال: حدّثني محمّد بن نصير، قال: حدّثني أحمد بن محمّد بن عيسي، قال: نسخة الكتاب مع ابن راشد إلي جماعة الموالي الذين هم ببغداد المقيمين بها و المدائن و السواد و ما يليها:

أحمد اللّه إليكم علي ما أنا عليه من عافيته و حسن عائدته، و أصلّي علي نبيه و آله أفضل صلواته و أكمل رحمته و رأفته، و إنّي أقمت أبا علي بن راشد مقام علي بن الحسين بن عبد ربّه، و من كان قبله من وكلائي، و صار في منزلته عندي، و ولّيته ما كان يتولّاه غيره في ذلك، و هو أهله و موضعه.

فصيروا رحمكم اللّه إلي الدفع إليه ذلك و إليّ، و أن لا تجعلوا له علي أنفسكم علّة، فعليكم بالخروج من ذلك، و التسرّع إلي طاعته، و تحليل أموالكم، و

الحقن لدمائكم، تَعٰاوَنُوا عَلَي الْبِرِّ وَ التَّقْويٰ وَ اتَّقُوا اللّٰهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ، وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّٰهِ جَمِيعاً، وَ لٰا تَمُوتُنَّ إِلّٰا وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.

فقد أوجبت في طاعته طاعتي، و الخروج إلي عصيانه الخروج إلي عصياني، فالزموا الطريق يأجركم اللّه و يزيدكم من فضله، فإنّ اللّه بما عنده واسع كريم، متطوّل علي عباده رحيم، نحن و أنتم في وديعة اللّه و حفظه، و كتبت بخطّي و الحمد للّه كثيرا «1».

______________________________

(1) اختيار معرفة الرجال 2/ 800.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 86

و هذا التوقيع مع صحّة سنده يدلّ علي جلالة قدر الرجل، و علوّ شأنه في الدين و الدنيا، كما لا يخفي.

10- فائدة [تحقيق حال محمد بن عيسي و داود الصرمي]

قال صاحب المدارك بعد نقل قول المصنّف قدّس سرّهما «الوصف الثاني العدالة، و قد اعتبرها كثير، و اعتبر آخرون مجانبة الكبائر، كالخمر و الزنا، دون الصغائر، و إن دخل بها في جملة الفسّاق. و الأوّل أحوط».

أمّا القائلون باعتبار مجانبة الكبائر خاصّة، فربّما كان مستندهم في ذلك ما رواه الكليني رضي اللّه عنه عن علي بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسي، عن داود الصرمي، قال: سألته عن شارب الخمر يعطي من الزكاة شيئا؟ قال: لا «1».

و هذه الرواية ضعيفة السند بجهالة المسئول، و عدم وضوح حال السائل، فلا تبلغ حجّة في تقييد العمومات المتضمّنة لاستحقاق الاصناف الثمانية من الكتاب و السنّة، و مع ذلك فهي مختصّة بشارب الخمر، فلا يتناول غيره «2».

أقول: جهالة المسئول لو سلّم لا توجب ضعف سند الرواية، و كذا عدم وضوح حال السائل؛ لأنّ السند الضعيف ما كان رجاله كلّا أو بعضا غير إماميّ و لا ممدوح، بأن كان مخالفا مذموما أو غير عدل.

و لعلّه أراد بضعف سندها جهالة حال راويها، فإنّه قد يطلق

علي مثله الضعيف و ان كان أكثر ما يطلق الضعيف في كلامهم علي رواية المجروح خاصّة،

______________________________

(1) فروع الكافي 3/ 563، ح 15.

(2) مدارك الاحكام 5/ 245.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 87

و لكن يخدش هذه الإرادة قوله «عدم وضوح حال السائل، فإنّه يحتمل كونه مجهولا، أو ضعيفا، أو قويّا، أو موثّقا، أو صحيحا إلي غير ذلك».

فان قلت: لعلّه حمل محمّدا هذا علي محمّد بن عيسي بن عبيد بن يقطين من أصحاب الرضا و الجواد و الهادي عليهم السلام، فإنّه ضعيف علي ما صرّح به الشيخ في الفهرست.

حيث قال: محمّد بن عيسي بن عبيد اليقطيني ضعيف، استثناه أبو جعفر بن بابويه من رجال نوادر الحكمة، و قال: لا أروي ما يختصّ بروايته. و قيل: إنّه كان يذهب مذهب الغلاة «1».

و في ترجمة محمّد بن أحمد بن يحيي، عن الفهرست و النجاشي أنّ ابن الوليد قال: لا يعتمد علي رواية محمّد ذاك إذا روي عن محمّد بن عيسي هذا بإسناد منقطع ينفرد به «2»، و تبعه في ذلك أبو جعفر بن بابويه.

و علي هذا فيكون الباء في قوله «بجهالة المسئول» و ما عطف عليه بمعني «مع» لا للسببيّة كما هو الظاهر، و يكون هذا علاوة علي ضعف سند الرواية، و عليه فكلامه مستقيم و لا يرد عليه شي ء.

قلت: هذا مع أنّه خلاف ظاهر كلامه، معارض بما ذكره النجاشي، حيث قال: محمّد بن عيسي بن عبيد جليل في أصحابنا، ثقة عين كثير الرواية، حسن التصانيف، روي عن أبي جعفر الثاني عليه السلام مكاتبة و مشافهة.

ذكر أبو جعفر بن بابويه عن ابن الوليد أنّه قال: ما تفرّد به محمّد بن عيسي من كتب يونس بن عبد الرحمن و حديثه لا يعتمد

عليه، و رأيت بعض أصحابنا ينكرون هذا القول و يقولون: من مثل أبي جعفر محمّد بن عيسي.

______________________________

(1) الفهرست ص 140- 141.

(2) الفهرست ص 145.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 88

قال أبو عمرو: قال القتيبي: كان الفضل بن شاذان رحمه اللّه يحبّ العبيدي و يثني عليه و يمدحه و يميل إليه، و يقول: ليس في أقرانه مثله، و بحسبك هذا الثناء من الفضل رحمه اللّه «1» إلي هنا كلامه.

و مراده ببعض الأصحاب أحمد بن علي بن عبّاس بن نوح الموثّق الجليل القدر و غيره من جماعة من المعتبرين، كما يظهر من قوله «ينكرون و يقولون».

فنقول: تذميم ابن الوليد و الشيخ معارضان بتوثيق النجاشي و ابن نوح، و إنكار الجماعة المعتبرين، و قولهم بأنّ محمّدا هذا عديم المثل في زمانه، و تقرير القتيبي هذا المعني معارض لذمّ أبي جعفر بن بابويه، بقي ثناء الفضل خاليا عن المعارض، فيكون الرجل معتبرا في ذاته و روايته عمّن يكون هذا.

و يمكن أن يكون مراد السيّد بضعف سند الرواية عدم قوّته، لكونه مضمرا، لكن هذا ممّا لا يضرّ به و لا يقدح فيه؛ لانّ داود هذا من أصحاب الرضا و ابنه الجواد و الهادي عليهم السلام، فانّه لقي كلّهم و روي عنهم.

فالظاهر بل الأظهر منه أنّ المسئول هو أحدهم عليهم السلام؛ لانّ الرجل الإمامي الصحابي، و سيّما من صحب كثيرا من المعصومين و له إليهم رسائل و مسائل لا يقول سألته عن حكم و هو يريد غير المعصوم؛ لأنّه نوع تدليس يجب تنزيه أمثاله عن أمثاله.

و إنّما ترك التصريح بالاسم، للاحتياط، أو التقيّة، أو لظهوره عند المخاطبين و تعيّنه، لاشتهاره بخدمة هذه الحضرة العليّة و السدّة السنيّة.

ثمّ إنّ الاصحاب و ان لم يصرّحوا

بمدحه، إلّا أنّه يستفاد من كلامهم.

قال النجاشي: داود بن مافنة الصرمي، روي عن الرضا عليه السلام، و بقي إلي أيّام أبي الحسن العسكري عليه السلام و له مسائل إليه، ثمّ أسندها

______________________________

(1) رجال النجاشي ص 333- 334.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 89

بإسناده إليه «1». و مثله ما في الفهرست «2».

و أنت تعلم أنّ من المدح كون الرجل راويا عن أحد من النبيّ أو الأئمّة عليهم السلام، و مذكورا في جملة أصحابه، اذ الظاهر من ذكره فيهم مع عدم ذمّه و التعرّض بأنّ مذهبه أو اعتقاده باطل، أو أنّه مجهول الحال أنّه من الاماميّة، بدليل تصريحهم في من لا يكون كذلك بأحواله المذمومة و اعتقاده الغير الصحيح.

و من المدح أيضا كونه صاحب أصل أو كتاب أو روايات، أو تكون له رسائل و مسائل إلي واحد منهم عليهم السلام، و لذلك يذكر أئمّة الرجال الرجل و يعدّون له كذا و كذا كتابا أو أصلا، ثمّ يسندوهما إليه بطريق أو طرق، فلو لم يكن ذلك مدحا له لكان ذكره في ذيل ترجمته و بيان أحواله لغوا ضائعا.

و بالجملة كون الرجل راويا عن أحد أو اثنين أو ثلاثة منهم عليهم السلام، و كذا كونه صاحب أصل و رواية مع عدم التصريح بذمّ فيه، لو لم يكن مدحا معتبرا عندهم، لكان كتاب رجال الشيخ و فهرسته عبثا.

فإنّه لا يذكر في الأكثر إلّا الرجل و والده و موضعه و صنعته، و كونه من أصحاب واحد منهم عليهم السلام، ثمّ يعدّ له أصلا أو كتابا من غير إشارة إلي توثيقه و مدحه، اكتفاء في ذلك بذلك.

و قد قال بعض أصحابنا الماهر في هذا الشأن قدس سره: اذا كان الرجل راويا عن معتبر، أو يروي

عنه معتبر و لا يذكر ذمّه، فهو معتبر ممدوح.

و أنت خبير بأنّ هذه الجهات الدالّة علي مدح الرجل و اعتباره في ذاته و روايته كلّها موجودة في داود الصرمي.

أمّا الاوليان، فظاهرتان.

______________________________

(1) رجال النجاشي ص 161.

(2) الفهرست ص 68.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 90

و أمّا الثالثة، فلأنّ محمّد بن عيسي بن عبيد القميّ الاشعري من المعتبرين و من شيوخ القمّيين و وجه الاشاعرة، روي عن الرضا و ابنه الجواد عليهما السلام، و وثّقه الشهيد الثاني في كتاب الاطعمة و الاشربة من شرح الشرائع «1»، هذا اذا كان المراد به محمّدا هذا.

و أمّا إذا كان المراد به اليقطيني، فهو أجلّ و أوثق كما سبق، فإذا كان الرجل إماميّا غير مقدوح و لا مجروح، راويا عن جمع من المعصومين عليهم السلام، و له إليهم رسائل و مسائل رواها عنه جمّ من المعتبرين من غير ذمّ فيه و لا فيما رواه، فلا شكّ و لا ريب أنّه من المعتبرين المقبولين، فتكون روايته مقبولة من غير توقّف و تأمّل.

و لعلّه قدّس سرّه لم يقدح فيه و لم يحكم بكونه مهملا مجهولا أو ضعيفا، بل أبهم الأمر و أجمله؛ لأنّه لمّا رأي أنّ أئمّة الرجال لم يصرّحوا فيه بقدح و لا مدح، و لم يتفطّن بما أشاروا إليه من مدحه و حسن حاله، ظنّ أنّهم أهملوه و أجملوا أمره، فحكم بأنّه غير واضح الحال، و لا كذلك الأمر علي ما أومأنا إليه، و أمثال هذا في كلامهم كثير، غفل عنه من لم يمعن النظر فيه و فيما فيه.

و بالجملة فداود هذا من المعتبرين، فخبره هذا ينبغي أن يكون معتبرا، معدودا في عداد الحسان، و لا أقلّ منه، فهو يصلح لتخصيص العمومات و

تقييد الاطلاقات.

و لو نزلنا عن هذا المقام، و قلنا بأنّه غير ممدوح و لا مقدوح، فحديثه هذا علي اصطلاحهم حديث قويّ، و يعنون به مرويّ الإمامي الغير الممدوح و لا المذموم، و هم يعتبرونه و يعملون بمقتضاه إذا لم يعارضه ما هو أقوي منه.

و هنا ليس له معارض أصلا؛ اذ لا تعارض بين العامّ و الخاصّ، فعمومات

______________________________

(1) المسالك 2/ 239.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 91

الآيات و الروايات غير منافية لمدلوله، لانّها مخصوصة به، و وروده في خصوص شارب الخمر غير ضارّ، لعدم القائل بالفصل؛ لان معتبر مجانبة الكبائر لا يفرّق بين كبيرة و كبيرة، بل يجعل كلّها مانعا من إعطاء الزكاة.

و المقتصر علي مجرّد الإيمان من غير اشتراط مجانبتها لا يجعل شيئا منها مانعا منه، بل يجوّز إعطاء شارب الخمر و المجاهر بالفسق، كما هو مقتضي دليله، فهما علي طرفي النقيض، و ليس هنا علي ما علمناه من يعتبر كبيرة دون كبيرة.

نعم يظهر من كلام بعض أصحابنا المتأخّرين أنّ من علمائنا من يقول بمنع إعطاء شارب الخمر فقط، و يفرّق بينه و بين غيره من أهل الكبائر، و لكن لم أجد له قائلا.

فاذا ثبت أنّ شارب الخمر لا يعطي من الزكاة شيئا، ثبت أنّ غيره من أهل الكبائر مثله، لا لأنّ غير الخمر من الكبائر ملحق بها للمساواة، حتّي يمنع المساواة أوّلا، و يقال ببطلان القياس علي تقدير المساواة ثانيا، بل لئلّا يلزم القول بالفصل مع عدمه ظاهرا.

فظهر أنّ القول باعتبار مجانبة الكبائر في مستحقّ الزكاة لا يخلو من قوّة، و إن كان القول باعتبار العدالة فيه- كما ذهب اليه كثير، منهم السيّد و ابن البرّاج و ابن حمزة و محمّد بن مكّي و غيرهم- هو

الأحوط.

لانّ ذمّة المكلّف بالزكاة مشغولة بحقّ مستحقّ الزكاة يقينا، و لا يحصل العلم بالبراءة يقينا إلّا بوضعه موضعه، و موضعه علي اليقين هو العدل؛ لانّه موضع وفاق، اذ لا خلاف في تبرئة الذمّة بتسليمها إليه.

و امّا المؤمن الفاسق، و هو فاعل الكبيرة، فمحلّ خلاف، و لا دليل علي جواز إعطائه إلا العمومات، كقوله عليه السلام «و إنّما موضعها أهل الولاية» و هو يعمّ العادل منهم و الفاسق، و لكنّك قد عرفت أنّها مخصوصة بمجتنب الكبائر.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 92

فالأحوط أن لا يعطي الفاسق من الزكاة شيئا، بل يعطيها المؤمن العادل، و هو من لا تقع منه كبيرة و لا يصرّ علي صغيرة. و لا يعتبر فيه هنا الملكة و لا المروّة؛ لان تركها ليس بمعصية، و الدليل إنّما دلّ علي منع إعطاء الزكاة فاعلي المعصية.

و لا يبعد أن يكون هذا مراد من قال باعتبار العدالة، لا المعني المشهور المعتبر فيه الملكة و المروّة.

و من هنا يعلم أنّه يجوز إعطاؤها أطفال المؤمنين، و إن كان آباؤهم فسقاء، اذ ليس في أدلّة المنع من إعطاء الفاسق ما يدلّ علي المنع من اعطاء الطفل.

فقول الشيخ الشارح قدّس سرّه في شرحه علي اللمعة: و لو اعتبرت العدالة لزم منع الطفل، لتعذّرها منه، و تعذّر الشرط غير كاف في سقوطه، و خروجه بالاجماع، موضع تأمّل.

ثمّ إن كان الطفل مراهقا له تميّز به يصرفها مصرفها، و إلّا دفعت إلي وليّه إن كان له وليّ، و إلّا دفعت إلي من يقوم بمصالحه إذا كان مأمونا، و كون الطفل يتيما غير معتبر في استحقاقه الزكاة، كما أومأنا اليه، بل المعتبر فيه الفقر و المسكنة، يتيما كان أم غيره.

و اعلم أنّ الفاسق محجور عليه

كسائر السفهاء، لما روي أنّ شارب الخمر سفيه، و لا قائل بالفرق، اذ لا يقول أحد أنّ شارب الخمر من الفسّاق سفيه دون غيره منهم.

فعلي القول بجواز إيتاء الزكاة الفاسق، و كونه من أصناف المستحقّين، لا يجوز تسليمها إليه، لقوله تعالي وَ لٰا تُؤْتُوا السُّفَهٰاءَ أَمْوٰالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّٰهُ لَكُمْ قِيٰاماً «1» بل يكون سبيله في ذلك سبيل الطفل و غيره من المحجورين عليهم، فان كان له وليّ تدفع إليه لينفق عليه، و إلّا تدفع إلي من يقوم بأمره من الصلحاء

______________________________

(1) سورة النساء: 5.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 93

و الفقهاء المؤمنين المؤتمنين.

11- فائدة [تحقيق حال الحسين بن أبي العلاء]

قال مولانا أحمد الأردبيلي قدّس اللّه سرّه في شرحه علي الارشاد في شكيّات الصلاة: في الصحيح عن الحسين بن أبي العلاء- لكنّه غير مذكور في الخلاصة، و قال المصنّف في موضع: لا أعرف حاله. و ذكر في كتاب ابن داود الاختلاف فيه. و قال: و حكي سيّدنا جمال الدين في البشري تزكيته. و قال في الفهرست: له كتاب. و ذكر الاسناد- عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إن استوي وهمه في الثلاث و الأربع سلّم و صلّي ركعتين و أربع سجدات بفاتحة الكتاب، و هو جالس يقصّر في التشهّد «1».

أقول: ذكر النجاشي في كتابه في ترجمة عبد الحميد بن أبي العلاء أنّه ثقة له كتاب، ثمّ ذكر الاسناد إليه «2».

و قد نقل في ترجمة الحسين بن أبي العلاء عن أحمد بن الحسين و قال: رحمه اللّه، و الرحمة عندهم قرين التوثيق، و لا أقلّ من إفادتها اعتباره، أنّه قال: الحسين بن أبي العلاء و أخواه علي و عبد الحميد رووا كلّهم عن أبي عبد اللّه عليه السلام، و كان الحسين أوجههم، له كتب

و ذكر الاسناد «3».

و منه يظهر توثيق الحسين هذا؛ لانّ اخاه عبد الحميد لمّا كان ثقة، و كان هو أوجه منه عند أبي عبد اللّه عليه السلام أو مطلقا، لزم منه توثيقه بطريق أولي.

______________________________

(1) مجمع الفائدة 3/ 180.

(2) رجال النجاشي ص 246.

(3) رجال النجاشي ص 52- 53.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 94

و يفهم ممّا ذكره الكشي في ترجمة البراء بن عازب حيث قال: روي جماعة من أصحابنا منهم الحسين بن أبي العلاء عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السلام الحديث «1». أنّ الحسين هذا من الأجلّاء العظماء من أصحابنا و من عيونهم و الصفيّ منهم، حتّي يرتقي حاله إلي ذروة التوثيق، كذا أفاده مولانا عناية اللّه القهبائي في بعض حواشيه.

و لعلّه قدّس سرّه استفاده من تخصيص الحسين و غيره من بين الجماعة بالذكر، و هو كذلك كما لا يخفي فتأمّل.

و أمّا عدم ذكره في الخلاصة، و عدم معرفة العلّامة حاله، و ذكر ابن داود في كتابه «2» الاختلاف فيه، فممّا لا يقدح في جلالته.

أمّا الاوّلان، فظاهران؛ لأنّ ذلك من قصوره و قلّة تتبّعه و حضوره.

و أمّا الثالث، فلأنّ كتاب ابن داود هذا ليس ممّا يصلح للاعتماد عليه، كما صرّح به مولانا الفاضل عبد اللّه التستري قدّس سرّه في بعض حواشيه علي أوائل التهذيب.

حيث قال: و لا نعتمد علي ما ذكره ابن داود من توثيق الحسين بن الحسن بن أبان في باب محمّد بن أورمه؛ لأنّ كتاب ابن داود ممّا لم أجده صالحا للاعتماد، لما ظفرنا عليه من الخلل الكثير في النقل من المتقدّمين، و في نقد الرجال و التمييز بينهم، و يظهر ذلك بأدني تتبّع للموارد التي نقلها في كتابه. انتهي كلامه رفع مقامه.

و

يؤيّده أنّ هذا الاختلاف غير مذكور لا في الكشي، و لا في النجاشي، و لا في الفهرست، و لا في رجال ابن الغضائري، و لو كان فيه اختلاف لتعرّض له هؤلاء الأئمّة العارفون بأحوال الرجال، و اللّه أعلم بحقيقة الحال.

______________________________

(1) اختيار معرفة الرجال 1/ 242.

(2) رجال ابن داود: 120.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 95

12- فائدة [محمد بن زياد]

قال الفاضل الأردبيلي قدّس سرّه في شرحه علي الإرشاد، بعد نقله ما في التهذيب، عن علي بن الحسن بن فضّال، عن علي بن أسباط، عن محمّد بن زياد بن عيسي، عن ابن أذينة، عن زرارة و محمّد بن مسلم و بكير و فضيل بن يسار عن أحدهما عليهما السلام: إن الرجل اذا ترك سيفا أو سلاحا فهو لابنه، فان كانوا اثنين فهو لأكبرهما «1».

قال الشهيد الثاني في الرسالة: إنّها موثّقة «2».

و ليست بظاهرة، لوجود محمّد بن زياد بن عيسي المجهول، و عدم ظهور الطريق إلي علي بن الحسن، إلّا أن يكون المأخوذ من كتابه المعلوم أنّه كتابه، فتأمّل. انتهي.

أقول: هذا منه رحمه اللّه مع طول يده في هذا الشأن اشتباه عظيم؛ لانّهم صرّحوا في ترجمة ابن زياد، بأنّه تقدّم بعنوان محمّد بن أبي عمير.

و قد قالوا في موضع الحوالة: إنّ اسم أبي عمير زياد بن عيسي، كما في الكشي «3» و النجاشي «4» و الفهرست «5». و حينئذ فلا فرق بين النسبتين و الابنين، فإنّ محمّد بن زياد هو محمّد بن أبي عمير و بالعكس.

______________________________

(1) تهذيب الاحكام 9/ 276، ح 8.

(2) رسالة الحبوة ص 222.

(3) اختيار معرفة الرجال 2/ 855.

(4) رجال النجاشي: 326.

(5) الفهرست: 142.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 96

و ابن أبي عمير زياد بن عيسي جليل القدر عظيم المنزلة فينا و في

المخالفين، و كان من أوثق الناس عند الخاصّة و العامّة، حتّي قال الجاحظ: إنّه كان أوحد زمانه في الاشياء كلّها، و كيف يكون محمّد هذا مجهولا؟ و أمره أشهر من الأمس و أظهر من الشمس.

و أمّا طريق الشيخ إلي علي بن الحسن، فأظهر من هذا، كما يظهر من مشيخته، حيث قال: و ما ذكرته في هذا الكتاب عن علي بن الحسن بن فضّال، فقد أخبرني به أحمد بن عبدون المعروف بابن الحاشر سماعا منه و إجازة، عن علي بن محمّد بن الزبير، عن علي بن الحسن بن فضّال «1».

و هذا الطريق كما تري حسن بل هو صحيح؛ لانّ علي بن محمّد كان شيخ وقته يقرأ عليه و يقبل قوله و نقله مثل غيره، كما يظهر ممّا ذكره النجاشي في ترجمة علي بن الحسن بن فضّال «2»، و أحمد بن عبد الواحد «3».

فظهر أنّ ما ذكره الشهيد الثاني في الرسالة، من كونها موثّقة الفضلاء حقّ و صدق، لا شبهة فيه و لا مرية.

اذا قالت حذام فصدّقوها فإنّ القول ما قالت حذام

13- فائدة [محمّد بن خالد البرقي]

في التهذيب عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن حمّاد، عن ربعي

______________________________

(1) مشيخة التهذيب ص 55- 56.

(2) رجال النجاشي: 258.

(3) رجال النجاشي: 87.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 97

بن عبد اللّه، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إذا مات الرجل فسيفه و خاتمه و كتبه و رحله و راحلته و كسوته لأكبر ولده، فإن كان الأكبر بنتا فللأكبر من الذكور «1».

قال الفاضل المذكور في شرحه المسطور، بعد نقل هذه الرواية: و في صحّتها أيضا شي ء، لوجود محمّد بن خالد البرقي، و فيه تأمّل، لعدم توثيق النجاشي إيّاه، و ذكره ما يدلّ علي ضعفه، و

لكن وثّقه الشيخ و تبعه العلّامة، و هي صحيحة في الفقيه من غير إشكال.

أقول: محمّد بن خالد البرقي كما وثّقه الشيخ «2»، كذلك وثّقه الشيخ ابن الغضائري «3». و أمّا النجاشي فإنّه قال: إنّه، كان ضعيفا في الحديث، و كان أديبا حسن المعرفة بالأخبار و علوم العرب «4».

و الظاهر أنّ مراده بكونه ضعيفا في الحديث، أنّه كان يروي عن الضعفاء كثيرا، و يعتمد المراسيل، كما أشار إليه الشيخ ابن الغضائري، لا أنّه كان ضعيفا في نفسه.

و علي هذا فإذا علم روايته عن العدل، كما في هذا السند كان حديثه صحيحا بالاتّفاق إذا لم يكن في الطريق قادح من غير جهته، كما في هذا الطريق، لأنّه مقدوح بأحمد ابنه هذا، للحيرة المنقولة فيه بصحيح الخبر المذكور في الكافي «5»، و سنذكره في ترجمته إن شاء اللّه العزيز.

______________________________

(1) تهذيب الاحكام 9/ 275- 276.

(2) رجال الشيخ ص 386.

(3) رجال العلامة ص 139.

(4) رجال النجاشي ص 335.

(5) اصول الكافي 1/ 526.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 98

14- فائدة [تحقيق حول محمد بن اسماعيل]

قال الفاضل الاردبيلي في شرح الإرشاد، بعد نقله ما رواه شيخ الطائفة في التهذيب عن الفضل بن شاذان، عن ابن أبي عمير، عن ربعي بن عبد اللّه عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إذا مات الرجل فلأكبر ولده سيفه و مصحفه و خاتمه و درعه «1».

و في صحّتها إشكال من جهة توقّفها علي توثيق محمّد بن اسماعيل الذي ينقل عنه محمّد بن يعقوب، و ينقل هو عن الفضل بن شاذان؛ لأنّه إن كان ابن بزيع الثقة، ففي ملاقاته بعد. و إن كان غيره، فغير ظاهر، و لكن صرّحوا بصحّة مثل هذا الخبر، و هو كثير جدّا و بخصوص هذه الرواية أيضا من غير

توقّف، فتأمّل.

أقول: إنّهم اختلفوا في محمّد بن اسماعيل الذي يروي عنه الكليني رحمه اللّه، فحكم جماعة منهم العلّامة بأنّه: إما ابن بزيع، أو البرمكي الموثّقان. و مقتضي ذلك كون روايته صحيحة إذا لم يكن في الطريق مانع من غير جهته.

و فيه تأمّل؛ لانّ محمّد بن اسماعيل بن أحمد بن بشير البرمكي أبا جعفر المعروف بصاحب الصومعة، مع كونه ضعيفا كما صرّح به ابن الغضائري، و ان وثّقه النجاشي، و ظاهر تقدّم الجرح علي التعديل، رازيّ الأصل.

كما صرّح به في الحديث الثالث من باب حدوث العالم و غيره من الكافي هكذا: محمّد بن جعفر الأسدي، عن محمّد بن اسماعيل البرمكي الرازي

______________________________

(1) تهذيب الاحكام 9/ 275، ح 6.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 99

السند «1».

و كثيرا ما يذكر في طرق الكشي هكذا: حمدويه، عن محمّد بن اسماعيل الرازي.

و صرح في «لم» من «جخ» أنّ حمدويه سمع يعقوب بن يزيد «2». و هو من رجال الرضا و الجواد عليهما السلام، فيكون البرمكي في طبقة يعقوب، فكيف يعاصر الكليني و يروي عن الفضل بن شاذان الذي من رواة الهادي و العسكري عليهما السلام؟

و في ترجمة عبد اللّه بن داهر من النجاشي أنّ البرمكي يروي عن عبد اللّه هذا، و هو عن أبي عبد اللّه عليه السلام «3». فمتي تجوز رواية الكليني عن البرمكي و روايته عن الفضل؟

و في ترجمة يونس بن عبد الرحمن رواية البرمكي عن عبد العزيز بن المهتدي، و هو من أصحاب الرضا عليه السلام، و رواية الفضل عنه أيضا «4».

فيبعد رواية الكليني عن البرمكي و هو عن الفضل.

و أيضا فانّ جعفر بن عون الأسدي داخل في العدّة المذكورة في الكافي بين الكليني و سهل بن زياد، و الأسدي

هذا يروي عن البرمكي ذاك، فيبعد رواية الكليني عنه بلا واسطة.

ثمّ محمّد بن اسماعيل بن بزيع من أشياخ الفضل، فكيف يروي عنه دائما من غير عكس؛ علي أنّ الكليني روي عن ابن بزيع بواسطة علي بن ابراهيم

______________________________

(1) اصول الكافي 1/ 78، ح 3.

(2) رجال الشيخ ص 463.

(3) رجال النجاشي ص 228.

(4) رجال النجاشي ص 447.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 100

عن أبيه عنه، و لأنّ ابن بزيع من أصحاب الكاظم و الرضا و الجواد عليهم السلام.

فعلي تقدير رواية الكليني عنه يلزم أن يكون من أصحاب ستّة من الأئمّة عليهم السلام، و يكون بين الكليني و بين كلّ واحد منهم عليهم السلام واسطة واحدة.

و هذا مع بعده لانّه لا يتصوّر إلّا في حدود مائة و عشرين سنة لابن بزيع، كيف لا يروي الكليني عن أحد من الأئمّة عليهم السلام بواسطة واحدة؟ مع حصول هذا العلوّ و قرب الاسناد المعتبر عندهم غاية الاعتبار.

و الحقّ أنّ محمّد بن اسماعيل الذي يروي عنه الكليني هو أبو الحسن النيسابوري المعروف ببندفر تلميذ الفضل بن شاذان؛ لأنّ الكليني في طبقة الكشي؛ لرواية ابن قولويه عنه و عن الكليني، و الكشي يروي عن محمّد هذا بلا واسطة و هو عن الفضل.

فيظهر منه أنّه الذي يروي عنه الكليني عن الفضل. فظهر أنّ الواسطة بين الكليني و الفضل من جملة الرجال المسمّين بمحمّد بن اسماعيل الأربعة عشر ليس إلّا النيسابوري، فجزم شيخنا البهائي بكونها البرمكي، و نفي مولانا عبد اللّه التستري البعد عن كونها، ابن بزيع، محلّ نظر و تأمّل.

ثمّ إنّ محمّدا هذا لا يوثّق و لا يمدح صريحا في كتب الرجال، و لكنّه معتبر لاعتماد الكليني علي روايته كثيرا في الأحكام و غيرها، فالرواية غير

محكوم بصحّتها علي قانون الرواية، و إن كانت معتبرة.

فان قلت: للشيخ الطوسي إلي الفضل بن شاذان طرق عديدة، كما يظهر من مشيخته، حيث قال: و ما ذكرته عن الفضل بن شاذان، فقد أخبرني الشيخ أبو عبد اللّه، و الحسين بن عبيد اللّه، و أحمد بن عبدون، كلّهم عن أبي محمّد الحسن بن حمزة العلوي الحسني الطبري، عن علي بن محمّد بن قتيبة النيسابوري، عن

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 101

الفضل بن شاذان. و روي أبو محمّد الحسن بن حمزة، عن علي بن ابراهيم، عن أبيه، عن الفضل بن شاذان «1».

و من جملة ما ذكرته عن الفضل بن شاذان: ما رويته بهذه الأسانيد عن محمّد بن يعقوب، عن علي بن ابراهيم، عن أبيه، و محمّد بن اسماعيل، عن الفضل بن شاذان «2».

و أخبرني الشريف أبو محمّد الحسن بن أحمد بن القاسم العلوي المحمّدي، عن أبي عبد اللّه محمّد بن أحمد الصفواني، عن علي بن ابراهيم، عن أبيه، عن الفضل بن شاذان «3».

قلت: هذا لا يجدي نفعا؛ لأنّه لا يرفع احتمال كون محمّد بن اسماعيل في طريق هذه الرواية التي نحن فيها؛ لانّ الشيخ رواها في التهذيب عن الفضل، و يجوز أن يكون من الوسائط بينه و بينه محمّد هذا، فالاحتمال قائم و الاشكال بحاله.

علي أنّ الطريق الأوّل منّا حسن، و الثاني و الثالث معتبران، و الرابع ضعيف. و علي أيّ طريق أخذته فالرواية غير محكوم بصحّتها علي قانون الرواية، كما أومأنا اليه، هذا.

و لنذكر هنا ما أفاده شيخنا البهائي في مشرق الشمسين، قال قدّس سرّه فيه بعد إيراد تبصرة: دأب ثقة الاسلام في كتاب الكافي أن يأتي في كلّ حديث بجميع سلسلة السند بينه و بين المعصوم، و

لا يحذف من أوّل السند أحدا.

ثمّ إنّه كثيرا ما يذكر في صدر السند محمّد بن اسماعيل عن الفضل بن

______________________________

(1) الاستبصار 4/ 361.

(2) مشيخة التهذيب ص 47- 50.

(3) الاستبصار 4/ 341- 342.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 102

شاذان، و هو يقتضي كون الرواية عنه بغير واسطة، فربّما ظنّ بعضهم أنّ المراد به الثقة الجليل محمّد بن اسماعيل بن بزيع، و أيّدوا ذلك بما يعطيه كلام الشيخ تقي الدين حسن بن داود رحمه اللّه.

حيث قال في كتابه: إذا وردت رواية عن محمّد بن يعقوب عن محمّد بن اسماعيل، ففي صحّتها قولان، فإنّ في لقائه له إشكالا، فتقف الرواية لجهالة الواسطة بينهما، و إن كانا مرضيّين معظّمين «1» انتهي.

و الظاهر أنّ ظنّ كونه ابن بزيع من الظنون الواهية، و تدلّ علي ذلك وجوه:

الأوّل: أنّ ابن بزيع من أصحاب أبي الحسن الرضا و أبي جعفر الجواد، و قد أدرك عصر الكاظم عليهم السلام و روي عنه، كما ذكره علماء الرجال، فبقاؤه إلي زمن الكليني مستبعد جدّا.

الثاني: أنّ قول علماء الرجال أنّ محمّد بن اسماعيل بن بزيع أدرك أبا جعفر الثاني عليه السلام يعطي أنّه لم يدرك من بعده من الأئمّة عليهم السلام، فإنّ مثل هذه العبارة إنّما يذكرونها في آخر إمام أدركه الراوي، كما لا يخفي علي من له أنس بكلامهم.

أقول: هذا الوجه ضعيف، لقول أبي عمرو الكشي في ترجمة ابن بزيع هذا، و محمّد بن اسماعيل أدرك موسي بن جعفر صلوات اللّه عليهما «2»، فلو كان مثل هذه العبارة إنّما يذكرونها في آخر إمام أدركه الراوي، لزم منه عدم إدراكه من بعد الكاظم من الأئمّة عليهم السلام، و هذا باطل.

و من الغريب أنّه ذكر في الوجه الأوّل أنّ ابن بزيع

هذا قد أدرك عصر

______________________________

(1) رجال ابن داود ص 555.

(2) اختيار معرفة الرجال 2/ 836.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 103

الكاظم عليه السلام و روي عنه، و أخذ هذا من الكلام المذكور من الكشي، و غفل أنّه ينافي ما ذكره في الوجه الثاني.

و الحقّ أنّ مثل هذه العبارة تختلف باختلاف المقام، فيذكر في مقام و يراد به أوّل إمام أدركه الراوي، فيعطي أنّه لم يدرك من قبله من الأئمّة. و يذكر في مقام آخر و يراد به آخر إمام أدركه، فيعطي أنّه لم يدرك من بعده من الأئمّة.

فما ذكره الكشي، فناظر إلي المقام الاوّل، و ما ذكره النجاشي و نقله عنه الشيخ البهائي، فناظر إلي المقام الثاني، و هذا ظاهر لمن له أدني دراية بكلامهم.

ثمّ قال قدّس سرّه: الثالث أنّه رحمه اللّه لو بقي إلي زمن الكليني نوّر اللّه مرقده، لكان قد عاصر ستّة من الأئمّة عليهم السلام، و هذه مزيّة عظيمة لم يظفر أحد من أصحابهم سلام اللّه عليهم به، فكان ينبغي لعلماء الرجال ذكرها و عدّها من جملة مزاياه رضي اللّه عنه، و حيث أنّ أحدا لم يذكر ذلك، مع أنّه ممّا تتوفّر الدواعي علي نقله، علم أنّه غير واقع.

أقول: قد عاصر كثير من أصحابهم خمسة منهم عليهم السلام، و لكن لم أجد منهم من عاصر ستّة منهم إلّا حبابة الوالبيّة، فإنّها أدركت أمير المؤمنين عليه السلام و عاشت إلي زمن الرضا عليه السلام. و الظاهر أنّ مراد الشيخ أنّ أحدا من رجال أصحابهم لم يعاصر ستّة منهم عليهم السلام، فلا يرد عليه حبابة الوالبية، فتأمّل.

ثمّ قال قدّس سرّه: الرابع أنّ محمّد بن اسماعيل الذي يروي عنه الكليني بغير واسطة يروي عن الفضل بن شاذان، و

ابن بزيع كان من مشايخ الفضل بن شاذان، كما ذكره الكشي، قال: انّ الفضل بن شاذان كان يروي عن جماعة، و عدّ منهم محمّد بن اسماعيل بن بزيع «1».

______________________________

(1) اختيار معرفة الرجال 2/ 821.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 104

أقول: و كذلك محمّد بن اسماعيل الذي روي عنه الكشي بغير واسطة يروي عن الفضل، و هو من تلامذة ابن بزيع، فكيف يروي عنه دائما من غير عكس؟

ثمّ قال قدّس سرّه: الخامس ما اشتهر علي الألسنة من أنّ وفاة ابن بزيع كانت في حياة الجواد عليه السلام.

أقول: إن أراد بها ألسنة أرباب الرجال، فليس له فيها ذكر أصلا، و لو ثبت هذا لكان المدّعي ثابتا و باقي المقدّمات مستدركا. و إن أراد بها ألسنة بعض مشايخ زمنه، أو عوام الطلبة، فربّ مشهور فيهم لا أصل له.

ثمّ قال: السادس انّا استقرينا جميع أحاديث الكليني المرويّة عن محمّد بن اسماعيل، فوجدناه كلّما قيّده بابن بزيع، فإنّما يذكره في أواسط السند، و يروي عنه بواسطتين، هكذا: محمّد بن يحيي، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن اسماعيل بن بزيع.

و أمّا محمّد بن اسماعيل الذي يذكره في أوّل السند، فلم نظفر بعد الاستقراء الكامل و التتبّع التامّ بتقييده مرّة من المرات بابن بزيع أصلا، و يبعد ان يكون هذا من الاتّفاقيّات المطّردة.

أقول: و مثله روايته بواسطة علي بن ابراهيم عن أبيه عنه، هكذا: علي عن أبيه عن محمّد بن اسماعيل بن بزيع.

و كذلك الكشي لمّا كان معاصرا للكليني، لرواية ابن قولويه عنهما، يروي عن محمد بن اسماعيل هذا بواسطتين، و قد يروي عنه بثلاث وسائط، هكذا: علي بن محمّد، قال: حدّثني بنان بن محمّد، عن علي بن مهزيار، عن محمّد بن اسماعيل

بن بزيع «1».

______________________________

(1) اختيار معرفة الرجال 2/ 514، برقم: 450.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 105

و أمّا محمّد بن اسماعيل الذي يروي عنه الكشي في أوّل السند، فلم يقيّده فيما علمناه بابن بزيع أصلا، بل قال هكذا: محمّد بن اسماعيل، عن الفضل بن شاذان، فهذان الشيخان الجليلان موافقان في ذلك، فكيف يكون من الاتفاقيات؟

ثمّ قال قدّس سرّه: السابع أنّ ابن بزيع من أصحاب الأئمّة الثلاثة، أعني: الكاظم و الرضا و الجواد و سمع منهم عليهم السلام أحاديث متكثّرة بالمشافهة.

فلو لقيه الكليني لكان ينقل عنه شيئا من تلك الأحاديث التي نقلها عنهم سلام اللّه عليهم بغير واسطة، لتكون الواسطة بينه و بين كلّ من الأئمّة الثلاثة عليهم السلام واحدا.

فانّ قلّة الوسائط شي ء مطلوب، و شدّة اهتمام المحدّثين بعلو الاسناد أمر معلوم، و محمّد بن اسماعيل الذي يذكره في أوائل السند ليس له رواية عن أحد المعصومين سلام اللّه عليهم بدون واسطة أصلا، بل جميع رواياته عنهم عليهم السلام إنّما هي بوسائط عديدة.

أقول: ذكر الأصحاب في أصولهم من وجوه ترجيح أحد الخبرين علي الآخر قلّة الوسائط، و هو علوّ الاسناد فيرجّح العالي، لانّ احتمال الغلط و غيره من وجوه الخلل فيه أقلّ.

و قال العلّامة في النهاية: علوّ الاسناد و إن كان راجحا من حيث أنّه كلّما كانت الرواة أقلّ كان احتمال الغلط و الكذب أقلّ، إلّا أنّه مرجوح باعتبار ندوره. و أيضا احتمال الخطأ و الغلط في العدد الأقلّ إنّما يكون لو اتّحدت أشخاص الرواة في الخبرين، أو تساووا في الصفات. أمّا اذا تعدّدت أو كانت صفات الأكثر أكثر، فلا.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 106

و فيه أنّ تأثير الندور في مثله غير معقول، و اشتراط الاتّحاد و المساواة في الصفات

مستدرك؛ لانّ المفروض في باب الترجيح استناد أحد الدليلين بجهة الترجيح، و هو إنّما يكون مع الاستواء فيما عداها، اذ لو وجد مع ما يساويها أو يرجّح عليها، لم يعقل اسناد الترجيح اليها، و بالجملة فهذا في غاية الظهور.

ثمّ قال رحمه اللّه: فان قلت للمناقشة في هذه الوجوه مجال واسع، كما يناقش في الأوّل: بأنّ لقاء الكليني من لقي الكاظم عليه السلام غير مستنكر؛ لأنّ وفاته عليه السلام سنة ثلاث و ثمانين و مائة، و وفاة الكليني سنة ثمان و عشرين و ثلاثمائة، و بين الوفاتين مائة و خمس و أربعون سنة، فغاية ما يلزم تعمير ابن بزيع الي قريب مائة سنة، و هو غير مستبعد.

أقول: في تاريخ وفاته رحمه اللّه خلاف بينهم، فقال النجاشي: إنّه مات ببغداد، و قيل: في شعبان سنة تسع و عشرين و ثلاثمائة سنة تناثر النجوم «1».

و قال شيخ الطائفة في الفهرست: إنّه توفّي سنة ثمان و عشرين و ثلاثمائة ببغداد، و دفن بباب الكوفة في مقبرتها «2».

فعلي ما أرّخه الشيخ كانت سنة وفاته سنة حصلت فيها الغيبة الكبري؛ لانّ علي بن محمّد السمري، و هو آخر سفير من سفراء الصاحب عليه السلام توفّي في النصف من شعبان سنة ثمان و عشرين و ثلاثمائة، فوقعت الغيبة الكبري التي نحن في أزمانها، و الفرج يكون في آخرها بمشيّة اللّه تعالي.

و أمّا علي ما أرّخه النجاشي رحمه اللّه، فكانت سنة وفاته بعد الغيبة الكبري بسنة، و اللّه يعلم.

و منه يظهر أنّ محمّد بن يعقوب رحمه اللّه كان في طول الغيبة الصغري

______________________________

(1) رجال النجاشي: 377- 378.

(2) الفهرست: 136.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 107

التي كان فيها سفراؤه عليه السلام موجودين و أبوابه معروفين صلوات اللّه

عليهم.

و كذلك في تاريخ وفاة الكاظم عليه السلام خلاف، فقيل: إنّه قبض لستّ بقين من رجب سنة ثلاث و ثمانين و مائة، و قيل: يوم الجمعة لخمس من رجب سنة إحدي و ثمانين و مائة.

و المناقش لمّا أراد نفي الاستنكار بالتقريب بين الوفاتين، آثر الأكثر زمانا من وفاته عليه السلام و الأقل زمانا من وفاته رحمه اللّه، فتأمّل.

ثمّ قال: و في الثاني: نمنع كون تلك العبارة نصّا في ذلك، و لو سلّم فلعلّ المراد بالإدراك الرؤية، لا إدراك الزمان فقط.

أقول: فيكون مفاد العبارة أنّه لم ير من بعده من الأئمّة عليهم السلام و لم يرو عنهم، و هذا لا ينافي كونه في تلك الأعصار و الأزمان إلي زمن الكليني، فيجوز روايته عنه بلا واسطة.

فظهر أنّ ظنّ كونه ابن بزيع- كما ظنّه جماعة منهم العلّامة- ليس من الظنون الواهية، و هذا ما لا بدّ من أخذه في إتمام هذه المناقشة.

ثمّ قال: و في الثالث: أنّ المزيّة العظمي رؤية الائمّة عليهم السلام و الرواية عنهم بلا واسطة، لا مجرّد المعاصرة لهم من دون رؤية و لا رواية، فيجوز أن يكون ابن بزيع عاصر باقي الأئمّة عليهم السلام لكنّه لم يرهم.

قلت: أكثر هذه الوجوه و إن أمكنت المناقشة فيه بانفراده، لكنّ الإنصاف أنّه يحصل من مجموعها ظنّ غالب متآخم للعلم بأنّ الرجل المتنازع فيه ليس هو ابن بزيع.

و ليس الظنّ الحاصل منها أدون من سائر الظنون المعوّل عليها في علم الرجال، كما لا يخفي علي من خاض في ذلك الفنّ و مارسه، و اللّه أعلم.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 108

اذا تقرّر ذلك فنقول: الذي وصل إلينا بعد التتبّع أنّ اثنا عشر رجلا من الرواة مشتركون في التسمية بمحمّد بن

اسماعيل سوي محمّد بن اسماعيل بن بزيع.

أقول: ليس هذا ممّا يحتاج فيه إلي تتبّع، فضلا عن التتبّع التامّ، فإنّ هؤلاء الرجال المسمّين بمحمّد بن اسماعيل مذكورون في الكشي و النجاشي و الفهرست و رجال ابن الغضائري، و مع ذلك فقدر مجموعهم يبلغ إلي الأربعة عشر، و لعلّ محمّد بن اسماعيل الأزدي من أصحاب الصادق عليه السلام زاغ عنه البصر، أو سقط عن قلمه الشريف.

و زاد في الأوسط محمّد بن اسماعيل بن ابراهيم بن موسي بن جعفر، قال:

روي صاحب الكافي فيه عن علي بن محمّد عنه، و هما أيضا مهملان، و ليس في هؤلاء إماميّ موثّق إلّا ابن بزيع و الزعفراني.

و أمّا البرمكي، فمختلف فيه، وثّقه النجاشي، و ضعّفه ابن الغضائري.

و ظاهر أنّ الجرح مقدّم علي التعديل، و خاصّة اذا كان الجارح مثل ابن الغضائري. و أمّا ترجيح العلّامة تعديل النجاشي علي جرح ابن الغضائري، فترجيح من غير مرجّح و لا يخفي.

ثمّ قال قدّس سرّه: و هم: محمّد بن اسماعيل بن ميمون الزعفراني.

و محمّد بن اسماعيل بن أحمد البرمكي الرازي صاحب الصومعة.

و محمّد بن اسماعيل بن خيشم الكناني.

و محمّد بن اسماعيل الجعفري.

و محمّد بن اسماعيل السلخي و قد يقال البلخي.

و محمّد بن اسماعيل الصيمري القمّي.

و محمّد بن إسماعيل البندقي النيسابوري.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 109

و محمّد بن اسماعيل بن رجا الزبيدي الكوفي.

و محمّد بن اسماعيل بن عبد الرحمن الجعفي.

و محمّد بن اسماعيل المخزومي المدني.

و محمّد بن اسماعيل الهمداني.

و محمّد بن اسماعيل بن سعيد البجلي.

أمّا محمّد بن اسماعيل بن بزيع، فقد عرفت الكلام فيه.

و أمّا من عدا الزعفراني و البرمكي من العشرة الباقين، فلم يوثّق أحد من علماء الرجال أحدا منهم، فانّهم لم يذكروا من حال الكناني و

الجعفري إلّا أنّ لكلّ منهما كتابا.

أقول: بل يظهر ممّا ذكروه في ترجمة الجعفري كفره، فانه سعي في دم عمّه موسي بن جعفر صلوات اللّه عليهما، بعد أن قال عليه السلام له: أوصيك أن تتقي اللّه في دمي، فقال: لعن اللّه من يسعي في دمك، و قد أعطاه عليه السلام قبل سعايته اربعمائة دينار و خمسين دينارا، ثمّ أمر له بألف و خمسمائة درهم.

و مع ذلك كلّه لما دخل علي هارون قال: يا أمير المؤمنين خليفتان في الأرض موسي بن جعفر بالمدينة يجبي له الخراج، و أنت بالعراق يجبي لك الخراج، فقال: و اللّه، فقال: و اللّه.

قال: فأمر له بمائة ألف درهم، فلمّا قبضها و حمل إلي منزله أخذته الذبحة في جوف ليلته فمات، و حوّل من الغد المال الذي حمل اليه «1».

و في صحيحة علي بن جعفر قال: سمعت أخي موسي بن جعفر عليهما السلام يقول: قال أبي لعبد اللّه أخي: إليك ابني أخيك فقد ملّياني بالسفه، فإنّهما شرك شيطان. يعني محمّد بن اسماعيل بن جعفر عليه السلام و علي بن اسماعيل،

______________________________

(1) اختيار معرفة الرجال 2/ 540- 541.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 110

و كان عبد اللّه أخا لأبيه و أمّه «1».

ثمّ قال قدّس سرّه: و لا من حال الصيمري و السلخي، إلّا أنّهما من أصحاب أبي الحسن الثالث عليه السلام، و لا من حال البندقي، إلّا أنّه نقل حكاية عن الفضل بن شاذان.

قال قدّس سرّه في الحاشية: ملخّص هذه الحكاية أنّ البندقي ذكر أنّ عبد اللّه بن طاهر أراد أن يختبر مذهب الفضل، فأظهر الفضل له أنّه يبغض عمر بن الخطّاب، فسأله عن ذلك، فقال: لانّه أخرج العبّاس من الشوري، فتخلّص منه بهذه الحيلة.

و قد استدلّ

بعض الأصحاب بذكر البندقي في هذه الحكاية علي أنّه من تلامذة الفضل، و جعل هذا دليلا علي أنّ محمّد بن اسماعيل الذي فيه النزاع إنّما هو البندقي لا البرمكي. و أنت خبير بأنّ ذكر الرجل حكاية جرت لغيره لا يدلّ علي أنّه من تلامذته بشي ء من الدلالات.

و استدلّ بأنّ البندقي و الفضل نيسابوريّان و البرمكي رازيّ، و رواية النيسابوري عن النيسابوري أقرب إلي الظنّ من روايته عن الرازي. و لا يخفي أنّ هذا معارض بمثله؛ فإنّ الكليني و البرمكي رازيّان إلي آخر الكلام.

أقول: محمّد بن اسماعيل النيسابوري الملقّب «بندفر» تلميذ الفضل يروي عنه بلا واسطة غيره أحواله و أخباره، و هو استاذ محمّد بن يعقوب، و الواسطة بينه و بين الفضل في الأحاديث المذكورة في الكافي، اذ الكليني و الكشي متعاصران و في طبقة واحدة، و الكشي يروي في رجاله عن محمّد هذا بلا واسطة و هو استاذه.

قال محمّد هذا: إنّ الفضل نفاه عبد اللّه بن طاهر- من نوّاب بعض

______________________________

(1) اختيار معرفة الرجال 2/ 542.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 111

الخلفاء العبّاسيّين- عن نيسابور، بعد أن دعي به و استعلم كتبه و أمره أن يكتبها، قال: فكتب تحته الاسلام الشهادتان و ما يتلوهما، فذكر أنّه يحبّ أن يقف علي قوله في السلف.

فقال أبو محمّد أي الفضل: أتولّي أبا بكر و أتبرّأ من عمر، فقال له: و لم تتبرأ من عمر؟ فقال: لإخراجه العبّاس من الشوري، فتخلّص منه بذلك «1».

ثمّ قال قدّس سرّه: و لا من حال الزبيدي، و الجعفي، و المخزومي، و الهمداني، و البجلي، الّا أنّهم من أصحاب الصادق عليه السلام، و بقاء أحدهم إلي عصر الكليني أبعد من بقاء ابن بزيع.

و قد أطبق متأخّروا علمائنا

قدّس اللّه أرواحهم علي تصحيح ما يرويه الكليني عن محمّد بن اسماعيل الذي فيه النزاع في ذلك.

أقول: قد عرفت أنّ حكمهم بصحّته مبنيّ علي أنّ المراد بمحمّد هذا: إمّا ابن بزيع، أو البرمكي؛ الموثّقان؛ لأنّ الزعفراني لبعد طبقته غير محتمل، و لو لا ذلك لاحتمل أن يكون المراد به النيسابوري، فلم يمكنهم الحكم بصحّته.

فاثبات كونه أحدهما بصحّته دور؛ لانّ صحّته حينئذ موقوفة علي كون المراد بمحمّد هذا أحدهما، فلو كان كونه أحدهما موقوفا علي صحّته جاء منه الدور، فتأمّل.

ثمّ قال: و لم يتردّد في ذلك إلّا ابن داود لا غير.

أقول: و إنّما تردّد ابن داود في صحّة هذا السند، لزعمه أنّ فيه إرسالا، بتوهّمه أنّ المراد بمحمّد هذا ابن بزيع، فقال: في لقاء الكليني له إشكال، فلا بدّ أن يكون بينهما واسطة و هي مجهولة، فالسند مرسل مجهول، و هذا توهّم بعيد؛ لانّ رواية الكليني عن محمّد هذا كثيرة، و بعيد أن يكون قد أسقط عن جميعها

______________________________

(1) اختيار معرفة الرجال 2/ 818.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 112

الواسطة.

و أبعد منه أن يكون هذا من الاتّفاقيّات.

و أبعد منه رواية ابن بزيع و هو من مشايخ الفضل في جميع هذه الأخبار عنه من غير عكس أصلا.

ثمّ قال: و إطباقهم هذا قرينة قويّة علي أنّه ليس أحد من أولئك الذين لم يوثّقهم أحد من علماء الرجال، فبقي الأمر دائرا بين الزعفراني و البرمكي، فانّهما ثقتان من أصحابنا، لكنّ الزعفراني ممّن لقي أصحاب الصادق عليه السلام كما نصّ عليه النجاشي، فيبعد بقاؤه إلي عصر الكليني.

قال في الحاشية: فإن قلت إنّ البرمكي أيضا لقي بعض أصحاب أبي عبد اللّه عليه السلام؛ لأنّه روي عن عبد اللّه بن داهر و هو من أصحابه

عليه السلام، كما شهد به النجاشي، حيث قال: إنّ عبد اللّه بن داهر له كتاب يرويه عن الصادق عليه السلام «1».

قلت: شهادة هذه العبارة بأنّ الرجل من أصحابه عليه السلام غير ظاهره فإن الكتاب اذا انتهت رواته إلي المعصوم يصدق أنّه مرويّ عنه، و إن كان هناك واسطة أو وسائط، كما يصدق علي الكافي مثلا أنّه مرويّ عن المعصوم.

و أيضا فعبد اللّه بن داهر روي عن الصادق عليه السلام بثلاث وسائط، كما في سند الحديث الاوّل من باب المؤمن و صفاته من الكافي «2». و هذا يؤيّد ما قلناه.

و ممّا يوضّح عدم كون هذا الرجل من أصحاب الصادق عليه السلام أنّ علماء الرجال الّذين وصلت إلينا كتبهم ممّن تقدّم علي النجاشي، أو تأخّر عنه

______________________________

(1) رجال النجاشي ص 228.

(2) اصول الكافي 2/ 266، ح 1.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 113

كشيخ الطائفة في الفهرست و غيره، و العلّامة في الخلاصة، و ابن داود في كتابه، لم يذكر أحد منهم هذا الرجل من أصحاب الصادق عليه السلام.

و لو فهم العلّامة و ابن داود من تلك العبارة ما فهمته أنت لم يهملا معا التنبيه عليه، فإنّ اهتمامهم بالتنبيه علي أصحاب الأئمّة سلام اللّه عليهم شديد، كما لا يخفي علي من مارس كلامهم، و اللّه وليّ التوفيق.

أقول: اذا قيل لفلان كتاب يروي عن فلان، فلا يشكّ في أنّ المفهوم منه أنّه يرويه عنه بغير واسطة، و لا يفهم منه غير هذا، إلّا بقرينة صارفة عنه.

و هذا كما قال الشيخ في الفهرست: عبيد بن محمّد بن قيس، له كتاب يرويه عن أبيه «1».

و أيّ فرق بين أن يقال له كتاب يرويه عن فلان، أو يرويه عنه فلان، فكما يفهم من الثاني عدم

الواسطة، فكذا من الاوّل، و المنازع في ذلك مكابر مقتضي فهمه.

و أمّا ابن داهر الذي يروي عن الصادق عليه السلام بوسائط، فهذا لا ينافي روايته عنه بغير واسطة؛ لأنّ رواية أهل طبقة واحدة بعضهم عن بعض إلي أن ينتهي إلي إمام زمانهم ممّا لا ينكر، فيجوز رواية ابن داهر عنه عليه السلام بواسطتهم.

و هذا كما أنّ المقلّد في زماننا هذا يروي عن مجتهد زمانه بواسطة أو وسائط، و قد يروي عنه بلا واسطة أيضا، فيحتمل كون هذه الوسائط الثّلاث كلّهم كابن داهر من أصحابه عليه السلام، فإنّهم بثلاثتهم من المجاهيل، فالاحتمال باق و معه لا تأييد فيه.

و أمّا عدم ذكر أحد من أرباب الرجال غير النجاشي هذا الرجل في

______________________________

(1) الفهرست ص 108.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 114

أصحابه عليه السلام، فهذا لا يوضّح عدم كونه منهم، و لا ينافي كون المفهوم من العبارة المذكورة عدم الواسطة، اذ لعلّهم غفلوا عنه و لم يتفطّنوا به.

و ما أشبه ما أفاده بما يقول بعض الطلبة لبعض إذا دقّ و تفطّن ببعض الدقائق: فلو فهم الشارح الفلاني أو الفلاني من تلك العبارة ما فهمته أنت لم يهملا من التنبيه عليه، فإنّ اهتمامهم بالتنبيه علي الدقائق شديد، فتأمّل.

ثمّ قال قدّس سرّه في أصل المتن متّصلا بما سبق نقله: فيقوي الظنّ في جانب البرمكي، فإنّه مع كونه رازيّا كالكليني، فزمانه في غاية القرب من زمانه.

أقول: قد سبق أنّ النيسابوري نقل من أحوال الفضل و الناقل حال غيره: إمّا معاصر له، أو متأخّر عنه، و علي التقديرين فالنيسابوري كالبرمكي في أنّ كلّا منهما يمكن أن يكون واسطة بين الفضل و الكليني في النقل.

فمن أين يحصل الظنّ بأنّ الواسطة بينهما هي البرمكي دون النيسابوري، حتّي

يحصل الظنّ بصحّة الخبر، كما ظنّوا مع ضعف البرمكي في «غض» و إن كان ثقة في النجاشي، إلّا أنّ ترجيح توثيقه علي تضعيفه و لا مرجّح ظاهرا مشكل.

و هذا أيضا ممّا يقدح في الظنّ بصحّة الخبر، فتأمّل.

ثمّ قال متّصلا بما سبق: لأنّ النجاشي يروي عن الكليني بواسطتين، و عن محمّد بن اسماعيل البرمكي بثلاث وسائط، و الصدوق يروي عن الكليني بواسطة واحدة، و عن البرمكي بواسطتين، و الكشي حيث أنّه معاصر للكليني يروي عن البرمكي بواسطة و بدونها.

أقول: مسلّم أنّ الكشي معاصر للكليني، و لكنّ روايته عن البرمكي بدون الواسطة ممنوعة، بل محمّد بن اسماعيل الذي يروي عنه الكشي بلا واسطة هو محمّد بن اسماعيل النيسابوري تلميذ الفضل.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 115

كما يظهر من ترجمة جندب بن جنادة أبو ذر الغفاري في موضعين، حيث قال فيهما: محمّد بن اسماعيل، قال: حدّثني الفضل بن شاذان، عن ابن أبي عمير السند «1».

و صرّح في ترجمة الفضل هذا أنّ محمّد بن اسماعيل ذاك هو النيسابوري المعروف ببندقي «2».

فظهر أنّ الرّاوي عن الفضل من هو، و الكشي في مرتبة الكليني و طبقته، كما يظهر من ترجمة الحسن بن علي بن أبي حمزة من النجاشي «3»، و من ترجمة حيدر بن محمّد بن نعيم السمرقندي من «لم» «4» و «ست» «5» و من ترجمة أيّوب بن نوح من النجاشي «6» و غيرها.

فظهر أنّ قوله في الكافي محمّد بن اسماعيل عن الفضل من يكون، و أبين منه ما في ترجمة ثابت بن دينار.

ثمّ قال: و أيضا محمّد بن جعفر الاسدي المعروف بمحمّد بن أبي عبد اللّه الذي كان معاصرا للبرمكي توفّي قبل وفاة الكليني بقريب من ستّة عشر سنة، فلم تبق

مرية في قرب زمان الكليني من زمان البرمكي جدّا.

أقول: إنّه لم يكن من معاصريه، بل كان من تلامذته، و لذلك يروي عنه من غير عكس، كما في الحديث الثالث من باب حدوث العالم و غيره من الكافي

______________________________

(1) اختيار معرفة الرجال 1/ 38، ح 17 و 18.

(2) اختيار معرفة الرجال 2/ 818.

(3) رجال النجاشي: 36.

(4) رجال الشيخ: 463.

(5) الفهرست: 64.

(6) رجال النجاشي: 102.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 116

هكذا: محمّد بن جعفر الأسدي رحمه اللّه، عن محمّد بن اسماعيل الرازي «1».

و في الحديث الأوّل من باب المؤمن و علاماته و صفاته من الكافي هكذا:

محمّد بن جعفر، عن محمّد بن اسماعيل، عن عبد اللّه بن داهر «2».

و بالجملة رواية الكليني عن البرمكي بتوسّط الأسدي و غيره ثابتة. و أمّا روايته عنه بدون الواسطة حتّي تثبيت منه المعاصرة بل التلامذة، فغير ثابتة، بل هو عين محلّ النزاع؛ اذ الخصم لا يسلّم روايته عنه بدونها.

و يقوي أنّ الذي يروي عنه بدونها هو النيسابوري لا البرمكي، و الشيخ رحمه اللّه و إن بالغ فيه إلّا أنّه لم يأت عليه بدليل يعوّل عليه، أو تركن النفس شيئا قليلا اليه.

ثمّ لا يخفي أنّ قرب زمان وفاة الأسدي من زمان وفاة الكليني، لا يدلّ علي قرب زمان الكليني من زمان البرمكي، حتّي تثبت منه المعاصرة و الرواية؛ لأنّ الأسدي كان من تلامذة البرمكي، فيجوز أن يكون معمرا أدرك أواخر زمان البرمكي في عنفوان شبابه و أخذ منه ما أخذ، و بقي إلي أن أدركه الكليني، فروي بتوسّطه عن البرمكي.

علي أنّ التفاوت بين الزمانين لا يستلزم المعاصرة؛ لأنّ المتعاصرين هما متّحدان في الزمان لا متقاربان فيه.

و علي تقدير تسليم قرب زمانه لا يثبت المدّعي، لكون الرّاوي

حينئذ محتملا له و للنيسابوري، و البرمكي مضعّف في «غض» و النيسابوري ما ذكر توثيقه و لا مدحه صريحا، فالرواية غير محكوم بصحّتها علي قانون الرواية، و هم قد حكموا بصحّتها إذا سلم ما في باقي الطريق.

______________________________

(1) اصول الكافي 1/ 78، ح 3.

(2) اصول الكافي 2/ 226، ح 1.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 117

ثمّ قال قدّس سرّه: و أمّا روايته عنه في بعض الأوقات بتوسّط الأسدي، فغير قادح في المعاصرة، فإنّ الرواية عن الشيخ تارة بواسطة و أخري بدونها أمر شائع متعارف لا غرابة فيه، و اللّه أعلم بحقائق الامور «1». انتهي كلامه رفع مقامه.

اقول: أيّ فرق بين الرواية عن هذا الشيخ كذلك، و بينها عن شيخ المشايخ سيّدنا أبي عبد اللّه الصادق عليه السلام حتّي صارت الأولي أمرا شائعا متعارفا غير غريب دون الثانية، فيجوز أن يكون ابن داهر قد روي عنه عليه السلام تارة بواسطة و أخري بدونها، فكيف تؤيّد روايته عنه عليه السلام بالواسطة ما أفاده قدّس سرّه سابقا؟ فتأمّل.

15- فائدة [تحقيق حول القاعدة الرجالية للشيخ البهائي]

نقل عن الشيخ البهائي قدّس سرّه أنّه قال في خلاصة الرجال: كلّ حميد حميد، كلّ جميل جميل، كلّ صفوان صاف، كل شعيب خال عن العيب، كلّ سالم غير سالم، كلّ طلحة طالح، كلّ عبد السلام صالح حتّي عبد السلام بن صالح، كلّ عاصم حسن الّا عاصم بن الحسن، كلّ يعقوب بلا خيبة الّا يعقوب بن شيبة.

أقول: قوله «كلّ حميد حميد» يفيد أنّ جميع الرجال و الرواة المسمّين بهذا الاسم محمودون ممدوحون حديثهم: إمّا حسن و لا أقلّ منه، اذا لم يكن في الطريق قادح من غير جهتهم، و علم أنّ المسمّي بهذا الاسم من الاماميّة؛ لانّ المراد بالحمد هنا هو المدح، و الحسن

ما يكون راويه من أصحابنا الاماميّة، ممدوحا مدحا

______________________________

(1) مشرق الشمسين ص 274- 276.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 118

لا يبلغ حدّ التعديل. أو موثّق إذا لم يعلم كونه منهم، أو علم عدم كونه منهم.

و لا كذلك الأمر، لانّ حميدا مشترك بين تسعة عشر رجلا، كلّهم مهملون لا مدح فيهم الّا اثنان منهم، و هما حميد بن زياد بن حمّاد، و حميد بن المثنّي أبو المعزاء الكوفيّان، فإنّهما ثقتان صاحبا كتاب.

و نقل في الخلاصة عن ابن عقدة عن محمّد بن عبد اللّه بن أبي حكيمة، عن ابن نمير: أنّ حميد بن حمّاد بن أبي خوار أيضا ثقة «1».

و أمّا من عدا هؤلاء النفر، فكلّهم مهملون مطلقا، إلّا قليل منهم حيث أثبتوا له كتابا، و هذا لا يبلغه حدّا يعدّ بذلك حديثه من الحسان و الموثّقات.

و كذا الكلام في قوله «كلّ جميل جميل» فانّه أيضا مشترك بين جماعة من المهملين، إلّا جميل بن درّاج، و جميل بن صالح الكوفي، فإنّهما ثقتان صاحبا أصل.

و من البيّن أنّ من لا مدح فيه لا جمال له حتّي يكون جميلا.

فائدة: مدح الرجل بأنّ له كتابا، أزيد من مدحه بأنّ له أصلا، فإن الأوّل يتضمّن العلوّ في العلم مع تعب صاحبه و اجتهاده في الدين، و تقضّي عمره في تحصيل ما يعنيه و يجب عليه، و يعتبر في الدنيا و الآخرة.

بخلاف الثاني، فإنّ الأصل علي ما يظهر من كلامهم هو مجمع عبارات الحجج عليهم السلام من غير أن يكون معها اجتهاد و استنباط.

فصاحب الكتاب و هو المشتمل مع ما ذكر علي استدلالات و استنباطات شرعا و عقلا، أعلي رتبة من صاحب الأصل، و لذا قيل: ربّ حامل فقه إلي من هو أفقه منه، هذا.

______________________________

(1)

رجال العلامة ص 59، و فيه حماد بن حوار.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 119

و أمّا قوله «كلّ صفوان صاف» فإن أراد به أنّه ممن لا قدح فيه، و إن لم يكن فيه مدح، و هو الظاهر من العبارة المنقولة، فهو كذلك و لا فيه كثير فائدة.

و إن أراد أنّه من الممدوحين فليس كذلك، فإنّ صفوان بن أميّة، و صفوان بن حذيفة، و صفوان بن سليم الزهري من المهملين.

نعم صفوان بن مهران الجمّال، و صفوان بن يحيي بيّاع السابري ثقتان صاحبا كتاب.

و كذا الكلام في قوله «كلّ شعيب خال عن العيب» إلّا أنّ الشقّ الاوّل هنا أظهر، نظرا إلي قوله «خال عن العيب» فإنّ شعيبا مشترك بين جماعة لا قدح فيهم و لا مدح، سوي شعيب بن أعين، و شعيب العقرقوفي، فإنّهما ثقتان صاحبا كتاب.

و ذكر الكشي في ترجمة شعيب مولي علي بن الحسين عليهما السلام أنّه كان فيما علمناه خيارا «1».

و علي أيّ تقدير يصدق أنّ كل شعيب بلا عيب، بمعني أنّه غير مقدوح لا أنّه ممدوح.

و أمّا قوله «كلّ سالم غير سالم» فمنقوض بسالم الحنّاط أبي الفضل الكوفي الثقة، و سالم بن مكرم أبي خديجة الجمّال، فإنّه ثقة ثقة، له كتاب علي ما صرّح به النجاشي «2».

و روي الكشي عن محمّد بن مسعود، قال: سألت أبا الحسن علي بن الحسن عن اسم أبي خديجة، فقال: سالم بن مكرم، فقلت له: ثقة؟ فقال:

صالح «3».

______________________________

(1) اختيار معرفة الرجال 1/ 342.

(2) رجال النجاشي ص 188.

(3) اختيار معرفة الرجال 2/ 641.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 120

و يظهر منه أنّ الصلاح فوق الوثوق أو العكس، و الأوّل أظهر؛ لانّ الصالح هو الخالص من كلّ فساد.

و قيل: هو المقيم بما يلزمه من

حقوق اللّه و حقوق الناس.

و قال الزجّاج في معاني القرآن: الصالح هو الذي يؤدّي ما افترض عليه و يؤدّي إلي الناس حقوقهم.

و قول الشيخ الطوسي في الفهرست: سالم بن مكرم أبي خديجة ضعيف «1».

اشتباه منه، كما صرّح به ملّا عناية اللّه القهبائي رحمه اللّه في بعض فوائده.

و ايضا فإنّ كثيرا من المسمّين بسالم لا قدح فيهم، فكيف يصحّ الحكم الكلّي بأنّ كلّ سالم غير سالم؟ و هو يصرّح بنوع قدح فيه.

فائدة: قال الشهيد الثاني في درايته: قد يتّفق في بعض الرواة أن يكرّر في تزكيته لفظ الثقة، و هو يدلّ علي زيادة المدح «2».

قيل: و فيه أنّ جماعة من أهل اللغة، و منهم ابن دريد في الجمهرة، ذكر أنّ من جملة الاتّباع قولهم «ثقة ثقة» و علي هذا يحتمل أن يكون ما وقع فيه الجمع بين هاتين الكلمتين جري علي طريق الاتّباع لا التكرير، ثمّ صحّف فاعتقد أنّه مكرّر.

و أوّل من جزم فيه بالتكرّر ابن داود في كتابه، و كلام السابقين عليه خال من التعرّض لبيان المراد منه. هذا.

و قوله «كلّ عبد السلام صالح» أي: صالح في نفسه، أو صالح الحديث،

______________________________

(1) الفهرست ص 79- 80.

(2) الرعاية ص 204.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 121

كما هو الظاهر من عرفهم، فيفيد أنّ حديث كلّ واحد منهم حسن إذا كان إماميّا و لم يكن في الطريق قادح من غير جهته، أو موثّق إذا لم يكن إماميّا، فإنّ الصلاح أمر إضافيّ، فالموثّق بالنسبة إلي الضعيف صالح، و إن لم يكن صالحا بالإضافة إلي الحسن، مع احتمال دلالة الصلاح علي العدالة و زيادة كما عرفت.

و فيه نظر، لاشتراك عبد السلام بين جماعة لا قدح فيهم و لا مدح، إلّا عبد السلام بن

سالم البجلي الكوفي، فإنّه ثقة صاحب كتاب.

و قريب منه عبد السلام بن الحسين أبو أحمد البصري، فإنّه و ان لم يمدح أصالة، إلّا أنّه مذكور في ترجمة أحمد بن عبد اللّه بن أحمد مسترحما، و الرحمة عندهم عديل التوثيق، و لا أقلّ من إفادتها الاعتبار.

و أمّا عبد السلام بن صالح أبو الصلت الهروي، ففيه خلاف، فذكر العلّامة في خاتمة الخلاصة أنّ عبد السلام الهروي هذا عاميّ «1».

و الظاهر أنّه خاصي موثّق، كما أشار اليه الشهيد الثاني، حيث قال: إنّه كان مخالطا للعامة راو لأخبارهم، فلذلك التبس أمره. و قيل: انّه عاميّ. و لا ريب أنه ثقة عند المخالف و المؤالف، لكنّه مخالط ملتبس الأمر علي بعض الناس.

و يؤيّده أنّ علماء العامّة ذكروا في كتب رجالهم أنّه من الشيعة.

قال الذهبي في ميزان الاعتدال المعتبر في الرجال عند العامّة: عبد السلام بن صالح أبو الصلت الهروي شيعيّ جلد. و نقل عن العقيلي أنّه رافضيّ خبيث.

و قال الدار قطني: إنّه رافضيّ متّهم. و نقل عنه أنّه قال: كلب العلويّة خير من بني أميّة.

و قال الحريري في كتاب الكمال في أسماء الرجال: عبد السلام بن صالح

______________________________

(1) رجال العلامة: 267.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 122

أبو الصلت الهروي خادم علي بن موسي الرضا عليهما السلام شيعيّ مع صلاحه، توفّي سنة ستّ و ثلاثين و مائتين.

و نقل الصدوق في عيون أخبار الرضا «1» ما يدلّ علي اختصاصه بالرضا عليه السلام علي وجه يبعد معه أن يكون عاميا. هذا.

و الكلام علي قوله «كلّ عاصم حسن» مثل ما سبق علي نظائره، فإنّه مشترك بين ثلاثة عشر رجلا أكثرهم مهمل و بعضهم مجهول، كعاصم بن الحسن، و بعضهم موثّق كعاصم بن الحميد الحنّاط الكوفي، و عاصم

بن سليمان البصري المعروف بالكوزي.

فان قلت: لعلّ الشيخ قدّس سرّه أراد بكونه حسنا، أنّه لا قدح فيه و إن لم يكن فيه مدح.

قلت: هذا مع أنّه خلاف الظاهر، لما عرفت من معني الحسن غير تامّ أيضا، لما رواه الكليني بطريق حسن عن الباقر عليه السلام، أنّه قال لعاصم بن عمر: كذبت، قال زرارة: ما رأيته استقبل أحدا يقول كذبت غيره «2».

و أمّا يعقوب، فمشترك بين اثنين و عشرين رجلا أكثرهم مهمل، و بعضهم موثّق، كيعقوب بن إسحاق، و يعقوب بن إلياس، و يعقوب بن نعيم، و يعقوب بن يقطين، و يعقوب بن يزيد الكاتب الأنباري، و يعقوب بن سالم الأحمر، و يعقوب بن سالم السراج و بعضهم معتبر، كيعقوب المغربي، و بعضهم عامّي المذهب، كيعقوب بن شيبة.

فالحكم بأنّ كلّ يعقوب بلا خيبة، غير ظاهر وجهه، و لعلّه أراد بعدم خيبته عدم كونه عاميّا سنيّا، بقرينة استثناء يعقوب بن شيبة، و هو كما عرفت عاميّ

______________________________

(1) عيون أخبار الرضا عليه السلام 2/ 242.

(2) فروع الكافي 4/ 240.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 123

سنيّ، و لكن أمثال هذه الإفادات بهذه العبارات ممّا لا ثمرة له كثيرا.

و بالجملة ما ذكره من الألفاظ، فهو ممّا لا يفهم منه المقصود، و ذلك أنّ قوله «كلّ حميد حميد» إن أراد به تعديله فهو أعمّ منه، فإنّ بمجرّد كون الرجل محمودا ممدوحا لا يثبت تعديله و توثيقه؛ لأنّ من المدح ما لا يبلغ حدّ التعديل، فيكون: امّا حسنا، أو موثّقا إذا لم يكن إماميّا.

و إن أراد أنّه ممدوح في الجملة، فيشمل العدل و الحسن و الموثّق، و يخرج منه من لا مدح فيه منهم، كالمهملين و هم الاكثرون. و ان أراد به أنّه ممّن لا

قدح فيه و إن لم يكن فيه مدح، فاللفظ لا يدلّ عليه.

و كذا قوله «كلّ جميل جميل» إن أراد به جماله البالغ حدّ التعديل، فهو أعمّ منه. و إن أراد به جماله في الجملة، فيشمل الثلاثة و يخرج منه المهملين. و إن أراد به أنّه غير مقدوح و إن لم يكن ممدوحا، فهو لا يدلّ عليه، و عليه فقس.

فان قلت: الصلاح يدلّ علي العدالة و زيادة، و كذا الحسن يدلّ علي أنّ الرّاوي إماميّ ممدوح غير بالغ حدّ التعديل، فيكونان ناصّين علي المقصود.

قلت: إنّهم شرطوا مع التعديل الضبط الذي من جملته عدم غلبة النسيان، و الصلاح يجامعها أكثريّا، مع أنّه يخرج من الأوّل المهملون و الممدوحون مدحا لا يبلغ حدّ التعديل، و من الثاني المهملون و الممدوحون البالغون حدّ التعديل، فتأمّل.

و اعلم أنّ المعروف من طلحة في الرجال أربعة:

طلحة بن عبيد اللّه بن عثمان التيمي المقتول يوم الجمل.

و طلحة بن زيد من أصحاب الباقر عليه السلام، و هو بتريّ عاميّ المذهب، فهما طالحان من غير شبهة.

و أمّا طلحة بن عمرو الميثمي و طلحة بن النضر المدني، فهما مهملان.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 124

و من البيّن أنّ من لا قدح فيه و لا مدح لا يقال له إنّه طالح؛ اذ الطلاح ضدّ الصلاح علي ما في القاموس «1»، و المفروض أنّه لم يعثر منهما علي صلاح و لا طلاح، فهذا نوع ذمّ للبري ء منه، و هو بهتان يجب التنزّه عنه، و هو قدّس سرّه أعرف بما قال، و اللّه أعلم بحقيقة الحال.

16- فائدة [تحقيق في حال أبي بصير]

قال الشيخ في كتاب الحدود من كتاب التهذيب في باب حدود الزنا: روي أحمد بن محمّد، عن ابن أبي عمير، عن شعيب، قال: سألت أبا

الحسن عليه السلام عن رجل تزوّج امرأة لها زوج، قال: يفرّق بينهما، قلت: فعليه ضرب؟

قال: لا ماله يضرب.

فخرجت من عنده و أبو بصير بحيال الميزاب، فأخبرته بالمسألة و الجواب، فقال لي: أين أنا؟ قلت: بحيال الميزاب، قال: فرفع يده فقال: و ربّ هذا البيت، أو و ربّ هذه الكعبة لسمعت جعفرا يقول: إنّ عليّا عليه السلام قضي في الرجل تزوّج امرأة لها زوج، فرجم المرأة و ضرب الرجل حدّا، ثمّ قال: لو علمت إنّك علمت لفضخت رأسك بالحجارة.

ثمّ قال: ما أخوفني أن لا يكون أوتي علمه.

و أجاب عنه الشيخ: بأنّ الذي سمع أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام لا ينافي ما أفتي به أبو الحسن عليه السلام؛ لأنّه إنّما نفي عنه الحد لأنّه لم يعلم أنّ لها زوجا.

______________________________

(1) القاموس المحيط 1/ 238.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 125

و الذي ضربه أمير المؤمنين عليه السلام يحتمل شيئين:

أحدهما: أن يكون ضربه لعلمه بأنّ لها زوجا.

و الثاني لغلبة ظنّه أنّ لها زوجا، ففرّط في التفتيش عن حالها، فضربه تعزيرا. و ليس في الخبر أنّه ضربه الحدّ تامّا، و يكون قوله «لو علمت أنّك علمت لفضخت رأسك بالحجارة» المراد به أنّك لو علمت علم يقين أنّ لها زوجا لفعلت ذلك بك.

و يحتمل أن يكون المراد أنّ الرجل كان متّهما في أنّه عقد عليها و لم يكن قد عقد، و لم تكن معه بيّنة بالتزويج، فحينئذ أقيم عليه الحد لمكان التهمة «1».

أقول: ظاهر قوله عليه السلام «لو علمت إنّك علمت» يفيد أنّ الرجل المحدود كان قد ادّعي جهله بحكم المسألة، و انّ المرأة المزوّجة لم يجز تزويجها في شرع الاسلام.

و دعوي الجهل بها في دار الاسلام ليست شبهة دارئة، و

إلّا لتعطّلت الحدود و الأحكام، لإمكان أن يدّعيه كلّ فاجر بعد فجوره؛ و لذلك أقام أمير المؤمنين عليه السلام عليه الحدّ تامّا، كما هو الظاهر المتبادر.

روي أبو عبيدة في الصحيح عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن امرأة تزوّجت و لها زوج، فقال: إن كان زوجها الأوّل مقيما معها في المصر التي هي فيها تصل إليه أو يصل إليها، فإنّ عليها ما علي الزاني المحصن الرجم.

إلي أن قال قلت: فإن كانت جاهلة بما صنعت، قال فقال: أ ليست هي في دار الهجرة؟ قلت: بلي، قال: فما من امرأة اليوم من نساء المسلمين إلّا و هي تعلم أنّ المرأة المسلمة لا يحلّ لها أن تتزوّج زوجين.

قال: و لو أنّ المرأة اذا فجرت قالت: لم أدر أو جهلت أنّ الذي فعلت

______________________________

(1) تهذيب الاحكام 10/ 25- 26.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 126

حرام و لم يقم عليها الحد، إذن لتعطّلت الحدود «1».

فقوله عليه السلام بعد إقامته الحد «لو علمت» إلي آخره زيادة تخويف و تهديد للرجل المحدود، و أراد أنّ هذا القدر من العذاب كان بناء علي ادّعائك الجهل بالمسألة، و لو علمت أنّك علمت المسألة حكمها لفضخت رأسك بالحجارة.

و ليس المراد منه نفي العلم عنه بأنّ لها زوجا، و إلّا لما ضرب الحدّ، كما في قضيّة الكاظم عليه السلام.

لأنّ دعوي الجهل بأنّ لها زوجا مع عدم البيّنة علي علمه به شبهة دارئة، فلو كان الرجل قد ادّعي عدم علمه بكونها مزوّجة لكان معذورا، لأنّ الناس في سعة ممّا لا يعلمون، و لعلّ هذا أقرب مما ارتكبه الشيخ من الاحتمالات البعيدة، و خاصّة الاحتمال الأخير.

هذا و لا يذهب عليك أنّ هذا الحديث الصحيح، و هو حديث شعيب بن

يعقوب العقرقوفي ممّا يطعن علي أبي بصير و يقدح فيه؛ لانّه أساء الظنّ بأبي الحسن عليه السلام، و زعم أنّه لم يؤت علمه، مع أنّه عليه السلام قد بلغ في علمه إلي أن لقّب بالعالم.

و هذا منه قريب من إنكاره لياقته لمنصب الإمامة و الرئاسة، بل الإفتاء و الحكومة، مع أنّه كان لجهله بوجه الحديث كما دريت.

لكنّه مشترك بين يحيي بن أبي القاسم، و عبد اللّه بن محمّد أبي بصير الاسدي، و ليث البختري أبي بصير المرادي.

و الأوّلان يكنّيان بأبي محمّد أيضا، كما أنّ الثالث يكنّي بأبي يحيي أيضا، و كان هو و الاسدي مكفوفين ضريرين ذاهبي العينين.

______________________________

(1) تهذيب الاحكام 10/ 20، ح 60.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 127

و أمّا المرادي، فكان أكمه مفقود العين في بطن أمّه.

قيل: و هذا الاشتراك إنّما يكون إذا أطلق أبو بصير و روي عن الباقرين أو أحدهما عليهما السلام.

و أمّا إذا روي عن الكاظم عليه السلام، فإنّه مخصوص بيحيي بن أبي القاسم، و ذلك أنّ عبد اللّه بن محمّد أبا بصير الأسدي و ليث البختري أبا بصير المرادي من أصحاب الباقرين عليهما السلام.

و أمّا يحيي بن أبي القاسم، فمن أصحاب الكاظم عليه السلام أيضا، فإذا وقع أبو بصير مطلقا عن الباقرين أو أحدهما عليهما السلام، فاشترك حينئذ بين الثلاثة و يحتملهم، و إذا وقع أبو بصير كذلك عن الكاظم عليه السلام، فإنّه مخصوص بيحيي كما لا يخفي، هذا كلامه بعبارته.

و يستفاد منه أن يكون المراد بأبي بصير في الحديث المذكور يحيي بن أبي القاسم لا غير، و لكنّه قال في حاشية كتابه المسمّي بمجمع الرجال «1»، بعد أن نقل في أصل الكتاب رواية ابن أبي عمير عن شعيب بن يعقوب

العقرقوفي قال:

قلت لابي عبد اللّه عليه السلام: ربما احتجنا أن نسأل عن الشي ء فمن نسأل، قال قال: عليك بالاسدي، يعني أبا بصير «2».

إنّ شعيب العقرقوفي يروي عن أبي بصير عبد اللّه بن محمّد لا يحيي بن أبي القاسم، كما يفهم من إطلاق الرواية المتقدّمة.

فإنّه يظهر من أمر الامام عليه السلام إيّاه فيها بأن يأخذ من أبي بصير الاسدي أنّه لا يروي إلّا عمّن أمر الإمام عليه السلام بالأخذ عنه، و هو عبد اللّه بن محمّد الاسدي، كما لا يخفي.

______________________________

(1) مجمع الرجال 3/ 194- 195.

(2) اختيار معرفة الرجال 1/ 400، برقم: 291.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 128

و هذا قرينة جليّة علي أنّ كلّ موضع وقع فيه شعيب عن أبي بصير مطلقا، فهو عبد اللّه بن محمّد لا غير. و إن كان شعيب هذا ابن أخت يحيي بن أبي القاسم.

فانّ شعيبا هذا أمتن من أن يروي عن يحيي هذا و أوثق منه و أجلّ، كما لا يخفي علي التتبّع الصادق أنّ شعيبا في مرتبة يحيي و طبقته، و يروي عمّن يروي عنه.

فانّ علي بن أبي حمزة البطائني قائد يحيي هذا يروي عن شعيب هذا، فيحيي ليس في مرتبة من يروي عنه شعيب بن يعقوب العقرقوفي كما لا يخفي.

و هذا يعطي أن يكون المراد بأبي بصير في الحديث المذكور عبد اللّه بن محمّد الأسدي، لا يحيي بن أبي القاسم.

فبين كلاميه مع كونهما في حاشيتين مكتوبتين علي موضع واحد، تدافع لا يخفي، و هو ممّن صرف دهره في هذا الفنّ و عمره في هذا الشأن، كما يظهر لمن راجع كتابه المذكور و طالع فيه.

فكيف يسوغ للمجتهد و المفتي أو الحاكم و القاضي أن يعوّل علي مجرّد غلب أرباب الرجال و

نقد هؤلاء الصيارفة الأحوال؟ لا بل لا بدّ له من الاجتهاد في هذا الفنّ، كما في سائر الفنون المتوقّف عليه الاجتهاد، ليسوغ له النظر إلي المسائل الفقهيّة الفرعيّة التي يحتاج إليها أو يسأل عنه، و إلّا فاجتهاده هذا مدخول و رأيه مزيّف لا حجّة فيه لا عليه و لا علي غيره، و اللّه المستعان و عليه التكلان.

و بالجملة لا شكّ في أنّ المراد بأبي بصير المذكور في الحديث المذكور هو يحيي بن أبي القاسم أبو محمّد المكفوف من أصحاب أبي الحسن موسي بن جعفر عليهما السلام أيضا، لأنّ أبا بصير الأسدي عبد اللّه بن محمّد و أبا بصير المرادي

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 129

ليث البختري من أصحاب الصادقين عليهما السلام لم يدركا زمن الكاظم عليه السلام و صحابته.

ثمّ قال روّح اللّه روحه في حاشية أخري متعلّقة بهذا الموضع: رواية شعيب عن الامام عليه السلام و حوالته إيّاه علي أبي بصير الأسدي في الأخذ عنه، قرينة أخري علي أنّ أبا بصير المشار إليه المحال عليه هنا في الرواية هو عبد اللّه بن محمّد الأسدي «1».

فظهر أنّ شعيب العقرقوفي و إن كان ابن أخت يحيي بن أبي القاسم، لكن لا يروي عنه علي ما يظهر مع التتبّع التامّ، بل يظهر أنّه يروي عن الأسدي و عن المرادي أيضا.

فتأمّل جدّا و اذعن بما سمعت، إذ المقام مزلقة للاعلام، و لعدم التأمّل و النقد صار حديث أبي بصير مشتركا بين الثقة و المجهول عندهم رحمهم اللّه، و لا يعملون بمضمونه و تركوه، و كثير من الروايات في الأحكام و غيرها كذلك، فظهر تغيير أحكام اللّه تعالي حينئذ كما لا يخفي.

و هذا منه إشارة الي ما اشتبه من حال أبي بصير

علي كثير من أصحابنا المتأخّرين، فزعموا اشتراكه بين الثقة الإمامي و غيره، و منشأ الاشتباه علي ما ذكره الفاضل السبزواري رحمه اللّه في الذخيرة في تصحيح رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّه الصادق عليه السلام الواردة في تحديد الكر أمور:

منها: أنّه مشترك بين جماعة، منهم يوسف بن الحارث، و هو غير موثّق في كتب الرجال، بل في الخلاصة «2» و الرجال «3» للشيخ أنّ يوسف بن الحارث من

______________________________

(1) مجمع الرجال 4/ 40.

(2) رجال العلامة: 265.

(3) الرجال للشيخ: 141.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 130

أصحاب الباقر عليه السلام يكنّي أبا بصير بالياء بعد الصاد بتريّ.

و الجواب: أنّ أبا بصير اذا اطلق ينصرف إلي المعهود المشهور المعروف بين الأصحاب، و يوسف هذا مجهول غير مذكور في الفهرست و كتاب النجاشي، فكيف ينصرف المطلق اليه؟

و في كتاب الكشي أبو نصر بن يوسف بن الحارث «1». و يحتمل اتّحادهما و وقوع التصحيف في كتاب الشيخ، علي أنّ رواية أبي بصير هذه عن الصادق عليه السلام و يوسف بن الحارث من أصحاب الباقر عليه السلام، فلا يضرّ هنا.

و منها: أنّه مشترك بين جماعة منهم عبد اللّه بن محمّد الأسدي. و الجواب عنه نحو من السابق.

أقول: هذا الجواب ليس بصواب؛ اذ الأسدي و المرادي و ابن أبي القاسم المكنّون بأبي بصير كلّهم مشهورون معروفون بين الأصحاب، و هو من أصحاب الباقر و الصادق عليهما السلام، و قد سبق أنّ أبا بصير إذا وقع مطلقا عن الباقرين أو أحدهما، فهو مشترك بين الثلاثة يحتملهم.

فالصواب في الجواب أن يقال: عبد اللّه بن محمد الأسدي أيضا ثقة عين معتمد فاضل، لما عرفت في رواية العقرقوفي من جلالة قدره حتّي فاق في التوثيق علي غيره.

و منها:

أنّه مشترك بين جماعة، منهم يحيي بن القاسم الحذّاء و هو واقفيّ.

و الجواب عنه: أنّ أبا بصير يحيي بن القاسم، أو يحيي بن أبي القاسم الثقة، غير يحيي بن القاسم الحذّاء الواقفي، و الشاهد لذلك أمور، من ذلك أنّ أبا بصير يحيي بن القاسم أسديّ، كما يظهر من رجال النجاشي «2» و الكشي «3».

______________________________

(1) اختيار معرفة الرّجال 2/ 688.

(2) رجال النجاشي ص 441.

(3) اختيار معرفة الرجال 2/ 772.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 131

أقول: قد عرفت أنّ أبا بصير يحيي بن أبي القاسم الثقة ليس بأسديّ، و انّما الأسدي هو أبو بصير عبد اللّه بن محمّد لا غير، و الاتّحاد و هم نشأ من اشتراكهما في الكنية، و هي أبو بصير و أبو محمّد، و في كونهما مكفوفين ضريري العينين.

ثمّ الذي هو ابن القاسم هو الحذّاء الأزدي الواقفي، لا يحيي بن أبي القاسم الثقة، و هذا الترك أعني ترك لفظة «أبي» مقدّما علي لفظ «القاسم» صدر أوّلا من قلم الشيخ، ثمّ تبعه غيره من النجاشي و الخلاصة و غيرهما.

و من ذلك أنّه ذكر الشيخ في «قر» يحيي بن أبي القاسم يكنّي أبا بصير مكفوف، و اسم أبي القاسم اسحاق.

و قال بعده بلا فصل: يحيي بن أبي القاسم الحذّاء «1». و هذا شهد للمغايرة بينهما.

و في «ظم»: يحيي بن أبي القاسم الحذّاء واقفيّ، ثمّ قال: يحيي بن القاسم الحذّاء «2». و هذا أيضا يعطي المغايرة.

و في الكشي في العنوان في يحيي بن أبي القاسم أبي بصير، و يحيي بن القاسم الحذّاء، و هذا أيضا يعطي المغايرة.

و من ذلك أنّه ذكر النجاشي و الشيخ في اختيار الرجال أنّ أبا بصير مات سنة خمسين و مائة. و هذا ينافي كونه

واقفيّا؛ لأنّ وفاة الكاظم عليه السلام في سنة ثلاث و ثمانين و مائة.

و من القرائن أنّ النجاشي مع كمال ضبطه و نقده للرجال لم يذكر أنّ أبا بصير كان واقفيّا.

______________________________

(1) رجال الشيخ ص 140.

(2) رجال الشيخ ص 364.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 132

بل قال: يحيي بن القاسم أبو بصير الأسدي، و قيل: أبو محمّد ثقة وجيه، روي عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السلام، و قيل: يحيي بن أبي القاسم، و اسم أبي القاسم اسحاق، و روي عن أبي الحسن موسي عليه السلام «1».

أقول: قد سبق أنّ أبا بصير الأسدي هو عبد اللّه بن محمّد، لا يحيي بن القاسم الأزدي الواقفي، و لا يحيي بن أبي القاسم المكفوف المكنّي بأبي بصير أيضا كالأسدي كما مرّ. و أمّا يحيي بن القاسم الازدي، فلا يكنّي لا بأبي محمّد و لا بأبي بصير.

و بالجملة ففي كلامه رحمه اللّه من الاضطراب و الشكّ ما لا يخفي علي من له أدني قدم في هذا الفنّ و أقلّ تتبّع في هذا الشأن.

ثمّ قال: و كذا الشيخ لم يذكر في الفهرست أنّه واقفيّ، و كذا العقيقي، بل ذكر الشيخ في «ظم» يحيي بن القاسم الحذّاء واقفيّ، فصار منشأ التوهّم حيث توهّم الاتّحاد.

و مبدؤه العلّامة حيث قال في الخلاصة: يحيي بن القاسم الحذّاء بالحاء المهملة، من أصحاب الكاظم عليه السلام كان يكنّي أبا بصير بالباء المنقّطة تحتها نقطة و الياء بعد الصاد، و قيل: إنّه أبو محمّد.

و اختلف قول علمائنا فيه، فقال الشيخ الطوسي: إنّه واقفيّ، و روي الكشي ما يتضمّن ذلك قال: و أبو بصير يحيي بن القاسم الحذّاء أزديّ، و أبو بصير هذا يكنّي أبا محمّد.

قال محمّد بن مسعود: سألت

علي بن الحسن بن فضّال عن أبي بصير هذا هل كان متّهما بالغلوّ؟ فقال: و أمّا بالغلوّ فلا، و لكن كان مخلّطا، ثمّ نقل كلام

______________________________

(1) رجال الشيخ ص 441.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 133

النجاشي و العقيقي، ثمّ رجّح قبول روايته «1».

و ظن أنّ ما نقله من الشيخ من كون أبي بصير واقفيّا، صار منشأ توهّمه الاتّحاد بين الرجلين.

و في الكشي قال في يحيي بن أبي القاسم أبي بصير و يحيي بن القاسم الحذّاء: حمدويه ذكره عن بعض أشياخه يحيي بن القاسم الحذّاء الأزدي واقفيّ.

ثمّ نقل روايتين من طريق الواقفة تدلّ علي أنّ أبا بصير روي ما يدلّ علي أنّ موسي بن جعفر عليهما السلام هو القائم.

ثمّ نقل رواية أخري تدلّ علي أنّ يحيي بن القاسم الحذّاء كان ملتويا علي الرضا عليه السلام، و انّه رجع عن ذلك.

ثمّ قال بعد نقل هذه الرواية: و أبو بصير هذا يحيي بن القاسم يكنّي أبا محمّد، قال محمّد بن مسعود إلي آخر ما نقله العلّامة «2».

و لعلّ منشأ توهّم العلّامة أحدهما: الروايتان، و لعلّهما كذب من الواقفيّة علي أبي بصير.

الثاني: قوله «و أبو بصير هذا» فجعل المشار إليه بقوله «هذا» يحيي بن القاسم الحذّاء المتّصل ذكره بهذا الكلام، و ليس كذلك، بل المراد بقوله «أبو بصير هذا» يعني أبا بصير المذكور في العنوان، فإنّ العنوان صريح في التغاير.

و منها: أنّ أبا بصير كنية لليث بن البختري المرادي، و أورد الكشي روايات تدلّ علي الطعن فيه.

و الجواب: أنّ الروايات الدالّة علي فضله و كمال درجته و علوّ شأنه أكثر و أصحّ و أشهر، و ما ورد بالطعن فيه قابل للتأويل، و علي ما ذكرنا الأوجه التوقّف

______________________________

(1) رجال العلامة ص 264.

(2) اختيار

معرفة الرجال 2/ 772- 773.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 134

في روايات أبي بصير.

أقول: روايات أبي بصير سواء أريد به الأسدي، أو المرادي، أو ابن القاسم صحيحة، إذا لم يكن في الطريق قادح من غير جهتهم، و الروايات الدالّة علي الطعن فيهم معارضة بأكثر منها الدالّة علي مدحهم و توثيقهم.

فقول الفاضل الاردبيلي في مواضع من شرح الإرشاد بعد إيراد رواية أبي بصير: إنّها ضعيفة، لاشتراكه بين الضعيف و الثقة، يعلم حاله ممّا سبق. و لعلّه السبب المقدم للفاضل السبزواري علي تصحيحه، و نفي الجهة للتوقّف في رواياته، و الظاهر معه و العلم عند اللّه و عند أهله.

17- فائدة جليلة [تحقيق حال محمد بن سنان]

لمّا اشتهر بين أصحابنا أنّ محمّد بن سنان بن طريف الزاهري من أصحاب أبي الحسن الرضا عليه السلام ضعيف في الرواية، تركوا العمل بمضمونها و طرحوه رأسا.

و لكنّ تتبّع أحواله، و الاطّلاع علي حسن مآله، يفيد كونه ثقة معتمدا صحيحة رواياته، إذا لم يكن في الطريق مانع من غير جهته.

فنذكر ما ذكروه في ذمّه، و ما ورد في مدحه، المفيد لكونه صحيح الروايات، فإنّ ذلك من أهمّ المهمّات، و من أحسن ما ينبغي أن تصرف فيه الأوقات، إذ ترك رواياته جملة يستلزم تغييرا في كثير من الحكومات و المعاملات، و كذلك العقودات و العبادات، كما لا يخفي علي من له أدني قدم في الروايات.

فنقول: محمّد بن سنان مشترك بين الزاهري المذكور و الهاشمي، و هو

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 135

محمّد بن سنان بن عبد الرحمن الهاشمي أخو عبد اللّه بن سنان، و هو من أصحاب الصادق عليه السلام، فهما مختلفان في الطبقة.

و جدّ هذا كما مرّ عبد الرحمن لا طريف، كما سبق إليه قلم الشيخ، و تبعه النجاشي «1» في ترجمة

عبد اللّه بن سنان أخيه، اذ الهاشمي هو محمّد بن سنان بن عبد الرحمن لا غير، و الذي جدّه طريف هو الزاهري السابق الذكر، و هو الذي كلامنا فيه.

قال النجاشي: محمّد بن سنان أبو جعفر الزاهري، من ولد زاهر مولي عمرو بن الحمق الخزاعي، كان أبو عبد اللّه أحمد بن محمّد بن عبد اللّه بن الحسن بن عيّاش يقول: حدّثنا أبو عيسي محمّد بن أحمد بن محمّد بن سنان، قال: هو محمّد بن الحسن بن سنان مولي زاهر، توفّي أبوه و هو طفل، كفّله جدّه سنان فنسب اليه.

و قال أبو العبّاس أحمد بن محمّد بن سعيد: إنّه روي عن الرضا عليه السلام، قال: و له مسائل عنه معروفة، و هو رجل ضعيف جدّا لا يعوّل عليه، و لا يلتفت إلي ما تفرّد به.

و قد ذكر أبو عمرو في رجاله قال أبو الحسن علي بن محمّد بن قتيبة النيسابوري، قال: قال أبو محمّد الفضل بن شاذان: لا أحلّ لكم أن ترووا أحاديث محمّد بن سنان.

و ذكر أيضا أنّه وجد بخطّ أبي عبد اللّه الشاذاني أنّي سمعت العاصمي يقول: إنّ عبد اللّه بن محمّد بن عيسي الملقّب ب «بنان» قال: كنت مع صفوان بن يحيي في الكوفة في منزل، إذ دخل علينا محمّد بن سنان، فقال صفوان: إنّ هذا ابن سنان، لقد همّ أن يطير، فقصصناه، حتّي ثبت معنا.

______________________________

(1) رجال النجاشي: 214.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 136

و هذا يدلّ علي اضطراب كان و زال. و قد صنّف محمّد كتبا، و مات سنة عشرين و مائتين «1».

و قال الغضائري: محمّد بن سنان أبو جعفر الهمداني مولاهم، هذا أصحّ ما ينتسب اليه، ضعيف غال يضع لا يلتفت إليه «2».

و قال

الشيخ في الفهرست: محمّد بن سنان له كتب و قد طعن عليه و ضعّف «3».

و قال أبو عمرو الكشي: ذكر حمدويه بن نصير أنّ أيّوب بن نوح دفع اليه دفترا فيه أحاديث محمّد بن سنان، فقال لنا: إن شئتم أن تكتبوا ذلك فافعلوا فإنّي كتبت عن محمّد بن سنان و لكنّي لا أروي لكم أنا عنه شيئا، فانّه قال له محمّد قبل موته: كلّ ما حدّثتكم به لم يكن لي سماع و لا رواية انّما وجدته «4».

و ذكر الفضل في بعض كتبه أنّ من الكاذبين المشهورين ابن سنان «5».

قال أبو عمرو: و قد روي عنه الفضل، و أبوه، و يونس، و محمد بن عيسي العبيدي، و محمد بن الحسين بن أبي الخطّاب، و الحسن و الحسين ابنا سعيد الاهوازي، و ابنا دندان، و أيّوب بن نوح، و غيرهم من العدول و الثقات من أهل العلم، و كان محمّد بن سنان مكفوف البصر أعمي فيما بلغني «6».

______________________________

(1) رجال النجاشي ص 328.

(2) رجال العلامة عنه ص 251.

(3) الفهرست ص 143.

(4) اختيار معرفة الرجال 2/ 795، برقم: 976.

(5) اختيار معرفة الرجال 2/ 823 و 796.

(6) اختيار معرفة الرجال 2/ 796.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 137

قال: و رأيت في بعض كتب الغلاة، و هو كتاب الدرّ، عن الحسن بن علي، عن الحسن بن شعيب، عن محمّد بن سنان، قال: دخلت علي أبي جعفر الثاني عليه السلام فقال لي: يا محمّد كيف أنت اذا لعنتك و برأت منك و جعلتك محنة للعالمين، أهدي بك من أشاء، و أضلّ بك من أشاء؟

قال قلت: تفعل بعبدك ما تشاء يا سيّدي، إنّك علي كلّ شي ء قدير.

ثمّ قال: يا محمّد أنت عبد قد أخلصت للّه،

إنّي ناجيت اللّه فيك، فأبي إلّا أن يضلّ بك كثيرا، و يهدي بك كثيرا «1».

أقول: و لعلّها كذب من الغلاة علي محمّد بن سنان.

و روي الكشي في ترجمة زكريّا بن آدم القمّي من أصحاب الرضا عليه السلام عن أبي طالب عبد اللّه بن الصلت القمّي، قال: دخلت علي أبي جعفر الثاني عليه السلام في آخر عمره، فسمعته يقول: جزي اللّه صفوان بن يحيي، و محمّد بن سنان، و زكريّا بن آدم عنّي خيرا، و لم يذكر سعد بن سعد.

قال: فخرجت فلقيت موفّقا، فقلت له: إنّ مولاي ذكر صفوان و محمّد بن سنان و زكريّا بن آدم و جزاهم خيرا، و لم يذكر سعد بن سعد.

قال فعدت إليه فقال: جزي اللّه صفوان، و محمّد بن سنان، و زكريّا بن آدم، و سعد بن سعد عنّي خيرا فقد وفوا لي. «2».

و روي في ترجمة صفوان بن يحيي بيّاع السابري من أصحاب أبي ابراهيم موسي بن جعفر، و أبي الحسن علي بن موسي صلوات اللّه عليهم، عن علي بن الحسن بن داود القمّي بطريقين، قال: سمعت أبا جعفر الثاني عليه السلام يذكر صفوان بن يحيي و محمّد بن سنان بخير، و قال: رضي اللّه عنهما برضاي عنهما، فما

______________________________

(1) اختيار معرفة الرجال 2/ 749، برقم: 1091.

(2) اختيار معرفة الرجال 2/ 792، برقم: 963.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 138

خالفاني و ما خالفا أبي قطّ، هذا بعد ما جاء عنه فيهما ما قد سمعه غير واحد «1».

و عن أحمد بن هلال، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع أنّ أبا جعفر عليه السلام كان لعن صفوان بن يحيي و محمّد بن سنان، فقال: إنّهما خالفا أمري، قال:

فلمّا كان من قابل، قال أبو جعفر

عليه السلام لمحمّد بن سهل البحراني: تولّ صفوان بن يحيي و محمّد بن سنان، فقد رضيت عنهما «2».

و روي في ترجمة محمّد بن سنان عن حمدويه، قال: حدّثنا أبو سعيد الآدمي، عن محمّد بن مرزبان، عن محمّد بن سنان، قال: شكوت الي الرضا عليه السلام وجع العين، فأخذ قرطاسا فكتب إلي أبي جعفر عليه السلام و هو أقلّ من يدي «3».

و دفع الكتاب إلي الخادم، و أمرني أن أذهب معه، و قال: أكتم، فأتيناه و خادم قد حمله، ففتح الخادم الكتاب بين يدي أبي جعفر عليه السلام، فجعل أبو جعفر عليه السلام ينظر في الكتاب و يرفع رأسه إلي السماء و يقول: ناج، ففعل ذلك مرارا، فذهب كلّ وجع في عيني و أبصرت بصرا لا يبصره أحد.

و قال قلت لأبي جعفر عليه السلام: جعلك اللّه شيخا علي هذه الأمّة، كما جعل عيسي بن مريم عليه السلام شيخا علي بني إسرائيل.

قال: ثمّ قلت له: يا شبيه صاحب فطرس، قال: و انصرفت و قد أمرني الرضا عليه السلام أن أكتم، فما زلت صحيح البصر حتّي أذعت ما كان من أبي جعفر عليه السلام في أمر عيني، فعاودني الوجع.

قال فقلت لمحمّد بن سنان: ما عنيت بقولك يا شبيه صاحب فطرس.

______________________________

(1) اختيار معرفة الرجال 2/ 793، برقم: 966.

(2) اختيار معرفة الرجال 2/ 793، برقم: 964.

(3) في المصدر: من نيتي.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 139

قال فقال: إنّ اللّه تعالي غضب علي ملك من ملائكته يدعي فطرس، فدقّ جناحه و رمي به في جزيرة من جزائر البحر، فلمّا ولد الحسين سلام اللّه عليه بعث اللّه عزّ و جلّ جبرئيل عليه السلام إلي محمّد ليهنّئه بولادة الحسين عليه السلام.

و كان جبرئيل صديقا لفطرس،

فمرّ به و هو في الجزيرة مطروح، فخبّره بولادة الحسين و ما أمر اللّه به، و قال له: هل لك أن أحملك علي جناح من أجنحتي و أمضي بك إلي محمّد صلّي اللّه عليه و آله ليشفع لك؟ قال فقال فطرس: نعم.

فحمله علي جناح من أجنحته حتّي أتي به محمّدا صلّي اللّه عليه و آله، فبلّغه تهنئة ربّه تعالي، ثمّ حدّثه بقصّة فطرس، فقال محمّد صلّي اللّه عليه و آله لفطرس: امسح جناحك علي مهد الحسين و تمسّح به، ففعل ذلك فطرس، فجبر اللّه جناحه و ردّه إلي منزله مع الملائكة «1».

و قال الكشي: وجدت بخطّ جبرئيل بن أحمد، حدّثني محمّد بن عبد اللّه بن مهران، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، و محمّد بن سنان جميعا، قالا: كنّا بمكّة و أبو الحسن الرضا عليه السلام بها.

فقلنا له: جعلنا الله فداك نحن خارجون و انت مقيم، فإن رأيت أن تكتب لنا إلي أبي جعفر عليه السلام كتابا نلمّ به.

قال: فكتب إليه فقدمنا فقلنا للموفّق أخرجه إلينا، قال: فأخرجه إلينا و هو في صدر موفّق، فأقبل يقرأه و يطويه و ينظر فيه و يتبسّم، حتّي أتي علي آخره، يطويه من أعلاه و ينشره من أسفله.

قال محمّد بن سنان: فلمّا فرغ من قراءته حرّك برجله و قال: ناج ناج،

______________________________

(1) اختيار معرفة الرجال 2/ 849- 850، برقم: 1092.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 140

فقال أحمد: ثمّ قال ابن سنان عند ذلك: فطرسيّة فطرسيّة «1».

و روي الكشي عن حمدويه، عن الحسن بن موسي، عن محمّد بن سنان، قال: دخلت علي أبي الحسن موسي عليه السلام قبل أن يحمل إلي العراق بسنة، و علي عليه السلام ابنه بين يديه، فقال لي:

يا محمّد، قلت: لبيك، قال: إنّه ستكون في هذه السنة حركة فلا تجزع منها.

ثمّ أطرق و نكت في الأرض بيده، ثمّ رفع رأسه إليّ و يقول: و يضلّ اللّه الظالمين و يفعل اللّه ما يشاء.

قلت: و ما ذاك جعلت فداك؟

قال: من أظلم ابني هذا حقّه، و جحد إمامته من بعدي، كان كمن أظلم علي بن أبي طالب عليه السلام حقّه، و جحد إمامته من بعد محمّد صلّي اللّه عليه و آله. فعلمت أنّه نعي إليّ نفسه و دلّ علي ابنه.

فقلت: و اللّه لئن مدّ اللّه في عمري لأسلمنّ إليه حقّه، و لأقرنّ له بالإمامة، و أشهد أنّه من بعدك حجّة اللّه علي خلقه و الداعي علي دينه.

فقال: يا محمّد يمدّ اللّه في عمرك، و تدعو إلي إمامته و إمامة من يقوم مقامه من بعده.

فقلت: و من ذاك جعلت فداك؟

قال: محمّد ابنه، قلت: بالرضا و التسليم، فقال: نعم كذلك وجدتك في صحيفة أمير المؤمنين عليه السلام، أمّا أنّك في شيعتنا أبين من البرق في الليلة الظلماء.

ثمّ قال: يا محمّد إنّ المفضّل أنسي و مستراحي، و أنت أنسهما و مستراحهما،

______________________________

(1) اختيار معرفة الرجال 2/ 850، برقم: 1093.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 141

حرام علي النار أن تمسّك أبدا. يعني أبا الحسن و أبا جعفر صلوات اللّه عليهما «1».

و نقل العلّامة في الخلاصة عن الشيخ المفيد توثيق محمّد بن سنان الزاهري «2».

و لعلّه قدّس سرّه لذلك حكم في المنتهي بتوثيق رواية في طريقها محمّد بن سنان، علي ما نقل عنه الفاضل الاردبيلي في شرح الارشاد، حيث قال: قال في المنتهي: الافضل في كلّ طواف صلاة، و القران مكروه في النافلة، و علي الخلاف في الفريضة، و لكنّ الأصل و عدم

وضوح دليل الكراهة دليل العدم.

و يؤيّده ما رواه ابن مسكان عن زرارة في الموثّق- قاله في المنتهي و صرّح بوجود محمّد بن سنان في الطريق، و هو ضعيف فلا يكون موثّقا- قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: إنّما يكره أن يجمع الرجل بين أسبوعين و الطوافين في الفريضة، فأمّا النافلة فلا بأس «3»

و لا يخفي أنّ هذا من العلّامة رحمه اللّه صريح في كون محمّد بن سنان ثقة صحيحا، و الفاضل الأردبيلي رحمه اللّه لمّا لم يكن واقفا علي ما نقله في الخلاصة عن المفيد من توثيق محمّد هذا، و كان المشهور أنّه ضعيف، ظنّ أنّ هذا منه غفلة عن ضعفه، و لا كذلك الأمر، بل هو منه تعمّد و تصريح بتوثيقه، كما هو مقتضي ما نقله في الخلاصة قدس سرّهما.

و في إرشاد المفيد أنّ محمّد بن سنان هذا ممّن روي النصّ علي الرضا من أبيه عليهما السلام، و إنّه من خاصّته و ثقاته و أهل الورع و العلم و الفقه من شيعته «4».

______________________________

(1) اختيار معرفة الرجال 2/ 796- 797، برقم: 982.

(2) رجال العلامة: 251.

(3) مجمع الفائدة 7/ 108.

(4) الارشاد ص 304.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 142

قال بعض متأخّري أصحابنا: ذمّ محمّد بن سنان هذا عن كلّ من يكون من غير المعصوم، معارض بتوثيق الشيخ المفيد، و يبقي الحديثان الصحيح مضمونهما المذكوران في ترجمة صفوان بن يحيي و زكريّا بن آدم دالّان علي اعتباره و قبول روايته، حتّي يرتقي إلي ذروة التوثيق.

أمّا الذي في صفوان، و ان كان في طريقه أحمد بن هلال، لكنّه صرّح النجاشي «1» بأنّ أحمد هذا صالح الرواية يعرف و ينكر، و معناه أنّه يجي ء من حديثه و قوله الموافق للمعروف

من حديث غيره، فنعرفه و نعمل بمقتضاه.

و الحاصل أنّه ترك العمل بحديثه إذا انفرد به، و حينئذ لزم العمل بمقتضي هذه الرواية، فإنّها مؤيّدة بما ذكره الكشي في زكريّا بن آدم منسوبا إلي الإمام عليه السلام علي اعتبار الصحّة، و بشهادة الكشي علي رضاء الإمام عليه السلام عن محمّد هذا.

كما في ترجمة الفضل بن شاذان، حيث قال: و قد علمت أنّ أبا الحسن الثاني و أبا جعفر ابنه صلوات اللّه عليهما قد أقرّ أحدهما و كلاهما صفوان بن يحيي و محمّد بن سنان و غيرهما، و مدحهما بعد أن لم يرض عنهما «2».

و كذا بالحديثين المذكورين في صفوان بن يحيي أيضا بمضمون الحديث المذكور، و في طريقهما أحمد بن محمّد بن عيسي مكان أحمد بن هلال.

فظهر صحّة مضمون الأحاديث المذكورة في صفوان، و هو ارضاء الإمام عليه السلام عن محمّد بن سنان هذا، و أمره عليه السلام محمّد بن سهل البحراني بتولّيه إيّاه، و أخذ المسائل الشرعيّة عنه و أمثال ذلك. و لا يخفي أنّ هذا أمر زائد علي التوثيق.

______________________________

(1) رجال النجاشي: 83.

(2) اختيار معرفة الرجال 2/ 822.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 143

و أمّا الذي في ترجمة زكريّا بن آدم، فذكره الكشي علي وجه الصحة عن عبد اللّه بن الصلت القمي الموثّق.

و فيه أنّ الإمام عليه السلام قال مكرّرا بعد موت محمّد هذا: جزي اللّه محمّد بن سنان عنّي خيرا فظهر رضاء الحجة عليه السلام عنه بعد موته، حتّي دعا له بما دعا، و هذا أيضا زائد علي أصل التوثيق المعتبر في قبول الرواية، و يصير كل واحد من الأحاديث الدالّة علي المدح مؤيّدا للآخر فصحّ توثيق محمّد بن سنان، كما قال المفيد.

و أما ما أفاده

الشيخ البهائي في مشرق الشمسين بقوله: و قد اشتهر أنه اذا تعارض الجرح و التعديل قدّم الجرح. و هذا كلام مجمل غير محمول علي اطلاقه كما يظنّ، بل لهم فيه تفصيل مشهور، و هو أنّ التعارض بينهما علي نوعين:

الأوّل ما يمكن الجمع فيه بين كلامي المعدّل و الجارح، كقول المفيد في محمد بن سنان إنّه ثقة، و قول الشيخ إنّه ضعيف، فالجرح مقدّم، لجواز اطّلاع الشيخ علي ما لم يطّلع عليه المفيد.

فأقول: قد عرفت حال الشيخ في جرحه و تعديله، و إن كان كلامه في رجل واحد متناقض، فلا يسوغ الاعتماد علي جرحه، و خاصّة اذا كان في مقابل تعديل المفيد.

و لا يخفي أنّ التوثيق المستفاد من الروايات المستندة إلي الإمام عليه السلام مقدّم علي جرح جماعة لا يظهر له أصل يعتمد عليه مثله، لاحتمال الجرح حينئذ ما لا يحتمله التوثيق.

مع أنّ بعض الطعون الوارد عن بعض الأصحاب فيه مؤيّد للمدّعي، مثل ما ينقل عن صفوان أنّ محمّد بن سنان قد همّ أن يطير، فقصصناه حتّي ثبت معنا.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 144

و معناه كما صرّح به النجاشي أنّه كان فيه أوّلا اضطراب و زال، و كان هذا الاضطراب هو غلوّه في الجواد عليه السلام، كما في الرواية المنقولة بطريق غير صحيح من كتب الغلاة الغير المعتبرة أيضا، و لعلّها من كذب الغلاة عليه، لا أنّه كان فيه اضطراب في الأحكام الشرعيّة و الرواية و النقل، و أمثال ذلك.

يدلّ علي ذلك قول الإمام عليه السلام في ترجمة صفوان مكرّرا «ما خالفاني و لا خالفا أبي قطّ» و لذلك أمر محمّد بن سهل بما أمر. و لو لم يكن كذلك، فالظاهر النقل في أحواله كما نقل في

غيره، لاهتمامهم كثيرا في ضبط الراوي و الرواية، و حينئذ لم يجز النقل و الأخذ عنه بأمر الإمام عليه السلام و بغيره، و قد نقل عنه الأعلام و الثقات و العدول الثمانية و غيرهم المذكورون.

و الحاصل بعد التسليم أنّ محمّدا هذا كان مضطربا وقتا ما في الاعتقاد، و حينئذ لعنه الإمام عليه السلام و أبعده عن قربه، فإنّ العاصي الظالم نفسه أو غيره مستحقّ اللعن و البعد.

و لذلك ما كانوا يستحلّون النقل عنه حينئذ، ثمّ حين ما تاب و استقام و ثبت علي الحقّ وقت وجوده، و بعد موته رضا عنه الامام عليه السلام و أمر باتّباعه و النقل عنه و العمل بقوله، كما فعل نحو ذلك في الثقات و العدول الثمانية و غيرهم.

و يظهر صريح هذا التفصيل من ترجمة الفضل بن شاذان، علي أنّه يمكن أن يقال: لو لم يكن الا مجرّد نقل هذه العدول عنه، و كذا اشتراكه مع صفوان بن يحيي في الأحوال المذكورة لكفي في جلالته.

و كيف لا يكون كذلك؟ و الانسان يختلف حاله بحسب اختلاف الزمان، فإنّه اذا عصي لعن و رجف و هجر، فإذا تاب قرّب و كرّم و و قرّ.

فظهر أنّ طعون الجماعة، كما في «كش و غض و ست و جش» لا تؤثّر في عدم اعتباره؛ إذ الكلّ في حكم الواحد في أنّ سبب طعنهم غير ظاهر في أصل

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 145

معتبر يدلّ عليه، و الروايات و الأقوال براهين علي اعتبار قوله و صحّة روايته، و لا أقلّ من ظهورها فيه.

نعم هنا إشكال مشهور، و هو أنّ كثيرا من الرجال و الرواة ينقل عنه أنّه كان علي خلاف المذهب، ثمّ رجع و حسن إيمانه، و القوم

يجعلون روايته من الصحاح، و هم غير عالمين بأنّ أداء الرواية متي وقع منه أبعد التوبة أم قبلها؟

فكيف يدلّ التوثيق علي حسن حاله في جميع عمره حتّي يعتمد علي روايته؟ إلّا أنّ هذا غير مختصّ بمحمّد هذا، بل هو عامّ في أكثر الثقات و العدول.

و يمكن دفعه بأنّ الثقة يلزمه إظهار ما صدر عنه في سابق أحواله، لو كان فيه ما يخالف الشرع، مع أنّ محمّدا هذا كما مرّ إنّما فسق و لعن، لانّه طار و غلا، فما كان السماع منه جائزا في العام الاوّل لذلك، لا أنّه أحدث في المسائل الشرعيّة ما لم يكن منها، أو ترك واجبا أو فعل حراما آخر، فلمّا تاب عن فسقه، فما بقي المانع من النقل عنه أصلا، فصار قوله في حكم الصحيح، و ذلك ما أردناه و الحمد للّه.

18- فائدة نفعها عائد ان شاء اللّه العزيز [تحقيق حال موسي بن بكر الواسطي]

موسي بن بكر الواسطي من أصحاب الكاظم عليه السلام، أصله كوفيّ و هو واقفيّ، له كتاب يرويه عنه جماعة، و ذكر الكشي رحمه اللّه في ترجمته روايات تدلّ علي اختصاصه به عليه السلام.

منها: ما رواه عن جعفر بن أحمد، عن خلف بن حمّاد، عن موسي بن بكر، قال: سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول: قال أبي عليه السلام: سعد امرؤ لم

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 146

يمت حتّي يري منه خلفا تقرّ به عينه، و قد أراني اللّه جلّ و عزّ من ابني هذا خلفا، و أشار بيده إلي العبد الصالح عليه السلام ما تقرّ به عيني. «1».

قال الفاضل القهبائي ملّا عناية اللّه قدّس سرّه: و ذكر أبو عمرو و الكشي رحمه اللّه في جعفر بن خلف بعد ذكر مثل هذه الرواية لمدح الرجل و اعتباره، حتّي يرتقي إلي ذروه التوثيق

هكذا: و فيه دلالة علي خصوصيته، و كأنّهما كان في مجلس السماع من الإمام عليه السلام، فدلّ علي توثيقهما و اعتبار الرواية فيهما، إذا لم يوجد في الطريق من يطعن فيه كما لا يخفي «2». انتهي كلامه رفع مقامه.

و هذا منه رحمه اللّه إشارة إلي ما رواه الكشي رحمه اللّه في ترجمة جعفر بن خلف من أصحاب أبي الحسن موسي عليه السلام، عن جعفر بن أحمد، عن يونس بن عبد الرحمن، عن جعفر بن خلف، قال: سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول: سعد امرؤ لم يمت حتّي يري منه خلفا، و قد أراني اللّه من ابني هذا خلفا، و أشار إليه يعني الرضا عليه السلام. و فيه دلالة علي خصوصيّته «3».

هذا كلام الشيخ الجليل الكشي رحمه اللّه في مقام الاستدلال علي اعتبار الراوي، و ليس له حكم الشهادة علي النفس، فإنّ المضمون ممّا لا ريب فيه، نقله غيره بطريق آخر، كما نقل في موسي بن بكر الواسطي مبسوطا عن أبي عبد اللّه عليه السلام.

و ممّا نقلنا ظهر أنّ موسي هذا، و ان كان واقفيّا، إلّا أنّه من خاصّة الكاظم عليه السلام و بطانته و ثقاته المعتبرين عنده، و كان في خدمته عليه السلام كثيرا، كما يظهر من ترجمة المفضّل بن عمر.

______________________________

(1) اختيار معرفة الرجال 2/ 737، برقم: 825.

(2) مجمع الرجال 6/ 151.

(3) اختيار معرفة الرجال 2/ 774، برقم: 905.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 147

و ممّا رواه الكشي رحمه اللّه بإسناده الصحيح إلي محمّد بن سنان، و هو أيضا صحيح كما فصّلناه، عن موسي بن بكر الواسطي، قال: أرسل إليّ أبو الحسن عليه السلام فأتيته، فقال لي: ما لي أراك مصفرا؟ و قال لي: أ لم آمرك

بأكل اللحم؟

فقلت: ما أكلت غيره منذ أمرتني.

فقال: كيف تأكله؟ فقلت: طبيخا، قال: كله كبابا، فأكلت فأرسل إليّ بعد جمعة، فاذا الدم قد عاد في وجهي، فقال لي: نعم.

ثمّ قال: يخفّ عليك أن نبعثك في بعض حوائجنا؟ فقلت: أنا عبدك فمرني بم شئت، فوجّهني في بعض حوائجه إلي الشام «1».

هذا آخر الرواية المذكورة في الكشي، فعلم أنّ رواية موسي هذا موثّقة إذا لم يكن في الطريق مانع من غير جهته.

19- فائدة [تحقيق حول شهاب]

قال الفاضل الاردبيلي رحمه اللّه في شرح الارشاد، بعد رواية بكير و زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام في رجل اضطرّ إلي ميتة و صيد و هو محرم، قال: يأكل الصيد و يفدي.

الظاهر أنّها صحيحة؛ إذ ليس فيها من لم يصرّح بتوثيقه في محلّه إلّا شهاب، و الظاهر أنّه ابن عبد ربّه، و قد صرّح بتوثيقه عند ذكر إسماعيل بن عبد الخالق، و يفهم من بعض الضوابط أيضا «2».

______________________________

(1) اختيار معرفة الرجال 2/ 737، برقم: 826.

(2) مجمع الفائدة 6/ 343.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 148

أقول: ما حكم بظهوره غير ظاهر؛ لأنّ شهابا مشترك بين ثلاثة: شهاب بن محمّد الزبيدي، و شهاب بن زيد البارقي، و شهاب بن عبد ربّه الأسدي، و كلّهم كوفيّون من أصحاب أبي عبد اللّه الصادق عليه السلام.

و الأوّلان مهملان، و لا قرينة هنا معيّنة، لا من جانب الراوي، و لا من جانب المرويّ عنه، فكيف يمكن القول بصحّة الرواية؟ بدعوي ظهور أنّه ابن عبد ربّه الثقة، و دون ثبوته خرط القتاد.

و بالجملة مجرّد دعوي الظهور من غير قرينة غير مسموع، إلّا أن يقال:

إنّ شهابا إذا أطلق ينصرف إلي المشهور المعروف بينهم.

و الأوّلان مجهولان و غير مذكورين في الفهرست، و الثاني منهما غير

مذكور في كتاب النجاشي أيضا، فكيف ينصرف المطلق إليهما، فهذا قرينة تدل علي أنّ المراد به ابن عبد ربّه الثقة فتأمّل.

و اعلم أنّ الروايات في شهاب بن عبد ربّه مختلفة، فبعضها يدلّ علي ذمّه، و بعضها علي مدحه، و نقل عن الشهيد الثاني رحمه اللّه أنّه قال: طرق الذمّ ضعيفة، و الاعتماد علي مدحه الموجب لإدخاله في الحسان.

و في الكشي في ترجمة إسماعيل بن عبد الخالق، عن حمدويه بن نصير، قال: سمعت بعض المشايخ يقول، و سألته عن وهب و شهاب و عبد الرحيم بني عبد ربّه، و إسماعيل بن عبد الخالق بن عبد ربّه، قال: كلّهم خيار فاضلون كوفيّون «1».

و في النجاشي في ترجمة إسماعيل هذا: إنّه وجه من وجوه أصحابنا، و فقيه من فقهائنا، و هو من بيت الشيعة، و عمومته شهاب و عبد الرحيم و وهب و أبوه عبد

______________________________

(1) اختيار معرفة الرجال 2/ 713، برقم: 783.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 149

الخالق كلّهم ثقات «1».

هذا ما أراده الفاضل الأردبيلي رحمه اللّه. و أمّا ما في الكشي، فلا يفيد توثيقه صريحا؛ لأنّه أعمّ منه كما صرّح به الشهيد الثاني في دراية الحديث.

حيث قال في بيان الألفاظ المستعملة في التعديل، هي قول المعدّل هو عدل، ثقة، حجّة، صحيح الحديث و ما أدّي معناه، و أمّا خيّر فقد يكون الخبر علي صفات لا تبلغ حدّ العدالة، و أمّا الفاضل فظاهر عمومه، لأنّ مرجع الفضل الي العلم و هو يجامع الضعف بكثرة «2». انتهي.

و هو كلام حقّ، كما يشاهد من حال كثير من الفضلاء.

20- فائدة [هيثم بن أبي مسروق و مروك بن عبيد]

قال في المدارك بعد قول المصنّف «و أقلّ ما يجزئ مثلا ما علي المخرج» هذه العبارة مجملة، و الأصل فيها ما رواه الشيخ عن

نشيط بن صالح، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته كم يجزئ من الماء في الاستنجاء من البول؟

فقال: مثلا ما علي الحشفة من البلل «3».

و هي ضعيفة السند؛ لأنّ من جملة رجالها الهيثم بن أبي مسروق، و لم ينصّ عليه الأصحاب بمدح يعتدّ به، و مروك بن عبيد و لم يثبت توثيقه «4».

______________________________

(1) رجال النجاشي ص 27.

(2) الرعاية ص 203- 207.

(3) تهذيب الاحكام 1/ 35.

(4) مدارك الاحكام 1/ 162- 163.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 150

أقول: هيثم بن أبي مسروق النهدي فاضل كأبيه عبد اللّه، كما صرّح به حمدويه «1»، قريب الامر، كما صرّح به النجاشي «2»، روي عنه سعد بن عبد اللّه، كما صرّح به الكشي «3»، و له كتاب يرويه عنه محمّد بن علي بن محبوب، و محمّد بن الحسن الصفّار، كما صرّحوا به. و كلّ واحد من هذه الأوصاف بانفراده يدلّ علي مدحه.

أمّا الاوّل و الثاني، فقد صرّح بدلالة كلّ منهما علي المدح شيخنا الشهيد الثاني في الدراية «4».

و أمّا الثالث و الرابع، فقد صرّح بدلالة كلّ منهما علي المدح مولانا عناية اللّه القهبائي في بعض حواشيه علي كتابه الموسوم بمجمع الرجال.

فإذن كان كلّ بحياله يدلّ علي مدحه، و بذلك يلحق حديثه إذا لم يكن في الطريق قادح من غير جهته بالحسن، كما صرّح بمثل ذلك الشهيد في الدراية، قائلا بأنّ الحسن عبارة عن رواية الممدوح من أصحابنا مدحا لا يبلغ حدّ التعديل.

فما ظنّك اذا اجتمع كلّها فيه، كما صرّحوا به، فإنّه كاد أن يفيد توثيقه و أكثر، فكيف يقال: إنّهم لم ينصّوا عليه بمدح يعتدّ به.

و أمّا مروك بن عبيد، فنقل الكشي عن محمّد بن مسعود أنّه قال: سألت علي بن الحسن،

عن مروك بن عبيد بن سالم بن أبي حفصة، فقال: ثقة شيخ صدوق «5».

______________________________

(1) اختيار معرفة الرجال 2/ 670.

(2) رجال النجاشي: 437.

(3) اختيار معرفة الرجال 1/ 346. ح 214.

(4) الرعاية في علم الدراية: 207- 208.

(5) اختيار معرفة الرجال 2/ 835، برقم: 1062.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 151

و قال الشيخ في الفهرست: له كتاب رويناه عن جماعة «1».

و قال النجاشي: قال أصحابنا القميّون: نوادره أصل «2».

و لم يقدح فيه أحد من أئمّة الرجال مع تصريحهم بما سبق، فكيف يقال:

لم يثبت توثيقه؟ و يحكم بضعف سند الرواية، و هي حسنة كالصحيحة.

نعم علي أصل الحكم إشكال مشهور، و هو أن الغلبة و الجريان معتبر في الغسل، و ظاهر أنّ هذا منتف من كلّ من المثلين؛ إذ المماثل لما علي الحشفة من البلل لا يغلب عليه، فلا يحصل الجريان، فكيف يكون مجزيا؟

و أجيب: بأن الحشفة تتخلّف عنها بعد خروج البول قطرة غالبا، فلعلّ المماثلة بين هذه و ما يرد عليها من الماء الذي مثلها. و لا ريب أنّ القطرة يمكن إجراؤها علي المخرج، و غلبتها علي البلل الذي في حواشيه.

و هنا إشكال آخر: و هو أنّهم شرطوا تخلّل الفصل بين المثلين، لتحقّق تعدّد الغسل، قالوا: فلو ورد المثلان من الماء دفعة واحدة، كان ذلك غسلة واحدة، مع أنّ نشيط بن صالح روي أيضا عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال: يجزئ من البول أن تغسله بمثله.

و أجاب عنه الشيخ في الاستبصار، بأنّ هذا الخبر لا ينافي الأوّل، لاحتمال أن يكون الضمير في قوله «بمثله» راجعا إلي البول، لا إلي ما بقي منه، و ذلك أكثر من الذي اعتبرنا من مثلي ما عليه.

و فيه تأمّل؛ لأنّ قوله «يجزئ» ينافر بمفهومه

ما احتمله، فإنّه يفيد عدم إجزائه ما هو أقلّ منه، و لا ريب أن غسل مخرج البول و تطهيره يمكن بأقلّ من مثله بكثير.

______________________________

(1) الفهرست ص 170.

(2) رجال النجاشي ص 425.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 152

و أيضا فانّ البول يختلف كمّا باختلاف الأشخاص و الأوقات، فتارة يكون كثيرا، و أخري قليلا فكيف يحدّ تطهيره بمثله؟ و يلزم منه وجوب أن يكون الغسل كثيرا اذا كان البول كثيرا، و قليلا إذا كان قليلا، و لا دخل لقلّة البول و كثرته في الحاجة إلي قلّة الغسل و كثرته؛ لأنّ مخرج البول و حواشيه ينجس بخروجه، قليلا كان أم كثيرا، فتطهيره لا يتفاوت علي الحالين.

و يمكن التوفيق بينهما، بأنّ أقل ما يجزئ من الماء في الاستنجاء من البول مثل ما يبقي منه علي الحشفة من القطرة.

فإنّ تلك القطرة- كما سبق- يمكن إجراؤها علي المخرج، و ما علي حواشيه من البلل، و أكمل منه في الاجراء و الاجزاء مثلا ما عليها من القطرة، لما فيهما من قوّة الغلبة و شدّتها، و الاستظهار في إزالة النجاسة.

و أمّا ما قيل: إنّ المثلين كناية عن الغسلة الواحدة، لاشتراط الغلبة في المطهر، و هو لا يحصل بالمثل.

فإن أراد به مثل ما علي الحشفة من البلل، فمسلّم أنّه لا يغلب عليه، و لكنه لا يضر بما قلناه. و ان أراد به مثل ما عليها من القطرة، فممنوع عدم حصوله به، و السند ما مرّ، فتأمّل.

21- فائدة [تحقيق حال وهب بن حفص]

قال مولانا أحمد روح اللّه روحه في شرح الإرشاد، بعد قول مصنّفه «و لو استمع علي المجامع من غير نظر فلا شي ء»: و كذا لو استمع كلام امرأة فأمني في الحالين.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 153

دليل عدم شي ء عليهما هو الأصل،

و عدم ظهور دليل موجب، مع عدم ظهور فعل محرّم خصوصا في الثاني، و يدلّ عليه ايضا حسنة أبي بصير، قاله في المنتهي، و هو غير ظاهر، لوجود وهب بن حفص في الطريق، و هو غير ممدوح قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل يسمع كلام امرأة من خلف حائط و هو محرم فتشهي حتّي أمني، قال: ليس عليه شي ء «1».

و علي الأوّل رواية سماعة بن مهران، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

في محرم استمع علي رجل يجامع أهله فأمني، قال: ليس عليه شي ء «2».

و لا يضرّ ضعف السند بمحمّد بن سماعة لما تقدّم «3».

و الظاهر أنّه أراد به ما مرّ من الأصل و ما عطف عليه.

أقول: وهب بن حفص مكبّرا غير مذكور في كتب الرجال، و إنّما المذكور فيه وهيب بن حفص مصغّرا، و هو واقفيّ ثقة، كما صرّح به النجاشي في كتابه.

حيث قال فيه: وهيب بن حفص أبو علي الجريري، روي عن أبي عبد اللّه و أبي الحسن عليهما السلام، و وقف و كان ثقة، و صنّف كتبا، ثمّ عدّها و أسندها باسناده اليه «4»

و في مشيخة الفقيه: إنّه المعروف. بالمشوف «5».

فالسند علي الأوّل مجهول، و علي الثاني موثّق، بل مجهول أيضا، لاشتراك وهيب بن حفص بين الثقة المذكور، و بين غيره و هو وهيب بن حفص النحّاس

______________________________

(1) تهذيب الاحكام 5/ 328، ح 38.

(2) تهذيب الاحكام 5/ 328، ح 39.

(3) مجمع الفائدة 7/ 28- 29.

(4) رجال النجاشي ص 431.

(5) مشيخة الفقيه 4/ 465، و فيه: المنتوف، و في الهامش: في بعض النسخ: المسوف.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 154

المهمل.

و لا قرينة تدلّ علي أنّ المراد به في الرواية هو الأوّل، و علي

تقدير وجودها فالرواية موثّقة لا حسنة، فوصفها بها ممّا لا أعرف له وجها.

و لعلّ نظر الأردبيلي قدّس سرّه حيث قال: و هو غير ممدوح. إلي الثاني و هو وهيب بن حفص النّحاس المهمل، و إلّا فالاوّل موثّق، و لكنّ توثيقه لكونه واقفيّا لا يفيد كون الرواية حسنة كما عرفت.

هذا علي تقدير كون النسخة وهيبا مصغّرا، و لكنّ المذكور في نسخة شرحه التي عندنا وهب مكبّرا كما سبق.

و كذا الكلام في محمّد بن سماعة، فإنّه أيضا مشترك بين اثنين: محمّد بن سماعة البكري الكوفي، و محمّد بن سماعة بن موسي مولي عبد الجبّار بن وائل.

و الأوّل من أصحاب الصادق عليه السلام مهمل، و الثاني من أصحاب الرضا عليه السلام ثقة في أصحابنا وجه له كتب، عدّها و أسندها اليه النجاشي في كتابه. فالسند: إمّا مجهول، أو صحيح، لا ضعيف.

و لعلّه أراد به المجهول، فإنّه قد يطلق علي مثله الضعيف، كما صرّح به الشهيد الثاني في دراية الحديث، و إن كان أكثر ما يطلق الضعيف في كلامهم علي رواية المجروح خاصّة، و اللّه يعلم.

22- فائدة [عبد اللّه بن بكير]

قال في المدارك بعد نقله قول المصنّف «و قيل: من به البطن إذا تجدّد حدثه في الصلاة تطهّر و بني» هذا قول معظم الأصحاب، و احتجّوا عليه بموثّقة محمّد

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 155

بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: صاحب البطن الغالب يتوضّأ، ثمّ يرجع في صلاته و يتمّ ما بقي «1».

و في طريقها عبد اللّه بن بكير، و هو فطحي، و ذكر جدّي قدّس سرّه أنّها من الصحيح، و العمل بها متعيّن لذلك، و هو غير جيّد «2».

أقول: لعلّ مراد جدّه قدّس سرّهما بكونه من الصحيح، ما أشار إليه في دراية

الحديث، من أنّهم أطلقوا الصحيح علي بعض الأحاديث المروية عن غير الإمامي «3» بسبب صحّة السند اليه، فقالوا في صحيحة فلان: و وجدناها صحيحة بمن عداه.

و في الخلاصة و غيرها: إنّ طريق الفقيه إلي معاوية بن ميسرة، و إلي عائذ الاحمسي، و إلي خالد بن نجيح، و إلي عبد الأعلي مولي آل سام، صحيح.

مع أنّ الثلاثة لم ينصّ عليهم بتوثيق و لا غيره، و الرابع لم يوثّقه و إن ذكره في القسم الأوّل، و كذلك نقلوا الإجماع علي تصحيح ما يصحّ عن أبان بن عثمان مع كونه فطحيّا «4». انتهي.

فلا بعد في أن تكون تسمية هذه الرواية صحيحة، و في طريقها عبد اللّه بن بكير و هو فطحيّ، كأبان بن عثمان، من هذا القبيل أو من قبيل القسم الأوّل، فتأمّل.

فان قلت: قوله «و العمل به متعيّن» ينافيه.

قلت: لا منافاة بينهما، فإنّ كثيرا منهم عملوا بالموثّق كعملهم بالصحيح

______________________________

(1) تهذيب الاحكام 1/ 350.

(2) المدارك 1/ 243.

(3) في المصدر: اماميّ.

(4) الرعاية في علم الدراية للشهيد الثاني: 79- 80.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 156

فلعلّه منهم، و يدلّ علي ما قلناه صريحا ما ذكره الشيخ البهائي قدّس سرّه في مشرق الشمسين بقوله:

انّهم يصفون بعض الأحاديث التي في سندها من يعتقدون أنّه فطحيّ أو ناووسيّ بالصحّة، نظرا إلي اندراجه في من أجمعوا علي تصحيح ما يصحّ عنهم.

و علي هذا جري العلّامة في المختلف، حيث قال في مسألة ظهور فسق إمام الجماعة: إنّ حديث عبد اللّه بن بكير صحيح.

و في الخلاصة حيث قال: إنّ طريق الصدوق إلي أبي مريم الأنصاري صحيح، و إن كان في طريقه أبان بن عثمان، مستندا في الكتابين إلي إجماع العصابة علي تصحيح ما يصحّ عنهما.

و قد جري شيخنا

الشهيد الثاني علي هذا المنوال أيضا، كما وصف في بحث الردة من شرح الشرائع حديث الحسن بن محبوب عن غير واحد بالصحّة، و أمثال ذلك في كلامهم كثير فلا تغفل «1».

و بالجملة لجدّه قدّس سرّهما يد طولي و قدم راسخة في هذا الفنّ، فإذا صدر منه ما يخالف ظاهر ما هو المشهور فيهم و له محمل صحيح، وجب حمله عليه، صونا له عن النقصان، و باللّه التوفيق و عليه التكلان.

23- فائدة [محمّد بن عيسي بن عبيد اليقطيني]

قال في المدارك بعد قول المصنّف «و تسجد لو تلت السجدة و كذا لو استمعت»: تقييد المصنّف السجود بالاستماع الذي يكون معه الإصغاء، يفهم منه عدم الوجوب بالسماع، و به صرّح في المعتبر.

______________________________

(1) مشرق الشمسين: 270.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 157

و استدلّ بما رواه عبد اللّه بن سنان، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل سمع السجدة، قال: لا يسجد إلّا أن يكون منصتا لقراءته مستمعا لها و يصلّي بصلاته، فأمّا أن يكون في ناحية و أنت في أخري فلا تسجد إذا سمعت «1».

و في الطريق محمّد بن عيسي عن يونس، و فيه كلام مشهور «2».

أقول: قد سبق في بعض المسائل السابقة أنّ محمّد بن عيسي بن عبيد اليقطيني ثقة عين جليل في أصحابنا.

و إنّ الكلام المشهور فيه هو ما ذكره أبو جعفر بن بابويه عن ابن الوليد أنّه قال: ما تفرّد به محمّد هذا عن يونس ذاك و لم يرو غيره لا يعتمد عليه «3». ممّا لا يعتمد عليه فارجع اليه.

و أمّا يونس بن عبد الرحمن، فإنّه و إن ورد فيه مدح و قدح، إلّا أنّه ثقة جليل فاضل، حتّي روي بطريق صحيح عن عبد العزيز بن المهتدي القمّي وكيل الرضا عليه السلام

و خاصّته أنّه قال: إنّي سألته فقلت: إنّي لا أقدر لقاءك في كلّ وقت، فعمّن آخذ معالم ديني؟ فقال: خذ عن يونس بن عبد الرحمن «4».

و هذه منزلة عظيمة، و له مدائح كثيرة ليس هذا محلّها.

فظهر أنّ هذا الحديث صحيح الطريق، صالح للتمسّك بما فيه. فما اعتبره في المعتبر من عدم وجوب السجدة بالسماع معتبر، لقوّة دليله و صحّته المتعاضدة بالأصل.

______________________________

(1) فروع الكافي 3/ 318، ح 3.

(2) مدارك الاحكام 1/ 349- 350.

(3) رجال النجاشي ص 333.

(4) اختيار معرفة الرجال 2/ 779.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 158

24- فائدة [تحقيق حول الطاطري]

قال في المدارك بعد نقله علامات القبلة: اعلم أنّ أكثر هذه العلامات التي ذكرها الأصحاب في معرفة القبلة مأخوذ من كلام أهل الهيئة، و الظاهر أنّ أكثر أهل ذلك العلم مقلّدون لغيرهم؛ لأنّ معرفتهم بذلك موقوفة علي ملاحظة الارصاد، و العلم بعروض البلاد و أطوالها.

و هو مشكل جدّا، إلّا أنّ الاعتبار يشهد لها، و الاكتفاء باستقبال القبلة ما يصدق عليه أنّه جهة المسجد الحرام.

و الذي وقفت عليه في هذا الباب من النصوص روايتان ضعيفتا السند، إحداهما: رواية الطاطري عن جعفر بن سماعة، عن علاء بن رزين، عن محمّد بن مسلم، عن أحدهما قال: سألته عن القبلة، قال: ضع الجدي في قفاك و صلّ «1».

و الثانية: رواها ابن بابويه في كتابه مرسلا، قال: اجعله علي يمينك، و إذا كنت في طريق الحج فاجعله بين كتفيك «2». و هما مؤيّدتان لما ذكرناه «3».

أقول: و فيه نظر؛ لأنّ الرواية الأولي: إمّا موثّقة، أو مجهولة لا ضعيفة؛ لأنّ «4» علي بن الحسن بن محمّد الطائي المعروف بالطاطري، و إن كان واقفيّا شديد العناد في مذهبه، صعب العصبيّة علي من خالفه من الإماميّة، لكنّه كان

فقيها ثقة

______________________________

(1) تهذيب الاحكام 2/ 45.

(2) من لا يحضره الفقيه 1/ 181.

(3) مدارك الاحكام 3/ 128.

(4) في نسخة: فان.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 159

في حديثه، صرّح به النجاشي في كتابه «1».

و كذا جعفر بن محمّد بن سماعة ثقة في حديثه واقف، له كتاب النوادر كبير، نصّ عليه النجاشي «2» أيضا.

و الظاهر أنّه في ذلك تبع شيخه المحقّق المدقّق قدّس سرّهما، فإنّه قال في آيات أحكامه: و ليس من الأخبار الآن إلّا خبر واحد في التهذيب، في نهاية ما يكون من ضعف السند، فإنّه قال عن الطاطري بغير واسطة عن جعفر بن محمّد بن سماعة السند.

ثمّ قال: و طريقه إليه غير واضح، و هو ضعيف جدّا علي ما ذكروه، و في الطريق جعفر بن سماعة، و هو أيضا من الضعفاء، و آخر في الفقيه بغير إسناد، قال رجل للصادق عليه السلام: إنّي أكون في السفر و لا أهتدي إلي القبلة بالليل، فقال: أ تعرف الكوكب الذي يقال له جدي؟ قلت: نعم، قال: اجعله علي يمينك، و إذا كنت في طريق الحج فاجعله بين كتفيك.

و هما مع ما في سندهما في غاية الإجمال كما تري، و أستبعد من الحكيم العليم أن يكلّف بمثل هذا التكليف الشاقّ بهذه الادلّة فقط «3».

أقول: ما أفاده من عدم وضوح طريق الشيخ إلي الطاطري حقّ، فإنّ طريقه إليه في التهذيب مجهول. نعم طريقه إليه في الفهرست موثّق و لكنّه غير مضرّ «4»؛ إذ الظاهر أنّ الشيخ أخذ هذا الخبر من كتاب الطاطري، كما يدلّ عليه ما ذكره في المشيخة بقوله:

______________________________

(1) رجال النجاشي ص 255.

(2) رجال النجاشي ص 119.

(3) زبدة البيان ص 66.

(4) في نسخة: غير مفيد.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 160

و اقتصرنا من إيراد

الخبر علي الابتداء بذكر المصنّف الذي أخذنا الخبر من كتابه، أو صاحب الأصل الذي أخذنا الحديث من أصله «1».

فجهالة الطريق إلي كتابه لا يضرّ في الرواية، نظرا إلي أنّهم من مشايخ الاجازة لكتب غيرهم، و إنّما يذكرون لمجرّد اتّصال السند، لا أنّهم من المصنّفين، حتّي يحتاج في صحّة روايتهم إلي توثيقهم.

و للطاطري كتب في الفقه، رواها عن الرجال الموثوق بهم و بروايتهم، كما صرّح به الشيخ في الفهرست، ثمّ قال: و لذلك ذكرناها، ثمّ عدّها إلي أن قال:

و منها كتاب القبلة «2».

و الظاهر أنّ الشيخ أخذ هذا الخبر من هذا الكتاب، و طريقه إليه في الفهرست موثّق، فثبت أنّ هذا السند موثّق لا ضعيف؛ لانّ من قول الشيخ «رواها عن الرجال الموثوق بهم و بروايتهم» يستفاد توثيق جعفر بن سماعة و روايته أيضا زائدا علي ما نقلناه عن النجاشي، فتوثيقه صريحا و ضمنا متّفق عليه الشيخان.

ثمّ علي ما عليه الفاضل الأردبيلي من عدم وضوح طريقه اليه، فالصواب أن يقال: هذه رواية مجهولة السند.

فان قلت: الضعيف كما يطلق علي ما اشتمل طريقه علي مجروح بالفسق و نحوه، كذلك يطلق علي ما اشتمل طريقه علي مجهول الحال، فلعلّه اراد بالضعيف هنا هذا، فيكون موافقا لما ذكرتم من كون الرواية مجهولة السند علي طريقه.

قلت: لا يمكن أن يراد به هنا أحد هذين المعنيين، أمّا الاوّل فظاهر، و أمّا

______________________________

(1) مشيخة التهذيب 10/ 4.

(2) الفهرست ص 92.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 161

الثاني فكذلك؛ لأنّ الطاطري و ابن سماعة معروفان، كما سبق أنّهما واقفيّان ثقتان في حديثهما.

و لعلّه سمّاها ضعيفة لاشتمال طريق الشيخ إلي الطاطري في التهذيب علي مجهول الحال، أو أنّه جعل الوقف فسقا، فسمّي الرواية لذلك ضعيفة. أو أراد بالضعيف

هنا ما ليس بصحيح، و هو استعمال للضعيف في غير موارده.

ثمّ إنّ النصّ و الإجمال قسيمان متنافران، فقول أحدهما إنّهما في غاية الإجمال ينافر قول الآخر إنّهما من النصوص، و يمكن دفعه بالعناية. فتأمّل.

25- فائدة [إبراهيم بن عبد الحميد و درست]

قال في المدارك بعد قول المصنّف قدّس سرّهما «و تكره الطهارة بماء اسخن بالشمس في الآنية» الأصل في ذلك ما رواه إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي الحسن عليه السلام قال: دخل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله علي عائشة و قد وضعت قمقمتها في الشمس، فقال: يا حميراء ما هذا؟! فقالت: أغسل رأسي و جسدي، فقال: لا تعودي فإنّه يورث البرص «1».

و حكم المصنّف في المعتبر «2» بصحّة سند هذا الحديث، و هو غير واضح؛ لانّ في طريقه إبراهيم بن عبد الحميد و درست، و هما واقفيّان، و محمّد بن عيسي العبيدي و فيه كلام «3».

أقول: قد مرّ الكلام علي هذا الكلام غير مرّة فلا نعيده.

______________________________

(1) تهذيب الاحكام 1/ 366.

(2) المعتبر 1/ 40.

(3) مدارك الاحكام 1/ 116.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 162

و أمّا إبراهيم بن عبد الحميد، فذكر الفضل بن شاذان أنّه صالح «1». و هذا يشعر بعدم وقفه؛ لأنّ الإمامي لا يقول: إنّ الواقفي صالح إلّا أن يراد به أنّه صالح الحديث.

و وثّقه الشيخ في الفهرست «2»، و أثبت له أصلا و كتابا، ثمّ ذكر الاسناد إليه، و قال في آخر السند بعد ذكر اسمه: رحمه اللّه. و الرحمة عندهم قرين التوثيق.

و هذا يدلّ علي أنّ كونه واقفا كما في «كش» غير ثابت عنده؛ إذ بعيد من مثل الشيخ أن يقول للواقفي: رحمه اللّه، و هو شرّ الخلق، كما في حديث الحكم بن عيص عن أبي عبد اللّه عليه

السلام «3».

و كانت الزيديّة و الواقفة و النصّاب عند الرضا عليه السلام بمنزلة واحدة كما في رواية أخري «4».

و في رواية ابن أبي يعفور عن الصادق عليه السلام أنّه قال: اللّه و رسوله منهم- أي: من الواقفة- بري ء و نحن منهم براء «5».

هذا و أمّا النجاشي، فلم يزد في ترجمة إبراهيم هذا علي أن قال: هو أخو محمّد بن عبد اللّه بن زرارة لأمّه، روي عن أبي عبد اللّه عليه السلام، له كتاب «6».

نعم درست بن أبي منصور الواسطي واقفيّ علي المشهور، لا مدح فيه سوي أنّ له كتابا، فسند الحديث به ضعيف.

و لعلّ مراد المحقّق رحمه اللّه بصحّته، ما نقلناه سالفا من أنّهم «7» اطلقوا

______________________________

(1) اختيار معرفة الرجال 2/ 744.

(2) الفهرست ص 7.

(3) اختيار معرفة الرجال 2/ 758.

(4) اختيار معرفة الرجال 2/ 761.

(5) اختيار معرفة الرجال 2/ 762.

(6) رجال النجاشي ص 20.

(7) في نسخة: سابقا عن الشهيد الثاني رحمه اللّه أنه قال في دراية الحديث أنهم.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 163

الصحيح علي بعض الأحاديث المرويّة عن غير إماميّ بسبب صحّة السند إليه، فقالوا: في صحيحة فلان؛ و وجدناها صحيحة بمن عداه «1».

إذ من البعيد أن يذهب علي المحقّق ضعف درست و واقفيّته، و هو مشهور مذكور في «كش و ست و جش» مهملا.

إلّا أنّه قال: و معني درست أي: صحيح، له كتاب يرويه جماعة. و لمّا سئل بعض ظرفاء فضلائنا المتأخّرين عن درست هذا. قال: نادرست است، و فيه ذمّ و لطيفة لا يخفي.

ثمّ أقول: و فوق هذا كلام، و هو أنّه يمكن توجيه كلام المحقّق بوجه آخر، بأن يقال: إنّ واقفيّة درست بن أبي منصور غير ثابت، إذ لم يذكرها إلّا الكشي عن حمدويه

عن بعض أشياخه «2».

و هذا الشيخ غير معلوم الحال، فبمجرّد ذلك لا تثبت واقفيّته، و لذلك لم يضف إليه الوقف الشيخان الجليلان الطوسي و النجاشي، و هو من أصحاب موسي بن جعفر و علي بن موسي عليهم السلام علي ما في الكشي، و هو غريب؛ إذ القول بالوقف لا يجامعه.

و الظاهر أنّ هذا منه رحمه اللّه إشارة إلي عدم ثبوت واقفيّته عنده أيضا، فتأمّل فإنّه دقيق و بذلك حقيق، و من اللّه الإلهام و هو وليّ الانعام.

و له كتاب يرويه عنه جماعة، منهم محمّد بن أبي عمير علي ما في «جش» «3» و قد سبق عن بعض أصحابنا المتأخّرين الماهرين في هذا الشأن أنّ من المدح أن يكون الرجل راويا عن أحد من النّبيّ أو أحد من الائمّة عليهم السلام، أو يكون له

______________________________

(1) الرعاية في علم الدراية: 79.

(2) اختيار معرفة الرجال 2/ 830.

(3) رجال النجاشي: 162.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 164

كتاب، أو يروي عنه معتبر.

و كلّ ذلك قد جمع في درست؛ لانّه روي عن أبي عبد اللّه الصادق عليه السلام علي ما في «جش» و عن الكاظم و الرضا عليهما السلام علي ما في «كش» و قد سبق.

و له كتاب يرويه عنه أفضل المعتبرين محمّد بن أبي عمير، حتّي أنّ المشهور فيهم أنّه لم يرو إلّا عن عدل، كما أشار اليه شيخ الطائفة، و تبعه في ذلك جلّ المتأخّرين، بل كلّهم. فيظهر من بعد إمعان النظر أنّ قول صاحب المعتبر بصحّة سند هذا الحديث معتبر واضح لا خفاء فيه.

و من هنا يظهر أنّ درست بن أبي منصور صحيح كاسمه، فالاسم و المسمّي متطابقان، خلافا للمشهور و لا عبرة به؛ اذ ربّ مشهور لا أصل له، و

اللّه وليّ التوفيق.

26- فائدة [أبو بصير و القاسم بن محمد الجوهري]

قال صاحب المدارك بعد قول المصنّف قدّس سرّهما «و الزوج أولي بالمرأة من عصباتها و إن قربوا»: هذا هو المعروف من مذهب الاصحاب و استدلّوا عليه بما رواه الشيخ عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال قلت له: المرأة تموت من أحقّ الناس بالصلاة عليها؟ قال: زوجها، قلت: الزوج أحقّ من الأب و الولد و الأخ؟ فقال: نعم و يغسلها «1».

و مقتضي الرواية أنّ الزوج أولي من جميع الأقارب، العصبات و غيرها، لكنّها ضعيفة السند جدّا، باشتراك راويها بين الثقة و الضعيف، بل الظاهر أنّه هنا

______________________________

(1) تهذيب الاحكام 3/ 205.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 165

الضعيف، بقرينة كون الراوي عنه قائده و هو علي بن أبي حمزة البطائني. و قال النجاشي: إنّه كان أحد عمد الواقفيّة «1». و في الطريق القاسم بن محمّد، و هو واقفيّ أيضا.

و العجب من حكم المصنّف رحمه اللّه في المعتبر «2» مع ذلك بأنّ هذه الرواية سليمة السند. و روي الشيخ في الصحيح عن حفص بن البختري عن أبي عبد اللّه عليه السلام في المرأة تموت و معها أخوها و زوجها أيّهما يصلّي عليها؟ فقال:

اخوها أحقّ بالصلاة عليها «3».

و عن عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الصلاة علي المرأة، الزوج أحقّ أو الأخ؟ قال: الأخ «4».

ثمّ أجاب عنهما بالحمل علي التقيّة، و هو يتوقّف علي وجود المعارض «5».

أقول: المراد بأبي بصير هذا يحيي بن أبي القاسم أبو محمّد، بقرينة الرّاوي، فإنّ عليّا هذا كان قائده، و هو قرينة علي تميّز أبي بصير هذا عن غيره إذا أطلق.

و قد سبق أنّه كان ثقة وجيها من أصحاب الباقر و الصادق

و الكاظم عليهم السلام، و إنّ الاشتراك اشتباه، و قد حقّقنا ذلك فيما سلف.

و أمّا القاسم بن محمّد الجوهري، فمختلف فيه، نقل الكشي أنّه كان واقفيّا، و أمّا «ست» و «جش» فلم يسندا إليه الوقف، و هو من أصحاب أبي

______________________________

(1) رجال النجاشي ص 249.

(2) المعتبر 2/ 346.

(3) تهذيب الاحكام 3/ 205، ح 33.

(4) تهذيب الاحكام 3/ 205، ح 32.

(5) مدارك الاحكام 4/ 159.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 166

ابراهيم موسي بن جعفر عليهما السلام.

و له كتاب يرويه عنه الحسين بن سعيد الأهوازي المشهور، و قد سبق أنّ من المدح أن يكون الرجل راويا عن أحد منهم عليهم السلام، أو يكون له كتاب، أو يروي عنه معتبر.

و هذه كلّها قد جمعت فيه، و واقفيّته غير ثابتة؛ إذ نقل عبد اللّه بن جعفر الحميري في أواخر الجزء الثالث من قرب الاسناد أنّه ذكر عند الرضا عليه السلام القاسم بن محمّد و سعيد بن المسيّب، فقال عليه السلام: كانا علي هذا الأمر.

و السند مذكور عند ترجمة سعيد بن المسيّب، مع أنّ القاسم هذا و ان كان مذكورا في طريق التهذيب و الكافي، إلّا أنّه غير مذكور في طريق الفقيه.

فإنّه قال في مشيخته: و ما كان فيه عن أبي بصير، فقد رويته عن محمّد بن علي ما جيلويه رضي اللّه عنه، عن عمّه محمّد بن القاسم، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن محمّد بن أبي عمير، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير «1».

و هذا السند- كما تري- سليم إلي علي هذا.

و أمّا هو فقال المحقّق في المعتبر- بعد أن استدلّ علي طهارة سؤر الجلّال برواية علي بن أبي حمزة و عمار- لا يقال: علي بن أبي

حمزة واقفيّ و عمّار فطحيّ، فلا يعمل بروايتهما.

فلأنّا نقول: الوجه الذي لأجله عمل برواية الثقة قبول الأصحاب، و انضمام القرائن، لأنّه لو لا ذلك لمنع العقل من العمل بخبر الثقة، إذ لا قطع بقوله، و هذا المعني موجود هنا، فإنّ الأصحاب عملوا برواية هؤلاء كما عملوا

______________________________

(1) مشيخة الفقيه 4/ 431- 432.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 167

هناك «1». انتهي.

و الظاهر أنّ هذا مراده بكون هذه الرواية سليمة السند، يعني أنّها سليمة عمّا يمنع من العمل بها، فإنّ الأصحاب عملوا بها هنا علي ما اعترف به الباحث كما عملوا هناك.

و ممّا قرّرناه خرج حكمه هذا عن أن يكون محلّ تعجّب. و منه يثبت ما يتوقّف عليه الحمل علي التقيّة من وجود المعارض، فإنّ هذه الرواية المعمول بها عند الأصحاب، و ما في معناها من الرواية القويّة السند أو الحسنة كما سنذكرها، لا شكّ أنّهما تعارضان ما رواه الشيخ من الروايتين، و لذا حملهما علي التقية، فتأمّل.

و في الكافي عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن إسماعيل بن مرّار، عن يونس، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن المرأة تموت من أحقّ أن يصلّي عليها؟ قال: الزوج قلت: الزوج أحقّ من الأب و الأخ و الولد؟ قال: نعم «2».

و هذه الرواية كما تري قويّة السند؛ إذ ليس فيها من لم يثبت توثيقه إلّا ابن مرّار، فإنّه ممّن لا قدح فيه و لا مدح، سوي أنّه روي عن يونس بن عبد الرحمن، و روي عنه إبراهيم بن هاشم.

و هذا و ان كان نوع مدح له، كما صرّح به بعض أصحابنا ممّن له قدم في هذا الفنّ، حيث قال: إنّ الرجل إذا كان راويا عن معتبر،

أو يروي عنه المعتبر، فذاك دليل الاعتبار و المدح، لكنّه لا يفيد توثيقه.

و عليه فالخبر بين حسن و قويّ؛ إذ المراد به مرويّ الإماميّ الغير الممدوح

______________________________

(1) المعتبر 1/ 94.

(2) فروع الكافي 3/ 177، ح 3.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 168

و لا المذموم، كما صرّح به شيخنا في دراية الحديث.

فإذا انضمّ اليه و إلي ما سبقه من الرواية عمل الأصحاب و اتّفاقهم عليه، صار بحيث يعارض كلّ ما يخالفه، فيجب حمله علي التقيّة، كما حمله عليها شيخ الطائفة، كذلك يفعل الرجل البصير.

هذا و الأحوط استئذان الزوج عن الأب و الأخ و الولد إذا أراد الصلاة علي امرأته و لها هؤلاء العصبة، و بالعكس إذا أراد أحد منهم أن يصلّي عليها، و كذا الأجنبيّ يستأذن منهم جميعا.

لئلّا يكون هو أو واحد منهم غاصبا حقّ آخر؛ لأنّ ثبوت الإجماع علي ما هو المعروف من مذهب الأصحاب مشكل.

و سند الروايتين الدالّتين عليه لا يخلو من شي ء، فمعارضتهما صحيح الأخبار أشكل، فيشكل حمله علي التقيّة، فالاحتياط يقتضي ما ذكرناه، فخذ الحائط لدينك لتكون في العمل علي يقينك، و اللّه المستعان و عليه التكلان.

27- فائدة [تحقيق حول كلام الشيخ البهائي في تنويع الحديث]

قال الشيخ البهائي قدّس سرّه في مشرق الشمسين: قد استقرّ اصطلاح المتأخّرين من علمائنا علي تنويع الحديث المعتبر و لو في الجملة إلي الأنواع المشهورة الثلاثة، أعني: الصحيح، و الحسن، و الموثّق.

و لم يكن هذا الاصطلاح معروفا بين القدماء، كما هو ظاهر لمن مارس كلامهم، بل كان المتعارف بينهم إطلاق الصحيح علي كلّ حديث اعتضد بما يقتضي اعتمادهم عليه، و اقترن بما يوجب الوثوق به و الركون إليه، و ذلك أمور:

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 169

منها: وجوده في كثير من الاصول الأربعمائة.

و منها: تكرّره في أصل أو أصلين منها

فصاعدا بطرق مختلفة.

و منها: وجوده في أصل معروف الانتساب إلي أحد الجماعة الذين أجمعوا علي تصديقهم، أو تصحيح ما يصحّ عنهم.

و منها: اندراجه في أحد الكتب التي عرضت علي أحد الأئمّة عليهم السلام فأثنوا علي مؤلّفها.

و منها: أخذه من أحد الكتب التي شاع بين سلفهم الوثوق بها و الاعتماد عليها، سواء كان مؤلّفها من الإماميّة أو غيرها.

ثمّ قال: و أوّل من سلك هذا الطريق و وضع لنا هذا الاصطلاح الجديد علمائنا المتأخّرين شيخنا العلّامة قدّس سرّه.

أقول: لا أعرف لما أفاده رحمه اللّه هنا، و تبعه فيه بعض تلامذته، وجها؛ فإنّ «كش و جش و غض و ست» و غيرهم من أرباب الرجال السابقين علي العلّامة ذكروا في كتبهم أنّ فلانا مثلا ضعيف، أو عدل، أو ثقة، أو حجّة، أو هو صحيح الحديث، أو متقن، حافظ، ضابط، يحتجّ بحديثه، صدوق لا بأس به، شيخ، جليل، صالح، مشكور، خيّر، فاضل، ممدوح، زاهد، عالم، مسكون إلي روايته و نحو ذلك.

و لا معني لكون سند الحديث صحيحا أو ضعيفا أو حسنا أو موثّقا أو غير ذلك باصطلاح المتأخّرين إلّا هذا.

فإنّ جميع رجال السند إن كانوا موثّقين من الفرقة الناجية كان السند صحيحا، و إن اشتمل علي ضعيف فضعيف، أو علي موثّق غير إماميّ فموثّق، و هكذا.

و أيضا فقول الشهيد الثاني في دراية الحديث: و اختلفوا في العمل بالحسن،

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 170

فمنهم من عمل به مطلقا كالصحيح، و هو الشيخ رحمه اللّه علي ما يظهر من عمله، و كلّ من اكتفي في العدالة بظاهر الإسلام و لم يشترط ظهورها.

و منهم من ردّه مطلقا و هم الأكثرون، حيث اشترطوا في قبول الرواية الإيمان و العدالة، كما قطع به العلّامة في

كتبه الاصوليّة و غيره.

و العجب أنّ الشيخ اشترط ذلك أيضا في كتب الأصول، و وقع له في كتب الحديث و الفروع الغرائب، فتارة يعمل بالخبر الضعيف مطلقا، حتّي أنّه يخصّص به أخبارا كثيرة صحيحة حيث يعارضه بإطلاقها، و تارة يصرّح بردّ الحديث بضعفه، و أخري بردّ الصحيح معلّلا بأنّه خبر واحد لا يوجب علما و لا عملا، كما هي عبارة المرتضي «1».

صريح في أنّ تنويع الحديث إلي الصحّة و الحسن و التوثيق كان شائعا في زمن الشيخ، فكيف يكون العلّامة أوّل السالكين هذا الطريق؟

و أيضا فانّ الشيخ في الاستبصار صرّح بأنّ عمار الساباطي ضعيف لا يعمل بروايته، و كذا صرّح فيه بضعف عبد اللّه بن بكير و فسقه و كذبه و إنّه يقول برأيه، فلا يعمل بروايته.

و قال في التهذيب بعد نقل خبري ابن بزيع، حيث اشتمل أحدهما علي زيادة دون الآخر: هذا الخبر يعني الخالي عن تلك الزيادة ضعيف.

و أمثال ذلك في كتبه الأصوليّة و الفروعيّة أكثر من أن تحصي.

و هذا كلّه يدلّ علي أنّ ذلك الاصطلاح كان معروفا في زمانه، و أنّ تنويع الحديث إلي الصحيح و الحسن و الموثّق و غيرها ليس من الاصطلاحات المتأخّرة عن عصره المختصّة بعصر العلّامة و من تأخّره.

بل نقول: إنّ هذا الاصطلاح كان معروفا بين قدمائنا أيضا، كما يدلّ عليه

______________________________

(1) الرعاية في علم الدراية ص 90.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 171

ما في الكافي في باب النصّ علي الأئمّة الاثني عشر عليهم السلام في آخر حديث طويل هكذا: و حدّثني محمّد بن يحيي، عن محمّد بن الحسن الصفّار، عن أحمد بن أبي عبد اللّه البرقي، عن أبي هاشم مثله.

قال محمّد بن يحيي: فقلت لمحمّد بن الحسن: يا أبا جعفر

و وددت أنّ هذا الخبر جاء من غير جهة أحمد بن أبي عبد اللّه، قال فقال: لقد حدّثني قبل الحيرة بعشر سنين «1».

فإنّ عدم قبول محمّد بن يحيي هذا الخبر لأجل أنّه جاء من جهة أحمد بن أبي عبد اللّه، فكان ضعيف السند لتحيّره في المذهب، و قول محمّد بن الحسن لقد حدّثني قبل الحيرة، معناه أنّه صحيح السند؛ لأنّي أخذته منه قبل تحيّره في المذهب، و كان وقتئذ ثقة صحيحا مستقيما، فالخبر صحيح السند.

و هذا عين ما عليه المتأخّرين من تنويعهم الحديث إلي صحيح و ضعيف و غيرهما، فإنّ من البيّن أنّ عدم قبوله هذا الخبر لم يكن لأجل أنّه غير موجود في كثير من الأصول، أو أنّه غير متكرّر في أصل أو أصلين بطرق عديدة، أو أنّه غير موجود في أحد الكتب المعروضة علي أحد الأئمّة عليهم السلام إلي غير ذلك، و كذا جواب محمّد بن الحسن ليس مبنيّا علي أنّه داخل في أحد هذه.

بل حاصل السؤال أنّ هذا الخبر ضعيف لضعف الراوي، و حاصل الجواب أنّه صحيح لأنّي أخذته عنه وقت كونه صحيحا ثقة مستقيما، و هذا ما لا ينطبق إلّا علي ما عليه المتأخّرون فتأمّل.

قال الشيخ المذكور في الكتاب المسطور: لا ريب أنّه لا بدّ في حصول الوثوق بقول الراوي من كونه ضابطا، أي: لا يكون سهوه أكثر من ذكره و لا مساويا له، و هذا القيد لم يذكره المتأخّرون في تعريف الصحيح.

______________________________

(1) اصول الكافي 1/ 526.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 172

أقول: قد يحصل الوثوق بقول الراوي، مع كون سهوه أكثر من ذكره، بأن يبادر في مجلس السماع، أو في قريب من زمانه إلي إثبات الحديث في أصل جامع عنده.

بل قد يكون

الوثوق بقوله لاثباته و تكرّر معاودته و مذاكرته و مراجعته أكثر من الوثوق بقول الضابط، لعدمه ذلك اعتمادا منه علي حافظته و ضابطته، فكثيرا ما يسهو و يظنّ أن ما يرويه محفوظ مضبوط عنده، بناء علي أنّ الغالب عليه هو الذكر و الضبط.

و هذا أمر مشاهد من الطلبة و غيرهم، فإنّ منهم من هو ضعيف الحافظة، و يكون سهوه أغلب من ذكره، لكنّه لكثرة مذاكرته و مباحثته المسائل يكون أضبط و أحفظ لتلك المسائل ممّن يكون قويّ الحافظة، و يكون ذكره أكثر من سهوه، لعدم معاودته و مراجعته و مذاكرته.

ثمّ قال قدّس سرّه متّصلا بما سبق: و اعتذر الشهيد الثاني عن عدم تعرّضهم لذكره، بأنّ قيد العدالة مغن عنه؛ لأنّها تمنعه أن يروي من الأحاديث ما ليس مضبوطا عنده علي الوجه المعتبر.

أقول: و يؤيّده بل يؤكّده ما رواه النجاشي عن حمّاد بن عيسي الجهني، قال: سمعت من أبي عبد اللّه عليه السلام سبعين حديثا فلم أزل أدخل الشكّ علي نفسي حتّي اقتصرت علي هذه العشرين «1».

و روي الكشي بسند صحيح عنه قال: سمعت أنا و عبّاد بن صهيب البصري من أبي عبد اللّه عليه السلام، فحفظ عبّاد مائتي حديث، و كان يحدّث بها عنه عبّاد، و حفظت أنا سبعين حديثا، قال حماد: فلم أزل أشكّك حتّي اقتصرت علي هذه العشرين حديثا التي لم تدخلني فيها الشكوك «2».

______________________________

(1) رجال النجاشي ص 142.

(2) اختيار معرفة الرجال 2/ 604.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 173

فإنّه كالصريح في أنّ العدل لا يروي إلّا ما هو محفوظ عنده علي الوجه المعتبر.

و أمّا احتمال نقله سهوا ما هو غير مضبوط عنده بظنّ أنّه مضبوط، فالضابط و غيره فيه سيّان، فإنّه يجري في مادّة

الضابط أيضا، فإنّ الاشتباه و النسيان كالطبيعة الثانية للإنسان فتأمّل.

فإنّ مرادهم أنّ الراوي يجب أن يكون بحيث لا يقع منه كذب علي سبيل الخطأ غالبا، فلو عرض له السهو نادرا لم يقدح؛ إذ لا يكاد يسلم منه أحد.

قال المحقّق: لو كان زوال السهو أصلا شرطا في القبول، لما صحّ العمل إلّا عن المعصوم من السهو، و هو باطل إجماعا.

ثمّ قال الشيخ البهائي متّصلا بما سبق: و اعترض عليه بأنّ العدالة إنّما تمنع من تعمّد نقل غير المضبوط عنده، لا من نقل ما يسهو عن كونه غير مضبوط و يظنّه مضبوطا.

و قد يدفع بأنّ مراده رحمه اللّه أنّ العدل إذا عرف في نفسه كثرة السهو لم يجسر «1» علي الرواية، متحرّزا عن إدخال ما ليس من الدين فيه. و أنت خبير بأنّ لقائل أن يقول: إنّه إذا كثر سهوه فربّما يسهو عن أنّه كثير السهو فيروي.

و الحقّ أنّ الوصف بالعدالة لا يغني عن الوصف بالضبط، فلا بدّ من ذكر المزكّي ما ينبئ عن اتّصاف الراوي به أيضا.

و نعم ما قال العلّامة في النهاية: من أنّ الضبط من أعظم الشرائط في الرواية؛ فإنّ من لا ضبط له قد يسهو عن بعض الحديث، و يكون مما يتمّ به فائدته و يختلف به أو يسهو، فيزيد في الحديث ما يضطرب به معناه، أو يبدّل لفظا بآخر، أو يروي عن النبي صلّي اللّه عليه و آله و يسهو عن الواسطة، أو يروي

______________________________

(1) في المصدر: لم يجترئ.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 174

عن شخص فيسهو عنه و يروي عن آخر. انتهي كلامه.

أقول: إن أراد به الضبط عن ظهر القلب، فكونه من الشرائط في الرواية ممنوع.

و إن أراد به الأعمّ من الضبط عن ظهر

القلب و الكتابة، فمسلّم كونه من الشرائط في الرواية، و لكن كون سهوه أكثر من ذكره أو مساويا له لا يمنع من صحّة روايته و قبولها، لجواز نقله و روايته بين الناس و لو من كتاب.

و ما يقال: من أنّ مرادهم به الضبط عن ظهر القلب، فإنّه المتعارف و المعهود في الصدر السلف، فإنّ مدارهم كان علي النقش في الخواطر، لا علي الرسم في الدفاتر، حتّي منع بعضهم من الاحتجاج بما لم يحفظه الراوي عن ظهر القلب، و قد قيل: إنّ تدوين الحديث من المستحدثات في المائة الثانية من الهجرة.

فأقول: فيه نظر؛ إذ هذا المنع لا وجه له، لقول سيّدنا الصادق عليه السلام لمفضّل بن عمر: اكتب و بثّ علمك في إخوانك، فإن متّ فأورث كتبك بنيك، فإنّه يأتي علي الناس زمان هرج لا يأنسون فيه إلّا بكتبهم «1».

انّ آثارنا تدلّ علينا فانظروا بعدنا الي الآثار

و قد نقل بعض المتأخّرين عن مشايخه أنّه قد كان دأب أصحاب الأصول أنّهم إذا سمعوا من أحد الأئمّة عليهم السلام حديثا بادروا إلي إثباته في أصولهم، لئلّا يعرض لهم نسيان لبعضه أو كلّه بتمادي الأيّام و توالي الشهور و الأعوام.

و كذا لا وجه لقول من قال: إنّ تدوين الحديث من المستحدثات في المائة الثانية من الهجرة، لقول شيخنا المفيد: صنّف الاماميّة من عهد أمير المؤمنين عليه السلام إلي عهد أبي الحسن العسكري عليهم السلام أربعمائة كتاب تسمّي

______________________________

(1) اصول الكافي 1/ 52، ح 11.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 175

الاصول، فهذا معني قولهم له أصل. انتهي.

و علي هذا فلا مانع من أن ينظر صاحب الأصل فيما ضبطه في أصله، ثمّ يرويه عن ظهر قلبه، و حينئذ فيحصل الوثوق بقوله، و إن كان

نسيّا، سهوه أغلب من ذكره، لقرب عهده به.

هذا و المشهور أنّ أوّل من صنّف في الإسلام أمير المؤمنين عليه السلام، ثمّ سلمان الفارسي، ثمّ أبو ذر الغفاري، ثمّ الأصبغ بن نباتة، ثمّ عبيد اللّه بن أبي رافع، ثمّ الصحيفة الكاملة عن سيّد العابدين عليه السلام.

و قصّة سليم بن قيس الهلالي و هو من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام مشهورة، فإنّه لمّا طلبه الحجّاج ليقتله هرب منه إلي ناحية من أرض فارس، و آوي إلي أبان بن أبي عياش، فلمّا حضرته الوفاة أعطاه كتابا، قال أبان: قرأته علي علي بن الحسين عليهما السلام، فقال: صدق سليم رحمة اللّه عليه هذا حديث نعرفه.

و اعلم أنّ هذا المذهب و هو المنع من الاحتجاج بما لم يحفظه الراوي منقول عن مالك و أبي حنيفة و بعض الشافعيّة، فإنّهم قالوا: لا حجّة إلّا فيما رواه الراوي من حفظه.

و منهم من أجاز الاعتماد علي الكتاب بشرط بقائه في يده، فلو أخرجه عنها و لو بإعارة ثقة، لم يجز الرواية عنه، لغيبته عنه المجوّزة للتغيير، و هو دليل من يمنع الاعتماد علي الكتاب، و الحقّ جواز الاعتماد عليه، و إن خرج من يده، مع أمن التغيير و التبديل.

ثمّ قال الشيخ قدّس سرّه متّصلا بما نقلناه عنه: فإن قلت: فكيف يتمّ لنا الحكم بصحّة الحديث بمجرّد توثيق علماء الرجال رجال سنده من غير نصّ علي ضبطهم؟

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 176

قلت: إنّهم يريدون بقولهم «فلان ثقة» أنّه عدل ضابط، لأنّ لفظة «الثقة» مشتقّة من الوثوق، و لا وثوق بمن يتساوي سهوه و ذكره، أو يغلب سهوه علي ذكره، و هذا هو السرّ في عدولهم عن قولهم «عدل» إلي قولهم «ثقة».

أقول: قوله «قلت: إنّهم يريدون

بقولهم فلان ثقة أنّه عدل ضابط» ليس كذلك؛ إذ المذكور في كتبهم أنّ لفظة «الثقة» و إن كانت مستعملة في أبواب الفقه أعمّ من العدالة، إلّا أنّها هنا لم تستعمل إلّا بمعني العدل، بل الأغلب في التعديل استعمالها خاصّة.

و أمّا أنّهم يريدون بهذه اللفظة أنّه ضابط فلا؛ لأنّهم ذكروا في ترجمة حبيب بن المعلّي الخثعمي أنّه روي عن الصادق و الكاظم و الرضا عليهم السلام ثقة ثقة صحيح، و هو مع هذا التوثيق و التصحيح غير ضابط، بل هو رجل نسيّ كثير السهو.

كما اعترف هو علي نفسه علي ما ذكره الصدوق في الفقيه في باب ما يصلّي فيه و ما لا يصلّي من الثياب و جميع الانواع، أنّه سأل حبيب بن المعلّي أبا عبد اللّه عليه السلام فقال: إنّي رجل كثير السهو فما أحفظ علي صلاتي إلّا بخاتمي، أحوّله من مكان إلي مكان، فقال: لا بأس «1».

و لا شكّ أنّ السائل هو الخثعمي؛ لأنّ ابن بابويه لم يرو عن السجستاني، و ظهر من مشيخته أنّه هو الخثعمي، و طريقه إليه صحيح كما في الخلاصة.

فهذا الرجل مع أنّه كثير السهو، حتّي أنّه بلغ في السهو إلي هذا المبلغ الذي لا يحفظ علي صلاته إلّا بتحويل خاتمه، وثّقوه و أكّدوا توثيقه بتكرير لفظة «الثقة» و هو يدلّ علي زيادة المدح، ثمّ صحّحوه كما تري، فكيف يصحّ أن يقال:

إنّهم أرادوا بقولهم «فلان ثقة» أنّه ضابط؟

______________________________

(1) من لا يحضره الفقيه 1/ 255، ح 781.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 177

ثمّ أنت خبير بأنّهم اعتبروا روايات ابن الخثعمي هذا عن الأئمّة الثلاثة المذكورين عليهم السلام و لم يقدحوا فيها، و منه يظهر أن لا منافاة بين حصول الوثوق بقول الراوي، و كون

سهوه أكثر من ذكره، و الوجه فيه ما قدّمناه.

ثمّ إنّ هذا الذي ذكره في الجواب مشترك بين الصحيح و الموثّق، فإنّهم كما يقولون للإمامي العدل: إنّه ثقة، كذلك يقولون لغير الإمامي إذا كان عدلا في مذهبه: ثقة، بل قد يكرّرون ذلك فيقولون: ثقة ثقة. و هو قدّس سرّه بصدد ذكر ما يعتبر في الصحيح من القيود.

و الحقّ أنّ هذا الوصف، و هو كونه ضابطا من الشرائط المعتبرة في أصل الرواية لا في خصوص الصحيح، كما أشار إليه العلّامة بقوله: إنّ الضبط من أعظم الشرائط في الرواية و لم يخصّه بالصحيح.

هذا، قيل: و يعرف ضبط الرّاوي بأن يعتبر روايته برواية الثقات المعروفين بالضبط و الإتقان، فإن وافقهم في رواياته غالبا، و لو من حيث المعني بحيث لا يخالفها، أو تكون المخالفة نادرة، عرف حينئذ كونه ضابطا ثبتا، و إن وجد بعد اعتبار رواياته برواياتهم كثير المخالفة، عرف اختلال حاله في الضبط و لم يحتجّ بحديثه.

قال: و هذا الشرط إنّما يفتقر إليه فيمن يروي الأحاديث من حفظ، أو يخرجها بغير الطرق المذكورة في المصنّفات. و أمّا رواية الاصول المشهورة، فلا يعتبر فيها ذلك، و هو واضح.

قال الشيخ المذكور في الكتاب المسطور: ذهب أكثر علمائنا إلي أنّ العدل الواحد الإمامي كاف في تزكية الراوي، و انّه لا يحتاج فيها إلي عدلين، كما يحتاج في الشهادة، و ذهب القليل منهم إلي خلافه، فاشترطوا في التزكية شهادة عدلين.

أقول: إنّهم اختلفوا في أنّ الجرح و التعديل هو من باب الخبر، أو هو من

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 178

باب الشهادة، فان كان الأوّل و قلنا بأنّ الخبر الواحد الصحيح في نفسه حجّة، كما هو مذهب أكثر المتأخرين، و دلّ عليه بعض الأخبار، فالظاهر

أنّ العدل الواحد الإمامي كاف في الجرح و التعديل.

و إن كان الثاني، فيحتاج فيهما إلي التعدّد، و ظاهر العلّامة في الخلاصة يفيد أنّهما من باب الشهادة، حيث قال في ترجمة إسماعيل بن مهران بعد أن نقل عن ابن الغضائري جرحه، و عن الشيخ و النجاشي تعديله: و الأقوي عندي الاعتماد علي روايته، لشهادة الشيخ و النجاشي له بالثقة «1».

و لكن ما سينقل عنه الشيخ البهائي من استدلاله في كتبه الأصوليّة علي أنّ العدل الواحد الإمامي كاف في تزكية الراوي، و لا يحتاج فيها إلي عدلين، يدلّ علي خلافه.

و اعلم أنّ لمعرفة العدالة المعتبرة في الراوي طرقا:

الأوّل: الاختبار بالمعاشرة الباطنة المطّلعة علي حاله و اتّصافه بملكة العدالة.

الثاني: تصريح العدلين بعدالته.

الثالث: الاستفاضة أي اشتهار عدالته بين أهل العلم و الحديث.

الرابع: التزكية من العالم بها، و النزاع إنّما وقع في هذا الأخير.

و المشهور هو الاكتفاء بتزكية الواحد العدل، و ذهب قوم إلي اعتبار الاثنين، كما في الجرح و التعديل في الشهادات، و منهم المحقّق حيث قال: لا يقبل في تزكية الراوي إلّا ما يقبل في تزكية الشاهد، و هو شهادة عدلين.

ثمّ قال الشيخ متّصلا بما سبق: و استدلّ علي ما ذهب إليه الأكثر بوجهين:

الأوّل ما ذكره العلّامة في كتبه الأصوليّة، و حاصله أنّ الرواية تثبت بخبر الواحد،

______________________________

(1) رجال العلامة ص 8- 9.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 179

و شرطها تزكية الراوي، و شرط الشي ء لا يزيد علي أصله.

أقول: و أجيب عن هذا الوجه، بأن لا دليل علي نفي هذه الزيادة، أي:

زيادة الشرط علي المشروط، بل هو مجرد دعوي بلا دليل، سلّمنا و لكنّ الشرط في قبول الرواية هو زكاة الراوي و عدالته لا تزكيته و تعديله. نعم هو أحد الطرق

إلي المعرفة بالشرط.

سلّمنا لكنّ زيادة الشرط بهذا المعني علي مشروطه بهذه الزيادة المخصوصة أظهر في الأحكام الشرعيّة عند من يعمل بخبر الواحد من أن يبين؛ إذ أكثر شروطها يفتقر في المعرفة بحصولها علي بعض الوجوه إلي شهادة الشاهدين، و المشروط يكفي فيه الواحد.

و منه يظهر أنّ قوله كما سيأتي في عبارة أخري فكيف يحتاج في الفرع بأزيد ممّا يحتاج في الأصل؟ مجرّد استبعاد لا دليل علي نفيه، إذ الفرع قد يحتاج إلي ما لا يحتاج إليه الأصل، إذ الأوّل قد يحتاج إلي الاثنين، و الثاني يكفي فيه الواحد.

فقوله في الجواب «هو قياس بطريق الأولويّة» محلّ نظر، و هذه عبارته متّصلة بما سبق:

و بعبارة أخري: اشتراط العدالة في مزكّي الراوي فرع اشتراطها في الراوي؛ إذ لو لم يشترط في مزكّيه، فكيف يحتاج في الفرع بأزيد ممّا يحتاج في الأصل.

ثمّ قال فإن قلت: مرجع هذا الاستدلال إلي القياس، فلا ينهض علينا حجة.

أقول: حاصل السؤال يرجع إلي ما قيل من أنّ الذي يقتضيه الاعتبار أنّ التمسّك في هذا الحكم بنفي زيادة الشرط يناسب طريقة أهل القياس،

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 180

فكأنّه وقع في كلامهم، و تبعهم عليه من غير تأمّل من لا يعمل بالقياس.

و ممّا نبّه علي ذلك ما وجد في كلام بعض العامّة حكاية عن بعض آخر منهم أنّ الاكتفاء بالواحد في تزكية الراوي هو مقتضي القياس.

و أجاب عنه الشيخ بقوله «قلت: هو قياس بطريق الأولويّة و هو معتبر عندنا» و قد عرفت ما فيه.

ثمّ قال: فان قلت: للخصم أن يقول كيف يلزمني ما ذكرتم من زيادة الفرع علي الأصل؟ و الحال أنّي أشترط في الرواية ما لا تشترطونه من شهادة عدلين بعدالة راويها، و لا أكتفي بشهادة

العدل الواحد.

و قال في الحاشية: و الحاصل أنّي أشترط في الرواية إخبار ثلاثة، واحد بها، و اثنين بعدالة راويها، و أشترط في التزكية إخبار اثنين لا غير.

قلت: عدم قبول تزكية عدل واحد زكّاه عدلان، و اشتراطه فيها التعدّد مع قبول رواية عدل واحد زكّاه عدلان، و اكتفاؤه فيها بالواحد يوجب عليه ما ذكرناه.

و قال في الحاشية: توضيحه أنّ قول الراوي «قال المعصوم كذا» لا ريب أنّه خبر، و كذا قول المزكّي «فلان ثقة» خبر أيضا، فالاكتفاء في الخبر الأوّل بالمخبر الواحد، و اشتراطه تعدّده في الثاني، يوجب زيادة الاحتياط في الفرع علي الاحتياط في الأصل.

أقول: للخصم أن يمنع هذا و يقول: كونه خبرا غير بيّن و لا مبيّن، و لم لا يجوز أن يكون شهادة كسائر الشهادات التي لا بدّ فيها من العدلين. و الحاصل أنّ فيه مصادرة؛ إذ لا يسلّم الخصم أنّ قول المزكّي «فلان ثقة» خبر، فإنّه أوّل المسألة.

بل يقول: إنّه شهادة و لذلك لا يكفي فيه الواحد، بل لا بدّ من التعدّد،

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 181

بخلاف قول الراوي «قال المعصوم كذا» فإنّه خبر، فيكفي فيه الواحد، فقياس أحدهما علي الآخر غير صحيح، و كذا القول بلزوم زيادة الفرع علي الأصل و لا فرع هنا، فتأمّل.

ثمّ قال: الثاني أنّ آية التثبّت، أعني: قوله تعالي إِنْ جٰاءَكُمْ فٰاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا «1» كما دلّت علي التعويل علي رواية العدل الواحد، دلّت علي تزكيته أيضا، فيكتفي به في جميع الموارد، إلّا فيما خرج بدليل خاصّ، و هو غير حاصل هنا.

أقول: هذا إذا قلنا بأنّ التزكية من باب الخبر، و أمّا إن قلنا بأنّها من باب الشهادة، فلا دلالة للآية علي جواز التعويل علي تزكية العدل الواحد.

ثمّ

قال: و استدلّ علي اشتراط التعدّد في التزكية بأمرين: الأوّل أنّ الإخبار بعدالة الراوي شهادة، فلا بدّ فيها من العدلين.

أقول: صورة القياس هكذا: هذه شهادة، و كلّ شهادة لا بدّ فيها من العدلين، إلّا فيما خرج بدليل خاصّ، و هو غير حاصل هنا. و بهذا التقرير يسقط المنع الثاني الآتي، فتأمّل.

ثمّ قال: و جوابه أمّا أوّلا فبمنع الصغري، فإنّها غير بيّنة و لا مبيّنة، و هلّا كانت تزكية الراوي كأغلب الإخبار في أنّها ليست بشهادة كالرّواية، و كنقل الإجماع، و تفسير مترجم القاضي، و إخبار المقلّد مثله بفتوي المجتهد، و قول الطبيب بإضرار الصوم بالمريض.

و اخبار أجير الحج بإيقاعه، و إعلام المأموم الإمام بوقوع ما شكّ فيه، و إخبار العدل العارف بالقبلة لجاهل العلامات، إلي غير ذلك من الأخبار التي اكتفوا فيها بخبر الواحد.

______________________________

(1) سورة الحجرات: 6.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 182

أقول: و منها إخبار القصّار بتطهير الثوب النجس، فإنّ من اعطي عدلا ثوبا نجسا أو شيئا من الملبوسات النجسة و أعلمه بالنجاسة، فاذا أخبر بتطهيره، قبل إخباره في ذلك.

بل قال بعض المتأخّرين: لو أخبر أحد من المسلمين عن شي ء كان نجسا أنّه طهّره قبل قوله؛ لأنّ الأصل في أقواله الصحّة؛ لأنّ القول فعل لساني، و الأصل في أفعال المسلمين الصحّة. هذا كلامه، و هو يشمل ما إذا كان ذلك الشي ء ملكا للمخبر بالتطهير أو ملكا للمستخبر عنه.

فان قلت: هل يعتبر في قبول قول هؤلاء المذكورين و من شاكلهم العدالة، أو يكفي مجرّد كونهم من المسلمين؟

قلت: مفاد ظاهر كلام الشيخ هو الأوّل. و أمّا القائل المذكور، فمفاد كلامه بل صريح دليله المذكور هو الثاني، و هو مشكل.

و الأظهر أن يقال: إن حصل بذلك الإخبار الظن بصدق

الخبر قبل، و إلّا فلا.

لكنّ الفاضل العلّامة قال في جواب من سأله عن الذين يغسلون في الأسواق للناس الثياب الطاهرة و النجسة في إجانة واحدة، ثمّ يأتون بها نظيفة مصقولة، فهل يجوز الحكم بطهارتها و جواز الصلاة فيها؟ و هل يرجع الإنسان إلي قولهم إذا أخبروا بأنّهم طهّروها؟:

يحكم بطهارتها، لأصالة طهارة المسلم، و أصالة صحة إخباره بها، و أصالة طهارة الثوب «1».

و في هذا الأخير نظر؛ إذ المفروض أنّ هذا الثوب نجس: إمّا أصالة، أو تبعا؛ لاختلاطه مع الثياب النجسة و غسل كلّها في إجانة واحدة. و علي هذا

______________________________

(1) أجوبة المسائل المهنائية ص 36.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 183

التقدير فالأصل فيها النجاسة لا الطهارة.

و قال الشهيد الثاني في جواب من سأله عمّن أعطي ثوبه لفاسق ليطهّره، فهل يفتقر إلي سؤاله؟: نعم يفتقر إلي السؤال، و يقبل قوله في تطهيره، و هذا كلّه ينافره قوله تعالي إِنْ جٰاءَكُمْ فٰاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا فتأمّل.

ثمّ قال: و أمّا ثانيا، فبمنع كلّية الكبري، و السند قبول شهادة الواحد في بعض الموارد عند بعض علمائنا، بل شهادة المرأة الواحدة في بعض الأوقات عند أكثرهم.

أقول: قد أشرنا فيما سبق إلي أنّ قبول شهادة الواحد في رؤية هلال رمضان عند بعضهم، و كذا قبول شهادته في ربع الوصيّة و ربع ميراث المستهل و نحو ذلك، بدليل خارج و نصّ خاصّ، و هو غير حاصل هنا، فهذا السند لا يصلح للسنديّة، فتأمّل.

ثمّ قال: الثاني: إنّ اشتراطهم عدالة الراوي يقتضي توقّف قبول روايته علي حصول العلم بها، و إخبار العدل الواحد لا يفيد العلم بها.

و جوابه: أنّك إن أردت العلم القطعيّ، فمعلوم أنّ البحث ليس فيه. و إن أردت العلم الشرعيّ، فحكمك بحصوله من رواية العدل

الواحد و عدم حصوله من تزكيته تحكّم.

و كيف يدّعي أنّ الظنّ الحاصل من إخباره بأنّ هذا قول المعصوم أو فعله، أقوي من الظنّ الحاصل من إخباره؟ بأنّ الراوي الفلاني إماميّ المذهب، أو واقفيّ أو عدل، أو فاسق، أو نحو ذلك.

ثمّ قال بعد كلام: و الذي يستفاد من كلام الكشي و النجاشي و ابن طاوس و غيرهم اعتمادهم في التعديل و الجرح علي النقل عن الواحد، كما يظهر لمن تصفّح كتبهم «1».

______________________________

(1) مشرق الشمسين ص 269- 272.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 184

أقول: استفادة ذلك من كلامهم مشكل، كيف لا؟ و المفهوم من كلام المولي الفاضل عبد اللّه التستري في بعض حواشيه علي التهذيب خلافه، حيث قال: الحكم بالتوثيق من باب الشهادة، علي ما يفهم من الكتب المصنّفة في الرجال، بخلاف الحكم بصحّة الرواية؛ إذ هو من باب الاجتهاد، لأنّه مبنيّ علي تمييز المشتركات.

و يؤيّده ما نقلناه عن العلّامة في الخلاصة، فإنّ ظاهره يفيد أنّ الجرح و التعديل من باب الشهادة، فكيف يعتمد فيهما علي النقل عن الواحد؟

فها هنا ثلاثة أشياء: الرواية و هي من باب الخبر بالاتّفاق، و الحكم بصحّتها و سقمها، و هو علي ما أفاده الفاضل المذكور من باب الاجتهاد، و الحكم علي الجرح و التعديل، و هو محلّ الخلاف.

فمن قال: إنّه من باب الخبر، يكتفي في تصحيح الحديث علي مجرّد تعديل الكشي أو النجاشي أو الشيخ الطوسي أو غيرهم راويه.

بخلاف من قال: إنّه من باب الشهادة، فإنّ الحديث الصحيح عنده منحصر فيما توافق اثنان منهم فصاعدا علي تعديل راويه، و هذا و إن كان حصوله أصعب، إلّا أنّه إلي الاحتياط أقرب.

28- فائدة [تحقيق حول شاذان]

اختلفوا في أنّ شاذان اسم لوالد الفضل، أو هو لقب له و اسمه

الخليل بن نعيم النيسابوري، فالمشهور بين أكثرهم هو الأوّل.

و قال بعض المحقّقين من المتأخّرين بالثاني، و هو الصواب، و الأوّل خطأ

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 185

و اشتباه من قلم الشيخ رحمه اللّه، و تبعه في ذلك جماعة، منهم النجاشي و ابن داود و العلّامة و غيرهم.

و الدليل علي كونه لقبا له ما في الكشي في ترجمة أحمد بن أبي خالد من أصحاب الرضا عليه السلام هكذا: جعفر بن معروف، قال: حدّثني سهل بن بحر، قال: حدّثني الفضل بن شاذان، قال: حدّثني أبي الخليل «1» الملقّب بشاذان، قال: حدّثني أحمد بن أبي خالد ظئر أبي جعفر عليه السلام.

قال: كنت مريضا فدخل عليّ أبو جعفر عليه السلام يعودني في مرضي، فإذا عند رأسي كتاب يوم و ليلة، فجعل يتصفّحه ورقة ورقة حتّي أتي عليه من أوّله إلي آخره، و جعل يقول: رحم اللّه يونس رحم اللّه يونس رحم اللّه يونس «2».

و مثله في ترجمة يونس بن عبد الرحمن.

و فيه كما تري تصريح بأنّ شاذان لقب الخليل والد الفضل، لا أنّه أب للفضل و ابن للخليل كما توهّموه.

و قال الفاضل القهبائي عند ترجمة الفضل بن شاذان: هذا هو الفضل بن الخليل بن نعيم النيسابوري، و الخليل الوالد يلقّب ب «شادان» بالدال المهملة، و اشتهر به حتّي صار اسما له و ترك الاسم، حتّي أنّه لم يسمع إلّا قليلا، فتوهّم بعض الأعلام بل أكثرهم أنّ شادان هو أبو الفضل و ابن الخليل، فيقال:

الفضل بن شادان بن الخليل. و هذا الاشتباه دائر علي ألسنتهم إلي اليوم «3».

و قال رحمه اللّه في حاشية أخري عند ترجمة شادان بن الخليل والد الفضل بن شادان: شادان لقب الخليل والد الفضل، لا أنّه اسم رجل

آخر بينهما بالبنوّة

______________________________

(1) في المصدر: الجليل.

(2) اختيار معرفة الرجال 2/ 779- 780.

(3) مجمع الرجال 5/ 21.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 186

و الابوّة، ثمّ اكثر عليه الشواهد إلي أن قال: كلمة ابن المرتسمة من قلم الشيخ بين شادان و بين الخليل اشتباه.

و ساق الكلام إلي أن قال: الظاهر أنّ شادان بالدال المهملة و هو لفظ أعجمي، حيث أنّه لقب للخليل بن نعيم النيسابوري، و اللقب يكون من الأحوال و الصفات، كما لا يخفي بعد النظر فيما سيرد في باب الألقاب.

و علي ما ذكرنا يصير حالا و صفة و أمثاله كثيرة، مثل فرحان و خندان و گريان و سوزان و افتان و خيزان و غيرها، و بالذال المعجمة لا يوجد لها معني في اللغات حتّي يكون بالنظر إليه لقبا، فقول العلّامة في الخلاصة بالذال المعجمة لا أصل له و لا دليل عليه «1».

و لعلّ كلامه مبنيّ علي أنّه اسم لوالد الفضل لا أنّه لقب له، و قد علم أنّه اشتباه، فتأمّل.

29- فائدة [تحقيق حول كلام الشيخ البهائي في الجرح و التعديل]

اشارة

قال شيخنا البهائي قدّس سرّه في مشرق الشمسين: قد يدخل في أسانيد بعض الأحاديث من ليس له ذكر في كتب الجرح و التعديل بمدح و لا قدح، غير أنّ أعاظم علمائنا المتقدّمين قد اعتنوا بشأنه و أكثروا الرواية عنه، و أعيان مشايخنا المتأخّرين قد حكموا بصحّة روايات هو في سندها. و الظاهر أنّ هذا القدر كاف في حصول الظنّ بعدالته.

أقول: قال بعض متأخّري أصحابنا، و هو الفاضل التفرشي قدّس سرّه

______________________________

(1) مجمع الرجال 3/ 188.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 187

في تعليقاته علي مشيخة التهذيب: من تحقق كونه من أهل المعرفة، و لم يقدح فيه أحد، و أكثر العلماء الرواية عنه، يظنّ صدقه في الرواية ظنّا غالبا، و انّه لا

يكذب علي الأئمّة عليهم السلام.

و هذا القدر كاف في وجوب العمل بروايته، و لا يحتاج إلي أن يظنّ عدالته؛ بل يكفي أن لا يظنّ فسقه؛ لاستلزامه ظنّ وجوب التثبّت في خبره.

لا يقال: فحينئذ يشكّ في عدم فسقه، و هو شرط العمل بقوله، و الشكّ في الشرط يوجب الشك في المشروط.

لأنّا نقول: المستفاد من الآية أنّ الفسق شرط التثبّت و التوقّف في العمل، و عدم الشرط لا يجب أن يكون شرطا لعدم المشروط، و إن فرضنا استلزامه له.

ثمّ إنّ شرط وجوب التثبّت حقيقة هو اعتقاد الفسق دون الفسق في نفس الأمر أو احتماله، فاذا ارتفع اعتقاد الفسق لم يبق سبب لوجود التثبّت بالأصل، و المقتضي لوجوب العمل به متحقّق، و هو صدقه المستلزم للظنّ بالحكم.

ثمّ قال الشيخ متّصلا بما سبق: و ذلك مثل أحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد، فإنّ المذكور في كتب الرجال توثيق أبيه، و أمّا هو فغير مذكور بجرح و لا تعديل، و هو من مشايخ المفيد، و الواسطة بينه و بين أبيه، و الرواية عنه كثيرة.

و مثل أحمد بن محمّد بن يحيي العطّار، فإنّ الصدوق يروي عنه كثيرا، و هو من مشايخه، و الواسطة بينه و بين سعد بن عبد اللّه.

أقول: ابن الوليد و العطّار كانا في طبقة واحدة، و يظهر من طرق متعدّدة أنّ ابن الوليد كان ممّن يروي عنه المفيد، و أنّ ابن العطّار يروي عنه الحسين بن عبيد اللّه الغضائري، و غير المفيد من مشيخة الشيخ.

و كيف ما كان فالأوّل غير موجود في كتب الأصحاب بجرح و لا تعديل، و الثاني مذكور مهملا. و لعلّ جهالتهما غير ضائرة؛ نظرا إلي أنّهما من مشايخ

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 188

الإجازة، و

من المصنّفين أو الحافظين للأخبار.

و إنّهما إنّما يذكران في الأسناد لمجرّد الاتّصال و عدم قطع الإسناد، و لهذا يوصف الطريق الذي فيه أحمد بالصحّة، إن كان باقي السند معتبرا، لا لثقته علي ما توهّم.

و هكذا الكلام فيما سيأتي في الحسين بن الحسن بن أبان، و قد سبق أنّ ما ذكره ابن داود من ثقته في باب محمّد بن أورمه «1» غير معتمد عليه عند بعض «2» المتأخرين؛ لأنّ كتابه عنده غير صالح للاعتماد عليه؛ لما فيه من الخلل الكثير في النقل عن المتقدّمين، و في تقييد الرجال و التمييز بينهم، و يظهر ذلك بأدني تتبّع في الموارد التي نقل ما في كتابه منهما.

و لا يتراءي لك توثيق أحمد و أشباهه من كونه من مشايخ المفيد و أمثاله؛ لأنّ هذا إن تمّ فإنّما يظهر في غير مشايخ الاجازة، و أما في مشايخ الاجازة الذين يقصد بذكرهم مجرّد التميز و اتّصال السند بالكتب المشهورة، كإسنادنا ببعض المشايخ إلي التهذيب و شبهه فلا.

فإنّك لا تحتاج في أن تنقل في زماننا هذا و ما يشبهه في اشتهار التهذيب و الكافي و ما يحذو حذوهما من التهذيب و ما في معناه إلي إجازة الشيخ؛ لأنّ الكتاب مشهور و معلوم يقينا أنّه من الشيخ الطوسي، و إنّه راض بالنقل عنه، فلا ثمرة للمشيخة.

نعم إنّما يتراءي حسن ذلك تشبّها بالسلف و تيمّنا و اتّصالا للسند، و دخولا في ضمن الرواة المصنّفين، و يحصل ذلك بالإجازة ممّن لا يعتقد عدالته، و هذا المعني ظاهر لمن له أدني دراية بالاخبار.

______________________________

(1) رجال ابن داود ص 499.

(2) المراد به مولانا عبد اللّه التستري في حاشيته علي التهذيب «منه».

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 189

ثمّ قال الشيخ رحمه اللّه:

و مثل الحسين بن الحسن بن أبان، فإنّ الرواية عنه كثيرة، و هو من مشايخ محمّد بن الحسن بن الوليد، و الواسطة بينه و بين الحسين بن سعيد، و الشيخ عدّه في كتاب الرجال تارة في أصحاب العسكري عليه السلام «1»، و تارة في من لم يرو «2»، و لمن ينصّ عليه، و لم نقف علي توثيقه إلّا في غير بابه في ترجمة محمّد بن أورمه.

و الحقّ أنّ عبارة الشيخ هناك ليست صريحة في توثيقه، كما لا يخفي علي المتأمّل.

ثمّ بيّنه في الحاشية بقوله: لا يخفي أنّ ذكر الشيخ له تارة في من يروي «3» و تارة في من لم يرو، و عدم توثيقه له في المرّتين، يعطي أنّ التوثيق في ترجمة محمّد غير راجع إليه.

و عبارة الشيخ هكذا: محمّد بن أورمه ضعيف، روي عنه الحسين بن الحسن بن أبان و هو ثقة «4». و ضمير «هو» يجوز عوده إلي محمّد، و المراد أنّ ابن أبان روي عنه في وقت كان فيه ثقة، أي: قبل أن ينسب إليه الغلوّ الذي ادّعاه القميّون في حقّه.

أقول: الواو في قوله «و هو ثقة» للحال، فوافق قوله «ضعيف» و ما في كتاب النجاشي «5» من أنّه كان ضعيفا أوّلا ثمّ ظهر حسن حاله فتوقّفوا عنه، يناسبه.

و كذا ما في الفهرست «6»، فلا تضادّ بين كلامي «لم» و لا دلالة له علي توثيق

______________________________

(1) رجال الشيخ: 430.

(2) رجال الشيخ: 469.

(3) رجال الشيخ ص. 392.

(4) رجال الشيخ ص 512، و ليس فيه جملة «و هو ثقة».

(5) رجال النجاشي ص 329.

(6) الفهرست ص 143.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 190

الحسين، كما فهمه ابن داود من هذه العبارة.

و اعلم أنّهم و إن لم يصرّحوا بتوثيق ابن

أبان، إلّا أنّ العلّامة و الشهيد الأوّل صحّحا رواية هو من رجالها، و ذكره الشيخ في كتابيه، و لكن بما لا يدلّ علي مدحه و لا قدحه.

و قال النجاشي: إنّه ممّن أدرك العسكري عليه السلام، و لم أعلم أنّه روي عنه، و ذكر ابن قولويه أنّه قرابة الصفّار و سعد بن عبد اللّه القمّي الاشعري و هو أقدم منهما، لأنّه روي عن الحسين بن سعيد كتبه كلّها، و هما لم يرويا عنه. فدلّ هذا علي اعتباره و جلالته، و روي عنه جماعة، منهم محمّد بن الحسن بن الوليد، و سعد بن عبد اللّه المذكور.

و قال ابن الوليد: إنّه أخرج إليّ خطّ الحسين بن سعيد، و ذكر أنّه جاء إلي قم و نزل عند أبيه الحسن بن أبان و هو ضيفه. فظهر حيث أنّه نزل عندهم انّهم المعتبرون في العلم و الدين و الدنيا.

و قال بعض أصحابنا: إنّ من المدح أن يكون الرجل ممّن تردّد في جمع الروايات و الأصول في دفتر، و جعلهما أصلا محفوظا عن الاندراس، أو يكون ممّن روي عنه علماؤنا، مثل ابن الزبير، و الحسين بن الحسن بن أبان، و إسماعيل بن مرّار.

و بالجملة رواياته: إمّا صحاح، أو حسان كالصحاح، و لا بأس في الاحتجاج برواياته إذا لم يكن في الطريق مانع من غير جهته.

[الحسين بن الحسن بن أبان]

قال الشهيد الثاني رحمه اللّه فيما كتب علي الخلاصة: الحسن بن أبان غير

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 191

مذكور في كتب الرجال، مع أنّ هذا المذكور يدلّ علي أنّه جليل مشهور، و ابنه الحسين كثير الرواية، خصوصا عن الحسين بن سعيد، و ليس بمذكور أيضا، و رأيت بعض أصحابنا يعدّ روايته في الحسن بسبب أنّه ممدوح. و فيه نظر

واضح، هذا كلامه.

و قال بعض أصحابنا: و أمّا الحسن بن أبان، فذكره بأنّ الحسين بن سعيد كان نزيله لا يدلّ علي جلالته و شهرته من حيث الرواية و العلم حتّي يذكر في كتب الرجال، بل علي أنّه كان وجها من وجوه هذه الطائفة، و عينا من عيونهم، حيث نزل عليه مثل هذا الشيخ الجليل، و أقام عنده حتّي توفّي.

و أمّا ابنه الحسين، فهو مذكور في كتاب ابن داود نقلا عن رجال الشيخ بأنّه من رجال العسكري عليه السلام، قال: و لم أعلم أنّه روي عنه عليه السلام في طبقة الصفّار و سعد بن عبد اللّه، و هو أقدم منهما؛ لأنّه روي عن الحسين بن سعيد، و هما لم يرويا عنه «1». هذا كلامه.

و في الفهرست بعد ذكر الحسين بن سعيد بمثل ما ذكر هنا و زيادة، قال:

و له ثلاثون كتابا، و فصّلها، ثمّ قال: أخبرنا بكتبه و رواياته ابن أبي جيد القمّي، عن محمّد بن الحسن، عن الحسين بن الحسن بن أبان، عن الحسين بن سعيد، قال ابن الوليد: و أخرجها إلينا الحسين بن الحسن بن أبان بخطّ الحسين بن سعيد، و ذكر أنّه كان ضيف أبيه. هذا عبارة الشيخ في الفهرست «2».

و بالجملة فالحسين بن الحسن بن أبان شيخ من مشايخ هذه الطائفة، روي عن الحسين بن سعيد.

و روي عنه الشيخ الثقة العين محمّد بن الحسن بن الوليد، و كذا الشيخان

______________________________

(1) رجال ابن داود ص 123.

(2) الفهرست ص 58.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 192

الثقتان الصفّار و سعد بن عبد اللّه، علي ما هو المذكور في أوّل أحاديث الاستبصار، و روي عنه بواسطة هؤلاء أعيان المتأخّرين، كالمفيد و الصدوق و الشيخ الطوسي.

هذا مع أنّه لقي مولانا

أبا محمّد العسكري عليه السلام و عدّ من رجاله، و هذا كلّه دلائل استقامة حاله، حتّي يري العلّامة تصحيح بعض الأخبار، مع أنّ في طريقه الحسين بن الحسن بن أبان، و مع ذلك كلّه لم يغمز بشي ء من القدح، فالظاهر أنّه لا ينبغي التوقّف في حسنه و مدحه.

[علي بن أبي جيد]

ثمّ قال الشيخ: و مثل أبي الحسين علي بن أبي جيد، فإنّ الشيخ يكثر الرواية عنه، سيّما في الاستبصار، و سنده أعلي من سند المفيد؛ لأنّه يروي عن محمّد بن الحسن بن الوليد بغير واسطة، و هو من مشايخ النجاشي أيضا.

أقول: و هذا بخلاف المفيد، فإنّه يروي عن محمّد هذا بواسطة ولده أحمد كما سبق آنفا. و يظهر ممّا أفاده الشيخ قدّس سرّه ممّا ذكر في ترجمة عيسي بن عبد اللّه القمّي.

قال شيخ الطائفة في الفهرست: له مسائل، أخبرنا بها ابن أبي الجيد، عن ابن الوليد، عن الصفّار إلي آخر السند «1». و مثله قال النجاشي «2»، إلّا أنّ ابن أبي جيد في طريقه روي عن الصفّار بواسطة محمّد بن الحسن، و في طريق الشيخ بواسطة ابن الوليد كما سبق.

______________________________

(1) الفهرست ص 116.

(2) رجال النجاشي ص 296.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 193

[اعتبار رواية مشايخ الإجازة]

ثمّ قال الشيخ: فهؤلاء و أمثالهم من مشايخ الأصحاب، لنا ظنّ بحسن حالهم و عدالتهم، و قد عدّدت حديثهم في الحبل المتين و في هذا الكتاب في الصحيح جريا علي منوال مشايخنا المتأخّرين، و نرجو من اللّه سبحانه أن يكون اعتقادنا فيهم مطابقا للواقع، و هو وليّ الإعانة و التوفيق.

أقول: قد سبق أنّ جهالتهم و عدم عدالتهم لا تضرّ بصحة الحديث، نظرا إلي أنّهم من مشايخ الإجازة، و إنّما يذكرون لمجرّد اتّصال الاسناد، و لذا يوصف الطريق الذي هم فيه بالصحّة، إن كان باقي السند معتبرا، لا لثقتهم و عدالتهم كما ظنّه قدّس سرّه.

و لهذا عرّف بعض متأخّري أرباب الرجال الصحيح بما يكون رجاله في جميع الطبقات غير مشايخ الإجازة إماميّا مصرّحا بالتوثيق.

[الاشتراك و التمييز بين الرواة]

ثمّ قال رحمه اللّه: و اعلم أنّه قد يعبّر عن بعض الرواة باسم مشترك يوجب الالتباس علي بعض الناس، و لكنّ كثرة الممارسة تكشف في الأغلب عن حقيقة الحال.

فمن ذلك: العبّاس الذي يروي عنه محمّد بن علي بن محبوب، فإنّه كثيرا ما يقع مطلقا غير مقرون بفصل مميّز، و لكنّه ابن معروف الثقة القمّي.

أقول: كما يروي ابن محبوب عن ابن معروف، كذلك يروي عنه أحمد

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 194

بن محمّد بن عيسي، كما في باب الكرّ من التهذيب «1»، و مثله في مشيخة الفقيه كثير، و كذلك يروي عنه أحمد بن محمّد بن خالد، كما في ترجمته، و هو من أصحاب الرضا و الهادي عليهما السلام.

و يروي عن بكر بن محمّد الأزدي، و عن صالح بن خالد المحاملي، و عن علي بن مهزيار الأهوازي.

فهذه علائم كون المراد بالعبّاس المطلق الواقع في هذه الطبقة ابن معروف الثقة، فهو يتميّز بالراوي و المرويّ عنه

و بالطبقة.

ثمّ قال رحمه اللّه: و من ذلك حمّاد الذي يروي عنه الحسين بن سعيد، فإنّه ابن عيسي الثقة الجهني.

أقول: قد عرفت ما فيه مفصلا، فلا نعيده.

ثمّ قال: و من ذلك العلاء الذي يروي عن محمّد بن مسلم، و قد يقال: عن العلاء عن محمّد، من غير تقييد بابن مسلم، و المراد به ابن رزين الثقة، و محمّد الذي يروي عنه هو ابن مسلم.

أقول: العلاء بن رزين الثقفي القلا من أصحاب الصادق عليه السلام، و صحب محمّد بن مسلم و تفقّه عليه، و كان من أروي الناس عنه، فهذه قرينة علي أنّ المراد بالعلاء و محمّد المطلقين ابن رزين و ابن مسلم.

ثمّ قال رحمه اللّه: و من ذلك أحمد بن محمّد، فإنّه مشترك بين جماعة يزيدون علي الثلاثين، و لكن أكثرهم إطلاقا و تكرّرا في الأسانيد أربعة ثقات: ابن الوليد القمّي، و ابن عيسي الأشعري، و ابن خالد البرقي، و ابن أبي نصر البزنطي.

فالأوّل يذكر في أوائل السند، و الأوسطان في أواسطه، و الأخير في أواخره، و أكثر ما يقع الاشتباه بين الأوسطين، و لكن حيث أنّهما ثقتان لم تكن في البحث

______________________________

(1) تهذيب الاحكام 1/ 40- 41.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 195

عن تعيينه فائدة يعتدّ بها.

و أمّا البواقي فأغلب ما يذكرون مع قيد مميّز، و النظر في من روي عنهم و رووا عنه، ربّما يعيّن الممارس علي استكشاف الحال.

أقول: هذا ما أفاده الشهيد الثاني في دراية الحديث، حيث قال: أحمد بن محمّد مشترك بين جماعة، منهم أحمد بن محمّد بن عيسي، و أحمد بن محمّد بن خالد، و أحمد بن محمّد بن أبي نصر، و أحمد بن محمّد بن الوليد، و جماعة أخري من أفاضل أصحابنا

في تلك الأعصار.

و يتميّز عند الإطلاق بقرائن الزمان، فإنّ المرويّ عنه إن كان من الشيخ في أول السند أو ما قاربه، فهو أحمد بن محمّد بن الوليد، و ان كان في آخره مقاربا للرضا عليه السلام فهو أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي. و إن كان في الوسط، فالأغلب أن يريد به أحمد بن محمّد بن عيسي.

و قد يراد به غيره، و يحتاج في ذلك إلي فضل قوّة و تميّز، و اطّلاع علي الرجال و مراتبهم، و لكنّه مع الجهل لا يضرّ؛ لأنّ جميعهم ثقات، فالأمر في الاحتجاج بالرواية سهل «1»، إلي هذا كلامه.

و فيه نظر، لما في الكافي في باب النصّ علي الأئمّة الاثني عشر عليهم السلام في آخر حديث طويل هكذا: و حدّثني محمّد بن يحيي، عن محمّد بن الحسن الصفّار، عن أحمد بن أبي عبد اللّه البرقي، عن أبي هاشم مثله.

قال محمّد بن يحيي فقلت لمحمّد بن الحسن: يا أبا جعفر وددت أنّ هذا الخبر جاء من غير جهة أحمد بن أبي عبد اللّه، قال فقال: لقد حدّثني قبل الحيرة بعشر سنين «2».

______________________________

(1) الرعاية ص 370- 371.

(2) اصول الكافي 1/ 526- 527.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 196

و لا يخفي أنّه دالّ علي الذمّ الكلّيّ و عدم اعتبار الرجل في أقواله، الّا بتاريخ يميّزها؛ إذ الظاهر من تحيّره في المذهب، كما صرّح به المولي الفاضل الصالح المازندراني في شرح أصول الكافي، ثمّ قال: و يحتمل أن يكون المراد بهته و خرافته في آخر سنّه «1». أو تحيّره بعد إخراج ابن عيسي إيّاه.

أقول: و علي أيّ التقادير، فروايته غير معتبرة، إلّا أن يعلم تاريخها و إنّها كانت قبل الحيرة. و منه يعلم أنّ للبحث

عن تعيينه فائدة معتدّ بها؛ لأنّ أبا جعفر الأشعري أحمد بن محمّد بن عيسي القمّي، و إن كان فيما عندنا مقدوحا، إلّا أنّه ليس بتلك المثابة.

فإنّه و إن كان علي المشهور ثقة غير مدافع، إلّا أنّ قول أبي عمرو الكشي في ترجمة يونس بن عبد الرحمن بعد نقله عن أحمد هذا نبذة من أخبار دالّة علي ذمّ يونس ذاك: فلينظر الناظر فيتعجّب من هذه الأخبار التي رواها القميّون في يونس، و ليعلم أنّها لا تصحّ في العقل، و ذلك أنّ أحمد بن محمّد بن عيسي قد ذكر الفضل من رجوعه في الوقيعة في يونس، و لعلّ هذه الروايات كانت من أحمد قبل رجوعه. «2». يدفعه و يدلّ علي ذمّه كلّيّا، و عدم اعتباره في رواياته، و له ذموم من جهات اخر، و سنذكر ما فيه و في ابن البرقي إن شاء اللّه العزيز.

[ابن سنان]

ثمّ قال رحمه اللّه: و من ذلك ابن سنان، فإنّه يذكر كثيرا من غير فصل

______________________________

(1) شرح اصول الكافي 7/ 360- 361.

(2) اختيار معرفة الرجال 2/ 788.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 197

مميّز يعلم به أنّه عبد اللّه الثقة، أو محمّد الضعيف.

أقول: بل و من ذلك محمّد بن سنان أيضا، فإنّه يذكر كثيرا من غير فصل مميّز يعلم أنّه محمّد بن سنان بن طريف الزاهري من أصحاب الرضا و الجواد عليهما السلام، أو محمّد بن سنان بن عبد الرحمن الهاشمي أخو عبد اللّه بن سنان من أصحاب الصادق عليه السلام.

فهما مختلفان في الطبقة، و جدّ هذا عبد الرحمن لا طريف، كما سبق إليه قلم الشيخ، و تبعه النجاشي «1» في ترجمة عبد اللّه بن سنان أخيه؛ إذ الهاشمي هو محمّد بن سنان بن عبد الرحمن

لا غير.

و الذي جدّه طريف هو الزاهري، و الهاشمي مجهول مذكور في الرجال مهملا، و أمّا الزاهري فالمشهور ضعفه، و عليه بناء كلام الشيخ، و الحقّ خلافه، كما فصّلناه سالفا.

ثمّ قال رحمه اللّه: و يمكن استعلام كونه عبد اللّه بوجوه:

منها: أن يروي عن الصادق عليه السلام بغير واسطة، فإنّ محمّدا إنّما يروي عنه بواسطة.

و منها: أن يروي عنه بتوسّط عمر بن يزيد، أو أبي حمزة، أو حفص الأعور، فإنّ محمّدا لا يروي عنه عليه السلام بتوسّط أحد من هؤلاء.

و منها: أنّ ابن سنان الذي يروي عنه النضر بن سويد، أو عبد اللّه بن المغيرة، أو عبد الرحمن بن أبي نجران، أو أحمد بن محمّد بن أبي نصر، أو فضالة، أو عبد اللّه بن جبلة، فهو عبد اللّه لا محمّد، و ابن سنان الذي يروي عنه أيّوب بن نوح، أو موسي بن القاسم، أو أحمد بن محمّد بن عيسي، أو علي بن الحكم، فهو محمّد لا عبد اللّه، و كثرة تتبّع الأسانيد و ممارستها تعين علي رفع الاشتباه في

______________________________

(1) رجال النجاشي: 214.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 198

كثير من المواضع.

ثمّ قال: و اعلم أنّه قد يختلف كلام علماء الرجال في ترجمة الرجل الواحد، فيظنّ بسبب ذلك اشتراكه.

أقول: و ذلك كاختلاف كلامهم في ترجمة علي بن الحكم، فإنّهم ذكروه في تراجم:

الاولي: علي بن الحكم من أصحاب الجواد عليه السلام.

الثانية: علي بن الحكم الأنباري، ابن اخت داود بن النعمان، تلميذ ابن أبي عمير.

الثالثة: علي بن الحكم بن الزبير النخعي أبو الحسن الضرير.

الرابعة: علي بن الحكم الكوفي ثقة جليل القدر.

قال ملّا ميرزا محمّد في الأوسط: الظاهر أنّ الجميع واحد، فهذا رجل واحد اختلف كلامهم في ترجمته، فيظنّ بذلك اشتراكه.

[صعوبة التمييز بين المشتركات]

ثمّ قال

الشيخ رحمه اللّه: و قد وقع في ذلك جماعة، منهم ابن داود رحمه اللّه في غير واحد، كمحمّد بن الحسن الصفّار و غيره.

أقول: إنّ الشيخ ذكره بهذا العنوان المذكور، و ذكره آخر بعنوان محمّد بن الحسن بن فروخ، و آخر بعنوان محمّد بن الحسن بن فروخ الصفّار، فظنّ بذلك اشتراكه و هو واحد.

ثمّ قال رحمه اللّه: بل منهم العلّامة في علي بن الحكم و غيره، و قد يكون الرجل متعدّدا، فيظنّ أنّه واحد، كما وقع له طاب ثراه في إسحاق بن عمّار، فإنّه

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 199

مشترك بين اثنين، أحدهما من أصحابنا، و الآخر فطحيّ، كما يظهر علي المتأمّل، فلا بدّ من إمعان النظر في ذلك، و اللّه وليّ التوفيق.

أقول: قد سبق أنّ إسحاق بن عمّار اثنان: إسحاق بن عمّار بن حيّان الكوفيّ الصيرفيّ الموثّق الإماميّ الراوي عن الصادق و الكاظم عليهما السلام.

و إسحاق بن عمّار بن موسي الساباطي الفطحيّ الغير الراوي عن أحد من الأئمّة عليهم السّلام.

فإذا وقع في كتب الأخبار هكذا: عن إسحاق بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام، أو عنه عن أبي إبراهيم عليه السلام، فالمراد به ابن حيّان الصيرفيّ الثقة، لا ابن موسي الساباطيّ الفطحيّ، فإذن لا اشتراك بينهما في الحديث، كما ظنّ ابن داود، و لا اتّحاد كما قال به العلّامة في الخلاصة، و قد سبق مفصّلا.

[الالتباس في التوثيق]

ثمّ قال رحمه اللّه: و قد يلتبس توثيق الرجل بتوثيق غيره، كما وقع له أيضا طاب ثراه في ترجمة ابن بزيع، حيث وصفه في الخلاصة بأنّه من صالحي هذه الطائفة و ثقاتهم كثير العمل، نظرا إلي ما يوهمه كلام النجاشي، و الحال أنّ هذه الأوصاف في كلام النجاشي أوصاف محمّد بن

اسماعيل بن بزيع، لا أوصاف عمّه حمزة، كما ذكرناه في حواشينا علي الخلاصة.

أقول: قال النجاشي: محمّد بن إسماعيل بن بزيع أبو جعفر مولي المنصور أبي جعفر، و ولد بزيع بيت منهم حمزة بن بزيع، كان من صالحي هذه الطائفة و ثقاتهم كثير العمل له كتب «1».

______________________________

(1) رجال النجاشي ص 330.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 200

و ظاهر أنّ الضمير في قوله «كان» كالضمير في قوله «له» يرجع الي محمّد لا الي حمزة.

أمّا أوّلا، فلندرة توثيق الرجل في غير بابه.

و أمّا ثانيا، فلأنّه علي تقدير إرجاعه إليه لا يبقي لمحمّد حال، و هو بصدد بيانه.

و أمّا ثالثا، فلأنّ الكشي و غيره نقلوا أنّ حمزة ذاك من الواقفة بل من رؤسائهم، فكيف يتصوّر مثل هذا الوصف له علي إطلاقه، و مع ذلك كلّه توهّم العلّامة في الخلاصة، فجعله وصفا لحمزة في ترجمته، و هو خلاف الواقع، و الظاهر لوحدة الضمير في «كان» و «له».

و قال ملّا ميرزا محمّد في الأوسط بعد نقل كلام النجاشي: فيه توهّم ضعيف.

ثمّ قال: إنّ السيّد جمال الدين بن طاوس حكي صورة كلامه في كتابه، إلي أن قال: و ولد بزيع بيت منهم حمزة بن بزيع، و كان من صالحي هذه الطائفة و ثقاتهم كثير العمل، و لم يزد علي هذا. و كأنّه من هنا توهّم كون هذا مدحا لحمزة، فإنّه لا ريب في أنّ زيادة الواو في قوله «كان» و ترك قوله «له كتب» سببان قويّان للتوهّم المذكور خصوصا الثاني، و قد جزم به بعض معاصرينا، و هو الظاهر.

ثمّ قال رحمه اللّه: و قد يشتبه توثيق الابن بتوثيق الأب و بالعكس، لإجمال في العبارة، كعبارة النجاشي في ترجمة الحسن بن علي بن النعمان و

لذلك عدّ بعض أصحابنا، كالعلّامة في المنتهي و المختلف، حديثه في الحسان، اقتصارا علي المتيقّن، و بعضهم عدّه في الصحاح، لندرة توثيق الرجل في غير بابه، و اللّه وليّ التوفيق.

أقول: قال النجاشي: الحسن بن علي بن النعمان مولي بني هاشم، أبوه

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 201

علي بن النعمان الأعلم، ثقة ثبت، له كتاب النّوادر صحيح الحديث كثير الفوائد «1».

و ظاهر أن «ثقة ثبت» وصف للحسن بن علي، لا لأبيه علي بن النعمان.

أمّا أوّلا، فلأن النجاشي وثّقه في بابه، و هو لا يذكر التوثيق لرجل واحد مرّتين، سواء ذكره فيه بالأصالة، أو في غيره بالتبعيّة، كما في محمّد بن عطيّة الموثّق في أخيه لا في ترجمته.

و أمّا ثانيا، فلأنّ التأسيس خير من التأكيد، و قلّما يكون كلامه خاليا عن فائدة جديدة، فإنّه في نهاية الوجازة و البلاغة.

و أمّا ثالثا، فلما أشار إليه بقوله: «لندرة توثيق الرجل في غير بابه».

و أمّا رابعا، فلأنّ الحسن هو المقصود بالذكر، كما قلنا مثله في ترجمة ابن بزيع، فهو ثقة ثبت.

و اعلم أنّ النجاشي في الأغلب إذا ذكر الرجل يذكر والده، أو بعض أقربائه، كما في ترجمة ابن بزيع عمّه حمزة ليزيد به وضوحه، و لذلك ذكر هنا أبا الحسن و جدّه «2».

[أبحاث في الجرح و التعديل]

ثمّ قال رحمه اللّه: المكتفون من علمائنا في التزكية بالعدل الواحد الإمامي يكتفون به في الجرح أيضا، و من لم يكتف في التزكية لم يعوّل عليه في الجرح أيضا.

أقول: إذا كان المعتبر في قبول الجرح و التعديل كون الجارح و المعدّل عدلا إماميّا، فكيف يقبلون جرح ابن الغضائري؟ و هو مجهول شخصه و حاله.

______________________________

(1) رجال النجاشي ص 40.

(2) مشرق الشمسين ص 276- 277.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 202

كما صرّح به

الفاضل المجلسي التقيّ المتّقي في شرحه علي الفقيه، في ذيل شرح حديث جابر بن يزيد الجعفي عن أبي جعفر عليه السلام، حيث قال بعد كلام: و ابن الغضائري المجهول حاله و شخصه يجرحهم، و المتأخّرون يعتمدون علي قوله، و بسببه يضعف أكثر أخبار الأئمّة صلوات اللّه عليهم.

قلت: هذا منه قدّس سرّه اشتباه عظيم يدلّ علي عدم اطّلاعه علي حال الشيخ ابن الغضائري و جلالة قدره، و لنا في ردّ قوله هذا كلام بسيط قد شرحنا فيه حال هذا الشيخ، و فصّلنا في جلالة قدره بما لا يزيد عليه و سيأتي إن شاء اللّه العزيز.

ثمّ قال رحمه اللّه متّصلا بما سبق: و ما يظهر من كلامهم في بعض الأوقات من الاكتفاء في الجرح بقول غير الإمامي، محمول: إمّا علي الغفلة عمّا قرّروه، أو عن كون الجارح مجروحا.

كما وقع في الخلاصة «1» من جرح أبان بن عثمان بكونه فاسد المذهب، تعويلا علي ما رواه الكشي عن علي بن الحسن بن فضّال أنّه كان من الناووسيّة، مع أنّ ابن فضّال فطحيّ لا يقبل جرحه لمثل أبان بن عثمان. و لعلّ العلّامة طاب ثراه استفاد فساد مذهبه من غير هذه الرواية، و إن كان كلامه ظاهرا فيما ذكرناه.

أقول: الجرح كالرواية خبر علي مذهب الشيخ كما سبق، فكما جاز الاعتماد علي أخبار غير الإمامي في الرواية إذا كان ثقة، فليجز الاعتماد علي إخباره في الجرح أيضا إذا كان ثقة.

و الظنّ الحاصل من إخباره بأنّ هذا قول الامام عليه السلام ليس بأقوي من الظنّ الحاصل من اخباره بأنّ الراوي الفلاني إماميّ أو واقفيّ أو ناووسيّ.

و العلّامة في كتبه الاصوليّة و إن اشترط في قبول الرواية الإيمان و العدالة،

______________________________

(1) رجال العلامة: 21-

22.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 203

لكنّه أكثر في الخلاصة من ترجيح قبول روايات فاسدي المذاهب، و لذلك اعتمد فيها علي جرح أبان بكونه فاسد المذهب، علي ما رواه الكشي عن ابن فضّال، لانّه لمّا صرّح فيها بقبول روايات أمثاله، لزمه قبول هذه الرواية أيضا، فتأمّل.

[تعارض الجرح و التعديل]

ثمّ قال رحمه اللّه: و قد اشتهر أنّه إذا تعارض الجرح و التعديل قدّم الجرح، و هذا كلام مجمل غير محمول علي إطلاقه كما قد يظنّ، بل لهم فيه تفصيل مشهور، و هو أنّ التعارض بينهما علي نوعين.

الأوّل: ما يمكن الجمع فيه بين كلامي المعدّل و الجارح، كقول المفيد في محمّد بن سنان إنّه ثقة، و قول الشيخ إنّه ضعيف، فالجرح مقدّم لجواز اطّلاع الشيخ علي ما لم يطّلع عليه المفيد.

أقول: كلام الشيخ في هذا الباب مضطرب، و من اضطرابه أنّه يقول في موضع: إنّ الرجل ثقة، ثمّ يقول في موضع آخر: إنّه ضعيف، كما في سالم بن مكرم الجمّال و سهل بن زياد من رجال علي بن محمّد الهادي عليهما السلام «1».

و قال في الرجال: محمّد بن علي بن بلال ثقة «2»، و في كتاب الغيبة: إنّه من المذمومين «3».

و في عبد اللّه بن بكير: إنّه ممّن عملت الطائفة بخبره بلا خلاف «4». و في

______________________________

(1) رجال الشيخ: 416.

(2) رجال الشيخ: 435.

(3) الغيبة: 245.

(4) عدة الاصول 1/ 381.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 204

باب الطلاق «1» صرّح بما يدلّ علي فسقه و كذبه و انّه يقول برأيه.

و في عمّار الساباطي انّه ضعيف لا يعمل بروايته، كذا في الاستبصار، و في العدّة: إنّ الطائفة لم تزل تعمل بما يرويه «2»، و أمثال ذلك منه كثير جدّا.

و قد سبق أنّ المفيد قال في كتاب الإرشاد:

إنّ محمّد بن سنان ممّن روي النصّ علي الرضا عن أبيه عليهما السلام، و انّه من خاصّته و ثقاته و أهل الورع و الفقه من شيعته «3».

فطعن من طعنه غير مؤثّر فيه؛ إذ الكلّ في حكم الواحد في أنّ سبب طعنهم غير ظاهر في أصل معتبر يدلّ عليه، و الروايات براهين علي اعتبار قوله و صحّة روايته.

و لذلك قيل: ذمّ محمّد هذا عن كلّ من يكون غير المعصوم معارض بتوثيق الشيخ المفيد، و يبقي الحديثان الصحيح مضمونهما الدالّان علي اعتبار محمّد و قبول روايته، حتّي يرتقي إلي ذروة التوثيق، و قد سبق مفصّلا.

ثمّ قال رحمه اللّه: الثاني ما لا يمكن الجمع بينهما، كقول الجارح: إنّه قتل فلانا في أوّل الشهر. و قول المعدّل: إنّي رأيته في آخره حيّا، قد وقع مثله في كتب الجرح و التعديل كثيرا.

كقول ابن الغضائري في داود الرقّي: إنّه كان فاسد المذهب لا يلتفت إليه، و قول غيره: إنّه كان ثقة قال فيه الصادق عليه السلام: أنزلوه منّي منزلة المقداد من رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله «4».

______________________________

(1) تهذيب الاحكام 8/ 36.

(2) عدة الاصول 1/ 381.

(3) الارشاد ص 304.

(4) رجال العلامة: 68.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 205

فها هنا لا يصحّ إطلاق القول بتقديم الجرح علي التعديل، بل يجب الترجيح بكثرة العدد، و شدّة الورع، و الضبط، و زيادة التفتيش عن أحوال الرواة، إلي غير ذلك من المرجّحات، هذا ما ذكره علماء الاصول منّا و من المخالفين.

أقول: ظاهر كلامه رحمه اللّه يفيد أنّ داود بن كثير الرقّي ثقة جليل كالمقداد عند جميع علماء الرجال إلّا الشيخ ابن الغضائري، و لا كذلك الأمر؛ إذ النجاشي قال: إنّه ضعيف جدّا و الغلاة تروي عنه

«1».

و مثله قال ابن الغضائري: إنّه كان فاسد المذهب ضعيف الرواية لا يلتفت اليه. و قال أحمد بن عبد الواحد: قلّ ما رأيت له حديثا سديدا «2».

نعم روي الكشي بسند مجهول عمّن ذكره عن أبي عبد اللّه عليه السلام ما نقل الشيخ البهائي في الكتاب «3».

و في رواية أخري ضعيفة السند مرفوعا قال: نظر أبو عبد اللّه عليه السلام إلي داود الرقّي و قد ولّي، فقال: من سرّه أن ينظر إلي رجل من أصحاب القائم فلينظر إلي هذا «4».

ثمّ قال الكشي: إنّ الغلاة تذكر أنّه من أركانهم، و يروي عنه المناكير من الغلوّ، و ينسب إليه الأقاويل، و لم أسمع أحدا من مشايخ العصابة يطعن فيه «5».

و قال الشيخ في الفهرست: له أصل، ثمّ أسند إليه «6».

______________________________

(1) رجال النجاشي ص 156.

(2) رجال العلامة ص 68.

(3) اختيار معرفة الرجال 2/ 704.

(4) اختيار معرفة الرجال 2/ 705.

(5) اختيار معرفة الرجال 2/ 708.

(6) الفهرست ص 68.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 206

و الروايتان غير معتبرتين سندا، و كلام الكشي غير مصرّح بتوثيقه؛ إذ عدم سماعه أحدا يطعن فيه لا يثبت كونه ثقة.

و العجب من العلّامة أنّه قال في الخلاصة: و الأقوي قبول روايته، لقول الشيخ الطوسي و الكشي أيضا «1».

و فيه أنّ الجرح و خاصّة إذا كان الجارح جماعة فضلاء مقدّم علي التعديل، أمّا إذا اعتبرنا الترجيح بزيادة العدد فظاهر، و أمّا لم نعتبره بل قدّمنا الجارح علي المعدّل مطلقا، لجواز اطّلاعه علي ما لم يطّلعه المعدّل فاظهر.

ثمّ قال رحمه اللّه: و ظنّي أنّ إطلاق القول بتقديم الجرح في النوع الأوّل غير جيّد، و لو قيل فيه أيضا بالترجيح ببعض تلك الأمور لكان أولي.

أقول: هذا كلام حقّ، كما أشرنا إليه

آنفا في بيان حال محمّد بن سنان.

و اعلم أنّ تلك الأمور قد تكون متعارضة، فحينئذ وجب التوقّف، و قد فعله العلّامة في الخلاصة، و ملا ميرزا محمّد في الأوسط.

أمّا الأوّل، فيظهر من ترجمة حذيفة بن منصور بن كثير أبي محمّد بيّاع السابري، فان حذيفة هذا وثّقه النجاشي، و روي حديثا في مدحه الكشي، و وثّقه شيخنا المفيد، و مع ذلك لمّا قال الشيخ ابن الغضائري حديثه غير نقيّ يروي الصحيح و السقيم و أمره ملتبس و يخرج شاهدا.

قال العلّامة: و الظاهر عندي التوقّف فيه؛ لما قاله هذا الشيخ، و لما نقل أنّه كان واليا من قبل بني أميّة، و يبعد انفكاكه عن القبيح «2».

أقول: هذا الأخير محض استبعاد منقوض بعلي بن يقطين، فإنّه كان وزيرا عاملا من قبل بني العبّاس، و هم أشدّ كفرا و نفاقا من بني اميّة، و مع ذلك

______________________________

(1) رجال العلامة ص 68.

(2) رجال العلامة ص 60- 61.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 207

كلّه كان ثقة عادلا بالاتّفاق، فمجرّد كون الرجل واليا من قبل بني اميّة لا يدلّ علي ارتكابه قبيحا قادحا في عدالته.

فالوجه إذن في التوقّف فيه هو ما قاله هذا الشيخ، و هذا بناء علي ما تقرّر عندي من كمال اعتمادي و وثوقي في هذا الفنّ بالشيخ ابن الغضائري، و أمّا علي طريقة العلّامة، فبعد ظهور ضعف هذا الوجه الأخير ينبغي ترجيح تعديل المفيد و النجاشي، و خاصّة إذا انضمّ إليه ما رواه الكشي علي جرح ابن الغضائري.

هذا و أمّا الثاني فيظهر من ترجمة أبي خديجة سالم بن مكرم الجمّال، فإنّه مختلف فيه، وثّقه النجاشي «1»، و ضعّفه البرقي. و قال الشيخ الطوسي: إنّه ضعيف جدّا، و قال في موضع آخر: إنّه

ثقة «2». قال ملّا ميرزا محمّد: الوجه التوقّف فيما يرويه، لتعارض الأقوال فيه.

هذا و قال السيّد السند الداماد في الراشحة الثانية و الثلاثين: إذا تعارض الجرح و التعديل، فمنهم من يقدّم الجرح مطلقا، و منهم مع كثرة الجارح، و منهم من يقدّم التعديل مطلقا، و منهم مع كثرة المعدّل.

و التحقيق أنّ شيئا منهما ليس بأولي بالتقدّم من حيث هو جرح أو تعديل، و كثرة الجارح أو المعدّل أيضا لا اعتداد بها، بل الأحقّ بالاعتبار في الجارح أو المعدّل قوّة التمهّر و شدّة التبصّر و تعوّد التمرّن علي استقصاء الفحص و انفاق المجهود.

و ما يقال: إنّ الجرح أولي بالاعتبار أيضا لكونه شهادة بوقوع أمر وجوديّ بخلاف التعديل.

ضعيف؛ إذ التعديل أيضا شهادة بحصول ملكة وجوديّة، إلّا أن يكتفي

______________________________

(1) رجال النجاشي: 188.

(2) رجال العلامة: 227.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 208

في العدالة بعدم الفسق من دون ملكة الكفّ و التنزّه، و ربّما تنضاف إلي قول الجارح أو المعدّل شواهد مقوّية و أمارات مرجّحة في الأخبار و الأسانيد و الطبقات.

و بالجملة يختلف الحكم باختلاف الموادّ و الخصوصيّات، و لذلك كلّه لم ينل في ابراهيم بن عمر اليماني بتضعيف ابن الغضائري ايّاه و لا في داود بن كثير الرقي بتضعيف النجاشي و ابن الغضائري اياه.

و امّا ذكر السبب فاشتراطه في الجرح دون التعديل قويّ؛ إذ ربّ أمر لا يصلح سببا للجرح يراه بعض سببا «1». انتهي كلامه. و فيه نظر.

ثمّ قال الشيخ البهائي متّصلا بما نقلناه عنه: و قد فعله العلّامة في الخلاصة في مواضع، كما في ترجمة إبراهيم بن سليمان، حيث رجّح تعديل الشيخ و النجاشي له علي جرح ابن الغضائري، و كذلك في ترجمة إسماعيل بن مهران و غيره.

أقول: قد

سبق أنّ ظاهر العلّامة في ترجمة إسماعيل هذا يفيد أنّ الجرح و التعديل عنده من باب الشهادة، حيث قال بعد أن نقل عن ابن الغضائري جرحه، و عن الشيخ و النجاشي تعديله: الأقوي عندي الاعتماد علي روايته؛ لشهادة الشيخ و النجاشي له بالثقة «2».

و ظاهر أنّ شهادة عدلين علي أمر مقدّمة علي شهادة عدل واحد علي خلافه، و لذلك رجّح تعديلهما علي جرحه.

و يشبه أن يكون كلامه في ترجمة إبراهيم بن سليمان علي هذا، حيث قال:

و ضعّفه ابن الغضائري، فقال: إنّه يروي عن الضعفاء و في مذهبه ضعف، و النجاشي وثّقه أيضا كالشيخ، فحينئذ يقوي عندي العمل بما يرويه «3».

______________________________

(1) الرواشح السماويّة: ص 104.

(2) رجال العلامة: 8- 9.

(3) رجال العلامة: 5.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 209

و لكن هذا يخالف ما ذكره في كتبه الاصوليّة من وجهين:

الأوّل: أنّه جعلهما فيها من باب الخبر لا من قبيل الشهادة.

و الثاني: أنّه لم يعتبر الترجيح بزيادة العدد، كما أشار إليه الشيخ قدّس سرّه بقوله: لكن ما قرّره طاب ثراه في نهاية الاصول يخالف فعله هذا، حيث لم يعتبر الترجيح بزيادة العدد في النوع الأوّل من التعارض، معلّلا بأنّ سبب تقديم الجارح فيه جواز اطّلاعه علي ما لم يطّلع عليه المعدّل، و هو لا ينتفي بكثرة العدد.

و لا يخفي أنّ تعليله هذا يعطي عدم اعتباره في هذا النوع الترجيح بشي ء من الامور المذكورة، و للبحث فيه مجال كما لا يخفي «1».

أقول: و من الغريب أنّ رجّح في الخلاصة في النوع الأوّل من التعارض بدون زيادة العدد، حيث قال في ترجمة محمّد بن إسماعيل بن أحمد بن بشير البرمكي: اختلف علماؤنا في شأنه، فقال النجاشي: إنّه ثقة مستقيم. و قال ابن الغضائري:

إنّه ضعيف، و قول النجاشي عندي أرجح «2».

و لعلّه إنّما رجّح قوله لشدّة ورعه، أو ضبطه، أو زيادة تفتيشه، أو غير ذلك من المرجّحات، و هو محل تأمّل.

و أغرب منه أنّ الشيخين الجليلين الشيخ ابن الغضائري و الشيخ النجاشي اتّفقا علي ضعف محمّد بن خالد البرقي، و مع ذلك لمّا وثّقه الشيخ الطوسي في كتاب رجاله، رجّح العلّامة في الخلاصة «3» تعديله علي جرحهما، و هو أعرف بما قال، و اللّه أعلم بحقيقة الحال.

______________________________

(1) رجال العلامة ص 272- 273.

(2) رجال العلامة ص 154- 155.

(3) رجال العلامة ص 139.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 210

30- فائدة [تحقيق حول رواية البرقي عن ابن سنان]

قال الشيخ البهائي رحمه اللّه بعد أن نقل عن التهذيب عن محمّد بن أحمد بن يحيي، عن أحمد بن محمّد، عن البرقي، عن عبد اللّه بن سنان، عن إسماعيل بن جابر، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الماء الذي لا ينجّسه شي ء، قال: كرّ، قلت: و ما الكرّ؟ قال ثلاثة أشبار في ثلاثة أشبار: «1».

روي شيخ الطائفة في التهذيب هذا الحديث بسند آخر ضعيف عن سعد بن عبد اللّه، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن خالد، عن محمّد بن سنان، عن إسماعيل بن جابر، قال: سألت الحديث «2» و ضعفه ظاهر.

أقول: لا بعد في أن يكون المراد بمحمّد هذا محمّد بن سنان بن عبد الرحمن الهاشمي أخا عبد اللّه بن سنان، بأن يكون البرقي سمع هذا الحديث عن الأخوين جميعا مرّة من هذا و اخري من ذلك، فيكون السند مجهولا؛ لأنّ محمّدا هذا مهمل.

لا محمّد بن سنان بن طريف الزاهري، ليكون السند ضعيفا علي المشهور، و صحيحا علي ما تقرّر عندنا، و قد سبق مفصّلا، لو لا محمّد بن خالد

المذكور في السندين، فإنّه مختلف فيه، وثّقه بعض، و ضعّفه آخرون كما مضي آنفا.

و أيضا فإنّ المراد بأحمد المذكور في الطريق إن كان ابن البرقي فالسندين غير معتمد عليهما، و ذلك للحيرة المنقولة فيه بصحيح الخبر المذكور في الكافي،

______________________________

(1) تهذيب الاحكام 1/ 41- 42، ح 54.

(2) تهذيب الاحكام 1/ 37، ح 40.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 211

إلّا أن يعلم تاريخهما، و إنّه كان قبل الحيرة، و دون العلم به خرط القتاد.

و إن كان المراد به ابن عيسي القمّي، فكذلك؛ لأنّه و إن كان علي المشهور ثقة، حتّي قيل: إنّه غير مدافع، إلّا أنّ كلام الكشي في ترجمة يونس بن عبد الرحمن يدفعه، كما أشرنا إليه سالفا و سنفصّله.

و أيضا في الكافي «1» حديث يقدح فيه، و في إرشاد المفيد ما يدلّ علي قدح فيه، أورده ملّا ميرزا محمّد في الكبير «2»، و نحن سنأتي بما في الأحمدين المذكورين إن شاء اللّه العزيز.

ثمّ قال رحمه اللّه متّصلا بما سبق: و أمّا هذا السند، فقد أطبق علماؤنا من زمن العلّامة إلي زماننا هذا علي صحّته، و لم يطعن أحد فيه حتّي انتهت النوبة إلي بعض الفضلاء الذين عاصرناهم قدّس اللّه أرواحهم، فحكموا بخطإ العلّامة و أتباعه في قولهم بصحّته.

و زعموا أنّ ملاحظة طبقات الرواة في التقدّم و التأخّر يقتضي أن يكون ابن سنان المتوسّط بين البرقي و اسماعيل بن جابر محمّد لا عبد اللّه، و إنّ تبديل شيخ الطائفة له بعبد اللّه في سند هذا الحديث توهّم فاحش؛ لأنّ البرقي و محمّد بن سنان في طبقة واحدة، فإنّهما من أصحاب الرضا عليه السلام.

و أمّا عبد اللّه بن سنان، فليس من طبقة البرقي؛ لأنّه من أصحاب الصادق عليه السلام،

فرواية البرقي عنه بغير واسطة مستنكرة.

و أيضا فوجود الواسطة في هذه الرواية بين ابن سنان و بين الصادق عليه السلام يدلّ علي أنّه محمّد لا عبد اللّه؛ لأنّ زمان محمّد متأخّر عن زمانه عليه السلام بكثير، فهو لا يروي عنه بالمشافهة، بل لا بدّ من تخلّل الواسطة.

______________________________

(1) اصول الكافي 1/ 526.

(2) منهج المقال للميرزا محمد الاسترآبادي: 43.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 212

و أمّا عبد اللّه بن سنان، فهو من أصحاب الصادق عليه السلام، فالظاهر أنّه يأخذ عنه بالمشافهة لا بالواسطة، هذا حاصل كلامهم.

و ظنّي أنّ الخطأ في هذا المقام إنّما هو منهم، لا من العلّامة و أتباعه، و لا من الشيخ، فإنّ البرقي و إن لم يدرك زمان الصادق عليه السلام، لكنّه قد أدرك بعض أصحابه، و نقل عنهم بلا واسطة.

أ لا تري إلي روايته عن داود بن أبي يزيد العطّار حديث من قتل أسدا في الحرم «1»، و عن ثعلبة بن ميمون حديث الاستمناء باليد «2»، و عن زرعة حديث صلاة الأسير في باب صلاة الخوف «3».

و هؤلاء كلّهم من أصحاب الصادق عليه السلام، فكيف لا ينكر روايته عنهم بلا واسطة؟ و ينكر عن عبد اللّه بن سنان. و أيضا فالشيخ عدّ البرقي في أصحاب الكاظم عليه السلام.

و أمّا تخلّل الواسطة بين ابن سنان و بين الصادق عليه السلام فانّما يدلّ علي أنّه محمد لو لم توجد بين عبد اللّه أيضا و بينه عليه السلام واسطة في شي ء من الأسانيد.

لكنّها قد توجد بينهما، كتوسّط عمر بن يزيد في دعاء آخر سجدة من نافلة المغرب، و توسّط حفص الأعور في تكبيرات الافتتاح.

و قد يتوسّط شخص واحد بعينه بين كلّ منهما و بين الصادق عليه السلام كإسحاق

بن عمّار، فإنّه متوسّط بين محمّد و بينه عليه السلام في سجدة الشكر، و هو بعينه متوسّط أيضا بين عبد اللّه و بينه في طواف الوداع، و توسّط اسماعيل بن

______________________________

(1) فروع الكافي 4/ 237، ح 26.

(2) تهذيب الاحكام 10/ 64، ح 17.

(3) فروع الكافي 3/ 457، ح 4.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 213

جابر في سندي الحديثين اللذين نحن فيهما من هذا القبيل، و اللّه الهادي الي سواء السبيل.

و العجب من هؤلاء الأقوام المعترضين علي أولئك الأعلام أنّهم يستنكرون لقاء البرقي لعبد اللّه بن سنان، و لا يستنكرون لقاء محمّد بن سنان لإسماعيل بن جابر، مع أنّ ما ظنّوه علّة لعدم اللقاء مشترك.

أقول: و إن تعجب فعجب قولهم هذا؛ إذ البرقي من أصحاب الكاظم عليه السلام، كما صرّح به الشيخ ابن الغضائري، و كذلك عبد اللّه بن سنان، و اسماعيل بن جابر، و محمّد بن سنان كلّهم من أصحابه عليه السلام.

فلقاء بعضهم بعضا و روايته عنه ممّا لا مانع منه، بل رواية عبد اللّه بن سنان عن البرقي أيضا ممّا لا مانع منه؛ لانّ رواية أحد المتعاصرين عن الآخر و بالعكس غير مستنكر.

نعم يظهر من الشيخ الجليل النجاشي أنّ كون عبد اللّه هذا من أصحابه عليه السلام غير ثابت عنده، و تبعه في ذلك العلّامة في الخلاصة، و لكنّه لا يضرّ هنا؛ لأنّ عدم إدراكه صحبته عليه السلام مع كونه في عهده لا ينافي لقاء البرقي إيّاه و روايته عنه.

ثمّ أقول: و علي منوال الشيخ البهائي نسج السيّد السند الداماد قدّس سرّهما في الراشحة السادسة و العشرين، فيحتمل أن يكون هو السابق و هو المسبوق، و يحتمل العكس لكونهما المتعاصرين، و يحتمل التوارد أيضا، و اللّه يعلم.

و

هذه عبارته: ربّما وقع في بعض الظنون أنّه حيث ما يقع في السند ابن سنان متوسّطا بين أبي عبد اللّه محمّد بن خالد البرقي و بين إسماعيل بن جابر، فهو محمّد الأشهر جرحه و توهينه، لا عبد اللّه المتّفق علي ثقته و جلالته، لأنّ البرقي و محمّد بن سنان من أصحاب الرضا عليه السلام، فهما في طبقة واحدة.

و أمّا عبد اللّه بن سنان، فليس من طبقة البرقي، إذ هو من أصحاب

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 214

الصادق عليه السلام، و علي هذا فرواية البرقي عن عبد اللّه بن سنان يكون بارسال و قطع، و لا تكون صحيحة، و استصحاحها كما وقع عن العلّامة و غيره من أفاخم الاصحاب في مواضع عديدة غير صحيح.

فإذن فما في التهذيب و الاستبصار في باب المياه مثلا من رواية البرقي عن عبد اللّه بن سنان من طريق آخر عن اسماعيل بن جابر، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الماء الذي لا ينجّسه شي ء، قال: كرّ، قلت: و ما الكرّ؟

قال: ثلاثة أشبار في ثلاثة أشبار.

غلط نشأ من تبديل الشيخ محمّدا بعبد اللّه، إذ قد رأي في الكافي عن البرقي عن ابن سنان عن إسماعيل بن جابر، فظنّه عبد اللّه، و المراد به محمّد، و هذا كلّه من بعض الظنّ الذي كاد أن يكون مخشّئا إثمه.

أ ليس حديث اختلاف الطبقة بحيث يوجب امتناع لقاء البرقي لعبد اللّه بن سنان يشبه أن يكون من باب الاختلاق «1»، فإنّ محمّد بن خالد البرقي قد ذكره الشيخ في كتاب الرجال في أصحاب الكاظم عليه السلام.

و أورده أيضا في أصحاب الرضا عليه السلام و وثّقه، و قال: «2» إنّه محمّد بن سليمان الديلمي البصري، و محمّد

بن الفضل الازدي الكوفي الثقة، جميعا من أصحاب موسي أبي الحسن عليه السلام.

و ذكره أيضا في أصحاب أبي جعفر الجواد عليه السلام، و قال: محمّد بن خالد البرقي من أصحاب موسي بن جعفر و الرضا عليهما السلام.

فأيّ استبعاد في لقائه أصحاب أبي عبد اللّه الصادق عليه السلام، كعبد اللّه

______________________________

(1) خلق الافك و اختلقه و تخلقه أي افتراه، و منه في التنزيل «ان هو الا اختلاق» «منه».

(2) قال بهذه العبارة: محمد بن سليمان الديلمي بصري، محمد بن الفضل الازدي كوفي ثقة، محمد بن خالد البرقي ثقة، هؤلاء من اصحاب أبي الحسن موسي عليه السلام انتهي «منه».

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 215

بن سنان و غيره ممّن في طبقته.

و أيضا من الثابت بنقل الكشي و النجاشي و غيرهما أنّ عبد اللّه بن سنان كان خازنا للمنصور و المهدي و الهادي و الرشيد، فيكون هو و البرقي متعاصرين متشاركين في طبقة لا محالة.

و أيضا طريق الشيخ إلي عبد اللّه بن سنان في الفهرست ينتهي إلي عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير.

و من طريق آخر إلي ابن بطّة، عن أبي عبد اللّه محمّد بن أبي القاسم، عن محمّد بن علي الهمداني عنه.

و من طريق آخر إلي الحسن بن الحسين السكوني عنه، و إنّ طريق النجاشي إليه إلي عبد اللّه بن جبلة عنه.

فإذا كان ابن أبي عمير، و هو من أصحاب الرضا عليه السلام، و محمّد بن علي الهمداني، و هو من أصحاب العسكري عليه السلام، و الحسن بن الحسين السكوني و هو من طبقة من لم يرو عنهم عليهم السلام، و عبد اللّه بن جبلة، و هو أيضا ممّن لم يرو عنهم عليهم السلام، قد أدركوا عبد اللّه

بن سنان و رووا عنه، فما البعد في إدراك من هو أصحاب الكاظم عليه السلام إيّاه و روايته عنه.

و أيضا قد حكم بعض أئمّة الرجال برواية عبد اللّه بن سنان عن أبي الحسن الكاظم عليه السلام و لقائه إيّاه، و قد نقله النجاشي، فتكون طبقته بعينها طبقة ثعلبة بن ميمون، و اسحاق بن عمّار، و داود بن أبي يزيد العطّار، و زرعة، و غيرهم من أصحاب الصادق و الكاظم عليهما السلام، و البرقي يروي عنهم كثيرا، فإذن استصحاح رواية البرقي عن عبد اللّه بن سنان ليس يعتريه شوب شبهة أصلا.

ثمّ كيف يحلّ أن يظنّ بشيخ الطائفة الشيخ الاعظم أبي جعفر الطوسي

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 216

رحمه اللّه أنّه يترجم عن ابن سنان بعبد اللّه في موضع لا يكون فيه إلّا محمّد؟ و ما الصّاد عن أن يكون محمّد و عبد اللّه يرويان حديثا بعينه عن إسماعيل بن جابر، ثمّ البرقي يرويه بعينه عنهما عنه.

و علي هذا السبيل يتصحّح أيضا رواية الحسين بن سعيد عن عبد اللّه بن سنان، علي ما احتمله شيخنا الفريد الشهيد في الذكري. و روي الشيخ في غير موضع واحد من التهذيب بإسناده عن الحسين بن سعيد عن عبد اللّه بن سنان، و لا يتطرّق إليه ما ربّما يتشكّك عليه أصلا، بل المشكّك شاكّ في حكمه، و المغلط غالط في قوله «1» انتهي كلامه طاب منامه.

أقول: قد روي الحسين بن سعيد عن معاوية بن عمّار، و هو من أصحاب الصادق و الكاظم عليهما السلام، و قد مات قبل وفاته عليه السلام بستّ سنين، فروايته عن عبد اللّه بن سنان، و هو أيضا من أصحابهما عليهما السلام غير بعيدة.

و ذلك مثل ما في التهذيب

عن أحمد بن ادريس، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن معاوية بن عمّار، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: ربّما توضّأت فنفد الماء، فدعوت الجارية فأبطأت عليّ بالماء فيجفّ وضوئي، قال:

أعد «2».

و القول بأنّ رواية الحسين بن سعيد عن معاوية بن عمّار و عبد اللّه بن سنان بارسال و قطع و حذف الواسطة خلاف الأصل، و الظاهر كما مرّ مثله غير مرّة.

نعم هذا إنّما يصحّ إذا صحّ رواية عبد اللّه بن سنان عن الكاظم عليه السلام، كما حكم به الكشي، و نقله عنه النجاشي بقوله: و قيل روي عن أبي

______________________________

(1) الرواشح السماوية ص 88- 90.

(2) تهذيب الاحكام 1/ 87- 88، ح 80.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 217

الحسن موسي عليه السلام، و ليس بثبت «1».

و تبعه في ذلك العلّامة في الخلاصة بقوله: عبد اللّه بن سنان بالسين المهملة المكسورة و النون قبل الألف و بعدها، كوفيّ ثقة من أصحابنا جليل لا يطعن عليه في شي ء روي عن الصادق عليه السلام، و قيل: يروي عن أبي الحسن موسي عليه السلام و لم يثبت «2».

و هذا من الفاضلين المذكورين عجيب غريب؛ لأنّ كتب الأخبار مشحونة برواية عبد اللّه هذا عنه عليه السلام.

منها: ما في التهذيب في أوائل باب ما يحرم من النكاح من الرضاع و ما لا يحرم منه، عن ابن أبي عمير، عن زياد القندي، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي الحسن عليه السلام قال قلت له: يحرم من الرضاع الرضعة. الحديث «3». و له نظائر.

ثمّ قال الشيخ البهائي رحمه اللّه: و الإنصاف أنّ لقاء البرقي لعبد اللّه بن سنان غير مستنكر، بعد ملاحظة ما قرّرناه. و أيضا فإنّه كان خازنا للرشيد، و

البرقي من أصحاب الكاظم عليه السلام.

و قد ذكر المسعودي رحمه اللّه أنّ ما بين وفاته عليه السلام و وفاة الرشيد عشر سنين لا أزيد، فرواية البرقي عنه لا مانع منها بالنظر إلي طبقات الرواة، كما روي عن داود و ثعلبة و زرعة.

و إذا جازت رواية الحسين بن سعيد، مع أنّه ممّن لقي الهادي عليه السلام عنه واسطة حديث قنوت الوتر و غيره، فلم لا يجوز رواية من هو من أصحاب

______________________________

(1) رجال النجاشي ص 214.

(2) رجال العلامة ص 104- 105.

(3) تهذيب الاحكام 7/ 312، ح 3.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 218

الكاظم عليه السلام عنه كذلك؟

و بما تلونا عليك يظهر أنّ شيخ الطائفة و العلّامة و أتباعهما لا طعن عليهم فيما ذكروه، و اللّه ولي التوفيق «1».

أقول: و أمّا أنّ الشيخ الطوسي لا طعن عليه في توسيطه عبد اللّه بن سنان بين البرقي و اسماعيل بن جابر، فمسلّم، و قد ظهر ممّا قرّرناه أيضا.

و أمّا أنّ العلّامة و أتباعه لا طعن عليهم في حكمهم بصحّة هذا السند، فغير مسلّم، و لم يظهر من هذه التلاوة أصلا.

بل يرد علي التالي و عليهم جميعا ما أومأنا إليه من حال الأحمدين المذكورين في السندين فإنهم غفلوا عنه، و هو مانع من الحكم بصحته السند فما لم يرفع المانع لا يصحّ الحكم بصحّته.

و أنّي لهم الرفع؟ و هم غافلون عن وجود أصل المانع، و ماشون إلي ما هو المشهور من حالهما و ثقتهما، علي أنّ جرح الشيخين الجليلين ابن الغضائري و النجاشي للبرقي مقدّم علي تعديل الشيخ الطوسي له.

نعم لمّا رجّح العلّامة في الخلاصة تعديله علي جرحهما له، كما سبق في أواخر الفصل السابق، حكم هنا بصحّة هذا الخبر، و تبعه، من

تبعه، و لا كذلك الأمر في نفسه.

بل غاية ما اندفع عنهم بهذه التلاوة ما طعن به بعض الفضلاء المعاصرين لهذا التالي، و صحّ السند من هذه الجهة، و أمّا أنّه صحيح في حدّ ذاته فلا، لما قد نبّهناك عليه في مواضع من هذا الكتاب، و سنفصّله عن قريب بعون اللّه الملك الوهّاب.

______________________________

(1) مشرق الشمسين ص 349- 350.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 219

31- فائدة [المراد من لقب الفقيه في الروايات]

المشهور و المذكور في كتب الرجال أنّ الفقيه من ألقاب الصادق عليه السلام، و قد يراد به الكاظم عليه السلام، و يظهر من بعض الأخبار أنّهم يلقّبون صاحبنا صاحب العصر و الزمان سلام اللّه عليه بالفقيه أيضا.

كما في التهذيب عن محمّد بن أحمد بن داود القمّي، عن أبيه، عن محمّد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري، قال: كتبت إلي الفقيه عليه السلام أسأله عن طين القبر يوضع مع الميّت في قبره، هل يجوز ذلك أم لا؟ فأجاب و قرأت التوقيع و منه نسخت: يوضع مع الميّت في قبره و يخلط بحنوطه إن شاء اللّه «1».

قال الشيخ البهائي قدّس سرّه: يراد بالفقيه صاحب الأمر عليه السلام، و المراد بطين القبر التربة الحسينيّة علي صاحبها أفضل التسليمات «2».

أقول: قال الشيخ النجاشي: محمّد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري أبو جعفر القمّي كان ثقة وجها، كاتب صاحب الأمر عليه السلام و سأله عن مسائل في أبواب الشريعة، قال لنا أحمد بن الحسين: وقعت هذه المسائل إليّ في أصلها و التوقيعات بين السطور «3».

أقول: فهذا قرينة علي أنّ المراد بالفقيه هنا صاحب الأمر عليه السلام، و إلّا فهم لم يذكروه من ألقابه.

______________________________

(1) تهذيب الاحكام 6/ 76، ح 18.

(2) مشرق الشمسين ص 332.

(3) رجال النجاشي ص 354- 355.

الفوائد الرجالية

(للخواجوئي)، ص: 220

32- فائدة [الحسين بن المختار]

قال رحمه اللّه: و قد استدلّ علي تحريم مسّ خطّ المصحف للمحدث برواية أبي بصير، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عمّن قرأ في المصحف و هو علي غير وضوء، قال: لا بأس و لا يمسّ الكتاب.

و هذه الرواية لا تنهض باثبات تحريمه، لاشتمال سندها علي الحسين بن المختار و هو واقفيّ، و استناد العلّامة في المختلف إلي توثيق ابن عقدة له ضعيف، لنقل ابن عقدة ذلك عن علي بن الحسن بن فضّال، و توثيق واقفيّ بما ينقله زيديّ عن فطحيّ لا يخفي ضعفه.

ثمّ قال: و أنا لم أظفر فيما اطّلعت عليه من كتب الحديث برواية من الصحاح أو الحسان أو الموثّقات يمكن أن يستنبط منها تحريم مسّ خطّ المصحف علي ذي الحدث الأصغر.

إلّا صحيحة علي بن جعفر أنّه سأل أخاه موسي عليه السلام عن الرجل يحلّ له أن يكتب القرآن في الألواح و الصحيفة و هو علي غير وضوء؟ قال: لا.

و هي ناطقة بأنّه لا يحلّ للرجل أن يكتب القرآن و هو محدث، و ظنّي أنّها تدلّ علي تحريم مسّ خطّه بطريق أولي، و عليها أعتمد في تحريم ذلك عليه، مع شهرة تحريمه بين الأصحاب «1».

أقول: قال العلّامة في الخلاصة: الحسين بن المختار القلانسي الكوفي من أصحاب الصادق عليه السلام واقفيّ. و روي عن ابن عقدة عن علي بن الحسن

______________________________

(1) مشرق الشمسين ص 300.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 221

أنّ ابن المختار كوفيّ ثقة، ثمّ قال: و الاعتماد عندي علي الأوّل «1».

و في باب النصّ علي الرضا عن أبيه عليهما السلام من كتاب إرشاد المفيد رحمه اللّه أنّ الحسين بن المختار من خاصّة الكاظم عليه السلام و ثقاته و أهل الورع و

الفقه من شيعته «2».

و في الكافي هكذا: قال الحسين بن المختار قال لي الصادق عليه السلام:

رحمك اللّه. و قد روي جماعة من الثقات عنه نصّا علي الرضا عليه السلام.

و فيه أيضا هكذا: عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن علي بن الحكم، عن عبد اللّه بن المغيرة، عن الحسين بن المختار، قال: خرج إلينا من أبي الحسن عليه السلام بالبصرة ألواح مكتوب فيها بالعرض: عهدي إلي أكبر ولدي يعطي فلان كذا، و فلان كذا، و فلان كذا، و فلان لا يعطي حتّي أجي ء، أو يقضي اللّه عليّ الموت، إنّ اللّه يفعل ما يشاء «3».

فثبت توثيقه، و لم يثبت واقفيّته، لما مرّ من رواية جماعة من الثقات عنه نصّا علي الرضا عليه السلام.

ثمّ أقول: لا مدخل لكونه واقفيّا في ضعف توثيقه له، مع أنّك قد عرفت أنّه لم يثبت كونه واقفيّا.

و اعلم أنّ الشيخ الطوسي ذكر في خطبة كتاب رجاله: إنّي لم أجد لأصحابنا كتابا جامعا في هذا المعني، إلّا مختصرات قد ذكر كلّ إنسان منهم طرفا، إلّا ما ذكره ابن عقدة من رجال الصادق عليه السلام، فإنّه قد بلغ الغاية في ذلك و لم يذكر رجال باقي الأئمّة عليهم السلام، و أنا أذكر ما ذكره و أورد من

______________________________

(1) رجال العلامة ص 215- 216.

(2) الارشاد ص 304.

(3) اصول الكافي 1/ 313، ح 9.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 222

بعد ما لم يذكره «1».

و يظهر منه كمال اعتبار ابن عقدة في ذاته، و نقله، و روايته، و توثيقه، و جرحه، و غيرها، كما لا يخفي.

و قال النجاشي: هذا رجل جليل في أصحاب الحديث، مشهور بالحفظ، و الحكايات، و كان كوفيّا زيديّا جاروديّا، ذكره أصحابنا لاختلاطه بهم و مداخلته

إيّاهم، و عظم محلّه و ثقته و أمانته «2».

و أمّا ابن فضّال، فذكر النجاشي أنّه كان فقيه أصحابنا بالكوفة، و وجههم، و ثقتهم، و عارفهم بالحديث، و المسموع قوله فيه، سمع منه شيئا كثيرا، و لم يعثر له علي زلّة فيه و لا ما يشينه، و قلّ ما روي عن ضعيف و كان فطحيا «3».

و من هذا شأنه فتوثيقه في غاية القوّة و المتانة و الاعتبار، كما لا يخفي علي أولي الأبصار، و لذلك استند العلّامة في المختلف علي توثيق ابن عقدة له، لنقله ذلك عن ابن فضّال.

و مع عزل النظر عن ذلك كلّه، فتوثيق شيخنا المفيد السعيد له يغني عن توثيق كلّ من عداه، و هو ظاهر.

فظهر أنّ رواية أبي بصير صحيحة السند، صريحة الدلالة علي تحريم مسّ خطّ المصحف علي المحدث، و الاعتماد عندي عليها، لبطلان القياس عندنا.

و كونه بطريق أولي ممنوع، فلعلّ الكاتب لمّا كان موجدا لنقوش القرآن و خطوطه، كان أولي بالطهارة من الماسّ، كما ورد في كتابة بعض الأحراز و الأدعية أنّ كاتبه لا بدّ أن يكون علي طهارة، و كذلك تاليه، و لم يقل أحد أنّه يدلّ علي تحريم مسّ خطّه بطريق أولي، فتأمّل.

______________________________

(1) رجال الشيخ ص 2.

(2) رجال النجاشي ص 94.

(3) رجال النجاشي ص 257- 258.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 223

33- فائدة [المراد من صفوان في حديث الوضوء]

قال قدّس سرّه بعد أن نقل عن التهذيب عن أحمد بن محمّد، عن صفوان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: الوضوء مثني مثني «1».

اعلم أن بعض فضلاء الأصحاب ناقش العلّامة طاب ثراه، حيث وصف في المنتهي و المختلف هذا الحديث بالصحّة.

و قال: التحقيق أنّه ليس بصحيح، إذ لا سبيل إلي حمل صفوان علي ابن يحيي؛ لأنّه لا

يروي عن الصادق عليه السلام إلّا بواسطة، فسقوطها قادح في الصحّة، فتعيّن أن يكون ابن مهران؛ لأنّه هو الذي يروي عنه عليه السلام بغير واسطة.

و حينئذ يكون أحمد بن محمّد عبارة عن البزنطي، لا ابن عيسي و لا ابن خالد؛ لأنّ روايتهما عنه بواسطة و غير هؤلاء الثلاثة لا يتمّ صحّة الطريق، و طريق الشيخ في الفهرست إلي أحد كتابي البزنطي غير صحيح، و لا يعلم من أيّهما أخذ هذا الحديث، فلا وجه لوصفه بالصحّة، هذا ملخّص كلامه.

و فيه نظر؛ إذ لا وجه لقطع السبيل إلي حمله علي صفوان به يحيي، فإنّ الظاهر أنّه هو، و لهذا نظائر، و ما ظنّه قادحا في الصحّة غير قادح فيها، لإجماع الطائفة علي تصحيح ما يصحّ عنه، و لذلك قبلوا مراسيله.

و العلّامة يلاحظ ذلك كثيرا، بل يحكم بصحّة حديث من هذا شأنه و إن لم يكن إماميّا، كابن بكير و أمثاله، كما عرفت في مقدّمات الكتاب، و حينئذ فالمراد

______________________________

(1) تهذيب الاحكام 1/ 80، ح 58.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 224

بأحمد بن محمّد: إما ابن عيسي أو ابن خالد، و اللّه أعلم «1».

أقول: بناء اعتراض الفاضل علي أنّه غير صحيح باصطلاح المتأخّرين؛ لأنّ سقوط الواسطة علي الأوّل، و عدم صحّة الطريق إلي أحد الكتابين علي الثاني، مع عدم العلم بمأخذ الحديث بخصوصه، قادح في الصحّة.

و بناء الجواب علي أنّه صحيح باصطلاح القدماء، و المتأخرين قد يسلكون طريقتهم، و يصفون مراسيل بعض المشاهير، كابن أبي عمير و صفوان بن يحيي بالصحّة، و كلام العلّامة حيث وصفه بالصحّة مبنيّ علي هذا.

أقول: قد عرفت و ستعرف أيضا ما في الأحمدين المذكورين و ابن خالد، فالسند لا يصحّ بأحدهما.

و الحقّ أنّ ما أفاده بعض

الفضلاء من أنّ المراد بصفوان المذكور في هذا السند هو ابن مهران لا ابن يحيي هو الأقرب و الأصوب؛ لأنّ سقوط بعض الواسطة- كما عليه بناء كلام الشيخ البهائي و الأصل عدمه و لا دليل عليه- يستلزم نوع تدليس ينافي عدالة ابن يحيي الثابتة في الكتب.

و قد بلغ رحمه اللّه في ورعه و احتياطه في الدين إلي حيث لمّا قال له بعض جيرانه من اهل الكوفة و هو بمكّة: يا أبا محمّد احمل لي إلي المنزل دينارين، فقال له: إنّ جمالي مكراة حتّي أستأمر فيه جمالي «2».

و الظاهر أنّ العلّامة أيضا حمل صفوان علي ابن مهران، لكنّه إنّما وصفه بالصحّة لذهوله عن عدم صحّة طريق الشيخ في الفهرست إلي أحد كتابي البزنطي، و هو كتابه النوادر.

حيث أنّه رواه عن أحمد بن محمّد بن موسي، قال: حدّثنا أحمد بن محمّد

______________________________

(1) مشرق الشمسين ص 296.

(2) الفهرست: 83.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 225

بن سعيد، قال: حدّثنا يحيي بن زكريّا بن شيبان، قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي به «1».

و قد عرفت أنّ ابن سعيد هذا و هو المشهور بابن عقدة، و إن كان رجلا جليلا في أصحاب الحديث، إلّا أنّه زيديّ جاروديّ، و به يصير طريق الشيخ إلي البزنطي موثّقا لا صحيحا.

إلّا إذا علم أنّه أخذ الحديث من كتابه الآخر، و هو كتاب الجامع، فإنّ له إليه طريقين: أحدهما صحيح، و الآخر لاشتماله علي ابن عيسي محلّ توقّف عندي، و إن كان هو أيضا صحيحا علي المشهور.

و لعلّ العلّامة طاب مثواه علم بالقرينة أو بغيرها من طريق العلم أنّ شيخ الطائفة أخذ هذا الحديث من هذا الكتاب، فحكم بصحّته؛ لأنّ ذهوله عن عدم صحّة طريق الشيخ

إلي أحد كتابي البزنطي بعيد، و المتأخّرون كثيرا ما يقولون في جامع البزنطي كذا، فلعلّ هذا الكتاب كان عنده، فعلم أنّ هذا الحديث مذكور فيه، و اللّه يعلم.

ثمّ أقول: و قريب ممّا ذكره البهائي ما ذكره السيّد في الراشحة الخامسة عشر، بقوله: و قد يستشكل أمر استصحاح الأصحاب رواية صفوان بن يحيي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، و هو ممّن لم يلقه و لا أدرك عصره، و ذلك في مواضع:

منها: قولهم مثلا صحيحة صفوان بن يحيي، أو ما رواه الشيخ في صحيح عنه عن أبي عبد اللّه عليه السلام.

فيقال: روايته عنه عليه السلام إنّما تكون بواسطة، فحذفها ينافي الصحّة.

و أجاب عنه بأنّ روايته عنه معدودة من الصحاح و إن كان هو لم يرو عنه؛ لأنّه روي عن اربعين رجلا من أصحابه عليه السلام، و لإجماع العصابة علي

______________________________

(1) الفهرست ص 20.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 226

تصحيح ما يصحّ عنه و الإقرار له بالفقه، و لقول النجاشي و الشيخ إنّه ثقة ثقة عين، أوثق أهل زمانه عند أصحاب الحديث.

و بالجملة من الثابت أنّه ليس يروي الحديث عنه عليه السلام إلّا بسند صحيح «1». هذا كلامه ملفّقا بعد إسقاط الحشو و الزائد.

و فيه و في كلام البهائي رحمهما اللّه، أنّ العدل كما يروي عن مثله، فقد يروي عن غيره، علي ما نراه عيانا في كثير من الروايات المرويّة عنه.

و مع فرض اقتصاره علي الرواية عن العدل، فهو إنّما يروي عمّن يعتقد عدالته، و ذلك غير كاف، لجواز أن يكون له جارح لا يعلمه، و بدون تعيينه لا يندفع الاحتمال، فلا يتوجّه القبول.

قال العلّامة في النهاية: عدالة الأصل مجهولة، لانّ عينه غير معلومة، فصفته أولي بالجهالة، و لم يوجد

إلّا رواية الفرع عنه، و ليست تعديلا إذ العدل قد يروي عمّن لو سئل عنه لتوقّف فيه أو جرحه، و لو عدله لم يصر عدلا، لجواز أن يخفي عليه حاله، فلا يعرفه بفسق، و لو عيّنه لعرفنا فسقه الذي لم يطّلع عليه العدل.

هذا و يمكن دفع مناقشة بعض فضلاء الأصحاب، و هو صاحب منتقي الجمان، بعد حمل أحمد و صفوان علي ما حملهما عليه، و هو البزنطي و ابن مهران بوجه آخر أدق و أخصر.

و هو أنّ البزنطي لمّا كان ثقة، و كانت نسبة كتابيه المذكور في أحدهما هذا الحديث إلي الشيخ نسبة كتابيه في الأخبار التهذيب و الاستبصار إلينا في الشهرة و المعرفة، لم يكن يقدح في وصفه بالصحّة عدم صحّة طريقه إليه، و إنّما يقدح فيه ذلك إذا كان البزنطي أو ابن مهران غير صحيح.

______________________________

(1) الرواشح السماوية ص 65- 66.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 227

أ لا يري أنّ الشيخ و من قبله الي الامام عليه السلام اذا كانوا ثقات إماميّين، لا يقدح في وصف لحديث المأخوذ من أحد كتابيه بالصحّة، عدم صحة طريقنا ببعض المشايخ الي ذلك الكتاب، لشهرته و معرفتنا بكونه منه.

و بالجملة بعد حصول الظنّ بأنّه أخذه من أحد كتابيه، و هو كالذي رواه عنه ثقة ثبت، لا يقدح في وصف هذا الحديث المخصوص المأخوذ منه بالصحّة عدم صحّة طريقه إلي صاحب ذلك الكتاب، و هو ظاهر جدّا.

فهذا هو الوجه في وصف العلّامة طاب ثراه في المنتهي و المختلف هذا الحديث بالصحّة، و به تندفع مناقشة المناقش من غير حاجة إلي ما طوّله السيّد و تكلّفه البهائي قدّس سرّهما.

34- فائدة [حكم بن حكيم]

قال قدّس سرّه في الحاشية، بعد أن نقل عن التهذيب عن ابن أبان،

عن الحسين بن سعيد، عن فضالة، عن حمّاد بن عثمان، عن حكم بن حكيم، قال:

سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن غسل الجنابة.

فقال: أفض علي كفّك اليمني من الماء فاغسلها، ثمّ اغسل ما أصاب جسدك من أذي، ثمّ اغسل فرجك، و أفض علي رأسك و جسدك و اغتسل، فإن كنت في مكان نظيف، فلا يضرّك ألّا تغسل رجليك، و إن كنت في مكان ليس بنظيف فاغسل رجليك.

قلت: إنّ الناس يقولون: يتوضّأ وضوء الصلاة قبل الغسل.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 228

فضحك و قال: أيّ وضوء أنقي من الغسل و أبلغ؟! «1».

لا يقال: إنّ النجاشي نقل توثيق حكم بن حكيم عن أبي العبّاس، و هو مشترك بين ابن نوح الامامي و ابن عقدة الزيدي، فكيف عددت حديث حكم في الصحيح؟ و المعدّل له مشترك.

قلنا: الاشتراك هنا غير مضرّ، فإنّ ابن عقدة و إن كان زيديّا، إلّا أنّه ثقة مأمون، و تعديل غير الإمامي إذا كان ثقة لمن هو إماميّ حقيق بالاعتبار و الاعتماد، فإنّ الفضل ما شهد به الأعداء. نعم جرح غير الإمامي للإمامي لا عبرة به و إن كان الجارح ثقة «2».

أقول: إنّما يكون ابن عقدة ثقة مأمونا إذا كان جرحه للإمامي و غيره علي وفق تعديله له و لغيره في عدم الإغماض و بيان ما هو الحقّ و الواقع فيهما في الصورتين، و إلّا لم يكن ثقة و لا مأمونا.

و العدوّ المأمون الموثوق به كما يشهد بالفضل لوجوده في الفاضل، كذلك يشهد بالنقص لوجوده في الناقص من غير إفراط و لا تفريط، لأنّ ثقته مانعة من ذلك.

فكما يصحّ قبول شهادته بالأوّل و الاعتماد عليها، يصحّ قبول شهادته بالثاني و الاعتبار بها، فالفرق غير واضح.

و لذلك اكتفي

أصحابنا في الجرح بقول غير الإمامي إذا كان ثقة مأمونا، كما فعل العلّامة في الخلاصة، و قد سبق هو و ما وجّهنا به كلامه هناك.

و اعلم أنّ في كلام النجاشي في ترجمة حكم هذا ما يدلّ علي أنّ المراد بأبي العبّاس هذا ابن نوح لا ابن عقدة.

______________________________

(1) تهذيب الاحكام 1/ 139- 140، ح 83.

(2) مشرق الشمسين ص 313.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 229

حيث قال: حكم بن حكيم أبو خلّاد الصيرفي كوفيّ ثقة، روي عن أبي عبد اللّه عليه السلام، ذكر ذلك أبو العبّاس في كتاب الرجال، له كتاب يرويه عنه صفوان بن يحيي، ثمّ قال: و قال ابن نوح: هو ابن عمّ خلّاد بن عيسي «1».

فهذا قرينة علي ما قلناه، فتأمّل.

35- فائدة [عمرو بن سعيد بن هلال الثقفي]

قال: الفاضل العلّامة في المختلف بعد رواية عمرو بن سعيد بن هلال، قال: سألت الباقر عليه السلام عمّا يقع في البئر ما بين الفأرة و السنّور إلي الشاة، فقال في كلّ ذلك سبع دلاء، حتّي بلغت الحمار و الجمل، قال: كرّ من ماء.

و سند هذا الحديث جيّد، و عمرو بن سعيد و إن قيل فيه إنّه كان فطحيّا إلّا أنّه ثقة، و قد ذكرت حاله في كتاب خلاصة الأقوال في معرفة الرجال، و في كتاب كشف المقال في معرفة الرجال «2».

أقول: هذا سهو منه رحمه اللّه؛ لأنّ عمرو بن سعيد بن هلال الثقفي الكوفيّ الراوي عن الباقر عليه السلام مهمل، فسند الحديث مجهول.

و الذي وثّقه في الخلاصة و ذكر حاله هو عمرو بن سعيد المدائني من أصحاب الرضا عليه السلام، و تبع فيه ما ذكره الشيخ النجاشي في كتابه من توثيق عمرو هذا ساكتا عن كونه فطحيّا.

نعم نقل الكشي عن نصر بن الصباح أنّه كان

فطحيّا. و قال الفاضل

______________________________

(1) رجال النجاشي ص 137.

(2) المختلف ص 5- 6.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 230

رحمه اللّه في الخلاصة: و نصر لا أعتمد علي قوله «1».

أقول: هذا هو الصواب، كما يشعر به سكوت النجاشي عنه، و ذلك لأنّ نصرا هذا من الطيارة غالي المذهب، إلّا أنّه كان عارفا بالرجال و الأحوال، و كأنّه لذلك روي عنه العياشي و نقل عنه كثيرا الشيخ الكشي.

و الحقّ أنّ قوله تعالي إِنْ جٰاءَكُمْ فٰاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا «2» يوجب عدم اعتبار أمثاله ممّن ليس علي قبول قوله إجماع الطائفة، فإنّه لا فسق أعظم من عدم الإيمان.

لا يقال: أبان بن عثمان الأحمر مع كونه ناووسيّا واقفا علي أبي عبد اللّه عليه السلام، أجمعت العصابة علي تصديقه و تصحيح ما يصحّ عنه.

لأنّا نقول: هو ممّن أخرجه الدليل و هو الإجماع، فكلّ من أجمعوا علي تصديقه و تصحيح ما يصحّ عنه من المخالفين، فهو مقبول القول و معتمد عليه بالإجماع، و أمّا غيرهم فمردود قوله و نقله و لا يصحّ الاعتماد عليه، كما أومأ إليه الفاضلان المذكوران.

ثمّ أقول: و ظنّي أنّ من هنا- أي: ممّا ذكره العلّامة في المختلف- سري الوهم إلي الفاضل المجلسي قدّس سرّه في شرحه علي الفقيه، فإنّه بعد ما نقل قول الصدوق رحمه اللّه «و متي وقع في البئر شي ء فتغيّر ريح الماء، وجب أن ينزح الماء كلّه، فإن كان كثيرا و صعب نزحه، فالواجب أن يتكاري أربعة رجال يستقون منها علي التراوح من الغدوة إلي الليل «3».

قال: لما رواه الشيخ في الصحيح عن عمرو بن سعيد بن هلال «4». و هذا

______________________________

(1) رجال العلامة ص 120.

(2) سورة الحجرات: 6.

(3) من لا يحضره الفقيه 1/ 19.

(4) روضة المتقين 1/ 90.

الفوائد

الرجالية (للخواجوئي)، ص: 231

منه قدّس سرّه غريب من وجهين:

أمّا الأوّل، فلما عرفت أنّ عمرو هذا مهمل، فالسند مجهول لا صحيح.

و أمّا الثاني، فلأنّ حديث عمرو هذا لا يدلّ علي المدّعي بوجه.

نعم قال الشيخ في التهذيب: فأمّا ما اعتبره- أي: المفيد رحمه اللّه- من تراوح أربعة رجال علي نزح الماء اذا صعب نزح الجميع، يدلّ عليه الخبر الذي رويناه فيما تقدّم عن عمرو بن سعيد بن هلال، قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عمّا يقع في البئر، و عدّ أشياء إلي أن قال: حتّي بلغت الحمار و الجمل، قال:

كرّ من ماء، و إذا كان كثيرا تراوح أربعة رجال علي نزح الماء يوما يزيد علي كرّ من ماء و لا ينقص، و يجب أن يكون مجزيا، إلي هنا كلامه «1». و فيه ما تري.

و بالجملة رواية عمرو هذا مع جهالته لا دلالة لها علي واحد من الحكمين المذكورين في الفقيه، فتأمّل.

و اعلم أنّ وقوع أمثال ذلك عن الفاضل العلّامة رحمه اللّه كان للعجلة الدينيّة، و عدم وفاء وقته للرجوع إلي الكتب، أو عدمها عنده وقت التأليف، يدلّ عليه أنّه كثيرا ما يقول في أسانيد الأخبار: إنّ فيها فلانا و لا يحضرني الآن حاله، فلو كان له وقت و كتاب يمكنه الرجوع إليه لرجع و استحضر، و انتفاء التالي دليل انتفاء المقدم، فافهم.

36- فائدة [غياث بن ابراهيم]

اشارة

قال صاحب الشرائع فيه في باب حدّ السرقة: و في الطير و حجارة الرخام

______________________________

(1) تهذيب الاحكام 1/ 242.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 232

رواية بسقوط الحدّ ضعيفة «1».

قال الفاضل الشهيد شيخنا في شرحه عليه: و الرواية التي أشار إليها المصنّف بسقوط الحدّ عن سارق الرخام و نحوه رواها السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال

رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: لا قطع علي من سرق الحجارة، يعني الرخام و أشباه ذلك، و لا يخفي حال السند «2» انتهي.

أقول: إنّه قدّس سرّه لم يشر إلي رواية سقوط الحدّ عن سارق الطير، و لا إلي حال سنده، و لعلّه ذهب عنه ما رواه الصدوق في الفقيه في باب حدّ السرقة عن غياث بن إبراهيم، عن أبي عبد اللّه عن أبيه عليهما السلام أنّ عليّا عليه السلام اتي بالكوفة برجل سرق حماما فلم يقطعه، و قال: لا أقطع، و في نسخة: لا يقطع في الطير «3».

و طريقه فيه إليه صحيح، كما يظهر من النظر إلي مشيخته، حيث قال فيها: و ما كان فيه عن غياث بن إبراهيم، فقد رويته عن أبي رضي اللّه عنه، عن سعد بن عبد اللّه، عن أحمد بن محمّد بن عيسي، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع، و عن محمّد بن يحيي الخزّاز، عن غياث بن ابراهيم «4» انتهي.

و ليس في هذا السند علي المشهور من يناقش فيه إلّا غياث هذا، فإنّ بعضهم ضعّفه، كالكشي و العلّامة في الخلاصة و المحقّق في كلامه المنقول عنه آنفا.

و بعضهم وثّقه كالنجاشي، و مولانا عناية اللّه القهبائي في مجمع الرجال، حيث أنّه حكم بتوثيق السند المذكور، بعد نقله عن مشيخة الفقيه.

______________________________

(1) شرائع الاسلام 4/ 175.

(2) المسالك 2/ 443.

(3) من لا يحضره الفقيه 4/ 60، ح 5100.

(4) مشيخة الفقيه 4/ 490.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 233

و بعضهم صحّحه كالشيخ البهائي قدّس سرّه في رسالته الصوميّة، و بيّنه في الحاشية بأنّه ثقة، كما قاله النجاشي و غيره، إلّا أنّ الكشي نقل عن حمدويه عن بعض أشياخه أنّه بتريّ، و لكن هذا البعض مجهول

الحال، و العلّامة في الخلاصة قال: إنّه بتريّ «1».

و ظنّي أنّه أخذ ذلك من كلام الكشي، و قد عرفت حاله، فلذلك قلنا إنّه صحيح لثبوت التوثيق و عدم ثبوت البتريّة. انتهي كلامه طيّب اللّه منامه.

أقول: قال ملّا ميرزا محمّد في رجاله الأوسط: غياث بن إبراهيم بتريّ، و لعلّه لذلك حكم المحقّق في كلامه السابق ذكره بكون الرواية ضعيفة السند.

و ظنّ كون هؤلاء الفضلاء المحقّقين المدقّقين في نقد الرجال مقلّدين لبعض مشايخ الكشي المجهول حاله، ضعيف بعيد عن الإنصاف، و الجرح مقدّم، و جهالة بعض المشايخ هنا غير ضائر، و الشيخ الطوسي أهمله في الفهرست فانّه ذكره فيه من غير قدح و لا مدح سوي أنّ له كتابا.

ثمّ بمجرّد ثبوت التوثيق، و عدم ثبوت البتريّة، لا يثبت كونه إماميّا، لاحتمال أن يكون واقفيّا أو غيره من الفرق المخالفة. و النجاشي و إن حكم بكونه ثقة، إلّا أنّه لم يحكم بكونه إماميّا، حتّي يثبت كون السند صحيحا.

و ظنّي أنّه قدّس سرّه أخذ ذلك من كلام صاحب المدارك، فإنّه قال بعد نقله حديثا بسنده: و ليس في هذا السند من يتوقّف في شأنه سوي غياث بن إبراهيم، فإنّ النجاشي وثّقه، لكن قال العلّامة: إنّه بتريّ. و لا يبعد أن يكون الأصل كلام الكشي، نقلا عن حمدويه عن بعض أشياخه، و ذلك مجهول فلا تعويل علي قوله. انتهي كلامه.

و ليس الغرض من هذا الكلام هو القدح في الشيخ البهائي كلّا و حاشا،

______________________________

(1) رجال العلامة ص 246.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 234

بل الغرض منه الإشارة إلي ما هو المشهور كما تدين تدان.

ثمّ إنّ هذا منهما قدّس سرّهما سوء ظنّ بالعلّامة، و نوع قدح فيه، فإنّه يستلزم: إمّا كونه مدلّسا أو جاهلا

بفساد ذلك، أو غافلا عن كون ذلك الشيخ مجهولا، و إلّا فكيف يحكم بالبتريّة بمجرّد قوله؟ مع عدم ثبوته عنده، حاشاه فإنّ مثله عن مثله بعيد ينافي عدله و فضله، فتأمّل.

[من هم البترية؟]

و اعلم أنّ البتريّة قوم دعوا إلي ولاية علي عليه السلام، ثمّ خلطوها بولاية أبي بكر و عمر، و يثبتون لهما إمامتهما، و يبغضون عثمان و طلحة و زبير و عائشة، و يثبتون لكلّ من خرج من ولد علي عليه السلام عند خروجه الإمامة.

و عن سدير الصيرفي، قال: دخلت علي أبي جعفر عليه السلام و معي سلمة بن كهيل، و أبو المقدام ثابت الحدّاد، و سالم بن أبي حفصة، و كثير النّوّا، و جماعة معهم، و عند أبي جعفر عليه السلام أخوه زيد بن علي عليه السلام، فقالوا لأبي جعفر عليه السلام: نتولّي عليّا و حسنا و حسينا، و نتبرّأ من أعدائهم، قال: نعم.

قالوا: نتولّي أبا بكر و عمر و نتبرّأ من أعدائهما، قال: فالتفت إليهم زيد بن علي و قال: أ تتبرّءون من فاطمة عليها السلام، بتّرتم أمرنا بتّركم اللّه، فيومئذ سمّوا البتريّة «1».

______________________________

(1) اختيار معرفة الرجال 2/ 505.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 235

[تحقيق حال السكوني]

هذا ثمّ اعلم أنّ المذكور في الألسنة و المشهور في الأفواه أنّ السكوني الشعيري ضعيف، كما أشار إليه الشيخ الشارح في كلامه السابق نقله، بقوله «و لا يخفي حال السند» «1».

لكن قال المحقّق في المعتبر في مسألة أنّ الدم لا يكون نفاسا حتّي تراه بعد الولادة أو معها، بعد احتجاجه برواية السكوني: السكوني عامّي إلّا أنّه ثقة «2».

و قال أيضا في المسائل الغريّة: إنّ السكوني موثّق، و إنّ الاصحاب أجمعوا علي العمل بحديثه، و قد عدّ العلّامة في المختلف في كتاب الوصايا حديثه في الموثّق.

و الوجه في حكمهم بثقته يستفاد من الإجماع الذي ادّعاه الشيخ في كتاب العدّة علي العمل بروايته اذا لم تكن علي خلافها رواية اخري موثّقة، و اليه

أشار المحقّق المنقول عنه آنفا بقوله: و الأصحاب أجمعوا علي العمل بحديثه.

و ها هذا كلام الشيخ بعبارته في ذلك الكتاب: إذا كان الراوي مخالفا في الاعتقاد لأصل المذهب، و روي مع ذلك عن الأئمّة عليهم السلام نظر فيما يرويه.

فإن كان هناك بالطرق الموثوق ما يخالفه، وجب اطّراح خبره. و إن لم يكن هناك ما يوجب اطّرح خبره، و كان هناك ما يوافقه، وجب العمل به. و إن

______________________________

(1) المسالك 2/ 443.

(2) المعتبر 1/ 252.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 236

لم يكن من الفرقة المحقّة خبر يوافق ذلك و لا يخالفه، و لا يعرف لهم قول فيه، وجب أيضا العمل به.

لما روي عن الصادق عليه السلام أنّه قال: إذا نزلت بكم حادثة لا تجدون حكمها فيما رووا عنّا، فانظروا إلي ما رووه عن علي عليه السلام فاعملوا به.

و لأجل ما قلناه عملت الطائفة بما رواه حفص بن غياث، و غياث بن كلوب، و نوح بن درّاج، و السكوني، و غيرهم من العامّة عن أئمّتنا عليهم السلام و لم ينكروه و لم يكن عندهم خلافه «1». إلي هنا كلامه بعين عبارته.

و هذا هو السبب في حكمهم بتوثيق السكوني، و إلّا فسائر علماء الرجال ساكتون عن توثيقه، بل ذاكرون له من غير قدح و لا مدح.

و أنت قد عرفت أنّ كلام الشيخ في هذا الباب، و سيّما في هذا الكتاب، مضطرب غاية الاضطراب، فالاعتماد عليه و العمل بأخبار هؤلاء لا يخلو من إشكال.

و من الغريب أنّ العلّامة مع اشتراط الايمان في قبول الرواية و العمل بها في كتبه الاصولية، أكثر في الخلاصة و غيرها من ترجيح قبول روايات فاسدي المذاهب.

و أغرب منه أنّ المحقّق في المعتبر مع أنّه قبل الموثّق إذا كان

العمل بمضمونه مشتهرا بين الأصحاب، لما أجاز الشيخ في العدّة العمل بالأخبار العاميّة و الفطحيّة و من شاكلهم، و احتجّ عليه بأنّ الطائفة عملت بخبر عبد اللّه بن بكير، و عثمان بن عيسي و نحوهما، أجاب عنه بأنّا لا نعلم إلي الآن أنّ الطائفة عملت بأخبار هؤلاء.

______________________________

(1) عدة الاصول 1/ 379- 380.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 237

و أمثال هذا التناقض و الاضطراب في كلامهم رحمهم اللّه أكثر من أن تحصي، فاتّباعهم في كلّ ما آتوناه من ذلك مشكل، أو هو تقليد غير مسوغ، بل الواجب علي كلّ من حاول التفقّه أن يبذل جهده في تحصيل الظنّ بحقيقة الحال، و معرفة مراتب الرجال، و اللّه الموفّق و المعين.

و بما حرّرناه يستبين لك حال ما أفاده السيّد السند الداماد قدّس سرّه في الرواشح في الراشحة التاسعة بقوله:

لقد ملأ الأفواه و الأسماع و بلغ الأرباع و الأصقاع أنّ السكوني بفتح السين نسبة إلي حيّ من اليمن الشعيري «1» الكوفي، و هو إسماعيل بن أبي زياد، و اسم أبي زياد مسلم، ضعيف و الحديث من جهته مطروح غير مقبول، لانّه كان عاميّا، حتّي قد صار من المثل السائر في المحاورات الرواية سكونيّة، و ذلك غلط من مشهورات الأغاليط.

و الصحيح أنّ الرجل ثقة، و الرواية من جهته موثّقة، و شيخ الطائفة في كتاب العدّة في الاصول قد عدّ جماعة قد انعقد الإجماع علي ثقتهم و قبول روايتهم و تصديقهم و توثيقهم منهم السكوني الشعيري و إن كان عاميّا، و عمار الساباطي و إن كان فطحيّا.

و في كتاب الرجال «2» أورده في أصحاب الصادق عليه السلام من غير تضعيف و ذمّ أصلا. و كذلك في الفهرست «3» ذكره و ذكر كتابه النوادر

و كتابه الكبير، ثمّ سنده عنه في رواياته. و النجاشي «4» أيضا في كتابه علي هذا السبيل.

______________________________

(1) قال في القاموس: الشعير محلة ببغداد، و منها الشيخ عبد الكريم بن الحسن بن علي، و اقليم باندلس و موضع ببلاد هذيل، و المراد هنا الاخير «منه».

(2) رجال الشيخ: 147.

(3) الفهرست: 13.

(4) رجال النجاشي: 26.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 238

و المحقّق نجم الدين أبو القاسم جعفر بن سعيد الحلّي في نكت النهاية قال في مسألة انعتاق الحمل بعتق امّه: هذه رواها السكوني عن جعفر عن أبيه عليهما السلام في رجل أعتق أمّه و هي حبلي و استثني ما في بطنها، قال: الأمة حرّة و ما في بطنها حرّ؛ لأنّ ما في بطنها منها. و لا أعمل بما يختصّ به السكوني، لكنّ الشيخ رحمه اللّه يستعمل أحاديثه وثوقا بما عرف من ثقته.

و في المسائل الغريّة أورد رواية الماء يطهر و لا يطهر، و نقل قول الطاعن فيها الرواية ضعيفة، فإنّ الراوي لها السكوني و هو عاميّ، و لو صحّت روايته لكانت منافية لمسائل كثيرة اتّفق عليها، فيجب اطّراحها أو تخصيصها.

ثمّ قال في الجواب عنه بهذه العبارة: قوله الرواية مستندة إلي السكوني و هو عاميّ. قلنا: هو و إن كان عاميّا فهو من ثقات الرواة.

و قال شيخنا أبو جعفر رحمه اللّه في مواضع من كتبه أنّ الإماميّة مجمعة علي العمل بما يرويه السكوني و عمار و من ماثلهما من الثقات، و لم يقدح بالمذهب في الرواية مع اشتهار الصدق، و كتب أصحابنا مملوّة من الفتاوي المستندة إلي نقله.

و في المعتبر أيضا قال: إنّ الشيخ ادّعي في العدّة إجماع الإماميّة علي العمل برواية عمّار و رواية أمثاله ممّن عدوّهم، و منهم السكوني.

و لذلك تراه في المعتبر كثيرا ما يحتجّ برواية السكوني، مع تبالغه في الطعن في الروايات بالضعف.

و يدل علي قبول خبر العدل الواحد و إن كان عاميّا صحيحة أبي بصير عن الصادق عليه السلام في من لم يصم يوم ثلاثين من شعبان، ثمّ قامت الشهادة علي رؤية الهلال، لا تقضه إلّا أن يثبت شاهدان عدلان من جميع أهل الصلاة.

وجه الدلالة أنّ شهادة عدلين في باب الشهادة، كإخبار عدل واحد في باب الرواية، فإذا كانت شهادة عدلين من جميع أهل الصلاة معتبرة، فكذلك

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 239

تكون رواية عدل واحد معتبرة منهم جميعا.

و بالجملة لم يبلغني من أئمّة التوثيق و التوهين في الرجال رمي السكوني بالضعف، و قد نقلوا إجماع الإماميّة علي تصديق ثقته و العمل بروايته، فإذن مرويّاته ليست ضعافا بل هي من الموثّقات المعمول بها، و الطعن فيها بالضعف من ضعف التمهّر و قصور التتبّع «1».

أقول: قد ظهر لك ممّا تلوناه عليك حقيقة حال إجماعهم و توثيقهم له و عملهم بروايته، و إنّ القول بأنّ مرويّاته من الموثّقات لا من المضعّفات من ضعف التمهّر و قصور التتبّع.

كيف لا؟ و هو مع كونه عاميا لم يوثّقه أحد من علماء الرجال، سوي أنّ ظاهر كلام الشيخ في العدّة يفيد أنّ الأصحاب كانوا يعملون بأخباره علي وجه يؤذن بالاتّفاق.

و من هنا نشأ ما نشأ من القول بثقته، مع ما فيه من التناقض و الاختلاف، فإنّ هذا القائل تارة يقول: إنّه موثّق و إنّ الاصحاب أجمعوا علي العمل بحديثه، و اخري يقول: إنّا لم نعلم إلي الآن أنّ الأصحاب عملوا بحديثه، و هذا منه ردّ علي الشيخ بنفي ما جعله دليلا علي ثقته من عمل الأصحاب بحديثه.

و الحقّ

ما أشار إليه في نكت النهاية علي ما نقله عنه السيّد السند الداماد، من أنّه أنكر العمل بما ينفرد به السكوني و نسبه إلي الشيخ، معلّلا بما عرف من ثقته. و هذا منه اعتذار للشيخ في العمل به، و إيماء لطيف إلي أنّه لا يجدي غيره نفعا.

لما تبيّن من كثرة وقوع الخطأ، و إنّ مبني الأمر علي الظنّ لا القطع، فموافقته فيما قاله تقليد لا يسوغ، و هذا نكتة دقيقة تستفاد بعد إمعان النظر ممّا

______________________________

(1) الرواشح السماوية ص 56- 58.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 240

أفاده رحمه اللّه هنا فهم من فهم.

و بالجملة لما لم يثبت توثيقه و هو عاميّ المذهب، يثبت وهنه و ضعفه قائمة التوثيق و التوهين، و إن لم يرموه بالضعف صريحا إلّا أنّهم رموه به كناية، و هي أبلغ من التصريح، فهذا هو السبب في اشتهاره بالضعف، تأمّل فيه تعرف.

37- فائدة [علي بن حديد]

قال الفقيه الفاضل المليّ التقي المتّقي المجلسي قدّس سرّه في شرحه علي الفقيه، بعد أن قال: روي الشيخان عن علي بن حديد، عن جميل بن درّاج، عن محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السلام قال: لا يكون اللعان إلّا بنفي الولد، و قال: إذا قذف الرجل امرأته لا عنها.

و هذا الخبر مستند الصدوق و جماعة، و سنده ضعيف بعلي بن حديد، كما ذكره الشيخ في مواضع من التهذيب «1».

أقول: قد اشتهر فيهم أنّ علي بن حديد ضعيف، و الوجه فيه أنّ الشيخ ضعّفه في كتابي الحديث، و قال: لا يعوّل علي ما ينفرد به. و نقل الكشي عن النصر بن الصباح البلخي أنّه كان فطحيّا «2».

و فيه أنّه ينافيه ما نقله في ترجمة محمّد بن بشير عن محمّد بن قولويه، قال:

حدّثني سعد بن

عبد اللّه القمّيّ، قال: حدّثني محمّد بن عبد اللّه المسمعي، قال:

حدّثني علي بن حديد المدائني، قال: سمعت من سأل أبا الحسن الأوّل عليه

______________________________

(1) روضة المتقين 9/ 182.

(2) اختيار معرفة الرجال 2/ 840.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 241

السلام.

فقال: إنّي سمعت محمّد بن بشير يقول: إنّك لست موسي بن جعفر الذي إمامنا و حجّتنا فيما بيننا و بين اللّه تعالي.

قال فقال: لعنه اللّه ثلاثا أذاقه اللّه حرّ الحديد، قتله اللّه أخبث ما يكون من قتلة.

فقلت له: جعلت فداك أنا اذا سمعت ذلك منه أو ليس لي حلال دمه مباح كما ابيح دم السابّ لرسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و للامام عليه السلام.

فقال: نعم حلّ و اللّه دمه و أباح لك و لمن سمع ذلك منه.

قلت: أو ليس هذا بسابّ لك؟

فقال: هذا سابّ للّه و سابّ لرسول اللّه و سابّ لآبائي و سابّي، و أيّ سبّ ليس يقصر عن هذا و لا يفوقه هذا القول.

فقلت: أ رأيت اذا أنا لم أخف أن اغمز بذلك بريئا، ثمّ لم أفعل و لم أقتله ما عليّ من الوزر؟

فقال: يكون عليك وزره أضعافا مضاعفة من غير أن ينتقص من وزره شي ء، أما علمت أنّ أفضل الشهداء درجة يوم القيامة من نصر اللّه و رسوله بظهر الغيب، و ردّ عن اللّه و عن رسوله و عن الأئمّة عليهم السلام «1».

فإنّ هذا و ما شاكله يدلّ علي حسن اعتقاده، و قوله بإمامته عليه السلام، لا بإمامة أخيه عبد اللّه بن جعفر الأفطح ليكون فطحيّا.

و في ترجمة هشام بن الحكم أنّ أبا جعفر عليه السلام أمر الحسن بن راشد أن يأخذ بقول علي بن حديد في الصلاة خلف هشام، فدلّ علي جلالة قدر الرجل.

______________________________

(1)

اختيار معرفة الرجال 2/ 777- 778.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 242

روي الكشي عن علي بن محمّد، قال: حدّثني أحمد بن محمّد، عن أبي علي بن راشد، عن أبي جعفر الثاني عليه السلام قال قلت: جعلت فداك قد اختلف أصحابنا، فأصلّي خلف أصحاب هشام بن الحكم؟

فقال: عليك بعلي بن حديد، قلت: فآخذ بقوله؟ قال: نعم.

فلقيت علي بن حديد فقلت له: تصلّي خلف أصحاب هشام بن الحكم؟

قال: لا «1».

و في ترجمة يونس بن عبد الرحمن ما يدلّ علي نهاية اعتبار علي بن حديد قولا و فعلا، و إنّه عاقل عارف ذو دين.

روي الكشي عن علي بن محمّد القتيبي، قال: حدّثنا الفضل بن شاذان، قال: كان أحمد بن محمّد بن عيسي تاب و استغفر من وقيعته في يونس لرؤيا رآها، و قد كان علي بن حديد يظهر في الباطن الميل إلي يونس و هشام رحمهما اللّه «2».

و فيه من الدلالة علي جلالة قدره و ديانته و اعتباره فيهم قولا و فعلا ما لا يخفي، و الطريق صحيح؛ لأنّ علي بن محمّد بن قتيبة تلميذ الفضل النيسابوري، عليه اعتمد أبو عمرو الكشي في كتاب الرجال.

و روي الكشي أيضا بإسناده عن يزيد بن حماد، عن أبي الحسن عليه السلام، قال قلت له: اصلي خلف من لا أعرف؟ فقال: لا تصلّ إلّا خلف من تثق بدينه.

فقلت: اصلّي خلف يونس و أصحابه؟ فقال: يأبي ذلك عليكم علي بن حديد، قلت: آخذ بقوله في ذلك؟ قال: نعم.

فسألت علي بن حديد عن ذلك، فقال: لا تصلّ خلفه و لا خلف أصحابه.

______________________________

(1) اختيار معرفة الرجال 2/ 563، برقم: 499.

(2) اختيار معرفة الرجال 2/ 787، برقم: 951.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 243

قال أبو عمرو: هذا من علي بن

حديد مداراة لأصحابه، و إلّا فقد ذكر الفضل أنّه كان يظهر في الباطن الميل إلي يونس «1».

فهذا و نحوه يدلّ علي اعتباره في قوله و فعله. و له كتاب رواه عنه جماعة من أصحابنا، و هذا أيضا نوع مدح له، فلا بدّ من قبوله، و لذلك عمل بروايته الصدوق و جماعة لما لم يكن في الطريق قادح من غير جهته.

و قد سبق ما دلّ علي كونه إماميّا صحيح الاعتقاد قائلا بالحقّ، و لم يثبت ما يدلّ علي فطحيّته؛ لأنّ نصر بن الصباح الحاكم عليه بذلك من المذمومين الغالين، كما يظهر من النظر في ترجمة المفضّل بن عمر، و في سلمان رضي اللّه عنه، و في جابر بن يزيد الجعفي.

فلا اعتماد علي قوله، إذ لا يعلم من أين أخذه، و قد اعترف الكشي الناقل عنه ذلك بأنّه كان من الطيّارة غال. و قال النجاشي: إنّه كان غال المذهب «2».

فمن كان هذا عقله و دينه و مذهبه، فلا يعبأ به و لا بقوله، فلا وجه لحكم الشيخ بضعفه، و لا يسوغ تقليده في ذلك، فتأمّل.

38- فائدة [أبو بكر الحضرمي]

أبو بكر الحضرمي مشترك بين محمّد بن شريح، و عبد اللّه بن محمّد.

و الأوّل ثقة، كما نصّ عليه النجاشي «3». و أمّا الثاني، فكوفيّ تابعيّ، سمع من أبي

______________________________

(1) اختيار معرفة الرجال 2/ 787، برقم: 950.

(2) رجال النجاشي ص 428.

(3) رجال النجاشي ص 366.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 244

الطفيل عامر بن واثلة، روي عن الباقر و الصادق عليهما السلام، حسن العقيدة صحيح المذهب.

روي الشيخ في باب المحتضرين من التهذيب بطريق صحيح عن محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيي، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن داود بن

سليمان الكوفي، عن أبي بكر الحضرمي، أنّه قال:

مرض رجل من أهل بيتي، فأتيته عائدا له، فقلت له: يا ابن أخي انّ لك عندي نصيحة أتقبلها؟ فقال: نعم.

فقلت: قل أشهد أن لا اله الّا اللّه وحده لا شريك له، فشهد بذلك، فقلت: قل و إنّ محمّدا رسول اللّه، فشهد بذلك، فقلت: إنّ هذا لا تنتفع به إلّا أن يكون علي يقين منك، فذكر أنّه منه علي يقين.

فقلت: قل أشهد أنّ عليّا وصيّه و هو الخليفة من بعده و الإمام المفترض الطاعة من بعده، فشهد بذلك، فقلت: إنّك لن تنتفع بذلك حتّي يكون منك علي يقين، فذكر أنّه منه علي يقين، ثمّ سمّيت له الأئمّة عليهم السلام رجلا رجلا فأقرّ بذلك، و ذكر أنّه علي يقين.

فلم يلبث الرجل أن توفّي، فجزع عليه أهله جزعا شديدا، فغبت عنهم ثمّ أتيتهم بعد ذلك، فرأيت عزاءً حسنا، فقلت: كيف عزاؤك أيّتها المرأة؟

فقالت: و اللّه لقد اصبنا بمصيبة عظيمة بوفاة فلان رحمه اللّه، و كان ممّا سخي بنفسي لرؤيا رأيتها الليلة، قلت: و ما تلك الرؤيا؟

قالت: رأيت فلانا- تعني الميّت- حيّا سليما، فقلت: فلانا؟ قال: نعم، فقلت له: إنّك ميّت، فقال لي: و لكن نجوت بكلمات لقّنيهنّ أبو بكر، و لو لا ذلك كدت أهلك «1».

______________________________

(1) تهذيب الاحكام 1/ 287، ح 5.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 245

و عن عمرو بن الياس، قال: دخلت أنا و أبي إلياس بن عمرو علي أبي بكر الحضرمي و هو يجود بنفسه، فقال: يا عمرو ليست هذا بساعة الكذب، أشهد علي جعفر بن محمّد عليهما السلام أنّي سمعته يقول: لا تمسّ النار من مات و هو يقول بهذا الأمر «1».

قال العلّامة في الخلاصة: عبد اللّه بن محمّد

أبو بكر الحضرمي، روي الكشي له مناظرة جرت له مع زيد جيّدة، و روي عنه حديثين أنّ جعفر بن محمّد عليهما السلام قال: إنّ النار لا تمسّ من مات و هو يقول بهذا الامر «2».

قال الشهيد الثاني فيما كتب علي الخلاصة: في طريق المناظرة محمّد بن جمهور، و في طريق الحديثين الآخرين الوشاء عن امّه عن خاله عمرو بن الياس و حالهما مجهول.

أقول: ليس كذلك؛ لأنّ عبد اللّه بن خالد الواقع في طريق الحديثين قال:

حدّثنا الوشاء عمّن يثق به يعني امّه عن خاله، و الحسن بن علي الوشاء ثقة من وجوه هذه الطائفة، فليس توثيقه بأدون من توثيق علماء الرجال إن لم نقل بكونه أعلي منه، فظهر أنّ امّه و خاله ثقتان بتوثيقه إيّاهما، فاشتمال الطريق عليهما لا يوجب جهالته.

و بالجملة هذا و نحوه يشهد بحسن اعتقاده و مدحه، و لذلك عدّدا حديثه حسنا إذا لم يكن في الطريق قادح من غير جهته.

و الحقّ أنّ تتبّع حاله و حسن مآله يعطي أنّه كان ثقة عندهم، كما أشار إليه الفاضل القهبائي في حاشية كتابه الموسوم بمجمع الرجال عند ترجمة عبد اللّه هذا، ناقلا عن الكشي و تقدم «3» في البراء بن عازب بقوله: فيه انّ عبد اللّه هذا

______________________________

(1) اختيار معرفة الرجال 2/ 716.

(2) رجال العلامة ص 110.

(3) هذا هو المنقول عن الكشي «منه».

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 246

من أصحابنا الجليل القدر العظام و الصفيّ منهم، حتّي يرتقي حاله إلي سنام التوثيق «1».

و في «كش» في ترجمة البراء بن عازب قال الكشي: روي جماعة من أصحابنا منهم أبو بكر الحضرمي، و أبان بن تغلب، و الحسين بن أبي العلاء، و صباح المزني، عن أبي جعفر و أبي عبد

اللّه عليهما السلام أنّ أمير المؤمنين الحديث «2».

قال الفاضل المذكور في حاشيته علي هذا الموضع: فيه ذكر عبد اللّه بن محمّد أبي بكر الحضرمي و فلان و فلان و عدّهم علي وجه «3» يظهر منه اعتبارهم جدّا، حتّي يرتقي إلي ذروة التوثيق، فتأمّل حتّي يظهر لك وجه ذلك فتذعن «4».

أقول: وجهه ظاهر، فإنّ تخصيص الكشي هؤلاء المذكورين من بين جماعة من أصحابنا بالذكر يفيد أنّهم من مشاهيرهم المعتمدين عليهم، و من أعيانهم المعروفين بالصدق و الثقة و الصلاح الذين يقبل قولهم و نقلهم، و لا يقدح فيهم قادح، و لا ينكر نقلهم منكر.

و إلّا لكان تخصيصهم من بينهم بالذكر لغوا لا وجه له، و هو خلاف المتعارف، فيدلّ علي جلالة قدرهم، و كمال اعتبارهم في أبواب الروايات و النقول، حتّي يرتقي حالهم إلي سنام التوثيق، كما أفاد و أجاد، و هو كذلك.

و له نظير، فإنّ فقيها إذا قال: قال بالمسألة الفلانيّة جماعة من أصحابنا، منهم الصدوق و الشيخان و المرتضي، يفهم منه أنّهم من أعيان الفقهاء المعتمد علي فقههم و اجتهادهم في أبواب الفقه، و كان ذلك ظاهرا بأدني تأمّل.

فبان أنّ أبا بكر من أفاضل الرواة المعتمد عليهم و الموثوق بهم، بل

______________________________

(1) مجمع الرجال 4/ 44.

(2) اختيار معرفة الرجال 1/ 242- 243.

(3) متعلق بقوله «فيه ذكر» «منه».

(4) مجمع الرجال 1/ 251.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 247

يستفاد بالعرف من تقديمه ذكرا في مثل هذا الموضع علي جماعة الموثّقين المنتخبين من بين جماعة من أصحابنا أنّه أوجههم و أوثقهم و أورعهم و أصدقهم في الرواية و النقل، و أشهرهم في الاعتماد علي قوله و نقله.

و قد عدّ آية اللّه العلّامة في المختلف في مسألة العقد علي الاختين حديثه

من الصحاح، حيث قال: احتجّ ابن الجنيد بما رواه أبو بكر الحضرمي في الصحيح، قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام. الحديث «1». فلا يضرّ عدم التصريح بتوثيقه.

و إليه أشار الشارح الأردبيلي في شرحه علي الإرشاد، بعد نقل رواية ابن مسكان عن أبي بكر، قال قلت له: رجل لي عليه دراهم، فجحدني و حلف عليها، أ يجوز لي إن وقع له قبلي دراهم أن آخذ منه بقدر حقّي؟ قال فقال: نعم، و لكن لهذا كلام، قلت: و ما هو؟

قال: تقول اللهمّ إنّي لم آخذه ظلما و لا خيانة و إنّما أخذته مكان مالي الذي أخذ منّي لم أزدد شيئا عليه «2».

بقوله و لا يضرّ عدم التصريح بالإمام، و عدم التصريح بتوثيق أبي بكر.

ثمّ قال: و مثلها رواية سيف بن عميرة، عن أبي بكر الحضرمي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام «3».

أقول: أمّا عدم إضرار الأوّل، فلما في السند الثاني من التصريح بالإمام عليه السلام، فيعلم منه أنّ المراد بالمضمر في السند الأوّل هو عليه السلام.

علي أنّ عدم العلم به فيه غير مضرّ؛ لأنّ المتن في السندين و الراوي فيهما

______________________________

(1) المختلف ص 78، كتاب النكاح.

(2) تهذيب الاحكام 6/ 348، ح 103.

(3) تهذيب الاحكام 6/ 348، ح 104.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 248

واحد، فإذا صرّح في أحدهما بالإمام كفي ذلك حجّة. و أمّا عدم إضرار الثاني، فلما عرفت من حال أبي بكر هذا و جلالة قدره.

و بالجملة: هذا الحديث منقول في التهذيب، و كذا في الاستبصار «1»، بسندين صحيحين: أحدهما عن الحسين بن سعيد، عن صفوان، عن ابن مسكان، لأنّ ابن مسكان مشترك بين عمران و عبد اللّه و محمّد و الحسين.

و الأوّلان جليلان ثقتان، دون الأخيرين فإنّهما مجهولان،

و لا سيّما الأوّل منهما، فإنّه مجهول مطلق، إلّا أنّهم ذكروا في باب الألقاب بالابن أنّ أكثر إطلاق ابن مسكان إنّما هو علي عبد اللّه الثقة.

ثمّ إنّ الحسين بن سعيد من تلامذة صفوان بن يحيي البجلي و يروي عنه كثيرا، و صفوان هذا من تلامذة عبد اللّه بن مسكان و يروي عنه، كلّ ذلك مع ظهوره بأدني تتبّع مستفاد من الفهرست أيضا.

فهذا و نحوه قرائن بها يقطع الشركة، و يتعيّن أنّ المراد بابن مسكان في أمثال هذا السند هو عبد اللّه لا غير، لأنّ عمران بن مسكان الثقة يروي عنه حميد، و الحسين بن مسكان المجهول يروي عنه جعفر بن محمّد بن مالك أحاديث فاسدة، كما صرّحوا به.

و أمّا رواية صفوان عنهما أو عن محمّد بن مسكان، فغير معهودة في كتب الاخبار، و المطلق ينصرف إلي المشهور المعروف فيهم، و هو عبد اللّه الثقة.

فتوقّف الشارح الأردبيلي في شرحه علي الإرشاد في أمثال هذا السند، لاشتراك ابن مسكان، ليس في موقفه.

و الظاهر أنّه لما ذكرناه من القرائن اشتهر بين الأصحاب في أمثال هذا السند أنها صحيحة، فتأمّل.

______________________________

(1) الاستبصار 3/ 52.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 249

و الثاني: عن الحسن بن محبوب، عن سيف بن عميرة، عن أبي بكر، عن أبي عبد اللّه عليه السلام.

39- فائدة [علي بن سليمان]

قال الشارح الاردبيلي في شرحه علي الارشاد، بعد نقله قول المصنّف «و لو كان المال وديعة كره علي رأي»: إذا كان المال عند صاحب الحقّ وديعة، هل يجوز له الأخذ منه أم لا؟ قيل: لا، و قيل: نعم.

لرواية علي بن سليمان الثقة، قال: كتب رجل غصب رجلا مالا أو جارية، ثمّ وقع عنده مال بسبب وديعة أو قرض مثل ما خانه أو غصبه، أ

يحل له حبسه عليه أم لا؟ فكتب عليه السلام: نعم يحلّ له ذلك إن كان بقدر حقّه، و إن كان أكثر منه فيأخذ منه ما كان عليه و يسلّم الباقي إليه.

فيها جواز الأخذ من غير الجنس و من الوديعة أيضا، و لكن في سند هذه تأمّل؛ لأنّه نقل في التهذيب عن محمّد بن الحسن الصفّار، عن محمّد بن عيسي، عن علي بن سليمان «1».

و في الاستبصار بدل عيسي يحيي «2».

و في هذا إشكال؛ لأنّ علي بن سليمان ليس إلّا واحد، و هو ممّن له اتّصال بصاحب الأمر عليه السلام، فنقل محمّد بن عيسي عنه غير معقول؛ لأنّه من رجال الصادق عليه السلام. و كذا نقل محمّد بن الحسن عن محمّد بن يحيي.

أقول: علي بن سليمان مشترك بين ثلاثة.

______________________________

(1) التهذيب 6/ 349، ح 106.

(2) الاستبصار 3/ 53، ح 7.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 250

علي بن سليمان بن الحسن بن الجهم بن بكير بن أعين أبو الحسن الزراري.

و علي بن سليمان بن داود الرقّي.

و علي بن سليمان بن رشيد البغدادي.

و الأوّل هو الذي كان له اتّصال بصاحب الأمر عليه السلام، و خرجت إليه توقيعات، و كانت له منزلة في أصحابنا، و كان ورعا ثقة فقيها لا يطعن عليه في شي ء.

و أمّا الثاني و الثالث فهما مهملان من أصحاب العسكري عليه السلام.

و المراد بعلي بن سليمان في هذا السند هو أحدهما، لا الأوّل الثقة.

ثمّ إنّ محمّد بن الحسن بن الوليد روي عن محمّد بن الحسن الصفّار، و عن محمّد بن الحسين بن عبد العزيز، فيظهر منه أنّ محمّد بن الحسن و محمّد بن الحسين في طبقة واحدة، و محمّد بن الحسين روي عن محمّد بن عيسي الطلحي، فرواية محمّد

بن الحسن الصفّار عنه غير بعيدة.

فالمراد بمحمّد بن عيسي في السند هو هذا الطلحي الذي له دعوات الأيّام التي تنسب إليه، يقال: أدعية الطلحي، رواها عنه محمّد بن الحسين بن عبد العزيز، لا محمّد بن عيسي الذي هو في طبقة رجال الصادق عليه السلام ليكون نقله عن علي بن سليمان غير معقول.

فظهر أن لا إشكال و لا تأمّل في سند هذه الرواية؛ لأنّ ابن الصفّار و ابن عيسي و ابن سليمان، أعني: أحد الأخيرين كلّهم في طبقة واحدة من أصحاب العسكري عليه السلام، و رواية جماعة في طبقة بعضهم عن بعض غير منكر و لا مانع منه.

و أمّا ما في الاستبصار من بدل عيسي يحيي، فالظاهر أنّه غلط؛ لأنّ محمّد

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 251

بن يحيي روي عن محمّد بن الحسن، فهو تلميذه، فكيف يروي هو عنه.

و فيه أيضا نظر؛ إذ لا مانع منه كما لا يخفي. أ لا يري أنّ محمّد بن أبي عمير قد روي عن ابن مسكان في أخبار كثيرة، و مع ذلك فهو قد يروي عنه.

كما في الكافي في باب صلاة النوافل عن محمّد بن يحيي، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان، عن ابن مسكان، عن محمّد بن أبي عمير، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن أفضل ما جرت به السنّة، فقال: تمام الخمسين «1».

و له نظائر قد سبقت الإشارة إلي بعضها، و بالجملة رواية أحد المتعاصرين عن الآخر و بالعكس غير منكر.

40- فائدة [أبو العبّاس البقباق]

قال نوّر اللّه مرقده: و لرواية أبي العبّاس البقباق- كأنّها صحيحة و لا يضرّ اشتراك ابن مسكان فافهم- انّ شهابا ما رآه في رجل ذهب له ألف درهم و استودعه بعد ذلك ألف درهم، قال

أبو العبّاس: فقلت له: خذها مكان الألف الذي أخذ منك، فأبي شهاب، قال: فدخل شهاب علي أبي عبد اللّه عليه السلام فذكر له ذلك، فقال: أمّا أنا فأحبّ أن تأخذ و تحلف «2».

و في المتن ضعف بل السند أيضا، لاشتراك ابن مسكان، ولي تأمّل في البقباق، فافهم.

أقول: قد سبق أنّ الشّائع المعروف المتبادر من ابن مسكان و الأكثر في

______________________________

(1) تهذيب الاحكام 3/ 443، ح 4.

(2) التهذيب 6/ 347، ح 100.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 252

الإطلاق هو عبد اللّه الثقة، كما صرّحوا به في باب الألقاب بالابن، و هنا قرينة اخري تدلّ عليه، و هي رواية صفوان بن يحيي عنه، فإنّه من راويه، كما يظهر من الفهرست.

و السند في التهذيب هكذا: عن الحسين بن سعيد، عن صفوان، عن ابن مسكان، عن أبي العبّاس البقباق انّ شهابا ما رآه الحديث «1».

و أمّا أبو العبّاس الفضل بن عبد الملك، فالمشهور أنّه ثقة عين، كما نصّ عليه الشيخ الجليل النجاشي، قال: روي عن أبي عبد اللّه عليه السلام، له كتاب يرويه داود بن حصين «2».

لكنّه رحمه اللّه لمّا وقع نظره الدقيق علي ما في ترجمة حذيفة بن منصور من سوء أدب البقباق في حضرة الإمام عليه السلام صار ذلك منشأ تأمّله فيه.

روي الكشي بسند صحيح عن عبد الرحمن بن الحجّاج، قال: سأل أبو العبّاس فضل بن عبد الملك البقباق لحريز الإذن علي أبي عبد اللّه عليه السلام فلم يأذن له، فعاوده فلم يأذن له، فقال: أيّ شي ء للرجل أن يبلغ من عقوبة غلامه؟ قال: علي قدر ذنوبه.

فقال: و اللّه عاقبت حريزا بأعظم ممّا صنع، قال: ويحك انّي فعلت ذلك أنّ حريزا جرّد السيف. ثمّ قال: أما لو كان حذيفة بن

منصور ما عاودني فيه بعد أن قلت لا «3».

و في رواية اخري عن عبيد بن زرارة، قال: دخلت علي أبي عبد اللّه عليه السلام و عنده البقباق، فقلت له: جعلت فداك رجل أحبّ بني اميّة أ هو معهم؟

______________________________

(1) التهذيب 6/ 347.

(2) رجال النجاشي ص 308.

(3) اختيار معرفة الرجال 2/ 627 برقم: 615.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 253

قال: نعم، قال قلت: رجل أحبّكم أ هو معكم؟ قال: نعم، قلت: و إن زنا و إن سرق، قال: فنظر إلي البقباق فوجد منه غفلة، ثمّ أومأ برأسه نعم «1».

و هذا أيضا يمكن أن يكون من وجوه تأمّله فيه، و لكن أمثال هذا لا تقدح في ثقته المشهورة بين الأصحاب.

هذا و نقل العلّامة في الخلاصة عن علي بن أحمد العقيقي أنّه قال: عبد الملك بن أعين عارف، و عن الكشي أنّه يكنّي أبا الضريس بالضاد المعجمة و الراء و السين المهملة بعد الياء، و روي ترحّم الصادق عليه السلام عليه.

ثمّ روي أنّه عليه السلام قال له: لم سمّيت ابنك ضريسا؟ فقال له: لم سمّاك ابوك جعفرا، و روي أبو جعفر بن بابويه أنّ الصادق عليه السلام زار قبره بالمدينة مع أصحابه «2».

قال الشهيد الثاني فيما كتب علي الخلاصة: الروايات التي ذكرها الكشي في المدح و الترحّم و الذمّ المقتضي لقلّة الأدب جميعها ضعيفة السند لا يثبت بها حكم، فأمره علي الجهل بالحال.

أقول: و لعلّه قدّس سرّه كان غافلا عن توثيق النجاشي إيّاه، أو يكون غرضه مجرّد الاعتراض علي العلّامة، بأنّ ما ذكره لا يفيد توثيقه، بل و لا مدحه، فلا وجه لذكره في قسم الممدوحين.

و الحقّ أنّ سوء أدبه غير مرّة في خدمة الإمام عليه السلام يورث التأمّل فيه، فتأمّل

فيه.

______________________________

(1) اختيار معرفة الرجال 2/ 627 برقم: 617.

(2) رجال العلامة ص 115.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 254

41- فائدة [عثمان بن عيسي]

روي في التهذيب عن أحمد بن محمّد، عن عثمان بن عيسي، عن عبد اللّه بن مسكان، عن سليمان بن خالد «1».

و السند علي المشهور موثّق؛ لأنّ ابن عيسي هذا كان واقفيّا، و اضطرب فيه العلّامة، فحسّن طريق الصدوق إلي سماعة و هو فيه.

قال الصدوق في الفهرست: و ما كان فيه عن سماعة بن مهران، فقد رويته عن أبي رضي اللّه عنه، عن علي بن إبراهيم بن هاشم، عن عثمان بن عيسي العامري، عن سماعة بن مهران «2».

و هو كما تري مشتمل علي ممدوح و موثّق، و هذا النوع من الخبر لم يسمّ باسم علي اصطلاح المتأخّرين.

و قيل: إنّه منوط علي رأي الفقيه في الحسن و الموثّق، فإن كان عنده الحسن أحسن فالحديث موثّق، و بالعكس حسن؛ لأنّه تابع لأخسّ الرجال كالنتيجة.

و إلي هذا يشير كلام العلّامة حيث حسّنه و لم يوثّقه.

و قال في الخلاصة: الوجه عندي التوقّف فيما ينفرد به «3».

و في كتبه الاستدلاليّة جزم بضعفه. و القول بأنّ الشيخ صرّح في العدّة بأنّ الأصحاب يعملون برواياته- كما في الذخيرة علي إطلاقه- غير صحيح، لأنّه

______________________________

(1) تهذيب الاحكام 1/ 143، ح 95.

(2) مشيخة الفقيه 4/ 427.

(3) رجال العلامة ص 244.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 255

قال فيه: و إذا كان الراوي من الواقفة، نظر فيما يرويه، فإن كان هناك خبر يخالفه من طريق الموثوقين، وجب اطّراحه و العمل بما رواه الثقة.

و إن لم يكن ما يخالفه و لا يعرف من الأصحاب العمل بخلافه، وجب العمل به إذا كان متحرّجا في روايته موثوقا به في أمانته، و لذلك عمل الأصحاب بأخبار الواقفة، مثل

عثمان بن عيسي «1».

و فيه أنّ كون عثمان هذا متحرّجا من الكذب في روايته موثوقا به في أمانته غير معلوم، بل المعلوم خلافه، كيف لا؟ و هو من الخائنين المشهورين، خان سيّدنا الرضا عليه السلام في مال أبيه، و اعتاق جواريه.

و هو عليه السلام قد كتب إليه فيهنّ و في المال، فكتب إليه: إن لم يكن أبوك مات، فليس لك من ذلك شي ء، و إن كان قد مات علي ما يحكي، فلم يأمرني بدفع شي ء إليك و قد أعتقت الجواري.

و هذا منه اعتراف بفسقه و خيانته و جهله بالشرع، إن لم يكن فيه معاندا للمولي من بعد أبيه؛ لأنّ ماله بموته ينتقل منه إليه، أمر بدفعه إليه أم لم يأمر، و إعتاق جواريه و لم يأمره بذلك حضرة أبيه، و إلّا لعلّل به دفعا للتهمة ممّا لا معني له، إذ لا عتق إلّا بالملك، فكيف يصحّ له إعتاقهنّ في ملك الغير بغير إذنه، بل مع طلبه و عدم رضائه به.

نعم ذكر نصر بن الصباح أنّ عثمان بن عيسي كان واقفيّا، و كان وكيل موسي أبي الحسن عليه السلام و في يده مال، فسخط عليه الرضا عليه السلام ثمّ تاب عثمان و بعث إليه بالمال «2».

و ممّا حرّرناه يعلم ضعف ما في المدارك صحيحة سليمان بن خالد، عن أبي

______________________________

(1) عدة الاصول 1/ 380- 381.

(2) اختيار معرفة الرجال 2/ 860.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 256

عبد اللّه عليه السلام، قال: سألته عن رجل أجنب، فاغتسل قبل أن يبول، فخرج منه شي ء، قال: يعيد الغسل. قلت: فالمرأة إنّما يخرج منها شي ء بعد الغسل، قال: لا تعيد، قلت: فما الفرق بينهما؟ قال: لأنّ ما يخرج من المرأة إنّما هو من ماء

الرجل «1».

و لعلّ نظر السيّد السند صاحب المدارك كان علي ما نقل عن الكشي أنّه نقل قولا بأنّ عثمان بن عيسي ممّن أجمعت العصابة علي تصحيح ما يصحّ عنه.

لكنّ القائل غير معلوم حاله، و الجرح مقدّم علي التعديل، و خاصّة إذا كان الجارح مثل العلّامة، فلا تثبت صحّة ما رواه، بل هو ضعيف علي ما حكم به في كتبه الاستدلاليّة.

و قال صاحب الذخيرة فيه: هذه الرواية جعلها بعضهم من الصحاح، و هذا منه قدّس سرّه إشارة إلي ما في المدارك، ثمّ قال: و في طريقها في الكافي و التهذيب عثمان بن عيسي، و هو واقفيّ إلّا أنّه نقل الكشي قولا بأنّه ممّن أجمعت العصابة علي تصحيح ما يصحّ عنه.

أقول: فيه نظر؛ لأنّ ما أضافه إلي الكشي ليس في كتابه منه عين و لا أثر، بل هو ممّا ذكره ملّا ميرزا محمّد في رجاله الأوسط في ترجمة عثمان هذا.

و هو منه رحمه اللّه غلط في الفهم، و تبعه غيره فيه من غير تأمّل دقيق أو فكر عميق فيما في رجال الكشي، فانّ المذكور فيه هكذا:

ذكر نصر بن الصباح أنّ عثمان بن عيسي كان واقفيّا، و كان وكيل موسي أبي الحسن عليه السلام و في يده مال، فسخط عليه الرضا عليه السلام، ثمّ تاب عثمان و بعث إليه بالمال، و كان شيخا عمّر ستين سنة، و كان يروي عن أبي حمزة

______________________________

(1) المدارك 1/ 304، التهذيب 1/ 143، ح 95.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 257

الثمالي و لا يتّهمون «1».

ففهم رحمه اللّه منه أنّهم لا يتّهمونه في رواياته مطلقا، فعبّر عنه بقوله و نقل الكشي قولا بأنّه ممّن أجمعت العصابة علي تصحيح ما يصحّ عنه، و ليس هذا معناه، بل

معناه أنّهم لا يتّهمونه في روايته عن أبي حمزة الثمالي، فإنّه أدركه حين إمكان روايته عنه، بخلاف رواية الحسن بن محبوب عنه، فإنّ فيها الإرسال البتّة زيادة علي تهمته، لما يعلم من تاريخهما المذكور في «كش» و «جش».

قال الكشي: مات الحسن بن محبوب في آخر سنة أربع و عشرين و مائتين و كان من أبناء خمس و سبعين سنة «2».

و قال النجاشي: مات أبو حمزة الثمالي في سنة خمسين و مائة «3».

فكيف يمكن رواية ابن محبوب عنه بلا واسطة؟ و هو حين وفاته كانت له سنة واحدة. و لذلك قال الكشي في ترجمة ابن محبوب: و أصحابنا يتّهمونه في روايته عنه. فمعني قوله هنا «و كان يروي عن أبي حمزة الثمالي و لا يتّهمون» ما ذكرناه لا ما فهموه، فتأمّل.

و ممّا قرّرناه ظهر وجه تضعيف العلّامة هذه الرواية في كتبه الاستدلالية، و إن توقّفه فيه في الخلاصة في غير موقفه، و إنّ تحسينه طريق الصدوق إلي سماعة و فيه ابن عيسي حسن، و باللّه التوفيق.

______________________________

(1) اختيار معرفة الرجال 2/ 860، و في آخره: و لا يتهمون عثمان بن عيسي.

(2) اختيار معرفة الرجال 2/ 851.

(3) رجال النجاشي ص 115.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 258

42- فائدة [علي بن إسماعيل السندي]

روي في التهذيب عن محمّد بن علي بن محبوب، عن علي بن السندي، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن درّاج، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل تصيبه الجنابة، فينسي أن يبول حتّي يغتسل، ثمّ يري بعد الغسل شيئا أ يغتسل أيضا؟ قال: لا قد تعصّرت و نزل من الحبائل «1».

قيل: هذا سند حسن كالصحيح، و الحقّ أنّه صحيح؛ لأنّ علي بن إسماعيل السندي من أصحاب الرضا عليه السلام، وثّقه

نصر بن الصباح و قال:

علي بن إسماعيل يقال: علي بن السندي، فلقّب إسماعيل بالسندي.

و الفاضل العلّامة لمّا اشتبه عليه الأمر و كان في نسخته ابن السري، أورده في علي بن السري الكرخي «2»، و هو مذكور علي حدة في رجال الصادق عليه السلام، و هذا في رجال الرضا عليه السلام.

قال ملّا ميرزا محمّد في رجاله الأوسط: جميع ما وصل إلينا من نسخ اختيار الشيخ من الكشي تتضمّن أنّه علي بن إسماعيل، و قد نقله العلّامة في الخلاصة علي بن السري.

قال: و يؤيّد ما ذكرناه أنّه أورد ذلك علي حدة في رجال الكاظم و الرضا عليهما السلام، و ابن السري من رجال الصادق عليه السلام، ثمّ قال: و في كتب الأحاديث في مواضع شتّي علي بن السندي في مرتبة رجال الرضا عليه السلام.

______________________________

(1) تهذيب الاحكام 1/ 145، ح 100.

(2) رجال العلامة ص 96.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 259

أقول: هذا حقّ، فإنّ ابن أبي عمير في طبقة رجال الكاظم و الرضا عليهما السلام، بل قال الشيخ في الفهرست: إنّه لم يرو عن الكاظم عليه السلام «1».

و ان كان الواقع خلافه؛ لأنّه روي عنه روايات كنّاه في بعضها، فقال: يا أبا أحمد، نعم إنّه لم يدرك زمن الصادق عليه السلام و لم يرو عنه بلا واسطة باتّفاق أئمّة الرجال، فرواية ابن السندي عنه قرينة علي أنّه في هذه الطبقة، و قد علم أنّ ابن السري في طبقة رجال الصادق عليه السلام، فأين هذا من ذلك.

ثمّ الظاهر أنّ من هنا- أي: ممّا ذكره العلّامة في الخلاصة- سري الوهم إلي غيره، كصاحب المدارك فيه، حيث حكم فيه بضعف السند، و علّله باشتماله علي علي بن السندي، قال: و هو مجهول «2».

فإن

قلت: لعلّه حكم بذلك لأنّ نصر بن الصباح أبا القاسم البلخي كان غال المذهب، فلا يعتبر قوله في الجرح و التعديل.

قلت: هو و إن كان كذلك، إلّا أنّه كان عارفا بالرجال و الأحوال غاية المعرفة، كما صرّح به بعض متأخّري علماء الرجال، و يظهر ذلك لمن له أدني قدم في هذا الشأن، و هو قد لقي جلّة من كان في عصره من المشايخ و روي عنهم، كما في الكشي، و كان من مشايخ العيّاشي، فإنّه يروي عنه.

و يظهر من ترجمة محمّد بن عبد الرحمن بن قبة من النجاشي «3» أنّه كان من الفضلاء و الأكابر، فيعتبر قوله في أمثال هذه، و سيّما إذا لم يكن علي خلاف قوله قول؛ إذ لم يقدح في ابن السندي هذا أحد من أئمّة الرجال.

فاذا صرّح بتوثيقه من هو عارف بالرجال و الأحوال قبل قوله فيه، و إن

______________________________

(1) الفهرست ص 142.

(2) المدارك 1/ 306.

(3) رجال النجاشي ص 376.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 260

كان فاسد الاعتقاد، كما يقبل روايات كثير من الرواة و هم علي عقيدة باطلة، إلّا أنّهم يعتبرون قول أهل اللغة و غيرهم من أرباب الصنائع، و أكثرهم فاسدون في اعتقاداتهم.

و ذلك أنّ أهل كلّ صنعة يبالغون في تصحيح مصنوعاتهم و صيانتها عن مواضع الفساد بحسب كدّهم و جدّهم و جهدهم و قدر طاقتهم و معرفتهم بصنعتهم، لئلّا يسقط محلّهم عندهم، و لا يشتهروا بقلّة الوقوف و المعرفة في أمرهم، و إن كان فاسقا في بعض الأفعال.

نعم صحّة المراجعة إليهم يحتاج إلي اختبارهم، و الاطّلاع علي حسن صنعتهم، و جودة معرفتهم، و الثقة بقولهم، و ذلك يظهر بالتسامع و تصديق المشاركين.

و قد عرفت أنّ الكشي و العيّاشي و جلالة قدرهما

في هذا الشأن و غيرهما من أئمّة الرجال، و أرباب الوقوف بالاحوال كثيرا ما ينقلون عنه، و يعتمدون عليه في قوله و نقله و جرحه و تعديله.

فهذا و ما شاكله ينهيك أنّه كان ثقة عندهم في قوله، معتمدا عليه في نقله، و إلّا يلزم منه أن يكون كثيرا من كتاب رجال الكشي عبثا بلا نفع و فائدة، فإنّه قد أكثر النقل عنه في كتابه في أبواب من يروي و من لم يرو، كما لا يخفي علي الناظر في كتابه هذا.

و كيف يصحّ إطلاق القول بأنّهم لا يعتبرون قوله في الجرح و التعديل و هم قد اعتبروه؟ حيث حكموا بصحّة رواية عثمان بن عيسي، بناء علي ما فهموه من قوله «و كان يروي عن أبي حمزة الثمالي و لا يتّهمون».

فقالوا: إنّه و ان كان واقفيّا، إلّا أنّه نقل الكشي قولا بأنّه ممن أجمعت العصابة علي تصحيح ما يصحّ عنه، و مرادهم بهذا القائل هو نصر بن الصباح،

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 261

كما أشرنا إليه آنفا، فتذكر.

43- فائدة [أحمد بن محمد بن عيسي الأشعري]

قال ملّا ميرزا محمّد في الأوسط في الفائدة الثانية: ذكر الشيخ و غيره في كثير من الأخبار سعد بن عبد اللّه عن أبي جعفر، و المراد بأبي جعفر هذا أحمد بن محمّد بن عيسي. انتهي.

أقول: ابن عيسي هذا و إن كان في المشهور ثقة غير مدافع، إلّا أنّه يظهر بعد إمعان النظر مع التتبّع التامّ خلافه.

روي في الكافي في باب الإشارة و النصّ علي أبي الحسن الثالث عليه السلام عن الحسين بن محمّد، عن الخيراني، عن أبيه أنّه كان يلزم باب أبي جعفر عليه السلام للخدمة التي كان وكّل بها، و كان أحمد بن محمّد بن عيسي يجي ء في السحر في

كلّ ليلة ليعرف خبر علّة أبي جعفر عليه السلام، و كان الرسول الذي يختلف بين أبي جعفر عليه السلام و بين أبي اذا حضر قام أحمد و خلا به أبي.

فخرجت ذات ليلة و قام أحمد عن المجلس، و خلا أبي بالرسول، و استدار أحمد فوقف حيث يسمع الكلام، فقال الرسول لأبي: إنّ مولاك يقرأ عليك السلام و يقول لك إنّي ماض و الأمر صائر إلي ابني علي، و له عليكم بعدي ما كان لي عليكم بعد أبي.

ثمّ مضي الرسول و رجع أحمد إلي موضعه، و قال لأبي: ما الذي قد قال لك؟ قال: خيرا، قال: قد سمعت ما قال، فلم تكتمه؟! و أعاد ما سمع.

فقال له أبي: قد حرّم اللّه عليك ما فعلت؛ لأنّ اللّه تعالي يقول

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 262

وَ لٰا تَجَسَّسُوا «1» فاحفظ الشهادة لعلّنا نحتاج إليها يوما ما، و إيّاك أن تظهرها إلي وقتها.

فلمّا أصبح أبي كتب نسخة الرسالة في عشر رقاع، و ختمها و دفعها عند عشرة من وجوه العصابة، و قال: إن حدث الموت قبل أن اطالبكم بها، فافتحوها و اعملوا بما فيها.

فلمّا مضي أبو جعفر عليه السلام ذكر أبي أنّه لم يخرج من منزله حتّي قطع علي يديه نحوا من أربعمائة إنسان، و اجتمع رؤساء العصابة عند محمّد بن الفرج يتفاوضون هذا الأمر.

فكتب محمّد بن الفرج إلي أبي يعلمه باجتماعهم عنده، و انّه لو لا مخافة الشهرة لصار معهم إليه، و يسأله أن يأتيه، فركب أبي و صار إليه، فوجد القوم مجتمعين عنده، فقالوا لأبي: ما تقول في هذا الأمر.

فقال أبي لمن عنده الرقاع: أحضروا الرقاع فأحضروها، فقال لهم: هذا ما امرت به، فقال بعضهم: قد كنّا نحبّ أن

يكون معك في هذا الأمر شاهد آخر.

فقال لهم: قد أتاكم اللّه تعالي به هذا أبو جعفر الأشعري يشهد لي بسماع هذه الرسالة، و سأله أن يشهد بما عنده، فأنكر أحمد أن يكون سمع من هذا شيئا، فدعاه أبي إلي المباهلة، فقال لمّا حقّق عليه: قد سمعت ذلك، و هذه مكرمة كنت أحبّ أن تكون لرجل من العرب لا لرجل من العجم، فلم يبرح القوم حتّي قالوا بالحقّ جميعا «2».

و هذا الخبر كما تري يقدح فيه من وجهين: ارتكابه ما حرّمه اللّه عليه من التجسّس، و إنكاره النصّ علي أبي الحسن الثالث عليه السلام بعد سماعه من

______________________________

(1) سورة الحجرات: 12.

(2) اصول الكافي 1/ 324، ح 2.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 263

رسول أبيه علي وجه إفادة اليقين بذلك، و قد وجب عليه أداؤه، و علّله بأنّ هذه مكرمة كنت احبّ أن تكون لرجل من العرب لا لرجل من العجم.

و هذا منه كان حسدا علي خيران الخادم العجمي القراطيسي، و ما كان له من المنزلة و الزلفي عند أبي جعفر الثاني عليه السلام و عدم رضا منه بما فعله إمامه عليه السلام من الرسالة إليه، و كلّ ذلك قادح.

و الظاهر أنّ عدم ذكرهم هذا في ترجمته كان ناشئا عن ذهولهم عنه، أو من كون سنده مجهولا بولد خيران الخادم الثقة مولي الرضا عليه السلام، و هو المراد بالخيراني، فخبره غير صالح لإثبات ذمّه و القدح فيه، و لذلك لم يجعلوه دليلا عليه.

حتّي أنّ الشيخ في الفهرست و النجاشي في كتابه صرّحوا بأنّه شيخ القميين و رئيسهم غير مدافع، أي: لا يدفعه أحد من أئمة الرجال.

و فيه أنّ قول أبي عمرو الكشي في ترجمة يونس بن عبد الرحمن بعد نقله

عن أحمد هذا نبذة من أخبار دالّة علي ذمّ يونس.

منها: ما رواه عنه عبد اللّه بن محمّد الحجّال، قال: كنت عند أبي الحسن الرضا عليه السلام إذ ورد عليه كتاب يقرؤه فقرأه، ثمّ ضرب به الأرض، فقال:

هذا كتاب ابن زان لزانية، هذا كتاب زنديق لغير رشده، فنظرت إليه فاذا كتاب يونس.

فلينظر الناظر فيتعجب من هذه الأخبار التي رواها القميّون في يونس، و ليعلم أنّها لا يصحّ في العقل، و ذلك أنّ أحمد بن محمّد بن عيسي قد ذكر الفضل من رجوعه عن الوقيعة في يونس، و لعلّ هذه الروايات كانت من أحمد قبل رجوعه.

و أمّا حديث الحجّال الذي يرويه أحمد بن محمّد، فإنّ أبا الحسن عليه السلام أجلّ خطرا و أعظم قدرا من أن يسبّ أحدا صراحا، و كذلك آباؤه عليهم

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 264

السلام من قبله و ولده صلوات اللّه عليهم من بعده؛ لأنّ الرواية عنهم عليهم السلام بخلاف هذا، إذ كانوا قد نهوا عن مثله، و حثّوا علي غيره ممّا فيه الزين للدنيا و الدين.

و روي عليّ بن جعفر، عن أبيه، عن جدّه، عن علي بن الحسين عليهم السلام أنّه كان يقول لبنيه: جالسوا أهل الدين و المعرفة، فإن لم تقدروا فالوحدة آنس و أسلم، فإن أبيتم إلّا مجالسة الناس فجالسوا أهل المروّات، فإنّهم لا يرفثون في مجالسهم.

فما حكاه هذا الرجل عن الإمام عليه السلام في باب الكتاب لا يليق به، إذ كانوا عليهم السلام منزّهين عن البذاء و الرفث و السفه، و تكلّم علي الأحاديث الأخر بما يشاكل ذلك «1».

يدفعه و يدلّ علي ذمّه كليّا، و عدم اعتباره في رواياته، فإنّها تدلّ علي وضعه و جهله بما يجب تنزيه الإمام عليه السلام

عن مثله، و هو يرويه و يذعن به و يجعله ذريعة للوقيعة في يونس بن عبد الرحمن الذي كان في زمانه كسلمان الفارسي في زمانه، و لا يعقل أنّه لا يصدر عن أراذل الناس، فكيف عن أفاضلهم.

و الأقوي عندي التوقّف فيه، فإنّه نقل عنه أشياء تفيد عدم تثبّته في الامور، بل بعضها يدلّ علي سخافة عقله، مثل ما مرّ، و ما نقل عن الفضل بن شاذان قال: كان أحمد بن محمّد بن عيسي تاب و استغفر من وقيعته في يونس لرؤيا رآها «2».

فإنّ مستنده في تلك الوقيعة إن كان دليلا شرعيّا يفيد العلم أو الظنّ المتاخم، كالشياع و الاستفاضة أو شهادة عدلين و نحوها، فكيف يصحّ له

______________________________

(1) اختيار معرفة الرجال 2/ 788.

(2) اختيار معرفة الرجال 2/ 787.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 265

الرجوع عنه و الاعتماد علي ما رآه في المنام؟

و لعلّه كان من أضغاث الأحلام، و العدول عمّا يقتضيه الدليل إلي ما تقتضيه الرؤيا، مع احتمال كونها كاذبة غير مسوغ في شريعة العقل و النقل.

و إن لم يكن له عليه مستند شرعي، كان ذلك منه بهتانا قادحا في عدالته بل إيمانه.

و مثله ما نقل عنه في أحمد بن محمد بن خالد البرقي من إبعاده عن قم، ثمّ إعادته إليها، و اعتذاره إليه، و مشيه بعد وفاته في جنازته حافيا حاسرا ليبرئ نفسه عمّا قذفه به، فإنّه يدلّ علي أنّه رماه فيما رماه فيه و هو شاكّ فيه، و كان عليه أن يثبت فيه فتركه و قذفه ثمّ نفيه يقدح فيه.

فليتأمّل في هذه الجملة، و أيّة فائدة كانت تعود الي ابن خالد في مشيه في جنازته حافيا حاسرا، أ كان هذا منه توبة، أو طلبا لمغفرته، أو

تسلّيا لخاطره، أو استرضاء منه بعد وفاته، و كيف كان يكون هذا مبرأة لذمّته عمّا فعل بالإضافة إليه في حياته من إبعاده عن البلد، و إفضاحه علي رءوس الأشهاد.

هذا و في الأوسط لملّا ميرزا محمّد في الحاشية المعلّقة علي ترجمة أحمد هذا هكذا: في إرشاد المفيد ما يدلّ علي قدح فيه، و أوردناه في كتابنا الكبير.

و قال صاحب المدارك بعد نقله ما رواه الشيخ في التهذيب عن سعد بن عبد اللّه، عن أبي جعفر، عن الحسن بن محبوب، عن أبي أيّوب إبراهيم بن عثمان، عن أبي عبيدة الحذّاء، قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: أيّما ذمّي اشتري من مسلم أرضا، فانّ عليه الخمس «1»:

استضعفه جدّي قدّس سرّه في فوائد القواعد، و ذكر في الروضة تبعا للعلّامة في المختلف أنّه من الموثّق، و هو غير جيّد، لأنّه في أعلي مراتب الصحّة،

______________________________

(1) تهذيب الاحكام 4/ 123.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 266

فالعمل به متعيّن «1».

أقول: الظاهر أنّ جدّه قدّس سرّههما بعد ما تبع العلّامة في الحكم بأنّه من الموثّق، وقف علي قدح في أبي جعفر هذا، كما أومأنا إليه، فحكم بضعف السند الذي هو من رجاله، و هو المطابق للأمر نفسه. و أمّا السيّد السند، فلمّا لم يقف علي قدح فيه و ذلك لقصوره في التتبّع و التأمّل فيما نقلناه، و كان هو علي المشهور غير مدافع، حكم بكون هذا السند في أعلي مراتب الصحّة.

و لا كذلك الأمر في نفسه، و لكنّه من مثله هيّن سهل ليّن؛ لأنّه تبع في ذلك المشهور و لم يبذل جهده، و إنّما الكلام في مثل الفاضل العلّامة و طول يده في الرجال و الاطّلاع علي الأحوال أنّه كيف حكم بكونه من الموثّق؟

و رجاله كلّهم إماميّون موثّقون لا قدح فيهم أصلا إلّا في أبي جعفر هذا.

فمن وقف عليه فهذا السند عنده ضعيف، و من لم يقف عليه فهو عنده صحيح، بل في أعلي مراتب الصحّة، كما أفاده السيّد السند. و أمّا أنّه موثّق فممّا لا وجه له أصلا، و هو قدّس سرّه أعرف بما قال، و اللّه أعلم بحقيقة الحال.

44- فائدة [أحمد بن محمد بن خالد البرقي]

روي الصدوق في الفقيه عن أحمد بن محمّد بن يحيي العطّار، عن سعد بن عبد اللّه، عن أحمد بن أبي عبد اللّه البرقي، عن أبيه، عن محمّد بن أبي عمير، عن حمّاد بن عثمان، عن عبد اللّه بن أبي يعفور، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

إذا رضي صاحب الحقّ بيمين المنكر لحقّه فاستحلفه، فحلف أن لا حقّ له قبله،

______________________________

(1) مدارك الاحكام 5/ 386.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 267

ذهبت اليمين بحقّ المدّعي و لا دعوي له الحديث «1».

و المشهور أنّه صحيح السند، و أوّل من سمّاه صحيحا فيما علمناه هو الفاضل العلّامة في المختلف «2».

ثمّ تبعه في ذلك غيره، كالشهيد الثاني في شرح اللمعة «3»، و الشارح الأردبيلي في شرح الارشاد، و غيرهما ممّن جاء بعده، إلّا الفاضل القهبائي، فإنّه بعد نقله سنده عن مشيخة الفقيه كما مرّ ضعفه «4».

و ذلك أنّ أحمد بن محمّد بن خالد البرقي ضعيف؛ لما في الكافي في باب النصّ علي الائمّة الاثني عشر سلام اللّه عليهم في آخر حديث طويل هكذا:

و حدّثني محمّد بن يحيي، عن محمّد بن الحسن الصفّار، عن أحمد بن أبي عبد اللّه البرقي، عن أبي هاشم مثله. قال محمّد بن يحيي: فقلت لمحمّد بن الحسن: يا أبا جعفر وددت أنّ هذا الخبر جاء من غير جهة أحمد بن

أبي عبد اللّه، قال فقال:

لقد حدّثني قبل الحيرة بعشر سنين «5».

و لا يخفي أنّه يدلّ علي ذمّه و عدم اعتباره في أقواله إلّا بتاريخ يميزها، و ليس فليس.

و قال القهبائي قدّس سرّه في مشيخة التهذيب بعد نقل طرق الشيخ إلي أحمد بن أبي عبد اللّه البرقي: الطريق فيها- أي: في هذه المشيخة- لا يخلو من ضعف و وهن به، أي: بأحمد، و ذلك للحيرة المنقولة فيه بصحيح الخبر «6».

______________________________

(1) من لا يحضره الفقيه 3/ 61- 62.

(2) مختلف الشيعة ص 147، كتاب القضاء.

(3) شرح اللمعة 3/ 85.

(4) مجمع الرجال 7/ 253.

(5) اصول الكافي 1/ 526- 527.

(6) مجمع الرجال 7/ 207.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 268

و قال في مشيخة الفقيه، بعد أن نقل قوله: و ما كان فيه عن أحمد بن أبي عبد اللّه البرقي، فقد رويته عن أبي و محمد بن الحسن رضي اللّه عنهما، عن سعد بن عبد اللّه، عن أحمد بن أبي عبد اللّه البرقي.

و رويته عن أبي و محمّد بن موسي المتوكّل رضي اللّه عنهما، عن علي بن الحسين السعدآبادي، عن أحمد بن أبي عبد اللّه البرقي.

السندان لا يخلوان عن ضعف به، أي: بأحمد «1».

أقول: لعلّ جزمه قدّس سرّه بضعف السند المذكور في الفقيه المنقول عنه أوّلا دون هذا، باعتبار وجود أبي أحمد محمّد هناك دون هنا، و إلّا فلا مائز بينهما باعتبار ضعف أحمد المستند إلي حيرته.

يدلّ علي ما قلناه أنّه جزم بضعف السند المشتمل علي محمّد بن خالد البرقي في مشيخة الفقيه، بعد أن نقل قوله: و ما كان فيه عن محمّد بن خالد البرقي، فقد رويته عن محمّد بن الحسن رضي اللّه عنه، عن محمّد بن الحسن الصفّار، عن محمّد بن

خالد البرقي بقوله: السند ضعيف «2».

و قال ملّا ميرزا محمّد في حاشية رجاله الأوسط بعد نقل نبذة من أحوال هذا في أصل الكتاب: في الكافي حديث صحيح في باب النصّ علي الأئمّة الاثني عشر يقتضي نوع سوء ظنّ عن محمّد بن يحيي به.

أقول: ظاهره يفيد أنّه لم يجعله ممّا يقدح في أحمد هذا، و لذلك عدّ سند الحديث المذكور المنقول عن الفقيه بعد نقله في رجاله المذكور صحيحا تبعا لآخرين.

و فيه أنّ جواب محمّد بن الحسن لقد حدّثني قبل الحيرة يقتضي أن يكون

______________________________

(1) مجمع الرجال 7/ 223.

(2) مجمع الرجال 7/ 274.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 269

برهة من الزمان ما يمنع من قبول روايته، و كان ذلك فيهم أمرا معلوما محقّقا لا مظنونا، و لذلك ورّخ حديثه ليمتاز به ما يقبل منه عمّا يرد و لا يقبل، ليتلقّاه محمّد بن يحيي بالقبول، لكونه صادرا منه في زمن يقبل فيه منه الحديث، و ذلك ظاهر لا سترة فيه.

فإن قلت: فلم حكموا بصحّة السند المذكور و اشتماله علي احمد و هو علي ما دلّ عليه ما نقلته، و هو صحيح السند غير معتبر إلّا بتاريخ يعلم منه زمان حيرته و غيره.

قلت: إنّهم لمّا غفلوا عن هذا و رجعوا إلي أصول الأصحاب و وجدوهم مصرّحين بتوثيقه حكموا بذلك، و منه يعلم أن قصر النظر علي ما في اصولهم ممّا لا يليق بحال الفقيه، بل من المتحتّم عليه أن يكون متتبّعا في أبواب الفقه و ما يتعلّق بها، ليكون علي بصيرة فيما يعمل و يفتي به.

أ لا ينظر إلي هؤلاء القوم و هم أئمّة الاصول كيف أطبقوا علي توثيقه، و تلقّوا رواياته مطلقا بالقبول إذا لم يكن هناك مانع من غير

جهته، و هو ممّن لا يسوغ العمل بمرويّاته اصولا و فروعا، إلّا بتاريخ مائز ما قبل حيرته عمّا بعدها.

فهذا شيخ الطائفة في الفهرست «1»، و مثله الشيخ الجليل النجاشي «2» في كتابه، يصرّحان بأنّه كان ثقة في نفسه، إلّا أنّه أكثر الرواية عن الضعفاء و اعتمد المراسيل.

و هو الظاهر من الشيخ ابن الغضائري، حيث قال: و طعن عليه القمّيون و ليس الطعن فيه، إنّما الطعن في من يروي عنه، فإنّه كان لا يبالي عمّن يأخذ علي طريقة أهل الأخبار، و كان أحمد بن محمّد بن عيسي أبعده عن قم، ثمّ أعاده

______________________________

(1) الفهرست ص 20.

(2) رجال النجاشي ص 76.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 270

إليها و اعتذر إليه «1».

أقول: قد ظهر من المنقول آنفا أنّ طعن القميين عليه كان في محلّه و موقعه، لحيرته و تردّده في الدين، و انحرافه عن مسلك الصواب و طريق اليقين.

و ذكر في الخلاصة: وجدت كتابا فيه وساطة، أي: تلاؤم و تعاطف و تحاسن بين أحمد بن محمّد بن عيسي و أحمد بن محمد بن خالد، و قال: إنّه لمّا توفّي ابن خالد مشي ابن عيسي في جنازته حافيا حاسرا ليبرئ نفسه ممّا قذفه به «2». علي ما نقل في «غض» عنهما.

و صرّح الشهيد الثاني في دراية الحديث بتوثيقه، حيث قال: أحمد بن محمّد مشترك بين جماعة، منهم: أحمد بن محمّد بن عيسي، و أحمد بن محمّد بن خالد، و أحمد بن محمد بن أبي نصر، و أحمد بن محمّد بن الوليد، و جماعة اخري من أفاضل أصحابنا في تلك الأعصار.

و يتميّز عند الإطلاق بقرائن الزمان، و يحتاج في ذلك إلي فضل قوّة و تميز و اطّلاع علي الرجال و مراتبهم، و لكنّه

مع الجهل لا يضرّ، لأنّ جميعهم ثقات، فالأمر بالاحتجاج بالرواية سهل «3»، و ظاهر الكشي أيضا يفيد كونه ثقة.

و لكن لا يخفي أنّ قول محمّد بن يحيي «وددت أنّ هذا الخبر جاء من غير جهة أحمد بن أبي عبد اللّه البرقي» و جواب محمّد بن الحسن لقد حدّثني قبل الحيرة بعشر سنين، صريحان في ذمّه كليّا، و عدم اعتباره في أقواله في زمن الحيرة.

إذ الظاهر منها تحيّره في المذهب، كما أفاد الفاضل الصالح المازندراني في شرح اصول الكافي، ثمّ احتمل أن يكون المراد بهته و خرافته في آخر سنّه، أو

______________________________

(1) رجال العلامة ص 14.

(2) رجال العلامة ص 14- 15.

(3) الرعاية ص 370- 371.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 271

تحيّره بعد اخراج ابن عيسي ايّاه «1». و علي أيّ التقادير، فروايته غير معتبرة، إلّا أن يعلم تاريخها، و انّها كانت قبل الحيرة.

و من الغريب أنّ الشهيد الثاني مع كلامه السابق في أحمد بن محمّد بن خالد البرقي و توثيقه له، ضعّفه في شرح الشرائع في باب ميراث المتعة، حيث قال بعد نقل رواية سعيد بن يسار عن الصادق عليه السلام: هي أجود ما في الباب دليلا، و لكن في طريقها البرقي مطلق، و هو مشترك بين ثلاثة محمّد بن خالد و أخوه الحسن و ابنه أحمد، و الكلّ ثقات علي قول الشيخ أبي جعفر الطوسي.

و لكنّ النجاشي ضعّف محمّدا. و قال ابن الغضائري: حديثه يعرف و ينكر، و يروي عن الضعفاء، و يعتمد المراسيل. و إذا تعارض الجرح و التعديل فالجرح مقدّم، و ظاهر حال النجاشي أنّه أضبط الجماعة، و أعرفهم بحال الرجال.

و أمّا ابنه أحمد فقد طعن عليه، كما طعن علي أبيه من قبل. و قال ابن

الغضائري: كان لا يبالي عمّن أخذ، و نفاه أحمد بن محمّد بن عيسي عن قم لذلك و لغيره. و بالجملة فحال هذا النسب المشترك مضطرب، لا تدخل روايته في الصحيح و لا في معناه «2». إلي هذا كلامه.

فإن قلت: إعادة ابن عيسي إيّاه بعد إبعاده، و اعتذاره إليه، و مشيه في جنازته حافيا حاسرا ليبرئ نفسه ممّا قذفه به، يدلّ علي كذب ما قيل فيه، و براءة ساحته عمّا نسب إليه.

قلت: لم يعلم ما كان سبب إبعاده وجهة إعادته، و في أيّ زمان من عمره كان هذا، فلعلّه كان له سبب آخر غير حيرته.

______________________________

(1) شرح الكافي 7/ 360.

(2) المسالك 1/ 506.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 272

و علي تقدير أن يكون سبب إبعاده ما قيل فيه من حيرته، فإعادته إيّاه لا تدلّ علي كذبه، فلعلّه كان قد تاب و رجع عنها إلي الحقّ، و لكنّه غير صالح للحكم بصحّة رواياته علي الإطلاق، لأنّ روايته زمن حيرته غير مقبولة بصحيح الخبر.

فإذا اشتبه الأمر و فقد التميّز للجهل بالتاريخ، لم يجز العمل برواياته؛ إذ الشكّ في وقت أدائها، يوجب الشكّ في صحّتها، و الحديث المشكوك لا يوجب علما و لا عملا.

قال الشيخ البهائي في بعض فوائده: كثير من الرجال و الرواة ينقل عنه أنّه كان علي خلاف المذهب، ثمّ رجع و حسن إيمانه، و القوم يجعلون روايته من الصحاح، مع أنّهم غير عالمين بأنّ الرواية متي وقعت منه أبعد التوبة أم قبلها.

و أنا أقول: أحمد بن محمّد هذا كان علي المذهب الحقّ في أوّل حاله، ثمّ رجع عنه و تحيّر في أواخره، و لم يعلم أنّه رجع عنه أو بقي عليه، فكيف يجعلون روايته و هم لا يعلمون بأنّ

أداء الرواية متي وقع منه بعد الحيرة أم قبلها من الصحاح؟ و روايته بعد حيرته كما فهم من صريح السؤال و الجواب غير مقبولة.

ذكر في دراية الحديث: من خلط بعد استقامته بخرق و هو الحمق، و ضعف العقل و الفسق و غيرهما من القوادح يقبل ما روي عنه قبل الاختلاط، لاجتماع الشرائط و ارتفاع الموانع.

و يرد ما روي عنه بعده، و ما شكّ فيه هل وقع قبله أو بعده، للشكّ في الشرط و هو العدالة عند الشكّ في التقدّم و التأخّر، و إنّما يعلم ذلك بالتاريخ، أو بقول الراوي عنه حدّثني قبل اختلاطه و نحو ذلك، و مع الإطلاق و عدم التاريخ يقع الشكّ فيرد الحديث «1».

______________________________

(1) الرعاية ص 210- 211.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 273

و إنّما حكم العلّامة بصحّة هذا السند لذهوله عمّا ورد في أحمد هذا، و لذلك وثّقه في الخلاصة، ثمّ قال: و عندي أنّ روايته مقبولة، و هذا ينافر حكمه في المختلف بكونها صحيحة، فتأمّل.

45- فائدة [الجاموراني و البطائني]

في التهذيب عن محمّد بن يحيي، عن محمّد بن أحمد، عن أبي عبد اللّه الجاموراني، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن عبد اللّه بن وضّاح «1».

و السند كما تري في غاية الضعف.

قال النجاشي: محمّد بن أحمد كان ثقة في الحديث، إلّا أنّ أصحابنا قالوا:

كان يروي عن الضعفاء، و يعتمد المراسيل، و لا يبالي عمّن أخذ و ما عليه في نفسه مطعن في شي ء، و كان محمّد بن الحسن بن الوليد يستثني من رواية محمّد بن أحمد ما رواه عن أبي عبد اللّه الرازي الجاموراني «2».

و بمثل ذلك قال الشيخ في الفهرست «3»، فدلّ علي ضعف الجاموراني و عدم اعتبار روايته.

و قال ابن الغضائري: محمّد بن

أحمد الجاموراني أبو عبد اللّه الرازي ضعّفه القميّون، و استثنوا من كتاب نوادر الحكمة ما رواه، و في مذهبه ارتفاع «4».

______________________________

(1) تهذيب الاحكام 6/ 289.

(2) رجال النجاشي ص 348.

(3) الفهرست ص 145.

(4) رجال العلامة ص 256.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 274

و قال محمّد بن مسعود: سألت علي بن الحسن بن فضّال عن الحسن بن علي بن أبي حمزة البطائني، فقال: كذّاب ملعون، رويت عنه أحاديث كثيرة، و كتبت عنه تفسير القرآن كلّه من أوّله إلي آخره، إلّا أنّي لا أستحلّ أن أروي عنه حديثا واحدا «1».

و قال ابن الغضائري: الحسن بن علي بن أبي حمزة واقف ابن واقف، ضعيف في نفسه، و أبوه أوثق منه، ثمّ قال: و قال علي بن الحسن بن فضّال: إنّي لأستحي من اللّه أن أروي عن الحسن بن علي «2».

و فيه ذموم اخر تركناها مخافة التطويل.

و من الغريب أنّ الشارح المجلسي قدّس سرّه عدّ هذا السند في شرحه علي الفقيه قويّا «3». و لا يعرف له وجه، فإنّ القويّ في اصطلاح القوم يطلق علي الموثّق، لقوّة الظنّ بجانبه، بسبب توثيق راويه و إن كان مخالفا، و قد يطلق علي مرويّ الإماميّ الغير الممدوح و لا المذموم، كذا في الدراية الشهيديّة.

و قد علم أنّ الحسن بن علي مع أنّه واقف كذّاب ملعون أضعف من أبيه، و قد ورد فيه ما فيه. و مثله أبو عبد اللّه الجاموراني ضعّفه القميّون، حيث لم يعتبروا مرويّاته في كتاب نوادر الحكمة.

فإذا كان هذا شأن الراوي، فكيف يعتمد علي روايته و نقله في إثبات حكم شرعيّ، فلعلّه كان كاذبا في روايته عن عبد اللّه بن وضّاح الثقة.

قال: كانت بيني و بين رجل من اليهود معاملة، فخانني بألف

درهم، فقدّمته إلي الوالي فأحلفته، و قد علمت أنّه حلف يمينا فاجرة، فوقع له بعد ذلك عندي

______________________________

(1) اختيار معرفة الرجال 2/ 827، برقم: 1042.

(2) رجال العلامة ص 213.

(3) روضة المتقين 6/ 169.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 275

أرباح و دراهم كثيرة، فأردت أن أقبض الألف درهم التي كانت لي عنده و أحلف عليها.

فكتبت إلي أبي الحسن عليه السلام فأخبرته أنّي قد حلفته فحلف و قد وقع له عندي مال، فإن أمرتني أن آخذ منه الألف درهم التي حلف عليها فعلت.

فكتب عليه السلام: لا تأخذ منه شيئا، إن كان ظلمك فلا تظلمه، و لو لا أنّك رضيت بيمينه فحلفته لأمرتك أن تأخذ من تحت يدك، و لكنّك رضيت بيمينه، فقد مضت اليمين بما فيها. فلم آخذ منه شيئا و انتهيت إلي كتاب أبي الحسن عليه السلام «1».

46- فائدة [جابر بن يزيد الجعفي و ابن الغضائري]

اشارة

و سأل جابر بن يزيد الجعفي أبا جعفر عليه السلام عن السام أبرص يقع في البئر، فقال: ليس بشي ء حرّك الماء بالدلو «2».

و طريقه إليه ضعيف، كما يظهر من مشيخته، حيث قال فيها: و ما كان فيه عن جابر بن يزيد الجعفي، فقد رويته عن محمّد بن علي ماجيلويه رضي اللّه عنه، عن محمّد بن أبي القاسم، عن أحمد بن محمّد بن خالد البرقي، عن أبيه، عن عمرو بن شمر، عن جابر بن يزيد الجعفي «3».

و الضعيف فيه من وجوه:

______________________________

(1) تهذيب الاحكام 6/ 289- 290، ح 9.

(2) من لا يحضره الفقيه 1/ 21، ح 31.

(3) مشيخة الفقيه 4/ 424.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 276

أمّا أوّلا، فلوجود أحمد بن محمّد بن خالد البرقي.

و أمّا ثانيا، فلقول النجاشي: و كان محمّدا- يعني: أبا أحمد- هذا ضعيفا في الحديث «1».

و أمّا ثالثا، فلوجود ابن شمر

فيه، و هو ضعيف جدّا كما سيأتي.

قال الفاضل المليّ التقيّ المتّقي قدّس سرّه: الذي ظهر لنا من التتبّع أنّه- أي: جابر بن يزيد- ثقة جليل من أصحاب أسرار الأئمّة و خواصّهم، و العامّة تضعّفه لهذا، كما يظهر من مقدّمة صحيح مسلم، و تبعهم بعض الخاصّة؛ لأنّ أحاديثه تدلّ علي جلالة الأئمّة صلوات اللّه عليهم.

و لمّا لم يمكنه القدح فيه لجلالته قدح في رواته، و إذا تأمّلت أحاديثه يظهر لك أنّ القدح ليس فيهم، بل في من قدح فيهم، باعتبار عدم معرفته الأئمّة كما ينبغي.

و الذي ظهر لنا من التتبّع التامّ أنّ أكثر المجروحين سبب جرحهم علوّ حالهم، كما يظهر من الأخبار التي وردت عنهم عليهم السلام «اعرفوا منازل الرجال منّا علي قدر رواياتهم عنّا».

و الظاهر أنّ المراد بقدر الروايات، الأخبار العالية التي لا تصل إليها عقول أكثر الناس، و قد ورد متواترا عنهم عليهم السلام أنّ حديثنا صعب مستصعب لا يحتمله إلّا ملك مقرّب أو نبيّ مرسل، أو عبد مؤمن امتحن اللّه قلبه للايمان.

و لهذا تري ثقة الإسلام، و علي بن إبراهيم، و محمّد بن الحسن الصفّار، و سعد بن عبد اللّه و أضرابهم، ينقلون أخبارهم و يعتمدون عليهم، و ابن الغضائري المجهول حاله و شخصه يجرحهم، و المتأخّرون يعتمدون علي قوله، و بسببه يضعف

______________________________

(1) رجال النجاشي ص 335.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 277

أكثر أخبار الأئمّة صلوات عليهم.

أقول: إنّه قدّس سرّه قد جاوز في هذا الموضع طوره بنسبته العلماء إلي ما نسبهم إليه من متابعة العامّة و عدم التتبّع، و ذلك في الموضعين، و التقليد و قصور العقل و عدم معرفة الأئمّة عليهم السلام، إلي غير ذلك من النقائص التي وجبت تبرأتهم عنها. و نعم ما

قيل: رحم اللّه امرأ عرف قدره و لم يتعدّ طوره.

مع أنّ جابرا هذا ممّن لم يقدح فيه من أئمّة الرجال و أرباب الوقوف بالأحوال إلّا واحد أو اثنان «1»، و الباقون منهم بين التصريح بتوثيقه و الإيماء إليه، فالحكم به و بجلالته ممّا لا حاجة فيه إلي تتبّع و اجتهاد.

و أمّا أنّه كان من أصحاب أسرار الأئمّة عليهم السلام، فيدلّ عليه ما ذكره الكشي في كتابه بسند ضعيف بأبي جميلة عن جابر، قال: حدّثني أبو جعفر عليه السلام تسعين ألف «2» حديث لم احدّث بها أحدا قطّ، و لا احدّث بها أحدا أبدا.

قال جابر: فقلت لأبي جعفر عليه السلام: جعلت فداك قد حمّلتني وقرا عظيما بما حدّثتني به من سرّكم الذي لا احدّث به أحدا، فربّما جاش في صدري حتّي يأخذني شبه الجنون.

قال: يا جابر فإذا كان ذلك فاخرج إلي الجبال فاحفر حفيرة و دلّ رأسك فيها، ثمّ قل حدّثني محمّد بن علي بكذا و كذا «3».

و لكنّه مع ما فيه من الضعف سندا، و حكم الشهادة علي النفس، و بعد

______________________________

(1) و هما النجاشي و شيخه المفيد أبو عبد اللّه، و لكنه لم يصرح بذلك كما سيأتي و لذلك قلنا واحد أو اثنان «منه».

(2) في الكشي: سبعين ألف.

(3) اختيار معرفة الرجال 2/ 442، برقم: 343.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 278

إحاطة مثله بهذا المقدار من الأحاديث، مضافا إليه ما حدّث به غيره، و هو أيضا كثير، كما يظهر لمن تتبّع الأخبار، و تذكّر منها ما اسند اليه.

معارض بما في كتاب الكشي أيضا في موثّقة زرارة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن أحاديث جابر، فقال: ما رأيته عند أبي قطّ إلّا مرّة واحدة، و ما دخل

عليّ قطّ «1».

و مع قطع النظر عن ذلك، فالكلام هنا إنّما يساق في رواية الذين نقلوا عنه أمثال ذلك، حتّي أوهموا بذلك أنّه كان مختلطا، و هو قدّس سرّه لم يأت في هذا المقام من الكلام ما يفيد توثيقهم، و إنّما أمر بالتأمّل في أحاديثه، ليظهر أنّ القدح ليس فيهم، و هذا ما لا يغني من جوع، و لا يؤمن من خوف.

و كيف يمكن توثيقهم؟ و جلّهم مشهورون بالكذب و الوضع، كعبد الرحمن بن كثير الهاشمي الوضّاع، و أبي جميلة الكذّاب مفضّل بن صالح المقرّ علي نفسه بالكذب و الوضع، حيث قال: أنا وضعت رسالة معاوية إلي محمّد بن أبي بكر، و عمرو بن شمر المتّهم بالغلوّ و التفويض و أضرابهم.

و هم الذين ظنّ قدّس سرّه أنّ سبب جرحهم علوّ قدرهم، بتحمّلهم أخبارا عالية لا تصل إليها عقول أكثر الناس، و منهم ابن الغضائري الجرّاح المجهول حاله و شخصه و لذلك جرحهم.

و هذا منه غريب، لأنّ قدر الراوي بصدقه و أمانته و علمه و حفظه و ضبطه و نقله الحديث كما تحمّله، و ما ماثل ذلك: رحم اللّه امرأ سمع مقالتي فوعاها ثمّ رواها، لا بتحمّله ما لا تصل إليه أكثر العقول، فإنّه ربما تحمّل خبرا لا يصل إليه عقله أيضا، إذ ربّ حامل فقه ليس بفقيه، و ربّ حامل فقه إلي من هو أفقه منه، فكيف يستدلّ به علي علوّ قدره؟ فتأمّل.

______________________________

(1) اختيار معرفة الرجال 2/ 436، برقم: 335.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 279

و نحن نذكر نبذة ممّا قالوا في جابر و رواته، ثمّ نأخذ في جلالة قدر الشيخ ابن الغضائري، ليندفع عنه ما أضافه إليه، فإنّ ذلك من الواجبات، و من أهمّ المهمّات، و

أشرف ما يصرف فيه الأوقات.

فنقول: إنّه لم يقدح في جابر هذا بل وثّقه، علي ما نقل عنه آية اللّه العلّامة في الخلاصة بقوله: جابر بن يزيد الجعفي ثقة في نفسه، و لكن جلّ من روي عنه ضعيف، و أري الترك لما روي هؤلاء عنه، و الوقف في الباقي، إلّا ما خرج شاهدا «1».

و إليه يشير قوله: و لمّا لم يمكنه القدح فيه لجلالته، قدح في رواته. و لكن قال بعض المتأخّرين المتتبّعين في هذا الشأن: إنّ جابرا هذا لا عين له و لا أثر في كتاب ابن الغضائري في ذكر المذمومين من الرجال؛ لأنّ السيّد السند ابن طاوس نقل كلّ كتابه في كتابه و لا هو فيه.

و كأنّ نظر الفاضل المذكور كان علي ما في الخلاصة، أو يكون مراده ببعض الخاصّة الشيخ النجاشي، فإنّه قال في كتابه: روي عن جابر هذا جماعة غمز فيهم و ضعّفوا، منهم عمرو بن شمر، و مفضّل بن صالح، و منخل بن جميل، و يوسف بن يعقوب، و كان في نفسه مختلطا، و كان شيخنا أبو عبد اللّه ينشدنا أشعارا كثيرة في معناه تدلّ علي اختلاطه «2».

و لكن ينافيه قوله «و لمّا لم يمكنه القدح فيه» لأنّ قوله «و كان في نفسه مختلطا» قدح عظيم فيه، فتعيّن أن يكون مراده بهذا البعض هو ابن الغضائري رحمه اللّه، كما قرّرناه أوّلا.

و لكن لا يظهر وجه لاختصاصه ما ذكره من التقريع بابن الغضائري،

______________________________

(1) رجال العلامة ص 35.

(2) رجال النجاشي ص 128.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 280

بل كان الشيخ النجاشي أولي بذلك؛ لأنّه مع قدحه في رواة جابر هذا قدح فيه نفسه أيضا، فكان أولي به بخلاف ابن الغضائري، لأنّه: إمّا ساكت عنه، أو

موثّق له.

ثمّ لا يذهب عليك أنّ المفهوم من قوله قدّس سرّه «و تبعهم بعض الخاصّة» أنّه ضعّفه كما ضعّفوه، و منطوق قوله «و لمّا لم يمكنه القدح فيه» يناقضه.

و بالجملة أنّه إن أراد بهذا البعض ابن الغضائري، فهو لم يضعفه، بل وثّقه أو سكت عنه علي اختلاف الناقلين، فلا معني لقوله «و تبعهم بعض الخاصّة».

و إن أراد الشيخ النجاشي، فمسلّم أنّه ضعّفه و نسبه إلي الاختلاط، و لكن لا معني لقوله «و لمّا لم يمكنه القدح فيه» فتأمّل.

و قال الشهيد الثاني فيما كتب علي الخلاصة في ترجمة جابر بن يزيد، عند قول العلّامة: و الأقوي عندي الوقف فيما يرويه هؤلاء عنه، كما قاله الشيخ ابن الغضائري.

قلت: لا وجه للتوقّف فيما يرويه هؤلاء عنه، لشدّة ضعفهم في أنفسهم الموجب لردّ روايتهم، و إنّما كان ينبغي توقّف المصنّف فيما يرويه نفسه، لاختلاف الناس في مدحه و ذمّه إن لم نرجّح الجارح.

و ممّا نقلناه ظهر أن تضعيف بعض الخاصّة ليس لمتابعته العامّة، و لا لعدم معرفته الأئمّة عليهم السلام، و لا لقصور عقله عن إدراك الأخبار العالية، بل لأنّه وصل إليه من أشعاره ما يدلّ علي اختلاطه.

نعم يمكن أن يقال: إنّ تلك الأشعار ليست منه، بل هي ممّا نسب إليه، كما سيأتي الإشارة إليه، و هو كلام آخر.

هذا و قال الفاضل العلّامة في الخلاصة: الأقوي عندي التوقّف فيما يرويه

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 281

عنه هؤلاء، كما قاله الشيخ ابن الغضائري رحمه اللّه «1». و إليه يشير قوله «و المتأخّرون يعتمدوه علي قوله».

أقول: و يظهر من ترجمة حذيفة بن منصور بن كثير أبي محمّد بيّاع السابري كمال اعتماد الفاضل العلّامة علي الشيخ ابن الغضائري و وثوقه به؛ لأنّ حذيفة هذا

ممّن وثّقه النجاشي، و روي حديثا في مدحه الكشي، و وثّقه شيخنا السعيد المفيد رحمه اللّه، و مع ذلك كلّه لمّا قال ابن الغضائري: حديثه غير نقيّ يروي الصحيح و السقيم و أمره ملتبس و يخرج شاهدا.

قال العلّامة: و الظاهر عندي التوقّف فيه، لما قاله هذا الشيخ، و لما نقل أنّه كان واليا من قبل بني اميّة، و يبعد انفكاكه عن القبيح «2».

أقول: قد سبق أنّ هذا الأخير محض استبعاد منقوض بعلي بن يقطين، فإنّه كان وزيرا و عاملا من قبل بني العبّاس، و هم أشد كفرا و نفاقا من بني اميّة، و معه كان ثقة عدلا بالاتّفاق، فمجرّد كون الرجل واليا من قبلهم لا يدلّ علي ارتكابه قبيحا قادحا في عدالته، فالوجه إذن في التوقّف فيه هو ما قاله هذا الشيخ.

اذا قالت حذام فصدّقوها فإنّ القول ما قالت حذام

و مثله ما أشار إليه في ترجمة إبراهيم بن عبيد اللّه بن العلاء المدني، بعد نقله عن ابن الغضائري أنّه قال: لا نعرفه إلّا بما ينسب إليه عبد اللّه بن محمّد البلوي، و ينسب إلي أبيه عبيد اللّه بن العلاء عمارة بن زيد، و ما يسند إليه إلّا الفاسد المتهافت.

______________________________

(1) رجال العلامة ص 35.

(2) رجال العلامة ص 61.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 282

قال: و أظنّه اسما موضوعا علي غير واحد بقوله: و هذا لا أعتمد علي روايته لوجود طعن هذا الشيخ فيه، مع أنّي لم أقف له علي تعديل من غيره «1».

و قال في ترجمة علي بن ميمون أبي الحسن الصائغ بعد نقله عن الكشي عن علي هذا قال: دخلت عليه- يعني: أبا عبد اللّه عليه السلام- أسأله، فقلت:

إنّي أدين اللّه بولايتك و ولاية آبائك و أجدادك،

فادع اللّه أن يثبّتني، فقال: رحمك اللّه رحمك اللّه.

و قال ابن الغضائري: حديثه يعرف و ينكر، و يجوز أن يخرج شاهدا.

ثمّ قال: و الأقرب عندي قبول روايته، لعدم طعن الشيخ ابن الغضائري فيه صريحا مع دعاء الصادق عليه السلام له «2».

أقول: و فيه أنّ ثبوت دعائه عليه السلام له فرع قبول روايته هذه، فإذا كان قبول روايته باعتبار دعائه له جاء الدور، علي أنّ قوله هذا لا يفيد العدالة؛ لأنّه شهادة منه لنفسه، و كلام الشيخ ابن الغضائري ظاهر في الطعن فيه، فكيف يقال: إنّه مقبول الرواية علي الأقرب.

و قال في ترجمة محمّد بن مصادف مولي أبي عبد اللّه عليه السلام: اختلف قول ابن الغضائري فيه، ففي أحد الكتابين أنّه ضعيف، و في الآخر أنّه ثقة، و الأولي عندي التوقّف فيه «3».

و بمثله قال ابن داود في رجاله «4».

و منه يظهر أنّ كتابيه هذين معتبران عندهما، و لذا توقّفا في محمّد هذا، لأنّ

______________________________

(1) رجال العلامة ص 198- 199.

(2) رجال العلامة ص 96.

(3) رجال العلامة ص 256.

(4) رجال ابن داود ص 510.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 283

ترجيح ما في أحد الكتابين علي ما في الآخر يحتاج إلي مرجّح و ليس.

و لا يمكن أن يقال هنا: إنّ الجرح مقدّم علي التعديل؛ لأنّ الجارح و المعدّل واحد، نعم لو علم تقدّم تاريخ كتابه الموضوع لذكر الممدوحين من الرجال علي تاريخ كتابه الموضوع لذكر المقدوحين منهم، لأمكن ترجيح ضعفه علي توثيقه من غير توقّف، و العكس بالعكس.

و بالجملة أنّه قد أكثر النقل عنه في كتابه و عظّمه و أجلّه و لقّبه بالشيخ في غير موضع منه و استرحم له، و لا شكّ أنّ أمثال ذلك من مثله يدلّ علي جلالة

قدره عنده و اعتماده علي قوله في نقله و جرحه و تعديله.

ثمّ ليس هذا أمرا مختصّا بالمتأخّرين، بل سيظهر لك أنّ المتقدّمين منهم أيضا اعتمدوا علي قوله كالنجاشي و غيره، و كتابه مشحون بالنقل عنه، كما لا يخفي علي من نظر فيه، و تصفّح في مواضع غير محصورة.

منها: قوله في حبيب بن أوس: له شعر في أهل البيت عليهم السلام، و ذكر أحمد بن الحسين رحمه اللّه أنّه رأي نسخة عتيقة قال: لعلّها كتبت في أيّامه أو قريبا منه، و فيها قصيدة يذكر فيها الأئمّة عليهم السلام، حتّي انتهي إلي أبي جعفر الثاني عليه السلام، لأنّه توفّي في أيّامه «1».

و منها: قوله في ترجمة علي بن الحسن بن فضّال: و ذكر أحمد بن الحسين رحمه اللّه أنّه رأي نسخة أخرجها أبو جعفر بن بابويه رحمه اللّه، و قال: حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني، قال: أحمد بن محمّد بن سعيد، قال:

حدّثنا علي بن الحسن بن فضّال، عن أبيه، عن الرضا عليه السلام، و لا يعرف الكوفيّون هذه النسخة، و لا رويت من غير هذا الطريق «2».

______________________________

(1) رجال النجاشي ص 141.

(2) رجال النجاشي ص 258.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 284

و منه يعلم أنّ أحمد بن الحسين الغضائري رحمهما اللّه كان من معاصري ابن بابويه، و ممّن لقيه، و روي عنه، و أخذ منه، فلا تغفل.

و منها: ما نقله عنه في ترجمة الحسين بن أبي العلاء، قال و قال أحمد بن الحسين رحمه اللّه: هو مولي بني عامر، و أخواه علي و عبد الحميد، روي الجميع عن أبي عبد اللّه عليه السلام، و كان الحسين أوجههم «1».

و منها: ما نقله عنه في ترجمة جعفر بن احمد بن

أيّوب السمرقندي المعروف بابن العاجز، قال: ذكر أحمد بن الحسين رحمه اللّه أنّ له كتاب الردّ علي من زعم أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله كان علي دين قومه قبل النبوّة «2».

و منها: ما نقله عنه في ترجمة أحمد بن محمّد بن خالد البرقي، قال و قال أحمد بن الحسين رحمه اللّه في تاريخه: توفّي أحمد بن أبي عبد اللّه البرقي في سنة أربع و سبعين و مائتين «3».

و منه يعلم أنّ له سوي الكتب الاربعة المشهورة كتابا آخر، و هو كتاب التاريخ.

و منها: ما نقله عنه في ترجمة أحمد بن إسحاق بن عبد اللّه القمّي الأشعري، قال و قال أحمد بن الحسين رحمه اللّه: رأيت من كتبه كتاب علل الصوم كبير، و مسائل الرجال لأبي الحسن الثالث عليه السلام «4».

و منها: قوله في ترجمة خالد بن يحيي بن خالد، ذكره أحمد بن الحسين، و قال: رأيت له كتابا في الامامة كبيرا سمّاه كتاب المنهج «5».

______________________________

(1) رجال النجاشي ص 52.

(2) رجال النجاشي ص 121.

(3) رجال النجاشي ص 77.

(4) رجال النجاشي ص 91.

(5) رجال النجاشي ص 151.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 285

و منها: قوله في ترجمة أبان بن تغلب، و له كتاب صفّين، قال أبو الحسين أحمد بن الحسين رحمه اللّه: وقع إليّ بخطّ أبي العبّاس بن سعيد، قال: حدّثنا أبو الحسين أحمد بن يوسف بن يعقوب الجعفي من كتابه في شوّال سنة إحدي و سبعين و مائتين، قال: حدثنا محمّد بن يزيد النخعي، قال: حدّثنا سيف بن عميرة عن أبان «1».

و قال في ترجمة علي بن الحسن بن فضّال في مقام تعداد كتبه: قرأ أحمد بن الحسين كتاب الصلاة و الزكاة و مناسك الحجّ و

الصيام و الطلاق و المناكح و الزهد و الجنائز و المواعظ و الوصايا و الفرائض و المتعة و الرجال علي أحمد بن عبد الواحد في مدّة سمعتها معه، و قرأت أنا كتاب الصيام عليه في مشهد العتيقة عن ابن الزبير عن علي بن الحسن «2».

أقول: و له رحمه اللّه مشايخ كثيرة، يعرف من تصفّح كتاب النجاشي، منهم أحمد بن عبد الواحد كما سبق.

و منهم والده الماجد، كما أشار إليه في ترجمة أحمد بن الحسين بن عمر بن يزيد الصيقل بقوله: له كتب لا يعرف منها إلّا النوادر، قرأته أنا و أحمد بن الحسين رحمه اللّه علي أبيه، عن أحمد بن محمّد بن يحيي، قال: حدّثنا أبي، عن محمّد بن أحمد بن يحيي عنه.

قال و قال أحمد بن الحسين رحمه اللّه: له كتاب في الإمامة، أخبرنا أبي عن العطّار، يعني أحمد بن محمّد بن يحيي، عن أبيه، عن أحمد بن أبي زاهر، عن أحمد بن الحسين به «3».

______________________________

(1) رجال النجاشي ص 11.

(2) رجال النجاشي ص 258- 259.

(3) رجال النجاشي ص 83.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 286

و قال في ترجمة حمّاد بن عيسي: قال أحمد بن الحسين رحمه اللّه: رأيت كتابا فيه عبر و مواعظ و تنبيهات علي منافع الأعضاء من الإنسان و الحيوان و فصول من الكلام في التوحيد، و ترجمته مسائل التلميذ و تصنيفه، عن جعفر بن محمّد عليهما السلام، و تحت الترجمة بخطّ الحسين بن أحمد الشيباني القزويني التلميذ حمّاد بن عيسي و هذا الكتاب له، و هذه المسائل سأل عنها جعفرا عليه السلام و أجابه «1».

و قال في ترجمة خيبري بن علي الطحّان: إنّه كوفيّ ضعيف في مذهبه، ذكر ذلك أحمد بن الحسين، يقال

في مذهبه ارتفاع «2». و هذا منه إشارة إلي ما ذكر ابن الغضائري في كتابه بقوله: خيبريّ بن علي الطحّان كوفيّ ضعيف الحديث، غال المذهب، كان يصحب يونس بن ظبيان و يكثر الرواية عنه «3».

و من تصفّح كتاب النجاشي في الرجال عنّ له أنّ أحمد بن الحسين الغضائري عظيم عنده جليل قدره، حيث أنّه لم يذكره في كتابه هذا إلّا مقرونا بالرحمة، و لم يعهد منه ذلك بالإضافة إلي سائر أشياخه، بل كثيرا ما يذكرهم بدون القران بالرحمة و الرضوان.

حتّي أنّه ذكر أبا أحمد هذا الحسين بن عبيد اللّه، و هو من أجلّاء أشياخه و عظمائهم في مواضع كثيرة من كتابه هذا، و نقل عنه كثيرا، مجرّدا عن التعظيم و طلب الرحمة له إلّا نادرا.

و بالجملة أنّه قد أكثر النقل عنه في كتابه المعتمد عليه الطائفة عنه و عن والده الحسين، و كان قد تلمّذ عندهما و أخذ منهما و استفاد عنهما، و صحبهما مدّة

______________________________

(1) رجال النجاشي ص 143.

(2) رجال النجاشي ص 154- 155.

(3) رجال العلامة ص 220- 221.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 287

مديدة و عرف حالهما.

و هو في نفسه معتمد عليه في قوله و نقله، و يعلم جلالة قدره و نهاية ملاحظته في النقل و كثرة اعتباره عند الخاصّة في الأخبار، و التوثيق و التوهين من كتابه، و خصوصا من خطبته، حيث أراد السيّد السند الشريف المرتضي علم الهدي رضي اللّه عنه هذا الجمع منه، و مكّنه و قرّره فيه.

و قال الفاضل آية اللّه العلّامة رحمه اللّه في الخلاصة: إنّه ثقة معتمد عليه عندي له كتاب الرجال، نقلنا منه في كتابنا هذا و في غيره أشياء كثيرة، و له كتب اخر ذكرناها في الكتاب.

فنقله عن

ابن الغضائري و إكثاره فيه، دليل واضح علي كونه ثقة عنده معتمدا عليه؛ لأنّ جلالة شأنه و رفعة مكانه تمنعه أن ينقل عن الضعفاء؛ إذ النقل عنهم من جملة القوادح و الطعون، كما لا يخفي علي من مارس كتب الرجال. فاذا كان مثل الشيخ الفاضل النجاشي معتمدا علي قوله و نقله و جرحه و تعديله، و ناقلا ذلك عنه في كتابه كثيرا مسترحما له كلّما ذكره، فكيف لا يعتمد عليه المتأخّرون؟

و هذا منه أوّل دليل و أعدل شاهد علي توثيقه و اعتماده عليه، و إلّا فكيف كان يقبل ذلك منه و ينقله في كتابه الذي أمره السيد بتصنيفه و جمعه و تأليفه، و كان في نظره الشريف أن يعرضه عليه بعد إكماله.

فلو كان ابن الغضائري ممّن لا يعبأ به و لا بقوله، كما ظنّه الفاضل الملي التقي المتقي المجلسي قدّس سرّه، لما كان النجاشي ناقلا عنه في مثل هذا الكتاب؛ لانّه كانت غاية اهتمامه أن ينقل فيه عمّن علم أنّ السيّد يعتمد عليه و يقبل قوله، لأنّه كالعلّة الغائيّة لهذا الجمع و التأليف.

فهذا و ما ماثله قرائن واضحة علي أنّ السلف و الخلف من علمائنا رضوان

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 288

اللّه عليهم كانوا يعتمدون علي قوله و نقله و جرحه و تعديله، و ذلك لمن له قليل من الإنصاف ظاهر، و اللّه عزّ اسمه يعلم الضمائر و السرائر.

هذا و قال ملّا ميرزا محمّد في حاشيته علي رجاله الأوسط المتعلّقة علي قول العلّامة «الأقوي عندي التوقّف فيما يرويه عنه» أي عن جابر هؤلاء، هذا يشعر بأنّه يقبل ما يرويه عنه الثقات، و لعلّه الصواب؛ لانّ ذلك الإشعار إن كان ممّا قيل فيه، فلعلّه لسخافة ما نقل عنه

هؤلاء الضعفاء، و إن نقل عنه أو مضمونه، فلعلّ ذلك أيضا من نقل هؤلاء، علي أنّ قائل الإشعار غير معلوم الآن لنا، و كأنّه لا مستند لنسبة الاختلاط إليه هذه.

أقول: هذا منهما إشارة إلي القدح في رواته و توثيقه، و يدلّ عليه أيضا ما نقل بسند غير معلوم الصحّة عن سفيان الثوري أنّه قال: جابر بن يزيد الجعفي صدوق في الحديث إلّا أنّه كان يتشيّع.

و في كتاب ميزان الاعتدال المعتبر عند العامّة في الرجال هكذا: جابر بن يزيد الجعفي الكوفي أحد علماء الشيعة ورع في الحديث، ما رأيت أورع منه صدوق، و ذكر ذمّه أيضا كثيرا، فظهر اعتباره عند الإماميّة، إذ الأشياء تعرف بأضدادها.

و ممّا يدلّ علي كونه ثقة صدوقا ما رواه الكشي عن حمدويه و إبراهيم، قال:

حدّثنا محمّد بن عيسي، عن علي بن الحكم، عن زياد بن أبي الحلال، قال:

اختلف أصحابنا في أحاديث جابر الجعفي، فقلت لهما: أنا أسأل أبا عبد اللّه عليه السلام، فلمّا دخلت ابتدأني، و قال: رحم اللّه الجعفي كان يصدق علينا «1».

فهذا الحديث الصحيح صريح في توثيق الامام عليه السلام له و قوله مقدّم علي قول غيره.

______________________________

(1) اختيار معرفة الرجال 2/ 436، برقم: 336.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 289

و يظهر من قول المجلسي قدّس سرّه: و إذا تأمّلت في أحاديثه يظهر لك أنّ القدح ليس فيهم خلافه، و لكنّه لم يبيّنه و لم يدلّ عليه بدليل.

و الأمر بالتأمّل في أحاديثه ليظهر ذلك أمر بما لا يطاق، و الجرح مقدّم علي التعديل، و خاصّة إذا كان الجارح أمثال أولئك الأعلام «أولئك آبائي فجئني بمثلهم» و هو قدّس سرّه أعرف بما قال، و اللّه أعلم بحقيقة حال الرجال، هذا جملة ما قالوه في

جابر و رواته.

[تحقيق حول ابن الغضائري]

و أمّا ابن الغضائري، فكما أنّ الاعتماد علي قوله يوجب ضعف أكثر الأخبار، فكذلك عدمه يوجب عدمه، و العامل به علي خطر عظيم من دينه، لاحتمال أن يكون من قبيل المكذوب عليهم السلام، فيكون تشريعا و إدخالا لما ليس من الدين فيه.

و قد قال سيّدنا أبو عبد اللّه الصادق عليه السلام: لكلّ رجل منّا رجلا يكذب عليه. و قوله صلّي اللّه عليه و آله: ايّها الناس قد كثرت عليّ الكذّابة. من المتواترات.

و ممّا قرّرناه ظهر أنّ رواة جابر هذا جلّهم ضعفاء، و خاصّة عمرو بن شمر، فإنّه كاد أن يكون ضعيفا بإجماع علماء الرجال، إلّا الفاضل العلّامة حيث أنّه توقّف فيهم، كما سبقت منه إليه الاشارة. فالحديث المذكور في صدر المسألة ضعيف السند باتّفاق النجاشي و ابن الغضائري و الكشي.

فإنّه قال في ترجمة جابر هذا، بعد نقل حديث من رجاله عمرو بن شمر:

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 290

هذا حديث موضوع لا شكّ في كذبه، و رواته كلّهم متّهمون بالغلوّ و التفويض «1».

فليس عدم الاعتماد عليه بأولي من الاعتماد عليه، فالمرجع إذن في الاعتماد و عدمه إلي تحقيق حاله و بيان حقيّة مقاله.

فنقول: و يظهر من خطبة كتاب الفهرست للشيخ الطوسي قدّس سرّه أنّ الشيخ ابن الغضائري من أصحابنا و شيوخ طائفتنا و من أصحاب التصانيف، و انّ له كتابين في ذكر المصنّفين و من له أصل.

و هذه عبارته: و بعد فإنّي لما رأيت جماعة من أصحابنا من شيوخ طائفتنا من أصحاب التصانيف، عملوا فهرست كتب أصحابنا و ما صنّفوه من التصانيف، و رووه من الاصول، و لم أجد منهم أحدا استوفي ذلك و لا ذكر أكثره، بل كلّ منهم كان غرضه أن يذكر

ما اختصّ بروايته، و أحاطت به خزانته من الكتب.

و لم يتعرّض أحد منهم لاستيفاء جميعه، إلّا ما كان قصده أبو الحسين أحمد بن الحسين بن عبيد اللّه رضي اللّه عنه، فإنّه عمل كتابين: أحدهما ذكر فيه المصنّفات، و الآخر ذكر فيه الاصول، و استوفاهما علي مبلغ ما وجده و قدر عليه.

غير أنّ هذين الكتابين لم ينسخهما أحد من أصحابنا، و اخترم هو رحمه اللّه، و عمد بعض ورثته إلي إهلاك هذين الكتابين، و غيرهما من الكتب علي ما حكي بعضهم عنهم «2». إلي هنا كلامه رفع في علّيين مقامه.

و فيه كما تري، اعتراف منه رحمه اللّه بجلالة قدره و طول يده في هذا الشأن، و ثبات قدمه فيه، و معرفته و إحاطته بأحوال الرجال و المصنّفين و من له أصل، و كفي هذا له مدحا، مع استرحامه له في موضعي ذكره صريحا و كناية.

و قد علم من مواضع اخر أنّ له كتابين آخرين في ذكر الرجال الممدوحين

______________________________

(1) اختيار معرفة الرجال 2/ 448.

(2) الفهرست ص 1- 2.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 291

و الرجال المذمومين، و الأخير مذكور بتمامه في كتاب السيّد السند ابن طاوس رحمه اللّه، و قد سبق أنّ له كتابا آخر، و هو كتاب التاريخ، و كثيرا ما ينقل عنه العلّامة في الخلاصة و غيره في ترجمة الرجال.

منه: ما نقله عنه في ترجمة محمّد بن عبد اللّه بن المطلب الشيباني، قال و قال ابن الغضائري: إنّه وضّاع كثير المناكير، رأيت كتبه و فيها الأسانيد من دون المتون، و المتون من دون الأسانيد و أري ترك ما ينفرد به «1».

و منه: ما نقله عنه في ترجمة محمّد بن مقلاص الأسدي أبي الخطّاب، قال قال ابن الغضائري:

إنّه مولي بني أسد لعنه اللّه و أمره شهير، و أري ترك ما يقول أصحابنا: حدّثنا أبو الخطّاب في أيّام استقامته «2».

و منه ما نقله عنه في ترجمة محمّد بن نصير «3».

و في ترجمة عمرو بن أبي المقدام ثابت بن هرمز العجلي «4».

و أمثال ذلك في كتابه أكثر من أن يسعه المقام، أو يحيط به دائرة الكلام، و قد سبق منه ما يفيد توثيقه من قوله، كما قال الشيخ ابن الغضائري رحمه اللّه، فإنّ الشيخ عند بعضهم «5» من ألفاظ التعديل، خلافا للشهيد الثاني في دراية الحديث.

و كذا طلب الرحمة عندهم عديل التوثيق، كما صرّح به بعض متأخّرينا في غير موضع من كتابه، و لا أقلّ من إفادتها الاعتبار.

و قال مولانا عبد اللّه التستري: و عنوان كتاب ابن الغضائري الموضوع

______________________________

(1) رجال العلامة ص 252.

(2) رجال العلامة ص 250.

(3) رجال العلامة ص 257.

(4) رجال العلامة ص 120.

(5) كما صرح به السيد السند الداماد في الرواشح و سيأتي «منه».

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 292

لذكر الرجال المذمومين، انّي لمّا وقفت علي كتاب السيّد ابن طاوس في الرجال، فرأيته مشتملا علي نقل ما في كتب السلف، و قد كنت رزقت المنافع منها، إلّا كتاب ابن الغضائري، فانّي كنت ما سمعت له وجودا في زماننا هذا.

و كان كتاب السيّد بخطّه الشريف مشتملا عليه، فحداني التبرّك به، مع ظنّ الانتفاع بكتاب ابن الغضائري أن أجعله منفردا عنه.

و من إفاداته قدّس سرّه في هذا الموضع قوله: و هذه النسخة مع شرافتها بخطّ السيّد فيها آثار خطّ الشهيد الثاني، و هو الآن من كتب خزانة الشهيد الثاني فقيه أهل البيت عليهم السلام الشيخ المحقّق زين الدين العاملي رحمه اللّه، و كان مشرّفا بنظره.

و هو

كتاب نفيس يغني عن جميع كتب السلف، مع ما فيه من الزوائد التي أفادها السيّد قدّس اللّه أرواحهم، و هو قريب إلي الاندراس. انتهي كلامه طاب منامه.

أقول: و لو لا اعتماد السيّد السند علي قوله و جرحه و تعديله كيف كان ينقل كتابه الموضوع لذكر المجروحين من الرجال في كتابه بخطّه الشريف؟ و أيّة فائدة كانت في ذلك؟ ثمّ كيف صار كتابه هذا مظنون الانتفاع به، و قوله علي ما ظنّه الفاضل التقي المتّقي غير معتمد عليه.

و الشيخ النجاشي كثيرا ما ينقل عنه في كتابه و يسترحم له و لوالده الحسين؛ لأنّهما كانا من مشايخه، كالشيخ المفيد السعيد و غيره قدّس اللّه أسرارهم، يظهر ذلك كلّ الظهور من النظر في كتابه.

فإذا كان الرجل إماميّا عارفا عالما متتبّعا متقنا شيخا في هذه الطائفة، لم يقدح فيه و لا في كتابه أحد منهم، بل كلّ تلقّوه بالقبول، كما يظهر من أقوال هؤلاء الفحول.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 293

و ممّا أسلفناه من النقول، فلا شبهة في أنّ قوله معتمد عليه و كتابه مرجوع إليه، و التشكيك فيه تشكيك في العاديّات و ما يجري مجراها من البديهيّات.

ثمّ أقول: و علي تقدير التنزّل علي سبيل الاستظهار و القول بعدم ثبوت عدالته، يمكن أن يستدلّ علي جواز الاعتماد علي قوله و نقله بطريق آخر.

و هو أنّ علم الرجال كما أنّه من العلوم النقليّة، كذلك علم اللغة، فكما جاز الاعتماد علي قول أهل اللغة في تفسير اللغات و الرجوع إليهم، و إن لم يعلم عدالتهم كما هو الواقع، فإنّ طرق العلم إلي عدالتهم منسدّة علينا؛ بل الظاهر عدم عدالة جلّهم بل كلّهم.

فليجز الاعتماد علي قول أئمّة الرجال و الرجوع اليهم، و إلّا فما

الفرق؟

و الأوّل واقع بالاتّفاق؛ إذ لا خلاف في جواز الرجوع في فهم معاني ألفاظ القرآن و الحديث و غيرهما إلي أهل اللغة و نقلهم و إفادته الظنّ و لذلك كان الناس يرجعون إليهم في تفاسير اللغات قديما و حديثا موافقا و مخالفا في كلّ عصر و زمان.

و السبب فيه أن أهل كلّ صنعة يجهدون في تصحيح مصنوعاتهم و صيانته عن مواقع الفساد بحسب كدّهم و قدر طاقتهم، و معرفتهم بصنعتهم، لئلّا يسقط محلّهم عندهم، و لا يشتهروا بقلّة الوقوف و المعرفة في أمرهم، و إن كان فاسقا في بعض الأفعال.

نعم صحّة المراجعة إليه تحتاج إلي اختباره، و الاطّلاع علي حسن صنعته، و جودة معرفته، و الثقة بقولهم، و ذلك يظهر بالتسامع و تصديق المشاركين.

و قد عرفت أنّ كلّ من تأخّر عن ابن الغضائري من علماء الرجال، كالشيخ و النجاشي و ابن داود و العلّامة و غيرهم، صدّقوه في قوله و تلقّوه بالقبول، و نقلوا عنه كثيرا من غير نكير، فهذا دلّ علي أنّه كان ثقة معتمدا عليه في قوله

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 294

و نقله.

ألّا يري أنّ بعض من تأخّر عن ابن داود كالفاضل التستري، لمّا وجد في كتابه خللا، صرّح به في حاشيته علي أوائل التهذيب حيث قال: كتاب ابن داود ممّا لم أجده صالحا للاعتماد عليه، لما ظفرنا عليه من الخلل الكثير في النقل عن المتقدّمين، و في نقد الرجال، و التمييز بينهم، و هو رحمه اللّه قد اعتمد علي ابن الغضائري، حتّي أفرد كتابه عن كتاب السيّد، و صرّح بكونه مظنون الانتفاع به.

فلو كان فيه خلل لأشار هو أو غيره ممّن تأخّر عن ابن الغضائري من علمائنا إليه، لكثرة تداوله فيهم، و استمراره

بينهم في الأعصار المتباعدة و القرون المتطاولة، فلمّا سكتوا عنه و تلقّوه بالقبول، دلّ ذلك علي أنّه كان معتمدا عليه مقبولا عندهم، و كأنّه ظاهر لمن له أدني تأمّل و فطانة، إذا أخذ فطانته بيده و جعل و همه منقادا تحت قلم العقل، و باللّه التوفيق.

هذا و في مجمع الرجال للفاضل القهبائي رحمه اللّه: أحمد بن الحسين بن عبيد اللّه الغضائري رحمهما اللّه أبو الحسين، صاحب كتاب الرجال الموضوع لذكر المذمومين و كتابين آخرين كما في خطبة الفهرست، استرحم له السيّد السند جمال الملّة و الدين أحمد بن طاوس و الشيخ الطوسي و الشيخ النجاشي قدّس اللّه أرواحهم مرارا كثيرة، بل كلّما ذكروه كما تقدّم في خطبة الفهرست.

ثمّ قال في الحاشية: لا يخفي عليك أنّ السيّد ابن طاوس استرحم لأحمد هذا و لوالده الحسين رحمهما اللّه خمس مرّات حين ينقل كتابه في كتابه في العنوانات و في الخاتمة، و كذلك الشيخ الطوسي في خطبة فهرسته، و هو مع الشيخ النجاشي كلّما ذكراه صريحا أو كناية ذكراه مع طلب الرحمة له، و مع التتبّع التامّ في مواضع ذكره يعرف نهاية اعتباره عندهم، حيث أنّه شيخ في هذه الطائفة و شيخ

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 295

الشيخ و النجاشي و عالم عارف جليل كبير في الطائفة.

منها: في ترجمة أحمد بن الحسين بن عمر، و في حبيب بن أوس، و في علي بن الحسن بن فضّال، و في علي بن محمّد بن شيران و غيرها، فدلّ علي جلالة الرجل في أقواله و غيرها، فيعتبر مدحه و ذمّه «1». إلي هذا كلامه رفع في علّيين مقامه.

أقول: و في جميع هذه المواضع ذكره النجاشي مع طلب الرحمة له، و نقل عنه علي

وجه يفيد أنّه كان شيخه، و صرّح به في ترجمة ابن شيران، حيث قال فيها: علي بن محمّد بن شيران شيخ من أصحابنا ثقة صدوق له كتاب، مات سنة عشر و أربعمائة رحمه اللّه، كنّا نجتمع معه عند أحمد بن الحسين رحمهما اللّه «2».

و كفاه فضلا و نبلا أن يكون له تلميذان مثلهما فاضلان عالمان ثقتان عادلان يرويان و ينقلان عنه، و يعتمدان علي قوله في نقله و جرحه و تعديله.

و ليت شعري لم لا يعتمد علي قوله الفاضل المجلسي رحمه اللّه؟ و قد اعتمد عليه مثل الشيخ الطوسي، و الشيخ النجاشي، و الفاضل الحلّي، و السيّد السند أحمد بن طاوس الحلّي، و الشيخ المحقّق زين الملّة و الدين العاملي، و المولي العالم العامل عبد اللّه التستري، و ابن داود، و ملّا ميرزا محمّد الاسترآبادي، و ملّا عناية اللّه القهبائي، و غيرهم من أساطين الدين و أمناء أهل الحقّ و اليقين، العارفين بالرجال الواقفين بالأحوال.

ثمّ كيف يكون من هذا شأنه و قدره و مكانه مجهولا حاله أو شخصه؟ و أيّ رجل من أصحابنا من شيوخ طائفتنا أصحاب التصانيف أعرف منه حالا، أو أشهر منه شخصا؟ و حاله أظهر من الشمس، و شخصه أبين من الأمس.

______________________________

(1) مجمع الرجال 1/ 108.

(2) رجال النجاشي ص 269.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 296

و لعلّه قدّس سرّه لمّا رأي بعض كتب الرجال عاريا عن ذكره و نقل أحواله أصالة في محلّ واحد، كما هو دأبهم في كثير من تراجم الرجال، ظنّ أنّه مجهول الحال، و لكنّك قد عرفت أنّه مذكور تبعا بل أصالة أيضا في مواطن كثيرة، و منها يعرف حسن حاله و وقع مقاله، و انّه من عظماء الدين و من

أهل الفضل و التحقيق باليقين.

و علي هذا المنوال يعرف حال أكثر الرجال، و لا سيّما المتأخّرين منهم، فهذا الشيخ النجاشي لم يتعرّض لبيان حاله و حقيقة مقاله من تأخّر عنه، الّا الفاضل العلّامة في الخلاصة، حيث قال: انّه ثقة معتمد عليه عندي، و ليس ذلك لملاقاته ايّاه و معاشرته معه، كيف؟ و بينهما بون بعيد، بل لتتبّعه حاله و ملاحظته مقاله و ما نقل عنه من كونه صاحب كتب متينة متداولة بينهم مقبولة عندهم، و من إرادة السيّد منه كتابه المذكور، إلي غير ذلك من قرائن أحواله و حسن مقاله.

و بنظائره يمكن معرفة حسن حال الشيخ ابن الغضائري و جلالة شأنه و رفعة مكانه، و هكذا معرفة أحوال أكثر السلف و الخلف، كما هو ظاهر لمن تأمّل بعد التتبّع.

و الأظهر أن يقال: إنّه قدّس سرّه إنّما اغترّ بقول السيّد الداماد طاب ثراه في الرواشح في الراشحة العاشرة: فأمّا ابن الغضائري، فمسارع إلي الجرح حردا، مبادر إلي التضعيف شططا «1».

و بقوله في الراشحة الخامسة و الثلاثين: أحمد بن الحسين بن الغضائري في الأكثر مسارع إلي التضعيف بأدني سبب «2».

فإنّه بظاهره يقتضي نوع سوء ظنّ من السيّد بابن الغضائري، و لكن بعد

______________________________

(1) الرواشح السماوية ص 59.

(2) الرواشح السماوية ص 113.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 297

التأمّل في أطراف كلامه هنا ينكشف أنّ الأمر ليس كذلك، بل هو مثل قوله في هذه الراشحة.

و المحقّق مع تبالغه في الطعن في الأسانيد بالضعف، قد تمسّك في المعتبر بروايات السكوني و عمل بها، فكما أنّ هذا لا يقتضي سوء ظنّه به، فكذلك ذاك.

و بالجملة بعد ملاحظة تمام كلامه في هذه الراشحة، يستبين أنّ ابن الغضائري كان معتبرا عنده معتمدا عليه، حيث قبل شهادته

في ابن أورمه، و بني قبول روايته عليه.

و هذه عباراته في الراشحة الخامسة و الثلاثين: ابن الغضائري مصنّف كتاب الرجال المعروف، الذي العلّامة في الخلاصة، و الشيخ تقي الدين الحسن بن داود في كتابه، ينقلان عنه، و يبنيان في الجرح و التعديل علي قوله، ليس هو الحسين بن عبيد اللّه بن إبراهيم الغضائري العالم الفقيه البصير المشهور العارف بالرجال و الأخبار، شيخ الشيخ الأعظم أبي جعفر الطوسي، و الشيخ أبي العبّاس النجاشي، و سائر الأشياخ الّذين ذكرناهم.

و قلنا: إنّ العلّامة في الخلاصة، و الحسن بن داود في كتابه قد صحّحا طريق الشيخ إلي محمّد بن علي بن محبوب و هو في الطريق و العلّامة و من تأخّر عنه من الأصحاب إلي زمننا هذا في كتبهم الاستدلاليّة قد استصحّوا أحاديث كثيرة هو في اسانيدها.

و أمره أجلّ من ذلك، فإنّه من أعاظم فقهاء الأصحاب و علمائهم، و له تصانيف معتبرة في الفقه و غيره، و فتاواه و أقواله في الأحكام الفقهيّة متعوّلة محكيّة.

فشيخنا الفريد الشهيد في شرح الإرشاد في باب المياه ذكر مذهب الشيخ أبي علي الحسن بن أبي عقيل العمّاني، ثمّ قال: و نقله السيّد الشريف أبو علي الجعفري عن أبي عبد اللّه الحسين الغضائري، و نقله الشيخ عميد الدين

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 298

طاب ثراه في الدرس عن مفيد الدين محمّد بن جهم من أصحابنا الحلبيّين المتأخّرين.

و العلّامة في الخلاصة قال: إنّه شيخ الطائفة، سمع الشيخ الطوسي منه و أجازه له جميع رواياته، و كذا أجاز للنجاشي، بل إنّ صاحب كتاب الرجال الدائر علي الألسنة الشائع نقل التضعيف أو التوثيق عنه، هو سليل هذا الشيخ المعظّم، أعني: أبا الحسين أحمد بن الحسين بن عبيد اللّه بن

إبراهيم الغضائري.

و كان شريك شيخنا النجاشي في القراءة علي أبيه أبي عبد اللّه الحسين بن عبيد اللّه، علي ما ذكره النجاشي في ترجمة أحمد بن الحسين بن عمر بن يزيد الصيقل.

حيث قال: أبو جعفر كوفي ثقة، جدّه عمر بن يزيد بيّاع السابري، روي عن أبي عبد اللّه و أبي الحسن عليهما السلام، له كتب لا يعرف منها إلّا النوادر، قرأته أنا و احمد بن الحسين رحمه اللّه علي أبيه عن أحمد بن محمد بن يحيي «1».

و يعلم من قوله هذا أنّ شريكه أحمد بن الحسين بن الغضائري، قد توفّي قبله. و السيّد المعظّم المكرّم جمال الدين أحمد بن طاوس قال في كتابه في الجمع بين كتب الرجال و الاستطراف منها: و ذكر بعض المتأخّرين أنّه رأي بخطّه عند نقله عن ابن الغضائري ما هذه عبارته: من كتاب أبي الحسين أحمد بن الحسين بن عبيد اللّه الغضائري، المقصور علي ذكر الضعفاء، المرتّب علي حروف المعجم.

ثمّ في آخر ما استطرفه من كتابه قال أقول: أنّ أحمد بن الحسين علي ما يظهر لي هو ابن الحسين بن عبيد اللّه الغضائري رحمهما اللّه، فهذا الكتاب المعروف لأبي الحسين أحمد، و أمّا أبوه الحسين أبو عبد اللّه شيخ الطائفة، فتلميذاه النجاشي و الشيخ ذكرا كتبه و تصانيفه، و لم ينسبا إليه كتابا في الرجال، و إنّما

______________________________

(1) رجال النجاشي ص 83.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 299

كلامهما و كلام غير هما أنّه كثير السماع عارف بالرجال.

و بالجملة لم يبلغني إلي الآن عن أحد من الاصحاب أنّ له في الرجال كتابا.

ثمّ إنّ أحمد بن الحسين بن الغضائري صاحب كتاب الرجال هذا مع أنّه في الأكثر مسارع إلي التضعيف بأدني سبب، قال في محمّد بن

أورمه: اتّهمه القميّون بالغلوّ و حديثه نقيّ لا فساد فيه، و لم أر شيئا ينسب إليه يضطرب في النفس، إلّا أوراقا في تفسير الباطن، و أظنّها موضوعة عليه، و رأيت كتابا خرج عن أبي الحسن عليه السلام إلي القمّيين في براءته ممّا قذف به «1».

فإذن حيث أنّ الشيخ و النجاشي لم يشهدا علي محمّد بن اورمة بالغلوّ، بل إنّما ذكرا أنّه رمي به، و ابن الغضائري قد شهد له بالبراءة عمّا رمي به، و أسند ذلك إلي الامام عليه السلام، فالوجه عندي قبول روايته لا التوقّف فيها، كما ذهب إليه العلّامة في الخلاصة.

و كذلك النوفلي الذي يروي عن السكوني، و اسمه الحسين بن يزيد بن محمّد بن عبد الملك النوفلي النخعي، مولاهم الكوفي أبو عبد اللّه، فإنّه ليس بضعيف اتّفاقا.

قد ذكره الشيخ في الفهرست، و قال: له كتاب عن السكوني، أخبرنا به عدّة من أصحابنا عن أبي المفضّل، عن ابن بطّة، عن أحمد بن أبي عبد اللّه عنه «2».

و ذكره أيضا في كتاب الرجال في أصحاب أبي الحسن الرضا عليه السلام «3» من غير إيراد طعن و غمز فيه أصلا.

______________________________

(1) رجال العلامة ص 253.

(2) الفهرست ص 59.

(3) رجال الشيخ ص 373.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 300

و قال الكشي: رمي بالغلو من غير أن يشهد أو يحكم بذلك.

و النجاشي قال: كان شاعرا أديبا، و سكن الري و مات بها، و قال قوم من القمّيين: إنّه غلي في آخره، و اللّه أعلم.

ثمّ قال: و ما رأينا له رواية تدلّ علي هذا، له كتاب التقيّة، أخبرنا به ابن شاذان، عن أحمد بن محمّد بن يحيي، قال: حدّثنا عبد اللّه بن جعفر الحميري، قال: حدّثنا إبراهيم بن هاشم، عن الحسين

بن يزيد النوفلي به، و له كتاب السنة «1». و ابن الغضائري أيضا لم يطعن عليه أصلا.

و بالجملة إنّما النوفلي المجروح بالضعف الحسن بن محمّد بن سهل النوفلي، ذكره النجاشي، و قال: ضعيف لكن له كتاب حسن كثير الفوائد جمعه، و قال: ذكر مجالس الرضا عليه السلام مع أهل الأديان «2».

و أمّا النوفلي هذا صاحب الرواية عن السكوني، فلم يقدح فيه أحد من أئمّة الرجال، و ما ينقل عن بعض القمّيين ممّا لا يوجب مغمزا فيه، كما في كثير من الثقات الفقهاء الأثبات، كيونس بن عبد الرحمن و غيره.

و المحقّق نجم الدين سعيد أبو القاسم مع تبالغه في الطعن في الأسانيد بالضعف قد تمسّك في المعتبر و غيره من كتبه و رسائله و مسائله في كثير من الأحكام بروايات السكوني و عمل بها، و النوفلي هذا في الطريق.

و كذلك الشيخ و غيره من عظماء الأصحاب قد عملوا بها، و اعتمدوا عليها، و جعلوها من الموثّقات، فإذن هذا الرجل مقبول الرواية و إن لم يكن حديثه معدودا من الصحاح.

و قول العلّامة في الخلاصة عندي توقّف في روايته بمجرّد ما نقل عن

______________________________

(1) رجال النجاشي ص 38.

(2) رجال النجاشي ص 37.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 301

القمّيين، و عدم الظفر بتعديل الأصحاب له، خارج عن مسلك الصحّة و الاستقامة.

و كذلك علي بن محمّد بن شيرة القاساني بالسين المهملة أبو الحسن، قال النجاشي: كان فقيها، مكثرا من الحديث، فاضلا، غمز عليه أحمد بن محمّد بن عيسي، و ذكر أنّه سمع منه مذاهب منكرة، و ليس في كتبه ما يدلّ علي ذلك «1».

و الحقّ أنّ مجرّد غمز أحمد بن محمّد بن عيسي عليه مع شهادة النجاشي و غيره من عظماء المشيخة له

بالفقه و الفضل و عدم استناد ذلك الغمز إلي دليل يدل عليه في كتبه و أقواله، ممّا لا يوجب القدح فيه، و الحديث من جهته يكون في عداد الحسان.

و أمّا علي بن شيرة القاشاني بالشين المعجمة، فثقة و الحديث من جهته صحيح بلا كلام، و من يتوقّف في ذلك فمن التباس الأمر عليه «2». إلي هنا كلامه رفع مقامه.

و لا وجه لتخصيصه العلّامة في الخلاصة، و ابن داود في كتابه بالنقل عنه، و البناء في الجرح و التعديل علي قوله، إذ قد عرفت ممّا نقلناه أنّ الشيخين الطوسي و النجاشي و غيرهما قد أكثروا النقل عنه، و بنوا الجرح و التعديل في الأكثر علي قوله؛ لانّه كان شيخ الشيخ و النجاشي، كما أشرنا اليه، و صرّح به الفاضل القهبائي، و هو رحمه اللّه كان أقدم منهما؛ لأنّه ممّن لقي الصدوق و أخذ منه دونهما، كما سبق الإيماء إليه.

و أمّا النجاشي، فكما سمع معه من أبيه، كما يدلّ عليه قوله «قرأته أنا و أحمد بن الحسين رحمه اللّه علي أبيه» كذلك سمع منه أيضا، كما يدلّ عليه قوله

______________________________

(1) رجال النجاشي ص 255.

(2) الرواشح السماوية ص 111- 115.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 302

«كنّا نجتمع معه عند أحمد بن الحسين، رحمهما اللّه.

فكان أحمد في وقت شريكه، و في وقت آخر شيخه، و لا منع جمع بينهما، كما هو المعاين في زماننا هذا، فإنّ كثيرا ما يكون بعض الطلبة شريكا لآخر، ثمّ بعد برهة من الزمان يتلمّذ عنده، لكونه أكثر منه سماعا و علما و فهما و تحقيقا و فحصا و تدقيقا إلي غير ذلك، و ذلك فضل اللّه يؤتيه من يشاء.

و السيّد السند الداماد قدّس لطيفه و أجزل تشريفه،

لمّا وقف علي شراكته له في القراءة دون تلمّذه عنده و سماعه منه، اقتصر علي الاوّل.

و أنت بعد احاطتك بما تلوته عليك تكون علي بصيرة من حاله، و خبرة من حسن مآله، و تعلم منه أن لا يؤثّر فيه قدح من جهل حاله و لم يعرف شخصه و جلالته.

أ لا تري إلي قول النجاشي: قرأته أنا و أحمد بن الحسين رحمه اللّه علي أبيه، حيث أنّه عظّمه بذكره مقرونا بالرحمة دون أبيه، و أبوه من أعاظم فقهاء الأصحاب و علمائهم، و فتاواه و أقواله في الأحكام الفقهيّة متقبّلة متعوّلة.

فمنه و من نظائره يظهر بأدني تأمّل غاية الظهور جلالة قدر الرجل و كمال اعتباره عندهم في قوله و نقله و جرحه و تعديله، و هذا ظاهر لا يخفي إلّا علي من جهل حاله، و لم يعرف شخصه و كماله.

زاهد ظاهرپرست از حال ما آگاه نيست در حقّ ما هرچه گويد جاي هيچ اكراه نيست

و ليس غرضي من هذا الكلام القدح في ذلك العلّام، كلّا و حاشا ثمّ حاشا، بل الغرض منه أن لا يعتمد علي قوله؛ لأنّه مع كونه مخالفا مخالفا للأمر نفسه

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 303

منشأ مفاسد عظيمة دينيّة.

و ذلك لأنّ عدم الاعتماد علي قول الشيخ ابن الغضائري في جرحه و تعديله يستلزم تغييرا في أسانيد كثير من الروايات، و منه يسري إلي كثير من الحكومات و المعاملات، و كذلك العقودات و العبادات.

و للفاضل التقي المتّقي المجلسي قدّس رمسه في هذه الأعصار و الأمصار رجال يقلّدونه و يقبلون قوله، كأنّه وحي منزل علي نبيّ مرسل، فوجب التنبيه علي ذلك ليهلك من هلك عن بيّنة و يحيي من حيّ عن بيّنة.

و بالجملة ممّا حرّرناه و قرّرناه

ظهرت كمال الظهور جلالة الرجل عند الأصحاب، و اعتباره لدي اولي الألباب في نفسه و قوله و جرحه و تعديله، و لا يقدح فيه كونه مجهولا عند بعض الناس، لقصوره في التتبّع و التصفّح و التفتيش عن معرفة حاله و مقدار كماله و جلاله، و هو ظاهر، فخذ ما آتيناك بيد غير قصيرة و كن من الشاكرين، و لا تكن من الغافلين.

ثمّ اعلم أنّ الشيخ رحمه اللّه روي في صدر كتاب اختيار الرجال من كتاب الكشي، عن حمدويه بن نصير الكشي، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن محمّد بن سنان، عن حذيفة بن منصور.

و السند صحيح علي ما تقرّر عندنا و فصّلناه سالفا، و ضعيف علي المشهور، فكيف يستدلّون به علي إثبات مرامهم. و هذا المضمون و إن ورد في خبر آخر، إلّا أنّه روي مرسلا عن أبي عبد اللّه الصادق عليه السلام قال: اعرفوا منازل الرجال منّا.

و في الخبر المشار إليه: منازل الناس منّا علي قدر رواياتهم عنّا «1».

و ظاهره يفيد أنّ كلّما كانت رواياتهم عنهم أكثر، كانت منازلهم و درجاتهم

______________________________

(1) اختيار معرفة الرجال 1/ 5.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 304

عندهم أقرب، و لعلّه لذلك ذكره الشيخ في فضل الرواة و جملة الأحاديث.

و حمل قدر الرواية علي كونها عالية صعبة غامضة، لا تصل إليها عقول أكثر الناس ليلزم منه قدر راويها، كما حمله عليه المجلسي رحمه اللّه كأنّه بعيد سمج جدّا.

علي أنّ جابرا لم يكن من الواصلين إلي كنه الأخبار الغامضة العالية المضامين، كما يشير إليه قول أبي جعفر عليه السلام: يا جابر حديثنا صعب مستصعب أمرد ذكوان وعر أجرد، لا يحتمله و اللّه إلّا نبيّ مرسل، أو ملك مقرّب، أو مؤمن ممتحن،

فإذا ورد عليك يا جابر شي ء من أمرنا فلان له قلبك فأحمد اللّه، و ان أنكرته فردّ الينا أهل البيت، و لا تقل كيف جاء هذا؟ و كيف كان؟ و كيف هو؟

فإنّ هذا هو الشرك باللّه العظيم «1».

نعم يدلّ علي جلالة قدر جابر و كونه من أصحاب الأسرار ما رواه محمّد بن عيسي، عن عبد اللّه بن جبلة الكناني، عن ذريح المحاربي، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام بالمدينة ما تقول في أحاديث جابر؟ قال: تلقّاني بمكّة، فلقيته بمكّة قال: تلقّاني بمني، فلقيته بمني، فقال لي: ما تصنع بأحاديث جابر، أله عن أحاديث جابر، فإنّها إذا وقعت إلي السفلة اذاعوها «2».

و أمّا قوله قدس سرّه: ثقة الاسلام، و علي بن إبراهيم، و محمّد بن الحسن الصفّار، و سعد بن عبد اللّه و أضرابهم، ينقلون أخبار المجروحين و يعتمدون عليها.

فأقول: نقلهم أخبارهم مسلّم، و لكن اعتمادهم عليهم ممنوع، فإنّهم كثيرا ما ينقلون أخبار الضعفاء لا لاعتمادهم عليهم، بل لأنّها ثابتة عندهم في اصول معتمدة مشهورة، فلا يضرّهم ضعف الوسائط لذلك، و إنّما يذكرونهم من باب

______________________________

(1) اختيار معرفة الرجال 2/ 439، برقم: 341.

(2) اختيار معرفة الرجال 2/ 671، برقم: 699.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 305

التيمّن و التبرّك و اتّصال السند.

و أمّا المتأخّرون عنهم، فلا حالهم كحالهم، فلا بدّ لهم من تصحيح ما يصحّ و ردّ ما يرد، و لذلك وضعوا كتبا و عملوا فهارس ميّزوا فيها الممدوحين من المقدوحين، و قسّموا الأخبار إلي أقسام مشهورة: صحيح، و ضعيف، و قويّ، و حسن، و موثّق، و غيرها من الأقسام المذكورة في الدرايات.

و الحمد للّه علي البدايات و النهايات، و الصلاة علي رسوله و آله أكمل الصلوات، و أتمّ

التحيّات ما سكنت الأرضون و تحرّكت السماوات.

قال السيّد السند الداماد قدّس لطيفه و أجزل تشريفه في الراشحة العاشرة من الرواشح: قول الجارح و المعدّل من الأصحاب بالجرح و التعديل إذا كان من باب النقل و الشهادة، كان حجّة شرعيّة عند المجتهد.

و إذا كان من سبيل الاجتهاد، فلا يجوز للمجتهد التعويل عليه، و إلّا رجع الأمر إلي التقليد، بل يجب عليه أن يجتهد في ذلك، و يستحصله من طرقه، و يأخذه من مأخذه.

و ما عليه الاعتماد في هذا الباب ممّا بين أيدينا من كتب الرجال: كتاب أبي عمرو الكشي، و كتاب الصدوق أبي جعفر بن بابويه، و كتاب الرجال للشيخ، و الفهرست له، و كتاب أبي العبّاس النجاشي، و كتاب سيّد جمال الدين أحمد بن طاوس.

و أمّا كتاب الخلاصة للعلّامة، فما فيه علي سبيل الاستنباط و الترجيح ممّا رجّحه برأيه و انساق إليه اجتهاده، فليس لمجتهد آخر أن يحتجّ به، و يتّكل عليه، و يتّخذه مأخذا و مدركا. و ما فيه علي سنة الشهادة و سنن النقل، فلا ريب أنّه في حاق السبيل و عليه التعويل.

و كذلك يعتمد في الردّ و القبول علي ما في كتاب الحسن بن داود من النقل

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 306

و الشهادة ما لم يستبن خلافه، أو التباس الأمر عليه، و ما لم يعارضه فيما شهد به معارض.

فأمّا ابن الغضائري، فمسارع إلي الجرح حردا، مبادر إلي التضعيف شططا «1».

أقول: هذا من السيّد الداماد قدح عظيم في ابن الغضائري، فإنّه يفيد أنّه كان في جرحه و تضعيفه بعيدا عن الحقّ، مفرطا في الظلم، فكان يجرح سليما، و يقدح في بري ء من غير تثبّت منه في حاله و تبيّن في مقاله، و مقتضي هذا

الظنّ عدم قبول شهادته مطلقا، فكيف قبلها في محمّد بن أورمة؟ و براءته ممّا قذف به، كما سبق في المسألة السابقة.

إلّا أن يقال: إنّه كان جريئا في الجرح، مفرطا فيه بأدني سبب من غير مبالاة منه، فإذا لم يجرح يظهر منه أنّه بري ء من أسبابه.

و الحقّ أنّه لم يكن علي ما وصفه به السيّد من المسارعة، و المبادرة في الجرح و التضعيف، بل كان ثقة ثبتا مأمونا، يقول ما يقول بعد تثبّت و تأمّل و تدقيق و تحقيق، كما يظهر بملاحظة كثير من كلماته المنقولة عنه.

منها: ما نقله السيّد فيما سبق في ترجمة ابن أورمة، فإنّه لم يجرحه مع اجتماع أسبابه؛ لأنّه كان مغموزا عليه مرميّا بالغلوّ، منسوبا إليه كتاب في تفسير الباطن مختلط، و في رواياته تخليط، كما قاله الشيخ في الفهرست.

و نقل عن ابن بابويه أنّه مطعون عليه بالغلوّ، فكل ما كان في كتبه ممّا يوجد في كتب الحسين بن سعيد و غيره، فانّه يعتمد عليه و يفتي به، و كلّ ما تفرّد به لم يجز العمل عليه و لا يعتمد «2». و علي منواله نسج الشيخ النجاشي «3».

______________________________

(1) الرواشح السماوية ص 58- 59.

(2) الفهرست: 143.

(3) رجال النجاشي: 329.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 307

فلو كان ابن الغضائري مسارعا إلي الجرح بأدني سبب كما ظنّه السيّد، لقدح فيه مع تلك الأسباب الجامعة، و لكنّه لمّا كان متثبّتا متأمّلا في ذلك، نظر في كتبه و رواياته كلّها، و تأمّلها فيها تأمّلا وافيا صافيا، فوجدها نقيّة لا فساد فيها، إلّا ما كان في أوراق من التخليط، فحمله علي أنّه موضوع عليه ما يليق بحديثه، و لا يشاكله، فصرّح ببراءته عمّا قذف به، و لم يفعله غيره من

مهرة الفنّ.

فهذا و ما شابهه يدلّان علي غاية احتياطه في الجرح و التضعيف، و لذلك اعتمد علي جرحه كلّ من جاء بعده، كالشيخين الطوسي و النجاشي و العلّامة و ابن داود و أضرابهم، و نقلوه عنه في كتبهم المصنّفة في هذا الشأن، و لم يرده أحد منهم، كما يظهر للممارس كتبهم.

و السيّد لمّا كان في الأكثر مسارعا إلي التعديل، مبادرا إلي التوثيق من غير اكتراث و مبالاة، و لذلك وثّق السكوني و النوفلي و من يشاكلهما من العامّة، و كان ابن الغضائري ضعّف اكثر من وثّقه، نسب إليه ما نسب و هو بري ء منه.

و من الغريب أنّه في كلامه السابق قد جوّز أن يعتمد في الردّ و القبول علي ما في كتاب ابن داود، و قد صرّح في صدر الراشحة الخامسة و الثلاثين بأنّه ينقل في كتابه عن كتابه، و يبني في الجرح و التعديل علي قوله، إلّا أن يقال: إنّه أخرجه بقوله ما لم يعارضه فيما شهد به معارض، فتأمّل.

و ممّا قرّرناه ظهر أنّ توقّف العلّامة في الخلاصة في روايات ابن اورمة في موقفه، لتعارض الأقوال فيه، فإنّ قول ابن الغضائري معارض بقول الشيخ «و في رواياته تخليط» و بقول ابن بابويه «كلّما تفرّد به لم يجز العمل عليه و لا يعتمد» و بما نسب إليه من كلام في تفسير الباطن مختلط، و لم يثبت كونه موضوعا عليه.

و محض الاحتمال لا يكفي، بل مقتضي ذلك عدم قبول رواياته من غير

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 308

توقّف فيه، لا قبول رواياته من غير توقّف فيه، كما فعله السيّد الداماد فيما سبق، و لكن لمّا كان العلّامة واثقا بقول ابن الغضائري غاية الوثوق، كما ظهر من تضاعيف البحث

في المسائل السالفة، جعله معارضا لقول هؤلاء القوم كلّهم فتوقّف فيه.

[هل الجرح و التعديل من باب الخبر أو الشهادة؟]

ثمّ أقول: قد علم فيما سبق أنّ أصحابنا اختلفوا في أنّ الجرح و التعديل هل هو من باب الخبر، أو هو من باب الشهادة. فان كان الأوّل، و قلنا بأنّ الخبر الواحد الصحيح في نفسه حجّة، كما هو مذهب أكثر المتأخّرين، و دلّ عليه بعض الأخبار «1»، فالظاهر أنّ العدل الواحد الإمامي كاف في الجرح و التعديل، و يكون قوله حجّة شرعيّة عند المجتهد، و يجوز له التعويل علي قوله.

و إن كان الثاني، فيحتاج فيهما إلي الاثنين، كما في الجرح و التعديل في الشهادات.

و أمّا أنّهما من باب الاجتهاد، و لا يجوز له الاعتماد عليه، بل يجب أن يجتهد فيه، فلم أره في كلامه. نعم قال بعضهم: إنّ الحكم بالتوثيق من باب الشهادة علي ما يفهم من الكتب المصنّفة في الرجال.

و أمّا الحكم بصحّة الرواية، فمن باب الاجتهاد، لأنّه مبنيّ علي تميز المشتركات، و إليه أشار السيّد السند الداماد في الراشحة الحادية عشرة بقوله:

هل حكم العالم المزكّي- كالعلّامة أو المحقّق أو شيخنا الشهيد في كتبهم الاستدلاليّة- بصحّة حديث مثلا في قوّة التزكية و التعديل لكلّ من رواته علي

______________________________

(1) منه موثقة عمر بن حنظلة قال قلت لابي عبد اللّه عليه السلام: القنوت يوم الجمعة، فقال: أنت رسولي اليهم في هذا، اذا صليتم في جماعة ففي الركعة الاولي، و اذا صليتم وحدانا ففي الثانية «منه».

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 309

التنصيص و التعيين، و في حكم الشهادة الصحيح التعويل عليها في باب أيّ منهم بخصوصه أم لا؟ وجهان.

و أولي بالعدم علي الأقوي. و كذلك في التحسين و التوثيق و التضعيف، إذ يمكن أن يكون ذلك بناء علي ما

ترجّح عندهم في أمر كلّ من الرواة من سبيل الاجتهاد، فلا يكون حكمهم حجّة علي مجتهد آخر.

نعم إذا كان بعض الرواة غير مذكور في كتب الرجال، أو مذكورا غير معلوم حاله و لا هو بمختلف في أمره، لم يكن علي البعد من الحقّ أن يعتبر ذلك الحكم من تلقائهم شهادة معتبرة في حقّه «1» انتهي.

أقول: و ذلك مثل سليمان بن مهران أبو محمّد الأسدي مولاهم الأعمش الكوفي، من أصحاب الصادق عليه السلام، فإنه علي ما ذكره الشهيد الثاني فيما كتب علي الخلاصة غير مذكور في كتب الرجال، و هو ثقة جليل القدر، كما ذكره قدّس سرّه هنا و في دراية الحديث أيضا.

حيث قال: إنّ أصحابنا المصنّفين في الرجال تركوا ذكره، و لقد كان حريّا به لاستقامته و فضله، و قد ذكره العامّة في كتبهم و أثنوا عليه، مع اعترافهم بتشيّعه.

و فيه انّ ابن داود قد ذكره في كتابه، و الظاهر أنّه نقله عن كتاب رجال الشيخ رحمه اللّه، فانّه مذكور فيه أيضا، علي ما ذكره السيّد السند الداماد في الراشحة الثانية و العشرين.

حيث قال: الأعمش الكوفي المشهور، ذكره الشيخ في كتاب الرجال في أصحاب الصادق عليه السلام، و هو أبو محمّد سليمان بن مهران الأزدي مولاهم، معروف بالفضل و الثقة و الجلالة و التشيّع و الاستقامة، و العامّة أيضا مثنون عليه مطبقون علي فضله و ثقته مقرون بجلالته، مع اعترافهم بتشيّعه.

______________________________

(1) الرواشح السماوية ص 59.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 310

و من العجب أنّ أكثر أرباب الرجال قد تطابقوا علي الإغفال عن أمره، و لقد كان حريّا بالذكر و الثناء عليه، لاستقامته و ثقته و فضله و الاتّفاق علي علوّ قدره و عظم منزلته، له ألف و

ثلاثمائة حديث، مات سنة ثمانون و أربعين و مائة عن ثمان و ثمانين «1». إلي هنا كلامه.

و المشهور أنّ الأعمش هذا كان استاذ أبي حنيفة، قيل: قال له أبو حنيفة:

أيّ شي ء أعطاك اللّه في عوض العين؟ فقال علي الفور في جوابه: عدم رؤيتك.

و في الطرائف: روي ابن الغضائري في كتاب المناقب عن شريك، قال:

لمّا مرض الأعمش مرضه الذي مات فيه، دخل عليه ابن شبرمة و ابن أبي ليلي و أبو حنيفة، فقالوا: يا أبا محمّد هذا آخر يوم من أيّام الدنيا، و أوّل يوم من إيّام الآخرة، و قد كنت تحدّث عن علي عليه السلام بأحاديث كان السلطان يعترضك، و فيها تعيير بني اميّة، و لو كنت أقصرت لكان الرأي.

فقال لي: إليّ يقولون هذا أسندوني، فسنّدوه، فقال: حدّثني أبو المتوكّل الناجي، عن أبي سعيد الخدري، قال قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: إذا كان يوم القيامة، قال اللّه تعالي لي و لعليّ: أدخلا الجنّة من أحبّكما، و أدخلا النار من أبغضكما، فيجلس علي شفير جهنّم، فيقول: هذا لي و هذا لك «2».

[الكتب الرجالية المتداولة]

و اعلم أنّ المشهور المتداول من الكتب المصنّفة في هذا الفنّ في زماننا هذا هو الاصول الخمسة الشريفة:

______________________________

(1) الرواشح السماوية ص 78- 79.

(2) الطّرائف ص 82.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 311

كتاب اختيار الرجال، من كتاب الشيخ المقدّم أبي عمرو محمّد بن عمر بن عبد العزيز الكشي، للشيخ الجليل الطوسي المشهور بالكشي لانتخابه إيّاه منه.

و كتاب الشيخ الفاضل المقدّم أحمد بن الحسين بن عبيد اللّه بن الغضائري.

و كتابي الشيخ الطوسي المشهورين بالرجال و الفهرست.

و كتاب الشيخ الإمام التمام أحمد بن علي بن أحمد بن العبّاس المشهور بالنجاشي قدّس اللّه أرواحهم.

و أمّا غيرها من

الكتب المؤلّفة في هذا الشأن، ككتب الثلاثة «1» للفاضل الاسترآبادي، و كتاب السيّد المصطفي التفرشي «2» و ما شابههما، فمأخوذة من الكتب المذكورة، و قد تصرّف في بعض مواضعهما صاحب الكتاب بما لا حجّة فيه للمجتهد، فسبيلها سبيل الخلاصة للعلّامة، بل هي أدون منها.

و أمّا كتاب ابن داود في الرجال، فقد سبق في تضاعيف البحث أنّه غير صالح للاعتماد عليه، كما أشار إليه جمع من المتأخّرين، و اللّه يعلم.

47- فائدة [عبد العظيم الحسنيّ]

عبد العظيم بن عبد اللّه بن علي بن الحسين بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام من أصحاب الجواد و الهادي عليهما السلام له كتاب.

______________________________

(1) و هي: منهج المقال في معرفة الرجال و هو الرجال الكبير، و تلخيص المقال و هو الوسط، و الوجيز و هو الصغير.

(2) و هو نقد الرجال.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 312

و قال ابن بابويه رحمة اللّه عليه: حدّثني علي بن أحمد، عن حمزة بن القاسم العلوي رحمه اللّه، عن محمّد بن يحيي العطّار، عمّن دخل علي أبي الحسن الهادي عليه السلام من أهل الري، قال فقال: أين كنت؟ قلت: زرت الحسين بن علي عليهما السلام، قال: أمّا أنّك لو زرت قبر عبد العظيم عندكم كنت كمن زار قبر الحسين عليه السلام «1».

و قال في مشيخة الفقيه، و كذا في آخر باب الصوم من يوم الشك منه أنّه كان مرضيّا «2».

و قال الشيخ في التهذيب في باب الصوم من يوم الشك هكذا: هذا حديث غريب لا أعرفه إلّا من طريق عبد العظيم بن عبد اللّه الحسني المدفون بالري في مقابر الشجرة، و كان مرضيّا رضي اللّه عنه. و الظاهر أنّه أخذ ذلك من الصدوق «3».

و قال النجاشي: عبد العظيم

بن عبد اللّه أبو القاسم، له كتاب خطب أمير المؤمنين عليه السلام، قال أبو عبد اللّه الحسين بن عبيد اللّه، قال: حدّثنا جعفر بن محمّد أبو القاسم، قال: حدّثنا علي بن الحسين السعدآبادي، قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن خالد البرقي.

قال: كان عبد العظيم ورد الريّ هاربا من السلطان، و سكن سربا في دار رجل من الشيعة في سكّة الموالي، و كان يعبد اللّه في ذلك السرب، و يصوم نهاره، و يقوم ليله، و كان يخرج مستترا فيزور القبر المقابل قبره و بينهما الطريق، و يقول:

هو رجل من ولد موسي بن جعفر عليهما السلام.

______________________________

(1) ثواب الاعمال ص 124.

(2) من لا يحضره الفقيه 2/ 128 و 4/ 468.

(3) الفقيه 2/ 128.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 313

فلم يزل يأوي إلي ذلك السرب و يقع خبره إلي الواحد بعد الواحد من شيعة آل محمّد عليه و عليهم السلام حتّي عرفه أكثرهم.

فرأي رجل من الشيعة في المنام رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله قال له: إنّ رجلا من ولدي يحمل من سكّة الموالي، و يدفن عند شجرة التفّاح في باغ عبد الجبّار بن عبد الوهّاب، و أشار إلي المكان الذي دفن فيه، فذهب الرجل ليشتري الشجرة و مكانها من صاحبها، فقال له: لأيّ شي ء تطلب الشجرة و مكانها، فأخبره بالرؤيا، فذكر صاحب الشجرة أنّه كان رأي مثل هذه الرؤيا، و انّه قد جعل موضع الشجرة مع جميع الباغ وقفا علي الشريف و الشيعة يدفنون فيه.

فمرض عبد العظيم و مات رحمه اللّه، فلما جرّد ليغسل وجد في جيبه رقعة فيها ذكر نسبه «1».

قال السيّد الداماد في الراشحة الخامسة: من الذائع الشائع أنّ طريق الرواية من جهة أبي القاسم عبد العظيم

بن عبد اللّه الحسني المدفون بمشهد الشجرة بالري رضي اللّه عنه و أرضاه من الحسن؛ لأنّه ممدوح غير منصوص علي توثيقه.

و عندي أنّ الناقد البصير و المتبصّر الخبير يستهجنان ذلك و يستقبحانه، و لو لم يكن إلّا حديث عرض الدين و ما فيه حقيقة المعرفة، و قول سيّدنا الهادي أبي الحسن عليه السلام له يا أبا القاسم أنت وليّنا حقّا، مع ماله من النسب الطاهر و الشرف الباهر لكفاه، اذ ليس سلالة النبوّة و الطهارة كأحد من الناس إذا ما آمن و اتّقي، و كان عند آبائه الطاهرين مرضيّا مشكورا.

فكيف و هو صاحب الحكاية المعروفة التي قد أوردها النجاشي في ترجمته،

______________________________

(1) رجال النجاشي ص 247- 248.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 314

و هي ناطقة بجلالة قدره و علوّ درجته، و في فضل زيارته روايات متظافرة، فقد ورد من زار قبره وجبت له الجنّة.

و روي الصدوق أبو جعفر بن بابويه في ثواب الاعمال مسندا، فقال:

حدّثني علي بن أحمد، قال: حدّثني حمزة بن قاسم العلوي رحمه اللّه، قال: حدّثنا محمّد بن يحيي العطّار عمّن دخل، و نقل الحديث كما سبق «1».

ثمّ قال: و لأبي جعفر بن بابويه كتاب أخبار عبد العظيم بن عبد اللّه الحسني، ذكره النجاشي في عدّ كتبه.

و بالجملة قول ابن بابويه و النجاشي و غيرهما فيه كان عابدا ورعا مرضيّا، يكفي في استصحاح حديثه فضلا عمّا أوردناه، فإذن الأصحّ الأرجح و الأصوب الأقوم أن يعدّ الطريق من جهته صحيحا، و في الدرجة العليا من الصحّة، و اللّه سبحانه أعلم «2».

أقول: لناصر أن ينصر ما ذاع و شاع فيهم، من كون طريق الرواية من جهته حسنا لا صحيحا، و يذبّ عنه ما استهجنه السيّد و استقبحه منهم،

بأن يقول: ما حكاه النجاشي بين مجهول و ضعيف، لاشتمال سنده علي علي بن الحسين السعدآبادي من مشايخ الكليني و هو مهمل، و أحمد بن محمد بن خالد البرقي و هو ضعيف، كما مرّ غير مرّة.

علي أنّ الرجل الرائي في المنام مجهول حاله، لا يعلم أنّه كان صادقا في منامه و نقله ما نقله عن صاحب الشجرة، أم هو كاذب فيه، فهو علي تقدير دلالته علي جلالته و علوّ درجته بمعزل من الاعتبار.

و ليس فيما عندنا من النجاشي أنّه كان عابدا ورعا مرضيّا، و لعلّه قدّس

______________________________

(1) ثواب الاعمال ص 124.

(2) الرواشح السماوية ص 50- 51.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 315

سرّه استفاد ممّا نقله النجاشي عن أحمد بن محمّد فيما سبق من قوله «و كان يعبد اللّه في ذلك السرب» إلي آخره. و قد عرفت ما في سنده من الضعف و الجهالة، و إن كان السيّد كالأكثر غافلا عن ضعفه.

و علي تقدير صحّته و دلالة متنه علي كونه عابدا ورعا مرضيّا، فليس هذه من ألفاظ التوثيق و المدح.

علي ما ذكره السيّد السند في الراشحة الثانية عشرة بقوله: ثقة، ثبت بالتحريك أي: حجّة، عدل، صدوق، عين، وجه، متقن، حافظ، ضابط، صحيح الحديث، نقي الحديث، يحتجّ بحديثه، ثمّ شيخ، جليل، مقدّم، صالح الحديث، مشكور، خيّر، فاضل، خاصّ، ممدوح، زاهد، عالم، صالح، قريب الأمر، لا بأس به، مسكون إلي روايته، و التثبّت الصحيح الحديث أقواها «1».

و كذا ما ذكره في كتاب ثواب الأعمال عن محمّد بن يحيي العطّار عمّن دخل علي الهادي عليه السلام، مجهول السند، فإنّ هذا الداخل الراوي عنه عليه السلام غير معلوم حاله، فلعلّه كان في حديثه هذا كاذبا. و كذا الكلام فيما ورد في فضل زيارته.

قال

الشهيد الثاني فيما علّق علي الخلاصة، عند قول العلّامة في ترجمة عبد العظيم هذا له كتاب خطب أمير المؤمنين عليه السلام كان عابدا ورعا له حكاية تدلّ علي حسن حاله، ذكرناها في كتابنا الكبير، قال: محمّد بن بابويه:

إنّه كان مرضيّا. انتهي:

عبد العظيم هذا هو عبد العظيم المدفون في مسجد الشجرة في الري،

______________________________

(1) الرواشح السماوية ص 60. و قال قدس سره: و ألفاظ الجرح و الذم: ضعيف، كذوب، وضاع، كذاب، غال، عامي، واه، لا شي ء، متهم، مجهول، مضطرب الحديث، منكر النية، متروك الحديث، مرتفع القول، مهمل، غير مسكون الي روايته، ليس بذلك، و أنصها علي التوهين الكذوب الوضاع «منه».

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 316

و قبره يزار قد نصّ علي زيارته الإمام علي بن موسي الرضا عليه السلام، قال:

من زار قبره وجبت له الجنّة، ذكر ذلك بعض النسّابين، إلي هنا كلامه. و فيه ما تري.

و أمّا قوله عليه السلام «أنت وليّنا حقّا» فعلي تقدير صحّته و ثبوت صدوره عنه عليه السلام، فإنّما يدلّ علي أنّه كان محبّا لأهل البيت عليهم السلام مخلصا لهم، و لم يكن كغيره من أكثر أفراد بني الحسن في مباغضتهم و مخالفتهم لهم عليهم السلام، علي ما يظهر من الأخبار المذكورة في الكافي، و هذا لا يدلّ علي ثقته و عدالته. و ظاهر أن حديث عرض الدين و ما فيه حقيقة المعرفة و اليقين لا يصحّح رواياته، و لا يدلّ علي تصحيحه و توثيقه.

و بالجملة لا يظهر من جملة ما أورده السيّد السند الداماد، و نقله عن الصدوق و النجاشي و غيرهما صحّة الطريق من جهته، فضلا عن أن يكون في الدرجة العليا من الصحّة.

بل غاية ما يستفاد من جملة ذلك حسن طريق الرواية

من جهته، كما هو الذائع الشائع بين الأصحاب لو سلّم له ذلك، و لذلك لم يصرّح أحد منهم فيما علمناه بتوثيقه و تصحيحه، بل قالوا: إنّه كان مرضيّا لإيمانه و ولايته.

و إنّما قالوا ذلك إذ ليست فيه رواية حسنة أو موثّقة فضلا عن صحّته، تدلّ علي مدحه فضلا عن ثقته و عدالته، و لم ينصّ أحد منهم علي تعديله و توثيقه.

فكيف يصحّ و الحال هذه أن يعدّ الطريق من جهته صحيحا؟ فضلا عن أن يكون في أعلي مراتب الصحّة، و هل هذا الّا مجرّد دعوي بلا دليل؟ أو مجرّد حسن ظنّ في غير محلّه، إذ لا تثبت بمجرّد كون سيّد من السادة مؤمنا مواليا ذا دين و معرفة ثقته و عدالته، و كون طريق الرواية من جهته في الدرجة العليا من الصحّة، و ذلك كلّه ظاهر لا سترة فيه.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 317

نعم لو كانت الحكاية و الروايات المذكورة بكلّها أو بعضها صحيحة السند، لأمكن القول بصحّة الطريق من جهته، و ليس فليس.

48- فائدة [إبراهيم بن عمر اليماني الصنعاني]

قال العلّامة في الخلاصة في ترجمة إبراهيم بن عمر اليماني الصنعاني: قال النجاشي رحمه اللّه: إنّه شيخ من أصحابنا ثقة، روي عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السلام، ذكر ذلك أبو العبّاس و غيره، و قال ابن الغضائري: إنّه ضعيف جدّا، روي عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السلام و له كتاب، و يكنّي أبا إسحاق. و الأرجح عندي قبول روايته، و إن حصل بعض الشكّ بالطعن فيه «1».

أقول: و فيه نظر؛ لأنّ الجمع بين قولي المعدّل و الجارح و هو الأولي، و مهما أمكن يقتضي تقديم تضعيفه علي توثيقه، لجواز اطّلاعه علي ما لا يطّلع هو عليه.

فإن

قلت: فلعلّه إنّما قدّم توثيقه، لأنّه كان أورع منه و أضبط و أكثر تفتيشا عن أحوال الرجال.

قلت: كلّ ذلك ممنوع، بل ندّعي في كلّ ذلك الفضل للجارح، مع أنّ أبا العبّاس مشترك و غيره غير معلوم.

فإن قلت: من عادة النجاشي أنّه بعد حكمه بالتوثيق من عنده يذكر كتب الرجل و من يروي هو عنه، فقوله «ذلك» إشارة إلي روايته عنهما عليهما السلام، لا إلي كونه من أصحابنا و توثيقه.

و الظاهر من أبي العبّاس أن يكون ابن نوح الذي شيخه و هو الموثّق لا

______________________________

(1) رجال العلامة ص 6.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 318

ابن عقدة، و تقديم الجرح إنّما يكون إذا كان الجارح مثل المعدّل.

قلت: العبارة ليست بصريحة في التوثيق من الموثّق، و قد سبق أنّا لا نسلّم عدم مساواتهما لو لم ندع الفضل للجارح، كما يعلم مع التتبّع، و قد سبقت الإشارة إليه في موضع من الكتاب.

و قال الشهيد الثاني فيما كتب علي الخلاصة أقول: في ترجيح تعديله نظر، أمّا أوّلا فلتعارض الجرح و التعديل، و الأوّل يرجّح، مع أنّ كلّا من الجارح و المعدّل لم يذكر مستند النظر في أمره.

و أمّا ثانيا، فلأنّ النجاشي نقل توثيقه عن أبي العبّاس و غيره، و المراد بأبي العبّاس هذا أحمد بن عقدة، و هو زيديّ المذهب لا يعتمد علي توثيقه، أو ابن نوح، و مع الاشتباه لا يفيد، و غيره مبهم لا يفيد فائدة يعتمد عليها.

و أمّا غير هذين من مصنّفي الرجال، كالشيخ الطوسي و غيره، فلم ينصّوا عليه بجرح و لا تعديل، نعم قبول المصنف روايته أعمّ من تعديله، كما يعلم من قاعدته، و مع ذلك لا دليل علي ما يوجبه، إلي هذا كلامه.

أقول: توثيق ابن عقدة لا

يعتمد عليه في جنب توهين ابن الغضائري، و إلّا فتوثيقه في نفسه إذا لم يعارض بأقوي منه يعتمد عليه إذا كان الموثّق إماميّا، اذ الفضل ما شهد به الأعداء، علي أنّ ملكة عدالته كافّة له أن يوثّقه من دون حصول الظنّ بثقته.

49- فائدة [محمد بن علي بن بلال]

قال الشيخ في كتاب الرجال: محمّد بن بلال من أصحاب أبي محمّد

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 319

العسكري عليه السلام ثقة «1».

و قال في كتاب الغيبة: من المذمومين أبو طاهر محمّد بن علي بن بلال «2».

قال العلّامة في الخلاصة: فنحن في روايته من المتوقّفين «3».

أقول: هذا التوقّف في غير موقفه. أمّا أوّلا، فلتعارض الجرح و التعديل من واحد في كتابين، لم يعلم أيّهما أقدم من الآخر، فبعد التعارض و التساقط تبقي سائر مرجّحات قبول روايته علي حالها فيرجّح.

و ذلك مثل ما ذكر في ترجمة محمّد بن إسماعيل بن بزيع، من أنّ محمّدا هذا يروي عن محمّد ذاك، و يظهر ممّا ذكر فيها اعتبار الرجل و اشتغاله بالأعمال الصالحة المرويّة المسموعة. و في ترجمة أحمد بن عبد اللّه الكرخي أنّ محمّدا هذا يروي كتبا كثيرة عن أحمد ذاك.

و في الفائدة الثانية و الثالثة من خاتمة كتاب مجمع الرجال «4» أنّ محمّدا هذا من السفراء الموجودين و الأبواب المعروفين للصاحب عليه السلام و من الوكلاء.

و كفاه بهذا شرفا و نبلا.

و أمّا ثانيا، فلأنّ الجرح مقدّم علي التعديل، إلّا أن يكون الترجيح بكثرة العدد و شدّة الورع و الضبط، و زيادة التفتيش عن أحوال الرواة، إلي غير ذلك من المرجّحات في جانبه، و في صورة وحدة الجارح و المعدّل هذه كلّها منتفية.

و علي هذا أيضا لا مجال للتوقّف في روايته، بل حينئذ يجب ردّها لكونه مذموما، و خاصّة

إذا علم أنّ تاريخ تذميمه مؤخّر عن تعديله.

______________________________

(1) الرجال ص 435.

(2) الغيبة ص 245.

(3) رجال العلامة ص 143.

(4) مجمع الرجال 7/ 189 و 191.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 320

و كذا لا مجال للتوقّف إذا علم أنّ تاريخ توثيقه مؤخّر عن تذميمه، فإنّ في هذه الصورة تعيّن قبول روايته من غير توقّف. و بالجملة هنا ثلاثة أحوال لا مجال للتوقّف في شي ء منها.

و أمّا ثالثا، فلأنّ الشيخ ذكره في أصحاب العسكري عليه السلام ثمّ وثّقه «1» من غير إيماء إلي غمز فيه.

و أمّا رابعا، فلقول ابن طاوس في ربيع الشيعة «2» من السفراء الموجودين في الغيبة الصغري و الأبواب المعروفين الذين لا تختلف الإمامية القائلون بإمامة الحسن بن علي عليهما السلام فيهم محمّد بن علي بن بلال «3».

فمجرّد ذمّ الشيخ إيّاه في أحد قوليه، و لم يذكر هنا مستند النظر فيه لا يعارض هذا كلّه حتّي يوجب توقّفا في روايته.

نعم نقل العلّامة في الخلاصة في الفائدة السادسة عن الشيخ الطوسي جماعة من المذمومين و عدّهم، إلي أن قال: و منهم أبو طاهر محمّد بن علي بن بلال، و قصّته معروفة فيما جري بينه و بين أبي جعفر محمّد بن عثمان العمري رضي اللّه عنه، و تمسّكه بالأموال التي كانت عنده للامام عليه السلام، و امتناعه من تسليمها، و ادّعائه أنّه الوكيل حتّي تبرّأت الجماعة منه و لعنوه، و خرج من الصاحب عليه السلام فيه ما هو معروف «4».

أقول: و هذا الذي ذكره ينافيه ما ذكره ابن طاوس في ربيع الشيعة من إجماع الإماميّة و عدم اختلافهم في أنّ محمّدا هذا كان من السفراء و الوكلاء المعروفين للصاحب عليه السلام.

______________________________

(1) رجال الشيخ: 435.

(2) و هو كتاب اعلام الوري

للشيخ الطبرسي قدس سره.

(3) اعلام الوري ص 425.

(4) رجال العلامة ص 274.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 321

و العجب من العلّامة أنّه اعتمد في الخلاصة علي رواية عبد اللّه بن بكير، و هو فاسد المذهب، و قد قال فيه الشيخ مثل ما قاله في محمّد بن بلال، وثّقه في الفهرست، و ضعّفه في كتابي الأخبار التهذيب و الاستبصار.

فإنّه صرّح فيهما في باب الطلاق بما يدلّ علي فسقه و كذبه، و انّه يقول برأيه، فكان المناسب بطريقته أن يكون هنا أيضا من المتوقّفين في روايته، لا من المعتمدين عليها.

فان قلت: فلعلّه إنّما اعتمد علي روايته لما نقل الكشي عن محمّد بن مسعود أنّ عبد اللّه هذا و جماعة من الفطحيّة هم فقهاء أصحابنا. و في موضع آخر:

أجمعت العصابة علي تصحيح ما يصحّ عنه و أقرّوا له بالفقه.

قلت: فكان ينبغي له أن يعتمد علي رواية البلالي أيضا لمثل ذلك، فإنّه علي ما رواه ابن طاوس كان من السفراء الموجودين و الأبواب المعروفين للصاحب عليه السلام. و كان من وكلائه، و قد وثّقه الكشي و عدّه من أصحاب العسكري عليه السلام، و هو إماميّ صحيح الاعتقاد و المذهب، بخلاف ابن بكير الفطحي المذهب.

و الظاهر أنّ العلّامة وقتئذ كان غافلا عمّا ذكره الشيخ في كتابي الأخبار من ذمّ عبد اللّه هذا، فلمّا وقع نظره علي ما في كتب الرجال من سكوت بعضهم كالنجاشي عن قدحه و مدحه، و تصريح بعضهم كالطوسي و الكشي بتوثيقه و مدحه، اعتمد علي روايته. و كان الظاهر علي ما قرّرناه أن يعكس الأمر، فيعتمد علي رواية البلالي، و يتوقّف علي رواية ابن بكير الفطحي.

و بالجملة عدد من وثّق البلالي و عدّ له أكثر من عدد من

وهّنه و ذمّه، إذ الكشي و ابن طاوس و الشيخ في أحد قوليه وثّقوه، و لم يجرحه، إلّا هو في قوله الآخر.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 322

ثمّ إنّ ظاهر ما نقل عنه العلّامة في الفائدة السادسة يفيد أنّه لم يكن وكيلا للصاحب عليه السلام، و صريح ما ذكره ابن طاوس في ربيع الشيعة، حيث قال:

قال الشيخ أبو جعفر قدّس اللّه روحه: حدّثنا محمّد بن محمّد الخزاعي، عن أبي علي الاسدي، عن أبيه محمّد بن أبي عبد اللّه الكوفي، أنه ذكر عدد من انتهي إليه ممّن وقف علي معجزات صاحب الزمان صلوات اللّه عليه و رآه من الوكلاء ببغداد: العمروي و ابنه و حاجز و البلالي، و عدّهم الي آخرهم «1».

يفيد أنه كان من وكلائه عليه السلام، و الروايتان منقولتان عنه قدّس اللّه روحه: إحداهما في الخلاصة، و الاخري في ربيع الشيعة، و لعلّ ذلك هو الباعث له لتوثيق البلالي مرّة، و تذميمه اخري.

50- فائدة [أبو خديجة سالم بن مكرم]

سالم بن مكرم أبو خديجة الجمّال، كنّاه أبو عبد اللّه عليه السلام أبا سلمة.

وثّقه النجاشي فقال: ثقة ثقة، روي عن أبي عبد اللّه و أبي الحسن عليهما السلام «2».

و نقل الكشي عن محمّد بن مسعود، قال: سألت أبا الحسن علي بن الحسن عن اسم أبي خديجة، فقال: سالم بن مكرم، فقلت: ثقة؟ فقال: صالح «3».

و قد سبق فيما نقلناه أنّ الصلاح أقوي من الوثوق، و هو أيضا من ألفاظ التوثيق، كما مرّ فيما نقلناه عن السيّد الداماد.

______________________________

(1) اعلام الوري ص 425.

(2) رجال النجاشي ص 188.

(3) اخيار معرفة الرجال 2/ 641.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 323

و قال الكشي: إنّه كان من أصحاب أبي الخطّاب، إلّا أنّه تاب و كان يروي الحديث «1».

و قال الشيخ في

الفهرست: سالم بن مكرم يكنّي أبا خديجة، و مكرم يكنّي أبا سلمة، ضعيف، له كتاب «2».

و هذا منه رحمه اللّه اشتباه، و منه سري إلي العلّامة في الخلاصة. و قال في موضع آخر: إنّه ثقة. قال العلّامة: و الوجه عندي التوقّف فيما يرويه لتعارض الاقوال فيه «3».

أقول: لا تعارض فيها يوجب التوقّف فيما يرويه، لأنّ بعد تعارض قولي الشيخ و تساقطهما، يبقي توثيق النجاشي، مع ما فيه من التأكيد و علي بن الحسن، سالما عن المعارض، فيقوي الظنّ في صحّة ما يرويه.

و لعلّ نظر الشيخ حينما ضعّفه كان علي كونه خطابيّا، فبعد ما وقف علي أنّه رجع عنه و تاب و صلح وثّقه في موضع آخر، فبالحقيقة ثقته اتّفاقيّة، فلا وجه للتوقّف فيه و فيما يرويه.

51- فائدة [سليم بن قيس الهلالي]

سليم- بضمّ السين- بن قيس الهلالي، ثمّ العامري الكوفي، صاحب أمير المؤمنين عليه السلام، من رجال الأئمّة الخمسة: علي، و ابنيه الحسن و الحسين، و علي بن الحسين، و ابنه الباقر عليهم السلام. و هو من الأجلّاء الاولياء الصلحاء.

______________________________

(1) نفس المصدر.

(2) الفهرست ص 79- 80.

(3) رجال العلامة ص 227.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 324

و يظهر من الشيخ الفاضل النجاشي توثيقه، قال في صدر كتابه قبل أن يشرع في الابواب: الطبقة الاولي في المتقدّمين في التصنيف من السلف الصالح، و هم سبعة: أبو رافع، و ابناه عبيد اللّه و علي، و ربيعة بن سليم، و سليم بن قيس، و الأصبغ بن نباتة، و عبيد اللّه بن الحرّ «1».

و قد سبق أنّ الصالح من ألفاظ التوثيق، فهؤلاء المذكورون من صلحاء الامّة المصنّفين، كلّهم ثقات بنصّ هذا الشيخ المتين الامين نوّر اللّه مرقده.

و الظاهر أنّ منه و من نظائره حكم العلّامة في الخلاصة

بتعديله، حيث قال بعد نقل قول ابن الغضائري: سليم بن قيس الهلالي العامري، روي عن أبي عبد اللّه «2» و الحسن الحسين و علي بن الحسين عليهم السلام.

و ينسب اليه هذا الكتاب المشهور، و كان أصحابنا يقولون: انّ سليما لا يعرف و لا ذكر في خبر، و قد وجدت ذكره في موضع من غير جهة كتابه و لا من رواية أبان بن عيّاش عنه.

و قد ذكر له ابن عقدة في رجال أمير المؤمنين عليه السلام أحاديث عنه، و الكتاب موضوع لا مرية فيه، و علي ذلك علامات فيه تدلّ علي ما ذكرناه.

منها: أنّ محمّد بن أبي بكر وعظ أباه عند الموت «3».

و منها: أنّ الأئمّة ثلاثة عشر، و غير ذلك. و أسانيد هذا الكتاب تختلف تارة برواية عمر بن اذينة، عن ابراهيم بن عمر الصنعاني، عن أبان بن أبي عياش عن سليم. و تارة يروي عن عمر عن أبان بلا واسطة.

______________________________

(1) رجال النجاشي ص 8.

(2) هذا من سهو القلم، فانه لم يدرك الصادق عليه السلام «منه».

(3) انما كان ذلك من علامات وضعه، لان محمد بن أبي بكر ولد في حجة الوداع، و كان في خلافة أبيه عمره سنتين و أشهر، فلا يعقل وعظ أباه «منه».

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 325

و الوجه عندي الحكم بتعديل المشار اليه و التوقّف في الفاسد من كتابه «1».

قال الشهيد الثاني فيما كتب علي الخلاصة: لا وجه للتوقّف في الفاسد، بل في الكتاب لضعف سنده علي ما رأيت. و علي التنزيل كان ينبغي أن يقال:

ورد الفاسد منه و التوقّف في غيره. و أمّا حكمه بتعديله، فلا يظهر له وجه أصلا، و لا وافقه عليه غيره.

أقول: قد عرفت وجه تعديله له و موافقة

غيره له فيه. و نقل عن الشهيد المذكور رحمه اللّه أنّه قال: أمّا الذي رأيت فيما وصل اليّ من نسخة هذا الكتاب أنّ عبد اللّه بن عمر وعظ أباه حين موته.

حيث قال عمر: إن بايعوا أصلح ابن هاشم لحملهم علي المحجّة البيضاء، و هو أقومهم علي كتاب اللّه و سنّة نبيّه صلي اللّه عليه و آله، فقال ابنه: فما يمنعك أن تستخلفه الي آخره.

و انّ الائمّة ثلاثة عشر من ولد اسماعيل، و هم رسول اللّه و الائمّة الاثنا عشر عليهم السلام، و لا محذور في أحد هذين.

أقول: و أمّا حديث اختلاف الاسانيد، فممّا لا أصل له، كما يظهر من النظر في الكشي في ترجمة سليم هذا، قال: حدّثنا محمّد بن الحسن البرياني، قال:

حدّثنا الحسن بن علي بن كيسان، عن اسحاق بن ابراهيم بن عمر اليماني، عن ابن اذينة، عن أبان بن أبي عياش.

قال: هذا نسخة كتاب سليم بن قيس دفعه اليّ أبان بن أبي عياش و قرأه، و زعم أبان أنّه قرأه علي علي بن الحسين عليهما السلام فقال: صدق سليم رحمه اللّه، هذا حديث نعرفه.

محمّد بن الحسن، قال: حدّثنا الحسن بن علي بن كيسان، عن اسحاق

______________________________

(1) رجال العلامة ص 83.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 326

بن ابراهيم، عن ابن اذينة، عن أبان بن أبي عياش، عن سليم بن قيس الهلالي، قال: قلت لامير المؤمنين عليه السلام … و ذكر الحديث بطوله «1».

و هذا كما تري لا اختلاف فيه، فإنّ إسحاق بن إبراهيم المذكور في الطريقين يروي في الروايتين عن ابن اذينة، لا عن ابراهيم والده. و أمّا في الفهرست و النجاشي، ففيهما الطريقان المتغايران الي سليم.

هذا فبعد التأمّل في ترجمته يظهر اعتباره جدّا، و عدم ذمّه

بشي ء ممّا ذكر فيه و لا في كتابه. و قد قيل: انّه من الاولياء.

و قال السيّد علي بن أحمد العقيقي: كان سليم بن قيس من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام طلبه الحجّاج ليقتله، فهرب الي ناحية من أرض فارس، و آوي الي أبان بن أبي عياش.

فلمّا حضرته الوفاة، قال لأبان: انّ لك عليّ حقّا، و قد حضرني الموت يا ابن أخي انّه كان من الامر بعد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله كيت و كيت، و أعطاه كتابا، فلم يرو عن سليم بن قيس أحد من الناس سوي أبان، و ذكر أبان في حديثه قال: كان سليم شيخا متعبّدا له نور يعلوه «2».

اعلم أنّ أبان بن أبي عياش من رجال الأئمّة الثلاثة: علي بن الحسين، و الباقر، و الصادق عليهم السلام، تابعيّ إماميّ المذهب، و كان سبب تعرفه هذا الامر سليم بن قيس الهلالي، علي ما صرّح به السيّد علي بن أحمد العقيقي.

و لم يقدح فيه هو و لا غيره، إلّا ابن الغضائري، و منه أخذ الشيخ في كتاب الرجال، فحكم هو أيضا فيه بضعفه، و من هنا توقّف العلّامة في الخلاصة فيما يرويه، و لم يذكر ابن الغضائري مستند النظر في أمره.

______________________________

(1) اختيار معرفة الرجال 1/ 321، برقم: 167.

(2) رجال العلامة عنه ص 83.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 327

و ظنّ أنّه لمّا زعم أنّ كتاب سليم موضوع وضعه أبان، هذا صار ذلك عنده سببا قادحا فيه، فحكم بضعفه، و هو الظاهر من قوله في ترجمة أبان أنّه ضعيف لا يلتفت اليه، و ينسب أصحابنا وضع كتاب سليم بن قيس اليه.

و لعلّ هذا إنّما نشأ منه من قول العقيقي فيما سبق آنفا أنّ كتاب سليم

هذا لم يروه عنه أحد من الناس سوي أبان، فجعل تفرّده بروايته مع اشتماله بزعمه علي علامات الوضع قادحا فيه و في من يرويه و هو أبان.

و لمّا تبيّن سبب تفرّده بروايته، و ظهر فساد ما جعله علامة لوضعه، و انّ الكتاب من مصنّفات سليم بن قيس، كما صرّح به الفاضل النجاشي في صدر كتابه، و في ترجمة سليم هذا، و مثله الشيخ و الكشي و غيرهم من غير اشعار بما يدلّ علي وضعه و القدح في أبان، تبيّن أنّ هذا و ما ماثله لا يؤثر فيه قدحا و لا يثبت به ضعفه.

و بالجملة أنّه ضعّفه من غير ذكر سبب، الّا أنّ ظاهر كلامه يشعر بأنّ السبب فيه اتّصافه بالوضع، فلمّا ظهر فساد السبب يظهر منه فساد المسبب.

قال في الاوسط في الحاشية، بعد نقل قوله «و ما ذكره من علامات الوضع»: و الحقّ علي ما وصل الينا من النسخة أنّه غير مشتمل علي باطل، و انّما المذكور فيه أنّ عبد اللّه بن عمر وعظ أباه عند الموت، و انّ الأئمّة ثلاثة عشر مع النبي صلّي اللّه عليه و آله، و لا يقتضي شي ء من ذلك الوضع هذا.

و أمّا إبراهيم بن عمر اليماني الواقع في طريق رواية كتاب سليم، فقد عرفت أنّه مختلف فيه ضعّفه ابن الغضائري، و وثّقه الشيخ النجاشي، و ذكر أنّه شيخ من أصحابنا، و أسنده إلي أبي العبّاس و غيره، و رجّح قبول روايته العلّامة في الخلاصة.

و مثله السيّد السند الداماد في الرواشح، حيث قال بعد كلام: و لذلك كلّه

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 328

لم نبال مثلا في ابراهيم بن عمر اليماني بتضعيف ابن الغضائري ايّاه.

و الحاصل أنّ القول بضعف سند الكتاب معلّلا

بأنّ في الطريق ابراهيم بن عمر الصنعاني، و أبان بن أبي عياش، و قد طعن فيهما الغضائري و ضعّفهما، كما قال به الشهيد الثاني فيما كتب علي الخلاصة، دون ثبوته خرط القتاد.

كيف لا؟ و هم قد عدّوا سليما هذا من صلحاء الامّة المصنّفين في الدين من السبعة المذكورين في الطبقة الاولي، و لا تصنيف له ينسب اليه الّا هذا الكتاب المشهور.

ثمّ من الظاهر أنّ أبان، بل من هو فوقه بمراتب، لا يقدر علي وضع مثل هذا الكتاب. و لو كان هو موضوعا، أو كانت عليه علامة الوضع، لما نقل عنه مثل ثقة الاسلام الكليني في كتابه الكافي في أبواب مختلفة بقدر ما احتاج الي أخذه و نقله، هذا ما عندنا و العلم عند اللّه و عند أهله عليهم السلام.

52- فائدة [سدير بن حكيم الصيرفي]

سدير كأمير بن حكيم، شيخ لسفيان الثوري، كذا في القاموس «1».

و في كتاب ميزان الاعتدال المعتبر عند العامّة في علم الرجال هكذا: إنّ سديرا هذا كان يغلو في الرفض، و كان مذموم المذهب، فظهر ايمانه و اعتباره؛ لان الاشياء تعرف بالاضداد.

و قال الكشي: سدير بن حكيم بن صهيب الصيرفي والد حنّان، يكنّي أبا الفضل، من الكوفة، و هو من أصحاب علي بن الحسين و الباقر و الصادق عليهم

______________________________

(1) القاموس 2/ 46.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 329

السلام.

حدّثنا محمّد بن مسعود، قال: حدّثنا علي بن محمّد بن فيروزان، قال:

حدّثني محمّد بن أحمد بن يحيي، عن ابراهيم بن هاشم، عن عمرو بن عثمان، عن محمّد بن عذافر، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: ذكر عنده سدير، فقال:

سدير عصيدة بكلّ لون.

ثمّ قال: حدّثنا علي بن محمّد القتيبي، قال: حدّثنا الفضل بن شاذان، عن ابن أبي عمير، عن بكر بن محمّد

الازدي، قال: و زعم لي زيد الشحّام، قال:

انّي لأطوف حول الكعبة و كفّي في كفّ أبي عبد اللّه عليه السلام، فقال: و دموعه تجري علي خدّيه.

فقال: يا شحّام ما رأيت ما صنع ربّي اليّ، ثمّ بكي و دعا، ثمّ قال لي: يا شحّام انّي طلبت الي الهي في سدير و عبد السلام بن عبد الرحمن، و كانا في السجن فوهبهما لي و خلّي سبيلهما «1».

قال العلّامة في الخلاصة: و هذا حديث معتبر يدلّ علي علوّ مرتبتهما. ثمّ قال: و قال السيّد علي بن أحمد العقيقي: سدير الصيرفي و اسمه سلمة كان مخلّطا «2».

قال الشهيد الثاني فيما كتب علي الخلاصة عند قول العلامة: و هذا حديث معتبر، اعتباره من حيث السند، كما سيأتي التصريح به في باب عبد السلام، و مع ذلك ففي كونه معتبرا نظر، لانّ بكر بن محمّد الازدي مشترك بين رجلين: ثقة، و الآخر قد تقدّم في الكتاب ما يقتضي التوقّف في أمره، من حيث أنّ مدحه ورد بطريق ضعيف.

______________________________

(1) اختيار معرفة الرجال 2/ 469- 470.

(2) رجال العلامة ص 85.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 330

و لعلّ المصنّف عدل عن قوله «طريق صحيح» الي معتبر لذلك، حيث أنّ أحد الرجلين ثقة، و الآخر ممدوح علي ذلك الوجه، الّا أنّ فيه ما فيه.

و حينئذ فلا يحصل للممدوحين بذلك ما يوجب قبول روايتهما و ادخالهما في هذا القسم، كما ذكرنا في هذه الرواية، و هي أجود ما ورد.

و أمّا الحديث الاوّل الدالّ علي ضعفه، فضعيف السند و العقيقي حاله معلوم.

أقول: و فيه نظر. أمّا أوّلا، فلأنّ بكر بن محمّد هذا ليس بمتعدّد حتّي يكون مشتركا بين الثقة و غيره، بل هو واحد ثقة.

صرّح بذلك ملّا ميرزا محمّد

في الاوسط، بعد ما نقل عن الكشي عن علي بن محمّد القتيبي، قال: حدّثنا أبو محمّد الفضل بن شاذان، قال: حدّثني ابن أبي عمير، عن بكر بن محمّد الازدي، قال: حدّثني عمّي سدير «1».

بقوله: قلت: سدير الصيرفي مولي بني ضبّه، و ليس بكر هذا ابن أخيه، بل هو ابن شديد، كما صرّح به النجاشي. و الظاهر أنّه صحّف في الرواية و حمل علي سدير الصيرفي، اذ ليس غيره، فقيل: انّه ابن أخي سدير الصيرفي و ليس، فبكر بن محمّد الازدي واحد ثقة هو ابن أخي شديد لا سدير، الي هذا كلامه.

و أوضح منه ما نقله ملّا عناية اللّه في بعض حواشيه علي مجمع الرجال، عند ترجمة بكر بن محمّد هذا عن بعض معاصريه بهذه العبارة: قال بعض الافاضل الجامع سلّمه اللّه تعالي ما حاصله هذا:

انّ سديرا مصغّر سدر والد حنان أبا الفضل هو الصيرفي لا غير، و بكر بن محمّد الازدي واحد لا غير ثقة، هو ابن أخي شديد بالشين المعجمة و الدالين المهملتين بينهما ياء، و عبد السلام، هما ابني عبد الرحمن بن نعيم، لا أنّه ابن أخي

______________________________

(1) اختيار معرفة الرجال 2/ 856.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 331

سدير بالسين المهملة و الدال كذلك و الراء أخيرا، كما يعلم من ترجمة بكر هذا من النجاشي.

و يظهر هذا أيضا من ترجمة سدير هذا من العنوان في رجال الكشي، فإنّه من الكشي العارف بالأحوال و العنوانات، و من قول الامام عليه السلام ابن عبد الرحمن علي ما ضبط في النسخ المتعدّدة المصحّحة، لا ابني عبد الرحمن.

ثمّ قال: فما في الكلام هنا من حمل كلمة الصيرفي عليه، انّما هو حمل من العبيدي بعد تصحيفه شديدا بسدير و اشتباه منه

فقط.

قال حمدويه: ذكر محمّد بن عيسي العبيدي أنّ بكر بن محمّد الازدي خيّر فاضل، و بكر بن محمّد كان ابن أخي سدير.

و لك أن تقول: العبيدي ممّن يبعد عدم معرفته بأمثال هذا لقرب زمانه، و كثرة علمه و جلالته. و حينئذ يجوز أن يكون الصيرفي عمّه من جهة الام، فاستقام و لا اشتباه و لا اشكال و لا جدال «1»، إلي هنا كلامه.

و أمّا ثانيا، فلأن ما تقدّم في الكتاب هو أنّ الكشي نقل عن حمدويه أنّه قال: ذكر محمّد بن عيسي العبيدي بكر بن محمّد الازدي، فقال: خيّر فاضل «2».

قال العلّامة هناك: و عندي في محمّد بن عيسي توقّف «3».

أقول: و قد عرفت فيما قدّمناه في بعض العنوانات السالفة أنّ سبب توقّفه فيه ما ذكره أبو جعفر بن بابويه عن ابن الوليد أنّه قال: ما تفرّد به محمّد بن عيسي من كتب يونس، و حديثه لا يعتمد عليه.

و قد سبق أنّ جماعة من المعتبرين أنكروا هذا القول منه، مصرّحين بأنّ

______________________________

(1) مجمع الرجال 1/ 276.

(2) اختيار معرفة الرجال 2/ 856.

(3) رجال العلامة ص 26.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 332

محمدا هذا عديم النظير في أقرانه و زمانه، و مع ذلك وثّقه النجاشي و ابن نوح، و أثني عليه الفضل بن شاذان، و كان يحبّه و يمدحه و يميل اليه، و يقول: ليس في أقرانه مثله، و حينئذ فلا مجال للتوقّف فيه أصلا.

و من الغريب أنّ العلّامة في الخلاصة بعد ما توقّف في محمّد هذا في ذيل ترجمة بكر ذاك كما سبق، صرّح في ذيل ترجمة محمّد بعد نقل اختلاف علمائنا في شأنه، بأنّ الاقوي عندي قبول روايته «1».

و هذا هو الصواب، و التوقّف لكونه في غير موقفه

هو الخطأ، لانّ ابن الوليد مع تفرّده في عدم الاعتماد علي ما يختصّ محمّد بروايته، لم يذكر في ذلك مستند التنظر في أمره.

و لعلّه كان في نظره وقتئذ ما نقله الشيخ الطوسي عن قيل انّه كان يذهب مذهب الغلاة، و هذا القائل مجهول الحال، فلعلّه كان كاذبا في ذلك المقال.

فظهر أنّ ما دلّ علي مدح سدير هذا و علوّ مرتبته صحيح السند، فاذا لم يعتبر ما دلّ علي ضعفه لضعفه، و قول العقيقي أنه كان مخلّطا، كما أشار اليه الشهيد الثاني بقوله «و العقيقي حاله معلوم» و ذلك أنّه كان مخلّطا و في أحاديثه مناكير، كما قاله ابن عبدون.

و صرّح الشهيد الثاني فيما كتب علي الخلاصة عند ترجمة عبد الرحمن بن أعين بضعفه، يثبت كونه معتبرا ممدوحا مدحا يوجب قبول روايته، بل لا يبعد القول بإلحاق حديثه بالصحاح، اذا لم يكن في الطريق من غير جهته مانع.

و نقل صاحب الاوسط عن الكشي عن حمدويه أنّه كان يرتضي سديرا.

و الموجود عندنا في نسخة الكشي هكذا: سمعت حمدويه ذكر عن أشياخه أنّ حنان بن سدير واقفيّ، أدرك أبا عبد اللّه عليه السلام، و لم يدرك أبا جعفر

______________________________

(1) رجال العلامة ص 142.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 333

عليهما السلام، و كان يرتضي به شديدا «1».

و المتبادر منه أنّ المرتضي هو حنان ابنه لا سديرا أبوه، فتأمّل.

53- فائدة [حفص بن ميمون و أصحاب أبي الخطاب]

حفص بن ميمون، و موسي بن أشيم، و جعفر بن واقد، و أبو الغمر، و هاشم بن أبي هاشم، من أصحاب أبي الخطّاب محمّد بن أبي زينب.

روي الكشي في ترجمة جعفر بن واقد، بسند صحيح عن علي بن مهزيار، قال: سمعت أبا جعفر صلوات اللّه عليه يقول، و قد ذكر عنده أبو الخطاب: لعن

اللّه أبا الخطّاب، و لعن أصحابه، و لعن الشاكّين في لعنته، و لعن من وقف في ذلك فشكّ فيه.

ثمّ قال: هذا أبو الغمر و جعفر بن واقد و هاشم، استأكلوا بنا الناس، فصاروا دعاة يدعون الناس الي ما دعا اليه أبو الخطّاب لعنه اللّه و لعنهم معه، و لعن من قبل ذلك منهم. يا علي لا تتحرّجنّ من لعنهم لعنهم اللّه، فانّ اللّه قد لعنهم.

ثمّ قال: قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: من تأثّم «2» أن يلعن من لعنه اللّه فعليه لعنة اللّه «3».

و روي في ترجمة موسي بن أشيم عن حمدويه بن نصير، قال: حدّثنا أيّوب

______________________________

(1) اختيار معرفة الرجال 2/ 830، و في آخره: سدرا.

(2) في المصدر: تأثم.

(3) اختيار معرفة الرجال 2/ 811.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 334

بن نوح، عن حنان بن سدير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: انّي لا نفس علي أجساد أصيبت معه- يعني: أبا الخطّاب- النار.

ثمّ ذكر ابن الاشيم، فقال: كان يأتيني فيدخل عليّ هو و صاحبه و حفص بن ميمون، فيسألوني فأخبرهم الحقّ، ثمّ يخرجون من عندي الي أبي الخطّاب، فيخبرهم بخلاف قولي، فيأخذون بقوله و يذرون قولي «1».

و المراد بصاحبه جعفر بن واقد.

و قال العلّامة في الخلاصة في ترجمة حفص بن ميمون، بعد نقل هذه الرواية: و في هذا الطريق حنان، و هو واقفيّ الّا أنّه ثقة، فالوجه عندي التوقّف علي روايته «2».

أقول: لا وجه للتوقّف في روايته، بل يجب ردّها و ضربها عرض الحائط.

أمّا اذا كان حنان صادقا في الرواية كما تقتضيه ثقته، فظاهر. و أمّا اذا كان كاذبا فيها، فكذلك، لانّ حفصا هذا علي هذا التقدير و ان لم يكن مقدوحا، إلّا أنّه ليس

بممدوح أيضا.

اذ ليس لمدحه أثر في الكتب، فهو اذن غير معلوم المذهب و الرواية اذا كانت مجهولة السند لا محلّ للتوقّف فيها، بل هي مردودة لا يسوغ العمل بمضمونها.

______________________________

(1) اختيار معرفة الرجال 2/ 634- 635.

(2) رجال العلامة ص 218.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 335

54- فائدة [ثوير بن أبي فاختة]

ثوير بن أبي فاختة مولي أمّ هاني بنت أبي طالب، من أصحاب علي بن الحسين و الباقر و الصادق عليهم السلام، كوفيّ تابعيّ اماميّ، كما يعرف من كتاب ميزان الاعتدال المعتبر عند العامّة في الرجال، قال: ثوير بن أبي فاختة من الروافض.

و روي النجاشي أنه قيل ليونس بن أبي اسحاق: ما لك لا تروي عن ثوير؟ فانّ اسرائيل روي عنه، فقال: ما أصنع به، كان رافضيّا «1».

و روي الكشي عن محمّد بن قولويه القمّي، قال: حدّثنا محمّد بن بندار القمّي، عن أحمد بن محمّد البرقي، عن أبيه محمّد بن خالد، عن أحمد بن النصر الجعفي، عن عباد بن بشير، عن ثوير بن أبي فاختة.

قال: خرجت حاجّا فصحبني عمرو بن ذر القاص، و ابن قيس الماصر، و الصلت بن بهرام، و كانوا اذا نزلوا قالوا: أنظر الآن قد حزرنا أربعة آلاف مسألة نسأل أبا جعفر عليه السلام منها، عن ثلاثين كلّ يوم و قد قلّدنا ذلك.

فقال ثوير: فغمّني ذلك حتّي اذا دخلنا المدينة افترقنا، فنزلت أنا علي أبي جعفر صلوات اللّه عليه، فقلت له: جعلت فداك انّ ابن ذرّ و ابن قيس الماصر و الصلت صحبوني، و كنت أسمعهم يقولون: قد حزرنا أربعة آلاف مسألة نسأل أبا جعفر عنها فغمّني ذلك.

فقال أبو جعفر عليه السلام: ما يغمّك من ذلك، فاذا جاءوا فأذن لهم،

______________________________

(1) رجال النجاشي ص 118.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 336

فلمّا كان من

غد دخل مولي لابي جعفر عليه السلام فقال: جعلت فداك انّ بالباب ابن ذرّ و معه قوم.

فقال لي أبو جعفر عليه السلام: يا ثوير قم فأذن لهم، فقمت فأدخلتهم، فلمّا دخلوا سلّموا و قعدوا و لم يتكلّموا، فلمّا طال ذلك أقبل أبو جعفر عليه السلام يستفتيهم الاحاديث، و أقبلوا لا يتكلّمون.

فلمّا رأي ذلك ابو جعفر عليه السلام قال لجارية له يقال لها سرحة: هاتي الخوان، فلمّا جاءت به فوضعته.

فقال أبو جعفر عليه السلام: الحمد للّه الذي جعل لكلّ شي ء حدّا ينتهي اليه، حتّي أنّ لهذا الخوان حدّا ينتهي اليه.

فقال ابن ذر: و ما حدّه؟

قال: اذا وضع ذكر اسم اللّه، و اذا رفع حمد اللّه.

ثمّ قال أبو جعفر عليه السلام: اسقيني، فجاءته بكوز من أدم، فلمّا صار في يده قال: الحمد للّه الذي جعل لكلّ شي ء حدّا ينتهي اليه حتّي أنّ لهذا الكوز حدّا ينتهي اليه.

فقال ابن ذر: و ما حدّه؟

قال: يذكر اسم اللّه عليه اذا شرب، و يحمد اللّه عليه اذا فرغ، و لا يشرب من عند عروته و لا من كسران كان فيه.

قال: فلمّا فرغوا أقبل عليهم يستفتيهم الاحاديث، فلا يتكلّمون. فلمّا رأي ذلك أبو جعفر عليه السلام قال: يا ابن ذر أ لا تحدّثنا ببعض ما سقط اليكم من حديثنا؟ قال: بلي يا ابن رسول اللّه.

قال: انّي تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر، كتاب اللّه و أهل بيتي، ان تمسّكتم بهما لن تضلّوا.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 337

فقال أبو جعفر عليه السلام: يا ابن ذرّ فاذا لقيت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله فقال: ما خلّفتني في الثقلين فما ذا تقول له؟ فبكي ابن ذر حتّي رأيت دموعه تسيل علي لحيته، ثمّ

قال: أمّا الاكبر فمزّقناه، و أمّا الاصغر فقتلناه.

فقال أبو جعفر عليه السلام: إذن تصدّقه يا ابن ذرّ، لا و اللّه لا تزول قدم يوم القيامة حتّي تسأل عن ثلاثة: عن عمره فيما أفناه، و عن ماله من أين اكتسبه و فيما أنفقه، و عن حبّنا أهل البيت.

قال: فقاموا فخرجوا، فقال أبو جعفر عليه السلام لمولي له: اتّبعهم فانظر ما يقولون؟ قال: فتبعهم.

ثمّ رجع فقال: جعلت فداك قد سمعتهم يقولون لابن ذر: علي هذا خرجنا معك، فقال: ويلكم اسكتوا ما أقول انّ رجلا يزعم أن اللّه يسألني عن ولايته، و كيف أسأل رجلا يعلم حدّ الخوان و حدّ الكوز «1».

أقول: ظاهر سياق كلام هؤلاء يفيد أنّهم إنّما حرّروا تلك المسائل و جاءوا بها إليه عليه السلام ليناظروه بها، و يجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحقّ، فلمّا رأوه أبهر نوره نارهم، فخمدوا و سكتوا و لم يتكلّموا.

و إنّما تغمّم ثوير، لأنّه فهم من ظاهر حالهم حيث أنّهم حرّروا تلك المسائل و هيّئوها ليسألوه عليه السلام عنها أنّهم يسوءون الادب، و يمارونه و يجادلونه فيها ليلزموه و يبطلوا ما عليه من الاعتقاد و المذهب.

لانّهم كانوا من أهل المراء و الجدال، و كانوا لذلك خرجوا و حرّروا تلك المسائل، كما يشعر به قولهم لابن ذرّ «علي هذا خرجنا معك» يعنون انّا خرجنا لنناظره و نلزمه فيها.

و يؤيّده أيضا قولهم لثوير في مقام تغميمه «انظر الآن قد حررنا أربعة

______________________________

(1) اختيار معرفة الرجال 2/ 483- 485، برقم: 394.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 338

آلاف مسألة» الي آخره، فانّ غرضهم من تحريرها ما كان الّا المناظرة و المعاندة، لا طلب العلم و اليقين و معرفة حقيقة المذهب و الدين، فغمّ ثوير لذلك، لانّه كان سبب

غمّه عليه السلام و تصديعه.

أو أنّه خاف أن يصل اليه عليه السلام ضرر ماليّ أو نفسي بعد انتشار تلك المساءلة و المجاوبة، أو أنّه ظنّ أنّه عليه السلام لا بدّ أن يجيبهم في تلك المسائل بما يوافق دينهم و مذهبهم و ذلك للتقيّة، فيصير الباطل ذائعا شائعا و الحقّ مخفيّا مستورا، فكان غمّه للدين و أهله.

لا لأنّه زعم أنّه عليه السلام عاجز عن أجوبة تلك المسائل، لتكون دلالة الخبر علي القدح فيه أظهر منها علي المدح، لانّه حينئذ يدلّ علي عدم علمه بحقيقة الامام علي ما ينبغي.

كما زعمه الشهيد الثاني فيما علّقه علي الخلاصة عند قول العلّامة، روي الكشي عن محمّد بن قولويه، عن محمّد بن عباد بن بشير، عن ثوير، قال:

أشفقت علي أبي جعفر عليه السلام من مسائل هيأها عمرو بن ذر و ابن قيس الماصر و الصلت بن بهرام.

و هذا لا يقتضي مدحا و لا قدحا، فنحن في روايته من المتوقّفين. نعم ايراده عليه بأن لا وجه للتوقّف فيه بذلك، بل بجهالة حاله كغيره من المجهولين، و لا وجه أيضا لإدخاله في هذا القسم المختصّ بمن يعمل علي روايته كما شرحه، كأنّه متوجّه.

هذا و قال بعض الأفاضل المتأخّرين: يحتمل أن يكون وجه غمّه أنّ الزمان زمان التقيّة، فالامام عليه السلام لا يؤدّبهم و لا يجاوبهم بصريح الحقّ علي وجه الالزام، فيسكتون و يلزمون و يظهر عليهم الحقّ، و لا يتجرّأ الامام عليه السلام حينئذ في أمر الدين، فيخفي عليهم الامور الحقّة.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 339

و علي هذا لا يتوجّه علي ثوير ذمّ أصلا، بل حينئذ يظهر أنّ حرقة قلبه كان علي الدين، و انّه من الأجلّاء المعتبرين في المذهب ذاتا و رواية، مع

أنّه مؤمن و من أصحاب الائمّة عليهم السلام، فما بقي الّا اعتباره، كما لا يخفي، فتأمّل و اذعن.

55- فائدة [بشر بن طرخان النخّاس]

روي الكشي في ترجمة بشر بن طرخان النخّاس، عن حمدويه و ابراهيم ابني نصير، قالا: حدّثنا محمّد بن عيسي، قال: حدّثنا الحسن الوشّاء، عن بشر بن طرخان، قال: لمّا قدم أبو عبد اللّه عليه السلام الحيرة و أتيته، فسألني عن صناعتي، فقلت: نخّاس.

فقال: نخّاس الدوابّ؟

فقلت: نعم و كنت رثّ الحال.

فقال: اطلب لي بغلة فضحاء بيضاء الاعفاج بيضاء البطن، فقلت: ما رأيت هذه الصفة قطّ، فقال: بلي.

فخرجت من عنده، فلقيت غلاما تحته بغلة بهذه الصفة، فسألته عنها، فدلّني علي مولاه، فأتيته فلم أبرح حتّي اشتريتها، ثمّ أتيت أبا عبد اللّه عليه السلام، فقال: نعم هذه الصفة طلبت.

ثمّ دعا لي فقال: أنمي اللّه ولدك، و كثّر مالك، فرزقت من ذلك ببركة دعائه، و قنيت من الاولاد ما قصرت عنه الامنية «1».

______________________________

(1) اختيار معرفة الرجال 2/ 599، برقم: 563.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 340

و قال العلّامة في الخلاصة في القسم الاوّل الذي يذكر فيه من يعتمد علي روايته، أو يرجح عنده قبول قوله: بشر بن طرخان النخّاس، روي الكشي في كتابه حديثا في طريقه محمّد بن عيسي أنّ أبا عبد اللّه عليه السلام دعا له بكثرة المال و الولد «1».

قال الشهيد الثاني فيما علّقه علي الخلاصة: الطريق ضعيف، و الدعاء لا يدلّ علي توثيقه، بل ربّما دلّ علي مدح لو صحّ طريقه.

قال ملّا ميرزا محمّد في حاشيته علي الاوسط: في دلالته علي المدح أيضا تأمّل، لما روي عنه عليه السلام أنّه قال: اللهم ارزق محمّدا و آل محمّد الكفاف، و ارزق عدوّ محمّد و آل محمّد كثرة المال و الولد. بل

أفاد نوع ذمّ، فتدبّر.

أقول: إنّ بشرا هذا خدمه عليه السلام و أحسن إليه بعد ما استطلبه منه، و هو كريم من أولاد الكرام، فكيف يجزيه علي الاحسان بالاساءة بعد ما قبل خدمته و استحسنه، و يدعو عليه بما يدعي علي العدو ممّا فيه ذمّه و ضرّه.

و الرواية معارضة بمثلها في مدح المال و الولد، فيحمل كلّ علي وجه آخر، و حينئذ فيرجّح دلالته علي مدحه، كما أشار اليه الشهيد الثاني، و لعلّه لذلك ذكره العلّامة في قسم الممدوحين.

و لقد أجملا لو لا حكمهما بضعف الطريق، فانّه صحيح، لما عرفت من أنّ العبيدي ثقة من وجوه هذه الطائفة.

و القول بأنّ الرواية من باب الشهادة للنفس، مجاب بأن ليس فيها إلّا مدح الإمام عليه السلام، و اظهار اجابة دعائه و احسانه، و ليس فيها ما يجلب نفعا أو يدفع ضرّا، حتّي يصير سببا للوضع و الكذب و الاصل عدمه، خصوصا بهذه المرتبة علي مثله عليه السلام.

______________________________

(1) رجال العلامة ص 25.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 341

بل فيها اظهار ما يدلّ علي ثروته و غنائه عن الخلق ببركة دعائه عليه السلام، فهذا منه شكر لنعمته عليه السلام و أداء لواجب حقّه، و ليس هذا ممّا يوجب الكذب و الوضع، بل أكثر الخلق يكتمون مثله و لا يحدّثون به، و هذا أيضا ممّا يشعر بحسن حاله و صدق مقاله، فلا تغفل.

56- فائدة [يعقوب بن سالم السراج الكوفي]

يعقوب بن سالم السراج الكوفي، ضعّفه ابن الغضائري «1»، و وثّقه النجاشي «2»، و ذكره الشيخ في الفهرست «3» من غير قدح و لا مدح، سوي أنّ له كتابا يرويه عنه جماعة، و هذا أيضا يفيد له نوع مدح.

و قال المفيد في كتاب الارشاد: انّه من شيوخ أصحاب أبي عبد

اللّه عليه السلام و خاصّته و بطانته و ثقاته الفقهاء الصالحين رحمهم اللّه «4».

و حينئذ فترجيح توثيقه علي تضعيفه غير بعيد، و أمّا ترجيحه عليه بمجرّد توثيق النجاشي من دون انضمام توثيق المفيد اليه، كما فعله العلّامة في الخلاصة.

حيث قال فيها بعد نقل قول ابن الغضائري و النجاشي: و الاقرب عندي قبول روايته «5» فمشكل.

و لعلّه كان في نظره ما أفاده المفيد، الّا أنّه لم يذكره هناك، و قد سبق أنّه

______________________________

(1) رجال العلامة ص 186.

(2) رجال النجاشي ص 451.

(3) الفهرست ص 180.

(4) الارشاد ص 288.

(5) رجال العلامة ص 186.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 342

كثيرا ما يقدّم التعديل علي الجرح من غير اعتبار كثرة العدد، بل باعتبار أنّ المعدّل أعدل و أورع، أو أكثر اطّلاعا علي حقيقة الحال و معرفة الرجال.

57- فائدة [معلّي بن خنيس]

معلّي بن خنيس أبو عبد اللّه مولي أبي عبد اللّه الصادق عليه السلام و من قبل كان مولي بني أسد كوفيّ، قتله داود بن علي بن عبد اللّه بن العبّاس الوالي علي المدينة.

دعاه و سأل عن شيعة أبي عبد اللّه عليه السلام و أن يكتبهم له، فقال: ما أعرف من أصحاب أبي عبد اللّه عليه السلام أحدا، و انّما أنا رجل اختلف في حوائجه، و ما أعرف له صاحبا، فقال: أ تكتمني أما أنّك ان كتمتني قتلتك.

فقال له المعلّي: بالقتل تهدّدني، و اللّه لو كانوا تحت قدمي ما رفعت قدمي عنهم، و لئن أنت قتلتني لتسعدني و لتشقيك «1».

و اختلفت الاخبار و الأقوال في مدحه و قدحه، لكنّ الدالّ علي القدح بين ضعيف و مجهول. و أمّا الدالّ علي المدح، فبين صحيح و موثّق و حسن و معتبر.

فمنها: ما رواه في روضة الكافي عن علي بن

ابراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن الوليد بن صبيح، عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنه قال: دخلت عليه يوما، فألقي اليّ ثوبا «2» و قال: يا وليد ردّها علي مطاويها، فقمت بين يديه.

فقال عليه السلام: رحم اللّه المعلّي بن خنيس، فظننت أنّه شبّه قيامي

______________________________

(1) اختيار معرفة الرجال 2/ 679.

(2) في المصدر: ثيابا.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 343

بين يديه بقيام المعلّي بين يديه، ثمّ قال: افّ للدنيا، انّما الدنيا دار بلاء، يسلّط اللّه فيها عدوّه علي وليّه، و انّ بعدها دارا ليست هكذا، فقلت: جعلت فداك و أين تلك الدار؟ فقال: هاهنا و أشار بيده الي الارض «1».

و بهذا الاسناد قال: جاء رجل إلي أبي عبد اللّه عليه السلام يدّعي علي المعلّي بن خنيس دينا عليه، و قال: ذهب بحقّي.

فقال له أبو عبد اللّه عليه السلام: ذهب بحقّك الذي قتله، ثمّ قال الوليد:

قم الي الرجل فاقضه حقّه، فانّي اريد أن يبرد عليه جلده، و ان كان باردا «2».

و منها: ما رواه الكشي عن حمدويه بن نصير قال: حدّثني العبيدي، عن ابن أبي عمير، عن عبد الرحمن بن الحجّاج، قال: حدّثني اسماعيل بن جابر، و هذا السند كسابقه صحيح.

قال: كنت مع أبي عبد اللّه عليه السلام مجاورا بمكّة، فقال لي: يا اسماعيل اخرج حتّي تأتي مروا و عسفان، فتسأل هل حدث بالمدينة حدث؟

قال: فخرجت حتّي أتيت مروا، فلم ألق أحدا، ثمّ مضيت حتّي أتيت عسفان فلم يلقني أحد، فارتحلت من عسفان فلمّا خرجت منها لقيني عير تحمل زيتا من عسفان.

فقلت لهم: هل حدث بالمدينة حدث؟ قالوا: لا، الّا قتل هذا العراقي الذي يقال له المعلّي بن خنيس، فقلت: نعم، فقال: أما و اللّه لقد دخل

الجنّة «3».

و منها: ما رواه أيضا عن محمد بن مسعود، قال: كتب اليّ الفضل، قال:

حدّثنا ابن أبي عمير، عن ابراهيم بن عبد الحميد، عن اسماعيل بن جابر، قال:

______________________________

(1) روضة الكافي 8/ 304، ج 469.

(2) فروع الكافي 5/ 94، ح 8.

(3) اختيار معرفة الرجال 2/ 674- 675، برقم: 707.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 344

قدم أبو اسحاق عليه السلام من مكّة، فذكر له قتل المعلّي بن خنيس.

قال: فقام مغضبا يجرّ ثوبه، فقال له اسماعيل ابنه: يا أبة أين تذهب؟

قال: لو كانت نازلة لا قدمت عليها، فجاء حتّي دخل علي داود بن علي.

فقال له: يا داود لقد أتيت ذنبا لا يغفره اللّه لك، قال: و ما ذاك الذنب؟

قال: قتلت رجلا من أهل الجنّة، ثمّ مكث ساعة، ثمّ قال: إن شاء اللّه تعالي.

فقال له داود: و أنت أتيت ذنبا لا يغفر اللّه لك، قال: و ما ذاك الذنب؟

قال: زوّجت ابنتك فلان الاموي، قال: ان كنت زوّجت فلان الاموي، فقد زوّج رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله عثمان، و لي برسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله أسوة.

قال: ما أنا قتلته. قال: فمن قتله؟ قال: قتله السيرافي. قال: فأقدنا منه، قال: فلمّا كان من الغد غدا الي السيرافي، فأخذه فقتله، فجعل يصيح يا عباد اللّه يأمروني أن أقتل لهم الناس، ثمّ يقتلوني «1».

و سند هذا الحديث موثّق بابراهيم بن عبد الحميد. هذا.

و أمّا الدالّ علي ذمّه، فمثل ما رواه أبو علي أحمد بن علي الشلولي المعروف بشقران، قال: حدّثنا الحسين بن عبيد اللّه القمّي، عن محمّد بن اورمة، عن يعقوب بن يزيد، عن سيف بن عميرة، عن المفضّل بن عمر الجعفي.

قال: دخلت علي أبي عبد اللّه عليه السلام يوم صلب

فيه المعلّي، فقلت له:

يا ابن رسول اللّه أ لا تري هذا الخطب الجليل الذي نزل بالشيعة في هذا اليوم؟

قال: و ما هو؟ قلت: قتل المعلّي بن خنيس.

قال: رحم اللّه معلّي، قد كنت أتوقّع ذلك، لانّه أذاع سرّنا، و ليس الناصب لنا حربا بأعظم مئونة علينا من المذيع علينا سرّنا، فمن أذاع سرّنا الي غير

______________________________

(1) اختيار معرفة الرجال 2/ 677- 678، برقم: 711.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 345

أهله، لم يفارق الدنيا حتّي يعضّه السلاح، أو يموت بخبل «1».

و مثله ما رواه عن حفص الابيض «2».

و هما بين مجهول و ضعيف، و مخالفان لما دلّ علي صحيح الخبر، من أنّه عليه السلام كان في أيّام قتل المعلّي و صلبه مجاورا بمكّة. هذا.

و قال ملّا ميرزا محمّد في الاوسط: و لا يخفي أنّ ما في هذين الحديثين من الذمّ ليس الّا من جهة تقصيره في التقيّة. و ترحّم الصادق عليه السلام في الاوّل منهما يدلّ علي أنّ ذلك التقصير و ان لم يكن مرضيّا لهم مستحسنا.

لكن لم يكن أيضا موجبا لعدم رضائهم عليهم السلام عنه، و مخرجا له من أهليّة الجنّة و استحقاقه لها، بل الظاهر أنّ ذكر ذلك منه عليه السلام عن شفقة و تأسّف لترتّب القتل، و انّه علي درجته و عظم قدره يقتله، و كان كفّارة لذلك أيضا.

أمّا اعتقاد خلاف الحقّ، فشي ء ينفيه سياق هذه الروايات جميعا.

و بالجملة الذي يظهر لي أنّه من أهل الجنّة، كما قال السيد أحمد بن طاوس.

أقول: ترك التقية الواجبة قدح عظيم و ذمّ فخيم. و الحقّ أنّ ضعف طريق الحديثين و جهالته يغني عن تجشّم مثل هذا التوجيه.

ثمّ قال رحمه اللّه: أمّا ما رواه الكشي في ترجمة عبد اللّه بن أبي

يعفور، عن محمّد بن الحسن البراثي و عثمان، قالا: حدّثنا محمّد بن زياد، عن محمّد بن الحسين، عن الحجّال، عن أبي مالك الحضرمي، عن أبي العبّاس البقباق.

قال: تذكّر ابن أبي يعفور و معلّي بن خنيس، فقال ابن أبي يعفور:

الاوصياء علماء أبرار أتقياء. و قال ابن خنيس: الاوصياء أنبياء، قال: فدخلا علي أبي عبد اللّه عليه السلام فلمّا استقرّا مجلسهما قال: فابتدأهما أبو عبد اللّه عليه

______________________________

(1) اختيار معرفة الرجال 2/ 678، برقم: 712.

(2) اختيار معرفة الرجال 2/ 676، برقم: 709.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 346

السلام فقال: يا عبد اللّه أبرأ ممّن قال انّا أنبياء «1».

فمحمّد بن زياد في طريقه غير معلوم الحال و لا مذكور في الرجال، و مع ذلك مناف لما تقدّم من الروايات، فان كان و لا بدّ فليكن محمولا علي أوّل أمر، كما سيأتي عن ابن الغضائري. انتهي.

و أمّا الاقوال، فقال النجاشي: انّه ضعيف جدّا «2».

و قال ابن الغضائري: انّه كان أوّل أمره مغيريّا، ثمّ دعي الي محمّد بن عبد اللّه المعروف بالنفس الزكيّة، و في هذه الظنّة أخذه داود بن علي فقتله.

أقول: ينافيه ما سبق من صحيح الخبر.

ثمّ قال: و الغلاة يضيفون اليه كثيرا، قال: و لا أري الاعتماد علي شي ء من حديثه «3».

و قال السيّد أحمد بن طاوس: إنّه من أهل الجنّة. و قال الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة بغير اسناد: إنّه كان من قوّام أبي عبد اللّه عليه السلام، و كان محمودا عنده و مضي علي منهاجه «4».

أقول: و يؤيّده بل يصرّح به ما سبق من صحيحتي الوليد، فكونه بغير اسناد لا يضرّ.

و قال العلّامة في الخلاصة: و هذا يعني ما ذكره في كتاب الغيبة يقتضي وصفه بالعدالة «5».

و روي الشيخ

في الكتاب المذكور عن أبي بصير عنه عليه السلام أنّه لمّا

______________________________

(1) اختيار معرفة الرجال 2/ 515، برقم: 456.

(2) رجال النجاشي ص 417.

(3) رجال العلامة عنه ص 259.

(4) الغيبة ص 210.

(5) رجال العلامة ص 259.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 347

قتل داود بن علي المعلّي بن خنيس و صلبه، عظم ذلك علي أبي عبد اللّه عليه السلام و اشتدّ عليه، و قال: يا داود بن علي علام قتلت مولاي و قيّمي في مالي و علي عيالي؟ و اللّه أنّه لا وجه عند اللّه منك.

و في خبر آخر أنّه عليه السلام قال: أما و اللّه لقد دخل الجنة «1».

فعلي ما حرّرناه، فرواياته بين صحيح و حسن كالصحيح و لا أقلّ منه، فلو عمل بها عامل لم يكن بعيدا، و باللّه التوفيق.

58- فائدة [أحمد بن عمر الحلّال]

أحمد بن عمر الحلّال، بفتح الحاء غير المعجمة و اللام المشدّدة، كان يبيع الحلّ و هو الشيرج كوفيّ أنما طيّ من أصحاب الرضا عليه السلام.

ذكره النجاشي في كتابه من غير قدح فيه و لا مدح، سوي أنّ له مسائل عن الرضا عليه السلام «2».

و مثله الشيخ في الفهرست، إلّا أنه قال: له كتاب «3». و قال العلّامة في الخلاصة: إنّ الشيخ وثّقه. و لعلّه في غير هذا الكتاب، و قال: إنّه كان رديّ الاصل، و المتبادر أنّه كان في أصله و ما تكون منه خلل.

و الظاهر أنّ العلّامة فهم منه هذا، و لذلك قال بعد نقله عن الشيخ:

فعندي توقّف في قبول روايته، لقوله- أي: الشيخ- إنّه رديّ الأصل «4».

______________________________

(1) الغيبة ص 210.

(2) رجال النجاشي ص 99.

(3) الفهرست ص 35.

(4) رجال العلامة ص 14.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 348

أقول: و لكن توثيقه أوّلا ينافره، فلا بدّ أن يكون مراده برداءة

أصله ما لا ينافي كونه ثقة، و لذلك قال ابن داود معترضا علي العلّامة: لا تضرّ رداءة أصله مع ثبوت ثقته «1».

و لم يبيّن المراد من الرداءة و الاصل. و قيل: أراد بها أنّه ليس بعربيّ صريح، قال: و يحتمل قراءته بالواو، و كيف كان فلم تردّ روايته، ففيما في الخلاصة تأمّل ظاهر.

59- فائدة [كليب بن معاوية الأسدي]

كليب- بصيغة التصغير- بن معاوية الأسدي المعروف بالصيداوي، ذكره الشيخ في الفهرست «2» و النجاشي «3» في كتابه من غير قدح و لا مدح، سوي أنّ له كتابا يرويه عن جماعة.

و روي ثقة الإسلام في الكافي في باب التسليم و فضل المسلّمين، عن محمّد بن يحيي، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن حمّاد بن عيسي، عن الحسين بن المختار، عن زيد الشحّام، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال قلت له:

إنّ عندنا رجلا يقال له كليب، فلا يجي ء عنكم شي ء إلّا قال: أنا أسلّم، فسمّيناه كليب تسليم، فترحّم عليه «4».

______________________________

(1) رجال ابن داود ص 36.

(2) الفهرست ص 128.

(3) رجال النجاشي ص 318.

(4) اصول الكافي 1/ 390- 391.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 349

و هذا أوضح متنا ممّا رواه الكشي عن علي بن اسماعيل، عن حمّاد بن عيسي، عن الحسين بن مختار، عن أبي اسامة، قال: قلت لابي عبد اللّه عليه السلام: إنّ عندنا رجلا يسمّي كليبا، فلا يجي ء عنكم شي ء الّا قال: أنا اسلم فسمّيناه كليبا بتسليمه به، قال: فترحّم عليه أبو عبد اللّه عليه السلام «1».

أي قال: رحمة اللّه عليه، أو قال: رحمه اللّه، و الرحمة عندهم و خاصّة إذا صدرت عن الامام عليه السلام قرين التعديل.

كما يفهم من كلام العلّامة أيضا في الخلاصة «2»، إلّا أنّه توقّف في تعديله

لا لعدم دلالة الترحّم عليه، بل لأنّ في طريق الخبر الحسين بن المختار، و هو عنده واقفيّ.

و قد سبق في الكتاب «3» أنّه ليس كذلك؛ لأنّ حسينا هذا قد روي جماعة من الثقات عنه نصّا علي الرضا عليه السلام كما في الكافي، و هو من خاصّة الكاظم عليه السلام و ثقاته و أهل العلم و الورع و الفقه من شيعته، كما في ارشاد المفيد.

فكيف يكون واقفيّا؟ و هو يقول خرج الينا من أبي الحسن عليه السلام بالبصرة ألواح مكتوب فيها بالعرض عهدي الي أكبر ولدي يعطي فلان كذا و فلان كذا و فلان لا يعطي. الحديث. و قد سبق نقلا عن الكافي «4».

و روي العلّامة في الخلاصة عن ابن عقدة، عن علي بن الحسن أنّ ابن المختار كوفيّ ثقة «5» انتهي.

______________________________

(1) اختيار معرفة الرجال 2/ 630- 631، برقم: 627.

(2) رجال العلامة ص 135.

(3) في الفائدة (32).

(4) اصول الكافي 1/ 313، ح 9.

(5) رجال العلامة ص 215- 216.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 350

فبعد ظهور صحّة السند و تسليم دلالة المتن علي تعديله لا وجه للتوقّف فيه، و هذه عبارته في الخلاصة في ترجمة كليب عن أبي اسامة أنّ الصادق عليه السلام ترحّم عليه. و عن أيّوب بن نوح، عن صفوان بن يحيي، عن كليب بن معاوية، عن أبي عبد اللّه عليه السلام و ذكر ما يشهد بصحّة عقيدته.

و في الاوّل الحسين بن المختار و هو واقفيّ. و في الثاني شهادة لنفسه، فنحن في تعديله من المتوقّفين «1».

و قال بعض متأخّري أصحابنا في حاشية كتاب له في الرجال، بعد نقل قول العلّامة: لكن ظاهر جمع من الاصحاب قبول روايته في كتب الاستدلال، فلا يبعد عدّ روايته حسنة، فليتأمّل.

أقول:

لا إشكال في عدّ حديثه حسنا، لا أنّه إماميّ فاضل صاحب كتاب، لم يقدح فيه أحد من علماء الرجال. و قد روي عنه جماعة من المعتبرين، و هو من أصحاب الباقر و الصادق عليهما السلام، كما نصّ عليه النجاشي، و قد مرّ غير مرة أنّ كلّ ذلك دليل المدح.

و إنّما الكلام في عدّ حديثه صحيحا، و هم و إن لم يصرّحوا بذلك إلّا أنّه يمكن استفادته من مجموع ما ورد فيه و من كلامهم بعد التأمّل الصادق.

لأنّ الفاضل العلّامة سلّم دلالة الخبر علي تعديله، و إنّما توقّف فيه لزعمه بأنّ طريقه موثّق لا صحيح، فبعد ما ثبت صحّة طريقه لا مجال للتوقّف فيه.

60- فائدة [ابن سنان المطلق]

قال شيخنا زين الدين في شرح الشرائع، بعد نقل قول المصنّف قدّس

______________________________

(1) رجال العلامة ص 135.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 351

سرّهما و لا يقع بها أي: المتعة- لعان علي الاظهر: احتجّوا عليه بصحيحة ابن سنان عن الصادق عليه السلام قال: لا يلاعن الحرّ الأمة و لا الذميّة و لا التي يتمتّع بها «1».

ثمّ قال: و في صحّتها منع، لأنّ ابن سنان مشترك بين عبد اللّه و هو ثقة، و بين محمّد و هو ضعيف، و الاشتراك يمنع الوصف بالصحّة.

أقول: هذا منه رحمه اللّه مع طول يده في الرجال و تتبّعه فيها غريب؛ لانّه إن اريد بمحمّد هذا محمّد بن سنان بن عبد الرحمن الهاشمي أخو عبد اللّه بن سنان، فالسند مجهول لا ضعيف، لانّ محمّدا هذا مهمل لا مدح فيه و لا قدح.

و إن اريد به محمّد بن سنان بن طريف الزاهري، فالسند ضعيف علي المشهور، و صحيح علي ما تقرّر عندنا، و قد سبق غير مرّة. و لكن زمن محمّد هذا متأخّر

عن زمان الصادق عليه السلام بكثير، فهو لا يروي منه بالمشافهة، بل لا بدّ من تخلّل الواسطة.

و الظاهر أنّه اشتبه عليه الأمر، و غفل عن ملاحظة الطبقات و أراد به هو، كما يظهر من وصفه له بالضعف، و هذا ساقط بلا شبهة، فبقي الامر مردّدا بين الاخوين.

لكن أحدا منهم لم يذكر محمّدا أخا عبد اللّه من رجال الصادق عليه السلام، و روايته عنه بالمشافهة غير معهودة، فتعيّن أن يكون المراد بابن سنان المذكور في سند الرواية هو عبد اللّه الثقة، كما هو المتبادر من إطلاق ابن سنان الراوي عن الصادق عليه السلام.

فظهر أنّ وصف هذا السند بالصحّة كما وصفوه بها ممّا لا مانع منه، و ان منعه رحمه اللّه صحته ساقط البتّة، و الحمد للّه.

______________________________

(1) تهذيب الاحكام 8/ 188، ح 12.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 352

61- فائدة [علي بن حديد]

في فروع الكافي: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد و أحمد بن محمّد جميعا، عن علي بن مهزيار، عن علي بن حديد، قال كنت مقيما بالمدينة في شهر رمضان سنة ثلاث عشرة و مائتين، فلمّا قرب الفطر كتبت إلي أبي جعفر عليه السلام أسأله عن الخروج في عمرة شهر رمضان أفضل أو اقيم حتّي ينقضي الشهر و أتمّ صومي؟

فكتب إليّ كتابا قرأته بخطّه: سألت رحمك اللّه عن أيّ العمرة أفضل؟

عمرة شهر رمضان أفضل يرحمك اللّه «1».

أقول: ابن حديد هذا أدرك الكاظم و الرضا و الجواد، و هو المراد بأبي جعفر أي الثاني عليهم السلام.

و نقل الكشي عن نصر بن الصباح أنّه كان فطحيّا من أهل الكوفة «2».

و لعلّ شيخ الطائفة لذلك ضعّفه في كتابي الأخبار التهذيب و الاستبصار، و قال: لا يعوّل علي ما يتفرّد بنقله.

أقول: و في ترجمة

محمّد بن بشير بطريق «3» معتبر ما يدلّ علي اعتقاده بالحقّ، و كذلك ما هو المذكور في ترجمة هشام بن الحكم، من أنّ أبا جعفر عليه السلام أمر الحسن بن راشد أن يأخذ بقول علي بن حديد في الصلاة خلف هشام بن الحكم «4».

______________________________

(1) فروع الكافي 4/ 536، ح 2.

(2) اختيار معرفة الرجال 2/ 840.

(3) اختيار معرفة الرجال 2/ 777- 778.

(4) اختيار معرفة الرجال 2/ 563، برقم: 499.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 353

فدلّ علي جلالة قدره، لكن بطريق غير معلوم الصحّة.

و مثله ما في ترجمة يونس بن عبد الرحمن «1»، فإنّه يدلّ علي اعتباره في قوله و فعله، و انّه عاقل عارف ذو دين.

و هذا بطريق صحيح عن يزيد بن حمّاد الثقة، عن أبي الحسن عليه السلام، و المراد به الرضا عليه السلام؛ لأنّ يزيد هذا من أصحابه عليه السلام قال قلت له: أصلّي خلف من لا أعرفه؟

فقال: لا تصلّ الّا خلف من تثق بدينه.

فقلت: اصلّي خلف يونس و أصحابه؟ فقال: يأبي ذلك عليكم علي بن حديد، قلت: آخذ بقوله في ذلك؟ قال: نعم.

قال: فسألت علي بن حديد عن ذلك، فقال: لا تصلّ خلفه و لا خلف أصحابه «2».

و هل يأمر الإمام عليه السلام مثل يزيد بن حمّاد الثقة أن يأخذ بقول علي هذا و هو فطحيّ ضعيف لا وثوق به و لا بقوله و دينه، أ ليس هذا من الإمام عليه السلام تصريحا بتوثيقه و تعديله؟ و أيّ توثيق أوثق من توثيقه عليه السلام؟ فلا بدّ من قبوله.

و أيضا فإنّ هذا الحديث، أعني: حديث ابن حديد مع صحّة طريقه علي المشهور يدلّ علي جلالة قدره و كمال اعتباره عند الجواد عليه السلام، و إنّه كان

معتقدا للحقّ تابعا له؛ إذ المعصوم لا يقول للفطحي الفاسد المذهب رحمك اللّه مرّتين فيما كتبه إليه.

و أمّا ما ذكره نصر من فطحيّته، فلا عبرة به؛ لأنّه كان مذموما غالي المذهب.

و كذا لا عبرة بتضعيف الشيخ إيّاه، لأنّه كان مضطرب القول في الرجال،

______________________________

(1) اختيار معرفة الرجال 2/ 787، برقم: 951.

(2) اختيار معرفة الرجال 2/ 787، برقم: 950.

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 354

يقول في موضع إنّ الرجل ثقة، ثمّ يقول في موضع آخر انه ضعيف، كما في سالم بن مكرم الجمّال، و سهل بن زياد.

و قال في الرجال: محمّد بن علي بن بلال ثقة، و في كتاب الغيبة انّه من المذمومين، و أمثال ذلك منه كثير، كما أومأنا اليه سابقا.

لا يقال: هذا الذي رواه ابن حديد أنّه عليه السلام ذكره مقرونا بالرحمة شهادة لنفسه.

لانّا نقول: رواية علي بن مهزيار الثقة ذلك عنه، و هو جليل قدره صاحب كرامة، من أصحاب الجواد عليه السلام، معاصر لابن حديد، عارف بحاله و مقاله، تدلّ علي مطابقته للواقع.

و كيف يتصوّر من مثله أن يروي عن فطحي فاسد الاعتقاد، بقول انّ الامام عليه السلام كتب اليّ بكذا و كذا، و قال لي في أوّل كتابه و آخره رحمك اللّه، و هو يعلم أنّه بري ء منه لو كان فطحيّا.

أ ليس هذا يقدح في ثقته، فانّهم كثيرا ما يقدحون في الرجل بروايته عن الضعفاء.

فهذا الحديث كحديث يزيد بن حمّاد يدلّ علي مدح ابن حديد و ثقته و اعتباره عنده عليه السلام، و انّه كان إماميّا مرحوما صحيح الاعتقاد، فوجب العمل بمنقولاته و ان تفرّد بنقلها، اذا لم يكن في الطريق مانع من غير جهته.

[و جاء في آخر إحدي النسختين: إلي هنا وجد بخطّه رحمه

اللّه.

و تم استنساخ الكتاب و تحقيقه و تصحيحه و التعليق عليه في اليوم الثامن من شهر رجب المرجب سنة (1411) ه ق علي يد العبد السيد مهدي الرجائي في بلدة قم المقدّسة حرم أهل البيت عليهم السلام].

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 355

فهرس الكتاب

مقدّمة المحقّق 3

اسمه و نسبه 4

أولاده و أحفاده، الاطراء عليه 5

الفتنة الهائلة الافغانيّة 9

مشايخه و تلامذته 15

تآليفه القيّمة 16

ولادته و وفاته 25

حول الكتاب 26

الفوائد الرجاليّة 29

ابراهيم بن هاشم و عثمان بن عيسي 31

الحسين بن سعيد و حمّاد بن عثمان 50

رواية موسي بن القاسم عن معاوية بن وهب 58

المراد من حبيب في رواية الطواف 61

كشف غطاء و رفع غماء 63

تحقيق حول اسحاق بن عمّار 65

عبد الرحمن بن سيّابة 70

سيف بن عميرة 73

توثيق محمّد بن سنان 74

تحقيق حول محمّد بن قيس 76

أبو علي بن راشد 83

تحقيق حال محمّد بن عيسي و داود الصرمي 86

تحقيق حال الحسين بن أبي العلاء 93

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 356

محمّد بن زياد 95

محمّد بن خالد البرقي 96

تحقيق حول محمّد بن اسماعيل 98

تحقيق حول القاعدة الرجالية للشيخ البهائي 117

تحقيق حال أبي بصير 124

تحقيق حال محمّد بن سنان 134

تحقيق حال موسي بن بكر الواسطي 145

تحقيق حول شهاب 147

هيثم بن أبي مسروق و مروك بن عبيد 149

وهب بن حفص 152

عبد اللّه بن بكير 154

محمّد بن عيسي بن عبيد اليقطيني 156

تحقيق حول الطاطري 158

ابراهيم بن عبد الحميد و درست 161

أبو بصير و القاسم بن محمّد الجوهري 164

تحقيق حول كلام الشيخ البهائي في تنويع الحديث 168

الطرق لمعرفة العدالة المعتبرة 178

تحقيق حول شاذان 184

تحقيق حول كلام الشيخ البهائي في الجرح و التعديل 186

الحسين بن الحسن بن أبان 190

علي بن أبي جيد 192

اعتبار رواية مشايخ الاجازة 193

الاشتراك و التمييز

بين الرواة 193

ابن سنان 196

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 357

صعوبة التمييز بين المشتركات 198

الالتباس في التوثيق 199

أبحاث في الجرح و التعديل 201

تعارض الجرح و التعديل 203

تحقيق حول رواية البرقي عن ابن سنان 210

المراد من لقب الفقيه في الروايات 219

الحسين بن المختار 220

المراد من صفوان في حديث الوضوء 223

حكم بن حكيم 227

عمر بن سعيد بن هلال الثقفي 229

غياث بن ابراهيم 231

من هم البتريّة؟ 234

تحقيق حال السكوني 235

علي بن حديد 240

أبو بكر الحضرمي 243

علي بن سليمان 249

أبو العبّاس البقباق 251

عثمان بن عيسي 254

علي بن اسماعيل السندي 258

أحمد بن محمّد بن عيسي الأشعري 261

أحمد بن محمّد بن خالد البرقي 266

الجاموراني و البطائني 273

جابر بن يزيد الجعفي و ابن الغضائري 275

تحقيق حول ابن الغضائري 289

هل الجرح و التعديل من باب الخبر أو الشهادة 308

الكتب الرجاليّة المتداولة 310

الفوائد الرجالية (للخواجوئي)، ص: 358

عبد العظيم الحسني 311

ابراهيم بن عمر اليماني الصنعاني 317

محمّد بن علي بن بلال 318

أبو خديجة سالم بن مكرم 322

سليم بن قيس الهلالي 323

سدير بن حكيم الصيرفي 328

حفص بن ميمون و اصحاب أبي الخطاب 333

ثوير بن ابي فاختة 335

بشر بن طرخان النخّاس 339

يعقوب بن سالم السراج الكوفي 341

معلّي بن خنيس 342

كليب بن معاوية الأسدي 348

ابن سنان المطلق 350

علي بن حديد 352

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.