مصطلحات الفقه

اشارة

سرشناسه : مشکینی اردبیلی، علی، 1300 -1386.

عنوان و نام پديدآور : مصطلحات الفقه/ علی المشکینی ؛ تحقیق حمید احمدی الجلفایی.

مشخصات نشر : قم : موسسه دارالحدیث العلمیه والثقافیه، مرکز للطباعه والنشر، 1434 ق.= 1392.

مشخصات ظاهری : 675 ص.

شابک : 978-964-493-667-8

وضعیت فهرست نویسی : فیپا

يادداشت : عربی.

یادداشت : کتابنامه: ص. [647]- 656؛ همچنین به صورت زیرنویس.

موضوع : فقه -- اصطلاح ها و تعبیر ها

شناسه افزوده : احمدی جلفایی، حمید، 1357 -

شناسه افزوده : موسسه علمی - فرهنگی دارالحدیث. سازمان چاپ و نشر

رده بندی کنگره : BP147/2/م5م6 1392

رده بندی دیویی : 297/303

شماره کتابشناسی ملی : 3116266

مقدمة:

اشارة

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

تشتمل علي أمور:

الأمر الأول: ان الفقه في اللغة الفهم،

أو التوصل الي علم غائب بعلم شاهد و في اصطلاحنا معاشر العلماء الإمامية، قيام الحجة عند القادر علي الاستنباط، علي الأحكام الشرعية الفرعية، أو الوظائف العقلية الدينية، أو موضوعاتها الاستنباطية.

و الحجة أعم من العقلية كالعلم الحاصل للفقه بالنسبة لبعض الأحكام، و الشرعية كاخبار العدل و الثقة عن الحكم الشرعي الفرعي كما في أغلب موارد الفقه و العقلائية، كظواهر الألفاظ، و سيرة العقلاء، و الأحكام الشرعية أعم من التكليف و الوضع.

و الوظائف العقلية، كحكم العقل بالبراءة و التخيير العقليين، و حجية الظن في بعض الحالات، و الحكم المستفاد منه في بعض الأحيان و الموضوعات، كأكثر العبادات المخترعة من جانب الشارع لو لا جميعها و غير العبادات مما يفتقر الي التحقيق.

و منه ما يعلم ما في التعريف المشهور، و هو انه العلم بالأحكام الشرعيّة الفرعية عن أدلتها التفصيلية، فان حصر الفقه بالعلم و إخراج سائر الحجج، و حصر المعلوم بالأحكام و إخراج الموضوعات و بالأحكام الشرعية و إخراج العقليات غير سديد.

و الظاهر ان حدوث هذا الاصطلاح للفقه، منذ صدور الفتوي من الأصحاب علي صورة الكتب الفتوائية المؤلفة بنحو الفقه المأثور، كأغلب كتب الأقدمين أو علي نحو التفريع كالمبسوط و الشرائع و نحوهما.

مصطلحات الفقه، ص: 18

الأمر الثاني: ان الفقه من أشرف العلوم و أعلاها و أفضلها و أغلاها،

و هو نصف الدين و فروعه، في مقابل نصفه الآخر الذي هو أصوله، و هو عبارة عن أحكام كليّة إلهية تتعلق باعمال العباد الجوارحية كما ان الأصول أحكام كليّة تتعلق بمدركات القلب و اعماله الجوانحية.

و هذه الأحكام لها الشرف و الفضيلة بعد أصول الدين و المكانة العليا و الخطر العظيم، لكونها أحكاما كلية سماويّة أنشأها الرب تعالي و اخترعها، أعلمها ملائكته، و أوحاها الي أنبيائه و رسله، و أمرهم بإبلاغها الي جميع

خلقه، و جعلها برامج عملية لعامة عباده، طيلة حياتهم الدنيوية، و أنشأها بملاكات و مصالح تتضمن صلاح دنياهم، علي نحو لو أطاعوه بامتثالها حق الطاعة و راعوها في مرحلة الطاعة حق الرعاية، تبدلت دنياهم هذه الدنية، مدينة فاضلة إنسانية، و هي في نفس الوقت تتكفل سعادة آخرتهم و عقباهم، يشهد بذلك كله لحاظ عموم أحكامها، و شمول ابعادها، فقد أحاطت أوامرها و نواهيها تكليفها و وضعها حلالها و حرامها، بجميع ما يمكن ان يصدر من الإنسان من فعل و ترك و حركة و سكون، فشملت و احتوت فنون الطاعات و العبادات علي اختلاف حقائقها، و وظائف الإنسان علي اختلاف شؤونها، مما يرجع الي لحاظ حال كل فرد بنفسه و كيفية عشرته مع أسرته و عائلته و معاشرته مع مجتمعة و بني نوعه، من الرجال و النساء و غير ذلك.

الأمر الثالث: ان الأصحاب قد قسموا الفقه الي أبواب تنوف علي ستين بابا

و سمّوا كل باب منها كتابا و جرت سيرتهم في الغالب علي جعل الطهارة أول الكتب، و الديات آخرها، من دون تعرض الي ملاك الترتيب و التنظيم.

نعم المحقق صاحب الشرائع (قده) أدرج تلك الكتب تحت عناوين أربعة و حصرها فيها و هي: العبادات، و العقود، و الإيقاعات، و الأحكام، و هذا إشارة إجمالية منه (قده) إلي كيفية تنظيم الكتب الفقهية و تبويب أبوابها و ان كان غير خال عن النقص و الخلل.

و وجّه هذا الحصر العلامة (قده) في الإرشاد بأن المبحوث عنه في الفقه، اما ان يتعلق

مصطلحات الفقه، ص: 19

بالأمور الأخروية أو الدنيوية، فإن كان الأول فهو عبادات، و ان كان الثاني، فلا يخلو اما ان يفتقر إلي عبارة أو لا، فان لم يفتقر فهو الأحكام كالديات و القصاص و الميراث، و ان افتقر فاما من

الطرفين أو من طرف واحد، فان كان الثاني فهو الإيقاعات، كالطلاق و العتق و ان كان الأول فهو العقود و يدخل فيه المعاملات و النكاح انتهي.

هذا و أنت خبير بما في هذا البيان فان فيه:

أولا: ان الإتيان بمصاديق غير الأول بقصد التقرب يجعلها عبادة مع انها غير مندرجة في الأول.

و ثانيا: انه قد عد الجهاد و الأمر و النهي من العبادات، مع انها ليست من العبادات بالمعني المراد فيها.

و ثالثا: انه لم يذكر الكفارات من العبادات مع انها منها، و ذكرها المحقق في الإيقاعات.

و رابعا: ان العقود المعاطاتية لا تحتاج إلي عبارة فاللازم إدراجها في الأحكام.

و خامسا: ان الإقرار يحتاج إلي العبارة من طرف واحد و ليس من الإيقاعات بالمعني المراد بها.

و سادسا: ان الأمور المذكورة في القسم الأخير موضوعات بحسب الغالب فتسميتها أحكاما غير صحيح الي غير ذلك.

و بالجملة لم ينظم الأصحاب أبواب الفقه و كتبه نظما يقتضيه حال العلم و لم يسلكوا فيه سبيلا يرتضيه الذوق السليم و لم نر لغير المحقق الأول ممن تقدمه أو تأخر عنه تعرضا لذلك بل الظاهر من حالهم عدم الاعتناء بشأن هذا الأمر.

نعم أشار الي مسألة التقسيم و التبويب و عدم صحته المحقق الشهيد مرتضي المطهري (قده) في بعض كتبه الفارسية و ذكر المحقق الشهيد محمد باقر الصدر (قده) تقسيما خاصا أدرج فيه الكتب تحت سبعة عناوين، لكنه لم يذكر كيفية إدراج الأبواب تحت العناوين.

مصطلحات الفقه، ص: 20

و كيف كان الاولي عندنا إدراجها تحت العناوين الستة التالية و ذلك لان الفقه الذي ذكرنا انه برنامج حياتي جامع لنوع الإنسان، قد لوحظ فيه حالهم علي اختلاف عقولهم و اختلاقهم و شعوبهم و سيرهم و ألوانهم و ألسنتهم و

أعصارهم و أمكنتهم و غير ذلك مما هم عليه فوضع اللّه تعالي دينا كافلا لاحكام أمورهم و وظائف شاملة لعامة أعمالهم و أفعالهم.

فمقتضي التأمل و التعمق في تلك الجهات تقسيم الأحكام علي ما يناسب صنوف المجتمع و يوافق شؤونهم، فكان من اللازم:

أولا- ان يلاحظ حال كل من افراد المجتمع بنفسه و شخصه، و يبحث عن الأحكام المجعولة له في الشريعة فسمينا هذه الأحوال بالشؤون الفردية و ناسب ان يندرج فيها الكتب الفقهية التالية:

المياه- التخلي- النجاسات و المطهرات- الأواني- الايمان- النذور- العهود- الأطعمة و الأشربة.

فان الكتب المذكورة موضوعة لبيان حال الفرد و وظائفه المجعولة له من عند ربّه و ان كان لبعضها مقدميّة أو نوع مساس لأبواب أخر.

و ثانيا- ان يلاحظ حاله مع ربّه فيما ينبغي له الانقياد و الخضوع له تعالي وجوبا أو استحبابا علي نحو الوظيفة الخاصة، فسمينا هذه الأحوال بالعبادات و لزم ان يندرج فيه الكتب التالية:

الطهارات الثلاث- الصلاة- الصوم- الاعتكاف- الحج و العمرة- الكفارات.

و المراد بها هنا العبادة بالمعني الأخص، أعني ما يكون قصد القربة فيه شرطا في صحته، دون المعني الأعم و هو ما يكون القصد شرطا لكماله.

و ثالثا- ان يلاحظ حاله مع عائلته و أسرته و أرحامه و أقاربه و قد سمينا هذه الأحوال بالشؤون العائليّة فناسب ان يندرج فيه الكتب التالية:

النكاح- الطلاق- تجهيز الأموات- الإرث.

مصطلحات الفقه، ص: 21

و رابعا- ان يلاحظ حاله بالنسبة لدنياه و أموالها و ما رخص له حيازته، و أبيح له اكله و التصرف فيه لحفظ حياته، و سميناه علي نحو المسامحة بالأموال الفردية الشخصية تحصيلا و تصرفا و ناسب ان يندرج فيها الكتب التالية:

إحياء الموات- الصيد- الذباحة- اللقطة- التكسب- البيع- الإجارة- الصلح- الجعالة- الرهن- المضاربة-

الشركة- المزارعة- المساقاة- الضمان- الحوالة- الكفالة- الوكالة- الوديعة- العارية- الوقف- الهبة- السكني و أختاها- الوصية- الغصب.

و المراد بالأموال الفردية في هذا القسم، كل ما يتعلق بشخص المكلف تحصيلا و تصرفا و تبديلا و إتلافا، في مقابل الأموال العامة التي تتعلق بعناوين كليّة، كالناس و الفقراء، أو بجهات عامة، فان حكم هذه الأموال مذكور لمناسبة خاصة في باب الزكاة و الخمس و الأنفال التابعة له، و الكل داخل تحت عنوان الولاية.

و خامسا: ان يلاحظ حاله بالنسبة لوليّ أمره و الحاكم عليه و علي مجتمعة و قد سميناه بالولايات و يندرج فيه الكتب التالية:

الجهاد- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر- الخمس- الزكاة- الحجر- السبق و الرماية.

فإن عمدة البحث في هذه الكتب راجعة الي ما هو للوالي من وجوب طاعته و تسلطه علي النفوس و الأموال العامّة و الي الأحكام و الوظائف المجعولة للناس بالنسبة للوالي و الأموال العامة.

و لأجل ذلك رجحنا إدراج كتاب الخمس و الزكاة تحت عنوان الولاية علي إدراجها في العبادات.

ثم انا لم نجعل حال المكلف مع مجتمعة عنوانا مستقلا فان روابطه معهم اما في المعاملات و التجارات و اما في الزواج و المصاهرات و اما في الاشتراك في الحروب و الغزوات و ما أشبه ذلك و قد ذكر أحكام كل منها تحت عنوانه المناسب له كالأموال و الشؤون العائلية و الولايات، و تركنا إيراد بعض الكتب الفقهية كالعتق و الظهار لعدم الابتلاء به فعلا.

مصطلحات الفقه، ص: 22

الأمر الرابع: ذكر الأصحاب ان مدارك الفقه و مصادره الأولية المعبر عنها بالأدلة التفصيلية ثلاث:

اشارة

الكتاب و السنة و العقل، و اللازم ان نشير إلي حقائقها و شؤونها بما يناسب حال الكتاب و يتوقف عليه مسائل الفقه و يتبين به موارد الخلاف فيها بين الفريقين.

فنقول

أما الكتاب

فالمراد به نصوصه و ظواهره و لا ريب في حجيتها لكل عارف بلغة العرب قادر علي درك ظواهرها و فهم معانيها فله استنباط الحكم منها و العمل بما استنبطه مع اجتماع سائر شرائط الاجتهاد.

و القول بعدم حجية ظواهره لوقوع التحريف فيه أو لجهة أخري شطط من الكلام و عدول عن الحق و سبب لحرمان البشر عن خير دنياه و سعادة عقباه.

و أما السنة:

فهي مورد وفاق بين الفريقين من جهة، و مورد خلاف من اخري، أما الأولي فإنه لا إشكال في انّ حقيقة السنة عند الفريقين عبارة عن الكلام الصادر عن النبي الأعظم بعنوان الإخبار عن اللّه تعالي و إبلاغ دينه و بيان ما أنزل إليه و لا تطلق علي غير ما صدر عنه صلّي اللّه عليه و آله و ليس لغيره صلّي اللّه عليه و آله سنة بعنوان النقل عن اللّه تعالي و الوحي من قبله.

و أمّا الثانية ففي طريق وصولها إلي من لم يدرك حياته صلّي اللّه عليه و آله بواسطة أو وسائط، فلكل فريق طريق، و بين الطريقين عموم من وجه و ان كان مورد الاجتماع قليلا جدا بالنسبة إلي ما افترقا فيه و ذلك ان السنة عند أهل السنة هي الأحاديث الخاصة المحدودة التي ألقاها النبي الأعظم إلي أصحابه في مقام بيان دينه طيلة حياته و هي 23 سنة بعد بعثته و انتقلت منهم إلي من بعدهم متسلسلة بوسائط معينة تخالف في الغالب وسائط رواتها عند الشيعة كما ستعرف مع اعترافهم بأنها غير وافية بجميع ما تحتاج إليه الأمة مما لم يعلم حكمه من الكتاب و لا سيما في الأعصار المتأخرة و لذلك احتاجوا إلي التمسك بذيل القياس و الاستحسان و المصالح المرسلة

و نحوها.

و أما السنة عند الشيعة الإمامية فلها وضعها الخاص في سيرها التاريخي منذ صدرت عن النبي الأكرم إلي يومنا هذا و ذلك لطول عمر النبي صلّي اللّه عليه و آله عندهم و صدور أكثر ما تحتاج

مصطلحات الفقه، ص: 23

إليه الأمة عنه صلّي اللّه عليه و آله و وصوله إلي الرواة بعده و ذلك لان النبي صلّي اللّه عليه و آله و ان ارتحل عن الدنيا بما انه نبي يأتيه الوحي و يخبر عن اللّه تعالي إلا أنه لم يمت بما انه حجة من عند اللّه علي خلقه و عنده ما نزل به الروح الأمين و بما انه إمام الخلق و ولي أمرهم بل كان هو حيا بهذه العناوين ظاهرا عند الناس إلي زمان ارتحال الإمام العسكري و غائبا عن أنظارهم بعده، و علي هذا فطول عمر النبي الأقدس من حين بعثته إلي زمن غيبته مائة و ثلاث و سبعون سنة، فكلما ما حدّث به صلّي اللّه عليه و آله من العلوم و الشرائع و أصول الدين و فروعه، و سمعه الناس و تلقوه منه في هذه المدة، فهو دين اللّه و شريعته و نفس ما أوحاه إلي نبيه صلّي اللّه عليه و آله يطابق اللوح المحفوظ و يطابقه اللوح المحفوظ و ان اختلفت النسبة حال نبوته و إمامته فإنه صلّي اللّه عليه و آله علة محدثة له في الأولي مبقية له في الثانية، و الثابت من الأدلة انه لم يبق شي ء من العلوم و المعارف الدينية التي تحتاج إليها الأمة إلي يوم القيامة إلا و قد أوحاها اللّه إلي رسوله صلّي اللّه عليه و آله عندما كان رسولا نبيا بشهادة إكمال الدين و إتمام

النعمة و بقي عنده و لم ينقص منه شي ء عند ما كان إماما إلي ان غاب عن انظار الناس و ان حرم الناس عن تعلم الجميع لموانع حدثت، فالصادر عن المعصوم عند العامة الذي تلقاه رواتهم ما صدر عنه في مدة ثلاث و عشرين سنة و الصادر عنه عند الخاصة ما صدر عنه و تلقاه رواتنا في مدة مائة و ثلاث و سبعين سنة، فما أعظم الفرق و أكثر الاختلاف في السنة بين الفريقين في كمّها و كيفها.

هذا مضافا إلي ما حدث بعد ارتحال النبي صلّي اللّه عليه و آله من حادثة عجيبة ابتليت بها السنة عند القوم فأورثت فيها خللا غير منجبرة و ثلمة لا يسدها شي ء و هي منع الخليفة الثاني من كتابة الحديث بعد النبي صلّي اللّه عليه و آله منعا شديدا و عقابه من خالف بالضرب و الجرح و النكال قائلا انه كفانا كتاب اللّه و كتابته، و استمر هذا المنع إلي زمان عمر بن عبد العزيز الأموي بما يقرب من مائة سنة و من الواضح ما يعرض السنة حال انتقالها من الأذهان إلي الأذهان بطريق النقل باللسان من التحريف و التغيير و المزج بغيرها و انمحاء حقيقتها بالغفلة و النسيان فقد بليت السنة عند أهل السنة بهذه البلية الكبري في مسير تاريخها الممتد.

مصطلحات الفقه، ص: 24

فلاحظ ذلك و قايسه بما ثبت عند الشيعة، من أمر النبي صلّي اللّه عليه و آله بتقييد العلم و الحديث بكتابتهما، و ما أملاه صلّي اللّه عليه و آله علي علي عليه السلام و كتبه هو بيده، و بقي عند المعصومين من أهل بيته، و أمر علي و الأئمة من بعده أصحابهم بكتابة الحديث و

أحكام أمره، معلّلين ذلك بأنكم سوف تحتاجون إليه و قد عملوا بذلك و استفادوا منه حين حاجتهم، و نشكر اللّه علي ما رزقنا من معرفة النبي الأعظم و معرفة أوصيائه الذين جعلهم خزنة لعلمه و مستودعا لحكمته و تراجمة لوحيه، و الذين بيّنوا فرائض اللّه و نشروا شرائع أحكامه و سنوا سنته فبهم علّمنا اللّه معالم ديننا و أصلح ما كان فسد في أزمنة طواغيت الأعصار من دنيانا و الحمد للّه رب العالمين.

أما العقل

و المراد به عندنا معناه اللغوي و العرفي، و هو قوة مودعة في الإنسان يدرك بها الكليات و يحكم بحسن الأشياء و قبحها، و الإنسان الذي له عقل سليم غير مغلوب للهوي يكون مدركات عقله بالنسبة لوظائفه الدينية و أفعاله و تروكه حجة له يجب اتباعها و له ان يفتي بها و للجاهل ان يقلده مع تحقق شرائطه.

فإن العقل بنفسه رسول من داخل و حجة من حجج اللّه في الباطن، كما ان الرسول عقل من خارج و حجة في الظاهر و له أحكام و لحكمه أقسام صالحة للإفتاء و التقليد.

منها ما لو كان ما أدركه كاشفا عن الحكم الشرعي، كما إذا أدرك الملازمة بين وجوب شي ء و وجوب مقدمته، أو بين ما حكم به الشرع و حكم به العقل، فإذا علم بوجوب فعل شرعا كشف عن وجوب مقدمته شرعا، و إذا حكم عقله ابتداء بحسن شي ء أو قبحه، كشف وجوبه أو حرمته شرعا، و كما إذا حكم العقل بحجية الظن الانسدادي فإنه يكشف بذلك عن الحكم الشرعي فحجية مدركات العقل في هذه الموارد، من جهة كونه كاشفا عن الحكم الشرعي.

و منها ما لو كان حكمه استقلاليا غير كاشف، كحكمه بوجوب مقدمة الواجب،

أو بحسن شي ء أو قبحه ابتداء مع عدم حكمه بالملازمتين، أو حكم في مورد لا حكم مولوي

مصطلحات الفقه، ص: 25

للشرع فيه، كوجوب طاعة المولي إذا كان ممن أذعن بالمبدإ و لم تصل إليه الشريعة، و قد أدرك عقله حسن عدّة من الأفعال و قبحها فله الإفتاء في هذه الموارد و ان قلت و للجاهل التقليد.

و منها ما ذكره بعض من ان المراد بحكم العقل موارد بناء العقلاء و سيرتهم فإنه يستكشف بها حكم الشرع فإذا علم الفقيه بتحقق ذلك جاز له الإفتاء بمقتضاها و وجب تقليده هذا و قال الصدر الشهيد «قده»: انا لم نجد حكما واحدا يتوقف إثباته علي الدليل العقلي بهذا المعني بل كلما ثبت بالدليل العقلي فهو ثابت في نفس الوقت بالكتاب أو السنة.

الأمر الخامس: قد عرفت ان الأدلة التفصيلية الثلاثة عند الشيعة الإمامية وافية

بجميع ما تحتاج إليه الأمة الإسلامية من الأحكام الأصولية و الفروعية و سائر المعارف الدينية بل فيها غني و كفاية لجميع المجامع البشرية علي اختلاف شعوبهم و قبائلهم فيما يتعلق بعيشهم الصالح في الدنيا و سعادتهم الدائمة في الآخرة بل يكفي الكتاب و السنة فقط فيما يحتاج إليه الفقيه من أحكام مجتمعة علي ما مر.

و أما أهل السنة فقد أضافوا إليها أدلة أخري سمّوها أدلة عقلية يكثر رجوعهم إليها و الإفتاء بمقتضاها لما عرفت من حال السنة عندهم ثم ذهبوا إلي ان المستفاد منها حكم شرعي الهي يجب الالتزام و العمل به، و هي القياس و الاستحسان و المصالح المرسلة و غيرها.

و الأول- عبارة عن استنباط علة الحكم المترتب شرعا علي موضوع ظنّا و تسرية الحكم إلي كل موضوع فيه تلك العلة.

و الثاني- عبارة عن انقداح حكم في ذهن الفقيه مع عدم النص فيها لكثرة ممارسته أمثال المورد.

و

الثالث- هو الحكم بناء علي ما يرشد إليه الذوق السليم مع لحاظ العدل و الظلم فيه و الصلاح و الفساد.

مصطلحات الفقه، ص: 26

و أما الرأي فقد اختلف فيه كلمات الصحابة فجعلوه تارة مرادفا للقياس، و أخري مرادفا له و للاستحسان معا، و ثالثة مرادفا لهما مع المصالح المرسلة، و الظاهر ان الأمر كذلك عند علمائهم المتأخرين أيضا لكن عرفه ابن القيم بأنه «ما يراه القلب بعد فكر و تأمل و طلب لمعرفة وجه لحق مما تتعارض فيه الأمارات». و عن ابن تيمية ما حاصله «ان القلب المعمور بالتقوي إذا رجح برأيه فهو ترجيح شرعي فمتي ما وقع عنده و حصل في قلبه ما يظن معه ان هذا الأمر أو هذا الكلام ارضي للّه و رسوله كان هذا ترجيحا بدليل شرعي و من أنكر كون الإلهام طريقا إلي الحق أخطأ فإذا اجتهد العبد المتقي كان ما رجحه أقوي من الأقيسة الضعيفة و الظواهر و الاستصحابات التي يحتج بها المخالفون في الأقوال و أصول الفقه.

و قال بعضهم أيضا في الرأي أن استقرار رأي العالم علي شي ء لم يقم له أو عليه دليل حجة من الشرع.

أقول ينبغي هنا ان نقول قد ورد من العترة الطاهرة الثقل الأصغر، أعدال الكتاب الكريم و الثقل الأكبر، و لا سيما عن الباقر و الصادق عليهما السلام من أئمة أهل البيت عليهم السلام، في أغلب الموارد التي ضاق الأمر علي القوم و لم يكن في مسألة عندهم دليل من الكتاب و السنة فتمسكوا بذيل تلك الوجوه و نسبوا مقتضاها إلي الشريعة و حكموا بكونه حكم اللّه تعالي و حكم رسوله صلّي اللّه عليه و آله، نص أو نصوص نقلها العترة الطاهرة عن النبي

الأعظم، و كان ذلك بمرأي و مسمع من ائمة القوم و علمائهم، فلم يعتنوا بها و جعلوا المسألة مما لم يرد فيه كتاب و سنة، و هذا سيرتهم منذ زمن الامام السبط الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام الي زمان الحسن العسكري عليه السلام، ثم ما بعده الي يومنا هذا، مع انه قد ثبت عند القوم قول النبي الأعظم صلّي اللّه عليه و آله اني تارك فيكم الثقلين كتاب اللّه و عترتي ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا، و الحديث ان لم يدل علي امامة العترة فلا أقل من الدلالة علي حجية اخبارهم و كونهم ثقة في نقل الحديث عن النبي الأكرم واجب الأخذ به و الاتباع له.

مصطلحات الفقه، ص: 27

و كيف كان فقد تحصل مما ذكر من سيرة علماء السنة و مشيهم في الفقه و استنباط الأحكام انهم يتمسكون بتلك الأدلة فيما لم يجدوا عليه دليلا من الكتاب و السنة و ينسبون مفادها إلي حكم اللّه و ما شرعه للناس، فعليهم العمل به لأنفسهم و لغيرهم التقليد لهم، بل يظهر من القضايا الكثيرة التي رأوها ان الصحابة كانوا يعملون بالرأي في مقابل الكتاب و السنة الصادرة عن النبي و ذكروا ان المؤسس لهذه الطريقة الخليفة الثاني و قبلها بعده الأئمة الأربعة و غيرهم، و تشهد بذلك موارد كثيرة كمنع الخليفة الثاني من المتعتين، و إلغائه سهم المؤلفة قلوبهم، و تشريعه صلاة التراويح، و إلغائه حيّ علي خير العمل من آذان صلاة الصبح. و غير ذلك، و قد عمل في الكل برأيه و بما رآه محسّنا ذا مصلحة مع وجود نصوص عن النبي صلّي اللّه عليه و آله.

هذا إجمال الكلام في الأدلة الثلاثة

التي هي منابع الأحكام و أدلتها التفصيلية، و لا يخفي عليك ان كل واحد منها دليل مستقل بذاته، حجة تامة صالحة للتمسك بها غير متوقفة علي الأخري، و وقوع التعارض بينها أحيانا كوقوعه بين مصاديق كل واحد، أمر غير منكر بالطبع يرجع فيه إلي قواعد التعارض و قوانين العلاج، و القول بعدم حجية العقل في المقام باطل كالقول بعدم حجية ظواهر الكتاب كما مر، و اللّه الهادي إلي الصراط المستقيم.

الأمر السادس: الكتاب موضوع لبيان حال مصطلحات الفقه

و عناوين موضوعاته اللغوية و العرفية، وضعناه تسهيلا للأمر علي من أراد الاطلاع علي حالها فقد ذكرنا تحت كل عنوان معناه اللغوي علي نحو يتضح حاله ثم المعني الاصطلاحي لو كان له ذلك في الشرع أو عند المتشرعة أو في الفقه، ثم بيّنا موضع العنوان و موارد استعماله في مختلف أبواب الفقه، ثم ذكرنا الحكم أو الأحكام المترتبة عليه، و كونه مورد الخلاف و الوفاق بين أصحابنا، و ربما أشرنا الي حاله عند العامة أيضا، ثم تعرضنا للفروع الهامة المتفرعة عليه لو كان ذا فروع و شعوب و ربما تعرضنا لدليل المسألة أيضا حسب اختلاف الموارد و اقتضاء الحال.

و بالجملة يهديك الكتاب في كل لفظ مستعمل في علم الفقه الي معناه اللغوي

مصطلحات الفقه، ص: 28

و الاصطلاحي، و الحكم المترتب عليه في الشريعة و البحث الواقع فيه فيه عند الأصحاب و الفروع الهامة المتفرعة عليه في الفقه و الي دليله أحيانا. و لعلك تري ان تأملت بعين الإنصاف كما أنت اهله ان هذا المؤلف في الحقيقة فقه جامع كامل، علي ترتيب اللغة، حسن الترتيب بديع البيان، واضح البرهان مرصوص البنيان، شامل لجميع أبواب الفقه علي نحو الإجمال غير المخل، و الإيضاح غير الممل، و لم أجد

له نظيرا في كتب أصحابنا و الحمد للّه أولا و آخرا و ظاهرا و باطنا.

مصطلحات الفقه، ص: 29

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

آمين

آمين بالمد، و أمين بالقصر اسم فعل كصه و مه، بمعني استجب، و في المجمع آمين بالمد و القصر لغة بمعني استجب، و عند بعضهم فليكن كذلك، و أمّنت علي الدعاء تأمينا قلت عنده آمين.

و الكلمة إذا تكلم المصلي بها بعد تمام الفاتحة قد وقعت في الفقه مورد البحث و الخلاف بين الفريقين، أما العامة ففي كتبهم الفقهية أن الذي اتفق عليه الأئمة الثلاثة أن التأمين سنة للإمام و المأموم و المنفرد، و قال مالك إنه مندوب لا سنة فلا خلاف عندهم في جوازه و مطلوبيته.

و أما أصحابنا فظاهرهم الاتفاق علي المنع عن التكلم به تكليفا و وضعا بمعني حرمته و كونه سببا لبطلان الصلاة، لكن قد نقل عن بعضهم الخلاف في الحرمة و عن بعضهم الخلاف في بطلان الصلاة به، و في العروة الوثقي للفقيه اليزدي (قده): إن من مبطلات الصلاة تعمّد قول آمين بعد تمام الفاتحة لغير ضرورة من غير فرق بين الإجهار به و الإسرار للإمام و المأموم و المنفرد و لا بأس به في غير المقام المزبور بقصد الدعاء كما لا بأس به في مقام التقية انتهي.

مصطلحات الفقه، ص: 30

الآنية

الإناء في اللغة الوعاء و الظرف و الجمع آنية و جمع الجمع أواني مثل سقاء و أسقية و أساقي، و اني الحرّ يأني إناء اشتدّ اشتدادا و الفاعل آن و إنية، كقوله من عين آنية أي شديدة الحر. و في المفردات و الإناء ما يوضع فيه الشي ء و جمعه آنية نحو كساء و أكسية و الأواني جمع الجمع.

و كيف كان الإناء بمعني الوعاء استعملها الأصحاب في كلماتهم الفقهية موضوعا لأحكام كثيرة تحت عناوين صنفية مختلفة كالإناء من جلد الميتة، و الإناء

المغصوب، و إناء المشرك و الكافر، و إناء الخمر، و الإناء من الذهب و الفضة. و إليك تفصيلها:

1- الإناء من جلد الميتة- و قد حكموا بحرمة استعمالها فيما يشترط فيه الطهارة من الأكل و الشرب و الوضوء و الغسل و الصلاة و لا خلاف عندهم في حرمة التصرف فيها حينئذ و في بطلان العبادة به تبعا لما حكموا به من حرمة أكل المتنجس و شربه و من أنه لا صلاة إلا بطهور، و وقع الخلاف في حرمة استعمالها في غير ما يشترط فيه الطهارة و الانتفاع بها فيه. نعم الظاهر عدم حرمة الانتفاع من الانية المصنوعة من ميتة ما لا نفس له كالسمك.

2- الإناء المغصوبة- قد حكموا بحرمة استعمالها و الانتفاع بها مطلقا، فيتبدل التكليف بالطهارة المائية حينئذ إلي الترابية إذا انحصر الماء فيها، و قد فرّعوا علي المسألة فروعا وقع البحث عنها في باب الوضوء و الغسل، نظير استعمالها فيما مع الجهل بالحكم أو الموضوع، و صب الماء منها إلي غيرها ثم الاستعمال و غير ذلك.

3- إناء الكافر- قد وقع البحث عنها تارة من جهة طهارتها و نجاستها، فحكموا بالطهارة ما لم يعلم الملاقاة ببدنهم مع الرطوبة، و اخري من جهة التذكية فيما إذا كانت مصنوعة من جلد الميتة، فحكموا بالنجاسة لأصالة عدم التذكية.

4- إناء الخمر- ذكروها في الفقه و انه تطهر بالغسل و إن كانت من الخشب و الخزف و لا تضر نجاسة باطنها لو فرض نفوذ الخمر إليه.

5- الإناء من النقدين أي الذهب و الفضة- فقد بحثوا في الفقه تارة عن متعلق الحكم

مصطلحات الفقه، ص: 31

و هو الإناء و الأخري عن موضوعه و هو التصرف و الاستعمال و ثالثة عن نفس الحكم

أي الحرمة و الكراهة.

أما الأول: فالظاهر أن مرادهم به كلما يصدق عليه أنه آنية كالكأس، و الكوز، و الصيني، و القدر، و السماور، و الفنجان، و البشقاب، و النعلبكي، و كوز القليان، و في صدقه علي قاب الساعة إشكال.

أما الثاني: فالظاهر أن المراد به الاستعمال و التصرف مطلقا دون الأكل و الشرب فقط، فتشمل التوضي و الاغتسال بها و فيها، و أما الانتفاع الذي لا يسمي استعمالا كوضعها في الرفوف للزّينة، أو تزيين المساجد و المشاهد بها أو اقتنائها من غير انتفاع بها ففي حرمته اختلاف لا يبعد عدمها.

و أما الثالث: فالذي يظهر من الأصحاب تحريم الاستعمال و التصرف أو الأكل و الشرب، دون الكراهة بل هو المشهور بينهم، و في الجواهر لا أجد فيه خلافا، و في التحرير انه حرام عندنا، و في المنتهي انه حرام عند علمائنا و عند الشافعي و المالك، نعم قد وقع في كلام الشيخ النهي عن الأكل و الشرب خاصة.

الآية

الآية في اللغة بمعني العلامة، و اللفظ مهموز الفاء معتل العين و اللام يائيا، و لم يتعرض أكثر أهل اللغة لمشتقات الكلمة لكن ذكروا أن الآية هي العلامة الظاهرة الملازمة لشي ء غير ظاهر، فمتي أدرك أحد الظاهر أدرك الآخر الذي لم يدرك بذاته، كالعلم الملازم للطريق و المصنوع الحاكي عن الصانع، و هي من التأيّي أي التثبّت فإن العالم بها يصل إلي المدلول و يثبت، و بهذا الاعتبار أطلقت علي آيات القرآن الكريم، و ذكر في اللغة أيضا أن الآية مقدار من الحروف و الكلمات منفصل عما قبله و بعده في اللفظ، و بهذا المعني أيضا تطلق علي آيات الكتاب هذا بحسب اللغة.

و قد كثر استعمالها في لسان الشرع

و المتشرعة في خصوص الآيات القرآنية المعروفة

مصطلحات الفقه، ص: 32

و لعلّها تنصرف عند الإطلاق أيضا إليها، و وقعت موضوعا للأحكام الواجبة و المندوبة في موارد من الفقه كآيات السجدة، و آية الكرسي، و آية المباهلة، و آية التيمم، و آية الزكاة، و آية الخمس، و آية النور، و آية الربا، و آية الإنذار، و آية البيوت و غيرها.

و قد ورد في الشرع صلاة واجبة خاصة منسوبة إلي الآية اللغوية مسببة عن حدوثها، و هي نوع خاص من الصلوات الواجبة بكيفيّة معيّنة و أجزاء و شرائط محدودة ذكرناها تحت عنوان صلاة الآيات فراجع.

الإبراء

مفهوم الكلمة في اللغة و العرف بيّن و أبرأ اللّه المريض شفاه و أبرأه من الدين و التهمة جعله بريئا و خلّصه. و الإبراء في مصطلح الفقهاء عبارة عن إنشاء خاص إيقاعي استقلالي من أظهر مصاديق الإيقاع، في مقابل الإنشاء العقدي المفتقر إلي ضم إنشاء أخر، و محل اعماله في الغالب موارد اشتغال الذمة بالديون المالية و الحقوق القابلة للسقوط و الإسقاط، كإبراء المشتري سلما ذمة البائع من المبيع، و البائع نسيئة ذمة المشتري من الثمن، و الزوجة ذمة الزوج من الصداق، و المضمون له ذمة الضامن، و المحتال ذمة المحال عليه، و المكفول له ذمة المكفول، و كإبراء حق القصاص، و حق الدية، و حق القسم للزوجة و حق النفقة للزوجة و العمودين و هكذا.

و يظهر من كلمات الأصحاب أنه يشكل صحة الإبراء، عن العين الخارجية كإبراء المغصوب منه الغاصب عن العين، و كذا صحة الإبراء عن الحقوق المتعلّقة بالعين كحق غرماء الميت المتعلق بتركته و حق التحجير و حق الرهانة، و كذا الإبراء المتعلّق بالديون غير الثابتة مع تحقق مقتضيها، كإبراء

العامل ذمة الجاعل قبل العمل، و المريض ذمة الطيب قبل العلاج، بل و إبراء الديون الثابتة غير المستقرة كإبراء الزوجة ذمة الزوج عن جميع المهر قبل الدخول، و لا يخفي عليك صحة الإبراء في بعضها و الإشكال في بعضها الآخر و التفصيل في الفقه.

مصطلحات الفقه، ص: 33

الإبل و الناقة و البعير و الجمل

في المجمع: الإبل بكسرتين جمع لا واحد لها من لفظها و هي مؤنثة لأن أسماء الجموع التي لا واحد لها من لفظها إذا كان لغير الآدميين فالتأنيث لها لازم، و يقال للذكر و الأنثي منها بعير انتهي. و في المفردات: الإبل يقع علي البعران الكثيرة و لا واحد له من لفظه و البعير معروف يقع علي الذكر و الأنثي كالإنسان في وقوعه عليهما و جمعه أبعرة و أباعر و بعران انتهي.

و الناقة الأنثي من الإبل جمعها ناق و نوق و أنوق، و في المجمع: ان الجمل بالتحريك هو الذكر من الإبل و جمعه إجمال و جمال و جمالات بالكسر انتهي.

و يعرف من الجميع أن اللفظ العام المستعمل في المفرد و الجمع من هذا النوع الشامل لأصنافه هو البعير نظير الإنسان بالنسبة لأصنافه، و الإبل جمع لا واحد له، و الناقة مختصة بالأنثي و الجمل مختص بالذكر. و كيف كان فقد وقع هذا النوع من الأنعام علي اختلاف أسمائه مورد البحث في أبواب من الفقه:

منها باب الزكاة: فذكروا فيه ان الإبل إحدي الأنعام الثلاثة التي تعلق بها الزكاة و ان لتعلّقها بها شروطا مذكورة تحت عنوان الزكاة.

و منها باب الحج: فإن الإبل فيه أحد الأنعام الثلاثة التي أوجب اللّه نحرها أو ذبحها في حج التمتع، و التي جعلت مقرونة للإحرام أو جعل إشعارها أو تقليدها عقدا للإحرام في حج

القران و تفصيل ذلك في عنوان الهدي.

و منها أبواب الديات بجميع أقسامها، كانت دية قتل النفس عمدا مع المصالحة أو خطأ أو دية الأطراف كالجناية علي العين و الاذن و الأنف و اللسان و اليد و الرجل و غيرها، أو دية المنافع كإزالة العقل و السمع و البصر و الشم و الذوق و غيرها، فإن الشارع قد جعل الدية في الجميع أحد المقادير الستة علي نحو التخيير و إن اختلفت كمّا و كيفا و هذا النوع من الأنعام أعني الإبل أحدها، و تلك المقادير عبارة عن مائة إبل، و مائتي بقرة، و ألف شاة، و مائتي حلة، و ألف دينار، و عشرة آلاف درهم.

مصطلحات الفقه، ص: 34

و قد وقعت علي نحو التعيين دية في الشجاج أعني الجراحة المختصة بالرأس ففي الحارصة بعير و في الدامية بعيران و في المتلاحمة ثلاثة أبعرة و في السمحاق أربعة و في الموضحة خمسة و في الهاشمة عشرة و في المنقلة خمسة عشر و في المأمومة ثلاثة و ثلاثون بعيرا و تفصيل حال الأسباب يطلب في عنوان الدية.

ابن السبيل- في الزكاة

ابن السبيل في اللغة و العرف بمعني المسافر، و الإطلاق كنائي لملازمة الشخص للطريق ملازمة الابن أباه، و في المجمع: ابن السبيل الضيف و المنقطع به و أشباه ذلك و فيه أيضا أن ابن السبيل هم أبناء الطريق الذين يكونون في الأسفار في طاعة اللّه فيقطع عليهم و يذهب ما لهم، فعلي الإمام أن يزوّدهم من مال الصدقات، و في النهاية: انه المسافر الكثير السفر سمي ابن السبيل لملازمته إياها انتهي.

هذا و قد أكثر الأصحاب استعمال ابن السبيل في الفقه في باب الزكاة و أرادوا به قسما من المعني اللغوي له قيود

خاصة ينصرف إطلاقه إليه عندهم، و هو أحد الأصناف الثمانية التي شرعت لهم الزكاة و فسروه بأنه هو المسافر الذي نفدت نفقته أو تلفت راحلته بحيث لا يقدر علي السير و ان كان غنيا في وطنه، بشرط عدم تمكنه من الاستدانة أو بيع شي ء مما يملكه، و أن لا يكون سفره معصية، بل و لا ان يكون نفسه في معصية كعمال الظلمة، و ذكروا انه ليس منه من أراد السفر و لم يكن متمكنا منه.

هذا و لكن ليعلم ان كلمة السبيل قد ذكرت في الكتاب الكريم في أكثر من مائة و سبعين موردا لم يرد بها السبيل الحسّي الخارجي إلّا في موارد معدودة لم تبلغ عشرة، و المورد الأكثر هو السبيل المعنوي، كالاعتقاد بأصول العقائد و الاتصاف بفضائل الأخلاق و الاعتياد بصالح الأعمال و بذل النفس و المال في مرضاته تعالي، و ما أشبه ذلك مما يعد سبيلا معنويا إلي قربه تعالي.

بل الظاهر أن معناها اللغوي أعم من الحسي و المعنوي، و حينئذ فنقول: ان عنوان ابن

مصطلحات الفقه، ص: 35

السبيل قد وقع في الكتاب الكريم موضوعا للحكم في موارد لعلها تبلغ خمسة، و قد حث اللّه تعالي علي التوجه إليه و بذل المال له، فجعل له سهما من الأخماس في باب الخمس، و من الصدقات في باب الزكاة، و جعله أحد الموارد للإنفاق علي من ينبغي الإنفاق عليه، و حث علي إتيان حقه مقرونا بذي القربي و المساكين، و لو فرضنا إعطاء جميع حقه له بلغ سهمه من الخمس و الصدقات و الإنفاقات مقدارا لا يعلمه إلا اللّه، مع انه بالمعني الذي ذكروه قليل المصداق جدا، بل يمكن دعوي عدم تحقق مصداق له في عصرنا

هذا، و عليه فمن البعيد جدا تشريع المقدار المذكور سهما لهذا العنوان مع ان المشرّع هو الحكيم تعالي.

و علي هذا فنقول: ان من القريب ان يحمل السبيل علي المعني الأعم من الحسّي و المعنوي و هو السالك سبيل الدين و علومه من أصوله و فروعه و سائر فنونه، مما يحتاج إليه المسلمون و يفتقر تحصيله إلي النفقة و صرف المال، بل و يقرب احتمال شموله لطالب العلوم المختلفة الدنيوية مما يتوقف عليه قوام الأمة الإسلامية، و يأتي في جميع فروضه الشروط السابقة من عدم تمكّنه من النفقة و عدم كون السفر معصية خارجا و قصدا، و مع الشروط يكون للإمام أن ينفق عليه بما رآه صلاحا.

ابن السبيل في الخمس

هو في اللغة بمعناه الذي ذكر تحت عنوانه في مستحق الزكاة، و يستعمل في باب الخمس في مصداق خاص من معناه اللغوي يغاير المراد منه في المستحقين للزكاة أو يباينه، و ذلك لاشتراكه معه في بعض الشروط، نظير كونه ممن نفدت نفقته أو تلفت راحلته و لا يقدر معه علي السير، و عدم كون سفره في معصية و لا كون نفسه في معصية كأعوان الظلمة و أصحاب الشغل و المهن في دولة الكفر و الجور، و افتراقه عنه في بعضها الآخر كاشتراط كونه ممن انتسب من طرف الأب إلي هاشم بن عبد مناف جدّ النبي الأعظم صلّي اللّه عليه و آله من غير فرق بين كونه علويا أو عقيليا أو عباسيا أو جعفريا أو نوفليا أو لهبيا، و كونه مؤمنا معتقدا بالولاية.

مصطلحات الفقه، ص: 36

ثم ان الحال الملحوظ لهذا العنوان في الفقه هو كونه أحد الأصناف الثلاثة الذين يستحقون الخمس لما ذكروا في بابه بأنه ينقسم إلي ستة أقسام

أحدها لابن السبيل المذكور، هذا و قد عرفت معني ابن السبيل في عنوان مستحقي الزكاة و ذكرنا في باب الخمس انه بجميع أقسامه لذي القربي و هو الإمام المعصوم، و بعده لمن نصبه لولاية الأمر، و الطوائف الثلاث يستحقون منه بمقدار حاجتهم و سد خلّتهم من دون أن يملكوا سهما منه كملكية الرسول و ذي القربي، فراجع عنوان الخمس.

الإجارة

الإجارة في اللغة مصدر- أجر الرجل علي عمله يأجره مهموز الفاء إذا كافأه و أثابه عليه، و آجر الرجل مؤاجرة اتخذه أجيرا، و أجر الدار إيجارا إكراها، و في المجمع: آجر فلان فلانا إذا أخدمه بأجرة و الإجارة هي العقد علي تملك منفعة بعوض معلوم انتهي.

و الإجارة قد استعملت في الفقه و ألسنة الفقهاء في عقد خاص بحيث صارت حقيقة فيه. لكن الظاهر أنه ليس معني مباينا لمعناها اللغوي بل هو أخص منه بإضافة قيود و شروط بل الظاهر أن عقد الإجارة كان من أقدم العقود التي يحتاج إليه الناس، و لعلّه كان أقدم من اختراع الألفاظ و وضعها للمعاني.

و كيف كان فقد عرّفها الفقهاء بتعاريف مختلفة متقاربة المفهوم، و حيث ان متعلّقها، تارة النفس، و اخري العين الخارجية فلا جرم عرّفوها بتعريف ذي شقين.

و أحسن التعاريف أن يقال إنها تسليط الغير علي النفس ليتملك عملها بعوض، أو علي العين ليمتلك منافعها كذلك، و إن شئت قلت: إنها تمليك عمل أو منفعة بمال. فعلم من ذلك ان الإجارة عقد من العقود المعاملية تشتمل علي إنشاءين مرتبطين، إنشاء ابتدائي من طرف ينشأ بالإيجاب و إنشاء مطاوعي من آخر ينشأ بالقبول.

و قد ذكروا ان أركان ماهيّتها ثلاثة:

مصطلحات الفقه، ص: 37

الأول: الإيجاب و القبول، و الثاني: المتعاقدان، و الثالث:

العوضان.

و يعتبر في الأول شروط العقد التي ذكرناها تحت عنوان العقد و في الثاني البلوغ و العقل و الاختيار و عدم الحجر لسفه أو فلس في طرفي المعاملة.

و في الثالث شروط بعضها خاص لهذا الباب و بعضها عام. و منها الملكية فيهما بأن يكون الموجر مالكا للعمل أو المنفعة أو مسلطا عليهما و كذا الأجرة من طرف المستأجر. و منها كون العمل أو المنفعة مباحا في الشريعة، فلا تصحّ إجارة الإنسان للعمل المحرم من قتل نفس محقونة، أو إتلاف مال محترم و إجارة الدار للانتفاع المحرّم بها.

ثم انه ذكر الأصحاب ان الإجارة من العقود اللازمة، لا تنفسخ إلّا بالتقايل أو شرط الخيار كانت عقدية أو معاطاتية، بل و لا تنفسخ ببيع المالك للعين بعد عقد الإجارة، و لا بموت أحد الطرفين و يجري فيها خيار العيب، و الغبن، و الاشتراط، و تبعّض الصفقة، و تعذّر التسليم و غيره.

و أنه بمجرد تمامية عقدها يملك المستأجر العمل و المنفعة في تمام المدة ملكية مستقرة، فالمملوك كلي اعتباري متدرج التحقق، و الملكية المتعلقة بها كذلك، و قبضها بالتسلط علي العين، و يملك الموجر الأجرة متزلزلة و تستقر باستيفاء العمل أو المنفعة قضاء لحق المعاوضة. فأصل الملكية للطرفين موقوف علي تمامية العقد و جواز المطالبة لكل منهما موقوف علي تسليم ما عنده، و استقرار ملكية الأجرة موقوف علي استيفاء العمل أو المنفعة.

و أن العين المستأجرة و هي موضوع المنفعة أمانة بيد المستأجر فلا يضمن إلّا بالتعدّي أو التفريط كما ان العين مورد العمل أمانة بيد الأجير كذلك و هي كالثوب بيد الخياط و الصبي بيد الختّان و المريض بيد الجراح و أدوات الصوت كالراديو و التلفزيون بيد من يريد

إصلاحها.

مصطلحات الفقه، ص: 38

الأجمة

الأجمة بالتحريك الشجر الملتف، و في الروضة و الروض هي الأرض المملوّة من القصب، و نحوه، و علي أي تقدير يراد بها غير المملوكة منها، و جمع أجمة أجم كقصبة و قصب و جمع الجمع آجام بمد الألف.

و قد وقع البحث عن الكلمة في الفقه في كتاب الخمس في باب الأنفال و وقع البحث عنها بنحو الإجمال أيضا في كتاب إحياء الموات، أما الأول: فذكروا فيه أن الأجمة داخلة في الأنفال و هي ملك للإمام بعنوان إمامته كسائر أقسام الأنفال و لا فرق بين الملتف بالشجر أو القصب بل و لا بين كون المراد الأرض الملتفة أو نفس الأشجار و القصب بعد كون المحل أيضا غير مملوك لأحد فيكون للإمام و فروع المسألة مذكورة تحت عنوان الأنفال.

و أما الثاني: فالمذكور هناك أن الأجمة من قبيل الأرض العامرة بالأصالة، فهي كالموات بالأصالة، يجوز لكل أحد إحياءها و تملّكها بإذن الإمام، مع حضوره و بسط يده، و مطلقا في زمان الغيبة مع عدم وجود المنصوب في زمانها أو عدم بسط يده، و الكلام فيه في كتاب إحياء الموات.

تنبيه: ذكروا انه يدل علي كون الأجمة للإمام مرسلة حمّاد المعروفة المعتبرة عن العبد الصالح قال: و له رؤوس الجبال و بطون الأودية و الآجام (وسائل الشيعة، أبواب الأنفال ب 1، ح 2) و في خبر آخر الأنفال بطون الأودية و رؤوس الجبال و الآجام (ح 37) و في آخر الأنفال منها المعادن و الآجام.

الاحتكار

الحكر بالفتح في اللغة الظلم، و التنقيص، و إساءة العشرة مع الغير، و اللّجاجة، و الاستبداد بالشي ء، و جمع الشي ء و حبسه للغلاء، و الحكر و الحكرة بالضم اسم مصدر منه، و الاحتكار افتعال منه،

و قد كثر استعماله في الفقه أو صار اصطلاحا في حفظ أموال خاصة و حبسها و استبقائها انتظارا للغلاء مع حاجة الناس إليها و عدم باذل لها غيره،

مصطلحات الفقه، ص: 39

و هذا يناسب جميع المعاني اللغوية المذكورة لأنه نوع من الظلم و تنقيص للغير نفسا و مالا و إساءة العشرة له و لجاجة و استبداد مذموم، و قد وقع البحث في تعيين ما يتحقق فيه الاحتكار و اختلف فيه الأقوال فالمشهور أن الاحتكار حبس الغلات الأربع مع السمن، و عن الصدوق إضافة الزيت إلي الخمس، و عن المفيد أنه احتكار الأطعمة، و عن أبي الصلاح أنه احتكار الغلات، و عن عدة إضافة الملح إلي الخمسة الأولي، و يظهر من البعض انه حبس كل ما يحتاج إليه العموم طلبا للغلاء و زيادة في الثمن، و لعل هذا أوجه الأقوال في المسألة بمقتضي التأمل في أخبار الباب و لحاظ ملاك الحكم.

و أما الحكم المجعول له في الشريعة، ففيه اختلاف أيضا فعن بعضهم كونه مكروها شرعا، و عن آخرين الإفتاء بحرمته و لا يخلو عن رجحان، و ذكروا ان هنا قيودا داخلة في موضوع الحكم و هي كون الاستبقاء لغرض الغلاء، و وجود حاجة الناس إلي المال و عدم وجود باذل له، فمع انتفاء كل واحد منها ينتفي موضوع الاحتكار لغة أو اصطلاحا، لكن قد جعل بعض الأصحاب الموضوع مطلق الحبس و جعل الأمور الثلاثة من شروط حرمته، و ذهب بعضهم أيضا إلي أن الاستبقاء في الغلاء ثلاثة أيام و في الرخص أربعون يوما و هو محمول علي مقدار الحاجة.

الإحرام

الإحرام في اللغة مصدر أحرم الشي ء جعله حراما، و إطلاقه علي أول عمل من أعمال الحج و العمرة

لأنه يحرم الناسك علي نفسه محرمات الإحرام، و في المجمع الإحرام مصدر أحرم الرجل يحرم إذا أهلّ بالحج أو العمرة، و الإحرام توطين النفس علي اجتناب المحرّمات من الصيد و الطيب و النساء و لبس المخيط و أمثال ذلك انتهي.

و كيف كان فقد كثر استعمال الإحرام في لسان الشرع و ألسنة الفقهاء، أو صار مصطلحا فقهيا، في معني عبادي خاص وقع في الشريعة موضوعا لأحكام كثيرة و موردا للبحث في الفقه، إلّا أنه قد اختلف كلماتهم في بيان حقيقة هذا المعني، فقيل تارة إن الإحرام عبارة عن ترك أمور معينة منع الشارع عنها و أمر بتركها بنية التقرب، فهو أمر

مصطلحات الفقه، ص: 40

عدمي مشروط بأمر وجودي، و قد يقال إنه عبارة عن كف النفس عنها مع نية القربة فهو أمر وجودي و إن تعلق بالأعدام، أو انه توطين النفس علي الترك مع النية، لكن الظاهر ان الإحرام عبارة عن الممنوعية الاعتبارية، فالمحرم يوجد لنفسه تلك الحالة و ينشأها بنيّتها و التلفظ بالتلبيات تقربا إلي اللّه، فإذا نوي ذلك و لبي اعتبرت تلك الحالة في حقه فيقال إنه أحرم أو صار محرما و هي موضوع لترتب حرمة الأمور المعهودة، و يمكن تحققها مع عدم العلم بها تفصيلا و العلم الإجمالي بها حاصل غالبا لو قلنا به، و قد أشرنا إلي شي ء من ذلك في عنوان الصوم.

ثم إنهم ذكروا أن واجبات الإحرام ثلاثة:

الأول: قصد الإحرام المندرج فيه التقرب و الإخلاص و تعيين صنف العبادة التي هو جزء منه كالحج و العمرة، و تعيين كونه لنفسه أو غيره و كونه حجة الإسلام أو غيرها و لا يعتبر قصد ترك المحرمات تفصيلا بل و لا إجمالا إذا قصد أصل

الإحرام كما هو الصادر من أكثر العوام.

الثاني: التلبيات الأربع و صورتها علي ما ذكره الأكثر: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبّيك، و الأحوط أن يضاف: إن الحمد و النعمة لك و الملك لا شريك لك لبيك.

الثالث: لبس الثوبين بعد التجرد عما يحرم لبسه علي المحرم، يتّزر بأحدهما و يتردّي بالآخر، و ظاهرهم كون لبسهما واجبا تعبديا مستقلا و ليس شرطا في صحة الإحرام فلو تركهما عامدا لم يبطل، و لا يشترط الطهارة حاله فيجوز و لو في حال الجنابة و الحيض.

محرّمات الإحرام

ثم إنهم ذكروا للإحرام محرمات، و هي الأفعال التي نهي اللّه عنها حال الاشتغال بهذه العبادة الخاصة، إما بان يكون تركها جزءا من العمل العبادي الذي تعلق به الأمر علي احتمال ضعيف، أو يكون قيدا له، أو يقال إن أغلب تلك المنهيات محرمات مستقلة عند تقارنها لحالة الإحرام، و ان فرضنا ترك بعضها جزءا أو قيدا أيضا كالجماع في إحرام الحج قبل الوقوف لبطلان العمل بذلك و هذا أرجح.

و كيف كان فهي عبارة عن الأمور التالية:

مصطلحات الفقه، ص: 41

الأول: صيد البرّ فيحرم الاصطياد و ذبح الصيد و أكله تكليفا، و يفسد القتل و الذبح وضعا بمعني كون الحيوان المصطاد ميتة، و يحرم الفرخ منه و البيض.

الثاني: النساء زوجة أو غير زوجة وطأ و تقبيلا و لمسا و نظرا و تمتّعا بكل ما فيه تلذذ و شهوة، و إن طاوعته فلكل حكمه من الحرمة و الكفارة حسبما ذكر تحت عنوان الكفارة.

الثالث: إيقاع العقد علي المرأة دواما أو متعة لنفسه أو لغيره و لو كان محلا، و الشهادة علي العقد إقامة لا تحملا، فيبطل العقد و تحرم المعقودة علي المحرم في عقده لنفسه أبدا

مع علمه بالحكم، و يبطل من غير تحريم مع الجهل و يترتب الكفارة أيضا.

الرابع: الاستمناء باليد أو بأي وسيلة، و الأحوط انه يبطل به ما يبطل بالجماع.

الخامس: الطيب بأنواعه حتي الكافور صبغا و إطلاء و بخورا، و يجب الاجتناب عن الرياحين أي كل نبات له رائحة طيبة، و لا يجوز الإمساك عن الرائحة الخبيثة و لو استعمل الطيب وجبت الكفارة.

السادس: لبس الثوب المتعارف للرجال كالقميص و السراويل و القباء و نحوها و لو المنسوج منها. و كذا القلنسوة و نحوها، و يجوز للنساء لبس أي لباس شاءت إلا القفّازين و لا بأس بما يحفظ به نقوده كالهميان و لو خالف كفّر.

السابع: الاكتحال بالسواد للزينة رجلا كان المكتحل أو امرأة و لو اضطرّ إليه جاز و ليس فيه كفّارة.

الثامن: النظر في المرآة رجلا أو امرأة و لا كفّارة فيه.

التاسع: لبس ما يستر جميع ظهر القدم كالجورب و الحذاء و نحوهما، للرجال دون النساء، و لا كفّارة لو خالف.

العاشر: الفسوق كالكذب و السباب و المفاخرة، و لا كفّارة لو خالف.

الحادي عشر: الجدال بقول لا و اللّه و بلي و اللّه في إثبات أي أمر كان أو نفيه و بأي لسان كان، و لو جادل كفّر.

الثاني عشر: قتل هوام الجسد من القملة و البرغوث و نحوهما و إلقائها و كذا هوام جسد سائر الحيوانات و لا كفّارة فيه.

مصطلحات الفقه، ص: 42

الثالث عشر: لبس الخاتم للزينة لا للاستحباب أو الخاصية و ليس فيه كفّارة.

الرابع عشر: لبس المرأة الحلي للزينة، و لا بأس بما كانت معتادة به قبل الإحرام لكن يحرم إظهاره للرجال حتي الزوج و ليس فيه كفّارة.

الخامس عشر: التدهين و إن لم يكن فيه طيب و لا بأس

بأكل الدهن.

السادس عشر: إزالة الشعر كثيره و قليله حتي شعرة واحدة عن الرأس و اللحية و سائر الجسد بحلق أو نتف أو استعمال نورة، و لا بأس عند الضرورة و لا بما يسقط حال الوضوء و الغسل و فيها الكفارة لو ارتكب.

السابع عشر: تغطية الرجل رأسه بكل ما يغطيه بل الأحوط ان لا يضع علي رأسه شيئا غير الثوب أيضا، و لا يجوز ارتماس الرأس في الماء و لا تغطيته عند النوم و لو فعله غفلة أزاله فورا، و لا بأس بوضع الرأس علي المخدة و لا بتغطية الوجه و تجب فيها الكفارة مع العلم و العمد.

الثامن عشر: تغطية المرأة وجهها بنقاب و نحوه، و يجب عليها ستر رأسها و لا كفّارة فيها.

التاسع عشر: التظليل حال السير فوق الرأس للرجال دون النساء، سواء كان بالمحمل أو السيّارة أو القطار أو الطائرة أو السفينة، و لا بأس به في المنزل كمني أو عرفات فيجوز الاستظلال تحت الخيمة و نحوها و أخذ المظلّة حال المشي إلي المذبح أو الجمرات، و الظاهر عدم البأس بذلك في الليل فيجوز الستر فيه في الطائرة و السيارة، و إذا اضطرّ إليه جاز و كفّر.

العشرون: إخراج الدم من بدنه بالخدش و المسواك و قلع الضرس، و لا كفّارة في ذلك و لا بأس بإخراجه من بدن الغير بقلع ضرسه مثلا.

الحادي و العشرون: قلم الأظفار كلّا أو بعضا من اليد و الرجل بأية آلة كانت و فيه الكفّارة لو خالف و لو اضطرارا.

الثاني و العشرون: قلع الضرس و لو لم يدم و هذا احتياط.

مصطلحات الفقه، ص: 43

الثالث و العشرون: قلع شجر الحرم و حشيشه و فيه الكفّارة.

الرابع و العشرون: لبس السلاح كالسيف و

الخنجر و الطبنجة و نحوها من آلات الحرب إلا لضرورة.

الإحصار و الصد

الحصر في اللغة التضييق يقال حصره أي ضيق عليه و أحاط به و أحصره المرض حبسه و منعه، و في المفردات الحصر و الإحصار المنع من طريق البيت فالاحصار يقال في المنع الظاهر كالعدو و المنع الباطن كالمرض، و الحصر لا يقال إلا في المنع الباطن، فقوله تعالي فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فمحمول علي الأمرين انتهي. و في مجمع البحرين الحصر الضيق و الانقباض و قوله تعالي (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) أي منعتم من السير من أحصره المرض منعه من السفر أو من حاجة يريدها، و منه رجل أحصر من الحج أي منع بمرض و نحوه و الإحصار عند الإمامية يختص بالمرض، و الصد بالعدوّ و ما ماثله، و إن اشترك الجميع في المنع من بلوغ المراد.

و الصدّ في اللغة المنع و الصرف يقال صده عن السبيل أي منعه و صرفه عنه و صدها ما كانت تعبد من دون اللّه أي منعها.

ثم ان الظاهر ان الكلمتين متقاربتا المعني من حيث اللغة بل يمكن استعمال كل منها في محل الآخر و ما ذكره في المفردات من اختصاص الحصر بالمنع الباطن عن طريق البيت و جعل الإحصار أعم من الحصر لا يطابق كلمات أهل اللغة.

و أما في اصطلاح الفقه و المتشرعة بل و في اصطلاح الشرع و أهل البيت أيضا كما يظهر من التصريح به في نصوص أبواب الحج، ان الحصر و الإحصار عبارة عن ممنوعية المعتمر أو الحاج عن نسكه الذي شرعه بواسطة المرض و نحوه، و الصدّ عبارة عن منعه بسبب العدو و نحوه، قال في المسالك: إن اختصاص الحصر بالمرض هو الذي استقر عليه

رأي أصحابنا و وردت به نصوصهم و هو مطابق للّغة أيضا، قال في الصحاح: أحصر الرجل

مصطلحات الفقه، ص: 44

علي ما لم يسمّ فاعله، أحصره المرض إذا منعه من السفر أو من الحاجة انتهي. و عند العامة الحصر و الصدّ واحد من جهة العدو.

ثم انهم ذكروا انّه تظهر الثمرة بين الاصطلاحين في موارد و لعل أجمع الكلم في ذلك ما ذكره في المسالك قال: و اعلم ان الحصر و الصد اشتركا في ثبوت أصل التحلل عند المنع من إكمال النسك في الجملة و اختلفا في مواضع تذكر في تضاعيف الباب و جملتها ستة أمور:

الأول: عموم التحلل و عدمه، فإن المصدود يحل له بالمحلل كل شي ء حرّمه الإحرام، و المحصر ما عدا النساء بل يتوقف حلّهن علي طوافهن.

الثاني: في اشتراط الهدي و عدمه، فإن المحصر يجب عليه الهدي إجماعا و هو منصوص الآية، و في المصدود قولان و إن كان الأقوي مساواته في ذلك.

الثالث: في مكان ذبح الهدي فإن المصدود يذبحه أو ينحره حيث وجد المانع و لا يختص بمكان، و المحصر يختص مكانه بمكة ان كان في إحرام العمرة و بمني إن كان في إحرام الحج.

الرابع: قدر المحلل فإن المحصر لا يحل إلا بالهدي و الحلق و التقصير عملا بالآية، و في افتقار المصدود إلي أحدهما قولان و إن كان الأقوي الافتقار.

الخامس: ان تحلل المصدود يقيني لا يقبل الخلاف فإنه يفعله في مكانه، و المحصر تحلله بالمواعدة الممكن فيها غلطها.

السادس: فائدة الاشتراط فإنها في المحصر تعجيل التخلل و في المصدود ما تقدم من الخلاف في انه هل يفيد سقوط الهدي أو كون التحلل عزيمة أو رخصة أو مجرد التعبد.

(ج 1 ص 128).

الإحصان

حصنت المرأة في اللغة

كانت عفيفة، و أحصنت المرأة تزوجت أو عفت، و أحصن المرأة زوّجها فهي محصنة بفتح الصاد، و أحصن الرجل تزوج، و المحصنات تطلق علي

مصطلحات الفقه، ص: 45

الحرائر و المتزوجات. و في النهاية أصل الإحصان المنع و المرأة تكون محصنة بالإسلام و بالعفاف و بالحرية و بالتزويج، يقال أحصنت المرأة فهي محصنة و محصنة و كذلك الرجل، و الحصان بالفتح المرأة العفيفة انتهي. و في المفردات و يقال امرأة محصن و محصن فالمحصن يقال إذا تصور حصنها من نفسها و المحصن يقال إذا تصور حصنها من غيرها انتهي.

أقول لم تستعمل الكلمة وصفا للرجل في الكتاب الكريم إلّا بصيغة الفاعل و للمرأة إلّا بصيغة المفعول، و كيف كان فالإحصان و إن لم يثبت له حقيقة شرعية أو متشرعية و ليس له معني اصطلاحي إلّا انه قد أطلق في موارد من أبواب الفقه علي معني خاص و كثر استعماله فيه و رتب عليه حكم أو أحكام.

فمنها باب الحدود حيث ان صفة الإحصان قد لو حظت في باب الزنا سببا لترتب حكم خاص و عقوبة شديدة علي المحصن، فكل من الزانية و الزاني إذا كان محصنا استحق الرجم و إلا استحق الجلد، و عمدة الكلام في المقام تشخيص المراد منه مع كثرة محتملاته، و الأصحاب ذكروا انه يعتبر في تحقق الإحصان الموجب للرجم أمور، منها البلوغ و العقل و الحرية و منها ان يكون له فرج مملوك بالعقد الدائم أو بالملك، و المتعة محل خلاف. و منها ان يتحقق منه الوطء و منها ان يكون متمكنا منه يغدو عليه و يروح، و علي هذا فالأولي في تعريف إحصان الرجل ان يقال انه عبارة عن تسلط البالغ العاقل الحر علي

فرج محلل له بنكاح دائم أو ملك يمين أو متعة سلطة تامة في الغدو و العشي مع تحقق الوطء خارجا، و في إحصان المرأة انه عبارة عن كونها بالغة عاقلة حرة مزوجة دائمية أو انقطاعية مدخولا بها يتمكن زوجها منها غدوا و رواحا. فإذا تحقق الزنا منها أو منه بعد حصول صفة الإحصان ثبت حكم الرجم عليهما. و لا يعتبر في الإحصان الإسلام فالكافر الواجد للشروط المذكورة يرجم و الكافرة الواجدة لها ترجم إذا رجعا إلينا في إجراء الحد.

و منها باب حد القذف، و الإحصان في هذا الباب يغاير الإحصان في الزنا موضوعا و حكما، فإنهم ذكروا انه يشترط في ترتب حد القذف علي القاذف إحصان المقذوف، و عرفوا الإحصان فيه بأنه عبارة عن البلوغ و العقل و الحرية و الإسلام و العفة فلو قذف

مصطلحات الفقه، ص: 46

صبيا أو مجنونا أو عبدا أو كافرا أو متظاهرا بالزنا و اللواط لا يحد، و لا يسوغ القذف لو كان متظاهرا بغير الزنا و اللواط من المعاصي غير متظاهر فيهما.

و منها باب حدّ اللواط فإنهم و ان ذكروا ثبوت القتل به للفاعل و المفعول من غير فرق في اللائط و الملوط بين كونه محصنا أو غير محصن، إلا انه لا يبعد كون الإحصان شرطا في ثبوت القتل علي اللائط فلو كان غير محصن لم يقتل بل يجلد.

الإحياء

حي يحيي حياة في اللغة من باب علم ضد مات، و أحياه جعله حيا و أحيي الأرض أخصبها، و حيّاه تحية قال له حيّاك اللّه أي أطال اللّه عمرك، و في المفردات ما خلاصته ان الحياة تستعمل علي أوجه الأول للقوة النامية الموجودة في النبات و الحيوان، الثاني للقوة الحساسة و

به سمي الحيوان حيوانا، الثالث للقوة العاملة العاقلة، الرابع الحياة الأخروية الأبدية، الخامس الحياة التي يوصف بها الباري تعالي انتهي.

أقول لم يذكر الراغب حياة بعض الجمادات كالأرض فإن لها أيضا نوع حياة لقوله تعالي (فَإِذٰا أَنْزَلْنٰا عَلَيْهَا الْمٰاءَ اهْتَزَّتْ وَ رَبَتْ وَ أَنْبَتَتْ) فالاهتزاز و الربو و الإنبات حياة لها و هنا حياة أخري للمجتمع الإنساني غير ما ذكر أيضا و لعل منها قوله تعالي (اسْتَجِيبُوا لِلّٰهِ وَ لِلرَّسُولِ إِذٰا دَعٰاكُمْ لِمٰا يُحْيِيكُمْ) و قوله (وَ لَكُمْ فِي الْقِصٰاصِ حَيٰاةٌ يٰا أُولِي الْأَلْبٰابِ) و لكن الجميع غير الحياة التي أريد بالعنوان.

و كيف كان للاحياء عند العرف و في اصطلاح الفقهاء معني آخر لعله غير تلك المعاني و إن كان من مصاديق الحياة الكلية و هو عبارة عن إعداد الأرض الموات و تهيئتها للانتفاع بها بعد ما لم تكن كذلك، و هذا هو الذي وقع مورد البحث عند الفقهاء، في كتاب إحياء الموات و رتب عليه أحكام في الشريعة تكليفا و وضعا.

و المرجع فيه إلي العرف و تختلف مصاديقه باختلاف الأغراض فإن الإحياء لكل شي ء بحسبه، فمن أراد البستان أو الزراعة كفي في صدق الإحياء أحداث المرز و المسنّاة و رفع

مصطلحات الفقه، ص: 47

الموانع و تهيئة الماء، و من أراد إحداث الدار كفاه إصلاح الأرض للشروع في البناء و هكذا، و لا يشترط في الإحياء فعليّة الانتفاع بل هي من آثاره.

ثم ان حكم الإحياء تكليفا، هو الاستحباب بطبعه الأولي، و قد يترتب عليه الوجوب لعارض، بل الظاهر وجوبه كفاية شرعا و عقلا لما علم من ان اللّه تعالي حيث خلق الإنسان و أسكنه هذه الأرض أراد منه عمارتها قال تعالي: (هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَ اسْتَعْمَرَكُمْ

فِيهٰا) و حكمه وضعا كونه سببا لملكية المحيي لما أحياه مع شرائطه.

و حيث ان الأحياء يتعلق بالأرض و ما عليها تعرضوا في مقام تبيين معناه، لأقسام الأرضيين علي الإجمال، ثم لشرائط وقوع الأحياء و صحته، ثم للآثار المترتبة عليه بعد تحققه.

أما الأول: فقد ذكروا تحت عنوان الأرض إلي أنه تنقسم بالانقسام الأوّلي إلي أربعة أقسام، الموات بالأصالة، و الموات بالعرض، و العامرة بالأصالة، و العامرة بالعرض فذكروا انّ الصالح للإحياء منها هو القسم الأول ثم الثاني، و اما الثالث فيجوز الانتفاع به و تملكه إلّا انه لا يتحقق الأحياء فيه، و اما الرابع فهو لمعمّره و مالكه لا يجوز لأحد التصرف فيه، و الموات التي كانت جزءا من الأرض المفتوحة عنوة حال الفتح حكمها كسائر أقسام الموات يجوز إحياؤها بشرائطه.

و أما الثاني: فقد ذكروا للاحياء شروطا لعلها تبلغ ثمانية بعضها مورد وفاق الأصحاب و بعضها مورد خلافهم.

أولها: قصد التملك عند العمل و مع عدمه لم يملك و قيل بعدم اشتراطه و أنه يحصل الملك و لو لم يقصد التملك لأنه من آثار نفس العمل، لكن لا يبعد القول بأنه يشترط ان لا يقصد عدمه.

ثانيها: إذن الإمام بعد فرض كون جميع الأرض له بعنوان إمامته و ولايته علي الناس، و حينئذ فإن كان حاضرا في المجتمع و أمكن الاستيذان منه وجب ذلك، كان مبسوط اليد أم لا، و إن لم يكن حاضرا أو لم يمكن الاستيذان منه فالظاهر أنه لا إشكال في

مصطلحات الفقه، ص: 48

جواز الإحياء و حصول الملكية موقتا ما دام الأمر كذلك، و في حكم الإمام نائبه الخاص أو العام في لزوم الاستيذان مع الإمكان و عدمه مع عدمه.

ثالثها: أن لا يكون عليها يد

مسلم أي يد محكومة بالصحة فإنه لو أحرز كونها تحت يد شخص أو أشخاص مع عدم العلم ببطلان أيديهم فتركوها لعذر أو غيره حتي ماتت كان مانعا عن الإحياء نعم لو علم بطلان اليد جاز الإحياء.

رابعها: أن لا يكون محجرة للغير فإن سبق تحجيره يمنع من احياء غيره.

خامسها: أن لا يكون حريما لعامر كحريم الدار و القرية و العين و البئر و غيرها فإن ذلك يفيد أولوية أربابها للحريم و أحقيتهم و إن لم يفد الملك، و هذان الشرطان يمكن إدخالهما تحت الشرط السابق إلا أنهم أفردوهما بالذكر.

سادسها: أن لا يكون مما قد سماه الشرع مشعرا و جعله موضعا للعبادة كأرض عرفة و المشعر و مني و غيرها من المساجد و الأوقاف العامة القربية للعبادات، و الوصايا كذلك، فلا يجوز إحياؤها كلا أو بعضا و لو بالمقدار الذي لا يضر المتعبدين و الناسكين علي اختلاف في بعض المشاعر بالنسبة للتصرف في شي ء يسير منه.

سابعها: أن لا يكون مما أقطعه الإمام لأحد كما أقطع النبي صلّي اللّه عليه و آله قطائع لعدة من الأصحاب و لو كانت خالية غير محياة و لا محجرة و لا معلّمة، فإنه يفيد أحقيّة المقطع له فيمنع غيره، و لو أ قطعها الإمام لواحد و أذن في إحيائها لآخر فإن كان إمام الأصل كان الثاني هو المقدم و إن كان النائب عنه احتمل تقدم كل واحد منهما.

ثامنها: أن لا يحميها الإمام لنفسه أو لغيره، بأن يجعلها حمي لمواشيه أو لمواشي الصدقة أو خيول المجاهدين، و نظير ذلك تعيينها محلا للسيارات العسكرية و الأدوات الحربية الساكنة و المتحركة و مطارا للطائرات العسكرية و نحو ذلك، فإن الحمي كالإقطاع يفيد الأحقية لمورد الغرض،

ثم ليعلم أنهم ذكروا أن للموات أحكاما ثلاثة: الإحياء و الإقطاع و الحمي فجعل عدم الأخيرين شرطا للأول فيه مسامحة لاشتراط كل منها بعدم سبق غيره لكن الأول كلي و الأخيرين خاصان.

مصطلحات الفقه، ص: 49

و أما الثالث: و هو أحكام الإحياء فقد ذكروا ان من آثاره و أحكامه المترتبة عليه تحقق الحريم له في الغالب، و الحريم عبارة عن مقدار من الأرض و المكان يلازمه التصرف في المكان المحيي و يحتاج إليه تمام الانتفاع به، و يختلف ذلك زيادة و نقيصة و قربا و بعدا، و هو و إن كان أمرا عرفيا إلا انهم ذكروا في الفقه لذلك بعض المصاديق كحريم الدار، و حريم البئر، و العين، و القناة، و النهر المحدث، و القرية، و البستان، و الطريق، و المطار، و نحوها، و الأشهر ان الحريم يكون ملكا لمالك ذي الحريم و قد يقال بكونه أحق بذلك من دون ملكية فهو كالمحجر، و هو إنما يلاحظ في الأرض الموات و لا حريم في ملك الغير أو متعلق حقه.

تنبيه: ذكر الأصحاب أنه لا إحياء للمعادن الظاهرة و هي التي يبدو جواهرها من غير عمل و سعي، كالملح و الكبريت و الموميا و القير و حجر الرحي و المرمر مما كان ظاهرا، فلا يجري فيها إحياء و لا تحجير فإنه مقدمة للاحياء بل يجوز لكلّ أحد الأخذ منها و هو حيازة و ليس له منع غيره، و قد يقال انه لم يبق للمعادن الظاهرة في هذا الزمان مصداق و للكلام محل آخر. و أما المعادن الباطنة و هي التي يحتاج إظهار جواهرها إلي العمل و السعي، كالذهب و الفضة و الحديد و النحاس و سائر الجواهر المبثوثة

تحت الأرض و في داخل التراب، فهي قابلة للإحياء و يتحقق إحياؤها بانتهاء السعي و التنقيب إلي جوهرها فما لم يبلغ فالعمل تحجير فإذا بلغ تحقق الإحياء و ملك المحيي الجوهر، و هذا نظير البئر فما لم تبلغ الماء فالعمل تحجير و بعد البلوغ صدق الإحياء و ملكية الماء، و بعض الكلام في المقام مذكور تحت عنوان المعدن و الشركاء.

الأذان و الإقامة

في المجمع: الأذان بفتح الفاء لغة في الإعلام و الإجازة إما من الإذن بمعني العلم أو من الإذن بمعني الإجازة و علي التقديرين إما أصله الإئذان كالأمان بمعني الإيمان و العطاء بمعني الإعطاء أو هو فعال بمعني التفعيل كالسلام و الكلام بمعني التسليم و التكليم، و شرعا ألفاظ

مصطلحات الفقه، ص: 50

متلقّاة من الشارع انتهي. و في النهاية: الأذان هو الإعلام بالشي ء يقال أذن يؤذن إيذانا و أذّن يؤذّن تأذينا و المشدّد مخصوص في الاستعمال بإعلام وقت الصلاة انتهي. و الإقامة في الأصل الإدامة.

و كيف كان فالأذان في اصطلاح الشرع و الفقهاء عبادة قولية خاصة مشروعة من قبل الشارع مقدمة عبادية ندبية للصلوات اليومية و عبادة مستقلة في موارد معدودة، و كذلك الإقامة بعينها. و قد وقع البحث عنهما في الفقه في كتاب الصلاة تارة في موارد تشريع الأذان أو تشريعهما معا و أخري في بيان حقيقتهما المجعولة الواصلة إلينا من الشرع، و ثالثة في موارد سقوط الأذان من مواقع التشريع، و رابعة في مواطن سقوطهما معا، و خامسة في شرائطهما المجعولة من الشرع.

أما الأول: و هو مواطن التشريع فهي كثيرة أو لها مبادئ أوقات الفرائض اليومية فقد شرع فيها أذان الإعلام بملاك إعلام الناس بدخول أوقاتها و تنبيههم بتوجه خطابها و دعوتهم إلي إقامتها، تشهد

به السيرة المتصلة إلي زمن المعصوم، بل الضرورة من الدين و النصوص الكثيرة.

و ثانيها: عند إقامة إحدي الصلوات اليومية فقد شرع اللّه تعالي الأذان و الإقامة حينئذ قبل الدخول فيها تشريعا ندبيا راجحا مؤكد الرجحان من غير فصل معتدّ به بينهما و بين الصلاة لا سيما الإقامة، في أي وقت أراد إقامتها، و هنا خلاف في أصل تشريعهما لبعض الصلوات الخمس مذكور في محله و لا يشرعان في غير اليومية من الصلوات واجبة كانت أم مندوبة.

ثالثها: حين ولادة المولود يوم تولده أو قبل أن تسقط سرّته، فإنه يستحب حينئذ أن يقرأ الأذان في أذنه اليمني و الإقامة في أذنه اليسري.

رابعها: عند كون الإنسان في الفلوات مع وحشته عن غير الإنسان من الأجنّة و الأرواح الخبيثة، فقد ورد استحباب ان يؤذّن المستوحش حينئذ رجاء دفع أذاهم.

خامسها: إذا ترك الإنسان أكل اللحم أربعين يوما أو إذا ساء خلق الإنسان أو ساء

مصطلحات الفقه، ص: 51

خلق الدابة فإنه يستحب قراءة الأذان في أذانهم.

أما الثاني: فقد ذكروا ان فصول الأذان ثمانية عشر و هي: اللّه أكبر أربع مرات، أشهد أن لا إله إلا اللّه مرتين، أشهد أن محمدا رسول اللّه (ص) مرتين، حيّ علي الصلاة مرتين، حيّ علي الفلاح مرتين، حيّ علي خير العمل مرتين، اللّه أكبر مرتين، لا إله إلا اللّه مرتين، و فصول الإقامة سبعة عشر نظير الأذان، مع إسقاط تكبيرتين من أوله و تهليل واحد من آخره و إضافة قد قامت الصلاة مرتين بعد حيّ علي خير العمل، و ترجع حقيقتهما إلي تكرير الأخبار عن كبرياء ذاته تعالي و تكرير الإقرار بالشهادتين و دعوة العامة إلي الصلاة التي هي الفلاح و خير الأعمال و تتميمها بالتهليل.

ثم ان

الشهادة بالولاية و إمرة المؤمنين لعلي (ع) ليست من الأذان و لا من الإقامة لكن لا بأس بها فيهما لا سيما في أذان الإعلام لا بقصد الجزئية بل عملا بعمومات إظهار الحق و الإقرار بالولاية و إبراز المودة للقربي.

و أما الثالث: فقد ذكروا أن الأذان يسقط في موارد أحدها في عصر يوم الجمعة إذا جمعت مع الجمعة أو الظهر لا مع التفريق، ثانيها في عصر عرفة إذا جمعت مع الظهر لا مع التفريق، ثالثها في العشاء ليلة المزدلفة مع الجمع أيضا، رابعها في العصر و العشاء للمستحاضة التي تجمع بين الصلاتين، خامسها عن المسلوس و نحوه إذا اضطر إلي الجمع.

و أما الرابع: فيسقطان معا عن الداخل في الجماعة إذا أذّنوا و أقاموا، و عن الداخل في المسجد للصلاة منفردا أو جماعة و قد تمت الجماعة و فرغوا و لم يتفرق الصفوف، و ذكروا للسقوط هنا شروطا، و عن المستمع لأذان الغير أو إقامته علي إشكال فيه، و عن الحاكي لأذان الغير أو إقامته فله أن يكتفي بهما.

و أما الخامس: فقد ذكروا انه يشترط في الأذان و الإقامة أمور، الأول نيّة التقرب لكونهما عبادة و في وجوبها في آذان الإعلام إشكال، الثاني الترتيب بين الآذان و الإقامة بتقديم الأول علي الثاني، الثالث الموالاة بين الفصول فيهما علي وجه تكون الصورة محفوظة، الرابع دخول الوقت فلا تصحّان قبله، الخامس الطهارة في الإقامة.

مصطلحات الفقه، ص: 52

الارتداد

مفهوم الارتداد في اللغة معلوم فإنه عبارة عن الرجوع عن الشي ء و الانصراف عنه، يقال ارتد عن كذا إذا رجع عنه، و هو في اصطلاح الشرع و المتشرعة عبارة عن رجوع المسلم علما اختاره من الاعتقاد بالإسلام و اختياره الكفر بعده، سواء

لم يكن إسلامه مسبوقا بالكفر أو كان مسبوقا به، و هو من أفحش أنواع الكفر و أغلظها و أعظمها ظلما و عقوبة، لا سيما في المرتد الفطري و لا سيما إذا خرج إلي الزندقة و نفي المعبود أو الإشراك به تعالي و نعوذ باللّه من الجميع، و قد رتّب عليه في الشرع أحكام كثيرة تكليفية و وضعية و وقع الكلام فيه في الفقه في أمور: بيان حقيقته، و طريق ثبوته، و أقسامه و أحكامه.

أما حقيقة الارتداد فيظهر من الأصحاب أنها عبارة عن إنكار المسلم قلبا لما يجب الاعتقاد به أو اعتقاده بما يجب الاعتقاد بعدمه، بل و تردّده في بعض الأصول الاعتقادية مع عدم اعتنائه بإزالة شكّه، فهو أمر باطني قلبي، و قد يقال بانطباقه علي الفعل الخارجي أحيانا كما ستعرف.

و يكفي في إثباته إقراره علي نفسه بالخروج عن الإسلام و انتحاله بعض أنواع الكفر و بقيام البينة علي ذلك و بكل فعل عمدي دل علي الاستهزاء بالدين و الاستهانة بالإسلام و الإعراض عنه، كإلقاء المصحف في القاذورات و تمزيقه و وطئه بالأرجل و استهدافه إهانة، و تلويث الكعبة المعظمة أو أحد الضرائح المقدسة بالقاذورات، و السجود للصنم و الشمس و نحوهما و نعوذ باللّه من جميعها و يثبت الارتداد أيضا بالنسبة لذي مذهب خاص إنكار بعض ضروريات ذلك المذهب كإنكار الإمامي أحد الأئمة عليهم السلام أو عدالته و إنكاره المتعة و نحو ذلك.

و أما أقسامه فقد ذكروا أن الارتداد علي قسمين، الأول ارتداد من ولد علي الإسلام بمعني كون أحد أبويه أو كليهما مسلما حال انعقاد نطفته مع قبوله الإسلام بعد بلوغه أو بعد تمييزه ثم ارتدّ عنه، فلا يكفي الارتداد عن الإسلام التبعي

فقط و قيل بكفاية مجرّد ولادته علي الإسلام فإذا ارتد كان ارتداده عن فطرة قبل الإسلام بنفسه أم لا و هو ضعيف،

مصطلحات الفقه، ص: 53

و يسمي هذا بالمرتد الفطري لأنه رجع عن مقتضي فطرته و هو التوحيد و أصول الدين لقوله تعالي (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللّٰهِ الَّتِي فَطَرَ النّٰاسَ عَلَيْهٰا) فرجع عنه بعد أن توجه إليه و قبله.

الثاني: الارتداد عن الإسلام المسبوق بالكفر الأصلي و يسمي الشخص بالمرتد الملي، لانه ارتد عن الملة الحنيفية الإلهية التي انتحلها بدعوة الأنبياء.

و أما الأحكام المترتبة علي الفطري فهي طوائف: الأولي: الأحكام التكليفية و الوضعية التي رتبت في الشريعة علي الكافر بعنوانه الأعم الشامل للمرتد و غيره: من حرمة نفس الكفر، و نجاسة بدن الكافر، و كفر أولاده تبعا، و حرمانه عن إرث المسلم، و حرمة تزويجه المسلمة، و غير ذلك مما ذكر تحت عنوان الكفر. الثانية: الأحكام المترتبة علي خصوص المرتد عن فطرة و هي ستة: حرمة نفس ارتداده تكليفا حرمة مؤكدة مغلظة، و استحقاقه القتل، و عدم قبول توبته في الجملة، و خروج زوجته عن حبالته، و لزوم اعتدادها عدّة الوفاة، و انتقال أمواله إلي وارثه و الظاهر أن هذه الأحكام لا خلاف فيها عند الأصحاب بل ادعي عليها الإجماع بقسميه. الثالثة: قبول توبته بالنسبة لترتب أحكام الإسلام الكلية عليه من طهارة بدنه و جواز نكاحه المسلمة و إرثه من المسلم و غيرها و إن لم تقبل بالنسبة لإسقاط قتله و رجوع زوجته إليه بالعقد السابق و رجوع أمواله الموروثة، و هذه الأحكام تختص بالفطري و لا تعم الفطرية كما ستعرف.

و أما الأحكام المترتبة علي المرتد الملي فهي حرمة نفس ارتداده كما سمعت، و انفساخ

نكاح زوجته، و لزوم اعتدادها من حين ارتداده عدة الطلاق، و وجوب استتابته بإمهاله ثلاثة أيام فإن أسلم فيها رجعت إليه و إلا قتل، و ورثه أرحامه، و المرتدة مطلقا فطرية أو ملية بحكم المرتد الملي و لكن لا قتل لها، و أموال الملي باقية علي ملكه فيؤخذ منها نفقة عياله ما دام حيا، و غير البالغين من أولاده بحكم المسلم فلا يتبعونه في الارتداد فإذا بلغوا اختاروا.

مصطلحات الفقه، ص: 54

الارتماس

الرمس في اللغة التغطية و الدفن يقال رمسه أي غطّاه و دفنه، و ارتمس في الماء انغمس، و في المجمع: رمست الميت رمسا من باب قتل دفنته، و الصائم يرتمس و لا ينغمس كأن المراد يغمس بدنه و لا يغمس رأسه انتهي. و ليس للفظ معني اصطلاحي خاص بل هو بمعناه اللغوي وقع في الفقه مورد البحث تارة:

في الغسل فذكروا ان الغسل علي قسمين ترتيبيّ و ارتماسيّ و كلاهما صحيحان تامان، و الثاني هو الدخول في الماء دفعة واحدة عرفية بحيث ينغمس تمام البدن فيه، و ذكروا انه يقع علي نحوين بل أنحاء: ارتماسيّ تدريجي و هو قصد كون أول الغسل من حين وصول أول جزء من البدن إلي الماء و آخره دخول آخر الجزء فيه، و ارتماسيّ دفعي و هو قصد حصول الغسل في آن تمامية غمس البدن في الماء، أو قصد الغسل دفعة بعد حصول تمام البدن تحت الماء، و الكلام فيه مذكور تحت عنوان الغسل.

و أخري في أجزاء الغسل الترتيبي أي جواز غسل كل عضو من أعضائه برمسة في الماء.

و ثالثة في أجزاء الوضوء بجواز غسلها برمس كل عضو من أعضاء الغسل في الماء بقصد غسله مع رعاية كون الغسل من

الأعلي.

و رابعة في باب الصوم فعدّوا الارتماس فيه من مبطلاته لكن المراد به في هذا الباب غمس خصوص ما فوق الرقبة من الرأس في الماء و إن كان سائر الجسد خارجا عنه من غير فرق بين الرمس دفعة أو تدريجا لكن بحيث يحصل تمام الرأس في الماء في زمان واحد، و المبطل غمس الرأس في الماء المطلق لا في المضاف و لا في غير الماء من المائعات.

الإرث و الميراث و الفريضة

ورث يرث إرثا و وراثة و تراثا المال من فلان انتقل إليه ماله بالموت، و ورث الرجل مالا جعله له ميراثا، و الإرث و التراث و الميراث تركة الميت جمعها مواريث، و في المجمع:

و تأكلون التراث أكلا لمّا، التراث بالضم ما يخلفه الرجل لورثته، و أصله الواو أي الوارث

مصطلحات الفقه، ص: 55

فقلبت الواو تاء انتهي. و في المفردات: الوراثة و الإرث انتقال قنية إليك من غيرك من غير عقد و لا ما يجري مجري العقد، و سمي بذلك المنتقل عن الميت فيقال للقنية الموروثة ميراث و إرث، و تراث أصله وراث فقلبت الواو تاءا و يقال ورثت مالا عن زيد و ورثت زيدا انتهي.

و كيف كان الإرث أما مصدر و هو انتقال المال من الميت إلي الحي أو نفس المال المنتقل إليه، و يطلق عليه بالمعني الثاني الفرائضة أيضا و هي التي قد يصدر بها كتاب الإرث يريدون بها السهام المفروضة أي المقدّرة المقطوعة، أو السهام الواجبة بتشريع اللّه تعالي أو السهام المعطاة للوارث بيد الشارع.

ثم إنه وقع البحث عن الإرث و الميراث في الفقه بل البحث عنهما من مهام الأبحاث الفقهية و قد أشير في الشريعة إلي نفس التوارث، و إلي أسبابه و مقتضياته، و إلي موانعه،

و إلي مقادير السهام، و الأصناف المستحقين لها، و إلي ما يلحق بذلك من المقاصد.

أما الأول: فالظاهر الذي لا ينبغي الريب فيه كون التوارث بين الأحياء و الأموات أمرا عقليا أمضاه الشارع و جعله من أمهات الفروع الدينية أما كونه عقليا فلأن الوارث في الجملة وجود بقائي للميت كالولد بالإضافة إلي الوالد، فاللازم كون تركته له لا لغيره من الأجانب، مع أنه لو لم يورث الأرحام و الأقارب يدور أمر التركة بين إتلافها أو إعطائها الأجانب البعداء، و كلاهما غير مرضي عند العقل، و أما كونه عقلائيا فقد جرت سيرتهم بذلك بلا إشكال منذ خلق اللّه الناس و قضي بينهم بالموت، و أما كونه ممضي من الشرع فلقوله تعالي (لِلرِّجٰالِ نَصِيبٌ مِمّٰا تَرَكَ الْوٰالِدٰانِ وَ الْأَقْرَبُونَ وَ لِلنِّسٰاءِ نَصِيبٌ مِمّٰا تَرَكَ الْوٰالِدٰانِ وَ الْأَقْرَبُونَ مِمّٰا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً) (النساء 7) و قد أشير في الآية الشريفة إلي أصل التوارث و لزوم كونه بين الأرحام و الأقارب و شموله للقليل من التركة و الكثير منها.

و أما الثاني: أعني أسباب التوارث و مقتضياته فقد قسموه أولا إلي نسب و سبب و الأول: عبارة عن اتصال أحد الشخصين بالآخر بالولادة أما بانتهاء أحدهما إلي الآخر أو بانتهائهما إلي ثالث، و هو ينقسم إلي ثلاث مراتب المرتبة الأولي الأبوان و الأولاد و ان نزلوا، المرتبة الثانية الأجداد و الجدات و إن علوا و الأخوة و الأخوات و أولادهم و ان

مصطلحات الفقه، ص: 56

نزلوا، المرتبة الثالثة الأعمام و العمات و الأخوال و الخالات و أولادهم و ان نزلوا، و الثاني:

عبارة عن اتصال أحدهما بالآخر بزوجية أو ولاء و هو بفتح الواو القرب و الدنو، و المراد هنا

تقرب أحد شخصين بالآخر بطريق غير النسب و الزوجية، و هو ثلاثة أقسام ولاء العتق، و ولاء ضمان الجريرة، و ولاء الإمامة.

و أما الثالث: أعني الموانع و يطلق عليها الحواجب أيضا، فقد ذكروا أنها علي قسمين: قسم يمنع عن أصل التوارث و يسمي حجب الحرمان و قسم يمنع عن استحقاق الزيادة و يسمي حجب النقصان. و حجب الحرمان أربعة:

الأول الكفر فلا يرث الكافر من المسلم و إن كان أقرب الأرحام منه و يختص إرثه بالمسلم و إن كان أبعدهم فلو مات المسلم و له ابن كافر و أخ أو عم مسلم ورثة الأخ أو العم دون الابن، بل لو كان له ابن كافر و ليس له مناسب أو مسابب غير الإمام عليه السلام ورثه الإمام.

الثاني: القتل فلا يرث القاتل من تركة المقتول إذا قتله عمدا و ظلما، و يرثه ان قتله بحق كما إذا كان قصاصا فلو قتل أحد الأخوين الآخر فاقتص الأب من ابنه القاتل ورثه، و كذا لو قتله حدا أو دفاعا أو خطاء محضا، و أما شبه الخطأ كان أراد الأب تأديب ابنه فمات ففي إرثه منه خلاف أظهره ذلك.

الثالث: التولد من الزنا فكل رحم انتسب إلي رحمة بالزنا لا يرث منه فالمتولد من الزانيين لا يرثهما و لا يرثانه، و لو كان أحدهما زانيا دون الآخر كما إذا وطئها عن شبهة أو إكراه أو اضطرار أو غيرها لم يرث الزاني و ورث غيره، و لو مات ولد الزنا لم يرثه أبواه، و ورثته زوجته و ولده، و ليس المتولد من الوطء حال الحيض أو في نهار شهر رمضان أو في حال الإحرام بحكم الزنا، فيتوارثان.

الرابع من الموانع اللعان فلو رمي الزوج

زوجته بالزنا أو نفي ولده اللاحق به شرعا و لم تكن له بينة فلاعنها عند الحاكم بطل النكاح و انتفي السبب بين الأب و الولد و لم يتوارثا.

راجع اللعان.

و أما حجب النقصان أي ما يمنع عن بعض الإرث فقد ذكروا أنه أمور منها: قتل الخطأ

مصطلحات الفقه، ص: 57

محضا و شبه الخطأ فإنه يمنع القاتل عن خصوص الدية دون التركة فلو قتل الولد أباه خطأ و لم يكن للأب ولد غيره و كان له عم ورث تركة أبيه و أدي الدية إلي عمه، و منها وجود الأكبر من أولاد الميت فإنه يمنع الباقين عن الحبوة خاصة دون غيرها. و منها وجود الولد مطلقا فإنه يمنع كلا من الزوجين عن النصيب الأعلي إلي غير ذلك.

و أما الرابع: و هو مقادير السهام و من يستحقها فالسهام المفروضة التي بينها اللّه تعالي في كتابه الكريم ستة: النصف و الربع و الثمن، و الثلثان و الثلث و السدس، و هذه المقادير مما اخترعه الشارع و أنشأه و تعبّد به في مقام توارث الأرحام و المتيقن تشريعها في هذه الشريعة، و قد عينها اللّه تعالي للأرحام قريبهم و بعيدهم، و لا حظ حال قرب الرحم و بعده في زيادة الحظ و نقصه، و قد يعبر عن تلك السهام بأنها النصف و نصف النصف و نصفه و الثلثان و نصفهما و نصف نصفهما، و في المسالك: ان أخصر العبارات عنها ان يقال هي الربع و الثلث و ضعف كل و نصفه.

و كيف كان فالنصف للبنت الواحدة إذا لم يكن معها غيرها، و للأخت الواحدة للأبوين أو للأب فقط، و للزوج إن لم يكن للزوجة ولد.

و الربع للزوج إن كان للزوجة ولد و

للزوجة إن لم يكن للزوج ولد.

و الثمن للزوجة إن كان للزوج ولد، و الثلثان للبنتين فصاعدا مع عدم الابن للميت، و للأختين فصاعدا للأبوين مع عدم وجود الأخ للأبوين أو للأب مع عدم الأخ لأب.

و الثلث للأم إن لم يكن للميت ولد و لم يكن له أخوة متعددون، و للأخ و الأخت من الأم مع التعدد.

و السدس للأب مع وجود الولد، و للأم مع وجود الحاجب و هو الولد أو الأخ أو الأخت مع التعدد.

مصطلحات الفقه، ص: 58

الأرض

الأرض في اللغة و العرف معروفة و هي موطن الإنسان و مأواه و محلّ موته و محياه منذ خلقه اللّه منها و برأيه، أو منذ أهبطه اللّه إليها و أنزله، و هي كرة من الكرات الدائرة السائرة في الجو و جزء من أجزاء المنظومة الشمسية التي نحن فيها، تدور حول الشمس في كل سنة مرة واحدة يسمي دورانها ذلك بالحركة الانتقالية و ينتزع منها السنة الشمسية، و تدور حول نفسها في كل أربعة و عشرين ساعة مرة واحدة يسمي بالحركة الوضعية و ينتزع منها الليالي و الأيام، و تتكرر حركتها الوضعية في مدة حركتها الانتقالية ثلثمائة و خمسا و ستين مرة و تتحصل منها أيام السنة الشمسية، و وجود انحراف مّا في ناحية قطبيها سبب لتولد الفصول الأربعة طول السنة الشمسية.

ثم إنه ليس للكلمة اصطلاح خاص شرعي أو فقهي إلا أنه يقل استعمالها في نفس الكرة الدائرة و يكثر استعمالها في وجهها و ظاهرها و قطعاتها التي يسكنها الإنسان و يتصرف فيها.

و تنقسم بهذا اللحاظ إلي أقسام كثيرة حسب اختلاف الحوادث المستندة إليها، و قد وقع كل قسم منها موردا للحكم في الشريعة و موضوعا للبحث في

الفقه، و جملة ما يظهر لنا من حيث كرؤيتها و من حيث سطحها و قطعاتها المختلفة، الأقسام التالية ذكرها أكثر الأصحاب في مواضع مختلفة من الفقه.

القسم الأول: الأرض من حيث انتساب الزمان الشمسيّ إليها بأيّامه و لياليه و شهوره و أعوامه، لتولدها من حركاتها كما عرفت و يرتب عليها بهذا اللحاظ أحكام كثيرة في الشريعة تعرف بالمراجعة إلي عنوان الوقت و الزمان و الشهر و السنة.

القسم الثاني: الأرض الموات بالأصالة و هذا العنوان أحد العناوين الأربعة التي تعرض علي الأرض بلحاظ عدم سبق يد أحد عليها بالعمارة و سبقها، و العناوين هي الموات بالأصالة، و العامرة بالأصالة، و العامرة بالعرض، و الموات بالعرض، و ملاك القسمة انه اما أن لا تصل يد الإنسان العامرة إليها أو تصل، و علي الأول فاما ان لا يكون لها في نفسها حياه أو تكون، و علي الثاني اما ان تدوم اليد عليها أو تزول. ثم انه لا فرق في

مصطلحات الفقه، ص: 59

هذا القسم بين ما علم عدم سبق يد عليها أو لم يعلم أو علم السبق و لكن لم يبق منهم شخص و لا عنوان، و المذكور عند أصحابنا ان هذا من الأنفال و هي للإمام و يجوز إحياؤها لكل أحد.

القسم الثالث: الأرض العامرة بالأصالة علي ما عرف و ذكروا ان حكمها حكم الموات بالأصالة، و حيث أنها محياة بالذات معدة للانتفاع فتملّكها يحصل بتحجيرها أو بالاشتغال بالانتفاع بها.

القسم الرابع: الأرض المحياة بالعرض و هي الأملاك الفعلية للأشخاص فاما ان تكون للمسلم أو للكافر، و المسلم اما ان يكون قد تملكها بالإحياء أو بالشراء و نحوه و لكل قسم حكم مذكور في باب الأحياء.

القسم الخامس: الأرض التي عرض عليها

الممات بعد الحياة و هي أما ان تكون الحياة السابقة بالأصالة لا من معمر أو تكون من معمر بالإحياء فعلي الأول فهي باقية علي حالتها الأولي و علي الثاني ففي رجوعها إلي حالتها الأصلية و عدمه اختلاف مذكور تحت عنوان الإحياء.

القسم السادس: الأرض المفتوحة عنوة و هي التي يأخذها المسلمون من الكفار بالحرب و إيجاف الخيل و الركاب، و هي لجميع المسلمين من زمان التسلط عليها إلي آخر الدنيا و ليست مختصة بالعسكر المحاربين، و لا بإمامهم المتصدي لأمرهم، نعم الظاهر من الأصحاب الاختلاف في كون خمسها أيضا للإمام، هذا في العامرة من أرض الكفار و أما الغامرة أي الموات فالظاهر بقاؤها علي حكمها الأصلي.

القسم السابع: الأرض الميتة بالفعل التي علم لها مالك مجهول و الظاهر ان أمرها بيد الإمام.

القسم الثامن: الأرض التي تركها مالكها المعلوم حتي صارت ميتة.

القسم التاسع: الأرض العامرة التي لا رب لها بالفعل كما إذا مات أهلها بالحوادث و الزلازل فبقيت أملاكهم الأرضية، و الظاهر انها من قبيل تركة من لا وارث له فيكون من الأنفال و يملكها الإمام.

مصطلحات الفقه، ص: 60

القسم العاشر: الأرض الحادثة المستجدة في دار الإسلام أو دار الكفر، كجزيرة ظهرت في وسط البحر أو النهر الكبير، أو ظهرت في شطوط البحار و الأنهار مما كانت تحت الماء قديما و هي من الأنفال.

القسم الحادي عشر: الأرض المفتوحة عنوة بيد المسلمين من غير إذن الإمام و الظاهر انها من الأنفال.

القسم الثاني عشر: الأرض المفتوحة عنوة بإذن الإمام مع كونها من قطائع الملوك و هي من الأنفال و أمرها بيد الإمام.

القسم الثالث عشر: الأرض التي أسلم أهلها عليها طوعا و هي و إن كانت ملكا لهم و تترك في أيديهم،

إلا انه يظهر من بعض الأصحاب أن لها حكما خاصا كعوده بعد الخراب ملكا لجميع المسلمين.

القسم الرابع عشر: الأرض التي انجلي عنها أهلها و تركوها، و الظاهر أنها من الأنفال و تكون ملكا للإمام.

القسم الخامس عشر: أرض الصلح أي التي صالح أهلها المسلمين علي أن تبقي أرضهم بأيديهم و يعطوا لها الجزية و هذه تسمي أرض الجزية.

القسم السادس عشر: أرض الصلح إذا صالح أهلها المسلمين علي أن تكون للمسلمين و تكون الجزية علي رؤوسهم و حكمها حكم المفتوحة عنوة.

القسم السابع عشر: الأرض الحريم للمحياة كمراتع القري و حريم البئر و نحوها و حكمها حكم ذي الحريم.

القسم الثامن عشر: الأرض المحجرة بيد مسلم أو غيره، و حكمها كونها متعلقة لحق المحجر من دون أن تكون ملكا له، فيملكها ذو الحق بالإحياء دون غيره.

القسم التاسع عشر: الأرض المحبوسة المحررة من قبل اللّه تعالي، كالمشاعر العظام من البيت الحرام، و مني، و المشعر، و عرفات، و كذا مسجد الكوفة، و الأقصي، و المشاهد المشرفة علي الأظهر، و ليس لأحد التصرف فيها بغير العبادة أو التعمير.

مصطلحات الفقه، ص: 61

القسم العشرون: الأرض المحبوسة علي حقوق الناس من قبل الناس، كالمساجد و المدارس و المقابر و الربط و الشوارع و نحوها، و حكمها كسابقها.

القسم الحادي و العشرون: الأرض من حيث وقوع عقد المزارعة عليها، فإن عقدها يشمل علي أركان أربعة: الأرض و البذر و العمل و العوامل، بل الظاهر من تعبيرهم في عقد الزراعة بأنه معاملة علي الأرض بحصة من حاصلها انها أقوي أركانه، و أساس لصحته و ترتب الأثر عليه.

القسم الثاني و العشرون: الأرض من تركة كل ميت له زوجة ترثه فتختص من بين التركة بحرمان الزوجة الدائمة عنها عينا

و قيمة، كانت بياضا أو مشغولة ببناء أو غرس أو غيرها.

القسم الثالث و العشرون: الأرض الطاهرة من حيث كونها مطهرة لبعض النجاسات ذكرها الأصحاب في باب المطهرات فراجع عنوان المطهر.

القسم الرابع و العشرون: أرض المسلمين من حيث كونها امارة لإحراز تذكية اللحم و الجلد المطروحين فيها، فقد ذكروا انها إذا كانت تحت سلطة الدولة الإسلامية حكم بطهارتهما و وقوع الذكاة علي الحيوان الذي انفصلا عنه مع وجود أثر الاستعمال فيهما.

القسم الخامس و العشرون: أرض الكفار من حيث كونها امارة لإحراز كون اللحم و الجلد المأخوذين منها ميتة غير محلّلة، و هي مقدمة علي الأصل.

القسم السادس و العشرون: أرض المسلمين و الكفار من حيث كونها امارة علي حكم اللقيط المتخذ منها، ففي دار الإسلام أي التي كانت تحت سلطة الحاكم الإسلامي و لا يكون فيها كافر إلا و هو ذمي يحكم بإسلام لقيطها، و في دار الكفر النافذ فيها سلطة الكافر يحكم بكفر اللقيط، راجع عنوان اللقيط.

القسم السابع و العشرون: الأرض التي اشتراها الذمي من المسلم، سواء كانت مزروعة أو مسكنا أو دكانا أو غيرها فيجب علي الذمي بذل خمسها للإمام كما أن للإمام أن يطلب خمسها و يأخذه، و تفصيل ذلك تحت عنوان الخمس.

مصطلحات الفقه، ص: 62

القسم الثامن و العشرون: الأرض التي لا يتمكن المسلم فيها من العمل بوظائفه الدينية الواجبة، أصولية كانت أو فروعية، كانت الأرض أرض كفر أو إسلام فإن السير إليها تعرّب بعد الهجرة محرم و في هذا مسامحة، فإن الحكم للمجتمع بل للسائر إليهم لا للمسكن و الكلام فيه تحت عنوان التعرب.

الاستبراء

البرء بالضم و البراء و البراءة بالفتح فيهما في اللغة التخلص من عيب و قذارة و نحوهما، و البري ء

الخالص الخالي، و استبراء طلب البراءة من الدين و العيب و القذارة، و قد كثر استعمال الاستبراء في باب الطهارة أو صار اصطلاحا فيها في عمل خاص تعبّدي مختص بالرجال، يعمل به بعد البول و انقطاع دريرته، و هو وضع الإصبع الوسطي من اليد اليسري علي ما يقرب من مخرج الغائط و المسح إلي أصل الذكر ثلاث مرات، ثم وضع السبابة تحت الذكر و الإبهام فوقه و المسح بقوة إلي رأس الذكر ثلاث مرات، ثم عصر رأس الذكر ثلاث مرات، علي اختلاف في كيفيته و هذا أحسنها، و هو مستحب نفسي أو شرطي، و فائدته علي ما هو المشهور طهارة الرطوبة الخارجة من المخرج بعد البول المشتبهة بين البول و غيره، و عدم ناقضيتها للوضوء بحيث لو لم يستبرئ حكم بكونها بولا فتكون نجسا و ناقضة للوضوء، و ذكروا أيضا أنه لو اشتبهت الرطوبة الخارجة من الآلة بين البول و المني، فإن لم يستبرئ من البول فهو بول يوجب الوضوء فقط و إن كان استبرأ وجب عليه الوضوء و الغسل معا إلي غير ذلك.

ثم إن عنوان الاستبراء مذكور في الفقه أيضا في استبراء الحيوان الجلال و هو المعتاد بأكل عذرة الإنسان، و المراد به هناك منعه عن أكل العذرة و تغذيته علفا طاهرا حتي يزول الاسم، و به يتحقق الاستبراء و ينقلب غير المأكول مأكولا و يترتب عليه جميع آثار المأكول، من حلية لحمه و لبنه و بيضه و طهارة بوله و ورثه. فراجع المطهر الحادي عشر تحت عنوان المطهر.

مصطلحات الفقه، ص: 63

الاستحاضة

الاستحاضة في اللغة استفعال من الحيض اي سيلان دم المرأة، يقال استحيضت المرأة مجهولا أي استمر بها الدم بعد أيام عادتها فهي

مستحاضة، و ظاهرهم عدم وجود البناء للمعلوم منه. و في القاموس: إن المستحاضة من يسيل دمها لا من المحيض بل من عرق العاذل انتهي. و تطلق كثيرا علي نفس الدم الخارج.

و هي في اصطلاح الفقه عبارة عن دم بارد رقيق يخرج بغير قوة و حرقة بعكس الحيض و قد يكون علي صفة الحيض، و ليس لقليله و كثيره حد، بل كل دم ليس من القرح و الجرح و لم يحكم بحيضيته فهو محكوم بكونه استحاضة.

ثم إنهم قسموا الاستحاضة علي ثلاثة أقسام قليلة و متوسطة و كثيرة.

فالأولي: أن تتلوث القطنة التي أدخلها في فرجها من غير غمس فيها، فذكروا ان حكمها وجوب الوضوء عليها لكل صلاة، فريضة كانت أو نافلة و تبديل القطنة أو تطهيرها.

الثانية: أن يغمس الدم في القطنة و لا يسيل إلي خارجها من الخرقة و نحوها، و يكفي الغمس في بعض أطرافها أيضا، و حكمها مضافا إلي ما ذكر في القليلة من تعدد الوضوء و التطهير، الغسل قبل صلاة الغداة.

الثالثة: ان يسيل الدم من القطنة إلي الخرقة، و يجب فيها مضافا إلي ما ذكر غسل آخر للظهرين تجمع بينهما و غسل للعشاءين تجمع بينهما، و يجوز للمستحاضة مع الإتيان بما عليها من الأغسال و غيرها جميع ما يشترط فيه الطهارة حتي دخول المساجد و المكث فيها و قراءة العزائم و مس كتابة المصحف الشريف، و يجوز وطيها أيضا.

الاستحالة

الاستحالة استفعال من الحول و المراد طلب التحول من حال إلي حال أو طلب التنقل من موضع إلي موضع، و قد يطلق علي صيرورة الشي ء محالا غير ممكن يقال استحال

مصطلحات الفقه، ص: 64

الكلام أي صار معناه محالا. و المصطلح عليه في الفقه عبارة عن استحالة

خاصة و هي تحول الأعيان النجسة أو المتنجسة و تبدل حقيقتها النوعية إلي نوع آخر غيرها، و ذكروا أن ذلك من المطهرات و أنها سبب لزوال النجاسة عن العين و عروض الطهارة لها، و كيف كان للاستحالة مصاديق، نظير صيرورة الخشب و نحوه من الأعيان النجسة رمادا أو دخانا، و صيرورة المائع النجس أو المتنجس بخارا، و صيرورة الميتة أو العذرة دودا أو ترابا أو جزءا للبقول و الخضروات و الأثمار، و صيرورة الكلب و الخنزير ملحا إذا وقعا في المملحة، و صيرورة النطفة حيوانا، و الطعام النجس جزءا من بدن المأكول لحمه، و صيرورة أجزاء الميتة أو نجس العين جزءا من بدن الإنسان كما يتفق كثيرا في عصرنا، هذا و أما تبديل الأوصاف و تفريق الأجزاء فلا يكون سببا للطهارة كالحنطة إذا صارت طحينا أو عجينا أو خبزا و الحليب إذا صار جنبا.

تنبيه: ذكروا انه ليس في الأدلة عنوان الاستحالة و لم يقع موضوعا لحكم فليس في الحكم المترتب عليها تعبد، بل لازم انعدام موضوع النجاسة عرفا زوالها عقلا، و اللازم من تحقق موضوع الطهارة حدوثها كذلك، فالضّابط في المقام ان يكون التبدل موجبا لتعدد الموضوع عرفا، و تولد المستحال إليه من المستحال عنه لتشمله أدلة المستحال إليه أو قاعدة الطهارة.

الاستخارة

الخير في اللغة و العرف بيّن و هو مقابل الشر، و خار الشي ء علي غيره فضّله، و استخاره طلب الخير منه، و استخار اللّه العبد فخار له، طلب منه الخير فأولاه.

و كيف كان فقد ذكرت الاستخارة في النصوص و لم تقع في أغلب الكتب الفقهية مورد البحث لعدم تعلق حكم إلزامي بها، و الأحكام المندوبة كثيرة جدا و موضوعاتها غير محصورة، لكن العنوان

له معني آخر عند العرف كان متعارفا في الأزمنة السابقة في الجملة و كثر التوجه إليه فيما يقرب من عصرنا، و هو تحري كشف حال العمل الذي يريد الشخص

مصطلحات الفقه، ص: 65

فعله من حيث الصلاح و الفساد و النفع و الضرر الدنيوية، من طريق التمسك بالمصحف الشريف، و السبحة، و كتابة الرقاع و نحو ذلك، و الصواب في هذا الباب ان يقال انه قد ورد عنوان الاستخارة في نصوص كثيرة يظهر منها سؤالا و جوابا كون المراد المعني الذي ذكرناه و المستفاد من الجميع ان هنا عناوين:

الأول: الاستخارة بمعني طلب الخير لسانا بالقول و الدعاء أو قلبا بالتوجه إلي اللّه و الرجاء عند الإقدام علي عمل لا يعلم حاله، من سفر أو تجارة أو تزويج أو غيرها، ففي أخبار هذا العنوان (فصلّ ركعتين و استخر اللّه فواللّه ما استخار اللّه مسلم إلّا خار له البتة).

الثاني: الاستخارة بمعني فتح المصحف الشريف و استفادة كيفية العمل و عاقبته منه، ففي خبر علي بن اليسع القمي: و افتح المصحف فانظر إلي أول ما تري فيه فخذ به إن شاء اللّه.

الثالث: الاستخارة بالرقاع، و ورد فيها نصوص غير نقية السند و ففي خبر هارون بن خارجة إذا أردت أمرا فخذ ست رقاع فاكتب في ثلاث منها بسم اللّه الرّحمن الرّحيم خيرة من اللّه العزيز الحكيم لفلان بن فلانة افعل، و في ثلاث منها بسم اللّه الرحمن الرحيم خيرة من اللّه العزيز الحكيم لفلان بن فلانة لا تفعل، ثم ضعها تحت مصلاك ثم صل ركعتين فإذا فرغت فاسجد سجدة و قل فيها مائة مرة أستخير اللّه برحمته خيرة في عافية ثم استو جالسا و قل اللّهمّ خر لي و اختر

لي في جميع أموري في يسر منك و عافية، ثم اضرب بيدك إلي الرقاع فشوّشها و اخرج واحدة واحدة فإن خرج ثلاث متواليات افعل، فافعل الأمر الذي تريده، و إن خرج ثلاث متواليات لا تفعل فلا تفعله و إن خرجت واحدة افعل و الأخري لا تفعل فأخرج من الرقاع إلي خمس فانظر أكثرها و اعمل به و دع السادسة لا تحتاج إليها. (الوسائل، ج 8، ص 68).

الرابع: الاستخارة بالسبحة بأخذ قبضة منها و استكشاف الحال بالعدد الموجود فيها، لقوله عليه السلام، بعد بيان أذكار و أدعية: ثم تقبض قطعة من السبحة تضمر حاجة إن كان عدد القطعة زوجا فهو افعل و إن كان فردا لا تفعل. و بالعكس، و في خبر آخر إن كان عدد الحصي و السبحة فردا كان افعل و إن خرج زوجا كان لا تفعل.

الخامس: الاستخارة بالخواتيم، بأن يأخذ خاتمين يكتب في أحدهما افعل و في الآخر

مصطلحات الفقه، ص: 66

لا تفعل، فيخرج أحدهما و قد ذكر في نفس الخبر أن العالم (أي الكاظم عليه السلام) سنّ الرقاع دون هذا.

السادس: الاستخارة بذكر ألفاظ و أذكار مكررا ثم العمل بما يترجح في قلبه و ينقدح في ذهنه بعده، مطلقا أو عند القيام للصلاة، لموثق حسن ائت المسجد فصلّ ركعتين و استخر اللّه مائة مرة ثم أنظر أيّ شي ء يقع في قلبك فاعمل به.

السابع: الاستخارة بالمساهمة و القرعة ففي خبر ابن سيابة قلت له كيف أساهم؟ قال اكتب في رقعة- بعد ذكر دعاء- اعمل بهذا الطرف ثم أكتب في رقعة تلك الأدعية ثم اكتب اعمل بهذا الطرف انتهي.

هذا و لا يخفي عليك ضعف سند أغلب الوجوه المذكورة و المتيقن منها الموافق لأصول المذهب و قواعده

هو الوجه الأول و لا يبعد اعتبار الوجه السادس أيضا.

الاستعاذة

الاستعاذة في اللغة الالتجاء يقال عذت بفلان و استعذت به لجأت إليه، و قد كثر استعمالها في الشرع و عند المتشرعة في قول أعوذ باللّه من الشيطان الرجيم أو ما يشبه ذلك من الكلام، و ذكر الأصحاب انها تستحب بعد الصلاة بعد تكبيرة الإحرام و قبل القراءة، و ينبغي أن تكون إخفاتا و لو كانت الصلاة جهرية.

و يدل عليه قوله تعالي (فَإِذٰا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّٰهِ مِنَ الشَّيْطٰانِ الرَّجِيمِ) و في النصوص تعوذ باللّه من الشيطان الرجيم عند كل سورة تفتحها، و عن أمير المؤمنين عليه السلام أعوذ باللّه أي امتنع باللّه، و انه قد أمر اللّه به عباده عند قراءة القرآن و من تأدب بأدب اللّه أداه إلي الفلاح الدائم (الوسائل ج 6 ص 197).

و لا يبعد استحبابها عند الشروع في كل أمر ذي بال لقوله تعالي (وَ قُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزٰاتِ الشَّيٰاطِينِ وَ أَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ) (المؤمنون 97) و عند وصول وسوسة أو ضرر من الشيطان لقوله تعالي (وَ إِمّٰا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطٰانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّٰهِ) انتهي.

(الأعراف 200).

مصطلحات الفقه، ص: 67

الاستنجاء

الاستنجاء طلب النجو و هو في اللغة ما خرج من البطن من ريح و غائط، و أصله مصدر بمعني الخلاص، و في النهاية يقال أنجي ينجي إذا ألقي نجوه و الاستنجاء استخراج النجو من البطن انتهي. و في المفردات أصل النجاء الانفصال من الشي ء و منه نجي فلان من فلان، و الاستنجاء تحري إزالة النجو انتهي. و المتحصل أن النجو اما بمعني الخلاص أو الانفصال أو ما يخرج من البطن من ريح أو غائط أو بول. و أما الاستنجاء فقد يستعمل بمعني نفس التخلي بلحاظ كونه خلاصا و

انفصالا عن القذرين و استخراجا لهما و قد يستعمل بمعني إزالة البول و الغائط عن المحل بلحاظ تخليص المحل و إزالة القذر عنه بواسطة الماء و غيره، و هذا هو المعني الذي كثر استعمال الاستنجاء فيه و صار مصطلحا عليه عند الأصحاب، يراد به الأعم من إزالة الغائط و البول بالماء و غيره.

و كيف كان فقد وقع الكلام فيه في الفقه في معناه الاصطلاحي، و حكموا بوجوب إزالة البول و الغائط عن محل خروجهما وجوبا غيريا مقدميا لتحصيل شرط الصلاة مطلقا و الطواف الواجب، و هو طهارة البدن.

و يشترط كون الإزالة في البول بالماء و يكفي إزالة الغائط بكل جسم قالع للنجاسة و لا يعتبر التعدد في غسل مخرج البول و إن كان أحوط، و يجب في الغائط ثلاثة أحجار و نحوها، و إن لم ينق المحل فإلي أن يحصل النقاء، و يشترط فيما يستنجي به قالعيته للنجاسة و طهارته.

الاستهلال

أهلّ الهلال في اللغة ظهر، و أهل الرجل الهلال نظر إليه و أهلّ القوم الهلال رفعوا أصواتهم عند رؤيته، و أهل الصبي رفع صوته بالبكاء، و استهل القوم الهلال نظروه و استهل الصبي رفع صوته بالبكاء عند الولادة.

و ليس للاستهلال مصطلح خاص في الشرع الفقه، و قد وقع موضوعا للحكم في الشريعة و مورد البحث في الفقه في موارد:

مصطلحات الفقه، ص: 68

منها: وقوع الحث عليه في أول شهر رمضان و شوال و ذي الحجة، فأوجبه بعض الأصحاب علي الناس كفاية في المشهور المذكورة، و استحبه في غيرها استظهارا لحال الموضوعات الهامة، كالصوم و العيدين و غيرها و للشهادة بذلك عند الحاكم إذا لم يره الغالب و هكذا.

و منها: استهلال المولود عند الولادة، فقد وقع البحث

عنه في باب النكاح و الإرث و الوصية فيما إذا شك في حياة المولود حين الولادة و عدمها، فإذا أحرز حياته كان وارثا لحصته من التركة من مورثه الذي مات قبل ولادته، و كان مستحقا للوصية و نحوها إذا كان هناك وصية أو وقف أو نذر تشمله مع حياته، و كذا يكون موضوعا لبعض الأحكام إذا استهل ثم مات مما يجهز به الميت من الغسل و الكفن و الدفن.

ثم إن المراد بالاستهلال هنا مطلق ما يحرز به حياة الوليد، صياحا كان أو حركة أو تنفسا أو غيرها، و يثبت بالبينة و شهادة النساء خاصة، لأن الأمر مما لا يطلع عليه غيرهن في الغالب.

الاستيذان

الاستئذان في اللغة و العرف بيّن، و هو طلب الإذن و الاستباحة في أمر من الأمور، و قد وقع موضوعا للحكم في الشريعة و موردا للبحث في الفقه في موارد:

منها: الاستيذان من المالك في التصرف في ماله، فذكروا أنه واجب شرطي في الشريعة فيحرم التصرف بدونه لانه اعتداء و أكل للمال بالباطل، و في حكمه الاستيذان من الولي و الوكيل و الوصي إذا أراد التصرف، و في حكم الاستيذان من المالك الاتكال في التصرف علي ترخيص الشارع في بعض الموارد، فإنه هو المالك بالأصالة، و ذلك كتصرّف الحاكم في مال الممتنع عن أداء حقوقه الخلقية أو الخالقية، و قد يبيح الشارع التصرّف مع بذل العوض كالمضطر الي كل مال الغير حفظا لنفسه، كما أنه قد يبيح الشارع بلا عوض، و لعل منه جواز أكل الشخص من البيوت الأحد عشر، في قوله تعالي في مقام

مصطلحات الفقه، ص: 69

عدّ من لا حرج عليه (وَ لٰا عَليٰ أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبٰائِكُمْ

أَوْ بُيُوتِ أُمَّهٰاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوٰانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوٰاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمٰامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمّٰاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوٰالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خٰالٰاتِكُمْ أَوْ مٰا مَلَكْتُمْ مَفٰاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ) انتهي (النور 61)).

و منها: الاستيذان من ولي الأمر في الخروج عن المجلس أو عن المجتمع فيما إذا أمر بحضور عدة من القوم للاستشارة في أمر هامّ من الصلاح العام، فليس لأحد منهم الخروج بلا استيذان، قال تعالي (وَ إِذٰا كٰانُوا مَعَهُ عَليٰ أَمْرٍ جٰامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتّٰي يَسْتَأْذِنُوهُ) (النور 62).

و منها: استيذان الزوجة للخروج عن بيت زوجها في غير حال الضرورة أو سفر الحج الواجب و نحوهما فإنه واجب حينئذ و تركه حرام و نشوز، راجع عنوان النشوز. و لعل من موارد السقوط جواز التصرف بالجلوس و النوم و الصلاة و نحوها في الأرض المتسعة المملوكة للغير، مع عدم حاجز عليها يكشف عن المنع و كذا الشرب و التوضي من المياه و الأنهار الصغار المملوكة للغير فضلا عن الكبار، و جواز أكل المارة من ثمر البستان إذا كان علي الطريق مع شروط خاصة فإنها أما من موارد الاستيذان من الشارع و إذنه العام أو من موارد سقوط الاستيذان.

و منها: استيذان البالغين عند الدخول علي بيوت غيرهم و إن كانوا محارم فذكروا انه واجب لقوله تعالي (فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ).

و منها: استيذان المملوكين و غير البالغين من الأولاد و الأرحام عند الدخول علي الشخص في بيته و مسكنه، فإنه يستحب في ثلاثة أوقات قال تعالي (لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمٰانُكُمْ وَ الَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلٰاثَ مَرّٰاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلٰاةِ الْفَجْرِ وَ حِينَ تَضَعُونَ ثِيٰابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَ مِنْ بَعْدِ صَلٰاةِ الْعِشٰاءِ ثَلٰاثُ عَوْرٰاتٍ لَكُمْ) انتهي. و

الظهيرة الظهر أي انتصاف النهار، و هذه ثلاث عورات أي أوقات ينبغي التستر فيهن.

و منها: استيذان الطبيب في عملية الجراحة فإن ذلك مع الاستيذان لا يستعقب ضمان الطبيب إذا انجر إلي فساد العضو أو أمر آخر.

مصطلحات الفقه، ص: 70

الإسراف و التبذير

الإسراف في اللغة التبذير و التجاوز عن الحد و الإفراط في الأمر، يقال أسرف المال بذره و أفرط في صرفه، و في المجمع و قد فرق بين التبذير و الإسراف في أن التبذير الإنفاق فيما لا ينبغي، و الإسراف الصرف زيادة علي ما ينبغي انتهي. و في المفردات السرف تجاوز الحد في كل فعل يفعله الإنسان و إن كان ذلك في الإنفاق أشهر، و يقال تارة اعتبارا بالقدر و تارة بالكيفية انتهي. و التبذير التفريق و أصله إلقاء البذر و طرحه فاستعير لكل تضييع للمال.

ثم ان الظاهر أن المراد بالإسراف الذي ذكره الأصحاب في الفقه هو ضد القصد، أي التجاوز عن حد الاستواء عند الشرع و العقلاء في الفعل و المال، و من أظهر مصاديقه صرف المال في المصارف المحرمة، أو صرفه زيادة عن مقدار الحاجة بحيث بعد عبثا، و لعل الأول ما سماه في المجمع بالتبذير و الثاني ما سماه بالإسراف، أو الأول ما يقال من أنه أكل ما لا يحل، و الثاني مجاوزة الحد فيما يحل، و عن ابن مسكويه ان الأول الجهل بمواقع الحقوق، و الثاني الجهل بمقادير الحقوق و الأول يقال اعتبارا بالكيفية و الثاني اعتبارا بالقدر انتهي.

ثم انهم استدلوا علي حرمة الإسراف و التبذير بدعوي الإجماع عليها بل و دعوي الضرورة من المذهب أو الدين، و بالكتاب الكريم كقوله تعالي (كُلُوا وَ اشْرَبُوا وَ لٰا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لٰا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) و

قوله (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كٰانُوا إِخْوٰانَ الشَّيٰاطِينِ) و بالسنة كقوله صلّي اللّه عليه و آله: ان السرف أمر يبغضه اللّه تعالي، و قوله النفقة لا بد أن يكون بين المكروهين الإسراف و التقتير، فالنهي عنه و كونه مبغوضا و مكروها يدل علي حرمته، و في المستند للفاضل النراقي ان حرمة الإسراف عامة في جميع المصارف فما ورد من انه لا إسراف في الطيب، أو الضوء، أو في الحج و العمرة، أو في المأكول و المشروب، ليس المراد نفي حرمة الإسراف بل المراد ان الإكثار في هذه الأمور مطلوب و التجاوز عن الحد في الجملة معفو.

مصطلحات الفقه، ص: 71

الإسلام و الإيمان

الإسلام في اللغة جعل الشي ء سالما، و الإسلام الانقياد، و الإسلام التدين بدين الإسلام، و مجموع القوانين المنزلة من السماء علي الأنبياء في كل عصر، و التسليم و السلام قد كثر استعمالها في التحية، و من مصاديقهما تسليمات الصلاة، و تسليم التحية الابتدائية، و تسليم التحية الجوابية، و قد ذكر التفصيل فيه تحت عنوان التسليم فراجع.

و كيف كان للإسلام في الاصطلاح إطلاقات:

الأول: الإقرار بالشهادتين أي الشهادة بالتوحيد و الرسالة لمحمد صلّي اللّه عليه و آله، سواء علم اعتقاد المقر بمضمونها أو لم يعلم بل أو علم بعدمه علي الظاهر.

الثاني: الإقرار المذكور مع الإذعان بهما أو بجميع أصول الدين قلبا.

الثالث: مجموعة من الشرائع السماوية النازلة علي الأنبياء عليهم السلام، بمعني المقدار المشترك بين مجموع أصولها و فروعها فهي كالهيكل العظمي للشرائع الخمس المنزلة علي نوح و إبراهيم و موسي و عيسي و محمد عليهم الصلاة و السلام، لم يزد عليها شي ء منذ شرعت، و لم ينسخ منها كذلك و يرادفه الدين أيضا، فالزيادة و النقص و عروض التشريع و

النسخ تكون بلحاظ غيرها من الأحكام المتفرعة علي تلك الأصول.

ثم إن الإسلام يقرب من الإيمان في الجملة فإن للإيمان إطلاقين: أحدهما ما يقرب من المعني الثاني للإسلام أو هما مترادفان فيه، و الثاني المعني الأخص منهما و هو المعني المذكور مع الاعتقاد بالولاية، فالإسلام بالمعني الأول أعم من إطلاقات العنوانين كما أن الإسلام و الإيمان بمعناه أعم من الإيمان بالمعني الثاني، و أما الشريعة فتطلق علي المجموع من المشترك الثابت و الفروع التي تزاد عليه، فهي متعددة حسب تعدد ما جاء به أولوا العزم من الرسل قال تعالي (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللّٰهِ الْإِسْلٰامُ) و قال تعالي (لِكُلٍّ جَعَلْنٰا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَ مِنْهٰاجاً) و ذكر في الإيمان ماله مساس بالمقام فراجع.

مصطلحات الفقه، ص: 72

الإشارة

مفهوم الإشارة في اللغة و العرف بيّن فإنها الإيماء و التلويح بشي ء يفهم منه ما يفهم بالنطق، كالإيماء بالأنامل و الكف و العين و الحاجب و غيرها.

و قد وقع البحث عنها في الفقه في موارد كثيرة، فيمن لا يقدر علي التكلم كالأخرس، أو من عرض له ذلك لجهة أخري إذا دلت علي مقصود المشير علي نحو الاطمئنان، و حينئذ فتقوم مقام كل لفظ إخباري أو إنشائي دال علي المقصود، كالشهادات و الأقارير، و جميع العقود و الإيقاعات فيصح إنشاء البيع بها و الشراء و النكاح و الوصية و الطلاق و العتق و الإبراء، بل و تقوم مقام ما يدل علي الإسلام من التكلم بالشهادتين، و ما يثبت به الكفر من ألفاظ الارتداد مع العلم بالمقصود، و تقوم مقام تكبير الصلوات و أذكارها الواجبة و المندوبة، بل و الركوع و السجود في بعض الأحيان، و مقام تلبيات الإحرام، و الابتداء بالسلام و جوابه،

فتندب و تجب، و مقام الإنكار في الدعاوي و الأيمان الأصلية و المردودة، و مقام القذف بشرائطه، و قذف الرجل لزوجته، و نفي ولدها عنه و لعانه عند الحاكم و لعانها.

ثم أن الجميع مشروط كما عرفت بالعجز عن النطق، و أما الكتابة فهل يكتفي بها أيضا مع القدرة علي الكتابة، أو تقدم عليها أو تقدم الكتابة أو يفصل بين ما كان مدلولها من قبيل الإنشاء كالعقود و الإيقاعات فتقدم علي الكتابة، و بين ما كان مدلولها الاخبار فتقدم الكتابة، وجوه و التفصيل في الفقه.

ثم انه تثبت دلالة الإشارة علي المقصود بالعلم بحاله و بالبيّنة المفسرة لها و بالكتابة.

الأشربة

الأشربة جمع شراب و هو لغة و عرفا كل ما يشرب من المائعات، و ليس للكلمة معني اصطلاحي في الشرع و الفقه لكنها موضوعة في الشريعة لأحكام هامة، و لأجله قد جعلت في الفقه كتابا بعنوان الأطعمة و الأشربة.

مصطلحات الفقه، ص: 73

و حيث ان المحلل من الأشربة غير محصور فذكروا في المقام الأشربة المحرمة، و تعرضوا لفروع يتبين بها حقائق المحرمة من الأشربة و أقسامها و الأحكام المترتبة عليها و موارد استثنائها فذكروا انّ المحرم من المائعات علي أقسام.

أولها: الخمر بأنواعها المختلفة.

ثانيها: كل مسكر مائع سمي خمرا أو لم يسم.

ثالثها: الفقاع إذا حصل فيه نشيش و غليان و إن لم يسكر، و هو شراب معروف كان يتخذ في الصدر الأول من الشعير.

رابعها: عصير العنب إذا غلي بنفسه أو بالشمس أو بالنار و لا يحل حتي يذهب ثلثاه و منه الماء في حبه العنب فإن علم بغليانه كما إذا وقعت في ظرف ماء يغلي و انخرقت الجلدة حرم.

خامسها: الدم من الحيوان ذي النفس و الظاهر انه لا إشكال

و لا خلاف عندهم في حرمة أكله بأي طريق كان عدا ما يتخلف في ذبيحة المأكول في لحمه و شحمة، و فيما يجتمع في العضو غير المأكول كالطحال و القضيب و غيرهما إشكال، و أما الدم من غير ذي النفس فما كان يحرم أكله كالوزغ و الضفدع فهو حرام، و ما يحل أكله كالسمك فالمأكول منه مع اللحم لا بأس به، و الظاهر حرمة ما في البيضة و إن كان طاهرا، و راجع فيه عنوان الدم أيضا.

سادسها: كل مائع لاقته النجاسة فتنجس و لا إشكال في حرمته من جهة النجاسة.

سابعها: الأعيان النجسة من المائعات كأبوال ما لا يؤكل لحمه من الحيوان كان نجسا بالذات كالكلب و الخنزير أو طاهرا كالأسد و الذئب، و لا إشكال في نجاستها و حرمتها إجماعا بل و ضرورة.

و أما أبوال ما يؤكل لحمه كالإبل و البقر و الغنم و نحوها فهل هي محللة لطهارتها أو محرمة لاستخباثها وجهان بل قولان أحوطهما الحرمة و إن كان الجواز غير بعيد.

ثامنها: ألبان الحيوان المحرم أكله كلبن الأسد و الذئب و الثعلب و ما أشبهها و لا إشكال في

مصطلحات الفقه، ص: 74

حرمتها و إن كانت طاهرة، للإجماع و مفهوم المرسل كل شي ء يؤكل لحمه فجميع ما كان منه من لبن أو بيض أو إنفحة فكل ذلك حلال طيب انتهي. و أما لبن الإنسان فمحل إشكال عند القوم و إن كان الأحوط تركه.

الاضطرار

الاضطرار في اللغة تحمل الضرر و المضطر مفتعل من الضرّ و أصله مضترر أدغمت الراء و قلبت التاء طاء لأجل الضاد فالمضطر من أحوجه المرض أو الفقر أو النازلة إلي ارتكاب فعل أو ترك يكرهه باطنا و لا يرتضي به قلبا، و

يفترق من الإكراه جوهريّا بكونه أعم منه فإن الحامل علي الفعل في الإكراه الإنسان الذي تعلقت إرادته بصدور العمل من المكره و الحامل في الاضطرار أعم منه و من كل حادثة أو نازلة توجهت إليه من إنسان أو غيره.

ثم إنه ليس للكلمة مصطلح خاص شرعي أو متشرعي بل هي بمعناها اللغوي و العرفي قد وقعت موضوعا للحكم في الشريعة و موردا للبحث في الفقه فذكروا أن الاضطرار من العناوين الثانوية الرافعة للأحكام الأولية، و أرادوا بذلك أنه إذا انطبق عنوان الاضطرار علي فعل حرام بعنوانه الأولي ارتفعت حرمته و حلت للمضطر، كما إذا اضطر إلي شرب الخمر أو تناول الميتة و الدم و ذبائح الكفار و نحو ذلك، و إذا انطبق علي ترك واجب جاز الترك كالاضطرار إلي ترك الصيام و الغسل و الوضوء و غيرها و موارد ذلك في الشرع كثيرة.

ثم إنهم ذكروا أن بين عنوان الإكراه و الاضطرار فرقا حكميا و هو أن الإكراه كما يرتفع به الأحكام التكليفية من الوجوب و الحرمة يرتفع به الأحكام الوضعية أيضا كالصحة في العقود و الإيقاعات كما ذكر تحت عنوان الإكراه، و لا يرتفع بالاضطرار الوضع، فإذا اضطر المكلف إلي بيع داره أو طلاق زوجته لا يكون ذلك سببا لبطلان العقد، و ذكروا أن السر في ذلك كون النصوص الحاكمة بالرفع بواسطة العناوين الثانوية كلها واردة مورد الامتنان كارتفاع التكليف بالخطإ و النسيان و الجهل و الإكراه، و مقتضاه صحة العقود و الإيقاعات إذا اضطر إليها المكلف لان رفعها ليس امتنانا بل تشديدا للاضطرار و راجع في ذلك عنوان الإكراه.

مصطلحات الفقه، ص: 75

الأطعمة

الأطعمة جمع طعام و هو في اللغة و العرف اسم لما يؤكل مطلقا

و قد يطلق علي البرّ و هو القمح و الحنطة. و ليس للكلمة اصطلاح خاص في الشرع و الفقه لكنها موضوعة في الشريعة لأحكام كثيرة تكليفية و وضعية، و لذلك جعلها الأصحاب عنوان كتاب في الفقه مقرونة بعنوان الأشربة، مع أن الأطعمة هي الركن الثالث من أركان ما يقوم به بدن الإنسان و جثته أولها الهواء و ثانيها الماء، و قد قسموا الطعام- أعني كلما يصلح أن يكون طعاما للإنسان- إلي أربعة أصناف: الحيوان البحري، و الحيوان البري، و الحيوان الجوي أي الطيور، و الأطعمة الجامدة غير الحيوانية.

و ليعلم قبل بيان حال الأصناف أن المحرم من أنواع الحيوان غير محصور، و المحلل منه محصور منضبط و لو بضابطة كلية، كقوله في حيوان الماء: كل ما كان سمكا و كان له فلس فهو حلال، و في حيوان البرّ: كل ما ليس له ناب و لا مخلب و لا كان من جنس الحشار و لا نصّ علي تحريمه بالخصوص فهو حلال و هكذا، و إن كان هذا الضابط غير خال عن الخدشة، و هذا بخلاف الأطعمة غير الحيوانية كالأشربة فإن المحلل منها غير محصور و المحرم منها محصور مضبوط، و لذلك تعرض الأصحاب في الحيوان للمحللات و في الأطعمة للمحرمات. إذا عرفت ذلك فنقول:

أما القسم الأول: فقد ذكروا في بيان أقسامه و أحكامه فروعا كثيرة. نظير انه لا يؤكل من الحيوان البحري إلا السمك و الطير في الجملة، و يحرم غيرهما من أنواع حيوان البحر حتي ما يؤكل مثله في البرّ كالبقر و الجاموس و الفرس، و أنه لا يؤكل من السمك إلا ما كان له فلس و قشور بالأصل و إن زالت بالعرض كالكنعت و الروبيان.

و أن بيض السمك تابع له في الحلية و الحرمة. و أن البيض المشتبه كونه من الحلال و الحرام محلل للأصل.

و أما الثاني: فقد ذكروا أن البهائم البرية علي قسمين: إنسية و وحشية فيحل من الأول أصناف الغنم و البقر و الإبل و يكره الخيل و البغال و الحمير و يحرم ما وراء ذلك كالكلب و السنور، و يحل من الثاني الظبي و الغزال و البقر و الكبش الجبلي و اليحمور و الحمير،

مصطلحات الفقه، ص: 76

و يحرم منه السباع كلها و هي المفترسة بظفر و ناب كالأسد و الذئب، و المسوخ كلها كالفيل و القردة و الدب و نحوها. و ذكروا انه يحرم الحشرات كلها كالحية و الفأرة و الضب و غيرها.

و أما الثالث: فذكروا أنه يحل من الطير الحمام بجميع أصنافه، و الدجاج بجميع أقسامه، و العصفور بجميع أنواعه، و يحرم منه كل ذي مخلب و ناب و الغربان بأنواعه علي الأحوط. و أنه فيما لم ينص علي حليته و حرمته من الطير يميز محلّله من محرّمه بأمرين:

أحدهما الصفيف و الدفيف و الأول بسط الجناحين عند الطيران و الثاني تحريكهما، فكل ما كان صفيفه أكثر فهو حرام، و كل ما كان دفيفه أكثر فهو حلال.

ثانيها الحوصلة و القانصة و الصيصية و الأول ما يجتمع فيه الحب و غيره عند الحلق، و الثاني قطعة صلبة تجتمع فيها الحصاة و نحوها مما يأكله الطير، و الثالث الشوكة التي في رجل الطير موضع العقب، فما كان فيه أحد هذه الثلاثة فهو حلال و ما لم يكن فيه شي ء منها فهو حرام من غير فرق بين طير الماء و البر، و بيض الطيور تابع لها في الحلية و

الحرمة.

ثم إنهم ذكروا أنه قد تعرض علي الحيوان المحلل بالأصل حالات توجب حرمته و هي ثلاث: الأول الجلل و هو اعتياده بتغذي عذرة الإنسان. الثاني صيرورته موطوءة الإنسان و إن لم ينزل قبلا أو دبرا، كان الواطي كبيرا أو صغيرا عالما أو جاهلا و كان الموطوء فحلا أو أنثي، فيحرم بذلك لحمه و لحم نسله و لبنه و صوفه، و هذا الحكم مخصوص بالبهائم. ثم إنه إن كان الموطوء مما يؤكل لحمه، يذبح و يحرق و يغرم الواطي قيمته لصاحبه، و إن كان مما يركب أخرج من المحل و بيع في غيره و ثمنه للواطي و يغرم هو قيمته للمالك إن كان غير المالك، و بعض الكلام فيه مذكور تحت عنوان الوطء. الثالث ان يرتضع الحمل أو الجدي أو العجل لبن خنزيرة حتي يقوي لحمه و يشتد عظمه و تزول الحالة بمنعه عن التعذي المزبور سبعة أيام.

و ذكروا أيضا انه يحرم من الحيوان المحلل كالشاة ثلاثة عشر شيئا: الدم، و الطحال، و القضيب، و الفرج، و الأنثيان، و المثانة، و المرارة، و النخاع و هو خيط أبيض كالمخ في وسط القفار، و الغدد و هي كل عقدة مدورة في الجسد، و المشيمة و هي موضع الولد،

مصطلحات الفقه، ص: 77

و قرين الولد، و العلباوان و هما عصبتان عريضتان ممتدتان علي الظهر، و خرزة الدماغ و هي حبة في وسط الدماغ بقدر الحمصة، و الحدقة و هي الحبة الناظرة في العين لا جسم العين كله. و يؤكل من الذبيحة ما عداها.

و أما الرابع: فقد تعرض الأصحاب لخصوص المحرمات منه لما عرفت، و فرعوا لتبيين حالها من الجوامد موضوعا و حكما فروعا هامة، نظير أنه يمكن حصر ما

لا يحل تناوله من الأعيان الخارجية في الكليات التالية. و هي: كل نجس حرام، و كل متنجس حرام و كل مضر حرام، و كل مسكر حرام، و كل خبيث حرام، و كل مغصوب حرام، و كل منصوص بحرمته خاصة حرام، و هذه معرفات إجمالية و إن تداخل بعضها في بعض، و مقتضي هذا الحصر أن كلما كان خارجا منها فهو حلال كما ان موارد الشك أيضا يكون كذلك و التفصيل في الفقه.

ثم إن الفقهاء قد استثنوا من عموم حرمة تناول الأطعمة المحرمة الموارد التالية.

الأول: طين قبر الحسين عليه السلام فإنه يجوز أكل شي ء منه للاستشفاء لا لغرض آخر إذا لم يزد عن مقدار الحمصة المتوسطة، و لا يلحق به المعصومون حتي النبي صلّي اللّه عليه و آله.

الثاني: الأكل من البيوت التي نفي اللّه الحرج عن الأكل منها حين خاطب المؤمنين بقوله (وَ لٰا عَليٰ أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبٰائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهٰاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوٰانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوٰاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمٰامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمّٰاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوٰالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خٰالٰاتِكُمْ أَوْ مٰا مَلَكْتُمْ مَفٰاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ) انتهي. و الولد داخل في أول العناوين لأنه و ماله لأبيه، و الزوجة داخلة في الحكم نصا، و هذا الاستثناء من جهة جواز الأكل فيها من مال الغير و لو مع الشك في رضاه أو الظن بعدمه، و لو لم نقل به مع العلم بعدمه ايضا، و الحكم مختص بما يعتاد أكله لا نفائس الأطعمة التي تدخر للضيوف مثلا.

الثالث: موارد عروض العناوين الثانوية المجوزة، علي موضوعات المحرمات الأولية، كالإكراه و الاضطرار و التقية و نحوها، فإذا توقف التخلص من المكره أو حفظ النفس أو النجاة من

المرض أو الضعف أو الجوع أو العطش التي لا تتحمل عادة، أو

مصطلحات الفقه، ص: 78

حفظ نفس اخري محترمة كجنين الحامل و رضيع المرضعة، علي تناول المحرم جاز ذلك، و الجواز في الموارد المذكورة يساوق الوجوب فهي محرمة التناول قبل عروض العناوين، و واجبة التناول بعدها، و الضرورات تتقدر بقدرها فلا تجوز الزيادة، و حكم الطبيب الحاذق الثقة كاف في الجواز و في انحصار الطريق فيها، و جواز التناول تكليفا لا يرفع الضمان وضعا فيضمن بدله لصاحبه لو كان للغير، و لا فرق بين حضور المالك حينئذ و غيبته.

الاعتكاف

عكف القوم حول الشي ء و بالشي ء في اللغة استداروا عليه، و اعتكف بالمكان تحبّس فيه و لبث، و في المجمع قد عرّف الاعتكاف لغة باللبث المتطاول، و اصطلاحا باللبث في مسجد جامع ثلاثة أيام فصاعدا للعبادة انتهي.

و في المفردات: العكوف الإقبال علي الشي ء و ملازمته علي سبيل التعظيم له، و الاعتكاف في الشرع هو الاحتباس في المسجد علي سبيل القربة و يقال عكفته علي كذا أي حبسته عليه لذلك انتهي.

و الاعتكاف في اصطلاح الشرع و الفقهاء عبادة خاصة مندوبة بالذات مجعولة من قبل الشارع، مخترعة بعنوان العبادة، تحتاج إلي النية و قصد القربة، و يترائي منهم الخلاف في أن حقيقته هل هي اللبث في المسجد بمعني كون نفس للبث المقرون بالشروط عبادة، أو اللبث بقصد العبادة من صلاة و دعاء أو قراءة قرآن أو غيرها بمعني كون اللبث مقدمة و إن كان الأظهر الأول.

ثم انه ذكر الأصحاب للاعتكاف شروطا خاصة عدا ما يشترط في غيره من العبادات عامة: أحدها الصوم فلا اعتكاف بلا صوم.

ثانيها: ان لا يكون أقل من ثلاثة أيام فلا اعتكاف في يوم و يومين

و يجوز الأزيد من ذلك أيّ مقدار كان، ساعة و ساعتين و يوما، و ليلة، و أياما، و أسبوعا، و شهورا

مصطلحات الفقه، ص: 79

و هكذا، نعم الظاهر انه لو اعتكف خمسة أيام وجب اليوم السادس و قيل كلما زاد يومين وجب الثالث و هكذا.

ثالثها: ان يكون في المسجد الجامع فلا يصح في غيره بل الأحوط كونه في المساجد الأربعة و هي المسجد الحرام و مسجد النبي صلّي اللّه عليه و آله و مسجد الكوفة و مسجد البصرة.

رابعها: استدامة اللبث ما دام معتكفا فلو خرج متعمدا في غير موارد الاستثناء بطل.

و ذكروا أيضا انه يحرم علي المعتكف أمور أولها مباشرة النساء بالجماع و في اللمس و التقبيل إشكال، ثانيها شم الطيب، ثالثها التجارة بالبيع و الشراء و غيرهما إلا بمقدار مست الحاجة إليه، رابعها المجادلة و المماراة بقصد إظهار الفضيلة.

الإفضاء

الإفضاء في اللغة الاتساع و التوسعة يقال أفضي المكان اتسع و أفضاه وسّعه، و في المجمع المفضاة من النساء التي مسلكها واحد يعني مسلك البول و الغائط انتهي و قد ذكر استعمال اللفظ في الفقه في إيجاد العيب الخاص في داخل فرج المرأة بالوطء إما بجعل المسلكين أي مسلك البول و الحيض واحدا، أو بجعل مسلكي الحيض و الغائط أو بجعل مسلكي البول و الغائط واحدا، و لازم الأخير طبعا اتحاد المسالك الثلاثة علي اختلاف في ذلك بين الأصحاب، و الظاهر إمكان الجميع خارجا لتأييد الأطباء و مهرة الفن إمكانها، و الجميع إفضاء لغة و ليس للفظ حقيقة شرعية أو متشرعية فيكون الحكم مرتبا علي المعني اللغوي العرفي.

و كيف كان فقد ذكر الأصحاب أن المفضاة إما أن تكون كبيرة أو صغيرة و علي التقديرين اما أن

تكون زوجة أو أجنبية، فالصور اربع أما الكبيرة إذا كانت زوجة أو من أشبهها فلا يترتب علي إفضائها شي ء من تكليف و وضع، و أما إذا كانت أجنبية فلا شي ء عليه أيضا غير الحرمة إذا كانت بغية و في غيرها كالموطوءة بعنف يترتب عليه حكم التحريم و ضمان العيب.

مصطلحات الفقه، ص: 80

و أما الصغيرة فإن كانت زوجة فهي محل البحث في الفقه عمدة و يترتب علي إفضائها بالوطء قبل البلوغ الأحكام التالية: 1- حرمته تكليفا 2- سببيته لتحريم الوطء أبدا مع عدم خروجها عن الزوجية 3- وجوب الإنفاق عليها أبدا إلي أن تموت أو يموت الزوج 4- ضمان الدية الكاملة لها لإزالة قوة التوالد 5- وجوب التعزير عليه لمعصيته 6- استقرار تمام المهر عليه و إن كان هذا من أحكام نفس الدخول.

و ان لم تكن زوجة له فيترتب عليه التحريم المؤكد، و ثبوت الدية الكاملة و استحقاقها مهر المثل مطلقا و إن كانت مطيعة لعدم الاعتداد برضاها علي إشكال في ذلك و استحقاقه القتل للزنا بعنف.

الإفطار

فطر الشي ء فطرا و فطّره تفطيرا في اللغة شقّه، و فطر الصائم و أفطر أكل أو شرب، و الإفطار إبطال الصوم بأحد المفطرات، و الإفطار بهذا المعني قد وقع في الفقه موضوعا للبحث في باب الصوم و رتب عليه في الشريعة أحكام من تكليف و وضع.

اما الأول: فالظاهر أن إفطار الصوم ينقسم بانقسام الأحكام الخمسة، فالمحرم إفطار كل صوم واجب معين بدون عروض مسوغ له و الواجب فيما إذا عرض علي الصوم عنوان ضرري واجب الدفع كاستلزامه المرض الشديد أو الهلاك أو كان هناك تقية لازمة المراعاة، و الإفطار المكروه في الصوم المندوب بناء علي كون ترك المندوب مكروها،

و الإفطار المندوب فيما إذا عرض علي الإفطار عنوان أرجح من الصوم كإجابة دعوة المؤمن أو مخالفة من رأي يوم العاشوراء عيدا، و منه يعلم المباح و هو تساوي عنواني الإفطار و الصوم.

و أما الثاني: فهو نظير سببية الإفطار لاشتغال ذمة المفطر بالقضاء أو بالكفارة، و هي تختص بثلاثة أقسام من الصيام كما ذكرت تحت عنوان الصوم، و سببية ذلك لاستحقاق المفطر الحد أو التعزير علي حسب اختلاف الصيام و الصائم و تكرر الإفطار و عدمه، و البحث عنه تحت عنوان الكفارة فراجع.

مصطلحات الفقه، ص: 81

الإفراد من الحج

هو في اللغة جعل الشخص أو الشي ء منفردا غير مقرون بشي ء، و في اصطلاح الشرع و الفقه في باب الحج اسم لصنف خاص من أصناف الحج يمتاز عن أخويه التمتع و القران بالنية، و لزوم قصد عنوانه عند الشروع في العمل، كما في الظهر و العصر، فالأعمال المعهودة الخارجية المأتي بها بهذا العنوان تسمي حج الإفراد، و هذا هو الميز الجوهري بينه و بين القسمين الآخرين، و يمتاز أيضا عنهما بعدم تشريع الهدي فيه وجوبا دونهما، و هذا هو الوجه في تسميته بهذا الاسم، و له جهات أخري من الفرق بينه و بين القسمين مذكورة تحت عنوان الحج فراجع.

الإقالة

أقال اقالة البيع في اللغة فسخه، و أقال اللّه عثرته غفره، و استقال استقالة البيع طلب إليه ان يفسخه، فالاستقالة طلب الفسخ و الإقالة الفسخ، و تكون الإقالة في البيعة و العهد أيضا، و في المجمع في الحديث من أقال نادما اقاله اللّه من نار جهنم، أي وافقه علي نقض البيع و اجابه إليه، يقال اقاله يقيله اقالة أي وافقه علي نقض البيع و سامحه، و تقايلا إذا فسخا البيع و عاد البيع إلي مالكه و الثمن إلي المشتري انتهي.

و كيف كان فلا حقيقة شرعية للإقالة و لا متشرعية و ذكرها الأصحاب في الفقه و رتب عليها في الشريعة حكم تكليفي و وضعي بمعناها اللغوي، و هو عبارة عن فسخ العقد من الطرفين أما بإنشاءين مستقلين أو بإنشاء فسخ و قبوله أو باستدعائه من طرف و إنشاء الآخر و علي الأخير الأول مستقيل و الثاني مقيل و الحكم المترتب علي فعل الأول الجواز، و علي فعل الثاني الاستحباب المؤكد، و علي المجموع سببيته لانفساخ العقد. و

الإقالة جارية في جميع العقود اللازمة غير النكاح، و لا تجوز بزيادة علي المسمي و نقصان عنه فلو قال المشتري للبائع أقلتك بثلثي الثمن و قبل الآخر بطلت الإقالة و بقي البيع علي حاله.

مصطلحات الفقه، ص: 82

الإقامة

مفهوم الكلمة في اللغة و العرف بيّن و لها في الفقه إطلاقات منها إطلاقها علي إقامة الصلاة و هي أذكار خاصة مشتملة علي سبعة عشر فصلا تكون عدلا للأذان، سماها الشرع بالإقامة، و الجميع من المقدمات المندوبة للفرائض اليومية و لا يشرع في غيرها، و الكلام فيها يطلب تحت عنوان الآذان.

و منها إطلاقها في باب الصلوات علي بعض حالات المسافر فذكروا فيها أن الإقامة تقابل السفر حكما فتكون أخص من السفر عنوانا، فالمقيم هو المسافر الذي قصد قطع سفره بإقامة عشرة أو أكثر في محل واحد، فيترتب عليه حكم المتوطن من حيث آثاره الشرعية، فعليه إتمام صلاته و الإتيان بصوم شهر رمضان و غيره من الصيام الواجبة و له الإتيان بالصيام المندوبة و هكذا، و قد تطلق الإقامة علي التوطن في مكان فتقع في مقابل السفر موضوعا، فإن المسافر هو الخارج عن حالة الوطنية المعتادة و المقيم هو الباقي علي تلك الحالة فراجع عنوان السفر و المسافر.

الإقرار

الإقرار في اللغة الإثبات و الإسكان من قولك قرّ الشي ء إذا سكن و ثبت، و أقر الشي ء أسكنه و أثبته، و الإقرار بالحق الاعتراف به لأنه إثبات له في الظاهر، و في المفردات الإقرار إثبات الشي ء قال تعالي (وَ نُقِرُّ فِي الْأَرْحٰامِ مٰا نَشٰاءُ إِليٰ أَجَلٍ) و يكون ذلك إثباتا أمّا بالقلب و أما باللّسان و أمّا بهما، و الإقرار بالتوحيد و ما يجري مجراه لا يغني باللسان ما لم يضامّه الإقرار بالقلب، و يضاد الإقرار الإنكار، و اما الجحود فإنما يقال فيما ينكر باللسان دون القلب انتهي هذا بحسب اللغة.

و أما في اصطلاح الفقهاء فالمستفاد منهم أنه عبارة عن اخبار الشخص جزما عن حق ثابت عليه أو

نفي ذلك عنه. فيخرج بالإخبار الإيقاعات لأنها إنشاء توجد به معانيها المقصودة، و بقيد الجزم الاخبار علي نحو الظن و الترديد، و المراد بالحق الثابت أعم من أن

مصطلحات الفقه، ص: 83

يكون بلا واسطة كالإقرار بالدّين، أو بواسطة كالإقرار بإتلاف مال أو قتل نفس، و نفيه أيضا أعم مما كان بلا واسطة أو معها، و التقييد بالثبوت علي النفس يخرج الإقرار بالثبوت علي الغير، و يشمل الحق المقرّبة كلما يقبل الثبوت علي العهدة من عين خارجية و ذمّية كليّة، و منفعة، و عمل، و حدّ، و تعزير، و نحوها، فلو قال داري لزيد، أو له عليّ ألف درهم، أو سكنت دار زيد شهرا، أو له علي خياطة ثوب، أو أنا قتلت أباه، أو قطعت يده عمدا أو خطأ، أو أنا زنيت، أو شربت الخمر، أو انّ هذا الدار ليست لي، أو انّ زيدا ليس لي عليه مال أو حق، أو ما أشبه ذلك كان ذلك إقرارا اصطلاحيا، فعلم مما ذكر ان الإقرار أخبار لا إنشاء، فليس عقدا و لا إيقاعا و لا شهادة اصطلاحية لأنها إخبار عن العلم و هو إخبار عن الواقع.

ثم انه يعتبر في المقر البلوغ و العقل و الاختيار، فلا ينفذ إقرار الصبي و المجنون و المضطر و المكروه و السكران و نحوهم، و قد تعرض الأصحاب علي ان حكم الإقرار في الشريعة النفوذ و الصحة فيترتب عليه آثاره مهما كانت، و هذا أمر ثابت عند العقلاء جار فيما بينهم و قد أمضاه الشرع و رتب عليه آثاره.

الإكراه

الإكراه في اللغة حمل الغير علي ما لا يرتضيه، يقال أكره فلانا علي أمر حمله عليه قهرا و كره يكره من باب علم كرها بالفتح

و الضم و كراهة و كراهية ضد أحبّه، و في المفردات الكره و الكره واحد كالضعف و الضعف و قيل الكره المشقة التي تنال الإنسان من خارج و الكره ما يناله من ذاته و هو يعافه انتهي.

و كيف كان ليس للكلمة اصطلاح خاص في الشرع و الفقه، إلا أن الأصحاب قد ذكروا في تحقيق معناها و ترتب الحكم الشرعي عليها أمورا، نظير أن الإكراه سبب لارتفاع طيب نفس المكره لا إرادته الموجبة لصدور الفعل، فهو في مقابل الإجبار الذي يكون سببا لارتفاع إرادة المجبور، و انه يعتبر في تحقق الإكراه اقترانه بوعيد من المكره

مصطلحات الفقه، ص: 84

مظنون الترتب علي ترك المكره عليه، مضرّ بحال الفاعل أو بمتعلقه، نفسا أو عرضا أو مالا فلا إكراه إذا لم يقارنه خوف الضرر منه، و أنه يعتبر فيه أيضا توجه إرادة المكره علي صدور نفس الفعل منه، فلو أكرهه علي دفع دينار فباع ثوبه لذلك لا يكون إكراها علي البيع، و قال الشيخ في المكاسب إن المعيار في وقوع الفعل مكرها عليه سقوط الفاعل من أجل الإكراه عن الاستقلال في التصرف بحيث لا يطيب نفسه بما صدر منه و لا يتعمد عن رضا و إن كان يختاره لدفع الضرر.

ثم ان تحقق عنوان الإكراه يتوقف علي فعلين الإكراه الصادر من المكره بالكسر، و الفعل المكره عليه الصادر من المكره، و هذا الفعل ينتسب قهرا إلي كلا الشخصين، إلي المكره بالتسبيب و إلي المكره بالمباشرة و قد وقع كل من الفعلين موضوعا في الشريعة لأحكام و موردا للبحث عنه في الفقه.

أما الإكراه فهو علي قسمين فإنه أما أن يكون عن ظلم و عدوان كإكراه الغير علي ترك واجب أو فعل حرام

أو إتلاف مال فيترتب عليه حينئذ أحكام: منها كونه محرما ممنوعا عنه، و منها ضمان المكره ضمانا ماليا فيما إذا أكره الغير علي إتلاف مال أو علي إيراد جناية علي نفس محترمة بغير القتل كقطع يد و رجل مثلا، فإنه يضمن المكره بدل المال التالف و دية الأعضاء ابتداء أو بعد استقرار الضمان عليه، و منها ثبوت العقوبة علي المكره بحبس أو تأديب كما إذا أكره شخصا علي قتل نفس محترمة.

و اما ان يكون إكراها بحق كإكراه الحاكم الممتنع علي أداء ديون الناس و حقوقهم مع تمكنه فإنه قد يجب علي الحاكم ذلك و قد يستحب، و كإكراه المحتكر علي بيع ماله و كما في إكراهه من يصلح للقضاء علي تصدّيه منصب القضاء في صورة الانحصار و اقتضاء الضرورة.

و أما الفعل الصادر عن المكره بالفتح المسمي بالفعل المستكره عليه فقد ذكروا انه من العناوين الثانوية التي إذا عرضت علي ترك أيّ واجب أو فعل أيّ حرام صار سببا لارتفاع حكمه الأولي و عروض الجواز و الترخيص عليه، فإذا اتصف شرب الخمر بالإكراه عليه

مصطلحات الفقه، ص: 85

حل، و إذا أكره علي إفطار الصوم جاز، فالإكراه من العناوين الرافعة للوجوب أو الحرمة فيصير الواجب غير واجب و الحرام غير حرام بل ينعكس التكليف فيحرم الواجب و يجب الحرام. و منه يعلم حال عروض هذا العنوان علي المندوب و المكروه و المباح فتنقلب إلي الواجب أو الحرام.

ثم إنهم ذكروا أنه كما يرتفع بعروض هذا العنوان الحكم التكليفي كما عرفت يرتفع الحكم الوضعي أيضا، فإذا أكره شخص علي عقد من العقود كالبيع و النكاح أو علي إيقاع من الإيقاعات يكون عروض العنوان سببا لارتفاع صحته و وقوع العقود باطلة

بمعني فضوليتها و الإيقاعات باطلة غير مستأهلة للصحة بعد الإجازة أيضا.

تنبيه: استدلوا علي كون الإكراه رافعا لآثار الفعل و القول بقوله صلّي اللّه عليه و آله: رفع عن أمتي الخطأ و النسيان و ما لا يعلمون و ما استكرهوا عليه انتهي. و الأولي الاستدلال له بقوله تعالي (مَنْ كَفَرَ بِاللّٰهِ مِنْ بَعْدِ إِيمٰانِهِ إِلّٰا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمٰانِ) (النحل 106) و المعني من كفر باللّه فعليه غضب من اللّه إلا من اكره بالكفر أي بالقول الذي هو سبب الارتداد لو صدر عن شخص اختيارا، فإنه يرتفع حرمته التكليفية و الوضعية من العذاب و آثار الارتداد الفطري أو الملي.

الإلزام (قاعدة الإلزام)

مفهوم الكلمة في اللغة و العرف بين و قد استعملت في ألسنة أصحابنا المتأخرين في حكم شرعي كلي مستفاد من النصوص، و هو جواز إلزام الشخص غيره بأمر يلتزمه و يعتقد به و ترتيب الآثار عليه وفق معتقده و إن لم يلتزمه الملزم بالكسر و لم يعتقد به، فهنا ملزم بالكسر و ملزم بالفتح و فعل ملزم به و أثر أو آثار شرعية أو عرفية مترتب علي الفعل وفق مذهب الملتزم غير مترتب علي مسلك الملزم بل ربما كان محرما عليه لو خلي و نفسه، و قد أسمي الأصحاب هذا الحكم بقاعدة الإلزام جريا علي ما ورد من قوله: ألزموهم بما التزموا، به الشامل للكافر و المخالف و للقاعدة مصاديق كثيرة.

مصطلحات الفقه، ص: 86

منها ما إذا تزوج رجل من العامة امرأة و لم يشهد علي عقدها عدلين جاز للرجل الشيعي تزويج تلك المرأة و إخراجها عن سلطة الزوج الأول و لو قهرا، فالحكم ببطلان العقد و جواز تزويج الغير لها أمر يقتضيه مذهب الناكح الأول

و لم يقتضيه مذهب الثاني، إلا ان له أن يلزم الأول به بمقتضي مذهبه فهذا من فروع قاعدة الإلزام.

و منها ما لو تزوج سنّي امرأة و بنت أخيها أو أختها دفعة أو مترتبا جاز للشيعي تزويجهما في الفرض الأول و تزويج المتأخر عقدها في الثاني، فإنه لما كان مذهب الزوج الأول بطلان الجمع بينهما فالتزويج مبني علي الحكم ببطلان عقد الأول إلزاما علي وفق مسلكه.

و لأجل هذه القاعدة يجوز للشيعي تزويج المرأة التي طلّقها السنّي بلا إشهاد عليه أو في حال حيضها أو في طهرها الذي واقعها فيه، أو حلف بطلاقها ثم حنث فصارت مطلقة بعد انقضاء عدتها، فإنها قد بانت عن الأول بذلك الطلاق و الحلف إلزاما علي ما التزم به.

و لأجلها أيضا لو مات مسلم و ترك بنتا سنية و أخا شيعيا جاز للأخ مطالبة حصته من التركة علي ما يقتضيه العول و التعصيب و إن لم يعتقد هو به.

و لأجلها أيضا يجوز تزويج المرأة الشيعية من السني الذي حج البيت أو اعتمر عمرة مفردة و لم يطف طواف النساء اعتقادا لعدم وجوبه و عدم شرطيته للإحلال، و كذا الأمر في جواز تمكينها من الزوج فيما إذا حج بعد الزواج فإن لها أن تحكم بخروجه عن الإحرام بالسعي أو الحلق حتي بالنسبة إلي حلية المرأة، و نظيره تزويج الشيعي المرأة السنية التي حجت البيت أو اعتمرت عمرة مفردة مع تركها طواف النساء لكن فيه تأمل اللّهمّ الّا أن يحكم ببطلان العمل لانتفاء شرط الإيمان.

الأمانة

الأمانة في اللغة ضد الخيانة و الوصف أمين، و في المفردات أصل الأمن طمأنينة النفس و زوال الخوف. و يجعل الأمانة تارة اسما للحالة التي يكون عليها الإنسان في

الأمن و تارة

مصطلحات الفقه، ص: 87

اسما لما يؤمن عليه الإنسان نحو قوله تعالي (وَ تَخُونُوا أَمٰانٰاتِكُمْ) أي ما أئتمنتم عليه انتهي.

و مورد البحث هنا هو المعني الثاني أي المال مورد الاستيمان، و ليس لها اصطلاح خاص شرعي أو فقهي إلا انها وقعت موردا للبحث في الفقه، فنقول إن الأمانة تنقسم إلي قسمين مالكية و شرعية، و القسم الأول هو المال الذي حصل في يد الغير من المالك باختياره و السبب امّا استقلالي عقدي كالوديعة فإن كونها أمانة بيد المستودع حاصل من إنشائها بعقد الوديعة أو تبعيّ غير استقلالي، و هو ما لم ينشأ التأمين مستقلا بل تبعا في ضمن إنشاء آخر، نظير كون العين المستأجرة أمانة بيد المستأجر أو بيد الأجير و كذا العين في العارية و الرهن.

و القسم الثاني ما كان باستيمان من الشارع سواء كان وقوعه بيد الغير من غير قصد، كما إذا اشتري صندوقا فوجد فيه شيئا من مال صاحبه أو تسلم المشتري المبيع أو البائع الثمن، أزيد من مقدار استحقاقه اشتباها، أو مع قصد أخذه بإذن الشارع كأخذ اللقيط و اللقطة و المال المجهول مالكه في موارد جوازه، كما إذا أخذه من يد السارق أو الصغير أو المجنون، أو أخذ ما كان في معرض التلف بقصد إيصاله إلي صاحبه.

هذا بالنسبة لموضوع الأمانة و أما الحكم فيترتب علي الأمانة العقدية الاستقلالية وجوب حفظها، و حرمة التعدي و التفريط فيها، و عدم ضمانها لو تلفت بآفة سماوية أو من ناحية ثالث، بل و عدمه أيضا فيما تلفت بيده من غير تعد أو تفريط، و الحكم كذلك في العقدية التبعية مع عدم التعدي و إن تصرف فيها بمقتضي عقودها و كذا الأمانة الشرعية.

و هنا

أمور:

الأول: قد وقع التنبيه من الأصحاب علي موارد الأمانة المالكية التبعية في أبواب الفقه المختلفة من العقود و الإيقاعات، كذكرهم أن العارية أمانة بيد المستعير في غير موارد الضمان منها، و كذا أموال الموصي بيد الوصي، و الوقف بيد المتولي من قبل الواقف أو الحاكم، و أموال القصر و الغيب بيد أوليائهم، و الزكاة بيد العامل أو المالك أحيانا، و الخمس بيد المتصدي لجمعه و إيصاله، و العين المستأجرة بيد المستأجر، و العين مورد

مصطلحات الفقه، ص: 88

العمل بيد الأجير، و اللقيط و اللقطة بيد الآخذ، و العين مورد الوكالة بيد الوكيل، و العين المرهونة بيد المرتهن، و البضاعة و مال المضاربة بيد العامل، و الأعيان المشتركة بيد كل من الشركاء.

الثاني: قد يتفق الشك في كون المورد من الأمانة المالكية أو الشرعية كما إذا انقضي أجل الإجارة و العين بيد المستأجر أو الأجير، أو انفكت العين المرهونة بالأداء أو الإبراء أو فسخ عقدها، أو تم زمان المضاربة و الشركة و نحوهما، و العين بيد المستأمن، و الاستصحاب محكّم في مورد الشك.

الثالث: استدلوا علي عدم الضمان في موارده بإجماع الفريقين و السيرة الجارية من المسلمين علي عدم تضمين من أمنوه، بل و الضرورة بين المسلمين، و لعل ذلك أمر اجتماعي عقلائي أمضاه العقلاء في أمورهم حفظا لنظامهم و عدم وقوع الحرج أو الهرج، و يدل عليه قوله تعالي (مٰا عَلَي الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ) فإن الأمين محسن و التضمين سبيل و النصوص الواردة في أبواب تلك العقود.

الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر

كل من العنوانين المتقابلين مفهوما المتلازمين حكما، متداول مشهور كثير التعارف في الكتاب و السنة، و عند المتشرعة و الفقهاء، و هما موضوعان لأحكام هامة في الشريعة الإسلامية قد جعلا في

الفقه كتابا مستقلا إذا أبحاث و فروع، و يمكن أن يقال إنهما من مصطلحات الشرع و الفقه في معني أخص من معناهما اللغوي، بوساطة لحاظ قيود و شروط كما ستعرف، فالأولي الإشارة إلي مفاهيم الألفاظ الأربعة أعني الأمر و النهي و المعروف و المنكر لغة و شرعا ليتبيّن الموضوع المقصود في الباب.

فنقول للأمر معان كثيرة في اللغة لعلها تزيد علي عشرة ذكروها في أصول الفقه، و الظاهر أنه لم يرد منها هنا إلا الطلب الذي هو أحد معانيه المشهورة أو أشهرها، مرادا به مطلق بعث الغير نحو المعروف بأي طريق ممكن، لا خصوص الطلب القولي كما سيأتي،

مصطلحات الفقه، ص: 89

و المعروف اسم يراد به هنا ما عرفه العقل بالحسن و الشرع بالمطلوبية فيشمل الواجبات العقلية المحضة كالاعتقاد بالتوحيد و الرسالة مما لا تناله يد التشريع، و الواجبات الشرعية الفرعية، و بعض الواجبات الاعتقادية التي تناله يد التشريع كالاعتقاد بخصوصيات المعاد و بالملائكة و عصمة الأنبياء و الأئمة عليهم السلام و علمهم بالغيب و نحوها، و يشمل المندوبات أيضا، و النهي في اللغة و الاصطلاح هو الزجر بالقول أو بالفعل و نحوه كما في الأمر، و المراد بالمنكر مطلق ما ينكره العقل و يعدّه قبيحا و ينهي عنه الشرع من العقائد و الأعمال، كالشرك و الكفر و الظلم و نحوها و يشمل المكروهات أيضا.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنهم ذكروا أنه قد رتب علي كل من الأمر و النهي في الشريعة أمر و بعث من اللّه تعالي علي حسب حال متعلقهما أي المعروف و المنكر فإن كان واجبا أو حراما كان الأمر و النهي واجبين مؤكدين توصليين، و إن كان مندوبا أو مكروها كان الأمر و النهي

مندوبين توصليين.

ثم ذكروا ان وجوب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر مشروط بشروط.

أولها: أن يكون الآمر نفسه عالما بالمعروف مطّلعا علي الواجبات حتي يقدر علي الأمر بها و إلّا لم يأمن الغلط، و أن يكون الناهي عالما بالمنكر مطّلعا علي المحرمات حتي يأمن الغلط، و ظاهرهم أن هذا العلم من قبيل شرط الوجوب لا الوجود فلا يجب علي المكلف تحصيله و تعلم الواجبات و المحرمات مقدمة للإتيان بالوظيفتين و إن وجب مقدمة لعلم نفسه، و هذا مخدوش عندنا بل يجب التعلم مقدمة لعمل نفسه و للأمر و النهي.

و ثانيها: ان يجوّز المكلف علما أو احتمالا تأثير أمره و نهيه فلو علم بعدم التأثير في التارك و الفاعل لم يجبأ.

ثالثها: أن يكون المأمور في معرض ترك الواجب و المنهي في معرض فعل الحرام و إلا فمع عدم ذلك لا يجبان و ليكن هذا هو المراد من الإصرار و إلا فلا يختصان بمن صدرا عنه ثم لو حظ إصراره و إقلاعه.

رابعها: أن لا يكون في الأمر و النهي مفسدة من توجه ضرر إلي نفسه أو ماله أو إلي

مصطلحات الفقه، ص: 90

غيره من المسلمين، و الا سقط الوجوب كغيره من الواجبات.

هذا و الصواب في المقام ملاحظة حال الواجب الذي يترك و الحرام الذي يفعل من حيث الأهمية و مقايستهما مع ما يترتب علي الأمر و النهي من المضار و المفاسد و رعاية الأهم و الأرجح كما في سائر موارد التزاحم.

ثم ذكروا أنّ لموضوع الحكم في هذا الباب أعني كلا من الأمر و النهي مراتب ثلاث لا يجوز التعدي إلي المتأخرة منها مع إمكان المتقدمة عليها. الأولي الأمر و النهي قلبا بمعني ان يعرّفه رغبته باطنا لفعل الواجب المعرض

للترك، و انزجاره قلبا عن ارتكاب الحرام المعرض للفعل، و هذا نوع خفيف من الأمر و النهي و هو المترتبة الأولي منهما، و تعريف ذلك يحصل بعبس الوجه و الإعراض و الهجر و نحوها.

الثانية الأمر و النهي لسانا امّا بإنشاء الأمر و النهي أو بالوعظ و التذكير و بيان المصالح و المفاسد المترتبة، أو بتأكيد الأمر و الزجر أو بجعلهما مقرونين بالوعد و الوعيد، أو بتكرارهما علي اختلاف مراتبهما عرفا.

الثالثة الأمر و النهي باليد و هذه هي مرحلتهما التكوينية يراد بها الحمل و الزجر عملا و قد ذكروا لهذه أيضا مراتب و مراحل تشرع من البعث و الكف باليد مع الملائمة و تتصاعد إلي الضرب و الجرح و القطع و تنتهي إلي القتل.

تنبيه: مسألة الأمر و النهي و الأحكام المجعولة في هذه المرحلة مقدمة طبعا علي مسألة الحدود و التعزيرات، و إن كان تشريع الجميع بملاك رعاية الواجبات و المحرمات و حفظ حريمها عن التجري و المخالفة.

و ذلك لان الأولي مجعولة قبل أن يتحقق ترك الواجب و فعل الحرام و للمنع عن التحقق إذ الأمر طلب الوجود و النهي زجر عنه، و الثانية مجعولة للمجازاة بعد تحقق ترك الواجب و سقوط الأمر أو تحقق فعل الحرام و سقوط النهي.

مصطلحات الفقه، ص: 91

الانتحار

الانتحار في اللغة قتل الإنسان نفسه، و النحر موضع تذكية الإبل في أعلي صدره، و المنتحر كأنه ينحر نفسه، و ليس للفظ مصطلح شرعي أو فقهي، و ذكروا انه علي قسمين إيجابي و سلبي، و الأول فعل ما يجب تركه مما يورث القتل، كالضرب بالسيف و الرمح و السكين و البندقية و الاتصال بالكهرباء و أكل السم و شربه و نحو ذلك، و

الثاني ترك ما يجب فعله كالامتناع عن الغذاء و الأكل و الشرب و سائر ما هو سبب لبقاء الحياة حتي يؤدي إلي الموت، و منه ترك معالجة الأمراض و القروح و الجروح حتي يموت، و لعل من ذلك أيضا ما لو اضطر إلي أكل الميتة و شرب المسكر و نحوهما فامتنع منها حتي مات، لوجوب ارتكاب ما يضطر إليه الإنسان.

ثم انّ الانتحار قد ذكر في الفقه تحت عنوان قتل النفس فحكموا بحرمة ذلك في الشريعة، نظير قتل الشخص غيره من المسلمين، و لا إشكال في أن قتل النفس المحقونة من المعاصي الكبيرة، لكن لو اتفق ذلك من شخص لم يترتب عليه شي ء من آثاره الخارجية من القصاص و الدية بل و الكفارة المالية أيضا، ما عدا العصيان و العقوبة الأخروية، فإن مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزٰاؤُهُ جَهَنَّمُ خٰالِداً فِيهٰا إذا فيكون بمنزلة الموت حتف الأنف و لا يترتب عليه حكم الكفر أيضا بل حكم الفسق، فيترتب عليه لزوم تجهيزه كما يجهز المسلمون، نعم الظاهر انه لو أوقع علي نفسه جرحا أو شرب سما أو القي نفسه من شاهق مما يؤدي إلي الهلاك فأوصي بعد ذلك لا تنفذ وصيته المتعلقة بأمواله، و لو أوصي ثم أوقع الأسباب نفذت.

ثم أن الظاهر انه لو أخذ الشخص لبعض الجرائم السياسية بغير حق، و علم بأنهم يقتلونه بعد التعذيبات، و الأقارير المأخوذة بالضرب و الجرح مما فيه ضرر علي الإسلام أو المسلمين أو مفسدة أعظم من قتله جاز له الانتحار.

مصطلحات الفقه، ص: 92

الأنعام

النعم بالفتح في اللغة الإبل و البقر و الغنم، و هو جمع لا واحد له من لفظه و جمعه إنعام يذكّر و يؤنّث كقوله تعالي في مورد

من كتابه (مِمّٰا فِي بُطُونِهِ) و في آخر (مِمّٰا فِي بُطُونِهٰا)، و الأنعام قد تكرر ذكرها في الكتاب الكريم و فيه انها ثمانية أزواج الإبل و البقر و الضأن و المعز، ذكرا و أنثي، أو أهلية و وحشية.

و كيف كان فالأنعام في الفقه و في مصطلح الشرع و المتشرعة علي أقسام ثلاثة الإبل و البقر و الغنم و هي أنواع تحت جنس الحيوان.

أما الأول: فهو نوع من الحيوان معروف ضخم البدن كبير الجثة و من أسمائه البعير و الإبل و الجمل و الناقة، و الأول اسم جنس و الثاني اسم جمع له و الثالث يخص الذكر و الرابع يخص الأنثي، و التفصيل تحت عنوان الإبل.

و أما الثاني: فهو أيضا نوع معروف أصغر جثة من الأول و البقر اسم جنس لهذا النوع، يشمل الجاموس الذي هو ضرب من كبار هذا النوع، و الواحد من البقر بقرة كتمر و تمرة و التفصيل في عنوان البقر.

و أما الثالث: فهو نوع من الحيوان معروف أصغر جثة من الأولين و من أسمائه الغنم و الشاة و الضأن و المعز، و الأول اسم جنس شامل للضأن و المعز ذكرا و أنثي و الثاني واحدة من الجنس فهما كتمر و تمرة و هي أيضا تعم الضأن و المعز الذكر و الأنثي و الثالث يختص بغير المعز و الرابع يختص بغير الضأن و التفصيل في عنوان الغنم.

ثم إن الأصحاب ذكروا أن لها أحكاما كثيرة في الشريعة و قد وقع البحث عنها في الفقه نظير حلية لحمها و أخذ اللبن الخالص السائغ للشاربين منها، و جواز ركوب ما يصلح للركوب منها و حلية بهيمتها، و كون زكاتها بذكاة أمهاتها، و اتخاذ الحمولة و الفرش

منها، و وجود الدف، و المنافع فيها، و حلية الانتفاع من جلودها و إشعارها و أوبارها.

و من أهم موارد البحث عنها في الفقه، باب الزكاة فإنه كما وضع الرسول صلّي اللّه عليه و آله هذه الضريبة المالية علي الحبوب و الثمار و النقود في الجملة، وضعها علي الأنعام الثلاثة بشرائط

مصطلحات الفقه، ص: 93

خاصة مذكورة في باب الزكاة و أشرنا إلي بعضها تحت عنوان الإبل.

و باب الحج فإن اللّه قد أوجب الهدي في حج التمتع و القران و ندب إليه في كل حج و عمرة، و عيّنه في الأنواع الثلاثة من الأنعام و خيّر الناسك بينها إلا في موارد خاصة و الكلام مذكور تحت عنوان الهدي.

و باب الديات فجعل دية النفس و ما يتبعها من الأعضاء و المنافع أمورا ستة ثلاثة منها هي الأنعام الثلاثة علي اختلاف في عددها و كيفيتها يتبع اختلاف الجناية و أسباب الدية، و التفصيل تحت عنوان الدية.

و باب كفارات الإحرام فأوجب اللّه تعالي الإبل في موارد كثيرة، كصيد النعامة و كسر بيضها مع تحرك الولد، و الجماع العمدي في الحج و العمرة، و إكراه الزوجة المحرمة علي الجماع و إن كان هو محلا، و الاستمناء في الحج، و غير ذلك إذا وقعت حال الإحرام.

و أوجب البقرة في قتل البقرة الوحشية و حمار الوحش، و في الإمناء إذا نظر إلي زوجته مع توسط حاله المالي، و في قلع شجرة الحرم و غيرها مما يقع حال الإحرام. و أوجب الشاة في قتل الظبي، و الحمل في قتل القطا، و الدّراج و الشاة أيضا في استعمال الطيب و قلم الأظفار، و لبس المخيط، و حلق الرأس، و الجدال، إذا وقعت حالة الإحرام.

الأنفال

النفل بالفتح

و الفتحتين الزيادة، و نفل الرجل أعطاه معروفا لا يريد ثوابه، و النفل الغنيمة و الهبة، و في النهاية النفل بالتحريك الغنيمة و جمعه أنفال و النفل بالسكون و قد يحرك الزيادة، و في الحديث إن المغانم كانت محرمة علي الأمم قبلنا فنفلها اللّه تعالي هذه الأمة انتهي.

و في المفردات النفل هو الغنيمة بعينها لكن اختلف العبارة عنها لاختلاف الاعتبار فإنه إذا اعتبر بكونه مظفورا به يقال لها غنيمة، و إذا اعتبر بكونه منحة من اللّه ابتداء من غير وجوب يقال له نفل و قيل هو ما يحصل للمسلمين بغير قتال و هو الفي ء انتهي. و المتحصل

مصطلحات الفقه، ص: 94

من المجموع ان النفل بالفتح و التحريك يستعمل في اللغة بمعني الغنيمة و الزيادة.

و أما الاصطلاح فالذي كثر استعماله فيه في النصوص بل قد اصطلح عليه الأصحاب في الفقه، هو أنه عبارة عن عدة أعيان كثيرة و أموال وافرة منقولة و غير منقولة، قد جعلها اللّه لإمام المسلمين بعنوان ولايته علي الناس و حكومته علي المجتمع و رئاسته العامة الإلهية، فهي غنائم و فوائد موهوبة من قبل اللّه تعالي علي الوالي من اللّه و علي الأمة المطيعة له، و له ان يصرفها في تقوية الإسلام و مصالح المسلمين كيفما رآه و يختلف ذلك باختلاف الأحوال و الأزمنة و اختلاف حال نفس الأعيان.

و لها مصاديق كثيرة حصرها الأصحاب في أمور:

1- منها كل ما أخذ من أهل الحرب من الكفار مما لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب أرضا كانت أو غيرها انجلي عنها أهلها أو سلموها للمسلمين طوعا أو خوفا أو لغير ذلك.

2- و منها الأرض الموات التي لا ينتفع بها إلّا بإحيائها، سواء أحرز انه لم

يجر عليه ملك أحد أو لم يحرز أو أحرز انه قد جري عليها اليد لكن قد باد و هلك و لم يعرف الان، كبابل و الكوفة و نحوهما، و سواء كانت في الأرض المفتوحة عنوة أو غيرها.

3- و منها أسياف البحار أي سواحلها و شطوط الأنهار الكبار مما لم يمتلكه أحد.

4- و منها كل أرض لا ربّ لها و لو لم تكن مواتا كالأرض العامرة بالأصالة أي المهيأة بالطبع للزرع أو الغرس أو البناء أو غيرها بحيث لا يحتاج إلي إزالة مانع و إعداد مقدمة، و ما قد يخرج من وسط البحار و الأنهار الكبيرة من الجزائر، و ما يظهر من حواليها بعد ما كانت معمورة.

5- و منها رؤوس الجبال و ما يكون فيها من الأحجار و النبات و الأشجار ما لم يسبق إليها أحد.

6- و منها بطون الأودية كذلك.

7- و منها الآجام و هي الأرض الملتفة بالأشجار و القصب بنفسها لا من معمر و هذا أيضا قسم مما لا رب لها و لا يضرّ في هذه الثلاثة كونها فيما بين الأرض المحياة و غيرها بعد ان لم يتصرف فيها أحد و لم تكن حريما.

مصطلحات الفقه، ص: 95

8- و منها القطائع و هي ما أقطعه الملوك لأنفسهم و جعلوها دورا و مساكن و بساتين و مزارع و مراتع و مرافق لمعايشهم و لهوهم و لعبهم و ضيوفهم و خيولهم و مراكبهم و مواشيهم و غير ذلك بعد ان غلب عليهم المسلمون و أخذوها عنوة.

9- و منها صفايا أموال الملوك من المراكب و أثاث البيوت و الألبسة و الفرش و المماليك من عبيد و إماء و غيرها.

10- و منها صفو الغنيمة كفرس جواد، و مراكب فارهة

عصرية، و أموال ثمينة، و عبيد و إماء ذوي فنون و كمالات.

11- و منها الغنائم التي ليست بإذن الإمام الشاملة للأراضي العامرة و أنواع ما يغنمه عسكر المسلمين من أهل الكفر.

12- و منها إرث من لا وارث له الشامل لجميع ما يمكن ان يملكه الإنسان من الأبنية و الضياع و العقار و الدكاكين و رؤوس الأموال و أثاث البيت و النقود و المواشي و غيرها، و يشمل هذا القسم ما لو اتفق هلاك أهل قرية أو بلد دفعة واحدة لزلزلة أو صاعقة أو قتلوا بالآلات القتالة المخترعة العصرية فبقيت مساكنهم و أراضيهم و ما عليهم فلم يبق منهم أحد أو بقي من لا يرث من الهالكين.

13- و منها المعادن الظاهرة و الباطنة التي لم يمتلكها أحد تبعا لأرضه أو مستقلة.

14- و منها البحار كلها إلّا شيئا يسيرا مما يقرب من سواحلها بالمقدار الذي تصرف فيه الناس أو كان حريما لما تصرفوا فيه، فإنها من الأنفال و يجب أن تكون تحت سلطنة الإمام لا سيما اليوم حيث كان أغلب سطوحها مورد الاستفادة و الاستطراق.

15- و منها الهواء و الفضاء حول الكرة الأرضية، بالمقدار الميسور للبشر من التصرف فيه و الانتفاع به بالاستطراقات الجوّية، عدا ما يحتاج إليه سكنة البلاد و الأراضي المملوكة من الفضاء الذي تعلوه الأبنية و البروج و الأشجار و نحوها. و هذان الأخيران لم يذكرهما الأصحاب و لم يأتوا لها بدليل و يمكن الاستدلال لهما بما دل من الأخبار علي ان الدنيا و ما فيها للإمام (كاج 1، ص 407 باب ان الأرض كلها للإمام) فإن عنوان الدنيا شامل لجميع

مصطلحات الفقه، ص: 96

هذه الكرة التي هي أرضنا و مسكن أحيائنا و مدفن أمواتنا،

مواتها و عامرها أنهارها و بحارها و فضائها المحيطة بها المحتاج إليها لحياة ساكنيها أكثر من حاجتهم إلي أرضها و مائها.

و نظيرهما ما تحت الأرض أي داخلها فيما زاد عن حاجة ساكنيها بحفر بئر و نحوها فهو ملك لوالي المسلمين و يتبعها معادنها.

تنبيهان:

الأول: قد عدت المعادن في النصوص و الفتاوي من الأنفال و مقتضاه كونها جميعا للإمام و ولي أمر الأمة فيصرفها فيما شاء كما عرفت، و قد ورد نصوص أيضا في باب الخمس ان المعادن لمن وجدها و استخرجها فيملكها، و يستحق الإمام منها الخمس و عليه فيقع التعارض بين الآيتين كنصوص الطرفين، لكن الظاهر عدم التعارض فإنه لا مانع من القول بكون جميع المعادن للإمام ابتداء بالحكم الشرعي الأصالي، لما دل علي أنها من الأنفال و ما دل علي أن الأنفال له، و القول بان المستخرج يمتلكها منه ثم يرد خمسها إليه لما دل علي ان الإمام قد أباحها لشيعته فللشيعة تملكها و اغتنامها ثم إخراج خمسها إلي إمام لما دل علي أن ما غنمه فيه الخمس.

الثاني: انه يظهر من النصوص دخول الغنائم الحربية المأخوذة من الكفار بالغلبة، في آية الأنفال لأنها غنيمة أو زيادة فتكون جميعها للّه و رسوله صلّي اللّه عليه و آله و لا إشكال في شمول آية الغنيمة لها أيضا لأنها مما غنمه المسلم فيكون للإمام خمسها فبين الآيتين معارضة في مورد الغنائم و إن كان بينهما عموم من وجه، مورد افتراق آية الأنفال سائر مصاديقها و آية الخمس سائر مصاديقه.

و يمكن الجواب بأن آية الأنفال نازلة قبل آية الخمس كما يظهر من نفس السورة الشريفة فإن مقتضي حكم التاريخ و دلالة النصوص انه بعد حصول الظفر للمسلمين

في بدر و حيازتهم الغنائم من الأموال و الأسري، حصل بين العسكر المقاتلة اختلاف و مجادلة كلامية في كيفية قسمة الغنائم، فإن القوم كانوا علي طوائف ثلاث، المحاربين، و المشتغلين بجميع الغنائم و الإسراء، و الحافظين لوجود النبي الأقدس صلّي اللّه عليه و آله، فمن قائل ان الغنائم

مصطلحات الفقه، ص: 97

للطائفة الأولي و من قائل بعمومها للثانية أيضا و من سالك مسلك التعميم المطلق، و الظاهر انه لم يكن حكم الحادثة نازلا قبل ذلك فنزلت الآية الشريفة في أول الأنفال و ان الحكم الإلهي كون الجميع بيد النبي الأعظم و تحت سلطنته، فله بذل الجميع لشخص أو أشخاص و ان كانوا غير المقاتلين، و له قسمته الجميع بينهم، و له صرفها في مصارف آخر، و يظهر من النصوص ان هذا كان حكما موقتا بالنسبة لتلك الواقعة و قد نزلت آية الغنيمة التي هي أيضا في تلك السورة بعد أيام لم يتصرف النبي فيها، فقسمها بعد ذلك أخماسا أو أثلاثا علي المحاربين فلا تعارض بين الآية الأولي من السورة و الآية الإحدي و الأربعين منها و لا في سائر نصوص الباب فدخلت غنائم الحرب في آية الخمس دائما.

الإيقاع

مفهوم الإيقاع في اللغة و العرف بيّن، و هو في اصطلاح الفقهاء عبارة عن الإنشاء المستقل الذي لا يتوقف صحته و نفوذه علي إنشاء مطاوع، فهو في مقابل العقد الذي حقيقته إنشاءان مرتبطان متلازمان.

و الكلمة اسم الجنس الإيقاعات الاعتبارية التي تندرج تحت عنوانه، و لكل نوع منها اسم معين و صيغة خاصة ينشأ بها، و أنواع الإيقاع في الشرع و العرف كثيرة ذكروا أغلبها في الفقه، و وقع البحث عن حقيقتها و أقسامها و أحكامها في كتب متعددة

تحت عنوانها كالطلاق، و العتاق، و الإبراء، و الفسخ في العقود، و حكم الحاكم برؤية الهلال، أو كون اليوم أول الشهر أو آخره أو وسطه، و كذا الليلة، و كحكم القاضي بما رآه حقا لأحد طرفي الدعوي في الملكية و الزوجية و النسب، و حكمه بحجر المفلّس، و حقن الدم، و هدره، و كالنذر و العهد و اليمين و الإيلاء و اللعان.

و هناك منشآت اعتبارية وقع الخلاف في كونها عقدا أو إيقاعا كالخلع من الطلاق من جهة احتياجه إلي إيراء الزوجة، و الجعالة أي إنشاء تمليك الجعل من المالك من جهة حاجتها إلي قبول العامل و لو بنحو الجري علي العمل، و الإيصاء لشخص من الميت من

مصطلحات الفقه، ص: 98

جهة التردد في ان اللازم قبول الموصي له أو عدم رده فيكون إيقاعا مشروطا لا عقدا.

ثم إنهم ذكروا انه يشترط في كلّ الإيقاعات شروط بعضها في المنشئ و بعضها في الإنشاء و بعضها في المنشأ، فيشترط في المنشئ شروط العقد من البلوغ و العقل و القصد و الاختيار، و في نفس الإنشاء وجود اللفظ الظاهر في المطلوب أو الفعل القائم مقامه، و في المنشأ ما يختص بنوعه و صنفه من الشرائط، و ذكروا أنه لا تجري الفضولية في الإيقاعات كجريانها في العقود، فلا يصلح أن يطلقها غير زوجها فضولا فيجيز الزوج، و كذا الإبراء، و الإعتاق، و فسخ العقود، و النذر و العهد و اليمين و غيرها.

الإيلاء

الإيلاء في اللغة الحلف يقال آلي يولي إيلاء و أليّة حلف، و جمع أليّة ألايا كعطية و عطايا، و في المفردات ألوت في الأمر قصرت فيه، و حقيقة الإيلاء و الأليّة الحلف المقتضي لتقصير في الأمر الذي يحلف عليه،

و جعل الإيلاء في الشرع للحلف المانع من جماع المرأة انتهي.

و كيف كان الإيلاء في اصطلاح الشرع و الفقهاء عبارة عن حلف خاص مقيد بقيود، و هو حلف الزوج علي ترك وطء زوجته الدائمة المدخول بها قبلا أبدا أو في زمان زائد علي أربعة أشهر للإضرار بها، فالقيود المضافة إلي المعني اللغوي سبعة، فلو حلف غير الزوج كمالك الأمة، أو حلف الزوج علي ترك التكلم معها مثلا دون الوطء، أو علي ترك وطء المنقطعة أو غير المدخول بها، أو علي ترك الوطء دبرا، أو علي تركه شهرا أو شهرين، أو علي تركه أزيد من أربعة أشهر لعذر من مرض و نحوه، لا يكون إيلاء و لا يترتب عليه حكمه، نعم هو يمين مطلق ينفذ مع تحقق شرائطه.

ثم انه يفترق هذا الحلف عن غيره بأمور، الأول أنه ينعقد مع حرمة متعلّقه لانه حلف علي ترك الواجب، الثاني أنه يجوز للزوج المبادرة إلي حنث هذا الحلف قبل تمام الأربعة أشهر بالرجوع و الوطء و يكفّر لحنث النذر، الثالث أنه يجب عليه الحنث بعد تمام الأربعة

مصطلحات الفقه، ص: 99

أشهر لوجوب الوطء فإذا وطئ كفر للحنث، الرابع لو طلقها قبل انقضاء المدة أو بعده زال حكم الزوجية و سقطت الرجوع و الكفارة، و أما المرأة فلها أن تصبر أبدا و لا تطالبه، و لها أن تطالبه و ترفع أمره إلي الحاكم فيجبره علي أحد الأمرين تخييرا.

الإيمان

الإيمان في اللغة كما عن أكثر اللغويين هو التصديق بشي ء قلبا و الوثوق به باطنا يقال آمنه و آمن به صدّقه و وثق به و آمن له خضع و انقاد.

و في المجمع الإيمان لغة هو التصديق المطلق اتفاقا من الكل، و منه قوله

تعالي (وَ مٰا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنٰا وَ لَوْ كُنّٰا صٰادِقِينَ) انتهي و في المفردات و الأيمان يستعمل تارة اسما للشريعة التي جاء بها محمد (ص) و يوصف به كل من دخل في شريعته مقرا باللّه و بنبوته صلّي اللّه عليه و آله، و تارة يستعمل علي سبيل المدح و يراد به إذعان النفس للحق علي سبيل التصديق، و ذلك باجتماع ثلاثة أشياء: تحقيق القلب، و إقرار اللسان، و عمل بحسب ذلك بالجوارح انتهي.

و ظاهر المفردات أن الإيمان قد يستعمل في مجموع القوانين المنزلة من السماء كالدّين و الشريعة، و لعله معني مجازي و المؤمن حينئذ القابل للإيمان نظير المتدين و المتشرع، و قوله في ذيل المعني الثاني و ذلك باجتماع ثلاثة أشياء أي بأن يكون الأخيران من لوازم الأول أو المجموع المركب معني متشرعي كما سيأتي.

و كيف كان فالظاهر ان الإيمان مستعمل في الكتاب و السنة في معناه اللغوي أي التصديق و الإذعان قلبا، و لذا قد ذكر متعلقة غالبا كالإيمان باللّه و ملائكته و كتبه و رسله و اليوم الآخر، و قوله تعالي (وَ مٰا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنٰا وَ لَوْ كُنّٰا صٰادِقِينَ) و غيرها من الموارد، و بهذا المعني يلاحظ المقايسة بينه و بين الإسلام الوصفي، فإنه قد يطلق علي مجموع القوانين الإلهية، و قد يطلق علي التسليم قولا بالإقرار بالشهادتين و قد اشتهر استعماله في هذا المعني في الكتاب و السنة، بحيث يمكن دعوي صيرورته حقيقة فيه، و هو الذي يرتب عليه الآثار و الأحكام، سواء علم باعتقاد المقر بمضمون إقراره أو لم يعلم بل أو علم بعدمه أيضا كما يظهر من موارد استعماله، و أشير إليه تحت عنوان الإسلام و علي هذا

فالنسبة بين

مصطلحات الفقه، ص: 100

الإيمان و الإسلام ماهية التباين و تحققا العموم المطلق فإن الإسلام أعم من الإيمان، و هذا المعني يستفاد من نصوص كثيرة واردة في بيان معني الإسلام و الإيمان و الفرق بينهما. و لذا لما قال الإمام عليه السلام: إن الإيمان يشارك الإسلام و الإسلام لا يشارك الإيمان، قال سماعة:

فصفها لي فقال: الإسلام شهادة أن لا إله إلّا اللّه و التصديق برسوله صلّي اللّه عليه و آله و به حقنت الدماء و عليه جرت المناكح و المواريث و علي ظاهره جماعة الناس، و الإيمان الهدي و ما ثبت في القلوب و ما ظهر من العمل به و الإيمان أرفع من الإسلام و بدرجة ان الإيمان يشارك الإسلام في الظاهر و الإسلام لا يشارك الإيمان في الباطن و إن اجتمعا في القول و الصفة انتهي.

ثم إن للإيمان معني خاصا في اصطلاح فقهائنا بل و عند أهل الولاية، و لعله قد صار حقيقة فيه عندهم بوضع تعييني أو تعيّني، و هو الإذعان بمقتضي الإسلام مع الاعتقاد بالإمامة و الولاية و أن اللّه تعالي قد نصب للناس خلفاء و جعلهم أئمة و أمر نبيّه بإبلاغ ذلك إلي الناس، أوّلهم علي بن أبي طالب و آخرهم حجة بن الحسن العسكري عليهم السلام فهم منصوبون من قبل اللّه تعالي و رسوله للأمة الإسلامية جمعاء تدوم إمامتهم بدوام النبوة و الدين و يجب الإذعان بذلك كالإذعان بالنبوة و الكتاب و المعاد، فالمسلم المعتقد بالنصب مؤمن و المسلم غير المعتقد غير مؤمن بهذا الاصطلاح، و البحث عن الإيمان بهذا المعني قد يكون كلاميا إذا كان الغرض إثبات ذلك بالأدلة العقلية و النقلية الكتابية و الروائية، و بيان ما يترتب

عليه و علي تركه من المثوبة و العقوبة الأخروية، و قد يكون فقهيا إذا كان الغرض ترتب الأحكام الفرعية عليه تكليفا أو وضعا و لذلك عنون الفقهاء ذلك في موارد من الفقه، و البحث عنه من هذه الجهة مورد كلامنا في الكتاب فمن أهم ما يترتب عليه شرطيته لأمور.

منها: شرطيته في القاضي المنصوب من قبل ولي الأمر و في قاضي التحكيم، فإنهم قد ذكروا أنه يشترط فيه الإيمان و الإذعان بالولاية فلا يجوز للمؤمن بل و للمسلم المرافعة إلي غير المؤمن، و في الجواهر أنه قد تواترت النصوص في النهي عن المرافعة إلي قضاتهم بل هو من ضروريات مذهبنا.

مصطلحات الفقه، ص: 101

و منها: شرطيته لجواز تقليد العامي من المجتهد في المسائل الشرعية الفرعية، فإنه قد ذكر عدة من الأصحاب أنه يشترط الإيمان في المقلد و أنه لا يجوز تقليد غير المؤمن و إن كان واجدا لجميع ما عداه من شرائط التقليد.

و منها: شرطيته في إمام الجماعة فذكروا أنه يشترط في جواز الإيتمام و صحة الصلاة المؤتم بها، إيمان الإمام فلا يصح الاقتداء بمن لا يعتقد بالولاية من أهل الإسلام و إن كان واجدا لغيره من الشرائط إلا في مورد اتفق اجتماع المؤمن معهم في المساجد و المجامع عند الصلاة فإنه يجوز له الإيتمام بهم حينئذ و تصح الصلاة و ليس عليه الانفراد أو الخروج عن المحل و الحكم لعله من واضحات فقه الإمامية فقد ادعي الإجماع عليه.

و منها: شرطيته لمطلق العبادات الصادرة من المسلم، فهو مساوق للإسلام في الشرطية للعبادات، و المسألة محل اختلاف بين الأصحاب، و لعل الأشهر أو المشهور عدم الشرطية، و هنا تفصيل بين العبادة الفاقدة لهذا الشرط المتعقبة بالاعتقاد بالولاية و

لو في آخر العمر فيحكم بصحتها، و بين غير المتعقبة به بان مات علي الخلاف فيحكم ببطلانها و مرجع هذا إلي كون الشرط تحققه الأعم من المقارن و المتأخر.

الباغي- البغي

البغي في اللغة الطلب، و العدول عن الحق، و الاستطالة علي شخص و الظلم عليه، يقال بغي الشي ء بغيا و بغية طلبه، و بغي الرجل عدل عن الحق، و بغي عليه استطال عليه و ظلمه و الفاعل باغ و جمعه بغاة.

و البغي في مصطلح الفقه الخروج علي الإمام المعصوم أو من نصبه عموما أو خصوصا، كان الباغي واحدا كابن ملجم لعنه اللّه، أو أكثر كأهل الجمل و صفين و نهروان و نحوهم، و قد رتب علي البغي في الشريعة أحكام ذكروها في الفقه، نظير أن البغاة إحدي الطوائف التي تجب البدأة بقتالهم، و كما ذكرناه تحت عنوان الجهاد فيجب قتالهم إذا ندب إليه الحاكم وجوبا كفائيا مؤكدا، و التأخر عنه كبيرة، و إذا قام به من فيه الكفاية سقط عن الباقين و يجب مصابرتهم حتي يرجعوا إلي حكم الإمام أو يقتلوا فإن للنبي صلّي اللّه عليه و آله سيوفا خمسة:

مصطلحات الفقه، ص: 102

سيف علي أهل الكتاب، و سيف علي مشركي العرب، و سيف علي مشركي العجم، و سيف علي أهل البغي و التعدي، و سيف في آخر الزمان للقائم عجل اللّه تعالي فرجه.

ثم إن الأصحاب قسموا أهل البغي إلي طائفتين إحداهما ما إذا كانوا ذوي فئة كأصحاب الجمل و أصحاب معاوية لعنه اللّه، فيقاتلون و يجهز علي جريحهم و يتبع مدبرهم و يقتل أسيرهم. الثانية ما لم يكونوا كذلك بل كانوا متفرقين لا رئيس لهم كخوارج نهروان، فيفرقون من غير أن يتبع لهم مدبر أو يقتل

لهم أسير أو يجهز منهم علي جريح.

و ذكروا أيضا انه لا يسبي نساء الطائفتين و لا أولادهم و لا تدخل أموالهم التي لم يحوها العسكر من الأراضي و المنقولات تحت عنوان الغنائم، و كذلك أموالهم التي حواها العسكر إذا رجعوا إلي حكم الإمام، و أما ما حواه العسكر مع إصرارهم، ففيه خلاف أظهره كونه غنيمة يترتب عليه حكمها إلا أن الأفضل ما فعله علي عليه السلام مع أهل البصرة فإنه أمر بردّها إليهم و كان ذلك علي طريق المنّ لا الاستحقاق.

البخل

البخل في اللغة و العرف واضح، و هو الإمساك عن بذل المال و نحوه في مورد لا ينبغي الإمساك، و في المجمع البخل في الشرع منع الواجب و عند العرب منع السائل مما يفضل عنده انتهي. و في المفردات البخل إمساك المقتنيات عما لا يحق حبسها عنه، و يقابله الجود، و هو ضربان بخل بمقتنيات نفسه و بخل بمقتنيات غيره و هو أكثر ذما انتهي.

و كيف كان فهو من الصفات الذميمة و الشيم القبيحة في الإنسان و يكون منشأ لقبائح الأعمال و محرمات الأفعال، كمنع الحقوق الواجبة الشرعية، و الإنفاقات اللازمة و نحو ذلك، و في الخبر أن النبي صلّي اللّه عليه و آله قال خصلتان لا تجتمعان في مسلم البخل و سوء الخلق، و قال (ص) لا يجتمع الشح و الإيمان في قلب عبد أبدا (وسائل الشيعة، 6، ص 21).

و ظاهر بعض الأصحاب كونه من المحرمات و عنون في الوسائل بابا بقوله باب تحريم البخل و الشح بالزكاة و نحوها.

مصطلحات الفقه، ص: 103

لكن ذكر الأكثر انّ الحرمة لم تتعلق بنفس الصفة الباطنية كالحسد و الكبر و غيرهما، بل بالآثار و المسببات الناشئة عنها،

كمنع الزكاة و الخمس و الإنفاقات الواجبة و الكفارات و الديون و غيرها، و يشهد له قوله صلّي اللّه عليه و آله البخيل من بخل بما افترض اللّه عليه، و قوله ليس بالبخيل الذي يؤدي الزكاة المفروضة من ماله، و يعطي النائبة في قومه، و قوله ان الشحيح من منع حق اللّه و أنفق في غير حق اللّه، و علي الجملة ان صفة البخل التي تتصف بها النفس و تكون في الأغلب طبيعة موروثة، و تكون أحيانا اكتسابية أو استراقية للنفس غير اختيارية، لها قبح فاعلي لم يترتب عليه تكليف إلزامي، و الآثار المسببة عنها قد تكون محرمة إذا كانت ترك واجب أو فعل حرام و قد تكون مكروهة. لكن لا يبعد القول بحرمة بعض تلك الصفات كالكبر و الحسد و نحوهما مضافا الي حرمة بعض الآثار المسببة عنها، إذا كان الشخص متنشطا بها قادرا علي إزالتها و للكلام محل آخر.

البرّ

البر في اللغة الإحسان يقال بر يبر و الدية من باب ضرب و علم، أحسن إليهما و رحمهما و وصلهما، و ليس له مصطلح خاص في الشرع و بين المتشرعة، و قد وقع موضوعا للحكم في الشريعة و محلا للبحث في الفقه في موارد.

منها: ان الإحسان بمفهومه المعروف عند العرف و العقلاء و عنوانه الأوّلي مستحسن عقلا و مندوب إليه شرعا، بل هو بنفسه من المستقلات العقلية يضرب به المثل عند البحث عن الأحكام العقلية، و كذلك قد وافقه الشرع و حكم علي طبقه، لما اشتهر من انّ كل ما حكم العقل بحسنه حكم الشرع بوجوبه أو استحبابه و المحسن إليه في حكمهما هذا عام شامل لجميع أفراد الإنسان و صنوفه، علي اختلاف ألسنتهم

و ألوانهم و شعبهم و قبائلهم و عقائدهم و أفعالهم بل لعل العموم شامل للحيوانات أيضا، و بالجملة لا إشكال في حسن الإحسان إلي عباد اللّه تعالي و خلقه، مع قطع النظر عن عروض الموانع و طروّ الدوافع، كما إذا كان الإحسان له من جهة إساءة له من جهة أخري، أو سببا للإساءة إلي غيره

مصطلحات الفقه، ص: 104

كالإحسان إلي بعض الظلمة أو الفسقة، فإنه حينئذ خارج عن مورد البحث تخصّصا لا تخصيصا.

و منها: الإحسان إلي الوالدين و هو من أعظم مصاديقه و أفضلها، و لا إشكال في حسنة عقلا و وجوبه شرعا، إلّا أن الشأن في عموم الحكم لجميع مصاديقه، فان بعضها بين الحسن قد حث العقل به و أوجبه الشرع، كحسن العشرة معهما و إطابة الكلام و إظهار التودد و التجنب عن غليظ القول و عن كل ما يوجب إيذاءهما من قول أو فعل، و كذا في وجوب تعليمهما أحكام الدين و أمرهما بالمعروف و نهيهما عن المنكر، و كذا في الإنفاق عليهما علي النحو المتعارف مع اعسارهما و يسار الولد، و كذا في عدم المخالفة لأمرهما و نهيهما مهما أمكنه فيما إذا كان ذلك إيذاء لهما و لم يكن مطلوبهما مخالفا للشرع.

و بعضها مما أوجبه اللّه تعالي تعبدا علي الولد الأكبر، كالإتيان بما فات منهما أو من الأب فقط، من الفرائض اليومية و الصيام الواجبة علي اختلاف فيه بين الأصحاب، و كذا ما أوجبه اللّه علي ورثتهما من إخراج ديونه الخلقية و الخالقية من تركتهما، و إخراج الواجبات المالية منها أيضا كذلك، كالحج و الكفارات. و كذا ما أوجبه عليهم من التصدي لأمر تجهيزهما بعد موتهما علي ما يوافق الشرع و يناسب مقامهما

لدي العرف أو الاذن لغيرهم في التصدي كذلك.

و منها: الإحسان إلي كل مسلم كان في معرض الوقوع في الهلكة و تلف النفس و العضو و نقصهما، كالحرق و الغرق و أكل السبع و الأمراض الصعبة و نحوها، فإنه يجب علي كل إنسان قادر علي الإنجاء متمكن منه من غير حرج أو ضرر مجحف استخلاصه و إنجاءه، و يحرم عليه تركه و خذلانه، و هذا من أعظم مصاديق الإحسان يحث عليه العقل و يوجبه الشرع.

و منها: الإحسان إلي كل إنسان غير عارف بهدايته إلي الدين، فإنه لا ريب في وجوب إرشاد الجاهل و هداية الضال إلي الدين أصوله و فروعه، و تعليمه و له الولاية عليه في مرحلة إنفاذ هذا الأمر أقوي و أتم من الولاية عليه في الأمر بالمعروف و النهي عن

مصطلحات الفقه، ص: 105

المنكر، و هذا بالنسبة لحكم كل فرد في حق الفرد و الافراد من بني نوعه، و أما الوالي علي الناس و الحاكم القيم عليهم فالإحسان الواجب عليهم أهم و أعم، و هو القيام بالجهاد الابتدائي مع أهل الحرب، أهل الكتاب و غيرهم فيدعوهم ابتداء إلي الدين الحنيف بالحكمة و الموعظة الحسنة، و يجادلهم بالتي هي أحسن، فإن أسلموا و أطاعوا، و إلّا خيّر غير أهل الكتاب بين أمرين: قبول الإسلام و الحرب، و خيّر أهل الحرب بين الأمرين و الالتزام بشروط الذمة، و الإحسان هنا هو دعوتهم إلي الحق و الدين، و ما يقع في البين من الحرب و القتل و الجزية و نحوها، مما يقضي بلزومه العقل و أمر بإنجازه الشرع، و هل ذلك إلّا كتأديب الصبيان إذا لم يقبلوا التعليم و التربية.

تنبيه:

ينتزع مما ورد في بر الوالدين و

لحاظ موارده عنوان آخر سموه بالعقوق، فذكروا ان عقوق الوالدين محرم بحرمة مؤكدة في مقابل وجوب الإحسان إليهما وجوبا مؤكدا، و أرادوا به ترك ما يجب العمل به مما عرفت، كالإساءة في الكلام و الخشونة في المقال و الفعال، و التهاون بهما و الاستخفاف و الامتناع عن الإنفاق الواجب و مخالفة الأمر المؤدية إلي الإيذاء قلبا فان كل ذلك يعدّ عقوقا و العقوق هو الشقاق و المخالفة.

البسملة

البسملة مصدر مجعول مختصر من قول بسم اللّه الرحمن الرحيم كالحوقلة، و يقال انها عند النصاري قول بسم الأدب و الابن و روح القدس، و في المجمع بسمل الرجل إذا قال بسم اللّه يقال قد أكثر من البسملة أي من قول بسم اللّه و قد طال التشاجر في شأن أوائل السورة المصورة بها هل هي جزء أم لا انتهي.

و كيف كان فقد ذكرت البسملة أعني بسم اللّه الرحمن الرحيم في النصوص و وقع البحث عنها في الفقه و هي من الموضوعات التي اشتد الخلاف فيها بين الفريقين، مما يقرب من صدر الإسلام إلي عصرنا هذا، و المتسالم عليه فيما بيننا كونها جزء من كل سورة من سور

مصطلحات الفقه، ص: 106

القرآن المجيد عدا البراءة، فتجب قراءتها في أولها في الصلوات المشروطة بالسورة و تحرم قراءتها بقصد جزئيتها لإحدي السور العزائم علي المحدث بالأكبر و هكذا، و المشهور بين العامة أنها جزء لخصوص فاتحة الكتاب دون غيرها، و يظهر ذلك من المصاحف المنتشرة منهم حيث لم يعدوها من آيات غير الفاتحة نعم لا إشكال في عدم البسملة لسورة البراءة عند الفريقين، كما ان البسملة المتوسطة جزء من سورة النمل كذلك، و مقتضي ما ورد في النصوص و ما أفتي به

الأصحاب، اتحاد سورة الضحي و أ لم نشرح و سورة الفيل و الإيلاف، فيلزم كون كل من السورتين المركبتين ذات بسملتين عندنا كسورة النمل.

ثم إنهم اختلفوا في لزوم تعيين البسملة لكل سورة قبل الشروع فيها و عدمه و الظاهر الأول و التفصيل في الفقه.

البقر

البقر بفتحتين في اللغة اسم جنس لنوع من الحيوان معروف، و لعله مشتق من بقر يبقر بقرا الشي ء شقه و فتحه و وسّعه، و البقر حيوان أليف لبون مجترّ من ذوات أربع، و في المجمع البقر اسم جنس يقع علي الذكر و الأنثي و إنما دخلته الهاء للواحدة قيل و اشتق هذا الاسم من بقر إذا شق لأنها تشق الأرض بالحراثة، و البقر أجناس فمنها الجواميس و هي أكثرها ألبانا و أعظمها أجساما، و منها التي ينقل عليها الأحمال انتهي.

و كيف كان فالبقر بمعناه اللغوي وقع موضوعا للأحكام في الشريعة و مورد البحث في الفقه، فذكروا أنه أحد الأنعام الثلاث التي تعلقت بها فريضة الزكاة و قد حث الشرع علي إخراجها و ايتائها مع شرائط خاصة مذكورة تحت عنوانها، و هو أيضا أحد الأنعام التي تعينت للهدي في الحج تمتعا و قرانا، و هو أحد الأنواع الستة المجعولة دية في القتل و الجرح و نحوهما فراجع عنوان الإبل.

مصطلحات الفقه، ص: 107

البلوغ

البلوغ في اللغة معروف و في اصطلاح المتشرعة عبارة عن وصول الإنسان بل و سائر أنواع الحيوان إلي حد خاص من قوته البدنية يقدر معه بمقتضي طبعه الأولي علي إنزال المني لو اتفق حصول مقدماته من الجماع و الاحتلام، و هذا الحد أول مرتبة من كمال رجولية الرجل و أنوثية المرأة و قدرته علي التوالد و تكثير النسل، و هو مرحلة خطيرة حسّاسة بالنسبة لحالته الجسمية و قدرتها و فيها أيضا تستكمل قدرة تعقله و إدراكه و يتقوي و يستقل و لذلك قد شرف اللّه الإنسان فيها بوضع أعباء التكليف علي عاتقه و جعله مكلفا بجميع ما كلف به البالغين و كتب عليه ما

كتبه علي المكلفين و أجري عليه الحدود التي أجراها اللّه علي الرجال و النساء، فهو بالدخول في هذه المرحلة إنسان كامل صالح لتحمل مشاق التكليف حريّ بالدخول في مجتمع المكلفين جدير لتوجه خطاباتهم قابل للمؤاخذة بالحدود الجارية عليهم.

قال في الجواهر البلوغ في اللغة الإدراك و بلوغ الحلم و الوصول إلي حد النكاح بسبب تكون المني الدافق الذي هو مبدأ خلق الإنسان بمقتضي الحكمة الربانية فيه و في غيره من الحيوان لبقاء النوع فهو كمال طبيعي للإنسان يبقي به النسل و يقوي معه العقل و هو حالة انتقال الأطفال إلي حد الكمال و البلوغ مبالغ النساء و الرجال انتهي. و قد عبر اللّه تعالي في كتابه الكريم عن هذه الحالة تارة ببلوغ الحلم و اخري ببلوغ الأشدّ، و ثالثة ببلوغ النكاح و رابعة بالظهور علي العورة.

ثم إن الأصحاب قد تعرضوا للبلوغ و أحكام الصبي غير البالغ من الذكر و الأنثي في أغلب أبواب الفقه من مبحث الطهارة إلي مسائل الديات و خصّوا غير البالغ بعدة أحكام و عمّوه بعدة أخري و استثنوه من إطلاق طائفة ثالثة و عمومها، و العلة في ذلك أن الحكم عندهم مورد خلاف.

فنقول إن في شمول الأحكام الشرعية و العقلية كلها له، و عدم شمولها كذلك له، و التفصيل بين شمول بعضها و عدم شمول بعض آخر وجوه أو أقوال أظهرها الأخير، و لعله

مصطلحات الفقه، ص: 108

المسلّم بين الأكثر أيضا و ان لم يصرحوا به إلّا في بعض الموارد و التفصيل فيه تحت عنوان الحكم.

و نقول هنا إنه قد عرفت ان البلوغ في الإنسان و كل حيوان من حالات الجسم و الروح كليهما و هو أمر غير ظاهر في الإدراك و لا

يعرف إلا بلوازمه و آثاره، و قد عيّن الشارع لإحرازه أمارات ذكرها الأصحاب في موارد من الفقه عمدتها كتاب الحجر، فذكروا هناك ان من المحجورين الصبي إلي أن يبلغ، و علاماته ثلاث الأولي إنبات الشعر الخشن علي العانة و ربما ألحقوا بها الإبط و الشارب و اللحية في الذكر، الثانية خروج المني عنه في اليقظة أو النوم ذكرا كان أو أنثي و التحيض في الأنثي الثالثة بلوغ الذكر في السن إلي آخر خمس عشرة سنة و الأنثي إلي منتهي تسع سنين.

ثم إن هذه الأمارات أخص من ذي الإمارة أعني حد الكمال الواقعي كما هو مقتضي القاعدة في جعل الأمارات و لم يلاحظ اجتماعهما بل كل منها امارة مستقلة لكنها متقاربة في التحقق و لا يحصل الإثبات و الاحتلام غالبا قبل السن و يتحقق السن تبطل أمارية غيره فتظهر أمارية غيره في مورد الجهل بالسن و فيما إذا اتفق الإنبات أو الاحتلام قبله. و في مورد الشك يعمل بالأصل.

البنك

البنك بالفتح و جمعه بنوك لغة غير عربية قد استعملت في أغلب الألسنة فصارت دخيلة فيها و هي عبارة عن المحل الذي توضع فيه الأموال النقدية أعيانها و أوراقها، لإعمال خاصة و معاملات و مبادلات و إقراض و هبات و جوائز و نحوها، تحت نظام عام عالمي و تدابير إدارية خاصة أو عامة.

و البنوك علي أقسام: داخلية و خارجية حكومية و غير حكومية شخصية و اشتراكية، و من أعمالها قبول الأموال النقدية قرضا و استيداعا و مضاربة و شركة تجارية و نحو ذلك، و من إعمالها أيضا إعطاء القروض النقدية و الأموال و النقود بنحو المضاربة و الشركة التجارية و ما أشبه ذلك.

مصطلحات الفقه، ص: 109

ثم ان

النبك موضوع جديد الحدوث في القرون الأخيرة، و قد وقع البحث عنه بهذا العنوان في بعض الكتب الفقهية، و حيث ان معظم الأعمال الصادرة فيه استقراض الناس النقود الأوراقية و الدرهمين منه، و إقراض البنك ذلك، و لم يصدر ذلك فعلا من البنوك العالمية إلّا علي وجه الربا وقع البحث عنه في الفقه، و عن أصل تأسيسه و انه هل يمكن تأسيس البنوك اللاربوية و إجراء المعاملات الصحيحة، و انه علي فرض كون أعمالها ربوية فهل تصح المعاملات البنكية بالنسبة لمن يجتنب عن الحرام أم لا؟.

و قد ذكر عدة من مقاربي عصرنا إمكان ذلك بل قد أسس في بعض البلدان البنوك الإسلامية اللاربوية، و هي تبتني علي أعمال الطرق الشرعية في جميع تصرفاتها و معاملاتها مع الناس في كل ما يأخذه منهم و يعطيه لهم فيأخذ النقود مثلا بعنوان المضاربة و الصرف في التجارة أو بعنوان الشركة في أحداث بناء و غيره و الاستفادة من عوائده أو بيعه فيكون حصة من ذلك لصاحب النقود، و لازمه علم صاحب النقود بالجهة التي يبذل ماله فيها و ما يشترط اطلاعه عليه، أو توكيله البنك في جميع ذلك و الأمر كذلك في إعطاء البنك و أخذ الناس مضاربة أو شركة أو ما أشبه ذلك.

ثم إنهم ذكروا انه يجوز دفع الأمانات و الودائع إلي البنوك ان كان ذلك بعنوان القرض أو التمليك بالضمان أو الإذن في الإتلاف بالضمان، و يجوز للبنك التصرف و الإتلاف مع ضمان البدل، و لو شرط الزيادة في ذلك لفظا أو مبنيا علي رسوم البنوك مثلا حرمت الزيادة و لم يبطل أصل الإقراض، و لو دفعها بشرط عدم التصرف لم يجز للبنك التصرف إلا ان

الظاهر انه لا يقبله البنك بهذا الشرط فالودائع البنكية إقراض أو أذن في الإتلاف بعوض، فلا يجوز أخذ الزيادة مع الشرط و يحل لو بذله البنك بلا شرط و هكذا الجوائز البنكية التي تدفع تشويقا فإنها محللة، و كذا ما يعطيها غير البنك من المؤسسات الدولية و غيرها، و الحوالات البنكية المسماة بصرف البرات كدفع دراهم للبنك مثلا ليأخذ مثلها من بنك آخر إن كان إقراضا و كان ما يأخذه البنك من الزيادة أجرة للتحويل في محل آخر جاز، و إن

مصطلحات الفقه، ص: 110

قصد الزيادة في الإقراض حرم و نظيره ما لو أخذ من البنك مبلغا ليؤديه إلي بنك آخر مع الزيادة، و الصكوك البنكية أوراق سندية لا قيمة لها بنفسها و أما الأوراق التضمينية التي جعلوها كالنقود فلها قيمة بنفسها كالنقود الورقية.

البهيمة

البهيمة في اللغة كل ذات أربع قوائم من دوابّ البرّ و الماء عدا السباع و الجمع بهائم، و البهيمة كل ما لا نطق له و ذلك لما في صوته من الإبهام، و في المجمع و بهيمة الأنعام هي الإبل و البقر و الضأن، الذكر و الأنثي سواء، و الجمع البهائم، و بهيمة الأنعام من قبيل إضافة الجنس إلي ما هو أخص منه انتهي. و في المفردات و البهيمة ما لا نطق له و ذلك لما في صوته من الإبهام لكن خص في التعارف بما عدا السباع و الطير انتهي.

ثم ان عنوان البهيمة قد وقع في الفقه مورد البحث و قد رتب عليه في الشرع أحكام من تكليف و وضع، نظير حليتها المذكورة في قوله تعالي (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعٰامِ) فإنه أريد بها نفس الأنعام و إنما ذكرت البهيمة للتأكيد كما يقال نفس

الإنسان فالمراد حلية الأنعام الثلاثة التي تسمي بهيمة و هي الإبل و البقر و الغنم، و يمكن أن يراد بها أجنة الأنعام التي توجد في بطن أمهاتها إذا أشعرت أو أوبرت بعد ما ذكيت أمهاتها، فالمراد حينئذ التذكية و الحلية و كون ذكاتها ذكاة أمهاتها، فهي خارجة عن حكم الميتة تخصصا لدلالة الدليل علي كونها مذكاة، و لو أريد من بهيمة الأنعام الوحشية منها كالظباء و بقر الوحش و حمرها، فالمراد حلية الأصناف الوحشية من الأنعام الثلاثة كما قال تعالي (وَ مِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَ مِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ و مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَ مِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ) أي الأهلية منها و الوحشية بناء علي أحد التفسيرين، و مورد البحث عن الجميع باب الأطعمة و الأشربة فراجع عنوانها، كما ان البهيمة علي نحو الإطلاق الشامل لجميع ما سوي السباع مذكور في باب الأطعمة و قد فصل فيه بين أنواعها المختلفة، فمنها طاهر محلل و منها طاهر محرم و منها نجس العين و لكل حكمه.

مصطلحات الفقه، ص: 111

البول

البول معروف و هو ماء تفرزه الكليتان من كل حيوان فيجتمع في المثانة حتي تدفعه الطبيعة. و قد وقع في الشرع موضوعا لأحكام من تكليف أو وضع و وقع البحث عنه في الفقه في باب الطهارة و المكاسب و البيوع و الأشربة المحرمة و غيرها.

فذكروا في باب الطهارة نجاسة البول من كل حيوان برّي غير طائر لا يؤكل لحمه و كان له دم سائل إنسانا كان أو غيره، و عدم نجاسة البول من البحري و البري الطائر لو فرض له بول، و لا فرق في غير المأكول بين الأصلي منه كالسباع و المسوخ و نحوهما، و العارضي كموطوء الإنسان و

الجلال و نحوهما، و أما بول الحيوان الحلال لحمه كالأنعام الثلاثة و الخيل و البغال و الحمير، فليس نجسا.

و وقع البحث في باب الطهارة عن بول الصبي الذكر الرضيع غير المتغذي و قابلية ما أصابه الطهارة بصب الماء عليه حتي يغلبه من غير تعدد و عصر و خروج غسالة، و ذكروا في باب البيوع تحريم المعاوضة علي البول النجس، و عللوه بأنه محرم الشرب نجس لا ينتفع به منفعة محللة، و الظاهر أن جواز المعاملة دائر مدار الانتفاع المحلل فراجع الباب.

البيض

البيض بالفتح و مؤنثة البيضة في اللغة اسم لجسم خاص يتكون في داخل إناث بعض الحيوانات لا سيما الطيور، فيه مادة يتولد منها حيوان من جنس صاحب البيض، و جمعه بيوض و ليس للفظ مصطلح شرعي أو فقهي و قد وقع في الشريعة موضوعا للحكم و في الفقه موردا للبحث في مواضع.

منها: ما ذكروا من أن بيض كل حيوان تابع له في حلية الأخذ و الحيازة و التملك فيجوز حيازة بيض الحيوان الوحشي دون الأهلي، و كذا الكلام في حلية الأكل فبيض الحيوان المأكول لحمه محلل، و المحرم لحمه محرم، و الظاهر انه لا فرق في هذه التبعية بين الحرمة الذاتية و العرضية كالجلال و موطوء الإنسان و نحوهما.

مصطلحات الفقه، ص: 112

و منها: ان البيضة إذا خرجت من بطن الميتة من مأكول اللحم حل أكلها إذا اكتست القشر الأعلي، و لم يحل إذا لم تكتس.

و منها: ان البيض من المعدودات فلا يجري الربا فيه فان باع عشرة منها بخمسة عشر و لو من نوع واحد صح البيع.

و منها: انه لا يجوز أخذ البيض من الحرم و لا كسره نظير نفس الطائر الذي باضه.

و منها:

ان البيض من كل حيوان مثلي بالنسبة لما يتولد من ذلك الحيوان و قيمي بالنسبة لغيره إلي غير ذلك.

البيع

البيع في اللغة مصدر بمعني مبادلة مال بمال و حقيقته أمر اعتباري قابل للإنشاء بلفظ أو غيره، و هو جعل ماله لغيره في مقابل ماله في وعاء الاعتبار، و هذا فعل البائع، و يقابله الشراء الذي هو أيضا أمر اعتباري مطاوعي أي تملك المال بالمال، و هذا فعل المشتري فالبيع تمليك بالأصالة و تملك تبعي و الشراء تملك بالأصالة و تمليك تبعي، فحقيقة كل منهما مركبة من أمرين اعتبارين.

فإذا أنشأ البائع البيع حصل عنده المبادلة الاعتبارية مراعي بإنشاء القبول من المشتري، و إذا أنشأ المشتري الشراء تحققت المبادلة الاعتبارية في نظرهما، فإن وافق الإنشاء ان الشروط العقلائية حصلت المبادلة عندهم أيضا، و إذا وافقا الشروط الشرعية تحققت عند الشارع أيضا، و هذا الاختلاف من خواص اعتبارية الشي ء و لا يمكن ذلك في التكوينيات.

و قد يستعمل البيع في مجموع ما حصل من الإنشاءين، أي المبادلة الاعتبارية، و هذا هو المعني المعروف عند أهل العرف و في اصطلاح الفقهاء، و الموضوع لأغلب الأحكام الشرعية، من الحلية و الحرمة و الصحة و الفساد و غيرها، و بهذا المعني يطلق عليه العقد و يترتب عليه آثاره.

مصطلحات الفقه، ص: 113

ثم ان ما ذكر تعريف لمعني البيع أعني المنشأ المسببي، و أما السبب الذي ينشأ به فالمستعمل في المعني الأول قد يكون لفظا كبعت و شريت و ملّكت و نقلت و ما أشبه ذلك علي اختلافها في الحقيقة و المجاز، و قد يكون فعلا كإعطاء المال خارجا أو الإشارة بيد و نحوها، و قد يكون كتابة علي القول بها، كما أن المستعمل

في الشراء من اللفظ الخاص اشتريت و اتبعت و تملكت و نحوها، و من العام قبلت و رضيت و نحوهما و من الفعل الأخذ بقصد الشراء.

ثم انه ليس للفظ البيع بمشتقاته و لا لمراد فاته حقيقة شرعية أو متشرعية، و فالمستعمل في الكتاب و السنة هو اللفظ بمعناه اللغوي و العرفي و الوضع فيها عام مطلق لا دخل لمتعلقها في وضعها مهما كان، لكن يظهر من بعض المحققين ان البيع مختص في اللغة و العرف بما إذا كان المنقول به بالأصالة عينا خارجية أو ذمية فنقل المنفعة و العمل و الحق ليس بيعا.

و بعبارة أخري كل من المالين المتبادلين أما أن يكون عينا خارجية أو كليا ذميا أو منفعة أو عملا أو حقا، فالصور كثيرة و البيع موضوع بما إذا كان المبيع عينا دون غيرها فلو قال بعتك سكني هذه الدار، أو خياطتي شهرا، أو حق تحجيري من هذا المكان، أو خيار الفسخ مثلا، لا يكون بيعا، لكن الظاهر ان الدليل غير تمام فمفاد اللفظ عام و به و شواهد من نصوص المقام.

ثم إن الفقهاء قد قسموا البيع إلي أقسام كثيرة و هي أصناف لنوع البيع يمتاز بعضها عن البعض موضوعا أو حكما و يختلف آثارها و أحكامها فإليك بعض تلك الأصناف.

بيع النقد

الأول: بيع النقد و هو المبايعة مع تقييد التعجيل في المثمن و الثمن، أو مع الإطلاق و عدم اشتراط التأجيل في أحدهما، فينصرف إلي التعجيل و هو النقد.

بيع النسيئة

الثاني: بيع النسية أو النسيئة، و هو المبايعة مع اشتراط التأجيل في الثمن و تعيين الأجل بما لا يتطرق إليه الإجمال.

مصطلحات الفقه، ص: 114

بيع الصّرف

الثالث: بيع الصرف و هو بيع الذهب بالذهب أو الفضة و بيع الفضة بالفضة أو الذهب، كانا مسكوكين أو غير مسكوكين، و اشترطوا فيه التقابض في مجلس المعاملة، و يختص ذلك بالبيع دون سائر العقود.

بيع السّلم

الرابع: بيع السلم أو السلف و هو بيع كلي مؤجل بثمن حال، كبيع الزارع و سقا من الحنطة بمائة درهم ليسلّمها بعد شهر مثلا، و للمشتري هنا نوع أصالة و تقدم فجوزوا الإيجاب من قبله فيقول أسلمت هذه الدراهم في منّ من حنطة بعد شهر مثلا فيقول البائع قبلت، كما انه يجوز للبائع ان يوجب و المشتري ان يقبل.

و يطلق في هذا البيع علي المشتري المسلم بكسر اللام، و علي الثمن المسلم بفتحها، و علي المبيع المسلم فيه، و علي البائع المسلم له، و من أصول شرائطه ضبط أوصاف المبيع بذكر الجنس و الصفات الدخيلة في القيمة، و تسليم الثمن في مجلس المعاملة، و تقدير المبيع بالكيل أو الوزن أو غيره، مما يعتبر به، و تعيين الأجل المضبوط للمسلم فيه.

بيع المساومة و أخواتها

الخامس: بيع المساومة و المرابحة و المواضعة و التولية، فإنه تقع المعاملة تارة علي المثمن و الثمن بدون ذكر رأس المال و ذكر النفع و الضرر، فيقول مثلا بعتك الكتاب بدرهم فيسمي بالمساومة. و أخري مع ذكر رأس المال و لحاظ الربح فيقول بعتك هذا بكذا و ربح كذا فيسمي مرابحة، و ثالثة الصورة مع لحاظ الخسران فيقول بعتك بكذا و وضيعة كذا فيسمي مواضعة، و رابعة مع لحاظ رأس المال و بالبيع بما اشتري فيسمي تولية.

بيع التشريك

السادس: بيع التشريك و هو ان يشتري متاعا ثم يقول لغيره أشركتك في نصفه بنصف الثمن مثلا فيقبل الغير.

مصطلحات الفقه، ص: 115

بيع الثمار

السابع: بيع الثمار علي الأشجار و يلحق به بيع الزروع و الخضروات، و يصح هذا مع تعيين الأشجار و الزروع في الجملة، فإن باعها في عام واحد، فلا بد في الصحة إما ان تظهر الثمار و تبرز، أو يبيع أثمار عامين أو أكثر، أو يضم إليها ضميمة فيقول بعتك الضميمة مع ما سيخرج من ثمار هذا العام.

و ذكروا في المقام أنه لا يجوز بيع المزابنة و المحاقلة و الأول عبارة عن بيع الثمر علي النخل بالثمر من تلك النخل أو من غيرها، و في إلحاق غيره به في الحكم إشكال. و الثاني بيع سنابل الحنطة بالحنطة منها و كذا الشعير، و ذكرنا الكلام فيه تحت عنوان الثمار فراجع.

بيع الحيوان

الثامن: بيع الحيوان و ذكروا انه كما يجوز بيع الحيوان المملوك بجميعه يجوز بيع بعضه، و حينئذ فإن كان المقصود منه اللحم كالغنم و البقر جاز بيع بعضه بنحو الإشاعة كالثلث و الربع، و بيع جزئه المعين كرأسه و جلده و غيرهما، و إن كان المقصود منه الركوب كالفرس و الحمار جاز بيع المشاع منه دون الجزء، لكن الظاهر جواز بيع أي حيوان كان بأي نحو أريد غير الموارد المستثناة إذا كان له منفعة و اجتمع شروط البيع.

بيع الكسر المشاع

التاسع: بيع الكسر المشاع، فإنه قد عنون الأصحاب في باب البيع بيع الكسر المشاع من عين خارجية كالنصف و الثلث و الربع، و يظهر منهم أنه لا إشكال في صحته من غير فرق بين كون ماله الكسر واحدا أو متعددا، كبيع نصف صبرة أو ثلث أغنام أو قطيع، فيملك المشتري الكسر منها، إلّا أن في المقام كلاما في تشخيص ماهية الكسر كربع الصبرة مثلا، فيظهر من بعض أنه كلي قابل للانطباق علي كل فرد يمكن إفرازه عن المجموع، و عن بعض آخر انه جزئي حقيقي موجود في الخارج كنفس الكل، و عن ثالث ان الكسر أمر اعتباري لا وجود له إلا في وعاء الاعتبار فإن النصف من قطعة كرباس مثلا ما دام لم يفصل غير موجود بل الموجود الكل، و إذا فصل لم يكن نصفا بل صار كلا بنفسه، و عليه فلو

مصطلحات الفقه، ص: 116

وقع عليه البيع كان المبيع أمرا اعتباريا لا يمكن إقباضه إلا بعنوان ما هو كل بنفسه.

ثمّ إن الظاهر انه لو تلف جميع الكل تلف ملك صاحب الكلي أيضا فإن كان قبل القبض بطل البيع، و لو تلف بعضه ورد النقص علي صاحب الكلي

أيضا بالنسبة بناء علي الجزئية و لا يرد عليه نقص بناء علي الوجهين الآخرين.

بيع الفرد المردّد

العاشر: بيع الفرد المردد بين فردين أو أفراد و قد تسمي الفرد المنتشر، و هذا أيضا قد يفرض في الافراد المختلفة القيم كغنمين و ثوبين، فيقول البائع بعتك هذا أو هذا، و قد يفرض في الأفراد المتساوية في القيمة كدينارين و درهمين، و يظهر من الأصحاب بطلان هذا البيع مطلقا إما من جهة عدم تعين المبيع و ان لم يستلزم غررا كما في الفرض الثاني، و إما من جهة الغرر كما في الأول، و قد يقال ان البيع باطل في المقام من جهة عدم وجود مبيع، فإن المردّد بين الفردين أو الأفراد لا وجود له في الخارج فالموجود هذا و هذا دون هذا أو هذا، و كيف كان فالمشهور أو المتفق عليه البطلان في الفرضين و ان تأمل بعض في الثاني.

بيع الكلي في المعين

الحادي عشر: بيع الكلي في المعين ذكره الأصحاب في باب البيوع و اشتهر التمثيل به فيها، و هو كبيع صاع من صبرة مجتمعة الصيعان أو متفرقة الصيعان، و ظاهرهم انه لا إشكال في صحته و إنما الكلام في تشخيص حقيقة البيع هنا، فإنه قد يقال ان المبيع كلي ذمي مشروط بالتأدية من المعين، ففي انتساب الكلي إليه مسامحة في إطلاق الظرفية، و قد يقال إن الظرف هو المعين و الانتساب لاشتغال ذمته بالكلي فإنه كما تعتبر الذمة للإنسان تعتبر للأعيان الخارجية و الجهات، فإن المسجد مثلا كما يكون مالكا لما وقف له، و كذا الجهة نظير تزويج العزّاب كما تكون مالكة لما وقف لها، يمكن أن يكون كل منهما مديونا لشخص، و هذا كاشتغال ذمة تركة الميت للدين غير المستغرق المنتقل من ذمة الميت، فبعد بيع صاع من الصبرة تكون الصبرة مشغولة الذمة يتولي

تبرئتها الولي المالك لها، هذا و عن بعض المحققين دعوي عدم معهودية ملك الكلي في غير ذمة الإنسان.

مصطلحات الفقه، ص: 117

ثم ان الفرق بين الوجهين أنه لو تلف جميع الصبرة قبل القبض لم يبطل البيع علي الأول بل يكون للمشتري خيار تخلف الشرط و يبطل علي الثاني.

بيع الخيار

الثاني عشر: بيع الخيار، ذكر الأصحاب في الفقه إطلاق هذا العنوان علي بيع خاص مشروط بقسم من أقسام خيار الشرط، و هو ان ببيع الشخص مالا و يشترط في ضمنه الخيار لنفسه علي المشتري بأنه متي جاء بالثمن إلي مدة معلومة كان له الفسخ و ارتجاع المبيع، و الظاهر أنه لا إشكال عندهم في صحة البيع و الشرط، إلا أن الكلام واقع في ان رد الثمن في أيّ وقت من أزمنة الخيار، هل هو سبب لحدوث الخيار عنده فلا خيار قبله، أو انه سبب لنفوذ الفسخ عنده مع ثبوت الخيار من حين العقد، أو سبب لوجوب الإقالة علي المشتري، وجوه أظهرها الثاني و المراد برد الثمن رد بدله مثلا أو قيمة لا عينه فراجع كتب الفقه.

البيع الربوي

الثالث عشر: بيع الربا و قد ذكرناه تحت عنوان الربا.

البيعة

البيع في اللغة إعطاء المثمن و أخذ الثمن، و بعني الشراء و هو إعطاء الثمن و أخذ المثمن، فهو من الأضداد، و البيعة و المبايعة، و المعاقدة و المعاهدة كأن كلا منهما باع ما عنده لغيره و أعطاه خالصة نفسه و طاعته، و بايع السلطان بذل له التسليم و الطاعة بما تصدي للولاية و إدارة الأمة، فهي عقد تقع بين فردين و طائفتين و فرد و طائفة.

و لا اصطلاح خاص للبيعة في الشرع و الفقه، بل قد استعملت فيهما بمعناها اللغوي، و هي تكون تارة من المرؤوسين لغرض إنشاء الولاية و إعطائها ابتداء لمن أرادوا ولايته، كان متعلقها ولاية صالحة سائغة أو باطلة جائرة، كبيعة خلفاء الجور، فإذا عقد أهل قرية البيعة لأمير أمّروه لتصدي أمورهم فبايعوه عليه، حصلت البيعة و ترتبت عليها أحكامها

مصطلحات الفقه، ص: 118

الثابتة لطرفي المعاقدة، و اخري تكون منهم لتثبيت ولاية ثابتة و تقويتها و وعدا للطاعة، كبيعة الناس مع النبي (ص) و الوصي و أثرها التأكيد في الإذعان و الطاعة، و ثالثة تكون بين الوالي و رعيته بالنسبة لأمر خاص من حرب و صلح و نحوهما، و فان كان متعلقها واجب الامتثال كانت مؤكدة و إلّا وجب بالبيعة، و رابعة- تكون بمجرد المعاقدة بين اثنين أو طائفتين.

ثم ان البيعة علي ما ذكرنا من المعاقدات و المعاهدات العقلائية اللازمة، و هي بطبعها تصلح للوفاء و النقض، نظير العهد و النذر، و من أحكامها وجوب الوفاء و حرمة النقض، لأدلة الوفاء بالعقود و الشروط.

ثم انه علي ما ذكرنا لا تجب علي الناس بيعة النبي (ص) علي النبوة و الوصي علي الوصاية لا

في أصل المنصب و لا في الطاعة المفترضة، إذا تحقق الإسلام و الإيمان و تهيأ الانقياد للطاعة، فالبيعة الواقعة بالنسبة لهما في موارد مختلفة، كانت تأكيدا لجريان عادة الناس آنئذ عليها و كونها من أوثق الوسائل في التسليم لأمر و تنجيزه، كما في بيعة العقبة و بيعة الرضوان، و بيعة النساء للنبي (ص) علي ترك الشرك، و الاجتناب عن السرقة، و الزنا، و قتل الأولاد، و إلحاق ولد الحرام بالزوج، و عصيان الرسول (ص) في أمره بالمعروف.

و كما في دعوة النبي (ص) الناس إلي بيعة علي في غدير خم، ففي نصوص القضية- أخذ رسول اللّه (ص) البيعة لعلي بالخلافة، و قال اللّه لنبيه (ص): فأقمه للناس علما و جدد عهده و ميثاقه و بيعته، و قال (ص) الا و ان عند انقضاء خطبتي أدعوكم إلي مصافقتي و الإقرار به، ثم مصافقته بعدي، الا و اني قد بايعت اللّه، و علي قد بايعني أنا اخذكم بالبيعة له عن اللّه عز و جل فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمٰا يَنْكُثُ عَليٰ نَفْسِهِ، معاشر الناس اتقوا اللّه و بايعوا عليا و الحسن و الحسين و الأئمة (ع).

و ما وقع من تمسك علي (ع) في إثبات خلافته ببيعة المهاجرين و الأنصار كان لإثبات المطلب بإثبات وقوع الشهادة عليه من عدة عدول أو علي نحو الاستدلال الجدلي و الاحتجاج بمسلمات الخصم لا علي السبب التام.

مصطلحات الفقه، ص: 119

البيّنة

البينة في اللغة وصف من بأن الشي ء يبين بيانا و تبيانا إذا اتضح و ظهر فهو بيّن و هي بيّنة، و البينة الحجة و البرهان، و في المفردات: و البينة الدلالة الواضحة عقلية كانت أو محسوسة و سمي الشاهدان بينة لقوله (ص) البينة علي المدعي

و اليمين علي من أنكر انتهي.

و كيف كان فقد كثر في الفقه استعمال كلمة البينة إلا انه لم يثبت لها اصطلاح خاص شرعي أو متشرعي في قبال المعني اللغوي في غير باب الدعاوي، نعم قد شاع استعمالها في ذلك الباب في شاهدين عدلين بحيث لا يبعد ثبوت اصطلاح خاص هناك، بشهادة إطلاق البينة عليهما فيه بلا قرينة تارة، و الشهادة العادلة أخري، و البينة العادلة ثالثة، و أما في غير ذلك الباب من أبواب الفقه المختلفة فدعوي الحقيقة الشرعية أو المتشرعية فيه بعيدة جدا، فاللازم حملها فيه علي المعني اللغوي أي الأمر الواضح أو الحجة و البرهان، كما انهما مورد استعمال الكلمة في الكتاب و السنة كقوله تعالي (قُلْ إِنِّي عَليٰ بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي) و قوله (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَ يَحْييٰ مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ) و قوله (فِيهِ آيٰاتٌ بَيِّنٰاتٌ).

ثم ان عمدة البحث في الفقه واقعة عن البينة بمعني شهادة العدلين، و ذكروا أمورا ترجع إلي موارد قيامها و شروط حجيتها و أحكام تعارضها-، منها ما ذكروا من انه ليس الكلام في حجيتها بالنسبة لإثبات الأحكام الكلية فإنه لا إشكال في حجية إخبار الواحد العدل بل الثقة فيها، بل بالنسبة لإثبات موضوعات الأحكام و هي علي قسمين، و فإنها اما ان تقوم في مقام الدعاوي و المخاصمات أو في غيرها، نظير كرّية الماء و قلته و طهارته و نجاسته و كون الطريق مسافة أو أقل مثلا، و لا إشكال عندهم في حجية أخبار العدلين في الأول مع تحقق شروطها المقررة في بابها، فإنهم ذكروا ان الشارع قد جعل للمدعي في إثبات دعواه طرقا ثلاثة مترتبة: الأول إقرار المدعي عليه و اعترافه، و الثاني

إقامة المدعي البينة، و الثالث حلفه اليمين المردودة من قبل المنكر، كما جعل للمنكر طريقين لدفع الدعوي، حلفه علي نفي الدعوي، و نكول المدعي عن اليمين المردودة، و منها أن المدعي مخير بين إقامة البينة و إحلاف المنكر و لا يتعين عليه الأول و إذا حلف المنكر تمت الدعوي و لا مجال للبينة

مصطلحات الفقه، ص: 120

و منها انه لو لم يعرف الحاكم البينة أعلم المدعي ان يزكيها بأخري، و أعلم المنكر ان له جرح بينة المدعي- و منها انه لو تعارضت بينة الجرح و التعديل تساقطتا فكأنه لا بينة للمدعي- و منها انه لا يمين مع البينة إلا في الدعوي علي الميت أو علي كل قاصر كالطفل و المجنون و غيرهما علي إشكال في التعميم، فيحلف المدعي تقوية، دعما لبيّنته كما ان اليمين تقوم مقام أحد الشاهدين عند عدم العدلين في دعوي الديون أو في مطلق حقوق الناس دون حقوق اللّه.

و أما الثاني و هو البينة بمعني اخبار العدلين القائمة علي الموضوعات في غير مورد النزاع و الخصومة فقد اختلفت كلمات القوم فيه لكن الأكثر علي حجيتها و ثبوت الموضوع الخارجي بها فيما إذا كان ذا حكم شرعي و إن كان أدلتهم غير خالية عن الخدشة و إنكار بعض النافين يرجع إلي نفي خصوصية العدد لقولهم بحجية خبر الواحد العدل أو الثقة في الموضوعات و التفصيل في الفقه.

التأخير

مفهوم التأخير في اللغة و العرف بيّن، و قد استعمل في الفقه في موارد كثيرة رتب عليه في بعضها حكم تكليفي إلزامي، و في آخر حكم تكليفي ندبي، و في ثالث حكم وضعي خاص نظير تأخير الفرائض اليومية عن أول وقتها فيكره، و عن وقتها المقرر لها

في الشريعة فيحرم و يجب القضاء، و تأخيرها لذوي الأعذار فيما إذا احتملوا أو اطمأنوا بارتفاع العذر في أخر الوقت فيستحب أو يجب، و تأخير قضاء رمضان إلي الرمضان الآتي فيحرم و يوجب كفارة التأخير إذا كان ذلك بلا عذر و يوجب الكفارة فقط إذا كان مع العذر، و تأخير الحج عن سنة الاستطاعة عمدا فيحرم حرمة مؤكدة، و تأخير دفن الميت يوما أو أياما من غير جهة مبيحة فيحرم إذا كان هتكا، و تأخير كفارة الظهار و الرجوع إليها عن أربعة أشهر فيحرم، و نظيره الإيلاء، و تأخير زكاة الفطرة عن صلاة العيد أو عن ظهر يومه فيحرم، و تأخير نية الصوم الواجب المعين إلي طلوع الفجر كتأخير غسل الجنابة

مصطلحات الفقه، ص: 121

و نحوهما فيحرم و تأخير قضاء الصلوات الواجبة بحيث ينجر إلي التهاون في التكليف فيحرم، و تأخير أداء الديون الحالّة مع التمكن من الأداء و مطالبة أصحابها فيحرم، و تأخير إقامة الحدود و التعزيرات بعد ثبوت أسبابها من دون جهة مبيحة فيحرم و هكذا.

التأمين

التأمين في اللغة و العرف جعل الشي ء أو الشخص في الأمن يقال أمن يأمن من باب علم اطمأن و أمّنه بالتشديد جعله في أمن، و استأمنه طلب منه الأمان أو عده أمينا.

و كيف كان فالتأمين في مصطلح الفقه الحادث في العصور الأخيرة عبارة عن عقد خاص واقع بين شخصين أو أكثر، فيلتزم أحدهما جبر كل نقص أو عيب، أو علاج كل مرض يرد علي بدن الآخر، أو جبر كل نقص أو تلف يرد علي ماله من بيت أو بستان أو مركوب، أو علي جميع ما يملكه من الأموال، في مقابل بذل الآخر مالا من قبله و يسمي الأول

الملتزم المتعهد مؤمّنا بالكسر، و الثاني المتعهد له مستأمنا أو مؤمّنا له، و المال الذي يعطيه المستأمن مؤمّنا به أو وجه التأمين.

و هذا من العقود العقلائية التي يحتاج إلي إيجاب و قبول و يصح ان يكون إيجابه من المؤمّن فيقول أمنتك، أو التزمت و تعهدت جبران ما يرد عليك أو علي مالك بكذا دينارا، فيقبل المستأمن، و ان يكون من المستأمن فيقول: عليّ أداء كذا مبلغا بجبرك الخسارات الواردة علي النحو الخاص فيقبل المؤمن، و يسمي العقد عقد التأمين. و قد ذكر الأصحاب هنا أمورا ترجع إلي شروط العقد و شروط المتعاقدين و العوضين.

أولها: انه يشترط في صحة هذا العقد ما يشترط في غيره من إنشاءين مرتبطين أحدهما إيجاب و الآخر قبول.

و ثانيها: انه يشترط في المتعاقدين البلوغ و العقل و الاختيار و عدم الحجر.

ثالثها: انه يجب تعيين المؤمّن عليه من نفس أو مال.

رابعها: انه يجب تعيين طرفي العقد من كون كل منهما شخصا أو أرباب شركة مؤسسين

مصطلحات الفقه، ص: 122

لها تجارية أو غيرها، أو دولة من الدول.

خامسها: انه يجب تعيين المبلغ الذي يجب علي المستأمن أداءه من حيث الحكم و كيفية التأدية من دفعة أو أقساط و زمانها و مكانها.

سادسها: انه يجب تعيين الأخطار و النقائص المحتمل عروضها علي النفس و المال من كونه المرض الفلاني مثلا أو جميع الأمراض أو كل نازلة من قطع عضو و كسر و نحوهما أو الفوت، و الإخطار الواردة علي المال من الحرق و الغرق و الكسر و السرقة و التلف.

سابعها: انه يجب تعيين زمان التأمين ابتداء و انتهاء.

و ذكروا انه علي هذا يصح التأمين علي حياة الإنسان، و علي السيارات و الطائرات و السفن، بل و علي

المنقولات من مكان إلي آخر بريا أو بحريا أو جويا.

و كذا يصلح التأمين علي أهل قرية أو بلد أو مملكة بجبر الخسارات المظنون وقوعها من غور مائهم، و تلف زراعاتهم، و مواشيهم، و سائر وسائل حياتهم، من الكهرباء و الماء المشروب و النفط (و الغاز) و غيرها، أو علي نفوس ساكينها بما يمكن التأمين لكل شخص بخصوصه، و كذا يصلح التأمين علي الشركة أو علي المكائن علي اختلاف أنواعها و أصنافها.

ثم انهم ذكروا أن التأمين عقد مستقل و لا وجه لحملها علي المصالحة و الهبة و الإجارة و الجعالة و الضمان و نحوهما، لشمول أَوْفُوا بِالْعُقُودِ

و المؤمنون عند شروطهم

له بعد وضوح كونه عقدا عند العقلاء.

التبعية

مفهوم التبعية في اللغة و العرف معلوم و ليس لها في الشرع اصطلاح خاص و قد وقع البحث عنه في الفقه في مقامات.

أحدها: تبعية ولد المسلم له في الإسلام فأولاد المسلمين محكومون بالإسلام تبعا فيترتب عليهم آثار الإسلام، و تبعية ولد الكافر له في الكفر، فهم محكومون بالكفر

مصطلحات الفقه، ص: 123

يترتب عليهم أحكامه، و علي هذا فلو ارتدّ المسلم و كفر تبعه ولده في الكفر إذا كان غير مميز أو مميزا غير بالغ إذا لم يكن مظهرا للإسلام قبل ارتداد أبيه، و لو أسلم الكافر تبعه ولده في الإسلام إذا كان غير مميز أو كان مميزا غير بالغ و لم يكن مظهرا للكفر قبل إسلام أبيه بل و إذا لم يكن مظهرا للإسلام أيضا و الّا خرج عن التبعية.

ثانيها: تبعية فضلات بدن المسلم المتصلة به في الطهارة كبصاقه و نخامته و دمعه و وسخه و غيرها، و تبعية فضلات الكافر له كذلك، فإذا ارتد المسلم تنجس بدنه و تنجست الفضلات،

و إذا أسلم الكافر طهر و طهرت الفضلات، و هنا أقسام من التبعية في الطهارة خاصة ذكرناها تحت عنوان المطهر لأنها كانت أمسّ بها، كتبعية المسبيّ الصغير الكافر للسابي المسلم، و ظرف الخمر له إذا صار خلا، و آلات غسل الميت بعد الأغسال، و يد الغاسل عند تطهيره الثوب و نحوها.

التبعيض

التبعيض في اللغة واضح و هو تجزية الشي ء القابل لها و تفريق اجزائها، و المراد به في المقام التبعيض بين اجزاء العمل المترتب عليه الحكم من تكليف أو وضع، لا مطلق ما يقبل ذلك، و هذا العنوان ليس له مصطلح شرعي أو فقهي لكنه قد وقع موردا للبحث عنه في الجملة و ورد جوازه و صحته في بعض الأفعال، و عدم جوازه و صحته في بعضها الآخر نشير إلي شي ء من ذلك فيما يأتي، و ان كان الأولي إرجاع هذا العنوان إلي قاعدة ما لا يدرك، و الميسور لا يسقط بالمعسور، و ان افراده بالذكر بعض المؤلفين.

و كيف كان فنقول انه لا تجرئة و لا تبعيض في الطهارات الثلاث كان ذلك في حال الاختيار أو الاضطرار، و لم يشرع ذلك في الشريعة، و ذلك لأنه و إن كان كل واحدة منها أفعالا مركبة قابلة للتجزية الا أن المراد بها هنا التجزئة و التبعيض من حيث مسبباتها، و حيث انها علي الظاهر حالات نفسانية غير قابلة للتجزية فلا معني لها في الأسباب أيضا.

و أما الصلاة فالظاهر جريانها فيها في الجملة كما إذا لم يقدر علي الإتيان بالأجزاء غير

مصطلحات الفقه، ص: 124

الركنية كلا أو بعضها فإنه لا تسقط البقية، و هذا تبعيض و تجزية من حيث الاجزاء، و الحكم كذلك فيما إذا لم يقدر علي بعض

الشروط كالطهارة الخبيثة و الستر و القبلة و نحوها، و هذا تبعيض و تفريق من حيث الشروط.

و يصح التبعيض في أيام الصيام و هذا مبني علي فرض جميع الشهر كموضوع واحد، و إلّا فليس تبعيضا و نظيرها التبعيض في الزكاة و الخمس و سائر الحقوق المالية الخلقية و الخالقية، لكنها ترجع في الحقيقة إلي التكاليف المستقلة.

و يصح التبعيض في مفاد العقود اختيارا، و قد يتفق ذلك فيها قهرا كالإقالة بالنسبة إلي بعض مفاد المعاملات، و الفسخ و الانفساخ كذلك، و من مصاديقه خيار تبعض الصفقة و ظهور بعض أجزاء المبيع أو الثمن مستحقا للغير و التفصيل في البيع.

التبليغ

مفهوم التبليغ في اللغة و العرف بيّن، و يرادفه الإبلاغ و يقاربه الاعلام و الإيصال، و قد كثر استعماله في عصرنا الأخير في خصوص إبلاغ المعارف الدينية و المفاهيم الكتابية أصولا و أخلاقا و غيرها، و لا سيما في إبلاغ الأحكام الفرعية الإلهية إلي من يجهلها من الناس، و يحتاج إليها من عوامّهم، و هذا العنوان بالأصالة من وظائف الأنبياء و الرسل و أوصيائهم الذين هم وسائط الفيض في التشريع كما أنهم وسائط الفيض في التكوين.

ثم انه لا إشكال و لا خلاف عندنا بل عند المسلمين عامة في وجوب تبليغ الدين الحنيف أعني دين الإسلام، وجوبا عينيا أو كفائيا علي كل مكلف عالم به قادر علي إبلاغه متمكن من اعلامه و إيصاله إلي الناس أي إلي كل مكلف جاهل بأصوله أو فروعه، قاصر أو مقصر، منتحل بدين غير الإسلام كأهل الكتاب أو غير منتحل بدين كالزنادقة المنكرين للمبدإ و المعاد و من أشبههم.

و هذا التبليغ في الحقيقة دعوة الناس إلي الدين، دعوة قولية صادرة من العلماء بالدين

مقرونة بلين القول و إطابة الكلام، و الجدال بالتي هي أحسن، و يعم المؤمن و الكافر،

مصطلحات الفقه، ص: 125

و تفارق دعوة الكفار إلي قبول الإسلام المذكورة في كتاب الجهاد، فإنها تكون من ناحية الإمام المعصوم أو من نصبه لذلك عاما أو خاصا، و تقارن الحرب و الجهاد و قبول الجزية من بعض فرق الكفار و عدم قبولها من البعض الآخر.

و لا فرق في هذا التبليغ بين أصول الدين بشؤونه، و فروعه بشعبه و غصونه، و بين المسائل الأخلاقية و غيرها، مما له دخل في كمال الإنسان و علوه.

ثم ليعلم ان مفاد قوله تعالي (وَ لْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَي الْخَيْرِ وَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) انتهي. انه تعالي قد خاطب الناس و أمرهم بتعيين أمة متحدة الأهداف، متمكنة من الدعوة إلي الخير، و الأمر و النهي، و الخير شامل لجميع العلوم و الأحكام، و حيث إن الناس قاصرون بالنسبة لهذا التكليف، محتاجون إلي من يتولي أمرهم و يتصدي لهذه الوظيفة كغيرها من موارد أجراء الحدود، و التصرف في الأموال العامة، فالخطاب في الحقيقة متوجه إلي الوالي، و حيث ان متعلق التكليف في هذه الأزمنة يرجع إلي تأسيس الحوزة أو الحوزات العلمية، فمبدأ التبليغ يكون علي الوالي و حاكم المسلمين، و مقتضي قوله تعالي (فَلَوْ لٰا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طٰائِفَةٌ) انتهي. لزوم نفر المستعدين للتعلم و التحصيل إلي الحوزات ليتحقق بهم هدف التبليغ. علي اختلاف شؤونه و أقسامه، فيجب علي عدة إبلاغ الأصول بالأدلة العقلية و النقلية، من طريق البيان، و الكتابة و البنان، و علي آخرين تبليغ الفروع باستنباطها عن مداركها و عرضها للعمل، و علي ثالث بالنفر إلي البلاد، و

إبلاغ الدين الي العباد، و علي رابع الإبلاغ بوساطة الإذاعات العامة و الخاصة، و علي خامس بوساطة النشريات و المجلات، و تأليف الكتب و الرسائل، و علي سادس بالصعود علي كراسي الخطابة و الوعظ، و علي جميع المكلفين العالمين بالأحكام و لو مسألة واحدة إبلاغها علي الجاهلين بها مع شرائطه المقررة، في أي محل و مكان.

مصطلحات الفقه، ص: 126

التبنّي

التبني تفعل من البنوة و هو اتخاذ الشخص ولد غيره ابنا لنفسه، و كان من أعمال الجاهلية و رسومها، فكان يأخذ الرجل ابن غيره و يتخذه ابنا لنفسه كالابن النسبي، و يرتب عليه جميع آثار البنوة من التوارث و المحرمية لزوجته و المحرمية لأولاده و سائر أرحامه و يسمونه دعيا.

ثم أن التبني بالمعني المذكور غير ممضي في الإسلام، و ذكر الأصحاب في باب النكاح عدم جواز ذلك و عدم ترتب آثار الولد عليه شرعا، و قد قال تعالي (وَ مٰا جَعَلَ أَدْعِيٰاءَكُمْ أَبْنٰاءَكُمْ) و قال تعالي (ادْعُوهُمْ لِآبٰائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللّٰهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبٰاءَهُمْ فَإِخْوٰانُكُمْ فِي الدِّينِ وَ مَوٰالِيكُمْ) فلا يتوارثون و لا تجب نفقة بعضهم علي الآخر و لا تحصل علقة النسب بينه و بين الرجل المتبني و أولاده و أرحامه و لا بينة و بين زوجته و أرحامها.

و قد يتفق التبني في عصرنا هذا، فربما يأخذ الرجل ولد غيره و يجعله ولدا لنفسه و المرسوم عندهم أعم من اتخاذ الابن و البنت، و هذا باطل مطلقا في الشريعة و لا يكون الذكر المتخذ ابنا محرما لزوجة المتبني بعد بلوغه سواء اتخذه كذلك في أيام رضاعه أو بعده في صغره أو كبره، و لا الأنثي المتخذة ولدا محرما له كذلك، و لا يتوارثان

و لا تجب نفقة أحدهما علي الآخر، و ليس من مصاديق المقام اللقيط الذي يأخذه الشخص وجوبا أو ندبا من غير معرفة منه بمن ألقاه من أبيه و أمه، فان له حينئذ ولاية شرعية عليه في الجملة، مع عدم ترتب آثار المحرمية أيضا، راجع عنوان اللقيط.

التتن و التنباك و التبغ

هذه الألفاظ مترادفة موضوعة لنبات معروف ورقه عريض طويل، و زهرة أبيض و أحمر، و حبّه كحبّ الخردل، و له أصناف و ذكروا أنه لم يكن في البلاد الإسلامية قبل القرن العاشر من الهجرة، و كان مهده الأصلي بلاد امريكا ثم انتشر في بلاد المسلمين.

ثم ان الأصحاب ذكروه تارة في علم الأصول في مسألة الشبهة البدوية التحريميّة إذا

مصطلحات الفقه، ص: 127

كان الشك في الحكم لعدم الدليل عليه، و مثلوا لها بشرب التتن بمعني استعمال دخانه و ظاهرهم فيه عدم الحرمة لقوله عليه السلام: كل شي ء مطلق حتي يرد فيه نهي، و قوله عليه السلام و الأشياء كلها علي هذا و غيرهما، و خالف في ذلك عدة منهم فأوجبوا الاحتياط.

و العنوان و إن كان موضوعا خاصا غير ثابت الحرمة في الفقه الا ان شيوع استعماله في أقطار الأرض و ممالكها، و اعتياد أغلب الناس من المسلمين و الكفار بشربه، بل و شدة اعتياد البعض به علي حدّ أضرّ علي نفسه و عطل قواه أو أدّي الي هلاكه «1» جعله موضوعا هامّا قابلا للبحث عنه من حيث حكمه الشرعي مضافا إلي أن حرثه و زرعه و توليده و الاتجار بالفروع الكثيرة المنشعبة منه، قد أدخله في الأمور الاقتصادية الهامة، و قارنه بجهات سياسية، فللافتاء بجواز توليده و الاتجار به، و استعماله أثره الخاص، كما أن للإفتاء بحرمة ذلك و النهي عن

شربه تأثيره البيّن.

و لذلك نقول انه قد اختلف في حكمه اراء العامة، فمنهم من حرّمه و هم كثيرون، و قد الف بعضهم كتابا في تحريمه، و منهم من أحله و الف كتابا في حليته، و حرم منهم الأكثرون شربه في المساجد، بل ادعوا عليه الاتفاق و لو كان حلالا في غيرها، لقول جابر: إن النبي (ص) قال من أكل البصل و الثوم و الكراث فلا يقربن مسجدنا فإن الملائكة تتأذي مما يتأذي منه بنو آدم انتهي بقياس المورد علي الوارد، و استدل الأولون تارة بأنّ فيه اسكارا قليلا فهو حرام لأجل ذلك، و حكم آخرون بنجاسته أيضا لأن كل مسكر نجس و عليه فيحرم قليله و كثيره و يحد شاربه حد المسكر، و اخري بأن شربه مضرّ للبدن و العقل و المال، فإنه يفسد القلب و يضعّف القوي و يغير اللون و يورث الأمراض حتي السلّ و نحوه فينجر الي الهلاك فيشمله قوله تعالي- وَ لٰا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ، و ثالثة بان استعماله تضييع للمال و إسراف و تبذير و هو واضح عند المسلمين.

______________________________

(1) و يؤيده ما في استعمال المجتمع له علي ذلك النحو من إتلاف أموال جمّة لا يدرك مقدارها غير مهرة فن المحاسبات بحيث لو صرفت فيما يحتاج اليه المجتمع لكانت محصلة لحوائج كثيرة و سادّة لخلة جمة غفيرة.

مصطلحات الفقه، ص: 128

و استدل المجوزون بعدم الإسكار فيه، و ما يفرض حصوله لشاربيه من حال النشاط ليس سكرا محرّما و يوجد نظيره في غيره ايضا فلا دليل علي حرمته، و اما الإضرار فلو علم إضراره المحسوس السريع لأحد حرم عليه، و الضرر اليسير غير المحسوس الا بعد سنين لا دليل علي حرمته، و اما الإسراف

فهو عبارة عن صرف المال في وجه محرم أو في أمر غير عقلائي كالإتلاف بلا وجه و التلذذ بشي ء و لو خفيفا ليس من ذلك.

هذا و لا يبعد حرمة الاعتياد مع كثرة الشرب لما تواتر نقله من الأطباء بالضرار المعتد به للبدن و ان لم يحسّه المستعمل عاجلا و التفصيل في الفقه.

التجسس و التحسس

التجسس في اللغة تتبع الأخبار و الجاسوس و الجساس هو المتتبع المتفحص عن الأخبار، و في المجمع التجسس التفتيش عن بواطن الأمور و تتبع الأخبار و أكثر ما يقال في الشر، و منه الجاسوس و هو صاحب سر الشرّ، كما ان الناموس صاحب سر الخير، و قيل: التجسس بالجيم أن يطلبه لغيره و بالحاء أن يطلبه لنفسه انتهي.

ثم انه ليس للتحسس مصطلح شرعي و لا متشرعي، و قد وضع في الشريعة بمعناه اللغوي موردا للحكم و موضوعا للأمر و النهي علي حسب اختلاف متعلقة، فذكر الأصحاب أن مقتضي القاعدة الأولية حرمة تفحص المسلم و تجسسه عن أسرار أخيه المسلم و خفايا أموره الفردية و العائلية، اعني خفايا عيوبه في عقائده و أخلاقه و اعماله، بعد قيام الحجة علي إسلامه و ايمانه كما ان مقتضي القاعدة حرمة إذاعتها و إشاعتها بعد الاطلاع عليها.

نعم لو علم شخص بابتلاء أحد بمعصية يصرّ علي ارتكابها و يخفيها عن غيره، وجب عليه النهي عنها و التوسل في ذلك بالطرق المقررة لها شرعا، و منها تهديده بإشاعتها لو أصرّ عليها فيما عدا الزنا فإنه لا يجوز إشاعته شرعا الا مع إقامة البينة عليه، و هذا غير التجسس المذكور بمعني التتبع ليطلع عليه.

و مما يمكن أن يكون من مصاديق العنوان، ما ذكروا أنه لا يجوز التطلع علي بيوت الغير

مصطلحات الفقه،

ص: 129

و عوراتهم، من مكان عال أو من ثقوب الجدران و الأبواب، فمن فعل ذلك كان لصاحب البيت زجره و مع عدم الانتهاء دفعه و لو بالضرب و الجرح، و لو انجر ذلك إلي نقص أو جرح أو قتل للمتطلع كان هدرا و لا قصاص فيه و لا دية، نعم لو رفع الأمر إلي الحاكم فعلي صاحب البيت إقامة البيّنة، و إلّا ضمن بالقصاص أو بالدية ثم أن ما ذكر هو في تجسس المسلمين و المؤمنين بعضهم عن بعض، و هنا مصداق له سائغ أو واجب بل قد يكون من أهم الواجبات، و هو ما يأمر به. ولي أمر المسلمين و يتصدي به ولاة الحكومة الإسلامية أسسوا لتصديه و القيام به دائرة مستقلة تنشعب من شجرة الولاية العامة، سموها بوزارة الأمن و الاستخبارات، و لها رئيس و أعضاء و أغصان، و خدمة و أعوان، و لها برامج خاصّة عيّنت طرق التجسس و كيفيّة القيام به، و حيث إن ذلك علي خلاف الأصل الأولي و وجبت لطروّ عناوين ثانوية أقوي، لصيرورتها الركن الأقوي من الحكومة و نظامها لزم ان يكون المتصدي لأمر الوزارة رجلا خبيرا متدربا في الأمور بصيرا بالسياسة، عارفا بالأحكام الإسلامية في شتي نواحيها، مطلعا علي كيفية حكومة الأدلة الثانوية علي الأحكام الأولية، واقفا علي مصالح الاجتماع و ما له دخل في بقاء النظام و دوامها.

و في دستور الجمهورية الإسلامية الايرانية أنه يمنع تفتيش العقائد، و لا يمكن مؤاخذة أي شخص أو التعرض له لمجرد اعتناقه عقيدة معيّنة، و فيه أيضا: و يمنع تفتيش الوسائل و عدم إيصالها، و تسجيل و إفشاء المكالمات الهاتفية، و إفشاء المخابرات البرقيه و التلكس و مراقبتها و عدم

مخابرتها و عدم إيصالها، و استراق السمع و كل أنواع التجسس الا بحكم القانون (المادة 23 و 25) و لا يخفي ما في إطلاق المادة الأولي و الكلام في ذلك في الفقه.

التجويد

التجويد في اللغة جعل الشي ء جيدا يقال جوّد الشي ء و إجادة صيّره حسنا جيدا، و التجويد قد وقع مورد الكلام في الفقه و كلمات الأصحاب، في قراءة الصلاة و أذكارها و تلاوة القران في الصلوات الواجبة و المسنونة، و في غير الصلوات، فجعلوه علي قسمين:

واجب و مندوب، و الأول عبارة عن تحسين قراءة الصلاة و تجويد أذكارها بمعني التلفظ

مصطلحات الفقه، ص: 130

بلغة عربية صحيحة من حيث أداء الكلمات و رعاية مخارج حروفها علي نحو يصدق التلفظ بالحرف الكذائي، و لا يعد ملحونا عند أهل اللسان، فذكروا ان من لا يحسن قراءة الصلاة و سائر أذكارها يجب عليه التعلم ليتكلم بعربي صحيح و فرعوا عليه انه يجب علي المصلي رعاية الموالاة بين الحروف و الكلمات و حذف همزة الوصل و إظهار همزة القطع، و عدم تبديل حرف بحرف أخر كالضاد و الظاء، و السين و الثاء و الصاد، و ان يعلم أعراب أخر الكلمات ليتلفظ به عند الوصل، و يلاحظ المد الواجب و الإدغام اللازم و هكذا.

و اما رعاية الجهر و الإخفات فهي من شرائط الصحة دون آداب القراءة، و اما الثاني و هو التجويد المندوب فهو قد يلاحظ في الصلاة و يراد به رعاية جميع ما ذكره أهل التجويد الذي هو علم خاص متعلق بقراءة القرآن الكريم متخذ من كلمات أهل اللسان، و كيفية نطقهم، و قد يلاحظ في القرآن عند تلاوته، من رعاية آداب التلاوة التي ذكروها في ذلك العلم، و ورد

في ذلك نصوص أيضا.

التجهيز

التجهيز في اللغة اعداد مقدمات الشي ء و الجهاز بالفتح و الكسر نفس تلك المقدمات تقول جهزت المسافر إذا هيأت له جهاز سفره و ليس للّفظ مصطلح خاص شرعي أو فقهي و قد وقع بعنوانه اللغوي موضوعا للحكم في الشريعة و موردا للبحث في أبواب من الفقه.

منها: تجهيز الغزاة في سبيل اللّه في الجهاد الابتدائي و الدفاعي، فعلي ولي أمر المسلمين عندما رأي الغزو و المحاربة مع الكفار للدعوة إلي الإسلام مصلحة، التكفل بما يحتاج اليه ذلك من أعداد العدّة و تهيئة العدة مما ذكره اللّه تعالي بقوله (وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ التي لا تحصي، و بالثاني الوسائل النقلية الأرضية و البحرية و الجوّية، يعدها الوالي و يهيّؤها إذا لم يكن هناك باذل للكل أو البعض، من بيت مال المسلمين أو بيت ماله، و الكلام كذلك في الجهاد الدفاعي مما لا يقدر عليه المدافعون، من نفقة أنفسهم حال

مصطلحات الفقه، ص: 131

الدفاع، و أسباب الحرب و أدواته، كما ان الأمر كذلك في عصرنا هذا.

و منها: تجهيز العروس و هو اعداد لوازم انتقالها من بيتها إلي بيت زوجها من وسائل العيش كالألبسة و الأواني و الفرش و غيرها، و هذا كله علي عهدة نفس العروس ان كانت موسرة، و لا يتقدر حينئذ بقدر فلها تهيئة ما تعيش به أعواما و سنين في بيت زوجها، و إن كان نفقتها عليه بعد الانتقال و التمكين و ان كانت معسرة لا مال لها فما يعد منه نفقة لها حسب اقتضاء حالها و عصرها و أرحامها و أقرانها يكون علي وليها المنفق عليها و مع عدمه فعلي ولي أمر المسلمين.

و منها: تجهيز الميت و يتحقق

في الشريعة بأمور خمسة: الغسل و الحنوط و الكفن و الصلاة و الدفن. و قد ذكروا في أحكام الأموات ان حق التصدي لها عملا لأولياء الميت و لو احتجت إلي صرف المال كاجرة التغسيل و التكفين و قيمة الحنوط و الكفن و قيمة مكان الدفن أو أجرته فهي تؤخذ من تركة الميت و لو لم يكن للميت مال فعلي ولي أمر المسلمين كما ان ديونه عليه مع عدم وفاء التركة.

ثم انه قد ذكر كل واحد من أقسام التجهيز الخمسة تحت عنوانه عدا غسله فلا بد من ذكره هنا فيجب تغسيل كل مسلم بعد موته بثلاثة أغسال وجوبا كفائيا كسائر تجهيزاته فيغسل أوّلا بماء السدر، ثم بماء الكافور، ثم بالماء القراح، أي غير المشروط بخلط السدر و الكافور، و الترتيب فيها شرط واقعي، و الغسل و الصلاة تعبدي و غيرهما توصلي، و لا يسقط ما تيسر من الخمسة بتعذر غيره، فلو قدر علي الصلاة فقط صلي عليه و تركه و لو قدر علي الدفن فقط دفنه.

التحكيم

التحكيم في اللغة مشتق من الحكم بمعني القضاء و معناه جعل الشخص حاكما و تفويض الأمر اليه و ليس للفظ مصطلح شرعي أو متشرعي و قد وقع موضوعا للبحث في الفقه في موارد.

مصطلحات الفقه، ص: 132

منها في الاختلاف بين امرئ و زوجه فذكر الأصحاب انه إذا وقع الخلاف بينهما و ثارت الفتنة و انتهي الأمر إلي الحاكم فخاف وقوع الشقاق بينهما، و ان يؤول الأمر إلي ارتكاب الحرام و الفراق و الشقاق، فعليه ان يبعث حكمين حكما من أهل الزوج و أقاربه، و حكما من أهل الزوجة و أرحامها، للإصلاح و رفع الشقاق ما رأياه صلاحا من الجمع و التفرقة،

فيجب عليهما الفحص عن حالهما و سبب ظهور الخلاف بينهما فكلّما استقر عليه رأيهما و حكما به، نفذ في حقهما و يلزمهما الرضا به مع كونه سائغا، نعم لو اجتمعا علي الطلاق لم يجز لهما ذلك قال تعالي خطابا للحكّام (وَ إِنْ خِفْتُمْ شِقٰاقَ بَيْنِهِمٰا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَ حَكَماً مِنْ أَهْلِهٰا إِنْ يُرِيدٰا إِصْلٰاحاً يُوَفِّقِ اللّٰهُ بَيْنَهُمٰا) (النساء 35) و التفصيل في الفقه.

و منها موارد النزاع و الدعاوي في الأموال و غيرها إذا لم يرد المتنازعان رفع الدعوي إلي القاضي المنصوب، و أرادا تحكيم غير المنصوب، فقد ذكر بعض الأصحاب تبعا للنص أنه يصح قضاؤه و ينفذ في حقهما، و هذا يتصور في زمان حضور الإمام العدل و نصبه القضاة، و كذا في زمان الغيبة مع وجود المنصوب العام و قيامه بتصدي أمور الملة بحيث يخرج قاضي التحكيم عن شمول النصب، فيختاره الخصمان بالتحكيم، فإذا كان واجدا لجميع شرائط القضاء عدا النصب صح عنوان التحكيم و نفذ قضاؤه في حقهما، و قيل انه مشروط بقبولهما بعد الحكم، و الكلام في الفقه و في عنوان القضاء.

التخلي

هو معروف من حيث اللغة و العرف، و وقع البحث عنه في الفقه تارة عن أحكامه الخاصة المترتبة عليه في الشريعة، و أخري عن وجوب ستر العورة حاله عن الناظر المحترم، و ثالثة عن حرمة استقبال القبلة و استدبارها حاله، أما الأول فقد ذكروا فيه فروعا ترتبط إليه بنوع ارتباط بعضها إلزامي و أغلبها ندبي أو كراهي، كحرمة التخلي في ملك الغير و في الوقف الخاص بغير إذن صاحبها، و علي قبور المسلمين إذا كان هتكا، و في المدارس التي لم يعلم كيفية وقفها من حيث الاختصاص و

التعميم، و في استحباب تقديم

مصطلحات الفقه، ص: 133

الرجل اليسري عند الورود إلي بيت الخلاء، و تقديم اليمني عند الخروج عنه، و قراءة آية الكرسي حاله، إلي غير ذلك، و البحث عن الثاني واقع تحت عنوان الستر و عن الثالث تحت عنوان القبلة فراجع.

التدليس

التدليس و الدّلس في اللغة كتمان العيب و استعمال الأول أكثر، و هو في اصطلاح الفقهاء مستعمل في كتمان العيب في النكاح و في البيع و نحوه.

أما التدليس المذكور في باب النكاح فتارة يقع الكلام بالنسبة لتدليس المرأة التي يراد تزويجها، فقد ذكروا، انّ عمل المواشط بالتدليس، بان يشمن الخدود و يحمّرنها و ينقّشن بالأيدي و الأرجل و يصلن شعر النساء بشعر غيرهن و ما جري مجري ذلك محرّم بنفسه و يحرم أخذ الأجرة عليه، بل قد ادعي عدم الخلاف في ذلك أو انعقاد الإجماع عليه، لكن الظاهر حمل مورد البحث و موضوع الحرمة علي أن يعمل تلك الأمور علي نحو عرضيّ يزول بالماء و نحوه، و يكون الغرض بها التدليس و إخفاء الواقع علي الرجل، فيكون حراما حينئذ لدخوله تحت عنوان الغش و نحوه. و إلّا فما كان فيه حقيقة و يراه الناظر لم يكن تدليسا، و نظيره تدليس الرجل الذي يريد الزواج، و لا فرق حينئذ بين حصولها من نفس الرجل أو المرأة أو من شخص آخر من ماشط أو ماشطة، و حكمهم حينئذ بحرمة أخذ الأجرة لكون العمل محرما فيكون أخذها عليه حراما، و هذا فيما علم الأجير بذلك.

و أخري يقع الكلام بالنسبة لإخفاء العيوب المجوزة للفسخ. كما إذا أخفي الرجل حال العقد الخصاء، و الجبّ، و العنن، فالتدليس حينئذ منه و يترتب عليه أثره و هو حرمة العمل

و استحقاقه العقوبة لذلك، و أما تزلزل العقد و ثبوت خيار الفسخ للزوجة مع اجتماع سائر شرائطه فهو من آثار نفس العيب و إن لم يتحقق تدليس كما إذا كان الإخفاء لجهل بالحكم أو الموضوع.

و كما إذا أخفت المرأة عيوبها المجوزة للفسخ من البرص، و الجذام، و القرن، و العفل

مصطلحات الفقه، ص: 134

و غيرها، فدلست فيها ثم تبين وجودها بعد العقد أو بعد الدخول فإنه يحرم ذلك عليها تكليفا و تستحق العقوبة، و أما الفسخ فهو من آثار نفس العيب فإن فسخ لم يثبت لها مهر و إن حصل الدخول، و هذا أيضا من آثار التدليس، نعم لو كان المدلس غير الزوجة فالمهر المسمي يستقر علي الزوج بالدخول و له الرجوع بذلك علي المدلس.

و ثالثة يقع في خفاء مطلق النقص الذي لا يجوز الفسخ بنفسه كالعور، و قطع بعض الأعضاء و نحوهما، فأخفاه الناقص عن الآخر حال العقد، و يقع أيضا في صفات الكمال كالشرف و الحسب و النسب و الجمال و البكارة و نحوها، فوصف المدلس نفسه بها مع فقدانها، و هذا مع حرمة نفس العمل يترتب عليه ثبوت خيار الفسخ للطرف الآخر، و هذا إذا أتي بالأوصاف بنحو توصيف الزوج أو الزوجة بها في متن العقد، أو بنحو اشتراطها في ضمنه، كما إذا قال زوّجتك هذه الباكرة العالمة البالغة إلي الرتبة الفلانية في العلم، أو قال زوّجتكها بشرط كونها كذلك، و نظيرهما ما إذا جري العقد بينهما مبنيا علي الأوصاف فيثبت في الجميع الخيار و يسمي خيار التدليس كما قد يسمي خيار الاشتراط.

و أما التدليس في البيع و نحوه فقد ذكروا انه يتحقق باشتراط كمال في المبيع أو الثمن في ضمن العقد ثم

يظهر خلافه و هذا أيضا يسمي خيار التدليس و خيار الشرط و لذا لم يذكره الأكثر بعنوان التدليس.

الترتيب

اشارة

مفهوم الكلمة في اللغة و العرف واضح و ليس لها حقيقة شرعية أو متشرعية و قد وقع الترتيب في الفقه محلا للبحث في موارد من جهة كونه شرطا أو موضوعا لأحكام من تكليف و وضع و عمدة ما رتب عليه كونه شرطا لمعروضه، و توضيحه انه قد يكون الترتيب ملحوظا بين أجزاء عمل واحد و قد يكون بين أعمال مستقلة عبادية أو غيرها، و علي التقديرين قد يكون شرطا واقعيا يوجب انتفاؤه البطلان مطلقا، و قد يكون شرطا ذكريا. لا يبطل في صورة السهو و النسيان، و يعلم حكم الجميع في ضمن العناوين التالية:

مصطلحات الفقه، ص: 135

الترتيب في الوضوء

فمن موارد اعتباره أعضاء الوضوء و أجزائه، فقد صرحوا بوجوب الترتيب بين أعضائه الستة و هي غسل الوجه، و اليدين، و مسح الرأس، و الرجلين، علي إشكال وجوب تقديم مسح الرجل اليمني علي اليسري للقول بجواز مسحهما معا، و صرحوا أيضا بلزوم الترتيب في نفس أعضاء الغسل، فيجب الغسل بتقديم الأعلي فالأعلي، و أما نفس أعضاء المسح فلا ترتيب فيها فيجوز مسح الرأس طولا و عرضا و منحرفا، و مسح كل من الرجلين من الأصابع إلي الكعبين أو علي العكس، و قد أشرنا إلي إجمال ذلك تحت عنوان الوضوء.

الترتيب في الغسل

و أما الغسل فلا ترتيب في الارتماس منه إذ ليس فيه تجزئة و تعدد بل هو فعل وحداني آني أو تدريجي كما ذكر في الغسل و أما الترتيبي فيجب فيه الترتيب بين أفعاله بلا إشكال سواء قلنا بكونه أمرا ثنائيا مركبا من فعلين غسل الرأس و الرقبة، و غسل بقية البدن، أو قلنا بكونه أمرا ثلاثيا مركبا من ثلاثة أفعال غسل الرأس و الرقبة و غسل الجانب الأيمن و غسل الجانب الأيسر.

الترتيب في التيمم

و أما الترتيب في التيمم فله أجزاء و أبعاض، و هي الضربة و المسحات أو الضربات و المسحات و لا إشكال في وجوب الترتيب بينها وجوبا شرطيا واقعيا يبطل العمل بانتفائه و لو سهوا أو جهلا، كما يجب الترتيب فيه في أبعاض كل عضو فيجب المسح من الأعلي إلي الأسفل في الجبهة و اليدين و التفصيل تحت عنوان التيمم.

الترتيب في تجهيز الميت

يجب تجهيز الميت المسلم بأمور خمسة: تغسيله، و تكفينه، و تحنيطه، و الصلاة عليه، و دفنه، و يجب فيها الترتيب علي الوجه المذكور و التفصيل تحت عنوان التجهيز.

مصطلحات الفقه، ص: 136

الترتيب في أغسال الميت

قد مر تحت عنوان التجهيز وجوب تغسيل كل ميت مسلم بثلاثة أغسال وجوبا كفائيا و يجب فيها مراعاة الترتيب.

الترتيب في أولياء الميت

تجهيز المسلم و ان كان من الأمور الحسبية التي تجب علي جميع الناس وجوبا كفائيا إلّا ان ذلك لا ينافي وقوعه تحت ولاية فرد أو أفراد توجه الطلب إليهم ابتداء بنحو الترتيب الطولي و يكون تصدي غيرهم منوطا بإذنهم، فقد ذكر الأصحاب ان لأولياء الميت مراتب خاصة، و تفصيل ذلك: ان الزوج أولي بزوجته من جميع أقاربها دائمة كانت أو منقطعة، ثم المولي أولي بعبده و أمته، ثم طبقات الأرحام علي ترتيب الإرث، فالطبقة الأولي هم الأبوان و الأولاد و هم مقدمون علي الثانية و هم الأخوة و الأجداد، و هم متقدمون علي الثالثة و هم الأعمام و الأخوال، ثم المعتق، ثم ضامن الجريرة، ثم الحاكم الشرعي، ثم عدول المؤمنين، ثم فساقهم علي إشكال في ولاية الحاكم و من بعده، لكن الأظهر تحقق الولاية لولي الأمر، و أما العدول و الفساق فيجب عليهم حسبة عند عدم غيرهم فالمراتب تسع أو عشر و الترتيب بينهم ثابت.

ثم إنهم ذكروا ان الترتيب في المقام يغاير الترتيب الإرثي من جهات كتقدم الزوج و المولي علي الأقارب، و كون الذكور في كل طبقة مقدمين علي الإناث، و البالغين مقدمين علي غيرهم، و كون المنتسب إلي الميت بالأب و الأم أولي من المنتسب إليه بأحدهما، و كون الأب في الطبقة الأولي مقدما علي الأم، و كون الجد في الطبقة الثانية مقدما علي الأخوة، و كون العم في الثالثة مقدما علي الخال.

و من فروع المسألة انه إذا لم يكن في طبقة ذكور أو لم يكونوا بالغين أو كانوا غائبين فالولاية للإناث و انه

إذا كان أهل مرتبة واحدة متعددين يشتركون في الولاية فلا بد من الاستيذان عن الجميع.

مصطلحات الفقه، ص: 137

الترتيب في الظهرين و العشاءين

و من موارده الترتيب بين الظهر و العصر و المغرب و العشاء، فيجب تقديم الاولي علي الثانية فيهما بمعني كونه شرطا في صحة الثانية فلو قدم الثانية عالما عامدا بطلت مطلقا و وجبت إعادتها بعد الأولي، و لو قدمها نسيانا ففيه تفصيل، و بيانه ان مخالفة الترتيب اما ان تكون في الظهرين أو في العشاءين و علي التقديرين اما ان تكون في الوقت المختص أو في الوقت المشترك و علي التقادير اما ان يتذكر بعد إتمام الصلاة المتقدمة أو في أثنائها، و التفصيل في الفقه.

تنبيه: هنا قسمان من الترتيب، الترتيب المجعول في الظهرين و العشاءين الأدائيتين، و الترتيب المجعول في الفوائت كما سيأتي، و الأول مورد اتفاق و الثاني مورد خلاف، و يترتب علي الثاني جميع ما رتب علي الأول من الفروع و أحكامها فإنه اما ان يفوته عمدا أو سهوا أو نسيانا أو جهلا بالحكم، و علي الأخيرين أما ان يتذكر في أثناء ما أخر، أو بعده و علي فرض الأثناء أما ان يتذكر قبل فوات محل العدول أو بعده و بالجملة إذا فاته مغرب من يوم و ظهر من يوم بعده كان حكم المغرب و الظهر حكم المغرب و العشاء الحاضرتين علي القول بالترتيب الثاني.

الترتيب في أجزاء الصلاة

و من موارده الترتيب بين أجزاء الصلاة نفسها واجبة أو مندوبة، فيجب أن يقدم تكبيرة الإحرام علي القراءة، و القراءة علي الركوع، و هو علي السجود، و هو علي التشهد، و هو علي التسليم، و لا فرق في ذلك بين أنواع الصلاة حتي صلاة الآيات و صلاة الميت بالنسبة لأجزائها.

و من موارد شرطية الترتيب قضاء الصلوات الواجبة في الجملة، فقد ذهبوا إلي انه لا يجب الترتيب قطعا في

غير الفوائت اليومية بعضها مع بعض، فلو كان عليه صلاة كسوف و خسوف جاز له تقديم المتأخر فواتا، كما لا ترتيب بينها و بين اليومية فلو كان عليه قضاء

مصطلحات الفقه، ص: 138

الآيات و اليومية جاز تقديم المتأخر و تأخير المتقدم.

و أما الفوائت اليومية فقد اختلفوا في وجوب الترتيب في قضائها، و الذي اشتهر بينهم شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا بل ادعي عليه الإجماع غير واحد وجوب الترتيب بينها مطلقا، و يظهر من بعضهم عدمه مطلقا، و من ثالث التفصيل بين ما كان الترتيب شرطا شرعيا في الأدائية منها فيجب في قضائها أيضا كالظهرين و المغربين، و بين ما ليس كذلك فلا يجب كالصبح و الظهر و كالعصر و المغرب، فإن الترتيب في أدائها تكويني لا شرعي، و من رابع وجوبه مع العلم بالمتقدم و المتأخر و عدمه معه عدمه، فلو فات منه الصبح و الظهران في مدة أسبوع، فعلي القول بوجوبه مطلقا لزم في القضاء الشروع من أول الفائتة و الإتمام علي ترتيب الفوت، و علي القول بعدمه مطلقا جاز له الإتيان بسبع صبح قضائية ثم بسبع عصر ثم بسبع ظهر، و علي القول بالتفصيل جاز الإتيان بسبع صبح و لزم تقديم ظهر كل يوم علي عصره أو تقديم السبع من الظهر علي السبع من العصر و أجود الأقوال التفصيل الأول.

الترتيب في مراتب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر

قد عرفت تحت عنوان الأمر و النهي وجوب العنوانين بوجوب توصلي كفائي مؤكد عقلي و شرعي ثابت بالأدلة الأربعة و الضرورة من المذهب و الدين، و عرفت أيضا ان لكل منهما مراتب ثلاث: الأمر و النهي قلبا و لسانا و عملا و ان لكل مرتبة أيضا مراتب و شعب، و انه صرحوا أيضا بلزوم

الترتيب بين المراتب فإذا أمكنت المرتبة السابقة لا تصل النوبة إلي اللاحقة فراجع العنوانين.

الترتيب في أعمال الحج

الحج عبادة خاصة مجعولة من جانب اللّه تعالي لأول إنسان خلقه في أرضه أو أسكنه فيها، ثم شرعه لنسله و ذريته دهرا بعد دهر و جيلا بعد جيل إلي زماننا هذا.

مصطلحات الفقه، ص: 139

و هذا المشروع المبارك الباقي إلي يوم الدين. يشتمل علي أربعة عشر عملا: الإحرام، و وقوف عرفة، و وقوف المشعر، و الإفاضة من المشعر إلي مني، و رمي جمرة العقبة، و النحر، و الذبح، و الحلق، و التقصير، و طواف الزيارة، و ركعتاه، و السعي، و طواف النساء، و ركعتاه، و مبيت مني، و رمي الجمار في أيامه، و هذه صورة حج التمتع و نظيرها حج القران و حج الافراد أيضا إلا أنه لا هدي فيه، و لا الثلاثة الأول و طواف الحج و سعيه أركان، و البواقي واجبات غير ركنية. قال المولي البهائي قده (أو و ارنحط رس طر مر لحج) و يجوز قراءة (مرطر لحج).

و لا إشكال في وجوب الترتيب بين هذه الأعمال، و كونه شرطا في صحتها في الجملة و إن كان في بطلان بعضها مع انتفائه كلام مذكور في محله فراجع.

الترتيب في أعمال العمرة

العمرة عبادة خاصة مشروطة بالنية مخترعة من جانب الشارع الحكيم منقسمة إلي صنفين: عمرة مفردة و عمرة التمتع، و الواجب من أعمال العمرة المفردة سبعة: الإحرام، و الطواف، و ركعتاه، و السعي، و التقصير، و طواف النساء، و ركعتاه، و الواجب من أعمال عمرة التمتع الخمسة الأول لعدم وجوب طواف النساء و ركعتيه فيها، قال المولي البهائي قده (اطرست للعمرة اجعل نهج)، و عد بعضهم أعمال العمرة المفردة ثمانية مبني علي جعل النية جزءا و هو غير سديد، و لا إشكال في وجوب الترتيب بينها كالحج وجوبا

شرطيا فلو قدم ركعتي الطواف عليه أو قدم السعي علي الطواف أو علي ركعتيه عمدا بطل المتقدم و وجبت إعادته بعد المتأخر علي نحو يحصل الترتيب، و تفصيل الكلام في ذلك تحت عنوان العمرة.

الترتيب في أعمال يوم العيد

قد ذكروا ان الواجب من أعمال الحج بمني يوم العيد ثلاثة: الأول رمي جمرة العقبة،

مصطلحات الفقه، ص: 140

الثاني الهدي أي نحره أو ذبحه للمتمتع و القارن، الثالث التقصير بحلق الرأس أو أخذ الشعر و الظفر، و يجب الترتيب بينها علي النحو المذكور، و هل الوجوب تكليفي محض أو شرطي واقعي أو ذكري فيه إشكال و اختلاف فراجع.

الترتيب في رمي الجمار

يجب علي الحاج مطلقا بعد قضاء مناسكه العود إلي مني للمبيت فيها ليلتين أو ثلاث ليال، و يجب عليه رمي الجمرات الثلاث في نهار كل ليلة وجب مبيتها، و الواجب رمي كل من الجمرة الأولي و هي التي تلي المشعر و الجمرة الوسطي و الأخيرة التي هي جمرة العقبة التي تلي مكة، بسبع حصيات، و علي هذا فمجموع الرميات في اليومين ثنتان و أربعون رمية، و في الثلاثة أيام ثلاث و ستون رمية، و لو أضيف إليها رمي جمرة العقبة يوم النحر صار المجموع سبعين، و لو فات شي ء من الجمرات أو الحصيات وجبت إعادته أو قضاؤه، و قد ذكر الأصحاب وجوب الترتيب بين جميع الرميات أي بين أبعاض أدائها و كذا بين أبعاض قضائها و كذا بين الأداء و القضاء، فيجب أن يبدأ في كل يوم بالجمرة الأولي ثم الوسطي ثم العقبة، فلو خالف و لو عن غير عمد وجبت الإعادة حتي يحصل الترتيب و قد ذكر بعض الأبحاث تحت عنوان الرمي فراجع.

الترتيب في خصال الكفارة

من موارد وجوب الترتيب ما ذكروه من الترتيب بين الخصال في بعض الكفارات، نظير كفارة القتل خطأ، و كفارة الظهار، فإنه يجب فيهما العتق أولا فإن عجز فصيام شهرين متتابعين فإن عجز فإطعام ستين مسكينا، و كفارة من أفطر يوما من قضاء رمضان بعد الزوال فإنه يجب عليه إطعام عشرة مساكين فإن عجز فصيام ثلاثة أيام، و كفارة حنث اليمين فإنه يجب عليه عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم فإن عجز فصيام ثلاثة أيام.

مصطلحات الفقه، ص: 141

و الترتيب فيها واجب شرطا فلو قدم المتأخر مع القدرة علي المتقدم كأن صام في كفارة القتل مع القدرة علي العتق أو أطعم

مع القدرة علي الصيام لم يجزه عن الكفارة و هكذا غيره.

الترتيب في طبقات الإرث

لا إشكال في حقية قانون التوارث و إن الأحياء لا بد من ان يرثوا ما تركه الأموات من مال أو حق، و أن ذلك مما يقتضيه طبع حياة المجامع الذين يرتبط بعضهم ببعض بنسب أو مصاهرة، فيموت السابق و يخلف اللاحق، و أنه مما أمضاه اللّه في الدّين و جميع الشرائع السماوية، و هذا في أصل التوارث و أما خصوصياته الثابتة في الشرائع و لا سيما في شريعة الإسلام فهي مما اخترعه الشارع و تعبد به الناس، و جعل للتوارث أسبابا و للورثة مراتب و للمراتب طبقات، و قد ثبت الترتيب في الشريعة بين الأسباب بعضها مع بعض في الجملة، و بين الطبقات كذلك و تفصيل ذلك تحت عنوان الإرث فراجع.

التسامح

(قاعدة التسامح) مفهوم الكلمة في اللغة واضح يقال تسامح في كذا تساهل فيه و هو في اصطلاح الفقهاء عبارة عن استفادة حكم شرعي استحبابي أو رجحان عقلي يترتب عليه المثوبة شرعا، عن دليل ناقص الحجية غير تام الدليلية بواسطة قيام الحجة علي ذلك، فهو قاعدة كلية لها موضوع و محمول موضوعها ورود دليل غير تام الحجية علي رجحان أمر في الشريعة و محمولها الحكم برجحانه شرعا أو ترتب المثوبة عليه عقلا.

و يتفرع علي العنوان أمور تتضح بها حقيقته و شروطه و أحكامه، نظير أنه يعتبر فيه ورود ما يحكي عن استحباب عمل أو ثبوت مثوبة و أجر عليه، و لا إشكال في تحقق ذلك بورود النص منسوبا الي المعصوم كالأخبار الضعيفة غير المنجبرة و المراسيل المنقولة بطرقنا بل و طرق العامة أيضا، لصدق البلوغ المأخوذ من أدلة القاعدة، و في تحققه بالإجماع المنقول و الشهرة الفتوائية أو فتوي ففيه واحد أو الظن الانسدادي في

الجملة إشكال فضلا

مصطلحات الفقه، ص: 142

عن الظن القياسي و نحوه، فلو دلت هذه الأمور علي استحباب عمل أو علي ترتب الثواب عليه فالحكم بالاستحباب بأدلة التسامح لا يخلو من إشكال أو منع.

و لا فرق في عدم حجية النص المنقول بين أن يكون لعدم الوثوق بصدوره، أو بجهة صدوره، أو لعدم ظهور دلالته، أو لوجود معارض مساو أو أرجح في مقابله، ثم إنهم اختلفوا في ان المستفاد من أدلة القاعدة هل هو الإرشاد إلي حسن الفعل و ترتب الثواب عليه لكون موردها الانقياد المحكوم بحسنه عند العقل، أو استحباب العمل البالغ عليه المثوبة شرعا، كسائر المستحبات الثابتة في الشريعة بدليل خاص، لكن لا يخلو أولهما من رجحان، و اختلفوا أيضا في أن العمل المأخوذ في موضوع القاعدة هل يختص بالفعل أو يعم عبادات اللسان أيضا، كالدعاء و الذكر و قراءة القرآن، أو يعم غيرهما أيضا كالمعاملات إذا ورد ما دل علي كونه ثوابا، لكن الأظهر الأخير.

ثم ذكروا انه ليس لغير المجتهد العمل بهذه القاعدة من غير تقليد لافتقار الحكم بالاستحباب أو الرجحان العقلي إلي الاجتهاد، نعم إذا قلد الجاهل في أصل القاعدة كان ما رآه في كتب الأخبار و ما سمعه من العلماء و الوعاظ من مصاديق القاعدة، كما أنه ليس له ذلك إذا احتمل وجوب مورد القاعدة أو حرمته فإن موضوعها الفعل المفروغ عن عدم وجوبه و حرمته.

تنبيه: ذكروا أن مدرك القاعدة ما صح عن الصادق عليه السلام: من بلغه شي ء من الثواب علي شي ء من الخير فعمل به كان له أجر ذلك و إن كان رسول صلّي اللّه عليه و آله لم يقله انتهي. و في بعض الأخبار، فعل ذلك طلب قول النبي صلّي

اللّه عليه و آله كان له ذلك الثواب، و في آخر فعمل ذلك التماس ذلك الثواب أوتيه و إن لم يكن الحديث كما بلغه، فراجع (وسائل الشيعة، ج 1، أبواب مقدمة العبادات ب 18) و ظاهرها كون المحرك للعمل طلب الثواب و هذا هو الانقياد الذي يحكم العقل بحسنه فالحث عليه إرشاد إلي حكم العقل لا استحباب شرعي تعبدي.

مصطلحات الفقه، ص: 143

التسليم

التسليم في اللغة جعل الشي ء سالما، و إعطاء الشي ء للغير، و الانقياد لشخص أو شي ء، و قول سلام عليك، و هذا يتعدي بعلي يقال سلم عليه أي قال له سلام عليك، و قد كثر استعماله في الفقه في المعني الأخير و رتب عليه في الشريعة أحكام من تكليف و وضع و هو عنوان كلي شامل لأقسام و أصناف وقع كل منها موضوعا للحكم في الشريعة و موردا للبحث في الفقه.

فمن أصنافه التسليم الصلاتي، و هو الجزء الأخير من كل صلاة واجبة و مندوبة عدا صلاة الميت، و هو واقع في مقابل تكبيرة الإحرام التي هي الجزء الأول منها و بها يدخل المصلي في الصلاة و يحرم عليه أمور مقررة في الشرع، و بالتسليم يخرج المصلي من الصلاة و يحل له كل ما كان محرما عليه، و لذا ورد أن تحريمها التكبير و تحليلها التسليم، و قد تعرضوا فيه لجهات من الكلام:

الأول: في أصل وجوبه و المشهور عندنا إنه واجب في الفريضة شرعا و في النافلة شرطا.

الثانية: في جزئيته من الصلوات، و المشهور الجزئية فيشترط فيه جميع شروط الصلاة من الطهارة و الستر و الاستقبال و غيرها.

الثالثة: في ركنيته و الظاهر عدمها فلا تبطل الصلاة بتركه نسيانا.

الرابعة: في عدده و كيفيته فذكروا أن له

صيغتين إحداها السلام علينا و علي عباد اللّه الصالحين، و الأخري السلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته.

الخامسة: في كيفية الخروج بهما عن الصلاة فاختلفوا في أنه هل يجوز الخروج عنها بكل واحدة من الصيغتين أو يتعيّن الأولي للخروج بها، أو يجوز الخروج بالأولي و تجب الثانية بعدها مستقلا، أو أن المخرج الأولي و المحلل للمحرمات الثانية أو أن المخرج هو الأخيرة فقط، و القول الأول سديد و الأخير أحوط.

و من أصنافه تسليم التحية ابتداء و جوابا، و الأول أي البدأة بالتسليم عند اللقاء

مصطلحات الفقه، ص: 144

و نحوه من المندوبات المؤكدة في الشريعة الإسلامية بالنسبة للأحياء و الأموات، بل يظهر كونه متعارفا عند أهل الشرائع كلها، كما يشهد به الكتاب و السنة بل الظاهر أنه متعارف عند الملإ الأعلي و عند لقائهم الأنبياء عليهم السلام في الدنيا، كما ان الأمر كذلك في عالم الآخرة بين اللّه و بين أهل الجنة و بين بعضهم مع بعض.

و الظاهر ان الصيغة لإنشائه هي السلام عليك و ما قاربه من مشتقاته و الألفاظ المترادفة له.

و الثاني أي التسليم الجوابي هو كلما يعد جوابا عرفيا للسلام، و هو واجب عند الأصحاب و إن كان البدأة به مستحبا و يؤدي بما يكون جوابا عرفيا في غير الصلاة، و أما فيها فله صيغة خاصة مذكورة في الفقه، هذا في جواب السلام المنشأ بصيغته، و أما التحيات اللفظية غير السلام كقول صبّحك اللّه بالخير، أو مسّاك اللّه بالخير و ما أشبه ذلك، فالمشهور عدم وجوب الجواب عنه، و قوله تعالي (وَ إِذٰا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهٰا أَوْ رُدُّوهٰا) مختص بالسلام و لو وجب الجواب بكل تحية قوليه أو فعليه لا اشتهر ذلك

في الدين و شاع و ذاع.

التشريح و الترقيع

التشريح في اللغة و العرف قطع الشي ء قطعا و فصل أجزائه، يقال شرح اللحم و شرّحه قطعه و فصل بعضه عن بعض، و هو في اصطلاح الأطباء نوع عمل خاص و قسم من مصاديق معناه اللغوي، و الترقيع في اللغة إصلاح الخرق بالرقاع.

و قد وقع التشريح في الفقه مورد الكلام بذاك المعني، فذكروا فيه أن موضوع البحث تشريح بدن الإنسان ميتا و قد رتب عليه في الشريعة أحكام خاصة من تكليف و وضع، فإنهم ذكروا أنه لا يجوز تشريح الميت المسلم اختيارا و هو محرم تكليفا و موجب لترتب الدية علي الفاعل حسب اختلاف فعله، ففي قطع رأس الميت عشر دية القتل، و في أعضائه أيضا بتناسب النفس، و قد ذكرنا ذلك تحت عنوان الدية.

مصطلحات الفقه، ص: 145

و يجوز تشريح الميت غير المسلم آية فرقة من فرقهم، فإن الكفر ملة واحدة في هذا الحكم، و لا فرق فيه بين المشركين و أهل الكتاب و إن قلنا بطهارتهم حال حياتهم فإنهم لا يطهّرون بعد مماتهم، و لا أثم و لا دية في ذلك، و لو توقف تعليم التشريح و تعلّمه علي تشريح المسلم لم يسوغه ذلك، فلا بد من طلب غيره و لو بابتياعه بثمن كثير، بل الظاهر أنه لا يسوغ تشريح المسلم لمجرد التعلم و التعليم و إن لم يوجد غير المسلم، نعم لو كان هناك مسلم حيّ في معرض الهلاك جاز التشريح و الترقيع لحفظ حياته و الظاهر عدم سقوط الدية بذلك.

و لو قطع من الكافر شيئا فهو ميتة نجسة و لو رقع به بدن المسلم الحي فما دام لم تدخل الحياة فيه فهو نجس، و بعد ذلك

يصير جزءا من بدنه و يطهر للاستحالة و الانقلاب، و تصح صلاته بها أيضا و نظيره الترقيع بأجزاء سائر الحيوانات إذا كانت ميتة نجسة حتي الكلب و الخنزير.

التشهد

الشهادة لغة الأخبار القاطع عن الشي ء و التشهد تفعل منها فهو التكلّف بالشهادة و التكلم بها، و في نهاية ابن الأثير في حديث ابن مسعود كان يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن، يريد تشهد الصلاة و هو التحيات سمّي تشهدا لأن فيه شهادة أن لا إله إلا اللّه و أن محمّدا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و هو تفعل من الشهادة انتهي. و في المفردات و التشهد هو أن يقول أشهد أن لا إله إلا اللّه و أن محمدا رسول اللّه، و صار في التعارف اسما للتحيات المقروءة في الصلاة و للذكر الذي يقرأ ذلك فيه انتهي.

و يطلق عند الفقهاء و المتشرعة علي المجموع من الشهادتين و الصلاة علي محمد و آله صلّي اللّه عليه و آله و سائر ما يضاف من الأذكار و الأدعية قبل الخروج عن الصلاة بالتسليم، و عن جامع المقاصد إنه شرعا هو الشهادة بالتوحيد و الرسالة و الصلاة علي النبي صلّي اللّه عليه و آله انتهي.

و في الجواهر أن المجموع من الشهادتين و الصلاة هو المراد به في عبارات الأصحاب بل لعله

مصطلحات الفقه، ص: 146

كذلك عند الشرع بناء علي ثبوت الحقيقة الشرعية التي معيارها الحقيقة المتشرعية انتهي.

(ج 10 ص 246).

و كيف كان فالتشهد المصطلح عليه عند الأصحاب الذي كثر استعماله في كتاب الصلاة و وقع مورد البحث فيه، و إن كان فيه خلاف في الجملة كيفا و كما لكن المشهور المتيقن منه عندنا معاشر الإمامية أن يقول المصلي في

الركعة الثانية بعد السجدة الثانية من كل صلاة فريضة أو نافلة و كذا في الركعة الثالثة في المغرب و الرابعة من كل رباعية و بعد السجدة الثانية من الركعة الأولي من الوتر: أشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له و أشهد أن محمدا عبده و رسوله اللّهمّ صل علي محمد و آل محمد، و هذا جزء من كل صلاة واجبة و مندوبة و هو يشتمل علي تسعة أجزاء و شروط: الشهادة بالتوحيد، و الشهادة بالرسالة، و الصلاة علي النبي صلّي اللّه عليه و آله، و الصلاة علي آله، و الجلوس بمقدار أدائه، و الطمأنينة فيه، و الترتيب بين أجزائه بتقديم الشهادة علي الصلاة و الشهادة الأولي علي الثانية و الصلاة الأولي علي الثانية، و الموالاة بين الفقرات و الكلمات و الحروف، و المحافظة علي تأديتها علي الوجه الصحيح.

التشييع

شاعه شياعا في اللغة تبعه و رافقه، و شيّعه بالتشديد خرج معه ليودعه، و التشييع الخروج مع الشخص لتوديعه أو إبلاغه منزله، و في المجمع شيّع الجنازة لحقها و تبعها، و شيّعت الضيف خرجت معه عند رحلته إكراما له و هو التوديع و شايعته مشايعة، تابعته وزنا و معني.

و التشييع قد كثر استعماله في النصوص و الفتاوي في اتباع جنازة الميت و الخروج معها حين نقله إلي قبره و ذكره الأصحاب من سنن تجهيزه، و استحبابه إجماعي إن لم يكن ضروريا، و النصوص به مستفيضة إن لم تكن متواترة، و فرعوا علي المسألة أنه يستحب إعلام المؤمنين بموت المسلم ليحضروا تجهيزه و أنه ليس له حد معين في القلة و الكثرة

مصطلحات الفقه، ص: 147

و الأولي أن يكون إلي الدفن و دونه إلي الصلاة عليه،

و أن أول تحفة من اللّه إلي المؤمن في قبره غفرانه و غفران من شيّعه و أنه يكره ركوب المشيع إلّا لعذر، و ان يتقدم علي الجنازة و أن يضحك حاله أو يلعب بشي ء بل يكون خاشعا متفكرا.

التصوير و التمثيل- و التمثال

التصوير في اللغة بيّن و هو جعل الصورة و الشكل للشي ء، كان المجعول جسما قائما بنفسه، أو رسما علي القرطاس و نحوه، أو نقشا علي لوح أو جدار، أو حكا علي خشب أو حجر، أو نسجا في القماش و الفراش أو غير ذلك، و نظيره التمثيل فإنه بمعني جعل المثال و الصورة للشي ء، و في المجمع الصورة عامة لكل ما يصور مشبها بخلق اللّه تعالي من ذوات الروح و غيرها و الجمع صور مثل غرفة و غرف و التصاوير التماثيل انتهي.

و في المفردات: الصورة ما ينتقش به الأعيان و يتميز بها من غيرها، و ذلك ضربان أحدهما محسوس يدركه الخاصة و العامة بل يدركه الإنسان و كثير من الحيوان، كصورة الإنسان و الفرس و الحمار بالمعاينة، و الثاني معقول يدركه الخاصة دون العامة كالصورة التي اختص الإنسان بها من العقل و الرؤية و المعاني انتهي.

و لا يخفي أن كلام المجمع ناظر إلي ما ينقشه الإنسان و يصوره تشبيها للأشياء، و كلام المفردات ناظر إلي ذي الصورة و أن له صورتين، و كيف كان فالكلام هنا فيما يجعله الشخص من التصاوير و التماثيل.

و ليس للتصوير و الصورة في الشرع و ألسنة الفقهاء مصطلح خاص إلا أنهما قد وقعا بمعناهما اللغوي مورد البحث في الفقه و متعلق الحكم في الشريعة، فذكر الأصحاب أن التصوير علي أقسام فإنه إما أن يكون تصوير ذوات الأرواح أو غيرها من الأعيان الخارجية، و

علي التقديرين فأما أن يكون نفس الصورة مجسما أو غير مجسم. فذهب جل الأصحاب لو لا كلهم إلي التحريم في تصوير ذوات الأرواح إذا كانت الصورة أيضا مجسمة، و لعل المشهور ذلك في تصوير ذوات الأرواح مع عدم جسمية نفس الصورة

مصطلحات الفقه، ص: 148

أيضا كما أن المشهور لو لا كونه متفقا عليه عدم الحرمة في تصوير غير ذوات الأرواح كانت الصورة جسما أم لم تكن فمورد الكلام عندهم ثلاثة.

و لا يخفي عليك أن ما استدلوا علي الحرمة في الأول فضلا عن الثاني مخدوش كله إما سندا أو دلالة، و يحصل الظن أو الاطمئنان للمتأمل أنه كان المنع عن ذلك آنذاك علي فرض ثبوته لأجل كونه معرضا لانحراف العقائد و الرجوع إلي العادات الجاهلية، حيث إن مسألة عبادة الأصنام و الأوثان لم تكن زائلة بالكلية عن أوهام الجميع و أذهانهم، و الظاهر عدم بقاء هذا الملاك فيما بين المسلمين في هذه الأعصار مع كثرة التصاوير و التماثيل في بلاد المسلمين في الشوارع العامة و غيرها و عدم توهم أحد منهم قداسة خاصة لها فضلا عن الألوهية أو كونها مقربة إلي اللّه تعالي.

و ما ذكره المحقق الأنصاري في مقام تأييده التحريم في الصورة الأولي من أن الحكمة في التحريم هي حرمة التشبّه بالخالق في إيداع الحيوانات و أعضائها علي الإشكال المطبوعة التي يعجز البشر عن نقشها علي ما عليه فضلا عن اختراعها انتهي. فغير سديد لا سيما مع ذكره في تجويزه تصوير غير ذوات الأرواح، من قوله: و كذا مثل تمثال القصبات و الأخشاب و الجبال و الشطوط مما خلقه اللّه لا علي هيئة معجبة للناظر بحيث تميل النفس إلي مشاهدتها و لو بالصور الحاكية لها لعدم

شمول الأدلة لها انتهي. إذا لا يخفي عليك ان مناظر الأجمة و الأشجار و شطوط الأنهار و البحار بل و كذا الجبال و نحوها، ليست بأقل من حيث الحسن و البهاء و الإعجاب و ميل النفس إلي النظر إلي نفسها في الخارج و إلي تصاويرها و تماثيلها، من رؤية الغربان و العصافير أو الثعالب و الأرانب و الحيّات، و يشهد بذلك أن تماثيل غير الحيوان قد أعجبت سليمان النبي عليه السلام و لذلك أمر الشياطين أن يعملوها علي ما نطق به الكتاب و فسرته السنة، إذا فالظاهر أن الحكمة في المنع لو ثبت فإنما هي ما ذكرنا ممّا زال في هذه العصور و لو فرضنا بقاء تلك الجهة في بعض الأمكنة و المناطق فلا مانع من القول بالحرمة هناك لذلك.

ثم إنهم ذكروا في المقام متفرعا علي التحريم أن المرجع في الصورة إلي العرف فلا يقدح

مصطلحات الفقه، ص: 149

نقص بعض الأعضاء و أنه لو صور بعض الأجزاء كنصف بدن الحيوان مثلا ففي حرمته إشكال إلا أن يفرض الباقي موجودا كالإنسان الجالس، و أنه لو اشتغل الشخص بالتصوير فعل حراما حتي لو بدا له في الإتمام، و أن اقتناء ما حرم تصويره ليس بحرام و غير ذلك.

التطفيف

التطفيف في اللغة نقص الشي ء قليلا يقال طفّف المكيال نقصه قليلا، و في المجمع وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ: هم الذين لا يوفون الكيل و الوزن، و التطفف نقصان المكيال و أن لا يملأه انتهي.

و في المفردات: طفف الكيل قلّل نصيب المكيل له في إيفائه و استيفائه قال تعالي وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ انتهي.

و قد كثر استعمال الكلمة في الشرع و الفقه في خصوص النقص في الكيل سواء كان من البائع في نفس المبيع كما

إذا باع معاطاة مع بخسة في كيله، أو كان منه في التأدية كما إذا بخس في الكيل في مقام الإقباض، و يظهر الفرق بينهما في ثبوت خيار تبعض الصفقة للمشتري علي الأول دون الثاني. أو كان من المشتري في كيل الثمن في أصل المعاملة أو في مقام الإقباض.

و أما النقص في الميزان و غيره مما يعتبر به الأعيان الخارجية، كالعدّ و الذرع و المساحة بل و النظر أيضا في المبيع و الثمن فهو خارج عن العنوان من حيث اللغة لكنه داخل فيه موضوعا أو حكما.

و الظاهر ان التطفيف في غير البيع من المعاملات كالصلح و الإجارة و المزارعة و المضاربة و غيرها فيما يمكن فيه ذلك، بحكم البيع.

ثم إن الأصحاب ذكروا التطفيف في المكاسب المحرمة، و هو أما لان الزائد المأخوذ بخسا اكتساب محرم أو أن المراد استيجار نفسه للتطفيف للغير فيكتسب به.

مصطلحات الفقه، ص: 150

التعجيل

التعجيل في اللغة بين و هو مصدر عجل أي أسرع في الأمر، و هو علي إطلاقه لا حكم له في الشريعة، نعم التعجيل في الأمور يتصف علي حسب اختلافها في الوجوب و الحرمة و الندب و الكراهة فينقسم بانقسام الأحكام الخمسة ذكرها الأصحاب في الموارد المختلفة في الفقه.

فمنها: التعجيل في التوبة عن المعصية و بعد صدور الذنب عن المكلف، فإنه حينئذ واجب في الشريعة فورا ففورا كما ذكر تحت عنوان التوبة.

و منها: استحباب تعجيل الناسك بالحج في يوم النحر، بعد إتمام أعمال مني، للوفود إلي البيت لطواف الزيارة و سائر أعماله، و ان جاز التأخير إلي ما بعد ليالي المبيت بمني، بل إلي آخر ذي الحجة.

و منها: جواز تعجيل الحاج بعد ليلتين من مبيت مني، في العود إلي البيت

إذا لم يصدر منه شي ء من محرمات الإحرام أو خصوص الصيد، لقوله تعالي (فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلٰا إِثْمَ عَلَيْهِ وَ مَنْ تَأَخَّرَ فَلٰا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقيٰ).

و منها: التعجيل في تجهيز الميت، و فإنه مندوب إذا لم يترتب علي التأخير مفسدة كالهتك أو فساد البدن أو نحو ذلك و إلا وجب التعجيل.

و منها: تعجيل أداء الدين الحال فإن رضي صاحبه بالتأخير استحب، و ان لم يرض وجب فورا ففورا إلي أن يؤدي، فإن ليّ الواجد يحل عقوبته إلّا مع عدم التمكن.

و منها: التعجيل في تأدية أجرة الأجير قبل أن جف عرقه فإنه مندوب محثوث عليه، و مع حلول الوقت و طلب الأجير يكون واجبا و التأخير محرما فان مطل الغني ظلم.

و منها: تعجيل الأيّم في التزويج، ذكرا كان أو أنثي، فإنه مندوب مؤكد ما لم يؤد إلي الوقوع في المعصية و إلّا وجب مع القدرة.

و منها: التعجيل في إتيان الفرائض في أوائل أوقاتها و لا سيما اليومية، فإنه مندوب مؤكد، بل قد قيل بحرمة التأخير إلي آخر وقتها إلّا أنه ذنب مغفور.

مصطلحات الفقه، ص: 151

و منها: التعجيل و التسريع في جميع الأمور التي تكون من الخيرات و أسباب المغفرة، لقوله تعالي (وَ سٰارِعُوا إِليٰ مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَ جَنَّةٍ) و قوله (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرٰاتِ) و غير ذلك.

التعذيب

مفهوم التعذيب في اللغة و العرف بين و ليس له مصطلح شرعي أو فقهي، و هو ينقسم من حيث الحلية و الحرمة في الشريعة علي أقسام، و ليعلم أولا أن تعذيب الإنسان لإنسان آخر بعنوانه الأولي حرام في الشرع و قبيح عند العقل و العقلاء، فليس لأحد أن يعذب أبناء نوعه بأي عذاب كان، من الضرب و قطع

الأعضاء و الجرح و إزالة المنافع، بل و التعذيب غير الجسمي كإيذائه بقبيح القول و الشتم و السبّ و الاستهزاء و كل ما يكون سببا للإيذاء، بل الأصل عدم جواز تعذيب غير الإنسان أيضا من الحيوانات غير الضارة إلّا لمصالح انتفاع الإنسان، لأن ذلك نوع من الظلم، مما يقبح عقلا و يحرم شرعا، و لا استثناء من حرمة الظلم و لا تخصيص، بل كل مورد يتوهم كونه تخصيصا فهو خروج تخصّصي.

و كيف كان فالحكم الأولي الذاتي المترتب علي عنوان التعذيب و طبيعة الساذجة، المنع و عدم الجواز فليس لأحد ضرب غيره و لا شتمه فضلا عن جرحه و قتله، و كذا ليس له إيذاءه بأيّ أنواع الإيذاء، إلّا في موارد تثبت في الشريعة.

منها: إجراء الحدود و التعزيرات الشرعية المجعولة علي المكلفين لارتكابهم المعاصي الكبيرة أو الصغيرة، و لها موارد كثيرة بعضها عقوبات معينة تسمي حدودا و بعضها غير معينة تسمي تعزيرات.

و منها: التعزيرات الشرعية المجعولة علي غير المكلفين، من الصبيان و المجانين.

و منها: ما رخصه الشارع للأولياء و الموالي في مقام تأديب الصغار و المجانين و العبيد و تربيتهم، و حملهم علي فعل الواجبات و ترك المحرمات، مما يكون سببا لإيذائهم كالضرب و الحبس و القول الخشن و نحوها.

مصطلحات الفقه، ص: 152

و منها: ما رخصه الشارع لمعلمي الأطفال و مربيهم من الضرب و نحوه.

و منها: ما رخصه الشارع و أباحه للزوج بالنسبة إلي زوجته فيما إذا ظهر منها علائم النشوز كما قال تعالي في كتابه (وَ اللّٰاتِي تَخٰافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَ اهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضٰاجِعِ وَ اضْرِبُوهُنَّ) انتهي. و هل يجوز ذلك للنساء إذا ظهرت منه أمارات النشوز و الخروج عن العشرة المعروفة؟ الظاهر جواز الأول

دون الأخيرين.

و منها: ما أباحه الشارع لكل مؤمن و مؤمنة بالنسبة لغيره من المكلفين من الكلام الخشن القارع و المهدد و المؤذي، و المنع و الزجر عن القصد و نحوها، في مقام الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر مع حصول شرائطهما المقررة مما قد ذكر في المرتبة الأولي من مراتب الأمر و النهي.

و منها: الإيذاء بالضرب و الجرح و القطع و القتل في مقام الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر مما قد أبيح في المرتبة الثانية و الثالثة من مراتب الأمر و النهي إذا كان التصدي من ولي أمر المسلمين.

و منها: الإيذاءات و الجراحات بل و القتل و نحوها و لو بالنسبة لمن لا ذنب له، إذا توقف الظفر علي الكفار و فتح بلادهم في الجهاد الابتدائي، بل و في الدفاعي أيضا، فيما توقف عليه استخلاص بلاد المسلمين، و كذا فيما إذا تترسوا بمن لا يجوز إيذاؤهم و قتلهم، بحيث توقف الظفر علي ذلك.

و منها: تعذيب المتهم بالقتل و السرقة و التجسس في أسرار المسلمين في أرضهم و بلادهم ليخبر الأعداد و يكون سببا لغلبة الكفار، فيجوز ذلك حينئذ موكولا إلي نظر ولي الأمر في الكيف و الكم، فإن الظاهر أن المصالح الملزمة المترتبة علي أخذ الأقارير و الاعترافات من المتهم بالأمور العظام أولي و الزم من ترك ضرب الفرد و شتمه و سائر أنواع تعذيبه.

و منها: تعذيب الحيوانات للتربية أو المنع عن إتلاف النفس و المال، بالمنع عن الأكل و الشرب، أو بالضرب و الجرح و الكي و القيد و الإخصاء و نحوها.

مصطلحات الفقه، ص: 153

و منها: ذبح الحيوانات و نحرها و صيد الوحوش و حفظها و تقييدها، بل و مطلق الركوب و الحمل

و الانتفاعات بها التي تكون سببا لإيذائها فالجميع محلل بالعقل و النقل.

التعقيب

التعقيب في اللغة الإتيان بشي ء عقيب آخر، و قد كثر استعماله في ألسنة الفقهاء في باب الصلاة فيما ينبغي أن يشتغل به المصلي بعد صلاته، فذكروا أن التعقيب هو الاشتغال عقيب الصلاة الفريضة أو النافلة بشي ء من العبادات، كالدعاء و الذكر و القرآن و الاستغفار و ما أشبه ذلك، و لعله يشمل مطالعة الكتب الدينية و العلمية و كتابة ما فيه رضا اللّه من العلوم و المعارف الإسلامية، بل و التفكر في صفاته تعالي و ما يرتبط بعالم الآخرة و التأمل و التعمق في أصول الدين و فنون الأخلاق و فروع الأحكام، و تذكر المعاصي و الندم عليها و الابتهال و التضرع إلي اللّه تعالي في غفرانها و غير ذلك.

و قد ذكروا أن التعقيب من السنن الأكيدة و إنه أبلغ في جلب الرزق من الضرب في الأرض إذا لم يجعله قائما مقام الطلب و السعي العملي.

و تعرض الأصحاب أيضا لبعض التعقيبات المنصوصة الواردة عن الأئمة عليهم السلام و أحالوا البقية إلي كتب الأدعية المؤلفة في هذا الموضوع نظير: كامل الزيارات و عدة الداعي و الإقبال و مفتاح الفلاح و زاد المعاد و غير ذلك فراجع إليها.

تغيير الجنسية

العنوان بمفهومه اللغوي بيّن و الغرض بيان حكم أن يغيّر الرجل فيجعل امرأة، أو تغير المرأة فتجعل رجلا، و تحقق هذا الأمر حقيقة بحيث يعلم حال المتغير قبله و بعده، و أنه كان رجلا فصار امرأة أو عكسه لم يثبت إلي الآن و لعله غير ممكن في العادة، لكن وقع البحث عنه في الفقه و عدّ من المسائل المستحدثة.

نعم الظاهر إمكان أمر آخر بل وقوعه، و هو تغيير من كان ظاهره من أحد الجنسين

مصطلحات الفقه، ص: 154

إلي الجنس الآخر

بعملية الجرح بعد شهادة القرائن بكون باطنه علي خلاف ظاهره و تظهر حقيقة الحال في المسألة بذكر بعض ما مثلوا له في المقام.

منها ما لو كان الشخص في أول تولده ذكرا في الظاهر فلاحت فيه آثار الأنوثة في جسمه أو روحه و نفسياته قبل بلوغه أو بعده بحيث ظهر علي أهل الفن أنه من جنس الإناث و ان فيه جهاز الحمل و الولادة و ما أشبه ذلك من خواص النساء و إن آلة الرجولية فيه قطعة لحم شبيهة بالآلة فصيره الأطباء أنثي.

و منها عكس ذلك فظهر فيمن كان أنثي جسما آثار الذكورة و ظهرت بالعملية آلة الرجولية فصار مذكرا، و الظاهر أنه لا إشكال في جواز تغيير الجنسية بالمعنيين بل قد يكون واجبا، و أما سائر الأحكام من التكليف و الوضع كجواز النظر إلي المماثل و حرمة النظر إلي غيره و جواز الزواج و إبداء الزينة للمحارم و غير ذلك فتترتب علي كل منهما بمجرد ظهور جنسه الأصلي و لو قبل تغيير الظاهر بالعملية.

و منها ما لو كان لأحد في ظاهر جسمه كلتا الآلتين و لم يعرف من حاله دخوله في أحد الصنفين الذكر و الأنثي و لا سيما قبل بلوغه، و هذا هو المعروف بالخنثي و قد ذكروا في الفقه أنه علي قسمين مشكل و غير مشكل، و الأول من لم يعرف حاله بالأمارات الطبيعية أو المجعولة من الشرع، و الثاني من حكت الإمارات عن أحدهما و لو ظنا أما الأول فإن قلنا بعدم إمكان كون فرد من الإنسان مصداقا للصنفين حقيقة فهو اما ذكر أو أنثي كما هو المعروف بين الأطباء علي ما ذكره بعضهم بدعوي أنه لا ثالث لصنفي الإنسان و لا

ينطبق الصنفان أيضا علي واحد، فالظاهر جواز عملية الجنسية له فإن ألحق بها بأحد الطرفين بأن ظهر فيه آثار، علي نحو التعين، صدق تغيير الجنسية حينئذ بالعمل و يترتب آثار العنوان المنقلب إليه، و إن لم يظهر شي ء منها فهو خنثي مشكل و ذكروا له في الفقه أحكاما يبتني أكثرها علي الاحتياط كحرمة نظره إلي الطائفتين و جواز نظر الطائفتين إليه أو حرمته علي الخلاف فيه، و حرمة إبدائه الزينة للرجال، و عدم جواز تزويجه المرأة و تزويج الرجل إياه، و كون إرثه نصف إرث الرجل و المرأة، و تخييره في قراءة صلاته الجهرية

مصطلحات الفقه، ص: 155

و الإخفاتية، و عدم جواز إمامته و قضائه و غير ذلك.

و إن قلنا بإمكان كون فرد من الإنسان مجمع العنوانين و مصداق الصنفين حقيقة، و إمكان اجتماع جهازي التناسل في واحد، كما يظهر وقوعه من بعض النصوص، فهو قبل ظهور كونه من أحد الطرفين خنثي مشكل و إن اتفق ظهور أثر كلا الجنسين يحكم بكونه مصداقا لهما، و قد ورد أنه ظهرت امرأة في زمان أمير المؤمنين عليه السلام و ادعت أن لها ما للرجال و النساء فسئلت عن بولها من أي المبال يخرج قالت منهما جميعا، ثم ادعت أنه جامعها زوجها فولدت له و جامعت جاريتها فولدت الجارية منها انتهي. و علي هذا. فلا أثر لعملية الجرح فيه و إظهار الأعضاء المخصوصة بأحد الطرفين من حيث تشخيص الموضوع بل مقتضي القاعدة الحكم بأنه في الحقيقة رجل و امرأة فتشمله خطابات كل من الصنفين ما لم تتعارض في حقه فيتزوج المرأة و يكون زوجا و يتزوجه الرجل فتكون زوجة، إلا إنه لا يجمع بين الحالتين و ليس له النظر

إلي أحد الصنفين في غير موارد الاستثناء لتقدم المانع علي المقتضي، و يحرم نظر كل من الطائفتين إليه و يأخذ في الإرث حصة الذكر و الأنثي أو نصف الحصتين و المسألة ليست بمحل الابتلاء.

و أما الثاني أعني الخنثي غير المشكلة فالظاهر جواز عملية الجرح فيها فإن ألحقت بما أدت إليه العلائم فهو و إلا فالمتبع القواعد الشرعية.

التقاص و المقاصة

القصص تتبع الأثر و التقاص تفاعل منه يفيد نوعا من الشدة فيه، و هو و المقاصة مصدران يراد بهما كما يظهر من بعض أخذ مال الغير بدون اذنه عوضا عن ماله، و قد يعرف أيضا بأنه استنقاذ الغريم حقه من مال المدين بدون رضاه أو بدون اطلاعه، و الأولي بعد ملاحظة دليله و موارده تعريفه بأنه استنقاذ الشخص حقه من غيره بدون اطلاعه أو بدون رضاه، فيلحق الأخذ بدون الرضا بالأخذ مع جهله، و علي أيّ تقدير فالظاهر اشتراطه بما إذا كان الغير ممتنعا عن أداء الحق، و حينئذ فيدخل في هذا التعريف أخذ الشخص عين

مصطلحات الفقه، ص: 156

ماله من يد غيره بدون اطلاعه أو رضاه، و كذا أخذ الشريك حصته من المال المشاع، و أخذ مالك الكلي في المعين حقه من المعين عند الممتنع، و لا فرق في المدين بين كون ما عليه من الأعيان و الكليات الذمية و الحقوق.

و العنوان المبحوث عنه قد وقع في الفقه في باب القضاء بمناسبة ان ذلك قد يستلزم المراجعة إلي القاضي، و ذكروا بعض الفروع هناك نظير انه هل يجوز للدائن التقاص بنفسه من دون المراجعة إلي الحاكم مطلقا أو يجب الرجوع إليه مطلقا أو يفصل بين الحقوق و غيرها بعدم وجوبه في غيرها و التفصيل فيها بينما إذا كان

الحق عقوبة كالقصاص في النفس و الطرف و حد القذف و السرقة و نحوها فالرجوع و الاستيفاء بإذنه أو بيده لكونه مظنة إثارة الفتنة و بين غيره كحق التحجير و حق الفسخ و حق القسمة و حق الشفعة و نحوها فلا يلزم وجوه أقربها أو المشهور منها الأخير، ثم انه ان امكنه أخذ المثل أو القيمة مع التساوي فهو و إلّا جاز أخذ الزائد أو الناقص مثلا أو قيمة ثم رد البقية، أو إتمام الناقص فيما بعد ذلك

التقصير و الحلق

مفهوم كل من اللفظين في اللغة بيّن و قد كثر استعمالهما في باب الحج في بعض مصاديق معناهما اللغوي بل الظاهر صيرورتهما فيه مصطلحا شرعيا و فقهيا مع قيود خاصة، فالتقصير عبارة عن قص شي ء من الظفر أو شي ء من شعر الرأس أو اللحية مثلا بقصد التقرب إلي اللّه تعالي مع حفظ سائر شروط العبادة من الإخلاص و نحوه، كما ان الحلق عبارة عن حلق الرأس بمقدار صدق ذلك كذلك، و كل منهما ركن في النسك التي جعل جزء منها من حج أو عمرة كما أن كلا منهما محلل عما حرّمه الإحرام كالتسليم في الصلاة المحلل عما حرّمه التكبير.

و بما ذكر يعلم انه قد رتب في الشرع علي كل منهما حكم تكليفي و هو الوجوب أو الاستحباب الضمني المتحقق في ضمن الحكم المتعلق بالمجموع، و وضعي و هو سببيته للتحليل عما حرّمه الإحرام، أما في العمرة فعن جميعه و أما في الحج فعن غير الطيب و النساء.

مصطلحات الفقه، ص: 157

ثم إنهما يختلفان في الحكم حسب اختلاف انتسابهما إلي النسكين العمرة و الحج، فالتقصير متعين في إحرام العمرة و لا يجزي فيه الحلق بل قد يكون الحلق فيه

محرما، و الحلق متعين في إحرام الحج و قد يجزي غيره أيضا في الجملة و لكل من العنوانين فروع ذكرها الأصحاب في المفصّلات فراجع.

التقليد

التقليد في اللغة جعل الشي ء علي العنق يقال قلّده السيف جعل حمالته علي عنقه، و قلّده القلادة جعلها في عنقه، و قلّده العمل جعله علي عهدته فكأنه جعله قلادة له، و قد يتعدي بفي فيكون بمعني تبعه و في المجمع التقليد في اصطلاح أهل العلم قبول قول الغير من غير دليل انتهي. و في المفردات قلدته عملا ألزمته انتهي.

و ذكر له في اصطلاح الفقهاء تعاريف أسدّها أنه عبارة عن إتيان العامي عملا استنادا إلي قول الفقيه، فكأنه جعل عهدته عليه من حيث المطلوبية و المبعوضية و الصحة و البطلان كالقلادة في العنق، و مقتضاه كون التقليد هو العمل، و عرّف أيضا بأنه أخذ فتوي الغير للعمل به أو أنه الالتزام بالعمل بفتوي الغير أو هو قبول قول الغير و نحوها.

ثم إنهم ذكروا ان التقليد أحد الطرق الثلاثة في وصول المكلف إلي أحكامه الشرعية الفرعية المعلوم له بالإجمال بين محتملات كثيرة، فإن المكلف المعتقد بالأصول إذا علم إجمالا بوجود أحكام إلزامية متوجهة إلي المكلف من ناحية الشارع يجب عليه امتثالها، حصل له بقضاء عقله أن عليه إما أن يجتهد بنفسه في تحصيلها، أو يأخذها ممن حصّلها و تمهّر فيها و هو التقليد أو يحتاط فيها بالإتيان بمحتملاتها، فالتقليد أحد الطرق التخييرية عند العقل.

و ذكروا أيضا أن هنا أمورا تتعلق بالتقليد و أمورا تتعلق بمن يجب عليه التقليد و أمورا تتعلق بمن يجب تقليده.

أما الأول فمنها انه لا تقليد في الأصول الاعتقادية، و لا في الضروريات من الأحكام

مصطلحات الفقه، ص: 158

الفرعية كوجوب الصلاة

و حرمة الزنا، و لا فيما تيقن به المكلف إذا لم يخطأ طريقه، و لا في مسائل أصول الفقه كحجية الظواهر و خبر الواحد و نحوهما، و لا في مسائل الصرف و النحو و غيرهما من المقدمات، و لا في الموضوعات العرفية للأحكام علي اختلاف في بعضها.

فمورد التقليد الفروع العملية من تكليف و وضع فيعم التكليف العارض لجميع حركاته و سكناته من الواجبات و المحرمات و المندوبات و المكروهات بل و المباحات إذا احتمل الإلزام فيها واقعا، و يعم جميع الأحكام الوضعية من صحة العبادات و العقود و الإيقاعات و بطلانها و كذا أجزائها و شروطها و موانعها و غير ذلك.

ثم إن الطريق إلي إحراز فتوي المجتهد ثلاثة أو أربعة: السماع منه شفاها، و إخبار العدل أو الثقة بذلك، و أخذه منه بوسيلة الكتابة، و وجدانه في رسالته المأمونة من الغلط.

و أما الثاني و هو المقلّد فقد ذكروا انه يجب التقليد وجوبا عينيا تعيينا توصليا علي كل إنسان كامل بالبلوغ و العقل، غير قادر علي الاجتهاد و الاحتياط، و لو قدر عليهما وجب ذلك تخييرا عقليا بين الطرق الثلاثة و لو قدر علي أحدهما وجب تخييرا بينهما.

و أما الثالث و هو المقلد فقد اشترطوا فيه أن يكون مجتهدا حيا، و الأحوط أن يكون مضافا إلي ذلك رجلا، بالغا، طيّب الولادة، مؤمنا، عادلا، حرا، أعلم من غيره أو مساويا له، و الأولي مع ذلك أن يكون أرجح من غيره في الورع و السياسة و نحوهما. فلا يجوز تقليد من لم يقدر علي الاستنباط، و لا تقليد الميت، بل إذا مات مجتهده بطلت حجية آرائه في حقه و وجب له الرجوع إلي الحي، فلو أجاز له البقاء

تمت حجيتها في غير مسألة البقاء، و ذكروا أن المراد بالأعلم، الأعرف بالقواعد الدخيلة في الاستنباط و الأبصر بالمدارك الأولية و الأجود استنباطا.

تنبيه: لا إشكال في أن مسألة التقليد و رجوع الجاهل إلي العالم أمر فطري عقلي عقلائي و لا مناص للجاهل بأيّ أمر ابتلي به و افتقر إلي علمه من الرجوع إلي العالم به، و عليه اتفاق علماء الفريقين أيضا فللبسطاء الذين لا طريق لهم إلي أحكام دينهم الرجوع إلي علمائهم فإنهم مهرة الفن.

مصطلحات الفقه، ص: 159

هذا و لكن في المسألة فرق بين مسلك التشيع و التسنن، فالشيعة تقول باشتراط الحياة في المفتي إلا في البقاء كما إذا قلد العامي فقيها حيّا فمات فإنه يجوز له البقاء علي تقليده بإذن الحي و هذا في الحقيقة تقليد للحي.

و أما علماء السنة فهم أنفسهم قد قلدوا الأئمة الأربعة الماضين في القرن الأول و الثاني من الهجرة و أرجعوا عوام المسلمين طرا إليهم، و هذا مع إنه إيجاب لتقليد الميت إلغاء لاجتهاد غير الأربعة و تنزيل لهم عن منصب الإفتاء و حصر للاستنباط طيلة التاريخ في أربعة مع عدم دليل من الكتاب و السنة علي هذا النصب و العزل، مع أن مرور الدهور و تبدل العصور له تأثيره الخاص في تغير الموضوعات و الأحكام و استفادة الحكم من الأدلة، و بالجملة فأهل السنة طرا مقلدون منذ موت الشافعي إلي يومنا هذا و فيما يأتي من الأعوام، مع أن فيهم طيلة هذه القرون من هو أعلم من أولئك الأئمة فيكون تقليدهم لهم في موارد توافق الفتاوي و تخالفها من رجوع العالم إلي العالم أو العالم إلي الجاهل و كلاهما باطلان.

التقية و الاتقاء و التقوي

التقية في اللغة مصدر بمعني التحفظ يقال تقي

يتقي من باب علم تحفّظ و اتقي يتقي اتقاء و تقية و تقوي، تحفظ و توقي، و التاء في التقوي مبدلة عن الواو، فالمصادر الثلاثة بمعني التحفظ و التوقي، فالتقية في الفقه مطلق التحفظ عن الضرر كان من غضب اللّه تعالي و سخطه، بامتثال أوامره و نواهيه، أو من الحرّ و البرد، بلبس ثوب و نحوه، أو من المرض، باستعمال دواء أو تناول غذاء.

و هي في الاصطلاح عبارة عن التحفظ عن العامة خوفا منهم علي نفسه أو ماله أو متعلقة، بالإتيان بما يوافق مذهبهم و إن كان محرما أو باطلا علي مذهبه أو كان لا يريد الإتيان به، قولا كان أو فعلا عباديا أو غير عبادي. فهي بمعناها الاصطلاحي قسم خاص من معناها اللغوي و هو مطلق الاضطرار إلي الفعل أو القول.

فتحقق ماهية التقية تتوقف علي أمور أربعة المتقي و هو المكلف، و ما به الاتقاء و هو

مصطلحات الفقه، ص: 160

القول أو الفعل الموافق لمسلك الغير غير الموافق لمذهبه، و المتقي عنه و هو الشخص أو الأشخاص الذين يخاف منهم، و المتقي منه و هو الضرر المخوف منه، و يحتمل شمول المعني الاصطلاحي للاتقاء عن الكافر إذا اضطر الإنسان إلي العمل علي وفق مذهبه بل هذا هو ظاهر الآية الشريفة. و يشمل ما به الاتقاء كل قول و فعل اقتضته الضرورة: كالتكلم بما يوافق معتقدهم، و الإفتاء لأهل ملتهم علي وفق مسلك أئمتهم، و الوضوء مع غسل الرجلين، أو المسح علي الحاجب، أو علي الخفين، أو الصلاة خلف الفاسق، أو متكتفا، أو مع التأمين بعد الفاتحة، أو الإتيان بصلاة المغرب مع غيبوبة الشمس، أو الإفطار قبل الغروب الحقيقي، أو الإتيان بحج الإفراد و القران مع

كون فرضه التمتع، أو الوقوف بعرفة يوم الثامن من ذي الحجة، و في المشعر ليلة التاسع منه، و الإتيان بأعمال يوم النحر يوم التاسع منه، أو شرب المسكر أو الخمر أو الحضور في مجلس شربهما، أو السماع للغناء و آلات الطرب و نحو ذلك.

هذا ما يتعلق بموضوعها و أما الحكم فقد ذكروا في ذلك أمورا منها: أن التقية تنقسم إلي واجبة و محرمة بل قالوا إنها تنقسم بانقسام الأحكام الخمسة فالواجبة منها ما يترتب الضرر علي تركها من قتل أو إتلاف مال و لم يترتب عليه عدا مصلحة طبع الفعل أو الترك كالاضطرار إلي شرب المسكر أو الصلاة في الميتة. و هذا نظير سائر موارد الاضطرار إلي ترك واجب أو فعل حرام.

و التقية المحرمة هي الاضطرار إلي قتل نفس محرمة فإن اللّه تعالي شرع التقية لحقن الدماء فإذا بلغت الدم فلا تقية. و كذا إذا كانت المصالح المترتبة علي الترك أقوي من الضرر المرتب عليه أو كانت المفاسد المترتبة علي العمل بها أقوي من ذلك الضرر كما إذا اضطر العالم الذي له مكانة في أعين الناس و منزله في قلوبهم إلي شرب الخمر بحيث لو شرب تجرّؤوا إلي شربه أو شكّوا في حرمته أو ترددوا في أصل المذهب مثلا، و لعل ترك التقية من بعض أصحاب الأئمة كان كذلك، كميثم التمار، و حجر بن عدي، و رشيد الهجري رضوان اللّه عليهم، و قد لا تكون المفسدة بهذه المثابة فتكون حينئذ راجحة و قد تكون مساوية أو

مصطلحات الفقه، ص: 161

مرجوحة و منه يعلم التقية المستحبة و المباحة و المكروهة.

و في رسالة التقية للشيخ الأعظم قدّس سرّه أن المستحب ما كان فيه التحرز عن معارض الضرر بأن

يكون تركه مفضيا إلي حصول الضرر كترك المداراة مع العامة و هجرهم في المباشرة في بلادهم، فإنه ينجرّ غالبا إلي حصول المباينة الموجب لتضرره منهم، و ظاهره فرض القطع بحصول الضرر فيما يأتي، كما ان ظاهره جواز ارتكاب الحرام حينئذ كذلك.

و منها أنه ما هو المرفوع بعروض عنوان التقية علي الفعل؟ فإنهم ذكروا ان هنا أمورا قابلة للرفع:

الأول: الأحكام التي يكون الفعل أو الترك المتقي به متعلقا لهما كالحرمة المتعلقة بشرب المسكر و الوجوب المتعلق بقراءة السورة بعد الحمد في الصلاة.

الثاني: الأحكام التي يكون الفعل أو الترك موضوعا له كوجوب الحد المترتب علي شرب الخمر و المسكر، و وجوب الكفارة المترتب علي الإفطار قبل الغروب، و الظاهر أنه لا إشكال في ارتفاع كلا القسمين من الحكم مع الاضطرار لعموم أدلة الاضطرار المطلق و خصوص أدلة التقية.

الثالث: الجزئية و الشرطية و المانعية و القاطعية و نحوها فيما إذا تعلقت التقية بمركب عبادي ذي قيود كالصلاة فاضطر إلي الإخلال بأجزائها و قيودها، فمن ذاهب إلي عدم ارتفاع شي ء من تلك الأمور بالتقية بدليل أنه لا يعقل الاضطرار بالعبادة فإنها عبارة عن أفعال مشروطة بنية التقرب، فلها صورة هي الأفعال و مادة هي النية، و الاضطرار متعلق بصورتها فقط فللمتقي الإتيان بالصورة بدون النية و يدفع الضرر فتبقي العبادة علي ذمته فيعيدها أو يقضيها، و عليه فليس له قصد التقرب بما أتي لكونه حينئذ تشريعا محرما مع علمه بعدم كونه عبادة مطلوبة فيجب علي المتقي صورة الوضوء مع غسل الرجلين و صور الصلاة بعده و ليس له نية التقرب بهما، و لا حرمة لتفويت الواقع إذا اضطر إليه، و لا بد لهذا القائل أن يحمل أدلة الأمر بالعبادة

تقية علي إتيان الصورة إذ هي التي يتعلق بها الاضطرار، و هؤلاء هم القائلون ببطلان العبادة تقية إذا خالفت واقعها. و من ذاهب إلي

مصطلحات الفقه، ص: 162

ارتفاع الجزئية و الشرطية و نحوهما بالتقية كما في سائر موارد الاضطرار فيبقي أصل العمل علي مطلوبيّته بل يكون العمل الخاص الذي هو مورد التقية بدلا عن الواقع لان ذلك هو المستفاد من أدلة التقية.

تنبيهان: الأول أن الأصحاب استثنوا من وجوب التقية موارد:

أولها: التقية في قتل النفس فلا يجوز قتل النفس المحترمة حفظا لنفسه أو ماله فإنه قد صرح في النصوص بأن التقية إنما شرعت ليحقن بها الدم فإذا بلغت الدم فلا تقية.

ثانيها: إذا لم يترتب علي تركها إلّا ضرر يسير و هذا خروج موضوعي.

ثالثها: المسح علي الخفين و شرب المسكر و متعة الحج، و الظاهر اختصاص ذلك بالمعصوم، فإن في صحيح زرارة ثلاثة لا أتقي فيهن من أحد و لذا استفاد زرارة أيضا من عبارة الإمام اختصاص ذلك به عليه السلام فلو خاف أحد علي نفسه وجبت عليه التقية فيها.

رابعها: التبري عن مولانا أمير المؤمنين علي عليه السلام لما ورد من أنه يجب مد العنق حينئذ للسيف و ترك التبري، لكن الظاهر كما عرفت جواز ترك التقية حينئذ لا وجوبه.

التنبيه الثاني: ذكروا أن أدلة التقية علي قسمين الأول- ما دل علي حكم مطلق الاضطرار، كان للتحفظ عن الحوادث التكوينية أو عن الكفار أو عن العامة، نظير قوله تعالي (وَ لٰا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَي التَّهْلُكَةِ) و قوله تعالي (وَ لٰا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) و قوله لا ضرر و لا ضرار و قوله رفع عن أمتي ما اضطروا إليه و قوله لا شي ء مما حرمه اللّه إلّا و قد أحله اللّه

عند الاضطرار.

و الثاني- ما دل علي خصوص التقية عن العامة كقوله التقية ديني، و قوله لا دين لمن لا تقية له، و قوله أي شي ء أقر لعيني من التقية إن التقية جنة المؤمن، و قوله التقية ترس المؤمن، و حرز المؤمن، و لا إيمان لمن لا تقية له، و قوله اتقوا علي دينكم و احجبوه بالتقية، و قوله من لم تكن له تقية وضعه اللّه، و قوله ما عبد اللّه بشي ء أحب إليه من الخبإ قلت و ما الخبإ قال التقية، و قوله التقية في كل شي ء يضطر إليه ابن آدم فقد أحلّه اللّه.

مصطلحات الفقه، ص: 163

التكبير

التكبير في اللغة جعل الشي ء كبيرا تكوينا أو إنشاء بالحمد و الثناء و نحو ذلك، و التكبير التكلم بكلمة اللّه أكبر، قال في المفردات و أكبرت الشي ء رأيته كبيرا قال تعالي (فَلَمّٰا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ) و التكبير يقال لذلك و لتعظيم اللّه تعالي بقول اللّه أكبر و بعبادته و استشعار تعظيمه، و علي ذلك و لتكبروا اللّه علي ما هداكم، و كبره تكبيرا انتهي.

و في النهاية الأثيرية: و في حديث الأذان اللّه أكبر معناه الكبير فوضع أفعل موضع فعيل، و قيل معناه أكبر من كل شي ء أي أعظم فحذف من لوضوح معناه، و قيل معناه أكبر من أن يعرف كبرياؤه و عظمته، وراء أكبر في الأذان و الصلاة ساكنة لا تضم للموقف فإذا وصل بكلمة ضم انتهي.

و التكبير بعنوانه المطلق في اصطلاح الشرع و المتشرعة شائع في التلفظ بكلمة اللّه أكبر، كما أن تكبيرة الإحرام شائع في خصوص ما يفتتح به الصلاة مطلقا، و يطلق عليها تكبيرة الافتتاح أيضا، و هي جزء ركني من كل صلاة واجبة و مندوبة

فإنها أولها و أول الشي ء من الشي ء، و ليست كتكبيرة الركوع و السجود مندوبة، و هي التي بها تتحقق حرمة ما كان حراما في الصلاة من التكلم و الأكل و الشرب و غيرها، نظيرة التلبية بإحرام الحج أو العمرة في توجه خطاب محرمات الإحرام بها، فالدخول في الصلاة يتحقق بالشروع فيها و حرمة محرماتها لا تتحقق إلا بعد تمامها لأنها السبب في تحريمها و لا يتحقق المسبب إلا بعد تمام سببه و ذلك لقوله صلّي اللّه عليه و آله: افتتاح الصلاة الوضوء و تحريمها التكبير و تحليلها التسليم.

و في كونها ركنا في الصلاة خلاف، فمقتضي كون تركها مبطلا عمدا و سهوا أنها ركن و مقتضي كون زيادتها غير مبطل مع النسيان أنها غير ركن، و صورة تكبيرة الإحرام- اللّه أكبر- و هي الصورة المسلمة عند جميع أصحابنا، بل و عند فقهاء الإسلام، و المتعارفة المعهودة بين المسلمين، و المستفادة من السيرة القطعية المتصلة بعصر المعصومين و صاحب الشريعة الإسلامية، و هي الصورة الاختيارية منها و قد ذكروا أن لها مصاديق اضطرارية، منها ترجمتها بكل لسان لا يقدر أهله علي الاختيارية و منها ما تكلم به

مصطلحات الفقه، ص: 164

الأخرس بما استطاع من لفظه و جري به لسانه و منها إشارة المصلي إليها باليد و نحوها إذا لم يقدر علي غيرها، و يكفي كل منها في مورده عن الاختيارية.

التكفير- التكتف

معني الكلمتين في اللغة بيّن و هو وضع اليدين علي الصدر في مقابل الغير و التطامن له تعظيما، و لا حقيقة شرعية لهما في الفقه، و قد عبر بعض الأصحاب بوضع اليمين علي الشمال، و كيف كان فالظاهر أن فقهاءنا أرادوا بهما في الفقه وضع أحدي اليدين علي

الأخري علي النحو الذي يصنعه العامة في صلاتهم تأدبا للّه تعالي، ثم اختلفوا في حكم العمل الشامل له فذهب بعضهم إلي حرمته من جهة ورود النهي عنه و كذا في بطلان الصلاة به لأن الصلاة بنفسها و أجزائها و شرائطها و جميع شؤونها عبادة توقيفية تحتاج إلي دليل، و ذهب آخرون إلي عدم الحرمة و عدم بطلان الصلاة به لضعف نصوص الباب سندا أو دلالة مع أنه أمر خارج عن الصلاة.

و المنقول عن العامة استحبابه و كونه فعلا صلاتيا لأنه قد حكي عن الخليفة الثاني أنه لما جي ء بأساري العجم كفّروا أمامه فسأل عن ذلك فأجابوه بانا نستعمله خضوعا و تواضعا لملوكنا، فاستحسن فعله مع اللّه تعالي في الصلاة، و في الجواهر أنه غفل عن قبح التشبيه بالمجوس في الشريعة، مع أنه لا يعرف كيفية خدمة الملوك إلا وزرائه انتهي. ثم إنهم أشاروا في المقام إلي أنه لا إشكال في جوازه تقية بل و إلي انه لو تركه معها أشكلت صحة الصلاة بدونه.

التلبية

التلبية لغة مصدر من لبي تلبية الرجل أجابه و قال له لبيك، فهي كالتهليل من لا إله إلا اللّه، و لبيك مصدر من لبّ و ألبّ بمعني أقام بالمكان ثني للتكرار و حذف نونه للإضافة إلي كاف الخطاب، و حذف فعله و أقيم مقامه فالأصل ألب لك لبيك فوضع لبيك موضع الجميع و أريد به أقيم بخدمتك اقامة بعد اقامة، و قد استعملت الكلمة في اصطلاح الشرع

مصطلحات الفقه، ص: 165

و المتشرعة أيضا في معناها لغة و أريد بها في باب الحج معني أخص، فالتلبية الاصطلاحية عبارة عن ألفاظ خاصة عبادية مشروطة بنية التقرب و سائر شروط العبادة ينشأ بها و بالنية إحرام

العمرة و الحج و صورتها المنصوصة في الشريعة كلام شامل لأربع تلبيات، تقول: لبيك اللهم لبّيك لبّيك لا شريك لك لبيك، و يجب الإتيان بها عربية صحيحة و لو بتلقين الغير، و تصح الترجمة بأية لغة كانت مع عدم التمكن، و الأخرس يشير إليها باللسان و الإصبع و لا ينعقد إحرام غير القران إلا بها و يتخير القارن بينها و بين الاشعار و التقليد فاحرامه ينعقد بأحد الأمور الثلاثة.

تلقي الركبان

التلقّي في اللغة الاستقبال يقال لقي الشي ء و تلقّاه استقبله و التلقي القبول يقال تلقيت الكلام أخذته و قبلته، و الركبان جمع راكب، و في المجمع نهي عن تلقي الركبان و هي أن يستقبل الحضري البدوي قبل وصوله إلي البلد انتهي.

و كيف كان فقد ذكر تلقي الركبان في نصوصنا و وقع البحث عنه في الفقه و ذكر الأصحاب أن المراد بالتلقي فيه خروج الحضري إلي استقبال قاصدي البلد بالأموال التجارية فيما دون أربعة فراسخ بقصد الشراء منهم بأرخص من قيمة البلد أو البيع منهم بأغلي منها مع جهلهم بقيمة البلد، فهناك شروط: كون الخروج للتجارة و السفر أقل من المسافة الشرعية و إلا كان سفرا تجاريا، و كون الركب غير عارفين بالقيمة، فحكم المشهور حينئذ بكراهة التلقي بل قد يدعي الإجماع عليها و نقل من بعض الأصحاب القول بالحرمة أيضا و هو شاذ، و قد علل ذلك تارة بأنه نوع حرص علي الدنيا و أخري بأنه ربما أخبرهم بكساد ما معهم من السلعة كذبا ليشتري بالوكس، و ثالثة بأنه ربما أخبرهم بقيمة البلد فيبيعون بأغلي مما قصدوا مع إنه ينبغي أن يدع الناس يرزق بعضهم ببعض و رابعة بنصوص وردت في الباب.

ثم إنهم ذكروا كراهة شراء

ما يتلقي ممن اشتراه من الركب و من ترتبت يده عليه و إن ترامي، و أما ثبوت الخيار للركب فهو يكون مع جهلهم بالقيمة و غبنهم في المعاملة

مصطلحات الفقه، ص: 166

التلقيح

اللقح بالفتح و التلقيح وضع نطفة الذكور في الإناث لتوليد المثل، كان في النبات أو الحيوان أو الإنسان، يقال لقح النخل و لقحها بالتخفيف و التشديد وضع طلع الذكور في الإناث، و لقح الذكر الأنثي ألقي النطفة فيها فأحبلها.

و قد استعمل اللفظ في العصور الأخيرة في أخذ ماء الرجل بآلة خاصة و تلقيحه في المرأة، و قد وقع مورد البحث في الفقه و يتضح موضوعا و حكما بذكر بعض فروع المسألة.

نظير انه لو أخذ نطفة الرجل و ألقحت بزوجته و هذا لا إشكال فيه من حيث أصل العمل إذا كان التصدي محللا كما إذا باشره نفس الرجل أو من محارم المرأة و لا من حيث انتساب الولد الحاصل إلي أبويه، و لو فرض وقوع التصدي له علي نحو محرم، ككون الملقح أجنبيا كان نفس العمل حراما و لا يضر بالنسب و كون الولد لهما.

و لو كان التلقيح بأخذ ماء الرجل و تزريقه بالمرأة الأجنبية فالمذكور في كلماتهم حرمة العمل سواء رضيا بذلك أم لا و كانت المرأة خلّية أو ذات زوج و كانت من محارمه أو من الأجانب، و أما لحوق الولد بصاحب النطفة فينبغي أن يقال إن الحق لحوقه به و كونه ولدا لهما حقيقة فيترتب عليه جميع أحكام النسب من التوارث و غيره كانت خلية أو ذات بعل مع العلم بكون الولد من تلك النطفة.

ثم انه لو انكشف بمرور العصور وجود منافع طبّية و غيرها في نطفة الرجل و قلنا بجواز بيعها

لذلك و لو كانت نجسة فاشتراها شخص أو اشتراها بنك النطفة و باعها من شخص، فلقّحها المشتري في امرأة، أو اشترتها امرأة فلحقتها في رحمها فحملت فالحكم بحرمة العمل اي الاشتراء و التلقيح مشكل، و كذا تبعية الولد لصاحب النطفة مع جهل صاحبها و انقطاع رابطته عنها بالكلية بانتقالها إلي المشتري و تملكه لها، إذا فيدور أمر الولد بين أن يحكم بكونه ولدا لصاحبها الواقعي كاللقيط و نحوه، أو يقال بكونه مولودا بغير أب نظير ما لو اتفق تكوّن مادة حيّة إسپرية في رحم المرأة و مادة أولية فتكون منهما ولد بان حملت و ولدت فإن الولد حينئذ لا أب له و له أم و هذا ممكن كما ادعاه أهل الفن.

مصطلحات الفقه، ص: 167

لكن القول بهذا حتي فيما لو كان صاحب النطفة المبيعة معلوما فيحكم بكونه أجنبيا عن الولد لو كان أنثي فيحرم له النظر إليها أو يجوز له تزويجها و كذا مسألة التوارث بينهما مشكل.

و من فروع البحث أنه لو أخذت نطفة امرأة وليدة و ألقحت في رحم امرأة عقيمة فواقعها زوجها فحملت من تركب نطفة الرجل و المرأة الوليدة في رحم العقيمة فالظاهر أن الحكم بحرمة أصل العمل ما لم يستلزم محرما آخر مشكل بل لا يبعد عدمها، و أما نسب الولد فلا إشكال في كونه ولدا للرجل و أما الأم فكون ذات الرحم اما له أقرب من صاحبة النطفة و يمكن كون كلتيهما أما له فالأحوط لزوما رعاية الاحتياط بالنسبة لكلتا المرأتين و كذا مسألة التوارث و إن كانت أمية ذات الرحم أقرب.

و قد ذكروا في المقام فروضا كثيرة كتلقيح نطفة الإنسان في غير الإنسان من الحيوانات، و عكس ذلك إذا اتفق

الولادة، أو أخذ النطفة من النبات و ألقحت في المرأة، أو من الرجل و وضعت في آلات خاصة حتي نمت فصارت جنين إنسان، و غير ذلك مما لا بهم الاشتغال به فعلا و لو اتفق تحققها في المستقبل فباب التحقيق واسع.

التمتع و المتعة

التمتع في اللغة الانتفاع و الالتذاذ يقال تمتع و استمتع بكذا انتفع و تلذذ به، و المتعة بالضم و الكسر اسم للتمتع و لما يتمتع به من الطعام و غيره، و في المجمع التمتع في الحج مناسك معروفة مذكورة في محالّها، و قد جمعها قول من قال

اطرست للعمرة اجعل نهج اوو ارنحط رس طر مر لحج

و التمتع أصله التلذّذ، و سمّي هذا النوع به لما يتخلل بين عمرته و حجّه من التحلل الموجب لجواز الانتفاع و التلذذ بما كان قد حرّمه الإحرام، مع ارتباط عمرته بحجّه حتي أنهما كالشي ء الواحد شرعا، فإذا حصل بينهما ذلك فكأنه حصل في الحج، و المتعة بالضم فالسكون اسم من تمتعت بكذا أي انتفعت و منه متعة النكاح و متعة الطلاق و متعة المج انتهي.

أقول: استعمال كلمة التمتع مطلقة و بدون إضافة الحج أو العمرة إليها قليل، و أما

مصطلحات الفقه، ص: 168

استعمالها معها فالظاهر ثبوت وضعها في مصطلح الشرع و المتشرّعة لمجموع العملين أعني عمرة التمتع و حجّه، بحيث إذا طلقت كانت ظاهرة فيه و إن كثر استعمالها في خصوص حج التمتع في مقابل عمرته أو في مقابل حج القران و الافراد.

و كيف كان فمجموع العبادتين أعني عمرة التمتع و حجه مما أنشأه الشارع و اخترعه و تعبد به الناس، و له أحكام كثيرة في الشرع و أبحاث واسعة في الفقه قد ذكرنا ما يتعلق بالحج منها تحت عنوانه،

و ما يتعلق بالعمرة تحت عنوانها، و هما عبارة واحدة من جهة و عبادتان مستقلتان من أخري.

أما الأول فلاتحادهما في شرائط الاستطاعة، و اشتراط إتيانهما في سنة واحدة، فوجوب كل مشروط بوجوب الأخري، و صحة كل مشروطة بصحة الأخري، كما انهما قد شرعتا في أول الأمر في حجة الوداع بتشريع واحد.

و أما الثاني فلو وقع الفصل بينهما بالتحليل و خروج المحرم بتقصير العمرة عن حال الإحرام و حليّة المحرمات له حتي الصيد الإحرامي و النساء قال تعالي (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَي الْحَجِّ) أي انتفع و تلذذ مما أباحه اللّه بسبب إحلال العمرة قاصدا إلي إحرام الحج.

ثم انا قد أشرنا في عنوان الحج إلي أن النبي صلّي اللّه عليه و آله قد شرعها في حجة الوداع بتبديل حج من أفرد من أصحابه إلي عمرة التمتع و حجه، و قد ورد في نصوص صحاح أن النبي صلّي اللّه عليه و آله أقام بالمدينة عشر سنين لم يحج حتي نزل وَ أَذِّنْ فِي النّٰاسِ بِالْحَجِّ، فأمر المؤذنين أن يؤذنوا أن رسول اللّه (ص) يحج من عامه هذا، فحضر أهل المدينة و العوالي و الأعراب، ينتظرون ما يؤمرون به فيصنعون، فخرج رسول اللّه (ص) في أربع بقين من ذي القعدة فلما انتهي إلي ذي الحليفة اغتسل فصلي الظهر في المسجد فخرج إلي البيداء فصفّ الناس له فلبي بالحج، و ساق ستا و ستين بدنة حتي انتهي إلي مكة في أربع من ذي الحجة، فطاف و صلي ركعتين ثم نزل (إِنَّ الصَّفٰا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعٰائِرِ اللّٰهِ) و كان يظن المسلمون ان السعي مما صنعه المشركون فصعد الصفا و انحدر إلي المروة حتي فرغ من سعيه، ثم أتي جبرئيل عليه

السلام و هو علي المروة فأمره أن يأمر الناس أن يحلّوا إلا سائق هدي، ثم أقبل علي الناس و قال إن هذا جبرئيل

مصطلحات الفقه، ص: 169

يأمرني أن آمر من لم يسق هديا أن يحل، فقال له رجل من القوم لنخرجن حجاجا و شعورنا تقطر، فقال له رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله أما إنك لن تؤمن بهذا أبدا، فقيل له يا رسول اللّه إن هذا الذي أمرتنا لعامنا هذا؟ قال بل هو للأبد إلي يوم القيامة ثم شبك أصابعه بعضها إلي بعض و قال دخلت العمرة في الحج إلي يوم القيامة راجع (وسائل الشيعة، أبواب أقسام الحج ب 2، ح 4 و 13) و بالجملة يظهر من النصوص أن التمتع بعمرته و حجه قد شرع في عام واحد، و أن بينهما فصل التحليل و التمتع، و ان بدء تشريعه كان بتبديل الإفراد إليه، و أن أول زمان التشريع في حجة الوداع، و أنه ليس للقارن تبديل حجة إلي التمتع، و ان النبي الأقدس لم يأت بالتمتع في عمرة الشريف و أن بعض أصحابه قد خالف تشريعه من البدء، و انه كان ذلك لاستبعاده أو عدم قبوله إباحة المواقعة في أيام الحج أو في مكة، و هذا الحج هو أحد المتعتين اللتين ثبت تحريم الخليفة الثاني لهما، و الأخري متعة النساء أعني النكاح الموقت، فقد رووا انه قال: متعتان كانتا حلالين في عهد الرسول و أنا أحرمهما و أعاقب عليهما و إلي هذا التحريم أشار النبي صلّي اللّه عليه و آله فيما نقلنا من الصحيح، ثم ان ما ذكرنا راجع إلي معني حج التمتع عند إطلاقه، و أما عمرة التمتع فهي مصطلحة في خصوص أحد

جزئي حج التمتع كما عرفت و إليه أشار بقوله (اطرست للعمرة اجعل نهج) و التفصيل تحت عنوان العمرة.

و أما تمتع النساء و متعتها فراجع عنوان المتعة، و أما متعة الطلاق فهي مذكورة تحت عنوان الطلاق.

التمر

التمر في اللغة هو اليابس من ثمر النخل كالزبيب من الكرم و هو معروف بين الناس و الواحدة تمرة و الجمع تمرات و تمور، و يراد بجمعه أصناف التمر لأن اسم الجنس الذي هو التمر لا يجمع في الحقيقة.

و ليس للفظ اصطلاح خاص في الشرع و هو قد وقع في الشريعة موضوعا للأحكام

مصطلحات الفقه، ص: 170

و في الفقه موردا للبحث و الكلام، فذكروا انه أحد الغلات الأربع التي شرع النبي الأعظم صلّي اللّه عليه و آله عليه الضريبة المالية و سماها الزكاة، فأوجب إخراج العشر منه إذا سقي سيحا، و نصف العشر إذا سقي باليد، و ذكروا لتعلق الوجوب شروطا عامة و هي شرائط التكليف الأربعة الجارية في جميع التكاليف، و شروطا خاصة كملكية المالك له قبل وقت تعلق الوجوب أعني قبل بدو الصلاح و هو اصفراره أو احمراره، و بلوغه النصاب و غيرهما مما ذكرناه تحت عنوان الزكاة.

و من أحكامه أيضا كونه أحد الغلات الأربع الملحوظة في زكاة الفطرة فيجوز إخراجه بعنوان هذه الزكاة، و إن لم يكن من القوت الغالب للمكلف فراجع عنوان الفطرة و الزكاة.

التنجيز و التعليق- و المنجّز

التنجيز في اللغة التعجيل في الأمر و تثبيته، و التعليق جعل الشي ء معلقا علي آخر، و قد وقع البحث عنهما في الفقه في أبواب العقود و الإيقاعات، و ذكروا أنه يشترط في الجميع التنجيز، و انه يبطلها التعليق، و المراد بهذا الشرط انه يعتبر إنشاء المقصود في العقود و الإيقاعات بنحو البتّ و الجزم لا معلقا علي شي ء بأداة الشرط أو بغيرها، فلو قال بعتك الدار إن أذن لي أبي أو في صورة مجي ء المسافر الفلاني بطل، و كذا غير البيع.

ثم إن الأصحاب ذكروا أن المعلق عليه

في البيع و نحوه أما أن يكون أمرا معلوم التحقق، كقوله بعتك ان كان اليوم يوم الجمعة أو محتمل التحقق، و علي التقديرين أما أن يكون حاليا أو استقباليا، و علي التقادير أما ان يكون مما يتوقف عليه العقد في الواقع كتعليقه ببعض شروط المتعاقدين أو العوضين، أو لا يتوقف، و للأصحاب في صور المسألة اختلاف فراجع.

ثم إنهم اختلفوا في أمرين أحدهما ان القادح في المقام هل هو تعليق المنشأ بأمر استقبالي و لو كان معلوم التحقق كقوله بعتك ان جاء آخر الشهر، أو بأمر مجهول التحقق و لو كان فعليا كقوله بعتك الدابة ان كان حملها ذكرا، قال بكل منهما قائل، ثانيهما ان

مصطلحات الفقه، ص: 171

الدليل علي هذا الشرط هل هو الإجماع المدعي أو ان التعليق ينافي الجزم و الرضا المشروط في التجارة، أو ان الوجه فيه عدم قابلية الإنشاء للتعليق فقال بكل منها قائل و الكلام موكول إلي محله.

ثم اعلم انه قد كثر استعمال المنجز في الفقه في باب الحجر في تصرفات المريض في أمواله بحيث صار اصطلاحا خاصا في ذلك الباب و سموه منجزات المريض، و عرفوه تارة بأنه كل تصرف يكون سببا لإزالة ملك المريض عن عين أو مال بلا عوض بحيث لولاه جري فيه الإرث، و أخري بأنه التمليك أو الفكّ أو الإبراء المتعلق بالمال أو الحق تبرعا، و علي أيّ يدخل تحته الهبة، و الصدقة، و الوقف، و البيع المحاباتي، و الإجارة كذلك، و إبراء الدين، و بذل حق التحجير، و حق الشفعة و نحوها، فيطلق علي الجميع التصرف المنجّز و ذكروا انه ليس من ذلك التسبيبات حال المرض كإتلاف مال الغير، و الجناية علي عبده، و عمل ما

يوجب الكفارة فإنها تكون سببا لاشتغال ذمة المريض و دينا عليه.

و كيف كان فقد اختلفوا في انه هل يحكم بلزوم ذلك التصرف، بحيث إذا مات المريض أخرج متعلقة من صلب المال أو لا يحكم بذلك فيكون بحكم الوصية، و الأول منسوب إلي المشهور بين المتقدمين بل عن بعضهم دعوي الإجماع عليه لقاعدة السلطنة و عموم الوفاء بالعقود، و الثاني منسوب إلي المشهور بين المتأخرين و استدلوا عليه بنصوص فراجع.

التنجيم

اشارة

النجم في اللغة مصدر بمعني الظهور و اسم بمعني الكوكب و النجوم أيضا مصدر مرادف للظهور و جمع كالقلوب فالنجم مصدر و اسم و النجوم مصدر و جمع.

و التنجيم في اللغة رعاية النجم و مراقبتها للعلم بأحوال العالم و التنجيم الحكم بالنجوم.

هذا بحسب اللغة.

و أما في اصطلاح الفقهاء فقد اختلف تعاريفهم له، و الأولي أن يقال أن التنجيم عبارة عن استخراج أحوال النجوم و الأجرام العلوية، و استنباط الأوضاع الفلكية، لكشف

مصطلحات الفقه، ص: 172

الحوادث السفلية و الوقائع الأرضية منها، و الغاية من ذلك اما الإخبار عن نفس الدال الكاشف أو الإخبار عن المدلول المنكشف مستندا إليه و الثاني قد يكون بدون اعتقاد الربط التكويني بينهما، و قد يكون مع الاعتقاد بذلك، و هذا التعريف نظير تعريف الفقه بأنه استخراج الأحكام الفرعية لغاية الإفتاء بها، هذا و قد يظهر من بعض الأصحاب ان حقيقة التنجيم هي الإخبار عن الحوادث السفلية مستندا إلي العلويات و هذا يباين التعريف الأول، و كيف كان فهنا أمور وقع البحث عن جوازها و حرمتها تكليفا و سببيتها للكفر و استحقاق القتل وضعا. بل و إطلاق عنوان التنجيم عليها و عدمه.

الأول: أخبار الشخص عن الأوضاع الفلكية من سير الكواكب و تقارنها و محالّ

البروج الاثني عشر و حركاتها، و دخول الأعوام و السنين الشمسية و القمرية و خروجها، و منها الإخبار عن الكسوف و الخسوف و نحوهما، و هذا من دون القول بالارتباط بينها و بين الحوادث الأرضية و هذا من نتائج التنجيم علي التعريف الأول و خارج عنه بالكلية علي التعريف الثاني و الظاهر انه لا إشكال في جوازه سواء أخبر عن علم أو ظن.

الثاني: إخبار الشخص عن الحوادث الأرضية الحالية أو الاستقبالية مستندا إلي الأوضاع العلوية و الأجرام الفلكية، من دون اعتقاد بالربط بينهما بل لتجربة محصلة أو منقولة مؤدية إلي أن اللّه تعالي يوقع تلك الحوادث بإرادته النافذة عند الوضع الكذائي الفلكي، و هذا من مسائل التنجيم علي الثاني، و الظاهر أنه ليس بحرام و قد يمثل له بنزول الأمطار و عدمه أو غلاء الأسعار أو رخصها.

الثالث: إخبار الشخص عن الحوادث السفلية مستندا إلي الأوضاع العلوية و الأحوال الفلكية معتقدا بالربط بينهما تكوينا و هذا يتصور علي وجوه:

منها: أن يرجع الاعتقاد بذلك إلي إنكار الصانع جل ذكره و كون المؤثر في جميع حوادث هذه الكرة الأوضاع الفلكية، فهي الفاعلة بالاستقلال و المؤثرة بنفسها في السفليات من غير دخل شي ء في ذلك و هذا تنجيم علي الثاني و الاعتقاد بذلك كفر، و لو شاركها مع اللّه تعالي فهو شرك.

مصطلحات الفقه، ص: 173

و منها: ان يرجع ذلك إلي أن اللّه تعالي بعد خلق الأجرام العلوية و السفلية و جعل العلويات و الحركات الفلكية مؤثرة بنحو العلة التامة في الحوادث السفلية، قد عطل نفسه عن التصرف بالكلية فاستقلت العلل في التأثير في المعاليل بإرادة منها استقلالية و هذا أيضا تنجيم نسبت للكفر و الاعتقاد به أيضا كفر.

و منها:

أن يرجع ذلك إلي كون الأجرام الفلكية مريدة فاعله مؤثرة في الحوادث السفلية بإرادة هي عين إرادة اللّه تعالي، فالمريد بالأصالة هو اللّه تعالي و هي مريدة غير مختارة كما قيل ذلك بالنسبة لتصرفات الملائكة في عالم الدنيا، و الظاهر ان هذا أيضا كسابقه لدلالة الضرورة علي انه لا واسطة كذلك بين حوادث العالم السفلي و بين إرادة اللّه تعالي، و لو لزم القول بذلك في الجملة بواسطة ما ورد من أنه أبي اللّه ان يجري الأمور إلّا بأسبابها، كانت الواسطة الملائكة المدبرات أمرا و المقسمات أمرا.

و منها: أن يرجع ذلك إلي كون الحوادث السفلية معلولة للأوضاع الفلكية بعليّة تامة إلّا أن العلة بمنزلة الآلة الجمادية لإرادة اللّه تعالي كالقلم بيد الكاتب و هذا تنجيم باطل قطعا و إن لم يكن الاعتقاد به كفرا لكونه مخالفا لظواهر الكتاب و السنة بل و يمكن انتهاؤه إلي إنكار بعض الضروريات.

تنبيه:

يظهر من نصوص الباب أنه كان اعتقاد أهل النجوم في عصر صدور النصوص تأثير الأجرام الفلكية في الحوادث الأرضية بمعني دلالتها علي ذلك في بعضها و تأثيرها فيها في بعضها الآخر و كان العلم بذلك يسمي علم النجوم و كان الغرض من تعلمه و تعليمه الاهتداء إلي الخير و الضر و الإقدام علي العلاج في جلب الخير و دفع الشر، كما يظهر منها أيضا أن أصل النجوم أعني التأثير الثبوتي و الإثباتي حق لكنه لا يمكن للناس معرفته لسعة دائرته، و العلم بشي ء من الكل غير نافع و قد عرفت حكم تحصيله و الاعتقاد به و الإخبار عنه.

مصطلحات الفقه، ص: 174

التوبة و الاستغفار

التوب و التوبة و المتاب في اللغة مصادر بمعني الرجوع، يقال تاب إلي اللّه تعالي رجع إليه عن معصيته و في المجمع التوب و التوبة الرجوع من الذنوب و في اصطلاح أهل العلم الندم علي الذنب لكونه ذنبا و في الحديث الندم توبة انتهي. و في المفردات التوب ترك الذنب علي أجمل وجوه الاعتذار فان الاعتذار علي ثلاثة أوجه إما أن يقول المعتذر لم أفعل، أو يقول فعلت لأجل كذا، أو فعلت و أسأت و قد قلعت و لا رابع لذلك، و هذا الأخير هو التوبة، و التوبة في الشرع ترك الذنب لقبحه و الندم علي ما فرط منه، و العزيمة علي ترك المعاودة و تدارك ما أمكنه أن يتدارك من الأعمال بالإعادة، فمتي اجتمعت هذه الأربع فقد كمل شرائط التوبة. و التائب يقال لباذل التوبة و لقابل التوبة فالعبد تائب إلي اللّه و اللّه تائب علي عبده انتهي. و الاستغفار طلب الغفران، ثم أنه ليس للتوبة معني اصطلاحي في الشرع و الفقه، و

قد وقعت بمعناها اللغوي موردا للحكم في الشريعة و محلا للبحث في الفقه، و الظاهر ان المراد بها هو الندم قلبا سواء قارن الاستغفار لفظا أم لا، مع اعتبار كونه لأجل إدراكه قبح عصيان اللّه و مخالفته، لا الندم لأجل أمور أخر، كما في قوله تعالي (فَأَصْبَحَ مِنَ النّٰادِمِينَ) و قد يقال ان التوبة الإقلاع من الذنب قلبا و الاستغفار طلب الغفران لسانا.

و كيف كان فالحكم المترتب علي التوبة هو الوجوب، فلا إشكال و لا خلاف في وجوبها علي من صدر عنه المعصية، بل و فوريتها بمجرد ذلك، بل ذكروا انها تجب فورا ففورا، و معناه تعلق الطلب بها علي نحوه تعدد المطلوب، كبعض الواجبات العبادية و غيرها، نظير صلاة الآيات، و ازالة النجاسة عن المساجد، و المشاهد المشرفة إذا استلزم الهتك مهما بقيت، و أداء الدين الحال مع طلب صاحبه و نحوها، و لأجل ذلك ذكروا انه لو ارتكب أحد المعصية و أخّر توبتها تحقق عنوان الإصرار.

التيمم

يممه في اللغة قصده و تيمم الأمر توخاه و تعمده، و تيمم المريض مسح وجهه و يديه بالتراب، و تيمم للصلاة فعل ذلك لصلاته، و في المجمع قوله تعالي (فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً) أي اقصدوا الصعيد الطيب يقال يممته إذا قصدته، ثم كثر استعمالهم هذه اللفظة حتي

مصطلحات الفقه، ص: 175

صار التيمم مسح الجبهة و اليدين بالتراب فالتيمم في اللغة القصد و في الشرع المسح المزبور لاستباحة ما هو مشروط به تقربا إلي اللّه انتهي.

و في النهاية: أصله في اللغة القصد ثم كثر الاستعمال حتي صار التيمم اسما علما لمسح الوجه و اليدين بالتراب انتهي. و لعل التسمية بذلك مأخوذة من قوله تعالي (فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً)

حيث إن اللّه تعالي استعمال هذه الكلمة في مقام الأمر به و جعلها في متعلق الطلب عند إرادته ثم استعمل فيه علي نحو إطلاق السبب علي المسبب.

و كيف كان التيمم في الاصطلاح عبارة عن إحدي الطهارات الثلاث المجعولة مقدمة لغايات معينة، و هي طهارة ترابية واقعة في المرتبة المتأخرة عن الطهارة المائية أعني الوضوء و الغسل و حقيقته كما أشار إليها في المجمع، عبادة خاصة و مقدمة عملية مخترعة من قبل الشارع، محتاجة إلي نية التقرب، مطلوبة للغير بقيد عباديتها كالقسمين الآخرين، نعم هنا كلام في أن المقدمة نفس الأعمال البدنية أو الحالة الحاصلة للنفس المسببة عنها، مذكور في باب الوضوء، و عمدة البحث هنا في بيان المعني المصطلح و أجزائه و شرائطه و مسوغاته و ما يصح التيمم به من الأرض و في أحكامه المترتبة عليه.

أما الأول: فالذي ذكروه في التيمم انه يجب أولا ضرب باطن اليدين معا دفعة علي الأرض ثم مسح الجبهة بتمامها و الجبينين بهما من قصاص الشعر إلي طرف الأنف الأعلي و إلي الحاجبين بتمام الكف علي نحو مسح المجموع بالمجموع، ثم مسح تمام ظاهر الكف اليمني بباطن اليسري، ثم مسح تمام ظاهر اليسري بباطن اليمني من الزند إلي أطراف الأصابع، هذا أصل العمل و لكنّ في عدد أعضائه اختلافا فقيل انها أربعة، ضربة باليدين، و مسحة الجبهة، و مسحة لكل واحدة من اليدين، و قيل خمسة، بتكرير الضربة علي الأرض فهو ضربتان و مسحات، و قيل سبعة، ضربة باليدين علي الأرض مرة و المسحات الثلاثة، و ضربة بهما أخري و مسح اليدين.

و ذكروا أيضا انه يشترط في التيمم نية القربة، و قصد البدلية، و المباشرة في حال الاختيار، و

الموالاة العرفية، و الترتيب علي الوجه المزبور، و الابتداء بالأعلي في الجبهة و اليدين، و عدم الحائل بين الماسح و الممسوح، و طهارة الماسح و الممسوح و جميع هذه

مصطلحات الفقه، ص: 176

شروط واقعية تبطل بانتفاء كل منها المشروط.

و أما الثاني: أعني المسوغ فقد ذكروا ان المسوغ للتيمم هو العجز عن استعمال الماء، اما لعدم وجوده، أو لعدم إمكان الوصول إليه، أو للخوف عن استعماله علي نفسه أو غيره من مرض أو تلف، أو لوجود الحرج في تحصيله أو في استعماله، أو لمعارضة استعماله مع واجب أهم كما إذا كان بدنه أو ثوبه نجسا و الماء لا يكفي إلّا لأحد الأمرين، أو لضيق الوقت عن استعماله، أو لحصول مانع شرعي عنه ككونه في ظرف مغصوب، أو آنية من الذهب أو الفضة.

و أما الثالث: فظاهر أكثر الأصحاب أن ما يتمم به له مراتب ثلاث، الأولي مطلق وجه الأرض ترابا أو رملا أو مدرا أو حجرا و إن كان حجر الجص أو النورة قبل الإحراق.

الثانية الغبار مما فيه غبار من الثوب و اللبد و الفرش و غيرها، الثالثة الطين فيزيل ما لصق بالكف ثم يمسح علي المحل، و الأصحاب قد اشترطوا فيما يتيمم به الطهارة، و عدم اختلاطه بما لا يجوز التيمم به، و إباحته، و إباحة مكانه، دون فضاء التيمم و مكان المتيمم، و إن كان أحوط، و الشرطان الأولان واقعيان دون الأخيرين. و مع فقد جميع المراتب يكون المكلف فاقد الطهورين يسقط عنه الأداء من الصلاة و نحوها و يجب عليه القضاء.

و أما الرابع: و هو أحكام التيمم فراجع فيها الفروع الفقهية.

الثمر

الثمر بالتحريك في اللغة حمل الشجر و الجمع ثمار أثمار و ثمرات، و الثمرة

النسل و الولد تشبيها بثمر الشجر، و في المجمع: الثمر بالتحريك الرطب ما دام في رأس النخل فإذا قطع فهو الرطب، و يقع علي كل الثمار أكلت أو لم تؤكل، كثمر الأراك و العوسج، واحدة ثمرة انتهي.

و في المفردات الثمر اسم لكل ما يتطعّم من أعمال الشجر، الواحدة ثمرة و الجمع ثمار و ثمرات، و يقال لكل نفع يصدر عن شي ء، ثمرته كقولك ثمرة العلم العمل الصالح. و ثمرة العمل الصالح الجنة انتهي.

مصطلحات الفقه، ص: 177

و كيف كان فقد وقع الثمر مورد البحث في الفقه في باب البيع، و مورد الكلام بيعه علي أشجاره الذي يسمي في العرف الحاضر بالضمان، و عمدة البحث في ذلك في أمرين بيان الموضوع و أنواعه و أقسامه و بيان الحكم المترتب عليه في الشريعة.

أما الأول: فالمستفاد من كلماتهم أن المراد منه المعني الأعم الشامل لثمار الأشجار الكبار و الصغار، كالرطب و الجوز و التوت و التفاح و المشمش و اللوز و العنب و نحوها، الشامل لثمار النباتات القائمة علي سوقها، كالباذنجان و الطماطة و توت العليق و توت الأرض و البطيخ. و الشامل لحبوب الزرع كالحنطة و الشعير و الحمّص و الأرز و نحوها، و ألحقوا بذلك الخضروات التي تؤخذ لقطة و لقطات لأكل الإنسان و الحيوان، و بالجملة الجميع مورد البحث في المقام و موضوع للحكم المذكور في باب البيع.

و أما الثاني: أعني الحكم فقد ذكروا أنه لا يجوز بيع الثمار قبل وجودها و ظهورها لعام واحد بدون ضم مال آخر معين إليه، لكون البيع حينئذ غرريا، و أما بيعها قبل الوجود مع ضميمة مال معين أو بيعها لعامين أو أكثر فهو جائز و يكون ضم العام اللاحق

علي الثاني بحكم الضميمة الموجودة المعلومة. و أما بعد وجودها و ظهورها فيجوز مطلقا سواء بدا صلاحها أم لا، و سواء بيعت لعام واحد أم أكثر، و سواء ضم إليها مال آخر أم لا علي اختلاف في بعض أقسامها.

ثم إنهم ذكروا أنه يختلف بدو الصلاح في كل ثمر بحسب حاله كالاحمرار و الاصفرار في التمر، و انعقاد الثمر في بعض أنواعها، و خروجها عن الأكمام أو تناثر أورادها في البعض الآخر، و الأولي أن يكون المراد بالبدو الملحوظ بعد وجود الثمر و ظهوره، وصوله إلي حد يمكن الانتفاع به في جهته المقصودة و لو في حدها الأقل.

و ذكروا أيضا أنه لا يجوز بيع التمر علي النخيل بالتمر مطلقا، سواء أ كان من تمرها أو تمر غيرها علي النخيل أو علي الأرض، و سموه ببيع المزابنة، و في إلحاق بيع كل ثمر علي شجره بالنخيل إشكال، كالإشكال في بيع الحبوب علي زروعها بنوعها المماثل كان علي زروعه أو كان حصيدا أو مصفي و يسمي بالمحاقلة، و قد أشرنا إليه إجمالا تحت عنوان البيع.

مصطلحات الفقه، ص: 178

الجبّ

اشارة

الجبّ في اللغة القطع يقال جبّ الشي ء يجبّه من باب قتل قطعه، و في النهاية إن الإسلام يجب ما قبله و التوبة تجب ما قبلها أي يقطعان و يمحوان ما كان قبلهما من الكفر و المعاصي و الذنوب انتهي، و في المفردات و الجب قطع الشي ء من أصله. و معني مجبوب مقطوع الذكر من أصله انتهي.

و الظاهر انه ليس له مصطلح خاص في الشرع و الفقه و قد وقع موضوعا لأحكام كثيرة هامة و محللا للبحث في الفقه، و عمدة البحث فيه تدور حول المفهوم من الخبر الوارد عن النبي

صلّي اللّه عليه و آله و نقله الفريقان بطرق متعددة يمكن دعوي تواترها و لو إجمالا، متقاربة الألفاظ و المعاني الكاشفة كشفا مّا عن وحدة الحكم و الملاك، و هو قوله صلّي اللّه عليه و آله: الإسلام يجب ما قبله، أو أن الإسلام يهدم ما قبله أو يهدر ما قبله و نحوها، فيستفاد منها ان هنا أمرين جابّ و مجبوب و قاطع و مقطوع، أما الجابّ فهو الإسلام أي الشهادتان سواء علم تطابقهما الضمير أم لم يعلم لو قلنا بخروج ما لو علم عدم التطابق.

و أما المحبوب فيحتمل أن يكون المراد به نفس الكفر و الاعتقاد الباطني، فإنه إذا دخل الإسلام القلب خرج الكفر و انجبّ قهرا، و هذا غير مراد لكونه أمرا واضحا لا ينبغي حمل كلام النبي صلّي اللّه عليه و آله المتكرر في موارد عليه.

و يحتمل أن يكون المراد آثار الكفر الخارجية، أي نفس الحوادث الصادرة منه حاله من المحرمات و ترك الواجبات و نحوها، و نظيرتها خبائث الصفات و رذائل الأخلاق الموجودة فيه حينه، و هذا أيضا غير مراد قطعا لعدم إمكان انقلاب الشي ء عما وقع عليه كان من الحوادث الوجودية أو الأعدام المضافة.

و يحتمل أن يكون المراد الآثار الشرعية المترتبة علي الكفر و علي تلك الآثار، أو بعض الأعمال المقارنة له، و هي أمور كثيرة نظير استحقاقه العذاب في الآخرة لحالة كفره الباطنية و أعماله المحرمة الخارجية، و استحقاقه الحدود و التعزيرات الشرعية في الدنيا، و اشتغال ذمته بقضاء واجباته و كفاراتها، و كفارة المحرمات في بعض مواردها، و عروض

مصطلحات الفقه، ص: 179

بعض الحالات علي نفسه و بدنه كجنابته و سائر أحداثه الكبيرة و الصغيرة، و تنجس بدنه، و اشتغال

ذمته بحقوق الناس، من القصاص، و الدية، و الديون المالية، و الحقية.

و المعاملات الصادرة منه من العقود و الإيقاعات كالبيوع، و الإجارات، و النكاح، و الطلاق، و العتق، و الإبراء، و نحوها. و الظاهر كون المراد هذا القسم في الجملة.

فيظهر منهم عدم الإشكال في شمول الجبّ لبعضها فيرتفع بمجرد الإسلام، و في عدم شموله لبعضها الآخر، و التردد في ثالث، و السر في ذلك أنه يظهر من مواضع ورود الحديث كون الحكم صادرا في مقام الامتنان علي من دخل في الإسلام، و مقتضاه حينئذ حصول الجبّ و ارتفاع كل مؤاخذة أخروية علي نفس الكفر و علي ما عمله من المحرمات من ترك واجب أو فعل حرام، و ارتفاع الحدود الشرعية و التعزيرات، بل و قضاء الواجبات و كفاراتها و كفارة بعض المحرمات.

و وقوع الإشكال في الحكم بارتفاع جنابته و نجاسة بدنه، لكن الظاهر عدم ارتفاعها إما لعدم العلم بكون ذلك امتنانا أو أنها باقية بعد الإسلام أيضا فلا يشمله الحديث، لكن الظاهر من سيرة النبي الأكرم صلّي اللّه عليه و آله عدم حكمه باغتسال من أسلم من جنابته و ما أشبه ذلك من أسباب الأحداث و الأخباث، كما ان الظاهر عدم شمول الجب لما صدر منه من عقوده و إيقاعاته، لأن الحكم ببطلانها و ارتفاع آثارها و خروج ما اشتراه من الأموال مثلا عن ملكه أو بطلان عقد زوجته خلاف الامتنان بل يكون ذلك مؤاخذة مترتبة علي إسلامه.

و كذا لا يشمل جناياته العمدية و الخطائية التي أوردها علي المسلم حال كفره، و إن كان ذلك امتنانا عليه لأنه خلاف الامتنان علي المجني عليه المسلم، نعم لو كان قتل كافرا عمدا أو خطأ أو أتلف أمواله

شمله الدليل و اقتضي الامتنان سقوط القصاص و الدية من غير معارضة.

تنبيه:

استدلّ علي قاعدة الجب المذكورة بقوله تعالي (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مٰا قَدْ سَلَفَ) (الأنفال 38) و قوله صلّي اللّه عليه و آله: الإسلام يجب ما قبله، و قوله صلّي اللّه عليه و آله: أ ما علمت أن

مصطلحات الفقه، ص: 180

الإسلام يهدم ما قبله و أن الهجرة تهدم ما كان قبلها و أن الحج يهدم ما قبله، (صحيح مسلم)، و قول الباقر عليه السلام: من أدرك الإسلام و تاب مما كان عمله في الجاهلية وضع اللّه عنه ما سلف (مجمع البيان) و قوله صلّي اللّه عليه و آله اهد الإسلام ما كان في الجاهلية، و قوله صلّي اللّه عليه و آله: من أحسن في الإسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية (صحاح)، و غيرها مما يطلب من المطولات.

الجبيرة

الجبيرة في اللغة من الجبر أي إصلاح العظم من الكسر، يقال جبر يجبر العظم من باب قتل أصلحه من الكسر، و الجبيرة العيدان و الخرق التي تجبر بها العظام و الجمع جبائر. و في المجمع و منه الجبيرة علي فعيلة واحدة الجبائر و هي عيدان يجبر بها العظام انتهي.

و قد كثر و اشتهر في الفقه في باب الوضوء و الغسل استعمال الجبيرة في الألواح الموضوعة علي الكسر و الخرق و الأدوية الموضوعة علي الجروح و القروح و الدماميل، و بيّنوا ان حكم الجبيرة الموضوعة علي محال الوضوء و الغسل هو المسح عليها مطلقا، كانت علي موضع الغسل أو موضع المسح إلّا ما استثني، و قسموها إلي أقسام فإن الجرح و نحوه أما مكشوف أو مجبور و علي التقديرين أما في موضع الغسل أو في موضع المسح و أيضا إما علي بعض العضو أو تمامه

أو تمام الأعضاء، ثم إنه أما ان يمكن غسل المحل أو مسحه أو لا يمكن، و قد تعرضوا في الفقه لبيان حكم الأقسام غسلا أو مسحا بدلا عن الغسل، أو مسحا بدلا عن المسح، و فرّعوا عليها فروعا تطلب من باب الوضوء.

ثم إنهم فصلوا بين مسح الجبيرة علي محل الغسل و مسحها علي محل المسح بوجوه:

منها: انه ينوي في الأول بدليته عن الغسل و في الثاني بدليته عن المسح.

و منها: انه يتعين في الثاني كون المسح بالرطوبة الباقية في الكف بالكف و يجوز في الأول بأي ماء كان و بأي شي ء كان.

و منها: انه يتعين في الأول استيعاب المحل و يكفي في الثاني المسمي.

و منها: انه يجب في الأول مراعاة الأعلي فالأعلي دون الثاني إلي غير ذلك.

مصطلحات الفقه، ص: 181

الجدي

اشارة

الجدي بالفتح و السكون في اللغة ولد المعز الذكور في سنة الولادة، و الأنثي عناق و هو عند المنجمين اسم عدة نجوم في الفلك يتشكل منها للناظر هيئة الجدي نائما علي بطنه و رأسه نحو المغرب و ذنبه نحو المشرق و ظهره إلي الجنوب و له يد واحدة نحو الشمال، و هو عندهم البرج العاشر من البروج الفلكية الاثني عشر، و يطلق الجدي أيضا علي نجم خاص واقع فيما يقرب من نقطة القطب الشمالي من المنظومة الشمسية التي كرة الأرض جزء منها و لا سير له محسوس. و في المجمع الجدي: بالفتح فالسكون نجم إلي جنب القطب تعرف به القبلة و يقال له جدي الفرقد و قيل هو الجدي مصغرا و الأول أعرف. و المنجمون يسمونه الجدي علي لفظ التصغير فرقا بينه و بين البرج و الجدي أيضا من أولاد المعز انتهي.

و كيف كان فقد

وقع الجدي بمعني النجم الخاص موردا للحكم في الشريعة و وقع البحث عنه في الفقه في باب القبلة، فذكروا انه من علائم القبلة لأهل بعض البلدان كأوساط العراق و ما يليهم، فإذا جعلوه خلف المنكب الأيمن حصل لهم التوجه إلي القبلة. و إذا جعله أهل الموصل بين الكتفين و أهل الشام خلف الكتف الأيسر و أهل عدن بين العينين و أهل صنعاء علي الاذن اليمني، و في الحبشة و النوبة علي صفحة الخد الأيسر، حصل لهم التوجه إلي القبلة.

تنبيه:

ورد في الجدي نصوص بعضها مخدوش دلالة بعضها سندا فلا يكون علامة إلّا في الجملة كموثق محمد بن مسلم، سألته عن القبلة فقال ضع الجدي في قفاك وصل و هذا لا يمكن الأخذ بإطلاقه، فليحمل علي محل السائل و هو الكوفة أو المسئول و هو المدينة، و منه يعلم حكم الباقي و مرسل صدوق قيل للصادق عليه السلام: إني أكون في السفر لا أهتدي إلي القبلة بالليل فقال أ تعرف الكوكب الذي يقال له الجدي قلت نعم قال اجعله علي يمينك و إذا كنت في طريق الحج فاجعله بين كتفيك، و ما رواه العياشي في قوله تعالي (وَ عَلٰامٰاتٍ وَ بِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ) قال صلّي اللّه عليه و آله هو الجدي لأنه نجم لا يزول و عليه بناء القبلة و به يهتدي أهل البر و البحر (الوسائل ج 4 أبواب القبلة ب 5).

مصطلحات الفقه، ص: 182

الجريدة

الجريدة في اللغة قضيب النخل المجردة عن خوصها، و في المجمع ان الجريد سعف النخل بلغة أهل الحجاز الواحدة جريدة فعيلة بمعني مفعولة سميت بذلك لتجريد خوصها عنها، و ذكر الأصحاب في الفقه الجريدتين و جعلوها من سنن تجهيز الميت عند الشيعة، و أرادوا بهما عودين رطبين يقرب طوله من عظم ذراع الميت أو قدر شبر و في العرض كلما كان أغلظ كان أحسن، يوضع معه كيف اتفق من غير فرق في الميت بين الكبير و الصغير و الذكر و الأنثي و المحسن و المسي ء و استحبابهما مما انفردت به الشيعة و صرحت به نصوص أهل البيت، و أن الميت يتجافي عنه العذاب و الحساب ما دام العود رطبا فإن الحساب و العذاب كله في يوم واحد و ساعة

واحدة قدر ما يدخل في القبر و يرجع القوم، و إنما جعلت السعفتان لذلك فلا يصيبه عذاب و لا حساب بعد جفوفهما إن شاء اللّه، و انّ الجريدة تنفع المؤمن و الكافر و المحسن و المسي ء و أن النبي صلّي اللّه عليه و آله قال: خضّروا أصحابكم فما أقل المخضّرين يوم القيامة، و التخضير وضع جريدة خضيرة مع الميت (الوسائل، ج 1، أبواب التكفين، ب 7).

الجعالة

الجعل بالفتح في اللغة الخلق و الصنع، و الجعل بالضم و الجعالة بتثليث الجيم أجر العامل، و ما يعطي للمحارب إذا حارب، و قد جاء الجعل و الجعالة في الحديث، و في المجمع الجعل بالضم و الجعالة بالفتح و الكسر في اللغة ما يجعل للإنسان علي عمله، و شرعا علي ما قرّره الفقهاء و أهل العلم، و صيغة ثمرتها تحصيل المنفعة بعوض مع عدم اشتراط العلم في العمل و العوض، و الجمع الجعالات و الجعائل انتهي.

و كيف كان فيمكن ان يعرّف الجعالة في اصطلاح الفقهاء بأنها إنشاء الالتزام بعوض معلوم علي عمل محلّل مقصود، كقوله: من ردّ مركبي أو خاط ثوبي فله مائة درهم، أو يقول لزيد: ان خطت ثوبي فلك كذا، و يقال للملتزم الجاعل و لمن يعمل العامل و للعوض

مصطلحات الفقه، ص: 183

الجعل و الجعيلة، و هل هي عقد يحتاج إلي الإيجاب و القبول أو إيقاع لا يحتاج إلي القبول وجهان: أقواهما الثاني.

و قد فرعوا علي العنوان فروعا تبيعن حاله موضوعا و حكما، نظير انه تفترق الجعالة عن الإجارة بأن الإجارة عقد يملك المستأجر بمجرد تمامه الفعل علي الأجير و يملك هو الأجرة علي المستأجر، و هذا بخلاف الجعالة فإنه إيقاع محض لا يؤثر في ملك و

استحقاق إلّا بعد العمل، فيملك العامل الجعل علي الجاعل بعده.

و انه لا تصح الجعالة علي العمل المحرم في الشريعة كقتل مؤمن أو إتلاف ماله، و العمل اللغو عند العقلاء كالصعود إلي شاهق أو وثبة من موضع إلي آخر، فيما إذا لم يكن فيه غرض عقلائي. و انه يعتبر في الجاعل أهلية الالتزام و التصرف المالي و لا يعتبر في العامل إلا القدرة علي العمل فأي صبي أو مجنون أو محجور عمله استحق الجعل. و انه لا يعتبر فيها تعيين حدود العمل و لا تضرّ الجهالة فيه و يعتبر تعيين الجعل جنسا و نوعا و وصفا كيلا أو وزنا أو عدّا. نعم يصح ان يجعل الجعل كسرا مشاعا من المردود كقوله: من ردّ فرسي فله خمسة أو من المبيع كقوله: من باع فرشي فله عشر ثمنه.

الجلل

في المجمع: الجلة بالفتح البعرة و تطلق علي العذرة، و الجلال من الحيوان بتشديد اللام الأولي، التي تكون غذاءها عذرة الإنسان محضا.

و المصطلح عليه في الفقه اعتياد الحيوان المأكول اللحم بأكل عذرة الإنسان بحيث تكون غذاءها محضا، و الحكم المترتب علي الجلل في الشريعة سببيته لحرمة أكل لحمه، و انقلابه من عنوان المأكول إلي المحرّم بالعرض، و وقع البحث عنه من هذه الجهة في باب الأطعمة، و من جهة انه يترتب عليه نجاسة بوله و ورثة في باب النجاسات، و من جهة كون استبرائه سببا لحليته و طهارة بوله و روثه لرجوعه إلي أصله في باب المطهرات. و ذكر الأصحاب في المقام انه لا يتحقق الجلل إلّا بالاعتياد بعذرة الإنسان، و لا يلحق بها عذرة غيره، و لا

مصطلحات الفقه، ص: 184

سائر النجاسات، و انه يشترط في تحققه تغذيه بها مدة

معتدا بها لا يوما أو يومين، و انه يعم حكم الجلل كل حيوان محلل حتي الطير و السمك، و انه إذا صار الحيوان بالجلل غير مأكول اللحم ترتب عليه جميع آثاره، من حرمة لبنه و بيضه و أولاده، و ان الجلل لا يكون مانعا عن التذكية، فيترتب علي تذكيته طهارة لحمه و جلده كالمحرم بالأصل، و بقي هنا بيان كيفية استبرائه و هي مذكورة في باب المطهرات فإنه من أقسامها.

الجماع و الوطء

الجماع في اللغة مصدر جامع بمعني الاجتماع، و الجماع مجامعة الذكر من الحيوان مع أنثاه، و بهذا الاعتبار عرفوه بأنه إيلاج الذكر في القبل أو الدبر بإدخال الحشفة أو مطلقا، تحقق الإنزال أو لم يتحقق، بالغا كان الواطئ و الموطوء أو غير بالغ، عاقلا أو غير عاقل، مختارا أو مضطرا، حيا أو ميتا، و ينسب فيه العمل إلي الطرفين فإنه ذو إضافتين، و الواطئ و الموطوء متضايفان، و التعبير عن جماع الإنسان أحيانا بالتقاء الختانين مختص بجماع الرجل في قبل المرأة، و ليس للّفظ حقيقة شرعية و لا اصطلاح فقهي خاص، لكن قد وقع البحث عن خصوص جماع الإنسان في الفقه في أبواب مختلفة و رتب عليه أحكام خاصة من وضع و تكليف، منها سببيته للجنابة للواطئ و الموطوء إذا كانا إنسانين و مع كون أحدهما إنسانا خلاف إذا لم يحصل الإنزال و قد وقع التعرض للمطلب تحت عنوان الجنابة.

الثاني: كونه سببا لاستقرار تمام المهر المسمي في العقد علي الزوج فإذا جامعها بعد العقد بما يصدق معه عنوانه استقر عليه المسمي جميعا كان ذلك قبل تسليم المهر إليها كلا أو بعضا أو بعده، و هذا هو المشهور بين الأصحاب بل قد ادعي عليه في الجواهر

الإجماع بقسميه.

الثالث: ثبوت مهر المثل بذلك علي عهدته فيما إذا تزوجها بدون المهر، أو بشرط عدمه، أو مع بطلان المسمي، فيثبت عليه بالجماع مهر أمثالها، و الظاهر عدم الخلاف بينهم في ذلك و ادعي في الجواهر (ج 31 ص 51) الإجماع عليه بقسميه.

مصطلحات الفقه، ص: 185

الرابع: شرطية وقوعه في عقد لصحة عقد آخر فإذا طلّق زوجته ثلاثا ثم تزوجها المحلّل فإن جامعها حلت بعد طلاقها للزوج الأول و إلّا لم تحل، و الظاهر ان موضوع الحكم في هذه المسألة أخص من مطلق الجماع بل اللازم كون الجماع في قبلها دون الدبر، بل يشترط الإنزال أيضا كما هو ظاهرهم و ظاهر النصوص، حيث عبر فيها بلزوم أن يذوق عسيلتها و تذوق عسيلته، و هو كناية عن التذاذه بالإنزال و التذاذها به.

الخامس: ثبوت الحد بذلك علي الواطئ و الموطوء فيما إذا كان ذلك بعنوان الزنا أو اللواط، أما الزنا فقد ذكروا ان الموجب للحد فيه إيلاج الذكر بنحو غيبوبة الحشفة في الفرج المحرم مع البلوغ و العقل و العلم و الاختيار بشرائط خاصة و قيود مذكورة في بابه، و أما اللواط فذكروا فيه أيضا ان السبب للحد فيه وطء الذكران بإيقاب و يتحقق السبب هنا بدخول بعض الحشفة أيضا و التفصيل فيه تحت عنوان اللواط.

السادس: سببيته في حصول الحرمة الأبدية بالنسبة لبنت الزوجة، فإذا عقد الرجل علي امرأة حرمت عليه بنتها جمعا، و له طلاقها ما لم يدخل بها و تزويج بنتها و إذا تحقق الدخول بها حرمت بنتها مؤبدا، و الحكم مورد اتفاق لقوله تعالي (مِنْ نِسٰائِكُمُ اللّٰاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ).

السابع: سببيته لصحة عقد النكاح و ثبوت ملك المرأة المعقودة عليها للمهر، فيما إذا عقد علي امرأة

دواما في مرضه الذي مات فيه، فإنه لو دخل بها في الفرض صح النكاح و استحقت تمام المهر و ورثت منه بعد موته في مرضه ذلك، بخلاف ما إذا لم يدخل بها فإنه يبطل العقد بالموت و لا تستحق من المهر شيئا كما لا تستحق الإرث، و تعليق صحة العقد هنا بالدخول علي نحو الكشف فإذا تحقق الدخول كشف عن صحته من حين وقوعه، و إذا حصل الموت قبله كشف عن بطلانه كذلك، و علي أي فلا يترتب مع فرض الموت علي العقد الواقع شي ء من الآثار الشرعية فلا عدة عليها بعد موته و لا ميراث له منها لو ماتت قبل موته بل لها التزويج بولد الميت أو أبيه و هكذا راجع الجواهر (ج 39 ص 220).

الثامن: حرمة تأخيره عن أكثر من أربعة أشهر بالنسبة للزوجة الدائمة الشابة، و مبدأ

مصطلحات الفقه، ص: 186

المدة من حين العقد أو الوطء السابق، فالوجوب يحدث بمجرد انقضاء تلك المدة و يبقي فورا ففورا، و يحرم الترك كذلك إلي أن يأتي به، لا الوجوب في كل أربعة أشهر، بمعني أن لكل أربعة أشهر جماعا في أيّ وقت منها حصل و إن وقع ما لهذه الأربعة في أولها و ما لتلك في وسطها أو آخرها، و لا يجري هذا الحكم في المنقطعة و لا فيمن شرط معها الترك في ضمن العقد، و لا في المريض و المريضة.

التاسع: كونه من محرمات الإحرام فلو واقع حاله رتب عليه أحكام تكليفية و وضعية مختلفة حسب اختلاف وقت الوقوع، فإنه إن تحقق من المحرم قبل الوقوف بالمشعر استحق العقاب و كان سببا لكفارة بدنة و بطلان الحج و لزومه من قابل، و إن تحقق بعد

وقوف المشعر فالفعل حرام تكليفا و يجب عليه الكفارة ببدنة و لا يفسد حجه، و إن تحقق في إحرام العمرة قبل السعي كان حراما و سببا لكفارة بدنة و فساد العمرة و وجوب قضائها.

العاشر: تأثيره في ثبوت الحد الكامل أي الرجم فيما إذا زني الرجل المتزوج، فإن الرّجم ثبوتا و سقوطا في المقام يدور مدار دخوله بزوجته و عدمه، فيرجم ان دخل و يجلد ان لم يدخل، و هو المسمي مملكا، و كذلك الحال في الزوجة التي لها زوج فإنها إن زنت قبل أن يدخل بها زوجها جلدت و إن زنت بعده رجمت.

الحادي عشر: كونه سببا لإلحاق الولد بالزوج شرعا و ترتب جميع آثاره و عدم جواز نفي الزوج له عن نفسه و إن لم ينزل.

الثاني عشر: سببيته لثبوت المهر المسمي في العقد علي الزوج فيما لو عقد علي امرأة ثم فسخه بأحد العيوب المجوزة للفسخ، فإنه إذا فسخه قبل الدخول لا يترتب عليه شي ء و لو فسخه بعده لزمه تمام المسمي، و كذا لو فسخت عقدها بأحد عيوبه فإن كان قبل الدخول فلا شي ء لها و إن كان بعده استحقت تمام المسمي.

الثالث عشر: تأثيره في حرمة المرأتين عليه أمّ و بنت، فيما إذا كان كافرا فتزوج اما و بنتا ثم أسلم فإنه إن كان دخل بهما قبل الإسلام حرمتا عليه أبدا، و ان لم يدخل بهما بطل عقد الام و حلت البنت، و ليس الأمر كذلك فيما لو تزوج أختين فأسلم فإنه يتخير بينهما و إن دخل بهما.

مصطلحات الفقه، ص: 187

الرابع عشر: تأثيره في الحرمة الأبدية فيما لو عقد علي المرأة المعتدة أو علي ذات البعل جاهلا بالحكم أو الموضوع أو كليهما فإن كان

دخل حرمت عليه أبدا و إلّا جاز له تجديد العقد عليهما بعد زوال المانع.

الخامس عشر: وقوع الاختلاف في حلية بعض مصاديقه و حرمته و هو وطء الزوجة دبرا و لا سيما فيما إذا لم ترض بذلك، فالمشهور بين الأصحاب الجواز و ذهب بعضهم إلي الحرمة و ثالث إلي الكراهة الشديدة.

السادس عشر: حرمته التكليفية بالنسبة للدخول بالزوجة الصغيرة فإنه محرّم في الشريعة و إن رضيت بذلك، أو رضي به وليها، و الظاهر أنه لا يترتب عليه غير العصيان، و أما كون ذلك سببا لترتب أحكام كثيرة شديدة فيما إذا إنجرّ ذلك إلي إفضائها بجعل مسلك حيضها و بولها أو حيضها و غائطها، أو جميع المسالك الثلاثة واحدة، فهو أمر أخر فإنّ تلك الأحكام مترتبة علي الإفضاء المسبب عن الدخول و الأنسب لبيانها عنوان الإفضاء فراجع.

السابع عشر: حرمته تكليفا حرمة عرضية إذا ارتكبه الرجل مع زوجته حال حيضها.

الثامن عشر: حرمته كذلك إذا جامعها حال نفاسها.

التاسع عشر: حرمته تكليفا إذا وقع حال صومه الواجب المعين أو حال صومها الواجب كذلك.

العشرون: حرمته مع نذره تركه أو عهدة ذلك أو يمينه عليه، و كذا مع نذرها أو عهدها أو يمينها، إذا اجتمع شروطها و سببيته للكفارة أيضا في الجميع.

الواحد و العشرون: حرمته كذلك إذا وقع الترك شرطا في ضمن عقد لازم أو كان الفعل مقدمة لحرام.

الثاني و العشرون: وقوعه مورد البحث من حيث الحكم فيما إذا اتصف بعنوان الشبهة و عرفوها بأنه الجماع و الوطء الواقع علي غير الحق واقعا و الحلية ظاهرا، لجهل المرتكب له

مصطلحات الفقه، ص: 188

و معذوريته في جهله، كان الجهل بالموضوع كما إذا اشتبهت الأجنبية بالزوجة، أو اعتقد انقضاء زمان العدة، أو أخبرت بذلك أو بعدم

الزوج لها فظهر الخلاف، أو و كلّ لإجراء العقد فنسي الوكيل و هكذا، أو بالحكم كما إذا اعتقد جواز العقد بغير العربية، أو نكاح المشركة أو الكتابية، أو العقد علي البكر بدون إذن أبيها مع تحريم مجتهده ذلك و هكذا.

الثالث و العشرون: حرمته مع غير الإنسان كوطء الحيوان، فإن كان الموطوء مما يؤكل لحمه كالشاة و البقر ترتبت عليه أمور، وجوب التوبة فورا، و لزوم تعزيره علي الحاكم إذا ثبت عنده، و صيرورة الحيوان غير مأكول اللحم بالعرض فيحرم لحمه و لحم نسله، و بيضه، و لبنه، و وجوب ذبحه ثم إحراقه، و تغريم الواطئ قيمته لصاحبه إن لم يكن له، و إن كان مما يراد ركوبه أو الحمل عليه كالحمار و الفرس و البغل أغرم الواطئ قيمته إن لم يكن له و أخرج من المحل و بيع في بلد آخر و اعطي الثمن للواطئ.

الجنابة

مادة جنب في اللغة لمعان يقال جنب الشي ء دفعه و نحّاه، و جنب الشي ء قاده إلي جنبه، و جنب الرجل يجنب بتثليث العين جنابة تنجس، و الجنب القريب و البعيد، و الذي أصابه الجنابة أي النجاسة و يستوي في الواحد و الكثير و المذكر و المؤنث و أطلق عليه الجنب لأنه نهي عن مواضع العبادة. و في الجواهر هي في اللغة كما قيل البعد و شرعا ما يوجب البعد عن أحكام الطاهرين من الإنزال أو الجماع الموجب للغسل و لعل الأقوي ثبوت النقل الشرعي فيها للحالة المترتبة علي السببين انتهي (ج 3 ص 3).

و الجنابة في اصطلاح الشرع و المتشرّعة صفة قذارة تحصل للنفس و حالة رجاسة تعرض عليها من أسباب خاصة، فهي من الأعراض النفسانية المتأصلة كشف عنها الشارع

و حكم بها عند طرو أسبابها، و لعله لذلك نهي عن الدخول في الأمكنة المتبركة كالمساجد و المشاهد، و الاشتغال ببعض الأعمال الشريفة كالصلاة و الصيام، و المساس ببعض الأعيان المباركة كالمصحف الشريف، و قد يقال إن الجنابة وصف اعتباري غير

مصطلحات الفقه، ص: 189

متأصل اعتبره الشارع عند صدور بعض الأعمال من الإنسان.

ثم إنهم ذكروا في الفقه أن السبب الموجب لها أمران أحدهما خروج المني عن الإنسان كان بإرادة منه أو بدونها، في حال نومه أو يقظته، قليلا و لو بمقدار رأس إبرة أو كثيرا، بالوطء أو بدونه، بشهوة أو بغير شهوة، واجدا لأوصاف المني أو فاقدا لها، بعد العلم بكونه منيا، من المخرج المعتاد للرجل و المرأة أو من غيره، بشرط خروجه إلي خارج البدن.

ثانيهما: دخول الذكر و لو بمقدار الحشفة منه في القبل و الدبر، فتحصل الجنابة للواطئ و الموطوء، للرجل و المرأة، و الصغير و الكبير، و الحي و الميت، و المختار و المضطر، في النوم و اليقظة، حتي لو أدخلت حشفة الرضيع أو الميت في فرجها أجنبت و اجنبا علي إشكال في الميت، و في حصولها بنكاح البهائم بغير إنزال إشكال أحوط ذلك.

و ذكروا أيضا أن الجنابة موضوع لأحكام كثيرة تكليفية و وضعية، أو لها انه يستحب للجنب الاغتسال بعروض الجنابة و هذا الغسل مستحب نفسي مطلوب فورا ففورا، و يستحب أيضا مقدمة لعدة غايات مندوبة، كالنوافل و الأدعية و الأذكار المندوبة.

ثانيها انه يجب عليه الاغتسال وجوبا غيريّا مقدميا لعدة غايات واجبة تتوقف عليه، و ذكروا أنها أمور الأول: الصلاة الواجبة أداء أو قضاء و كذا أجزاءها المنسية و صلاة الاحتياط، عدا صلاة الميت، الثاني الطواف الواجب فيبطل من الجنب و لو

لم يحرم عليه دخول المسجد لجهل أو نسيان و أما المندوب فلا يتوقف عليه و إن حرم عليه دخول المسجد، الثالث صوم شهر رمضان و قضاؤه فيبطلان إذا أصبح جنبا متعمدا أو ناسيا للجنابة، و أما سائر الصيام الواجبة و المندوبة فلا يتوقف عليه و لا تبطل بالإصباح جنبا.

ثالثها: أنه يحرم علي الجنب حال الجنابة أمور الأول مس خط المصحف الشريف، و مس اسم اللّه تعالي و سائر أسمائه و صفاته المختصة به، و مس أسماء الأنبياء و الأئمة علي الأحوط، الثاني دخول المسجد الحرام و مسجد النبي و إن كان بنحو المرور، الثالث المكث في سائر المساجد بل الدخول لا بنحو المرور، و أما الدخول من باب و الخروج من آخر فهو

مصطلحات الفقه، ص: 190

مورد الاختلاف و المشهور الجواز، الرابع دخول مشاهد المعصومين عليهم السلام أو المكث فيها علي الاختلاف و الاحتياط. الخامس دخول المساجد بقصد وضع شي ء فيها. السادس قراءة سورة العزائم الأربع و هي اقرأ و النجم و الم التنزيل و حم السجدة أو قراءة خصوص آيات السجدة منها علي الخلاف بينهم، و أما كيفية هذا الغسل فهي مذكورة تحت عنوان الغسل لعدم اختصاصها بغسل الجنابة.

رابعها: نجاسة عرقه إذا كان جنبا من حرام و هذا الحكم مشهور بين القدماء من أصحابنا و المشهور بين المتأخرين الطهارة.

خامسها: مانعية عرقه من الصلاة إذا كانت الجنابة من حرام و إن لم يكن نجسا فهو كأجزاء غير المأكول و نحوها ما دام لم يجف.

الجنين

- جنين الإنسان و الحيوان جنّ الشي ء و علي الشي ء جنّا و جنونا في اللغة ستره، و جنّ مجهولا زال عقله، و الجنين المستور من كل شي ء، و المقبور، و الولد ما

دام في الرحم، و الجمع أجنة و جنن، و في المفردات: أصل الجنّ ستر الشي ء عن الحاسة يقال جنّه الليل و أجنّة ستره و الجنين الولد ما دام في بطن أمه و جمعه أجنّة و ذلك فعيل في معني مفعول، و الجنين القبر و ذلك فعيل بمعني فاعل انتهي.

و كيف كان فجنين الإنسان بمعني الولد في بطن أمه مذكور في اصطلاح الفقهاء مبحوث عنه في كتبهم الفقهية، و قد رتب عليه في الشريعة أحكام كثيرة من تكليف أو وضع من ابتداء تكونه في الرحم و انعقاد نطفته إلي حين الولادة، بل قد أشاروا في المقام إلي حكم النطفة قبل الانعقاد أيضا من حيث جواز عزلها عن المرأة الدائمة فضلا عن غيرها، مع إذنها و رضاها أو بدونه، لا سيما في العقيم و اليائسة و السليطة و البذية و التي لا ترضع ولدها و فيما إذا لم يرد الولد لجهة شرعية أو عقلية.

ثم إنهم ذكروا أن للنطفة الواقعة في الرحم مراحل في النمو و حالات في التكامل حتي

مصطلحات الفقه، ص: 191

يكون إنسانا تاما في الخلقة ثم يتولد، و أن الشارع قد حكم بحرمة إتلافها و إسقاطها بعد انعقادها إنسانا في آية حالة كانت، حلالا كان الفعل أو حراما حتي ولد الزنا من المسلم، و أن دية إسقاطها بعد كونها نطفة مستقرة في الرحم عشرون دينارا، و دية إسقاطها بعد كونها علقة أربعون دينارا، و بعد كونها مضغة ستون دينارا، و بعد كونها عظما و لم يكتس لحما ثمانون دينارا، و إذا اكتسي اللحم و تمت خلقته مائة دينار، و إذا ولج فيه الروح و أنشأ خلقا آخر، دية كاملة ألف دينار، من دون فرق بين كون

المسقط أبا أو أما أو غيرهما، و أن مدة الكفارة الأولي من حين الانعقاد إلي أن يعلم صيرورتها علقة، و مدة الثانية من ذلك الحين إلي أن تصير مضغة و هكذا.

و أنه لا كفارة علي الجاني في الجنين قبل و لوج الروح، و ان عليه كفارة القتل مضافا إلي الدية الكاملة بعد و لوج الروح، و أنه لو مات الجنين في بطن الحامل و خيف عليها وجب إخراجه بالأرفق فالأرفق و لو بتقطيعه و المباشر الزوج إن أمكن و إلّا فالنساء و إلّا فالأجانب. و انه لو ماتت و كان الجنين حيا وجب شق بطنها كيفما تيسر و الجانب الأيسر أيسر و إخراج الطفل ثم خياطة بطنها، و انه لا فرق فيه بين رجاء بقاء الطفل و عدمه. و أما الجنين الحيوان فقد تعرض الأصحاب له في باب الذباحة من جهة ان عمدة منافعه اللحم و الجلد فراجع عنوان الذباحة.

الجهاد

الجهاد في اللغة بذل الوسع يقال جاهد يجاهد مجاهدة و جهادا بذل وسعه، و جاهد العدو قاتله، و في المجمع الجهاد مصدر من جاهد، و شرعا بذل المال و النفس لإعلاء كلمة الإسلام انتهي. و في المفردات الجهاد و المجاهدة استفراغ الوسع في مدافعة العدو، و الجهاد ثلاثة أضرب مجاهدة العدو الظاهر و مجاهدة الشيطان، و مجاهدة النفس و تدخل ثلاثتها في قوله تعالي (وَ جٰاهِدُوا فِي اللّٰهِ حَقَّ جِهٰادِهِ) انتهي.

و كيف كان فالجهاد في مصطلح الفقهاء، بذل النفس و المال في البدأة بقتال طوائف

مصطلحات الفقه، ص: 192

ثلاثة من الأعداء، الأولي الحربيون من الكفار كانوا مشركين أو من أهل الكتاب الذين لم يلتزموا بالذمام و شروطه، الثانية البغاة علي الإمام المعصوم أو من نصبه عموما

أو خصوصا. الثالثة أهل الذمة إذا أخلّوا بشرائطها، و علي هذا فالأصل في المعني الاصطلاحي له هو القتال الابتدائي علي الإسلام، و أما دفع من يريد قتل النفوس أو سبي الحريم أو أخذ الأموال فهو قتال دفاعي و ليس جهادا اصطلاحيا، و لذا ذكروه في كتاب الحدود.

ثم إن الجهاد المصطلح موضوع خاص رتب عليه في الشرع أحكام كثيرة من تكليف و وضع بل قد تواترت النصوص علي أنه واجب كفائي من أعظم الواجبات الشرعية و أنه ذروة سنام الإسلام، و رابع أركان الإيمان، و باب من أبواب الجنة، و أفضل الأشياء بعد الفرائض، و سياحة أمة محمد صلّي اللّه عليه و آله التي قد جعل اللّه عزّها في سنابك خيلها و مراكز رماحها.

ثم إن الأصحاب قد ذكروا في المقام أمورا تتضح بها حقيقة الجهاد المصطلح و اقسامه و أحكامه:

منها: ان وجوب هذا الجهاد يتوقف علي الشروط التالية: البلوغ، و العقل، و الذكورة، و الحرية، و قدرة الجسم، و إذن الإمام أو من نصبه عموما أو خصوصا بل دعوته و أمره، و هو واجب كفائي يتعين علي بعض الأمة إذا عيّنه الحاكم أو انحصر المقاتل به أو قصّر غيره عن القتال.

و منها: أنهم ذكروا ان أقل مراتب هذا الجهاد مرة واحدة في كل عام لقوله تعالي (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ) و الظاهر أن أصله و تكرره و سائر كيفياته موكولة إلي نظر ولي الأمر و حاكم الأمة.

و منها: أن هذا القتال إنما يجب بعد الدعاء إلي الإسلام و الإقرار بالشهادتين ثم إن الإمام يخير المشركين من أهل الحرب بين أمرين: الإسلام و الحرب، و يخير أهل الكتاب بين ثلاث: الإسلام و الحرب و الالتزام

بالذمام و شرائطه، و قد ذكر تحت عنوان الذمة.

و منها: ان الفرار من هذا الجهاد من المعاصي الكبيرة و أنه يجب فيه رعاية قواعد العدل

مصطلحات الفقه، ص: 193

الإسلامي مهما تيسر، فلا يجوز قتل الصبيان و المجانين و النساء و إن عاونوا، و الشيخ الفاني، و يكره المحاربة بهدم الحصون و قطع الأشجار و إرسال الماء و النار و إلقاء السم و نحوها إلّا مع الضرورة.

الجهر و الإخفات

مفهوم الكلمتين بيّن و قد كثر استعمالهما في الفقه في قراءة الصلاة في مقام بيان اتصاف قراءة الفرائض اليومية و غيرها بأحد الوصفين، فإن اللّفظين قد وقعا موضوعا للحكم التكليفي و الوضعي في الشريعة، و وقعا مورد البحث في الفقه، فذكروا فيه أن كلا من الجهر و الإخفات قد يكون واجبا تكليفا و شرطا في صحة الصلاة، و قد يكون منهيا عنه مبطلا لها، و قد يكون المصلي مخيرا بينهما، و مورد الكلام خصوص القراءة أعني فاتحة الكتاب و السورة بعدهما دون سائر الأذكار و الأدعية الواقعة فيها.

فنقول ذكروا أنه يجب علي الرجال الجهر بالقراءة في الصبح و الركعتين الأولتين من المغرب و العشاء، و الإخفات بها في الظهرين في غير يوم الجمعة، و أما فيه فيستحب الجهر بالقراءة في الجمعة، بل في الظهر أيضا علي اختلاف فيه، كما يستحب الجهر بالبسملة في القراءة الإخفاتية مطلقا، و يتخير الرجل و المرأة في قراءة سائر الصلوات الواجبة كما يتخيران في جميع النوافل. و ليس علي النساء جهر في الجهرية فضلا عن الإخفاتية فيتخيرن في الجهرية بين الجهر و الإخفات، مع عدم سماع الأجنبي و يتعين عليهن الإخفات في الإخفاتية.

و ذكر الأصحاب ان مناط الجهر و الإخفات ظهور جوهر الصوت و عدمه

فما يظهر فيه جوهره جهرية و ما لم يظهر فيه ذلك إخفاتية و إن سمعه من بجانبه مثلا، و هذا مستفاد من النصوص و إلّا فقوله تعالي (وَ لٰا تَجْهَرْ بِصَلٰاتِكَ وَ لٰا تُخٰافِتْ بِهٰا وَ ابْتَغِ بَيْنَ ذٰلِكَ سَبِيلًا) معني الجهر المنهي عنه فيه الصياح الخارج عن المتعارف، كما أن التخافت المنهي عنه هو ما لا يسمع نفسه، فالوسط بين المنهيين ينقسم إلي قسمين علي النحو الذي ذكرنا. و من

مصطلحات الفقه، ص: 194

خصائص هذين العنوانين انه لو خالف الواقع فيهما جهلا بالحكم فأجهر في موضع الإخفات أو عكس الأمر لم تبطل صلاته، بخلاف سائر الأجزاء و الشرائط.

ثم انه قد أطلق عنوان الجهر في باب الغيبة أيضا فذكروا هناك أن الجهر بالسوء من القول من مصاديق الغيبة المحرمة، و أن اللّه تعالي لا يحبّه، و عدّوا ما وقع ممّن ظلم من مستثنيات الغيبة كما قال تعالي (لٰا يُحِبُّ اللّٰهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلّٰا مَنْ ظُلِمَ) فراجع المفصلات.

الحبس و السكني و العمري و الرقبي

الحبس في اللغة معروف و هو الإمساك، و السكني بالضم مصدر بمعني السكونة فهي فعل للساكن، و قال في المجمع أعمرته الدار جعلت له سكناها عمره، و منه العمري و هي من اعمرته الشي ء أي جعلته له مدة عمرة أو مدة عمري، فإذا مات من علق عليه المدة رجع إلي المالك أو وارثه، و قال في المفردات و العمري في العطية أن تجعل له شيئا مدة عمرك أو عمرة كالرقبي، و معني الرقبي أنه يقول الرجل للرجل قد وهبت لك هذه الدار فإن متّ قبلي رجعت إلي و ان متّ قبلك فهي لك، و هو فعلي من المراقبة لأن كل واحد يرقب موت صاحبه انتهي. و هذه

معاني الألفاظ بحسب اللغة.

و أما في الاصطلاح فقد ذكر الفقهاء العناوين الأربعة في ذيل كتاب الوقف لشباهتها به و اشتراكها معه في الآثار في الجملة، و القدر المشترك بينها ان يحبس المالك عينا معينة ليستفاد منها في سبيل الخير من غير إخراج عن الملك، فإن كانت غير المسكن كالثوب و الكتاب و المركب و نحوها فهو حبس، و إن كانت مسكنا حبسه لسكني شخص بدون ذكر المدة فهو السكني، و إن أسكنه موقتا بعمر أحدهما فهو العمري، و إن أسكنه موقتا بالزمان فهو الرقبي.

ثم إن كل واحد من العناوين عقد من العقود العقلائية التي أمضاها الشارع و رتب عليها أحكاما فيحتاج إلي إيجاب من المالك و قبول من المتصرف، و الإيجاب كل ما أفاد المقصود عرفا و لو بقرائن خارجية، كأن يقول حبست لك كتابي هذا أو مركبي هذا دائما أو

مصطلحات الفقه، ص: 195

مدة سنة و يقول في السكني أسكنتك هذه الدار أو لك سكناها و ما أشبه ذلك، و يقول في العمري أسكنتك داري مدة حياتي أو مدة حياتك، و يقول في الرقبي أسكنتك داري عشر سنين أو عشرين سنة، و يجوز أن يقول في العمري أعمرتك هذه عمرك أو عمري، و في الرقبي أرقبتك الدار سنة مثلا، و القبول في الجميع كلما دل علي الرضا بالإيجاب من قول أو فعل. و يشترط في صحة الجميع قبض الساكن و مع عدمه تبطل كالوقف و الهبة، و هذه العقود لازمة يجب العمل بمقتضاها و ليس للمالك الرجوع و إخراج الساكن إلّا في السكني المطلقة فيخرجه متي أراد لانقضاء المدة بإرادة الإخراج.

ثم ان مقتضي هذه العقود هل هو تمليك المنافع للساكن فيملكها بقبض العين، و يجوز

له استيفاءها بأي نحو أراد بنفسه و غيره، بل و له إجارتها و مصالحتها و يرثها وارثه و هكذا، أو هو تمليك للانتفاع كالإعارة فليس للساكن إلّا الانتفاع بنفسه و من نزل منزلته وجهان لا يبعد رجحان الأول نظرا إلي ظاهر ألفاظ العقود.

الحبوة

الحبوة مثلث الحاء و الحباء في اللغة العطية يقال حباه كذا و بكذا حبوا أعطاه إياه بلا جزاء، و في المجمع يقال حبوت الرجل حبا بالكسر و المد أعطيته الشي ء بغير عوض، و الاسم منه الحبوة بالضم و منه بيع المحاباة و هو أن يبيع بدون ثمن المثل انتهي.

ثم إنه ذكر الأصحاب عنوان الحبوة في باب الإرث و قالوا انه يستفاد من النصوص ان في تركة الأب أشياء و أموالا يختص بولده الأكبر و لا يشاركه فيها غيره و سموها حبوة لكونها مما قد حباها الشارع للولد الأكبر، و لعله بملاك كون من له الحبوة مأمورا بإتيان ما فات من الأب من الصلاة و الصوم، و كيف كان فقد وقع البحث منهم في المقام في أصل المسألة، و هو استحقاق الولد الأكبر ذلك و في تشخيص الحبوة و في تعيين من يختص بها.

أما الأول: فقد ذكروا أن المسألة من متفردات الإمامية و لا قائل لها من غيرهم لكنهم اختلفوا في كون ذلك علي سبيل الاستحقاق أو الاستحباب و التفصيل فيه في الفقه.

مصطلحات الفقه، ص: 196

و أما الثاني: فالمتيقن من النصوص أنها عبارة عن الثياب، و الخاتم، و السيف، و المصحف، أعني أعيان هذه الأجناس و إن ادعي بعض كون المراد قيمتها، و هذا واضح فيما إذا كان لكل من تلك العناوين مصداق واحد، و أما مع التعدد ففي شمول الحكم للجميع أو

عدم شموله لشي ء منها لخروجها عن مورد النص، أو استحقاقه فردا واحدا من كل منها تردد و إشكال، كما أن في شموله لغيرها ممّا ذكر في بعض النصوص كالسلاح، و الدرع، و الكتب، و الراحلة، و كذا في التعدي عن كل واحد منها إلي ما يشاركه في الغرض كأنواع الأسلحة و وسائل الحفظ و أقسام الرواحل إشكال.

و أما الثالث فالولد الذكر أعم من البالغ و غيره كما انه لا فرق بين كونه أكبر من الذكور أو الإناث و التفصيل يطلب من المطولات.

الحج

الحج في اللغة القصد أو القصد المتكرر، يقال حجّه يحجّه من باب قتل قصده، و حججت فلانا أتيته مرة بعد أخري، و الحجة بالفتح و الكسر اسم من حجّ جمعه حجج بالكسر، و الحجة بالضم البرهان جمعه حجج بالضم، و في النهاية الحج في اللغة القصد إلي كل شي ء، فخصه الشرع بقصد معين ذي شروط معلومة و فيه لغتان الفتح و الكسر و الحجة بالفتح المرة الواحدة انتهي. و في المفردات أصل الحج القصد للزيارة خص في تعارف الشرع بقصد بيت اللّه إقامة للنسك، فقيل الحج و الحج، فالحج مصدر و الحج اسم، و يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ يوم النحر، و العمرة الحج الأصغر و الحجة الدلالة المبيّنة للمحجّة أي المقصد انتهي.

و كيف كان فالحج بل و سائر مشتقات هذه المادة قد استعمل في الشرع و عند المتشرّعة و الفقهاء في أحد معنيين و لعله قد صار حقيقة شرعية فيهما.

الأول: قصد زيارة بيت اللّه الحرام علي نحو خاص معلوم من الشريعة معهود عند المسلمين و هو علي هذا أمر قلبي يتعلق بعدة أعمال عبادية خارجية.

مصطلحات الفقه، ص: 197

الثاني: نفس تلك المناسك العبادية الواردة في

الشريعة، المخترعة من قبل الشارع، المقيدة بالإتيان بها في مشاعر خاصة، و أيام معينة معدودة، مشروطة بشروط وجودية و عدمية، محتاجة إلي نية القربة كسائر العبادات.

هذا بحسب موضوع العنوان و أما حكمه فقد ذكر الأصحاب أن الحج واجب إلهي، نفسي، عيني، تعييني، فوري، مشروط أو معلق، و له مقدمات وجوبية كثيرة يتوقف وجوبه علي تحقق جميعها.

أولها: البلوغ، فلا يجب علي الصبي و إن كان مراهقا قريبا من البلوغ.

ثانيها: العقل، فلا يجب علي المجنون مطلقا إلّا إذا تمكن منه الأدواري في دور إفاقته.

ثالثها: الحرية، فلا يجب بأصل الشرع علي العبد.

رابعها: الاستطاعة البدنية، فلا يجب علي الضعيف و المريض و الهرم و من أشبههم إذا كان حرجيا في حقهم أو متعذرا.

سادسها: الاستطاعة السربية، فلا حج علي من لم يستطع من حيث تخلية السرب أي الطريق.

سابعها: الاستطاعة الزمانية و الوقتية، فلا وجوب لو كان الوقت ضيقا لا يمكنه الوصول إليه، أو أمكن بمشقة شديدة.

ثامنها: عدم استلزامه الضرر نفسا أو مالا إذا كان مجحفا.

تاسعها: عدم استلزامه ترك واجب كالصلاة، و الإنفاق علي واجب النفقة، و حفظ نفس محترمة و نحو ذلك.

عاشرها: عدم استلزامه فعل حرام مع اختلاف أو تفصيل في بعض الشروط.

ثم إن الأصحاب قد تعرضوا في تبيين حقيقة العنوان و أقسامها و أحكامها لأمور:

الأول: ذكرهم حج الأسباب بعد التعرض لأسباب الحج، و ذلك لأن الحج يجب تارة من ناحية الشرع بالفرض الأصلي، و يسمي حجة الإسلام أي الحج الذي يقضيه الدين

مصطلحات الفقه، ص: 198

و هو من شؤون الإسلام، و أخري يجب بالعناوين الثانوية الطارية اختيارا أو قهرا من غير اختيار، كالحج الواجب بالنيابة عن مكلف آخر، و الحج الواجب بالنذر، و العهد، و اليمين، و الشرط في ضمن

عقد مثلا، و أمر الإمام المفترض طاعته، و الوالدين إذا كان تركه عقوقا، و بالإفساد كما إذا أفسد المكلف حجه بالجماع قبل المشعر فوجب عليه إتمامه و الحج من قابل، و غير ذلك، فتختلف هذه الحجج من حيث الشروط حسب اختلاف أسبابه كما ذكروا ان شروط القسم الأول أعني حجة الإسلام ما عرفت من الشروط العشرة و أن شروط الحج النيابي البلوغ، و العقل في النائب، و إسلام النائب و المنوب عنه، و إيمانهما علي اختلاف فيه، و معرفة النائب بأعمال الحج، و عدم اشتغال ذمته بحج واجب في ذلك العام.

الثاني: أن هذه العبادة تنقسم في التشريع الأول الديني إلي أقسام ثلاثة تمتع و افراد و قران، و الأول فرض من كان بعيدا عن مكة مساحة ثمانية و أربعين ميلا أو أكثر من ذلك من كل جانب، و يسمي هذا المكلف بالآفاقي و هذا القسم تدخل عمرته فيه، و تشترك معه في الوجوب و شروطه، و تلازمه في الصحة و الفساد، و تقارنه في زمان العمل و سنة إتيانه. و الثاني و الثالث فرض أهل مكة و من كان بين مسكنه و بينها أقل من ثمانية و أربعين ميلا من كل جانب و يسمّي هذا المكلف مكيا.

و قد خاطب اللّه تعالي في كتابه الكريم كلا من أهل الآفاق و أهل أم القري بصنف من أصناف هذا النوع من العبادة.

الثالث: مجموع أعمال حج التمتع عبارة عن أربعة عشر عملا في أزمنة خاصة و أمكنة معينة، و قد جمعت في مصراع من بيت (أوو ارنحط رس طر مر لحج) و صورته بعد قصد عنوانه و الإتيان بعمرته، ان يحرم من مكة أو من دويرة أهله، ثم يمضي

إلي عرفات، فيقف من زوال يوم عرفة إلي غروبه، ثم يفيض إلي المشعر، فيبيت فيه، و يقف فيه بعد طلوع الفجر من يوم العيد إلي طلوع شمسه، ثم يمضي إلي مني فيرمي فيه يوم العيد جمرة العقبة، ثم ينحر أو يذبح هديه، ثم يحلق أو يقصر فيحل من كل شي ء من محرمات

مصطلحات الفقه، ص: 199

الإحرام إلّا الطيب و النساء، ثم هو مخير بين أن يأتي مكة ليومه فيطوف طواف الحج و يصلي ركعتيه و يسعي سعيه، فيحل عن الطيب، ثم يطوف طواف النساء و يصلي ركعتيه فتحل له النساء أيضا، ثم يعود إلي مني ليبيت بها ليالي التشريق و يرمي في أيامها الجمار الثلاث فيتم حجه، و بين أن يقف بمني ليالي التشريق و يرمي أيامها، ثم يعود إلي مكة فيطوف و يسعي للحج و يطوف للنساء و يصلي ركعتيه، و صورة حج القران بعد قصد عنوان كحج التمتع مع اختلاف يسير في كيفية إحرامه، مذكور تحت عنوان الإحرام و صورة حج الإفراد كحج التمتع إلّا ان الهدي واجب في التمتع مندوب في الافراد.

الرابع: ذكر الأصحاب انه يشترط في حج التمتع أمور:

أحدها: وجوب نية هذا الصنف من نوع الحج عند عقد إحرامه.

ثانيها: ان يكون عمرته و حجه في أشهر الحج شوال و ذي القعدة و ذي الحجة فلو أتي بواحد منهما في غيرها أو ببعض منهما كذلك بطل العملان.

ثالثها: أن يكون العملان في سنة واحدة فلا يصحان مع انفصال سنة العمل.

رابعها: أن يكون إحرام حجه من بطن مكة أو من دويرة أهله.

خامسها: أن يكون مجموع عمرته و حجه من واحد و عن واحد فلو استناب شخصان عن واحد، أحدهما لعمرته و الآخر لحجة أو استناب

شخص واحد في سنة في عمرة التمتع عن واحد و حجّه عن آخر لم يجز عن المنوب عنه في الفرضين و هذا الشرط مورد إشكال أو اختلاف محتمل للصحة في الفرضين و التفصيل في الفقه.

الحجر- حجر إسماعيل

الحجر بتثليث الحاء في اللغة المنع يقال حجره يحجره من باب قتل منعه، و في المجمع الحجر أيضا الحائط المستدير إلي جانب الكعبة الغربي، و كله من البيت أو ستة أذرع أو سبعة أقوال انتهي. و قد كثر استعمال الحجر في المكان المعروف في جانب الكعبة المكرمة، بل لعله قد صار مصطلحا فيه شرعيا و فقهيا، و ورد في تعيين حدوده نصوص و رتب عليه

مصطلحات الفقه، ص: 200

أحكام و وقع مورد البحث في الفقه موضوعا و حكما.

أما الموضوع فقد ذكروا أنه المكان المعين الواقع في الجانب الغربي من الكعبة و حجر عليه بحائط مستدير علي نحو نصف الدائرة، و رووا أن إبراهيم الخليل عليه السلام لما قضي مناسكه أمره اللّه بالانصراف فانصرف، و مات أم إسماعيل فدفنها في الحجر و حجر عليه لئلا يوطأ قبرها، و توفي إسماعيل بعد ذلك و هو ابن ثلاثين و مائة سنة فدفن في الحجر مع أمه، و أن فيه قبور الأنبياء و أنه دفن فيه مما يلي الركن الثالث عذاري بنات إسماعيل.

و أما الحكم فالمشهور أو المتفق عليه عند أصحابنا ان الحجر يعد من البيت في الطواف بمعني أنه يجب وقوع الطواف حوله خارجا عنه كنفس الكعبة، فلو اقتصر الطريق و دخل من باب الحجر و خرج من بابه الآخر، أو مشي علي حائطه بطل طوافه، كما ان المشهور شهرة عظيمة عدم كونه من الكعبة بل ليس شي ء منه من البيت حتي بمقدار قلامة

ظفر، فلا تكفي الصلاة إليه إذا لم يتوجه إلي الكعبة، و عن بعض العامة ان الحجر من البيت و عن آخر منهم ان فيه ستة أذرع من البيت.

الحجر الأسود

الحجر في اللغة و العرف هو الجوهر الصلب المعروف، و الظاهر صيرورته مع توصيفه بالأسود حقيقة في مصطلح الشرع و الفقه في حجر خاص منصوب في الركن العراقي من الكعبة المعظمة زادها اللّه شرفا، و هو من أحجار الجنة قد أنزله اللّه منها في بدء بناء البيت المبارك، و كان عند نزوله أشد بياضا من اللبن فسودّته خطايا بني آدم، و هو الذي ألقمه اللّه المواثيق، فيجي ء يوم القيامة و له لسان ناطق و عين ناظرة ليشهد علي من وافاه في ذلك المكان، و حفظ الميثاق، و هو الذي يعلم من يرد عليه و يستلمه، و هو أحد الأحجار الثلاثة التي أنزلها اللّه من الجنة و الآخر ان مقام إبراهيم و حجر بني إسرائيل.

و كيف كان فقد رتب علي الحجر في الشريعة أحكام و وقع البحث في الفقه عما رتب عليه من تكليف و وضع، نظير انه يستحب استلامه عند الطواف أو مطلقا و هو لمسه

مصطلحات الفقه، ص: 201

بالقبلة أو باليد لإعلام الوجود و إيداع العهود و استحفاظ المواثيق. و أنه مبدأ الطواف أي مبدأ كل شوط من أشواطه السبعة فإن من الحجر إلي الحجر شوط.

حجر الاستنجاء

وقع البحث عنه في الفقه في باب الطهارة و فصل الاستنجاء و رتب عليه بعض الأحكام، و لم يقع البحث عنه هناك بخصوصه بل بما هو مزيل، فإن المراد منه كل جسم قالع لنجاسة الغائط عن المخرج كالمدر، و الخرقة، و القرطاس، و نحوها و قد اشترطوا فيه الطهارة و لا يشترط البكارة بل يجزي المستعمل المغسول بعده.

و الحكم بمطهرية تلك الأشياء و طهارة المحل بها مختص بنجاسة مخرج الغائط دون مخرج البول و دون تنجسه بغير الغائط من

المتنجسات، و في جواز الاستنجاء بالمحترمات أو بالعظم و الروث تكليفا، و كذا في حصول طهارة المحل لو استنجي بها. إشكال و اختلاف مذكور في باب الاستنجاء.

الحدّ

الحدّ في اللغة المنع، و بمعني الحاجز بين شيئين، و في النهاية أصل الحدّ المنع و الفصل بين الشيئين فكأنّ حدود الشرع فصّلت بين الحلال و الحرام فمنها ما لا يقرب كالفواحش المحرّمة، و منها ما لا يتعدي كالمواريث المعيّنة و تزويج الأربع انتهي. و في المفردات الحدّ الحاجز بين الشيئين الذي يمنع اختلاط أحدهما بالآخر، يقال حددت كذا جعلت له حدّا يميّز و حدّ الدّار ما تتميز به عن غيرها و حدّ الشي ء الوصف المحيط بمعناه المميز له عن غيره، و حدّ الزنا و الخمر سمّي به لكونه مانعا لمتعاطيه عن تعاوده مثله و مانعا لغيره ان يسلك مسلكه انتهي.

و الحاصل ان الحدّ في اللغة مصدر بمعني المنع و استعماله في الحاجز و الأرض و ثغور البلدان و الممالك بلحاظ المانعية، و قد كثر استعماله في الفقه في باب الحدود في خصوص

مصطلحات الفقه، ص: 202

الأحكام الجزائية بحيث كاد أن يكون اصطلاحا خاصا فيها، فذكروا هناك ان كلّ عقوبة مقدرة تسمّي حدّا و ما ليس كذلك يسمي تعزيرا، و في المسالك الحدود جمع حدّ و هو لغة المنع و شرعا عقوبة خاصّة يتعلق بإيلام البدن بواسطة تلبس المكلف بمعصية خاصة عيّن الشارع كميتها في جميع افراده انتهي.

و الاولي تعريفه بأنه عبارة عن الأحكام الكلية الجزائية المجعولة للمتخلف عن الأحكام الأولية غير الكفارات، و تسمي تلك الأحكام العقوبات أيضا، و إطلاقه عليها بملاك كونها حاجزة بين المكلف و المعاصي، كما إن إطلاق الحد علي سائر الأحكام الشرعية التكليفية و

الوضعية بملاك ان الجميع حدود و ثغور لأفعال العباد، يميز بها بين ما يتقرب به العبد إلي اللّه تعالي و غيره، و ما يحبّه اللّه تعالي و يبغضه، و ما فيه المصلحة لهم و ما فيه المفسدة، و في الصحيح ان اللّه قد جعل لكل شي ء حدا و جعل لمن تعدي ذلك الحدّ حدا، فالشي ء هنا أفعال المكلفين و بعض الموضوعات الخارجية كالطاهر و النجس و الكرّ و القليل و نحوها و المراد بالحد الأول الأحكام الشرعية تكليفا و وضعا، و بالحد الأخير خصوص الأحكام الجزائية و لعلها تشمل الكفارات أيضا.

ثم ان للحد معني اصطلاحيا آخر و هو مطلق العقوبة الشرعية الأعم مما له مقدر و مما لا تقدير له الذي يسمي تعزيرا، و هنا أحكام كثيرة مترتبة علي عنوان الحد، كدرء الحدود بالشبهات، و عدم جريان اليمين في الحد، و عدم الكفاية فيه، و كون الإمام مخيرا في العفو عن الحد الثابت بالإقرار دون البينة، و عدم الشفاعة في الحد و نحو ذلك، و هذه الأحكام علي الإطلاق الأول لا تشمل التعزيرات و علي الثاني تشملها فلا بد للفقيه من التحري في ذلك.

ثم انه يظهر من المسالك ان تعريف الحد غير منتقض لان كل حد له مقدر معين، و اما تعريف التعزير فمنتقض، فإنه قد عين مقدار العقوبة في عدّة من أقسام التعزيرات و لعلها تبلغ خمسة موارد: أولها تعزير المجامع زوجته في نهار رمضان فإنه مقدر شرعا بخمسة و عشرين سوطا، ثانيها من تزوج أمة علي حرة فدخل بها قبل إذن الزوجة فإنه يضرب

مصطلحات الفقه، ص: 203

اثنا عشر سوطا و نصفا ثمن حد الزاني، ثالثها المجتمعان تحت إزار واحد مجردين مقدر بثلاثين إلي

تسع و تسعين علي قول، رابعها من افتض بكرا بإصبعه فإنه يجلد من ثلاثين إلي سبعة و سبعين عند الشيخ و من ثلاثين إلي ثمانين عند المفيد و من ثلاثين إلي تسعة و تسعين عند ابن إدريس، خامسها الرجل و المرأة يوجدان في لحاف واحد و إزار مجردين يعزّران من عشرة إلي تسعة و تسعين انتهي. هذا و لا يخفي عليك انه يمكن دعوي عدم التقدير في الثلاثة الأخيرة و اما الأولان فلا بأس بعدهما من موارد الحد لانطباق تعريفه عليهما، و إطلاق التعزير عليهما في النصوص بلحاظ المعني اللغوي.

هذا بعض الكلام في الحد الاصطلاحي بعنوانه الكلي في مقابل المعني اللغوي، و أما مصاديقه المعينة من الشرع و المذكورة في الفقه فهي ثمانية أو عشرة أو ثلاثة عشر: حد الزنا، و حد اللواط، و حد السحق، و حد القذف، و حد القيادة، و حد شرب الخمر، و حد السرقة، و حد المحاربة، و مع إدراج القسمين الأولين مما ذكره في المسالك تكون عشرة، و مع إدراج جميعه تبلغ ثلاثة عشر قسما، و الكلام فيها في كتاب الحدود، و راجع أيضا عنوان الزنا و اللواط و غيرهما.

الحداد

الحداد بالكسر في اللغة مصدر بمعني المنع، و الفعل حدّ يحد حدا أو أحدّ يحد احدادا و حدّت المرأة أو أحدّت منعت نفسها من الزينة، و في المجمع حدت المرأة علي زوجها تحد حدادا بالكسر فهي حاد بغيرها، إذا حزنت عليه و لبست ثياب الحزن و تركت الزينة انتهي.

و بالجملة وقع الحداد بمعناه اللغوي مورد البحث في الفقه و ذكروا انه يجب علي المرأة المتوفي عنها زوجها الحداد في مدة العدة، و فسروه بأنه عبارة عن ترك كل ما

يعد زينة تتزين به الزوجة في الأوقات المناسبة له من الأعياد و الأعراس و نحوهما فيجب عليها ترك الزينة في البدن، بمثل الاكتحال و التطيب و تحمير الوجه و نحو ذلك، و في اللباس بلبس

مصطلحات الفقه، ص: 204

الأحمر و الأصفر و الحلي، و يختلف عنوان الزينة بحسب الأشخاص و الأزمان و البلاد، فاللازم ترك ما يعد زينة في متعارف المحل، و لا بأس بتنظيف البدن و اللباس و تسريح الشعر و الاستحمام و ما أشبه ذلك.

ثم انهم ذكروا انه لا فرق في الزوجة بين المسلمة و الذمية و الدائمة و المنقطعة، و ان الحداد واجب مستقل و ليس شرطا لصحة العدة فلو تركته في تمام المدة أو بعضها لم يضر بالعدة و لا يجب قضاؤه و تداركه بعد العدة.

الحدث

هو في اللغة الأمر الحادث و الأمر المنكر الذي ليس معتادا من السنة، و البدعة في الدين، و الغائط، و الحدث أيضا الشاب و الجمع أحداث، و في المجمع الحدث اسم للحادثة الناقضة للطهارة شرعا و الجمع أحداث مثل سبب و أسباب و هو يعم ما خرج من السبيلين و غيره انتهي.

هذا ما ذكره بعض أهل اللغة و أما الفقهاء فيظهر منهم انّ له عندهم اصطلاحا خاصا في هذا العلم، قال في المدارك: الحدث نجاسة حكمية لا تزول إلا بالنية، و الخبث نجاسة عينية تزول بغير النية، و أما ان الأول ما لا يدرك بالحس و الثاني ما يدرك به فهو غير تام انتهي.

و في الجواهر: ان المراد بالحدث أما نفس الأمور المؤثرة الموجبة لفعل الطهارة و يراد حينئذ بالإزالة الإزالة الحكمة و أما الأثر الحاصل منها (ج 1 ص 62) و في مصباح الفقيه و

المراد بالحدث الأثر الحاصل عند عروض أسبابه المانع عن الدخول في الصلاة المتوقف رفعه علي النية (الطهارة ص 6).

ثم انه يفهم منها و من غيرها من عبائر الأصحاب ان للحدث عندهم إطلاقين، إطلاقا علي السبب و هو عدة أمور سموها أسباب الحدث و موجباته، و قد أنهاها بعض إلي اثني عشر قسما ذكرناها في الوضوء و قد علمت هناك انها في الحقيقة نواقض للوضوء و ليست أسبابا و لا موجبات له إلا بمسامحة، و إطلاقا علي المسبب و هو الحالة النفسانية التي لها نوع

مصطلحات الفقه، ص: 205

حزازة و دناسة، و لها مرتبتان، خفيفة هي الحدث الأصغر الحاصل بثمانية من الأمور المذكورة، و شديدة تسمي بالأكبر و هي حالة نجاسة باطنية و قذارة نفسية تحصل بأربعة من الأمور المذكورة، و الأولي و الأرجح المناسب لإطلاقات النصوص هو الثاني أي المسبب كإطلاق ان الطهارة مزيلة للحدث و نحوه، و إن أوّله صاحب الجواهر بما عرفت.

ثم ان الحدث بمعني الأسباب اسم جنس شامل لأنواع مختلفة الحقائق كالبول و النوم و الريح و زوال العقل و نحوها، و أما بمعني المسبب ففي كونه حقيقة وحدانية و أمرا متأصلا مشكّكا يحصل مصداق منه عند حدوث كل واحد من أسبابه، و تختلف شدة و ضعفا حسب اختلاف الأسباب، أو كون الأصغر منه حقيقة و الأكبر حقيقة أخري تستند كل منها إلي أسبابها، أو كون الأصغر كالفرض و الأكبر حقائق مختلفة متعددة حسب تعدد أسبابه وجوه أقربها الأخير.

تنبيه: قد عرفت فيما سبق ان أسباب الحدث تنحصر عندهم في أمور و قد عدها المفيد (قده) في القسم الأول من كتاب المقنعة عشرة قال: و جميع ما يوجب الطهارة من الأحداث عشرة أشياء: النوم

الغالب علي العقل،. و الإغماء، و البول، و الريح، و الغائط، و الجنابة، و الحيض للنساء، و الاستحاضة منهن، و النفاس، و مس الأموات من الناس بعد برد أجسامهم بالموت و ارتفاع الحياة منها قبل تطهيرهم بالغسل، و ليس يوجب الطهارة شي ء من الأحداث سوي ما ذكرناه علي حال من الأحوال، إلي أن قال و الطهارة المزيلة لحكم الأحداث علي ضربين أحدهما غسل و الآخر وضوء انتهي (المقنعة ص 38).

الحدود تدرأ بالشبهات

اشارة

الحد في اللغة الحاجز بين شيئين، و المراد به هنا الأحكام الجزائية للإسلام التي شرعها اللّه تعالي عقوبة لمرتكبي المعاصي، كان حدا اصطلاحيا أو تعزيرا كحد الزنا و شرب الخمر و غيرهما، و الدرء في اللغة الدفع و المنع، و الشبهة الشك، و العنوان المركب من هذه الألفاظ قاعدة كلية استنتجها الأصحاب من الأدلة و النصوص، و أفتوا بمضمونها في موارد

مصطلحات الفقه، ص: 206

مختلفة من الحدود، أرادوا بها أن الشارع قد رفع عقوبة الحد و التعزير عن المرتكب لأسبابهما إذا كان هناك شبهة طارئة و إبهام و ترديد.

و الظاهر انه لا إشكال عند الأصحاب في أصل ثبوت القاعدة، و إنما الإشكال في بعض فروعها، لما في مفادها من الإجمال في الجملة دليلا و موردا كما ستعرف. و عمدة الخدشة فيها من جهتين الاولي انّه هل المراد بالشبهة هو الشبهة العارضة للحاكم في حكمه و قضائه، من جهة الإجمال في الدليل أو موضوعه، أو الحاصلة لمن صدر عنه الذنب، و علي الثاني هل المراد الشبهة التي تكون عذرا لصاحبها لقصوره، أو يعمها و التي لا تكون عذرا له لتقصيره، أو المراد الأعم من الشبهتين الحاصلة للحاكم و المحكوم.

الثانية- انه هل يحتاج الفقيه أو القاضي في موارد

فتواه و قضائه إلي هذه القاعدة أو لا يتحقق له حاجة إليها لظهور حكم الحوادث بعناوينها الأولية أو الثانوية.

فنقول: أما الجهة الأولي فالظاهر عموم الشبهة الواقعة في عنوان القاعدة لما قد يعرض علي الحاكم و ما قد يعرض علي المحكوم، أما الأول فلظهور جريان القاعدة فيما لو كان حال مرتكب الذنب معلوما للحاكم، و كانت الشبهة حاصلة له من ناحية وجود الإجمال في مدرك الحكم الذي أراد القضاء به، كما إذا ارتكب شخص كبيرة مع جهله بالحكم أو الموضوع تقصيرا، و شك الحاكم في تنجيز ذلك الجهل و عدمه، كما إذا شرب الشخص خمرا جاهلا بحرمته بسيطا أو شرب أحد الاناءات المشبهة بالخمر بشبهة محصورة.

و نظيره ما لو نكح بكرا بالغة بدون إذن أبيها مع تردده في شرطية إذنه، أو أقر بما يوجب القتل من الزنا و اللواط أربع مرات ثم أنكر، فشك الحاكم في سقوط الحد بالإنكار، لاحتماله اختصاص أدلة السقوط بالإقرار بالرجم فقط، و غير ذلك من الأمثلة.

و أما الثاني فهو أظهر من الأول و ظهور جريان القاعدة فيما إذا عرضت الشبهة لمرتكب الذنب، سواء كانت عذرا لصاحبها أو لم تكن، كموارد ارتكاب المعاصي مع الجهل بالحكم أو الموضوع أو نسيانهما أو غير ذلك من الشبهات مع كونه مقصرا و ذلك لصدق عنوان الشبهة مطلقا بلا ترديد فتجري القاعدة لتحقق موضوعها.

و أما الجهة الثانية: ففيها تفصيل بين شبهة الحاكم و المحكوم، فإن الإنصاف انه لو لم تكن

مصطلحات الفقه، ص: 207

القاعدة جارية في الأول كان الحكم هو الدرء عند الشبهة أيضا، إذ ليس له إجراء الحد إلّا فيما إذا كان الحكم و موضوعه محرزين عنده بحجة عقلية أو شرعية، فإذا شك في ذلك اندرأ

الحد بنفسه لعدم ثبوت مقتضيه لا للاستناد إلي مانعه.

و أما الشبهات العارضة للمحكوم، فالأمر كذلك فيما إذا كانت عذرا له فإذا ارتكب كبيرة جهلا بحكمها أو موضوعها مثلا، كانت الأدلة العامة فضلا عن الخاصة الحاكمة برفع المؤاخذة عن الخطأ و النسيان و ما لا يعلم، كافية في رفع الحدود و التعزيرات. و أما العارضة للمحكوم في موارد التقصير فالظاهر انه لا إشكال في جريان الأدلة الأولية الحاكمة بالحدود و التعزيرات فان مقتضاها تنجز الواقع في حقه و استحقاقه العقوبة علي مخالفته، و الحدود أيضا من العقوبات و حينئذ فلا دارأ للحدود إلّا جريان قاعدة الدرء، و هذا من موارد ظهور الثمرة لهذه القاعدة، و عليه فينبغي ذكر أمثلة تظهر بذلك موارد الحاجة إلي القاعدة و انه لولاها كان المورد مجري للحدود.

منها: ما لو علم بعروض جنون لشخص و زناه مع امرأة مع تعين زمان الجنون و الشك في كون الزنا قبله أو بعده، فان مقتضي جريان الاستصحاب في مجهول التاريخ وقوع الزنا حال تعقله و ثبوت الحد، فلا دارأ له إلّا القاعدة.

و مثله ما لو أسلم الكافر و زنا بمؤمنة مع العلم بزمان الزنا دون الإسلام، فاستصحاب تأخير كفره يوجب قتله إلّا أن يدرأ بالقاعدة.

و نظيره أيضا ما لو ارتدت المرأة المسلمة و علم بزناها مع كافر في زمان معلوم فاستصحاب بقاء الإسلام حال الزنا يوجب القتل للزاني إلّا إذا تمسّك بذيل القاعدة.

و منها: ما لو تداعي اثنان ولدا و أقاما بينة فتعارضت البينتان، ثم قتله أحدهما عمدا فهل يقتص من القاتل أو لا لاحتمال أبوّته لكن مقتضي القاعدة القصاص لثبوت المقتضي له و هو قتل المؤمن و عدم المانع عنه إلّا ان يتمسك بذيل

القاعدة و غير ذلك من الموارد.

تنبيه:

استدل الأصحاب علي قاعدة الدرء بنصوص منها النبوي صلّي اللّه عليه و آله و العلوي عليه السلام: ادرؤوا

مصطلحات الفقه، ص: 208

الحدود بالشبهات «1» و ما عن العامة ادرؤوا الحدود علي المسلمين أو عن عباد اللّه ما استطعتم أو ادفعوا الحدود عن عباد اللّه ما وجدتم له مدفعا، و ما في الصحيح عندنا عن علي أتي بامرأة مع رجل قد فجر بها فقالت استكرهني و اللّه يا أمير المؤمنين فدرأ عنها الحد انتهي و هذا غير دال لعدم ذكر الشبهة و لاحتمال كون الدرء لحصول العلم له عليه السلام بصحة دعواها و لو فرضنا شكه عليه السلام في ذلك فالدرء لعدم إحراز الموضوع.

الحرم

الحرم بفتحتين في اللغة ما يحميه الرجل و يدافع عنه، و الحرم ما لا يحل هتكه، و قد كثر استعماله في الشرع و كلمات الفقهاء في أمكنة خاصة اعتبر لها الشارع قداسة و حرمة، فجعلها ممّا يحرم هتكه و رتب عليها أحكاما تكليفية و وضعية، إيجابية و ندبية، و عمدة مصداق الحرم هي ما سمي حرم مكة، و هو حرم اللّه تعالي و حرم بيته و قد ذكر له حدود في النصوص، و إن إبراهيم الخليل قد حدّه بحدود و وضع له علامات و منارات، و ما زالت قريش تعرفها في الجاهلية و الإسلام، و تعلم ان ما دون العلامات من الحرم و ما وراءه خارج عنه، و لو خططنا علي تلك الحدود خطا شاملا تولد منه شبه دائرة غير منظمة بعض قطعاتها القوسية قريب من مكة و بعضها بعيد، و قطرها فيما بين الشمال و الجنوب يقرب من ثمانية عشر كيلو مترا، و فيما بين المشرق و المغرب من واحد و ثلاثين

كيلو مترا، و داخل الدائرة بجميع محاطها يسمي حرما و خارجها حلا، و أقرب نقطة الدائرة إلي مكة التنعيم الواقع في ناحية غرب الحرم بين جبلي ناعم و نعيم علي طريق المدينة، و بعده من مكة ست كيلو مترا، ثم الجعرانة و هي واقعة في ناحية شمال الحرم علي مسافة أربعة عشر كيلو مترا علي طريق الطائف، ثم الحديبية و تسمي الشميس أيضا و هي أبعد حدود الحرم عن مكة وقعت علي طريق جدة، و بينها و بين مكة خمسة عشر كيلو مترا، و من حدوده اضاة اللبن و بينها و بين مكة اثنا عشر كيلو مترا، و منها أيضا المزدلفة.

______________________________

(1) الوسائل 18 أبواب مقدمات الحدود ب 24 ح 4.

مصطلحات الفقه، ص: 209

ثم انه قد رتب في الشريعة علي الحرم أحكام عمدتها انه لا يجوز الدخول فيه لمن أراد دخول مكة المكرمة إلّا محرما، فيجب علي كل من قصد مكة الإحرام عند دخول الحرم، فهو نظير الوضوء للصلاة الواجبة و المندوبة، فإذا وجب الدخول بسبب من الأسباب وجب الإحرام وجوبا مقدميا مولويا و إذا لم يجب وجب وجوبا شرطيا كالوضوء للنافلة.

فظهر ممّا ذكرنا انه لا يجب الإحرام إلّا لدخول مكة فهو من مقدماته، فإن لهذا البلد الأمين قداسة و مزية تقتضي أن يفده الوافدون بهذه الكيفية. قال صلّي اللّه عليه و آله يوم فتح مكة: ان اللّه حرّم مكة يوم خلق السموات و الأرض و هي حرام إلي أن تقوم الساعة لم تحل لأحد قبلي و لا تحل لأحد بعدي، و لم تحل لي إلّا ساعة من نهار، و معني عدم الحلية عدم جواز الدخول بدون رعاية آدابها الشرعية التي أهمها الإحرام.

ثم انهم استثنوا من

ذلك موردين الأول الخارج من بعد الإتيان بحج أو عمرة إذا أراد الدخول بها قبل مضي شهر من عمله السابق فإن له العود بدون الإحرام ما لم يمض شهر من نسكه السابق، و قد علل ذلك في الموثقة بأن لكل شهر عمرة و هذا مبني علي ان المراد بالتعليل انه لا عمرة إلّا عند مضي شهر من السابقة، و قد يقال ان معني التعليل ان الشارع شرع لكل شهر عمرة و ليس للمكلف الإتيان بأكثر من ذلك في شهر، من غير نظر إلي زمان الفصل بينهما، و لا فرق بين الوجهين لو اتفق وقوع النسك الأول في أول شهر كرجب مثلا فان له الدخول بلا إحرام إلي أول شعبان، و يظهر الفرق فيما لو اتفق وقوع السابق في عشرين من رجب مثلا، فإنه يدخل بلا إحرام إلي آخره، و لو أراد الدخول في أول شعبان مثلا لم يجز الإحرام إلي عشرين منه علي الأول و وجب علي الثاني.

المورد الثاني أحد العنوانين الآتيين علي اختلاف بين الأصحاب، الأول من يتكرر عنه الدخول و الخروج كالحطاب، و الحشاش، و المعيد للمريض، و التاجر، و السائق و نحوهم، لورود النص بذلك و للزوم الحرج لو وجب لكل دخول، و الثاني المجتلب لمحاويج الناس إلي البلد من الأطعمة، و الألبسة، و لوازم بناء البيت من الخشب و الحديد و الطوب، تكرر ذلك أم اتفق في شهرين مرة، و المسألة محل اختلاف راجع المطولات.

مصطلحات الفقه، ص: 210

الحسد

الحسد في اللغة كراهة النعمة علي المحسود و تمني زوالها، سواء وصلت إلي الحاسد أم لا، و ليس للّفظ اصطلاح خاص شرعي أو فقهي. و قد حكم عدة من الأصحاب بحرمة صفة الحسد

بمجرد حصولها في القلب، فإن أظهرها الحاسد بقول أو فعل و تظاهر بذلك فهو محرم آخر، و صرّحوا أيضا بأن وجوده الباطني غير قادح للعدالة و القادح هو التظاهر بذلك، صرح به في الشرائع و المسالك و كشف اللثام.

أقول بناء علي القول بحرمة الحسد فهل المحرم الذي هو مورد النهي و متعلق التحريم، نفس وجود الصفة في القلب و لو كان صاحبها مسلطا علي نفسه مانعا عن تأثيره في الخارج و عن ظهوره في الأقوال و الأفعال، أو الصفة مع قصد صاحبها لأعمالها في الخارج متي أتاحت له الفرصة و لو لم يظهر منه شي ء بعد، أو هو نفس الآثار الخارجية المسببة عنها من الأقوال و الأفعال و الكتابة و غيرها التي تصدر لغرض إيراد النقص علي المحسود و إزالة نعمته وجوه.

ظاهر إطلاق بعض حرمة الجميع إلا أن ذلك غير مراد قطعا إذ القسم الأول غير اختياري في الغالب أو مطلقا، لورود النصوص بأنه لا يخلو من الحسد أحد نبي فمن دونه، و أما القسم الثاني فظاهر بعض حرمته كما عرفت، لكن الحكم بالحرمة ينافي حكمهم بعدم قدحه في العدالة فالحكمان متنافيان فالصواب هو الثالث و مقتضاه كون الحرام ظهور الحسد في الخارج في قالب القول أو الفعل علي اختلاف مراتبها.

و يشهد بذلك عدة من النصوص كخبر حمران عن أبي عبد اللّه عليه السلام: ثلاثة لم ينج منها نبي فمن دونه التفكر في الوسوسة (الوسوسة في التفكر) و الطيرة و الحسد إلّا ان المؤمن لا يستعمل حسده (الوسائل 15 ص 366) و خبر المجالس قال النبي صلّي اللّه عليه و آله في الحسد: انه ليس بحالق الشعر لكنه حالق الدين و ينجي فيه ان يكف

الإنسان يده و يخزن لسانه و لا يكون ذا غمز علي أخيه المؤمن انتهي. فيظهر منه ان حلق الحسد للدّين و إزالته فيما إذا لم يكف الحاسد يده و لا لسانه و إلّا فلا يكون حالقة، و صحيح داود في قول اللّه تعالي لموسي (ع) يا بن عمران

مصطلحات الفقه، ص: 211

لا تحسدن الناس علي ما أتيتهم من فضلي و لا تمدن عينيك إلي ذلك و لا تتبعه نفسك، فإن الحاسد ساخط لنعمتي انتهي. و مد العين و اتباع النفس للحسد عبارة عن أعماله بالحركات الخارجية وفق ما تقتضيه صفة الحسد. و قوله تعالي أَمْ يَحْسُدُونَ النّٰاسَ عَليٰ مٰا آتٰاهُمُ اللّٰهُ مِنْ فَضْلِهِ، ظاهر في العمل علي وفقه، و حسّاد ولاية الأئمة عليهم السلام الذين هم المقصودون بالآية الشريفة ما كان حسدهم إلا بإظهار تلك في جميع مراحله القولية و الفعلية. و قد ذكرنا في العجب كلاما يناسب المورد.

ثم انه لا بد حينئذ من ملاحظة الآثار المسببة عن هذه الصفة فإنهم قد حكموا بكونها من المعاصي الكبيرة كثيرة المفسدة عظيمة المغبة، فإن مقتضي ذلك كون كل كلمة أو حركة يسيره من فعلة أو لفظة أو كتابة أو نحو ذلك إذا صدرت عن تلك الصفة و في طريق أعمالها معصية كبيرة موبقة. و نظيره ما يترائي من تعلق التحريم أو الوجوب بصفات النفس في موارد كثيرة: كقوله العامل بالظلم و المعين له و الراضي به شركاء ثلاثتهم، فإن ظاهره الشركة في الإثم و العقاب، و ما ورد في ذم قسوة القلب من قوله صلّي اللّه عليه و آله و القاسي القلب مني بعيد و البعد من آثار العصيان، و قوله صلّي اللّه عليه و آله رأس كل

خطيئة حب الدنيا، و قوله ملعون من ترأس ملعون من حدّث بها نفسه، و وجوب الصبر علي الطاعة و ترك المعصية، و وجوب حسن الظن باللّه، و حرمة سوء الظن، و وجوب الخوف من اللّه تعالي، و وجوب اليقين باللّه في الرزق و العمر و غير ذلك من الموارد، و المسألة غير منقحة في الفقه.

الحضانة

الحضانة بالكسر و الحضن و الاحتضان في اللغة التربية، يقال حضن الصبي يحضنه من باب قتل ربّاه، و في المجمع حضن الطائر بيضه يحضنه إذا ضمّه إلي نفسه تحت جناحه، و كذا المرأة إذا حضنت ولدها، و الحضانة بالفتح و الكسر اسم منه، و هي ولاية علي الطفل و المجنون لفائدة تربيته و ما يتعلق بها من حفظه، و جعله في سريره، و رفعه، و غسل ثيابه، و بدنه، و مشطه، و جميع مصالحه غير الرضاعة انتهي.

مصطلحات الفقه، ص: 212

و الكلمة مستعملة أو مصطلحة في الفقه في باب النكاح في خصوص حضانة الأم أو الأب للولد و تربيتهما له، و لعل حقيقتها المتشرعية هنا هي الولاية علي الطفل ولاية خاصة اعتبرها العقلاء و العرف و أمضاها الشرع رعاية لبقاء المجتمع و حفظا لحياة نسله المتسلسل، و من فوائدها و آثارها ما ذكره في المجمع و قد رتب عليها في الشريعة أحكام ذكرها الأصحاب في الفقه في باب النكاح نظير أن الأم أحق بحضانة الولد و تربيته في الحولين ذكرا كان الولد أو أنثي، فليس للأب أن يأخذه منها و إن فطم من اللبن سواء كانت هي المرضعة له أو غيرها، و أنه إذا انقضت مدة الحولين فالأب أحق بالذكر و الأم بالأنثي حتي تبلغ سبع سنين من عمرها، ثم يكون

الأب أحق بها، و أنه لو اتفق ان الزوج فارق الأم بفسخ أو طلاق قبل السبع لم يسقط حقها ما لم تتزوج بالغير، فإذا تزوجت سقط حقها عن الذكر و الأنثي و كانت الحضانة للأب، و هي تسقط بالبلوغ مطلقا و هكذا.

حفظ كتب الضّلال

اشارة

مفهوم العنوان بيّن و قد وقع مورد البحث في الفقه، و ذكروا انه رتب عليه أحكام في الشريعة، و يتوقف تشخيص الحق في المقام علي بيان المراد من متعلق الحكم و موضوعه أعني كتب الضلال و الحفظ المتعلق به، أما الأول فالظاهر أن المراد كل كتاب أو ما أشبهه يكون سببا للإضلال و حصول الانحراف في العقائد الأصولية، أو في الأخلاق، أو في الأحكام الفرعية، بل كلما كان مشتملا علي الأكاذيب فيما يتعلق بحالات الأنبياء عليهم السلام و الأوصياء عليهم السلام و الملائكة عليهم السلام و أحوال البرزخ و حالات القيامة و ما بعدها، فيشمل الكتب السماوية المحرفة و كتب الأديان و المذاهب الباطلة، و المكاتب المضلة، و كتب القصص الكاذبة و الاشعار اللهوية، و المقالات المجعولة المكذوبة، و المشتملة علي الصور و التماثيل و الأساطير المحركة للشهوة و الغضب و سائر الحالات و الملكات الرذيلة، و كذا الشريطات المعدة للتسجيل مصورة أو غير مصورة إذا كان محتواها مما في الكتب المذكورة، و الضابط كلما كان وسيلة لحفظ المطالب الباطلة الموجبة للفساد، و الإضلال في

مصطلحات الفقه، ص: 213

افراد المسلمين أو مجتمعهم أو غيرها مما يستفيد منه مختلف حواس الإنسان.

و أما الثاني أي الحفظ فالمراد به كل عمل يكون سببا لبقاء المطالب الباطلة المضلة و انتشارها و شيوعها في الذين آمنوا بل و غيرهم، و انتقالها من إنسان إلي آخر، و من قلب إلي

قلب، و من كتاب إلي كتاب و من مرحلة القلة إلي الكثرة، و من العلم إلي العمل و هكذا، فيشمل تأليف الكتب و تصنيفها و تفسيرها و ترجمتها من لغة إلي أخري و كتابتها و طبعها و تكثيرها، و حملها من بلد إلي آخر و من قوم إلي آخرين، و في كتاب المكاسب للمحقق الأنصاري انه يحتمل ان يراد بكتبه ما وضع لحصول الضلال، و ان يراد ما أوجب الضلال و ان كان مطالبها حقه، كبعض كتب العرفاء و الحكماء المشتملة علي ظواهر منكرة يدّعون أن المراد غير ظاهرها.

و كيف كان فالمشهور أو المتفق عليه عندنا حرمة الحفظ بل ادعي عدم الخلاف في ذلك في الجملة و ان كان بعض مصاديق الموضوع أو المتعلق محل خلاف.

تنبيه:

استدلوا علي حرمة العنوان المذكور بحكم العقل بوجوب قطع مادة الفساد، و الحفظ إبقاء لها فيحرم، و بقوله تعالي (وَ مِنَ النّٰاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللّٰهِ) مع فرض ان ما تحويه تلك الكتب من لهو الحديث، و قوله تعالي (وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) و الزور، الكذب و الغناء و قوله: انما حرم اللّه الصناعة التي يجي ء منها الفساد محضا، و قوله:

أو ما يقوي به الكفر و الشرك في جميع وجوه المعاصي و غيرها.

الحق

الحق في اللغة مصدر بمعني الثبوت، من حق يحق إذا ثبت، و الحق أيضا هو الثابت و لذا يفسر باللازم و الواجب، و قد وقع الاختلاف في حقيقته في مصطلح الفقهاء، و أحسن القول فيه انه نوع من السلطنة و الملكية و مرتبة ضعيفة منها مجعولة من ناحية العقلاء و الشرع، فكأنّ صاحبه مالك لشي ء و أمره بيده و يكون متعلقة تارة

مصطلحات الفقه، ص: 214

الشخص، كحق القصاص و حق الحضانة، و أخري العين كحق التحجير و حق الرهانة و حق الغرماء في تركة الميت، و ثالثة العقد كحق الخيار، ففي جميع الفروض يفرض ذو الحق كأنه مالك لشي ء و أمره بيده، لكنه غير الملك و غير الحكم الاصطلاحيين، أما الملك فإنه سلطنة تامة و مرتبة قوية من الاحتواء، فتري ان الإنسان إذا حجّر مواتا من الأرض مثلا ثبت له ملكية ضعيفة تسمي حق التحجير، لا يترتب عليه أغلب آثار الملكية كالبيع و الوقف و نحوهما، و إذا أحياها و أعدها للاستفادة ثبت له ملكية تامة و ترتبت عليها جميع آثارها من البيع و الهبة و الوقف و نحوها. و أما الحكم فهو و إن كان مجعولا أيضا كالحق،

إلّا ان بينهما فرقا فان المجعول في الحق السلطة علي الشي ء، و في الحكم مجرد الرخصة في الشي ء أو المنع عنه نظير جواز شرب الماء و أكل اللحم، و الأول قابل للإسقاط في الغالب و الثاني غير قابل له لعدم كون أمره بيده.

و لذا قد يقال ان الفرق بين الحق الثابت في العقود اللازمة و الثابت في العقود الحائزة، هو الفرق بين الحق و الحكم، فان المجعول من الشرع في الأول السلطة كالخيار في البيع و نحوه، و في الثاني الجواز و الرخصة كالجواز في الهبة و العارية. هذا كله في معني الحق لغة و اصطلاحا علي النحو الكلي. و أما تشخيص المصاديق و الصغريات، و تمييز الحقوق من الملك و الحكم في مختلف أبواب الفقه، فهو علي عهدة الفقيه الباحث عن أحوالها فإنه كثيرا ما يشتبه الحال و يصعب التمييز، و لا يتحصل إلّا بالاجتهاد في ظواهر النصوص، و استنطاق ألسنة الأدلة، و التحري في الآثار المترتبة علي العناوين المذكورة، فلو ثبت عنده جواز الإسقاط في مورد كحق الخيار في البيع و نحوه كشف عن كونه حقا و لا كذلك لو ثبت عدم إسقاطه، فإنه لا يكشف مطلقا عن كونه حكما إذ من الحق أيضا ما لا يسقط بالإسقاط كحق فسخ الهبة و نحوه فيرجع إلي آثار أخر.

ثم إن الأصحاب قد تعرضوا لبيان أقسام الحق و أنواعه فقسموه تارة بلحاظ صحة إسقاطه و نقله بعوض أو بلا عوض إلي أقسام:

منها: ما لا يصح إسقاطه و لا نقله و لا ينتقل بالموت كحق الأبوة و ولاية الحاكم و حق الاستمتاع بالزوجة.

مصطلحات الفقه، ص: 215

و منها: ما يجوز إسقاطه و لا يصلح نقله و لا ينتقل

بالموت كحق الغيبة و الشتم.

و منها: ما ينتقل بالموت و يصح إسقاطه و لا يصلح نقله كحق الشفعة.

و منها: ما يصلح نقله و إسقاطه و ينتقل بالموت كحق الخيار و حق القصاص و حق الرهانة و حق التحجير و حق الشرط و غير ذلك.

و اخري بملاك قابلية ثبوته بشهادة الرجال، أو النساء منضمات، أو بالاستقلال مع انضمام اليمين، أو بدونه، إلي أقسام فقسموه إلي حق اللّه و حق الناس ثم فصّلوا مواردهما، و الظاهر ان المراد بحق اللّه تعالي كلما كان ثبوته سببا لثبوت حق اللّه تعالي و حد من حدوده الجزائية أو غيرها من أحكامه، إطلاقا للمسبب علي السبب فيشمل ارتكاب الكبائر كلها، و ثبوت هلال شهر رمضان و غيره، ليثبت وجوب الصوم أو وجوب الفطر أو غيرهما.

و المراد بحقوق الناس كل قول أو فعل يكون تحققه الخارجي سببا لثبوت حق للناس دنيوي أو أخروي، كالدين و الإتلاف و نحوهما، و بذلك قد عدّوا في باب الشهادات أكثر الموضوعات و الأفعال التي تصدر من الإنسان من الحقوق، ثم ذكروا أنها من حيث أدلة ثبوتها تنقسم إلي حقوق اللّه و حقوق الآدمي، و الأول منه ما يثبت بأربعة رجال كالزنا و اللواط و السحق، و منه ما يثبت بشاهدين و هو ما عدا ذلك من الجنايات الموجبة للحد، كالسرقة و شرب الخمر و الردّة، و لا يثبت شي ء من حقوق اللّه بشاهد و امرأتين و لا بشاهد و يمين و لا بشهادة النساء منفردات.

و أما حقوق الآدمي فمنها ما لا يثبت إلا بشاهدين و هو الطلاق، و الوكالة، و النسب، و منها ما يثبت بشاهدين، و شاهد و امرأتين، و شاهد و يمين، و هو

الديون و الأموال كالقرض، و القراض، و الغصب، و عقود المعاوضات.

و منها ما يثبت بالرجال و النساء منفردات و منضمات و هو الولادة و الاستهلال و عيوب النساء الباطنة، و ضابطه كلما يعسر اطلاع الرجال عليه غالبا.

تنبيه: ذكر الأصحاب ان في الفقه موردين يثبت فيهما شهادة المرأة علي حسب

مصطلحات الفقه، ص: 216

عددهن، بمعني إنه يثبت تمام المشهود به بشهادة الأربع منهن، و ثلاثة أرباعه بشهادة ثلاثة، و نصفه بشهادة ثنتين، و ربعه بشهادة واحدة، أحد الموردين استهلال الصبي و الآخر الوصية، فإذا مات الرجل و لم يترك إلّا زوجه حاملا فوضعت ولدا شك في حياته عند الولادة، فشهادة الجميع تثبت تمام الميراث له، و شهادة البعض تثبت بعضه، و كذا فيما إذا شهدن بالوصية بالمال، و راجع في ذلك عنوان الشهادة.

الحلال

الحلال في اللغة ضد الحرام فهو مصدر بمعني المفعول، من حل الشي ء يحل حلا من باب ضرب أي كان حلالا سائغا، و حل المحرم يحل حلالا و أحل إحلالا إذا خرج عن الإحرام و حل له محظوراته، و في المفردات، و من حل العقدة أستعير قولهم حل الشي ء حلا قال تعالي (وَ كُلُوا مِمّٰا رَزَقَكُمُ اللّٰهُ حَلٰالًا طَيِّباً).

و كيف كان فقد كثر استعمال اللفظ في الفقه في معناه اللغوي و هو ما قابل الحرام و أطلقوه علي كل ما هو سائغ شرعا أو محلل عقلا، فيشمل جميع العناوين التي تقبل الجواز و الحلية، من العقائد، و أفعال الجوانح، و أعمال البدن و الجوارح، و لفظات اللسان و أقواله.

ثم ان الحلال أحد العناوين التي تكون موضوعا للأحكام الخمسة التكليفية و هي ذلك و الواجب و المندوب و الحرام و المكروه و لا يخلو شي ء مما

يصدق عليه الفعل الاختياري للمكلف إلّا و هو داخل تحت أحدها و متعلق بأحد تلك الأحكام. و ذكروا ان الحلال علي قسمين الأول هو الفعل العاري عن كل مفسدة و مصلحة و الساذج عما يتقضي تعلق البعث و الزجر به كبعض الحركات البدنية و لفظات اللسان أو أكثرها، و الثاني هو الفعل الذي جمعت فيه مصلحة ملزمة أو غير ملزمة مع مفسدة كذلك بحيث لا يترجح إحداهما علي الأخري، و قد سموا القسم الأول حلالا أو مباحا لا اقتضائيا و الثاني حلالا أو مباحا اقتضائيا و لا مشاحة في الاصطلاح. و كيف كان فقد وقع البحث في الفقه عن الحلال من

مصطلحات الفقه، ص: 217

حيث دلالة الدليل فذكروا ان الأصل المجعول من جانب الشرع في كل فعل أو قول لم يرد بوجوبه أو حرمته من الشارع دليل هو كونه حلالا واقعيا و مرخصا فيه برخصة واقعية. كما انه إذا شك في حلية فعل أو قول أو حرمته بشبهة بدوية لعدم وصول دليل فيه إلينا أو لكون دليله مجمل الدلالة أو لكونه معارضا لدليل آخر فالأصل فيه الحلية الظاهرية.

و استدلوا علي الحلية الواقعية فيما لم يرد فيه دليل علي البعث و الزجر بقوله تعالي (وَ مٰا كُنّٰا مُعَذِّبِينَ حَتّٰي نَبْعَثَ رَسُولًا) (15 الإسراء) بناء علي ان بعث الرسول كناية عن جعل الحكم و إبلاغه إلي المكلف، و عدم التعذيب كناية عن عدم الحكم، فما لم يتعلق به إيجاب أو تحريم فهو حلال واقعا، هذا و يخدش في دلالتها بأنها تكشف عن اقتضاء العناية الإلهية ان لا يعذب قوما بعذاب الاستيصال و هو عذاب الدنيا إلّا بعد ان يبعث إليهم رسولا فيؤكد لهم الحجة و يقرعهم بالبيان بعد

البيان. و هذا أجنبي عن استحقاق العقاب بما شك في جعله و تشريعه.

و قوله عليه السلام: ما حجب اللّه علمه عن العباد فهو موضوع عنهم. أي كل حكم إلزامي لم يعلمه اللّه تعالي لعباده بلسان نبيه و لو بعد إنزاله عليه فهو موضوع عنهم و هم مرخصون في مورده.

و استدلوا علي الحلية الظاهرية عند الشك بقوله عليه السلام: رفع عن أمتي ما لا يعلمون و قوله: كل شي ء لك حلال حتي تعلم انه حرام و قوله عليه السلام: الناس في سعة ما لا يعلمون و قوله: كل شي ء لك مطلق حتي يرد فيه نهي.

الحلف

للقسم ألفاظ في اللغة و العرف بعضها اسم و بعضها فعل و بعضها حرف، نظير كلمة القسم، و الحلف، و اليمين، و أيمن اللّه، و ما يستعمل فيه من مشتقاتها، و كلمة الواو، و الباء، و التاء و ما أشبهها، و الموضوع له في الكل إنشاء تأكيد أمر و تحكيمه، و ليس لهذه الألفاظ معني خاص في الشريعة و لا في الفقه و قد وقعت بمعناها اللغوي موضوعا للحكم

مصطلحات الفقه، ص: 218

و موردا للبحث في الفقه، فذكروا ان معني القسم يتقوم بأمرين المقسم به و المقسم عليه، و حينئذ فيستعمل تارة في مقام التأكيد لما قصده الشخص من فعل أو ترك في المستقبل، و أخري لإثبات مال أو حق أو نفيه في مقام الدّعوي، و الأول موضوع لأحكام خاصة من تكليف أو وضع مذكور تحت عنوان اليمين، في مقابل النذر و العهد، و الثاني موضوع لأحكام خاصة في باب الدعاوي إذا صدر من المنكر أو المدّعي، و المقسم به في البابين واحد مشروط بشروط معينة تعرضنا له تحت عنوان اليمين، و

قد ذكروا في بيان حكم القسم و المقسم عليه في الدعاوي، انه يعتبر ان يكون الحلف في مقام الدعوي عند الحاكم و في مجلس القضاء، و انه لا فرق في لزوم الحلف باللّه بين ان يكون الحالف و المستحلف مسلمين أو كافرين أو مختلفين، بل و لا بين كون الكافر معتقدا باللّه أو جاحدا، و في جواز إحلاف أهل الكتاب بما يقتضيه دينهم كالتوراة و الإنجيل إشكال، أقربه عدمه، كما ان الحلف بغير اللّه تعالي كالنبي و القرآن و الكعبة و نحوها لا أثر له في مقام الدعوي.

الحنطة- الشعير

مفهوم الحنطة في اللغة و العرف أوضح من أن يجعل غيره معرفا له و يسمي أيضا قمحا بالفتح و برّا بالضم و علسا بالتحريك و هذا ضرب من الحنطة يكون له حبتان أو أكثر في قشر واحد، و ليس للكلمة اصطلاح خاص شرعي أو متشرعي و قد وقعت في الفقه موضوعا للأحكام في موارد كثيرة.

منها: أنها أحد الأجناس التسعة التي تكون متعلقة للزكاة و وضع النبي الأعظم صلّي اللّه عليه و آله عليها ضريبة مالية سماها زكاة المال، و عين لها نصابا و حدّد فريضتها بالعشر و نصف العشر علي اختلاف كيفية وصول الماء إليها فراجع عنوان الزكاة.

و منها: أنها إحدي مصاديق ما يقوت به الغالب بل هي أعظمها و أهمها كما هي أعمها فيجب إخراج زكاة الفطرة منها و هي زكاة الإسلام و الأبدان. و ذكروا لوجوب إخراجها شروطا تحت عنوان زكاة الفطرة فراجع.

مصطلحات الفقه، ص: 219

و منها: انّها متعلق لأهم مصاديق الخصال في الكفارات و هي الإطعام و الإعتاق و الصيام، و ربما ينضم إليها الإكساء فيجب إخراجها بعنوان الكفارة تخييرا بينها و بين الخصال

الأخر في بعض الموارد و تعيينا في بعضها الآخر و ترتيبا في ثالث و جمعا بينها في رابع.

و منها: أنها إحدي الأجناس التي تحرم احتكارها مع حاجة الناس إليها فإنهم ذكروا الاحتكار، و اختلفوا في أعيان ما يتحقق به، و القدر المتيقن تحققه في الغلات الأربعة و في رأسها الحنطة سواء خصّصنا التحريم بالغلات أو عمّمناه لكل ما يحتاج الناس إليه في معاشهم، و لم توجد إلّا عند من حبسه انتظارا لغلاء السعر، فيكرهه الحاكم علي البيع أو يبيعها بنفسه إذا امتنع أو أجحف في السعر و التفصيل تحت عنوان الاحتكار.

و منها: أنها قد عدت مع الشعير نوعا واحدا في باب الرّبا علي خلاف القاعدة، فتحرم معاملتهما متفاضلين كما إذا أراد بيع منّ من حنطة بمنين من شعير و لا يشتركان في الحكم في باب الزكاة و غيره.

و منها: أنها تقع بدل كفارات الصيد إذا عجز الناسك عن الواجب بالأصالة، فإذا ارتكب بعض محرمات الإحرام كصيد النعامة، أو بقرة الوحش، أو حماره، أو الظبي، أو الثعلب، أو الأرنب، أو كسر بيض النعامة، فوجب عليه كفاراتها من البدنة أو البقرة أو الشاة أو بكرة الإبل، فعجز عنها، تبدل الواجب إلي فضّ ثمنها علي البرّ و دفعها إلي المستحق علي اختلاف قيم الكفارات، و قد تقع الحنطة بنفسها أيضا كفارة لبعض محرمات الإحرام و ذكرنا بعض ما يتعلق به تحت عنوان الكفارة و تفصيلها في الفقه.

و اما الشعير: و هو الحب المعروف أصله و دقيقه و خبزه و هو طعام الأنبياء و الزهاد، و ماؤه و عصيرة شراب الفسقة و أهل الفساد، و يسمي أيضا بالسلت بالضم فالسكون، و هو ضرب منه لا قشر له و يكون

كالحنطة في ملاسته و الشعير في طبعه و الشعير يساوي الحنطة في أغلب الأحكام المذكورة و يختلفان في الجملة.

مصطلحات الفقه، ص: 220

الحول- العام- السنة

الحول في اللغة مصدر من حال الشي ء إذا تحرك و مضي و من حال حولا إذا تحول من حال إلي حال، و الحول السنة لأنها تحول أي تمضي، و يعبر عنه بالعام أيضا، و الحول هو مجموع الفصول الأربعة للسنة كاملة متوالية. و اللفظ بمعناه اللغوي قد وقع موضوعا للبحث في الفقه في موارد:

منها: انه قد جعل شرطا في باب الزكاة لتعلق الزكاة بالأنعام الثلاثة و النقدين مع اجتماع سائر شرائطها، فإذا مضي عليها حول من حين تملك المالك لها أو انقضاء حولها السابق تعلق بها الزكاة، و ذكروا انه لا يشترط انقضاء الشهر الثاني عشر كما هو مقتضي القاعدة، بل تجب و تستقر بدخول الحول الثاني عشر، لكن يحسب الشهر المذكور من الحول الثاني.

و منها: انه ملحوظ في تعلق الخمس بأرباح المكاسب و الفوائد في باب الخمس فإنه يجب إخراج خمس كل ربح زاد عن مؤنة حول الرابح بمحض حصوله إذا اجتمعت سائر شرائطه، فإذا حصلت الفائدة و ظنّ أو اطمأن المالك بالزيادة فقد تنجز الوجوب، لكن الشارع رخّص في تأخيره سنة إرفاقا له و رعاية لاحتمال حدوث حاجة تقتضي زيادة المؤنة، و الظاهر ان الحكم كذلك و ان علم بعدم عروضها فإن ذلك حكمة للحكم لا علّة.

و منها: لحاظه في بلوغ الصغير و كماله ذكرا كان أو أنثي، فإنه قد اشترط في كمال الذكر بلوغ سنة إلي خمسة عشر حولا، بمعني تمامية هذا الحد، و في كمال الأنثي بلوغها إلي انتهاء التسعة، إذا لم يتقدم علي الحدين أمارة أخري دالة علي

البلوغ كالاحتلام و الحيض و إنبات الشعر الخشن علي العانة مثلا، فالإنسان في الشريعة فيما قبل تمام الحدين محكوم بالصغر و القصر و رفع قلم التكاليف الإلزامية و بعض الأحكام الوضعية، أو قلم المؤاخذة الدنيوية و الأخروية عدا ما استثني، و هو محكوم بالبلوغ و تنجّز جميع التكاليف الإلزامية و الوضعية عليه بعد تمام الحدين.

و منها: لحاظه في إرضاع الطفل فإنه قد جعل حد إرضاعه في الشريعة حولين كاملين

مصطلحات الفقه، ص: 221

لمن أراد أن يتم الرضاعة، فليس للأبوين إرضاعه اللبن بعد انقضاء تلك المدة، و لا فرق في ذلك بين الأم و غيرها كما أنه يكره لهما إرضاعه أقل من ذلك، فإنه سوء عشرة و منع عن الحق و ترك للإنفاق الواجب.

و منها: لحاظه حدا في الشريعة لمدة الحمل فإن الظاهر أن أكثر مدة الحمل سنة، و إن وقع الاختلاف في ذلك فذهب الأكثر أو المشهور إلي كونه تسعة أشهر و في الناس من ذهب إلي كون أكثر الحمل أربعة أحوال و نعوذ باللّه من الحبّ الذي يعمي و يصم.

و منها: لحاظه في تأدية أقساط الدية فإن الشارع قد عيّن مدة التأدية بالأحوال في العمد و شبه العمد و الخطأ المحض، فتستأدي دية العمد في سنة واحدة، و ليس للجاني التأخير إلّا مع التراضي، نعم له التخيير في كيفية الأداء في خلال السنة، فليؤدها في أولها أو آخرها أو وسطها، و تستأدي دية شبه العمد في سنتين، و تستأدي دية الخطأ محضا في ثلاث سنين في كل سنة ثلثها، و لا فرق في ذلك بين أقسام الدية كدية قتل النفس رجلا أو امرأة أو جنينا، و دية العضو كقطع اليد و الرجل و قلع العين

و قطع اللسان و نحوها، و دية المنافع كإزالة العقل و السمع و البصر و نحوها.

و منها: لحاظه في حق الحضانة فإن الأم أحق بحضانة ولدها مدة الرضاع و هي حولان فليس للأب أخذه منها في المدة و إن فطمته عن اللبن، و فيما بعد ذلك يكون الأب أحق بالذكر مطلقا و الأم بالأنثي حتي تبلغ سبع سنين ثم يكون الأب أحق بها بعدها و التفصيل تحت عنوان الحضانة.

الحوالة

الحوالة بالفتح في اللغة اسم من أحال يحيل إذا نقل، و في المجمع أحلته بدينه إذا نقلته من ذمتك إلي ذمة غيرك و الاسم الحوالة، و هي في مصطلح أهل الشرع عقد شرع لتحويل المال من ذمة إلي ذمة مشغولة بمثله أو غير مشغولة، بشرط رضا الثلاثة و أقصر بعض علي رضا المحيل و المحتال انتهي.

مصطلحات الفقه، ص: 222

و الحوالة قد عرّفت في كلمات الفقهاء بتعاريف أسدّها و أخصرها أنها إنشاء إحالة المديون دائنه إلي غيره، أو انّها إنشاء تحويل المديون ما في ذمته إلي ذمة غيره، فحقيقتها الإنشاء العقدي، و تحقق موضوعها يتوقف علي أمور أربعة: المحيل و هو المديون، و المحتال و هو الدائن، و الدين الثابت علي الأول للثاني، و المحال عليه الذي ينتقل الدين إلي ذمته و هو قد يكون مديونا للمحيل فتكون الحوالة علي مشغول الذمة، و قد لا يكون فالحوالة علي البري ء. و علي هذا فلا ينتقض التعريف بدخول الضمان فيه فإنه عبارة عن إحالة الثالث دين المديون إلي ذمته و قد كانت الحوالة إحالة المديون دينه إلي الثالث، و كم من فرق بينهما.

ثم إن الحوالة من العقود اللازمة، إيجابها من المحيل و قبولها من المحتال، و ثمرتها انتقال الدين

من ذمة المحيل إلي ذمة المحال عليه و فراغ ذمة المحيل، و إن كان المحال عليه مديونا للمحيل تفرغ بها ذمته عن المحيل و تشتغل بدين المحتال، و ذكر الأصحاب في تمامية هذا العقد أمورا:

الأول: انه يكفي في إيجابه و قبوله كلّما دل علي المقصود كقوله أحلتك بما في ذمتي علي فلان أو خذ دينك منه و يقبل الآخر.

الثاني: انه يشترط في المحيل و المحتال و المحال عليه البلوغ و العقل و الرشد و الاختيار.

الثالث: ان يكون المال المحال به ثابتا في ذمة المحيل فعلا، و لا يكفي الثبوت الشأني.

كأن يقول العامل في الجعالة لدائنه قبل العمل أحلتك علي الجاعل، أو يقول الذي يريد الإقراض لدائنه أحلتك علي المستقرض.

الرابع: ان يقبل المحال عليه أيضا في الحوالة علي البري ء.

الحيض

الحيض في اللغة السيلان، و كثر استعماله في اللغة و العرف في سيلان دم المرأة عن عروق الرحم إلي فضائه، أو من الرحم إلي الخارج، يقال حاضت المرأة و تحيضت سال دمها، و أكثر من ذلك استعمال الحيض في نفس الدم السائل، و نظيره المحيض، و في المجمع

مصطلحات الفقه، ص: 223

الحيض اجتماع الدم و حاضت المرأة إذا سال دمها في أوقات معلومة فإذا سال الدم من غير عرق الحيض فهي مستحاضة انتهي. و في المفردات الحيض الدم الخارج من الرحم علي وصف مخصوص في وقت مخصوص و المحيض وقت الحيض و موضعه انتهي.

ثم ان الحيض مستعمل في النصوص و كلمات الأصحاب في معناه اللغوي و العرفي، و عرّفه أكثرهم بأنه دم خلقه اللّه تعالي في الرحم لمصالح و هو في الغالب أسود أو أحمر غليظ طريّ حارّ يخرج بقوة و حرقة، كما أن دم الاستحاضة بعكس ذلك

و ذكروا في مقام بيان أقسامه و أحكامه المترتبة عليه أمورا:

الأول: ان هنا شروطا لها دخل في تحقق موضوعه أو ترتب الحكم عليها، منها ان يكون خروجه بعد بلوغ المرأة و قبل يأسها، فما تراه قبل البلوغ أو بعد اليأس لا يحكم بحيضيته و لا يترتب عليه حكمه، فيحكم بكونه من استحاضة أو غيرها، و منها ان لا يكون سيلانه أقل من ثلاثة أيام، فلو نقص عنها و لو ساعة أو ساعتين لا يكون حيضا.

و منها أن يكون الخروج متواليا في الثلاثة و لو بوجوده في فضاء الفرج، فلو انقطع ساعة أو ساعتين في أثناء الثلاثة لم يكن حيضا، علي اختلاف في ذلك. و منها ان لا يكون أكثر من عشرة أيام. و منها أن لا يكون بين الحيضتين أقل من عشرة أيام و إلّا لم يكن أحد الدمين أو كلاهما حيضا.

الثاني: انهم قد قسموا المرأة الحائض إلي أقسام فإنها أما ذات عادة، أو غير ذات عادة و الاولي أما وقتية و عددية كما إذا رأت الدم في أول شهر خمسة أيام و في أول الشهر الآخر أيضا خمسة و هكذا، أو وقتية فقط كما إذا رأت في أول شهر خمسة و في أول شهر آخر ستة، أو عددية فقط كما إذا رأت في أول شهر خمسة و بعد عشرة أيام أو أكثر رأت خمسة أخري.

و الثانية أما مبتدئة و هي التي لم تر الدم سابقا و كان ما رآه أوله، أو مضطربة و هي التي رأت الدم مكررا لكن لم تستقر لها عادة، و أما ناسية و هي التي نسيت عادتها و يطلق عليها المتحيرة أيضا.

مصطلحات الفقه، ص: 224

ثم إنهم ذكروا ان حكم ذات

العادتين و ذات العادة الوقتية فقط، الحكم بحيضية الدم و ترك العبادة بمجرد رؤية الدم، و لو لم يكن الدم بصفات الحيض، و أما غيرهما و هي ذات العادة العددية فقط و المبتدئة و المضطربة و الناسية فهي تترك العبادة و ترتب أحكام الحيض بالرؤية إذا كان الدم بصفات الحيض، و مع عدمه تحتاط إلي ثلاثة أيام، فإن رأت ثلاثة أو أكثر فهي حيض و إن تبين الخلاف تقضي ما تركته، و الاحتياط هنا هو الجمع بين تروك الحائض و أعمال المستحاضة كما سيأتي.

الثالث: ذكر الأصحاب ان الحيض من موجبات الأحداث الكبيرة كخروج المني، و قد رتب في الشرع علي عنوان الحائض أحكاما من تكليف و وضع، الأول انه يحرم عليها العبادات المشروطة بالطهارة، كالصلاة و الصوم و الاعتكاف و الطواف. الثاني انه يحرم عليها مس كتابة القرآن و مس اسم اللّه تعالي و أسماء صفاته الخاصة، بل و أسماء الأنبياء و الأئمة عليهم السلام علي الأحوط. الثالث قراءة آيات السجدة بل و سورها علي الأحوط. الرابع اللبث في المساجد. الخامس وضع شي ء فيها. السادس الاجتياز من المسجدين الشريفين و المشاهد المشرفة للمعصومين (ع). السابع وطيها في القبل و كذا الدبر علي الأحوط، و يجوز سائر الاستمتاعات. الثامن وجوب الكفارة لوطيها علي الأحوط. التاسع بطلان طلاقها إذا كانت مدخولة و كان زوجها حاضرا و لم تكن حاملا، فلو لم تكن مدخولا بها، أو كان زوجها غائبا، أو بحكم الغائب بأن لم يكن متمكنا من استعلام حالها، أو كانت حاملا صح طلاقها حال حيضها.

الختان

الختان بالكسر اسم مصدر من ختن يختن الشي ء قطعه، و ختن الصبي قطع قلفته و الصبي ختين و مختون، و في المجمع

الختان بالكسر و قد يؤنث بالهاء موضع القطع من الذكر، و قد يطلق علي موضع القطع من الفرج، و المراد من التقاء الختانين تقابل موضع قطعهما، و ختن الخاتن الغلام من باب ضرب فعل به ذلك فهو مختون انتهي.

مصطلحات الفقه، ص: 225

و ليس له اصطلاح خاص و وقع البحث عنه في الكتب الفقهية، و رتب عليه في الشريعة أحكام إيجابية و ندبية، نظير ما ذكروا انه يندب لأولياء الذكر ختنه اليوم السابع من ولادته، و لو أخروا بقي الاستحباب إلي زمان بلوغه، و إذا بلغ وجب عليه أن يختن نفسه و حرم عليه البقاء علي الغلفة، فوجوبه فوري بحيث لو أخر وجب فورا ففورا، و هذا بالإجماع و الضرورة من المذهب و الدين، و هو مندوب للأنثي، و لو أسلم الكافر غير المختون وجب عليه الختان و لو كان مسنا، و الواجب من الختان قطع الجلدة السائرة للحشفة لتبقي الحشفة ظاهرة.

تنبيه: قد ورد في النصوص أن الختان من سنن المرسلين بمعني كونه من دينهم و أنه من الحنفية و أنه سنة واجبة للرجال و مكرمة للنساء.

الخراج

الخراج مثلثة الخاء في اللغة ما يخرج من غلة الأرض و المال، و المال المضروب علي الأرض، و الجزية، و في المجمع الخراج بفتح المعجمة ما يحصل من غلة الأرض، و ظهر النبي (ص) علي خيبر فخارجهم علي أن يترك الأرض لهم أي فصالحهم علي ذلك انتهي. و في المفردات و الخراج مختص في الغالب بالضريبة علي الأرض، و قيل العبد يؤدي خرجه أي غلته و الرعية تؤدي إلي الأمير الخراج انتهي.

و كيف كان فيطلق الخراج في الفقه علي غلة كل أرض محياة أخذها المسلمون من الكفار عنوة فصارت

لجميع المسلمين إلي آخر الدنيا، و علي غلة كل أرض انجلي عنها أهلها و تركوها رغبة عنها أو خوفا من المسلمين، فما أخذه الوالي من غلة هذه الأراضي فهو خرج و خراج، و قد يطلق علي الجزية و هي ما يضربه السلطان علي رؤوس أهل الذمة أو علي أراضيهم.

ثم انهم ذكروا ان الخراج أمره بيد الامام يصرفه حيث يراه صلاحا لحال الإسلام و المسلمين، و قد ورد في تقبيل الأراضي المفتوحة عنوة للعاملين، انه ليعطي الإمام حصتهم

مصطلحات الفقه، ص: 226

من غلاتها، و يأخذ الباقي فيكون أرزاق أعوانه علي دين اللّه و في مصلحة ما ينوبه من تقوية الإسلام و تقوية الدين في وجوه الجهاد و غير ذلك مما فيه مصلحة العامة، ليس لنفسه من ذلك قليل و لا كثير انتهي أي لا حصة له منها بعنوان شخصه و ان استحق بعنوان إمامته و ادارة شؤون ولايته و نفقة أعوانه.

الخطبة

الخطبة بالضم في اللغة مصدر خطب يخطب من باب قتل إذا وعظ، يقال خطب القوم و في القوم خطبة و خطابة و عظهم، و في المجمع الخطب و المخاطبة و التخاطب المراجعة في الكلام و منه الخطبة لكنها بالضم تختص بالموعظة و بالكسر بخطبة النساء و هي من الرجل انتهي. و ظاهر ما ذكره أهل اللغة ان مادة خطب و مشتقاتها أما بمعني الوعظ و التكلم في غير طلب الزوج فالمصدر منها الخطبة بالضم، و أما بمعني التكلم في طلب الزواج فالمصدر منها الخطبة بالكسر.

و كيف كان قد اشتهر استعمال الخطبة بالكسر في الدعوة إلي الزواج في الشرع و الفقه، و ذكروا أن الذي تداول منها في الخارج أمران، يفعل كل منهما في الغالب في محفل

مستقل مقرون بإحضار بعض ما يؤكل و يشرب.

أحدهما: المقاولة الابتدائية الشاملة علي تعريف طرفي العقد بذكر الأسماء و الألقاب و بيان الشغل و المهنة و القبيلة و محل السكني و نحوها، فيما إذا لم يكونا مسبوقين بالمعرفة، ثم بيان ان الرجل الفلاني يخطب المرأة الفلانية، و تعيين المهر و ما قد يذكر من الشروط و نحوها.

ثانيهما: الإقدام بإجراء العقد مع مقارنته بحمد اللّه تعالي و الثناء عليه و الصلاة و السلام علي رسول و آله صلّي اللّه عليه و آله و ما يناسب ذلك من ذكر بعض الآيات و الروايات و نحوها، و ذكروا أن الأمر الأول يسمي خطبة بالكسر و الثاني خطبة بالضم.

و يظهر من النصوص الواردة انه كان المتعارف في صدر الإسلام بل و قبيل ظهور

مصطلحات الفقه، ص: 227

الإسلام أو قبله، وقوع الدعوة من طرف الزوج أو وليه في ضمن خطبة طويلة، يذكر فيها نسب الزوج و أوصافه و شؤونه في حياته و مدحه بتقاريض، و تقريضه بمدائح، و ذكر الدعوة إلي الزواج في ضمن ذلك، و ربما كان يذكر في ضمنها المهر و مقداره فالخطبة بالكسر تقع في ضمن خطبة بالضم و كانت إجابة الطرف الآخر أيضا في ضمن خطبة أخري، ثم كانوا يجرون العقد في وقت و مجلس آخر مقرونة بخطبة قصيرة فكان آنئذ خطبتان في ضمنهما الطلب و الإجابة، و خطبة في ضمنها الإيجاب المتعقب بالقبول.

هذا كله في بيان موضوع الخطبة و الخطبة، و أما الحكم فالظاهر أنه لا إشكال في حسن جميع الأمور المذكورة من الخطبة و الخطبة و غيرهما بل و استحبابها و لو بعنوان كونها من مقدمات الواجب أو المستحب مشتملا علي حمد اللّه و ثنائه و

القراءة و الدعاء و نحوها.

الخلع

الخلع بالفتح و الضم في اللغة مصدر خلع يخلع من باب منع بمعني النزع، يقال خلع الثوب نزعه، و في المجمع و خلع الرجل امرأته خلعا و الخلع بالضم، ان يطلّق الرجل زوجته علي عوض تبذله له. و هو استعارة من خلع اللباس لان كل واحد من الزوجين لباس الآخر، و اختلعت المرأة إذا طلقت من زوجها طلاقا بعوض انتهي. و الخلع بالفتح و الضم في اصطلاح المتشرّعة قسم من الطلاق، لكنه إيقاع يشبه العقد، خلافا للجعالة فإنها عقد يشبه الإيقاع، و حقيقته إنشاء إزالة الزوجية بفدية من الزوجة و كراهة منها له.

ثم انهم قد ذكروا في المبارأة انها أيضا طلاق مع الكراهة في مقابل بذلك المرأة و علي هذا فهما صنفان من الطلاق يمتازان بأمور: أحدها ان المبارأة تترتب علي كراهة كل من الزوجين لصاحبه، و الخلع علي كراهتها خاصة، ثانيها انه يشترط فيها ان لا تزيد الفداء علي مهرها بل الأحوط أن يكون أقل منه، و الخلع صحيح علي ما تراضيا عليه، ثالثها أنها لا تقع بلفظ بارأتك و الخلع يقع بلفظه أيضا علي اختلاف فيه، ثم ان كلا من طلاق الخلع و المبارأة بائن ليس للزوج الرجوع فيه إلّا ان ترجع في الفدية فيرجع هو في الزوجية. راجع المباداة ايضا.

مصطلحات الفقه، ص: 228

الخمر

خمر الشي ء يخمره من باب ضرب في اللغة ستره، و خمر الشهادة كتمها، و خمّر وجهه بالتشديد غطاه، و خامر به استتر به، و الخمر عصير العنب إذا اختمر، و في المجمع: سمي الخمر خمرا لأنها تركت فاختمرت و اختمارها تغير ريحها، و قيل سميت بذلك لمخامرتها العقل، و التخمير التغطية، و الخمير فيما اشتهر بينهم كل شراب مسكر

و لا يختص بعصير العنب، قال في القاموس: و العموم أصح لأنها حرّمت و ما بالمدينة خمر و ما كان شرابهم إلّا التمر و البسر انتهي. و يشهد له قوله صلّي اللّه عليه و آله: الخمر من خمسة العصير من الكرم، و النقيع من الزبيب، و البتع من العسل، و المرز من الشعير، و النبيذ من التمر، و في الصحيح إن اللّه لم يحرم الخمر لاسمها و لكن حرّمها لعاقبتها فما كان عاقبته عاقبة الخمر فهو خمر انتهي ما عن المجمع، و في المفردات أصل الخمر ستر الشي ء و يقال لما يستر به خمار. و الخمر سميت لكونها خامرة لمقر العقل، و هو عند بعض الناس اسم لكل مسكر و عند بعضهم اسم للمتخذ من العنب و التمر لما روي عنه صلّي اللّه عليه و آله: الخمر من هاتين الشجرتين النخلة و العنب انتهي.

و كيف كان فالظاهر ان الخمر في اللغة و في اصطلاح الفقهاء هي الشراب المسكر كان من العنب أو التمر أو غيرهما، و أما إطلاقها علي كل مسكر مزيل للعقل في وقت محدود مائعا كان أو جامدا، فهو صحيح بحسب اللغة إلّا ان كونه معني اصطلاحيا لها غير ثابت نعم لا يبعد كونه مرادا من بعض النصوص، كما انه موضوع للحرمة قطعا، و علي أيّ فالبحث الفقهي عن الخمر المصطلح بالنسبة لحكم تحريمها واقع في باب الأطعمة و الأشربة.

و بالإضافة إلي نجاستها و طهارتها في كتاب الطهارة، و بالنسبة لبيعها و التكسب بها في المكاسب المحرمة.

و نشير إلي الجميع إجمالا فنقول اما تحريمها تكليفا فإنه لا إشكال في ان حرمة شربها بل و سائر استعمالاتها المؤدية إلي الإسكار موضع وفاق، حتي انه

يقتل مستحلها لثبوته من الدين ضرورة.

مصطلحات الفقه، ص: 229

و أما نجاستها ففيها خلاف بين الأصحاب ينشأ من اختلاف النصوص فمن قائل بالطهارة كالصدوق و والده و الجعفي و العماني و المقدس الأردبيلي و صاحب الذخيرة و المدارك، و من متردد فيها كالمحقق في الشرائع، و من قائل بالنجاسة و هو مشهور بين الأصحاب قديما و حديثا بل عن بعضهم دعوي إجماع المسلمين علي النجاسة، و لكل من أصحاب الأقوال دليل مذكور في محله فراجع، و الظاهر ان موضوع هذا الحكم كل مسكر مائع بالأصالة و ان صار جامدا بالعرض، لا المسكر الجامد و ان صار مائعا بالعرض، فموضوع النجاسة أخص من موضوع الحرمة.

و أما بيعها فلا إشكال في حرمته و بطلانه نصا و فتوي و كذا سائر أنواع التكسب بها بل قد عرفت دلالة بعض النصوص علي تحريم جميع مقدماتها القريبة و البعيدة تحريما نفسيا يترتب عليها العقاب الأخروي كنفس شربه و لعل هذا من مختصات هذا الرجس النجس.

فعن الباقر عليه السلام قال لعن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله في الخمر عشرة غارسها و حارسها و عاصرها و شاربها و ساقيها و حالمها و المحمول إليه و بائعها و مشتريها و آكل ثمنها «1».

الخمس

الخمس بسكون الميم و ضمها في اللغة كسر خاص من الكسور معروف و في المجمع أنه اسم لحق يجب في المال يستحقه بنو هاشم انتهي.

و قد غلب استعماله في النصوص و كلمات الأصحاب في ضريب خاص محدود بهذا الكسر، و حق مالي فرضه اللّه مالك الملك علي عباده في أموال مخصوصة جعله لنفسه و لبني هاشم، فقرن نفسه بهم و أشرك ذاته عز و جل فيه إشعارا لقداسة الحق،

و إعلانا بعظيم منزلة أهله، و إكراما لهم، و إجلالا لشأنهم، مع أنهم غير محتاجين إلي ما في أيدي الناس، بل الناس يحتاجون إلي أن يقبلوا منهم، و ما أخذوه ليس إلا صدقة تطهرهم و تزكيهم، و ربما سماه اللّه تعالي فيئا، و ليس ذلك إلا لأجل ان كل ما في الدنيا و كل ما في

______________________________

(1) الوسائل أبواب ما يكتسب به ب 55 ح 4.

مصطلحات الفقه، ص: 230

أيدي الناس لهم، فالخمس في ء منها يرجع إليهم، مع أنه لا يصرفونه إلا في صلاح حال الناس و إصلاح بالهم، و الظاهر أن ملكهم للدنيا مع ملك الناس لها طولية كملكية المولي و العبد لما ملكه العبد فالدنيا كلها لهم و هم قد بذلوا للناس ما في أيديهم و لهم سلبه عنهم فما أخذوه كله في ء، و ما لم يتصرف فيه الناس فهو باق علي ملكهم كالأنفال، فالخمس مقدار خاص مما يفي ء إليهم من بعض ما أباحوه. و كيف كان فقد ذكر الأصحاب الخمس و أوضحوا حاله في فصول و هي تعيين ما يجب فيه الخمس و كيفية قسمته و من يستحقه من الأصناف.

أما الأول: فقد ذكروا ان الخمس واجب في سبعة أشياء حسب الاستقرار التام في الأدلة.

أولها: ما يغتنم من أهل الحرب الذين يحل الغزو معهم و يستحل أسرهم و أخذ أموالهم و سبي ذراريهم، و يسمي هذا غنيمة بالمعني الأخص في مقابل مطلق الغنيمة الشاملة للعناوين السبعة، و ذكروا انه يشترط ان يكون الغزو و بإذن الإمام المعصوم أو نائبه الخاص أو العام، و إلّا كان الجميع أنفالا ملكا للإمام داخلا في بيت ماله، كان ذلك في زمان حضوره أو غيبته، و أنه لا فرق في

المأخوذ بين المنقول و غيره و لا بين المأخوذ في الجهاد الابتدائي أو الدفاعي إذا غنمه المسلمون في تلك الحالة.

ثانيها: المعدن و المرجع فيه إلي العرف نظير معدن الذهب و الفضة و غيرهما و يعتبر في خمسة بلوغه النصاب و هو عشرون دينارا أو مائتا درهم فراجع عنوان النصاب.

ثالثها: الكنز الذي لا يعرف له صاحب و المرجع في تعيين مفهومه العرف و قد ذكر تحت عنوان الكنز، و ذكروا انه لا فرق في ترتب حكم الخمس عليه بين كونه في بلاد المسلمين أو الكفار، في الأرض الموات أو الخربة، كان عليه أثر الإسلام أم لا، و يعتبر فيه النصاب و هو عشرون دينارا أو مائتا درهم عينا أو قيمة و ألحقوا بالكنز ما يوجد في جوف دابة كالسمكة.

رابعها: الغوص، و هو كل ما يستخرج بالغوص من البحار و الأنهار الكبار من اللؤلؤ و المرجان، و سائر الجواهر التي يتعارف إخراجها من الماء غير الحيوان، إذا بلغ قيمته دينارا فصاعدا.

مصطلحات الفقه، ص: 231

خامسها: الأرض التي اشتراها الذمي من المسلم، فيجب علي الذمي خمسها عينا أو قيمته، و يؤخذ منه قهرا ان لم يدفعه بالاختيار، و لا فرق بين أرض الزرع و البستان و الدار و الحمام و الدكان، إذا تعلق البيع بنفسها لا تبعا لمبيع، و لا يشترط النية في هذا الخمس لا من الكافر لعدم اعتقاده به أو لعدم اختياره و لا من الحاكم لعدم تعلق التكليف به.

سادسها: الحلال المختلط بالحرام مع عدم تمييز صاحبه و عدم العلم بقدره، فقد ذكروا انه حينئذ يجب علي صاحبه تخميسه و يحل الباقي له و إن كان الحرام الموجود فيه في الواقع أكثر من خمسة، لأن اللّه قد

رضي من المال بالخمس، كما أنه لو كان الحرام أقل لم يذهب ما أعطاه من الزيادة هدرا لكونه عوض استخلاصه المال من الشبهة و حرمة التصرف في المال المشترك، و ذكروا في المقام أنه لو جهل قدره و علم صاحبه تخلص بالصلح و نحوه و لا خمس، و لو علم قدره و جهل صاحبه تصدق به و لا خمس.

سابعها: أرباح المكاسب فقد ذكروا انه يجب الخمس فيما يفضل عن مؤنة سنة الشخص و عياله، من كل ما يدخل تحت عنوان التجارة أو التكسب أو مطلق الفائدة، من التجارات و الإجارات، و الصناعات، و الزراعات، و المواشي، و الهبات، و الهدايا، إلّا الميراث و الصداق و عوض الخلع. و ذكر الأصحاب ان هذا الخمس بعد مؤنة التكسب و مؤنة السنة، و الأولي ما يصرفه قبل الربح في تحصيله و الثانية ما يصرفه بعده لمؤنة سنة نفسه و عياله.

و أما الثاني و الثالث: أعني كيفية قسمة الخمس و مستحقيه، فقد ذكروا انه ينقسم إلي ستة أسهم، سهم للّه تعالي، و سهم للنبي صلّي اللّه عليه و آله، و سهم للإمام الحي في كل زمان، و ثلاثة أسهم لليتامي و المساكين و ابن السبيل، ممّن انتسب بالأب إلي عبد المطلب، و أن سهم اللّه تعالي لنبيه فإنه قد ذكر تشريفا له و لآله و تقديسا للمال، و سهم النبي صلّي اللّه عليه و آله ثابت له لإمامته، و كذا سهم ذي القربي، و العناوين الباقية مصارف لا ملّاك، فالخمس بأجمعه لواحد و هو الإمام بعنوان إمامته و ولايته لا شخصه، و المالك له في كل زمان هو الإمام الحي في ذلك الزمان، ثم إنهم اختلفوا فيمن يستحق الخمس

في زمن الغيبة اختلافا

مصطلحات الفقه، ص: 232

شديدا، لكن الظاهر الذي لا ينبغي أن يرتاب فيه، ان أمره بجميعه في زمان الغيبة للمنصوب العام من قبله للحكومة علي الناس و الولاية عليهم، فله مالهم بالنسبة لوظائف الولاية و شؤونها التي منها التسلط علي الأنفال، و التصرف في الأخماس و غيرهما.

الخنثي

الخنث بالتحريك في اللغة حالة التكسر و الانعطاف لتلذذ الغير به، و خنث الرجل كان علي صورة الرجال و أحوال النساء، فهو أخنث، و خنثت المرأة عملت بمقتضي طبعها فهي خنثي، و الخنثي أيضا من له آلة الرجال و النساء معا، و في المجمع هو الذي له فرج الرجل و المرأة و الجمع خناث ككتاب و خناثي كحبالي انتهي.

ثم ان ظاهر الأصحاب ان الخنثي اما ذكر في الواقع أو أنثي و ليس طبيعة ثالثة غيرهما، و في الجواهر تعليله بعدم الواسطة علي الظاهر المستفاد من تقسيم الإنسان بل مطلق الحيوان إلي الذكر و الأنثي في جميع الأصناف في الكتاب و السنة انتهي، كما ان ظاهرهم أيضا عدم إمكان اجتماع العنوانين في واحد، لكن لا يبعد ان يقال بإمكان كون فرد من الإنسان مجمعا للعنوانين و مصداقا حقيقيا للصنفين، فيكون ذكرا و أنثي، و يجتمع فيه وسائل توالدهما، و يصح إطلاق الخنثي عليه بمعناه اللغوي فيتزوج امرأة و تلد له، و يتزوجه رجل فيلد له، و عليه يمكن ان يتفق حمله بلا زوج إذا احتلم و اختلطت النطفتان في الرحم و ازدواج الأسپر و الأوول فيه، كما قد اتفق وجودهما في نطفة المرأة فولدت بلا مساس زوج.

و كيف كان ليس للفظ اصطلاح خاص شرعي أو فقهي و وقع بعنوانه موضوعا للحكم و موردا لابحاث في الفقه.

منها- ما

ذكروا من علائم تشخيصه و إحراز جنسه، فذكروا ان منها ان يبول من أحد الفرجين دون الآخر، فان بالت من فرج الذكر فهو ذكر، و ان بالت من فرج الأنثي فهي أنثي، و منها ان يسبق البول من أحدهما فالحكم تابع للسابق، و منها ان يتأخر انقطاع البول من أحدهما إذا تقارن الشروع، فيتبع المتأخر انقطاعا، و منها عدّ أضلاعه فإن استوي جنباه فهو

مصطلحات الفقه، ص: 233

امرأة و ان اختلفا فهو ذكر، و علي هذا فان علم حاله بإحدي الأمارات انكشف الموضوع و ترتب حكمه، و ان لم يعلم و لم تتم العلائم كان مشكلا موضوعا، و أوجب الإشكال في الأحكام المترتبة علي الطائفتين، و استلزم العمل بالاحتياط مهما تيسر في الموارد التالية و ما أشبهها، منها الحكم بجنابته فيما إذا وطأ امرأة أو وطأه رجل، بالنسبة إليه و إلي الموطوء و الواطئ، و لو وطاء امرأة و وطئه رجل، فلا إشكال في جنابته، دون الرجل و المرأة. و منها حكم لبسه الحرير الخالص و الذهب، و كذا الصلاة بهما، و منها حكم ستره غير العورة و غير الوجه و الكفين و القدمين في الصلاة، و منها حكم قراءته في الجهرية من الفرائض اليومية، و منها حكم إمامته للرجال في الصلوات، و منها حكم إحرامها في المخيط من الثياب و في الثوب الحرير، و منها حكم تزيينه بالذهب، و منها تشخيص بلوغه بالسن، و منها كيفية إرثه، و منها حكم رد نصف الدية إذا قتله رجل فأراد وليّه القصاص، و منها حكم ما إذا قطع آلة الرجولية منه، قصاصا و دية، و منها مقدار دية نفسه و دية أعضائه فيما زاد عن ثلث أصل الدية،

و منها حكم ابدائه الزينة لغير المحارم، و جواز نظر كل من الرجل و المرأة إليه من غير المحارم، و قد ذكرنا شيئا من ذلك تحت عنوان تغيير الجنسية.

الخنزير

الخنزير في اللغة و العرف حيوان معروف، و في المجمع قوله أو لحم خنزير هو واحد الخنازير حيوان معروف و في الحديث إنه ممسوخ انتهي. و في المفردات و جعل منهم القردة و الخنازير قيل عني الحيوان المخصوص و قيل عني من أخلاقه و أفعاله مشابهة لأخلاقها لا من خلقته خلقتها انتهي.

و قد وقع البحث عنه في الفقه في حرمته و نجاسته و عدم جواز بيعه و عدم جواز الانتفاع به، و مورد البحث في الخنزير البرّي دون البحري لانصراف نصوص المنع عنه بل قد ذكرنا في الكلب ان البحري من النوعين طبيعة أخري مغايرة للبريين تشبه البري كما في الإنسان البحري.

مصطلحات الفقه، ص: 234

أما الحرمة التكليفية: فلا إشكال و لا خلاف بين أهل الإسلام في حرمة أكله و هي التي ارتكزت في أذهانهم و جرت عليها سيرتهم، بل هو من ضروريات الدين، و لم يصرح بحرمة حيوان خاص في الكتاب الكريم غيره، و لعل في ذلك إشارة إلي ما سوف يبتلي به عدة كثيرة من أهل الدنيا من تحليله و الاعتياد بأكله و إن كان لا يدركه المخاطبون في تلك الأعصار.

و أما النجاسة: فالظاهر أنه لا إشكال و لا خلاف هنا في نجاسته بل ادعي الإجماع عليه غير واحد و هو من أنجس الحيوانات و أطلق عليه الرجس في الكتاب الكريم في موردين و أما عدم جواز بيعه فقد ذكروا في المكاسب انه يحرم بيعه و التكسب به إجماعا مع انه لا مالية له شرعا

فأخذ المال في مقابله أكل للمال بالباطل. و أما عدم جواز الانتفاع به فهو محل خلاف، و هناك رواية دالة علي جواز الاستقاء بالحبل الذي صنع من شعره فراجع.

الخيار

اشارة

الخيار اسم مصدر من الاختيار يقال إختار يختار اختيارا و خيارا، و يقال أنت بالخيار أي اختر ما شئت هذا بحسب اللغة.

و أما في اصطلاح الفقهاء فهو عبارة عن تسلط الشخص علي العقد فسخا و إمضاء، فيشمل التسلط علي فسخ العقود اللازمة كالبيع و الإجارة و الصلح و نحوها، و علي فسخ العقود الجائزة كالهبة و العارية و الوكالة و غيرها، و كذا تسلط المالك علي ردّ العقد الفضولي، و الوارث علي ردّ الوصية بالنسبة لما زاد عن الثلث، و تسلط العمة و الخالة علي رد عقد زوجهما علي بنت الأخ و الأخت، و تسلط الأمة علي فسخ عقدها إذا أعتقت.

و قد يعرف بأنه ملك الإقرار العقد و إزالته و يحتمل ان يكون التعبير بالملك إشارة إلي بيان ان الخيار من الحقوق دون الأحكام، و عليه فلا يشمل فسخ العقود الجائزة لكونها من قبيل الأحكام التي لا يجوز إسقاطها و لا يسقط بالإسقاط و كذا ما بعدها من الموارد المذكورة، إذا فيكون للخيار معنيان اصطلاحيان أحدهما أعم و هو مطلق التسلط علي

مصطلحات الفقه، ص: 235

الفسخ كان علي نحو الحق القابل للإسقاط أو الحكم غير القابل له، و الثاني خصوص التسلط الحقي القابل للإسقاط و هذا هو الغالب في ألسنة من قارب عصرنا.

و كيف كان فقد تعرضوا في تبيين المعني الاصطلاحي للخيار لأسباب الخيار و أحكامها المترتبة عليها، و قد عدها بعضهم سبعة و بعضهم أكثر و المجموع مما يستفاد من كلماتهم الأقسام التالية و هي: 1-

خيار المجلس 2- خيار الحيوان 3- خيار الشرط 4- خيار التأخير 5- خيار ما يفسد ليومه 6- خيار الرؤية 7- خيار الغبن 8- خيار العيب 9- خيار التدليس 10- خيار الاشتراط 11- خيار الشركة 12- خيار تعذّر التسليم 13- خيار تبعّض الصفقة 14- خيار التفليس 15- خيار غريم الميت و بيان حال كل منها مذكور إجمالا تحت عنوانه الخاص.

خيار المجلس

هذا الخيار مختص بالبيع غير جار في غيره من العقود و هو خيار مسبب عن وقوع العقد في مكان واحد مع نسبة انفصالية مكانية خاصة بين البائع و المشتري كانا جالسين أو قائمين أو مختلفين ساكنين أو سائرين، و الملاك في هذا الخيار وجودا و عدما بقاء ذلك الفصل الخاص بينهما و عدمه، و التعبير بالمجلس لغلبة وقوع العقد في حال جلوسهما، و منه يعلم مقدار مدة هذا الخيار و ان أقله لحظة و أكثره يوم أو أيام، ان فرض كونهما في محل لم يتفق الانفصال بينهما، كما انه قد لا يثبت من أصله إذا أجريا العقد حال التباعد، و قد بين الشارع مبدأ هذا الخيار و منتهاه بقوله: البيعان بالخيار ما لم يفترقا فإذا افترقا وجب البيع و الافتراق عرفي لا عقلي.

خيار الحيوان

يطلق هذا اللفظ عند الشرع و المتشرعة علي تسلط مشتري الحيوان، أو مطلق من انتقل إليه الحيوان مشتريا كان أو بائعا، علي العقد بملاك انتقال الحيوان إليه، فمتعلق

مصطلحات الفقه، ص: 236

السلطة العقد و موضوعها مشتري الحيوان أو من انتقل إليه الحيوان مبيعا أو ثمنا، و الظاهر ان الحكم كان ثابتا قبل الشرع و الشارع قد أمضاه و رتب عليه آثارا خاصة، فهو كأغلب الأحكام الوضعية حكم إمضائي لا تأسيسي، و ذكروا في الفقه ان أمد هذا الخيار بطبعه ثلاثة أيام من حين العقد أعني بعد تمام القبول أو تمام التعاطي، و تصرّف ذي الخيار يسقطه إذا كشف نوعا عن الرضا بالعقد.

خيار الشرط

خيار الشرط عبارة عن الخيار الثابت باشتراطه في ضمن العقد، و قد ذكروا أنه لا خلاف في ثبوته إجماعا و نصا، و لا يتقدر بقدر من حيث الزمان، فيصح القليل جدّا كلحظة ما لم يصر لغوا و الكثير جدا كأشهر و أعوام، و يجوز جعله في الزمان المتصل بالعقد أو المنفصل عنه، و يجوز جعله لكل من المتعاقدين، و لهما معا، و لثالث منفردا و مشتركا مع أحد المتعاقدين أو كليهما، و لا إشكال في عدم جريانه في العقود الجائزة كالوكالة و الجعالة و القراض و العارية و الوديعة، لأن الخيار في كل منها ثابت بالأصالة، و ذكروا أيضا انه قد خرج من عموم هذا الخيار: الإيقاعات تخصصا فلا يصح شرطه في العتق و الوقف و الإبراء و الطلاق و هكذا، و أما العقود اللازمة فلا إشكال أيضا في عدم اختصاصه بالبيع بل يجري فيها علي تفصيل فان منها ما لا يدخله هذا الخيار و منها ما يدخله و منها ما وقع الاختلاف فيه،

و الأول كالنكاح فلا يصح شرط الخيار فيه اتفاقا كما انه لا إقالة فيه أيضا، و الثاني كالبيع و الإجارة و الصلح و المزارعة و المساقاة، و الثالث كالوقف و الصدقة و الهبة اللازمة بالذات كالهبة للأرحام أو بقصد القربة أو الهبة المعوضة، و الصلح و الضمان.

ثم انهم ذكروا ان من افراد خيار الشرط ما سمي ببيع الخيار و هو ان يبيع متاعا و يشترط لنفسه الخيار مدة، بأنه متي ردّ الثمن في تلك المدة كان له فسخ العقد، و هذا اما بأخذ ردّ الثمن قيدا للخيار كأن يقول: ان أتيتك بالثمن كان لي الخيار فلا خيار قبل الرد، أو أخذه قيد للفسخ بان يقول انّ لي الخيار في كل المدة و التسلط علي الفسخ عند رد الثمن، فله

مصطلحات الفقه، ص: 237

الإمضاء حينئذ قبل الرد، أو يجعل رد الثمن فسخا فعليا أو يجعله قيدا للانفساخ فهو مسلط علي السبب لا المسبب، أو يجعله شرطا لوجوب الإقالة علي المشتري، و الكل جائز لعموم الوفاء بالشرط.

خيار التأخير

ذكر الأصحاب انه يثبت هذا الخيار للبائع فيما إذا باع عينا شخصية لم يسلمها إلي المشتري، و لم يقبض الثمن و لا شرط المشتري تأخير الثمن، فذهب و لم يجي ء إلي ثلاثة أيام، فالبيع لازم في الثلاثة، لعموم وجوب الوفاء، و يثبت للبائع بعدها خيار التأخير، فيتخير بين الفسخ و التصرف في ماله و الصبر و مطالبة الثمن.

و في ثبوت هذا الخيار للمشتري فيما إذا اشتري بثمن معين و لم يسلمه إلي البائع و لم يقبض المبيع و لم يشترط البائع تأخير المبيع فذهب و لم يجي ء إلي ثلاثة أيام إشكال، و مبدأ الثلاثة من حين العقد و قيل من حين

التفرق، و يختص هذا الخيار بالبيع.

خيار ما يفسد ليومه

يطلق هذا الخيار في مصطلح القوم علي السلطة المجعولة للبائع فيما إذا باع ما يفسده البقاء يوما بليلته و لم يقبضه و لا قبض ثمنه و غاب المشتري، فذكروا انه لا خيار للبائع إلي الليل و يثبت ذلك له بدخول الليل، و لذا عبر في الدروس عن هذا الخيار بخيار ما يفسده المبيت، فله الخيار عند دخول الليل، و هذا في أغلب أقسام الخضر و الفواكه و اللحوم و نحو ذلك، و الظاهر انه صنف من خيار التأخير فيشترط فيه شروطه كما أشرنا إليه، و يدل عليه قاعدة نفي الضرر، فإن البائع ضامن للمبيع ممنوع عن التصرف فيه محروم عن ثمنه.

خيار الرؤية

أطلق الأصحاب هذا العنوان علي تسلط كل من المشتري و البائع علي فسخ العقد، فيما

مصطلحات الفقه، ص: 238

لو تبايعا علي العين الشخصية الغائبة بالتوصيف الرافع للجهالة و الغرر، فوجدت العين عند التقابض علي خلاف التوصيف، و بمعني انه ان وجدت فاقدة لتلك الأوصاف كلا أو بعضا كان للمشتري خيار الرؤية، و إن وجدت واجدة لأكثر مما وصفت به لم يعلمها البائع، كان له ذلك الخيار، فالخيار مسبب عن الرؤية، و التسمية لأجل ذلك، و في ثبوته لهما أيضا فيما إذا كان الثمن عينا غائبة موصوفة ظهرت عند التسليم فاقدة لها كلا أو بعضا أو واجدة لأكثر منها إشكال، لا يبعد الثبوت لعموم الدليل.

خيار الغبن

الغبن بسكون الباء و فتحه الخديعة في البيع و الشراء، يقال غبنه يغبنه في البيع و شبهه من باب نصر غبنا و غبنا خدعه، و غبن غبنا و غبانة رأيه قل ذكاؤه. و في المفردات الغبن ان تبخس صاحبك في معاملة بينك و بينه بضرب من الإخفاء، فإن كان ذلك في مال يقال غبن فلان و إن كان في رأي يقال غبن انتهي. و عن الصحاح هو بالتسكين في البيع و بالتحريك في الرأي انتهي.

و هو في اصطلاح الفقهاء عبارة عن تمليك الشخص ماله بما يزيد عن قيمته مع جهل الآخر، فالمملك غابن و الممتلك مغبون قصد المملك الخدعة أم لم يقصد، و قد جعل الشارع للمغبون في ذلك خيار الفسخ، و سمّاه الأصحاب بخيار الغبن و اشترطوا فيه أمرين أحدهما عدم علم المغبون بالقيمة سواء كان غافلا عنها بالمرة أو ملتفتا في الجملة، و ثانيهما كون التفاوت فاحشا فلو اشتري ما يساوي تسعة عشر أو ثمانية عشر بعشرين لم يثبت الخيار،

و ذكروا ان حدّه ما لا يتغابن الناس بمثله و لا يتسامح.

خيار العيب

و المراد به الخيار المسبب عن العيب الموجود في أحد عوضي المعاملة فقد جعل الشارع تسلطا علي الفسخ لمن انتقل إليه المعيب، و قد بينوا حقيقة هذا الخيار و تمايزه عن غيره بأمور:

مصطلحات الفقه، ص: 239

الأول: ان ماهية هذا الخيار هل هي تخيير ذي الخيار بين الفسخ و الإمضاء و أخذ الأرش مطلقا، أو أنها عبارة عن تسلطه علي الفسخ و الإمضاء مع بقاء العين و إمكان ردّه، و علي مطالبة الأرض أو الرضا بتركه مع عدمه، و ظاهر جلّ الأصحاب لو لا كلّهم الأول.

الثاني: انّ ظهور العيب هل هو سبب لحدوث الخيار من حينه أو كاشف عن حدوثه عند البيع، و يترتب علي الثاني انه لو أسقطه ذو الخيار قبل ظهوره أو تبرأ منه الناقل عند العقد سقط و هذا بخلاف النقل و الحدوث بالظهور، و يعم الحكم عيب المثمن و الثمن.

الثالث: ان مسقطات هذا الخيار قسمان قسم يسقط به الرد فقط مع بقاء جواز أخذ الأرش و هو أمور الأول التصريح بإمضاء العقد و أخذ الأرش، الثاني التصرف في المعيب بعد العلم بالعيب، فإنه رضاء بالعقد و ليس رضاء بترك الأرش، الثالث تلف العين المعيبة أو خروجها عن ملكه أو استيجارها أو رهنها و نحو ذلك، الرابع حدوث عيب آخر عند من انتقل إليه المعيب بعد قبضه.

و قسم يسقط به الرد و الأرش معا و هو أيضا أمور: الأول العلم بالعيب قبل العقد، الثاني تبرئ من ينتقل عنه المعيب عن العيوب، الثالث زوال العيب قبل العلم به، الرابع التصرف في المعيب بعد العلم بالعيب علي إشكال فيه، الخامس تأخير الأخذ بمقتضي

الخيار بعد العلم بالعيب.

ثم ان كيفية أخذ الأرش للمعيب، ان يقوم صحيحا و معيبا و تلاحظ النسبة بينهما ثم ينقص الثمن بتلك النسبة فإذا قوم صحيحا بتسعة و معيبا بستة و كان الثمن ستة ينقص اثنان.

خيار تخلف الشرط- الاشتراط

يطلق هذا العنوان علي تسلط كل من المتعاقدين علي فسخ العقد اللازم المتضمن لشرط أو شروط حكم بصحتها و وجوب الوفاء بها، ثم تخلف عنها من عليه الشرط، فللمشروط له حينئذ فسخ العقد، و سمي بخيار الاشتراط لتسببه عن اشتراط أمر في

مصطلحات الفقه، ص: 240

العقد، و خيار تخلف الشرط لتسببه عن مخالفة المشروط عليه، و السببان طوليان، و ذكر الأصحاب في المقام، الشروط القابلة للأخذ في العقد الصالحة لوجوب الوفاء بها مقدمة لبيان هذا الخيار فإنه مترتب علي صحة الشرط و حصول حق للمشروط و حرمانه عن حقه بتخلف المشروط عليه.

خيار الشركة

يطلق هذا العنوان علي تسلط المشتري علي فسخ العقد فيما إذا ظهر المبيع مشتركا بين البائع و غيره علي نحو الإشاعة، و قضت صحة العقد اشتراك المشتري مع شريك البائع، و مثله ما لو اتفق حصول تلك الشركة بعد العقد و قبل القبض كما لو امتزج الخل المشتري بخل غيره قبل القبض، فمقتضي قاعدة نفي الضرر تسلطه علي الفسخ، و يطلق أيضا علي تسلط البائع إذا ظهر الثمن مشتركا كذلك، فالشارع قد جعل الخيار لمن انتقل إليه الملك المشترك مع عدم قصد الشركة مشتريا كان أو بائعا، و قد يطلق عليه خيار العيب فإن الشركة عيب في الجملة لنقص في المالية و السلطة، لمنع كل عن التصرف فيه بدون إذن الآخر، و يطلق عليه في الجملة خيار تبعض الصفقة أيضا، و في جريان هذا الخيار في سائر العقود اللازمة كالإجارة و الصلح و المزارعة و المساقاة تردد، إلّا أن مقتضي القاعدة جريانه.

خيار تعذّر التسليم

يطلق هذا العنوان في الاصطلاح الفقهي علي تسلط المشتري علي فسخ العقد فيما إذا تعذر للبائع تسليم المبيع، و علي تسلط البائع عليه فيما إذا تعذر للمشتري تسليم الثمن، و هذه السلطة من القواعد العقلائية التي جرت سيرتهم عليه، و هي من توابع صحة العقود و وجوب الوفاء به، بضميمة قاعدة نفي الضرر، و ان كان لجبره طريق آخر، و لا يبعد جريانه في غير البيع من العقود اللازمة أيضا كالإجارة و الصلح و المزارعة و المساقاة.

مصطلحات الفقه، ص: 241

خيار تبعض الصفقة

يطلق هذا العنوان في اصطلاح الفقهاء علي تسلط كل من المشتري و البائع علي العقد إذا تبعضت الصفقة، أي البيع بانحلال بعضه و بقاء بعضه، فإذا اشتري سلعتين بمعاملة واحدة فتبين عدم كون إحداهما قابلة للتملك أو ملكا للبائع، فانفسخ البيع قهرا بالنسبة لما ليس ملكا له، فللمشتري الخيار بين قبول المملوك بحصته من الثمن و بين فسخ العقد، و إذا تملك البائع شيئين ثمنا لما باعه، فظهر أحدهما غير قابل للملك أو غير مملوك للمشتري، فله حينئذ قبول البعض أو فسخ الكل و يفترق هذا عن خيار الشركة بتعدد المبيع أو الثمن هنا و وحدتهما فيه و ان شئت قلت بعدم الإشاعة هنا و الإشاعة فيه، و يمكن إرجاعهما إلي واحد.

خيار التفليس

أي الخيار المسبب عن قضاء الحاكم بإفلاس من استوعبت ديونه أمواله فحكم بإفلاسه بعد استدعاء غرمائه ذلك، و صاحب هذا الخيار غريمه الذي وجد عين متاعه عنده، كان الانتقال ببيع أو صلح أو إقراض، فله الخيار حينئذ في فسخ العقد الناقل و أخذ متاعه، و لا فرق في ذلك بين كون أموال المفلس وافية بديونه و عدمه، فللغريم الفسخ و أخذ ماله و لو كان بحيث إذا فسخ العقد و أخذه وصل بجميع ديونه و حرم سائر الغرماء عن أكثرها أو مطلقا.

خيار غريم الميت

إذا مات الشخص و ترك ديونا استوعبت تركته فكل دائن وجد في تركته عين ماله المنتقل إلي الميت ببيع أو إقراض أو نحوهما كان له الخيار في فسخ العقد و أخذ ماله و ترك الضرب مع الغرماء، و هذا أشبه بخيار التفليس، إلّا أن متعلقة تركة الميت، و يفترق أيضا بأن هذا الخيار مشروط بكون تركة الميت وافية بديون الغرماء و إلا فليس له هذا الخيار، بل هو كسائر الغرماء يضرب بدينه معهم، و هذا بخلاف خيار التفليس كما ذكر تحت عنوانه.

مصطلحات الفقه، ص: 242

الدّرهم و الدّينار

الدرهم في اللغة قطعة من فضة مضروبة للمعاملة، و الكلمة يونانية و الجمع دراهم، و قد يطلق علي مطلق النقود، و قيل الدرهم واحد الدراهم فارسي معرب، و في المصباح الدرهم الإسلامي اسم للمضروب من الفضة.

و الدرهم في مصطلح الشرع و الفقه الإسلامي عبارة عن ستة دوانيق كل دانق ثمان حبات من أوسط حب الشعير، فالدرهم يساوي في الوزن 48 حبة من الشعير، و الدرهم نصف مثقال شرعي و خمسه، فالمثقال درهم و ثلاثة أسباعه، و عشرة دراهم سبعة مثاقيل، و الظاهر انه لا خلاف في جميع ذلك عند الأصحاب و في مصطلحهم.

و الدينار في اللغة ضرب من قديم النقود الذهبية، و جمعه دنانير، و هو مثقال من الذهب، و المثقال يطلق عليه خاصة. و في المفردات: أصله دنّار فأبدل من احدي النونين ياء، و قيل أصله بالفارسية دين آر أي الشريعة جاءت به انتهي، و الدينار في مصطلح الشرع و الفقه مثقال شرعي وزنه درهم و ثلاثة أسباع الدرهم، فيساوي ثمانية و ستين حبة و أربعة أسباعها.

و كيف كان فقد وقع الدرهم و الدينار في الشريعة موضوعا للأحكام الكثيرة،

و وقع البحث عنهما في الفقه في موارد، منها- كونهما موضوعا لتعلق الزكاة مع تحقق شرائطها و قد ذكر تحت عنوان الزكاة.

و منها- تعلق أحكام خاصة بهما إذا بيع كل منهما بنفسه و كل منهما بالآخر و يسمي بيع الصرف و قد ذكر تحت عنوان ذلك البيع.

و منها- ما ذكروه في اعتبار كون رأس المال في عقد المضاربة منهما و قد أفتي به جل قدماء الأصحاب لو لا كلهم.

و منها- جواز إعارتهما و يترتب عليها الضمان و ان لم يشترط.

و منها- كونهما من تقديرات دية الإنسان فهما قسمان من الأمور الستة التي بها تقدير الديات في النفس، و الطرف، و المنافع، و قد ذكر تحت عنوان الدية.

مصطلحات الفقه، ص: 243

و منها- كونهما الأصل للنقود الرائجة في الصدر الأول من الإسلام إلي ما يقرب زماننا و كان يليهما الفلوس السود. و بهما كان تقويم كل عين و منفعة و نحوهما، و تعيين ماليتها، في موارد المعاملات و الضمانات و غيرهما، و كان الدرهم أكثر رواجا من الدينار بحيث كان قد يقوم الدينار أيضا بالدرهم و منها غير ذلك مما ذكروه في الفقه.

الدعوي

الدعوي و الدعاء في اللغة النداء، و الدعوي اسم من ادعي يدعي فهي بمعني الادعاء، و ادعي الشي ء زعم انه له حقا أو باطلا، و ادعي عليه حاكمه عند القاضي، و في المجمع دعوي فلان كذا أي قوله و الجمع الدعاوي بكسر الواو و فتحها، و في الحديث البينة علي المدعي و اليمين علي المدعي عليه، و المراد بالمدعي علي ما يفهم من الحديث من يكون في مقام إثبات قضية علي غيره، و من المدعي عليه المانع من ذلك و هو المعبر عنه بالمنكر

انتهي.

و الدعوي في اصطلاح باب القضاء طلب الشخص إثبات مال أو حق علي غيره أو طلب أدائه منه، و قوام ماهية الدعوي بالمدعي و المدعي عليه و المدعي به و هو الشي ء المطلوب، و قد وقع العنوان موضوعا لأحكام كثيرة في الشريعة و تعرض الأصحاب لفروع في المقام يتضح بها حالها و ما يترتب عليها من الآثار.

منها: انه يشترط في سماع دعوي المدعي أمور ترجع إلي الدعوي و ما تتحقق به، الأول البلوغ فلا تسمع من الطفل و لو كان مراهقا و لا يترتب عليه وظائف المدعي و المدعي عليه، فلو رفع إلي الحاكم ظلامته أحضر وليّه و مع عدمه نصب له قيما أو عين لأمره وكيلا أو تصدي بنفسه ولايته.

الثاني- العقل فلا تسمع من المجنون.

الثالث- ان لا يكون أجنبيا عن الدعوي كما لو ادعي بدين شخص علي أجنبي فلا بد من نحو تعلق به كالولاية و الوكالة و نحوهما.

مصطلحات الفقه، ص: 244

الرابع- ان يكون للدعوي أثر لو حكم علي طبقها، فلو ادعي كرؤية الأرض أو دورانها حول الشمس، أو ادعي وقفا أو هبة من غير قبض، أو ان هذا الخنزير أو الخمر لي، أو ان لي دينا علي واحد من أهل هذا البلد، لم تسمع.

الخامس- ان يكون المدعي به معلوما، فلا يسمع المجهول المطلق كان ادعي ان لي شيئا علي ذمّة زيد.

السادس- الجزم علي الدعوي، فلو ادعي شيئا علي زيد ظنا أو احتمالا ففي سماعه تردد، و يسمع الدعوي علي الغائب و يحكم القاضي و يرتب الأثر، و الغائب علي حجته، و ذلك في حقوق الناس و لا يسمع في حقوق اللّه.

و منها: ما ذكروه في تشخيص المدعي و المدعي عليه، فقيل ان المدعي

هو الذي لو ترك ترك أي لو ترك الخصومة لم يعقّبها الآخر، و قيل إنه من يدعي خلاف الأصل، و قيل انه من يكون في مقام إثبات أمر علي غيره، و هذه كلها إشارة إلي معناها العرفي، و الاولي ان يقال ان المدعي عبارة عمن ينشأ الدعوي المقتضي لترتب حق علي الغير، أو خروجه عن الحق الثابت عليه، و ثم انه كيف عرّفنا المدعي، كان المنكر في مقابله، فهو من لم يترك لو ترك الخصومة، أو هو من يدعي علي وفق الأصل، أو هو ليس في مقام إثبات شي ء علي الآخر بل في مقام نفيه عن نفسه، أو هو من ينشأ نفي ثبوت حق عليه حتي يجب الخروج عنه.

و منها: ان المدعي عليه أما ان يقرّ بما ادعي عليه، أو ينكر ذلك، أو ينكل، أو يقول لا أدري، أو يسكت عن الجواب، أو يقول أديت، فإن أقرّ بالحق عينا أو دينا فيلزم ذلك، و صورة حكم الحاكم حينئذ ألزمتك أو قضيت عليك أو حكمت فإذا حكم تمت الخصوصة و ترتبت آثار الحكم، من عدم جواز نقضه أو رفع القضية إلي حاكم آخر.

و لو أجاب بالإنكار عرّف الحاكم المدعي بان عليه البينة ان كانت و إلّا فله إحلاف المنكر، فإن قال لي بينة خيّره بين إحضارها و مطالبة اليمين و ترك الدعوي، و له في خصوص الديون إثبات مدعاه بشاهد و يمين و بشاهد و امرأتين، و لا يكفي ذلك في حقوق اللّه و حدوده.

مصطلحات الفقه، ص: 245

و لو أجاب بقوله لا أدري أو سكت عن الجواب فقد ذكروا أنه أمره الحاكم بالجواب بالرفق ثم بالغلظة فإن أصرّ جعله ناكلا و رد اليمين علي المدعي، فإن

حلف ثبت حقه. و لو قال أديت انقلب مدعيا فعليه الإثبات.

الدفاع- و الجهاد الدفاعي

دفعه في اللغة نحّاه و أبعده، و دفع عنه الأذي حماه منه، و دافع عنه دفاعا و مدافعة حامي عنه و انتصر له، و في المفردات الدفع إذا عدي بإلي اقتضي معني الإنالة، نحو قوله تعالي (فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوٰالَهُمْ) و إذا عدي بعن اقتضي معني الحماية نحو قوله تعالي (إِنَّ اللّٰهَ يُدٰافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا) انتهي.

و تستعمل الكلمة في اصطلاح الفقهاء في دفاع خاص وقع في الشريعة موضوعا لأحكام خاصة و هو ينقسم إلي قسمين أحدهما الدفاع عن بيضة الإسلام و حوزته، ثانيهما دفاع الشخص عن نفسه و ما هو بمنزلته.

أما الأول: فهو عبارة عن دفاع المسلمين إذا هجم عليهم عدو و يخشي منه علي بيضة الإسلام و حومة الدين و حوزة المسلمين و مجتمعهم، فيجب عليهم الدفاع ببذل النفوس و الأموال بأية وسيلة ممكنة من طرق الدفاع، و لا يتقيد هذا الدفاع بحضور الإمام العدل و إذنه أو إذن نائبه الخاص أو العام، بل هو واجب كفائي أو عيني علي جميع المسلمين حتي تندفع الهجمة، و يحصل الأمن الديني و الدنيوي في بلاد المسلمين و مجتمعهم.

و يتفرع علي المسألة أنه لو خيف علي شي ء من البلاد أو علي مناطق خاصة منها كان الحكم ذلك أيضا، و أنه لو خيف من زيادة الاستيلاء و السلطة مع سبق تحققها أو عدم القدرة علي دفع أصلها وجب الدفاع لمنع الزيادة.

و أنه لا فرق في سلطتهم بين السلطة العسكرية، و الثقافية، و السياسية، و الاقتصادية، إذا أضرت بدين المجتمع و عقائدهم أو أخلاقهم و فروع أحكامهم.

و أنه لا فرق بينها و بين كل سلطة كان فيها وهن

الإسلام و المسلمين و تضعيف قوتهم و كسر شوكتهم.

مصطلحات الفقه، ص: 246

و أنه لو خيف علي حوزة الإسلام و مجتمع المسلمين من دخول الكفار في بلادهم بأي عنوان كان كالتجارة، و الطبابة، و السياحة، و ما أشبه ذلك، وجب المنع عن ذلك أو جعلهم تحت المراقبة التامة.

و انه لو استلزمت الروابط الدولية السياسية مع دول الكفر، تسلطهم و أسرهم السياسية و الاقتصادية للمسلمين، وجب المنع عن جميع ذلك و وجب علي الأمة لا سيما العلماء منهم إرشادهم و نهيهم، و أنه لو ظهر عن أحد من رؤساء الدول الإسلامية، أو عن الوكلاء و الممثّلين روابط فاسدة مع الدول الكافرة بحيث تصير سببا لنفوذهم في المسلمين و تسلطهم عليهم و لو في الجملة، فهو خائن معزول عن مقامه بنفسه، و انه يحرم علي الأمة أيضا الروابط التي تكون سببا لضعف حياتهم الاقتصادية و ركود أسواقهم.

و أما الثاني: أعني الدفاع عن النفس قد ذكروا أنه يجب علي كل إنسان عقلا و شرعا و فطرة، ان يدفع عن نفسه بل و عن حريمه و أمواله ما استطاع. فلو هجم مهاجم قاصد بسوء من قتل أو جرح أو تجاوز عرض محاربا أو لصا أو غيرهما وجب الدفع و لو انجرّ إلي جرحه أو قتله، و ليس له الاستسلام و الانظلام.

و يجب في الدفاع مراعاة الأسهل فالأسهل فيدفعه بالإخطار، و الصياح، و الدفع باليد، و العصا، و الجرح، و القتل، مع ملاحظة الترتيب و لو خاف الفوت جاز التوسل بما أمكن و لو وقع علي المهاجم حينئذ جرح أو قطع أو قتل فضلا عن النقص المالي كان هدرا.

تنبيه: ذكروا انه لو وجد مع زوجته رجلا يزني بها و علم بمطاوعتها

جاز قتلهما و لا إثم عليه و لا قود، كانا محصنين أو غير محصنين، و كانت دائمة أو متعة، و الجواز حينئذ حكم واقعي بينه و بين اللّه تعالي، و أما في الظاهر فلو لم يقدر علي إثباته حكم بالقصاص.

و لو اطلع أحد إلي عورات الغير من ثقب باب أو جدار أو من سطح فله زجره و دفعه بالضرب و غيره، و لو أدي إلي الجرح أو القتل كان هدرا.

مصطلحات الفقه، ص: 247

الدم

الدم في اللغة و العرف واضح، و قد يعرف في اللغة بأنه السائل الأحمر الذي يجري في عروق الحيوان، و أصله دمي أو دمو حذفت لامه، و في المجمع أصل الدم دمي بسكون الميم فحذفت اللام و جعلت الميم حرف إعراب، و في الحديث كلما ليس له دم فلا بأس به أي نفس سائلة كالعقارب و الخنافس و فيه لا يبطل دم امرئ مسلم أي لا يذهب هدرا انتهي.

و كيف كان فليس له اصطلاح خاص شرعي أو فقهي، و قد وقع الكلام فيه في الفقه تارة في حلّية أكله و أخري في طهارته و نجاسته و ثالثة في بيعه و أكل ثمنه.

أما الأول: فلا إشكال بل و لا خلاف في حرمة أكل الدم بأي طريق كان، و هي اجماعية بين المسلمين كحرمة الميتة، و تدل عليها من الكتاب الكريم آيات و من السنة نصوص و روايات، راجع فيه عنوان الأشربة أيضا.

و أما الثاني: فقد عده الأصحاب في جملة النجاسات بل عن غير واحد منهم دعوي إجماع المسلمين عليه، بل قد عدها بعض من ضروريات الدين، لكن ذكر بعض ان موضوع النجاسة الدم المسفوح أي المنصب من العرق، و يؤيده قوله تعالي (إِلّٰا

أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ) لكن الظاهر ان الموضوع أعم من المسفوح لدلالة النصوص علي نجاسة دم الرعاف، و الدماء الثلاثة، و دم القروح و الجروح، و دم حكة الجسد، و دم الأسنان، مع انها غير مسفوحة، فمرادهم بالمسفوح المقابل لغير السائل و في دلالة الآية الشريفة علي النجاسة تأمل.

و أما الثالث: و هو جواز بيعه و عدمه فالقول السديد فيه عندهم انه ان كان له منفعة محللة مقصودة جاز ذلك و إلّا فلا و للدم في هذه العصور منافع محللة من أقوي المنافع العامة البشرية.

الدّين

الدّين بالفتح في اللغة إعطاء مال إلي أجل من دانه يدينه أعطاه مالا إلي أجل فهو دائن و ذاك مدين و مديون، و دان الرجل صار عليه دين فهو دائن بمعني المدين.

و في المجمع: و الدين بفتح الدال واحد الديون تقول دنت الرجل أقرضته فهو مدين

مصطلحات الفقه، ص: 248

و مديون و دان فلان استقرض و صار عليه دين.

و بالجملة الدين في اللغة مصدر بمعني الإقراض أو الاستقراض إلّا ان المراد بالدين المقابل للقرض اسم مصدر أي الحاصل بالاستقراض و الإقراض، و هو الواقع مورد البحث و المترتب عليه الأحكام، و لذا عرفوه بأنه المال الكلي الثابت في ذمة شخص لآخر بسبب من الأسباب كان السبب أمرا اختياريا كالاستقراض، و بيع السلم، و النسيئة، و الإجارة، و النكاح، و الخلع، و الجعالة، و نحوها، أو أمرا قهريا كما في بعض موارد الضمانات و النفقات.

و البحث عن الدين في الفقه ليس في علله و أسباب تحققه، بل في نفس العنوان الذي وعاؤه الذمة لكونه موضوعا لأحكام كثيرة في الشريعة من تكليف و وضع، نظير ما

ذكروا من أن الدين إما حالّ أو مؤجّل، و الأول يجوز للدائن مطالبته مهما أراد، و يجب علي المدين أداءه إذا تمكن، و الثاني لا يجب قضاءه قبل الأجل و إن طالبه الدائن و لا يجب عليه قبوله قبله و إن أدّاه المدين.

و أن الأجل إما بتعيين الطرفين كما في السلم و النسيئة، و إمّا بتعيين الشرع كما في أقساط الديات، و المؤجل يحل أجله بموت المدين دون الدائن، فإذا مات الزوج طالبته زوجته بالصداق المؤجل، و إذا ماتت لم يطالبه وارثها، و يجوز تعجيل المؤجل بنقصان شي ء منه و هو النزول، و لا يجوز تأخير المعجل بزيادة شي ء و هو الربا.

الدية

اشارة

الدية في اللغة مصدر أصلها الودي عوّض الهاء عن الواو المحذوفة التي هي فاء الكلمة، و معناها إعطاء دية القتيل، يقال ودي القاتل وديا و دية القتيل أعطي ديته، ثم أطلقت علي المال المبذول الذي هو حق المجني عليه قتيلا أو غيره.

و الدية في اصطلاح الشرع و الفقه عبارة عن المال الواجب علي الجاني بجنايته علي إنسان حرّ في نفسه أو طرفه، سواء كان له تقدير أم لا، و ربما سمّوا غير المقدر أرشا أو حكومة.

مصطلحات الفقه، ص: 249

و هذا العنوان قد وقع في الشريعة موضوعا لأحكام كثيرة من تكليف و وضع، و عقد الأصحاب له كتابا ذا أبواب و فصول سمّوه كتاب الديات و تعرضوا فيه لأقسام الجنايات من القتل و الجناية علي الأطراف و الجرح و إذهاب المنافع، لتبيين مقادير دياتها المقررة في الشريعة.

أما القتل، فقد ذكروا أن أقسامه ثلاثة، فإنه إما عمد محض أو شبه عمد أو خطأ محض- و الأقسام تجري في الجناية علي الأطراف و المنافع أيضا فراجع

عنوان القصاص- و أما تقدير دياتها فقد ذكروا انه لا دية في قتل العمد بالأصالة إلّا ان يصالح الطرفان عليها، فإن صالحا و أطلقا فهي مائة إبل، أو مائتا بقرة، أو ألف شاة، أو مائتا حلة، أو ألف دينار، أو عشرة آلاف درهم، و يعتبر كون الجميع في مال الجاني سليمة عن المرض و العيب، مؤداة في سنة واحدة، مع تخيير الجاني في تأديتها أول السنة أو وسطها أو آخرها، مغلظة بالنسبة لدية شبه العمد فإنها عبارة عن الأصول الستة من مال الجاني مع تخفيف في أسنان الإبل و التأدية في سنتين، و بالنسبة لدية الخطأ المحض أيضا فإنها عبارة عن الأصول المذكورة مع تخفيف أكثر في أسنان الإبل و التأدية في ثلاث سنين كل سنة ثلثها، و هذه الدية علي عاقلة الجاني و لا يضمن هو منها شيئا بل و لا ترجع العاقلة إليه بعد الأداء أيضا.

ثم ان الأصحاب ذكروا في المقام انه لو ارتكب الجاني الجناية في زمان شريف كالأشهر الحرام أو في مكان شريف كمكة المعظمة أضيف إلي الدية ثلثها من أي الأجناس كان تغليظا له، و لا يلحق بهما غيرهما من الأزمنة و الأمكنة.

و أن دية المرأة المسلمة علي النصف من الرجل المسلم في جميع التقادير المتقدمة فمن الإبل خمسون و من الدنانير خمسمائة و هكذا.

و انه تتساوي المرأة مع الرجل في الجراح إلي أن تبلغ ثلث دية الحرّ فتنتصف بعد ذلك ديتها.

و ان الدية في جميع فرق المسلمين سواء إلّا من حكم بكفره كالنواصب و الخوارج و الغلاة. و أن دية الذمي الحرّ من أي فرقة كان ثمانمائة درهم و دية المرأة منهم نصف ديته.

مصطلحات الفقه، ص: 250

و انه تجري

أحكام دية الأطراف و التفاوت بين الرجل و المرأة في الذميين أيضا بالنسبة لأصل ديتهم.

و اما الجناية علي الأطراف فقد ذكروا ان ديتها علي قسمين، مقدرة و هي الدية المعينة الثابتة في الشريعة علي الأعضاء و الجوارح و هي ثابتة في أكثر مورد الجناية علي الأعضاء.

و غيره مقدرة و هي التي عينها الحاكم في الموارد التي لم يعين لها دية و قد ذكرنا موضوعات الدية تحت عناوينها الثابتة من النصوص فيما يلي.

[دية الأعضاء]

دية الشعر

الأول الشعر فذكروا انه لو أزال شخص شعر الرأس من ذكر صغير أو كبير بحيث لم ينبت أو أزال لحيته كذلك، ففي كل واحد الدية كاملة، و أنه لو نبت شعر الرأس ففيه الأرش، و لو نبت شعر اللحية ففيه ثلث ديته، و انه لو أزال شعر الرأس من المرأة صغيرة أو كبيرة بحيث لم ينبت ففيه ديتها كاملة و لو نبت ففيه مهر نسائها.

و ان في شعر الحاجبين معا إذا لم ينبت خمسمائة دينار و في كل واحد نصفها ذكرا كان أو أنثي و لو نبتت ففيه الأرش.

دية العينين

الثاني العينيان فيهما معا الدية كاملة، و في كل واحدة منهما نصفها، و لا فرق بين العين الصحيحة و المريضة بأي مرض كان إذا كان الإبصار باقيا، و في العين الصحيحة من الأعور الدية كاملة إن كان العور خلقة أو بآفة من اللّه، و لو أعورها جان كان فيها نصف الدية، و في العين العوراء ثلث الدية، و في الأجفان الأربعة الدية كاملة، و في بعضها اختلاف، الأحوط التصالح.

دية الأنف

الثالث الأنف إذا قطع من أصله الدية كاملة و كذا في مارنه و هو ما لان منه بعد قصبتيه و في أحد المنخرين ثلث الدية.

مصطلحات الفقه، ص: 251

دية الأذن

الرابع الاذن، في الأذنين إذا استؤصلا الدية كاملة، و في استيصال كل واحدة منهما نصفها، و في بعضها بحسابه ان نصفا فنصف و إن ثلثا فثلث، و لا فرق في ذلك بين الأصم و السميع، فإن الدية للعضو لا للقوة و لذا لو سري القطع إلي السمع فأبطله كانت عليه ديتان للعضو و المنفعة، و لو قطعها بحيث ظهر عظم الرأس كانت عليه دية العضو و دية الموضحة من الشجاج.

دية الشفتين

الخامس الشفتان في الشفتين الدية الكاملة و في كل واحدة منهما نصف الدية، و الأحوط في السفلي ستمائة دينار، و حدّ الشفة العليا ما انفصل عن اللثة متصلة بالمنخرين، و السفلي ما انفصل عن اللثة، هذا في العرض، و طولها طول الفم، و في شقهما حتي بدت الأسنان ثلث الدية فإن برئتا فخمس الدية.

دية اللسان

السادس اللسان، في اللسان الفصيح إذا استؤصل الدية كاملة، و في الأخرس كذلك ثلثها، و في قطع بعضه يعتبر المقدار بحروف المعجم لا بالمساحة، فإن ذهبت أجمع فالدية كاملة، و إن ذهب بعضها وجب نصيب الذاهب، و يحسب حروف المعجم في كل لغة بحسبها و لو ضرب علي رأسه أو وجهه فاعدم كلامه ففي إعدام الكلّ الدية كاملة و في إعدام البعض بحسب الحروف.

دية الأسنان

السابع الأسنان في الأسنان كلها الدية كاملة، و هي توزّع علي ثمان و عشرين سنّا اثنتا عشرة في مقاديم الفم، ثنيّتان و رباعيتان و نابان من الأعلي، و مثلها من الأسفل، ففي كل واحدة منها خمسون دينارا فالجميع ستمائة دينار، و ست عشرة في مؤخر الفم في كلّ جانب

مصطلحات الفقه، ص: 252

من الجوانب الأربعة، أربعة ضواحك و أضراس، في كلّ واحدة منها خمسة و عشرون دينارا فالجميع أربعمائة دينار. و لو نقصت الأسنان عن ثمان و عشرين نقص من الدية بحسابه و لو زادت عنها ففي الزائد الحكومة.

دية العنق

الثامن العنق في العنق إذا كسر فصار الشخص أصعر أي مائل العنق إلي طرف و ثني، الدية كاملة علي الأحوط و لو زال العيب فعليه الأرش.

دية اللحيين

التاسع اللحيان: في اللحيين إذا قلعتا الدية كاملة و في كل واحدة منهما نصفها، و هما العظمان من الطرفين ملتقاهما الذقن و عليهما قد نبتت الأسنان السفلي، و هذا فيما إذا قلعهما و ليس عليهما سن كالصبي و الهرم و لو كان عليهما الأسنان كانت عليه ديتان للحيين و الأسنان بحسابها.

دية اليدين

العاشر اليدان: في اليدين الدية كاملة و في كلّ واحدة نصفها من غير فرق بين اليمني و اليسري و حدّ اليد التي فيها الدية المعصم و هو المفصل بين الكف و الذراع، و لا دية علي الأصابع في قطع اليد، و لو قطعت الأصابع منفردة ففيها الدية، و لو قطع اليد من المرفق أو من المنكب ففيها خمسمائة دينار، و في الزيادة بين الحدود الحكومة.

دية الأصابع

الحادي عشر الأصابع: في قطع أصابع اليدين كلها الدية كاملة، و كذا في أصابع الرجلين، و في كلّ واحدة من أصابع اليدين و الرجلين عشر الدية، من غير فرق بين الإبهام و غيره، و دية كل إصبع مقسومة علي ثلاث عقد في كل عقدة ثلثها، و في الإبهام مقسومة علي اثنتين في كل منهما نصفها، و في الإصبع الزائدة ثلث دية الإصبع، و في شلل

مصطلحات الفقه، ص: 253

كل إصبع ثلثا ديتها، و في قطع المشلولة ثلث ديتها. و في الظفر إذا لم ينبت أو نبت فاسدا عشرة دنانير و ان نبت صحيحا خمسة دنانير.

دية الظهر

الثاني عشر الظهر: في كسر الظهر الدية كاملة إذا لم يصلح أو احدودب أو صار بحيث لا يقدر علي القعود أو المشي و لو عولج كاملا فمائة دينار.

دية النخاع

الثالث عشر في قطع النخاع: دية كاملة و لو عيب به عضو آخر فيه الدية، تثبت دية أخري أو فيه الحكومة، تثبت الحكومة.

دية الثديين

الرابع عشر الثديان: في الثديين من المرأة ديتها كاملة، و في واحدة منهما نصف ديتها، و في حلمتي ثدي الرجل ربع ديته، و في كل واحدة منهما ثمنها أعني مائة و خمسة و عشرين دينارا.

دية الذكر

الخامس عشر في الحشفة فما زاد الدية كاملة و إن استؤصل، من غير فرق بين الكبير و الصغير، و في ذكر العنين ثلث الدية، و لو قطع نصف الذكر طولا ففيه نصف الدية.

دية الخصيتين

السادس عشر الخصيتان: في الخصيتين الدية الكاملة و لخصوص اليسري منهما ثلثا الدية و لليمني منهما ثلثها، و لا فرق فيه بين الصغير و الكبير و العنين و غيره و في أدرة الخصيتين و هي انتفاخهما أربعمائة دينار.

مصطلحات الفقه، ص: 254

دية الشفرين

السابع عشر في شفري المرأة أي اللحم المحيط بالفرج إحاطة الشفتين بالفم، الدية الكاملة و في إحديهما نصفها.

و في إفضاء المرأة مطلقا كان بالوطي أو بشي ء آخر و كان من الزوج أو من الأجنبي ديتها كاملة، و هو جعل مسلكي الحيض و البول، أو الحيض و الغائط واحدا، إلّا إذا كان من الزوج بالوطي بعد البلوغ، و فيما كان قبل البلوغ يجب مهرها أيضا و تفصيل الكلام فيه مذكورة تحت عنوان الإفضاء.

دية الأليين

الثامن عشر الأليان في الأليين الدية كاملة و في كلّ واحدة منهما نصفها في الرجل و المرأة، و هما اللحمان المرتفعان فوق الساق إلي الظهر من خلف يجلس الإنسان عليهما.

دية الرجلين

التاسع عشر الرجلان في الرجلين الدية كاملة و في كل منهما نصفها، و حدّهما مفصل الساق، أو مفصل الركبتين، أو مفصل الفخذين، كما مرّ في اليدين و في أصابع الرجلين منفردة دية كاملة، و في كل واحدة منهما عشرها و دية كل إصبع مقسومة علي ثلاث أنامل بالسوية و الإبهام علي أنملتين.

دية الأضلاع

العشرون الأضلاع، و الظاهر في كسر الأضلاع من جانب اليسار التي تحيط بالقلب خمسة و عشرون دينارا و في غيرها في كلّ واحد عشرة دنانير و النصوص فيها مختلفة.

دية الترقوة

الواحد و العشرون الترقوة، و في الترقوتين الدية كاملة ان لم تجبرا و في كسر واحدة من غير جبر نصفها، و مع الجبر أربعون دينارا.

مصطلحات الفقه، ص: 255

تنبيه: كل عضو من أعضاء الرجل فيه ديته كاليدين و الرجلين و المنافع و الجراح، ففيه من المرأة ديتها و من الذّمّي أيضا ديته و من الذّمية ديتها، و كلما منه في الإنسان واحد ففيه الدية كاملة كالأنف و اللسان و الذكر و المثانة و الظهر و كلما منه اثنان ففيهما الدية و في كل واحد نصفها، و في شلل كلّ عضو ثلثا ديته و في قطع كل عضو فيه شلل ثلث الدية، و في كسر كلّ عظم من عضو له مقدّر خمس دية ذلك العضو، و في موضحته ربع دية كسره، و في رضّه ثلث ديته، و الأحوط في جميعها التصالح.

و من افتض بكرا بإصبعه مثلا فخرق مثانتها ففيه ديتها للمثانة و مهر مثلها لإزالة البكارة و كلّ من لا وليّ له فالحاكم وليّه فلو قتل خطأ أو شبه عمد فله الاستيفاء و الأحوط ان لا يعفو.

و أما الجناية علي المنافع فهي موارد

دية العقل

الأول العقل و في إزالته بأي سبب كان الدية كاملة، و في نقصانه الحكومة، و لا قصاص فيه مطلقا.

دية السمع

الثاني السمع و في ذهابه من الأذنين جميعا الدية، و في زوال سمع كلّ واحدة نصفها، و حينئذ فلو علم عدم عوده استقرت، و إن عاد فالأرش، و لو قطع الأذن فذهب السمع فديتان.

دية البصر

الثالث البصر و في ذهاب الإبصار من العينين الدية كاملة، و من إحديهما نصفها، و لا فرق بين الصحيحة و المريضة بأنواع الأمراض ما دام الإبصار باقيا.

مصطلحات الفقه، ص: 256

دية الشم

الرابع الشم، و في ذهابه من المنخرين الدية كاملة، و عن المنخر الواحد نصفها، و الأحوط فيه التصالح.

دية الذوق

الخامس الذوق و في ذهابه الدية كاملة علي الأحوط.

دية الإنزال

السادس قدرة الإنزال ففي زوالها الدية كاملة علي الأحوط.

دية في سلس البول

السابع في سلس البول الدية كاملة إن كان دائما.

دية الصوت

الثامن في ذهاب الصوت كله بمعني عدم قدرته علي الجهر، و إن قدر علي الإخفات الدية كاملة، ثم ان الجراحات الواقعة علي الرأس و الوجه المسماة بالشجاج و إن كانت من الجنايات التي لها دية إلّا انها مذكورة تحت عنوان الشجاج فراجع.

الذباحة

الذباحة بالفتح في اللغة مصدر ذبح يذبح الشي ء بمعني شقه و نحره، و الذبيحة المذبوحة فعلا أو قوة، و في المجمع: الذبح بالفتح الشق و الذبح مصدر قولك ذبحت الحيوان فهو ذبيح و مذبوح، و الذبح بالكسر ما يذبح من الحيوان انتهي. و في المفردات: أصل الذبح شق حلق الحيوانات و الذبح المذبوح انتهي.

مصطلحات الفقه، ص: 257

و أما في اصطلاح الأصحاب فقد عنونوا بابا في الفقه بعنوان الذباحة كما في الشرائع و غيره و ادعي بعض الأصحاب أنه لم يرها في كتب اللغة و ان اشتهر التعبير بها في كتب الفقه، لكن الظاهر أنها مذكورة في بعض كتب اللغة كالقاموس و لسان العرب و المنجد و غيرها.

و كيف كان فيمكن ان يقال ان الذباحة و الذبح في اصطلاح الشرع و الفقهاء عبارة عن إزهاق روح الحيوان بفري أو داجه علي وجه خاص بشرائط مقررة، و قد ذكر الأصحاب في بيان حقيقتها و أحكامها أمورا أربعة: الذابح، و الآلة، و كيفية الذبح، و شرائطه.

أما الأول: فقد ذكروا انه يشترط في الذّابح ان يكون مسلما أو ما بحكمه فلا تحل ذبيحة الكافر بأقسامه، و لا يشترط فيه الإيمان فتحل ذبيحة جميع فرق المسلمين عدا المحكوم بكفره منهم، و لا يشترط الذكورة و البلوغ.

و أما الثاني: فإنه لا يجوز الذبح بغير الحديد مع الاختيار، و مع الضرورة يجوز بكل ما يفري أعضاء الذبح و لو قصبا

أو حجارة حادّة أو زجاجة.

و أما الثالث: فالواجب فيه قطع تمام الأعضاء الأربعة، و هي الحلقوم أعني مجري النفس، و المري ء أعني مجري الطعام و الشراب، و الودجان أي العرقان الغليظان المحيط بالحلقوم، و يسمي الجميع بالأوداج الأربعة. و محل الذبح تحت اللحيين و تحت العقدة المسماة بالجوزة بحيث تبقي في طرف الرأس، مع وقوع الذبح من القدام لا من القفا و ان انقطعت الأوداج.

و أما الرابع: فإنّه يشترط في التذكية مضافا إلي ما ذكر أمور:

أحدها: توجيه الذبيحة إلي القبلة بأن يوجه مذبحها و مقاديم بدنها إليها.

ثانيها: التسمية بأن يذكر اسم اللّه عليها قريبا من الذبح أو حينه.

ثالثها: صدور الحركة من الذبيحة بعد تمام الذبح، و لو بان تطرف عينها، أو يحرك أذنها أو ذنبها أو رجلها، أو خرج الدم المعتدل.

و يختص الإبل من بين الحيوانات البرية بتذكية النحر، كما يختص غيرها بالذبح، فلو

مصطلحات الفقه، ص: 258

ذبحت الإبل حرمت و لو نحر غيرها حرم، فإن كل مذبوح منحور حرام، و كل منحور مذبوح حرام.

هذا كله في ذباحة غير الجنين و أما فيه فقد ذكروا أنه إن كان خرج من بطن أمه حيا وجبت تذكيته و إن لم يمكن حرم، و إن خرج ميتا فإن كانت أمه مذكاة و كان تام الخلقة و قد أشعر أو أوبر، حل أكله و إلّا حرم، و لا فرق في الحلية بين عدم و لوج الروح فيه أصلا أو خروجه عنه في بطن أمه فإن ذكاة الجنين ذكاة أمه.

الذكر

الذكر في اللغة يطلق تارة علي حالة حضور الشي ء عند النفس كالحفظ الذي هو حالة إدامة ما تذكر، و أخري لحضور الشي ء علي اللسان و لذا قيل إن الذكر ذكران ذكر

بالقلب و ذكر باللسان، و بالاعتبار الثاني يطلق عليه القول، و يكون أعم من القرآن و الدعاء فقد أطلق علي القرآن في قوله (وَ هٰذٰا ذِكْرٌ مُبٰارَكٌ أَنْزَلْنٰاهُ) و يطلق أيضا علي الإنسان (قَدْ أَنْزَلَ اللّٰهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً رَسُولًا) فالذكر وصف للنبي صلّي اللّه عليه و آله كما أن الكلمة وصف لعيسي عليه السلام.

و كيف كان فأكثر استعمال الذكر في الفقه في باب الصلاة و غيرها في القول المقابل للقرآن و الدعاء كذكر الركوع و السجود و الذكر في غيرهما، فيشمل كلما كان حمدا للّه تعالي و شكرا، و ما كان حاكيا عن صفات ذاته و جلالة و جماله و عن أفعاله و يشمل الشهادتين و الإقرار بالأنبياء و الكتب و الملائكة و غيرها، و الدعاء المعروف بالجوشن الكبير كلّه ذكر إلا قوله خلصنا من النار، و في المجمع ان الذكر بالكسر نقيض النسيان و الذكري مثله و الذكر يشمل الصلاة و قراءة القرآن و الحديث و تدريس الصلاة و مناظرة العلماء انتهي. و هذا ذكر بالمعني اللغوي.

ثم إن الذكر قد وقع مورد البحث في الفقه و هو بمعني النطق اللساني جزء من كل صلاة واجبة أو مندوبة، يجب الإتيان بشي ء منه وجوبا نفسيا ضمنيا في الفرائض و شرطيا في النوافل، و هو ما يقرأ في الركوع و السجود و لا يكفي فيهما القرآن و الدعاء إذا لم ينطبق

مصطلحات الفقه، ص: 259

عليهما الذكر، و هل يكفي فيهما مطلق الذكر أو يتعين التسبيح فيه وجهان كالوجهين في كفاية الواحدة و لو من التسبيح أو لزوم التثليث، و الظاهر الإطلاق في الأول و التقييد في الثاني و التفصيل في الفقه.

الذكر و الأنثي

الذكر في اللغة خلاف الأنثي و مفهومهما

في اللغة و العرف أجلي من أن يعرف بغيرهما من الألفاظ، و جمع الأنثي إناث و اناثي، و هي أعم من البالغين و غير البالغين كما أن الذكر كذلك، و هي في جميع الحيوانات تعتبر أضعف من الذكر في القوي النفسية و الجسمية، و يسمي الصنفان إذا بلغا، المرء و المرأة، و ليس للفظين مصطلح خاص شرعي أو متشرعي و قد وقع كل واحد منهما في الشريعة موضوعا للأحكام و في الفقه موردا للبحث.

و ليعلم أولا أن الذكر و الأنثي صنفان من نوع الإنسان يشتركان في الصفات الروحية و الملكات النفسية فضائلها و رذائلها إلّا شيئا يسيرا يفترقان فيه كما انهما يشتركان أيضا في أغلب الأحكام الدينية في أصولها و فروعها و أخلاقها.

نعم قد افترقا في نظر الشرع بل و العقل في عدة من الأحكام الفردية و الاجتماعية روعي فيها صلاح حالها أو حاله أو حالهما أو حال المجتمع، و ان شئت قلت ان اختلافهما في الجملة في طبيعتهما و حقيقتهما الجسمية، و في الصفات النفسانية أوجبت اختلافهما في بعض الأحكام بحيث لو كانا مساويين كان ذلك علي خلاف حكمة التكوين و مصالح التشريع.

و بالجملة الرجل و المرأة يشتركان في أركان الدين بمعني انهما يتساويان في جميع الأصول الاعتقادية سواء الخمسة الأصلية و ما يتبعها من سائر العقائد، كما يشتركان في أغلب الأحكام الفرعية و هي أمهات تلك الأحكام و أصول الفروع، و هي تتفرق و تتمايز عنه في شي ء من الفروع ذكره الأصحاب في خلال أبواب الفقه بتناسب مسائلها و نشير هنا إلي عدة من موارد الافتراق التي عقدنا هذين العنوانين عمدة لبيانها.

الأول: افتراقهما في زمان البلوغ و أسبابه فالأنثي تدرك و تبلغ الحلم

إذا تم لها تسع

مصطلحات الفقه، ص: 260

سنين من عمرها، و الذكر يبلغ الحلم إذا تم له خمس عشرة سنة، و لو سبقه الاحتلام أو نبات الشعر الخشن علي العانة أو اللحية أو الشارب قبل تمام السنين، كانت علامة لتقدم البلوغ كما انه لو سبقها الحيض أو العلائم المذكورة كانت علامة لتقدم بلوغها، و العلائم مورد اختلاف بين الفريقين بل و بين أصحابنا أيضا أشهرها أو أحسنها ما ذكرنا.

الثاني: افتراقهما في وجوب تستر كل منهما عن الآخر و كيفية ذلك فيجب عليها التستر بمعني تغطية البدن كله ما عدا الوجه و الكفين عن غير محارمها من الرجال، و يحرم عليها إبداء الزينة و مواضعها لهم، فبدنها كله عورة عدا الموضعين، و أما الذكر فلا يجب عليه التستر من الأجنبيات و ان علم نظرهن إليه، فبدن الرجل غير عورة، غير العورة، و هذا مما دل عليه الكتاب الكريم و السنة المنقولة عن أهل البيت عن النبي الأعظم صلّي اللّه عليه و آله و توافقت عليه الإجماع و السيرة و الضرورة عند المسلمين.

ثم انه لا يبعد القول بالملازمة بين جواز إبداء الجسد من طرف و جواز النظر بلا ريبة و تلذذ من الآخر في الجملة، بمعني ان الرجل النظر إلي الوجه و الكفين منها و للمرأة النظر إلي ما جرت العادة بعدم تستره منه و المسألة خلافية.

الثالث: افتراقهما في الميراث فنصيب الذكر مثل حظ الأنثيين، و نصيبها نصف ما للذكر من الحظ في أغلب مراتب النسب و السبب، فللذكر من الأولاد مثل حظ الأنثيين منهم، و للاخوة من الأبوين أو الأب مثل حظ الأنثيين منهم، و للأم نصف حظ الأب، و للعمة نصف حظ العم، و للزوجة نصف

حظ الزوج، و هذا غير مخالف للعدل في التشريع، الذي لو حظ في جميع قواعد الدين و قوانينه، فإنه لا بد في لحاظ العدل من نسبة كل حكم إلي بقية الأجزاء من مجموع الشريعة، فإذا شرع في الدين لابن الميت ان يتزوج بامرأة و يتكفل لنفقتها، و لبنته أن تتزوج برجل و تلقي كلّها في النفقة إليه، كان العدل حينئذ قسمة التركة كما شرعه، و الحكم تابع للأغلب من الملاكات.

الرابع: انهما يفترقان في دية النفس و الأعضاء و المنافع، بل و في قصاصها أيضا في الجملة، فإن دية الأنثي في القتل نصف دية الذكر، و دية أعضائها أيضا علي النصف من

مصطلحات الفقه، ص: 261

دية أعضائه، و دية زوال منافعها كإزالة قوة السمع و البصر و غيرهما علي النصف منه، و قد يتساويان في بعض الموارد و التفصيل في الفقه.

الخامس: افتراقهما بعد حصول الزواج بينهما، في عدة من الأمور الدخيلة في عيشهما و دوام مصاحبتهما:

منها: النفقة فإنه تستحقها منه دون العكس في النكاح الدائم، فعليه أن ينفق عليها جميع ما تحتاج إليه من المسكن و اللباس و الغذاء و الدواء و غيرها و ان كان فقيرا معسرا لا يجد غير نفقتهما، و كانت غنية موسرة غير محتاجة إليه.

و منها: خروجها عن البيت فليس لها ذلك إلي سفر و نحوه بدون إذنه و رضاه، و له الخروج بدون إذنها، و يستثني من ذلك سفر الحج الواجب و عند الاضطرار و عند التظلم عنه أو نحو ذلك.

و منها: عدم جواز إتيانها العبادات المندوبة بدون إذنه فضلا عن غير العبادة، فيما إذا أضرت بحقوقه المشروعة كالاستمتاع و نحوه.

و منها: الولاية علي أولادهما، فإن له الولاية علي نفوسهم و أموالهم

بالتصرف التربوي و التعليمي بالنسبة لأنفسهم، و التصرف علي وفق الصلاح في أموالهم و ليس لها ذلك فيما عدا الحضانة كما ستعرف.

و منها: نفقة أولادهما فإنها عليه دونها ما دام كان متمكنا عن ذلك، و إلّا كانت علي جدهم أو عليها، و من جملة ذلك إرضاعهم أيام الرضاعة فان أجرتها عليه سواء كانت هي المرضعة أو غيرها.

و منها: حق الحضانة، و هو حق تربية الأولاد و التصدي لأمر حفظهم و حضانتهم مدة الرضاع، فان الأم أحق بذلك في تلك المدة، و بعد انقضائها كان الأب أحق بالذكر و الام بالأنثي حتي تبلغ سبع سنين، ثم يكون الأب أيضا أحق بها، و مدة الحضانة إلي البلوغ.

السادس: افتراقهما في مباشرة الجهاد الابتدائي فإنه قد أفتوا بعدم وجوب الحضور

مصطلحات الفقه، ص: 262

عليهن في المعارك و أخذ السلاح للمحاربة، و لا بأس بحضورهن لتداوي الجرحي و طبخ الغذاء و سقي الماء و نحو ذلك، و أما الجهاد الدفاعي فهو واجب علي جميع المكلفين القادرين عليه رجالا كانوا أو إناثا.

السابع: افتراقهما في نقصان حظهن من العبادات فإنه يسقط عنها الفرائض الخمس اليومية و سائر العبادات المشروطة بالطهارة من الحدث الأكبر كالصوم و الطواف و الاعتكاف، أيام عادتها في الحيض و النفاس بل و يحرم عليها الإتيان بها في تلك الأيام لصيرورتها بدعة حينئذ.

الثامن: افتراقهما في استقلال الإقدام علي النكاح، فإنه ليس لها تزويج نفسها و لو كانت بالغة رشيدة إذا كانت بكرا إلّا بإذن أبيها أو جدها للأب، و لو كانت أيما استقلت في أمرها، و أما الذكر فيستقل بالنكاح و لا يتوقف علي إذنهما.

التاسع: افتراقهما أيام رضاعتهما و عدم تغذيهما، في إنه إذا أصاب بوله شيئا يطهر بصب الماء

عليه، بحيث يغلب علي البول من غير حاجة إلي إخراج الغسالة، و إذا أصاب بولها شيئا كان كبول الكبير مشروطا بشروط.

العاشر: افتراقهما في استعمال الحرير و الذهب، فإنه يحل لها لبس الحرير المحض و التزين بالذهب، و هما محرّمان علي الذكر، و يحرم علي كل منهما أيضا التلبس بما يختص بالآخر فيحرم عليها لبس العمامة و الرداء و عليه الخمار و المئزر علي الأحوط فيهما.

الحادي عشر: افتراقهما في محرمات الإحرام فيحرم عليها تغطية الوجه حال إحرامها بنقاب و برقع و نحوهما دونه، و يحرم عليه تغطية الرأس دونها، و يحل عليها لبس المخيط و ما يستر ظهر القدم و التظليل، و يحرم الجميع عليه و يجب عليه الحلق في إحرامه في الجملة، و يجب عليها التقصير دون الحلق.

الثاني عشر: افتراقهما في قراءة الصلاة، فيجب عليه الجهر بها في الصبح و المغرب و العشاء، و لها التخيير بين الجهر و الإخفات فيها إلّا مع سماع الأجنبي فتخفت، و يتساويان في الإخفاتية و في سائر الصلوات.

مصطلحات الفقه، ص: 263

الثالث عشر: افتراقهما في إمامة الصلاة فلا يجوز لهنّ الإمامة علي الرجال في الجمعة و الجماعة و يجوز لهم الإمامة عليهن.

الرابع عشر: افتراقهما في التصدي لولاية أمر المسلمين بنصب خاص أو عام من جانب المعصوم، فان الظاهر انه كما لم يشرع لهن منصب النبوة و الرسالة في إبلاغ الأديان و الشرائع و الإمامة المنصوصة من قبل اللّه تعالي، كذلك لم يشرع لهن منصب الولاية المجعولة من قبل المعصوم علي نفوس المجتمع و أموالهم، و هذا ما يستفاد من الكتاب الكريم و السنة و مذاق الشارع الأقدس، و سنة اللّه التي قد خلت في عبادة منذ أرسل الرسل و أنزل

الكتب.

الخامس عشر: افتراقهما في منصب القضاء بين الناس، فإنه لم يشرع لهن ذلك و ان كانت واجدة لشرائطه غير الذكورة، مع ان القضاء شعبة من الولاية التامة و غصن من غصونها.

السادس عشر: افتراقهما في الشهادة في مقام الدعاوي و المخاصمات من حيث الشاهد و المشهود به، أما الأول فإن شهادة امرأتين عدلين تساوي شهادة رجل عدل، ففيما تجب فيه شهادة رجلين تجب شهادة أربع نسوة، و فيما تجب فيه أربعة رجال، إذا نقص منهم واحد انضمت إليهم امرأتان، و إذا نقص اثنان انضمت أربع، و إذا نقص ثلاثة انضمت ست من النساء علي اختلاف في بعض الصور يطلب من الفقه. و أما الثاني فإنه يختص نفوذ شهادتهن بالاستقلال بالموارد التي يعسر اطلاع الرجال عليها عادة، كالبكارة و الولادة و الرضاعة و نحوها، و تجوز في غيرها مع الانضمام إلي الرجال، و لهم الاستقلال بالشهادة مع سائر الشروط مطلقا.

السابع عشر: افتراقهما في الارتداد عن فطرة فإن المرتد الفطري يجب قتله، و لا تقبل توبته من جهة سقوط القتل، و تبين عنه زوجته بالارتداد، و تعتد عدة الوفاة، و تقسم أمواله في ورثته، و المرتدة فطرة لا تبين عن زوجها بالارتداد بل تعتد عدة الطلاق، فان ثابت في مدة العدة و إلّا بانت و خلدت في الحبس، و لا تخرج أموالها عن ملكها.

مصطلحات الفقه، ص: 264

الثامن عشر: افتراقهما في الختان فان ختان الذكر واجب لنفسه بعد البلوغ بلا ريب، و هو مندوب لأوليائه قبل بلوغه، و لا يجب ختان الأنثي نعم هو مندوب.

التاسع عشر: افتراقهما في الاعتداد عند انقطاع الزوجية بينهما بالطلاق و الفسخ و الانفساخ و الموت، فإنه يجب عليها الاعتداد منه مطلقا إلّا في موارد

معينة، و يحرم عليها التزويج من غيره أيام الاعتداد، و لا يجب عليه الاعتداد منها مطلقا فله التزويج بغيرها بعد الانقطاع بلا فصل.

الذمة

الذمة في اللغة الأمان و العهد و الضمان، و أهل الذمة سموا بذلك لأنهم دخلوا في أمان المسلمين و عهدهم و ضمانهم، و منه سمي المعاهد ذميا لنسبته إلي الذمة و هي العهد.

ثم إن الذمة قد وقعت في الشرع موضوعا للحكم و قد استعملت في الفقه في باب الجهاد فيما إذا خيّر ولي المسلمين أهل الكتاب بين أمور ثلاثة: قبول الإسلام و المحاربة و قبول الذمة، فإذا اختاروا الأخير تحقق عنوان الذمة، و علي هذا فهي عقد مفتقر إلي الإيجاب و القبول ينعقد بين و إلي المسلمين أو خصوص أمير الجيش و بين أهل الكتاب أو طائفة منهم. و قد ذكر الأصحاب إن للذمة شرائط ركنية و غير ركنية و هي الشروط التالية: - 1- بذل الجزية علي ما يأتي تفصيلها.

2- ان لا يفعلوا ما ينافي الأمان كالعزم و التوطئة علي حرب المسلمين، و كإمداد المشركين.

3- الالتزام بأحكام الإسلام القضائية كانت المنازعة بين بعضهم مع بعض أو بينهم و بين المسلمين.

4- ترك التعرض لنساء المسلمين و أطفالهم بالعقد أو الفحشاء.

5- ترك إلقاء الوسوسة و الانحراف في أذهان المسلمين في عقائدهم و أخلاقهم و أعمالهم.

6- ترك المزاحمة لهم بقطع الطريق و سرقة الأموال و نحو ذلك.

مصطلحات الفقه، ص: 265

7- عدم إيوائهم جواسيس الكفر و عيونهم.

8- عدم دلالتهم أعداء الإسلام علي أسرار الدولة الإسلامية.

9- عدم دلالتهم علي عورات المسلمين و ما فيه ضرر عليهم كطريق أخذهم و غيلتهم و أخذ أموالهم.

10- عدم تظاهرهم بالمحرمات الإسلامية كشرب الخمر و أكل لحم الخنزير و أكل الربا

و الأكل في شهر رمضان، و ذكروا أن الشروط الثلاثة الأول من أركان عقد الذمة، سواء شرطت في متن العقد أم لا فيبطل العقد بالإخلال بها، و يخرجون عنها بمجرد الامتناع عن الجزية، أو التوطئة للحرب، أو عدم قبول قضاء حكام المسلمين، و حينئذ يترتب عليهم حكم الحربي، و أما باقي الشروط فإن شرطت في متن العقد تبطل بالمخالفة و إلّا فلا.

ثم إنهم ذكروا في المقام أن تقدير الجزية علي والي المسلمين فله الخيار فيها كيفا و كمّا علي ما يري المصلحة في ذلك، فإن شاء وضعها علي الرؤوس أو علي الأراضي أو علي كليهما حسب اقتضاء الصلاح.

ذهاب الثلثين

هذا العنوان مذكور في الفقه في موردين لأجل غرضين و كونه سببا لحكمين مختلفين.

أحدهما: في باب الطهارة و فصل المطهرات لبيان كونه مطهرا لبعض النجاسات، فإنه إذا قلنا بأن عصير العنب تعرض عليه النجاسة بالغليان كما تعرضه الحرمة بذلك، كان ذهاب ثلثيه مطهرا له فراجع عنوان المطهر.

الثاني: في باب الأطعمة و الأشربة فإنه لا إشكال في حرمة العصير العنبي إذا حصل فيه الغليان فيكون ذهاب ثلثيه مفيدا لحليته، و لا فرق في ترتيب الحرمة و النجاسة علي القول بها بالغليان، و كذا في زوالهما بذهاب الثلثين، بين كونهما أي الغليان و الذهاب كليهما بالنار أو بالشمس أو بالهواء أو بالاختلاف علي الخلاف في بعضها، كما أنه يمكن في البابين تقدير الثلث و الثلثين بالوزن و الكيل و المساحة.

مصطلحات الفقه، ص: 266

الذهب و الفضة

الذهب هو الجوهر النفيس المعروف، الثقيل وزنه و الغالي قيمته، و الكثير طالبه و القليل واجده، له أسماء متعددة في اللغة كالتبر و السام و العسجد و العين و العقيان و النضر و غيرها، و هو أحد النقدين المعروفين، و قرينه الآخر الفضة، و قد يعبر عن حقيقتهما بالأحمر و الأبيض، و هما المحبوبان عند الناس من قديم الأزمنة إلي عصرنا هذا، و لعل زمان وجودهما و ولع الإنسان إليهما و حب النفوس لهما يساوي في التاريخ أوائل أزمنة خلقهم و إسكانهم في الأرض. ثم انه ليس للذهب مصطلح خاص في الشرع و بين المتشرعة، لكنه وقع بمعناه اللغوي موضوعا لأحكام كثيرة في الفقه.

منها: كونه أحد الأعيان التسعة الزكوية التي وضع النبي الأعظم عليها ضريبة مالية معينة أسماها الزكاة، فأوجب لمن ملك منه حدا خاصا إخراج ربع العشر منه في كل سنة، مع اجتماع

سائر الشرائط كالنصاب و كونه مسكوكا و مضيّ الحول عليه، و قد ذكرنا تفصيل ذلك تحت عنوان الزكاة.

و منها: حرمة تزيين الرجل به في الدنيا دون المرأة، فلا يجوز له لبسه في حال من الحالات كان بعنوان التختم به، أو لبس المنسوج منه خالصا أو ممزوجا، أو شد الأسنان به بقصد الزينة، و لا يشترك الفضة معه في هذا الحكم.

و منها: حرمة اتخاذ الآنية منه و كذا من الفضة و استعمالهما في الأكل و الشرب و غيرهما و الكلام في ذلك مذكور تحت عنوان الآنية.

و منها: وجوب القبض و الإقباض في بيعه بمثله أو بالفضة و كذا بيع الفضة به و بالفضة، قبل التفرق عن مجلس المعاملة، بمعني فساد العقد إذا تفرقا قبل التقابض.

و منها: حرمة بيعه بمثله متفاضلا لكونه ربويا حينئذ و هذا الحكم عارض له بعنوان كونه مثليا.

مصطلحات الفقه، ص: 267

الربا

الربا بالمد و القصر في اللغة الزيادة، قال في النهاية: هو في الأصل الزيادة ربا المال يربو ربوا إذا زاد و ارتفع و الاسم الربا مقصورا انتهي، و في المفردات فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت و ربت، أي زادت، و الربا الزيادة علي رأس المال، لكن خص في الشرع بالزيادة علي وجه دون وجه. و نبه بقوله: يَمْحَقُ اللّٰهُ الرِّبٰا ان الزيادة المعقولة المعبر عنها بالبركة مرتفعة عن الربا انتهي.

و قد كثر استعمال اللفظ عند الشرع و المتشرعة بحيث صار اصطلاحا في معني أخص من المعني اللغوي، قال في المسالك: هو شرعا بيع أحد المتماثلين المقدرين بالكيل و الوزن بالآخر مع زيادة في أحدهما حقيقة أو حكما، أو اقتراض أحدهما مع الزيادة، و ان لم يكونا مقدرين بهما انتهي، و بالجملة فالربا

عند الأصحاب علي قسمين، معاملي و قرضي، و الأول هو بيع أحد المتماثلين بالآخر مع زيادة عينية كبيع منّ من الحنطة الجيدة مثلا بمنين من حنطة ردية أو بمن و درهم، أو حكمية كبيع منّ من الحنطة نقدا بمنّ منها نسية، فان المبيع زائد علي الثمن بمقدار قيمة المدة فكان البائع أعطي منا و مهلة بمن فهو كمن اعطي منا و ربع من بمن و لذا لو باع منا بدراهم نقدا كان أرخص مما لو باع بها نسية.

و قد اشترطوا في تحقق موضوع الربا في هذا القسم أمرين أولهما- اتحاد الجنس المراد به النوع في المقام فان الحبّ مثلا جنس تحته أنواع كثيرة كالحنطة، و الأرز، و العدس، و الحمص، و غيرها، فافراد كل نوع متماثلة و ان اختلفت في الصفة و كانت أصنافا كالحنطة الحمراء و البيضاء، و كذا الأرز العنبر و الشنبة، فلا ربا لو بيع الحنطة بالأرز أو العدس مع التفاضل.

ثانيهما- كون العوضين من قبيل المكيل و الموزون، فلا ربا فيما يباع بالعدّ و المساحة و المشاهدة.

و الثاني- أعني الربا القرضي فقد ذكروا انه يتحقق فيما إذا أقرض ما لا بشرط الزيادة، بان يؤدي المقترض أزيد مما اقترضه، كان الاشتراط صريحا، أو تقارضا مبنيّا عليها، و لا فرق بين كون الزيادة عينا كاقراض عشرة دراهم باثني عشر، أو عملا كاشتراط خياطة

مصطلحات الفقه، ص: 268

ثوب علي المقترض، أو منفعة أو انتفاعا كاشتراط المقرض الانتفاع بالعين المرهونة علي القرض، أو علي قرض آخر، أو صفة كاقراض دراهم مكسورة أو ردية بشرط رد الصحيحة أو الجيدة، و لا فرق أيضا بين كون المال المقترض مكيلا أو موزونا أو غيرهما كالمعتبر بالعدّ و المساحة و المشاهدة.

ثم

انه لا اشكال عندنا بل عند كافة المسلمين في حرمة الربا، بل الظاهر انها من ضروريات الدين، و قد ذكروا دخول مستحلّه في المرتدين، و فرّعوا علي مسألة الربا في البيع، بأن الحنطة و الشعير في هذا الباب بحكم جنس واحد لا يجوز معاملتهما مع التفاضل، و ان أصناف كل نوع تعدّ جنسا واحدا، و فروع كل صنف مع أصله واحد، و فروع جميع الأصول واحد، و ان اختلفت العناوين، كاللبن مع فروعه من الجبن و اللبأ و الزبد و الأقط و الدهن، و كل واحد منها مع الآخر إذا كانت من البقر مثلا، و كذا التمر و العنب مع دبسهما، و ان اللحوم و الألبان و الادهان تختلف باختلاف الحيوان، فيجوز التفاضل في معاملة لحم الغنم و البقر.

و فرعوا علي الربا القرضي بأنه انما يحرم الزيادة مع الشرط، و اما بدونه فلا بأس به بل يستحب للمقترض بذل شي ء زيادة لأنه من حسن القضاء، و انه انما يحرم شرط الزيادة علي المقترض دون المقرض كما إذا أقرضه عشرة بشرط أن يرد ثمانية، أو بشرط أن يخيط للمقترض ثوبا، و ان حرمة الإقراض مع الزيادة لا يستلزم بطلان أصل القرض فيصح الأصل و يبطل الشرط و تحرم الزيادة.

الرجعة

الرجعة بالفتح في اللغة المرة من الرجوع و بالكسر نوع الرجوع، و في المجمع: و أما الرجعة بعد الطلاق فتقرأ بالفتح و الكسر علي المرة و الحالة و بعضهم يقتصر فيها علي الفتح و في المصباح و هو الأصح و طلاق رجعي يقرأ بالوجهين أيضا انتهي.

و في النهاية: هي ارتجاع الزوجة المطلقة غير البائنة إلي النكاح من غير استيناف عقد

مصطلحات الفقه، ص: 269

و كيف كان فالرجعة في

الفقه و في اصطلاح أهله من الإيقاعات التي ينشأها الزوج بأسبابها الخاصة، و حقيقتها ارتجاع الزوجة إلي حبالة النكاح، فهي أمر اعتباري قابل للجعل و الإنشاء باللفظ و نحوه مفتقر إلي النية، هذا و لكن يشكل الالتزام بما ذكروه:

أولا: بأن مقتضاه كون المنشأ زوجية مستقلة حادثة بالرجوع بعد ما زالت بالطلاق فقول رجعت مثلا يفيد فائدة الإيجاب و القبول و قيامه مقام العقد التام.

و ثانيا: بأنهم قالوا بكفاية كل فعل يدل علي المقصود و هذا مما لا يلتزمون به في كل إيقاع.

و ثالثا: بأنهم ذكروا عدم لزوم قصد الرجوع ايضا بل قالوا بكفاية كل فعل يقتضي كونها زوجة كالتقبيل بشهوة و الجماع بل و إنكار الطلاق.

و يمكن أن يقال إن الطلاق الرجعي الذي يشترط فيه العدّة و يشرع فيه الرجوع له جهتان، الأولي أن يكون سببا تاما لزوال الزوجية كالطلاق البائن و يكون الرجعة سببا لحدوث الزوجية ثانيا كما ذكرنا، و يكون المراد من قولهم المطلقة الرجعية زوجة ما دامت في العدة، تنزيلها منزلة الزوجة تعبدا، و تخصيصا للنصوص الدالة علي حرمة النظر إلي الأجنبية و حرمة لمسها بشهوة و حرمة إبدائها الزينة عند غير الزوج و غير محارمها، و عدم وجوب الإنفاق علي الأجنبية و عدم توارث الأجنبيين و غير ذلك.

الثانية أن يكون الطلاق مقتضيا لزوال الزوجية و يكون انقضاء العدة شرطا له فالمطلقة رجعيا قبل تحقق الشرط زوجة حقيقية يترتب عليها جميع آثارها و الرجوع مانع عن تحقق الشرط، مبطل لتأثير المقتضي كما في فسخ بيع السلم و الصرف قبل التقابض، و لا يبعد رجحان هذا الوجه و علي هذا فمفاد الرجعة ليس إيقاعا بذلك المعني، بل هو رفع و إبطال لتأثير المقتضي

و يحصل ذلك شرعا لكل قول أو فعل كاللمس و التقبيل و غيرهما و لا تتوقف حلّية تلك الأفعال علي سبق الرجوع لفظا و لا علي قصده كما مرّ.

مصطلحات الفقه، ص: 270

الرشد و السفه

الرشد في اللغة الاهتداء و الاستقامة، و الرشد خلاف الغي و الضلالة و فسر بإحقاق الحق، و قد كثر استعماله في كلمات الفقهاء فيما يتعلق بالمال، و لذا عرفه في الشرائع بأنه إصلاح المال، و هذا موافق لمعناه العرفي فالمراد به عند العرف و الفقه رعاية الصلاح في التصرفات المالية تحصيلا و حفظا و صرفا و مبادلة، و ظاهر هذا البيان انه فعل خارجي يتصف به صاحب المال لكن عرفه الشهيد الثاني بأنه ملكة نفسانية تقتضي إصلاح المال و تمنع من إفساده و صرفه في غير الوجوه اللائقة بأفعال العقلاء.

و السفه يقابل الرشد عند الأصحاب، و لذلك عرّفوا السفه بأنه صرف المال في غير الأغراض الصحيحة العقلائية، و السفيه بأنه من ليس له حالة باعثة علي حفظ ماله، يصرفه في غير موقعه و يتلفه في غير محله، لا مكايسة له في معاملاته و لا محافظة له علي المغابنة.

و كيف كان فقد ذكروا انه يترتب علي الرشد كونه شرطا في خروج الصبيّ عن الحجر، و ان الصبي ممنوع عن التصرفات الماليّة و غيرها حتي تخرج عنه بأمرين بالبلوغ و الرشد، و ذكروا ان السفيه لا تصح تصرفاته في أعيان أمواله بالبيع و الصلح و الهبة و الإجارة و الوقف و نحوها و كذا في توابع ذلك من الفسخ بالخيار و إمضاء الفضولي و البيع الخياري و قبض الثمن و اقباض المبيع و نحوها، و ان الولاية له علي الأب و الجد له و وصيهما،

و انّه لا تنفذ تصرفاته في ذمته ايضا كتعهده بالمال أو العمل بالاقتراض و الضمان و بيع النسية و السلم، و ان معني عدم نفوذ تصرفاته عدم استقلاله فيها و تصح بالاذن من الولي علي خلاف الصغير فإنه مسلوب العبارة، و انه لا يصح زواجه أيضا بدون الاذن من الولي، و انه يجب اختبار السفيه و السفيهة بتفويض بعض الأمور المالية المتناسبة لحالهما إليهما حتي يظهر رشدهما.

الرشوة

الرشوة مثلثة الراء في اللغة ما يعطي لإبطال حق أو إحقاق باطل و الجمع رشي بالفتح و الكسر، و في المجمع: الرشوة بالكسر ما يعطيه الشخص للحاكم و غيره ليحكم له أو يحمله

مصطلحات الفقه، ص: 271

علي ما يريد و أصلها من الرشاء الحبل الذي يتوصل به إلي الماء و الرشوة قلما تستعمل إلّا فيما يتوصل به إلي إبطال حق أو تمشية باطل انتهي.

و في النهاية: الرشوة بالكسر و الضم الوصلة إلي الحاجة بالمصانعة، فالراشي من يعطي المال الذي يعنيه علي الباطل، و المرتشي الآخذ، و الرائش الذي يسعي بينهما يستزيد لهذا و يستنقص لهذا، و أما ما يعطي توصّلا إلي أخذ حق أو دفع ظلم فغير داخل فيه انتهي.

و كيف كان فالرشوة في مصطلح الشرع و المتشرعة و في اصطلاح الفقهاء مورد اختلاف من حيث الموضوع وسعته و ضيقه، فيسري الاختلاف إلي الحكم أيضا، و مجموع ما أطلق عليه الرشوة حقيقة أو عناية أمور: الأول: أخذ الأجرة و الجعل للحكم و القضاء و لو مقيدا بالحق. الثاني: أخذ الأجرة للنظر في أمر المترافعين ليحكم بعد ذلك بالحق. الثالث:

أخذ الأجرة للحكم لمعطيها حقا أو باطلا. الرابع: أخذ الأجرة للحكم بالباطل.

ثم إنه لا إشكال و لا خلاف عند الأصحاب في

حرمة الرشوة في الجملة حرمة مؤكدة للراشي و المرتشي و الرائش، سواء تعين الحكم علي القاضي أم لا و سواء مع حاجته إليها أم لا. و لا إشكال أيضا في بطلان العمل و فساده وضعا بمعني عدم تملك الأخذ لها و ضمانه و وجوب ردها إلي المالك.

تنبيه: الظاهر عند الفقهاء جواز ارتزاق القاضي من بيت مال الإمام أو المسلمين سواء احتاج إليه لفقره أم لا إذا رأي الإمام أو نفس القاضي ذلك صلاحا.

و أما الهدية للقاضي و هي هنا ما يبذل له علي وجه الهبة لجلب مودته ليحكم له حقا أو باطلا فالفرق بينها و بين الرشوة أن الرشوة تبذل لأجل أصل الحكم و الهدية تبذل لإيراث الحب المحرك للحكم له، و الظاهر حرمتها أيضا و نظيرها المعاملة المشتملة علي المحاباة كبيع شي ء من القاضي بأقل من قيمته إذا قصد بذلك الحكم له حقا أو باطلا. و أما الرشوة في غير الحكم كإعطاء المال لإصلاح أمره عند القاضي أو عند الأمير أو غيرهما من أهل الولايات، فذكروا انه ان كان أمره محرما أو بذل المال للإصلاح من طريق محرم فهو حرام و إلّا فلا.

مصطلحات الفقه، ص: 272

الرضاع

الرضاع بالكسر و الفتح في اللغة مصدر بمعني امتصاص ولد الحيوان ثدي أمه أو ضرعها، من رضع يرضع من باب ضرب و منع و الاسم راضع و الجمع رضّع و المرأة مرضع بلا تاء إذا أريد الوصف و مرضعة إذا أريد الفعل، و الكلمة ليس لها مصطلح خاص شرعي أو فقهي و قد كثر استعمالها في باب النكاح في ارتضاع الطفل الإنساني من أمه و غيرها، و وقع مورد البحث في الفقه و رتب عليه أحكام هامة في

الشريعة من تكليف و وضع وجوبي و ندبي.

فمنها أن إرضاع الولد واجب علي الأب بالأصالة تخييرا فيه بين استئجار الأم عليه، أو استيجار غيرها، أو تغذيته بنحو آخر ان فرض إمكانه و عدم الإضرار به، فإن ذلك إنفاق و هو واجب علي الأب ابتداء، فلا يجب علي الأم إرضاعه لا مجانا و لا بأجرة مع عدم الحصر و الضرر، بل لها مطالبة الأجرة من مال الولد و إلّا فمن مال الأب، نعم هي أحق بإرضاعه إن كانت متبرعة أو طلبت ما تطلب غيرها أو أنقض منه، و مدة الإرضاع في الشريعة حولان كاملان و لا يجوز أن ينقص منها مع الإمكان و من غير ضرورة إلّا شهرين أو ثلاثة أشهر.

و منها: انه يترتب انتشار الحرمة التكليفية و الوضعية علي الرضاع و يحدث القرابة التنزيلية بمجرد تحققه، المستلزم لترتب أحكام أخر علي ذلك، فإنه إذا ارتضع صبي من امرأة و تحقق رضاع بشروطه صار الفحل صاحب اللبن أبا للمرتضع، و المرضعة أما له، و صار أصولهما أجدادا و جدات، و فروعها اخوة و أولاد اخوة، و من في حاشيتهما أعماما و عمات و أخوالا و خالات، و صار المرتضع ابنا و بنتا لهما و فروعه أحفادا لهما، فكل عنوان نسبي محرم من العناوين السبعة إذا تحقق مثله في الرضاع يكون محرما، و حينئذ تحرم علي الرضيع الذكر بمجرد تمامية الرضاعة ستة أصناف من النساء، هن السبع المحرمات بالنسب ما عدا البنت، و تحرم علي الرضيعة سبعة أصناف من الرجال هم المحارم لها في النسب ما عدا الولد، و يترتب حينئذ بينهم جواز النظر و جواز إبداء الزينة و حرمة النكاح و لا

مصطلحات الفقه، ص: 273

يترتب التوارث،

و الإنفاق الواجب، و صلة الرحم الواجبة و المندوبة.

ثم إنهم قد اشترطوا في تأثير الرضاع في الحرمات المزبورة و ما ترتب عليها من سائر الأحكام الشروط الثلاثة التالية:

الأول: أن يكون اللبن حاصلا من وطء جائز و حمل و ولادة، كان الجواز النكاح دائم أو موقت أو شبهة، فلو در اللبن بغير وطء، أو معه بغير حمل أو معه بغير ولادة بأن كان قبلها لا يكون أثر لارتضاع الطفل منه، و كذا لو كان من الزنا.

الثاني: ان يمص الصبي من الثدي فلا يكفي حلبه و إشرابه للطفل.

الثالث: أن يكون المرتضع في أثناء الحولين فلا أثر لارتضاعه بعدهما.

الرابع: حصول الكمية بان يرتضع علي ما عينه الشرع من الحدود و هي ثلاثة، الأثر و الزمان و العدد، و أيها حصل كان كافيا، فالأثر أن يرتضع بمقدار ينبت به اللحم و يشتد به العظم، و الزمان أن يرتضع من المرأة يوما و ليلة بلا فصل غذاء بينها، و العدد ان يرتضع خمس عشرة رضعة كاملة، و ذكروا لكل شروطا تطلب من المطولات.

ثم ان مما يتعلق برضاع الحيوان ما ذكروه في باب النجاسات، من انه لو شرب غنم لبن خنزيرة أثر ذلك في الرضيع فصيره غير مأكول اللحم، و الظاهر انه يعتبر فيه الشرط الثاني و الثالث من شروط الرضاع الإنساني و انه لا يختص ذلك بخصوص الغنم بل يعم كل حيوان مأكول اللحم و أما التعدي عن هذه المرضعة إلي الكلب أو الكافر حتي الناصب ففيه تأمل و التفصيل يطلب من مظانه.

الرقاب

الرقبة بالتحريك في اللغة العنق، و الرقبة العبد المملوك تسمية للكل باسم أشرف أجزائه، و في النهاية: هي في الأصل العنق فجعلت كناية عن جميع ذات الإنسان،

فإذا قال أعتق رقبة فكأنه قال أعتق عبدا أو أمة، و في المفردات و جعل في التعاريف اسما للمماليك كما عبر بالرأس و بالظهر عن المركوب، و قال في الرقاب أي المكاتبين منهم، فهم الذين

مصطلحات الفقه، ص: 274

تصرف إليهم الزكاة انتهي. و قد كثر استعمال الرقاب في الفقه و جعلت أحد مصارف الزكاة و قسموها إلي ثلاثة أقسام:

الأول: المكاتب العاجز عن أداء مال الكتابة فيفكّه الوالي من الزكاة، و يتخير بين دفعها إلي المولي أو إلي العبد ليفك نفسه. الثاني: العبد تحت الشدة فيشتري و يعتق خصوصا إذا كان مؤمنا تحت يد غير مؤمن. الثالث: مطلق العبد مع عدم وجود المستحق للزكاة، و المسألة خارجة فعلا عن محل الابتلاء و لذا قد طوينا عنها كشحا، و إذا تعلقت مشيته تعالي بتشكيل دولة كريمة عالمية فأعان علي ذلك بفتح منه يعجله و نصر يعزه و سلطان حق يظهره، فكثر المسلمون عندئذ من الكافرين فحربوهم و أسروهم و كثرت الرقاب، ظهر للمسألة موارد الابتلاء، و أحكام الحوادث انئذ تؤخذ عمن ينطق عن اللوح المحفوظ لا الرسائل العملية و نسأل اللّه تعالي أن يعجل في ذلك إن شاء اللّه.

الركن

الركن في اللغة ما يقوي به الشي ء، و الركن من الشي ء الجزء الأقوي منه، و الجمع أركان كقفل و أقفال، و في المفردات: ركن الشي ء جانبه الذي يسكن إليه و أركان العبادات جوانبها التي عليها مبناها و بتركها بطلانها انتهي.

و الركن في مصطلح الفقهاء يطلق علي الجزء الأصيل القويم من كل عمل، و كذا الشرط الأصيل و الأقوي منه بحيث يبطل العمل بتركه عمدا و سهوا، نظير تكبيرة الإحرام و الركوع و السجدتان من الصلاة، و الطهارة من الحدث

منها، و يستظهر من صحيح لا تعاد الصلاة إلّا من خمس: الوقت و الطهور و القبلة و الركوع و السجود، ان الأمور الخمسة أركان للصلاة لكن الجميع منها غير الركوع مقيد في مقام ركنيته بقيد أو قيود، فالوقت ركن و تفوت الصلاة بتركه فيما إذا وقعت الصلاة بتمامها قبله أو وقع بعضها قبله و لم يكن المصلي قد تحري و كذا لا تبطل إذا وقعت ركعة منها في الوقت و الباقي خارجه أو وقع جميعها بعده فإنها تصح قضاء.

مصطلحات الفقه، ص: 275

و أما الطهور فالمراد به الطهارة من الحدث دون الخبث فإنها ليست ركنا، و أما القبلة فالركن فوتها بمعني وقوع الصلاة مستدبرا، أو متجاوزا عن اليمين و اليسار أو كانت إليهما أيضا في غير مورد الاضطرار، و أما السجود فهو ركن إذا زاد أو نقص سجدتان من ركعة، و الأجزاء الركنية في غير الصلاة من العبادات أو الأعمال و الأقوال تلاحظ فيها حسب حالها و ثبوتها شرعا أو عرفا كما في أجزاء الحج و شرائطها و كذا الصوم و الزكاة و ذبح الحيوان و العقود و الإيقاعات و غيرها. و قد اصطلح الأصحاب في الحج علي أن الركن منه ما يبطله تركه عمدا دون السهو.

و قد يطلق الركن في الفقه في باب الحج علي كل زاوية من زوايا البيت الحرام أعني الكعبة المعظمة شرفها اللّه، فإنها قد بنيت شبه المربع و وقعت كل زاوية منها نحو أحدي الجهات الأربع، علي خلاف أكثر البيوت، و سميت كل زاوية ركنا خاصا فأول الأركان ركن الحجر و هو الواقع نحو المشرق و يسمي الركن الأسود، و الشرقي، و العراقي، و تجاه زمزم أيضا و عليه نصب الحجر

و محاذاته مبدأ أشواط الطواف و منتهاها، فإن من الحجر إلي الحجر شوط، و لا طواف إذا لم يشرع منه و لا طواف إذا يختم به.

و الركن الثاني هو الواقع نحو الشمال في مقابل مدخل الحجر و يسمي الركن العراقي و الشمالي. و الركن الثالث هو الواقع نحو المغرب و يسمي الركن الغربي. و الركن الرابع هو الواقع نحو الجنوب و يسمي الركن اليماني.

الركوع

الركوع و الركع بالضم و الركعة بالفتح و الضم في اللغة مطلق الانحناء و طأطأة الرأس، و في المفردات الركوع الانحناء فتارة يستعمل في الهيئة المخصوصة في الصلاة و تارة في التواضع و التذلل إما في العبادة أو غيرها.

و هو في اصطلاح الشرع و الفقه عبارة عن انحناء خاص بقصد العبادة فالانحناء بمنزلة الجنس و النية بمنزلة الفصل، و هو بهذا المعني جزء من الصلوات الواجبة و المندوبة،

مصطلحات الفقه، ص: 276

و يعرض عليه الطلب الضمني المؤكّد و غيره، و لو وقع لغير اللّه تعالي عرضت عليه الحرمة الشديدة.

و قد ذكر الأصحاب أن الركوع مركب من خمسة أجزاء الانحناء الي حد خاص بنية الركوع، و الذكر فيه، و الطمأنينة حال الذكر، و رفع الرأس إلي أن ينتصب، و الطمأنينة في الجملة حال الانتصاب، و الظاهر أن الركن يتحقق بالأول و البواقي أجزاء غير ركنية لا تبطل الصلاة بتركها سهوا، و هل الركن الذي هو حقيقة العمل عبارة من نفس الانحناء بالنية، فيكون من مقولة الفعل، أو عن الهيئة الحاصلة بتمام الانحناء، فيكون من قبيل الوضع، وجهان لكل منهما قائل، و تظهر الثمرة فيما إذا ركع في الفضاء المغصوب فينطبق عليه عنوانان عنوان الصلاة و الغصب علي الأول دون الثاني. و يترتب عليه

بطلان الصلاة علي الأول دون الثاني.

ثم إنه ينقسم الركوع من جهة حكمه التكليفي إلي واجب و مندوب و حرام فالواجب ما كان جزءا للصلوات الواجبة، و المندوب ما كان جزءا للصلوات المندوبة، و المحرم ما وقع لغير اللّه تعالي من الأصنام و الأوثان أو البشر و لو كان مؤمنا صالحا بل و لو كان إماما معصوما أو نبيا من الأنبياء لاختصاص هذه العبادة للّه تعالي كالسجدة.

و الركوع الصلاتي ركن اصطلاحي لكل صلاة فريضة و مندوبة بلا إشكال بل هو أقوي أركانها فتبطل بتركه عمدا و سهوا في الفريضة و النافلة، فهو حينئذ واجب مطلقا حتي في الصلوات المندوبة، إلا أن وجوبه شرعي في الأول و شرطي في الثاني.

ثم ان في تشريع الركوعي العبادي مستقلا من غير أن يكون جزءا من صلاة إشكال قد توهم ثبوته بمقتضي بعض إطلاقات الكتاب و السنة لكنه غير ثابت.

الرّمي

هو في اللغة واضح و في اصطلاح الشرع و أهل الفقه في باب الحج موضوع لمصداق خاص من معناه اللغوي و هو رمي حصيات معدودة إلي مواضع معينة في أيام معلومات

مصطلحات الفقه، ص: 277

و هو عمل عبادي معيّن مخترع في الشريعة الإسلامية تعبّد اللّه به عباده، فأمر بذلك في بدو الأمر آدم عليه السلام ثم جعلها سنة في خلقه إعلانا لوجوب مخالفة العبد للشيطان و أتباعه و حثا له إلي كفره بالطاغوت و أشياعه، و قد ورد فيه نصوص و تعرض الأصحاب في الفقه لأقسامه و أحكامه فذكروا فيه ان الرمي علي قسمين: قسم منه فريضة ركنية من أجزاء الحج و من أهم أعمال يوم العيد، و أول الواجبات الثلاثة في يوم النحر، و هو رمي جمرة العقبة التي هي أقرب

الجمرات إلي مكة، و قسم آخر واجب مستقل تابع لإعمال الحج ليس جزءا منها و لا شرطا و هو رمي الجمرات الثلاث أيام المبيت بمني.

و ذكروا انه يعتبر فيما يرمي به صفات و يشترط في رميه شروط:

أما الأول: فيجب ان يصدق عليه عنوان الحصي لا الرمل و الحجارة، و يكون من الحرم و يكون بكرا و يكون مباحا.

و أما الثاني: فقد اشترطوا فيه شروطا الأول نية التقرب به إلي اللّه تعالي، الثاني صدق الرمي دون الوضع، الثالث كون الإلقاء باليد بأصابعها أو بآلة كالمقلاع، الرابع وصول الحصاة إلي المرمي، الخامس كون العدد سبعة، السادس أن يرميها متعاقبا لا دفعة.

و ذكروا لخصوص الرمي في أيام المبيت شروطا أحدها انه يجب رمي الجمار الثلاث في نهار الليلة التي بات فيها بمني، و ثانيها ان يكون الرمي من طلوع الشمس إلي غروبها دون الليل، و ثالثها مراعاة الترتيب بين الجمرة الأولي و الوسطي و العقبة.

الرّهن

الرهن في اللغة الدوام و الثبوت يقال رهن الشي ء دام و ثبت و أرهن الشي ء أدامه، و الرهن وضع الشي ء عند أحد و جعله تحت يده، يقال رهن الشي ء فلانا و عند فلان وضعه عنده و أرهنه الشي ء جعله رهنا عنده، و الرهن و الرهان ما يوضع عند أحد تأمينا للدّين فهو بمعني المرهون.

و هو في اصطلاح الفقه و مصطلح الفقهاء عبارة عن إنشاء جعل المال تحت يدا المرتهن

مصطلحات الفقه، ص: 278

بملاك وثوقه لدينه، و يقال للعين الرهن و الرهان و المرهون، و لدافعها الراهن، و لآخذها المرتهن، و للدّين ما يرهن عليه، و الإيجاب فيه من الراهن و يكفي فيه كل ما أفاد المقصود عند العرف كقوله رهنتك، أو أرهنتك هذا المال،

أو هو وثيقة لك، أو خذه وثيقة لدينك، و القبول من المرتهن و يكفي فيه ما أفاد الرضا من قول أو فعل، ثم إن الأصحاب قد ذكروا في بيان أحكامه انه يشترط في الراهن و المرتهن البلوغ و العقل و القصد و الاختيار، و يشترط في صحة الرهن القبض و الإقباض، و أن يكون المرهون عينا مملوكة يمكن قبضها و يصح بيعها، و انه يشترط في ما يرهن عليه أن يكون دينا في الذمة أو عينا مضمونة كالمغصوبة و الأمانات مع التعدي، و ان الرهن لازم من طرف الراهن دون المرتهن، و انه ليس للراهن و لا للمرتهن التصرف في الرهن بدون الإذن من الآخر، و ان منافع العين كلها ملك للراهن، و ان الرهن أمانة في يد المرتهن لا يضمنه إلّا بالتعدي أو التفريط إلي غير ذلك من الأحكام.

الرياء

اشارة

الرياء في اللغة مصدر باب المفاعلة من رأي يرائي مراءاة و رياء، و رأيته أريته خلاف ما أنا عليه، فالمفاعلة بمعني السعي في المادة و إنهائها كالمكاتبة، و المرائي من يسعي في أن يراه الناس، و يراؤون و يمنعون الماعون معناه يتعرضون لان يراهم الناس.

و كيف كان لا مصطلح خاص للرياء في الشرع و الفقه، بل هو بمعناه اللغوي مقيّدا بوقوعه في عبادة اللّه تعالي، و قد وقع موضوعا للحكم تكليفا و وضعا و موردا للبحث، فالعمل الصادر رياء محرم باطل شرعا بل هو من المعاصي الكبيرة، و عبر عنه في النصوص بالشرك و ذلك لأن ظاهر العبادة المرائي فيها للّه و باطنها لغيره فالصورة عبادة مقربة و المادة نفسانية مبعدة.

ثم إن الأصحاب قد ذكروا ان دخول الرياء في العمل علي أقسام كثيرة لكل منها

حكمه.

أحدها: أن يأتي أصل العمل لمجرد إراءة الناس من دون قصد التقرب به و لا إشكال في

مصطلحات الفقه، ص: 279

حرمته و بطلانه لصدق عنوان الرياء و عدم قصد القربة.

ثانيها: أن يكون المحرك نحو العمل أمران الرياء و قصد الأمر و هذا أيضا محرم مبطل، لانتفاء الإخلاص سواء كان القصدان مستقلين أو كان أحدهما تبعا للآخر أو كانا معا و منضمين محرّكين داعيين.

ثالثها: ان يقصد الرياء ببعض الأجزاء الواجبة و هذا أيضا مبطل و إن كان محل التدارك باقيا كالسورة قبل الركوع و ذلك لصدق دخول الرياء في العمل المبطل له.

رابعها: ان يقصد الرياء ببعض الأجزاء المستحبة كالقنوت في الصلاة و القنوت حرام حينئذ و بطلان الصلاة به أحوط.

خامسها: أن يكون الرياء في إتيانه في المكان الخاص، كإتيان الصلاة في المسجد مثلا، أو في الصف الأول من الجماعة و الظاهر البطلان في الفرض أيضا.

سادسها: ان يقصد الرياء بإتيانه في زمان خاص كأول الوقت و هذا أيضا مبطل.

سابعها: أن يكون الرياء في أوصاف العمل كالجماعة أو مع الخشوع، و الظاهر بطلانه أيضا لصدق دخول الرياء في العمل.

ثامنها: أن يكون الرياء في مقدمات العمل، كما في مشيه إلي المسجد للعبادة دون نفس العبادة، و الظاهر عدم بطلان العبادة حينئذ.

تاسعها: أن يكون في بعض الأفعال الخارجة عن العمل المقارنة له، كالتعمم و التحنك في الصلاة، و الظاهر عدم البطلان حينئذ.

عاشرها: أن يكون العمل خالصا لكن إذا رآه أحد أعجبه و هذا غير مبطل.

تنبيه:

ذكروا في حرمة الرياء و إبطاله العمل المقرون نصوصا كثيرة مستفيضة ذكرها في الوسائل في مقدمة العبادات في الباب 11 و لعلها تبلغ 16 حديثا و فيها ان المرائي يدعي يوم القيامة بأربعة أسماء يا كافر

يا فاجر يا غادر يا خاسر حبط عملك و بطل أجرك فلا خلاص لك اليوم فالتمس أجرك ممن كنت تعمل له، و المراد بالكافر الكفر العملي لا الاعتقادي.

مصطلحات الفقه، ص: 280

الزبيب

الزبيب في اللغة كل ما يؤكل و هو اسم جمع يذكر و يؤنث، و الزبيب ما جف من العنب و التين، و قد اشتهر في مصطلح الفقهاء في اليابس من ثمر الكرم غير مختص بصنف خاص.

و الزبيب قد وقع في الفقه موضوعا لأحكام فإنه أحد الغلات الأربع المعروفة، فهو أحد الأجناس الثمانية الزكوية و قد وضع النبي صلّي اللّه عليه و آله عليه ضريبة مالية خاصة سماها زكاة الأموال، و هي تتعلق به بشروط عامة تلازم جميع التكاليف، و شروط تخص المكلف المأمور بإخراج هذا القسم من الزكاة، و شروط تخص العين الخارجية التي تخرج زكاتها و الكل مذكور تحت عنوان الزكاة.

و هو أيضا موضوع لتعلق زكاة الأبدان المتعلقة بالأصالة بالقوت الغالب للمكلف إلا انه يكفي الإخراج منه لكونه أحد الغلات الأربع و التفصيل تحت عنوان زكاة الفطرة.

الزكاة

اشارة

زكي الزرع كنصر و علم في اللغة نمي و طهر، و الزكاة صفوة الشي ء و ما تخرجه من مالك و في مجمع البحرين: هي أما مصدر زكي إذا نمي لأنها تستجلب البركة في المال و تنمية، و أما مصدر زكي إذا طهر لأنها تطهر المال من الخبث و النفس البخيلة من البخل انتهي.

و في النهاية أصل الزكاة في اللغة الطهارة و النماء و البركة و المدح، و كل ذلك قد استعمل في القرآن و الحديث، و وزنها فعلة كصدقة فانقلب الواو ألفا و هي من الأسماء المشتركة بين المخرج و الفعل فتطلق علي العين و هي الطائفة من المال المزكي بها و علي المعني و هو التزكية فالزكاة طهرة للأموال و زكاة الفطرة طهرة للأبدان انتهي.

أقول هذه معاني الكلمة بحسب اللغة و قد تحصيل أنها لمعان النمو و الطهارة

و البركة و المدح و لا يبعد رجوع الأخيرين إلي الأولين فإن البركة من مصاديق النمو و المدح تطهير للممدوح.

مصطلحات الفقه، ص: 281

و أما بحسب الاصطلاح فهي هنا عبارة عن ضريب مالي خاص مجعول من الشارع في أموال خاصة لأشخاص معينين بشرائط معلومة، و جعل إخراجها عبادة مشروطة بقصد التقرب، فهي مع كونها من الضرائب الحكومية و الماليات الدولية التي لها مصارف في المجتمع، و أخذها و صرفها في مصارفها من شؤون الدولة الإسلامية، من الواجبات التعبدية و العبادات الشرعية مشروطة بنية القربة تبطل بورود الخلل فيها من جهة النية أيضا.

و قد وقع البحث و التكلم عنها في الفقه فقسموها ابتداء إلي زكاة الأموال و زكاة الأبدان المسماة بزكاة الفطرة. و قسموا الأول إلي مالية واجبة و مندوبة و هي زكاة مال التجارة، و تعرضوا في البحث عن الواجب لجهات، شرائط وجوبها، و ما تجب فيه، و مقدارها، و من يستحقها من الأصناف، و أوصاف المستحقين لها، أما الوجوب فقد ذكروا انه يشترط في تعلق وجوبها و تنجّزه أمور:

أولها: البلوغ بمعني كون الشخص بالغا في تمام الحول فيما يعتبر فيه الحول كالنقدين و الأنعام، و بالغا حين تعلق الزكاة بالمال فيما لا يعتبر فيه الحول كالغلات الأربع.

ثانيها: العقل علي النحو المذكور.

ثالثها: الحرية فلا زكاة علي مال العبد و إن قلنا بملكه.

رابعها: الملكية لمتعلق الزكاة في تمام الحول أو في وقت التعلق علي التفصيل السابق.

خامسها: تمام التمكن من التصرف فلا زكاة لماله الغائب الذي لا يتمكن من التصرف فيه و المسروق و المجحود و المدفون المنسي مكانه و المرهون.

سادسها: بلوغه حد النصاب.

و أما ما تجب فيه من الأجناس فتسعة أشياء: الأنعام الثلاثة و هي الإبل و

البقر و الغنم، و النقدان أي الذهب و الفضة، و الغلات الأربع أي الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب، فالأعيان الزكوية ثلاث طوائف:

أولها الأنعام فذكروا انه يعتبر في وجوب زكاتها مضافا إلي الشرائط العامة أربعة

مصطلحات الفقه، ص: 282

شروط: النصاب، و السوم، و عدم كونها عوامل، و مضي الحول عليها جامعة للشرائط، و الشرط الأول قد ذكر تفصيله تحت عنوان النصاب، و الثاني يجب صدقه في تمام الحول فلو كانت معلوفة و لو اضطرارا في شهر أو أسبوع لم تجب الزكاة، و كذا الثالث فإنّه يشترط عدم كونها عوامل و لو في يوم أو يومين علي الأحوط، و الرابع يكفي في تحققه دخول الشهر الثاني عشر و بذلك يستقر الوجوب لكن هذا الشهر محسوب من الحول السابق.

و ثانيها النقدان فذكروا انه يشترط في وجوب زكاتهما مضافا إلي الشروط العامة عدة شرائط خاصة، النصاب و قد أوضحناه تحت عنوان النصاب.

و كونهما مسكوكين بسكة المعاملة كانت سكة الإسلام أو الكفر، و كانت كتابة أو غيرها، باقية أو ممسوحة بالعرض مع رواج المعاملة، و مضي الحول عليهما بدخول الشهر الثاني عشر جامعي للشرائط.

و ثالثها الغلات فذكروا انه يعتبر في وجوب زكاتها مضافا إلي الشروط العامة أمران أحدهما بلوغها النصاب و هو في جميعها مائتان و ثمانية و ثمانون منا تبريزيا إلّا 45 مثقالا صيرفيا، تساوي 207- 847 كيلو غراما فلا تجب علي الناقص من ذلك و قد أشرنا إليه تحت عنوان النصاب.

ثانيهما التملك قبل وقت التعلق، بالزراعة فيما يزرع، أو بانتقال الزرع إليه بإرث أو شراء أو اتهاب أو غيرها، و التملك فيها يغرس بغرس الشجر أو دخوله في ملكه بإرث و شراء و بقائه إلي زمان التعلق

أو تملك ثمره كذلك.

و أما المقدار المخرج منها الزكاة فقد ذكرنا تفصيله تحت عنوان النصاب للملائمة التامة بين ذكر النصاب و المقدار المخرج منه فراجع هناك.

و أما من يستحقها و هو المسمي بمصارف الزكاة فالمذكور في فتاواهم و المستفاد من ظاهر الكتاب و صريح النصوص أنهم ثمانية أصناف:

الأول و الثاني: الفقير و المسكين و المراد بهما من لا يملك مؤنة السنة له و لعياله الواجب نفقتهم عليه، لا فعلا و لا قوة، و الثاني أسوأ حالا من الأول، فهو أخص منه، و الصرف

مصطلحات الفقه، ص: 283

فيه أرجح، و هذا المقدار كاف في جعلهما قسمين تبعا للآية الشريفة، و هنا فروع كثيرة، نظير ان الدار و الخادم و المركوب و الألبسة و أثاث البيت و الفروش و الظروف و الكتب العلمية و ما أشبه ذلك مما يحتاج إليه الشخص بحسب حاله لا يمنع من أخذ الزكاة، كما انه يجوز تهيئة جميع ذلك من الزكاة لمن ليس له و غير ذلك فراجع الكتب الاستدلالية.

الثالث: العاملون عليها و هم المنصوبون من قبل الحاكم للعمالة في أمر الزكاة.

الرابع: المؤلفة قلوبهم و هم الكفار يعطون منها لألفتهم و ميلهم إلي الإسلام أو إلي إعانة المسلمين في الحرب و غيره.

الخامس: الرقاب أي المماليك يصرف سهم منها في طريق إعتاقهم.

السادس: الغارمون و هم الذين ركبتهم الديون و عجزوا عن أدائها.

السابع: سبيل اللّه و هو جميع سبل الخير.

الثامن: ابن السبيل و هو المسافر الذي نفدت نفقته فلا يقدر علي السير و إن كان غنيا في بلده، و هذا مما يقل مصداقه و يصعب إحراز موضوعه في زماننا هذا و له معني آخر لا يبعد كونه المراد من الكلمة في هذا المورد و نظائره

ذكرناه تحت عنوان ابن السبيل. ثم ان توضيح معني كل واحد من الأصناف الثمانية و ما أريد بها في الكتاب الكريم مذكور تحت عناوينها كالفقير و العامل و المؤلفة فراجع.

و أما أوصاف المستحقين فقد ذكروا انه يشترط اتصاف المستحقين بالأمور التالية:

الأول: الإيمان فلا يجوز إعطاؤها للكافر أي صنف كان من أصنافه، و لا للمخالف آية فرقة كانت من فرقة، إلّا من حصة المؤلفة في الجملة، و تعطي لأطفال المسلمين و مجانينهم، من غير فرق بين اليتيم و غيره و الذكر و الأنثي و المتولد بين مؤمنين أو من مؤمن، و أما المتولد من المؤمنة فقط و المتولد من الزنا من المؤمنين ففيهما إشكال.

الثاني: أن لا يكون الدفع إليه إعانة علي الإثم و إغراء بالقبيح، فلا يصح دفعها لمن يصرفها في المعصية، و لا يشترط عدالته بل يجوز دفعها لمرتكبي الكبيرة أيضا.

الثالث: أن لا يكون ممن تجب نفقته علي المزكي كالعمودين و الزوجة الدائمة، فلا

مصطلحات الفقه، ص: 284

يجوز إعطاؤهم منها لأجل فقرهم و من سهم الفقراء، و أما من سهم العاملين و الغارمين و غيرهما إذا انطبقت عليهم فلا بأس.

الرابع: أن لا يكون هاشميا إذا كانت الزكاة من غير الهاشمي، و لا فرق فيه بين سهم الفقراء و سائر السهام علي إشكال في بعضها، و يجوز للهاشمي زكاة الهاشمي من سهم الفقراء و غيرهم، كما يجوز لغير الهاشمي أن يعطي للهاشمي غير الزكاة و إن كان واجبا، و الزكاة إذا كانت غير واجبة، فيجوز أن يدفع إليه الصدقات المنذورة، و الكفارات الواجبة، و المظالم، و زكاة مال التجارة، و الصدقات المستحبة.

تنبيه:

ذكر الأصحاب فيما يتعلق بالزكاة علي النحو الكلي أمورا ينبغي الإشارة إلي بعضها، منها بيان

ما هو المجعول في باب الزكاة من تكليف أو وضع بالنسبة لمالك المال أو لمستحق الزكاة و فيه وجوه أو أقوال:

الأول: ان المجعول هو التكليف المحض بأن أوجب اللّه تعالي علي المالك إخراجها مع تحقق الشرائط المعتبرة، من دون تعلق حق لأحد بالمال كما أوجب للشخص الإنفاق علي العمودين.

الثاني: ان المجعول اشتغال ذمة المالك بالزكاة، و الأعيان الزكوية ليست متعلقة لملك أحد أو حقه، و مقتضي الوجهين بقاء التكليف و الوضع علي المكلف و ان تلفت الأعيان إلا أن يدل دليل علي السقوط.

الثالث: ان المجعول اشتغال ذمة المالك مع كون الأعيان الزكوية بجميعها أو بمقدار الزكاة منها رهنا عليها، فالشارع قد أنشأ في وقت تعلق الزكاة حكمين، اشتغال الذمة للمالك، و حق الرهانة للمستحق، و قد يقال إن المجعول هو الثاني فقط أي حق للمستحق مشابه لحق الرهانة فليس للمالك التصرف قبل أداء الزكاة. و هذا علي فرض ثبوته يكون قولا آخر.

الرابع: ان المجعول هو ملك المستحقين لمقدار حقهم من المال علي نحو الإشاعة،

مصطلحات الفقه، ص: 285

فيترتب حينئذ علي المال أحكام الإشاعة من عدم جواز تصرف الشركاء إلّا بإذن الجميع، و كون التلف عليهم و النماء لهم بنسبة الملك، و جواز المطالبة بالقسمة و غير ذلك.

الخامس: ان المجعول هو ملك المستحقين لمقدار حقهم في المال علي نحو الكلي في المعين، كملك مشتري الصاع من الصبرة، فالعين الخارجية للمالك، و المستحق مالك للكلي علي ذمة المالك بشرط الأداء من العين، أو علي ذمة العين فيخرجها المالك منها ولاية، و تعيين الكلي في الفرد حق للمالك و تلف الجميع يسقط الحق، و تلف البعض ما عدا الكلي لا يسقطه فيجب إخراجه.

السادس: ان المجعول حق للمستحق في المال

نظير حق المجني عليه علي العبد الجاني عمدا، فإن للمجني عليه أو ورثته حقا في العبد تخييرا بين أن يقتصّ منه أو يسترقه، و حيث إنه لا معني لأحد طرفي الحق هنا فالتشبيه في الجهة الثانية فللمستحق حق التملك، فالمجعول له في الحقيقة أنه ملك أن يملك.

السابع: ان المجعول حق للمستحق في المال نظير حق الغرماء في تركة الميت، فالغارم كان مالكا للمال علي عهدة المدين و انتقل بعد موته إلي عهده التركة فصارت مشغولة الذمة به، فالمجعول حق أخذ مقدار الدين من التركة، و للورثة إبراء ذمة التركة بالإعطاء من نفسها أو من غيرها و كذلك حق الزكاة.

الثامن: ان المجعول للمستحق حق في مالية الأعيان الزكوية و قيمتها، نظير حق الزوجة في مالية الأبنية و أشجار البساتين فللمالك الأداء من نفس العين و الأداء من مال آخر و كلاهما أداء من المالية و قد اعتبر الحق المالي هنا علي نحو الإشاعة كما في إرث الزوجة فلو تلف نصف العين مثلا سقط نصف الزكاة.

التاسع: ان المجعول حق للمستحق كحق المنذور له في منذور التصدق بناء علي أنه إذا نذر مالا لزيد مثلا تعلق له حق بالمال فللمستحق في المقام مطالبة الزكاة و هذا ضعيف و الحق المزبور غير ثابت، ثم إن المسألة ذات شقوق علي ما تري و ذات اختلاف و إشكال و لعل الأوجه الوجه الثامن ثم الوجه الرابع و اللّه أعلم.

مصطلحات الفقه، ص: 286

و أما الزكاة المندوبة فقد ذكروا انها تتعلق بأمور: الأول مال التجارة فإذا تملك مالا بشراء و غيره بقصد الاتجار و الاسترباح به، تعلق به هذا القسم من الزكاة بشروط أحدها بلوغه من حيث القيمة مقدار نصاب أحد النقدين، ثانيها

مضي الحول عليه من حين التملك بالقصد المزبور، ثالثها بقاء المال المذكور بعينه طول الحول، و قيل لا مانع من تبدله بمال آخر مع بقاء قصد الاسترباح، رابعها عدم تنزّل قيمته عن رأس المال أي الثمن الذي بذل لتحصيله، و المتحصل أنه لو اشتري متاعا بمائة مثلا بقصد التجارة فبقي عنده سنة لم ينقص قيمته عن المائة أو زاد عليها تعلقت به الزكاة و مقدارها ربع العشر، و لو فرضنا زيادة قيمة المتاع في أثناء الحول فصارت مائة و خمسين، تعلق في آخر الحول زكاة بالأصل و بعد حول من الربح زكاة بالربح و المسألة مورد اختلاف أغمضنا عن بيانها لعدم العامل بها فيما نعلم.

الثاني كل ما يكال أو يوزن مما أنبتته الأرض عدا الغلات الأربع و الخضر، فيشمل جميع الحبوبات و حكم ذلك حكم الغلات في قدر النصاب و قدر ما يخرج منه و في الزرع و السقي.

الثالث الخيل الإناث بشرط أن تكون سائمة و يحول عليها الحول و لا بأس بكونها عوامل، ففي العتاق منها و هي التي تولدت من عربيين كل سنة ديناران و هما مثقال و نصف صيرفي، و في البرازين كل سنة دينار ثلاثة أرباع الصيرفي.

الرابع حاصل العقارة المتخذة للنماء من البساتين و الدكاكين و المساكن و الحمامات و الخانات مع النصاب و الحول.

الخامس الحلي و زكاته إعارته للمؤمن.

السادس المال الغائب المدفون الذي لا يتمكن من التصرف فيه ان حال عليه حولان أو أحوال فيستحب بعد التمكن إخراج زكاته لسنة واحدة.

السابع إذا تصرف في النصاب بالمعاوضة في أثناء الحول بقصد الفرار من الزكاة فيستحب إخراج زكاته.

مصطلحات الفقه، ص: 287

زكاة الأبدان- زكاة الفطرة

و أما القسم الثاني من الزكاة أعني زكاة الفطرة فهي أيضا

عبادة مالية خاصة مشروطة بالنية مجعولة من ناحية الشرع مخترعة لمصالح المجتمع و حفظ أجسادهم و دفع الموت عنهم و قبول صيامهم و تطهيرهم قلوبهم، و لذلك أطلقت عليها اسم زكاة الفطرة أي الخلقة أو الإسلام أو الدين.

و قد وقع هذا العنوان أعني زكاة الفطرة مورد البحث في الفقه من جهة وجوبها، و شرائط وجوبها، و المكلف المخاطب بإخراجها، و من تخرج عنه، و في جنسها و قدرها و وقتها و مصرفها.

أما وجوبها الذي لا خلاف فيه بين المسلمين، فهو مشروط بالشروط التالية:

البلوغ، و العقل، و عدم الإغماء، و الحرية، و الغني، فيعتبر اجتماعها حين دخول ليلة العيد فيكون الواجد لها جميعا مكلفا مخاطبا بإخراجها، فلا تجب علي من بلغ أو عقل أو أفاق أو تحرّر أو صار غنيا بلحظة أو لحظات بعد دخول الليلة، و لا يشترط في وجوبها الإسلام و لا الإيمان حين دخول الليلة فتجب علي الكافر، و إن كان لو أسلم بعد الهلال سقطت عنه لحديث الجب، و علي المخالف، و لو استبصر بعده لم تسقط عنه.

و أما من تخرج عنه فقد ذكروا أنه كل من يعوله الشخص حين دخول ليلة العيد، كان من واجبي النفقة عليه أو غيره، كان من أرحامه أو غيره، حتي المحبوس عنده، و أجيره الذي ينفق عليه، و من طلقها رجعية، و الضيف الوارد عليه قبل الليلة، و المولود قبلها، و التي زوجها دائما قبلها، و كل من عد عيالا له كذلك.

و أما جنسها و قدرها فقد ذكروا أن الضابط في الجنس القوت الغالب للناس، من الغلات الأربع، و الأرز و الخبز و الحبوب، كالعدس و الماش و الحمص و نحوها فكل ذلك يكفي، إذا كان

لها شيوع ما في الناس و يجوز قيمة الجميع بنقد البلد، و قيمة وقت الإخراج لا وقت الوجوب، و قيمة بلد المال لا وطنه و لا بلد آخر فلو كان له مال في بلد و هو في بلد آخر فالمراد قيمة بلد المال.

مصطلحات الفقه، ص: 288

و أما مقدارها فالواجب صاع عن كل رأس من أي جنس كان و الصاع أربعة أمداد تقرب من ثلاث كيلوات.

و أما وقت وجوبها فهو محدود جدا لأنه أول آنات دخول ليلة العيد، و الوجوب يدور مداره مع اجتماع الشروط السابقة وجودا و عدما، و إن كان يستمر بعد تحققه إلي زوال يوم العيد لمن لم يصل صلاته، أو إلي زمان إقامتها لمن صلاها أو إلي الأبد، علي اختلاف فيه، و عليه يتبني كون الإخراج بعد خروج الوقت أداء أو قضاء، و يجوز عزلها عينا أو قيمة ثم دفعها إلي من شاء، و النية حين العزل و الأحوط ان ينوي حين الدفع أيضا.

و أما مصرفها فقد ذكروا انه مصرف زكاة المال، و لا يشترط عدالة المستحق مطلقا و يجوز أن يعطي إلي حد الغني و يشترط فيها نية القربة و التعيين.

الزنا

الزنا في اللغة معروف، و في المجمع هو بالقصر و المد وطء المرأة حراما من دون عقد، و الزاني فاعل الزنا و الجمع زناة كقضاة، و الزنية بالفتح المرّة من الزنا و أجاز بعض الكسر انتهي. و في المفردات الزنا وطء المرأة من غير عقد شرعي و قد يقصر و إذا مد يصح أن يكون مصدر المفاعلة و النسبة إليه زنوي انتهي.

ثم ان له عند الفقهاء تعاريف مختلفة أرادوا بذلك تعيين ما هو المراد من اللفظ الواقع موضوعا للأحكام في

النصوص و إن كان أخص من المعني اللغوي، و ليس له معني مصطلح في الشرع و القيود المأخوذة في كلمات الأصحاب دخيلة في الحكم دون الموضوع، و كيف كان الأولي تعريفه بأنه إيلاج الرجل ذكره في فرج امرأة من غير عقد مع فعلية حرمته، و المراد بالفرج أعم من القبل و الدبر، و التقييد بغير العقد لإخراج الإيلاج الحرام مع العقد، و بفعلية الحرمة لإخراج الإيلاج بغير العقد مع عدم الحرمة، و بعبارة أخري هنا قسمان من الإيلاج و الإدخال ليسا من الزنا أحدهما الإيلاج المحرم مع تقارنه بالعقد فيتوهم دخوله في التعريف فتقييد التعريف بغير العقد للاحتراز عنه، و هو نظير وطء الحائض، و النفساء،

مصطلحات الفقه، ص: 289

و الوطء في حال إحرامه أو إحرامها، و في نهار شهر رمضان و هو صائم، أو هي صائمة، و الوطء مع نذر عدمه أو اليمين أو العهد عليه فيما إذا اجتمع شرائطها و ما أشبه ذلك، و الثاني الإيلاج بغير العقد مع عدم الحرمة. و التقييد بفعلية الحرمة للاحتراز عنه، و هو نظير زنا الصبي، و المجنون، و المكره، و المضطر، و الجاهل بالحكم أو الموضوع، و من أشبههم، و الظاهر أنه لا إشكال في كون خروج القسم الأول عن الحد من باب التخصّص، إذ لا يتحقق الزنا لغة و شرعا مع العقد الصحيح، و أما القسم الثاني فظاهر الأصحاب كون خروجه أيضا تخصّصا، و قد يتوهم كونه زناء حقيقة رفع حكمه بأدلة رفع القلم و رفع الإكراه و الاضطرار و الجهل، و هذا غير بعيد في الصبي دون الجاهل و المشتبه.

ثم إن الزنا قد وقع في الشرع موضوعا لأحكام كثيرة ذكروها في أبواب متفرقة في الفقه:

منها:

كونه من المحرمات الأكيدة في الشريعة الإسلامية بل في جميع الشرائع، بل لعل قبحه و حرمته من الأحكام العقلية التي توافقت عليها الشرائع، فإن في تحليله و رواجه إخلالا لحياة المجتمع الإنساني و إبطالا للنسب و إفسادا للنسل فهو حرام شرعا و عقلا إجماعا و ضرورة من الدين.

و منها: كونه سببا لحدوث حالة الجنابة لكل من الطرفين، و هي الجنابة من الحرام للزاني منهما دون الآخر و يترتب عليهما آثار مطلق الجنابة و علي الذي جنابته من الحرام آثارها الخاصة.

و منها: كونه سببا لحرمة أم المزني بها و بنتها علي الزاني علي اختلاف في المسألة.

و منها: كونه سببا لحرمة المزني بها علي أب الزاني و ابنه.

و منها: تحقق النسب بين الزاني و المتولد من الزنا علي اختلاف بين الأصحاب في ذلك، فإن فيه وجوها: القول بعدم تحققه و يلزمه عدم ترتب شي ء من آثاره، و القول بتحققه و تحقق جميع آثاره، و القول بالتحقق مع استثناء بعض الآثار، و هذا هو الأرجح و لعله المشهور أيضا فيترتب علي المتولد من الزنا حرمة الزواج، و جواز النظر إلي المحارم فيما عدا العورة، و جواز إبدائها الزينة عندهم، و وجوب الإنفاق مع شرائطه، و حرمة

مصطلحات الفقه، ص: 290

قطع الرحم، و عدم جواز القصاص للولد من الأب نفسا و طرفا، و لا يترتب عليه التوارث مطلقا في جميع الطبقات.

و منها: ترتب الحد علي الفاعل و القابل إذا كان الزنا من الطرفين و إلّا فعلي من كان فعله زنا، و هذا من أهم أحكامه الفقهية و قد ذكر الأصحاب أن حد الزنا و هو عقوبته الشرعية علي أقسام و صنوف، تختلف درجاتها في الشدة و الخفة حسب اختلاف مراتب

السبب في القبح و الشناعة، و الحدود عبارة عن القتل، و الرجم، و الجلد، و المجتمع من الجلد و الرجم، و المجتمع من الجلد و التغريب و الجزّ أي حلق الرأس، و المجتمع من الجلد و التغريب.

و أما الأسباب فقد قالوا إن القتل يثبت بأسباب ثلاثة: الأول الزنا بذات محرم نسبا.

الثاني زنا الذمي بل مطلق الكافر بمسلمة مطاوعة أو مكرهة. الثالث الزنا مع إجبارها بل الظاهر مع إكراهها أو مع اضطرارها ايضا و لا يشترط في الموارد الثلاثة الإحصان في الرجل و لا في الموردين الأولين الإحصان في المرأة.

و أما الرجم فهو حد للزنا مع الإحصان كما إذا زني الرجل المحصن ببالغة عاقلة و زنت المرأة المحصنة ببالغ عاقل كانا شابين أو شائبين بل الظاهر ثبوت الرجم للمحصن و إن زني بغير البالغة أو بالمجنونة.

و أما الجلد فهو حد الزاني غير المحصن إذا لم يتزوج و لم يعقد علي المرأة، و علي غير المحصنة إذا زنت، و علي المرأة البالغة إذا زني بها طفل كانت محصنة أو غير محصنة.

و أما الجلد و الرجم معا فهما حد للشيخ و الشيخة إذا كانا محصنين فيجلدان أولا ثم يرجمان.

و أما الجلد و التغريب و الجز فهي حد البكر الذي تزوج و لم يدخل بها.

و أما الجلد و التغريب فهما حد البكرة التي تزوجت و لم يدخل بها.

مصطلحات الفقه، ص: 291

السؤر

السؤر بالضم فالسكون في اللغة ما يبقي في الإناء من الماء و نحوه بعد تناول الشخص مما فيه، و السؤر البقية مطلقا، و هو مشتق من سأر الشارب يسأر في الإناء أبقي فيه بقية، و في المجمع: السؤر بقية الماء التي يبقيها الشارب في الإناء أو في الحوض

ثم أستعير لبقية الطعام انتهي.

ثم إن السؤر قد رتب عليه أحكام في الشريعة و ذكر الأصحاب في الفقه أن السؤر و هو الذي باشره جسم حيوان تابع في الطهارة و النجاسة و الكراهة لذلك الحيوان، فسؤر نجس العين كالكلب و الخنزير و المشرك نجس، و سؤر طاهر العين طاهر، سواء كان مأكول اللحم كالبقر و الغنم أو محرم اللحم كالسباع و المسوخ و الجلّال و موطوء الإنسان و غيرها، نعم يكره سؤر حرام اللحم ما عدا الإنسان و الهرّ فإنه من أهل البيت، و يكره أيضا سؤر مأكول اللحم كالخيل و البغال و الحمير، و كذا سؤر الحائض المتهمة بعدم الاجتناب عن النجاسة بل مطلق المتهم.

السب و الشتم و الفحش و الهجر

السب في اللغة معروف و هو مصدر سب يسب من باب قتل بمعني الشتم، و نظيره السباب بالكسر، و لا اصطلاح خاص له في الفقه و هو عند الفقهاء عبارة عن التوصيف بما فيه إزراء و نقص بقصد الإهانة، فيدخل في النقص كلما يوجب الأذي كالحقير، و الوضيع، و الكلب، و الكافر، و المرتد، و التعبير بنسبة البلاء إليه كالأجذم و الأبرص، سواء أ كان التوصيف مواجهة أو في غيبته، و حيث ان قصد الإهانة معتبر فيه تكون النسبة بينه و الغيبة عموما من وجه فالسبّ بالإزراء، مواجهة سبّ دون غيبة، و إظهار ما فيه نقص في غيبته بدون قصد الإزراء و الإهانة غيبة دون سب، و ذكر ما فيه من النقص إزراء في غيبته مجمع للعنوانين.

ثم إنهم ذكروا أنه لا خلاف في حرمة السب في الجملة بل هو حرام بالأدلة الأربعة،

مصطلحات الفقه، ص: 292

لكونه ظلما و إيذاء و إذلالا للمؤمن فينطبق علي مورد الاجتماع عنوانان محرمان، و يترتب

عليه أثمان قضاء لحق تعدد المقتضي، و استثني الأصحاب من ذلك سب المؤمن المتظاهر بالفسق فإنه لا حرمة له و المبتدع في دين اللّه لقوله عليه السلام: و أكثروا من سبهم و الوقيعة فيهم و يمكن ايضا استثناء من لم يتأثر بسبه و لم يكن فيه مذلة له كسب الوالد ولده في الجملة و ما أشبه ذلك.

السبق و الرماية

السبق في اللغة مصدر سبق يسبق إلي كذا إذا تقدم إليه من غيره، و سابقه سباقا و مسابقة غالبة في السباق، و السبقة بالفتح فالسكون ما يتسابق إليه و بفتحتين و السبقة بالضم ما يتراهن عليه المتسابقون.

هذا و قد كثر استعمال السبق و المسابقة في اصطلاح الفقهاء بحيث كاد أن يكون حقيقة، في عقد خاص، أعني إنشاءين اعتباريين مرتبطين مشتملين علي إيجاب و قبول، مفادهما تمليك مال في مقابل عمل، نظير عقد الإجارة و الجعالة، و صورته ان يقول أحدهما من سبق منا فله السبقة و يقبل الآخر قولا أو عملا.

و قوام هذا العقد بأمور ثلاثة المتسابقان و ما يتسابق به و ما يتسابق عليه و ذكروا انه يشترط في الأول أن يكونا كاملين بالبلوغ و العقل و الخلو عن الحجر لسفه أو فلس إذا استلزم تصرفا في ماله.

و في الثاني أن يكون أحد الأمور المنصوص عليها و هي النعل و الخف و الحافر لكن الظاهر أن ذلك لا يقتضي الحصر فيها لأنها مذكورة حسب اقتضاء الزمان و عصر النصوص الواردة، بل المراد من النصل كل آلة جمادية صالحة للنضال و القتال، فيشمل جميع الآلات العصرية المعدة لذلك من صغارها القابلة لحمل الإنسان و كبارها المحمول بالوسائل الكبيرة الضخمة المعدة لها. و من الخف و الحافر كل مركب

حيواني صالح للسباق، و غير حيواني معد لذلك فيصح السباق بها و المراهنة عليها.

و في الثالث ان يكون عينا خارجية، أو كليا ذميا، أو دينا حالا أو مؤجلا، أو

مصطلحات الفقه، ص: 293

منفعة، أو عملا، كان من مالهما أو من بيت المال للإمام أو للمسلمين أو من أجنبي.

ثم إنهم اشترطوا في السباق المكاني تقدير المسافة ابتداء و غاية، و تعيين العوض كما و كيفا، و تعيين ما يسابق عليه، و كون السبق لأحدهما علي الأحوط.

و قد ظهر بما ذكرنا أن المسابقة من العقود كما هو المشهور و قال بعض بكونها إيقاعا و يكفي إنشاء الإيجاب المذكور من أحدهما و تشبه الإجارة علي الأول و الجعالة علي الثاني.

سبيل اللّه

السبيل في اللغة و العرف و الشرع معروف، و يرادفه الطريق و الصراط، و قيل ان السبيل ما وضح من الطريق و الجمع سبل و أسبلة و سبول، و في النهاية السبيل في الأصل الطريق، و التأنيث فيها أغلب و سبيل اللّه عام يقع علي كل عمل خالص سلك به طريق التقرب إلي اللّه تعالي كأداء الفرائض و النوافل و أنواع التطوعات، و إذا أطلق فهو في الغالب واقع علي الجهاد حتي صار لكثرة الاستعمال كأنه مقصور عليه انتهي.

ثم ان هذا العنوان مضافا إلي لفظ الجلالة قد ذكر في الفقه في باب الزكاة، و جعل أحد الأصناف الثمانية المستحقين للزكاة، و الظاهر أن المراد به في ذلك الباب جميع سبل الخير التي لها نوع أهمية في الشريعة أو أعمية في الخير و المصلحة، فيشتمل جميع ما ينبغي لولي المسلمين صرف الزكاة فيه، من تدبير أمورهم، و تمامية أراضيهم، و إصلاح أحوالهم من جهاتها الثقافية، و العسكرية، و القضائية، و

الاجتماعية، و السياسية، و شتي فنونها الاقتصادية و الصناعية، فإن تدبير ذلك و حفظها من أهم سبل الخير و أفضل سبل اللّه و ما يرضي الرب تعالي به، و ليس تشريع كون الزكاة بيده إلّا لذلك، نعم لو لم يكن للمسلمين إمام متسلط متسيطر و ولي مبسوط اليد، فلهم صرفها في كل أمر عام النفع له أهمية عند الشرع كبناء المساجد و المدارس و تعميرها، و أحداث الطرق و الشوارع و إصلاحها، و إنجاء المسجونين من غير جرم، و إصلاح ذات البين و تزويج العزّاب و تهيئة المقدّمات لتحصيل طلاب العلوم التي تحتاج إليها المجتمع من الدينية و الدنيوية، و الصرف في سبيل الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و ما أشبه ذلك، مما لا تحصي.

مصطلحات الفقه، ص: 294

الستر

الستر بالفتح مصدر من ستر يستر من باب قتل، و الستر و الستار بالكسر فيهما و السترة بالضم ما يستر به و جمع الستر بالكسر الستور و الأستار.

و ليس في شي ء منها اصطلاح خاص فقهي، لكنه قد وقع الستر و الساتر في الشريعة موضوعا لأحكام تكليفية و وضعية في الفقه موردا للبحث في موارد.

منها: حكمهم بوجوب ستر العورة لكل من الرجل و المرأة عن الناظر المحترم و مرادهم منه ستر اللون لا الحجم، و من العورة في الرجل القبل و الدبر و البيضتان، و في المرأة القبل و الدبر، و هذا فيما عدا الزوج و الزوجة و في غير موارد الاضطرار.

و منها: ما ذكروه في باب الصلاة من شرطية الستر لها فيجب علي الرجل ستر عورته حال الصلاة و علي المرأة ستر ما عدا وجهها و كفيها حالها وجوبا مقدميا شرطيا، و لا فرق فيه بين

وجود ناظر و عدمه كما أنه يشترط في ساتره شروط لباس المصلي.

و منها: وجوب ستر المرأة ما عدا الوجه و الكفين عن الأجنبي، كان من أرحامها أو من غيرهم، و هذا مما قام به الإجماع و السيرة و الضرورة و دل عليه الكتاب و النصوص المتواترة قال اللّه تعالي (وَ لٰا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلّٰا مٰا ظَهَرَ مِنْهٰا).

و منها: حرمة ستر الرأس للرجال حال الإحرام، كان إحرام الحج أو العمرة و قد ذكر التحريم و ما يترتب عليه من الكفارة تحت عنوان الإحرام.

و منها: حرمة ستر المرأة وجهها حال الإحرام و هو يقرب من ستر الرأس للرجل فيما يترتب عليه من الحكم فراجع عنوان الإحرام.

و منها: اختلافهم في وجوب ستر المرأة وجهها و كفيها عن الأجنبي، فأفتي طائفة في المسألة بالوجوب و طائفة بالجواز و احتاط آخرون و الإنصاف عدم ما تطمئن به النفس من أدلة التحريم، و تحريم إبداء الزينة لا يشمل ما ظهر منها، مع شدة حاجتهن إلي الإبداء، و كون الستر حرجيا في حقهن في الغالب، و جريان السيرة علي عدمه شاهد علي الجواز بل الإنصاف تمامية ما دل علي جواز ابدائهما لها.

مصطلحات الفقه، ص: 295

تنبيه: وجوب ستر العورة للرجل و المرأة لا يختص بالشريعة، بل و لعل ذلك من الأحكام الفطرية أو العقلية أو العقلائية القطعية، و هو من ضروريات الدين أو الأديان مضافا إلي حكم الكتاب و السنة بذلك.

السجود

هو في اللغة الخضوع و التذلل، يقال سجد يسجد من باب نصر و أسجد يسجد انحني و طأطأ رأسه خضوعا و في لسان العرب: سجد يسجد سجودا وضع جبهته علي الأرض و سجد إذا انحني و تطامن إلي الأرض و أسجد طأطأ

رأسه و انحني و سجدت الناقة و أسجدت إذا خفضت رأسها لتركب و سجدت النخلة إذا مالت، و نخل سواجد مائلة، و سجد خضع، و منه سجود الصلاة و هو وضع الجبهة علي الأرض و لا خضوع أعظم منه انتهي.

و في المفردات السجود أصله التطامن و التذلل و ذلك ضربان سجود باختيار و ليس ذلك إلّا للإنسان و به يستحق الثواب نحو قوله (فَاسْجُدُوا لِلّٰهِ وَ اعْبُدُوا) أي تذللا له، و سجود تسخير و هو للإنسان و الحيوانات و النبات و خص السجود في الشريعة بالركن المعروف من الصلاة و ما يجري مجري ذلك من سجود القرآن و سجود الشكر و قد يعبر به عن الصلاة انتهي.

أقول لا يخفي عليك انه لا يستفاد من اللغة في تحقق مفهوم السجود و السجدة اعتبار وضع الجبهة علي الأرض فضلا عن سائر المساجد أو الشروط المذكورة لها في الفقه، بل المستفاد منها أعم من ذلك، فيتحقق بمجرد الانحناء و التطامن و لو بغير الوضع، إلّا أن وضع الجبهة علي الأرض من أتم مصاديقه و أوضحها، كما ان قصد التعظيم و التكريم داخل في حقيقته، فهو من العناوين القصدية، و لذا لو صدر بغير داع التعظيم كالسخرية و الاستهزاء لا يكون سجودا حقيقيا، فيترتب عليه الحكم المجعول في الشرع علي عنوان السجود إذ لم يثبت فيه حقيقة متشرعية فضلا عن الشرعية، و لا اعتبار بما ينسبق إلي أذهان أهل العرف هنا من معناه الشرعي بخصوصياته، فلو ورد النهي عن السجود لغير اللّه

مصطلحات الفقه، ص: 296

ترتب علي المعني اللغوي و حرم كل ما صدق عليه السجود و السجدة لغير اللّه، نعم لا يبعد القول باعتبار وصول الجبهة إلي ما تستقر

عليه في موضوع الأحكام الوجوبية أو الندبية المطلقة كسجود التلاوة و الشكر و نحوهما، و أما السجود الصلاتي فهو عبارة عن المعني اللغوي مع إضافة قيود أخر بعنوان الجزئية و الشرطية فيه، دلت عليه الأدلة تعبدا مع عدم دخلها في معناه اللغوي، و لذا تبطل مع ترك شي ء منها عمدا و لا تبطل سهوا أو نسيانا. ثم إن للسجود أصنافا وقعت موضوعا للبحث عنها في الفقه ينبغي الإشارة إليها:

الأول: السجود الصلاتي بمعني الواقع جزء للصلوات الواجبة و المندوبة، فإنه قد أخذت سجدتان في الشريعة جزء من كل ركعة من أيّة صلاة كانت، فهما واجبتان شرعا في الواجب من الصلاة و المندوب منها، و هما معا ركن في كل ركعة فلو زادتا أو نقصتا بطلت الصلاة كانا من عمد أو سهو، و لو زادت واحدة في كل ركعة أو نقصت كذلك بطلت مع العمد دون النسيان.

و ذكروا ان واجبات هذا القسم أي السجود المأخوذ في الصلاة بعنوان الجزئية أمور أولها وضع المساجد السبعة علي الأرض و هي الجبهة و الكفان و الركبتان و الإبهامان من الرجلين ثانيها الذكر، ثالثها الطمأنينة حال الذكر، رابعها رفع الرأس منه، خامسها الجلوس بعده مطمئنا ثم الانحناء للسجدة الثانية أو القيام، سادسها كون المساجد السبعة في محالها إلي تمام الذكر، سابعها مساواة موضع الجبهة للموقف بمعني عدم التفاوت بينهما من حيث السطح أزيد من مقدار لبنة موضوعة علي أكبر سطوحها أو أربع أصابع مضمومات، ثامنها وضع الجبهة علي ما يصح السجود عليه من الأرض و ما أنبتته، تاسعها طهارة موضع الجبهة، عاشرها الإتيان بأذكارها صحيحة، و قد عرفت ان المسلّم مما يدخل في ماهيتها الشرعية بحيث يدور مداره وجودا و عدما

خصوص وضع الجبهة، و مستحبات هذه السجدة كثيرة أنهاها بعض الأصحاب إلي ثلاثين فراجع كتاب العروة الوثقي للمحقق اليزدي (قده) الثاني: سجدة القضاء أي المنسية من الفريضة كما إذا نسي المصلي سجدة واحدة من

مصطلحات الفقه، ص: 297

الركعة غير الأخيرة فيجب عليه الإتيان بها بعد الصلاة فهي في الحقيقة راجعة إلي القسم الأول تختص ببعض الأحكام.

الثالث: سجدتا السهو و هما سجدتان مستقلتان تجبان لأسباب خاصة تحدث في أثناء الصلاة الواجبة، و يؤتي بهما بعدها، فالأسباب واقعة في الفريضة و المسببات خارجة عنها و ذكروا أن الأسباب الموجبة لهما ستة أو سبعة.

أولها: التكلم سهوا في الفريضة بكلام آدمي غير القرآن و الذكر و الدعاء. ثانيها:

السلام سهوا في أثناء الفريضة في غير موضعه بإحدي الصيغتين الواجبتين. ثالثها: نسيان السجدة الواحدة في محلها. رابعها: نسيان التشهد مع فوت محل تداركه. خامسها: الشك بين الأربع و الخمس بعد السجدتين. سادسها: القيام في الصلاة في موضع القعود و عكسه.

سابعها: كل زيادة و نقيصة فيها لم تذكر في محلها وفات التدارك علي اختلاف فيه. ثم ان مقتضي تعدد الأسباب تعدد المسببات، سواء أ كان من صنف واحد أم متعدد، فلو تكلم مرارا وجبت سجدات للسهو، كما لو تكلم و سلم في غير موضعه و نسي السجدة الواحدة وجبت سجدات و هكذا.

الرابع: سجود التلاوة و هو الذي شرعه اللّه تعالي لمن قرأ آيات خاصة من كتابه أو استمع لها، أو سمعها، علي خلاف في الأخير، و هو علي قسمين واجب و مندوب، فالواجب هو المسبب عن تلاوة إحدي الآيات الأربع من أحدي السور الأربع و هي الآية الخامسة عشر من سورة السجدة، و الآية السابعة و الثلاثين من سورة فصلت، و آخر آية

من سورة النجم و العلق، و لا حكم لتصورها في الذهن، و كتابتها باليد، و مشاهدتها في المصحف بالعين، فإن الموضوع في الدليل القراءة و الاستماع و السّماع، فلا دليل علي الوجوب في غيرها.

و المندوب هو المطلوب عند تلاوة إحدي عشرة آية من الكتاب الكريم، الآية 206 من الأعراف عند قوله وَ لَهُ يَسْجُدُونَ، و الآية 15 من الرعد عند قوله وَ ظِلٰالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَ الْآصٰالِ، و الآية 50 من النخل عند قوله وَ يَفْعَلُونَ مٰا يُؤْمَرُونَ، و الآية 109 من الإسراء

مصطلحات الفقه، ص: 298

عند قوله وَ يَزِيدُهُمْ خُشُوعاً، و الآية 58 من مريم عند قوله و خَرُّوا سُجَّداً وَ بُكِيًّا، و الآية 18 من الحج عند قوله يَفْعَلُ اللّٰهُ مٰا يَشٰاءُ، و الآية 77 من الحج أيضا عند قوله افْعَلُوا الْخَيْرَ، و الآية، 60 من فرقان عند قوله وَ زٰادَهُمْ نُفُوراً، و الآية 76 من النمل عند قوله رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، و الآية 24 من (ص) عند قوله وَ خَرَّ رٰاكِعاً وَ أَنٰابَ، و الآية 21 من الانشقاق عند قوله وَ إِذٰا قُرِئَ الْقُرْآنُ. و مقتضي ما عرفت من معني السجود لغة و شرعا و إطلاق الأمر به في المقام، كفاية تحقق المعني اللغوي في امتثال أمره إلا أنك عرفت لزوم وضع الجبهة علي ما تستقر عليه فلا يجب الزائد علي ذلك من الاجزاء و الشروط المأخوذة في السجود الصلاتي.

الخامس: سجود الشكر و البحث الفقهي عنه أنه هو الذي شرعه اللّه تعالي لعباده تأسيسا أو إمضاء لحكم العقل، شكرا لنعمائه، و أمر به أمرا ندبيا عند تجدد كل نعمة و دفع كل بلية و نقمة، بل عند تذكرهما أيضا، و للتوفيق لأداء كل فريضة

و نافلة و فعل كل خير.

و الظاهر أن مطلق السجود للّه تعالي و الخضوع و التذلل له بهذه الصورة مستحب ذاتا و إن لم ينو به شكر النعمة أو دفع النقمة فهو من العبادات المستقلة الراجحة عند العقل في مقابل الرب تعالي المشروعة قبل خلق الإنسان، بل هو أفضلها و أقدمها، و به قد امتحن اللّه الملائكة في الملإ الأعلي عند ساحة قدسه و موطن أنسه، و كان فيهم إبليس اللعين فأمرهم بالسجود لآدم فأطاعوه و عصي إبليس، فصورته الانحناء و الانخفاض و وضع الجبهة علي الأرض و روحه قصد التذلل و قد عرفت خروج سائر الأمور المأخوذة في سجدة الصلاة عن ماهيته و تعلق طلبه غير الصلاتي.

السادس: السجود لغير اللّه تعالي من إنسان أو ملك أو غيرهما، و الظاهر انه لا إشكال في حرمته في الشريعة، و حينئذ فإن قارن اعتقادا باطلا في السجود له كاعتقاد الألوهية أو الاشتراك فيها أو كونه مقربا إليه تعالي أو ما أشبه ذلك كما كان يصنعه المشركون، أوجب كفر الفاعل أو شركه كمشركي عهد النبي صلّي اللّه عليه و آله، و ان لم يقارن ذلك القصد بل أتي بهذا النوع من التعظيم للمخلوق مع العلم بكونه مخلوقا مربوبا، فالظاهر أيضا

مصطلحات الفقه، ص: 299

حرمته و ان لم يوجب الكفر لتمامية الدليل علي كون ذلك مختصا باللّه تعالي بل الظاهر أنه مغروس في أذهان المسلمين أو هو من ضروريات الدين، و سجود الملائكة لآدم النبي من موارد التخصيص، لأمره تعالي بذلك و لم يكن ذلك باعتقاد الألوهية في آدم بلا إشكال و قيل إن آدم كان قبلة كالكعبة المعظمة.

و أما سجود يعقوب و أولاده ليوسف في قوله تعالي (وَ خَرُّوا

لَهُ سُجَّداً) فلعله كان من مصاديقه الحقيقية غير المحرمة في شرعنا أيضا، أو كان الخضوع السجودي و لو بوضع الجبهة جائزا في شرعه لغير اللّه تعالي في الجملة، أو أنه كان شكرا، للّه تعالي، و في لسان العرب يمكن أن يجعل اللام في قوله (وَ خَرُّوا لَهُ سُجَّداً) و في قوله (رَأَيْتُهُمْ لِي سٰاجِدِينَ) لام من أجل و المعني خرّوا من أجله ساجدين للّه شكرا لما أنعم عليهم.

السحر

قد عرّف السحر في اللغة تارة بما لطف مأخذه و دق، و أخري بأنه صرف الشي ء عن وجهه، و ثالثة بأنه الخدع، و رابعة بأنه إخراج الباطل بصورة الحق و غير ذلك، و اختلفت كلمات الفقهاء في تعريفه أيضا، فعرفه عدة بأنه كلام أو كتابة أو رقية تؤثر في المسحور، و مقتضاه اعتبار وجود مسحور و حصول الإضرار به في تحقق مفهومه، و يفهم من آخرين عدم توقفه علي المسحور فضلا عن الإضرار، و ذكر ثالث انه ملكة نفسانية يقتدر بها علي أفعال غريبة بأسباب خفية، و ذكر في البحار: أنه في عرف الشرع مختص بكل أمر يخفي سببه و يتخيل علي غير حقيقته و يجري مجري التمويه و الخداع و هذا منقول عن الفخر أيضا في تفسيره الكبير.

و يحتمل ان يكون هذا هو مراد الأكثر من عنوان السحر، و إن أفاد كلام بعضهم كونه مغايرا له أو أخص، فالأولي أن يكون هذا ملاك البحث، و لا ينافي ذلك كون موضوع الحرمة الثابتة في الكتاب و السنة أو بالإجماع و الضرورة، أخص من ذلك، فيكون كل ما ذكروه في بيان حقيقته من الأمور التالية من مصاديق هذا العنوان.

مصطلحات الفقه، ص: 300

فمنها ان السحر كلام يتكلم به الشخص

أو يكتبه أو رقية أو عقد أو أقسام أو عزائم أو تدخين أو تصوير أو نفث أو تصفية نفس أو عمل شي ء، يؤثر في بدن المسحور أو قلبه أو عقله من غير مباشرة- و منها أن السحر استخدام الملائكة و استنزال الشياطين في كشف الغائبات و علاج المصاب و استحضارهم و تلبيسهم ببدن الصبي و كشف الغائبات عن لسانه- و منها أن السحر استحداث الخوارق بمجرد التأثيرات النفسانية أو بالاستعانة بالفلكيات أو بتمزيج القوي السماوية بالقوي الأرضية أو بالاستغاثة علي الأرواح الساذجة- و منها ان السحر هو النيرنجات أي إظهار غرائب خواص الامتزاجات و أسرار النيرين، و الاستعانة لخواص الأجسام السفلية، و النسب الرياضية كاستخدام الأجنة مؤمنيهم و كفارهم و الشياطين- و منها انه كإحضار الغائب و فتح الحصون أو إحداث حبّ مفرط في الشخص بالنسبة لشخص أو لشي ء أخر، أو بغض مفرط كذلك أو عقد رجل أو امرأة أو إيجاد التفرقة بين المرأة و زوجه و غير ذلك مما ذكروا.

ثم إن ما يستفاد من الكتاب و السنة أو الإجماع أو الضرورة المدعاة في كلام البعض، حرمة السحر في الجملة مع ما عرفت من الإجمال في تشخيص موضوعه، و حينئذ فلا يبعد القول بأن الحرام ما كان منه سببا لانحراف اعتقاد المسلمين، أو كان فيه إهانة علي المقدسات الدينية، أو إضرار علي نفس محترمة من إنسان أو جن أو ملك، أو كان فيه تسبب لإبطال حق أو إحقاق باطل أو إيقاع في إثم و عصيان و ما أشبه ذلك.

و أما الشعبذة بفتح الشين و الدال المعجمة و المهملة فهي خفة في اليد و حركة سريعة بوسيلة بعض الأعضاء، توجب انتقال حس الناظر من الشي ء إلي

شبهة فهي كالسحر تري الشي ء للعين بغير ما هو عليه، و قد ذكرت في الفقه و وقع البحث عنها من الأصحاب و ذكر العلامة الأنصاري (قده) في المكاسب أنها حرام للإجماع و لكونه من الباطل و لدخوله في مفهوم السحر، لكن الجميع مخدوش و التفصيل في الفقه.

مصطلحات الفقه، ص: 301

السحق

السحق في اللغة البعد و السحيق البعيد، و في المجمع في الحديث سألته امرأة عن السحق يعني دلك فرج امرأة بفرج أخري انتهي.

و في الجواهر هو وطء المرأة مثلها المكني عنه في النصوص باللواتي مع اللواتي التي لعنها اللّه و الملائكة. و هو الزنا الأكبر الذي أحدثه في الناس لا قيس بنت إبليس كما أحدث أبوها اللواط بالرجال فاستغني الرجال بالرجال و النساء بالنساء انتهي (ج 41 ص 385) و لعل إطلاق السحق علي العمل لكونه سببا للبعد عن اللّه و رحمته.

و كيف كان فهو في اصطلاح الفقهاء وطء المرأة مثلها و قد رتب عليه في الشرع أحكام تكليفية و وضعية فإنه من المعاصي الكبيرة التي رتب عليها الحد.

و ذكروا أنه يثبت السحق بما يثبت به اللواط من الأقارير الأربعة و الشهود الأربعة، و حدّه مائة جلدة بشرط البلوغ و العقل و الاختيار من غير فرق بين الفاعلة و المفعولة و المحصنة و غيرها و الكافرة و المسلمة. و لو وجدت أجنبيتان مجردتين تحت إزار واحد عزرتا دون الحد.

و لو وطأ رجل زوجته فساحقت أخري فحملت الثانية منها ثبتت الحد علي المرأتين و الولد لصاحب الماء و التي ولدته.

السرقفلية

القفل في اللغة و العرف معلوم و هو وسيلة الغلق و الفتح، و اللفظ مشترك بين لساني العرب و الفرس، و هو في المقام كناية عن تسلط الشخص علي محل يغلق بابه و يفتح للاستفادة منه، و كلمة سر فارسية بمعني الرأس أريد به في المقام المال الذي يبذل بإزاء تحصيل السلطة المذكورة فمعني السرقفلية المال المبذول للسلطة علي محل خاص، هذا علي النحو الكلي و قد صارت الكلمة حقيقة عند التجار و الكسبة و في

باب التجارة من الفقه، في المال الذي يأخذه كل من المستأجر و المالك من الآخر أو من شخص آخر ليتسلط علي

مصطلحات الفقه، ص: 302

مورد الإجارة من دكان أو دار أو نحوهما، و العنوان نفسه و مسائله من المستحدثات حدثت بعد ما قضت القوة المقننة في الغرب علي أن ليس لمؤجر المحل أخذه بعد تمامية مدة الإجارة و للمستأجر أن يتسلط عليه ما شاء من المدة بتلك الأجرة أو تسليمه إلي غيره كذلك، و يأخذ من الثالث مالا سموه السرقفلية المبذولة لحيازة متعلق الإجارة و الانتفاع به.

ثم إنهم ذكروا في عدم حلية المأخوذة أنّ استيجار الملك بنفسه لا يوجب حدوث حق للمستأجر غير ما يقتضيه عقد الإجارة، و استقرار كسب المستأجر في المحل و حصول و جاهة و شهرة له فيه بحيث يتوجه التجار و المعاملون إليه و نحو ذلك لا يوجب تعلق حق له بالمحل، و جواز أخذ السرقفلية يتوقف علي ثبوت حق للأخذ في المورد بحيث أمكن كونه بدلا عن المأخوذ و لو بإسقاطه، نعم قد يتفق ثبوت حق له فينبغي ذكر أمثلة يتضح بها موارد ثبوت الحق و عدمه.

منها: ما إذا استأجر محلا إلي مدة بنحو الإطلاق فأخذ المستأجر مالا من ثالث و سلم المحل إليه بعد مدة الإجارة بتلك الأجرة الأولية مع عدم رضا المالك و قد ازدادت أجرة المحل بكثير و هذا هو الفرض المعمول به في الممالك الغريبة فربما كان المالك قبل اطلاعه علي هذا القانون المستحدث أجر ملكه إلي مدة فانقطعت يده عنه أبدا و تبادل الملك بين الأيادي من المستأجرين و أخذ كل سابق من لا حق مالا معتدا به بعنوان السرقفلية و سلم إليه الملك و لم

يصل إلي المالك إلّا مقدار وجه الإجارة الأولية و إن بلغ ذلك فعلا إلي أضعاف الأول. و هذا من السرقفلية المحرمة.

و منها: ما لو أخذ المالك من شخص مالا ليوجر ملكه منه لا من غيره و هذا من السرقفلية المباحة كما ان المستأجر إذا كان له إيجاره من ثالث لو أخذ منه سرقفلية للإيجار منه كان جائزا.

و منها: ما لو اشترط علي الموجر أن لا يؤجر ملكه إلّا منه سنويا فله حينئذ أخذ السرقفلية من المالك لإسقاط حقه منه.

مصطلحات الفقه، ص: 303

و منها: ما لو أجر ملكه في مدة معينة بأقل من أجرته المتعارفة و أخذ من المستأجر مالا و اشترط المستأجر عليه في ضمن العقد ان لا يوجره ثانيا إلّا منه أو ممن يختاره، فيأخذ المستأجر مالا من ثالث بعنوان السرقفلية ليؤجره المالك منه بعده، و هذا من السرقفلية المحللة.

و منها: ما لو استأجر مكانا للتجارة عشرين سنة مثلا و كان له إيجاره من غيره فاتفق ترقي أجرة المحل في أثناء المدة فله أخذ مال من الغير ليؤجره منه بمقدار الأجرة الأولية و هذا ايضا لا بأس به إلي غير ذلك.

السرقة

السرقة بفتح الراء و كسرها في اللغة أخذ الشي ء خفية و بحيلة، و سرق منه يسرق من باب ضرب سرقا بالتحريك أخذ سرا، و السارق من جاء مستترا فإن أخذ من ظاهر فهو مختلس و مستلب و منتهب، و في المفردات السرقة أخذ ما ليس له أخذه في خفاء، و صار ذلك في الشرع لتناول الشي ء من موضع مخصوص و قدر مخصوص انتهي.

و الظاهر أنه ليس للكلمة اصطلاح خاص شرعي أو متشرعي بل قد استعملت في معناها اللغوي و العرفي، و الأحكام الشرعية

من الحرمة و الضمان مترتبة عليه، نعم الحد الشرعي الثابت لها، موضوعه أخص لتقيده بقيود خاصة، فذكروا أن الكلام فيه يقع في السارق و المسروق و الحجة المثبتة و الحد الشرعي فيشترط في السارق أمور.

أولها البلوغ فلا حد علي الصبي و إن تكررت منه بل يؤدّب و يعزّر بما رآه الحاكم.

ثانيها- العقل فالمجنون يعزّر ان استشعر.

ثالثها- الاختيار فلا يقطع المكره.

رابعها- عدم الاضطرار فلا قطع معه.

خامسها- هتك الحرز.

سادسها- إخراج الهاتك المال من الحرز بنفسه ليكون هاتكا سارقا فلو هتك هذا

مصطلحات الفقه، ص: 304

و أخرج ذاك لم يحدا و عزرا و ضمنا المال.

سابعها- أن لا يكون السارق والد المسروق منه لأنه لا يقطع الوالد لولده و يقطع الولد لوالده و والدته و الوالدة لولدها.

ثامنها- الأخذ سرا فلو هتك و أخذ جهرا و قهرا لم يقطع.

تاسعها- عدم الشبهة موضوعا و حكما فلو أخذ الشريك من المال المشترك بظن الجواز أو بقصد الاستيذان بعده أو أخذ مال الغير بظن كونه ماله لم يقطع.

و ذكروا في المسروق أن أقل نصاب القطع ما بلغ ربع دينار ذهبا خالصا مضروبا رائجا أو بلغ قيمته ذلك من أي جنس كان. و أن أكثره لا حدّ له، و أن الملاك في الحرز العرف، و حرز كل شي ء بحسبه، فما يعد محرزا عندهم كالمأخوذ من بيت مغلق و صندوق مقفل و محل دفن فيه المال و كتاب أخفي فيه الورق النقدي يقطع به.

و ذهبوا إلي انه يثبت الحد بإقرار السارق مرتين و بشهادة عدلين خاصة، و أنه لو أقر مرة أخذ منه المال و لا يقطع و أنه يشترط في المقر البلوغ و العقل و الاختيار و القصد. و أن حدّ السارق في المرة الأولي

قطع الأصابع الأربع من مفصل أصولها من اليد اليمني، و يترك له الراحة و الإبهام، و لا فرق بين وجود يساره و عدمه. و لو سرق ثانيا قطعت رجله اليسري مما تحت قبة القدم حتي يبقي له نصف القدم و شي ء قليل من محل المسح و إن سرق ثالثا حبس دائما و إن سرق رابعا و لو في السجن قتل.

السعي

السعي في اللغة العمل و المشي و القصد، يقال سعي يسعي عمل، و مشي بسرعة، و سعي إليه قصده.

و في اصطلاح الشرع و المتشرعة في باب الحج عبادة خاصة مجعولة من الشارع تأسيسا أو إمضاء، تعبد اللّه به عباده و جعله مذلة للجبارين، فهو يحتاج إلي نية التقرب و الإخلاص و سائر شروط العبادة العامة، و إلي شروط خاصة، و هو جزء ركني من كل

مصطلحات الفقه، ص: 305

حج و عمرة واجبا كان أو مندوبا، يجب أن يكون سبعة أشواط كالطواف، من الصفا إلي المروة شوط، و من المروة إلي الصفا شوط، و هكذا و يجب أن تكون البدأة من الصفا كما بدأ اللّه تعالي به و التفصيل في الفقه.

السفر و المسافر

سفر يسفر سفورا من باب نصر في اللغة خرج إلي السفر و سفرت المرأة وجهها و أسفرت كشفت عن وجهها، و سفر الصبح أضاء و أشرق و سافر سفارا و مسافرة إلي بلد مضي إليه و السفر قطع المسافة.

و في المفردات: السفر كشف الغطاء و يختص ذلك بالأعيان نحو سفر العمامة عن الرأس و الخمار عن الوجه، و سفر الرجل فهو سافر و الجمع سفر نحو ركب، و سافر خص بالمفاعلة اعتبارا بأن الإنسان قد سفر عن المكان و المكان سفر عنه انتهي. و قد أطلق عليه في الكتاب و السنة الضرب في الأرض.

و كيف كان فمفهوم السفر في اللغة واضح فإن حقيقته الانكشاف و إطلاقه علي فعل المسافر لخروجه إلي الفضاء المنكشف، و استعمال باب المفاعلة بلحاظ السعي و الإنهاء فمعني سافر سعي في قطع المسافة كما هو حقيقة هذا الباب و إن حمله الراغب إلي العمل بين الاثنين و قد ذكرنا الكلام في ذلك

غير مرة.

ثم إنه ليس للفظ السفر حقيقة شرعية أو متشرعية بل هو مستعمل في معناه اللغوي، إلّا أن الشارع قد أخذ فيه قيودا خاصة في مقام أخذه موضوعا لبعض ما رتب عليه من الأحكام، نظير عدم كونه أقل من ثمانية فراسخ امتدادية أو تلفيقية، أو عدم كونه محرّما، أو عدم كونه شغلا للمسافر، أو نحو ذلك، و يسمي الجامع للقيود سفرا شرعيا.

و الحكم المترتب عليه أنه يجب علي المسافر ان يقصر فيه صلواته الرباعية فيصلّيها ركعتين و لو صلاها تماما كانت فاسدة إلّا في بعض الموارد بل محرمة تشريعا إذا تعمد إليه، و أنه يجب عليه ترك الصوم فيه مطلقا واجبا أو مندوبا إلّا في بعض الأوقات، و تفصيل ما زاد علي ما ذكرنا يطلب في باب الصلاة تحت عنوان صلاة المسافر.

مصطلحات الفقه، ص: 306

السفيه

السفه في اللغة فقد الحلم، و السفه الجهل يقال سفه يسفه سفها من باب علم كان عديم الحلم جاهلا فهو سفيه و الجمع سفهاء و سفاه، و في المجمع: إن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا أي جاهلا أو أحمقا، و السفيه المبذر و هو الذي يصرف أمواله في غير الأغراض الصحيحة أو ينخدع في المعاملة انتهي. و في المفردات: السفه خفة في البدن و استعمل في خفة النفس لنقصان العقل في الأمور الدنيوية و الأخروية انتهي.

و السفيه في مصطلح الفقهاء هو الذي ليس له حالة حفظ المال، يصرفه في غير موقعه و يتلفه في غير محلّه، لا يبني معاملاته علي المصلحة و لا يبالي فيها بالانخداع، يعرف عند العقلاء خارجا عن طورهم و سيرتهم في تحصيل الأموال و صرفها، و الظاهر ان ما ذكروه مطابق للمعني اللغوي و

ليس مغايرا له.

ثم إنهم ذكروا أن السفيه علي قسمين من اتصل سفهه بصغره و من عرض له السفه بعد بلوغه، و الأول محجور من ناحية الشرع بحجر أولي أصلي، لا ينفذ تصرفاته في أمواله ببيع و صلح و إجارة و هبة و إيداع و عارية و نحوها، و الولاية عليه للأب و الجد أو القيم المنصوب من ناحيتهما، و الثاني محجور بحجر عرضي يتوقف علي حكم الحاكم و له الولاية عليه أيضا.

و السفيه كما أنه محجور عليه في أمواله الخارجية فهو محجور عليه في ذمته فليس له أن يتعهد مالا أو عملا ببيع سلف و شراء نسيئة و كفالة، و معني عدم نفوذ تصرفات السفيه عدم استقلاله فلو كان بإذن الوليّ أو إجازته صح و نفذ كما أنه لو حصل له الرشد بعده جاز إمضاؤه.

السلس و البطن

السلس في اللغة السهولة و الانقياد، و السلس عدم استمساك البول و المسلوس من لا يقدر علي إمساك بوله، و البطن بالتحريك داء البطن و المبطون من به إسهال أو انتفاخ في

مصطلحات الفقه، ص: 307

البطن فلا يقدر علي إمساك غائطه أو ريحه.

و قد وقع المسلوس و المبطون موردا للحكم في الشريعة و تعرض لهما الفقهاء في ضمن أحداث الوضوء و ذكروا أن كلا من المسلوس و المبطون علي ثلاثة أقسام:

الأول: من له فترة في مجموع الوقت المعدّ للصلاة يتمكن فيها من الطهارة و الإتيان بالصلاة و لو بالاكتفاء بأقل واجباتها و ترك جميع مندوباتها، و هذا يتعين عليه المبادرة إليها و لم تسقط عنه بل تجب عليه الاضطراري منها. و لو تركها عصي و وجب عليه القضاء.

الثاني: من لا تكون له فترة بقدر العمل إلّا أنه يكون خروج الحدث في

مقدار الصلاة مرة أو مرتين أو ثلاثا مثلا، و هذا يجب عليه التطهير و الدخول في الصلاة و وضع الماء في جنبه، فكلما خرج منه حدث توضأ بلا مهلة و بني علي ما شرع من الصلاة و أتمها.

الثالث: أن يكون الحدث مستمرا متصلا بلا فترة فيجوز له حينئذ أن يصلي بوضوء واحد صلوات عديدة و هو بحكم المتطهر إلي أن يجيئه حدث آخر من نوم أو نحوه، أو خرج بوله أو غائطه علي النحو المتعارف.

هذا بالنسبة إلي الطهارة الحدثية، و أما الخبثية فيجب علي المسلوس التحفظ عن سراية بوله بكيس و نحوه، و كذا المبطون ان أمكنه، أو تطهير المحل بغير حرج، ثم إن الأصحاب ذكروا أن صلاة الطائفتين صحيحة تامة لا تحتاج إلي القضاء بعد الوقت.

و تفصيل الكلام في الفقه.

السنة و الحديث و الخبر و الرواية

السنة في اللغة السيرة و الطريقة، و الجمع سنن كغرفة و غرف، و في المجمع و في الصناعة:

هي طريقة النبي صلّي اللّه عليه و آله قولا و فعلا و تقريرا أصالة أو نيابة انتهي. و السنة في اصطلاح المتشرعة و فقهائنا عبارة عما صدر عن المعصوم في مقام بيان ما يحتاج إليه الناس في أمور دينهم و أحكام الإسلام و معارفه، من قول أو كتابة أو عمل أو تقرير، و السنة عند العامة القول و العمل و التقرير الصادر عن النبي صلّي اللّه عليه و آله و عليه فالسنة لا تطلق إلّا علي ما

مصطلحات الفقه، ص: 308

صدر عن المعصوم الذي يجب إتباعه و يكون حجة واجبة الطاعة، و لذلك خصت عند العامة بما يصدر عن النبي صلّي اللّه عليه و آله و عمت عند الخاصة لما يصدر عن الإمام المعصوم أيضا، و الأسماء الثلاثة

المذكورة في العنوان أيضا تطلق علي السنة فهي مترادفات و ان كانت الثلاثة قد تطلق علي القول و الكتابة فقط.

و كيف كان فالسنة أحد الأدلة الثلاثة التي هي مدرك الأحكام الدينية من أصولها و فروعها، بل و غير الأحكام من المعارف الإلهية و العلوم الإسلامية الصادرة عن النبي الأكرم، و الآخران الكتاب و العقل: و عمدة البحث و الخلاف في المقام في الأخبار و الأحاديث الصادرة عن أئمة الشيعة عليهم السلام التي رووها عن النبي صلّي اللّه عليه و آله فإنها عند العامة نظير الروايات التي رواها غيرهم عنه صلّي اللّه عليه و آله كعكرمة و أنس و ابن عمر و عائشة، فإن حصل الوثوق به لأحد عمل به و إلّا فلا، و لذلك لم يرو البخاري في صحيحة حديثا واحدا عن جعفر بن محمد بن الصادق عليه السلام لانه كان في نفسه منه شي ء، و أما عند الإمامية فهي صادرة عن أئمة معصومين عن المعاصي و الزلل و عن الجهل و الخطأ، العالمين بجميع ما يحتاج إليه الناس من الأحكام، الاخذين لها من النبي الأقدس، الوارثين عمن نزل به الروح الأمين علي قلبه، فهي عندهم حجة و لو فرض عدم ثبوت إمامتهم، لمكان حديث الثقلين الثابت عن الفريقين، فإنه لو لم يدل علي إمامتهم و خلافتهم الإلهية، فلا أقل من دلالته علي حجية أقوالهم و ما حدثوا عن النبي الأعظم و وجوب الأخذ للأمة الإسلامية فإنه أدني مراتب التمسك بهم في قوله صلّي اللّه عليه و آله: ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا، و علي هذا فلا مناص لجميع الأمة الإسلامية سنيهم و شيعيّهم عن الأخذ بذلك و العمل به و لو لم يعتقدوا

بإمامتهم، و مع ذلك فقد تركوا ذلك و أعرضوا عنهم إعراضا فتري أن أئمتهم الأربعة فضلا عن سائر علمائهم قد جرت سيرتهم في مقام استنباط الأحكام في شتي أبواب الفقه، علي التمسك بأحاديث الرواة غير أئمة أهل البيت عليهم السلام و مع عدم ذلك يتمسكون بالقياس و الاستحسان و غيرهما، و ان كان هنا نصوص واردة عن أهل البيت عليهم السلام.

و هنا بحث آخر في السنة أعني الأحاديث و النصوص التي نقلها غير المعصوم عن

مصطلحات الفقه، ص: 309

المعصومين عليهم السلام و هم الوسائط في الرواية عن المعصومين فوقع الاختلاف بيننا في ذلك و البحث عنه في علم أصول الفقه، و المشهور عندنا في ذلك الباب حجية كل راو ثقة في الحديث كان إماميا عدلا أو غير إمامي، ثم قسموا الحديث و السنة إلي أقسام، كالصحيح و الموثق و الحسن و الضعيف، فذهبوا إلي حجية الثلاثة الأول و عدم حجية الرابع و التفصيل في علم الأصول.

سوء الظن باللّه تعالي

عبر عن ذلك بعض الأصحاب بتحريم سوء الظن و عقد في الوسائل بابا في وجوب حسن الظن باللّه و تحريم سوء الظن به تعالي، و ظاهرهم تعلق الحرمة بنفس الحالة القلبية أو ملكتها، و هو ينافي ما عليه أكثرهم من عدم كون الحالات أو الملكات الباطنية متعلقا للتكليف تحريما أو إيجابا، و قد أشرنا إلي ذلك تحت عنوان الحسد و الكبر، و نصوص الباب أيضا لا تدل في الأغلب علي حرمة العنوان المذكور.

ففيها أن اللّه عز و جل يقول انا عند ظن عبدي بي إن خيرا فخيرا و ان شرا فشرا «1» و ما بهذا المضمون لا يدل علي التحريم فإن ظن الشر باللّه تعالي لا يكون إلّا بالظن بمعاملته

معه بالعدل فإن ظن الظلم و نعوذ باللّه لا يكون من المؤمن و لو فرض وجوده لا يكون الرب عند ظنه فالمعني أنه ان ظن العبد عدم غفران اللّه ذنوبه و إدخاله النار فيعامله اللّه بذلك الظن فلا وجه للتحريم.

نعم في صحيح بريد بن معاوية عن أبي جعفر، في حديث: و الذي لا إله إلّا هو لا يعذب اللّه مؤمنا بعد التوبة و الاستغفار إلّا بسوء ظنه باللّه و تقصير من رجائه له و سوء خلقه و اغتياب المؤمنين (الوسائل، 15 ص 230 أبواب جهاد النفس ب 16 ح 3).

______________________________

(1) (الوسائل ج 15 ص 229 من أبواب جهاد النفس ب 16 ح 1، 5، 7، 8).

مصطلحات الفقه، ص: 310

السوم- الرعي

السوم في اللغة مصدر من سام السلعة يسومها إذا عرضها للبيع و ذكر ثمنها، و سامت الماشية من باب قتل خرجت إلي المرعي، و أسام الماشية أخرجها إلي المرعي، و في المجمع سامت الماشية سوما رعت بنفسها، و تتعدي بالهمزة فيقال أسامها راعيها، و في الحديث في سائمة الغنم زكاة أي الراعية منها انتهي. و مثله في اللغة الرعي فيقال رعت الماشية إذا خرجت إلي المرعي و رعي الماشية أخرجها للرعي.

و الكلمة قد كثر استعمالها في الفقه و وقعت موردا لبحث في باب الزكاة بمعناها اللغوي فإن الشارع قد جعل سوم الأنعام الثلاثة أعني الإبل و البقر و الغنم شرطا لتعلق الزكاة بها.

و ذكروا ان هذا الشرط ملحوظ فيها في تمام الحول، فلو كانت معلوفة و لو في بعض الحول لم تتعلق بها الزكاة و لو كان شهرا أو أسبوعا، نعم ذكر بعض أنه لا يقدح في صدق كون الماشية سائمة في تمام الحول علفها يوما

أو يومين و تفصيل الشرط في باب الزكاة.

الشّجاج

الشجة بالفتح في اللغة الجراحة في الرأس قطعا للّحم أو كسرا للعظم، و في المجمع: في الحديث: الشجة و الشجاج و الشج هو في الرأس خاصة، و هو ان يضربه بشي ء فيجرحه و يشقه ثم استعمل في غيره من الأعضاء، و عن بعض المحققين: الشجة هي الجراح بالرأس و الوجه و سمّي في غيرها جرحا بقول مطلق انتهي.

و هي في اصطلاح الفقهاء تطلق علي مصاديق خاصة من جراحات الرأس الشامل لما فوق العنق من الوجه و غيره. و قد وقعت موردا للحكم في الشريعة و رتب عليها دية معينة مقدرة أو أرش و حكومة.

و الشجاج عند الأكثر ثمانية أقسام لكل قسم حكم خاص في الشريعة و هي العناوين التالية:

الأول: الحارصة أو الحرصة بالحروف المهملات غير المنقوطات، و هي التي تقشر

مصطلحات الفقه، ص: 311

الجلد شبه الخدش من غيره إدماء، و فيها بعير، و الرجل و المرأة و الصغير و الكبير فيها سواء.

الثاني: الدامية و هي التي تدخل في اللحم يسيرا أو يخرج معه الدم و لو كان قليلا و فيها بعيران.

الثالث: المتلاحمة و تسمي الباضعة أيضا و هي التي تدخل في اللحم كثيرا و لم تبلغ السمحاق و فيها ثلاثة أبعرة.

الرابع: السمحاق و هي التي تقطع اللحم و تبلغ الجلدة الرقيقة المغشّية للعظم و فيها أربعة أبعرة.

الخامس: الموضحة و هي التي تكشف عن وضح العظم أي بياضه و فيها خمسة أبعرة.

السادس: الهاشمة و هي التي تهشم العظم و تكسره و الحكم منوط بالكسر و إن لم يكن جرح الجلد و اللحم و فيها عشرة أبعرة.

السابع: المنقّلة و هي التي تنقل العظام من محل إلي آخر و فيها خمسة

عشر بعيرا.

الثامن: المأمومة و هي التي تبلغ أم الرأس أي الخريطة التي تجمع الدماغ، و فيها ثلث الدية مطلقا و يكفي في الإبل ثلاثة و ثلاثون بعيرا.

ثم إنهم ذكروا الدامغة أيضا في الشجاج و هي التي تفتق الخريطة التي تجمع الدماغ و تصل إلي الدماغ فالسلامة معها بعيدة فتنتقل إلي الدية و لو فرض البقاء تزيد ديتها علي المأمومة بالحكومة.

الشرط

الشرط في اللغة الإلزام و الالتزام، أي الإلزام المقيد بالالتزام، أو المركب منهما، أو يطلق علي كل منهما بوضع مستقل، يقال شرط عليه كذا يشرط من باب ضرب و قتل ألزمه به، و قيل إن الشرط هو الإلزام و الالتزام في ضمن عقد كالبيع و نحوه و قد يطلق علي المشروط كالخلق بمعني المخلوق.

مصطلحات الفقه، ص: 312

و كيف كان فلا اصطلاح خاص له في الشرع و عند الفقهاء و قد وقع موضوعا للأحكام في الشريعة و وقع البحث عنه في الفقه، و ذكروا فيه ما تتضح به حقيقته و أقسامه و أحكامه في ضمن أمور:

منها: انه هل يختص موضوع الحكم بما يقع في ضمن العقود كما أشار إليه بعض أهل اللغة أو هو أعم منه و من الشروط الابتدائية كنفس العقود فيشملها كما يشمل الشروط الواقعة في ضمنها و يشمل الإيقاعات المستلزمة للالتزام كالنذر و العهد و اليمين فإنها من اشتراط الإنسان علي نفسه، وجهان وقع الاختلاف فيه و الظاهر هو الثاني.

و منها: أنهم ذكروا أنه يشترط في صحة الشروط الواقع في ضمن العقد شروط:

أولها: ان يكون مقدورا للمشروط عليه فلا يصح بيع الحيوان بشرط أن يلد ذكرا أو أنثي و ما أشبه ذلك مما قد يتفق بين العوام.

ثانيها: أن لا يكون مخالفا للحكم الثابت

في الشريعة تكليفا كان أو وضعا، فلا يصح أن يشترطا في ضمن العقد ترك واجب أو فعل حرام أو عدم توريث من يستحق الإرث أو توريث من لا يستحق.

ثالثها: أن لا يكون منافيا لمقتضي ماهية العقد كاشتراط ما ينتفي العقد بانتفائه أو منافيا لشؤونه و آثاره، و الأول كالبيع بشرط عدم انتقال المبيع إلي المشتري أو الثمن إلي البائع، و الثاني كالبيع بشرط عدم تصرف المشتري في المبيع مطلقا.

رابعها: ان لا يكون مجهولا كالبيع بشرط أن يبذل له مالا أو يعمل له عملا فإنه غرر في الشرط، و يسري إلي الثمن و المثمن فيكونان مجهولين و يكون البيع غرريا.

خامسها: أن يلتزما بالشرط في متن العقد لفظا أو يعقدا مبنيا علي ما شرطا قبله، فلو لم يذكراه في العقد و كان مغفولا عنه عنده بطل الشرط و إن لم يبطل العقد.

سادسها: تنجيزه فلو علقاه بطل كان يقول البائع مثلا بعتك هذا بشرط أن تخيط لي ثوبا ان جاء زيد من سفره علي اختلاف بينهم في هذا الشرط.

سابعها: أن يكون عقلائيا مشتملا علي غرض معتد به فلا يصح اشتراط الذهاب في

مصطلحات الفقه، ص: 313

الليل إلي محل مظلم مثلا و لعل منه اشتراط التوزين بميزان خاص مع عدم الفرق بينه و بين غيره.

و منها: ما ذكروا ان الشرط علي أقسام ثلاثة، شرط الوصف و شرط الفعل و شرط النتيجة و الأول كبيع الحيوان بشرط أن يكون حاملا، و الثاني كالبيع بشرط أن يخيط له ثوبا، و الثالث كبيع الحيوان بشرط أن يكون ولده أيضا للمشتري و التعبير عنه بشرط النتيجة لكون مفاده أمرا مسببيا و نتيجة عقد من العقود و الإيقاعات كالملكية و الزوجية و الرهان و الطلاق

و العتاق، و قد افتي عدة ببطلان هذا القسم و فصل اخرون بأنّ عدم الصحة إنما هو في شرط النتائج التي تتوقف شرعا علي عقد أو إيقاع خاص كالزوجية و الطلاق و العتاق دون ما لا تتوقف كالوكالة و نحوها، فلا يصح بيع الدار من امرأة بشرط كونها زوجة له من غير إجراء عقد، و يصح فيما إذا باعها بشرط أن يكون ملكها الفلاني له أو يكون المشتري وكيلا من ناحية البائع في بيع مال مثلا.

و منها: ما يظهر منهم انه لا إشكال في وجوب الوفاء بالشرط إن كان مأخوذا في ضمن العقد الواجب، و أما المأخوذ في ضمن العقد الجائز كالوديعة و العارية و المضاربة، ففيه اختلاف فمن قائل بالبطلان لأن الشرط فرع للعقد و تابع له فلو وجب الوفاء به دون العقد لزم زيادة الفرع علي الأصل، و من قائل بالصحة من أجل انه لا مانع من وجوب العمل به ما دام الأصل باقيا و لا ينافي جواز الأصل، فلو وهبه عينا و شرط عليه أن يقرأ كل يوم سورة من القرآن له أو لأمواته، فلا بأس بوجوب القراءة عليه ما دام العين باقية في ملكه فلو استرجعها و بطلت الهبة انتفي موضوع الشرط أيضا و هذا أجود.

الشركة

شركه شركة في اللغة صار شريكه، و شاركه وقعت بينهما شركة، و اشترك القوم في كذا تشاركوا فيه، و في المفردات الشركة و المشاركة خلط الملكين، و قيل هو أن يوجد شي ء لاثنين فصاعدا عينا كان الشي ء أو معني كمشاركة الإنسان و الفرس في الحيوانية،

مصطلحات الفقه، ص: 314

و في لسان العرب: الشركة و الشركة مخالطة الشريكين يقال اشتركنا بمعني تشاركنا، و في المنجد الشركة مصدر

بمعني اختلاط النصيبين فصاعدا بحيث لا يتميز الواحد عن الآخر و تطلق علي العقد و إن لم يوجد الاختلاط انتهي.

و الظاهر أنه ليس لكلمة الشركة معني اصطلاحي خاص عند الشرع و الفقهاء، بل هنا حقيقة فأرده و معني واحد أريد من الكلمة عند أهل اللغة و المتشرعة، و ما ذكره الفقهاء تعاريف منهم في بيان تلك الحقيقة و لذلك قد يستشكل في طردها و عكسها كما هو الحال في سائر التحديدات، فمن التعاريف ما ذكره في كتاب الإسعاد في شرح الإرشاد لبعض الشافعية من أنها ثبوت الحق في الشي ء الواحد لمتعدد، و عرفها في الشرائع و غيرها، بأنها اجتماع حقوق الملاك في شي ء واحد علي سبيل الشياع، و عرفها في العروة الوثقي بأنها عبارة عن كون شي ء واحد لاثنين أو أزيد ملكا أو حقا، و الظاهر وحدة المراد من الجميع، و توضيح التعريف الأول حتي تتضح حقيقة المعني المقصود و ما هو موضوع الحكم عند الشارع و يتضح به حال سائر التعاريف أيضا. ان نقول ان المراد بالحق الأعم من الملك و الحق الاصطلاحي أعني مطلق السلطنة إذ الحق أيضا نوع من الملك، و المراد بالشي ء المعني الأعم الشامل للعين الخارجية، و الكلي الذمي، و الكلي في المعين، و منفعة العين، و عمل الشخص، و الحق المتعلق بالعين إنسانا أو غيره، و غير ذلك مما يتصور في المقام، فشركة زيد و عمرو في دار، و في دين ثابت علي ثالث، و في صاع من صبرة، و في منفعة بستان استأجراه، و في كتابة إنسان استأجراه، و في حق تحجير أرض حجراها و في صورة كون الكلي لأحدهما و المعين للآخر، شركة بالمعني المزبور.

و المراد بالواحد

هو الواحد بالشخص حسبما يظهر من كلماتهم و فتاواهم في مقابل الواحد بالجنس و النوع و الصنف مع التعدد في الشخص، فإذا ملك زيد فرسا و عمرو غنما أو ملك كل منهما صنفا من الغنم أو ملك كل فرد من صنف واحد لا يطلق علي ملكهما الشركة و إن اتحدا في الأول في الجنس و في الثاني في النوع و في الثالث في الصنف لأنهما لم يملكا شيئا واحدا شخصيا، فان المتعدد بالشخص لا يعد واحدا عند العرف و العقل و إن اتحدا في الصنف فضلا عن النوع و الجنس.

مصطلحات الفقه، ص: 315

و المراد بثبوت الحق لمتعدد فيه ثبوته علي نحو الإشاعة، و إن كان ظاهر التعريف الأعم كما إذا ملكا بيتا واحدا أو فرسا أو سريرا واحدا بالإرث فإن ملك المتعدد فيها إشاعي بمعني شيوع ملكية كل منهما و شمولها لكل جزء من المملوك، فيخرج ما لو ملكا كتابا جلده من أحدهما و أوراقه من آخر، أو بيتا أرضه من واحد و جدرانه من آخر و سقفه من ثالث مثلا، و قس علي ذلك سائر المركبات التي تعد في العرف واحدا حقيقيا مع كون كل جزء من واحد فإنه لا يطلق عليه الشركة و يمكن كونه شركة عند من أطلق الواحد و لم يقيده بالشياع و ليس ببعيد.

و يخرج بهذا القيد أيضا اجتماع الحقوق في الواحد علي نحو البدل كمعدن مباح يتعذر فيه الاجتماع، و كذا محل خاص من المسجد و المدرسة مع تعدد طلابها، و يدخل في التعريف اشتراك شخصين أو أشخاص في حق القصاص و حد القذف و الخيار و الرهن و الشفعة و نحوها، و هل يشمل ملك الفقراء للزكاة و

السادة للخمس و المسلمين للأرض المفتوحة عنوة لكونها أعيانا شخصية ملكا لمتعدد، أو لا يشملها لأنها ملك للجنس و هو واحد دون الأفراد، و الفرد إنما يملك بعد القبض وجهان، و نظيرها الأشياء المباحة من معدن و نحوه فإنها ليست ملكا و لا متعلق حق لأحد قبل الحيازة بل يجوز لكل أحد حيازتها و إيجاد رابطة الملكية و الحقّية بينه و بينها، و نظيرها المسجد و المدرسة و سائر الأوقاف العامة.

إذا عرفت ما ذكرنا ظهر لك ان الشركة أمر اعتباري قابل للجعل و الإنشاء بلفظ و غيره من أسبابه، كما أنها قد توجد قهرا فكما أن الملك أو الحق المنفرد قابل للجعل فكذلك المتعدد، و يتضح لك ذلك في تقاسيمها.

ثم إن الأصحاب قسموا الشركة إلي أقسام:

أولها: الشركة الواقعية القهرية كما في الملك أو الحق الموروث فإذا مات الوالد و ورث وراثه بيته و أرضه المحجرة فاجتماع حقوق الملاك في بيت أو أرض، واقعية قهرية، و نظير ذلك ما لو امتزج مالهما من دون اختيارهما بحيث لا يتميز أحدهما عن الآخر كانا من

مصطلحات الفقه، ص: 316

جنس واحد كمزج حنطة بحنطة أو جنسين كمزج دقيق الحنطة بدقيق الشعير أو دهن اللوز بدهن الجوز أو الخل بالدبس، و جعل بعض الأصحاب هذا النوع من الاختلاط من الشركة القهرية الظاهرية لعدم اختلاط المالين بالدقة العقلية فالشركة ظاهرية و هو ضعيف إذ الملاك في هذا الحكم العرف و الموارد محسوبة عندهم واقعية.

ثانيها: الشركة الواقعية الاختيارية من غير استناد إلي عقد، كما إذا أحيا شخصان أرضا مواتا أو حفرا بئرا أو اقتلعا شجرا من المباحات فملكا كذلك، و نظير ذلك ما لو مزجا أموالهما في الأمثلة السابقة باختيارهما، فإنها حينئذ واقعية

اختيارية لا ظاهرية كما عرفت و الكلام في سابقها آت هنا أيضا.

ثالثها: الشركة الظاهرية و هي في موارد الشك كما إذا شك أحد الشريكين في بيع نصيبه من شريكه أو من شخص آخر فاستصحب بقاء ملكه أو شك كل منهما كذلك.

رابعها: الشركة الحكمية بمعني ترتيب آثار الشركة و أحكامها تعبدا في مورد العلم بعدم تحققها واقعا، كما في امتزاج أموال شخصين أو أزيد مع بقاء التمايز في الجملة و عدم إمكان التفريق و العزل، أو كونه حرجيا، كامتزاج الحنطة بالشعير أو الحنطة البيضاء بالحمراء و ما أشبه ذلك و قد ادعي دخول هذا القسم أيضا في الشركة الحقيقية.

خامسها: الشركة الواقعية المنشأة بعقد غير عقد الشركة كما إذا ملكا شيئا واحدا بالشراء أو الصلح أو الاتهاب.

سادسها: الشركة الواقعية المنشأة بتشريك أحدهما الآخر في ما اشتراه بقوله أشركتك في مالي كما دلت عليه النصوص.

سابعها: الشركة الواقعية المنشأة بتشريك كل منهما الآخر في ماله و تسمي هذه بالشركة العقدية و هي معدود من العقود و قد ذكرنا الكلام فيها تحت عنوان عقد الشركة المذكور من مصاديق العقد المطلق.

ثم إنه يعلم مما ذكر أنه لو اقتلعا شجرة أو أخذا ماء من المباحات أو أحييا أرضا كان لكل منهما من ذلك بنسبة عمله حسب الاستناد العرفي و لو استأجر اثنين بأجرة معلومة كانت حصة كل منهما بنسبة عمله و لا يلزم علمهما بالنسبة حال العمل.

مصطلحات الفقه، ص: 317

الشغار

الشغار في اللغة الرفع يقال شغر الكلب أي رفع إحدي رجليه ليبول، أو بمعني الخلو يقال شغر البلد شغورا إذا خلي من الناس، و في النهاية: هو نكاح معروف في الجاهلية كان يقول الرجل للرجل شاغرني أي زوجني أختك أو بنتك أو

من تلي أمرها حتي أزوجك أختي أو بنتي أو من إلي أمرها، و لا يكون بينهما مهر و يكون بضع كل واحدة منهما في مقابل بضع الأخري و التسمية لارتفاع المهر بينهما أو خلوهما عن المهر انتهي.

و الشغار في اصطلاح الفقه هو النكاح القائم بين وليين شرعا أو عرفا و يتحقق بتزويج أحد الوليين من له الولاية عليها من آخر، و يجعل مهرها تزويج الآخر من له الولاية عليها من الأول، و ظاهر بعض و صريح آخر انه لا فرق بين أن يجعل المهر إنشاء التزويج من الآخر أو استمتاعه بها بعد ذلك التزويج، لكن الظاهر الأول، كما انه لا فرق بين أن يكون الشغار من طرف واحد كأن يقول أحدهما زوجتك بنتي علي أن تزوجني بنتك أو علي أن أستمتع ببنتك بعد تزويجها، و يجيب الآخر بقوله زوجتك بنتي علي صداق مائة دينار مثلا فمهر الأولي التزويج الثاني أو البضع المترتب عليه، و مهر الثانية مائة دينار، و النكاح الأول شغار لارتفاع المهر غير التزويج أو البضع عنه و خلوه عنهما، أو من الطرفين و يطلق عليه انه شغار دائر كأن يقول أحدهما زوجتك بنتي علي أن تزوجني بنتك و يقول الآخر زوجتك بنتي علي أن تزوجني بنتك و كذا لو ذكرا البضع.

هذا بالنسبة لموضوع الشغار و أما حكمه فظاهر الأصحاب الاتفاق علي بطلان ما يصدق عليه نكاح الشغار كان واحدا أو دائرا، و عمدة الدليل عليه الإجماع المدعي و نصوص خاصّة كقوله صلّي اللّه عليه و آله: لا جلب و لا جنب و لا شغار في الإسلام، و الشغار أن يزوج الرجل ابنته أو أخته و يتزوج هو ابنة المتزوج أو أخته و

لا يكون بينهما مهر غير تزويج هذا من هذا و هذا من هذا «1» و المرسل عن أحدهما نهي عن نكاح المرأتين ليس لواحدة منهما صداق إلا بضع صاحبتها «2». و الجلب الذي يجلب من الخيل يركض معها و الجنب الذي يقوم في أعراض الخيل فيصيح بها.

______________________________

(1) (الوسائل أبواب عقد النكاح ب 27 ح 2).

(2) (ب 27 ح 1).

مصطلحات الفقه، ص: 318

ثم انه يظهر من بعضهم تعليل البطلان بكون ذلك من تعليق المهر أو العقد، و النكاح لا يقبل التعليق و في كشف اللثام: انه للزوم تشريك البضع بين كونه للزوج و كونه مهرا للزوجة، و ان البضع لا يصلح أن يكون مهرا و غير ذلك، و التعليلات عليلة و الدليل النص فراجع الكتب الفقهية.

الشفعة

الشفعة في اللغة مصدر بمعني جعل الشي ء زوجا للشي ء و بمعني التقوية و الإعانة يقال شفع الشي ء بالشي ء أي كان وترا فجعله شفعا أي زوجا و يقال شفعه أي أعانه و قوّاه.

و الشفعة أيضا اسم للمشفوع كاللقمة اسم للملقوم.

و أما في اصطلاح الفقهاء فهي عبارة عن حق مجعول للشريك متعلق بحصة الشريك الآخر إذا باعها من غيره، بأن ينتزعها من المشتري و يتملكها بما بذل من الثمن، فهي حكم وضعي اعتباري جعله الشارع لشريك البائع فإذا باع أحد شريكي الدار مثلا حصته من زيد بألف و تمت المعاملة، كان للشريك الآخر أن ينتزعها من المشتري ببذل مقدار الثمن و لو لم يرض به، و يسمي الحق بالشفعة و صاحبه بالشفيع.

و ذكروا في تبيين حكم المقام ان هذا الحق ثابت في كل ما لا ينقل و كان قابلا للقسمة كالأراضي و البساتين و الدور، و في ثبوته في المنقول و فيما

لا يقبل القسمة من غير المنقول كالبئر و الحمام و إشكال، و يشترط في ثبوته الانتقال إلي المشتري بالبيع لا بالصلح و الهبة و نحوهما، و كون العين بيد شريكين و كون الشفيع قادرا علي أداء الثمن.

الشمس

الشمس هي الكوكب المعروف، منبع النور و الحرارة في محيط منظومتها، و إليها تنسب أعضاء منظومتها المركبة منها و من أقمارها و سياراتها، و تتولد من إشراق نورها علي الأرض و القمر، الليالي و الأيام و الشهور و الأعوام، و في المجمع هي أنثي واحدة الوجود

مصطلحات الفقه، ص: 319

ليس لها ثان و لهذا لا تثني و لا تجمع، و قول بعضهم تجمع علي شموس علي وجه التأويل لا الحقيقة كأنهم جعلوا كل ناحية منها شمسا انتهي. و في المفردات الشمس يقال للقرصة و للضوء المنتشر عنها و تجمع علي شموس انتهي.

ثم إنها قد وقعت في الفقه مورد البحث في الجملة من حيث حالاتها و آثارها، فان منها الزوال، و هو شرط لعدة من الأوامر الوجوبية و الندبية فإذا زالت في حركتها اليومية عن دائرة نصف النهار إلي جانب المغرب بالنسبة إلي كل بلد و محل تحقق عنوان الظهر، و وجب ترتيب الآثار المترتبة عليه منها وجوب الفريضتين الظهر و العصر لقوله تعالي (أَقِمِ الصَّلٰاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِليٰ غَسَقِ اللَّيْلِ) و الدلوك الميل فهو مبدأ الأوقات و شرط لتوجه خطاب الفرائض و النوافل علي نحو الترتيب و تفصيل ذلك تحت عنوان الوقت. و منها تطهيرها لبعض الأشياء بإشراقها عليه و قد ذكرناه تحت عنوان المطهر.

الشهادة

الشهادة في اللغة الحضور و المعاينة، يقال شهد المجلس حضره و شهد الشي ء عاينه، و الشهادة بمعني الأخبار عن قطع، يقال شهد علي كذا أخبر به خبرا قاطعا، و لذلك يقال الشهادة إخبار جازم عن حق لازم للغير. و في المفردات: الشهود و الشهادة الحضور مع المشاهدة أما بالبصر أو بالبصيرة. و الشهادة قول صادر عن علم حصل بمشاهدة بصيرة أو

بصر انتهي. هذا ما يتعلق بالشهادة بمعناها اللغوي و العرفي، و يوافقه المصطلح الشرعي أيضا لعدم معني خاص لها في الشرع و عند الفقهاء، و هي قد وقعت موضوعا للحكم في الشريعة و رتب عليها أحكام من وضع و تكليف و وقع البحث عنها في الفقه في شروط الشاهد، و موارد اشتراط الشهادة لزوما، و دخلها استحبابا.

أما الأول: فذكروا انه يشترط في الشاهد أمور:

الأول: البلوغ فلا عبرة بشهادة الصبي. الثاني: العقل فلا تقبل من المجنون. الثالث:

الإيمان فلا تقبل شهادة غير المؤمن فضلا عن غير المسلم، و بالجملة لا تقبل شهادة كلّ

مصطلحات الفقه، ص: 320

مخالف في أصول الدين و المذهب، و تقبل شهادة المؤمن الجامع للشرائط، علي جميع الناس من جميع الملل، و تقبل شهادة كل ملة علي ملتهم بل و علي غير ملتهم.

الرابع: العدالة و هي الاستقامة العملية علي الدين، أو الملكة الرادعة عن المعصية فلا تقبل شهادة الفاسق.

الخامس: طيب الولادة فلا تقبل شهادة من علم كونه من الزنا و إن أظهر الإسلام و كان صالحا للنص، و لا بأس بمن جهل حاله.

السادس: ارتفاع التهمة الحاصلة من ناحية أسباب خاصة، كأن يجرّ بشهادته نفعا ماليا لنفسه أو يدفع بها ضررا عنها، و هذه الشروط ملحوظة حال الأداء و عدمها في حال التحمل غير ضار.

أما الثاني: فقد ذكروا انه يشترط الإشهاد في باب المنازعات و رفع الأمر إلي الحاكم، فقد جعل الشارع الإشهاد فيه من وظائف المدعي مع اشتراط كون الشاهد رجلين عدلين أو نسوة عدولا في الجملة، و سماها الشارع بيّنة في المقام و ذلك قوله صلّي اللّه عليه و آله: البينة علي المدعي و اليمين علي المدعي عليه.

و ذكروا أيضا اشتراطها في باب الطلاق

فإن أصحابنا قد أجمعوا علي شرطية الإشهاد فيه مضافا إلي سائر شروطه، مريدين به هنا أيضا ذوي عدل من الرجال، فلا طلاق مع عدمهما، و لا مع شهادة عدل واحد، و لا مع شهادة فاسقين، لقوله تعالي (وَ أَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) مع دلالة النصوص المعتبرة علي كون الإشهاد فيه راجعا إلي الطلاق لا الرجعة، و هذا علي خلاف العامة حيث لا يرون شرطيته في الطلاق.

و ذكروا أيضا الإشهاد في عقد النكاح و كونه من المندوبات و ليس بواجب مستقل، و لا بشرط في العقد، لنصوص كثيرة عندنا دالة علي ذلك، و هذا أيضا علي خلاف العامة حيث يرون شرطيته في النكاح و التفصيل في الفقه.

مصطلحات الفقه، ص: 321

الشهر

مفهوم الشهر لغة و عرفا واضح، و في المجمع: و الشهر في الشرع عبارة عما بين هلالين قال أبو علي و إنما سمي شهرا لاشتهاره بالهلال، و قد يكون الشهر ثلاثين و قد يكون تسعة و عشرين إذا كان هلاليا فإذا لم يكن هلاليا فهو ثلاثون انتهي. و في المفردات: الشهر مدة مشهورة بإهلال الهلال أو باعتبار جزء من اثني عشر جزء من دوران الشمس من نقطة إلي تلك النقطة انتهي.

أقول حقيقة الشهر كما أشرنا إليها تحت عنوان الوقت أمير غير متأصل فينتزع من حركة الشمس و القمر، و هو ينقسم إلي قسمين شمسي و قمري أو هلالي، و الأول منتزع من دوران الأرض حول الشمس و حول نفسها أي من حركتيها الانتقالية و الوضعية، فإن الأولي طولها سنة و إذا قسمت إلي اثني عشر كان كل جزء شهرا شمسيا، كما أن الثانية طولها أربعة و عشرون ساعة فإذا تكررت ثلاثون مرة تحقق شهر شمسي، و

الثاني منتزع من دوران القمر حول الأرض مرة واحدة. و الظاهر أن إطلاق الشهر في النصوص و كلمات الأصحاب محمول علي الهلالي، بل لا يبعد أن يكون اصطلاحا في الشرع و الفقه و إطلاقه علي الشمسي قليل. و كيف كان فقد وقع الشهر الهلالي و سنته مورد البحث عند الأصحاب في موارد كثيرة:

منها: نفس انقسام السنة القمرية إلي اثني عشر شهرا هلاليا، فإنه مذكور في الكتاب و السنة توجيها للمخاطبين إلي أهميتها في الشريعة و ترتب أحكام جمة غفيرة عليها حسب تجزئتها إلي شهور و أسابيع و أيام، كما قال تعالي (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللّٰهِ اثْنٰا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتٰابِ اللّٰهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضَ) و قوله في كتاب اللّه أي العدد المذكور أمر ثابت في علم اللّه أو لوحه المحفوظ أو الكتاب التكويني، من ابتداء خلق الأجرام السماوية، و هذا إشارة إلي كونها منتزعة من حركة الكواكب العلوية حادثة من دوران بعضها حول بعض مخلوقة بتبع خلقها.

و منها: وجود الأشهر الحرم الأربعة في السنة الهلالية ثلاثة منها سرد أي متصلة

مصطلحات الفقه، ص: 322

متعاقبة، و هي ذو القعدة و ذو الحجة و محرم، و واحد فرد و