كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن

اشارة

نام كتاب: كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن
نویسنده: محمد بن احمد بن اسماعیل الصفار( ابو جعفر النحاس)
موضوع: نسخ
تاریخ وفات مؤلف: 338 ق
زبان: عربی
تعداد جلد: 1
ناشر: موسسة الكتب الثقافیه
مكان چاپ: بیروت
سال چاپ: بی‌تا
نوبت چاپ: دوم
پدیدآورنده
پدیدآورنده
ابی جعفر محمدبن احمد بن اسماعیل الصفار المرادی اللنحوی = جعفر النحاس
موضوع
قرآن - ناسخ و منسوخ
شماره ردیف7198
مابقی فیلدها۱۰۳۱۲{a} = ۱۰۱-۱{b}
شماره مدرك۷۹۱۱ = T = عنوان
سرشناسه فارسینحوی، ابی جعفر محمدبن احمدبن اسماعیل الصفار المرادی
مترجم
صححه احمد بن الامین الشنحیطی
محل انتشاربیروت = موسسه الكتب الثقافیۃ = ق۱۴۰۹.۱۹۸۹م=.
صفحه:۳۰۴ ص
شناسه هانحاس، جعفر = شنحیطی، احمد بن الامین، مصحح
رده بندی كنگره
BP۸۵/۲/ ن۵،ك۲۱۹۸۹

[مقدمة الكتاب و تعریف النسخ]

بسم اللّه الرّحمن الرّحیم أخبرنا الفقیه العالم الكامل فخر الدین عبد اللّه بن حسن بن عطیة الشغدری الشاوری رحمه اللّه إجازة فی شوال سنة عشر و سبعمائة .. قال أنبأنا الفقیه أحمد بن علی السرددی عن الفقیه أبی السعود بن حسن الهمدانی عن شیخه الامام داود بن سلیمان «1» قال .. [قال أبو جعفر] أحمد بن محمد بن إسماعیل الصفار المصنف النحوی رحمة اللّه علیهم أجمعین .. قال نبتدئ فی هذا الكتاب و هو كتاب «الناسخ و المنسوخ فی القرآن الكریم» بحمد اللّه الواحد الجبار. العزیز القهار. المعبّد خلقه بما یكون لهم فی الصلاح. و ما یؤذنهم اذا عملوا به الی الفلاح. و صلی اللّه علی رسوله محمد الأمین. و علی آله الطیبین. و علی جمیع أنبیائه المرسلین. بالحكم و النصح للأمم. فمن مرسل بنسخ شریعة قد كانت و إثبات أخری قد كتبت. و من مرسل بتثبیت شریعة من كان قبله. و مرسل بأمر قد علم اللّه عزّ و جلّ انه الی وقت یعینه ثم ینسخه بما هو خیر للعباد فی العاجل و أنفع لهم فی الآجل أو بما هو مثله لیمحنوا و یثابوا كما قال جل ثناؤه ما نَنْسَخْ مِنْ آیَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَیْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها «2» قال وَ إِذا بَدَّلْنا آیَةً مَكانَ آیَةٍ وَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما یُنَزِّلُ قالُوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا یَعْلَمُونَ «3» .. فتكلم العلماء من الصحابة و التابعین فی الناسخ و المنسوخ ثم اختلف المتأخرون فیه فمنهم من جری علی سنن المتقدمین فوفق .. و منهم من خالف ذلك فاجتنب. فمن المتأخرین من قال لیس فی كتاب اللّه عز و جل ناسخ و لا منسوخ و كابر العیان
______________________________
(1) هكذا وقع فی صدر النسخة التی وقعت لنا بعد البسملة فقط .. و سنفرد الكلام علیهم مع الأدفوی راویة الكتاب و كذا كل من یذكر قبل الأدفوی مع ترجمة المؤلف و ذكر مؤلفاته و نؤخر ذلك الی آخر الكتاب إن شاء اللّه تعالی .. و أما ما یذكره المصنف فی حلقات إسناده فانا نذكر المجهولین منهم فی كراسة علی حدتها بلفظ و جیز یدل علی حاله من جرح أو تعدیل و نكون بذلك إن شاء اللّه أحسنا الخدمة فی طبع هذا الكتاب و اللّه ولی التوفیق.
(2) سورة: البقرة، الآیة: 106
(3) سورة: النحل، الآیة: 101
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 6
و اتبع غیر سبیل المؤمنین .. و منهم من قال النسخ یكون فی الأخبار و الأمر و النهی .. [قال أبو جعفر] و هذا القول عظیم جدا یؤول إلی الكفر لأنّ قائلا لو قال قام فلان ثم قال لم یقم ثم قال نسخته لكان كاذبا .. و قد غلط بعض المتأخرین فقال إنما الكذب فیما مضی فأما المستقبل فهو خلف و قال فی كتاب اللّه عز و جل غیر ما قال. قال جل ثناؤه فَقالُوا یا لَیْتَنا نُرَدُّ وَ لا نُكَذِّبَ بِآیاتِ رَبِّنا وَ نَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ «1» و قال جل ثناؤه بَلْ بَدا لَهُمْ ما كانُوا یُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَ لَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ «2» .. و قال آخرون بأنّ الناسخ و المنسوخ الی الامام ینسخ ما شاء .. و هذا القول أعظم لأن النسخ لم یكن الی النبی صلّی اللّه علیه و سلم الا بالوحی من اللّه إما بقرآن مثله علی قول قوم و إما بوحی من غیر القرآن فلما ارتفع هذان بموت النبی صلّی اللّه علیه و سلم ارتفع النسخ .. و قال قوم لا یكون النسخ فی الأخبار الا فیما كان فیه حكم و اذا كان فیه حكم جاز فیه النسخ و فی الأمر و النهی .. و قال قوم النسخ فی الأمر و النهی خاصة .. و قول سادس علیه أئمة العلماء و هو ان النسخ إنما یكون فی المتعبدات لانّ للّه عز و جل أن یتعبد خلقه بما شاء الی أی وقت شاء ثم یتعبدهم بغیر ذلك فیكون النسخ فی الأمر و النهی و ما كان فی معناهما و هذا یمر بك مشروحا فی مواضعه اذا ذكرناه «3» .. و نذكر اختلاف الناس فی نسخ القرآن بالقرآن و فی نسخ القرآن بالقرآن و السنة و فی نسخ السنة بالقرآن .. و نذكر أصل النسخ فی كلام العرب لنبنی الفروع علی الاصول .. و نذكر
______________________________
(1) قلت: القول الخامس من هذه الأقوال حكاه هبة اللّه بن سلامة عن مجاهد و سعید بن جبیر و عكرمة بن عمار .. قال قالوا و لا یدخل النسخ إلا علی الأمر و النهی فقط افعلوا أو لا تفعلوا و احتجوا علی ذلك بأشیاء منها قولهم ان خبر اللّه تعالی علی ما هو به .. و أما القول الأول فهو شبیه لما حكاه عن عبد الرحمن بن زید بن أسلم و السدی .. قال قالا قد یدخل النسخ علی الأمر و النهی و علی جمیع الأخبار و لم یفصلا و تابعهما علی هذا القول جماعة و لا حجة لهم فی ذلك من الدرایة و انما یعتمدون علی الروایة .. و أما القول السادس فقد حكاه عن الضحاك بن مزاحم .. قال قال الضحاك یدخل النسخ علی الأمر و النهی و علی الاخبار التی معناها الأمر و النهی مثل قوله تعالی الزَّانِی لا یَنْكِحُ إِلَّا زانِیَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَ الزَّانِیَةُ لا یَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ و معنی ذلك لا تنكحوا زانیة و لا مشركة و علی الأخبار التی معناها الأمر مثل قوله تعالی فی سورة یوسف علیه السلام قال تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِینَ دَأَباً و معنی ذلك ازرعوا و مثل قوله فَلَوْ لا إِنْ كُنْتُمْ غَیْرَ مَدِینِینَ تَرْجِعُونَها یعنی الروح و مثل قوله وَ لكِنْ رَسُولَ اللَّهِ أی قولوا له یا رسول اللّه قال و اذا كان هذا معنی الخبر كان كالأمر و النهی .. ثم حكی قولا آخر لم یذكره المصنف .. قال و قال آخرون كل جملة استثنی اللّه تعالی منها بإلا فإن الاستثناء ناسخ لها.
(2) سورة: الأنعام، الآیة: 27
(3) سورة: الأنعام، الآیة: 28
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 7
اشتقاقه .. و نذكر علی كم یأتی من ضرب .. و نذكر الفرق بین النسخ و البداء فإنّا لا نعلم أحدا ذكره فی كتاب ناسخ و لا منسوخ و إنما یقع الغلط علی من لم یفرق بین النسخ و البداء و التفریق بینهما مما یحتاج المسلمون الی الوقوف علیه لمعارضة الیهود و الجهال فیه ..
و نذكر الناسخ و المنسوخ علی ما فی السور لیقرب حفظه علی من أراد تعلمه فاذا كانت السورة فیها ناسخ و منسوخ ذكرناها و الا أضربنا عن ذكرها الا أنا نذكر إنزالها أ كان بمكة أم بالمدینة و ان كان فیه إطالة نضطر الی ذكرها أخرناها و بدأنا بما یقرب لیسهل حفظه .. و نبدأ بباب الترغیب فی علم الناسخ و المنسوخ عن العلماء الراسخین و الأئمة المتقدمین.

باب الترغیب فی تعلم الناسخ و المنسوخ‌

حدثنا أبو العباس أحمد بن علی بن الحسن بن اسحاق المصری البزاز المعروف بالكسائی بمكة حرسها اللّه قال حدثنا أبو بكر محمد بن علی بن أحمد الأدفوی النحوی قال حدثنا أبو جعفر أحمد بن محمد بن إسماعیل الصفار النحوی قال حدثنا محمد بن جعفر بن أبی داود الأنباری بالأنبار قال حدثنا یحیی بن جعفر قال حدثنا معاویة بن عمرو عن أبی اسحاق عن عطاء بن السائب عن أبی البحتری قال .. دخل علی بن أبی طالب رضی اللّه عنه المسجد فاذا رجل یخوّف الناس فقال ما هذا قالوا رجل یذكّر الناس فقال لیس برجل یذكر الناس و لكنه یقول انا فلان ابن فلان فاعرفونی فارسل الیه أ تعرف الناسخ و المنسوخ فقال لا قال فاخرج من مسجدنا و لا تذكر فیه «1». و حدثنا محمد بن جعفر قال أنبأنا عبد اللّه بن یحیی قال حدثنا أبو نعیم قال حدثنا سفیان الثوری عن أبی حصین عن أبی عبد الرحمن السلمی قال .. انتهی علی بن أبی طالب رضی اللّه عنه الی رجل یعظ الناس فقال أعلمت الناسخ و المنسوخ قال لا قال هلكت و أهلكت. و حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا ابن دسیم قال حدثنا سلیمان قال حدثنا شعبة عن أبی حصین عن عبد الرحمن السلمی .. قال مر علی بن أبی طالب كرم اللّه وجهه برجل یعظ قال هل عرفت الناسخ و المنسوخ قال لا قال هلكت و أهلكت. و حدثنا بكر بن سهل الدمیاطی قال حدثنا ابو صالح عبد اللّه بن صالح قال حدثنی
______________________________
(1) قلت: ذكر هذا الخبر ابن سلامة و سمی الرجل بعبد الرحمن بن داب و قال كان صاحبا لأبی موسی الاشعری و قد تحلق الناس علیه یسألونه و هو یخلط الأمر بالنهی و الاباحة بالحظر فقال له أ تعرف الناسخ من المنسوخ قال لا قال هلكت و أهلكت أبو من أنت؟ فقال له أبو یحیی فقال أنت أبو اعرفونی و أخذ أذنه ففتلها و قال لا تقص فی مسجدنا بعد.
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 8
معاویة بن صالح عن علی بن أبی طلحة عن ابن عباس فی قول اللّه عز و جل .. وَ مَنْ یُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِیَ خَیْراً كَثِیراً «1» قال المعرفة بالقرآن ناسخه و منسوخه و محكمه و متشابهه و مقدمه و مؤخره و حرامه و حلاله و أمثاله. حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا عبد اللّه بن یحیی قال أنبأنا أبو نعیم عن سلمة بن نبیط عن الضحاك بن مزاحم قال .. مر ابن عباس بقاص یعظ فركله برجله و قال أ تدری ما الناسخ و المنسوخ قال لا قال هلكت و أهلكت. حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا ابن دسیم عن موسی عن أبی هلال الراسبی قال سمعت محمدا و حدثت عنه قال قال حذیفة .. إنما یفتی الناس أحد ثلاثة: رجل تعلم منسوخ القرآن و ذلك عمر رضی اللّه عنه و رجل قاض لا یجد من القضاء بدا و رجل متكلف فلست بالرجلین الأولین و أكره أن أكون الثالث. و حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا ابن دسیم عن موسی عن حماد بن سلمة عن عطاء عن أبی البحتری ان علیا رضی اللّه عنه .. دخل مسجد الكوفة فرأی قاصا یقص فقال ما هذا قالوا رجل محدث قال ان هذا یقول اعرفونی سلوه هل یعرف الناسخ من المنسوخ فسألوه فقال لا فقال لا تحدث.

باب اختلاف العلماء فی الذی ینسخ القرآن و السنة

للعلماء فی هذا خمسة أقوال .. منهم من یقول القرآن ینسخ القرآن و السنة و هذا قول الكوفیین .. و منهم من یقول ینسخ القرآن القرآن و لا یجوز أن تنسخه السنة و هذا قول الشافعی فی جماعة معه .. و قال قوم تنسخ السنة القرآن و السنة .. و قال قوم تنسخ السنة السنة و لا ینسخها القرآن .. و القول الخامس قاله محمد بن شجاع قال الاقوال قد تقابلت فلا أحكم علی أحدها بالآخر [قال أبو جعفر] و حجة أصحاب القول الأول فی ان القرآن ینسخ بالقرآن و السنة قول اللّه تعالی وَ ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا «2» و قال فَلْیَحْذَرِ الَّذِینَ یُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِیبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ یُصِیبَهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ «3» و قال فَلا وَ رَبِّكَ لا یُؤْمِنُونَ حَتَّی یُحَكِّمُوكَ فِیما شَجَرَ بَیْنَهُمْ «4» الآیة .. و قد أجمع الجمیع علی ان القرآن اذا نزل بلفظ مجمل ففسره رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم و بینه كان بمنزلة القرآن المتلو فكذا سبیل
______________________________
(1) سورة: البقرة، الآیة: 269
(2) سورة: الحشر، الآیة: 7
(3) سورة: النور، الآیة: 63
(4) سورة: النساء، الآیة: 65
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 9
النسخ و احتجوا بآیات من القرآن تأولوها علی نسخ القرآن بالسنة ستمر فی السور إن شاء اللّه تعالی .. و احتج من قال لا ینسخ القرآن إلا بقرآن بقوله عز و جل نَأْتِ بِخَیْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها «1» و بقوله قُلْ ما یَكُونُ لِی أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِی «2» .. و أصحاب القول الاول یقولون لم ینسخه من قبل نفسه و لكنه بوحی غیر القرآن .. و هكذا سبیل الاحكام إنما تكون من قبل اللّه عز و جل .. و قد روی الضحاك عن ابن عباس نأت بخیر منها أو مثلها نجعل مكانها أنفع لكم منها و أخف علیكم أو مثلها فی المنفعة أو ننساها یقول أو نتركها كما هی فلا ننسخها ..
و احتج أصحاب القول الثالث فی ان السنة لا ینسخها الا سنة لأن السنة هی المبیّنة للقرآن فلا ینسخها و الحجة علیهم أن القرآن هو المبین نبوة رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم و الأمر بطاعته فكیف لا ینسخ قوله .. و فی هذا أیضا أشیاء قاطعة قال اللّه تبارك و تعالی فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَی الْكُفَّارِ «3» فنسخ بهذا ما فارق النبی صلّی اللّه علیه و سلّم المشركین علیه .. و من هذا أن بكر بن سهل حدثنا قال حدثنا عبد اللّه بن یوسف قال أنبأنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن الیهود جاءوا الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم فقالوا إن رجلا منا و امرأة زنیا فقال لهم النبی صلّی اللّه علیه و سلّم ما تجدون فی التوراة فی شأن الرجم قالوا نجلدهم و یفضحون فقال لهم عبد اللّه بن سلام كذبتم ان فیها الرجم فذهبوا فأتوا بالتوراة فنشروها فجعل رجل منهم یده علی آیة الرجم ثم قرأ ما بعدها و ما قبلها فقال عبد اللّه بن سلام ارفع یدك فرفعها فاذا فیها آیة الرجم قالوا صدق یا محمد إن فیها آیة الرجم فأمر بهما رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم فرجما قال عبد اللّه بن عمر فرأیته یجنی علی المرأة هنها الحجارة .. حكی أهل اللغة انه یقال جنی فلان علی فلان اذا أكب علیه «4» و منه الحدیث أن أبا بكر الصدیق رضی اللّه عنه جنا علی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم بعد موته و قبل بین عینیه و قال طبت حیا و میتا .. [قال أبو جعفر] و هذا من النبی صلّی اللّه علیه و سلّم لا یكون إلا من قبل أن ینزل علیه فی الزناة شی‌ء ثم نسخ اللّه تعالی فعله هذا بقوله عز و جل وَ اللَّاتِی یَأْتِینَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ «5» و ما بعده «6».
______________________________
(1) سورة: البقرة، الآیة: 106
(2) سورة: یونس، الآیة: 15
(3) سورة: الممتحنة، الآیة: 10
(4) قلت: قال ابن الأثیر فی النهایة .. و قیل هو مهموز و قیل الأصل فیه الهمز من جنأ یجنأ اذا مال علیه و عطف ثم خفف و هو لغة فی أجنأ .. و وجدت فی هامش الأصل ما نصه یجنأ بالجیم مهموز.
(5) سورة: النساء، الآیة: 15
(6) قوله و ما بعده خبر قوله و نبدأ بباب الترغیب الخ و ما بعده باب أصل النسخ و اشتقاقه.
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 10

باب أصل النسخ و اشتقاقه‌

اشتقاق النسخ من شیئین .. احدهما یقال نسخت الشمس الظل اذا أزالته و حلّت محله و نظیر هذا فَیَنْسَخُ اللَّهُ ما یُلْقِی الشَّیْطانُ «1» .. و الآخر من نسخت الكتاب اذا أنقلته من نسخته و علی هذا الناسخ و المنسوخ «2» .. و أصله أن یكون الشی‌ء حلالا الی مدة ثم ینسخ فیجعل حراما أو یكون حراما فیجعل حلالا أو یكون محظورا فیجعل مباحا أو مباحا فیجعل محظورا یكون فی الامر و النهی و الحظر و الاطلاق و الاباحة و المنع.

باب النسخ علی كم یكون من ضرب‌

أكثر النسخ فی كتاب اللّه تعالی علی ما تقدم فی الباب الذی قبل هذا أن یزال الحكم بنقل العباد عنه مشتق من نسخت الكتاب و یبقی المنسوخ متلوا. كما حدثنا محمد بن جعفر الأنباری قال حدثنا الحسن بن محمد الصباح قال حدثنا شبابة عن ورقاء عن ابن أبی نجیح عن مجاهد .. ما ننسخ من آیة قال نزیل حكمها و نثبت خطها .. و نسخ ثان. كما حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا ابن دیسم «3» قال حدثنا أبو عمرو الدوری عن الكسائی وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَ لا نَبِیٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّی أَلْقَی الشَّیْطانُ فِی أُمْنِیَّتِهِ «4» قال فی تلاوته فینسخ اللّه ما یلقی الشیطان فانه یزیله و لا یتلی و لا یثبت فی المصحف [قال أبو جعفر] و هذا مشتق من نسخت الشمس الظل .. و قد زعم أبو عبید ان هذا النسخ الثانی قد كان ینزل علی النبی صلّی اللّه علیه و سلّم السورة فترفع فلا تتلی و لا تثبت و احتج أبو عبید بأحادیث صحیحة السند و خولف أبو عبید فیما قال و الذین خالفوه علی قولین .. منهم من قال لا یجوز ما قال و لا یسلب النبی صلّی اللّه علیه و سلّم شیئا من القرآن بعد ما أنزل علیه و احتجوا بقوله تعالی وَ لَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِی أَوْحَیْنا إِلَیْكَ «5» .. و القول الآخر ان أبا عبید قد جاء بأحادیث إلا أنه غلط فی تأویلها لأن تأویلها
______________________________
(1) سورة: الحج، الآیة: 52
(2) قلت الأول الذی حكاه یتناول معنی الرفع و به قال ابن سلامة مقتصرا علیه .. قال النسخ فی كلام العرب هو الرفع للشی‌ء و جاء الشرع بما تعرف العرب اذ كان الناسخ یرفع حكم المنسوخ فلیتأمل.
(3) قلت هكذا ضبط بالاصل و قد تقدم فی باب الترغیب فی تعلم الناسخ و المنسوخ بلفظ بن دسیم مكررا فلا أدری أ هو هو أم هذا غیره و كلا الاسمین لم أقف له علی ذكر فلیحرر.
(4) سورة: الحج، الآیة: 52
(5) سورة: الإسراء، الآیة: 86
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 11
علی النسیان لا علی النسخ .. و قد تأول مجاهد و قتادة أو ننسأها علی هذا من النسیان و هو معنی قول سعد بن أبی و قاص و فیه قولان آخران عن ابن عباس قال ما ننسخ من آیة نرفع حكمها أو ننسأها نتركها فلا ننسخها و قیل ننسأها نبیح لكم تركها و علی قراءة البصریین ننسأها أحسن ما قیل فی معناه أو نتركها و نؤخرها فلا ننسخها .. و نسخ ثالث و هو من نسخت الكتاب لم یذكر أبو عبید إلا هذه الثلاثة .. و ذكر غیره رابعا قال تنزل الآیة و تتلی فی القرآن ثم تنسخ فلا تتلی فی القرآن و لا تثبت فی الخط و یكون حكمها ثابتا .. كما روی الزهری عن عبد اللّه بن عباس قال خطبنا عمر بن الخطاب قال كنا نقرأ الشیخ و الشیخة اذا زنیا فارجموهما البتة بما قضیا من اللذة [قال أبو جعفر] و إسناد الحدیث صحیح إلا أنه لیس حكمه حكم القرآن الذی نقله الجماعة عن الجماعة و لكنه سنة ثابتة .. و قد یقول الإنسان كنت اقرأ كذا لغیر القرآن .. و الدلیل علی هذا أنه قال و لو لا أنی أكره أن یقال زاد عمر فی القرآن لزدته «1».

باب الفرق بین النسخ و البداء

«2» الفرق بین النسخ و البداء أن النسخ تحویل العباد من شی‌ء قد كان حلالا فحرم أو كان
______________________________
(1) قلت ساق هذا الحدیث ابن سلامة و غیره و نص ابن سلامة و قد جعله ثانی الأضرب الثلاثة التی اقتصر علیها و حصر وجوه النسخ بها .. قال و أما ما نسخ خطه و بقی حكمه فمثل ما روی عن عمر بن الخطاب رضی اللّه عنه انه قال لو لا أن أكره أن یقول الناس ان عمر زاد فی القرآن ما لیس فیه لكتبت آیة الرجم و أثبتها و اللّه لقد قرأتها علی عهد رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم لا ترغبوا عن آبائكم فان ذلك كفر بكم الشیخ و الشیخة اذا زنیا فارجموهما البتّة نكالا من اللّه و اللّه عزیز حكیم .. قلت و النسخ الأول الذی حكاه ابن سلامة هو النسخ الثانی الذی زعمه أبو عبید .. قال و هو ما نسخ خطه و حكمه و مثل له بما روی عن أنس بن مالك رضی اللّه عنه أنه قال .. كنا نقرأ علی عهد رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم سورة نعدلها بسورة التوبة ما أحفظ منها غیر آیة واحدة و هی لو أن لابن آدم وادیین من ذهب لابتغی الیهما ثالثا و لو أن له ثالثا لابتغی الیه رابعا و لا یملأ جوف ابن آدم الا التراب و یتوب اللّه علی من تاب .. الثالث ما نسخ حكمه و بقی خطه و هو النسخ الأول الذی أورده المؤلف .. انتهی.
(2) قلت قد أشار المصنف رحمة اللّه تعالی فی مقدمة كتابه الی أنه سیذكر الفرق بین النسخ و البداء لمعارضة الیهود و الجهال فیه .. و قد وفی فیما أتی به هنا و لكنی وجدت فی ذلك كلاما لابن حزم أذكره هنا .. قال و أنكر الیهود النسخ و قالوا أنه یؤذن بالغلط و البداء و هم قد غلطوا لأن النسخ رفع عبادة قد علم الأمر أن بها خیرا ثم أن للتكلیف بها غایة ینتهی إلیها ثم یرفع الإیجاب .. و البداء هو الانتقال عن المأمور به بأمر حادث لا بعلم سابق و لا یمتنع جواز النسخ عقلا لوجهین أحدهما أن للأمر أن یأمر بما شاء و ثانیهما أن النفس اذا مرنت علی أمر ألفته فاذا نقلت عنه الی غیره شق علیها لمكان الاعتیاد المألوف فیظهر منها إذعان الانقیاد لطاعة الآمر انتهی بتصرف قلیل.
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 12
حراما فیحلل أو كان مطلقا فیحظر أو كان محظورا فیطلق أو كان مباحا فیمنع أو ممنوعا فیباح إرادة الاصلاح للعباد .. و قد علم اللّه جل ثناؤه العاقبة فی ذلك و علم وقت الأمر به أنه سینسخه الی ذلك الوقت فكان المطلق علی الحقیقة غیر المحظور .. و الصلاة كانت إلی بیت المقدس إلی وقت بعینه ثم حظرت فصیرت الی الكعبة .. و كذا قوله إِذا ناجَیْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَیْنَ یَدَیْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً «1» قد علم عز و جل أنه إلی وقت بعینه ثم ینسخه فی ذلك الوقت .. و كذا تحریم السبت كان فی وقت بعینه علی قوم ثم نسخ و أمر قوم آخرون بإباحة العمل فیه .. و كان الأول المنسوخ حكمة و صوابا ثم نسخ و أزیل بحكمة و صواب كما تزال الحیاة بالموت و كما تنقل الأشیاء .. و كذلك لم یقع النسخ فی الأخبار لما فیها من الصدق و الكذب .. و أما البداء فهو ترك ما عزم علیه كقولك فامض الی فلان ثم تقول لا تمض إلیه فیبدو لك عن القول و هذا یلحق البشر لنقصانهم .. و كذا إن قلت ازرع كذا فی هذه السنة ثم قلت لا تفعل فهذا البداء .. و ان قلت یا فلان ازرع فقد علم أنك ترید مرة واحدة و كذا النسخ اذا أمر اللّه عز و جل ثناؤه بشی‌ء فی وقت نبی أو فی وقت یتوقع فیه نبی فقد علم أنه حكمة و صواب إلی أن ینسخ .. و قد نقل من الجماعة من لا یجوز علیهم الغلط نسخ شرائع الأنبیاء علیهم السلام من لدن آدم علیه السلام إلی وقت نبینا محمد صلّی اللّه علیه و سلّم و هم الذین نقلوا علامات الأنبیاء علیهم السلام .. و قد غلط جماعة فی الفرق بین النسخ و البداء كما غلطوا فی تأویل الأحادیث حملوها علی النسخ أو علی غیر معناها.

باب ذكر بعض الاحادیث‌

فمن ذلك ما حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبد اللّه بن یوسف قال أنبأنا مالك عن عبد اللّه بن أبی بكر عن عمرة عن عائشة قالت .. كان فیما نزل من القرآن عشر رضعات معلومات یحرّمن فنسخت بخمس معلومات یحرمن فتوفی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم و هن مما نقرأ من القرآن .. [قال أبو جعفر] فتنازع العلماء هذا الحدیث لما فیه من الاشكال .. فمنهم من تركه و هو مالك بن أنس و هو راوی الحدیث و لم یروه عن عبد اللّه سواه .. و قال رضعة واحدة تحرم و أخذ بظاهر القرآن قال اللّه تعالی وَ أَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ «2» .. و ممن تركه أحمد بن حنبل
______________________________
(1) سورة: المجادلة، الآیة: 12.
(2) سورة: النساء، الآیة: 23
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 13
و أبو ثور قالا یحرم ثلاث رضعات لقول النبی صلّی اللّه علیه و سلّم: «لا تحرّم المصة و لا المصتان» ..
[قال أبو جعفر] و فی الحدیث لفظة شدیدة الإشكال و هو قولها فتوفی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم و هن مما نقرأ فی القرآن .. فقال بعض جلّة أصحاب الحدیث قد روی هذا الحدیث رجلان جلیلان أثبت من عبد اللّه بن أبی بكر قلما یذكران هذا فیها و هما القاسم بن محمد بن أبی بكر الصدیق رضی اللّه عنه و یحیی بن سعید الأنصاری .. و ممن قال بهذا الحدیث و انه لا یحرم الا بخمس رضعات الشافعی .. و أما القول فی تأویل و هن مما نقرأ فی القرآن فقد ذكرنا رد من رده و من صححه قال الذی نقرأ من القرآن و اخواتكم من الرضاعة .. و أما قول من قال إن هذا كان یقرأ بعد وفاة رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم فعظیم لأنه لو كان مما یقرأ لكانت عائشة رضی اللّه عنها قد نبهت علیه و لكان قد نقل إلینا فی المصاحف التی نقلها الجماعة الذین لا یجوز علیهم الغلط .. و قد قال اللّه تعالی إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ «1» و قال إِنَّ عَلَیْنا جَمْعَهُ وَ قُرْآنَهُ «2» و لو كان بقی منه شی‌ء لم ینقل إلینا لجاز أن یكون ما لم ینقل ناسخا لما نقل فیبطل العمل بما نقل و نعوذ باللّه من هذا فإنه كفر .. و مما یشكل من هذا ما رواه اللیث بن سعد عن یونس عن الزهری عن أبی بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام قال .. قرأ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم بمكة و النجم إذا هوی فلما بلغ أ فرأیتم اللات و العزی قال فإن شفاعتهم ترتجی فسها فلقیه المشركون و الذین فی قلوبهم مرض فسلموا علیه و فرحوا فقال إنما ذلك من الشّیطان فأنزل اللّه عز و جل وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَ لا نَبِیٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّی أَلْقَی الشَّیْطانُ فِی أُمْنِیَّتِهِ فَیَنْسَخُ اللَّهُ ما یُلْقِی الشَّیْطانُ «3» .. الآیة و قال قتادة قرئ فإن شفاعتهم ترتجی و إنهم لهم الغرانیق العلا [قال أبو جعفر] الحدیثان منقطعان و الكلام علی التأویل فیهما قریب. فقال قوم هذا علی التوبیخ لیتوهمون هذا و عندكم إن شفاعتهم ترتجی و مثله و تلك نعمة تمنها علیّ .. و قیل شفاعتهم ترتجی علی قولكم و مثله فلما رأی الشمس بازغة قال هذا ربی و مثله أین شركائی أی علی قولكم .. و قیل المعنی و الغرانیق العلا یعنی الملائكة ترتجی شفاعتهم فسها بذلك عن هذا الجواب .. و قیل إنما قال اللّه تعالی ألقی الشیطان فی أمنیته و لم یقل إنه قال كذا فیجوز أن یكون شیطان من الجن ألقی هذا و من الإنس. و مما یشكل من هذا الحدیث فی أن قوله و إن تبدوا ما فی أنفسكم أو
______________________________
(1) سورة: الحجر، الآیة: 9
(2) سورة: القیامة، الآیة: 17
(3) سورة: الحج، الآیة: 52
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 14
تخفوه یحاسبكم به اللّه نسخه لا یكلف اللّه نفسا إلا وسعها لها ما كسبت و هذا لا یجوز أن یقع فیه نسخ لأنه خبر و لكن التأویل فی الحدیث لأن فیه لما أنزل اللّه وَ إِنْ تُبْدُوا ما فِی أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ یُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ «1» اشتد علیهم و وقع فی قلوبهم منه شی‌ء عظیم فنسخ ذلك لا یُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها «2» أی فنسخ ما وقع فی قلوبكم أی أزاله و رفعه. و من هذا المشكل قوله تعالی وَ الَّذِینَ لا یَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وَ لا «3» الی قوله وَ مَنْ یَفْعَلْ ذلِكَ یَلْقَ أَثاماً یُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ یَوْمَ الْقِیامَةِ وَ یَخْلُدْ فِیهِ مُهاناً إِلَّا مَنْ تابَ وَ آمَنَ «4» ثم نسخه وَ مَنْ یَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً «5» و هذا لا یقع فیه ناسخ و لا منسوخ لأنه خبر و لكن تأویله إن صح نزل بنسخته «6» و الآیتان واحد یدلك علی ذلك وَ إِنِّی لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً «7» و من هذا یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ «8» قال عبد اللّه بن مسعود نسخهما فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ «9» أی نزل بنسختهما و هما واحد و الدلیل علی ذلك قول ابن مسعود حق تقاته أن یطاع فلا یعصی و أن یشكر فلا یكفر و أن یذكر فلا ینسی [قال أبو جعفر] هذا لا یجوز أن ینسخ لأن الناسخ هو المخالف للمنسوخ من جمیع جهاته الرافع له المزیل حكمه و هذه الاشیاء تشرح بأكثر من هذا فی موضعها من السور ان شاء اللّه تعالی.
______________________________
(1) سورة: البقرة، الآیة: 284
(2) سورة: البقرة، الآیة: 286
(3) سورة: الفرقان، الآیة: 68
(4) سورة: الفرقان، الآیة: 68- 69
(5) سورة: النساء، الآیة: 93
(6) قوله نزل بنسخته .. یرید و اللّه أعلم كما قاله الراغب فی مادة (نسخ) ما نوجده و ننزله من قولهم نسخت الكتاب ..
و قد تقدم مثله للمصنف عن أبی عبید و سماه النسخ الثالث.
(7) سورة: طه، الآیة: 82
(8) سورة: آل عمران، الآیة: 102
(9) سورة: التغابن، الآیة: 16
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 15

باب السور التی یذكر فیها الناسخ و المنسوخ «1»

فأول ذلك السورة التی یذكر فیها البقرة «2»

[باب ذكر الآیة الاولی]

حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا أبو صالح قال حدثنا معاویة بن صالح عن علیّ بن أبی طلحة عن ابن عباس قال .. فكان أول ما نسخ اللّه عز و جل من القرآن القبلة و ذلك أن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم لما هاجر الی المدینة و كان أكثرها الیهود أمره اللّه تعالی أن یستقبل بیت المقدس ففرحت الیهود بذلك فاستقبلها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم بضعة عشر شهرا و كان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم یحب قبلة إبراهیم علیه السلام فكان یدعو اللّه و ینظر الی السماء فأنزل اللّه تعالی قَدْ نَری تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِی السَّماءِ «3» الی قوله فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ «4» شطره یعنی نحوه فارتاب من ذلك الیهود و قالوا ما و لا هم عن قبلتهم التی كانوا علیها فأنزل اللّه تعالی وَ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَ الْمَغْرِبُ فَأَیْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ «5» و قال تعالی وَ ما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِی كُنْتَ عَلَیْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ یَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ یَنْقَلِبُ عَلی عَقِبَیْهِ «6» قال ابن عباس لیتمیز أهل الیقین من أهل الشرك، الشرك هنا الشك و الریبة [قال أبو جعفر] و هذا یسهل فی حفظ نسخ هذه الآیة و نذكر ما فیها من الإطالة كما شرطنا. فمن ذلك ما قرأ علیّ أحمد بن عمر عن محمد بن المثنی قال حدثنا یحیی بن حماد و حدثنا جعفر بن مجاشع قال حدثنا إبراهیم بن اسحاق قال حدثنا ابن نمیر قال حدثنا یحیی بن حماد قال حدثنا أبو
______________________________
(1) فائدة: لم یذكر المصنف رحمه اللّه تعالی السور التی لم یدخلها الناسخ و لا المنسوخ أسوة بغیره ممن صنف فی ذلك كابن سلامة و ابن حزم فانهما أفردا باب لذلك و كذا أفردا بابا لذكر السور التی دخلها الناسخ و لم یدخلها المنسوخ و كذا التی دخلها المنسوخ و لم یدخلها الناسخ .. و سنأتی علی ذكر ذلك فی آخر الكتاب فی أبواب أخر من متممات هذا العلم لتكون خدمتنا لكتاب اللّه عز و جل فی نشر هذا الكتاب و تسهیله خدمة لا یحتاج المطالع معها الی كتاب آخر ان شاء اللّه.
(2) قال ابن سلامة و ابن حزم لیس فی أم الكتاب ناسخ و لا منسوخ .. و زاد ابن سلامة لأن أولها ثناء و آخرها دعاء .. و حكیا ان سورة البقرة مدنیة بلا خلاف و قال ابن سلامة تحتوی علی ثلاثین آیة منسوخة و قد وافق المصنف فی العدد و خالفه فی ذكر الآیات و خالفهما ابن حزم .. فقال ففیها ستة و عشرون موضعا و لم یتفقوا الا فی بضع عشرة آیة و سأذكر أثناء ذلك بعض ما خالفاه فیه و ما اختلفا هما فیه.
(3) سورة: البقرة، الآیة: 144
(4) سورة: البقرة، الآیة: 144
(5) سورة: البقرة، الآیة: 144
(6) سورة: البقرة، الآیة: 115
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 16
عوانة قال حدثنا الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس قال صلّی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم بمكة الی بیت المقدس و الكعبة بین یدیه و بعد ما هاجر الی المدینة ستة عشر شهرا ثم صرف الی الكعبة [قال أبو جعفر] قال و فی حدیث البراء صلّی ستة عشر شهرا أو تسعة عشر شهرا. و روی الزهری عن عبد الرحمن بن عبد اللّه بن كعب بن مالك قال صرف النبی صلّی اللّه علیه و سلّم الی الكعبة فی جمادی الأخری و قال ابن اسحاق فی رجب و قال الواقدی فی النصف من شعبان [قال أبو جعفر] أولاها بالصواب الأول لأن الذی قال به أجل و لأن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم قدم المدینة فی شهر ربیع الاول فاذا صرف فی آخر جمادی الأخری الی الكعبة صار ذلك ستة عشر شهرا كما قال ابن عباس .. و أیضا فاذا صلّی الی الكعبة فی جمادی الاخری فقد صلّی الیها فیما بعدها فعلی قول ابن عباس إن اللّه عز و جل كان أمره بالصلاة الی بیت المقدس ثم نسخه ..
قال غیره بل نسخ فعله و لم یكن أمره بالصلاة الی بیت المقدس و لكن النبی صلّی اللّه علیه و سلّم كان یتبع آثار الأنبیاء قبله حتی یؤمر بنسخ ذلك .. و قال قوم بل نسخ قوله .. فأینما تولوا فثم وجه اللّه بالأمر بالصلاة الی الكعبة [قال أبو جعفر] أولی الاقوال بالصواب الأول و هو صحیح و الذی یطعن فی إسناده یقول ابن أبی طلحة لم یسمع من ابن عباس و إنما أخذ التفسیر من مجاهد و عكرمة [قال أبو جعفر] و هذا القول لا یوجب طعنا لأنه أخذه عن رجلین ثقتین و هو فی نفسه ثقة صدوق. و قد حدثنی أحمد بن محمد الأزدی قال سمعت علیّ بن الحسین یقول سمعت الحسن بن عبد الرحمن بن فهم یقول سمعت أحمد بن حنبل یقول بمصر كتاب التأویل عن معاویة بن صالح «1» لو أن رجلا رحل الی مصر فكتبه ثم انصرف به ما كانت رحلته عندی تذهب باطلا .. فأما أن تكون الآیة ناسخة لقوله تعالی فَأَیْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ فبعید لأنها تحتمل أشیاء سنبینها فی ذكر الآیة الثانیة.

باب ذكر الآیة الثانیة من هذه السورة

قال اللّه تعالی وَ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَ الْمَغْرِبُ فَأَیْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ واسِعٌ عَلِیمٌ «2» .. و للعلماء فی هذه ستة أقوال .. قال قتادة هی منسوخة و ذهب الی أن المعنی
______________________________
(1) قلت یتوجه ذكر هذا تعدیلا من الإمام أحمد لابن أبی طلحة علی أنه قال فیه له أشیاء منكرات حكی ذلك عنه فی الخلاصة و اللّه أعلم.
(2) سورة: البقرة، الآیة: 115
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 17
صلوا كیف شئتم فإن المشرق و المغرب للّه عز و جل فحیث استقبلتم فثم وجه اللّه لا یخلو منه مكان كما قال تعالی ما یَكُونُ مِنْ نَجْوی ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَ لا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ «1» .. قال ابن زید كانوا ینحون أن یصلوا الی أی قبلة شاءوا لأن المشارق و المغارب للّه جل ثناؤه فأنزل اللّه تعالی فأینما تولوا فثم وجه اللّه فقال النبی صلّی اللّه علیه و سلّم: «هؤلاء یهود قد استقبلوا بیتا من بیوت اللّه تعالی یعنی بیت المقدس فصلوا إلیه فصلّی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم و أصحابه بضعة عشر شهرا فقالت الیهود ما اهتدی لقبلة حتی هدیناه فكره النبی صلّی اللّه علیه و سلّم قولهم و رفع طرفه الی السماء فأنزل اللّه تعالی قَدْ نَری تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِی السَّماءِ» «2» [قال أبو جعفر] فهذا قول .. و قال مجاهد فی قوله تعالی فَأَیْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ معناه أینما تولوا من مشرق أو مغرب فثم جهة اللّه التی أمر بها و هی استقبال الكعبة فجعل الآیة ناسخة و جعل قتادة و ابن زید الآیة منسوخة .. و قال إبراهیم النخعی من صلّی فی سفر و مطر و ظلمة شدیدة الی غیر القبلة و لم یعلم فلا إعادة علیه فأینما تولوا فثم وجه اللّه .. و القول الرابع أن قوما قالوا لما صلّی النبی صلّی اللّه علیه و سلّم علی النجاشی صلّی علیه و كان یصلی الی غیر قبلتنا فأنزل اللّه عز و جل وَ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَ الْمَغْرِبُ «3» .. و القول الخامس أن المعنی أدعوا كیف شئتم مستقبلی القبلة و غیر مستقبلیها فأینما تولوا فثم وجه اللّه یستجیب لكم .. و القول السادس من أجلها قولا و هو أن المصلی فی السفر علی راحلته النوافل جائز له أن یصلی الی قبلة و الی غیر قبلة [قال أبو جعفر] و هذا القول علیه فقهاء الأمصار و یدلك علی صحته أنه قرأ علی أحمد بن شعیب عن محمد بن المثنی و عمرو بن علی عن یحیی بن سعید عن عبد الملك قال حدثنا سعید بن جبیر عن ابن عمر أن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم كان یصلی و هو مقبل من مكة الی المدینة علی دابته و فی ذلك أنزل اللّه فَأَیْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ «3» قال أنبأنا قتیبة بن سعید عن مالك عن عبد اللّه بن دینار و عن ابن عمر أن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم كان یصلی علی راحلته حیثما توجهت به [قال أبو جعفر] و الصواب أن یقال إن الآیة لیست بناسخة و لا منسوخة لأن العلماء قد تنازعوا القول فیها و هی محتملة لغیر النسخ و ما كان محتملا لغیر النسخ لم یقل فیه ناسخ و لا منسوخ إلا بحجة یجب التسلیم لها .. فأما ما كان یحتمل المجمل و المفسر و العموم
______________________________
(1) سورة: المجادلة، الآیة: 7
(2) سورة: البقرة، الآیة: 144
(3) سورة: البقرة، الآیة: 115
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 18
و الخصوص فعن النسخ بمعزل و لا سیما مع هذا الاختلاف و قد اختلفوا أیضا فی الآیة الثالثة «1».

باب ذكر الآیة الثالثة من هذه السورة

قال اللّه جل من قائل حافِظُوا عَلَی الصَّلَواتِ وَ الصَّلاةِ الْوُسْطی «1» الآیة [قال أبو جعفر] أما ما ذكر فی الحدیث فالصلاة الوسطی صلاة العصر .. و یقال إن هذا نسخ أی رفع .. و یقال إن هذه قراءة علی التفسیر أی حافظوا علی الصلوات و الصلاة الوسطی و هی صلاة العصر .. فأما وَ قُومُوا لِلَّهِ قانِتِینَ «2» فمن الناس من یقول القنوت القیام .. و منهم من یقول القنوت بحدیث عمرو بن الحارث عن دراج عن أبی الهیثم عن أبی سعید الخدری عن النبی صلّی اللّه علیه و سلّم قال .. «كل قنوت فی القرآن فهو طاعة» .. و قال قوم و قوموا للّه قانتین ناسخ للكلام فی الصلاة [قال أبو جعفر] فهذا أحسن ما قیل فیه. كما قرأ علیّ أحمد بن شعیب عن سوید بن نصر عن عبد اللّه بن المبارك عن اسماعیل بن أبی خالد عن الحارث بن شبل عن أبی عمرو الشیبانی عن زید بن أرقم .. قال كنا نتكلم فی الصلاة فی عهد رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم یتكلم أحد منا بحاجته حتی نزلت وَ قُومُوا لِلَّهِ قانِتِینَ فنهینا حینئذ عن الكلام [قال أبو جعفر] و هذا اسناد صحیح و هو موافق للقول الاول ان القنوت الطاعة أی قوموا مطیعین فیما أمركم به من ترك الكلام فی الصلاة فصح أن الآیة ناسخة للكلام فی الصلاة [قال أبو جعفر] فهذا ما فی هذه السورة من الناسخ و المنسوخ فی أمر الصلاة و هی ثلاث آیات و الآیة الرابعة فی القصاص.

باب ذكر الآیة الرابعة

یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَیْكُمُ الْقِصاصُ فِی الْقَتْلی الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَ الْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَ الْأُنْثی بِالْأُنْثی فَمَنْ عُفِیَ لَهُ مِنْ أَخِیهِ شَیْ‌ءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَ أَداءٌ إِلَیْهِ بِإِحْسانٍ «3» الی آخر
______________________________
(1) قال ابن حزم .. و الآیة الرابعة قوله تعالی وَ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَ الْمَغْرِبُ هذا محكم منسوخ منها قوله فَأَیْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ الآیة و ناسخها قوله تعالی وَ حَیْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ .. و كذا قال ابن سلامة و هی عنده الآیة الخامسة .. و حكی ذلك أیضا الواحدی فی أسباب النزول معتمدا علی روایة ابن أبی طلحة.
(2) سورة: البقرة، الآیة: 238
(3) سورة: البقرة، الآیة: 178
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 19
الآیة .. فی هذه الآیة موضعان أحدهما الحر بالحر و العبد بالعبد و الأنثی بالأنثی فیه خمسة أقوال .. منها ما حدثنا علیل بن أحمد قال حدثنا محمد بن هشام السدوسی قال حدثنا عاصم بن سلیمان قال حدثنا جویبر عن الضحاك عن ابن عباس .. الحر بالحر و العبد بالعبد و الأنثی بالأنثی قال نسختها و كتبنا علیهم فیها أن النفس بالنفس .. و روی ابن أبی طلحة عن ابن عباس قال كان الرجل لا یقتل بالمرأة و لكن یقتل الرجل بالرجل و المرأة بالمرأة فنزلت ان النفس بالنفس [قال أبو جعفر] فهذا قول .. و قال الشعبی نزلت فی قوم تقاتلوا فقتل بینهم خلق فنزل هذا لأنهم قالوا لا یقتل بالعبد منا إلا الحر و لا بالأنثی إلا الذكر .. و قال السدی فی الفریقین وقعت بینهم قتلی فأمر النبی صلّی اللّه علیه و سلّم أن یقاص بینهم دیات النساء بدیات النساء و دیات الرجال بدیات الرجال .. و القول الرابع قول الحسن البصری رواه عنه قتادة و عوف و زعم أنه قول علیّ بن أبی طالب رضی اللّه عنه .. قال هذا علی التراجع اذا قتل رجل امرأة كان أولیاء المرأة بالخیار إن شاء و اقتلوا الرجل و أدوا نصف الدیة و ان شاءوا أخذوا الدیة كاملة و اذا قتل رجل عبدا فإن شاء مولی العبد أن یقتل الرجل و یؤدی بقیة الدیة بعد ثمن العبد «1» و اذا قتل عبد رجلا فان شاء أولیاء الرجل أن یقتلوا العبد و یأخذوا بقیة الدیة و ان شاءوا أخذوا الدیة .. و القول الخامس أن الآیة معمول بها بقتل الحر بالحر و العبد بالعبد و الأنثی بالأنثی بهذه الآیة و بقتل الرجل بالمرأة و المرأة بالرجل و الحر بالعبد و العبد بالحر لقوله تعالی وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِیِّهِ سُلْطاناً «2» و بقول رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم: «الذی تقتله الجماعة المؤمنون تتكافأ دماؤهم» فهو صحیح عن النبی صلّی اللّه علیه و سلّم. كما قرأ علیّ أحمد بن شعیب عن محمد بن المثنی قال حدثنا یحیی بن سعید قال حدثنا سعید عن قتادة عن الحسن عن قیس ابن عباد قال .. انطلقت أنا و الاشتر الی علیّ بن أبی طالب رضی اللّه عنه فقلنا هل عهد الیك نبی اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم شیئا لم یعهده إلی الناس قال لا إلا ما فی كتابی هذا فأخرج كتابا من قراب سیفه فاذا فیه المؤمنون تكافأ دماؤهم و هم ید علی ما سواهم و یسعی بذمتهم أدناهم لا
______________________________
(1) قلت: هذا علی ان دیة العبد علی النصف من دیة الحر .. و المحفوظ عن علی رضی اللّه عنه كما حكاه الامام أبو بكر أحمد بن عمرو النبیل و أبو عاصم الضحاك فی كتاب الدیات له بسنده عن عمرو بن شعیب عن أبیه عن جده ان أبا بكر و عمر رضی اللّه عنهما كانا یقولان الحر یقتل بالعبد .. و قال و روی عن علی و عبد اللّه (أی ابن عمر) انهما قالا اذا قتل الحر العبد فهو قود .. ثم قال و حدثنا عن عبد الرحیم عن لیث عن الحكم و سعید بن المسیب و إبراهیم و الشعبی مثله.
(2) سورة: الإسراء، الآیة: 33
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 20
یقتل مؤمن بكافر و لا ذو عهد فی عهده من أحدث حدثا فعلی نفسه و من آوی محدثا فعلیه لعنة اللّه و الملائكة و الناس أجمعین [قال أبو جعفر] فسوی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم بین المؤمنین فی الدنیا شریفهم و وضیعهم و حرهم و عبدهم .. و هذا قول الكوفیین فی العبد خاصة .. فأما فی الذكر و الأنثی فلا اختلاف بینهم الا ما ذكرناه من التراجع .. و الموضع الآخر فَمَنْ عُفِیَ لَهُ مِنْ أَخِیهِ شَیْ‌ءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ «1» الآیة .. قیل هی ناسخة لما كان علیه بنو اسرائیل من القصاص بغیر دیة. كما حدثنا أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبد الرزاق قال أنبأنا معمر عن ابن أبی نجیح عن مجاهد و ابن عیینة عن عمرو بن دینار عن مجاهد عن ابن عباس .. قال كان القصاص فی بنی اسرائیل و لم تكن الدیة فقال اللّه عز و جل لهذه الأمة فَمَنْ عُفِیَ لَهُ مِنْ أَخِیهِ شَیْ‌ءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ قال عفوه أن یقبل الدیة فی العمد و اتباع بالمعروف من الطالب و یؤدی الیه المطلوب باحسان ذلِكَ تَخْفِیفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَ رَحْمَةٌ «2» عما كتب علی من كان قبلكم [قال أبو جعفر] یكون التقدیر فمن صفح له عن الواجب علیه من الدم فأخذت منه الدیة .. و قیل عفی بمعنی كثر من قوله عز و جل حتی عفوا .. و قیل كتب معنی فرض علی التمثیل و قیل كتب علیكم فی اللوح المحفوظ «3» ..
و كذا كتب فی آیة الوصیة و هی الآیة الخامسة.

باب ذكر الآیة الخامسة

قال جل ثناؤه كُتِبَ عَلَیْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَیْراً الْوَصِیَّةُ لِلْوالِدَیْنِ وَ الْأَقْرَبِینَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَی الْمُتَّقِینَ «4» فی هذه الآیة خمسة أقوال .. فمن قال ان
______________________________
(1) سورة: البقرة، الآیة: 178
(2) قلت قوله حتی عفوا .. هكذا وقع لنا فی الأصل و أما عفا بمعنی كثر فقد حكاه الراغب فی مفرداته و ابن الاثیر فی نهایته و مثلا له بحدیث أمره صلّی اللّه علیه و سلّم باعفاء اللحی و هو أن یوفر شعرها فلا یقصه من عفا الشی‌ء اذا كثر.
(3) قلت قال ابن حزم و ابن سلامة قوله تعالی كُتِبَ عَلَیْكُمُ الْقِصاصُ فِی الْقَتْلی الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَ الْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَ الْأُنْثی بِالْأُنْثی قالا الی هنا موضع النسخ و باقی الآیة محكم قالا و اللفظ لابن سلامة و أجمع المفسرون علی نسخ ما فیها من المنسوخ و اختلفوا فی ناسخها فقال العراقیون و جماعة ناسخها الآیة التی فی المائدة و هی قوله تعالی وَ كَتَبْنا عَلَیْهِمْ فِیها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ الآیة و قال الحجازیون و جماعة ناسخها الآیة التی فی بنی اسرائیل وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِیِّهِ سُلْطاناً فَلا یُسْرِفْ فِی الْقَتْلِ قالا و قتل الحر بالعبد اسراف و كذلك قتل المسلم بالكافر .. ثم حكی ابن سلامة قول العراقیین بجواز قتل المسلم.
(4) سورة: البقرة، الآیة: 180
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 21
القرآن یجوز أن ینسخ بالسنة قال نسخها لا وصیة لوارث .. و من قال من الفقهاء لا یجوز أن ینسخ القرآن إلا قرآن قال نسخها الفرائض. كما حدثنا علیّ بن الحسین عن الحسن بن محمد قال حدثنا حجاج عن ابن جریج و عثمان بن عطاء عن عطاء عن ابن عباس فی قوله الْوَصِیَّةُ لِلْوالِدَیْنِ وَ الْأَقْرَبِینَ «1» فإن كان ولد الرجل یرثونه فللوالدین و الأقربین الوصیة فنسخها لِلرِّجالِ نَصِیبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ «2» و قال مجاهد نسخها یُوصِیكُمُ اللَّهُ فِی أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَیَیْنِ «3» الآیة .. و القول الثالث قاله الحسین قال نسخت الوصیة للوالدین و ثبتت للأقربین الذین لا یرثون و كذا روی ابن أبی طلحة عن ابن عباس .. و قال الشعبی و النخعی الوصیة للوالدین و الأقربین علی الندب لا علی الحتم ..
و القول الخامس أن الوصیة للوالدین و الأقربین واجبة بنص الكتاب إذ كانوا لا یرثون [قال أبو جعفر] و هذا قول الضحاك و طاوس «4». قال طاوس من أوصی لأجنبی و له أقرباء انتزعت الوصیة فردت الی الأقرباء قال الضحاك من مات و له شی‌ء و لم یوص لأقربائه فقد مات علی معصیة اللّه عز و جل و قال الحسن اذا أوصی رجل لقوم غرباء بثلثه و له أقرباء أعطی الغرباء ثلث الثلث ورد الباقی علی الأقرباء [قال أبو جعفر] تنازع العلماء معنی هذه الآیة و هی متلوة فالواجب أن یقال أنها منسوخة لأن حكمها لیس ینافی حكم ما فرض اللّه من الفرائض فوجب أن یكون كُتِبَ عَلَیْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ «5» الآیة .. كقوله عز و جل كُتِبَ عَلَیْكُمُ الصِّیامُ «6».

باب ذكر قوله كتب علیكم الصیام كما كتب علی الذین من قبلكم لعلكم تتقون‌

و هی الآیة السادسة [قال أبو جعفر] فی هذه الآیة خمسة أقوال .. قال جابر بن سمرة هی ناسخة لصوم یوم عاشوراء یذهب الی أن النبی صلّی اللّه علیه و سلّم أمر بصوم یوم عاشوراء فلما فرض
______________________________
(1) سورة: البقرة، الآیة: 180
(2) سورة: النساء، الآیة: 7
(3) سورة: النساء، الآیة: 11
(4) قلت و حكاه ابن سلامة عن الحسن البصری أیضا و العلاء بن زید و مسلم بن یسار بعد حكایته مذهب من قال انها منسوخة و ناسخها الكتاب و السنة .. و قال ابن حزم هی منسوخة و ناسخها قوله تعالی یُوصِیكُمُ اللَّهُ فِی أَوْلادِكُمْ الآیة.
(5) سورة: البقرة، الآیة: 180
(6) سورة: البقرة، الآیة: 183
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 22
صیام شهر رمضان نسخ ذلك فمن شاء صام یوم عاشوراء و من شاء أفطر و إن كان قد صح عن النبی صلّی اللّه علیه و سلّم من حدیث أبی قتادة صوم عاشوراء یكفر سنة مستقبلة .. و قال عطاء كُتِبَ عَلَیْكُمُ الصِّیامُ كَما كُتِبَ عَلَی الَّذِینَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ «1» كتب علیكم صیام ثلاثة أیام من كل شهر [قال أبو جعفر] فهذان قولان علی أن الآیة ناسخة .. و قال أبو العالیة و السدی هی منسوخة لأن اللّه تعالی كتب علی من قبلنا اذا نام بعد المغرب لم یأكل و لم یقرب النساء ثم كتب ذلك علینا فقال تعالی كُتِبَ عَلَیْكُمُ الصِّیامُ كَما كُتِبَ عَلَی الَّذِینَ مِنْ قَبْلِكُمْ ثم نسخه بقوله عز و جل أُحِلَّ لَكُمْ لَیْلَةَ الصِّیامِ الرَّفَثُ إِلی نِسائِكُمْ «2» و بما بعده .. و القول الرابع أن اللّه تعالی كتب علینا الصیام شهرا كما كتب علی الذین من قبلنا و ان نفعل كما كانوا یفعلون من ترك الأكل و الوطء بعد النوم ثم أباح الوطء بعد النوم الی طلوع الفجر .. و القول الخامس أنه كتب علینا الصیام و هو شهر رمضان كما كتب صوم شهر رمضان علی من قبلنا .. قال مجاهد كتب اللّه صوم شهر رمضان علی كل أمة و قال قتادة كتب اللّه صوم شهر رمضان علی من قبلنا و هم النصاری [قال أبو جعفر] و هذا أشبه ما فی هذه الآیة و فی حدیث یدل علی صحته قد مر قبل هذا غیر مسند ثم كتبناه مسندا عن محمد بن محمد بن عبد اللّه. قال حدثنا اللیث بن الفرج قال حدثنا معاذ بن هشام عن أبی عبد اللّه الدستوائی قال حدثنی أبی عن قتادة عن الحسن عن دغفل بن حنظلة عن النبی صلّی اللّه علیه و سلّم:
«قال .. كان علی النصاری صوم شهر رمضان فمرض رجل منهم فقالوا لئن اللّه عز و جل شفاه لنزیدن عشرا ثم كان آخر فأكل لحما فأوجع فاه فقالوا لئن اللّه عز و جل شفاه لنزیدن سبعا ثم كان ملك آخر فقال لنتمن هذه السبعة الایام و نجعل صومنا فی الربیع قال فصار خمسین» [قال أبو جعفر] اما قول عطاء إنها ناسخة لصوم ثلاثة أیام فغیر معروف و قول من قال نسخ منها ترك الأكل و الوطء بعد النوم لا یمتنع و قد تكون الآیة ینسخ منها الشی‌ء «3» ..
كما قیل فی الآیة السابعة.
______________________________
(1) سورة: البقرة، الآیة: 183
(2) سورة: البقرة، الآیة: 187
(3) قال ابن حزم و ابن سلامة الآیة منسوخة .. و قال ابن سلامة اختلف الناس فی الإشارة (أی فی قوله) كَما كُتِبَ عَلَی الَّذِینَ مِنْ قَبْلِكُمْ إلی من هی فقالت طائفة هی الأمم الخالیة و ذلك أن اللّه تعالی ما أرسل نبیا إلا و فرض علیه و علی أمته صیام شهر رمضان فكفرت الأمم كلها و آمنت به أمة محمد صلّی اللّه علیه و سلّم فیكون التنزیل علی هذا الوجه مدحا لهذه الأمة و قال الآخرون الإشارة إلی النصاری.
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 23

باب باب ذكر الآیة السابعة

قال اللّه عز و جل وَ عَلَی الَّذِینَ یُطِیقُونَهُ فِدْیَةٌ طَعامُ مِسْكِینٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَیْراً فَهُوَ خَیْرٌ لَهُ وَ أَنْ تَصُومُوا خَیْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ «1» [قال أبو جعفر] فی هذه الآیة أقوال أصحها منسوخة .. شأو الآیة یدل علی ذلك و النظر و التوقف من رجلین من أصحاب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم كما قرأ علیّ أحمد بن شعیب عن قتیبة بن سعید. قال حدثنا بكر بن مضر عن عمرو بن الحارث عن بكیر عن یزید مولی سلمة بن الأكوع عن سلمة بن الأكوع قال .. لما نزلت هذه الآیة وَ عَلَی الَّذِینَ یُطِیقُونَهُ فِدْیَةٌ طَعامُ مِسْكِینٍ كان من شاء منا صام و من شاء أن یفتدی فعل حتی نسختها الآیة التی بعدها [قال أبو جعفر] حدثنا علی بن الحسین عن الحسن بن محمد قال حدثنا حجاج عن ابن جریج و عثمان بن عطاء عن عطاء عن ابن عباس فی قول اللّه عز و جل وَ عَلَی الَّذِینَ یُطِیقُونَهُ فِدْیَةٌ طَعامُ مِسْكِینٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَیْراً قال كان الرجل یصبح صائما و المرأة فی شهر رمضان ثم إن شاء أفطر و أطعم مسكینا فنسختها فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْیَصُمْهُ «2» [قال أبو جعفر] فهذا قول .. و قال السدی و علی الذین یطیقونه كان الرجل یصوم من رمضان ثم یعرض له العطش فأطلق له الفطر و كذا الشیخ الكبیر و المرضع و یطعمون عن كل یوم مسكینا فمن تطوع خیرا فأطعم مسكینین فهو خیر له ..
و قال الزهری فمن تطوع خیرا صام و أطعم مسكینا فهو خیر له و قیل المعنی الذی یطیقونه علی جهد [قال أبو جعفر] الصواب أن یقال الآیة منسوخة بقول اللّه عز و جل فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْیَصُمْهُ لأن من لم یجعلها منسوخة جعلها مجازا قال المعنی یطیقونه علی جهد أو قال كانوا یطیقونه فأضمر كان و هو مستغن عن هذا و قد اعترض قوم بقراءة من قرأ یطوّقونه و یطوقونه و لا یجوز لأحد أن یعترض بالشذوذ علی ما نقلته جماعة المسلمین فی قراءتهم و فی مصاحفهم ظاهرا مكشوفا و ما نقل علی هذه الصورة فهو الحق الذی لا یشك فیه أنه من عند اللّه و محظور علی المسلمین أن یعارضوا ما ثبتت به الحجة و العلماء قد احتجوا بهذه الآیة و ان كانت منسوخة لأنها ثابتة فی الخط و هذا لا یمتنع و قد أجمع العلماء علی أن قوله تعالی وَ اللَّاتِی یَأْتِینَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَیْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ «3»
______________________________
(1) سورة: البقرة، الآیة: 184
(2) سورة: البقرة، الآیة: 185
(3) سورة: النساء، الآیة: 15
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 24
أنه منسوخ و تبینوا منها شهادة أربعة فی الزنا فكذا و علی الذین یطیقونه فدیة طعام مسكین فان كانت منسوخة ففیها حجة أنه قد أجمع العلماء علی أن المشایخ و العجائز الذین لا یطیقون الصیام أو یطیقونه علی مشقة شدیدة فلهم الإفطار .. و قال ربیعة و مالك لا شی‌ء علیهم إذا أفطروا غیر أن مالكا قال لو أطعموا عن كل یوم مسكینا مدا كان أحب الیّ و قال أنس بن مالك و ابن عباس و قیس بن السائب و أبو هریرة علیهم الفدیة و هو قول الشافعی اتباعا منه لقول الصحابة و هذا أصل من أصوله و حجة أخری فیمن قال علیهم الفدیة إن هذا لیس بمرض و لا هم مسافرون فوجبت علیهم الفدیة لقول اللّه تعالی وَ عَلَی الَّذِینَ یُطِیقُونَهُ فِدْیَةٌ طَعامُ مِسْكِینٍ «1» و الحجة لمن قال لا شی‌ء علیهم أنه من أفطر ممن أبیح له الفطر فإنما علیه القضاء اذا وصل الیه و هؤلاء لا یصلون الی القضاء و أموال الناس محظورة إلا بحجة یجب التسلیم لها و لم یأت ذلك .. و مما وقع فیه الاختلاف الحبلی و المرضع اذا خافتا علی و لدیهما فأفطرتا .. فمن الناس من یقول علیهما القضاء بلا كفارة هذا قول الحسن و عطاء و الضحاك و إبراهیم و هو قول أهل المدینة .. و قال ابن عمر و مجاهد علیهما القضاء و الكفارة و هو قول الشافعی .. و قول ابن عباس و سعید بن جبیر و عكرمة علیهم الفدیة و لا قضاء علیهما و الحجة لمن قال علیهما القضاء بلا كفارة أن من أفطر و هو مأذون له فی الفطر فانما علیه یوم یصومه كالیوم الذی أفطره و حجة من قال علیهما القضاء و الكفارة أنهما أفطرتا من أجل غیرهما فعلیهما القضاء لتكمل العدة و علیهما الكفارة لقول اللّه عز و جل وَ عَلَی الَّذِینَ یُطِیقُونَهُ فِدْیَةٌ طَعامُ مِسْكِینٍ و حجة من قال علیهما الفدیة من غیر قضاء الآیة و لیس فی الآیة قضاء و احتج العلماء بالآیة و ان كانت منسوخة و كان بعضهم یقول لیست بمنسوخة و الصحیح أنها منسوخة «2» .. و الآیة الثامنة ناسخها باجماع.

باب ذكر الآیة الثامنة

قال اللّه عز و جل أُحِلَّ لَكُمْ لَیْلَةَ الصِّیامِ الرَّفَثُ إِلی نِسائِكُمْ «3» الآیة .. قال أبو
______________________________
(1) سورة: البقرة، الآیة: 184
(2) قلت و كذا قال ابن حزم و ابن سلامة و نص كلامهما الآیة نصفها منسوخ و ناسخها قوله تعالی فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ الآیة.
(3) سورة: البقرة، الآیة: 187
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 25
العالیة و عطاء هی ناسخة لقوله تعالی كَما كُتِبَ عَلَی الَّذِینَ مِنْ قَبْلِكُمْ «1» و قال غیرهما هی ناسخة لفعلهم الذی كانوا یفعلونه. حدثنا جعفر بن مجاشع قال حدثنا إبراهیم بن اسحاق قال حدثنا أحمد بن عبد الملك قال حدثنا زهیر قال حدثنا أبو اسحاق عن البراء .. أن الرجل منهم كان اذا نام قبل أن یتعشی فی رمضان لم یحل له أن یأكل لیلته و من الغد حتی یكون اللیل حتی نزلت وَ كُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتَّی یَتَبَیَّنَ لَكُمُ الْخَیْطُ الْأَبْیَضُ مِنَ الْخَیْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ «2» نزلت فی أبی قیس «3» و هو ابن عمرو أتی أهله و هو صائم یعنی بعد المغرب فقال هل عندكم من شی‌ء فقالت له امرأته لا تنم حتی أخرج فألتمس شیئا فلما رجعت وجدته نائما فقالت لك الخیبة فبات و أصبح صائما الی ارتفاع النهار فغشی علیه فنزلت و كلوا و اشربوا حتی یتبین .. و قال كعب بن مالك فی رمضان اذا نام أحدهم بعد المساء حرم علیه الطعام و الشراب و النساء فسمر عمر بن الخطاب رضی اللّه عنه عند النبی صلّی اللّه علیه و سلّم لیلة فأتی منزله فأراد امرأته فقالت انی قد نمت فقال ما نمت فوقع علیها و صنع كعب بن مالك مثل ذلك فأتی عمر النبی صلّی اللّه علیه و سلّم فأخبره فنزلت عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَیْكُمْ وَ عَفا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَ ابْتَغُوا ما كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ «4» الآیة و اتفقت الاقوال أنها ناسخة إما بفعلهم و إما بالآیة فذلك غیر متناقض و فی هذه الآیة وَ لا تُبَاشِرُوهُنَّ وَ أَنْتُمْ عاكِفُونَ فِی الْمَساجِدِ «4» .. قال الضحاك كانوا یجامعوهن و هم معتكفون فی المساجد فنزلت یعنی هذه الآیة .. و قال مجاهد كانت الأنصار تجامع یعنی فی الاعتكاف .. قال الشافعی فدل أن المباشرة قبل نزول الآیة كانت مباحة فی الاعتكاف حتی نسخت بالنهی عنه و قال اللّه أعلم .. و اختلف العلماء فی الآیة التاسعة و الصحیح أنه لا نسخ فیها.

باب ذكر الآیة التاسعة

.. قال اللّه عز و جل وَ قُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً .. قال سعید عن قتادة فنسختها آیة السیف و قال عطاء (و قولوا للنّاس كلّهم حسنا) .. قال سفیان قولوا للناس حسنا مروهم بالمعروف و انهوهم عن المنكر و هذا أحسن ما قیل فیها لأن الأمر بالمعروف و النهی عن المنكر فرض
______________________________
(1) سورة: البقرة، الآیة: 183
(2) سورة: البقرة، الآیة: 187
(3) قلت: سماه ابن حزم صرمة .. و قال ابن سلامة صرمة بن قیس بن أنس من بنی النجار.
(4) سورة: البقرة، الآیة: 187
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 26
من اللّه كما قال وَ لْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ یَدْعُونَ إِلَی الْخَیْرِ وَ یَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ یَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ «1» فجمیع المنكر النهی عنه فرض و الأمر بالمعروف و النهی عن المنكر من الفرائض و عن النبی صلّی اللّه علیه و سلّم لتأمرون بالمعروف و لتنهن عن المنكر و لتأطران علیه أطرا «2» أو لیعمنكم اللّه بعذاب .. فصح أن الآیة غیر منسوخة و ان المعنی وَ قُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً «3» أدعوهم الی اللّه كما قال اللّه جل ثناؤه ادْعُ إِلی سَبِیلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ «4» .. و البیّن فی الآیة العاشرة أنها منسوخة و اللّه أعلم.

باب ذكر الآیة العاشرة

قال اللّه عز و جل یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا «5» قرأ علیّ عبد اللّه بن الصفراء بن نصر عن زیاد بن أیوب عن هاشم قال حدثنا عبد الملك عن عطاء یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا قال كانت لغة الأنصار فی الجاهلیة فنزلت هذه الآیة [قال أبو جعفر] فنسخ هذا ما كان مباحا قوله .. و كان السبب فی ذلك أن الیهود كانت هذه الكلمة فیهم سبا «6» فنسخها اللّه من كلام المسلمین لئلا یتخذ الیهود ذلك سببا الی سب النبی صلّی اللّه علیه و سلّم .. قال مجاهد كانت فیهم سبا فنسخها اللّه من كلام المسلمین لئلا یتخذ الیهود ذلك سببا الی سب النبی صلّی اللّه علیه و سلّم قال مجاهد راعنا خلافا و هذا ما لا یعرف فی اللغة .. و معنی راعنا عند العرب فرّغ لنا سمعك و تفهم عنا و منه أرعنی سمعك [قال أبو جعفر] و لراعنا موضع آخر یكون من الرعیة و هی الرقبة .. و أما قراءة الحسن راعنا بالتنوین فشاذة و محظور علی المسلمین أن یقرءوا بالشواذ و أن یخرجوا عما قامت به الحجة مما أدته الجماعة .. و البیّن فی الآیة الإحدی عشرة أنه قد نسخ منها.
______________________________
(1) سورة: آل عمران، الآیة: 104
(2) قال ابن الاثیر فی تفسیره لحدیث .. حتی تأخذوا علی یدی الظالم و تأطروه علی الحق أطرا .. قال أی تعطفوه علیه.
(3) سورة: البقرة، الآیة: 83
(4) سورة: النحل، الآیة: 125
(5) سورة: البقرة، الآیة: 104
(6) قال الراغب .. لا تقولوا راعنا .. و راعنا لیا بألسنتهم. كان ذلك قولا یقولونه للنبی صلّی اللّه علیه و سلّم علی سبیل التهكم یقصدون رمیه بالرعونة و یوهمون أنهم یقولون راعنا أی احفظنا.
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 27

باب ذكر الآیة الإحدی عشرة

قال اللّه عز و جل وَدَّ كَثِیرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ یَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِیمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَیَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَ اصْفَحُوا حَتَّی یَأْتِیَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ «1» الآیة.
حدثنا جعفر بن مجاشع قال حدثنا إبراهیم بن اسحاق قال حدثنا حسین قال حدثنا عمرو قال حدثنا أسباط عن السدی .. فَاعْفُوا وَ اصْفَحُوا قال هی منسوخة نسختها قاتِلُوا الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ لا بِالْیَوْمِ الْآخِرِ «2» [قال أبو جعفر] و انما قلنا إن البین أن منها منسوخا و هو فَاعْفُوا وَ اصْفَحُوا لأن المؤمنین كانوا بمكة یؤذون و یضربون فیقتلون علی قتال المشركین فحظر علیهم و أمروا بالعفو و الصفح حتی یأتی اللّه بأمره و نسخ ذلك «3» .. و البین فی الآیة الثانیة عشرة أنها غیر منسوخة.

باب الآیة الاثنتی عشرة «4»

قال اللّه عز و جل وَ قاتِلُوا فِی سَبِیلِ اللَّهِ الَّذِینَ یُقاتِلُونَكُمْ وَ لا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا یُحِبُّ الْمُعْتَدِینَ «5» .. قال ابن زید هی منسوخة نسخها وَ قاتِلُوا الْمُشْرِكِینَ كَافَّةً كَما یُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً «6» و عن ابن عباس أنها محكمة .. روی عنه ابن أبی طلحة وَ قاتِلُوا فِی سَبِیلِ اللَّهِ الَّذِینَ یُقاتِلُونَكُمْ وَ لا تَعْتَدُوا قال لا تقتلوا النساء و الصبیان و هكذا و لا الشیخ الكبیر و لا من ألقی الیكم السلم و كف یده فمن فعل ذلك فقد اعتدی [قال أبو جعفر] و هذا أصح القولین من السنة و النظر .. فأما السنة، فحدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبد اللّه بن یوسف قال أنبأنا
______________________________
(1) سورة: البقرة، الآیة: 109
(2) سورة: التوبة، الآیة: 29
(3) قال ابن سلامة و كذا ابن حزم أخبار العفو منسوخة بآیة السیف.
(4) قال ابن سلامة الآیة جمیعها محكم الا قوله وَ لا تَعْتَدُوا أی فتقاتلوا من لا یقاتلكم كان هذا فی الابتداء ثم نسخ ذلك بقوله تعالی وَ قاتِلُوا الْمُشْرِكِینَ كَافَّةً كَما یُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً و بقوله عز اسمه فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِینَ حَیْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ.
(5) سورة: البقرة، الآیة: 190
(6) سورة: التوبة، الآیة: 36
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 28
مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم .. رأی فی بعض مغازیه امرأة مقتولة فكره ذلك و نهی عن قتل النساء و الصبیان .. و هكذا یروی أن عمر بن عبد العزیز كتب: لا تقتلوا النساء و لا الصبیان و لا الرهبان فی دار الحرب فتعتدوا إن اللّه لا یحب المعتدین .. و الدلیل علی هذا من اللغة أن فاعلا یكون من اثنین فإنما هو من أنك تقاتله و یقاتلك و هذا لا یكون فی النساء و لا الصبیان .. و لهذا قال من قال من الفقهاء لا یؤخذ من الرهبان جزیة لقول اللّه عز و جل قاتِلُوا الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ لا بِالْیَوْمِ الْآخِرِ «1» الی حَتَّی یُعْطُوا الْجِزْیَةَ عَنْ یَدٍ وَ هُمْ صاغِرُونَ «1» و لیس الرهبان ممن یقاتل .. و المعنی و قاتلوا فی طریق اللّه و أمره الذین یقاتلونكم و لا تعتدوا فتقتلوا النساء و الصبیان و الرهبان و من أعطی الجزیة فصح أن الآیة غیر منسوخة «2» .. و قد تكلم العلماء فی الآیة الثالثة عشرة.

باب ذكر الآیة الثلاث عشرة

قال اللّه عز و جل وَ لا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّی یُقاتِلُوكُمْ فِیهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِینَ «3» هذه الآیة من أصعب ما فی الناسخ و المنسوخ .. فزعم جماعة من العلماء أنها غیر منسوخة و احتجوا بها و بأشیاء من السنن .. و زعم جماعة أنها منسوخة و احتجوا بآیات غیرها و بأحادیث من السنن .. فمن قال أنها غیر منسوخة مجاهد روی عنه ابن أبی نجیح أنه قال فإن قاتلوكم فی الحرم فاقتلوهم لا یحل لأحد أن یقاتل أحدا فی الحرم إلا أن یقاتله فإن عدا علیك فقاتلك فقاتله و هذا قول طاوس أیضا و الاحتجاج لهما بظاهر الآیة و من الحدیث بما حدثنا أحمد بن شعیب قال أنبأنا محمد بن رافع قال حدثنا یحیی بن آدم قال حدثنا مفضل و عمر بن مهلهل عن منصور عن مجاهد عن طاوس عن ابن عباس .. قال قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم یوم فتح مكة: «ان هذا البلد حرام حرمه اللّه لم یحل فیه القتال لأحد قبلی و أحل لی ساعة و هو حرام بحرمة اللّه عز و جل» .. و أما من قال أنها منسوخة فمنهم قتادة كما قرأ علیّ عبد اللّه بن أحمد بن عبد السلام عن أبی الأزهر قال حدثنا
______________________________
(1) سورة: التوبة، الآیة: 29
(2) قلت قال ابن حزم الآیة منسوخة و ناسخها قوله تعالی فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ .. و قال ابن سلامة الآیة منسوخة بآیة السیف.
(3) سورة: البقرة، الآیة: 191
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 29
روح عن سعید عن قتادة .. و لا تقتلوهم عند المسجد الحرام حتی یقاتلوكم فیه فكان هذا كذا حتی نسخ فأنزل اللّه عز و جل وَ قاتِلُوهُمْ حَتَّی لا تَكُونَ فِتْنَةٌ «1» أی شرك وَ یَكُونَ الدِّینُ لِلَّهِ «2» أی لا إله الا اللّه علیها قاتل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم و إلیها دعا فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَی الظَّالِمِینَ «3» من أبی أن یقول لا إله إلا اللّه یقاتل حتی یقول لا إله إلا اللّه [قال أبو جعفر] و أكثر أهل النظر علی هذا القول ان الآیة منسوخة و ان المشركین یقاتلون فی الحرم و غیره بالقرآن و السنة قال تعالی فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِینَ حَیْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ «4» و براءة نزلت بعد سورة البقرة بسنتین و قال وَ قاتِلُوا الْمُشْرِكِینَ كَافَّةً كَما یُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً «5» .. و أما السنة، فحدثنا أحمد بن شعیب قال أنبأنا قتیبة قال حدثنا مالك عن ابن شهاب عن أنس أن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم .. دخل مكة و علیه المغفر فقیل إن ابن خطل متعلق بأستار الكعبة فقال اقتلوه. قرأ علیّ محمد بن جعفر بن أعین عن الحسن بن بشر بن سلام الكوفی قال حدثنا الحكم بن عبد الملك عن قتادة عن أنس قال .. أمن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم أهل مكة یوم الفتح إلا أربعة من الناس: عبد العزی بن خطل و مقیس بن ضبابة الكنانی و عبد اللّه بن سعد بن أبی سرح و أم سارة فأما ابن خطل فقتل و هو متعلق بأستار الكعبة و ذكر الحدیث .. و قرأ أكثر الكوفیین و لا تقتلوهم عند المسجد الحرام حتی یقتلوكم فیه فان قتلوكم فاقتلوهم و هذه قراءة بینة البعد و قد زعم قوم أنه لا یجوز القراءة بها لأن اللّه تعالی لم یفرض علی أحد من المسلمین أن لا یقتل أحدا من المشركین حتی یقتلوا المسلمین .. و قال الأعمش العرب تقول قتلناهم أی قتلنا منهم و هذا أیضا المطالبة فیه قائمة غیر أنه قد قرأ به جماعة و اللّه أعلم بمخرج قراءتهم .. و قد تنازع العلماء أیضا فی الآیة الاربع عشرة.

باب ذكر الآیة الاربع عشرة

قال جل ثناؤه الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَ الْحُرُماتُ قِصاصٌ فَمَنِ اعْتَدی عَلَیْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَیْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدی عَلَیْكُمْ «5» .. [قال أبو جعفر] حدثنا محمد بن جعفر
______________________________
(1) سورة: البقرة، الآیة: 193
(2) سورة: البقرة، الآیة: 193
(3) سورة: التوبة، الآیة: 5
(4) سورة: التوبة، الآیة: 36
(5) سورة: البقرة، الآیة: 194
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 30
الأنباری قال حدثنا عبد اللّه بن أیوب و عبد اللّه بن یحیی قالا حدثنا حجاج عن ابن جریج قال قلت لعطاء .. قول اللّه تعالی الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَ الْحُرُماتُ قِصاصٌ «1» قال هذا یوم الحدیبیة صدوا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم عن البیت الحرام و كان معتمرا فدخل فی السنة التی بعدها معتمرا مكة فعمرة فی الشهر الحرام بعمرة فی الشهر الحرام .. و قال مجاهد ردته قریش فی ذی القعدة و فخرت بذلك فاعتمر فی ذی القعدة من العام القابل [قال أبو جعفر] التقدیر عمرة الشهر الحرام بعمرة الشهر الحرام و الشهر الحرام هاهنا ذو القعدة بلا اختلاف و سمی ذا القعدة لأنهم كانوا یقعدون فیه عن القتال. كان النبی صلّی اللّه علیه و سلّم اعتمر فی ذی القعدة من سنة ست من الهجرة فمنعوه من مكة .. قال ابن عباس فرجعه اللّه عز و جل فی السنة الأخری فأقصه منهم و الحرمات قصاص .. و روی عن ابن عباس أنه قال و الحرمات قصاص منسوخة كان اللّه تعالی قد أطلق للمسلمین إذا اعتدی علیهم أحد أن یقتصوا منه فنسخ اللّه ذلك و صیره إلی السلطان فلا یجوز لأحد أن یقتص من أحد إلا بأمر السلطان و لا تقطع ید سارق و لا غیر ذلك .. و أما مجاهد فذهب إلی أنّ المعنی فمن اعتدی علیكم فیه أی فی الحرم فاعتدوا علیه بمثل ما اعتدی علیكم .. و الذی قاله مجاهد أشبه بسیاق الكلام لأن قبله ذكر الحرم و هو متصل به إلا أنه منسوخ عند آخرین من أكبر العلماء .. و قد أجمع المسلمون أنّ المشركین أو الخوارج لو غلبوا علی الحرم لقوتلوا حتی یخرجوا منها .. فإن قیل فما معنی الحدیث أحلت لی ساعة و هی حرام بحرمة اللّه تعالی .. فالجواب أن النبی صلّی اللّه علیه و سلّم دخلها غیر محرم یوم الفتح فلا یحل هذا لأحد بعده إذا لم یكن من أهل الحرم .. فأما و الحرمات قصاص فإنها جمع و اللّه أعلم لأنه أرید به حرمة الإحرام و حرمة الشهر الحرام و حرمة البلد الحرام .. و أما فمن اعتدی علیكم فاعتدوا علیه بمثل ما اعتدی علیكم فسمی الثانی اعتداء و أما الاعتداء الأول ففیه جوابان أحدهما أنه مجاز علی ازدواج الكلام فسمی الثانی باسم الأول مثل و جزاء سیئة سیئة مثلها و الجواب الآخر حقیقة یكون من الشدّ و الوثوب أی من شد علیكم و وثب بالظلم فشدوا علیه وثبوا بالحق .. و قد تكلم العلماء من الصحابة و غیر هم بأجوبة مختلفة فی الآیة الخمس عشرة.
______________________________
(1) سورة: البقرة، الآیة: 194
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 31

باب ذكر الآیة الخمس عشرة

قال اللّه عز و جل كُتِبَ عَلَیْكُمُ الْقِتالُ وَ هُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَ عَسی أَنْ تَكْرَهُوا شَیْئاً «1» الآیة فقال قوم هی ناسخة لحظر القتال علیهم و لما أمروا به من الصفح و العفو بمكة .. و قال قوم هی منسوخة و كذا قالوا فی قوله انْفِرُوا خِفافاً وَ ثِقالًا «2» و الناسخ لها وَ ما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِیَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِیَتَفَقَّهُوا فِی الدِّینِ وَ لِیُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَیْهِمْ لَعَلَّهُمْ یَحْذَرُونَ «3» .. و قال قوم هی علی الندب لا علی الوجوب .. و قال قوم هی واجبة و الجهاد فرض .. و قال عطاء هی فرض إلا أنها علی غیرنا یعنی أن الذی خوطب بهذا الصحابة [قال أبو جعفر] هذه خمسة أقوال .. فأما القول الأول و انها ناسخة فبین صحیح ..
و أما قول من قال هی منسوخة فلا یصح لأنه لیس فی قوله و ما كان المؤمنون لینفروا كافة نسخ لفرض القتال .. و أما قول من قال هی علی الندب فغیر صحیح لأن الأمر اذا وقع بشی‌ء لم یحمل علی غیر الواجب إلا بتوقیف من الرسول صلّی اللّه علیه و سلّم أو بدلیل قاطع .. و أما قول عطاء إنها فرض علی الصحابة فقول مرغوب عنه و قد رده العلماء حتی قال الشافعی فی الرامة من قال و إذا كنت فیهم فأقمت لهم الصلاة إن هذا للنبی صلّی اللّه علیه و سلّم خاصة و لا یصلی صلاة الخوف بعده فعارضه بقول اللّه تعالی خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّیهِمْ بِها «4» .. فقول عطاء أسهل ردا من قول من قال هی علی الندب لأن الذی قال هی علی الندب قال هی مثل قوله كُتِبَ عَلَیْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ «5» الآیة [و قال أبو جعفر] و لیس هذا علی الندب و قد بیناه فیما تقدم .. و أما قول من قال إن الجهاد فرض بالآیة فقوله صحیح و هذا قول حذیفة و عبد اللّه بن عمرو و قول الفقهاء الذین تدور علیهم الفتیا إلا أنه فرض یحمله بعض الناس عن بعض فإن احتیج الی الجماعة نفروا فرضا واجبا .. لأن نظیر كتب علیكم القتال كتب علیكم الصیام .. قال حذیفة: الاسلام ثمانیة أسهم الاسلام سهم و الصلاة سهم و الزكاة سهم و الصیام سهم و الحج سهم و الجهاد سهم و الأمر بالمعروف سهم
______________________________
(1) سورة: البقرة، الآیة: 216
(2) سورة: التوبة، الآیة: 41
(3) سورة: التوبة، الآیة: 122
(4) سورة: التوبة، الآیة: 103
(5) سورة: البقرة، الآیة: 180
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 32
و النهی عن المنكر سهم .. و نظیر الجهاد فی أنه فرض یقوم به بعض المسلمین عن بعض الصلاة علی المسلمین اذا ماتوا و مواراتهم .. و قال أبو عبید و عیادة المریض ورد السلام و تشمیت العاطس .. و أما قول من قال الجهاد نافلة فیحتج بأشیاء و هو قول ابن عمر بن شبرمة و سفیان الثوری و من حجتهم قول النبی صلّی اللّه علیه و سلّم رواه ابن عمر بنی الإسلام علی خمس:
شهادة أن لا إله الا اللّه و أن محمدا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم و الصلاة و الزكاة و حج البیت [قال أبو جعفر] و هذا لا حجة فیه لأنه قد روی عن ابن عمر أنه قال استنبطت هذا و لم یرفعه و لو كان رفعه صحیحا لما كان فیه أیضا حجة لأنه یجوز أن یترك ذكر الجهاد هاهنا لأنه مذكور فی القرآن أو لأن بعض الناس یحمله عن بعض .. فقد صح فرض الجهاد بنص القرآن و سنة رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم كما روی مالك عن نافع عن ابن عمر عن النبی صلّی اللّه علیه و سلّم قال .. الخیل معقود فی نواصیها الخیر الی یوم القیامة .. فسره العلماء أنه فی الغزو و فی ذلك أحادیث كثیرة كرهنا أن یطول الكتاب بها لأن فیما تقدم كفایة .. و الصحیح فی الآیة الست عشرة أنها منسوخة.

باب ذكر الآیة الست عشرة

قال اللّه عز و جل یَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِیهِ قُلْ قِتالٌ فِیهِ كَبِیرٌ «1» الآیة ..
أجمع العلماء علی أن هذه الآیة منسوخة و ان قتال المشركین فی الشهر الحرام مباح غیر عطاء فانه قال الآیة محكمة و لا یجوز القتال فی الأشهر الحرم و یحتج بما حدثناه إبراهیم بن شریك قال حدثنا أحمد یعنی ابن عبد اللّه بن یونس قال حدثنا اللیث عن أبی الأزهر عن جابر قال كان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم .. لا یقاتل فی الشهر الحرام إلا أن یغزا أو یغزو فاذا حضر ذلك أقام حتی ینسلخ [قال أبو جعفر] و هذا الحدیث یجوز أن یكون قبل النسخ للآیة .. و ابن عباس و سعید بن المسیب و سلیمان بن یسار و قتادة و الأوزاعی علی أن الآیة منسوخة فمن ذلك ما حدثناه علیل بن أحمد قال حدثنا محمد بن هشام قال حدثنا عاصم بن سلیمان قال حدثنا جویبر عن الضحاك عن ابن عباس قال .. و قوله عز و جل یَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِیهِ «1» أی فی الشهر الحرام قُلْ قِتالٌ فِیهِ كَبِیرٌ أی عظیم فكان القتال محظورا حتی نسخته آیة السیف فی براءة فاقتلوا المشركین حیث وجدتموهم فأبیحوا القتال فی الأشهر الحرم و فی غیرها. حدثنا جعفر بن مجاشع قال حدثنا إبراهیم بن اسحاق قال حدثنا
______________________________
(1) سورة: البقرة، الآیة: 217
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 33
عبید اللّه قال حدثنا یزید قال أنبأنا سعید عن قتادة فی قوله یَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِیهِ قُلْ قِتالٌ فِیهِ كَبِیرٌ فكان كذلك حتی نسخ هاتان الآیتان فی براءة فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِینَ حَیْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ «1» ثم قال عز و جل وَ قاتِلُوا الْمُشْرِكِینَ كَافَّةً كَما یُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً «2» و الأشهر الحرام عهد كان بین رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم و بین مشركی قریش انسلاخ أربعة أشهر بعد یوم النحر لمن كان له عهد و من لم یكن له عهد فإلی انسلاخ المحرم فأمر اللّه نبیّه صلّی اللّه علیه و سلّم اذا انسلخت الأشهر الحرم الاربعة أن یقاتل المشركین فی الحرم و غیره حتی یشهدوا أن لا إله إلا اللّه و أن محمدا رسول اللّه [قال أبو جعفر] هذه الأشهر التی ذكرها قتادة و قال هی الحرم هی أشهر السیاحة فسماها حرما لأنه حظر القتال فیها .. فأما الأشهر الحرم فهن أربعة و العلماء یختلفون باللفظ فیها .. فمن أهل المدینة من یقول أولها ذو القعدة و ذو الحجة و المحرم و رجب .. و منهم من بدأ برجب .. و أهل الكوفة یقولون أولها المحرم و رجب و ذو القعدة و ذو الحجة و ینكرون ما قاله المدنیون و قالوا قولنا أولی لیكون من سنة واحدة .. و من قال من المدنیین أولها رجبا احتج بقوله صلّی اللّه علیه و سلّم قدم المدینة فی شهر ربیع الأول فوجب أن یكون أولها رجبا علی هذا [قال أبو جعفر] و الأمر علی هذا كله سهل لأن الواو لا تدل علی الثانی بعد الأول عند أحد من النحویین علمته فإذا كان الأمر علی هذا فالأولی أن یؤتی بالأشهر الحرم علی ما لفظ به رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم و أدی عنه بالأسانید الصحاح و هو قول المدنیین الأول .. و روی أبو بكرة و غیره أن النبی صلّی اللّه علیه و سلّم خطب فقال ان الزمان قد استدار كهیئته یوم خلق السموات و الارض و السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم ذو القعدة و ذو الحجة و المحرم و رجب مضر الذی بین جمادی و شعبان [قال أبو جعفر] و قد قامت الحجة بأن قوله عز و جل یَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِیهِ منسوخ بما ذكرناه من نص القرآن و قول العلماء و أیضا فان النقل یبین ذلك لأنه نقل الینا أن هذه الآیة نزلت فی جمادی الآخرة أو فی رجب فی السنة الثانیة من هجرة رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم الی المدینة و قد قاتل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم هوازن بخیبر و ثقیفا بالطائف فی شوال و ذی القعدة و ذو القعدة من الأشهر الحرم و ذلك فی سنة ثمانی من الهجرة [قال أبو جعفر] فهذا ما فی القتال و الجهاد من الناسخ و المنسوخ فی هذه السورة مجموعا بعضه الی بعض .. ثم نرجع الی ما فیها من ذكر الحج فی الآیة السبع عشرة.
______________________________
(1) سورة: التوبة، الآیة: 5
(2) سورة: التوبة، الآیة: 36
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 34

باب ذكر الآیة السبع عشرة

قال اللّه عز و جل وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ «1» الآیة .. و قد صح عن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم أنه أمر أصحابه بعد أن أحرموا بالحج ففسخوه و جعلوه عمرة .. و اختلف العلماء فی فسخ أصحاب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم الحج بعد أن أهلوا به إلی العمرة فقالوا فیه أربعة أقوال .. فمنهم من قال أنه منسوخ كما روی عن عمر رضی اللّه عنه أنه قال فی أتموا الحج و العمرة للّه إتمامها أن لا یفسخهما .. و قد قیل و إتمامهما غیر هذا كما قرأ علیّ عبد اللّه بن أحمد بن عبد السلام عن أبی الازهر قال حدثنا روح حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن عبد اللّه بن سلمة عن علیّ بن أبی طالب رضی اللّه عنه فی قول اللّه عز و جل .. و أتموا الحج و العمرة للّه قال أن تحرم من دویرة أهلك .. و قال سفیان الثوری إتمام الحج و العمرة أن تخرج قاصدا لهما لا لتجارة .. و قیل إتمامهما أن تكون النفقة حلالا .. و قال مجاهد و إبراهیم إتمامهما أن یفعل فیهما كل ما أمر به و هذا قول جامع .. و ذهب أبو عبید الی أن فسخ الحج إلی العمرة أن فسخ الحج إلی العمرة منسوخ بما فعله الخلفاء الراشدون المهدیون أبو بكر الصدیق و عمر و علی و عثمان رضوان اللّه علیهم أجمعین لأنهم لم یفسخوا حجهم و لم یحلوا إلی یوم النحر فهذا قول فی فسخ الحج أنه منسوخ .. و القول الثانی أن فسخ الحج إنما كان لعلة و ذلك أنهم كانوا لا یرون العمرة فی أشهر الحج و یرون أن ذلك عظیم فأمرهم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم بفسخ الحج و تحویله إلی العمرة لیعلموا أن العمرة فی أشهر الحج جائزة و الدلیل علی أنهم كانوا یتحینون العمرة فی أشهر الحج و هی شوال و ذو القعدة و عشر من ذی الحجة فی قول ابن عمر .. و فی قول ابن عباس شوال و ذو القعدة و من ذی الحجة عشر و القولان صحیحان لأن العرب تقول جئتك رجبا و یوم الجمعة و إنما جئتك فی بعضه فذو الحجة شهر الحج لأن الحج فیه لأن أحمد بن شعیب حدثنا قال حدثنا ابن عبد الأعلی بن واصل بن عبد الأعلی قال حدثنا أبو أسامة عن وهیب بن خالد قال حدثنا عبد الأعلی بن طاوس عن أبیه عن ابن عباس قال .. كانوا یرون أن العمرة فی أشهر الحج من أفجر الفجور فی الارض و یجعلون المحرم صفرا و یقولون اذا برأ الدّبر و عفا الوبر و انسلخ صفر أو قال دخل صفر فقد حلت العمرة لمن اعتمر فقدم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم و أصحابه صبیحة رابعة مهلین بالحج فأمرهم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم أن یجعلوها عمرة فتعاظم ذلك عندهم فقالوا لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم أی الحلّ نحلّ قال الحل كله فهذان قولان ..
______________________________
(1) سورة: البقرة، الآیة: 196
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 35
و القول الثالث أن ابن عباس كان یری الفسخ جائزا و یقول من حج فطاف بالبیت فقد حل لا اختلاف فی ذلك عنه .. قال ابن أبی ملیكة قال له عروة یا ابن عباس أضللت الناس قال بم ذلك یا عروة؟ قال تفتی الناس بأنهم اذا طافوا بالبیت حلوا و قد حج أبو بكر و عمر فلم یحلا إلی یوم النحر فقال له ابن عباس قال اللّه عز و جل ثُمَّ مَحِلُّها إِلَی الْبَیْتِ الْعَتِیقِ «1» فأقول لك قال اللّه ثم تقول لی قال أبو بكر و عمر .. و قد أمر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم بالفسخ [قال أبو جعفر] و هذا القول انفرد به ابن عباس كما انفرد بأشیاء غیره .. فأما قوله ثُمَّ مَحِلُّها إِلَی الْبَیْتِ الْعَتِیقِ «1» فلیس فیه حجة لأن الضمیر للبدن و لیست للناس و محل الناس یوم النحر علی قول الجماعة و هذا سمی یوم النحر الحج الأكبر و ذلك صحیح عن النبی صلّی اللّه علیه و سلّم و عن علیّ بن أبی طالب رضی اللّه عنه و عن ابن عباس و إن كان قد روی عن ابن عباس أنه یوم عرفات فهذه ثلاثة أقوال فی فسخ الحج .. و القول الرابع أصحها للتوقیف من رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم و هو له مخصوص. حدثنا أحمد بن شعیب قال أنبأنا إسحاق بن إبراهیم عن عبد العزیز بن ربیعة بن أبی عبد الرحمن عن الحارث عن بلال عن أبیه قال .. قلنا یا رسول أ فسخ الحج لنا خاصة أم للناس عامة؟ قال بل لنا خاصة .. و قال أبو ذر كان فسخ الحج لنا خاصة رخصة و ان احتج محتج بقول النبیّ صلّی اللّه علیه و سلّم فی غیر هذا الحدیث ذلك لأبد الأبید فلا حجة له فیه لأنه یعنی بذلك جواز العمرة فی أشهر الحج .. فأما حدیث عمر أنه قال فی المتعة أن أنبئت بمن فعلها عاقبته و كذلك المتعة الاخری فاحداهما المتعة المحرمة بالنساء التی هی بمنزلة الزنا و الأخری فسخ الحج فلا ینبغی لأحد أن یتأول علیه أنها المتعة فی أشهر الحج لأن اللّه تعالی قد أباحها بقوله فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَی الْحَجِّ فَمَا اسْتَیْسَرَ مِنَ الْهَدْیِ «2» و اختلف العلماء فی العمرة .. فقال بعضهم هی واجبة بفرض اللّه .. و قال بعضهم هی واجبة بسنة رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم .. و قال بعضهم لیست بواجبة و لكنها سنة .. فمن یروی عنه أنه قال إنها واجبة عمر و ابن عباس و ابن عمر و هو قول الثوری و الشافعی .. و أما السنة فحدثنا أحمد بن شعیب قال حدثنا محمد بن عبد الأعلی قال حدثنا خالد قال حدثنا شعبة قال سمعت النعمان بن سالم قال سمعت عمرو بن أوس یحدث عن أبی ذر بن العقیلی أنه قال .. یا رسول اللّه إن أبی شیخ كبیر لا یستطیع الحج و لا العمرة و لا الظعن قال حج عن أبیك و اعتمر .. و احتج قوم فی وجوبها بظاهر قول اللّه عز و جل وَ لِلَّهِ عَلَی النَّاسِ حِجُّ الْبَیْتِ «3» و الحج القصد فهو یقع للحج و العمرة و قال عزّ و جلّ یَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ «4» و الحج الأصغر العمرة الا أن أهل
______________________________
(1) سورة: الحج، الآیة: 33
(2) سورة: البقرة، الآیة: 196
(3) سورة: آل عمران، الآیة: 97
(4) سورة: التوبة، الآیة: 3
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 36
اللغة یقولون اشتقاق العمرة من غیر اشتقاق الحج لأن العرب تقول اعتمرت فلانا أی زرته فمعنی العمرة زیارة البیت و لهذا كان ابن عباس لا یری العمرة لأهل مكة لأنهم بها فلا معنی لزیارتهم و الحج فی اللغة القصد .. و ممن قال العمرة غیر واجبة جابر بن عبد اللّه و سعید بن المسیب و هو قول مالك و أبی حنیفة و قال من احتج لهم روی الحجاج بن أرطاة عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد اللّه قال .. قیل یا رسول اللّه العمرة واجبة؟ قال لا و إن تعتمروا خیر لكم [قال أبو جعفر] و هذا لا حجة فیه لأن الحجاج بن أرطاة یدلس عمن لقیه و عمن لم یلقه فلا تقوم بحدیثة حجة إلا أن یقول حدثنا أو أنبأنا أو سمعت و لكن الحجة فی ذلك قول من قال الفرائض لا تقع باختلاف و إنما تقع باتفاق .. و مما یدخل فی هذا الباب الاشتراط فی الحج و هو أن یقول إذا لبّی بالحج إن حبسنی حابس فمحلی حیث حبسنی ..
فمن قال بالاشتراط بالحج عمر و علیّ و ابن مسعود و معاذ و سعید بن جبیر و عطاء و الحسن و قتادة و ابن سیرین و هو قول أحمد بن حنبل و إسحاق بن راهویه و قول الشافعی بالعراق ثم تركه بمصر .. و ممن لم یقل به مالك و أبو حنیفة و الشافعی بمصر .. و حجة الذین قالوا به ما خلا أحمد بن شعیب. قال أنبأنا إسحاق بن إبراهیم قال حدثنا عبد الرزاق قال حدثنا معمر عن الزهری عن عروة عن عائشة و عن هشام بن عروة عن أبیه عن عائشة أن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم .. دخل علی ضباعة فقالت یا رسول اللّه إنی أرید الحج و أنا ساكتة فقال حجی و اشترطی أن محلی حیث تحبسنی قال إسحاق قلت لعبد الرزاق الزهری و هشام قالا عن عائشة قال نعم كلاهما قال أحمد بن شعیب لم یصله إلی عبد الرزاق عن معمر و لا أدری من أیهما ذلك. حدثنا أحمد بن شعیب قال أخبرنی عمر أن یزید قال حدثنا شعیب و هو ابن إسحاق قال حدثنا ابن جریج قال أخبرنی أبو الزبیر أنه سمع طاوسا و عكرمة یخبران عن ابن عباس قال جاءت ضباعة بنت الزبیر الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم فقالت .. إنی امرأة ثقیلة و إنی أرید الحج فكیف تأمرنی أن أصنع؟ فقال أهلّی و اشترطی أن محلی حیث حبستنی [قال أبو جعفر] أهلی معناه لبی و أصله من رفع الصوت و منه استهل المولود صارخا و منه وَ ما أُهِلَّ بِهِ لِغَیْرِ اللَّهِ «1» فقد صح عن النبی صلّی اللّه علیه و سلّم الاشتراط فی الحج فقال بهذا من ذكرنا و اتبعوا ما جاء عن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم .. و كرهه قوم و احتجوا بحدیث الزهری عن سالم عن أبیه أنه كره الاشتراط فی الحج و قال أما حسبكم بسنة نبیكم علیه الصلاة و السلام أنه لم یشترط .. و احتج بعض من كرهه أن النبی صلّی اللّه علیه و سلّم إنما قال لها اشترطی أن محلی حیث حبستنی و لم یقل لها أنه لیس
______________________________
(1) سورة: البقرة، الآیة: 173
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 37
علیك حج إن حصرت و فی الآیة فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَی الْحَجِّ فَمَا اسْتَیْسَرَ مِنَ الْهَدْیِ «1» فكان هذا ناسخا لما كانوا یعتقدونه من أن العمرة لا تجوز فی أشهر الحج و جاز القران و لم یكونوا یستعملونه .. ثم اختلف العلماء فی حجة الوداع .. فقال قوم إن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم أفرد الحج فیها .. و قال قوم بل تمتع بالعمرة الی الحج .. و قال قوم بل قرن و جمع بین الحج و العمرة و كل هذا مروی بأسانید صحاح حتی طعن بعض أهل الاهواء و بعض الملحدین فی هذا و قالوا هذه الحجة التی حجها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم أجمع ما كان أصحابه فقد اختلفتم فیها و هی أصل من أصول الدین فكیف یقبل منكم ما رویتموه من أخبار الآحاد و هذا طعن من أحد شیئین إما أن یكون الطاعن به جاهلا باللغة التی خوطب بها القوم و إما ان یكون حائرا عن الحق و سنذكر أصح ما روی من الاختلاف فی هذا و نبین أنه غیر متضاد و قد قال الشافعی رحمة اللّه هذا من أیسر ما اختلفوا فیه و ان كان قبیحا و هذا كلام صحیح لأن المسلمین قد أجمعوا انه یجوز الإفراد و التمتع و القران و إن كان بعضهم قد اختار بعض هذا كما قرأ علیّ أحمد بن محمد بن خالد الترابی عن خلف بن هشام المقری قال سمعت مالك بن أنس یقول .. فی الافراد فی الحج أنه أحب إلیه لا التمتع و القران قال و لیس علی المفرد هدی .. قال الترابی. و حدثنا عبد اللّه بن عون قال حدثنا مالك بن أنس عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبیه عن عائشة رضی اللّه عنها .. أن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم أفرد الحج ..
و هذا اسناد مستقیم لا مطعن فیه و الحجة لمن اختار الإفراد أن المفرد أكبر تعبا من المتمتع لإقامته علی الإحرام فرأی أن ذلك أعظم لثوابه و الحجة فی اتفاق الاحادیث أن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم لما أمر بالتمتع و بالقران جاز أن یقال تمتع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم و قرن كما قال جل ثناؤه وَ نادی فِرْعَوْنُ فِی قَوْمِهِ «2» و قال عمر بن الخطاب رضی اللّه عنه رجمنا و رجم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم و انما أمرنا بالرجم. و حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبد اللّه بن یوسف قال حدثنا مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر أن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم قطع فی مجنّ قیمته ثلاثة دراهم و إنما أمر من قطع .. فلما كان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم قد أمر بالتمتع و القران جاز هذا و من الدلیل علی أمره بذلك أن أحمد بن شعیب قال أنبأنا یحیی بن حبیب بن عردی قال حدثنا حماد عن هشام بن عروة عن أبیه عن عائشة رضی اللّه عنها قالت .. خرجنا مع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم مواقتین لهلال ذی الحجة فقال من شاء منكم أن یهل بحجة فلیهل و إن من شاء أن یهل بعمرة فلیهل بعمرة [قال أبو جعفر] و هذا احتجاج لمن رأی إفراد الحج و سنذكر غیره .. فأما التمتع بالعمرة الی الحج فهذا موضع ذكره. قرأ علیّ أحمد بن محمد بن الحجاج عن یحیی بن عبد اللّه بن
______________________________
(1) سورة: البقرة، الآیة: 196
(2) سورة: الزخرف، الآیة: 51
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 38
بكیر عن اللیث بن سعد قال حدثنی عقیل عن الزهری قال أخبرنی سالم بن عبد اللّه عن عبد اللّه بن عمر قال تمتع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم بالعمرة إلی الحج و الهدی من ذی الحلیفة و بدأ فأهلّ بالعمرة ثم أهل بالحج و تمتع الناس مع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم بالعمرة الی الحج و ساق الحدیث .. قال الزهری و أخبرنی عروة عن عائشة عن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم فی تمتعه بالعمرة الی الحج مثل الذی أخبرنی سالم عن عبد اللّه بن عمر عن النبی صلّی اللّه علیه و سلّم [قال أبو جعفر] فان قال قائل هذا متناقض رویتم عن القاسم عن عائشة أن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم أفرد الحج و رویتم هاهنا عن الزهری عن عروة عن عائشة التمتع قیل له الحدیثان متفقان و ذلك بیّن أ لا تری أن فی هذا الحدیث نصا و بدأ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج أ فلا تری الحج مفردا من العمرة و هذا بین جدا. حدثنا أحمد بن شعیب قال حدثنا محمد بن المثنی عن عبد الرحمن عن سفیان عن قیس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن أبی موسی قال ..
قدمت علی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم و هو بالبطحاء فقال بم أهللت؟ فقلت بإهلال النبی صلّی اللّه علیه و سلّم قال هل سقت من هدی؟ قلت لا قال طف بالبیت و بالصفا و المروة و حل فطفت بالبیت و بالصفا و المروة ثم أتیت امرأة من قومی فمشطتنی و غسلت رأسی فلم أزل أفتی الناس بذلك فی إمارة أبی بكر و إمارة عمر و أنی لقائم بالموسم إذ أتانی رجل فقال إنك لا تدری ما أحدث أمیر المؤمنین فی النسك فقلت یا أیها الناس من أفتیناه بشی‌ء فلیتئد فإن أمیر المؤمنین قادم فأتموا به فلما قدم قلت یا أمیر المؤمنین ما أحدثت فی النسك؟ قال أن تأخذوا بكتاب اللّه فقد قال اللّه عز و جل وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ «1» و أن تأخذوا بسنة نبینا صلّی اللّه علیه و سلّم فإنه لم یحل حتی نحر الهدی [قال أبو جعفر] قوله فلیتئد معناه فلیتثبت مشتق من التؤدة و قوله لم یحل أی لم یحل من احرامه أی لم یستحل لبس الثیاب و الطیب و ما أشبههما و فی هذا الحدیث من أن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم أمر أبا موسی بالتمتع و فیه ان أبا موسی توقف عن الفتیا بالتمتع و قد أمره به رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم الی أن وافی عمر رضی اللّه عنه فلما وافی منع من التمتع فلم یراده أبو موسی لأن النبی صلّی اللّه علیه و سلّم قد أجاز غیره فدل هذا علی أن إمام المسلمین إذا اختار قولا یجوز و یجوز غیره وجب أن لا یخالف علیه و نظیر هذا ان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم قال أنزل القرآن علی سبعة أحرف فرأی عثمان رضی اللّه عنه أن یزیل منها ستة و أن یجمع الناس علی حرف واحد فلم یخالفه أكثر الصحابة حتی قال علی رضی اللّه عنه لو كنت موضعه لفعلت كما فعل و فی هذا الحدیث أن النبی صلّی اللّه علیه و سلّم قال لأبی موسی طف بالبیت و بین الصفا و المروة و حل و لم یقل له أحلق و لا قصر فدل علی أن الحلق و التقصیر غیر واجبین و فیه أهللت بإهلال النبی صلّی اللّه علیه و سلّم فدل
______________________________
(1) سورة: البقرة، الآیة: 196
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 39
هذا علی أن هذا جائز أن یلبی الرجل و لا یرید حجا و لا عمرة ثم یوجب بعد ذلك ما شاء و استدل قائل هذا ان النبی صلّی اللّه علیه و سلّم لبّی مرة بالإفراد و مرة بالتمتع و مرة بالقران حتی نزل علیه القضا قرن .. و قال بعض أهل العلم كان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم قارنا و اذا كان قارنا فقد حج و اعتمر و اتفقت الاحادیث .. و ممن أحسن ما قیل فی هذا أن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم أهلّ بعمرة فقال من رآه تمتع ثم أهل بحجة فقال من رآه أفرد ثم قال لبیك بحجة و عمرة فقال من سمعه قرن فاتفقت الأحادیث و الدلیل علی هذا أنه لم یرو أحد عن النبی صلّی اللّه علیه و سلّم أنه قال أفردت و لا تمتعت و صح عنه أنه قال قرنت. كما حدثنا أحمد بن شعیب قال أخبرنی معاویة بن صالح قال حدثنا یحیی بن معین قال حدثنا حجاج قال حدثنا یونس عن أبی اسحاق عن البراء قال كنت مع علیّ بن أبی طالب رضی اللّه عنه .. حین أمّره رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم علی الیمن فلما قدم علی النبی صلّی اللّه علیه و سلّم قال علی- نضر اللّه وجهه- أتیت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم فقال لی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم ما ذا صنعت؟ قال أهللت بإهلالك قال فإنی سقت الهدی و قرنت ثم أقبل علی أصحابه فقال لو استقبلت من أمری ما استدبرت لفعلت كما فعلتم و لكنی سقت الهدی و قرنت. و حدثنا أحمد بن شعیب قال حدثنا یعقوب قال حدثنا هشیم قال حدثنا حمید قال حدثنا بكر بن عبد اللّه المزنی قال سمعت أنس بن مالك یقول .. سمعت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم یلبی بالحج و العمرة و الحج جمیعا فحدثت بذلك ابن عمر فقال لنا بالحج وحده فلقیت أنسا فحدثته فقال ما یعدّوننا إلا صبیانا أنا سمعت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم یقول لبیك حجة و عمرة معا فهذه أحادیث بینة و نزیدك فی ذلك بیانا، أن بكر بن سهل حدثنا قال عبد اللّه بن یوسف قال أنبأنا مالك عن نافع عن ابن عمر عن حفصة قالت .. قلت یا نبی اللّه ما بال الناس قد حلوا من عمرتهم و لم تحل؟ قال إنی لبدت رأسی و سقت هدیی فلا أحل حتی أنحر .. بیّن أنه كان قارنا لأنه لو كان متمتعا أو مفردا لم یمتنع من نحر الهدی .. فهذا ما جاء فی الحج من ناسخ و منسوخ و احتجاج و نذكر ما فی الخمر بعده من النسخ و نذكر قول من قال إن الآیة التی فی سورة البقرة ناسخة لما كان مباحا من شرب الخمر .. و قول من قال إنها منسوخة و نذكر ما هو بمنزلة الخمر من الشراب و ما یدل علی ذلك من الأحادیث الصحاح عن النبی صلّی اللّه علیه و سلّم و ما یدل من المعقول و من الاشتقاق و اللغة علی أن ما أسكر كثیره فقلیله حرام و أنه خمر و نذكر الشبه التی أدخلها قوم و هذا كله فی الآیة الثمانی عشرة.

باب ذكر الآیة الثمانی عشرة

قال اللّه عز و جل یَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَ الْمَیْسِرِ قُلْ فِیهِما إِثْمٌ كَبِیرٌ وَ مَنافِعُ لِلنَّاسِ
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 40
وَ إِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما «1» .. قال جماعة من العلماء هذه الآیة ناسخة لما كان مباحا من شرب الخمر .. و قال آخرون هی منسوخة بتحریم الخمر فی قوله فاجتنبوه [قال أبو جعفر] و سنذكر حجج الجمیع .. فمن قال إنها منسوخة احتج بأن المنافع التی فیها إنما كانت قبل التحریم ثم نسخت و أزیلت كما حدثنا جعفر بن مجاشع قال حدثنا إبراهیم بن إسحاق قال حدثنا إبراهیم بن عبد اللّه عن محمد بن یزید عن جوهر عن الضحاك فی قوله تعالی یَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَ الْمَیْسِرِ قُلْ فِیهِما إِثْمٌ كَبِیرٌ وَ مَنافِعُ لِلنَّاسِ «1» قال المنافع قبل التحریم. و حدثنا جعفر بن مجاشع قال حدثنا إبراهیم بن إسحاق قال حدثنا محمد بن هارون قال حدثنا صفوان عن عمر بن عبد العزیز عن عثمان بن عطاء عن أبیه یَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَ الْمَیْسِرِ قُلْ فِیهِما إِثْمٌ كَبِیرٌ الآیة قال نسختها آیة یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَ أَنْتُمْ سُكاری «2» یعنی المساجد ثم أنزل وَ مِنْ ثَمَراتِ النَّخِیلِ وَ الْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَ رِزْقاً حَسَناً «3» ثم أنزل یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَیْسِرُ وَ الْأَنْصابُ وَ الْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّیْطانِ «4» الآیتین .. و احتج من قالها إنها ناسخة بالأحادیث المتواترة التی فیها علة نزول الخمر و بغیر ذلك [قال أبو جعفر] فمن احتج. ما قرأ علیّ أحمد بن محمد بن الحجاج أن عبد العزیز بن عمران بن أیوب بن مقلاص حدثهم سنة تسع و عشرین و مائتین قال حدثنا محمد بن یوسف قال حدثنا اسرائیل عن أبی إسحاق عن أبی میسرة عمرو بن شرحبیل عن عمر رضی اللّه عنه أنه قال .. اللهم بین لنا فی الخمر فنزلت یَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَ الْمَیْسِرِ الآیة فقرئت علیه فقال اللهم بیّن لنا فی الخمر بیانا شافیا فإنها تذهب العقل و المال فنزلت یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَ أَنْتُمْ سُكاری حَتَّی تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ و كان منادی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم ینادی وقت الصلاة لا یقربن الصلاة سكران فدعا عمر فقرئت علیه فقال اللهم بین لنا فی الخمر بیانا شافیا فانها تذهب العقل و المال فنزلت یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَیْسِرُ وَ الْأَنْصابُ وَ الْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّیْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ «4» الی قوله فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ «5» فقال عمر انتهینا انتهینا .. قال أحمد بن محمد بن الحجاج و حدثنا عمر بن خالد سنة خمس و عشرین و مائتین قال حدثنا زهیر قال حدثنا سماك قال حدثنی مصعب بن سعد عن سعد قال .. مررت بنفر من المهاجرین و الأنصار فقالوا لی تعال نطعمك و نسقیك خمرا و ذلك قبل أن تحرم الخمر
______________________________
(1) سورة: البقرة، الآیة: 219
(2) سورة: النساء، الآیة: 43
(3) سورة: النحل، الآیة: 67
(4) سورة: المائدة، الآیة: 90
(5) سورة: المائدة، الآیة: 91
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 41
فأتیتهم فی حش قال و الحش البستان فإذا عندهم رأس جزور مشوی و زق خمر فأكلنا و شربنا فذكرت الأنصار فقلت المهاجرین خیر من الأنصار فأخذ رجل منهم أحد لحیی الرأس فجرح به أنفی فأتیت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم فأخبرته فنزلت یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَیْسِرُ «1» الآیة [قال أبو جعفر] و فی حدیث سعید بن جبیر عن ابن عباس نزل تحریم الخمر فی حیین من قبائل الأنصار لما ثملوا شج بعضهم بعضا و وقعت بینهم الضغائن فنزلت یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَیْسِرُ إلی مُنْتَهُونَ «2» [قال أبو جعفر] فهذا یبین أن الآیة ناسخة .. و من الحجة لذلك أیضا ان جماعة من الفقهاء یقولون بتحریم الخمر بآیتین من القرآن بقوله تعالی قُلْ فِیهِما إِثْمٌ كَبِیرٌ «3» و بقوله قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّیَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَ ما بَطَنَ وَ الْإِثْمَ «4» فلما حرم الإثم و أخبر أن فی الخمر الإثم وجب أن تكون محرمة .. فأما قول من قال إن الخمر یقال لها الاثم فغیر معروف من حدیث و لا لغة و القول الأول جائز و أبین منه أنها محرمة بقوله فاجتنبوه و اذا نهی اللّه تعالی عن شی‌ء محرم و فی الأحادیث التی ذكرناها ما یحتاج الی تفسیر فمن ذلك ثملوا معناه سكروا و بعضهم یروی فی حدیث سعد ففرز به أنفی أی فلقه و شقه و منه فرزت الثوب و الفرز القطعة من الغنم و فی الاحادیث فی سبب نزول تحریم الخمر أسباب یقول القائل كیف یتفق بعضها مع بعض و عمر یقول شیئا و سعد یقول غیره و ابن عباس یقول بسواهما [قال أبو جعفر] فالجواب أن الأحادیث متفقة لأن عمر سأل بیانا شافیا فی تحریم الخمر و لم یقل نزلت فی ذلك لا فی غیره فیجوز أن یكون سؤال عمر وافق ما كان من سعد بن أبی وقاص من الحیین الذین من قبائل الأنصار فیتفق الحدیث و لا یتضاد .. و فیها من الفقه أن منادی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم كان ینادی وقت الصلاة لا یقربن الصلاة سكران فدل بهذا علی أن القول لیس كما قال بعض الفقهاء إن السكران الذی لا یعرف السماء من الأرض و لا الذكر من الأنثی و أن رجلا لو قال له و أشار الی السماء ما هذه فقال الأرض لم یكن سكران لأنه قد فهم عنه كلامه و لو كان الأمر علی هذا لما جاز أن یخاطب من لا یعرف الذكر من الأنثی و لا یفهم الكلام فیقال له لا تقرب الصلاة و أنت سكران ..
فبیّن بهذا الحدیث أن السكران هو الذی أكثر أمره التخلیط .. و قد حكی أحمد بن الحجاج أن أحمد بن صالح سأل عن السكران فقال أنا أجد فیه ما رواه ابن جریج عن عمرو بن دینار عن یعلی بن أمیة عن أبیه قال سألت عمر بن الخطاب رضی اللّه عنه عن حد السكران فقال هو الذی اذا استقرأته سورة من القرآن لم یقرأها و اذا اختلط ثوبه مع ثیاب الناس لم
______________________________
(1) سورة: المائدة، الآیة: 90
(2) سورة: المائدة، الآیة: 91
(3) سورة: البقرة، الآیة: 219
(4) سورة: الأعراف، الآیة: 33
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 42
یخرجه .. و فی الحدیث من الفقه أن قوله لا یقربن الصلاة سكران یدل علی أن قول اللّه عز و جل لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَ أَنْتُمْ سُكاری «1» لیس من النوم و إنه من الشرب حین كان مباحا .. و قد بین أن الآیة ناسخة علی ما ذكرنا .. و بقی البیان علی الخمر المحرمة و ما هی لأن قوما قد أوقعوا فی هذه شبهة فقالوا الخمر هی المجمع علیها و لا یدخل فیها ما اختلف فیه فهذا ظلم من القوم یجب علی قائله أن لا یحرّم شیئا اختلف فیه و هذا عظیم من القول .. و احتج أیضا بأن من قال الخمر التی لا اختلاف فیها محلها كافر و لیس كذا غیرها و هذان الاحتجاجان أشد ما لهم .. و أما الأحادیث التی جاءوا بها فلا حجة فیها لضعف أسانیدها و لتأویلهم إیاها علی غیر الحق .. و قد قال عبد اللّه بن المبارك ما صح تحلیل النبیذ الذی یسكر كثیره عن أحد من الصحابة و لا التابعین الا عن إبراهیم النخعی [قال أبو جعفر] فأما الاحتجاجان الأولان اللذان یعتمدون علیهما فقد بینا الردّ فی أحدهما و سنذكر الآخر ..
الخمر المحرمة تنقسم قسمین أحدهما المجمع علیها و هی عصیر العنب اذا رغا و أزبد هذه الخمر التی من أحلها كافر .. و الخمر الأخری التی من أحلها لیس بكافر و هی التی جاء بها التوقف عن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم أنها الخمر و عن الاسانید التی لا یدفعها إلا صاد عن الحق و جاهل إذ قد صح عنه علیه الصلاة و السلام تسمیتها خمرا و تحریمها فمن ذلك، ما حدثنا به بكر بن سهل قال حدثنا عبد اللّه بن یوسف قال أنبأنا مالك بن أنس عن ابن شهاب عن أبی سلمة عن عائشة أنها قالت .. سئل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم عن البتع .. فقال كل شراب أسكر فهو حرام فلو لم یكن فی هذا الباب الا هذا الحدیث لكفی لصحة إسناده و استقامة طریقه .. و قد أجمع الجمیع أن الآخر لا یسكر إلا بالأول فقد حرم الجمیع بتوقیف رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم .. و فی هذا الباب من لا یدفع، ما قرئ علی أبی القاسم عبد اللّه بن محمد بن عبد العزیز عن أبی عبد اللّه أحمد بن محمد بن حنبل قال حدثنا یونس بن محمد قال حدثنا حماد بن زید عن أیوب عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم .. كل مسكر خمر و كل مسكر حرام ..
قال أبو عبد اللّه هذا إسناد صحیح. قال أبو عبد اللّه حدثنا روح بن عبادة قال أنبأنا ابن جریج قال أخبرنی موسی بن عقبة عن نافع عن ابن عمر أن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم قال .. كل مسكر حرام و كل مسكر خمر قال أبو عبد اللّه. و حدثنا یزید بن هارون قال حدثنا محمد بن عمرو عن أبی سلمة عن ابن عمر قال قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم .. كل مسكر خمر و كل مسكر حرام قال أبو عبد اللّه حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا شعبة عن سعید بن أبی بردة عن أبیه عن جده قال سمعت
______________________________
(1) سورة: النساء، الآیة: 43
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 43
رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم .. حین وجه أبا موسی و معاذ بن جبل إلی الیمن فقال أبو موسی یا رسول اللّه إنا بأرض یصنع بها شراب من العسل یقال له البتع و شراب من الشعیر یقال له المزر فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم كل مسكر حرام .. قال أبو عبد اللّه حدثنا یحیی بن سعید عن محمد بن عمرو عن أبی سلمة عن أبی هریرة عن النبی صلّی اللّه علیه و سلّم قال .. كل مسكر حرام .. هذه الأسانید المتفق علی صحتها قرئ علی أبی بكر محمد بن عمرو عن علیّ بن الحسین الدرهمی قال حدثنا أنس بن عیاض قال حدثنا موسی بن عقبة عن سالم بن عبد اللّه بن عمر بن الخطاب رضی اللّه عنه عن أبیه أن النبی صلّی اللّه علیه و سلّم قال .. ما أسكر كثیره فقلیله حرام .. هذا تحریم قلیل ما أسكر كثیره نصا عن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم بهذا الإسناد المستقیم ..
قال أبو بكر أحمد بن عمرو قد روی التحریم عن عائشة و سعد بن أبی وقاص و جابر و عمر و ابن عباس و أنس و أبی سعید الخدری و عبد اللّه بن عمر و أبی هریرة و قرة بن إیاس و حوأب بن عمیر و الدیلم بن الهوسع و أبی موسی الأشعری و بریدة الاسلمی و أم سلمة و میمونة و قیس بن سعد و إسناد حدیث عائشة و ابن عمر و أنس صحیح و سائر الأحادیث یؤید بعضها بعضا و قرئ علی أحمد بن شعیب بن علی أبی عبد الرحمن عن هشام بن عمار قال حدثنا صدقة بن خالد عن زید بن واقد قال أخبرنی خالد بن عبد اللّه بن الحسین عن أبی هریرة قال .. علمت أن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم كان یصوم فتحینت فطره بنبیذ صنعته له فی دبا فجئته به فقال ادنه فأدنیته منه فاذا هو ینش فقال اضرب بها الحائط فان هذا شراب من لا یؤمن باللّه و الیوم الآخر .. قال أبو عبد الرحمن و فی هذا دلیل علی تحریم المسكر قلیله و كثیره لیس كما یقوله المخادعون لأنفسهم بتحریمهم آخر الشربة و تحلیلهم ما تقدمها الذی یسری فی العروق قبلها .. قال و لا اختلاف بین أهل العلم أن السكر بكلیته لا یحدث عن الشربة الآخرة دون الأولی و الثانیة بعدها .. قال أبو عبد الرحمن و أخبرنا عبید اللّه بن سعید قال حدثنا یحیی عن عبید اللّه قال حدثنا عمرو بن شعیب عن أبیه عن جده أن النبی صلّی اللّه علیه و سلّم قال ..
ما أسكر قلیله فكثیره و قلیله حرام .. قال أبو عبد الرحمن إنما یتكلم فی حدیث عمرو بن شعیب اذا رواه عنه غیر الثقات فأما اذا رواه الثقات فهو حجة و عبد اللّه بن عمرو جد عمرو بن شعیب كان یكتب ما سمع من النبی صلّی اللّه علیه و سلّم و حدیثه من أصح الحدیث .. قال أبو عبد الرحمن و أنبأنا إسحاق بن إبراهیم قال أنبأنا أبو عامر و النضر بن شمیل و وهب بن جریر قالوا حدثنا شعبة عن سلمة بن كهیل قال سمعت أبا الحكم یحدث قال قال .. ابن عباس من سره أن یحرّم إن كان محرما ما حرم اللّه و رسوله فلیحرم النبیذ .. و قال أبو عبد الرحمن و أنبأنا قتیبة بن سعید قال حدثنا عبد العزیز عن عمارة بن عرنة عن أبی الزبیر عن جابر أن رجلا من
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 44
حبشان و حبشان من الیمن قدم فسأل النبی صلّی اللّه علیه و سلّم عن شراب یشربونه من الذّرة بأرضهم یقال له المزر فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم أ مسكر هو؟ قال نعم قال النبی صلّی اللّه علیه و سلّم كل مسكر حرام ان اللّه عهد لمن شرب المسكر أن یسقیه من طینة الخبال قال یا رسول اللّه و ما طینة الخبال؟ قال عرق أهل النار أو قال عصارة أهل النار .. و مما یبین أن الخمر یكون من عصیر العنب من لفظ النبی صلّی اللّه علیه و سلّم و من اللغة و من الاشتقاق .. فأما لفظ الرسول صلّی اللّه علیه و سلّم مما لا یدفع إسناده فانه قرأ علیّ أحمد بن شعیب عن سوید بن نصر عن ابن المبارك عن الاوزاعی قال حدثنی أبو كبیر اسمه یزید عن عبد الرحمن قال أبو عبد الرحمن و أنبأنا حمید بن مسعدة عن سفیان و هو ابن حبیب عن الاوزاعی قال حدثنا أبو كبیر قال سمعت أبا هریرة یقول قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم .. الخمر من العنب .. و قال سوید فی هاتین الشجرتین النخلة و العنبة فوقفنا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم علی أن الخمر من النخلة .. فخالف ذلك قوم و قالوا لا یكون الا من العنبة ثم نقضوا قولهم نقیع التمر و الزبیب خمر لأنه لم یطبخ و قرأ علیّ أحمد بن عمرو أبی بكر عن علیّ بن سعید المسروقی قال حدثنا عبد الرحیم بن سلیمان قال حدثنا السری بن اسماعیل عن الشعبی عن النعمان بن بشیر عن النبی صلّی اللّه علیه و سلّم قال .. الخمر من خمسة من الحنطة و الشعیر و التمر و الزبیب و العسل و ما خمرته فهو خمر و قرأ علیّ أحمد بن شعیب عن یعقوب بن إبراهیم قال حدثنا ابن علیة قال حدثنا أبو حیان قال حدثنی الشعبی عن ابن عمر .. سمعت عمر یخطب علی منبر المدینة قال یا أیها الناس ألا انه نزل بتحریم الخمر یوم نزل و هی من خمسة من العنب و التمر و الزبیب و الحنطة و الشعیر و الخمر ما خامر العقل .. فهذا توقیف فی الخمر أنها من غیر عنب و فیه بیان الاشتقاق و أنه ما خامر العقل مشتق من الخمر و هو كل ما واری من نخل و غیره فقیل خمر لأنها تستر العقل و منه فلان مخمور یقال هذا فیما كان من عصیر العنب و غیره لا فرق بینهما و ما منهما الا ما یرید الشیطان أن یوقع بینهم فیه العداوة و البغضاء و یصدهم عن ذكر اللّه و عن الصلاة فالقلیل من هذا و من هذا واحد فهذا أصح ما قیل فی اشتقاقها و أجل إسنادا قاله عمر رضی اللّه عنه علی المنبر بحضرة الصحابة .. و أما سعید بن المسیب فروی عنه قال إنما سمیت الخمر خمرا لأنه صعد صفوها و رسب كدرها [قال أبو جعفر] اشتقاق هذا أیضا علی أن الصفو ستر الكدر و قال بعض المتأخرین سمیت خمرا لأنها تخمر أی تعطی و سمی نبیذا لأنه ینبذ و لو صح هذا لكان النبیذ یخمر .. و مما یشبه فیما تقدم ما حدثناه بكر بن سهل قال حدثنا عبد اللّه بن یوسف قال حدثنا مالك عن إسحاق بن عبد اللّه بن أبی طلحة عن أنس بن مالك قال .. كنت اسقی أبا عبیدة بن الجراح و أبا طلحة الانصاری و أبی بن كعب شراب فضیخ و تمر فجاءهم آت فقال إن الخمر قد حرمت فقال ابو
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 45
طلحة یا أنس قم الی تلك الجرار فاكسرها فقمت الی مهراس لنا فقذفتها بأسفله فكسرتها [قال أبو جعفر] ففی هذه الاحادیث تصحیح قول من قال إن ما أسكر كثیره فقلیله حرام عن النبی صلّی اللّه علیه و سلّم و عن الصحابة ثم كان من الصحابة من هو علی ذلك و به یفتون اشدهم فیه علی بن أبی طالب رضی اللّه عنه یخاطبهم نصا بأن ما أسكر كثیره فقلیله حرام .. ثم ابن عمر لما سئل عن نبیذ ینبذ بالغداة و یشرب بالعشیّ قال محمد بن سیرین فقال للسائل إنی أنهاك عن قلیل ما أسكر كثیره و إنی أشهد اللّه علیك فان أهل خیبر یشربون شرابا یسمونه كذا و هی الخمر و ان أهل مصر یشربون شرابا من العسل یسمونه البتع و هی الخمر ثم عائشة رضی اللّه عنها لما سئلت عن عصیر العنب فقالت صدق اللّه و رسوله سمعت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم یقول .. یشرب قوم الخمر یسمونها بغیر اسمها .. فلم یزل الذین یروون هذه الأحادیث یحملونها علی هذا عصرا بعد عصر حتی عارض فیها قوم فقالوا المحرم الشربة الأخیرة التی تسكر .. و قالوا قد قال اهل اللغة الخبز المشبع و الماء المروی [قال أبو جعفر] فان صح هذا فی اللغة فهو علیهم لا لهم لأنه لا یخلو من أحد وجهین إما أن یكون معناه للجنس كله أی صفة الخبز أنه یشبع و صفة الماء انه یروی فیكون هذا قلیل الخبز و كثیره لأنه جنس و كذا قلیل ما یسكر أو یكون الخبز المشبع فهو لا یشبع إلا بما كان قبله و كله مشبع فكذا قلیل المسكر و كثیره .. و إن كان قد تأولوه علی أن معناه المشبع هو الآخر الذی یشبع و كذا الماء المروی .. فیقال له ما حدّ ذلك المروی و الذی لا یروی .. فإن قالوا لا حدّ له فهو كله اذا مرو و إن حدوه قیل لهم ما البرهان علی ذلك و هل یمتنع الذی لا یروی مما حددتموه أن یكون یروی عصفورا و ما أشبهه فبطل الحد و صار القلیل مما یسكر كثیره داخلا فی التحریم و عارضوا بأن المسكر بمنزلة القاتل لا یسمی مسكرا حتی یسكر كما لا یسمی القاتل قاتلا حتی یقتل [قال أبو جعفر] و هذا لا یشبه من هذا شیئا لأن المسكر جنس و لیس كذا القاتل و لو كان كما قالوا لوجب أن لا یسمی الكثیر من المسكر مسكرا حتی یسكر و كان یجب أن یحلوه و هذا خارج عن قول الجمیع .. و قالوا معنی كل مسكر حرام علی القدح الذی یسكر .. و هذا خطأ من جهة اللغة و كلام العرب لأن كلما معناها العموم و القدح الذی یسكر مسكر .. و قد حرم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم الكل فلا یجوز الاختصاص الا بتوقیف .. و انما قولنا مسكر یقع للجنس للقلیل و الكثیر كما یقال التمر بالتمر زیادة ما بینهما ربا فدخل فی هذا التمرة و التمرتان و القلیل و الكثیر .. و شبه بعضهم هذا بالدواء و البنج الذی یحرم كثیره و یحل قلیله و هذه التشبیه بعید لأن النبی صلّی اللّه علیه و سلّم قال ما أسكر كثیره فقلیله حرام و قال كل مسكر خمر و المسكر هو الخمر و هو الجنس الذی قال اللّه تعالی فیه إِنَّما یُرِیدُ الشَّیْطانُ أَنْ یُوقِعَ بَیْنَكُمُ
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 46
الْعَداوَةَ وَ الْبَغْضاءَ فِی الْخَمْرِ وَ الْمَیْسِرِ «1» و لیس هذا فی الدواء و البنج و إنما هذا فی كل شراب یكون هو كذا .. و عارضوا بأن قالوا فلیس كل ما أسكر كثیره بمنزلة الخمر فی كل أحواله [قال أبو جعفر] و هذا مغالطة و تمویه علی السامع لأنه لا یجب من هذا إباحة .. و قد علمنا أنه لیس من قتل مسلما غیر نبی بمنزلة من قتل نبیا فلیس یجب اذا لم یكن بمنزلة فی جمیع الأحوال أن یكون مباحا كذا من شرب ما أسكر كثیره و إن لم یكن بمنزلة من شرب عصیر العنب الذی قد ینش فلیس یجب من هذا أن یباح له ما قد شرب و لكنه بمنزلته فی أنه قد شرب محرما و شرب خمرا و أنه یحد فی القلیل منه كما یحد فی القلیل من الخمر ..
و هذا قول من لا یدفع قوله منهم عمر و علی .. و معنی كل مسكر خمر یجوز أن یكون بمنزلة الخمر فی التحریم و أن یكون المسكر كله خمرا كما سماه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم و من ذكرناه من الصحابة و التابعین بالأسانید الصحیحة .. و قد عارض قوم بعض الأسانید من غیر ما ذكرناه فمن ذلك ما قرأ علی عبد اللّه بن محمد بن عبد العزیز عن شیبان بن فروخ عن مهدی بن میمون قال حدثنا أبو عثمان الأنصاری قال حدثنا القاسم بن محمد بن عائشة رضی اللّه عنها قالت قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم .. كل مسكر حرام و ما أسكر الفرق منه فمل‌ء الكف منه حرام [قال أبو جعفر] الفرق بفتح الراء لا غیر و هو ثلاثة أصول و كذا فرق الصبح و كذا الفرق من الجزع و الفرق أیضا تباعد ما بین الشیئین .. فأما الفرق باسكان الراء ففرق السعر و كذا الفرق بین الحق و الباطل قرئ علی أبی القاسم عبد اللّه بن محمد بن عبد العزیز عن أبی سعید الاشج عن الولید بن كثیر قال حدثنا الضحاك بن عثمان عن بكیر بن عبد اللّه بن الأشج عن عامر بن سعد عن أبیه قال قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم .. أنهاكم عن قلیل ما أسكر كثیره .. قال أبو القاسم و حدثنی أبو عبد اللّه أحمد بن محمد بن حنبل قال حدثنا سلیمان بن داود یعنی الهاشمی قال حدثنا إسماعیل بن جعفر قال حدثنا داود بن بكر یعنی بن أبی القراب قال حدثنا محمد بن المنكدر عن جابر قال قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم ما أسكر كثیره فقلیله حرام [قال أبو جعفر] فمن عجیب ما عارضوا به أن قالوا أبو عثمان الانصاری مجهول و المجهول لا تقوم به حجة ..
قیل لهم لیس بمجهول و الدلیل علی ذلك أنه قد روی عنه الربیع بن صبیح و لیث بن أبی سلیم و مهدی بن میمون و من روی عنه اثنان لیس بمجهول .. و قالوا الضحاك بن عثمان مجهول قیل لهم قد روی عنه عبد العزیز بن محمد و عبد العزیز بن أبی حازم و محمد بن جعفر بن أبی كثیر و ابن أبی فدیك .. و قالوا داود بن بكر مجهول قیل لهم قد روی عنه
______________________________
(1) سورة: المائدة، الآیة: 91
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 47
إسماعیل بن جعفر و أنس بن عیاض و إنما تعجب من معارضتهم بهذا لأنهم یقولون فی دین اللّه جل ثناؤه بما روی أبو فزارة زعموا عن أبی زید عن ابن مسعود .. انه كان مع النبی صلّی اللّه علیه و سلّم لیلة الجن و إنما توضأ بنبیذ التمر و أبو زید لا یعرف و لا یدری من أین هو و قد روی إبراهیم عن علقمة .. قال سألت عبد اللّه هل كنت مع النبی صلّی اللّه علیه و سلّم لیلة الجن؟ قال لا و بودی لو كنت معه و یحتجون بحدیث رووه [قال أبو جعفر] سأذكره بإسناده عن أبی إسحاق عن أبی ذی لعوة أن عمر رضی اللّه عنه حد رجلا شرب من أداوته و قال أحدك علی السكر و قالوا هذا من عظیم ما جاءوا به و ابن ذی لعوة لا یعرف و هذا قول أبی بكر بن عیاش لعبد اللّه بن إدریس حدثنا أبو إسحاق عن أصحابه ان ابن مسعود كان یشرب الشرید فقال له عبد اللّه بن إدریس أ أبیحت لك یا شیخ من أصحابه و أبو إسحاق اذا سمی من حدث عنه و لم یقل سمعت لم یكن حجة و ما هذا الشرید هو خل أم نبیذ و لكن حدثنا محمد بن عمرو عن أبی سلمة عن ابن عمر و أبی هریرة أن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم قال .. كل شراب أسكر حرام .. فأقحم أبو بكر بن عیاش و كان عبد اللّه بن ادریس فی الكوفیین متشددا فی تحریم قلیل ما أسكر كثیره فقال الأوزاعی: قلت لسفیان الثوری إن اللّه لا یسألنی یوم القیامة لم لم تشرب النبیذ و یسألنی لم شربته .. و قال لا أفتی به أبدا .. و قال أبو یوسف فی أنفسنا من الفتیا فیه أمثال الجبال و لكن عادة البلد ثم اجتمعوا جمیعا علی تحریم المعاقرة و تحریم النقیع .. قال أبو حنیفة هو بمنزلة الخمر فأما الأحادیث التی احتجوا بها فما علمت أنها تخلو من أحد جهتین إما أن تكون واهیة الأسانید و إما أن تكون لا حجة لهم فیها إلا التمویه فرأینا أن نذكرها و نذكر ما فیها لیكون الباب كامل المنفعة .. من ذلك ما حدثنا أحمد بن محمد الأزدی قال حدثنا روح قال حدثنا عمرو قال حدثنا أبو إسحاق عن عمرو بن میمون قال شهدت عمر رضی اللّه عنه حین طعن فجاءه الطبیب فقال أی الشراب أحب الیك قال النبیذ قال فأتی بنبیذ فشربه فخرج من إحدی طعناته و كان یقول إنما نشرب من هذا النبیذ شرابا یقطع لحوم الابل قال و شرب من نبیذه فكان كأشد النبیذ [قال أبو جعفر] هذا الحدیث لا تقوم به حجة لأن أبا إسحاق لم یقل حدثنا عمرو بن میمون و هو مدلس لا یقوم بحدیثه حجة حتی یقول حدثنا و ما أشبهه و لو صححنا الحدیث علی قولهم لما كانت لهم فیه حجة لأن النبیذ غیر محظور إذا لم یكن یسكر كثیره و معنی النبیذ فی اللغة منبوذ و إنما هو ما ینبذ فیه تمر أو زبیب أو نظیرهما مما یطیب الماء و یحلیه لأن میاه المدینة كانت غلیظة فما فی هذا الحدیث من الحجة ..
و احتجوا بما حدثناه أحمد بن محمد الأزدی قال حدثنا فهد قال حدثنا عمر بن حفص بن عیاش قال حدثنی أبی عن الاعمش قال حدثنی حبیب بن أبی ثابت عن نافع عن ابن علقمة
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 48
قال أمر عمر رضی اللّه عنه بنزل له فی بعض تلك المنازل فأبطأ علیهم لیلة فجی‌ء بطعام فطعم ثم أتی بنبیذ قد أخلف و اشتد فشرب منه ثم قال إن هذا الشرید ثم أمر بماء فصب علیه ثم شرب هو و أصحابه [قال أبو جعفر] هذا الحدیث فیه غیر علة منها إن حبیب بن أبی ثابت علی محله لا تقوم بحدیثه حجة لمذهبه و كان مذهبه أنه قال لو حدثنی رجل عنك بحدیث ثم حدثت به عنك لكنت صادقا .. و من هذا انه روی عن عروة عن عائشة ان النبی صلّی اللّه علیه و سلّم قبل بعض نسائه ثم صلّی و لم یتوضأ فعتب بعض الناس لأنه رد بهذا علی الشافعی لأنه أوجب الوضوء فی القبلة فقیل له لا یثبت بهذا حجة لانفراد حبیب به [قال أبو جعفر] و فیه من العلل ان نافع بن علقمة لیس بمشهور بالروایة و لو صح الحدیث عن عمر لما كانت فیه حجة لأن اشتداده قد تكون من حموضته و قد اعترض بعضهم فقال من أین لكم أن مزجه بالماء لحموضته أ فتقولون هذا ظن فالظن لا یغنی من الحق شیئا .. قال و لیس یخلو من أن یكون نبیذ عمر یسكر كثیره أو یكون خلا و هذه المعارضة علی من عارض بها لا له لأنه الذی قال بالظن لأنه قد ثبت بالروایة عمن قد صحت عدالته أن ذلك من حموضته .. قال نافع كان لتخلله و هم .. قد رووا حدیثا متصلا فیه أنه كان مزجه إیاه لأنه كاد یكون خلا [قال أبو جعفر] حدثنا أحمد بن محمد قال حدثنا وهبان بن عثمان قال حدثنا الولید بن شجاع قال حدثنا یحیی بن زكریاء بن أبی زائدة قال حدثنا اسماعیل بن خالد عن قیس قال حدثنی عتبة بن فرقد قال .. أتی عمر رضی اللّه عنه بعس «1» فیه نبیذ قد كاد یكون خلا فقال لی اشرب فأخذته و ما أكاد أستطیعه فأخذه منه فشربه و ذكر الحدیث فزال الظن بالتوقیف ممن شاهد عمر رضی اللّه عنه و هو ممن ورائهم .. و أما قوله لا یخلو من أن یكون نبیذا یسكر كثیره أو یكون خلا أو بین ذینك لأن العرب تقول للنبیذ اذا دخلته حموضة نبیذ حامض فان زادت صار خلا فترك هذا القسم و هو لا یختلّ علی من عرف اللغة .. ثم روی حدیثا إن كانت فیه حجة فهی علیه حدثنا أحمد بن محمد قال حدثنا فهد قال حدثنا عمر بن حفص قال حدثنی أبی قال حدثنا الأعمش قال حدثنا إبراهیم عن همام بن الحارث قال .. أتی عمر رضی اللّه عنه بنبیذ فشرب منه فقطب ثم قال ان نبیذ الطائف له عرام ثم ذكر شدة لا أحفظها ثم دعا بماء فصب فیه ثم شرب [قال أبو جعفر] و هذا لعمری إسناد مستقیم و لا حجة له فیه بل الحجة علیه لأنه إنما یقال قطب لشدة حموضة الشی‌ء و معنی قطب فی كلام العرب خالطت بیاضه حمرة مشتق من قطبت الشی‌ء أقطبه و أقطبه اذا خلطته. و فی الحدیث له عرام
______________________________
(1) العس بالضم واحد العساس ككتاب الاقداح مطلقا و قیل العظام منها أی الكبار.
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 49
أی له خبث و رجل عارم أی خبیث .. قال حدثنا أحمد بن محمد الأزدی قال حدثنا فهد قال حدثنا عمر بن حفص قال حدثنی أبی عن الأعمش قال حدثنی أبو إسحاق عن سعید بن ذی جدان «1» أو ابن ذی لعوة قال .. جاء رجل قد ظمئ الی خازن عمر رضی اللّه عنه فاستسقاه فلم یسقه فأتی بسطیحة لعمر فشرب منها فسكر فأتی به عمر فاعتذر الیه فقال إنما شربت من سطیحتك فقال عمر إنما أضربك علی السكر فضربه عمر [قال أبو جعفر] هذا الحدیث من أقبح ما روی فی هذا الباب و علیه بینة لمن لم یتبع الهوی .. فمنها أن ابن ذی لعوة لا یعرف و لا یروی عنه إلا هذا الحدیث و لم یرو عنه الا أبو إسحاق و لم یذكر أبو إسحاق فیه سماعا و هو مخالف لما نقله أهل العدالة عن عمر [قال أبو جعفر] حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبد اللّه بن یوسف قال أنبأنا مالك عن الزهری عن السائب بن یزید .. أن عمر خرج علیهم فقال إنی وجدت من فلان ریح شراب قد زعم أنه شرب الطلا و أنا سائل عما شرب فإن كان یسكر جلدته الحدّ ثمانین فهذا اسناد لا مطعن فیه .. و السائب بن یزید رجل من أصحاب النبی صلّی اللّه علیه و سلّم فهل یعارض مثل هذا بابن ذی لعوة و عمر رضی اللّه عنه یخبر بحضرة الصحابة أنه یجلد فی الرائحة من غیر سكر لأنه لو كان سكران ما احتاج الی أن یسأل عما شرب فرووا عن عمر رضی اللّه عنه ما لا یحل لأحد أن یحكیه عنه من غیر جهة لوهاء الحدیث فإنه زعم أنه شرب من سطیحته و أنه یحد علی السكر و ذلك ظلم لأن السكر لیس من فعل الإنسان و انما هو شی‌ء یحدث عن الشرب و انما الضرب علی الشرب كما أن الحدّ فی الزنا إنما هو علی الفعل لا علی اللذة .. و من هذا قیل لهم تحریم السكر محال لأن اللّه عز و جل إنما یأمر و ینهی بما فی الطاقة و قد یشرب الإنسان یرید السكر فلا یسكر و یرید أن لا یسكر فیسكر ..
و قیل لهم كیف یحصل ما یسكر و طباع الناس مختلفة .. ثم تعلقوا بشی‌ء روی عن ابن عباس حدثناه أحمد بن محمد قال حدثنا فهد قال حدثنا أبو نعیم عن مسعر عن أبی عون عن عبد اللّه بن شداد عن ابن عباس قال .. حرمت الخمرة بعینها قلیلها و كثیرها و السكر من كل شراب [قال أبو جعفر] و هذا الحدیث قد رواه شعبة علی إتقانه و حفظه علی غیر هذا كما قرأ علیّ
______________________________
(1) قوله سعید بن ذی جدان هكذا فی الأصل بالجیم و الذی فی الخلاصة سعید بن ذی حدّان بضم المهملة الاولی و تشدید الثانیة الكوفی روی عن علی .. و فی التهذیب و قیل عمن سمع من علی و عنه أبو اسحاق فقط .. و قوله أو ابن ذی لعوة قال الذهبی سعید بن ذی لعوة الذی روی عن الشعبی ضعفه یحیی و أبو حاتم و جماعة و فیه جهالة و قال ابن حبان دجال یزعم أنه رأی عمر بن الخطاب یشرب المسكر رواه وكیع عن سفیان عن أبی اسحاق عنه ..
ثم قال و وهم من قال فیه أنه سعید بن ذی حدّان.
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 50
عبد اللّه بن محمد بن عبد العزیز عن أحمد بن محمد بن حنبل قال حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا شعبة عن مسعر عن أبی عون عن عبد اللّه بن شداد عن ابن عباس قال .. حرمت الخمر بعینها و المسكر من كل شراب .. و قد بینا أن السكر لیس من فعل الإنسان و إذا قد جاء حدیث معارض لما قد بینت صحته و قد اختلف رواته فلا معنی للاحتجاج به .. و قد روی یحیی القطان عن عثمان السحام بصری مشهور عن عكرمة عن ابن عباس قال ..
نزل تحریم الخمر و هی الفضیخ .. قال فهذا خلاف ذلك لأن الفضیخ بسر یفضخ جعله خمرا و أخبرنا التنزیل فیه و فی تحریمه. حدثنا أحمد بن محمد قال حدثنا محمد بن عمر بن یونس السوسی قال حدثنا أسباط بن محمد القرشی الشیبانی عن عبد الملك بن نافع قال سألت ابن عمر فقلت .. إن أهلنا ینبذون نبیذا فی سقاء لو نهكته لا أجد فیّ فقال ابن عمر انما البغی علی من أراد البغی شهدت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم عند هذا الركن و أتاه رجل بقدح من نبیذ فأدناه الی فیه فقطب و ردّه ..
فقال رجل یا رسول اللّه أ حرام هو فرد الشراب ثم دعا بماء فصبه علیه ثم قال اذا اغتلمت علیكم هذه الأسقیة فاقطعوا متنها بالماء قال أحمد بن شعیب عبد الملك بن نافع لا یحتج بحدیثه و لیس بالمشهور .. و قد روی أهل العدالة سالم و نافع و محمد بن سیرین عن ابن عمر خلاف ما روی و لیس یقوم مقام واحد منهم و لو عاضده جماعة من أشكاله [قال أبو جعفر] ثم رجعنا الی متن الحدیث فقلنا لو صح ما كانت فیه حجة لمن احتج بل الحجة علیه به بینة و ذلك أن قوله صلّی اللّه علیه و سلّم اذا اغتلمت علیكم و بعضهم یقول اذا رابكم من شرابكم ریب فاكسروا متنه بالماء و الریب فی الأصل الشك ثم تستعمل بمعنی المخافة و الظن مجازا فاحتجوا بهذا و قالوا معناه اذا خفتم أن یسكر كثیره فاكسروه بالماء [قال أبو جعفر] و هذا من قبیح الغلط لأنه لو كان كثیره یسكر لكان قد زال المخوف و صار نفیا و لكن الحجة لمن خالفهم أن النبی صلّی اللّه علیه و سلّم أمر أن لا یقرّ الشراب اذا خیف فیه أن ینتقل الی الحرام حتی یكسر بالماء الذی یزیل الخوف و مع هذا فحجة قاطعة عند من عرف معانی كلام العرب و ذلك أن الشراب الذی بمكة لم یزل فی الجاهلیة و الإسلام لا یطبخ بنار و إنما هو ما یجعل فیه زبیب أو تمر لیطیب لأن میاههم فیها ملوحة و غلظ و لم یتخذ للذة .. و قد أجمع العلماء منهم أبو حنیفة و أبو یوسف و محمد أیهما نقع و لم یطبخ بالنار و كان كثیره یسكر فهو خمرة و الخمر إذا صب فیها الماء أو صب علی الماء فلا اختلاف بین المسلمین أنه قد نجس الماء إذا كان قلیلا فقد صار حكم هذا حكم الخمر إذا أسكر كثیره فقلیله حرام باجماع المسلمین فزالت الحجة بهذا الحدیث لو صح [قال أبو جعفر] حدثنا أحمد قال حدثنا فهد قال حدثنا محمد بن سعید
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 51
الأصبهانی قال حدثنا یحیی بن الیمان عن الثوری عن منصور عن خالد بن سعد عن ابن مسعود قال .. عطش النبی صلّی اللّه علیه و سلّم حول الكعبة فاستسقی فأتی بنبیذ من نبیذ السقایة فشمه فقطب فصب علیه من ماء زمزم ثم شرب فقال رجل أ حرام هو قال لا [قال أبو جعفر] قد ذكرنا النبیذ الذی فی السقایة بما فیه الكفایة علی أن هذا الحدیث لا یحل لأحد من أهل العلم أن یحتج به فإن كان من الجهل فینبغی أن یتعرف بما یحتج به من الحلال و الحرام قبل أن یقطع به .. قال أحمد بن شعیب هذا الحدیث لا یحتج به لأن یحیی بن الیمان انفرد به عن الثوری دون أصحابه و یحیی بن الیمان لیس بحجة لسوء حفظه و كثرة خطئه .. و قال غیره أبو عبد الرحمن أصل هذا الحدیث أنه من روایة الكلبی فغلط یحیی بن الیمان فنقل من حدیث الی حدیث آخر .. و قد سكت العلماء عن كل ما رواه الكلبی فلم یحتجوا بشی‌ء منه قال و حدثنا أحمد قال حدثنا علیّ بن معبد قال حدثنا یونس بن محمد قال حدثنا شریك عن أبی اسحاق عن أبی بردة عن أبیه .. قال بعثنی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم أنا و معاذ الی الیمن فقلنا یا رسول اللّه ان بها شرابین یصنعان من التمر و الشعیر أحدهما یقال له المزر و الآخر یقال له البتع فما نشرب؟ قال فاشربا و لا تسكرا [قال أبو جعفر] أتی هذا الحدیث من شریك فی حروف فیه یبین لك ذلك ما قرأ علیّ أحمد بن شعیب عن أحمد بن عبد اللّه بن علیّ بن مسروق قال حدثنا عبد الرحمن یعنی ابن مهدی قال حدثنا إسرائیل قال حدثنا أبو إسحاق عن أبی هریرة عن أبی موسی قال .. بعثنی النبی صلّی اللّه علیه و سلّم أنا و معاذ الی الیمن فقال له معاذ یا رسول اللّه تبعثنا الی بلد كثیر شراب أهله فما نشرب؟ قال اشرب و لا تشرب مسكرا ..
و احتجوا بحدیثین عن ابن مسعود أحدهما من روایة الحجاج بن أرطاة و قد ذكرنا ما فی حدیثه من العلة و الحدیث الآخر حدثناه أحمد بن محمد قال حدثنا إبراهیم بن مرزوق قال حدثنا محمد بن كثیر قال حدثنا سفیان الثوری عن أبیه عن لبید بن شماس قال حدثنا عبد اللّه .. أن القوم لیجلسون علی الشراب و هو حل لهم فما یزالون حتی یحرم علیهم [قال أبو جعفر] و هذا الحدیث لا یحتج به لأن فیه لبید بن شماس و شریك یقول شماس بن لبید لا یعرف و لم یرو عنه أحد الا سعید بن مسروق و لا یروی عنه إلا هذا الحدیث و المجهول لا تقوم به حجة فلم تقم لهم حجة عن النبی صلّی اللّه علیه و سلّم و لا عن أحد من أصحابه .. و الحق فی هذا ما قاله ابن المبارك قرأ علیّ أحمد بن شعیب عن أبی قدامة عبید اللّه بن سعید قال حدثنا أبو أسامة و هو حماد بن أسامة قال سمعت عبد اللّه بن المبارك یقول .. ما وجدت الرخصة فی المسكر عن أحد صحبته الا عن إبراهیم .. قال أبو اسامة و ما رأیت أحدا أطلب للعلم من عبد اللّه بن المبارك فی الشأم و مصر و الحجاز و الیمن [قال أبو جعفر] و أما المیسر فهو القمار
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 52
كما حدثنا أبو بكر بن سهل قال حدثنا أبو صالح قال حدثنی معاویة بن صالح عن علی بن أبی طلحة عن ابن عباس یَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَ الْمَیْسِرِ «1» .. قال كان أحدهم یقامر بماله و أهله فاذا قمر أخذ ماله و أهله [قال أبو جعفر] حكی أهل العلم بكلام العرب أن المیسر كان القمار فی الجزر خاصة .. قال أبو إسحاق فلما حرم حرّم جمیع القمار كما انه لما حرمت الخمر حرم كل ما أسكر كثیره .. و ذكر الشعبی أن القمار كان حلالا ثم حرم و یدل علی ما قال حدیث ابن عباس .. قال لما أنزل اللّه عز و جل الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِی أَدْنَی الْأَرْضِ وَ هُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَیَغْلِبُونَ «1» و كانت قریش تحب أن تغلب فارس لأنهم أهل أوثان و كان المسلمون یحبون أن تغلب الروم فخاطرهم أبو بكر الصدیق رضی اللّه عنه إلی أجل [قال أبو جعفر] و قیل لا یقال كان هذا حلالا و لكن یقال مباحا ثم نسخ بتحریمه و تحریم الخمر .. و فی هذه الآیة قوله تعالی وَ یَسْئَلُونَكَ ما ذا یُنْفِقُونَ «2» .. [قال أبو جعفر] و هذا آخر الآیة فی عدد المدنی و الجواب فی أول الآیة التسع عشرة.

باب ذكر الآیة التسع عشرة

قال اللّه عز و جل وَ یَسْئَلُونَكَ ما ذا یُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ «2» فیه ثلاثة أقوال .. من العلماء من قال انها منسوخة بالزكاة المفروضة .. و منهم من قال هی الزكاة .. و منهم من قال هی شی‌ء أمر به غیر الزكاة لم تنسخ حدثنا أبو بكر بن سهل قال حدثنا أبو صالح قال حدثنا معاویة بن صالح عن ابن أبی طلحة عن ابن عباس .. فی قوله وَ یَسْئَلُونَكَ ما ذا یُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ «2» قبل أن تفرض الصدقة [قال أبو جعفر] و قال الضحاك نسخت الزكاة كل صدقة فی القرآن فهذا قول من قال انها منسوخة .. و حدثنا علیّ بن الحسین عن الحسن بن محمد قال حدثنا شبابة قال حدثنا و رقاء قال حدثنا ابن أبی نجیح عن مجاهد .. فی قوله وَ یَسْئَلُونَكَ ما ذا یُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ قال الصدقة المفروضة [قال أبو جعفر] و الزكاة هی لعمری شی‌ء یسیر من كثیر إلا أن هذا القول لا یعرف الا عن مجاهد و القول الذی قبله انها منسوخة بعید لأنهم إنما سألوا عن شی‌ء فأجیبوا عنه بأنهم سبیلهم أن ینفقوا ما سهل علیهم .. و القول الثالث علیه أكثر أهل التفسیر كما حدثنا علی بن الحسین عن الحسن بن محمد قال حدثنا
______________________________
(1) سورة: الروم، الآیة: 2
(2) سورة: البقرة، الآیة: 219
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 53
أبو معاویة. قال حدثنا ابن أبی لیلی عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس .. فی قوله تعالی وَ یَسْئَلُونَكَ ما ذا یُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ «1» قال ما فضل عن العیال .. فهذا القول بین و هو مشتق من عفا یعفو اذا كثر و فضل المعنی و یسألونك ما ذا ینفقون قل العفو قل ینفقون ما سهل علیهم و فضل عن حاجتهم و أكثر التابعین علی هذا التفسیر .. قال طاوس العفو الیسیر من كل شی‌ء .. و قال الحسن قل العفو أی لا تجهد مالك حتی تبقی تسأل الناس .. قال خالد بن أبی عمران سألت القاسم و سالما عن قول اللّه تعالی وَ یَسْئَلُونَكَ ما ذا یُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ «1» فقال هو فضل المال ما كان عن ظهر غنی [قال أبو جعفر] و هذا من أحسن العبارة فی معنی الآیة و هو موافق لقول رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم كما حدثنا أبو الحسن محمد بن الحسن بن سماعة بالكوفة قال حدثنا أبو نعیم قال حدثنا عمرو یعنی بن عثمان بن عبد اللّه بن موهب قال سمعت موسی بن طلحة یذكر عن حكیم بن حزام قال قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم .. «خیر الصدقة ما كان عن ظهر غنی و الید العلیا خیر من الید السفلی و ابدأ بمن تعول» [قال أبو جعفر] فصار القول و یسألونك ما ذا ینفقون قل ما سهل علیكم و نظیره خُذِ الْعَفْوَ وَ أْمُرْ بِالْعُرْفِ «2» أی خذ ما سهل من أخلاق الناس و ذلك لا ینغص علیهم فهذا العفو من أخلاق الناس و ذلك العفو مما ینفقون كما قال عبد اللّه بن الزبیر و قد تلا خذ العفو قال من أخلاق الناس و أیم اللّه لأستعملن ذلك فیهم و قال أخوه عروة و تلا خذ العفو ما ظهر من أعمالهم و أقوالهم [قال أبو جعفر] و من هذه الآیة فی عدد المدنی الأول وَ یَسْئَلُونَكَ عَنِ الْیَتامی قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَیْرٌ وَ إِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ «3» فزعم قوم أنها ناسخة لقول اللّه تعالی إِنَّ الَّذِینَ یَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْیَتامی ظُلْماً «4» الآیة روی هذا عن ابن عباس [قال أبو جعفر] و هذا مما لا یجوز فیه ناسخ و لا منسوخ لأنه خبر و وعید و نهی عن الظلم و التعدی فمحال نسخه فان صح ذلك عن ابن عباس فتأویله من اللغة أن هذه الآیة علی نسخة تلك الآیة فهذا جواب اوضح ما علیه أهل التأویل .. قال سعید بن جبیر لما نزلت إِنَّ الَّذِینَ یَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْیَتامی ظُلْماً «3» اشتد علی الناس و امتنعوا من مخالطة الیتامی حتی نزلت وَ یَسْئَلُونَكَ عَنِ الْیَتامی قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَیْرٌ «4» الآیة .. و المعنی علی هذا القول انه لما وقع بقلوبهم أنه لا ینبغی أن تخالطوا الیتامی فی شی‌ء لئلا تحرجوا بذلك فنسخ اللّه ما وقع بقلوبهم منه أی أزاله بأن أباح لهم
______________________________
(1) سورة: البقرة، الآیة: 219
(2) سورة: الاعراف، الآیة: 199
(3) سورة: البقرة، الآیة: 220
(4) سورة: النساء، الآیة: 10
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 54
مخالطة الیتامی .. و بیّن مجاهد ما هذه المخالطة فقال فی الراعی و الأدام و معنی هذا أن یكون للیتیم تمرا و ما أشبهه و لولیه مثله فیخلطه معه و یأكلان جمیعا فتوقفوا عن هذا مخافة أن یأكل الولی أكثر مما یأكل الیتیم فأباح اللّه ذلك علی جهة الإصلاح و لم یقصد الإفساد و دل علی هذا وَ اللَّهُ یَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ «1» قال مجاهد وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ «1» أی حرم علیكم مخالطتهم [قال أبو جعفر] فهذا الظاهر فی اللغة أن تكون المخالطة فی الطعام لا فی الشركة لأن مشاركة الیتیم إن وقع فیها استبدال شی‌ء فهی خیانة و إن كانت الشركة قد یقال لها مخالطة فلیس باسمها المعروف فبینت بهذا انه لا ناسخ فی هذا و لا منسوخ إلا علی ما ذكرناه .. و قد قال بعض الفقهاء ما أعرف أنه فی الوعید أشد و لا آكد علی المسلمین من قوله إِنَّ الَّذِینَ یَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْیَتامی ظُلْماً إِنَّما یَأْكُلُونَ فِی بُطُونِهِمْ ناراً وَ سَیَصْلَوْنَ سَعِیراً «2» و الذین فی اللغة عام فأوجب اللّه تعالی النار علی العموم لكل من فعل هذا .. و الآیة التی هی تتمة العشرین قد أدخلها العلماء فی الناسخ و المنسوخ و إن كان فیها اختلاف بین الصحابة.

باب ذكر الآیة التی هی تتمة العشرین‌

قال اللّه عز و جل وَ لا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّی یُؤْمِنَ «3» فیه ثلاثة أقوال .. من العلماء من قال هی منسوخة .. و منهم من قال هی ناسخة .. و منهم من قال هی محكمة لا ناسخة و لا منسوخة .. فمن قال أنها منسوخة ابن عباس كما حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبد اللّه بن صالح الجهنی عن معاویة بن صالح الجهنی عن معاویة بن صالح الحضرمی عن علیّ بن أبی طلحة عن ابن عباس وَ لا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّی یُؤْمِنَ «3». قال ثم استثنی نساء أهل الكتاب فقال جل ثناؤه و المحصنات من الذین أوتوا الكتاب حل لكم اذا آتیتموهن أجورهن یعنی مهور هن محصنات غیر مسافحات و لا متخذات أخدان یقول عفیفات غیر زوانی [قال أبو جعفر] و هكذا فی الحدیث حل لكم و لیس هو فی التلاوة و هكذا قال محصنات غیر مسافحات .. و فی التلاوة محصنین غیر مسافحین فهذه قراءة علی التفسیر
______________________________
(1) سورة: البقرة، الآیة: 220
(2) سورة: النساء، الآیة: 10
(3) سورة: البقرة، الآیة: 221
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 55
و هكذا كل قراءة خالفت المصحف المجتمع علیه .. و ممن قال إن الآیة منسوخة أیضا مالك بن أنس و سفیان بن سعید و عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعی .. فأما من قال أنها ناسخة فقوله شاذ حدثنا جعفر بن مجاشع قال سمعت إبراهیم بن اسحاق الحربی یقول .. فیه وجه ذهب الیه قوم جعلوا التی فی البقرة هی الناسخة و التی فی المائدة هی المنسوخة یعنی فحرموا كل نكاح مشركة كتابیة أو غیر كتابیة [قال أبو جعفر] و من الحجة لقائل هذا مما صح سنده مما حدثناه محمد بن ریان قال حدثنا محمد بن رمح قال أنبأنا اللیث عن نافع أن عبد اللّه بن عمر .. كان اذا سئل عن نكاح المسلّم النصرانیة أو الیهودیة قال حرم اللّه المشركات علی المسلمین و لا أعرف شیئا من الإشراك أعظم من أن تقول المرأة ربها عیسی أو عبد من عباد اللّه .. و القول الثالث قال به جماعة من العلماء كما حدثنا أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبد الرزاق قال حدثنا معمر عن قتادة وَ لا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّی یُؤْمِنَ «1» قال المشركات من غیر نساء أهل الكتاب .. و قد تزوج حذیفة یهودیة أو نصرانیة قرأ علیّ أحمد بن محمد بن الحجاج عن یحیی بن سلیمان قال حدثنا وكیع قال حدثنا سفیان قال حدثنا حماد قال سألت سعید بن جبیر عن قول اللّه عز و جل وَ لا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّی یُؤْمِنَ «1» قال هم أهل الأوثان [قال أبو جعفر] و هذا أحد قولی الشافعی أن تكون الآیة عامة یراد بها الخاصة فتكون المشركات هاهنا أهل الأوثان و المجوس .. فأما من قال انها ناسخة للتی فی المائدة و زعم أنه لا یجوز نكاح نساء أهل الكتاب فقول خارج عن قول الجماعة الذین تقوم بهم الحجة لأنه قال بتحلیل نكاح نساء أهل الكتاب من الصحابة و التابعین جماعة منهم عثمان و طلحة و ابن عباس و جابر و حذیفة و من التابعین سعید بن المسیب و سعید بن جبیر و طاوس و عكرمة و الشعبی و الضحاك و فقهاء الأمصار علیه و أیضا فیمتنع أن تكون هذه الآیة من سورة البقرة ناسخة الآیة التی فی سورة المائدة لأن البقرة من أول ما نزل بالمدینة و المائدة من آخر ما نزل و إنما الآخر ینسخ الأول .. و أما حدیث ابن عمر فلا حجة فیه لأن ابن عمر كان رجلا متوقفا فلما سمع الآیتین بواحدة التحلیل و فی الأخری التحریم و لم یبلغه النسخ توقف و لم یوجد عنه ذكر النسخ و إنما تؤل علیه و لیس یوجد الناسخ و المنسوخ بالتأویل .. و أبین ما فی هذه الآیة أن تكون منسوخة علی قول من قال ذلك من العلماء و هو أحد قولی الشافعی و ذلك أن الآیة اذا كانت عامة لم تحمل علی الخصوص الا بدلیل قاطع فإن قال قائل فقد قال قوم من العلماء أنه لا یقال لأهل الكتاب مشركون و إنما المشرك من عبد وثنا مع اللّه تعالی اللّه عن ذلك فأشرك به [قال أبو
______________________________
(1) سورة: البقرة، الآیة: 221
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 56
جعفر] و ممن یروی عنه هذا القول أبو حنیفة و زعم أن قول اللّه عز و جل إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا یَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا «1» یراد به أهل الأوثان و إن للیهود و النصاری أن یقربوا المسجد الحرام [قال أبو جعفر] و هذا قول خارج عن قول الجماعة من أهل العلم و اللغة .. و أكبر من هذا ان فی كتاب اللّه نصا تسمیته للیهود و النصاری بالمشركین .. قال اللّه عز و جل اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَ رُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَ الْمَسِیحَ ابْنَ مَرْیَمَ وَ ما أُمِرُوا إِلَّا لِیَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً لا إِلهَ إِلَّا هُوَ سُبْحانَهُ عَمَّا یُشْرِكُونَ «2» هذا نص القرآن .. فمن أشكل علیه إن قیل له الیهود و النصاری لم یشركوا أجیب عن هذا بجوابین ..
أحدهما أن یكون هذا اسما اسلامیا و لهذا نظائر قد بینها من یحسن الفقه و اللغة .. و من ذلك مؤمن أصله من آمن اذا صدق ثم صار لا یقال مؤمن الا لمن آمن بمحمد صلّی اللّه علیه و سلّم ثم اتبع ذلك العمل .. و من الأسماء الإسلامیة المنافق و منها علی قول بعض العلماء سمی ما أسكر كثیره خمرا علی لسان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم .. و الجواب الآخر و هو عن أبی إسحاق إبراهیم بن السری .. قال من كفر بمحمد صلّی اللّه علیه و سلّم فهو مشرك و هذا من اللغة لأن محمدا صلّی اللّه علیه و سلّم قد جاء من البراهین بما لا یجوز أن یأتی به بشر الا من عند اللّه عز و جل فاذا كفر بمحمد صلّی اللّه علیه و سلّم فقد زعم إن ما لا یأتی به الا اللّه قد جاء به غیر اللّه فجعل للّه جل ثناؤه شریكا [قال أبو جعفر] و هذا من لطیف العلم و حسنه .. فأما نكاح إماء أهل الكتاب فحرام عند العلماء إلا أبا حنیفة و أصحابه فإنهم اختاروه و احتج لهم من احتج بشی‌ء قاسه .. قال لما أجمعوا علی أن قوله عز و جل وَ لا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ یدخل فیه الاحرار و الإماء وجب فی القیاس أن یكون قوله وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِینَ أُوتُوا الْكِتابَ «3» داخل فیه الحرائر و الإماء لتكون الناسخة من المنسوخة [قال أبو جعفر] فهذا الاحتجاج خطأ من غیر جهة .. فمن ذلك أنه لم یجمع علی أن الآیة التی فی البقرة منسوخة و من ذلك أن القیاسات و التمثیلات لا یؤخذ بها فی الناسخ و المنسوخ و إنما یؤخذ الناسخ و المنسوخ بالیقین و التوقیف .. و أیضا فقد قال اللّه تعالی وَ مَنْ لَمْ یَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ یَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَیْمانُكُمْ مِنْ فَتَیاتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ «4» فكیف یقبل ممن قال فتیاتكم الكافرات .. و أما نكاح الحربیات فروی عن ابن عباس و إبراهیم النخعی أنهما منعا من ذلك و غیرهما من العلماء یجیز ذلك و نص الآیة
______________________________
(1) سورة: التوبة، الآیة: 28
(2) سورة: التوبة، الآیة: 31
(3) سورة: المائدة، الآیة: 5
(4) سورة: النساء، الآیة: 25
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 57
یوجب جوازه و هو قول مالك و الشافعی الا أنهما كرها ذلك مخافة تنصر الولد و الفتنة .. و أما نكاح الإماء المجوسیات و الوثنیات فالعلماء علی تحریمه الا ما رواه یحیی بن أیوب عن ابن جریج عن عطاء و عمرو بن دینار أنهما سئلا عن نكاح الإماء المجوسیات فقالا لا بأس بذلك و تأوّلا قول اللّه عز و جل وَ لا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ «1» هذا عندهما عقد النكاح لا علی الأمة المشتراة و احتجا بسبی أوطاس و أن الصحابة نكحوا الإماء منهن بملك الیمین [قال أبو جعفر] و هذا قول شاذ أما سبی أوطاس فقد یجوز أن یكون الإماء أسلمن فجاز نكاحهن و أما الاحتجاج بقوله وَ لا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ فغلط لأنهم حملوا النكاح علی العقد و النكاح فی اللغة یقع علی العقد و علی الوطء فلما قال اللّه عزّ و جلّ وَ لا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حرم كل نكاح یقع علی المشركات من نكاح و وطء .. و من هذا «2» فمن اللغة شی‌ء بین حدثنی من أثق به قال سمعت أحمد بن یحیی ثعلب یقول أصل النكاح فی اللغة الوطء و إنما یقع علی العقد مجازا .. قال و الدلیل علی هذا أن العرب تقول أنكحت الارض البر اذا أدخلت البر فی الارض [قال أبو جعفر] و هذا من حسن اللغة و الاستخراج اللطیف و وجب من هذا أن یكون قوله عز و جل فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّی تَنْكِحَ زَوْجاً غَیْرَهُ «3» حتی یطأها و بذلك جاءت السنة أیضا .. و أدخلت الآیة التی تلی هذه فی الناسخ و المنسوخ و هی الآیة الإحدی و العشرون.

باب ذكر الآیة الاحدی و العشرین‌

قال اللّه عز و جل وَ یَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِیضِ قُلْ هُوَ أَذیً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِی الْمَحِیضِ وَ لا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّی یَطْهُرْنَ «4» الآیة [قال أبو جعفر] أدخلت هذه الآیة فی الناسخ و المنسوخ لأنه معروف فی شریعة بنی اسرائیل أنهم لا یجتمعون مع الحائض فی بیت و لا یأكلون معها و لا یشربون فنسخ اللّه ذلك من شریعتنا كما قرأ علیّ أحمد بن عمر بن عبد الخالق عن محمد بن أحمد بن الجنید البغدادی عن عمرو بن عاصم الأحول عن ثابت عن أنس بن مالك قال .. كانت الیهود یعتزلون النساء فی المحیض فأنزل اللّه عز و جل
______________________________
(1) سورة: البقرة، الآیة: 221
(2) هكذا فی الأصل و لیحرر.
(3) سورة: البقرة، الآیة: 230
(4) سورة: البقرة، الآیة: 222
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 58
وَ یَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِیضِ قُلْ هُوَ أَذیً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِی الْمَحِیضِ وَ لا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّی یَطْهُرْنَ الآیة فأمرنا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم أن نواكلهن و نشاربهن و نصنع كل شی‌ء إلا النكاح قالت الیهود و ما یرید محمد أن یدع شیئا من أمرنا الا خالفنا فیه [قال أبو جعفر] فدل هذا الحدیث علی أنه لا یحرم من الحائض إلا النكاح فی الفرج .. و هذا قول جماعة من العلماء أن الرجل له أن یباشر الحائض و ینال منها ما دون الفرج من الوطء فی الفرج و هذا قول عائشة و أم سلمة و ابن عباس و مسروق و الحسن و عطاء و الشعبی و إبراهیم النخعی و سفیان الثوری و محمد بن الحسن و هو الصحیح من قول الشافعی [قال أبو جعفر] و هذا الحدیث المسند دال علیه قرأ علیّ أحمد بن محمد بن الحجاج عن یحیی بن سلیمان قال حدثنا عبد الرحمن بن زیاد عن عبید اللّه بن عمرو قال حدثنا أیوب السختیانی عن أبی معشر عن إبراهیم عن مسروق قال ..
سألت عائشة رضی اللّه عنها ما یحل لی من امرأتی و هی حائض قالت كل شی‌ء إلا الفرج [قال أبو جعفر] فهذا إسناد متصل و الحدیث الآخر أنها قالت كان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم یباشرنی فوق الإزار لیس فیه دلیل علی حظر غیر ذلك و قد یحتمل أن یكون المعنی فوق الإزار و هو مفروش فهذا قول .. قال أبو عبیدة اللحاف واجد و الفراش مختلف و هذا قول شاذ یمنع منه ما صح عن النبی صلّی اللّه علیه و سلّم من مباشرة نسائه و هن حیّض .. و قول ثالث أن تعتزل الحائض فیما بین السرة و الركبة و هو قول جماعة من العلماء منهم میمونة و یروی عن ابن عباس و منهم سعید بن المسیب و مالك بن أنس و أبو حنیفة .. و الحجة لهم ما حدثناه إبراهیم بن شریك قال حدثنا أحمد بن عبد اللّه بن یونس قال حدثنا اللیث یعنی ابن سعید عن الزهری عن حبیب مولی عروة عن ندبة مولاة میمونة عن میمونة أن النبی صلّی اللّه علیه و سلّم .. كان یباشر المرأة من نسائه و هی حائض اذا كان إزارها الی نصف فخذها أو الی ركبتها محتجزة [قال أبو جعفر] اللیث یقول «1» ندبة و غیره یقول بدنة و لیس فی هذا الحدیث دلیل علی حظر ما تقدمت إباحته .. و قد زعم قوم أن حدیث أنس الذی بدأنا به منسوخ لأنه كان فی أول ما نزلت الآیة و أن الناسخ له حدیث أبی إسحاق عن عمیر مولی عمر عن عمر رضی اللّه عنه عن النبی صلّی اللّه علیه و سلّم أنه قال له فی الحائض .. لك ما فوق الإزار و لیس لك ما تحته .. [قال أبو جعفر] و هذا
______________________________
(1) قلت: عبارة التقریب ندبة بضم النون و یقال بفتحها و سكون الدال بعدها موحدة و یقال بموحدة أولها مع التصغیر و یقال بدنة بموحدة مفتوحة ثم مهملة بعدها نون مفتوحة كذا ضبطه بالقلم فی التهذیب قال الدار قطنی هكذا یقول المحدثون ندبة بفتح الدال فی الخلاصة ندبة بموحدة بعد مهملة ساكنة أو تحتانیة مفتوحة مشددة انتهی.
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 59
ادعاء فی النسخ و لا یعجز أحدا ذلك و الإسناد الأول أحسن استقامة من هذا و هذا القول قال به فی موضع المحیض أی فی الفرج فیكون المحیض اسما للموضع كما ان المجلس اسما للموضع الذی تجلس فیه و كذا و لا تقربوهن كما حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا أبو صالح ..
قال حدثنا معاویة بن صالح عن علیّ بن أبی طلحة عن ابن عباس فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِی الْمَحِیضِ «1» .. قال اعتزلوا نكاح فروجهن [قال أبو جعفر] و من هذا قرئ حتی یطهرن فمعناه حتی یحل لهن أن یطهرن كما تقول حلت المرأة للأزواج أی حل لها ان تتزوج و من قید قرئ حتی تطهرن جعله بمعنی یغتسلن و قد قرأ الجماعة بالقراءتین فیهما بمنزلة اثنتین لا تحل له حتی تطهر و یطهر و أما قول من قال أنها تحل له إذا غسلت فرجها من الأذی بعد أن تخرج من الحیض فخارج عن الإجماع و عن ظاهر القرآن قال جل ثناؤه وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً «2» فاطهروا و فی موضع آخر وَ لا جُنُباً إِلَّا عابِرِی سَبِیلٍ حَتَّی تَغْتَسِلُوا «3» فجاء القرآن یتطهروا و یغتسلوا بمعنی واحد و كذا حتی یطهرن أی یتطهرن الطهور الذی یصلین به .. و أما قول من قال اذا طهرت من الحیض صلت و إن لم تغتسل إذا دخل علیها وقت صلاة أخری فخارج أیضا عن الاجماع و لیس یعرف من قول أحد و إنما قیس علی شی‌ء من قول أبی حنیفة أنه قال اذا طلق الرجل امرأته طلاقا تملك مع الرجعة كان له أن یراجعها من غیر اذنها ما لم تغتسل من الحیضة الثالثة إلا أن تطهر من الحیضة الثالثة فیدخل علیها وقت صلاة أخری و لم تغتسل فقاسوا علی هذا .. و الدلیل علی ذلك ما حدثنا أحمد بن محمد الأزدی قال حدثنا إبراهیم بن مرزوق قال حدثنا أبو حنیفة قال حدثنا سفیان عن ابن أبی نجیح عن مجاهد فی قوله وَ لا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّی یَطْهُرْنَ «3» قال من الدم فَإِذا تَطَهَّرْنَ قال اغتسلن قال أحمد بن محمد و لا أعلم بین العلماء فی هذا اختلافا .. [قال أبو جعفر] فأمّا مِنْ حَیْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ ففی معناه اختلاف فعن ابن عباس و مجاهد قالا فی الفرج .. و عن محمد بن علی بن الحنفیة قال من قبل الحلال من قبل التزویج .. و عن ابی رزین قال من قبل الطهر لا من قبل الحیض [قال أبو جعفر] و هذا القول أشبه لسیاق الكلام و أصح فی اللغة لأنه لو كان المراد به الفرج كانت هاهنا أولی فإن قیل لم لا یكون معناه من قبل الفرج قیل لو كان كذا لم یجز أن یطأها من دبرها فی فرجها و الإجماع علی غیر ذلك إِنَّ اللَّهَ یُحِبُّ التَّوَّابِینَ قال عطاء أی من الذنوب .. و هذا لا اختلاف فیه و اختلفوا فی معنی
______________________________
(1) سورة: البقرة، الآیة: 222
(2) سورة: المائدة: الآیة: 6
(3) سورة: النساء، الآیة: 43
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 60
وَ یُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِینَ «1» .. فمن ذلك من أهل التفسیر من قال المتطهرین من أدبار النساء و قیل من الذنوب .. قال عطاء المتطهرین بالماء و هذا أولی بسیاق الآیة و اللّه أعلم .. فأما الآیة الثانیة و العشرون فقد أدخلها بعض العلماء فی الناسخ و المنسوخ و هو قتادة و ذكرناها لیكون الكتاب مشتملا علی ما ذكره العلماء.

باب ذكر الآیة الثانیة و العشرین‌

قال اللّه عز و جل وَ الْمُطَلَّقاتُ یَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ «2» الآیة [قال أبو جعفر] فممن یجعلها فی الناسخ و المنسوخ الضحاك عن ابن عباس و قتادة إلا أن لفظ ابن عباس أن قال استثنی و لفظ قتادة نسخ .. قال قال اللّه جل ثناؤه وَ الْمُطَلَّقاتُ یَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ ثم نسخ من الثلاثة الحیض المطلقات اللواتی لم یدخل بهن فی سورة الأحزاب فقال جل ثناؤه یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُمْ عَلَیْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها «3» و نسخ الحیض عن أولات الحمل فقال جل ثناؤه وَ أُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ یَضَعْنَ حَمْلَهُنَ «4» [قال أبو جعفر] و قال غیرهم من العلماء لیس هذا بنسخ و لكنه تبیین بین اللّه به تعالی بین الاثنین أنه لم یرد بالأقراء الحوامل و لا اللواتی لم یدخل بهن .. ثم اختلف العلماء فی الاقراء .. فقالوا فیها ثلاثة أقوال كما حدثنا أحمد بن محمد الأزدی قال حدثنا محمود بن حسان قال حدثنا عبد الملك بن هشام قال حدثنا أبو زید الأنصاری قال سمعت أبا عمرو بن العلاء یقول .. العرب تسمی الطهر قرءوا و تسمی الحیض قرءوا و تسمی الطهر مع الحیض جمیعا قرءوا .. و قال الاصمعی أصل القروء الوقت یقال قرأت النجوم اذا طلعت لوقتها [قال أبو جعفر] فلما صح فی اللغة ان القرء الطهر و القرء الحیض و انه لهما وجب أن یطلب الدلیل علی المراد بقوله عز و جل ثَلاثَةَ قُرُوءٍ «2» من غیر اللغة الا أن بعض العلماء یقول هی الاطهار و یرده الی اللغة من جهة الاشتقاق و سنذكر قوله بعد ذكرنا فی ذلك عن الصحابة و التابعین و فقهاء الامصار .. فممن قال الأقراء الأطهار عائشة بلا اختلاف عنها كما قرأ علیّ إسحاق بن إبراهیم بن جابر عن
______________________________
(1) سورة: البقرة، الآیة: 222
(2) سورة: البقرة، الآیة: 228
(3) سورة: الأحزاب، الآیة: 49
(4) سورة: الطلاق، الآیة: 4
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 61
سعید بن الحكم بن محمد بن أبی مریم قال حدثنا عبد اللّه بن عمر بن حفص قال أخبرنی عبد الرحمن بن القاسم عن أبیه عن عائشة رضی اللّه عنها قالت .. إنما الأقراء الاطهار ..
و قد رواه الزهری عن عروة عن عمرة عن عائشة رضی اللّه عنها .. و ممن روی عنه الأقراء الاطهار باختلاف ابن عمر و زید بن ثابت [قال أبو جعفر] كما حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبد اللّه بن یوسف قال أنبأنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان یقول .. اذا طلق الرجل امرأته فرأت الدم من الحیضة الثالثة فقد برئت منه و بری‌ء منها و لا ترثه و لا یرثها .. و إنما وقع الخلاف فیه عن ابن عمر لأن بكر بن سهل حدثنا قال حدثنا عبد اللّه بن یوسف قال أنبأنا مالك عن نافع عن عبد اللّه بن عمر أنه كان یقول .. إذا طلق العبد امرأته طلقتین حرمت علیه حتی تنكح زوجا غیره حرة كانت أو أمة و عدة الأمة حیضتان و عدة الحرة ثلاث حیض [قال أبو جعفر] و الحدیثان جمیعا فی الموطأ .. فأما حدیث زید ففیه روایتان أحدهما من حدیث الزهری عن قبیصة بن ذؤیب عن زید بن ثابت قال عدة الأمة حیضتان و عدة الحرة ثلاث حیضات .. و المخالف له حدثنا إبراهیم بن شریك قال حدثنا أحمد یعنی ابن عبد اللّه بن یونس قال حدثنا لیث عن نافع أن سلیمان بن بشار حدثه أن الأحوص و هو ابن حكیم .. طلق امرأته بالشام فهلك و هو آخر حیضتها یعنی الثالثة فكتب معاویة الی زید بن ثابت یسأله فكتب الیه لا ترثه و لا یرثها و قد برئت منه و بری‌ء منها .. قال نافع فقال عبد اللّه بن عمر مثل ذلك و قرأ علیّ بكر بن سهل عن سعید بن منصور قال حدثنا سفیان عن عیینة عن الزهری عن عمرة عن عائشة رضی اللّه عنها و عن سلیمان بن بشار عن زید بن ثابت قالا ببینها من زوجها اذا طعنت فی الحیضة الثالثة [قال أبو جعفر] فهؤلاء الصحابة الذین روی عنهم أن الأقراء الاطهار و هم ثلاثة .. فأما التابعون و فقهاء الأمصار .. فمنهم القاسم و سالم و سلیمان بن بشار و أبو بكر بن عبد الرحمن و أبان بن عثمان و مالك بن أنس و الشافعی و أبو ثور .. و أما الذین قالوا الأقراء الحیض فأحد عشر من أصحاب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم بلا اختلاف عنهم و زیادة اثنین باختلاف كما قرأ علیّ أحمد بن محمد بن الحجاج عن یحیی بن سلیمان قال و حدثنا خالد بن اسماعیل و وكیع بن الجراح قالا حدثنا عیسی بن عیسی عن الشعبی قال .. أحد عشر من أصحاب النبی صلّی اللّه علیه و سلّم أو اثنا عشر الخیر منهم عمر و زاد وكیع و أبو بكر قالا و علی و ابن مسعود و ابن عباس اذا طلق الرجل امرأة تطلیقة أو تطلیقتین فله علیها الرجعة ما لم تغتسل من القرء الثالث .. و قال وكیع فی حدیثه ما لم تغتسل من الحیضة الثالثة [قال أبو جعفر] الأحد عشر أبو بكر، و عمر، و عثمان، و علی، و ابن عباس، و ابن مسعود، و معاذ، و عباد، و أبو الدرداء، و ابو موسی، و أنس، و الاثنان باختلاف ابن عمر
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 62
و زید قرأ علی بكر بن سهل عن سعید بن منصور قال حدثنا سفیان بن عیینة عن الزهری عن سعید بن المسیب .. فی الرجل یطلق امرأته تطلیقة أو تطلیقتین .. قال قال علی هو أحق برجعتها ما لم تغتسل من الحیضة الثالثة .. قال سفیان حدثنا منصور عن إبراهیم عن علقمة عن عمر و ابن مسعود أنهما قالا هو أحق بها ما لم تغتسل .. قال سفیان و حدثنا أیوب عن الحسن عن أبی موسی الاشعری مثل ذلك .. و من التابعین و فقهاء الأمصار سعید بن المسیب و سعید بن جبیر و طاوس و عطاء و الضحاك و محمد بن سیرین و الشعبی و الحسن و قتادة و الأوزاعی و الثوری و أبو حنیفة و أصحابه و إسحاق و أبو عبید .. و حكی الأثرم عن أحمد بن حنبل أنه كان یقول الأقراء الاطهار ثم وقف .. و قال الأكابر من أصحاب محمد صلّی اللّه علیه و سلّم یقولون غیر هذا [قال أبو جعفر] فهذا ما جاء من العلماء بالروایات و نذكر ما فی ذلك من النظر و اللغة من احتجاجاتهم إذ كان الخلاف قد وقع .. فمن أحسن ما احتج به من قال الأقراء الاطهار قول اللّه عز و جل وَ الْمُطَلَّقاتُ یَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ «1» فأخبر أن القروء هی العدد و العدد عقب الطلاق و إنما یكون الطلاق فی الطهر فلو كانت الأقراء هی الحیض كان بین طلاق و العدة فصل .. و احتجوا بالحدیث حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبد اللّه بن یوسف قال أنبأنا مالك عن نافع عن ابن عمر .. أنه طلق امرأته و هی حائض فسأل عمر بن الخطاب رضی اللّه عنه النبی صلّی اللّه علیه و سلّم قال مرة فلیراجعها ثم لیمسكها حتی تطهر ثم تحیض ثم تطهر ثم ان شاء أمسك و إن شاء طلق قبل أن یمس فتلك العدة التی أمر اللّه أن تطلق لها النساء .. قال المحتج فتلك إشارة الی الطهر .. و قال فی حدیث أبی الزبیر عن ابن عمر و تلا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم: «فطلقوهن فی قبل عدتهن» .. قال فقیل عدتهن هو الطهر [قال أبو جعفر] و مخالفه یحتج علیه بالحدیث بعینه و سیأتی ذلك .. و احتج بعضهم بأنه من قریت الماء أی حبسته فكذا القرء احتباس الحیض و هذا غلط بیّن لأن قریت الماء غیر مهموز و هذا مهموز و اللغة تمنع أخذ هذا من هذا .. و احتج بعضهم بأن الآیة ثلاثة قروء بالهاء فوجب أن تكون للطهر لأن الطهر مذكر و عدد المذكر یدخل فیه الهاء و لو كان للحیضة لقیل ثلاث [قال أبو جعفر] و هذا غلط فی العربیة لأن الشی‌ء یكون له اسمان مذكر و مؤنث فاذا جئت بالمؤنث أنثته و اذا جئت بالمذكر ذكرته كما تقول رأیت ثلاث أدؤر و رأیت ثلاثة منازل لأن الدار مؤنثة و المنزل مذكر و المعنی واحد .. و أما احتجاج الذین قالوا الأقراء الحیض فبشی‌ء من القرآن و من الإجماع و من السنة و من القیاس .. قالوا و قال اللّه تعالی
______________________________
(1) سورة: البقرة، الآیة: 228
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 63
وَ اللَّائِی یَئِسْنَ مِنَ الْمَحِیضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ «1» فجعل المأیوس منه الحیض فدل علی أنه هو العدة و جعل العوض منه الأشهر إذ كان معدوما .. و قال فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَ «2» و بین النبی صلّی اللّه علیه و سلّم ان المعنی فطلقوهن لعدتهن أن تطلق فی طهر لم تجامع فیه .. و لا تخلو لعدتهن من أن یكون المعنی لیعتددن فی المستقبل أو یكون فی الحال أو الماضی و محال أن تكون العدة قبل الطلاق و أن یطلقها فی حال عدتها فوجب أن تكون للمستقبل [قال أبو جعفر] و الطهر كله جائز أن تطلق فیه و لیس بعد الطهر الا الحیض .. و قال تعالی وَ الْمُطَلَّقاتُ یَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ «3» قالوا فاذا طلقها فی الطهر ثم احتسب به قرأ فلم تعتد إلا قرءین و شیئا و لیس كذا نص القرآن .. و قد احتج محتج فی هذا و قال الثلاثة جمع و احتج بقول اللّه تعالی الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ «4» و إنما ذلك شهران و أیام فهذا الاحتجاج غلط لأنه لم یقل ثلاثة أشهر فیكون مثل ثلاثة قروء .. و إنما هذا مثل قوله عز و جل یَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَ عَشْراً «5» فلا یجوز أن یكون أقل منها .. و كذا فَصِیامُ ثَلاثَةِ أَیَّامٍ فِی الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ «6» و أما من السنة فحدثنا .. الحسن بن علبث قال حدثنی یحیی بن عبد اللّه قال أخبرنی اللیث عن یزید بن أبی حبیب عن بكیر بن عبد اللّه بن الأشج عن المنذر بن المغیرة عن عروة بن الزبیر أن فاطمة ابنة أبی حبیش أخبرته أنها .. أتت النبی صلّی اللّه علیه و سلّم فشكت الیه الدم .. فقال: «إنما ذلك عرق فانظری إذا أتاك قرؤك و لا تصلی و اذا مر القرء فتطهری ثم صلی من القرء الی القرء» فهذا لفظ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم سمی الحیض قرءوا فی أربعة مواضع .. و أما الاجماع فأجمع المسلمون علی ان لا یستبری بحیضة .. و قال عمر بن الخطاب رضی اللّه عنه بحضرة أصحاب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم عدة الأمة حیضتان نصف عدة الحرة و لو قدرت أن أجعلها حیضة و نصفا لفعلت و هذا یدخل فی باب الإجماع لأنه لم ینكره علیه أحد من الصحابة .. و قالوا قد أجمع العلماء علی أن المطلقة ثلاثا اذا ولدت فقد خرجت من العدة لا اختلاف فی ذلك و إنما اختلفوا فی المتوفی عنها زوجها .. قالوا فالقیاس أن یكون الحیض بمنزلة الولد لأنهما جمیعا یخرجان من الجوف و فی سیاق الآیة أیضا دلیل .. قال اللّه تعالی وَ لا یَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ یَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللَّهُ فِی أَرْحامِهِنَ «3» و للعلماء فی هذا قولان .. قال ابن عباس الحبل .. و قال الزهری الحیض و لیس ثم دلیل
______________________________
(1) سورة: الطلاق، الآیة: 4
(2) سورة: الطلاق، الآیة: 1
(3- 7) سورة: البقرة، الآیة: 228
(4) سورة: البقرة، الآیة: 197
(5) سورة: البقرة، الآیة: 234
(6) سورة: البقرة، الآیة: 196
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 64
یدل علی اختصاص أحدهما فوجب أن یكون لهما جمیعا و إنما حظر علیهما كتمان الحیض و الحبل لأن زوجها إذا طلقها طلاقا یملك معه الرجعة كان له ان یراجعها من غیر أمرها ما لم تنقض عدتها فإذا كرهته قالت قد حضت الحیضة الثالثة أو قد ولدت لئلا یراجعها فتبین عند ذلك .. قال تعالی وَ بُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِی ذلِكَ «1» حدثنا .. أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن قتادة و بعولتهنّ أحقّ بردّهنّ فی ذلك .. قال هو أحق بردها فی العدة .. [قال أبو جعفر] التقدیر فی العربیة فی ذلك الأجل .. و أما وَ لَهُنَّ مِثْلُ الَّذِی عَلَیْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ «1» فقال فیه ابن زید علیه أیضا ان یتقی اللّه فیها .. و أما وَ لِلرِّجالِ عَلَیْهِنَّ دَرَجَةٌ «1» ففیه أقوال .. فقال ابن زید علیها أن تطیعه و لیس علیه أن یطیعها .. قال الشعبی اذا قذفها لاعن و لم یحد و إذا قذفته حدت .. و من أحسن ما قیل فیه ما رواه عكرمة عن ابن عباس .. قال ما أرید أن أستنطف حقوقی علی زوجتی .. [قال أبو جعفر] و معنی هذا ان اللّه تعالی ندب الرجال الی ان یتفضلوا علی نسائهم و أن یكون لهم علیهن درجة فی العفو و التفضل و الاحتمال لأن معنی درجة فی اللغة زیادة و ارتفاع .. قال أبو العالیة وَ اللَّهُ عَزِیزٌ حَكِیمٌ عزیز فی انتقامه حكیم فی تدبیره ..
[قال أبو جعفر] و هذا قول حسن أی عزیز فی انتقامه ممن خالف أمره و حدوده فی أمر الطلاق و العدة حكیم فیما دبر لخلقه .. و اختلف العلماء فی الآیة التی تلی هذه فمنهم من جعلها ناسخة و منهم من جعلها منسوخة و منهم من جعلها محكمة و هی الآیة الثالثة و العشرون.

باب ذكر الآیة الثالثة و العشرین‌

قال اللّه عز و جل الطَّلاقُ مَرَّتانِ «2» الآیة .. فمن العلماء من یقول هی ناسخة لما كانوا علیه لأنهم كانوا فی الجاهلیة مدة و فی أول الإسلام برهة یطلق الرجل امرأته ما شاء من الطلاق فاذا كادت تحل من الطلاق راجعها ما شاء اللّه فنسخ اللّه ذلك بأنه اذا طلقها ثلاثا لم تحل له حتی تنكح زوجا غیره و اذا طلقها واحدة أو اثنتین كانت له الرجعة ما دامت فی العدة .. فقال جل ثناؤه الطَّلاقُ مَرَّتانِ أی الطلاق الذی تملك معه الرجعة و هذا معنی قول عروة قرأ .. علیّ عبد اللّه بن أحمد بن عبد السلام عن أبی الأزهر قال حدثنا روح بن
______________________________
(1) سورة: البقرة، الآیة: 228
(2) سورة: البقرة، الآیة: 229
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 65
عبادة عن سعید عن قتادة فی قوله الطلاق مرتان فنسخ هذا ما كان قبل فجعل اللّه حد الطلاق ثلاثا و جعل له الرجعة ما لم تطلق ثلاثا فهذا قول .. و القول الثانی أنها منسوخة بقوله فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَ .. و القول الثالث أنها محكمة و افترق قول من قال أنها محكمة علی ثلاث جهات .. فمنهم من قال لا ینبغی للرجل إذا أراد أن یطلق امرأته أن یطلقها إلا اثنتین لقول اللّه عز و جل الطَّلاقُ مَرَّتانِ ثم إن شاء طلق الثالثة بعد و هذا قول عكرمة .. و القول الثانی أنه یطلقها فی طهر لم یجامعها فیه إن شاء واحدة و إن شاء اثنتین و إن شاء ثلاثا هذا قول الشافعی .. و القول الثالث الذی علیه أكثر العلماء أن یطلقها فی كل طهر طلقة واحدة .. و احتج لصاحب هذا القول بقول النبی صلّی اللّه علیه و سلّم لعمر رضی اللّه عنه مرة فلیراجعها ثم لیمسكها حتی تطهر ثم تحیض ثم تطهر إن شاء أمسك و إن شاء طلق قبل أن یجامعها ..
[قال أبو جعفر] و قد ذكرناه بإسناده فكانت السنة أن یكون بین كل طلقتین حیضة فلو طلق رجل امرأته و هی حائض ثم راجعها ثم طلقها فی الطهر الذی یلی الحیضة وقعت تطلیقتان بینهما حیضة واحدة .. [قال أبو جعفر] و هذا خلاف السنة و لهذا أمر أن یراجعها ثم یمسكها حتی تطهر ثم تحیض ثم تطهر .. و من الحجة أیضا الطَّلاقُ مَرَّتانِ لأن مرتین تدل علی التفریق كذا هو فی اللغة .. قال سیبویه و قد یقول سیر علیه مرتین یجعله للدهر أی طرقا فسیبویه یجعل مرتین طرقا فالتقدیر أوقات الطلاق مرتان و حدثنا .. أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبد الرزاق قال أنبأنا سفیان الثوری قال حدثنی اسماعیل بن سمیع عن أبی رزین أن رجلا قال .. یا رسول اللّه أسمع اللّه یقول الطَّلاقُ مَرَّتانِ فأین الثالثة؟ قال التسریح بإحسان .. و فی هذه الآیة ما قد اختلف فیه اختلاف كثیر و جعله بعضهم فی المنسوخ بعد الاتفاق علی أنه فی مخالفة الرجل امرأته .. قال اللّه تعالی وَ لا یَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَیْتُمُوهُنَّ شَیْئاً إِلَّا أَنْ یَخافا أَلَّا یُقِیما حُدُودَ اللَّهِ «1» الی آخر الآیة .. قال عقبة بن أبی الصهباء سألت بكر بن عبد اللّه المزنی عن الرجل یرید امرأته أن تخالفه فقال لا یحل له أن یأخذ منها شیئا قلت فأین قول اللّه فی كتابه فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا یُقِیما حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُناحَ عَلَیْهِما فِیمَا افْتَدَتْ بِهِ «1» قال نسخت .. قلت فأین جعلت؟ قال فی سورة النساء وَ إِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وَ آتَیْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَیْئاً أَ تَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَ إِثْماً مُبِیناً «2» و الآیة الأخری .. [قال أبو جعفر] و هذا قول شاذ خارج عن الإجماع
______________________________
(1) سورة: البقرة، الآیة: 229
(2) سورة: النساء، الآیة: 20
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 66
و لیس احدی الآیتین رافعة للأخری فیقع النسخ لأن قوله تعالی فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا یُقِیما حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُناحَ عَلَیْهِما فِیمَا افْتَدَتْ بِهِ لیس بمزال لأنهما إذا خافا هذا لم یدخل الزوج فی و إن أردتم استبدال زوج مكان زوج لأن هذا للرجال خاصة .. و من الشذوذ فی هذا ما روی عن سعید بن جبیر و محمد بن سیرین و الحسن أنهم قالوا لا یجوز الخلع الا بأمر السلطان .. قال شعبة قلت لقتادة عمن أخذ الحسن الخلع الی السلطان .. قال عن زیاد .. [قال أبو جعفر] و هو صحیح معروف عن زیاد و لا معنی لهذا القول لأن الرجل اذا خالع امرأته فإنما هو علی ما یتراضیان به و لا یجوز أن یجبره السلطان علی ذلك و لا معنی لقول من قال هو إلی السلطان و مع هذا فقول الصحابة و أكثر التابعین ان الخلع جائز من غیر إذن السلطان فممن قال ذلك عمر و عثمان و ابن عمر رضی اللّه تعالی عنهم كما حدثنا .. محمد بن زیان قال حدثنا محمد بن رمح قال أخبرنی اللیث عن نافع أنه سمع الربیع ابنة معوّذ بن عفراء تخبر عبد اللّه بن عمر أنها اختلعت من زوجها فی عهد عثمان فجاء عمها معاذ بن عفراء إلی عثمان فقال إن ابنة معوذ اختلعت من زوجها أ فتنتقل فقال عثمان رضی اللّه عنه لتنتقل و لا میراث بینهما و لا عدة علیهما و لكن لا تنكح حتی تحیض حیضة خشیة أن یكون بها حمل ..
فقال ابن عمر عثمان خیرنا و أعلمنا رضی اللّه عنهما .. [قال أبو جعفر] و فی حدیث أیوب و عبد اللّه عن نافع عن ابن عمر عن عثمان أجاز الخلع علی خلاف ما قال زیاد و جعله طلاقا علی خلاف ما یقول أبو حنیفة و أصحابه ان الخلع لا یجوز بأكثر مما ساق إلیها من الصداق و أجاز للمختلعة أن تنتقل و جعلها خلاف المطلقة و لم یجعل علیها عدة كالمطلقة .. و قال هذا القول اسحاق بن راهویه قال لیس علی المختلعة عدة و إنما علیها الاستبراء بحیضة و هو قول ابن عباس بلا خلاف و عن ابن عمر فیه اختلاف فلما جاء عن ثلاثة من الصحابة لم یقل بغیره و لا سیما و لم یصح عن أحد من الصحابة خلافه فأما عن غیرهم فكثیر .. قال جماعة من العلماء عدة المختلعة عدة المطلقة منهم سعید بن المسیب و سلیمان بن بشار و سالم بن عبد اللّه و عروة بن الزبیر و عمر بن عبد العزیز و الزهری و الحسن و إبراهیم النخعی و سفیان الثوری و الاوزاعی و مالك و أبو حنیفة و أصحابه و الشافعی و أحمد بن حنبل و فی حدیث عثمان انه أوجب أن المختلعة أملك بنفسها لا تزوّج الا برضاها و إن كانت لم تطلق إلا واحدة و فیه انه لا نفقة لها و لا سكنی و أنهما لا یتوارثان و إن كان إنما طلقها واحدة و فیه انها لا تنكح حتی تحیض حیضة و فیه أن عبد اللّه بن عمر خبر أن عثمان خیر و أعلم من كل من ولّی علیه ..
و أما حدیث ابن عباس فحدثناه .. أحمد بن محمد الأزدیّ قال حدثنا محمد بن خزیمة قال حدثنا حجاج قال حدثنا أبو عوانة عن لیث عن طاوس أن ابن عباس .. جمع بین رجل
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 67
و امرأته بعد ان طلقها تطلیقتین و خالعها و هذا شاذ و خارج عن الإجماع و المعقول و ذلك أنه اذا قال لامرأته أنت طالق إذا كان كذا فوقعت الصفة طلقت بإجماع فكیف یكون إذا أخذ منها شیئا أو طلق نصفه لم یقع فهذا محال فی المعقول و طاوس و إن كان رجلا صالحا فعنده عن ابن عباس مناكیر یخالف علیها و لا یقبلها أهل العلم منها أنه روی عن ابن عباس أنه قال فی رجل قال لامرأته أنت طالق ثلاثا إنما تلزمه واحدة و لا یعرف هذا عن ابن عباس إلا من روایته و الصحیح عنه و عن علی بن أبی طالب رضی اللّه عنه أنها ثلاث كما قال اللّه عزّ و جلّ فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ «1» أی الثالثة .. فأما العلة التی رویت عن ابن عباس فی المختلعة فإنه روی عنه أنه قال وقع الخلع بین طلاقین قال جل ثناؤه الطَّلاقُ مَرَّتانِ «2» ثم ذكر المختلعة فقال فَإِنْ طَلَّقَها «1» .. [قال أبو جعفر] الذی علیه أهل العلم أن قوله الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِیحٌ بِإِحْسانٍ «2» كلام قائم بنفسه ثم قال وَ لا یَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَیْتُمُوهُنَّ شَیْئاً «2» فكان هذا حكما متشابها ثم قال جل ثناؤه فَإِنْ طَلَّقَها «1» فرجع الی الأول و لو كان علی ما روی عن ابن عباس لم تكن المختلعة إلا من طلقت تطلیقتین و هذا مما لا یقول به أحد و مثل هذا فی التقدیم و التأخیر و امسحوا برءوسكم و أرجلكم .. [قال أبو جعفر] و هذا بین فی النحو و فی الآیة من اللغة و قد ذكره مالك أیضا فقال المختلعة التی اختلعت من كل مالها و المفتدیة التی افتدت ببعض مالها و المبارئة التی أبرأت زوجها من قبل أن یدخل بها فقالت قد أبرأتك فبارئنی قال و كل هذا سواء و هذا صحیح فی اللغة و قد یدخل بعضه فی بعض فیقال مختلعة و إن دفعت بعض مالها فیكون تقدیره إنما اختلعت نفسها من زوجها و كذلك المفتدیة و إن افتدت بكل مالها .. فأما من قال لا یجوز أن تختلع بأكثر مما یساق الیها من الصداق فشی‌ء لا توجبه الآیة لأن اللّه عز و جل قال فَلا جُناحَ عَلَیْهِما فِیمَا افْتَدَتْ بِهِ «2» من ذلك و لا منه فیصح ما قالوا علی أن سعید بن المسیب یروی عنه انه قال لا یجوز الخلع الا بأقل من الصداق و قال میمون بن مهران من أخذ الصداق كله فلم یسرح بإحسان .. و قد أدخلت الآیة الرابعة و العشرون فی الناسخ و المنسوخ قال ذلك مالك بن أنس.
______________________________
(1) سورة: البقرة، الآیة: 230
(2) سورة: البقرة، الآیة: 229
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 68

باب ذكر الآیة الرابعة و العشرین‌

قال جل ثناؤه وَ عَلَی الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ «1» فی هذه الآیة للعلماء أقوال .. فمنهم من قال هی منسوخة .. و منهم من قال انها محكمة .. و الذین قالوا أنها محكمة لهم فیها ستة أقوال .. فمنهم من قال و علی الوارث مثل ذلك انه الأنصار .. و منهم من قال ان الوارث عصبة الأب علیهم النفقة و الكسوة .. و منهم من قال الوارث أی الصبی نفسه .. و منهم من قال الوارث الباقی من الأبوین .. و منهم من قال الوارث كل ذی رحم محرم .. [قال أبو جعفر] و نحن ننسب هذه الأقوال إلی قائلها من الصحابة و التابعین و الفقهاء و نشرحها لنكمل الفائدة فی ذلك .. حكی عبد الرحمن بن القاسم فی الأسدیة عن مالك بن أنس أنه قال لا یلزم الرجل نفقة أخ و لا ذی قرابة و لا ذی رحم محرم منه قال و قول اللّه جل ثناؤه وَ عَلَی الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ «1» منسوخ .. [قال أبو جعفر] هذا لفظ مالك و لم یبین ما الناسخ لها و لا عبد الرحمن بن القاسم .. و مذهب ابن عباس و مجاهد و الشعبی أن المعنی و علی الوارث أنه الأنصار و الذین قالوا علی وارث الأب النفقة و الكسوة عمر بن الخطاب و الحسین بن أبی الحسن كما قرأ علی .. محمد بن جعفر بن حفص عن یوسف بن موسی قال حدثنا قبیصة قال حدثنی سفیان عن ابن جریج عن عمرو بن شعیب عن سعید بن المسیب أن عمر أجبر بنی عم علی منفوس و فی روایة ابن عیینة الرجال دون النساء .. و قال الحسین اذا خلف أمه و عمه و الأم موسرة و العم معسر فالنفقة علی العم .. و الذین قالوا علی وارث المولود النفقة و الكسوة زید بن ثابت قال اذا خلف أما و عما فعلی كل واحد منهما علی قدر میراثهما و هو قول عطاء .. و قال قتادة علی وارثی الصبی علی قدر میراثهم و قال قبیصة بن ذؤیب الوارث الصبی كما قرأ علیّ .. محمد بن جعفر بن حفص عن یوسف بن موسی قال حدثنا أبو عبد الرحمن المقری قال أنبأنا حیوة قال حدثنا جعفر بن ربیعة عن قبیصة بن ذؤیب وَ عَلَی الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ قال الوارث الصبی .. و روی ابن المبارك عن سفیان الثوری قال اذا كان للصبی أم و عم أجبرت الأم علی رضاعه و لم یطالب العم بشی‌ء .. و أما الذین قالوا علی كل ذی رحم محرم فهو أبو حنیفة و أبو یوسف و محمد .. [قال أبو جعفر] فهذه جمیع الأقوال التی وصفناها من أقوال الصحابة و التابعین و الفقهاء .. و أما قول مالك أنها منسوخة فلم یبینه و لا علمت أن أحدا من الصحابة بیّن ذلك و الذی یشبه أن یكون الناسخ لها عنده و اللّه أعلم أنه
______________________________
(1- 2) السورة: البقرة، الآیة: 233
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 69
لما أوجب اللّه سبحانه للمتوفی عنها زوجها من مال المتوفی نفقة حول و السكنی ثم نسخ ذلك و رفعه نسخ ذلك أیضا عن الوارث .. و أما قول من قال و علی الوارث مثل ذلك أنه الأنصار فقول حسن لأن أموال الناس محظورة فلا یخرج منها شی‌ء إلا بدلیل قاطع .. و أما قول من قال علی ورثة الأب و الحجة له أن النفقة كانت علی الأب فورثته لولی من ورثة الابن .. و أما حجة من قال علی ورثة الابن فیقول كما یرثونه یقومون به .. [قال أبو جعفر] و كان محمد بن جریر یختار قول من قال الوارث هاهنا الابن و هو و إن كان قولا غریبا فالإسناد به صحیح و الحجة به ظاهرة لأن ماله أولی به .. و قد أجمع الفقهاء إلا من شذ منهم أن رجلا لو كان له طفل و للولد مال و الأب موسر انه لا یجب علی الأب نفقة و لا رضاع و ان ذلك من مال الصبی فان قیل قد قال اللّه تعالی وَ عَلَی الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَ كِسْوَتُهُنَ «1» قیل هذا الضمیر للمؤنث و مع هذا فإن الاجماع حد لأنه مبین بها لا یسمع مسلما الخروج عنه ..
و أما قول من قال ذلك علی من بقی من الأبوین فحجته أنه لا یجوز للأم تضییع ولدها و قد مات من كان ینفق علیه و علیها .. و أما قول من قال النفقة و الكسوة علی كل ذی رحم محرم فحجته أن علی الرجل أن ینفق علی كل ذی رحم محرم إذا كان فقیرا .. [قال أبو جعفر] و قد عورض هذا القول بأنه لم یوجد من كتاب اللّه تعالی و لا من إجماع و لا من سنة صحیحة بل لا نعرف سوی قول من ذكرناه .. و أما القرآن فقال سبحانه وَ عَلَی الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ «2» فتكلم الصحابة و التابعون فیه بما تقدم ذكره فان كان علی الوارث النفقة و الكسوة فقد خالفوا ذلك فقالوا إذا ترك خاله و ابن عمه فالنفقة علی خاله و لیس علی ابن عمه شی‌ء فهذا مخالفة نص القرآن لأن الخال لا یرث مع ابن العم فی قول أحد و لا یرث وحده فی قول كثیر من العلماء .. و الذین احتجوا به من النفقة علی كل ذی رحم محرم أكثر أهل العلم علی خلافه .. و أما الآیة الخامسة و العشرون فقد تكلم العلماء فیها أیضا فقال أكثرهم هی ناسخة و قال بعضهم فیها نسخ و اللّه أعلم.

باب ذكر الآیة الخامسة و العشرین‌

قال جل ثناؤه وَ الَّذِینَ یُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَ یَذَرُونَ أَزْواجاً یَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَ عَشْراً «2» الآیة أكثر العلماء علی أن هذه الآیة ناسخة لقوله تعالی
______________________________
(1) سورة: البقرة، الآیة: 233
(2) سورة: البقرة، الآیة: 234
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 70
وَ الَّذِینَ یُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَ یَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِیَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَی الْحَوْلِ غَیْرَ إِخْراجٍ «1» لأن الناس أقاموا برهة من الإسلام اذا توفی الرجل و خلف امرأة حاملا أوصی لها زوجها بنفقة سنة و بالسكنی ما لم تخرج فتتزوج ثم نسخ ذلك بأربعة أشهر و عشرا و بالمیراث .. و اختلف الذین قالوا هذا القول .. قال بعضهم نسخ من الأربعة الأشهر و العشر المتوفی عنها زوجها و هی حامل فانقضاء عدتها اذا ولدت .. و قال قوم آخر الأجلین .. و قال ابن هرمز هو عام بمعنی الخاص أی وَ الَّذِینَ یُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَ یَذَرُونَ أَزْواجاً لسن حوامل یتربصن بأنفسهن أربعة أشهر و عشرا .. و قال قوم لیس فی هذا نسخ و إنما هو نقصان من الحول .. و قال قوم هما محكمتان و استدلوا بأنها منهیة عن المبیت فی غیر منزل زوجها .. [قال أبو جعفر] و نحن نشرح هذه الأقوال و نذكر قائلی من نعرف منهم .. فممن قال إن الآیة ناسخة فصح ذلك عنه عثمان بن عفان و عبد اللّه بن الزبیر حتی قال عبد اللّه بن الزبیر قلت لعثمان رضی اللّه عنه لم أثبت فی المصحف و الذین یتوفون منكم و یذرون أزواجا یتربصن بأنفسهن اربعة أشهر و عشرا فقال یا ابن أخی لا أغیر شیئا من مكانه فبین عثمان رضی اللّه عنه أنه إنما أثبت فی المصحف ما أخذه عن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم و أخذه النبی صلّی اللّه علیه و سلّم عن جبریل علیه السلام علی ذلك التألیف لم یغیر منه شیئا و حدثنا .. أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبد الرزاق قال أنبأنا معمر عن قتادة وَ الَّذِینَ یُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَ یَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِیَّةً لِأَزْواجِهِمْ «1» قال نسختها وَ الَّذِینَ یُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَ یَذَرُونَ أَزْواجاً یَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَ عَشْراً «2» قال متاعا الی الحول غیر اخراج نسخها الربع و الثمن و نسخ الحول العدة أربعة أشهر و عشرا .. [قال أبو جعفر] و حدثنا .. بكر بن سهل قال حدثنا أبو صالح قال حدثنی معاویة بن صالح عن علی بن طلحة عن ابن عباس قال و قوله وَ الَّذِینَ یُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَ یَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِیَّةً لِأَزْواجِهِمْ الآیة كانت المرأة اذا مات زوجها و تركها أعتدت سنة و ینفق علیها من ماله ثم أنزل اللّه بعد ذلك وَ الَّذِینَ یُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَ یَذَرُونَ أَزْواجاً یَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَ عَشْراً الا أن تكون حاملا فانقضاء عدتها أن تضع ما فی بطنها و نزل وَ لَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ یَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ «3» فبین اللّه جل ثناؤه المیراث و ترك النفقة و الوصیة .. [قال أبو جعفر] و أما قول من قال انه عام بمعنی
______________________________
(1) سورة: البقرة، الآیة: 240
(2) سورة: البقرة، الآیة: 234
(3) سورة: النساء، الآیة: 12
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 71
الخاص فقول حسن لأنه قد بین ذلك بالقرآن و الحدیث و سنذكر ذلك .. و أما قول من قال نسخ منها الحوامل فیحتج بقول ابن مسعود من شاء لاعنته أن سورة النساء القصری نزلت بعد الطولی یعنی أن قوله وَ أُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ یَضَعْنَ حَمْلَهُنَ «1» نزلت بعد التی فی البقرة و هذا قول أعنی و أولات الأحمال ناسخة للتی فی البقرة أو مبینة لها قول أكثر الصحابة و التابعین و الفقهاء .. فمنهم عمر و ابن عمر و ابن مسعود و أبو مسعود البدری و أبو هریرة و سعید بن المسیب و الزهری و مالك و الأوزاعی و الثوری و أصحاب الرأی و الشافعی و أبو ثور .. و أما قول من قال آخر الأجلین فحجته انه جمع بین الاثنین .. و ممن قال به بلا اختلاف عنه علی بن أبی طالب و كان بینه و بین الصحابة فیه منازعة شدیدة من أجل الخلاف فیه كما حدثنا .. أحمد بن محمد الازدی قال حدثنا إبراهیم بن مرزوق قال حدثنا أبو داود الطیالسی عن شعبة قال حدثنا عبید بن الحسن قال حدثنا أبو معقل قال شهدت علی بن أبی طالب رضی اللّه عنه .. و قد سئل عن رجل توفی و امرأته حامل فقال تعتد آخر الأجلین فقیل یا أمیر المؤمنین ان أبا مسعود البدری یقول لتسع لنفسها .. فقال ان فروخا لا تعلم شیئا فبلغ ذلك أبا مسعود .. فقال بلی أنا أعلم و ذكر الحدیث .. و ممن صح عنه أنه قال تعتد آخر الاجلین عبد اللّه بن العباس .. [قال أبو جعفر] و قد ذكرنا من قال بغیر هذا من الصحابة حتی قال عمر إن وضعت حملها و زوجها علی السریر حلت و علی القول الآخر لا تحل حتی تمضی أربعة أشهر و عشرا ثم جاء التوقیف عن النبی صلّی اللّه علیه و سلّم بأنها تحل اذا توفی زوجها و هی حامل ثم ولدت قبل انقضاء أربعة أشهر و عشرا و صح ذلك عنه كما حدثنا .. بكر بن سهل قال حدثنا عبد اللّه بن یوسف قال أنبأنا مالك عن یحیی بن سعید عن سلیمان بن یسار أن عبد اللّه بن عباس و أبا سلمة بن عبد الرحمن سئلا عن المرأة یتوفی عنها زوجها و هی حامل .. فقال ابن عباس آخر الأجلین .. و قال أبو سلمة اذا ولدت فقد حلت .. و قال أبو هریرة أنا مع ابن أخی یعنی مع أبی سلمة فأرسلوا كریبا مولی ابن عباس الی أم سلمة زوج النبی صلّی اللّه علیه و سلّم فجاء فأخبرهم ان أم سلمة .. قالت ولدت سبیعة الأسلمیة بعد وفاة زوجها بلیال فذكرت ذلك لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم فقال قد حللت .. و قال الحسن و الشعبی لا تتزوج حتی تخرج من دم النفاس .. و كذا قال حماد بن أبی سلیمان .. [قال أبو جعفر] و اذا قال الرسول صلّی اللّه علیه و سلّم شیئا لم یلتفت الی قول غیره و لا سیما و نص القرآن وَ أُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ یَضَعْنَ حَمْلَهُنَ و قد أجمع الجمیع بلا خلاف بینهم أن رجلا لو توفی و ترك امرأته حاملا فانقضت أربعة أشهر و عشرا أنها لا تحل حتی تلد فعلم أن المقصود الولادة .. و أما قول من قال لیس
______________________________
(1) سورة: الطلاق، الآیة: 4
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 72
فی هذا نسخ و إنما هو نقصان من الحول حجته ان هذا مثل صلاة المسافر لما نقصت من أربعة إلی اثنین لم یكن هذا نسخا و هذا غلط بین لأنه إذا كان حكمها أن تعتد سنة إذا لم تخرج فإذا خرجت لم تمنع ثم أزیل هذا و لزمتها العدة أربعة أشهر و عشرا فهذا هو النسخ و لیست صلاة المسافر من هذا فی شی‌ء و الدلیل علی ذلك أن عائشة رضی اللّه عنها .. قالت فرضت الصلاة ركعتین ركعتین فزید فی صلاة الحضر و أقرت صلاة المسافر علی حالها و هكذا یقول جماعة من الفقهاء ان فرض المسافر ركعتان و قد عورضوا فی هذا بأن عائشة رضی اللّه عنها كانت تتم فی السفر فكیف تتم فی السفر و هی تقول فرض المسافر ركعتان هذا متناقض فأجابوا عن ذلك إن هذا لیس بمتناقض لأنه قد صح عنها ما ذكرناه و هی أم المؤمنین علیها السلام فحیث حلت فهی مع أولادها فلیست بمسافرة و حكمها حكم من كان حاضرا فلذلك كانت تتم الصلاة إن صح عنها الاتمام .. و مما یدلك علی أن الآیة منسوخة أن بكر بن سهل حدثنا .. قال حدثنا عبد اللّه بن یوسف قال أنبأنا مالك عن عبد اللّه بن أبی بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن نافع بن نافع عن زینب ابنة أبی سلمة أنها أخبرته هذه الأحادیث الثلاثة .. قالت زینب دخلت علی أم حبیبة زوج النبی صلّی اللّه علیه و سلّم حین توفی أبوها أبو سفیان بن حرب فدعت أم حبیبة بطیب فیه صفرة خلوق أو غیره فدهنت منه جاریة ثم مسحت بعارضیها ثم .. قالت و اللّه ما لی بالطیب من حاجة غیر أنی سمعت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم یقول: «لا یحل لامرأة تؤمن باللّه و الیوم الآخر أن تحد علی میت فوق ثلاث لیال إلا علی زوج أربعة أشهر و عشرا» .. قالت زینب و سمعت أم سلمة تقول و جاءت امرأة الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم .. فقالت یا رسول اللّه ان ابنتی توفی عنها زوجها و قد اشتكت عینها أ فأكحلها ..
فقال صلّی اللّه علیه و سلّم: لا مرتین أو ثلاثا كل ذلك یقول لا .. ثم قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم انما هی أربعة أشهر و عشرا و قد كانت احداكن ترمی فی الجاهلیة ترمی بالبعرة علی رأس الحول» .. قال حمید فقلت لزینب و ما ترمی بالبعرة علی رأس الحول قال حمید .. فقالت زینب كانت المرأة اذا توفی عنها زوجها دخلت حفشا و لبست شر ثیابها و لم تلبس طیبا و لا شیئا حتی تمر بها سنة .. ثم تؤتی بدابة حمار أو شاة أو طائر فتنقض به فقلما تنقض بشی‌ء الا مات ثم تخرج فتعطی بعرة فترمی بها ثم تراجع بعد ما شاءت من طیب أو غیره .. و فی الحدیث من الفقه و المعانی و اللغة شی‌ء كثیر .. فمن ذلك إیجاب الإحداد و الامتناع من الزینة و الكحل علی المتوفی عنها زوجها علی خلاف ما روی اسماعیل بن علیة عن یونس عن الحسن انه كان لا یری بأسا بالزینة للمتوفی عنها زوجها و لا یری الإحداد شیئا .. و فیه قوله صلّی اللّه علیه و سلّم: «لا یحل لامرأة تؤمن باللّه و الیوم الآخر أن تحد علی میت فوق ثلاث إلا علی زوج» فأوجب ذلك هذا
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 73
علی كل امرأة بالغة كانت أو غیر بالغة مدخولا بها أو غیر مدخول أمة كانت تحت حرّ أو حرة تحت عبد أو مطلقة واحدة أو ثنتین لأنها بمنزلة من لم تطلق و دل علی أنه لا إحداد علی المبتوتة و إنما هو علی المتوفی عنها زوجها و دل ظاهر الحدیث علی أنه لا إحداد علی كافرة لقول النبی صلّی اللّه علیه و سلّم تؤمن باللّه و الیوم الآخر و دل أیضا ظاهره أنه لا إحداد علی الحامل بذكر النبی صلّی اللّه علیه و سلّم أربعة أشهر و عشرا .. فأما معنی ترمی بالبعرة .. فقال فیه أهل اللغة و العلماء بمعانی العرب أنهن كن یفعلن ذلك لیرین أن مقامهن حولا أهون علیهن من تلك البعرة المرمیة .. و فیه من اللغة قوله تنقض و قد رواه بعض الفقهاء الجلة تقبض .. و قیل معناه تجعل أصابعها علی الطائر كما قرئ فقبضت قبضة فخالفه أصحاب مالك أجمعون ..
فقالوا تفیض و هو علی تفسیر مالك كذا یجب كما حدثنا .. بكر بن سهل قال حدثنا عبد اللّه بن یوسف قال سمعت مالكا و سئل ما تفیض به قال تمسح به جلدها .. [قال أبو جعفر] و هذا مشتق من أنفض القوم اذا تفرقوا و زال بعضهم عن بعض .. قال عزّ و جلّ حَتَّی یَنْفَضُّوا فمعنی تفیض به تزول به لأنها لا تزول عن مكانها إلا بهذا فقد صارت تفیض به .. و أما قول من قال الآیتان محكمتان فاحتج بأن المتوفی عنها زوجها لا تبیت الا فی منزلها فلیس بشی‌ء لأنه لو كان كما قال لأوجب علیها أن تقیم سنة كاملة كما فی الآیة المنسوخة و أیضا فلیس فی مقامها فی منزلها إجماع بل قد اختلف فیه الصدر الأول و من بعدهم .. فممن قال ان علیها المقام عمر و عثمان و أم سلمة و ابن مسعود و ابن عمر و تابعهم علی ذلك أكثر فقهاء الأمصار .. و قال مالك تزورهم بعد العشاء الی أن یهدأ الناس و لا تبیت إلا فی منزلها و هذا قول اللیث و سفیان الثوری و أبی حنیفة و الشافعی .. و قال محمد بن الحسن لا تخرج المتوفی عنها زوجها و المبتوتة من منزلها البتة .. و ممن قال غیر هذا و قال لها أن تخرج و تحج إن شاءت و لا تقیم فی منزلها علی بن أبی طالب رضی اللّه عنه و علی هذا صح عنه أنه أخرج ابنته أم كلثوم زوجة عمر بن الخطاب رضی اللّه عنه .. لما قتل عمر فضمها إلی منزله قبل أن تنقضی عدتها و صح عن ابن عباس مثل هذا روی الثوری عن ابن جریج عن عطاء عن ابن عباس .. قال لیس علی المتوفی عنها زوجها و لا علی المبتوتة اقامة فی بیتها إنما قال اللّه عز و جل یَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَ عَشْراً «1» إنما علیها العدة و لیس علیها مقام و لا نفقة لهما .. و ممن قال بهذا القول علی أنه لیس علی المتوفی عنها زوجها اقامة عائشة و جابر بن عبد اللّه فهؤلاء أربعة من الصحابة لم یوجبوا الإقامة و منهم من یحتج بالآیة و الحجة لمخالفهم قوله عز و جل یَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَ فعلیهن أن یحبسن
______________________________
(1) سورة: البقرة، الآیة: 234
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 74
انفسهن عن كل الاشیاء الا ما خرج بدلیل .. و من الحجة أیضا توقیف رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم و قوله لفریعة حین توفی عنها زوجها: «أقیمی فی منزلك حتی یبلغ الكتاب أجله» و قد قال قوم ان قوله عز و جل وَ الَّذِینَ یُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَ یَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِیَّةً لِأَزْواجِهِمْ «1» منسوخ بالحدیث لا وصیة لوارث و أكثر العلماء علی أنها منسوخة بالآیة التی ذكرناها .. و مما یبین أنها منسوخة اختلاف العلماء و النفقة علی المتوفی عنها زوجها و هی حامل فأكثر العلماء یقول لا نفقة لها و لا سكنی فمن الصحابة عبد اللّه بن عباس و ابن الزبیر و جابر و من التابعین سعید بن المسیب و الحسن و عطاء بن أبی رباح و ممن دونهم مالك بن أنس و أبو حنیفة و زفر و أبو یوسف و محمد و هو الصحیح من قول الشافعی .. و ممن قال للمتوفی عنها زوجها و هی حامل النفقة من رأس المال علی بن أبی طالب كرم اللّه وجهه و ابن مسعود و ابن عمر و هو قول شریح و الجلاس بن عمرو و الشعبی و النخعی و أیوب السختیانی و حماد بن أبی سلیمان و الثوری و أبی عبید و فیه قول ثالث عن قبیصة بن ذؤیب قال لو كنت فاعلا لجعلتها من مال ذی بطنها .. و حجة من قال لا نفقة للمتوفی عنها زوجها إجماع المسلمین أنه لا نفقة لمن كانت تجب له النفقة علی الرجل قبل موته من اطفاله و أزواجه و آبائه الذین علیه نفقتهم بإجماع اذا كانوا زمناء فقراء فكذلك أیضا لا تجب للحامل المتوفی عنها زوجها .. [قال أبو جعفر] و اختلفوا أیضا فی الآیة السادسة و العشرین فمنهم من قال هی محكمة واجبة و منهم من قال هی مندوب الیها و منهم من قال قد أخرج منها شی‌ء و منهم من قال هی منسوخة.

باب ذكر الآیة السادسة و العشرین‌

قال اللّه عز و جل لا جُناحَ عَلَیْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِیضَةً وَ مَتِّعُوهُنَّ عَلَی الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَ عَلَی الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَی الْمُحْسِنِینَ «2» فمن قال بظاهر الآیة و أنه واجب علی كل مسلّم مطلّق المتعة للمطلقة كما قال تعالی و متعوهن من الصحابة علیّ بن أبی طالب رضی اللّه عنه و من التابعین الحسن قال الحسین و أبو العالیة لكل مطلقة متعة مدخول بها أو غیر مدخول بها مفروض لها أو غیر مفروض لها و هذا قول سعید بن جبیر و الضحاك و هو قول أبی ثور و أنبأنا .. بكر بن سهل قال حدثنا عبد اللّه بن یوسف قال حدثنا مالك عن ابن شهاب أنه كان .. یقول لكل مطلقة
______________________________
(1) سورة: البقرة، الآیة: 240
(2) سورة: البقرة، الآیة: 236
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 75
متعة .. و أما قول من قال قد أخرج منها شی‌ء فعبد اللّه بن عمر كما حدثنا .. بكر بن سهل قال حدثنا عبد اللّه بن یوسف قال حدثنا مالك عن نافع عن ابن عمر .. قال لكل مطلقة متعة الا التی سمی لها صداقا و لم تمس فحسبها نصف ما فرض لها .. و أما قول من قال و متعوهن علی الندب لا علی الحتم و الإیجاب فهو قول شریح قال متع ان كنت من المحسنین أ لا تحب أن تكون من المتقین فهذا قول مالك بن أنس أنه لا یجبر علی المتعة لامرأة من المطلقات كلهن .. و أما قول أبی حنیفة و أصحابه و هو یروی عن الشافعی انه لا یجبر علی المتعة إلا أن یتزوج امرأة و لا یسمی لها صداقا فیطلقها قبل أن یمسها فانه یجبر علی تمتعها .. و أما قول من قال بالنسخ فیها و هو قول سعید بن المسیب كما أنبأنا .. أحمد بن محمد الأزدی قال حدثنا أحمد بن الحسن الكوفی قال حدثنا أسباط بن محمد قال حدثنا سعید بن أبی عروبة عن قتادة عن سعید بن المسیب .. قال كانت المتعة واجبة لمن لم یدخل بها من النساء فی سورة الأحزاب .. ثم نسختها الآیة التی فی البقرة .. [قال أبو جعفر] یجب أن تكون التی فی سورة الأحزاب یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُمْ عَلَیْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها فَمَتِّعُوهُنَ «1» و هذا ایجاب المتعة و الناسخة لها عنده التی فی البقرة وَ إِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَ قَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِیضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ «2» الآیة هذا لا یجب فیه ناسخ و لا منسوخ لأنه لیس فی الآیة لا تمتعوهن و لكن القول الصحیح البین أنه أخبر بذكر المتعة ثم لم یذكرها هنا و لا سیما و بعده و للمطلقات متاع بالمعروف فهذا أوكد من متعوهن لأن متعوهن قد یقع علی الندب فذكر التمتع فی القرآن مؤكدا .. قال اللّه تعالی عَلَی الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَ عَلَی الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا «3» و كذا ظاهر القرآن و هو قول علی رضی اللّه عنه و من ذكرناه فهذا أحد قولی الشافعی ان علی كل مطلق متعة اذا كان الطلاق من قبله فاما تفرضوا لهن فریضة ففیه أن علی بن أبی طلحة روی عن ابن عباس .. قال الفریضة الصداق .. [قال أبو جعفر] الفرض فی اللغة الإیجاب و منه فرض الحاكم علی فلان كذا كما كانت فریضة ما ..
تقول كما كان الزنا فریضته الرجم .. و قد احتج قوم فی أن التمتع لیس بواجب بقول اللّه تعالی حقا علی المحسنین فكذا حقا علی المتقین و هذا لا یلزم لأنه اذا كان واجبا علی
______________________________
(1) سورة: الاحزاب، الآیة: 49
(2) سورة: البقرة، الآیة: 237
(3) سورة: البقرة، الآیة: 236
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 76
المحسنین فهو علی غیرهم أوجب .. و أیضا فإن الناس جمیعا مأمورون بأن یكونوا محسنین متقین لأن معنی یجب أن یكون محسنا یجب أن تكون تحسن إلی نفسك بأن تؤدی فرائض اللّه تعالی و تجتنب معاصیه فتكون محسنا الی نفسك حتی لا تدخل النار أن تتقی اللّه بترك معاصیه و الانتهاء الی ما كلفك من فرائضه فوجب علی الخلق أن یكونوا محسنین متقین ..
و اختلف العلماء فی الآیة السابعة و العشرین .. فقال بعضهم هی منسوخة .. و قال بعضهم هی مخصوصة.

باب ذكر الآیة السابعة و العشرین‌

قال اللّه تعالی لا إِكْراهَ فِی الدِّینِ «1» .. فمن العلماء من قال هی منسوخة و لأن النبی صلّی اللّه علیه و سلّم قد أكره العرب علی دین الإسلام و قاتلهم و لم یرض منهم الا الإسلام .. فممن قال بذلك سلیمان بن موسی و قال نسختها یا أَیُّهَا النَّبِیُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَ الْمُنافِقِینَ «2» ..
قال زید بن أسلّم أقام النبی صلّی اللّه علیه و سلّم بمكة عشر سنین یدعو الناس الی الإسلام و لا یقاتل فأبی المشركون إلا قتاله فاستأذن اللّه فی قتالهم فأذن له .. و قال بعض العلماء لیست بمنسوخة و لكن لا إكراه فی الدین نزلت فی أهل الكتاب لا یكرهون علی الإسلام اذا أدوا الجزیة و الذین یكرهون أهل الأوثان فهم الذین نزلت فیهم یا أَیُّهَا النَّبِیُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ و مما یحتج به لهذا القول ما قرئ علی .. أحمد بن محمد بن الحجاج عن یحیی بن سلیمان قال أنبأنا سفیان بن عیینة عن زید بن أسلّم عن أبیه .. قال سمعت عمر بن الخطاب یقول لعجوز نصرانیة أسلمی أیتها العجوز تسلمی إن اللّه تعالی بعث محمدا صلّی اللّه علیه و سلّم بالحق .. قالت أنا عجوز كبیرة و الموت الیّ قریب .. قال عمر اللهم اشهد ثم تلا لا إكراه فی الدین .. و ممن قال أنها مخصوصة ابن عباس كما قرأ علی .. أحمد بن شعیب عن محمد بن بشار عن ابن أبی عدی فی حدیثه عن شعبة عن ابن بشیر عن سعید بن جبیر عن ابن عباس .. قال كانت المرأة تجعل علی نفسها إن عاش لها ولد أن تهوّده فلما أجلیت بنو النضیر كان فیهم من أبناء الأنصار .. قالت الأنصار لا ندع أبناءنا فأنزل اللّه تعالی لا إكراه فی الدین قد تبین الرشد من الغی .. قول ابن عباس فی هذه الآیة أولی الاقوال لصحة إسناده و ان مثله لا یوجد بالرأی فلما أخبر أن الآیة نزلت فی هذا أوجب أن یكون أقوی الأقوال و أن تكون الآیة مخصوصة
______________________________
(1) سورة: البقرة، الآیة: 256
(2) سورة: التوبة، الآیة: 73
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 77
نزلت فی هذا و حكم أهل الكتاب كحكمهم فأما دخول الألف و اللام فللتعریف لأن المعنی لا إكراه فی الإسلام .. و فی ذلك قول آخر یكون التقدیر لا إكراه فی دین الإسلام و الألف و اللام عوض من المضاف إلیه مثل قوله یصهر به ما فی بطونهم و الجلود أی و جلودهم ..
و اختلف العلماء فی الآیة الثامنة و العشرین .. قال بعضهم هی ناسخة .. و قال بعضهم نزلت فی شی‌ء بعینه غیر ناسخة .. و قال بعضهم هی عامة.

باب ذكر الآیة الثامنة و العشرین‌

قال عز و جل وَ إِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلی مَیْسَرَةٍ «1» فمن قال أنها ناسخة احتج بأن الإنسان فی أول الإسلام كان اذا أعسر من دین علیه بیع حتی یستوفی المدین دینه منه فنسخ اللّه ذلك بقوله جل ثناؤه وَ إِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلی مَیْسَرَةٍ .. و یدل علی هذا القول ان أحمد بن محمد الأزدی قال حدثنا .. إبراهیم بن أبی داود قال حدثنا یحیی بن صالح الوجاطی قال حدثنا مسلّم بن خالد الربحی عن زید بن أسلّم عن عبد الرحمن بن السلمانی .. قال كنت بمصر فقال لی رجل أ لا أدلك علی رجل من أصحاب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم .. فقلت بلی و أشار الی رجل فجئته فقلت من أنت یرحمك اللّه فقال أنا سرق ..
فقلت سبحان اللّه ما ینبغی لك أن تسمی بهذا الاسم و أنت رجل من أصحاب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم .. فقال إن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم سمانی سرقا فلن أدع ذلك أبدا قلت و لم سماك سرقا قال لقیت رجلا من أهل البادیة ببعیرین له یبیعهما فابتعتهما منه و قلت له انطلق معی حتی أعطیك فدخلت بیتی ثم خرجت من خلف خرج لی و قضیت بثمن البعیرین حاجة لی و تغیبت حتی ظننت أن الأعرابی قد خرج فخرجت و الأعرابی مقیم فأخذنی فقدم الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم فأخبرته الخبر .. فقال صلّی اللّه علیه و سلّم: «ما حملك علی ما صنعت؟ قلت قضیت بثمنهما حاجة یا رسول اللّه قال فاقضه قلت لیس عندی قال أنت سرق اذهب به یا أعرابی فبعه حتی تستوفی حقك» .. قال فجعل الناس یساومونه بی و یلتفت الیهم فیقول ما تریدون فیقولون نرید أن نبتاعه فقال فو الله ما منكم أحد أحوج الیه منی اذهب فقد أعتقتك .. قال أحمد بن محمد الأزدی ففی هذا الحدیث بیع الحرّ فی الدین و قد كان ذلك فی أول الاسلام یباع من علیه دین فیما علیه من الدین إذا لم یكن له مال یقضیه عن نفسه حتی نسخ اللّه تعالی ذلك فقال
______________________________
(1) سورة: البقرة، الآیة: 280
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 78
تعالی وَ إِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلی مَیْسَرَةٍ «1» .. فذهب قوم إلی أن هذه الآیة فی الربا و أنه إذا كان لرجل علی رجل دین و لم یكن عنده ما یقتضیه إیاه حبس أبدا فیه حتی یوفیه و احتجوا بقول اللّه تعالی إِنَّ اللَّهَ یَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلی أَهْلِها «2» .. و هذا قول شریح و إبراهیم النخعی كما حدثنا .. أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبد الرزاق قال أنبأنا معمر عن أیوب عن محمد بن سیرین فی قوله تعالی وَ إِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلی مَیْسَرَةٍ «1» قال خاصم رجل إلی شریح فی دین له فقال آخر یعذر صاحبه أنه معسر و قد قال اللّه تعالی وَ إِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلی مَیْسَرَةٍ فقال شریح كان هذا فی الربا و إنما كان فی الأنصار فإن اللّه قال إِنَّ اللَّهَ یَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلی أَهْلِها وَ إِذا حَكَمْتُمْ بَیْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ «2» و لا یأمر اللّه بشی‌ء ثم نخالفه احبسوه الی جنب الساریة حتی یوفیه .. و قال جماعة من أهل العلم فنظرة الی میسرة عامة فی جمیع الناس و كان من أعسر أنظر .. فهذا قول أبی هریرة و الحسن و جماعة من الفقهاء .. و عارض فی هذه الأقوال بعض الفقهاء بأشیاء من النظر و النحو و احتج بأنه و ان كان لا یجوز أن یكون هذا فی الربا قال لأن الربا قد أبطل فكیف یقال فیه وَ إِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلی مَیْسَرَةٍ وَ أَنْ تَصَدَّقُوا خَیْرٌ لَكُمْ «1» و احتج من النحو بأنه لو كان فی الربا لكان و إن كان ذا عسرة لأنه قد تقدم ذكره فلما كان فی الشواذ و إن كان ذو عسرة علم أنه منقطع من الأول عام لكل من كان ذا عسرة و كان بمعنی وقع و حدث كما .. قال:
فدی لبنی ذهل بن شیبان ناقتی‌إذا كان یوم ذو كواكب أشهب .. [قال أبو جعفر] هذا الاحتجاج ظاهره حسن فإذا فتشت عنه لم یلزم و ذلك أن قوله الربا قد أبطله اللّه تعالی فالأمر فی قوله قد أبطله اللّه صحیح ان كان یرید أن لا نعمل به و إلا فقد قال فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ فما الذی یمنع أن یكون الإعسار فی مثل هذا و أما احتجاجه بالنحو فلا یلزم قد یجوز أن یكون التقدیر و إن كان منهم ذو عسرة .. و قد حكی النحویون و المرء مقتول بما قتل به إن خنجر فخنجر و إن كان یجوز فیه غیر هذا .. و أحسن ما قیل فی الآیة قول عطاء و الضحاك قالا فی الربا و الدین كله فهذا كله یجمع الأقوال لأنه یجوز أن تكون ناسخة عامة نزلت فی الربا ثم صار حكم غیره كحكمه لا سیما و قد روی یزید بن أبی زیاد عن مجاهد عن ابن عباس قال نزلت فی الربا و هذا توقیف من ابن عباس
______________________________
(1) سورة: البقرة، الآیة: 280
(2) سورة: النساء، الآیة: 58
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 79
بحقیقة الأمر مما لا یجوز أن یؤخذ بقیاس و الآراء لأنه أخبر أنها نزلت فیه وَ أَنْ تَصَدَّقُوا خَیْرٌ لَكُمْ فجعله قتادة علی الموسر و المعسر .. و قال السدی علی المعسر و هذا أولی لأنه یلیه .. و اختلفوا فی الآیة التاسعة و العشرین فجاء الاختلاف فیها عن الصدر الأوّل و الثانی.

باب ذكر الآیة التاسعة و العشرین‌

قال عز و جل یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِذا تَدایَنْتُمْ بِدَیْنٍ إِلی أَجَلٍ مُسَمًّی فَاكْتُبُوهُ «1» الآیة .. و افترق العلماء فیها علی ثلاثة أقوال .. فمنهم من قال لا یسع مؤمنا اذا باع بیعا الی أجل و اشتری إلا أن یكتب و یشهد إذا وجد كاتبا و لا یسع مؤمنا اذا اشتری شیئا أو باعه إلا أن یشهد و إلا یكتب اذا لم یكن الی أجل .. و احتجوا بظاهر القرآن .. و قال بعضهم هذا علی الندب و الإرشاد لا علی الحتم .. و قال بعضهم هو منسوخ .. فمن قال هو واجب من الصحابة ابن عمر و أبو موسی الاشعری و من التابعین محمد بن سیرین و أبو قلابة و الضحاك و جابر بن زید و مجاهد و من أشدهم فی ذلك عطاء قال أشهد إذا بعت أو إذا اشتریت بدرهم أو نصف درهم أو ثلث درهم أو أقل من ذلك فان اللّه تعالی یقول وَ أَشْهِدُوا إِذا تَبایَعْتُمْ «1» حدثنا .. جعفر بن مجاشع قال حدثنا إبراهیم بن اسحاق قال حدثنا شجاع قال حدثنا هشیم عن مغیرة عن إبراهیم قال .. أشهد اذا بعت و اذا اشتریت و لو دستجة بقل .. و ممن كان یذهب الی هذا محمد بن جریر و أنه لا یحل لمسلم إذا باع أو اشتری أن لا یشهد و إلا كان مخالفا كتاب اللّه و كذا إذا كان الی أجل فعلیه أن یكتب و یشهد إن وجد كاتبا و احتج بحجج سنذكرها فی آخر الاقوال فی الآیة .. و ممن قال انها منسوخة من الصحابة أبو سعید الخدری كما حدثنا .. محمد بن جعفر الأنباری بالأنبار قال حدثنا إبراهیم بن دسیم الخراسانی قال حدثنا عبید اللّه بن عمر قال حدثنا محمد بن مروان قال حدثنا عبد الملك بن أبی نصرة عن أبیه عن أبی سعید الخدری أنه تلا یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِذا تَدایَنْتُمْ بِدَیْنٍ إِلی أَجَلٍ مُسَمًّی فَاكْتُبُوهُ الی فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْیُؤَدِّ الَّذِی اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ «2» .. قال
______________________________
(1) سورة: البقرة، الآیة: 282
(2) سورة: البقرة، الآیة: 283
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 80
نسخت هذه الآیة ما قبلها .. [قال أبو جعفر] و هذا قول الحسن و الحكم و عبد الرحمن بن زید .. و ممن قال إنها علی الندب و الارشاد لا علی الحتم الشعبی .. و یحكی أن هذا قول مالك و الشافعی و أصحاب الرأی .. و احتج محمد بن جریر فی أنها أمر لازم و أنه واجب علی كل من اشتری شیئا الی أجل أن یكتب و یشهد و إن اشتراه بغیر أجل أن یشهد بظاهر الآیة و انه فرض لا یسع تضییعه لأن اللّه تعالی أمر به و أمر اللّه لازم لا یحمل علی الندب و الإرشاد الا بدلیل و لا دلیل یدل علی ذلك و لا یجوز عنده أن یكون هذا نسخا لأن معنی الناسخ أن یبقی حكم المنسوخ و لم تأت آیة فیها لا تكتبوا و لا تشهدوا فیكون هذا نسخا و لأن قول من قال فإن أمن بعضكم بعضا فلیؤد الذی اؤتمن أمانته ناسخ للأول لا معنی له لأن هذا حكم غیر دال و إنما هذا حكم من لم یجد كاتبا أو كتابا قال اللّه تعالی وَ لَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً «1» أی فلم یطالبه برهن فَلْیُؤَدِّ الَّذِی اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ «1» قال و لو جاز أن یكون هذا ناسخا للاول لجاز أن یكون قوله تعالی وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضی أَوْ عَلی سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ «2» الآیة ناسخة لقوله تعالی یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَی الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَیْدِیَكُمْ «2» الآیة و لجاز أن یكون قوله تعالی فَمَنْ لَمْ یَجِدْ فَصِیامُ شَهْرَیْنِ مُتَتابِعَیْنِ «3» ناسخا لقوله فَتَحْرِیرُ رَقَبَةٍ «3» .. [قال أبو جعفر] فهذا كلام بین غیر أن الفقهاء الذین تدور علیهم الفتیا و أكثر الناس علی ان هذا لیس بواجب .. و مما یحتجون فیه أن المسلمین مجمعون علی أن رجلا لو خاصم رجلا إلی الحاكم .. فقال باعنی كذا فقال ما بعته و لم تكن بیّنة ان الحاكم یستحلفه و یحتجون أیضا بحدیث الزهری عن عمارة بن خزیمة بن ثابت عن عمه و كان من أصحاب النبی صلّی اللّه علیه و سلّم أن النبی ابتاع فرسا من أعرابی ثم استتبعه لیدفع إلیه ثمنه فأسرع النبی صلّی اللّه علیه و سلّم المشی فساوم قوم الأعرابی بالفرس و لم یعلموا فصاح الأعرابی بالنبی صلّی اللّه علیه و سلّم أ تبتاعه منی أم أبیعه .. قال أ لیس قد ابتعته منك قال لا و اللّه و ما ابتعته منی فأقبل الناس یقولون له ویحك ان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم لا یقول إلا حقا .. فقال هل من شاهد .. فقال خزیمة أنا أشهد فقال النبی صلّی اللّه علیه و سلّم: «و بم تشهد» .. قال أشهد بتصدیقك فجعل النبی صلّی اللّه علیه و سلّم شهادة خزیمة شهادة رجلین و احتجوا بهذا الحدیث انه صلّی اللّه علیه و سلّم ابتاع بغیر أشهاد .. و اما ما احتج به محمد بن جریر فصحیح غیر أن ثم وجها یخرج منه لم یذكره و هو
______________________________
(1) سورة: البقرة، الآیة: 283
(2) سورة: المائدة، الآیة: 6
(3) سورة: النساء، الآیة: 92
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 81
ان علی بن أبی طلحة روی عن ابن عباس فی قوله تعالی ما نَنْسَخْ مِنْ آیَةٍ أَوْ نُنْسِها «1» ..
قال ننساها نتركها هكذا یقول المحدثون و الصواب نتركها .. [قال أبو جعفر] فی هذا معنی لطیف شرحه سهل بن محمد علی مذهب ابن عباس و بین معنی ذلك .. قال ننسخ حكمها یرید بأنه غیرها و ننسها نزیل حكمها بأن نطلق لكم تركها .. كما قال عزّ و جلّ یا أَیُّهَا النَّبِیُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ یُبایِعْنَكَ عَلی أَنْ لا یُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَیْئاً وَ لا یَسْرِقْنَ وَ لا یَزْنِینَ «2» الآیة ثم أطلق للمسلمین ترك ذلك من غیر آیة نسختها فكذا اذا تداینتم بدین الی أجل مسمی فاكتبوه و كذا و أشهدوا اذا تبایعتم .. [قال أبو جعفر] فأما النسخ فكما قال محمد بن جریر .. و أما الندب فلا یحمل علیه الأمر الا بدلیل قاطع .. و أما قول مجاهد هذا لا یجوز الرهن إلا فی السفر لأنه فی الآیة كذلك فقول شاذ الجماعة علی خلافه و قرأ علی .. أحمد بن شعیب عن یوسف بن حماد قال حدثنا سفیان بن حبیب عن هشام عن عكرمة عن ابن عباس .. قال توفی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم و درعه مرهونة عند یهودی بثلاثین صاعا من شعیر لأهله .. [قال أبو جعفر] و لیس كون الرهن فی الآیة فی السفر مما یحظر غیره .. و أما إذا تداینتم بدین فالفائدة فی تداین .. و قد تقدم تداینتم بدین فالجواب عنه أن العرب تقول تداینا أی تجارینا و تعاطینا الأخذ بیننا فأبان اللّه تعالی بقوله بدین المعنی الذی قصد له .. و اختلف العلماء فی الآیة التی هی تتمة ثلاثین آیة من هذه السورة .. فمنهم من قال هی منسوخة .. و منهم من قال هی محكمة خاصة.

باب ذكر الآیة التی هی تتمة ثلاثین آیة

قال عزّ و جلّ وَ إِنْ تُبْدُوا ما فِی أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ یُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَیَغْفِرُ لِمَنْ یَشاءُ «3» فعن ابن عباس فیها ثلاثة أقوال .. أحدها انها منسوخة بقوله لا یُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَ عَلَیْها مَا اكْتَسَبَتْ «4» و سنذكره باسناده .. و الثانی أنها غیر منسوخة و إنما عامة یحاسب المؤمن و الكافر و المنافق بما أبدی و أخفی فیغفر للمؤمنین و یعاقب الكافرین و المنافقین .. و الثالث انها مخصوصة هی و إنما فی كتمان الشهادة و إظهارها كذا
______________________________
(1) سورة: البقرة، الآیة: 106
(2) سورة: الممتحنة، الآیة: 12
(3) سورة: البقرة، الآیة: 284
(4) سورة: البقرة، الآیة: 286
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 82
روی زید بن أبی زیاد عن مقسم عن ابن عباس .. و أما الروایة عن عائشة رضی اللّه عنها فإنها قالت ما همّ به العبد من خطیئة عوقب علی ذلك بما یلحقه من الهم و الحزن فی الدنیا .. فهذه أربعة أقوال قرأ علی .. أحمد بن محمد بن الحجاج عن یحیی بن سلیمان قال حدثنا اسماعیل بن علیة قال حدثنا ابن أبی نجیح عن مجاهد فی قول اللّه تعالی وَ إِنْ تُبْدُوا ما فِی أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ یُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ «1» .. قال هذا فی الشك و الیقین و هذه الأقوال الخمسة یقرب بعضها من بعض .. فقول مجاهد فی الشك و الیقین قریب من قول ابن عباس بأنها لم تنسخ و أنها عامة .. و قول ابن عباس الذی رواه عنه مقسم أنها فی الشهادة یصح علی أن غیر الشهادة بمنزلتها .. و قول عائشة رضی اللّه عنها أنه ما یلحق الانسان فی الدنیا علی أن یكون خاصة أیضا .. فأما أن تكون منسوخة فتصح من جهة و تبطل من جهة .. فأما الجهة التی تبطل منها فإن الأخبار لا یكون فیها ناسخ و لا منسوخ و من زعم أن فی الأخبار ناسخا أو منسوخا فقد ألحد أو جهل فأخبر اللّه سبحانه و تعالی أنه یحاسب من أبدی شیئا أو أخفاه فمحال أن یخبر بضده و أیضا فان الحكم اذا كان منسوخا فإنما ینسخ بنفیه بآخر ناسخ له ناف له من كل جهاته فلو كان لا یكلف اللّه نفسا إلا وسعها ناسخا لنسخ تكلیف ما لا طاقة به و هذا منفی عن اللّه تعالی أن یتعبد به كما قال تعالی لا یُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها «2» و صح عن النبی صلّی اللّه علیه و سلّم أنه كان یلقن أصحابه إذا تابعوا فیما استطعتم به .. و أما الوجه الذی یصح منه و هو الذی ینبغی ان یبین و یوقف علیه لأن المعاند ربما عارض بقول الصحابة و التابعین فی أشیاء من الأخبار ناسخة و منسوخة فالجاهل باللغة .. إما ان یجد فیها و إما أن یلحد فیقول و أخبار ناسخة و منسوخة و هو یعلم ان الانسان إذا قال قام فلان ثم نسخ هذا فقال لم یقم فقد كذب و فی حدیث ابن عباس تبین ما أراد كما حدثنا ..
محمد بن جعفر الأنباری قال حدثنا صالح بن زیاد الرقی قال حدثنا یزید قال أنبأنا سفیان بن حسین عن الزهری عن سالم أن عبد اللّه بن عمر .. تلا وَ إِنْ تُبْدُوا ما فِی أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ یُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ «1» فدمعت عیناه فبلغ صنعه ابن عباس .. فقال یرحم اللّه أبا عبد الرحمن صنع كما صنع أصحاب محمد صلّی اللّه علیه و سلّم حین أنزلت و نسختها الآیة التی بعدها لا یُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَ عَلَیْها مَا اكْتَسَبَتْ «3» معنی نسختها نزلت بنسختها و لیس هذا من الناسخ و المنسوخ فی شی‌ء قرأ علی .. عبد اللّه بن الصفر بن نصر عن زیاد بن أیوب قال أنبأنا هشیم قال أنبأنا شیبان عن الشعبی .. قال لما نزلت
______________________________
(1) سورة: البقرة، الآیة: 284
(2) سورة: الطلاق، الآیة: 7
(3) سورة: البقرة، الآیة: 286
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 83
وَ إِنْ تُبْدُوا ما فِی أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ یُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ «1» لحقتهم منها شدة حتی نسختها ما بعدها و فی هذا معنی لطیف ..
و هو أن یكون معنی نسختها نسخت الشدة التی لحقتهم أزالتها كما یقال نسخت الشمس الظل أی أزالته و من أحسن ما قیل فی الآیة و أشبه بالظاهر قول ابن عباس إنها عامة یدلك علی ذلك ما حدثناه .. أحمد بن علی بن سهل قال حدثنا زهیر و هو ابن حرب قال أنبأنا إسماعیل و هو ابن علیة عن هشام و هو الدستوائی عن قتادة عن صفوان بن محرز قال .. قال رجل لابن عمر كیف سمعت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم یقول فی النجوی؟. قال سمعته یقول له: «یدنی المؤمن من ربه عز و جل و یضع علیه كنفه فیقرره بذنوبه .. فیقول هل تعرف فیقول رب أعرف قال فإنی قد سترتها علیك فی الدنیا و إنی أغفرها لك الیوم فیعطی صحیفة حسناته و أما الكافر و المنافقون فینادی بهم علی رءوس الخلائق هؤلاء الذین كذبوا علی اللّه» .. ففی هذا الحدیث معنی حقیقة الآیة و أنه لا نسخ فیها و إسناده لا یدخل القلب منه لبس و هو من أحادیث أهل السنة و الجماعة.
______________________________
(1) سورة: البقرة، الآیة: 284.
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 84

سورة آل عمران‌

اشارة

بسم اللّه الرحمن الرحیم [قال أبو جعفر] أحمد بن محمد بن اسماعیل الصفار النحوی لم نجد فی هذه السورة بعد تقصّ شدید مما ذكروه فی الناسخ و المنسوخ الا ثلاث آیات و لو لا محبتنا أن یكون الكتاب مشتملا علی كل ما ذكر منها لكان القول فیها أنها لیست بناسخة و لا منسوخة و نحن نبین ذلك إن شاء اللّه تعالی.

باب ذكر الآیة الأولی من هذه السورة

قال اللّه تعالی قالَ آیَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَیَّامٍ إِلَّا رَمْزاً «1» .. فزعم بعض الناس أن هذا منسوخ و ذلك أنها شریعة فذكرها اللّه تعالی فكان لنا أن نستعملها ما لم تنسخ ثم إنها نسخت علی لسان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم كما قرئ علی .. أحمد بن حماد عن سعید بن أبی مریم قال أنبأنا عبد العزیز الدراوردی قال أنبأنا حزام بن عثمان عن عبد الرحمن و محمد ابنی جابر بن عبد اللّه عن أبیهما .. قال: قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم: «لا صمت یوما إلی اللیل» قال فنسخ إباحة الصمت .. و قد قال تعالی إخبارا عن مریم فَلَنْ أُكَلِّمَ الْیَوْمَ إِنْسِیًّا «2» لیس فی هذا ناسخ و لا منسوخ لأن الحدیث عن النبی صلّی اللّه علیه و سلّم لا صمت یوما أنه لا یحل لأحد أن یصمت یوما إلی اللیل فلا یذكر اللّه عز و جل و لا یسبح .. و هذا محظور فی كل شریعة و الدلیل علی هذا أن بعد قوله أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَیَّامٍ إِلَّا رَمْزاً الأمر بالتسبیح عشیا و بكرا .. و زعم بعض أهل العلم أن الآیة الثانیة منسوخة .. و قال بعضهم هی محكمة.

باب ذكر الآیة الثانیة

قال اللّه تعالی یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ «3» .. فمن أجل ما روی فی تفسیرها و أوضحه ما حدثناه .. علی بن الحسین قال حدثنا الحسین بن محمد قال حدثنا
______________________________
(1) سورة: آل عمران، الآیة: 41
(2) سورة: مریم، الآیة: 26
(3) سورة: آل عمران، الآیة: 102
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 85
عمرو بن الهیثم قال حدثنا المسعودی عن زید عن مرة عن عبد اللّه بن مسعود فی قوله یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ .. قال أن یطاع فلا یعصی و یذكر فلا ینسی و أن یشكر فلا یكفر و حدثنا .. جعفر بن محمد الأنباری قال حدثنا موسی بن هارون الطوسی قال حدثنا الحسین و هو ابن محمد المروزی قال حدثنا شیبان عن قتادة فی قوله تعالی یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ قال أن یطاع فلا یعصی ثم أنزل التخفیف فاتقوا اللّه ما استطعتم فنسخت هذه التی فی آل عمران .. [قال أبو جعفر] محال أن یقع هذا ناسخ و لا منسوخ إلا علی حیلة و تلك أن معنی نسخ الشی‌ء إزالته و المجی‌ء بضده فمحال أن یقال اتَّقُوا اللَّهَ منسوخ و لا سیما مع قول النبی صلّی اللّه علیه و سلّم مما فیه بیان الآیة .. [قال أبو جعفر] كما قرأ علیّ ..
أحمد بن محمد بن الحجاج عن یحیی بن سلیمان .. قال حدثنا أبو الأحوص قال حدثنا أبو إسحاق عن عمرو بن میمون عن معاذ بن جبل قال .. قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم: «یا معاذ أ تدری ما حق اللّه علی العباد؟ قلت اللّه و رسوله أعلم قال أن یعبدوه و لا یشركوا به شیئا» أ فلا تری أنه محال أن یقع فی هذا نسخ و الذی قلناه قول ابن عباس .. [قال أبو جعفر] كما حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبد اللّه بن صالح قال حدثنا معاویة بن صالح عن علی بن أبی طلحة عن ابن عباس .. قال قوله تعالی یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ أن تجاهدوا فی اللّه حق جهاده و لا یأخذكم فی اللّه لومة لائم و تقوموا بالقسط و لو أنفسكم و آبائكم و أبنائكم .. [قال أبو جعفر] فكل ما ذكر فی الآیة واجب علی المسلمین أن یستعملوه و لا یقع فیه نسخ و هو قول النبی صلّی اللّه علیه و سلّم: «أن یعبدوا اللّه و لا یشركوا به شیئا» و كذا علی المسلمین كما قال ابن مسعود أن تطیعوا اللّه فلا تعصوه و تذكروه فلا تنسوه و ان تشكروه فلا تكفروه و أن تجاهدوا فیه حق جهاده .. و أما قول قتادة مع محله من العلم أنها نسخت فیجوز أن یكون معناه نزلت فاتقوا اللّه ما استطعتم ینسخه اتقوا اللّه حق تقاته و انها مثلها لأنه لا یكلف أحدا الا طاقته .. و زعم قوم من العلماء الكوفیین أن الآیة الثالثة ناسخة .. و قال غیرهم هی محكمة و لیست بناسخة.

باب ذكر الآیة الثالثة

قال اللّه تعالی لَیْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَیْ‌ءٌ أَوْ یَتُوبَ عَلَیْهِمْ أَوْ یُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ «1» فزعم بعض الكوفیین أن هذه الآیة ناسخة للقنوت الذی كان النبی صلّی اللّه علیه و سلّم یفعله بعد الركوع فی
______________________________
(1) سورة: آل عمران، الآیة: 128
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 86
الركعة الآخرة من الصبح و احتج بحدیث حدثناه .. أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبد الرزاق قال أنبأنا معمر عن الزهری عن سالم عن ابن عمر ان النبی صلّی اللّه علیه و سلّم .. لعن فی صلاة الفجر بعد الركوع فی الركعة الاخیرة فقال اللهم العن فلانا و فلانا ناسا من المنافقین فأنزل اللّه عز و جل لَیْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَیْ‌ءٌ أَوْ یَتُوبَ عَلَیْهِمْ الآیة .. [قال أبو جعفر] فهذا إسناد مستقیم و لیس فیه دلیل علی ناسخ و لا منسوخ و إنما نبهه اللّه علی أن الأمر الیه و لو كان هذا ناسخا لما جاز أن یلعن المنافقون و احتج أیضا بما حدثناه .. علی بن الحسین عن الحسن بن محمد قال أنبأنا إبراهیم بن سعد عن الزهری عن أبی سلمة و ابن المسیب عن أبی هریرة .. قال كان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم اذا أراد أن یدعو علی أحد أو یدعو لأحد قنت بعد الركوع فربما قال إذا قال سمع اللّه لمن حمده ربنا لك الحمد اللهم أنج الولید بن الولید و سلمة بن هشام و عیاش بن أبی ربیعة و المستضعفین من المؤمنین اللهم أشدد وطأتك علی مضر و اجعلها علیهم سنین كسنی یوسف حتی أنزلت لَیْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَیْ‌ءٌ أَوْ یَتُوبَ عَلَیْهِمْ أَوْ یُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ و هذا نظیر الحدیث الأول و فیه حجة علی الكوفیین لأنهم یقولون لا یجوز أن یدخل فی الصلاة إلا ما كان فی القرآن و ما أشبهه و لیس فی القرآن من هذا شی‌ء و لذلك عارض هذا المحتج بأن جعله فی الناسخ و المنسوخ بلا حجة واضحة و لا دلیل واضح لما صح عن النبی صلّی اللّه علیه و سلّم من الدعاء فی الصلاة بغیر ما فی القرآن و عن الصحابة و التابعین و أیضا فإن العرب إنما كانت تعرف الصلاة فی كلامها الدعاء كما .. قال الشاعر:
تقول بنتی و قد قربت مرتحلایا رب جنب أبی الاوصاب و الوجعا
علیك مثل الذی صلیت فاعتصمی‌یوما فإن لجنب المرء مضطجعا فسمیت الصلاة صلاة لأن الدعاء فیها .. و هذا قول المدنیین لأن الإنسان یدعو فی صلاته بما شاء من الدعاء و الطاعة و علی انه قد روی مما صح عنه سنده فی نزول الآیة غیر هذا من ذلك ما حدثناه .. علی بن الحسین عن الحسن بن محمد قال حدثنا یزید بن هارون قال حدثنا حمید الطویل عن أنس بن مالك .. قال شج النبی صلّی اللّه علیه و سلّم فی وجهه و كسرت رباعیته و رمی رمیة علی كتفه فجعل یمسح الدم عن وجهه و یقول كیف تفلح أمة فعلوا بنبیهم هذا فأنزل اللّه عز و جل لَیْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَیْ‌ءٌ أَوْ یَتُوبَ عَلَیْهِمْ أَوْ یُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ «1» و هذا الحدیث لیس بناقض لما تقدم لكون الأمرین جمیعا واقعین فنزلت الآیة قرأ علیّ ..
______________________________
(1) سورة: آل عمران، الآیة: 128
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 87
أحمد بن محمد بن الحجاج عن یحیی بن سلیمان قال حدثنی یونس بن بكیر عن محمد بن إسحاق قال حدثنی یعقوب بن عتبة عن سالم بن عبد اللّه بن عمر قال .. جاء رجل من قریش الی النبی صلّی اللّه علیه و سلّم فقال إنك تنهی عن الشی‌ء قد سنته العرب ثم تحول و حول قفاه الی النبی صلّی اللّه علیه و سلّم و كشف استه فی وجه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم فلعنه و دعا علیه فأنزل اللّه تعالی لَیْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَیْ‌ءٌ أَوْ یَتُوبَ عَلَیْهِمْ أَوْ یُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ فأسلّم الرجل و حسن إسلامه و هذا الحدیث و إن كان منقطعا فإنما ذكرناه لأن سالما هو الذی وصله عن أبیه و فی هذا زیادة أن الرجل أسلّم فعلم أن النبی صلّی اللّه علیه و سلّم نبه علی أنه لا یعلم من الغیب شیئا و أن الأمر كله بید اللّه یتوب علی من یشاء و یجعل العقوبة لمن یشاء و التقدیر لیس لك من الأمر شی‌ء و للّه ما فی السموات و ما فی الارض دونك و دونهم یغفر لمن یشاء و یتوب علی من یشاء و یعذب من یشاء فتبین بهذا كله أنه لا ناسخ و لا منسوخ فی هذا و حدثنا .. أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبد الرزاق قال أنبأنا معمر عن الزهری و عن عثمان الخدری عن مقسم قال .. دعا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم علی عتبة بن أبی وقاص حین كسرت رباعیته و دمی وجهه فقال: اللهم لا یبلغ الحول حتی یموت كافرا قال فما بلغ الحول حتی مات كافرا الی النار.
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 88

سورة النساء

[باب ذكر الآیة الاولی]

بسم اللّه الرحمن الرحیم قال اللّه تعالی وَ إِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِی الْیَتامی فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنی وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَیْمانُكُمْ «1» .. [قال أبو جعفر] فی هذه الآیة إشكال و تفسیر و نحو و قد ذكرنا ما فیها إلا ما كان من النسخ فإنها علی مذهب جماعة من الفقهاء ناسخة .. و ذلك أن الناس كانوا فی الجاهلیة و برهة من الاسلام یتزوّج الرجل ما شاء من الحرائر فنسخ اللّه ذلك من القرآن و السنة و العمل و أنه لا یحل لأحد أن یتزوّج فوق أربع و نسخ ما كانوا علیه .. قال الحسن و الضحاك كان الرجل یسلّم و عنده عشر نسوة منهنّ من قد تزوجه فی الجاهلیة و منهنّ من قد تزوجه فی الإسلام أو أكثر أو أقل حتی سألوا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم عن الیتامی فنزلت وَ إِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِی الْیَتامی أی لا تعدلوا فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ أی كما خفتم فی الیتامی فخافوا من نكاح أكثر من أربع فی نكاح النساء .. قال محمد بن الحسن فی رجل أسلّم و عنده عشر نسوة قال یخلی منهنّ شیئا و یمسك أربعا من اللواتی تزوج بدءا فبدءا و لیس له أن یختار منهنّ أربعا فإن احتج بالحدیث عن النبی صلّی اللّه علیه و سلّم أنه خیر غیلان فقال اختر أربعا قیل للمحتج بهذا إن غیلان تزوج عشرا و ذلك مباح فكان العشر مباحات فلما رفع ذلك قیل له اختر .. [قال أبو جعفر] و هذا كلام لطیف حسن غیر أن مالكا و الشافعی و أبا حنیفة یخیرونه عن ظاهر الحدیث و لم یزل المسلمون من لدن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم إلی هذا الوقت یحرمون ما فوق الأربع بالقرآن و السنة قرأ علی .. أحمد بن شعیب عن الحسن بن حریب قال أنبأنا الفضل بن موسی قال أخبرنی معمر عن الزهری عن سالم عن ابن عمر قال .. أسلّم غیلان بن سلمة و عنده عشر نسوة فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم: «أمسك أربعا و فارق سائرهن» قرأ علیّ .. أحمد بن محمد بن الحجاج عن یحیی بن سلیمان قال حدثنا عبد الرحمن بن زیاد عن أبی جعفر الرازی عن محمد بن السائب عن حمیصة بن الشمر دل عن قیس بن الحارث قال أسلمت و كان تحتی فی الجاهلیة ثمانی نسوة فأتیت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم فأخبرته فقال: «اختر منهن أربعا و خل سائرهن» ففعلت ..
[قال أبو جعفر] و معنی مثنی فی اللغة اثنین اثنین و ثلاث ثلاثا ثلاثا و هذا مذهب الخلیل و سیبویه و الكسائی و غیرهم و لهذا لم یصرف و قیل معدول و لیس معناه اثنتین فقط فیعارض
______________________________
(1) سورة: النساء، الآیة: 3
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 89
معارض بأن یقول اثنتان و ثلاث و رباع تسع و أیضا فلیس من كلام الفصحاء اثنتین اثنتین و ثلاثا و أربعا فلو كان معناه تسعا لكان المعنی انكحوا تسعا و كان و ما كان محظورا ما بیّن لك .. [قال أبو جعفر] و هذه احتجاجات قاطعة و إن كان فی توقیف الرسول صلّی اللّه علیه و سلّم كفایة مع الإجماع من الذین لا یجتمعون علی غلط و لا خطأ .. و اختلف العلماء فی الآیة الثانیة ..
فمنهم من قال هی منسوخة .. و منهم من قال هی محكمة.

باب ذكر الآیة الثانیة

قال اللّه تعالی مخاطبا للأوصیاء فی أموال الیتامی وَ مَنْ كانَ غَنِیًّا فَلْیَسْتَعْفِفْ وَ مَنْ كانَ فَقِیراً فَلْیَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ «1» فمنع جماعة من أهل العلم الوصی من أخذ شی‌ء من مال الیتیم .. فحكی بشر بن الولید عن أبی یوسف فقال لا أدری لعل هذه الآیة منسوخة بقوله یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَیْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ «2» .. و قال أبو یوسف لا یحل أن تأخذ من مال الیتیم شیئا اذا كان معه فی المصر فإن احتاج أن یسافر من أجله فله أن یأخذ ما یحتاج إلیه و لا یقتنی شیئا و هو قول أبی حنیفة و محمد و حدثنا .. جعفر بن مجاشع قال حدثنا إبراهیم بن إسحاق قال حدثنا إبراهیم بن عبد اللّه قال حدثنا حجاج عن ابن جریج عن عطاء الخراسانیّ عن ابن عباس وَ مَنْ كانَ غَنِیًّا فَلْیَسْتَعْفِفْ وَ مَنْ كانَ فَقِیراً فَلْیَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ قال نسخ الظلم و الاعتداء و نسختها إِنَّ الَّذِینَ یَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْیَتامی ظُلْماً إِنَّما یَأْكُلُونَ فِی بُطُونِهِمْ ناراً وَ سَیَصْلَوْنَ سَعِیراً «3» ثم افترق الذین قالوا الآیة محكمة فرقا .. فقال بعضهم إن احتاج الوصی فله أن یقترض من مال الیتیم فاذا أیسر قضاه و هذا قول عمر بن الخطاب رضی اللّه عنه و عبیدة و أبی العالیة و سعید بن جبیر و استشهد عبیدة و أبو العالیة بأن بعده فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَیْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَیْهِمْ «1» كما قرأ علیّ .. الحسین بن علیب بن سعید عن یوسف بن عدی قال حدثنا أبو الأحوص قال حدثنا أبو إسحاق عن یرفأ مولی عمر بن الخطاب رضی اللّه عنه .. قال قال عمر بن الخطاب رضی اللّه عنه یا یرفأ إنی أنزلت مال اللّه منی بمنزلة مال الیتیم ان احتجت
______________________________
(1) سورة: النساء، الآیة: 6
(2) سورة: النساء، الآیة: 29
(3) سورة: النساء، الآیة: 10
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 90
أخذت منه و إن أیسرت قضیته و إنی إن استغنیت استعففت و إنی قد ولیت من أمر المسلمین أمرا عظیما .. [قال أبو جعفر] هذا قول جماعة من التابعین و غیرهم منهم عبیدة قال فلا یحل للوصی أن یأخذ من مال الیتیم الا قرضا و استشهد بأن بعدها فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَیْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَیْهِمْ «1» و كذا قال أبو العالیة و مجاهد كما قرأ علیّ .. عبد اللّه بن أحمد بن عبد السلام عن أبی الأزهر قال حدثنا روح بن عبادة قال أنبأنا ابن عیینة قال حدثنا ابن أبی نجیح عن مجاهد قال یستسلف ولی الیتیم من ماله فاذا أیسر رده قال روح و حدثنا شعبة عن حماد عن سعید وَ مَنْ كانَ فَقِیراً فَلْیَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ قال قرضا و فقهاء الكوفیین علی هذا القول .. و قال أبو قلابة فلیأكل بالمعروف قال قرضا و فقهاء الكوفیین علی هذا القول ..
و قال أبو قلابة و لیأكل بالمعروف مما یجی‌ء من الغلة فأما المال الناض فلیس له أن یأخذ منه شیئا قرضا و لا غیره .. و ذهب جماعة من العلماء الی ظاهر الآیة فقالوا له أن یأخذ منه مقدار قوته منهم الحسن كما قرأ علیّ .. عبد اللّه بن أحمد بن عبد السلام عن أبی الازهر قال حدثنا روح عن أشعب عن الحسین .. قال إذا احتاج ولیّ الیتیم أكل بالمعروف و لیس علیه إذا أیسر قضاؤه و المعروف قوته .. [قال أبو جعفر] و هذا قول قتادة و النخعی كما حدثنا .. أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبد الرزاق قال أنبأنا الثوری عن مغیرة عن إبراهیم فی قوله تعالی وَ مَنْ كانَ فَقِیراً فَلْیَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ قال ما سد الجوعة و واری العورة و لیس یلبس الكتان و لا الحلل .. و اختلف عن ابن عباس فی تفسیر الآیة اختلافا كثیرا علی أن الأسانید عنه صحاح مع الاختلاف فی المتون فمن ذلك انه قرأ علی .. أحمد بن عبد اللّه بن أحمد بن عبد السلام عن أحمد بن الأزهر قال حدثنا روح قال حدثنا شعبة و مالك بن أنس عن یحیی بن سعید عن القاسم بن محمد قال جاء .. أعرابی الی ابن عباس فقال إن لی إبلا أقفر ظهورها و أحمل علیها ولی یتیم له إبل فما یحل لی منها قال إذا كنت تهنأ جرباها و تلط حوضها و تنشد ضالتها و تسقی وردها فأحلبها غیر ناهك لها فی الحلب و لا مضر بنسلها .. [قال أبو جعفر] و هذا إسناد صحیح غیر أنه لو كان هذا علی التأویل و إن الوصی إنما یأخذ مقدار عمله كان الغنی و الفقیر فی ذلك سواء و قد قرن اللّه بینهما فی الآیة بعینها و روی عن عكرمة عن ابن عباس وَ مَنْ كانَ فَقِیراً فَلْیَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ قال إذا احتاج و اضطر .. قال الشعبی كذلك إذا كان بمنزله الدم و لحم الخنزیر أخذ فاذا أخذ أوفی .. [قال أبو جعفر] و هذا لا معنی له لأنه اذا اضطر هذا الاضطرار كان له أخذ ما یقیمه من مال یتیمه أو غیره من قریب أو بعید و عن ابن عباس روایة ثالثة كما قرأ علیّ .. محمد بن
______________________________
(1) سورة: النساء، الآیة: 6
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 91
جعفر بن حفص عن یوسف عن ابن موسی قال حدثنا قبیصة قال حدثنا سفیان عن الأعمش عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس فی قول اللّه تعالی وَ مَنْ كانَ غَنِیًّا فَلْیَسْتَعْفِفْ وَ مَنْ كانَ فَقِیراً فَلْیَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ «1» قال یقوت علی نفسه حتی لا یحتاج إلی مال الیتیم .. [قال أبو جعفر] و هذا من أحسن ما روی فی تفسیر الآیة لأن أموال الناس محظورة لا یطلق منها شی‌ء الا بحجة قاطعة و قد تنازع العلماء معنی هذه الآیة و احتملت غیر تأویل فعدلنا إلی هذا لما قلنا و هو قول محكی معناه عن الشافعی و قد ذكرنا قول أهل الكوفة و أنهم یجعلونه علی الفرض و أما مذهب أهل المدینة أو بعضهم فما ذكرناه من قول الحسن و احتج لهم محتج بما روی عن النبی صلّی اللّه علیه و سلّم كما حدثناه .. أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبد الرزاق قال أنبأنا ابن عیینة عن عمرو بن دینار عن الحسن البصری قال قال رجل للنبی صلّی اللّه علیه و سلّم إن فی حجری یتیما أ فأضربه قال مما تضرب منه ولدك قال أ فأصیب من ماله قال غیر متأثل مالا و لا واق مالك بماله و قرئ علی .. عبد اللّه بن أحمد بن عبد السلام النیسابوری عن أبی الأزهر قال حدثنا روح قال حدثنا حسین المعلم عن عمرو بن شعیب عن أبیه عن جده قال .. جاء رجل إلی النبی صلّی اللّه علیه و سلّم فقال إنی لا أجد شیئا و لیس لی شی‌ء و لیتیمی مال قال كل منه غیر مسرف و لا متأثل مالا قال و احسبه قال و لا تفد مالك بماله .. [قال أبو جعفر] و الذین ذهبوا إلی هذا من أهل المدینة إنما یجیزون أخذ القوت و ما لا یضر بالیتیم و الذی روی فی ذلك عن النبی صلّی اللّه علیه و سلّم هو من أحادیث المشایخ و لیس هو مما یقطع به فی هذا .. و اختلف العلماء أیضا فی الآیة الثالثة من هذه السورة .. فقال بعضهم هی منسوخة .. و قال بعضهم هی محكمة.

باب ذكر الآیة الثالثة

قال اللّه عزّ و جلّ وَ إِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبی وَ الْیَتامی وَ الْمَساكِینُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَ قُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفاً «1» للعلماء فیها ثلاثة أقوال .. فمنهم من قال إنها منسوخة .. و منهم من قال هی محكمة واجبة .. و منهم من قال هی محكمة علی الندب و الترغیب و الحض فممن روی عنه أنه قال هی منسوخة ابن عباس و سعید بن المسیب كما قرأ علیّ ..
محمد بن جعفر بن حفص عن یوسف بن موسی قال حدثنا سلمة بن الفضل قال أنبأنا
______________________________
(1) سورة: النساء، الآیة: 8
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 92
اسماعیل بن مسلّم عن حمید الاعرج عن مجاهد عن ابن عباس فی قوله تعالی وَ إِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبی وَ الْیَتامی وَ الْمَساكِینُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ نسختها المیراث و الوصیة .. و ممن قال إنها منسوخة أبو مالك و عكرمة و الضحاك .. و ممن قال أنها محكمة و تأویل قوله علی الندب عبیدة و عروة و سعید بن جبیر و مجاهد و عطاء و الحسن و الزهری و الشعبی و یحیی بن یعمر و هو مروی عن ابن عباس .. [قال أبو جعفر] كما حدثنا .. بكر بن سهل قال حدثنا أبو صالح قال حدثنی معاویة بن صالح عن علی بن أبی طلحة عن ابن عباس وَ إِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبی وَ الْیَتامی وَ الْمَساكِینُ قال أمر اللّه تعالی المؤمنین عند قسمة مواریثهم أن یصلوا أرحامهم و یتاماهم و مساكینهم من الوصیة فإن لم یكن وصیة وصل الیهم من المیراث .. [قال أبو جعفر] فهذا أحسن ما قیل فی الآیة أن تكون علی الندب و الترغیب فی فعل الخیر و الشكر للّه جل ثناؤه فأمر اللّه الذین فرض لهم المیراث إذا حضروا القسمة و حضر معهم من لا یرث من الأقرباء و الیتامی و المساكین أن یرزقوهم منه شكرا للّه علی ما فرض لهم .. و قد زعم بعض أهل النظر أنه لا یجوز أن یكون هاهنا نسخ لأن الذی یقول إنها منسوخة لا یخلو أمره من أحد وجهین إما أن یقول كانت قدیما ثم نسخت و هذا محال لأن الندب إلی الخیر لا ینسخ لأن نسخه لا یفعل الخیر و هذا محال أو یقول كانت واجبة ثم نسخت و هذا أیضا لا یكون لأن قائله یقول إن كان اذا حضر أولوا القربی و الیتامی و المساكین أعطوهم و لا تعطوا العصبة فنسخ ذلك بالفرض و هذا لم یعرف قط فی جاهلیة و لا إسلام و أیضا فالآیة إذا ثبتت فلا یقال فیها منسوخة إلا أن ینفی حكمها علی أنه قد روی عن ابن عباس رواه عن القاسم بن محمد انه قال هذا مخاطبة للموصی نفسه و كذا قال ابن زید قیل للموصی أوص لذوی القربی و الیتامی و المساكین و استدل علی هذا بأن بعده و قولوا لهم قولا معروفا أی إن لم توصوا لهم فقولوا لهم خیرا .. و هذا القول اختیار محمد بن جریر ..
و أما القول الثالث و هو أن تكون محكمة واجبة كما حدثنا .. جعفر بن مجاشع قال حدثنا إبراهیم بن إسحاق قال حدثنا عبد اللّه قال حدثنا عبد الرحمن بن مهدی قال حدثنا سفیان عن ابن أبی نجیح عن مجاهد فی قوله وَ إِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبی وَ الْیَتامی وَ الْمَساكِینُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ قال هی واجبة عند قسمة المیراث ما طابت به أنفسهم .. [قال أبو جعفر] فهذا مجاهد یقول بإیجابها بالإسناد الذی یدفع صحته .. و هذا خلاف ما روی عن ابن عباس غیر أن هذا الإسناد أصح حدثنا .. أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبد الرزاق قال حدثنا معمر عن الحسن و الزهری وَ إِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبی وَ الْیَتامی وَ الْمَساكِینُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ قالا هی محكمة ما طابت به أنفسهم عند أهل المیراث
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 93
و أكثر العلماء علی هذا القول و قد بیّنا صحته .. و الصحیح فی الآیة الرابعة و الخامسة أنهما منسوختان.

باب ذكر الآیة الرابعة و الخامسة

قال اللّه تعالی وَ اللَّاتِی یَأْتِینَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَیْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِی الْبُیُوتِ حَتَّی یَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ یَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِیلًا* وَ الَّذانِ یَأْتِیانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما فَإِنْ تابا وَ أَصْلَحا فَأَعْرِضُوا عَنْهُما «1» حدثنا .. أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبد الرزاق قال أنبأنا معمر عن قتادة فی قوله تعالی فَأَمْسِكُوهُنَّ فِی الْبُیُوتِ حَتَّی یَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ و فی قوله وَ الَّذانِ یَأْتِیانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما قال نسختهما الحدود .. [قال أبو جعفر] و فی الآیتین ثلاثة أقوال للعلماء الذین اتفقوا علی نسختهما ..
فمنهم من قال كان حكم الزانی و الزانیة اذا زنیا و كانا ثیبین أو بكرین أن یحبس كل واحد منهما فی بیت حتی یموت ثم نسخ هذا بالآیة الاخری و هی وَ الَّذانِ یَأْتِیانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما فصار حكمهما أن یؤذیا بالسب و التعییر ثم نسخ ذلك فصار حكم البكر من الرجال و النساء إذا زنا أن یجلد مائة جلدة و ینفی عاما و حكم الثیب من الرجال و النساء أن یجلد مائة و یرجم حتی یموت و هذا القول مذهب عكرمة و هذا مروی عن الحسن عن حطان بن عبد اللّه الرقاشی عن عبادة بن الصامت فهذا قول .. و القول الثانی أنه كان حكم الزانی و الزانیة الثیبین اذا زنیا أن یحبسا حتی یموتا و حكم البكرین یؤذیا .. و هذا قول قتادة و إلیه كان یذهب محمد بن جابر و احتج بأن الآیة الثانیة وَ الَّذانِ یَأْتِیانِها مِنْكُمْ فدل هذا أنه أراد الرجل و المرأة البكرین قال و لو كان لجمیع الزناة لكان و الذین كما أن الذی قبله وَ اللَّاتِی یَأْتِینَ الْفاحِشَةَ قال و لأن العرب لا توعد اثنین الا أن یكونا شخصین مختلفین .. و القول الثالث أن یكون عز و جل قال وَ اللَّاتِی یَأْتِینَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ عاما لكل من زنت من ثیب أو بكر و أن یكون وَ الَّذانِ یَأْتِیانِها مِنْكُمْ عاما لكل من زنی من الرجال ثیبا كان أو بكرا .. و هذا قول مجاهد و هو مروی عن ابن عباس و هو أصح الأقوال بحجج بینة سنذكرها .. فأما قول من قال إن الآیة الثانیة ناسخة للأولی و إن كان یحتمل ذلك فالحدیث عن النبی صلّی اللّه علیه و سلّم یدل علی غیر ذلك كما قرأ علیّ .. علیّ بن سعید بن بشیر عن عمرو بن رافع قال حدثنا هشیم قال حدثنا منصور عن الحسن عن حطان بن عبد اللّه الرقاشی عن عبادة بن
______________________________
(1) سورة: النساء، الآیة: 15
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 94
الصامت عن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم قال .. «خذوا عنی قد جعل اللّه لهنّ سبیلا البكر بالبكر جلد مائة و نفی سنة و الثیب بالثیب جلد مائة و الرجم» فتبین بقول النبی صلّی اللّه علیه و سلّم قد جعل اللّه لهنّ سبیلا أن الآیة لم تنسخ قبل هذا .. [قال أبو جعفر] و هذا الحدیث أصل من أصول الفقه و ان كان قد تؤول فیه شی‌ء سنذكره فی موضعه .. و مما یدل أیضا علی ما قلنا أن أحمد بن محمد الأزدی حدثنا .. قال حدثنا أبو شریح محمد بن زكریاء و ابن أبی مریم قالا حدثنا محمد بن یوسف قال حدثنا قیس بن الربیع قال حدثنا مسلّم عن مجاهد عن ابن عباس فی قوله تعالی وَ اللَّاتِی یَأْتِینَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَیْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِی الْبُیُوتِ «1» قال فكانت المرأة إذا زنت حبست ماتت أو عاشت حتی نزلت فی سورة النور الزَّانِیَةُ وَ الزَّانِی فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ «2» و نزلت سورة الحدود فكان من أرسل سواء جلد و أرسل «3» .. [قال أبو جعفر] و دل هذا علی أن ابن عباس لم یكن یقول بنفی الزانی .. و أما القول الذی اختاره محمد بن جابر ففیه شی‌ء و ذلك أنه جعل و اللذان یأتیانها منكم للرجل و المرأة و هذا إنما یجوز فی العربیة علی مجاز و لا یحمل الشی‌ء علی المجاز و معناه صحیح فی الحقیقة و الذی عارض به من قوله أن العرب لا تواعد اثنین الا أن یكونا شخصین مختلفین فهذا و إن صح فهما شخصان مختلفان لأنه اذا كان و اللذان للرجلین الثیبین و البكرین فهما مختلفان و معارضته أنه لو كان هكذا لوجب أن یكون و الذین لا یلزم لأن العرب تحمل اللفظ علی المعنی كما قال جل ثناؤه وَ إِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَیْنَهُما «4» و مثل هذا كثیر .. و القول الذی اخترناه قول ابن عباس كما حدثنا .. بكر بن سهل قال حدثنا عبد اللّه بن صالح قال حدثنی معاویة بن صالح عن علی بن أبی طلحة عن ابن عباس قال قوله جل ثناؤه وَ اللَّاتِی یَأْتِینَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَیْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فكانت المرأة اذا زنت تحبس فی البیت حتی تموت ثم أنزل اللّه تعالی بعد ذلك الزَّانِیَةُ وَ الزَّانِی فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ فان كانا محصنین رجما فی سنة رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم .. [قال أبو جعفر] هذا نص هذا السبیل الذی جعل اللّه لهما .. قال و قوله تعالی وَ الَّذانِ یَأْتِیانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما .. قال كان الرجل اذا زنی أوذی بالتعییر و ضرب النعال فأنزل اللّه تعالی بعد هذا الزَّانِیَةُ وَ الزَّانِی فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ فان كانا
______________________________
(1) سورة: النساء، الآیة: 15
(2) سورة: النور، الآیة: 2
(3) هكذا فی الأصل و لیحرر.
(4) سورة: الحجرات، الآیة: 9
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 95
محصنین رجما فی سنة رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم .. [قال أبو جعفر] هذا نص كلام ابن عباس فتبین أن قوله وَ اللَّاتِی یَأْتِینَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ عام لكل من زنا من النساء و ان قوله تعالی وَ الَّذانِ یَأْتِیانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما عام لكل من زنا من الرجال و نسخ اللّه الآیتین فی كتابه و علی لسان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم بحدیث عبادة الذی ذكرناه فاستمر بعض العلماء علی استعمال حدیث عبادة أنه یجب علی الزانی و الزانیة البكرین جلد مائة و تغریب عام و أنه یجب علی الثیبین جلد مائة و الرجم هذا قول علی بن أبی طالب رضی اللّه عنه لا اختلاف عنه فی ذلك انه جلد سراحة مائة و رجمها بعد ذلك فقال جلدتها بكتاب اللّه عز و جل و رجمتها بسنة رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم .. فقال بهذا القول من الفقهاء الحسن بن صالح بن حی و هو قول الحسن بن الحسن و اسحاق بن راهویه و الحجة فیه قول اللّه تعالی الزَّانِیَةُ وَ الزَّانِی فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ فثبت الجلد بالقرآن و الرجم بالسنة و مع هذا فقول الرسول صلّی اللّه علیه و سلّم: «و الثیب بالثیب جلد مائة و الرجم» .. و قال جماعة من العلماء بل علی الثیب الرجم بلا جلد و هذا یروی عن عمر رضی اللّه عنه و هو قول الزهری و النخعی و مالك و الثوری و الأوزاعی و الشافعی و أصحاب الرأی و أحمد و أبی ثور .. و منهم من احتج بأن الجلد منسوخ عن المحصن بالرجم .. و منهم من قال آیة الجلد مخصوصة .. و منهم من قال حدیث عبادة منسوخ منه الجلد الذی علی الثیب و احتجوا بأحادیث سنذكرها منها ما فیها كفایة .. فمنها ما قرأ علیّ .. أحمد بن شعیب عن محمد بن المثنی قال حدثنا شعبة عن قتادة عن یونس بن جبیر عن كثیر بن الصلت قال زید بن ثابت سمعت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم .. «الشیخ و الشیخة إذا زنیا فارجموهما البتة» .. و قرأ علیّ .. أحمد بن قتیبة قال حدثنا أبو عوانة عن سماك بن حرب عن سعید بن جبیر عن ابن عباس قال .. قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم لماعز بن مالك: «أحقّ ما بلغنی انك وقعت علی جاریة آل بنی فلان» قال نعم فشهد أربع شهادات ثم أمر به فرجم قالوا فلیس فی هذین الحدیثین ذكر الجلد مع الرجم و كذا قوله صلّی اللّه علیه و سلّم: «أغد یا أنیس علی امرأة هذا فإن اعترفت بالزنا فارجمها» و لم یذكر الجلد فدل هذا علی نسخه .. و قال المخالف لهم لا حجة لكم فی هذه الأحادیث لأنه لیس فی واحد منهما أنه لم یجلد و قد ثبت الجلد بكتاب اللّه عز و جل فلیس یمتنع أن یسكت عنه لشهرته .. و قد تكلم العلماء منهم الشافعی فی نظیر هذا فقالوا قد یحفظ البعض ما لا یحفظ الكل و قد یروی بعض الحدیث و یحفظ بعضه .. و اختلفوا فی موضع آخر من أحكام الزنا .. فقال قوم فی البكر یجلد و ینفی ..
و قال قوم یجلد و لا ینفی .. و قال قوم النفی الی الإمام علی حسب ما یری .. فممن قال یجلد و ینفی الخلفاء الراشدون المهدیون أبو بكر و عمر و عثمان و علی و هو قول ابن عمر
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 96
و قول بعض الفقهاء عطاء و طاوس و سفیان الثوری و مالك و ابن أبی لیلی و الشافعی و أحمد و اسحاق و أبی ثور .. و قال بترك النفی حماد بن أبی سلمة و أبو حنیفة و محمد بن الحسن ..
[قال أبو جعفر] و حجة من قال بالنفی الحدیث المسند بدأ ثم كثرة من قال به و جلالتهم كما قرأ علیّ .. أحمد بن شعیب عن قتیبة قال حدثنا ابن عیینة عن الزهری عن عبید اللّه بن عبد اللّه عن أبی هریرة و زید بن خالد و شبل قالوا .. كنا عند رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم فقام رجل فقال باللّه أ لا قضیت بیننا بكتاب اللّه فقام خصمه و كان أفقه منه فقال صدق اقض بیننا بكتاب اللّه و ائذن لی أن أتكلم .. قال قل قال إن ابنی كان عسیفا علی هذا فزنی بامرأته فافتدیت منه بمائة شاة و خادم كأنه أخبر أن علی ابنه الرجم فافتدی منه بمائة شاة و خادم قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم: «و الذی نفسی بیده لأقضین بینكما بكتاب اللّه أما المائة الشاة و الخادم فرد علیك و علی ابنك جلد مائة و تغریب عام فأغد یا أنیس علی امرأة هذا فإذا اعترفت بالزنا فارجمها فغدا علیها فاعترفت بالزنا فرجمها» .. [قال أبو جعفر] فثبت التغریب بلفظ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم فمن ادعی نسخه فعلیه أن یأتی بالتوقیف فی ذلك .. فأما المعارضة بأن العبد لا ینفی بالزنا فغیر لازمة و قد صح عن عبد اللّه بن عمر أنه ضرب أمته فی الزنا و نفاها و لو وجب أن لا تنف الأمة و العبد لما وجب ذلك فی الأحرار و كأن هذا مخرّجا من الحدیث .. و كذلك القول فی النساء علی أن المزنی قد حكی ان الأولی بقول الشافعی أن تنفی الأمة نصف سنة بقول اللّه تعالی فَعَلَیْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَی الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ «1» .. و ممن قال ان الأولی بقول الشافعی أن تنفی الأمة نصف سنة بقول اللّه تعالی فَعَلَیْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَی الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ عبید اللّه عن أبی هریرة و زید بن خالد أن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم جلد و غرب و لیس فیه كما لیس فی حدیث ابن عیینة .. و فی الآیة السادسة موضعان قد أدخلا فی الناسخ و المنسوخ.

باب ذكر الآیة السادسة

قال عزّ و جلّ وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ «2» لو لا ما جاء فیه من النسخ لم یكن تحریم سوی ما فی الآیة و حرم اللّه علی لسان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم من لم یذكر فی الآیة كما .. حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبد اللّه بن یوسف قال أنبأنا مالك عن أبی الزناد عن الأعرج عن أبی
______________________________
(1) سورة: النساء، الآیة: 25
(2) سورة: النساء، الآیة: 24
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 97
هریرة أن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم قال .. «لا یجمع بین المرأة و عمتها و لا بین المرأة و خالتها» قرأ علیّ .. أحمد بن شعیب عن إبراهیم بن الحسین قال حدثنا حجاج عن ابن جریج عن أبی الزبیر عن جابر قال .. نهی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم أن تنكح المرأة علی عمتها أو علی خالتها .. [قال أبو جعفر] و لهذا الحدیث طرق غیر هاتین اخترناهما لصحتهما و استقامة طریقهما حدثنا ..
أحمد بن محمد الأزدی قال حدثنا عبید اللّه بن محمد المؤدب قال حدثنا علیّ بن معبد بن شداد العبدی قال حدثنا مروان بن شجاع عن حصیف عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم .. نهی أن یجمع بین العمة و الخالة و بین الخالتین و العمتین .. [قال أبو جعفر] و قد أشكل هذا الحدیث علی بعض أهل العلم و تحیروا فی معناه حتی حمله علی ما یتعدی و لا یجوز قال معنی بین العمتین علی المجاز أی بین العمة و بنت أخیها قیل لهما عمتان كما قیل سنة العمرین یعنون أبا بكر و عمر قال و بین الخالتین مثله علی المجاز .. قال و فی الأول حذف أی بین العمة و بین بنت أخیها و هذا من التعسف الذی لا یكاد یسمع بمثله و فیه أیضا مع التعسف أنه یكون كلاما مكررا بغیر فائدة و أیضا فلو كان كما قال وجب أن یكون و بین الخالة و لیس كذا الحدیث لأن الحدیث نهی أن یجمع بین العمة و الخالة فالواجب علی لفظ الحدیث أنه نهی أن یجمع بین امرأتین أحدهما عمة الأخری و الأخری خالة الأخری و هذا یخرج علی معنی صحیح و یكون رجل و ابنه تزوجا امرأة و ابنتها تزوج الرجل البنت و تزوج الابن الأم فولد لكل واحد منهما ابنة من هاتین الزوجتین فابنة الأب عمة ابنة الابن و ابنة الابن خالة ابنة الاب .. و أما الجمع بین الخالتین فهذا یوجب أن تكون امرأتان كل واحدة منهما خالة صاحبتها و ذلك أن یكون رجل تزوج ابنة رجل و تزوج الآخر ابنته فولد لكل واحد منهما بنتا فابنة كل واحد منهما خالة صاحبتها .. و أما الجمع بین العمتین فیوجب أن لا یجمع بین امرأتین كل واحدة منهما عمة الأخری و ذلك أن یتزوج رجل أم رجل و یتزوج الآخر أم الآخر فتولد لكل واحدة منهما ابنة فابنة كل واحدة منهما عمة الأخری فهذا مما حرمه اللّه علی لسان نبیه محمد صلّی اللّه علیه و سلّم مما لیس فی القرآن .. و قد قال اللّه سبحانه و تعالی وَ اذْكُرْنَ ما یُتْلی فِی بُیُوتِكُنَّ مِنْ آیاتِ اللَّهِ وَ الْحِكْمَةِ «1» فقیل الحكمة السنة ثم قاس الفقهاء علی هذا .. فقالوا كل امرأتین لو كانت إحداهما رجلا لم یجز أن یتزوج الأخری لا یجوز الجمع بینهما ثم حرم اللّه علی لسان رسوله مما لیس فی الآیة ما حدثنا .. بكر بن سهل قال حدثنا عبد اللّه بن یوسف قال حدثنا مالك عن عبد اللّه بن دینار عن سلیمان بن
______________________________
(1) سورة: الاحزاب، الآیة: 34
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 98
یسار عن عروة بن الزبیر عن عائشة أن .. رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم قال: «یحرم من الرضاعة ما یحرم من الولادة» .. [قال أبو جعفر] و لهذا الحدیث طرق اخترنا هذا منها لأنه لا مطعن فیه و لیس فی القرآن إلا تحریم الأمهات و الاخوات من الرضاعة فقط .. ثم اختلف العلماء فی الرضاعة بعد الحولین .. فقال بعضهم لا رضاع بعد حولین ممن قال هذا أزواج النبی صلّی اللّه علیه و سلّم إلا عائشة رضی اللّه عنها و هو أحد قولی مالك و القول الآخر عنه بعد الحولین بیسیر نحو الشهر .. و قال أبو حنیفة بعد الحولین ستة أشهر .. و قال زفر بعد الحولین سنة و قالت طائفة أخری الرضاع للصغیر و الكبیر بمعنی واحد .. فممن صحح عنه هذا عائشة و أبو موسی الأشعری و قال به من الفقهاء اللیث بن سعد و كان یفتی به قال عبد اللّه بن صالح سألته امرأة یزید أ تحج و لیس لها ذو رحم محرم فقال امضی الی امرأة رجل فترضعك فیكون زوجها أباك فتحجی معه و الحجة لهذا القول أنه قرأ علیّ .. أحمد بن شعیب عن عبد اللّه بن محمد بن عبد الرحمن قال حدثنا ابن عیینة قال سمعناه من عبد الرحمن بن القاسم بن محمد عن أبیه عن عائشة رضی اللّه عنها قالت .. جاءت سهلة ابنة سهیل إلی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم فقالت إنی أری فی وجه أبی حذیفة علی اذا دخل علی سالم قال النبی صلّی اللّه علیه و سلّم: «فأرضعیه» قالت و كیف أرضعه و هو رجل كبیر قال: «أ لست أعلم أنه رجل كبیر» ثم جاءت بعد ثم قالت و اللّه یا رسول اللّه ما أری فی وجه أبی حذیفة بعد شیئا أكرهه .. [قال أبو جعفر] و احتج من قال الرضاعة فی الحولین لا غیر .. بقول اللّه تعالی وَ الْوالِداتُ یُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَیْنِ كامِلَیْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ یُتِمَّ الرَّضاعَةَ «1» .. فعارضهم الآخرون فقالوا لیس فی هذا دلیل علی نفی ما بعد الحولین .. و احتج الآخرون أیضا بأن الحدیث المسند إنما فیه إزالة كراهیة .. فعارضهم الآخرون فقالوا لم تزل عائشة تقول برضاع الكبیر معروفا ذلك غیر أن ربیعة بن أبی عبد الرحمن كان یقول هذا الحدیث مخصوص فی سالم وحده .. و قال غیره هو منسوخ و استدل علی ذلك بأن مسروقا روی عن عائشة كن عشر رضعات نزلت فی الشیخ الكبیر ثم نسخن و روی أیضا مسروق عن عائشة عن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم أنه قال: «إنما الرضاعة من المجاعة» قال أهل اللغة معنی هذا إنما الرضاعة للصبی الذی إذا جاع أشبعه اللبن و نفعه من الجوع فأما الكبیر فلا رضاعة له قرأ علی .. أحمد بن شعیب عن قتیبة قال حدثنا أبو عوانة عن هشام ابن عروة عن فاطمة بنت المنذر عن أم سلمة عن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم أنه قال .. «لا رضاع الا ما فتق الأمعاء فی البداء و كان قبل الفطام» .. و أما قوله تعالی
______________________________
(1) سورة: البقرة، الآیة: 233
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 99
فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِیضَةً «1» .. فقد اختلف العلماء فی هذه بعد اجتماع من تقوم به الحجة أن المتعة حرام بكتاب اللّه عز و جل و سنة رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم و قول الخلفاء الراشدین المهدیین و توقیف علیّ بن أبی طالب رضی اللّه عنه ابن عباس و قوله إنك رجل تائه و أن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم قد حرم المتعة و لا اختلاف بین العلماء فی صحة الإسناد عن علیّ بن أبی طالب رضی اللّه عنه و صحة طریقه بروایته عن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم تحریم المتعة و سنذكر ذلك بإسناده فی موضعه ان شاء اللّه تعالی .. فقال قوم فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِیضَةً هو النكاح بعینه و ما أحل اللّه المتعة قط فی كتابه .. فممن قال هذا من العلماء الحسن و مجاهد كما ..
حدثنا أحمد بن محمد الأزدی قال حدثنا ابن أبی مریم قال حدثنا الفریابی عن ورقاء عن ابن أبی نجیح عن مجاهد فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ قال النكاح و حدثنا ..
أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبد الرزاق قال حدثنا معمر عن الحسن فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَ قال النكاح و كذا یروی عن ابن عباس .. [قال أبو جعفر] و سنذكره بإسناده و شرحه .. و قال جماعة من العلماء كانت المتعة حلالا ثم نسخ اللّه جل ثناؤه ذلك بالقرآن .. و ممن قال هذا سعید بن المسیب و هو یروی عن ابن عباس و عائشة و هو قول القاسم و سالم و عروة كما قرأ .. علیّ أحمد بن محمد بن الحجاج عن یحیی بن سلیمان قال حدثنا علیّ بن هشام عن عثمان عن عطاء الخراسانی عن أبیه عن ابن عباس فی قوله فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ قال نسختها یا أَیُّهَا النَّبِیُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَ «2» یقول الطلاق للطهر الذی لم یجامعها فیه قرأ علیّ .. محمد بن جعفر بن حفص عن یوسف بن موسی قال حدثنا وكیع عن سفیان عن داود بن أبی هند عن سعید بن المسیب قال نسخت المتعة آیة المیراث یعنی وَ لَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ «3» .. [قال أبو جعفر] و ذلك أن المتعة لا میراث فیها فلهذا قال بالنسخ و إنما المتعة أن یقول لها أتزوجك یوما و ما أشبه ذلك علی أنه لا عدة علیك و لا میراث بینهما و لا طلاق و لا شاهد یشهد علی ذلك و هذا هو الزنا بعینه و لذلك قال عمر بن الخطاب لا أوتی برجل تزوج متعة الا غیبته تحت الحجارة قرأ علیّ .. أحمد بن محمد بن الحجاج عن یحیی بن عبد اللّه بن بكیر قال حدثنا اللیث عن عقیل عن ابن شهاب قال قال لی سالم بن
______________________________
(1) سورة: النساء، الآیة: 24
(2) سورة: الطلاق، الآیة: 1
(3) سورة: النساء، الآیة: 12
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 100
عبد اللّه و هو یذاكرنی یقولون بالمتعة هؤلاء فهل رأیت نكاحا لا طلاق فیه و لا عدة له و لا میراث فیه .. و قال قال لی القاسم بن محمد بن أبی بكر كیف تجترئون علی الفتیا بالمتعة .. و قد قال اللّه تعالی وَ الَّذِینَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلَّا عَلی أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَیْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَیْرُ مَلُومِینَ فَمَنِ ابْتَغی وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ «1» .. [قال أبو جعفر] و هذا قول بین لأنه إذا لم تكن تطلّق و لا تعتد و لا ترث فلیست بزوجة .. و قال قوم من العلماء الناسخ للمتعة الحدیث عن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم كما قرأ علیّ .. أحمد بن محمد الأزدیّ عن إبراهیم بن أبی داود قال حدثنا عبد اللّه بن محمد بن أسماء قال حدثنا جویریة عن مالك بن أنس عن الزهری أن عبد اللّه بن محمد بن علیّ بن أبی طالب رضی اللّه عنه و الحسن بن محمد حدثاه عن أبیهما أنه سمع علیّ بن أبی طالب رضی اللّه عنه یقول لابن عباس إنك رجل تائه یعنی مائل إن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم نهی عن المتعة .. [قال أبو جعفر] و لهذا الحدیث طرق فاخترنا هذا لصحته و لجلالة جویریة من طریق أسماء و لأن ابن عباس لما خاطبه علیّ رضی اللّه عنه بهذا لم یحاججه فصار تحریم المتعة إجماعا لأن الذین یحلونها اعتمادهم علی ابن عباس .. و قال قوم نسخت المتعة بالقرآن و السنة جمیعا .. و هذا قول أبی عبید و قد روی الربیع بن سبرة عن أبیه أن النبی صلّی اللّه علیه و سلّم حرم المتعة یوم الفتح و قد صح من الكتاب و السنة التحریم و لم یصح التحلیل من الكتاب بما ذكرنا من قول من قال ان الاستمتاع النكاح علی أن الربیع بن سبرة قد روی عن أبیه أن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم قال لهم:
«استمتعوا من هذه النساء قال و الاستمتاع عندنا یومئذ التزویج» حدثنا .. بكر بن سهل قال حدثنا عبد اللّه بن صالح قال حدثنی معاویة بن صالح عن علیّ بن أبی طلحة عن ابن عباس. قال و قوله فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِیضَةً یقول إذا تزوج الرجل المرأة فنكحها مرة واحدة وجب لها الصداق كله و الاستمتاع النكاح .. قال و هو قوله عز و جل وَ آتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً «2» فبین ابن عباس أن الاستمتاع هو النكاح بأحسن بیان و التقدیر فی العربیة فما استمتعتم به ممن قد تزوجتموه بالنكاح مرة أو أكثر من ذلك فاعطوها الصداق كاملا إلا أن تهبه أو تهب منه .. و قیل التقدیر فما استمتعتم به منهنّ و ما بمعنی من و قیل فما استمتعتم به من دخول بالمرأة فلها الصداق كاملا أو النصف إن لم یدخل بها ..
فأما وَ لا جُناحَ عَلَیْكُمْ فِیما تَراضَیْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِیضَةِ «3» فتأوله قوم من الجهال
______________________________
(1) سورة: المعارج، الآیات: (29- 31)
(2) سورة: النساء، الآیة: 4
(3) سورة: النساء، الآیة: 24
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 101
المجترئین علی كتاب اللّه أن المتمتع إن أراد الزیادة بغیر استبراء و رضیت بذلك زادته و زادها و هذا الكذب علی اللّه .. [قال أبو جعفر] و من أصح ما قیل فیه أن لا جناح علی الزوج و المرأة أن یتراضیا بعد ما انقطع منهما الصداق أن تهبه له أو تنقصه منه أو یزیدها فیه .. و اختلف العلماء فی الآیة السابعة .. فمنهم من قال هی منسوخة و منهم من قال هی ناسخة .. و منهم من قال هی محكمة غیر ناسخة و لا منسوخة.

باب ذكر الآیة السابعة

قال اللّه تعالی وَ الَّذِینَ عَقَدَتْ أَیْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِیبَهُمْ «1» .. فمن أصح ما روی فی هذه الآیة إسنادا و أجله قائلا ما حدثناه .. أحمد بن شعیب قال أخبرنی هارون بن عبد اللّه قال حدثنا أبو اسامة قال حدثنی ادریس بن یزید قال حدثنا طلحة عن مطرّف عن سعید بن جبیر عن ابن عباس فی قوله تعالی وَ الَّذِینَ عَقَدَتْ أَیْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِیبَهُمْ فإنه كان المهاجرون حین قدموا المدینة یرثون الأنصار دون رحم للأخوة التی آخی النبی صلّی اللّه علیه و سلّم بینهم حتی نزلت الآیة وَ لِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِیَ مِمَّا تَرَكَ «1» قال نسختها وَ الَّذِینَ عَقَدَتْ أَیْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِیبَهُمْ .. قال من النصر و النصح و الرفادة و یوصی له و هو لا یرث قال أبو عبد الرحمن إسناده صحیح .. [قال أبو جعفر] فحمل هذا الحدیث و أدخل فی المسند علی ان الآیة ناسخة و لیس الأمر عندی كذلك و الذی یجب أن یحمل علیه الحدیث أن یكون وَ لِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِیَ ناسخا لما كانوا یفعلونه و أن یكون وَ الَّذِینَ عَقَدَتْ أَیْمانُكُمْ غیر ناسخ و لا منسوخ و لكن فسره ابن عباس و سنبین العلة فی ذلك عند آخر هذا الباب .. و لكن ممن قال إن الآیة منسوخة سعید بن المسیب كما حدثنا .. جعفر بن مجاشع قال حدثنا إبراهیم بن إسحاق قال حدثنا داود بن رشید قال حدثنا الولید قال حدثنا مروان بن أبی الهذیل انه سمع الزهری یقول أخبرنی سعید فی قول اللّه تعالی وَ الَّذِینَ عَقَدَتْ أَیْمانُكُمْ .. قال الحلفاء فی الجاهلیة و الذین كانوا یتبنون فكانوا یتوارثون علی ذلك حتی نزلت وَ الَّذِینَ عَقَدَتْ أَیْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِیبَهُمْ فنزع اللّه میراثهم و أثبت لهم الوصیة ..
و قال الشعبی كانوا یتوارثون حتی أزیل ذلك .. و ممن قال انها منسوخة الحسن و قتادة كما قرأ علیّ .. عبد اللّه بن أحمد بن عبد السلام عن أبی الأزهر قال حدثنا روح عن أشعب عن
______________________________
(1) سورة: النساء، الآیة: 33
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 102
الحسن وَ الَّذِینَ عَقَدَتْ أَیْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِیبَهُمْ .. قال كان الرجل یعاقد الرجل علی أنهما اذا مات أحدهما ورثه الآخر فنسختها آیة المواریث و قال قتادة كان یقول ترثنی و أرثك و تعقل عنی و أعقل عنك فنسختها وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلی بِبَعْضٍ فِی كِتابِ اللَّهِ «1» .. و قال الضحاك كانوا یتحالفون فیتعاقدون علی النصرة و الوراثة فإذا مات أحدهم قبل صاحبه كان له مثل نصیب أبیه فنسخ ذلك بالمواریث و مثل هذا أیضا مروی عن ابن عباس مشروحا كما حدثنا .. بكر بن سهل قال حدثنا أبو صالح قال حدثنی معاویة بن صالح عن علی بن أبی طلحة عن ابن عباس قال و قوله وَ الَّذِینَ عَقَدَتْ أَیْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِیبَهُمْ «1» .. كان الرجل یعاقد الرجل أیهما مات قبل صاحبه ورثه الآخر فأنزل اللّه وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلی بِبَعْضٍ فِی كِتابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ وَ الْمُهاجِرِینَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلی أَوْلِیائِكُمْ مَعْرُوفاً «2» .. قال هو أن یوصی له بوصیة فهی جائزة من ثلث مال المیت فذلك المعروف .. و ممن قال إنما محكمة مجاهد و سعید بن جبیر كما قرأ علیّ .. إبراهیم بن موسی الجوزی عن یعقوب بن إبراهیم قال حدثنا وكیع عن سفیان عن منصور عن مجاهد فی قوله تعالی وَ الَّذِینَ عَقَدَتْ أَیْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِیبَهُمْ .. قال من العقل و المشورة و الرفد .. و قال سعید بن جبیر فآتوهم نصیبهم من العون و النصرة .. [قال أبو جعفر] و هذا أولی مما قیل فی الآیة إنها محكمة لعلتین إحداهما أنه إنما یجعل النسخ علی ما لا یصح المعنی إلا به و ما كان منافیا فأما ما صح معناه و هو متلو فبعید من الناسخ و المنسوخ و العلة الأخری الحدیث عن النبی صلّی اللّه علیه و سلّم الصحیح الإسناد كما حدثنا .. أحمد بن شعیب قال أنبأنا عبد الرحمن بن محمد قال حدثنا إسحاق الأزرق عن زكریاء بن أبی زائدة عن سعید بن إبراهیم عن محمد بن جبیر بن مطعم عن أبیه أن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم قال .. «لا حلف فی الإسلام و أیما حلف كان فی الجاهلیة فإن الإسلام لم یزده الا شدة» فبین بهذا الحدیث أن الحلف غیر منسوخ و بین الحدیث الأول و قول مجاهد و سعید بن جبیر أنه فی النصر و النصیحة و العون و الرفد و یكون ما فی الحدیث الأول من قول ابن عباس نسختها یعنی وَ لِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِیَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ «3» لان الناس كانوا یتوارثون فی الجاهلیة بالتبنی و توارثوا فی الإسلام بالإخاء ثم نسخ هذا كله فرائض اللّه بالمواریث.
______________________________
(1) سورة: الاحزاب، الآیة: 6
(2) سورة: النساء، الآیة: 33
(3) سورة: النساء، الآیة: 33
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 103

باب ذكر الآیة الثامنة

قال اللّه عز و جل یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَ أَنْتُمْ سُكاری حَتَّی تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ «1» أكثر العلماء علی أنها منسوخة غیر أنهم یختلفون فی الناسخ لها .. فمن ذلك ما قرأ علیّ .. أحمد بن شعیب عن إسحاق بن إبراهیم قال أنبأنا داود قال حدثنا علی بن ندیمة عن عكرمة عن ابن عباس فی قول اللّه تعالی لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَ أَنْتُمْ سُكاری قال نسختها إِذا قُمْتُمْ إِلَی الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَیْدِیَكُمْ إِلَی الْمَرافِقِ الآیة .. [قال أبو جعفر] فیكون علی هذا قد نسخت الآیة علی الحقیقة یكونون أمروا بأن لا یصلوا إذا سكروا ثم أمروا بالصلاة علی كل حال فإن كانوا لا یعقلون ما یقرءون و ما یفعلون فعلیهم الإعادة و إن كانوا یفعلون ذلك فعلیهم أن یصلوا و هذا قبل التحریم فأما بعد التحریم فینبغی أن لا یفعلوا ذلك أعنی من الشرب فان فعلوا فقد أساءوا و الحكم فی الصلاة واحد إلا الزیادة فی المضمضة من المسكر لأنه لما حرم صار نجسا فهذا قول .. و قد روی عثمان بن عطاء عن أبیه عن ابن عباس لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَ أَنْتُمْ سُكاری .. قال فی المساجد و تقدیر هذا فی العربیة لا تقربوا موضع الصلاة مثل وَ سْئَلِ الْقَرْیَةَ حدثنا .. أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبد الرزاق قال حدثنا معمر عن قتادة لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَ أَنْتُمْ سُكاری قال تجتنبون السكر عند حضور الصلاة ثم نسخت فی تحریم الخمر .. و قال مجاهد نسخت بتحریم الخمر .. و ممن قال انها غیر منسوخة الضحاك قال وَ أَنْتُمْ سُكاری من النوم .. و القول الأول أولی لتواتر الآثار بصحته كما قرأ علیّ .. إبراهیم بن موسی الجوزی عن یعقوب بن إبراهیم قال حدثنا وكیع قال حدثنا سفیان عن عطاء بن السائب عن أبی عبد الرحمن السلمی عن علیّ بن أبی طالب كرم اللّه وجهه .. قال دعانا رجل من الأنصار قبل تحریم الخمر فحضرت الصلاة فتقدم عبد الرحمن بن عوف فصلّی بنا المغرب فقرأ قُلْ یا أَیُّهَا الْكافِرُونَ «2» فلبس علیه فنزلت یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَ أَنْتُمْ سُكاری حَتَّی تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ .. [قال أبو جعفر] فهذا لیس من النوم فی شی‌ء مع التوقیف فی نزول الآیة .. و قد عارض معارض فقال كیف یتعبد السكران بأن لا تقرب الصلاة فی تلك الحال و هو لا یفهم و هذا لا یلزم و فیه جوابان .. أحدهما أنه تعبد أن
______________________________
(1) سورة: النساء، الآیة: 43
(2) سورة: الكافرون، الآیة: 1
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 104
لا یسكر عند حضور الصلاة .. و الجواب الآخر و هو أصحهما أن السكران هاهنا هو الذی لم یزل فهمه و إنما خدر جسمه من الشرب و فهمه قائم ثم هو مأمور منهی .. فأما من لم یفهم فقد خرج الی الخبل و حال الی المجانین و هذا لم یزل مكروها فی الجاهلیة ثم زاده الإسلام توكیدا كما روی عن عثمان أنه قال ما سكرت فی جاهلیة و لا إسلام و لا تغنیت و لا تمنیت و لا مسست ذكری بیمینی مذ بایعت بها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم قیل له فالإسلام حجزك فما بال الجاهلیة قال كرهت أن أكون لعنة لأهلی .. فیكون المنسوخ من الآیة التحریم فی أوقات الصلاة و غیرها .. و البین فی الآیة التاسعة أنها منسوخة.

باب ذكر الآیة التاسعة

قال اللّه تعالی إِلَّا الَّذِینَ یَصِلُونَ إِلی قَوْمٍ بَیْنَكُمْ وَ بَیْنَهُمْ مِیثاقٌ أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ یُقاتِلُوكُمْ أَوْ یُقاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَیْكُمْ فَلَقاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ یُقاتِلُوكُمْ وَ أَلْقَوْا إِلَیْكُمُ السَّلَمَ فَما جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَیْهِمْ سَبِیلًا «1» أهل التأویل علی ان هذه الآیة منسوخة بالأمر بالقتال .. [قال أبو جعفر] كما حدثنا .. جعفر بن مجاشع قال حدثنا إبراهیم بن إسحاق قال حدثنا إبراهیم بن عبد اللّه قال حدثنا حجاج عن ابن جریج عن عطاء الخراسانی عن ابن عباس فی قوله تعالی إِلَّا الَّذِینَ یَصِلُونَ إِلی قَوْمٍ بَیْنَكُمْ وَ بَیْنَهُمْ مِیثاقٌ قال ثم نسخ بعد ذلك فنبذ إلی كل ذی عهد عهده ثم أمر اللّه تعالی أن یقاتل المشركین حتی یقولوا لا إله إلا اللّه فقال فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِینَ حَیْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ «2» قال و حدثنا .. أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبد الرزاق قال أنبأنا معمر عن قتادة فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ یُقاتِلُوكُمْ وَ أَلْقَوْا إِلَیْكُمُ السَّلَمَ قال نسختها براءة فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِینَ حَیْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ .. [قال أبو جعفر] هذا قول مجاهد .. و قال زید نسختها الجهاد و زعم بعض أهل اللغة أن معنی إِلَّا الَّذِینَ یَصِلُونَ أی ینتمون الی قوم بینكم و بینهم میثاق أی ینتسبون الیهم كما .. قال الاعشی:
إذا اتصلت قالت أبكر بن وائل‌و بكر سبتها و الأنوف رواغم
______________________________
(1) سورة: النساء، الآیة: 90
(2) سورة: التوبة، الآیة: 5
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 105
.. [قال أبو جعفر] و هذا غلط عظیم لأنه یذهب الی أن اللّه تعالی حظر أن یقاتل أحد بینه و بین المسلمین نسب و المشركین قد كان بینهم و بین السابقین الأولین أنساب و أشد من هذا الجهل الاحتجاج بأن ذلك كان نسخ لأن أهل التأویل مجمعون أن الناسخ له براءة و إنما نزلت براءة بعد الفتح بعد أن انقطعت الحروب و إنما یؤتی هذا من الجهل بقول أهل التفسیر و الاجتراء علی كتاب اللّه تعالی و حمله علی المعقول من غیر علم بأقاویل المتقدمین و التقدیر علی قول أهل التأویل فَخُذُوهُمْ وَ اقْتُلُوهُمْ حَیْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَ لا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِیًّا وَ لا نَصِیراً إِلَّا الَّذِینَ یَصِلُونَ إِلی قَوْمٍ بَیْنَكُمْ وَ بَیْنَهُمْ مِیثاقٌ «1» أولئك خزاعة صالحهم النبی صلّی اللّه علیه و سلّم علی أنهم لا یقاتلون و أعطاهم الزمام و الأمان و من وصل إلیهم فدخل فی الصلح معهم كان حكمه كحكمهم أو جاءوكم حصرت صدورهم أی و إلّا الّذین جاؤكم حصرت صدورهم و هم بنو مدلج و بنو خزیمة ضاقت صدورهم أن یقاتلوا المسلمین أو یقاتلوا قومهم بنی مدلج و حصرت خبر بعد خبر .. و قیل حذفت منه قد فأما أن یكون دعاء فمخالف لقول أهل التأویل لأنه قد أمر أن لا یقاتلوا فكیف یدعی علیهم .. و قیل المعنی أو یصلون الی قوم جاءوكم حصرت صدورهم ثم قال اللّه تعالی وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَیْكُمْ فَلَقاتَلُوكُمْ أی لسلط هؤلاء الذین یصلون الی قوم بینكم و بینهم میثاق و الذین جاءوكم حصرت صدورهم أی فاشكروا نعمة اللّه علیكم فاقبلوا أمره و لا تقاتلوهم فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ یُقاتِلُوكُمْ وَ أَلْقَوْا إِلَیْكُمُ السَّلَمَ أی الصلح فَما جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَیْهِمْ سَبِیلًا أی طریقا الی قتلهم و سبی ذراریهم ثم نسخ هذا كله كما قال أهل التأویل فنبذ إلی كل ذی عهد عهده فقیل لهم فَسِیحُوا فِی الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ «2» ثم لیس بعد ذلك إلا الإسلام أو القتل لغیر أهل الكتاب .. و اختلف العلماء فی الآیة العاشرة فقالوا فیها خمسة أقوال.

باب ذكر الآیة العاشرة

قال اللّه تعالی وَ مَنْ یَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِیها وَ غَضِبَ اللَّهُ عَلَیْهِ وَ لَعَنَهُ وَ أَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِیماً «3» فمن العلماء من قال لا توبة لمن قتل مؤمنا متعمدا ..
و بعض من قال هذا قال الآیة التی فی الفرقان منسوخة بالآیة التی فی النساء .. فهذا قول
______________________________
(1) سورة: النساء، الآیتان: (89- 90)
(2) سورة: التوبة، الآیة: 2
(3) سورة: النساء، الآیة: 93
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 106
و من العلماء من قال له توبة لأن هذا مما لا یقع فیه ناسخ و لا منسوخ لأنه خبر و وعید .. و من العلماء من قال اللّه متول عقابه تاب أو لم یتب إن شاء عذبه و إن شاء عفا عنه و إن شاء أدخله النار و أخرجه منها .. و من العلماء من قال المعنی فجزاؤه جهنم إن جازاه .. و من العلماء من قال التقدیر و من یقتل مؤمنا متعمدا استحلالا له فهذا جزاؤه لأنه كافر .. [قال أبو جعفر] فهذه خمسة أقوال .. فالقول الأول لا توبة للقاتل مروی عن زید بن ثابت و ابن عباس كما قرأ علیّ .. أحمد بن الحجاج عن یحیی بن عبد اللّه بن بكیر قال حدثنی اللیث بن سعد قال أخبرنی خالد و هو ابن یزید عن سعید بن أبی هلال عن جهم بن أبی الجهم أن أبا الزناد أخبره أن خارجة بن زید أخبره عن أبیه زید بن ثابت قال لما نزلت الآیة التی فی الفرقان وَ الَّذِینَ لا یَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وَ لا یَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِی حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَ لا یَزْنُونَ «1» عجبنا للینها فنزلت الآیة التی فی النساء وَ مَنْ یَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِیها وَ غَضِبَ اللَّهُ عَلَیْهِ وَ لَعَنَهُ «2» حتی فرغ .. و قرئ علی أبی عبد الرحمن أحمد بن شعیب عن عمرو بن علیّ قال حدثنا یحیی قال أنبأنا ابن جریج قال أخبرنی القاسم بن أبی برة عن سعید بن جبیر قال سألت ابن عباس هل لمن قتل مؤمنا متعمدا من توبة قال لا و قرأت علیه التی فی الفرقان قال وَ الَّذِینَ لا یَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ قال هذه الآیة مكیة نسختها آیة مدینة وَ مَنْ یَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِیها «1» الآیة .. قال أبو عبد الرحمن و أنبأنا قتیبة قال حدثنا سفیان عن عمار الذهبی عن سالم بن أبی الجعد أن ابن عباس سئل عمن قتل مؤمنا متعمدا ثم تاب و آمن و عمل صالحا ثم اهتدی فقال و أنی له بالتوبة و قد سمعت نبیكم صلّی اللّه علیه و سلّم و هو یقول: «یجی‌ء المقتول متعلقا بالقاتل تشخب أوداجه دما یقول أی رب سل هذا فیم قتلنی» ثم قال ابن عباس و اللّه لقد أنزلها اللّه ثم ما نسخها .. قال أبو عبد الرحمن و أخبرنی یحیی بن حكم قال حدثنا ابن أبی عدی قال حدثنا شعبة عن یعلی بن عطاء عن أبیه عن عبد اللّه بن عمر عن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم قال: «لزوال الدنیا أهون علی اللّه من قتل رجل مسلّم» قال أبو عبد الرحمن و أنبأنا أحمد بن فضالة قال حدثنا عبد الرزاق قال أنبأنا معمر عن أیوب عن الحسن عن الأحنف بن قیس عن أبی بكرة قال سمعت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم یقول: «إذا التقی المسلمان بسیفیهما فقتل أحدهما صاحبه فالقاتل و المقتول فی النار قیل یا رسول اللّه هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال إنه أراد أن یقتل صاحبه» .. [قال أبو جعفر] فهذه الأحادیث
______________________________
(1) سورة: الفرقان، الآیة: 68
(2) سورة: النساء، الآیة: 93
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 107
صحاح یحتج بها أصحاب هذا القول مع ما روی عن عبد اللّه بن مسعود عن النبی صلّی اللّه علیه و سلّم أنه قال: «سباب المسلّم فسوق و قتاله كفر» و عنه صلّی اللّه علیه و سلّم: «لا ترجعوا بعدی كفارا یضرب بعضكم رقاب بعض و من أعان علی قتل مسلّم بشطر كلمة جاء یوم القیامة مكتوب بین عینیه یئس من رحمة اللّه تعالی» .. [قال أبو جعفر] و القول الثانی أن له توبة قول جماعة من العلماء منهم عبد اللّه بن عمر و هو أیضا مروی عن زید بن ثابت و ابن عباس كما قرأ علی .. بكر بن سهل عن عبد اللّه بن صالح قال حدثنی معاویة بن صالح عن عبد الوهاب بن بحت المكی عن نافع أو سالم أن رجلا سأل عبد اللّه بن عمر فقال یا أبا عبد الرحمن كیف تری فی رجل قتل رجلا عمدا؟ قال أنت قتلته قال نعم قال تب إلی اللّه عز و جل یتب علیك .. و حدثنا علی بن الحسین قال حدثنا یزید بن هارون قال أنبأنا أبو مالك الأشجعی عن سعید بن عبادة قال جاء رجل إلی ابن عباس فقال أ لمن قتل مؤمنا توبة؟ قال لا إلا النار فلما ذهب قال له جلساؤه هكذا كنت تفتینا أن لمن قتل مؤمنا توبة مقبولة قال انی لأحسبه رجلا مغضبا یرید أن یقتل مؤمنا قال فبعثوا خلفه فی أثره فوجدوه كذلك .. [قال أبو جعفر] و أصحاب هذا القول حجتهم ظاهرة منها قول اللّه تعالی وَ إِنِّی لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدی «1» وَ هُوَ الَّذِی یَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ «2» و قد بینا فی أول هذا الباب أن الأخبار لا یقع فیها نسخ و قد اختلف عن ابن عباس فروی عنه قال نزلت فی أهل الشرك یعنی التی فی الفرقان و عنه نسختها التی فی النساء فقال بعض العلماء معنی نسختها نزلت بنسختها .. [قال أبو جعفر] و لیس یخلو أن تكون الآیة التی فی النساء نزلت بعد التی فی الفرقان كما روی عن زید و ابن عباس علی أنه قد روی عن زید أن التی نزلت فی الفرقان نزلت بعدها أو یكونا نزلتا معا و لیس ثم قسم رابع فإن كانت التی فی النساء نزلت بعد التی فی الفرقان فهی مثبتة علیها كما أن قوله تعالی إِنَّهُ مَنْ یُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَیْهِ الْجَنَّةَ مبنی علی قُلْ لِلَّذِینَ كَفَرُوا إِنْ یَنْتَهُوا یُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ «3» و إن كانت التی فی الفرقان نزلت بعد التی فی النساء فهی مثبتة لها و إن كانتا أنزلتا معا فإحداهما محمولة علی الأخری و هذا باب من النظر اذا تدبرته علمت أنه لا مدفع له مع ما یقوی ذلك من المحكم الذی لا تنازع فیه و هو قوله عز كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن 107 باب ذكر الآیة العاشرة ..... ص : 105
____________________________________________________________
(1) سورة: طه، الآیة: 82
(2) سورة: التوبة، الآیة: 104
(3) سورة: الأنفال، الآیة: 38
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 108
و جل وَ إِنِّی لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ .. و أما القول الثالث أن أمره إلی اللّه تعالی تاب أو لم یتب فعلیه أبو حنیفة و أصحابه و الشافعی أیضا یقول فی كثیر من هذا إلا أن یعفو عنه أو معنی هذا .. فأما القول الرابع و هو قول أبی مجاشع أن المعنی ان جازاه و الغلط فیه بین .. و قد قال اللّه تعالی ذلِكَ جَزاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِما كَفَرُوا «1» و لم یقل أحد معناه إن جازاهم و هو خطأ فی العربیة لأن بعده و غضب اللّه علیه و هو محمول علی معنی جزاه .. و أما القول الخامس ان من یقتل مؤمنا متعمدا مستحلا لقتله فغلط لأن من عم لا یخص إلا بتوقیف أو دلیل قاطع و هذا القول یقال إنه قول عكرمة لأنه ذكر أن الآیة نزلت فی رجل قتل رجلا متعمدا ثم ارتد .. [قال أبو جعفر] فهذه عشر آیات قد ذكرناها فی سورة النساء و رأیت بعض المتأخرین قد ذكر أنه سوی هذه العشر .. و هی قوله تعالی وَ إِذا ضَرَبْتُمْ فِی الْأَرْضِ فَلَیْسَ عَلَیْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ یَفْتِنَكُمُ الَّذِینَ كَفَرُوا «2» .. [قال أبو جعفر] و إنما لم أفرد لها بابا لأنه لم یصح عندی أنها ناسخة و لا منسوخة و لا ذكرها أحد من المتقدمین بشی‌ء من ذلك فیذكر و لیس یخلو أمرها من إحدی ثلاث جهات لیس فی واحدة منهن نسخ و ذلك أن الذی قال هی منسوخة یحتج بأن اللّه عز و جل قال وَ إِذا ضَرَبْتُمْ فِی الْأَرْضِ فَلَیْسَ عَلَیْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ یَفْتِنَكُمُ الَّذِینَ كَفَرُوا قال فكان فی هذا منع من قصر الصلاة إلا فی الخوف ثم صح عن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلّم أنه قصر فی غیر الخوف آمن ما كان فی السفر فجعل فعل النبی صلّی اللّه علیه و سلّم ناسخا للآیة .. و هذا غلط بین لأنه لیس فی الآیة منع فی القصر للأمن و إنما فیها إباحة القصر فی الخوف فقط .. و الجهات التی فیها عن العلماء المتقدمین منهن أن یكون معنی أن تقصروا من الصلاة أن تقصروا من حدودها فی حال الخوف و ذلك ترك اقامة ركوعها و سجودها و أداءها كیف أمكن مستقبل القبلة و مستدبرها و ماشیا و راكبا فی حال الخوف كما قال جل ثناؤه فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالًا أَوْ رُكْباناً «3» و هكذا یروی عن ابن عباس .. فهذا قول و هو اختیار محمد بن جریر و استدل علی صحته بأن بعده فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِیمُوا الصَّلاةَ «4» و إقامتها اتمام ركوعها و سجودها و سائر فرائضها و ترك إقامتها فی غیر الطمأنینة و هو ترك إقامة هذه الأشیاء .. و من الجهات فی
______________________________
(1) سورة: الكهف، الآیة: 106
(2) سورة: النساء، الآیة: 101
(3) سورة: البقرة، الآیة: 239
(4) سورة: النساء، الآیة: 103
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 109
تأویل الآیة أن جماعة من الصحابة و التابعین قالوا قصر صلاة الخوف أن یصلی ركعة واحدة لأن صلاة المسافر ركعتان لیست بقصر لأن فرضها ركعتان و ممن صح عنه فرضت الصلاة ركعتین ثم أتمت صلاة المقیم و أقرت صلاة المسافر بحالها عائشة رضی اللّه عنها .. و ممن قال صلاة الخوف ركعة حذیفة و جابر بن عبد اللّه و سعید بن جبیر و هو قول ابن عباس كما قرأ علیّ .. محمد بن جعفر بن حفص عن خلف بن هشام المقری قال حدثنا أبو عوانة عن بكیر بن الأخنس عن مجاهد عن ابن عباس قال فرض اللّه الصلاة علی لسان نبیكم صلّی اللّه علیه و سلّم:
«للمقیم أربعا و للمسافر ركعتین و فی الخوف ركعة» .. [قال أبو جعفر] و فی الآیة .. قول ثالث علیه أكثر الفقهاء و ذلك أن تكون صلاة الخوف ركعتین مقصورة من أربع فی كتاب اللّه عز و جل و صلاة السفر فی الأمر ركعتان مقصورة فی سنة رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم لا بالقرآن و لا بنسخ القرآن و یدلك علی ذلك ما قرأ علیّ .. یحیی بن أیوب قال أخبرنی ابن جریج أن عبد الرحمن بن عبد اللّه بن أبی عمار حدثه عن عبد اللّه بن نابتة عن یعلی بن أمیة أنه قال سألت عمر بن الخطاب رضی اللّه عنه قلت أ رأیت قول اللّه عز و جل فَلَیْسَ عَلَیْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ یَفْتِنَكُمُ الَّذِینَ كَفَرُوا «1» فقد زال الخوف فما بال القصر فقال عجبت مما عجبت منه فسألت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم فقال صدقة تصدق اللّه بها علیكم فاقبلوها .. [قال أبو جعفر] فلم یقل صلّی اللّه علیه و سلّم قد نسخ ذلك و إنما نسبه الی الرخصة فصح قول من قال قصر صلاة السفر بالسنة و قصر صلاة الخوف بالقرآن و لا یقال منسوخ لما ثبت فی التنزیل و صح فی التأویل إلا بتوقیف أو بدلیل قاطع.
______________________________
(1) سورة: النساء، الآیة: 101
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 110

سورة المائدة

اشارة

بسم اللّه الرحمن الرحیم اختلف العلماء فی هذه السورة .. فمنهم من قال لم ینسخ منها شی‌ء .. و منهم من احتج أنها آخر سورة نزلت فلا یجوز أن یكون فیها ناسخ .. [قال أبو جعفر] كما حدثنا جعفر بن مجاشع قال حدثنا إبراهیم بن إسحاق قال حدثنا عبید اللّه قال حدثنا عبد الرحمن بن مهدی قال حدثنا التوّزی عن أبی إسحاق عن أبی میسرة قال لم ینسخ من المائدة شی‌ء و قرأ علیّ .. إسحاق بن إبراهیم بن یونس عن الولید بن شجاع قال حدثنا عبد اللّه بن وهب قال أخبرنی معاویة بن صالح عن أبی الزاهریة عن جبیر بن نفیر .. قال حججت فدخلت علی عائشة رضی اللّه عنها فقالت هل تقرأ سورة المائدة قلت نعم قالت أما إنها آخر سورة نزلت فما وجدتم فیها حلالا فاستحلوه و ما وجدتم فیها حراما فحرموه .. [قال أبو جعفر] و مما یحتج به فی هذا حدیث عمر رضی اللّه عنه حین قرأ الْیَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِینَكُمْ «1» فقال بعض الیهود لو نزلت علینا هذه فی یوم لاتخذناه عیدا فقال عمر كان فی الیوم الذی أنزلت فیه عیدان نزلت یوم الجمعة یوم عرفات یعنی فی حجة الوداع .. [قال أبو جعفر] و أما البراء فإنه فی آخر سورة نزلت براءة و آخر سورة نزلت یَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ یُفْتِیكُمْ فِی الْكَلالَةِ «2» و هذا لیس بمتناقض لأنهما جمیعا من آخر ما نزل و لو لم یكن فی المائدة منسوخ لاحتجنا الی ذكرها لأن فیها ناسخا و هذا الكتاب یشتمل علی الناسخ و المنسوخ علی أن كثیرا من العلماء قد ذكروا فیها آیات منسوخة .. و قال بعضهم فیها آیة واحدة منسوخة كما حدثنا .. أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبد الرزاق قال أخبرنی التوّزی عن مان «3» عن الشعبی .. قال لیس فی المائدة منسوخ الا فی قوله تعالی یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ «4» الآیة .. [قال أبو جعفر] و هذه الأولی مما نذكره منها.
______________________________
(1) سورة: المائدة، الآیة: 3
(2) سورة: النساء، الآیة: 176
(3) هكذا بالأصل و لم أقف علی هذا الإسم فلیحرر.
(4) سورة: المائدة، الآیة: 2
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 111

باب ذكر الآیة الأولی من هذه السورة

قال اللّه تعالی یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ وَ لَا الشَّهْرَ الْحَرامَ وَ لَا الْهَدْیَ وَ لَا الْقَلائِدَ وَ لَا آمِّینَ الْبَیْتَ الْحَرامَ «1» .. ذهب جماعة من العلماء الی أن هذه الأحكام الخمسة منسوخة .. و ذهب بعضهم الی أن فیها منسوخا .. و ذهب بعضهم الی أنها محكمة .. فممن ذهب إلی أنها منسوخة قتادة و روی ذلك عن ابن عباس حدثناه ..
أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبد الرزاق قال أنبأنا معمر عن قتادة فی قوله تعالی یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ وَ لَا الشَّهْرَ الْحَرامَ وَ لَا الْهَدْیَ وَ لَا الْقَلائِدَ وَ لَا آمِّینَ الْبَیْتَ الْحَرامَ .. قال منسوخ كان الرجل فی الجاهلیة اذا خرج یرید الحج تقلد من السّمر فلا یعرض له أحد و اذا تقلد قلادة شعر لم یعرض له أحد و كان المشرك یومئذ لا یصدّ عن البیت الحرام فأمر اللّه أن لا یقاتل المشركون فی الشهر الحرام و لا عند البیت ثم نسختها قوله تعالی فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِینَ حَیْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ «2» .. [قال أبو جعفر] و حدثنا ..
بكر بن سهل قال حدثنا أبو صالح عن معاویة بن صالح عن علی بن أبی طلحة عن ابن عباس قال و قوله تعالی یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ وَ لَا الشَّهْرَ الْحَرامَ وَ لَا الْهَدْیَ وَ لَا الْقَلائِدَ وَ لَا آمِّینَ الْبَیْتَ الْحَرامَ فكان المؤمنون و المشركون یحجون الی البیت جمیعا فنهی أن یمنع أحد من الحج إلی البیت من مؤمن و كافر ثم أنزل اللّه بعد هذا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا یَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا «3» .. و قال جل ذكره إِنَّما یَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ «4» فنفی المشركون من المسجد الحرام و بهذا الإسناد لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ كان المشركون یعظمون أمر الحج و یهدون الهدایا إلی البیت و یعظمون حرمته فأراد المسلمون أن یغیروا ذلك فأنزل اللّه عز و جل یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ فهذا علی تأویل النسخ فی الأحكام الخمسة بإباحة قتال المشركین علی كل حال و منعهم من المسجد الحرام فأما مجاهد فقال لم ینسخ منها إلا القلائد كان الرجل یتقلد بشی‌ء من لحا الحرم فلا یقرب فنسخ ذلك .. [قال أبو جعفر] و هذا علی مذهب أبی میسرة إنها محكمة و أما عطاء فقال لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ أی لا تتعرضوا لما یسخطه و ابتغوا طاعته و اجتنبوا
______________________________
(1) سورة: المائدة، الآیة: 2
(2) سورة: التوبة، الآیة: 5
(3) سورة: التوبة، الآیة: 28
(4) سورة: التوبة، الآیة: 18
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 112
معاصیه فهذا لا نسخ فیه و هو قول حسن لأن واحدة الشعائر شعرة من شعرت به أی علمت به فیكون المعنی لا تحلوا معالم اللّه و هی أمره و نهیه و ما أعلمه الناس فلا تخالفوه .. و قد روی عن ابن عباس الهدی ما لم یقلد و قد عزم صاحبه علی أن یهدیه و القلائد ما قلد فأما الربیع بن أنس فتأول معنی و لا القلائد انه لا یحل لهم أن یأخذوا من شجر الحرم فیتقلدوه و هذا قول شاذ بعید .. و قول أهل التأویل إنهم نهوا أن یحلوا ما قلد فیأخذوه و یغصبوه ..
فمن قال هذا منسوخ فحجته بینة إن المشرك حلال الدم و ان تقلد من شجر الحرم و هذا بین جید .. و فی هذه الآیة مما ذكر أنه منسوخ قوله عز و جل وَ لا یَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا «1» .. قال عبد الرحمن بن زید هذا كله منسوخ نسخه الجهاد .. [قال أبو جعفر] ذهب ابن زید إلی أنه لما جاز قتالهم لأنهم كفار جاز أن یعتدی علیهم و یبدءوا بالقتال .. و أما غیره من أهل التأویل فذهب الی أنها لیست بمنسوخة ..
فممن قال ذلك مجاهد و احتج بقول النبی صلّی اللّه علیه و سلّم: «لعن اللّه من قتل بذحل فی الجاهلیة فأهل التأویل و أكثرهم متفقون علی أن المعنی و لا یحملنكم إبغاض قوم لأن صدوكم عن المسجد الحرام یوم الحدیبیة علی أن تعتدوا لأن سورة المائدة نزلت بعد یوم الحدیبیة فالبین علی هذا أن تقرأ أن صدوكم بفتح الهمزة لأنه شی‌ء قد تقدم .. و اختلف العلماء فی الآیة الثانیة.

باب ذكر الآیة الثانیة

قال اللّه تعالی الْیَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّیِّباتُ وَ طَعامُ الَّذِینَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَ طَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ «2» فقالوا فیها ثلاثة أقوال .. فمنهم من قال أحل لنا طعام أهل الكتاب و إن ذكروا علیه غیر اسم اللّه فكان هذا ناسخا لقوله تعالی لا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ یُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَیْهِ وَ ما أُهِلَّ لِغَیْرِ اللَّهِ بِهِ «3» .. و قال قوم لیس هذا نسخا و لكنه مستثنی من ذلك .. و قال آخرون لیس بنسخ و لا استثناء و لكن اذا ذكر أهل الكتاب غیر اسم اللّه لم تؤكل ذبیحتهم .. فالقول الأول عن جماعة من العلماء كما قال عطاء كل ذبیحة النصرانی و إن قال باسم المسیح لأن
______________________________
(1) سورة: المائدة، الآیة: 2
(2) سورة: المائدة، الآیة: 5
(3) سورة: الأنعام، الآیة: 121
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 113
اللّه قد أحل ذبائحهم و قد علم ما یقولون .. و قال القاسم بن محیمرة كل من ذبیحته و إن قال باسم جرجس و هو قول ربیعة و یروی ذلك عن صحابیین أبی الدرداء و عبادة بن الصامت ..
و أصحاب القول الثانی یقولون هو استثناء و حلال أكله .. و أصحاب القول الثالث یقولون إذا سمعت الكتابی یسمی غیر اللّه فلا تأكل و قال بهذا من الصحابة علی بن أبی طالب كرم اللّه وجهه و عائشة و ابن عمر و هو قول طاوس و الحسن و قال مالك بن أنس أكره ذلك و لم یحرمه و اختلفوا أیضا فی ذبائح نصاری بنی تغلب و أكثر العلماء یقولون هم بمنزلة النصاری تؤكل ذبائحهم و تتزوج المحصنات من نسائهم و ممن قال هذا ابن عباس بلا اختلاف عنه .. و قال آخرون لا تؤكل ذبائحهم و لا یتزوج فیهم لأنهم عرب و إنما دخلوا فی النصرانیة فممن روی عنه هذا علی بن أبی طالب كرم اللّه وجهه كما قرأ علیّ .. أحمد بن محمد بن الحجاج عن یحیی بن سلیمان قال حدثنا حفص بن غیاث قال حدثنا أشعث بن عبد الملك عن الحسن قال ما علمت أحدا من أصحاب محمد صلّی اللّه علیه و سلّم حرم ذبائح بنی تغلب الا علی بن أبی طالب رضی اللّه عنه .. [قال أبو جعفر] و هذا قول الشافعی و عارض محمد بن جریر بأن الحدیث المروی عن علی بن أبی طالب رضی اللّه عنه الصحیح أنه قال لا تأكلوا ذبائح بنی تغلب و لا تتزوجوا فیهم فإنهم لم یتعلقوا من النصرانیة إلا بشرب الخمر قال فدل هذا علی أنهم لو كانوا علی ملة النصاری فی كل أمورهم لأكلت ذبائحهم و تزوج فیهم .. قال و قد قامت الحجة علی أكل ذبائح النصاری و التزوج فیهم و هم من النصاری و قد احتج ابن عباس فی ذلك فقال قال اللّه تعالی وَ مَنْ یَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ «1» فلو لم یكن بنو تغلب من النصاری إلا بتولیهم إیاهم لأكلت ذبائحهم .. فأما المجوس فالعلماء مجمعون إلا من شذ منهم ان ذبائحهم لا تؤكل و لا یتزوج فیهم لأنهم لیسوا أهل كتاب و قد بین ذلك رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم فی كتابه إلی كسری فلم یخاطبهم بأنهم أهل كتاب و خاطب قیصر بغیر ذلك فقال یا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلی كَلِمَةٍ سَواءٍ بَیْنَنا وَ بَیْنَكُمْ «2» الآیة و قد عارض معارض بالحدیث المروی عن عبد الرحمن بن عوف أنه قال لعمر بن الخطاب رضی اللّه عنه فی المجوس سمعت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم یقول أنزلوهم منزلة أهل الكتاب .. [قال أبو جعفر] و هذا الحدیث لا حجة فیه من جهات إحداها أنه قد غلط فی متنه و أن إسناده غیر متصل و لا تقوم به حجة و هذا الحدیث حدثناه .. بكر بن سهل قال حدثنا عبد اللّه بن یوسف قال أنبأنا مالك عن جعفر بن محمد عن أبیه قال قال عمر بن الخطاب رضی اللّه عنه ما أدری كیف أصنع فی أمر المجوس
______________________________
(1) سورة: المائدة، الآیة: 51
(2) سورة: آل عمران، الآیة: 64
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 114
فشهد عنده عبد الرحمن بن عوف أنه سمع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم یقول سنوا بهم سنة أهل الكتاب .. [قال أبو جعفر] و الإسناد منقطع لأن محمد بن علی لم یولد فی وقت عمر بن الخطاب رضی اللّه عنه و أما المتن فیقال أنه علی غیر هذا كما حدثنا .. محمد بن محمد الأزدی قال حدثنا أحمد بن بشر الكوفی قال سمعت سفیان بن عیینة یقول عمرو بن دینار سمع بجالة یقول ان عمر لم یكن أخذ من المجوس الجزیة حتی شهد عبد الرحمن بن عوف أن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم أخذها من مجوس هجر فهذا إسناده متصل صحیح و لو صح الحدیث الأول ما كان دلیلا علی أكل ذبائح المجوس و لا تزویج نسائهم لأن قوله سنوا بهم سنة أهل الكتاب یدل علی أنهم لیسوا من أهل الكتاب و أیضا فإنما نقل الحدیث علی أنه فی الجزیة خاصة و أیضا فسنوا بهم لیس من الذبائح فی شی‌ء لأنه لم یقل استنوا أنتم فی أمرهم بشی‌ء فأما الاحتجاج بأن حذیفة تزوج مجوسیة فغلط و الصحیح أنه تزوج یهودیة .. و فی هذه الآیة وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِینَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ فقد ذكرناه فی قوله وَ لا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّی یُؤْمِنَ «1» و قول من قال إن هذه ناسخة لتلك و اختلفوا فی الآیة فقال فیها سبعة أقوال.

باب ذكر الآیة الثالثة

قال اللّه تعالی یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَی الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَیْدِیَكُمْ إِلَی الْمَرافِقِ «2» الآیة فیها سبعة أقوال .. فمن العلماء من قال هی ناسخة لقوله تعالی لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَ أَنْتُمْ سُكاری «3» .. و منهم من قال هی ناسخة لما كانوا علیه لأن النبی صلّی اللّه علیه و سلّم كان اذا أحدث لم یكلم أحدا حتی یتوضأ وضوءه للصلاة فنسخ هذا و أمر بالطهارة عند القیام إلی الصلاة .. و منهم من قال إنها منسوخة لأنه لو لم تنسخ لوجب علی كل قائم إلی الصلاة الطهارة و إن كان متطهرا و الناسخ لها فعل النبی صلّی اللّه علیه و سلّم و سنذكره بإسناده .. فمن العلماء من قال یجب علی كل من قام الی الصلاة أن یتوضأ للصلاة بظاهر الآیة و إن كان طاهرا هذا قول عكرمة و ابن سیرین و احتج عكرمة بعلی بن أبی طالب رضی اللّه عنه كما حدثنا .. أحمد بن
______________________________
(1) سورة: البقرة، الآیة: 221
(2) سورة: المائدة، الآیة: 6
(3) سورة: النساء، الآیة: 43
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 115
محمد الأزدی قال حدثنا إبراهیم بن مرزوق قال حدثنا بشر بن عمر و عبد الصمد بن عبد الوارث قال حدثنا شعبة عن مسعود بن علی قال كان علی بن أبی طالب یتوضأ لكل صلاة و یتلو یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَی الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ الآیة .. و من العلماء من یقول ینبغی لكل من قام إلی الصلاة أن یتوضأ لها طلبا للفضل و حمل الآیة علی الندب ..
و منهم من قال الآیة مخصوصة لكل من قام من النوم .. و القول السابع ان الآیة یراد بها من لم یكن علی طهارة فهذه سبعة أقوال .. فأما القول الاول انها ناسخة لقوله تعالی لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَ أَنْتُمْ سُكاری فقد ذكرناه بإسناده فی سورة النساء و لا یتبین فی هذا نسخ یكون التقدیر إذا قمتم الی الصلاة غیر سكاری .. و القول الثانی یحتج من قاله بحدیث علقمة بن القعوی عن أبیه أنه قال كان النبی صلّی اللّه علیه و سلّم إذا بال لم یكلم أحدا حتی یتوضأ للصلاة حتی نزلت آیة الرخصة یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَی الصَّلاةِ و قرأ علیّ .. أحمد بن شعیب عن محمد بن بشار عن معاذ قال حدثنا سعید عن قتادة عن الحسن عن حصین بن المنذر ابی ساسان عن المهاجر بن قنفذ أنه سلّم علی النبی صلّی اللّه علیه و سلّم و هو یبول فلم یرد علیه حتی توضأ فلما توضأ رد علیه و هذا أیضا لا یتبین فیه نسخ لأنه مباح فعله و من قال الآیة منسوخة بفعل النبی صلّی اللّه علیه و سلّم فاحتج بما حدثناه .. عبد اللّه بن محمد بن جعفر قال حدثنا أحمد بن منصور قال حدثنا عبد الرزاق قال حدثنا سفیان عن علقمة بن منذر عن سلیمان بن بریدة عن أبیه أن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم كان یتوضأ لكل صلاة فلما كان یوم الفتح صلّی الصلوات بوضوء واحد و مسح علی خفیه فقال عمر بن الخطاب رضی اللّه عنه لقد فعلت شیئا ما كنت تفعله فقال عمدا فعلته و من منع نسخ القرآن بالسنة قال هذا تبیین و لیس بنسخ و من قال علی كل قائم إلی الصلاة أن یتوضأ لها احتج بظاهر الآیة و بما روی عن علی بن أبی طالب و من قال هی علی الندب احتج بفعل النبی صلّی اللّه علیه و سلّم و ان علی بن أبی طالب لم یقل هذا واجب فیتأول أنه یفعل هذا إرادة الفضل و الدلیل علی هذا أنه قد صح عن علی بن أبی طالب أنه توضأ وضوءا خفیفا ثم قال هذا وضوء من لم یحدث و كذا عن ابن عمر أیضا و یحتج بحدیث غطیف عن ابن عمر عن النبی صلّی اللّه علیه و سلّم أنه قال من توضأ علی طهارة كتب له عشر حسنات و أما من قال المعنی إذا قمتم من النوم فیحتج بأن فی القرآن الوضوء علی النائم .. و هذا قول أهل المدینة كما حدثنا ..
بكر بن سهل قال حدثنا عبد اللّه بن یوسف قال أنبأنا مالك عن زید بن أسلّم أن تفسیر هذه الآیة یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَی الصَّلاةِ الآیة ان ذلك إذا قام من المضجع یعنی النوم .. و القول السابع قول الشافعی قال لو و كلنا إلی الآیة لكان علی كل قائم الی الصلاة الطهارة فلما صلّی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم الصلوات بوضوء واحد بینها و معنی هذا علی هذا القول
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 116
یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَی الصَّلاةِ- و قد أحدثتم- فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَیْدِیَكُمْ إِلَی الْمَرافِقِ وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَی الْكَعْبَیْنِ «1» .. و قد زعم قوم أن هذا ناسخ للمسح علی الخفین و سنبین ما فی ذلك و أنه لیس بناسخ له إن شاء اللّه تعالی .. و قال قوم فی قراءة من قرأ و أرجلكم بالخفض أنه منسوخ بفعل النبی صلّی اللّه علیه و سلّم و قوله لأن الجماعة الذین تقوم بهم الحجة رووا أن النبی صلّی اللّه علیه و سلّم غسل قدمیه و فی ألفاظه صلّی اللّه علیه و سلّم إذا غسل قدمیه خرجت الخطایا من قدمیه و لم یقل أحد عنه صلّی اللّه علیه و سلّم أنه قال فاذا مسح قدمیه و صح عنه ویل للعراقیب من النار و ویل للأعقاب من النار و أنه أمر بتخلیل الأصابع فلو كان المسح جائزا ما كان لهذا معنی .. و قال قوم قد صح الغسل بنص كتاب اللّه تعالی فی القراءة بالنص و بفعل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم و قوله و من ادعی أن المسح جائز فقد تعلق بشذوذ .. و قال قوم الغسل و المسح جمیعا واجبان بكتاب اللّه تعالی لأن القراءة بالنصب و الخفض مستفیضة و قد قرأ بهما الجماعة .. فممن قال أن مسح الرجلین منسوخ الشعبی كما حدثنا .. أحمد بن محمد الأزدی قال أنبأنا إبراهیم بن مرزوق قال حدثنا یعقوب بن إسحاق قال حدثنا حماد بن سلمة عن عاصم عن الشعبی ..
قال نزل القرآن بالمسح و السنة بالغسل .. و من قال قد صح الغسل بالكتاب و السنة احتج بالقراءة بالنصب و بما صح عن النبی صلّی اللّه علیه و سلّم .. و من قال هما واجبان قال هما بمنزلة اثنین جاء صحة كل واحد منهما عن جماعة تقوم بهم الحجة كما حدثنا .. أحمد بن محمد الأزدی قال حدثنا إبراهیم قال حدثنا أبو داود قال حدثنا قیس عن عاصم عن زر عن عبد اللّه انه قرأ .. و أرجلكم بالنصب و حدثنا .. أحمد قال حدثنا محمد بن خزیمة قال حدثنا سعید بن منصور قال سمعت هشیما یقول أنبأنا خالد عن عكرمة عن ابن عباس انه قرأ .. و أرجلكم بالنصب و قال عاد الی الغسل .. [قال أبو جعفر] و هذه قراءة عروة بن الزبیر و نافع و الكسائی و قرأ أنس بن مالك و أرجلكم بالخفض و هی قراءة أبی جعفر و أبی عمرو بن العلاء و عاصم و الأعمش و حمزة علی أنه یقول تمسحت بمعنی تطهرت للصلاة فیكون علی هذا الخفض كالنصب و سمعت علی بن سلیمان یقول التقدیر و أرجلكم غسلا ثم حذف هذا لعلم السامع .. و ممن قال أن المسح علی الخفین منسوخ بسورة المائدة ابن عباس و قال ما مسح رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم علی الخفین بعد نزول المائدة .. و ممن رد المسح أیضا عائشة و أبو هریرة ..
[قال أبو جعفر] من نفی شیئا و أثبته غیره فلا حجة للنافی و هذا موجود فی الأحكام و المعقول و قد أثبت المسح علی الخفین من أصحاب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم جماعة كثیرة و منهم من قال بعد المائدة .. فممن أثبت المسح علی بن أبی طالب رضی اللّه عنه و سعد بن أبی وقاص و بلال
______________________________
(1) سورة: المائدة، الآیة: 6
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 117
و عمرو بن أمیة الضمری و صفوان بن غسان و حذیفة و بریدة و خزیمة بن ثابت و أبو بكرة و سهل بن سعد و أسامة بن زید و سلیمان و جریر البجلی و المغیرة بن شعبة و عن عمر بن الخطاب غیر مسند صحیح فمن ذلك ما حدثنا .. أحمد بن شعیب أبو عبد الرحمن قال أنبأنا إسحاق بن إبراهیم و هو ابن راهویه قال حدثنا عبد الرزاق قال أنبأنا سفیان الثوری عن عمرو بن قیس الملائی عن الحكم بن عیینة عن القاسم بن مخیمرة بن شریح عن هانئ عن علی بن أبی طالب رضی اللّه عنه .. قال جعل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم للمسافر ثلاثة أیام و لیالیهن و یوما و لیلة للمقیم یعنی فی المسح .. قال أبو عبد الرحمن و أنبأنا هناد بن السری عن أبی معاویة عن الأعمش عن الحكم بن عیینة عن القاسم بن مخیمرة عن شریح بن هانئ قال سألت عائشة عن المسح علی الخفین فقالت .. ائت علیا فانه أعلم منی بذلك فأتیت علیا فسألته عن المسح .. فقال أمرنا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم أن نجعل للمقیم یوما و لیلة و للمسافر ثلاثة أیام .. فقال أبو عبد الرحمن و أخبرناه قتیبة قال حدثنا حفص عن الأعمش عن إبراهیم عن همام أن جریر بن عبد اللّه البجلی .. توضأ و مسح علی خفیه فقیل له أتمسح قال رأیت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم یمسح و كان أصحاب عبد اللّه یعجبهم قول جریر لأن إسلامه كان قبل موت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم بیسیر .. [قال أبو جعفر] و كذلك قال أحمد بن حنبل أنا أستحسن حدیث جریر فی المسح علی الخفین لأن إسلامه كان بعد نزول المائدة .. و قد عارض قوم الذین یمنعون المسح علی الخفین بأن الواقدی روی عن عبد الحمید بن جعفر عن أبیه أن جریر البجلی أسلّم فی سنة عشر فی شهر رمضان و أن المائدة نزلت فی ذی الحجة یوم عرفات قال فإسلام جریر علی هذا قبل نزول المائدة .. [قال أبو جعفر] و الذی احتج بهذا جاهل بمعرفة الحدیث لأن هذا لا یقوم به حجة لوهائه و ضعف إسناده و أیضا فإن قوله نزلت المائدة یوم عرفات فی ذی الحجة جهل أیضا لأن الروایة انه نزل منها فی ذلك الیوم آیة واحدة و هی الْیَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِینَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَیْكُمْ نِعْمَتِی و لو صح ما قال أن المسح كان قبل نزول المائدة و هل كان الوضوء للصلاة واجبا قبل نزول المائدة فإن قال كان واجبا صح أن المسح علی الخف بدل من الغسل و إن كان غیر واجب قیل له فما معنی المسح و الغسل غیر واجب و كذلك المسح و هذا بین فی تثبیت المسح علی الخفین و هو قول الفقهاء الذین تقوم بهم الحجة .. و اختلفوا فی الآیة الرابعة .. فمنهم من قال هی منسوخة .. و منهم من قال هی محكمة.
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 118

باب ذكر الآیة الرابعة

قال اللّه عز و جل فَاعْفُ عَنْهُمْ وَ اصْفَحْ «1» .. من العلماء من قال إنما كان العفو و الصفح قبل الأمر بالقتال ثم نسخ ذلك بالأمر بالقتال كما حدثنا .. أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبد الرزاق قال أنبأنا معمر عن قتادة فی قوله تعالی وَ لا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلی خائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِیلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَ اصْفَحْ «1» قال نسختها قاتِلُوا الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ لا بِالْیَوْمِ الْآخِرِ «2» الآیة .. و قال غیره لیست بمنسوخة لأنها نزلت فی یهود غدروا برسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم غدرة فأرادوا قتله فأمره اللّه بالصفح عنهم .. [قال أبو جعفر] و هذا لا یمتنع أن یكون أمر بالصفح عنهم بعد أن لحقتهم الذلة و الصغار فصفح عنهم فی شی‌ء بعینه ..
و اختلفوا أیضا فی الآیة الخامسة .. فقال بعضهم هی ناسخة .. و قال بعضهم هی محكمة غیر ناسخة.

باب ذكر الآیة الخامسة

قال اللّه تعالی إِنَّما جَزاءُ الَّذِینَ یُحارِبُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ یَسْعَوْنَ فِی الْأَرْضِ فَساداً أَنْ یُقَتَّلُوا أَوْ یُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَیْدِیهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ یُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ «3» .. فقال قوم هذه ناسخة لما كان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم فعله فی أمر العرنیین من التمثیل بهم و سمل أعینهم و تركهم حتی ماتوا .. فممن قال هذا محمد بن سیرین قال لما فعل النبی صلّی اللّه علیه و سلّم ذلك وعظ و نسخ بهذا الحكم و استدل علی ذلك بأحادیث صحاح فمن ذلك ما حدثناه .. أحمد بن شعیب أبو عبد الرحمن قال أخبرنی عمرو بن عثمان بن سعید بن كثیر عن الولید عن الأوزاعی عن یحیی بن أبی قلابة عن أنس .. أن نفرا من عكل قدموا علی النبی صلّی اللّه علیه و سلّم فأسلموا فاجتووا المدینة فأمرهم النبی صلّی اللّه علیه و سلّم أن یخرجوا إلی إبل الصدقة فیشربوا من أبوالها و ألبانها ففعلوا فقتلوا راعیها و استاقوها فبعث النبی صلّی اللّه علیه و سلّم فی طلبهم قافة فأتی بهم فقطع أیدیهم و أرجلهم و لم یحسمهم و سمل أعینهم و تركهم حتی ماتوا فأنزل اللّه تعالی إِنَّما جَزاءُ الَّذِینَ یُحارِبُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ یَسْعَوْنَ فِی الْأَرْضِ فَساداً الآیة .. قال أبو عبد اللّه و أنبأنا الفضل بن
______________________________
(1) سورة: المائدة، الآیة: 13
(2) سورة: التوبة، الآیة: 29
(3) سورة: المائدة، الآیة: 33
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 119
سهل قال حدثنا یحیی بن غیلان ثقة مأمون قال حدثنا یزید بن زریع عن سلیمان التیمی عن أنس قال .. إنما سمل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم أعین أولئك لأنهم سملوا أعین الرعاء .. [قال أبو جعفر] و هذا أحسن حدیث روی فی هذا الباب و أغربه و أصحه و فیه حجة للشافعی فی القصاص فأما الحدیث الأول فیحتج به من جعل الآیة ناسخة و فیه من الغریب قوله و اجتووا المدینة قال أبو زید اجتویت البلاد إذا كرهتها و إن كانت موافقة لك فی بدنك و اشتویتها اذا لم تكن توافقك فی بدنك و إن كنت محبا لها و فیه و سمل أعینهم قال أبو عبید السمل أن تفقأ العین بحدیدة محماة أو بغیر ذلك یقال سملتها أسملها سملا و قد یكون السمل بالشوك كما .. قال أبو ذؤیب یرثی بنین له ماتوا:
فالعین بعدهم كأن حداقهاسملت بشوك فهی عور تدمع .. و بعض من یقول أنها محكمة غیر ناسخة یقول الحكمان قائمان جمیعا و یحتج بالحدیث أن السمل كان قصاصا و هو أحسن ما قیل فیه و قال أبو الزناد لما فعل ذلك رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم نهی و وعظ عن المثلة فلم یعد و قال غیره إنما فعل ذلك علی الاجتهاد كما فعل بالغنائم حتی نزلت لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ «1» الآیة و قال آخر لا یجوز أن یفعل النبی صلّی اللّه علیه و سلّم شیئا من هذا و ما أشبهه إلا بوحی منزل أو إلهام من اللّه تعالی له لقوله تعالی وَ ما یَنْطِقُ عَنِ الْهَوی «2» و لفرضه طاعته و قال السدی إنما أراد أن یفعل فنهی عن ذلك و أمر بالحدود ..
[قال أبو جعفر] و قد ذكرنا الحدیث بغیر ما قال و أما ما فی الآیة من قوله تعالی (أو) من اختلاف فی تخییر الإمام أن یفعل أی هذه شاء و من قول بعضهم بل ذلك علی الترتیب فنذكر به ما تكمل به الفائدة فی علم الآیة إن شاء اللّه .. و اختلف العلماء فیمن یلزمه اسم محاربة اللّه تعالی و رسوله صلّی اللّه علیه و سلّم علی خمسة أقوال .. فمنهم من قال المحارب للّه و رسوله هو المشرك المعاند دین اللّه تعالی فأما من كان مسلما و خرج متلصصا فلا یلزمه هذا الاسم و هذا القول مروی عن ابن عباس و هو یروی عن الحسن و عطاء .. و من العلماء من قال المحارب للّه و لرسوله المرتد و هذا قول عروة بن الزبیر كما قرئ علیّ .. عبد اللّه بن أحمد بن عبد السلام عن أبی الأزهر قال حدثنا روح بن عبادة عن ابن جریج قال أخبرنی هشام بن عروة عن أبیه قال .. إذا خرج المسلّم فشهر سلاحه ثم تلصص ثم جاء تائبا أقیم علیه الحد و لو ترك لبطلت العقوبات إلا أن یلحق بلاد الشرك ثم یأتی تائبا ثانیا فیقبل منه .. و قال قوم
______________________________
(1) سورة: الأنفال، الآیة: 68
(2) سورة: النجم، الآیة: 3
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 120
المحارب للّه و لرسوله من المسلمین من فسق و شهر سلاحه و خرج علی المسلمین فحاربهم .. و ردوا علی من قال لا یكون المحارب للّه و رسوله إلا مشركا بحدیث معاذ عن النبی صلّی اللّه علیه و سلّم من عادی ولیا من أولیاء اللّه فقد بارز اللّه بالمحاربة و حدثنا .. أحمد بن محمد الأزدی قال حدثنا الحسن بن الحكم قال حدثنا أبو غسان مالك بن اسماعیل عن السدی عن سنیح مولی أم سلمة عن زید بن أرقم أن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم قال لعلی بن أبی طالب و فاطمة و الحسن و الحسین رضی اللّه عنهم أنا سلّم لمن سالمتم و حرب لمن حاربتم أ فلا تری قول رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم لمن لیس بكافر و تسمیته إیاه محاربا و قد رد أبو ثور و غیره علی من قال ان الآیة فی المشرك إذا فعل هذه بأشیاء بینة قال قد أجمع العلماء علی أن المشرك إذا فعل هذه الأشیاء ثم أسلّم قبل أن یتوب منها أنه لا یقام علیه شی‌ء من حدودها لقوله تعالی قُلْ لِلَّذِینَ كَفَرُوا إِنْ یَنْتَهُوا یُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ «1» فهذا كلام بین حسن .. و قال غیره لو كانت الآیة فی المشرك لوجب فی أساری المشركین أن یقتلوا أو یصلبوا أو تقطع أیدیهم و أرجلهم من خلاف أو ینفوا من الأرض و هذا لا نقوله .. و قال بعض العلماء الآیة عامة فی المشركین و المسلمین فهذه أربعة أقوال .. و القول الخامس أن تكون الآیة علی ظاهرها إلا أن یدل دلیل خارج فیخرج بالدلیل فقد دل ما ذكرناه علی أن أهل الحرب من المشركین خارجون منها فهذا أحسن ما قیل فیها و هو قول أكثر الفقهاء .. ثم اختلفوا فیمن لزمه اسم المحاربة أ یكون الإمام مخیرا فیه أم تكون عقوبته علی قدر جنایته .. فقال قوم الإمام مخیر فیه علی أنه یجتهد و ینظر للمسلمین .. فممن قال هذا من الفقهاء مالك بن أنس و هو مروی عن ابن عباس و هو قول سعید بن المسیب و عمر بن عبد العزیز و مجاهد و الضحاك .. و ممن قال العقوبة علی قدر الجنایة و لیس إلی الإمام فی ذلك خیار علی و الحسن و عطاء و سعید بن جبیر و أبو مجلز و هو مروی أیضا عن ابن عباس الا أنه من روایة الحجاج بن أرطاة عن عطیة عن ابن عباس و عطیة و الحجاج لیسا بذاك عند أهل الحدیث و قال بهذا من الفقهاء الأوزاعی و الشافعی و هو قول أصحاب الرأی سفیان و أبی حنیفة و أبی یوسف غیر أنهم اختلفوا فی الترتیب فی أكثر الآیة فما علمت أنهم اتفقوا إلا فیمن خرج فقتل فإن أصحاب الترتیب أجمعوا علی قتله و سنذكر اختلافهم .. فأما أصحاب التخییر الذین قالوا ذلك إلی الإمام حجتهم ظاهر الآیة و ان أو فی العربیة كذا معناها اذا قلت خذ دینارا أو درهما و رأیت زیدا أو عمرا و احتجوا بقول اللّه تعالی
______________________________
(1) سورة: الأنفال، الآیة: 38
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 121
فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِینَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِیكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِیرُ رَقَبَةٍ «1» و كذا فَفِدْیَةٌ مِنْ صِیامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ «2» انه لا اختلاف أن هذا علی التخییر و كذا ما اختلفوا فیه مردود إلی ما أجمعوا علیه و إلی لغة الذین نزل القرآن بلغتهم فعارضهم من یقول بالترتیب بحدیث عثمان و ابن مسعود و عائشة عن النبی صلّی اللّه علیه و سلّم لا یحل دم امرئ مسلّم إلا باحدی ثلاث: كفر بعد إیمان أو زنی بعد إحصان أو قتل نفس بغیر نفس .. فعارضهم الآخرون بأشیاء منها أن المحارب مضموم إلی هذه الثلاثة كما ضممتم الیها أشیاء لیست كفرا و كما قال تعالی قُلْ لا أَجِدُ فِی ما أُوحِیَ إِلَیَّ مُحَرَّماً عَلی طاعِمٍ یَطْعَمُهُ «3» الآیة فضممتم إلیها تحریم كل ذی ناب من السباع و كل ذی مخلب من الطیر .. و احتج بعضهم بأن للمحاربة حكما آخر و استدل علی ذلك بأن الأمر للمحارب لیس إلی الولی و إنما هو إلی الإمام و احتج بأن عائشة رضی اللّه عنها قد روت عن النبی صلّی اللّه علیه و سلّم ذكر المحارب كما قرئ .. علی أحمد بن شعیب عن العباس بن محمد قال حدثنا أبو عامر عن إبراهیم بن طهمان عن عبد العزیز بن رفیع عن عبید بن عمیر عن عائشة أن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم قال لا یحل دم امرئ مسلّم إلا بإحدی ثلاث خصال: زان محصن یرجم و رجل قتل متعمدا فیقتل أو رجل خرج من الإسلام فیحارب فیقتل أو یصلب أو ینفی من الأرض ..
و احتجوا أیضا بأن أكثر التابعین علی أن الإمام مخیر و كذا ظاهر الآیة كما قرئ .. علی إبراهیم بن موسی الجوزی بمدینة السلام عن یعقوب الدورقی قال حدثنا وكیع عن سفیان عن عاصم الأحول عن الحسن و عن ابن جریج عن عطاء فی قوله تعالی إِنَّما جَزاءُ الَّذِینَ یُحارِبُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ یَسْعَوْنَ فِی الْأَرْضِ فَساداً الآیة فالإمام مخیر فیه و حدثنا ..
بكر بن سهل قال حدثنا عبد اللّه بن صالح قال أنبأنا معاویة بن صالح عن علی بن أبی طلحة عن ابن عباس قال و قوله إِنَّما جَزاءُ الَّذِینَ یُحارِبُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ یَسْعَوْنَ فِی الْأَرْضِ فَساداً أَنْ یُقَتَّلُوا أَوْ یُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَیْدِیهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ یُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ «4» قال من شهر السلاح فی فئة الإسلام و أفسد السبیل و ظهر علیه و قدر فإمام المسلمین مخیر فیه إن شاء قتله و إن شاء صلبه و إن شاء قطع یده و رجله قال أو ینفوا من الارض یهربوا یخرجوا من دار الإسلام الی دار الحرب فإن تابوا من قبل أن تقدروا علیهم فاعلموا أن اللّه غفور رحیم ثم
______________________________
(1) سورة: المائدة، الآیة: 89
(2) سورة: البقرة، الآیة: 196
(3) سورة: الأنعام، الآیة: 145
(4) سورة: المائدة، الآیة: 33
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 122
قال بهذا من التابعین سعید بن المسیب و مجاهد و الضحاك و هو قول إبراهیم النخعی و عمر بن عبد العزیز فأما الروایة الأخری عن ابن عباس فان ذلك علی قدر جنایاتهم فقد ذكرنا أنها من روایة الحجاج عن عطیة عن ابن عباس فی قوله تعالی إِنَّما جَزاءُ الَّذِینَ یُحارِبُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ الآیة قال إذا خرج و أظهر السلاح و قتل قتل و إن أخذ المال و لم یقتل قطعت یده و رجله و إن أخذ المال و قتل قتل ثم صلب و هذا قول قتادة و عطاء الخراسانی و زعم اسماعیل بن إسحاق أنه لم یصح إلا عنهما یعنی من المتقدمین لأن الروایة عن ابن عباس ضعیفة عنده و عند أهل الحدیث .. قال الأوزاعی إذا خرج و قتل قتل و إن أخذ المال و قتل صلب و قتل مصلوبا و إن أخذ المال و لم یقتل قطعت یده و رجله .. و قال اللیث بن سعد إذا أخذ المال و قتل صلب و قتل بالحربة مصلوبا .. و قال أبو یوسف إذا أخذ المال و قتل صلب و قتل علی الخشبة .. و قال أبو حنیفة إذا قتل قتل و إذا أخذ المال و لم یقتل قطعت یده و رجله من خلاف و إذا أخذ المال و قتل فالسلطان مخیر فیه إن شاء قطع یده و رجله و قتله و إن شاء لم یقطع یده و رجله و قتله و صلبه .. قال أبو یوسف القتل یأتی علی كل شی‌ء .. و قال الشافعی إذا أخذ المال قطعت یده الیمنی و حسمت ثم قطعت رجله الیسری و حسمت و خلی و اذا قتل قتل و صلب و روی عنه أیضا قال یصلب ثلاثة أیام قال و ان حصر و كبر و هیّب فكان ردأ للعدوّ عزر و حبس .. [قال أبو جعفر] اختلف الذین قالوا بالترتیب و اختلف عن بعضهم حتی وقع فی ذلك اضطراب كثیر فممن اختلف عنه ابن عباس كما ذكرناه و الحسن و روی عنه التخییر و الترتیب و أنه قال إذا خرج و قتل قتل و إن أخذ المال و لم یقتل قطعت یده و رجله و نفی و إن أخذ المال و قتل قتل .. و قال أحمد بن محمد بن حنبل إن قتل قتل و إن أخذ المال و لم یقتل قطعت یده و رجله .. و قال قوم لا ینبغی أن یصلب قبل القتل فیحال بینه و بین الصلاة و الأكل و الشرب .. و حكی عن الشافعی أكره أن یقتل مصلوبا لنهی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم عن المثلة .. و قال أبو ثور الإمام مخیر علی ظاهر الآیة و احتج غیره بأن الذین قالوا بالتخییر معهم ظاهر الآیة و إن الذین قالوا بالترتیب و إن اختلفوا فانك تجد فی أقوالهم إنهم مجمعون علیه فی حدین فیقولون یقتل و یصلب و یقول بعضهم یصلب و یقتل و یقول بعضهم تقطع یده و رجله و ینفی و لیس كذا الآیة و لیس كذا مقتضی معنی أو فی اللغة فأما المعنی أو ینفوا من الارض ففیه أقوال منها عن ابن عباس ما ذكرناه أنهم یهربون حتی یخرجوا من دار الإسلام إلی دار الشرك و هذا أیضا محكی معناه عن الشافعی أنهم یخرجون من بلد الی بلد و یحاربون و كذا قال الزهری و محمد بن مسلّم .. و قال سعید بن جبیر ینفوا من بلد الی بلد و كلما أقاموا فی بلد نفوا عنه .. و قال الشعبی ینفیه السلطان الذی أحدث فیه فی عمله عن
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 123
عمله .. و قال مالك بن أنس ینفی من البلد الذی أحدث فیه هذا إلی غیره و یحبس فیه و یحتج لمالك بأن الزانی كذا ینفی .. و قال الكوفیون لما قال اللّه جل ثناؤه أَوْ یُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ و قد علم أنه لا بد أن یستقروا فی الأرض لم یكن شی‌ء أولی بهم من الحبس لأنه إذا حبس فقد نفی من الأرض إلا من موضع استقراره .. و اختلف العلماء أیضا فی الآیة السادسة ..
فمنهم من قال أنها منسوخة .. و منهم من قال هی محكمة.

باب ذكر الآیة السادسة

قال اللّه تعالی فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَیْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ «1» .. من العلماء من قال الآیة محكمة و الإمام مخیر إذا تحاكم إلیه أهل الكتاب إن شاء حكم بینهم و إن شاء أعرض عنهم وردهم إلی أحكامهم و هذا قول الشعبی و إبراهیم النخعی كما قرأ علیّ .. أحمد بن محمد بن حجاج عن یحیی بن سلیمان قال حدثنا وكیع قال حدثنا سفیان عن المغیرة عن إبراهیم و عامر الشعبی فی قول اللّه تعالی فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَیْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ قال إن شاء حكم و إن لم یشأ لم یحكم و قال بهذا من الفقهاء عطاء بن أبی رباح و مالك بن أنس .. و من العلماء من قال إذا تحاكم أهل الكتاب إلی الإمام فعلیه أن یحكم بینهم بكتاب اللّه تعالی و بسنة نبیه صلّی اللّه علیه و سلّم و لا یحل أن یردهم إلی أحكامهم و قائلو هذا القول یقولون الآیة منسوخة لأنها إنما نزلت أول ما قدم النبی صلّی اللّه علیه و سلّم المدینة و الیهود فیها كثیر فكان الأدعی لهم و الأصلح أن یردوا إلی أحكامهم فلما قوی الإسلام أنزل اللّه وَ أَنِ احْكُمْ بَیْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ «2» فممن قال بهذا القول من الصحابة ابن عباس و جماعة من التابعین و الفقهاء ..
[قال أبو جعفر] كما حدثنا .. علی بن الحسین قال حدثنا الحسن بن محمد قال حدثنا سعید بن سلیمان قال حدثنا عباد عن سفیان عن الحكم عن مجاهد عن ابن عباس قال ..
نسخت من هذه السورة یعنی المائدة آیتان آیة القلائد و قوله فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَیْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ فكان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم مخیرا إن شاء حكم و إن شاء أعرض عنهم فردهم إلی أحكامهم فنزلت وَ أَنِ احْكُمْ بَیْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فأمر النبی صلّی اللّه علیه و سلّم أن یحكم بینهم بما فی كتابنا و هذا إسناد مستقیم و أهل الحدیث یدخلونه فی المسند و هو مع هذا قول جماعة من العلماء كما قرأ علیّ .. عبد اللّه بن الصقر عن زیاد بن أیوب قال حدثنا هشیم قال حدثنا أصحابنا منصور و غیره عن الحكم عن مجاهد فی قوله تعالی
______________________________
(1) سورة: المائدة، الآیة: 42
(2) سورة: المائدة، الآیة: 49
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 124
وَ أَنِ احْكُمْ بَیْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ «1»، قال نسخت هذه الآیة التی قبلها فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَیْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ «2» فهذا أیضا إسناد صحیح .. و القول بأنها منسوخة قول عكرمة و الزهری و عمر بن عبد العزیز و السدی و هو الصحیح من قول الشافعی قال فی كتاب الجزیة و لا خیار له إذا تحاكموا إلیه لقوله تعالی حَتَّی یُعْطُوا الْجِزْیَةَ عَنْ یَدٍ وَ هُمْ صاغِرُونَ «1» و هذا من أصلح الاحتجاجات لأنه إذا كان معنی و هم صاغرون أن تجری علیهم أحكام المسلمین وجب أن لا یردوا إلی أحكامهم فإذا وجب هذا فالآیة منسوخة .. و هو أیضا قول الكوفیین أبی حنیفة و زفر و أبی یوسف و محمد لا اختلاف بینهم إذا تحاكم أهل الكتاب إلی الإمام انه لیس له أن یعرض عنهم غیر أن أبا حنیفة .. قال إذا جاءت المرأة و الزوج فعلیه أن یحكم بینهما بالعدل فإن جاءت المرأة وحدها و لم یرض الزوج لم یحكم .. و قال الباقون بل یحكم فثبت أن قول أكثر العلماء أن الآیة منسوخة مع ما صح فیها من توقیف ابن عباس و لو لم یأت الحدیث عن ابن عباس لكان النظر یوجب أنها منسوخة لأنهم قد أجمعوا جمیعا أن أهل الكتاب إذا تحاكموا إلی الإمام فله أن ینظر بینهم و أنه إذا نظر بینهم مصیب .. ثم اختلفوا فی الإعراض عنهم علی ما ذكرنا فالواجب ان ینظر بینهم لأنه مصیب عند الجماعة و أن لا یعرض عنهم فیكون عند بعض العلماء تاركا فرضا فاعلا ما لا یحل له و لا یسعه و لمن قال بأنها منسوخة من الكوفیین قول آخر منهم من یقول علی الإمام إذا علم من أهل الكتاب حدا من حدود اللّه أن یقیمه و إن لم یتحاكموا إلیه و یحتج بأن قول اللّه تعالی وَ أَنِ احْكُمْ بَیْنَهُمْ یحتمل أمرین أحدهما اذا تحاكموا الیك و الآخر وَ أَنِ احْكُمْ بَیْنَهُمْ و ان لم یتحاكموا الیك اذا علمت ذلك منهم .. قالوا فوجدنا فی كتاب اللّه و سنة رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم ما یوجب إقامة الحق علیهم و ان لم یتحاكموا الینا .. فأما ما فی كتاب اللّه فقوله یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِینَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ «1» .. و أما ما فی السنة فحدیث البراء .. [قال أبو جعفر] حدثنا .. علی بن الحسین قال حدثنا الحسن بن محمد قال حدثنا أبو معاویة قال حدثنا الأعمش عن عبد اللّه بن مرة عن البراء .. قال مرّ علی النبی صلّی اللّه علیه و سلّم بیهودی قد جلد و حمم .. فقال أ هكذا حد الزانی فیكم قال لو لا أنك سألتنی بهذا ما أخبرتك كان الحد عندنا الرجم فكان الشریف إذا زنا تركناه و كان الوضیع إذا زنی رجمناه فقلنا تعالوا نجتمع علی شی‌ء یكون للشریف و الوضیع فاجتمعنا علی الجلد و التحمیم فأنزل اللّه عز و جل یا أَیُّهَا الرَّسُولُ لا یَحْزُنْكَ الَّذِینَ یُسارِعُونَ فِی الْكُفْرِ «2» الی یَقُولُونَ إِنْ أُوتِیتُمْ هذا فَخُذُوهُ «3» أی ائتوا محمدا فإن
______________________________
(1) سورة: التوبة، الآیة: 29
(2) سورة: المائدة، الآیة: 8
(3) سورة: المائدة، الآیة: 41
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 125
أفتاكم بالجلد و التحمیم فاقبلوه و ان لم تؤتوه فاحذروا أی إن أفتاكم بالرجم فلا تقبلوا الی وَ مَنْ لَمْ یَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ «1» .. و قال فی الیهود وَ مَنْ لَمْ یَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ «2» قال و قال فی الیهود وَ مَنْ لَمْ یَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ «3» قال فی الكفار خاصة فأمر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم بالیهودی فرجم .. و قال أنا أول من أحیی أمرك فاحتجوا بأن النبی صلّی اللّه علیه و سلّم حكم بینهم و لم یتحاكموا إلیه فی هذا الحدیث فان قال قائل ففی حدیث مالك أیضا أن اللذین زنیا رضیا بالحكم و قد رجمهما النبی صلّی اللّه علیه و سلّم ..
فأما ما فی الحدیث من أن معنی وَ مَنْ لَمْ یَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ انه فی الیهود ففی ذلك اختلاف قد ذكرناه و هذا أولی ما قیل فیه لأنه عن صحابی مشاهد للتنزیل یخبر أن بذلك السبب نزلت هذه الآیة علی أن غیر الحسن بن محمد یقول فیه عن النبی صلّی اللّه علیه و سلّم فی قوله وَ مَنْ لَمْ یَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ قال الیهود غیر أن حكم غیرهم كحكمهم فكل من حكم بغیر ما أنزل اللّه جاحدا له كما جحدت الیهود فهو كافر ظالم فاسق .. و اختلفوا فی الآیة السابعة .. فمنهم من قال هی منسوخة .. و منهم من قال هی محكمة و هی من أشكل ما فی الناسخ و المنسوخ.

باب ذكر الآیة السابعة

قال اللّه تعالی یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا شَهادَةُ بَیْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِینَ الْوَصِیَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَیْرِكُمْ «4» الآیة .. للصحابة و التابعین و الفقهاء فی هذه الآیة خمسة أقوال .. منها أن شهادة أهل الكتاب علی المسلمین جائزة فی السفر إذا كانت وصیة .. و قال قوم كان هذا كذا ثم نسخ و لا تجوز شهادة كافر بحال .. و قال قوم الآیة كلها للمسلمین إذا شهدوا فهذه ثلاثة أقوال .. و القول الرابع أن هذا لیس فی الشهادة التی تؤدی و أما الشهادة هاهنا بمعنی الحضور .. و القول الخامس أن الشهادة هاهنا بمعنی الیمین ..
______________________________
(1) سورة: المائدة، الآیة: 44
(2) سورة: المائدة، الآیة: 47
(3) سورة: المائدة، الآیة: 45
(4) سورة: المائدة، الآیة: 106
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 126
فالقول الأول عن رجلین من الصحابة عبد اللّه بن قیس و عبد اللّه بن عباس كما حدثنا ..
بكر بن سهل قال حدثنا عبد اللّه بن صالح قال حدثنا معاویة بن صالح عن علی بن أبی طلحة عن ابن عباس قال .. و قوله تعالی یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا شَهادَةُ بَیْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِینَ الْوَصِیَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ فهذا لمن مات و عنده المسلمون فأمره جل ثناؤه أن یشهد علی وصیته عدلین من المسلمین .. ثم قال تعالی أَوْ آخَرانِ مِنْ غَیْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِی الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِیبَةُ الْمَوْتِ «1» فهذا لمن مات و لیس عنده أحد من المسلمین فأمره اللّه بشهادة رجلین من غیر المسلمین فإن ارتیب بشهادتهما استحلفا بعد الصلاة باللّه عز و جل لم یشتریا بشهادتهما ثمنا قلیلا فإن اطلع الأولیاء علی أن الكافرین كذبا حلفا باللّه أن شهادة الكافرین باطلة و إنما لم یعتد بذلك لقوله تعالی فَإِنْ عُثِرَ عَلی أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً فَآخَرانِ یَقُومانِ مَقامَهُما مِنَ الَّذِینَ اسْتَحَقَّ عَلَیْهِمُ الْأَوْلَیانِ «2» یقول ان اطلع علی أنهما كذبا قام الأولیان فحلفا أنهما كذبا بقول اللّه تعالی ذلِكَ أَدْنی أَنْ یَأْتُوا بِالشَّهادَةِ عَلی وَجْهِها أَوْ یَخافُوا أَنْ تُرَدَّ أَیْمانٌ بَعْدَ أَیْمانِهِمْ «3» فتزیل شهادة الكافرین و یحكم بشهادة الأولیاء فلیس علی شهود المسلمین إقسام انما الإقسام إذا كانا كافرین فهذا قول ابن عباس مشروحا مبینا لا یحتاج إلی زیادة شرح .. و قال به من التابعین جماعة منهم شریح قال تجوز شهادة أهل الكتاب علی المسلمین فی السفر إذا كانت وصیة و هو قول سعید بن المسیب و سعید بن جبیر و عبیدة و محمد بن سیرین و الشعبی و یحیی بن یعمر و السدی و قال به من الفقهاء سفیان الثوری و مال إلیه أبو عبید لكثرة من قال به .. و القول الثانی أن الآیة منسوخة و أنه لا تجوز شهادة كافر بحال كما لا تجوز شهادة فاسق قول زید بن أسلّم و مالك بن أنس و الشافعی و قول أبی حنیفة أیضا أنها منسوخة و لا تجوز عنده شهادة الكفار علی المسلمین غیر أنه خالف من تقدم ذكره بأنه أجاز شهادة الكفار بعضهم علی بعض .. و القول الثالث أن الآیة كلها فی المسلمین لا منسوخ فیها قول الزهری و الحسن كما قرأ علیّ .. عبد اللّه بن الصقر عن زیاد بن أیوب عن هشیم قال أنبأنا منصور و غیره عن الحسن فی قول اللّه تعالی أَوْ آخَرانِ مِنْ غَیْرِكُمْ .. قال من غیر عشیرتكم .. و القول الرابع أن الشهادة هاهنا بمعنی الحضور یحتج قائله بما یعارض به تلك الأقوال مما سنذكره .. و كذا القول الخامس ان الشهادة بمعنی الیمین كما قال اللّه تعالی فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللَّهِ «4» .. فأما
______________________________
(1) سورة: المائدة، الآیة: 106
(2) سورة: المائدة، الآیة: 107
(3) سورة: المائدة، الآیة: 108
(4) سورة: النور، الآیة: 6
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 127
المعارضة فی القول الأول فنص كتاب اللّه قال اللّه تعالی مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ «1» ..
و قال تعالی وَ أَشْهِدُوا ذَوَیْ عَدْلٍ مِنْكُمْ «2» و لا نرضی الكفار و لا یكونون ذوی عدل و یعارض بالإجماع لأنه قد أجمع المسلمون ان شهادة الفاسق لا تجوز و الكفار فساق و أجمعوا أیضا أن شهادة الكفار لا تجوز علی المسلمین فی غیر هذا الموضع الذی قد اختلف فیه فیرد ما اختلف فیه إلی ما أجمع علیه و هذه احتجاجات بینة .. و احتج من خالفنا بكثرة من قال ذلك القول و أنه قد قال صحابیان و لیس ذلك فی غیره و مخالفة الصحابة إلی غیرهم ینفر منها أهل العلم فیجعل هذا علی الضرورة كما تقصر الصلاة فی السفر و كما یكون التیمم فیه و الإفطار فی شهر رمضان قیل له هذه الضرورات إنما تكون فی الحال و لیس كذا الشهادة و عورض من قال بنسخ الآیة أنه لم یأت هذا عن أحد ممن شهد التنزیل و أیضا فان فی القولین جمیعا شیئا من العربیة غامضا و ذلك أن معنی آخر فی العربیة آخر من جنس الأول یقول مررت بكریم و كریم آخر فقولك آخر یدل علی أنه من جنس الأول و لا یجوز عند أهل العربیة مررت بكریم و خسیس آخر و لا مررت برجل و حمار آخر فوجب من هذا أن یكون بمعنی اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غیركم من عشیرتكم من المسلمین علی انه قد عورض لأن فی أول الآیة یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا شَهادَةُ بَیْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فخوطب الجماعة من المؤمنین فیقال لمن عارض لهذا هذا موجود فی اللغة كثیر یستغنی عن الاحتجاج .. و القول الرابع ان الشهادة بمعنی الحضور معروف فی اللغة و قد احتج قائله بأن الشاهد لا یكون علیه یمین فی شی‌ء من الاحكام غیر هذا المختلف فیه فیرد الاختلاف فیه الی ما أجمع علیه لأنه یقال شهدت وصیة فلان أی حضرت .. و القول الخامس ان الشهادة بمعنی الیمین معروف یكون التقدیر فیها شهادة أحدكم أی یمین أحدكم أن یحلف اثنان و حقیقته فی العربیة یمین اثنین مثل وَ سْئَلِ الْقَرْیَةَ «3» قرأ علیّ .. علی بن سعید بن بشیر الرازی عن صالح بن عبد اللّه الرمدی قال حدثنا یحیی بن أبی زائدة عن محمد بن أبی القاسم عن عبد الملك بن سعید بن جبیر عن أبیه عن ابن عباس قال .. كان تمیم الداری و عدی بن بداء یختلفان الی مكة للتجارة فخرج معهم رجل من بنی سهم فتوفی بأرض لیس فیها مسلّم فأوصی الیهما فدفعا تركته الی أهله و حبسا خاما من فضة مخوصا بالذهب فقده
______________________________
(1) سورة: البقرة، الآیة: 282
(2) سورة: الطلاق، الآیة: 2
(3) سورة: یوسف، الآیة: 82
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 128
أولیاء السهمی من تركته فأتوا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم فاستحلفهما رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم ما كتمنا و لا اطلعنا ثم عرف الخام بمكة فقالوا اشتریناه من تمیم و عدی فقام رجلان من أولیاء السهمی فحلفا باللّه تعالی ان هذا الخام للسهمی و لَشَهادَتُنا أَحَقُّ مِنْ شَهادَتِهِما وَ مَا اعْتَدَیْنا إِنَّا إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِینَ «1» فأخذ الخام و فیهم نزلت هذه الآیة قرأ علیّ .. علی بن سعید بن بشیر عن أبی مسلّم الحسن بن أحمد بن أبی شعیب الحرانی قال حدثنا محمد بن سلمة قال حدثنا محمد بن اسحاق عن أبی النضر عن زاذان مولی أم هانئ بنت أبی طالب عن ابن عباس عن تمیم الداری فی قوله تعالی یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا شَهادَةُ بَیْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تری الناس فیها غیری و غیر عدی بن بداء و كانا نصرانیین یختلفان الی الشام قبل الاسلام فأتیا الشام لتجارتهما و قدم علیهما مولی لبنی سهم یقال له بریر بن أبی مریم للتجارة و معه خام من فضة یرید به الملك و هو أعظم تجارته فمرض فأوصی الیهما و أمرهما أن یبلغا ما ترك أهله .. قال تمیم فلما مات أخذنا ذلك الخام فبعناه بألف درهم ثم اقتسمناه أنا و عدی بن بداء فلما قدمنا الی أهله دفعنا الیهم ما كان معنا و فقدوا الخام فسألوا عنه فقلنا ما ترك غیر هذا و ما دفع الینا غیره قال فلما أسلمت بعد قدوم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم المدینة تأثمت من ذلك فأتیت أهله فأخبرتهم الخبر و أدیت لهم خمسمائة درهم و أخبرتهم أن عند صاحبی مثلها فوثبوا الیه فأتوا به النبی صلّی اللّه علیه و سلّم فسألهم البینة فلم یجدوا و أمرهم أن یستحلفوه بما یعظم به علی أهل دینه فحلف فأنزل اللّه تعالی یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا شَهادَةُ بَیْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِینَ الْوَصِیَّةِ اثْنانِ قرأ إلی قوله تُرَدَّ أَیْمانٌ بَعْدَ أَیْمانِهِمْ «2» فقام عمرو بن العاص و رجل آخر منهم فحلفا فنزعت الخمسمائة الدرهم من عدی بن بداء .. [قال أبو جعفر] فهذا ما فی الآیة و ما بعدها من القصة من الآثار و اختلاف العلماء و النظر ثم نبینهما علی ما هو أصح من ذلك الذی ذكرناه و الأبین فی هذا أن یكون شَهادَةُ بَیْنِكُمْ قسم بینكم إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِینَ الْوَصِیَّةِ اثْنانِ أن یقسم اثنان ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَیْرِكُمْ «3» ..
و للعلماء فی أو هنا قولان .. فمنهم من قال أو هاهنا للتعقیب و أنه اذا وجد اثنین ذوی عدل منكم من المسلمین لم یجز له أن یشهد كافرین .. و هذا القول یروی عن سعید بن المسیب و سعید بن جبیر و الشعبی و إبراهیم و قتادة .. و منهم من قال أو هاهنا للتخییر لأنها انما هی وصیة و قد یكون الموصی یری أن یسند وصیته الی كافرین أو أجنبیین .. و هذا القول ان أو
______________________________
(1) سورة: المائدة، الآیة: 107
(2) سورة: المائدة، الآیة: 108
(3) سورة: المائدة، الآیة: 106
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 129
للتخییر هو القول البین الظاهر ان أنتم ضربتم فی الأرض قال ابن زید أی سافرتم و كذا هو فی اللغة و فی الكلام حذف مستدل علیه أی إن أنتم سافرتم فأصابتكم مصیبة الموت و قد أسندتم وصیتكم الی اثنین ذوی عدل منكم أو آخرین من غیركم فان ارتبتم تحبسونهما من بعد الصلاة .. و اختلف العلماء فی هذه الصلاة فقال أكثرهم هی العصر .. فممن قال هذا عبد اللّه بن قیس الأشعری و استعمله و قضی به و هو قول سعید بن المسیب و سعید بن جبیر و إبراهیم و قتادة .. و منهم من قال هی صلاة من صلاتهم فی دینهم .. و هذا قول السدی و هو یروی عن ابن عباس .. و القول الأول أولی لقوله تعالی مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ «1» فجاءت معرفة بالألف و اللام و اذا كان بعد الصلاة من صلواتهم كانت نكرة .. و قد صح عن النبی صلّی اللّه علیه و سلّم أنه لاعن بین العجلانیین بعد العصر فخصها بهذا و یقال ان أهل الكتاب أیضا یعظمون ذلك الوقت فیقسمان باللّه و هما الوصیان لا نشتری به ثمنا أی لا نشتری بقسمنا شیئا نأخذه مما أوصی به و لا ندفعه فی أحد و لو كان ذا قربی وَ لا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللَّهِ عندنا إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِینَ «2» أی ان فعلنا ذلك فان عثر علی أنهما استحقا إثما أصله من عثرت بالشی‌ء أی وقعت علیه أی فان وقع علی أنهما استوجبا إثما بكذبهما فی أیمانهما و أخذهما ما لیس لهما فآخران یقومان مقامهما أی فی الأیمان من الذین استحق علیهم الأولیان تقدیر هذا فی العربیة مختلف فیه عند جماعة من العلماء .. فمنهم من قال التقدیر من الذین استحق منهم الأولیان و علیهم بمعنی منهم مثل اذا اكتالوا علی الناس یستوفون .. و منهم من قال علیهم بمعنی فیهم أی من الذین استحق فیهم إثم الأولیان ثم حذفا اثم مثل وَ سْئَلِ الْقَرْیَةَ «2» و هو قول محمد بن جریر و قال إبراهیم بن السری التقدیر من الذین استحق علیهم الانصباء و الأولیان بدل من قوله تعالی فآخران .. [قال أبو جعفر] و هذا من أحسن ما قیل فیه لأنه لا یجعل حرفا بدلا من حرف و أیضا فان التفسیر علیه لأن المعنی عند أهل التفسیر من الذین استحقت علیهم الوصیة و الأولیان قراءة علی بن أبی طالب كرم اللّه وجهه فی كثیر من القراء و قراءة یحیی بن وثاب و الأعمش و حمزة الأولیین و فیها من البعد ما لا خفاء به و الأولیین بدل من الذین فیقسمان باللّه لَشَهادَتُنا أَحَقُّ مِنْ شَهادَتِهِما «3» أی لقسمنا فصح أن معنی الشهادة هاهنا القسم و ما اعتدینا أی و ما تجاوزنا الحق فی قسمنا إنا اذا لمن الظالمین أی ان كنا حلفنا علی باطل و أخذنا ما لیس لنا .. و صح من هذا كله أن الآیة غیر
______________________________
(1) سورة: المائدة، الآیة: 106
(2) سورة: یوسف، الآیة: 82
(3) سورة: المائدة، الآیة: 107
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 130
منسوخة و دل الحدیث علی ذلك لأنه اذا أوصی رجل الی آخر فاتهم الورثة الموصی الیه حلف الموصی الیه و ترك فان اطلع علی أن الموصی الیه خان و ذلك أن یشهد شاهد أو یؤخذ بشی‌ء یعلم أنه للمیت فیقول الموصی الیه قد اشتریته منه فیحلف الوارث و یستحقه فقد بین الحدیث ان المعنی علی هذا و ان كان العلماء قد تكلموا فی استحلاف الشاهدین هاهنا لم وجب .. فمنهم من قال لانهما ادعیا وصیة من المیت و هو قول یحیی بن یعمر و هذا لا یعرف فی حكم الاسلام أن یدعی رجل وصیة فیحلف و یأخذها .. و منهم من قال انما یحلفان اذا شهدا ان المیت أوصی بما لا یجوز أو بماله كله أو لبعض الورثة و هذا أیضا لا یعرف فی حكم الاسلام أن یحلف الشاهد اذا شهد أن الموصی أوصی بما لا یجوز .. و منهم من قال انما یحلفان اذا اتهما ثم ینقل الیمین عنهما اذا اطلع علی الخیانة كما ذكرنا ثم قال تعالی ذلِكَ أَدْنی أَنْ یَأْتُوا بِالشَّهادَةِ «1» أی أقرب أن یأتوا بالشهادة عَلی وَجْهِها «1» و هو الموصی الیهما أَوْ یَخافُوا أَنْ تُرَدَّ أَیْمانٌ بَعْدَ أَیْمانِهِمْ و هی أیمان الأولیین بالیمین لما ظهرت خیانة الموصی الیهما و قیل هما الأولیان بالمیت وَ اتَّقُوا اللَّهَ وَ اسْمَعُوا «1» أی اسمعوا ما یقال لكم قابلین و متبعین أمر اللّه فیه وَ اللَّهُ لا یَهْدِی الْقَوْمَ الْفاسِقِینَ «1» أی الخارجین عن الطاعة للّه تعالی .. و قال ابن زید كل فاسق مذكور فی القرآن معناه كاذب.
______________________________
(1) سورة: المائدة، الآیة: 107
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 131
بسم اللّه الرحمن الرحیم‌

سورة الأنعام‌

[باب ذكر الآیة الاولی]

[قال أبو جعفر] حدثنی ابن المزارع .. قال حدثنا أبو حاتم سهل بن محمد السجستانی قال حدثنا أبو عبیدة معمر بن المثنی التیمیّ قال حدثنا یونس بن حبیب قال سمعت أبا عمرو بن العلاء یقول سألت مجاهدا عن تلخیص آی القرآن المدنی من المكی فقال سألت ابن عباس عن ذلك فقال سورة الأنعام نزلت بمكة جملة واحدة فهی مكیة الا ثلاث آیات منها نزلت بالمدینة فهنّ مدنیات قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَیْكُمْ «1» الی تمام الآیات الثلاث .. [قال أبو جعفر] و اذا كانت سورة الأنعام مكیة لم یصح قول من قال معنی وَ آتُوا حَقَّهُ یَوْمَ حَصادِهِ «2» الزكاة المفروضة لأن الزكاة انما فرضت بالمدینة و هذا یشرح فی موضعه و اذا كانت السورة مكیة فلا یكاد یكمل فیها آیة ناسخة و ما تقدم من السور فهنّ مدنیات أعنی سورة البقرة و آل عمران و النساء و المائدة حدثنی یموت «3» بذلك الاسناد بعینه و فی سورة الانعام قد ذكرت فی الناسخ و المنسوخ و الآیة الاولی منها قوله قُلْ لَسْتُ عَلَیْكُمْ بِوَكِیلٍ «4» أنبأنا .. أبو جعفر قال حدثنا أبو الحسن علیل بن أحمد قال حدثنا محمد بن هشام بن أبی حیوة قال حدثنا عاصم بن سلیمان عن جویبر عن الضحاك عن ابن عباس فی قوله تعالی لَسْتُ عَلَیْكُمْ بِوَكِیلٍ «4» .. قال نسخ هذا آیة السیف فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِینَ حَیْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ «5» .. [قال أبو جعفر] هذا خبر لا یجوز أن ینسخ و معنی وكیل حفیظ و رقیب و النبی صلّی اللّه علیه و سلّم لیس علیهم حفیظ انما علیه أن ینذرهم و عقابهم علی اللّه تعالی ..
و الآیة الثانیة نظیرها.

باب ذكر الآیة الثانیة

قال اللّه تعالی وَ ما عَلَی الَّذِینَ یَتَّقُونَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَیْ‌ءٍ «6» أنبأنا .. أبو جعفر
______________________________
(1) سورة: الأنعام، الآیة: 151.
(2) سورة: الأنعام، الآیة: 141
(3) قوله یموت هو ابن المزارع
(4) سورة: الأنعام، الآیة: 66
(5) سورة: التوبة، الآیة: 5
(6) سورة: الأنعام، الآیة: 69
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 132
قال حدثنا أبو الحسن علیل بن أحمد قال حدثنا محمد بن هشام قال حدثنا عاصم بن سلیمان عن جویبر عن الضحاك عن ابن عباس فی قوله تعالی وَ ما عَلَی الَّذِینَ یَتَّقُونَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَیْ‌ءٍ وَ لكِنْ ذِكْری لَعَلَّهُمْ یَتَّقُونَ «1» .. قال هذه مكیة نسخت بالمدینة بقوله وَ قَدْ نَزَّلَ عَلَیْكُمْ فِی الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آیاتِ اللَّهِ یُكْفَرُ بِها وَ یُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّی یَخُوضُوا فِی حَدِیثٍ غَیْرِهِ «2» فنسخ هذا ما قبله و أمر المؤمنین أن لا یقعدوا مع من یكفر بالقرآن و یستهزئ به .. [قال أبو جعفر] وَ ما عَلَی الَّذِینَ یَتَّقُونَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَیْ‌ءٍ خبر و محال نسخه و المعنی فیه بین لیس علی من اتقی اللّه اذا نهی انسان عن منكر من حسابه شیئا اللّه مطالبه و معاقبه و علیه أن ینهاه و لا یقعد معه راضیا بقوله و فعله و الا كان مثله و هذان الحدیثان و ان كانا عن ابن عباس فانهما من حدیث جویبر .. الآیة الثالثة قریب منها.

باب ذكر الآیة الثالثة

قال اللّه تعالی وَ ذَرِ الَّذِینَ اتَّخَذُوا دِینَهُمْ لَعِباً وَ لَهْواً «3» حدثنا .. أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبد الرزاق قال أنبأنا معمر عن قتادة وَ ذَرِ الَّذِینَ اتَّخَذُوا دِینَهُمْ لَعِباً وَ لَهْواً .. قال نسختها فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِینَ حَیْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ «4» .. [قال أبو جعفر] هذا لیس بخبر و هو یحتمل النسخ غیر أن البین فیه انه لیس بمنسوخ و أنه علی معنی التهدید لمن فعل هذا أی ذره فان اللّه مطالبه و معاقبه .. و مثله ثُمَّ ذَرْهُمْ فِی خَوْضِهِمْ یَلْعَبُونَ «5» .. و الصحیح فی الآیة الرابعة انها منسوخة.

باب ذكر الآیة الرابعة

قال اللّه تعالی وَ هُوَ الَّذِی أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ وَ غَیْرَ مَعْرُوشاتٍ وَ النَّخْلَ وَ الزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَ الزَّیْتُونَ وَ الرُّمَّانَ مُتَشابِهاً وَ غَیْرَ مُتَشابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَ آتُوا حَقَّهُ یَوْمَ حَصادِهِ وَ لا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا یُحِبُّ الْمُسْرِفِینَ «6» .. للصحابة و التابعین و الفقهاء فی هذه الآیة
______________________________
(1) سورة: الأنعام، الآیة: 69
(2) سورة: النساء، الآیة: 140
(3) سورة: الأنعام، الآیة: 70
(4) سورة: التوبة، الآیة: 5
(5) سورة: الأنعام، الآیة: 91
(6) سورة: الأنعام، الآیة: 141
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 133
خمسة أقوال .. منهم من قال هی منسوخة بالزكاة المفروضة .. و منهم من قال هی منسوخة بالسنة العشر و نصف العشر .. و منهم من قال یعنی بهذا الزكاة المفروضة .. و منهم من قال هی محكمة واجبة یراد بها غیر الزكاة .. و منهم من قال هی علی الندب .. فممن قال إنها منسوخة بالزكاة المفروضة سعید بن جبیر كما حدثنا .. جعفر بن مجاشع قال حدثنا إبراهیم بن إسحاق قال أنبأنا الولید بن صالح قال أنبأنا شریك عن سالم عن سعید بن جبیر فی قول اللّه تعالی وَ آتُوا حَقَّهُ یَوْمَ حَصادِهِ قال .. كان هذا قبل أن تنزل الزكاة كان الرجل یبدأ بعلف الدابة و بالشی‌ء و هذا قول أبی جعفر محمد بن علی و عكرمة .. و قال الضحاك نسخت الزكاة كل صدقة فی القرآن .. و ممن قال نسخت الآیة بقول النبی صلّی اللّه علیه و سلّم بالعشر و نصف العشر ابن عباس فیما روی عنه كما حدثنا .. أحمد بن محمد الازدی قال حدثنا فهد قال حدثنا محمد بن سعید قال حدثنا الحجاج عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس فی قوله وَ آتُوا حَقَّهُ یَوْمَ حَصادِهِ قال .. نسختها العشر و نصف العشر و قرئ علی .. عبد اللّه بن أحمد بن عبد السلام عن أبی الازهر قال حدثنا روح قال أنبأنا الثوری عن مغیرة عن سماك عن إبراهیم وَ آتُوا حَقَّهُ یَوْمَ حَصادِهِ قال نسختها العشر و نصف العشر .. و هذا قول محمد بن الحنفیة و السدی .. و ممن قال انها الزكاة المفروضة أنس بن مالك كما حدثنا ..
جعفر بن مجاشع قال حدثنا إبراهیم بن اسحاق قال حدثنا أبو حفص قال حدثنا عبد الصمد قال حدثنا یزید بن درهم عن أنس بن مالك وَ آتُوا حَقَّهُ یَوْمَ حَصادِهِ قال نسخها العشر و نصف العشر .. و هذا عبد اللّه بن أحمد بن عبد السلام عن أبی الازهر قال حدثنا روح بن عبادة قال أنبأنا شعبة عن أبی رجاء قال سألت الحسن عن قول اللّه عز و جل وَ آتُوا حَقَّهُ یَوْمَ حَصادِهِ قال الزكاة المفروضة .. [قال أبو جعفر] و هذا قول سعید بن المسیب و جابر بن زید و عطاء و قتادة و زید بن أسلّم و حدثنا .. بكر بن سهل قال حدثنا عبد اللّه بن یوسف قال أنبأنا مالك فی قول اللّه تعالی وَ آتُوا حَقَّهُ یَوْمَ حَصادِهِ أن ذلك الزكاة و اللّه أعلم و قد سمعت من یقول ذلك .. [قال أبو جعفر] و قد قیل إن هذا قول الشافعی علی التأویل لأنه یقول فی معنی وَ آتُوا حَقَّهُ یَوْمَ حَصادِهِ لا یخلو من أن یكون ذلك وقت الحصاد أو بعده و بینت السنة انه بعده .. و قد قیل بل یجب علی قول الشافعی أن تكون منسوخة لأنه یقول لیس فی الرمان زكاة و لا فی شی‌ء من الثمار الا فی النخل و الكرم و فی نص الآیة ذكر الرمان و الزیتون .. و قد قال بمصر لیس فی الزیتون الزكاة لأنه أدم فهذه ثلاثة أقوال .. و القول الرابع أن فی المال حقا سوی الزكاة و ان معنی وَ آتُوا حَقَّهُ یَوْمَ حَصادِهِ أن یعطی منه شیئا سوی الزكاة و أن یخلی بین المساكین و بین ما یسقط منه كما حدثنا .. جعفر بن محمد الأنباری
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 134
قال حدثنا الحسن بن عفان قال حدثنا یحیی بن الیمان عن سفیان قال یدع المساكین یتتبعون أثر الحصادین فما سقط عن المنخل أخذوه .. و هو قول جماعة من أهل العلم منهم جعفر بن محمد و قد روی و صح عن علی بن الحسین انه أنكر حصاد اللیل من أجل هذا و قرئ علی .. أحمد بن محمد بن الحجاج عن یحیی بن سلیمان قال حدثنا حفص قال أنبأنا شعیب عن نافع عن ابن عمر وَ آتُوا حَقَّهُ یَوْمَ حَصادِهِ قال كانوا یعطون من اعتراهم و هذا أیضا قول مجاهد و محمد بن كعب و عطیة و هو قول أبی عبید و احتج بحدیث النبی صلّی اللّه علیه و سلّم أنه نهی عن حصاد اللیل .. و القول الخامس أن یكون معنی وَ آتُوا حَقَّهُ یَوْمَ حَصادِهِ علی الندب .. و هذا القول لا نعرف أحدا من المتقدمین قاله فإذا تكلم أحد من المتأخرین فی معنی آیة من القرآن قد تقدم كلام المتقدمین فیها فخرج عن قولهم لم یلتفت الی قوله و لم یعد خلافا فبطل هذا .. و أما القول بأنها الصدقة المفروضة فیعارض بأشیاء منها أن هذه السورة مكیة و الزكاة فرضت بالمدینة لا تنازع بین العلماء فی ذلك .. و منها أن قوله یَوْمَ حَصادِهِ لو كان للزكاة المفروضة وجب أن یعطی وقت الحصاد و قد جاءت السنة و صحت أن الزكاة لا تعطی الا بعد الكیل و أیضا فإن فی الآیة و لا تسرفوا فكیف یكون هذا فی الزكاة و هی معلومة و أیضا فلو كان هذا فی الزكاة لوجب أن تكون الزكاة فی الثمر و فی كل ما أنبتت الأرض و هذا لا یقوله أحد نعلمه من الصحابة و لا التابعین و لا فی الفقهاء الا بعض المتأخرین ممن خرج عن الإجماع و أكثر ما قیل فی هذا من قول من یحتج بقوله قول أبی حنیفة أن فی كل هذا الزكاة الا فی الحطب و الحشیش و القصب .. و قد أخرج شیئا مما فی الآیة و لم تختلف العلماء فی أن فی أربعة أشیاء منها الزكاة الحنطة و الشعیر و التمر و الزبیب فهذا إجماع .. و جماعة من العلماء یقولون لا تجب الزكاة فیما أخرجت الأرض إلّا فی أربعة أشیاء الحنطة و الشعیر و التمر و الزبیب .. و ممن قال هذا الحسن و محمد بن سیرین و الشعبی و ابن أبی لیلی و سفیان الثوری و الحسن بن صالح و عبد اللّه بن المبارك و یحیی بن آدم و أبو عبید و احتج أبو عبید بحدیث الثوری عن طلحة بن یحیی عن أبی بردة ان معاذا و أبا موسی لما بعثا یعلمان الناس أمر دینهم لم یأخذا الزكاة فیما أخرجت الأرض الا من هذه الأربعة و لم یحتج غیره أن أموال المسلمین محظورة فلما أجمع علی هذه الأشیاء وجبت فی الاجماع و لما وقع الاختلاف فی غیرها لم یجب فیها شی‌ء و زاد ابن عباس علی هذه الأربعة الأشیاء السلت و الزیتون و زاد الزهری علی هذه الأربعة الزیتون و الحبوب كلها و هذا قول عطاء و عمر بن عبد العزیز و مكحول و مالك بن أنس و هو قول الأوزاعی و اللیث ان فی الزیتون الزكاة .. [قال أبو جعفر] و هذا القول كان قول الشافعی ثم قال بمصر فی الزیتون لا
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 135
أری أنه تجب فیه الزكاة لأنه أدم لأنه لا یؤكل بنفسه .. قال یعقوب و محمد فیما بعد الأربعة كلما یؤكل و یبقی ففیه الزكاة فهذه الاقوال كلها تدل علی أن الآیة منسوخة لأنه لیس أحد منهم أوجب الزكاة فی كل ما ذكر فی الآیة كله و أكثرهم اعتماده علی الاشیاء الأربعة فمن ضم الیها الحبوب و ما یقتات فانما قاسه علیها و من ضم الیها الزیتون فانما قاسه علی النخل و العنب هكذا قول الشافعی بالعراق .. [قال أبو جعفر] و قد احتج من یذهب الی أن الآیة محكمة و ان ذلك حق فی المال سوی الزكاة بما حدثنا .. أبو علی الحسن بن علیب قال حدثنا عمران بن أبی عمران قال حدثنا ابن لهیعة عن دراج عن أبی الهیثم عن أبی سعید الخدری عن النبی صلّی اللّه علیه و سلّم فی قول اللّه تعالی وَ آتُوا حَقَّهُ یَوْمَ حَصادِهِ قال ما سقط من السنبل .. [قال أبو جعفر] و هذا الحدیث لو كان فیما تقوم به حجة لجاز ان یكون منسوخا كالآیة .. و قد قامت الحجة بانه لا فرض فی المال سوی الزكاة الا لمن تجب نفقته و ثبت ذلك عن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم كما حدثنا .. بكر بن سهل قال حدثنا عبد اللّه بن یوسف قال أنبأنا مالك عن عمه أبی سهل بن مالك عن أبیه أنه سمع طلحة بن عبید اللّه یقول .. جاء رجل الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم من أهل نجد ثائر الرأس نسمع لصوته دویا و لا نفقه ما یقول حتی دنی فاذا هو یسأل عن الإسلام .. فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم خمس صلوات فی الیوم و اللیلة .. فقال هل علی غیرها قال لا الا أن تطوع قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم و صیام رمضان قال هل علی غیره قال لا الا ان تطوع و ذكر له رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم الزكاة فقال هل علی غیرها قال لا الا أن تطوع فأدبر الرجل و هو یقول و اللّه لا أزید علی هذا و لا أنقص منه فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم أفلح ان صدق فتبین بهذا الحدیث مع صحة اسناده و استقامة طریقه انه لا فرض علی المسلمین من الصلوات الا الخمس و لا من الصدقة الا الزكاة فلما ثبت انه لا یجب بالآیة فرض سوی الزكاة و أنه لیس من الزكاة بد لم یبق الا أن تكون منسوخة فأما وَ لا تُسْرِفُوا «1» فقد تكلم العلماء فی معناه .. فقال سعید بن المسیب معنی وَ لا تُسْرِفُوا لا تمتنعوا من الزكاة الواجبة .. و قال أبو العالیة كانوا إذا حصدوا أعطوا ثم تباروا فی ذلك حتی أجحفوا فأنزل اللّه تعالی وَ لا تُسْرِفُوا «1» .. و قال السدی لا تعطوا أموالكم و تقعدوا فقراء .. و قال ابن جریج نزلت فی ثابت بن قیس جذ نخلا له فحلف لا یأتیه أحد إلا أعطاه فأمسی و لیست له ثمرة فأنزل اللّه تعالی وَ لا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا یُحِبُّ الْمُسْرِفِینَ «1» .. و قال ابن زید وَ لا تُسْرِفُوا للولاة و لا تأخذوا ما لا یجب علی الناس .. [قال أبو جعفر] و هذه الاقوال كلها غیر متناقضة
______________________________
(1) سورة: الأنعام، الآیة: 141
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 136
لأن الإسراف فی اللغة فعل ما لا ینبغی فهذا كله داخل فی أصل اللغة فواجب اجتنابه و معنی لا یُحِبُّ الْمُسْرِفِینَ لا یثیبهم و لا یقبل أعمالهم مجازا .. و تقدیر وَ الزَّیْتُونَ وَ الرُّمَّانَ و شجر الزیتون و الرمان مثل وَ سْئَلِ الْقَرْیَةَ .. قال قتادة مُتَشابِهاً وَ غَیْرَ مُتَشابِهٍ متشابها ورقه و یختلف ثمره .. و قال غیره متشابه لونه و یختلف طعمه .. و قرأ یحیی بن وثاب انظروا الی ثمره و هی قراءة حسنة لأنه قد ذكرت أشیاء كثیرة فثمر جمع ثمار و ثمار جمع ثمرة .. قال محمد بن جریر أصل الاسراف فی اللغة الاخطاء فی إصابة غیر الحق إما بزیادة أو بنقصان من الحد الواجب .. و أنشد:
أعطوا هنیدة تحدوها ثمانیةما فی عطائهم من و لا سرف أی خطأ و اختلفوا فی الآیة الخامسة اختلافا كثیرا.

باب ذكر الآیة الخامسة

قال اللّه تعالی قُلْ لا أَجِدُ فِی ما أُوحِیَ إِلَیَّ مُحَرَّماً عَلی طاعِمٍ یَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ یَكُونَ مَیْتَةً «1» الآیة .. فی هذه الآیة خمسة أقوال .. قالت طائفة هی منسوخة لانه وجب منها أن لا محرم الا ما قبلها فلما حرم النبی صلّی اللّه علیه و سلّم الحمر الاهلیة و كل ذی ناب من السباع و كل ذی مخلب من الطیر نسخت هذه الاشیاء منها .. و قالت طائفة الآیة محكمة و لا حرام من الحیوان الا ما فیها و أحلوا ما ذكرنا و غیره من الحیوان .. و قالت طائفة هی محكمة و كل ما حرم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم داخل فیها .. و قالت طائفة هی محكمة و كلما حرمه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم مضموم إلیها داخل فی الاستثناء .. و القول الخامس أن هذه الآیة جواب لما سألوا عنه فأجیبوا عما سألوا و قد حرم اللّه و رسوله غیر ما فی الآیة .. [قال أبو جعفر] القول الأول انها منسوخة غیر جائز لأن الاخبار لا تنسخ .. و القول الثانی انها جامعة لكل ما حرم و إحلال الحمر الاهلیة و غیرها قول جماعة من العلماء منهم سعید بن جبیر و الشعبی و یقال انه قول عائشة و ابن عباس و ثم أحادیث مسندة نبدأ بها فمن ذلك ما حدثناه ..
أحمد بن محمد الازدی قال حدثنا فهد قال حدثنا أبو نعیم قال حدثنا شعبة عن عبید بن حسن عن عبد الرحمن بن معقل عن عبد اللّه بن یسر عن رجال من مزینة من أصحاب النبی صلّی اللّه علیه و سلّم من الطاهر عن الحر أو ابن الحرة انه قال یا رسول اللّه لم یبق لی شی‌ء أستطیع أن
______________________________
(1) سورة: الأنعام، الآیة: 145
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 137
أطعمه أهلی إلا حمر لی قال أطعم أهلك من سین مالك و إنما كرهت لكم حوال القریة فاحتجوا بهذا الحدیث فی احلال الحمر الاهلیة و قالوا انما كرهها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم لانها كانت تأكل القذر كما كره الجلالة و حدثنا .. أحمد بن محمد الازدی یعنی الصحاری قال و حدثنا اسماعیل بن یحیی المزنی قال حدثنا الشافعی قال أنبأنا عبد الوهاب بن عبد الحمید عن أیوب السختیانی عن محمد بن سیرین عن أنس بن مالك ان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم أتاه آت فقال أكلت الحمر ثم جاءه آخر فقال أكلت ثم جاءه آخر فقال فنیت الحمر فأمر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم منادیا فنادی إن اللّه و رسوله ینهیانكم عن لحوم الحمر الاهلیة انها رجس فكفئت القدور و انها لتفور فهذا ما فیه من المسند .. و أما عن الصحابة حدثنا .. علی بن الحسین قال حدثنا الحسن بن محمد قال حدثنا یزید بن هارون قال أنبأنا یحیی بن سعید عن القاسم بن محمد قال .. كانت عائشة رضی اللّه عنها اذا ذكر لها النهی عن كل ذی ناب من السبع قالت ان اللّه یقول قُلْ لا أَجِدُ فِی ما أُوحِیَ إِلَیَّ مُحَرَّماً عَلی طاعِمٍ یَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ یَكُونَ مَیْتَةً .. [قال أبو جعفر] و هذا اسناد صحیح لا مطعن فیه و حدثنا .. علی بن الحسین قال حدثنا الحسن بن محمد قال حدثنا شبابة عن ورقاء عن عمرو بن دینار قال كان جابر بن عبد اللّه ینهی عن لحوم الحمر و یأمر بلحوم الخیل و أبی ذلك ابن عباس و تلا قُلْ لا أَجِدُ فِی ما أُوحِیَ إِلَیَّ مُحَرَّماً عَلی طاعِمٍ یَطْعَمُهُ حكی ذلك عمرو عن طاوس عن ابن عباس .. و أما ما فیه عن التابعین حدثنا .. أحمد بن محمد الأزدی قال حدثنا المزنی قال حدثنا الشافعی قال أنبأنا سفیان عن أبی اسحاق قال ذكرت لسعید بن جبیر حدیث ابن أبی أوفی فی النهی عن لحوم الحمر فقال إنما كانت تلك الحمر تأكل القذر و حدثنا .. علی بن الحسین قال حدثنا الحسن بن محمد قال حدثنا یحیی بن عباد عن یونس قال قلت للشعبی ما تقول فی لحم الفیل فقال قال اللّه تعالی قُلْ لا أَجِدُ فِی ما أُوحِیَ إِلَیَّ مُحَرَّماً عَلی طاعِمٍ یَطْعَمُهُ .. [قال أبو جعفر] و هذه الأحادیث كلها تعارض سنة رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم الثابتة عنه ..
فأما معارضتها فان الحدیث المسند الذی فیه قول الرجل للنبی صلّی اللّه علیه و سلّم لم یبق لی شی‌ء أطعمه أهلی إلا حمر لی قد یجوز أن تكون الحمر وحشیة فیكون أكلها جائزا و قد یجوز أن یكون أحلها له علی الضرورة كالمیتة .. و أما الحدیث الثانی حدیث أنس الذی فیه من أمر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم منادیا ینادی بما نادی به ففیه دلیل علی تحریمها و هو قوله فانه رجس فالرجس بالحرام أشبه منه بالحلال و فیه فكفئت القدور و الحلال لا ینبغی أن یقلب و الذی تأوله سعید بن جبیر یخالف فیه و الذی روی عن عائشة و ابن عباس یقال إن ابن عباس رجع عنه لما قال له علی بن أبی طالب رضی اللّه عنه انك امرؤ تائه قد حرم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم المتعة
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 138
و لحوم الحمر الأهلیة فرجع عن قوله و قال بتحریم المتعة و أكل لحوم الحمر الأهلیة و مع هذا فلیس أحد له مع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم حجة و مع هذا فان ابن عباس یقول لا یحل أكل لحوم الخیل فقد أخرج الخیل من الآیة فالحمر أولی و قوله فی الخیل قول مالك و أبی حنیفة .. و القول الثالث بأن الآیة محكمة و أن المحرمات داخلة فیها قول نظری لأن التذكیة انما توجد توقیفا فكلما لم توجد تذكیته بالتوقیف فهو میتة داخل فی الآیة .. و القول الرابع یضم الی الآیة ما صح عن النبی صلّی اللّه علیه و سلّم قول حسن فیكون داخلا فی الاستثناء الا أن یكون میتة أو دما مسفوحا أو كذا و كذا .. و هذا قول الزهری و مالك بن أنس أ لا تری أن الزهری كان یقول بتحلیل كل ذی ناب من السباع حتی قدم الشام فلقی أبا ادریس الخولانی حدثه عن أبی ثعلبة الخشنی عن النبی صلّی اللّه علیه و سلّم أنه یحرم كل ذی ناب من السباع فرجع إلی قوله و كذا قال مالك لما سئل عن كل ذی مخلب من الطیر فقال ما أعلم فیه نهیا و هو عندی حلال و قد صح عن النبی صلّی اللّه علیه و سلّم تحریم كل ذی مخلب من الطیر غیر أن الحدیث لم یقع إلی مالك فعذر لذلك ..
و القول الخامس أن الآیة جواب قول حسن صحیح و هو قریب من القول الذی قبله لأنها اذا كانت جوابا فقد أجیبوا عما سألوا عنه و ثم محرمات لم یسألوا عنها فهی محرمة بحالها و الدلیل علی أنها جواب أن قبلها قُلْ آلذَّكَرَیْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَیَیْنِ «1» و ما معه من الاحتجاج علیهم .. و هذا القول الخامس مذهب الشافعی و فی هذه السورة شی‌ء قد ذكره قوم هو عن الناسخ و المنسوخ بمعزل و لكنا نذكره لیكون الكتاب عام الفائدة .. قال جل ثناؤه وَ لا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ یُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَیْهِ وَ إِنَّهُ لَفِسْقٌ «2» ففی هذه أربعة أقوال .. فمن الناس من قال هی منسوخة بقوله وَ طَعامُ الَّذِینَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ «3» و هم یذكرون غیر اسم اللّه علی ذبائحهم .. و منهم من قال هی محكمة لا یحل أكل ذبیحته الا أن یذكر اسم اللّه علیها فان تركه تارك عامدا أو ناسیا لم تؤكل ذبیحته .. و القول الثالث أن تؤكل اذا نسی أن یسمی .. و القول الرابع أن تؤكل ذبیحة المسلّم و ان ترك التسمیة عامدا أو ناسیا .. فالقول الاول قول عكرمة قال فی قوله تعالی وَ لا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ یُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَیْهِ .. قال فنسخ و استثنی منه فقال الْیَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّیِّباتُ وَ طَعامُ الَّذِینَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَ طَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ «3» و احتج بعضهم لهذا القول بأن القاسم بن مخیمرة سئل عن ذبیحة النصاری هل تؤكل اذا سموا علیها بغیر اسم اللّه .. فقال نعم و لو قالوا علیها باسم جرجس .. [قال أبو
______________________________
(1) سورة: الأنعام، الآیة: 143.
(2) سورة: الأنعام، الآیة: 121.
(3) سورة: المائدة، الآیة: 5.
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 139
جعفر] و هو قول مكحول و عطاء قال قد علم اللّه ذلك منهم و أباح ذبائحهم و هو قول ربیعة و هو یروی عن أبی الدرداء و عبادة بن الصامت و هذا القول لو كان إجماعا لما وجب أن یكون فیه دلیل علی نسخ الآیة و لكان استثناء علی انه قد صح عن جماعة من الصحابة كراهة ذلك منهم علی بن أبی طالب قال اذا سمعته یقول باسم المسیح فلا تأكل فانه وَ ما أُهِلَّ بِهِ لِغَیْرِ اللَّهِ «1» و اذا لم تسمع فكل لأنه قد أحل ذلك و هذا قول عائشة و ابن عمر و كره مالك ذلك و لم یحرمه .. و القول الثانی انه لا یحل ممّا لم یذكر اسم اللّه علیه فی العمد و النسیان قول الحسن و ابن سیرین و الشعبی و عارضه محمد بن جریر و قال لو لم یكن من فساده الا أن العلماء علی غیره و الجماعة لكان ذلك كافیا من فساده .. [قال أبو جعفر] و قد ذكرنا من قال به من العلماء حدثنا .. أحمد بن محمد الأزدی قال حدثنا محمد بن خزیمة قال حدثنا حجاج قال حدثنا حماد عن داود عن الشعبی قال .. لا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ یُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَیْهِ «2» و هذا أیضا مذهب أبی ثور .. و القول الثالث انه اذا ذبح فنسی التسمیة أكلت ذبیحته قول سعید بن جبیر و النخعی و مالك و أبی حنیفة و یعقوب و محمد و الحجة لهم ان ظاهر الآیة یوجب أن لا تؤكل ذبیحة من ترك ذكر اسم اللّه علیه عامدا لا ناسیا لأن فیها و انه لفسق فخرج بهذا النسیان لأنه لا یقال لمن نسی فسق .. و القول الرابع انه تؤكل ذبیحة المسلّم و إن ترك التسمیة عامدا غیر متهاون قول ابن عباس كما قرئ .. علی أحمد بن شعیب بن علی عن عمرو بن علی قال حدثنا یحیی القطان قال حدثنا سفیان قال حدثنا هارون بن أبی وكیع عن أبیه عن ابن عباس فی قوله وَ لا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ یُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَیْهِ .. قال خاصمهم المشركون فقالوا ما نذبح لا تأكلونه و ما ذبحتم أكلتموه فهذا من أصح ما مر و هو داخل فی المسند و خبر ابن عباس بسبب نزول الآیة فوجب أن یكون مِمَّا لَمْ یُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَیْهِ یعنی به المیتة و ما ذبحه المشركون غیر أهل الكتاب و ما ذبحه المسلمون و أهل الكتاب مأكول و ان لَمْ یُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَیْهِ و احتج ابن عباس فقال اسم اللّه مع المسلّم و هذا القول هو الصحیح من قول الشافعی .. و قد حكی حیوة بن شریح عن عقبة بن مسلّم .. قال یؤكل ما ذبحوا لكنائسهم لأنه من طعامهم الذی أحله اللّه لنا .. قال فقلت فقد قال اللّه جل ثناؤه وَ ما أُهِلَّ بِهِ لِغَیْرِ اللَّهِ فقال انما ذلك ذبائح أهل الاوثان و المجوس. و فی هذه السورة وَ أَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِینَ «3» روی عن ابن عباس قال نسخ هذا قاتِلُوا الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ
______________________________
(1) سورة: البقرة، الآیة: 173
(2) سورة: الأنعام، الآیة: 121
(3) سورة: الأنعام، الآیة: 106
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 140
وَ لا بِالْیَوْمِ الْآخِرِ الآیة .. و قال غیره لیس فی هذا نسخ انما هذا من قولهم أعرضت عنه أی لم انبسط الیه و اشتقاقه من أولیته عرض وجهی و هذا واجب أن یستعمل مع المشركین و أهل المعاصی .. قال جل ثناؤه أَذِلَّةٍ عَلَی الْمُؤْمِنِینَ أَعِزَّةٍ عَلَی الْكافِرِینَ «1». و فی هذه السورة إِنَّ الَّذِینَ فَرَّقُوا دِینَهُمْ وَ كانُوا شِیَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِی شَیْ‌ءٍ «2» حدثنا .. أبو الحسن علیل بن أحمد قال حدثنا محمد بن هشام قال حدثنا عاصم بن سلیمان قال حدثنا جویبر عن الضحاك عن ابن عباس فی قوله تعالی إِنَّ الَّذِینَ فَرَّقُوا دِینَهُمْ وَ كانُوا شِیَعاً .. قال الیهود و النصاری تركوا الاسلام و الدین الذی أمروا به وَ كانُوا شِیَعاً فرقا و أحزابا مختلفة لَسْتَ مِنْهُمْ فِی شَیْ‌ءٍ نزلت بمكة ثم نسختها قاتِلُوا الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ لا بِالْیَوْمِ الْآخِرِ «3» الآیة ..
[قال أبو جعفر] و قال غیره لیس فی هذا نسخ لانه معروف فی اللغة أن یقال لست من فلان و لا هو منی اذا كنت مخالفا له منكرا علیه ما هو فیه .. و حكی سیبویه أنت منی فرسخا ما دمنا أی ما دمنا نسیر فرسخا علی انه قد روی أبو غالب عن أبی امامة عن النبی صلّی اللّه علیه و سلّم فی قوله إِنَّ الَّذِینَ فَرَّقُوا دِینَهُمْ وَ كانُوا شِیَعاً .. قال هم الخوارج و ان بنی اسرائیل افترقت علی احدی و سبعین فرقة و تزید هذه الامة واحدة كلها فی النار الا فرقة واحدة و هی الجماعة و السواد الاعظم فتبین بهذا الحدیث و بظاهر الآیة إِنَّ الَّذِینَ فَرَّقُوا دِینَهُمْ وَ كانُوا شِیَعاً هم أهل البدع لانهم اذا ابتدعوا تخاذلوا و تخاصموا و تفرقوا فلیس النبی صلّی اللّه علیه و سلّم و لا الفرقة الناجیة و هی الجماعة الظاهرة منهم فی شی‌ء لانهم منكرون علیهم ما هم فیه مخالفون لهم فهذا من الناسخ و المنسوخ بمعزل.
______________________________
(1) سورة: المائدة، الآیة: 54
(2) سورة: الأنعام، الآیة: 159
(3) سورة: التوبة، الآیة: 29
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 141

سورة الأعراف‌

بسم اللّه الرحمن الرحیم حدثنا .. یموت بن المدرع قال حدثنی أبو حاتم قال حدثنی أبو عبید حدثنی یونس بن حبیب عن أبی عمرو بن العلاء عن مجاهد عن ابن عباس قال .. و سورة الأعراف نزلت بمكة فهی مكیة .. [قال أبو جعفر] فلم نجد فیها مما یدخل فی الناسخ و المنسوخ الا آیة واحدة مختلف فیها قال اللّه عز و جل خُذِ الْعَفْوَ «1» .. فیها خمسة أقوال .. من العلماء من قال هی منسوخة بالزكاة المفروضة .. و منهم من قال هی منسوخة بالأمر بالغلظة علی الكفار .. و منهم من قال خذ العفو أی الزكاة المفروضة .. و منهم من قال هو أمر بالاحتمال و ترك الغلظة و الفظاظة غیر منسوخة .. فممن روی انها منسوخة بالزكاة ابن عباس قال خُذِ الْعَفْوَ یقول خذ ما عفا و ما أتوك به ثم قال و كان هذا قبل أن تنزل براءة بفرض الزكاة و تفصیلها و جعلها موضعها .. و قال الضحاك نزلت الزكاة فنسخت كل صدقة فی القرآن و حدثنا .. جعفر بن مجاشع قال حدثنا إبراهیم الحربی قال حدثنا حسین بن الاسود عن عمرو عن أسباط عن السدی خُذِ الْعَفْوَ قال الفضل من المال نسخته الزكاة .. و القول الثانی أنها منسوخة بالغلظة قول زید قال خُذِ الْعَفْوَ قال فأقام النبی صلّی اللّه علیه و سلّم بمكة عشر سنین لا یعرض عن أحد و لا یقاتله ثم أمره اللّه عز و جل أن یقعد لهم كل مرصد و أن لا یقبل لهم الا الاسلام و أنزل یا أَیُّهَا النَّبِیُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَ الْمُنافِقِینَ وَ اغْلُظْ عَلَیْهِمْ «2» و قال قاتِلُوا الَّذِینَ یَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَ لْیَجِدُوا فِیكُمْ غِلْظَةً «3» فنسخ هذا العفو .. و القول الثالث أن العفو الزكاة .. قال مجاهد و كان إبراهیم بن محمد بن عرفة یمیل الی هذا القول قال لأن الزكاة یسیر من كثیر .. و القول الرابع أن العفو شی‌ء من المال سوی الزكاة قول القاسم و سالم قالا هو فضل المال ما كان عن ظهر غنی .. و القول الخامس قول عبد اللّه و عروة ابنی الزبیر كما قرئ .. علی أحمد بن شعیب عن هارون بن اسحاق قال حدثنا عبدة عن هشام بن عروة عن أبیه عن ابن الزبیر قال انما أنزل اللّه تعالی خُذِ الْعَفْوَ من اخلاق الناس .. و هذا أولی ما قیل فی الآیة لصحة اسناده و انه عن صحابی یخبر بنزول الآیة و اذا جاء الشی‌ء هذا
______________________________
(1) سورة: الأعراف، الآیة: 199
(2) سورة: التوبة، الآیة: 73
(3) سورة: التوبة، الآیة: 123
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 142
المجی‌ء لم یسع أحدا مخالفته و المعنی علیه خُذِ الْعَفْوَ «1» أی السهل من أخلاق الناس و لا تغلظ علیهم و لا تعنف بهم و كذا كانت أخلاقه صلّی اللّه علیه و سلّم أنه ما لقی أحدا بمكروه فی وجهه و لا ضرب أحدا بیده و قیل لعائشة رضی اللّه عنها ما كان خلق رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم الذی مدحه اللّه تعالی به فقال وَ إِنَّكَ لَعَلی خُلُقٍ عَظِیمٍ «2» فقالت كان خلقه القرآن .. و زعم محمد بن جریر أن هذا أمر للنبی صلّی اللّه علیه و سلّم فی الكفّار أمره بالرفق بهم و استدل علی أنه فی المشركین بان ما قبله و ما بعده فیهم قال لأن قبله احتجاجا علیهم قال ادعوا شركاءكم ثم كیدون فلا تنظرون و بعده و اخوانهم یمدونهم فی الغی و خالفه غیره فقال أمر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم بالاخلاق السهلة اللینة لجمیع الناس بل هذا للمسلمین أولی .. و قد قال ابن الزبیر و هو الذی فسر الآیة و اللّه لأستعملن الأخلاق السهلة ما بقیت كما أمر اللّه فی الآیة وَ أْمُرْ بِالْعُرْفِ «1» قال عروة و السدی العرف المعروف .. [قال أبو جعفر] و الذی قالاه معروف فی اللغة یقال أولانی فلان معروفا و عرفا و عارفة .. و فی الحدیث العرف أن تعفو عمن ظلمك و تعطی من حرمك و تصل من قطعك .. و هذا من كلام العرب و من اختصار القرآن المعجز لأنه قد اجتمع فی قوله وَ أْمُرْ بِالْعُرْفِ هذه الخصال الثلاث و یدخل فیه الأمر بالمعروف و القبول عن اللّه ما أمر به و ما ندب الیه و هذا كله من العرف و فیها وَ أَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِینَ «1» زعم ابن زید أن هذا منسوخ بالأمر بالقتال .. و قال غیره لیست بمنسوخة و انما أمر باحتمال من ظلم و ما بعده هذه الآیة أیضا یدل علی أن القول كما قال ابن الزبیر و أنه صلّی اللّه علیه و سلّم أمر بالسهل من الأخلاق و ترك الغلظة لأن بعدها وَ إِمَّا یَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّیْطانِ نَزْغٌ «3» أی و اما یغضبنك من الشیطان وسوسة تحمل علی ترك الاحتمال فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ «3» أی استجر به مما عرض لك انه سمیع لاستجارتك و غیرها علیم بما یزیل عنك ما عرض لك و بعدها أیضا یدل علی ما قال تعالی إِنَّ الَّذِینَ اتَّقَوْا «4» أی اتقوا اللّه تعالی بأداء فرائضه و ترك معاصیه إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّیْطانِ «4» أی عارض وسواس منه تَذَكَّرُوا «4» وعد اللّه و وعیده و عقابه فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ «4» الحق آخذون بما أمرهم اللّه تعالی به من التحامل عند الغضب و الغلظة علی ما قد نهوا عن الغلظة علیه.
______________________________
(1) سورة: الأعراف، الآیة: 199.
(2) سورة: القلم، الآیة: 4.
(3) سورة: الأعراف، الآیة: 200.
(4) سورة: الأعراف، الآیة: 199.
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 143

سورة الأنفال‌

[باب ذكر الآیة الاولی]

بسم اللّه الرحمن الرحیم حدثنا .. یموت بن المدرع باسناده عن ابن عباس قال و نزلت سورة الانفال بالمدینة فهی مدنیة قال اللّه تعالی یَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ «1» الآیة .. للعلماء فی هذه الآیة أقوال و أكثرهم علی انها منسوخة بقوله تعالی وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَیْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ «2» فاحتج بعضهم بأنها لما كانت من أول ما نزل فی المدینة من قبل أن یؤمر بتخمیس الغنائم و كان الامر فی الغنائم كلها الی النبی صلّی اللّه علیه و سلّم وجب أن تكون منسوخة بجعل الغنائم حیث جعلها اللّه قائلو هذا القول یقولون الانفال هاهنا الغنائم و یجعل بعضهم اشتقاقه من النافلة و هی الزیادة قال و الغنائم أنفال لان اللّه تعالی أنفلها أمة محمد صلّی اللّه علیه و سلّم خصهم بذلك .. و قال بعضهم لیست بمنسوخة و هی محكمة و الآیة أن یعملوا بها فینفلوا من شاءوا اذا كان فی ذلك صلاح للمسلمین و احتجوا ان هذه هی الانفال علی الحقیقة لا الغنائم لانها زیادات یزاد الرجل بها علی غنیمته أو یزیدها الامام من رأی .. و القول الثالث ان الانفال ما ند من العدو من عبد أو دابة فللامام ان ینفل ذلك من شاء اذا كان به صلاحا .. و القول الرابع ان الانفال للسرایا خاصة .. و القول الخامس ان الانفال الخمس خاصة سألوا لمن هو فأجیبوا بهذا .. [قال أبو جعفر] فممن روی عنه .. القول الاول ابن عباس من روایة ابن أبی طلحة قال الانفال الغنائم التی كانت خالصة للنبی صلّی اللّه علیه و سلّم لیس لأحد فیها شی‌ء ثم أنزل اللّه تعالی وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَیْ‌ءٍ الآیة و هو قول مجاهد كما حدثنا .. علی بن الحسین قال حدثنا الحسن بن محمد قال حدثنا حجاج عن ابن جریج قال أخبرنی سلیم مولی ابی علی عن مجاهد قال .. نسخت نسختها وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَیْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ و هو قول عكرمة كما قرئ .. علی إبراهیم بن موسی الحوری عن یعقوب بن إبراهیم قال حدثنا وكیع قال حدثنا اسرائیل عن جابر عن مجاهد و عكرمة قالا .. كانت الانفال للّه و لرسوله ثم نسخ ذلك قوله وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَیْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ و هذا قول الضحاك و الشعبی و السدی و أكثر الفقهاء الا ان أكثرهم یقول لا یجوز للامام أن ینفل أحدا شیئا من الغنیمة الا من سهم النبی صلّی اللّه علیه و سلّم لان الاسهم الاربعة قد صارت لمن شهد من
______________________________
(1) سورة: الأنفال، الآیة: 1
(2) سورة: الأنفال، الآیة: 41
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 144
الجیش الحرب و كذا قال الشافعی فی السهم الخامس سهم النبی صلّی اللّه علیه و سلّم یكون للأئمة و المؤذنین أی لما فیه صلاح للمسلمین و كذا التنفیل منه .. فالقول علی هذا ان الآیة منسوخة اذا صارت الأنفال تقسم خمسة أقسام و كان بعضهم یقول انما ذكرت الاصناف التی یجب أن یقسم السهم فیها فان دفع الی بعضها جاز فهذا كله یوجب ان الآیة منسوخة لانهم قد أجمعوا ان الاربعة الاسهم لمن شهد الحرب و انما الاختلاف فی السهم الخامس و مما یحق أیضا نسخها حدیث سعد بن أبی وقاص فی سبب نزولها كما قرئ .. علی محمد بن عمرو بن خالد عن أبیه قال حدثنا زهیر بن معاویة قال حدثنا سماك بن حرب قال حدثنی مصعب بن سعد عن أبیه قال أنزل فیّ آیات و ذكر الحدیث .. فقال فیه و أصاب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم غنیمة عظیمة فاذا فیها سیف فأخذته فأتیت به النبی صلّی اللّه علیه و سلّم فقلت نفلنیه فانا من قد علمته قال رده من حیث أخذته فانطلقت حتی أردت أن القیه فی القبض لامتنی نفسی فرجعت الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم .. فقلت اعطینیه قال فشد صوته و قال رده من حیث أخذته فأنزل اللّه تعالی یَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ الآیة .. و حكی أبو جعفر بن رشد عن عمرو بن جلد قال القبض الموضع الذی تجمع الغزاة فیه ما غنموا و قرئ .. علی أحمد بن محمد بن الحجاج عن یحیی بن سلیمان قال حدثنی عبد اللّه بن وهب قال أخبرنی أبو صخر عن الفرضی قال و حدثنی أبو معاویة البجلی عن سعید بن جبیر ان سعدا و رجلا من الانصار خرجا یتبقلان فوجدا سیفا ملقی فخرا علیه جمیعا .. فقال سعد هو لی و قال الانصاری هو لی قال لا أسلمه حتی أتیا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم فقصا علیه القصة .. فقال صلّی اللّه علیه و سلّم لیس هو لك یا سعد و لا للانصاری و لكنه لی فنزلت یَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَ الرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ أَصْلِحُوا ذاتَ بَیْنِكُمْ وَ أَطِیعُوا اللَّهَ وَ رَسُولَهُ «1» یقول سلما السیف الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم .. ثم نسخت هذه الآیة .. فقال تعالی وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَیْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِی الْقُرْبی وَ الْیَتامی وَ الْمَساكِینِ «2» الی آخر الآیة .. [قال أبو جعفر] هذه الزیادة حسنة و ان كانت غیر متصلة فانها عن سعد فی سبب نزول الآیة .. ثم ذكر نسخها و قد سمعت ..
أحمد بن محمد بن سلامة یقول قال لی أحمد بن شعیب یقول نظرت فی حدیث یحیی بن سلیمان عن ابن وهب فما رأیت شیئا أنكره الا حدیثا واحدا ثم رفع یحیی فی الحدیث ..
و القول الثانی انها غیر منسوخة و ان للامام ان یزید من حضر الحرب علی سهمه لبلاء أبلاه
______________________________
(1) سورة: الأنفال، الآیة: 1
(2) سورة: الأنفال، الآیة: 41
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 145
و أن له أن یرضخ لمن یقاتل اذا كان ذلك فی صلاح للمسلمین یتأول قائل هذا ما صح عن ابن عباس كما حدثنا .. بكر بن سهل قال حدثنا عبد اللّه بن یوسف قال أنبأنا مالك عن ابن شهاب عن القاسم بن محمد قال سمعت رجلا یسأل عبد اللّه بن العباس عن الأنفال فقال الفرس من النفل ثم عاد یسأله فقال ابن عباس ذلك أیضا ثم عاد فقال أما الأنفال التی قال اللّه تعالی فی كتابه فلم یزل یسأله حتی كاد یحرجه فقال ابن عباس أ تدرون ما مثل هذا مثله مثل صبیغ الذی ضربه عمر بن الخطاب رضی اللّه عنه حدثنا .. بكر بن سهل قال حدثنا عبد اللّه قال أنبأنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم بعث سریة قبل نجد فیها عبد اللّه بن عمر فغنموا إبلا كثیرا فصارت سهمانهم اثنی عشر بعیرا و نفلوا بعیرا بعیرا ..
[قال أبو جعفر] ففی هذا التنفیل و لم ینفل فیه من الخمس و احتج قائل هذا أیضا باللغة و أن معنی التنفیل فی اللغة الزیادة و كان محمد بن جریر یمیل الی هذا القول .. و القول الثالث أن الأنفال ما ند من المشركین الی المسلمین بغیر قتال قول عطاء و الحسن كما قرئ ..
علی أحمد بن محمد بن الحجاج عن یحیی بن أبی سلیمان قال حدثنا ابن «1» أو أمة أو متاع أو دابة فهو النفل كان للنبی صلّی اللّه علیه و سلّم أن یصنع به ما شاء قال حدثنا یحیی بن سلیمان و حدثنا حفص بن غیاث عن عاصم بن سلیمان عن الحسن قال فذلك الی الامام یصنع به ما شاء ..
و القول الرابع أن الأنفال أنفال السرایا قول علی بن صالح یرجی .. و القول الخامس أن الانفال الخمس قول مجاهد رواه عنه ابن أبی نجیح .. و قال المهاجرون لم یخرج منها هذا الخمس فقال اللّه تعالی فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ فهذه خمسة أقوال و ان كان بعضها یدخل فی بعض .. لأن قول من قال هو ما ند من المشركین الی المسلمین یدخل فی قول من قال للامام أن ینفل .. و كذا قول من قال هی أنفال السرایا .. و قول مجاهد هی الخمس یرجع الی قول من قال التنفیل من الخمس .. و اختلفوا أیضا فی الآیة الثانیة من هذه السورة.

باب ذكر الآیة الثانیة

قال اللّه تعالی وَ مَنْ یُوَلِّهِمْ یَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَیِّزاً إِلی فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَ مَأْواهُ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمَصِیرُ «2» للعلماء فی هذه الآیة ثلاثة أقوال .. منهم
______________________________
(1) هكذا فی الأصل و فیه سقط بین.
(2) سورة: الأنفال، الآیة: 16
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 146
من قال هی منسوخة .. و منهم من قال هی مخصوصة لأهل بدر لأنها فیهم نزلت .. و منهم من قال هی محكمة و حكمها باق الی یوم القیامة .. فممن قال هی منسوخة عطاء بن أبی رباح قال نسختها یا أَیُّهَا النَّبِیُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَی الْقِتالِ إِنْ یَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ یَغْلِبُوا مِائَتَیْنِ «1» الی تمام الآیتین أی فنسخ التخفیف عنهم و الاطلاق لهم أن یولوا ممن هو أكثر من هذا العدد .. و القول الثانی انها مخصوصة قول الحسن كما حدثنا ..
محمد بن جعفر الأنباری قال حدثنا حاجب بن سلیمان قال حدثنا وكیع عن الربیع بن صبیح عن الحسن قال لیس الفرار من الكبائر انما كان فی أهل بدر خاصة هذه الآیة وَ مَنْ یُوَلِّهِمْ یَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَیِّزاً إِلی فِئَةٍ و قرئ .. علی أحمد بن شعیب عن أبی داود حدثنا أبو زید الهروی قال حدثنا شعبة قال حدثنا داود بن أبی هند عن أبی نضرة عن أبی سعید الخدری قال نزلت وَ مَنْ یُوَلِّهِمْ یَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ الآیة فی أهل بدر .. و القول الثالث أن حكمها باق الی یوم القیامة قول ابن عباس كما حدثنا .. بكر بن سهل قال حدثنا عبد اللّه بن صالح قال حدثنی معاویة بن صالح عن علی بن أبی طلحة عن ابن عباس و ذكر الكبائر قال الفرار من الزحف لأن اللّه قال وَ مَنْ یُوَلِّهِمْ یَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَیِّزاً إِلی فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ .. [قال أبو جعفر] و هذا أولی ما قیل فیه و لا یجوز أن تكون منسوخة لأنه خبر و وعید و لا ینسخ الوعید كما لا ینسخ الوعد فان قیل فحدیث أبی سعید الخدری متصل الاسناد .. و قد أخبر بنزول الآیة فی أهل بدر و حكمها باق الی یوم القیامة و أهل بدر كان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم فیهم فكان لهم أن ینحازوا الیه فكذا كل امام و الدلیل علی أن حكمها باق الی یوم القیامة ما حدثناه .. علیّ بن الحسین قال حدثنا الحسن بن محمد قال حدثنا عفان قال حدثنا أبو عوانة قال حدثنا یزید بن أبی زیاد عن عبد الرحمن بن أبی لیلی عن ابن عمر قال كنت فی غزوة مشایحا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم فلقینا العدوّ فحاص الناس حیصة و یقال جاض الناس جیضة و كنت فیمن جاض فرجعنا إلی أنفسنا فقلنا كیف یرانا المسلمون و قد بؤنا بالغضب قال ثم قرأ وَ مَنْ یُوَلِّهِمْ یَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَیِّزاً إِلی فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ فقلنا نأتی المدینة فنبیت بها ثم نخرج فلا یرانا أحد فلما أتینا المدینة قلنا لو عرضنا أنفسنا علی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم فرصدناه حین خرج الی صلاة الفجر فقلنا یا رسول اللّه نحن الفرارون قال بل أنتم العكارون قلنا انا قد هممنا بكذا و كذا قال لا إنا فئة المسلمین وَ مَنْ یُوَلِّهِمْ یَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَیِّزاً إِلی فِئَةٍ «2» .. [قال أبو جعفر]
______________________________
(1) سورة: الأنفال، الآیة: 65
(2) هكذا فی الأصل و لم یظهر لنا تطبیق معنی ما أراده علی ما استشهد به فلیحرر.
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 147
و فی هذا الحدیث بیان معنی الآیة لمن كان من أهل العلم و ذلك ان ابن عمر لم یقبله رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم للحرب الا بعد یوم بدر فتبین بهذا ان حكم الآیة باق و تبین ان لمن حارب العدوّ اذا خاف علی نفسه أن ینحاز الی فئة یتقوی بها و العكارون الكرارون الراجعون یقال عكر و عكّر و اعتكر إذا كر و رجع فلما رجع ابن عمر و من معه إلی النبی صلّی اللّه علیه و سلّم قابلین منه كانوا هم العكارین الراجعین الی ما كانوا علیه من بذل أنفسهم الی الجهاد و القبول من الرسول صلّی اللّه علیه و سلّم ما یأمرهم به .. و اختلفوا أیضا فی الآیة الثالثة اختلافا كثیرا لأنها مشكلة.

باب ذكر الآیة الثالثة

قال اللّه تعالی وَ ما كانَ اللَّهُ لِیُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِیهِمْ وَ ما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَ هُمْ یَسْتَغْفِرُونَ «1» .. للعلماء فی هذه الآیة خمسة أقوال .. قال الحسن نسخ وَ ما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَ هُمْ یَسْتَغْفِرُونَ قوله وَ ما لَهُمْ أَلَّا یُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ «2» .. [قال أبو جعفر] النسخ هاهنا محال لأنه خبر خبّر اللّه به و لا نعلم أحدا روی عنه هذا الا الحسن و سائر العلماء علی انها محكمة .. و قالوا فیها أربعة أقوال فمن ذلك ما حدثناه .. بكر بن سهل قال حدثنا عبد اللّه بن صالح قال حدثنی معاویة بن صالح عن علی بن أبی طلحة عن ابن عباس وَ ما كانَ اللَّهُ لِیُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِیهِمْ قال .. یقول سبحانه ما كان اللّه لیعذب قوما و أنبیاؤهم بین أظهرهم حتی یخرجهم وَ ما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَ هُمْ یَسْتَغْفِرُونَ و فیهم من قد سبق له من الدخول فی الایمان و هو الاستغفار وَ ما لَهُمْ أَلَّا یُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ یوم بدر بالسیف .. [قال أبو جعفر] شرح هذا وَ ما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ یعنی الكفار جمیعا و قد علم ان فیهم من یسلّم فیكون و هم یراد به البعض مثل قول العرب قتلنا بنی فلان و انما قتلوا بعضهم وَ ما لَهُمْ أَلَّا یُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ اذا أسلّم منهم من قد سبق فی علمه أنه یسلّم فهذا القول یجوز الا أن فیه هذا التعسف .. و قال مجاهد وَ هُمْ یَسْتَغْفِرُونَ أی یسلمون و هذا كالأوّل .. و روی أبو رمیل عن ابن عباس وَ ما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ فی الدنیا وَ هُمْ یَسْتَغْفِرُونَ كانوا یقولون غفرانك غفرانك وَ ما لَهُمْ أَلَّا یُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ فی الآخرة .. [قال أبو جعفر] و هذا القول ظاهره حسن الا أن فیه انهم انما استعجلوا بعذاب الدنیا لا بعذاب الآخرة أیضا فقد علم انهم یعذبون فی
______________________________
(1) سورة: الأنفال، الآیة: 33
(2) سورة: الأنفال، الآیة: 34
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 148
الآخرة ان ماتوا علی الكفر فهذان قولان لمن قال إنها محكمة .. و القول الثالث قول الضحاك كما قرئ .. علی إبراهیم بن موسی الحوری عن یعقوب بن إبراهیم قال حدثنا وكیع قال حدثنا سلمة بن نبیط عن الضحاك فی قول اللّه تعالی وَ ما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَ هُمْ یَسْتَغْفِرُونَ «1» قال المؤمن من أهل مكة .. [قال أبو جعفر] جعل الضمیرین مختلفین و هو قول حسن و إن كان محمد بن جریر قد أنكره لأنه زعم أنه لم یتقدم للمؤمنین ذكر فیكنی عنهم و هذا غلط لأنه قد تقدم ذكر المؤمنین فی غیر موضع من السورة فإن قیل لم یتقدم ذكرهم فی هذا الموضع فالجواب أن فی المعنی دلیلا علی ذكرهم فی هذا الموضع و ذلك ان من قال من الكفار اللهم ان كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علینا حجارة من السماء انما قال هذا مستهزئا و متعنتا و لو قصد الحق لقال اللهم ان كان هذا هو الحق من عندك فاهدنا له و لكنه كفر و أنكر أن یكون اللّه یبعث رسولا بوحی من السماء أی اللهم ان كان هذا هو الحق من عندك فاهلك الجماعة من الكفار و المسلمین فهذا معنی ذكر المسلمین فیكون المعنی كیف یهلك اللّه المسلمین فهذا المعنی وَ ما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَ هُمْ یَسْتَغْفِرُونَ یعنی المؤمنین وَ ما لَهُمْ أَلَّا یُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ یعنی الكافرین و قول ابن أبزی كقول الضحاك وَ ما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَ هُمْ یَسْتَغْفِرُونَ یعنی الفئة المسلمة التی كانت بمكة فلما خرجوا قال اللّه عز و جل وَ ما لَهُمْ أَلَّا یُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ یعنی الكفار .. و القول الخامس قول قتادة و السدی و ابن زید قالوا وَ هُمْ یَسْتَغْفِرُونَ أی لو استغفروا .. [قال أبو جعفر] و هذا أبین ما قیل فی الآیة لا تعسف فیه كما یقول ما لی لا أسی‌ء الیك و أنت تحسن الرأی لو أحسنت الیّ ما أسأت الیك فیكون المعنی وَ ما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ و هذا حالهم أی لو استغفروا من الكفر و تابوا وَ ما لَهُمْ أَلَّا یُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ أی و ما شأنهم و ما یمنعهم أن یعذبهم اللّه و هم مصرون علی الكفر و المعاصی فقد استحقوا العذاب .. و اختلفوا فی الآیة الرابعة.

باب ذكر الآیة الرابعة

قال اللّه تعالی وَ إِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها «2» حدثنا .. أحمد بن محمد بن نافع
______________________________
(1) سورة: الأنفال، الآیة: 33
(2) سورة: الأنفال، الآیة: 61
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 149
قال أنبأنا سلمة قال حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن قتادة وَ إِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ قال الصلح فَاجْنَحْ لَها قال نسختها فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِینَ حَیْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ «1» و روی عن ابن عباس ان الناسخ لها فَلا تَهِنُوا وَ تَدْعُوا إِلَی السَّلْمِ «2» .. [قال أبو جعفر] القول فی أنها منسوخة لا یمتنع لأنه أمر بالاجابة الی الصلح و الهدیة بغیر شرط فلما قال عز و جل فَلا تَهِنُوا وَ تَدْعُوا إِلَی السَّلْمِ وَ أَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ «2» حظر الصفح و الهدیة مع قوة الید و الاستعلاء علی المشركین و البین فی باب النظر أن تكون منسوخة و أن تكون الثانیة مثبتة الأولی .. و من العلماء من یقول فی الآیة الخامسة أنها منسوخة.

باب ذكر الآیة الخامسة

قال اللّه تعالی یا أَیُّهَا النَّبِیُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَی الْقِتالِ إِنْ یَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ یَغْلِبُوا مِائَتَیْنِ وَ إِنْ یَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ یَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِینَ كَفَرُوا «3» فی روایة ابن أبی نجیح و عثمان عن عطاء عن ابن عباس قال نسختها الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَ عَلِمَ أَنَّ فِیكُمْ ضَعْفاً «4» الآیة .. و قرئ .. علی محمد بن جعفر بن حفص عن یوسف بن موسی قال حدثنا یزید بن هارون قال أنبأنا جریر بن حازم عن الزبیر بن حریث عن ابن عباس قال ..
كان فرض علی المسلمین أن یقاتل الرجل منهم العشرة من المشركین قال إِنْ یَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ یَغْلِبُوا مِائَتَیْنِ وَ إِنْ یَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ یَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِینَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ «3» فشق ذلك علیهم فأنزل اللّه تعالی التخفیف فجعل علی الرجل أن یقاتل اثنین فخفف عنهم و نقصوا من الصبر بقدر ذلك .. [قال أبو جعفر] و هذا شرح بیّن حسن أن یكون هذا تخفیفا لا نسخا لأن معنی النسخ رفع حكم المنسوخ و لم یرفع حكم الأول لأنه لم یقل فیه لم یقاتل الرجل عشرة بل ان قدر علی ذلك فهو الاختیار له و نظیر هذا افطار الصائم فی السفر لا یقال انه نسخ للصوم و انما هو تخفیف رخصة و الصیام له أفضل .. قال ابن شبرمة و كذا النهی عن المنكر لا یحل له أن یفرّ من اثنین اذا كانا علی منكر و له أن یفرّ من أكثر منهما .. و من العلماء من أدخل الآیة السادسة فی الناسخ و المنسوخ.
______________________________
(1) سورة: التوبة، الآیة: 5
(2) سورة: محمد، الآیة: 35
(3) سورة: الأنفال، الآیة: 65
(4) سورة: الأنفال، الآیة: 66
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 150

باب ذكر الآیة السادسة

قال اللّه تعالی ما كانَ لِنَبِیٍّ أَنْ یَكُونَ لَهُ أَسْری حَتَّی یُثْخِنَ فِی الْأَرْضِ «1» حدثنا ..
بكر بن سهل قال حدثنا عبد اللّه بن صالح قال حدثنی معاویة بن صالح عن علی بن أبی طلحة عن ابن عباس ما كانَ لِنَبِیٍّ أَنْ یَكُونَ لَهُ أَسْری حَتَّی یُثْخِنَ فِی الْأَرْضِ كان ذلك و المسلمون قلیل یومئذ فلما كثروا و اشتد سلطانهم أنزل اللّه بعد هذا فی الأسری فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَ إِمَّا فِداءً «2» فجعل اللّه النبی و المؤمنین فی أمر الأساری بالخیار إن شاءوا قتلوهم و إن شاءوا عذبوهم و استعبدوهم و ان شاءوا فادوهم .. [قال أبو جعفر] و هذا كله من الناسخ و المنسوخ بمعزل لأنه قد قال اللّه تعالی ما كانَ لِنَبِیٍّ أَنْ یَكُونَ لَهُ أَسْری حَتَّی یُثْخِنَ فِی الْأَرْضِ فأخبر بهذا فلما أثخن فی الأرض كان له أسری .. و اختلفوا فی الحكم فیهم و سنذكر ذلك فی موضعه ان شاء اللّه تعالی .. و قد أدخلت الآیة السابعة فی الناسخ و المنسوخ.

باب ذكر الآیة السابعة

قال اللّه تعالی فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالًا طَیِّباً «3» حدثنا .. بكر بن سهل قال حدثنا عبد اللّه بن صالح فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالًا طَیِّباً فكان هذا ناسخا لما تقدم من حكم اللّه تعالی فی حظر الغنائم لأنها لم تحل لأحد قبل أمة محمد صلّی اللّه علیه و سلّم و انما كانت تنزل نار من السماء فتأكلها .. و الدلیل علی هذا قول النبی صلّی اللّه علیه و سلّم لم تحل الغنائم لأحد قبلنا .. و فی الحدیث انهم لما أسرعوا الی أكلها أنزل اللّه تعالی لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِیما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِیمٌ «4» قیل المعنی لو لا أن اللّه سبق منه أن لا یعذب أحدا الا بعد التقدیم الیه لعاقبكم .. قیل و قیل لو لا أنه سبق من اللّه أنه لا یعذب أحدا علی صغیرة اذا اجتنب الكبائر لعاقبكم .. و فیه غیر هذا و قد ذكرته .. و أكثر العلماء یقول فی الآیة الثامنة انها منسوخة.
______________________________
(1) سورة: الأنفال، الآیة: 67
(2) سورة: محمد، الآیة: 4
(3) سورة: الأنفال، الآیة: 69
(4) سورة: الأنفال، الآیة: 68
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 151

باب ذكر الآیة الثامنة

قال اللّه تعالی وَ الَّذِینَ آمَنُوا وَ لَمْ یُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلایَتِهِمْ مِنْ شَیْ‌ءٍ حَتَّی یُهاجِرُوا «1» حدثنا .. أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبد الرزاق قال أنبأنا معمر عن قتادة فی قوله تعالی وَ الَّذِینَ آمَنُوا وَ لَمْ یُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلایَتِهِمْ مِنْ شَیْ‌ءٍ قال .. كان المسلمون یتوارثون بالهجرة كان الرجل اذا أسلّم و لم یهاجر لم یرث أخاه و نسخ ذلك قوله تعالی وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلی بِبَعْضٍ فِی كِتابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ وَ الْمُهاجِرِینَ «2» و قرئ .. علی علی بن سعید بن بشیر عن محمود بن غیلان قال حدثنا أبو داود قال حدثنا سلیمان بن معاذ عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس ان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم آخی بین أصحابه فكانوا یتوارثون بذلك حتی نزلت وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلی بِبَعْضٍ فتوارثوا بالنسب .. [قال أبو جعفر] فتكلم العلماء علی ان هذه الآیة ناسخة للتی قبلها و ان التوارث كان بالهجرة و المواخاة فنسخ ذلك قال عكرمة فأقام الناس برهة من الدهر لا یرث الأعرابی المهاجر و لا المهاجر الأعرابی حتی أنزل اللّه وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلی بِبَعْضٍ فِی كِتابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ وَ الْمُهاجِرِینَ الآیة .. و قال قتادة أی بالوصیة.
______________________________
(1) سورة: الأنفال، الآیة: 72
(2) سورة: الأحزاب، الآیة: 6
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 152

سورة براءة

اشارة

قال أبو بكر الأدفوی قرأت علی أبی جعفر أحمد بن محمد بن اسماعیل النحوی لا أعلم اختلافا أنها من آخر ما نزل بالمدینة و لذلك قال لا منسوخ فیها و یدلك علی ذلك ما حدثناه .. أحمد بن عمرو بن عبد الخالق قال حدثنا محمد بن المثنی و عمرو بن علی قالا حدثنا یحیی بن سعید قال حدثنا عوف الاعرابی عن یزید الفارسی قال حدثنا ابن عباس قال قلنا لعثمان بن عفان رضی اللّه عنهما ما حملكم علی أن عمدتم الی الانفال و هی من المثانی و الی براءة و هی من المئین فقرنتم بینهما فلا تكتبوا بینهما بسم اللّه الرحمن الرحیم و وضعتموها فی السبع الطوال ما حملكم علی هذا؟ .. قال كان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم تنزل علیه السورة ذات العدد فاذا نزلت الآیة .. قال اجعلوها فی سورة كذا و كذا فكانت الانفال أول ما نزل بالمدینة و كانت بَراءَةٌ «1» من آخر ما نزل و كانت قصتها تشبه قصتها و لم یبین لنا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم فی ذلك شیئا فلذلك قرنت بینهما و لم اكتب بینهما سطر بسم اللّه الرحمن الرحیم و قرئ .. علی محمد بن جعفر بن حفص عن یوسف بن موسی قال حدثنا أبو اسامة قال حدثنا عوف و ذكر باسناده نحوه غیر انه زاد فیه قال عثمان فظننت انها منها قال و كانتا تدعیان فی زمان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم القرینتین فلذلك جعلتهما فی السبع الطوال .. [قال أبو جعفر] ففی هذا ظن عثمان ان الانفال من براءة و تحقیق ابن عباس انها لیست منها و فیه البیان ان تألیف القرآن عن اللّه تعالی و عن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم لا مدخل لأحد فیه و لو لم یكن فی تلك إلا الأحادیث المتواترة ان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم ذكر البقرة و آل عمران و سائر السور و انه كان یقرأ فی صلاة كذا بكذا و انه قرأ فی ركعة بالبقرة و آل عمران و انه قال صلّی اللّه علیه و سلّم یأتیان یوم القیامة كانهما غمامتان أو قال غیایتان و صح ان أربعة من أصحاب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم كانوا یحفظون القرآن فی وقته و لا یجوز أن یحفظوا ما لیس مؤلفا كما حدثنا .. أبو علی محمد بن جعفر بن محمد الأنباری قال حدثنا الحسن بن محمد قال حدثنا شبابة قال حدثنا شعبة عن قتادة عن أنس قال جمع القرآن علی عهد رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم أربعة أبی بن كعب و زید بن ثابت و أبو زید و معاذ بن جبل قال قتادة قلت لأنس من أبو زید قال أحد عمومتی قال و هؤلاء الاربعة من الأنصار كانوا یقرءون و أبو زید سعد بن عبید من بنی عمرو بن عوف من الأنصار .. قال
______________________________
(1) سورة: التوبة، الآیة: 1
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 153
الشعبی و أبو الدرداء حفظ القرآن علی عهد رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم و مجمع بن حارثة بقیت علیه سورتان أو ثلاث قال و لم یحفظ القرآن أحد من الخلفاء الا عثمان بن عفان و سالم مولی أبی حذیفة بقی علیه منه شی‌ء فان قیل فقد أمر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم بأخذ القرآن عنه قیل لیس فی هذا دلیل علی حفظه ایاه كله و لكن فیه دلیل علی أمانته و مما یدل علی أن القرآن كان مؤلفا علی عهد رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم ما حدثنا .. أحمد بن محمد الأزدی قال حدثنا یزید بن سنان قال حدثنا أبو داود قال حدثنا عمران القطان عن قتادة عن أبی بكر الهذلی عن أبی رافع .. قال قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم أعطیت السبع مكان التوراة و أعطیت المئین مكان الزبور و أعطیت المثانی مكان الانجیل و فضلت بالمفصل فهذا التألیف من لفظ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم و هذا أصل من أصول المسلمین لا یسعهم جهله لأن تألیف القرآن من إعجازه و لو كان التألیف عن غیر اللّه و رسوله لسوعد بعض الملحدین علی طعنهم .. و قد أشكل علی بعض أصحاب الحدیث ما طعن به بعض أهل الاهواء بالحدیث ان عثمان رضی اللّه عنه أمر زید بن ثابت أن یجمع القرآن و ضم الیه جماعة فتوهم ان هذا هو التألیف و هذا غلط عظیم و قد تكلم العلماء فی معنی هذا بأجوبة .. فمنهم من قال انما أمر بجمعه و ان كان مجموعا لأنهم كانوا یقرءونه علی سبعة أحرف فوقع بینهم الشر و الخلاف و أراد عثمان رضی اللّه عنه أن یختار من السبعة حرفا واحدا هو أفصحها و یزیل الستة و هذا من أصح ما قیل فیه لأنه مروی عن زید بن ثابت انه قال هذا و یدلك علی صحته أن زید بن ثابت كان یحفظ القرآن فلا معنی لجمعه ایاه الا علی هذا و ما أشبهه .. و قد قیل انما جمعه و ان كان یحفظه لتقوم حجته عند أمیر المؤمنین عثمان رضی اللّه عنه انه یستبد برأیه و قد عارض بعض الناس فی هذا فقال لم یخص زید بن ثابت بهذا و فی الصحابة من هو أكبر منه منهم عبد اللّه بن مسعود و أبو موسی الاشعری و غیرهما و احتج بما حدثنا .. إبراهیم بن محمد بن عرفة قال حدثنا شعیب بن أیوب قال حدثنا یحیی بن آدم قال حدثنا أبو بكر بن عیاش عن عاصم عن زر عن عبد اللّه ان أبا بكر الصدیق و عمر رضی اللّه عنهما بشراه بأن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم قال من أراد أن یقرأ القرآن غضا كما أنزل فلیقرأه بقراءة ابن أم عبد فالجواب عن هذا ان زید بن ثابت قدّم لأشیاء لم تجتمع لغیره منها انه كان یكتب الوحی لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم و منها انه كان یحفظ القرآن فی عهد رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم ..
و منها ان قراءته كانت علی آخر عرضة عرضها النبی صلّی اللّه علیه و سلّم علی جبریل علیهما السلام و قول النبی صلّی اللّه علیه و سلّم فی قول عبد اللّه بن مسعود ما قال قد تأوله هذا المعارض علی غیر تأویله و لیس التأویل علی ما ذهب الیه و لو كان علی ما ذهب الیه ما وسع أحدا أن یقرأ إلا بحرف عبد اللّه بن مسعود و التأویل عند أهل العلم منهم الحسین بن علی الجعفی أن عبد اللّه بن
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 154
مسعود كان یرتل القرآن فحض النبی صلّی اللّه علیه و سلّم علی ترتیل مثل ترتیله لا غیر و یدلك علی ذلك الحدیث انه سئل عن طسم فقال لا أحفظها سل حبانا عنها فان قیل فقد حضر عبد اللّه بن مسعود العرضة الآخرة قیل قد ذكرنا ما لزید بن ثابت سوی هذا علی ان حرف عبد اللّه الصحیح انه موافق لمصحفنا یدلك علی ان أبا بكر بن عیاش قال قرأت علی عاصم و قرأ عاصم علی زر و قرأ زر علی عبد اللّه. و قرئ .. علی أحمد بن شعیب بن علی عن محمد بن یسار قال حدثنا محمد قال حدثنا شعبة عن أبی اسحاق قال سمعت البراء بن عازب یقول آخر آیة نزلت آیة الكلالة و آخر سورة نزلت بَراءَةٌ .. [قال أبو جعفر] و قد ذكرنا أنه لا یكاد یوجد فیها منسوخ لهذا فأما الناسخ فیها فكثیر .. و قد اختلف فی الآیة الأولی منها.

باب ذكر الآیة الأولی منها

قال اللّه عز و جل بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ إِلَی الَّذِینَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِینَ «1» ..
للعلماء فی هذه الآیة سبعة أقوال منها ما حدثناه .. علیل بن أحمد قال حدثنا محمد بن هشام قال أنبأنا عاصم بن سلیمان عن جویبر عن الضحاك عن ابن عباس قال .. كان لقوم عهود فأمر اللّه تعالی نبیه صلّی اللّه علیه و سلّم أن یؤجلهم أربعة أشهر یسیحون فیها و لا عهد لهم بعدها و أبطل ما بعدها و كان قوم لا عهود لهم فأجلهم خمسین یوما عشرین من ذی الحجة و المحرم كله فذلك قوله تعالی فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِینَ حَیْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ «2» هذا قول .. و القول الثانی رواه ابن أبی طلحة عن ابن عباس أجل من له عهد أربعة أشره و لم یقل فیه أكثر من هذه الروایة فیمن لا عهد لهم كالأولی .. و القول الثالث أنهم صنفان صنف عاهده النبی صلّی اللّه علیه و سلّم أقل من أربعة أشهر و صنف عاهده الی غیر أجل فرد الجمیع الی أربعة أشهر .. و القول الرابع انهم صنفان «3». أیضا صنف عوهد الی أقل من أربعة أشهر و صنف عاهده الی غیر أجل و صنف عوهد الی أكثر من أربعة أشهر فأمر بالوفاء له .. قال تعالی فَأَتِمُّوا إِلَیْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلی مُدَّتِهِمْ «4» .. و القول الخامس انه رد الجمیع الی أربعة أشهر من عوهد الی أقل منها أو أكثر .. [قال أبو جعفر] و هذا قول مجاهد و السدی قالا و أول هذه
______________________________
(1) سورة: التوبة، الآیة: 1
(2) سورة: التوبة، الآیة: 5
(3) هكذا بالاصل علی انهم ثلاثة أصناف كما عدهم فلیحفظ.
(4) سورة: التوبة، الآیة: 4
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 155
الاشهر التی هی أشهر السیاحة یوم الحج الاكبر الی عشر یخلون من شهر ربیع الآخر و سمیت الحرم لأن القتال كان فیها محرما .. [قال أبو جعفر] و حدثنا .. أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال أنبأنا عبد الرزاق قال حدثنا معمر عن الزهری فَسِیحُوا فِی الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ «1» .. قال شوال و ذو القعدة و ذو الحجة و المحرم .. [قال أبو جعفر] و لا أعلم أحدا قال هذا الا الزهری .. و الدلیل علی غیر قوله صحة الروایة أن علی بن أبی طالب كرم اللّه وجهه انما قرأ علیهم هذا و نبذ العهد الیهم بأمر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم فی ذی الحجة یوم الحج الأكبر فیجب أن یكون هذا أول الشهور .. و من احتج للزهری انما حمل هذا علی نزول براءة .. [قال أبو جعفر] و هذا غلط كیف ینبذ العهد الیهم و هم لا یعلمون و أیضا فان النبی صلّی اللّه علیه و سلّم وجه أبا بكر الصدیق یحج بالناس سنة تسع ثم اتبعه علی بن أبی طالب رضی اللّه عنه بهذه الآیات لیقرأها فی الموسم و دل هذا علی انه قد نسخ بها ما كان النبی صلّی اللّه علیه و سلّم أقر المشركین علی حج البیت و طوافهم به عراة و سنذكر الحدیث بهذا .. و القول السابع أن الذین نبذ الیهم العهد و أجلوا أربعة أشهر هم الذین نقضوا العهد الذی كان بینهم و بین النبی صلّی اللّه علیه و سلّم فأمر بنبذ العهد الیهم و تأجیلهم أربعة أشهر فأما من لم ینقض العهد فكان مقیما علی عهده .. قال اللّه عز و جل فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِیمُوا لَهُمْ «2» و من لم یكن له عهد أجل خمسین یوما كما قال ابن عباس و هذا أحسن ما قیل فی الآیة و هو معنی قول قتادة ..
و الدلیل علی صحته ما حدثناه .. أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبد الرزاق قال أنبأنا معمر عن أبی اسحاق الهمدانی عن زید بن تبیع عن علی بن أبی طالب رضی اللّه عنه قال .. أمرنی النبی صلّی اللّه علیه و سلّم بأربع أن لا یحج البیت مشرك و لا یطوف بالبیت عریان و لا یدخل الجنة الا نفس مؤمنة و أن یتمّ لكل ذی عهد عهده .. [قال أبو جعفر] فان قیل فقد روی فی الرابعة و أن ینبذ الی كل ذی عهد عهده .. فالجواب انه یجوز أن یكون هذا لمن نقض العهد علی ان الروایة الأولی أولی و أكثر و أشبه و اللّه أعلم .. [قال أبو جعفر] و قد حدثنا .. علیل بن أحمد قال حدثنا محمد بن هشام قال حدثنا عاصم بن سلیمان عن جویبر عن الضحاك عن ابن عباس قال .. لم یعاهد رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم بعد هذه الآیة أحدا .. قال السدی لم یعاهد علیه الصلاة و السلام بعد هذا الا من كان له عهد قبل .. [قال أبو جعفر] هذا و ان كان قد روی فالصحیح غیره قد عاهد النبی صلّی اللّه علیه و سلّم جماعة منهم أهل نجران .. قال
______________________________
(1) سورة: التوبة، الآیة: 2
(2) سورة: التوبة، الآیة: 7
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 156
الواقدی عاهدهم و كتب لهم سنة عشر قبل وفاته صلّی اللّه علیه و سلّم بیسیر .. و قد اعترض قوم من أهل الأهواء فقالوا قد أجلی عمر بن الخطاب رضی اللّه عنه أهل نجران الی الشام بعد ان أمنهم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم و كتب لهم كتابا أن لا یحسروا و أرادوا بهذا الطعن علی عمر رضی اللّه عنه و هذا جهل ممن قاله أو عناد لأن عمر رضی اللّه عنه فی روایة سالم بن أبی الجعد قال أمن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم أهل نجران و كتب لهم أن لا یحسروا ثم كتب لهم بذلك أبو بكر الصدیق رضی اللّه عنه بعد رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم ثم كتب لهم بذلك عمر بن الخطاب رضی اللّه عنه فكثروا حتی بلغوا أربعین ألف مقاتل فكره عمر رضی اللّه عنه أن یمیلوا علی المسلمین فیفرقوا بینهم و قالوا لعمر نرید أن نتفرق و نخرج الی الشام فاغتنم ذلك منهم فقال نعم ثم ندموا فلم یقلهم فلما ولی علی بن أبی طالب رضی اللّه عنه أتوه فقالوا كتابك بیمینك و شفاعتك بلسانك .. فقال ان عمر كان رشیدا و فی غیر روایة سالم قال لهم علی انی ما قعدت هذا المقعد لأحل عقدا عقده عمر ان عمر كان رجلا موفقا و قرئ .. علی عمران بن موسی یعرف بابن الطبیب عن أبی یعقوب اسحاق بن إبراهیم بن یزید بن میمون قال أنبأنا أبو داود الحفری قال حدثنا سفیان الثوری عن الاعمش عن أبی وائل قال قال .. عبد اللّه بن مسعود لو وضع علم عمر فی كفة و وضع علم أحیاء العرب فی كفة لرجح علم عمر و لقد كنا نقول ذهب عمر بتسعة أعشار العلم .. و قرئ علی عمران بن موسی عن اسحاق قال حدثنا الهیثم بن جمیل قال حدثنا عیسی بن یونس عن عمر بن سعد بن أبی حسین عن عبد اللّه بن أبی ملیكة عن ابن عباس .. قال كنت فیمن یزدحم علی عمر بن الخطاب رضی اللّه عنه حین وضع علی سریره فجاء رجل من خلفی فوضع یده علی منكبی و ترحم علیه و قال ما من أحد ألقی اللّه بعلمه أحب الیّ من هذا ان كنت أظن لیجمعنه اللّه مع صاحبیه كنت أسمع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم یقول كنت أنا و أبو بكر و عمر قلت أنا و أبو بكر و عمر و كنت أظن لیجمعنك اللّه معهما فالتفت فاذا هو علی بن أبی طالب رضی اللّه عنه فهذا قول علی فیه الأسانید الصحاح فلا مطعن فلو طعن علی شی‌ء لم یغیره من ینتحل محبته و قد قرئ .. علی أحمد بن شعیب عن عمرو بن منصور قال حدثنا عبد اللّه بن مسلمة قال حدثنا نافع عن ابن عمر عن النبی صلّی اللّه علیه و سلّم قال .. ان اللّه جعل الحق علی لسان عمر و قلبه و الروایات بمثل هذا كثیرة و لم نقصد جمعها و انما قصدنا بعضها لأن فیه كفایة و بیانا عما أردناه .. و قد اختلف فی الآیة الثانیة من هذه السورة.
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 157

باب ذكر الآیة الثانیة

قال اللّه عز و جل فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِینَ حَیْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ «1» الآیة .. للعلماء فی هذه الآیة ثلاثة أقوال .. فمنهم من قال هی منسوخة و قال لا یحل قتل أسیر صبرا و انما یمن علیه أو یفادی و قالوا الناسخ لها قوله تعالی فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَ إِمَّا فِداءً «2» .. فممن قال هذا الحسن رواه عنه أشعب أنه كان یكره قتل الأسیر صبرا و قال فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَ إِمَّا فِداءً .. و هذا قول الضحاك و السدی قال نسخ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِینَ حَیْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ قوله فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَ إِمَّا فِداءً و هو قول عطاء كما قرئ .. علی أحمد بن محمد بن الحجاج عن یحیی بن سلیمان قال حدثنی ابن وهب قال أخبرنی ابن جریج عن عطاء فی قوله فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَ إِمَّا فِداءً قال هذا فی الأساری اما المن و اما الفداء و كان ینكر القتل صبرا .. [قال أبو جعفر] فهذا قول .. و من العلماء من قال لا یجوز فی الأساری من المشركین الا القتل و لا یجوز أن یؤخذ منهم فداء و لا یمن علیهم و جعلوا قوله فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِینَ حَیْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ناسخا لقوله فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَ إِمَّا فِداءً فاما السیف و القتل و اما الاسلام .. و القول الثالث أن الآیتین جمیعا محكمتان .. هو قول ابن زید و هو قول صحیح لأن احداهما لا تنفی الأخری قال فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِینَ حَیْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَ خُذُوهُمْ أی خذوهم أسری للقتل أو المنّ أو الفداء فیكون الامام ینظر فی أمور الأساری علی ما فیه من الصلاح من القتل أو المن أو الفداء .. و قد فعل هذا كله رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم فی حروبه فقتل عقبة بن أبی معیط و النضر بن الحارث أسیرین یوم بدر و منّ علی قوم و فادی بقوم .. [قال أبو جعفر] و حدثنا .. أحمد بن شعیب قال أنبأنا قتیبة قال أنبأنا مالك بن أنس عن ابن شهاب عن أنس أن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم .. دخل مكة و علیه المغفر فقیل له ان ابن خطل متعلق بأستار الكعبة قال اقتلوه .. [قال أبو جعفر] فهذا فی عداد الأساری و قد أمر النبی صلّی اللّه علیه و سلّم بقتله حدثنا .. أحمد بن محمد الأزدی قال حدثنا فهد بن سلیمان قال حدثنا یوسف بن بهلول قال حدثنا عبد اللّه بن إدریس قال حدثنی محمد بن إسحاق قال قال الزهری حدثنی عبد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة عن ابن عباس أن العباس بن عبد المطلب حمل أبا
______________________________
(1) سورة: التوبة، الآیة: 5
(2) سورة: محمد، الآیة: 4
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 158
سفیان علی عجز بغلته فی اللیلة التی كان فی صبیحتها ما كان من دخول رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم مكة قال العباس فكنت اذا مررت بنار من نیران المسلمین قالوا من هذا فاذا نظروا قالوا عم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم حتی اذا مررت بنار عمر بن الخطاب رضی اللّه عنه قال من هذا و قام الیّ فرآه فی عجز البغلة فقال أبو سفیان عدوّ اللّه قد أمكن اللّه منك و مر یشتد الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم فركضت البغلة فسبقت كما تسبق الدابة البطی‌ء الرجل البطی‌ء ثم اقتحمت فدخلت علی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم ثم جاء عمر فدخل فقال یا رسول اللّه هذا أبو سفیان قد أمكن اللّه منه بلا عهد و لا میثاق فدعنی فأضرب عنقه فقلت یا رسول اللّه انی قد أمنته .. [قال أبو جعفر] فهذا عمر بن الخطاب أراد قتل أبی سفیان و هو أسیر فلم یقل له النبی صلّی اللّه علیه و سلّم لا یجوز قتل الأسیر و لا أنكر علیه ما قاله من همه بقتله ففی هذا بیان أن الآیة محكمة .. و قد أدخلت الآیة الثالثة فی الناسخ و المنسوخ.

باب ذكر الآیة الثالثة

قال اللّه تعالی إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا یَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا «1» .. فكانت الآیة ناسخة لما كان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم صالح علیه المشركین أن لا یمنع من البیت أحد و قد قال تعالی لا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّی یُقاتِلُوكُمْ فِیهِ «2» و معنی فَلا یَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا امنعوهم من دخوله فانهم اذا دخلوه فقد قربوه و المسجد الحرام هو الحرم كله كما حدثنا .. أحمد بن محمد الأزدی قال حدثنا عبد الملك بن مروان الرقی قال حدثنا حجاج بن محمد عن ابن جریج عن عطاء قال قوله تعالی فَلا یَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ یرید الحرم .. [قال أبو جعفر] بَعْدَ عامِهِمْ هذا یعنی سنة تسع .. قال ابن عباس قالوا اذا لم تحج الكفار خفنا الفقر إذ قل من نبایعه .. و اختلف العلماء فی حكم هذه الآیة و فی دخول المشركین الحرم و سائر المساجد .. فقال عمر بن عبد العزیز و مالك بن أنس یمنع المشركون كلهم من أهل الكتاب و غیرهم من دخول الحرم و من دخول كل المساجد و هو قول قتادة قال لأنهم نَجَسٌ قال و قیل لهم نَجَسٌ لأنهم لا یستحمون من الجنابة و كذا لا یدخل المسجد جنب فهذا قول .. و قال الشافعی یمنع المشركون جمیعا من دخول الحرم و لا یمنعون من دخول سائر المساجد .. و قال أبو حنیفة و یعقوب و محمد و زفر لا
______________________________
(1) سورة: التوبة، الآیة: 28
(2) سورة: البقرة، الآیة: 191
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 159
یمنع الیهود و لا النصاری من دخول المسجد الحرام و لا من سائر المساجد لأن المشركین هم أهل الاوثان فجعلوا قول اللّه تعالی إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ «1» مخصوصا به من لا كتاب له ..
[قال أبو جعفر] و هذا القول فی كتاب اللّه نصا ما یدل علی خلافه قال اللّه تعالی قاتِلُوا الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ لا بِالْیَوْمِ الْآخِرِ وَ لا یُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ «2» الی قوله عَمَّا یُشْرِكُونَ فهذا شی‌ء قاطع فان أشكل علی أحد أنهم لم یجعلوا للّه شریكا فكیف یقال لهم مشركون .. قیل لهذا نظائر من أصول الدین یعرفها أهل اللغة و یحتاج الناس جمیعا الی معرفتها و هی الأسماء الدیانیة و ذلك أنه یقال آمن بكذا اذا صدق ثم قیل مؤمن لمن صدق محمدا صلّی اللّه علیه و سلّم و هو اسم دیانی و كذا منافق اسم وقع بعد الاسلام و كذا لكل ما أسكر كثیره خمر اسم اسلامی كما صح عن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم كل مسكر خمر و كذا كل من كفر بمحمد صلّی اللّه علیه و سلّم مشرك .. و فی هذا قول آخر كان أبو اسحاق الزجاج یخرجه علی أصول الاشتقاق المعروفة قال لما كان محمدا صلّی اللّه علیه و سلّم قد جاء من البراهین بما لا یكون الا من عند اللّه تعالی و كان من كفر به قد ینسب ما لا یكون الا من عند اللّه الی غیر اللّه كان مشركا .. و قد أدخلت الآیة الرابعة فی الناسخ و المنسوخ.

باب ذكر الآیة الرابعة

قال عز و جل قاتِلُوا الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ لا بِالْیَوْمِ الْآخِرِ «2» الآیة .. من العلماء من یقول هذه الآیة ناسخة للعفو عن المشركین لأنه كان قتالهم ممنوعا منه فنسخ اللّه ذلك كما حدثنا .. بكر بن سهل قال حدثنا عبد اللّه بن صالح قال حدثنی معاویة بن صالح عن علی بن أبی طلحة عن ابن عباس قال و قوله قاتِلُوا الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ لا بِالْیَوْمِ الْآخِرِ فنسخ بهذا العفو عن المشركین .. و قیل هذا ناسخ لقوله فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِینَ «3» .. و قیل بل هو تبیین لما قال اللّه تعالی وَ قاتِلُوا الْمُشْرِكِینَ «4» و أمر فی أهل الكتاب بأخذ الجزیة علم انه یراد بالمشركین غیر أهل الكتاب .. و قیل لما قال جل ثناؤه فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِینَ وجب قتل كل مشرك الا من نص علیه من أهل الكتاب و من قامت
______________________________
(1) سورة: التوبة، الآیة: 28
(2) سورة: التوبة، الآیة: 29
(3) سورة: التوبة، الآیة: 5
(4) سورة: التوبة، الآیة: 36
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 160
بترك قتله الحجة من النساء و الصبیان .. و من قامت بأخذ الجزیة منه الحجة و هم المجوس و قائل هذا یقول بقتل الرهبان اذا لم یؤدوا الجزیة لقول اللّه تعالی فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِینَ و لم تقم الحجة بتركهم الا بعد اداء الجزیة بالآیة الاخری .. و من الفقهاء من یقول لا تقتل الرهبان و ان لم یؤدوا الجزیة لیس فی نص القرآن ما یدل علی ذلك یعرفه أهل اللسان الذی نزل القرآن بلغتهم قال اللّه تعالی قاتِلُوا الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ لا بِالْیَوْمِ الْآخِرِ و قاتلوا فی اللغة لا یكون الا من اثنین فخرج من هذا الرهبان و النساء و الصبیان لأنهم لیست سبیلهم أن یقاتلوا و معنی لا یُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ لا یؤمنون بانه لا معبود الا اللّه قال سیبویه الاصل إله و قال الفراء الاصل الإله ثم القیت حركة الهمزة علی اللام ثم أدغم فالتقدیر قاتلوا الذین لا یؤمنون بالإله لانه لا تصلح الألوهة إلا له لانه ابتدع الاشیاء و لا بالیوم الآخر لأنهم لا یقرون بنعیم أهل الجنة و لا بالنار لمن أعدها اللّه له حتی یعطوا الجزیة عن ید و هی فعلة من جزی فلان فلانا یجزیه أی قضاه أی لا یؤدون ما علیهم مما یحفظ رقابهم و یدینون به عن ید .. و قد تكلم العلماء فی معناه فمما حفظ فیه عن صحابی ان معنی عن ید أی یؤدیها و هو قائم و الآخذ منه قاعد هذا عن المغیرة بن شعبة و هو قول عكرمة و قیل عن ید عن انعام علیهم و قیل عن ید أی یؤدیها بیده و لا یوجه بها مع رسول .. [قال أبو جعفر] معنی عن ید من كلام العرب و هو دلیل یقول ادّ أداءك عن یده و عن ید و حكی سیبویه بایعته یدا بید و هم صاغرون قال عكرمة إعطاؤه ایاها صغارا له و قال غیره و أحكام المسلمین جاریة علیهم .. و قد أدخلت الآیة الخامسة فی ذكر الناسخ و المنسوخ.

باب ذكر الآیة الخامسة

قال عز و جل إِلَّا تَنْفِرُوا یُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِیماً «1» .. حدثنا علیل بن أحمد قال حدثنا محمد بن هشام قال حدثنا عاصم بن سلیمان عن جویبر عن الضحاك عن ابن عباس إِلَّا تَنْفِرُوا یُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِیماً .. قال نسختها وَ ما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِیَنْفِرُوا كَافَّةً «2» الآیة و كذا قال الحسن و عكرمة .. و قال غیرهما الآیتان محكمتان لأن قوله تعالی إِلَّا تَنْفِرُوا یُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِیماً معناه اذا احتیج الیكم و اذا استنفرتم .. هذا مما لا ینسخ لأنه وعید و خبر و قوله
______________________________
(1) سورة: التوبة، الآیة: 39
(2) سورة: التوبة، الآیة: 122
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 161
تعالی وَ ما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِیَنْفِرُوا كَافَّةً محكم لأنه لا بد أن یبقی بعض المؤمنین لئلا تخلو دار الاسلام من المؤمنین فیلحقهم مكیدة و هذا قول جماعة من الصحابة و من التابعین ..
و قد أدخلت الآیة السادسة فی الناسخ و المنسوخ.

باب ذكر الآیة السادسة

حدثنا .. علیل بن أحمد قال حدثنا محمد بن هشام قال حدثنا عاصم بن سلیمان عن جویبر عن الضحاك عن ابن عباس عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّی یَتَبَیَّنَ لَكَ الَّذِینَ صَدَقُوا وَ تَعْلَمَ الْكاذِبِینَ لا یَسْتَأْذِنُكَ الَّذِینَ یُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْیَوْمِ الْآخِرِ أَنْ یُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ وَ اللَّهُ عَلِیمٌ بِالْمُتَّقِینَ «1» الی قوله یَتَرَدَّدُونَ «2» نسخ هذه الآیات الثلاث فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ «3» .. و قال الحسن و عكرمة لا یَسْتَأْذِنُكَ الَّذِینَ یُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْیَوْمِ الْآخِرِ نسختها الآیة التی فی سورة النور فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ .. [قال أبو جعفر] و حدثنی جعفر بن مجاشع قال حدثنا إبراهیم بن اسحاق قال حدثنا عبید اللّه قال حدثنا یزید عن سعید عن قتادة لا یَسْتَأْذِنُكَ الَّذِینَ یُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْیَوْمِ الْآخِرِ أَنْ یُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ ثم نزل فی النور فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ .. و من العلماء من یقول هذه الآیات كلها محكمات كما حدثنا .. بكر بن سهل قال حدثنا عبد اللّه بن صالح قال حدثنی معاویة بن صالح عن علی بن أبی طلحة قال و قوله إِنَّما یَسْتَأْذِنُكَ الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْیَوْمِ الْآخِرِ فهذا یعتبر للمنافقین حین استأذنوا فی القعود عن الجهاد لغیر عذر و عذر اللّه المؤمنین فقال فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ .. [قال أبو جعفر] و هذا من أحسن ما قیل فی الآیات لأن قوله إِنَّما یَسْتَأْذِنُكَ الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْیَوْمِ الْآخِرِ صفات المنافقین لأنهم لا یؤمنون بوحدانیة اللّه و لا بعقابه أهل معصیته و لا بثوابه أهل طاعته ثم قال وَ ارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ «4» أی شكوا علی غیر بصیرة من دینهم فَهُمْ فِی رَیْبِهِمْ یَتَرَدَّدُونَ متحیرین لا یعملون علی حقیقة .. و قد أدخلت الآیة السابعة فی الناسخ و المنسوخ.
______________________________
(1) سورة: التوبة، الآیة: 43
(2) سورة: التوبة، الآیة: 44
(3) سورة: النور، الآیة: 62
(4) سورة: التوبة، الآیتان: 44، 45
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 162

باب ذكر الآیة السابعة

قال اللّه عز و جل إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَ الْمَساكِینِ «1» أدخلت فی الناسخ و المنسوخ لأنها نسخت كل صدقة فی القرآن كما حدثنا .. جعفر بن مجاشع قال حدثنا إبراهیم بن اسحاق الحربی قال حدثنا علی بن مسلّم قال حدثنا عبید اللّه عن سفیان عن جابر عن عكرمة إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَ الْمَساكِینِ قال .. نسخت هذه كل صدقة فی القرآن .. [قال أبو جعفر] فی هذه الآیة الناسخة ما هو مختلف فیه و ما هو مجتمع علیه ..
و ما اختلف فیه منها الفرق بین الفقراء و المساكین اختلف فی ذلك أهل التأویل و الفقهاء و أهل اللغة و أهل النظر فقالوا فی ذلك أحد عشر قولا فحدثنا .. أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبد الرزاق قال أنبأنا معمر عن قتادة إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَ الْمَساكِینِ قال الفقراء الذین لهم زمانة و المساكین الأصحاء المحتاجون فهذا قول فی الفرق بین الفقراء و المساكین .. و قال الضحاك الفقراء فقراء المهاجرین و المساكین من لم یهاجروا .. و قال عكرمة الفقراء من الیهود و النصاری و المساكین من المسلمین .. و قال عبید اللّه بن الحسن المساكین الذین علیهم الذلة و الخضوع و الفقراء الذین یتجملون و یأخذون فی السر .. و قال محمد بن سلمة المسكین الذی لا شی‌ء له و الفقیر الذی له المسكن و الخادم و هذه خمسة أقوال .. و عن جماعة من الفقهاء قالوا المسكین الذی له شی‌ء و الفقیر الذی لا شی‌ء له .. قال الشافعی و الفقراء و اللّه أعلم من لا مال لهم و لا حرفة تقع منه موقعا زمنا كان أو غیر زمن سائلا كان أو متعففا و المساكین من له مال أو حرفة لا تقع منه موقعا و لا تعینه سائلا كان أو غیر سائل فهذه ستة أقوال .. و قال أبو ثور الفقیر الذی له شی‌ء و المسكین الذی لا یصیب من كسبه ما یقوته .. و قال أهل اللغة منهم یعقوب بن اسحاق بن السكیت فی جماعة معه المسكین الذی لا شی‌ء له و الفقیر الذی له شی‌ء لا یكفیه قال یونس قلت لأعرابی أ فقیر أنت فقال لا بل مسكین .. و أنشد أهل اللغة:
أما الفقیر الذی كانت حلوبته‌وفق العیال فلم یترك له سبد و من أجل ما روی فیه ما رواه .. ابن أبی طلحة عن ابن عباس قال المساكین الطوافون و الفقراء فقراء المسلمین و أكثر أهل التأویل علی هذا القول .. قال مجاهد
______________________________
(1) سورة: التوبة، الآیة: 60
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 163
و الحسن و الزهری و جابر بن زید و عكرمة و الضحاك فی اختلاف عنهما المسكین السائل و الفقیر الذی لا یسأل فهذه تسعة أقوال .. و من أهل النظر من یقول الفقیر هو الفقیر الی الشی‌ء و ان كان یملك مالا فقد یكون غائبا عنه و یكون فقیرا الی أخذ الصدقة و المسكین الذی علیه الخضوع و الذلة .. و القول الحادی عشر أن الفقیر هو الذی یعطی لفقره فقط و المسكین الذی یكون علیه مع فقره خضوع و ذلة السؤال .. و كان محمد بن جریر یذهب الی هذا القول و ان كان لم یذكر كثیرا مما ذكرناه و هو قول حسن و هو مستخرج من قول ابن عباس و الجماعة الذین ذكرناهم معه لأن المسكین مشتق من المسكنة و هی الخضوع و الذلة .. قال اللّه تعالی وَ ضُرِبَتْ عَلَیْهِمُ الذِّلَّةُ وَ الْمَسْكَنَةُ «1» .. [قال أبو جعفر] و هذه الأقوال و ان كثرت فاذا جمعت بعضها الی بعض و نظرت فیها قرب بعضها من بعض ..
و ذلك ان قول من قال المسكین كذا و الفقیر كذا لم یقل إنه لا یقال لغیره مسكین و لا فقیر ..
و قد قال الشافعی فیما روی عنه اذا أوصی رجل بشی‌ء للفقراء جاز أن یدفع الی المساكین و اذا أوصی بشی‌ء الی المساكین جاز أن یدفع الی الفقراء و اذا أوصی للفقراء و المساكین لم یجز أن یدفع الی أحدهما .. [قال أبو جعفر] فلما اجتمعت هذه الأقوال و قد قلنا إن بعضها یقرب من بعض وجب أن نرجع الی ما هو أجمعها و هو أن المسكین هو الذی یسأل الناس و الفقیر هو الذی لا یسأل و لا سیما و هذا قول ابن عباس و لا یعرف له مخالف من الصحابة فیه ثم تابعه علی ذلك أهل التأویل الذین یرجع الی قولهم فی تفسیر كتاب اللّه .. و أیضا فان الاسماء انما ترجع الی التعارف و التعارف بین الناس اذا قیل ادفع هذا الی المساكین انهم الذین یسألون و اذا قیل ادفع هذا الی الفقراء فهم الذین لا یسألون .. و قد دل علی هذا كتاب اللّه تعالی قال اللّه تعالی لا یَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً «2» و سمعت علیّ بن سلیمان یقول محتجا لأهل اللغة لأنهم أعلم بالأسماء و بموضوعاتها .. و قد أجمعوا علی أن المسكین الذی لا شی‌ء له قال هو مشتق من السكون و السكون ذهاب الحركة حتی لا یبقی منها شی‌ء و هذه صفة من لا یملك شیئا قال و الدلیل علی أن الفقیر هو الذی یملك شیئا انه مشتق من قولهم فقر الرجل أی كبرت فقاره فهذا قد بقی له شی‌ء .. [قال أبو جعفر] فأما قول اللّه تعالی فَكانَتْ لِمَساكِینَ یَعْمَلُونَ فِی الْبَحْرِ «3» فاذا صح أن المسكین هو الذی لا شی‌ء له
______________________________
(1) سورة: البقرة، الآیة: 61
(2) سورة: البقرة، الآیة: 273
(3) سورة: الكهف، الآیة: 79
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 164
فالكلام علی هذا أسهل لأنه یجوز أن ینسب الیهم لأنهم كانوا یعملون فیها كما یقال قصدت فلانا فی داره و ان كان مكتریا لها و كما یقال سرج الدابة .. و قد یجوز أن یكون نسبوا الی المسكنة و هی الخضوع كما قال النبی صلّی اللّه علیه و سلّم یا مسكینة علیك السكینة .. و قد قال صلّی اللّه علیه و سلّم مسكین مسكین من لا امرأة له و مسكینة مسكینة من لا زوج لها فان قیل فما معنی حدیث أبی هریرة كما حدثنا .. بكر بن سهل قال حدثنا عبد اللّه بن یوسف قال أنبأنا مالك عن أبی الزناد عن الاعرج عن أبی هریرة ان النبی صلّی اللّه علیه و سلّم .. قال لیس المسكین الذی ترده اللقمة و اللقمتان و التمرة و التمرتان .. قالوا یا رسول اللّه فمن المسكین قال الذی لا یجد غناء یغنیه و لا یفطن له فیعطی و لا یقوم فیسأل الناس .. فقیل معنی هذا ان الذی یسأل یجیئه الشی‌ء بعد الشی‌ء .. و قیل المعنی لیس المسكین الذی فی نهایة المسكنة علی ان هذا الحدیث یدل علی القول الذی اخترناه من ان المسكین السائل و یكون المعنی لیس المسكین الذی فی نهایة المسكنة الذی تعدونه فیكم مسكینا هذا كما قال صلّی اللّه علیه و سلّم لیس الغنی عن كثرة العرض انما الغنی غنی النفس و لهذا نظائر .. منها قول النبی صلّی اللّه علیه و سلّم انما المحروب من حرب ذمة ..
المحروب علی الحقیقة هو هذا و قال صلّی اللّه علیه و سلّم ما تعدون الرقوب فیكم قالوا الذی لا یعیش له ولد قال بل الرقوب الذی لم یمت له ولد هو أولی بهذا الاسم أی أولی بأن یكون لحقته المصیبة .. و اختلفوا فی هذه الآیة فی قسم الزكاة .. فمنهم من قال فی أی صنف قسمتها من هذه الاصناف الثمانیة أجزأ عنك .. و منهم من قال تقسم فی الاصناف الثمانیة كما سماها اللّه .. و منهم من قال تقسم علی ستة تسقط منهم سهم المؤلفة قلوبهم لأنهم انما كانوا فی وقت النبی صلّی اللّه علیه و سلّم و منهم العاملین اذا فرق الانسان زكاته .. فالقول الأول یروی عن ثلاثة من الصحابة عمر بن الخطاب و حذیفة و ابن عباس رضی اللّه عنهم ان الصدقات جائز أن تدفع الی بعض هذه الاصناف دون بعض و لا یعرف عن أحد من الصحابة خلافا لهذا و هو مع هذا قول سعید بن جبیر و عطاء و إبراهیم و أبی العالیة و میمون بن مهران و مالك بن أنس و أبی حنیفة و أبی یوسف و محمد .. و القول بانها تقسم فیمن سمی اللّه تعالی قول الشافعی و حجته ظاهر الآیة و ان ذلك بمنزلة الوصیة اذا أوصی رجل لجماعة لم یخرج منهم أحد .. و حجة غیره ان هذا مخالف الوصیة لأن الوصیة لا یجوز أن تقسم الا فیمن سمیت له فان فقد بعضهم لم یرجع سهمه الی من بقی و قد أجمع الجمیع علی انه اذا فقد من ذكر فی الآیة رجع سهمه الی من بقی و أیضا فانه لا یجوز و لا یوصل الی أن یعم كل من ذكر فی الآیة لأن الفقراء و المساكین لا یحاط بهم .. و احتجوا بحدیث رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم حین قال لسلمة بن صخر حین وطئ فی شهر رمضان نهارا أطعم ستین مسكینا فقال ما بتنا لیلتنا الا وحینا لا
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 165
یصل الی شی‌ء فقال امض الی بنی زریق فخذ صدقتهم فتصدق بوسق علی ستین مسكینا و كل أنت و عیالك ما بقی فأعطاه النبی صلّی اللّه علیه و سلّم صدقة هذه القبیلة و لم یقسمها علی ثمانیة فلما احتمل قوله جل ثناؤه إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَ الْمَساكِینِ الآیة أن یقسم علی هذا و احتمل أن یكون المعنی یقسم فی هذا الجنس و لا یخرج عنهم ثم جاء عن ثلاثة من الصحابة أحد المعنیین كان أولی مع حجة من ذكرناه .. فأما وَ الْعامِلِینَ عَلَیْها «1» فقال الزهری هم السعادة قال الحسن یعطون بقدر عملهم و قال مجاهد و الضحاك لهم الثمن .. وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ «1» فهم عند الشافعی علی ضربین .. أحدهما انهم قوم أسلموا و لم یكن اسلامهم قویا فللإمام أن یستمیلهم و یعطیهم من الصدقات و ان كانوا أغنیاء و الضرب الآخر قوم فی ناحیتهم عدو قد كفوا المسلمین مؤنته فیعانون علی ذلك و ان كانوا أغنیاء .. و اما وَ فِی الرِّقابِ «1» فأكثر العلماء علی انهم المكاتبون و هو قول أبی موسی الاشعری و الحسن و ابن زید و الشافعی و من العلماء من یقول یجوز أن یعتق من الزكاة لعموم الآیة و هو قول مالك ..
وَ الْغارِمِینَ فهم علی ضربین عند الشافعی أحدهما أن یدان الرجل فی مصلحة نفسه فی غیر معصیة فیقضی دینه و الآخر أن یدان الرجل فی حمالات و فی معروف و فی ما فیه صلاح المسلمین فیقضی دینه .. فِی سَبِیلِ اللَّهِ «1» فأكثر الفقهاء یقول للغزاة .. و منهم من یجیز أن یعطی فی الحج و هو قول الكوفیین .. وَ ابْنِ السَّبِیلِ «2» فهو المنقطع به الذی لیس ببلده یعطی ما یحتمل به و ان كان له ببلده مال و لا قضاء علیه .. و فی هذه الآیة أیضا ما قد اختلفوا فیه و هو من سبیله أن یعطی الزكاة .. فمن ذلك ما حدثنا .. الحسن بن غلیب «2» قال حدثنا مهدی بن جعفر قال حدثنا زید بن أبی الزرقاء عن سفیان الثوری اذا كان للرجل خمسون درهما فلا یدفع الیه من الزكاة شی‌ء و لا یدفع الی أحد أكثر من خمسین درهما ..
[قال أبو جعفر] هذا القول یروی عن علی بن أبی طالب و ابن مسعود و هو قول الحسن بن صالح و عبد اللّه بن المبارك و عبید اللّه بن الحسن و أحمد بن محمد بن حنبل و اسحاق بن راهویه و أكثر أصحاب الحدیث لأن فیه حدیثا عن النبی صلّی اللّه علیه و سلّم كما قرئ .. علی أحمد بن شعیب عن أحمد بن سلیمان قال حدثنا یحیی بن آدم قال حدثنا سفیان الثوری عن حكیم بن جبیر عن محمد بن عبد الرحمن بن زید عن أبیه عن عبد اللّه بن مسعود .. قال قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم من سأل و له ما یغنیه جاءت یعنی مسألته فی وجهه یوم القیامة خموشا أو كدوحا قالوا
______________________________
(1) سورة: التوبة، الآیة: 60
(2) غلیب أوله معجمة و آخره موحدة و قد مر و ضبطناه بالمهملة و لم نتنبه له فلیحفظ.
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 166
یا رسول اللّه و ما ذا یغنیه أو ما ذا غناه قال خمسون درهما أو حسابها من الذهب قال ..
یحیی بن آدم قال سفیان و حدثنا زبید عن محمد بن عبد الرحمن قال أبو عبد الرحمن حكیم بن جبیر ضعیف فی الحدیث و انما ذكرناه لقول سفیان حدثنا زبید هذا قول .. و قال قوم لا یحل لمن یملك أربعین درهما أن یأخذ من الزكاة شیئا .. و احتجوا بحدیث عطاء بن یسار عن رجل من بنی أسد سمع النبی صلّی اللّه علیه و سلّم یقول من سأل و له أربعون درهما فقد سأل إلحافا و هذا قول الحسین لا یحل لمن یملك أربعین درهما أن یأخذ من الزكاة شیئا و هو قول أبی عبید القاسم بن سلام قال و هذان الحدیثان أصلان فیمن یحل له أخذ الزكاة .. و قد روی عن مالك بن أنس القول بهذا الحدیث غیر ان الصحیح عنه انه لم یحد فی ذلك حدا و قال علی مقدار الحاجة و مذهب الشافعی قریب من هذا انه قد یكون للرجل الجملة من الدنانیر و الدراهم و علیه عیال و هو محتاج الی أكثر منها فله أن یأخذ من الزكاة .. و من الفقهاء من یقول من كانت معه عشرون دینارا أو مائتا درهم لم یحل له أن یأخذ من الزكاة شیئا و هذا قول أبی حنیفة و أبی یوسف و محمد .. و حجتهم قول رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم لمعاذ عرفهم ان علیهم صدقة تؤخذ من أغنیائهم و تجعل فی فقرائهم فقد صار من تجب علیه الزكاة أغنیاء من المال علی لسان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم .. و فی الحدیث الذی ذكرنا فیه الخموش تفسیر ما فیه من الغریب و غیره و الخموش الخدوش واحدهما خمش و قد خمش وجهه یخمشه و یخمشه خمشا و خموشا و الكدوح الآثار من الخدش و العض و منه حمار مكدح أی معضض .. قال أبو عبد الرحمن لم یقل أحد عن سفیان حدثنا زبید الا یحیی بن آدم و قال غیره لما قال سفیان حدثنا زبید عن محمد بن عبد الرحمن لم یصل الحدیث فقال من یرد علیه لم یحتج أن یصله لأنه قد ذكره بدءا و قد عمر یحیی بن معین علی یحیی بن آدم فقال قرأت علی وكیع حدیث یحیی بن آدم عن سفیان فقال لیس هذا ثورینا الذی نعرفه فأما غیر یحیی بن معین فمقدم لیحیی بن آدم حتی قال سفیان بن عیینة بلغنی أنه یخرج فی كل مائة سنة بعد موت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم رجل من العلماء یقوّی اللّه به الدین قال یحیی بن آدم عندی منهم .. و اختلفوا فی الآیة الثامنة فقالوا فیها قولان.
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 167

باب ذكر الآیة الثامنة

قال عز و جل اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ «1» الآیة .. من العلماء من قال هی منسوخة بقوله وَ لا تُصَلِّ عَلی أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً «2» الآیة .. و فی روایة جبیر عن الضحاك عن ابن عباس اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِینَ مَرَّةً فَلَنْ یَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ «1» .. فقال لأزیدن علی السبعین فنسختها سَواءٌ عَلَیْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ یَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا یَهْدِی الْقَوْمَ الْفاسِقِینَ «3» فهذا قول .. و من العلماء من قال لیست بمنسوخة و انما هذا علی التهدید لهم أی لو استغفر لهم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم ما غفر لهم .. و قال قائل هذا القول لا یجوز أن یستغفر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم لمنافق لأن المنافق كافر بنص كتاب اللّه تعالی إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ «4» الی قوله ثُمَّ كَفَرُوا «4» .. و قال من احتج بأنها منسوخة الآثار تدل علی ذلك كما روی الزهری عن عبید اللّه بن عبد اللّه بن عتبة عن ابن عباس عن عمر بن الخطاب رضی اللّه عنه وَ لا تُصَلِّ عَلی أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً قال لما مات عبد اللّه بن أبیّ بن سلول أتی ابنه و قومه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم فكلموه أن یصلی علیه و یقوم علی قبره فجاء رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم لیصلی علیه قال عمر فقمت بینه و بین الجنازة فقلت یا رسول اللّه أ تصلی علیه و هو الفاعل كذا و كذا یوم كذا و كذا و هو الراجع بثلث الناس یوم أحد و هو القائل یوم كذا و كذا كذا و هو الذی یقول لا تُنْفِقُوا عَلی مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّی یَنْفَضُّوا «5» فجعل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم یقول أخر عنی یا عمر و جعل عمر یردد علیه فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم أخر عنی یا عمر فلو أنی أعلم أنی لو استغفرت لهم أكثر من سبعین مرة غفر لهم لاستغفرت لهم فصلّی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم و وقف علی قبره حتی
______________________________
(1) سورة: التوبة، الآیة: 80
(2) سورة: التوبة، الآیة: 84
(3) سورة: المنافقون، الآیة: 6
(4) سورة: المنافقون، الآیات: 1، 3
(5) سورة: المنافقون، الآیة: 7
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 168
دفن فما لبثنا الا لیالی حتی نزلت هذه الآیة وَ لا تُصَلِّ عَلی أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَ لا تَقُمْ عَلی قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ ماتُوا وَ هُمْ فاسِقُونَ وَ لا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَ أَوْلادُهُمْ إِنَّما یُرِیدُ اللَّهُ أَنْ یُعَذِّبَهُمْ بِها فِی الدُّنْیا وَ تَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَ هُمْ كافِرُونَ «1» قال فكان عمر رضی اللّه عنه یعجب من جراءته علی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم فی ذلك الیوم و ما نزل فی ذلك من القرآن ..
[قال أبو جعفر] فقالوا فی الحدیث أنه صلّی اللّه علیه و سلّم بعّد كلام عمر ایاه و ان كلام عمر قد أحمد منه بعد ذلك حتی قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم ما بعث اللّه نبیا قط الا و فی أمته محدّث فان یكن فی أمتی محدّث فهو عمر فقیل معنی محدث ینطق عن لسانه الحق .. و فی حدیث عبید اللّه بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم قال لعمر رضی اللّه عنه ذلك الیوم إن اللّه لم ینهنی عن الصلاة علیهم و انما خیّرنی .. [قال أبو جعفر] فی هذا الحدیث التوقیف من رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم أن أو هاهنا للتخییر أعنی فی قوله اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ «2» فإن قیل فكیف یجوز أن یستغفر صلّی اللّه علیه و سلّم لمنافق .. فالجواب علی هذا أن یستغفر له علی ظاهره علی أنه مسلّم و باطنه الی اللّه عز و جل .. و قد قیل وَ لا تُصَلِّ عَلی أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً ناسخ لفعله صلّی اللّه علیه و سلّم لا للآیة الأخری .. قد توهم بعض الناس أن قوله وَ لا تُصَلِّ عَلی أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً ناسخ و لهذا كره العلماء أن یجترئ أحد علی تفسیر كتاب اللّه تعالی حتی یكون عالما بأشیاء منها الآثار و لا خلاف بین أهل الآثار أن قوله وَ صَلِّ عَلَیْهِمْ «3» لیس هم الذین قیل فیهم وَ لا تُصَلِّ عَلی أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً .. و یدلّك علی ذلك أن بعد وَ صَلِّ عَلَیْهِمْ أَ لَمْ یَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ یَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ «4» فكیف لا یصلی علی من تاب و أهل التأویل یقولون نزلت وَ صَلِّ عَلَیْهِمْ فی أبی لبابة و جماعة منهم ربطوا أنفسهم فی السواری لأنهم تخلفوا عن الغزوة غزوة تبوك الی أن تاب اللّه علیهم .. و قد ذكرت الآیة التاسعة فی الناسخ و المنسوخ.
______________________________
(1) سورة: التوبة، الآیتان: (84- 85)
(2) سورة: التوبة، الآیة: 80
(3) سورة: التوبة، الآیة: 103
(4) سورة: التوبة، الآیة: 104
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 169

باب ذكر الآیة التاسعة

قال اللّه عز و جل ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِینَةِ وَ مَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ یَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَ لا یَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ «1» مذهب ابن زید انه نسخها وَ ما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِیَنْفِرُوا كَافَّةً «2» و مذهب غیره انه لیس هاهنا ناسخ و لا منسوخ و ان الآیة الأولی توجب اذا نفر النبی صلّی اللّه علیه و سلّم أو احتیج الی المسلمین و استنفروا لم یسع أحدا التخلف و اذا بعث النبی صلّی اللّه علیه و سلّم سریة تخلفت طائفة و هذا مذهب ابن عباس و الضحاك و قتادة.
______________________________
(1) سورة: التوبة، الآیة: 120
(2) سورة: التوبة، الآیة: 122
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 170

سورة یونس علیه السّلام‌

بسم اللّه الرحمن الرحیم حدثنا .. یموت بن المزرع قال حدثنا أبو حاتم قال حدثنا أبو عبیدة قال حدثنا یونس عن ابن عمرو و عن مجاهد عن ابن عباس قال نزلت سورة یونس بمكة فهی مكیة .. [قال أبو جعفر] لم نجد فیها مما یدخل فی هذا الكتاب الا موضعا واحدا .. قال اللّه عز و جل وَ اصْبِرْ حَتَّی یَحْكُمَ اللَّهُ وَ هُوَ خَیْرُ الْحاكِمِینَ «1» أی اصبر علی أذاهم و مكروههم حتی یقضی اللّه فیهم و هو خیر القاضین و أعدل الفاصلین .. فمذهب ابن زید انها منسوخة و انما نسخ منها الصبر علیهم .. قال أنزل اللّه بعد هذا الأمر بالجهاد و الغلظة علیهم.
______________________________
(1) سورة: یونس، الآیة: 109
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 171

سورة هود علیه السّلام‌

بسم اللّه الرحمن الرحیم حدثنا یموت باسناده عن ابن عباس .. قال نزلت سورة هود بمكة فهی مكیة .. [قال أبو جعفر] لم نجد فیها مما یدخل فی هذا الكتاب الا آیة واحدة من روایة جویبر عن الضحاك عن ابن عباس قال .. قوله تعالی مَنْ كانَ یُرِیدُ الْحَیاةَ الدُّنْیا وَ زِینَتَها «1» قال ..
أی ثواب الحیاة الدنیا و زینتها مالها نُوَفِّ إِلَیْهِمْ أَعْمالَهُمْ «1» قال .. نوفر لهم ثواب أعمالهم بالصحة و السرور فی المال و الأهل و الولد وَ هُمْ فِیها لا یُبْخَسُونَ «1» قال ..
ینقصون قال ثم نسختها مَنْ كانَ یُرِیدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِیها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِیدُ «2» .. [قال أبو جعفر] محال أن یكون هاهنا نسخ لأنه خبر و النسخ فی الاخبار محال و لو جاز النسخ فیها ما عرف حق من باطل و لا صدق من كذب و لبطلت المعانی و لجاز لرجل أن یقول لقیت فلانا ثم یقول نسخته ما لقیته.
______________________________
(1) سورة: هود، الآیة: 15
(2) سورة: الإسراء، الآیة: 18
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 172

سورة یوسف علیه السّلام‌

بسم اللّه الرحمن الرحیم حدثنا یموت باسناده عن ابن عباس .. قال نزلت سورة یوسف بمكة فهی مكیة ..
[قال أبو جعفر] رأیت بعض المتأخرین قد ذكر ان فیها آیة منسوخة و هی قوله اخبارا عن یوسف علیه السّلام تَوَفَّنِی مُسْلِماً وَ أَلْحِقْنِی بِالصَّالِحِینَ «1» .. قال نسخه قول النبی صلّی اللّه علیه و سلّم لا یتمنین أحدكم الموت لضر نزل به .. [قال أبو جعفر] و هذا قول لا معنی له و لو لا أنا أردنا أن یكون كتابنا متقصیا لما ذكرناه لأنه لیس معنی تَوَفَّنِی مُسْلِماً انه یرید فی ذلك الوقت لما كان منسوخا لأن النبی صلّی اللّه علیه و سلّم انما قال لا یتمنین أحدكم الموت لضر نزل به فاذا تمنی إنسان لغیر ضرّ فلیس بمخالف للنبی صلّی اللّه علیه و سلّم و قد یجوز أن یتمنی الموت من له عمل صالح متخلصا من الكبائر و هذا عمر بن الخطاب رضی اللّه عنه لما استقامت أموره و فتح اللّه تعالی علی یده الفتوح و أسلّم ببركته ما لا یحصی عدده تمنی الموت .. فقال اللهم كبر سنی و دق عظمی و انتشرت رعیتی فاقبضنی الیك غیر مفرط و لا مضیع .. و عن مالك عن أبی الزناد عن الاعرج عن أبی هریرة عن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم .. من أحب لقاء اللّه أحب اللّه لقاءه و من كره لقاء اللّه كره اللّه لقاءه فظاهر هذا الحدیث ان السلیم من الذنوب محب للقاء اللّه فی كل الاحوال و قد قیل هذا عند الموت.
______________________________
(1) سورة: یوسف، الآیة: 101
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 173

سورة الرعد

بسم اللّه الرحمن الرحیم حدثنا .. یموت باسناده عن ابن عباس قال .. نزلت سورة الرعد بمكة فهی مكیة و روی حمید عن مجاهد قال سورة الرعد مكیة لیس فیها ناسخ و لا منسوخ و روی سعید عن قتادة قال سورة الرعد مدنیة إلّا آیة واحدة قوله وَ لا یَزالُ الَّذِینَ كَفَرُوا تُصِیبُهُمْ بِما صَنَعُوا قارِعَةٌ «1» .. الآیة .. و القول الأول أولی لأنه المتعارف كما حدثنا .. أحمد بن محمد الأزدی قال حدثنا أحمد بن داود قال حدثنا مسدد قال حدثنا عوانة عن أبی یسر قال قلت لسعید بن جبیر وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ «2» أ هو عبد اللّه بن سلام .. قال و كیف یكون عبد اللّه بن سلام و السورة مكیة قال و كان سعید بن جبیر یقرأ وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ «2» .. [قال أبو جعفر] أنكر هذا سعید بن جبیر لأن السورة مكیة و عبد اللّه بن سلام أسلّم بالمدینة.
______________________________
(1) سورة: الرعد، الآیة: 31
(2) سورة: الرعد، الآیة: 43
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 174

سورة إبراهیم علیه السّلام‌

بسم اللّه الرحمن الرحیم حدثنا .. یموت باسناده عن ابن عباس قال سورة إبراهیم مكیة نزلت بمكة سوی آیتین منها نزلتا بالمدینة و هما قوله تعالی أَ لَمْ تَرَ إِلَی الَّذِینَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَ أَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ جَهَنَّمَ یَصْلَوْنَها وَ بِئْسَ الْقَرارُ «1» الی آخر الآیتین نزلتا فی قتلی بدر من المشركین ..
و روی سعید عن قتادة قال سورة إبراهیم مكیة الا آیتین منها نزلتا بالمدینة قوله أَ لَمْ تَرَ إِلَی الَّذِینَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً الی قوله وَ بِئْسَ الْقَرارُ .. و الذی قاله قتادة لا یمتنع قد تكون السورة مكیة ثم ینزل الشی‌ء بالمدینة فیأمر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم أن یجعله فیها و لا یكون هذا لأحد غیر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم لما یأتیه من الوحی بذلك اذ كان تألیف القرآن معجزا لا یوجد الا عن اللّه تعالی و عن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم و عن الجماعة الذین لا یلحقهم الغلط و لا یتواطئون علی الباطل رحمهم اللّه تعالی.
______________________________
(1) سورة: إبراهیم، الآیتان: (28- 29)
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 175

سورة الحجر

بسم اللّه الرحمن الرحیم حدثنا .. یموت باسناده عن ابن عباس قال نزلت سورة الحجر بمكة فهی مكیة ..
[قال أبو جعفر] لم نجد فیها مما یدخل فی هذا الكتاب غیر حرفین قوله تعالی فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِیلَ «1» .. قال سعید عن قتادة نسخته وَ اقْتُلُوهُمْ حَیْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ «2» و الحرف الآخر وَ أَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِینَ «3» روی عن ابن عباس قال نسخته براءة و الأمر بالقتل.
______________________________
(1) سورة: الحجر، الآیة: 85
(2) سورة: البقرة، الآیة: 191
(3) سورة: الحجر، الآیة: 94
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 176

سورة النحل‌

بسم اللّه الرحمن الرحیم حدثنا .. یموت باسناده عن ابن عباس قال سورة النحل نزلت بمكة فهی مكیة سوی ثلاث آیات منها فی آخرها فإنهن نزلن بین مكة و المدینة فی منصرف رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم من أحد و ذلك قبل قتل حمزة بن عبد المطلب و قد مثّل به المشركون فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم لئن أظفرنی اللّه بهم لأمثلن بثلاثین منهم قال أصحاب النبی صلّی اللّه علیه و سلّم یا رسول اللّه لئن أظفرنا اللّه بهم لنمثلن بهم تمثیلا لم یمثل به أحد من العرب فأنزل اللّه تعالی بین مكة و المدینة ثلاث آیات و هن قوله تعالی وَ إِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ «1» و ما نزل بین مكة و المدینة فهو مدنی .. [قال أبو جعفر] فی هذه السورة موضعان یصلحان فی هذا الكتاب .. أحدهما قوله تعالی وَ مِنْ ثَمَراتِ النَّخِیلِ وَ الْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَ رِزْقاً حَسَناً «2» حدثنا ..
أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبد الرزاق قال أنبأنا الثوری عن الاسود بن قیس عن عمرو بن سفیان عن ابن عباس أنه سئل عن هذه الآیة وَ مِنْ ثَمَراتِ النَّخِیلِ وَ الْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَ رِزْقاً حَسَناً «2» قال السكر ما حرم من ثمراتها و الرزق الحسن ما حل من ثمراتها قال حدثنا .. عبد الرزاق و أنبأنا معمر عن قتادة تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَ رِزْقاً حَسَناً قال خمور الأعاجم و نسخت فی سورة المائدة قال و الرزق الحسن ما ینبذون و یخللون و یأكلون .. [قال أبو جعفر] و القول فی انها منسوخة یروی عن سعید بن جبیر و مجاهد و الشعبی و إبراهیم و أبی رزین .. [قال أبو جعفر] الحق فی هذا انه خبر لا یجوز فیه نسخ و لكن یتكلم العلماء فی شی‌ء و یتأول علیهم ما هو غلط لأن قول قتادة و نسخت یعنی الخمر یعنی نسخت إباحتها .. و الدلیل علی هذا أن سعیدا روی عن قتادة قال نزلت هذه الآیة وَ مِنْ ثَمَراتِ النَّخِیلِ وَ الْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَ رِزْقاً حَسَناً و الخمر یومئذ حلال ثم أنزل اللّه تعالی بعد تحریمها سورة المائدة .. [قال أبو جعفر] و هذا قول حسن صحیح أخبر اللّه تعالی أنهم یفعلون هذا و نزل قبل تحریم الخمر علی أن جماعة من أهل العلم و النظر قالوا غیر ما تقدم منهم أبو عبیدة قال السكر الطعم و قال غیره السكر ما سدّ الجوع مشتق من قولهم سكرت النهر أی سددته تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً و علی هذا
______________________________
(1) سورة: النحل، الآیة: 126
(2) سورة: النحل، الآیة: 67
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 177
السكر ما كان من العجوة و الرطب و هو معنی قول أبی عبیدة إذا سرح .. و الموضع الآخر قوله تعالی وَ جادِلْهُمْ بِالَّتِی هِیَ أَحْسَنُ «1» هی الانتهاء الی ما أمر اللّه به و هذا نسخ.
______________________________
(1) سورة: النحل، الآیة: 125
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 178

سورة بنی اسرائیل‌

اشارة

بسم اللّه الرحمن الرحیم حدثنا .. یموت باسناده عن ابن عباس قال نزلت سورة بنی اسرائیل بمكة فهی مكیة .. [قال أبو جعفر] فیها ثلاث آیات تصلح أن تكون فی هذا الكتاب.

باب ذكر الآیة الأولی منها

قال اللّه عز و جل إِمَّا یَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَ لا تَنْهَرْهُما «1» الآیة .. فی هذه الآیة ثلاثة أقوال .. من العلماء من قال فی قوله وَ قُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّیانِی صَغِیراً «2» هو منسوخ لأن هذا مجمل و لا یجوز لمن كان أبواه مشركین أن یترحم علیهما .. و منهم من قال یجوز هذا اذا كانا حیین فأما اذا ماتا فلم یجز .. و منهم من قال لا یجوز أن یترحم علی كل كافر و لا یستغفر له حیا كان أو میتا و الآیة محكمة مستثنی منها الكفار حدثنا .. جعفر بن مجاشع قال حدثنا إبراهیم بن اسحاق قال حدثنا عبید اللّه قال حدثنا یزید عن سعید عن قتادة وَ قُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّیانِی صَغِیراً و لكن لیخفض لهما جناح الذل من الرحمة و لیقل لهما قولا معروفا .. قال اللّه تعالی ما كانَ لِلنَّبِیِّ وَ الَّذِینَ آمَنُوا أَنْ یَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِینَ وَ لَوْ كانُوا أُولِی قُرْبی «3» فنسخ هذا وَ قُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّیانِی صَغِیراً .. و القول الثانی قول جماعة من أصحاب الحدیث و احتجوا بحدیث سعید بن جبیر عن ابن عباس قال لم یزل إبراهیم یستغفر لأبیه حتی مات فلما مات تبیّن له أنه عدو للّه فتبرأ منه و احتجوا بحدیث الزهری عن سهل بن سعد ان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم قال اللهم اغفر لقومی فانهم لا یعلمون .. و القول الثالث یدل علی صحة ظاهر القرآن .. قال اللّه تعالی ما كانَ لِلنَّبِیِّ وَ الَّذِینَ آمَنُوا أَنْ یَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِینَ وَ لَوْ كانُوا أُولِی قُرْبی و أیضا فان النبی صلّی اللّه علیه و سلّم لم یزل من أوّل أمره یدعو الی اللّه و یخبر ان اللّه لا یغفر الشرك و مع هذا فیقول علیه الصلاة و السلام فی النصاری و هم أهل كتاب لا تبدءوهم بالسلام و اذا لقیتموهم فی الطریق فاضطروهم الی أضیقه فكیف یستغفر لمن هذا حاله أو یبجل أو یعظم بالدعاء له
______________________________
(1) سورة: اسرائیل، الآیة: 23
(2) سورة: اسرائیل، الآیة: 24
(3) سورة: التوبة، الآیة: 113
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 179
بالرحمة و أیضا فان الشرك أعظم الذنوب و أشدها و كیف یدعی لأهله بالمغفرة و لم یصح ان اللّه أباح الاستغفار للمشركین و لا فرضه و لا أبیح أو فرض فأما قول اللّه تعالی وَ ما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِیمَ لِأَبِیهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِیَّاهُ «1» فقد قیل ان أباه وعده انه یظهر اسلامه فاستغفر له فلما لم یظهر اسلامه ترك الاستغفار له فان قیل فما معنی ما كانَ لِلنَّبِیِّ وَ الَّذِینَ آمَنُوا أَنْ یَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِینَ فهل یكون هذا فی العربیة الا بعد استغفار لهم .. فقد أجاب عن هذا بعض أهل النظر فقال یجوز أن یكون بعض المسلمین ظنّ ان هذا جائز فاستغفر لأبویه و هما مشركان فنزل هذا .. [قال أبو جعفر] هذا لا یحتاج أن یقول یجوز لأن فیه حدیثا قد غاب عن هذا المجیب حدثنا .. أحمد بن محمد الازدی قال حدثنا یزید بن سنان قال حدثنا محمد بن كثیر قال حدثنا سفیان الثوری عن أبی اسحاق عن أبی الخلیل عن علی بن أبی طالب قال سمعت رجلا یستغفر لأبویه و هما مشركان فقلت له أ تستغفر لأبویك و هما مشركان فقال أ لیس قد استغفر إبراهیم لأبیه فذكرت ذلك لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم فنزلت وَ ما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِیمَ لِأَبِیهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِیَّاهُ و هذا من أحسن ما روی فی الآیة مع استقامة طریقه و صحة اسناده علی ان الزهری قد روی عن سعید بن المسیب عن أبیه قال دخل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم علی أبی طالب عند موته و عنده أبو جهل و عبد اللّه بن أبی أمیة بن المغیرة فقال یا عم قل لا إله الا اللّه كلمة أشهد لك بها یوم القیامة فقال له أبو جهل و عبد اللّه بن أبی أمیة أ ترغب عن ملة عبد المطلب فأقبل النبی صلّی اللّه علیه و سلّم یعرض علیه و هما یعارضانه فكان آخر كلمة قالها علی ملة عبد المطلب و أبی أن یقول لا إله الا اللّه قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم لأستغفرنّ لك ما لم أنه عنك فأنزل اللّه ما كانَ لِلنَّبِیِّ وَ الَّذِینَ آمَنُوا أَنْ یَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِینَ وَ لَوْ كانُوا أُولِی قُرْبی و أنزل اللّه فی أبی طالب إِنَّكَ لا تَهْدِی مَنْ أَحْبَبْتَ وَ لكِنَّ اللَّهَ یَهْدِی مَنْ یَشاءُ «2» .. و حدیث مسروق عن عبد اللّه علی غیر هذا فی نزول الآیة قال كنا مع النبی صلّی اللّه علیه و سلّم فجلس علی قبر بین القبور فبكی حتی ارتفع نحیبه ففزعنا لذلك فلما قام قال له عمر رضی اللّه عنه مم بكیت یا رسول اللّه قال علی قبر آمنة ابنة وهب یعنی أمه استأذنت ربی فی الاستغفار لها فأنزل اللّه عز و جل ما كانَ لِلنَّبِیِّ وَ الَّذِینَ آمَنُوا أَنْ یَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِینَ الآیة فدخلنی ما یدخل الولد لوالدیه فبكیت .. [قال أبو جعفر] و لیست هذه
______________________________
(1) سورة: التوبة، الآیة: 114
(2) سورة: القصص، الآیة: 56
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 180
الاحادیث بمتناقضة لأنه یجوز أن تكون الآیة نزلت بعد هذا كله و لیس فی شی‌ء من الأحادیث ان النبی صلّی اللّه علیه و سلّم استغفر لمشرك.

باب ذكر الآیة الثانیة

قال اللّه عز و جل وَ لا تَقْرَبُوا مالَ الْیَتِیمِ إِلَّا بِالَّتِی هِیَ أَحْسَنُ حَتَّی یَبْلُغَ أَشُدَّهُ «1» حدثنی .. جعفر بن مجاشع قال حدثنا إبراهیم الحربی قال حدثنا عبد اللّه قال حدثنا یزید عن سعید عن قتادة وَ لا تَقْرَبُوا مالَ الْیَتِیمِ إِلَّا بِالَّتِی هِیَ أَحْسَنُ «1» فكانوا من هذا فی جهد حتی نزلت وَ إِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ «2» .. [قال أبو جعفر] قال مجاهد أی لا تقربوا مال الیتیم فتستقرضوا منه إِلَّا بِالَّتِی هِیَ أَحْسَنُ التجارة لهم .. قال ربیعة و زید بن أسلّم و مالك الاشد الحلم و قیل هو بلوغ ثلاثین سنة .. و قد قال جماعة من أهل التفسیر و بلغ أشده ثلاثا و ثلاثین سنة و لیس هذا بمتناقض یكون أول الأشد بلوغ الحلم فعلی هذا یصح القولان و قد ذكرنا أمر الیتامی فی سورة البقرة بأكثر من هذا.

باب ذكر الآیة الثالثة

قال عز و جل وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَ لا تُخافِتْ بِها وَ ابْتَغِ بَیْنَ ذلِكَ سَبِیلًا «3» .. فیها ثلاثة أقوال .. فی روایة الضحاك عن ابن عباس نسختها الآیة فی سورة الأعراف وَ اذْكُرْ رَبَّكَ فِی نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَ خِیفَةً وَ دُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَ الْآصالِ «4» قال بالغداة و العشی وَ لا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِینَ «4» قال عن القراءة فی الصلاة .. و فی روایة سعید بن جبیر عن ابن عباس كان النبی صلّی اللّه علیه و سلّم یجهر بالقرآن فاذا جهر به سبّ المشركون القرآن و من جاء به فخفض صوته حتی لا یسمعه أحد فنزلت وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَ لا تُخافِتْ بِها وَ ابْتَغِ بَیْنَ ذلِكَ سَبِیلًا أی أسمعهم القرآن حتی یأخذوه عنك .. و القول الثالث أن المعنی فی الدعاء و ان الصلاة هاهنا الدعاء و هو قول أبی هریرة و أبی موسی و عائشة كما أنبأنا .. أحمد بن
______________________________
(1) سورة: الإسراء، الآیة: 34
(2) سورة: البقرة، الآیة: 220
(3) سورة: الإسراء، الآیة: 110
(4) سورة: الأعراف، الآیة: 205
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 181
محمد الأزدی قال حدثنا فهد قال حدثنا معلی بن أسد قال حدثنا سلّم بن أبی مطیع قال حدثنا هشام بن عروة عن أبیه قال دخلت علی عائشة فقالت لی یا ابن أختی هل تدری فیم أنزلت هذه الآیة وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَ لا تُخافِتْ بِها قلت لا أدری قالت نزلت فی الدعاء .. [قال أبو جعفر] و هذا من أحسن ما قیل فی الآیة لأن فیه هذا التوقیف عن عائشة و المعروف من كلام العرب أن الصلاة الدعاء و لا یقال للقراءة صلاة إلّا علی مجاز و أیضا فان العلماء مجمعون علی كراهة رفع الصوت فی الدعاء .. و قد قال اللّه تعالی ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَ خُفْیَةً «1» و إما أن تكون الآیة منسوخة بقوله وَ اذْكُرْ رَبَّكَ فِی نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَ خِیفَةً «2» فبعید لأن هذا عقیب قوله وَ إِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَ أَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ «3» فانما أمر اللّه تعالی اذا أنصت أن یذكر ربه فی نفسه تضرعا و خیفة من عقابه و لهذا كان هاهنا و خیفة و ثم و خفیة و مع هذا فقد روی عن النبی صلّی اللّه علیه و سلّم فی كراهیة رفع الصوت فی الدعاء ما یقوی هذا .. و قد قال ابن جریج فی قول اللّه تعالی إِنَّهُ لا یُحِبُّ الْمُعْتَدِینَ «1» قال من الاعتداء رفع الصوت فی الدعاء و النداء و الصیاح به حدثنا .. أحمد بن محمد الأزدی قال حدثنا محمد بن عمرو بن یونس قال حدثنا أبو معاویة الضریر عن عاصم عن أبی عثمان النهدی عن أبی موسی قال كنت مع النبی صلّی اللّه علیه و سلّم فی السفر فنزلنا فی وهدة من الأرض فرفع الناس أصواتهم بالتكبیر فقال النبی صلّی اللّه علیه و سلّم یا أیّها الناس أربعوا علی أنفسكم انكم لا تدعون أصم و لا غائبا انكم تدعون سمیعا قریبا ثم دعانی و كنت قریبا منه فقال یا عبد اللّه بن قیس أ لا أعلمك كلمة من كنز الجنة قلت بلی یا رسول اللّه فقال قل لا حول و لا قوة الا باللّه.
______________________________
(1) سورة: الأعراف، الآیة: 55
(2) سورة: الأعراف، الآیة: 205
(3) سورة: الأعراف، الآیة: 204
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 182

سورة الكهف و مریم و طه و الأنبیاء علیهم السلام‌

بسم اللّه الرحمن الرحیم حدثنا .. یموت باسناده عن ابن عباس انهن نزلن بمكة .. ثم لم نجد فیهن مما یدخل فی هذا الكتاب الا موضعا واحدا قال اللّه عز و جل وَ داوُدَ وَ سُلَیْمانَ إِذْ یَحْكُمانِ فِی الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِیهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَ كُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِینَ فَفَهَّمْناها سُلَیْمانَ وَ كُلًّا آتَیْنا حُكْماً وَ عِلْماً «1» .. جماعة من الكوفیین یذهبون الی أن هذا الحكم منسوخ فان البهائم اذا أفسدت زرعا فی لیل أو نهار أنه لا یلزم صاحبها شی‌ء و ان كان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم قد حكم بغیر هذا فخالفوا حكمه و زعموا انه منسوخ بقوله علیه الصلاة و السلام العجماء جبار .. و منهم من یقول فی الحدیث العجماء جرحها جبار و العجماء البهیمة و أصله أنه یقال رجل أعجم و امرأة عجماء اذا كانا لا یفصحان فی الكلام و یقال انه ما تقدم أبا حنیفة أحد بهذا القول حتی قال بعض العلماء هذا الحكم أصله من كتاب اللّه تعالی و قد حكم به ثلاثة من الأنبیاء فلا تجوز مخالفته بتأویل .. [قال أبو جعفر] و سنبیّن ذلك من الآیة و من حكم الأنبیاء علیهم السلام .. قال اللّه عز و جل وَ داوُدَ وَ سُلَیْمانَ أی و اذكر داود و سلیمان إِذْ یَحْكُمانِ فِی الْحَرْثِ .. قال قتادة كان نبتا .. و عن ابن مسعود كان الحرث كرما قد أنبت عناقیده إِذْ نَفَشَتْ فِیهِ غَنَمُ الْقَوْمِ و النفش فی كلام العرب لا یكون الا باللیل أی دخلت الغنم باللیل فی حرث القوم الذین لیسوا أصحابها فأفسدت العنب و أكلته وَ كُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِینَ أی لم یغب عنا ذلك فَفَهَّمْناها سُلَیْمانَ أی القصة .. قال ابن عباس دخلت الغنم فأفسدت الكرم فاختصموا الی داود فقضی بالغنم لصاحب الكرم لأن ثمنها قریبا منه فمروا علی سلیمان فأخبروه فقال كان غیره أرفق بالجمیع فدخل صاحب الغنم فأخبر داود فقال لسلیمان كیف الحكم عندك؟ قال یا نبی اللّه تدفع الغنم الی صاحب الحرث فیصیب من ألبانها و أصوافها و أولادها و یدفع الكرم الی صاحب الغنم یقوم به حتی ترجع الی حاله فاذا رجع الی حاله سلّم الكرم الی صاحبه و الغنم الی صاحبها فقال اللّه تعالی فَفَهَّمْناها سُلَیْمانَ .. [قال أبو جعفر] ثم رجعنا الی ما حكم به رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم كما قرئ .. علی أبی عبد الرحمن أحمد بن شعیب عن القاسم بن زكریاء بن دینار قال حدثنا معاویة بن هشام عن سفیان عن اسماعیل بن أمیة و عبد اللّه بن عیسی عن الزهری عن حرام بن محیصة عن البراء
______________________________
(1) سورة: الأنبیاء، الآیتان: (78- 79).
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 183
أن ناقة لآل البراء أفسدت نبتا فقضی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم أن علی أهل الثمار حفظها بالنهار و ضمن أصحاب الماشیة ما أصابت ماشیتهم باللیل .. قال أبو عبد الرحمن و أخبرنی عمرو بن عثمان قال حدثنا الولید عن الأوزاعی عن الزهری عن حرام بن محیصة أن البراء بن عازب أخبره أنه كانت له ناقة ضرّابة فدخلت حائطا فأفسدت فیه فتكلم فیها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم فقضی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم أن علی أهل الحوائط حفظها بالنهار و علی أهل المواشی حفظها باللیل و أن علی أهل الماشیة ما أصابت باللیل فهذا حكم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم بعد حكم تبیین ما قبله بالتضمین .. و قال أبو حنیفة لا ضمان و الحدیث صحیح عن النبی صلّی اللّه علیه و سلّم و ان كان مالك قد رواه عن الزهری عن حرام بن محیصة أن ناقة لآل البراء فصار مقطوعا فقد رواه من تقوم به الحجة متصلا لأن اسماعیل بن أمیة و عبد اللّه بن عیسی نبیلان جلیلا المقدار و قد تابعهما الأوزاعی فلا معنی لمعارضته الأیمة فیما رواه غیره .. و قد قال جل ثناؤه إِذْ یَحْكُمانِ فِی الْحَرْثِ و علی ذلك القول لا حكم فیه و قد أجمع من تقوم به الحجة من العلماء علی أن راكب الدابة یضمن ما أصابت بیدیها فقد صحّ أن المعنی العجماء جبار اذا لم یكن علی صاحبها حفظها و اذا كان علیه فلیست بجبار .. و قد حكم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم أن علی أهل الماشیة حفظها باللیل فلیس ما أفسدته باللیل إذا جبار و الجبار الهدر الذی لا شی‌ء فیه .. و قد حكم سلیمان بن داود بما ذكرناه فمدحهما اللّه فقال تعالی وَ كُلًّا آتَیْنا حُكْماً وَ عِلْماً «1» كما قرئ .. علی أحمد بن محمد بن الحجاج عن یحیی بن سلیمان قال حدثنی عبد اللّه بن وهب قال أخبرنی مالك بن أنس عن زید بن أسلّم فی قول اللّه عز و جل وَ كُلًّا آتَیْنا حُكْماً وَ عِلْماً .. قال قال زید بن أسلّم الحكم و الحكمة العقل قال مالك و إنه لیقع بقلبی أن الحكمة هی الفقه فی دین اللّه تعالی .. [قال أبو جعفر] و الذی ذكرناه من تضمین أصحاب الماشیة ما أصابت باللیل مع ما صحّ عن النبی صلّی اللّه علیه و سلّم قول أكثر الفقهاء منهم مالك و الشافعی.
______________________________
(1) سورة: الأنبیاء، الآیة: 79
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 184

سورة الحج‌

[باب ذكر الآیة الاولی]

بسم اللّه الرحمن الرحیم حدثنا .. یموت باسناده عن ابن عباس قال و سورة الحج نزلت بمكة سوی ثلاث آیات فانهنّ نزلن بالمدینة فی ستة نفر من قریش ثلاثة منهم مؤمنون و ثلاثة كافرون .. فأما المؤمنون منهم فهم عبیدة بن الحارث و حمزة بن عبد المطلب و علی بن أبی طالب دعاهم للبراز عتبة و شیبة ابنا ربیعة و الولید بن عتبة فأنزل اللّه تعالی ثلاث آیات مدنیات و هن هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِی رَبِّهِمْ فَالَّذِینَ «1» الی تمام الآیات الثلاث .. [قال أبو جعفر] وجدنا فی هذه السورة أربعة مواضع تصلح فی هذا الكتاب .. منهن قول اللّه تعالی فَكُلُوا مِنْها وَ أَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِیرَ «2» .. و قال جل ثناؤه فَكُلُوا مِنْها وَ أَطْعِمُوا الْقانِعَ وَ الْمُعْتَرَّ «3» ..
فمن العلماء من قال ذبح الضحایا ناسخ لكل ذبح كان قبله حتی قال محمد بن الحسن فی املائه كانت العقیقة تفعل فی الجاهلیة ثم فعلت فی أول الاسلام ثم نسخت بذبح الضحیة فمن شاء فعلها و من شاء تركها .. و احتج بعض الكوفیین بقول محمد بن علی بن الحسین بنسخ ذبح الضحیة لما قبله .. و قد خولف محمد بن علی بن الحسین فی هذا و احتج علیه بفعل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم و قوله فی العقیقة و سنذكر ذلك إن شاء اللّه .. و قال بعض العلماء فَكُلُوا مِنْها ناسخ لفعلهم لأنهم كانوا یحرمون لحوم الضحیة علی أنفسهم و لا یأكلون منها شیئا فنسخ ذلك بقوله فَكُلُوا مِنْها و بقول النبی صلّی اللّه علیه و سلّم من ضحّی فلیأكل من أضحیته إلا أن العلماء علی ان هذا الامر ندب لا إیجاب و ان كانوا یستحبون الأكل منها كما قال مالك و اللیث یستحب أن یأكل من لحم أضحیته لقول اللّه تعالی فَكُلُوا مِنْها .. و قال الزهری من السنة أن تأكل أولا من الكبد و أكثر العلماء منهم ابن مسعود و ابن عمر و عطاء و الثوری یستحبون أن یتصدق بالثلث و یطعم الثلث و یأكل الثلث هو و أهله .. و اختلف العلماء فی الإدخار علی ثلاثة أقوال .. فمنهم من قال لا یدخر منها بعد ثلاث .. و منهم من قال یدخر منها الی أی وقت شاء .. و منهم من قال ان كان بالناس حاجة الیها فلا یدخر بعد ثلاث .. فممن قال بالأول علی بن أبی طالب و ابن عمر كما قرئ .. علی أحمد بن محمد بن حجاج عن یحیی بن عبد اللّه بن بكیر قال حدثنا اللیث قال حدثنی عقیل عن ابن شهاب عن أبی عبید مولی أبی أزهر قال شهدت علی بن أبی طالب كرّم اللّه وجهه صلّی بنا العید و عثمان محصور رضی اللّه عنه ثم خطبنا فقال لا تدخروا شیئا من لحم أضاحیكم بعد
______________________________
(1) سورة: الحج، الآیة: 19
(2) سورة: الحج، الآیة: 28
(3) سورة: الحج، الآیة: 36
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 185
ثلاث فان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم نهی عن ذلك .. [قال أبو جعفر] و حدثنا .. أبو اسحاق إبراهیم بن شریك قال حدثنا أحمد بن عبد اللّه بن یونس قال حدثنا اللیث عن نافع عن ابن عمر ان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم قال لا یأكل أحدكم من لحم أضحیته فوق ثلاثة أیام .. [قال أبو جعفر] و هذان الحدیثان صحیحان من قول النبی صلّی اللّه علیه و سلّم الا أنه قد تؤول حدیث ابن عمر انه منسوخ كما حدثنا .. بكر بن سهل قال حدثنا عبد اللّه بن یوسف قال أنبأنا مالك عن أبی الزبیر المكی ان جابر بن عبد اللّه أخبره ان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم نهی أن تؤكل لحوم الضحایا بعد ثلاث ثم قال بعد كلوا و تزوّدوا و ادخروا و هذا نسخ بیّن و به قال أبو سعید الخدری و بریدة الأسلمی قالا قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم إنی كنت نهیتكم عن لحوم الأضاحی بعد ثلاث ألا فكلوا و تزوّدوا ..
و القول الثالث أن نهی النبی صلّی اللّه علیه و سلّم عن أكل لحوم الضحایا إنما كان لعلة بینتها عائشة رضی اللّه عنها قالت دفت دافة من البادیة بحضرة الأضحی فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم كلوا و تصدقوا و لا تدخروا بعد ذلك ثم قال انما نهیتكم من أجل الدافة فكلوا و ادخروا فهذا من أحسن ما قیل فی هذا حتی تتفق الأحادیث و لا تتضاد و یكون قول أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب و عثمان محصورا لأن الناس كانوا فی شدة محتاجین ففعل كما فعل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم حین قدمت الدافة .. و الدلیل علی هذا ما حدثناه .. إبراهیم بن شریك قال حدثنا أحمد قال حدثنا اللیث قال حدثنی الحارث بن یعقوب عن یزید بن أبی زید عن امرأته انها سألت عائشة رضی اللّه عنها عن لحوم الاضاحی فقالت قدم علینا علی بن أبی طالب رضی اللّه عنه من سفر له فقدّمنا الیه فأبی أن یأكله حتی سأل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم فسأله فقال كل من ذی الحجة الی ذی الحجة .. [قال أبو جعفر] الدافة الجماعة بالدال غیر معجمة و یقال ذففت علی الجریح بالذال المعجمة اذا أجهزت علیه مشتق مما حكاه أبو زید عن العرب ذف الامر و استذف اذا تهیأ .. و منه یقال خفیف ذفیف .. و قول محمد بن الحسن ان الضحیة نسخت العقیقة قول لا دلیل معه فیه .. و الذی روی عن محمد بن علی نسخت الضحیة كل ذبح معناه كل ذبح مكروه و أما العقیقة فذبح مندوب كالضحیة كما قرئ .. علی أحمد بن شعیب عن الحسین بن حریث قال حدثنا الفضل و هو ابن موسی عن الحسین بن واقد عن عبد اللّه بن بریدة عن أبیه ان النبی صلّی اللّه علیه و سلّم عق عن الحسن و الحسین و فی حدیث ابن عباس بكبشین كبشین و قرئ .. علی محمد بن عمرو بن خالد عن أبیه قال حدثنا ابن عیینة عن عمرو عن عطاء عن حبیبة ابنة میسرة عن أم كرز ان النبی صلّی اللّه علیه و سلّم قال عن الغلام شاتان مكافئتان و عن الجاریة شاة .. [قال أبو جعفر] فهذا فعل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم و قول الصحابة و التابعین ..
فمن الصحابة ابن عباس و ابن عمر و عبد اللّه بن عمرو و سمرة و فاطمة و عائشة رضی اللّه
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 186
عنهم .. و من التابعین القاسم و عروة و یحیی الانصاری و عطاء و قال مالك هو الأمر الذی لا اختلاف فیه عندنا و هو قول الشافعی و أحمد و أبی ثور الا ان مالكا یقول شاة عن الغلام و شاة عن الجاریة و الشافعی و أصحاب الحدیث علی حدیث أمر كرز و الحجة لمالك الحدیث ان فاطمة عقت عن الحسن و الحسین بكبشین .. و أما الحسن البصری فانه قال العقیقة واجبة علی الرجل ان لم یعق عنه عق عن نفسه و هی عند غیره بمنزلة الضحیة مندوب الیها الا ان أبا حنیفة .. قال الضحیة واجبة علی كل من وجد الیها سبیلا و علی الرجل أن یضحی عن ولده و خالفه أكثر أهل العلم و احتجوا بأن اللّه تعالی لم یوجبها فی كتابه و لا أوجبها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم لأن حدیث أبی بردة بن نیار یتأول فیه انه أوجبها علی نفسه .. و قد احتج الشافعی بقول رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم من رأی هلال ذی الحجة فأراد أن یضحی فلا یحلق له شعرا و لا یقلم له ظفرا و قوله صلّی اللّه علیه و سلّم فأراد یدل علی التخییر ان شاء فعل و ان شاء لم یفعل و فی الحدیث ان أبا بكر و عمر رضی اللّه عنهما لم یكونا یضحیان مخافة ان تتوهم الناس ان ذلك واجب و كذا قال ابن مسعود و بلال و ابن عمر خمسة من الصحابة لم یوجبوا الضحیة .. قال زید بن أسلّم مكافئتان مشتبهتان یذبحان جمیعا .. و قال أحمد مكافئتان متساویتان .. قال الاصمعی أصل العقیقة الشعر الذی یولد المولود و هو علی رأسه و كذلك هو فی البهائم .. فقیل عقیقة لأنها اذا ذبحت حلق ذلك الشعر و أنكر أحمد هذا القول .. و قال الذبیحة العقیقة .. [قال أبو جعفر] و الذی قال أحمد لا یمتنع فی اللغة لأنه یقال عق اذا قطع و منه عق فلان والدیه.

باب ذكر الآیة الثانیة

قال اللّه عز و جل أُذِنَ لِلَّذِینَ یُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا «1» حدثنا .. أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبد الرزاق قال أنبأنا سفیان الثوری عن مسلّم البطین عن سعید بن جبیر عن ابن عباس انه قرأ أُذِنَ لِلَّذِینَ یُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا .. قال و هی أول آیة نزلت فی القتال .. [قال أبو جعفر] فكانت هذه ناسخة للمنع من القتال .. و قال ابن زید نسخ قوله وَ ذَرُوا الَّذِینَ یُلْحِدُونَ فِی أَسْمائِهِ «2» الامر بالقتال .. و خالفه غیره فقال لا معنی هاهنا للناسخ و المنسوخ لأن قوله وَ ذَرُوا الَّذِینَ یُلْحِدُونَ فِی أَسْمائِهِ تهدید لهم و هذا لا ینسخ.
______________________________
(1) سورة: الحج، الآیة: 39
(2) سورة: الأعراف، الآیة: 180
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 187

باب ذكر الآیة الثالثة

قال اللّه تعالی وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَ لا نَبِیٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّی أَلْقَی الشَّیْطانُ فِی أُمْنِیَّتِهِ فَیَنْسَخُ اللَّهُ ما یُلْقِی الشَّیْطانُ «1» قال یبطل ما ألقاه الشیطان ثُمَّ یُحْكِمُ اللَّهُ آیاتِهِ «1» .. [قال أبو جعفر] هذا من قول العرب نسخت الشمس الظل اذا أزالته .. و روی فی الذی نسخه اللّه تعالی مما ألقاه الشیطان أحادیث .. فمنها ما رواه الزهری عن أبی بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام قال قرأ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم و النجم فلما بلغ أَ فَرَأَیْتُمُ اللَّاتَ وَ الْعُزَّی «2» قال و ان شفاعتهم لترتجی فسها فلقیه المشركون فسلموا علیه و فرحوا فأنزل اللّه تعالی وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَ لا نَبِیٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّی أَلْقَی الشَّیْطانُ فِی أُمْنِیَّتِهِ الآیة .. [قال أبو جعفر] و هذا حدیث مفظع و فیه هذا الأمر العظیم و كذا حدیث قتادة و زاد فیه و انهن لهن الغرانیق العلی .. و لو صح هذا لكان له تأویل قد ذكرناه فی أول الكتاب و أفظع من هذا ما ذكره الواقدی عن كثیر بن زید عن المطلب بن عبد اللّه قال فسجد المشركون كلهم الا الولید بن المغیرة فانه أخذ ترابا من الارض فرفعه الی وجهه و یقال انه أبو أحیحة سعید العاصی .. حتی نزل جبریل فقرأ علیه النبی صلّی اللّه علیه و سلّم هذا فقال له ما جئتك به و أنزل اللّه تعالی لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَیْهِمْ شَیْئاً قَلِیلًا «3» الآیة .. [قال أبو جعفر] و هذا حدیث منكر مفظع و لا سیما و هو من حدیث الواقدی و الدین و العقل یمنعان من هذا الا أنه ان كان قال معتمدا و معاذ اللّه أن یكون ذلك ففیه مساعدة لهم علی دینهم لأن هذا قولهم ..
ان كان ناسیا فكیف صبر و لم یتبین ذلك حتی أتاه الوحی من اللّه تعالی ثم رجعنا الی الآیة فوجدنا فیها قول من لم یرجع الی قوله و علمه .. [قال أبو جعفر] حدثنا .. بكر بن سهل قال حدثنا أبو صالح قال حدثنی معاویة بن صالح عن علی بن أبی طلحة عن ابن عباس وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَ لا نَبِیٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّی أَلْقَی الشَّیْطانُ فِی أُمْنِیَّتِهِ قال إذا حدث ألقی الشیطان فی حدیثه .. [قال أبو جعفر] فالتأویل علی هذا ألقی الشیطان فی سره و خاطره ما یوهمه به أنه الصواب ثم نبهه اللّه تعالی علی ذلك .. و قد صح عنه صلّی اللّه علیه و سلّم أنه قال انه لیغان «4»
______________________________
(1) سورة: الحج، الآیة: 52
(2) سورة: النجم، الآیة: 19
(3) سورة: الإسراء، الآیة: 74
(4) غین علی قلبه غینا غطی علیه و ألبس.
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 188
علی قلبی فأستغفر اللّه فی الیوم و اللیلة مائة مرة .. و فی السیر أن كبراء قریش جاءوه فقالوا یا محمد قد استوعبت ضعفاءنا و سفهاءنا و ذلك حین أظهر دعوته و تثبتت براهینه فأمسك عنّا حتی ننظر فی أمرك فإن تبین لنا اتبعناك و ان لم یتبین لنا كنت علی أمرك و نحن علی أمرنا فوقع له صلّی اللّه علیه و سلّم أن هذا انصاف ثم نبهه اللّه تعالی بالخاطر و التذكر لما أمره اللّه من اظهار الدعوة و أن یصدع بما أمر به ثم نزل علیه الوحی لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَیْهِمْ شَیْئاً قَلِیلًا «1» و ما بعد فیكون علی هذا أَلْقَی الشَّیْطانُ فِی أُمْنِیَّتِهِ أی فی سره .. و القول الآخر علیه أكثر التأویل قال سعید بن جبیر فِی أُمْنِیَّتِهِ فی قراءته .. و قال مجاهد فی قوله و قال الضحاك الأمنیة التلاوة .. [قال أبو جعفر] هذا معروف فی اللغة منه لا یَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلَّا أَمانِیَ «2» فیكون التقدیر علی هذا أَلْقَی الشَّیْطانُ فی تلاوة النبی صلّی اللّه علیه و سلّم إما شیطان من الإنس و إما شیطان من الجن و متعارف فی الآثار أن الشیطان كان یظهر فی كثیر وقت النبی صلّی اللّه علیه و سلّم قال اللّه تعالی وَ إِذْ زَیَّنَ لَهُمُ الشَّیْطانُ أَعْمالَهُمْ «3» و قال لا غالِبَ لَكُمُ الْیَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَ إِنِّی جارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلی عَقِبَیْهِ «4» فألقی الشیطان هذا فی تلاوة النبی صلّی اللّه علیه و سلّم من غیر أن ینطق به النبی صلّی اللّه علیه و سلّم .. و الدلیل علی هذا أن ظاهر القرآن كذا و أن الثقات من أصحاب السیر كذا یروون كما روی موسی بن عقبة عن الزهری أَلْقَی الشَّیْطانُ فی تلاوة النبی صلّی اللّه علیه و سلّم فان شفاعتهم ترتجی فوقرت فی مسامع المشركین فاتبعوه جمیعا و سجدوا و أنكر ذلك المسلمون و لم یسمعوه و اتصل الخبر بالمهاجرین فی أرض الحبشة و أن الجماعة قد تبعت النبی صلّی اللّه علیه و سلّم فقدموا .. و قد نسخ اللّه ما أَلْقَی الشَّیْطانُ فلحقهم الأذی و العنت .. [قال أبو جعفر] و قد تبیّن معنی الآیة بهذا و بغیره .. قال ابن جریج لِیَجْعَلَ ما یُلْقِی الشَّیْطانُ فِتْنَةً لِلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَ الْقاسِیَةِ قُلُوبُهُمْ «5» قال القاسیة قلوبهم المشركون .. [قال أبو جعفر] و هذا قول بیّن لأنهم لم تلن قلوبهم لاتباع الحق وَ الَّذِینَ فِی قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ المنافقون.
______________________________
(1) سورة: الحج، الآیة: 52
(2) سورة: البقرة، الآیة: 78
(3) سورة: الأنفال، الآیة: 48
(4) سورة: الأنفال، الآیة: 48
(5) سورة: الحج، الآیة: 53
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 189

باب ذكر الآیة الرابعة

قال اللّه عز و جل وَ جاهِدُوا فِی اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ «1» .. من جعلها منسوخة قال هی مثل قوله تعالی اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ «2» فنسخها عنده فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ «3» .. [قال أبو جعفر] و هذا لا نسخ فیه .. و قد بیّناه فی سورة آل عمران.
______________________________
(1) سورة: الحج، الآیة: 78
(2) سورة: آل عمران، الآیة: 102
(3) سورة: التغابن، الآیة: 16
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 190

سورة المؤمنین‌

بسم اللّه الرحمن الرحیم حدثنا .. یموت بإسناده عن ابن عباس قال سورة المؤمنین نزلت بمكة فهی مكیة فی روایة المعتمر عن خالد عن محمد بن سیرین قال كان النبی صلّی اللّه علیه و سلّم ینظر الی السماء فی الصلاة فأنزل اللّه هذه الآیة الَّذِینَ هُمْ فِی صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ «1» فجعل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم وجهه حیث یسجد .. و فی روایة قاسم كان المسلمون یلتفتون فی الصلاة فینظرون فأنزل اللّه تعالی قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِینَ هُمْ فِی صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ «2» فأقبلوا علی صلاتهم و نظروا أمامهم و كانوا یستحبون ألّا یجاوز أحدهم بصره موضع سجوده .. [قال أبو جعفر] و أكثر العلماء علی ان الخشوع فی الصلاة أن ینظر الی موضع سجوده إن كان قائما .. و منهم من قال الا بمكة فإنه یستحب أن ینظر الی البیت.
______________________________
(1) سورة: المؤمنون، الآیة: 2
(2) سورة: المؤمنون، الآیتان: (1- 2)
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 191

سورة النور

[باب ذكر الآیة الاولی]

بسم اللّه الرحمن الرحیم حدثنا .. یموت باسناده عن ابن عباس قال و سورة النور نزلت بالمدینة فهی مدنیة ..
[قال أبو جعفر] قد ذكرنا قوله الزَّانِیَةُ وَ الزَّانِی «2» الآیة و انه ناسخ لقوله وَ اللَّاتِی یَأْتِینَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ «2» الآیتین من سورة النساء و وجدنا فی هذه السورة آیات سوی هذه .. فأولاهن قوله الزَّانِی لا یَنْكِحُ إِلَّا زانِیَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَ الزَّانِیَةُ لا یَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَ حُرِّمَ ذلِكَ عَلَی الْمُؤْمِنِینَ «1» .. للعلماء فی هذه الآیة أربعة أقوال .. منهم من قال هی منسوخة .. و منهم من قال النكاح هاهنا الوطء .. و منهم من قال الزانی هاهنا المجلود فی الزنا لا ینكح الا زانیة مجلودة فی الزنا أو مشركة و كذلك الزانیة .. و منهم من قال هی الزانیة التی تكتسب بزناها و تنفق علی زوجها .. و احتجوا بأن الآیة فی ذلك أنزلت .. فممن قال هی منسوخة سعید بن المسیب كما حدثنا .. اسحاق بن إبراهیم القطان قال حدثنی یحیی بن عبد اللّه بن بكر قال حدثنا اللیث بن سعد قال حدثنا یحیی بن سعید بن قیس الأنصاری عن سعید بن المسیب فی قول اللّه تعالی الزَّانِی لا یَنْكِحُ إِلَّا زانِیَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَ الزَّانِیَةُ لا یَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ قال .. یزعمون انها نسخت بالآیة التی بعدها وَ أَنْكِحُوا الْأَیامی مِنْكُمْ «3» فدخلت الزانیة فی أیامی المسلمین .. و هذا القول الذی علیه أكثر العلماء و أهل الفتیا یقولون ان من زنی بامرأة فله أن یتزوّجها و لغیره أن یتزوّجها و هو قول ابن عمر و سالم و جابر بن زید و عطاء و طاوس و مالك بن أنس روی عنه ابن وهب انه سئل عن الرجل یزنی بامرأة ثم یرید نكاحها قال ذلك له بعد أن یستبرئ من وطئها و هو قول أبی حنیفة و أصحابه و قال الشافعی فی الآیة القول فیها كما قال سعید بن المسیب ان شاء اللّه تعالی انها منسوخة .. و ممن قال بالقول الثانی ان النكاح هاهنا الوطء ابن عباس كما حدثنا .. بكر بن سهل الدمیاطی قال حدثنا أبو صالح قال حدثنی معاویة بن صالح عن علی بن أبی طلحة عن ابن عباس و قوله الزَّانِی لا یَنْكِحُ إِلَّا زانِیَةً أَوْ مُشْرِكَةً الآیة .. قال
______________________________
(1) سورة: النور، الآیة: 1، 3
(2) سورة: النساء، الآیة: 15
(3) سورة: النور، الآیة: 32
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 192
الزانی من أهل القبلة لا یزنی الا بزانیة مثله و هی من أهل القبلة أو مشركة و الزانیة من أهل القبلة لا تزنی الا بزان مثلها من أهل القبلة أو مشرك و حرم الزنا علی المؤمنین .. و اختار محمد بن جریر هذا القول و أومی الی أنه أولی الأقوال و احتج بأن الزانیة من المسلمین لا یجوز لها أن تتزوّج مشركا بحال و ان الزانی من المسلمین لا یجوز له أن یتزوّج مشركة بحال فقد تبین ان المعنی الزانی من المسلمین لا یزنی الا بزانیة لا تستحل الزنا من المسلمین أو مشركة تستحل الزنا و الزانیة لا تزنی الا بزان من المسلمین لا یستحل الزنا أو مشرك یستحل الزنا قال وَ حُرِّمَ ذلِكَ الزنا و هو النكاح المذكور قبل هذا .. و القول الثالث ان الزانی المجلود لا یَنْكِحُ إِلَّا زانِیَةً مجلودة أو مشركة و كذا الزانیة قول الحسن كما قرئ .. علی إبراهیم بن موسی الجوزی عن یعقوب الدورقی قال حدثنا وكیع عن یزید بن إبراهیم عن الحسن قال الزانی المجلود لا یَنْكِحُ إِلَّا زانِیَةً مجلودة مثله أو مشركة و الزانیة المجلودة لا یَنْكِحُها إِلَّا زانٍ مجلود مثلها أو مشرك حدثنا .. علی بن الحسین قال قال الحسن بن محمد الزعفرانی قال حدثنا عفان قال حدثنا یزید بن زریع قال حدثنا حبیب المعلم قال ..
جاء رجل من الكوفة الی عمرو بن شعیب فقال أ لا تعجب من الحسن یزعم أن الزانی المجلود لا ینكح الا مثله و یتأول هذه الآیة الزَّانِی لا یَنْكِحُ إِلَّا زانِیَةً أَوْ مُشْرِكَةً فقال و ما تعجب من هذا حدثنی .. سعید بن أبی سعید عن أبی هریرة عن النبی صلّی اللّه علیه و سلّم قال الزانی المجلود لا ینكح الا مثله .. [قال أبو جعفر] و هذا الحدیث یجوز أن یكون منسوخا كما نسخت الآیة فی قول سعید بن المسیب .. و القول الرابع أن هذا فی نسوة كان الرجل یتزوج إحداهن علی أن تنفق علیه مما تكسبه من الزنا فحرم اللّه نكاحهن و هو قول مجاهد كما قرئ .. علی أحمد بن محمد بن الحجاج عن یحیی بن سلیمان قال حدثنا أسباط بن محمد قال حدثنا عبد الملك بن أبی سلیمان عن القاسم بن أبی بردة عن مجاهد فی قول اللّه تعالی الزَّانِی لا یَنْكِحُ إِلَّا زانِیَةً أَوْ مُشْرِكَةً قال .. كان نساء بغایا فكانت منهن امرأة تدعی أم مهزول «1» فكان الرجل یتزوج إحداهن لتنفق علیه من كسبها فنهاهم اللّه عز و جل عن ذلك أن یتزوج أحد من المسلمین قرئ .. علی أحمد بن شعیب عن عمرو بن علی قال حدثنی المعتمر عن أبیه عن الحضرمی یعنی ابن لاحق عن القاسم بن محمد بن عبد اللّه بن عمرو قال .. كانت امرأة یقال لها أم مهزول و كانت بأجیاد و كانت تسافح فأراد رجل من المسلمین
______________________________
(1) فی الاصل هنا هكذا رسمه (محرم) و فی الذی بعده أم مهزول بخط واضح فاتبعناه و لم نقف علیه فی غیر الاصل فلیحرر.
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 193
یتزوجها فأنزل اللّه تعالی وَ الزَّانِیَةُ لا یَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَ حُرِّمَ ذلِكَ عَلَی الْمُؤْمِنِینَ .. [قال أبو جعفر] و هذا الحدیث من أحسن ما روی فی هذه الآیة ذكر فیه السبب الذی نزلت فیه فاذا صح جاز أن تكون الآیة الناسخة بعده و اللّه أعلم بحقیقة ذلك.

باب باب ذكر الآیة الثانیة

قال اللّه عز و جل یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُیُوتاً غَیْرَ بُیُوتِكُمْ حَتَّی تَسْتَأْنِسُوا وَ تُسَلِّمُوا عَلی أَهْلِها ذلِكُمْ خَیْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ «1» .. العلماء فیها قولان: فمنهم من قال لما قال لا تَدْخُلُوا بُیُوتاً غَیْرَ بُیُوتِكُمْ حَتَّی تَسْتَأْنِسُوا وَ تُسَلِّمُوا عَلی أَهْلِها كان هذا عاما فی جمیع البیوت ثم نسخ من هذا و استثنی فقال تعالی لَیْسَ عَلَیْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُیُوتاً غَیْرَ مَسْكُونَةٍ فِیها مَتاعٌ لَكُمْ «2» .. و منهم من قال الآیتان محكمتان لقوله تعالی لا تَدْخُلُوا بُیُوتاً غَیْرَ بُیُوتِكُمْ حَتَّی تَسْتَأْنِسُوا قال تستأذنوا وَ تُسَلِّمُوا عَلی أَهْلِها یعنی به البیوت التی لها أرباب و سكان و الآیة الأخری فی البیوت التی لیس لها أرباب یعرفون و لا سكان ..
و القول الأول یروی عن ابن عباس و عكرمة .. [قال أبو جعفر] كما حدثنا .. أبو الحسن علیل بن أحمد قال حدثنا محمد بن هشام قال حدثنا عاصم بن سلیمان قال حدثنا جویبر عن الضحاك عن ابن عباس یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُیُوتاً غَیْرَ بُیُوتِكُمْ حَتَّی تَسْتَأْنِسُوا وَ تُسَلِّمُوا عَلی أَهْلِها قال .. فیه تقدیم و تأخیر حتّی تسلّموا علی أهلها و تستأنسوا ثم استثنی البیوت التی علی طرق الناس و التی ینزلها المسافرون فقال عزّ و جلّ لَیْسَ عَلَیْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُیُوتاً غَیْرَ مَسْكُونَةٍ یقول لیس لها أهل و لا سكان بغیر تسلیم و لا استئذان فِیها مَتاعٌ لَكُمْ قال متاع من الحر و البرد .. و روی یزید بن عكرمة و الحسن لا تَدْخُلُوا بُیُوتاً غَیْرَ بُیُوتِكُمْ حَتَّی تَسْتَأْنِسُوا وَ تُسَلِّمُوا عَلی أَهْلِها قالا ثم نسخ من ذلك و استثنی فقال تعالی لَیْسَ عَلَیْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُیُوتاً غَیْرَ مَسْكُونَةٍ فِیها مَتاعٌ لَكُمْ .. و القول الثانی أنهما محكمتان قول أكثر أهل التأویل .. فأما ما روی عن ابن عباس و بعض الناس یقول عن سعید بن جبیر أنه قال أخطأ الكاتب إنما هو حتّی تستأذنوا فعظیم محظور القول به لأن اللّه تعالی قال لا یَأْتِیهِ الْباطِلُ مِنْ بَیْنِ یَدَیْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ «3» و معنی حتی تستأنسوا بیّن عند
______________________________
(1) سورة: النور، الآیة: 27
(2) سورة: النور، الآیة: 29
(3) سورة: فصلت، الآیة: 42
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 194
أهل التأویل و أهل العربیة كما قرئ .. علی عبد اللّه بن أحمد بن عبد السلام عن أبی الأزهر قال حدثنا روح عن عثمان بن غیاث عن عكرمة حتی تستأنسوا قال حتی تستأذنوا و قال هو التنحنح و التنخم .. [قال أبو جعفر] و أهل العربیة یشتقونه من جهتین احداهما حتی تستأنسوا حتی تستعلموا. قال جلّ ثناؤه آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً «1» .. و الجهة الأخری حتی تأنسوا بأن الذی تریدون الدخول علیه قد رضی دخولكم .. و الذی ذكرناه عن ابن عباس من التقدیم و التأخیر حسن أی لا تَدْخُلُوا بُیُوتاً غَیْرَ بُیُوتِكُمْ لها أرباب و فیها سكان حتی تسلموا أو تستأذنوا فتقولوا السلام علیكم ادخل .. و ما كان فی معنی هذا من التنحنح و التنخم و الإذن ذلِكُمْ خَیْرٌ لَكُمْ من أن تدخلوا بغیر اذن فتروا ما لا یجوز أن تروه و تعصوا اللّه لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ما یجب للّه علیكم من طاعته فتلزمونه .. فهذه محكمة فی حكم غیر حكم الثانیة .. و الثانیة قد تكلم فی معناها العلماء كما قرئ .. علی أحمد بن محمد بن الحجاج عن یحیی بن سلیمان قال حدثنا أبو معاویة قال حدثنا الحجاج بن أرطاة عن سالم المكی عن محمد بن علی بن الحنفیة فی قوله لَیْسَ عَلَیْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُیُوتاً غَیْرَ مَسْكُونَةٍ فِیها مَتاعٌ لَكُمْ قال .. هی بیوت الخانات و بیوت الأسواق .. فأما قول عبد الرحمن بن زید هی بیوت التجار و الحوانیت فی القیساریات و الاسواق .. فقول مرغوب عنه لأن الحوانیت التی فیها متاع الناس لا یحل دخولها الا باذن صاحبها و ان فتحها و جلس فیها لأن الناس احق بأملاكهم و أیضا فنص القرآن فِیها مَتاعٌ لَكُمْ و لیس متاع التجار بمتاع للمخاطبین: و قد قال مجاهد هی بیوت كانت فی طریق المدینة تضع الناس فیها امتعتهم فأذن لهم فی دخولها بغیر اذن .. [قال أبو جعفر] فاذا كانت هذه البیوت انما بنیت لهذا فهی مباحات لا یحتاج فیها الی اذن. و من أجمع ما قیل فی الآیة قول جابر بن زید فی قوله تعالی لَیْسَ عَلَیْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُیُوتاً غَیْرَ مَسْكُونَةٍ فِیها مَتاعٌ لَكُمْ قال لیس یعنی بالمتاع الجهاز و لكن سواه من الجادة. أما منزل ینزله قوم من لیل أو نهار أو خربة یدخلها الرجل لقضاء حاجة أو دار ینزل الیها فهذا متاع و كل الدنیا متاع .. [قال أبو جعفر] و هذا شرح حسن من قول إمام من أئمة المسلمین و هو موافق للغة و المتاع فی كلام العرب المنفعة و منه أمتع اللّه بك و منه فمتعوهن فالمعنی علی قوله لَیْسَ عَلَیْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُیُوتاً غَیْرَ مَسْكُونَةٍ فِیها مَتاعٌ لَكُمْ أی فیها منفعة لكم من قضاء حاجة أو دخول رجل الی دار یطلبها لشراء أو اجارة .. و ما تقدم من قول العلماء سوی ابن زید داخل فی هذا.
______________________________
(1) سورة: القصص، الآیة: 29
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 195

باب ذكر الآیة الثالثة

قال اللّه عز و جل یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لِیَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِینَ مَلَكَتْ أَیْمانُكُمْ وَ الَّذِینَ لَمْ یَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَ حِینَ تَضَعُونَ ثِیابَكُمْ مِنَ الظَّهِیرَةِ وَ مِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ «1» .. للعلماء فی هذه الآیة ستة أقوال .. فمنهم من قال هی منسوخة ..
و منهم من قال هی ندب غیر واجبة .. و منهم من قال هی فی النساء دون الرجال .. و منهم من قال كان العمل بها واجبا لأن القوم لم یكن لهم إغلاق و لا ستور فإن عاد الأمر إلی ذلك كان العمل بها واجبا .. و منهم من قال هی محكمة واجب علی المسلمین أن یعملوا بها كما أمر اللّه سبحانه لأن أمره حتم الا أن یقع دلیل علی ذلك .. فممن قال انها منسوخة سعید بن المسیب كما حدثنا .. جعفر بن مجاشع قال حدثنا إبراهیم بن اسحاق الحربی قال بلغنی عن داود عن سعید بن المسیب یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لِیَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِینَ مَلَكَتْ أَیْمانُكُمْ الآیة قال .. هی منسوخة قال الحربی و حدثنا بندار قال حدثنا غندر قال حدثنا شعبة عن أبی یسر عن سعید بن جبیر یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لِیَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِینَ مَلَكَتْ أَیْمانُكُمْ قال لا یعمل بها الیوم .. [قال أبو جعفر] فهذا قول .. و روی أیوب عن أبی قلابة فی قوله تعالی یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لِیَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِینَ مَلَكَتْ أَیْمانُكُمْ وَ أَشْهِدُوا إِذا تَبایَعْتُمْ «2» قال انما أمر بهذا نظرا لهم حدثنا .. جعفر بن مجاشع قال حدثنا إبراهیم بن اسحاق قال حدثنا عبید اللّه قال حدثنا یحیی بن سعید قال حدثنا سفیان عن أبی حصین عن أبی عبد الرحمن فی قوله یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لِیَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِینَ مَلَكَتْ أَیْمانُكُمْ قال النساء عنی بهذا فهذه ثلاثة أقوال .. هذا القول منها بین الخطأ لأن الذین لا یكون للنساء فی كلام العرب انما یكون للنساء اللاتی و اللائی و حدثنا .. جعفر بن مجاشع قال حدثنا إبراهیم بن اسحاق قال حدثنا أبو بكر قال حدثنا یحیی بن یمان قال حدثنا سفیان عن لیث عن نافع عن ابن عمر لِیَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِینَ مَلَكَتْ أَیْمانُكُمْ قال .. هی فی الرجال دون النساء .. و هذا القول الرابع یستحسنه أهل النظر لأن الذین فی كلام العرب للرجال و ان كان یجوز أن یدخل معهم النساء فانما یقع ذلك بدلیل و الكلام علی ظاهره غیر أن فی اسناده لیث بن سلیم و قرئ ..
علی أحمد بن محمد بن الحجاج عن یحیی بن سلیمان قال حدثنا عبد الرحمن بن زیاد قال
______________________________
(1) سورة: النور، الآیة: 58
(2) سورة: البقرة، الآیة: 282
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 196
حدثنا الدراوردی عن عمرو بن أبی عمرو عن عكرمة ان رجالا من أهل العراق سألوا ابن عباس كیف تری فی هذه الآیة من كتاب اللّه عز و جل قوله تعالی یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لِیَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِینَ مَلَكَتْ أَیْمانُكُمْ «1» لا یعمل بها أحد .. قال ابن عباس ان اللّه رفیق حلیم رحیم بالمؤمنین یحب السترة علیهم و كان القوم لیس لهم ستور و لا حجال فربما دخل الخادم أو الولد أو الیتیمة و هو مع أهله فی حال جماع فأمر اللّه بالاستئذان فی هذه الحالات الثلاث .. [قال أبو جعفر] و حدثنا .. بهذا الحدیث جعفر بن مجاشع قال حدثنا إبراهیم قال حدثنا ابن الصباح قال حدثنا خالد بن مخلد قال حدثنا سلیمان بن بلال عن عمرو عن عكرمة عن ابن عباس نحوه و زاد فیه ثم جاء اللّه بالستر و بسط الرزق فاتخذ الناس الستور و الحجال فرأی الناس ذلك قد كفاهم من الاستئذان الذی أمروا به .. و هذا القول الخامس مشبه حسن و لیس فیه دلیل علی نسخ الآیة و لكن علی انها كانت علی حال ثم زالت فان كان مثل ذلك الحال فحكمها قائم كما كان .. و القول السادس انها محكمة واجبة ثابتة علی الرجال و النساء قول أكثر أهل العلم كما حدثنا .. محمد بن جعفر الأنباری قال حدثنا عبد اللّه بن یحیی قال حدثنا یعلی بن عبید قال حدثنا عبد الملك بن أبی سلیمان عن عطاء عن ابن عباس قال ثلاث آیات من القرآن قد ترك الناس العمل بهن قال عطاء حفظت اثنتین و نسیت واحدة فی قول اللّه تعالی یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لِیَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِینَ مَلَكَتْ أَیْمانُكُمْ حتی یختم الآیة .. و فی الرجل یقول للآخر أنا أكرم منك و لیس أحد أكرم من أحد الا بالتقوی .. و هو قول اللّه تعالی یا أَیُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَ أُنْثی وَ جَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَ قَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ «2» .. [قال أبو جعفر] و هذا القول بأن الآیة محكمة عامة قول القاسم بن محمد و جابر بن زید و الشعبی كما قرئ .. علی إبراهیم بن موسی الجوزی عن یعقوب الدورقی قال حدثنا وكیع عن سفیان عن موسی بن أبی عائشة عن الشعبی یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لِیَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِینَ مَلَكَتْ أَیْمانُكُمْ .. قال لیست منسوخة قلت ان الناس لا یعلمون بهذا قال اللّه المستعان.
______________________________
(1) سورة: النور، الآیة: 58
(2) سورة: الحجرات، الآیة: 13
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 197

باب ذكر الآیة الرابعة

قال اللّه عز و جل لَیْسَ عَلَی الْأَعْمی حَرَجٌ وَ لا عَلَی الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَ لا عَلَی الْمَرِیضِ حَرَجٌ «1» الآیة .. للعلماء فیها ستة أقوال .. منهم من قال فی قوله وَ لا عَلی أَنْفُسِكُمْ «1» الی آخر الآیة انه منسوخ .. و منهم من قال فی الآیة انها لما قال تعالی یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَیْنَكُمْ بِالْباطِلِ «2» فامتنع الناس أن یأكلوا طعاما لأحد اذا دعاهم الیه حتی أنزل اللّه تعالی وَ لا عَلی أَنْفُسِكُمْ الآیة و اختلف العلماء الذین قالوا هذا علی أربعة أقوال .. فمنهم من یقول فأبیح للرجل أن یأكل من هذه البیوت بغیر اذن صاحبها .. و منهم من قال أبیح له اذا أذن له .. و منهم من قال كان الأعمی و الأعرج و المریض لا یأكلون مع الناس لئلا یكره الناس ذلك فأزیل هذا .. و منهم من قال كان الانسان یتوقّی أن یأكل مع الأعمی لأنه یقصر فی الاكل و كذا الأعرج و المریض فأزیل ذلك .. و القول السادس ان الآیة محكمة .. و ممن قال هذا القول انها منسوخة من قوله وَ لا عَلی أَنْفُسِكُمْ الی آخر الآیة عبد الرحمن بن زید قال هذا شی‌ء قد انقطع كانوا فی أول الأمر لیست علی أبوابهم أغلاق علی البیوت فلا یحل لأحد أن یفتحها فذهب هذا و انقطع .. [قال أبو جعفر] و مما یدل علی حظر هذا ما حدثنا .. بكر بن سهل قال حدثنا عبد اللّه بن یوسف قال أنبأنا مالك عن نافع عن ابن عمر ان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم قال .. لا یحتلبن أحدكم ماشیة أخیه الا باذنه أ یحب أحدكم أن تؤتی مشربته فتكسر خزانته فینقل طعامه فانما تحرز لهم ضروع مواشیهم أطعمتهم فلا یحتلبن أحدكم ماشیة أحد الا باذنه .. [قال أبو جعفر] فكأن فی هذا الحدیث حظر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم هذا .. و القول بانها ناسخة قول جماعة كما حدثنا .. بكر بن سهل قال حدثنا عبد اللّه بن صالح قال حدثنی معاویة بن صالح عن علی بن أبی طلحة عن ابن عباس قال .. لما أنزل اللّه تعالی یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَیْنَكُمْ بِالْباطِلِ و ان الطعام من أفضل الاموال فلا یحل لأحد منا أن یأكل عند أحد فكف الناس عن ذلك فأنزل اللّه تعالی بعد ذلك لَیْسَ عَلَی الْأَعْمی حَرَجٌ وَ لا عَلَی الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَ لا عَلَی الْمَرِیضِ حَرَجٌ الی أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ «1» .. قال هو الرجل یوكل الرجل بضیعته و الذی رخص اللّه أن یأكل الطعام و التمر و یشرب اللبن فذهب أبو عبید الی أن هذا انما هو بعد الاذن لأن الناس
______________________________
(1) سورة: النور، الآیة: 61
(2) سورة: النساء، الآیة: 29
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 198
توقفوا أن یأكلوا لأحد شیئا اذا لم یكن ذلك علی سبیل تجارة أو عوض و ان أذن لهم صاحب الطعام فأباح اللّه ذلك ان أذن فیه صاحبه و تأوله غیره علی أن الاذن فیه و ان لم یطلق ذلك صاحبه اذا علم انه لیس ممن یمنعه و استدل علی صحة هذا القول بانه لیس فی الآیة ذكر الاذن و انما قال جل ثناؤه و أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُیُوتِكُمْ لأن منزل الرجل قد یكون فیه ما لیس له و ما یكون لأهله أَوْ بُیُوتِ آبائِكُمْ أَوْ بُیُوتِ أُمَّهاتِكُمْ «1» الی آخر الآیة و لم یذكر الابن فیها فتأول هذا بعض العلماء علی ان منزله و منزل ابنه واحد فلذلك لم یذكره و عارضه بعضهم فقال هذا تحكم علی كتاب اللّه بل الأولی فی الظاهر أن لا یكون الابن مخالفا لهؤلاء و لیس الاحتجاج بما روی عن النبی صلّی اللّه علیه و سلّم أنت و مالك لأبیك یقوی هذا فان الحدیث لو صح لم تكن فیه حجة إذ قد یجوز أن یكون النبی صلّی اللّه علیه و سلّم علم أن مال ذلك المخاطب لأبیه .. و قد قیل ان معناه أنت لأبیك و مالك مبتدأ أی و مالك لك و القاطع لهذا التوارث من الاب و الابن ..
و ممن قال ان الآیة ناسخة لما كان محظورا علیهم من الاكل مع الأعمی .. و من ذكر معه مقسم كما روی سفیان عن قیس بن مسلّم عن مقسم قالوا كانوا یتقون أن یأكلوا مع الأعمی و الأعرج و المریض حتی أنزل اللّه تعالی لَیْسَ عَلَی الْأَعْمی حَرَجٌ وَ لا عَلَی الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَ لا عَلَی الْمَرِیضِ حَرَجٌ .. [قال أبو جعفر] فهذا القول غلط لأن الآیة لَیْسَ عَلَی الْأَعْمی حَرَجٌ فكیف یكون هذا ناسخا للحظر علیهم الأكل معه و لو كان هذا یكون لیس علی الأكل مع الأعمی حرج علی ان بعض النحویین .. قد احتال لهذا القول فقال قد تكون علی بمعنی فی و فی بمعنی علی و یكون التقدیر علی هذا (لیس فی الأعمی حرج) و هذا القول بعید لا ینبغی أن یحمل علیه كتاب اللّه الا بحجة قاطعة .. و أما قول من قال كان الأعمی لا یأكل مع البصیر و كذا الأعرج و المریض لئلا یلحقه منه أذی فقول یجوز و لكن أهل التأویل علی غیره .. و القول السادس ان الآیة محكمة و انها نزلت فی شی‌ء بعینه قول جماعة من أهل العلم ممن یقتدی بقوله .. منهم سعید بن المسیب و عبید اللّه بن عبد اللّه بن عتبة فی جماعة من أهل العلم كما حدثنا .. علی بن الحسین قال حدثنا الحسن بن محمد قال حدثنا شبابة قال حدثنا أبو أویس عن الزهری عن سعید بن المسیب فی هذه الآیة لیس علیكم جناح أن تأكلوا من بیوتكم الآیة نزلت فی اناس كانوا اذا خرجوا مع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم وضعوا مفاتیح بیوتهم عند أهل العلل ممن یتخلف عن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم عند الأعمی و الأعرج و المریض و عند أقاربهم فكانوا یأذنون لهم أن یأكلوا مما فی بیوتهم اذا احتاجوا الی ذلك و كانوا یتّقون أن یأكلوا منها و یقولون نخشی أن لا تكون أنفسهم بذلك طیبة فأنزل اللّه
______________________________
(1) سورة: النور، الآیة: 61
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 199
تعالی فی ذلك هذه الآیة فأحله لهم .. و قال عبد اللّه ان الناس كانوا اذا خرجوا الی الغزو دفعوا مفاتیحهم الی الزمناء و أحلوا لهم أن یأكلوا مما فی بیوتهم فكانوا یفعلون ذلك و یتوقّون و یقولون انما أطلقوا لنا هذا عن غیر طیب نفس فأنزل اللّه تعالی لَیْسَ عَلَی الْأَعْمی حَرَجٌ حدثنا .. أحمد بن جعفر بن محمد السمان الأنباری بالأنبار قال حدثنا زید بن أخرم قال حدثنا بسر بن عمر الزهرانی قال حدثنا إبراهیم عن سعد عن صالح بن كیسان عن الزهری عن عروة عن عائشة قالت .. كان المسلمون یوعبون فی النفیر مع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم فكانوا یدفعون مفاتیحهم الی ضمنائهم و یقولون ان احتجتم فكلوا فیقولون انما أحلوه لنا من غیر طیب نفس فأنزل اللّه تعالی لَیْسَ عَلَیْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِیعاً الی آخر الآیة .. [قال أبو جعفر] یوعبون أی یخرجون بأجمعهم فی المغازی یقال أوعب بنو فلان لبنی فلان إذا خرجوا بأجمعهم و یقال بیت و عیب إذا كان واسعا یستوعب كلما جعل فیه و الضمناء هم الزمناء واحدهم ضمن مثل زمن .. [قال أبو جعفر] و هذا القول من أجل ما روی فی الآیة لما فیه عن الصحابة و التابعین من التوقیف ان الآیة نزلت فی شی‌ء بعینه فیكون التقدیر علی هذا لیس علی الاعرج حرج و لا علی الأعمی حرج و لا علیكم أن تأكلوا فأن تأكلوا خبر لیس و یكون هذا بعد الاذن .. و قال ابن زید لَیْسَ عَلَی الْأَعْمی حَرَجٌ فی الغزو و اذا كان علی هذا فلیست أن خبر لیس فأما مِنْ بُیُوتِكُمْ فمعناه من بیوت أنفسكم كذا ظاهره و قد تأوّل ذلك بعض أهل العلم علی انه بغیر اذن كما ذكرنا و روی معمر عن قتادة لا بأس أن تأكل من بیت صدیقك و ان لم یأذن لك و تأول هذا علی انه انما یكون مباحا اذا علمت انه لا یمنعك و كان صدیقا علی الحقیقة الا أن الأحادیث التی ذكرناها تدل علی الاذن و اللّه أعلم.
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 200

سورة الفرقان‌

بسم اللّه الرحمن الرحیم حدثنا .. یموت عن ابن عباس قال و سورة الفرقان نزلت بمكة فهی مكیة .. [قال أبو جعفر] قال عز و جل وَ إِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً «1» .. من العلماء من قال هذا منسوخ و انما كان هذا قبل أن یؤمر المسلمون بحرب المشركین و لیس سلاما من التسلیم انما هو من التسلم تقول العرب سلاما أی سلما منك و هو منصوب علی أحد أمرین یجوز أن یكون منصوبا بقالوا و یجوز أن یكون مصدرا و هو قول سیبویه و كلامه یدل علی أن الآیة عنده منسوخة .. [قال أبو جعفر] و لا نعلم لسیبویه كلاما فی معنی الناسخ و المنسوخ الا فی هذه الآیة .. قال سیبویه و زعم أبو الخطاب أن مثله یعنی مثل قولك الحمد للّه مما ینتصب علی المصدر قولك للرجل سلاما ترید تسلما منك كما قلت براءة منك أی لا أتلبس بشی‌ء من أمرك .. قال و زعم أن أبا ربیعة كان یقول اذا لقیت فلانا فقل سلاما فسأله ففسر له معنی براءة منك قال و زعم أن هذه الآیة وَ إِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً بمنزلة ذلك لأن الآیة فیما زعم مكیة و لم یؤمر المسلمون یومئذ أن یسلموا علی المشركین و لكنه علی قوله لا خیر بیننا و لا شر .. [قال أبو جعفر] و زعم محمد بن یزید أن سیبویه أخطأ فی هذا و أساء العبارة لأنه لا معنی لقوله و لم یؤمر المسلمون أن یسلموا علی المشركین و انما كان ینبغی أن یقول و لم یؤمر المسلمون یومئذ أن یحاربوا المشركین ثم أمروا بحربهم .. [قال أبو جعفر] كلام محمد بن یزید یدل علی أن الآیة أیضا عنده منسوخة و انما جاز فیها أن تكون منسوخة لأن معناها معنی الأمر (إذا خاطبكم الجاهلون فقولوا سلاما) فعلی هذا یكون النسخ فیها فأما كلام سیبویه فیحتمل أن یكون معناه لم یؤمر المسلمون یومئذ أن یسلموا علی المشركین و لكنهم أمروا أن یتسلموا منهم و یتبرءوا ثم نسخ ذلك بأمر الحرب .. و قد ذكرنا قوله عز و جل وَ الَّذِینَ لا یَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ «2» إلی قوله إِلَّا مَنْ تابَ .. و قول من قال هو منسوخ بقوله وَ مَنْ یَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِیها «3» فی سورة النساء.
______________________________
(1) سورة: الفرقان، الآیة: 63
(2) سورة: الفرقان، الآیة: 68
(3) سورة: النساء، الآیة: 93
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 201

سورة الشعراء

بسم اللّه الرحمن الرحیم حدثنا .. أبو جعفر أحمد بن محمد بن محمد بن اسماعیل قال حدثنا یموت بإسناده عن ابن عباس قال .. و سورة الشعراء نزلت بمكة فهی مكیة سوی أربع آیات من آخرها أنزلن بالمدینة فی ثلاثة نفر من الأنصار و هم شعراء رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم حسان بن ثابت و كعب بن مالك و عبد اللّه بن رواحة و هو قوله وَ الشُّعَراءُ یَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ أَ لَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِی كُلِّ وادٍ یَهِیمُونَ وَ أَنَّهُمْ یَقُولُونَ ما لا یَفْعَلُونَ إِلَّا الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ «1» استثنی هؤلاء الثلاثة من جملة الشعراء الی آخر السورة .. و قد أدخل هذه الآیات بعض العلماء فی الناسخ و المنسوخ حدثنا .. علیل بن أحمد قال حدثنا محمد بن هشام قال حدثنا عاصم بن سلیمان عن جویبر عن الضحاك عن ابن عباس قال وَ الشُّعَراءُ یَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ قال نسختها الآیة التی بعدها یعنی إِلَّا الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ حدثنا .. بكر بن سهل قال حدثنا عبد اللّه بن صالح قال حدثنی معاویة بن صالح عن علی بن أبی طلحة عن ابن عباس وَ الشُّعَراءُ یَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ قال هم الكفار یتبعهم ضلّال الجن و الإنس .. قال ثم قال أَ لَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِی كُلِّ وادٍ یَهِیمُونَ «1» یقول فی كل لغو یخوضون وَ أَنَّهُمْ یَقُولُونَ ما لا یَفْعَلُونَ یقول أكثر قولهم یكذبون قال ثم استثنی المؤمنین منهم فقال إِلَّا الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَ ذَكَرُوا اللَّهَ كَثِیراً فی كلامهم وَ انْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا «1» ردّوا علی الكفار الذی كانوا یهجون به المؤمنین .. و هذا أحسن ما قیل فی الآیة و یزیده بیانا قوله للكفار یدل علی صحة الاستثناء الذی بعده و قولهم یتبعهم ضلّال الجن و الإنس یدل علی صحته أن الكلام عام .. و قد روی عكرمة عن ابن عباس یَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ قال الرواة و الأول أولی لعموم الظاهر أَ لَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِی كُلِّ وادٍ یَهِیمُونَ كما قال و هو تمثیل فی كل وجه من الباطل یفتنون فیمدحون بالباطل و التزید و كذا یهجون بالكذب و الزور .. و قوله أكثر قولهم یكذبون تصحیحه فی النحو أكثر قولهم الكذب و دل یكذبون علی الكذب و قوله ثم استثنی المؤمنین منهم قول صحیح فی العربیة هذا الذی تسمیه العرب استثناء لا نسخا یقول جاءنی القوم الا عمرا لا یقال هذا نسخ و الاستثناء عند سیبویه بمنزلة التأكید لأنك تبین فیه كما تبین بالتوكید .. و قوله تعالی
______________________________
(1) سورة: الشعراء، الآیة: (224- 225)
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 202
وَ ذَكَرُوا اللَّهَ كَثِیراً «1» فی كلامهم قول حسن لعموم اللفظ و غیره یقول وَ ذَكَرُوا اللَّهَ فی شعرهم و الأول أولی لعموم وَ انْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا كما قال أی انتصروا من الكفار الذین ظلموا المؤمنین بهجائهم إیاهم.
______________________________
(1) سورة: الشعراء، الآیة: (227)
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 203

سورة النمل و القصص و العنكبوت و الروم‌

بسم اللّه الرحمن الرحیم حدثنا یموت .. بإسناده عن ابن عباس انهن نزلن بمكة .. [قال أبو جعفر] لم نجد فیهن الا موضعین .. أحدهما فی سورة القصص قوله تعالی وَ إِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَ قالُوا لَنا أَعْمالُنا وَ لَكُمْ أَعْمالُكُمْ سَلامٌ عَلَیْكُمْ لا نَبْتَغِی الْجاهِلِینَ «1» .. للعلماء فیه أربعة أقوال .. منهم من قال هی منسوخة بالنهی عن السلام علی الكفار .. و منهم من قال هی منسوخة بالأمر بالقتال .. و منهم من تأولها فأباح السلام علی الكفار .. و القول الرابع أن هذا قول جمیل و مخاطبة حسنة و لیس من جهة السلام و لا نسخ فیه .. و القول الأول یحتج قائله بما صح عن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم فی الكفار لا تبدءوهم بالسلام قال ففی هذا نسخ و هذا القول و ان كان قد صح عن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم فی الكفار لا تبدءوهم بالسلام فهو غلط لأن الآیة لیست من هذا فی شی‌ء و انما هی من المتاركة كما یقول الرجل للرجل دعنی بسلام لم تستعمله العرب الا للمتاركة .. و القول الثانی انها منسوخة بالأمر بالقتال قول جماعة من العلماء و قد بینا ذلك فی قوله وَ إِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً «2» .. و القول الثالث قول من أباح السلام علی الكفار غلط لأن الآیة لیست من السلام فی شی‌ء إنما هی من السلّم و بیّنه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم .. قال عزّ و جلّ وَ السَّلامُ عَلی مَنِ اتَّبَعَ الْهُدی «3» و كذا كتب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم إلی قیصر وَ السَّلامُ عَلی مَنِ اتَّبَعَ الْهُدی .. و القول الرابع انها مخاطبة حسنة و قول حسن .. قال أبو زید هؤلاء قوم من أهل الكتاب أسلموا فكانوا یمرون علی قوم من أهل الكتاب یقرءون شیئا قد بدلوه من التوراة قد أوقفوهم علی ذلك فیعرضون عنهم .. و قال مجاهد أسلّم قوم من أهل الكتاب فكان المشركون یؤذونهم و كانوا یصفحون عنهم و یقولون سلام علیكم .. أصل اللغو فی اللغة الباطل و ما یجب أن یلغی و یطرح و معنی أعرضوا عنه لم یصغوا الیه و لم یستمعوا و یدلك علی صحة قول مجاهد ان بعده لَنا أَعْمالُنا وَ لَكُمْ أَعْمالُكُمْ أی قد رضینا بأعمالنا لأنفسنا و رضیتم بأعمالكم لأنفسكم سَلامٌ عَلَیْكُمْ أی منّة لكم منّا انا لا نحاوركم
______________________________
(1) سورة: القصص، الآیة: 55
(2) سورة: الفرقان، الآیة: 63
(3) سورة: طه، الآیة: 47
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 204
و لا نسابّكم لا نَبْتَغِی الْجاهِلِینَ لا نطلب عمل أهل الجهل .. و الموضع الآخر فی سورة العنكبوت قوله تعالی وَ لا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِی هِیَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِینَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ «1» .. فیه ثلاثة أقوال .. من العلماء من قال هو منسوخ .. و منهم من قال هو محكم یراد به ذوو العهد منهم .. و منهم من قال هو محكم یراد به من لیس منهم .. فمن قال هو منسوخ احتج بأن الآیة مكیة فنسخ هذا بالأمر بالقتال كما حدثنا .. محمد بن جعفر الأنباری قال حدثنا موسی بن هارون قال حدثنا حسین قال حدثنا شیبان عن قتادة فی قوله تعالی وَ لا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِی هِیَ أَحْسَنُ قال نسختها .. قاتِلُوا الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ لا بِالْیَوْمِ الْآخِرِ «2» .. و القول الثانی قول ابن زید قال لا یجادل المؤمنون منهم اذا أسلموا لعلهم یحدثون بالشی‌ء فیكون كما قالوا إِلَّا الَّذِینَ ظَلَمُوا منهم من أقام علی الكفر یجادل و یقال له الشر .. و القول الثالث قول مجاهد وَ لا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِی هِیَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِینَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ من قاتل و لم یعط الجزیة .. و من قال هی منسوخة احتج بأنها مكیة .. و قول مجاهد أحسن لأن أحكام اللّه تعالی لا ینبغی أن یقال فیها أنها منسوخة الا بدلیل یقطع العذر أو حجة من معقول فیكون المعنی وَ لا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ الا بالقول الجمیل أی بالدعاء الی اللّه و التنبیه علی حججه و اذا حدثوكم بحدیث یحتمل أن یكون كما قالوا فلا تصدقوهم و لا تكذبوهم فهذا الذی هو أحسن و یدل علی صحته انه قرئ .. علی أحمد بن شعیب عن محمد بن المثنی عن عثمان و هو ابن عمر قال حدثنا علی و هو ابن المبارك قال حدثنا یحیی و هو ابن أبی كثیر عن ابن سلمة عن أبی هریرة قال كان أهل الكتاب یقرءون التوراة بالعبرانیة و یفسرونها بالعربیة لأهل الإسلام فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم لا تصدقوا أهل الكتاب و لا تكذبوهم و قولوا آمَنَّا بِالَّذِی أُنْزِلَ إِلَیْنا وَ أُنْزِلَ إِلَیْكُمْ وَ إِلهُنا وَ إِلهُكُمْ واحِدٌ وَ نَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ «1» و یكون الذین ظلموا كما قال مجاهد أهل الحرب و ان كان الكفار كلهم ظالمین لأنفسهم و انما التقدیر هاهنا إِلَّا الَّذِینَ ظَلَمُوا منهم أهل الایمان و قولوا آمَنَّا بِالَّذِی أُنْزِلَ إِلَیْنا وَ أُنْزِلَ إِلَیْكُمْ من التوراة و الانجیل و الزبور وَ إِلهُنا وَ إِلهُكُمْ واحِدٌ أی معبودنا واحد لا ما اتخذتموه إلها وَ نَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ أی خاضعون متذللون لما أمرنا به و نهانا عنه.
______________________________
(1) سورة: العنكبوت، الآیة: 46
(2) سورة: التوبة، الآیة: 29
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 205

سورة لقمان و الم السجدة

بسم اللّه الرحمن الرحیم حدثنا .. یموت بإسناده عن ابن عباس قال و سورة لقمان نزلت بمكة فهی مكیة سوی ثلاث آیات منها نزلن بالمدینة .. و ذلك لما هاجر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم الی المدینة أتته أحبار الیهود فقالوا یا محمد بلغنا أنك تقول وَ ما أُوتِیتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِیلًا «1» أ فعنیتنا أم عنیت غیرنا فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم عنیت الجمیع فقال له الیهود یا محمد أو ما تعلم أن اللّه أنزل التوراة علی موسی و خلفها موسی فینا و معنا فقال النبی صلّی اللّه علیه و سلّم للیهود التوراة و ما فیها من الأنباء قلیل فی علم اللّه فأنزل اللّه تعالی بالمدینة ثلاث آیات و هی قوله تعالی وَ لَوْ أَنَّ ما فِی الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَ الْبَحْرُ یَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ «2» الی تمام الآیات الثلاث .. قال و سورة الم السجدة نزلت بمكة فهی مكیة سوی ثلاث آیات منها نزلت بالمدینة فی رجلین من قریش شجر بینهما كلام فقال أحدهما للآخر أنا أذرب منك لسانا و أحد منك سنانا و أردّ للكتیبة فقال له الآخر اسكت فإنك فاسق فأنزل اللّه تعالی أَ فَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا یَسْتَوُونَ «3» الی تمام الثلاث الآیات .. [قال أبو جعفر] فی سورة الم السجدة موضع واحد .. قال عز و جل فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ «4» قال عن مشركی قریش وَ انْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ «4» حدثنا .. أبو الحسن علیل بن أحمد قال حدثنا محمد بن هشام قال حدثنا عاصم بن سلیمان قال حدثنا جویبر عن الضحاك عن ابن عباس فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ قال عن مشركی مكة وَ انْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ قال .. نسختها آیة السیف فی بَراءَةٌ «5» لقوله عز و جل فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِینَ حَیْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ «6» الی آخر الآیة.
______________________________
(1) سورة: الإسراء، الآیة: 85
(2) سورة: لقمان، الآیة: 27
(3) سورة: السجدة، الآیة: 18
(4) سورة: السجدة، الآیة: 30
(5) سورة: التوبة، الآیة: 1
(6) سورة: التوبة، الآیة: 5
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 206

سورة الأحزاب‌

اشارة

بسم اللّه الرحمن الرحیم حدثنا .. یموت بإسناده عن ابن عباس قال و سورة الاحزاب نزلت بالمدینة فهی مدنیة.

باب ذكر الآیة الأولی منها

قال عز و جل ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِی الدِّینِ وَ مَوالِیكُمْ «1» فكان هذا ناسخا لما كانوا علیه من التبنی .. و كان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم قد تبنی زید بن حارثة فنسخ التبنی و أمروا أن یدعوا من دعوا الی أبیه المعروف فإن لم یكن له أب معروف نسبوه الی ولائه المعروف فإن لم یكن له ولاء معروف قال یا أخی یعنی فی الدین قال عزّ و جلّ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ «2» و هذا من نسخ السنة بالقرآن كما حدثنا .. علی بن الحسین قال حدثنا الحسن بن محمد قال حدثنا الحجاج بن محمد عن ابن جریج قال أخبرنی موسی بن عقبة أن سالم بن عبد اللّه حدثه عن عبد اللّه بن عمر عن زید بن حارثة قال ما كنا ندعوه الا زید بن محمد حتی نزلت ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ .. [قال أبو جعفر] و قد ذكرنا وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلی بِبَعْضٍ فِی كِتابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ وَ الْمُهاجِرِینَ «3» و كذا یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُمْ عَلَیْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها فَمَتِّعُوهُنَ «4».
______________________________
(1) سورة: الأحزاب، الآیة: 5
(2) سورة: الحجرات، الآیة: 10
(3) سورة: الأحزاب، الآیة: 6
(4) سورة: الأحزاب، الآیة: 49
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 207

باب ذكر الآیة الثانیة

قال اللّه عز و جل لا یَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَ لا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ وَ لَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا ما مَلَكَتْ یَمِینُكَ «1» .. للعلماء فی هذه الآیة ثمانیة أقوال .. منهم من قال هی منسوخة بالسنة .. و منهم من قال هی منسوخة بآیة أخری و كان اللّه تعالی قد حظر علیه التزویج بعد من كان عنده ثم أطلقه له و أباحه بقوله عز و جل تُرْجِی مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَ تُؤْوِی إِلَیْكَ مَنْ تَشاءُ «2» .. و من العلماء من قال الآیة محكمة و لم یكن له صلّی اللّه علیه و سلّم أن یتزوّج سوی من كان عنده ثوابا من اللّه لهن حین اخترن اللّه و رسوله و الدار الآخرة .. و منهم من قال هی محكمة و لكن لما حظر علیهن أن یتزوجن بعد موته حظر علیه أن یتزوّج غیرهن ..
و منهم من قال المعنی لا یحل لك النساء من بعد هذه القصة یعنی إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللَّاتِی آتَیْتَ أُجُورَهُنَ «3» الآیة .. و منهم من قال لا یَحِلُّ لَكَ النِّساءُ بعد المسلمات و لا تتزوج یهودیة و لا نصرانیة .. و منهم من قال المعنی لا تبدل واحدة من أزواجك بیهودیة و لا نصرانیة .. و القول الثامن أن النبی صلّی اللّه علیه و سلّم لما قال اللّه عز و جل ما كانَ عَلَی النَّبِیِّ مِنْ حَرَجٍ فِیما فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِی الَّذِینَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَ كانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً «4» كان له أن یتزوج من النساء من شاء بغیر عدد محظور كما كان للأنبیاء قبله .. و القول الأول أن الآیة منسوخة بالسنة یدل علیه حدیث عائشة علیها السلام كما قرئ .. علی علی بن سعید بن بشیر عن أبی كریب قال حدثنا ابن عیینة عن عمرو عن عطاء عن عائشة رضی اللّه عنها قالت .. ما مات رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم حتی أحل له النساء فدل هذا الحدیث علی أن عائشة قد كان عندها أنه حظر علیه التزویج ثم أطلق له و أبیح و كان هذا علی قول من أجاز أن ینسخ القرآن بالسنة .. و القول الثانی عن جماعة من أجلة الصحابة و التابعین كما حدثنا .. أحمد بن محمد الأزدی قال حدثنا جعفر بن سلیمان قال حدثنا إبراهیم بن المنذر قال حدثنا عمرو بن أبی بكر الموصلی قال حدثنی المغیرة بن عبد الرحمن عن أبی النضر مولی عمر بن عبید اللّه عن
______________________________
(1) سورة: الأحزاب، الآیة: 52
(2) سورة: الأحزاب، الآیة: 51
(3) سورة: الأحزاب، الآیة: 50
(4) سورة: الأحزاب، الآیة: 38
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 208
عبد اللّه بن وهب بن زمعة عن أم سلمة قالت لم یمت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم حتی أحل له أن یتزوج من النساء من شاء إلّا ذات محرم و ذلك قوله تعالی تُرْجِی مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَ تُؤْوِی إِلَیْكَ مَنْ تَشاءُ «1» و هذا و اللّه أعلم أولی ما قیل فی الآیة و هو و قول عائشة رضی اللّه عنها واحد فی النسخ .. و قد یجوز أن تكون عائشة أرادت أحل له ذلك بالقرآن و هو مع هذا قول علی بن أبی طالب رضی اللّه عنه و ابن عباس و علی بن الحسین و الضحاك .. و قد عارض بعض الفقهاء الكوفیین فقال محال أن تنسخ هذه الآیة یعنی تُرْجِی مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَ تُؤْوِی إِلَیْكَ مَنْ تَشاءُ لا یَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ «2» و هی قبلها فی المصحف الذی أجمع المسلمون علیه .. و قوی قول من قال نسخت بالسنة لأنه مذهب الكوفیین .. [قال أبو جعفر] و هذه المعارضة لا تلزم و قائلها غالط لأن القرآن نزل جملة واحدة الی السماء الدنیا فی شهر رمضان و تبین لك أن اعتراض هذا لا یلزم قوله وَ الَّذِینَ یُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَ یَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِیَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَی الْحَوْلِ غَیْرَ إِخْراجٍ «3» منسوخة علی قول أهل التأویل لا نعلم بینهم خلافا بالآیة التی قبلها وَ الَّذِینَ یُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَ یَذَرُونَ أَزْواجاً یَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَ عَشْراً «4» .. و القول الثالث أن المعنی أنه علیه الصلاة و السلام حظر علیه أن یتزوج علی نسائه لأنهن اخترن اللّه و رسوله و الدار الآخرة فعوّضن .. هذا قول الحسن و ابن سیرین و أبی بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام و هذا القول یجوز أن یكون هكذا ثم نسخ فإن قال كیف یجوز أن ینسخ ما كان ثوابا قیل یجوز أن ینسخ ما كان ثوابا بما هو أعظم منه من الثواب فیكون هذا نسخ و عوضن منه انهن أزواجه فی الجنة و هذا أعظم خطرا و أجل قدرا كما قال حذیفة لامرأته لا تتزوجی فان آخر أزواج المرأة زوجها فی الجنة فلذلك حظر علی نساء النبی صلّی اللّه علیه و سلّم أن یتزوجن بعده .. و القول الرابع انه لما حرم علیهن أن یتزوجن بعده حرم علیه أن یتزوج غیرهن قول أبی أمامة بن سهل بن حنیف .. و القول الخامس أن المعنی لا یحل لك النساء من بعد هذه القضیة قول أبی رزین و هو یروی عن أبیّ بن كعب و هو اختیار محمد بن جریر .. و القول السادس أن المعنی لا یحل لك النساء من بعد المسلمات قول مجاهد و سعید بن جبیر و عكرمة قال مجاهد لئلا تكون كافرة أمّا للمؤمنین و هذا القول یبعد
______________________________
(1) سورة: الأحزاب، الآیة: 51
(2) سورة: الأحزاب، الآیة: 52
(3) سورة: البقرة، الآیة: 240
(4) سورة: البقرة، الآیة: 234
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 209
لأنه یقدره من بعد المسلمات و لم یجر للمسلمات ذكر .. و القول السابع أنه محرم علیه أن یبدل بعض نسائه بیهودیة أو نصرانیة أبعد من ذلك لأن نص القرآن وَ لا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ «1» و لیس فی القرآن و لا ان تبادل .. و حكی ابن زید عن العرب أنها كانت تبادل بأزواجها یقول أحدهم خذ زوجتی و أعطنی زوجتك و هذا غیر معروف عند الناقلین لأفعال العرب .. و القول الثامن أن النبی صلّی اللّه علیه و سلّم كان له حلال أن یتزوج من شاء من النساء ثم نسخ ذلك قول محمد بن كعب القرظی قال و كذا كانت الأنبیاء صلوات اللّه علیهم قبله تزوج سلیمان علیه السلام سبعمائة امرأة حرة و كان له ثلاثمائة مملوكة فذلك ألف و كان لداود مائة امرأة منهن أم سلیمان امرأة أوریاء بن حیان قال عمر بن عفرة لما قالت الیهود ما لمحمد شغل الا التزویج فحسدوه علی ذلك فأنزل اللّه أَمْ یَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلی ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَیْنا آلَ إِبْراهِیمَ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ آتَیْناهُمْ مُلْكاً عَظِیماً «2» كان لسلیمان ألف امرأة منها سبعمائة حرة و كان لداود مائة امرأة.
______________________________
(1) سورة: الأحزاب، الآیة: 52
(2) سورة: النساء، الآیة: 54
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 210

سورة سبإ و فاطر و یس و الصافات‌

كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن 210 سورة سبإ و فاطر و یس و الصافات ..... ص : 210
م اللّه الرحمن الرحیم حدثنا .. یموت بإسناده عن ابن عباس أنهن نزلن بمكة إلا آیة واحدة فی الصافات ..
قال تعالی فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْیَ قالَ یا بُنَیَّ إِنِّی أَری فِی الْمَنامِ أَنِّی أَذْبَحُكَ «1» الی تمام القصة .. للعلماء فی هذه الآیة ثلاثة أقوال .. فمنهم من قال هی منسوخة احتج بقوله قالَ یا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ «1» و ان بعده وَ فَدَیْناهُ بِذِبْحٍ عَظِیمٍ «2» و أجاز قائل هذا أن ینسخ الشی‌ء قبل أن یعمل به .. و احتج بأن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم فرضت علیه و علی أمته خمسون صلاة ثم نقلت الی خمس .. و احتج بقوله یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِذا ناجَیْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَیْنَ یَدَیْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً «3» و ان بعده فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا «4» الآیة و بقوله تعالی الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَ عَلِمَ أَنَّ فِیكُمْ ضَعْفاً «5» .. و احتج بقول الشافعی إن اللّه اذا فرض شیئا استعمل عباده منه بما أحب ثم نقلهم اذا شاء فهذا قول .. و القول الثانی أن هذا ما لا یجوز فیه نسخ لأنه أمر بشی‌ء لیس بممتد فلا یجوز النسخ فی مثل هذا لو قال قائل لرجل قم ثم قال لا تقم لكان هذا بدءا و لا یجوز أن یكون هذا من صفات اللّه تعالی أن یقال اذبح ثم یقال لا تذبح فهذا عظیم من القول لا یقع فیه ناسخ و لا منسوخ و قال قائل هذا الذبح فی اللغة القطع و قد فعل ذلك إبراهیم علیه الصلاة و السلام .. و القول الثالث إن هذا أیضا لا یكون فیه نسخ و انما أمر إبراهیم بالذبح و الذبح فعله و قد فعل ما تهیأ له و لیس منعه من ذلك المنسوب الیه انه لم یفعل ما أمر به هذا قول صحیح حسن علیه أهل التأویل .. قال مجاهد لما أمر اللّه عز و جل إبراهیم بذبح ابنه إسحاق قال یا أبت خذ بناصیتی و اجلس بین كتفی فلا أوذیك اذا وجدت حز السكین فلما وضع السكین علی حلقه .. و فی بعض الأخبار فلما أمرّ السكین علی حلقه انقلبت فقال له مالك یا أبت قال انقلبت قال فاطعن بها طعنا قال ففعل فانثنت فعلم اللّه تعالی منه الصدق وَ فَدَیْناهُ بِذِبْحٍ عَظِیمٍ .. و قد فعل إبراهیم ما أمر به ..
______________________________
(1) سورة: الصافات، الآیة: 102
(2) سورة: الصافات، الآیة: 107
(3) سورة: المجادلة، الآیة: 12
(4) سورة: البقرة، الآیة: 24
(5) سورة: الأنفال، الآیة: 66
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 211
و الدلیل علی هذا قوله وَ نادَیْناهُ أَنْ یا إِبْراهِیمُ «1» قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْیا «2» فهذا مما یجب أن یقف علیه المسلمون لئلا ینسب الی اللّه البداء و انما أشكل علی قائل ذلك القول الأول قوله وَ فَدَیْناهُ بِذِبْحٍ عَظِیمٍ لأنه جهل معناه و لم یدر من المفدی علی الحقیقة و انما المفدی ابن إبراهیم علیهما السلام قد فعل ما أمر به .. و أما القول الثانی فلو صح عن أهل التأویل لما امتنع القول به .. و القول الأول عظیم من القول و احتجاج صاحبه بحدیث النبی صلّی اللّه علیه و سلّم انه أمر أن یأمر أمته بخمسین صلاة ثم نقل ذلك الی خمس لا حجة له فیه لأنه لیس فیه نسخ و لا یعلم ان أحدا من العلماء قال ینسخ الشی‌ء من قبل أن ینزل من السماء الی الارض الا القاشانی فانه خرج عن قول الجماعة لیصح له قوله ان البیان لا یتأخر و إنما أمر النبی صلّی اللّه علیه و سلّم أن یأمر أمته بخمسین صلاة فمن قبل أن یأمرهم راجع و انما مثل هذا أن یأمر اللّه جبریل بشی‌ء فیراجع فیه فینقض منه أو یزاد فلا یقال له نسخ .. و أما الاحتجاج بقوله الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ «3» فمن أین لقائل هذا أن الآیة الأولی لم یعمل بها .. و أما احتجاجه بقوله فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فمن أین له أیضا أن الآیة الأولی لم یعمل بها و قد حدثنا .. جعفر بن مجاشع قال حدثنا إبراهیم بن اسحاق قال حدثنا إبراهیم عن موسی بن قیس عن سلمة بن نهیك یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِذا ناجَیْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَیْنَ یَدَیْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً «4» قال ..
أول من عمل بها علی بن أبی طالب رضی اللّه عنه ثم نسخت .. و أما قوله كَما كُتِبَ عَلَی الَّذِینَ مِنْ قَبْلِكُمْ «5» ثم قال عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ «6» و انما فعل هذا واحد .. و احتجاجه بقول الشافعی لا معنی له لأن قول الشافعی اذا فرض اللّه شیئا استعمل عباده بما أحب منه لا دلیل فیه علی أن الشی‌ء ینسخ قبل أن یستعمل أو یستعمل بعضه فكان أولی بالصواب .. و الدلیل علی ان الشی‌ء لا ینسخ قبل أن یستعمل أن احتجاج العلماء فی النسخ ان معناه اذا قلت افعل كذا و كذا فمعناه الی وقت كذا أو یشترط بكذا فاذا نسخ فانما أظهر ذلك الذی كان مضمرا فاذا قیل صلّوا الی بیت المقدس فمعناه الی أن أزیل ذلك أو الی وقت كذا 4 و علی أن أزیل ذلك الی وقت كذا و قد علم اللّه حقیقة ذلك و لا یجوز أن یقال
______________________________
(1) سورة: الصافات، الآیة: 104
(2) سورة: الصافات، الآیة: 105
(3) سورة: البقرة، الآیة: 24
(4) سورة: المجادلة، الآیة: 12
(5) سورة: البقرة، الآیة: 183
(6) سورة: البقرة، الآیة: 187
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 212
صلّ الظهر بعد الزوال علی أن أزیلها عنك مع الزوال فهذا بین .. و أقوال العلماء ان البیان یجوز أن یتأخر و خالفهم قائل هذا و جعله نسخا و لو جاز أن یقال لهذا نسخ لجاز أن یقال فی قوله تعالی إِنَّ اللَّهَ یَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً «1» ثم یبین ما هی و لا یقول أحد من الأمة إن هذا نسخ و احتجاجه بقول الشافعی یخالف فیه لأن أصحاب الشافعی الحذق لا یعلم بینهم خلافا ان البیان یتأخر .. فممن احتج بتأخیره ابن شریح لقول اللّه تعالی فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ «2» ثُمَّ إِنَّ عَلَیْنا بَیانَهُ «3» ثم فی اللغة یدل علی أن الثانی بعد الأول و هذا دلیل حسن و الدلیل علی ان البیان خلاف النسخ أن البیان یكون فی الاخبار و أیضا فان البیان یكون معه دلیل یدل علی الخصوص اذا كان اللفظ عاما أو كان خاصا یراد به العام كما قال تعالی إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِی خُسْرٍ «4» فلما قال إِلَّا الَّذِینَ آمَنُوا «5» دل علی ان الانسان بمعنی الناس و قال تعالی وَ الْمَلَكُ عَلی أَرْجائِها «6» دل علی ان الملك بمعنی الملائكة هذا علی الخصوص و العموم و هكذا التخصیص فی الأشیاء لا یسمی نسخا .. و هذا الباب من اللغة یحتاج الیه كل من نظر فی العلم و باللّه التوفیق.
______________________________
(1) سورة: البقرة، الآیة: 67
(2) سورة: القیامة، الآیة: 18
(3) سورة: القیامة، الآیة: 19
(4) سورة: العصر، الآیة: 2
(5) سورة: العصر، الآیة: 3
(6) سورة: الحاقة، الآیة: 17
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 213

سورة ص و الزمر

بسم اللّه الرحمن الرحیم حدثنا .. یموت بإسناده عن ابن عباس انهما نزلتا بمكة سوی ثلاث آیات منها نزلت بالمدینة فی وحشی قاتل حمزة فإنه أسلّم و دخل المدینة فكان یثقل علی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم النظر الیه حتی ساء ظن وحشی و خاف ان اللّه لم یقبل إسلامه فأنزل اللّه تعالی بالمدینة ثلاث آیات و هن قوله تعالی یا عِبادِیَ الَّذِینَ أَسْرَفُوا عَلی أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ «1» الی تمام الثلاث الآیات .. [قال أبو جعفر] فی ص ثلاثة مواضع مما یصلح فی هذا الكتاب.
فالموضع الأول .. قوله تعالی اصْبِرْ عَلی ما یَقُولُونَ «2» ثم أمر بعد ذلك بالمدینة بالقتال .. و قد یجوز أن یكون هذا غیر منسوخ و یكون هذا تأدیبا من اللّه له و أمر لأمته بالصبر علی أذاهم لأن التقدیر اصْبِرْ عَلی ما یَقُولُونَ «2» مما یؤذونك به و الدلیل علی هذا ان قبله ما قد آذوه قال تعالی وَ قالُوا رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا قَبْلَ یَوْمِ الْحِسابِ «3» لأنهم قالوا هذا استهزاء و إنكارا لما جاء به كما حدثنا .. بكر بن سهل قال حدثنا عبد اللّه بن صالح قال حدثنی معاویة بن صالح عن علی بن أبی طلحة عن ابن عباس وَ قالُوا رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا قال العذاب و قال قتادة نصیبنا من العذاب قال ذلك أبو جهل اللهم ان كان ما جاء به محمد حقا فَأَمْطِرْ عَلَیْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِیمٍ «4» .. و قال السدی قالوا للنبی صلّی اللّه علیه و سلّم أرنا منازلنا من الجنة حتی نتبعك قال اسماعیل بن أبی خالد عجل لنا قطنا أی رزقنا .. [قال أبو جعفر] قرئ .. علی أحمد بن محمد بن الحجاج عن یحیی بن سلیمان قال حدثنا وكیع قال حدثنا سفیان عن أبی المقدام عن سعید بن جبیر ما روی فیه و أصل القط فی كلام العرب الكتاب بالجائزة و هو النصیب و هو مشتق من قولهم قط أی حسب أی یكفیك و یجوز أن یكون مشتقا من قططت أی قطعت .. و قد ذكرنا قول أهل التأویل فیه و أهل اللغة فی اشتقاقه الا شیئا حكاه القتیبی انهم لما أنزل اللّه تعالی فَأَمَّا مَنْ أُوتِیَ كِتابَهُ بِیَمِینِهِ «5» الآیة قالُوا رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا كتبنا حتی ننظر أ تقع فی أیماننا أم فی شمائلنا استهزاء فأنزل اللّه تعالی وَ قالُوا رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا و هذا القول أصله عن الكلبی و كثیرا ما
______________________________
(1) سورة: الزمر، الآیة: 53
(2) سورة: ص، الآیة: 17
(3) سورة: ص، الآیة: 16
(4) سورة: الأنفال، الآیة: 32
(5) سورة: الحاقة، الآیة: 19
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 214
یعتمد علیه القتیبی و القراء و أهل الدین من أصحاب الحدیث یحظرون ذكر كل شی‌ء عن الكلبی لا سیما فی كتاب اللّه تعالی. و الموضع الثانی .. قوله تعالی فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَ الْأَعْناقِ «1» .. فمن العلماء من قال أبیح هذا ثم نسخ و حظر علینا .. قال الحسن قطع سوقها و أعناقها فعوضه اللّه مكانها خیرا منها و سخر له الریح و أحسن من هذا القول ما رواه ابن أبی طلحة عن ابن عباس قال فَطَفِقَ مَسْحاً یمسح أعناقها و عراقیبها حبا لها و هذا الاولی لأنه لا یجوز أن ینسب الی نبی من الأنبیاء انه عاقب خیلا و لا سیما بغیر جنایة منها انما اشتغل بالنظر الیها ففرط فی صلاته فلا ذنب لها فی ذلك و روی الحدیث عن علی بن أبی طالب قال الصلاة التی فرط فیها سلیمان صلاة العصر. و الموضع الثالث .. قوله تعالی وَ خُذْ بِیَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَ لا تَحْنَثْ «2» .. فمن العلماء من قال هذا منسوخ فی شریعتنا فاذا حلف رجل أن یضرب انسانا عشر مرات ثم لم یضربه عشر مرات حنث .. و قال قوم بل لا یحنث اذا ضربه بما فیه عشر بعد أن تصیبه العشرة .. و هذا قول الشافعی و من قبله عطاء قال هی عامة .. و قال مجاهد هی خاصة و أهل المدینة الی هذا القول یمیلون.
______________________________
(1) سورة: ص، الآیة: 33
(2) سورة: ص، الآیة: 44
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 215

سورة آل حم‌

اشارة

بسم اللّه الرحمن الرحیم حدثنا .. یموت بإسناده عن ابن عباس انهن نزلن بمكة و انما نذكر ما نزل بمكة لأن فیه أعظم الفائدة فی الناسخ و المنسوخ لأن الآیة اذا كانت مكیة و كان فیها حكم و كان فی غیرها نزل بالمدینة حكم غیره علم أن المدنیة نسخت المكیة وجدنا فی آل حم ثمانیة مواضع .. منها فی حم عسق خمسة مواضع.

باب ذكر الموضع الأول منها

قال اللّه تعالی وَ الْمَلائِكَةُ یُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَ یَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِی الْأَرْضِ «1» حدثنا .. جعفر بن مجاشع قال حدثنا إبراهیم الحربی قال حدثنا أحمد بن منصور قال حدثنا إبراهیم بن خالد قال حدثنا داود بن قیس الصنعانی قال .. دخلت علی وهب بن منبه مع ذی حولان فسألته عن قوله تعالی وَ یَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِی الْأَرْضِ قال نسختها الآیة التی فی الطوال وَ یَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِینَ آمَنُوا «2» هذا لا یقع فیه ناسخ و لا منسوخ لأنه خبر من اللّه تعالی و لكن یجوز أن یكون وهب بن منبه أراد هذه الآیة علی نسخة تلك الآیة لا فرق بینهم و كذا یجب أن یتأول للعلماء و لا یتأول علیهم الخطأ العظیم اذا كان لما قالوه وجه .. و الدلیل علی ما قلنا ما حدثنا .. أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبد الرزاق قال أنبأنا معمر عن قتادة فی قوله وَ یَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِی الْأَرْضِ قال المؤمنین منهم.

باب ذكر الموضع الثانی‌

قال جلّ و عزّ إخبارا لَنا أَعْمالُنا وَ لَكُمْ أَعْمالُكُمْ لا حُجَّةَ بَیْنَنا وَ بَیْنَكُمُ «3» .. فیها قولان محتملان .. فمن ذلك حدثناه .. علیل بن أحمد قال حدثنا محمد بن هشام قال حدثنا عاصم بن سلیمان عن جویبر عن الضحاك عن ابن عباس قال .. و قوله تعالی لَنا أَعْمالُنا وَ لَكُمْ أَعْمالُكُمْ
______________________________
(1) سورة: الشوری، الآیة: 5
(2) سورة: غافر، الآیة: 7
(3) سورة: الشوری، الآیة: 15
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 216
مخاطبة للیهود أی لنا دیننا و لكم دینكم لا حُجَّةَ بَیْنَنا وَ بَیْنَكُمُ أی لا خصومة هذا للیهود ثم نسختها قاتِلُوا الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ لا بِالْیَوْمِ الْآخِرِ «1» هذا قول .. و القول الثانی أن تكون غیر منسوخة أی لا حجة بیننا و بینكم لأن البراهین قد ظهرت و الحجة قد قامت .. و القول الأول یجوز لأن معنی لا حجة بیننا و بینكم علی ذلك .. و القول الثانی لم نؤمر أن نحتج علیكم و نقاتلكم ثم نسخ كما أن قائلا لو قال من قبل أن تحول القبلة لا تصلّ الی الكعبة ثم حول الناس بعد لجاز أن یقال نسخ ذلك.

باب ذكر الموضع الثالث‌

قال اللّه عز و جل مَنْ كانَ یُرِیدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِی حَرْثِهِ وَ مَنْ كانَ یُرِیدُ حَرْثَ الدُّنْیا نُؤْتِهِ مِنْها وَ ما لَهُ فِی الْآخِرَةِ مِنْ نَصِیبٍ «2» .. فیه قولان من ذلك ما حدثناه ..
علیل بن أحمد قال حدثنا محمد بن هشام قال حدثنا عاصم بن سلیمان عن جویبر عن الضحاك عن ابن عباس قال .. فی قوله تعالی مَنْ كانَ یُرِیدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِی حَرْثِهِ من كان من الأبرار یرید بعمله الصالح ثواب الآخرة نَزِدْ لَهُ فِی حَرْثِهِ أی فی حسناته وَ مَنْ كانَ یُرِیدُ حَرْثَ الدُّنْیا أی من كان من الفجار یرید بعمله الحسن الدنیا نؤته منها و نسخ ذلك فی سورة سبحان مَنْ كانَ یُرِیدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِیها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِیدُ «3» .. و القول الآخر أنها غیر منسوخة و هو الذی لا یجوز غیره لأن هذا خبر و الأشیاء كلها بارادة اللّه تعالی أ لا تری أنه قد صح عن النبی صلّی اللّه علیه و سلّم لا یقل أحدكم اللهم اغفر لی ان شئت اللهم ارحمنی ان شئت إلا أنه یجوز أن یتأول الحدیث الأول أن یكون معناه هذه علی نسخة هذه فیصح ذلك و ربما أغفل من لم ینعم النظر فی مثل هذا فجعل فی الإخبار ناسخا و منسوخا فلحقه الغلط .. و الدلیل علی أنها غیر منسوخة أنه خبر .. و قد قال قتادة فی الآیة من آثر الدنیا علی الآخرة و كدح لها لم یكن له فی الآخرة الا النار و لم یزدد منها شیئا الا ما قسم اللّه له.
______________________________
(1) سورة: التوبة، الآیة: 29
(2) سورة: الشوری، الآیة: 20
(3) سورة: الإسراء، الآیة: 18
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 217

باب ذكر الموضع الرابع‌

قال اللّه تعالی قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَیْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبی «1» .. فی هذه الآیة أربعة أقوال .. فمن ذلك ما حدثناه .. علیل بن أحمد قال حدثنا محمد بن هشام قال حدثنا عاصم بن سلیمان عن جویبر عن الضحاك عن ابن عباس قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَیْهِ أَجْراً قل لا أسألكم علی الإیمان جعلا الا أن تودونی لقرابتی و تصدقونی و تمنعوا منی ففعل ذلك الأنصار رحمهم اللّه و منعوا منه منعهم عن أنفسهم و أولادهم ثم نسختها قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِیَ إِلَّا عَلَی اللَّهِ «2» و مذهب عكرمة أنها لیست بمنسوخة قال كانوا یصلون أرحامهم فلما بعث النبی صلّی اللّه علیه و سلّم قطعوه فقال لا أَسْئَلُكُمْ عَلَیْهِ أَجْراً الا أن تودونی و تحفظونی لقرابتی و لا تكذبونی .. و فی روایة قیس عن الاعمش عن سعید بن جبیر عن ابن عباس لما أنزل اللّه تعالی قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَیْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبی قالوا یا رسول اللّه من هؤلاء الذین نودهم قال علی و فاطمة و ولدیهما .. و القول الرابع من أجمعها و أبینها كما قرئ .. علی عبد اللّه بن الصقر عن نصر عن زیاد بن أیوب قال حدثنا هشام قال أنبأنا عوف و منصور عن الحسن قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَیْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبی قال التقرب الی اللّه و التودد الیه بطاعته .. و هذا قول حسن و یدل علی صحته الحدیث المسند عن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم كما حدثنا .. أحمد بن محمد الأزدی یعنی الطحاوی قال حدثنا الربیع بن سلیمان المرادی قال حدثنا أسد بن موسی قال حدثنا قزعة و هو ابن سوید البصری قال حدثنا عبد اللّه بن أبی نجیح عن مجاهد عن ابن عباس أن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم قال .. قل لا أسألكم علی ما أنبئكم به من البیان و الهدی أجرا إلّا أن تودوا اللّه و تتقربوا إلیه بطاعته .. فهذا المبین عن اللّه قد قال هذا و كذا الأنبیاء علیهم السلام قبله إِنْ أَجْرِیَ إِلَّا عَلَی اللَّهِ.

باب ذكر الموضع الخامس‌

قال اللّه عز و جل وَ الَّذِینَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْیُ هُمْ یَنْتَصِرُونَ «3» .. زعم ابن زید انها
______________________________
(1) سورة: الشوری، الآیة: 23
(2) سورة: سبإ، الآیة: 47
(3) سورة: الشوری، الآیة: 39
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 218
منسوخة قال المسلمون ینتصرون من المشركین ثم نسخها أمرهم بالجهاد .. و قال غیره هی محكمة و الانتصار من الظالم بالحق محمود ممدوح صاحبه كان الظالم مسلما أو كافرا كما روی اسباط عن الزهری وَ الَّذِینَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْیُ هُمْ یَنْتَصِرُونَ قال .. ینتصرون ممن بغی علیهم من غیر أن یتعدوا و هذا أولی من قول ابن زید لأن الآیة عامة وَ جَزاءُ سَیِّئَةٍ سَیِّئَةٌ مِثْلُها «1» أولی ما قیل فیه معاقبة للمسی‌ء بما یجب علیه و سمیت الثانیة سیئة أنها مساءة للمقتص منه و النحویون یقولون هذا علی الازدواج .. و أكثر العلماء علی ان هذا فی العقوبات و القصاص و أخذ المال لا فی الكلام الا ابن أبی نجیح كما حدثنا .. علی بن الحسین عن الحسین بن محمد بن علیة عن ابن أبی نجیح وَ جَزاءُ سَیِّئَةٍ سَیِّئَةٌ مِثْلُها قال اذا قال له أخزاك اللّه قال له أخزاك اللّه .. قال ابن زید هذا كله منسوخ بالجهاد و كذا عنده وَ لَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ «2» انما هو للمشركین خاصة .. و قال قتادة إنه عام و كذا یدل ظاهر الكلام و اللّه أعلم.

باب ذكر الموضع الذی فی الزخرف‌

قال اللّه عز و جل فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَ قُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ یَعْلَمُونَ «3» جماعة من العلماء یقولون إنها منسوخة بالقتال فمن ذلك ما حدثناه .. علیل بن أحمد قال حدثنا محمد بن هشام قال حدثنا عاصم بن سلیمان عن جویبر عن الضحاك عن ابن عباس فَاصْفَحْ عَنْهُمْ أی فأعرض عنهم وَ قُلْ سَلامٌ أی معروفا أی قل لمشركی أهل مكة فَسَوْفَ یَعْلَمُونَ .. ثم نسخ هذا فی سورة (بَراءَةٌ) بقوله فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِینَ حَیْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ «4» الآیة .. [قال أبو جعفر] أی قل لمشركی أهل مكة كما حدثنا .. جعفر بن مجاشع قال حدثنا إبراهیم بن اسحاق قال حدثنا أحمد بن نیزك عن الخفاف عن سعید عن قتادة فَاصْفَحْ عَنْهُمْ قال .. ثم نسخ ذلك و أمر بالقتال.
______________________________
(1) سورة: الشوری، الآیة: 40
(2) سورة: الشوری، الآیة: 41
(3) سورة: الزخرف، الآیة: 89
(4) سورة: التوبة، الآیة: 5
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 219

باب ذكر الموضع الذی فی الجاثیة

قال عزّ و جلّ قُلْ لِلَّذِینَ آمَنُوا یَغْفِرُوا لِلَّذِینَ لا یَرْجُونَ أَیَّامَ اللَّهِ لِیَجْزِیَ قَوْماً بِما كانُوا یَكْسِبُونَ «1» .. قال جماعة من العلماء هی منسوخة .. فمن ذلك ما حدثناه .. علیل بن أحمد قال حدثنا محمد بن هشام قال حدثنا عاصم بن سلیمان عن جویبر عن الضحاك عن ابن عباس قُلْ لِلَّذِینَ آمَنُوا نزلت فی عمر بن الخطاب رضی اللّه عنه شتمه رجل من المشركین بمكة قبل الهجرة فأراد أن یبطش به فأنزل اللّه تعالی قُلْ لِلَّذِینَ آمَنُوا یعنی عمر بن الخطاب یَغْفِرُوا لِلَّذِینَ لا یَرْجُونَ أَیَّامَ اللَّهِ یتجاوزوا للّذین لا یَخافُونَ مثل عقوبات الایام الخالیة لِیَجْزِیَ قَوْماً بِما كانُوا یَكْسِبُونَ .. ثم نسخ هذا فی (بَراءَةٌ) بقوله فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِینَ حَیْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ و حدثنا .. أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا عبد الرزاق قال أنبأنا معمر عن قتادة فی قوله تعالی قُلْ لِلَّذِینَ آمَنُوا یَغْفِرُوا لِلَّذِینَ لا یَرْجُونَ أَیَّامَ اللَّهِ «2» .. قال نسختها فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِینَ حَیْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ.

باب ذكر الآیة التی فی الاحقاف‌

قال عزّ و جلّ قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَ ما أَدْرِی ما یُفْعَلُ بِی وَ لا بِكُمْ «3» قرئ .. علی محمد بن جعفر بن حفص عن یوسف بن موسی قال حدثنا حسین بن علی الجعفی عن سفیان وَ ما أَدْرِی ما یُفْعَلُ بِی وَ لا بِكُمْ قال یرون أنها نزلت قبل الفتح .. و فی روایة الضحاك عن ابن عباس نسختها إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِیناً لِیَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَ ما تَأَخَّرَ «4» محال أن یكون فیها ناسخ و لا منسوخ من جهتین .. أحدهما انه خبر ..
و الآخر أن من أول السورة الی هذا الموضع خطابا للمشركین و احتجاج علیهم و توبیخ لهم فوجب أن یكون هذا أیضا خطابا للمشركین كما كان قبله و ما بعده و محال أن یقول صلّی اللّه علیه و سلّم للمشركین ما أدری ما یفعل بی و لا بكم فی الآخرة و لم یزل صلّی اللّه علیه و سلّم فی أول مبعثه الی وفاته
______________________________
(1) سورة: الجاثیة، الآیة: 14
(2) سورة: التوبة، الآیة: 5.
(3) سورة: الأحقاف، الآیة: 9
(4) سورة: الفتح، الآیتان: (1- 2)
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 220
یخبر ان من مات علی الكفر یخلد فی النار .. و من مات علی الإیمان و اتبعه و أطاعه فهو فی الجنة فقد دری صلّی اللّه علیه و سلّم ما یفعل به و بهم و لیس یجوز أن یقول ما أدری ما یفعل بی و لا بكم فی الآخرة فیقولون كیف نتبعك و أنت لا تدری أ تصیر الی خفض و دعة أو الی عذاب و عقاب ..
و الصحیح فی معنی الآیة قول الحسن كما قرئ .. علی محمد بن جعفر بن حفص عن یوسف بن موسی قال حدثنا وكیع قال حدثنا أبو بكر الهذلی عن الحسن ما أدری ما یفعل بی و لا بكم فی الدنیا و هذا أصح قول و أحسنه لا یدری صلّی اللّه علیه و سلّم ما یلحقه و إیاهم من مرض و صحة و غنی و فقر و غلاء و رخص و مثله وَ لَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَیْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَیْرِ وَ ما مَسَّنِیَ السُّوءُ «1».
______________________________
(1) سورة: الأعراف، الآیة: 188
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 221

سورة محمد صلّی اللّه علیه و سلّم‌

اشارة

بسم اللّه الرحمن الرحیم حدثنا .. یموت بإسناده عن ابن عباس قال سورة محمد صلّی اللّه علیه و سلّم مدنیة وجدنا فیها موضعین.

باب ذكر الموضع الأول‌

قال عز و جل فَإِذا لَقِیتُمُ الَّذِینَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتَّی إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَ إِمَّا فِداءً حَتَّی تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها «1» فی هذه الآیة خمسة أقوال .. من العلماء من قال هی منسوخة و هی فی أهل الأوثان و لا یجوز أن یفادوا و لا یمن علیهم و الناسخ لها عندهم فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِینَ حَیْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ «2» .. و منهم من قال هی فی الكفار جمیعا و هی منسوخة .. و منهم من قال هی ناسخة و لا یجوز أن یقتل الأسیر و لكن یمنّ علیه أو یفادی به .. و منهم من قال لا یجوز الأسر الا بعد الإثخان و القتل فاذا أسر العدو بعد ذلك فللإمام أن یحكم فیه بما رأی من قتل أو من مفاداة .. و القول الخامس أنها محكمة غیر ناسخة و لا منسوخة و الإمام مخیر أیضا .. فممن قال القول الأول ابن جریج و جماعة من ذلك ما حدثنا .. الحسن بن علیب عن یوسف بن عدی قال حدثنا ابن المبارك عن ابن جریج فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَ إِمَّا فِداءً «1» قال نسختها فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِینَ حَیْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ..
[قال أبو جعفر] هذا معروف من قول ابن جریج أن الآیة منسوخة و أنها فی كفار العرب و هو قول السدی و كثیر من الكوفیین .. و القول الثانی أنها فی جمیع الكفار و أنها منسوخة فی قول جماعة من العلماء و أهل النظر و قالوا اذا أسر المشرك لم یجز أن یمنّ علیه و لا أن یفادی به فیرد الی المشركین و لا یجوز عندهم أن یفادی الا بالمرأة لأنها لا تقتل و الناسخ لها فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِینَ حَیْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ اذ كانت (بَراءَةٌ) آخر ما نزلت بالتوقیف فوجب أن یقتل كل مشرك الا من قامت الدلالة علی تركه من النساء و الصبیان و من تؤخذ منه الجزیة قالوا و الحجة لنا قتل النبی صلّی اللّه علیه و سلّم عقبة بن أبی معیط و أبا عزة الجمحی فإن هذین و غیرهما أهل أوثان
______________________________
(1) سورة: محمد، الآیة: 4
(2) سورة: التوبة، الآیة: 5
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 222
و (بَراءَةٌ) نزلت بعد هذا لأن عقبة قتل یوم بدر و أبا عزة قتل یوم أحد .. قالوا فلیس فی هذا حجة .. فقیل فإن ثبت فی هذا حجة فهو القتل كما هو فأما الاحتجاج بما فعله أبو بكر الصدیق و عمر و علی رضوان اللّه علیهم من المنّ فلیس فیه حجة لأن أبا بكر الصدیق إنما منّ علی الأشعث لأنه مرتد فحكمه أن یستتاب و انما منّ عمر رضی اللّه عنه علی الهرمزان لأنه احتال علیه بأن قال له اشرب فلا بأس علیك فقال له قد أمنتنی و علی بن أبی طالب رضی اللّه عنه إنما منّ علی قوم مسلمین یشهدون شهادة الحق و یصلون و یصومون .. قال أبو أمامة كنت معه بصفین فكان اذا جی‌ء بأسیر استحلفه أن لا یكثّر علیه و دفع الیه أربعة دراهم و خلاه و كان هذا مذهبه و لا یقتل الأسیر من المسلمین و لا یغنم ماله و لا یتبعه اذا ولّی و لا یجهز علی جریح فكانت هذه سنته فی قتال من بغی من أهل القبلة حدثنا .. أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبد الرزاق قال أنبأنا معمر عن قتادة فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَ إِمَّا فِداءً قال نسختها فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ «1» و قال مجاهد نسختها فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِینَ حَیْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ .. [قال أبو جعفر] و من ذلك ما حدثنا .. الحسن بن علیب عن یوسف بن عدی قال حدثنا ابن المبارك عن ابن جریج عن عطاء فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَ إِمَّا فِداءً قال فلا یقتل المشرك و لكن یمن علیه و یفادی اذا أسر كما قال اللّه عز و جل .. و قال الأشعث كان الحسن یكره أن یقتل الأسیر و یتلو فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَ إِمَّا فِداءً .. و القول الرابع و روایة شریك عن سالم الأفطس عن سعید بن جبیر قال لا یكون فداء و لا أسر الا بعد الإثخان و القتل بالسیف .. و القول الخامس قاله كثیر من العلماء .. [قال أبو جعفر] كما حدثناه .. بكر بن سهل قال حدثنا عبد اللّه بن صالح قال حدثنا معاویة بن صالح عن علی بن أبی طلحة عن ابن عباس فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَ إِمَّا فِداءً .. قال فجعل النبی صلّی اللّه علیه و سلّم بالخیار فی الأساری إن شاءوا قتلوهم و إن شاءوا استعبدوهم و إن شاءوا فادوا بهم و إن شاءوا منوا علیهم و هذا علی أن الآیتین محكمتان معمول بهما و هو قول حسن لأن النسخ إنما یكون بشی‌ء قاطع فأما اذا أمكن العمل بالآیتین فلا معنی فی القول بالنسخ إذ كان یجوز أن یقع التعبد اذا لقینا الذین كفروا قبل الأسر قتلناهم فاذا كان الأسر جاز القتل و المفاداة و المنّ علی ما فیه الصلاح للمسلمین و هذا القول یروی عن أهل المدینة و الشافعی و أبی عبید و باللّه التوفیق.
______________________________
(1) سورة: الأنفال، الآیة: 57
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 223

باب ذكر الآیة الثانیة

قال جلّ و عزّ فَلا تَهِنُوا وَ تَدْعُوا إِلَی السَّلْمِ وَ أَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ «1» .. من قال هذه ناسخة لقوله وَ إِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها «2» .. احتج بأن فی هذه المنع من المیل الی الصلح اذا لم یكن بالمسلمین حاجة عامة.
______________________________
(1) سورة: محمد، الآیة: 35
(2) سورة: الأنفال، الآیة: 61
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 224

سورة الفتح و الحجرات‌

بسم اللّه الرحمن الرحیم حدثنا .. یموت بإسناده عن ابن عباس أنهما نزلتا بالمدینة .. و قد ذكرنا قول من قال إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِیناً لِیَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَ ما تَأَخَّرَ «1» الآیة ناسخة لقوله وَ ما أَدْرِی ما یُفْعَلُ بِی وَ لا بِكُمْ «2» و أن هذا لا یكون فیه نسخ و لم نذكر معنی إِنَّا فَتَحْنا لَكَ علی استقصاء و هذا موضعه .. فمن الناس من یتوهم أنه یعنی بهذا فتح مكة و هذا غلط و الذی علیه الصحابة و التابعون و غیرهم حتی كأنه إجماع كما روی أبو اسحاق عن البراء إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِیناً قال یعدون الفتح فتح مكة و إنما نعده فتح الحدیبیة كنا أربع عشر مائة .. و كذا روی الاعمش عن أبی سفیان قال تعدون الفتح فتح مكة و إنما نعده فتح الحدیبیة و كذا قال أنس بن مالك و ابن عباس و سهل بن حنیف و المسور بن مخرمة و قاله من التابعین الحسن و مجاهد و الزهری و قتادة و فی تسمیة فتح الحدیبیة فتحا أقوال للعلماء مثبتة لو لم یكن فیها الا ان اللّه عز و جل أنزل علی نبیه صلّی اللّه علیه و سلّم لَقَدْ رَضِیَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِینَ إِذْ یُبایِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ «3» بعد أن عرفه المغفرة له ثم لم ینزل بعد ذلك سخطا علی من رضی عنه و أیضا فان الحدیبیة و رد علیها المسلمون و قد غاض ماؤها فتفل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم فیها فجاء الماء حتی عمهم و لم یكن بین المسلمین و الكفار إلا ترام حتی كان الفتح و قد كان بعض العلماء یتأول أنه انما قیل لیوم الحدیبیة الفتح لأنه كان سببا لفتح مكة و جعله مجازا كما یقال قد دخلنا المدینة اذا قاربنا دخولها و أبین ما فی هذا ما .. [قال أبو جعفر] حدثنا أحمد بن محمد بن الحجاج قال حدثنا یحیی بن سلیمان قال حدثنا الأجلح عن محمد بن اسحاق عن ابن شهاب بإسناده قال لم یكن فی الإسلام فتح أعظم منه كانت الحروب و قد حجزت بین الناس فلا یتكلم أحد و انما كان القتال فلما كانت الحدیبیة و الصلح وضعت الحرب و أمن الناس فتلاقوا فلا یكلم أحد بعقد الإسلام إلا دخل فیه فلقد دخل فی تلك السنین مثل من كان قبل ذلك و أكثر و هذا قول حسن بیّن و قال تعالی
______________________________
(1) سورة: الفتح، الآیة: 1- 2
(2) سورة: الأحقاف، الآیة: 9
(3) سورة: الفتح، الآیة: 18
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 225
لا یَسْتَوِی مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَ قاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِینَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَ قاتَلُوا «1» كان هذا فی یوم الحدیبیة أیضا جاء بذلك التوقیف عن النبی صلّی اللّه علیه و سلّم أنه قال لأصحابه هذا فرق ما بینكم و بین الناس و فی الحدیث لا تسبوا أصحابی فلو أنفق أحدكم مل‌ء الأرض ما بلغ مدّ أحدهم و لا نصیفه فهذا مدّ أحدهم یعنی الذی یكتال به و نصیفه یعنی نصفه قاله الترمذی فهذا الذی أنفقوا قبل الحدیبیة و قاتلوا.
______________________________
(1) سورة: الحدید، الآیة: 10
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 226

سورة ق و الذاریات و الطور و النجم و القمر و الرحمن و الواقعة

بسم اللّه الرحمن الرحیم حدثنا .. یموت بإسناده عن ابن عباس أنهن نزلن بمكة .. [قال أبو جعفر] وجدنا فیهن خمسة مواضع فی سورة ق موضع .. قال عز و جل فَاصْبِرْ عَلی ما یَقُولُونَ وَ سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَ مِنَ اللَّیْلِ فَسَبِّحْهُ وَ أَدْبارَ السُّجُودِ «1» ..
یجوز أن یكون فَاصْبِرْ عَلی ما یَقُولُونَ منسوخا بقوله قاتِلُوا الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ لا بِالْیَوْمِ الْآخِرِ «2» الآیة و یجوز أن یكون محكما أی اصبر علی أذاهم فإن اللّه لهم بالمرصاد ..
و هذا أنزل فی الیهود جاء التوقیف بذلك لأنهم تكلموا بكلام لحق النّبی صلّی اللّه علیه و سلّم منه أذی كما قرئ .. علی إسحاق بن إبراهیم بن یونس بن هناد بن السری قال حدثنا أبو بكر بن عیاش عن أبی سعید و هو سعید بن المرزبان عن عكرمة عن ابن عباس قال هناد قرأته علی أبی بكر أن الیهود جاءت إلی النبی صلّی اللّه علیه و سلّم فسألته عن خلق السماوات و الأرض فقال خلق اللّه الارض یوم الأحد و یوم الاثنین و خلق الجبال یوم الثلاثاء بما فیها من منافع و خلق الشجر و الماء و المدائن و الخرابات و العمارات یوم الأربعاء قال عز و جل قُلْ أَ إِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِی خَلَقَ الْأَرْضَ فِی یَوْمَیْنِ «3» الی سَواءً لِلسَّائِلِینَ «4» قال لمن سأل و خلق السماء یوم الخمیس و خلق النجوم و الشمس و القمر و الملائكة یوم الجمعة الی ثلاث ساعات بقین منه و خلق فی أول ساعة من هذه الثلاث الساعات الآجال حین یموت من مات و فی الثانیة القی الآفة علی كل شی‌ء ینتفع به الناس و فی الثالثة خلق آدم صلّی اللّه علیه و سلّم و أسكنه الجنة و أمر إبلیس بالسجود له و أخرجه منها فی آخر ساعة .. قالت الیهود ثم ما ذا یا محمد قال ثم استوی علی العرش قالوا قد أصبت لو تممت ثم استراح فغضب النبی صلّی اللّه علیه و سلّم غضبا شدیدا و نزلت وَ لَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَیْنَهُما فِی سِتَّةِ أَیَّامٍ وَ ما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ «5» .. [قال أبو جعفر] ثم قال فَاصْبِرْ عَلی ما یَقُولُونَ وَ سَبِّحْ «1» فتأول هذا بعض العلماء علی انه اذا أحزن انسانا أمر
______________________________
(1) سورة: ق، الآیة: 39
(2) سورة: التوبة، الآیة: 29
(3) سورة: فصلت، الآیة: 9
(4) سورة: فصلت، الآیة: 10
(5) سورة: ق، الآیة: 38
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 227
فینبغی أن یفزع إلی الصلاة قال حذیفة كان النبی صلّی اللّه علیه و سلّم إذا أحزنه أمر فزع إلی الصلاة و عن ابن عباس أنه عرّف و هو راحل بموت قثم أخیه فأمر بحط الراحلة ثم صلّی ركعتین و تلا وَ اسْتَعِینُوا بِالصَّبْرِ وَ الصَّلاةِ وَ إِنَّها لَكَبِیرَةٌ إِلَّا عَلَی الْخاشِعِینَ «1» .. ثم قال وَ سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَ قَبْلَ الْغُرُوبِ .. قال أبو صالح الصبح و العصر و قیل الصبح و الظهر و العصر و یكون من اللیل المغرب و العشاء .. فأما وَ أَدْبارَ السُّجُودِ فبین العلماء فیه اختلاف .. فأكثرهم یقول الركعتان بعد المغرب .. و منهم من یقول بعد كل صلاة مكتوبة ركعتان .. و الظاهر یدل علی هذا إلّا أن الأولی اتباع الأكثر و لا سیما و هو صحیح عن علی بن أبی طالب .. و قد أمر بما قد أجمع المسلمون علیه نافلة فیجوز أن یكون ندبا لا حتما و یجوز أن یكون منسوخا بما صح عن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم أنه لا یجب علی أحد الا خمس صلوات و نقل ذلك الجماعة و كان التأذین فیها و الإقامة فی عهد رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم و الخلفاء الراشدین المهدیین لا أحد منهم یوجب غیرها و فی سورة الذاریات موضعان .. فالموضع الأول قوله تعالی وَ فِی أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَ الْمَحْرُومِ «2» .. من العلماء من قال هی محكمة كما قال الحسن البصری و إبراهیم النخعی لیس فی المال حق سوی الزكاة .. و من قال هی منسوخة قال هی و ان كانت خبرا ففی الكلام معنی الأمر أی اعطوا السائل و المحروم و یجعل هذا منسوخا بالزكاة المفروضة .. [قال أبو جعفر] كما قرئ .. علی أحمد بن محمد بن الحجاج عن یحیی بن سلیمان قال حدثنا مروان بن معاویة قال حدثنا سلمة بن نبیط قال سمعت الضحاك بن مزاحم یقول .. نسخت الزكاة كل صدقة فی القرآن .. [قال أبو جعفر] و للعلماء فی المحروم ثمانیة أقوال فقرئ .. علی أحمد بن محمد بن الحجاج عن یحیی بن سلیمان قال حدثنا عبد الرحیم بن سلیمان قال حدثنا زكریا بن أبی زید عن أبی اسحاق السبیعی عن قیس قال .. سألت ابن عباس عن قول اللّه تعالی لِلسَّائِلِ وَ الْمَحْرُومِ فقال السائل الذی یسأل و المحروم الذی لا یبقی له مال .. و فی روایة شعبة و الثوری عن أبی اسحاق عن قیس عن ابن عباس قال المحروم المحارف .. و قال محمد بن الحنفیة المحروم الذی لم یشهد الحرب أی فیكون له سهم فی الغنیمة .. و قال زید بن أسلّم المحروم الذی لحقته جائحة فأتلفت زرعه .. و قال الزهری المحروم الذی لا یسأل الناس .. و قال عكرمة المحروم الذی لا ینمّی له شی‌ء عن أبی هریرة عن النبی صلّی اللّه علیه و سلّم قیل من
______________________________
(1) سورة: البقرة، الآیة: 45
(2) سورة: الذاریات، الآیة: 19
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 228
المسكین یا رسول اللّه قال الذی لا یجد ما یعینه و لا یفطن له فیعطی و لا یسأل الناس ..
و القول الثامن یروی عن عمر بن عبد العزیز قال المحروم الكلب و انما وقع الاختلاف فی هذا لأنه صفة أقیم مقام الموصوف و المحروم هو الذی قد حرم الرزق و احتاج .. فهذه الأقوال كلها داخلة فی هذا غیر أنه لیس فیها أجلّ مما روی عن ابن عباس و لا أجمع من أنه المحارف. و الموضع الآخر قوله فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ «1» فی روایة الضحاك أن التولی عنهم منسوخ بأنه قد أمر بالإقبال علیهم بالموعظة قال عزّ و جلّ یا أَیُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَیْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ «2» فأمر أن یبلغ كما أنزل اللّه كما قالت عائشة رضی اللّه عنها من زعم أن محمدا كتم شیئا من الوحی فقد أعظم الفریة قال مجاهد فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فأعرض عنهم فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ أی لیس یلومك ربك عز و جل علی تقصیر كان منك. و فی الطور وَ سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِینَ تَقُومُ «3» للعلماء فیه أقوال ..
فمن ذلك ما حدثناه أحمد بن محمد بن الحجاج قال حدثنا یحیی الجعفی قال حدثنی ابن وهب قال حدثنی أسامة بن زید سمع محمد بن كعب القرظی یقول فی هذه الآیة وَ سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ الآیة قال .. حین تقوم الی الصلاة أی تكبر و تقول سبحانك اللهم و بحمدك تبارك اسمك و تعالی جدّك و لا إله غیرك .. و هذا قول إن الآیة فی افتتاح الصلاة و ردّ هذا بعض العلماء .. و قد أجمع المسلمون أنه من لم یستفتح الصلاة بهذا فصلاته جائزة فلو كان هذا أمر من اللّه سبحانه لكان موجبا فإن قیل هو ندب قیل لو صح أنه واجب بما تقوم به الحجة لجاز أن یكون ندبا أو منسوخا .. قال أبو الجوزاء وَ سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِینَ تَقُومُ و من النوم و اختار هذا القول محمد بن جریر قال یكون هذا فرضا و یكون هذا النوم القائلة و یعنی به صلاة الظهر لأن صلاة الصبح مذكورة فی الآیة .. و القول الثالث قول أبی الأحوص أن یكون كلما قام من مجلس قال سبحانك اللّهم و بحمدك .. و هذا القول أولاها من جهات آكدها انه قد صح عن عبد اللّه بن مسعود و اذا تكلم صحابی فی آیة و لم یعلم أحد من الصحابة خالفه لم یسع مخالفته لأنهم أعلم بالتنزیل و التأویل كما قرئ .. علی محمد بن جعفر بن حفص عن یوسف بن موسی قال حدثنا أبو نعیم قال حدثنا سفیان عن
______________________________
(1) سورة: الذاریات، الآیة: 54
(2) سورة: المائدة، الآیة: 67
(3) سورة: الطور، الآیة: 48
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 229
أبی إسحاق عن أبی الأحوص عن عبد اللّه وَ سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِینَ تَقُومُ «1» .. قال تقوم من المجلس تقول سبحان اللّه و بحمده .. [قال أبو جعفر] فیكون هذا ندبا لجمیع الناس ..
و قد صح عن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم فی ذلك و كان یقول كلما قام من مجلس قال سبحانك اللهم و بحمدك لا إله الا أنت أستغفرك و أتوب الیك و فی بعض الحدیث یغفر له كلما كان فی ذلك المجلس .. و قد یجوز أن هذا لما كان مخاطبة للنبی صلّی اللّه علیه و سلّم كان فرضا علیه وحده و ندبا علی قوم و حجة ثالثة أن الكلام عام و لا یخص به القیام من النوم الا بحجة ثم قال وَ مِنَ اللَّیْلِ فَسَبِّحْهُ «2» فیه ثلاثة أقوال من العلماء من قال یعنی به المغرب و العشاء .. و قال ابن زید یعنی به المغرب حدثنا أبو جعفر .. قال حدثنا علی بن الحسین عن الحسن بن محمد عن ابن علیة قال حدثنا ابن جریج عن مجاهد قال قال ابن عباس وَ مِنَ اللَّیْلِ فَسَبِّحْهُ و التسبیح فی ادبار الصلوات ثم قال تعالی وَ إِدْبارَ النُّجُومِ فیه قولان قال الضحاك و ابن زید وَ إِدْبارَ النُّجُومِ صلاة الصبح و اختار محمد بن جریر هذا القول لأن صلاة الصبح فرض قالوا فالأولی أن تحمل الآیة علیها و هذا القول أولی لأنه جاء عن صحابی لا نعلم له مخالفا كما قرئ .. علی محمد بن جعفر بن حفص عن یوسف بن موسی قال حدثنا محمد بن فضل قال حدثنا العلاء بن المسیب عن أبی اسحاق عن الحارث عن علی بن أبی طالب فی قوله تعالی وَ إِدْبارَ النُّجُومِ .. قال ركعتان بعد الفجر فان قیل فالركعتان غیر واجبتین و الأمر من اللّه تعالی علی الحتم الا أن یكون حجة تدل علی أنه علی غیر الحتم ..
فالجواب عن هذه أنه یجوز أن تكون حتما ثم نسخ بأنه لا فرض الا الصلوات الخمس و یجوز أن یكون ندبا و یدل علی ذلك ما أجمع علیه العلماء أن ركعتی الفجر لیستا فرضا و لكنهما مندوب الیهما لا ینبغی تركهما .. و فی النجم قوله وَ أَنْ لَیْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعی «3» .. [قال أبو جعفر] للناس فی هذا أقوال .. فمنهم من قال انها منسوخة .. و منهم من قال هی محكمة فلا ینفع أحدا أن یتصدق عنه أحد و لا أن یجعل له ثواب شی‌ء عمله قال وَ أَنْ لَیْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعی .. كما قال اللّه و قال قوم قد جاءت أحادیث عن النبی صلّی اللّه علیه و سلّم بأسانید صحاح و هی مضمومة الی الآیة .. و قال قوم الأحادیث لها تأویل و لیس للإنسان علی الحقیقة الا ما سعی .. فممن تؤل علیه ان الآیة منسوخة ابن عباس .. [قال أبو جعفر] كما
______________________________
(1) سورة: النصر، الآیة: 11
(2) سورة: الطور، الآیة: 49
(3) سورة: النجم، الآیة: 39
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 230
حدثنا .. بكر بن سهل قال حدثنا عبد اللّه بن صالح قال حدثنی معاویة بن صالح عن علی بن أبی طلحة عن ابن عباس قال .. و قوله تعالی وَ أَنْ لَیْسَ لِلْإِنْسانِ الآیة فأنزل اللّه تعالی بعد ذلك وَ الَّذِینَ آمَنُوا وَ اتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّیَّتُهُمْ بِإِیمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّیَّتَهُمْ «1» فأدخل اللّه تعالی الآباء الجنة بصلاح الأبناء قال محمد بن جریر یذهب إلی أن الآیة منسوخة .. [قال أبو جعفر] كذا عندی فی الحدیث و كان یجب أن یكون فأدخل الأبناء الجنة بصلاح الآباء الا انه یجوز أن یكون المعنی علی ان الآباء یلحقون بالأبناء كما یلحق الأبناء بالآباء و حدثنا .. أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبد الرزاق و قال أنبأنا الثوری عن عمرو بن مرة عن سعید بن جبیر عن ابن عباس .. قال ان اللّه یرفع ذریة المؤمن معه فی درجة الجنة و ان كانوا دونه فی العمل وَ الَّذِینَ آمَنُوا وَ اتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّیَّتُهُمْ بِإِیمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّیَّتَهُمْ وَ ما أَلَتْناهُمْ «1» أی نقصانهم حدثنا .. أحمد بن محمد بن نافع الأزدی قال حدثنا إبراهیم بن داود قال حدثنا أحمد بن سكیت الكوفی قال حدثنا محمد بن بشر العبدی قال حدثنا سفیان الثوری عن سماعة عن عمرو بن مرة عن سعید بن جبیر عن ابن عباس ان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم .. قال ان اللّه لیرفع ذریة المؤمن معه فی درجته و ان كان لم یبلغها بعمله لتقرّبهم عینه ثم قرأ وَ الَّذِینَ آمَنُوا وَ اتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّیَّتُهُمْ بِإِیمانٍ الآیة فصار الحدیث مرفوعا عن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم لأنه إخبار عن اللّه تعالی بما یفعله و بمعنی انه أنزلها جل ثناؤه .. و أما قول من قال لا ینفع أحدا أن یتصدق عنه أحد و لم یتأول الأحادیث فقول مرغوب عنه الا بما صح عن النبی صلّی اللّه علیه و سلّم و لم نسمع أحدا رده قال عز و جل وَ ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا «2» .. و قد صحت عن النبی صلّی اللّه علیه و سلّم أحادیث سنذكر منها شیئا حدثنا .. بكر بن سهل الدمیاطی قال حدثنا عبد اللّه بن یوسف قال أنبأنا مالك عن ابن شهاب عن سلیمان بن یسار عن عبد اللّه بن عباس قال كان الفضل بن عباس ردیف رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم فجاءته امرأة من خثعم تستفتیه فجعل الفضل بن عباس ینظر الیها و تنظر الیه فجعل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم یصرف وجه الفضل الی الشق الآخر فقالت یا رسول اللّه ان فریضة اللّه علی عباده الحج أدركت أبی شیخا كبیرا لا یستطیع أن یثبت علی الراحلة أ فأحج عنه قال نعم و ذلك فی حجة الوداع و فی حدیث ابن عیینة عن عمرو عن الزهری عن سلیمان عن ابن عباس بزیادة و هی ان النبی صلّی اللّه علیه و سلّم قال لها أ رأیت لو كان علی أبیك دین أ كنت تقضیه قالت نعم فقال فدین اللّه أولی .. و قال قوم
______________________________
(1) سورة: الطور، الآیة: 21
(2) سورة: الحشر، الآیة: 7
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 231
لا یحج أحد عن أحد و احتج له بعض الصحابة .. فقال فی الحج صلاة لا بد منها .. و قد أجمع العلماء علی أن لا یصلی أحد عن أحد قیل لهم الحج مخالف للصلاة مع بیان السنة .. [قال أبو جعفر] و سنذكر قول من تأول الحدیث .. و قد روی شعبة عن جعفر بن أبی وحشیة عن سعید بن جبیر عن ابن عباس ان رجلا قال یا رسول اللّه ان أمی توفیت و علیها صیام قال فصم عنها .. و قد قال من یقتدی بقوله من العلماء لا یصوم أحد عن أحد .. فقال من احتج لهم بهذا الحدیث و إن كان مستقیم الإسناد و سعید بن جبیر و إن كان له المحل الجلیل .. فقد وقع فی أحادیثه غلط .. و قد خالفه عبید اللّه بن عبد اللّه بن عتبة و عبد اللّه من الإتقان علی ما لا خفاء به كما حدثنا .. بكر بن سهل قال حدثنا عبد اللّه بن یوسف قال أنبأنا مالك عن ابن شهاب عن عبید اللّه بن عبد اللّه بن عتبة بن مسعود الهذلی عن عبد اللّه بن عباس ان سعد بن عبادة استفتی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم فقال یا رسول اللّه إن أمی ماتت و علیها نذر قال فاقض عنها .. و روی الزهری عن أبی عبد اللّه الاغر عن أبی هریرة عن النبی صلّی اللّه علیه و سلّم قال یلحق المسلّم أو ینفع المسلّم ثلاثة ولد صالح یدعو له و علم ینشره و صدقة جاریة و نذكر قول من تأول هذه الاحادیث .. فإن فیها أقوال .. من العلماء من قال بالأحادیث كلها و لم یجز فیها الترك منهم أحمد بن محمد بن حنبل و كان هذا مذهبه فقال یحج الإنسان عن الإنسان و یتصدّق عنه كما قال صلّی اللّه علیه و سلّم قال و من مات و علیه صیام شهر من رمضان أطعم عنه لكل یوم و من مات و علیه صیام نذر صام عنه ولیه كما أمر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم ..
و من العلماء من قال ببعض الأحادیث فقال یحج الإنسان عن الإنسان و لا یصوم عنه و لا یصلی و هذا مذهب الشافعی .. و منهم من قال لا یجوز فی عمل الأبدان أن یعملها أحد عن أحد و هذا قول مالك بن أنس .. و منهم من قال الأحادیث صحیحة و لكن هی محمولة علی الآیة و إنما یحج الإنسان عن الإنسان إذا أمره و أوصی بذلك أو كان له فیه سعی حتی یكون موافقا لقوله عز و جل وَ أَنْ لَیْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعی .. و منهم من قال لا یعمل أحد عن أحد شیئا فإن عمل فهو لنفسه كما قال عز و جل وَ أَنْ لَیْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعی و قال فی الأحادیث سبیل الأنبیاء علیهم السلام أن لا یمنعوا أحدا من فعل الخیر .. [قال أبو جعفر] و قول أحمد فی هذا بیّن حسن و هو أصل مذهب الشافعی فإن قال قائل فكیف یرد هذا الی الآیة ففی ذلك جوابان أحدهما ان ما قاله رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم و صح عنه فهو مضموم الی القرآن كما حدثنا .. أحمد بن محمد الأزدی قال حدثنا عیسی بن إبراهیم الغافقی قال حدثنا ابن عیینة عن ابن المنكدر و أبی النضر عن عبید اللّه بن أبی رافع عن أبیه أو غیره عن النبی صلّی اللّه علیه و سلّم قال لا ألفین أحدكم متكئا علی أریكته یأتیه الأمر من أمری مما أمرت به أو نهیت عنه فیقول
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 232
لا أدری ما وجدنا فی كتاب اللّه اتبعناه .. [قال أبو جعفر] و هذا جواب جماعة من الفقهاء أن یضم الحدیث الی القرآن كما قال جل ثناؤه قُلْ لا أَجِدُ فِی ما أُوحِیَ إِلَیَّ مُحَرَّماً عَلی طاعِمٍ یَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ یَكُونَ مَیْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِیرٍ «1» ثم حرم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم كل ذی ناب من السباع و كل ذی مخلب من الطیر فكان مضموما الی الآیة و كان أحمد من أكثر الناس اتباعا لهذا حتی قال من احتجم و هو صائم فقد أفطر هو و جماعته كما قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم .. و فی الأحادیث تأویل آخر فیه لطف و دقة و هو أن اللّه إنما قال وَ أَنْ لَیْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعی و لام الخفض معناها فی العربیة الملك و الایجاب فلیس لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعی فإذا تصدق عنه غیره فلیس یجب له شی‌ء إلا أن اللّه یتفضل علیه بما لم یجب له كما یتفضل علی الأطفال بإدخالهم الجنة بغیر عمل فعلی هذا یصح تأویل الأحادیث .. و قد روی هشام بن عروة عن أبیه عن عائشة رضی اللّه عنها أن رجلا قال یا رسول اللّه ان أمی افتلتت نفسها فماتت و لم توص أ فأتصدق عنها؟ قال نعم .. [قال أبو جعفر] فی هذا الحدیث ما ذكرنا من التأویلات و فیه من الغریب قوله افتلتت ماتت فجأة و منه قول عمر رضی اللّه عنه كانت بیعة أبی بكر فلتة فوقی اللّه شرها أی فجاءة .. و فی ذلك المعنی ان عمر تواعد من فعل ذلك و ذلك ان أبا بكر صار له من الفضائل الباهرة التی لا تدفع ما یستوجب به الخلافة و أن یبایع فجأة و لیس هذا لغیره و كان له استخلاف رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم ایاه علی الصلاة فجاء ممدود مهموز قال عروة بن حزام:
و ما هو الا أن أرادها فجاءةفأبهت حتی ما أكاد أجیب قال محمد بن جریر استخلافه إیاه علی الصلاة بمعنی استخلافه علی إمامة المسلمین و النظر فی أمورهم لأنه استخلفه علی الصلاة التی لا یقیمها الا الأئمة من الجمع و الأعیاد و روجع فی ذلك فقال یأبی اللّه و المسلمون الا أبا بكر .. و قال غیر محمد بن جریر روی شعبة و الثوری عن الأعمش و منصور عن سالم بن أبی الجعد عن ثوبان أن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم قال استقیموا و لا تخطوا و اعلموا ان خیر أعمالكم الصلاة و لا یحافظ علی الصلاة الا مؤمن فلما استخلف رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم أبا بكر علی خیر أعمالنا ما كان دونه تابعا له.
______________________________
(1) سورة: الأنعام، الآیة: 145
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 233

سورة الحدید و المجادلة

بسم اللّه الرحمن الرحیم حدثنا .. یموت بإسناده عن ابن عباس أنهما نزلتا بالمدینة .. [قال أبو جعفر] وجدنا فی سورة المجادلة له موضعین فأحدهما قوله عز و جل وَ الَّذِینَ یُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ یَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِیرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ یَتَمَاسَّا «1» الآیة .. فمن العلماء من قال هی ناسخة لما كانوا علیه لأن الظهار كان عندهم طلاقا فنسخ ذلك و جعلت فیه الكفارة .. قال أبو قلابة كان الظهار طلاق الجاهلیة فكان الرجل اذا ظاهر من امرأته لم یرجع فیها أبدا قرأ .. علیّ أحمد بن عمرو بن عبد الخالق عن یوسف بن موسی حدثنا عبد اللّه بن موسی قال حدثنا أبو حمزة الیمانی و هو ثابت بن أبی صفیة عن عكرمة عن ابن عباس قال .. كان الرجل فی الجاهلیة اذا قال لامرأته انت علیّ كظهر أمی حرمت علیه و ذكر الحدیث .. و قال فیه فأنزل اللّه تعالی قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِی تُجادِلُكَ فِی زَوْجِها «2» الآیة. و الموضع الآخر قوله تعالی یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِذا ناجَیْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَیْنَ یَدَیْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً «3» أكثر العلماء علی ان هذه الآیة منسوخة كما حدثنا .. جعفر بن مجاشع قال حدثنا إبراهیم بن اسحاق قال حدثنا أبو نعیم قال حدثنا موسی بن قیس عن سلمة بن كهیل یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِذا ناجَیْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَیْنَ یَدَیْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً قال أول من عمل بها علی بن أبی طالب كرم اللّه وجهه ثم نسخت و قرئ .. علی علی بن سعید بن بشیر عن محمد بن عبد اللّه الموصلی قال حدثنا القاسم بن یزید الحرمی قال حدثنا سفیان الثوری عن عثمان بن المغیرة عن سالم بن أبی الجعد عن علی بن علقمة عن علی بن أبی طالب قال .. لما نزلت یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِذا ناجَیْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَیْنَ یَدَیْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً قلت یا رسول اللّه كم قال دینار قلت لا یطیقونه قال فكم قلت حبة شعیر قال انك لزهید قال و نزلت أَ أَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَیْنَ یَدَیْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ «4» الآیة.
______________________________
(1) سورة: المجادلة، الآیة: 3
(2) سورة: المجادلة، الآیة: 1
(3) سورة: المجادلة، الآیة: 12
(4) سورة: المجادلة، الآیة: 13
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 234

سورة الحشر

بسم اللّه الرحمن الرحیم حدثنا .. یموت بإسناده عن ابن عباس أنها مدنیة لم نجد فیها إلا موضعا واحدا ..
قال عز و جل ما أَفاءَ اللَّهُ عَلی رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُری فَلِلَّهِ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِی الْقُرْبی وَ الْیَتامی وَ الْمَساكِینِ وَ ابْنِ السَّبِیلِ «1» فی هذه الآیة ستة أقوال العلماء .. منهم من قال هی منسوخة و قال الفی‌ء و الغنیمة واحد و كان فی بدوّ الاسلام تقسم الغنیمة علی هذه الأصناف و لا یكون لمن قاتل علیها شی‌ء الا أن یكون من هذه الأصناف ثم نسخ اللّه ذلك فی سورة الأنفال فجعل لهؤلاء الخمس و جعل الأربعة الأخماس لمن حارب قال اللّه تعالی وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَیْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ «2» و هذا قول قتادة و رواه عنه سعید و منهم من قال الفی‌ء خلاف الغنیمة فالغنیمة ما أخذ عنوة بالغلبة و الحرب و یكون خمسه فی هذه الأصناف و أربعة أخماس للذین قاتلوا علیه و الفی‌ء ما صولح أهل الحرب علیه فیكون مقسوما فی هذه الاربعة الأصناف و لا یخمس هذا قول سفیان الثوری رواه عنه وكیع .. و قال غیره من الفقهاء الفی‌ء أیضا غیر الغنیمة و هو ما صولحوا علیه أیضا الا أنه یخرج خمسه فی هذه الأصناف و یكون أربعة أخماسه خارجة فی صلاح المسلمین .. و منهم من قال هذه الآیة یتبین ما قبلها من قوله وَ ما أَفاءَ اللَّهُ عَلی رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَیْهِ مِنْ خَیْلٍ وَ لا رِكابٍ «3» قال یزید بن رومان الفی‌ء ما قوتل علیه و أوجف علیه بالخیل و الركاب .. و القول السادس حدثناه أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبد الرزاق قال أنبأنا معمر فی قول اللّه تعالی ما أَفاءَ اللَّهُ عَلی رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُری قال بلغنی أنه الجزیة و الخراج خراج القری یعنی القری التی تؤدی الخراج .. [قال أبو جعفر] أما القول أنها منسوخة فلا معنی له لأنه لیست إحداهما تنافی الأخری فیكون النسخ .. و القول الثانی أن الفی‌ء خلاف الغنیمة قول مستقیم صحیح و ذلك أن الفی‌ء مشتق من فاء یفی‌ء اذا رجع فأموال المحاربین حلال للمسلمین فإذا امتنعوا ثم صالحوا رجع الی المسلمین ما صولحوا علیه .. و قول معمر أنها الجزیة و الخراج داخل فی هذه الآیة مما صالحوا علیه .. و أما قول
______________________________
(1) سورة: الحشر، الآیة: 7
(2) سورة: الأنفال، الآیة: 41
(3) سورة: الحشر، الآیة: 6
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 235
من قال ان الآیة الثانیة مبینة للأولی فغلط لأن الآیة الأولی جاء التوقیف أنها نزلت فی بنی النضیر حین أجلوا عن بلادهم بغیر حرب و فیهم نزلت سورة الحشر هُوَ الَّذِی أَخْرَجَ الَّذِینَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِیارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ «1» فجعل اللّه أموالهم للنبی صلّی اللّه علیه و سلّم فلم یستأثرها و فرقها فی المجاهدین و لم یعط الأنصار منها شیئا الا لرجلین سهل بن حنیف و أبی دجانة سماك بن حرشة و لم یأخذ منها صلّی اللّه علیه و سلّم الا ما یكفیه و یكفی أهله ففی هذا نزلت الآیة الأولی و الآیة الثانیة لأصناف بعینهم خلاف ما كان للنبی صلّی اللّه علیه و سلّم وحده و یبین لك هذا الحدیث حین تخاصم علی و العباس الی عمر بن الخطاب فی هذا بعینه كما قرئ .. علی أحمد بن شعیب بن علی عن عمرو بن علی قال حدثنا بشر بن عمر قال حدثنا مالك بن أنس عن الزهری عن مالك بن أوس بن الحدسان قال أرسل الیّ عمر حین تعالی النهار فجئته فوجدته جالسا علی سریر مفضیا إلی رماله فقال حین دخلت یا مالك إنه قد دف أهل أبیات من قومك و قد أمرت برضخ فخذه فأقسمه بینهم قلت لو أمرت غیری بذلك قال فخذه فجاء یرفأ فقال یا أمیر المؤمنین هل لك فی عثمان بن عفان و عبد الرحمن بن عوف و الزبیر بن العوام و سعد بن أبی وقاص قال نعم فأذن لهم فدخلوا ثم جاءه فقال یا أمیر المؤمنین هل لك فی العباس و علی قال نعم فأذن لهما فدخلا فقال العباس یا أمیر المؤمنین اقض بینی و بین هذا یعنی علیا فقال بعضهم أجل یا أمیر المؤمنین فاقض بینهما و ارحمهما فقال مالك بن أوس خیّل الیّ انهما قدما أولئك النفر لذلك فقال عمر أنشدكم ثم أقبل علی أولئك الرهط فقال أنشدكم باللّه الذی بإذنه تقوم السماء و الارض هل تعلمون أن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم قال: «لا نورث ما تركناه صدقة» قالوا نعم ثم أقبل علی علی و العباس فقال أنشدكما باللّه الذی بإذنه تقوم السماء و الارض هل تعلمان أن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم قال: «لا نورث ما تركناه صدقة» قالا نعم قال فإن اللّه عز و جل خص نبیه صلّی اللّه علیه و سلّم بخاصة لم یخص بها أحدا من الناس فقال ما أَفاءَ اللَّهُ عَلی رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَیْهِ مِنْ خَیْلٍ وَ لا رِكابٍ وَ لكِنَّ اللَّهَ یُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلی مَنْ یَشاءُ وَ اللَّهُ عَلی كُلِّ شَیْ‌ءٍ قَدِیرٌ «1» و كان اللّه أفاء علی رسوله بنی النضیر فو الله ما استأثرها علیكم و لا أخذها دونكم فكان النبی صلّی اللّه علیه و سلّم یأخذ منها نفقة سنة و یجعل ما بقی أسوة المال ثم أقبل علی أولئك الرهط فقال أنشدكم باللّه الذی بإذنه تقوم السماء و الارض هل تعلمون ذلك قالوا نعم ثم أقبل علی علی و العباس فقال أنشدكما باللّه الذی بإذنه تقوم السماء و الارض هل تعلمان ذلك قالا نعم فلما توفی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم قال أبو بكر الصدیق أنا ولی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم فجئت
______________________________
(1) سورة: الحشر، الآیة: 6
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 236
أنت و هذا الی أبی بكر الصدیق فجئت أنت تطلب میراثك من ابن أخیك و یطلب هذا میراث امرأته من أبیها فقال أبو بكر الصدیق قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم: «لا نورث ما تركنا صدقة» فولیها أبو بكر .. فما توفّی أبو بكر قلت أنا ولیّ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم و ولیّ أبو بكر فولیتها ما شاء اللّه أن ألیها ثم جئت أنت و هذا و أنتما جمیع و أمركما واحد فسألتمانیها فقلت إن أدفعها الیكما علی أنّ علیكما عهد اللّه لتلیانها بالذی كان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم یلیها به و أخذتماها علی ذلك ثم جئتمانی لأقضی بینكما بغیر ذلك فو الله لا أقضی بینكما بغیر ذلك حتی تقوم الساعة فان عجزتما عنها فردّاها الیّ أكفكماها فقد تبین بهذا الحدیث ان قوله تعالی ما أَفاءَ اللَّهُ عَلی رَسُولِهِ «1» الأوّل خلاف الثانی و انه جعل لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم خاصة و ان الثانی خلافه لأنه لا جناس جماعة و قوله صلّی اللّه علیه و سلّم: «لا نورث ما تركنا صدقة» فأصحاب هذا الحدیث یعرفون هذا الحدیث فیجعلونه من حدیث عمر ثم یجعلونه من حدیث عثمان و من حدیث علی و من حدیث الزبیر و من حدیث سعد و من حدیث عبد الرحمن بن عوف و من حدیث العباس لأنهم جمیعا قد أجمعوا علیه و فی قوله صلّی اللّه علیه و سلّم: «لا نورث» قولان أحدهما أنه یخبر عنه وحده كما یقول الرئیس فعلنا و صنعنا و سمعنا و القول الآخر أن یكون لا نورث لجمیع الأنبیاء علیهم السلام و أكثر أهل العلم علی هذا القول فان أشكل علی أحد قوله عز و جل وَ إِنِّی خِفْتُ الْمَوالِیَ مِنْ وَرائِی «2» و ما بعده فقد بین هذا أهل العلم فقالوا انما قال زكریاء علیه السلام وَ إِنِّی خِفْتُ الْمَوالِیَ مِنْ وَرائِی لأنه خاف أن لا یكون فی موالیه مطیع للّه یرث النبوة من بعده و الشریعة فقال فَهَبْ لِی مِنْ لَدُنْكَ وَلِیًّا یَرِثُنِی وَ یَرِثُ مِنْ آلِ یَعْقُوبَ «3» ثم قال وَ اجْعَلْهُ رَبِّ رَضِیًّا «3» و كذلك قوله وَ وَرِثَ سُلَیْمانُ داوُدَ «4» فإن أشكل علی أحد فقال ان سلیمان قد كان نبیا فی وقت أبیه قیل انه قد كان ذلك الا أن الشرائع كانت الی داود و كان سلیمان معینا له فیها و كذلك كانت سبیل الأنبیاء علیهم السلام اذا اجتمعوا أن تكون الشریعة الی واحد منهم فورث سلیمان ذلك .. و أما قوله صلّی اللّه علیه و سلّم: «ما تركنا صدقة» فللعلماء فیه ثلاثة أقوال .. منهم من قال كان النبی صلّی اللّه علیه و سلّم قد تصدق به .. و منهم من قال هو بمنزلة الصدقة أی لا نورث و انما هو فی مصالح المسلمین .. و القول الثالث أن تكون الروایة «لا نورث ما تركنا صدقة» بالنصب و یكون ما بمعنی الذی و یكون فی موضع نصب أیضا و المعانی فی هذا متقاربة لأن المقصود أنه صلّی اللّه علیه و سلّم لا یورث.
______________________________
(1) سورة: الحشر، الآیة: 6
(2) سورة: مریم، الآیة: 5
(3) سورة: مریم، الآیة: 6
(4) سورة: النمل، الآیة: 16
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 237

سورة الممتحنة

[باب ذكر الآیة الاولی]

بسم اللّه الرحمن الرحیم حدثنا .. یموت بإسناده عن ابن عباس أنها نزلت بالمدینة فیها أربع آیات .. أولاهن قوله تعالی لا یَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِینَ لَمْ یُقاتِلُوكُمْ فِی الدِّینِ وَ لَمْ یُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِیارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَ تُقْسِطُوا إِلَیْهِمْ «1» لأهل العلم فیها أربعة أقوال .. منهم من قال هی منسوخة ..
و منهم من قال هی مخصوصة وَ الَّذِینَ آمَنُوا وَ لَمْ یُهاجِرُوا «2» .. و منهم من قال هی فی حلفاء النبی صلّی اللّه علیه و سلّم و من بینه و بینه عهد لم ینقضه .. و منهم من قال هی عامة محكمة .. فممن قال هی منسوخة قتادة كما حدثنا .. أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبد الرزاق قال أنبأنا معمر عن قتادة فی قوله لا یَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِینَ لَمْ یُقاتِلُوكُمْ فِی الدِّینِ وَ لَمْ یُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِیارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَ تُقْسِطُوا إِلَیْهِمْ قال نسختها فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِینَ حَیْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ «3» .. و القول الثانی قول مجاهد قال الذین لم یقاتلوكم فی الدین الذی آمنوا و أقاموا بمكة و لم یهاجروا .. و القول الثالث قول أبی صالح قال هم خزاعة .. و قال الحسن هم خزاعة و بنو الحارث بن عبد مناف أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَ تُقْسِطُوا إِلَیْهِمْ قال توفوا لهم بالعهد الذی بینكم و بینهم .. و القول الرابع أنها عامة محكمة قول حسن بیّن .. و فیه أربع حجج منها أن ظاهر الآیة یدل علی العموم .. و منها أن الأقوال الثلاثة مطعون فیها لأن قول قتادة أنها منسوخة قد ردّ علیه لأن مثل هذا لیس محظور و أن قوله تعالی فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِینَ «3» لیس بعام لجمیع المشركین و لا هو علی ظاهره فیكون كما قال قتادة و انما هو مثل قوله وَ السَّارِقُ وَ السَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَیْدِیَهُما «4» الآیة ثم ثبت عن النبی صلّی اللّه علیه و سلّم القطع فی ربع دینار فصاعدا فصارت الآیة لبعض السراق لأن النبی صلّی اللّه علیه و سلّم المبین عن اللّه تعالی فكذا فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِینَ حَیْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ قد خرج أهل الكتاب إن أدوا الجزیة و خرج منه الرسول صلّی اللّه علیه و سلّم كما قال أبو وائل عن عبد اللّه بن مسعود كنت مع النبیّ صلّی اللّه علیه و سلّم حین وافاه رسولان من مسیلمة فقال لهما تشهدان أنی رسول اللّه فقالا اشهد أنت أن مسیلمة رسول اللّه فقال آمنت باللّه و برسله لو لا أن الرسول لا یقتل لقتلتكما و نهی صلّی اللّه علیه و سلّم عن قتل العسیف فهذا كله
______________________________
(1) سورة: الممتحنة، الآیة: 8
(2) سورة: الأنفال، الآیة: 72
(3) سورة: التوبة، الآیة: 5
(4) سورة: المائدة، الآیة: 38
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 238
خارج عن الآیة .. و قد علم أن المعنی فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِینَ حَیْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ علی ما أمرتم فلا یمتنع أن یكون ما أمرنا به من الإقساط الیهم و هو العدل فیهم و من برهم أی الاحسان الیهم بوعظهم أو غیر ذلك من الإحسان ثانیا .. فمن ذلك أنه قد أجمع العلماء علی أن العدوّ اذا بعد وجب أن لا یقاتل حتی یدعا و یعرض علیه الإسلام فهذا من الإحسان إلیهم و العدل فیهم .. و قد روی عن عمر بن عبد العزیز أنه كان اذا غزا قوما الی بلاد أمرهم أن لا یقاتلوا حتی یدعوا من عزموا علی قتاله الی الإسلام .. و هذا قول مالك بن أنس فی كل من عزم علی قتاله و هو مروی عن حذیفة .. و قول الحسن و النخعی و ربیعة و الزهری و اللیث بن سعد انه لا یدعی من بلغته الدعوة و هو قول الشافعی و أحمد و اسحاق .. و القول الثانی انها مخصوصة للمؤمنین الذین لم یهاجروا مطعون فیه لأن أول السورة یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّی وَ عَدُوَّكُمْ أَوْلِیاءَ «1» و الكلام متصل فلیس من آمن و لم یهاجر یكون عدوا للّه و للمؤمنین .. و القول الثالث یرد بهذا فصح القول الرابع .. و فیه من الحجة أیضا ان بر المؤمن من بینه و بینه نسب أو قرابة من أهل الحرب غیر منهی عنه و لا محرم لأنه لیس فی ذلك تقویة له و لا لأهل دینه بسلاح و لا كراع و لا فیه إظهار عورة للمسلمین .. و الحجة الرابعة أن تفسیر الآیة إذا جاء عن صحابی لم یسع أحدا مخالفته و لا سیما اذا كان مع قوله توقیف سبب نزول الآیة .. [قال أبو جعفر] و قد وجدنا هذا حدثنا .. أحمد بن محمد الأزدی الطحاوی قال حدثنا اسماعیل بن یحیی قال حدثنا محمد بن ادریس عن أنس بن عیاض عن هشام بن عروة عن أبیه عن أسماء ابنة أبی بكر .. قالت قدمت علیّ أمی و هی فی عهد قریش اذ عاهدوا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم فاستفتیت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم فقلت یا رسول اللّه ان أمی قدمت علیّ و هی مشركة أ فأصلها قال نعم صلی أمك و حدثنا .. أحمد بن محمد حدثنا محمد بن عبد اللّه الأصبهانی قال حدثنا إبراهیم بن الحجاج قال حدثنا عبد اللّه بن المبارك عن مصعب بن ثابت بن عبد اللّه بن الزبیر عن أبیه قال قدمت قتیلة ابنة العزی بن أسعد علی ابنتها أسماء ابنة أبی بكر بهدایا سمن و تمر و قرظ فأبت أن تقبلها و لم تدخلها منزلها فسألت عائشة رضی اللّه عنها عن ذلك فنزلت لا یَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِینَ لَمْ یُقاتِلُوكُمْ فِی الدِّینِ وَ لَمْ یُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِیارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ «2» .. [قال أبو جعفر] فقد بان ما قلنا بهذین الحدیثین و بما ذكرنا من الحجج.
______________________________
(1) سورة: الممتحنة، الآیة: 1
(2) سورة: الممتحنة، الآیة: 8
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 239

باب ذكر الآیة الثانیة

قال عز و جل یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِیمانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَی الْكُفَّارِ «1» .. فنسخ اللّه بهذا علی قول جماعة من العلماء ما كان النبی صلّی اللّه علیه و سلّم عاهد علیه قریشا أنه اذا جاءه أحد منهم مسلما رده الیهم فنقض اللّه هذا فی النساء و نسخه و أمر المؤمنین اذا جاءتهم امرأة مسلمة مهاجرة أن یمتحنوها فان كانت مؤمنة علی الحقیقة لم یردوها الیهم .. و احتج من قال بهذا بأن القرآن ینسخ السنة .. و منهم من قال هذا كله منسوخ فی الرجال و النساء و لا یجوز للإمام أن یهادن الكفار علی أنه من جاءه منهم مسلما رده الیهم لأنه لا یجوز عند أحد من العلماء أن یقیم مسلّم بأرض الشرك تجری علیه أحكام الشرك .. و اختلفوا فی التجارة الی أهل الشرك .. و سنذكر ذلك بعد ذكر الحدیث الذی فیه خبر صلح النبی صلّی اللّه علیه و سلّم و ما فی ذلك من النسخ و الأحكام و الفوائد .. فمن ذلك ما قرئ .. علی أحمد بن شعیب بن علی بن سعید بن عبد الرحمن المخزومی قال حدثنا سفیان عن الزهری قال و نبأنی معمر بعد عن الزهری عن عروة بن الزبیر ان مسور بن مخرمة و مروان بن الحكم یزید احدهما علی صاحبه قالا خرج رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم عام الحدیبیة فی بضع عشرة مائة من أصحابه فلما أتی ذا الحلیفة قلد الهدی و أشعره و أحرم منها ثم بعث عینا له من خزاعة و سار النبی صلّی اللّه علیه و سلّم حتی اذا كان و ذكر كلمة .. [قال أبو جعفر] الصواب حتی اذا كان بعد برّ الاشطاط أتی عینه فقال ان قریشا أجمعوا لك جموعا و جمعوا لك الأحابیش و أنهم مقاتلوك و صادّوك عن البیت .. فقال النبی صلّی اللّه علیه و سلّم أشیروا علیّ أ ترون ان نمیل علی ذراری هؤلاء القوم الذین أعانوا علینا فان یحینوا یكن اللّه قد قطع عنقا من الكفار و الا تركتهم محروبین موتورین .. فقال أبو بكر الصدیق یا رسول اللّه انما خرجت بهذا الوجه عامدا لهذا البیت لا ترید قتال أحد فتوجه له فمن صدّنا عنه قاتلناه فقال النبی صلّی اللّه علیه و سلّم امضوا علی اسم اللّه .. [قال أبو جعفر] احسب ان أبا عبد الرحمن اختصر هذا الحدیث بما فیه و الذی فیه یحتاج الی تفسیره و الحكمة فیه أو یكون جاء بما یقدر انه یحتاج الیه منه لأن عبد الرزاق رواه عن معمر عن الزهری عن عروة عن المسور و مروان بتمامه فذكروا نحو هذا قال فراحوا یعنی إذ كانوا ببعض الطریق قال النبی صلّی اللّه علیه و سلّم ان خالد بن الولید بالغمیم فی خیل لقریش طلیعة فخذوا ذات الیمین فو اللّه ما شعر بهم خالد حتی إذا هو بغبرة الجیش و انطلق یركض
______________________________
(1) سورة: الممتحنة، الآیة: 10
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 240
نذیرا لقریش ثم سار النبی صلّی اللّه علیه و سلّم حتی إذا كانوا بالثنیة التی یهبط علیهم منها بركت به راحلته فقال الناس حل حل فألحت قالوا خلأت القصوی خلأت فقال النبی صلّی اللّه علیه و سلّم: «ما خلأت القصوی و ما ذلك بخلق لها و لكن حبسها حابس الفیل .. ثم قال و الذی نفسی بیده لا یسألون خطة یعظمون فیها حرمات اللّه الا أعطیتهم ایاها ثم زجرها فوثبت به» .. قال فعدل عنهم حتی نزلت بأقصی الحدیبیة علی ثمد قلیل الماء انما یتبرضه الناس تبرضا فلم یلبث الناس ان نزحوه فشكی الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم العطش فانتزع سهما من كنانته ثم أمرهم ان یجعلوه فیه فو اللّه ما زال یجیش بالری حتی صدروا عنه فبینما هم كذلك إذ جاء بدیل بن ورقاء الخزاعی فی نفر من قومه من خزاعة و كان عیبة نصح رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم من اهل تهامة فقال انی تركت كعب بن لؤی لإعداد میاه الحدیبیة معهم العوذ المطافیل و هم مقاتلوك و صادوك عن البیت فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم إنّا لم نجئ لقتال أحد و لكنا جئنا معتمرین و ان قریش قد نهكتهم الحرب فأضرت بهم فان شاءوا ان یدخلوا فیما دخل فیه الناس فعلوا و الا فقد جموا و ان أبوا فوالذی نفسی بیده لأقاتلنهم علی أمری حتی تنفرد سالفتی أو لینفذن اللّه فیهم أمره .. قال بدیل سأبلغهم ما تقول حتی أتی قریشا فقال إنّا قد جئناكم من عند هذا الرجل و سمعناه یقول قولا ان شئتم ان نعرضه علیكم فعلنا فقال سفهاؤهم لا حاجة لنا ان تحدثنا عنه بشی‌ء و قال ذوو الرأی منهم هات ما سمعته یقول قال سمعته یقول كذا و كذا فحدثهم بما قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم فقال عروة بن مسعود الثقفی أی قوم أ لستم بالوالد قالوا بلی أ لست بالولد قالوا بلی قال فهل تتهمونی قالوا لا قال أ لستم تعلمون انی استنفرت أهل عكاظ علیكم جئتكم بأهلی و ولدی و من أطاعنی قالوا بلی قال فإن هذا قد عرض علیكم خطة رشد فاقبلوها و دعونی آته قالوا ائته فأتاه فجعل یكلم النبی صلّی اللّه علیه و سلّم فقال النبی صلّی اللّه علیه و سلّم نحوا من قوله لبدیل فقال عروة عند ذلك أی محمد أ رأیت ان استأصلت قومك هل سمعت ان أحدا من العرب اجتاح أصله قبلك و ان تكن الأخری فو اللّه انی لأری وجوها و أری أوباشا من الناس خلقاء أن یفرّوا و یدعوك فقال أبو بكر الصدیق رضی اللّه عنه امصص بظر اللات أ نحن نفرّ و ندعه فقال من ذا فقالوا أبو بكر فقال و الذی نفسی بیده لو لا یدلك عندی لم أجزك بها لأجبتك قال و جعل یكلم النبی صلّی اللّه علیه و سلّم فكلما كلمه أخذ بلحیته و المغیرة بن شعبة قائم علی رأس رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم و معه السیف و علی رأسه المغفر فكلما أهوی عروة بیده الی لحیة رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم ضرب یده بنصل السیف ..
و قال أخّر یدك عن لحیة رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم فرفع عروة رأسه .. و قال من هذا قالوا المغیرة بن شعبة قال أی غدر أو لست أسعی فی غدرتك و كان المغیرة قد صحب قوما فی الجاهلیة فقتلهم و أخذ أموالهم ثم جاء فأسلّم فقال النبی صلّی اللّه علیه و سلّم أما الإسلام فأقبل و أما المال فلست منه
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 241
فی شی‌ء ثم أن عروة جعل یرمق صحابة النبی صلّی اللّه علیه و سلّم بعینیه فقال و اللّه ما یتنخم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم نخامة الا وقعت فی ید رجل منهم فدلك بها وجهه و جلده و اذا أمرهم ابتدروا أمره و اذا توضأ كادوا یقتتلون علی وضوئه و اذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده و ما یحدون النظر الیه تعظیما له .. قال فرجع عروة الی أصحابه فقال أیّ قوم و اللّه لقد وفدت علی الملوك و وفدت علی قیصر و كسری و النجاشی و اللّه إن رأیت ملكا یعظمه أصحابه ما یعظم أصحاب محمد محمدا و اللّه إن یتنخم نخامة الا وقعت فی كف رجل فدلك بها وجهه و جلده و اذا أمرهم ابتدروا أمره و اذا توضأ كادوا یقتتلون علی وضوئه و اذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده و لا یحدون النظر الیه تعظیما له و انه قد عرض علیكم خطة رشد فاقبلوها منه فقال رجل من بنی كنانة دعونی آته قالوا ائته قال فلما أشرف علی النبی صلّی اللّه علیه و سلّم و أصحابه قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم هذا من قوم یعظمون البدن فابعثوها له فبعثت له و استقبله القوم یلبون فلما رأی ذلك قال سبحان اللّه ما ینبغی لهؤلاء ان یصدوا عن البیت فقال رجل منهم یقال له مكرز بن حفص دعونی آته فقالوا ائته فلما أشرف علیهم قال النبی صلّی اللّه علیه و سلّم هذا مكرز و هو رجل فاجر فجعل یكلم النبی صلّی اللّه علیه و سلّم فبینما هو یكلمه إذ جاء سهیل بن عمرو فقال هات أكتب بیننا و بینكم كتابا فدعا الكاتب فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم: «أكتب بسم اللّه الرحمن الرحیم» فقال سهیل أما الرحمن فو اللّه ما أدری ما هو و لكن أكتب باسمك اللهم كما كنت تكتب فقال المسلمون و اللّه لا نكتبها الا بسم اللّه الرحمن الرحیم فقال النبی صلّی اللّه علیه و سلّم: «أكتب باسمك اللهم» ثم قال هذا ما قاضی علیه محمد رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم فقال سهیل بن عمرو و اللّه لو كنا نعلم أنك رسول اللّه ما صددناك عن البیت و لا قاتلناك و لكن اكتب من محمد بن عبد اللّه فقال الزهری و ذلك لقوله لا یسألونی خطة یعظمون فیها حرمات اللّه إلّا أعطیتهم ایاها فقال النبی صلّی اللّه علیه و سلّم: «أن تخلوا بیننا و بین البیت فنطوف به» فقال سهیل بن عمرو و اللّه لا تتحدث العرب أنّا أخذنا ضغطة و لكن لك من العام المقبل فكتب فقال سهیل و علی انه لا یأتیك منا رجل و ان كان علی دینك الا رددته الینا فقال المسلمون سبحان اللّه كیف یرد الی المشركین و قد جاء مسلما فبینما هم كذلك إذ جاء أبو جندل بن سهیل بن عمرو یرسف فی قیوده قد خرج من أسفل مكة حتی رمی بنفسه بین أظهر المسلمین فقال سهیل هذا یا محمد أول ما نقاضیك علیه أن ترده الیّ فقال النبی صلّی اللّه علیه و سلّم: «إنّا لم نقض الكتاب بعد» قال فإذا و اللّه لا أصالحك علی شی‌ء أبدا قال النبی صلّی اللّه علیه و سلّم: «فاجزه لی» قال ما أنا بمجیزه لك قال بلی فافعل قال ما أنا بفاعل فقال مكرز بلی قد أجزناه لك فقال أبو جندل أی معاشر المسلمین أرد الی المشركین و قد جئت مسلما أ لا ترون ما لقیت و كان قد عذب عذابا شدیدا فی اللّه .. فقال عمر بن الخطاب رضی اللّه عنه و اللّه ما شككت منذ
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 242
أسلمت كشكی یومئذ فأتیت النبی صلّی اللّه علیه و سلّم فقلت أ لست نبی اللّه قال بلی قلت ألسنا علی الحق و عدونا علی الباطل قال بلی قلت فلم نعطی الدنیة فی دیننا إذا قال إنی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم و لا أعصیه و هو ناصری قلت أ و لیس كنت وعدتنا أنّا سنأتی البیت و نطوف به قال فأخبرتك أنك تأتیه العام قال فأتیت أبا بكر الصدیق رضی اللّه عنه فقلت یا أبا بكر أ لیس هذا نبی اللّه حقا قال بلی قلت ألسنا علی الحق و عدونا علی الباطل قال بلی قلت فلم نعطی الدنیة فی دیننا اذا قال أیها الرجل انه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم و لیس یعصی ربه و هو ناصره فاستمسك بغرزه حتی تموت فو اللّه انه لعلی الحق قلت أ و لیس كان یحدثنا أنا سنأتی البیت و نطوف به قال بلی أ فأخبرك انك تأته العام قال لا قال فإنك آتیه و تطوف به قال الزهری قال عمر فعملت لذلك أعمالا ..
فلما فرغ من قصة الكتاب قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم لأصحابه قوموا فانحروا ثم احلقوا قال فو اللّه ما قام منهم رجل حتی قال ذلك ثلاث مرات فلما لم یقم منهم أحد قام فدخل علی أم سلمة فذكر لها ما لقی من الناس فقالت أم سلمة أ تحب ذلك أخرج ثم لا تكلم أحدا منهم حتی تنحر و تحلق فخرج و نحر بدنة و دعا حالقه فحلقه فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا و جعل بعضهم یحلق بعضا حتی كاد بعضهم یقتل بعضا غما ثم جاءه نسوة مؤمنات فأنزل اللّه تعالی یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ «1» حتی بلغ بِعِصَمِ الْكَوافِرِ «1» فطلّق عمر رضی اللّه عنه امرأتین كانتا له فی الشرك فتزوج إحداهما معاویة بن أبی سفیان و الأخری صفوان بن أمیة .. ثم رجع النبی صلّی اللّه علیه و سلّم الی المدینة فجاءه أبو بصیر و هو عتبة بن أسد بن حارثة الثقفی رجل من قریش و هو مسلّم فأرسلوا فی طلبه رجلین فقالوا العهد الذی جعلت لنا فدفعه النبی صلّی اللّه علیه و سلّم الی الرجلین فخرجا به حتی بلغا ذا الحلیفة فنزلوا یأكلون من تمر لهم فقال أبو بصیر لأحد الرجلین و اللّه انی لأری سیفك یا فلان جیدا فاستله الآخر فقال أجل و اللّه انه لجید لقد جربت به ثم جربت فقال أبو بصیر أرنی انظر الیه فأمكنه منه فضربه حتی برد و فرّ الآخر حتی أتی المدینة فدخل المسجد یعدو فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم لقد رأی هذا ذعرا فلما انتهی الی النبی صلّی اللّه علیه و سلّم قال قتل و اللّه صاحبی و إنی لمقتول فجاء أبو بصیر فقال یا نبی اللّه قد و اللّه أوفی اللّه ذمتك قد رددتنی الیهم ثم أنجانی اللّه منهم فقال النبی صلّی اللّه علیه و سلّم ویل أمه مسعر حرب لو كان له أحد فلما سمع ذلك علم أنه سیرد الیهم فخرج حتی أتی سیف البحر .. قال و انقلب منهم أبو جندل بن سهیل فلحق بأبی بصیر فجعل لا یخرج من قریش رجلا قد أسلّم الا لحق بأبی بصیر حتی اجتمعت منهم عصابة .. قال فو اللّه ما یسمعون بعیر لقریش الی الشام إلا اعترضوا لها فقتلوهم و أخذوا أموالهم فأرسلت قریش الی النبی صلّی اللّه علیه و سلّم یناشدونه باللّه
______________________________
(1) سورة: الممتحنة، الآیة: 10
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 243
و الرحم ألا أرسل الیهم فمن أتاه فهو آمن فأرسل النبی صلّی اللّه علیه و سلّم فأنزل اللّه تعالی وَ هُوَ الَّذِی كَفَّ أَیْدِیَهُمْ عَنْكُمْ وَ أَیْدِیَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَیْهِمْ «1» الی قوله حَمِیَّةَ الْجاهِلِیَّةِ «2» و كانت حمیتهم أنهم لم یقروا أنه نبی اللّه و لم یقروا ببسم اللّه الرحمن الرحیم و الأحكام و حالوا بینه و بین البیت .. [قال أبو جعفر] فی هذا الحدیث من الناسخ و المنسوخ و الآداب و الأحكام من الحج و الجهاد و غیرهما و من تفسیر و غیره نیف و ثلاثون موضعا نذكرها موضعا موضعا ان شاء اللّه تعالی .. فمن ذلك الوقوف علی أن أصحاب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم الذین كانوا بالحدیبیة بضع عشرة مائة و هم الذین قد أنزل اللّه فیهم لَقَدْ رَضِیَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِینَ «3» و ان البضع یقع لأربع قال جابر بن عبد اللّه كنا ألفا و أربعمائة و ان المائة بعد عدد الواحد .. و فیه أن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم لما أراد العمرة من المدینة أهلّ من ذی الحلیفة سنة ست ثم أقام الأمر علی ذلك كما روی مالك عن نافع عن ابن عمر ان النبی صلّی اللّه علیه و سلّم قال یهلّ أهل المدینة من ذی الحلیفة و أهل الشام من الجحفة و ذكر الحدیث .. و فیه أن الإحرام من المیقات أفضل من الإحرام من بلد الرجل لأن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم منه أحرم بعمرة فی هذا الوقت .. و فیه أیضا أنه لیس معنی قوله تعالی وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ «4» ان یحرم الإنسان من دویرة أهله و لو كان كذا لكان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم أولی الناس بالعمل به فإن قیل فقد قال علی بن أبی طالب اتمام العمرة أن تحرم من دویرة أهلك قیل هذا یتأول علی أنه خاص لمن كان بین المیقات و مكة كما روی ابن عباس عن النبی صلّی اللّه علیه و سلّم من كان أهله دون المیقات فمهلّه من حیث كان أهله كما یهلّ أهل مكة من مكة .. و فیه أن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم أشعر البدن فكانت هذه سنة علی خلاف ما یقوله الكوفیون أنه لا یجوز إشعار البدن قرئ .. علی أحمد بن شعیب عن العباس بن عبد العظیم قال أنبأنا عثمان بن عمر قال أنبأنا مالك بن أنس عن عبد اللّه بن أبی بكر عن عروة عن عائشة رضی اللّه عنها قالت قلد رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم هدیه بیده و أشعره ثم لم یحرّم شیئا كان اللّه أحلّه له و بعث بالهدی مع أبی .. [قال أبو جعفر] فدل هذا الحدیث علی خلاف ما یقوله الكوفیون لأنهم زعموا ان الإشعار منسوخ بنهی النبی صلّی اللّه علیه و سلّم عن المثلة و نهی النبی صلّی اللّه علیه و سلّم عن المثلة إنما كان فی وقعة أحد و قیل فی وقعة خیبر و حج أبو بكر رضی اللّه عنه بالناس بعد ذلك فكان الإشعار بعد فمحال أن ینسخ الأول الآخر و قد كان
______________________________
(1) سورة: الفتح، الآیة: 24
(2) سورة: الفتح، الآیة: 26
(3) سورة: الفتح، الآیة: 18
(4) سورة: البقرة، الآیة: 196
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 244
الإشعار أیضا فی حجة الوداع .. و فیه أیضا سنّة التقلید .. و فیه أن الإشعار و التقلید قبل الإحرام .. و فیه السنّة فی التوجیه بعین الی العدو .. و فیه التوجیه برجل واحد فدل هذا علی أنه یجوز ان یسافر وحده فی حال الضرورة .. و فیه أنه یجوز للواحد فی حال الضرورة أن یهجم علی الجماعة كما قال النبی صلّی اللّه علیه و سلّم یوم الأحزاب من یعرف لنا خبر القوم فقال الزبیر أنا فقال النبی صلّی اللّه علیه و سلّم لكل نبی حواری و حواریّ الزبیر رضی اللّه عنه .. و فیه الدلیل علی صحة خبر الواحد و لو لا أنه مقبول ما وجه النبی صلّی اللّه علیه و سلّم بواحد لیخبره بخبر القوم .. و فیه مشاورة النبی صلّی اللّه علیه و سلّم أصحابه و قال الحسن فعل ذلك لتستن به أمته و ما شاور قوم الّا هدوا لأرشد الأمور و قال سفیان الثوری بلغنی أن المشورة نصف العقل حدثنی .. أحمد بن عاصم قال حدثنا عبد اللّه بن سعید بن الحكم بن محمد قال حدثنی أبی قال حدثنا ابن عیینة عن عمرو بن دینار عن ابن عباس فی قول اللّه تعالی وَ شاوِرْهُمْ فِی الْأَمْرِ «1» قال أبو بكر و عمر رضی اللّه تعالی عنهما ..
و فیه مشورة أم سلمة علی النبی صلّی اللّه علیه و سلّم أن یخرج الی الناس فینحر و یحلق لأنها رأت أنهم لا یخالفون فعله فدل هذا علی أن الحدیث فی أمر النساء لیس فی المشورة و إنما هو فی الولایة .. و فیه السنة علی أن النحر قبل الحلق بقول النبی صلّی اللّه علیه و سلّم انحروا ثم احلقوا .. و فیه أن من قلّد و أشعر لم یحرم علی خلاف ما یقول بعض الفقهاء .. و فی إباحة سبی ذراری المشركین اذا خرج المشركون فأعانوا مشركین آخرین لقول النبی صلّی اللّه علیه و سلّم ترون أن نمیل علی ذراری هؤلاء الذین أعانوا فنصیبهم .. و فیه إجازة قتال المحرم من صده عن البیت و منعه من نسكه لقوله علیه الصلاة و السلام أو ترون أن نؤم هذا البیت فمن صدّنا عنه قاتلناه .. و فیه قوله صلّی اللّه علیه و سلّم و الذی نفسی بیده لا یسألونی خطة یعظمون فیها حرمات اللّه تعالی الا أعطیتهم إیاها و لم یقل إن شاء اللّه .. [قال أبو جعفر] ففی هذا الحدیث أجوبة منها أن یكون هذا شیئا قد علم أنه كذا فلا یحتاج أن یستثنی فیه لأن الإنسان إنما أمر بالاستثناء لما یخاف أن یمنع منه و یجوز أن یكون الاستثناء حذف لعلم السامع و لم یذكره المحدث أو جری علی جهة النسیان .. و فیه اعطاء النبی صلّی اللّه علیه و سلّم السهم لأصحابه حتی جعلوه فی الماء فكان ذلك من علامة نبوته صلّی اللّه علیه و سلّم و ازدیادهم بصیرة .. و فیه إجازة مهادنة المشركین بلا مال یؤخذ منهم إذا كان ثمّ ضعف .. و فیه أن محمد بن اسحاق قال هادنهم عشر سنین فعمل بذلك جماعة من الفقهاء قالوا لا تجوز المهادنة أكثر من عشر سنین اذا كان ثمّ خوف و منهم من قال ذلك و أن الإمام یفعل ما فیه صلاح المسلمین .. و فیه إجازة مهادنة المشركین علی ما فیه ضعف علی
______________________________
(1) سورة: آل عمران، الآیة: 159
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 245
المسلمین مما لیس فیه معصیة للّه اذا احتیج الی ذلك لأن النبی صلّی اللّه علیه و سلّم لما كتب علی بن أبی طالب رضی اللّه عنه بسم اللّه الرحمن الرحیم امتنعوا من ذلك و أبوا أن یكتبوا الا باسمك اللهم فأجابهم الی ذلك لأن هذا كله للّه عز و جل و كذا لما قالوا لا نكتب الا هذا ما قاضی علیه محمد بن عبد اللّه فأجابهم لأنه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم و هو محمد بن عبد اللّه .. و فیه من المشكل علی أنه قاضاه علی انه من جاءه منهم مسلما رده الیهم حتی نفر جماعة من الصحابة من هذا منهم عمر بن الخطاب حتی ثبته أبو بكر رضی اللّه عنهما .. و تكلم العلماء فی هذا الفعل فمنهم من قال فعل النبی صلّی اللّه علیه و سلّم لقلة أصحابه و كثرة المشركین و أنه أراد أن یشتغل بغیر قریش حتی یفرغ لهم و أن یقوّی أصحابه و من أصح ما قیل فیه و هو مذهب محمد بن اسحاق أنه كثر الإسلام بعد ذلك حتی أنه كان لا یخاطب أحدا بفعل الإسلام إلا أسلّم فمعنی هذا أن اللّه تعالی علم أن منهم من سیسلّم و أن فی هذا الصلاح و لم یكن فی رد من أسلّم إلیهم إلا أحد أمرین إما أن یفتن فیقول بلسانه ما لیس فی قلبه فالوزر ساقط عنه و إما أن یعذب فی اللّه فیثاب علی انهم انما كان یجی‌ء أهالیهم و أقرباؤهم فهم مشفقون علیهم و الدلیل علی ان اللّه تعالی علم ان فی ذلك الصلاح احمادهم العاقبة بأن سأل الكفار المسلمین أن یحوزوا الیهم كل من أسلّم .. و فیه قوله علیه الصلاة و السلام انی رسول اللّه و لا أعصیه فدلّ علی ان هذا كان عن أمر اللّه سبحانه و تعالی .. و فیه تبیین فضل أبی بكر رضی اللّه عنه و انه أعلم الناس بعد رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم بأحكام اللّه و شرائع نبیه صلّی اللّه علیه و سلّم لأنه أجاب عمر رضی اللّه عنه بمثل جواب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم و بیّنه و انما كان ذلك من عمر كراهیة لإعطاء الدنیّة فی الإسلام .. و فیه هذا ما قاضی علیه محمد بن عبد اللّه فكان فی هذا الرد علی من زعم من الفقهاء انه لا یجوز هذا ما شهد علیه الشهود قال لأن هذا یكون نفیا .. [قال أبو جعفر] و هذا اغفال قال اللّه تعالی هذا ما تُوعَدُونَ لِیَوْمِ الْحِسابِ «1» .. و فیه إجازة صلح الإمام لواحد من المشركین عن جمیعهم لأن سهیل بن عمرو هو الذی صالح .. و فیه استحباب الفال بقول النبی صلّی اللّه علیه و سلّم لما جاء سهیل قد سهل لكم من أمركم «2» .. و فیه إجازة قیام الناس علی رأس الإمام بالسیوف اذا كان ترهیبا للعدو و مخافة للغدر لأن فی الحدیث ان المغیرة بن شعبة كان قائما علی رأس رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم متقلدا سیفه فكلما أهوی عروة بیده الی
______________________________
(1) سورة: ص، الآیة: 53
(2) هذا وارد فی جملة أحادیث صلح الحدیبیة و المؤلف لم ینص علیه فی صدر كلامه لأنه محفوظ من أحادیث أخبار الصلح فلیحفظ.
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 246
لحیة رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم ضربه المغیرة بنصل سیفه و قال أخّر عن لحیة رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم .. و فیه خبر المغیرة لما خرج مع قوم من المشركین فقتلهم و أخذ مالهم ثم جاء النبی صلّی اللّه علیه و سلّم مسلما فقال له النبی صلّی اللّه علیه و سلّم: «أما الإسلام فنقبل و أما المال فلست منه فی شی‌ء» لأن المشركین و ان كانت أموالهم مغنومة عند القهر فلا یحل أخذها عند الأمن و اذا كان الإنسان مصاحبا لهم فقد أمن كل واحد منهم صاحبه فسفك الدماء و أخذ المال عند ذلك غدر و الغدر محظور و أموال الأبرار و الفجار لهم یستوون فی ذلك لا یؤخذ منها شی‌ء الا بالحق .. و فیه طهارة النخامة لأن أصحاب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم كان اذا تنخم منهم من یأخذ النخامة فیحكّ بها جلده علی خلاف ما قال إبراهیم النخعی أن النخامة اذا سقطت فی ماء أهریق .. و فیه من قول النبی صلّی اللّه علیه و سلّم فإنك تأتیه فدل هذا علی أنه من حلف علی فعل و لم یوجب وقتا ان وقته فیه أیام حیاته .. و فیه أنه من أحرم بحج أو عمرة فحصره عدوّ حل من إحرامه و نحر هدیه مكانه لأن النبی صلّی اللّه علیه و سلّم كذا فعل لما حضر یوم الحدیبیة حل و نحر فی الحل و أمر أصحابه بذلك .. و فیه أن أبا بصیر لما سلّمه النبی صلّی اللّه علیه و سلّم الی الرجلین قتل أحدهما و هو ممن دخل فی الصلح فلم یطالبه النبی صلّی اللّه علیه و سلّم به لما لم یطالب به أولیاؤه فكان الحكم هكذا فی نظیر هذا .. و فیه أنه وقع الصلح علی أنه یردّ إلیهم من جاء منهم فلما اعتزل أبو بصیر بسیف البحر اجتمع الیه كل من أسلّم لم یأمر بردهم فدل بهذا علی أنه لیس علی الإمام أن یصالح الی مثل هذا فی قول من یقول لیس بمنسوخ لیس علیه أن یرد من لم یكن عنده .. و فیه لا یأتیكم منا رجل و إن كان علی دینك الا رددته إلینا فكان هذا لیس فیه ذكر النساء و لا نسخ علی هذه الروایة و فی روایة عقیل لا یأتیك منا أحد و ان كان علی دینك الا رددته الینا و أحد محیط بالرجال و النساء ثم أنزل اللّه تعالی نسخ هذا فی النساء فكان فیه دلیل انه من شرط شرطا لیس فی كتاب اللّه فهو باطل كما روی عن النبی صلّی اللّه علیه و سلّم كل شرط لیس فی كتاب اللّه فهو باطل .. و فیه أن المسلمین لما التجئوا بسیف البحر فضیقوا علی قریش سألوا النبی صلّی اللّه علیه و سلّم أن یضمهم الیه وَ هُوَ الَّذِی كَفَّ أَیْدِیَهُمْ عَنْكُمْ وَ أَیْدِیَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَیْهِمْ «1» كما حدثنا .. أحمد بن محمد الأزدی قال حدثنا محمد بن بحر بن مطر قال حدثنا یزید بن هارون قال حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت البنانی عن أنس بن مالك ان ثمانین رجلا من أهل مكة هبطوا علی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم و أصحابه من التنعیم عند صلاة الفجر لیقتلوهم فأخذهم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم فأعتقهم فأنزل اللّه تعالی وَ هُوَ الَّذِی كَفَّ أَیْدِیَهُمْ عَنْكُمْ وَ أَیْدِیَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَیْهِمْ
______________________________
(1) سورة: الفتح، الآیة: 24
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 247
و هذا إسناد مستقیم و هو أولی من الأول من غیر جهة و ذلك ان فی الحدیث هبطوا من التنعیم و التنعیم من بطن مكة و أبو بصیر كان بسیف البحر و سیف البحر كان لیس من بطن مكة و أیضا فان فی الحدیث الظفر بهم و لیس فی ذلك ظفر .. و فی الحدیث الأول ما دل علی أنه من جالس إماما أو عالما فرأی انسانا قد ألحقه مكروها فینبغی أن یغیره و یصوب الإمام و العالم عن الكلام فیه لأن عروة بن مسعود لما أخذ بلحیة رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم ضرب المغیرة بن شعبة یده بنصل السیف و قال أخّر یدك عن لحیة رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم .. و فیه استعمال الحكم من أدب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم كما أمره اللّه عز و جل فی كتابه فقال تعالی ادْفَعْ بِالَّتِی هِیَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِی بَیْنَكَ وَ بَیْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِیٌّ حَمِیمٌ وَ ما یُلَقَّاها إِلَّا الَّذِینَ صَبَرُوا وَ ما یُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِیمٍ «1» و من أحسن ما قیل فی هذه الآیة ما قاله ابن عباس كما حدثنا .. بكر بن سهل قال أنبأنا عبد اللّه بن صالح قال حدثنی معاویة بن صالح عن علی بن أبی طلحة عن ابن عباس ادْفَعْ بِالَّتِی هِیَ أَحْسَنُ قال أمر اللّه المؤمنین بالصبر عند الجزع و الحلم عند الجهل و العفو عند الإساءة فاذا فعلوا ذلك عصمهم اللّه من الشیطان و خضع لهم عدوهم كَأَنَّهُ وَلِیٌّ حَمِیمٌ وَ ما یُلَقَّاها إِلَّا الَّذِینَ صَبَرُوا وَ ما یُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِیمٍ قال الذین أعد اللّه لهم الجنة .. و فی الآیة التی قصدت لذكرها وَ آتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا «2» فللشافعی فیها قولان .. أحدهما ان هذا منسوخ قال الشافعی و اذا جاءتنا المرأة الحرة من أهل الهدنة مسلمة مهاجرة من أهل الحرب إلی الإمام فی دار الإسلام أو دار الحرب فمن طلبها من ولی سوی زوجها منع منها بلا عوض و اذا طلبها زوجها لنفسه أو غیره بوكالته ففیه قولان أحدهما یعطی العوض و القول ما قال اللّه عز و جل و فیه قول ثان و هو ان لا یعطی الزوج المشرك الذی جاءت زوجته مسلمة العوض و إن شرط الإمام رد النساء كان الشرط منتقضا و من قال هذا قال ان شرط رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم لأهل الحدیبیة فیه أن یرد من جاء منهم و كان النساء منهم كان شرطا صحیحا فنسخه اللّه ورد العوض فلما قضی اللّه عز و جل ثم رسوله صلّی اللّه علیه و سلّم ان لا یرد النساء كان شرطا من شرط رد النساء منسوخا و لیس علیه ان یعوض لأن شرطه المنسوخ باطل و لا عوض للباطل .. [قال أبو جعفر] و هذا القول عنده أشبه القولین ان لا یعطی عوضا و قد تكلم علی ان النبی صلّی اللّه علیه و سلّم صالحهم علی رد النساء ثم نسخ اللّه عز و جل ذلك فكان فی هذا نسخ السنة بالقرآن و مذهبه غیر هذا لأن مذهبه أن لا ینسخ القرآن الا قرآن و لا ینسخ السنّة الا السنّة فقال بعض أصحابه
______________________________
(1) سورة: فصلت، الآیة: 34
(2) سورة: الممتحنة، الآیة: 10
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 248
لما أنزل اللّه عز و جل الآیة لم یرد النبی صلّی اللّه علیه و سلّم النساء فنسخت السنّة السنّة و بینت انه لا یجوز أن یشترط الامام رد النساء بحكم اللّه ثم بحكم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم .. و اختلف العلماء فی صلح الإمام المشركین علی أن یرد الیهم من جاء منهم مسلما .. فقال قوم لا یجوز هذا و هذا منسوخ .. و احتجوا بحدیث اسماعیل بن أبی خالد عن قیس بن أبی حازم عن خالد بن الولید ان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم بعثه الی قوم من خثعم فاعتصموا بالسجود فقتلهم فودّاهم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم بنصف الدیة و قال انا بری‌ء من كل مسلّم أقام مع مشرك فی دار الحرب «1» لا تتراءی نارهما قالوا فهذا ناسخ لرد المسلمین الی المشركین اذا كان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم قد برئ ممن أقام معهم فی دار الحرب .. [قال أبو جعفر] و هذا قول الكوفیین و مذهب مالك و الشافعی ان هذا الحكم غیر منسوخ قال الشافعی و لیس لأحد هذا العقد الا الخلیفة أو رجل یأمره لأنه یلی الأموال كلها فمن عقد غیر الخلیفة هذا العقد فهو مردود .. [قال أبو جعفر] فی هذه الآیة وَ لا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ «2» ففی هذا قولان أحدهما انه منسوخ منه كما قال عز و جل وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِینَ أُوتُوا الْكِتابَ «3» فلو كان علی ظاهر الآیة لم تحل كافرة بوجه .. و قال قوم هی محكمة الا انها مخصوصة لمن كان من غیر أهل الكتاب فاذا أسلّم و ثنی أو مجوسی و لم تسلّم امرأته فرق بینهما .. [قال أبو جعفر] فهذا بعض قول أهل العلم .. و منهم من قال ینتظر بها تمام العدّة .. فممن قال یفرق بینهما و لا ینتظر تمام العدة مالك بن أنس و هو قول الحسن و طاوس و مجاهد و عطاء و عكرمة و قتادة و الحكم .. و قال الزهری ینتظر بها العدة و هو قول الشافعی و أحمد .. و قال أصحاب الرأی ینتظر بها ثلاث حینئذ اذا كانا جمیعا فی دار الحرب أو فی دار الإسلام فان كان أحدهما فی دار الحرب و الآخر فی دار الإسلام انقطعت العصمة بینهما و حجته وَ لا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ و هو قول الحسن البصری و الحسن بن صالح و مذهب الشافعی و أحمد انه ینتظر بها تمام العدة و ان كان الزوجان نصرانیین و أسلمت الزوجة ففیه أیضا اختلاف .. فمذهب مالك و الشافعی و أحمد و هو قول مجاهد الوقوف الی تمام العدة .. و من العلماء من قال انفسخ بینهما النكاح قال یزید بن علقمة أسلّم جدی و لم تسلم جدتی ففرق بینهما عمر رضی اللّه عنه و هو قول طاوس و جماعة غیره منهم عطاء و الحسن و عكرمة قال لا سبیل علیها الا بخطبة .. و احتج بعضهم بقوله وَ لا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ و هذا الاحتجاج غلط لأن
______________________________
(1) هكذا فی الأصل و لعل هنا سقطا فلیحرر.
(2) سورة: الممتحنة، الآیة: 10
(3) سورة: المائدة، الآیة: 5
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 249
الكوافر لا یكون الا للنساء و لا یجمع كافر علی كوافر .. و الحجة فیه وَ لا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِینَ حَتَّی یُؤْمِنُوا «1» .. و من العلماء من قال یستتاب فإن تاب و الا وقعت الفرقة ..
و منهم من قال لا یزول النكاح اذا كانا فی دار الهجرة و هذا قول النخعی .. و منهم من قال یزول النكاح باختلاف الدارین .. و منهم من قال تخیر فإن شاءت أقامت معه و إن شاءت امتنعت فإن أسلّم الزوج فهی امرأته بحالها لأنها كتابیة فإن أسلما جمیعا فهما علی نكاحهما لا اختلاف فی ذلك.

باب ذكر الآیة الثالثة

قال اللّه عز و جل وَ إِنْ فاتَكُمْ شَیْ‌ءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَی الْكُفَّارِ فَعاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِینَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ مِثْلَ ما أَنْفَقُوا «2» و أكثر العلماء علی أنها منسوخة .. قال قتادة وَ إِنْ فاتَكُمْ شَیْ‌ءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَی الْكُفَّارِ الذین لیس بینكم و بینهم عهد فَآتُوا الَّذِینَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ مِثْلَ ما أَنْفَقُوا ثم نسخ هذا فی سورة براءة .. و قال الزهری انقطع هذا یوم الفتح و قال سفیان الثوری لا یعمل به الیوم و قال مجاهد و إن فاتكم شی‌ء من أزواجكم الی الكفار الذین بینكم و بینهم عهد أو لیس بینكم و بینهم عهد فعاقبتم أی فاقتصصتم فَآتُوا الَّذِینَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ مِثْلَ ما أَنْفَقُوا أی الصدقات فصار قول مجاهد أنها فی جمیع الكفار و قول قتادة أنها فیمن لم یكن له عهد .. و قول ثالث أنها نزلت فی قریش حین كان بینهم و بین النبی صلّی اللّه علیه و سلّم عهد فقال وَ سْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَ لْیَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا «3» و كتب الیهم المسلمون قد حكم اللّه بأنه إن جاءتكم امرأة منّا أن توجهوا الینا بصداقها و إن جاءتنا امرأة منكم وجهنا إلیكم بصداقها ..
فكتبوا إلیهم أما نحن فلا نعلم لكم عندنا شیئا و إن كان لنا عندكم شی‌ء فوجهوا به فأنزل اللّه وَ إِنْ فاتَكُمْ شَیْ‌ءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَی الْكُفَّارِ فَعاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِینَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ مِثْلَ ما أَنْفَقُوا.
______________________________
(1) سورة: البقرة، الآیة: 221
(2) سورة: الممتحنة، الآیة: 11
(3) سورة: الممتحنة، الآیة: 10
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 250

باب ذكر الآیة الرابعة

قال اللّه عز و جل یا أَیُّهَا النَّبِیُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ یُبایِعْنَكَ عَلی أَنْ لا یُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَیْئاً «1» الآیة .. فمن العلماء من قال هی منسوخة بالإجماع أجمع العلماء علی أنه لیس علی الإمام أن یشترط علیهم هذا عند المبایعة إلا ان أبا حاتم فرق بین هذا و بین النسخ .. فقال هذا هو اطلاق الترك من غیر أن ینسخ بابه .. و احتج بقوله ما نَنْسَخْ مِنْ آیَةٍ أَوْ نُنْسِها «2» قال ننساها نطلق لكم تركها و هو قول حسن و أصله عن ابن عباس و هو الذی فرق بین ننسأ و ننسخ و ننسی .. و قال بعض أهل العلم الآیة محكمة فاذا تباعدت الدار و احتیج الی المحنة كان علی إمام المؤمنین اقامة المحنة.
______________________________
(1) سورة: الممتحنة، الآیة: 12
(2) سورة: البقرة، الآیة: 106
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 251

سورة الصف، و الجمعة، و المنافقین، و التغابن، و الطلاق، و التحریم‌

بسم اللّه الرحمن الرحیم قرئ .. علی أحمد بن محمد بن الحجاج عن یحیی بن سلیمان قال حدثنا أحمد بن بشیر عن سعید عن قتادة أن هذه السور مدنیات نزلت بالمدینة .. و حدثنا یموت بإسناده عن ابن عباس أن سورة الصف نزلت بمكة و أن سورة الجمعة و المنافقین نزلتا بالمدینة و أن سورة التغابن نزلت بمكة إلا آیات من آخرها نزلت بالمدینة فی عوف بن مالك الاشجعی شكی إلی النبی صلّی اللّه علیه و سلّم جفاء أهله و ولده فأنزل اللّه تعالی یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَ أَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ «1» الی آخر السورة و أن سورة الطلاق و التحریم مدنیتان ..
و القول الأول مروی عن مجاهد .. و عن كریب عن ابن عباس فی هذه السورة قوله تعالی فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ «2» قد ذكرناه فی سورة آل عمران و ذكرنا قول من قال أنه ناسخ لقوله تعالی یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ «3». و فیهن وَ أُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ یَضَعْنَ حَمْلَهُنَ «4» .. و قد ذكرنا فی سورة البقرة و قول من قال هو ناسخ لحكم المتوفی عنها زوجها و هی حامل .. فأما المطلقة فلا اختلاف فی حكمها أنها إذا ولدت فقد انقضت عدتها منهم عبد اللّه بن مسعود قال نزلت هذه بعد ذلك .. [قال أبو جعفر] و ظاهر القرآن یدل علی ما قال ابن مسعود قال جل ثناؤه وَ أُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ یَضَعْنَ حَمْلَهُنَ و لم یفرق بین المطلقة و المتوفی عنها زوجها و كذا السنة.
______________________________
(1) سورة: التغابن، الآیة: 14
(2) سورة: التغابن، الآیة: 16
(3) سورة: آل عمران، الآیة: 102
(4) سورة: الطلاق، الآیة: 4
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 252

سورة الملك، و نون، و الحاقة، و سأل، و نوح، و الجن‌

بسم اللّه الرحمن الرحیم حدثنا .. یموت بإسناده عن ابن عباس أنهن نزلن بمكة فهن مكیات. فیهنّ قوله جل ثناؤه فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِیلًا «1» مذهب ابن زید ان هذا منسوخ و انه كان قبل الأمر بالقتال فلما أمر بالقتال أمر بالغلظة و الشدة علی الكفار و المنافقین .. ورد علیه هذا بعض أهل العلم قال لأن النبی صلّی اللّه علیه و سلّم لم یزل صابرا علیهم صبرا جمیلا و لم یكن فی وقت خلاف وقت فیكون كما قال ابن زید. و فیهنّ وَ فِی أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَ الْمَحْرُومِ «2» و قد ذكرنا هذا فی سورة و الذاریات بما لا یحتاج معه الی الزیادة.
______________________________
(1) سورة: المعارج، الآیة: 5
(2) سورة: الذاریات، الآیة: 19
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 253

سورة المزمل‌

بسم اللّه الرحمن الرحیم حدثنا .. یموت بإسناده عن ابن عباس أنها نزلت بمكة فهی مكیة سوی آیتین منها فانهما نزلتا بالمدینة و هما قوله عز و جل یا أَیُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّیْلَ إِلَّا قَلِیلًا نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِیلًا «1» الآیة فجاز أن یكون هذا ندبا و حضا و أن یكون حتما و فرضا غیر أن بابه أن یكون حتما و فرضا الا أن یدل دلیل علی غیر ذلك و الدلیل أنه كان حتما و فرضا و ذلك ان الندب و الحض لا یقعان الا علی بعض اللیل دون بعض لأن قیامه لیس مخصوصا به وقت دون وقت و أیضا فقد جاء التوقیف بما سنذكره ان شاء اللّه و جاز أن یكون هذا حتما و فرضا علی النبی صلّی اللّه علیه و سلّم وحده و جاز أن یكون هذا علیه و علی أمته فجاء التوقیف بأنه كان علیه و علی المؤمنین ثم نسخ كما قرئ .. علی أحمد بن شعیب عن اسماعیل بن مسعود قال حدثنا خالد بن أبی الحارث قال حدثنا سعید قال حدثنا قتادة عن زرارة بن أوفی عن سعد بن هشام قال انطلقت الی عائشة رضی اللّه عنها فاستأذنت علیها فقلت لها أنبئینی بقیام رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم فقالت أ لست تقرأ هذه السورة یا أَیُّهَا الْمُزَّمِّلُ «2» قلت بلی قالت ان اللّه افترض القیام فی أول یا أَیُّهَا الْمُزَّمِّلُ علی النبی صلّی اللّه علیه و سلّم و علی أصحابه حولا حتی انتفخت أقدامهم و أمسك اللّه خاتمتها اثنی عشر شهرا ثم أنزل التخفیف فی آخر هذه السورة فصار قیام اللیل تطوعا بعد أن كان فریضة .. قال أبو عبد الرحمن مختصر .. [قال أبو جعفر] فتبین بهذا الحدیث أنه كان فرضا علیه و علی أصحابه ثم نسخ و قول عائشة رضی اللّه عنها حولا یبین لك ما فی الناسخ و المنسوخ مما یشكل علی قوم .. و ذلك أنه اذا قیل لهم صلّوا كذا الی حول كذا و قیل لهم صلّوا كذا الی حول ثم نسخ بعد فقد كان فی معنی قوله صلوا كذا أنه الی وقت كذا و إن لم یذكر فعلی هذا یكون النسخ و قرئ .. علی محمد بن جعفر بن حفص عن یوسف بن موسی قال حدثنا وكیع و یعلی قالا حدثنا مسعر عن سماك الحنفی قال سمعت ابن عباس یقول .. لما نزلت أول یا أَیُّهَا الْمُزَّمِّلُ كانوا یقومون نحوا من قیامهم فی شهر رمضان حتی نزلت آخرها و كان بین آخرها و أولها نحو من سنة و حدثنی .. جعفر بن محمد بن مجاشع قال حدثنا إبراهیم بن اسحاق قال حدثنا إبراهیم بن عبد اللّه قال حدثنا
______________________________
(1) سورة: المزمل، الآیات: (1- 3)
(2) سورة: المزمل، الآیة: 1
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 254
حجاج عن ابن جریج عن عطاء الخراسانی عن ابن عباس نزلت یا أَیُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّیْلَ إِلَّا قَلِیلًا فلما قدم النبی صلّی اللّه علیه و سلّم المدینة نسختها هذه الآیة إِنَّ رَبَّكَ یَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنی مِنْ ثُلُثَیِ اللَّیْلِ وَ نِصْفَهُ وَ ثُلُثَهُ وَ طائِفَةٌ مِنَ الَّذِینَ مَعَكَ وَ اللَّهُ یُقَدِّرُ اللَّیْلَ وَ النَّهارَ «1» الی آخرها و حدثنا .. محمد بن رمضان بن شاكر قال حدثنا الربیع بن سلیمان المدنی قال حدثنا محمد بن إدریس الشافعی قال و فیما نقل بعض من سمعت منه من أهل العلم أن اللّه تعالی أنزل فرض الصلاة قبل فرض الصلوات الخمس یا أَیُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّیْلَ إِلَّا قَلِیلًا نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِیلًا أَوْ زِدْ عَلَیْهِ وَ رَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِیلًا «2» ثم نسخ هذا فی السورة معه فقال إِنَّ رَبَّكَ یَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنی مِنْ ثُلُثَیِ اللَّیْلِ وَ نِصْفَهُ وَ ثُلُثَهُ وَ طائِفَةٌ مِنَ الَّذِینَ مَعَكَ «1» الی قوله تعالی وَ آتُوا الزَّكاةَ «1» .. و لما ذكر اللّه تعالی بعد أمره بقیام اللیل نصفه إلّا قلیلا أو الزیادة علیه قال أَدْنی مِنْ ثُلُثَیِ اللَّیْلِ وَ نِصْفَهُ وَ ثُلُثَهُ وَ طائِفَةٌ مِنَ الَّذِینَ مَعَكَ فخفف فقال عَلِمَ أَنْ سَیَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضی الی قوله فَاقْرَؤُا ما تَیَسَّرَ مِنْهُ كان بینا فی كتاب اللّه ثم نسخ قیام اللیل و نصفه و ثلثه و النقصان من النصف و الزیادة علیه بقول اللّه تعالی فَاقْرَؤُا ما تَیَسَّرَ مِنْهُ ثم احتمل قول اللّه عز و جل فَاقْرَؤُا ما تَیَسَّرَ مِنْهُ معنیین .. أحدهما أن یكون فرضا ثانیا لأنه أزیل بعده كما أزیل به غیره و ذلك لقول اللّه تعالی وَ مِنَ اللَّیْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسی أَنْ یَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً «3» و احتمل قوله عز و جل وَ مِنَ اللَّیْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ أن یتهجد بغیر الذی فرض علیه مما تیسر منه .. قال الشافعی فكان الواجب طلب الاستدلال بالسنة علی أحد المعنیین فوجدنا سنة رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم تدل علی ان لا واجب من الصلاة الا الخمس .. [قال أبو جعفر] و أما الموضع الثانی فقوله عز و جل وَ اصْبِرْ عَلی ما یَقُولُونَ وَ اهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِیلًا «4» قرئ .. علی أحمد بن محمد بن الحجاج عن یحیی بن سلیمان قال حدثنی محمد بن بكر البصری قال حدثنا همام عن یحیی عن قتادة فی قوله وَ اصْبِرْ عَلی ما یَقُولُونَ وَ اهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِیلًا قال .. كان هذا قبل أن یؤمر بالقتال و قتلهم فنسخت آیة القتال ما كان قبلها من الترك.
______________________________
(1) سورة: المزمل، الآیة: 20
(2) سورة: المزمل، الآیات: (1- 4)
(3) سورة: الإسراء، الآیة: 79
(4) سورة: المزمل، الآیة: 10
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 255

سورة المدثر الی آخر اقرأ باسم ربك‌

اشارة

بسم اللّه الرحمن الرحیم حدثنا .. یموت بإسناده عن ابن عباس أنهن نزلن بمكة .. وجدنا فیهن أربعة مواضع.

باب ذكر الموضع الأول‌

قال عز و جل .. وَ مِنَ اللَّیْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَ سَبِّحْهُ لَیْلًا طَوِیلًا «1» .. قال ابن زید كان هذا أول شی‌ء فریضة ثم حققها اللّه تعالی فقال وَ مِنَ اللَّیْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ «2».

باب ذكر الموضع الثانی‌

قال عز و جل قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّی وَ ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّی «3» .. تكلم العلماء فی هذه الآیة بأجوبة فروی عن ابن عباس أنه قال من تزكی من الشك و روی عنه أنه قال أخرجوا زكاة الفطر قبل صلاة العید و عن أبی مالك من تزكی من آمن و عن عكرمة من تزكی من قال لا إله الا اللّه و عن قتادة تزكی بالعمل الصالح و الورع و عن ابن جریج من تزكی بماله و عمله و عن عطاء الصدقات كلها و عن عبید اللّه اذا خرجت الی الصلاة فتصدق بشی‌ء ان استطعت فان اللّه عز و جل یقول قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّی وَ ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّی «3» .. و هذه الأقوال متقاربة لأن التزكی فی اللغة التطهر .. و هذا كله تطهر لأنه انتهاء الی ما یكفر الذنوب و قیل زكاة من هذا لأنها تطهیر لنا فی المال و قیل هی من الزكاء أی الزیادة و النماء و إنما أدخلت هذه الآیة فی الناسخ و المنسوخ لأن جماعة من العلماء تأولوها علی أنها فی زكاة الفطر ..
منهم عمر بن عبد العزیز من قبل أن تصلوا صلاة العید فان اللّه تعالی یقول قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّی وَ ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّی و هو قول سعید بن المسیب و أبی العالیة و موسی بن وردان و قد ثبت أن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم أمر بزكاة الفطر و فرضها قبل أن تفرض الزكاة فجاز أن تكون الزكاة
______________________________
(1) سورة: الإنسان، الآیة: 26
(2) سورة: الإسراء، الآیة: 79
(3) سورة: الأعلی، الآیة: 14
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 256
ناسخة لها لأنها بعدها و جاز أن تكونا واجبتین و قد ثبت وجوبهما و ان كان حدیث قیس بن سعد بن عبادة ربما أشكل فتوهم سامعه النسخ فی ذلك كما قرئ علی .. أحمد بن شعیب بن علی عن محمد بن عبد اللّه بن المبارك قال حدثنا وكیع قال حدثنا سفیان عن سلمة بن كهیل عن القاسم بن مخیمرة عن أبی عمار عن قیس بن سعد قال .. أمرنا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم بصدقة الفطر قبل أن تنزل الزكاة فلما نزلت الزكاة لم یأمرنا و لم ینهنا و نحن نفعله ..
[قال أبو جعفر] و هذا الحدیث لا یدل علی النسخ لأنه قد ثبت أن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم قد أمرهم بها و الأمر مرة واحدة یكفی و لا یزول الا بشی‌ء ینسخه و القول بأنها واجبة علی الغنی و الفقیر قول أبی هریرة و ابن عمر و أبی العالیة و الزهری و ابن سیرین و الشعبی و مالك و الشافعی و ابن المبارك غیر ان الشافعی و ابن المبارك قالا إن كان عنده فضل عن قوته و قوت من یقوته كانت واجبة علیه و أهل الرأی یقولون لا تجب زكاة الفطر علی من تحل له الصدقة و قال اسحاق بن راهویه أوجب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم زكاة الفطر و عمل به الخلفاء الراشدون المهدیون و هذا یدل علی أنه اجماع .. و حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبد اللّه بن یوسف قال أنبأنا مالك عن أنس عن نافع عن عبد اللّه بن عمر قال فرض رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم زكاة الفطر فی رمضان صاعا من تمر أو صاعا من شعیر علی كل حر و عبد و ذكر و أنثی من المسلمین .. [قال أبو جعفر] و قد أشكل هذا الحدیث علی بعض أهل النظر فقال لیس علی الرجال أن یخرجوا عن عبیدهم لأن العبد فرض علیه و لم یفرض علی مولاه و الحدیث أن یخرج عنه فذلك علی العبد أن یخرج عن نفسه اذا أعتق و هذا قول بالظاهر و قد بین ذلك الحدیث الآخر الثابت الذی لا تدفع صحته روی عبد اللّه عن نافع عن ابن عمر قال أمرنا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم بصدقة الفطر عن كل صغیر و كبیر حر أو عبد بصاع من شعیر أو صاع من تمر فقد بین هذا الحدیث و ذلك فیجوز أن یكون المعنی علی كل حر و عبد یخرج عنه الحر و یجوز أن یكون علی بمعنی عن و ذلك معروف فی اللغة موجود قال اللّه تعالی أَ فَتُمارُونَهُ عَلی ما یَری «1» لا نعلم اختلافا علی ما یری و أنشد النحویون:
اذا رضیت علیّ بنو قشیرلعمر أبیك أعجبنی رضاها قال محمد بن جریر أجمع أهل العلم علی أن زكاة الفطر فرضت ثم اختلفوا فی نسخها .. [قال أبو جعفر] فلما ثبتت بالإجماع و بالأسانید الصحاح عن النبی صلّی اللّه علیه و سلّم لم یجز أن تزال الا بالإجماع أو حدیث یزیلها و یبین نسخها و لم یأت من ذلك شی‌ء و صح عن الصحابة
______________________________
(1) سورة: النجم، الآیة: 12
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 257
و التابعین إیجابها و اختلفوا فی مقدار ما یخرج منها من البر و الزبیب و أجمعوا علی أنه لا یجوز من الشعیر و التمر الا صاع .. فممن قال لا یجزی من البر الا صاع الحسن و مالك و الشافعی و أحمد و یروی هذا القول عن علی بن أبی طالب و ابن عباس و اختلف عنهما ..
و ممن قال یجزی نصف صاع من الصحابة أبو بكر الصدیق و عثمان و عبد اللّه بن مسعود و أسماء و جابر و ابن الزبیر و أبو هریرة و معاویة فهؤلاء ثمانیة من الصحابة .. و من التابعین سعید بن المسیب و عمر بن عبد العزیز و عروة و أبو سلمة و عطاء و طاوس و مجاهد و سعید بن جبیر و أبو قلابة و عبد اللّه بن شداد و مصعب بن سعد فهؤلاء أحد عشر من التابعین .. و ممن دونهم اللیث بن سعد و الثوری و أبو حنیفة و صاحباه .. و الحجة للقول الأول أن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم لما فرض صاعا من شعیر أو صاعا من تمر و كان قوتهم وجب أن یكون كل قوت كذلك .. و الحجة للقول الثانی ان الصحابة و التابعین هم الذین قدروا نصف صاع بر و هم أعلم الناس بأمر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم و لا تجوز مخالفتهم الا الی قول بعضهم فإن قیل فقد خالفهم علی بن أبی طالب و ابن عباس فالجواب انه قد اختلف عنهما و لیس أحد القولین أولی من الآخر الا بالاحتجاج بغیرهما قرئ علی أحمد بن شعیب عن عمران بن موسی عن عبد الوارث قال حدثنا أیوب عن نافع عن عمر قال فرض رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم زكاة رمضان صاعا من تمر أو صاعا من شعیر علی كل حر و عبد و ذكر و أنثی فعدل الناس به نصف صاع بر فهذا ابن عمر خبر ان الناس فعلوا هذا و الناس الجماعة فأما الزبیب فأهل العلم مجمعون علی انه لا یجزی منه فی زكاة الفطر الا صاع خلا أبی حنیفة فإن أبا یوسف روی عنه انه یخرج منه نصف صاع كما یخرجه من البر .. و أما الاختیار فیما یخرج فأهل العلم مختلفون فی ذلك فروی عن ابن عمر «1» و قال غیره لأن التمر منفعته عاجلة .. و قال الشافعی البر أحب الیّ و قال أبو یوسف أعجلها منفعة الدقیق یخرج نصف صاع من دقیق بر أو صاعا من دقیق الشعیر .. فأما إخراج القیمة فمختلف فیه أیضا .. فممن اجاز ذلك عمر بن عبد العزیز و الحسن و أهل الرأی و لم یجز مالك و الشافعی و أحمد الا اخراج المكیلة كما جاءت به السنة و قال اسحاق یجوز ذلك للضرورة .. فأما دفع زكاة الفطر لإنسان واحد و ان كانت عن جماعة فمما اختلف فیه أیضا و أجازه أهل المدینة فقال الشافعی یقسم كما تقسم الزكاة .. و أما إعطاء أهل الذمة منها فمختلف فیه أیضا فأكثر أهل العلم لا یجیزونه و منهم من أجازه مرة الهمذانی و هو قول أهل الرأی و فرقوا بینها و بین الزكاة فلم یجیزوا فی الزكاة الا المسلمین
______________________________
(1) هكذا فی الأصل و لعل ابن عمر كان یفضل التمر للتعلیل الذی بعده.
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 258
و أجازوا فی زكاة الفطر أن تدفع إلی أهل الذمة .. و أما دفع الرجل عن زوجته فمختلف فیه أیضا فأكثر أهل العلم یوجبون علیه ذلك و قال الثوری و أهل الرأی لا یجب ذلك علیه .. و اختلفوا أیضا فی أهل البادیة فقال عطاء و الزهری و ربیعة لا تجب علیهم زكاة الفطر و قال سعید بن المسیب هی واجبة علیهم لقوله قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّی وَ ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّی «1» و هو قول أكثر أهل المدینة و أهل الكوفة .. و أما العبد المأذون له فی التجارة فمختلف فیه لأداء زكاة الفطر عنه أیضا فقال الحسن و عطاء لا یجب علی مولاه أن یؤدیها عنه و هو قول أهل الرأی و قال مالك و اللیث و الأوزاعی و الشافعی علیه أن یؤدیها عنه .. و اختلفوا أیضا فی المكاتب فقال مالك علیه أن یؤدیها عنه و قال أهل الرأی و الشافعی لیس ذلك علیه و كذا روی عن ابن عمر و بهذا الاختلاف قال بعض العلماء لیس علی الرجل أن یؤدی الا عن نفسه كما قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم: «علی كل حر و عبد» فالحر یؤدی عن نفسه و العبد یؤدی عن نفسه كما روی عبید اللّه عن نافع عن ابن عمر قال لیس علی العبد فی ماله شی‌ء الا صدقة الفطر الا أن الفقهاء الذین تدور علیهم الفتیا یقولون علیه أن یخرج عن عبده .. فأما تقدیر الصاع فقد قدره جماعة من أهل العلم علی أنه خمس ویبة و المد ربعه لا نعلم اختلافا فی الكیل ..
فمن قال یخرج الإنسان صاعا من بر قال یخرج الویبة عن عشرة و من قال یخرج نصف صاع من بر قال الویبة عن عشرة و هذا قول اللیث و المتفقهون من أهل الرأی یقولون عن ثمانیة ..
و اختلفوا فی مقدار الصاع من الوزن فقول الشافعی و أبی یوسف أنه خمسة أرطال و ثلث و عن أهل المدینة أخذوا هذا و هم أعلم الناس به .. و قال أبو حنیفة و محمد هو ثمانیة أرطال. و أما الموضع الثالث .. فقوله تعالی فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَیْهِمْ بِمُصَیْطِرٍ «2» قال ابن زید أی لست تكرههم علی الإیمان ثم جاء بعد ذلك جاهِدِ الْكُفَّارَ وَ الْمُنافِقِینَ وَ اغْلُظْ عَلَیْهِمْ «3» وَ اقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ «4» فنسخ هذا لَسْتَ عَلَیْهِمْ بِمُصَیْطِرٍ فجاء قتله أو یسلّم و التذكرة كما هی لم تنسخ .. و فی روایة ابن أبی طلحة عن ابن عباس لَسْتَ عَلَیْهِمْ بِمُصَیْطِرٍ أی بجبار .. فهذا معروف فی اللغة یقال تسیطر علی القوم اذا تسلط علیهم أی لست مجبرهم علی الإسلام انما علیك ان تدعوهم الیه ثم تكلمهم الی اللّه عز و جل و أما الموضع الرابع فقوله تعالی فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ وَ إِلی رَبِّكَ فَارْغَبْ «5» .. [قال أبو جعفر]
______________________________
(1) سورة: الأعلی، الآیة: 24
(2) سورة: الغاشیة، الآیتان: (21- 22)
(3) سورة: التوبة، الآیة: 5
(4) سورة: التوبة، الآیة: 73
(5) سورة: الانشراح، الآیة: 7
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 259
اختلف العلماء فی معناه .. فمن ذلك ما حدثنا .. أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبد الرزاق قال أنبأنا معمر عن قتادة فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ قال فإذا فرغت من صلاتك فانصب فی الدعاء .. و قال الحسن إذا فرغت من غزوك و جهادك فتعبد اللّه عز و جل .. و قال مجاهد إذا فرغت من شغلك بأمور الدنیا فصلّ و اجعل رغبتك إلی اللّه تعالی .. و إنما أدخل هذا فی الناسخ و المنسوخ لأن عبد اللّه بن مسعود قال فی معنی فانصب لقیام اللیل و فرض قیام اللیل منسوخ علی أن هذا غیر واجب و المعانی فی الآیة متقاربة أی إذا فرغت من شغلك بما یجوز أن تشتغل به من أمور الدنیا و الآخرة فانصب أی انتصب للّه تعالی و اشتغل بذكره و دعائه و الصلاة له و لا تشتغل باللهو و ما یؤثم و قد بین ابن مسعود ما أراد بقوله فإذا فرغت من الفرائض فانصب لقیام اللیل.
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 260

سورة القدر الی آخر القرآن‌

بسم اللّه الرحمن الرحیم حدثنا .. یموت بإسناده عن ابن عباس ان سورة- القدر و لم یكن- مدنیتان و إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ «1» الی آخر قُلْ یا أَیُّهَا الْكافِرُونَ «2» مكیة و ان إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَ الْفَتْحُ «3» الی آخر قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ «4» مدنیة .. و قال كریب وجدنا فی كتاب ابن عباس أن من سورة القدر الی آخر القرآن مكیة الا إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ و إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ و قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ «5» و قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ «6» و قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ فإنهن مدنیات لم نجد فیهن ناسخا و لا منسوخا .. و اذا تدبرت ذلك وجدت أكثرهن لیس فیه ناسخ و لا منسوخ إنما هو فیما لا یجوز أن یقع فیه نسخ لأنه لا یجوز أن یقع نسخ فی توحید اللّه تعالی و لا فی أسمائه و لا فی صفاته و لا فی إخباره و انما كان و یكون .. و العلماء یقولون و لا فی أخباره و معنی و لا فی أخباره بما كان أو بما یكون و انما هو بكسر الهمزة و الحكمة فی هذا أن النسخ انما یكون فی أحكام الشرائع من الصلاة و الصیام و الحظر و الإباحة .. و قد یجوز أن ینقل الشی‌ء من الأمر الی النهی و من النهی الی الأمر لأنك اذا قلت افعل كذا محرم علیك سنة جاز أن تبیحه بعد سنة .. و اذا قلت افعل كذا و كذا محرم علیك و أنت ترید وقتا أو شرطا فكذا أیضا و سواء علیك ذكرته أم لم تذكره و هذا محال فی توحید اللّه و أسمائه و صفاته و إخباره بما كان و یكون .. أ لا تری أنه محال أن یقول قام فلان ثم یقول بعد وقت لم یقم لأنه لا یقع فی الأول اشتراط و لا زمان فالنسخ فی الإخبار بما كان و بما یكون كذب و من الأمر و النهی أیضا ما لا یقع فیه نسخ .. و ذلك الأمر بتوحید اللّه عز و جل و اتباع رسله علیهم الصلاة و السلام أجمعین .. و أخص محمدا صلّی اللّه علیه و سلّم نبی الرحمة بالصلاة و التسلیم و أهله الطیبین الطاهرین و حسبی اللّه و نعم الوكیل.
______________________________
(1) سورة: الزلزال، الآیة: 1
(2) سورة: الكافرون، الآیة: 1
(3) سورة: الفتح، الآیة: 1
(4) سورة: الناس، الآیة: 1
(5) سورة: الإخلاص، الآیة: 1
(6) سورة: الفلق، الآیة: 1
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 261
تم الكتاب بحمد اللّه و منّه و حسن توفیقه فله الحمد كثیرا طیبا مباركا كما یحب ربنا و یرضی و كما هو أهله و كان الفراغ من نساخته فی شهر المحرم أول شهور سنة أربع و عشرین و سبعمائة و الحمد للّه وحده و یلیه إن شاء اللّه كتاب المؤجز فی الناسخ و المنسوخ لابن خزیمة رحمهما اللّه تعالی
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 262

[مقدمة كتاب المؤجز فی الناسخ و المنسوخ لابن خزیمة]

بسم اللّه الرحمن الرحیم قال الشیخ الإمام الأجل الحافظ المظفر بن الحسین بن زید بن علی بن خزیمة الفارسی رحمة اللّه علیه.
الحمد للّه و سلام علی عباده الذین اصطفی و الصلاة و السلام علی النبی المصطفی و بعد، فهذا كتاب جمعت فیه جمیع ما فی القرآن من الآیات الناسخة و المنسوخة موجزة علی حسب آیات القرآن ألف آیة أمر و ألف آیة نهی و ألف آیة وعد و ألف آیة وعید و ألف عبر و أمثال و ألف قصص و إخبار و خمسمائة حلال و حرام و مائة دعاء و تسبیح و ست و ستون آیة منسوخ الجملة ستة آلاف و ستمائة و ست و ستون آیة غایة الإیجاز و بینت فیه عدد سور الناسخ و المنسوخ و عدد السور التی فیها الناسخ دون المنسوخ و عدد السور التی فیها المنسوخ دون الناسخ و أوضحت فیه معنی الناسخ دون المنسوخ و رتبته ترتیبا لیسهل حفظه علی من أراده.
و یقرب مأخذه علی من استفاده. راجیا بذلك ثواب اللّه عز و جل و منه أسأل التوفیق، و حسن الهدایة إلی سواء الطریق. و هو ولیّ الإجابة. و إلیه الإنابة.

باب بیان الناسخ و المنسوخ‌

اشارة

اعلم أنه لا یجوز لأحد یقرأ كتاب اللّه عز و جل إلا بعد أن یعرف الناسخ منه و المنسوخ لأنه إن جهل ذلك أحل الحرام و حرم الحلال و أباح المحظور و حظر المباح و هو معنی قول علیّ بن أبی طالب كرم اللّه وجهه لعبد الرحمن بن داب هلكت و أهلكت و كذلك قال لكعب الاحبار و ذلك ما حدثنی .. محمد بن مرثد قال أنبأنا محمد بن اسماعیل قال أنبأنا محمد بن حامد قال حدثنا یحیی بن خالد قال حدثنا منصور عن قتادة عن علی بن أبی طالب كرم اللّه وجهه أنه مر بكعب الأحبار و هو یقص فقال له یا أبا اسحاق .. أما إنه لا یقعد هذا المقعد إلا أمیر أو مأمور فمكث أیاما ثم رجع فوجد كعب یقص علی جماعة فمنهم مغشیا علیه و منهم باكیا قال علیّ .. یا أبا اسحاق أ لم أنهك عن هذا المقعد أ تعرف الناسخ و المنسوخ قال اللّه أعلم قال هلكت و أهلكت .. و بلغنی ان حذیفة بن الیمان قال لا یقص علی الناس الا أمیر أو مأمور أو رجل عرف الناسخ من المنسوخ و الرابع متكلف أحمق.
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 263
و النسخ فی لغة العرب رفع الشی‌ء و فی القرآن علی وجهین .. أحدهما نقل الكتابة من موضع الی موضع و ذلك قوله تعالی .. إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ «1» .. و الوجه الثانی هو رفع حكم ثابت بخطاب ثابت لولاه لكان محكما ثابتا بالخطاب الأول .. و معنی الناسخ هو أنه رفع الحكم و معنی المنسوخ المرفوع المكتوب المتروك حكمه و العمل به و هو علی ثلاثة أوجه .. أحدها ما نسخ خطه و حكمه و بلغنی أن عبد اللّه بن مسعود قال أقرأنی النبی صلّی اللّه علیه و سلّم آیة و سورة فحفظتها و أثبتها فی مصحفی فلما كان اللیل رجعت الی حفظی فلم أجد منها شیئا و غدوت علی مصحفی فإذا الورقة بیضاء فأخبرت النبی صلّی اللّه علیه و سلّم بذلك فقال لی یا ابن مسعود تلك رفعت البارحة .. و الوجه الثانی ما رفع خطه و بقی حكمه و ذلك ما أخبرنی سعید بن أحمد بن محمد النیسابوری قال أخبرنی محمد بن عبد اللّه قال أخبرنی عمر بن الحسین عن داود عن محمد بن عبیدة قال قال عمر رضی اللّه عنه لو لا أن یقول الناس زاد عمر بن الخطاب فی كتاب اللّه لكتبت بیدی آیة الرجم فقد قرأناها علی عهد رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم الشیخ و الشیخة اذا زنیا فارجموهما البتة نكالا من اللّه .. و الوجه الثالث ما نسخ حكمه و لم یرفع خطه و ذلك یأتی بیّنا فیما بعد .. و النسخ علی ثلاثة أوجه لا خلاف لهم فیه .. و الوجه الرابع ما بقی خطه و فیه خلاف و الثلاثة التی لا خلاف فیها .. أحدها نسخ الكتاب بالكتاب و الدلیل قوله عز و جل ما نَنْسَخْ مِنْ آیَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَیْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها «2» و قال اللّه تعالی وَ إِذا بَدَّلْنا آیَةً مَكانَ آیَةٍ وَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما یُنَزِّلُ «3» .. و الوجه الثانی نسخ السنة بالكتاب و الدلیل علیه أن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم لما دخل المدینة وجد الیهود یصومون یوم عاشوراء فقال النبی صلّی اللّه علیه و سلّم نحن أحقّ بصیامه من الیهود فلما نزل قوله تعالی شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِی أُنْزِلَ فِیهِ الْقُرْآنُ «4» الآیة صار صوم عاشوراء منسوخا فقال صلّی اللّه علیه و سلّم: «إن یوم عاشوراء لم یفرضه اللّه علیكم فمن شاء صامه و من شاء أفطر و نظائرها كثیرة كالمتعة و غیرها» .. و الثالث نسخ السنة بالسنة لقول النبی صلّی اللّه علیه و سلّم: «انی نهیتكم عن ادخار لحوم الأضاحی أن تدخروها فوق ثلاث ألا فادخروها ما بدا لكم» و لقوله صلّی اللّه علیه و سلّم: «ألا إنی كنت نهیتكم عن زیارة القبور ألا فزوروها» و لقوله: «الا انی كنت أحللت لكم الأطعمة الا قد حرمتها علیكم فلیبلّغ الشاهد الغائب» ..
______________________________
(1) سورة: الجاثیة، الآیة: 29
(2) سورة: البقرة، الآیة: 106
(3) سورة: النحل، الآیة: 101
(4) سورة: البقرة، الآیة: 185
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 264
و الوجه الرابع المختلف فیه هو نسخ الكتاب بالسنة .. قال بعض العلماء یجوز و قال بعضهم لا یجوز .. فممن جوز ذلك أبو حنیفة رحمة اللّه علیه و قال لی قائل قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلّم لا وصیة لوارث فهل تجوز الوصیة للوارث قلت لا قال فهل لك دلیل رفع الحكم من قوله وَصِیَّةً لِأَزْواجِهِمْ «1» و قوله تعالی الْوَصِیَّةُ لِلْوالِدَیْنِ وَ الْأَقْرَبِینَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَی الْمُتَّقِینَ «2» غیر قوله صلّی اللّه علیه و سلّم: «لا وصیة لوارث» قلت نعم قال و ما هو قلت قوله تعالی یُوصِیكُمُ اللَّهُ فِی أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَیَیْنِ «3» الآیة و قوله إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَیْسَ لَهُ وَلَدٌ «4» .. قال لی فما تقول فی قوله تعالی حُرِّمَتْ عَلَیْكُمُ الْمَیْتَةُ وَ الدَّمُ وَ لَحْمُ الْخِنْزِیرِ «5» أ هو علی العموم أم لا قلت علی العموم قال فهل یجوز أكل السمك و الجراد قلت جائز أكلهما قال افهما من المیتة أم لا قلت من المیتة قال فما تقول فی الكبد و الطحال قلت مباح أكلهما قال أ فهما من جملة الدماء قلت نعم قال اذا كانت الآیة علی العموم فلم جوزت أكل السمك و الجراد و هما من المیتة و الكبد و الطحال و هما من جملة الدماء قلت لقوله صلّی اللّه علیه و سلّم: «أحلت لنا میتتان و دمان» و هما السمك و الجراد و الكبد و الطحال فهذا علی نسخ الكتاب بالسنة قال لیس هذا كما زعمت لأن النبی صلّی اللّه علیه و سلّم قال أحلت لنا و لم یقل أحللت لكم فالتحلیل من جهة اللّه لا من جهته فإذا كان التحلیل من جهته بطل ما ذكرت فلیس قوله تعالی فَأَمْسِكُوهُنَّ فِی الْبُیُوتِ حَتَّی یَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ یَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِیلًا «6» منسوخا بقوله صلّی اللّه علیه و سلّم: «الثیب بالثیب الرجم و البكر بالبكر جلد مائة و تغریب عام» قال لا قلت فبما نسخ قال بقوله تعالی الزَّانِیَةُ وَ الزَّانِی فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ.
______________________________
(1) سورة: البقرة، الآیة: 240
(2) سورة: البقرة، الآیة: 180
(3) سورة: النساء، الآیة: 11
(4) سورة: النساء، الآیة: 176
(5) سورة: المائدة، الآیة: 3
(6) سورة: النساء، الآیة: 15
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 265

فصل‌

اختلف العلماء فیما یقع علیه النسخ علی الأمر و علی النهی و علی الإخبار التی معناها الأمر و النهی و قال عبد الرحمن بن زید النسخ علی الأمر و النهی و علی الإخبار و لم یفصل و تابعه علی هذا القول جماعة و لا حجة لهم فی ذلك من الدرایة و انما یعتمدون علی الروایة .. و قال جماعة یقع النسخ علی الأمر و النهی و علی ما قبل الاستثناء و قالت الملحدة لیس فی القرآن ناسخ و لا منسوخ و هؤلاء قوم وافقوا الیهود و جمیعا عن الحق صدوا و بإفكهم علی اللّه ردوا و الكتاب ناطق بإثبات ما جحدوا.
و أول ما نسخ الصلاة الأولی ثم القبلة الأولی ثم الصوم الأول ثم الزكاة الأولی ثم الإعراض عن المشركین ثم الموارثة ثم العفو و الصفح عن أهل الكتاب ثم المخاطبة فی الحج ثم العهد الذی كان بینه و بین المشركین.

باب بیان السور التی فیها الناسخ و المنسوخ‌

و هی اثنان و ثلاثون «1» سورة البقرة، و آل عمران، و النساء، و المائدة، و الأعراف، و الأنفال، و التوبة، و النحل، و بنو اسرائیل، و مریم، و طه، و الأنبیاء، و المؤمن، و الشوری، و سورة محمد صلّی اللّه علیه و سلّم، و الذاریات، و الطور، و الواقعة، و المجادلة، و الممتحنة، و المزمل، و المدثر، و عبس، و التكویر، و العصر.

باب بیان السور التی لم یدخلها الناسخ و لا المنسوخ‌

و هی ثلاث و أربعون «2» سورة فاتحة الكتاب، و سورة یوسف، و الحجرات، و سورة
______________________________
(1) هكذا وقع فی الأصل و هو غلط لأن السور التی عددهن خمس و عشرون .. و كذا ذكر أبو القاسم هبة اللّه بن سلامة المفسر فی كتابه الناسخ و المنسوخ ان السور التی دخلها الناسخ و المنسوخ هی خمس و عشرون فوافقه فی العدد و خالفه فی بعض المعدود و تبعهما أبو عبد اللّه محمد بن حزم أیضا فی كتابه الناسخ و المنسوخ موافقا لهما فی العدد و خالفهما فی المعدود.
(2) المعدود هنا اثنان و أربعون و الذی ذكره ابن سلامة ثلاث و أربعون بزیادة سورة یس و الجمعة و لم یذكر سورة
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 266
الرحمن، و الحدید، و الصف، و التحریم، و الملك، و الحاقة، و نوح، و الجن، و المرسلات، و النبإ، و النازعات، و الانفطار، و المطففین، و الانشقاق، و البروج، و الفجر، و البلد، و الشمس، و اللیل، و الضحی، و أ لم نشرح، و التین، و العلق، و القدر، و البیّنة، و الزلزلة، و العادیات، و القارعة، و التكاثر، و الهمزة، و الفیل، و قریش، و الماعون، و الكوثر، و النصر، و المسد، و الإخلاص، و الفلق، و الناس.

باب بیان السور التی فیها المنسوخ دون الناسخ‌

«1» و هی ست سور: سورة الفتح، و الحشر، و المنافقون، و التغابن، و الطلاق، و الأعلی.

باب بیان السور التی فیها الناسخ دون المنسوخ‌

و هی ثلاث و ثلاثون «2» سورة الأنعام، و یونس، و هود، و الرعد، و إبراهیم، و الحجر، و الكهف، و النمل، و القصص، و العنكبوت، و الروم، و لقمان، و الم السجدة، و فاطر، و یس، و الصافات، و ص، و الزمر، و حم السجدة، و الزخرف، و الدخان، و الجاثیة، و الاحقاف، و ق، و النجم، و ن، و المعارج، و القیامة، و الإنسان، و الطارق، و الغاشیة، و الكافرون.
______________________________
و التین و وافقهما ابن حزم فی أنهن ثلاث و أربعون و أدخل فیهن سورة و التین و لم یذكر سورة البینة و سورة یس أدخلها المصنف فی السور التی فیها المنسوخ دون الناسخ فكان الساقط فی العدد هنا مقتضی ما علیه المصنف سورة الجمعة فلیحرر.
(1) هكذا فی الاصل و هو غلط و لعله وقع ذلك للكاتب لأن ترجمة هذا الباب من حقها أن تكون ترجمة الباب الذی یلیه و هكذا بالعكس فی الباب الذی یلیه فإن حقه ان تكون ترجمته لهذا الباب و ما ذكرته هو الذی علیه ابن سلامة و ابن حزم فتأمله.
(2) قوله: ثلاث و ثلاثون .. هكذا فی الأصل علی أن المعدود اثنان و ثلاثون فقط و فی كتابی ابن سلامة و ابن حزم أربعون أربعون و باعتباره یكون عدد السور مائة و أربع عشرة سورة و ذلك عدد سور القرآن و اذا نظر المتأمل العدد الذی ترجم له المصنف غیر ملتفت للمعدود یجد قسمته أیضا صحیحة و یكون الساقط ذكره ثمانی سور فلعل ذلك مذهب المصنف و قد اجتهدت لاستخراج الساقط ذكره فلم تبین لی لأن كثیرا من السور ما یعتبرها المصنف من باب الناسخ فأجد ابن سلامة یعتبرها فی باب المنسوخ و هكذا الحال بینهما و بین ابن حزم و لم أجدهم اتفقوا
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 267

باب بیان المنسوخ فی القرآن بآیة السیف‌

«1» اعلم بأن اللّه تعالی أنزل آیة السیف و هی قوله عز و جل فی سورة التوبة فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِینَ حَیْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَ خُذُوهُمْ وَ احْصُرُوهُمْ وَ اقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ «1» فنسخ بهذه الآیة مائة و ثلاثة عشر موضعا فی القرآن و هی:
فی البقرة: رقم الآیة وَ قُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً 83 وَ لَنا أَعْمالُنا وَ لَكُمْ أَعْمالُكُمْ 139 وَ لا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا یُحِبُّ الْمُعْتَدِینَ 190 وَ لا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ 191 قُلْ قِتالٌ فِیهِ كَبِیرٌ وَ صَدٌّ عَنْ سَبِیلِ اللَّهِ وَ كُفْرٌ بِهِ 217 لا إِكْراهَ فِی الدِّینِ 256 و فی آل عمران:
فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَیْكَ الْبَلاغُ 20 إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً 28 و فی النساء:
فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَ عِظْهُمْ 63 وَ مَنْ تَوَلَّی فَما أَرْسَلْناكَ عَلَیْهِمْ حَفِیظاً 80 فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ 63 لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ 84 سَتَجِدُونَ آخَرِینَ یُرِیدُونَ أَنْ یَأْمَنُوكُمْ وَ یَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ 91
______________________________
فی العدد و المعدود إلا فی بیان السور التی فیها الناسخ دون المنسوخ علی أن الترجمة حسب النسخة التی بیدی قد وقع فیها الاختلاف و أشرت إلی انه غلط و حملته علی الكاتب كما تقدم ذلك و لم تكن ثم نسخة أخری لنرجع الیها فلیحرر.
(1) قوله بیان المنسوخ فی القرآن بآیة السیف .. هكذا وقع فی الأصل و من صنف فی الناسخ و المنسوخ ترجم له بباب الاعراض عن المشركین .. و قوله فنسخ بهذه الآیة مائة و ثلاثة عشر موضعا الذی فی كتاب أبو عبد اللّه محمد بن حزم مائة و أربع عشرة آیة هن فی ثمان و أربعین سورة فتأمل:
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 268
إِلَّا الَّذِینَ یَصِلُونَ إِلی قَوْمٍ بَیْنَكُمْ وَ بَیْنَهُمْ مِیثاقٌ 90 فَما لَكُمْ فِی الْمُنافِقِینَ فِئَتَیْنِ 88 و فی المائدة:
وَ لَا آمِّینَ الْبَیْتَ الْحَرامَ یَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَ رِضْواناً 2 ما عَلَی الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ 99 و فی الأنعام:
قُلْ لَسْتُ عَلَیْكُمْ بِوَكِیلٍ 66 ثُمَّ ذَرْهُمْ فِی خَوْضِهِمْ یَلْعَبُونَ 91 فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَ مَنْ عَمِیَ فَعَلَیْها وَ ما أَنَا عَلَیْكُمْ بِحَفِیظٍ 104 وَ أَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِینَ 106 وَ ما أَنْتَ عَلَیْهِمْ بِوَكِیلٍ 107 وَ لا تَسُبُّوا الَّذِینَ یَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَیَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَیْرِ عِلْمٍ 108 فَذَرْهُمْ وَ ما یَفْتَرُونَ 112 قُلْ یا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلی مَكانَتِكُمْ إِنِّی عامِلٌ 135 انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ 158 لَسْتَ مِنْهُمْ فِی شَیْ‌ءٍ إِنَّما أَمْرُهُمْ إِلَی اللَّهِ 159 و فی الأعراف:
وَ أُمْلِی لَهُمْ 183 وَ أَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِینَ 199 و فی یونس:
فَانْتَظِرُوا إِنِّی مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِینَ 20 وَ إِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِی عَمَلِی وَ لَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ 41 وَ إِمَّا نُرِیَنَّكَ بَعْضَ الَّذِی نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّیَنَّكَ 46 أَ فَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّی یَكُونُوا مُؤْمِنِینَ 99 فَهَلْ یَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَیَّامِ الَّذِینَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ 102 فَمَنِ اهْتَدی فَإِنَّما یَهْتَدِی لِنَفْسِهِ 108 وَ اصْبِرْ حَتَّی یَحْكُمَ اللَّهُ 109
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 269
و فی هود:
إِنَّما أَنْتَ نَذِیرٌ 12 فَإِنَّما عَلَیْكَ الْبَلاغُ حكمها لا لفظها وَ قُلْ لِلَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلی مَكانَتِكُمْ 121 إِنَّا عامِلُونَ 121 وَ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ 122 و فی الرعد:
فَإِنَّما عَلَیْكَ الْبَلاغُ 40 و فی الحجر:
ذَرْهُمْ یَأْكُلُوا وَ یَتَمَتَّعُوا 3 فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِیلَ 85 إِنَّ رَبَّكَ 86 وَ لا تَمُدَّنَّ عَیْنَیْكَ إِلی ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ 88 وَ لا تَحْزَنْ عَلَیْهِمْ 88 وَ أَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِینَ 94 وَ قُلْ إِنِّی أَنَا النَّذِیرُ الْمُبِینُ حكمها لا لفظها 89 و فی النحل:
فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَیْكَ الْبَلاغُ 82 وَ جادِلْهُمْ بِالَّتِی هِیَ أَحْسَنُ 125 وَ اصْبِرْ وَ ما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ 127 و فی بنی اسرائیل:
وَ ما أَرْسَلْناكَ عَلَیْهِمْ وَكِیلًا 54 و فی مریم:
وَ أَنْذِرْهُمْ یَوْمَ الْحَسْرَةِ 39 فَلا تَعْجَلْ عَلَیْهِمْ 84 قُلْ مَنْ كانَ فِی الضَّلالَةِ فَلْیَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا 75
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 270
و فی طه:
فَاصْبِرْ عَلی ما یَقُولُونَ 130 وَ لا تَمُدَّنَّ عَیْنَیْكَ إِلی ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ 131 زَهْرَةَ الْحَیاةِ الدُّنْیا 131 قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا 135 و فی الحج:
قُلْ یا أَیُّهَا النَّاسُ إِنَّما أَنَا لَكُمْ نَذِیرٌ مُبِینٌ 49 وَ إِنْ جادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ 68 و فی المؤمنون:
فَذَرْهُمْ فِی غَمْرَتِهِمْ حَتَّی حِینٍ 54 ادْفَعْ بِالَّتِی هِیَ أَحْسَنُ 96 و فی النور:
فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَیْهِ ما حُمِّلَ وَ عَلَیْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ 54 و فی الفرقان:
وَ إِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً 63 و فی النمل:
فَمَنِ اهْتَدی فَإِنَّما یَهْتَدِی لِنَفْسِهِ 92 وَ مَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّما أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِینَ 92 و فی القصص:
وَ إِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَ قالُوا لَنا أَعْمالُنا وَ لَكُمْ أَعْمالُكُمْ الآیة 55 و فی العنكبوت:
وَ إِنَّما أَنَا نَذِیرٌ مُبِینٌ حكمها لا لفظها 50 و فی الروم:
فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌ 60 وَ لا یَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِینَ لا یُوقِنُونَ 60 و فی الم السجدة:
فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَ انْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ 30
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 271
و فی الأحزاب:
وَ دَعْ أَذاهُمْ 48 وَ تَوَكَّلْ عَلَی اللَّهِ وَ كَفی بِاللَّهِ وَكِیلًا 48 و فی سبإ:
قُلْ لا تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنا وَ لا نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ 25 و فی فاطر:
إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِیرٌ حكمها لا لفظها 23 و فی یس:
فَلا یَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ 76 و فی الصافات:
فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّی حِینٍ وَ أَبْصِرْهُمْ 174 و فی ص:
إِلَّا أَنَّما أَنَا نَذِیرٌ مُبِینٌ حكمها لا لفظها 70 وَ لَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِینٍ 88 و فی الزمر:
فَاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ 15 قُلْ یا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلی مَكانَتِكُمْ 39 فَمَنِ اهْتَدی فَلِنَفْسِهِ وَ مَنْ ضَلَّ فَإِنَّما یَضِلُّ عَلَیْها 41 و فی المؤمنین:
فَاصْبِرْ فی موضعین 87 و فی حم السجدة:
ادْفَعْ بِالَّتِی هِیَ أَحْسَنُ 96 و فی الشوری:
وَ ما أَنْتَ عَلَیْهِمْ بِوَكِیلٍ 6 فَمَنْ عَفا وَ أَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَی اللَّهِ 40 وَ لَمَنْ صَبَرَ وَ غَفَرَ 43 فَإِنْ أَعْرَضُوا فَما أَرْسَلْناكَ عَلَیْهِمْ حَفِیظاً 48
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 272
و فی الزخرف:
فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ 41 فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَ قُلْ سَلامٌ 89 فَذَرْهُمْ یَخُوضُوا وَ یَلْعَبُوا 83 و فی الدخان:
فَارْتَقِبْ یَوْمَ تَأْتِی السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِینٍ 10 فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ 59 و فی الجاثیة:
قُلْ لِلَّذِینَ آمَنُوا یَغْفِرُوا لِلَّذِینَ لا یَرْجُونَ أَیَّامَ اللَّهِ 14 و فی الأحقاف:
فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَ لا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ 35 و فی ق:
فَاصْبِرْ عَلی ما یَقُولُونَ 39 وَ ما أَنْتَ عَلَیْهِمْ بِجَبَّارٍ 45 و فی الذاریات:
فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ 54 و فی الطور:
قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّی مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِینَ 31 وَ اصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْیُنِنا 48 فَذَرْهُمْ حَتَّی یُلاقُوا یَوْمَهُمُ الَّذِی فِیهِ یُصْعَقُونَ 45 و فی النجم:
فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّی عَنْ ذِكْرِنا 29 و فی القمر:
فَتَوَلَّ عَنْهُمْ 6 و فی الممتحنة:
أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَ تُقْسِطُوا إِلَیْهِمْ 8
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 273
و فی ن:
فَذَرْنِی وَ مَنْ یُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِیثِ 44 فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ 48 و فی المعارج:
فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِیلًا 5 و فی المزمل:
وَ ذَرْنِی وَ الْمُكَذِّبِینَ 11 فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلی رَبِّهِ سَبِیلًا 19 و فی المدثر:
ذَرْنِی وَ مَنْ خَلَقْتُ وَحِیداً 11 و فی الإنسان:
فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلی رَبِّهِ سَبِیلًا 29 و فی الطارق:
فَمَهِّلِ الْكافِرِینَ أَمْهِلْهُمْ رُوَیْداً 17 و فی الغاشیة:
لَسْتَ عَلَیْهِمْ بِمُصَیْطِرٍ 22 و فی الكافرون:
لَكُمْ دِینُكُمْ وَ لِیَ دِینِ 6 فهذه جملة ما نسخ بآیة السیف ثم ان اللّه تعالی أنزل آیة فنسخ بها بعض حكم آیة السیف فی قوله تعالی: وَ إِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِینَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّی یَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ التوبة، الآیة: 6 فصار بعض حكم آیة السیف منسوخا و المنسوخ بها علی النسخ و لم یغیر و اللّه أعلم.
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 274

باب ما نسخ من القرآن بآیة القتال‌

و هی قوله تعالی قاتِلُوا الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ لا بِالْیَوْمِ الْآخِرِ التوبة، الآیة: 29 فنسخ بها تسعة مواضع أحدها:
فی البقرة:
فَاعْفُوا وَ اصْفَحُوا حَتَّی یَأْتِیَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ 109 و فی آل عمران:
لَنْ یَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذیً 111 و فیها وَ إِنْ تَصْبِرُوا وَ تَتَّقُوا 120 و فی المائدة:
فَاعْفُ عَنْهُمْ وَ اصْفَحْ 13 و فی الأنعام:
وَ ذَرِ الَّذِینَ اتَّخَذُوا دِینَهُمْ لَعِباً وَ لَهْواً 70 و فی الأعراف:
الَّذِینَ اتَّخَذُوا دِینَهُمْ لَهْواً وَ لَعِباً 51 و فی الأنفال:
وَ إِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها 61 و فی العنكبوت:
وَ لا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِی هِیَ أَحْسَنُ 46 و فی الشوری:
لَنا أَعْمالُنا وَ لَكُمْ أَعْمالُكُمْ لا حُجَّةَ بَیْنَنا وَ بَیْنَكُمُ 15 .. فهذه جملة ما نسخ بآیة القتال.
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 275

باب بیان الآیات المنسوخة بالاستثناء بعدها

و هی ثلاث و عشرون موضعا .. أحدها:
فی البقرة:
إِنَّ الَّذِینَ یَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَیِّناتِ الآیة 159 إِنَّما حَرَّمَ عَلَیْكُمُ الْمَیْتَةَ وَ الدَّمَ وَ لَحْمَ الْخِنْزِیرِ وَ ما أُهِلَّ بِهِ لِغَیْرِ اللَّهِ 173 فهذه منسوخة بالاستثناء كلها لأن اللّه تعالی حرم جمیع ذلك ثم أباحها للمضطر بقوله فَمَنِ اضْطُرَّ غَیْرَ باغٍ وَ لا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَیْهِ 173 یعنی فی أكلها فصار حكم من اضطر منسوخا و فی غیر المضطر محكما كذلك الكلام فی نظائر هذه الآیة وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّی یَبْلُغَ الْهَدْیُ مَحِلَّهُ 196 وَ لا یَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَیْتُمُوهُنَّ شَیْئاً 229 وَ الْوالِداتُ یُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَیْنِ كامِلَیْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ یُتِمَّ الرَّضاعَةَ 233 و فی آل عمران ثلاث آیات متوالیات .. أولها قوله تعالی كَیْفَ یَهْدِی اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِیمانِهِمْ 86 الی وَ لا هُمْ یُنْظَرُونَ 88 و فی النساء:
إِنَّ الْمُنافِقِینَ فِی الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ 145 وَ لَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِیراً 145 لا یَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً وَ لا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَیْتُمُوهُنَ 19 و فی المائدة:
إِنَّما جَزاءُ الَّذِینَ یُحارِبُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ 33 و فی النحل:
مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِیمانِهِ 106 و فی مریم:
فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ 59 الی قوله وَ إِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها الآیة 71
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 276
و فی النور:
وَ لا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَ أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ 4 و فی الفرقان ثلاث آیات أولها:
وَ الَّذِینَ لا یَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ 68 الی قوله مُهاناً 69 و فی الشعراء:
وَ الشُّعَراءُ یَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ 224 و فی العصر:
وَ الْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِی خُسْرٍ 2 فهذه جملتها.
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 277

باب بیان ما فی الآیات المنسوخة علی النظم‌

و هی مائة موضع و موضعین .. من ذلك فی سورة البقرة فی اثنین و عشرین موضعا منسوخا .. منها:
فی سورة البقرة:
وَ مِمَّا رَزَقْناهُمْ یُنْفِقُونَ 3 قال حتی ما فضل عن هذه كُتِبَ عَلَیْكُمْ إِذا حَضَرَ 180 و الزكاة ناسخة لقوله تعالی خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً التوبة 103 إِنَّ الَّذِینَ آمَنُوا وَ الَّذِینَ هادُوا 62 نسخه وَ مَنْ یَبْتَغِ غَیْرَ الْإِسْلامِ دِیناً فَلَنْ یُقْبَلَ مِنْهُ آل عمران 85 .. و قال مجاهد و الضحاك هی محكمة فعلی قولهما معنی الآیة إِنَّ الَّذِینَ آمَنُوا وَ الَّذِینَ هادُوا 62 فَأَیْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ 115 نسخه فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ 144 الآیة الی قوله فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ 144 فَمَنْ حَجَّ الْبَیْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَیْهِ أَنْ یَطَّوَّفَ بِهِما 158 نسخه وَ مَنْ یَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِیمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ 130 كُتِبَ عَلَیْكُمُ الْقِصاصُ فِی الْقَتْلی الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَ الْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَ الْأُنْثی بِالْأُنْثی 178 نسخ منه بالسنة بقوله علیه الصلاة و السلام لا یقتل الوالد بولده فعند عكرمة و عطیة نسخ بقوله تعالی وَ كَتَبْنا عَلَیْهِمْ فِیها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ المائدة 45 و عند الآخرین نسخ بقوله:
وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِیِّهِ سُلْطاناً الإسراء 33 و عند الحسن و طاوس و قتادة و العلاء و مسلّم بن یسار أنها محكمة.
یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَیْكُمُ الصِّیامُ كَما كُتِبَ عَلَی الَّذِینَ مِنْ قَبْلِكُمْ 183
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 278
نسخ بآیتین:
شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِی أُنْزِلَ فِیهِ الْقُرْآنُ هُدیً لِلنَّاسِ الآیة 185 أُحِلَّ لَكُمْ لَیْلَةَ الصِّیامِ الرَّفَثُ إِلی نِسائِكُمْ الآیة 187 وَ عَلَی الَّذِینَ یُطِیقُونَهُ فِدْیَةٌ طَعامُ مِسْكِینٍ 184 الی قوله:
فَهُوَ خَیْرٌ لَهُ 184 نسخه فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْیَصُمْهُ 185 وَ لا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا یُحِبُّ الْمُعْتَدِینَ 190 نسخه فَمَنِ اعْتَدی عَلَیْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَیْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدی عَلَیْكُمْ 194 یَسْئَلُونَكَ ما ذا یُنْفِقُونَ قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَیْرٍ فَلِلْوالِدَیْنِ وَ الْأَقْرَبِینَ وَ الْیَتامی وَ الْمَساكِینِ 215 نسخه یُوصِیكُمُ اللَّهُ فِی أَوْلادِكُمْ النساء 11 یَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَ الْمَیْسِرِ قُلْ فِیهِما إِثْمٌ كَبِیرٌ وَ مَنافِعُ لِلنَّاسِ 219 نسخه رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّیْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ المائدة 90 الی قوله:
فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ المائدة 91 و نسخه أیضا:
قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّیَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَ ما بَطَنَ وَ الْإِثْمَ وَ الْبَغْیَ الأعراف 33- و الإثم- هاهنا الخمر، قال الشاعر:
شربت الخمر حتی ضل عقلی‌كذاك الإثم یذهب بالعقول و قال آخر:
نشرب الإثم بالصواع جهارافتری المسك بیننا مستعارا وَ یَسْئَلُونَكَ ما ذا یُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ البقرة 219 و معنی العفو هاهنا العقل خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ التوبة 103 فكان هذه الزكاة الأولی ثم نسخها قوله تعالی:
خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً التوبة 103 وَ لا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّی یُؤْمِنَ البقرة 221
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 279
نسخ بعض حكمها قوله تعالی:
وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِینَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ المائدة 5 وَ بُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِی ذلِكَ البقرة 228 نسخه الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِیحٌ بِإِحْسانٍ البقرة 229 و قیل نسخه فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّی تَنْكِحَ زَوْجاً غَیْرَهُ البقرة 230 وَ الَّذِینَ یُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَ یَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِیَّةً لِأَزْواجِهِمْ البقرة 240 نسخه وَ لَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ النساء 12 مَتاعاً إِلَی الْحَوْلِ غَیْرَ إِخْراجٍ البقرة 240 نسخه وَ الَّذِینَ یُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَ یَذَرُونَ أَزْواجاً یَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَ عَشْراً البقرة 234 وَ أَشْهِدُوا إِذا تَبایَعْتُمْ البقرة 282 مختلف فیه فقال النخعی و الشعبی الأمر بالشهادة محكم و قال بعضهم منسوخ بقوله تعالی فی البقرة:
فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْیُؤَدِّ الَّذِی اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ 283 و منسوخ وَ إِنْ تُبْدُوا ما فِی أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ یُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ 284 لا غیر نسخه قوله:
لا یُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها 286 و فی آل عمران:
یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَ لا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ 102 نسخه فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ التغابن 16
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 280
وَ لِلَّهِ عَلَی النَّاسِ حِجُّ الْبَیْتِ 97 نسخ العموم مَنِ اسْتَطاعَ إِلَیْهِ سَبِیلًا 97 وَ مَنْ یُرِدْ ثَوابَ الدُّنْیا نُؤْتِهِ مِنْها 145 نسخه مَنْ كانَ یُرِیدُ الْعاجِلَةَ الإسراء 18 و فی النساء فی ثلاثة عشر موضعا للرجال و فی النساء:
نَصِیبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ 7 وَ قُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفاً 5 و هی ثلاث آیات نسخها آیة المواریث یُوصِیكُمُ اللَّهُ فِی أَوْلادِكُمْ 11 وَ لْیَخْشَ الَّذِینَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ 9 نسخها فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ البقرة 182 وَ اللَّاتِی یَأْتِینَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ 15 نسخها الزَّانِیَةُ وَ الزَّانِی فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ النور 2 إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَی اللَّهِ لِلَّذِینَ یَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ النساء 17 الآیة المنسوخ منها هو الحكم فی أهل الشرك لا غیر فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِیضَةً النساء 24 نسخها آیة الطلاق و المواریث و العدة و ان هذه المتعة التی حرمت نسخها وَ الَّذِینَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ المؤمنون 5 وَ الَّذِینَ عَقَدَتْ أَیْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِیبَهُمْ النساء 33 نسخه وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلی بِبَعْضٍ الأنفال 75 و نسخه أیضا آیة المواریث
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 281
وَ لَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ النساء 64 الآیة نسخها وَ ما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِیَنْفِرُوا كَافَّةً التوبة 122 فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِیرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ النساء 92 نسخها بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ التوبة 1 وَ مَنْ یَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ النساء 93 نسخها إِنَّ اللَّهَ لا یَغْفِرُ أَنْ یُشْرَكَ بِهِ وَ یَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ یَشاءُ النساء 48 و اللّه أعلم .. و عند ابن عباس و ابن عمر انها محكمة. و فی المائدة فی خمسة مواضع:
فی المائدة فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَیْنَهُمْ 42 نسخ التخییر من الآیة بقوله:
وَ أَنِ احْكُمْ بَیْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ 49 و به قال الأكثرون .. و قال الحسن و الشعبی و النخعی التخییر محكم یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا عَلَیْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا یَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَ 105 نسخ بقوله إِذَا اهْتَدَیْتُمْ 105 و ذلك قول من قال إنما الهدی هاهنا الأمر بالمعروف و النهی عن المنكر یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا شَهادَةُ بَیْنِكُمْ 106 دلت الآیة علی جواز شهادة أهل الذمة فی السفر و كذلك الآیة التی بعدها نسخها وَ أَشْهِدُوا ذَوَیْ عَدْلٍ مِنْكُمْ الطلاق 2 ذلِكَ أَدْنی أَنْ یَأْتُوا بِالشَّهادَةِ عَلی وَجْهِها المائدة 108 الی قوله بَعْدَ إِیمانِهِمْ آل عمران 86 نسخه شهادة أهل الإسلام. و فی الأنعام و فی المؤمنین آیتان
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 282
إِنْ عَصَیْتُ رَبِّی عَذابَ یَوْمٍ عَظِیمٍ الأنعام 15 نسخه لِیَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَ ما تَأَخَّرَ الفتح 2 وَ لا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ یُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَیْهِ وَ إِنَّهُ لَفِسْقٌ الأنعام 121 نسخه الْیَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّیِّباتُ المائدة 5 من الذبائح. و فی الأنفال فی خمسة مواضع یَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَ الرَّسُولِ الأنفال 1 نسخه آیتان احداهما وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَیْ‌ءٍ الأنفال 41 الآیة و الثانیة ما أَفاءَ اللَّهُ عَلی رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُری الحشر 7 وَ ما كانَ اللَّهُ لِیُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِیهِمْ الأنفال 33 نسخه وَ ما لَهُمْ أَلَّا یُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ الأنفال 34 قُلْ لِلَّذِینَ كَفَرُوا إِنْ یَنْتَهُوا یُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ الأنفال 38 نسخه وَ قاتِلُوهُمْ حَتَّی لا تَكُونَ فِتْنَةٌ البقرة 193 إِنْ یَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ یَغْلِبُوا مِائَتَیْنِ الأنفال 65 نسخها الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَ عَلِمَ أَنَّ فِیكُمْ ضَعْفاً الأنفال 66 وَ الَّذِینَ آمَنُوا وَ لَمْ یُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلایَتِهِمْ مِنْ شَیْ‌ءٍ حَتَّی یُهاجِرُوا الأنفال 72 فكانوا یتوارثون بالهجرة دون النسب نسخه وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلی بِبَعْضٍ الأنفال 75 و فی التوبة فی ستة مواضع وَ الَّذِینَ یَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَ الْفِضَّةَ 34 الآیة نسخها الزكاة الواجبة إِلَّا تَنْفِرُوا یُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِیماً 39
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 283
نسخها وَ ما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِیَنْفِرُوا كَافَّةً 122 و نسخه أیضا فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ 122 عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ 43 نسخها فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ النور 62 الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَ نِفاقاً 97 الی قوله عَلِیمٌ 98 و هما آیتان نسختهما الآیة التی بینهما و هی قوله تعالی وَ مِنَ الْأَعْرابِ مَنْ یُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَ الْیَوْمِ الْآخِرِ 99 و فی هود:
مَنْ كانَ یُرِیدُ الْحَیاةَ الدُّنْیا 15 الآیة نسختها مَنْ كانَ یُرِیدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِیها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِیدُ الإسراء 18 و فی الرعد:
وَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلی ظُلْمِهِمْ 6 نسخه إِنَّ اللَّهَ لا یَغْفِرُ أَنْ یُشْرَكَ بِهِ النساء 48 و ذلك علی قول من قال إن الظلم هاهنا الشرك.
و فی إبراهیم:
إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ 34 و هو قول عبد الرحمن بن أسلّم و قال غیره هو محكم.
و فی النحل:
وَ مِنْ ثَمَراتِ النَّخِیلِ وَ الْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَ رِزْقاً حَسَناً 67 نسخه إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَیْسِرُ وَ الْأَنْصابُ وَ الْأَزْلامُ رِجْسٌ المائدة 90 و فی سبحان فی موضعین وَ قُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّیانِی صَغِیراً الإسراء 24 نسخ بعض حكمها فی المشركین قوله تعالی ما كانَ لِلنَّبِیِّ وَ الَّذِینَ آمَنُوا أَنْ یَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِینَ وَ لَوْ كانُوا أُولِی قُرْبی 113
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 284
وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَ لا تُخافِتْ بِها وَ ابْتَغِ بَیْنَ ذلِكَ سَبِیلًا الإسراء 110 نسخه وَ اذْكُرْ رَبَّكَ فِی نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَ خِیفَةً وَ دُونَ الْجَهْرِ الأعراف 205 الآیة و هو قول ابن عباس و فی الكهف:
فَمَنْ شاءَ فَلْیُؤْمِنْ وَ مَنْ شاءَ فَلْیَكْفُرْ 29 نسخه وَ ما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ یَشاءَ اللَّهُ الإنسان 30 و هو قول السدی و قتادة و قال غیرهما هو محكم.
و فی طه:
وَ لا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ یُقْضی إِلَیْكَ وَحْیُهُ 114 نسخه سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسی الأعلی 6 و فی الأنبیاء ثلاث آیات متوالیات أولها:
إِنَّكُمْ وَ ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ 98 الی آخر الثلاث نسخها الآیات المتوالیات المتصلات بها أولها إِنَّ الَّذِینَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنی 101 الی قوله تُوعَدُونَ 103 و المنسوخ منها العموم فقط و فی الحج:
وَ جاهِدُوا فِی اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ 78 نسخه فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ التغابن 16 و فی النور فی ستة مواضع:
الزَّانِی لا یَنْكِحُ إِلَّا زانِیَةً أَوْ مُشْرِكَةً 3 و هذا خبر معناه النهی یعنی لا تنكحوا زانیة و لا مشركة نسخه وَ أَنْكِحُوا الْأَیامی مِنْكُمْ 32 وَ الَّذِینَ یَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ 4 نسخ بعض حكمها آیة اللعان و هی قوله تعالی وَ الَّذِینَ یَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ 6
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 285
الی قوله وَ الْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَیْها إِنْ كانَ مِنَ الصَّادِقِینَ 9 یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُیُوتاً غَیْرَ بُیُوتِكُمْ حَتَّی تَسْتَأْنِسُوا 27 نسخ بعض حكمها لَیْسَ عَلَیْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُیُوتاً غَیْرَ مَسْكُونَةٍ 29 وَ قُلْ لِلْمُؤْمِناتِ یَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَ 31 نسخ بعض حكمها وَ الْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللَّاتِی لا یَرْجُونَ نِكاحاً 60 یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لِیَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِینَ مَلَكَتْ أَیْمانُكُمْ 58 نسخها وَ إِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْیَسْتَأْذِنُوا 59 و فی الأحزاب:
لا یَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ 52 إِلَّا ما مَلَكَتْ یَمِینُكَ 52 نسخته الآیة التی قبلها و هی قوله تعالی یا أَیُّهَا النَّبِیُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللَّاتِی آتَیْتَ أُجُورَهُنَ 50 و فی حم عسق فی سبعة مواضع:
وَ یَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِی الْأَرْضِ 5 نسخه وَ یَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِینَ آمَنُوا غافر 7 وَ مَنْ كانَ یُرِیدُ حَرْثَ الدُّنْیا نُؤْتِهِ مِنْها 20 نسخه مَنْ كانَ یُرِیدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِیها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِیدُ الإسراء 18 وَ الَّذِینَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْیُ هُمْ یَنْتَصِرُونَ 39 الی قوله الظَّالِمِینَ 40 نسخه وَ لَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ 41 و التی یلیها الی أَلِیمٌ 42 قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَیْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبی 23 نسخه قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ سبإ 47 الآیة و فی نسخه اختلاف.
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 286
و فی الأحقاف:
وَ ما أَدْرِی ما یُفْعَلُ بِی وَ لا بِكُمْ 9 نسخه لِیَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَ ما تَأَخَّرَ الفتح 2 و فی سورة محمد صلّی اللّه علیه و سلّم:
فَإِذا لَقِیتُمُ الَّذِینَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ 4 نسخه إِذْ یُوحِی رَبُّكَ إِلَی الْمَلائِكَةِ أَنِّی مَعَكُمْ الأنفال 12 وَ لا یَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ 36 نسخه إِنْ یَسْئَلْكُمُوها 37 و فی الذاریات:
فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ: 54 نسخه وَ ذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْری تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِینَ 55 وَ فِی أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَ الْمَحْرُومِ 19 الآیة و آیة السیف أشبه بنسخها.
و فی النجم:
وَ أَنْ لَیْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعی 39 نسخه وَ الَّذِینَ آمَنُوا وَ اتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّیَّتُهُمْ الطور 21 و فی الواقعة:
ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِینَ وَ قَلِیلٌ مِنَ الْآخِرِینَ 13 نسخه ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِینَ وَ ثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِینَ 40 و فی نسخه اختلاف و فی المجادلة:
یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِذا ناجَیْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَیْنَ یَدَیْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً 12 و فی الممتحنة:
لا یَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِینَ لَمْ یُقاتِلُوكُمْ فِی الدِّینِ 8 نسخها إِنَّما یَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِینَ قاتَلُوكُمْ فِی الدِّینِ 9 وَ سْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ 10 نسخه بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ التوبة 1
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 287
و فی المزمل فی ستة مواضع قُمِ اللَّیْلَ إِلَّا قَلِیلًا نِصْفَهُ 2 نسخه أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِیلًا أَوْ زِدْ عَلَیْهِ 3 وَ رَتِّلِ الْقُرْآنَ 4 نسخه ما أَنْزَلْنا عَلَیْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقی طه 2 وَ رَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِیلًا 4 الی قوله قِیلًا 6 و هی ثلاث آیات متوالیات نسخها إِنَّ رَبَّكَ یَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنی مِنْ ثُلُثَیِ اللَّیْلِ وَ نِصْفَهُ 20 و فی المدثر:
فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ 55 نسخه وَ ما یَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ یَشاءَ اللَّهُ 56 و فی القیامة:
لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ 16 نسخه سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسی الأعلی 6 و فی عبس:
فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ 12 نسخه وَ ما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ یَشاءَ اللَّهُ الإنسان 30 و فی التكویر:
لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ یَسْتَقِیمَ 28 نسخه وَ ما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ یَشاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِینَ 29 فهذه جملة المواضع المنسوخة مائتان و ستة و أربعون موضعا و اللّه أعلم و جملة المواضع النواسخ سبعة و سبعون موضعا و اللّه أعلم.
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 288

باب بیان السور علی النظم‌

السورة/ مواضع الناسخ/ مواضع المنسوخ فاتحة الكتاب/ محكمة البقرة/ فیها سبعة عشر موضعا/ فیها أربعة و ثلاثون موضعا آل عمران/ فیها موضعان/ فیها عشرة مواضع النساء/ فیها ثمانیة مواضع/ فیها اثنان و عشرون موضعا المائدة/ فیها سبعة مواضع/ فیها تسعة مواضع الأنعام/ لا ناسخ فیها/ فیها ثلاثة عشر موضعا الأعراف/ فیها موضع/ فیها ثلاثة مواضع الأنفال/ فیها خمسة مواضع/ فیها ستة مواضع التوبة/ فیها تسعة مواضع/ النسوخ فیها یونس/ لا ناسخ فیها/ فیها سبعة مواضع هود/ لا ناسخ فیها/ فیها أربعة مواضع یوسف/ محكمة الرعد/ لا ناسخ فیها/ فیها موضعان إبراهیم/ لا ناسخ فیها/ فیها موضع الحجر/ لا ناسخ فیها/ فیها خمسة مواضع النخل/ فیها موضعان/ فیها خمسة مواضع بنی إسرائیل/ فیها موضعان/ فیها ثلاثة مواضع الكهف/ لا ناسخ فیها/ فیها موضع مریم/ فیها موضعان/ فیها خمسة مواضع طه/ فیها موضع/ فیها ثلاثة مواضع الأنبیاء/ فیها ثلاثة مواضع/ فیها ثلاثة مواضع الحج/ فیها موضع/ فیها ثلاثة مواضع المؤمنون/ فیها موضع/ فیها ثمانیة مواضع
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 289
السورة/ مواضع الناسخ/ مواضع المنسوخ النور/ فیها أحد عشر موضعا/ فیها ثمانیة مواضع الفرقان/ فیها موضع/ فیها أربعة مواضع الشعراء/ فیها موضع/ فیها ثلاثة مواضع النمل/ لا ناسخ فیها/ فیها موضع القصص العنكبوت/ لا ناسخ فیها/ فیها موضعان الروم/ لا ناسخ فیها/ فیها موضعان لقمان/ لا ناسخ فیها/ فیها موضع الم السجدة/ لا ناسخ فیها/ فیها موضع الأحزاب/ فیها موضع/ فیها موضعان سبإ/ فیها موضع/ فیها موضع فاطر/ لا ناسخ فیها/ فیها موضع یس/ لا ناسخ فیها/ فیها موضع الصافات/ لا ناسخ فیها/ فیها موضعان ص/ لا ناسخ فیها/ فیها موضعان الزمر/ لا ناسخ فیها/ فیها أربعة مواضع المؤمن/ فیها موضع/ فیها موضعان السجدة/ لا ناسخ فیها/ فیها موضع حم عسق/ فیها موضع/ فیها اثنی عشر موضعا الزخرف/ لا ناسخ فیها/ فیها ثلاثة مواضع الدخان/ لا ناسخ فیها/ فیها موضعان الجاثیة/ لا ناسخ فیها/ فیها موضع الأحقاف/ لا ناسخ فیها/ فیها موضعان محمد صلّی اللّه علیه و سلّم/ فیها موضع/ لا منسوخ فیها الفتح/ فیها موضع/ لا منسوخ فیها الحجرات/ لا ناسخ فیها/ فیها موضعان ق
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 290
السورة/ مواضع الناسخ/ مواضع المنسوخ الذاریات/ فیها موضع/ فیها أربعة مواضع الطور النجم/ لا ناسخ فیها/ فیها موضعان القمر/ لا ناسخ فیها/ فیها موضع سورة الرحمن/ محكمة/- الواقعة/ فیها موضع/ فیها موضع الحدید/ محكمة/- المجادلة/ فیها موضع/ فیها موضع الحشر/ فیها موضع/ لا منسوخ فیها الممتحنة/ فیها موضع/ فیها ثلاثة مواضع الصف/ محكمة/- الجمعة/ محكمة/- المنافقون/ فیها موضع/ لا منسوخ فیها التغابن/ فیها موضع/ لا منسوخ فیها الطلاق/ فیها موضع/ لا منسوخ فیها التحریم/ لا ناسخ فیها/ فیها موضعان الملك/ لا ناسخ فیها/ فیها موضعان القلم الحاقة/ محكمة/- المعارج/ لا ناسخ فیها/ فیها موضعان نوح/ محكمة/- الجن/ محكمة/- المزمل/ فیها موضعان/ فیها تسعة مواضع المدثر/ فیها موضع/ فیها موضعان القیامة/ لا ناسخ فیها/ فیها موضع الإنسان/ لا ناسخ فیها/ فیها موضعان المرسلات/ محكمة/-
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 291
السورة/ مواضع الناسخ/ مواضع المنسوخ النبإ/ محكمة/- النازعات/ محكمة/- عبس/ فیها موضع/ فیها موضع التكویر/ فیها موضع/ فیها موضع الانفطار/ محكمة/- المطففون/ محكمة/- الانشقاق/ محكمة/- البروج/ محكمة/- الطارق/ لا ناسخ فیها/ فیها موضع الأعلی/ فیها موضع/ لا منسوخ فیها الغاشیة/ لا ناسخ فیها/ فیها موضع الفجر/ محكمة البلد/ محكمة الشمس/ محكمة اللیل/ محكمة الضحی/ محكمة أ لم نشرح/ محكمة التین/ محكمة العلق/ محكمة القدر/ محكمة البینة/ محكمة الزلزلة/ محكمة العادیات/ محكمة القارعة/ محكمة التكاثر/ محكمة العصر/ فیها موضع/ فیها موضع الهمزة/ محكمة
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 292
السورة/ مواضع الناسخ/ مواضع الناسخ الفیل/ محكمة قریش/ محكمة الماعون/ محكمة الكوثر/ محكمة الكافرون/ لا ناسخ فیها/ فیها موضع النصر/ محكمة اللهب/ محكمة الإخلاص/ محكمة الفلق/ محكمة الناس/ محكمة
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 293

فهرس كتاب الناسخ و المنسوخ من وضع مصحح محمد أمین الخانجی الكتبی‌

صحیفة/ الباب/ رقم الآیة/ السورة 5/ مقدمة الكتاب و تعریف النسخ 7/ باب الترغیب فی تعلم الناسخ و المنسوخ 8/ باب اختلاف العلماء فی الذی ینسخ القرآن و السنة 10/ باب أصل النسخ و اشتقاقه 10/ باب النسخ علی كم یكون من ضرب 11/ باب الفرق بین النسخ و البداء 12/ باب ذكر بعض الأحادیث فی الناسخ و المنسوخ 15/ باب السور التی یذكر فیها الناسخ و المنسوخ 16/ قوله تعالی وَ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَ الْمَغْرِبُ فَأَیْنَما تُوَلُّوا/ (115)/ البقرة 17/ قوله تعالی قَدْ نَری تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِی السَّماءِ/ (114)/ البقرة 18/ قوله تعالی حافِظُوا عَلَی الصَّلَواتِ وَ الصَّلاةِ/ (238)/ البقرة 18/ قوله تعالی كُتِبَ عَلَیْكُمُ الْقِصاصُ فِی الْقَتْلی/ (178)/ البقرة 20/ قوله تعالی كُتِبَ عَلَیْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ/ (180)/ البقرة 21/ قوله تعالی كُتِبَ عَلَیْكُمُ الصِّیامُ كَما كُتِبَ/ (183)/ البقرة 23/ قوله تعالی وَ عَلَی الَّذِینَ یُطِیقُونَهُ فِدْیَةٌ/ (184)/ البقرة 24/ قوله تعالی أُحِلَّ لَكُمْ لَیْلَةَ الصِّیامِ الرَّفَثُ/ (187)/ البقرة 25/ قوله تعالی وَ قُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً/ (083)/ البقرة 26/ قوله تعالی یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا/ (104)/ البقرة 27/ قوله تعالی وَدَّ كَثِیرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ یَرُدُّونَكُمْ/ (109)/ البقرة 27/ قوله تعالی وَ قاتِلُوا فِی سَبِیلِ اللَّهِ الَّذِینَ یُقاتِلُونَكُمْ/ (190)/ البقرة 28/ قوله تعالی وَ لا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ/ (191)/ البقرة 29/ قوله تعالی الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ/ (194)/ البقرة
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 294
صحیفة/ الباب/ رقم الآیة/ السورة 31/ قوله تعالی كُتِبَ عَلَیْكُمُ الْقِتالُ وَ هُوَ كُرْهٌ لَكُمْ/ (216)/ البقرة 32/ قوله تعالی یَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ/ (217)/ البقرة 34/ قوله تعالی وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ/ (196)/ البقرة 39/ قوله تعالی یَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَ الْمَیْسِرِ/ (219)/ البقرة 52/ قوله تعالی وَ یَسْئَلُونَكَ ما ذا یُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ/ (219)/ البقرة 54/ قوله تعالی وَ لا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّی یُؤْمِنَ/ (221)/ البقرة 57/ قوله تعالی وَ یَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِیضِ/ (222)/ البقرة 60/ قوله تعالی وَ الْمُطَلَّقاتُ یَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَ/ (228)/ البقرة 64/ قوله تعالی الطَّلاقُ مَرَّتانِ/ (229)/ البقرة 68/ قوله تعالی وَ عَلَی الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ/ (233)/ البقرة 69/ قوله تعالی وَ الَّذِینَ یُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَ یَذَرُونَ أَزْواجاً/ (240)/ البقرة 74/ قوله تعالی لا جُناحَ عَلَیْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ/ (236)/ البقرة 76/ قوله تعالی لا إِكْراهَ فِی الدِّینِ/ (256)/ البقرة 77/ قوله تعالی وَ إِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلی مَیْسَرَةٍ/ (280)/ البقرة 79/ قوله تعالی یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِذا تَدایَنْتُمْ/ (282)/ البقرة 81/ قوله تعالی وَ إِنْ تُبْدُوا ما فِی أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ/ (284)/ البقرة 84/ قوله تعالی قالَ آیَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ/ (041)/ آل عمران 84/ قوله تعالی یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ/ (102)/ آل عمران 85/ قوله تعالی لَیْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَیْ‌ءٌ أَوْ یَتُوبَ عَلَیْهِمْ/ (128)/ آل عمران 88/ قوله تعالی وَ إِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِی الْیَتامی/ (003)/ النساء 89/ قوله تعالی وَ مَنْ كانَ غَنِیًّا فَلْیَسْتَعْفِفْ/ (006)/ النساء 91/ قوله تعالی وَ إِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبی/ (008)/ النساء 93/ قوله تعالی وَ اللَّاتِی یَأْتِینَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ/ (015)/ النساء 96/ قوله تعالی وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ/ (024)/ النساء 101/ قوله تعالی وَ الَّذِینَ عَقَدَتْ أَیْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِیبَهُمْ/ (033)/ النساء 103/ قوله تعالی یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَ أَنْتُمْ سُكاری/ (043)/ النساء 104/ قوله تعالی إِلَّا الَّذِینَ یَصِلُونَ إِلی قَوْمٍ بَیْنَكُمْ وَ بَیْنَهُمْ مِیثاقٌ/ (090)/ النساء
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 295
صحیفة/ الباب/ رقم الآیة/ السورة 105/ قوله تعالی وَ مَنْ یَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ/ (093)/ النساء 108/ قوله تعالی وَ إِذا ضَرَبْتُمْ فِی الْأَرْضِ فَلَیْسَ عَلَیْكُمْ جُناحٌ/ (101)/ النساء 111/ قوله تعالی یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ/ (002)/ المائدة 112/ قوله تعالی الْیَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّیِّباتُ وَ طَعامُ الَّذِینَ أُوتُوا/ (005)/ المائدة 114/ قوله تعالی یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَی الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا/ (006)/ المائدة 118/ قوله تعالی فَاعْفُ عَنْهُمْ وَ اصْفَحْ/ (013)/ المائدة 118/ قوله تعالی إِنَّما جَزاءُ الَّذِینَ یُحارِبُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ/ (033)/ المائدة 123/ قوله تعالی فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَیْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ/ (042)/ المائدة 125/ قوله تعالی یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا شَهادَةُ بَیْنِكُمْ إِذا حَضَرَ/ (106)/ المائدة 131/ قوله تعالی لَسْتُ عَلَیْكُمْ بِوَكِیلٍ/ (066)/ الأنعام 131/ قوله تعالی وَ ما عَلَی الَّذِینَ یَتَّقُونَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَیْ‌ءٍ/ (069)/ الأنعام 132/ قوله تعالی وَ ذَرِ الَّذِینَ اتَّخَذُوا دِینَهُمْ لَعِباً وَ لَهْواً/ (070)/ الأنعام 132/ قوله تعالی وَ هُوَ الَّذِی أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ/ (141)/ الأنعام 136/ قوله تعالی قُلْ لا أَجِدُ فِی ما أُوحِیَ إِلَیَّ مُحَرَّماً عَلی طاعِمٍ/ (145)/ الأنعام 142/ قوله تعالی وَ أَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِینَ/ (106)/ الأنعام 142/ قوله تعالی إِنَّ الَّذِینَ فَرَّقُوا دِینَهُمْ وَ كانُوا شِیَعاً/ (159)/ الأنعام 142/ قوله تعالی خُذِ الْعَفْوَ وَ أْمُرْ بِالْعُرْفِ/ (199)/ الأعراف 143/ قوله تعالی یَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ/ (001)/ الأنفال 145/ قوله تعالی وَ مَنْ یُوَلِّهِمْ یَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ/ (016)/ الأنفال 147/ قوله تعالی وَ ما كانَ اللَّهُ لِیُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِیهِمْ/ (033)/ الأنفال 148/ قوله تعالی وَ إِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها/ (061)/ الأنفال 149/ قوله تعالی یا أَیُّهَا النَّبِیُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَی الْقِتالِ/ (065)/ الأنفال (150)/ قوله تعالی ما كانَ لِنَبِیٍّ أَنْ یَكُونَ لَهُ أَسْری حَتَّی/ (067)/ الأنفال 150/ قوله تعالی فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالًا طَیِّباً/ (069)/ الأنفال 151/ قوله تعالی وَ الَّذِینَ آمَنُوا وَ لَمْ یُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلایَتِهِمْ/ (072)/ الأنفال 154/ قوله تعالی بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ إِلَی الَّذِینَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِینَ/ (001)/ براءة 157/ قوله تعالی فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِینَ/ (005)/ براءة
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 296
صحیفة/ الباب/ رقم الآیة/ السورة 158/ قوله تعالی إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا یَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ/ (028)/ براءة 159/ قوله تعالی قاتِلُوا الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ لا بِالْیَوْمِ الْآخِرِ/ (029)/ براءة 160/ قوله تعالی إِلَّا تَنْفِرُوا یُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِیماً/ (039)/ براءة 161/ قوله تعالی عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ/ (043)/ براءة 162/ قوله تعالی إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَ الْمَساكِینِ/ (060)/ براءة 167/ قوله تعالی اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ/ (080)/ براءة 169/ قوله تعالی ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِینَةِ وَ مَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ یَتَخَلَّفُوا/ (120)/ براءة 170/ قوله تعالی وَ اصْبِرْ حَتَّی یَحْكُمَ اللَّهُ وَ هُوَ خَیْرُ الْحاكِمِینَ/ (109)/ یونس 171/ قوله تعالی مَنْ كانَ یُرِیدُ الْحَیاةَ الدُّنْیا وَ زِینَتَها/ (015)/ هود 172/ قوله تعالی تَوَفَّنِی مُسْلِماً وَ أَلْحِقْنِی بِالصَّالِحِینَ/ (101)/ یوسف 173/ قوله تعالی وَ لا یَزالُ الَّذِینَ كَفَرُوا تُصِیبُهُمْ بِما صَنَعُوا/ (031)/ الرعد 174/ قوله تعالی أَ لَمْ تَرَ إِلَی الَّذِینَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً/ (028)/ إبراهیم 175/ قوله تعالی فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِیلَ/ (085)/ الحجر 176/ قوله تعالی وَ مِنْ ثَمَراتِ النَّخِیلِ وَ الْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ/ (067)/ النحل 177/ قوله تعالی وَ جادِلْهُمْ بِالَّتِی هِیَ أَحْسَنُ/ (125)/ النحل 178/ قوله تعالی إِمَّا یَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما/ (023)/ بنی إسرائیل 180/ قوله تعالی وَ لا تَقْرَبُوا مالَ الْیَتِیمِ إِلَّا بِالَّتِی هِیَ أَحْسَنُ/ (034)/ بنی إسرائیل 180/ قوله تعالی وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَ لا تُخافِتْ بِها/ (110)/ بنی إسرائیل 182/ قوله تعالی وَ داوُدَ وَ سُلَیْمانَ إِذْ یَحْكُمانِ فِی الْحَرْثِ/ (078)/ الأنبیاء 184/ قوله تعالی فَكُلُوا مِنْها وَ أَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِیرَ/ (028)/ الحج 186/ قوله تعالی أُذِنَ لِلَّذِینَ یُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا/ (039)/ الحج 187/ قوله تعالی وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَ لا نَبِیٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّی/ (052)/ الحج 189/ قوله تعالی وَ جاهِدُوا فِی اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ/ (078)/ الحج 190/ قوله تعالی الَّذِینَ هُمْ فِی صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ/ (002)/ المؤمنین 191/ قوله تعالی الزَّانِی لا یَنْكِحُ إِلَّا زانِیَةً أَوْ مُشْرِكَةً/ (003)/ النور 193/ قوله تعالی یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُیُوتاً/ (027)/ النور
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 297
صحیفة/ الباب/ رقم الآیة/ السورة 195/ قوله تعالی یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لِیَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِینَ مَلَكَتْ أَیْمانُكُمْ/ (058)/ النور 197/ قوله تعالی لَیْسَ عَلَی الْأَعْمی حَرَجٌ وَ لا عَلَی الْأَعْرَجِ حَرَجٌ/ (061)/ النور 200/ قوله تعالی وَ إِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً/ (063)/ الفرقان 201/ قوله تعالی وَ الشُّعَراءُ یَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ أَ لَمْ تَرَ أَنَّهُمْ/ (224)/ الشعراء 203/ قوله تعالی وَ إِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ/ (055)/ القصص 204/ قوله تعالی وَ لا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِی هِیَ أَحْسَنُ/ (046)/ العنكبوت 205/ قوله تعالی فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَ انْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ/ (030)/ الم السجدة 206/ قوله تعالی ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ/ (005)/ الأحزاب 207/ قوله تعالی لا یَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَ لا أَنْ تَبَدَّلَ/ (052)/ الأحزاب 210/ قوله تعالی یا بُنَیَّ إِنِّی أَری فِی الْمَنامِ أَنِّی أَذْبَحُكَ/ (102)/ الصافات 213/ قوله تعالی اصْبِرْ عَلی ما یَقُولُونَ/ (017)/ ص 214/ قوله تعالی فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَ الْأَعْناقِ/ (033)/ ص 214/ قوله تعالی وَ خُذْ بِیَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَ لا تَحْنَثْ/ (044)/ ص 215/ قوله تعالی وَ الْمَلائِكَةُ یُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَ یَسْتَغْفِرُونَ/ (005)/ حم عسق 215/ قوله تعالی لَنا أَعْمالُنا وَ لَكُمْ أَعْمالُكُمْ لا حُجَّةَ بَیْنَنا وَ بَیْنَكُمُ/ (015)/ حم عسق 216/ قوله تعالی مَنْ كانَ یُرِیدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِی حَرْثِهِ/ (020)/ حم عسق 217/ قوله تعالی قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَیْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبی/ (023)/ حم عسق 218/ قوله تعالی وَ الَّذِینَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْیُ هُمْ یَنْتَصِرُونَ/ (39)/ حم عسق 218/ قوله تعالی فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَ قُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ یَعْلَمُونَ/ (89)/ الزخرف 219/ قوله تعالی قُلْ لِلَّذِینَ آمَنُوا یَغْفِرُوا لِلَّذِینَ لا یَرْجُونَ/ (14)/ الجاثیة 219/ قوله تعالی قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَ ما أَدْرِی/ (09)/ الأحقاف 221/ قوله تعالی فَإِذا لَقِیتُمُ الَّذِینَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ/ (04)/ محمد 223/ قوله تعالی فَلا تَهِنُوا وَ تَدْعُوا إِلَی السَّلْمِ وَ أَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ/ (35)/ محمد 224/ قوله تعالی إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِیناً لِیَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ/ (01)/ الفتح 226/ قوله تعالی فَاصْبِرْ عَلی ما یَقُولُونَ وَ سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ/ (39)/ ق 227/ قوله تعالی وَ فِی أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَ الْمَحْرُومِ/ (19)/ الذاریات 228/ قوله تعالی فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ/ (54)/ الذاریات
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 298
صحیفة/ الباب/ رقم الآیة/ السورة 228/ قوله تعالی وَ سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِینَ تَقُومُ/ (48)/ الطور 229/ قوله تعالی وَ أَنْ لَیْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعی/ (39)/ النجم 233/ قوله تعالی وَ الَّذِینَ یُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ/ (03)/ المجادلة 233 قوله تعالی یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِذا ناجَیْتُمُ الرَّسُولَ/ (12)/ المجادلة 234/ قوله تعالی ما أَفاءَ اللَّهُ عَلی رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُری/ (07)/ الحشر 237/ قوله تعالی لا یَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِینَ لَمْ یُقاتِلُوكُمْ فِی الدِّینِ/ (08)/ الممتحنة 239/ قوله تعالی یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ/ (10)/ الممتحنة 249/ قوله تعالی وَ إِنْ فاتَكُمْ شَیْ‌ءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَی الْكُفَّارِ فَعاقَبْتُمْ/ (11)/ الممتحنة 250/ قوله تعالی یا أَیُّهَا النَّبِیُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ یُبایِعْنَكَ/ (12)/ الممتحنة 251/ قوله تعالی وَ أُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ یَضَعْنَ/ (04)/ الطلاق 252/ قوله تعالی فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِیلًا/ (05)/ المعارج 253/ قوله تعالی یا أَیُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّیْلَ إِلَّا قَلِیلًا/ (01)/ المزمل 254/ قوله تعالی وَ اصْبِرْ عَلی ما یَقُولُونَ وَ اهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِیلًا/ (10)/ المزمل 255/ قوله تعالی وَ مِنَ اللَّیْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَ سَبِّحْهُ لَیْلًا طَوِیلًا/ (26)/ الدهر 255/ قوله تعالی قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّی وَ ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّی/ (14)/ الأعلی 258/ قوله تعالی فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ/ (21)/ الغاشیة 259/ قوله تعالی فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ وَ إِلی رَبِّكَ فَارْغَبْ/ (07)/ الانشراح تم الفهرس الأول لكتاب الناسخ و المنسوخ (و یلیه فهرس المطالب المهمة منه)
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 299

فهرس المطالب المهمة من كتاب الناسخ و المنسوخ لأبی جعفر النحاس‌

المطلب صفحة مطلب فی الصلاة إلی البیت المقدس و متی نسخت 15 مطلب فی الصلاة الوسطی و معنی القنوت 17 مطلب فی سبب نزول آیة القصاص 18 مطلب فی الرجل یقتل امرأة و مذهب علیّ رضی اللّه عنه فی ذلك 19 مطلب فی صوم النصاری 22 مطلب إجماع العلماء علی أن المشایخ و العجائز الذین لا یطیقون الصیام لهم الإفطار 23 مطلب اختلاف العلماء فی الحبلی و المرضع إذا خافتا علی ولدیهما 24 مطلب فی سبب نزول قوله حتی یتبین لكم الخیط الأبیض من الخیط الأسود 25 مطلب أن المشركین یقاتلون فی الحرم و غیره 29 مطلب أن القصاص لا یكون إلا للسلطان 30 مطلب الإسلام ثمانیة أسهم و منه الجهاد 31 مطلب فی تعیین الأشهر الحرم 32 مطلب فی اعتمار العرب فی الجاهلیة 35 مطلب الضمیر فی قوله تعالی ثُمَّ مَحِلُّها إِلَی الْبَیْتِ الْعَتِیقِ للبدن لا للناس 35 مطلب اختلاف العلماء فی العمرة 36 مطلب اختلاف العلماء فی الاشتراط بالحج 37 مطلب اختلاف العلماء فی حجه صلّی اللّه علیه و سلّم حجة الوداع 38 مطلب فی أن الإمام إذا اختار قولا یجوز و یجوز غیره وجب أن لا یخالف 39 مطلب الخلاف الوارد عن الصحابة فی أسباب تحریم الخمر 41 مطلب فی التوفیق بین هذا الخلاف و رده لسبب واحد 42 مطلب فی حد السكران 43 مطلب فی بیان الخمر المحرمة و ما هی 43
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 300
المطلب صفحة مطلب فی الرد علی من قال بتحلیل النبیذ و بیان النبیذ الذی كانوا یشربونه 44 مطلب فی أن كل مسكر حرام و كل مسكر خمر 44 مطلب فیما قال إن الخمر لا یكون إلا من العنبة و رده 47 مطلب فیمن قال إن المحرم الشربة الأخیرة التی تسكر و رده 48 مطلب معارضة المعارضین لبعض الأحادیث و الرد علیهم 50 مطلب إجماعهم علی تحریم قلیل ما أسكر كثیره 50 مطلب فی شرب عمر رضی اللّه عنه النبیذ حین طعن و تبین ذلك النبیذ 50 مطلب فی أنه رضی اللّه عنه كان یجلد علی الرائحة 52 مطلب فی تفسیر قوله صلّی اللّه علیه و سلّم إذا رابكم من شرابكم ریب و الرد علی المحتج به 52 مطلب فی تبین حدیث السقایة و أنه لا یجوز الاحتجاج به 52 مطلب فی تفسیر المیسر 53 مطلب استطراد لتفسیر قوله تعالی وَ یَسْئَلُونَكَ عَنِ الْیَتامی الآیة 53 مطلب مذهب ابن عمر فی تحریمه نكاح الكتابیات ورد ذلك 56 مطلب مذهب أبو حنیفة فی قوله تعالی:
إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ بأن المراد بهم أهل الأوثان 56 مطلب مذهب أبو حنیفة فی نكاح إماء أهل الكتاب 57 مطلب مذهب العلماء فی نكاح الحربیات 57 مطلب تفسیر النكاح فی اللغة 57 مطلب لا یحرم من الحائض إلا الوطء فی الفرج 58 مطلب فی أن معنی یتطهروا و یغتسلوا واحد 60 مطلب اختلاف العلماء فی معنی الإقراء لغة 61 مطلب الذین قالوا الإقراء الحیض أحد عشر صحابی و ذكرهم بأسمائهم 62 مطلب بیان القائلین ذلك من التابعین و فقهاء الأمصار 63 مطلب بیان ما فی ذلك من اللغة 61 مطلب إجماع العلماء علی أن المطلقة ثلاثا إذا ولدت فقد خرجت من العدة 65 مطلب قول الحسن البصری:
لا یجوز أن یخلع الرجل امرأته إلا بإذن السلطان و الرد علیه 67
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 301
المطلب صفحة مطلب فی المنقول عن ابن عباس أنه جمع بین رجل و امرأته بعد أن طلقها تطلیقتین و خالعها و أنه من الشواذ 68 مطلب فی تبیین مذاهب الأئمة فیمن تجب علیه نفقة الصغیر 70 مطلب اختلاف الصحابة فی عدة المتوفی عنها زوجها 73 مطلب فی عدة المتوفی عنها زوجها فی الجاهلیة 74 مطلب مذهب الأئمة فی خروج المعتدة أیام عدتها 75 مطلب فی بیع الحر بما علیه من الدّین قبل الإسلام 79 مطلب مذهب ابن جریر فی وجوب من اشتری شیئا لأجل أن یكتب و یشهد 80 مطلب شهادة خزیمة بشهادة رجلین 82 مطلب فی أنه صلّی اللّه علیه و سلّم إذا أراد الدعاء علی أحد أو لأحد قلت 86 مطلب مذهب الصحابة فی مال الیتیم عند احتیاج الولیّ إلیه 89 مطلب مذهب الصحابة فی الزانی البكر و اختلافهم فی ذلك 94 مطلب فی تفسیر حدیث النهی فی أن یجمع بین الخالتین و العمتین 97 مطلب اختلاف العلماء فی الرضاعة بعد الحولین 98 مطلب فی قوله تعالی فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَ و الإجماع علی تحریم المتعة 99 مطلب فی أن الاستمتاع یطلق علی التزویج و النكاح 100 مطلب كان الرجل یعاقد الرجل علی أنهما إذا مات أحدهما ورثه الآخر 102 مطلب زعم بعض أهل اللغة أن معنی إِلَّا الَّذِینَ یَصِلُونَ أی ینتمون و الرد علیه 105 مطلب اختلاف الأئمة فی معنی قصر الصلاة حالة الخوف 108 مطلب اختلاف الصحابة فی آخر ما نزل من القرآن 110 مطلب فی ذبائح أهل الكتاب و المجوس 113 مطلب فیمن قرأ وَ أَرْجُلَكُمْ بالخفض و أن المراد به المسح و لكنه نسخ بفعله صلّی اللّه علیه و سلّم 116 مطلب فی سبب نزول قوله تعالی إِنَّما جَزاءُ الَّذِینَ یُحارِبُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ 118 مطلب اختلافهم فی تعیین المحارب للّه و رسوله و الحكم فیه 119 مطلب فی قوله تعالی وَ مَنْ لَمْ یَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ و انها و أخواتها نزلت فی الیهود 125 مطلب سبب نزول قوله تعالی یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا شَهادَةُ بَیْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ 128 مطلب اختلاف الأئمة فی كیفیة استحلاف شاهدی الوصیة 129
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 302
المطلب صفحة مطلب فی تفسیر قوله تعالی وَ آتُوا حَقَّهُ یَوْمَ حَصادِهِ و اختلاف العلماء فیه 131 مطلب اختلاف العلماء فی لحوم الحمر 136 مطلب فی تفسیر وَ لا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ یُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَیْهِ و اختلاف أئمة فی ذلك 138 مطلب فی اختلافهم فی قسمة السهم الخامس من الأنفال 143 مطلب فی سبب نزول آیة الأنفال 143 مطلب فی أن تألیف القرآن عن اللّه تعالی و عن رسوله و أنه لا مدخل لأحد فی ذلك 152 مطلب فی بیان الأشهر الحرم 154 مطلب فی إجلاء عمر رضی اللّه عنه أهل نجران و طعن أهل الأهواء علیه فی ذلك و الرد علیهم 155 مطلب فی حكم الأساری من المشركین 157 مطلب حكم دخول الیهود و النصاری المسجد الحرام و سائر المساجد 158 مطلب الفرق بین الفقراء و بین المساكین و فیه أحد عشر قولا 162 مطلب فی تعریف المسكین 163 مطلب اختلاف العلماء فی قسم الزكاة 164 مطلب تفسیر باقی الأصناف الثمانیة المذكورون فی آیة إنما الصدقات 165 مطلب مراجعة عمر للنبی صلّی اللّه علیه و سلّم فی الصلاة علی عبد اللّه بن أبیّ بن سلول 168 مطلب سبب نزول قوله تعالی وَ ما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِیمَ لِأَبِیهِ 179 مطلب فی الحكم فی الحرث الذی نفشت به غنم القوم و الرد علی أبی حنیفة لقوله لا ضمان فی ذلك 182 مطلب حكم الأضحیة و الأكل منها 184 مطلب اختلاف العلماء فی الإدخار من الأضحیة 185 مطلب فی العقیقة و أنه ذبح مندوب كالضحیة 186 مطلب إنكار المؤلف حدیث الغرانیق العلی 188 مطلب قول أهل الفتیا من زنا بامرأة فله أن یتزوجها 191 مطلب السبب فی نزول قوله تعالی وَ الزَّانِیَةُ لا یَنْكِحُها إِلَّا زانٍ الآیة 191 مطلب تفسیر الاستئناس من آیة الاستئذان و الرد علی من قال غلط كاتب الوحی فی ذلك 193 مطلب فی تفسیر قوله تعالی أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُیُوتِكُمْ 198
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 303
المطلب صفحة مطلب سبب نزول هذه الآیة 199 مطلب فی العرب تقول سلاما أی سلما منك و تخطئة سیبویه فی هذا 200 مطلب فی جواز أن ینسخ ما كان ثوابا بما هو أعظم منه من الثواب 207 مطلب فی أن البیان خلاف النسخ 210 مطلب مذهب علیّ رضی اللّه عنه فی أساری الخارجین علیه 221 مطلب فی أن الفتح المعنی بقوله تعالی إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِیناً هو فتح الحدیبیة 224 مطلب فی خلق اللّه السموات و الأرض 226 مطلب أن اللّه لیرفع ذریة المؤمن معه فی درجته و إن كانت لم تبلغها بعملها لتقربهم عینه 230 مطلب فی أن مذهب الإمام أحمد یحج الإنسان عن غیره و یتصدق عنه 231 مطلب استخلاف النبی صلّی اللّه علیه و سلّم علی الصلاة بمعنی استخلافه علی إمامة المسلمین 232 مطلب اختلاف الأئمة فی الفی‌ء هل هو الغنیمة أو غیره 234 مطلب تخاصم علیّ و العباس إلی عمر رضی اللّه عنهم فی أرض بنی النضیر 235 مطلب فی أن العدو إذا بعد وجب أن لا یقاتل حتی یدعی 237 مطلب صلح الحدیبیة و كتابه صلّی اللّه علیه و سلّم الصلح 238 مطلب ما تضمنه حدیث صلح الحدیبیة من الآداب و الأحكام فی نیف و ثلاثین موضعا 242 مطلب فی حكم المرأة المسلمة تأتی مهاجرة من دار الحرب مدة الهدنة 246 مطلب فی حكم زكاة الفطر 255 مطلب اختلاف الصحابة و الأئمة فی مقدار ما یخرج من البر و الزبیب 257 مطلب فی اختلافهم فی إعطائها لأهل الذمة 258 مطلب اختلافهم فی إخراجها عن الزوجة و المكاتب و غیرهما 258 مطلب فی تقدیرهم الصاع و اختلافهم فیه 258 مطلب للمصنف فی لفظ الأخبار و الإخبار و هو آخر الكتاب 262
كتاب الناسخ و المنسوخ فی القرآن، ص: 304

فهرس كتاب الناسخ و المنسوخ لابن خزیمة الفارسی‌

الباب صفحة مقدمة الكتاب و تعداد آیات القرآن و تقسیمهما 262 باب بیان الناسخ و المنسوخ 262 مطلب النسخ فی لغة العرب 263 فصل اختلاف العلماء فیما یقع علیه النسخ 265 باب بیان السور التی فیها الناسخ و المنسوخ 265 باب بیان السور التی لم یدخلها الناسخ و لا المنسوخ 265 باب بیان السور التی فیها المنسوخ دون الناسخ 266 باب بیان السور التی فیها الناسخ دون المنسوخ 266 باب بیان المنسوخ فی القرآن بآیة السیف 267 باب بیان ما نسخ فی القرآن بآیة القتال 274 باب بیان الآیات المنسوخة بالاستثناء بعدها 275 باب بیان ما فی الآیات المنسوخة علی النظم 277 باب بیان السور علی النظم و ما فیها من الناسخ و المنسوخ 288

تعريف مرکز القائمیة باصفهان للتحریات الکمبیوتریة

جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة/41).
قالَ الإمامُ علیّ ُبنُ موسَی الرِّضا – علـَیهِ السَّلامُ: رَحِمَ اللّهُ عَبْداً أحْيَا أمْرَنَا... َ يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَ يُعَلِّمُهَا النَّاسَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا... (بَــنـادِرُ البـِحـار – فی تلخیص بحـار الأنوار، للعلاّمة فیض الاسلام، ص 159؛ عُیونُ أخبارِ الرِّضا(ع)، الشـَّیخ الصَّدوق، الباب28، ج1/ ص307).
مؤسّس مُجتمَع "القائمیّة" الثـَّقافیّ بأصبَهانَ – إیرانَ: الشهید آیة الله "الشمس آباذی" – رَحِمَهُ اللهُ – کان أحداً من جَهابـِذة هذه المدینة، الذی قدِ اشتهَرَ بشَعَفِهِ بأهل بَیت النبیّ (صلواتُ اللهِ علـَیهـِم) و لاسیَّما بحضرة الإمام علیّ بن موسَی الرِّضا (علیه السّلام) و بـِساحة صاحِب الزّمان (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرجَهُ الشَّریفَ)؛ و لهذا أسّس مع نظره و درایته، فی سَنـَةِ 1340 الهجریّة الشمسیّة (=1380 الهجریّة القمریّة)، مؤسَّسة ًو طریقة ًلم یـَنطـَفِئ مِصباحُها، بل تـُتـَّبَع بأقوَی و أحسَنِ مَوقِفٍ کلَّ یومٍ.
مرکز "القائمیّة" للتحرِّی الحاسوبیّ – بأصبَهانَ، إیرانَ – قد ابتدَأَ أنشِطتَهُ من سَنـَةِ 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریّة القمریّة) تحتَ عنایة سماحة آیة الله الحاجّ السیّد حسن الإمامیّ – دامَ عِزّهُ – و مع مساعَدَةِ جمع ٍمن خِرّیجی الحوزات العلمیّة و طلاب الجوامع، باللیل و النهار، فی مجالاتٍ شتـَّی: دینیّة، ثقافیّة و علمیّة...
الأهداف: الدّفاع عن ساحة الشیعة و تبسیط ثـَقافة الثـَّقـَلـَین (کتاب الله و اهل البیت علیهـِمُ السَّلامُ) و معارفهما، تعزیز دوافع الشـَّباب و عموم الناس إلی التـَّحَرِّی الأدَقّ للمسائل الدّینیّة، تخلیف المطالب النـّافعة – مکانَ البَلاتیثِ المبتذلة أو الرّدیئة – فی المحامیل (=الهواتف المنقولة) و الحواسیب (=الأجهزة الکمبیوتریّة)، تمهید أرضیّةٍ واسعةٍ جامعةٍ ثـَقافیّةٍ علی أساس معارف القرآن و أهل البیت –علیهم السّلام – بباعث نشر المعارف، خدمات للمحققین و الطـّلاّب، توسعة ثقافة القراءة و إغناء أوقات فراغة هُواةِ برامِج العلوم الإسلامیّة، إنالة المنابع اللازمة لتسهیل رفع الإبهام و الشـّـُبُهات المنتشرة فی الجامعة، و...
- مِنها العَدالة الاجتماعیّة: التی یُمکِن نشرها و بثـّها بالأجهزة الحدیثة متصاعدة ً، علی أنـّه یُمکِن تسریعُ إبراز المَرافِق و التسهیلاتِ – فی آکناف البلد - و نشرِ الثـَّقافةِ الاسلامیّة و الإیرانیّة – فی أنحاء العالـَم - مِن جـِهةٍ اُخرَی.
- من الأنشطة الواسعة للمرکز:
الف) طبع و نشر عشراتِ عنوانِ کتبٍ، کتیبة، نشرة شهریّة، مع إقامة مسابقات القِراءة
ب) إنتاجُ مئات أجهزةٍ تحقیقیّة و مکتبیة، قابلة للتشغیل فی الحاسوب و المحمول
ج) إنتاج المَعارض ثـّـُلاثیّةِ الأبعاد، المنظر الشامل (= بانوراما)، الرّسوم المتحرّکة و... الأماکن الدینیّة، السیاحیّة و...
د) إبداع الموقع الانترنتی "القائمیّة" www.Ghaemiyeh.com و عدّة مَواقِعَ اُخـَرَ
ه) إنتاج المُنتـَجات العرضیّة، الخـَطابات و... للعرض فی القنوات القمریّة
و) الإطلاق و الدَّعم العلمیّ لنظام إجابة الأسئلة الشرعیّة، الاخلاقیّة و الاعتقادیّة (الهاتف: 00983112350524)
ز) ترسیم النظام التلقائیّ و الیدویّ للبلوتوث، ویب کشک، و الرّسائل القصیرة SMS
ح) التعاون الفخریّ مع عشراتِ مراکزَ طبیعیّة و اعتباریّة، منها بیوت الآیات العِظام، الحوزات العلمیّة، الجوامع، الأماکن الدینیّة کمسجد جَمکرانَ و...
ط) إقامة المؤتمَرات، و تنفیذ مشروع "ما قبلَ المدرسة" الخاصّ بالأطفال و الأحداث المُشارِکین فی الجلسة
ی) إقامة دورات تعلیمیّة عمومیّة و دورات تربیة المربّـِی (حضوراً و افتراضاً) طیلة السَّنـَة
المکتب الرّئیسیّ: إیران/أصبهان/ شارع"مسجد سیّد"/ ما بینَ شارع"پنج رَمَضان" ومُفترَق"وفائی"/بنایة"القائمیّة"
تاریخ التأسیس: 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریة القمریّة)
رقم التسجیل: 2373
الهویّة الوطنیّة: 10860152026
الموقع: www.ghaemiyeh.com
البرید الالکترونی: Info@ghaemiyeh.com
المَتجَر الانترنتی: www.eslamshop.com
الهاتف: 25-2357023- (0098311)
الفاکس: 2357022 (0311)
مکتب طهرانَ 88318722 (021)
التـِّجاریّة و المَبیعات 09132000109
امور المستخدمین 2333045(0311)
ملاحَظة هامّة:
المیزانیّة الحالیّة لهذا المرکز، شـَعبیّة، تبرّعیّة، غیر حکومیّة، و غیر ربحیّة، اقتـُنِیَت باهتمام جمع من الخیّرین؛ لکنـَّها لا تـُوافِی الحجمَ المتزاید و المتـَّسِعَ للامور الدّینیّة و العلمیّة الحالیّة و مشاریع التوسعة الثـَّقافیّة؛ لهذا فقد ترجَّی هذا المرکزُ صاحِبَ هذا البیتِ (المُسمَّی بالقائمیّة) و مع ذلک، یرجو مِن جانب سماحة بقیّة الله الأعظم (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرَجَهُ الشَّریفَ) أن یُوفـِّقَ الکلَّ توفیقاً متزائداً لِإعانتهم - فی حدّ التـّمکـّن لکلّ احدٍ منهم – إیّانا فی هذا الأمر العظیم؛ إن شاءَ اللهُ تعالی؛ و اللهُ ولیّ التوفیق.