شواهد التنزيل لمن خص بالتفضيل

اشارة

سرشناسه: ابن رويش عيدروس - 1927

عنوان و نام پديدآور: شواهد التنزيل لمن خص بالتفضيل عيدروس بن احمد السقاف العلوي الاندولنيسي المعروف بابن رويش

مشخصات نشر: قم مجمع العالمي لاهل البيت 1416ق = 1996م = - 1375.

مشخصات ظاهري: ص 530

فروست: (المجمع العالمي لاهل البيت 20)

وضعيت فهرست نويسي: فهرستنويسي قبلي

يادداشت: عربي

يادداشت: كتابنامه به صورت زيرنويس

موضوع: علي بن ابي طالب ع، امام اول 23 قبل از هجرت - 40ق -- احاديث

موضوع: علي بن ابي طالب ع، امام اول 23 قبل از هجرت - 40ق -- اثبات خلافت

شناسه افزوده: مجمع جهاني اهل بيت ع

رده بندي كنگره: BP37/35 /‮الف 14ش 9

رده بندي ديويي: 297/951

شماره كتابشناسي ملي: م 76-11633

كلمة المجمع

الحمد لله رب العالمين، وأشرف الصلاة وأتم التحية والسلام علي خير الأنام، الهادي إلي النور من متاهات الظلام، محمد الأمين المبعوث رحمة للعالمين، وعلي آله الكرام الهداة الميامين.

إن لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) صفات وميزات لم تكن تتوفر في غيره، وقد أكد القرآن الكريم علي لسان رب العالمين هذه الحقيقة، فالمتتبع لآيات الكتاب العزيز يجد الكثير من الآيات التي جاءت في حق أمير المؤمنين علي (عليه السلام)وبيان اسبقيته إلي الايمان وأفضليته في كل شيء علي جميع صحابة رسول الله (صلي الله عليه وآله).

هذه الحقيقة لفتت أنظار العلماء والحفاظ والمحدثين والمفسرين، واسترعت انتباههم، الأمر الذي دفع بهم إلي تأليف تصانيف وافية في سرد جميع الآيات التي وردت في أمير المؤمنين علي (عليه السلام)وبيان أفضليته، ثم ذكر جميع التفاسير التي وردت علي لسان رسول الله (صلي الله عليه وآله)أو علي لسان صحابته الاجلاّء، والتي أكدت اختصاص الامام علي (عليه السلام)بهذا الشرف دون غيره، وتفوقه في هذا المضمار علي من سواه.

ولكن هذه الكتب والمصنفات اكتفت بذكر الآيات والروايات التي وردت في تفسيرها، دون محاولة التعرض إلي

مناقشة بعض هذه الروايات، فيما إذا كان هناك ما يحرف النصّ عن هدفه، ويحاول صرفه إلي غير مستحقه، بل كان هؤلاء المصنّفون ينقلون الروايات المفسرة لتلك الآيات علي علاّتها، سواء كانت تلك الروايات صحيحة أو غير صحيحة، متناً أو مسنداً.

والكتاب الذي بين ايدينا من مميزاته أن مؤلفه لم يكتف بسرد الآيات والروايات التي ذكرها غيره من الاعلام، بل عرض الروايات علي محك الدليل، وتناول بعضها بالنقاش العلمي والموضوعي، مفنداً ما جاء فيها من محاولات نسبة سبب النزول إلي غير أمير المؤمنين، ومبرهناً علي أن ذلك كله إنما هو من أجل سلب الحق عن نصابه.

ونظراً لأهمية هذا الكتاب وقيمته العلمية قام المجمع العالمي لأهل البيت بطبعه، لا سيما وأن مؤلفه العالم الجليل «ابن رويش الاندونيسي» ممن سبق للمجمع أن نشر له كتاب «المقتطفات» و «البيان الجلي» لما يتمتعان به من مزايات تحقيقية ومطارحات علمية تثبت الحق لأهله، وذلك كله من خلال ما أورده أعلام إخواننا أهل السنّة في صحاحهم ومسانيدهم وكتبهم التفسيرية والحديثية. من روايات تصرّح بأحقية أمير المؤمنين علي(عليه السلام)وتثبت له الفضل علي غيره، بما لا يدع مجالاً للشك عند القارئ المتنزّه عن روح العصبية، والمبتغي للحقيقة كما وردت علي لسان صاحب الرسالة وناشر معالمها الرسول الكريم(صلي الله عليه وآله).

يضع المجمع العالمي لأهل البيت هذا السفر بين يدي قرائه ليعرفوا الحق فيتبعوه، ويبصروا مواطن الخلل في التراث العلمي فيجتنبوها، حتي يكونوا علي الصراط المستقيم الذي أمرنا الله بسلوكه حيث قال تعالي: (وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرّق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون) [الانعام: 153].

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

المجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)

قم المقدسة

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد

للّه الذي منّ علي خلقه بجلائل النّعم الباطنة والظّاهرة، وخصّ من بينهم عباداً بخصائص عظام ومعالي الفضائل الزاهرة، والصلاة والسلام علي مصطفاه الأمين المؤتمن بالوحي والتبليغ علي رغم أنوف الحسدة والبغاة والكفرة، النبيّ الأقدس والشهاب الأقبس، سيّدنا محمّد(صلي الله عليه وآله) منية أهل الدّنيا والآخرة، وعلي آله المنزّهة ذاتهم بشاهد آية التطهير الباهرة، وأصحابه المكرّمين بالاهتداء إلي ولاية أفضل السّابقين ويعسوب المؤمنين إمام البررة، وعلي تابعيهم بإحسان إلي يوم يعضّ فيه الظّالم بنانه من فرط الندامة والحسرة.

أمّا بعد:

فهذه بعض مقيّداتي التي اقتطفتها من عدة من كتب الأعلام، راجياً من المولي العظيم أن ينفعني بها دنياً واُخري، وينتفع بها من هو لي رفيق وصديق. بحرمة من لقّبه الرسول بأكبر صدّيق، فإنه نعم المولي وليّ التوفيق، والهادي إلي سواء الطريق، وسمّيتها: ب «شواهد التّنزيل لمن خصّ بالتفضيل».

سوره مائده، آيه 67

اشاره

في قوله تعالي: (يَا أَيّهَا الرَّسُولُ بَلِّغ ما اُنزلَ إليك مِن رَبّكَ وإِنْ لم تفعلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَه واللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ)[المائدة: 67].

نزلت هذه الآية الشريفة في (18) من ذي الحجّة عند منصرف النبيّ من حجّة الوداع مع مئة ألف نسمة أو يزيدون. وفي رواية ابن الجوزي كان مجموعهم مئة وعشرين ألف نفس.

وذلك حين بلغ النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم) غدير خم من الجحفة التي تتشعب فيها طرق المدنيّين والعراقيّين والمصريّين. وقف(صلي الله عليه وآله وسلم) وأمر أن يعود من تقدّم من الاُمّة وينتظر من تأخّر منهم، وكان ذلك في يوم الخميس، وقد بلغت الرمضاء وقتئذ من الحرارة ما بلغت، حتّي إنّ الرجل ليضع رداءه تحت قدمه من شدة وطأة الحرّ، فنزل وقتذاك إليه(صلي الله عليه وآله وسلم)جبرئيل الأمين عن الله تعالي بالآية الشريفة، كما رواه جمع من أئمة

المفسرين وحفظة السنن المبرّزين في عصرهم، وأثبتوا في كتبهم علي أنّ نزولها في فضل علي بن أبي طالب(عليه السلام). فمنهم:

الطبري

وهو محمّد بن جرير أبو جعفر، صاحب التفسير والتأريخ السائرين الدائرين، المتوفّي سنة (310) قال الخطيب البغدادي في تاريخه [12: 169] مثنياً عليه: كان أحد العلماء، يحكم بقوله ويرجع إلي رأيه لمعرفته وفضله الخ.. وذكره الذهبي في تذكرته [1: 277 283] وأثني عليه بالإمامة والزهد والرفض للدّنيا.

وقد أغدق في الثناء علي تفسيره (جامع البيان) رجال: كالسيوطي كما في كتابه الإتقان بقوله: وكتابه أي الطبري أجلّ كتب التفسير وأعظمها، إلي أن قال: فهو يفوق بذلك تفاسير الأقدمين. وقال النوويّ: أجمعت الأمّة علي أنه لم يصنّف مثل تفسير الطبري. وقال الإسفرائيني: لو سافر رجل إلي الصّين حتي يحصل له كتاب تفسير ابن جرير لم يكن ذلك كثيراً. توجد تلك العبارات في أوّل صفحة من تفسير جامع البيان. انتهي.

وإليك ما أخرجه في مصنّفه المسمّي كتاب (الولاية في طريق حديث الغدير) [مخطوط] مسنداً عن زيد بن أرقم قال: لما نزل النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم) بغدير خم في رجوعه من حجّة الوداع، وكان وقت الضحي وحرّ شديد، أمر بالدّوحات فقمّت ونادي الصّلاة جامعة، فاجتمعنا فخطب خطبةً بالغة، ثم قال:

إنّ اللّه تعالي أنزل إليّ: (بَلِّغْ ما اُنْزِلَ إلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وإنْ لم تَفْعَلْ فما بَلَّغْتَ رسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ)، وقد أمرني جبرئيل عن ربّي أنّ أقوم في هذا المشهد، واعلم كل أبيض وأسود: أن علي بن أبي طالب أخي ووصيي وخليفتي والإمام بعدي، فسألت جبرئيل أن يستعفي لي ربّي لعلمي بقلّة المتّقين وكثرة المؤذين لي، واللائمين لكثرة ملازمتي لعلي وشدّة إقبالي عليه. حتي سمّوني اذناً. فقال تعالي: (وَمِنْهُمُ الَّذينَ

يُؤذُونَ النبيَّ ويقُولُونَ هو اُذُنٌ قل اُذُنُ خَيْر لَكُمْ) [1]، ولو شئت أن اُسمّيهم وأدلّ عليهم لفعلت، ولكنّي بسترهم قد تكرّمت، فلم يرض اللّه إلاّ بتبليغي فيه.

فاعلموا معاشر النّاس ذلك، فانّ اللّه قد نصبه لكم ولياً وإماماً، وفرض طاعته علي كلّ أحد، ماض حكمه، جائزٌ قوله، ملعونٌ من خالفه، مرحومٌ من صدّقه، اسمعوا وأطيعوا، فإن اللّه مولاكم وعليّ(عليه السلام) إمامكم، ثمّ الإمامة في ولدي من صلبه إلي يوم القيامة، لا حلال إلاّ ما أحلّه اللّه ورسوله. ولا حرام إلاّ ما حرّم اللّه و رسوله وهم، فما من علم إلاّ وقد أحصاه اللّه فيّ ونقلته إليه، فلا تضلّوا عنه ولا تستنكفوا منه، فهو الذي يهدي إلي الحقّ ويعمل به، لن يتوب اللّه علي أحد أنكره ولن يغفر له، حتماً علي اللّه من يفعل ذلك أن يعذّبه عذاباً نكراً أبد الآبدين، فهو أفضل الناس بعدي ما نزل الرّزق وبقي الخلق، ملعونٌ من خالفه، قولي عن جبرئيل عن اللّه، فلتنظر نفسٌ ما قدّمت لغد.

إفهموا محكم القرآن ولا تتّبعوا متشابهه، ولن يفسّر ذلك إلاّ من أنا آخذٌ بيده، وشائلٌ بعضده، ومعلمكم: أن من كنت مولاه فهذا علي مولاه، وموالاته من اللّه عزّوجل أنزلها عليّ. ألا وقد أدّيت، ألا وقد بلّغت، ألا وقد أسمعت، ألا وقد أوضحت، لا تحلّ إمرة المؤمنين بعدي لاحد غيره.

ثمّ رفعه إلي السماء حتي صارت رجله مع ركبة النّبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم) وقال:

معاشر الناس، هذا أخي ووصيّي وواعي علمي وخليفتي علي من آمن بي وعلي تفسير كتاب ربّي.

وفي رواية: اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه، والعن من أنكره، واغضب علي من جحد حقه، اللّهم إنك أنزلت عند تبيين ذلك في علي: (الْيَوْمَ أكْمَلتُ لَكُمْ

دِينَكُمْ) [2] بإمامته، فمن لم يأتمّ به وبمن كان من ولدي من صلبه إلي يوم القيامة فاُولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون، إن ابليس أخرج آدم(عليه السلام) من الجنة مع كونه صفوة اللّه بالحسد، فلا تحسدوا فتحبط أعمالكم وتز لّ أقدامكم، في عليّ نزلت سورة: (والعَصْر - إنَّ الإنْسَانَ لَفي خُسْر).

معاشر الناس، آمنوا باللّه ورسوله والنّور الذي أنزل معه من قبل أن نطمس وجوهاً فنردّها علي أدبارها ونلعنهم كما لعنّا أصحاب السبت. النور من اللّه فيّ، ثمّ في علي، ثمّ في النسل منه إلي القائم المهدي.

معاشر الناس، سيكون من بعدي أئمّةٌ يدعون إلي النار، ويوم القيامة لا ينصرون، وان اللّه وأنا بريئان منهم، إنهم وأنصارهم وأتباعهم في الدرك الاسفل من النار، وسيجعلونها ملكاً اغتصاباً، فعندها يفرغ لكم أيها الثقلان، يرسل عليكما شواظٌ من نار ونحاس فلا تنتصران. الحديث [راجع: احقاق الحق 2: 419 420 عن ضياء العالمين].

ابن أبي حاتم

وهو الحافظ أبو محمد الحنظلي الرازي المتوفّي سنة (327) ترجمه الذهبي في تذكرة الحفّاظ [3: 830 ط. بيروت] وأثني عليه بالإمامة والحفظ والنقد، وحكي عن أبي الوليد الباجي ثقته.

وترجمه السّبكي في طبقاته [2: 237] وحكي عن أبي يعلي الخليلي أنّه قال: كان زاهداً يعدّ من الأبدال. انتهي.

وقد أخرج بإسناده عن أبي سعيد الخدري أن الآية نزلت علي رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم)يوم غدير خم في علي بن أبي طالب.

راجع: الدر المنثور [2: 298]للسيوطي. وتفسير فتح القدير للشوكاني [2: 60].

المحاملي

وهو الفقيه أبو عبداللّه الحسين بن إسماعيل بن سعيد الضبّي، المتوفّي سنة (330) عن (95) سنة. قال السّمعاني في كتاب الأنساب [5: 208]: كان فاضلاً صادقاً ديّناً ثقةً صدوقاً.

وقال فيه ابن كثير في تأريخه [11: 230 ط. دار الاحياء بيروت ]: كان صدوقاً ديّناً، فقيهاً محدّثاً، ولي قضاء الكوفة ستّين سنة، وأضيف إليه قضاء فارس وأعمالها. ثم استعفي من ذلك كلّه ولزم منزله، واقتصر علي إسماع الحديث وسماعه. انتهي.

وقد أخرج الحديث في أماليه علي ما نقله عنه الشيخ إبراهيم الوصابي في كتابه «الاكتفاء في فضل الأربعة الخلفاء» بإسناده عن ابن عباس قال: لمّا اُمر النبي(صلي الله عليه وآله وسلم) أن يقوم بعلي بن أبي طالب المقام الذي قام به فانطلق النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم) إلي مكة، فقال: رأيت الناس حديثي عهد بكفر بجاهليّة، ومتي أفعل هذا به يقولوا صنع هذا بابن عمّه، ثمّ مضي حتّي قضي حجة الوداع ثمّ رجع، حتي إذا كان بغدير خمّ أنزل اللّه عزوجل: (يا أيُّها الرَّسُولُ بَلّغْ مَا اُنْزِلَ إلَيْكَ مِنْ رَبِّك) الآية، فقام مناد فنادي: الصلاة جامعة، ثم قام وأخذبيد عليّ(عليه السلام)، فقال: «من كنت مولاه فعلي مولاه،

اللهم وال من والاه وعاد من عاداه».

راجع: كنز العمّال [11: 609، ح: 32946] للمتّقي الهندي، وتاريخ الخلفاء [ص 169]للسيوطي، وشمس الأخبار [ص 38] للقرشي، و نزل الأبرار للبدخشاني [ص 52]ورواه الحاكم [3: 110]، والإمام أحمد [في مسنده 1: 84]، والبزّار وابن مردويه، وابن حبان.

الشيرازي

وهو الحافظ أحمد بن عبد الرحمن بن أحمد الفارسي، المتوفّي سنة (407 أو 411) قال فيه الذهبي مترجماً في كتابه تذكرة الحفّاظ [3: 267]: الحافظ الإمام الجوّال. وحكي فيه عن أبي الفرج البجلي أنّه قال: كان صدوقاً حافظاً يحسن هذا الشأن جيداً جيداً. انتهي.

وقد أخرج الحديث عن ابن عباس في كتابه (ما نزل من القرآن في علي) مسنداً، وقال: إن الآية نزلت يوم غدير خمّ في علي بن أبي طالب.

ابن مردويه

وهو الحافظ أحمد بن موسي بن مردويه الأصبهاني المكني بأبي بكر، المتوفّي سنة (416) المولود سنة (323) ذكره الذهبي في تذكرته [3: 252] وقال: هو الحافظ الثبت العلاّمة، كان قيّماً بمعرفة هذا الشأن، بصيراً بالرجال، طويل الباع، مليح التصانيف.

وقد أخرج الحديث بإسناده عن أبي سعيد الخدري، في أن الآية نزلت يوم غدير خم في علي بن أبي طالب.

وبإسناد آخر عن ابن مسعود أنه قال: كنّا نقرأ علي عهد رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم): (يا أيُّها الرَّسُولُ بَلّغْ مَا أنْزِلَ إليْكَ مِنْ رَبِّكَ أَنَّ عَلِيّاً موْلي المؤمنين وَإنْ لمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ واللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاس).

راجع: الدر المنثور للسيوطي [2: 298] وتفسير فتح القدير للشوكاني [2: 58]وكشف الغمّة للإربلي [1: 319 ط. دار الكتاب الاسلامي بيروت].

وروي بإسناده عن ابن عبّاس قال: لمّا أُمر اللّه رسوله(صلي الله عليه وآله وسلم) أن يقوم بعليّ(عليه السلام)فيقول له ما قال، فقال (صلي الله عليه وآله وسلم): يا ربّ إن قومي حديثو عهد بجاهلية، ثم مضي بحجّه، فلمّا قفَل راجعاً نزل بغدير خم أنزل اللّه عليه: (يا أيّها الرَّسُولُ بَلّغْ مَا اُنزل إِليْكَ مِنْ رَبِّك)الآية. فأخذ بعضد علي ثمّ خرج إلي الناس، فقال: «أيّها الناس ألست أولي بكم من

أنفسكم»؟ قالوا: بلي يا رسول الله، قال: «اللّهم من كنت مولاه فعليٌ مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه وأعن من أعانه، واخذل من خذله، وانصر من نصره، وأحب من أحبّه، وأبغض من أبغضه». قال ابن عبّاس: فوجبت واللّه في رقاب القوم، وقال حسان ابن ثابت:

يناديهم يوم الغدير نبيهم

بخم وأسمع بالرسول مناديا

وقد مرّ الإيعاز إليه بتمامه في مقتطفاتنا من المجلّد الأول.

وروي أيضاً عن زيد بن علي أنه قال: لما جاء جبرئيل بأمر الولاية، ضاق النبي(صلي الله عليه وآله وسلم) بذلك ذرعاً، وقال: «قومي حديثو عهد بالجاهلية»، فنزلت الآية.

الثعلبي

وهو أبو اسحاق أحمد بن محمد بن ابراهيم النيسابوري المفسّر المشهور، المتوفّي سنة (427 أو 437). قال ابن خلكان في تأريخه [1: 22]: كان أوحد زمانه في علم التفسير، وصنّف التفسير الكبير الذي فاق غيره من التفاسير. وذكره الفارسي في تأريخ نيسابور وقال: هو صحيح النقل موثوق به، إلي أن قال: وكان كثير الحديث كثير الشيوخ. انتهي.

روي في تفسيره الكبير (الكشف والبيان) [مخطوط] عن أبي جعفر محمّد بن علي الباقر: إن معناها أي الآية بلّغ ما اُنزل إليك من ربّك في فضل علي، فلما نزلت أخذ رسول اللّه بيد علي فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه.

وروي بإسناد آخر من طريق أبي محمّد عبد اللّه القائني، عن ابن عبّاس في قوله تعالي: (بَلّغْ مَا اُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) الآية، قال: نزلت في عليّ، أُمر النبي(صلي الله عليه وآله وسلم) أن يبلّغ فيه، فأخذ رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) بيد علي، فقال: «من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه».

قال الأميني في التعليقات من غديره [1: 218]: وروي الحديثين عنه: ابن بطريق في العمدة [ص 99]

وابن طاووس في الطرائف [ص 151 152] والإربلي في كشف الغمّة [1: 318] والطبرسي في تفسيره مجمع البيان [2: 223] وروي عنه ابن شهر آشوب في مناقبه [3: 21].

ابو نعيم

وهو الحافظ أحمد بن عبداللّه الأصفهاني المولود سنة (336) المتوفّي سنة (430) أثني عليه جمعٌ من أهل المعاجم والتواريخ في كتبهم، قال ابن خلّكان في تاريخه [1: 27]: كان من أعلام المحدّثين وأكابر الحفّاظ الثقات، أخذ عن الأفاضل وأخذوا عنه وانتفعوا به، وكتابه الحلية من أحسن الكتب.

وقال الذهبي في التذكرة [3: 292]: قال ابن مردويه: كان أبو نعيم في وقته مرحولاً إليه، لم يكن في أفق من الآفاق أحدٌ أحفظ وأسند، كان حفّاظ الدنيا قد اجتمعوا عنده، وكلّ يوم نوبة واحد منهم يقرأ ما يريده إلي قريب الظهر. انتهي.

وقد روي في تأليفه «ما نزل من القرآن في علي» [ص 56 ط. وزارة الارشاد]بإسناده من طريق أبي بكر بن خلاد عن عطية، قال: نزلت هذه الآية علي رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم)في علي يوم غدير خمّ. راجع: الغدير [1: 218]. والخصائص [ص 29].

الواحدي

وهو المفسّر الكبير أبو الحسن علي بن أحمد بن محمّد بن علي بن متّويه النيسابوري المتوفّي سنة (428).

قال ابن خلّكان في تأريخه [1: 361]: كان استاذ عصره في النحو والتفسير، ورزق السّعادة في تصانيفه، فأجمع النّاس علي حسنها، وذكرها المدرّسون في دروسهم، منها: الوسيط والوجيز في التفسير، وله كتاب أسباب النزول. انتهي.

وقد روي في كتابه أسباب النزول [ص 150] بالإسناد من طريق أبي سعيد محمّد ابن علي الصفّار عن أبي سعيد الخدري، قال: نزلت هذه الآية يوم غدير خمّ في علي بن أبي طالب(عليه السلام).

السجستاني

وهو الحافظ مسعود بن ناصر بن عبداللّه بن أحمد أبو سعيد السّجزي، المتوفّي سنة (477).

قال الذهبي في تذكرته [4: 16]: الحافظ الفقيه الرحّال صاحب المصنّفات. قال محمّد بن عبد الواحد الدقّاق: لم أر في المحدّثين أجود إتقاناً ولا أحسن ضبطاً منه.

وقال ابن كثير في تأريخه [12: 127]: رحل في الحديث، وسمع الكثير، وجمع الكتب النفيسة، وكان صحيح الخطّ صحيح النقل حافظاً ضابطاً. انتهي.

أورد في تأليفه «كتاب الولاية» بإسناده من عدّة طرق عن ابن عبّاس، قال: أُمر رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) أن يبلّغ بولاية علي فأنزل: (يا أيُّها الرسولُ بلِّغ مَا اُنزِلَ إِليكَ من ربّك)الآية، فلما كان يوم غدير خمّ قام، فحمد اللّه وأثني عليه، وقال: «ألست أولي بكم من أنفسكم؟» قالوا: بلي يا رسول اللّه، قال(صلي الله عليه وآله وسلم): «فمن كنت مولاه فعلي مولاه، اللهموال من والاه، وعاد من عاداه، وأحبّ من أحبّه، وابغض من أبغضه، وانصر من نصره، وأعزّ من أعزّه، وأعن من أعانه» راجع: كتاب الطرائف للسيّد ابن طاووس [ص 152].

الحاكم الحسكاني

وهو الحافظ عبيد اللّه بن عبد اللّه بن أحمد بن محمّد بن أحمد بن محمّد بن حسكان أبو القاسم النيسابوري الحنفي.

قال الذهبي في تذكرته [3: 390]: شيخ متقنٌ ذو عناية تامة بعلم الحديث، كان معمّراً عالي الإسناد، صنّف وجمع، توفّي سنة (490). انتهي.

وقد أورد في كتابه «شواهد التنزيل لقواعد التفضيل والتأويل» [1: 166 ط. بيروت]بإسناد من طريق الكلبي عن ابن عباس وجابر بن عبداللّه الأنصاري، قالا: أمر اللّه محمّداً(صلي الله عليه وآله وسلم) أن ينصب عليّاً للناس، فيخبرهم بولايته، فتخوّف النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) أن يقولوا حابي ابن عمّه وأن يطعنوا في ذلك عليه. فأوحي اللّه اليه(صلي

الله عليه وآله وسلم) الآية: (يا أيُّها الرّسُولُ بلّغ ما اُنْزِلَ إلَيْكَ مِنْ رَبِّك) فقام رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) بولايته يوم غدير خمّ.

راجع: تفسير مجمع البيان، للإمام الطبرسي [2: 278 ط. مؤسسة التاريخ العربي بيروت].

ابن عساكر الشافعي

وهو الحافظ علي بن الحسن بن هبة اللّه أبو القاسم الدمشقي الملقب ب «ثقة الدّين» المتوفّي سنة (571) صاحب التأريخ الكبير السائر الدائر، تجد ترجمته في تأريخ ابن خلّكان [1: 363] وأثني عليه ابن الأثير في تأريخه الكامل [11: 177] وقال ابن كثير في تأريخه البداية والنهاية [12: 294]: أحد أكابر حفّاظ الحديث، ومن عني به سماعاً وجمعاً وتصنيفاً واطّلاعاً وحفظاً لأسانيده ومتونه، وإتقاناً لأساليبه وفنونه، صنّف تأريخ الشام في ثمانين مجلّداً. ثمّ أطنب في الثناء عليه وعلي تآليفه.

وذكره السّبكي في طبقاته [4: 273 277] وأكثر الثناء عليه وعلي ثقته وإتقانه وتآليفه. انتهي.

وقد أخرج بإسناده عن أبي سعيد الخدري أنها نزلت في غدير خمّ في علي بن أبي طالب.

راجع: الدر المنثور [2: 298] للسيوطي، وتفسير فتح القدير [2: 60]للشوكاني.

النطنزي

وهو أبو الفتح محمّد بن علي بن إبراهيم المولود سنة (480) قال السمعاني في كتابه أنساب الأشراف: أفضل من هو بخراسان والعراق في اللغة والأدب والقيام بصنعة الشّعر، قدم علينا مرو سنة إحدي وعشرين، وقرأت عليه طرفاً صالحاً من الأدب، واستفدت منه واغترفت من بحره، ثمّ لقيته بهمدان، ثّم قدم علينا بغداد غير مرّة في مدة مقامي بها، وما لقيته إلاّ وكتبت عنه واقتبست منه. ثمّ ذكر فيه مشايخه. انتهي.

وقد روي في كتابه الخصائص العلوية من طريق الحسن بن أحمد المهري بإسناده عن أبي سعيد الخدري: أن رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) دعا الناس إلي علي(عليه السلام) في غدير خمّ، وأمر بما تحت الشجرة من الشوك فقمّ، وذلك يوم الخميس، فدعا عليّاً فأخذ بضبعيه، فرفعهما حتي نظر الناس إلي بياض إبطي رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) ثمّ لم يتفرّقوا حتي نزلت هذه الآية: (اليَوْمَ

أكْمَلْتُ لكم دينَكُم) فقال رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم): اللّه أكبر علي إكمال الدّين وإتمام النعمة، ورضا الربّ برسالتي والولاية لعلي من بعدي، قال: «من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله»، فقال حسان بن ثابت: إئذن لي يا رسول اللّه فأقول في علي أبياتاً لتسمعها، فقال: قل علي بركة اللّه، فقام حسان فقال: يناديهم يوم الغدير نبيهم «الخ» كما أسلفنا.

الفخر الرازي

وهو أبو عبد اللّه محمّد بن عمر بن الحسين الشافعي، المتوفّي سنة (606) صاحب التفسير الكبير الشهير.

قال ابن خلّكان في تأريخه [2: 48]: فريد عصره ونسيج وحده، فاق أهل زمانه في علم الكلام والمعقولات وعلم الأوائل، وذكر فيه تآليفه. وذكره ابن كثير في تأريخه [13: 55]وقال: كان إمام الدنيا في عصره. وترجمه السّبكي في طبقاته [5: 33 40]وأثني عليه وبالغ في الردّ علي الذهبي في غمزه علي المترجم في ميزان الاعتدال. انتهي.

قال في تفسيره الكبير [12: 49 ط. دار الاحياء بيروت]: العاشر: نزلت الآية في فضل علي بن أبي طالب(عليه السلام) ولما نزلت هذه الآية أخذ(صلي الله عليه وآله وسلم) بيده وقال: «من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه»، فلقيه عمر فقال: هنيئاً لك يابن أبي طالب، أصبحت مولاي ومولي كلّ مؤمن ومؤمنة. وهو قول ابن عبّاس، والبراء بن عازب، ومحمّد بن علي.

ابن طلحة الشافعي

وهو أبو سالم محمّد بن طلحة القرشي النصيبي، المتوفّي سنة (652) قال في كتابه مطالب السؤول [ص 16]: نقل الإمام أبو الحسن علي الواحدي في كتابه المسمّي أسباب النزول، يرفعه بسنده إلي أبي سعيد الخدري(رضي الله عنه) قال: نزلت هذه الآية يوم غدير خمّ في علي.

الرسعني الحنبلي

وهو الحافظ عبد الرزاق بن رزق اللّه بن أبي بكر عز الدّين الرسعني الحنبلي المتوفّي سنة (661).

قال فيه الذهبي في تذكرته [4: 243]: كان إماماً متقناً ذا فنون وأدب، صنّف كتاب مقتل الحسين(عليه السلام)، وجمع وصنّف تفسيراً حسناً رأيته يروي فيه بأسانيده.

وأثني عليه ابن كثير في تأريخه [13: 241].

وقال زميله الإربلي صاحب كشف الغمة [1: 85، ط. بيروت]: كان صديقنا وكنّا نعرفه، وكان حنبلي المذهب، وكان رجلاً فاضلاً أديباً حسن المعاشرة، حلو الحديث، فصيح العبارة، اجتمعت به في الموصل. انتهي.

وقد روي في تفسيره عن ابن عباس(رضي الله عنه) قال: لما نزلت هذه الآية أخذ النبي(صلي الله عليه وآله وسلم)بيد علي فقال: «من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه».

الحموئي

وهو شيخ الاسلام أبو إسحاق إبراهيم بن سعد الدين محمّد بن المؤيّد بن حمّويه الخراساني الجويني، المتوفّي سنة (722) عن 87 عاماً، أطراه الذهبي في تذكرته [4: 298]بالإمام المحدّث الأوحد الأكمل، وقال: كان شديد الاعتناء بالرواية وتحصيل الاجزاء، وعلي يده أسلم الملك غازان. وأغدق الثناء عليه ابن حجر كما في كتابه الدرر [1: 67].

وقد أورد في كتابه المسمي ب «فرائد السّمطين في فضائل المترضي و البتول والسبطين» [1: 72 75] عن مشايخه الثلاث، وهم: السيد برهان الدين إبراهيم بن عمر الحسيني، والشيخ الإمام مجد الدين عبداللّه بن محمود الموصلي، والشيخ بدر الدين محمّد ابن محمّد بن أسعد البخاري، بإسنادهم عن أبي هريرة أنّ الآية نزلت في علي.

الهمداني

وهو السيّد علي بن شهاب بن محمّد الهمداني الملقب في بعض المعاجم بشهاب الدين، المتوفّي سنة (876). وقد أثني عليه وعلي تآليفه ومقاماته وكراماته غير واحد من الأعلام، كما قاله الأميني في تصنيفه «الغدير» في طبقات الرواة من العلماء، وقال: توجد ترجمته في غدير العبقات [1: 241 244]. انتهي.

وقد أورد في كتابه «مودّة القربي» عن البراء بن عازب، قال: أقبلت مع رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) في حجّة الوداع، فلما كان بغدير خمّ نودي: الصلاة جامعة، وجلس رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) تحت شجرة وأخذ بيد علي وقال: «ألست أولي بالمؤمنين من أنفسهم؟» قالوا: بلي يا رسول اللّه، فقال(صلي الله عليه وآله وسلم): «ألا من أنا مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعادمن عاداه»، فلقيه عمر(رضي الله عنه) فقال: هنيئاً لك يا علي بن أبي طالب. أصبحت مولاي ومولي كلّ مؤمن ومؤمنة، وفيه نزلت: (يا أَيُّها الرَّسُولُ بَلّغْ ما أُنزل إلَيْكَ مِنْ رَبِّك) الآية.

العيني الحنفي

وهو العلاّمة محمود بن أحمد بن موسي بن أحمد قاضي القضاة بدر الدين، المولود بمصر سنة (762) والمتوفّي سنة (855) ترجمه السخاوي في الضوء اللامع [10: 131] وذكر فيه أساتذته في الفقه واُصوله والحديث والأدب، وعد تآليفه وأثني عليها، وقال: حدّث وأفتي ودرّس وأخذ عنه الأئمّة من كلّ مذهب طبقة بعد اُخري، بل أخذ عنه أهل الطبقة الثالثة، وكنت ممن قرأ عليه أشياء. وذكره ابن خطيب الناصرية في تأريخه فقال: إمام عالم فاضل مشاركٌ في علوم، وعنده حشمة ومروءة وعصبيةٌ وديانة.

وذكره السيوطي في كتابه «بغية الوعاة» [ص 386] وأثني عليه وذكر مشائخ قراءته وتآليفه وقال: كان إماماً عالماً علاّمة، عارفاً بالعربيّة والتصريف وغيرهما.

وقد ذكر العيني في كتابه «عمدة

القاري في شرح صحيح البخاري» [8: 584] في قوله تعالي: (يا أيُّهَا الرَّسُولُ بَلّغْ مَا اُنْزل إليك مِنْ رَبّك) الآية: عن الحافظ الواحدي كما مرّ في الرواة الثامن من هذا الكتاب، ثمّ حكي فيه سبب نزول الآية عن مقاتل والزمخشري، فقال: قال أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين الباقر: معناه: بلّغ ما اُنزل إليك من ربك في فضل علي بن أبي طالب(عليه السلام) فلما نزلت هذه الآية، أخذ بيد علي فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه.

ابن الصباغ المالكي

وهو العلاّمة نور الدّين علي بن محمّد بن أحمد الغزّي الأصل، المولود سنة (784) المتوفّي سنة (855) روي عنه السّخاوي بالإجازة، وترجمه في الضوء اللامع [5: 283]وذكر مشائخه في الفقه وغيره. ثمّ قال: له مؤلفات، منها الفصول المهمّة لمعرفة الأئمّة وهم اثنا عشر. وقد نقل عن كتابه المذكور: الشبلنجي في كتابه نور الأبصار، والصّفوري في كتابه نزهة المجالس.

وقد ذكر في فصوله [ص 41 ط. بيروت] المذكور أحاديث في هذا الموضوع، منها ما نقله عن أبي الفتوح أسعد بن أبي الفضائل العجلي يرفعه بسنده إلي حذيفة بن أسيد، وعامر بن ليلي بن ضمرة، قالا: لمّا صدر رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) من حجة الوداع ولم يحج غيرها، أقبل حتي إذا كان بالجحفة نهي عن سمرات متغاديات بالبطحاء أن لا ينزل تحتهن أحدٌ، حتي إذا أخذ القوم منازلهم أرسل فأقام تحتهن، حتّي إذا نودي بالصلاة صلاة الظهر عمد إليهن فصلّي بالناس تحتهن، وذلك يوم غدير خم، وبعد فراغه من الصلاة قال: «أيّها الناس، إنه قد نبّأني اللّطيف الخبير أنه لم يعمّر نبي إلاّ نصف عمر النبي الذي كان قبله، وإني لأظن أنّي اُدعي واُجيب، وإني مسؤولٌ و أنتم مسؤولون

هل بلّغت؟ فما أنتم قائلون؟»، قالوا: نقول: قد بلّغت، وجهدت، ونصحت، وجزاك اللّه خيراً.

قال: «ألستم تشهدون أن لا إله إلاّ اللّه وأن محمّداً عبده ورسوله، وأن جنّته حقّ، وأن ناره حقّ، والبعث بعد الموت حقّ»؟ قالوا: اللّهم اشهد. ثمّ قال: «أيُّها الناس، ألا تسمعون؟ ألا فإن اللّه مولاي، وأنا أولي بكم من أنفسكم، ألا و من كنت مولاه فعلي مولاه».

وفي رواية ابن عساكر، وابن كثير في البداية والنهاية [5: 209، و 7: 348]بزيادة لفظ: أيّها النّاس إنّي فرطكم وإنّكم واردون عليّ الحوض، حوضٌ أعرض مما بين بصري وصنعاء، فيه آنية عدد النجوم قدحان من فضّة، وإنّي سائلكم حين تردون عليّ عن الثقلين، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، الثقل الأكبر: كتاب اللّه، سببٌ طرفه بيد اللّه وطرفٌ بأيديكم فاستمسكوا به، لا تضلّوا ولاتبدّلوا. و[الثّقل الأصغر] [3]: عترتي أهل بيتي، فإنّه نبأني اللّطيف الخبير أنّهما لن يفترقا حتي يردا عليّ الحوض.

وفي رواية السّمهودي، فعن ابن عقدة كما ذكره الأميني في رواة الغدير من الصحابة [1: 25] بلفظ: إني سائلكم حين تردون عليّ الحوض عن الثقلين فانظروا كيف تخلفوني فيهما، قالوا: وما الثّقلان؟ قال: الثّقل الأكبر كتاب اللّه، سببٌ طرفه بيد اللّه وطرفه بأيديكم، والأصغر عترتي. الحديث. ثمّ قال: وأخرجه الطبراني في الكبير. والضّياء في المختارة.

النيسابوري

وهو العلاّمة نظام الدّين الحسن بن محمّد بن حسين القمّي النيسابوري. فقد أوردفي تفسيره السائر الدائر، غرائب القرآن ورغائب الفرقان [6: 194 بهامش تفسير الطبري]عن أبي سعيد الخدري، أنها نزلت في فضل علي بن أبي طالب(عليه السلام) يوم غدير خمّ، فأخذ رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) بيد علي وقال: من كنت مولاه فعليّ مولاه، اللهم وال من والاهوعاد من عاداه. فلقيه عمر،

فقال: هنيئاً لك يابن أبي طالب، أصبحت مولاي ومولي كلّ مؤمن ومؤمنة. وهو قول ابن عبّاس، والبراء بن عازب، ومحمّد بن علي.

الميبذي

وهو العلاّمة كمال الدين حسين بن معين الدّين اليزدي شارح ديوان أمير المؤمنين، وقال فيه [ص 415]: روي الثعلبي أن رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) قال ما قال في غدير خمّ بعد ما نزل قوله تعالي: (يا أيُّها الرسولُ بَلّغْ مَا أنْزِلَ إليك مِنْ رَبِّك) ولا يخفي علي أهل التوفيق أن قوله تعالي: (النبيُّ أَوْلي بِالمُؤمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) يلائم حديث الغدير. والله أعلم.

السيوطي

وهو الحافظ جلال الدّين عبدالرحمن بن كمال الدّين المصري الشافعي، المتوفّي سنة (911). قال عبد الحيّ في شذراته [8: 51 55]: المسند المحقّق المدقّق صاحب المؤلّفات الفائقة النافعة. وأثني عليه وأكثر، وذكر تآليفه وقال: إنه رأي النبي(صلي الله عليه وآله وسلم) بضعاً وسبعين مرّة يقظةً، وحكي له كرامة طيّ الأرض وأخذ صاحبه معه من القرافة إلي مكة، ذهاباً وإياباً بخطوات عديدة. وذكره ابن العيدروس في كتابه النّور السافر [ص 54 57]وأثني عليه، وذكر بعض كراماته وتآليفه.

قال في كتابه الدر المنثور [2: 298]: أخرج أبو الشيخ عن الحسن أن رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم)قال: «إن اللّه بعثني برسالة فضقت بها ذرعاً وعرفت أن الناس مكذّبي، فوعدني لأبلّغنّ أو ليعذّبني، فأنزل: (يا أيُّها الرسولُ بَلّغْ ما أُنْزِلَ إليك مِنْ رَبِّك)».

وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير. وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن مجاهد، قال: لما نزلت: (بلّغ ما اُنْزل إليك من ربّك) قال(صلي الله عليه وآله وسلم): «يا رب إنما أنا واحدٌ كيف أصنع يجتمع علي الناس؟»، فنزلت: (وَاِنْ لمْ تفعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسالتَه).

وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن أبي سعيد الخدري قال: نزلت هذه الآية: (يا أيُّها الرسولُ بَلّغْ مَا اُنْزل إليكَ مِنْ رَبِّك) علي رسول الله(صلي الله عليه

وآله وسلم)وإن عليّاً مولي المؤمنين، (واِنْ لَمْ تَفْعَل فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَه واللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاس).

السيد عبد الوهاب البخاري

وهو ابن محمّد رفيع الدّين بن أحمد الحسيني [4]، المتوفّي سنة (932). قال الأميني في طبقات الرواة من العلماء من كتابه الغدير [1: 135]: توجد ترجمته والثناء عليه وذكره الجميل بالعلم والعمل في «أخبار الأخيار» للشيخ عبد الحقّ الدهلوي. وفي «تذكرة الأبرار» للسيد محمد كما في العبقات [1: 537].

قال في تفسيره عند قوله تعالي: (قُلْ لاَ أسْأَلكُمْ علَيْه أَجراً إلاَّ المودَّة في الْقُرْبي): عن البراء بن عازب(رضي الله عنه) قال في قوله تعالي: (يا أيّها الرسول بَلّغْ ما اُنْزِلَ إليك مِنْ رَبِّك): أي: بلّغ من فضائل علي، نزلت في غدير خمّ، فخطب رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) ثمّ قال: «من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه»، فقال عمر: بخ بخ يا علي، أصبحت مولاي ومولي كلّ مؤمن و مؤمنة.

الشيرازي

وهو العلاّمة جمال الدّين عطاء اللّه بن فضل اللّه الحسيني، المتوفّي سنة (1000) صاحب كتاب الأربعين في مناقب أمير المؤمنين، وكتاب روضة الأحباب في سيرة النبيوالآل والأصحاب. قال الأميني في طبقاته من الغدير [1: 137]: قد ذكر تفصيل فصوله كاتب چلبي في كشف الظّنون [1: 582].

وقد روي في أربعينه المذكور نزول آية التبليغ في علي بغدير خمّ، كما مرّ فيما أخرجه المحاملي عن ابن عباس.

محمد محبوب العالم

وهو ابن صفي الدّين جعفر بدر العالم، له تفسيره المعروف ب «تفسير الشاهي»، وقد حكي في تفسيره الحديث الذي مرّ لفظه عن تفسير النيسابوري.

البدخشاني

وهو العلاّمة ميرزا محمد بن معتمد خان مؤلّف كتاب مفتاح النجا في مناقب آل العبا، وكتاب نزل الأبرار بما صحّ من مناقب أهل البيت الأطهار، قال الأميني في طبقاته: والكتابان ينّمان عن طول باع مؤلّفه [5] في علم الحديث وفنونه، والتضلّع في مسانيده.

قال(رحمه الله) في كتابه مفتاح النجا: الآيات النازلة في شأن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم اللّه وجهه كثيرة جدّاً، لا أستطيع استيعابها، فأوردت في هذا الكتاب لبّها ولبابها. إلي أن قال: وأخرج ابن مردويه عن زر عن عبد اللّه(رضي الله عنه) قال: كنّا نقرأ علي عهد رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم): (يا أيُّها الرَّسُولُ بَلّغْ مَا أنْزِلَ إلَيْكَ منْ رَبِّك أن عليّاً مولي المؤمنين و إنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَه)، ثمّ أورد ما أخرجه عن أبي سعيد الخدري السالف ذكره، وما أخرجه الرسعني بلفظه المذكور.

الشوكاني

وهو القاضي محمّد بن علي بن محمّد الصنعاني، المولود سنة (1173) كما في البدر الطالع، والمتوفّي سنة (1250) كما هو مكتوبٌ في تفسير فتح القدير، قال الأميني: فقيهٌ متضلّعٌ مشارك في العلوم، بارع في الفضائل. ألّف وأكثر وأحسن في تآليفه وأجاد، توجد له ترجمة ضافيةٌ بقلمه في كتاب البدر الطالع [3: 214 225] ذكر فيه مشايخه في الحكمة والكلام والفقه واُصوله والحديث وفنونه، والمعاني والبيان والعلوم العربيّة، وعدّ من رسالاته وكتاباته ما يبلغ المائة، وهناك تآليف اُخري لم يذكرها في عدّ كتبه، استدركها من علّق علي كتابه البدر الطالع في هامشه، وقد طبع كثيرٌ من تآليفه، وهي تعرب عن تضلّعه في الفنون، وطول باعه في العلوم الشرعيّة كتاباً وسنّةً، وما يتعلّق بهما من معرفة المشيخة والمسانيد، وله مقدّمة في كتابه «نيل الأوطار» [ط. بُولاَق]

بقلم حسين بن محسن السّبعي.

وقد قال في تفسيره «فتح القدير» [2: 60]: نزلت هذه الآية يوم غدير خمّ في علي ابن أبي طالب(عليه السلام) وأورد أحاديث من عدّة طرق عن قادة السنن، كما مرّ ذكرها في هذا الكتاب.

الآلوسي

وهو السيد محمود بن عبداللّه الحسيني شهاب الدّين أبو الثناء البغدادي الشافعي المولود بالكرخ سنة (1217) والمتوفّي سنة (1270). قال الأميني في طبقاته من كتاب الغدير [1: 147]: أحد نوابغ العراق وأعلامها، الطائر الصيت في الآفاق، المتضلّع في الفنون، المشارك في العلوم، من اُسرة عراقيّة شهيرة في العلم والأدب، له تآليف قيّمة كثيرة لا يستهان بعدّتها، توجد ترجمته في أعلام العراق [ص 21] ومشاهير العراق [2: 198]وجلاء العينين [ص 27 28].

قال في تفسيره «روح المعاني» [6: 192 ط. دار الاحياء بيروت]: زعمت الشّيعة أن المراد من الآية (ما انزل إليك): خلافة علي كرم اللّه وجهه، فقد رووا بأسانيدهم عن ابي جعفر وأبي عبد اللّه رضي الله تعالي عنهما: أن الله تعالي أوحي إلي نبيه(صلي الله عليه وآله وسلم) أن يستخلف علياً كرم اللّه وجهه، فكان(صلي الله عليه وآله وسلم) يخاف أن يشق ذلك علي جماعة من أصحابه، فأنزل اللّه تعالي هذه الآية تشجيعاً له عليه الصلاة والسلام بما أمره بأدائه.

وعن ابن عباس(رضي الله عنه) قال: نزلت هذه الآية في علي كرم اللّه تعالي وجهه، حيث أمر سبحانه أن يخبر الناس بولايته، فتخوّف رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) أن يقولوا: حابي ابن عمّه وأن يطعنوا في ذلك عليه، فأوحي الله تعالي إليه هذه الآية، فقام بولايته يوم غدير خمّ، وأخذ بيده، فقال(صلي الله عليه وآله وسلم): «من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من

عاداه».

وذكر فيه أيضاً ما أخرجه السيوطي في الدر المنثور عن ابن أبي حاتم، وابن عساكر، وابن مردويه راوين عن أبي سعيد الخدري، قال: نزلت هذه الآية علي رسول الله(صلي الله عليه وآله وسلم) يوم غدير خمّ في عليّ بن أبي طالب كرّم اللّه تعالي وجهه، وروي فيه ما أخرجه ابن مردويه عن ابن مسعود، قال: كنّا نقرأ علي عهد رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم): (يا أيّها الرسولُ بَلّغْ ما اُنزل إليْكَ من رَبِّك أنّ علياً ولي المؤمنين وإنْ لم تفعل فما بلّغتَ رسالته).

القندوزي الحنفي

وهو الشيخ سليمان بن الشيخ إبراهيم المعروف ب (خواجه) كلان ابن الشيخ محمّد المعروف ب (بابا خواجه) الحسيني البلخي الأصل، توفّي في القسطنطينية سنة (1293) كان من الأعلام الأفذاذ، من نوابغ الحديث و فنونه، جمع «أجمع الفوائد» و «مشرق الأكوان»، و «ينابيع المودّة»، الدائر السائر المكرّر طبعه في شتّي الأقطار. قال الأميني في طبقاته من كتاب الغدير: توجد ترجمته في أعلام العراق، و مشاهير العراق [2: 198] و جلاء العينين [ص 27 و 28].

قال في كتابه «ينابيع المودّة» [ص 120]: أخرج الثعلبي عن أبي صالح عن ابن عباس، وعن محمد الباقر رضي الله عنهما، قالا: نزلت هذه الآية في عليّ، وأخرجه أيضاً الحمّوئي في كتابه «فرائد السّمطين» [1: 74] عن أبي هريرة، وأخرجه أيضاً المالكي في كتابه الفصول المهمّة [ص 40]عن أبي سعيد الخدري، قال: نزلت هذه الآية في علي في غدير خمّ، ثمّ قال: هكذا ذكره الشيخ محيي الدّين النووي.

الشيخ محمد عبده

وهو ابن حسن خير اللّه المصري، المتوفّي سنة (1323) مفتي الدّيار المصريّة وعلاّمتها الكبير. قال الأميني في طبقاته: له شهرةٌ طائلة في العلم، وقدمٌ راسخةٌ في الإصلاح، والسعي وراء صالح الاُمة، سجّلها له التأريخ في صحائف مشاهير الشرق [ص 19 و 20 و44]. قال في تفسيره «المنار» [6: 463]: روي ابن أبي حاتم، وابن مردويه وابن عساكر عن أبي سعيد الخدري أنّها نزلت يوم غدير خمّ في علي بن أبي طالب.

والي ذلك أشار العوني بقوله:

يا بائع الدّين بدنياه

ليس بهذا أمر اللّه

فارجع إلي اللّه وألق الهوي

إن الهوي في النار مأواه

من أين أبغضت عليّ الرّضا

وأحمدٌ قد كان يرضاه

جهدك أن تسلبه اليوم ما

كان رسول اللّه أعطاه

من ذا الّذي أحمدٌ من بينهم

يوم غدير الخمّ ناداه

أقامه من بين أصحابه

وهم

حواليه فسمّاه

هذا عليّ بن أبي طالب

موليً لمن قد كنت مولاه

فوال من والاه يا ذا العلي

وعاد من قد كان عاداه

وله أيضاً:

لقد سمعوا مقالته بخمّ

غداة يضمّهم وهو الغدير

فمن أولي بكم منكم فقالوا

مقالة واحد وهم الكثير

جميعاً أنت مولانا و أولي

بنا منّا وأنت لنا نذير

فقال لهم علانيةً جهاراً

مقالة ناصح وهم حضور

فإنّ وليّكم بعدي عليّ

ومولاكم هو الهادي الوزير

وزيري في الحياة وعند موتي

ومن بعدي الخليفة والأمير

فوالي اللّه من والاه منكم

وقابله لدي الموت السرور

وعادي اللّه من عاداه منكم

وحل به لدي الموت النشور [6].

وقال خطيب منيح:

وقال لهم رضيتم بي وليّاً

فقالوا يا محمّد قد رضينا

فقال وليّكم بعدي عليّ

ومولاكم فكونوا عارفينا

فقام لقوله عمرٌ سريعاً

وقال له مقال الواصفينا

هنيئاً يا عليٌّ أنت موليً

علينا ما بقيتَ وما بقينا

راجع مناقب ابن شهر آشوب [2: 234 ط. النجف، 3: 32 34 ط. دار الاضواء بيروت].

الطبراني

أخرج في معجمه [5: 167] بالإسناد الصّحيح إلي زيد بن أرقم قال: خطب رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) بغدير خمّ تحت شجرات، فقال: «أيها النّاس، يوشك أن اُدعي فاجيب، وإنّي مسؤول وإنكم مسؤولون، فماذا أنتم قائلون؟».

قالوا: نشهد أنّك قد بلّغت وجاهدت ونصحت، فجزاك اللّه خيراً، فقال: «أليس تشهدون أن لا إله إلاّ اللّه. وأنّ محمداً عبده ورسوله، وأنّ الجنّة حق. وأنّ ناره حق، وأنّ الموت حق، وأنّ البعث حق بعد الموت، وأنّ الساعة آتية لاريب فيها، وأنّ اللّه يبعث من في القبور»؟ قالوا: بلي نشهد بذلك. قال(صلي الله عليه وآله وسلم): «اللهم اشهد»، ثم قال: «يا أيها الناس إنّ اللّه مولاي، وأنا مولي المؤمنين، وأنا أولي بهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه فهذا مولاه يعني عليّاً اللّهم وال من والاه، وعاد من عاداه».

ثمّ قال: «يا أيها الناس إنّي فرطكم، وإنّكم واردون عليّ الحوض، حوضٌ

أعرض مما بين بصري إلي صنعاء، فيه عدد النجوم قدحانٌ من فضة. وإنّي سائلكم حين تردّون عليّ عن الثقلين، كيف تخلفوني فيهما، الثقل الأكبر كتاب اللّه عزوجل، سببٌ طرفه بيداللّه تعالي، وطرفه بأيديكم، فاستمسكوا به ولا تضلّوا ولاتبدّلوا، وعترتي أهل بيتي، فإنّه قد نبّأني اللطيف الخبير أنّهما لن ينقضيا حتي يردا عليّ الحوض».

قد ذكر ابن حجر هذا في كتابه الصواعق [ص 25] في الشبهة الحادية عشرة في الفصل الخامس من الباب الأول [7].

قال الامام شرف الدّين الموسوي في كتابه المراجعات [ص 180 ط. المجمع العالمي لأهل البيت]، في قوله(صلي الله عليه وآله وسلم): «يوشك أن اُدعي فاُجيب»: إنما نعي إليهم نفسه الزكية تنبيهاً إلي أنّ الوقت قد استوجب تبليغ عهده، واقتضي الأذان بتعيين الخليفة من بعده، وأنه لا يسعه تأخير ذلك، مخافة أن يُدعي فيجيب قبل إحكام هذه المهمة التي لابدّ من إحكامها. ولا غني لاُمّته عن إتمامها.

وقال في قوله(صلي الله عليه وآله وسلم): «وإنّي مسؤولٌ»: لما كان عهده إلي أخيه ثقيلاً علي أهل التنافس والحسد والشحناء و النفاق، أراد(صلي الله عليه وآله وسلم) قبل أن ينادي بذلك أن يتقدّم في الاعتذار إليهم، تأليفاً لقلوبهم وإشفاقاً من معرّة أقوالهم وأفعالهم، فقال: «وإني مسؤولٌ» ليعلموا أنّه مأمورٌ بذلك ومسؤولٌ عنه، فلا سبيل له إلي تركه.

وقال في قوله(صلي الله عليه وآله وسلم): «وإنّكم مسؤولون»: لعلّه أشار بقوله(صلي الله عليه وآله وسلم) إلي ما أخرجه الديلمي وغيره، كما في الصواعق وغيرها، عن أبي سعيد أن النبي(صلي الله عليه وآله وسلم) قال: (وقِفُوهُمْ إنَّهُمْ مسؤولون) [8] عن ولاية علي.

وقال الإمام الواحديّ: إنهم مسؤولون عن ولاية علي وأهل البيت. فيكون الغرض من قوله(صلي الله عليه وآله وسلم): «وإنكم مسؤولون» تهديد

أهل الخلاف لوليّه ووصيّه يعني عليّاً .

الحاكم النيسابوري

قد أخرج في مناقب عليّ من المستدرك [3: 109] عن زيد بن أرقم من طريقين صحّحهما علي شرط الشيخين، قال: لمّا رجع رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) من حجّة الوداع ونزل غدير خمّ، أمر بدوحات فقممن، فقال: كأنّي دعيت فأُجبت، إنّي قد تركت فيكم الثّقلين، أحدهما أكبر من الآخر، كتاب اللّه وعترتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنهما لن يفترقا حتي يردا عليّ الحوض. ثمّ قال: إن اللّه عزّوجلّ مولاي. وأنا مولي كلّ مؤمن، ثمّ أخذ بيد علي(رضي الله عنه) فقال: من كنت مولاه فهذا وليّه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. وذكرالحديث بطوله. وذكره أيضاً في [3: 33] عن زيد بن أرقم.

الامام أحمد بن حنبل

أخرج في المسند [4: 372] عن زيد بن أرقم قال: نزلنا مع رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم)بواد يقال له وادي خمّ، فأمر بالصلاة، فصلاّها بهجير، قال: فخطبنا، وظُلّل لرسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم)بثوب علي شجرة سمرة من الشمس، فقال: «ألستم تعلمون، أو ألستم تشهدون أني أولي بكلّ مؤمن من نفسه؟» قالوا: بلي، قال: «فمن كنت مولا ه فإن علياً مولاه، اللهم عاد من عاداه ووال من والاه».

وأخرج أيضاً في مسنده [4: 281]عن البراء بن عازب من طريقين، قال: كنا مع رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) فنزلنا بغدير خمّ، فنودي فينا الصلاة جامعة، وكسح لرسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم)تحت شجرتين، فصلّي الظهر وأخذ بيد علي(رضي الله عنه)، فقال: «ألستم تعلمون أنّي أولي بالمؤمنين من أنفسهم؟» قالوا: بلي، قال: «ألستم تعلمون أنّي أولي بكل مؤمن من نفسه؟» قالوا: بلي، قال: فأخذ بيد علي، فقال: «من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهمّ وال من والاه، وعادمن عاداه»، قال: فلقيه عمر بعد

ذلك، فقال له: هنيئاً يابن أبي طالب، أصبحت وأمسيت مولي كلّ مؤمن ومؤمنة.

النسائي

أخرج النّسائي في الخصائص العلوية [ص 21]: عن زيد بن أرقم قال: لمّا رجع النبي من حجّة الوداع ونزل غدير خمّ، أمر بدوحات فقممن، ثمّ قال: «كأنّي دعيت فأجبت، وإنّي تاركٌ فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر، كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي، فانظروا كيف تخلفوني فيها، فإنهما لن يفترقا حتي يردا عليّ الحوض»، ثمّ قال: «إنّ اللّه مولاي، وأنا ولي كلّ مؤمن»، ثمّ إنه أخذ بيد علي، فقال: «من كنت وليّه فهذا وليّه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه».

قال أبو الطفيل: قلت: سمعته من رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم)؟ فقال: وإنّه ما كان في الدوحات أحدٌ إلاّ رآه بعينيه، وسمعه باُذنيه.

وهذا الحديث أخرجه مسلم في باب فضائل علي [2: 325] من صحيحه، ولكنّه اختصره وبتره، وكذلك يفعلون. كذا قال الموسوي.

وأخرج أيضاً عن عائشة بنت سعد [ص 47] من الخصائص العلوية باب منزلة علي(عليه السلام)من الله عزّوجلّ، قالت: سمعت أبي يقول: سمعت رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم)يوم الجحفة، فأخذ بيد علي فخطب، فحمد اللّه وأثني عليه، ثمّ قال: أيها الناس إنّي وليّكم، قالوا: صدقت يا رسول اللّه، ثمّ أخذ بيد عليّ فرفعها، فقال: «هذا وليّي، ويؤدّي عنّي ديني، وأنا موالي من والاه، ومعادي من عاداه».

شرف الدين الموسوي

قال في كتابه النفيس المراجعات [المراجعة: 56 ص 184]: إن حديث الغدير كان محل العناية من اللّه عز وجل؛ إذ أوحاه تبارك وتعالي إلي نبيّه(صلي الله عليه وآله وسلم) وأنزل فيه قرآناً يرتّله المسلمون آناء الليل وأطراف النهار، ويتلونه في خلواتهم وجلواتهم، وفي أورادهم وصلواتهم وعلي أعواد منابرهم، وعوالي منائرهم (يا أَيُّها الرَّسُولُ بَلّغْ ما أُنْزلَ إلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رسَالَتَه وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ

النَّاس) فلمّا بلغ الرسالة يومئذ بنصّه علي عليّ بالإمامة، وعهد إليه بالخلافة، أنزل اللّه عزّوجلّ عليه: (اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لكُمْ دِينَكُمْ وَأَتَمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتي وَرَضِيتُ لَكُم الإسْلاَمَ دِيناً) بخّ بخّ ذلك الفضل من اللّه يؤتيه من يشاء، إنّ من نظر إلي هذه الآيات، بخع لهذه العنايات.

وإذا كانت العناية من اللّه عزّوجلّ علي هذا الشكل، فلا غرو أن يكون من عناية رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) ما كان، فإنه لمّا دنا أجله، ونعيت إليه نفسه. أجمع بأمر اللّه تعالي علي أن ينادي بولاية علي في الحجّ الأكبر علي رؤوس الأشهاد، ولم يكتف بنصّ الدار يوم الإنذار بمكّة، ولا بغيره من النصوص المتوالية، فأذّن في الناس قبل الموسم أنّه حاجٌّ في هذا العام حجّة الوداع، فوافاه الناس من كل فجّ عميق. وخرج من المدينة بنحو مئة ألف أو يزيدون.

فلمّا كان يوم الموقف بعرفات نادي في الناس: «عليٌ مني، وأنا من علي، ولا يؤدّي عنيّ إلاّ أنا أو علي». ولمّا قفل بمن معه من تلك الاُلوف وبلغوا وادي خم، وهبط عليه الروح الأمين بآية التبليغ عن رب العالمين، حطّ(صلي الله عليه وآله وسلم) هناك رحله، حتي لحقه من تأخّر عنه من الناس، ورجع إليه من تقدّمه منهم، فلما اجتمعوا صلّي بهم الفريضة، ثم خطبهم عن اللّه عزّوجلّ فصدع بالنصّ في ولاية علي، وقد سمعت شذرةً من شذوره، وما لم تسمعه أصح وأصرح. علي أنّ فيما سمعته كفاية، وقد حمله عن رسول الله(صلي الله عليه وآله وسلم) كل من كان معه يومئذ من تلك الجماهير، وكانت تربو علي مئة ألف نسمة من بلاد شتّي، فسنّة اللّه عزّوجلّ التي لا تبديل لها في خلقه تقتضي تواتره، مهما كانت هناك موانع

تمنع عن نقله.

وقال في [ص 194 من المراجعة: 58] ردّاً علي من صرف معني المولي في الحديث المذكور الي معنيً بعيد عن المراد الذي في مضمون هذه القضية الهائلة في ذلك المشهد العظيم، وإليك لفظه:

فلو سألكم فلاسفة الأغيار عمّا كان منه يوم غدير خمّ. فقال: لماذا منع تلك الاُلوف المؤلّفة يومئذ عن المسير؟ وعلي م حبسهم في تلك الرمضاء بهجير؟ وفيم اهتم بإرجاع من تقدّم منهم وإلحاق من تأخّر؟ ولم أنزلهم جميعاً في ذلك العراء علي غير كلاء ولا ماء؟ ثمّ خطبهم عن اللّه عزّوجلّ في ذلك المكان الذي منه يتفرّقون، ليبلّغ الشاهد منهم الغائب، وما المقتضي لنعي نفسه إليهم في مستهلّ خطابه؟ إذ قال: يوشك أن يأتيني رسول ربّي فأجيب، وإني مسؤولٌ وإنكم مسؤولون، وأيّ أمر يسأل النبي(صلي الله عليه وآله وسلم)عن تبليغه، وتسأل الاُمة عن طاعتها فيه؟ ولماذا سألهم فقال: ألستم تشهدون أن لا إله إلاّ اللّه، وأن محمّداً عبده ورسوله، وأنّ جنّته حق وأن ناره حق، وأنّ الموت حقٌ، وأنّ البعث حق بعد الموت، وأنّ الساعة آتيةٌ لا ريب فيها، وأنّ اللّه يبعث من في القبور؟ قالوا: بلي نشهد بذلك.

ولماذا أخذ حينئذ علي سبيل الفور بيد علي فرفعها إليه حتي بان بياض إبطيه؟ فقال: «يا أيها الناس إن اللّه مولاي، وأنا مولي المؤمنين». ولماذا فسرّ كلمته «وأنا مولي المؤمنين» بقوله: «وأنا أولي بهم من أنفسهم»؟ ولماذا قال بعد هذا التفسير: «فمن كنت مولاه فهذا مولاه» أو من كنت وليّه فهذا وليّه، اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله؟ ولماذا قرن العترة بالكتاب، وجعلها قدوةً لاُولي الألباب إلي يوم الحساب؟ وفيم هذه الاهتمام العظيم من هذا النبي

الحكيم؟

وما المهمة التي احتاجت إلي هذه المقدمات كلّها؟ وما الغاية التي توخّاها في هذا الموقف المشهود؟ وما الشيء الذي أمره اللّه تعالي بتبليغه إذ قال عزّ من قائل: (يَا أيُّهَا الرَّسُولُ بَلّغْ مَا اُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّك وَاِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالتَه وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاس)؟ وأي مهمّة استوجبت من اللّه هذا التأكيد، واقتضت الحضّ علي تبليغها بما يشبه التهديد؟ وأيّ أمر يخشي النبي الفتنة بتبليغه، ويحتاج إلي عصمة اللّه من أذي المنافقين ببيانه؟

أكنتم تجيبونه بأن اللّه عزّوجلّ ورسوله(صلي الله عليه وآله وسلم) إنما أرادا بيان نصرة علي للمسلمين وصداقته لهم ليس الاّ؟ ما أراكم ترضون هذا الجواب، ولا أتوهّم أنّكم ترون مضمونه جائزاً علي ربّ الأرباب، ولا علي سيد الحكماء وخاتم الرسل والأنبياء، وأنتم أجلّ من أن تجوّزوا عليه أن يصرف هممه كلها وعزائمه بأسرها إلي تبيين شيء بيّن لا يحتاج إلي بيان، وتوضيح أمر واضح بحكم الوجدان والعيان، ولا شكّ أنّكم تنزّهون أفعاله وأقواله عن أن تزدري بها العقلاء، أو ينتقدها الفلاسفة والحكماء.

وقال في التعليقات من الكتاب [ص 185 المراجعة: 56]: ومما يشهد له أي في أنّ المراد بالتبليغ في مضمون آية (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ) هو أن ينصّ النبي(صلي الله عليه وآله وسلم)علي علي بالإمامة ويعهد إليه بالخلافة لا غير أنّ الصلاة كانت قبل نزولها قائمة، والزكاة مفروضة والصوم كان مشروعاً، والبيت محجوجاً، والحلال بيّناً، والحرام بيّناً، والزكاة مفروضة، والشريعة متّسقة، وأحكامها مستتبة، فأيّ شيء غير ولاية العهد يستوجب من اللّه هذا التأكيد ويقتضي الحض علي بلاغه بما يشبه الوعيد؟ وأيّ أمر غير الخلافة يخشي النبي(صلي الله عليه وآله وسلم)الفتنة بتبليغه، ويحتاج إلي العصمة من أذي الناس بأدائه؟

وقال

في [ص 196 المراجعة: 58]: ولو أراد مجرّد بيان فضله، والردّ علي المتحاملين عليه، لقال(صلي الله عليه وآله وسلم): هذا ابن عمي، وصهري، وأبو ولدي وسيد أهل بيتي، فلا تؤذوني فيه، أو نحو ذلك من الأقوال الدالة علي مجرّد الفضل وجلالة القدر، علي أنّ لفظ الحديث لا يتبادر إلي الأذهان منه إلاّ ما قلناه، فليكن سببه مهما كان، فإن الألفاظ إنما تحمل علي ما تبادر إلي الأفهام منها، ولا يلتفت إلي أسبابها كما لا يخفي.

وأمّا ذكر أهل بيته في حديث الغدير، فإنّه من مؤيّدات المعني الذي قلناه، حيث قرنهم بمحكم الكتاب، وجعلهم قدوةً لأولي الألباب، فقال: «إنّي تاركٌ فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا، كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي»، وإنما فعل ذلك لتعلم الاُمّة أن لا مرجع بعد نبيها إلاّ إليهما، ولا معوّل لها من بعده الاّ عليهما. وحسبك في وجوب اتّباع الأمّة من العترة الطاهرة، اقترانهم بكتاب اللّه عزوجلّ الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فكما لا يجوز الرّجوع الي كتاب يخالف في حكمه كتاب اللّه سبحانه وتعالي، لا يجوز الرجوع إلي إمام يخالف في حكمه أئمّة العترة.

وقوله(صلي الله عليه وآله وسلم): «إنّهما لن ينقضيا» أو «لن يفترقا حتي يردا عليّ الحوض» دليلٌ علي أنّ الأرض لن تخلو بعده من إمام منهم، هو عدل الكتاب.

ومن تدبّر الحديث وجده يرمي إلي حصر الخلافة في أئمّة العترة الطاهرة، ويؤيّد ذلك ما أخرجه الإمام أحمد في مسنده [5: 182، الحديث: 21068] عن زيد بن ثابت، قال: قال رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم): «إنّي تاركٌ فيكم خليفتين، كتاب اللّه حبلٌ ممدودٌ ما بين السماء والأرض أو ما بين السماء إلي الأرض، وعترتي

أهل بيتي، إنهما لن يفترقا حتي يردا عليّ الحوض».

وهذا نص في خلافة أئمّة العترة(عليهم السلام)، وأنت تعلم أنّ النصّ علي وجوب اتّباع العترة نص علي وجوب اتّباع علي، إذ هو سيد العترة لا يدافع، وإمامها لا ينازع، فحديث الغدير وأمثاله يشتمل علي النصّ علي عليّ، تارةً من حيث إنه إمام العترة المنزلة من اللّه ورسوله منزلة الكتاب، واُخري من حيث شخصه العظيم، وإنه وليّ كلّ من كان رسول اللّه وليّه. والسلام.

وقال في كتاب آخر له أيضاً المسمي ب «النص والاجتهاد» ما مضمونه: علي أنّ حياة النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم) بعد النبوّة كانت مليئة مفعمة بتلك النصوص، منذ يوم الإنذار في دار أبي طالب، فما بعده من الأيام، حتّي سجّي(صلي الله عليه وآله وسلم) علي فراش الموت والحجرة غاصةٌ بأصحابه، فقال: «أيها الناس يوشك أن اُقبض قبضاً سريعاً فينطلق بي، وقد قدّمت إليكم القول معذرة إليكم ألا إني مخلفٌ فيكم كتاب اللّه عزوجل وعترتي أهل بيتي، ثمّ أخذ بيد علي فرفعها. فقال: هذا علي مع القرآن والقرآن مع علي، لا يفترقان حتي يردا عليّ الحوض».

ولكن لم يكد أن يغمض رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) عينيه الشريفتين عن هذه الدار، إلاّ وقد قضوا أمرهم بينهم، بدون أن يؤذنوا به أحداً من بني هاشم وأوليائهم وهم أهل بيت النبوّة، وموضع الرسالة، ومختلف الملائكة، ومهبط الوحي والتنزيل، حتي كأنهم(عليهم السلام) لم يكونوا ثقل رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) وأعدال كتاب اللّه عزوجلّ، وأمان الاُمة.

كما قال(صلي الله عليه وآله وسلم): «أهل بيتي أمانٌ لاُمتي من الاختلاف، فإذا خالفتها قبيلةٌ من العرب اختلفوا، فصاروا حزب إبليس» أخرجه الحاكم في المستدرك [3: 149] وقال: هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم

يخرجاه.

وكأنّهم لم يكونوا سفينة نجاة الاُمّة، كما قال(صلي الله عليه وآله وسلم): «ألا إن مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح في قومه، من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق» وفي رواية: «ومن تخلّف عنها هلك»، وفي رواية: «ومن تخلّف عنها زجّ في النّار». أخرجه الحاكم في المستدرك [3: 151]بالإسناد إلي أبي ذر الغفاري.

وكأنّهم لم يكونوا باب حطّة الاُمّة كما قال(صلي الله عليه وآله وسلم) فيما أخرجه الطبراني عن أبي سعيد قال: سمعت رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) يقول: «إنّما مثل أهل بيتي كسفينة نوح، من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق، وإنّما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطّة بني إسرائيل، من دخله غفر له».

وكأنّهم لم يكونوا من الاُمة بمنزلة الرأس من الجسد، وبمنزلة العينين من الرأس، كما قال(صلي الله عليه وآله وسلم) فيما نقله الإمام الصبّان في كتابه «إسعاف الراغبين» والشيخ يوسف النبهاني في كتابه «الشرف المؤبّد» وغير واحد من الثّقات بالإسناد إلي أبي ذر قال: قال رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم): «إجعلوا أهل بيتي منكم محلّ الرأس من الجسد، ومكان العينين من الرأس، ولا يهتدي الرأس إلاّ بالعينين».

أجل قضي الأمر في السقيفة، ورسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) لقيً بين عترته الطاهرة وأوليائهم ثلاثة أيام وهم حوله، يتقطّعون حسرات، ويتصعّدون من الزّفرات، قد أخذهم من الحزن ما تنفطر به المرائر، ومن الهمّ والغمّ ما يذيب لفائف القلوب، وأولئك في معزل عن المسجّي، ثلاثاً بأبي وأمي يرهفون لسلطانه عزائمهم، ويشحذون لملكه آراءهم، لم يهتمّوا في شيء من أمره. حتي قضوا أمرهم مستأثرين به.

وما إن فاؤوا إلي مواراته حتي فاجأوا أولياءه وأحبّاءه يأخذ البيعة منهم، كما قال شاعر النّيل حافظ إبراهيم، [ممتدحاً

لهذا الفعل الشّنيع، والعمل الفظيع، ما يسودّ به وجه التأريخ الإسلامي] [9]:

وقولةٌ لعلي قالها عمر

أكرم بسامعها أعظم بملقيها

حرقت دارك لا اُبقي عليك بها

إن لم تبايع و بنت المصطفي فيها

ما كان غير أبي حفص بقائلها

أمام فارس عدنان وحاميها

فلو فرض أن لا نص بالخلافة علي أحد من آل محمد(صلي الله عليه وآله وسلم) وفرض كونهم مع هذا غير مبرّزين في حسب أو نسب أو أخلاق، أو جهاد، أو علم، أو عمل أو إيمان أو إخلاص، ولم يكن لهم السبق في مضامير كلّ فضل، بل كانوا كسائر الصحابة. فهل كان من مانع شرعيّ أو عقليّ أو عرفيّ يمنع من تأجيل عقد البيعة إلي فراغهم من تجهيز رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم)؟ ولو بأن يوكل حفظ الأمن إلي القيادة العسكريّة مؤقّتاً حتي يستتب أمر الخلافة؟ أليس هذا المقدار من التريّث كان أرفق باُولئك المفجوعين وهم وديعة النبي لديهم، وبقيته فيهم؟

وكان أمير المؤمنين علي(عليه السلام) علي علم من تصميم القوم علي صرف الأمر عنه، وأنّه لو نازعهم فيه لنازعوه. ولو قاتلهم عليه لقاتلوه، وإنّ ذلك يوجب التغرير في الدين والخطر بالاُمّة، فاختار الكفّ احتياطاً علي الإسلام، وإيثاراً للصالح العام [10]، وتلك أمةٌ قد خلت لها ما كسبت و عليها ما اكتسبت، غير أنّ من انطبعت في نفسه اللّين والرقّة، ليتأسّي ويتأسّف من سماع تلك الحادثة، ويستدر منه العجب العجاب، إذ كان فيهم الصحابيّ الكبير مثل عمر بن الخطّاب.

وكان ما كان منه ما لا يتصور صدوره من أجهل مسلم وأغلظهم قلباً، تجاه أهل بيت كان الرسول(صلي الله عليه وآله وسلم) يكرمهم إكراماً، ويحبهم أشد حبّ إلي غاية أن يقول فيهم: اللّهم إنّي أحبهم فأحبّهم وأحب من أحبّهم، وابغض من أبغضهم

[11] وقال في كريمته الزهراء(عليها السلام): «رضاي في رضاها وسخطي في سخطها» [12].

علي أنه ليس في الكتاب آية، ولا في الحديث رواية، تدلّ علي وجوب بيعة أبي بكر حتي شدّد بها الكافة عليها تشديداً كاد أن يقضي إحراقه أكرم بيت في الإسلام بعد بيت اللّه ورسوله.

فلعلّ ذلك من أدمغ الحجج التي يتوقّف بها بعضهم في القطع بصحّة خلافة أبي بكر، لأنّ مدار الصحة في نظرهم موقوفة علي إجماع الاُمّة عليها، فتقوم الحجة قويّة علي مبناها الرصين. واتّفقت مع قول النبي(صلي الله عليه وآله وسلم): لا تجتمع اُمتي علي ضلال. وفي رواية: علي خطأ. ومع ما كان من ذلك فإن مما يؤيّد مبدأ المتوقّفين في صحة خلافة أبي بكر أن جماعةً من محقّقي علماء السنة قد منعوا صحّة صدور الحديث المذكور عن رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) كما أخبرنا بذلك الأمير محمّد الكاظمي القزويني في كتابه (نقض الصواعق) [ص 94 الطبعة الثانية]وإليك لفظه:

إن أقوي ما تمسك به أهل السنة لإثبات خلافة أبي بكر هو دعواهم إجماع الاُمّة علي اختياره ورضاهم به، وعزّزوا ذلك بما نقلوه عن النبي(صلي الله عليه وآله وسلم) أنه قال: «لا تجتمع اُمتي علي ضلال. أو قال علي خطأ» وقد أجمعوا عليه، فوجب أن يكون إجماعهم عليه صواباً. هذا تقرير كلام أهل السنة، ونحن إذا أثبتنا لك عدم صحة هذه الدعوي تمكنّا من إيقافك علي القطع بعدم استحقاقه للخلافة.

أوّلاً: إن الحديث لم يصح صدوره عن النبي(صلي الله عليه وآله وسلم) في حال، وقد منع صحّته جماعةٌ من محقّقي أهل السنة، منهم: النووي الشارح لصحيح مسلم، كما يأتي، وأنكره شيخ الاعتزال إبراهيم بن سيار النظام، علي ما حكاه عنه عضد الملّة في شرحه

لمختصر ابن الحاجب [1: 125] مع أنه من آحاد الخبر الذي لا يقتضي علماً ولا عملاً علي ما صرّح به الآمدي في كتاب الاحكام [1: 315] والعضدي في شرح المختصر [1: 127].

ثانياً: لو فرضنا صحّته فإنّه يفيد أن جميع الاُمة لا تجتمع علي ضلال، كما يقتضي الجمع المنكر المضاف في قوله: «اُمتي» وعليه إن أرادوا من الاجتماع المدعي علي إجماع جميع اُمة الإسلام علي اختيار أبي بكر والرضا والقبول بخلافته، فذلك لم يقع ولم يحصل من جميع أهل المدينة، فضلاً عن بقية الأمصار الإسلامية الذين لهم حق الاختيار.

وإن أرادوا به اجتماع بعض الاُمة وهم أهل السقيفة علي اختيار أبي بكر والرضا به، فذلك قطعاً لا يكون إجماعاً من جميع الاُمة علي الرضا به، لكي يصحّ الاستدلال له بالحديث. ولم يكن المجمعون عليه في السقيفة منتخبين من بقيّة الاُمة، لكي يمثّلوهم في انتخابه شأن الانتخابات الحرّة لدي الاُمم الراقية في العصور الأولي وما بعدها إلي يومنا هذا.

ولا ريب أن إجماع بعض الاُمّة لا حجّة فيه لجواز الخطأ عليهم فيما اجتمعوا عليه، ولا دليل علي حجّيته مطلقاً، كما أنه لا ينعقد بالواحد والاثنين من أهل الحلّ والعقد؛ إذ لو كانت الخلافة الشرعيّة تنعقد بواحد أو اثنين من الرعيّة لجاز أن ينعقد في كلّ زمان و مكان ألف خليفة وزيادة، بأن اتفق جماعةٌ علي واحد، وجماعةٌ اخري علي آخر وهلمّ جرّا، وفي ذلك فساد الدنيا وخرابها.

وإن أرادوا به اتّفاق أهل الحلّ والعقد، فغير صحيح لوجهين:

الأول: أن أهل الحلّ والعقد هم بعض الاُمة، ولا دليل علي حجّية إجماعهم.

الثاني: أنه لم يحصل اتّفاق أهل الحلّ والعقد عليه، لخروج جماعة كثيرة منهم عن معقد ذلك الإجماع المزعوم، كعليّ بن أبي طالب(عليه

السلام) وسائر بني هاشم، وأسامة بن زيد، والزبير بن العوام، وسلمان، وأبي ذر، والمقداد، وعمّار، وحذيفة، وخزيمة بن ثابت، وأبي بريدة الأسلمي، والبراء بن عازب، واُبيّ بن كعب، وسهل بن حنيف، وأبي الهيثم بن التيهان، وسعد بن عبادة وابنه قيس، وعثمان بن حنيف، وفروة بن عمرو، وورقة الأنصاري، وأبي أيوب الأنصاريّ، وجابر بن عبداللّه الأنصاري، وأبي سفيان بن حرب، وخالد بن كثير، وكثير غيرهم من وجوه المهاجرين والأنصار.

ولم يكن المبايعون لأبي بكر يومئذ سوي خمسة نفر، أوّلهم عمر بن الخطاب والسابق إليها، وأبو عبيدة، وسالم مولي أبي حذيفة، وبشر بن سعيد، وأسيد بن الحصين. فلا إجماع حينئذ عليه.

وأن أرادوا الإجماع التدريجي علي معني وقوعه في أوقات متعدّدة، فهو غير صحيح لاُمور:

الأول: أن مثل هذا الإجماع علي فرض وجوده في إجماعهم، فهو مخالفٌ لما هو المعتبر في حقيقة الإجماع المصرّح به في كلمات علماء الاُصول بين أهل السنّة.

فهذا البيضاوي في منهاجه، والعضدي في شرحه علي المختصر، وصاحب المأمول في علم الاصول محمّد صدّيق حسن [ص 33] وغيرهم من علماء الأصول كلّهم يقولون: إنّه يعتبر في الإجماع الشرعي اتّفاق أهله علي أمر أو اُمور في وقت واحد. إذ لو لم يكن كذلك احتمل رجوع المتقدّم قبل دخول المتأخّر. وطرو هذا الاحتمال موجبٌ لفساد الإجماع وبطلان الاحتجاج به.

الثاني: أن مثل هذا الإجماع لم يقع في إجماعهم، فإن سعداً لم يبايع أحداً حتّي قتل بحوران، وهكذا تخلّف علي(صلي الله عليه وآله وسلم) عن بيعتهم ستّة أشهر.

الثالث: لو سلّمنا جدلاً، صحّة مثل هذا الإجماع، وسلّمنا كذلك حصوله فيه، ولكن اعتباره منوطٌ بدخول الباقين طوعاً، لا مع العلم باستظهار الأكثر وخوف الأقلّ، ودخوله فيما دخل فيه الأكثر كرهاً، كما وقع ذلك

في إجماعهم.

فهذا المؤرّخ الكبير ابن عبدالبرّ يقول في استيعابه عند ذكره للبيعة: إن سعداً لم يبايع أحداً من أبي بكر وعمر، ولم يقدروا إلزامه كما ألزموا غيره، لكثرة أقوامه من الخزرج، فخافوا فتنتهم، وتخلّف عن البيعة بنو هاشم، وفي طليعتهم علي بن أبي طالب وجماعة كثيرةٌ من قريش. وهكذا حكاه محمد حسنين هيكل في كتاب أبي بكر [ص 65 و 74]، فمثله لا يصلح أن يكون حجة شرعية يجب اتّباعها.

وقد أتي الإمام شرف الدّين الموسوي في المراجعة الثمانين من مراجعاته [ص 245]بالبراهين الكافية والحجج القطعيّة، من البيانات العقلية والأدلّة المنطقيّة في شرح قوله(صلي الله عليه وآله وسلم) «لا تجتمع اُمتّي علي الخطأ» ما لفظه:

إنّ المراد من قوله(صلي الله عليه وآله وسلم) لا تجتمع أمّتي علي الخطأ، ولا تجتمع علي الضلال، إنما هو نفي الخطأ والضلال عن الأمر الذي اشتورت فيه الأمّة فقرّرته باختيارها، واتّفاق آرائها، وهذا هو المتبادر من السنن لا غير، أمّا الأمر الذي يراه نفرٌ من الاُمّة فينهضون به، ثمّ يتسنّي لهم إكراه أهل الحلّ والعقد عليه، فلا دليل علي صوابه، وبيعة السقيفة لم تكن عن مشورة، وإنّما قام بها الخليفة الثّاني، وأبو عبيدة، ونفرٌ معهما، ثم فاجأوا بها أهل الحلّ والعقد، وساعدتهم تلك الظروف علي ما أرادوا.

وأبو بكر يصرّح بأنّ بيعته لم تكن عن مشورة ولا عن رويّة، وذلك حيث خطب الناس في أوائل خلافته معتذراً إليهم، فقال: «إن بيعتي كانت فلتةً، وقي اللّه شرها، وخشيت الفتنة؛ وعمر يشهد بذلك علي رؤوس الأشهاد في خطبة خطبها علي المنبر النبويّ يوم الجمعة في أواخر خلافته، وقد طارت كلّ مطير. وأخرجها البخاري في صحيحه [13].

وإليك محلّ الشاهد منها بعين لفظه، قال: ثمّ إنه بلغني

أنّ قائلا منكم يقول: واللّه لو مات عمر بايعت فلاناً، فلا يغترّن امرؤٌ أن يقول إنّما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمّت، ألا وإنّها قد كانت كذلك، ولكنّ اللّه وقي شرها إلي أن قال : من بايع رجلاً عن غير مشورة من المسلمين، فلا يبايع هو ولا الذي بايعه تغرّة أن يقتلا [14].

ومن المعلوم بحكم الضرورة من أخبارهم أن أهل بيت النبوّة، وموضع الرسالة لم يحضر البيعة أحدٌ منهم قط، وقد تخلّفوا عنها في بيت عليّ، ومعهم سلمان وأبو ذر، والمقداد، وعمّار، وخزيمة بن ثابت، وأبيّ بن كعب، وفروة بن عمرو بن ودقة الأنصاري، والبراء بن عازب، وخالد بن سعيد بن العاص الأمويّ، وغير واحد من أمثالهم. فكيف يتم الإجماع مع تخلّف هؤلاء كلّهم؟ وفيهم آل محمد كافةً وهم من الأمة بمنزلة الرأس من الجسد، والعينين من الوجه، ثقل رسول اللّه وعيبته، وأعدال كتاب اللّه وسفرته، وسفن نجاة الاُمة وباب حطتّها، وأمانها من الضّلال في الدّين وأعلام هدايتها، كما أثبتناه فيما أسلفناه [15]، علي أن شأنهم غني عن البرهان، بعد أن كان شاهده الوجدان.

وقد أثبت البخاري ومسلم في صحيحيهما: [صحيح البخاري 3: 39، وصحيح مسلم 2: 72] وغيرو احد من اثبات السنن والأخبار، تخلّف علي عن البيعة، وأنه لم يصالح حتي لحقت سيّدة النّساء بأبيها(صلي الله عليه وآله وسلم)، وذلك بعد البيعة بستة أشهر، حيث اضطرّته المصلحة الإسلاميّة العامة في تلك الظروف الحرجة إلي الصلح والمسالمة، والحديث في هذا مسندٌ إلي عائشة، وقد صرّحت فيه: أن الزهراء هجرت أبابكر، فلم تكلّمه بعد رسول اللّه، حتي ماتت، وأنّ عليّاً لمّا صالحهم، نسب إليهم الاستبداد بنصيبه من الخلافة، وليس في ذلك الحديث تصريحٌ بمبايعته إياهم حين الصلح،

وما أبلغ حجته إذ قال مخاطباً لأبي بكر:

فإن كنت بالقربي حججت خصيمهم

فغيرك أولي بالنبيّ وأقرب

وإن كنت بالشوري ملكت أمورهم

فكيف بهذا والمشيرون غيّب

واحتجّ العباس بن عبد المطلب بمثل هذا علي أبي بكر، إذ قال له في كلام دار بينهما: فإن كنت برسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) طلبت، فحقّنا أخذت، وإن كنت بالمؤمنين طلبت، فنحن منهم متقدّمون فيهم. وإن كان هذا الأمر إنّما يجب لك بالمؤمنين، فما وجب إذ كنّا كارهين [16].

فإين الإجماع بعد هذا التصريح من عمّ رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) وصنوأبيه، ومن ابن عمّه [ووليّه] وأخيه، ومن سائر أهل بيته وذويه؟

السيد محمد بن محمد الموسوي الحائري البحراني

قال في كتابه «خلفاء الرسول» [ص 123]: إن نزول هذه الآية الكريمة يعني آية التبليغ في يوم الغدير عند منصرف النبي(صلي الله عليه وآله وسلم) من حجّة الوداع سنة (10) هجريّة مما أجمع عليه أئمّة أهل البيت وشيعتهم، وتسالم عليه معظم فطاحل علماء أهل السنّة في كتبهم المعتبرة، نقلاً عن كثير من الصحابة، كزيد بن أرقم، وأبي سعيد الخدري، وابن عبّاس، وجابر بن عبد اللّه الأنصاري، والبراء بن عازب، وأبي هريرة، وغيرهم. وذكر فيه رواية الغدير نقلاً عن كتاب «الولاية» للطبري.

وذكر أيضاً في التعليقات من الكتاب [ص 125] أنه قال ابن الجوزيّ في كتابه «تذكرة الخواص» [ص 18]: اتّفق علماء السّير علي أنّ قصّة الغدير كانت بعد رجوع النبي(صلي الله عليه وآله وسلم) من حجّة الوداع، في الثامن عشر من ذي الحجة، جمع الصحابة وكانوا مئة وعشرين ألفاً، وقال(صلي الله عليه وآله وسلم): من كنت مولاه فعلي مولاه. الحديث. نص الرسول(صلي الله عليه وآله) علي ذلك بصريح العبارة دون التلويح والإشارة.

وقال السيّد المؤلّف في الكتاب المذكور في التعليقات [ص 127]: وممّا

يضحك الثكلي هو ما قاله النبهاني في كتابه الخلافة [ص 102] من أنّ عليّاً(رضي الله عنه) لم يكن يوم الغدير مع النبي، فإنّه كان باليمن، إلي آخر ما حاكه من نسيج الخيال.

فإن كلامه هذا لا يخلو من جهل شائن، أو كذب مفتري، لأنك مع صرف النظر عن هذا الجمع الغفير الذين رووا حديث الغدير من الحفّاظ وأئمة الحديث، الذين يكفي أن يكون قولٌ منهم حجراً يلقم به النبهاني لا تجد أحداً من الأوّلين والآخرين مهما بلغت قيمته العلميّة يقول ولو علي وجه الحكاية ما يدعم قول هذا الكذّاب، بل اتّفق كلّهم أجمعون أكتعون أبصعون، علي أن عليّاً(عليه السلام) لحق بالرسول(صلي الله عليه وآله وسلم) في حجّته تلك، وحجّ معه حجّة الوداع.

إلي أن قال: وإنّي وإن كنت أزمعت في المقدّمة علي أن لا أسوّد شيئاً من صحائف هذا الكتاب بذكر الخزايات الّتي سوّد بها النبهاني جبهة كتابه، وسوّد بها صحيفة تأريخه، لكني آثرت ذكر البعض، ليكون لدي القارئ نموذجاً من الأكاذيب الّتي اختلقتها مخيّلة هذا المصلح و أوهامه [يعني النبهاني].

السيد أمير محمد الكاظمي القزويني

قال في كتابه «نقض الصواعق» [ص 135 الطبعة الثانية]: قد يخطر علي وهم الكثير ممّن لم يقفوا علي الحقيقة ولم يدرسوها دراسةً صحيحةً علي ضوء التّأريخ الصحيح وصحيح الحديث، فيقول: لماذا يا تري لم يخاصم علي(عليه السلام) أبا بكر؟ ولماذا لم يحتجّ عليه وعلي من بايعه يوم السقيفة بنصوص الخلافة؟ إن كان ثمّة نصوص تدلّ عليها. ولماذا لم يذكرها لهم وهو أعرف بمفادها من غيره؟ وكل أولئك أدلّةٌ علي أنه كان راض بتقديمهم عليه وأنه لا نصّ بالخلافة من النبي(صلي الله عليه وآله وسلم) عليه.

والجواب عن هذا:

أولاً: إن عدم نقل احتجاجه(عليه السلام) عليهم لا يكون دليلاً

علي عدم احتجاجه عليهم، لا سيما إذا علمنا أن الدواعي متوفّرة علي ترك نقله، لمنافاته لما قامت عليه السقيفة، كما لا يكون ذلك علماً بعدمه، فكيف ينفي ذلك مع وجوده؟

ثانياً: إن الذي تستريح إليه في إزاحة هذا الوهم هو: أنا نعلم وكل الناس يعلمون، أنّ عليّاً(عليه السلام) وسائر بني هاشم وجماعة من قريش لم يحضروا البيعة، ولم يدخلوا السقيفة، وكانوا منصرفين بكلّهم إلي رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) وهو بين أيديهم جنازة. وما أن فرغوا من تجهيزه ومواراته في ضريحه الطاهر، حتي أكمل القوم أمرهم، فأبرموا البيعة وأجمعوا علي منع كلّ قول أو فعل يوهن تلك البيعة، أو يخدش في عقدها أو يدخل الاضطراب عليها.

فأين كان علي(عليه السلام) عمّا أبرموه وأحكموه في السقيفة؟ وأين هو حينئذ عن بيعة أبي بكر(رضي الله عنه) ومصافقيه حتي يحتج عليهم ويلزمهم بنصوص الخلافة؟ ومن أين يتسنّي له أن يحتجّ عليهم بعد انعقادها؟ وقد سلك اُولو الأمر والنهي سبيل القوة والإرهاب مع المعارضين، ومطاردة الممتنعين عن بيعته بالشدّة والغلظة.

واستظهروا عليهم بالحول والطول، وبثّوا ذلك ونشروه في أقصي البلاد وأدناها، بل لا يؤمن علي نفسه من القتل غيلة كما قتلوا سعداً كذلك، وادّعوا أنّ الجنّ قتلوه. بربّك قل لي أيها الحر المثقّف، هل يتسنّي لأحد في عصرنا الحاضر أن ينازع الحكومة القائمة ويقابلها بما يزيل سلطانها ويزيح دولتها؟ وهل يتركونه وشأنه لو حاول شيئاً من ذلك ولا يمسّونه بسوء؟ هيهات ذلك، فإن الأحوال يشبه بعضها بعضاً، ولا تزال الليلة اُخت البارحة.

ثالثاً: إن الاحتجاج عليهم بنصوص خلافته إنما يحسن مع العلم بغفلة القوم عنها، وإنهم سيثوبون الي رشدهم، ويدفعون إليه ما ابتزّوه منه، ويعدلون إليه إن هو احتجّ بها عليهم، أمّا

إذا علم أنّهم سمعوها ووعوها، ولكنّهم مصرّون علي أخذ حقّه وقادمون علي دفعه وهضمه، وباذلون في سبيلها كل نفيس وغال، فلا يؤثر الاحتجاج عليهم سوي إثارة الفتنة وتفريق المسلمين وتمزيق كلمة الدّين، ونكوص العرب علي أعقابهم، فكان روحي فداه يؤثر ضياع حقّه علي بقاء الدّين في ذلك الظرف العصيب، إذ كان لا يؤمن فيها علي بيضة الإسلام من التلاشي والتبدّد، ولأجل هذا و نحوه من الفتن الطاغية التي لولا سكوته(عليه السلام) عن مطالبتهم حقّه لدكّت صروح الدّين، واستأصلت شأفة المسلمين، رأي من الواجب أن يضحّي بحقّه في سبيل حياة الإسلام. وردّ عادية المنافقين الذين كانوا ينتهزون الفرصة حيناً بعد حين للوثوب عليه والقضاء علي روحه.

أجل لقد أراد (عليه السلام) أن يحتفظ بحقّه وأراد الاحتجاج عليهم، ولكن بالشكل الذي لا يتفكّك به شمل الاُمّة، ولا تقع بينهم فتنةٌ يتخذها العدوّ ذريعة لمحق الإسلام وسحق الدّين، فلازم بيته حتّي أخرجوه قهراً وكرهاً من غير قتال، ولو أنّه أسرع إليهم لم يكمل له حجة، ولم ينبثق لها نورٌ، ولم يسطع لشيعته أي برهان، فكان ما فعله(عليه السلام) من حسن الصّنيع، جامعاً بين الاحتفاظ بحقه من الخلافة، والاحتياط علي كلمة الدّين، إذ لم يجد له معيناً من الاُمّة يومئذ ولا مساعداً من القوم حتي يبوح بحجّته، ويدلي عليهم بنصوص خلافته، فرأي أنّ حفظ حوزة الإسلام ودفع عادية أعدائها موقوفان في تلك الظروف علي الموادعة والمسالمة، دون المجادلة وإظهار العداء وسلّ السيف، إذ به ذهاب الدين بأصوله وفروعه [17].

ثمّ إنّنا إذا أمعنا النظر حول هذه القضيّة المؤسفة، وما جري بين أمير المؤمنين علي(عليه السلام) وبين الجماعة وقتئذ رأينا أحوالاً غريبة، وأشياء عجيبة، لم تكن لها مظاهر بين الناس من قبل،

مع أن النبي(صلي الله عليه وآله وسلم) كان كثيراً ما يلفظ كما رواه الإمام أحمد في مسنده [1: 109] بقوله: «وان تؤمّروا عليّاً ولا أراكم فاعلين تجدوه هادياً مهديّاً يأخذ بكم الطريق المستقيم».

وروي الخطيب البغدادي في تأريخه [1: 47] [18]: «وان ولّيتموها يعني الخلافة عليّاً وجدتموه هادياً مهديّاً يسلك بكم علي الطريق المستقيم»، وفي رواية أبي داود: «ان تستخلفوه ولن تفعلوا ذلك، يسلك بكم الطريق المستقيم وتجدوه هادياً مهديّاً».

وفي حديث أبي نعيم في الحلية [1: 64] عن حذيفة، قال: قالوا يا رسول اللّه: ألا تستخلف عليّاً؟ قال: «ان تولّوا عليّاً تجدوه هادياً مهديّاً يسلك بكم الطريق المستقيم». وفي لفظ آخر: «وان تستخلفوا عليّاً وما أراكم فاعلين تجدوه هادياً مهديّاً يحملكم علي المحجّة البيضاء».

وفي كنز العمّال [11: 630، ح 33073]: إن تستخلفوا علياً وما أراكم فاعلين تجدوه هادياً مهديّاً يحملكم علي المحجّة البيضاء».

وفي المستدرك [3: 142]: «إن ولّيتموها عليّاً فهاد مهدي يقيمكم علي طريق مستقيم».

وروي الخوارزمي في المناقب [ص 114 ط. مؤسسة النشر الاسلامي] مسنداً عن عبداللّه بن مسعود، قال: كنت مع رسول الله(صلي الله عليه وآله وسلم) وقد أصحر فتنفّس الصعداء فقلت: يا رسول الله مالك تنفّس؟ فقال: يابن مسعود، نعيت إليّ نفسي، فقلت: استخلف يا رسول الله. قال: من؟ قلت: أبا بكر، فسكت ثم تنفس، فقلت: مالي أراك تتنفّس يا رسول الله؟ قال: نعيت إليّ نفسي، فقلت: استخلف يا رسول الله قال: من؟ قلت: عمر بن الخطاب، فسكت ثم تنفّس، فقلت: مالي أراك تنفّس يا رسول الله؟ قال: نعيت إليّ نفسي، قلت: يا رسول الله استخلف قال: من؟ قلت: علي بن أبي طالب، قال: أوّه ولن تفعلوا إذاً أبداً، والله لئن فعلتموه ليدخلنّكم الجنّة.

فهذه

الأحاديث وكثيرٌ من أمثالها تعطينا علماً وخبراً بعظيم اهتمام النّبي(صلي الله عليه وآله وسلم)بأمر الخلافة والولاية من بعده، حرصاً علي سلامة اُمّته عن العدول عن الطريق المستقيم، ولكن القوم بعده كانوا كما قد علمنا، ولعلّ كل ما حدث عقيب وفاته(صلي الله عليه وآله وسلم)كان مصداق قوله(صلي الله عليه وآله وسلم) فيما أخرجه الحاكم في المستدرك [3: 140] بإسناده عن ابن عباس(رضي الله عنه)قال: قال رسول الله(صلي الله عليه وآله) لعلي: أما إنك ستلقي بعدي جهداً، قال علي: في سلامة من ديني؟ قال: في سلامة من دينك. قال الحاكم: هذا حديثٌ صحيحٌ علي شرط الشيخين ولم يخرجاه. إلي غير ذلك من الأحاديث الواردة في هذا المضمون.

ثم إن القوم رأوا أن كلّ ما صدر من تلك الأفاعيل كانت اجتهاداً منهم واحتياطاً علي الدين، فيا ليت شعري، كأن لم يكن في الناس بحّاثةٌ متقنون في الحساب، ورجالٌ متبصّرون متحقّقون من اُولي الألباب، ما ينكشف بإشاراتهم عمّا في وراء الحجاب.

وأين كان يا تري إشفاقهم وحرصهم علي هذا الدّين في الأيّام الخالية؟ لا سيما في الساعات التي زاغت فيها الأبصار، وبلغت القلوب الحناجر، حتي ضاقت عليهم الأرض بما رحبت. ولذلك قال أمير المؤمنين علي(عليه السلام) في خطبة له حين سمحت له الظروف، وتمكّن له أن يبدي مما كان يلقاه منهم فيكظمه صبراً منذ أن ارتحل الرسول(صلي الله عليه وآله وسلم) إلي الملأ الأعلي.

وإليك لفظه نقلاً عن مناقب آل أبي طالب [2: 46 ط. النجف و 2: 201 ط ايران]قال: خطب أمير المؤمنين(عليه السلام) فقال: «ما لنا ولقريش؟ وما تنكر منا قريشٌ؟ غير أنا من أهل بيت شيّد اللّه بنيانهم ببنياننا، وأعلي اللّه فوق رؤوسهم رؤوسنا، واختارنا اللّه عليهم فنقموا عليه

أن اختارنا عليهم، وسخطوا ما رضي اللّه و أحبّوا ما كره اللّه، فلمّا اختارنا عليهم شركناهم في حريمنا، وعرّفناهم الكتاب والسنّة، وعلّمناهم الفرائض والسنن، وحفظناهم الصّدق واللين. ودينّاهم الدّين والاسلام، فوثبوا علينا وجحدوا فضلنا ومنعونا حقنا، والتوونا أسباب أعمالنا وأعلامنا.

اللهم فانّي أستعديك علي قريش، فخذ لي بحقّي منها، ولا تدع مظلمتي لها، وطالبهم يا رب بحقّي فانك الحكم العدل، فان قريشاً صغّرت قدري، واستحلّت المحارم منّي، واستخفّت بعرضي وعشيرتي، وقهرتني علي ميراثي من ابن عمّي، وأغروا بي أعدائي، ووتروا بيني وبين العرب والعجم، وسلبوني ما مهّدت لنفسي من لدن صباي بجهدي و كدّي، ومنعوني ما خلّفه أخي وحميمي وشقيقي، وقالوا إنّك لحريصٌ متّهم، بنا اهتدوا من متاه الكفر ومن عمي الضلالة وغي الظلماء.

أليس أنقذتهم من الفتنة الظلماء، والمحنة العمياء؟ ويلهم ألم أخلّصهم من نيران الطغاة، وكره العتاة، وسيوف البغاة، ووطأة الاسد، ومقارعة الصماء، ومجادلة القماقمة. الذين كانوا عجم العرب، وغنم الحرب، وقطب الاقدام، وجبال القتال، وسهام الخطوب، وسل السيوف؟

أليس بي تسنّموا الشرف، ونالوا الحق والنصف؟ ألست آية نبوّة محمّد، ودليل رسالته، وعلامة رضاه وسخطه؟ الذي كان يقطع الدرع الدّلاص، ويصطلم الرّجال الحراص، وبي كان يبري جماجم البهم وهام الابطال، الي أن فزعت تيم الي الفرار وعديّ الي الانتكاص. أما وانّي لو أسلمت قريشاً للمنايا والحتوف وتركتها لحصدتها سيوف الغواة، ووطأتها الأعاجم وكرّات الأعادي، وحملات الأعالي، وطحنتهم سنابك الصافنات، وحوافر الصاهلات، في مواقف الأزل والهزل، في طلاب الاعنّة، وبريق الاسنّة، ما بقوا لهضمي، ولا عاشوا لظلمي، ولما قالوا انك لحريصٌ متّهم».

ثمّ قال بعد كلام: «انما أنطق لكم العجماء ذات البيان، وأفصح الخرساء ذات البرهان، لأنّي فتحت الإسلام، ونصرت الدّين، وعزّرت الرسول، وبنيت أعلامه، وأعليت مناره، وأعلنت

أسراره، وأظهرت أثره وحاله، وصفيت الدولة، ووطأت الماشي والراكب، ثمّ قدتّها صافيةً علي أنّي بها مستأثر».

ثمّ قال بعد كلام: «سبقني اليها التيمي والعدوي، كسباق الفرس احتيالاً واغتيالاً وخدعةً وغيلةً».

ثمّ قال بعد كلام: «يا معشر المهاجرين والأنصار، أين كانت سبقة تيم وعدي الي سقيفة بني ساعدة خوف الفتنة؟. ألا كانت يوم الأبواء، إذ تكاثفت الصفوف، وتكاثرت الحتوف، وتقارعت السيوف؟ أم هلاّ خشيا فتنة الإسلام يوم ابن عبدودّ وقد نفح بسيفه، وشمخ بأنفه، وطمح بطرفه؟ ولم لم يشفقا علي الدّين وأهله يوم بواط؟ إذ اسودّلون الاُفق. وأعوجّ عظم العنق، وأنحلّ سيف الغرق! ولم لم يشفقا يوم رضوي؟ إذ السّهام تطير، والمنايا تسير، والاُسد تزأر! وهلاّ بادرا يوم العشيرة؟ إذ الأسنان تصتك، والآذان تستك، والدروع تهتك! وهلاّ كانت مبادرتهما يوم بدر؟ إذ الأرواح في الصعداء ترتقي، والجياد في الصناديد ترتدي، والارض من دماء الابطال ترتوي! ولم لم يشفقا علي الدّين يوم بدر الثانية؟ والدّعاس ترعب، والأوداج تشخب، والصدور تخضب! وهلاّ بادرا يوم ذات الليوث؟ وقد أمح التّولب، واصطلم الشوقب، وأدلهمّ الكوكب! ولم لا كانت شفقتهما علي الإسلا م يوم كدر؟ والعيون تدمع، والمنية تلمع، والصفايح تنزع!».

ثّمّ عد وقائع النبي، وقرعهما بأنهما في هذه المواقف كلّها كانا مع النظارة.

ثم قال: «ما هذه الدهماء التي وردت علينا من قريش؟ أنا صاحب هذه المشاهد، وأبو هذه المواقف، وأين هذه الافعال الحميدة؟» إلي آخر الخطبة …

قال الناشي:

فلم لم يثوروا ببدر وقد

تبلت من القوم إذ بارزوكا

ولم عردوا إذ شجيت العدي

بمهراس أحد ولم نازلوكا

ولم أجمحوا يوم سلع وقد

ثبتّ لعمرو ولم أسلموكا

ولم يوم خيبر لم يثبتوا

صحابة أحمد واستركبوكا

فلاقيت مرحب والعنكبوت

واسدٌ يحامون إذ وجهوكا

فدكدكت حصنهم قاهراً

وطوحت بالباب إذ حاجزوكا

ولم يحضروا بحنين وقد

صككت بنفسك جيشاً صكوكا

فأنت المقدم

في كلّ ذاك

فللّه درك لم أخّروكا

ثمّ ذكر الشيخ المؤلّف في نفس المصدر [2: 48 ط. النجف و 2: 204 ط. ايران]نقلاً عن نهج البلاغة [الخطبة 172 مع اختلاف يسير]: «اللّهم إنّي استعديك علي قريش ومن أعانهم، فإنهم قطعوا رحمي وصغّروا عظيم منزلتي، وأجمعوا علي منازعتي أمراً هو لي، وكنت أولي به من غيري، ثم قالوا: ألا إن في الحقّ أن تأخذه وفي الحقّ أن تتركه [19]، فاصبر مغموماً أو مت متأسفاً، فنظرت فإذا ليس لي رافدٌ ولاذابٌّ ولا مساعدٌ إلاّ أهل بيتي. فضننت بهم علي المنيّة، فأغضيت علي القذي، وجرعت ريقي علي الشجي، وصبرت علي الأذي، وطبت نفسي علي كظم الغيظ، وما هو أمرّ من العلقم، وآلم من حرّ الشّفار».

ثمّ ذكر فيه خطبته(عليه السلام) المشهورة المسمّاة بالشقشقيّة وقد ذكرناها في مجلّدنا الثاني من المقتطفات.

وأمّا ما ذكره الإمام الفقيه ابن قتيبة، المولود سنة (213) والمتوفّي سنة (276) في كتابه «الإمامة والسّياسة» [1: 18] ممّا قاله الإمام علي لمّا اُتي به إلي أبي بكر ليدخل فيما دخل فيه الناس طوعاً أوكرهاً، فقال(عليه السلام):

أنا عبد اللّه وأخو رسوله، فقيل له: بايع أبا بكر، فقال: أنا أحق بهذا الأمر منكم، لا اُبايعكم وأنتم أولي بالبيعة لي. أخذتم هذا الأمر من الأنصار، واحتججتم عليهم بالقرابة من النبي(صلي الله عليه وآله وسلم) تأخذونه منّا أهل البيت غصباً؟ ألستم زعمتم للأنصار أنّكم أولي بهذا الأمر منهم لما كان محمّدٌ منكم؟ فأعطوكم المقادة، وسلّموا إليكم الإمارة، وأنا أحتج عليكم بمثل ما احتججتم به علي الأنصار، نحن أولي برسول اللّه حيّاً وميّتاً فأنصفونا إن كنتم تؤمنون، وإلاّ فبوءوا بالظلم وأنتم تعلمون.

فقال له عمر: إنك لست متروكاً حتي تبايع، فقال له علي: إحلب حلباً لك

شطره، واشدد له اليوم أمره يردده عليك غداً، ثمّ قال: والله يا عمر لا أقبل قولك ولا اُبايعه. فقال له أبو بكر: فإن لم تبايع فلا أكرهك.

فقال أبو عبيدة بن الجراح لعلي كرم اللّه وجهه: يابن عمّ إنّك حديث السّنّ وهؤلاء مشيخة قومك، ليس لك مثل تجربتهم ومعرفتهم بالأمور، ولا أري أبا بكر إلاّ أقوي علي هذا الأمر منك، وأشد احتمالاً واضطلاعاً به، فسلّم لأبي بكر هذا الأمر، فإنك إن تعش ويطل بك بقاءٌ، فأنت لهذا الأمر خليق وبه حقيقٌ، في فضلك ودينك، وعلمك وفهمك، وسابقتك ونسبك وصهرك.

فقال علي كرّم اللّه وجهه: «اللّه اللّه يا معشر المهاجرين، لا تخرجوا سلطان محمّد في العرب عن داره وقعر بيته، إلي دوركم وقعور بيوتكم، ولا تدفعوا أهله عن مقامه في الناس وحقّه، فواللّه يا معشر المهاجرين، لنحن أحق النّاس به، لأنا أهل البيت، ونحن أحقّ بهذا الأمر منكم ما كان فينا القارئ لكتاب اللّه، الفقيه في دين اللّه، العالم بسنن رسول اللّه، المضطلع بأمر الرعية، المدافع عنهم الاُمور السيّئة، القاسم بينهم بالسّوية. واللّه إنّه لفينا، فلا تتّبعوا الهوي فتضلّوا عن سبيل اللّه، فتزدادوا من الحقّ بعداً».

فقال بشير بن سعد الأنصاري: لو كان هذا الكلام سمعته الأنصار منك يا علي قبل بيعتها لأبي بكر، ما اختلف عليك اثنان.

قال: وخرج علي كرّم اللّه وجهه يحمل فاطمة بنت رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) علي دابّة ليلاً في مجالس الأنصار تسألهم النّصرة، فكانوا يقولون: يا بنت رسول الله قد مضت بيعتنا لهذا الرجل، ولو أنّ زوجك وابن عمّك سبق إلينا قبل أبي بكر ما عدلنا به، فيقول علي كرّم اللّه وجهه: أفكنت أدع رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم)في بيته لم

أدفنه، وأخرج اُنازع الناس سلطانه؟ فقالت فاطمة: ما صنع أبو الحسن إلاّ ما كان ينبغي له، ولقد صنعوا ما اللّه حسيبهم وطالبهم.

التابعي الكبير سليم بن قيس الهلالي

روي شيخ الإسلام أبو إسحاق إبراهيم بن سعد الدين الحموينيّ بإسناده في فرائد السمطين [1: 312] في الفصل الأوّل في الباب الثامن والخمسين عن التابعي سليم بن قيس الهلالي، قال: رأيت عليّاً في مسجد رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) في خلافة عثمان وجماعة يتحدثون ويتذاكرون العلم والفقه، فذكروا قريشاً في فضلها وسوابقها وهجرتها، وما قال فيها رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) من الفضل مثل قوله(صلي الله عليه وآله وسلم): «الأئمّة من قريش». وقوله: «الناس تبع لقريش، وقريشٌ أئمّة العرب».

الي أن قال- بعد ذكر مفاخرة كلّ حي برجال قومه : وفي الحلقة أكثر من مئتي رجل فيهم علي بن أبي طالب(عليه السلام)، وسعد بن أبي وقّاص، وعبد الرّحمن بن عوف، وطلحة، والزبير، والمقداد، وأبو ذرّ، وهاشم بن عتبة، وابن عمر، والحسن، والحسين، وابن عبّاس، ومحمّد بن أبي بكر، وعبد اللّه بن جعفر. [وكان في الحلقة] من الأنصار اُبي بن كعب، وزيد ابن ثابت، وأبو أيّوب الأنصاري، وأبو الهيثم بن التيّهان، ومحمّد بن سلمة، وقيس بن سعد ابن عبادة، وجابر بن عبدالله، وأنس بن مالك، وزيد بن أرقم، وعبداللّه بن أبي أوفي، وأبو ليلي، ومعه ابنه عبدالرحمن قاعدٌ بجنبه غلامٌ صبيح الوجه أمرد، فجاء أبو الحسن البصري ومعه ابنه الحسن البصري غلامٌ أمرد صبيح الوجه معتدل القامة، قال [سليم]: فجعلت أنظر إليه وإلي عبدالرحمن بن أبي ليلي، فلا أدري أيّهما أجمل! غير أن الحسن أعظمهما، وأطولهما.

فأكثر القوم، وذلك من بكرة إلي حين الزّوال، وعثمان في داره، لا يعلم بشيء مما هم فيه، وعلي

بن أبي طالب(عليه السلام) ساكتٌ لا ينطق، ولا أحدٌ من أهل بيته، فأقبل القوم إليه فقالوا: يا أبا الحسن ما يمنعك أن تتكلم؟

فقال: ما من الحيّين إلاّ وقد ذكر فضلاً وقال حقّاً، فأنا أسألكم يا معشر قريش والأنصار، بمن أعطاكم اللّه هذا الفضل؟ بأنفسكم و عشائركم وأهل بيوتاتكم أم بغيركم؟ قالوا: بل أعطانا اللّه ومنّ علينا بمحمّد(صلي الله عليه وآله وسلم) وعشيرته لا بأنفسنا وعشائرنا ولا بأهل بيوتاتنا.

قال(عليه السلام): «صدقتم يا معشر قريش والأنصار، ألستم تعلمون أنّ الذي نلتم من خير الدنيا والآخرة منا أهل البيت خاصة دون غيرهم؟ وأن ابن عمي رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم)قال: اني وأهل بيتي كنا نوراً يسعي بين يدي اللّه تعالي قبل أن يخلق اللّه تعالي آدم(عليه السلام)بأربعة عشر ألف سنة، فلما خلق اللّه تعالي آدم(عليه السلام) وضع ذلك النور في صلبه وأهبطه إلي الارض، ثم حمله في السفينة في صلب نوح(عليه السلام) ثمّ قذف به في النار في صلب ابراهيم(عليه السلام)ثمّ لم يزل اللّه تعالي ينقلنا في الأصلاب الكريمة، إلي الأرحام الطاهرة ومن الأرحام الطاهرة إلي الأصلاب الكريمة من الآباء والاُمهات، لم يلق واحد منهم علي سفاح قط»، فقال أهل السابقة والقدمة وأهل بدر وأهل أحد: نعم قد سمعنا ذلك من رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم).

ثمّ قال علي(عليه السلام): «أنشدكم اللّه، أتعلمون أن [اللّه] عزوجلّ فضّل في كتابه السابق علي المسبوق في غير آية، وأني لم يسبقني إلي اللّه عز وجل وإلي رسوله(صلي الله عليه وآله وسلم)أحدٌ من هذه الاُمة» قالوا: اللّهم نعم.

قال: «فأنشدكم اللّه، أتعلمون حيث نزلت: (والسَّابِقُونَ الأوَّلُونَّ مِنَ المهاجِرِينَ والأنصَار) [التوبة: 100]، (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ اُولئِكَ المقرَّبُون)؟ [الواقعة: 10] سئل عنها رسول اللّه(صلي الله

عليه وآله وسلم) فقال: أنزلها اللّه تعالي ذكره في الأنبياء وأوصيائهم، فأنا أفضل أنبياء اللّه ورسله، وعلي بن أبي طالب وصيّي أفضل الأوصياء» قالوا: اللّهم نعم.

قال: «فأنشدكم اللّه، أتعلمون حيث نزلت: (يا أيُّها الذين آمَنُوا أطِيعُوا اللّه وأطيعُوا الرَّسُول وَاُولي الأمْرِ مِنْكُم) [النساء: 59] وحيث نزلت: (إنّما وليّكم اللّه ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) [المائدة: 55]وحيث نزلت: (أم حسبتم أن تتركوا ولمّا يعلم اللّه الذين جاهدوا منكم ولم يتّخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة)؟ [التوبة: 16] قال الناس: يا رسول اللّه، أخاصةٌ في بعض المؤمنين أم عامةٌ لجميعهم؟ فأمر اللّه عزّوجلّ نبيه أن يعلّمهم ولاة أمرهم، و أن يفسّر لهم من الولاية ما فسّر لهم من صلاتهم وزكاتهم وحجّهم، فنصبني للناس بغدير خمّ».

ثمّ خطب وقال: «أيها الناس، إن اللّه أرسلني برسالة ضاق بها صدري، وظننت أن الناس مكذّبي. فأوعدني لأبلّغها أو ليعذّبني»، ثمّ أمر(صلي الله عليه وآله وسلم) فنودي بالصلاة جامعة، ثم خطب فقال: «أيها الناس، أتعلمون أن اللّه عزّوجلّ مولاي وأنا مولي المؤمنين، وأنا أولي بهم من أنفسهم»؟ قالوا: بلي يا رسول اللّه، قال: «قم يا علي»، فقمت، فقال: «من كنت مولاه فعلي هذا مولاه، اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه».

فقام سلمان فقال: يا رسول اللّه ولاءٌ كماذا؟ قال(صلي الله عليه وآله وسلم): «ولاءٌ كولايتي من كنت أولي به من نفسه فعليّ أولي به من نفسه»، فأنزل اللّه تعالي ذكره: (اَليَومَ أَكْمَلْتُ لكُمْ دِينَكُم وأتممت عليكم نعمتي ورضيتُ لكم الإسلام ديناً) الآية.. فكبر النبي(صلي الله عليه وآله وسلم)وقال: «اللّه أكبر تمام نبوّتي، وتمام دين اللّه ولاية علي بعدي».

فقام أبو بكر وعمر، فقالا: يا رسول اللّه

هؤلاء الآيات خاصّة في علي؟ قال: «بلي فيه وفي أوصيائي إلي يوم القيامة»، قالا: يا رسول اللّه بيّنهم لنا، قال: «علي أخي ووزيري، ووارثي ووصيّي وخليفتي في أمتي ووليّ كلّ مؤمن بعدي، ثمّ ابني الحسن، ثمّ الحسين، ثمّ تسعةٌ من ولد ابني الحسين واحدٌ بعد واحد، القرآن معهم وهم مع القرآن، لايفارقونه ولا يفارقهم حتي يردوا عليّ الحوض».

فقالوا كلهم: اللهمّ نعم قد سمعنا ذلك، وشهدنا كما قلت سواء. وقال بعضهم: قد حفظنا جلّ ما قلت ولم نحفظه كله، وهؤلاء الذين حفظوا أخيارنا وأفاضلنا، فقال علي: «صدقتم، ليس كلّ الناس يستوون في الحفظ».

قال علي(عليه السلام): «اُنشد اللّه عزّوجلّ من حفظ ذلك من رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) لما قام فأخبر به»، فقام زيد بن أرقم، والبراء بن عازب، وسلمان، وأبو ذرّ، والمقداد، وعمار، فقالوا: نشهد لقد حفظنا قول النبي وهو قائم علي المنبر وأنت إلي جنبه، وهو يقول: «أيها الناس، إن اللّه عزّوجلّ أمرني أن أنصب لكم إمامكم، والقائم فيكم بعدي ووصيّي وخليفتي، والذي فرض اللّه عزّوجلّ علي المؤمنين في كتابه طاعته، فقرنه بطاعته وطاعتي، وأمركم بولايته، وإنّي راجعت ربّي خشية طعن أهل النّفاق وتكذيبهم، فأوعدني لأبلّغها أو ليعذّبني».

«يا أيّها النّاس، إن اللّه أمركم في كتابه بالصلاة فقد بيّنتها لكم، والزكاة والصوم، والحجّ فبينتها لكم وفسّرتها، وأمركم بالولاية، وإنّي اُشهدكم أنها لهذا خاصة»، ووضع يده علي عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) قال: «ثمّ لابنيه بعده، ثمّ للأوصياء من بعدهم من ولدهم، لايفارقون القرآن، ولايفارقهم القرآن حتي يردوا عليّ حوضي. أيها الناس، قد بيّنت لكم مفزعكم بعدي، وإمامكم ووليّكم ودليلكم وهاديكم. وهو أخي علي بن أبي طالب، وهو فيكم بمنزلتي فيكم، فقلّدوه دينكم وأطيعوه في جميع

اُموركم، فإن عنده جميع ما علّمني اللّه من علمه وحكمته، فسلوه وتعلّموا منه ومن أوصيائه بعده، ولاتعلّموهمولا تتقدموهم ولا تخلّفوا عنهم، فإنهم مع الحقّ والحق معهم، لا يزايلوه ولايزايلهم»، ثم جلسوا. الحديث.

العلامة الكبير الأميني

قال في كتابه الغدير [1: 9] نقلاً عن الطبقات لابن سعد [3: 225. و 2: 172 ط. دار الفكر بيروت]و الامتاع للمقريزي [ص 510] وإرشاد السّاري في شرح صحيح البخاري لابن حجر [6: 429]:

أجمع رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم)، الخروج إلي الحجّ في سنة عشر من مهاجره، وأذّن في النّاس بذلك، فقدم المدينة خلقٌ كثيرٌ يأتمّون به في حجته تلك التي يقال عليها حجّة الوداع، وحجة الإسلام، وحجة البلاغ، وحجة الكمال، وحجة التمام، ولم يحجّ غيرها منذ هاجر إلي أن توفّاه اللّه.

فخرج(صلي الله عليه وآله وسلم) من المدينة مغتسلاً متدهّناً مترجّلاً متجرّداً في ثوبين صحاريّين، إزار ورداء، وذلك يوم السبت لخمس ليال أو ستّ بقين من ذي القعدة، وأخرج معه نساءه كلّهنّ في الهودج، وسار مع أهل بيته وعامة المهاجرين والأنصار، ومن شاء من قبائل العرب وأفناء الناس.

وعند خروجه(صلي الله عليه وآله وسلم) أصاب النّاس بالمدينة جدري بضمّ الجيم وفتح الدال أو حصبةٌ منعت كثيراً من النّاس من الحجّ معه(صلي الله عليه وآله وسلم) ومع ذلك كان معه جموع لا يعلمها إلاّ اللّه تعالي، وقد يقال: خرج معه تسعون ألف، ويقال: مئة ألف وأربعة عشر ألفاً، وقيل: مئة ألف وعشرون ألفا. وقيل: مئة الف وأربعة وعشرون ألفاً. ويقال أكثر من ذلك، وهذه عدّة من خرج معه، وأمّا الذين حجّوا معه فأكثر من ذلك، كالمقيمين بمكّة والذين أتوا من اليمن مع علي أمير المؤمنين وأبي موسي.

أصبح(صلي الله عليه وآله وسلم) يوم الأحد بيلملم،

ثمّ راح فتعشّي بشرف السيّالة، وصلّي هناك المغرب والعشاء، ثمّ صلّي الصبح بعرق الظبية، ثمّ نزل الروحاء، ثمّ سار من الروحاء فصلّي العصر بالمنصرف، وصلّي المغرب والعشاء بالمتعشّي وتعشّي به، وصلّي الصبح بالإثابة، وأصبح يوم الثلاثاء بالعرج واحتجم بلحي جمل وهو عقبة الجحفة ونزل السقياء يوم الأربعاء، وأصبح بالأبواء، وصلّي هناك، ثمّ راح من الأبواء، ونزل يوم الجمعة الجحفة، ومنها إلي قديد و سبت فيه، وكان يوم الأحد بعسفان، ثمّ سار فلمّا كان بالغميم اعترض المشاة فصفّوا صفوفاً، فشكوا إليه المشي، فقال: استعينوا بالنسلان (مشي سريع دون العدو) ففعلوا فوجدوا لذلك راحة، وكان يوم الإثنين بمرّ الظهران، فلم يبرح حتي أمسي وغربت له الشّمس بسرف، فلم يصلّ المغرب حتّي دخل مكّة، ولمّا انتهي إلي الثّنيّتين بات بينهما، فدخل مكّة نهار الثلاثاء.

فلمّا قضي مناسكه وانصرف راجعاً إلي المدينة ومعه من كان من الجموع المذكورات، ووصل إلي غدير خمّ من الجحفة التي تتشعّب فيها طرق المدنييّن والمصريّين والعراقيين، وذلك يوم الخميس الثّامن عشر من ذي الحجة، نزل إليه جبرئيل الأمين عن اللّه بقوله: (يا أيُّها الرَّسُولُ بَلّغْ مَا اُنْزِلَ إلَيْكَ مِنْ رَبّكَ) الآية، وأمره أن يقيم عليّاً علماً للنّاس، ويبلّغهم ما نزل فيه من الولاية وفرض الطّاعة علي كلّ أحد.

وكان أوائل القوم قريباً من الجحفة فأمر رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) أن يردّ من تقدّم منهم ويحبس من تأخّر عنهم في ذلك المكان، ونهي عن سمرات خمس متقاربات دوحات عظام أن لا ينزل تحتهنّ أحدٌ، حتّي إذا أخذ القوم منازلهم فقمّ ما تحتهنّ، حتّي إذا نودي بالصلاة صلاة الظهر عمد إليهن فصلّي بالناس تحتهنّ، وكان يوماً هاجراً يضع الرجل بعض ردائه علي رأسه وبعضه تحت قدميه

من شدّة الرّمضاء، وظلّل لرسول اللّه بثوب علي شجرة سمرة من الشّمس، فلمّا انصرف(صلي الله عليه وآله وسلم) من صلاته قام خطيباً وسط القوم علي أقتاب الإبل وأسمع الجميع، رافعاً عقيرته، فقال:

«الحمد للّه ونستعينه ونؤمن به، ونتوكّل عليه، ونعوذ باللّه من شرور أنفسنا، ومن سيّئات أعمالنا الذي لا هادي لمن ضلّ، ولا مضلّ لمن هدي. وأشهد أن لا إله إلاّ اللّه، وأن محمّداً عبده ورسوله.

أما بعد: أيّها الناس قد نبأني اللطيف الخبير أنه لم يعمر نبي إلاّ مثل نصف عمر الذي قبله، وإنّي اُوشك أن اُدعي فأجيب، وإنّي مسؤولٌ وإنكم مسؤولون، فماذا أنتم قائلون؟» قالوا: نشهد أنّك قد بلّغت ونصحت وجهدت، فجزاك اللّه خيراً.

قال: «ألستم تشهدون أن لا إله إلاّ اللّه، وأنّ محمّداً عبده ورسوله، وأنّ جنته حق، وناره حق، وأن الموت حق، وأن الساعة آتيةٌ لا ريب فيها، وأن اللّه يبعث من في القبور؟» قالوا: بلي نشهد بذلك. قال: «اللهم اشهد».

ثمّ قال: «أيها الناس ألا تسمعون؟» قالوا: نعم، قال: «فإنّي فرطٌ علي الحوض، وأنتم واردون علي الحوض، وأن عرضه ما بين صنعاء وبصري، فيه أقداحٌ عدد النجوم من فضة فانظروا كيف تخلفوني في الثقلين» فنادي مناد: وما الثقلان يا رسول اللّه؟ قال: «الثقل الأكبر كتاب الله طرف بيد الله عزّوجلّ وطرف بأيديكم فتمسّكوا به ولا تضلّوا والآخر الأصغر عترتي، وإن اللطيف الخبير نبأني أنّهما لن يفترقا حتي يردا عليّ الحوض، فسألت ذلك لهما ربّي، فلا تقدّموهما فتهلكوا، ولا تقصّروا عنهما فتهلكوا».

ثمّ أخذ بيد علي فرفعها حتي رؤي بياض آباطهما وعرفه القوم أجمعون فقال: «أيها الناس من أولي الناس بالمؤمنين من أنفسهم؟» قالوا: اللّه ورسوله أعلم، قال: «إن اللّه مولاي وأنا مولي المؤمنين، وأنا أولي

بهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه فعلي مولاه»، يقولها ثلاث مرّات، وفي لفظ أحمد إمام الحنابلة: أربع مرّات، ثمّ قال: «اللهمّ وال من والاه، وعاد من عاداه، وأحبّ من أحبّه، وابغض من أبغضه. وانصر من نصره. واخذل من خذله، وأدر الحقّ معه حيث دار، ألا فليبلّغ الشاهد الغائب».

ثمّ لم يتفرّقوا حتّي نزل أمين وحي اللّه بقوله: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي) الآية. فقال رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم): «اللّه أكبر علي إكمال الدّين، وإتمام النعمة، ورضا الربّ برسالتي، والولاية لعلي من بعدي»، ثمّ طفق القوم يهنّئون أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه. وممّن هنّأه في مقدّم الصحابة: الشيخان أبو بكر و عمر كلّ يقول: بخ بخ لك يابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولاي ومولي كلّ مؤمن ومؤمنة. وقال ابن عبّاس: وجبت واللّه في أعناق القوم، فقال حسان: إئذن لي يا رسول اللّه أن أقول في علي أبياتاً تسمعهنّ، فقال: قل علي بركة اللّه، فقام حسّان فقال: يا معشر مشيخة قريش أتبعها قولي بشهادة من رسول اللّه في الولاية ماضية، ثمّ قال:

يناديهم يوم الغدير نبيّهم

بخمّ فأسمع بالرسول مناديا

هذا مجمل القول في واقعة الغدير، وسيوافيك تفصيل ألفاظها، وقد أصفقت الاُمّة علي هذا، وليست في العالم كلّه وعلي مستوي البسيط واقعة إسلاميّة غديريّة غيره، ولو أطلق يومه فلا ينصرف إلاّ إليه. وإن قيل محلّه فهو هذا المحلّ المعروف علي اُمم من الجحفة، ولم يعرف أحد من البحّاثة والمنقّبين سواه، نعم: شذّ عنهم الدكتور ملحم إبراهيم الأسود في تعليقه علي ديوان أبي تمام، فإنّه قال: هي واقعة حرب معروفة، ولنا حول ذلك بحث ضاف تجده في ترجمة أبي تمام من الجزء الثاني إن شاء اللّه.

وقد ذكر الشيخ

المؤلّف في كتابه المذكور عدد طرق رواة الغدير، ما فاق بها الأئمّة البحّاثة من متقدّميه، وقد كان الإمام ابن حنبل فيما ذكره الشيخ من تعليقه [ص 14] قد روي حديث الغدير من أربعين طريقاً، وابن جرير الطبري من نيّف وسبعين طريقاً، والجزري المقري من ثمانين طريقاً، وأبو بكر الجعابي من مئة وخمسة وعشرين طريقاً، وكان هو رضوان اللّه عليه قد ذكر رواة حديث الغدير من الصحابة مئة وعشرة صحابيّاً، ومن التابعين أربعة وثمانين تابعياً، وفي طبقات الرواة من أئمّة الحديث وحفّاظه والأساتذة المبرّزين في هذا الفنّ ثلاثمائة وستّون نسمة، ولذلك أشار بعضهم إلي كتابه القيّم «الغدير» ممتدحاً بقوله [20]:

سألوني عن الغدير أناس

أين كان الغدير قبل الأميني

قلت كان الغدير في سجن غيّ

صفّدته قيود إفك ومين

وغدا في السجون من يوم خمّ

يوم قال الإله أكلمت ديني

قد أتاه الأمين لمّا دعاه

مستعيناً فياله من معين

فجزاه الإله خير جزاء

أوضح الحقّ في كتاب مبين

وإذا بالغدير بين يدينا

فيه تبيان كلّ شيء دفين

فيه ما تشتهي النفوس وفيه

ما تلذّ العيون رأي العيون

فرحة الصادقين فيه وفيه

ترحة الكاذبين حقّ اليقين

يا كتاب الغدير أبهجت منّا

مذتلوناك كلّ قلب حزين

سوف يبقي بعزة الدهر نوراً

خالداً في الوجود طول السنين

وسلام علي المؤلّف سفر

فاق فضلاً رجال كلّ القرون

سوره صافات، آيه 24

اشاره

في قوله عزّوجل: (وَقِفُوهُمْ إنَّهُمْ مَسْؤولُون) [الصافات: آية 24].

قال الأعلام من أهل التّفاسير، وحفظة السّنن: كثرت الأقاويل، واختلف أهل التّأويل، في المعني المراد به المسؤول عنه في هذه الآية الشّريفة، ومن جملة المعاني التي ذكروها في تفاسيرهم وتآليفهم، بأن المسؤول عنه غداً هو: ولاية أمير المؤمنين علي(عليه السلام). وإليك من ذكر ذلك:

الامام الواحدي

قال في كتابه أسباب النزول بعد ذكر حديث الغدير: هذه الولاية التي أثبتها النبي(صلي الله عليه وآله وسلم) لعلي مسؤولٌ عنها يوم القيامة، روي في قوله تعالي: (وقفُوهُمْ إنَّهُمْ مَسْؤُولون) أي عن ولاية علي(رضي الله عنه) وأهل البيت. والمعني: أنّهم يسألون هل والوهم حقّ الموالاة كما أوصاهم النّبي(صلي الله عليه وآله) أم أضاعوها وأهملوها؟ فتكون عليهم المطالبة والتبعة.

وذكره أيضاً ابن حجر في الصّواعق [ص 89] والزّرندي في نظم الدرر [ص 109]والسّيد الحبيب أبو بكر بن شهاب الدّين العلوي الحضرمي في كتابه رشفة الصادي [ص 24].

الحموئي

أخرج في فرائد السمطين [1: 81] من طريق الحاكم مسنداً عن عبد اللّه بن مسعود، قال: قال رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم): «أتاني ملكٌ فقال: يا محمّد! واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا علي ما بعثوا؟ قال: قلت: علي ما بعثوا؟ قال: علي ولايتك وولاية علي بن أبي طالب صلي اللّه عليهما.

وقال: روي عن علي(عليه السلام) أنّه قال: «جعلت الموالاة أصلاً من أصول الدّين».

وأخرج في [1: 97] من طريق الحاكم مسنداً عن سفيان بن إبراهيم الحرنوي عن أبيه عن أبي صادق، قال: قال علي(عليه السلام): «اُصول الإسلام ثلاثة، لا تنفع واحدة منهنّ دون صاحبها: الصلاة والزكاة والموالاة».

الآلوسي صاحب التفسير

قال في تفسيره روح المعاني [23: 80 ط. دار الاحياء بيروت] في قوله تعالي: (وقفُوهم إنَّهُمْ مَسْؤولُون)بعد ما أتي بأقوال فيها: وأولي هذه الأقوال أن السؤال عن العقائد والأعمال، ورأس ذلك: لا إله إلا اللّه، ومن أجلّه ولاية علي كَرَّم اللّهُ وجهه.

ومن طريق البيهقي عن الحاكم النّيسابوري بإسناده عن رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم): إذا جمع اللّه الأوّلين والآخرين يوم القيامة، ونصب الصراط علي جسر جهنّم لم يجزها أحد إلاّ من كانت معه براءةٌ بولاية علي كرّم اللّه وجهه.

وأخرجه محب الدين الطّبري في الرياض النضرة [2: 172].

ابن حجر

قال في كتابه الصّواعق [ص 89]: أخرج الديلمي عن أبي سعيد الخدري أنّ النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم) قال: «وقفوهم إنّهم مسؤولون عن ولاية علي»، وكان هذا هو مراد الواحدي بقوله: روي في قوله تعالي: (وقفوهم إنّهم مسؤولُون) أي: عن ولاية علي وأهل البيت؛ لأنّ اللّه أمر نبيّه أن يعرّف الخلق أنّه لا يسألهم علي تبليغ الرّسالة أجراً إلاّ المودّة في القربي. والمعني: إنّهم يسألون، هل والوهم حقّ المولاة كما أوصاهم النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم) أم أضاعوها وأهملوها؟ فتكون عليهم المطالبة والتبعة.

ولعل هذه التّفاسير المبيّنة للمعني المراد بالآية الشّريفة إذا قورنت بحديث البراءة والجواز علي الصّراط لاستبانت حقيقة الأمر جليّةً لاغبار فيها لمن كان له قلبٌ منصفٌ وبصيرةٌ منيرة، بل وازداد يقيناً علي يقين بأن ليس معنيً من المعاني التي فسّر بها بعض المفسّرين من الأمور المسؤولة عنها بأكثر ملائمةً من معني الولاية لإمير المؤمنين(عليه السلام).

كقوله(صلي الله عليه وآله وسلم) فيما أخرجه الحافظ ابن السمان في الموافقة عن قيس بن حازم، قال: التقي أبو بكر الصدّيق وعليّ بن أبي طالب، فتبسّم أبو بكر في وجه عليّ،

فقال له: مالك تبسّمت؟ قال: سمعت رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) يقول: لا يجوز أحدٌ الصراط إلاّ من كتب له عليّ الجواز.

وقد ذكره المحبّ الطبري في الرّياض النضرة [2: 177 و 244] وابن حجر في الصّواعق [ص 75] والصّبّان في إسعاف الراغبين [ص 176] بهامش نور الأبصار.

وكقوله(صلي الله عليه وآله وسلم) فيما أخرجه الحافظ الخوارزمي في المناقب [ص 320 ط. قم] بإسناده عن مجاهد، عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم): إذا كان يوم القيامة أقام اللّه عزّوجلّ جبرئيل و محمّداً علي الصّراط، فلا يجوزه أحدٌ إلاّ من كان معه براءةٌ من عليّ بن أبي طالب(عليه السلام).

وروي ابن المغازلي في المناقب [ص 119 ط. طهران]: عليٌّ يوم القيامة علي الحوض، لا يدخل الجنّة إلاّ من جاء بجواز من عليّ بن أبي طالب. وذكره القرشي في شمس الأخبار [ص 36].

وكقوله(صلي الله عليه وآله وسلم) فيما أخرجه الحاكم كما رواه الطبري في الرّياض النّضرة [2: 172]عن عليّ قال: قال رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم): إذا جمع اللّه الأوّلين والآخرين يوم القيامة، ونصب الصراط علي جسر جهنّم، لم يجز بها احدٌ إلاّ من كانت معه براءة بولاية علي بن أبي طالب.

وذكره الحمويني في فرائد السّمطين في الباب الرابع و الخمسين [1: 289].

كما أخرجه الخوارزمي في المناقب [ص 71] عن الحسن البصري، عن عبد اللّه، قال: قال رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم): إذا كان يوم القيامة يقعد عليّ بن أبي طالب علي الفردوس، وهو جبل قد علا علي الجنّة، وفوقه عرش ربّ العالمين، ومن سفحه تتفجّر أنهار الجنّة وتتفرّق في الجنان، وهو جالسٌ علي كرسيّ من نور يجري بين يديه التسنيم، لا

يجوز أحدٌ الصّراط إلاّ ومعه براءةٌ بولايته وولاية أهل بيته، يشرف علي الجنّة فيدخل محبّيه الجنّة ومبغضية النّار.

ورواه الحمّوئي في كتابه فرائد السمطين في الباب الرّابع والخمسين [1: 292].

وكذلك فيما أخرجه القاضي عياض في الشّفاء [ص 41 ط. العثمانية سنة 1312 و 2: 47 ط. دار الفكر بيروت]عن النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: معرفة آل محمّد براءة من النّار، وحبّ آل محمّد جوازٌ علي الصّراط، والولاية لآل محمّد آمانٌ من العذاب.

ورواه ابن حجر في الصّواعق [ص 139]والشّبراوي في الإتحاف [ص 15] والحبيب أبو بكر بن شهاب الدّين في رشفة الصّادي [ص 459].

ومعرفتهم كما قال بعض العلماء فيما ذكره القاضي عياض في الكتاب المذكور هي: معرفة مكانهم من النّبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم) فإذا عرفهم بذلك عرف وجوب حقّهم وحرمتهم بسببه(صلي الله عليه وآله وسلم). ثمّ ذكر بعده آية التّطهير وحديث: «من كنت مولاه فعليّ مولاه، اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه»، وغير ذلك ممّا له علاقة بأهل البيت النّبوي من الفضائل ما جاءت بها السنن الثّابتة عن مصدر الرّسالة صلوات اللّه عليه وآله.

وكقوله(صلي الله عليه وآله وسلم) فيما أخرجه الخطيب البغدادي في تأريخه [3: 161 ط. دار الكتب العلمية بيروت]عن ابن عبّاس قال: قلت للنّبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم): يا رسول اللّه للنّار جوازٌ؟ قال: نعم، قلت: وما هو؟ قال: حبّ علي بن أبي طالب.

ابن شهرآشوب

أورد في كتابه مناقب آل أبي طالب [2: 152 ط. دار الأضواء] نقلاً عن كتاب ما نزل من القرآن في علي(عليه السلام) للشّيرازي، وأبو معاوية الضّرير، عن الأعمش، عن مسلم النّظير، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس، قال: إذا كان يوم القيامة أمر اللّه مالكاً أن

يسعّر النيران السّبع، وأمر رضوان أن يزخرف الجنان الثمانية، ويقول: يا ميكائيل مدّ الصراط علي متن جهنم، ويقول: يا جبرئيل إنصب الميزان تحت العرش، ونادِ يا محمّد قرّب اُمتّك للحساب، ويأمر اللّه تعالي أن يعقد علي الصّراط سبع قناطر، طول كل قنطرة سبعة عشر ألف فرسخ، وعلي كلّ قنطرة سبعون ألف ملك قيامٌ.

فيسألون هذه الاُمّة نساؤهم ورجالهم علي القنطرة الاُولي: عن ولاية علي بن أبي طالب وحبّ آل محمّد(عليهم السلام)، فمن أتي به جاز القنطرة الأولي كالبرق الخاطف، ومن لم يحب أهل بيت نبيّه سقط علي اُمّ رأسه في قعر جهنّم، ولو كان له من أعمال البرّ عمل سبعين صدّيقاً.

وعلي القنطرة الثّانية: يسألون عن الصّلاة، وعلي الثّالثة: يسألون عن الزّكاة، وعلي القنطرة الرابعة: عن الصّيام. وعلي الخامسة: عن الحجّ، وعلي السّادسة: عن العدل. فمن أتي بشي من ذلك جاز كالبرق الخاطف، ومن لم يأت عذّب. وذلك قوله: (وقفوهم إنّهُم مسؤولُون) يعني: معاشر الملائكة، وقفوهم. يعني: العباد علي القنطرة الاُولي عن ولاية علي وحبّ أهل البيت.

وسئل الباقر(عليه السلام) عن هذه الآية، فقال: «يقفون فيسألون ما لكم لا تناصرون في الآخرة كما تعاونتم في الدنيا علي علي(عليه السلام)؟ قال: يقول اللّه: (بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُون - وأقبْلَ بعضُهُمْ علي بعض يتساءَلون) إلي قوله: (مُجْرِمِين)».

قال ابن شهر آشوب: قال محمّد بن إسحاق. والشعبي، والأعمش، وسعيد بن جبير، وابن عبّاس، وأبو نعيم الأصفهاني، والحاكم الحسكاني، والنطنزي، وجماعة أهل البيت(عليهم السلام) في قوله تعالي: (وَقِفوهُمْ إنَّهُمْ مَسْؤُولُون) يعني: عن ولاية علي بن أبي طالب وحبّ أهل البيت(عليهم السلام).

وعن الرضا(عليه السلام): أنّ النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم) قرأ: (إنّ السّمْعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤُادَ كُلُّ اُولئكَ كان عَنْهُ مَسْؤُولاً) [الاسراء: 36]، فسئل عن

ذلك، فأشار إلي الثّلاثة، فقال: هم السّمع والبصر والفؤاد. وسيسألون عن وصيّي هذا، وأشار إلي علي بن أبي طالب، ثمّ قال: وعزّة ربّي إنّ جميع أمّتي لموقوفون يوم القيامة، ومسؤولون عن ولايته، وذلك قول اللّه تعالي: (وَقِفُوهُمْ إنَّهُمْ مَسْؤُولُون).

وفي تفسير وكيع بن سفيان، عن السدي في قوله تعالي: (فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِين) [الحجر: 92] عن ولاية أمير المؤمنين، ثمّ قال: (عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُون) [الحجر: 93]عن أعمالهم في الدّنيا.

وعن أبي جعفر(عليه السلام) في قوله تعالي: (ثمّ لَتُسْألُنَّ يَوْمَئِذ عَنِ النّعِيم) [التكاثر: 8]يعني: الأمن، والصحّة، وولاية علي بن أبي طالب.

وروي الثّعلبي في تفسيره عن مجاهد عن ابن عبّاس، وأبو القاسم القشيري في تفسيره عن الحاكم الحافظ عن أبي برزة، وابن بطّة في الإبانة بإسناده عن أبي سعيد الخدري، كلّهم، عن النّبي(صلي الله عليه وآله وسلم) قال: لا تزول قدم عبد يوم القيامة حتّي يسأل عن أربعة: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن حبّنا أهل البيت.

وفي أربعين المكّي وولاية الطبري: فقيل له: فما آية محبّتكم من بعدكم؟ فوضع يده علي رأس عليّ وهو علي جانبه، فقال: «إنّ حبّي من بعدي حبّ هذا».

وفي منقبة المطهّرين عن أبي نعيم: فقال عمر: ما آية حبّكم يا رسول اللّه؟ قال(صلي الله عليه وآله وسلم): «حب هذا». ووضع يده علي كتف عليّ وقال: «من أحبّه فقد أحبّنا، ومن أبغضه فقد أبغضنا».

وقال ابن عبّاس: قال النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم): «والّذي بعثني بالحقّ، لا يقبل اللّه من عبده حسنة حتّي يسأله عن حبّ علي بن أبي طالب(عليه السلام)».

الطبرسي

قال في تفسيره مجمع البيان [4: 568 ط، مؤسسة التاريخ العربي بيروت] في قوله تعالي: (إنَّهُمْ مَسْؤُولُون):

روي أنس بن مالك مرفوعاً، إنّهم مسؤولون عمّا دعوا إليه من البدع، وقيل: عن أعمالهم وخطاياهم، وقيل عن قول لا إله إلاّ اللّه، وقيل: عن ولاية علي(عليه السلام).

وفي ذلك قال الحميري:

أشهد باللّه وآلائه

والمرء عمّا قاله يسأل

أنّ عليّ بن أبي طالب

خليفة اللّه الذي يعدل

وأنّه قد كان من أحمد

كمثل هارون ولا مرسل

لكن وصيّاً خازناً عنده

علمٌ من اللّه به يعمل

وقال الصاحب بن عباد:

عليّ أمير المؤمنين خليفةٌ

شهدت له بالجنّة المتعاليه

وإنّي لأرجو من مليكي كرامةً

بحبّ عليّ يوم اُعطي كتابيه

راجع: المناقب لابن شهرآشوب [2: 262 و3: 64 ط. دار الاضواء بيروت].

سوره مائده، آيه 55

اشاره

في قوله عزّوجلّ: (إنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ والَّذين آمنُوا الَّذين يقيمون الصَّلاة ويُؤتُون الزَّكاةَ وَهُمْ رَاكِعُون) [المائدة: 55].

دلّت الرّوايات المتواترة في كتب التفسير والحديث والفقه والكلام لفظاً ومعني، علي أنّ نزول الآية الكريمة في حقّ الإمام علي(عليه السلام)، ونصّ علي صحّة تلك المرويات الأعاظم من الجمهور، من أهل التّفاسير وقادة السّنن الشّريفة، فمنهم:

الواحدي

وقد روي هذا المفسّر الكبير في تفسيره أسباب النّزول [ص 148 ط. مصر سنة 1315]أنّ عبداللّه بن سلام أقبل ومعه نفرٌ من قومه وشكوا بُعد المنزل عن المسجد، وقالوا: إنّ قومنا لمّا رأوا أسلمنا رفضونا ولا يكلّمونا ولا يجالسونا ولا يناكحونا، فنزلت هذه الآية، فخرج النبي(صلي الله عليه وآله وسلم) إلي المسجد فرأي سائلاً فقال: «هل أعطاك أحدٌ شيئاً؟ قال: نعم خاتم فضّة». وفي رواية: قال(صلي الله عليه وآله وسلم): «من أعطاكه؟ قال: أعطانيه هذا الرّاكع».

الثعلبي

فقد أخرج في تفسيره السّائر الدّائر «الكشف والبيان» بإسناده عن أبي ذرّ الغفاري، قال: أما إنّي صلّيت مع رسول اللّه(صلي الله عليه وآله) يوماً من الأيّام الظهر، فسأل سائلٌ في المسجد فلم يعطه أحدٌ شيئاً، فرفع السّائل يديه إلي السّماء وقال: اللهمّ اشهد أنّي سألت في مسجد نبيّك محمّد(صلي الله عليه وآله وسلم) فلم يعطني أحدٌ شيئاً، وكان علي(رضي الله عنه) في الصّلاة راكعاً، فأومأ إليه بخنصره اليمني وفيه خاتمٌ، فأقبل السائل فأخذ الخاتم من خنصره، وذلك بمرأي من النبيّ(صلي الله عليه وآله) وهو في المسجد، فرفع رسول اللّه طرفه إلي السّماء وقال: اللهمّ إن أخي موسي سألك فقال: (ربّ اشْرَحْ لي صَدْرِي - وَيَسِّرْ لي أمرِي - وَاْحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي - يفقهوا قولي - واجعل لي وزيراً من أهْلي - هَارُونَ أخي - اُشدد بهِ أزْري - وأشْركْهُ فِي أَمْري). فأنزلت عليه قرآناً: (سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأخِيكَ ونَجْعلُ لَكُما سُلْطَاناً) اللهم إنّي نبيّك وصفيّك، اللهم اشرح لي صدري ويسّر لي أمري، واجعل لي وزيراً من أهلي عليّاً اشددبه ظهري.

قال أبو ذرّ (رضي الله عنه): فما استتمّ دعاءه حتّي نزل جبرئيل(عليه السلام) من عند اللّه عزّوجلّ وقال: يا محمّد

اقرأ: (إنّما وَلِيّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ والذين آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاة وَهُمْ رَاكِعُون). راجع: إحقاق الحق [3: 504] عنه.

وروي فيه أيضاً عن أبي جعفر(عليه السلام): أنّ رهطاً من اليهود أسلموا، منهم: عبد اللّه بن سلام، واُسيد، وبنيامين، وسلام، وابن صوريا، فقالوا: يا رسول اللّه أنّ موسي أوصي إلي يوشع بن نون، فمن وصيّك يا رسول اللّه؟ ومن ولّيت بعدك؟ فنزلت هذه الآية، ثمّ قال رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم): قوموا، فقاموا فأتوا المسجد، فإذا السائل خارجٌ، فقال(صلي الله عليه وآله وسلم): «يا سائل ما أعطاك أحدٌ شيئاً؟» قال: نعم هذا الخاتم، قال: «من أعطاكه؟» قال: أعطانيه ذلك الرجل الذي يصلّي. قال(صلي الله عليه وآله وسلم)، «علي أي حال أعطاك؟» قال: راكعاً، فكبّر النبي(صلي الله عليه وآله وسلم)وكبّر أهل المسجد، فقال(صلي الله عليه وآله وسلم): «علي بن أبي طالب وليّكم بعدي» فقالوا: رضينا باللّه ربّاً، وبالإسلام ديناً، وبمحمّد نبيّاً، وبعلي وليّاً، فأنزل اللّه تعالي: (وَمَنْ يَتوَلّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنّ حِزْبَ اللّهِ هُم الغَالِبُون) [المائدة: 56].

الشيرازي

فقد روي في كتابه «ما نزل من القرآن في علي» نقلاً عن ابن شهرآشوب في مناقبه [3: 4 ط. دار الأضواء]: أنّه لمّا سأل السّائل وضعها علي ظهره، إشارة إليه أن ينزعها، فمدّ السّائل يده ونزع الخاتم من يده ودعا له، فباهي اللّه تعالي ملائكته بأمير المؤمنين، وقال: ملائكتي أما ترون عبدي؟ جسده في عبادتي، وقلبه معلّقٌ عندي، وهو يتصدّق بماله طلباً لرضاي. اُشهدكم أنّي رضيت عنه وعن خلفه، يعني ذريّته. ونزل جبرئيل بالآية.

قال ابن شهرآشوب: وفي المصباح: تصدّق به يوم الرابع والعشرين من ذي الحجّة. وفي رواية أبي ذر: كان(عليه السلام) في صلاة الظّهر. وروي أنّه

كان(عليه السلام) في نافلة الظهر.

ابن شهرآشوب

وهو الحافظ الشّهير محمّد بن علي بن شهر آشوب المازندراني المتوفّي سنة (588 ه)، قال في كتابه مناقب آل أبي طالب [3: 4 ط. دار الأضواء] نقلاً عن أمالي ابن بابويه أنّه قال عمر بن الخطّاب: لقد تصدّقت بأربعين خاتماً وأنا راكعٌ لينزل فيّ ما نزل في علي بن أبي طالب فما نزل.

وذكر في كتابه المذكور نقلاً عن الواحدي في أسباب النّزول قوله تعالي: (وَمَنْ يَتوَلَّ اللهَ وَرسولَه) يعني: يحبّ اللّه ورسوله (والّذين آمنوا) يعني: عليّاً (فَإنَّ حِزْبَ اللّه) يعني: شيعة اللّه ورسوله ووليّه (هُمُ الغَالِبُون) يعني: هم الغالبون علي جميع العباد. فبدأ عزّوجلّ في هذه الآية بنفسه، ثمّ بنبيّه، ثمّ بوليّه، وكذلك في قوله تعالي: (إنَّمَا وَلَيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ والَّذِينَ آمَنُوا) الآية.

وروي فيه نقلاً عن كتاب الكافي للكليني [1: 427 ح 77] عن جعفر بن محمّد عن أبيه عن جدّه(عليهم السلام) قال: لمّا نزلت: (إنَّما وليُّكُمُ اللّهُ ورسُولُهُ والذينَ آمنوا) اجتمع نفرٌ من أصحاب رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) في مسجد المدينة، وقال بعضهم لبعض: ما تقولون في هذه الآية؟ قال بعضهم: إن كفرنا بهذه الآية نكفر بسائرها، وإن آمنّا فإن هذه ذلّ حين يسلّط علينا علي بن أبي طالب، فقالوا: قد علمنا أنّ محمّداً صادقٌ فيما يقول، ولكنّا نتولاّه ولا نطيع عليّاً فيما أمرنا، فنزل: (يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللّهِ ثُمّ يُنْكِرُونَهَا)يعني: ولاية محمّد(صلي الله عليه وآله وسلم)(وأكثرهم الكافرون) بولاية علي(عليه السلام).

وذكر فيه أيضاً [3: 5 6] ما ورد عن علي بن جعفر عن أبي الحسن(عليه السلام)في قوله تعالي: (واذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوا لاِدَمَ فَسَجَدُوا إلاَّ اِبْلِيسَ أبَي) أوحي اللّه إليه: يا محمّد إني أمرت فلم اُطع فلا تجزع

إذا أمرت فلم تُطع في وصيّك.

فقوله تعالي: (وَالَّذِين آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ ويؤتُون الزكاة وَهُمْ راكِعُون)أثبت الولاية لمن جعله وليّاً لنا علي وجه بالتخصيص [21]، ونفي معناها عن غيره، ويعني بوليّكم القائم باُموركم ومن يلزمكم طاعته، وإذا ثبت ذلك ثبتت إمامته، لأن لا أحد يجب له التصرف في الأمّة وفرض الطاعة له بعد النّبي إلاّ من كان إماماً لهم، وثبتت أيضاً عصمته، لأنّه سبحانه وتعالي إذا أوجب له فرض الطّاعة مثل ما أوجبه لنفسه ولنبيّه(صلي الله عليه وآله وسلم)اقتضي ذلك طاعته في كلّ شيء، وهذا برهان عصمته، لأنّه لو لم يكن كذلك لجاز منه الأمر بالقبيح، فيقبح طاعته، وإذا قبحت كان تعالي قد أوجب فعل القبيح، وفي علمنا أنّ ذلك لا يجوز عليه سبحانه وتعالي وذلك دليلٌ علي وجوب العصمة.

قال خزيمة بن ثابت(رضي الله عنه):

فديت عليّاً إمام الوري

سراج البريّة مأوي التقي

وصيّ الرسول وزوج البتول

إمام البريّة شمس الضحي

تصدّق خاتمه راكعاً

فأحسنْ بفعل إمام الوري

ففضّله اللّه ربّ العباد

وأنزل في شأنه هل أتي

ابن كثير

فقد ذكر تلك الإثارة في تفسيره [22] بعد ما فر وكرّ، وأثبت فيها أقوالاً وأنكر. وإليك قوله: فقد توهّم بعض النّاس أنّ هذه الجملة في موضع الحال من قوله: (ويؤتونَ الزكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُون) أي: في حال ركوعهم، ولو كان هذا كذلك لكان دفع الزّكاة في حال الركوع أفضل من غيره لأنه ممدوحٌ، وليس الأمر كذلك عند أحد من العلماء ممّن نعلمه من أئمّة الفتوي، وحتّي أنّ بعضهم ذكر في هذا أثراً عن علي بن أبي طالب وأنّ هذه الآية نزلت فيه، وذلك أنّه مرّ به سائلٌ في حال ركوعه فأعطاه خاتمه، وهو راكعٌ، فنزلت الآية: (إنَّما وليُّكُم اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالذين آمَنُوا الذِينَ يقيمون الصلاة ويُؤتُونَ الزكَاةَ

وَهُم رَاكعُون).

وقال ابن جرير: حدّثني الحارث، حدّثنا عبد العزيز، حدّثنا غالب بن عبداللّه، سمعت مجاهداً يقول في قوله تعالي: (إنَّما وليُّكُم اللّهُ وَرَسُولُهُ): نزلت في علي بن أبي طالب، تصدّق وهو راكعٌ.

وقال ابن أبي حاتم: حدّثنا الرّبيع بن سليمان المرادي، حدّثنا أيوب بن سويد، عن عتبة بن أبي حكيم في قوله تعالي: (إنَّما وليُّكُمُ اللّهُ ورسولُهُ والذينَ آمَنُوا) قال: هم المؤمنون وعلي بن أبي طالب.

وحدّثنا أبو سعيد الأشج، حدّثنا الفضل بن دكين أبو نعيم الأحول، حدّثنا موسي ابن قيس الحضرمي عن سلمة بن كهيل قال: تصدّق عليّ بخاتمه وهو راكع فنزلت: (إنّما وَلِيُّكُم اللّهُ وَرَسُولُه) الآية.

وقال عبد الرّزاق: حدّثنا عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه عن ابن عبّاس في قوله تعالي: (إنّما وليُّكُم اللّهُ وَرَسُولُه) الآية نزلت في علي بن أبي طالب.

وروي ابن مروديه من طريق سفيان الثّوري عن أبي سنان عن الضّحّاك عن ابن عبّاس، قال: كان علي بن أبي طالب قائماً يصلّي فمرّ سائلٌ وهو راكعٌ، فأعطاه خاتمه، فنزلت (إنّما وَلِيُّكُم اللّه ورسوله) الآية، قال: الضّحّاك لم يلق ابن عبّاس.

وروي ابن مردويه أيضاً عن محمّد بن السّائب الكلبي، قال: وهو متروك، عن أبي صالح عن ابن عبّاس، قال: خرج رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) إلي المسجد و النّاس يصلّون بين راكع وساجد وقائم وقاعد، وإذا مسكينٌ يسأل، فدخل رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) فقال: «أعطاك أحدٌ شيئاً؟» قال: نعم، قال: «من؟» قال: ذلك الرّجل القائم، قال: «علي أي حال أعطاكه؟» قال: وهو راكعٌ، قال: وذلك علي بن أبي طالب، قال: فكبّر رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم)عند ذلك وهو يقول: (وَمَنْ يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسَولَهُ وَالذِينَ آمَنُوا فِإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الغَالِبُون).

قال

ابن كثير: وهذا إسنادٌ لا يقدح به.

ثمّ ذكر ما رواه ابن مروديه من حديث علي بن أبي طالب(رضي الله عنه) نفسه، وعمّار بن ياسر، وأبي رافع، وقال: وليس يصحّ منها شيء بالكليّة، لضعف أسانيدها وجهالة رجالها.

ثمّ روي بإسناده عن ميمون بن مهران، عن ابن عبّاس في قوله: (إنّما وَليُّكُم اللّهُ ورسوله) الآية، أنها نزلت في المؤمنين، وعليّ بن أبي طالب أوّلهم.

ثمّ أورد ما قاله ابن جرير: حدّثنا هنّاد، حدّثنا عبدة عن عبدالملك، عن أبي جعفر، قال: سألته عن هذه الآية: (إنّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ والذين آمنوا الذين يُقيمونَ الصلاة ويُؤتُونَ الزَّكَاةَ وهم رَاكِعُون) قلنا: من الذين آمنوا؟ قال: الّذين آمنوا، قلنا: بلغنا أنّها نزلت في عليّ بن أبي طالب. قال: علي من الذين آمنوا.

وقال أسباط عن السّدّي: نزلت هذه الآية في جميع المؤمنين، ولكن علي بن أبي طالب مرّ به سائلٌ وهو راكعٌ في المسجد فأعطاه خاتمه.

ثمّ قال في الأخير: وقد تقدّم في الأحاديث التي أوردناها أنّ هذه الآيات كلّها نزلت في عبادة بن الصّامت حين تبرّأ من حلف اليهود. إلي آخر كلامه.

أقول: ما أحسب النّابه البصير فيما اعترض به ابن كثير، ومن قوله باختصاص الآية بعبادة بن الصّامت أو ببعض المؤمنين. إلاّ استنكره من وجوه، وذلك كما قاله ابن شهرآشوب في مناقبه [3: 5 ط. دار الأضواء]:

1 واختصاص الآية ببعض المؤمنين حيث وصفهم بإيتاء الزكاة يوجب خروج من لم يؤتها.

2 ومن حيث خصّ إيتاؤهم بحال الركوع، ولم يحصل ذلك لجميع المؤمنين.

3 ومن حيث نفي الولاية عن غير المذكورين في الآية بإدخال لفظة «إنّما» وإيتاء الزكاة في حال الركوع لم يدع لأحد غير عليّ.

ولا مندوحة لابن كثير في صرف معني الآية إلي غير علي(عليه السلام)

إلاّ باستفظاعه عمل المتصدّق في حال الركوع حتّي رمي من قال: إنّ جملة الآية في موضع الحال بالوهم. كما مرّت عبارته. واللّه أعلم.

الزمخشري

وهو أبو القاسم جار اللّه محمود بن عمر الزمخشري الخوارزمي، المولود سنة (467) والمتوفّي سنة (538) قال في تفسيره الكشّاف [1: 648 649 ط. قم] في قوله تعالي: (إنَّما وَليُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذينَ آمَنُوا الذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةُ ويُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ راكِعُون): ومعني (إنَّما): وجوب اختصاصهم بالموالاة (والذين يُقيمُون) محلّه علي البدل من الذين آمنوا، أو علي (هُمُ الذين يُقيمون) وقال في (وهُمْ رَاكعون): الواو فيه للحال، أي: يعملون ذلك في حال الركوع، وهو الخشوع والإخبات والتواضع للّه إذا صلّوا وإذا زكّوا.

وقيل: هو حال من يؤتون الزكاة، بمعني: يؤتونها في حال ركوعهم في الصلاة، وإنها نزلت في علي كرّم اللّهُ وجهه، حين سأله سائلٌ وهو راكعٌ في صلاته، فطرح له خاتمه كأنّه كان مرجاً في خنصره، فلم يتكلّف لخلعه كثير عمل تفسد بمثله صلاته.

فإن قلت: كيف صحّ أن يكون لعلي(رضي الله عنه) واللّفظ لفظ جماعة؟ قلت: جيء به علي لفظ الجمع وإن كان السّبب رجلاً واحداً، ليرغب النّاس في مثل فعله، فينالوا مثل ثوابه، ولينبّه علي أنّ سجيّة المؤمنين يجب أن تكون علي هذه الغاية من الحرص علي البرّ والإحسان وتفقّد الفقراء، حتي إن لزمهم أمر لا يقبل التّأخير وهم في الصلاة لم يؤخّروه إلي الفراغ منها.

الشوكاني

وهو الشيخ الكبير محمّد بن علي بن محمّد الشوكاني، المتوفّي بصنعاء سنة (1250 ه) صاحب التّفسير المسمّي ب «فتح القدير» وقد ذكر هذه الإثارة عن الخطيب في المتّفق والمفترق عن ابن عبّاس، قال: تصدّق عليّ وهو راكع، فقال النبي(صلي الله عليه وآله وسلم) للسّائل: «من أعطاك هذا الخاتم؟» قال: ذلك الرّاكع، فأنزل اللّه فيه: (إنَّما وَليُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ)الآية.

قال: وأخرج عبد الرزّاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وأبو الشيخ، وابن

مردويه عن ابن عبّاس، قال: نزلت في علي بن أبي طالب.

قال: وأخرج أبو الشيخ، وابن مردويه، وابن عساكر عن علي بن أبي طالب نحوه.

قال: وأخرج الطبراني بسند فيه مجاهيل عنه نحوه [23].

الشبلنجي

وهو الشّيخ مؤمن بن حسن مؤمن الشبلنجي من علماء القرن الثالث عشر، وقد ذكر هذه الإثارة في كتابه (نور الأبصار في مناقب آل بيت النبيّ المختار) [ص 86 ط. دار الفكر].

قال: وقد ورد في فضله آياتٌ وأحاديث جمّة، نقل الواحدي في كتابه المسمّي ب «أسباب النزول»، عن أبي ذرّ الغفاري رضي الله عنه قال: صلّيت مع رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم)يوماً من الأيّام الظهر، فسأل سائلٌ في المسجد فلم يعطه أحدٌ شيئاً فرفع السائل يديه الي السماء وقال: اللهم إنّي سألت في مسجد نبيّك محمد(صلي الله عليه وآله) فلم يعطني أحد شيئاً وكان علي(رضي الله عنه) في الصّلاة راكعاً. فأومأ إليه بخنصره اليمني وفيها خاتمٌ، فأقبل السّائل فأخذ الخاتم من خنصره، وذلك بمرأي من النبي(صلي الله عليه وآله وسلم) وهو في المسجد، فرفع رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم)طرفه إلي السّماء وقال: «اللهم إن أخي موسي سألك فقال: (رَبِّ اشْرح لي صدري - ويسّر لي أمري - واحْلُلْ عقدَة من لساني - يفقهوا قولي - واجعل لي وزيراً من أهْلِي - هارُونَ أخِي - اشدُدْ بِهِ أزْرِي - وأشْركهُ في أمري). فأنزلت عليه قرآناً: (سنشدّ عَضُدَكَ بِأخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَاناً فَلاَ يَصِلُونَ إليْكُمَا).

اللهم وإني محمّدٌ نبيّك وصفيّك، اللهم فاشرح لي صدري، ويسّر لي أمري، واجعل لي وزيراً من أهلي عليّاً اشدد به ظهري. قال أبو ذر(رحمه الله): فما استتمّ دعاءه حتّي نزل جبرئيل(عليه السلام)من عند اللّه عزّوجلّ وقال: يا محمّد اقرأ: (إنَّما

وَليُّكُمُ اللّه ورسوله والذين آمنوا الّذِينَ يُقيمونَ ا لصَّلاة وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وهم راكعون).

النيسابوري

وهو العلاّمة نظام الدّين الحسن بن محمّد بن حسين القمي صاحب التفسير المسمّي ب «غرائب القرآن ورغائب الفرقان» المطبوع في هامش تفسير الطّبري عند قوله: القول الثاني: يعني: من معني (وهم راكعون) إن المراد شخصٌ معيّنٌ، وجيء علي لفظ الجمع ليرغب النّاس في مثل فعله، ثمّ إنّ ذلك الشخص الذي روي عن عكرمة هو: أبو بكر.

وروي عطاء عن ابن عبّاس عن علي(عليه السلام) أنّ عبداللّه بن سلام قال: لمّا نزلت هذه الآية، قلت: يا رسول اللّه أنا رأيت عليّاً تصدّق بخاتمه علي محتاج وهو راكعٌ فنحن نتولاّه.

وروي عن أبي ذرّ أنّه قال: صلّيت مع رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) يوماً صلاة الظهر، إلي آخر الحديث الذي ذكرناه فيما رواه الثعلبي والشبلنجي.

الطبري

ذكر الإثارة في تفسيره الكبير الشهير المسمّي ب «جامع البيان» [4: 628 ط. دار الكتب العلمية]عند تفسير قوله تعالي: (إنّما وليّكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يُقيمُون الصّلاةَ ويُؤْتُونَ الزكاة وهم راكعون): قال: إنّ أهل التأويل اختلفوا في المعنيّ به، فقال بعضهم: عني به علي بن أبي طالب، وقال بعضهم: عني به جميع المؤمنين.

ثمّ أخرج حديثاً بإسناده عن السّدّي قال: ثمّ أخبرهم بمن يتولاّه، فقال: (إنّما وليُّكُم اللّه ورسوله والّذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون)هؤلاء جميع المؤمنين، ولكن علي بن أبي طالب مرّ به سائلٌ وهو راكعٌ في المسجد فأعطاه خاتمه.

وأخرج أيضاً بإسناده عن عبدة عن عبد الملك عن أبي جعفر، قال: سألته عن هذه الآية: (إنّما وليُّكُمُ اللّه ورسوله والذين آمنوا الذين يقمون الصّلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون)قلت: من الذين آمنوا؟ قال: الذين آمنوا، قلت: بلغنا أنّها نزلت في علي بن أبي طالب؟ قال: عليّ من الذين آمنوا.

وأخرج أيضا

بإسناده عن غالب بن عبيد اللّه، قال: سمعت مجاهداً يقول في قوله تعالي: (إنّما وليّكم اللّه ورسوله) الآية، قال: نزلت في علي بن أبي طالب تصدّق وهو راكع.

الامام شرف الدين الموسوي

قال في التّعليقات من كتابه المراجعات [ص 41] في المراجعة الثانية عشرة الّتي جرت بينه وبين شيخ الأزهر يومئذ وهو الشيخ سليم البشري: أجمع المفسّرون كما اعترف القوشجي وهو من أئمّة الأشاعرة في مبحث الإمامة من كتابه (شرح التجريد) علي أنّ هذه الآية نزلت في عليّ حين تصدّق راكعاً في الصّلاة. وأخرج النسائي في صحيحه عن عبد الله بن سلام أنّ نزولها في عليّ، وأخرج نزولها فيه أيضاً صاحب الجمع بين صحاح الستّة في تفسير سورة المائدة. وأخرج الثّعلبي في تفسيره الكبير نزولها في أمير المؤمنين.

وقال في [ص 156 من المراجعة 40 ] من نفس المصدر: وحسبك ممّا جاء نصّاً في هذا من غيرهم يعني غير العترة الطاهرة فذكر طرق الحديث إلي أن قال: وإن شئت فراجعه في كنز العمّال [6: 405] علي أنّ نزولها في عليّ ممّا أجمع عليه المفسّرون، وقد نقل إجماعهم هذا غير واحد من أعلام أهل السنّة.

وقال أخيراً: ومع ذلك فإنّا لا ندع مراجعتنا خاليةً ممّا جاء فيها من حديث الجمهور، مقتصرين علي ما في تفسير الإمام أبي إسحاق أحمد بن محمّد بن إبراهيم النيسابوري الثعلبي، فنقول: أخرج عند بلوغه هذه الآية في تفسيره الكبير بالإسناد إلي أبي ذرّ الغفاري، قال: سمعت رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) بهاتين وإلاّ صمّتا، ورأيته بهاتين وإلاّ عميتا، يقول: عليّ قائد البررة، قاتل الكفرة، منصورٌ من نصره، مخذولٌ من خذله، أما إنّي صلّيت مع رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) يوماً من الأيام، فساق الحديث الّذي

مرّ عن الثعلبي.

وذكرها جمعٌ من أعلام الاُمّة غيرهم، كالآلوسي في تفسيره روح المعاني [6: 167 ط. دار الاحياء بيروت]أوردها بإسناد متّصل.

والأردبيلي الشهير بابن حيّان وهو أبو عبد اللّه محمّد بن يوسف الجياني الغرناطي الأندلسي النحوي المتوفّي سنة (754) ذكرها في تفسيره البحر المحيط [3: 513 وفي ط. الحلبي 2: 53 وفي ط. دار الفكر 4: 300].

وذكرها الإمام جلال الدّين السيوطي المتوفّي سنة (911) في كتاب لباب النقول، الطبعة الثّانية بمطبعة مصطفي الحلبي، وفي تفسيره الدرّ المنثور [2: 293].

والمحدّث الكبير محب الدين الطبري المتوفّي سنة (693) في كتاب ذخائر العقبي [ص 88 ط. مكتبة القدسي بالقاهرة] وفي كتابه الرّياض النّضرة [2: 227].

والعلاّمة المحدّث الشّهير بالگنجي الشافعي المتوفّي سنة (658) ذكر الإثارة في كتابه كفاية الطالب في الباب الحادي والستّين [ص 106 ط. النجف وص: 229 ط. قم.].

والخطيب البغدادي المتوفّي سنة (463) كما ذكر في تفسير الخازن [1: 475 ط. مصر].

والرازي الحنفي وهو الشيخ أبو بكر أحمد بن علي المتوفّي سنة (370) في تفسيره [2: 543 ط. القاهرة بالمطبعة البهيّة].

والقرطبي وهو العلاّمة الشيخ محمّد بن أحمد الأنصاري ذكرها في كتابه الجامع لأحكام القرآن [6: 221 ط. مصر].

والبيضاوي صاحب التّفسير الدّائر، ذكرها فيه [1: 345، أو 2: 156].

والإمام ابن حجر ذكرها في كتابه الصّواعق [ص 24].

والطبرسي رواها في تفسيره مجمع البيان في سبب النزول، ثمّ فسّرها وبيّنها بياناً شافياً وافياً.

الطبرسي

قال في تفسيره مجمع البيان [2: 211 ط. ايران و 264 ط. مؤسسة التأريخ العربي بيروت]: وهذه الآية من أوضح الدلائل علي صحّة إمامة عليّ بعد النّبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم) بلا فصل، والوجه فيه أنّه إذا ثبت أنّ لفظة «وليّكم» تفيد من هو أولي بتدبير أموركم ويجب

طاعته عليكم، وثبت أنّ المراد بالّذين آمنوا: عليّ، ثبت النّص عليه بالإمامة ووضح، والّذي يدلّ علي الأوّل هو الرجوع إلي اللغة، فمن تأمّلها علم أنّ القوم نصّوا علي ذلك، وقد ذكرنا قول أهل اللّغة فيه قبل، فلا وجه لإعادته.

ثم الّذي يدلّ علي أنّها في الآية تفيد ذلك دون غيره أنّ لفظة «إنما» علي ما تقدّم ذكره تقتضي التخصيص ونفي الحكم عمّن عدا المذكور، كما يقولون: إنّما الفصاحة للجاهليّة، يعنون نفي الفصاحة عن غيرهم. وإذا تقرّر هذا لم يجز حمل لفظة الوليّ علي الموالاة في الدين والمحبّة، لأنّه لا تخصيص في هذا المعني لمؤمن دون مؤمن آخر، والمؤمنون كلّهم مشتركون في هذا المعني كما قال سبحانه: (والمؤمِنُونُ والمُؤمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْض) وإذا لم يجز حمله علي ذلك، لم يبق إلاّ الوجه الآخر وهو التحقّق بالأمور وما يقتضي فرض الطّاعة علي الجمهور؛ لأنه لا محتمل للفظه إلاّ الوجهان، فإذا بطل أحدهما ثبت الآخر.

والّذي يدلّ علي أنّ المعنيّ ب «الذين آمنوا» هو عليّ، الرواية الواردة من طريق العامّة والخاصّة بنزول الآية فيه لمّا تصدّق بخاتمه في حال الركوع. وقد تقدّم ذكرها. وأيضاً فإنّ كلّ من قال إنّ المراد بلفظة «وليّ» ما يرجع إلي فرض الطّاعة والإمامة، ذهب إلي أنّه هو المقصود بالآية والمتفرّد بمعناها، ولا أحد من الأمّة يذهب إلي أن هذه اللّفظة تقتضي ما ذكرناه ويذهب إلي أنّ المعنيّ بها سواه.

وليس لأحد أن يقول إنّ لفظ «الذين آمنوا»، لفظ جمع، فلا يجوز أن يتوجّه إليه علي الانفراد، وذلك أنّ أهل اللّغة قد يعبّرون بلفظ الجمع عن الواحد علي سبيل التّفخيم والتعظيم، وذلك أشهر في كلامهم من أن يحتاج إلي الاستدلال عليه، وليس لهم أن يقولوا: إنّ المراد

بقوله: (وهُمْ رَاكِعُون) إن هذه شيمتهم وعادتهم ولا يكون حالاً لإيتاء الزكاة، وذلك لأن قوله: (يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ) قد دخل فيه الركوع، فلو لم يحمل قوله: (وَهُمْ رَاكِعُونَ) علي أنّه حال من يؤتون الزّكاة، وحملناه علي من صفتهم الركوع كان ذلك كالتكرار غير المفيد، والتأويل المفيد أولي من البعيد الّذي لا يفيد.

ووجهٌ آخر في الدّلالة علي أن الولاية في الآية مختصة، أنه سبحانه قال: (إنَّما وَليُّكُمُ اللّهُ) فخاطب جميع المؤمنين، ودخل في الخطاب النّبي(صلي الله عليه وآله وسلم) وغيره، ثمّ قال: (وَرَسُولُه) فأخرج النبي(صلي الله عليه وآله وسلم) من جملتهم لكونهم مضافين إلي ولايته، ثمّ قال: (والّذين آمنوا) فوجب أن يكون الذي خوطب بالآية غير الّذي جعلت له الولاية، وإلاّ أدّي إلي أن يكون المضاف هو المضاف إليه بعينه، وإلي أن يكون كل واحد من المؤمنين وليّ نفسه، وذلك محال.

واستيفاء الكلام في هذه الباب يطول به الكتاب، فمن أراده فليطلبه من مظانّه.

قال الواحدي: واستدلّ أهل العلم بهذه الآية علي أنّ العمل القليل لا يقطع الصّلاة، وأن دفع الزكاة إلي السّائل في الصّلاة جائز مع نيّة الزكاة (وَمَنْ يَتَولَّ اللّه)بالقيام بطاعته (وَرَسُولَهُ) باتّباع أمره (والذِينَ آمنُوا) بالموالاة والنّصر ة (فَإنَّ حِزْبَ اللّهِ)أي جند اللّه، عن الحسن. وقيل أنصار اللّه (هم الغالبُون) الظّاهرون علي أعدائهم الظافرون بهم.

وإلي ذلك أشار العبدي بقوله من قصيدته الكبيرة:

وقال لأحمد بلّغ قريشاً

أكن لك عاصماً ان تستكينا

فإن لم تبلغ الأنباء عنّي

فما أنت المبلّغ والأمينا

فأنزل بالحجيج «غدير خم»

وجاء به ونادي المسلمينا

فأبرز كفّه للنّاس حتّي

تبيّنها جميع الحاضرينا

فأكرم بالّذي رفعت يداه

وأكرم بالّذي رفع اليمينا

فقال لهم وكلّ القوم مصغ

لمنطقه وكلٌّ يسمعونا

ألا هذا أخي ووصيّ حقّ

وموفي العهد والقاضي الديونا

ألا من كنت مولاه فهذا

له موليً فكونوا شاهدينا

تولّي اللّه من والي

عليّاً

وعادي مبغضيه الشانئينا

ومن قصيدة له:

يوم «الغدير» لأشرف الأيّام

وأجلّها قدراً علي الإسلام

يومٌ أقام اللّه فيه إمامنا

أعني الوصيّ إمام كلّ إمام

قال [24] النبيّ بدوح خمّ رافعاً

كفّ الوصي يقول للأقوام

من كنت مولاه فذا موليً له

بالوحي من ذي العزّة العلاّم

هذا وزيري في الحياة عليكم

فإذا قضيت فذا يقوم مقامي

يا ربّ وال من أقرّ له الولا

وانزل بمن عاداه سوء حمام

فتهافتت أيدي الرّجال لبيعة

فيها كمال الدّين والإنعام

ومن قصيدة له:

تروم فساد دليل النصوص

ونصراً لإجماع ما قد جمع

ألم تستمع قوله صادقاً

غداة «الغدير» بماذا صدع

ألا إنّ هذا وليّ لكم

أطيعوا فويلٌ لمن لم يطع

وقال له أنت منّي أخي

كهارون من صنوه فاقتنع

وقال له أنت بابٌ إلي

مدينة علمي لمن ينتجع

وقال لكم هو أقضاكم

وكلّ لمن قد مضي متّبع

ويوم براءة نصّ الإله

جلّ عليه فلا تختدع

وسمّاه في الذكر نفس الرسول

يوم التباهل لمّا خشع

إلي آخر الأبيات [25].

سوره معارج، آيه 2-1

اشاره

في قوله تعالي: (سأل سائلٌ بعَذاب وَاقِع - لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِع)[المعارج: آية 1 2].

روي جمعٌ من المفسّرين في تفاسيرهم والمحدّثين في تآليفهم مجمعين علي نزول هذه الآية فيمن جحد ولاية أمير المؤمنين علي بعد أن نصبه رسول اللّه(صلي الله عليه وآله) وليّاً للاُمّة بعده، في يوم غدير خمّ، بقوله: «من كنت مولاه فعلي مولاه»، كما بسطنا القول في ما مرّ من هذا الكتاب.

غير أنّهم اختلفوا في اسم الجاحد، فمنهم من قال: إنّه جابر بن النّضر بن الحارث بن كلدة العبدري، وهذا ممّا لا يستبعد في صحّته، لأن النضر قد قتله أمير المؤمنين صبراً يوم بدر الكبري بأمر من النبيّ، كما ذكره الأميني في التعليقات من غديره [1: 241]نقلاً عن سيرة ابن هشام، وتأريخي اليعقوبي والطّبري. ولعلّ إنكاره ذلك من الحقد بسبب تلك القضيّة التي جرت علي أبيه. ومنهم من قال: إنّ الجاحد هو الحارث

بن النّعمان الفهري، ومنهم من روي باسم النّضر بن الحارث، وتلك النّصوص في ذلك عن الرواة الثّقات. منهم:

الهروي

وهو الحافظ قاسم بن سلام أبو عبيد الهروي، المتوفّي سنة (223) بمكّة المكرّمة، قال ابن خلّكان في تأريخه [4: 60 برقم 534 ط. دار الثقافة بيروت]: كان ربّانيّاً متفنّناً في أصناف علوم الإسلام، حسن الرّواية، صحيح النقل، لا أعلم أحداً من النّاس طعن عليه في شيء من أمر دينه.

روي في تفسيره غريب القرآن بقوله: لمّابلغ رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) غدير خمّ وبلّغ ما بلّغ وشاع ذلك في البلاد، أتي جابر بن النّضر بن الحارث بن كلدة العبدري، فقال: أمرتنا من اللّه أن نشهد أن لا إله إلاّ اللّه، وأنّك رسول اللّه، وبالصّلاة، والصّوم، والحجّ، والزكاة، فقبلنا منك. ثمّ لم ترض بذلك حتّي رفعت بضبع ابن عمّك ففضّلته علينا، وقلت: من كنت مولاه فعليّ مولاه. فهذا الشيء منك أم من اللّه؟ فقال رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم): والّذي لا إله إلاّ هو، إنّ هذا من اللّه. فولّي جابر يريد راحلته وهو يقول: اللّهم إن كان ما يقول محمّدٌ حقّاً، فأمطر علينا حجارةً من السّماء أو ائتنا بعذاب أليم، فما وصل إليها حتّي رماه اللّه بحجر فسقط علي هامته وخرج من دبره وقتله، وأنزل اللّه تعالي: (سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَاب وَاقِع)الآية.

الحاكم النيسابوري

قال في كتابه المستدرك [2: 502]: أخبرنا محمّد بن علي الشّيباني بالكوفة، حدّثنا أحمد بن حازم الغفاري، حدّثنا عبيد اللّه بن موسي، عن سفيان الثوري عن الأعمش، عن سعيد بن جبير سأل سائلٌ هو: النضر بن الحارث بن كلدة، قال: اللهمّ إن كان هذا هو الحقّ من عندك فأمطر علينا حجارةً من السّماء. هذا حديث صحيحٌ علي شرط الشيخين ولم يخرجاه.

النقاش

وهو العلاّمة أبو بكر محمّد بن الحسن بن محمّد النقّاش المفسّر الموصلي البغدادي المتوفّي سنة (351). قال ابن كثير في تأريخه [11: 276 ط. دار الاحياء بيروت]: كان رجلاً صالحاً في نفسه عابداً ناسكاً، له تفسير شفاء الصدور، روي هذه الواقعة في تفسيره المذكور ما رواه أبو عبيد، غير أنّ الرّجل السّائل هو: الحارث بن النعمان الفهري لا جابر ابن النّضر. كما يأتي في رواية الثعلبي.

الثعلبي

قال في تفسيره الكشف والبيان: إنّ سفيان بن عيينه سئل عن قوله عزوجلّ: (سَألَ سَائِلٌ بعذاب وَاقِع) فيمن نزلت؟ فقال للسائل: سألتني عن مسألة ما سألني أحد قبلك، حدّثني أبي عن جعفر بن محمّد عن آبائه صلوات اللّه عليهم، قال: لمّا كان رسول اللّه بغدير خمّ نادي النّاس فاجتمعوا، فأخذ بيد عليّ، فقال: من كنت مولاه فعليّ مولاه، فشاع ذلك وطار في البلاد، فبلغ ذلك الحرث بن النعمان الفهري، فأتي رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم)علي ناقة له حتّي أتي الأبطح، فنزل عن ناقته فأناخها، فقال: يا محمّد، أمرتنا عن اللّه أن نشهد أن لا إله إلاّ اللّه وأنك رسول اللّه فقبلناه، وأمرتنا أن نصلّي خمساً فقبلناه منك، وأمرتنا بالزّكاة فقبلناه، وأمرتنا أن نصوم شهراً فقبلناه، وأمرتنا بالحج فقبلناه، ثمّ لم ترض بهذا حتّي رفعت بضبعي ابن عمّك ففضّلته علينا وقلت: من كنت مولاه فعليّ مولاه، فهذا منك أم من اللّه؟ فقال: والذي لا إله إلاّ هو إن هذا من اللّه. فولّي الحرث بن النعمان يريد راحلته وهو يقول: اللّهم إن كان ما يقول محمّدٌ حقّاً، فأمطر علينا حجارةً من السّماء أو ائتنا بعذاب أليم. فما وصل إليها حتّي رماه اللّه بحجر فسقط علي هامته، وخرج من دبره وقتله،

وأنزل اللّه عزّوجلّ: (سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَاب واقِع) الآية.

الحاكم الحسكاني

روي الحادثة بإسناده عن حذيفة بن اليمان في كتابه «دعاة الهداة إلي أداء حقّ الموالاة» قال: قال رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) لعليّ(عليه السلام): «من كنت مولاه فعليّ مولاه». قال النعمان ابن المنذر الفهري: هذا شي قلته من عندك أو شيء أمرك به ربّك؟ قال: لا بل أمرني به ربّي، فقال: اللهمّ أنزل علينا حجارةً من السّماء، فما بلغ راحلته «رحله» حتّي جاء حجرٌ فأدماه فخرّ ميّتاً. فأنزل اللّه تعالي: «سأل سائلٌ بعذاب واقع».

قال الأميني في غديره [1: 241]: إسناد هذا الحديث صحيحٌ رجاله كلّهم ثقات، غير أنّ اسم الجاحد فيه تصحيفٌ.

وأورد فيه أيضاً حديثاً من طريق أبي عبد اللّه الشّيرازي مسنداً عن جعفر ابن محمّد الصّادق عن آبائه(عليهم السلام): لمّا نصب رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) عليّاً يوم غدير خمّ، وقال: «من كنت مولاه فعليّ مولاه». طار ذلك في البلاد، فقدم علي النبي(صلي الله عليه وآله وسلم) النّعمان بن الحرث الفهري، فقال: أمرتنا عن اللّه أن نشهد أن لا إله إلاّ اللّه وأنّك رسول اللّه، وأمرتنا بالجهاد والحجّ والصّوم والصّلاة والزّكاة فقبلناها، ثمّ لم ترض حتّي نصبت هذا الغلام، فقلت: «من كنت مولاه فعليّ مولاه». فهذا شيءٌ منك، أو أمر من عند الله؟ فقال(صلي الله عليه وآله): والذي لا إله إلاّ هو إنّ هذا من الله، فولّي النعمان بن الحرث وهو يقول: اللهم إن كان هذا هو الحقّ من عندك فأمطر علينا حجارةً من السّماء، فرماه اللّه بحجر علي رأسه فقتله، وأنزل اللّه تعالي: (سَألَ سَائِلٌ بِعَذَاب وَاقِع).

القرطبي

وهو الشيخ أبو بكر يحيي بن سعدون بن تمام الأزدي القرطبي الملقّب بسابق الدّين، المولود سنة (486) المتوفّي سنة (567) صاحب التفسير الكبير. قال

ابن الأثير في كامله [11: 252]: كان إماماً في القراءة والنحو وغيره من العلوم، زاهداً عابداً انتفع به النّاس في كثير من البلاد ولا سيّما أهل الموصل، فإنّه أقام بها وفيها توفّي.

وقال ياقوت في معجم البلدان [4: 324 ط. دار الإحياء بيروت]: قرأ عليه كثيرٌ من شيوخنا، وكان أديباً فاضلاً مقرئاً عارفاً بالنّحو واللّغة، سمع كثيراً من كتب الأدب.

وقال في كتابه معجم الاُدباء [20: 14 15، ط. دار الفكر بيروت]: شيخٌ فاضلٌ عارفٌ بالنّحو ووجوه القراءات، وكان ثقة صدوقاً ثبتاً ديّناً كثير الخير.

قال في تفسيره في سورة المعارج: لمّا قال النبي(صلي الله عليه وآله وسلم): «من كنت مولاه فعليّ مولاه»، قال النّضر بن الحارث لرسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم): أمرتنا بالشّهادتين عن اللّه فقبلنا منك، وأمرتنا بالصّلاة والزّكاة، ثمّ لم ترض حتي فضّلت علينا ابن عمّك، آللّه أمرك؟ أم من عندك؟ قال(صلي الله عليه وآله وسلم): «والّذي لا إله إلا هو، إنه من عند اللّه»، فولي وهو يقول: إن كان هو الحقّ من عندك فأمطر علينا حجارةً من السماء، فوقع عليه حجرٌ من السماء فقتله [26].

سبط ابن الجوزي

وهو الشيخ شمس الدّين أبو المظفّر الحنفي، المتوفّي سنة (654) رواه في كتابه «تذكرة خواصّ الاُمّة» [ص 30 ط. طهران] قال: ذكر أبو إسحاق الثعلبي في تفسيره بإسناده أن النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم)لما قال ذلك يعني: حديث الولاية طار في الأقطار وشاع في البلاد والأمصار، فبلغ ذلك الحرث بن النعمان الفهري فأتاه علي ناقة له، فأناخها علي باب المسجد، ثمّ عقلها وجاء فدخل في المسجد فجثا بين يدي رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) فقال: يا محمّد، إنّك أمرتنا أن نشهد أن لا إله إلاّ اللّه وأنّك

رسول اللّه فقبلنا منك ذلك، وإنّك أمرتنا أن نصلّي خمس صلوات في اليوم والليلة، ونصوم رمضان، ونحج البيت فقبلنا منك ذلك، ثمّ لم ترض بهذا حتّي رفعت بضبعي ابن عمّك وفضّلته علي الناس وقلت: من كنت مولاه فعليّ مولاه، فهذا شيء منك أو من اللّه؟ فقال رسول اللّه وقد احمرّت عيناه: «واللّه الذي لا إله إلاّ هو، إنه من اللّه وليس منّي» قالها ثلاثاً فقام الحرث وهو يقول: اللهمّ إن كان ما يقول محمّدٌ حقّاً فأرسل من السّماء علينا حجارة أو ائتنا بعذاب أليم، قال: فو الله ما بلغ ناقته حتّي رماه الله من السماء بحجر فوقع علي هامته، فخرج من دبره ومات، وأنزل اللّه تعالي: (سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذاب واقِع) الآيات.

الحموئي

روي في كتابه فرائد السّمطين في الباب الخامس عشر [1: 82 83 ط. المحمودي بيروت]: أخبرني الشيخ عماد الدّين عبد الحافظ بن بدران بمدينة نابلس، فيما أجاز لي أن أرويه عن القاضي جمال الدين أبي القاسم بن عبد الصّمد الأنصاري، إجازةً عن عبد الجبّار بن محمد الحواري البيهقي، إجازةً عن الإمام أبي الحسن علي بن أحمد الواحدي(رحمه الله)، قال: قرأت علي شيخنا الأستاذ أبي إسحاق الثعلبي في تفسيره أنّ سفيان بن عيينة سئل عن قوله الله عزّوجلّ: (سَألَ سَائِلٌ بِعَذَاب وَاقِع) فيمن نزلت؟ فقال للسائل: سألتني عن مسألة … الحديث إلي آخر لفظ الثعلبي.

ابو السعود العمادي

وهو كما ترجمه الأميني في التّعليقات من غديره [1: 243] نقلاً عن شذرات الذّهب [8: 398]: المولي محمّد بن محمّد بن مصطفي الحنفي، ولد سنة (898) بقرية قريبة من قسطنطينيّة، وأخذ العلم وقلّد القضاء والفتيا، وتوفّي بقسطنطينية مفتياً سنة (982).

قال في تفسيره [9: 29 ط. دار الاحياء]: قيل: هو أي: سائل العذاب الحرث بن النعمان الفهري، وذلك لمّا بلغه قول رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) في عليّ(رضي الله عنه): «من كنت مولاه فعليّ مولاه»، قال: اللّهم إن كان ما يقول محمّدٌ حقّاً فأمطر علينا حجارة من السّماء، فما لبث حتّي رماه الله تعالي بحجر فوقع علي دماغه، فخرج من أسفله فهلك من ساعته.

الشربيني

وهو الشّيخ شمس الدّين محمّد بن أحمد الشّربيني القاهري الشّافعي، المتوفّي سنة (977) صاحب تفسير «السّراج المنير» وكتاب «الإقناع في ألفاظ أبي شجاع».

قال في تفسيره السّراج المنير [4: 364]: اختلف في هذا الدّاعي، فقال ابن عبّاس: هو النّضر بن الحرث، وقيل: هو الحرث بن النعمان، وذلك أنّه: لمّا بلغه قول النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم) «من كنت مولاه فعليّ مولاه»، ركب ناقته فجاء حتي أناخ راحلته الأبطح، ثمّ قال: يا محمّد، أمرتنا عن اللّه أن نشهد أن لا إله إلاّ اللّه وأنّك رسول اللّه فقبلنا منك، وأن نصلّي خمساً ونزكّي أموالنا فقبلنا منك، وأن نصوم شهر رمضان في كلّ عام فقبلنا منك، وأن نحجّ فقبلنا منك، ثمّ لم ترض حتي فضّلت ابن عمّك علينا، أفهذا شيءٌ منك أم من اللّه تعالي؟

فقال النبي(صلي الله عليه وآله وسلم): «والذي لا إله إلاّ هو، ما هو الاّ من اللّه»، فولّي الحرث وهو يقول: اللّهم إن كان ما يقول محمّدٌ حقّاً فأمطر عينا حجارةً من

السماء أو ائتنا بعذاب أليم، فواللّه ما وصل إلي ناقته حتي رماه اللّه بحجر، فوقع علي دماغه فخرج من دبره فقتله، فنزلت: (سَألَ سَائِلٌ بِعَذَاب وَاقِع) الآيات.

الحفني

وهو العلاّمة الشّيخ محمّد بن سالم بن أحمد المصري الشّافعي، المولود سنة (1101) والمتوفّي سنة (1181) صاحب «شرح الجامع الصّغير» للسيوطي.

قال في الكتاب المذكور [2: 387] عند شرح قوله(صلي الله عليه وآله وسلم): «من كنت مولاه فعليّ مولاه»: لمّا سمع ذلك بعض الصّحابة قال: أما يكفي رسول اللّه أن نأتي بالشهادة وإقام الصّلاة وإيتاء الزكاة «الخ» حتّي يرفع علينا ابن أبي طالب؟ فهل هذا من عندك أم من عند اللّه؟

فهو دليل علي فضل علي(عليه السلام). وقد روي ذلك غير هؤلاء كثير مثل:

شهاب أحمد دولت آبادي المتوفّي سنة (849) في كتابه «هداية السّعداء» والسّمهودي الشافعي في كتابه «جواهر العقدين».

والسيد جمال الدّين الشيرازي في «الأربعين في مناقب أمير المؤمنين» في الحديث الثّاني عشر.

وسيّدنا الحبيب شيخ بن عبداللّه بن شيخ بن عبداللّه بن شيخ بن عبداللّه العيدروس في كتابه «العقد النبوي والسّرّ المصطفوي».

والشيخ أحمد باكثير الشافعي في «وسيلة المآل في عدّ مناقب الآل».

والصّفوري في «نزهة المجالس» [2: 242].

والزّرقاني المالكي في «شرح المواهب اللّدنّية» [2: 13].

والزمخشري في تفسيره «الكشّاف» [4: 156].

والنيّسابوري في تفسيره «غرائب القرآن» [29: 40 بهامش الطّبري].

والشوكاني في تفسيره «فتح القدير» [5: 288].

ولكن البعض منهم اقتصروا علي ذكر نزولها في الفهري الجاحد فحسب، دون الرّواية في سبب النزول.

الطبرسي

قال في تفسيره مجمع البيان [5: 446 ط. مؤسسة التأريخ العربي بيروت]: حدّثنا أبو القاسم الحسكاني، قال: حدّثنا أبو عبداللّه الشّيرازي، قال: حدّثنا أبو بكر الجرجاني، حدّثنا أبو أحمد البصري، قال: حدّثنا محمّد بن سهل، قال: حدّثنا زيد بن إسماعيل مولي الأنصار، قال: حدّثنا محمّد بن أيوّب الواسطي، قال: حدّثنا سفيان بن عيينة، عن جعفر ابن محمّد الصّادق، عن آبائه(عليهم السلام)، قال: «لمّا نصب رسول اللّه(صلي الله عليه وآله

وسلم) عليّاً(عليه السلام) يوم غدير خم، وقال: من كنت مولاه فعليّ مولاه، طار ذلك في البلاد، فقدم علي النبي(صلي الله عليه وآله وسلم) النعمان ابن الحرث الفهري، فقال: أمرتنا عن اللّه أن نشهد أن لا إله إلاّ اللّه وأنك رسول اللّه، وأمرتنا بالجهاد والحجّ والصوم والصلاة والزكاة فقبلناها، ثمّ لم ترض حتّي نصبت هذا الغلام، فقلت: من كنت مولاه فعليّ مولاه، فهذا شيء منك أو أمرٌ من عند اللّه؟ فقال(صلي الله عليه وآله وسلم): واللّه الذي لا إله إلاّ هو إن هذا من اللّه، فولّي النعمان بن الحرث وهو يقول: اللّهم إن كان هذا هو الحقّ من عندك فأمطر علينا حجارةً من السّماء، فرماه اللّه بحجر من السماء علي رأسه فقتله، وأنزل اللّه تعالي: (سَأل سَائِلٌ بِعَذَاب وَاقِع)».

الشبلنجي

قال في كتابه نور الأبصار [ص 87]: نقل الإمام أبو إسحاق الثعلبي رحمه اللّه في تفسيره: أن سفيان بن عيينة رحمه اللّه سئل عن قوله تعالي: (سَألَ سَائِلٌ بِعَذَاب وَاقِع)فيمن نزلت؟ فقال للسائل: لقد سألتني عن مسألة لم يسألني أحدٌ قبلك، حدّثني أبي عن جعفر بن محمّد عن آبائه رضي اللّه عنهم: أنّ رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) لما كان بغدير خم نادي النّاس فاجتمعوا، فأخذ بيد علي(رضي الله عنه)، وقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، فشاع ذلك وطار في البلاد، وبلغ ذلك الحرث بن النعمان الفهري، فأتي رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم)علي ناقة له، فأناخ راحلته ونزل عنها، وقال: يا محمّد أمرتنا عن اللّه عزّوجلّ أن نشهد أن لا إله إلاّ اللّه وأنّك رسول اللّه فقبلنا منك، وأمرتنا أن نصلّي خمساً فقبلنا منك، وأمرتنا بالزّكاة فقبلنا، وأمرتنا أن نصوم رمضان فقبلنا، وأمرتنا بالحجّ فقبلنا

ثمّ لم ترض بهذا حتّي رفعت بضبعي ابن عمّك تفضّله علينا، فقلت: من كنت مولاه فعليّ مولاه، فهذا شيء منك أو من اللّه عزّوجل؟ فقال النبي(صلي الله عليه وآله وسلم): والّذي لا إله إلاّ هو، إن هذا من اللّه عزّوجلّ، فولّي الحرث بن النعمان يريد راحلته وهو يقول: اللّهم إن كان ما يقول محمّدٌ حقّاً فأمطر علينا حجارةً من السّماء أو ائتنا بعذاب أليم، فما وصل إلي راحلته حتّي رماه اللّه عزوجلّ بحجر سقط علي هامته فخرج من دبره فقتله، فأنزل اللّه عزّوجلّ: (سَألَ سَائِلٌ بِعَذاب واقع - للكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِع - مَن اللّهِ ذِي المَعَارِج).

شرف الدين الموسوي

قال في مراجعاته [ص 42 المراجعة 12 ط. المجمع العالمي لأهل البيت(عليهم السلام)]: ألم تر كيف فعل ربّك يومئذ بمن جحد ولايتهم علانيةً، وصادر بها رسول اللّه جهرةً، فقال: اللّهم إن كان هذا هو الحق من عندك، فأمطر علينا حجارةً من السّماء أو ائتنا بعذاب اليم، فرماه اللّه بحجر من سجّيل، كما فعل من قبل بأصحاب الفيل، وأنز ل في تلك الحال: (سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَاب وَاقِع - للْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِع) وسيسأل النّاس عن ولايتهم يوم يبعثون، كما جاء في تفسير قوله تعالي: (وَقِفُوهُمْ إنَّهُمْ مَسْؤُولُون). وقد مرّ في البحث الثّاني من هذا الكتاب.

الشوكاني

قال في تفسيره فتح القدير [5: 288 291 ط. عالم الكتب بيروت]: وهذا السائل هو النّضر بن الحارث، حين قال: اللّهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارةً من السّماء أو ائتنا بعذاب أليم، وهو ممّن قتل يوم بدر صبراً، وقيل: أبو جهل، وقيل: هو الحارث بن النعمان الفهري والأول أولي. وقد أخرج الفريابي، وعبد بن حميد، والنّسائي، وابن أبي حاتم، والحاكم وصحّحه. وابن مردويه عن ابن عبّاس في قوله: (سَألَ سَائِلٌ)قال: هو النضر بن الحرث، قال: اللّهم إن كان هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارةً من السماء.

النيسابوري

قال في تفسيره غرايب القرآن [29: 40 بهامش جامعُ البيان للطّبري]: التفسير في من قرأ (سَأَلَ) بالهمزة ففيه وجهان. الأول: عن ابن عباس أن النضر بن الحرث قال: اللهم إن كان هو الحقّ من عندك فأمطر علينا حجارةً فأنزل اللّه تعالي: (سَألَ سَائِلٌ)أي: دعا داع، ولهذا عدّي بالباء، يقال: دعاه بكذا إذا استدعاه وطلبه.

وقال ابن الأنباري: الباء للتأكيد، والتّقدير: سأل سائلٌ عذاباً لا دافع له البتّة: إمّا في الآخرة، وإمّا في الدنيا، كيوم بدر.

وإلي ذلك أشار العوني بقوله:

يقول رسول اللّه هذا لاُمّتي

هو اليوم موليً ربّ ما قلت فاسمع

فقال جَحودٌ ذو شقاق منافقٌ

ينادي رسول اللّه من قلب موجع

أعن ربّنا هذا أم أنت اخترعته

فقال معاذ اللّه لست بمبدع

فقال عدو اللّه للهم [27] إن يكن

كما قال حقّاً بي عذاباً فأوقع

فعوجل من أفق السّماء بكفره

بجندلة فانكبّ ثاو بمصرع

راجع الغدير [1: 247].

سوره مائده، آيه 3

اشاره

في قوله تعالي: (اليَوْمَ أكْمَلْتُ لكُمْ دِينَكُمْ وَأتْمَمْتُ عَلَيكُم نِعْمَتي وَرَضِيتُ لَكُم الاِسْلامَ دِيناً)[المائدة: آية 3].

هذه الآية من الآيات النّازلة في أمير المؤمنين علي(عليه السلام) وكان نزولها في يوم الغدير بعد نزول آية التّبليغ باتّفاق بعض المفسّرين والمؤرّخين وحفظة السنن والآثار، ما عدا البخاري ومسلم ومن نحا نحوهما، فإنهم قالوا بأنّها نزلت في يوم عرفة، وهذا القول لا يتّفق، باعتبار أن ما بقي من عمر النبي(صلي الله عليه وآله وسلم) بناءً علي القول بأن النبي(صلي الله عليه وآله)توفّي في الثاني عشر من ربيع الأول كما هو المشهور بين الاُمم [28] بعد نزول هذه الآية واحدٌ أو اثنان وثمانون يوماً، كما نص علي ذلك جمعٌ من أعلام الامة في كتبهم، فلهذا كان القول الأوّل في سوق الاعتبار أقرب إلي الحقيقة من القول الثّاني، لكون وقوع يوم الغدير في الثّامن

عشر من ذي الحجّة. واللّه أعلم.

ومن الفريق الأوّل القائلين بنزولها يوم الغدير، هم:

الطبري

أبو جعفر بن جرير صاحب التفسير المشهور المتوفي سنة (310) روي في كتابه «الولاية» بإسناده عن زيد بن أرقم في نزول الآية الكريمة يوم غدير خم، كما مرّ في المبحث الأوّل من هذا الكتاب في رواية خطبة النبي(صلي الله عليه وآله وسلم) في ذلك اليوم المشهود، منها: «معاشر النّاس، هذا أخي ووصيّي وواعي علمي وخليفتي علي من آمن بي وعلي تفسير كتاب ربّي».

وفي رواية: «اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه، والعن من أنكره، وأغضب علي من جحد حقّه، اللهم إنك أنزلت عند تبيين ذلك في عليّ: (اليوم أكملت لكم دينكم)بإمامته. فمن لم يأتمّ به وبمن كان من ولدي من صلبه إلي يوم القيامة فاُولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون، إن إبليس أخرج آدم(عليه السلام) من الجنة مع كونه صفوة الله بالحسد، فلا تحسدوا فتحبط أعمالكم، وتزلّ أقدامكم، في عليّ نزلت سورة (والعصر - إنّ الإنسان لفي خُسر)».

ابن مردويه

روي من طريق أبي هارون العبدي، عن أبي سعيد الخدري، كما ذكره ابن كثير في تفسيره [2: 14] بعد إيراده عدّة روايات، أنها نزلت يوم غدير خمّ حين قال(صلي الله عليه وآله وسلم)لعليّ: من كنت مولاه فعليّ مولاه، ثمّ ذكر أيضاً ما روي عن أبي هريرة، وقال: وفيه أنّه اليوم الثامن عشر من ذي الحجّة، يعني مرجعه(صلي الله عليه وآله) من حجّة الوداع، ثمّ قال: لا يصحّ هذا ولا هذا «الخ» وكان ممّن يري أنّ الصحيح نزولها في يوم عرفة.

وقال السّيوطي في كتابه الدّر المنثور [2: 259 ط. المرعشي نجفي قم]: أخرج ابن مردويه وابن عساكر بسند ضعيف عن أبي سعيد الخدري، قال: لمّا نصب رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم)عليّاً يوم غدير خمّ، ونادي له

بالولاية، فهبط جبرئيل(عليه السلام) بهذه الآية: (اليَوْمَ أكملتُ لكم دِينَكُمْ).

وأخرج ابن مردويه والخطيب، وابن عساكر بسند ضعيف عن أبي هريرة قال: لمّا كان غدير خمّ وهو اليوم الثامن عشر من ذي الحجة، قال النبي(صلي الله عليه وآله وسلم): من كنت مولاه فعليّ مولاه، فأنزل اللّه: (اَلْيَوْمَ أكملتُ لكم دينَكُم) الآية. وروي عنه أيضاً في كتابه الإتقان [1: 31 ط. سنة 1260] بطريقيه.

قال الأميني في التعليقات من غديره [1: 231]: إن تضعيفه تحكّمٌ، والحديث واضحٌ، ورجال إسناده كلّهم ثقات.

الحافظ أبو نعيم الأصبهاني

روي في كتابه «ما نزل من القرآن في علي» بإسناده من طريق محمّد بن أحمد بن علي بن مخلّد، المتوفّي سنة (375) عن أبي سعيد الخدري(رضي الله عنه): أنّ النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم) دعا الناس إلي عليّ في غدير خم، أمر بما تحت الشجرة من الشوك فقمّ، وذلك يوم الخميس، فدعا عليّاً فأخذ بضبعيه فرفعهما حتي نظر الناس إلي بياض إبطي رسول الله(صلي الله عليه وآله وسلم) ثمّ لم يتفرّقوا حتّي نزلت هذه الآية: (اليومَ أكملتُ لكم دِينَكُمْ) الآية، فقال رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم): «اللّه أكبر علي إكمال الدّين، وإتمام النعمة، ورضا الرّب برسالتي، وبالولاية لعليّ(عليه السلام) من بعدي»، ثمّ قال: «من كنت مولاه فعليّ مولاه، اللّهمّ وال من والاه وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله»، فقال حسّان: إئذن لي يا رسول اللّه أن أقول في علي أبياتاً تسمعهن، فقال(صلي الله عليه وآله وسلم): «قل علي بركة اللّه».

فقام حسّان فقال:

يناديهم يوم الغدير نبيّهم

بخمّ فأسمع بالرسول مناديا

يقول فمن مولاكم ووليّكم

فقالوا ولم يبدوا هناك التعاميا

إلهك مولانا وأنت وليّنا

ولم تر منّا في الولاية عاصيا

فقال له قم يا علي فإنني

رضيتك من بعدي إماماً وهاديا

فمن كنت

مولاه فهذا وليّه

فكونوا له أنصار صدق مواليا

هناك دعا اللّهم وال وليّه

وكن للّذي عادي عليّاً معاديا [29]

الخطيب البغدادي

روي في تأريخه [8: 290 ط. دار الكتب العلمية بيروت] عن عبداللّه بن علي بن محمّد ابن بشران، عن الحافظ الدار قطني، عن حبشون الخلاّل، عن علي بن سعيد الرّملي، عن ضمرة، عن ابن شوذب، عن مطر الورّاق، عن ابن حوشب، عن أبي هريرة، عن النبي(صلي الله عليه وآله وسلم).

وأخرج فيه أيضاً عن أحمد بن عبد اللّه النيري، عن علي بن سعيد، عن ضمرة عن ابن شوذب، عن مطر، عن ابن حوشب، عن أبي هريرة عن النبي(صلي الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: «من صام يوم ثمان عشر من ذي الحجّة كتب له صيام ستّين شهراً»، وهو يوم غدير خم، لمّا أخذ النبي(صلي الله عليه وآله وسلم) بيد علي بن أبي طالب، فقال: ألست وليّ المؤمنين؟ قالوا: بلي يا رسول اللّه، قال: من كنت مولاه فعليّ مولاه، فقال عمر بن الخطّاب: بخّ بخّ لك يابن أبي طالب، أصبحت مولاي ومولي كلّ مسلم، فأنزل اللّه: (اَلْيَوْمَ أكْمَلْتُ لكم دِينكم)الآية.

أقول: هذا هو الحديث الذي اعتمد عليه الأميني وقال بوضوحه وثقة رواته وردّ علي السّيوطي لمّا قال بضعف سنده، كما مرّ قريباً في هذا الكتاب.

السجستاني

المتوفّي (477) روي ذلك في كتاب «الولاية» بإسناده بطريق أبي نعيم، عن أبي سعيد الخدري.

ابن المغازلي

المتوفّي (483) روي ذلك في مناقبه [ص 19] بإسناده بطريق الخطيب البغدادي عن أبي هريرة.

الحاكم الحسكاني

المتوفّي (490) روي ذلك في كتابه شواهد التنزيل [1: 157 ط. الأعلمي بيروت]بإسناده عن أبي سعيد الخدري: أنّ رسول اللّه(صلي الله عليه وآله) لما نزلت هذه الآية: (اليوم أكملتُ لَكُم دينكُمْ) قال: «اللّه أكبر علي إكمال الدين، وإتمام النعمة، ورضا الرّب برسالتي، وولاية علي بن أبي طالب من بعدي»، وقال: «من كنت مولاه فعليّ مولاه، اللّهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله».

ابن عساكر الشافعي

المتوفّي (571) روي ذلك الحديث المذكور بطريق ابن مردويه عن أبي سعيد وأبي هريرة، كما في الدرّالمنثور [2: 259].

الخوارزمي

المتوفّي سنة (568) روي ذلك في مناقبه [ص 80] عن الديلمي بإسناده إلي أبي سعيد الخدري بطريق أبي نعيم السالف ذكره، وروي أيضاً عن المناقب [ص 94] بالإسناد عن الحافظ أحمد بن الحسين البيهقي، وعن الحاكم أبي عبداللّه النيسابوري بطريق الخطيب البغدادي سنداً ومتناً.

النطنزي

روي في كتابه «الخصائص العلويّة» عن أبي سعيد الخدري بلفظ ما مرّ، وروي أيضاً عن أبي سعيد الخدري وجابر الأنصاري أنهما قالا: لما نزلت: (اليَوْمَ أكمَلْتُ لكم دينكُم) الآية. قال النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم): «اللّه أكبر علي إكمال الدّين، وإتمام النعمة، ورضا الربّ برسالتي، وولاية عليّ بن أبي طالبّ من بعدي».

وروي في الخصائص أيضاً بإسناده عن الإمامين الباقر و الصادق(عليهما السلام) قالا: «نزلت هذه الآية يعني آية التبليغ يوم الغدير، وفيه نزلت: (اَليومَ أكلمتُ لكم دينَكُمْ)»، قال: قال الصادق(عليه السلام): أي: (اليوم أكملت لكم دينكم) بإقامة حافظه (وأتممت عليكم نعمتي) أي: بولايتنا، (ورضيت لكم الإسلام ديناً) أي: تسليم النفس لأمرنا».

وروي فيه أيضاً بإسناده عن أبي هريرة حديث صوم الغدير بطريق الخطيب لفظاً ومتناً، وفيه نزول الآية في عليّ يوم الغدير.

ابو حامد سعد الدين الصالحاني

قال شهاب الدّين أحمد في «توضيح الدلائل علي ترجيح الفضائل»: وبالإسناد المذكور عن مجاهد(رضي الله عنه) قال: نزلت هذه الآية: (اَليَوْمَ أكملْتُ لكم دينَكُمْ) بغدير خمّ، فقال رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم): «اللّه أكبر علي إكمال الدّين، وإتمام النعمة، ورضا اللّه برسالتي، والولاية لعليّ». رواه الصالحاني، الغدير [1: 235].

سبط ابن الجوزي الحنفي

المتوفّي (654) روي ذلك في كتابه تذكرة خواصّ الاُمّة [ص 18] ما أخرجه الخطيب البغدادي من طريق الدارقطني.

الحموئي الحنفي

المتوفّي سنة (722) روي ذلك في كتابه فرائد السّمطين [1: 74 الباب 1] ما أورده الخوارزمي سنداً ومتناً. وروي أيضاً من طريق الديلمي بإسناده إلي أبي سعيد الخدري بلفظ أبي نعيم، ثمّ قال: هذا حديث الغدير له طرقٌ كثيرة إلي أبي سعيد سعد بن مالك الخدري الأنصاري.

السيوطي

المتوفّي (911) روي ذلك في الدر المنثور [1: 236] من طريق ابن مردويه والخطيب وابن عساكر في رواية ابن مردويه فيما مرّ.

وقال في كتابه الإتقان [1: 75 ط. بيدار قم] في عدّ الآيات السفرية، منها: (اليَومَ اَكْمَلتُ لكُمْ دِينَكُم)في الصحيح عن عمر أنها نزلت عشيّة عرفة يوم الجمعة عام حجّة الوداع، وله طرقٌ كثيرةٌ. لكن أخرج ابن مردويه عن أبي سعيد الخدري أنها نزلت يوم غدير خمّ. وأخرج مثله حديث أبي هريرة، وفيه: أنه اليوم الثامن عشر من ذي الحجّة مرجعه من حجّة الوداع. وكلاهما لا يصحّ.

أقول: لقد استغرب بعضهم كالأميني المجاهد الحجّة من قول السيوطي بعدم الصحّة في الحديثين المذكورين وحيث لم يكن يبيّن وجه العلّة فيهما أو من أيّ ناحية كانت، حتي قال الأميني في قوله: «وكلاهما لا يصحّ» لم يكن إلاّ تقليداً لقول ابن كثير المذكور في تفسيره [1: 236] حيث قال في الحديثين: لا يصلح لا هذا ولا هذا.

وإليك ما قاله الأميني ردّاً علي قوليهما ومن لفّ لفهما:

إن كان مراده من عدم الصّحة غميزة في الإسناد، ففيه أن رواية أبي هريرة صحيحة الإسناد عند أساتذة الفنّ، منصوصٌ علي رجالها بالتّوثيق، وحديث أبي سعيد له طرقٌ كثيرةٌ كما في فرائد السّمطين للحمويني، علي أن الرواية لم تختصّ بأبي سعيد وأبي هريرة، فقد عرفت أنها رواها جابر بن عبداللّه والمفسّر التابعي مجاهد المكّي، والإمامان الباقر والصادق(عليهما

السلام) وأسند إليهم العلماء مخبتين إليها.

كما أنّها لم تختص روايتها من العلماء وحفّاظ الحديث بابن مروديه، وقد سمعت عن السيوطي نفسه في الدرّ المنثور رواية الخطيب وابن عساكر، وعرفت أن هناك جمعاً آخرين أخرجوها بأسانيدهم، وفيها مثل الحاكم النيسابوري، والحافظ البيهقي، والحافظ ابن أبي شيبة، والحافظ الدار قطني، والحافظ الدّيلمي، والحافظ الحدّاد الحسكاني وغيرهم. كلّ ذلك من دون غمز فيها عن أي منهم.

وإن كان يريد عدم الصحّة من ناحية معارضتها لما روي من نزول الآية يوم عرفة، فهو مجازفٌ في الحكم الباتّ بالبطلان علي أحد الجانبين. وهب أنّه ترجّح في نظره الجانب الآخر، لكنه لا يستدعي الحكم القطعيّ ببطلان هذا الجانب، كما هو الشأن عند تعارض الحديثين، لا سيما مع إمكان الجمع بنزول الآية مرّتين، كما احتمله سبط ابن الجوزي في تذكرته [ص 18] كغير واحدة من الآيات الكريمة النازلة غير مرّة واحدة، ومنها البسملة النازلة في مكّة مرّةً وفي المدينة اُخري [30].

الامام الطبرسي

روي الحديث في تفسيره مجمع البيان [2: 200 ط. مؤسسة التأريخ العربي بيروت]عن الإمامين الباقر والصادق(عليهما السلام): قالا: «إنه إنما أنزل بعد أن نصب النبي(صلي الله عليه وآله وسلم) عليّاً(عليه السلام) علماً للأنام يوم غدير خمّ، منصرفه عن حجّة الوداع، قالا: وهو آخر فريضة أنزلها اللّه تعالي، ثمّ لم ينزل بعدها فريضة». انتهي.

ثمّ روي أيضاً من طريق السيد العالم أبي الحمد مهدي بن نزار الحسيني مسنداً عن أبي سعيد الخدري: أن رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) لمّا نزلت هذه الآية قال: «اللّه أكبر علي إكمال الدّين، وإتمام النّعمة. ورضا الرب برسالتي وولاية عليّ بن أبي طالب من بعدي».

ابن شهر آشوب

روي ابن شهر آشوب في مناقبه [3: 23 ط. دار الأضواء] عن أبي سعيد الخدري، وجابر بن عبداللّه الأنصاري، قالا: لما نزلت: (اليوم أكملتُ لكم دينكم) قال النبي(صلي الله عليه وآله وسلم): «اللّه أكبر علي إكمال الدّين، وإتمام النّعمة، ورضا الرب برسالتي، وولاية عليّ ابن أبي طالب(عليه السلام) بعدي» رواه النطنزي في الخصائص.

وروي العياشي عن الصادق(عليه السلام): (اليومَ أكملتُ لكم دينَكُمْ) بإقامة حافظه (وَأتْمَمْتُ عَلَيْكُم نِعْمِتي) بولايتنا (وَرَضِيْتُ لَكُمُ الإسْلاَمَ دِيناً) أي تسليم النّفس لأمرنا.

وقال الباقر و الصاد ق(عليهما السلام): «نزلت هذه الآية يوم الغدير». وقال يهودي لعمر: لو كان هذا اليوم فينا لاتّخذناه عيداً، فقال ابن عباس: وأيّ يوم أكمل من هذا العيد؟

وقال ابن عبّاس: إن النبي(صلي الله عليه وآله وسلم) توفّي بعد هذه الآية باحدي [31] وثمانين يوماً. قال السّدّي: لم ينزل اللّه بعد هذه الآية حلالاً ولا حراماً، وحجّ رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) في ذي الحجّة ومحرّم وقبض.

وروي أنه لمّا نزل: (إنّما وليُّكُمُ اللّهُ ورسولهُ) أمره اللّه تعالي أن ينادي بولاية

عليّ، فضاق النبي(صلي الله عليه وآله) بذلك ذرعاً لمعرفته بفساد قلوبهم، فأنزل: (يا ايُّهَا الرَّسُولُ بَلّغْ مَا اُنْزِل إلَيكَ) ثمّ أنزل: (اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُم) ثم أنزل: (اَليْومَ أكلمتُ لَكُم دِينكُم)وفي هذه الآية خمس بشارات: إكمال الدّين، وإتمام النّعمة، ورضا الرحمن، وإهانة الشيطان، ويأس الجاحدين.

قوله تعالي: (اليَوْمَ يَئِسَ الذَين كَفَرُوا مِنْ دِينِكُم) وعيد المؤمنين في الخبر الغديرعيد اللّه الأكبر. وعن ابن عباس: اجتمعت في ذلك اليوم خمسة أعياد: الجمعة، والغدير، وعيد اليهود، والنصاري، والمجوس. ولم يجتمع هذا فيما سمع قبله، وفي رواية الخدري: أنه كان يوم الخميس.

وقال العودي:

أما قال إن اليوم أكملت دينكم

وأتممت بالنعماء منّي عليكم

وقال أيضاً:

وقال أطيعوا اللّه ثمّ رسوله

تفوزوا ولا تعصوا اُولي الأمرمنكم

سوره بينه، آيه 7

اشاره

في قوله تعالي: (إنَّ الَّذينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالحاتِ اُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَريَّة)[البينة: 7].

إن ممّا ذكره بعض المفسّرين في تفاسيرهم والحفّاظ في مصنّفاتهم بأنّ هذه الآية الشريفة نزلت في أمير المؤمنين عليّ(عليه السلام) وأنّه هو المراد به ومواليه في قوله تعالي: (اُولئك هُمْ خَيْرُ البرَيّة). وإليك جمعٌ من اُولئك الذين ذكروا ذلك في كتبهم وزبرهم، منهم:

الطبري

قال في تفسيره «جامع البيان» [12: 657]: وقد حدّثنا ابن حميد، قال: حدّثنا علس بن فرقد، عن أبي الجارود عن محمّد بن علي: (اُولئكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّة) قال النبي(صلي الله عليه وآله وسلم): «أنت يا عليّ وشيعتك».

الطبرسي

قال العلاّمة في القرن السادس، المفسّر الكبير الشيخ أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي في تفسيره مجمع البيان [5: 669 ط. مؤسسة التأريخ العربي بيروت]: أخبرنا أبو عبداللّه الحافظ بالإسناد، المرفوع إلي يزيد بن شراحيل الأنصاري كاتب عليّ(عليه السلام) قال: سمعت عليّاً(عليه السلام)يقول: قبض رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) وأنا مسنده إلي صدري فقال: يا عليّ ألم تسمع قول اللّه تعالي: (إنَّ الَّذينَ آمَنوا وعملوا الصَّالحات اُولئكَ هُمْ خَيْرُ البَريَّة)؟ هم أنت شيعتك، وموعدي وموعدكم الحوض، إذا اجتمعت الأمم للحساب تّدعون غرّاً محجّلين.

وذكره الحاكم أبو القاسم الحسكاني في كتاب شواهد التنزيل [2: 356].

وفيه عن مقاتل بن سليمان عن الضحاك عن ابن عباس في قوله تعالي: (هُمْ خيرُ البريَّة) قال: نزلت في عليّ(عليه السلام) وأهل بيته.

الشوكاني

قال في تفسيره فتح القدير [5: 477]: أخرج ابن مردويه عن عائشة، قالت: قلت: يا رسول اللّه من أكرم الخلق علي اللّه؟ قال: يا عائشة أما تقرئين: (إنَّ الَّذِينَ آمنُوا وَعَمِلوا الصَّالِحات اُولئكَ هُمْ خَيْرُ الْبَريَّة)؟

وأخرج ابن عساكر عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري، قال: كنّا عند النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم)فأقبل عليّ، فقال النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم): «والذي نفسي بيده إن هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة». ونزلت: (إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ اُولئِكَ هُمْ خَيْرُ البَريَّة)فكان أصحاب محمد(صلي الله عليه وآله وسلم) إذا أقبل عليّ قالوا: قد جاء خير البريّة.

وأخرج ابن عدي وابن عساكر عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً: عليّ خير البرية.

وأخرج ابن مردويه عن ابن عبّاس، قال: لما نزلت هذه الآية: (إنَّ الَّذَينَ آمنُوا وَعَمِلوا الصَّالِحَاتِ اُولئكَ هُمْ خَيْر البَرِيَّة) قال رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) لعليّ: «هو أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيّين».

الخوارزمي

أخرج في مناقبه [ص 111 تحت رقم 120 ط. جامعة المدرسين قم] عن جابر قال: كنّا عند النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم) فأقبل عليّ بن أبي طالب، فقال رسول الله(صلي الله عليه وآله وسلم): «قد أتاكم أخي، ثمّ التفت إلي الكعبة فضربها بيده، ثم قال: والذي نفسي بيده، إن هذا وشيعته هم الفائزون يوم القيامة»، ثم قال: «إنه أوّلكم إيماناً معي، وأوفاكم بعهد اللّه تعالي، وأقومكم بأمر اللّه، وأعدلكم في الرعية، وأقسمكم بالسويّة، وأعظمكم عند اللّه مزيّة» قال: نزلت فيه: (إنَّ الَّذِينَ آمَنوا وَعَمِلُوا الصَّالحاتِ اُولئِكَ هُمْ خَيْرُ البَريَّة).

ابن الصباغ المالكي

قال ابن الصبّاغ في الفصول المهمة [ص 117 ط. دار الأضواء بيروت] عن ابن عباس، قال: لما نزلت هذه الآية، قال النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم) لعليّ: «أنت وشيعتك تأتي يوم القيامة أنت وهم راضين مرضيّين، ويأتي أعداؤك غضاباً مقمحين».

ابن حجر الهيثمي

قال في كتابه الصواعق المحرقة [ص 96 ط. الميمنية مصر. و ص 246 ط. دار الكتب العلمية بيروت] في الآية الحادية عشرة، وذلك قوله تعالي: (إنَّ الذِينَ آمنوا وعَمِلُوا الصَّالحاتِ أُولئكَ هُمْ خَيْرُ البَريَّة): أخرج الحافظ جمال الدّين الزّرندي عن ابن عباس رضي اللّه عنهما: أن هذه الآية لمّا نزلت قال(صلي الله عليه وآله وسلم) لعليّ: «هو أنت وشيعتك، تأتي أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيّين، ويأتي عدوّك غضاباً مقمحين». قال: ومن عدوّي؟ قال: «من تبّرأ منك ولعنك».

[ثمّ قال رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم): «ومن قال: رحم اللّه عليّاً رحمه اللّه»] [32].

جلال الدين السيوطي

قال في كتابه الدّرّ المنثور [6: 379] أخرج ابن عساكر عن جابر بن عبداللّه، قال: كنّا عند النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم) فأقبل عليّ، فقال النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم): «والذي نفسي بيده، إن هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة». ونزلت: (إنَّ الَّذينَ آمنُوا وعَمِلُوا الصالحات اُولئكَ هُمْ خَيْرُ الْبَريَّة) فكان أصحاب النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم) إذا أقبل عليّ قالوا: جاء خير البريّة.

وأخرج ابن عدي عن ابن عباس قال: لمّا نزلت: (إن الذِينَ آمنوا وَعملوا الصَّالحات) قال رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) لعليّ: «أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيّين».

وأخرج ابن مردويه عن عليّ، وذكر حديث يزيد بن شراحيل الذي ذكره الطّبرسي كما مرّ لفظه.

الشبلنجي

قال في كتابه «نور الأبصار في مناقب آل النبي المختار» [ص 87]: وقد ورد في فضله [يعني عليّاً] آياتٌ وأحاديث جمةٌ، فروي منها حديثاً من بين الأحاديث، ما ورد عن ابن عباس، قال: لمّا نزلت: (إنَّ الَّذِينَ آمنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ اُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَريَّة)قال النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم) لعلي: «أنت وشيعتك، تأتي يوم القيامة أنت وهم راضين مرضيّين، ويأتي أعداؤك غضاباً مقمحين».

الصبان

قال في كتابه إسعاف الراغبين المطبوع بهامش نور الأبصار[ص 172 173]: وأخرج الطبراني بسند ضعيف، إنّ عليّاً قال: إن خليلي(صلي الله عليه وآله وسلم) قال: يا عليّ إنك ستقدم علي اللّه أنت وشيعتك راضين مرضيّين، وتقدم أعداؤك غضاباً مقمحين، ثمّ جمع عليٌ يده إلي عنقه يريهم الإقماح.

ثمّ أردف الشيخ المؤلّف الحديث بعباراته العجيبة، وكلماته الغريبة، مفسّراً في معني الشّيعة بقوله: «وشيعته هم: أهل السنّة، لأنهم الذين أحبّوه كما أمر اللّه ورسوله، لا الرّوافض» فكأنّ الروافض بالنظر إلي هذه العبارة إنّما رفضوا من رفضوا ليس إلاّ لبغضهم في عليّ، ثمّ قال: وأعداؤه الخوارج ونحوهم من أهل الشام لا معاوية ونحوه من الصحابة، لأنهم متأوّلون، وغاية الأمر أنهم أخطأوا في اجتهادهم فلهم أجرٌ.

لعلّ هذا القول مقبولٌ عند بسطاء الأمة وجهّالها، الذين يزعمون من هذا الإفتاء أن معاوية ممن وازروا الإمام وناصروه ومن أهل المدينة، لا ممن خرجوا عليه وحاربوه من أهل الشام.

ثمّ اعتذر له الشيخ وأضرابه، بقوله: «لأنهم متأوّلون. وغاية الأمر أنهم أخطأوا في اجتهادهم فلهم أجرٌ» فيا للعجب من هذا الإفتاء ويا ليت شعري، كيف ظنّك بمن يقطع ويفتي فيمن يخرج علي إمام الحقّ بكلّ حول وطول أنهم كانوا متأوّلين ومجتهدين؟ ومن يخرج عن طاعة السلف الثلاثة المتقدّمين عليه إنهم كانوا من المعاندين

المرتدّين. أنا لا أدري ويا ليت الناس يدرون.

ابن شهر آشوب

قال في كتابه مناقب آل أبي طالب [3: 67 ط. دار الأضواء] أخرج ابن مجاهد في التأريخ، والطبري في الولاية، والديلمي في الفردوس، وأحمد بن حنبل في الفضائل، والأعمش عن أبي وائل، وعن عطية عن عائشة، وقيس عن أبي حازم، عن جرير بن عبد اللّه، قالوا: قال رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم): «عليّ خير البشر فمن أبي فقد كفر، ومن رضي فقد شكر».

وعن أبي الزبير وعطية العوفي وجوّاب قال كل واحد منهم: رأيت جابراً يتوكّأ علي عصاه وهو يدور في سكك المدينة ومجالسهم، وهو يروي هذا الخبر، ثمّ يقول: معاشر الأنصار أدّبوا أولادكم علي حبّ عليّ، فمن أبي فلينظر في شأن اُمّه.

وروي الداري بإسناده عن الأصبغ بن نباته، عن جميع التيمي، كليهما عن عائشة، أنها لمّا روت هذا الخبر قيل لها: فلم حاربتيه؟ قالت: ما حاربته من ذات نفسي، إلاّ حملني طلحة والزبير. وفي رواية: أمرٌ قدر وقضاءٌ غلب.

وروي أبو وائل، ووكيع، وأبو معاوية، والأعمش، وشريك، ويوسف القطّان بأسانيدهم: أنه سئل جابر وحذيفة عن عليّ(عليه السلام) فقالا: عليّ خير البشر، لا يشكّ فيه إلاّ كافر. وروي عطاء عن عائشة مثله. ورواه سالم بن أبي الجعد عن جابر بأحد عشر طريقاً.

قال أبو الطفيل الكناني:

أشهد باللّه وآلائه

وآل يس وآل الزمر

أن علي بن أبي طالب

بعد رسول اللّه خير البشر

لو يسمعوا قول نبيّ الهدي

من حاد عن حبّ عليّ كفر

وروي أبو بكر الهذلي عن الشعبي: أن رجلاً أتي رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) فقال: يا رسول اللّه علّمني شيئاً ينفعني اللّه به، قال(صلي الله عليه وآله وسلم): «عليك بالمعروف فإنه ينفعك في عاجل دنياك وآخرتك، إذ أقبل عليّ، فقال: يا

رسول اللّه فاطمة تدعوك، قال: نعم، فقال الرّجل: من هذا يا رسول اللّه؟ قال(صلي الله عليه وآله وسلم): هذا من الذين قال اللّه فيهم: (إنَّ الذينَ آمنُوا وعَمِلوُا الصَّالحات أولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَريَّة).

روي ابن عباس، وأبو برزة، وابن شراحيل، والباقر(عليه السلام): قال النبي(صلي الله عليه وآله وسلم)لعليّ مبتدئاً: (إنَّ الذين آمَنُوا وعَمِلوا الصَّالحات أولئكَ هُمْ خيْرُ البريَّة) أنت وشيعتك، وميعادي وميعادكم الحوض، إذا حشر الناس جئت أنت وشيعتك غرّاً محجّلين».

وروي أبو نعيم في كتابه «ما نزل من القرآن في علي» بالإسناد عن شريك بن عبداللّه، عن أبي إسحاق عن الحرث، قال: قال علي(عليه السلام): نحن أهل بيت لا نقاس بالناس. فقام رجلٌ فأتي ابن عباس فأخبره بذلك، فقال ابن عباس : صدق عليّ، أو ليس النبي لا يقاس بالناس؟ وقد نزل في عليّ: (إنَّ الذين آمنوا وعملوا الصَّالحات أولئكَ هُمْ خيرُ البَرِيَّة).

وروي الأعمش عن عطية، عن أبي سعيد الخدري، وروي الخطيب عن جابر بن عبداللّه: أنه لما نزلت هذه الآية قال النبي (صلي الله عليه وآله وسلم): «عليّ خير البريّة»، وفي رواية جابر: كان أصحاب رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) إذا أقبل عليّ، قالوا: جاء خير البريّة.

قال البياري:

ألا اقرأ لم يكن وتأمّلنها

تجد فيها خسار الناصبيّة

أمير المؤمنين لنا إمامٌ

له العلياء والرتب السنية

فلم أنكرتم لو قلت يوماً

بأن المرتضي خير البريّة

ستذكر بغضه وقلاه يوماً

أتاك ردي وحمّ لك المنيّة

وروي الخطيب في تأريخه عن الأعمش عن عدي عن زرّ عن عبيد اللّه عن علي(عليه السلام) قال: قال رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم): «من لم يقل عليّ خير البشر فقد كفر» [33].

وروي أيضاً في التأريخ بالإسناد عن علقمة عن عبداللّه، قال رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم): «خير رجالكم

عليّ بن أبي طالب، وخير شبابكم الحسن والحسين، وخير نسائكم فاطمة بنت محمّد(صلي الله عليه وآله وسلم)» [34].

سوره سجده، آيه 18

اشاره

في قوله تعالي: (أفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لاَ يَسْتَوُون) [السجدة: 18].

قال المفسّرون في تفاسيرهم وحملة السنن في كتبهم: أنّ نزول هذه الآية الكريمة في أمير المؤمنين عليّ(عليه السلام) حينما وقع النزاع بينه وبين الوليد بن عقبة، فأظهر اللّه مصداق قول عليّ(عليه السلام) بها.

وممّن ذكر ذلك:

الطبري

قال في تفسيره جامع البيان [10: 245] قال: حدّثنا ابن حميد، قال: حدّثنا سلمة ابن الفضل، قال: حدّثني ابن إسحاق، عن بعض أصحابه، عن عطاء بن يسار، قال: نزلت أي الآية بالمدينة في عليّ بن أبي طالب، والوليد بن عقبة بن أبي معيط، كان بين الوليد و بين عليّ كلامٌ. فقال الوليد بن عقبة: أنا أبسط منك لساناً، وأحدّ منك سناناً، وأردّ منك للكتيبة، فقال علي: «اُسكت يا فاسق»، فأنزل اللّه فيهما: (أفَمَنْ كَانَ مُؤمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لا يَسْتَوون إلي قوله به تكذّبون).

الشوكاني

قال في تفسيره فتح القدير [4: 255]: أخرج الأصبهاني في كتاب الأغاني والواحدي، وابن عدي. وابن مردويه، والخطيب، وابن عساكر من طرق، عن ابن عباس، قال: قال الوليد بن عقبة لعليّ بن أبي طالب: أنا أحدّ منك سناناً، وأنشط منك لساناً، وأملأ للكتيبة منك، فقال له علي: اُسكت فإنّما أنت فاسق، فنزلت: (أَفَمَنْ كَانَ مؤمِناً كمن كان فاسقاً لا يستوون) يعني بالمؤمن عليّاً، وبالفاسق الوليد بن عقبة بن أبي معيط.

النيسابوري

قال في تفسيره غرائب القرآن [21: 72 بهامش تفسير الطبري]: يروي أنه شجر بين عليّ بن أبي طالب(رضي الله عنه) والوليد بن عقبة بن أبي معيط يوم بدر كلامٌ، فقال له الوليد: اُسكت فإنك صبي. فقال له عليّ: «اُسكت فإنّك فاسق»، فأنزل اللّه تعالي فيهما خاصّة، و في أمثالهما من الفريقين عامّة.

ابن كثير

قال في تفسيره [3: 470 ط. دار المعرفة بيروت]: وقد ذكر عطاء بن يسار، والسدّي وغيرهما أنها أي الآية نزلت في عليّ بن أبي طالب وعقبة بن أبي معيط.

وهذا فيه تصحيفٌ لا يخفي.

الموسوي

قال في التعليقات من مراجعاته [ص 47 المراجعة 12]: نزلت هذه الآية في أمير المؤمنين والوليد بن عقبة بن أبي معيط بلا نزاع، وهذا هو الذي أخرجه المحدّثون، وصرّح به المفسّرون. أخرج الإمام أبو الحسن عليّ بن أحمد الواحدي في معني الآية في كتابه «أسباب النزول» بالإسناد إلي سعيد بن جبير عن ابن عباس، قال: قال الوليد بن عقبة ابن أبي معيط لعليّ: أنا أحدّ منك سناناً، وأبسط منك لساناً، وأملأ للكتيبة منك، فقال له عليّ: «اُسكت فإنما أنت فاسق»، فنزل: (أفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسقاً لا يستوون)قال: يعني بالمؤمنين عليّاً، وبالفاسق الوليد بن عقبة.

الطبرسي

قال في تفسيره مجمع البيان [4: 429 ط. مؤسسة التأريخ العربي بيروت]. قال ابن أبي ليلي: نزل قوله: (أفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً) الآية، في عليّ بن أبي طالب(عليه السلام)ورجل من قريش. وقال غيره: نزلت في عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) والوليد بن عقبة، والمؤمن عليّ، والفاسق الوليد. وذلك أنه قال لعليّ: أنا أبسط منك لساناً، وأحدّ منك سناناً، فقال عليّ (عليه السلام): «ليس كما تقول يا فاسق». قال قتادة: لا واللّه ما استووا، لا في الدنيا ولا عند الموت ولا في الآخرة.

ابن المنير

وهو الإمام العلاّمة ناصر الدين أحمد بن محمّد بن المنير الاسكندري المالكي، قال في كتابه الانتصاف المطبوع مع تفسير الكشّاف [3: 514 الهامش رقم 3 ط. قم] في الشقِّ الاسفل من تفسير الزمخشري: قوله تعالي: (وأمّا الذين فسقوا فمأواهم النَّار) قال: سبب نزولها انه شجر بين عليّ بن أبي طالب كرّم اللّهُ وجهه والوليد بن عقبة يوم بدر كلامٌ، فقال له الوليد: اُسكت فإنّك صبيّ، أنا أشبّ منك شباباً. وأجلد جلداً. وأذرب لساناً. وأحدّ منك سناناً، وأشجع جناناً، وأملأحشواً في الكتيبة، فقال له علي: «اُسكت فإنك فاسق».

الاصفهاني

قال في كتابه الأغاني [4: 185] علي ما نقله الأميني في غديره [2: 46]: كان بين عليّ والوليد تنازع وكلامٌ في شيء، فقال الوليد لعليّ: اُسكت فإنك صبي وأنا شيخٌ. واللّه إني أبسط منك لساناً، وأحد منك سناناً، وأشجع منك جناناً، وأملأ منك حشواً في الكتيبة، فقال علي: «اُسكت فإنك فاسق»، فأنزل اللّه هذه الآية.

وكذا في تفسير الخازن [3: 470] وفي أسباب النزول للواحدي [ص 263] وفي الرياض النضرة للمحبّ الطّبري [2: 206] وفي مناقب الخوارزمي [ص 188] وفي كفاية الطّالب للكنجي [ص 55] وفي المستدرك [3: 130].

قال بعض بني عامر:

عليّ الذي في الفخر طال ثناؤه

فلا تكثروا الدعوي عليه فتفجروا

ببدر خرجتم للبراز فردّكم

شيوخ قريش حسرةً وتأخّروا

فلمّا أتاهم حمزة وعبيدةٌ

وجاء عليّ بالمهنّد يخطر

فقالوا نعم أكفاء صدق فأقبلوا

إليهم سراعاً إذ بغوا وتجبّروا

فجال عليّ جولةً هاشميّة

فدمّرهم لما عتوا وتكبّروا [35].

سوره مريم، آيه 96

اشاره

في قوله عزّوجلّ: (إنَّ الَّذينَ آمنوا وعملوا الصَّالحات سيجعلُ لهمُ الرَّحمن ودّاً)[مريم: 96].

قال الأعلام من المفسّرين والمحدّثين في مصنّفاتهم وتآليفهم: أنّ هذه الآية الشّريفة نزلت في أمير المؤمنين عليّ(عليه السلام).

وممّن قال بذلك:

النيسابوري

ذكر في تفسيره غرائب القرآن المطبوع بهامش جامع البيان للطّبري [16: 74]حديثاً عن النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم) أنه قال لعليّ: «قل اللّهم اجعل لي عندك عهداً، واجعل لي في صدور المؤمنين مودّة»، فأنزل اللّه هذه الآية يعني: (إنَّ الذِينَ آمنُوْا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمن وُدّاً).

الشوكاني

قال في تفسيره فتح القدير [3: 354]: أخرج الطّبراني وابن مردويه عن ابن عباس قال: نزلت في عليّ بن أبي طالب: (إِنَّ الذينَ آمنوا وعملوا الصَّالحات سيجعل لهم الرَّحمن ودّاً) قال: محبّة في قلوب المؤمنين.

وأخرج ابن مردويه والديلمي عن البراء قال: قال رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) لعليّ: «قل اللّهم اجعل لي عندك عهداً، واجعل لي عندك ودّاً، واجعل لي في صدور المؤمنين مودّة»، فأنزل اللّه الآية في عليّ.

وأخرج الحكيم الترمذي وابن مردويه عن علي قال: «سألت رسول اللّه (صلي الله عليه وآله وسلم)عن قوله: (سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرّحْمن ودّاً) ما هو؟ قال(صلي الله عليه وآله وسلم): المحبة الصادقة في صدورالمؤمنين».

الطبرسي

قال في تفسيره مجمع البيان [3: 687 ط. مؤسسة التأريخ العربي بيروت] قيل فيه أقوال أحدها: أنها خاصة في علي بن أبي طالب(عليه السلام) فما من مؤمن إلا وفي قلبه محبةٌ لعلي(عليه السلام) عن ابن عباس. وفي تفسير أبي حمزة الثمالي، حدّثني أبو جعفر الباقر(عليه السلام) قال: «قال رسول اللّه (صلي الله عليه وآله وسلم) لعلي(عليه السلام): قل اللّهمّ اجعل لي عندك عهداً، واجعل لي في قلوب المؤمنين ودّاً فقالهما عليٌ(عليه السلام)» فنزلت هذه الآية. وروي نحوه عن جابر بن عبداللّه الأنصاري.

الزمخشري

قال في تفسيره الكشّاف [3: 47 ط. قم]: روي أن النبي(صلي الله عليه وآله وسلم) قال لعليّ(رضي الله عنه): «يا علي، قل اللّهمّ اجعل لي عندك عهداً، واجعل لي في صدور المؤمنين مودّة»، فأنزل اللّه هذه الآية.

ابن شهر آشوب

قال في كتابه مناقب آل أبي طالب [3: 93 ط. دار الاضواء بيروت]: أخرج أبو روق عن الضحّاك، وشعبة عن الحكم عن عكرمة، والأعمش عن سعيد بن جبير، والعزيزي السّجستاني في غريب القرآن عن أبي عمرو، كلّهم عن ابن عباس أنه سئل عن قوله تعالي: (سَيَجْعَل لَهُمُ الرحْمنُ ودّاً) فقال: أنزل في عليّ، لأنه ما من مسلم إلاّ ولعليّ في قلبه محبّة.

وأخرج أبو نعيم الاصفهاني، وأبو الفضل الشيباني، وابن بطّة العكبري، بالإسناد عن محمّد بن الحنفية وعن الباقر(عليه السلام) في خبر، قالا: لا يلقي مؤمنٌ إلاّ وفي قلبه ودّ لعليّ بن أبي طالب ولأهل بيته(عليهم السلام).

وعن زيد بن علي: أن عليّاً أخبر رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) أنه قال له رجلٌ: إني اُحبّك في اللّه تعالي، فقال(صلي الله عليه وآله وسلم): «لعلّك يا عليّ اصطنعت إليه معروفاً؟» قال: «لا والله ما اصطنعت له معروفاً»، فقال(صلي الله عليه وآله وسلم): «الحمد للّه الذي جعل قلوب المؤمنين تتوق إليك بالمودّة». فنزلت هذه الآية.

وروي الثعلبي، وزيد بن علي، والأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين، وأبو حمزة الثمالي عن الباقر(عليه السلام)، وعبد الكريم الخرّاز، وحمزة الزيّات عن البراء بن عازب كلّهم عن النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم) أنه قال لعليّ: «قل اللّهمّ اجعل لي عندك عهداً، واجعل لي في قلوب المؤمنين ودّاً»، فقالهما عليّ وأمّن رسول اللّه، فنزلت هذه الآية.

الاميني

وهو الحبر العلم الحجّة المجاهد شيخنا الأكبر، الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي مؤلّف أنفس كتاب وأجمعها لمهمات دينية واجتماعيّة في عصرنا الحاضر المسمّي ب «الغدير» وهو كتابٌ دينيٌ، علمي، فني، تأريخي، أدبي، أخلاقي. وقد قال تغمّده اللّه برحمته في الكتاب المذكور [2: 55] عند شرحه شعر حسّان

بن ثابت في أمير المؤمنين(عليه السلام): أخرج أبو إسحاق الثعلبي في تفسيره بإسناده عن البراء بن عازب، قال: قال رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم)لعليّ: «اللّهمّ اجعل لي عندك عهداً، واجعل لي في صدور المؤمنين مودّة» فأنزل اللّه هذه الآية.

ثمّ قال: ورواه أبو المظفّر سبط ابن الجوزي في كتابه تذكرة الخواص [ص 17]وقال: وروي عن ابن عباس: إن هذا الود جعله اللّه لعليّ في قلوب المؤمنين.

وروي الهيثمي في كتابه مجمع الزوائد [9: 125] عن ابن عباس: نزلت في عليّ بن

أبي طالب: (إن الّذينَ آمنُوا وعملوا الصَّالحِاتَ سَيَجْعَلُ لهُمُ الرَّحْمنُ وُدّاً) قال: محبّة في قلوب المؤمنين.

وأخرج الخوارزمي في مناقبه [ص 188] حديث ابن عباس وبعده بالإسناد عن عليّ(عليه السلام) أنه قال: لقيني رجلٌ فقال: يا أبا الحسن، واللّه إني اُحبّك في اللّه، فرجعت إلي رسول اللّه فأخبرته بقول الرّجل، فقال: «لعلّك يا عليّ اصطنعت إليه معروفاً»، قال: فقلت: واللّه ما اصطنعت إليه معروفاً، فقال رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم): «الحمد للّه الذي جعل قلوب المؤمنين تتوق إليك بالمودّة»، فنزل قوله: (إنَّ الذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سِيَجْعَل لَهُم الرَّحْمنُ وُدّاً).

الصبان

قال في كتابه «إسعاف الرّاغبين في سيرة المصطفي وفضائل أهل بيته الطّاهرين» [ص 118] المطبوع بهامش نور الابصار: أخرج السلفي عن محمّد بن الحنفية في قوله عزوجل: (إنَّ الذينَ آمنُوا وَعَملُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمن وُدّاً) أنه قال(صلي الله عليه وآله وسلم): «لا يبقي مؤمنٌ إلاّ وفي قلبه ودّ لعليّ وأهل بيته».

سوره رعد، آيه 7

اشاره

في قوله تعالي: (إنَّمَا أنْتَ مُنذِرٌ وَلِكُلّ قَوْم هاد) [الرَّعْد: 7].

ذكر المفسّرون في تفاسيرهم: أنّ المراد بالهادي في هذهِ الآية الكريمة من قوله عزوجلّ: (وَلِكلّ قَوْم هاد) هو أمير المؤمنين علي(عليه السلام) واستدلّوا في ذلك بحديث أوردوه عن ابن عباس وغيره. غير أنّ البعض منهم بنوا في استدلالهم بالحديث بلفظ مبني للمجهول، كقوله: «وقيل، أو روي» علي أنّ الحديث روي من طريق واضح مسنداً، ولعلّ النابه الفطن يسعه أن يبلغ بنور فطانته إلي ما في وراء ذلك البناء.

وممّن ذكر ذلك في مصنفاتهم:

الطبري

قال في تفسيره جامع البيان [7: 343 344] بعد أن ذكر أقوالاً: وقال آخرون: هو علي بن أبي طالب(رضي الله عنه). حدّثنا أحمد بن يحيي الصوفي، حدثنا الحسن بن الحسين الأنصاري، حدثنا معاذ بن مسلم، بيّاع الهروي [36]، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: لمّا نزلت: (إنّما أنتَ منذرٌ ولِكلّ قوم هاد)وضع(صلي الله عليه وآله وسلم) يده علي صدره، فقال: «أنا المنذر، (ولِكلّ قوم هاد). وأومأ بيده إلي منكب عليّ فقال: أنت الهادي يا علي بك يهتدي المهتدون بعدي».

النيسابوري

قال في تفسيره غرائب القرآن المطبوع بهامش جامع البيان [13: 68]: وقيل: المنذر النبيّ، والهادي هو عليّ. وروي عن ابن عباس أن رسول اللهِ(صلي الله عليه وآله وسلم) وضع يده علي صدره، فقال: «أنا المنذر، وأومأ إلي منكب عليّ، فقال: وأنت الهادي، يا عليّ، بك يهتدي المهتدون من بعدي».

الطبرسي

قال في تفسيره «مجمع البيان» عند قوله تعالي: (إنَّمَا أنْتَ مُنْذِرٌ وَلكُلِّ قَوْم هَاد): فيه أقوال. ثم ذكر الأقوال إلي القول الرابع، فقال فيه: إن المراد بالهادي كلّ داع إلي الحقّ، وفي رواية اخري: عن ابن عباس قال: لمّا نزلت الآية قال رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم): «أنا المنذر وعلي الهادي من بعدي، يا عليّ بك يهتدِي المهتدون».

وروي الحاكم أبو القاسم الحسكاني في كتابه شواهد التّنزيل [1: 301 302]بالإسناد عن إبراهيم بن الحكم بن ظهير، عن أبيه، عن حكم بن جبير، عن أبي بردة الأسلمي، قال: دعا رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) بالطهور وعنده علي بن أبي طالب، فأخذ رسول اللّه(صلي الله عليه وآله) بيد عليّ بعد ما تطهّر فألزمها بصدره، ثمّ قال: (إنما انت منذر) ثمّ ردّها إلي صدر عليّ، ثمّ قال: (ولكلّ قوم هاد) ثمّ قال: «إنّك منارة الأنام، وغاية الهدي، وأمير القري، وأشهد علي ذلك إنك كذلك» [37].

ابن كثير

قال في تفسيره [2: 520 ط. دار المعرفة] بعد أن أورد عدّة أقوال في معني الآية: وقال أبو جعفر بن جرير: حدّثني أحمد بن يحيي الصوفي، حدّثنا الحسن بن الحسين الأنصاري، حدّثنا معاذ بن مسلم بيّاع الهروي عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي اللّه عنهما، قال: لما نزلت: (إنّما أنْتَ مُنْذِرٌ ولِكُلِ قوم هاد) وضع رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) يده علي صدره، وقال: «أنا المنذر، ولكلّ قوم هاد»، وأومأ بيده إلي منكب عليّ فقال: «وأنت الهادي يا عليّ، بك يهتدي المهتدون من بعدي».

قال ابن كثير: هذا الحديث فيه نكارةٌ شديدة.

أقول: ليس من الغريب طعن ابن كثير في مثل هذا الحديث عند البصير الناقد، العارف

بشخصيّته وتعصّبه علي بعض الأحاديث، علي أننا لم نجد أية غميزة من المحدّثين في الحديث المذكور إلاّ منه.

ثمّ قال: قال ابن أبي حاتم: حدّثنا علي بن الحسين، حدّثنا عثمان بن أبي شيبة، حدّثنا المطلب بن زياد عن السّدي، عن عبد خير، عن علي، (ولكل قوم هاد): رجلٌ من بني هاشم، قال الجنيد: هو علي بن أبي طالب.

الحاكم النيسابوري

قال في كتابه المستدرك [3: 129 130 ط. دار الكتب لبنان]: أخبرنا أبو عمرو عثمان ابن أحمد بن السمّاك، حدّثنا عبد الرحمن بن محمّد بن منصور الحارثي، حدّثنا حسين ابن حسن الأشقر، حدّثنا منصور بن أبي الأسود، عن الأعمش، عن المنهال بن عمرو، عن عباد بن عبداللّه الأسدي، عن عليّ، (إنّما أنت منذرٌ ولكلّ قوم هاد) قال علي: «رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) المنذر، وأنا الهادي» حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

تتمة:

قال الذهبي في تلخيصه: بل كذبٌ قبّح الله واضعه.

ولعلّ العلّة في ذلك لمكان الحسين بن حسن الأشقر، فإنه شيعيٌ، فان صحّ بأن العلّة في ذلك منه، فلا أحسب أن الأمر يبلغ إلي حد ما قاله [38]، لأن ابن حيان قد ذكره في الثّقات، كما ذكره الحبيب علوي بن طاهر الحداد في كتابه القول الفصل [2: 484 ط. جاوا]وقال الإمام أحمد: لم يكن عندي ممّن كذب، وقد سئل عنه ابن معين: هل هو صدوق؟ قال: نعم، كتبت عنه. واللّه أعلم.

الثعلبي

قال كما في تعليقات الموسوي من مراجعاته [ص 40 من المراجعة 12]: قال ابن عباس: لما نزلت هذه الآية وضع رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) يده علي صدره وقال: «أنا المنذر، وعليّ الهادي، وبك يا عليّ يهتدي المهتدون».

وعن محمد بن مسلم، قال: سألت أبا عبد اللّه «جعفر الصادق(عليه السلام)» عن هذه الآية، فقال: «كل إمام هاد في زمانه»، وقال الإمام أبو جعفر الباقر في تفسيرها: المنذر رسول اللّه، والهادي عليّ، ثمّ قال: واللّه ما زالت فينا إلي الساعة.

الشوكاني

قال في تفسيره فتح القدير [3: 70 ط. عالم الكتب بيروت] بعد ما أتي بأقوال: أخرج ابن جرير، وابن مردويه وأبو نعيم في المعرفة والدّيلمي، وابن عساكر، وابن النجّار عن ابن عباس، قال: لما نزلت: (إنَّما أنتَ منْذِرٌ وَلكِلّ قَوْم هَاد) وضع رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم)يده علي صدره، فقال: «أنا المنذر» وأومأ بيده إلي منكب عليّ، فقال: «أنت الهادي يا عليّ، بك يهتدي المهتدون من بعدي».

وأخرج ابن مردويه عن أبي برزة الأسلمي، قال: سمعت رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم)، فذكر نحوه.

وأخرج ابن مردويه والضياء في المختارة عن ابن عباس مرفوعاً نحوه أيضاً.

وأخرج عبد اللّه بن أحمد بن حنبل في زوائد المسند وابن أبي حاتم، والطبراني في الأوسط، والحاكم وصحّحه، وابن مردويه، وابن عساكر عن علي بن أبي طالب في الآية نحوه أيضاً.

ابن شهر آشوب

قال في مناقبه [3: 83 ط. دار الأضواء]: صنف أحمد بن محمّد بن سعيد كتاباً في قوله تعالي: (إنَّمَا أنْتَ مُنْذِرٌ ولكِلّ قَوْم هَاد)قال: نزلت في أمير المؤمنين(عليه السلام).

وقال ابن عباس والضحاك، والزجاج: (إنّما أنْتَ مُنْذِرٌ) رسول الله (ولكُلِّ قَوْم هَاد)علي أمير المؤمنين.

وعن عبد اللّه بن عطاء، عن أبي جعفر(عليه السلام): «قال النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم): أنا المنذر وعلي الهادي».

وعن أبي هريرة عن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) قال لعلي: «أنا المنذر، وأنت الهادي لكلّ قوم».

وروي الحافظ أبو نعيم [1: 64]بثلاثة طرق عن حذيفة بن اليمان، قال النبي(صلي الله عليه وآله وسلم): «إن تستخلفوا عليّاً وما أراكم فاعلين تجدوه هادياً مهديّاً، يحملكم علي المحجّة البيضاء».

وعنه أيضاً في كتابه «ما نزل من القرآن في أمير المؤمنين(عليه السلام)» بالإسناد عن عطاء ابن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس.

وعن شيرويه في الفردوس، عن ابن عباس، واللفظ لأبي نعيم، قال رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) لمّا نزلت هذه الآية، ووضع رسول اللّه يده علي صدره : «أنا المنذر»، وأومأ بيده إلي منكب علي بن أبي طالب، فقال: «أنت الهادي يا علي، بك يهتدي المهتدون من بعدي».

الحاكم الحسكاني

قال في كتابه شواهد التنزيل [1: 301 302 ط. بيروت]: قال أبو فروة السلمي: دعا رسول الله(صلي الله عليه وآله وسلم)بالطهور وعنده علي بن أبي طالب، فأخذ رسول الله بيد عليّ بعدما تطهرّ فألزقها بصدره، ثم قال: (إنما انت منذر) ثم ردّها الي صدر علي، ثم قال: (ولكل قوم هاد) ثم قال: إنك منارة الأنام وغاية الهدي وأمير القراء [كذا]، أشهد علي ذلك أنك كذلك.

الشبلنجي

قال في كتابه نور الأبصار [ص: 87] بعد ذكر عدّة آيات نازلة في أمير المؤمنين علي(عليه السلام): عن ابن عباس(رضي الله عنه)، قال: لما نزل قوله تعالي: (إنّما أَنت مُنْذِرٌ ولِكُلّ قَوْم هَاد)قال رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم): «أنا المنذر، وعليّ الهادي، بك يا عليّ يهتدي المهتدون».

سوره هود، آيه 17

اشاره

في قوله عزّوجلّ: (أفَمَن كَانَ عَلي بَيّنَة مِنْ رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ) [هود: 17].

للعلماء في معني قوله: (وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ) أقوال مختلفة، منهم من يقول بأن الشّاهد: لسانه(صلي الله عليه وآله وسلم). ومنهم من يقول: هو القرآن. ومنهم من يقول: الشاهد هو الرسول(صلي الله عليه وآله وسلم)بنفسه،ومنهم من يقول: هو جبرئيل، وقال آخرون: هو علي بن أبي طالب(عليه السلام)، وإليك من قال بذلك:

الطبري

قال في تفسيره جامع البيان [7: 17]: حدّثني محمّد بن عمارة الأسدي، حدّثنا رزيق بن مرزوق، قال حدّثنا صباح الفرّاء، عن جابر، عن عبداللّه بن نجيّ، قال: قال عليّ(رضي الله عنه): «ما من رجل من قريش إلاّ وقد نزلت فيه الآية والآيتان»، فقال له رجلٌ: فأنت أيّ شيء نزل فيك؟ فقال عليّ: «أما تقرأ الآية التي في هود: (وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ)».

النيسابوري

قال في تفسيره المطبوع بهامش جامع البيان [12: 15]: وقيل: أفمن كان: محمّد(صلي الله عليه وآله وسلم)، والبيّنة: القرآن. ويتلوه شاهدٌ: يقرأه شاهدٌ، هو: جبرئيل. نزل بأمر اللّه وقرأ القرآن علي محمّد(صلي الله عليه وآله). أو شاهدٌ من محمّد(صلي الله عليه وآله) هو: لسانه. أو شاهدٌ هو: بعض محمّد(صلي الله عليه وآله). يعني: علي بن أبي طالب(رضي الله عنه).

ابن كثير

وقد ذكر هو ذلك أيضاً كغيره من المفسّرين في تفسيره [2: 456] غير أنه كما قد علمت من قبل، وإليك لفظه: قيل: هو عليّ وهو ضعيف لا يثبت له قائل. والأوّل والثاني هو الحق.

الشوكاني

قال في تفسيره فتح القدير [2: 489]: أخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه وأبو نعيم في المعرفة، عن علي بن أبي طالب، قال: «ما من رجل من قريش إلاّ نزل فيه طائفةٌ من القرآن»، فقال له رجلٌ: ما نزل فيك؟ قال: «أما تقرأ سورة هود: (أفَمنْ كَانَ عَلي بَيِّنَة منْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ)؟ رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) علي بينة من ربّه، وأنا شاهدٌ منه».

وأخرج ابن عساكر وابن مردويه من وجه آخر عنه، قال: قال رسول اللّهِ(صلي الله عليه وآله وسلم): (أفَمَنْ كَانَ عَلي بيّنة مِنْ رَبِّهِ) أنا ويتلوه شاهد منه عليّ.

ابن شهر آشوب

قال في مناقبه [3: 85 ط. دار الأضواء]: أخرج الطبري بإسناده عن جابر بن عبداللّه، عن علي(عليه السلام)، وروي الأصبغ، وزين العابدين، والباقر، والصادق، والرضا(عليهم السلام)، أنه قال أمير المؤمنين(عليه السلام): (أفمن كان علي بيّنة من ربه ويتلوه شاهد منه). أنا.

وروي الحافظ أبو نعيم بثلاثة طرق، عن عبّاد بن عبداللّه الأسدي في خبر، قال: سمعت عليّاً يقول: (أفمن كان عَليَ بَيِّنة مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلوهُ شَاهدٌ مِنهُ) رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم)علي بيّنة من ربّه، وأنا الشّاهد. ذكره النطنزي في «الخصائص العلويّة».

وعن حمّاد بن سلمة عن ثابت عن أنس: (أفمن كَانَ علي بيّنة من ربّه)، قال: هو رسول اللّه (ويَتْلُوه شَاهِدٌ مِنْهُ) قال: عليّ بن أبي طالب، كان واللّه لسان رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم).

وفي كتاب «فصيح الخطيب» أنه سأله ابن الكواءِ، فقال: وما أنزل فيك؟ قال(عليه السلام): قوله: (أفمن كَانَ علي بَيّنَة مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ). وقد روي زاذان نحواً من ذلك.

وعن الثّعلبي عن الكلبي عن أبي صالح، عن ابن عباس، قال: (أفمن كان علي بيّنة من رّبهِ

ويتلوه شاهِدٌ منه) الشاهد: عليّ.

وقد رواه القاضي أبو عمر، وعثمان بن أحمد، وأبو نصر القشيري في كتابيهما، والفلكي المفسّر، عن مجاهد، وعن عبداللّه بن شدّاد.

وفي تفسير الثّعلبي عن حبيب بن يسار، عن زاذان، وعن جابر بن عبداللّه كليهما عن عليّ(عليه السلام) قال: «في قوله تعالي: (أفَمنْ كانَ عَلي بَيّنَة مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ)فرسول اللّه علي بينة من ربه ويتلوه، وأنا شاهدٌ منه».

وفي الحساب: (أفمن كَانَ علي بيِّنَة مِنْ رَبِّه) وزنه: رسول اللّه سيد الأنبياءِ أحمد الأمين. جملة حروف كل واحد منهما سبعمائة وستّة عشر. وتمام الآية (وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ)وزنه: علي بن أبي طالب شاهدٌ برّ زكيّ وفيّ، وعدد حروف كلّ واحد منهما: ثلاثمائة واثنان وستّون.

قال ابن حمّاد:

ذا علي التّبيان يتلوه منه

شاهدٌ ناب عنه كل مناب

ذا نذيرٌ وذاك هاد فهل

يجحد ذا غير جاهل مرتابِ

الاميني

أورد في غديره [1: 207] احتجاج قيس بن سعد علي معاوية بن أبي سفيان بحديث الغدير بما يعرب عمّا نحن بصدده. قال:

قدم معاوية بن أبي سفيان حاجّاً إلي المدينة في أيّام خلافته سنة بعدما توفّي الإمام الحسن السبط(عليه السلام) فاستقبله أهل المدينة، فجري بينه وبين قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري الخزرجي الصحابي الكبير حديثٌ. وفيه بعد قول قيس: ولعمري ما لأحد من الأنصار ولا لقريش ولا لأحد من العرب والعجم في الخلافة حق مع عليّ وولده من بعده. ما نصّه:

فغضب معاوية وقال: يابن سعد؟ ممّن أخذت هذا؟ وعمّن رويته؟ وعمّن سمعته؟ أبوك أخبرك بذلك وعنه أخذته؟ فقال قيسٌ: سمعته وأخذته ممن هو خيرٌ من أبي و أعظم حقّاً من أبي. قال: من؟ قال: عليّ بن أبي طالب. عالم هذه الاُمّة وصدّيقها الذي أنزل اللّه فيه: (قُلْ كَفَي بِاللّهِ شَهيداً بَيْنِي

وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلمُ الكِتَاب)[الرعد: 43]فلم يدع آية نزلت في علي(عليه السلام) إلاّ ذكرها. قال معاوية: فإن صدّيقها أبو بكر، وفاروقها عمر، والذي عنده علمٌ الكتاب عبداللّه بن سلام.

قال قيسٌ: أحق هذه الأسماء وأولي بها الذي أنزل اللّه فيه: (أفَمَنْ كَانَ عَلي بَيّنَة مِنْ رَبّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ) والذي نصبه رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) بغدير خمّ، فقال: «من كنت مولاه أولي به من نفسه فعليّ أولي به من نفسه»، وفي غزوة تبوك: «أنت منّي بمنزلة هارون من موسي إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي» [39].

سوره طه، آيه 82

اشاره

في قوله تعالي: (وإِنَّي لغفّارٌ لمِنَ تَابَ وآمن وعمِلَ صالحاً ثُمّ اهتدي)[طه: 82].

اختلفت أقوال أهل التأويل في معني قوله تعالي: (ثُمّ اهْتَدَي) وأوردوا فيه أحاديث عن رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) بطرق شتّي، وأخرج بعضهم من بينها ما ورد عن أبي جعفر الباقر(عليهما السلام) وممّن ذكر ذلك:

الطبرسي

قال في تفسيره مجمع البيان [4: 35 ط. مؤسسة التأريخ العربي بيروت]: وقال أبو جعفر الباقر(عليه السلام): (ثمّ اهتدي) إلي ولايتنا أهل البيت(عليهم السلام). فواللّه لو أن رجلاً عبد اللّه عمره ما بين الرّكن والمقام، ثمّ مات ولم يجئ بولايتنا إلاّ أكبّه اللّه في النار علي وجهه». ورواه الحاكم الحسكاني بإسناده [40]، وأورده العيّاشي في تفسيره من عدّة طرق.

الطبري

قال في تفسيره جامع البيان [8: 442 ط. دار الكتب العلمية بيروت] بعد ما ذكر أقوالاً: وقال آخرون بما حدّثنا إسماعيل بن موسي الفزاري، قال: أخبرنا عمر بن شاكر، قال: سمعت ثابت البناني يقول في قوله تعالي: (وَإنّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَ آمَنَ وعَمِلَ صَالِحاً ثُمّ اهْتَدَي)قال: إلي ولاية أهل بيت النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم).

ابن حجر الهيثمي

قال في الفصل الأول في الباب الحادي عشر من كتابه الصواعق [41]: الآية الثامنة: قوله تعالي: (وَإنِّي لَغَفَّارٌ لمَنْ تَابَ وَآمَنَ وعَمِلَ صَالحاً ثُمَّ اهْتدي) إلي أهل بيته(صلي الله عليه وآله وسلم). وجاء ذلك عن أبي جعفر الباقر(عليه السلام) أيضاً.

وروي فيه أحاديث في نجاة من اهتدي إلي ولاية أهل البيت(عليهم السلام)، وأشار بما نقله عن الباقر(عليه السلام) وذلك: أنه قال الباقر(عليه السلام) للحارث بن يحيي: يا حارث، ألا تري كيف اشترط اللّه ولم ينفع انساناً التوبة، ولا الإيمان، ولا العمل الصالح، حتي يهتدي إلي ولايتنا؟ ثمّ روي فيه حديثاً عن الباقر(عليه السلام) مسنداً عن جدّه أمير المؤمنين علي(عليه السلام) أنّه قال: «واللّه لو تاب رجلٌ وآمن وعمل صالحاً ولم يهتد الي ولايتنا ومعرفة حقّنا ما أغني ذلك عنه شيئاً» [42].

وأخرج نحوه أبو نعيم الحافظ عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه عن عليّ(عليه السلام). وأخرج الحاكم علي ما في تعليقات الموسوي من مراجعاته [ص: 41 من المراجعة 12] عن الباقر والصّادق(عليهما السلام)وثابت البناني، وأنس بن مالك.

سوره انبياء، آيه 7، سوره نحل، آيه 43

اشاره

في قوله تعالي: (فاسألوا أَهْلَ الذِّكْر إنْ كُنْتُم لاَ تَعْلَمُون)[النحل: 43.والأنبياء: 7].

إن من بين الأقوال التي ذكرها المفسّرون في تفاسيرهم في معني (أهل الذكر)هم: أهل البيت، وكما أن معني الذكر في قوله تعالي: (إنَّا نحن نَزَّلْنَا الذكر وَإنَّا لَهُ لحافِظُون)هو القرآن، فقد استنبط بعضهم منها في معني الذّكر الذي في هذه الآية، فأهل الذكر إذن عنده هم أهل القرآن. وليس من المتبادر إلي العقل في معني أهل القرآن سوي عدله اللذين لن يفترقا حتّي يردا عليه الحوض، وهل هؤلاء إلاّ أهل بيت النبوّة، بشاهد حديث الثّقلين؟ واللّه أعلم. وممن ذكر ذلك في تفاسيرهم:

الطبري

قال في تفسيره جامع البيان [7: 587] بعد أن ذكر أقوالاً : وقال آخرون في ذلك ما حدّثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن يمان، عن إسرائيل، عن جابر، عن أبي جعفر(عليه السلام): (فَاسْأَلُوا أهْلَ الذِّكْرِ إنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُون) قال: نحن أهل الذّكر.

حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) قال: الذكر القرآن وقرأ: (إنّا نحنُ نزّلنا الذكر وإنَّا لهُ لحافظون)وقرأ: (إنَّ الَّذينَ كَفَرُوا بِالذِكْرِ لَمّا جَاءهُمْ).

الطبرسي

قال في تفسيره مجمع البيان [3: 468 ط. مؤسسة التأريخ العربي بيروت]: فيه أقوالٌ، ثم ذكره في القول الثالث. وإليك لفظه: وثالثها: أن المراد بهم: أهل القرآن، لأن الذكر هو القرآن عن ابن زيد. ويقرب منه ما رواه جابر ومحمّد بن مسلم عن أبي جعفر(عليه السلام) أنه قال: نحن أهل الذّكر، وقد سمّي اللّه رسوله ذكراً في قوله: (ذكراً رسولاً) [الطلاق: 10] علي أحد الوجهين.

الثعلبي

قال في تفسيره الكشف والبيان علي ما ذكره ابن شهر آشوب في مناقبه [3: 98 ط. دار الأضواء]: قال علي في قوله تعالي: (فَاسْأَلُوا أهْلَ الذّ ِكْرِ): نحن أهل الذّكر. وأورد ما أخرجه أبو العباس الفلكي في الإبانة: أنه قال علي: ألا إن الذكر رسول اللّه ونحن أهله، ونحن الراسخون في العلم، ونحن منار الهدي، وأعلام التقي، ولنا ضربت الأمثال.

الشيرازي

كما ذكره نور اللّه الحسيني في كتابه إحقاق الحقّ وإزهاق الباطل [9: 125] قال في كتابه المستخرج من التفاسير الاثني عشر كما في كفاية الخصام [ص 338 ط. طهران] في قوله تعالي: (فاسألُوا أهْلَ الذّكرِ إنْ كُنْتُم لاَ تَعْلَمُون): أي: فاسألوا أهل البيت، واللّه ما سمّي المؤمن مومناً إلاّ بسبب حبّ علي بن أبي طالب.

ابن كثير

لا يخلو تفسير ابن كثير من هذا القول مهما قال فيه ما قال كعادته. قال في تفسيره منكراً: وكذا روي عن مجاهد عن ابن عباس أن المراد بأهل الذكر: أهل الكتاب. وقاله مجاهد والأعمش. وقول عبد الرحمن بن زيد، الذكر: القرآن، واستشهد بقوله: (إنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِكْرَ وإنَّا لهُ لَحَافِظُون) صحيحٌ لكن ليس هو المراد ههنا، إلي ان قال: وكذا قول أبي جعفر الباقر(عليه السلام): «نحن أهل الذّكر»، ومراده أن هذه الاُمّة أهل الذكر صحيح، فإن هذه الاُمّة أعلم من جميع الأمم السالفة، وعلماء أهل بيت رسول اللّه عليهم السلام والرحمة من خير العلماء، إذا كانوا علي السنّة المستقيمة، كعلي وابن عباس وابني عليّ الحسن والحسين، ومحمّد بن الحنفية، وعلي بن الحسين زين العابدين، وعلي بن عبد اللّه بن عباس وأبي جعفر الباقر، وهو محمّد بن علي بن الحسين، وجعفر وابنه، وأمثالهم وأضرابهم وأشكالهم ممّن هو متمسك بحبل اللّه المتين، وصراطه المستقيم، إلي أن قال أخيراً: والغرض أن هذهِ الآية الكريمة أخبرت بأن الرسل الماضين قبل محمّد(صلي الله عليه وآله وسلم) كانوا بشراً كما هو بشر [43].

شرف الدين الموسوي

قال في تعليقاته من كتابه المراجعات [ص 40 من المراجعة 12]: أخرج الثعلبي في معني هذه الآية من تفسيره الكبير عن جابر، قال: لمّا نزلت هذه الآية قال عليّ: نحن أهل الذكر، وهذا هو المأثور عن سائر أئمّة الهدي، وقد أخرج العلاّمة البحراني في الباب الخامس والثلاثين نيفاً وعشرين حديثاً صحيحاً في هذا المضمون [44].

سوره توبه، آيه 119

اشاره

في قوله تعالي: (يَا أيُّها الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِين)[التوبة: 119].

كثرت الأقوال في تفسير (كُونُوا مَعَ الصَّادِقِين) منهم من قال: إن معناه: كونوا مع أبي بكر وعمر وأصحابهما، وهو قول سعيد بن جبير، ومنهم من قال: إن معناه: كونوا مع الثلاثة المخلّفين، وهو قول نافع، ومنهم من قال: إن معناه: كونوا مع علي بن أبي طالب، وهو قول ترجمان القرآن عبداللّه بن عباس رضي اللّه عنهما، وإليك من ذكر ذلك في كتبهم:

الشوكاني

قال في تفسيره فتح القدير [2: 414] بعد ما ذكر القولين : وأخرج ابن مردويه عن ابن عبّاس، قال: مع علي بن أبي طالب، يعني في قوله عزّوجلّ: (وكونوا مع الصادقين).

الطبرسي

قال في تفسيره مجمع البيان [3: 104 ط. مؤسسة التأريخ العربي بيروت]: وقيل المراد بالصادقين هم الذين ذكرهم اللّه في كتابه، وهو قوله تعالي: (رجالٌ صدقوا ما عاهدُوا اللّهَ عليه فَمِنْهُم مَنْ قَضي نَحبَه) [الاحزاب: 23] منهم من قضي نحبه يعني: حمزة بن عبدالمطلب، وجعفر بن أبي طالب، ومنهم من ينتظر يعني: علي بن أبي طالب.

وروي الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس، قال: كونوا مع الصادقين مع علي و أصحابه. وروي جابر عن أبي جعفر(عليه السلام) في قوله تعالي: (وكونوا مع الصَّادقين) قال: مع آل محمّد(صلي الله عليه وآله وسلم)، ثمّ ذكر أقوالاً غير ذلك.

ابن شهر آشوب

أورد في كتابه مناقب آل أبي طالب [3: 92 ط. دار الأضواء]: ما أخرجه الكلبي وأبو صالح عن ابن عباس في قوله تعالي: (يا أيّها الذين آمنوا اتّقوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِين)أي كونوا مع علي بن أبي طالب(عليه السلام). ثمّ قال: وذكره الثعلبي في تفسيره عن جابر، عن أبي جعفر(عليه السلام)، وعن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس. وذكره إبراهيم الثقفي عن ابن عباس، والسّدّي، وجعفر بن محمّد عن أبيه(عليهما السلام).

وعن تفسير أبي يوسف يعقوب بن سفيان: حدّثنا مالك بن أنس، عن نافع، عن ابن عمر، قال: (يا أيُّها الذين آمنوا اتّقوا اللّه)، أمر اللّه الصحابة أن يخافوا اللّه، ثمّ قال: (وكونوا مع الصَّادقين) يعني مع محمّد وأهل بيته.

قال أبو الورد: عن أبي جعفر الباقر(عليه السلام) قال: (من المؤمنين رجالٌ صدقوا)، قال: علي وحمزة وجعفر (فمنهم من قضي نحبه) قال: عهده، وهو: حمزة وجعفر يعني الطيار (ومنهم من ينتظر)، قال: علي بن أبي طالب.

وقال المتكلّمون: ومن الدّلالة علي إمامة عليّ(عليه السلام) قوله: (يا أيَّها الَّذين آمنوا اتّقوا اللّه

وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِين) فوجدنا عليّاً بهذه الصفة، لقوله تعالي: (والصَّابِرينَ في البَأسَاءِ والضَّرَّاءِ وحينَ البَأسِ) يعني: الحرب (اُولئكَ الذين صدقوا واُولئكَ هُم المُتَّقُون) فوقع الإجماع بأن عليّاً أولي بالإمامة من غيره؛ لأنّه لم يفر من زحف قط، كما فرّ غيره في غير مواضع.

شرف الدين الموسوي

قال في التّعليقات من مراجعاته [ص 39 من المراجعة 12]: علي قوله تعالي: (وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِين) الصادقون هنا: رسول اللّه والأئمّة من عترته الطّاهرة بحكم صحاحنا المتواترة، وهو الذي أخرجه الحافظ أبو نعيم، وموفّق بن أحمد، ونقله ابن حجر في تفسير الآية الخامسة من الباب الحادي عشر من صواعقه [ص 90]عن الإمام زين العابدين(عليه السلام).

وذلك كما ذكره في مراجعته السادسة [ص 23] وإليك لفظه: وكان الإمام أبو محمّد علي بن الحسين زين العابدين، وسيّد الساجدين(عليه السلام)، إذا تلا قوله تعالي: (يا أيُّهَا الذِين آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقين) يدعو اللّه عزّوجلّ دعاءً طويلاً، ويشتمل علي طلب اللّحوق بدرجة الصادقين والدّرجات العليّة، ويتضمّن وصف المحن وما انتحلته المبتدعة المفارقة لأئمّة الدين والشجرة النّبويّة.

ثمّ يقول: وذهب آخرون إلي التقصير في أمرنا، واحتجّوا بمتشابه القرآن، فتأوّلوا بآرائهم، واتّهموا مأثور الخبر فينا.

إلي أن قال: فإلي من يفزع خلف هذه الاُمّة؟ وقد درست أعلام هذهِ الملّة، ودانت الاُمة بالفرقة والاختلاف، يكفّر بعضهم بعضاً، واللّه تعالي يقول: (وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيَّنَات) فمن الموثوق به علي إبلاغ الحجّة وتأويل الحكم؟ إلاّ أعدال الكتاب وأبناء أئمّة الهدي، ومصابيح الدجي، الذين احتجّ اللّه بهم علي عباده،ولم يدع الخلق سدي من غير حجّة، هل تعرفونهم أو تجدونهم إلاّ من فروع الشجرة المباركة، وبقايا الصفوة الذين أذهب الله عنهم الرجس، وطهّرهم تطهيراً، وبرّأهم من الآفات، وافترض

مودّتهم في الكتاب [45].

الاميني

قال في غديره [2: 305] عند شرحه شعر العبدي في قوله:

الصادِقون الناطِقون

السابِقون إلي الرغائِب

قال: (الصادقون): إشارة إلي ما روي في قوله تعالي: (يا أيُّهَا الذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّه وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِين) من طريق الحافظ أبي نعيم، وابن مردويه، وابن عساكر، وآخرين كثيرين، عن جابر و ابن عباس، أي: كونوا مع علي بن أبي طالب(عليه السلام). ورواه الكنجي في الكفاية [ص 111] والحافظ السيوطي في الدر المنثور [3: 290].

وقال سبط ابن الجوزي الحنفي في تذكرته [ص 10]: قال علماء السير [يعني في قوله تعالي: (كُونُوا مَعَ الصَّادِقين)] [46] معناه: كونوا مع علي وأهل بيته(عليهم السلام)، قال ابن عباس: عليّ سيد الصادقين.

سوره واقعه، آيه 11-10

اشاره

في قوله عزّوجلّ: (والسَّابِقُونَ السَّابِقُون - اُولئِكَ المقرَّبُون) [الواقعة: 10 11].

تضاربت أقوال أهل التأويل في تفسير قوله: (السَّابقُونَ السَّابِقُون) ومن الذين يراد بهم. ومن بين تلك الأقوال المختلفة، قول من قالوا بأن المراد بهم ثلاثة نفر منهم أبو الأطهار عليّ(عليه السلام)، وكان أفضلهم، واستدلّوا فيما قالوه بما ورد عن المشرّع الأعظم(صلي الله عليه وآله وسلم). وإليك من قال بذلك في تفاسيرهم ومسانيدهم، فمنهم:

الشوكاني

قال في تفسيره فتح القدير [5: 151]: أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس(رضي الله عنه) في قوله: (والسَّابِقُونَ السَّابِقُون) قال: يوشع بن نون سبق إلي موسي، ومؤمن آل يس سبق إلي عيسي، وعلي بن أبي طالب سبق إلي رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم).

وأخرج ابن مردويه أيضاً في الآية قال(رضي الله عنه): نزلت في حزقيل مؤمن آل فرعون، وحبيب النجّار الذي [ذكر] في يس. وعلي بن أبي طالب، وكلّ رجل منهم سابق اُمّته، وعليّ أفضلهم سبقاً.

الطبرسي

أخرج في تفسيره مجمع البيان [5: 273 ط. مؤسسة التأريخ العربي بيروت]: حديث أبي جعفر بعد أن أورد عدّة أقوال وذلك قوله: (السابِقون) أربعة: ابن آدم المقتول، وسابقٌ في اُمّة موسي(عليه السلام) وهو مؤمن آل فرعون. وسابقٌ في اُمّة عيسي(عليه السلام) وهو حبيب النجّار، والسابق في اُمّة محمّد(صلي الله عليه وآله وسلم) عليّ بن أبي طالب.

ابن كثير

قال في تفسيره [4: 304] بعد أن أتي بأقوال : قال ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس(رضي الله عنه): (والسَّابقون السَّابقون) قال: يوشع بن نون سبق إلي موسي، ومؤمن آل يس سبق إلي عيسي، وعليّ بن أبي طالب سبق إلي محمّد رسول الله(صلي الله عليه وآله وسلم). ورواه ابن أبي حاتم عن محمّد بن هارون الفلاّس، عن عبداللّه بن إسماعيل المدائني البزّار، عن سفيان ابن الضحاك المدائني، عن سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح به.

شرف الدين الموسوي

قال في التعليقات من مراجعاته [ص 45 من المراجعة 12]: أخرج الدّيلمي كما في الحديث التاسع والعشرين من الفصل الثاني من الباب التاسع من الصواعق لابن حجر عن عائشة، والطبراني، وابن مردويه، عن ابن عباس أن النبي(صلي الله عليه وآله وسلم) قال: السبق ثلاثةٌ: فالسابق إلي موسي يوشع بن نون، والسابق إلي عيسي صاحب ياسين، والسابق الي محمّد علي بن أبي طالب.

وأخرجه الموفّق بن أحمد، والفقيه ابن المغازلي بالإسناد إلي ابن عباس.

الاميني

قال في كتابه الغدير [2: 306] عند شرحه شعر العبدي في قوله:

الصادِقون الناطقون

السابِقون إلي الرغائِب

قال: قوله: «السابقون إلي الرغائب» إشارة إلي قوله تعالي: (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُون - اُوْلئِكَ المقرَّبُون)، وأنها نزلت في علي(عليه السلام)، أخرج ابن مردويه عن ابن عباس: أنها نزلت في حزقيل مؤمن آل فرعون، وحبيب النجار الذي ذكر في يس، وعلي ابن أبي طالب، وكل رجل منهم سابق أمتّه، وعلي أفضلهم.

وفي لفظ ابن أبي حاتم: يوشع بن نون بدل حزقيل. وأخرج الديلمي عن عائشة، والطبراني، وابن الضحاك، والثّعلبي، وابن مردويه، وابن المغازلي عن ابن عباس، أن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) قال: السبق وفي لفظ السبّاق ثلاثةٌ: السابق إلي موسي يوشع بن نون، وصاحب ياسين إلي عيسي، والسابق إلي محمّد علي بن أبي طالب. وزاد الثعالبي [47] في لفظه: فهم الصدّيقون، وعليّ أفضلهم. ورواه محب الدّين الطبري في رياضه [1: 157]. والهيثمي في مجمع الزوائد [9: 102].

الكنجي الشافعي

وهو الحافظ أبو عبد اللّه محمّد بن يوسف الكنجي الشافعي، المتوفّي سنة (658) صاحب «كفاية الطالب» قال الأميني في الغدير [1: 120]: والكتاب يعرب عن تقدّم مؤلّفه في الحديث وعن علمه الجم، وفضله الكثار، وكثرة اعتنائه بشأن الحديث وفنونه، ينقل عنه ابن الصبّاغ المالكي في فصوله المهمة معبّراً عن المؤلّف بالإمام الحافظ.

أورد في كتابه المذكور كفاية الطالب [ص 46] كما في الغدير [2: 306] بلفظ: سباق الاُمم ثلاثةٌ لم يشركوا باللّهِ طرفة عين: علي بن أبي طالب، وصاحب ياسين، ومؤمن آل فرعون، فهم الصّديقون حبيب النجار مؤمن آل ياسين، وحزقيل مؤمن آل فرعون، وعلي بن أبي طالب وهو أفضلهم، ثمّ قال: هذا سندٌ اعتمد عليه الدارقطني واحتجّ به.

ورواه باللفظ الأول الحافظ السيوطي في الدرّ المنثور

[6: 154] وابن حجر في الصواعق [ص 74] وسبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص [ص 11].

سوره حج، آيه 19

اشاره

في قوله تعالي: (هذان خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا في ربّهم فالَّذينَ كَفَرُوا قُطّعَتْ لهمْ ثِيَابٌ مِن نَار يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُوسِهُم الحميم)[الحج: 19].

إنّ مما ذكر أهل التأويل والمفسّرون بأن الآية نزلت في علي وعمّه حمزة وابن عمّه عبيدة يوم بدر، حين بارزوا الثلاثة من زعماء المشركين وصناديدهم، وهم: عتبة بن ربيعة، وأخوه شيبة، وولده الوليد، فهؤلاءِ المعنيّون في قوله: (الَّذين كفروا قُطِّعَتْ لهمْ ثِيَابٌ مِن نَار) الآية، وممن ذكر ذلك:

الشوكاني

قال في تفسيره فتح القدير [3: 443]: وقيل المراد بالخصمين هم الذين برزوا يوم بدر، فمن المؤمنين: حمزة وعلي وعبيدة. ومن الكافرين عتبة وشيبة ابنا ربيعة، والوليد بن عتبة، وقد كان أبوذرّ(رضي الله عنه) يقسم أن هذه الآية نزلت في هؤلاء المتبارزين. كما ثبت عنه في الصحيح.

وقال بمثل هذا جماعة من الصّحابة، وهم أعرف من غيرهم في أسباب النزول، وقد ثبت في الصحيح أيضاً عن عليّ أنّه قال: فينا نزلت هذه الآية.

وقال أخيراً: ثمّ فصّل سبحانه ما أجمله في قوله: (يفصل بينهم) [الحج: 17]، فقال: (فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لهُمْ ثِيَابٌ مِن نَار).

الطبري

قال في تفسيره جامع البيان [9: 123]: حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا هشيم، قال: أخبرنا أبو هاشم عن أبي مجلن، عن قيس بن سعد بن عبادة، قال: سمعت أبا ذرّ يقسم قسماً أن هذه الآية: (هذان خَصْمَانِ اختصمُوا في رَبِّهِم) نزلت في الذين بارزوا يوم بدر: حمزة وعليّ وعبيدة بن الحارث، وعتبة وشيبة ابني ربيعة، والوليد بن عتبة.

قال: وقال عليّ(عليه السلام): «إنّي لأول أو من أول من يجثو للخصومة يوم القيامة بين يدي اللّه تبارك وتعالي».

وقال: حدّثنا علي بن سهل، قال: حدّثنا مؤمّل، قال: حدّثنا سفيان عن أبي هاشم عن أبي مجلن، عن قيس بن عباد، قال: سمعت أبا ذر يقسم باللّه قسماً لنزلت هذه الآية في ستة من قريش: حمزة بن عبدالمطلب، وعليّ بن أبي طالب، وعبيدة بن الحارث(رضي الله عنه)، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة (هذَانِ خَصْمَانِ اخْتصَمُوا فِي رَبِّهِم)إلي آخِر الآية. (إنَّ اللّهَ يُدْخِلُ الذينَ آمنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات) إلي آخر الآية.

وقال: حدّثنا ابن بشّار، قال: حدّثنا عبد الرحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن أبي هاشم، عن أبي مجلن،

عن قيس بن عباد، قال: سمعت أبا ذر يقسم. ثم ذكر نحوه.

وقال: حدثنا ابن بشّار، قال: حدّثنا محمّد بن محبّب، قال: حدّثنا سفيان عن منصور بن المعتمر عن هلال بن يساف، قال: نزلت هذه الآية في الذين تبارزوا يوم بدر (هذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا في رَبِّهِم).

قال: حدّثنا ابن حميد، قال: حدّثنا سلمة بن الفضل، قال: حدّثنا محمّد بن إسحاق، عن بعض أصحابه، عن عطاء بن يسار، قال: نزلت هؤلاء الآيات: (هذانِ خَصْمَان اخْتَصَمُوا في رَبّهِم) في الذين تبارزوا يوم بدر: حمزة وعليّ وعبيدة بن الحارث، وعتبة ابن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة إلي قوله: (وَهُدُوا إِلي صِرَاطِ الحَميد).

الطبرسي

قال في تفسيره مجمع البيان [4: 105] في سبب النزول : قيل: نزلت الآية (هذَان خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا) في ستّة نفر من المؤمنين والكفّار، تبارزوا يوم بدر، وهم: حمزة بن عبدالمطلب قتل عتبة بن ربيعة، وعلي بن أبي طالب(عليه السلام) قتل الوليد بن عتبة، وعبيدة بن الحارث بن عبدالمطلب قتل شيبة بن ربيعة.

عن أبي ذرّ الغفاري وعطاء: وكان أبو ذرّ يقسم باللّه تعالي أنها نزلت فيهم. ورواه البخاري في الصّحيح [48].

ابن شهر آشوب

قال في مناقبه [3: 118 ط. دار الأضواء]: عن الصحيحين أنّه نزل قوله تعالي: (هذان خَصْمان اختصموا) في ستّة نفر من المؤمنين والكفّار، تبارزوا يوم بدر، وهم: حمزة، وعبيدة، وعليّ، والوليد، وعتبة، وشيبة.

وقال البخاري: وكان أبو ذرّ يقسم باللّه أنها نزلت فيهم. وبه قال عطاء، وابن خثيم، وقيس بن عبادة، وسفيان الثوري، والأعمش، وسعيد بن جبير، وابن عباس.

ثم قال: قال ابن عباس: (فالذين كفروا) يعني: عتبة وشيبة والوليد (قطّعت لهُم ثيابٌ من نار) الآيات. واُنزل في أمير المؤمنين(عليه السلام) وحمزة وعبيدة: (إنّ اللّهَ يُدْخِلُ الذِينَ آمنوُا وَعَمِلوا الصَّالِحَات جَنَّات إلي قوله صراط الحَميد).

وفي أسباب النّزول: روي قيس بن سعد بن عبادة عن علي بن أبي طالب(عليه السلام)قال: فينا نزلت هذه الآية وفي مبارزينا يوم بدر، إلي قوله تعالي: (عذاب الحريق).

قال ابن شهر آشوب وصاحب الأغاني ومحمّد بن إسحاق: كان صاحب راية رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) يوم بدر عليّ بن أبي طالب(عليه السلام). ولما التقي الجمعان تقدّم عتبة وشيبة والوليد، وقالوا: يا محمّد أخرج إلينا أكفاءنا من قريش. فتطاولت الأنصار لمبارزتهم، فدفعهم النبي(صلي الله عليه وآله وسلم) وأمر عليّاً وحمزة وعبيدة بالمبارزة، فحمل عبيدة علي عتبة فضربه علي رأسه ضربةً فلقت هامته. وضرب عتبة

عبيدة علي ساقهِ فأطنّها فسقطا جميعاً، وحمل شيبة علي حمزة فتضاربا بالسيف حتّي انثلما، وحمل عليّ علي الوليد فضربه علي حبل عاتقه. وخرج السيف من ابطه.

وفي ابانة الفلكي: أنّ الوليد كان إذا رفع ذراعه ستر وجهه من عظمها وغلظها، ثمّ اعتنق حمزة وشيبة. فقال المسلمون: يا عليّ أما تري هذا الكلب يهرّ عمك؟ فحمل عليّ عليه. ثم قال: يا عمّ طأطئ رأسك، وكان حمزة أطول من شيبة، فأدخل حمزة رأسه في صدره. فضربه عليّ فطرح نصفه، ثمّ جاء إلي عتبة وبه رمقٌ فأجهز عليه.

وفي مجمع البيان للطبرسي: أنه(عليه السلام) قتل سبعة وعشرين مبارزاً.

وفي الإرشاد: أنه قتل خمسة وثلاثين، وقال زيد بن وهب: قال أمير المؤمنين: وقتلنا من المشركين سبعين وأسرنا سبعين. وفي رواية محمّد بن إسحاق: أكثر قتلي المشركين يوم بدر كان لعليّ(عليه السلام).

وفي الفائق للزّمخشري: قال سعد بن أبي وقّاص: رأيت عليّاً يحمحم فرسه وهو يقول:

بازل عامين حديث سنّي

سنحنح الليل كأنّي جنّي

لمثل هذا ولدتني اُمّي

الامام شرف الدين الموسوي

قال في مراجعاته [ص 47 من المراجعة 12] من تعليقاته: وقال اللّه تعالي فيهم [يعني في أهل بيت النبوّة]: (هذَانِ خَصْمان اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِم فَالذِينَ كَفَروا قُطّعَتْ لهم ثيابٌ مِنْ نار يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رؤوسِهِمُ الْحَمِيم).

أخرج البخاري في تفسير سورة الحجّ من صحيحه [3: 6 7 ط. دار الفكر بيروت]بالإسناد إلي عليّ قال: أنا أوّل من يجثو بين يدي الرحمن للخصومة يوم القيامة، قال البخاري: قال قيس: وفيهم نزلت: (هذَانِ خَصْمَان اخْتَصَمُوا في رَبِّهِم). قال: هم الذين تبارزوا يوم بدر: حمزة، وعلي، وعبيدة بن الحارث، وشيبة بن ربيعة، وعتبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة.

وأخرج في الصفحة المذكورة عن أبي ذر أنه كان يقسم فيها أن هذه الآية: (هذَانِ خَصْمَانِ

اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِم) نزلت في عليّ وصاحبيه، وعتبة وصاحبيه يوم برزوا في يوم بدر.

سوره توبه، آيه 19

اشاره

في قوله تعالي: (أجَعَلتم سِقَايَةَ الحَاجِّ وَعمارَةَ المَسْجد الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَاليَومِ الآخِر وَجَاهَدَ في سَبيلِ اللّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللّهِ) [التوبة: 19].

هذه الآية من الآيات النّازلة في أمير المؤمنين، الإمام عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) كما نصّ علي ذلك جمعٌ من المفسّرين في تفاسيرهم، وأساطين المحدّثين في زبرهم وتآليفهم، وممن قال بذلك:

الطبري

قال في تفسيره جامع البيان [6: 337]: حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال اُخبرت عن أبي صخر، قال: سمعت محمّد بن كعب القرظي يقول: افتخر طلحة بن شيبة من بني عبدالدار، وعبّاس بن عبدالمطّلب، وعليّ بن أبي طالب، فقال طلحة: أنا صاحب البيت معي مفتاحه، لو أشاء بتّ فيه. وقال عباس: أنا صاحب السقاية والقائم عليها، لو أشاء بتّ في المسجد. وقال عليّ: ما أدري ما تقولان، لقد صلّيت إلي القبلة ستة أشهر قبل الناس، وأنا صاحب الجهاد، فأنزل اللّه: (أجعلتم سقايةَ الحاجّ وعمارة المسجد الحرام)الآية.

وقال: حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثني أحمد بن الفضل، قال: حدّثنا أسباط، عن السّدّي: (أجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الحاجِّ وعِمارَةَ المَسْجِدِ الحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ واليَومِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِنْد اللّه) قال: افتخر عليّ والعباس وشيبة بن عثمان. فقال العباس: أنا أفضلكم، أنا أسقي حجاج بيت اللّه. وقال شيبة: أنا أعمر مسجد اللّه، وقال عليّ: أنا هاجرت مع رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) واُجاهد معه في سبيل اللّه، فأنزل اللّه: (الَّذينَ آمَنُوا وهَاجَروا وَجَاهَدُوا فِي سَبيلِ اللّهِ إلي نَعِيم مُقِيم).

الطبرسي

قال في سبب النزول من تفسيره مجمع البيان [3: 22]: قيل إنّها نزلت في عليّ بن أبي طالب(عليه السلام)، والعباس بن عبدالمطلب، وطلحة بن شيبة، وذلك أنّهم افتخروا، فقال طلحة: أنا صاحب البيت وبيدي مفتاحه، ولو أشاء بتّ فيه، وقال العباس: أنا صاحب السّقاية والقائم عليها. وقال عليّ: «ما أدري ما تقولان، لقد صلّيت إلي القبلة ستة أشهر قبل الناس، وأنا صاحب الجهاد».

وعن الحسن والشعبي، ومحمّد بن كعب القرظي: وقيل إن علياً(عليه السلام) قال للعباس: يا عمّ ألا تهاجر؟ وألا تلحق برسول اللّه(صلي الله عليه

وآله)؟ فقال: ألست في أفضل من الهجرة؟ أعمر المسجد الحرام، وأسقي حاجّ بيت اللّه. فنزلت: (أجعلتم سِقَايَةَ الحاجّ) الآية.

ابن كثير

قال في تفسيره [2: 355]: قال عبد الرزاق: أخبرنا ابن عيينة، عن إسماعيل، عن الشعبي، قال: نزلت في عليّ والعباس رضي اللّهُ عنهما بما تكلّما في ذلك.

وقال ابن جرير: حدّثني يونس، أخبرنا ابن وهب، أخبرني ابن لهيعة، عن أبي صخر، قال: سمعت محمّد بن كعب القرظي يقول: افتخر طلحة بن شيبة من بني عبد الدّار، وعباس بن عبدالمطلب وعليّ بن أبي طالب، فقال طلحة: أنا صاحب البيت معي مفتاحه، ولو أشاء بتّ فيه. وقال العباس: أنا صاحب السّقاية والقائم عليها، ولو أشاء بتّ في المسجد، فقال عليّ(رضي الله عنه): ما أدري ما تقولان، لقد صلّيت إلي القبلة ستّة أشهر قبل الناس، وأنا صاحب الجهاد. فأنزل اللّه عزّوجلّ: (أجعلتُم سقاية الحاجّ) الآية.

الحاكم الحسكاني

اشاره

عن أبي بريدة [49] عن أبيه قال: بينما شيبة والعباس يتفاخران إذ مرّ بهما علي بن أبي طالب فقال: فيماذا تفاخران؟ فقال العباس: يا عليّ لقد أوتينا من الفضل ما لم يؤت أحد. فقال: وما أوتيت يا عباس؟ قال: أوتيت سقاية الحاج. فقال: ما تقول أنت يا شيبة؟ قال: قد أعطيت عمارة المسجد الحرام فقال لهما عليّ: استحييت لكما يا شيخان فقد أوتيت علي صغري ما لم تؤتيا [ه]. فقالا: وما أوتيت يا عليّ؟ قال: ضربت خراطيمكما بالسيف حتي آمنتما بالله ورسوله [فقام] العباس مغضباً [يجرّ ذيله] حتي دخل علي رسول الله(صلي الله عليه وآله وسلم)فقال له النبي: ما وراءك يا عباس؟ فقال: [أما تري الي ما] استقبلني به هذا؟ قال: ومن ذاك؟ فقال: علي بن أبي طالب. فقال: ادعوا لي عليّاً. فدعي فقال له: يا عليّ ما الذي حملك علي ما استقبلت به عمّك؟ فقال: يا رسول الله صدمته بالحق أن غلظت له

أنفاً فمن شاء فليغضب ومن شاء فليرض إذ نزل جبرئيل فقال: يا محمد إن ربك يقرأك السلام ويقول: اُتل عليهم هذه الآية: (أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله)، فقال العباس: إنّا رضينا ثلاث مرات.

لفت نظر

إنّ الحديث الذي أخرجه الإمام الطّبري تحت هذه الآية، ونقله عنه المفسّرون وغيرهم من رجال التصانيف لممّا يعارض حديث أسبقيّته(عليه السلام) إلي الإسلام والصّلاة، كما أخرجه المؤرّخون من أهل الأخبار والسير وحفّاظ السنن في تراجمهم و مسانيدهم وتواريخهم، كحديث عفيف الكندي، وحديث صلاته قبل الناس بخمس سنين. وفي رواية بتسع سنين. وفي اُخري وهي في أغلب الرّوايات بسبع سنين.

علي أنّ حديث الطّبري السّالف ذكره قريباً، أنّه(عليه السلام) صلّي قبل النّاس بستّة أشهر، وهذا خلاف ما ذكره اُولئك الأعلام، وما سجّلوه في زبرهم وتآليفهم، كمسند الإمام أحمد، ومستدرك الحاكم النيسابوري، وإصابة ابن حجر العسقلاني، واستيعاب ابن عبدالبرّ حافظ المغرب، وخصائص النّسائي، ورياض المحب الطّبري، وكامل ابن الأثير، وسيرة الحلبي، ومواهب القسطلاني، وشرح ابن أبي الحديد، وتأريخ ابن كثير، وغيرهم من أعيان الحفّاظ الأعاظم، وقادة السّنن الشّريفة الأكارم، وكما هو مسجّلٌ في مقتطفاتنا من المجلّد الأوّل نقلاً عنهم. واللّه أعلم بالصّواب.

شرف الدين الموسوي

قال في التّعليقات من المراجعة 12 من كتابه المراجعات [ص 48 ط. المجمع العالمي لأهل البيت(عليهم السلام)]: نزلت هذه الآية في عليّ وعمّه العباس وطلحة بن شيبة، وذلك أنّهم افتخروا، فقال طلحة: أنا صاحب البيت بيدي مفاتيحه، وإليّ ثيابه. وقال العبّاس: أنا صاحب السّقاية والقائم عليها. وقال عليّ: «ما أدري ما تقولان، لقد صلّيت ستّة أشهر قبل الناس، وأنا صاحب الجهاد»، فأنزل اللّه تعالي هذه الآية. هذا ما نقله الإمام الواحدي في معني الآية من كتاب أسباب النزول، عن كلّ من الحسن البصري والشعبي والقرظي، ونقل عن ابن سيرين، ومرة الهمداني: أن عليّاً قال للعبّاس: ألا تهاجر؟ ألا تلحق بالنّبي(صلي الله عليه وآله وسلم)؟ فقال: ألست في أفضل من الهجرة؟ ألست أسقي حاج بيت اللّه؟ وأعمر

المسجد الحرام؟ فنزلت الآية.

الاميني

قال في غديره [2: 53 54]: أخرج الطبري في تفسيره [10: 59] بإسناده عن أنس أنّه قال: قعد العبّاس وشيبة بن عثمان صاحب البيت يفتخران، فقال له العبّاس: أنا أشرف منك، أنا عمّ رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم)ووصيّ أبيه، وساقي الحجيج، فقال شيبة: أنا أشرف منك، أنا أمين اللّه علي بيته وخازنه، أفلا ائتمنك كما ائتمنني، فهما علي ذلك يتشاجران حتّي أشرف عليهما عليّ، فقال له العبّاس: إنّ شيبة فاخرني فزعم أنّه أشرف منّي، فقال: فما قلت له يا عمّاه؟ قال: قلت: أنا عمّ رسول اللّه ووصيّ أبيه وساقي الحجيج، أنا أشرف منك، فقال(عليه السلام)لشيبة: ما قلت أنت يا شيبة؟ قال: قلت: أنا اشرف منك، أنا أمين اللّه علي بيته وخازنه، أفلا ائتمنك كما ائتمنني، قال: فقال لهما(عليه السلام): «إجعلاني معكما فخراً». قالا: نعم. قال: فأنا أشرف منكما، أنا أوّل من آمن بالوعيد من ذكور هذه الاُمّة وهاجر وجاهد، فانطلقوا ثلاثتهم إلي النبيّ(صلي الله عليه وآله) فأخبر كلّ واحد منهم بمفخره، فما أجابهم النبي بشيء فانصرفوا عنه، فنزل جبرئيل(عليه السلام)بالوحي بعد أيّام فيهم، فأرسل النبيّ إليهم ثلاثتهم حتّي أتوه، فقرأ عليهم: (أجَعَلْتُمْ سقَايَةَ الحاجّ وَعِمَارةَ المسجِدِ الْحَرَام كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَاليَوْمِ الآخِر) [50].

وحديث هذه المفاخرة ونزول الآية فيها أخرجه كثيرٌ من الحفّاظ والعلماء مجملاً ومفصّلاً منهم: الواحدي في أسباب النّزول [ص 182] نقلاً عن الحسن والشعبي والقرظي. والقرطبي في تفسيره [8: 91] عن السّدي، والرّازي في تفسيره [4: 422]والخازن في تفسيره [2: 221] قال: وقال الشّعبي ومحمّد بن كعب القرظي: نزلت في علي بن أبي طالب، والعباس بن عبدالمطلب، وطلحة بن أبي شيبة إلي آخر الحديث.

ومنهم: أبو البركات النّسفي في

تفسيره [2: 221] والحمّوئي في الفرائد في الباب الواحد والأربعين بإسناده عن أنس. وابن الصّبّاغ المالكي في الفصول المهمّة [ص 123] من طريق الواحدي عن الحسن والشعبي والقرظي وجمال الدين محمد بن يوسف. والزّرندي في نظم درر السّمطين، والكنجي الشّافعي في الكفاية [ص 113] من طريق ابن جرير، وابن عساكر عن أنس بلفظه المذكور. وابن كثير الشامي في تفسيره [2: 341] عن الحافظ عبد الرّزّاق بإسناده عن الشّعبي، والسّيوطي في الدّر المنثور [3: 218]من طريق ابن مردويه عن ابن عبّاس.

الصفوري

روي في كتابه نزهة المجالس [2: 242، وفي طبعة اُخري 209] نقلاً عن كتاب شوارد الملح وموارد المنح: أنّ العباس وحمزة رضي اللّه عنهما تفاخرا، فقال حمزة: أنا خيرٌ منك لأنّي علي عمارة الكعبة، وقال العباس: أنا خيرٌ منك لأنّي علي سقاية الحاجّ، فقالا: نخرج إلي الأبطح ونتحاكم إلي أوّل رجل نلقاه. فوجدا عليّاً(رضي الله عنه)، فتحاكما علي يديه، فقال عليّ: «أنا خيرٌ منكما، لأني سبقتكما إلي الإسلام»، فأخبر النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم) بذلك، فضاق صدره لافتخاره علي عمّيه، فأنزل اللّه تصديقاً لكلام عليّ وبياناً لفضله، «أجعلتم سقاية الحاجّ)الآية. راجع الغدير [2: 55].

سوره صافات، آيه 130

اشاره

في قوله عزّوجل: (سلاَمٌ علي آلِ ياسين) [الصَّافَّات: 130].

تعدّدت الأقوال في تفسير معني (آل ياسين) في التفاسير، فمنهم من يقول المعنيّ به، هو إلياس النبيّ، وهي في لغة بني أسد. ولكن القائل بهذا لم يبيّن ما وجه الحكمة في التحوّل إلي لغة بني أسد في هذه الآية دون غيرها، علي أن القرآن نزل علي لسان قريش، ومنهم من يقول: هو جمع إلياس ويراد بذلك أصحابه، إلي غير ذلك من الأقوال. ومن خلال تلك الأقوال المختلفة قول من قال: المراد بآل ياسين هم آل محمّد(صلي الله عليه وآله وسلم)، وإليك ممّن ذكر ذلك في تفاسيرهم:

الطبري

قال في تفسيره جامع البيان [10: 524] بعد أن ذكر مختلف الأقوال والقراءات: وقرأ ذلك عامّة قرّاءِ المدينة: سلامٌ علي آل ياسين، بقطع آل من ياسين، فكان بعضهم يتأوّل ذلك بمعني: سلامٌ علي آل محمّد.

النيسابوري

قال في تفسيره غرائب القرآن المطبوع بهامش الطّبري [23: 72] بعد ما فسّر معني الآيات الّتي قبلها: وباقي القصّة ظاهرٌ إلاّ قول (آلِ ياسين)، وذكر أقوالاً ثلاثة، أحدها: آل محمّد(صلي الله عليه وآله وسلم).

الطبرسي

قال في تفسيره مجمع البيان [4: 589] في قوله تعالي: (سَلاَمٌ علي آل ياسِين): قال ابن عبّاس: آل ياسين آل محمد(صلي الله عليه وآله وسلم)، وياسين من أسمائه، ثمّ قال: ومن قرأ: إلياسين أراد إلياس ومن تبعه.

لعلّ من قال بذلك لهم قاعدةٌ خاصّة لجمع علم أعجمي بالياء والنون في محلّ الخفض كجمع مذكّر سالِم.

ثمّ قال: وقيل يس اسم سورة، فكأنّه قال: سلامٌ علي من آمن بكتاب اللّه تعالي والقرآن الذي هو: يس.

الشوكاني

قال في تفسيره فتح القدير [4: 409]: قرأ نافع، وابن عامر، والأعرج وشيبة. (علي آل ياسين)، بإضافة آل بمعني آل ياسين، وقرأ الباقون بكسر الهمزة وسكون اللام موصولة بياسين، إلاّ الحسن، فإنه قرأ «إلياسين» بإدخال آلة التعريف علي ياسين، قيل المراد علي هذه القراءات كلّها: إلياس، وعليه وقع التسليم، ولكنه اسم أعجمي، والعرب تضطرب في هذه الأسماء الأعجمية ويكثر تغييرهم لها.

قال ابن جنّي: العرب تتلاعب بالأسماء الأعجمية تلاعباً؛ فياسين، وإلياس، وإلياسين شيء واحد. وقال الكلبي: المراد بآل ياسين آل محمد(صلي الله عليه وآله).

ولعلّ البعض من الناس من يقدّس اللّه عن أن يتتابع بما تتلاعب به العرب في أقوالهم حتي ينزّل قوله العظيم المقدّس به تعالي عن ذلك علوّاً كبيراً.

ثمّ قال أخيراً من تفسير هذه الآية: قال الكلبي: المراد بآل ياسين آل محمد(صلي الله عليه وآله وسلم).

ابن كثير

قال في تفسيره [4: 20 22] في تفسير معني هذه الآية: سلام علي إلياسين كما يقال إسماعيل إسماعين، وهي لغة بني أسد.

ويا ليت القائل بهذا القول علي فرض صحّته يبيّن بما في وراء هذا التّناقل من الحكمة، حتّي نقلت الآية من لغة قريش الي لغة بني أسد، إلي أن قال في الأخير من تفسير هذه الآية: وآخرون أي يقرأون قوله تعالي: (سَلاَمٌ عَلَي آلِ يَاسِين) يعني: آل محمّد(صلي الله عليه وآله وسلم).

الموسوي

قال في التّعليقات من كتابه المراجعات [ص 49 من المراجعة 12]: هذه الآية الثالثة من الآيات التي أوردها ابن حجر في كتابه الصّواعق في الباب «11» من الفصل الأوّل، الآية الثالثة [ص: 88 89] ونقل عنه جماعة من المفسّرين عن ابن عبّاس القول: بأنّ المراد بها، السّلام علي آل محمّد(صلي الله عليه وآله). قال ابن حجر: وكذا قال الكلبي، إلي أن قال: وذكر الفخر الرازي أي في تفسيره : أن أهل بيته يساوونه في خمسة أشياء: في السّلام، قال: السّلام عليك أيّها النبيّ، وقال: (سلامٌ علي آل ياسين). وفي الصّلاة عليه وعليهم في التّشهد. وفي الطهارة، قال اللّه تعالي: (طه) أي: يا طاهر، وقال: (ويطهّركُم تَطْهِيراً). وفي تحريم الصّدقة. وفي المحبّة، قال تعالي: (فاتّبعوني يحببكم اللّه)وقال: (قُلْ لا أسْالكُمْ عليه أجراً الاَّ المودّة في القربي). انتهي.

وقد اتّفقت جماعة من أعلام القوم علي ذكر هذا المعني عند تفسيرهم هذه الآية الكريمة. كما ذكرهم العلاّمة نور اللّه الحسيني في كتابه إحقاق الحقّ وإزهاق الباطل [9: 127] منهم:

1 ابن المغازلي، وهو العلاّمة الفقيه المحدّث الحافظ أبو بكر بن أحمد بن علي بن ثابت البغدادي، المتوفّي سنة (483) في كتابه «المناقب» علي ما في مناقب الشّيخ عبداللّه

الشّافعي.

2 الزّرندي، وهو العلاّمة جمال الدّين محمّد بن يوسف، المتوفّي سنة (750) في كتابه «نظم درر السّمطين» [ص 94 مطبعة القضاء].

3 المحلّي، وهو العلاّمة حميد بن أحمد المحلّي في كتابه «الحدائق الورديّة».

4 النويري، وهو العلاّمة أحمد بن عبد الوهّاب في كتابه «نهاية الأدب».

5 السّيّد محمّد صدّيق حسن خان، وهو ملك «بهوبال» في كتابه «فتح البيان» [8: 78 ط. بولاق بمصر].

6 الحافظ ابن مردويه علي ما في «مفتاح النجا» [ص 16].

7 الرّازي في تفسيره [26: 162 ط. مصر].

8 القرطبي في تفسيره «الجامع لأحكام القرآن» [15: 119 ط. القاهرة].

9 أبو حيّان في تفسيره «البحر المحيط» [7: 373 ط. السّعادة بمصر].

10 ابن كثير في تفسيره [4: 20 ط. مصر].

11 السّيوطي في تفسيره «الدر المنثور» [5: 286 ط. مصر].

12 الآلوسي في تفسيره «روح المعاني» [23: 129].

13 الكشفي في كتابه «المناقب المرتضويّة» [ص 25 ط. بمبي].

14 العسقلاني في كتابه «لسان الميزان» [6: 125 ط. حيدر آباد].

15 الهيثمي في كتابه «مجمع الزوائد» [6: 174 ط. القدسي بالقاهرة].

16 القندوزي في كتابه «ينابيع المودّة» [ص 7 ط. اسلامبول].

17 الحبيب أبو بكر بن شهاب الدّين في كتابه «رشفة الصّادي» [ص 24 ط. مصر].

سوره تحريم، آيه 4

اشاره

في قوله تعالي: (إن تَتُوبَا إلي اللّه فَقَد صَغَتْ قُلُوبُكُما وَإنْ تَظَاهَرا عَليْهِ فَإنَّ اللّهَ هُوَ مَوْلاَهُ وَجبْريلُ وَصَالِحُ المُؤمِنِين) [التحريم: 4].

ذكر في كتب التفسير من بين أقوال المتأوّلين والمفسّرين، بأن المراد بصالح المؤمنين في هذه الآية الشريفة هو أميرهم ويعسوبهم، أعني الإمام عليّاً(عليه السلام)، كما دلّت علي ذلك أكثر الأخبار والآثار. وأمّا سبب نزولها فأصحّ الروايات ما أثبته أهل التأويل والتّفسير علي أنّها اُنزلت مع ثلاث آيات قبلها، من أوّل سورة التحريم في اُمّي المؤمنين وهما: حفصة وعائشة، كما نأتي

بالرّوايات في ذلك فيما يلي قريباً بعد ذكر ما نحن بصدده. وذلك فيمن يراد به من قوله: (صالح المؤمنين). وممّن ذكره من المفسّرين في تفاسيرهم وتآليفهم:

الطبرسي

اشاره

قال في تفسيره «مجمع البيان» [5: 401 ط. مؤسسة التأريخ العربي بيروت]: ووردت الرواية من طرق الخاصّ والعامّ أن المراد بصالح المؤمنين أمير المؤمنين علي(عليه السلام) وهو قول مجاهد، وفي كتاب «شواهد التّنزيل» [51] بالإسناد عن سدير الصّيرفي عن أبي جعفر(عليه السلام)قال: لقد عرّف رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) عليّاً(عليه السلام) أصحابه مرّتين. أمّا مرّة فحيث قال: من كنت مولاه فعليّ مولاه. وأمّا الثّانية فحيث نزلت هذه الآية: (فَإنَّ اللّهَ هو مولاهُ وجبريلُ وصالحُ المؤمنين) الآية، أخذ رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) بيد علي(عليه السلام) فقال: «أيها النّاس، هذا صالح المؤمنين»، وقالت أسماء بنت عميس رضي اللّه عنها: سمعت أنّ النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم)يقول: «وصالح المؤمنين علي بن أبي طالب».

سبب النزول

وأمّا سبب نزول هذه الآية والّتي قبلها من الآيات الثلاثة وهنّ: (يا أيُّها النبيُّ لِم تُحرّمُ ما أحلّ اللّهُ لكَ تبتغي مرضات أزواجِك وَاللّهُ غَفُورٌ رَحيم - قَدْ فَرَض اللّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أيْمَانِكُمْ واللّهُ مَوْلاَكُمْ وَهُوَ العَلِيمُ الحَكِيم - وَإذْ أسَرَّ النبيُّ إلي بَعْضِ أزْوَاجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأظْهَرَهُ اللّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأعْرَضَ عَنْ بَعْض فلمّا نبّأها بِهِ قَالَتْ مَنْ أنْبَأكَ هذا قَالَ نَبَّأني العَليمُ الخَبير)، فقد قال الطّبرسي كما في المصدر نفسه [ص 398]: اختلفت أقوال المفسّرين في سبب نزول الآيات، فقيل: إن رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) كان إذا صلّي الغداة يدخل علي أزواجه امرأة امرأة، وكان قد أهديت لحفصة بنت عمر بن الخطاب عكّة من عسل، فكانت إذا دخل عليها رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) حبسته وسقته منها، وإنّ عائشة أنكرت احتباسه عندها، فقالت لجويرية حبشيّة عندها: إذا دخل رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم)

علي حفصة فادخلي عليها فانظري ماذا تصنع، فأخبرتها الخبر وشأن العسل، فغارت عائشة وأرسلت إلي صواحبها وأخبرتهن وقالت: إذا دخل عليكنّ رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) فقلن: إنّا نجد منك ريح المغافير. [وهو صمغ العرفط كريه الرائحة].

وكان رسول اللّه(صلي الله عليه وآله) يكره ويشقّ عليه أن يوجد منه ريحٌ غير طيّبة لأنه يأتيه الملك. قال: فدخل رسول اللّه علي سودة، قالت: فما أردت أن أقول ذلك لرسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم)، ثمّ إنّي فرقت من عائشة فقلت: يا رسول اللّه، ما هذا الرّيح التي أجدها منك؟ أكلت المغافير؟ فقال: «لا، ولكنّ حفصة سقتني عسلاً»، ثمّ دخل علي أزواجه امرأة امرأةً وهن يقلن له ذلك. فدخل علي عائشة فأخذت بأنفها، فقال لها: ما شأنك؟ قالت: أجد ريح المغافير، أكلتها يا رسول اللّه؟ قال: «لا، بل سقتني حفصة عسلاً»، فقالت: جرست إذن نحلها العرفط، فقال(صلي الله عليه وآله وسلم): «واللّه لا أطعمه أبداً»، فحرّمه علي نفسه.

وقيل: إنّ التي كانت تسقي رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) العسل ام سلمة، عن عطاء بن أبي مسلم، وقيل: بل كانت زينب بنت جحش. قالت عائشة: إن رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) كان يمكث عند زينب بنت جحش ويشرب عندها عسلاً. فتواطأت أنا وحفصة، أيّتنا دخل عليها النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم) فلتقل: إنّي أجد منك ريح المغافير، أكلت المغافير؟ فدخل علي إحداهما فقالت له ذلك، فقال(صلي الله عليه وآله وسلم): «لا، بل شربت عسلاً عند زينب بنت جحش ولن أعود إليه». فنزلت الآيات.

وقيل: إن رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) قسّم الأيّام بين نسائه، فلمّا كان يوم حفصة قالت: يا رسول اللّه إن لي إلي أبي حاجة

فأذن لي أزوره، فأذن لها، فلمّا خرجت أرسل رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) إلي جاريته مارية القبطيّة، وكان قد أهداها له المقوقس فأدخلها بيت حفصة فوقع عليها، فأتت حفصة فوجدت الباب مغلقاً، فجلست عند الباب، وخرج رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) ووجهه يقطر عرقاً، فقالت حفصة: إنّما أذنت لي من أجل هذا، أدخلت أمتك بيتي ثمّ وقعت عليها في يومي وعلي فراشي، أما ما رأيت لي حرمة وحقّاً، فقال(صلي الله عليه وآله وسلم): «أليس هي جاريتي؟ قد أحلّ اللّه ذلك لي، اسكتي فهو حرامٌ عليّ ألتمس ذلك رضاك، فلا تخبري بهذا امرأة منهن، وهو عندك أمانة».

فلمّا خرج رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) قرعت حفصة الجدار الذي بينها وبين عائشة، فقالت: ألا أبشّرك؟ إن رسول اللّه قد حرّم عليه أمته مارية، وقد أراحنا اللّه منها، وأخبرت عائشة بما رأت، وكانتا متصافيتين متظاهرتين علي سائر أزواجه، فنزلت: (يا اَيُّهَا النَّبيُّ لِمَ تُحَرّمُ مَا أحَلَّ اللّهُ لَك) فطلّق حفصة واعتزل سائر نسائه تسعة وعشرين يوماً، وقعد في مشربة امّ إبراهيم مارية، حتّي نزلت آية التخيير. عن قتادة والشعبي ومسروق.

وقيل: إنّ النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم) خلا في يوم لعائشة مع جاريته اُمّ إبراهيم مارية القبطيّة، فوقفت حفصة علي ذلك، فقال لها رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم): لا تعلمي عائشة ذلك، وحرّم مارية علي نفسه، فأعلمت حفصة عائشة الخبر، واستكتمتها إيّاه، فأطلع اللّه نبيّه(صلي الله عليه وآله وسلم) علي ذلك، وهو قوله تعالي: (وإذا أسَرَّ النَّبيُّ إلي بَعْضِ أزْواجِهِ حَدِيثاً) يعني: حفصة.

الشوكاني

قال في تفسيره «فتح القدير» [5: 252 253] في قوله: (وَصَالِحُ المُؤمِنين): وأخرج ابن أبي حاتم، قال السّيوطي بسند ضعيف، عن عليّ مرفوعاً،

قال: هو عليّ بن أبي طالب، وأخرج ابن مردويه عن أسماء بنت عميس قالت: سمعت رسول اللّهِ(صلي الله عليه وآله وسلم)يقول: «وصالح المؤمنين علي بن أبي طالب».

وأخرج ابن مردويه وابن عساكر عن ابن عبّاس في قوله: (وَصَالِحُ المؤمِنين)قال هو: علي بن أبي طالب.

ثمّ ذكر الشّوكاني في [ص 252] السبب في نزول الآيات من الرّوايات المختلفة ما سجّلها المفسّرون في تفاسيرهم «إلي أن قال»: وأما ما ثبت في الصحيحين وغيرهما أن ابن عبّاس سأل عمر بن الخطّاب عن المرأتين اللتين تظاهرتا علي رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم)فأخبره أنّهما عائشة وحفصة. ثمّ ذكر مختلفات الأقوال في الموضوع فقال أخيراً: ويؤيّد هذا ما قدّمنا عن ابن عبّاس أنّه قال لعمر: من المرأتان اللّتان تظاهرتا علي رسول اللّه؟ فأخبره بأنهما عائشة وحفصة، وبيّن له أنّ السّبب قصّة مارية. هذا ما تيسّر من تلخيص سبب نزول الآية، ودفع الاختلاف في شأنه، فاشدد عليه يديك لتنجو به من الخبط والخلط الذي وقع للمفسّرين.

ثمّ قال: وأخرج ابن عدي، وأبو نعيم في الصحابة والعشاري في «فضائل الصديق» وابن مردويه وابن عساكر من طرق، عن عليّ وابن عبّاس. قال: واللّه إن إمارة أبي بكر وعمر لفي الكتاب، وذلك: (وإذ أسرّ النّبيُّ إلي بعض أزواجه حديثاً) قال(صلي الله عليه وآله وسلم) لحفصة: «أبوك وأبو عائشة واليا الناس بعدي، فإياك أن تخبري أحداً بهذا».

قلت: وهذا ليس فيه أنّه سبب نزول قوله تعالي: (يا أيُّها النبيُّ لِمَ تُحِرّمُ مَا أحَلّ اللّهُ لَك).

ابن كثير

قال في تفسيره [4: 389] بعد ما ذكر قول سعيد بن جبير، وعكرمة، ومقاتل، وابن حيّان، والضحاك وغيرهم: (وَصَالِحُ المُؤمنين) أبو بكر وعمر، ثمّ قال: وزاد الحسن البصري وعثمان. قال ليث بن أبي سليم

عن مجاهد: (وَصَالِحُ المؤْمِنين) قال: عليّ ابن أبي طالب، وقال ابن أبي حاتم: حدّثنا علي بن الحسين، حدّثنا محمّد بن أبي عمر، حدّثنا محمّد بن جعفر بن محمّد بن الحسين، قال: أخبرني رجلٌ ثقة يرفعه إلي عليّ قال: قال رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) في قوله تعالي: (وَصَالِحُ المؤْمِنين) قال: «هو عليّ بن أبي طالب». وأمّا سبب النزول فقد ذكر الروايات اللاتي أسلفنا ذكرهن فيما مرّ قريباً.

ثمّ قال: وممّا يدل علي أنّ عائشة وحفصة هما المتظاهرتان، الحديث الذي رواه الإمام أحمد في مسنده حيث قال: حدّثنا عبدالرّزاق، حدّثنا معمّر عن الزهري عن عبيد اللّه بن عبد اللّه بن أبي ثور، عن ابن عبّاس، قال: لم أزل حريصاً علي أن أسأل عمر عن المرأتين من أزواج النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم) اللّتين قال اللّه تعالي: (إنْ تَتوبَا إلي الله فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما) حتّي حجّ عمر وحججت معه، فلمّا كنا ببعض الطّريق عدل عمر وعدلت معه بالإداوة، فتبرّز ثمّ أتاني، فسكبت علي يديه فتوضّأ، فقلت: يا أمير المؤمنين من المرأتان من أزواج النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم) اللّتان قال اللّه تعالي: (إنْ تَتُوبَا إلي الله فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا)؟ فقال عمر: وا عجباً لك يابن عبّاس قال الزهري: كره واللّه ما سأله عنه، ولم يكتمه عنه قال: هي عائشة وحفصة [52].

وأورد في [ص 389] ما أخرجه الشيخان من حديث يحيي بن سعيد الأنصاري عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس قال: مكثت سنة اُريد أن أسأل عمر بن الخطّاب عن آية فما أستطيع أن أسأله هيبة له،حتّي خرج حاجّاً فخرجت معه، فلمّا رجعنا وكنّا ببعض الطريق عدل إلي الأراك لحاجة له، قال: فوقفت له حتّي فرغ، ثمّ

سرت معه فقلت: يا أمير المؤمنين من اللّتان تظاهرتا علي النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم)؟ «هذا لفظ البخاري» [53] وفي لفظ مسلم: من المرأتان اللّتان قال اللّه تعالي: (وَإنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ)؟ قال: عائشة وحفصة [54].

القاسمي

قال الشّيخ جمال الدين القاسمي في تفسيره «محاسن التأويل» [16: 5862 ط. دار إحياء الكتب العربية مطبعة عيسي الحلبي] في تأويل قوله تعالي: (وإذ أسرّ النبيُّ) يعني: محمّد(صلي الله عليه وآله وسلم)(إلي بعض أزواجه) هي حفصة، في قول الرّواة: ابن عبّاس، وقتادة، وزيد ابن أسلم، وابنه عبدالرحمن، والشّعبي، والضّحّاك، كما نقله ابن جرير، «حديثاً» وهو تحريم فتاته في قولهم، قال ابن جرير: أو ما حرّم(صلي الله عليه وآله وسلم) علي نفسه ممّا كان اللّه جلّ ثناؤه قد أحلّه له، وقوله: لا تذكري ذلك لأحد، (فلمّا نبّأت به) أي أخبرت بالسرّ صاحبتها، أي عائشة. (وَأظهَرَهُ اللّهُ عَليهِ) أي أطلعه علي تحديثها به، (عَرَّفَ بَعْضَهُ)أي عرّفها بعض ما أفشته معاتباً (وأعْرَضَ عن بَعْض) أي: بعض الحديث تكرّماً (فلمّا نبّأها به قالت من أنبأك هذا قال نبّأني اللّطيفُ الخبير) أي الذي لا تخفي عليه خافية.

ثمّ قال القاسمي: وحكي الزّمخشري عن سفيان قال: ما زال التغافل من فعل الكرام. ثم أشار تعالي إلي غضبهِ لنبيّهِ صلوات اللّهِ عليه، ممّا أتت به من إفشاء السّرّ إلي صاحبتها، ومن مظاهرتهما علي ما يقلق راحته، وأن ذلك ذنبٌ تجب التّوبة منه، «أي علي عائشة وحفصة» بقوله سبحانه وتعالي: (إنْ تتوبا إلي اللّهِ فقد صغتْ قُلُوبُكُمَا) إلي آخر الآية [التحريم: 4] [55].

ابن شهر آشوب

قال في مناقبه [3: 75 77] عن تفسير أبي يوسف يعقوب بن سفيان النّسوي، والكلبي، ومجاهد، وأبي صالح، والمغربي، عن ابن عبّاس: إنّه رأت حفصة النبيّ في حجرة عائشة مع مارية القبطيّة، قال(صلي الله عليه وآله وسلم): «أتكتمين علي حديثي؟» قالت: نعم، قال: «فإنها عليّ حرامٌ»، ليطيّب قلبها، فأخبرت عائشة وبشّرتها من تحريم مارية، فكلّمت عائشة النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم)

في ذلك، فنزل: (وإذ أسرّ النَّبيُّ إلي بعض أزواجهِ حديثاً) إلي قوله تعالي: (هُوَ مَوْلاَه وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ المُؤمِنين) قال ابن عبّاس: واللّه عليّ، واللّه حسبه والملائكة بعد ذلك ظهير.

وأخرج البخاري وأبو يعلي الموصلي قال ابن عبّاس: سألت عمر بن الخطّاب عن المتظاهرتين، قال: حفصة وعائشة.

وعن السّري عن أبي مالك عن ابن عبّاس وأبي بكر الحضرمي عن أبي جعفر(عليه السلام)والثعلبي بالإسناد عن موسي بن جعفر(عليهما السلام) وعن أسماء بنت عميس عن النّبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم)قال: وصالح المؤمنين: علي بن أبي طالب. رواه أبو نعيم الأصفهاني بالإسناد عن أسماء بنت عميس، وابن عبّاس عن النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم) قال: «إن عليّاً باب الهدي بعدي، والدّاعي إلي ربّي، وهو صالح المؤمنين، ومن أحسن قولاً ممّن دعا إلي اللّه وعمل صالحاً».

وقال أمير المؤمنين علي المنبر: أنا أخو المصطفي خير البشر، من هاشم سنامه الأكبر، ونبأ عظيمٌ جري به القدر، وصالح المؤمنين مضت به الآيات والسور.

قال ابن شهرآشوب، وإذا ثبت أنّه صالح المؤمنين، فينبغي كونه أصلح من جميعهم بدلالة العرف والاستعمال، كقولهم: فلانٌ عالم قومه، وشجاع قبيلته.

قال الناشي:

إذ أسرّ النبيّ فيه حديثاً

عند بعض الأزواج ممّن يليه

نبّأتها به وأظهره اللّه

عليه وجاء من قبل فيه

يسأل المصطفي فيعرف بعضاً

بعد إبطان بعضه يستحيه

وغدا يعتب اللّتين بقصد

أبديا سرّه إلي حاسديه

فأبي اللّه أن يتوبا إلي الله

فقد صاغ قلب من يتّقيه

أو تحيا تظاهراً فهو مولاه

وجبريل ناصرٌ في ذويه

ثم خير الوري أخوه عليّ

ناصر المؤمنين من ناصريه

الحاكم النيسابوري

قال في كتابه المستدرك [2: 493]: حدّثني أبو عبد اللّه محمّد بن أحمد بن بطّة الأصبهاني، حدّثنا عبداللّه بن محمّد بن زكريّا الأصبهاني، حدّثنا محمّد بن بكير الحضرمي، حدّثنا سليمان بن المغيرة، حدّثنا ثابت عن أنس(رضي الله عنه) أنّ رسول

اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم)كانت له أمةٌ يطأها، فلم تزل به عائشة وحفصة حتّي جعلها علي نفسه حراماً، فأنزل اللّه هذه الآية: (يا أيُّها النبيُّ لِمَ تُحرِّمُ مَا أحَلَّ اللّهُ لَك تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أزْواجِك)، «هذا حديث صحيح علي شرط مسلم ولم يخرجاه».

سوره شوري، آيه 23

اشاره

في قوله تعالي: (وَمَنْ يَقْتَرف حَسَنَةً نَزِدْ لهُ فيها حُسْناً) [الشوري: 23].

إنّ ممّا ذكره الأعلام من المفسّرين والمحدّثين في تفاسيرهم ومصنّفاتهم أنّ معني الحسنة في هذه الآية الشّريفة هي: المودّة لآل محمّد(صلي الله عليه وآله وسلم) وممّن ذكر ذلك في كتبهم:

الطبرسي

قال في تفسيره مجمع البيان [5: 39 ط. مؤسسة التأريخ العربي بيروت]: وذكر أبو حمزة الّثمالي عن السّدّي قال: إنّ اقتراف الحسنة المودّة لآل محمّد(صلي الله عليه وآله وسلم). وصحّ عن الحسن بن عليّ(عليهما السلام) أنّه خطب النّاس فقال في خطبته: «أنا من أهل البيت الذي افترض اللّه مودّتهم علي كلّ مسلم، فقال: (قل لا أسألكُمْ عليه أجراً إلاّ المودّة في القُربي ومن يقترف حسنةً نزد له فيها حسناً)، فاقتراف الحسنة مودّتنا أهل البيت».

الشوكاني

قال في تفسيره فتح القدير [4: 534 ط. الحلبي وأولاده] بعد أن يفسّر لفظ (يقترف)والمعني: من يكتسب حسنة نزد هذه الحسنة حسناً بمضاعفة ثوابها. قال مقاتل: المعني من يكتسب حسنةً واحدة نزد له فيها حسناً، نضاعفها بالواحدة عشراً فصاعداً، وقيل: المراد بهذه الحسنة هي: المودّة في القربي، والحمل علي العموم أولي، ويدخل تحته المودّة في القربي دخولاً أوّليّاً.

الزمخشري

قال في تفسيره الكشّاف [4: 221]: (ومن يقترف حسنةً) عن السّدي أنّها المودّة في آل رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) نزلت في أبي بكر الصّديق ومودّته فيهم. والظّاهر: العموم في أيّ حسنة كانت إلاّ أنّها لمّا ذكرت عقيب ذكر المودّة في القربي: دلّ ذلك علي أنّها تناولت المودّة تناولاً أوّليّاً، كأن سائر الحسنات لها توابع.

العلامة نور الله الحسيني

قد ذكر في كتابه المسمّي إحقاق الحقّ وإزهاق الباطل [9: 130] من ذكر هذا المعني من رجال التّصانيف والمفسّرين، منهم:

1 السّيوطي في تفسيره «الدر المنثور» [4: 7 ط. مصر].

2 المحلّي في كتابه «الحدائق الورديّة».

3 الثّعلبي في تفسيره «الكشف والبيان».

4 ابن المغازلي الشافعي في «المناقب» وهو أبو الحسن علي بن محمّد الجلابي المتوفّي سنة (483).

5 الزرندي الحنفي في كتابه «نظم درر السّمطين» [ص 86 مطبعة القضاء].

6 العلاّمة الشيخ عبد اللّه بن طلحة الشّافعي في «المناقب».

7 الشّيخ العلاّمة كمال الدّين حسن بن معين الدّين اليزدي الميبدي في كتابه «شرح ديوان أمير المؤمنين».

8 ابن الصّبّاغ المالكي وهو العلاّمة المحدّث الشّيخ علي بن محمّد المكّي في «الفصول المهمّة» [ص 11 ط. النجف].

9 البدخشي وهو العلاّمة ميرزا محمّد بن معتمد خان في «مفتاح النجا في مناقب آل العبا».

10 الآلوسي في تفسيره «روح المعاني» [25: 31 ط. مصر].

11 العلاّمة الشّيخ سليمان بن الشّيخ إبراهيم الحسيني البلخي القندوزي الحنفي في ينابيع المودّة [ص 118 ط. اسلامبول].

الحبيب العلامة علوي بن طاهر الحداد

قال في كتابه القول الفصل [1: 486 ط. جاوا]: قال السّمهودي: وقد يستشهد له بما أخرجه الثعلبي في تفسيره من طريق السّدّي عن أبي مالك عن ابن عبّاس(رضي الله عنه) قال: (ومن يقترف حسنة نزدْ لهُ فيها حُسْناً)، قال: هي المودّة لآل محمّد(صلي الله عليه وآله وسلم).

النبهاني

قال في كتابه «الشرف المؤبّد لآل محمّد» [ص174 طبعة 2 مطبعة الحلبي وأولاده بمصر]: أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عبّاس(رضي الله عنه) في قوله تعالي: (ومن يقترف حسنة)قال: المودّة لآل محمّد، وعنه عن النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: «أحبّوا اللّه لما يغذوكم به، وأحبّوني بحبّ اللّه، وأحبّوا أهل بيتي بحبّي».

وعن ابن مسعود(رضي الله عنه): حبّ آل محمّد يوماً خيرٌ من عبادة سنة. وعن أبي هريرة عن النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم) قال: «خيركم خيركم لأهلي من بعدي».

وأخرج ابن النجّار في تأريخه عن الحسن بن علي(رضي الله عنه) قال: قال رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم): «لكلّ شيء أساس، وأساس الإسلام حبّ أصحاب رسول اللّه وحبّ أهل بيته».

وأخرج الطبراني عن ابن عبّاس(رضي الله عنه): قال رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم): «لا تزول قدما عبد حتي يسأل عن أربع: عن عمره فيم أفناه، وعن جسده فيم أبلاه، وعن ماله فيم أنفقه ومن أين اكتسبه وعن حبّنا أهل البيت»، إلي غير ذلك من الأحاديث الواردة في هذا

الموضوع.

وقد ذكرها بهذا المعني ابن شهاب الدّين في كتابه رشفة الصّادي [ص23 ط.القاهرة].

ابن شهر آشوب

قال في مناقبه [3: 197 ط. دار الاضواء بيروت] عن الثعلبي، والسّدّي عن أبي مالك عن ابن عبّاس في قوله تعالي: (وَمَنْ يَقْتِرفْ حَسَنَةً نَزِدْ لهُ فِيها حُسناً) قال: المودّة لآل محمّد(عليهم السلام). وعن الحسن بن علي(عليهما السلام) قال: «الحسنة حبّ أهل البيت».

وروي أبو تراب في «الحدائق» والخوارزمي في «الأربعين» بإسنادهما عن أنس والديلمي في «الفردوس» عن معاذ وجماعة عن ابن عمر قال: قال النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم): «حبّ عليّ بن أبي طالب حسنةٌ لا تضرّ معه سيّئة، وبغضه سيّئةٌ لا تنفع معها حسنة».

قال

الشّاعر:

وقد أتت الرّواية في حديث

صحيح عن ثقات محدّثينا

بأنّ محبّة الهادي عليّ

أجل تجارة للتّاجرينا

وليس تضرّ سيّئةٌ بخلق

يكون بها من المتخلّقينا

وروي ابن مردويه بالإسناد عن زيد بن عليّ عن أبيه عن جدّه عن النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم)قال: «يا عليّ لو أنّ عبداً عبد اللّه مثل ما دام نوحٌ في قومه، وكان له مثل جبل اُحد ذهباً فأنفقه في سبيل اللّه، ومدّ في عمره حتي حجّ الف عام علي قدميه، ثمّ قتل بين الصّفا والمروة مظلوماً، ثمّ لم يوالك يا عليّ، لم يشم رائحة الجنة ولم يدخلها».

وفي تأريخ النّسائي و شرف المصطفي واللفظ له، قال النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم): «لو أن عبداً عَبَدَ اللّه بين الركن والمقام ألف عام، ثمّ ألف عام ولم يكن يحبّنا أهل البيت لأكبّه اللّه علي منخره في النّار».

وعن حذيفة بن اليمان عن النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم) في خبر: إن اللّه فرض علي الخلق خمسة فأخذوا أربعة وتركوا واحداً، فسئل عن ذلك. قال: الصّلاة، والصّوم، والزّكاة، والحج. وقالوا: فما الواحد الذي تركوا؟ قال: ولاية علي بن أبي طالب: قالوا: هي واجبة من اللّه؟ قال: نعم.

وفي «فرودس الأخبار» للدّيلمي قال أبو صالح: لمّا حضرت عبد اللّه بن عبّاس الوفاة قال: اللّهمّ إنيّ أتقرب إليك بولاية علي بن أبي طالب.

وفي الإبانة لابن بطّة: روي أبو صالح عن أبي هريرة قال: رأيت معاذاً يديم النظر إلي وجه عليّ، فقلت له: إنّك تديم النّظر إليه كأنّك لم تره، فقال: سمعت رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم)يقول: النظر إلي وجه عليّ بن أبي طالب عبادة، وهو أكثر في الرّوايات.

وفي رواية عمّار ومعاذ وعائشة عن النّبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم): «النّظر إلي عليّ بن أبي طالب عبادة،

وذكره عبادة، ولا يقبل إيمانٌ إلاّ بولايته، والبراءة من أعدائه».

وفي «الفردوس» للدّيلمي قالت عائشة: قال النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم): «ذكر علي عبادةٌ».

وفي «شرف النبيّ» للخركوشي: أنّه كان النّاس يصلّون وأبوذرّ ينظر إلي أمير المؤمنين(عليه السلام) فقيل له في ذلك، فقال: سمعت رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) يقول: «النّظر إلي علي بن أبي طالب عبادة، والنّظر إلي الوالدين برأفة ورحمة عبادة، والنظر في المصحف عبادة، والنظر إلي الكعبة عبادة».

سوره اسراء، آيه 26

اشاره

في قوله تعالي: (وَآتِ ذَا الْقُرْبَي حَقَّهُ) [الاسراء: 26].

ذكر المفسّرون في تفاسيرهم ما ورد من الخبر والأثر المعربة عن معناها المراد به عند تفسيرهم هذه الآية الشريفة، من بعد ذكرهم معناها اللّغوي باستنباطهم المحض. وممّن ذكر ذلك:

الطبرسي

قال في تفسيره «مجمع البيان» [3: 531 ط. مؤسسة التأريخ العربي بيروت] (وَآتِ ذَا الْقُرْبي حَقَّهُ) معناه: وأعط القرابات حقوقهم التي أوجبها اللّه لهم في أموالكم، عن ابن عبّاس والحسن. وقيل: إن المراد قرابة الرّسول، عن السّدّي.

وقال: إنّ عليّ بن الحسين(عليهما السلام) قال لرجل من أهل الشّام حين بعث به(عليه السلام) عبيد اللّه ابن زياد إلي يزيد بن معاوية: «أقرأت القرآن؟» قال: نعم، قال(عليه السلام): «أما قرأت: (وَآتِ ذَا الْقُرْبي حَقَّهُ)» قال: وإنّكم ذو القربي الّذي أمر اللّه أن يؤتي حقه؟ قال: «نعم». انتهي.

قال الطّبرسي: وهو الّذي رواه أصحابنا عن الصّادقين(عليهما السلام).

وأخبرنا السّيد أبو الحمد مهدي بن نزار الحسيني قراءة، قال: حدّثنا أبو القاسم عبيد اللّه بن عبداللّه الحسكاني، قال: حدّثنا الحاكم الواحد أبو محمّد، قال: حدّثنا عبداللّه ابن عمر بن أحمد بن عثمان ببغداد شفاهاً، قال أخبرني عمر بن الحسن بن علي بن مالك، قال: حدّثنا جعفر بن محمّد الأحمسي، قال: حدّثنا حسن بن حسين، قال: حدّثنا أبو معمّر سعيد بن خثيم وعلي بن القاسم الكندي ويحيي بن يعلي وعلي بن مسهر، عن فضيل بن مرزوق عن عطيّة العوفي، عن أبي سعيد الخدري، قال: لمّا نزل قوله تعالي: (وَآتِ ذَا الْقُرْبي حَقَّه)أعطي رسول اللّه فاطمة فدكاً. وقال عبد الرحمّن بن صالح: كتب المأمون إلي عبداللّه بن موسي يسأله عن قصّة فدك، فكتب عبداللّه بهذا الحديث. رواه فضيل عن عطيّة. فردّ المأمون فدكاً إلي ولد فاطمة(عليها السلام).

ابن كثير

قال في تفسيره [3: 36]: وقال الحافظ أبو بكر البزّار، حدّثنا عبّاد بن يعقوب، حدّثنا أبو يحيي التّيمي، حدّثنا فضيل بن مرزوق، عن عطيّة، عن أبي سعيد الخدري، قال: لمّا نزلت: (وَآتِ ذَا الْقُرْبي حَقّه) دعا رسول اللّه(صلي

الله عليه وآله وسلم) فاطمة فأعطاها فدكاً، ثمّ قال: لا نعلم حدّث به عن فضيل بن مرزوق إلاّ أبو يحيي التيمي وحميد بن حمّاد بن الخوّار. وهذا الحديث مشكلٌ لو صحّ إسناده؛ لأن الآية مكيّة، وفدك إنّما فتحت مع خيبر سنة سبع من الهجرة، فكيف يلتئم هذا مع هذا؟ فهو إذاً حديثٌ منكرٌ، والأشبه أنّه من وضع الرّافضة. واللّه أعلم [56].

أقول: ألا تري هذا الرّجل كيف قال ما قال؟ كأنّه غفل أو تغافل عمّا هناك من رجال كانوا يقولون بأنّ السورة مكيّة إلاّ خمس آيات، ومنهم من قال: إلاّ ثمان آيات، كالحسن وقتادة والمعدّل عن ابن عبّاس. كما ذكره الإمام الطّبرسي في «مجمع البيان» وهنّ: (ولا تقْتُلُوا النّفْسَ) الآية. (ولاَ تَقربُوا الزّنا) الآية. (اُولئِكَ الَّذينَ يَدْعُونَ)الآية، (أقم الصّلاة) ومنها التي نحن بصددها، وهي (وَآت ذَا الْقُرْبَي) فهذه الخمس آيات، ومع قوله تعالي: (وَإنْ كادُوا ليَفْتنُونَكَ إلي قولهِ وَقُلْ ربِّ أدْخِلْنِي مدْخَلَ صدْق) [الاسراء: 80]تكون ثمان آيات.

وأمّا قوله: لا نعلم حدّث به عن فضيل بن مرزوق إلاّ أبو يحيي التّيمي، وحميد بن حمّاد. فكما قد علمنا قريباً أنّه قد روي عن فضيل بن مرزوق: أبو معمّر سعيد بن خثيم، وعلي بن القاسم الكندي، ويحيي بن يعلي، وعلي بن مسهر كما في رواية الطّبرسي، بخلاف ما لو أنّ الرّجل كان ممّن صمّم بزعمه أنّ الآية كلّها مكيّة، كما قال ذلك بعضهم.

ولو لم يكن الأمر كذلك، فلا اعتبار إذن بقوله: وهذا الحديث مشكلٌ أو منكرٌ أو أشبه أنّه من وضع الرّافضة.

الشوكاني

قال في تفسيره «فتح القدير» [3: 224]: أخرج ابن جرير عن علي بن الحسين(عليه السلام)أنّه قال لرجل من أهل الشّام: أقرأت القرآن؟ قال: نعم، قال: أفما قرأت

في بني إسرائيل (وَآتِ ذَا الْقُرْبي)؟ قال: وإنّكم للقرابة الّتي أمر اللّه أن يؤتي حقّهم؟ قال: نعم. ثمّ قال: وأخرج البزّار، وأبو يعلي، وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري قال: لمّا نزلت هذه الآية: (وَآتِ ذَا الْقُرْبَي حقّهُ) دعا رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) فاطمة فأعطاها فدكاً.

وأخرج ابن مردويه عن ابن عبّاس، قال: لمّا نزلت: (وَآتِ ذَا الْقُرْبي حَقّهُ) أقطع رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) فاطمة فدكاً.

الزمخشري

قال في تفسيره الكشّاف [2: 661] بعد ما فسّر الآية بما ارتأي له: وقيل: أراد بذي القربي أقرباء رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم).

الطبري

قال في تفسيره جامع البيان [8: 67]: بعد ما أورد أقوال أهل التأويل المختلفة في تفاسيرهم، قوله تعالي: (وآتِ ذَا القُرْبي حَقّهُ): وقال آخرون: بل عني به قرابة رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) ذكر من قال ذلك: حدّثني محمّد بن عمارة الأسدي، قال: حدثنا إسماعيل بن أبان قال: حدثنا الصباح بن يحيي المزني، عن السدّي عن أبي الديلم، قال: قال عليّ بن الحسين(عليهما السلام)لرجل من أهل الشام: «أقرأ ت القرآن؟» قال: نعم، قال: «أفما قرأت في بني إسرائيل (وَآتِ ذا الْقُربي حَقَهُ)»؟ قال: وإنّكم للقرابة التي أمر اللّه جلّ ثناؤه أن يؤتي حقّه؟ قال: نعم.

سوره انسان، آيه 1

اشاره

في قوله تعالي: (هلْ أتَي عَلَي الإنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْر) [الإنسان: 1].

ذكر بعض أهل التأويل في تفاسيرهم والحفّاظ في مسانيدهم بأنّ هذه السورة قد نزلت في أهل بيت الوحي، وهم: أبو العترة الطاهرة الإمام عليّ، والسيّدة الزّهراء اُم الأطهار، والحسنان الشهيدان سيّدا شباب أهل الجنّة(عليهم السلام).

وقال بعض: لا السورة كاملةً ولكن جزء منها، ومنهم من قال غير ذلك، وممّن ذكر نزول السورة فيهم ومن قال ببعضها:

النيسابوري

قال في تفسيره غرائب القرآن [29: 112] المطبوع بهامش «جامع البيان»: ذكر الواحدي في «البسيط» والزّمخشري في «الكشّاف» وكذا الإماميّة أطبقوا علي أنّ السّورة نزلت في أهل بيت النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم) ولا سيّما في هذه الآية. يعني (يوفون بالنّذر) وما يليها من الآيات.

ويروي عن ابن عبّاس أنّ الحسن والحسين(عليهما السلام) مرضا، فعادهما رسول اللّه(صلي الله عليه وآله)في ناس معه، فقال(صلي الله عليه وآله وسلم): يا أبا الحسن لو نذرت علي ولدك، فنذر علي وفاطمة وفضّة جاريةٌ لهما إن أبرأهما اللّه أن يصوموا ثلاثة أيّام، فشفيا وما معهما شيءٌ، فاستقرض علي من شمعون الخيبري اليهودي ثلاثة أصوع من شعير، فطحنت فاطمة منها صاعاً واختبزت خمسة أقراص علي عددهم، فوضعوا أيديهم ليفطروا، فوقف عليهم سائلٌ فقال: السّلام عليكم يا أهل محمّد، مسكينٌ من مساكين المسلمين، أطعموني أطعمكم اللّه من موائد الجنّة، فآثروه وباتوا ولم يذوقوا إلاّ الماء، وأصبحوا صياماً. فلمّا أمسوا ووضعوا الطّعام بين أيديهم وقف عليهم يتيمٌ فآثروه، ووقف عليهم الثالثة أسيرٌ، ففعلوا مثل ذلك، فلمّا أصبحوا أخذ عليّ بيد الحسن والحسين إلي رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) فلمّا أبصرهم وهم يرتعشون كالفراخ من شدّة الجوع، قال(صلي الله عليه وآله وسلم): ما أشدّ ما يسوؤني ما أري

بكم، وقام وانطلق معهم. فرأي فاطمة في محرابها قد لصق ظهرها ببطنها وغارت عيناها فساءه ذلك، فنزل جبرئيل وقال: خذها يا محمّد، هنّاك اللّه في أهل بيتك، فأقرأه السورة.

الطبرسي

قال في تفسيره مجمع البيان [5: 516 ط. مؤسسة التأريخ العربي بيروت] في سبب النّزول: قد روي الخاص والعام أنّ الآيات من هذه السورة وهي قوله: (إنَّ الأبْرارَ يَشْرَبُونَ)إلي قوله: (وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً) نزلت في علي وفاطمة والحسن والحسين(عليهم السلام). وجارية تسمّي فضّة، وهو المرويّ عن ابن عبّاس ومجاهد وأبي صالح.

والقصّة طويلةٌ، وجملتها أنّهم قالوا: مرض الحسن والحسين(عليهما السلام) فعادهما جدّهما(صلي الله عليه وآله وسلم) إلي آخر القصّة المذكورة.

وفي رواية عطاء عن ابن عبّاس أنّ علي بن أبي طالب(عليه السلام) آجر نفسه ليستقي نخلاً بشيء من شعير ليلةً حتّي أصبح، فلمّا أصبح وقبض الشعير، طحن ثلثه فجعلوا منه شيئاً ليأكلوه يقال له «الحريرة» فلما تمّ إنضاجه أتي مسكينٌ فأخرجوا إليه الطّعام، ثمّ عمل الثّلث الثاني، فلمّا تمّ إنضاجه أتي يتيمٌ فسأل فأطعموه. ثمّ عمل الثّلث الثّالث، فلمّا تمّ إنضاجه أتي أسيرٌ من المشركين فسأل فأطعموه، وطووا يومهم ذلك. ذكره الواحدي في تفسيره.

وذكر عليّ بن ابراهيم أنّ أباه حدّثه عن عبد اللّه بن ميمون عن أبي عبداللّه(عليه السلام)قال: كان عند فاطمة شعيرٌ فجعلوه عصيدة، فلمّا أنضجوها ووضعوها بين أيديهم جاء مسكينٌ فقال المسكين: رحمكم اللّه، فقام علي(عليه السلام) فأعطاه ثلثها، فلم يلبث أن جاء يتيمٌ فقال اليتيم: رحمكم اللّه، فقام علي فأعطاه الثلث، ثّمّ جاء أسير فقال الأسير: رحمكم اللّه، فأعطاه علي(عليه السلام) الثلث الباقي وما ذاقوها فأنزل اللّه سبحانه الآيات فيهم.

ثم ذكر الشيخ المؤلّف ترتيب نزول سور القرآن ما ورد عن النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم)

لمّا سأله علي(عليه السلام) إلي أن قال أخيراً:

أقول: قد اتّسع نطاق الكلام في هذا الباب حتّي كاد يخرج عن أسلوب الكتاب، وربّما نسبنا به إلي الإطناب، ولكنّ الغرض فيه أنّ بعض أهل العصبيّة قد طعن في هذهِ القصّة، بأنّ قال: هذه السّورة مكيّة، فكيف يتعلّق بها ما كان بالمدينة. وقد استدلّ بذلك علي أنّها مخترعةٌ جرأةً علي اللّه سبحانه، وعداوةً لأهل بيت رسوله، فأحببت إيضاح الحقّ في ذلك وإيراد البرهان في معناه، وكشف القناع عن عناد هذا المعاند في دعواه، علي أنه كما تري يحتوي علي السّر المخزون، والدّرّ المكنون من هذا العلم الذي يستضاء بنوره، ويتلألأ بزهوره، وهو معرفة ترتيب السّور في التنزيل، وحصر عددها في الجملة والتّفصيل. اللّهم أمددنا بتأييدك، وأيدّنا بتوفيقك، فأنت الرّجاء والأمل، وعلي فضلك المعوّل والمتّكل.

الزمخشري

قال في تفسيره الكشّاف [4: 670 ط. قم منشورات البلاغة]: عن ابن عبّاس(رضي الله عنه): أنّ الحسن والحسين مرضا فعادهما رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) في ناس معه. إلي آخر القصّة الّتي رواها النّيسابوري في تفسيره.

الشوكاني

قال في تفسيره فتح القدير [5: 348 349] عند تفسيره (ويطعمون الطّعام علي حُبِّهِ): وأخرج ابن مردويه عن ابن عبّاس قال: نزلت هذه الآية في علي بن أبي طالب وفاطمة بنت رسول الله(صلي الله عليه وآله وسلم).

ابن شهرآشوب

قال في كتابه مناقب آل أبي طالب [3: 103 ط. دار الأضواء بيروت و 2: 298 مطبعة الحيدريّة النجف الأشرف]: جاء في تفسير أهل البيت(عليهم السلام) أن قوله: (هل أتي علي الإنسان حينٌ مِن الدّهْر)، يعني به عليّاً، وتقدير الكلام: ما أتي علي الانسان زمانٌ من الدّهر إلاّ وكان فيه(عليه السلام)شيئاً مذكوراً، وكيف لم يكن مذكوراً، وأنّ اسمه مكتوبٌ علي ساق العرش وعلي باب الجنّة، والدّليل علي هذا القول قوله: (إنّا خلقنا الإنسان من نطفة)، ومعلومٌ أنّ آدم لم يخلق من النطفة.

وأورد في [ص 104] قول أبي فراس:

اقرأوا عن القرآن ما في فضله

وتأمّلوه واعرفوا فحواه

لو لم ينزّل فيه إلاّ هل أتي

من دون كلّ منزّل لكفاه

من كان أوّل من حوي القرآن من

نطق النبيّ ولفظه وحكاه

من بات فوق فراشه متنكّراً

لمّا أظلّ فراشه أعداه

من ذا أراد إلهنا بمقاله

الصّادقون والقانتون سواه

من خصّه جبريل من ربّ العلي

بتحيّة من جنّة وحباه

أنسيتم يوم الكساء وأنّه

ممّن حواه مع النبيّ كساه

إذ قال جبريل بهم متشرّفاً

أنا منكم قال النبيّ كذاه

الموسوي

قال في التعليقات من مراجعته الثانية عشرة [ص 38 ط. المجمع العالمي لأهل البيت «ع»]:

هل أتي هل أتي بمدح سواهم

لا ومولي بذكرهم جلاها

ثمّ علّق بقوله: هذه إشارةٌ إلي نزول سورة الدّهر فيهم وفي أعدائهم، ومن أراد الوقوف علي جليّة الأمر في كلّ آية من آية التّطهير وآية المباهلة وآية المودّة في القربي وسورة الدّهر فعليه «بكلمتنا الغرّاء» فإنّها الشفاء من كلّ داء، وبها ردّ جماح الأعداء، وزجر غراب الجهلاء والحمد للّه ربّ العالمين.

ابن عبد ربه المالكي

ذكر في كتابه العقد الفريد حديث احتجاج المأمون العبّاسي علي أربعين فقيهاً وفيه، قال: يا إسحاق هل تقرأ القرآن؟ قلت: نعم. وقال المأمون: إقرأ عليّ: (هلْ أتي علي الإنسان حينٌ من الدّهر لم يكن شيئاً مذكوراً)، فقرأت منها حتّي بلغت: (يشربون من كأس كان مزاجها كافورا)، إلي قوله: (ويطعمون الطّعام عي حبّهِ مسكيناً ويتيماً وأسيراً)، قال المأمون: علي رسلك، فيمن أنزلت هذه الآيات؟ قلت: في عليّ. قال: فهل بلغك أنّ عليّاً حين أطعم المسكين واليتيم والأسير، قال: إنّما نطعمكم لوجه اللّه؟ وهل سمعت اللّه وصف في كتابه أحداً بمثل ما وصف به عليّاً؟ قلت: لا. قال: صدقت لأنّ اللّه جلّ ثناؤه عرف سيرته، يا إسحاق، ألست تشهد أن العشرة في الجنّة؟ قلت: بلي يا أمير المؤمنين، قال: أرأيت لو أنّ رجلاً قال: واللّه ما أدري هذا الحديث صحيحٌ أم لا؟ ولا أدري إن كان رسول اللّه قاله أم لم يقله، أكان عندك كافراً؟ قلت: أعوذ باللّه، قال: أرأيت لو أنّه قال: ما أدري هذه السّورة من كتاب اللّه أم لا، كان كافراً؟ قلت: نعم، قال: يا إسحاق أري بينهما فرقاً [57].

سبط ابن الجوزي

قد روي قصة سبب نزول هل أتي في كتابه تذكرة خواص الاُمة [ص316 ط. طهران]من طريق البغوي والثعلبي. ثمّ قال بعد تنزيه سنده ردّاً علي جدّه ابن الجوزي في إخراجه في الموضوعات: والعجب من قول جدّي وإنكاره، وقد قال في كتابه «المنتخب»: يا علماء الشرع، أعلمتم لم آثرا «علي وفاطمة» وتركا الطفلين «الحسنين» عليهما أثر الجوع؟ أتراهما خفي عنهما سر: «ابدأ بمن تعول»؟ ما ذاك إلاّ لأنهما علما قوة صبر الطفلين وأنهما غصنان من شجرة أظلّ عند ربّي، وبعضٌ من جملة: «فاطمة بضعةٌ منّي».

وفرخ البطّ سابح.

الحافظ أبو عبدالله الكنجي الشافعي

قال في كتابه كفاية الطّالب [ص 348 ط. طهران] بعد ذكر الحديث في سبب نزول السّورة الكريمة: هكذا رواه الحافظ أبو عبداللّه الحميدي في «فوائده» ورواه ابن جرير الطبري أطول من هذا في سبب نزول هل أتي. وقد سمعت الحافظ العلاّمة أبا عمرو عثمان ابن عبد الرحمن المعروف بابن الصّلاح في درس التّفسير في سورة هل أتي وذكر الحديث وقال فيه: إنّ السؤّال كانوا ملائكة من عند رب العالمين، وكان ذلك امتحاناً من اللّه عزّوجل لأهل بيت الرسول(صلي الله عليه وآله وسلم). وسمعت بمكّة حرسها اللّه تعالي من شيخ الحرم بشير التبريزي في درس التفسير: أنّ السّائل الأوّل كان جبرئيل، والثّاني ميكائيل، والثّالث كان إسرافيل(عليهم السلام).

الخازن

وهو علاء الدّين عليّ بن محمّد الخازن البغدادي، المتوفّي سنة (741) قال في تفسيره [4: 358]: بأنّ نزولها في عليّ(عليه السلام) ثمّ قال: وقيل: إنّ الآية عامّة في كلّ من أطعم.

ابو جعفر الاسكافي

قال في رسالته الّتي ردّ بها علي الجاحظ: لسنا كالإماميّة الّذين يحملهم الهوي علي جحد الأمور المعلومة، ولكنّنا ننكر تفضيل أحد من الصّحابة علي علي بن أبي طالب، ولسنا ننكر غير ذلك «إلي أن قال»: وأما إنفاقه فقد كان علي حسب حاله وفقره، وهو الّذي أطعم الطّعام علي حبّه مسكيناً ويتيماً وأسيراً، واُنزلت فيه وفي زوجته وابنيه سورةٌ كاملةٌ من القرآن.

الاميني

قال في كتابه الغدير [3: 106] ردّاً علي ابن حزم في افتراءاته علي الشيعة الإماميّة في قوله: «ولسنا من كذبهم الرّافضة في تأويلهم: ويطعمون الطّعام علي حبّه مسكيناً ويتيماً وأسيراً، وأنّ المراد بذلك علي(رضي الله عنه)، بل هذا لا يصحّ، بل الآية علي عمومها وظاهرها لكلّ من فعل ذلك» [58] وإليك لفظه:

إنّ الواقف علي هذه الاُضحوكة يعرف موقع الرّجل من التّدجيل لحسبانه أنّ في مجرّد عزو هذا التأويل إلي الرافضة فحسب، وقذفهم بالكذب، واتباع ذلك بعدم الصّحّة حطّاً في كرامة الحديث الوارد في الآية الشريفة، وهو يعلم أنّ اُمّة كبيرةً من أئمّة التفسير والحديث يروون ذلك ويثبتونه مسنداً في مدوّناتهم، وإن كان لا يدري فتلك مصيبة.

وهذا الحافظ أبو محمّد العاصمي أفرد في ذلك كتاباً في مجلّدين أسماه «زين الفتي في تفسير سورة هل أتي» وهو كتابٌ ضخمٌ فخم ممتع ينم عن فضل مؤلّفه وسعة إحاطته بالحديث، وتعالي مقدرته في الكلام والتنقيب، مع أنّ في غضونه سقطات تلائم مذهبه وخطّة قومه، ثمّ يذكر في كتابه المذكور جمعاً من رواة الحديث في هذا المقام بلغ عددهم إلي أربعة وثلاثين راوياً، ومنهم أبو سالم محمّد بن طلحة الشّافعي القائل:

هم العروة الوثقي لمعتصم بها

مناقبهم جاءت بوحي وإنزال

مناقب في الشوري وسورة هل أتي

وفي سورة الأحزاب يعرفها التّالي

وهم أهل بيت

المصطفي فودادهم

علي النّاس مفروضٌ بحكم وإسجال

سوره اعراف، آيه 46

اشاره

في قوله تعالي: (وَعَلَي الأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيَماهُمْ)[الاعراف: 46].

انّ لأهل التّاويل والمفسّرين في تفاسيرهم عن «أصحاب الأعراف» أقوالاً مختلفة المعاني، لتباين نظرهم وآرائهم في المراد بالرّجال من هذه الآية الشريفة، ولعلّ أقربها إلي مدارك الفهم من بين تلك الأقوال المتضاربة، قول من قال: إنّ المراد بالرّجال هم: حمزة، والعبّاس، وعلي، وجعفر الطّيار. واللّه أعلم. فممّن ذكر ذلك في تفاسيرهم ومدوّناتهم:

الطبرسي

قال في تفسيره «مجمع البيان» [4: 423 ط. دار إحياء التراث العربي بيروت]: وقيل: إنّ الأعراف موضعٌ عال علي الصّراط، عليه حمزة، والعبّاس، وعليّ، وجعفر، يعرفون محبّيهم ببياض الوجوه، ومبغضيهم بسواد الوجوه. عن الضّحّاك عن ابن عبّاس، ورواه الثّعلبي بالإسناد في تفسيره.

ثمّ أورد أقوالاً غير ذلك، إلي أن قال فيه: وقال أبو جعفر الباقر(عليه السلام): هم آل محمّد(عليهم السلام)، لا يدخل الجنّة إلا من عرفهم وعرفوه، ولا يدخل النّار إلاّ من أنكرهم وأنكروه. وقال أبو عبداللّه جعفر بن محمّد(عليهما السلام): الأعراف كثبان بين الجنّة والنّار، فيقف عليها كل نبيٍّ وخليفة نبيٍّ، مع المذنبين من أهل زمانه، كما يقف صاحب الجيش مع الضعفاء من جنده، وقد سيق المحسنون إلي الجنّة، فيقول ذلك الخليفة للمذنبين الواقفين معه: انظروا إلي إخوانكم المحسنين قد سيقوا إلي الجنّة، فيسلّم المذنبون عليهم، وذلك قوله: (ونادوا أصحاب الجنّة أن سلامٌ عليكُم).

ثمّ أخبر سبحانه أنّهم (لم يدخلوها وهم يطمعون)، يعني: هؤلاء المذنبين، لم يدخلوا الجنّة وهم يطمعون أن يدخلهم اللّه إياها بشفاعة النبيّ والإمام، وينظر هؤلاء المذنبون إلي أهل النار فيقولون: (ربّنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين). ثمّ ينادي أصحاب الأعراف، وهم الأنبياء والخلفاء أهل النار مقرعين لهم: (ما أغني عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون - أهؤلاء الذين أقسمتم) [59] يعني: أهؤلاء

المستضعفين الذين كنتم تحقّرونهم وتستطيلون بدنياكم عليهم؟ ثمّ يقولون: «أي الأنبياء والخلفاء» لهؤلاء المستضعفين عن أمر من اللّه لهم بذلك: (ادخلو الجنّة لاخوف عليكم ولا أنتم تحزنون).

ويؤيّده ما رواه عمر بن شيبة وغيره: أنّ عليّاً(عليه السلام) قسيم النار والجنّة. ورواه أيضاً بإسناده عن النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: «يا عليّ كأنّي بك يوم القيامة وبيدك عصا عوسج، تسوق قوماً إلي الجنّة. وآخرين إلي النار».

وروي أبو القاسم الحسكاني بإسناده، رفعه إلي الأصبغ بن نباتة قال: كنت جالساً عند عليّ(عليه السلام) فأتاه ابن الكوّا فسأله عن هذه الآية، فقال(عليه السلام): ويحك يابن الكوّا نحن نقف يوم القيامة بين الجنّة والنار، فمن ينصرنا عرفناه بسيماه فأدخلناه الجنّة، ومن أبغضنا عرفناه بسيماه فأدخلناه النار.

وقوله: (يعرفون كلاًّ بسيماهم) يعني: هؤلاء الرجال الذين هم علي الأعراف، يعرفون جميع الخلق بسيماهم، يعرفون أهل الجنّة بسيماء المطيعين، وأهل النار بسيماء العصاة.

الشوكاني

قال في تفسيره فتح القدير [2: 208 ط. الحلبي وأولاده بمصر] بعد أن ذكر أقوالاً، وقيل: هم: العبّاس، وحمزة، وعليّ، وجعفر الطيّار، يعرفون محبّيهم ببياض الوجوه، ومبغضيهم بسوادها، حكي ذلك عن ابن عبّاس.

ثمّ ذكر أقوالاً غير ذلك. إلي أن قال في تفسيره: وجملة (يعرفون كلاًّ بسيماهم)صفة لرجال. والسيما: العلامة، أي يعرفون كلاًّ من أهل الجنّة والنار بعلاماتهم، كبياض الوجوه وسوادها، أو مواضع الوضوء من المؤمنين، أو علامة يجعلها اللّه لكلّ فرق في ذلك الموقف، يعرف رجال الأعراف بها السعداء من الأشقياء.

شرف الدين الموسوي

قال في المراجعة الثانية عشرة من مراجعاته [ص 93 ط. بيروت]: وهم رجال الأعراف الذين قال: (وعلي الأعراف رجال يعرفون كُلاًّ بسيماهم).

أخرج الثعلبي في معني هذه الآية من تفسيره عن ابن عبّاس قال: الأعراف موضع عال من الصراط، عليه العبّاس وحمزة وعليّ وجعفر ذوالجناحين، يعرفون محبّيهم ببياض الوجوه، ومبغضيهم بسواد الوجوه. انتهي.

وأخرج الحاكم بسنده إلي عليّ قال: نقف يوم القيامة بين الجنّة والنار، فمن نصرنا عرفناه بسيماه فأدخلناه الجنّة، ومن أبغضنا عرفناه بسيماه.

وعن سلمان الفارسي: سمعت رسول اللّه يقول: «يا عليّ إنّك والأوصياء من ولدك علي الأعراف». «الحديث»

ويؤيّده حديثٌ أخرجه الدّارقطني كما في أواخر الفصل الثّاني من الباب التّاسع من الصّواعق [ص 195: ط. دار الكتب بيروت]: أنّ عليّاً قال للستّة الذين جعل عمر الأمر شوري بينهم كلاماً طويلاً ومن جملته: أنشدكم باللّه، هل فيكم أحدٌ قال له رسول اللّه: «يا عليّ أنت قسيم الجنّة والنّار يوم القيامة غيري»؟ قالوا: اللّهم لا. قال ابن حجر معناه: ما رواه عنترة عن علي الرضا أن النبي(صلي الله عليه وآله وسلم) قال له: «يا عليّ أنت قسيم الجنة والنار، فيوم القيامة تقول للنّار: هذا لي وهذا لك».

قال ابن حجر: وروي ابن السّماك أنّ أبا بكر قال لعليٍّ(رضي الله عنه): سمعت رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) يقول: «لا يجوز أحدٌ الصّراط إلاّ من كتب له عليّ الجواز».

ابن شهر آشوب

روي في كتابه مناقب آل أبي طالب [3: 233 ط. دار الأضواء]: عن الأصبغ بن نباتة وزيد بن عليّ أنّه سئل أمير المؤمنين(عليه السلام) عن قوله: (وعلي الأعراف رجالٌ) وسئل الصّادق(عليه السلام)واللّفظ له، فقال: نحن اُولئك الرّجال علي الصراط ما بين الجنّة والنار، فمن عرفنا وعرّفناه دخل الجنّة، ومن لم يعرفنا ولم نعرفه ادخل النار.

إبانة العكبري وكشف الثعلبي وتفسير الفلكي، بالاسناد عن أبي اسحاق عاصم ابن سليمان المفسّر، عن جوير بن سعيد، عن الضحّاك عن ابن عباس قال: الأعراف موضع عال من الصراط عليه: العبّاس وحمزة وعلي بن أبي طالب وجعفر ذو الجناحين، يعرفون محبّيهم ببياض الوجوه، ومبغضيهم بسواد الوجوه.

وروينا عن رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) أنّه قال لعليٍّ(عليه السلام): «أنت يا علي والأوصياء من ولدك أعراف اللّه بين الجنّة والنّار، لا يدخل الجنّة إلاّ من عرفكم وعرفتموه، ولا يدخل النّار إلاّ من أنكركم وأنكرتموه».

وسأل سفيان بن مصعب الصّادق(عليه السلام) عنها، فقال (عليه السلام): «هم الأوصياء من آل محمّد الإثنا عشر، لا يعرف اللّه إلاّ من عرفهم»، قال: فما الأعراف؟ جعلت فداك. قال(عليه السلام): «كتائب من مسك عليها رسول اللّه والأوصياء، يعرفون كلاًّ بسيماهم».

فأنشأ سفيان يقول:

وأنتم ولاة الحشر والنّشر والجزا

وأنتم ليوم المفزع الهول مفزع

وأنتم علي الأعراف وهي كتائب

من المسك ريّاها بكم يتضوّع

ثمانيةٌ بالعرش إذ يحملونه

ومن بعدهم في الأرض هادون أربع

وأمّا قول العامّة: إنّ أصحاب الأعراف من لا يستحق الجنّة ولا النّار محال، وما جعل اللّه في الآخرة غير منزلتين، امّا للثواب وإمّا للعقاب،

فكيف يكون أصحاب الأعراف بهذه الحالة؟ وقد أخبر اللّه أنّهم يعرفون النّاس يومئذ بسيماهم، وأنّهم يوقفون أهل النّار علي ذنوبهم ويقولون: (مَا أغْنَي عَنْكُمْ جَمعَكُمْ) الآية. وينادون أهل الجنة(أنْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ)الآية.

قال ابن حمّاد:

وإنّك صادق الأعراف تدعو

رجالاً فائزين وهالكينا

فتقسم منهم قسمين بعضاً

شمالاً ثمّ بعضهم يمينا

الاميني

روي في غديره [2: 325]: ما أخرجه الحاكم الحسكاني بإسناده عن الأصبغ بن نباتة قال: كنت جالساً عند عليٍّ فأتاه ابن الكوّا فسأله عن قوله تعالي: (وَعَلي الأعْرَافِ رِجَالٌ) الآية. فقال(عليه السلام): «ويحك يابن الكوّا، نحن نوقف يوم القيامة بين الجنّة والنّار فمن نصرنا عرفناه بسيماه فأدخلناه الجنّة، ومن أبغضنا عرفناه بسيماه فأدخلناه النار».

وأخرج أبو إسحاق الثّعلبي في «الكشف والبيان» في الآية الشّريفة عن ابن عبّاس أنّه قال: الأعراف موضعٌ عال من الصّراط، عليه العبّاس وحمزة وعلي بن أبي طالب وجعفر ذو الجناحين، يعرفون محبّيهم ببياض الوجوه، ومبغضيهم بسواد الوجوه.

ورواه ابن طلحة الشّافعي في «مطالب السّؤول» [ص 17] وابن حجر في «الصّواعق» [ص 101] والشّوكاني في «فتح القدير» [2: 198].

وإلي ذلك أومأ العبدي بشعره:

لأنتم علي الأعراف أعرف عارف

بسيما الّذي يهواكم والّذي يشنا

أئمّتنا أنتم سندعي بكم غداً

إذا ما إلي ربّ العباد معاً قمنا

بجدّكم خير الوري وأبيكم

هدينا إلي سبل النّجاة وأنقذنا

ولولاكم لم يخلق اللّه خلقه

ولا لقّب الدّنيا الغرور ولا كنّا

ومن أجلكم أنشا الإله لخلقه

سماءً وأرضاً وابتلي الإنس والجنّا

تجلّون عن شبه من النّاس كلّهم

فشأنكم أعلي وقدركم أسنا

إذا مسّنا ضرّ دعونا إلهنا

بموضعكم منه فيكشفه عنّا

وإن دهمتنا غمّةٌ أو ملمّةٌ

جلعناكم منها ومن غيرنا [60] حصنا

وإن ضامنا دهرٌ فعذنا بعزكم

فيبعد عنّا الضّيم لمّا بكم عذنا

وإن عارضتنا خفيةٌ من ذنوبنا

براةٌ لنا عنها شفاعتكم أمنا

سوره توبه، آيه 1

اشاره

في قوله تعالي: (بَراءَةٌ مِنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلي الَّذينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ المُشْركِين)[التوبة: 1].

إنّ من أظهر ما خصّ اللّه سبحانه وتعالي أبا الحسنين من الفضل دون غيره من الأمّة، أخذه هذه السّورة الشّريفة من يد أبي بكر، بعد ما سار بها ليؤذّن في النّاس من أهل مكة، فلحقه علي بأمر من رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) عن جبرئيل

عن اللّه عزّوجلّ، كما روي ذلك جمعٌ كثيرون من أعلام الأمّة، منهم:

الزمخشري

قال في تفسيره الكشّاف [2: 243 ط. منشورات البلاغة قم]: وكان نزولها سنة تسع من الهجرة، وفتح مكّة سنة ثمان، وكان الأمير فيها عتاب بن أسيد. فأمر رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم)أبا بكر علي الموسم سنة تسع. ثمّ أتبعه عليّاً(رضي الله عنه) راكب العضباء ليقرأها علي أهل الموسم، فقيل له(صلي الله عليه وآله وسلم): لو بعثت بها إلي أبي بكر فقال(صلي الله عليه وآله وسلم): «لا يؤدّي عنّي إلاّ رجلٌ منّي»، فلمّا دنا عليّ، سمع أبو بكر الرّغاء فوقف وقال: «هذا رغاء ناقة رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم)»، فلمّا لحقه قال: أمير أو مأمور؟ قال: «مأمورٌ».

وروي أنّ أبا بكر لمّا كان ببعض الطريق هبط جبرئيل(عليه السلام) فقال: «يا محمّد، لا يبلّغن رسالتك إلاّ رجل منك». فأرسل(صلي الله عليه وآله وسلم) عليّاً، فرجع أبو بكر إلي رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم)فقال: يا رسول اللّه أشيءٌ نزل من السّماء؟ قال: نعم، فسر وأنت علي الموسم وعلي ينادي بالآي. فلمّا كان قبل التّروية خطب أبو بكر وحدّثهم عن مناسكهم. وقام علي(رضي الله عنه)يوم النّحر عند جمرة العقبة فقال: «يا أيّها النّاس إنّي رسول رسول اللّه إليكم»، فقالوا: بماذا؟ فقرأ عليهم ثلاثين أو أربعين آية. وعن مجاهد ثلاث عشرة آية ثمّ قال: «أمرت بأربع: أن لا يقرب البيت بعد هذا العام مشركٌ، ولا يطوف بالبيت عريان، ولا يدخل الجنّة إلاّ نفسٌ مؤمنة، وأن يتمّ إلي كلّ ذي عهد عهده». فقالوا عند ذلك: يا عليّ أبلغ ابن عمّك إنّا قد نبذنا العهد وراء ظهورنا، وأن ليس بيننا وبينه عهدٌ إلاّ طعنٌ بالرماح وضربٌ بالسيوف.

الطبري

قال في تفسيره جامع البيان [6: 306 307 ط. دار الكتب العلمية بيروت]:

حدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو احمد، قال: حدّثنا إسرائيل عن أبي اسحاق، عن زيد بن يثيع، قال: نزلت براءة فبعث بها رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) أبا بكر، ثمّ أرسل عليّاً فأخذها منه، فلمّا رجع أبو بكر قال: هل نزل فيّ شيءٌ؟ قال: (صلي الله عليه وآله وسلم) «لا، ولكنّي اُمرت أن أبلّغها أنا أو رجلٌ من أهل بيتي.».

وقال: حدّثنا ابن حميد، قال: حدّثنا سلمة، قال: حدّثنا محمّد بن إسحاق، عن حكيم بن حكيم بن عبّاد بن حنيف، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ بن حسين بن علي، قال: لمّا نزلت براءةٌ علي رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) وقد كان بعث أبا بكر الصدّيق ليقيم الحجّ للنّاس، قيل: يا رسول اللّه لو بعثت إلي أبي بكر؟ فقال: «لا يؤدّي عنّي إلاّ رجلٌ من أهل بيتي»، ثمّ دعا عليّ بن أبي طالب(رضي الله عنه) فقال: «أخرج بهذه القصّة من صدر براءة، وأذّن في النّاس يوم النحر إذا اجتمعوا بمني، أنّه لا يدخل الجنّة كافرٌ، ولا يحجّ بعد العام مشركٌ، ولا يطف بالبيت عريان، ومن كان له عند رسول اللّه عهدٌ فهو إلي مدّته»، فخرج عليّ بن أبي طالب(رضي الله عنه)علي ناقة رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) العضباء، حتّي أدرك أبا بكر الصدّيق بالطّريق، فلمّا رآه أبو بكر قال: أميرٌ أو مأمور؟ قال(عليه السلام): «مأمورٌ». الخ.

وقال: حدّثني الحسين، قال حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباط، عن السدّي، قال: لمّا نزلت هذه الآيات إلي رأس أربعين آية، بعث بهن رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) مع أبي بكر وأمّره علي الحج، فلمّا سار فبلغ الشجرة من ذي الحليفة أتبعه بعليٍّ فأخذها منه.

فرجع أبو بكر إلي النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم) فقال: يا رسول اللّه بأبي أنت وأمّي، أنزل في شأني شيءٌ؟ قال(صلي الله عليه وآله وسلم): «لا، ولكن لا يبلّغ عنّي غيري أو رجلٌ منّي». الخ.

النيسابوري

قال في تفسيره غرائب القرآن [10: 36] المطبوع بهامش «جامع البيان»: ونزلت هذه السّورة سنة تسع، وكان قد أمر فيها أبا بكر علي الموسم، فلمّا نزلت السّورة أتبعه عليّاً راكب العضباء ليقرأها علي أهل الموسم. فقيل له: لو بعثت بها إلي أبي بكر؟ فقال(صلي الله عليه وآله وسلم): «لا يؤدّي عنّي إلاّ رجلٌ منّي»، فلمّا دنا عليّ سمع أبو بكر الرّغاء، فوقف وقال: هذا رغاءناقة رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) فلمّا لحقه قال: أميرٌ أو مأمور؟ قال(عليه السلام): «مأمورٌ».

وروي أنّ أبا بكر لمّا كان ببعض الطّريق هبط جبرئيل(عليه السلام) وقال: «يا محمّد لا يبلّغنّ رسالتك إلاّ رجلٌ منك»، فأرسل عليّاً فرجع أبو بكر إلي رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) فقال: يا رسول اللّه أشيءٌ نزل من السّماء؟ قال: «نعم، فسر أنت علي الموسم وعليّ ينادي بالآي»، فلمّا كان قبل التّروية، خطب أبو بكر وحدّثهم عن مناسكهم، وقام عليّ يوم النّحر عند جمرة العقبة فقال: «أيها النّاس إنّي رسول رسول اللّه إليكم» الخ.

الشوكاني

قال في تفسيره فتح القدير [2: 333]: وقد اختلف العلماء في تعيين هذا اليوم المذكور في الآية، فذهب جمعٌ منهم: عليّ بن ابي طالب، وابن مسعود، وابن أبي أوفي، والمغيرة بن شعبة، ومجاهد، أنّه يوم النّحر. ورجّحه ابن جرير. وذهب آخرون منهم: عمر، وابن عبّاس، وطاووس أنّه يوم عرفة، والأوّل أرجح، لأنّ النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم) أمر من بعثه لإبلاغ هذا إلي المشركين أن يبلّغهم يوم النحر.

ثم قال في [ص 334]: وأخرج عبداللّه بن أحمد بن حنبل في «زوائد المسند» وأبو الشّيخ، وابن مردويه عن علي قال: لمّا نزلت عشر آيات من براءة عن [61] النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم)دعا

أبا بكر ليقرأها علي أهل مكّة، ثمّ دعاني فقال لي: أدرك أبابكر، فحيثما لقيته فخذ الكتاب منه فاقرأه علي أهل مكة، فلحقته فأخذت الكتاب منه، ورجع أبو بكر وقال: يا رسول اللّه، نزل فيّ شيءٌ؟ قال: لا، ولكن جبرئيل جاءني فقال(صلي الله عليه وآله): لن يؤدّي عنك إلاّ أنت أو رجلٌ منك.

وأخرج: ابن أبي شيبة، وأحمد، والترمذي وحسّنه، وأبو الشّيخ، وابن مردويه من حديث أنس نحوه.

الطبرسي

قال في تفسيره مجمع البيان [5: 3 ط. دار إحياء التراث العربي بيروت]: أجمع المفسّرون ونقلة الأخبار أنّه لمّا نزلت براءةٌ دفعها رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) إلي أبي بكر. ثم أخذهامنه ودفعها إلي علي بن أبي طالب(عليه السلام) واختلفوا في تفصيل ذلك، فقيل: إنّه بعثه وأمره أن يقرأ عشر آيات من أوّل هذه السّورة، وأن ينبذ إلي كلّ ذي عهده، ثمّ بعث عليّاً خلفه ليأخذها ويقرأها علي النّاس، فخرج علي ناقة رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) العضباء حتّي أدرك أبا بكر بذي الحليفة فأخذها منه، وقيل: أنّ أبا بكر رجع فقال: هل نزل فيّ شيء؟ فقال(صلي الله عليه وآله وسلم): «لا، إلاّ خيراً، ولكن لا يؤدّي عنّي إلاّ أنا أو رجلٌ منّي». وقيل: إنه قرأ علي براءة علي الناس، وكان أبو بكر أميراً علي الموسم، عن الحسن وقتادة وقيل: إنّه(صلي الله عليه وآله وسلم)أخذها من أبي بكر قبل الخروج ودفعها إلي عليٍّ(عليه السلام) وقال(صلي الله عليه وآله): «لا يبلّغ عنّي إلاّ أنا أو رجلٌ منّي».

ثمّ قال: وروي أصحابنا أنّ النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم) ولاّه أيضاً الموسم، وأنّه حين أخذ البراءة من أبي بكر رجع أبو بكر.

وروي الحاكم أبو القاسم الحسكاني بإسناده عن سمّاك بن حرب

عن أنس بن مالك: أنّ رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) بعث ببراءة مع أبي بكر إلي أهل مكّة، فلمّا بلغ ذا الحليفة بعث إليه فردّه، وقال(صلي الله عليه وآله وسلم): «لا يذهب بهذا إلاّ رجل من أهل بيتي»، فبعث عليّاً(عليه السلام).

شرف الدين الموسوي

قال في التّعليقات من مراجعاته: [ص 167 ط. المجمع العالمي لأهل البيت (ع)] في هامش الكتاب علي حديث: «عليّ منّي وأنا من علي، لا يؤدّي عنّي إلاّ أنا أو عليّ» أخرجه ابن ماجة في «فضائل الصّحابة» [ص 92] من الجزء الأوّل من سننه، والتّرمذي، والنّسائي في صحيحيهما، وهو الحديث 2531 في [ص 153] من الجزء السّادس من الكنز، وقد أخرجه الإمام أحمد في [ص 164] من الجزء الرّابع من مسنده من حديث حبشي بن جنادة بطرق متعدّدة كلّها صحيحة، وحسبك أنّه رواه عن يحيي بن آدم عن إسرائيل بن يونس، عن جدّه أبي إسحاق السّبيعي عن حبشي، وكل هؤلاء حججٌ عند الشيخين، وقد احتجّا بهم في الصّحيحين، ومن راجع هذا الحديث في مسند أحمد، علم أنّ صدوره إنّما كان في حجّة الوداع الّتي لم يلبث النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم) بعدها في هذه الدّار الفانية إلاّ قليلاً، وكان(صلي الله عليه وآله وسلم) قبل ذلك أرسل أبا بكر في عشر آيات من سورة براءة، ليقرأها علي أهل مكّة، ثمّ دعا عليّاً فيما أخرجه الإمام أحمد في [1: 151] من مسنده، فقال له: «أدرك أبا بكر، فحيثما لقيته فخذ الكتاب منه، فاذهب أنت به إلي أهل مكّة فاقرأ عليهم». فلحقه في الجحفة فأخذ الكتاب منه. قال: ورجع أبو بكر إلي النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم) فقال: يا رسول اللّه نزل فيّ شيءٌ؟ قال(صلي الله عليه

وآله وسلم): لا، ولكن جبرئيل جاءني فقال: «لن يؤدّي عنك إلاّ أنت أو رجلٌ منك». ا ه.

وفي حديث آخر أخرجه أحمد في [1: 150] من المسند عن عليٍّ: أنّ النبيّ حين بعثه ببراءة قال(صلي الله عليه وآله) له: «لا بدّ أن أذهب بها أنا أو تذهب بها أنت»، قال علي: فإن كان ولا بدّ فسأذهب أنا، قال(صلي الله عليه وآله وسلم): «فانطلق فإنّ اللّه يثبّت لسانك ويهدي قلبك».

سوره شوري، آيه 23

اشاره

في قوله تعالي: (قُلْ لاَ أسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أجْراً إلاَّ المَوَدَّةَ في الْقُرْبَي)[الشوري: 23]

اختلفت الأقوال وتضاربت الآراء في تأويل معني القربي من هذه الآية الكريمة، ولا غرو أنّهم لا يزالون مختلفين ماداموا يزعمون بأنّ الاختلاف رحمة لا نقمة، ومن أعجب ما بلغ بهم الاختلاف فيه إنكار بعضهم كما ذكر الغدير [1: 171] علي من رأي بأنّ المعنيّ بالقربي هم آل بيت رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) أهل الكساء المطهّرون: علي وفاطمة والحسنان. علي أنّ جمعاً كثيرين من أعلام الأمّة قد ذكروا ذلك من بين مشتبكات الأقوال المختلفة في تآليفهم وتفاسيرهم ومصنّفاتهم منهم:

الزمخشري

قال في تفسيره الكشّاف [4: 219 220 ط. منشورات البلاغة قم] بعد بسط القول في معني القربي: وروي أنّها لمّا نزلت قيل: يا رسول اللّه! من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودّتهم؟ قال(صلي الله عليه وآله وسلم): «علي وفاطمة وابناهما»، ويدلّ عليه ما روي عن عليٍّ(رضي الله عنه): شكوت إلي رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) حسد الناس لي فقال(صلي الله عليه وآله وسلم): «أما ترضي أن تكون رابع أربعة؟ أول من يدخل الجنة أنا وأنت والحسن والحسين، وأزواجنا عن أيماننا وشمائلنا، وذرّيتنا خلف أزواجنا»، وعن النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم): «حرّمت الجنة علي من ظلم أهل بيتي وآذاني في عترتي، ومن اصطنع صنيعةً إلي أحد من ولد عبد المطّلب ولم يجازه عليها فأنا اجازيه عليها غداً، إذا لقيني يوم القيامة».

وروي أنّ الأنصار قالوا: فعلنا وفعلنا، كأنّهم افتخروا، فقال عبّاس أو ابن عبّاس(رضي الله عنه): لنا الفضل عليكم، فبلغ ذلك رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) فأتاهم في مجالسهم فقال: «يا معشر الأنصار، ألم تكونوا أذلّة فأعزّكم اللّه بي»؟ قالوا: بلي يا رسول

اللّه، قال: «ألم تكونوا ضلاّلاً فهداكم اللّه بي»؟ قالوا: بلي يا رسول اللّه، قال: «أفلا تجيبونني»؟ قالوا: ما نقول يا رسول اللّه؟ قال: «ألا تقولون: ألم يخرجك قومك فآويناك؟ أو لم يكذّبوك فصدّقناك؟ أو لم يخذلوك فنصرناك»؟ قال: فما زال يقول حتّي جثوا علي الرّكب. وقالوا: أموالنا وما في أيدينا للّه ولرسوله، فنزلت الآية.

وقال رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم): «من مات علي حبّ آل محمّد مات شهيداً، ألا ومن مات علي حبّ آل محمّد مات مغفوراً له، ألا ومن مات علي حبّ آل محمد مات تائباً، ألا ومن مات علي حبّ آل محمّد مات مؤمناً مستكمل الإيمان، ألا ومن مات علي حبّ آل محمّد بشرّه ملك الموت بالجنّة ثمّ منكرٌ ونكيرٌ، ألا ومن مات علي حبّ آل محمّد يزفّ إلي الجنّة كما تزفّ العروس إلي بيت زوجها، ألا ومن مات علي حبّ آل محمّد فتح له في قبره بابان إلي الجنة، ألا ومن مات علي حبّ محمد وآل محمد جعل الله قبره مزار ملائكة الرحمة، ألا ومن مات علي حبّ آل محمّد مات علي السنّة والجماعة.

ألا ومن مات علي بغض آل محمّد جاء يوم القيامة مكتوبٌ بين عينيه آيسٌ من رحمة اللّه، ألا ومن مات علي بغض آل محمّد مات كافراً، ألا ومن مات علي بغض آل محمّد لم يشمّ رائحة الجنة».

الشوكاني

قال في تفسيره فتح القدير [4: 534]: ثمّ لمّا ذكر سبحانه ما أخبر به نبيّه(صلي الله عليه وآله وسلم)من هذه الأحكام الشّريفة الّتي اشتمل عليها كتابه، أمره بأن يخبرهم بأنّه لا يطلب منهم بسبب هذا التبليغ ثواباً منهم، فقال: (قُلْ لاَ أسْألُكُمْ عَلَيْهِ أجْراً) أي قل يا محمّد: لا أطلب منكم علي

تبليغ الرسالة جعلاً ولا نفعاً، (إلاَّ الموَدَّةَ فِي الْقُرْبَي). هذا الاستثناء يجوز أن يكون متّصلاً: أي إلاّ أن تودّوني لقرابتي بينكم، أوتودّوا أهل قرابتي.

ثمّ أورد حديثاً في سبب النزول ما أخرجه ابن جرير، وابن ابي حاتم، وابن مردويه، من طريق مقسم عن ابن عبّاس، قال: قالت الأنصار: فعلنا وفعلنا، وكأنّهم فخروا. إلي آخر الحديث السّالف ذكره [62].

الطبرسي

قال في تفسيره مجمع البيان [9: 28 ط. دار إحياء التراث العربي بيروت] في القول الثّالث: إنّ معناه إلاّ أن تودّوا قرابتي وعترتي وتحفظوني فيهم(عليهما السلام). عن عليّ بن الحسين(عليه السلام)وسعيد بن جبير، وعمرو بن شعيب وجماعة، وهو المروي عن أبي جعفر، وأبي عبد اللّه(عليهما السلام).

وأخبرنا السّيد أبو الحمد مهدي بن نزار الحسيني قال: أخبرنا الحاكم أبو القاسم الحسكاني قال: حدّثني القاضي أبو بكر الحميري قال: أخبرنا أبو العبّاس الضبعي قال: أخبرنا الحسن بن عليّ بن زياد السّري قال: أخبرنا يحيي بن عبد الحميد الحماني قال: حدّثنا حسين الأشتر قال: أخبرنا قيسٌ عن الأعمش عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس قال: لمّا نزلت: (قُلْ لاَ اَسْألُكُمْ عَلَيْهِ اَجْراً) الآية قالوا: يا رسول اللّه من هؤلاء الذين أمرنا اللّه بمودّتهم؟ قال(صلي الله عليه وآله وسلم): «علي وفاطمة وولدهما».

وأخبرنا السّيد أبو الحمد قال: أخبرنا الحاكم أبو القاسم بالإسناد المذكور في كتاب «شواهد التّنزيل لقواعد التفضيل» مرفوعاً إلي أبي أمامة الباهلي قال: قال رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم): «إن اللّه خلق الأنبياء من أشجار شتي، وخلقت أنا وعلي من شجرة واحدة، فأنا أصلها، وعلي فرعها، وفاطمة لقاحها [63]، والحسن والحسين ثمارها، وأشياعنا أوراقها، فمن تعلّق بغصن من أغصانها نجا، ومن زاغ عنها هوي، ولو أن عبداً عبداللّه بين الصفا

والمروة ألف عام، ثم ألف عام، ثم ألف عام، حتّي يصير كالشن البالي، ثمّ لم يدرك محبتنا كبّه اللّه علي منخريه في النّار، ثمّ تلا : (قُلْ لاَ أسْألُكُمْ علَيْهِ أجْراً إلاَّ المَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَي)».

وروي زاذان عن عليٍّ(عليه السلام) قال: فينا في آل حم آية، لا يحفظ مودّتنا إلاّ كلّ مؤمن. ثمّ قرأ هذه الآية. وإلي هذا أشار الكميت في قوله:

وجدنا لكم في آل حم آيةً

تأوّلها منّا تقي ومعرب

وذكر أبو حمزة الثمالي في تفسيره: حدّثني عثمان بن عمير، عن سعيد بن جبير عن عبداللّه بن عبّاس: أنّ رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) حين قدم المدينة واستحكم الاسلام، قالت الأنصار فيما بينها: نأتي رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) فنقول له: إن تعروك أمورٌ فهذه أموالنا تحكم فيها غير حرج ولا محظور عليك. فأتوه في ذلك، فنزلت: (قُلْ لا أسَألُكُمْ عليهِ أجراً إلاَّ المودّة في القُربي) فقرأها عليهم، وقال: تودّون قرابتي من بعدي، فخرجوا من عنده مسلّمين لقوله: فقال المنافقون: إن هذا لشيء افتراه في مجلسه، أراد بذلك أن يذلّلنا لقرابته من بعده، فنزلت: (أمْ يَقُولُونَ افتَرَي عَلَي اللّهِ كَذِباً) [الشوري: 24] فأرسل إليهم فتلاها عليهم فبكوا واشتدّ عليهم. فأنزل اللّه: (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِه)[الشوري: 25].

ابن كثير

قال في تفسيره [4: 121]: وقول ثالثٌ وهو ما حكاه البخاري وغيره رواية عن سعيد بن جبير ما معناه: أنّه قال معني ذلك: أن تودّوني في قرابتي، أي تحسنوا إليهم وتبرّوهم. وقال السّدّي عن أبي الدّيلم قال: لمّا جيء بعلي بن الحسين(رضي الله عنه) أسيراً، فأقيم علي درج دمشق، قام رجلٌ من أهل الشام فقال: الحمد للّه الّذي قتلكم واستاصلكم وقطع قرن الفتنة، فقال له علي بن

الحسين(رضي الله عنه): «أقرأت القرآن؟» قال: نعم. قال: «أقرأت ال حم؟» قال: قرأت القرآن ولم أقرأ ال حم. قال: «ما قرأت: (قُلْ لاَ أسْألُكُمْ عَلَيْهِ أجراً إلاَّ الموَدَّةَ في الْقُرْبي)؟» قال: وإنكم لأنتم هم؟ قال: «نعم».

وقال أبو اسحاق السّبيعي: سألت عمرو بن شعيب عن قوله تبارك وتعالي: (قُلْ لاَ أسألكم عليه أجراً إلاَّ المودّة في القُربي) فقال: قربي النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم).

ثمّ أورد الحديث الّذي جري بين الأنصار وابن عبّاس أو العبّاس ما أسلفنا ذكره، ثمّ قال: وذكر نزولها في المدينة، فيه نظر لأن السّورة مكيّة وليس يظهر بين هذه الآية وهذا السّياق مناسبة، واللّه أعلم. وسيأتي الكلام بالتفصيل علي قوله بأنّ الآية مكيّةٌ. ثمّ قال كما في [ص 113]: ولاننكر الوصاة بأهل البيت والأمر بالإحسان إليهم واحترامهم وإكرامهم، فإنّهم من ذرّية طاهرة من أشرف بيت وجد علي وجه الأرض فخراً وحسباً ونسباً، ولا سيّما إذا كانوا متّبعين للسّنّة النّبويّة الصحيحة الواضحة الجليّة، كما كان عليه سلفهم، كالعبّاس وبنيه، وعليٍّ وأهل بيته وذرّيته رضي اللّه عنهم أجمعين.

وقد ثبت في الصّحيح أنّ رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) قال في خطبته بغدير خمٍّ: «إنّي تاركٌ فيكم الثقلين، كتاب اللّه وعترتي، وإنهما لم يفترقا حتي يردا عليّ الحوض».

ثمّ أورد ما أخرجه الإمام أحمد مسنداً عن العبّاس بن عبد المطّلب قال: قلت يا رسول اللّه: إنّ قريشاً إذا لقي بعضهم بعضاً لقوهم ببشر حسن، وإذا لقونا لقونا بوجوه لا نعرفها، قال: فغضب النبي(صلي الله عليه وآله وسلم) غضباً شديداً وقال: «والّذي نفسي بيده، لا يدخل قلب الرّجل الإيمان حتّي يحبكم للّه ولرسوله» ثمّ قال أحمد: حدّثنا جرير عن يزيد بن أبي زياد، عن عبداللّه بن الحارث، عن

عبدالمطّلب بن ربيعة قال: دخل العبّاس(رضي الله عنه) علي رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) فقال: إنّا لنخرج فنري قريشاً تحدّث، فإذا رأونا سكتوا، فغضب رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) ودرّ عرقٌ بين عينيه ثمّ قال: «واللّه لا يدخل قلب امريء مسلم إيمانٌ حتي يحبكم للّه ولقرابتي».

ثمّ أورد فيه أيضاً حديثاً عن أحمد بن حنبل مسنداً إلي يزيد بن حيّان، قال: انطلقت أنا وحصين بن ميسرة وعمر بن مسلم إلي زيد بن أرقم(رضي الله عنه) فلمّا جلسنا إليه، قال حصين: لقد لقيت يا زيد خيراً كثيراً رأيت رسول اللّه(رضي الله عنه) وسمعت حديثه، وغزوت معه وصلّيت معه، لقد رأيت يا زيد خيراً كثيراً، حدّثنا يا زيد ما سمعت من رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم)فقال زيد: يابن أخي قد كبر سنّي وقدم عهدي، ونسيت بعض الّذي كنت أعي من رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) فما حدّثتكم فاقبلوه، وما لا فلا تكلّفوني، ثمّ قال: قام رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم)يوماً خطيباً فينا بماء يدعي خمّاً بين مكّة والمدينة، فحمد اللّه تعالي وأثني عليه وذكّر ووعظ، ثمّ قال(صلي الله عليه وآله وسلم): «أمّا بعد، أيّها النّاس إنّما أنا بشرٌ يوشك أن يأتيني رسول ربّي فاُجيب، وإنّي تاركٌ فيكم الثّقلين: أولهما كتاب اللّه تعالي فيه الهدي والنور، فخذوا بكتاب اللّه واستمسكوا به». فحثّ علي كتاب اللّه ورغّب فيه، وقال(صلي الله عليه وآله وسلم): «وأهل بيتي أذكّركم اللّه في أهل بيتي، أذكّركم اللّه في أهل بيتي»، فقال له حصين: ومن أهل بيته يا زيد؟ أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: إنّ نساءه لسن من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حرم عليه الصّدقة بعده. قال: ومن

هم؟ قال: هم آل عليٍّ، وآل عقيل، وآل جعفر، وآل العبّاس رضي الله عنهم، قال: أكلّ هؤلاء حرّم عليهم الصّدقة؟ قال: نعم. وهكذا رواه مسلم والنّسائي من طريق يزيد بن حبّان.

الحبيب علوي بن طاهر الحداد

قال في كتابه «القول الفصل» [1: 474 ط. جاوا] ردّاً علي من قال إن هذه الآية منسوخة، وإنّما نزلت بمكّة «الخ»: وهذا قولٌ غير مرضيٍّ، لأن مودّة النّبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم) وكفّ الأذي عنه ومودّة أقاربه ومودّة التّقرّب الي اللّه بالطاعة والعمل الصّالح من فرائض الدّين، وهذه أقاويل السّلف في معني الآية، ولا يجوز المصير إلي نسخ شيء من هذه الأشياء، وقوله: (إلاّ المودّة في القربي) ليس باستثناء متّصل بالأوّل، حتّي يكون ذلك أجراً في مقابلة أداء الرّسالة، بل هو منقطعٌ. ومعناه: ولكنّي أذكّركم المودّة في القربي، وأذكّركم قرابتي منكم، كما روينا في حديث زيد بن أرقم: «اذكّركمُ اللّه في أهل بيتي».

ثمّ قال: قال السّمهودي، وذكر الثّعلبي نحوه وزاد: «وكفي قبحاً بقول من زعم أنّ التّقرّب إلي اللّه بطاعته ومودّة نبيّه وأهل بيته عليه وعليهم السّلام منسوخ».

ثمّ قال: قد أخرج السّيوطي في الاتقان خبرين ذكر فيهما ترتيب نزول سور القرآن، وفيهما ذكر تأخّر نزول سورة الشوري التي فيها: (قُلْ لا أسْألُكُمْ عَلَيْهِ أجراً إلاّ المَوَدَّةَ فِي الْقُرْبي) عن سورة ص والفرقان اللّتين فيهما الآيتان النّاسختان بزعمهم: وهما: (قل ما أسألكم عليه من أجر إلاّ من شاء أن يتّخذ إلي ربّه سبيلاً). والثّانية: (قُل ما أسالكم عليه من أجر و ما أنا من المتكلّفين).

ثمّ أورد في [ص 480] حديث ما جري بين العبّاس أو ابنه و بين الأنصار كما أسلفنا ذكره. وذكر في [ص 482] ما أخرجه الطّبراني في «الأوسط» و «الكبير» والبزّار بنحوه

وقال: وبعض طرقها حسانٌ. عن أبي الطّفيل قال: خطبنا الحسن بن عليّ بن أبي طالب(عليهما السلام) فحمد اللّه وأثني عليه، إلي أن قال: «من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن محمّد(صلي الله عليه وآله وسلم)» ثمّ تلا هذه الآية: (واتّبعت ملّة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب)، ثمّ أخذ في كتاب اللّه ثمّ قال: «أنا ابن البشير النّذير، أنا ابن النبي، أنا ابن الدّاعي إلي اللّه بإذنه، وأنا ابن السّراج المنير، وأنا ابن الّذي اُرسل رحمةً للعالمين، وأنا من أهل البيت الّذين أذهب اللّه عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، وأنا من أهل البيت الّذي افترض اللّه مودّتهم وولايتهم، فقال فيما أنزل علي محمد(صلي الله عليه وآله وسلم): (قُلْ لاَ أَسْألكُمْ عَليْهِ أجراً إلاَّ الموَدَّةَ في الْقُربَي).

ورواه الحافظ جمال الدّين الزّرندي عن أبي الطّفيل، وجعفر بن حبّان، فذكره بنحوه. إلاّ أنّه قال: وأنا من أهل البيت الّذي كان جبرئيل ينزل فينا ويصعد من عندنا، وأنا من أهل البيت الّذي افترض اللّه مودّتهم علي كلّ مسلم، وأنزل اللّه فيهم: (قُلْ لاَ أسْألُكُمْ عَلَيْهِ أَجراً اِلاّ الموَدّة فِي الْقُرْبَي وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَة نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً).

الطبري

قال في تفسيره جامع البيان [11: 144 ط. دار الكتب العلمية بيروت] بعد أن ذكر أقوالاً: وقال آخرون: بل معني ذلك: قل لمن تبعك من المؤمنين: لا أسالكم علي ما جئتكم به أجراً إلاّ أن تودّوا قرابتي.

ثمّ أخرج بإسناده رواية زين العابدين، كما ذكرها بنحو ما رواه ابن كثير، ورواية ما جري بين العبّاس أو ابنه وبين الأنصار، كما تقدّم في رواية الزّمخشري.

ثمّ قال: حدّثني يعقوب، قال حدثنا: مروان عن يحيي بن كثير، عن أبي العالية، عن سعيد بن جبير في قوله:

(قل لا أسْالكُمْ عَلَيْهِ أجراً إلاَّ المَوَدَّةَ فِي الْقُرْبي) قال: هي قربي رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم).

وقال: حدّثني محمّد بن عمارة الأسدي ومحمّد بن خلف، قالا: حدّثنا عبيد اللّه، قال: أخبرنا إسرائيل عن أبي إسحاق قال: سألت عمرو بن شعيب عن قول اللّه عزّوجل: (قُلْ لاَ أسْأَلكُمْ عَلَيْهِ أجْراً إلاَّ المَوَدَّةَ في الْقُرْبَي) قال: قربي النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم).

النيسابوري

قال في تفسيره المطبوع بهامش جامع البيان [24: 35]: القول الرّابع: عن سعيد بن جبير لمّا نزلت هذه الآية، قالوا: يا رسول اللّه، من هؤلاء الّذين وجبت علينا مودّتهم لقرابتك؟ فقال(صلي الله عليه وآله وسلم): «عليّ وفاطمة وابناهما». ولا ريب أنّ هذا فخرٌ عظيم، وشرفٌ تام. ويؤيّده ما روي أنّ عليّاً(رضي الله عنه) شكا إلي رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) حسد النّاس فيه، فقال(صلي الله عليه وآله وسلم): «أما ترضي أن تكون رابع أربعة؟ أوّل من يدخل الجنّة أنا وأنت والحسن والحسين، وأزواجنا عن أيماننا وشمائلنا، وذرّياتنا خلف أزواجنا». وعنه(صلي الله عليه وآله وسلم): «حرّمت الجنةُ علي من ظلم أهل بيتي وآذاني في عترتي، ومن اصطنع صنيعة إلي أحد من ولد عبد المطّلب ولم يُجازه عليها، فأنا اُجازيه عليها غداً إذا لقيني يوم القيامة». وكان(صلي الله عليه وآله وسلم) يقول: «فاطمة بضعةٌ منّي يؤذيني ما يُؤذيها». وثبت بالنّقل المتواتر أنّه كان يحبّ علياً والحسن والحسين، وإذا كان ذلك وجب علينا محبّتهم لقوله (فاتّبعوه) [64]، وكفي شرفاً لآل رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم)وفخراً ختم التّشهد بذكرهم والصّلاة عليهم في كلّ صلاة، قال بعض المذكّرين: إنّ النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم)قال: «مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح من ركب فيها نجا، ومن تخلّف عنها

غرق».

الاميني

قال في غديره [2: 306] عند شرحه شعر العبدي من قوله:

فولاهم فرضٌ من الرّح

مان في القرآن واجب

أشار به الي قوله تعالي: (قُلْ لاَ أسْألُكُمْ عَلَيْهِ أجراً إلاّ المَوَدّة في الْقُرْبَي وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَة نَزِدْ لهُ فيهَا حُسْناً) توجد في الكتب والمعاجم أحاديث وكلماتٌ ضافيةٌ حول الآية الشريفة، لا يسعنا بسط المقال فيها، غير أنّا نقتصر بجملة منها:

1 أخرج أحمد في المناقب، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطّبراني، وابن مردويه، والواحدي، والثّعلبي، وأبو نعيم، والبغوي في تفسيره، وابن المغازلي في المناقب بأسانيدهم عن ابن عبّاس قال: لمّا نزلت هذه الآية قيل: يا رسول اللّه، من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودّتهم؟ قال(صلي الله عليه وآله): «علي وفاطمة وابناهما».

ورواه محبّ الدّين الطّبري في الذخائر [ص 25] والزّمخشري في «الكشّاف» [2: 329]، والحمّوئي في «الفرايد» والنيسابوري في تفسيره [1: 165] هامش تفسير الرازي وابن طلحة الشافعي في «مطالب السؤول» [ص 8] وصحّحه، والرازي في تفسيره، وأبو السعود في تفسيره، هامش تفسير الرازي[7: 665] وأبو حيّان في تفسيره [7: 516]، والنّسفي في تفسيره هامش تفسير الخازن [4: 99] والحافظ الهيثمي في «المجمع» [9: 168]وابن الصّباغ المالكي في «الفصول المهمّة» [ص 12] والحافظ الكنجي في «الكفاية» [ص 31]والقسطلاني في «المواهب» وقال: ألزم اللّه مودّة قرباه كافّة بريّته، وفرض محبّة جملة أهل بيته المعظّم وذرّيّته، فقال تعالي: (قُلْ لاَ أَسْألكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إلاَّ المَوَدَّةَ فِي الْقُرْبي).

ورواه الزّرقاني في «شرح المواهب» [7: 3 و 21] وابن حجر في «الصّواعق» [ص 101 و 135] والسّيوطي في «إحياء الميت» هامش الاتحاف [ص 239]، والشّبلنجي في «نور الأبصار» [ص 112] والصّبّان في «الإسعاف» هامش نور الأبصار [ص 105].

2 أخرج الحافظ أبو عبداللّه الملاّ في

سيرته: أنّ رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) قال: «إن اللّه جعل أجري عليكم المودّة في أهل بيتي، وإنيّ سائلكم غداً عنهم»، ورواه محبّ الدين الطّبري في «الذخائر» [ص 25] وابن حجر في «الصواعق» [ص 102 و 136] والسّمهودي في «جواهر العقدين».

عن جابر بن عبداللّه: جاء أعرابي إلي النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم)وقال: يا محمّد اعرض عليّ الإسلام، فقال(صلي الله عليه وآله): تشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له، وأن محمّداً عبده ورسوله، قال: تسألني عليه أجراً؟ قال(صلي الله عليه وآله): «لا إلاّ المودّة في القربي»، قال: قرابتي أو قرابتك؟ قال(صلي الله عليه وآله): «قرابتي»، قال: هات اُبايعك، فعلي من لا يحبّك ولا يحبُّ قرابتك لعنة اللّه، فقال النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم): «آمين». أخرجه الحافظ الكنجي في الكفاية [ص 31] من طريق الحافظ أبي نعيم عن محمد بن أحمد بن مخلّد عن الحافظ ابن أبي شيبة بإسناده.

وقال في [ص 310]: وقال المناوي: قال الحافظ الزّرندي: لم يكن أحد من العلماء المجتهدين والأئمّة المهتدين إلاّ وله في ولاية أهل البيت الحظ الوافر، والفخر الزّاهر، كما أمر اللّه بقوله: (قُلْ لا أسْألكُمْ عليه أجراً إلاّ المودّة في القُرْبَي).

وقال الفخر الرازي في تفسيره[7: 390]: وأنا أقول: آل محمّد(صلي الله عليه وآله وسلم) هم الذين يؤول أمرهم إليه، فكلّ من كان أمرهم إليه أشد وأكمل كانوا هم الآل. ولا شكّ أنّ فاطمة وعليّاً والحسن والحسين كان التعلّق بينهم وبين رسول اللّه(صلي الله عليه وآله) أشدّ التّعلقات، وهذا كالمعلول بالنّقل المتواتر، وجب أن يكونوا هم الآل.

وقال ابن حجر في «الصّواعق» [ص 89]: أخرج الدّيلمي عن أبي سعيد الخدري أنّ النّبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم) قال: (وقفوهم

إنهم مسؤولون) عن ولاية علي، وكأن هذا هو مراد الواحدي بقوله: روي في قوله تعالي: (وقفوهم إنهم مسؤولون) عن ولاية عليٍّ وأهل البيت، لأن اللّه أمر نبيه أن يعرّف الخلق أنّه لا يسألهم عن تبليغ الرسالة أجراً الاّ المودّة في القربي، والمعني أنّهم يسألون: هل والوهم حق الموالاة كما أوصاهم النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم) أم أضاعوها وأهملوها، فتكون عليهم المطالبة والتّبعة؟

وذكر في الصواعق [ص 101] للشّيخ شمس الدّين بن العربي قوله:

رأيت ولائي آل طه فريضة

علي رغم أهل البعد يورثني القربا

فما طلب المبعوث أجراً علي الهدي

بتبليغه إلاّ المودّة في القربي

وذكر ابن الصّباغ المالكي في فصوله [ص 13] لقائل:

هم العروة الوثقي لمعتصم بها

مناقبهم جاءت بوحي وإنزال

مناقب في شوري وسورة هل أتي

وفي سورة الأحزاب يعرفها التّالي

وهم آل بيت المصطفي فودادهم

علي النّاس معروض بحكم وإسجال

وذكر لآخر:

هم القوم من أصفاهم الودّ مخلصاً

تمسّك في اُخراه بالسّبب الأقوي

هم القوم فاقوا العالمين مناقباً

محاسنهم تجلي وآثارهم تروي

موالاتهم فرضٌ وحبّهم هدي

وطاعتهم ودّ وودّهم تقوي

وذكر الشّبلنجي في نور الأبصار [ص 13] لأبي الحسن بن جبير:

أحب النبيّ المصطفي وابن عمّه

عليّاً وسبطيه وفاطمة الزّهرا

هم أهل بيت أذهب الرجس عنهم

وأطلعهم اُفق الهدي أنجماً زُهرا

موالاتهم فرضٌ علي كل مسلم

وحبّهم أسني الذّخائر للاُخري

وما أنا للصّحب الكرام بمبغض

فإنّي أري البغضاء في حقّهم كفرا

النبهاني

قال في كتابه «الشّرف المؤبّد لآل محمّد» [ص 146 الطّبعة الثّانية بمطبعة الحلبي وأولاده] في المقصد الثّالث: قال اللّه تعالي: (قُلْ لاَ أسْألكُمْ عَليْهِ أجراً إلاَّ المَودّة في القربي): القربي: مصدرٌ بمعني القرابة، وهو علي تقدير مضاف، أي ذوي القربي، يعني الأقرباء، وعبّر بفي ولم يعبرّ باللاّم، لأن الظّرفيّة أبلغ وآكد للمودّة.

نقل الإمام السّيوطي في «الدرّ المنثور» وكثيرٌ من المفسّرين عند تفسير هذه الآية عن ابن عبّاس(رضي الله

عنه) قالوا: يا رسول اللّه من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودّتهم؟ قال: «علي وفاطمة وولدهما».

وفيه عن ابن عبّاس قال: قالت الأنصار: فعلنا وفعلنا، وكأنّهم فخروا، فقال العبّاس: لنا الفضل عليكم، فبلغ ذلك رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) فأتاهم في مجالسهم فقال: «يا معشر الأنصار، ألم تكونوا أذلةً فأعزّكم اللّه بي؟» قالوا: بلي يا رسول اللّه، قال: «أفلا تجيبوني؟» قالوا: ما نقول يا رسول اللّه؟ قال: «ألا تقولون ألم يخرجك قومك فآويناك؟ أو لم يكذّبوك فصدّقناك؟ أو لم يخذلوك فنصرناك؟» فما زال يقول حتي جثوا علي الرّكب. وقالوا أموالنا وما في أيدينا للّه ولرسوله. فنزلت: (قُلْ لاَ أسْألُكُمْ عَلَيْهِ أجْراً إلاَّ الموَدَّةَ فِي الْقُرْبي). وعن طاووس قال: سئل عنها ابن عبّاس فقال: هي قربي آل محمّد.

وقال المقريزي: قال جماعة من المفسّرين في تفسير الآية: قل لمن اتّبعك من المؤمنين لا أسألكم علي ما جئتكم به أجراً الاّ أن تودّوا قرابتي.

وعن أبي العالية عن سعيد بن جبير (إلاّ المودّة في القُرْبي) قال: هي قربي رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم).

وعن أبي إسحاق قال: سألت عمرو بن شعيب عن قول اللّه تعالي: (قُلْ لاَ اَسْألُكُمْ عَلَيْهِ أجراً إلاّ الموَدّةَ فِي الْقَرْبَي) قال: قربي النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم).

وأورد في [ص 150] من نفس المصدر عن السدّي عن أبي الديلم قال: لمّا جيء بعليّ بن الحسين أسيراً واُقيم علي درج دمشق، قام رجلٌ من أهلها فقال: الحمد للّه الّذي قتلكم واستأصلكم وقطع قرن الفتنة. فقال له علي: «أقرأت القرآن؟» قال: نعم، قال: «قرأت ال حم؟» قال: قرأت ولم أقرأ ال حم. قال: «ما قرأت: (قُلْ لاَ أسْألُكُمْ عَلَيْهِ أجراً إلاّ الموَدَّةَ في الْقُرْبَي)؟»، قال: فإنّكم لإيّاهم؟ قال:

«نعم».

قلت: ما أحسب أنّ هذا الرّجل كان مؤمناً، بلي كان مؤمناً بالجبت والطّاغوت. فإنّ هذا الهذيان لا يصدر عن لسان مؤمن باللّه ورسوله، وكيف يستقرّ الإيمان في قلب رجل يحمد اللّه علي قتل آل المصطفي(صلي الله عليه وآله وسلم) واستئصالهم. وما أظنّ أنّ أبا جهل كان للّه ولرسوله أعدي من هذا الملحد. ولعلّنا لا نعدم في زماننا هذا من هو علي شاكلته في الضّلال بكراهيّة أهل بيت النّبوّة، ومعدن الرّسالة.

فقد رأينا من إذا سمع بذكر مزيّة امتازوا بها، أو منقبة اُسندت إليهم، ووصفوا بها من اللّه أو رسوله(صلي الله عليه وآله وسلم) أو السّلف الصّالح، أو علماء الأمّة وأوليائها، يقطّب وجهه ويتغيّر خلقه، ويودّ بلسان حاله أنّ تلك المزيّة لم تكن لهم.

وقد يتكلّف الأقاويل الواهية، والأخبار الموضوعة، والآثار المصنوعة ليطفئ بها نور اللّه، واللّه متم نوره ولو كره الكافرون.

وقال في [ص 181]: قال المناوي: قال الحافظ الزّرندي: لم يكن أحدٌ من العلماء المجتهدين والائمّة المهتدين، إلاّ وله في ولاية أهل البيت الحظ الوافر، والفخر الزّاهر، كما أمر اللّه بقوله: (قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودّة في القربي).

قلت: وإنّما قيّد الحافظ بالعلماء المجتهدين، والأئمة المهتدين، لأنّهم قدوة الأمّة. فإذا كانت هذه صفتهم فلا ينبغي لمؤمن أن يتخلّف عنهم. فإنّ وصف الإيمان كان لوجوب محبّة أهل البيت رضي اللّه عنهم وبقدر زيادته تكون زيادتها، ومن هنا كان للعلماء المجتهدين، والأئّمة المهتدين في موالاتهم الحظّ الوافر، والفخر الزّاهر.

ثمّ أورد في [ص 257] عبارة القطب العارف الشّعراني، وذلك: أخذ علينا العهود أنّ لا نسبّ الرّوافض الّذين يقدّمون عليّاً في المحبّة علي أبي بكر وعمر رضي اللّه عنهما. لا الّذين يسبّونهما، لا سيّما إن كانوا أشرافاً من أولاد فاطمة

رضي اللّه عنها، أو من أهل القرآن.

فإيّاك يا أخي من قولك: فلانٌ رافضي كلبٌ، فإنّ ذلك لا ينبغي، والّذي نعتقده أنّ المغالاة في محبّة عليّ والحسن والحسين وذرّيتهما مطلوبٌ بنصّ القرآن في قوله تعالي: (قُلْ لاَ أَسْألُكُمْ عَلَيْهِ أجراً إلاَّ الموَدَّةَ فِي الْقُربي) والودّ: ثبات المحبّة ودوامها، فنسكت عن سبّ من قدّم جدّه في المحبّة علي غيره ما لم يعارض النصوص، وذلك لأن تعصّب الانسان لأجداده الّذين حصل له بهم الشّرف أمرٌ واقعٌ في كثير من العلماء، فضلاً عن آحاد النّاس من الشّرفاء. ولذلك قالوا: من النّوادر شريفٌ سنّيٌ يقدّم أبا بكر وعمر علي جدّه عليٍّ. وكان الإمام الشّافعي ينشد:

إن كان رفضاً حب آل محمّد

فليشهد الثّقلان أنّي رافضي

فأعذر يا أخي كلّ من قامت له شبهةٌ ما لم تهدم شيئاً من أصول الدّين الصّريحة، كإنكار صحبة أبي بكر لرسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) أو براءة عائشة، واترك الّروافض إلي اللّه يفصل بينهم يوم ا لقيامة. وهو كلام عارف كبير منصف خبير. رضي اللّه عنه ونفعنا به.

وحاصل العبارة أنّ الشّريف السنّيّ الموصوف بتقديم أبي بكر وعمر علي جدّه عليٍّ من النّوادر. وأكثرهم سنيّون لا يقولون بالتّقديم، مع حبّ الشيخين والصّحابة جميعاً، والاعتراف بفضلهم، وهذا لا يضرّهم في دينهم شيئاً.

الثعلبي

اشاره

أخرج في تفسيره «الكشف والبيان» علي ما في «إحقاق الحقّ وازهاق الباطل» [9: 92] لنور اللّه الحسيني عن ابن عبّاس(رضي الله عنه) أنّه قال: لمّا نزلت: (قُلْ لاَ أسْألُكُمْ عَلَيْهِ أجراً إلاّ المَوَدَّةَ في الْقُربي) قالوا: يا رسول اللّه، من قرابتك هؤلاء الّذين وجبت علينا مودّتهم؟ قال: «علي وفاطمة وابناهما».

وذكر في نفس المصدر جمعاً يروون هذا الخبر لا يستهان بعدّتهم، منهم:

الحافظ الطّبراني في «المعجم الكبير» [ص 131].

وأبو

نعيم في كتابه «نزول القرآن».

والخوارزمي في كتابه «مقتل الحسين» [ص 57 ط. النّجف].

ومحب الدّين الطّبري في «ذخائر العقبي» [ص 25 ط. مصر].

والتفتازاني سعد الدين مسعود بن عمر الشّافعي في «شرح المقاصد» [2: 219 ط. الاستانة].

والقسطلاني الشّافعي في «المواهب اللّدنية» [7: 3 ط. الأزهريّة بمصر].

وابن حجر العسقلاني في «الكاف الشّاف» [ص 145 ط. مصر].

والسّيوطي في «إحياء الميت» [ص 110 ط. مصر]، وفي «الإكليل» [ص 190 ط. مصر].

والشّبراوي في «الاتحاف» [ص 13 و 5 ط. مصر].

والحافظ البدخشي في «مفتاح النجا» [ص 12 مخطوط].

والرّازي في تفسيره [27: 166 ط. مصر].

والبيضاوي في تفسيره [4: 123 ط. مصر].

والنّسفي في تفسيره بهامش الخازن [ص 95].

وأبو حيّان في تفسيره «البحر المحيط» [7: 516 ط. مصر].

والسّيوطي في «الدّرّ المنثور» [6: 7 ط. مصر].

وابن حجر الهيثمي في «الصّواعق المحرقة» [ص 101 ط. مصر].

وابن أبي حاتم في تفسيره علي ما في «الينابيع» و «فلك النجاة». «صاحب كتاب الجرح والتّعديل» المتوفّي سنة (327).

والعلاّمة السيد أبو بكر العلوي الحضرمي الشافعي في «رشفة الصّادي» [ص 22 ط. القاهرة].

وغيرهم ممّن يطول بذكرهم.

عود إلي قول ابن كثير حول الآية

قال فيما مضي من تفسيره حول هذه الآية بأنّ السّورة مكيّةٌ. وليس يظهر بين هذه الآية وهذا السّياق مناسبةٌ. واللّه اعلم.

أقول: إنّ لقوله هذا رنّةً تيمية، فليس من العجب إذا كان التّلميذ مقتفياً آثار شيخه ومتعصّباً لخطته. فإنّ ابن تيميّة كان يطعن طعناً عنيفاً فيمن قال إنّ الآية نزلت في أهل بيت النّبوة. كما أنبأنا بذلك الأميني في غديره [3: 171] في ذكر ردّ ابن تيمية علي العلاّمة الحلّي في قوله: أما قوله (يعني العلاّمة): وأنزل الله فيهم: (قل لا أسالكم عليه أجراً إلاّ المودّة في القربي) فهذا كذبٌ، فإنّ هذه الآية في سورة الشّوري وهي مكيّةٌ

بلا ريب. نزلت قبل أن يتزوج علي بفاطمة، وقبل أن يولد له الحسن والحسين. «إلي أن قال»: وقد ذكر طائفةٌ من المصنّفين من أهل السنّة والجماعة والشيعة من أصحاب أحمد وغيرهم حديثاً عن النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم) أنّ هذه الآية لمّا نزلت قالوا: يا رسول اللّه من هؤلاء؟ قال(صلي الله عليه وآله وسلم): «علي وفاطمة وابناهما»، وهذا كذبٌ باتفاق أهل المعرفة بالحديث. وممّا يبيّن ذلك أنّ هذه نزلت بمكة باتفاق أهل العلم، فإنّ سورة الشّوري جميعها مكيّةٌ بل جميع ال حم كلّهن مكيّات.

قال الأميني تغمّده اللّه برحمته ردّاً علي كلماته القارصة الخشنة بقوله كما في غديره [3: 171]: لو لم يكن في كتاب الرّجل إلاّ ما في هذه الجمل من التّدجيل والّتمويه علي أجر صاحب الرسالة، والقول المزوّر، والفرية الشّائنة، والكذب الصّريح، لكفي عليه عاراً وشناراً.

لم يصرح أحدٌ بأنّ الآية مكيّةٌ فضلاً عن الاتفاق المكذوب علي أهل العلم، وإنّما حسب الرّجل ذلك من إطلاق قولهم: إنّ السّورة مكيّةٌ. «إلي أن قال»: ودعوي كون جميع سورة الشوري مكيّة تكذّبها استثناؤهم قوله تعالي: (أمْ يَقُولُونَ افْتَري عَلي اللّهِ كَذباً)، إلي قوله: (خَبيرٌ بَصِير).

وهي أربع آيات. واستثناء بعضهم قوله تعالي: (والّذين إذا أصابهم البغي)، إلي قوله: (مِنْ سَبِيل)، وهي عدّة آيات فضلاً عن آية المودّة.

ونصّ القرطبي في تفسيره [16: 1]: والنّيسابوري في تفسيره والخازن في تفسيره [4: 49]: والشّوكاني في «فتح القدير» [4: 510] وغيرهم عن ابن عبّاس، وقتادة علي أنّها مكيّة إلاّ أربع آيات أوّلها: (قُلْ لاَ أَسْألُكُمْ عَلَيْهِ أجْراً).

وأمّا حديث أنّ الآية نزلت في عليٍّ وفاطمة وابناهما [65]، وإيجاب موّدتهم بها، فليس مختصّاً بآية اللّه العلاّمة الحلّي ولا بأمته من الشّيعة، بل أصفق المسلمون علي

ذلك، إلاّ شذاذٌ من حملة الرّوح الأمويّة، نظراء ابن تيميّة وابن كثير. ولم يقف القارئ ولن يقف علي شيء من الاتّفاق المكذوب علي أهل المعرفة بالحديث. ليت الرّجل دلّنا علي بعض من اُولئك المجمعين أو علي شيء من تآليفهم، أو علي نور من كلماتهم.

«راجع الغدير» [3: 172] تجد هناك امّة كثيرين من رواة هذا الحديث.

سوره مجادله، آيه 12

اشاره

في قوله تعالي: (يَا ايُّهَا الذينَ آمَنُوا إذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً) [المجادلة: 12].

إنّ في ضمن هذه الآية الشّريفة لأمراً من أوامر اللّه عزّوجلّ كما يعرفه التّالي، ولكن ليس لأحد من العالمين نصيبٌ بامتثاله، غير أفضل السّابقين، وصالح المؤمنين، وأميرهم ويعسوبهم عليّ بن أبي طالب ذو الحظّ العظيم. ولقد تفّرد(عليه السلام) ظاهراً في ربي هذا الفضل وحيداً لا يشاركه فيه جميع المؤمنين والمسلمين، وسائر الأمّة من الأوّلين والآخرين. كما نصّ علي ذلك قادة الأمّة وأصفقت عليه عظماء الأئمّة. منهم:

الشوكاني

قال في تفسيره المذكور [5: 191 ط. الحلبي بمصر]: وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، والترمذي وحسّنة. وأبو يعلي، وابن جرير، وابن المنذر، والنّحّاس، وابن مردويه، عن عليّ بن أبي طالب قال: لمّا نزلت: (يا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّموا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَة) قال لي النبي(صلي الله عليه وآله وسلم): «ما تري، دينار؟» قلت: لا يطيقونه، قال: «فنصف دينار؟» قلت: لا يطيقونه، قال: فكم؟ قلت: شعيرة. قال: «إنّك لزهيدٌ»، قال: فنزلت: (أأشْفَقْتُمْ أنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُم صَدَقَات) الآية. فبي خفّف اللّه عن هذه الاُمّة. والمراد بالشّعير: وزن شعيرة من ذهب. وليس المراد واحدة من حب الشّعير.

وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عبّاس في قوله: (إذا ناجيتم الرّسول) الآية. قال: إنّ المسلمين أكثروا المسائل علي رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) حتّي شقّوا عليه، فأراد اللّه أن يخفّف علي نبيّه. فلمّا قال ذلك ظنّ [66] كثيرٌ من النّاس وكفّوا عن المسألة، فأنزل اللّه بعد هذا: (أَأَشْفَقْتُم) الآية.

وأخرج عبد الرّزاق وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عنه(عليه السلام)قال: ما عمل بها أحدٌ

غيري حتّي نسخت.

وأخرج سعيد بن منصور، وابن راهوية، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والحاكم وصحّحه، وابن مردويه عنه(عليه السلام) أيضاً قال: إن في كتاب اللّه لآية، ما عمل بها أحدٌ قبلي. ولا يعمل به أحدٌ بعدي. آية النّجوي: (يا أيُّهَا الذين آمنوا إذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدَمُوا بَيْن يَدَي نَجْواكُمْ صَدَقَة) كان عندي دينارٌ فبعته بعشرة دراهم، فكنت كلّما ناجيت رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) قدّمت بين يدي نجواي درهماً، ثم نسخت فلم يعمل بها أحدٌ، فنزلت: (أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيَنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَات) الآية.

الزمخشري

قال في تفسيره المذكور [4: 493 ط. منشورات البلاغة قم]: روي أنّ النّاس أكثروا في مناجاة رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) بما يريدون حتّي أملّوه وأبرموه. فاُريد أن يكفّوا عن ذلك. فأمروا بأن من أراد أن يناجيه قدّم قبل مناجاته صدقة، قال علي(رضي الله عنه): لمّا نزلت دعاني رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) فقال: «ما تقول في دينار؟» قلت: لا يطيقونه. قال: «كم؟» قلت: حبّة أو شعيرة، قال: «إنّك لزهيد». فلمّا رأوا ذلك اشتد عليهم فارتدعوا وكفّوا. أمّا الفقير فلعسرته، وأمّا الغني فلشحّه، وقيل: كان ذلك عشر ليال ثم نسخ.

وعن عليٍّ(رضي الله عنه): «إن في كتاب اللّه لآيةً ما عمل بها أحدٌ قبلي، ولا يعمل بها أحدٌ بعدي. كان لي دينارٌ فصرّفته، فكنت إذا ناجيته تصدقت بدرهم»، قال الكلبي: تصدّق به في عشر كلمات سألهنّ رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم).

وعن ابن عمر: كان لعليٍّ ثلاثٌ. لو كانت، لي واحدةٌ منها كانت أحب إليّ من حمر النعم: تزوجيه فاطمة، وإعطاؤه الراية يوم خيبر، وآية النجوي.

الطبرسي

قال في تفسيره المذكور [9: 253 ط. بيروت مؤسسة التاريخ العربي]، وأمّا قوله تعالي: (يا أيُّهَا الَّذِينَ آمنوا إذَا ناجيتم الرَّسُول فقدّموا بين يدي نجواكم صدقة) فإنّها نزلت في الأغنياء. وذلك أنّهم كانوا يأتون النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم) فيكثرون مناجاته، فأمر اللّه سبحانه بالصّدقة عند المناجاة، فلمّا رأوا ذلك انتهوا عن مناجاته.

وقال أمير المؤمنين صلوات الرّحمن عليه: «إنّ في كتاب اللّه لآيةً، ما عمل بها أحدٌ قبلي، ولا يعمل بها أحدٌ بعدي: (يا أيُّهَا الذينَ آمَنُوا إذَا نَاجَيْتُم الرّسُول) الآية، كان لي دينارٌ فبعته بعشرة دراهم، فكلّما أردت أن أناجي رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) قدّمت

درهماً، فنسختها الآية الاخري: (أَأَشْفَقْتُم أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَات)الآية. فقال صلوات اللّه عليه: بي خفّف اللّه عن هذه الأمّة. ولم ينزل في أحد قبلي، ولم ينزل في أحد بعدي.

وقال ابن عمر: وكان لعليّ بن أبي طالب(عليه السلام) ثلاثٌ، لو كانت لي واحدةٌ منهنّ لكانت أحبّ إليّ من حمر النّعم: تزويجه فاطمة، وإعطاؤه الرّاية يوم خيبر، وآية النّجوي. وقال مجاهد وقتادة: لمّا نهوا عن مناجاته صلوات الرّحمن عليه حتّي يتصدّقوا، لم يناجه إلاّ علي بن أبي طالب عليه أفضل الصّلوات، قدّم ديناراً فتصدّق به، ثمّ نزلت الرخصة.

ابن كثير

قال في تفسيره [4: 349 ط. دار المعرفة بيروت] في قوله تعالي: (يا أيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا إذَا نَاجَيْتُمُ الرّسُول فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَي نجْوَاكُمْ صَدَقَة): يقول تعالي آمراً عباده المؤمنين: إذا أراد أحدهم أن يناجي رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) أي يسارّه فيما بينه وبينه، أن يقدّم بين يدي ذلك صدقة. (إلي أنْ قالَ): وقد قيل: إنّه لم يعمل بهذه الآية قبل نسخها سوي علي بن أبي طالب(رضي الله عنه).

قال ابن أبي نجيح: عن مجاهد قال: نهوا عن مناجاة النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم) حتّي يتصدّقوا، فلم يناجه إلاّ علي بن أبي طالب، قدّم ديناراً صدقةً تصدّق به، ثم ناجي النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم) فسأله عن عشر خصال. ثم نزلت الرخصة.

وقال ليث بن أبي سليم عن مجاهد قال علي(رضي الله عنه): آية في كتاب اللّه عزوجل لم يعمل بها أحدٌ قبلي، و لا يعمل بها أحدٌ بعدي. كان عندي دينارٌ فصرفته بعشرة دراهم، فكنت إذا ناجيت رسول اللّه تصدّقت بدرهم. فنسخت ولم يعمل بها أحدٌ قبليولا يعمل بها أحدٌ بعدي. ثم تلا هذه الآية: (يَا أيُّهَا

الذِينَ آمَنُوا إذَا نَاجَيْتُم الرَّسُوَل فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَة) الآية.

وروي الترمذي عن سفيان بن وكيع، عن يحيي بن آدم، عن عبيداللّه الأشجعي. عن سفيان الثوري، عن عثمان بن المغيرة الثّقفي، عن سالم بن أبي الجعد، عن عليٍّ بن علقمة الأنماري، عن علي بن أبي طالب(رضي الله عنه) قال: لمّا نزلت: (يا أَيُهَا الَّذِينَ آمَنُو إذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَة) إلي آخرها، قال لي النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم): ما تري، دينارٌ؟ قال(عليه السلام): لا يطيقونه، وذكر بتمامه مثله.

وقال علي بن أبي طلحة: عن ابن عبّاس، قوله: (فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نُجْوَاكُمْ صَدَقَة)وذلك أنّ المسلمين أكثروا المسائل علي رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) حتّي شقّوا عليه. فأراد اللّه أن يخفّف عن نبيّه(عليه السلام)، فلمّا قال ذلك جبن كبيرٌ من المسلمين، وكفّوا عن المسألة، فأنزل اللّه بعد هذا: (أَأَشْفَفْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيَنَ يَدَيْ نجْوَاكُمْ صَدَقات فَإذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللّهُ عَلَيْكُمْ).

الطبري

قال في تفسيره «جامع البيان» [28: 14]: حدّثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسي، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء جميعاً عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله: (فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَة)، قال: نهوا عن مناجاة النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم)حتّي يتصدّقوا، فلم يناجه إلاّ علي بن أبي طالب(رضي الله عنه) قدّم ديناراً فتصدّق به، ثم أنزلت الرّخصة في ذلك.

حدّثنا محمد بن عبيد بن محمّد المحاربي: قال حدّثنا المطّلب بن زياد، عن ليث، عن مجاهد قال: قال علي(رضي الله عنه): إن في كتاب اللّه عزّوجلّ لآية ما عمل بها أحدٌ قبلي، ولا يعمل بها أحدٌ بعدي: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذا نَاجَيْتُمُ الرَّسُوْلَ فَقَدِّموا

بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَة)قال: فُرضت ثمّ نُسخت.

حدّثنا أبو كريب. قال: حدّثنا ابن أدريس، قال: سمعت ليثاً، عن مجاهد قال: قال علي(رضي الله عنه): آيةٌ من كتاب اللّه لم يعمل بها أحدٌ قبلي ولا يعمل أحدٌ بعدي، كان عندي دينار فصرفته بعشرة دراهم، فكنت إذا جئت إلي النبي تصدّقت بدرهم، فنسخت فلم يعمل بها أحدٌ قبلي (يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدّموا بين يدي نجواكم صدقة).

حدّثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران عن سفيان. عن عثمان بن أبي المغيرة عن سالم بن أبي الجعد، عن علي بن علقمة الأنماري، عن علي قال: قال النّبي(صلي الله عليه وآله وسلم): ما تري، دينار؟ قال: لا يطيقون، قال: نصف دينار؟ قال: لا يطيقون، قال: ما تري؟ قال: شعيرة، فقال له النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم): «إنك لزهيدٌ» قال: قال علي(رضي الله عنه): فبي خفّف اللّه عن هذه الاُمّة.

النيسابوري

قال في تفسيره «غرائب القرآن» [28: 23] بهامش «جامع البيان»: عن ابن عبّاس: كان المسلمون أكثروا المسائل علي رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) حتّي شقّوا عليه، وأراد اللّه أن يخفّف عن نبيّه، فلمّا نزلت آية النّجوي شحّ كثيرٌ من النّاس فكفّوا عن المسألة.

وقال مقابل بن حيّان: إنّ الأغنياء غلبوا الفقراء في مجلس النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم) وأكثروا مناجاته، فأمر اللّه بالصّدقة عند المناجاة، فازدادت درجة الفقراء، وانحطّت رتبة الأغنياء، وتميّز محب الآخرة عن محب الدنيا، واختلفوا في مقدار التّأخر.

فعن الكلبيّ: ما بقي ذلك التكليف إلاّ ساعة من نهار. وعن مقاتل: بقي عشرة أيّام. وعن عليٍّ(رضي الله عنه): لما نزلت الآية دعاني رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) فقال: ما تقول في دينار؟ قلت: لا يطيقونه. قال: كم؟ قلت:

حبةً أو شعيرة. قال(صلي الله عليه وآله وسلم): «إنك لزهيدٌ»، أي: إنك لقليل المال، فقدّرت علي حسب مالك. وعنه (عليه السلام): «إن في كتاب اللّه آية ما عمل بها أحدٌ قبلي ولايعمل بها أحدٌ بعدي. كان لي دينارٌ فاشتريت به عشرة دراهم، فكنت إذا ناجيته تصدّقت بدرهم». قال الكلبي: تصدّق به في عشر كلمات سألهنّ رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم).

قال القاضي: هذا لا يدلّ علي فضله علي أكابر الصّحابة، لأن الوقت لعلّه لا يتّسع للعمل بهذا الفرض. فأجابه النّيسابوري بقوله: قلت: هذا الكلام لا يخلو عن تعصّب ما. ومن أين يلزمنا أن نثبت مفضوليّة عليٍّ(رضي الله عنه) في كلّ خصلة؟ ولم لا يجوز أن يحصل له فضيلة لم توجد لغيره من أكابر الصّحابة؟ فقد روي عن ابن عمر أنّه قال: كان لعليٍّ ثلاثٌ، لو كانت لي واحدةٌ منهنّ كانت أحبّ إليّ من حمر النّعم، تزويجه فاطمة، وإعطاؤه الرّاية يوم خيبر، وآية النّجوي. وهل يقول منصفٌ إنّ مناجاة النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم)نقيصةٌ؟ علي أنّه لم يرد في الآية نهيٌ عن المناجاة، وإنّما ورد تقديم الصّدقة علي المناجاة، فمن عمل بالآية حصل له الفضيلة من جهتين، سدّ خلّة بعض الفقراء، ومن جهة نجوي الرّسول(صلي الله عليه وآله وسلم) ففيها القرب منه. الخ.

الحاكم النيسابوري

قال في كتابه «المستدرك» [2: 481 482 ط. دار المعرفة بيروت]: أخبرني عبداللّه بن محمّد الصّيدلاني، حدثنا محمّد بن أيوب، أنبأنا يحيي بن المغيرة السّعدي، حدّثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، عن عبدالرّحمن بن أبي ليلي قال: قال علي بن أبي طالب(رضي الله عنه): قال رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) [67]: «إن في كتاب اللّه لآيةً ما عمل بها أحدٌ، ولا يعمل

بها أحد بعدي»، آية النّجوي: (يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إذا نَاجَيْتُم الرّسُول فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نجْوَاكُمْ صَدَقَة)الآية.

قال: كان عندي دينارٌ فبعته بعشرَةِ دراهم، فناجيت النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم) فكنت كلّما ناجيت النبي(صلي الله عليه وآله وسلم) قدّمت بين يدي نجواي درهماً، ثم نسخت فلم يعمل بها أحدٌ. فنزلت: (أَأَشْفَقْتُمْ أنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدقات) الآية: هذا حديثٌ صحيحٌ علي شرط الشّيخين ولم يخرجاه.

سوره حاقه، آيه 12

اشاره

في قوله عزّوجلّ: (وَتَعِيَهَا اُذُنٌ وَاعِيَهٌ) [الحاقة: 12].

لقد ذكر أكثر المفسّرين في تفاسيرهم، بأنّ الاُذن الواعية الحافظة المذكورة في هذه الآية الشّريفة هي اُذن علي بن أبي طالب(عليه السلام). واستدلّوا في ذلك بحديث ورد عن رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم)، وممّن ذكروا ذلك المعني في تفاسيرهم وتآليفهم:

الطبرسي

قال في تفسيره «مجمع البيان» [9 10: 345 346 ط. دار إحياء التراث العربي بيروت]في قوله تعالي: (وَتعِيَهَا اُذُنٌ وَاعِيَة) أي وتحفظها اُذن حافظةٌ لما جاء من عند اللّه، وقال الفرّاء: لتحفظها كلّ اُذن فتكون عظةً لمن يأتي بعد. وروي الطّبريّ بإسناده عن مكحول أنّه لمّا نزلت هذه الآية قال النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم): «اللهم اجعلها اُذن علي»، ثم قال علي: «فما سمعت شيئاً من رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) فنسيتُهُ».

وروي بإسناده عن عكرمة عن بريدة الأسلمي أنّ رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) قال لعليٍّ (عليه السلام): «يا علي إن اللّه أمرني أن اُدنيك ولا اُقصيك، وأن اُعلمك وتعي، وحقٌ علي اللّه أن تعي»، فنزل (وَتَعيَهَا اُذُنٌ وَاِعية).

ثم قال الطّبرسي: أخبرني فيما كتب بخطّه إليّ المفيد أبو الوفاء عبد الجبّار بن عبداللّه بن عليّ الرّازي، قال: حدّثني الشيخ السّعيد أبو جعفر محمّد بن الحسن بن عليّ الطّوسي، والرّئيس أبو الجوائز الحسن عليّ بن محمّد الكاتب، والشّيخ أبو عبداللّه حسن ابن أحمد بن حبيب الفارسي، قالوا: حدّثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن محمّد المفيد الجرجاني، قال: سمعت أبا عمرو عثمان بن خطّاب المعمر المعروف بأبي الدّنيا الأشج، قال: سمعت عليّ ابن أبي طالب(عليه السلام)يقول: لما نزلت: (وَتَعِيَهَا اُذُنٌ وَاعِيَة) قال النبي(صلي الله عليه وآله وسلم): «سألت اللّه عزّوجلّ أن يجعلها اُذنك ياعلي».

ابن كثير

قال في تفسيره [4: 413] بعد أن أتي بأقوال من فسّر معني (وَاعِيَة): وقد قال ابن أبي حاتمّ: حدّثنا ابو زرعة الدّمشقي، حدّثنا العبّاس بن الوليد بن صبيح الدّمشقي، حدّثنا زيد بن يحيي، حدّثنا علي بن حوشب: سمعت مكحولاً يقول: لما نزل علي رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم)(وتعِيَهَا اُذُنٌ

وَاعِيَة) قال رسول للّه(صلي الله عليه وآله وسلم): «سألت ربّي أن يجعلها اُذن علي»، قال مكحول: فكان علي يقول: «ما سمعت من رسول اللّه شيئاً قط فنسيته».

ثمّ روي من طرق اُخري نحوه.

الزمخشري

قال في تفسيره «الكشّاف» [4: 600 ط. قم منشورات البلاغة] في قوله تعالي: (اُذُنٌ وَاعِيَة): من شأنها أن تعي وتحفظ ما سمعت به. ولا تضيّعه بترك العمل، وكل ما حفظته في نفسك فقد وعيته. ثم قال: وعن النّبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم) أنّه قال لعليّ(رضي الله عنه) عند نزول هذه الآية: «سألت اللّه أن يجعلها اُذنك يا عليّ»، قال علي(رضي الله عنه): «فما نسيت شيئاً بعد، وما كان لي أن أنسي».

الشوكاني

قال في تفسيره «فتح القدير» [5: 282]: وأخرج سعيد بن منصور، وابن مردويه، وأبو نعيم في الحلية من طريق مكحول عن علي بن أبي طالب في قوله تعالي: (وتعيها اُذُنٌ وَاعيَة) قال: قال لي رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم): «سألت اللّه أن يجعلها اُذنك ياعليّ»، فقال علي: «ما سمعت من رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) شيئاً فنسيته».

ثم ذكر ما قاله ابن كثير في الحديث كعادته ممّا لا يلتفت إليه ولا يعتبر لسكوت غيره من المفسّرين والحفّاظ وعدم غمزهم في الحديث المذكور كما علمنا فيما مرّ من تفاسيرهم وممّا سيلي.

النيسابوري

قال في تفسيره «غرائب القرآن» بهامش «جامع البيان» [29: 31] بعد أن فسّر قوله تعالي: (وَتَعِيَهَا اُذُنٌ وَاعِيَة): عن النّبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم) أنّه قال لعليٍّ(رضي الله عنه) عند نزول هذه الآية: «سألت اللّه أن يجعلها اُذنك يا عليّ»، قال علي(رضي الله عنه): «فما نسيت شيئاً بعد ذلك، وما كان لي أن انسي».

الطبري

قال في تفسيره «جامع البيان» [12: 123 ط. دار الكتب العلمية بيروت] بعد أن ذكر أقوال أهل التّأويل في قوله تعالي: (وتعيها اُذُنٌ واعيَة): حدَّثنا علي بن سهل، قال: ثنا الوليد بن مسلم عن علي بن حوشب. قال سمعت مكحولاً يقول: قرأ رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم): (وَتَعِيَها اُذُنٌ وَاعِيَة)، ثمّ التفت إلي عليٍّ فقال: «سألت اللّه أن يجعلها اُذنك»، قال علي(رضي الله عنه): «فما سمعت شيئاً من رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) فنسيته».

حدّثني محمد بن خلف، قال: ثني بشر بن آدم، قال: ثنا عبداللّه بن الزّبير، قال: ثني عبد اللّه بن رستم، قال: سمعت بريدة يقول: سمعت رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم)يقول لعليٍّ: «يا علي إن اللّه أمرني أن اُدنيك ولا اُقصيك، وأن اُعلّمك وأن تعي، وحق علي اللّه أن تعي، قال: فنزلت (وَتَعِيَهَا اُذُنٌ وَاعِيَة).

حدّثني محمد بن خلف، قال: ثنا الحسن بن حماد، قال: ثنا اسماعيل بن ابراهيم أبو يحيي التيمي، عن فضيل بن عبد اللّه، عن أبي داود، عن بريدة الأسلمي قال: سمعت رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) يقول لعليٍّ: «إن اللّه أمرني أن اُعلّمك وأن اُدنيك، ولا أجفوك ولا أقصيك»، ثمّ ذكر مثله.

الاميني

قد أورد رحمه اللّه في غديره [3: 394] قصيدةً طويلة للزّاهي، وهو أبو القاسم عليّ بن إسحاق بن خلف القطّان البغدادي الشّهير بالزّاهي نسبةً الي «زاه» (قرية من قري نيسابور)، وما قاله معرباً عمّا نحن بصدده:

والاُذن الواعية الصّماء عن

كلّ خنا يغلط فيه من غلط

قال الأميني: قوله: (الاُْذُنُ الْوَاعِيَةُ) إشارة الي ما أخرجه الحافظ أبو نعيم في «حلية الأولياء» [1: 62] عن رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: «يا علي إنّ اللّه عزّوجلّ

أمرني أن اُدنيك واُعلّمك لتعي، واُنزلت هذه الآية: (وَتَعِيَهَا اُذُنٌ وَاعِيَة) فأنت اُذنٌ واعيةٌ لعلمي».

وأخرجه جمعٌ من الحفّاظ، وقال القاضي الأيجي في «المواقف» [3: 276] أكثر المفسّرون في قوله تعالي: (وَتَعِيَهَا اُذُنٌ وَاعِيَةْ) أنّه علي.

سوره ضحي، آيه 5

اشاره

في قوله تعالي: (وَلَسَوْفَ يُعْطيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَي) [الضحي: 5].

للمفسّرين في تأويل معني العطاء في هذه الآية الكريمة الذي وعده اللّه عزّوجلّ حبيبه المصطفي يوم القيامة فيرضي به، أقوالٌ: أحدها أنّه إنّما يرضي عليه الصّلاةُ والسّلامُ بأن لا يدخل أحدٌ من أهل بيته النّار، وفي رواية: أحدٌ من اُمّته، وممّن ذكر ذلك في تفاسيرهم:

الطبرسي

قال في تفسيره «مجمع البيان» [9 10: 505 ط. دار إحياء التراث العربي بيروت]: معناه وسيعطيك ربك في الآخرة من الشّفاعة والحوض وسائر أنواع الكرامة فيك وفي اُمّتك ما ترضي به.

وروي حرث بن شريح عن محمد بن علي «ابن الحنفيّة» أنّه قال: يا أهل العراق تزعمون أنّ أرجي آية في كتاب اللّه عزّوجل: (يا عِبَادِيَ الذِينَ اَسْرَفوا عَلَي اَنْفُسِهِمْ)الآية. وإنّا أهل البيت نقول أرجي آية في كتاب اللّه: (وَلَسَوْفَ يُعْطَيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَي)وهي واللّه الشّفاعة، ليعطيها في أهل لا إله إلاّ اللّه، حتي يقول(صلي الله عليه وآله وسلم): «ربّ رضيت».

وعن الصّادق(عليه السلام) قال: «دخل رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) علي فاطمة عليها السلام وعليها كساءٌ من ثلّة الابل، وهي تطحن بيدها وترضع ولدها، فدمعت عينا رسول اللّه لما أبصرها، فقال: يا بنتاه تعجّلي مرارة الدنيا بحلاوة الآخرة، فقد أنزل اللّه عليّ: (وَلَسَوْفَ يُعْطَيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَي)». وقال زيد بن عليّ: إن من رضا رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) أن يدخل أهل بيته الجنة. وقال الصّادق (عليه السلام): «رضا جدّي أن لا يبقي في النار موحدٌ».

الطبري

قال في تفسيره «جامع البيان» [3: 149]: وقد اختلف أهل العلم في الّذي وعده من العطاء، فقال بعضهم: هو ما حدّثني بن موسي به سهل الرّملي قال: ثنا عمرو بن هاشم. قال سمعت الأوزاعي يحدّث عن إسماعيل بن عبيد اللّه بن أبي المهاجر المخزومي عن عليّ بن عبد اللّه بن عبّاس عن أبيه قال: عرض علي رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) ما هو مفتوح علي أمته من بعده كفراً كفراً فسرّ بذلك فأنزل اللّه: (وَلَسَوْفَ يُعْطَيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَي)فأعطاه في الجنة ألف قصر، في كلّ قصر ما ينبغي من الأزواج

والخدم.

وقال آخرون في ذلك ما حدّثني به عبّاد بن يعقوب، قال: ثنا الحكم بن ظهير عن السدّي عن ابن عبّاس في قوله: (وَلَسَوْفَ يُعْطَيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَي) قال: من رضا محمد(صلي الله عليه وآله وسلم) أن لا يدخل أحدٌ من أهل بيته النّار.

النيسابوري

قال في تفسيره «غرائب القرآن» بهامش «جامع البيان» [30: 109] في قوله تعالي: (وَلَسَوْفَ يُعْطَيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَي): فلعلّه حين بيّن أنّ الآخرة خيرٌ له، عقّبة ببيان تلك الخيريّة وهي رتبة الشّفاعة.

يروي عن عليٍّ(رضي الله عنه) أنّه قال(صلي الله عليه وآله وسلم): «إذن لا أرضي وواحدٌ من اُمتي في النار». وعن جعفر الصّادق(رضي الله عنه) أنّه قال: «رضا جدّي(صلي الله عليه وآله وسلم) أن لا يدخل النار موحّدٌ».

ثم فسّر المؤلف في اللاّم الّتي هي للتّأكيد بقوله: واللاّم في «ولسوف» خالصةٌ للتّأكيد دون الحال. كأنّه قيل: الموعود كائنٌ لا محالة وإن تأخّر زمانه بحسب المصلحة.

الشوكاني

قال في تفسيره «فتح القدير» [5: 459]: أخرج البيهقي في الشّعب عن ابن عبّاس في قوله: (وَلَسَوْفَ يُعْطَيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَي) قال: رضاه أن يدخل اُمّته كلّهم الجنّة. وأخرج ابن جرير عنه أيضاً في الآية قال: من رضا محمّد أن لا يدخل أحدٌ من أهل بيته النّار.

وأخرج الخطيب في التّلخيص من وجه آخر عنه أيضاً في الآية. قال: لا يرضي محمّدٌ وأحدٌ من اُمّته في النّار، ويدلّ علي هذا ما أخرجه مسلمٌ عن ابن عمرو: «أنّ النبي(صلي الله عليه وآله وسلم) تلا قول الله في ابراهيم: (فَمَنْ تبِعَنِي فَإنَّهُ مِنّي) [ابراهيم: 36] وقول عيسي: (إنْ تَعَذِّبْهُمْ فإِنَّهُمْ عِبَادُك) الآية، فرفع(صلي الله عليه وآله وسلم) يديه وقال: «اللّهم اُمّتي اُمّتي» وبكي، فقال اللّه: يا جبرئيل إذهب إلي محمّد فقل له: (اِنَّا سُنُرْضِيكَ فِي اُمّتِكَ وَلاَ نَسُوؤُكَ). و أخرج ابن المنذر، وابن مردويه، وأبو نعيم في الحلية، من طريق حرب بن شريح قال: قلت لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين(عليهم السلام): أرأيت هذه الشّفاعة الّتي يتحدث بها أهل العراق أحقٌ هي؟ قال: «إي واللّه»،

حدّثني محمد بن الحنفيّة بن علي أن رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم)قال: «أشفع لاُمّتي حتي يناديني ربّي أرضيت يا محمّد؟ فأقول: نعم يا ربّ رضيت. ثم أقبل عليّ فقال: إنكم تقولون يا معشر أهل العراق: إنّ أرجي آية في كتاب اللّه: (يَا عِبَادِيَ الّذِيْنَ اَسْرَفُوا عَلَي أنْفُسِهمْ لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللّه إنَّ اللّهَ يَغْفِرُ اَلذُنُوبَ جَمِيعاً)، قلت: إنّا لنقول ذلك، قال: فكنا أهل البيت نقول: إن أرجي آية في كتاب اللّه: (وَلَسَوْفَ يُعْطَيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَي)، وهي الشّفاعة.

وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود قال: قال رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم): إنا أهل البيت اختار لنا اللّه الآخرة علي الدنيا، ولسوف يعطيك ربّك فترضي. وأخرج العسكري في المواعظ، وابن مردويه، وابن النّجّار، عن جابر بن عبداللّه قال: دخل رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم)علي فاطمة وهي تطحن بالرحي، وعليها كساءٌ من جلد الإبل، فلمّا نظر اليها قال: «يا فاطمة تعجّلي مرارة الدنيا بنعيم الآخرة»، فأنزل اللّه: (وَلَسَوْفَ يُعْطيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَي).

ابن كثير

قال في تفسيره [4: 55] بعد ما ذكر أقوالاً: وقال السّدّي عن ابن عبّاس: من رضاء محمّد(صلي الله عليه وآله وسلم) أن لا يدخل أحدٌ من أهل بيته النّار. رواه ابن جرير، وابن أبي حاتم. وقال الحسن: يعني بذلك الشّفاعة. وهكذا قال أبو جعفر الباقر.

وقال أبو بكر بن أبي شيبة: حدّثنا معاوية بن هشام، عن عليٍّ بن صالح، عن يزيد ابن أبي زياد، عن إبراهيم عن علقمة عن عبداللّه قال: قال رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم): إنّا أهل بيت اختار اللّه لنا الآخرة علي الدّنيا، ولسوف يعطيك ربّك فترضي.

النبهاني

قال في كتابه «الشّرف المؤبّد لآل محمّد» [ص 44 ط. الحلبيّ وأولاده]: في قوله تعالي: (وَلَسَوْفَ يُعْطيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَي): نقل القرطبي عن ابن عبّاس في تفسيره هذه الآية أنّه قال: رضا محمّد(صلي الله عليه وآله وسلم) أن لا يدخل من أهل بيته النّار. وأدلّة ذلك من السنّة كبيرةٌ، قال رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم): «إنَّ فاطمة أحصنت فرجها فحرّمها اللّه وذرّيتها علي النار»، قال الحاكم: حديثٌ صحيحٌ [68].

وعن عمران بن الحصين(رضي الله عنه) قال: قال رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم): «سألت ربّي أن لا يدخل النار أحداً من أهل بيتي فأعطانيها».

وقال في [ص 79] من كتابه المذكور: وقال(صلي الله عليه وآله وسلم): «أول من أشفع له يوم القيامة من اُمّتي أهل بيتي، ثمّ الأقرب فالأقرب من قريش، ثمّ الأنصار، ثمّ من آمن بي واتّبعني من اليمن ثم سائر العرب، ثمّ الأعاجم، ومن أشفع له أوّلاً أفضل». أخرجه الطبراني، والدّارقطني مرفوعاً.

فهذه أحاديث صحيحةٌ ونصوصٌ صريحة، تدلّ علي أنّ أهل البيت أفضل النّاس حسباً ونسباً، ويتفرّع علي هذا أنّهم لا يكافئهم في النّكاح أحدٌ من

النّاس، وبه صرّح غير واحد من الأئمة. قال الجلال السّيوطي في «الخصائص»: ومن خصائصه(صلي الله عليه وآله وسلم) أنّ آله لا يكافئهم في النّكاح أحدٌ من الخلق.

سوره آل عمران، آيه 61

اشاره

في قوله تعالي: (فَمَنْ حَاجّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ العِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوا نَدْعُ أبْنَاءَنَا وَأبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنسَاءَكُمْ وأنْفُسَنَا وَأنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فنَجْعل لَعْنَةَ اللّهِ عَلي الكَاذِبِين)[آل عمران: 61].

اتّفق أهل التّفسير علي نزول هذه الآية في وفد نصاري نجران، وأصفقوا علي أنّ المعنيّ به في لفظة «أنفسنا» هو الإمام علي بن أبي طالب. كما صرّح لنا به أهل العلم بهذا المضمون، ما دلّت بوضوح علي أنّ نفس عليّ(عليه السلام) هي نفس رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم).

وإليك عباراتهم المبنيّة في هذا المعني:

الشوكاني

قال في تفسيره «فتح القدير» [1: 347]: وأخرج الحاكم وصحّحه، وابن مردويه، وأبو نعيم في الدّلائل، عن جابر قال: قدم علي النّبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم) العاقب والسّيّد، فدعاهما إلي الاسلام، فقالا: أسلمنا يا محمد، فقال: «كذبتما، ان شئتما أخبرتكما ما يمنعكما من الاسلام»، قالا: فهات. قال(صلي الله عليه وآله وسلم): «حبّ الصّليب، وشرب الخمر، وأكل لحم الخنزير». قال جابر: فدعاهما إلي الملاعنة، فواعداه علي الغد. فغدا رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) وأخذ بيد عليّ وفاطمة والحسن والحسين، ثمّ أرسل إليهما فأبيا أن يجيباه وأقرّا له. فقال(صلي الله عليه وآله وسلم): «والّذي بعثني بالحقّ، لو فعلا لأمطر الوادي عليهما ناراً». قال جابر، فنزلت (تعالوا ندعُ أبْنَاءَنَا)الآية. قال جابر: (أنفسنا وأنفسكم) رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) وعلي (عليه السلام) (وأبناءنا): الحسن والحسين، (ونساءنا): فاطمة(عليها السلام).

ورواه أيضاً الحاكم من وجه آخر عن جابر وصحّحه. وفيه أنّهم قالوا للنبي(صلي الله عليه وآله وسلم): هل لك أن نلاعنك؟

وأخرج مسلمٌ، والتّرمذي، وابن المنذر، والبيهقي، عن سعد بن أبي وقّاص قال: لمّا نزلت هذه الآية: (قُلْ تَعَالَوا) دعا رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) عليّاً وفاطمة

وحسناً وحسيناً، فقال(صلي الله عليه وآله وسلم): اللّهمّ هؤلاء أهلي.

ابن كثير

قال في تفسيره [1: 376]: ثمّ قال تعالي آمراً رسوله(صلي الله عليه وآله وسلم) أن يباهل من عاند الحقّ في أمر عيسي بعد ظهور البيان: (فَمَنْ حَاجّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوا نَدْعُ أبْنَاءَنَا وَأبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنسَاءَكُمْ وأنْفُسَنَا وَأنْفُسَكُمْ) أي نحضرهم في حال المباهلة (ثمّ نبتهل) أي: نلتعن. (فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللّهِ عَلَي الْكَاذِبِين) أي: منّا ومنكم.

وكان سبب نزول هذه المباهلة وما قبلها من أوّل السّورة إلي هنا في وفد نجران: أنّ النّصاري لما قدموا فجعلوا يحاجّون في عيسي، ويزعمون فيه ما يزعمون من البنوّة والإلهيّة، فأنزل اللّه صدر في [69] هذه السّورة ردّاً عليهم. كما ذكره الإمام محمّد ابن إسحاق ابن يسار وغيره.

قال ابن إسحاق في سيرته المشهورة [70] وغيره: وقدم علي رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم)وفد نجران ستّون راكباً، فيهم أربعة عشر رجلاً من أشرافهم يؤول أمرهم إليهم، وهم: العاقب واسمه عبد المسيح، والسيّد وهو الأيهم، وأبو حارثة بن علقمة أخو بكر بن وائل، واُويس ابن الحارث وزيد، وقيس. ويزيد وابناه، وخويلد، وعمرو، وخالد، وعبداللّه، ومحسن. وأمر هؤلاء يؤول إلي ثلاثة منهم، وهم: العاقب. وكان أمير القوم وذا رأيهم وصاحب مشورتهم، والذي لا يصدرون إلاّ عن رأيه، والسّيد وكان عالمهم وصاحب رحلهم ومجتمعهم، وأبو حارثة بن علقمة وكان أسقفهم وصاحب مدارستهم، وكان رجلاً من العرب من بني بكر بن وائل ولكنّه تنصّر، فعظّمته الرّوم وملوكها وشرّفوه، وبنوا له الكنائس وأخدموه لما يعلمون من صلابته في دينهم. وقد كان يعرف أمر رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم)وصفته وشأنه ممّا علمه من الكتب المتقدّمة، ولكن حمله ذلك علي الاستمرار في النّصرانيّة

لما يري من تعظيمه فيها وجاهه عند أهلها.

قال ابن اسحاق: وحدّثني محمد بن جعفر بن الزّبير قال: قدموا علي رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم)المدينة فدخلوا عليه مسجده حين صلّي العصر، عليهم ثياب الحبرات جببٌ وأرديهٌ. في جمال رجال بني الحرث بن كعب. قال: يقول من رآهم من أصحاب النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم): ما رأينا بعدهم وفداً مثلهم، وقد حانت صلاتهم فقاموا في مسجد رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم). فقال رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم): دعوهم. فصلّوا إلي المشرق، قال: فكلّم رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) منهم أبو حارثة بن علقمة، والعاقب عبد المسيح، والسيّدالأيهم، وهم من النّصرانيّة علي دين الملك مع اختلاف أمرهم يقولون: هو اللّه، ويقولون: هو ولد اللّه، ويقولون: هو ثالث ثلاثة. تعالي اللّه عن قولهم علوّاً كبيراً. وكذلك النّصرانيّة. فهم يحتجّون في قولهم هو اللّه، بأنّه كان يحيي الموتي. ويبرئ الأكمه والأبرص والأسقام، ويخبر بالغيوب، ويخلق من الطين كهيئة الطّير فينفخ فيه فيكون طيراً. وذلك كلّه بأمر اللّه وليجعله آيةً للناس. ويحتجّون في قولهم بأنّه ابن اللّه، ويقولون: لم يكن له أبٌ يعلم. وقد تكلّم في المهد بشيء لم يكن أحدٌ من بني آدم قبله. ويحتجّون علي قولهم بأنّه ثالث ثلاثة، بقول اللّه تعالي: فعلنا وأمرنا، وخلقنا، وقضينا، فيقولون لو كان واحداً ما قال إلاّ: فعلت وأمرت وخلقت وقضيت. ولكنّه هو وعيسي ومريم. تعالي اللّه وتقدّس وتنزّه عما يقول الظالمون والجاحدون علوّاً كبيراً، وفي كل ذلك من قولهم: قد نزل القرآن.

فلمّا كلّمة الحبران قال لهما رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم): أسلما، قالا: قد أسلمنا، قال(صلي الله عليه وآله وسلم): إنّكما لم تسلما فأسلما. قالا: بلي قد

أسلمنا قبلك. قال(صلي الله عليه وآله وسلم): كذبتما، يمنعكما من الاسلام ادّعاؤكما للّه ولداً، وعبادتكما الصّليب، وأكلكما الخنزير. قالا: فمن أبوه يا محمد؟ «يعني عيسي» فصمت رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) عنهما فلم يجبهما. فأنزل اللّه في ذلك من قولهم واختلاف أمرهم صدر سورة آل عمران إلي بضع وثمانين آية منها.

ثمّ تكلّم ابن اسحاق علي تفسيرها، إلي أن قال: فلمّا أتي رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) الخبر من اللّه والفصل من القضاء بينه وبينهم، وأمر بما أمر به من ملاعنتهم إن ردّوا ذلك عليه، دعاهم إلي ذلك، فقالوا: يا أبا القاسم دعنا ننظر في أمرنا ثم نأتيك بما نريد أن نفعل فيما دعوتنا إليه فانصرفوا عنه. ثمّ خلوا بالعاقب، وكان ذا رأيهم فقالوا: يا عبد المسيح ماذا تري؟ فقال: واللّه يا معشر النّصاري، لقد عرفتم أنّ محمّداً لنبي مرسلٌ، ولقد جاءكم بالفصل من خبر صاحبكم، ولقد علمتم ما لاعن قومٌ نبيّاً قط فبقي كبيرهم ولا نبت صغيرهم، وإنّه للاستئصال منكم إن فعلتم. فإن كنتم قد أبيتم إلاّ إلف دينكم والاقامة علي ما أنتم عليه من القول في صاحبكم، فوادعوا الرّجل ثم انصرفوا إلي بلادكم، فأتوا النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم)فقالوا يا أبا القاسم قد رأينا أن لا نلاعنك، وأن نتركك علي دينك ونرجع علي ديننا. ولكن ابعث معنا رجلاً من أصحابك ترضاه لنا، يحكم بيننا في أشياء اختلفنا فيها من أموالنا فإنكم عندنا رضاً. قال محمد بن جعفر: فقال رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم): إئتوني العشية أبعث معكم القوي الأمين، قال: فكان عمر بن الخطّاب يقول: ما أحببت الإمارة قط حبّي إياها يومئذ، رجاء أن أكون صاحبها، فرحت الي الظهر مهجراً، فلما

صلّي بنا رسول الله(صلي الله عليه وآله وسلم) الظهر سلّم. ثم نظر عن يمينه وعن يساره فجعلت أتطاول له ليراني، فلم يزل يلتمس ببصره حتّي رأي أبا عبيدة بن الجراح فدعاه فقال: اُخرج معهم فاقض بينهم بالحقّ فيما اختلفوا فيه قال عمر: فذهب بها أبو عبيدة(رضي الله عنه).

ثمّ ذكر ابن كثير ما رواه البخاري في هذا الموضوع. وما رواه البيهقي في «دلائل النّبوّة» [5: 385 ط. دار الكتب العلمية بيروت] وقال: فإنّ فيه فوائد كثيرةً وفيه، غرابةٌ وفيه مناسبةٌ لهذا المقام، قال: قال البيهقي: أخبرنا أبو عبداللّه الحافظ، وأبو سعيد محمد بن موسي بن الفضل. قالا: حدثّنا أبو العباس محمد بن يعقوب، حدّثنا أحمد بن عبدالجبّار، حدّثنا يونس بن بكير، عن سلمة بن عبد يشوع، عن أبيه، عن جدّه، قال يونس، وكان نصرانياً فأسلم: إنّ رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) كتب إلي أهل نجران قبل أن تنزل عليه طس سليمان: «باسم إله إبراهيم، وإسحاق ويعقوب، من محمّد النبي رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) إلي أسقف نجران وأهل نجران إن أسلمتم فإنّي أحمد إليكم اللّه إله ابراهيم وإسحاق ويعقوب. أمّا بعد، فإني أدعوكم إلي عبادة اللّه من عبادة العباد. وأدعوكم إلي ولاية اللّه من ولاية العباد. فإن أبيتم فالجزية، فإن أبيتم فقد آذنتكم بحرب والسّلام». فلمّا أتي الاسقف الكتاب وقرأه فظع به وذعره ذعراً شديداً. «إلي أن بعثوا وفوداً إلي المدينة» وهي روايةٌ طويلةٌ جدّاً.

ثمّ ذكر أيضاً رواية ابن مردويه فقال: وقال أبو بكر بن مردويه: حدّثنا سليمان بن أحمد، حدّثنا أحمد بن داود المكّي، حدّثنا بشر بن مهران، حدّثنا محمّد بن دينار، عن داود ابن أبي هند، عن الشّعبي عن جابر قال: قدم

علي النبي(صلي الله عليه وآله وسلم) العاقب والطيّب فدعاهما إلي الملاعنة. فواعداه علي أن يلاعناه الغداة. قال: فغدا رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) فأخذ بيد عليّ وفاطمة والحسن والحسين، ثم أرسل إليهما، فأبيا أن يجيبا وأقرّا له بالخراج، فقال رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم): «والّذي بعثني بالحقّ لو قالا: لا، لأمطر عليهم الوادي ناراً». قال جابر: وفيهم نزلت: (ندعُ أبناءنا وَأبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وأنْفُسَنَا واَنْفُسَكُمْ)، قال جابر: أنفسنا وأنفسكم: رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) وعليّ بن أبي طالب، وأبناءنا وأبناءكم: الحسن والحسين. ونساءنا: فاطمة.

وهكذا رواه الحاكم في مستدركه، عن علي بن عيسي، عن أحمد بن محمّد الأزهري، عن علي بن حجر، عن عليّ بن مسهر، عن داود بن أبي هند، به بمعناه. ثم قال: صحيح علي شرط مسلم، ولم يخرجاه. هكذا.

الزمخشري

قال في تفسيره «الكشّاف» [1: 268 ط. قم البلاغة] مفسّراً قوله تعالي: (فَمَنْ حَاجَّكَ) من النّصاري (فيه) في عيسي. (مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ العِلمَ) أي من ا لبيّنات الموجبة للعلم. (فقل تَعَالَوا) هلمّوا، والمراد المجيء بالرأي والعزم، كما نقول: تعالَ نفكّر في هذه المسألة. (نَدْعُ أبْنَاءَنَا وَأبْنَاءَكُمْ) أي يدع كلّ منّي ومنكم أبناءه ونساءه ونفسه إلي المباهلة. إلي أن قال: وروي أنّهم لما دعاهم إلي المباهلة، قالوا: حتّي نرجع وننظر، فلمّا تخالوا قالوا للعاقب، وكان ذا رأيهم: يا عبد المسيح، ما تري؟ فقال: واللّه لقد عرفتم يا معشر النصاري أنّ محمداً نبي مرسلٌ، وقد جاءكم بالفصل من أمر صاحبكم، واللّه ما باهل قومٌ نبيّاً قطّ فعاش كبيرهم، ولا نبت صغيرهم، ولئن قد فعلتم لتهلكنّ، فإن أبيتم إلاّ إلف دينكم والإقامة علي ما أنتم عليه فوادعوا الرّجل وانصرفوا إلي بلادكم. فأتي

رسول اللّه وقد غدا محتضناً الحسين آخذاً بيد الحسن وفاطمة تمشي خلفه وعلي خلفها، وهو(صلي الله عليه وآله وسلم) يقول: «إذا أنا دعوت فأمّنوا»، فقال أسقف نجران: يا معشر النّصاري إنّي لأري وجوهاً لو شاء اللّه أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله بها، فلا تباهلوا فتهلكوا، ولا يبقي علي وجه الأرض نصراني إلي يوم القيامة. فقالوا: يا أبا القاسم، رأينا أن لا نباهلك وأن نقرّك علي دينك ونثبت علي ديننا. قال(صلي الله عليه وآله وسلم): «فإذا أبيتم المباهلة فأسلموا، يكن لكم ما للمسلمين وعليكم ما عليهم»، فأبوا. قال(صلي الله عليه وآله وسلم): «فإنّي أناجزكم». فقالوا: ما لنا بحرب العرب طاقةٌ. ولكن نصالحك علي أن لا تغزونا ولا تخيفنا، ولا ترددنا عن ديننا، علي أن نؤدّي إليك كلّ عام ألفي حلّة: ألفٌ في صفر و ألفٌ في رجب. وثلاثين درعاً عاديةً من حديد، فصالحهم علي ذلك، وقال(صلي الله عليه وآله وسلم): «والذي نفسي بيده، أنّ الهلاك قد تدلّي علي أهل نجران، ولو لاعنوا لمسخوا قردةً وخنازير، ولاضطرم عليهم الوادي ناراً. ولاستأصل اللّه نجران وأهله حتّي الطّير علي رؤوس الشجر، ولما حال الحول علي النّصاري حتّي يهلكوا».

الطبري

قال في تفسيره [3: 297 299 ط. دار الكتب العلمية بيروت] عن ابن عبّاس في قوله تعالي: (اِنَّ هذا لهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ)[آل عمران: 62]: إنّ الذي قلنا في عيسي هو الحق (وَمَا مِنْ إله إلاّ اللّهُ)الآية. فلما فصلّ جلّ ثناؤه بين نبيّه محمّد(صلي الله عليه وآله وسلم) وبين الوفد من نصاري نجران بالقضاء الفاصل والحكم العادل، وأمره إن هم تولّوا عمّا دعاهم إليه من الإقرار بوحدانيّة اللّه، وأنّه لا ولد له ولا صاحبة. وأنّ عيسي عبده ورسوله. وأبوا إلاّ الجدل

والخصومة، أن يدعوهم الي الملاعنة، ففعل ذلك رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) فلمّا فعل ذلك رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) انخزلوا وامتنعوا من الملاعنة، ودعوا إلي المصالحة. كالّذي حدّثنا ابن حميد. قال: حدّثنا جرير، عن مغيرة، عن عامر قال: فأمر يعني النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم) بملاعنتهم يعني بملاعنة أهل نجران بقوله: (فمن حاجّك فيه من بعد ما جاءك من العلم)الآية. فتواعدوا أن يلاعنوه، وواعدوه الغد. فأنطلقوا إلي السيد والعاقب وكانا أعقلهم، فتابعاهم فانطلوا إلي رجل منهم عاقل. فذكروا له ما فارقوا عليه رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) فقال: ما صنعتم؟ وندّمهم وقال لهم: إن كان نبيّاً ثمّ دعا عليكم لا يغضبه اللّه فيكم أبداً. ولئن كان ملكاً فظهر عليكم لا يستبقيكم أبداً، قالوا: فكيف لنا وقد واعدنا؟ فقال لهم: إذا غدوتم إليه فعرض عليكم الّذي فارقتموه عليه فقولوا: نعوذ باللّه، فإن دعاكم أيضاً فقولوا له: نعوذ باللّه. ولعلّه أن يعفيكم من ذلك، فلما غدوا، غدا النبي(صلي الله عليه وآله وسلم)محتضناً حسناً آخذاً بيد الحسين، وفاطمة تمشي خلفه. فدعاهم إلي الّذي فارقوه عليه بالأمس، فقالوا: نعوذ باللّه، ثم دعاهم، فقالوا: نعوذ باللّه مراراً. قال(صلي الله عليه وآله وسلم): فإن أبيتم فأسلموا ولكم ما للمسلمين وعليكم ما علي المسلمين، كما قال اللّه عزّوجلّ: فإن أبيتم فأعطوا الجزية عن يد وأنتم صاغرون.

قال: قالوا: ما لنا طاقةٌ بحرب العرب، ولكن نؤدّي الجزية. قال: فجعل عليهم في كلّ سنة ألفي حلّة. ألفاً في رجب وألفاً في صفر، فقال النبي(صلي الله عليه وآله وسلم): «قد أتاني البشير بهلكة أهل نجران، حتّي الطّير علي الشجر أو العصافير علي الشّجر لوتمّوا علي الملاعنة».

وقال: حدّثنا ابن حميد. قال حدّثنا عيسي

بن فرقد عن أبي الجارود، عن زيد بن عليّ في قوله تعالي: (تَعَالوا نَدْعُ أبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ) الآية. قال: كان النبي(صلي الله عليه وآله وسلم)وعلي وفاطمة والحسن والحسين.

وقال حدّثنا محمد بن الحسين: قال حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال حدّثنا أسباط عن السدّي: (فَمَنْ حَاجَّكَ فيه مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ العِلم) الآية. فأخذ يعني النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم) بيد الحسن والحسين وفاطمة. وقال لعليٍّ: «اتبعنا»، فخرج معهم، فلم يخرج يومئذ النّصاري، وقالوا: إنّا نخاف أن يكون هذا هو النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) وليس دعوة النبيّ كغيرها، فتخلّفوا عنه يومئذ، فقال النبي(صلي الله عليه وآله وسلم) لو خرجوا لاحترقوا. فصالحوه علي صلح، علي أن له عليهم ثمانين ألفاً. فما عجزت الدراهم ففي العروض، الحلّة بأربعين. وعلي أن له عليهم ثلاثاً وثلاثين درعاً، وثلاثاً وثلاثين بعيراً، وأربعة وثلاثين فرساً غازية، كلّ سنة. وأن رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم)ضامنٌ لها حتي نؤدّيها إليهم.

وقال: حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: حدّثنا ابن زيد قال: قيل لرسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم): لو لاعنت القوم، بمن كنت تأتي حين قلت: أبناءنا وأبناءكم؟ قال: «حسن وحسين». وقال: حدّثني محمد بن سنان. قال: حدّثنا أبو بكر الحنفي، قال: حدّثنا المنذر بن ثعلبة، قال: حدّثنا علباء بن أحمر اليشكري، قال: لما نزلت هذه الآية: (فَقُلْ تعالوا ندعُ أبْنَاءَنَا وَأبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنا ونِسَاءَكُم) الآية، أرسل رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) إلي عليٍّ وفاطمة وابنيهما الحسن والحسين، ودعا اليهود ليلاعنهم. فقال شابٌ من اليهود: ويحكم أليس عهدكم بالأمس إخوانكم الّذين مسخوا قردة وخنازير؟ لا تلاعنوا، فانتهوا.

العلامة السيد محمد بن محمد الموسوي الحائري البحراني

قال في كتابه «خلفاء الرّسول» [ص 107] في قوله تعالي: (فَمَنْ حَاجّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ

مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوا نَدْعُ أبْنَاءَنَا وَأبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنسَاءَكُمْ وأنْفُسَنَا وَأنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فنجعل لَعْنَةَ اللّهِ عَلي الظَّالِمين) وذلك لظهور الولاية المسندة إلي اللّه سبحانه في الولاية العامّة المطلقة، وظهور تساوي المتعاطفات في المعني والحكم.

وجه الدّلالة: اتّفق المسلمون أجمعون علي أنّ هذه الآية الكريمة نزلت في وفد نصاري نجران. وأجمعوا أيضاً علي أنّ المراد من لفظة (أنْفُسَنَا) غير الرّسول(صلي الله عليه وآله وسلم)وذلك لأن الانسان لا يدعو نفسه حقيقةً، كما لا يكلّف نفسه حقيقة، فلا بد من تعدّد الدّاعي والمدعو وعدم اتحادهما. وتسالموا أيضاً علي أنّ ذلك الغير هو: علي بن أبي طالب ليس غير، فتكون الآية دالّة بوضوح علي أن نفس عليٍّ هي نفس رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم)، ولا يجوز علي هذا التقرير أن تكون نفس عليٍّ عين نفس الرّسول لبداهة بطلانه. بل المراد نفس عليٍّ مثل نفس الرّسول ونظيره، وما لهذا المعني من ألفاظ، وذلك يقتضي تساويهما في جميع الصفات علي وجه العموم ليصح الّتماثل. نترك الأخذ بهذا العموم في وصف النبّوة، لأن محمّداً(صلي الله عليه وآله وسلم) كان نبيّاً، وعلي ليس بنبيّ علي الإجماع والضّرورة من الدّين، وكذلك نترك الأخذ به في حقّ الفضل، لقيام الضّرورة علي أنّ النبيّ أفضل من عليٍّ. فيبقي الباقي تحت العموم، فهما مثلان في ما عدا هذين الأمرين بلا امتراء. فمن ذلك ما ثبت بإجماع المسلمين أنّ النبيّ محمّداً(صلي الله عليه وآله وسلم) أفضل من سائر الأنبياء والمرسلين بلا استثناء، فيجب أن يكون نفس عليٍّ(عليه السلام) مثله.

سوره احزاب، آيه 33

اشاره

في قوله تعالي: (إنَّمَا يُريدُ اللّهُ ليَذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) [الاحزاب: 33].

لقد اتّفق جمعٌ من أصحاب رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) وانقاد

إلي قولهم أناسٌ من التّابعين، والعلماء المهتدين، علي أنّ هذه الآية الشّريفة نزلت في الخمسة الطّاهرة، والعترة المحمّدية المطّهرة، ما عدا عكرمة ومن لفّ لفّه ونحا نحوه، فإنّه قال: بأنّها نزلت في أزواج النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم)خاصّة دون غيرهنّ من النّاس، وطاف بذلك صائحاً في الأسواق. ولعلّ السّبب الدّافع إلي أن يفعل ذلك ليس بغريب لمن علم شخصيّة الرّجل بما قاله فيه أصحاب التّراجم.

ولا يخفي علي الباحث النّاقد بأحوال الرّجل ونفسيته إذا تحقّق بما صرّح فيه أهل الجرح والتّعديل كما سيلي ذكره فيما بعد. ولنتّجه أوّلاً إلي الشّطر الذّي نحن تجاهه، وذلك ذكر من نصّ علي اختصاص الآية بأهل بيت الوحي(عليهم السلام) من المفسّرين في تفاسيرهم. والمؤلفين في تآليفهم. منهم:

الطبري

قال في تفسيره «جامع البيان» [71]: اختلف أهل التّاويل في الّذين عنوا بقوله: (أهل البَيْت) فقال بعضهم: عني به رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) وعليّ وفاطمة والحسن والحسين رضوان اللّهِ عليهم. وذكر من قال ذلك: حدّثني محمد بن المثنّي. قال: ثنا بكر بن يحيي بن زبان العنزي. قال: ثنا مندل عن الأعمش عن عطيّة عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم): «نزلت هذه الآية في خمسة: فيّ وفي عليٍّ(رضي الله عنه) وحسن(رضي الله عنه)وحسين(رضي الله عنه)وفاطمة رضي اللّهُ عنها (إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرّجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً).

وقال: حدّثنا ابن وكيع، قال: حدّثنا محمد بن بشر. عن زكريّا، عن مصعب بن شيبة، عن صفية بنت شيبة، قالت: قالت عائشة: خرج النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم) ذات غداة وعليه مرطٌ مرجّلٌ من شعر أسود، فجاء الحسن فأدخله معه [72]، ثم قال: (إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرّجس اهل

البيت ويطهركم تطهيراً).

وقال: حدّثنا ابن وكيع قال: حدّثنا محمد بن بكر، عن حمّاد بن سلمة، عن عليّ بن زيد، عن أنس أنّ النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم) كان يمرّ ببيت فاطمة ستّة أشهر، كلّما خرج إلي الصّلاة فيقول: الصّلاة أهل البيت. (إنما يريد اللّه ليذهب عنكم الرّجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً).

وقال: حدّثني موسي بن عبدالرّحمن المسروقي، قال: حدّثنا يحيي بن ابراهيم بن سويد النّخعي، عن هلال «يعني ابن مقلاص» عن زبيد عن شهر بن حوشب. عن أم سلمة قالت: كان النبي(صلي الله عليه وآله وسلم) عندي وعلي وفاطمة والحسن والحسين، فجعلت لهم خزيرة، فأكلوا وناموا وغطّي عليهم عباءةً أو قطيفة، ثم قال: «اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي أذهب عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيراً».

وقال: حدّثنا ابن وكيع. قال: حدّثنا أبو نعيم، قال: حدّثنا يونس بن أبي إسحاق قال: أخبرني أبو داود، عن أبي الحمراء قال: رابطت المدينة سبعة أشهر علي عهد النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم). قال: رأيت النبي(صلي الله عليه وآله وسلم) إذا طلع الفجر جاء إلي باب عليٍّ وفاطمة فقال: الصّلاة الصّلاة، (إنما يريد اللّه ليذهب عنكم الرّجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً).

وقال: حدّثني عبد الأعلي بن واصل. قال: حدثنا الفضل بن دكين. قال: حدّثنا عبد السّلام بن حرب، عن كلثوم المحاربي، عن أبي عمّار قال: إنّي جالسٌ عند واثلة بن الأسقع، إذ ذكروا عليّاً(رضي الله عنه) فشتموه، فلمّا قاموا قال: إجلس حتّي اُخبرك عن هذا الذي شتموا: إنّي عند رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) إذ جاءه علي وفاطمة وحسنٌ وحسينٌ، فألقي عليهم كساءً له ثم قال: «اللّهم هؤلاء أهل بيتي، اللّهم أذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً». قلت: يا رسول اللّه! وأنا، قال: وأنت، فواللّه إنّها

لأوثق عملي عندي.

وقال: حدّثني عبدالكريم بن أبي عمير، قال: حدّثنا الوليد بن مسلم، قال: حدثنا أبو عمرو قال: ثني شدّاد أبو عمّار، قال: سمعت واثلة بن الأسقع يحدّث، قال: سألت عن عليٍّ بن أبي طالب في منزله، فقالت فاطمة. قد ذهب يأتي برسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) إذ جاء، فدخل رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) ودخلت. فجلس رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) علي الفراش، وأجلس فاطمة عن يمينه، وعليّاً عن يساره وحسناً وحسيناً بين يديه، فلفع عليهم بثوبه وقال: (إنما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً)، اللّهم هؤلآء أهلي، اللّهم أهلي أحق». قال واثلة: فقلت من ناحية البيت: وأنا يا رسول اللّه من أهلك؟ قال: وأنت من أهلي. قال واثلة: إنها لمن أرجي ما أرتجي.

وقال: حدّثني أبو كريب. قال: حدّثنا وكيع، عن عبدالحميد بن بهرام، عن شهر بن حوشب عن فضيل بن مرزوق، عن عطيّة، عن أبي سعيد الخدري، عن أمّ سلمة قالت: لما نزلت هذه الآية: (إنَّمَا يُريدُ اللّهُ ليَذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)دعا رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً، فجلّل عليهم كساءً خيبريّاً فقال: «اللّهم هؤلاء أهل بيتي، اللّهم أذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً». قالت أم سلمة: ألست منهم؟ قال: «أنت إلي خير».

وقال: حدّثنا أبو كريب، قال: حدّثنا مصعب بن المقدام، قال: حدّثنا سعيد بن زربي، عن محمّد بن سيرين، عن أبي هريرة، عن اُمّ سلمة قالت: جاءت فاطمة إلي رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) ببرمة لها قد صنعت فيها عصيدةً تحلّها علي طبق فوضعته بين يديه، فقال: أين ابن عمّك وابناك؟ فقالت: في البيت. فقال: ادعيهم، فجاءت إلي علي

فقالت: أجب النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم) أنت وابناك. قالت اُمّ سلمة: فلما رآهم مقبلين مدّ يده إلي كساء كان علي المنامة، فمدّهوبسطه وأجلسهم عليه. ثم أخذ بأطراف الكساء الأربعة بشماله، فضمّه فوق رؤوسهم وأومأ بيده اليمني إلي ربّه، فقال: «هؤلاء أهل البيت فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً».

وقال: حدّثنا ابن حميد، قال: حدّثنا عبداللّه بن عبد القدوس، عن الأعمش، عن حكيم بن سعد قال: ذكرنا علي بن أبي طالب(رضي الله عنه) عند اُمّ سلمة قالت: فيه نزلت: (إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرّجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً). قالت اُمّ سلمة: جاء النبي(صلي الله عليه وآله وسلم)إلي بيتي فقال: لا تأذني لأحد، فجاءت فاطمة فلم أستطع أن أحجبها عن أبيها، ثم جاء الحسن فلم أستطع أن أمنعه أن يدخل علي جدّه واُمّه، وجاء الحسين فلم أستطع أن أحجبه، فاجتمعوا حول النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم) علي بساط، فجلّلهم نبي اللّه بكساء كان عليه، ثم قال: «هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً». فنزلت هذه الآية حين اجتمعوا علي البساط. قالت: فقلت: يا رسول اللّه وأنا؟ قالت: فواللّه ما أنعم. وقال: «إنّك إلي خير».

وقد أخرج أحاديث في هذا الموضوع بطرق شتّي غير ما ذكرناها، ثم أخرج حديثاً عن عكرمة بقوله:

وقال آخرون: بل عني بذلك أزواج الرّسول(صلي الله عليه وآله وسلم). ذكر من قال ذلك، حدّثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيي بن واضح، قال: ثنا الأصبغ عن علقمة قال: كان عكرمة ينادي في السّوق (إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرّجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً). قال: نزلت في نساء النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم) خاصة.

لقد رأينا ويري كل قارئ كيف يخالف رأي الرّجل ما قد بيّنه بنو هذه

الاُمّة في تفسير هذه الآية الشّريفة وهو(صلي الله عليه وآله وسلم) في قيد الحياة ظاهرٌ بين ظهرانيهم، لماذا؟ وما باله لم يرض بتفسير الرّسول(صلي الله عليه وآله وسلم) وبيانه؟ وما هو الدّافع الّذي اندفع به حتّي غدا غائصاً في السوق صائحاً بأنّ الآية نزلت في نساء النبي خاصّة؟ بلي، من عرفه فقد عرفه، ومن لم يعرفه فهو مما لا يُشك فيه، بأنّه كما قد نصّ عليه وصرّح بسلوكه أعلام علماء الاُمة في كتبهم ومصنفاتهم، كالعسقلاني في مقدمة كتابه «فتح الباري» وابن خلّكان في «الوفيات» وياقوت الحموي في «معجم الأدباء». والشّهرستاني في «الملل والنّحل». والسيّد شرف الدّين الموسوي في «الفصول المهمّة» [ص 209 ط. النّعماني النجف] حيث قال فيه:

هو الذي صرف آية التّطهير عن أهلها، وتثبّت في ذلك بسياق. فقال: إنّها خاصّةٌ بنساء النبي(صلي الله عليه وآله وسلم) وبالغ فيها حتّي نادي في الأسواق، كما ذكره جماعةٌ كثيرون منهم: الواحدي في تفسيره «أسباب النّزول»، وابن حجر في كتابه «الصّواعق». فلا عجب فإنّه أحد الموالي الدعاة إلي عداوة أمير المؤمنين عليٍّ(عليه السلام) وأحد السّعاة، الّذي يسعي في تضليل النّاس.

ويشهد علي ذلك:

1 قال يحيي بن بكير: قدم عكرمة مصر وهو يريد المغرب، فالخوارج الّذين هم في المغرب عنه أخذوا.

2 نقل القاضي العجابي في كتاب «الموالي»: أن عكرمة دخل في رأي الحروري من الخوارج، فخرج يدعو إليهم في المغرب.

3 عن أبي علي الأهوازي في كتاب «معجم ياقوت الحموي» في ترجمة عكرمة: أنّه يري رأي الخوارج ويميل إلي الغناء. قال: وقيل إنّه كان يكذب علي مولاه «يعني ابن عبّاس».

4 عن خالد بن عمران: كنّا في المغرب وعندنا عكرمة في وقت الموسم. فقال: وددت أن بيدي حربة فاعترض بها من شهد

الموسم يميناً وشمالاً. «لبنائه علي كفر من عدا الخوارج من أهل القبلة».

5 عن يعقوب الحضرمي عن جدّه قال: وقف عكرمة علي باب المسجد فقال: ما فيه إلاّ كافرٌ. ثم قال يعقوب: وكان يري عكرمة رأي الأباضيّة «وهم من غلاة الخوارج».

6 عن مصعب بن الزّبير: كان عكرمة يري رأي الخوارج.

7 عن عطاء: كان عكرمة أباضيّاً.

8 عن أحمد بن حنبل: أنّ عكرمة كان يري رأي الصفريّة. «وهم من غلاة الخوارج».

9 عن أبي شعيب قال: سألت محمّد بن سيرين عن عكرمة. فقال: ما يسوءني أن يكون من أهل الجنّة، ولكنّه كذّاب.

10 عن وهيب قال: شهدت يحيي بن سعيد الأنصاري وأيوب فذكرا عكرمة، فقال يحيي: إنّه كذاب:

11 عن عبداللّه بن الحارث قال: دخلت علي عليّ بن عبداللّه بن العبّاس، فإذا عكرمة في وثاق. فقلت: ألا تتّقي اللّه؟ فقال: إن هذا الخبيث يكذب علي أبي «راجع ميزان الاعتدال». وفي كتاب «المعجم» لياقوت الحموي، عن علي بن عبد اللّه بن عبّاس كذلك. ونقل أيضاً عن ياقوت في آخر ترجمته «عكرمة» من معجمه عن يزيد بن زناد قال: دخلت علي علي بن عبداللّه بن عباس وعكرمة مقيّدٌ علي باب الحشّ فقلت: ما لهذا كذا؟ قال: إنّه يكذب علي أبي.

12 عن سعيد بن المسيب: أنّه كذّاب، وعنه أيضاً أنّه قال لمولي له اسمه «برد»: لا تكذب عليّ كما كذب عكرمة علي ابن عبّاس. وكذا كان ابن عمر قال لمولاه.

13 عن مطرّف بن عبداللّه قال: سمعت مالكاً يكره أن يذكر عكرمة، ولا يري أن يروي عنه، إلاّ في مسألة واحدة.

14 عن الرّياشي عن الأصمعي عن نافع المدني كما في «معجم ياقوت»: أن الناس تركوا جنازته لمّا مات، وأقبلوا علي جنازة كثيرة غيره. «إلي غير

ذلك ممّا يدل علي أن الرّجل ساقط» واللّه اعلم.

النيسابوري

قال في تفسيره [22: 10] عند تفسيره معني أهل البيت بقوله: وأهل البيت: نصب علي النّداء أو علي المدح، وقد مرّ في آية المباهلة أنهم أهل العباء: النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) لأنه أصلٌ، وفاطمة رضي اللّهُ عنها. والحسن والحسين رضي اللّه عنهما بالاتفاق. والصّحيح أنّ عليّاً(رضي الله عنه)منهم لمعاشرته بنت النبي(صلي الله عليه وآله وسلم) وملازمته إيّاه.

ابن كثير

أورد في تفسيره [3: 491] حديثاً مسنداً إلي عكرمة القائل بأنّ نزول قوله تعالي: (إنَّمَا يُريدُ اللّهُ ليَذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) في حقّ أزواج النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم)وهنّ المعنيّات بالأهل دون غيرهنّ، حتّي قال مؤكداً فيما ارتأي له: من شاء باهلته إنّما نزلت في شأن نساء النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم).

قال ابن كثير: فإن كان المراد أنّهن كنّ سبب النّزول دون غيرهنّ فصحيحٌ، وإن أريد أنّهن المراد فقط دون غيرهنّ ففي هذا نظرٌ. فإنّه قد وردت أحاديث تدلّ علي أنّ المراد أعم من ذلك. فأخرج أحاديث كثيرةً. فلنقتصر علي ما لم نذكره فيما مرّ.

قال في [ص 493] طريقٌ اُخري: قال ابن أبي حاتم: حدّثنا أبي، حدّثنا شريحٌ بن يونس أبو الحارث، حدّثنا محمد بن يزيد، عن العوّام يعني ابن حوشب عن ابن عمّ، قال: دخلت مع أبي علي عائشة فسألتها عن علي(رضي الله عنه) فقالت: تسألني عن رجل كان من أحب النّاس إلي رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم)وكانت تحته ابنته وأحب النّاس إليه: لقد رأيت رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) دعا عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً رضي اللّهُ عنهم. فألقي عليهم ثوباً فقال: «اللّهم هؤلاء أهل بيتي، فأذهب عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيراً». قالت: فدنوت منهم فقلت: يا رسول اللّه، وأنا من

أهل بيتك؟ فقال(صلي الله عليه وآله وسلم): «تنحّي فإنك علي خير».

قال زهيرٌ: حدّثنا اسماعيل بن ابراهيم، حدّثني أبو حيّان، حدّثني يزيد بن حبّان [73] قال: انطلقت أنا وحصين بن سبرة وعمر بن مسلمة إلي زيد بن أرقم(رضي الله عنه) فلمّا جلسنا إليه قال له حصينٌ: لقد لقيت يا زيد خيراً كثيراً. رأيت رسول الله(صلي الله عليه وآله وسلم) وسمعت حديثه، وغزوت معه، وصلّيت خلفه، لقد لقيت يا زيد خيراً كثيراً، حدّثنا يا زيد ما سمعت من رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم)؟ قال: يابن أخي واللّه لقد كبرت سنّي، وقدم عهدي، ونسيت بعض الّذي كنت أعي من رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم)فما حدّثتكم فاقبلوا وما لا فلا تكلّفوا فيه. ثمّ قال: قام فينا رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم)يوماً خطيباً بماء يدعي خمّاً بين مكّة والمدينة، فحمد اللّه وأثني عليه ووعظ وذكر. ثم قال: «أمّا بعد ألا أيّها النّاس. فإنّما أنا بشرٌ يوشك أن يأتيني رسول ربّي فاُجيب، وأنا تاركٌ فيكم ثقلين: أوّلهما كتاب اللّه تعالي، فيه الهدي والنور، فخذو بكتاب اللّه واستمسكوا به»، فحثّ علي كتاب اللّه عزّوجلّ ورغّب فيه. ثم قال(صلي الله عليه وآله وسلم): وأهل بيتي. أذكّركم اللّه في أهل بيتي. أذكّركم اللّه في أهل بيتي «ثلاثاً». فقال له حصينٌ: ومن أهل بيته يا زيد؟ أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: نساؤه من أهل بيته [74]، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده، قال: ومن هم؟ قال: هم آل عليٍّ. وآل عقيل. وآل جعفر. وآل عبّاس قال: كلّ هؤلاء حرم الصّدقة بعده؟ قال: نعم.

ثم رواه عن محمّد بن ريّان، عن حسّان بن إبراهيم، عن سعيد بن مسروق، عن يزيد بن حيّان،

عن زيد بن أرقم(رضي الله عنه) فذكر الحديث بنحو ما تقدّم، وفيه: فقلت له: من أهل بيته نساؤه؟ قال: لا، وأيم اللّه، إن المرأة تكون مع الرّجل العصر من الدّهر. ثم يطلقها فترجع ا لي أبيها وقومها؛ أهل بيته: أهله وعصبته الذين حرّموا الصّدقة بعده.

قال ابن كثير: هكذا وقع في هذه الرّواية. والاُولي أولي والأخذ بها أحري. وهذه الثّانية تحتمل أنّه أراد تفسير الأهل المذكورين في الحديث الّذي رواه إنّما المراد بهم آله الذين حرموا الصّدقة، أو أنّه ليس المراد بالأهل الأزواج فقط، بل هم مع آله، وهذا الاحتمال أرجح، جمعاً بينها وبين الرّواية الّتي قبلها، وجمعاً أيضاً بين القرآن وبين الأحاديث المتقدّمة إن صحّت. فإنّ في بعض أسانيدها نظراً واللّه أعلم.

الطبرسي

قال في تفسيره «مجمع البيان» [7 8: 356 357 ط. دار إحياء التراث العربي بيروت]وقد اتّفقت الاُمّة بأجمعها علي أنّ المراد بأهل البيت في الآية: أهل بيت نبيّنا(صلي الله عليه وآله وسلم). ثمّ اختلفوا، فقال عكرمة: أراد أزواج النبيّ. لأنّ أوّل الآية متوجّهٌ إليهنّ. وقال أبو سعيد الخدري وأنس بن مالك، وواثلة بن الاسقع، وعائشة، وام سلمة: إنّ الآية مختصّةٌ برسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم)وعليٍّ وفاطمة والحسن والحسين(عليهم السلام).

ثم قال: ذكر أبو حمزة الّثمالي في تفسيره: حدّثني شهر بن حوشب، عن اُمّ سلمة قالت: جاءت فاطمة(عليها السلام)إلي النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم) تحمل حريرةً لها، فقال(صلي الله عليه وآله وسلم): «ادعي زوجك وابنيك»، فجاءت بهم فطعموا، ثم ألقي عليهم كساءً له خيبريّاً. فقال: «اللّهم هؤلاء أهل بيتي». الحديث.

ثم أورد الطّبرسي ما رواه الثّعلبي في تفسيره بالإسناد عن اُمّ سلمة أيضاً، كما أسلفنا ذكره. ثم أورد ما رواه الثّعلبي بإسناده عن مجمع قال:

دخلت مع اُمّي علي عائشة، فسألتها اُمّي: أرأيت خروجك يوم الجمل؟ قالت [عائشة]: إنّه كان قدراً من اللّه، فسألتها عن عليٍّ فقالت: تسأليني عن أحب الناس كان إلي رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم)، وزوج أحب الناس كان إلي رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) لقد رأيت علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً(عليهم السلام)وجمع رسول الله(صلي الله عليه وآله وسلم)بثوب عليهم، ثم قال: «اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي وحامّتي، فأذهب عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيراً»، قالت: فقلت: يا رسول اللّه أنا من أهلك؟ قال: «تنحّي فإنك إلي خير».

وروي عن الثعلبي أيضا بإسناده عن أبي سعيد الخدري عن النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم) قال: نزلت هذه الآية في خمسة: فيّ وفي عليّ وحسن وحسين وفاطمة(عليهم السلام).

وقال: وأخبرنا السيّد أبو الحمد، قال: حدّثنا الحاكم أبو القاسم الحسكاني، قال: حدّثونا عن أبي بكر السّبيعي، قال: حدّثنا أبو عروة الحراني، قال: حدثنا ابن مصغي، قال حدّثنا عبدالرّحيم بن واقد، عن أيّوب بن سيّار، عن محمّد بن المنكدر، عن جابر، قالت [عائشة]: نزلت هذه الآية علي النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم) وليست في البيت إلاّ فاطمة والحسن والحسين وعلي: (إنّما يريدُ اللّه لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أهْلَ اَلْبَيْتِ وَيُطَهِّركُم تَطْهِيراً)فقال النبي(صلي الله عليه وآله وسلم): «اللّهمّ هؤلاء أهلي».

ثمّ قال: والرّوايات في هذا كثيرة من طريق العامّة والخاصة، لو قصدنا إلي ايرادها لطال الكتاب: وفيما أوردناه كفايةٌ.

ثم قال: واستدلّت الشّيعة علي اختصاص الآية بهؤلاء الخمسة(عليهم السلام). بأن قالوا: إن لفظة «إنّما» محقّقةٌ لما اُثبت بعدها، نافيةٌ لما لم يثبت. فإن قول القائل: إنّما لك عندي درهمٌ، وإنّما في الدّار زيدٌ، يقتضي أنّه ليس عنده سوي الدّرهم، وليس في الدار سوي زيد، وإذا تقرر هذا فلا تخلو

الإرادة في الآية أن تكون هي الارادة المحضة، أو الإرادة التي يتبعها التطهير وإذهاب الرّجس، ولا يجوز الوجه الأوّل، لأنّ اللّه تعالي قد أراد من كلّ مكلّف هذه الإرادة المطلقة، فلا اختصاص لها بأهل البيت دون سائر الخلق، ولأنّ هذا القول يقتضي المدح والتعظيم لهم بغير شك وشبهة، ولا مدح في الإرادة المجرّدة، فثبت الوجه الثّاني، وفي ثبوته ثبوت عصمة المعنيّين بالآية من جميع القبائح، وقد علمنا أنّ من عدا من ذكرناه من أهل البيت غير مقطوع علي عصمته، فثبت أنّ الآية مختصّة بهم لبطلان تعلّقها بغيرهم.

ومتي قيل إنّ صدر الآية وما بعدها في الأزواج، فالقول فيه: إنّ هذا لا ينكره من عرف عادة الفصحاء في كلامهم، فإنّهم يذهبون من خطاب إلي غيره ويعودون إليه، والقرآن من ذلك مملوءٌ، وكذلك كلام العرب وأشعارهم، ثم عاد سبحانه وتعالي إلي ذكر الأزواج فقال: (وأذْكُرْنَ مَا يُتْلَي فِي بَيُوتِكُنّ مِنْ آيَاتِ اللّهِ وَالْحِكْمَة).

الشوكاني

قال في تفسيره [4: 280] بعد أن أورد أحاديث مضي ذكرها فيما مرّ قريباً من هذا الكتاب، وعرفنا منها سبب اختلاف أهل العلم في معني «أهل البيت» في هذه الآية الشّريفة. ومن بين من قال بأنّها مختصّة بالخمسة الطاهرة، وقائل بأنّها مختصّة بأزواج الرّسول(صلي الله عليه وآله وسلم). وأخرج الحكيم التّرمذي، والطبراني، وابن مردويه، والبيهقي في «الدّلائل» عن ابن عبّاس قال: قال رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم): «إن اللّه قسم الخلق قسمين، فجعلني في خيرهما قسماً، فذلك قوله تعالي: (وأصحابُ الَيمين) (وأصْحَابُ الشِمال)فأنا من أصحاب اليمين، وأنا خير أصحاب اليمين، ثم جعل القسمين أثلاثاً فجعلني في خيرها ثلثاً، فذلك قوله: (وأصحاب الميمنة)، (وأصحاب المشأمة)، (والسّابقون السّابقون). فأنا من السّابقين، وأنا خير السّابقين، ثم جعل

الأثلاث قبائل، فجعلني في خيرها قبيلة، وذلك قوله: (وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إنّ أكرمكم عند اللّه أتقاكم)، وأنا أتقي ولد آدم وأكرمهم علي اللّه ولا فخر. ثم جعل القبائل بيوتاً، فجعلني في خيرها بيتاً، فذلك قوله تعالي: (إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرّجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً). فأنا وأهل بيتي مطهّرون من الذّنوب.

ثم قال: وقد توسّطت طائفةٌ ثالثةٌ بين الطّائفتين أي بين الّذين قالوا إنّها مختصّة بالخمسة والقائلين إنّها مختصّةٌ بنساء النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم) فجعلت هذه الآية شاملة للزّوجات ولعليّ وفاطمة والحسن والحسين.

أمّا الزّوجات فلكونهنّ المرادات في سياق هذه الآيات كما قدّمنا، ولكونهنّ السّاكنات في بيوته(صلي الله عليه وآله وسلم) النّازلات في منازله. ويعضد ذلك ما تقدّم عن ابن عبّاس، وغيره. وأمّا دخول عليٍّ وفاطمة والحسن والحسين. فلكونهم قرابته وأهل بيته في النّسب، ويؤيّد ذلك ما ذكرناه من الأحاديث المصرّحة بأنّهم سبب النّزول.

فمن جعل الآية خاصّة بأحد الفريقين فقد أعمل بعض ما يجب إعماله، وأهمل ما لا يجوز إهماله، وقد رجّح هذا القول جماعةٌ من المحقّقين، منهم القرطبي وابن كثير وغيرهما.

وقال جماعة: هم بنو هاشم، واستدلّوا بما تقدّم من حديث ابن عبّاس، ويقول زيد ابن أرقم: ولكن آله من حرّم الصّدقة بعده: آل عليٍّ، وآل عقيل، وآل جعفر وآل عبّاس، فهؤلاء ذهبوا إلي أنّ المراد بالبيت بيت النّسب.

6 العلاّمة السّيد محمّد علي بن محمّد طاهر الموسوي الحائري البحراني:

قال في كتابه «خلفاء الرّسول» [ص 178]: من هم أهل البيت؟

قد بان لنا وظهر ممّا تقدّم يعني حديث الثّقلين أنّ الرّسول الأعظم(صلي الله عليه وآله وسلم) قد نصب علماً علي اُمّته من بعده خليفتين عظيمتين باقيتين إلي الأبد، تعصمان الأمة عن الضّلال ما تمسّكت بهما، وعرفنا

أنّ أحدهما: كتاب اللّه، هو مجموعٌ ما بين الدفّتين، الذي اعترف بقرآنيّته المسلمون أجمعون. بيد أنّ الأمر كلّه في أنّه من المقصود من أهل البيت؟ لأن النّاس عمداً أو خطأً اختلفوا في ذلك، فبين ذاهب إلي أنّ أهل البيت نساؤه والهاشميّون عامّة، وبين من يزعم أنّهم بنو هاشم خاصّة دون نسائه(صلي الله عليه وآله وسلم).

وهناك من يري أنّهم رهط خاص من بني هاشم. وهم الّذين جلّلهم النبي(صلي الله عليه وآله وسلم)بكسائه. وقال: «اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي»، وذلك عندما نزل عليه قوله تعالي: (إنَّمَا يُريدُ اللّهُ ليَذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) وهم: علي. وفاطمة، وبنوهما(عليهم السلام). وهذا الخلاف جار في كلّ آية أو رواية فيها ذكر أهل البيت.

فنقول: لا شكّ أنّ النبيّ الكريم(صلي الله عليه وآله وسلم) أراد بقوله: «إني تاركٌ فيكم الثّقلين الخ» أن ينصب عالماً قائماً لإرشاد الاُمّة وهدايتها، وعالماً يدلّها علي تأويل الكتاب حسب نزوله. وإماماً يجمعها علي الخير والهدي أو يصدّها عن الشّرّ والرّدي.

وأين نساؤه وعامّة الهاشميّين من هذه الملكات العليّة، والصّفات القدسيّة الّتي لا تكون إلاّ للأنبياء والمرسلين وأوصيائهم(عليهم السلام)؟

وها نحن نري ونشاهد بأمّ أعيننا كثيراً من الهاشميّين محتاجين إلي التّعليم والإرشاد، فيكف يكون المحتاج إلي التعليم والإرشاد قريناً للقرآن الّذي اشتمل علي تبيان كل شيء؟ فلابد أنّه(صلي الله عليه وآله وسلم) أراد من أهل البيت رهطاً خاصّاً، لهم الكفاءة والقدرة علي النّهوض بذلك العبء الثّقيل، عبء الخلافّة والزّعامة الكبري، ولابدّ أنّ النّاس كانوا يعرفونهم في عهد الرّسول(صلي الله عليه وآله وسلم) ولابدّ أن يكون الحديث نفسه دالاًّ عليهم في عهده(صلي الله عليه وآله وسلم)دلالةً واضحة. ومرشداً إليهم إرشاداً بيّناً لا لبس فيه. وإلاّ لما صلح من المصلح الأكبر

حجّةٌ علي الاُمّة تقطع عنهم العذر، بل تكون للامّة حجّة عليه(صلي الله عليه وآله وسلم) إذ لم يعرّفهم بهم.

والحديث الشّريف نفسه يدلّنا، حين عبّر عن أهل البيت بالثّقل وقرنهم بالكتاب، علي أنّ هذا القرين والخليفة الثّاني رفيع الشّان، ثقيل الميزان، عليمٌ بما في القرآن، راسخ العلم، لا يعتري علمه شك ولا ارتيابٌ. «إلي أن قال»: فأهل البيت إذن في عهد الرّسول(صلي الله عليه وآله وسلم) هم: علي وابناه الحسن والحسين(عليهم السلام). هذا ما عرفه المسلمون الأوّلون، ونحن نعرفه اليوم من أهل البيت. لأنّ هؤلاء الثّلاثة هم وحدهم يسوغ لهم من بين الهاشميّين قاطبةً أن يتقمّصوا بقميص رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) ويأخذوا بزمام الحكم، ويسوقوا العباد إلي الرّشاد. وهؤلاء مع فاطمة فحسب، هم الّذين جلّلهم الرّسول(صلي الله عليه وآله وسلم)بالكساء وقال: «اللهمّ هؤلاء أهل بيتي، أذهب عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيراً». كما رواه الثّقات عن أم المؤمنين اُم سلمة رضي اللّه عنها.

ثم أورد أحاديث من طرق شتّي. منها ما أخرجه الشّيخ سليمان القندوزي في كتابه «ينابيع المودّة» [ص 228 ط. اسلامبول] عن الدّولابي عن اُمّ سلمة قالت: إنّ النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم)قال لفاطمة: إئتيني بزوجك وابنيك، فجاءت بهم فألقي عليهم كساءً فدكيّاً، ثمّ وضع يده عليهم وقال: «اللّهمّ إنّ هؤلاء آل محمّد فاجعل صلواتك وبركاتك علي محمد وآل محمّد إنّك حميدٌ مجيد»، قالت اُم سلمة: رفعت الكساء لأدخل معهم، فجذبه(صلي الله عليه وآله وسلم)وقال: «قفي مكانك، إنّك علي خير». انتهي.

أمعن النّظر في جذبه(صلي الله عليه وآله وسلم) الكساء من يد اُمّ سلمة، وقوله: «قفي مكانك إنّك علي خير». وحينما قالت مستفهمة: وأنا معهم؟ كما في رواية التّرمذي، فقال(صلي الله عليه وآله وسلم): «أنت

علي مكانك، وأنت إلي خير». تجده يُنبئ بوضوح بانحصار مصداق أهل البيت في عصر صاحب الرّسالة، بالّذين جلّلّهم الكساء ليس غير. إذ لو كان المقصود من أهل البيت ما يعمّ نساءه(صلي الله عليه وآله وسلم) لم يخرج اُمّ سلمة ولم يخاطبها بقولته تلك.

وخروج نساء النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم) عن مصداق أهل بيته كان أمراً مسلّماً لدي الصّحابة. يرشدك إلي ذلك قول الصّحابي الكبير زيد بن أرقم في جواب من سأله: من أهل بيته؟ نساؤه؟ قال: لا وأيم اللّه إن المرأة تكون مع الرّجل العصر من الدّهر، ثمّ يطلّقها فترجع إلي أبيها وقومها. وأمّا بعد هؤلاء، فمن هم أهل البيت؟ لأن النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم) أخبر ببقائهم مع القرآن حتّي يردا عليه الحوض. والهاشميون بعد السبطين كثيرون، ولا سيّما من كان من ذريّتهما، فهل أراد(صلي الله عليه وآله وسلم) جميع بني هاشم؟ أم خصوص العلويّين منهم؟ أم فئةً خاصّةً من العلويين؟ ولا شكّ أنّ كثيراً من الهاشميّين والعلويّين محتاجون إلي الصّلاح والهداية، وفيهم من لا يتحاشي المنكر، فكيف يكونون قرناء الكتاب؟ الكتاب الّذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، الكتاب الّذي يبقي معجزة مدي الدّهر، فقرين الكتاب لابدّ أن يكون علي شاكلته، وعارفاً به حقّ معرفته، فعليه، لابدّ أنّه(صلي الله عليه وآله وسلم) قصد فئة خاصّة من أهله، عندهم علم الكتاب، دون الكلّ منهم.

فإذا كان النّبي(صلي الله عليه وآله وسلم) يقصد من أهل البيت رهطاً خاصاً، فهل من الممكن أن يقصد أناساً تجهل الأمّة أعيانهم ولا تهتدي إلي أشخاصهم؟ ويا هل تري إن اللّه سبحانه ورسوله يكلّفان الامّة شططاً، ويحملانها علي معرفة من تهتدي إليه؟ كلاّ ثم كلاّ. فلابدّ إذن أن

يكون(صلي الله عليه وآله وسلم) أراد رهطاً خاصاً من قومه، معروفة أسماؤهم، معلومة خصالهم وصفاتهم، لا ينكرهم النّاس بعد التّعريف، ولا يخفي عليهم بعد الإشارة والتّوصيف.

الحاكم

قال في كتابه «المستدرك» [3: 146 ط. دار المعرفة بيروت] حدّثنا أبوبكر أحمد بن سلمان الفقيه، وأبو العبّاس محمّد بن يعقوب، قالا: حدّثنا الحسن بن مكرم البزّار، حدّثنا عثمان بن عمر، حدّثنا عبدالرّحمن بن عبداللّه بن دينار، عن شريك بن أبي نمر، عن عطاء ابن يسار، عن اُمّ سلمة قالت: في بيتي نزلت: (إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرّجس أهل البيت)، قالت: فأرسل رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) إلي عليٍّ وفاطمة والحسن والحسين فقال: «هؤلاء أهل بيتي». هذا حديث صحيح علي شرط البخاري ولم يخرجاه.

وقال: حدّثنا أبو العبّاس محمّد بن يعقوب، حدّثنا الرّبيع بن سليمان المرادي، وبحر ابن نصر الخولاني، قالا: حدّثنا بشر بن بكر، وحدّثنا الأوزاعي، حدّثني أبو عمّار، حدّثني واثلة بن الأسقع قال: أتيت عليّاً فلم أجده، فقالت لي فاطمة: انطلق إلي رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) يدعوه. فجاء مع رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) فدخلا ودخلت معهما. فدعا رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) الحسن والحسين فأقعد كلّ واحد منهما علي فخذيه، وأدني فاطمة من حجره وزوجها. ثمّ لفّ عليهم ثوباً وقال: (إنما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً)، ثم قال: «هؤلاء أهل بيتي، اللّهمّ أهل بيتي أحق».

وأخرج من طريق أبي العبّاس محمّد بن يعقوب أيضاً بإسناده إلي عائشة رضي اللّه عنها قالت: خرج النبي(صلي الله عليه وآله وسلم) غداةً وعليه مرطٌ مرجّلٌ من شعر أسود، فجاء الحسن والحسين فأدخلهما معه، ثم جاءت فاطمة فأدخلها معهما، ثم جاء علي فأدخله

معهم، ثم قال: (إنما يريد اللّه ليذهب عنكم الرّجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً). هذا حديثٌ صحيحٌ علي شرط الشيّخين ولم يخرجاه.

وقال: كتب إليّ أبو إسماعيل محمّد ابن النّحوي يذكر أنّ الحسن بن عرفة حدّثهم، قال: حدّثني علي بن ثابت الجزري، ثنا بكير بن مسمار مولي عامر بن سعد. سمعت عامر بن سعد يقول: قال سعد: نزل علي رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) الوحي فأدخل عليّاً وفاطمة وابنيهما تحت ثوبه ثم قال: «اللّهم هؤلاء أهلي وأهل بيتي».

وقال: حدّثني أبو الحسن إسماعيل بن محمّد بن الفضل بن محمّد الشّعراني، ثنا جدّي، ثنا أبو بكر بن أبي شيبة الحزامي، ثنا محمّد بن إسماعيل بن أبي فديك، حدّثني عبدالرحمن بن أبي بكر المليكي، عن اسماعيل بن عبداللّه بن جعفر بن أبي طالب عن أبيه قال: لمّا نظر رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) إلي الرّحمة هابطة قال: «ادعوا لي ادعوا لي»، فقالت صفيّة: من يا رسول اللّه؟ قال: «أهل بيتي: عليّاً وفاطمة والحسن والحسين»، فجيء بهم فألقي عليهم النبي(صلي الله عليه وآله وسلم) كساءه ثمّ رفع يديه، ثم قال: «اللّهم هؤلاء آلي، فصلّ علي محمد وعلي آل محمد»، وأنزل اللّه عزّوجلّ: (إنّما يُريدُ اللّهُ لِيُذْهِب عَنْكُم الرِّجْسَ أهَلْ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تطهيراً) هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وقد صحّت الرّواية علي شرط الشيّخين أنّه (صلي الله عليه وآله وسلم)علّمهم الصّلاة علي أهل بيته كما علّمهم الصّلاة علي آله.

ثمّ ساق الحديث عن عبداللّه بن عيسي بن عبدالرّحمن بن أبي ليلي، أنّه سمع عبد الرّحمن بن أبي ليلي يقول: لقيني كعب بن عجرة فقال: ألا أهدي لك هديّة سمعتها من النبي(صلي الله عليه وآله وسلم)؟ قلت: بلي. قال: فاهدها إلي،

قال: سألنا رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) فقلنا: يا رسول اللّه كيف الصّلاة عليكم أهل البيت؟ قال(صلي الله عليه وآله وسلم): «قولوا اللّهم صلّ علي محمد وعلي آل محمد، كما صلّيت علي إبراهيم وعلي آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد، اللّهم بارك علي محمد وعلي آل محمّد، كما باركت علي إبراهيم وعلي آل ابراهيم إنك حميدٌ مجيد». وقد روي الحديث بإسناده وألفاظه حرفاً بعد حرف الإمام محمّد بن إسماعيل البخاري عن موسي ابن إسماعيل في الجامع الصّحيح، وإنما خرّجته ليعلم المستفيد أن أهل البيت والآل جميعاً هم.

سيدي العلامة علوي بن طاهر الحداد

قال في كتابه «القول الفصل» [2: 286 ط. جاوا] بعد أن أورد روايات في هذا المضمون بلغ عددها إلي أربع وعشرين رواية: من هم أهل البيت في الآية؟ «يعني: آية التّطهير» ثم قال: هذا فصلٌ نقلته عن بعض محقّقي أصحابنا لاشتماله علي فوائد جليلة مع حذف قليل، وسنستدركه ببعض ما فاته. قال بعد إيراده بعض روايات الحديث وتصحيح ابن تيميّة له:

قلت: لهذا الحديث طرقٌ جمّة، وصحّته وثبوته ممّا لا شك فيه ولا مرية، وهو نص صريحٌ علي انحصار الخصوصيّة العظمي في جميع ما جاء في أهل بيته(صلي الله عليه وآله وسلم) في هؤلاء وأبنائهم فقط، فهم فقط حامّة النبي(صلي الله عليه وآله وسلم) وخاصّته وورّاثه وخلفاؤه وأهل الحقّ وقرناء الكتاب. ولا يشاركهم في شيء من هذا ولا ما يقاربه أحدٌ، لا آل عبّاس ولا آل جعفر فضلاً عن غيرهم. ولا بنو عليٍّ من غير فاطمة. ولهذا قال البيهقي: وكأنّه جعله في حكم الأهل تشبيهاً لا تحقيقاً. انتهي.

وسيظهر معني قول البيهقي ومغزاه فيما يلي:

ونقل عن المحب الطّبري أن إدخال النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم) لهؤلاء الخمسة تكرّر في بيت

أم سلمة وفاطمة وغيرهما، وهو الصّواب وسيأتي الكلام فيه.

ثم نقل الحفظي عن العلاّمة السيّد عليّ السّمهودي قوله رحمه اللّه تعالي:

إعلم إنّي تأمّلت هذه الآية مع ما ورد من الأخبار في شأنها وما صنعه النّبي(صلي الله عليه وآله وسلم)بعد نزولها، فظهر لي أنّها منبع فضائل أهل البيت النّبويّ لاشتمالها علي أمور عظيمة لم أر من تعرّض لها.

أحدها: اعتناء الباري بهم وإشادته بعلي قدرهم حيث أنزلها في حقهم.

ثانيها: تصديرها بقوله تعالي: (إنَّمَا) الّتي هي أداة حصر لإفادة أن إرادته تعالي في أمرهم مقصورةٌ علي ذلك الّذي هو منبع الخيرات لا يتجاوزه إلي غيره.

ثالثها: تأكيده لتطهيرهم بالمصدر ليلعم أنّه في أعلي مراتب التّطهير.

رابعها: تنكيره تعالي لذلك المصدر حيث قال: (تَطْهِيراً) للإشارة إلي كون تطهيره إياهم نوعاً عجيباً غريباً ليس ممّا يعهده الخلق ولا يحيطونه بدرك نهايته.

خامسها: شدّة اعتنائه(صلي الله عليه وآله وسلم) وإظهاره واهتمامه بذلك، وحرصه علي ذلك مع إفادة الآية لحصوله، فهو إذن لتحصيل المزيد من ذلك، حيث تكرّر طلبه ذلك من مولاه عزّوجل، مع استعطافه بقوله: «اللّهم هؤلاء أهل بيتي وخاصّتي». أي: وقد جلعت إرادتك في أهل بيتي مقصورةً علي إذهاب الرّجس، فأذهبه عنهم وطهّرهم تطهيراً، بأن تجدّد لهم من مزيد تعلّق الإرادة بذلك ما يليق بعطائك.

سادسها: دخوله(صلي الله عليه وآله وسلم) معهم في ذلك، لما ورد عن أبي سعيد الخدري(رضي الله عنه): نزلت في خمسة «الخ» وقد تقدّم، بل جاء في رواية اُمّ سلمة رضي اللّه عنها: نزلت هذه الآية في بيتي، (إنما يريد اللّهُ) الآية، في سبعة: جبرئيل وميكائيل، ورسول اللّه، وعلي وفاطمة، والحسن والحسين. وفيه مزيد كرامتهم وإبانة تطهيرهم، وإبعادهم عن الرّجس الذي هو الإثم والشّك فيما يجب الإيمان به ما لا يخفي

موقعه عند أولي الألباب.

سابعها: دعاؤه(صلي الله عليه وآله وسلم) بما تضمّنت الآية وبأن يجعل اللّه صلواته ورحمته وبركاته ومغفرته ورضوانه عليهم. لأن من كانت إرادة اللّه في أمره مقصورة علي ذهاب الرجّس عنهم والتّطهير لهم، كان حقيقاً بهذه الاُمور.

ثامنها: في طلب ذلك له ولهم من تعظيم قدرهم، وإنافة منزلتهم، حيث ساوي بين نفسه وبينهم في ذلك ما لا يخفي.

تاسعها: إنّه(صلي الله عليه وآله وسلم) سلك في طلب ذلك من مولاه عزّوجلّ أعظم أسلوب وأبلغه. فقدّم علي الطّلب مناجاته تعالي بما تضمّنه قوله: «اللّهم قد جعلت صلواتك ورحمتكو مغفرتك ورضوانك علي إبراهيم» فأتي بهذه الجملة الخبريّة المقرونة «بقد» التحقيقية. المفيد لتحقيق ذلك من مولاه. ثمّ أتبعه بالمناجاة بقوله(صلي الله عليه وآله وسلم): «اللّهم إنهم منّي وأنا منهم» وذلك من قبيل الإخبار، ثمّ فرّع علي الجملة الطّلبيّة حيث قال: «فاجعل صلواتك» لسرٍّ لطيف ظهر لي بوجهين:

الأوّل: تمام المناسبة في الاُبوّة الإبراهيميّة التي اُعطيها(صلي الله عليه وآله وسلم) فإنّها تقتضي استجابة هذا الدّعاء، وأن يعطي ما طلبه لنفسه ولأهل بيته كما اُعطي أبوه إبراهيم.

الثّاني: أنّه(صلي الله عليه وآله وسلم)من جملة آل ابراهيم، قال ابن عبّاس في تفسير قوله تعالي: (إن اللّه اصطفي آدم ونوحاً وآل ابراهيم وآل عمران علي العالمين): محمّدٌ من آل إبراهيم، وآله قد اُعطوا تلك الأنوار، فقد ثبت إعطاء الأنوار له فيما مضي وآله منه وهو منهم. فتوصّل لاستيجاب إنعامه بذكر أنعامه.

عاشرها: أنّ دعاءه(صلي الله عليه وآله وسلم) مقبولٌ سيّما في أمر الصّلاة عليه. فقد دعا مولاه أن يختصّه وآله بالصّلاة عليه وعليهم، فتكون الصّلاة عليه وعليهم من ربّه عزّوجلّ كذلك.

حادي عشرها: أنّ جمعهم معه(صلي الله عليه وآله وسلم) في هذا التّطهير الكامل وما نشأ

عنه وعنهم مقتض لإلحاقهم بنفسه الشّريفة. كما يشير إليه بقوله: «اللّهم إنهم منّي وأنا منهم» وقوله: «أنا حربٌ لمن حاربهم، وسلمٌ لمن سالمهم» وقوله: «ألا من آذي قرابتي فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذي اللّه» فأقامهم في ذلك مقام نفسه. وكذا في المحبّة، في قوله: «والذي نفسي بيده، لا يؤمن عبدٌ حتي يحبّني، ولا يحبني حتي يحب ذويّ» وقوله: «إنّي تارك فيكم الثقلين» وكذا ألحقوا به في قصّة المباهلة المشار اليها بقوله تعالي: (قُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ اَبْنَاءَنَا واَبْنَاءَكُمْ) الآية. فغدا رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) محتضناً الحسين آخذاً بيد الحسن، وفاطمة تمشي وعلي خلفها. والأمر الّداعي إلي المباهلة إظهار الكاذب في تلك الخصومة، وهو أمرٌ مختصٌ به(صلي الله عليه وآله وسلم) ومن يكاذبه. فألحق تعالي أهل الكساء به، ولأنه آكد في الدّلالة علي ثقته واستيقان صدقه. حيث اجترأ علي تعريض أعزّته وأفلاذ أكباده وأحب الناس إليه لذلك، ولم يقتصر علي تعريض نفسه. وعلي ثقته بكذب خصمه حتّي يهلك خصمه مع أحبّته وأعزّته هلاك استئصال إن تمّت المباهلة.. وخصّ الأبناء والنساء لأنّهم أعزّ الأهل، وقدّمهم في الذكر لنبيّه علي إنافة قدرهم، وإيذاناً لأنهم مقدّمون علي النّفس مفدّون بها. قال الزمخشري: ولا دليل أقوي من هذا علي فضل أصحاب الكساء.

ثاني عشرها: إن قصر الإرادة الإلهيّة في أمرهم علي إذهاب الرّجس والتّطهير، يشير إلي ما سيأتي من تحريمهم في الآخرة علي النّار. فمن قارف منهم شيئاً من الأوزار يرجي أن يتداركه بالتّطهير، بإلهام الإنابات، وأسباب المثوبات، وأنواع المصائب المؤلمات، ونحو ذلك من المكدّرات، وعدم إنالتهم ما لغيرهم من الحظوظ الدنيويّات، وكذا بما يقع من الشّفاعات النّبويّات.

ثالث عشرها: حثّهم بذلك علي كمال البعد عن دنس الذّنوب والمخالفات، وتمام

الحرص علي امتثال المأمورات، بدلالة ما سبق من قوله(صلي الله عليه وآله وسلم) عند تذكيرهم بالصّلوات: «الصّلاة يرحمكم اللّه، (إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرّجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً)».

رابع عشرها: إنّ قوله(صلي الله عليه وآله وسلم): «فجعلني في خيرهم بيتاً، فذلك قوله تعالي: (إنّما يُريدُ اللّهُ لِيُذهِب عَنْكُم الرِّجْسَ أهَلْ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهيراً)» داّلٌ علي أنّهم استحقوا بذلك أن يكونوا خير الخلق، وقد اُعطي إبراهيم أنبياء من أهل بيته. بل لم يكن نبي من بعده إلاّ من ذرّيته، وإكرام نبيّنا(صلي الله عليه وآله وسلم) بكونه خاتم النّبيّين اقتضي انتفاء ذلك، فعوّض من ذلك كمال طهارة أهل بيته. فنال منهم درجة الوراثة والولاية خلقٌ لا يُحصي عددهم. وللّه درالقائل:

للّه ممّن قد برا صفوةً

وصفوة الخلق بنو هاشم

وصفوة الصّفوة من بينهم

محمّد النّور أبو القاسم

وبيته أكرم بيت سما

كم عامل فيهم وكم عالم

وناطق في حكمة اسندت

عن ناثر منهم وعن ناظم

خامس عشرها: إنّ الآية أفادت أنّ طهارتهم ومساواتهم نشأ من ذلك إلحاقهم به في المنع من الصّدقة، الّتي هي أوساخ أموال النّاس. وعوّضوا عن ذلك خمسٌ من الفيء والغنيمة. ولذلك قال(صلي الله عليه وآله وسلم): «إن في خمس الخمس ما يكفيكم». «انتهي كلام السمهودي»

ثمّ قال في [ص 290] من كتابه المذكور:

وقد زعم بعض حسّاد أهل البيت وعداتهم أنّ الآية مخصوصةٌ بأمّهات المؤمنين لوقوعها في سياق آيات متعلّقة بهنّ. وتكلّفوا في تأويل تذكير الضّمير من المذكورين في هذه الآية خاصّة دون ما قبلها و ما بعدها، وهي بضعة عشر ضميراً، واحتجّوا بما افتخره عكرمة الصّفري الخارجي. ممّا رواه عنه جماعةٌ، حتي صرّح بعضهم أنّه كان ينادي في السّوق بأنّ الآية نزلت في نساء النبي(صلي الله عليه وآله وسلم) ويقول ليس بالّذي يذهبون

إليه، وصنيع هذا الكذّاب إنّما حمله عليه شدّة بغضه لأهل الكساء. ولكن عند من عقل وأنصف، إنما يفيد ضدّ ما أراده، فلولا شهرة كون هذه الآية خاصّة بأهل الكساء يعرفها حتّي أهل السّوق، وأنّ القول بذلك فاش بين عوام المسلمين فضلاً عن خاصّتهم، لما احتاج ذلك الدّجّال للنّداء في السّوق. ومن المشهور تردّد ذلك الخبيث الي الأمراء، يستعطيهم ويستطعمهم. فغير بعيد أن ينال منهم أجراً وتشجيعاً علي هذا الافتراء، إذ النّصب قد كان فاشياً إذ ذاك. والتّأجير علي ذمّ أهل البيت قد اشتهر. «سيأتي نزر يسير من ذلك عند كلامه علي حديث الثقلين».

وقال في [ص 292] من نفس المصدر:

فالآية في أهل الكساء خاصّة، وهم أيضاً أهل المباهلة، لم يدخل فيهم أحدٌ آخر. فاختصّ اسم النساء هناك في قوله: (ونساءنا ونساءكم) بفاطمة وحدها. دون اُمّهات المؤمنين. لأنّهن كنّ حينئذ من نساء النّبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم)، فمن الممكن المعتاد أن يعددن من نساء قومهن. وقد أخرجهن الدّليل، والعام يخصّ بأقلّ من هذا. وما صحّ من تفسير النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم)للقرآن هو الواجب الاعتقاد، وقد تقدّم به النّقل الكافي، وتركنا كثيراً منه لئلاّ يطول الكتاب. فتفسير من فسّر الآية هنا بغير أهل البيت مردودٌ مبتدعٌ، ويشهد لصحّة ما قاله الجمهور، ويوضح فساد قول الشّذّاذ ما صحّ من ردّه(صلي الله عليه وآله وسلم) لعائشة واُم سلمة، وعدم إدخاله لهما.

والقول بأن الآية خاصّةٌ بأهل الكساء فقط قد صحّ عن عدد من الصّحابة وجماعات من محققي العلماء نصّاً شبه الإجماع.

ثم قال: قال المحدّث حسن الزّمان ناقلاً عن تفسير الشّهاب السّهروردي: وقال الآخرون أي جميع الصّحابة، غير ابن عبّاس: هذا خاص في رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) وعليٍّ وفاطمة

والحسن والحسين. فهذا هو الأكثر والأكثر أرجح. ثم قال ما معناه: الحاصل أن لفظ أهل البيت يجيء بمعان، لكن بتصريح المصطفي(صلي الله عليه وآله وسلم) سقط سائرها عن هذه الآية. وكانت خاصّة في حقّ هؤلاء الخمسة. انتهي بحروفه.

قلت: قوله: غير ابن عبّاس يعني: في رواية عكرمة الصّفري الّذي قيّده عليّ بن عبد اللّه بن عبّاس لكذبه علي أبيه، ولصحّة الرّواية عن ابن عبّاس بما قاله الأكثر. قال بعض العلماء: قد رجع ابن عبّاس عن ذلك القول الشّاذ، وأكبر اصحاب ابن عبّاس الآخذين التفسير عنه قتادة. كما قال العلماء حتّي ابن تيميّة، وقتادة مصرّحٌ بما ثبت من نزول الآية في الخمسة.

وقال في [ص 308]: وأمّا ما ذكره السّمهودي وأقرّه المحقّق من أنّ الإرادة في آية التّطهير إرادة كونيّة، فإنه ميدانٌ فيه للعلماء سبحٌ طويلٌ. واستيفاء ذكر القائل والمقول، ومافي المسألة من نقول، يكثر ويطول، ولا محلّ للإطالة، ولكنّا نذكر شيئاً من ذلك يحيط معه المطالع بحقيقة أقوالهم، فنقول:

إنّ الأشعريّة قاطبة وأتباع الأشعري، وهم معظم أهل المذاهب الأربعة، والصّوفيّة أجمع يثبتون للّه إرادةً واحدةً كونيّةً، يجب وقوع ما تعلّقت به، وعلي هذا المذهب مشي السّمهودي فيما قاله، وقد قال بمثل قوله كثيرون غيره. وللعلاّمة الشّيخ أحمد بن محمّد الحفظي منظومةٌ سمّاها «رد الوعوعة» استوفي فيها هذا المعني. وأجاب عما يلزمه فقال:

قد صحّ قطعاً عند أهل السنه

بأن مولانا عظيم المنّه

صفاته كذاته في القدم

وفي الدّوام وانتفاء العدم

وإن منها صفة الإراده

وهي لتخصيص الّذي أراده

وأنّه قد علّق التّطهيرا

بها لآل المصطفي تعزيرا

فلا يجوز أبداً تحويله

ولا انتقال ذاك أو تبديله

لأنه يستلزم الحدوثا

للذّات والصّفات والنّكوثا

وكل هذا مستحيلٌ قطعا

نقلاً وعقلاً مفرداً وجمعا

إذا عرفت هذه المقدّمه

فإن كل مسلم ومسلمه

فرضٌ عليهم لازمٌ أن يشهدوا

بما سمعت وله يعتقدوا

ولا

يجوز الخلف والتبديل

بذلك الحكم ولا التحويل

وربّنا يشهد في الآزالِ

بإنّه مطهّرٌ للآل

مع أنّهم لم يسلموا من ذنب

فليس معصوماً سوي مَن نُبّي

وعلمه بكلّ هذا قد سبق

ثمّ تراه شاهدا بما اتّفق

لو لم يكن سبحانه تجاوزا

عنهم ولم يقسّم الجوائزا

بتوبة قبل الممات مثمره

تبديل كلّ سيّء أو مغفره

لم يشهدنّ لهم بما نزل

في سورة الأحزاب في ماضي الأزل

والأخذ بالعصيان للشّريف

مصادمٌ شهادة اللّطيف

وذاك نصٌ في الذي قد أفهما

أقوي دليل الّذي قد اُلهما

ونقله يريد أن يخفّفا

يريد أن يتوب عمّن قد هفا

لكم يريد اليسر قد أطالا

بعضُهمُ وأكثر المقالا

وقال لا تفيد للتّلازم

بين الوقوع ومراد العالم

وآية التّطهير من هذا الّنمط

تفيد للحصر علي قطع فقط

(فإنّما) الأوّل ثم الثّاني

(تأكيده) باللام للمباني

(مؤكّدٌ) بالمطلق المفعول

(منكّراً) في الحكم والنّزول

جعله في سبب الإنزال

لآية التّطهير في السّؤال

اسم إشارة لما قد أسندا

اليه في دعائه وما اعتدا

وعند أرباب البيان نكت

غير الذي تسمعه قد أثبتوا

إن قلت إن الآية المعظّمه

قد اُنزلت في خمسة مكرّمه

فما الدّليل في دخول عترته

تحت الكسا حكماً وتحت دعوته

فعندنا دلائلٌ تواترت

دلّت علي القطع وقد تضافرت

منها خصوص السّبب المهم

لم يمتنع منه عموم الحكم

لم يخلقوا إذ ذاك والبطون

في عالم الظّهور قد يكون

وقال ألحقنا بهم سبحانه

ذرّيةً فردّدن قرآنه

وأهل بيت المصطفي ذرّيته

حقيقةٌ وهم بنوه عترته

مقارنين للكتاب أبدا

إلي ورود الحوض فيما وردا

وواحدٌ من ثقلين قد ترك

من بعده فينا تنوّر الحلك

وأمر الأمة بالّتمسك

بهم فيا للّه من مستمسك

فهذه دلائل الدخول

في آية التّطهير والشّمول

وأنّهم قد اُلحقوا بنفسه

وكلّ فرع لاحقٌ بغرسه

طهّرهم ربّهم وأذهبا

لكلّ رجس عنهم وطيّبا

فكل فرد منهم مطهّر

من ذلك اليوم إلي أن يحشروا

وصيغة الفعل لها التّجديد

علي الدّوام ولها التّرديد

ثمّ أفاض في رد ما يرد علي هذا القول وما يؤيدّه. وذكره يطول، ومجمله.

إن أهل بيته(صلي الله عليه وآله وسلم) مكلّفون بالشّرائع الإسلاميّة، مقيّدون بالأمر والنّهي غير مطلقين. وما جري منهم من الذّنوب فمغفرته متحققة،

لتعلّق الإرادة الأزلية بإذهاب الرّجس عنهم، وطهارتهم عنه متوقعة الحصول غير مختلفة، لأن الحكم علي الشّخص إنّما ينبني علي ما يستقر عليه حاله آخر عمره، وما يؤول إليه في صيور أمره.

فذنبهم ممحو لا محالة، إمّا بتوبة أو محض مغفرة. وأمّا الرّدّة والشّرك فهو مستحيلٌ في حقّهم. فلم يبق إلاّ الذنوب، وهي تنقسم إلي قسمين: صغيرةٌ وكبيرةٌ.

أمّا الصّغيرة فلها أسبابٌ كثيرةٌ تمحوها من المكفّرات للصّغائر، كالجماعات والجمعات والصّلوات، والحسنات يذهبن السّيئات. فوفّقهم اللّه لما يكفّر صغائرهم.

وأمّا الكبيرة. فهي تحت قضاء المشيئة الإلهيّة، وهذا يظهر في حقّ عامّة النّاس في يوم القيامة. أمّا في حقّ أهل البيت فقد ظهر حكم المشيئة من اليوم. فكبائرهم مغفورة لا محالة. ومع ذلك فمن أتي منهم حدّاً حددناه، أو جاء بما يقتضي العقوبة عا قبناه. واستدلّ علي ذلك بقوله(صلي الله عليه وآله وسلم) في عثمان(رضي الله عنه) لمّا جهّز جيش العسرة: «ما ضرّ عثمان ما عمل بعدها». وبقوله(صلي الله عليه وآله وسلم) في أهل بدر: «لعلّ اللّه اطّلع علي أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم» وما أشبه ذلك، قال: ولم يردّ أحدٌ مضمون هذين الحديثين وما شابههما ويؤوّلهما أو يقيّدهما. فكذلك القول فيما دلّت عليه آية التّطهير، وأمّا ما كان من مظالم العباد فيعوّض اللّه عنها أهلها. هذا مجمل كلامه.

وقال في [ص 407]: ومن المعلوم أنّ أهل بيته(صلي الله عليه وآله وسلم) وعترته الّذين هم أصله وعصبته هم غير نسائه قطعاً لا يشك فيه أحد، ونساؤه(صلي الله عليه وآله وسلم) إنّما لحقن بهم لمكانهنّ منه(صلي الله عليه وآله وسلم). ولو طلّقت إحداهنّ لخرجت بذلك عن أن تعدّ من زوجاته، فضلاً عن أن تلحق بأهل بيته. لأنها إنّما اتّصلت

بهذا البيت لمكان عقد الزّوجيّة، فإذا انحل العقد انحلّ ذلك الاتصال جملة.

والسّؤال هو: عن أهل البيت من هم؟ وعن الزّوجات هل هنّ من أهل بيته؟ يجاب بنعم. مع استدراك ما يوهمه الإطلاق من أصالتهنّ وانحصار الأهليّة فيهنّ، ولذلك أورد زيد بن أرقم(رضي الله عنه) ذلك علي صيغة الاستدراك فقال: إن نساءه من أهل بيته. ولكنّ أهل بيته من حرم عليه الصّدقة.

وقال في [ص 302]: إنّها لو كانت نزلت في الزّوجات الطّاهرات، لبقي الخطاب معهنّ كما في الآيات السّابقة. ولكن تذكير الضّمائر دلّ علي صرف الخطاب عنهنّ، ووضع الآية أثناء الآيات المخاطبات بهنّ يشعر بالحكمة في الأوامر الّتي أمرن بها. وهذا القدر كاف للمناسبة بين الآيات، وهو مسقطٌ لقول من استدلّ علي أنّها نزلت فيهنّ بورودها في سياق الآيات المذكورة.

ثمّ ذكر قول الطّحاوي نقلاً عن «مشكل الآثار» بعد أن جزم بأنّ الآية نزلت في أهل البيت، ما لفظه: وحديث سعد وما ذكرناه معه من الأحاديث في الباب الأوّل معقولٌ بها من أهل الآية المتلوّة. لأنّا قد أحطنا علماً أن رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) لمّا دعا من دعا من أهله عند نزولها لم يبق من أهلها المرادين فيها أحدٌ سواهم. وإذا كان ذلك كذلك استحال أن يدخل معهم فيما اُريد به سواهم.

وقال في [ص 298]: أنّه قد صحّ الحديث بنزول: (إنَّما يريدُ اللّه لِيذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ) في أهل البيت. وأنّهم هم المعنيون بها، عمّن اُنزلت عليه(صلي الله عليه وآله وسلم) وقبول بيانه(صلي الله عليه وآله وسلم)وتفسيره واجبٌ لمسلم عنه، ولا قيمة لبيان مع بيانه، ولا لقول مع قوله، وكل من خالف الثّابت عنه مردودٌ علي قائله، مضروبٌ به وجه صاحبه.

دعوا كل قول غير قول محمّد

فعند

طلوع الشّمس ينطمس النّجمُ

وقال في [ص 298]: ونحمد اللّه علي أنّ القائلين بأنّها نزلت في أهل البيت هم الجمهور. ولعل النّزاع في ذلك من آثار سياسة الملوك، التي سعي في تنفيذها كثيرٌ من علمائهم. فإنّه لمّا اقتضت سياستهم سفك دماء أهل البيت وجد من العلماء من يضع لهم الحيل ويعتذر عنهم فيما فعلوه. أو يحسّن فعلهم كما حسّنوا منهم تسميم الحسن السّبط، وسعد بن أبي وقاص، ونحو ذلك اغتيال محمّد بن مسلمة، وساعدوهم في كتم فضائلهم، أو المنازعة فيها. وكم من الأحاديث المستفيضة بل المتواترة لم يجرؤ أحدٌ من نقّاد المحدّثين البريئين من نزعة النّصب، أن ينكره أو يضعّفه. وغاية ما بلغ النّصب باتّباع النّواصب منهم أن أنكروا بعض ألفاظ رواياته، لظنّهم فيها أنّها تصادم مذاهبهم، ومنهم من أعرض عن روايتها كراهية أن يتّخذها الغلاة من الشيعة مدرجة إلي الطّعن في الأكابر. ولهم في كتم ما كان كذلك مذهبٌ معروفٌ، كما صرّح بذلك الحافظ ابن حجر في الفتح. ونُسب إلي أحمد بن حنبل كراهية التحديث بالأحاديث التي يفهم منها جواز الخروج علي الملوك. وقد ترجم البخاري فقال: «باب من خصّ بالعلم دون قوم مخافة أن لا يفهموا. وقال علي: حدّثّوا النّاس بما يعرفون، أتحبّون أن يكذّب اللّه ورسوله»؟ وأخرج في الباب حديث معاذ، فراجعه. وينبغي أن يحمل ما زعمه بعضهم من سكوت أحمد بن حنبل عن حديث عمّار تقتله الفئة الباغية، علي هذا المعني لتواتر الحديث، وإخراجه له في مسنده كما أخرجه أهل الصّحاح. وقد روي الحافظ الثّقة ابن أبي شيبة عن الإمام أحمد أنّه قال: هو حديثٌ صحيحٌ عن رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم). وكذلك ما زعمه ابن تيميّة عنه في حديث «وإنهما

لن يفترقا حتّي يردا عليّ الحوض» فإنّه قد روي بأسانيد صحيحة، ورواه أحمد في مسنده كما رواه غيره. وينبغي لك أن تعرف أنّ بعض أصحاب أحمد ينقل عنه من أمثال هذا ما ينكره أكثر العلماء وينزّهونه عنه، فكن منهم علي حذر.

وقد كان في القديم لعلماء النّواصب صولةٌ عظيمةٌ، واستيلاء علي العامّة والهمج. وقد أنكروا علي أحمد تربيعه بعليٍّ(عليه السلام) في الخلافة، وقد يتعصّب بعض هؤلاء علي حديث صحيح فيردّه أو يطعن فيه لأنه رآي الشّيعة يستدلّون به، ولا يتفطّن لوجه الجمع بين قبوله وتأويله. فإذا سمع المتعالمون والعوام ما يقوله في ذلك الحديث اتخذوه حجّة، ونقلوه إلي كلّ قطر ومصر، وجلعوه أصلاً بينهم. فإذا سئل عنه مثل الإمام أحمد كان في مبادهتهم بغير ما عندهم إثارة فتنة صمّاء عمياء، فكان قصاراه السكوت، أو اللّياذ بالمعاريض من القول، فيفهمون منها ما مرّنوا ومرّدوا عليه، ويكون قد دفع بها عن نفسه، وقد كان الأمر الملجئ للإمام أحمد وأشباهه إلي ذلك عظيمٌ. وحسبك بتألّب الخاصّة الذين هم علماء الملوك وأتباعهم من العامّة. إلي أن قال في [ص 378]: وقد كان ملوك النواصب يضربون بالسياط، من لم يلعن عليّاً(عليه السلام)، ولم يبرأ منه، وكثيراً ما قتلوهم، فكيف بمن تجرّأ فروي فضائله وفضائل آله. فكيف بمن روي نقائص أولئك الجبابرة وما ورد فيهم، ولو أردنا تحديد من ضُرب أو جُلد أو قُتل أو هُدم بيته في ذلك السّبيل لذكرنا ما يملأ عدّة صحائف، ومنهم اُناسٌ مشهورون، كالإمام يحيي بن أبي كثير، وعبدالرّحمن بن أبي ليلي، وغيرهم.

والقصد ممّا ذكرناه: بسط العذر لمن لم يخرج بعض الأحاديث الصّحيحة أو المتواترة الواردة في فضائل أهل البيت، أو في فضائل عليٍّ(عليه السلام). فإن الخوف

كان شديداً، والاستبداد والتّغلب في عنفوانه وعظم قوّته وانتشار سطوته.

وإّنا لنري في زماننا هذا كيف يتسابق العلماء والقضاة والمفتون إلي إرضاء السّلاطين، ولا يسألونهم فتوي بما يخالف الدّين ويؤيد الطّواغيت والقوانين، إلاّ بادروا إليه فرادي ووحداناً، وعمدوا إلي آيات اللّه يحرّفونها، وإلي سنّة رسوله يطعنون فيها أو يردّونها. هذا علي أنّهم آمنون علي أنفسهم وأموالهم، ولكنّهم يخافون العزل من الوظائف أو يطمعون في الحصول عليها، فيكف يلام بعد هذا من لم يخرّج حديثاً صحيحاً؟ وقد كان يخاف علي عهده أن تضرب عنقه، أو تستصفي أمواله، أو يصبّ عليه الماء البارد، أو تحلق لحيته ويطاف به في الأسواق، أو يسقي شربةً من عسل، فعليك رحمك اللّه ببسط العذر لهم والاستمساك بحسن الظّن.

أقول: وأمّا في عصرنا الحاضر فلعلّ البعض منهم من غرّهم عظيم الجاه، فألجأهم إلي استمالة قلوب الأتباع خوفاً من أن ينفروا منه، ومنهم من غلبهم حب العلوّ والاستعلاء فأوّل الأحاديث بالتّأويلات الباردة، رغبة في المساواة بأهل بيت المصطفي(صلي الله عليه وآله وسلم) إن لم نقل حسداً من عند أنفسهم، لما رأوا من عظيم توقير الأمّة لبقايا العترة الطّاهرة وبما آتاهم اللّه من فضله. والله أعلم.

النبهاني

قال في كتابه «الشرّف المؤبّد لآل محمّد» [ص 17 ط 2. مطبعة الحلبي وأولاده]: اختلفت الأقوال في أهل البيت، والأولي أن يقال هم: أولاده وأزواجه والحسن والحسين منهم، وعلي منهم لأنّه كان من أهل بيته، بسبب معاشرته بنت النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم) وملازمته له. انتهي.

لعلّ البعض من ذي مسكة من العلم يتوقّف في أن يكون أولي الأقوال أن يقال بما ارتآه الشّيخ(رحمه الله)، لاستحالة وجود أيّ قدر للأقوال في جانب قول الرّسول(صلي الله عليه وآله وسلم). وليس ممّا يستراب

في أنّ كلّ منصف مستقيم في غنيً عن التأويلات الباردة. ولا أن يلتبس عليهم وجه الحقّ من المحامل البعيدة. بعد أن صرّح الرّسول بالمرادين في هذه الآية تصريحاً جليّاً لاغبار فيه وعيّن باسم الإشارة في قوله: هؤلاء أهل بيتي، وبعد أن جلّلهم بردائه ومنعه(صلي الله عليه وآله وسلم) زوجتيه عائشة واُمّ سلمة من الدّخول تحتها معهم، فكيف يحتمل أن تكون الزّوجات من المعدودات في معني الأهل من هذه الآية؟ فضلاً عن أن يكون أحدٌ غيرهنّ. كما رآه البقاعي ومن نزع إلي رأيه. وعلي أنّه رحمه اللّه قد ذكر في كتابه المذكور خمس عشرة روايةً بأسانيد مختلفة ما أخرجه الطّبري في تفسيره دّالّة علي أنّ المعنيّ بأهل البيت في هذه الآية الشّريفة هم: النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم) وعلي وفاطمة وحسنٌ وحسينٌ. ثم قال: ورأيت الإمام الجليل خاتمة الحفّاظ جلال الدّين السّيوطي في تفسيره «الدّر المنثور» قد صدّر الكلام عند تفسير هذه الآية بثلاث روايات في أنّ أهل البيت فيها هم أزواجه(صلي الله عليه وآله وسلم) وأعقبها بعشرين روايةً من طرق مختلفة في أنّ المراد منهم: النبي(صلي الله عليه وآله وسلم)وعلي وفاطمة والحسن والحسين، منها ما أخرجه ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطّبراني وابن مردويه، عن اُمّ سلمة زوج النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم).

وقال في [ص 23] من المصدر نفسه: وقال شيخ الصّوفيّة، وإمام العارفين الشّيخ الأكبر سيدي محيي الدين بن العربي(رضي الله عنه) في الباب التّاسع والعشرين من «الفتوحات المكيّة» [1: 196 ط. بيروت دار احياء التراط العربي]: ولما كان رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم)عبداً محضاً قد طهّره اللّه وأهل بيته تطهيراً، وأذهب عنهم الرّجس، وهو كل ما يشينهم، فإنّ الرّجس هو

القذر عند الرّبّ، هكذا حكي الفرّاء. قال اللّه تعالي: (إنَّما يريدُ اللّه لِيذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّركُمْ تَطْهيراً) فلا يضاف إليهم إلاّ مطهّرٌ ولابدّ، فإنّ المضاف إليهم هو الّذي يشبههم. فما يضيفون لأنفسهم إلاّ من له حكم الطّهارة والتّقديس، فهذه شهادةٌ من النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم)لسلمان الفارسي بالطّهارة، والحفظ الإلهيّ والعصمة حيث قال فيه: «سلمان منّا أهل البيت» وشهد اللّه لهم بالتّطهير وذهاب الرّجس عنهم. وإذا كان لا يضاف إليهم إلاّ مطهّرٌ مقدّسٌ، وحصلت له العناية الرّبّانيّة الإلهية بمجرّد الإضافة، فما ضنّك بأهل البيت في نفوسهم؟ فهم المطهّرون، بل هم عين الطّهارة، فهذه الآية تدلّ علي أنّ اللّه قد شرك مع رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) في قوله: (ليَغْفِرَ لَكَ اللّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذنبِكَ وَمَا تَأَخَّر) [75].

وأي وسخ أقذر من الذنوب وأوسخ؟ فطهّر اللّه سبحانه نبيّه(صلي الله عليه وآله وسلم) بالمغفرة، ممّا هو ذنبٌ بالنسبة إلينا، ولو وقع منه(صلي الله عليه وآله وسلم) لكان ذنباً في الصورة لا في المعني.

إلي أن قال: فدخل الشّرفاء أولاد فاطمة كلّهم رضي اللّهُ عنهم ومن هو من أهل البيت مثل سلمان الفارسي(رضي الله عنه) إلي يوم القيامة في حكم هذه الآية من الغفران. فهم المطهّرون اختصاصاً من اللّه وعنايةً بهم لشرف محمّد(صلي الله عليه وآله وسلم) وعناية اللّه به. ولا يظهر حكم هذا الشّرف لأهل البيت إلاّ في الدّار الآخرة، فإنّهم يحشرون مغفوراً لهم. وأمّا في الدّنيا فمن أتي منهم حدّاً أقيم عليه، كالتّائب إذا بلغ الحاكم أمره وقد زني أو سرق أو شرب أقيم عليه الحد مع تحقّق المغفرة كما عزّروا أمثاله، ولا يجوز ذمّه.

وينبغي لكلّ مسلم يؤمن باللّه وما أنزله أن يصدّق اللّه

تعالي في قوله: (لِيذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهيراً) فيعتقد في جميع ما يصدر عن أهل البيت أنّ اللّه تعالي قد عفا عنهم، فلا ينبغي لمسلم أن يلحق المذمة بهم وما يشنأ أعراض من قد شهد اللّه بتطهيرهم، وذهاب الرّجس عنهم، لا بعمل عملوه ولا بخير قدّموه، بل بسابق عناية من اللّه بهم. (ذلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللّهُ ذُو الفَضْلِ الْعَظيم) [76].

وإذا صحّ الخبر الوارد في سلمان الفارسي فله هذه الدّرجة، فإنّه لو كان سلمان علي أمر يشنأه ظاهر الشّرع وتلحق المذمّة، فيكون لأهل البيت من ذلك بقدر ما اُضيف إليهم وهم المطهّرون بالنّص. انتهي كلام الشّيخ الأكبر.

ثم قال الشيّخ المؤلّف: فقد صرّح كما نري وهو إمام الصّوفيّة، وكفي به حجّة بدخول الشّرفاء أولاد فاطمة كلّهم رضي اللّه عنهم ومواليهم كسلمان الفارسي(رضي الله عنه) إلي يوم القيامة في حكم هذه الآية من الغفران، فهم المطهّرون اختصاصاً من اللّه وعنايةً بهم لشّرف محمّد(صلي الله عليه وآله وسلم) وعناية اللّه به. انتهي.

أمّا ما قاله الشّيخ الأكبر(رضي الله عنه) فيما يعرب عن فضل أهل البيت فممّا لا يجحده كل ذي عقل فهيم وقلب صاف مستقيم. وأمّا دخول الزّوجات في معني الأهل فقد مضي فيما مضي من بيان أهل العلم في الموضوع، وسيأتي مزيدٌ من ذلك فيما يلي.

وأمّا قوله(صلي الله عليه وآله وسلم): «سلمان منّا أهل البيت» فليس لأحد من النّاس في إنكار ما يحوي الحديث من الفضل لسلمان(رضي الله عنه) من سبيل، ولا ممّن قال به أو احتجّ في فضله من تأويل. ولكن أفليس من الممكن أن نقول: لعلّ المتبادر إلي العقل في فهم معني ذلك الحديث النّبوي كمثل ما يفتهم من قول البيهقي في

قوله(صلي الله عليه وآله وسلم) لواثلة بن الأسقع: «أنت من أهلي»؟ حيث قال فيه كما مر قريباً من هذا الكتاب: كأنّه جعل في حكم الأهل تشبيهاً لا تحقيقاً، فصار معناه متفقاً مع ما قاله جمهور العلماء، كما قد صرّح بذلك سيّدي الحبيب علوي بن طاهر الحدّاد في «القول الفصل» [2: 192] ما لفظه: فتفسير من فسّر الآية هنا بغير أهل الكساء مردودٌ مبتدعٌ. ويشهد لصحّة الجمهور وفساد قول الشّذّاذ ما صحّ من ردّه(صلي الله عليه وآله وسلم)لعائشة واُمّ سلمة وعدم إدخاله لهما. «الخ».

وقال أيضاً في [ص 293] من كتابه المذكور مصرّحاً: ولهذا كثر ردّ المحققين علي من خالف هذا التّفسير، ويشهد لما قاله الجمهور ما جاء في أحاديث الاصطفاء والاختيار، وهي كثيرة ولها طرق عديدة، وأسانيدها صحيحةٌ عند قوله(صلي الله عليه وآله وسلم): «فجعلني في خيرها بيتاً»، فذلك قوله تعالي: (إنّما يُريدُ اللّهُ لِيُذْهِب عَنْكُم الرِّجْسَ أهلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهيراً)فهذا صحيحٌ في إرادة بيت النّسب، ومن تأمّل اُسلوب الآيات، وتأنيث الضمائر فيهنّ، ثمّ صرف ذلك وتغييره وتذكيره في تلك الآية وحدها، وإيراد لفظ «أهل البيت» منادياً لهم مخصّصاً مع تكرار النّداء فيما سوي ذلك بلفظ (يا نساء النّبيّ)وعرف أنّ الإضافة إلي البيت لما كانت خيراً من الإضافة إلي النبيّ. وكيف أفرد لفظ البيت مع أنّ لأمّهات المؤمنين بيوتاً متعدّدة للسكني؟ «إلي أن قال»: ومن تأمّل هذا لم يبق عنده غبار ريب في أنّ القول قول الجمهور، وغيره تضليلٌ.

وقد صحّ خبر سعد في قصّة المباهلة وفيه: «اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي» فلذلك قال الزّمخشري في «الكشّاف»: لا دليل أقوي من هذا علي فضل أهل البيت.

وهذا القول قد اختاره جمهور المحدّثين لوروده عن أربعة عشر صحابياً، وهم: علي،

وحسن، وحسين، وعبداللّه بن جعفر، وابن عبّاس، وعائشة، واُم سلمة، وابنها، وواثلة، وأنس، وسعد، وأبو الحمراء، ومعقل، فهو من المتواتر معني. انتهي.

علي أنّ الشّيخ النّبهاني نفسه قال: في [ص 32]: والّذي يدلّ دلالةً واضحةً علي أنّ المراد من الآية أهل العباء مع الزّوجات، إن لم نقل وحدهم للّرواية الّتي أخرجها عن اُمّ سلمة: ابن جرير، وابن المنذر، وابن ابي حاتم، والطبراني، وابن مردويه، وقد تقدّمت الرّواية عن «الدر المنثور» للحافظ السّيوطي، وهي أن رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) كان في بيتها علي مقامة له عليه كساءٌ خيبري، فجاءت فاطمة ببرمة فيها خزيرة، فقال رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم): ادعي زوجك وابنيك حسناً وحسيناً، فدعتهم، فبينما هم يأكلون إذ نزلت علي النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم): (إنّما يُريدُ اللّهُ لِيُذْهِب عَنْكُم الرِّجْسَ أهلَ اَلْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهيراً)فأخذ النبي(صلي الله عليه وآله وسلم)بفضلة فنشّاهم إيّاها، ثمّ أخرج يده من الكساء وألوي بها إلي السّماء ثمّ قال: «اللّهم هؤلاء أهل بيتي وحامّتي» وفي رواية: «وخاصتي فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً» قالها ثلاث مرّات. قالت اُم سلمة: فأدخلت رأسي في السّتر فقلت: يا رسول اللّه وأنا معكم؟ فقال: «إنّك الي خير» مرّتين. انتهي.

وقال أيضاً في [ص 33]: فأنت تري هذه الرّواية صريحة في تخصيص الآية في أهل الكساء. ثمّ ذكر في [ص 34] ما نقله ابن حجر في «الصّواعق» [ص 222 ط. بيروت دار الكتب العلمية]: عن الثّعلبي من أنّها في بني هاشم، علي أنّ البيت يراد به بيت النّسب. فيكون العبّاس وبنو أعمامهم منهم. قال الخازن: وهو قول زيد بن أرقم. وذكر أيضاً أنّ قول أبي سعيد الخدريّ وجماعة من التّابعين منهم مجاهد: إنّ أهل البيت هم

أهل العباء خاصّة.

ابن حجر الهيثمي

قال في كتابه «الصّواعق» [ص 141] في الفصل الأوّل من الباب الحادي عشر في الآية الاُولي ما لفظه: أكثر المفسّرين علي أنّها نزلت في عليٍّ وفاطمة والحسن والحسين، ثم ذكر الأحاديث الدّالة علي نزولها في خمسة: النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم)، وعليٍّ، وفاطمة، والحسن والحسين. وقال: وصحّ أنّه(صلي الله عليه وآله وسلم) جعل علي هؤلاء كساء وقال: «اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي وحامّتي أي خاصّتي أذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً». فقالت اُمّ سلمة: وأنا معهم؟ قال: «إنك علي خير». وفي رواية بزيادة: «أنا حربٌ لمن حاربهم، وسلمٌ لمن سالمهم، وعدو لمن عاداهم».

السيد أمير محمد الكاظمي القزويني

قال في مناقشته مع النّشاشيبي في كتابه «الاسلام الصّحيح» [ص 45] حول آية التّطهير ما ملخّصه: إنّ قوله «يعني النّشاشيبي» بأنّ أهل البيت في كتاب اللّه تعالي هم نساء النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم) غير صحيح، لأنّه ناشئ مع عدم ممارسته للاُسلوب القرآني. والآية ما عنت نساء النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم) وإنّما في خصوص عليٍّ وفاطمة والحسن والحسين(عليه السلام)، وعليه إجماع المسلمين أجمعين.

وإنّ محلّ أهل بيته(صلي الله عليه وآله وسلم) عند اللّه تعالي لا يتّفق مع محلّ زوجاته، لعصمة أهل بيته(صلي الله عليه وآله وسلم) وعدم عصمتهنّ بصريح الآيات، كقوله تعالي: (إنْ كُنْتُنّ تُردْنَ الحياةَ الدُّنْيا وَزِيَنتَهَا فَتَعَاليْنَ اُمُتِّعْكُنَّ واُسَرِّحْكُنَّ) وقوله تعالي: (يَا نِسَاءَ النَّبيِّ مَنْ يَأتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَة مُبَينَة يُضَاعَفْ لَهَا العَذَابُ ضِعْفَين) وقوله تعالي في اثنتين منهنّ: (إنْ تَتُوبَا فَقَدْ صَغَتْ قُلوّبُكُمَا) ومنهنّ من خالفت أمر اللهِ بخروجها من بيتها محاربة نفس رسول الله(صلي الله عليه وآله وسلم) مع أنّه تعالي قال لهنّ: (وَقَرْنَ في بُيُوتِكُنَّ).

ثم إن إطلاق أهل البيت علي الأزواج ليس علي أصل وضع اللّغة. وإنّما هو إطلاقٌ مجازي

لا يصار إليه إلاّ مع القرينة، ولا قرينة في الآية علي أنّها تريد الأزواج سوي السّياق.

ثم أتي السّيّد بالأدلة المنطقية المقنعة، والبراهين العقلية السّاطعة القاطعة، ما يمتلئ بذكرها وجوه الصّفحات. إنّه لو أراد الأزواج لكان الخطاب في الآية بما يصلح للإناث، بقوله: (عَنْكُنَّ) و (يُطَهِّرَكُنَّ) لأن هذا هو المناسب كما في غيرها من آيات خطابهنّ، فتذكير ضمير الخطاب فيها خاصّةً دون غيرها من آيات خطاب النّساء أوضح دليل علي عدم إرادتهنّ. أتري أنّ في اللّه عيّاً عن إتيانه كذلك لو أرادهنّ؟

وأمّا مجيء ذلك في سياق آيات خطاب النّساء، فأمره لا يخفي علي البلغاء العارفين بأساليب البلاغة، من أنّ كلام البليغ قد يدخله الاعتراض والاستطراد بإيراد جملة أجنبيّة بين الكلام المتناسق. كما في قوله تعالي في سورة يوسف: (إنّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إنَّ كْيَدكُنَّ عَظِيم - يُوْسُفُ أعْرِض عَنْ هذَا وَاسْتَغْفِري لِذَنْبِكِ إنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِين) وقد استطرد قوله: (يوسف أعرض عن هذا) بين كلاميه، ومثل هذا كثيرٌ في الكتاب والسّنة وكلام العرب العرباء ممّا يضيق المقام عن تعداده، فآية التّطهير من هذا القبيل جاءت معترضةً بين آياتها لبيان شدّة عناية اللّه بأهل البيت. انتهي.

ثمّ ساق الأحاديث الواردة في هذا الموضوع ما دلّت علي عدم دخل الأزواج في معني أهل البيت من هذه الآية، ما قد ذكرناها فيما مضي من هذا الكتاب بطرق متعدّدة.

وقال في [ص 52]: فكل هذه الأحاديث المرفوعة وأضعاف أمثالها تنادي بصراحة علي اختصاص آية التّطهير بخصوص من ذكرنا «يعني الخمسة الطّاهرة» وأنّه لم يدخل معهم في ذلك القول زوجة من أزواجه(صلي الله عليه وآله وسلم) خصوصاً إذا لاحظنا ما تقدّم من آيات الكتاب وحصره(صلي الله عليه وآله وسلم) لهم تحت الكساء، وجذبه الكساء

من يد اُم سلمة، ومنعها من الدخول تحتها، مع جلالة شأنها وعظيم قدرها، وهي إذ ذاك من أهل اللّسان والفصاحة والبيان. فلو كانت من أهل البيت لما سألته الدّخول معهم في الكساء. وقوله(صلي الله عليه وآله وسلم): «إنّك علي خير أو إلي خير» لمن أوضح دليل علي عدم كونها من أهل البيت في الآية.

فياهل تري لذلك وجهاً غير ما ذكرنا من اختصاص الآية بهم(عليهم السلام)، وعدم دخول نسائه(صلي الله عليه وآله وسلم) معهم؟ فأيّ مؤمن عاقل يتجرّأ علي نبذ هذه الصّحاح الثّابتة بالقطع من دين النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم) ويخاصم رسول اللّه، ويكون حرباً للّه ويتّبع غير سبيل المؤمنين. ويزعم أنّ اللّه تعالي عني بكلامه غير عليٍّ وفاطمة والحسن والحسين؟ ثم إن الإرادة في الآية، لا تخلو من أن تكون تشريعيّة أو تكوينيّةً، فإن كانت الاُولي لم يصحّ حصرها في الآية بأهل البيت وقصرها عليهم، لأنّها تعني إرادة اجتناب المعاصي وفعل الفرائض، وهي متعلقةٌ بفعل المكلّفين أجمعين، وغير محصورة في فئة منهم إطلاقاً. فإذا بطل هذا ثبت أنّ الإرادة فيها تكوينيّة، وهي محصورة في أهل البيت(عليهم السلام). لم يدخل معهم في ذلك داخل ولا داخلةٌ كما يقتضي الحصر.

ثم قال في [ص 58]: لا حجّة في رواية نزول الآية في نساء النبي(صلي الله عليه وآله وسلم) ولا تصلح

روايةٌ من الرّوايات أن تكون دليلاً لإثبات ما يدّعون، لاشتمالها علي الضّعاف، وصحّة ما ورد في نزولها في الخمسة، بل وفيه ما هو بأقصي مراتب الصحّة عند حفّاظ أهل السّنّة. والضّعيف لا يصادم الصّحيح فيطرح لأجله.

ثم إن جميع ما ورد من الرّوايات كما تراها موقوفةٌ علي ابن عبّاس وعكرمة، وقد عرفت حال الرّجل الأخير، وأنّه ناصبي كذّابٌ عند

علماء أهل السنّة في علم الرّجال. ولا قيمة للرّوايات الموقوفة في قبال الأحاديث المرفوعة، خاصّة مع وجود الكذّابة والمتّهمين في سلسلة سندها.

ثم إنّه لو كانت آية التّطهير تريد نساءه(صلي الله عليه وآله وسلم) لكان مناقضاً لقوله تعالي: (يَا نِسَاءَ النَّبيِّ مَنْ يَأتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَة مبيّنة يُضَاعَفْ لَهَا العَذَابُ ضِعْفَينِ) لأنّه دليلٌ علي جواز الفاحشة عليهن، وأين هذا من التّطهير من كل الذّنوب، كما هو صريح الآية؟ فإنّ معني الرّجس بالكسر: القذر، وكل ما استقذر من العمل، والعمل المؤدّي إلي العذاب والشّك. وفي المنجد: الرّجس: العمل القبيح، وبهذا صرّح غيره من أهل اللّغة.

ثم إنّه إن أراد الأزواج منها ينافي قوله في سورة التحريم: (عَسَي رَبُّهُ إنْ طَلَّقكُنَّ)[آية: 5] فإنّه أوضح دليل علي أنّ اللّه تعالي قد أباح لنبيّه(صلي الله عليه وآله وسلم) طلاقهنّ. ولا يمكن أن يكون إلاّ من حيث أساء بعضهنّ إليه(صلي الله عليه وآله وسلم) إساءة متناهيةً في القباحة، إذ ليس من المعقول أن يعزم النبي(صلي الله عليه وآله وسلم) علي مفارقة نسائه بالطّلاق، ولم يصدر منهنّ ما يوجب غضبه وتنفّره منهن. فذلك ممّا لا يمكن ولا يتفق مع ما وصفه اللّه تعالي بقوله: (وَإنَّكَ لَعَلَي خُلق عَظِيم) [القلم: 4].

سوره كوثر، آيه 1

اشاره

في قوله عزّوجلّ: (إنَّا أعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَر) [الكوثر: 1].

اختلفت الأقاويل، وتلوّنت أفهام أهل التّأويل، في معني الكوثر، ومن المعنيّ بالأبتر. ولا غرو إذا كان الاختلاف جار مع كلّ آية أو رواية فيها ذكر فضل أهل البيت وذمّ أعدائهم. إذ الظّروف الحالية ألجأتهم إلي ذلك كما علمنا قريباً فيما مضي من هذه السطور. وإن لم يكن من ذلك فليس إلاّ من علّة باطنة في نفس صاحبها، ما لا يخفي علي الفاطن اللّبيب، والعاقل الأريب، علي أنّ

المعاني المشتركة في لفظة «كوثر» كالنّبوة والقرآن والحوض وغيرها، لمن تكن صالحةً وملائمةً لجواب من رمي الرّسول الأعظم بالأبتر، ولا مطابقاً لردّ من قال بأنّه(صلي الله عليه وآله وسلم) أبتر. فيحتمل إذن أن يكون معني الكوثر هو الذّريّة الكثيرة الطّيبة. وشاهد ذلك قوله(صلي الله عليه وآله وسلم) في دعائه لحبيبته الزّهراء وكفئها الوحيد: «بارك اللّه لكما وعليكما وأسعد جدّكما، وأخرج منكما الكثير الطّيب». قال انس: واللّه لقد أخرج منهما الكثير الطيب. وقد ظهر لي ممّن ذهب الي هذا المعني أو مال إليه من بين تلك المرادفات بعض المفسّرين منهم:

الطبرسي

قال في تفسيره «مجمع البيان» [9 10: 549 550 ط. دار إحياء التراث العربي بيروت]: بعد أن ذكر أقوالاً: وقيل: هو كثرة النّسل والذّرية، وقد ظهرت الكثرة في نسله من ولد فاطمة(عليها السلام) حتّي لا يحصي عددهم واتصل إلي يوم القيامة مددهم.

ثم قال في تفسير معني (شَانِئَكَ هَوَ الابْتَر): معناه أنّ مبغضك هو المنقطع عن الخير، وهو العاص بن وائل. وقيل معناه: أنّه الأقل الأذلّ المنقطع عن كلّ خير. وقيل معناه: أنّه لا ولد له علي الحقيقة. وأنّ من ينسب إليه ليس بولد له، قال مجاهد: الأبتر الّذي لا عقب له. وهو جوابٌ لقول قريش: إنّ محمّداً(صلي الله عليه وآله وسلم) لا عقب له، يموت فنستريح منه ويدرس دينه. إذ لا يقوم مقامه من يدعو إليه، فينقطع أمره. انتهي.

ثم قال: وفي هذه السّورة دلالات علي صدق نبيّنا(صلي الله عليه وآله وسلم) وصحّة نبوّته: أحدها: أنّه أخبر عمّا في نفوس أعدائه وما جري علي ألسنتهم ولم يكن بلغه ذلك فكان علي ما أخبر، وثانيهاً: أنّه قال: (أعطيناك الكوثر). فانظر كيف انتشر دينه، وعلا أمره، وكثرت ذرّيته حتّي

صار نسبه أكثر من كلّ نسب، ولم يكن شيءٌ من ذلك في تلك الحال. الخ.

الشوكاني

أورد في تفسيره «فتح القدير» [5: 504 ط. عالم الكتب بيروت] أحاديث دلّت علي معني الكوثر بأنه الحوض. ثمّ قال في الأخير: وأخرج الطّبراني وابن مروديه عن أبي أيوب قال: لمّا مات إبراهيم ابن رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) مشي المشركون بعضهم إلي بعض فقالوا: إنّ هذا الصابئ قد بتر اللّيلة، فأنزل اللّه: (إنَّا أعْطيْنَاكَ الْكوْثَر) إلي آخر السّورة.

وأخرج ابن سعد وابن عساكر من طريق الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عبّاس قال: كان أكبر ولد رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) القاسم، ثم زينب، ثم عبداللّه، ثم اُمّ كلثوم، ثم فاطمة، ثم رقيّة، فمات القاسم وهو أوّل ميّت من أهله وولده بمكّة، ثم، مات عبداللّه، فقال العاص ابن وائل السّهمي: قد انقطع نسله فهو أبتر، فأنزل اللّه: (إنّ شانئَك هو الابترُ).

النيسابوري

قال في تفسيره «غرائب القرآن» [3: 175 بهامش جامع البيان]: القول الثّالث: إنّ الكوثر أولاده، لأنّ هذه السّورة نزلت علي من زعم أنّه(صلي الله عليه وآله وسلم) الأبتر، والمعني: أنّه يعطيه بفاطمة نسلاً يبقون علي مرّ الزّمان، فانظر كم قتل من أهل البيت ثمّ العالم مملوءٌ منهم، ولم يبق من بني اُميّة أحدٌ يُعبأ به، والعلماء الأكابر لا حدّ ولا حصر لهم. منهم الباقر، والصّادق، والكاظم، والرّضا، والتّقي، والنّقي، والزّكي.

وقال في [ص 180] في تفسيره معني الأبتر: قال عامّة أهل التفسير كابن عبّاس، ومقاتل والكلبي: إنّ العاص بن وائل وجمعاً من صناديد قريش يقولون أنّ محمداً أبتر، لا ابن له يقوم مقامه بعده، فإذا مات انقطع ذكره واسترحنا منه، وكان قد مات ابنه عبداللّه من خديجة، فأنزل اللّه تعالي هذه السّورة كما مرّ.

والشنءُ: البغض، والشانئ: المبغض، والبتر في اللغة: استئصال القطع. الأبتر:

المقطوع الذنب، فاستعير للّذي لا عقب له ولمن انقطع خبره وذكره.

فبيّن اللّه تعالي بهذه الصّيغة المفيدة للحصر أنّ اُولئك الكفرة هم الّذين ينقطع نسلهم وذكرهم، وأنّ نسل محمد(صلي الله عليه وآله وسلم) ثابت باق إلي يوم القيامة، كما أخبر بقوله(صلي الله عليه وآله وسلم): كل حسب ونسب ينقطع، إلاّ حسبي ونسبي. وإنّ دين اللّه لا يزال يعلو ويزيد، والكفر يُعلي ويقهر، إلي أن يبلغ الدّين مشارق الأرض ومغاربها.

قال بعض أهل العلم: إن الكفّار لمّا شتموه بأنّه(صلي الله عليه وآله وسلم) أبتر، أجاب اللّه عنه بغير واسطة فقال: (إنَّ شَانِئَكَ هُوَ الاْبْتَر) وهذا سنّة الأحباب إذا سمعوا من يشتم حبيبهم تولّوا بأنفسهم جوابه.

الشبلنجي

قال في كتابه «نور الأبصار» [ص 52 ط. دار الفكر]: نقل الشّيخ أبو علي الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن سنان مرفوعاً الي أنس بن مالك قال: كنت عند رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم)فغشيه الوحي، فلمّا أفاق قال لي: «يا أنس أتدري ما جاءني به جبريل من صاحب العرش عز وعلا؟» قلت بأبي أنت وأمّي ما جاءك به جبريل؟ قال(صلي الله عليه وآله وسلم): «قال لي: إن اللّه تبارك وتعالي يأمرك أن تزوج فاطمة من عليٍّ»، فانطلق وادع لي أبا بكر وعمر وعثمان وطلحة والزّبير وبعدّتهم من الأنصار، قال فانطلقت فدعوتهم، فلمّا أن أخذوا مجالسهم قال رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم): «الحمد للّه المحمود بنعمته، المعبود بقدرته، المطاع سلطانه. المهروب إليه من عذابه، النافذ أمّره في أرضه وسمائه، الّذي خلق الخلق بقدرته، وميّزهم بأحكامه، وأعزّهم بدينه، وأكرمهم بنبيه محمد(صلي الله عليه وآله وسلم) إن اللّه عزّوجلّ جعل المصاهرة نسباً لاحقاً، وأمراً مفترضاً، وحكماً عادلاً، وخيراً جامعاً، وشج به الأرحام، وألزمها الأنام،

فقال عزّوجلّ: (وهو الذي خلق من الماء بشراً فجعله نسباً وصهراً وكان ربّك قديراً)، وأمر اللّه تعالي يجري إلي قضائه، وقضاؤه يجري إلي قدره، ولكل قضاء قدر، ولكل قدر أجل، ولكل أجل كتاب (يمحو اللهُ ما يشاء ويثبتُ وعنده اُمّ الكتاب) ثم إن الله تعالي أمرني أنّ أزوّج فاطمة من عليٍّ، وأشهدكم أنّي زوّجت فاطمة من علي علي أربعمائة مثقال فضةً إن رضي بذلك، علي السنّة القائمة، والفريضة الواجبة، فجمع اللّه شملهما، وبارك لهما، وأطاب نسلهما. وجعل نسلهما مفاتيح الرحمة، ومعادن الحكمة، وأمن الاُمّة، أقول قولي هذا واستغفر اللّه لي ولكم»، قال: وكان عليٌّ(عليه السلام) غائباً في حاجة لرسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم)قد بعثه فيها، ثم أمر لنا رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) بطبق فيه تمرٌ. فوضع بين أيدينا فقال: «انتهبوا»، فبينما نحن كذلك إذ أقبل عليٌّ(عليه السلام) فتبسّم إليه رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم)وقال: «يا علي إن اللّه أمرني أن أزوّجك فاطمة، وإني قد زوّجتكما علي أربعمائة مثقال فضّة»، فقال عليٌّ(عليه السلام): «رضيت يا رسول اللّه»، ثم إن عليّاً خرّ ساجداً شكراً للّه. فلما رفع رأسه قال له رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم): «بارك اللّه لكما وعليكما وأسعد جدّكما. وأخرج منكما الكثير الطيب».

قال أنس: واللّه لقد أخرج منهما الكثير الطيّب.

ابن شهر آشوب

وفي رواية ابن مردويه كما في «مناقب ابن شهر آشوب» [3: 351]: قال النبي(صلي الله عليه وآله وسلم)لعلي: «زوّجتك ابنتي فاطمة علي ما زوّجك الرحمن، وقد رضيت بما رضي اللّه لها، فدونك أهلك، فإنّك أحق بها مني» وفي خبر: فنعم الأخ أنت، ونعم الختن أنت، ونعم الصّاحب أنت. وكفاك برضا اللّه رضاً، فخرّ عليٌّ ساجداً شكراً للّه تعالي وهو يقول:

(رَبِّ أوزِعْني أَنْ اَشْكُرَ نِعْمَتَكَ التِي أنْعَمْتَ عَلَيَّ) الآية، فقال النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم): آمين. فلمّا رفع رأسه قال النبي: «بارك عليكما، وأسعد جدّكما، وجمع بينكما، وأخرج منكما الكثير الطيّب». ثم أمر النبي(صلي الله عليه وآله وسلم): بطبق بسر وأمر بنهبه، ودخل حجرة النساء وأمر بضرب الدفّ.

وفيه [ص 354] نقلاً عن تأريخ الخطيب البغدادي، وكتاب ابن مردويه. وابن المؤذّن، وابن شيرويه الدّيلمي. بأسانيدهم عن علي بن الجعد، عن ابن بسطام، عن شعبة ابن الحجّاج، وعن علوان، عن شعبة، عن ابن حمزة الضّبعي، عن ابن عبّاس وجابر أنّه: لما كانت اللّيلة الّتي زفّت فاطمة إلي عليٍّ كان النبي(صلي الله عليه وآله وسلم) أمامها، وجبرئيل عن يمينها، وميكائيل عن يسارها، وسبعون ألف ملك من خلفها، يسبّحون اللّه ويقدسونه حتّي طلع الفجر.

وفيه [ص 355] أيضاً عن كتاب مردويه [فضائل أمير المؤمنين]: أنّ النبي(صلي الله عليه وآله وسلم)سأل ماءً فأخذ منه جرعةً فتمضمض بها، ثم مجّها في القعب ثم صبّها علي رأسها، ثم قال: «أقبلي»، فلمّا أقبلت نضح بين ثدييها ثم قال: «أدبري»، فلمّا أدبرت نضح بين كتفيها، ثم دعا لهما، بقوله(صلي الله عليه وآله وسلم): «اللّهم إنهما أحب خلقك إلي، فأحبّهما وبارك في ذرّيتهما، واجعل عليهما منك حافظاً، وإنّي اُعيذهما بك وذرّيتهما من الشّيطان الرجيم».

وروي أنّه(صلي الله عليه وآله وسلم) قال: مرحباً ببحرين يلتقيان، ونجمين يقترنان، ثمّ خرج إلي الباب يقول: «طهّركما وطهّر نسلكما، أنا سلمٌ لمن سالمكما، وحربٌ لمن حاربكما، أستودعكما اللّه واستخلفه عليكما». وباتت عندها أسماء بنت عميس اُسبوعاً بوصية خديجة إليها، فدعا لها النبي(صلي الله عليه وآله وسلم) في دنياها وآخرتها، ثم أتاهما(صلي الله عليه وآله وسلم) في صبيحتهما وقال: «السلام عليكم. أدخل رحمكم

اللّه؟» ففتحت أسماء الباب، وكانا نائمين تحت كساء فقال(صلي الله عليه وآله وسلم): «علي حالكما: فأدخل رجليه بين أرجلهما، فأخبر الله عن أورادهما (تتجافي جنوبهم عن المضاجع) الآية فسأل عليّاً: «كيف وجدت أهلك»؟ قال: «نعم العون علي طاعة اللّه، وسأل فاطمة فقالت: «خير بعل»، فقال(صلي الله عليه وآله وسلم): «اللّهم اجمع شملهما وألّف بين قلوبهما، وأجعلهما وذريتهما من ورثة جنة النعيم، وأرزقهما ذريةً طاهرةً طيبةً مباركة، وأجعل في ذريتهما البركة، وأجعلهم أئمةً يهدون بأمرك إلي طاعتك، ويأمرون بما يرضيك»، ثم أمر بخروج أسماء وقال: «جزاك اللّه خيراً».

وروي أنّه كان بين تزويج أمير المؤمنين وفاطمة في السّماء إلي تزويجها في الأرض أربعون يوماً، وزوّجها رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) من عليّ أوّل يوم من ذي الحجّة، وروي أنّه كان يوم السّادس منه، وقيل غير ذلك.

سوره الرحمن، آيه 20-19

اشاره

في قوله تعالي: (مَرَج الْبَحْرَين يَلْتقَيان - بِيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَ يَبْغيان)[الرحمن: 19 20].

اختلفت أقوال المفسّرين، وتباينت آراء المتأوّلين، في تفسير معني البحرين في هذه الآية. فمنهم من قال: بأنّ المراد بالبحرين هما بحر السّماء وبحر الأرض، ومنهم من قال: هما بحر الروم والفرس. وقائل منهم بأنّهما بحر العذب والملح، ومن بينهم من قال: بأنهما بحر النبوّة والخلافة لورود الخبر في ذلك عن سلمان الفارسي وغيره رضي اللّه عنهم، كما ذكره بعض المفسّرين والمصنفين في كتبهم منهم:

الطبرسي

قال في تفسيره «مجمع البيان» [9 10: 201 ط. دار إحياء التراث العربي بيروت] بعد أن ذكر الأقاويل، وكلمات أهل التأويل: وقد روي عن سلمان الفارسي، وسعيد بن جبير، وسفيان الثوري أن البحرين: عليّ وفاطمة(عليهما السلام)، بينهما برزخ: محمّد(صلي الله عليه وآله وسلم) يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان: الحسن والحسين(عليهما السلام)، ولا غرو أن يكونا بحرين لسعة فضلهما وكثرة خيرهما. فإن البحر إنما يسمّي بحراً لسعته، وقد قال النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم) لفرس ركبه وأجراه فأحمده: «وجدته بحراً» أي كثير المعاني الحميدة.

ابن شهر آشوب

قال في كتابه «مناقب آل أبي طالب» [3: 318 ط. دار الأضواء بيروت]: ذكر الخركوشي [أحمد بن عبدالملك المتوفي سنة 407] في كتابيه «اللوامع» و «شرف المصطفي» بإسناده عن سلمان.

وأبو بكر الشيرازي في كتابه عن أبي صالح وأبو إسحاق الثعلبي، وعليّ بن أحمد الطائي، وأبو محمّد بن الحسن بن علوية القطّان في تفاسيرهم عن سعيد بن جبير، وسفيان الثوري.

وأبو نعيم الأصفهاني في [نزول القرآن] باب «ما نزل من القرآن في أمير المؤمنين(عليه السلام)» عن حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس و عن أبي مالك عن ابن عبّاس.

والقاضي النطنزي عن سفيان بن عيينة عن جعفر الصادق(عليه السلام)، واللفظ له. في قوله تعالي: (مرج البحرين يلتقيان) قال: عليّ وفاطمة بحران عميقان، لا يبغي أحمدهما علي صاحبه. وفي رواية: بينهما برزخ: رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) يخرج منهما (اللؤلؤ والمرجان): الحسن والحسين(عليهما السلام).

[وأخرج] أبو معاوية الضرير [المتوفي (سنة 195)] عن الأعمش، عن أبي صالح، عن ابن عبّاس: إن فاطمة بكت للجوع والعري، فقال النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم): «اقنعي يا فاطمة بزوجك، فواللّه إنّه سيّد في الدنيا سيّد في الآخرة»، وأصلح بينهما، فأنزل اللّه:

(مرج البحرين يلتقيان) يقول عزّوجلّ: «أنا اللّه أرسلت البحرين: عليّ بن أبي طالب بحر العلم، وفاطمة بحر النبوّة يلتقيان: يتصلان. أنا الله أوقعت الوصلة بينهما». ثم قال: (بينهما برزخ) [أي] مانع، رسول اللّه(صلي الله عليه وآله وسلم) يمنع عليّ بن أبي طالب أن يحزن لأجل الدنيا، ويمنع فاطمة أن تخاصم بعلها لأجل الدنيا. (فبأي آلاءِ ربكُما) يا معشر الجن والأنس (تكذّبان) بولاية أمير المؤمنين وحب فاطمة.

(اللؤلؤ) الحسن. (والمرجان) الحسين. لأن اللؤلؤ الكبار، والمرجان الصغار، ولا غرو أن يكونا بحرين لسعة فضلهما وكثرة خيرهما، فإن البحر سمّي بحراً لسعته، وأجري النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم)، فرساً فقال: «وجدته بحراً».

وفي ذلك قال محمّد بن منصور السرخسي شعراً:

وأراد رب العرش أن يلقي بها

شجر كريم العرق والأغصان

فقضي فزوّجها علياً أنه

كان الكفيّ لها بلا نقصان

وقضي الإله بإن تولّد منها

ولدان كالقمرين يلتقيان

سبطا محمّد الرسول وفلذتا

كبد البتول كذاك يعتلقان

فبني الإمامة والخلافة والهدي

بعد الرسالة ذانك الولدان

نور الله الحسيني

قد أورد الرواية المذكورة في الجزء التاسع من كتاب «إحقاق الحق وإزهاق الباطل» [9: 107 منشورات مكتبة آية اللّه العظمي المرعشي النجفي]: وذكر فيه أيضاً جمعاً كثيرين من رجال العلم والتصانيف المعتمدة، وأرباب التآليف النفيسة الرشيدة. يروونها في مصنّفاتهم ومؤلفاتهم ومنهم:

1 الثعلبي روي عن سفيان الثوري في قوله: (مَرَج البَحرَين يَلتقَيان بِينَهُمَا بَرْزَخٌ لاَ يَبْغَيان)، قال: فاطمة وعليّ (يخرج منها اللؤلؤ والمرجان) قال: الحسن والحسين.

2 العلاّمة الجليل سبط ابن الجوزي أبو المظفر يوسف الواعظ ابن عبداللّه المتوفي (سنة 654 ه) روي في كتابه «تذكرة خواص الاُمة» [ص 54 ط. الغري].

3 الحافظ العلاّمة أبو المؤيد الموفق بن أحمد خوارزم الخوارزمي المتوفي (سنة 568 ه).

4 العلاّمة الشيخ عبداللّه بن طلحة الشافعي. روي في مناقبه [ص 212].

5 الصفوري وهو العلاّمة

الشيخ عبدالرحمن بن عبدالسّلام الشافعي البغدادي، المتوفي (سنة 884) روي في كتابه «نزهة المجالس» [2: 229 ط. القاهرة].

6 الميبذي اليزدي كمال الدين حسين بن معين الدين المتوفي (سنة 870) روي في كتابه «شرح ديوان أمير المؤمنين».

7 البدخشي ميرزا محمّد بن معتمد خان، روي في كتابه «مفتاح النجافي مناقب آل العبا» [ص 13].

8 القندوزي وهو الشيخ سليمان بن الشيخ إبراهيم الحسيني الحنفي المتوفي (سنة 1293) بالقسطنطينية. روي في كتابه «ينابيع المودة» [ص 408 و ص 118 ط. اسلامبول].

9 الحافظ جلال الدين عبدالرحمن بن كمال الدين المصري السيوطي الشافعي المتوفي (سنة 911) روي في تفسيره «الدر المنثور) [6: 142 ط. مصر].

10- العلاّمة الأمرتسري روي في كتابه «أرجح المطالب» [ص70 و 309 ط. لاهور].

11 الكشفي الحنفي وهو العلاّمة المولي صالح الحسيني المتوفي (سنة 1025) روي في كتابه «المناقب المرتضوية».

12 الآلوسي، وهو علاّمة القوم في عصره السيد شهاب محمود الرضوي، المتوفي (سنة 1270) روي في تفسيره «روح المعاني» [27: ص 93 ط. مصر].

سوره بقره، آيه 128-127

في قوله تعالي: (وإِذ يَرفعُ إبراهيم القَواعدَ مِن البيتِ وإسماعيل ربَّنا تقبل منا إِنّك أنت السميع العليم - ربّنا واجعَلنَا مسلمَين لَك ومن ذريّتنا أمّة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إِنّك أنت التواب الرحيم)[البقرة: 127 128].

فقد أبدي العياشي في تفسيره في ما ذكره الطباطبائي في تفسيره «الميزان» [1: 299]في الآية 125 من سورة البقرة ما خفي علي كثير من المفسّرين من جواهر معاني هذه الآية الكريمة لبعد غورها وترامي مراميها ومغزاها. فلا شك لكل ذي إنصاف في أن ذلك مما يعرب عن علوّ مكانته في العلم، وإتساع مراتبه في استخراج ماصانته ظاهر الآيات من جواهرها المكنونة، ما قصر عن بلوغها ونيلها كل ذي باع طويل،

وفضل في العلم جزيل، فلا غرو أن ذلك غاية أمل الباحث المتحقق الأريب، ومنية المهتدي المتبصر الأديب، ونورٌ ظاهرٌ يستضيء به ذوو التحقيق، للاهتداء إلي سبل السلام وسواء الطريق، واللّه أعلم فهو ولي الهداية والتوفيق.

وذلك أنه لمّا شاءت الأقدار أن تظهر ما بطن من الحكمة المكنونة، ما تفضل بها اللّه المولي الكريم علي هذه الأمّة. سئل أبو عبداللّه سليل صاحب الرسالة الخاتمة عن اُمة محمّد التي هي خير أُمّة. فأجاب(عليه السلام) بقوله: «أُمّة محمّد(صلي الله عليه وآله وسلم) هم بنو هاشم خاصّة»، فقال السائل: فما الحجّة في أمّة محمّد أنهم أهل بيته الّذين ذكرت دون غيرهم؟ قال: قول اللّه فقرأ(عليه السلام) الآية المذكورة إلي آخرها ثم قال: «فلما أجاب اللّه دعوة إبراهيم وإسماعيل وجعل من ذريتهما أمّة مسلمة، وبعث فيها رسولاً منهم، يعني من تلك الأمّة، يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، وردف [في] دعوته الأوّلي دعوته الاُخري فسأل لهم تطهيراً من الشرك ومن عبادة الأصنام ليصحّ أمره فيهم ولا يتبعوا غيرهم»، فقال: (واجنبني وبنيّ أن نعبد الأصنام - ربّ إنّهن أضللن كثيراً من النّاس فمن تبعني فإنّه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم). ففي هذا دلالة علي أنّه لا يكون الأئمة والاُمّة المسلمة الّتي بعث فيها محمّد إلاّ من ذرية إبراهيم، لقوله: (اجنبني وبنيّ أن نعبد الأصنام)انتهي.

وجاء صاحب الميزان مبيّناً في هذا المقام ببيان شاف وقول واف بقوله: استدلاله(عليه السلام) في غاية الظهور، فإن إبراهيم(عليه السلام) إنما سأل أمّة مسلمة من ذريّته خاصّة، ومن المعلوم من ذيل دعوته (ربّنا وابعث فيهم رسولاً) الخ، أن هذه الاُمّة المسلمة هي اُمّة محمّد(صلي الله عليه وآله وسلم) لكن لا أمّة محمّد بمعني الذين بعث اليهم، ولا

أمّة محمّد بمعني من آمن بنبوّته، فإن هذه الاُمّة أعم من ذرية إبراهيم وإسماعيل، بل اُمّة مسلمة هي من ذرّية إبراهيم(عليه السلام)ثم سأل ربّه أن يجنب ويبعد ذرّيتّه وبنيّه من الشرك والضلال وهي العصمة.

ومن المعلوم أن ذرية إبراهيم وإسماعيل وهم «عرب مضر وقريش خاصة» فيهم ضالّ ومشرك، فمراده من بنيه في قوله تعالي: (واجنبني وبنيّ أن نعبد الاصنام)أهل العصمة من ذرّيته خاصة، وهم النبيّ وعترته الطاهرة «أي الذين لم يسجدوا لصنم قط» فهؤلاء هم اُمّة محمّد في دعوة إبراهيم(عليه السلام) ولعل هذه النكتة هي الموجبة للعدول عن لفظ الذّريّة إلي لفظ البنين.

ويؤيده قوله تعالي: (فمن تبعني فإنّه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم) الآية. حيث أتي بفاء التفريع وأثبت من تبعه جزءاً من نفسه، وسكت عن غيرهم كأنّه ينكرهم ولا يعرفهم.

ثم أردف المؤلف:

فإن قلت: لو كان المراد بالاُمّة في هذه الآيات ونظائرها كقوله تعالي: (كنتم خير اُمّة أخرجت للنّاس) [آل عمران: 11] عدّةً معدودة من الاُمة دون الباقين كان لازمه المجاز في الكلام من غير موجب يصحّح ذلك، ولا مجوّز لنسبة ذلك إلي كلامه تعالي، علي أن كون خطابات القرآن متوجّهة إلي جميع الأمّة ممّن آمن بالنبيّ ضروري لا يحتاج إلي إقامة حجّة.

قلت: إطلاق اُمة محمّد وإرادة جميع من آمن بدعوته من الاستعمالات المستحدثة بعد نزول القرآن وانتشار الدّعوة الاسلاميّة، وإلاّ فالاُمّة بمعني القوم، كما قال تعالي: (علي اُمم ممّن معك) [هود: 48] وربما اُطلق علي الواحد كقوله تعالي: (إنّ إبراهيم كان اُمّةً قانتاً للّه)، [النحل: 120] وعلي هذا فمعناها من حيث السعة والضيق يتبع موردها الّذي استعمل فيه لفظها، أو اُريد فيه معناها.

فقوله تعالي: (ربّنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذرّيّتنا اُمّة مسلمة لك) الآية.

والمقام مقام الدعاء بالبيان الذي تقدّم، لا يراد به إلاّ عدّة معدودة ممن آمن بالنبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم)وكذا قوله تعالي: (كنتم خير أمّة اُخرجت للنّاس) وهو في مقام الامتنان وتعظيم القدر وترفيع الشأن، لا يشمل جميع الاُمّة، وكيف يشمل فراعنة هذه الاُمة ودجاجلتها الّذين لم يجدوا للّدين أثراً إلاّ عفوه ومحوه، ولا لأوليائه عظماً إلاّ كسروه.

وسيجيء، تمام البيان في الآية إن شاء اللّه، فهو من قبيل قوله تعالي لنبي إسرائيل: (وأني فضلتكم علي العالمين) [البقرة: 47] فإنّ منهم قارون ولا تشمله الآية قطعاً، كما أن قوله تعالي: (وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذه القرآن مهجورا)[الفرقان: 30]لا يعمّ جميع هذه الاُمّة. وفيهم أولياء القرآن، ورجالٌ لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر اللّه تعالي.

سوره بقره، آيه 143

في قوله تعالي: (وكذلك جَعلَناكُم أُمةً وَسَطاً لتكُونُوا شُهداء عَلي النّاسِ وَيكُون الرسولُ عَليكُم شهيداً) [البقرة: 143].

إن اللّه جعل هذه الاُمة شهداء علي النّاس، وهذا جلائل من الكرامات والإكرام الّتي تكرّم بها اللّه عزّوجلّ عليها، ولكن الّذي يهمنا معرفته من هذا، هل هذه الكرامة عامة بأفراد هذه الاُمة بحيث يكون كل شخص منها شهيداً علي النّاس؟ أم مختصّة ببعضها؟ فيفهم من مضمون العبارة: «بنسب وصف البعض إلي الكل، لكون البعض فيه ومنه» [77].

وثبت ما أقرّه العقل من بين مختلفات الآراء والنظريات في البحث عما تضمّنته هذه الآية الكريمة في هذا المقام الهامّ، وما تكنّه هذه العبارة من المراد التامّ. ما شرحه صاحب تفسير «الميزان» [1: 324]:

ومن ذلك قوله(عليه السلام) فالمراد بكون الاُمة شهيدةً، أن الشهادة فيهم. كما أنّ المراد بكون بني إسرائيل فضّلوا علي العالمين أن هذه الفضيلة فيهم، من غير أن يتّصف كل واحد منهم، بل نسب وصف

البعض إلي الكل لكون البعض فيه ومنه، فكون الاُمة شهيدة هو أنّ فيهم من يشهد علي النّاس ويشهد الرسول عليهم.

وأورد السيد الطباطبائي أيضاً في بحثه الرّوائي من تفسيره هذه الآية من طريق أهل السنّة والجماعة في شهادة الاُمة علي النّاس وشهادة النبيّ عليهم: أن الأمم يوم القيامة يجحدون تبليغ الأنبياء، فيطالب الله الأنبياء بالبيّنة علي أنهم قد بلّغوا «هو أعلم» فيؤتي بأمّة محمّد فيشهدون، فتقول الاُمم: من أين عرفتم؟ فيقولون: عرفنا ذلك بإخبار اللّه تعالي في كتابه الناطق علي لسان نبيّه الصّادق. فيؤتي بمحمّد ويسأل عن حال اُمّته، فيزكّيهم ويشهد بعدالتهم، وذلك قوله تعالي: (فكيف إذا جئنا مِن كلّ اُمّة بشهيد وجئنَا بك علي هؤلاء شهيداً) [النساء: 41]. ثم ذكر المؤلف أيضاً مصرّحاً بأنّ هناك أخباراً تؤيّد الخبر المذكور قد نقلها السيوطي وغيره، من تزكية رسول اللّه لاُمّته وتعديله إيّاهم.

فقال بأثره: لعلّه يراد به تعديله لبعضهم دون جميعهم، وإلاّ فهو مدفوع بالضرورة الثابتة من الكتاب والسنّة، وكيف تصحّح أو تصوّب هذه الفجائع الّتي لا تكاد توجد، ولا اُنموذجة منها واحدة من الاُمم الماضية؟ وكيف يزكّي ويعدّد فراعنة هذه الاُمّة وطواغيتها؟ فهل ذلك إلاّ طعن في الدين الحنيف؟ ولعب بحقائق هذه الملّة البيضاء.

ثم أورد ما في المناقب في هذه المعني عن الباقر(عليه السلام) أنّه قال: «ولا يكون شهداء علي النّاس إلاّ الأئمة والرسل، وأما الاُمة فغير جائز أن يستشهدها اللّه، وفيهم من لا تجوز شهادته علي حزمة بقل».

ونقل عن تفسير العياشي أيضاً عن الصّادق(عليه السلام) في قوله تعالي: (لتكونوا شهداء علي النّاس ويكون الرسول عليكم شهيداً) الآية. فإن ظننت أن اللّه عني بهذه الآية جميع أهل القبلة من الموحّدين، أفتري أنّ من لا تجوز شهادته في

الدنيا علي صاع من تمر يطلب اللّه شهادته يوم القيامة، ويقبلها منه بحضرة جميع الاُمم الماضية؟ كلاّ، لم يعن اللّه مثل هذا من خلقه. «ولكن» يعني الاُمة التي وجبت لها دعوة إبراهيم «في قوله تعالي:» (كُنتم خيرَ أُمّة أخرِجَت للنّاس) وهم الاُمة الوسطي، وهم خير اُمّة أخرجت للناس.

سوره فاطر، آيه 32

في قوله تعالي: (ثمَّ أَورثنَا الكتابَ الّذينَ اصطفينا من عِبَادِنَا) [فاطر: 32].

اختلفت آراء العلماء وتباينت أفهامهم في معرفة المصطفين من العباد الذين يرثون الكتاب، فأتي كل واحد منهم بما ارتآه، كما هو المعلوم في كتب التفاسير.

قال الطبرسي في تفسيره «مجمع البيان» [4: 526 ط. مؤسسة التأريخ العربي بيروت]بعد سرده الأقاويل المتضاربة، روي عن الباقر والصادق(عليهما السلام) أنهما قالا: «هي لنا خاصّة وإيانا عني»، وهذا أقرب الأقوال لأنهم أحق النّاس بوصف الاصطفاء والاجتباء وإيراث علم الأنبياء، إذ هم المتعبّدون بحفظ القرآن وبيان حقائقه، والعارفون بجلائله ودقائقه.انتهي.

وقد اتفق هذا القول مع أقوال بعض أعيان المؤرّخين ومشاهير المفسّرين البارعين منهم:

محمّد جواد مغنية في كتابه «الشيعة في الميزان» [ص 258 ط. دار التعارف بيروت]فإنه قد ذكر رواية الإمام عليّ بن موسي الرضا(عليه السلام) في محضر العلماء علي اختلاف مذاهبهم وفرقهم الذين جمعهم المأمون العباسي ليتدارسوا ويتناقشوا في الفقه والحديث والفلسفة وغيرها، وحين ذاك ألقي المأمون عليهم السؤال: من هم المصطفون المعنيّون بقوله تعالي: (ثُم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا)؟

قال العلماء غير الإمام: إنهم اُمة محمّد بكاملها.

قال المأمون للامام الرضا(عليه السلام): ما تقول أنت يا أبا الحسن؟

قال الإمام: إنه أراد العترة الطاهرة دون غيرهم.

قال المأمون: وما الدليل علي ذلك؟

قال الإمام: لو أراد اللّه عزّوجلّ بهذه الآية الكريمة جميع المسلمين كما قال العلماء لحرّمت النار علي كل مسلم وإن فعل ما فعل،

لأنه تعالي لا يعذب أحداً اصطفاه، والثابت بضرورة الدين خلاف ذلك. و إنّ من يعمل مثقال ذرة خيراً يره، وإن من يعمل مثقال ذرة شراً يره، هذا إلي أن آيات القرآن الكريم يفسّر بعضها بعضاً، كما أن الأحاديث النبويّة هي تفسيرٌ وبيان لكتاب اللّه، وفي الكتاب والحديث دلائل وشواهد علي أن المراد بقوله تعالي: (ثّم أورثنا الكتاب الّذين اصطفينا مِن عِبَادِنَا)، هم العترة الطاهرة منها:

1 قوله تعالي: (إنما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويُطّهركم تطهيراً)[الأحزاب: 32]. فقد دلّت الآية علي أن أهل البيت هم المطهّرون من الرجس، وبديهة أن المصطفين مطهّرون، فأهل البيت إذن هم المصطفون دون غيرهم.

2 قول الرسول الأعظم: «إني مخلّف فيكم الثقلين: كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يفترقا حتي يردا عليّ الحوض»، وما دام الكتاب ملازماً للعترة ولم يفترق عنها بحال، إذن هي الّتي ترثه، وهي الّتي خصّها اللّه بالقرب والاصطفاء.

3 قوله تعالي: (فمن حَاجَّك فيه من بِعدِ ما جآءَكَ مِن العلِم فَقُل تَعالَوا نَدعُ أبناءَنا وأبناءكم ونساءَنا ونساءَكُم وأنْفُسَنا وأنفُسكُم ثُّم نبتَهل فنجعل لعنة اللّه علي الكاذبين)[آل عمران: 61] فالّذين اختارهم اللّه هنا في هذه الآية واصطفاهم للمباهلة هم بالذات الّذين اصطفاهم وعناهم في آية (ثمّ أورثنا الكتاب) ولا يختلف اثنان، أن المراد بأنفسنا: علي، وأبناءنا الحسن والحسين، ونساءنا فاطمة، وهذه خاصة لا يتقدمهم فيها أحد، وفضل لا يلحقهم به بشر. وشرف لا يسبقهم إليه مخلوق.

4 أن النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم) سدّ أبواب الصّحابة جميعاً الّتي كانت علي مسجده إلاّ باب عليّ، حتي تكلّموا واحتجّوا، وقالوا فيما قالوا: يا رسول اللّه أبقيت علياً وأخرجتنا؟. فقال: «ما أنا أبقيته وأخرجتكم، ولكن اللّه سبحانه هو الّذي أبقاه وأخرجكم»،

فكما أخرج اللّه النّاس هناك وأبقي علياً، كذلك أخرجهم من آية: (ثمّ أورثنا الكتاب) وأبقي العترة الطاهرة.

5 قوله تعالي: (وآتِ ذا القُربي حَقَّهُ) [الأسراء: 26]، فقد نص صراحة علي أن لأهل البيت حقاً خاصاً بهم، لايشاركهم فيه أحد، وما ذاك إلاّ لأن اللّه سبحانه قد أصطفاهم علي الاُمة جمعاء.

6 أن اللّه عزّوجلّ لم يبعث نبياً إلاّ أوحي أن لا يسأل قومه أجراً علي تبليغ رسالته، لأن اللّه سبحانه هو الّذي يوفّيه أجر الأنبياء، إلاّ محمّداً فإن اللّه أمره أن يجعل أجره مودّة قرابته، بطاعتهم ومعرفة فضلهم. فقد حكي عن نوح أنه قال: (ويا قوم لا أسألكُم عليه مالاً إن أجري إلاّ علي اللّه) وحكي عن هود أنه قال لقومه: (قل لا أسألكم عليّه أجراً إن أجري إِلاّ علي الّذي فطرني).

أما محمّد فقد قال بأمر ربّه: (قُل لاَّأَسألكُم عَلَيه أَجراً إلاّ المَوَدَّةَ في القُربي)[الشوري: 20]. وإذا كان وجوب المودّة ميزة خاصة بآل الرسول دون غيرهم من آل الأنبياء، فكذلك إرث الكتاب والاصطفاء ميزة خاصة بهم دون غيرهم.

7 قوله تعالي: (واعلموا أنمّا غنمتم من شيء فأَن للّه خُمسهُ وللرسول ولذي القُربي) [الانفال: 41] فقد جعل اللّه سبحانه الآل في حيّز، والنّاس في حيّز دونهم، ورضي لهم ما رضي لنفسه، واصطفاهم علي الخلق، فبدأ بنفسه ثم ثنّي برسوله ثم بذي القربي في كل ما كان من الفيء والغنيمة وغير ذلك، وهذا فضل للآل دون الاُمّة.

8 قوله تعالي: (فاسألوا أهل الذكر إن كُنتم لا تعلَمُون) [النحل: 43]. وأهل البيت هم أهل الذكر، لأنهم عدل القرآن بنص حديث الثقلين.

9 قوله تعالي: (وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها) [طه: 132]. قال الإمام الرضا(عليه السلام): إن اللّه تبارك وتعالي قد أمرنا مع النّاس

بإقامة الصلاة في قوله: (أقيموا الصلاة) ثم خصنا من دونهم بهذه الآية الكريمة، فكان رسول اللّه بعد نزولها يأتي إلي باب عليّ وفاطمة عند حضور كلّ صلاة خمس مرات. ويقول: «الصلاة يرحمكم اللّه». ولم يكرم أحداً من ذراري الأنبياء بمثل هذه الكرامة الّتي أكرمنا بها.

10 إن اللّه سبحانه وتعالي قال: (سلامٌ علي نوح في العالمين) [الصافات: 79]، وقال: (سلامٌ علي إبراهيم) [الصافات: 109]وقال: (سلامٌ علي موسي وهارون)[الصافات: 120]، ولم يقل سلامٌ علي آل نوح، ولا سلام علي آل ابراهيم، ولا سلام علي آل

موسي ولكنه قال عز من قائل: (سلام علي آل يس) ويس هو محمّد بالاتفاق، وإذا خصّهم اللّه بالسلام فقد خصهم أيضاً بإرث الكتاب والاصطفاء. وجاء في الحديث أن المسلمين سألوا محمّداً(صلي الله عليه وآله وسلم) كيف نصلّي عليك يا رسول اللّه؟ قال: «تقولون: اللّهمّ صلِّ علي محمّد وآل محمّد).

وبعد أن انتهي الإمام من حديثه الطويل، قال العلماء والمأمون للإمام: جزاكم اللّه خيراً أهل البيت عن اُمّة جدّكم. فإنا لا نجد بيان ما اشتبه علينامن الحق إلاّ عندكم.

وقال صاحب تفسير «الميزان» [17: 45] في تفسير الآية الكريمة:

واختلفوا في هؤلاء المصطفين من عباده من هم. فقيل: هم الأنبياء، وقيل هم بنو إسرائيل الداخلون في قوله تعالي: (إن اللّه اصطفي آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران علي العالمين) [آل عمران: 33]، وقيل هم: أمّة محمّد اُورثوا القرآن من نبيّهم، إليه يرجعون، وبه ينتفعون، علماؤهم بلا واسطة، وغيرهم بواسطة. وقيل هم: العلماء من الاُمّة المحمّدية.

وقيل، وهو المأثور عن الصّادقين(عليهما السلام)، في روايات كثيرة مستفيضة: إن المراد بهم ذريّة النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم)، من أولاد فاطمة(عليهم السلام) وهم الداخلون في آل ابراهيم في قوله تعالي: (إن اللّه

اصطفي آدم ونوحاً وآل ابراهيم)، وقد نصّ النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم) علي علمهم بالقرآن وإصابة نظرهم فيه، وملازمتهم إيّاه، بقوله في الحديث المتواتر المتفق عليه. «إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي لن يفترقا حتّي يردا عليّ الحوض». وأورد في [ص 49] من نفس المصدر عن الكافي بإسناده عن أحمد بن عمر قال: سألت أبا الحسن الرضا(عليه السلام) عن قول اللّه عزّوجلّ: (ثُمّ أورثنا الكتاب الّذين اصطفينا من عبادنا) قال: ولد فاطمة(عليهم السلام)، والسابق بالخيرات الإمام، والمقتصد العارف بالإمام، والظالم لنفسه الّذي لا يعرف الإمام.

سوره مائده، آيه 54

في قوله تعالي: (يَا أيّها الَّذينَ آمَنوُا مَن يَرتدَّ منِكُمْ عن ديِنهِ فَسوفَ يأتي اللهُ بقوم يُحبُّهُمُ ويحبّونَهُ أذلَّة عَلي المؤمِنينَ أَعزَّة عَلي الكافرينِ يُجاهدون في سبيل الله وَلا يخافون لومَة لائم)[المائدة: 54]:

كثرت الأقاويل وتباينت التآويل، في مورد نزول هذه الآية الشريفة. الّتي تتضمن الأوصاف الحميدة، والخصال المجيدة، الّتي قلّ من يتصف بها من كبار الصحابة فضلاً عن غيرهم من المؤمنين، ما عدا المهدي المنتظر، كما في قول بعضهم، نظراً إلي حرف الاستقبال وهي «سوف».

فمنهم من زعم أنها نزلت في أبي بكر، ومنهم من قال بنزولها في الأنصار، ومنهم من رآي أنها نزلت في أبي موسي الأشعري وقومه، ومنهم من ذهب إلي أنها نزلت في الفرس، ومنهم من رأي أنها نزلت في أمير المؤمنين عليّ(عليه السلام) ثم إنه لمّا اختلفت آراؤهم وأقوالهم فبطبيعة الحال تضاربت حججهم أيضاً.

وأما من قال إن الآية نزلت في أبي بكر، فحجّتهم بأنّه هو الّذي حارب المرتدّين، ولكن تلك الحجّة غير ناهضة أمام مخالفيهم، لما يرون أنه من يوم نزول تلك الآية إلي أن استولي علي الخلافة لم يكن يحارب المرتدّين، فلهذا استشكل

عظيم المفسّرين الإمام الرازي إرادة أبي بكر في هذه الآية، كما قال الإمام المظفر الشيخ محمّد حسن في كتابه «دلائل الصدق» [2: 194].

وأما القول بإصدار أبي بكر جيشاً تحت قيادة خالد بن الوليد إلي بني يربوع الذين كان في طليعتهم مالك بن نويرة لكونهم مرتدّين، فليس من الممكن القطع بالحكم علي ردّتهم بمقتضي الشرع. ومن باب أولي، إذا كان القول بكفرهم مراعاة أو دفاعاً عن أن تمسّ كرامة أحد من النّاس، علي أن هنالك محلاًّ للنظر، قد عرف من له أقل إلمام بواقعة يوم البطاح وتبصّر، فإنهم لا يزالون مقيمين للصلاة جماعة مع أولئك القوم الّذين يبيّتون لهم، أليس معني الردة الخروج عن الاسلام والرجوع إلي الكفر؟

وأما من حيث إمساكهم زكاة أموالهم فللعالم المتثبت مجالٌ للاحتمال علي أن يستبعد من أن يكونوا بوجوبها من الجاحدين، فليس من المحال أن يحتمل أنهم اجتهدوا وتأوّلوا في تفسير قوله تعالي: (خُذ مِن أَموالهِمِ صَدَقةً تُطِهّرُهُم وتُزكيهم بها) [78] فرأوا أن المأمور بأخذ الزكاة واستلامها هو الرسول(صلي الله عليه وآله) وقد توفّاه الله، ولم يتحقق ويتعين عندهم الأولي الّذي استحق الولاية من بعده(صلي الله عليه وآله) حتي تسلّم إليّه.

ومن الغريب البعيد عن مدار الحقيقة والتحقيق أن يقال بأن قاتلي مالك قد اتصفوا بالأوصاف القيمة، المذكورة في الآية الكريمة، فإن هذه المزعمة مما لا يشك في أن أساسها محض الجهل أو جهل في كذب، أو الكذب المبني علي العصبية الممنوعة في الشريعة المحمّدية، لما لا يخفي علي الباحث المتبصّر المستقيم، ما وقع بين خالد وبين مالك وزوجته ما يتكدر من ذكره صفاء كل قلب منصف سليم، فحسبك نزرٌ يسيرٌ ليكون ذلك منك علي بال، منه قولة لعمر بن الخطاب التي

وجهها إلي خالد مقسماً: والله لأرجمنّك، وقوله أيضاً لأبي بكر: إن خالداً قد زني فارجمه، وقد حلف أبو قتادة الأنصاري وكان وقتذاك مع خالد أن لا يكون أبداً تحت لواء عليه خالد.

وقد كفي للعاقل اللبيب بما جري بين خالد وبين عمر وأبي قتادة أن يتخذه مقياساً وميزاناً للاعتبار، فليستوح من عقله ليتبين له المصيب من المخطئ ثم ليقض ما هو قاض.

وعلي ذلك كلّه، أعني فيما تقدم ذكره، فأن لخالد واقعة اُخري في أيام حياة الرسول(صلي الله عليه وآله) وذلك حين بعثه إلي بني جذيمة، داعياً لا محارباً. وكانت جذيمه قد قتلت الفاكه بن المغيرة «عم خالد» في الجاهلية، فلما ورد عليهم قال لهم:

ضعوا سلاحكم فإن النّاس قد أسلموا، فوضعوا أسلحتهم، فأمر بهم فكتّفوا ثم عرضهم علي السيف، فقتل منهم مقتلة عظيمة، فلما انتهي الخبر إلي النبيّ(صلي الله عليه وآله) رفع يده إلي السماء وقال: اللهم إنّي أبرأ اليك مما صنع خالد «مرّتين» [79].

وفي «الفصول المهمة» [هامش 14 ص: 58] عن ابن الأثير في كامله [80]: ثم أرسل علياً، ومعه مال وأمر أن ينظر في أمرهم فودي لهم الدماء والأموال، حتي إنّه ودي ميلغة الكلب، وبقي معه من المال فضلة، فقال لهم: هل بقي لكم مال أودم لم يود؟ قالوا: لا، قال(عليه السلام): فإني أعطيكم هذه البقيّة، احتياطاً لرسول الله(صلي الله عليه وآله)ففعل، ثم رجع إلي النبي(صلي الله عليه وآله)فقال(صلي الله عليه وآله): أصبت وأحسنت.

فأما من قال بأن نزول هذه الآية في الأنصار، فحجّتهم في ذلك: بأن المراد بالآية النصرة، فهم الّذين نصروا الرسول ووازروه فاختصت بهم، ولكن لم يرد في ذلك حديث يستدلّ به علي صحّة هذا القول، علي أن المهاجرين قد شاركوهم في النصرة.

فكيف تكون هذه الآية مختصة بالأنصار دون غيرهم؟ فظهر بطلان تطبيق هذه الآية علي الأنصار، إذ لم يكن تطبيقهم إلاّ تطبيقاً نظرياً محضاً كتطبيق من قال بنزولها في أبي بكر.

ولا تنطبق هذه الآية أيضاً علي الفرس وأهل اليمن ولا علي أبي موسي الأشعري، لمّا تتضمن فيها من الأوصاف الّتي لم يتعين ظهورها وثبوت مجموعها فيهم، ككمال الشجاعة والحزم واللين للمؤمنين، وعلو العزّة علي الكافرين، والشدّة عليهم في نصرة الدّين، والتفاني في إعلاء كلمة الحقّ وتشييد ملّة سيّد المرسلين. فإن هذه الصفات ما تجمّعت وظهر جلّها إلاّ لأمير المؤمنين عليّ(عليه السلام) بحيث لا يخاف في الله لومة لائم وخصوصاً في قوله تعالي: (يحبهم ويحبونه) فلا يتعين قط إلاّ له(عليه السلام)، كما نطقت بذلك الكتب والدفاتر، وأيده الخبر المتواتر، مما لا يمكن لأحد أن ينازع ويدافع استحقاقه ذلك، ومن الخبر المتفق مع هذه الآية الشريفة ما رواه إمام المحدّثين البخاري، وذلك بعد أن انهزم قوم بعد قوم، مرّة بعد اُخري، وكان القائد منهم يجبّن النّاس ويجبّنونه، فقال النبيّ(صلي الله عليه وآله): لاُعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله كراراً غير فرار، لا يرجع حتي يفتح الله علي يده فأعطاه الراية. وقد جاء أيضاً ما يدل علي محبته عزّوجلّ لأمير المؤمنين وجماعته رضي الله عنهم ما رواه الترمذي [81] وحسّنه، وابن عبد البر في الاستيعاب أن رسول الله(صلي الله عليه وآله) قال: «إنّ الله أمرني بحب أربعة وأخبرني أنّه يحبّهم قيل: يا رسول الله سمّهم لنا. قال(صلي الله عليه وآله): علي منهم «يقول ذلك ثلاثاً» وأبو ذرّ والمقداد وسلمان أمرني بحبّهم وأخبرني أنه يحبهم». ويؤيد ما قلناه أيضاً قول رسول الله(صلي الله عليه وآله) منذراً

لقريش بقتال عليّ من بعده، وذلك حين جاء سهل بن عمرو في جماعة منهم، فقالوا للنبيّ(صلي الله عليه وآله): يا محمّد إنّ أرقّاءنا لحقوا بك فارددهم إلينا، فقال لهم النبي(صلي الله عليه وآله): «لتنتهن يا معشر قريش، أو ليبعثن الله عليكم رجلاً يضربكم علي تأويل القرآن كما ضربتكم علي تنزيله». فقال بعض أصحابه: من هو يا رسول الله، أبو بكر؟ قال(صلي الله عليه وآله): لا، ولكنه خاصف النعل في الحجرة. وكان علي يخصف نعل رسول الله(صلي الله عليه وآله).

وفي رواية أحمد وابن جرير كما في الكنز [6: 396]عن عليّ(عليه السلام) قال: جاء النبي(صلي الله عليه وآله)أناس من قريش فقالوا: يا محمّد إنا جيرانك وحلفاؤك، وإن اُناساً من عبيدنا قد أتوك، ليس بهم رغبة في الّدين ولا رغبة في الفقه إنما فرّوا من ضياعنا وأموالنا فارددهم إلينا. فقال(صلي الله عليه وآله)لأبي بكر: «ما تقول»؟ قال: صدقوا إنهم لجيرانك وأحلافك، فتغيرّ وجه رسول الله(صلي الله عليه وآله) ثم قال لعمر: «ما تقول»؟ قال: صدقوا إنهم لجيرانك وحلفاؤك، فتغيرّ وجه رسول الله(صلي الله عليه وآله)فقال(صلي الله عليه وآله): «يا معشر قريش، والله ليبعثن الله عليكم رجلاً قد امتحن الله قلبه بالإيمان فيضربكم علي الّدين أو يضرب بعضكم». فقال أبو بكر: أنا يا رسول الله؟ قال: «لا»، قال عمر: أنا يا رسول الله؟ قال: لا، ولكنه الذي يخصف النعل وكان أعطي علياً نعلاً يخصفها [82].

وفي رواية أحمد في مسنده [3: 33/82] والحاكم في المستدرك [3: 133] فإن النبي(صلي الله عليه وآله) قال: «إن منكم من يقاتل علي تأويل القرآن كما قاتلت علي تنزيله».

قال أبو بكر وعمر: أنا هو؟

قال: «لا ولكنه خاصف النعل».

وفي الاستيعاب [83] في ترجمة عليّ قال(صلي الله

عليه وآله) لوفد ثقيف حين جاءه: «لتسلمنّ أو لأبعثنّ رجلاً مني، «أو قال: مثل نفسي» فليضربن أعناقكم وليسبين ذراريكم، وليأخذن أموالكم». قال عمر: فوالله ماتمنيت الإمارة إلاّ يومئذ، وجعلت أنصب صدري له رجاء أن يقول: هو هذا. فالتفت [النبي(صلي الله عليه وآله)] إلي عليّ(عليه السلام) فأخذ بيده ثم قال: «هو هذا، هو هذا».

وهل بقي لذوي الإنصاف أدني شك بعد ورود هذه الأخبار الصريحة في أنه وقومه غير داخلين في عموم هذه الآية التي نحن بصددها؟ فضلاً عن أن تكون نازلة بهم.

والله أعلم والموفق للصواب.

سوره بقره، آيه 37

في قوله تعالي: (فَتَلقّي آدمُ مِن رّبّهِ كلمات فتابَ عليه) [البقرة: 37].

اختلفت أقوال المفسّرين وتباينت آراؤهم في تفسير معني «الكلمات» التي في هذه الآية الشريفة، حيث تكون لشيخ النبيين آدم(عليه السلام) سبباً في الفوز بالتوبة والسعادة الأبدية من ربّه عزّوجلّ.

فمنهم من رأي أنهن مناسك الحجّ.

وقد استبعد البعض منهم ذلك الرأي، لعدم انسجامها مع معناها اللغوي. إذ المناسك من جنس الأعمال.

وذهب بعضهم كما في «الدر المنثور» للإمام الجليل عبد الرّحمن السيوطي، إلي أن الكلمات التي تلقّاها آدم من ربه من جملة الدعوات والمناجاة كقوله: (ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين)، كما أخرجه الثعلبي وابن المنذر وابن جرير.

وأخرج ابن عساكر والبيهقي في شعب الإيمان بأن الكلمات هي قوله(عليه السلام): لا إله إلاّ أنت عملت سوءاً وظلمت نفسي فارحمني إنك أنت التّواب الرّحيم.

وذكر أنه عن النبيّ(صلي الله عليه وآله)، ولكن شك فيه. وذكر أيضاً في تفسيره المذكور ما أخرجه الدّيلمي في «فردوس الأخبار» رواية ذكر فيها هبوط آدم(عليه السلام) بالهند، وحواء بجدّة، وبكاؤه علي خطيئته مائة سنة حتي بعث الله جبريل(عليه السلام) وقال له: عن الله عزّوجلّ ما قال

حتي قال أخيراً: فعليك بهؤلاء الكلمات فإن الله قابل توبتك وغافر ذنبك، قل: اللهم إني أسألك بحق محمّد وآل محمّد سبحانك لا إله إلاّ أنت عملت سوءاً وظلمت نفسي فتب عليّ إنك أنت التواب الرّحيم. فهؤلاء الكلمات التي تلقّاها آدم(عليه السلام).

وأما ما ذكره من رواية الخطيب في أماليّه وابن عساكر أيضاً أنه(عليه السلام) لمّا أمره الله بالهبوط إلي الأرض هبط مسودّاً، فبكت الأرض وضجّت فأوحي الله إليه بالصيام. إلي آخر الرواية فلا مناسبة بينها وبين الكلمات المذكورة في هذه الآية.

وهناك روايات كثيرة مليئة باعترافاته(عليه السلام) وتأسّيه وما قاساه من سوء أحواله ما لم تكن صالحة لأن تكون مرادفة لمعني الكلمات، ولا قابلة لمفهوم معني التلقّي لكونها من الأعمال والأحوال، كالأمر بالإقلال من الكلام والإكثار من السكوت، وما هنالك من الأخبار ما يطول المقام بذكرها.

ولعلّ الأقرب إلي مستوي الأفهام من الروايات في نظر الآخرين ما ذكره عن ابن النجار عن ابن عبّاس قال: سألت رسول الله(صلي الله عليه وآله) عن الكلمات التي تلقّاها آدم من ربه فتاب عليه فقال(صلي الله عليه وآله): «سأل بحق محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين».

وقد أخرج هذا الحديث أيضاً الفقيه الحافظ الخطيب أبو الحسن عليّ بن محمّد الواسطي الشافعي الشهير بابن المغازلي في مناقبه [ص 63 ط. منشورات المكتبة الاسلامية طهران]مسنداً، قال: أخبرنا أحمد بن محمّد بن عبد الوهّاب إجازة، أخبرنا أبو أحمد عمر بن عبيدالله بن شوذب حدّثنا محمّد بن عثمان قال: حدثني محمّد بن سليمان بن الحارث، حدّثنا محمّد بن عليّ بن خلف العطّار، حدّثنا حسين الأشقر، حدّثنا عمرو بن أبي المقدام، عن أبيه، عن سعيد بن جبير، عن عبدالله بن عبّاس قال: سئل النبيّ(صلي الله عليه وآله) عن الكلمات

الّتي تلقّا [84] آدم من ربه فتاب عليه، قال: «سأله بحقّ محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين إلاّ تبت علي، فتاب عليه».

وقد أخرج أيضاً هذا الحديث بعينه الإمام الحافظ سليمان بن إبراهيم القندوزي الحنفي في كتابه «ينابيع المودة» [ص97].

وقد نقل ابن الجوزي عن الدارقطني كما صرّح بذلك الإمام المظفر في دلائل الصدق[2: 88 ط. بصيرتي قم] قال الدارقطني: حدّثنا أبو ذر أحمد بن أبي بكر الواسطي، حدّثنا محمّد بن عليّ بن خلف العطّار حدّثنا حسين الأشقر، حدّثنا عمرو بن ثابت، عن أبيه، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس قال: سألت النبي(صلي الله عليه وآله). الحديث.

وذكره أيضاً الطباطبائي في تفسيره القيم [1: 149]، عن الكليني في الكافي بعد أن أورد كثيراً من الروايات تتضمن فيها التوحيد والتسبيح والتمجيد والاستغفار: وفي رواية أخري في قوله تعالي: (فتلقّي آدم من ربّه كلمات) قال(صلي الله عليه وآله): سأله بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين.

قال الطباطبائي: وروي هذا المعني الصدوق والعيّاشي والقمّي وغيرهم. وروي ما يقرب من ذلك من طرق أهل السنّة والجماعة أيضاً كما رواه في الدّر المنثور [1: 58] أن النبيّ(صلي الله عليه وآله)قال: لمّا أذنب آدم الذنب الّذي أذنبه رفع رأسه الي السماء فقال: أسألك بحق محمّد إلاّ غفرت لي. فأوحي الله إليه: ومن محمّد؟ قال: تبارك إسمك لمّا خلقتني رفعت رأسي إلي عرشك فإذا فيه مكتوب: لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله، فعلمت أنّه ليس أحد أعظم عندك قدراً ممن جعلت اسمه مع اسمك. فأوحي الله إليه: يا آدم إنّه آخر النبيّين من ذرّيتك ولولا هو ما خلقتك.

سوره بقره، آيه 207

في قوله تعالي: (ومِن النَّاسِ مَن يَشري نَفَسهُ ابتغاءَ مرضاة الله) [البقرة: 207].

نزلت هذه الآية في أمير

المؤمنين عليّ(عليه السلام) كما نقل بعض المفسّرين وأعلام المحدّثين والمؤرّخين. وقال البعض منهم أنها نزلت في صهيب، وقال الآخرون أنها نزلت في الزبير والمقداد، ولا يهمنا هذا الاختلاف بعد أن أورد الثعلبي في تفسيره «الكشف والبيان» وغيره من أعيان الأمة عن ابن عبّاس أنها نزلت لمّا هرب النبيّ(صلي الله عليه وآله)من المشركين إلي الغار خلّفه لقضاء دينه وردّ ودائعه، فبات عليّ علي فراش النبيّ وأحاط المشركون بالدار، فأوحي الله إلي جبرئيل وميكائيل: أني قد آخيت بينكما، وجعلت عمر أحدكما أطول من الآخر، فأيكما يؤثر صاحبه بالحياة، فاختار كل منهما الحياة. فأوحي الله إليهما: ألا كنتما مثل عليّ بن أبي طالب؟ آخيت بينه وبين محمّد فبات علي فراشه يفديه بنفسه ويؤثره بالحياة. إهبطا إلي الأرض فاحفظاه من عدوه، فنزلا فكان جبرئيل عند رأسه وميكائيل عند رجله، فقال جبرئيل: بخ بخ من مثلك يابن أبي طالب يباهي الله بك الملائكة.

وروي الحاكم أيضاً ما يدل علي ذلك في مستدركه [3: 4]، وصحّحه الذهبي في تلخيصه من طريق أبي بكر أحمد بن إسحاق عن ابن عبّاس قال: شري عليّ نفسه ولبس ثوب النبيّ(صلي الله عليه وآله) ثم نام مكانه وكان المشركون يرمون رسول الله(صلي الله عليه وآله) وقد كان رسول الله(صلي الله عليه وآله) ألبسه بردة وكانت قريش تريد أن تقتل النبيّ(صلي الله عليه وآله) فجعلوا يرمون علياً ويرونه النبيّ(صلي الله عليه وآله) وقد لبس بردة، وجعل عليّ رضي الله عنه يتضوّر فإذا هو عليّ، فقالوا إنك للئيم إنك لتتضوّر وكان صاحبك لا يتضوّر ولقد استنكرناه منك. قال الحاكم: هذا حديث صحيح ولم يخرجاه.

وفيه أيضاً عن عليّ بن الحسين(عليهما السلام) أنه قال: أن أوّل من شري نفسه ابتغاء رضوان

الله عليّ بن أبي طالب. وقال عليّ عند مبيته علي فراش رسول الله(صلي الله عليه وآله):

وقيت بنفسي خير من وطئ الحصي

ومن طاف بالبيت العتيق وبالحجر

رسول إله خاف أن يمكروا به

فنجّاه ذو الطول الإله من المكر

وبات رسول الله في الغار آمنا

موقّي وفي حفظ الإله وفي ستر

وبت أراعيهم ولم يتهمونني

وقد وطنت نفسي علي القتل والأسر

وقد أخرجه أيضاً القندوزي الحنفي في كتابه «ينابيع المودة» [ص92].

وقال: أخرجه الحمّوئي بعينه، وأبو نعيم الحافظ بسنده عن ابن عبّاس قال: بات عليّ علي فراش رسول الله(صلي الله عليه وآله) ليلة خروجه من مكة، ونزلت: (ومِن النّاس مَن يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله) الآية.

وذكر القندوزي أيضاً ما أخرجه الثعلبي في تفسيره، وابن عقبة في ملحمته، وأبو السعادات في «العترة الطاهرة» والغزالي في «إحياء علوم الدين» بأسانيدهم عن ابن عبّاس، وعن أبي رافع، وعن هند بن أبي هالة ربيب النبيّ(صلي الله عليه وآله) اُمّه خديجة أم المؤمنين(عليها السلام)قالوا: أوحي الله إلي جبرئيل وميكائيل: أني آخيت بينكما وجعلت عمر أحدكما أطول من عمر صاحبه فأيكما يؤثر أخاه عمره؟ فكلاهما كرها الموت.

فأوحي الله إليهما أني آخيت بين عليّ وليّيّ وبين محمّد نبيّي فآثر عليّ حياته للنبيّ، فرقد علي فراش النبيّ يقيه بمهجته، اهبطا إلي الأرض واحفظاه من عدوه، فهبطا، فجلس جبرئيل عند رأسه وميكائيل عند رجليه، وجعل جبرئيل يقول: بخ بخ من مثلك يابن أبي طالب والله عزّوجلّ يباهي بك الملائكة، فأنزل الله: (ومِن النّاس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله).

قال الشيخ المؤلف: فمن شجاعته نومه علي فراش النبيّ(صلي الله عليه وآله) لما أمره النبي بذلك، وقد اجتمعت قريش علي قتل النبيّ(صلي الله عليه وآله وسلم) ولم يكترث عليّ(رضي الله عنه) بهم. قال بعض أصحاب الحديث:

أوحي الله إلي جبرئيل وميكائيل(عليهما السلام) أن انزلا إلي عليّ واحرساه إلي الصباح فنزلا إليه وهم يقولون بخ بخ من مثلك يا عليّ قد باهي الله بك الملائكة.

وأخرجه عنه من أعلام القوم مع اختلاف مذاهبهم كما ذكره الفاضل حسين الراضي صاحب «تتمة المراجعات» الحسكاني الحنفي في تفسيره [1: 96 و133 إلي 142]: والكنجي الشافعي في كفايته [ص239] والغزالي في إحياء علوم الدين [3: 238]، والأميني في الغدير [2: 47] وابن الصباغ المالكي في «الفصول المهمة» [ص31 ط. الحيدرية وص114 ط. الغري]وسبط ابن الجوزي في «تذكرة الخواص» [ص35 وص20 ط. الحيدرية]، والرازي في تفسيره [5: 223 ط. البهية] و [2: 283 ط. الطباعة بمصر]. وابن أبي الحديد المعتزلي في «شرح النهج» [ط. مصر بتحقيق محمد أبو الفضل] وزيني دحلان في «السيرة النبوية» بهامش السيرة الحلبية[1: 306] وفي «نور الأبصار» [ص96 ط. دار الفكر].

وقد أورد الغزالي الحديث الآنف ذكره في كتابه «إحياء علوم الدين» وأردفه بقوله: فأنزل الله عزوجل: (ومن النّاس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رؤوف بالعباد). وقال أبو جعفر الاسكافي كما في «شرح النهج» [3: 270]: حديث الفراش قد ثبت بالتواتر فلا يجحده إلاّ مجنون أو غير مخالط لأهل الملّة. وقد روي المفسّرون كلّهم أن قول الله تعالي: (ومن النّاس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله)نزلت في عليّ ليلة المبيت علي الفراش.

وقد أنكر بعض المتقدمين علي من قال بأن نزول الآية المذكورة في الزبير والمقداد، وذلك لما بعثهما النبيّ(صلي الله عليه وآله) لإنزال خبيب بن عدي من خشبة صلب عليها في مكة. منهم الإمام المظفر الشيخ محمد حسن(قدس سره)، كما في كتابه «دلائل الصدق» [85] وقد قال فيه بأن هذا الخبر كذب صريح.

قال ذلك لعدم تعرّض الرازي لذكره في تفسيره الكبير الجامع لأقوالهم، وكذا الزمخشري، ولا ذكره السيوطي أيضاً مع انه قد جمع في تفسيره «الدر المنثور» عامة أخبارهم. ومع ذلك كلّه فإن هذا الخبر مخالف لما هو المذكور في «الاستيعاب» بترجمة خبيب. فإن الذي نقله ابن عبد البر في استيعابه أن الذي أمره النبيّ(صلي الله عليه وآله) بإنزال خبيب هو عمرو بن اُمية الضمري، وما ذكر فيه الزبير، والله أعلم.

سوره محمد، آيه 30

في قوله تعالي: (ولَتَعرفنَّهُم في لَحن القَولِ) [مُحمَّد: 30].

أخرج ابن المغازلي الشافعي في مناقبه [ص315] قال: أخبرنا أحمد بن محمّد بن عبد الوهاب إذناً، أخبرنا أبو أحمد عمر بن عبدالله بن شوذب، حدّثنا جعفر بن محمّد بن نصير وهو الخلديّ حدّثنا عبدالله بن أيوب بن زادان الخزاز، حدّثنا زكريا بن يحيي. حدّثنا عليّ بن قادم، عن رجل عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدريّ في قوله عزّوجلّ: (لتعرفنّهم في لحن القول) قال: ببغضهم عليّ بن أبي طالب.

وقد أورده السيوطي في «الدر المنثور» [7: 504]، وأورد أيضاً ما أخرجه ابن مردويه عن ابن مسعود(رضي الله عنه) قال: ما كنّا نعرف المنافقين علي عهد رسول الله(صلي الله عليه وآله) إلاّ ببغضهم عليّ بن أبي طالب.

وروي الترمذي في فضائل عليّ(عليه السلام) عن أبي سعيد قال: إنّا كنّا لنعرف المنافقين نحن معاشر الأنصار ببغضهم عليّ بن أبي طالب، وروي أيضاً عن اُم سلمة قالت: كان رسول الله(صلي الله عليه وآله) يقول: «لا يحب علياً منافقٌ ولا يبغضه مؤمن».

وروي مسلم عن عليّ قال: والّذي فلق الحبة وبرأ النسمة لعهد النبي الأميّ إليّ أنه لا يحبّني إلاّ مؤمن ولا يبغضني إلاّ منافق. ونحوه في سنن النسائي في علامة الإيمان من «كتاب

الإيمان» ورواه بسند آخر في علامة النفاق. وكذا في كنز العمال في فضائل عليّ [6: 294].

وأما الحاكم فقد روي في «المستدرك» [3: 129]: عن أبي ذر(رضي الله عنه) قال: ما كنّا نعرف المنافقين إلاّ بتكذيبهم الله ورسوله، والتخلّف عن الصلوات، والبغض لعليّ بن أبي طالب(رضي الله عنه). ثم قال: هذا حديث صحيح علي شرط مسلم ولم يخرجاه.

ونقل ابن حجر في صواعقه [ص177 في المقصد الثالث] عن أحمد والترمذي عن جابر: ما كنّا نعرف المنافقين إلاّ ببغضهم علياً.

قال الإمام المظفر في دلائله [2: 276 ط. بصيرتي قم]: بعد إيراده هذه الاحاديث ونحوها:

والحصر في هذا الحديث ونحوه بلحاظ أن المنافق يتستّر بجميع علائم النفاق إلاّ ببغض عليّ(عليه السلام) لكثرة مبغضيه، حتي أن النبي(صلي الله عليه وآله) كان يعرفه منهم بلحن القول.

سوره آل عمران، آيه 103

في قوله تعالي: (واعتَصمُوا بحبل الله جميعاً ولا تفرَّقُوا) [آل عمران: 103].

إن لأعاظم الأمة وأعيان المفسّرين والمحدّثين في تفسير معني الحبل في هذه الآية الشريفة أقوالاً مختلفةً، وآراء متباينة. فمنهم من ذهب إلي أن معناه هم أهل البيت(عليهم السلام)متمسّكاً بما ورد من الأخبار في ذلك، كما رواه القندوزي في كتابه «ينابيع المودة» [ص118]قال: أخرج الثعلبي بسنده عن أبان بن تغلب عن جعفر الصّادق(رضي الله عنه) قال: نحن حبل الله الذي قال الله عزّوجلّ: (واعَتصِمُوا بحبل الله جميعاً ولا تفرّقوا).

ونقل أيضاً عن «المناقب» عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس قال: كنّا عند النبي(صلي الله عليه وآله) إذ جاء أعرابي فقال: يا رسول الله، سمعتك تقول: «واعتصموا بحبل الله»، فما حبل الله الذي نعتصم به؟ فضرب النبيّ(صلي الله عليه وآله) يده في يد عليّ، وقال: «تمسّكوا بهذا، هو حبل الله المتين».

وقال الشبلنجي في كتابه «نور الأبصار» [ص124]

فيما يتعلّق بفضائل أهل البيت النبوي(عليهم السلام): وقد جاء في فضلهم وشرفهم آيات وأحاديث، فمن الآيات زيادة علي ما سبق ما أخرجه الثعلبي في تفسير قوله تعالي: (واعتَصِمُوا بحبل الله جميعاً) عن جعفر الصّادق أنه قال: نحن حبل الله.

وأورد نحوه أيضاً الصبّان في كتابه «إسعاف الراغبين» بهامش نور الأبصار. [ص118 ط. دار الفكر].

وقد أورد ابن حجر الهيثمي في كتابه «الصواعق» [ص90 ط. الميمنية في الآية الخامسة]، ما أخرجه الثعلبي عن جعفر الصّادق(عليه السلام) في قوله تعالي: (واعتَصِمُوا بحبل الله)وقد ذكره أيضاً من المفسّرين: الحاكم الحسكاني في تفسيره «شواهد التنزيل» [1: 130 و177 180]، والآلوسي في تفسيره «روح المعاني» [4: 16]. ويؤيد ذلك ما أخرجه الإمام أحمد كما في «إسعاف الراغبين» بهامش نور الأبصار [ص119] وذلك في قوله(صلي الله عليه وآله) إني أوشك أن اُدعي فأجيب وإني تارك فيكم الثقلين كتاب الله حبل ممدود من الأرض إلي السماء، وعترتي أهل بيتي، وإن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتي يردا علي الحوض يوم القيامة، فانظروا بما تخلفوني فيهما.

سوره احزاب، آيه 56

في قوله عزّوجلّ: (إنّ اللهَ وملائكَتَهُ يُصَلّونَ عَلي النبيّ يا أيُها الّذين آمنُوا صلّوا عليهِ وسلّموا تسليماً)[الاحزاب: 56].

لقد عدّ العلماء المحقّقون والأئمة المجتهدون بأن هذه الآية الكريمة من الآيات الواردة في فضل النبيّ وأهل بيته الميامين، بما دلّت علي ذلك أخبار كثيرة فوق حدّ الحصر بصياغات مختلفة وأساليب بديعة، توجد في طيّات كتب الفقه والتفسير والحديث، وغير ذلك مما نقلها المؤرّخون والمصنّفون في كتبهم وزبرهم، منها كتاب الصواعق لابن حجر الهيثمي في [ص 87 ط. الميمنية] عند ذكره هذه الآية، فإنه قد روي جملة من الأخبار الصحيحة المشيرة إلي أن الصلاة علي آله أيضاً مأمور بها، منها قوله(صلي

الله عليه وآله): لا تصلّوا عليّ صلاة البتراء فقالوا: وما الصلاة البتراء؟ قال: تقولون اللهم صلّ علي محمّد وتمسكون، بل قولوا: اللهم صلّ علي محمّد وعلي آل محمّد.

وقوله(صلي الله عليه وآله) داعياً حينما دخل مع من دخل في الكساء: اللهم إنهم مني وأنا منهم فاجعل صلاتك ورحمتك ومغفرتك ورضوانك عليّ وعليهم. وصرّح فيه أيضاً بقوله: إن النبيّ(صلي الله عليه وآله) قد قرن الصلاة علي آله بالصلاة عليه لما سئل عن كيفية الصلاة والسلام عليه. وهذا دليل ظاهر علي أن الأمر بالصلاة عليه وعلي بقية آله مراد في هذه الآية، وإلاّ لم يسألوا عن الصلاة علي أهل بيته وآله عقب نزولها، ولم يجابوا بما ذكر، فلما أجيبوا به دلّ علي أن الصلاة عليهم من جملة المأمور به.

وأنه(صلي الله عليه وآله) أقامهم في ذلك مقام نفسه لأن القصد من الصلاة عليه مزيد تعظيمه ومنه تعظيمهم.

ثم نقل عن الشافعي قوله:

يا أهل بيت رسول الله حبّكم

فرض من الله في القرآن أنزله

كفاكم من عظيم القدر أنكم

من لم يصلّ عليكم لا صلاة له

فقال: فيحتمل لا صلاة له صحيحة، فيكون موافقاً لقوله بوجوب الصلاة علي الآل، ويحتمل لا صلاة كاملة فيوافق أظهر قوليه.

وأورد فيه أيضاً ما أخرجه الدارقطني والبيهقي حديث: من صلّي صلاة ولم يصلّ فيها عليّ وعلي أهل بيتي لم تقبل منه. وكأن هذا الحديث هو مستند قول الشافعي(رضي الله عنه): إن الصلاة علي الآل من واجبات الصلاة، كالصلاة عليه(صلي الله عليه وآله). لكنه ضعيف.

فمستنده الأمر المتفق عليه «وهو قوله(صلي الله عليه وآله)»: قولوا اللهم صل علي محمّد وعلي آل محمّد، والأمر للوجوب حقيقة علي الأصح انتهي .

وقال صاحب التفسير الكبير الفخر الرازي في تفسيره [7: 391]: إن الدعاء للآل منصب

عظيم، ولذلك جعل هذا الدعاء خاتمة التشهد وهو قوله: اللهم صلّ علي محمّد وعلي آل محمّد، وارحم محمّداً وآل محمّد. وهذا التعظيم لا يوجد في حق غير الآل، فكل ذلك يدلّ علي أن حب آل محمّد واجب.

وللفخر الرازي أيضاً كلام يناسب ذكره في المقام، كما ذكره ابن حجر في صواعقه [ص147 ط. المحمّدية]: أن أهل بيته(صلي الله عليه وآله) يساوونه في خمسة: في السلام قال: السلام عليك أيها النبيّ، وقال: (سلام علي آل ياسين). وفي الصلاة عليه وعليهم في التشهد. وفي الطهارة قال تعالي: (طه) أي يا طاهر. وقال: (وُيطَهّركم تطهيراً) وفي تحريم الصدقة وفي المحبة قال تعالي: (فاتبعوني يحببكم الله)، وقال: (قل لا أسألكم عليه أجراً إِلاّ المودة في القربي).

وفي سنن البيهقي [2: ص379]، روي بسنده عن أبي مسعود الأنصاري قال: لو صلّيت صلاة لا اصلّي فيها علي آل محمّد لرأيت أن صلاتي لا تتم. وفي رواية: ما رأيت أنها تتم. ورواه أيضاً الدارقطني.

وفي سنن الدارقطني [ص136] روي بسنده عن أبي مسعود الأنصاري قال: قال رسول الله(صلي الله عليه وآله): «من صلّي صلاة لم يصلّ فيها عليّ وعلي أهل بيتي لم تقبل منه». وفي ذخائر العقبي للطبري [ص19] قال عن جابر إنّه كان يقول: «لو صلّيت صلاة لم اُصلّ فيها علي محمّد وعلي آل محمّد ما رأيت أنها تقبل».

وفي صحيح البخاري في كتاب الدعوات في باب الصلاة علي النبيّ(صلي الله عليه وآله)روي بسنده عن عبد الرّحمن بن أبي ليلي قال: لقيني كعب بن عجرة فقال: ألا أهدي لك هدية؟ إن النبي(صلي الله عليه وآله) خرج علينا فقلنا: يا رسول الله، قد علمنا كيف نسلّم عليك فكيف نصلّي عليك؟ قال(صلي الله عليه وآله): فقولوا: اللهم

صلّ علي محمد وعلي آل محمّد كما صلّيت علي إبراهيم وعلي آل إبراهيم إنك حميد مجيد.

ورواه أيضاً في كتاب «بدء الخلق» في التفسير. ورواه مسلم في صحيحه في كتاب الصلاة في باب الصلاة علي النبيّ(صلي الله عليه وآله) بعد التشهد، بطرق متعددة. ورواه النسائي أيضاً في صحيحه، وابن ماجة في صحيحه، وأبو داود في صحيحه، والحاكم في مستدرك الصحيحين، وأحمد بن حنبل في مسنده، وأبو داود الطياليسي في مسنده، والدارمي في سننه، والبيهقي في سننه، وأبو إبراهيم في حليته، والطحاوي في مشكل الآثار، والخطيب البغدادي في تأريخه، وجمع آخرون من أئمة الحديث كل بطرق عديدة عن كعب بن عجرة.

وفي صحيح البخاري في كتاب التفسير في باب قوله تعالي: (إن الله وملائكتهُ يُصلّون علي النبيّ) روي بسنده عن أبي سعيد الخدري قال: قلنا يا رسول الله هذا التسليم فكيف نصلّي عليك؟ قال: «قولوا اللهم صلّ علي محمّد عبدك ورسولك كما صلّيت علي آل إبراهيم، وبارك علي محمّد وعلي آل محمّد كما باركت علي إبراهيم».

ورواه النسائي أيضاً في صحيحه [1: 190]: ورواه أحمد بن حنبل في مسنده [2: 47]. ورواه الطحاوي في مشكل الآثار [3: 73].

وفي صحيح مسلم في كتاب الصلاة في باب الصلاة علي النبيّ(صلي الله عليه وآله) بعد التشهد، رواه بسنده إلي أبي مسعود الأنصاريّ قال: أتانا رسول الله(صلي الله عليه وآله) ونحن في مجلس سعد بن عبادة، فقال له بشير بن سعد: أمرنا الله عزّوجلّ أن نصلّي عليك يا رسول الله فكيف نصلّي عليك؟ قال: فسكت رسول الله(صلي الله عليه وآله) حتي تمنينا أنه لم يسأله. ثم قال رسول الله(صلي الله عليه وآله): قولوا اللهم صلّ علي محمّد وعلي آل محمّد كما صلّيت علي

آل إبراهيم، وبارك علي محمّد وعلي آل محمّد كما باركت علي آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، والسلام كما قد علمتم.

«ورواه الترمذي أيضاً في صحيحه [2: 212]، ورواه النسائي أيضاً في صحيحه، وأبو داود في صحيحه، والإمام مالك في موطّئه، وأحمد بن حنبل في مسنده، والحاكم في مستدركه، والدارمي في سننه، والبيهقي في سننه، والطحاوي في مشكل الآثار، وجملة منهم بطرق متعددة.

وفي صحيح النسائي [1: 190]: روي بسنده عن موسي بن طلحة عن أبيه قال: قلنا يا رسول الله كيف الصلاة عليك؟ قال: «اللهم صلّ علي محمّد وعلي آل محمّد كما صلّيت علي إبراهيم وعلي آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك علي محمّد وعلي آل محمّد كما باركت علي إبراهيم وعلي آل إبراهيم إنك حميد مجيد».

وفيه أيضاً في نفس الصفحة المذكورة روي عن موسي بن طلحة قال: سألت زيد ابن خارجة، قال: إني سألت رسول الله(صلي الله عليه وآله) فقال: «صلّوا عليّ واجتهدوا في الدعاء، وقولوا: اللهم صلّ علي محمّد وعلي آل محمّد. ورواه أحمد بن حنبل، وأبو نعيم في حليته، والطحاوي في مشكل الآثار والمناوي في فيض القدير، وابن الأثير في اُسد الغابة.

وفي المستدرك للحاكم [1: 269]: روي بسنده عن ابن مسعود عن رسول الله(صلي الله عليه وآله)أنه قال: «إذا تشهّد أحدكم في الصلاة فليقل: اللهم صلّ علي محمّد وعلي آل محمّد، وبارك علي محمّد وعلي آل محمّد، وارحم محمّداً وآل محمّد، كما صلّيت وباركت وترحمت علي إبراهيم وعلي آل إبراهيم إنك حميد مجيد».

وفي تفسير ابن جرير الطبري [22: 31]: روي بمسنده عن إبراهيم في قوله تعالي (إن الله وملائكته) الآية، قالوا: يا رسول الله، هذا السلام قد عرفناه، فكيف الصلاة عليك؟ فقال:

«قولوا: اللهم صلّ علي محمّد عبدك ورسولك وأهل بيته كما صلّيت علي إبراهيم إنك حميد مجيد».

وفي مسند الإمام ابن حنبل [5: 353]: روي بسنده عن بريدة الخزاعي قال: قلنا يا رسول الله، قد علمنا كيف نسلّم عليك فكيف نصلّي عليك؟ قال: «قولوا اللهم اجعل صلواتك ورحمتك وبركاتك علي محمّد وعلي آل محمّد كما جعلتها علي إبراهيم وعلي آل إبراهيم إنك حميد مجيد». ورواه الخطيب البغدادي في تأريخه [8: 142].

وفي سنن البيهقي [2: 147]: روي بسنده عن عبد الرحمن بن أبي ليلي عن كعب بن عجرة عن النبيّ(صلي الله عليه وآله) أنه كان يقول في الصلاة: «اللهم صل علي محمّد وآل محمّد، كما صلّيت علي إبراهيم وآل إبراهيم، وبارك علي محمّد وآل محمّد كما باركت علي إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد». رواه أيضاً الشافعي في مسنده ص23.

وفي مسند الإمام الشافعي [ص 23] روي بسنده عن أبي هريرة أنه قال: يا رسول الله، كيف نصلّي عليك؟ «يعني في الصلاة» فقال: «تقولون: اللهم صلّ علي محمّد وآل محمّد كما صلّيت علي إبراهيم، وبارك علي محمّد وآل محمّد كما باركت علي إبراهيم، ثم تسلّمون عليّ»، وذكره المتقي الهندي في كنز العمال [4: 103]: نقلاً عن الشافعي. وفي مشكل الآثار [3: 75] عن أبي هريرة.

وفي تفسير فتح القدير للشوكاني أخبار في هذا الموضوع أخرجها الحفّاظ وأئمة المحدّثين مما لا يستهان بعددها، ثم قال بعد أن أوردها: وجميع التعليمات الواردة عنه(صلي الله عليه وآله)للصلاة عليه مشتملة علي الصلاة علي آله معه، إلاّ النادر اليسير من الأحاديث، فينبغي للمصلّي عليه أن يضمّ آله إليه في الصلاة عليه. وقد قال بذلك جماعة، ونقله الشافعي وإمام الحرمين والغزالي عن الشافعي كما رواه عنهما

ابن كثير في تفسيره.

وفي دلائل الصدق [2: 131 132 ط. بصيرتي قم] قال مؤلّفه الإمام الشيخ محمّد حسن المظفر مصرّحاً بعبارته علي أفضلية الآل لا علي فضلهم كما سيستبين لنا: وأنت تعلم دلالة هذه الآية علي أفضلية آل محمّد، لأنها أوجبت الصلاة علي النبيّ(صلي الله عليه وآله) وأرادت بها الصلاة عليه وعلي آله معاً، مشيرةً بالاكتفاء بذكره إلي أنه وإياهم كنفس واحدة، وأنه منهم وهم منه، فلا بد أن يكونوا أفضل من سائر الاُمّة، علي أن مجرّد وجوب الصلاة عليهم كالنبيّ(صلي الله عليه وآله)دليل علي أن لهم فضلاً ومنزلة يستحقون بها الصلاة وإيجابها علي الأمّة كالنبيّ(صلي الله عليه وآله) وكفي بذلك فضلاً باذخاً، والمراد بآل محمّد: «عليّ وفاطمة والحسن والحسين» كما نطقت به الأخبار المتواترة كحديث الكساء وغيره، ولا شك أن علياً أفضلهم فيكون هو الإمام، وإنما قلنا إن الآية أرادت الصلاة عليه وعلي آله معاً، لتصريح الأخبار المفسّرة لكيفية الصلاة علي النبيّ(صلي الله عليه وآله) بذلك. كالرواية التي نقلها المصنّف عن مسلم. «إلي أن أتمّ تعبيره بقوله»: والقوم كما تري قد اجتهدوا في إنكارهم مراغمة للأدلة الواضحة، بل اجتهدوا في درس فضائلهم بكلّ ما تناله أوهامهم، وجدّوا في الإزراء بهم والغضّ من شأنهم. كما يشهد له أنهم مع وجود هذه الآية الشريفة وتلك الأخبار المستفيضة، وهي بمرأي منهم ومسمع، تراهم إذا ذكروا رسول الله(صلي الله عليه وآله)أفردوه عن آله بالصلاة، واذا ذكروا واحداً من آله الطاهرين لم يصلّوا أو يسلّموا عليه كما أمر الله ورسوله، بل يترضّون عليه كسائر المسلمين، مع أنه قد ورد أن النبيّ(صلي الله عليه وآله) نهي عن الصلاة البتراء فقيل له: وما الصلاة البتراء؟ قال: «تقولون: اللهم صلّ علي محمّد

وتمسكون، بل قولوا: اللهم صلّ علي محمّد وآل محمد»، كما ذكره ابن حجر في «الصواعق» في الآية الثانية من الآيات الواردة في أهل البيت. نعم ربّما يصلّون علي آله معه في أوائل مصنّفاتهم وأواخرها، لكن يضيفون إليه صحبه، كراهة لإفرادهم وتمييزهم علي صحبه بالاقتران مع النبي(صلي الله عليه وآله) كما ميّزهم الله ورسوله.

ثم قال(رحمه الله) منكراً علي الزمخشري فيما ذكره في تفسيره كما سيظهر لنا في أجوبته ورده:

أوّلاً: أنه إذا لم يكن لهم كلام في الصلاة عليهم علي سبيل التبع، فلم التزموا بتركها إذا ذكروه(صلي الله عليه وآله) كما سبق؟ فهل المنشأ غير الانحراف عن آل محمد(صلي الله عليه وآله)؟

ثانياً: لا تصحّ كراهتها عند انفرادهم بالذكر، وما ذكره من صيرورتها شعاراً لذكر رسول الله(صلي الله عليه وآله) فهو لا يوجب الكراهة، لأنهم منه وهو منهم، وتعظيمهم تعظيمه، وما بالهم جعلوها شعاراً لذكره(صلي الله عليه وآله) دونهم؟ وهم شركاؤه في أمر الله بالصلاة عليهم. وأما الاتهام بالرفض، فهو لو اقتضي كراهة الصلاة علي آل محمّد، وتغيير حكم الله تعالي، لأدّي إلي كراهة حبهم، ولعلّه لهذا تظهر منهم آثار العداوة لآل محمّد. علي أن الاتهام إنما يقتضي الكراهة في مقام التهمة، فما بالهم تركوا الصلاة علي آل محمّد في كل مقام؟ وأما الحديث فلو صحّ لم يكن أن يفهم منه مسلم إرادة النبيّ(صلي الله عليه وآله)، النهي عن تعظيم آله الطاهرين الذي هو من علائم الإيمان ومأمور به في الكتاب العزيز.

«وفي كتاب القول القيم» قال شيخ الاسلام ابن القيم [ص 40]: فإن الصلاة علي النبيّ(صلي الله عليه وآله) حقّ له ولآله دون سائر الاُمّة، ولهذا تجب عليه وعلي آله عند الشافعي وغيره. فمن قال إن آله في

الصلاة هم الاُمّة فقد أبعد غاية الإبعاد. وأيضاً: فإن النبيّ(صلي الله عليه وآله)شرع في التشهّد السلام والصلاة، فشرع في السلام تسليم المصلّي علي الرسول(صلي الله عليه وآله)أولاً، وعلي نفسه ثانياً، وعلي سائر عباد الله الصالحين ثالثاً، وقد ثبت عن النبيّ(صلي الله عليه وآله) أنه قال: «إذا قلتم ذلك فقد سلّمتم علي كل عبد صالح في السماء والأرض».

وأما الصلاة فلم يشرعها إلاّ عليه وعلي آله فقط، فدلّ أن آله هم أهله وأقاربه.

سوره مجادله، آيه 13

في قوله تعالي: (أأشفقتم أن تقدّموا بين يدي نجواكم صدقات) [المجادلة: 13].

لقد فضّل الكتاب المجيد علياً(عليه السلام) بشتي وجوه التفضيل، حتي عجزت الألسن عن الإحاطة بها، وكلّت العقول وحارت عن إدراك مراميها، فياحبّذا له وما أحقه بذلك، فإنّه أوحد النّاس الذي يحارب علي تأويله، وأحرصهم علي العمل بما فيه وأسرعهم علي اتباع أوامره، حتي أنه(عليه السلام) قد تفرّد بفعل آية في كتاب الله تعالي ما لم يعمل بها أحد من الأولين قبله، ولا أحد من الآخرين بعده، ألا وهي آية النجّوي.

قال ابن عمر: كانت لعليّ ثلاثة لو كانت لي واحدة منها أحب إليّ من حمر النعم: تزويجه بفاطمة، وإعطاؤه الراية يوم خيبر، وآية النجوي.

وروي الحاكم في «المستدرك» [2: 482]: في تفسير سورة المجادلة عن عليّ [86] قال: إن في كتاب الله لآية ما عمل بها أحد قبلي ولا يعمل بها أحد بعدي، آية النجوي: (يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدّموا بين يدي نجواكم صدقات) الآية.

قال: كان عندي دينار فبعته بعشرة دراهم، فناجيت النبيّ(صلي الله عليه وآله) وكنت كلّما ناجيت النبيّ(صلي الله عليه وآله) قدّمت بين نجواي درهماً، ثم نسخت فلم يعمل بها أحد. فنزلت: (أأشفقتم أن تقدّموا بين يدي نجواكم صدقات) الآية.

قال

الحاكم: هذا حديث صحيح علي شرط الشيخين ولم يخرجاه.

وروي السيوطي في «الدر المنثور» [3: 185 ط. قم منشورات مرعشي نجفي]: عن عبد ابن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد قال: نهوا عن مناجاة النبي(صلي الله عليه وآله)حتي يقدّموا صدقة، فلم يناجه إلاّ علي بن أبي طالب، فإنه قد قدّم ديناراً فتصدّق به، ثم ناجي النبي(صلي الله عليه وآله) فسأله عن عشر خصال، ثم نزلت رخصة.

وروي أيضاً في [ص83] ما أخرجه ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، والترمذي وحسّنه، وأبو يعلي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن مردويه، والنحّاس عن عليّ بن أبي طالب قال: لما نزلت: (يا أيها الّذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدّموا بين يدي نجواكم صدقات) الآية. قال لي النبيّ(صلي الله عليه وآله) ما تري، ديناراً؟ قلت: لا يطيقونه. قال: فنصف دينار؟ قلت: لا يطيقونه. قال: فكم؟ قلت: شعيرة. قال: إنك لزهيد. قال: فنزلت: (أأشفقتم أن تقدّموا بين يدي نجواكم صدقات) قال عليّ(عليه السلام): فبي خفّف الله عن هذه الاُمّة.

وفي [ص85] روي أيضاً ما أخرجه عبد بن حميد عن سلمة بن كهيل: (يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم) الآية. قال: أوّل من عمل بها عليّ(رضي الله عنه) ثم نسخت، والله أعلم.

وقد روي أيضاً هذه الأخبار ابن كثير في تفسيره [4: 326]: ثم صرّح بقوله: وقد قيل إنه لم يعمل بهذه الآية قبل نسخها سوي علي بن أبي طالب(رضي الله عنه).

وقد أخرج ابن المغازلي في «المناقب» [ص326] مسنداً. قال: أخبرنا أحمد بن محمّد إذناً، أخبرنا عمر بن عبدالله بن شوذب، حدّثنا أحمد بن إسحاق الطيبيّ، حدّثنا محمّد بن عبد العوام. حدّثنا سعيد بن سليمان، حدّثنا أبو شهاب، عن ليث، عن مجاهد قال: قال

عليّ ابن أبي طالب(عليه السلام): آية في كتاب الله ما عمل بها أحد من النّاس غيري «النجّوي» كان لي دينار بعته بعشرة دراهم، فكلّما أردت أن اُناجي النبيّ(صلي الله عليه وآله) تصدّقت بدرهم، ما عمل بها أحد قبلي ولا بعدي.

وفي «دلائل الصدق» للشيخ حسن المظفر [2: 104 ط. بصيرتي قم]. روي عن «منهاج الكرامة» للحلّي عن أبي نعيم، عن ابن عبّاس قال: إن الله حرّم كلام رسول الله إلاّ بتقديم الصدقة، وبخلوا أن يتصدّقوا قبل كلامه، وتصدّق عليّ ولم يفعل ذلك أحد من المسلمين غيره.

وفي تفسير الميزان للسيد الطباطبائي [19: 317 ط. دار الكتب الاسلامية طهران] في قوله تعالي: (أأشفقتم أن تقدّموا بين يدي نجواكم صدقات)، الآية ناسخة لحكم الصدقة المذكور في الآية السابقة، وفيه عتاب شديد لصحابة النبي(صلي الله عليه وآله) والمؤمنين. حيث إنّهم تركوا مناجاته(صلي الله عليه وآله) خوفاً من بذل المال بالصدقة، فلم يناجه أحد منهم إلاّ عليّ(عليه السلام)فإنّه ناجاه عشر نجوات، كلّما ناجاه قدّم بين يدي نجواه صدقة، ثم نزلت الآية ونسخت الحكم.

وفي تفسير «مجمع البيان» للطبرسي [9 10: 252 ط. دار إحياء التراث العربي بيروت]: قال مجاهد وقتادة: لمّا نهوا عن مناجاته صلوات الرّحمن عليه حتي يتصدّقوا، لم يناجه إلاّ عليّ بن أبي طالب عليه أفضل الصلوات، قدّم ديناراً فتصدّق به. ثم نزلت الرخصة.

سوره زخرف، آيه 41

في قوله تعالي: (فإمّا نذهبن بك فإنّا منهم منتقمون) [الزخرف: 41].

قد أورد جمع من أعلام المفسّرين وأساطين المحدّثين من جملة الأخبار والآثار في كتبهم روايات مصرحة بأن انتقام الله عزّوجلّ من الكفار والمنافقين بعلي(عليه السلام)، وما ينتقم به إلاّ إكراماً لنبيّه(صلي الله عليه وآله) فإنه جلّ وعزّ لم يُرِ حبيبه تلك النقمة. ولم يَر في اُمّته

إلاّ ما قرّت به عينه، وقد كان بعده(صلي الله عليه وآله) نقمة شديدة كما قال بذلك الحسن وقتادة فيما رواه الطبرسي في تفسيره «مجمع البيان» [5: 64] وغيره من أعلام الاُمّة.

وقال فيه أيضاً: وقد روي أنه(صلي الله عليه وآله) أري ما تلقي اُمّته بعده فما زال منقبضاً ولم ينبسط ضاحكاً حتي لقي الله تعالي. ثم روي عن جابر بن عبدالله الأنصاري أنه قال: إني لأدناهم من رسول الله(صلي الله عليه وآله) في حجة الوداع بمني حتي قال(صلي الله عليه وآله): «لألفينّكم ترجعون بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض، وأيم الله لئن فعلمتوها لتعرفنّني في الكتيبة التي تضاربكم»، ثم التفت إلي خلفه فقال: «أو عليّ» ثلاث مرات، فرأينا أن جبرئيل غمزه فأنزل الله علي أثر ذلك: (فإما نذهبّن بك فإنّا منهم منتقمون) بعليّ بن أبي طالب(عليه السلام).

وقد روي ذيل الحديث المذكور إمام الحنابلة في مسنده [3: 8 و87 و104]: عن عبدالله بن عمر عن النبيّ(صلي الله عليه وآله) أنه قال في حجة الوداع: «ويحكم أو قال ويلكم لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض»، وفي [5: 37 و 39]: فعن أبي بكرة، وروي في [5: 59] عن ربيعة بن كلثوم عن أبي غادية.

وفي «الدر المنثور» [7: 379] روي السيوطي عن ابن مردويه، والبيهقي في «شعب الإيمان» من طريق حميد عن أنس بن مالك(رضي الله عنه) في قوله تعالي: (فإما نذهبنّ بك فإنّا منهم منتقمون) قال: أكرم الله نبيّه أن يريه في اُمّته ما يكره فرفعه إليه، وبقيت النقمة.

وروي أيضاً ما رواه ابن جرير، وابن المنذر عن الحسن(رضي الله عنه) في قوله تعالي: (فإما نذهبنّ بك فإنّا منهم منتقمون) قال: لقد كانت نقمة شديدة، أكرم الله

نبيه أن يريه في اُمّته ما كان من النقمة بعده.

وروي أيضاً ما أخرجه ابن مردويه من طريق محمد بن مروان، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن جابر بن عبدالله، عن النبيّ(صلي الله عليه وآله) في قوله تعالي: (فإِما نذهبنّ بك فإنّا منهم منتقمون) نزلت في عليّ بن أبي طالب، إنّه ينتقم من الناكثين والقاسطين بعدي.

وفي «المستدرك» [3: 126]: روي الحاكم عن ابن عبّاس(رضي الله عنه) قال: كان علي يقول في حياة رسول الله(صلي الله عليه وآله): إن الله يقول: (أفئن مات أو قتل انقلبتم علي أعقابكم)والله لا ننقلب علي أعقابنا بعد إذ هدانا الله. والله لئن مات أو قتل لأقاتلنّ علي ما قاتل عليه حتي أموت، والله إني لأخوه ووليّه وابن عمه ووارث علمه، فمن أحق به مني؟

وفيه أيضاً عن مجاهد عن ابن عبّاس أن النبي(صلي الله عليه وآله) قال في خطبة خطبها في حجة الوداع: لأقتلن العمالقة في كتيبة، فقال له جبرئيل(عليه السلام): أو عليّ، قال(صلي الله عليه وآله): أو عليّ بن أبي طالب.

وفي «فضائل الخمسة» [2: 359] للسيد مرتضي الحسيني الفيروزآبادي عن تأريخ الخطيب البغدادي [8: 340] روي بسنده عن خليد العصري قال: سمعت أمير المؤمنين علياً(عليه السلام) يقول يوم النهروان: أمرني رسول الله(صلي الله عليه وآله) بقتال الناكثين والمارقين والقاسطين.

وفي تأريخ بغداد أيضاً [13: 186 187]: روي الخطيب بسنده عن علقمة والأسود قالا: أتينا أبا أيوب الأنصاري عند منصرفه من صفين فقلنا له: يا أبا أيوب إن الله أكرمك بنزول محمّد(صلي الله عليه وآله) وبمجيء ناقته تفضلاً من الله وإكراماً لك، حتي أناخت ببابك دون النّاس، ثم جئت بسيفك علي عاتقك تضرب به أهل لا إله إلاّ الله؟ فقال: يا هذا إن

الرائد لا يكذب أهله، وإن رسول الله(صلي الله عليه وآله) أمرنا بقتال ثلاثة مع عليّ(عليه السلام): بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين، فأما الناكثون فقد قتلناهم [87]، أهل الجمل طلحة والزبير، وأما القاسطون فهذا منصرفنا من عندهم، يعني معاوية وعمراً وأما المارقون فهم أهل الطرقات [88] وأهل السعيفات وأهل النخيلات وأهل النهروانات، والله ما أدري أين هم، ولكن لا بد من قتالهم إن شاء الله.

قال: وسمعت رسول الله(صلي الله عليه وآله) يقول لعمار: «تقتلك [89] الفئة الباغية، وأنت إذ ذاك مع الحق والحق معك، يا عمار بن ياسر، إن رأيت علياً قد سلك وادياً وسلك النّاس غيره، فأسلك مع عليّ، فانه لن يدليك في ردي، ولن يخرجك من هدي، يا عمار من تقلّد سيفاً أعان به علياً عليّ عدوه قلّده الله يوم القيامة وشاحين من در، ومن تقلّد سيفاً أعان به عدو عليّ عليه، قلّده الله يوم القيامة وشاحين من نار»، قلنا: يا هذا حسبك رحمك الله، حسبك رحمك الله.

وفي «اُسد الغابة» لابن الأثير [4: 32]: روي بسنده عن أبي سعيد الخدري قال: أمرنا رسول الله بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين، فقلنا: يا رسول الله أمرتنا بقتال هؤلاء فمع من؟ فقال: «مع عليّ بن أبي طالب، معه يقتل عمار بن ياسر».

وفي «اُسد الغابة ايضاً» [4: 33]: روي بسنده عن مخنف بن سليم قال: أتينا أبا أيوب الأنصاري فقلنا: قاتلت بسيفك مع رسول الله(صلي الله عليه وآله) ثم جئت تقاتل المسلمين؟ قال: أمرني رسول الله(صلي الله عليه وآله) بقتل الناكثين والقاسطين والمارقين.

وفيه أيضاً روي بسنده عن عليّ بن ربيعة قال: سمعت علياً(عليه السلام) علي منبركم هذا يقول: عهد إليّ رسول الله(صلي الله عليه وآله) أن اُقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين.

وفي

«كنز العمال» [6: 82] قال: عن علي بن ربيعة قال: سمعت علياً(عليه السلام) يقول علي المنبر وأتاه رجل فقال: يا أمير المؤمنين، ما لي أراك تستحل النّاس استحلال الرجل إبله؟ أبعهد من رسول الله(صلي الله عليه وآله) أو شيئاً رأيته؟ قال: والله ما كذّبت ولا كذبت ولا ضللت ولا ضلّ بي، بل عهدٌ من رسول الله(صلي الله عليه وآله) عهده إليّ. وقد خاب من افتري، عهد إليّ النبيّ(صلي الله عليه وآله) أن اقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين. قال: أحرجه البزار، وأبو يعلي.

وفيه أيضاً [6: 319]: قال: عن أبي مسعود قال: خرج رسول الله(صلي الله عليه وآله) فأتي منزل اُم سلمة، فجاء علي(عليه السلام) فقال رسول الله(صلي الله عليه وآله): «يا اُم سلمة، هذا والله قاتل القاسطين والناكثين والمارقين بعدي»، قال: أخرجه الحاكم في «الأربعين» وابن عساكر، وذكره الطبري أيضاً في «الرياض النضرة» [2: 240]:

وفي «مجمع الزوائد» للهيثمي [9: 235]: عن مخنف بن سليم قال: أتينا أبا أيوب الأنصاري وهو يعلف خيلاً له بصنعاء، فقلنا عنده، فقلت: يا أبا أيوب قاتلت المشركين مع رسول الله(صلي الله عليه وآله) ثم جئت تقاتل المسلمين؟ قال: كان رسول الله(صلي الله عليه وآله) أمرني بقتال ثلاثة: الناكثين والقاسطين والمارقين، فقد قاتلت الناكثين وقاتلت القاسطين، وأنا مقاتل إن شاء الله المارقين بالسعفات، بالطرقات، بالنهروان، وما أدري أين هم. قال: رواه الطبراني.

وفي تفسير الميزان [18: 107]: قال: وفي تفسير القمي بإسناده عن يحيي بن سعيد عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: (فإمّا نذهبنّ بك) يا محمّد من مكّة إلي المدينة، فإنا رادّوك إليها ومنتقمون منهم بعليّ بن أبي طالب(عليه السلام).

وأخرج ابن المغازلي في «المناقب» برقم 366 ص320 قال: أخبرنا أحمد بن محمّد إجازة، أخبرنا

عمر بن عبدالله بن شوذب، حدّثنا محمّد بن حسن بن زياد، حدّثنا يوسف ابن عاصم، حدّثنا أحمد بن صبيح، حدّثنا يحيي بن يعلي، عن عمر بن عيسي، عن جابر قال: لمّا نزلت علي رسول الله(صلي الله عليه وآله): (فإمّا نذهبنّ بك فإنّا منهم منتقمون) قال(صلي الله عليه وآله): بعليّ بن أبي طالب.

وفي «ينابيع المودة» [ص98] في الباب السادس والعشرين روي الشيخ المؤلّف الحافظ سليمان بن إبراهيم القندوزي الحنفي ما أخرجه أبو نعيم الحافظ بسنده عن زر بن حبيش عن حذيفة بن اليمان(رضي الله عنه) قال: قوله تعالي: (فإنّا منهم منتقمون) بعليّ.

وروي فيه أيضاً عن الحافظ ابن المغازلي الحديث الآنف ذكره عن محمّد الباقر عن جابر بن عبدالله الأنصاريّ.

سوره انسان، آيه 8

في قوله تعالي: (ويطعمونَ الطعامَ علي حبّه مسكيناً ويتيماً وأسيراً) [الانسان: 8].

ذكر الكتاب العزيز في هذه السورة الكريمة أوصاف الأبرار التي دامت شاهدة علي رفيع منزلتهم، وقامت مشيرة إلي علوّ مكانتهم وعظيم مرتبتهم. وظلّت معلنة بسموّ أفضليتهم، وثبوت ما اختصهم الله بأجلّ وجوه التشريفات وأبهي أنواع التكريمات وأزهي التفضيلات، بحيث لا يمكن تطبيقهاعلي أبرار وخيار هذه الاُمّة، إلاّ علي العترة المطهّرة، أهل بيت الكرامات ومعدن الرسالة القيمة، لكمال إخلاصهم، وصفاء سرائرهم، وتنوّر بصائرهم، وطهارة نفوسهم، وشدّة حبهم لله وخوفهم منه جلّ جلاله، وتمام حسن نيّتهم في الأعمال، وعظيم جهدهم في الإيثار علي أنفسهم ولو كان بهم خصاصة. إذ لم يوجد لغيرهم في الاُمّة المحمّدية إخلاص وحبٌّ وخوفٌ ورجاءٌ، وطهارة نفس وصفاء طويّة بهذه المثابة، حتي أنزل الله فيهم هذه السورة الشريفة، كما روي ذلك جمع من أعيان المفسّرين في تفاسيرهم، والحفّاظ في سننهم ومسانيدهم، والمؤرّخون في مصنّفاتهم،فمنهم:

شهاب الدين بن عبد ربه المالكي المتوفّي [سنة 310]: ذكر في

كتاب «العقد الفريد» [3: 42 47]: حديث احتجاج المأمون الخليفة العباسيّ علي أربعين فقيهاً.

وفيه قال: يا إسحاق! هل تقرأ القرآن؟ قلت: نعم، قال: إقرأ عليّ: (هل أتي علي الانسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً)، فقرأت منها حتي بلغت (يشربون من كأس كان مزاجها كافوراً) إلي قوله تعالي: (ويُطعمون الطعام علي حبّه مسكيناً ويتيماً وأسيراً) قال: علي رسلك، فيمن أنزلت هذه الآية؟ قلت: في عليّ، قال: فهل بلغك أن علياً حين أطعم المسكين واليتيم والأسير قال: (إنما نُطعمكم لوجه الله)؟ وهل سمعت الله وصف في كتابه أحداً بمثل ما وصف به علياً؟ قلت: لا، قال: صدقت، لأن الله جلّ ثناؤه عرف سيرته. يا إسحاق! ألست تشهد أن العشرة في الجنة؟ قلت: بلي يا أمير المؤمنين، قال: أرأيت لو أن رجلاً قال: والله ما أدري هذا الحديث صحيح أم لا، ولا أدري إن كان رسول الله قاله أم لم يقله، أكان عندك كافراً؟ قلت:: أعوذ بالله. قال: أرأيت لو أنه قال: لا أدري هذه السورة من كتاب الله أم لا، كان كافراً؟ قلت: نعم، قال: يا إسحاق أري بينهما فرقاً.

وقد أجاد من قال شعراً:

هم العروة الوثقي لمعتصم بها

مناقبهم جاءت بوحي وإنزال

مناقب في الشوري وسورة هل أتي

وفي سورة الأحزاب يعرفها التالي

وهم أهل بيت المصطفي فودادهم

علي النّاس مفروض بحكم وإسجالِ

وروي الشبلنجي في «نور الأبصار» [ص 124 126] عن الشيخ الأكبر أن عبدالله ابن عبّاس قال في قوله تعالي: (يوفون بالنذر ويخافون يوماً كان شرّهُ مستطيراً): مرض الحسن والحسين رضيّ الله عنهما وهما صبيان فعادهما رسول الله(صلي الله عليه وآله) ومعه أبو بكر وعمر، فقال عمر لعليّ(عليه السلام): يا أبا الحسن لو نذرت عن ابنيك نذراً إنِ الله

عافاهما، قال: أصوم ثلاثة أيام شكراً لله، قالت فاطمة: وأنا أصوم ثلاثة شكراً لله، وقال الصبيان: ونحن نصوم ثلاثة أيام، وقالت: جاريتهما فضة: وأنا أصوم ثلاثة أيام. فألبسهما الله العافية فأصبحوا صياماً وليس عندهم طعام، فانطلق عليّ إلي جار له من اليهود يقال له شمعون، يعالج الصوف، فقال له: هل لك أن تعطيني جزّة من صوف تغزلها لك بنت محمّد بثلاثة أصوع من شعير؟ قال: نعم، فأعطاه فجاء بالصوف والشعير فأخبر فاطمة فقبلت وأطاعت، ثم غزلت ثلث الصوف فأخذت صاعاً من الشعير فطحنته وعجنته وخبزته خمسة أقراص، لكلّ واحد قرص، وصلّي عليّ(رضي الله عنه) مع رسول الله(صلي الله عليه وآله) المغرب ثم أتي منزله فوضع الخوان فجلسوا، فأول لقمة كسرها عليّ(رضي الله عنه) إذا مسكين واقف علي الباب، فقال: السلام عليكم يا أهل بيت محمّد، أنا مسكين أطعموني مما تأكلون أطعمكم الله من طعام الجنّة، فوضع علي اللقمة من يده، ثم قال:

فاطم ذات المجد واليقين

يا بنت خير النّاس أجمعين

أما ترين البائس المسكين

جاء إلي الباب له حنين

كل امرئ بكسبه رهين

فقالت فاطمة «رض» من حينها:

أمرك سمع يابن عم وطاعه مالي من لوم وما ضراعه باللب غذيت وبالبراعه

أرجو إذا أنفقت من مجاعه أن ألحق الأبرار والجماعه وأدخل الجنّة بالشفاعه

قال: فعمدت إلي ما في الخوان فدفعته إلي المسكين وباتوا جياعاً، وأصبحوا صياماً لم يذوقوا إلاّ الماء القراح. ثم عمدت إلي الثلث الثاني من الصوف فغزلته، ثم أخذت صاعاً فطحنته وعجنته وخبزت من خمسة أقراص، لكل واحد منهم قرص، وصلّي عليّ المغرب مع النبي(صلي الله عليه وآله) ثم أتي منزله، فلما وضعت الخوان وجلس فأوّل لقمة كسرها عليّ(رضي الله عنه) إذا يتيم من يتامي المسلمين قد وقف علي الباب وقال:

السلام عليكم أهل بيت محمّد، أنا يتيم من يتامي المسلمين، أطعموني مما تأكلون أطعمكم الله من موائد الجنة. فوضع عليّ(رضي الله عنه) اللقمة من يده وقال:

فاطمه بنت السيد الكريم

قد جاءنا الله بذا اليتيم

من يطلب اليوم رضا الرحيم

موعده في جنة النعيم

فأقبلت السيدة فاطمة رضي الله عنها وقالت:

فسوف أعطيه ولا اُبالي

واُوثر الله علي عيالي

أمسوا جياعاً وهمو أمثالي

أصغرهم يقتل في القتال

ثم عمدت إلي جميع ما في الخوان فأعطته اليتيم، وباتوا جياعاً لم يذوقوا إلاّ الماء القراح وأصبحوا صياماً. وعمدت فاطمة إلي باقي الصوف فغزلته، وطحنت الصاع الباقي وعجنته وخبزته خمسة أقراص، لكل واحد قرص، وصلّي عليّ(رضي الله عنه) المغرب مع النبي(صلي الله عليه وآله)ثم أتي منزله، فقرّبت إليّه الخوان ثم جلس فأول لقمة كسرها إذا أسير من أساري المسلمين بالباب، فقال: السلام عليكم أهل بيت محمّد، إن الكفار أسرونا وقيّدونا وشدّونا فلم يطعمونا، فوضع عليّ(رضي الله عنه) اللقمه من يده، وقال:

فاطمة ابنة النبيّ أحمد بنت نبي سيد مسوّد هذا أسير جاء ليس يهتدي

مكبل في قيد المقيد يشكو إلينا الجوع والتشدد من يطعم اليوم يجده في غد

عند العلي الواحد الموحد

ما يزرع الزارع يوماً يحصد

فأقبلت فاطمة رضي الله عنها تقول:

لم يبق مما جاء غير صاع

قد دبرت كفي مع الذراع

وابناي والله ثلاثاً جاعا

يا ربّ لا تهلكهما ضياعا

ثم عمدت إلي ما كان في الخوان فأعطته إياه فأصبحوا مفطرين وليس عندهم شيء، وأقبل عليّ والحسن والحسين نحو رسول الله(صلي الله عليه وآله) وهما يرتعشان كالفرخين من شدّة الجوع، فلما أبصرهما رسول الله(صلي الله عليه وآله) قال: يا أبا الحسن أشد ما يسوءني ما أدرككم، انطلقوا بنا إلي ابنتي فاطمة، فانطلقوا إليها وهي في محرابها وقد لصق بطنها بظهرها من شدة الجوع وغارت عيناها.

فلما رآها رسول الله(صلي الله عليه وآله) ضمّها إليه وقال: واغوثاه! فهبط جبرئيل(عليه السلام) وقال: يا محمّد، خذ ضيافة أهل بيتك، قال: وما آخذ يا جبرئيل؟ قال: (ويُطعمون الطعام علي حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً) إلي قوله: (وكان سعيكم مشكوراً).

وروي ابن حجر العسقلاني في «الإصابة» [4: 376 ط. دار الكتاب العربي بيروت]: في ترجمة فضة عن ابن عبّاس في قوله تعالي: (يوفون بالنذر) الآية. قال: مرض الحسن والحسين فعادهما جدهما(صلي الله عليه وآله) وعادهما عامّة العرب، فقالوا لأبيهما لو نذرت، فقال عليّ: إن عوفيا فعليّ صيام ثلاثة أيام شكراً، وقالت فاطمة كذلك، وقالت جارية لها يقال لها فضة النوبية، فذكر حديثاً طويلاً.

وذكر الأميني في الغدير [3: 107 110] قول أبي جعفر الاسكافي في رسالته التي رد بها علي الجاحظ: لسنا كالإمامية الذين يحملهم الهوي علي جحد الاُمور المعلومة، ولكنّنا ننكر تفضيل أحد من الصحابة علي عليّ بن أبي طالب ولسنا ننكر غير ذلك، «إلي أن قال» وأما إنفاقه فقد كان حسب حاله وفقره، وهو الذي أطعم الطعام علي حبّه مسكيناً ويتيماً وأسيراً، واُنزلت فيه وفي زوجته وابنيه سورة كاملة من القرآن.

وذكر فيه أيضاً ممن روي الحديث المذكور الحافظ الكنجي المتوفي [سنة 658]، في «الكفاية» [ص201] وقال بعد ذكر الحديث: هكذا رواه الحافظ أبو عبدالله الحميدي في فوائده، ورواه ابن جرير الطبري أطول من هذا في أسباب نزول هل أتي. وقد سمعت الحافظ العلاّمة أبا عمرو عثمان بن عبد الرّحمن المعروف بابن الصلاح في درس التفسير في سورة هل أتي، وذكر الحديث وقال فيه: إن السؤّال كانوا ملائكة من عند ربّ العالمين، وكان ذلك امتحاناً من الله عزّوجلّ لأهل بيت رسول الله(صلي الله عليه وآله)، وسمعت بمكّة

حرسها الله تعالي من شيخ الحرم بشير التبريزي: إن السائل الأوّل كان جبرئيل، والثاني ميكائيل، والثالث إسرافيل(عليهم السلام).

وذكر فيه أيضاً نظام الدين القمي النيسابوري، فإنه قال في تفسيره بهامش تفسير الطبري [29: 112]: ذكر الواحدي في «البسيط» والزمخشري في تفسير «الكشاف» وكذا الإمامية أطبقوا علي أن السورة نزلت في أهل بيت النبيّ(صلي الله عليه وآله) ولا سيما هذه الآية. ثم ذكر حديث الإطعام فقال: ويروي أن السائل في الليالي جبرئيل، أراد بذلك ابتلاءهم بإذن الله سبحانه.

وذكر فيه أيضاً محمّد بن طلحة الشافعي المتوفّي [سنة 652] فقد روي الحديث في «مطالب السؤول» [ص31] وقال: رواه الإمام أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي وغيره من أئمة التفسير. ثم قال: فكفي بهذه عبادة، وبإطعام هذا الطعام مع شدّة حاجتهم إليّه منقبةً. ولولا ذلك لما عظمت هذه القصة شأناً، وعلت مكاناً، ولما أنزل الله تعالي فيها علي رسوله قرآناً.

وذكر فيه أيضاً سبط ابن الجوزي الحنفي المتوفّي [سنة 654] في كتاب «تذكرة الخواص» من طريق البغوي والثعلبي وردّ علي جدّه ابن الجوزي في إخراجه في الموضوعات.

وقال بعد تنزيه سنده عن الضعف: والعجب من قول جدّي وإنكاره، وقد قال في كتابه «المنتخب»: يا علماء الشرع! أعلمتم لم آثر «علي وفاطمة» وتركا الطفلين «الحسنين» وعليهما أثر الجوع؟ أتراهما خفي عنهما سرّ ذلك؟ وما ذاك إلاّ لأنهما علما قوة صبر الطفلين، وأنهما غصنان من شجرة الظل عند ربي، وبعض من جملة فاطمة بضعة منّي، وفرخ البط السابح [90].

وقد روي هذا الحديث جملة كبيرة من أعلام الأمة وأعيان المفسّرين وجمع من حملة الأخبار والآثار في كتبهم، بلغ عددهم 34 راوياً، كما ذكرهم الحبر العلم الحجة المجاهد شيخنا الأكبر عبد الحسين أحمد الأميني النجفي في

كتابه النفيس القيم «الغدير» [3: 103] تغمده الله بوابل رحمته، وأسكنه فسيح جنته.

قال الخطيب الشاعر الشيخ كاظم آل حسن الجنابي ممتدحاً ذلك الكتاب المعرب عن سعة إحاطة مؤلّفه بالفنون وتبحّره في العلوم:

سألوني عن «الغدير» أناس

أين كان «الغدير» قبل الأميني؟

قلت: كان الغدير في سجن غيّ

صفّدته قيود إفك ومين

وغدا في السجون من يوم خمّ

يوم قال الإله: أكملت ديني

قد أتاه «الأمين» لمّا دعاه

مستعيناً فيا له من معين

فجزاه الإله خير جزاء

أوضح الحق في كتاب مبين

وإذا بالغدير بين يدينا

فيه تبيان كل شيء دفين

فيه ما تشتهي النفوس وفيه

ما تلذّ العيون رأي العيون

فرحة الصّادقين فيه وفيه

ترحة الكاذبين حقّ اليقين

يا كتاب «الغدير» أبهجت منّا

مذْ تلوناك كلّ قلب حزين

سوف تبقي بغرّة الدهر نوراً

خالداً في الوجود طول السنين

وسلام علي مؤلّف سفر

فاق فضلاً رجال كلّ القرون [91].

سوره توبه، آيه 3

في قوله تعالي: (وأذانٌ مِن الله ورسولهِ إِلي النّاس يومَ الحجِّ الأكبر)[التوبة: 3].

إذا أمعنا نظرنا شطر هذه الآية، وتدبّرنا فيما يتعلّق بها من الأخبار والروايات تكشّفت من خلالها آية من الحكمة العظيمة، وبدت من جانبها أعلام الفضيلة العليا، وظهرت جلياً من ورائها حيث لا غبار فيها أولوية من قام بالنيّابة عن سيّد الأنبياء في تبليغ ما أمره الله سبحانه، ولا سيما بعد أن وردت عنه(صلي الله عليه وآله) أخبار مصرحة، ما ارتبطت بتبليغ من أمره أوّل مرة إلي أهل مكة، وكان أوّل من بعثه بها شيخ المهاجرين أبا بكر، فما مضت ليلتان أو ثلاث من رحلته حتي هبط بأمر الله جبرئيل منبّهاً بقوله الّذي يتضمّن فيه عدم أحقية من بعثه بها، ومظهراً أولوية من أخذها منه. فقال: لا يؤدّي عنك إلاّ أنت أو رجل منك.

فمن ذلك لا أظن أن يكون عند ذوي العدالة والإنصاف أدني شك، بأن هذه القضية

لم تكن إلاّ لتصير عبرةً لاُولي الأبصار، وإشارةً لاُولي النهي والاعتبار، بأن من اختاره الله أن يكون نائباً عن رسوله، كان أحق وأولي من يتولّي الأمر من بعده، إذا ما أتي أمر الله عليه.

روي الطبري في تفسيره [6: 306 ط. دار الكتب العلمية بيروت] وابن كثير في تفسيره [2: 333] عن زيد بن يثيع قال: نزلت براءة فبعث بها رسول الله(صلي الله عليه وآله) أبا بكر، ثم أرسل علياً فأخذها منه، فلما رجع أبو بكر قال: هل نزل فيّ شيء؟ قال(صلي الله عليه وآله): «لا، ولكني اُمرت أن أبلّغها أو رجل من أهل بيتي»، فانطلق عليّ إلي مكّة فقام فيهم بأربع. إلخ.

وفي خصائص النسائي [ص2]. و «الأموال» لأبي عبيد [ص565] عن زيد أيضاً قال: إن رسول الله(صلي الله عليه وآله) بعث ببراءة إلي أهل مكّة مع أبي بكر، ثم أتبعه بعليّ فقال له: «خذ الكتاب وامض إلي أهل مكّة». قال: فلحقه فأخذ الكتاب منه. فانصرف أبو بكر وهو كئيب، فقال لرسول الله(صلي الله عليه وآله): أنزل فيّ شيء؟ قال: «لا، إلاّ أني اُمرت أن أبلّغه أنا أو رجل من أهل بيتي».

وأخرج أحمد بن حنبل في مسنده [1: 151]: عن حنش عن عليّ(رضي الله عنه) قال: لما نزلت عشر آيات من براءة علي النبي(صلي الله عليه وآله) دعا النبيّ(صلي الله عليه وآله)أبا بكر فبعثه بها ليقرأها علي أهل مكّة. ثم دعاني النبيّ(صلي الله عليه وآله) فقال لي: «أدرك أبا بكر(رضي الله عنه)فحيثما لحقته فخذ الكتاب منه، فاذهب به إلي أهل مكّة فاقرأه عليهم» فلحقته بالحجفة فأخذت الكتاب منه، ورجع أبو بكر إلي النبيّ(صلي الله عليه وآله) فقال: يا رسول الله، نزل فيّ شيء؟ قال: «لا، ولكن

جبريل جاءني فقال: لن يؤدّي عنك إلاّ أنت أو رجل منك».

وأخرج أيضاً في مسنده [1: 150]: عن حنش عن علي(رضي الله عنه): أن النبيّ حين بعثه ببراءة فقال: يا نبيّ الله إني لست باللسن ولا بالخطيب، قال(صلي الله عليه وآله): ما بد أن أذهب بها أنا أو تذهب بها أنت. قال: فإن كان ولا بدّ فسأذهب أنا، قال(صلي الله عليه وآله): «فانطلق فإن الله يثبت لسانك ويهدي قلبك»، قال: ثم وضع يده علي فمه. ورواه ابن كثير في تفسيره[2: 333]. والسيوطي في «الدر المنثور» [4: 122]:

وروي ابن كثير في تأريخه [7: 357]: واحمد بن حنبل في مسنده [1: 3]: والكنجي في «الكفاية» [ص125] عن أبي بكر بن أبي قحافة قال: إن النبيّ بعثه ببراءة إلي أهل مكّة، لا يحجّ بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان. ولا يدخل الجنة إلاّ نفس مسلمة، من كان بينه وبين رسول الله مدّة فأجله إلي مدّته، والله بريء من المشركين ورسوله، فسار بها ثلاثاً ثم قال لعليّ(رضي الله عنه): إلحقه فردّ عليّ أبا بكر، وبلّغها أنت، قال: ففعل. فلما قدم علي النبيّ أبو بكر بكي، قال: يا رسول الله، حدث فيّ شيء؟ قال(صلي الله عليه وآله): ما حدث فيك إلاّ خير، ولكن اُمرت أن لا يبلّغه إلاّ أنا أو رجل منيّ [92].

وأخرج الترمذي في جامعه [2: 135]: والبيهقي في سننه [9: 234]: والخوارزمي في «المناقب» [ص164 ط. جامعة المدرسين قم]. والشوكاني في تفسيره [2: 319]: عن ابن عباس قال: بعث النبي(صلي الله عليه وآله) أبا بكر وأمره بأن ينادي بهؤلاء الكلمات، ثم أتبعه عليّاً، فبينا أبو بكر في بعض الطريق إذ سمع رغاء ناقة رسول الله(صلي الله عليه وآله)

القصواء فخرج أبو بكر فزعاً فظن أنه رسول الله، فإذا هو عليّ(رضي الله عنه) فدفع إليه كتاب رسول الله(صلي الله عليه وآله) وأمر علياً أن ينادي بهؤلاء الكلمات.

وروي السيوطي في «الدر المنثور» [3: 211] ما أخرجه ابن أبي حاتم عن حكيم بن حميد قال: قال لي عليّ بن الحسين «زين العابدين»، إن لعليّ(رضي الله عنه) في كتاب الله اسماً ولكن لا يعرفونه، قلت: ما هو؟ قال: ألم تسمع قول الله: (وأذان من الله ورسوله إلي النّاس يوم الحجّ الأكبر) هو والله الأذان. وذكره أيضاً السيّد مرتضي الحسيني الفيروزآبادي في «فضائل الخمسة» [1: 330].

وأخرج ابن عساكر بإسناده من طريق الحافظ عبد الرزاق عن ابن عبّاس قال: مشيت مع عمر بن الخطاب في بعض أزقّة المدينة فقال: يابن عبّاس، أظن القوم استصغروا صاحبكم إذ لم يولّوه أموركم، فقلت: والله ما استصغره رسول الله(صلي الله عليه وآله) إذ اختاره لسورة براءة يقرأها علي أهل مكّة، فقال لي: الصواب تقول، والله لسمعت رسول الله يقول لعليّ بن أبي طالب: «من أحبك أحبني، ومن أحبني أحب الله، ومن أحب الله أدخله الجنّة جذلاً».

وأخرج ابن مردويه والطبراني كما في «الدر المنثور» [3: 210 ط. مرعشي نجفي قم]عن أبي رافع، قال: بعث رسول الله(صلي الله عليه وآله) أبا بكر ببراءة إلي الموسم، فأتي جبريل(عليه السلام)، فقال: إنّه لن يؤدّيها عنك إلاّ أنت أو رجل منك، فبعث عليّاً(رضي الله عنه) علي أثره حتّي لحقه بين مكّة والمدينة فأخذها، فقرأها علي النّاس في الموسم.

وروي الحافظ الكنجي في الكفاية [ص 151] عن الحرث بن مالك قال: أتيت مكّة فلقيت سعد بن أبي وقاص فقلت: هل سمعت لعليّ منقبةً؟ قال: لقد شهدت له أربعاً لئن تكون

لي واحدةٌ منهن أحبّ إليّ من الدنيا أعمر فيها مثل عمر نوح: إن رسول الله(صلي الله عليه وآله)بعث أبا بكر ببراءة إلي مشركي قريش، فسار بها يوماً وليلة، ثم قال لعليّ: إتبع أبا بكر فحذها وبلّغها، فردّ عليّ(عليه السلام) أبا بكر، فرجع يبكي فقال: يا رسول الله، أنزل فيّ شيء؟ قال: «لا، إلاّ خيراً، أنه ليس يبلّغ عني إلاّ أنا أو رجل مني»، أو قال من أهل بيتي [93].

وروي النيسابوري في تفسيره بهامش تفسير الطبري [10: 36]: روي أن أبا بكر لما كان ببعض الطريق هبط جبريل(عليه السلام) وقال: يا محمّد لا يبلّغن رسالتك إلاّ رجل منك، فأرسل علياً، فرجع أبو بكر إلي رسول الله(صلي الله عليه وآله) فقال: يا رسول الله أشيء نزل من السماء؟ قال: «نعم، فسر وأنت علي الموسم، وعليّ يناديّ بالآي» «الحديث».

وفي تفسير الطبري [6: 307 ط. دار الكتب العلمية بيروت]: وفي تأريخه [2: 382 ط. الاعلمي]: عن السدّي قال: لمّا نزلت هذه الآيات إلي رأس أربعين آية بعث بهن رسول الله(صلي الله عليه وآله)مع أبي بكر وأمّره علي الحجّ، فلما سار فبلغ الشجرة من ذي الحليفة، أتبعه بعليّ فأخذها منه، فرجع أبو بكر إلي النبيّ(صلي الله عليه وآله)فقال: يا رسول الله! بأبي أنت واُمي أنزل في شأني شيء؟ قال: لا، ولكن لا يبلّغ عني غيري أو رجل منّي … فسار أبو بكر علي الحاج، وعليّ يؤذن ببراءة.

سوره بقره، آيه 274

في قوله تعالي: (الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرّاً وعلانية فلهم أجرهم عند ربّهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون)[البقرة: 274].

إن في هذه الآية أقوالاً، منهم من قال إنها نزلت في عليّ(عليه السلام) وهذا هو المتسالم عند القوم.

والثاني: فيمن يعلفون الخيل.

والثالث: أنها نزلت

في أبي بكر، وهذا القول الأخير يتعجب منه من له أقل إلمام بالتأريخ. إذ قالو: إن لأبي بكر فضائل جمّة لا يختلج منها ريب في قلوب المسلمين، كمصاحبته في الغار، ومرافقته في الهجرة من مكّة إلي المدينة، وغير ذلك مما كفاه عزّاً وفضلاًّ. منها قول من قال بنزول الآية فيه حين تصدّق بأربعين ألف دينار.

فيا للعجب أفكان الراوي لم يُعر جانباً من الاهتمام إلي كتب التأريخ؟ أو لم يكترث بما اتفقت جماعة من المفسّرين علي أن نزولها في عليّ(عليه السلام) حين تصدّق بأربعة دراهم فقط فنزلت، فيه الآية؟

أفيظنّون أن التأريخ يمرّ علي أبي بكر لاهياً عن أحواله من يوم كان في العهد الجاهلي إلي أن أسلم واستولي علي الخلافة؟ كلاّ، بل شهد التأريخ وما زال شاهداً إلي يوم النّاس هذا، بأن أبا بكر لم يكن في الجاهلية من مشاهير الأغنياء ومن ذوي الثروة الطائلة، حتي استطاع أن يتصدّق في أوليات الهجرة، إذ نزول هذه الآية في ذلك الحين، كما ذكره المفسّرون في تفاسيرهم، منهم: القرطبي في تفسيره [1: 132]: والخازن في تفسيره [1: 91]. والشوكاني في تفسيره «فتح القدير» [1: 27]. وابن كثير في تفسيره [1: 37]: وقال فيه: وهكذا قال غير واحد من الأئمة والعلماء والمفسّرين، ولا خلاف فيه. وكذا ما ذكره الأميني في «الغدير» [8: 57].

فأما ما كان من حال أبي بكر في عهد الجاهلية فلم يخف علي من تصفّح صفحات التأريخ بأن أبا قحافة كان أجيراً لعبد الله بن جذعان علي طعامه، كما ذكره الأميني في «الغدير» [8: 51]عن الكلبي في مثالبه وأبي الفرج الأصفهاني في «الأغاني» وابن أبي الحديد في «شرح النهج» [3: 272]. قال الكلبي في مثالبه: وأشار إليه اُمية

بن الصلت في قصيدة يمدح بها ابن جذعان:

له داع بمكّة مشمعلّ

وآخر فوق دارته ينادي

إلي ردح من الشيزي عليها

لباب البرّيلبك بالشهاد

قال الكلبي: المشمعلّ هو سفيان بن عبد الأسد. وآخر: أبو قحافة. وفي «مسامرة الأوائل» [ص88] يقال: إن الداعي هو أبو قحافة والد الصدّيق.

أمن المعقول أن يكون مثل أبي بكر يري أباه في أسوأ حالة وهو يتقلّب في مهاد النعمة وظلّ راضياً آمناً لا يروعه أدني شيء من اللوم؟ فهيهات أن يكون كذلك.

وأما ما كان من حاله بعد أن أسلم إلي أن تولّي الخلافة، فقد أخرج إبن سعد من طريق عطاء قال: لما استخلف أبو بكر أصبح غادياً إلي السوق وعلي رقبته أثواب يتّجر بها. فلقيه عمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح فقالا له:

أين تريد يا خليفة رسول الله؟ قال: السوق. قالا: تصنع ماذا وقد وليّت اُمور المسلمين؟ قال: فمن أين اُطعم عيالي؟ قالا: إنطلق حتي نفرض لك شيئاً. فانطلق معهما، ففرضوا كل يوم شطر شاة، وما كسوه في الرأس والبطن. وفي لفظ الحلبي: لما بويع أبو بكر بالخلافة أصبح وعلي ساعده قماش وهو ذاهب إلي السوق، فقال له عمر: أين تريد؟ قال: السوق (الخ).

فياليت شعري! أُذهل من قال بنزولها في أبي بكر عما هو المتسالم عند القوم بأن أبا بكر(رضي الله عنه) لا يملك يوم الهجرة إلي المدينة سوي خمسة أو ستة آلاف درهم، وهي جميع ما كان يملكه، فأنّي له أن يتصدّق بأربعين ألف دينار؟

قال المظفر في «دلائل الصدق» [2: 200]: أم أعجب من دعوي وجود هذا المال عند أبي بكر البالغ أربعمائة ألف درهم؟ وهو كان معلماً للصبيان في الجاهلية، وخياطاً في الاسلام، ولم يكن قسمه من الغنائم إلاّ كواحد من المسلمين، وقد

كان ماله عند الهجرة خمسة آلاف درهم أو ستة آلاف كما رواه الحاكم عن ابنته [أسماء بنت أبي بكر] في المستدرك [3: 5] ورواه أحمد عنها في مسنده [6: 350] … أم أعجب من خفاء الصدقة بهذا المال علي عامة النّاس حتي أظهرها هذا الراوي؟ وهي مما ينبغي أن تغني أكثر أهل المدينه في ذلك اليوم …، ولو كان من أهل الصدقة بمثل ذلك المقدار، فلم أشفق من تقديم الصدقة اليسيرة في النجوي؟ ولم أخذ من رسول الله حين الهجرة والضيق قيمة البعير الذي ابتاعه منه؟

وأما من قال بأن الآية نزلت فيمن يعلفون الخيل كما رواه السيوطي في الدر المنثور [1: 363 ط. مكتبة آية الله المرعشي النجفي] بعدة طرق فقد أنكره الطباطبائي في تفسيره «الميزان» [2: 430 ط. دار الكتب الاسلامية]: بقوله: أقول: المراد بهم المرابطون الذين ينفقون علي الخيل ليلاً ونهاراً، لكن لفظ الآية أعني قوله: (سرّاً وعلانيةً) لا ينطبق عليه. إذ لا معني لهذا التعميم والترديد في الانفاق علي الخيل أصلاً.

وكذلك قوله فيمن قال بأن نزول الآية في عبد الرحمن بن عوف، وعثمان بن عفان في نفقاتهم في جيش العسرة. ولا شك إذن في أن أصح الأقوال قول من قال بنزولها في عليّ(عليه السلام) كما قد اتفقت كلمات جمع من المفسرين والمحدّثين علي ذلك.

منهم: ابن كثير، روي في تفسيره [1: 333]: عن ابن جبير عن أبيه قال: كان لعلي أربعة دراهم، فأنفق درهماً ليلاً ودرهماً نهاراً ودرهماً سراً ودرهماً علانيةً فنزلت: (الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرّاً وعلانيةً) وقال: وكذا رواه ابن جرير من طريق عبد الوهاب بن مجاهد وهو ضعيف، لكن رواه ابن مردويه من وجه آخر عن ابن عبّاس، أنها

نزلت في علي بن أبي طالب.

وكذا روي الشوكاني في تفسيره «فتح القدير» [1: 294]: بالسند واللفظ المذكورين. وقال الطباطبائي في تفسيره «الميزان» [2: 429]: وفي المجمع [94] في قوله تعالي: (الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرّاً وعلانيةً) الآية. قال: سبب النزول عن ابن عبّاس: نزلت هذه الآية في عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) كانت معه أربعة دراهم، فتصدّق بواحد ليلاً وبواحد نهاراً وبواحد سرّاً وبواحد علانيةً فنزل: (الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سراً وعلانيةً). قال الطبرسي: وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبدالله (عليهما السلام).

ورواه أيضاً الشبلنجي في «نور الأبصار» [ص87].

وروي السيوطي في تفسيره «الدر المنثور» [1: 363] بعدّة طرق عن ابن عباس قال: نزلت «أي هذه الآية» في علي بن أبي طالب كانت له أربعة دراهم فأنفق بالليل درهماً وبالنهار درهماً وسرّاً درهماً وعلانيةً درهماً.

وأخرج ابن المغازلي بالاسناد الي ابن عباس في قوله تعالي: (الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرّاً وعلانيةً) الآية، قال: هو علي بن أبي طالب كان له اربعة دراهم (الخ). تجده في [ص280]من مناقبه.

وكما في فضائل الخمسة [1: 274 276 ط. إحياء التراث العربي بيروت]:

روي ابن الأثير في كتابه «اُسد الغابة» [4: 25] بطريقين عن مجاهد، عن ابن عبّاس في قوله تعالي: (الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار) الآية، قال: نزلت في عليّ بن أبي طالب، كان عنده أربعة دراهم، فأنفق بالليل واحداً وبالنهار واحداً وفي السرّ واحداً وفي العلانية واحداً.

وروي الطبري في كتابه «الرياض النضرة» [2: 206] قال: عن ابن عبّاس في قوله تعالي: (الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرّاً وعلانيةً) الآية قال: نزلت في عليّ بن أبي طالب. فساق الحديث المذكور، غير أنه زاد في آخره بقوله: «فقال له رسول

الله(صلي الله عليه وآله): ما حملك علي هذا؟ فقال [عليّ]: أن أستوجب علي الله ما وعدني، فقال(صلي الله عليه وآله): ألا إن لك ذلك فنزلت الآية.

وروي ابن حجر الهيثمي في «الصواعق» [ص78 ط. الميمنية] ما أخرجه الواقدي عن ابن عبّاس قال: كان مع عليّ أربعة دراهم لا يملك غيرها، فتصدّق بدرهم ليلاً وبدرهم نهاراً وبدرهم سراً وبدرهم علانيةً فنزل فيه: (الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرّاً وعلانية) الآية.

وروي الواحدي في «اسباب النزول ص 64» بسنده عن مجاهد قال: كان لعليّ(عليه السلام)أربعة دراهم فأنفق درهماً بالليل ودرهماً بالنهار ودرهماً سرّاً ودرهماً علانيةً، فنزلت: (الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرّاً وعلانيةً) الآية.

(قال) وقال الكلبي: نزلت هذه الآية في عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) لم يكن يملك غير أربعة دراهم، فتصدّق بدرهم ليلاً وبدرهم نهاراً وبدرهم سرّاً وبدرهم علانيةً، فقال له رسول الله(صلي الله عليه وآله): ما حملك علي هذا؟ قال: حملني أن أستوجب علي الله ما وعدني، فقال له رسول الله(صلي الله عليه وآله): ألا إن ذلك لك، فأنزل الله تعالي هذه الآية.

سوره احزاب، آيه 25

في قوله تعالي: (وردَّ الله الّذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً وكفي الله المؤمنين القتال وكان الله قويّاً عزيزاً) [الاحزاب: 25].

قال الذهبي في كتابه «ميزان الاعتدال» [2: 380]: وقال ابن المقري: حدّثنا إسماعيل بن عبّاد البصري، حدّثنا عبّاد بن يعقوب، حدّثنا الفضل بن القاسم، عن سفيان الثوري، عن زبيد، عن مرّة، عن ابن مسعود أنه كان يقرأ: (وكفي الله المؤمنين القتال)بعليّ.

وروي السيوطي في «الدر المنثور» [5: 192 ط. مكتبة المرعشي النجفي]، في ذيل تفسير قوله تعالي: (وردَّ اللهُ الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً وكفي اللهُ المؤمنينَ القتالَ وكان الله قوياً عزيزاً)قال: أخرج ابن

أبي حاتم، وابن مردويه، وابن عساكر، عن ابن مسعود(رضي الله عنه) أنه كان يقرأ هذا الحرف: (وكفي الله المؤمنين القتال) بعليّ بن أبي طالب.

وفي تفسير الميزان [16: 314]: روي المؤلف ما ذكره ابن اسحاق: أن عمرو بن عبدودّ كان ينادي: من يبارز؟ فقام عليّ وهو مقنّع في الحديد فقال أنا له يا نبي الله. فقال(صلي الله عليه وآله): إنّه عمرو إجلس. ونادي عمرو: ألا رجل؟ وهو يؤنّبهم ويقول: أين جنّتكم التي تزعمون أن من قتل منكم دخلها؟ فقام عليّ(عليه السلام) فقال: أنا له يا رسول الله. فنادي عمرو الثالثة فقال:

لقد بححت عن النداء

بجمعكم هل من مبارز

ووقفت إذ جَبُن المشجع

موقف البطل المناجز

إنّ السماحة والشجاعة

في الفتي خير الغرائز

فقام عليٌ: فقال يا رسول الله أنا له، فقال: إنّه عمرو، فقال: وإن كان عمرواً، فاستأذن رسول الله(صلي الله عليه وآله) فأذن له رسول الله. قال ابن اسحاق: فمشي إليه وهو يقول:

لا تعجلن فقد أتاك

مجيب صوتك غير عاجز

ذونيّة وبصيرة

والصدق منجي كل فائز

إنّي لأرجو أن اُقيم

عليك نائحة الجنائز

من ضربة نجلاء يبقي

ذكرها عند الهزاهز

قال له عمرو: من أنت؟ قال: أنا عليّ قال: ابن عبد مناف؟ قال: أنا علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف. فقال: غيرك يابن أخي من أعمامك من هو أسن منك، فإنّي أكره أن اُهريق دمك. فقال عليّ: لكني والله ما أكره أن أهريق دمك. فغضب ونزل وسلّ سيفه كأنه شعلة نار، ثم أقبل نحو عليّ مغضباً، فاستقبله عليّ بدرقته فضربه عمرو بالدرقة فقدها، وأثبت فيها السيف وأصاب رأسه فشجّه، وضربه عليّ علي حبل العاتق فسقط.

وفي رواية حذيفة: وتسيّف عليّ رجليه بالسيف من أسفل، فوقع علي قفاه، وثارت بينهما عجاجةٌ، فسمع عليّ يكبر، فقال

رسول الله(صلي الله عليه وآله): قتله والذي نفسي بيده، فكان أوّل من ابتدر العجاج عمر بن الخطاب وقال: يا رسول الله قتله، فجزّ عليٌ رأسه، واقبل نحو رسول الله(صلي الله عليه وآله)ووجهه يتهلل.

قال حذيفة: فقال النبي(صلي الله عليه وآله): أبشر يا علي، فلو وزن اليوم عملك بعمل اُمّة محمد لرجح عملك بعملهم، وذلك أنه لم يبق بيت من بيوت المشركين إلاّ وقد دخله وهن بقتل عمرو، ولم يبق بيت من بيوت المسلمين إلاّ وقد دخله عزّ بقتل عمرو.

وعن الحاكم بن أبي القاسم أيضاً بالاسناد عن سفيان الثوري، عن زبيد الثاني، عن مرّة، عن عبدالله بن مسعود، قال: كان يقرأ: (وكفي اللهُ المؤمنين القتال) بعليّ. الآية.

وفي مناقب ابن شهر آشوب [3: 134]: روي عن ابن مسعود والصادق(عليه السلام)في قوله تعالي: (وكفي الله المؤمنين القتال) بعليّ بن أبي طالب وقتله عمرو بن عبدود.

وقد رواه أبو نعيم الأصفهانّي في كتاب «ما نزل من القرآن في علي» بالإسناد عن سفيان الثوري عن مرّة عن رجل، عن عبدالله:

وقال جماعة من المفسرّين في قوله تعالي: (اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود): إنها نزلت في عليّ يوم الأحزاب.

وفي المناقب أيضاً ما رواه الواقدي، والخطيب، والخوارزمي، عن عبد الرحّمن السعدي، بإسناده عن بهرم بن حكيم عن أبيه عن جدّه عن النبي(صلي الله عليه وآله) قال: لمبارزة عليّ ابن أبي طالب لعمرو بن عبدود أفضل من عمل أمتي إلي يوم القيامة.

وعن أبي بكر بن عيّاش قال: لقد ضرب عليّ ضربةً ما كان في الاسلام أعزّ منها، وضُرب ضربةً ما كان فيه أشأم منها، ويقال: إن ضربة ابن ملجم وقعت علي ضربة عمرو.

ومن كلمات السيد الحميري:

وفي يوم جاء المشركون بجمعهم

وعمرو بن عبد في الحديد

مقنّع

فجدّله شلواً صريعاً لوجهه

رهيناً بقاع حوله الضبع يجمع

وأهلكهم ربّي ورُدّوا بغيظهم

كما أهلكت عاد الطغاة وتبع

وقال المرزكي:

وفي الأحزاب جاءتهم جيوش

تكاد الشامخات لها تميد

فنادي المصطفي فيه علياً

وقد كادوا بيثرب أن يكيدوا

فأنت لهذه ولكل يوم

تذلّ لك الجبابرة الاُسود

فسقي العامري كؤوس حتف

فهزّمت الجحافل والجنود

وقد أخرج الحاكم في «المستدرك» [3: 32 ط. دار المعرفة] بعين اللفظ والسند المذكورين وفي [ص34] ذكر فيه ما قاله يحيي بن آدم: ما تنبهت قتل عليّ عمرواً إلاّ بقول الله عزوّجلّ: (فهزمهم بإذن الله - وقتل داودُ جالوتَ).

قال الامام المظفر في «دلائله» [2: 174 ط. بصيرتي قم]: فيما ارتبط من قراءة ابن مسعود، في قوله تعالي: (وكفي اللهُ المؤمنين القتال بعلي) وكيف كان فلتفرض قراءة ابن مسعود رواية بأن يكون قد روي إنّ الله سبحانه أنزل هذه الآية لبيان هذه الفضيلة لعليّ(عليه السلام)، وأن الله تعالي كفي به المؤمنين القتال يوم الأحزاب، حيث قتل عمرو بن عبدود، وردّ الأحزاب خاسرين، فيكون جهاده أفضل من جهاد المسلمين جميعاً، لأن به الفتح مع حفظ نفوسهم، فمنه(عليه السلام) حياة الاسلام والمسلمين، ولولا أن يكفيهم الله تعالي بعليّ، لاندرست معالم الاسلام، لضعف المسلمين ذلك اليوم وظهور الوهن عليهم.

وفي «ينابيع المودة» [ص94 ط. بصيرتي قم] للحافظ سليمان بن إبراهيم القندوزي الحنفي، قال في تفسير قوله تعالي: (وكفي الله المؤمنين القتال): قال الحافظ جلال الدّين السيوطي: في مصحف ابن مسعود: (وكفي الله المؤمنين القتال بعليّ).

وفي المناقب، عن ابن مسعود(رضي الله عنه) قال: لما برز عليّ إلي عمرو بن عبدود، قال النبيّ(صلي الله عليه وآله): برز الإيمان كلّه إلي الشرك كلّه، فلما قتله قال(صلي الله عليه وآله) له: أبشر يا عليّ فلو وزن عملك اليوم بعمل اُمتي لرجح عملك بعملهم.

: وفي «المناقب»

بالسند عن زياد بن مطرب قال: كان ابن مسعود يقرأ: (وكفي اللهُ المؤمنين القتال بعلي) وسبب نزوله: أنّ عمرو بن عبدود كان فارساً مشهوراً، يعدل بألف فارس، وكان قد شهد بدراً ولم يشهد اُحداً، ويوم الخندق ونادي هل من مبارز؟ فلم يجبه أحدٌ، فقام علي(عليه السلام) وقال: أنا يا رسول الله، فقال(صلي الله عليه وآله): إنه عمرو، اجلس. فنادي ثانيةً فلم يجبه أحد، فقام عليّ وقال: أنا يا رسول الله، فقال: إنه عمرو، فقال علي(عليه السلام): وإن كان عمرواً. فاستاذن النبيّ(صلي الله عليه وآله)، قال حذيفة بن اليمان: ألبسه رسول الله(صلي الله عليه وآله)درعه «الفضول» وعمّمه بعمامته «السّحاب» علي رأسه تسعة أدوار، وقال له: تقدّم، فلما ولّي قال النبي(صلي الله عليه وآله): «برز الإيمان كلّه إلي الشرك كلّه»، وقال: «رب لا تذرني فرداً، اللهم احفظه من بين يديه ومن خلفه، وعن يمينه وعن شماله، ومن فوق رأسه ومن تحت قدميه». فاستقبل علي(عليه السلام)عمرواً فعمرو ضربه بسيفه فشجّ رأسه. ثم إن علياً(عليه السلام) ضربه علي حبل عاتقه، فسقط إلي الأرض، فسمعنا تكبير عليّ(عليه السلام) فقال رسول الله(صلي الله عليه وآله): قتله عليّ. وقال(صلي الله عليه وآله) أبشر يا عليّ، فلو وزن اليوم عملك بعمل اُمة محمّد لرجح عملك بعملهم. فنزلت آية: (وكفي اللهُ المؤمنين القتال) بعليّ لأنه قتل عمرو بن عبدود.

وروي ابن شيرويه الديلمي في كتابه «الفردوس» بسنده عن عروة بن الزبير، عن ابن عبّاس رضي الله عنهما قال: لما قتل عليٌ عمرو بن عبدود العامري، وجاء عند النبي(صلي الله عليه وآله)وسيفه يقطر دماً، فلما رأي النبي علياً قال: «اللهم أعط عليّاً فضيلةً لم تعطها أحداً قبله ولا بعده»، فهبط جبرئيل ومعه أترجّة الجنة فقال: إن

الله يقرئك السلام ويقول: حيّ هذه عليّاً فدفعها إليه، فانفلقت في يده فلقتين فإذا فيها حريرة خضراء مكتوب سطران: «تحفة من الطالب الغالب إلي عليّ بن أبي طالب». قال: أيضاً الخطيب الخوارزمي أخرجه عن ابن عبّاس. وأيضاً صاحب «روضة الفضائل» وصاحب «ثاقب المناقب» أخرجاه عن سالم بن الجعد عن جابر بن عبدالله.

وروي الشبلنجي في «نور الأبصار» [ص97]: أنه لما بلغ رسول الله(صلي الله عليه وآله) أن قريشاً تجمعت وقائدهم أبو سفيان بن حرب، وأن غطفان تجمعت وقائدهم عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر، واتفقوا مع بني النضير من اليهود علي قصد رسول الله(صلي الله عليه وآله) وحصار المدينة، أخذ النبيّ(صلي الله عليه وآله) في حراسة المدينة بحفر الخندق عليها، وعمل النبي(صلي الله عليه وآله) بنفسه الشريفة وأحكمه في أيام، فلما فرغ رسول الله(صلي الله عليه وآله) من حفره أقبلت قريش بمجموعها وجيوشها ومن تبعها من كنانة وأهل تهامة في عشرة آلاف. وأقبلت غطفان ومن تبعها من أهل نجد، فنزلوا من فوق المسلمين ومن أسفلهم، كما قال تعالي: (إذ جاءوكُم من فَوقِكُم ومِن أسفَلَ منكم) [الاحزاب: 10].

فخرج النبي(صلي الله عليه وآله) ومن معه من المسلمين وكانوا ثلاثة آلاف وجعلوا الخندق بينهم، واتفق اليهود مع المشركين علي قتال رسول الله(صلي الله عليه وآله). فلما رأي المسلمون ذلك اشتدّ الأمر عليهم، وكان مع المشركين من قريش عمرو بن عبدود، وكان من مشاهيرهم الصناديد. «إلي أن قال»: وقال عمرو: هل من مبارز؟ فأراد عليّ أن يبرز إليه، فأرسل النبي(صلي الله عليه وآله)لعليّ أن لا يبرز إليه. فجعل عمرو ينادي: هل من مبارز؟ وجعل يقول: أين حميّتكم؟ أين جنّتكم التي تزعمون أنّ من قتل دخلها؟ أفلا يبرز إليّ رجل

منكم؟ وذكر أخيراً نزول قوله تعالي بعد مقتل عمرو: (وردّ اللهُ الّذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً وكفي الله المؤمنين القتال)[الاحزاب: 25].

سوره حديد، آيه 19

في قوله تعالي: (والذينَ آمَنُوا باللهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ والشُّهدَاءُ عِندَ ربّهم) [الحديد الآية: 19].

إنّ للعلماء في تفسير معني الصّدّيقين والشهداء في هذه الآية، ومن المراد بهم أقوالاً، منهم كما ذكر الطبرسي في «مجمع البيان» [5: 302؛ ط. مؤسسة التأريخ العربي] : من قال: كلّ من آمن بالله ورسله فهو صدّيقٌ وشهيدٌ. وهذا القول لمجاهد.

وقيل: إنّ الشهداء منفصل مما قبله مستأنف، والمراد بالشّهداء الأنبياء(عليهم السلام)الذين يشهدون للاُمم وعليهم، وهو قول ابن عبّاس ومسروق ومقاتل بن حيان، واختاره الفرّاء والزجّاج، وقيل: هم الذين استشهدوا في سبيل الله، وهذا القول عن مقاتل بن سليمان وابن جرير.

ومنهم من يستدل في تحقيق معني الصّدّيقين بما ورد من الأحاديث النبوية. إذ ليس كل مؤمن يصلح بأن يكون صدّيقاً وشهيداً للاُمم أو عليهم عند ربهم، وكانوا يرون إنّما الصّدّيقون ثلاثة، كما دلّت علي ذلك الأخبار والآثار، وأخرجها حفظة السنن والمحدّثون في كتبهم، منهم:

المتقي الهندي في كتابه «منتخب الكنز» بهامش مسند الامام أحمد [5: 30]: الصديقون ثلاثة: حبيب النجّار، مؤمن آل يس قال: (يا قوم اتبعوا المرسلين)، وحز قيل مؤمن آل فرعون قال: (أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله)، وعليّ بن أبي طالب وهو أفضلهم. أخرجه أبو نعيم في «المعرفة» وابن عساكر عن أبي ليلي.

وابن حجر العسقلاني في «الإصابة» [4: 170] بترجمه أبي ليلي الغفاري، قال: سمعت رسول الله(صلي الله عليه وآله) يقول: سيكون من بعدي فتنة، فإذا كان كذلك فالزموا عليّ بن أبي طالب، فإنه أوّل من آمن بي، وأوّل من يصافحني يوم القيامة، وهو الصدّيق الأكبر، وهو

فاروق هذه الاُمّة، وهو يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب المنافقين.

والحاكم في «المستدرك» [3: 112] أخرجه مسنداً عن عليّ(رضي الله عنه) قال: إني عبدالله وأخو رسوله، وأنا الصدّيق الأكبر لا يقولها بعدي إلاّ كاذبٌ. صلّيت قبل النّاس بسبع سنين، قبل أن يعبده أحدٌ من هذه الاُمّة.

والسيوطي في «الجامع الصغير» [ص190 ط. دار القلم] روي عن ابن النجّار عن ابن عبّاس قال: الصدّيقون ثلاثة: حزقيل مؤمن آل فرعون، وحبيب النجّار صاحب آل يس، وعليّ بن أبي طالب.

ورواه ابن حجر الهيثمي في «الصواعق» [ص124] في الحديث الثلاثين عن ابن النجّار عن ابن عبّاس. وفي الحديث الحادي والثلاثين ما أخرجه أبو نعيم وابن عساكر عن أبي ليلي الغفّاري بالسندين واللفظين المذكورين.

وأخرج الحديثين أيضاً الفقيه الحافظ ابن المغازلي الشافعي في «المناقب» [ص245]. كلاهما عن أبي يعلي الغفارّي.

وفي ذيل الكتاب قال محمّد باقر البهبودي: أخرجه الامام أحمد بن حنبل في كتاب المناقب تارة [ص193] واُخري [ص156] مخطوط بالإسناد إلي الحسن بن عبد الرّحمن بن محمّد بن عبد الرّحمن بن أبي ليلي المكفوف الأنصاري «أبي حصين» بعين السند واللفظ. وهكذا أخرجه الحافظ الكنجي في «كفاية الطالب» في الباب 24 [ص123]بعين السند، ولفظه «سبّاق الاُمم ثلاثة وهم الصدّيقون» ثم قال: هذا سند اعتمد عليه الدارقطني واحتجّ به.

وقال الامام المظفر في «دلائل الصدق» [2: 126]: في ذيل قوله تعالي: (والذين آمنوا بالله ورسُلِه اُولئك هم الصّدّيقون): روي أحمد بن حنبل أنها نزلت في عليّ(عليه السلام).

وقال في [ص 128]: وقد نقل في كنز العمال هذا الحديث [6: 394] عن ابن أبي شيبة، والنسائي في «الخصائص» وابن أبي عاصم في «السنة» والعقيلي، وأبي نعيم في «المعرفة» ونقل أيضاً [6: 405] عن العقيلي ومحمد بن أيوب الرازي: أنّ

أمير المؤمنين(عليه السلام)قال علي منبر البصرة: «أنا الصّدّيق الأكبر».

وقال: ونقل في «الكنز» أيضاً [6: 156] عن الطبراني عن سلمان وأبي ذر معاً، وعن البيهقي وابن عدي عن حذيفة: أنّ النبي(صلي الله عليه وآله) قال في حق عليّ(عليه السلام): «إن هذا أول من آمن بي، وهو أول من يصافحني يوم القيامة، وهذا الصّدّيق الأكبر، وهذا فاروق هذه الاُمة، يفرق بين الحق والباطل، وهذا يعسوب الدّين، والمال يعسوب الظالمين».

فإذا ثبت أن علياً(عليه السلام) هو أكمل الاُمّة تصديقاً، وجب أن يكون أفضلهم، ولا سيما هو أفضل صدّيقي اُمم الأنبياء، والأفضل هو الإمام. ولكن القوم سرقوا هذا الاسم، ونحلوه إلي أبي بكر فسمّوه صدّيقاً.

ولما علم الله سبحانه ذلك منهم، أثبت دليلاً واضحاً علي كذبهم، وهو ما ألحقه بهذا الوصف من وصف الشهداء. وهذه السرقة ليست بغريبة منهم، فإنهم سرقوا أيضاً وصف الفاروق من أمير المؤمنين(عليه السلام) إلي عمر، فقد صرّح بأن علياً هو الفاروق … «الحديث المتقدم وغيره» كالذي نقله في كنز العمال [6: 155] عن أبي نعيم عن أبي ليلي «الحديث».

ثم قال أخيراً: وقال الطبري في «المنتخب» من كتاب «ذيل المذيل» المطبوع في ذيل تأريخه [ص9]: قال ابن سعد: أخبرنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن صالح ابن كيسان قال: قال ابن شهاب: بلغنا أنّ أهل الكتاب كانوا أول من قال لعمر: الفاروق، وكان المسلمون يؤثرون ذلك من قولهم، وما بلغنا أنّ رسول الله(عليه السلام) ذكر من ذلك شيئاً.

سوره احزاب، آيه 23

في قوله تعالي: (من المؤمنِينَ رجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهدُوا اللهَ عَلَيهِ فَمنِهُم مَّن قَضَي نَحبَه ومنهم مَّن يَنتَظِرُ ومَا بدَّلوا تَبدِيلاً)[الاحزاب: 23].

روي الحافظ القندوزي في كتابه «ينابيع المودة» [ص96 في الباب 23] عن الحافظ أبي نعيم عن

ابن عباس، وعن جعفر الصادق(عليه السلام) قالا: قال عليّ كرّم الله وجهه: كنا عاهدنا الله ورسوله، أنا وحمزة وجعفر وعبيدة بن الحارث علي أمر وفينا به لله ولرسوله، وتقدّمني أصحابي وخُلّفت بعدهم فأنزل الله سبحانه فينا: (رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضي نحبه) حمزة وجعفر وعبيدة، (ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلاً) أنا المنتظر وما بدّلت تبديلاً. أيضاً روي عن محمد الباقر(عليه السلام)هذا الحديث.

وروي ابن حجر الهيثمي في «الصواعق» [ص207 ط. دار الكتب العلمية بيروت وص 80 ط. القاهرة]: أنه سئل عليٌ(عليه السلام) وهو علي المنبر بالكوفة عن قوله تعالي: (رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه) الآية. فقال(عليه السلام): اللّهم غفراً، هذه الآية نزلت فيّ، وفي عمّي حمزة وفي ابن عمّي عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب، فأما عبيدة فقضي نحبه شهيداً يوم بدر، وحمزة قضي شهيداً يوم اُحد، وأما أنا فأنتظر أشقاها، يخضب هذه من هذه، وأشار بيده إلي لحيته ورأسه، عهدٌ عهده إليّ حبيبي أبو القاسم(صلي الله عليه وآله).

ثم قال ابن حجر: وروي أنّ علياً جاءه ابن ملجم يستحمله، فحمله ثم قال(رضي الله عنه):

اُريد حياته ويريد قتلي

عذيري من خليلي من مراد

ثم قال(عليه السلام): هذا والله قاتلي، فقيل له: ألا تقتله؟ فقال: فمن يقتلني؟

وفي المستدرك [3: 143]: عن السدّي قال: كان ابن ملجم عشق امرأة من الخوارج، يقال لها نظام [95]، فنكحها وأصدقها ثلاثة آلاف درهم، وقتل عليّ، وفي ذلك قال الفرزدق:

فلم أرمهراً ساقه ذو سماحة

كمهر نظام بيّن غير معجم

ثلاثة آلاف وعبد وقينة

وضرب عليّ بالحسام المصمم

فلا مهر أغلي من عليّ وإن غلا

ولا فتك إلاّ دون فتك ابن ملجم

قال الأميني(قدس سره) «في الغدير» [2: 51]: أخرج الخطيب الخوارزمي في المناقب [ص188] وصدر

الحفّاظ الكنجي في الكفاية [ص122] نقلاً عن ابن جرير وغيره من المفسّرين، أنّه نزل قوله تعالي: (فمنهم من قضي نحبه) في حمزة وأصحابه، كانوا عاهدوا الله تعالي لا يولّون الأدبار، فجاهدوا مقبلين حتّي قتلوا (ومنهم من ينتظر)عليّ بن أبي طالب مضي علي الجهاد ولم يبدّل ولم يغيّر الآثار. ثم ذكر ما رواه ابن حجر في صواعقه [ص207 ط. دار الكتب العلمية].

وذكر الفيروزآبادي في «فضائل الخمسة» [1: 287 ط. دار الكتب الاسلامية طهران]: ما رواه ابن حجر أيضاً في صواعقه. وكذا أيضاً في «دلائل الصدق» [2: 164]: ورواه أيضاً الشبلنجي في «نور الأبصار» [ص119]عن «الفصول المهمة».

وفي تفسير «مجمع البيان» [7 8: 349 350، ط. دار إحياء التراث العربي]: قال الطبرسي في قوله تعالي: (من المؤمنين رجالٌ صدَقُوا ما عاهدوا اللهَ عليه) أي بايعوا أن لا يفرّوا، فصدقوا في لقائهم العدو، (فمنهم من قضي نحبه) أي مات أو قتل في سبيل الله فأدرك ما تمنّي فذلك قضاء النحب، وقيل: قضي نحبه معناه: فرغ من عمله، ورجع إلي ربّه، يعني من استشهد يوم أحد، عن محمد بن اسحاق. وقيل: معناه قضي أجله علي الوفاء والصدق، عن الحسن. وقال ابن قتيبة: أصل النحب النذر، وكان قوم نذروا إن يلقوا العدو أنّ يقاتلوا حتي يقتلوا أو يفتح الله، فقتلوا.

وروي عن ابن عبّاس قال: (من قضي نحبه) حمزة بن عبد المطلب ومن قتل معه، وأنس بن النضر وأصحابه. وقال الكلبي: ما بدّلوا العهد بالصبر ولا نكثوه بالفرار. وروي الحاكم أبو القاسم الحسكاني بالإسناد عن عمرو بن ثابت عن أبي اسحاق عن عليّ(عليه السلام)قال: فينا نزلت: (رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه) فأنا والله المنتظر، وما بدّلت تبديلاً. ورواه أيضاً الطباطبائي في

تفسيره «الميزان» [16: 304]: عن المجمع ما رواه الحسكاني.

سوره زمر، آيه 33

في قوله تعالي: (والذي جاءَ بالصِّدقِ وصَدَّقَ بهِ اُولئك هم المتُقَّون)[الزمر: 33].

لقد اتفقت أكثر أقوال المفسّرين علي أن (الذّي جاء بالصّدق) هو النبي(صلي الله عليه وآله)واختلفت أقوال بعضهم في تفسير (وصَدّق بهِ).

فمنهم من قال: بأن الذي (صدّق بهِ) هو أبو بكر الصدّيق، فلذلك زعموا بأن الآية نزلت فيه. ومنهم من قال بنزولها في عليّ(عليه السلام) ومنهم من قال غير ذلك.

فأما من قال بنزولها في أبي بكر(رضي الله عنه) فبرواية رواها الطبري في تفسيره «جامع البيان» عن عمر بن إبراهيم، عن عبد الملك بن عمير، عن اُسيد بن صفوان. ولكن هذه الرواية لم تكن لهم حجّة ناهضة أمام مخالفيهم لضعف سندها، فإن عمر بن إبراهيم هو أحد الكذّابين، كما نقله الذهبي في كتابه «ميزان الاعتدال» [3: 179] وعن الدارقطني أنه قال: بأن عمر بن إبراهيم، كذاّب. ونقل فيه عن الخطيب قال: إنه غير ثقة.

وأما عبد الملك بن عمير، فقد نقل الذهبي في ميزانه [2: 660]بأن أبا حاتم قال: ليس بحافظ، تغيّر حفظه. وقال أحمد: ضعيف يغلط. وقال ابن معين: مخلط. وأما اُسيد بن صفوان، فقد نقل الذهبي كما في آخر السطر من الصفحة المذكورة بأنه مجهول.

فلا تعجبن علي من مال إلي هذه الرواية مع عدم صحتها كما قد علمت، ووجود رواية مصرّحه بنزولها في عليّ(عليه السلام) فعدلوا عنها. ولعلّ المنصف المستقيم يدري ما الذي حملهم علي ذلك، ودفعهم إليه.

وقد صرّح رسول الله(صلي الله عليه وآله) بأن علياً مع القرآن والقرآن مع عليّ. والحق مع عليّ وعليّ مع الحقّ. وأخرج ابن عساكر فيما رواه ابن حجر في «الصواعق» [ص125]: ما نزل في أحد من كتاب الله ما نزل

في عليّ. وفيه أيضاً: نزل في عليّ ثلاثمائة آية. وفي [ص118] منه قال أحمد: ما جاء لأحد من الفضائل ما نزل في عليّ.

وأما من قال إن الذي جاء به «جبريل» والذي صدّق محمد، قال الطباطبائي في تفسيره «الميزان» [17: 264]: هذا تطبيق، غير أن السياق يدفعه، فإن الآيات مسوقة لوصف النبيّ(صلي الله عليه وآله) والمؤمنين، وجبريل أجنبي عنه لا تعلّق للكلام به.

وروي فيه نقلاً عن «المجمع» في قوله تعالي: (والذي جاء بالصّدق وصدّق به)قيل: الذي جاء بالصدق محمّد(صلي الله عليه وآله) (وصدّق به)، عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) وهو المروي عن أئمة الهدي من آل محمد(صلي الله عليه وآله).

وأخرج الفقيه الحافظ ابن المغازلي في كتابه «المناقب» [ص269] مسنداً، قال: أخبرنا عليّ بن الحسين بن الطيّب إذناً، قال: حدّثنا عليّ بن محمّد بن أحمد، حدّثنا عبدالله ابن محمّد الحافظ، حدّثنا الحسين بن عليّ، حدّثنا محمّد بن الحسن، حدّثنا عمر بن سعيد عن ليث عن مجاهد في قوله تعالي: (والذي جاءَ بالصّدق وصدّقَ بهِ) قال: جاء به محمّد(صلي الله عليه وآله)وصدّق به عليّ بن أبي طالب(عليه السلام).

وفي «دلائل الصدق» [2: 116 117]: فقد روي الإمام المظفر الحديث من طريق ابن المغازلي ومن طريق أبي نعيم في ذيل الآية، ثم قال: فيكون الجميع متحداً في المراد، وأن المقصود بثاني الوصفين أمير المؤمنين عليّ(عليه السلام).

الي أن قال في آخر كلام: هذا ومن المضحك ما ذكره الرازي في المقام، قال: «أجمعوا علي أن الأسبق الأفضل إما أبو بكر وإما عليّ، وحمل هذا اللفظ علي أبي بكر أولي، لأن علياً كان وقت البعثة صغيراً، فكان كالولد الصغير الذي يكون في البيت، ومعلوم أن إقدامه علي التصديق لا يفيد مزيد قوة وشوكة،

أما أبو بكر كان رجلاً كبيراً في السن، كبيراً في المنصب، فإقدامه علي التصديق يفيد مزيد قوة وشوكة في الإسلام، فكان حمل اللفظ علي أبي بكر أولي».

قال المظفر ردّاً علي هذا القول الذي يتضمن ما يمس كرامة أمير المؤمنين(عليه السلام): فإن مزيد الشوكة لاربط له بالأولوية المذكورة، لأن التصديق فرع المعرفة والتقي، لا الشوكة. ولذا مدح الله سبحانه وتعالي من جاء بالصّدق وصدّق به: بالتقوي، فقال: (فاُولئك هم المتقون) ومن المعلوم أن أمير المؤمنين(عليه السلام) أقرب إلي المعرفة والتقوي من أبي بكر، فإنه لم يعبد صنماً قط، خلافاً لقومه، وعبدها أبو بكر مدّة من عمره، وطهرّه الله سبحانه من الرجس ولم يطهرّ أبا بكر، وصلّي مع رسول الله سبع سنين قبل أبي بكر وغيره، ولا منافاة بين الصغر والمعرفة والكمال، ولذا دعاه رسول الله(صلي الله عليه وآله) إلي الاسلام وهو صبي، فكان أخص النّاس به وأطوعهم له، وجعله خليفته ووزيره عندما جمع عشيرته الأقربين في أوّل البعثة ودعاهم إلي الاسلام.

كما جعل الله يحيي نبياً، وآتاه الحكم صبياً، وكذلك عيسي ويوسف وسليمان، وقد مدح الله الحسنين(عليهما السلام) وهما طفلان بقوله سبحانه: (إن الأبرار يشربون)، (ويخافون يوماً)، (ويطعمون الطعام علي حبه)، (إنما نطعمكم لوجه الله) الآيات.

ولو سلّم دخل الشوكة والقوة والمنصب بأولوية الوصف بالتصديق، فأي قوّة وشوكة لأبي بكر؟ وهو من أرذل بيت في قريش، كما قاله أبو سفيان، وأي منصب له وهو كان خياطاً ومعلّماً للصبيان؟ فأين هو من أسد الله ورسوله وابن سيّد البطحاء؟ الذي إن لم يزد الاسلام بنفسه قوة، فباتصاله بأبيه وتعلّقه به (الخ).

ورواه السيوطي في تفسيره «الدر المنثور» [7: 228]: عن ابن مردويه عن أبي هريرة (والذي جاء بالصّدق) قال: رسول الله(صلي

الله عليه وآله) (وصدّق به) قال: علي بن أبي طالب.

وذكر الطبرسي في تفسيره «مجمع البيان» [7 8: 498، ط. دار إحياء التراث العربي]قال: وقيل الذي جاء بالصدق محمد(صلي الله عليه وآله)وصدّق به علي بن أبي طالب(عليه السلام)عن مجاهد، ورواه الضحّاك عن ابن عباس، وهو المروي عن أئمة الهدي(عليهم السلام) من آل محمد(صلي الله عليه وآله).

سوره انفال، آيه 33

في قوله تعالي: (وما كان اللهُ لِيُعَذِّبَهُم وَأنتَ فِيهِم) [الانفال: 33].

قال الحافظ سليمان بن إبراهيم القندوزي في كتابه «ينابيع المودة» [ص298]: أشار(صلي الله عليه وآله) إلي وجود ذلك المعني في أهل بيته، وأنهم أمان لأهل الأرض كما كان(صلي الله عليه وآله) أماناً لهم، وفي ذلك أحاديث كثيرة، منها: «النجوم أمان لأهل السماء، وأهل بيتي أمان لاُمّتي» كما في المصدر أخرجه جماعة.

وفي رواية: «وأهل بيتي أمان لأهل الأرض، فإذا هلك أهل بيتي جاء أهل الأرض من الآيات ما كانوا يوعدون». وفي اُخري لأحمد: «النجوم أمان لأهل السماء، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض، فإذا ذهب النجوم ذهب أهل السماء، وإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض»، وفي رواية صححها الحاكم في [3: 149؛ ط. دار المعرفة]: علي شرط الشيخين: «النجوم أمان لأهل السماء، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض من الغرق، وأهل بيتي أمان لاُمّتي من الاختلاف، فإذا خالفتها قبيلة من العرب اختلفوا، فصاروا حزب إبليس».

وجاء من طرق عديدة يقوّي بعضها بعضاً: «إنما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلّف عنها هلك». وفي رواية مسلم: «ومن تخلّف عنها غرق».

وفي رواية: «وإنما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطّة في بني إسرائيل، من دخله غفر له».

وإن الله تبارك وتعالي لما خلق الدنيا بأسرها من أجل النبي(صلي الله عليه وآله)

جعل دوامها بدوامه ودوام أهل بيته، لأنهم يساوونه في خمسة أشياء مرّت، ولأنه قال في حقهم: «اللهم إنهم منّي وأنا منهم»، ولأنهم بضعةٌ منه، بواسطة أن فاطمة رضي الله عنها اُمهم بضعته(صلي الله عليه وآله)فاُقيموا مقامه في الأمان. ووجه تشبيههم بالسفينة، أن من أحبّهم وعظّمهم وأخذ بهدي علمائهم نجا من ظلمة المخالفات، ومن تخلّف عن ذلك غرق في بحر كفران النعم، وهلك في مفاوز الطغيان. وورد حديث: «يرد الحوض أهل بيتي ومن أحبهم من اُمّتي كهاتين السبابتين»، ويشهد له خبر: «المرء مع من أحب». ووجه تشبيههم بباب حطة، أنّ الله تعالي جعل دخول ذلك الباب وهو باب أريحا، أو باب بيت المقدس مع التواضع والاستغفار سبباً للمغفرة، وجعل لهذه الاُمّة مودّة أهل البيت سبباً للمغفرة.

وقد ذكر ابن حجر في «الصواعق» [ص91 ط. الميمنية] هذه الآية وعدّها في الآية السابعة النازلة في أهل البيت(عليهم السلام)، وأورد في ذيلها الأحاديث النبوية المشيرة إلي وجود ذلك المعني في أهل بيته(صلي الله عليه وآله).

ثم قال: وقال بعضهم: يحتمل أن المراد بأهل البيت الذين هم أمانٌ، علماؤهم، لأنهم الذين يُهتدي بهم كالنجوم، والذين إذا فقدوا جاء أهل الأرض من الآيات ما يوعدون.

ثم قال: ويحتمل وهو الأظهر عندي، أنّ المراد بهم سائر أهل البيت، فإنّ الله لما خلق الدنيا بأسرها من أجل النبيّ(صلي الله عليه وآله) جعل دوامها بدوامه ودوام أهل بيته، لأنهم يساوونه في أشياء مرّ عن الرازي بعضها، ولأنه(صلي الله عليه وآله) قال في حقّهم: «اللّهم إنّهم منّي وأنا منهم»، ولأنهم بضعةٌ منه بواسطة فاطمة اُمهم بضعته(صلي الله عليه وآله) فاُقيموا مقامه في الأمان. انتهي ملخصاً.

سوره رعد، آيه 29

في قوله تعالي: (الذينَ آمنُوا وَعَملوا الصّالحات طُوبَي لهَمُ وَحُسْنُ مآب)[الرعد: 29].

أخرج الفقيه

الحافظ ابن المغازلي الشافعي في مناقبه [ص268] قال: أخبرنا عليّ بن الحسين بن الطّيب إذناً، حدّثنا أبو عليّ الحسن بن شاذان الواسطيّ، حدّثنا أبو محمّد جعفر ابن محمد بن نصير الخلديّ، حدّثنا عبيد بن خلف البزّار، حدّثنا أبو إبراهيم إسماعيل بن إبراهيم البلخيّ، حدّثنا عليّ بن ثابت القرشيّ، حدّثنا أبو قتيبة تميم بن ثابت، عن محمّد بن سيرين في قوله تعالي: (طوبي لهَمُ وحسن مآب) قال: طوبي شجرة في الجنة، أصلها في حجرة عليّ بن أبي طالب، ليس في الجنّة حجرة إلاّ فيها غصن من أغصانها.

وذكر الفاضل محمد باقر البهبودي في ذيل الكتاب حديثاً عن الإمام محمد الباقر(عليه السلام) «قال: سئل رسول الله(صلي الله عليه وآله) عن الآية فقال: هي شجرة أصلها في داري، وفرعها علي أهل الجنة. فقيل: يا رسول الله سألناك عنها، فقلت: هي شجرة في الجنّة أصلها في دار عليّ وفاطمة، وفرعها علي أهل الجنّة؟ فقال(صلي الله عليه وآله): إن داري ودار عليّ وفاطمة واحد غداً، في مكان واحد، وهي شجرةٌ غرسها الله تبارك وتعالي بيده، ونفخ فيها من روحه، تنبت الحليّ والحلل». راجع تفسير القرطبي [9: 317]. وذكره أيضاً القندوزي في «الينابيع» [ص96].

وذكر الطبرسي في تفسيره «مجمع البيان» [3: 376 ط. دار إحياء التراث العربي] بأن في طوبي عشرة أقوال، قال: القول العاشر: أنّ طوبي شجرةٌ في الجنّة، أصلها من دار النبيّ(صلي الله عليه وآله)وفي دار كل مؤمن منها غصنٌ. وروي عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن الحسن بن محبوب، عن عليّ بن رئاب، عن أبي عبيدة الحذّاء عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: كان رسول الله(صلي الله عليه وآله)يكثر تقبيل فاطمة(عليها السلام) فأنكرت عليه بعض نسائه ذلك، فقال(صلي الله عليه وآله):

إنه لما اُسري بي إلي السماء دخلت الجنّة، وأدناني جبرائيل(عليه السلام) من شجرة طوبي وناولني منها تفاحةً فأكلتها، فحوّل الله في ظهري ماء، فهبطت إلي الأرض وواقعت خديجة فحملت بفاطمة، فكلّما اشتقت إلي الجنّة قبّلتها، وما قبّلتها إلاّ وجدت رائحة شجرة طوبي، فهي حوراء إنسية.

وروي الثعلبي بإسناده عن الكلبي، عن أبي صالح عن ابن عبّاس قال: طوبي شجرةٌ أصلها في دار عليّ(عليه السلام) في الجنّة، وفي دار كل مؤمن منها غصنٌ. ورواه أبو بصير عن أبي عبدالله(عليه السلام).

وروي الحاكم أبو القاسم الحسكاني بإسناده عن موسي بن جعفر(عليهما السلام) عن أبيه عن آبائه(عليهم السلام) قال: سئل رسول الله(صلي الله عليه وآله) عن طوبي قال(صلي الله عليه وآله): شجرةٌ أصلها في داري وفرعها علي أهل الجنّة، ثم سئل عنها مرةً اخري، فقال: في دار عليّ(عليه السلام) فقيل في ذلك، فقال: إن داري ودار عليّ في الجنّة بمكان واحد.

وقال السّيوطي في تفسيره «الدر المنثور» [4: 59]: وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن سيرين(رضي الله عنه)، قال: شجرةٌ في الجنّة أصلها في حجرة عليّ وليس في الجنّة حجرةٌ إلاّ وفيها غصنٌ من أغصانها.

وأما حديث التفاحة فقد وردت فيه روايات نقلها جماعةٌ من طرق متعددة، ومن جملتهم الذّهبي والعسقلاني، ولكنهما قد صرّحا بعدم صحّتها حتي حكما بأن الحديث موضوع، لأنهما زعما بأن ميلاد السيدة فاطمة قبل البعثة. وكأنهما لم يُعيرا جانباً من الاهتمام أو تغافلا عما ورد من الروايات عن أهل بيت النبوّة وغيرهم من أهل السنّة. كابن عبد البر وابن المغازلي وغيرهما من أعلام الفريقين.

وقبل أن نذكر تلك الروايات والأخبار، فلعلّ من الخير أنّ نقدّم أقوال المحقّقين والمدقّقّين في هذا المقام.

منهم الفاضل المحقّق محمد باقر البهبودي صاحب التعليقات علي

«المناقب» للحافظ الشهير بابن المغازلي [ص358].

قال: الآراء في تأريخ ولادتها «السيدة فاطمة(عليها السلام)» مختلفة عندهم، فقد ذكر أبو عمر بن عبد البّر، أنها ولدت في سنة إحدي وأربعين من مولد النبي(صلي الله عليه وآله) يعني بعد البعثة بسنة، وصحّ في رواية أهل البيت من أولاد فاطمة كما روتها الشيعة من دون اختلاف أنها ولدت لخمس بعد بعثته(صلي الله عليه وآله). ويؤيد ذلك بل يعينه أن سورة الكوثر وفيها: (إنّ شانئك هو الأبتر) نزلت في العاص بن وائل السهمي، حين رمي رسول الله(صلي الله عليه وآله)بأنّه أبتر. وذلك بعد ما مات ابنه الطيّب المولود في الاسلام، كما رواه ابن عساكر في التأريخ الكبير، علي ما في منتخبه [1: 293] والبلاذري في أنسابه [1: 405] وغيره في غيره.

فبعد ما ثبت بالإجماع عند أهل النقل أنّ فاطمة أصغر أولاد الرسول(صلي الله عليه وآله) لا يكون ذلك إلاّ بعد المبعث بسنين، كما أن المراد بالكوثر المبشّر به إنما يكون فاطمة، لانقطاع نسل الرسول من غيرها وانتشاره منها، والمراد بالنحر العقيقة. علي أن ابن حجر العسقلاني هو الذي نص في تهذيبه [12: 441] أنّ علياً(عليه السلام) تزوج فاطمة(عليها السلام) في السنة الثانية من الهجرة، وكان سنّها يوم تزوّجها خمس عشرة سنة وخمسة أشهر ونصف الشهر. وعلي هذا تكون ولادتها عام المبعث كما اختاره ابن عبد البّر، لا قبله بخمس سنوات.

ويؤيّد ذلك أنّ رسول الله(صلي الله عليه وآله) وعدها لعليّ(عليه السلام) ثم زفّها إليه بعد سنة أو سنتين، ولم يكن هذا التأخير إلاّ لأن يتم لها تسع سنين، علي ما ترويه الشيعة من أهل بيتها، بل وقد نص علي ذلك رسول الله(صلي الله عليه وآله) علي ما أخرجه النسائي في «الخصائص»

[ص31] وأحمد بن حنبل في «الفضائل» كما في تذكرة السبط [ص316 ط. الغري. وص173 ط. ايران]. والخطيب في «مشكاة المصابيح» [4: 246 ط. دمشق وفي ص565 ط. لكنهو]: من طريق النسائي عن عبدالله ابن بريدة عن أبيه قال: خطب أبو بكر وعمر فاطمة، فقال رسول الله(صلي الله عليه وآله): «إنها صغيرة». فهل تكون الفتاة وهي ابنة خمس عشرة سنة أو سبع عشرة سنة صغيرة؟

بل ولو صحّ ما يقولونه من أنها ولدت قبل البعثة بخمس، لكان لها يوم زواجها عشرون سنة، فكيف أخّر رسول الله(صلي الله عليه وآله) تزويجها إلي تلك السنة؟ ولِمَ أخّر زفافها إلي سنة أو سنتين مع هذا الحد من سنّها؟ وهي قد جاوزت حد الزواج علي رسمهم في تزويج بنات الأشراف. كما نري رسول الله(صلي الله عليه وآله) زوّج ابنتيه أم كلثوم ورقية من ابني عمه أبي لهب في صغرهما، حتي أنهما يوم فارقهما بأمر أبي لهب لم يكونا قد بنيا بهما لصغرهما.

بل وكيف لم يرغب أحد من أشراف الصحابة في زواجها فيخطبها من رسول الله(صلي الله عليه وآله)بمكّة، وفي زواجها الشرف المؤبّد؟ وكيف لم يخطبها أبو بكر ولا عمر ولا غيرهما قبل الهجرة، وأخّرا خطبتها إلي ما بعد الهجرة؟ وكيف يعتذر الرسول إليهما بأنها صغيرة وهي بنت عشرين؟ علي أن ابن حجر وأمثاله كيف يحكمون بوضع هذه الأحاديث المتضافرة عن طريق الفريقين وقد تابع حديث بعضهم حديث بعض؟ وإنما يستدلّون علي ذلك برواية ابن إسحاق. فهل هذه إلاّ رواية واحدة تخالفها هذه النصوص المتضافرة ويضادها الاعتبار الصحيح والقرائن التأريخية.

فمن القرائن ما روي من قول رسول الله(صلي الله عليه وآله): «فاطمة حوراء آدمية [96] لم تحض ولم تطمث، وإنما سمّاها فاطمة لأن

الله فطمها ومحبّيها عن النار». أخرجه الخطيب البغدادي في تاريخه [12: 331] والمحب الطبري في «ذخائر العقبي» [ص26] وقال: خرّجه النسائي. فلولا أنها كانت نطفتها متكوّنة من فواكه الجنة، لما كانت حوراء آدمية لا تحيض ولا تطمث. ولولا أنها ولدت بعد النبوّة والوحي لما كانت تسميتها بأمر من الله عزّوجلّ كما سيأتي ذلك في الأخبار الواردة.

ولنعطف الآن قبل أن نذكر من تلك الأخبار والروايات ما قاله المدقق التأريخي الفاضل جعفر مرتضي العاملي في كتابه «الصحيح من سيرة النبي الأعظم» [1: 269]الفصل الثالث «الإسراء والمعراج».

وبعد بعثة النبيّ(صلي الله عليه وآله) وفي أثناء المرحلة السرّية، التي استمرّت ثلاث، أو خمس سنوات، كان علي الأرجح الإسراء والمعراج. الإسراء إلي بيت المقدس، حسب نص القرآن الكريم. والمعراج من هناك إلي السماء، الذي وردت به أخبار كثيرةٌ.

وحيث إن التفاصيل الدقيقة لهاتين القضيتين، يصعب الجزم في كثير منها إلاّ بعد البحث الطويل والعميق.. وذلك لأن هذه القضية وجزئياتها قد تعرّضت علي مرّ الزمان للتلاعب والتزيّد فيها، من قبل الرواة والقصاصّين، بل من قبل أعداء الاسلام بهدف تشويه هذا الدين، وإظهاره علي أنّه يحوي الأساطير والخرافات. ولذا فنحن لا نستطيع في هذه العجالة أن نعطي تصوّراً دقيقاً عنه،.. ولذا فإننا نكتفي بالإشارة إلي بعض الجوانب التي رأينا أن من المناسب التعرّض لها … فنقول:

متي كان الإسراء والمعراج؟

إنّ المشهور هو أنّ الإسراء والمعراج قد كان قبل الهجرة بمدّة وجيزة. فبعضهم قال ستة أشهر، وبعضهم قال في السنة الثانية عشرة للبعثة، أو في الحادية عشرة أو في العاشرة … وقيل بعد الهجرة.

وفي مقابل ذلك نجد البعض يقول: إنّه كان في السنة الثانية من البعثة، وقيل في الخامسة، وقيل في الثالثة، وهو الأرجح عندنا، ولعلّ

ابن عساكر يختار ما يقرب مما ذكرنا، حيث إنّه ذكر الإسراء في أوّل البعثة، كما ذكره عنه ابن كثير في تأريخه «البداية والنهاية» [3: 108].

وقال مغلطاي بعد أن ذكر الأقوال: وقيل: كان بعد النبوة بخمسة أعوام، وقيل: بعام ونصف عام. وقال عيّاض: بعد مبعثه بخمسة عشر شهراً. سيرة مغلطاي[ص27].

وقال الملاّ علي القاري: وذكر النووي: أن معظم السلف وجمهور المحدّثين والفقهاء، علي أنّ الإسراء والمعراج كان بعد البعثة بستة عشر شهراً. «شرح الشفاء» [1: 222].

وقال ابن شهر آشوب في مناقبه [1: 43]: ثم فرضت الصلوات الخمس بعد إسرائه في السنة التاسعة من نبوته، ولكنّه لم يبين لنا تأريخه بالتحديد.

وقال الديار بكري في «تاريخ الخميس» [1: 307]: فأما سنة الإسراء، فقال الزّهري: كان ذلك بعد المبعث بخمس سنين، حكاه القاضي عيّاض ورجّحه القرطبي، والنووي. وقيل بعد الهجرة بسنة «الخ».

وأما ما يدل علي أن الإسراء قد كان في السنوات الاُولي من البّعثة، فلنذكر:

الأول: جميع ما تقدّم ولا سيّما ما ذكره النووي، والزهري، وابن شهر آشوب وغيرهم.

الثاني: ما روي عن ابن عبّاس، من أنّ ذلك كان بعد البعثة بسنتين.

الثالث: وقد ورد عن الامام أمير المؤمنين(عليه السلام): أن الإسراء قد كان بعد ثلاث سنين من مبعثه. وهذا هو الأصح والمعتمد كما سيظهر مما يلي.

الرابع: ويدلّ علي ذلك بشكل قاطع ما روي عن ابن عباس، وسعد بن مالك، وسعد بن أبي وقاص، والامام الصادق(عليه السلام) وعائشة: من أنّه(صلي الله عليه وآله) قال لعائشة، حينما عاتبته علي كثرة تقبيله ابنته سيّدة النساء فاطمة(عليها السلام): «نعم يا عائشة، لما اُسري بي إلي السماء أدخلني جبرئيل الجنّة، فناولني منها تفاحة فأكلتها، فصارت نطفة في صلبي، فلما نزلت واقعت خديجة، ففاطمة من تلك النّطفة، ففاطمة

حوراء إنسية، وكلّما اشتقت إلي الجنّة قبّلتها» [97].

ومعلوم مما سبق: أنّ فاطمة قد ولدت بعد البعثة بخمس سنين، فالإسراء والمعراج، كانا قبل ذلك بأكثر من تسعة أشهر، ولعلّه قبل ذلك بسنتين، حتي أذن الله لتلك النطفة بالظهور، والاستقرار في موضعها.

الخامس: أن سورة الإسراء قد نزلت في أوائل البعثة، ويدلّ علي ذلك:

أ ما رواه البخاري وغيره، من أن قوله تعالي في سورة الإسراء: (ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها): قد نزل بمكّة، ورسول الله(صلي الله عليه وآله) مختف، كان إذا صلّي بأصحابه رفع صوته بالقرآن، فإذا سمع المشركون سبّوا القرآن ومن أنزله ومن جاء به … الخ.

ب ما ذكره البعض في مقال نشرته مجلة الوعي الاسلامي المغربية عدد [163 ص56] من أن سورة الإسراء قد نزلت بعد الحجر بثلاث سور، وسورة الحجر قد نزلت في المرحلة السرّية، وفيها جاء قوله تعالي: (فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين) … الخ.

السادس: أن سورة النجم التي يذكرون أنها تذكر المعراج في آياتها، قد نزلت هي الاُخري في أوائل البعثة، فإنها قد نزلت بعد اثنتين أو ثلاث وعشرين سورة، ونزل بعدها أربع وستون سورة في مكّة. وسيأتي في قصة الغرانيق المكذوبة أو المحرفة، إنهم يقولون: إنها إنما نزلت بعد الهجرة إلي الحبشة بثلاثة أشهر، والهجرة إلي الحبشة كانت في السنة الخامسة … الخ.

ملاحظة: إنه إذا تأكد لنا أن الإسراء والمعراج كان في السنّة الثالثة من البعثة، أي قبل أن يسلم من المسلمين أربعون رجلاً، … فإننا نعرف أن الإسراء قد كان قبل إسلام أبي بكر بمدّة طويلة، … لأنّه كما تقدم قد أسلم بعد أكثر من خمسين رجلاً، بل إنما أسلم حوالي السنة الخامسة من البعثة، أي بعد وقوع المواجهة

بين قريش وبين النبي(صلي الله عليه وآله)فهو أوّل من أسلم بعد هذه المواجهة علي الظاهر.

وإذا كان الإسراء قد حصل قبل إسلامه بمدة طويلة، فلا يبقي مجالٌ لتصديق ما يذكر، من أنّه قد سمّي صدّيقاً حينما صدّق رسول الله(صلي الله عليه وآله) في قضية الإسراء.

ولنعد الآن بعد ذكر تلكم الأقوال إلي ما نحن بصدده من ذكر الأخبار الواردة في كتب القوم. منها كتاب «المناقب» للحافظ ابن المغازلي الشافعي [ص357 برقم 406]. أخرج بالإسناد عن ابن عبّاس قال: كان رسول الله(صلي الله عليه وآله) يكثر القبل لفاطمة(عليها السلام)، فقالت له عائشة: يا نبي الله إنّك لتكثر قبل فاطمة(عليها السلام)؟ فقال النبي(صلي الله عليه وآله): «إن جبرئيل ليلة اُسري بي أدخلني الجنّة وأطعمني من جميع ثمار الجنّة، فصار ماءً في صلبي، فواقعت خديجة، فحملت خديجة بفاطمة، فإذا اشتقت إلي تلك الثمار قبّلت فاطمة، فأصبت من رائحتها قصم الثمار التي أكلتها».

وأخرج في [ص359 برقم 407] مسنداً عن سعد بن مالك قال: قال رسول الله(صلي الله عليه وآله): «ليلة اُسري بي أتاني جبرئيل(عليه السلام) بسفرجلة من الجنّة فأكلتها، فواقعت خديجة فعلقت بفاطمة، فكنت إذا اشتقت إلي رائحة الجنّة، شممت رقبة فاطمة، فأجد رائحة الجنة».

وروي الذهبي في كتابه «ميزان الاعتدال» [1: 541] من طريقين: عن ابن عبّاس، وعن عمر. فالأول عن ابن عبّاس: كان النبيّ(صلي الله عليه وآله) يقبّل فاطمة وقال: «إن جبرئيل ليلة اُسري بي دخلت الجنة فأطعمني من جميع ثمارها، فصار ماءً في صلبي، فحملت خديجة بفاطمة، فإذا قبّلتها أصبت من رائحة تلك الثمار».

والحديث الثاني عن عمر مرفوعاً: «أتاني جبرئيل ليلة أربع وعشرين من رمضان، ومعه طبق من رطب الجنّة، فأكلت منه وواقعت خديجه فحملت بفاطمة».

قال الذهبي: فاطمة ولدت

قبل أن ينزل جبرئيل بسنوات.

وروي أيضاً في ميزانه [2: 400]: مسنداً من طريق عبدالله بن جرير عن ابن عبّاس. وفي [2: 518] أيضاً مسنداً من طريق عبدالله بن واقد عن عائشة.

الحديث الاوّل عن ابن عبّاس قال: لما ولدت فاطمة بنت النبي(صلي الله عليه وآله) سمّاها المنصورة، فنزل جبرئيل فقال: الله يقرئك السلام ويُقرئ مولودك السلام. الحديث بطوله سيأتي في ترجمة مجالد بن سعيد.

والحديث من طريق عبدالله بن واقد عن عائشة: أن النبي(صلي الله عليه وآله) كان كثيراً ما يقبّل نحر فاطمة، فقلت: يا رسول الله، أراك تفعل شيئاً لم أكن أراك تفعله، قال(صلي الله عليه وآله): «أو ما علمت يا حميراء، أن الله لما أسري بي إلي السماء أمر جبرئيل فأدخلني الجنّة، وأوقفني علي شجرة ما رأيت رائحة أطيب منها، ولا أطيب ثمراً، فأقبل جبرئيل يفرك ويطعمني، فخلق الله منها في صلبي نطفة، فلما صرت إلي الدنيا واقعت خديجة فحملت، وإني كلّما اشتقت إلي رائحة تلك الشجرة شممت نحر فاطمة، فوجدت رائحة تلك الشجرة منها، وإنها ليست من نساء أهل الدنيا ولا تعتلّ كما يعتلّ أهل الدنيا».

وروي أيضاً في «ميزانه» [3: 439] من طريق مجالد عن ابن عبّاس قال: لما ولدت فاطمة بنت رسول الله(صلي الله عليه وآله) سمّاها المنصورة، فنزل جبرئيل فقال: يا محمد: الله يُقرئك السلام، ويقرئ مولودك السلام، وهو يقول: ما ولد مولود أحبّ إليّ منها، وأنها قد لقّبها باسم خير مما سمّيتها، سمّاها فاطمة، لأنها تفطم شيعتها من النار. قال الذهبي، كعادته فيما مرّ من الاحاديث : هذا كذب صريح، لأنها ولدت من قبل البعثة بخمس سنين أو نحوها.

فهذا القول خلاف ما قد علمنا من البيانات الساطعة والبراهين القاطعة، من أقوال

المحقّقّين والمدقّقّين فيما تقدم. والله الموفق للصواب والأعلم به.

وروي الحاكم في «المستدرك» [3: 156]: بالإسناد إلي سعد بن مالك قال: قال رسول الله(صلي الله عليه وآله): «أتاني جبرئيل(عليه السلام) بسفرجلة من الجنّة فأكلتها ليلة اُسري بي، فعلقت خديجة بفاطمة، فكنت إذ اشتقت إلي رائحة الجنّة شممت رقبة فاطمة». وقال الحاكم: حديث غريب الإسناد والمتن، وشهاب بن حرب مجهول، والباقون من رواته ثقات.

وقد ذكر السيد المرتضي الحسيني في كتابه النفيس «فضائل الخمسة» [3: 123 124]: ما رواه أعلام القوم: بأن نطفة السيّدة المطهّرة فاطمة الزهراء(عليها السلام) انعقدت من ثمار الجنة، وإنها حوراء إنسيّة لم تحض ولم تطمث، منهم:

الإمام السيوطي في تفسيره «الدر المنثور» في ذيل تفسير قوله تعالي: (سبحان الّذي أسري بعبده ليلاً من المسجد الحرام) قال: أخرج الطبراني عن عائشة قالت: قال رسول الله(صلي الله عليه وآله): «لما اُسري بي إلي السماء ادخلت الجنّة فوقفت علي شجرة من أشجار الجنّة لم أر في الجنّة أحسن منها ولا أبيض ورقاً ولا أطيب ثمرة فتناولت ثمرة من ثمرتها، فأكلت فصارت نطفةً في صلبي، فلما هبطت إلي الأرض واقعت خديجة فحملت بفاطمة رضي الله عنها فإذا أنا اشتقت إلي ريح الجنّة شممت ريح فاطمة».

وفي «ذخائر العقبي» [ص36] روي الطبري عن ابن عبّاس قال: كان النبي(صلي الله عليه وآله)يكثر القبل لفاطمة(عليها السلام)، فقالت له عائشة: إنك تكثر تقبيل فاطمة، فقال(صلي الله عليه وآله): «إن جبرئيل ليلة اُسري بي أدخلني الجنّة فأطعمني من جميع ثمارها فصار ماءً في صلبي فحملت خديجة بفاطمة، فإذا اشتقت لتلك الثمار قبّلت فاطمة، فأصبت من رائحتها جميع تلك الثمار التي أكلتها». قال: خرّجه أبو الفضل بن خيرون.

وفي «ذخائر العقبي» أيضاً [ص44] قال: روي الملاّ في

سيرته أنّ النبي(صلي الله عليه وآله)قال: «أتاني جبريل بتفاحة من الجنّة فأكلتها، وواقعت خديجة فحملت بفاطمة». فقالت: إني حملت حملاً خفيفاً فإذا خرجت حدّثني الذي في بطني، فلما أرادت أن تضع بعثت إلي نساء قريش ليأتينها، فيلين منها ما يلي النساء ممن تلد، فلم يفعلن وقلن: لانأتيك وقد صرت زوجة محمّد، فبينما هي كذلك إذ دخل عليها أربع نسوة، عليهن من الجمال والنور ما لا يوصف. فقالت لها إحداهن: أنا اُمّك حواء، وقالت الأخري: أنا آسية بنت مزاحم، وقالت الأخري: أنا كلثم اُخت موسي، وقالت الأخري: أنا مريم بنت عمران اُم عيسي، جئنا لنلي من أمرك ما تلي النساء. فولدت فاطمة سلام الله عليها، فوقعت حين وقعت علي الأرض ساجدة رافعة إصبعها.

وفي «تأريخ بغداد» [12: 331] للخطيب، أنّه روي بسنده عن ابن عبّاس قال: قال رسول الله(صلي الله عليه وآله): «ابنتي فاطمة حوراء آدمية، لم تحض ولم تطمث، وإنما سمّاها فاطمة لأن الله فطمها ومحبّيها عن النار».

وذكره ابن حجر أيضاً في «صواعقه» [ص96]وقال: اخرجه النسائي.

وفي «تأريخ بغداد» أيضاً [5: 87]، روي بسنده عن عائشة قالت: يا رسول الله مالك إذا جاءت فاطمة قبّلتها حتي تجعل لسانك في فيها كلّه، كأنّك تريد أن تلعقها عسلاً؟ قال(صلي الله عليه وآله): «نعم يا عائشة: إني لما اُسري بي إلي السماء أدخلني جبريل الجنّة، فناولني منها تفاحة فأكلتها، فصارت نطفة في صلبي، فلما نزلت واقعت خديجة، ففاطمة من تلك النطفة، وهي حوراء إنسّية، كلّما اشتقت إلي الجنّة قبّلتها».

أقول: وذكره المحب الطبري في «ذخائر العقبي» [ص36] وقال: أخرجه أبو سعيد في «شرف النبوّة».

وفي «ذخائر العقبي» أيضاً [ص44] ذكر حديثاً عن أسماء في ولادة فاطمة بالحسن(عليهما السلام) قالت أسماء: يا رسول

الله، إني لم أر لها دماً في حيض ولا في نفاس، فقال(صلي الله عليه وآله): «أما علمت أن ابنتي طاهرة مطهّرة لا يري لها دم في طمث ولا ولادة».

سوره بقره، آيه 124

في قوله تعالي: (إِنّي جَاعِلُكَ للنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرّيتي قالَ لاَ يَنَالُ عَهدِي الظَّالمِين … ) [البقرة: 124].

أخرج ابن المغازلي في «المناقب» [ص276]: أخبرنا أبو أحمد الحسن بن أحمد بن موسي الغندجانيّ، أخبرنا أبو الفتح هلال بن محمد الحفّار، حدّثنا إسماعيل بن عليّ بن رزين، قال: حدّثني أبي وإسحاق بن إبراهيم الدبريّ، قالا: حدّثنا عبد الرزاق، قال: حدّثني أبي عن مينا مولي عبد الرّحمن بن عوف عن عبدالله بن مسعود قال: قال رسول الله(صلي الله عليه وآله): «أنا دعوة أبي إبراهيم». قلنا: يا رسول الله، وكيف صرت دعوة أبيك إبراهيم؟ قال(صلي الله عليه وآله): «أوحي الله عزّوجلّ إلي إبراهيم: (إني جاعلك للناس إماماً)، فاستخف إبراهيم الفرح، قال: يا ربّ ومن ذريتي ائمةً مثلي، فأوحي الله إليه: أن يا إبراهيم إني لا اُعطيك عهداً لا أفي لك به. قال: يا ربّ ما العهد الذي لا تفي لي به؟ قال: لا أعطيك لظالم من ذريتك، قال إبراهيم عندها: (واجنبني وبنيّ أن نعبد الأصنام - رب إنهن أضللن كثيراً من النّاس). قال النبيّ(صلي الله عليه وآله): فانتهت الدعوة إليّ وإلي عليّ، لم نسجد أحدٌ منّا لصنم قط، فاتخّذني الله نبيّاً واتخذ علياً وصياً».

وقال الطباطبائي في تفسير «الميزان» [1: 273]: في قوله تعالي: (إني جاعُلك للنّاسِ إمَاماً) أي مقتدي يقتدي بك النّاس ويتبّعونك في أقوالك وأفعالك. فالامام هو الّذي يقتدي ويؤتم به. «إلي أن قال»: وقال تعالي: (يوم ندعو كلَّ اُناس بإمامهم) [98] … فالامام هو الذي يسوق النّاس

إلي الله سبحانه وتعالي، يوم تبلي السرائر، كما أنه يسوقهم إليه في ظاهر هذه الحياة الدنيا وباطنها.

والآية مع ذلك تفيد أن الإمام لا يخلو منه زمان من الأزمنة، وعصر من الأعصار، لمكان قوله تعالي: (كلّ اُناس). ثم إن هذا المعني، أعني الإمامة، علي شرافته وعظمته، لا يقوم إلاّ بمن كان سعيد الذات بنفسه، إذ الّذي ربّما تلبّس ذاته بالظلم والشقاء، فإنما سعادته بهداية من غيره، وقد قال الله تعالي: (أفَمَن يَهْدِي إِلي الحقّ أَحقُّ أَن يُتِّبعَ أَمَّن لا يهدِّي إِلاّ أَن يُهدَي) [99] وقد قوبل في هذه الآية بين الهادي إلي الحقّ وبين غير المهتدي إلاّ بغيره، أعني المهتدي بغيره، وهذه المقابلة تقتضي أن يكون الهادي إلي الحقّ مهتدياً بنفسه، وأن المهتدي بغيره لا يكون هادياً إلي الحقّ البتّة.

ويستنتج من هنا أمران: أحدهما: أن الامام يجب أن يكون معصوماً عن الضلال والمعصية، وإلاّ كان غير مهتد بنفسه، كما مرّ، كما يدلّ عليه أيضاً قوله تعالي: (وجَعلَنَاهُمْ أَئمّةً يَهدُون بأِمرنَا وَأَوحينا إِلَيهم فعلَ الخَيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين) [100].

فأفعال الإمام خيرات يهتدي إليها، لا بهداية من غيره، بل باهتداء من نفسه بتأييد إلهيّ، وتسديد ربانيّ.

قال العبدي:

وقالوا رسول الله ما اختار بعده

إماماً لنا لكن لأنفسنا اخترنا

فقلنا إذن أنتم إمام إمامكم

بفضل من الرّحمن تهتم وما تهنا

ولكنّنا اخترنا الذّي اختار ربنّا

لنا يوم «خمّ» لا ابتدعنا ولا جرنا

سيجمعنا يوم القيامة ربّنا

فتجزون ما قلتم ونجزي بما قلنا

هدمتم بأيديكم قواعد دينكم

ودين علي غير القواعد لا يُبني

ونحن علي نور من الله واضح

فيا ربّ زدنا منك نوراً وثبّتنا [101].

والدليل عليه قوله تعالي: (فعل الخيرات) بناءً علي أنّ المصدر المضاف يدلّ علي الوقوع، ففرق بين مثل قولنا: وأوحينا إليهم أن افعلوا الخيرات،

فلا يدلّ علي التحقيق والوقوع، بخلاف قوله تعالي: (وَأوحينا إليهم فعل الخيراتِ) فهو يدلّ علي أن ما فعلوه من الخيرات إنما هو بوحي باطني وتأييد سماويّ، والثاني عكس الأمر الأول، وهو أن من ليس بمعصوم فلا يكون إماماً هادياً إلي الحقّ البتة.

وبهذا البيان يظهر: أن المراد بالظالمين في قوله تعالي: (قال ومن ذرّيتي قال لا ينال عهدي الظالمين) مطلق من صدر عنه ظلم ما من شرك أو معصية، وإن كان منه في برهة من عمره، ثم تاب وصلح.

وقد سئل احد أساتيذنا رحمة الله عليه عن تقريب دلالة الآية علي عصمة الإمام، فأجاب: أنّ الناس بحسب القسمة العقليّة علي أربعة أقسام: من كان ظالماً في جميع عمره، ومن لم يكن ظالماً في جميع عمره، ومن هو ظالم في أوّل عمره دون آخره، ومن هو بالعكس من هذا. وإبراهيم أجلّ شأناً من أن يسأل الإمامة للقسم الأوّل والرابع من ذرّيته. وبقي قسمان وقد نفي الله أحدهما، وهو الذي يكون ظالماً في أوّل عمره دون آخره، فبقي الآخر، وهو الذي يكون غير ظالم في جميع عمره. انتهي.

وقد ظهر مما تقدم من البيان اُمور:

الأوّل: أنّ الإمامة مجعولة.

الثاني: أنّ الإمام يجب أن يكون معصوماً بعصمة إلهية.

الثالث: أنّ الأرض وفيها النّاس لا تخلو من إمام حق.

الرابع: أنّ الامام يجب أن يكون مؤيّداً من عند الله.

الخامس: أن أعمال العباد غير محجوبة عن علم الامام.

السادس: أنه يجب أن يكون عالماً بجميع ما يحتاج إليه الناس في أمور معاشهم ومعادهم.

السابع: أنّه يستحيل أن يوجد فيهم من يفوقه في فضائل النفس [102].

ومما ذكر في بحثه الروائي: [103].

في الكافي [1: 175؛ ط. دار الكتب الاسلامية]: عن الصادق(عليه السلام): «إن الله تبارك وتعالي اتّخذ إبراهيم عبداً قبل

أن يتّخذه نبياً، وإن الله اتخذه نبياً قبل أن يتخذه رسولاً، وإن الله اتخذه رسولاً قبل أن يتخذه خليلاً، وإنّ الله اتخذه خليلاً قبل أن يجعله إماماً، فلما جمع له الأشياء قال: (إنّي جاعلُك للنَّاسِ إماماً) قال(عليه السلام): فمن عظمها في عين إبراهيم قال: (ومن ذُريَّتي قال لا ينال عهدي الظالمين) قال: لا يكون السفيه إمام التقي».

وعن المفيد عن درست وهشام عن الصادق(عليه السلام) قال: قد كان إبراهيم نبياً وليس بإمام، حتي قال الله تبارك وتعالي: (إني جاعلك للناس إماماً قال ومن ذريّتي) فقال تبارك الله وتعالي: (لا ينالُ عهدي الظالمين) من عبد صنماً أو وثناً أو مثالاً لا يكون إماماً.

وفي أمالي الشيخ [ص379 ط. مؤسسة البعثة] مسنداً، وعن مناقب ابن المغازلي [ص277]: مرفوعاً، عن ابن مسعود عن النبيّ(صلي الله عليه وآله) في الآية، عن قول الله لإبراهيم: من سجد لصنم دوني لا أجعله إماماً، قال(صلي الله عليه وآله): «وانتهت الدعوة إليّ وإلي أخي عليّ، لم يسجد أحدٌ منّا لصنم قط».

وفي تفسير العيّاشي [104] بأسانيد عن صفوان الجمال قال: كنا بمكّة فجري الحديث في قول الله: (وإذ ابتلي إبراهيم ربّه بكلمات فأتمهن) قال: أتمهن بمحمد(صلي الله عليه وآله) وعلي(عليه السلام)، والائمة من ولد علي صلي الله عليهم، في قول الله: (ذرّيةً بعَضُها مِن بعَض واللهُ سميعٌ عليمٌ).

قال المؤلف الطباطبائي شرّف الله قدره ومجهوده: والرواية مبنية علي كون المراد بالكلمة «الإمامة» كما فسّرت في قوله تعالي: (فإنه سيَهدين - وجعلها كلمةً باقيةً في عقبه)[الزخرف: 27 28] فيكون معني الآية: واذ ابتلي إبراهيم ربه بكلمات، هن إمامته وإمامة إسحاق وذريته، وأتمهن بإمامة محمد(صلي الله عليه وآله) والأئمة من أهل بيته، من ولد إسماعيل، ثم بيّن الأمر بقوله:

(إنيّ جاعلك للنَّاس إماماً) الآية.

وقال السيد أمير محمّد الكاظمي في كتابه «نقض الصواعق» [ص220]: إن السجود للأصنام الذي كان عليه الخلفاء الثلاثة قبل ظهور الإسلام بمكّة، ينافي منصب الخلافة ولو بعد الإيمان، لأن الله تعالي أخبر صريحاً بأن عهد الإمامة في قوله: (لا ينال عهدي الظالمين) لا تليق بمن تلبّس بالظلم في وقت من الأوقات، والكافر لا شك في أنه ظالم، بدليل قوله تعالي: (والكافرون هُمُ الظَّالمون) [البقرة: 254]: ولا شك لأحد في أنّ قريشاً، ومنهم الخلفاء الثلاثة، كانوا يعبدون غير الله، ويسجدون للأصنام قبل ظهور الاسلام وعليه إجماع المسلمين … إلي أن قال:

وخلاصة القول: إنّ الله قد أخبر نبيّه إبراهيم(عليه السلام) لمّا طلب منه الإمامة لذريته، بقوله تعالي: (لا ينال عهدي الظالمين) والظالم وإن تاب فلا يخرج من أن تكون الآية تناولته في حال كونه ظالماً، فإذا نفي أن ينال عهده، فقد حكم بأنه لا يناله مطلقاً، ولمّا كانت الآية مطلقةً غير مقيدة بوقت وجب حملها علي سائر الأوقات، فلا يناله الظّالم وإن تاب فيما بعد.

وبعبارة أوضح: إنّ المضارع المنفي بقوله: (لا ينال عهدي) ليس للحال فقط، بل يعم المستقبل أيضاً، وهو يعم جميع الأوقات الآتية، ولمّا لم يقيد الكلام بشيء منها، وجب أن يعم النفي جميعها، فكل من اتصف بالظّلم وصدق عليه في وقت ما، كان داخلاً في الظّالمين في ذلك الوقت ومشمولاً للآية … «الخ».

وقال الإمام المظفر في كتابه «دلائل الصدق» [2: 90 ط. بصيرتي]: وأما دلالة الآية بضميمة الحديث علي إمامة أمير المؤمنين(عليه السلام)، فلأن الحديث قد دلّ علي استجابة دعوة إبراهيم في بعض ذريته، وصيرورتهم أئمةً للنّاس لكونهم أنبياء أو أوصياء، ودلّ علي أن الدعوة انتهت إلي رسول الله(صلي الله

عليه وآله) وعلي(عليه السلام) فكانت إمامة رسول الله باتخاذ الله له نبياً، وإمامة عليّ باتخاذه وصياً، … إلي أن قال:

ثم إن قوله(صلي الله عليه وآله): لم يسجد أحدنا لصنم قط، إشارة إلي انتفاء مانع النبوة والامامة عنهما، أعني المعصية والظلم المذكور في تلك الآية بقوله سبحانه: (لا ينال عهدي الظالمين) فيكون معني كلامه(صلي الله عليه وآله) انتهت إليّ وإلي عليّ دعوة إبراهيم لذريته لانتفاء الظلم عنّا، الذّي جعله الله مانعاً عن نيل الإمامة، فاتخذني نبياً وعلياً وصياً.

وإنما خص السجود للصنم بالذكر، دون سائر الظّلم والمعصية، لأنه الفرد الأهم في الانتفاء وابتلاء عامة قومه به. فالمقصود: إنما هو بيان انتفاء المانع المذكور في الآية عنهما، لا بيان أنّ عدم السجود للصنم علّة تامة لانتهاء الدعوة إليهما، حتي تلزم إمامة كل من لم يسجد لصنم، وإن كان جاهلاً عاصياً، ولا بيان كون عدم السجود للصنم فضيلة مختصةً بهما في دائم الدهر، حتي يقال بمشاركة كل من ولد علي الإسلام لهما، ولا بيان أن عدم السجود للصنم سبب تام للأفضلية، حتي يقال: إن بعض من تاب عن الكفر أفضل ممن ولد علي الاسلام.

ثم إنّ المراد بانتهاء الدعوة إليهما، وصولها إليهما، لا انقطاعها عندهما، لتعديته بإلي، فلا ينفي إمامة الحسن والحسين والتسعة من بعدهما … الخ.

وفي مناقب «ابن شهر آشوب» [3: 64 65]: عن امالي ابن بابويه [105] عن الباقر(عليه السلام)قال: لما نزل قوله تعالي: (وكل شيء أحصيناه في إمام مبين) قام رجلان من مجلسيهما فقالا: يا رسول الله، هو التوراة؟ قال: لا، قالا: هو الإنجيل؟ قال: لا، قالا: فهو القرآن؟ قال: لا، قال: فأقبل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام) فقال رسول الله(صلي الله عليه وآله): هذا

هو الإمام الذي أحصي الله تبارك وتعالي فيه كل شيء. وفي [3: 65 ط. دار الأضواء] منه قال الصادق(عليه السلام): ألا تحمدون الله، إذا كان يوم القيامة يدعي كلّ قوم إلي من يتولّونه، وفزعنا إلي رسول الله، وفزعتم أنتم إلينا، فإلي أين ترون أن نذهب بكم؟ إلي الجنة وربّ الكعبة. قال الشاعر:

أشهد بالله وآلائه

شهادة يعلمها ربّي

أن علياً بعد خير الوري

إمام أهل الشرق والغرب

من لم يقل مثل الذي قلته

جاءت به الرعناء في الدرب

وقال آخر:

حبّ الإمام علي الأنام فريضة

أعني أمير المؤمنين عليا

فرض الاله علي البريه حبّه

واختاره للمؤمنين وليّا

وفي [3: 55] منه: عن أمالي ابن سهل أحمد القطان، وكافي الكليني بإسنادهما إلي جابر الجعفي قال: «قال أبو جعفر(عليه السلام): لو علم النّاس متي سمّي أمير المؤمنين ما أنكروا ولايته، قلت: رحمك الله، ومتي سمّي؟ قال: إنّ ربّك عزّوجلّ حين أخذ من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم وأشهدهم علي أنفسهم، قال: ألست بربكم وأن محمّداً رسولي، وأن علياً أمير المؤمنين».

سوره رعد، آيه 43

في قوله تعالي: (قل كَفَي باللهِ شهيداً بيني وبَينكُمْ ومن عِندَهُ عِلُم الكتاب)[الرعد: 43].

روي الحافظ سليمان بن إبراهيم القندوزي في كتابه «ينابيع المودة» [ص102 باب 30] عن الثعلبي وابن المغازلي بسنديهما عن عبدالله بن عطا قال: كنت مع محمد الباقر(رضي الله عنه)في المسجد، فرأيت ابن عبدالله بن سلام، فقلت: هذا ابن الذي عنده علم الكتاب. قال «يعني الباقر»: إنما ذلك عليّ بن أبي طالب.

وروي الثعلبي، وأبو نعيم بسنديهما عن زادان عن محمّد بن الحنفيّة قال: من عنده علم الكتاب عليّ بن أبي طالب.

وعن الفضيل بن يسار عن الباقر(عليه السلام) قال: «هذه الآية نزلت في عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) أنّه عالم هذه الاُمّة».

وفي رواية عنه(عليه السلام) قال: «إيّانا عني،

وعليّ أفضلنا وأولنا وخيرنا بعد النبي(صلي الله عليه وآله)».

وعن عمر بن اُذينة عن جعفر الصّادق(عليه السلام) قال: «قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه: ألا إن العلم الذي هبط به آدم(عليه السلام) من السماء إلي الأرض، وجميع ما فضّلت به النبيّون إلي خاتم النبيين، في عترة خاتم النبيين صلّي الله عليه وعليهم».

وقال الصّادق(عليه السلام): «علم الكتاب كلّه والله عندنا، وما أعطي وزير سليمان بن داود(عليهما السلام)، إنما عنده حرف واحد من الاسم الأعظم، وعلم بعض الكتاب كان عنده، قال تعالي: (قال الذي عنده علم من الكتاب) [106] أي بعض الكتاب: (أنا آتيك به قبل أن يرتدّ إليك طرفك)، قال تعالي لموسي(عليه السلام): (وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة) [107] و «من» للتبعيض، وقال في عيسي(عليه السلام): (وليبين لكم بعض الذي تختلفون فيه) [108] بكلمه البعض. وقال في عليّ(عليه السلام): (ومن عنده علم الكتاب) أي كل الكتاب، وقال: (ولا رطب ولا يابس إلاّ في كتاب مبين) [109] وعلم هذا الكتاب عنده».

وعن صاحب المناقب: روي عن محمد بن مسلم، وأبي حمزة الثمالي، وجابر بن يزيد عن الباقر(عليه السلام). وروي علي بن فضال، وفضيل بن يسار، وأبو بصير عن الصّادق(عليه السلام). وروي أحمد بن محمد الحلبي، ومحمد بن فضيل عن الرضا(عليه السلام). وقد روي عن موسي بن جعفر، وعن زيد بن عليّ(عليهم السلام)، وعن محمّد بن الحنفيّة، وعن سلمان الفارسي، وعن أبي سعيد الخدري، وإسماعيل السدّي، أنهم قالوا في قوله تعالي: (قل كفي بالله شهيداً بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب) هو: عليّ بن أبي طالب(عليه السلام).

وعن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري قال: «سألت رسول الله(صلي الله عليه وآله) عن هذه الآية: (الّذي عنده علم من

الكتاب) قال(صلي الله عليه وآله): ذاك وزير أخي سليمان بن داود(عليهما السلام)، وسألته عن قول الله عزّوجلّ: (قل كفي بالله شهيداً بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب)قال(صلي الله عليه وآله): ذاك أخي عليّ بن أبي طالب».

وفي المناقب سئل عليّ(عليه السلام) أن عيسي بن مريم كان يحيي الموتي، وسليمان بن داود كان يفهم منطق الطير، هل لكم هذه المنزلة؟ قال(عليه السلام): إن سليمان بن داود(عليهما السلام) غضب لهدهد عند فقده، لأنه يعرف الماء ويدلّ علي الماء، ولا يعرف سليمان الماء تحت الهواء مع أن الريح والنمل والإنس والجن والشياطين والمردة كانوا له طائعين. وأن الله يقول في كتابه: (ولو أن قرآناً سُيّرت به الجبالُ أو قُطِّعَت به الأرضُ أو كُلّم به الموتي) [110] ويقول تعالي: (وما من غائبة في السماء والأرض إلاّ في كتاب مبين) [111] ويقول تعالي: (ثُمّ أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا) [112] فنحن اُورثنا هذا القرآن، الذي فيه ما يسير به الجبال، وقطعت به البلدان، ويحيي به الموتي، ونعرف به الماء، وأورثنا هذا الكتاب فيه تبيان كل شيء.

وسئل سعيد بن جبير: ومن عنده علم الكتاب، عبدالله بن سلام؟ قال: لا، كيف وهذه السورة مكّية، وعبدالله بن سلام أسلم في المدينة بعد الهجرة.

وعن ابن عبّاس(رضي الله عنه) قال: (ومن عنده علم الكتاب) إنما هو عليّ، لقد كان عالماً بالتفسير والتأويل والناسخ والمنسوخ. وعن محمّد بن الحنفيّة(رضي الله عنه) قال: عند أبي أمير المؤمنين عليّ صلوات الله عليه، علم الكتاب الأوّل والآخر.

وعن سليم بن قيس الهلالي في كتابه عن قيس بن سعد بن عبادة قال: (ومن عنده علم الكتاب) عليّ. قال معاوية بن أبي سفيان: هو عبدالله بن سلام، قال سعد: أنزل الله: (إنما

أنت منذر ولكل قوم هاد) [113] وأنزل: (أفمن كانَ علي بينة من ربّهِ ويتلوه شاهدٌ منِهُ) [114] فالهادي من الآية الأولي، والشاهد من الآية الثانية: عليّ، لأنه نصبه(صلي الله عليه وآله) يوم الغدير، وقال(صلي الله عليه وآله): «من كنت مولاه فعليّ مولاه، وقال(صلي الله عليه وآله): أنت مني بمنزلة هارون من موسي إلاّ أنه لا نبي بعدي»، فسكت معاوية ولم يستطع أن يردّها.

وقال بعض المحققين: إن الله تبارك وتعالي بعث خاتم أنبيائه، وأشرف رسله، وأكرم خلقه بمنّه وتحنّنه وفضله العظيم، بسابق علمه ولطفه، بعد أخذه العهد والميثاق علي أنبيائه وعباده بمحمّد(صلي الله عليه وآله) بقوله: (لتؤمننّ به ولتنصرنّه) ولما فتح الله أبواب السعادة الكبري، والهداية العظمي، برسالة حبيبه علي العرب وقريش، وخصوصاً علي بني هاشم، بقوله تعالي: (وأنذر عشيرتك الأقربين) ورهطك المخلصين، اقتضي العقل أن يكون العالم بجميع أسرار كتاب الله، لا بدّ أن يكون رجلاً من بني هاشم بعد النبيّ(صلي الله عليه وآله) لأنه أقربه [115] من سائر قريش، وان يكون إسلامه أولاً، ليكون واقفاً علي أسرار الرسالة وبدء الوحي، وأن يكون جميع الأوقات عنده بحسن المتابعة، ليكون خبيراً عن جميع أعماله وأقواله، وأن يكون من طفوليته منزّهاً من أعمال الجاهلية ليكون متخلّقاً بأخلاقه، ومؤدّباً بآدابه ونظيراً بالرشيد من أولاده، فلم يوجد هذه الشروط لأحد إلاّ في عليّ(عليه السلام).

وأما عبدالله بن سلام فلم يسلم إلاّ بعد الهجرة، فلم يعرف سبب نزول السورة التي نزلت قبل الهجرة، ولما كان حاله هذا لم يعرف حق تأويلها بعد إسلامه، مع أن سلمان الفارسي الذي صرف عمره الطويل ثلاثمائة وخمسين سنة في تعلّم أسرار الإنجيل، والتوراة والزبور، وكتب الأنبياء السابقين والقرآن، لم يكن من عنده علم الكتاب، لفقد

الشروط المذكورة، فكيف يكون من عنده علم الكتاب عبدالله بن سلام؟ الذي لم يقرأ الانجيل، ولم يوجد فيه الشروط، ولم يصدر منه ما صدر من عليّ(عليه السلام) يعسوب الدين من الأسرار والحقائق في الخطبات، مثل قوله(عليه السلام): «سلوني قبل أن تفقدوني، فإن بين جنبي علوماً كالبحار الزواخر». ومثل ما صدر من أولاده الأئمة الهداة عليهم سلام الله وبركاته، من المعارف والحكم في تأويلات كتاب الله وأسراره.

وقال الامام المظفر في كتابه «دلائل الصدق» [ص135]: ويشهد لإرادة عليّ(عليه السلام) في الآية: التعبير عنه بمن عنده علم الكتاب، الدال علي إحاطة علمه في الكتاب، «أعني القرآن» كما هو المنصرف، إذ لا يحيط به علماً غير قرينه، الّذي أمر رسول الله(صلي الله عليه وآله)بالتمسّك به معه.

كما يشهد لعدم إرادة ابن سلام، ما في «الدر المنثور»: عن سعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر، وغيرهم، أنهم أخرجوا عن سعيد بن جبير أنّه سئل عن قوله تعالي: (ومن عنده علم الكتاب) أهو عبدالله بن سلام؟ قال: وكيف وهذه السورة مكّية؟ وفي «الدر المنثور» أيضاً عن ابن المنذر أنه أخرج عن الشعبي قال: ما نزل في عبدالله بن سلام شيء من القرآن.

سوره تكاثر، آيه 8

في قوله تعالي: (ثم لتسألنّ يومئذ عن النعيم) [التكاثر: 8].

تفرّعت آراء ذوي الأفهام، وتشعّبت أفكار المفسّرين والعلماء الأعلام، في تفسير معني النعيم الذي يسأل عنه العباد يوم القيامة، منهم من يقول إنّه: نعمة شرب الماء البارد، ومنهم من يقول: نعمة الرقود تحت الظل، ومنهم من يقول: نعمة الأسودين، الماء والتمر، ومنهم من يقول: نعمة الصحة والأمن، إلي ما هنالك من الأقوال المختلفة المعاني، والألفاظ المتفرقة المباني، حتي إن أبا حنيفة التجأ سائلاً إلي أبي عبدالله(عليه السلام)عن معني هذا النعيم، كما

رواه الطبرسي في تفسيره [9 10: 534 ط. دار إحياء التراث العربي]عن العياشي بإسناده في حديث طويل قال: «سأل أبو حنيفة أبا عبدالله(عليه السلام) عن هذه الآية، فقال(عليه السلام) له: ما النعيم عندك يا نعمان؟ قال: القوت من الطعام والماء البارد. فقال(عليه السلام): لئن أوقفك الله يوم القيامة بين يديه حتي يسألك عن كلّ أكلة أكلتها، وشربة شربتها ليطولن وقوفك بين يديه. قال: فما النعيم جعلت فداك؟ قال(عليه السلام): نحن أهل بيت النعيم الّذي أنعم الله بنا علي العباد، وبنا ائتلفوا بعد أن كانوا مختلفين، وبنا ألّف الله بين قلوبهم، وجعلهم إخواناً بعد أن كانوا أعداء، وبنا هداهم الله للإسلام، وهي النعمة التي لا تنقطع، والله سائلهم عن حق النعيم الّذي أنعم الله به عليهم، وهو النبيّ(صلي الله عليه وآله) وعترته».

وروي القندوزي في «ينابيع المودة» [ص111]: عن الحافظ أبي نعيم بسنده عن جعفر الصّادق(عليه السلام) في هذه الآية قال(عليه السلام): «النعيم، ولاية أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب كرم الله وجهه». وعن الحاكم بن أحمد البيهقي قال: حدثنا محمد بن يحيي الصوفي، قال: حدّثنا أبو ذكوان القاسم بن إسماعيل، قال: حدّثني إبراهيم بن العبّاس الصولي الكاتب بالأهواز سنة سبع وعشرين ومائتين قال: كنا يوماً بين يدي عليّ بن موسي الرضا(عليه السلام)قال له بعض العلماء: إن النعيم في هذه الآية هو الماء البارد، فقال له الرضا(عليه السلام) بارتفاع صوته: «كذا فسّرتموه أنتم، وجعلتموه علي ضروب، فقالت طائفة: هو الماء البارد، وقال آخرون: هو النوم، وقال غيرهم: هو الطعام الطيب، ولقد حدّثني أبي، عن أبيه جعفر بن محمد(عليهم السلام)إذ أقوالكم هذه ذكرت عنده فغضب، وقال: إنّ الله عزّوجلّ لا يسأل عباده عما تفضّل عليهم به، ولا يمنّ

بذلك عليهم، وهو مستقبح من المخلوقين كيف يضاف إلي الخالق، جلت عظمته ما لا يرضي للمخلوقين؟ ولكن النعيم: حبّنا أهل البيت وموالاتنا، يسأل الله عنه بعد التوحيد لله ونبوّة رسوله(صلي الله عليه وآله) لأن العبد إذا وافي بذلك أدّاه إلي نعيم الجنة الذي لا يزول. قال أبي موسي(عليه السلام): لقد حدّثني أبي جعفر، عن أبيه محمّد بن عليّ، عن أبيه عليّ بن الحسين، عن أبيه الحسين بن عليّ، عن أبيه عليّ بن أبي طالب(عليهم السلام) قال: قال رسول الله(صلي الله عليه وآله): يا عليّ إن أوّل ما يسأل عنه العبد بعد موته شهادة أن لا إله إلاّ الله، وأن محمداً رسول الله، وأنك وليّ المؤمنين بما جعله الله وجعلته لك، فمن أقرّ بذلك وكان معتقده، صار إلي النعيم الّذي لا زوال له».

وفي المناقب أيضاً عن الأصبغ بن نباتة، عنه [أي الرضا(عليه السلام)] قال(عليه السلام): «نحن النعيم الّذي كان في هذه الآية». وأيضاً عن الباقر(عليه السلام) قال: «ما هو الطعام والشراب، ولكن هو ولايتنا». وأيضاً عن الكاظم(عليه السلام) قال: «نحن نعيم المؤمن، وعلقم الكافر».

وفي تفسير الميزان [20: 353]: عن تفسير القمي بإسناده عن جميل عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: قلت له: (لتسألن يومئذ عن النعيم) قال(عليه السلام): «تسأل هذه الاُمّة عما أنعم الله عليها برسوله، ثم بأهل بيته».

وعن الكافي بإسناده عن أبي حامد الكابلي قال: «دخلت علي أبي جعفر(عليه السلام)فدعا بالغداء فأكلت معه طعاماً ما أكلت طعاماً أطيب منه قطّ ولا ألطف، فلما فرغنا من الطعام قال(عليه السلام): يا أبا خالد كيف رأيت طعامك؟ أو قال: طعامنا؟ قلت: جعلت فداك، ما أكلت طعاماً أطيب منه قطّ ولا ألطف [116]، ولكن ذكرت الآية التي في كتاب الله:

(ثم لتسألنّ يومئذ عن النعيم) فقال أبو جعفر(عليه السلام): إنما يسألكم عما أنتم عليه من الحق».

وفيه بإسناده عن أبي حمزة قال: كنا عند أبي عبدالله(عليه السلام) جماعة، فدعا بطعام ما لنا عهد بمثله لذاذةً وطيباً، واتينا بتمر تنظر فيه أوجهنا من صفائه وحسنه، فقال رجل: لتسألنّ عن هذا النعيم الذي تنعّمتم به عند ابن رسول الله، فقال أبو عبدالله(عليه السلام): «إن الله عزّوجلّ أكرم وأجلّ أن يطعم طعاماً فيسوّغكموه ثمّ يسألكم عنه، إنما يسألكم عمّا أنعم عليكم بمحمّد وآل محمّد(صلي الله عليه وآله)».

قال المؤلّف: أقول: وهذا المعني مرويّ عن أئمه أهل البيت(عليهم السلام) بطرق اُخري وعبارات مختلفة، وفي بعضها أن النعيم ولايتنا أهل البيت، ويؤوّل المعني إلي ما قدمناه من عموم النعيم لكلّ نعمة أنعم الله بها بما أنها نعمة.

وبيان ذلك: أن هذه النعم لو سئل عن شيء منها فليست يسأل عنها بما أنّها لحم أو خبز أو تمر أو ماء بارد، أو أنها سمع أو بصر أو يد أو رجل مثلاً، وإنما يسأل عنها بما أنّها نعمة خلقها الله للإنسان، وأوقعها في طريق كماله، والحصول علي التقرّب العبوديّ، كما تقدّمت الإشارة إليه، وندبه إلي أنّ يستعملها شكراً لا كفراً. فالمسؤول عنها هي النعمة بما أنّها نعمة، ومن المعلوم أنّ الدالّ علي نعيميّة النعيم وكيفية استعماله شكراً، والمبيّن لذلك كلّه هو الدّين الّذي جاء به النبي(صلي الله عليه وآله) ونصب لبيانه الأئمة من أهل بيته، فالسؤال عن النعيم مرجعه السؤال عن العمل بالّدين في كل حركة وسكون. ومن المعلوم أيضاً أنّ السؤال عن النعيم الذي هو الدين، سؤال عن النبي(صلي الله عليه وآله) والأئمة من بعده، الذين افترض الله طاعتهم، وأوجب اتباعهم في السلوك إلي

الله، الذي طريقه استعمال النعيم كما بيّنه الرسول والأئمة صلّي الله عليه وعليهم.

والي كون السؤال عن النعيم سؤالاً عن الدين، يشير ما في رواية أبي خالد من قوله: «وإنما يسألكم عما أنتم عليه من الحق» وإلي كونه سؤالاً عن النعيم الذي هو النبي وأهل بيته صلّي الله عليه وعليهم، يشير ما في روايتي جميل وأبي حمزة السابقتين من قوله: «يسأل هذه الاُمّة عما أنعم الله عليها برسوله ثم بأهل بيته». وما في معناه … (الخ).

سوره نور، آيه 35

في قوله تعالي: (اللهُ نُورُ السَماوَاتِ والأرضِ مَثَلُ نُورِهِ كمشكاة فيها مصباحٌ)[النور: 35].

قال الطبرسي في تفسيره «مجمع البيان» [7 8: 142 ط. دار إحياء التراث العربي بيروت]: في قوله تعالي: (الله نور السماوات والأرض) اختلف في معناه علي وجوه: أحدها: الله هادي أهل السماوات والأرض إلي ما فيه من مصالحهم، عن ابن عباس.

والثاني: الله نور السماوات والأرض والشمس والقمر والنجوم، عن الحسن وأبي العالية والضحاك.

والثالث: مزيّن السماوات بالملائكة، ومزيّن الأرض بالأنبياء والعلماء، عن ابّي بن كعب.

وقوله تعالي: (مثل نوره) فيه وجوه:

أحدها: أن المعني: مثل نور الله الذي هدي به المؤمنين، وهو الإيمان في قلوبهم. عن ابّي بن كعب والضحاك، وكان أبي يقرأ: مثل نور من آمن به.

الثاني: مثل نوره الذي هو القرآن في القلب، عن ابن عبّاس والحسن وزيد بن أسلم.

والثالث: أنّه عني بالنور: محمّد(صلي الله عليه وآله) وأضافة الي نفسه تشريفاً له، عن كعب وسعيد ابن جبير.

والرابع: أنّ نوره سبحانه: الأدلّة الدالّة علي توحيده وعدله، التي هي في الظهور والوضوح مثل النور، عن أبي مسلم.

والخامس: أن النور هنا: الطاعة، أي مثل طاعة الله في قلب المؤمن، عن ابن عبّاس في رواية اُخري.

وقوله تعالي: (كمشكاة فيها مصباح).

المشكاة: هي الكوّة في

الحائط، يوضع عليها زجاجة، ثم يكون المصباح خلف تلك الزجاجة، ويكون للكوّة باب آخر يوضع المصباح فيه.

وقيل: المشكاة عمود القنديل الذي فيه الفتيلة، وهو مثل الكوّة، والمصباح السراج.

وقيل: المشكاة: القنديل، والمصباح الفتيلة … «إلي أنّ قال»: وقد قيل أيضاً: المشكاة إبراهيم، والزجاجة إسماعيل، والمصباح محمّد(صلي الله عليه وآله)كما سمّي سراجاً في موضع آخر.

وقوله تعالي: (من شجرة مباركة) يعني: إبراهيم، لأن أكثر الأنبياء من صلبه (لا شرقية ولا غربية) لا يهودية ولا نصرانية. لأن النصاري تصلّي إلي المشرق، واليهود تصلّي إلي المغرب. (يكاد زيتها يضيء) أي يكاد محاسن محمّد(صلي الله عليه وآله) تظهر قبل أن يوحي إليه. (نور علي نور) أي نبي من نسل نبي، عن محمّد بن كعب.

وقيل: إن المشكاة: عبد المطلب، والزجاجة: عبدالله، والمصباح: هو النبيّ(صلي الله عليه وآله) (لا شرقية ولا غربية) بل مكّية، لأن مكّة وسط الدنيا، عن الضحاك.

وروي عن الرضا(عليه السلام) أنّه قال: «نحن المشكاة فيها، والمصباح: محمّد(صلي الله عليه وآله)يهدي الله لولايتنا من أحب».

وفي كتاب «التوحيد» لأبي جعفر بن بابويه(رحمه الله) بالإسناد عن عيسي بن راشد عن أبي جعفر الباقر(عليه السلام) في قوله: (كمشكاة فيها مصباح) قال: «نور العلم في صدر النبيّ(صلي الله عليه وآله)(المصباح في زجاجة)، الزجاجة: صدر عليّ(عليه السلام) صار علم النبي(صلي الله عليه وآله) إلي صدر عليّ(عليه السلام)، علّم النبي(صلي الله عليه وآله) علياً(عليه السلام). (يوقد من شجرة مباركة): نور العلم. (لا شرقية ولا غربية): لا يهودية ولا نصرانية. (يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار) قال: يكاد العالم من آل محمد(صلي الله عليه وآله)يتكلم بالعلم قبل أنّ يسأل. (نور علي نور) أي: إمام مؤيد بنور العلم والحكمة، في أثر إمام من آل محمّد(صلي الله عليه وآله)

وذلك من لدن آدم(عليه السلام) إلي أن تقوم الساعة. فهؤلاء الأوصياء، الذين جعلهم الله خلفاء في أرضه، وحججه علي خلقه، لا تخلو الأرض في كل عصر من واحد منهم». ويدلّ عليه قول أبي طالب في رسول الله(صلي الله عليه وآله):

أنت الأمين محمَّد

قرم أغر مسوّد

لمسوّدين أطاهر

كرموا وطاب المولد

أنت السعيد من السّعود

تكنفتك الأسعد

من لدن آدم لم يزل

فينا وصيّ مرشد

ولقد عرفتك صادقاً

والقول لا يتفند

ما زلت تنطق بالصواب

وأنت طفلٌ أمرد [117].

وفي مناقب الحافظ ابن المغازلي الشافعي [ص201] قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن عبد الوهاب إجازةً، أنّ أبا أحمد عمر بن عبدالله بن شوذب أخبرهم قال: حدّثنا محمّد بن الحسن بن زياد، حدّثنا أحمد بن الخليل ببلخ، حدّثني محمّد بن أبي محمود، حدّثنا يحيي بن أبي معروف، حدّثنا محمد بن سهل البغداديّ، عن موسي بن القاسم عن عليّ بن جعفر قال: سألت أبا الحسن(عليه السلام) عن قول الله عزوجل: (كمشكاة فيها مصباح) قال(عليه السلام): (صلي الله عليه وسلم)المشكاة: فاطمة، والمصباح: الحسن والحسين (الزجاجة كأنها كوكب درّيّ) قال: كانت فاطمة كوكباً دريّاً من نساء العالمين. (يوقد من شجرة مباركة) الشجرة المباركة: إبراهيم.(لا شرقية ولا غربية): لا يهودية ولا نصرانية. (يكاد زيتها يضيء)قال: يكاد العلم أن ينطق منها. (ولو لم تمسسه نار نور علي نور) قال: فيها إمام بعد إمام. (يهدي الله لنوره من يشاء) قال: يهدي الله عزّوجلّ لولايتنا من يشاء.

ورواه أيضاً الإمام المظفر في كتابه «دلائل الصدق» [2: 306]: من طريق الحسن البصري.

وفي تفسير «الميزان» [15: 152 ط. دار الكتب الاسلامية] قال الطباطبائي: وفي «التوحيد»: وقد روي عن الصادق(عليه السلام) أنه سئل عن قول الله عزّوجلّ: (الله نور السموات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح) فقال: «هو مثل ضربه

الله لنا، فالنبيّ(صلي الله عليه وآله) والأئمة صلوات الله عليه وعليهم من دلالات الله وآياته التي يهتدي بها إلي التوحيد ومصالح الدّين وشرائع الإسلام والسنن والفرائض، ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم».

ثم قال: أقول: الرواية من قبيل الإشارة إلي بعض المصاديق، وهو من أفضل المصاديق وهو النبي(صلي الله عليه وآله) والطاهرون من أهل بيته(عليهم السلام)، وإلاّ فالآية تعم بظاهرها غيرهم من الأنبياء(عليهم السلام)، والأوصياء والأولياء.

وقد وردت عدّة من الأخبار من طرق الشيعة في تطبيق مفردات الآية علي النبي(صلي الله عليه وآله) وأهل بيته(عليهم السلام)، وهي من التطبيق دون التفسير، ومن الدليل علي ذلك اختلافها في نحو التطبيق، كرواية الكليني في «روضة الكافي» بإسناده عن جابر عن أبي جعفر(عليه السلام)وفيها: «أنّ المشكاة: قلب محمّد(صلي الله عليه وآله)، والمصباح: النور الذي فيه العلم. والزجاجة: عليّ أو قلبه. والشجرة المباركة الزيتونة التي لا شرقية ولا غربية: إبراهيم(عليه السلام) ما كان يهودياً ولا نصرانياً. وقوله: (يكاد زيتها يضيء) الخ: يكاد أولادهم أن يتكلّموا بالنبوّة وإن لم ينزل عليهم ملك».

وما رواه في «التوحيد» بإسناده إلي عيسي بن راشد عن الباقر(عليه السلام) وفيه: «أن المشكاة: نور العلم في صدر النبي(صلي الله عليه وآله). والزجاجة: صدر عليّ(عليه السلام) (يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار): يكاد العالم من آل محمد(صلي الله عليه وآله) يتكلّم بالعلم قبل أن يسأل. (نور علي نور): إمام مؤيّد بنور العلم والحكمة في أثر الامام من آل محمد».

وفي الدر المنثور [7: 201]: عن ابن مردويه عن أبي هريرة عن النبي(صلي الله عليه وآله) في قوله: (زيتونة لا شرقية ولا غربية) قال: قلب إبراهيم لا يهودي ولا نصراني.

سوره زخرف، آيه 57

في قوله تعالي: (ولَمَّا ضُرِبَ ابنُ مَريَمَ مَثَلاً إِذا قَومُك مِنهُ

يَصِدُّونَ)[الزخرف: 57].

ذكر الطبرسي في «مجمع البيان» [9 10: 53]: بأن لتفسير هذه الآية وجوهاً. وقال ورابعها: ما رواه سادة أهل البيت عن عليّ عليهم أفضل الصلوات، أنّه قال: جئت إلي رسول الله(صلي الله عليه وآله)يوماً، فوجدته في ملأ من قريش فنظر إليّ قال: يا عليّ إنما مثلك في هذه الاُمّة كمثل عيسي بن مريم، أحبه قوم فأفرطوا في حبه فهلكوا، وأبغضه قوم فأفرطوا في بغضه فهلكوا، واقتصد فيه قوم فنجوا، فعظم ذلك عليهم فضحكوا، وقالوا: يشبّهه بالأنبياء والرسل.

فنزلت الآية وقالوا: (أآلهتنا خير أم هو)؟ أي: آلهتنا أفضل أم المسيح؟ … الخ.

وقد ذكر هذا الحديث الطباطبائي في تفسيره «الميزان» [18: 116] عن مجمع البيان ثم قال: أقول: والرواية غير متعرّضة لتوجيه قولهم: (أآلهتنا خير أم هو). ولئن كانت القصة سبباً للنزول فمعني الجملة: لئن نتّبع آلهتنا ونطيع كبراءنا خير من أن نتولّي عليّاً فيتحكّم علينا، أو خير من أن نتّبع محمداً فيحكّم علينا ابن عمّه.

وأورد السيد مرتضي الحسيني الفيروزآبادي في كتابه «فضائل الخمسة» [2: 129 ط. دار الكتب الاسلامية] عن «كنز العمال» [1: 226] قال: عن علي(عليه السلام) قال: جئت رسول الله(صلي الله عليه وآله)في ملأ من قريش، فنظر إليّ وقال: يا عليّ إنّ مثلك في هذه الاُمة كمثل عيسي بن مريم، أحبّه قومه فأفرطوا فيه، فصاح الملأ الذين عنده وقالوا: شبّه ابن عمه بعيسي، فأنزل القرآن: (ولما ضرب ابن مريم مثلاً إذا قومك منه يصدّون).

وهناك أحاديث واردة، وأخبار متعددة، في تشبيه الرسول(صلي الله عليه وآله) علياً بالأنبياء لاتّصافه بصفاتهم وتخلّقه بأخلاقهم، فمنها: ما أورده الطبري في كتابه «الرياض النضرة» [2: 218] فيما ذكره السيد المرتضي الحسيني في كتابه الذي تقدم ذكره.

قال الطبري: عن أبي الحمراء

قال: قال رسول الله(صلي الله عليه وآله): من أراد أن ينظر إلي آدم في علمه، وإلي نوح في فهمه، وإلي إبراهيم في حلمه، وإلي يحيي بن زكريا في زهده، وإلي موسي بن عمران في بطشه، فلينظر إلي عليّ بن أبي طالب قال: (أخرجه القزويني الحاكمي).

وفي «الرياض النضرة» أيضاً [2: 218] قال: وعن ابن عبّاس أنّ رسول الله(صلي الله عليه وآله)قال: من أراد أن ينظر إلي إبراهيم في حلمه، وإلي نوح في حكمه، وإلي يوسف في جماله فلينظر إلي عليّ بن أبي طالب. «قال: خرّجه الملاّ في سيرته».

وذكر الامام المظفر في كتابه «دلائل الصدق» [2: 185] عن الحلّي في قوله تعالي: (ولما ضرب ابن مريم مثلاً إذا قومك منه يصدّون) قال النبي(صلي الله عليه وآله) لعليّ: إنّ فيك مثلاً من عيسي، أحبّه قوم فهلكوا فيه، وأبغضه قوم فهلكوا فيه. فقال المنافقون: أما يري له مثلاً إلاّ عيسي؟ فنزلت الآية.

وأخرج الحافظ ابن المغازلي في «المناقب» [ص212] قال: أخبرنا أحمد بن محمّد بن عبدالوهّاب، حدّثنا الحسين بن محمّد بن الحسين العدل العلويّ الواسطي، حدّثنا محمد بن محمود، حدّثنا إبراهيم من مهدي الأبليّ، حدّثنا إبراهيم بن سليمان بن رشيد، حدّثنا زيد ابن عطية حدّثنا أبان بن فيروز عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله(صلي الله عليه وآله): من أراد أن ينظر إلي علم آدم، وفقه نوح، فلينظر إلي عليّ بن أبي طالب.

وروي الحاكم في «المستدرك» [3: 123] عن ربيعة بن ناجد عن عليّ(عليه السلام)قال: دعاني رسول الله(صلي الله عليه وآله) فقال: يا علي: إنّ فيك من عيسي عليه الصلاة والسلام مثلاً، أبغضته اليهود حتي بهتوا اُمّه، وأحبّته النصاري حتي أنزلوه بالمنزلة التي ليس بها، قال: وقال عليّ: ألا

وإنّه يهلك فيّ محب مطرئ يفرطني بما ليس فيّ، ومبغض مفتر يحمله شنآني علي أن يبهتني، ألا وإنيّ لست بنبي ولا يوحي إليَّ، ولكني أعمل بكتاب الله وسنّة نبيه(صلي الله عليه وآله) ما استطعت، فما أمرتكم به من طاعة الله تعالي فحق عليكم طاعتي فيما أحببتم أو كرهتم، وما أمرتكم بمعصية أنا وغيري فلا طاعة لأحد في معصية الله عزّوجلّ، إنما الطاعة في المعروف. «قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه».

أقول: وأخرجه الأمام أحمد في مسنده [1: 160]، وابن حجر الهيثمي في «الصواعق» [ص121] في الحديث العشرين. والشبلنجي في كتابه «نور الأبصار» [ص89]عن البزّار، وأبي يعلي، والحاكم. والذهبي في «ميزان الاعتدال» [4: 99] عن ابن بطة.

وفي «فضائل الخمسة» [2: 129]: عن «الرياض النضرة» [2: 202]: قال الطبري: أخرج الملاّ في سيرته، قيل: يا رسول الله، كيف يستطيع عليّ(عليه السلام) أن يحمل لواء الحمد؟ فقال رسول الله(صلي الله عليه وآله): وكيف لا يستطيع ذلك وقد اُعطي خصالاً شتّي، صبراً كصبري وحسناً كحسن يوسف، وقوةً كقوة جبرئيل(عليه السلام).

وفي «ينابيع المودّة» للقندوزي الحنفي [ص109] في الباب 35 قال: أخرج موفق بن أحمد الخوارزمي المكّي عن زادان عن علي(عليه السلام) قال: تفترق هذه الاُمّة علي ثلاث وسبعين فرقةً، اثنتان وسبعون في النار، وواحدة في الجنة، وهي الذين قال عزّوجلّ في حقهم: (وَمِمَّنْ خَلقنا أُمّة يهَدُونَ بالحقّ وبه يعدِلُون) [118] وهم أنا ومحبّيّ وأتباعي. أيضاً أخرج موفق بن أحمد الخوارزمي عن عمر بن اُذينة عن جعفر الصّادق عن آبائه عن عليّ رضي الله عنهم، قال: قال رسول الله(صلي الله عليه وآله): يا علي مثلك في اُمّتي مثل عيسي بن مريم، افترق قومه ثلاث فرق: فرقة مؤمنون وهم الحواريون، وفرقة عادوه وهم

اليهود، وفرقة غلوا فيه فخرجوا عن دين الله وهم النصاري، وإنّ اُمّتي ستفترق فيك ثلاث فرق: فرقة اتّبعوك وأحبّوك وهم المؤمنون، وفرقة عادوك وهم الناكثون والمارقون والقاسطون، وفرقة غلوا فيك وهم الضالّون، يا عليّ أنت وأتباعك في الجنة، وعدّوك والغالي فيك في النار.

وفي «مشكاة المصابيح» عن عليّ(رضي الله عنه) قال: قال لي النبيّ(صلي الله عليه وآله): فيك مثل من عيسي، أبغضته اليهود حتي بهتوا اُمّه، وأحبّته النصاري حتي أنزلوه بمنزلة ليست له، ثم قال: يهلك فيّ رجلان محب مفرط يفرطني بما ليس فيّ، ومبغض يحمله شنآني علي أن يبهتني … الخ كما رواه أحمد في مسنده.

وفي «الغدير» [3: 353] أورد الأميني قصيدة «الأشباه» للمفجّع(رحمه الله) المتوفّي [سنة 327 ه] ما تناسب المقام الذي نحن فيه وذلك قوله:

أيّها اللاّئمي لحبّي عليّاً

قم ذميماً إلي الجحيم خزيّا

أبخير الأنام عرضت؟ لا زلت

مذوداً عن الهدي مزويّا

أشبه الأنبياء كهلاً وزولاً [119]

وفطيماً وراضعاً وغذيا

كان في علمه كآدم إذ علم

شرح الأسماء والمكيّا

وكنوح نجا من الهلك من سير

في الفلك إذ علا الجوديا

ثم قال الأميني(رحمه الله): وهذه القصيدة تسمي به «الأشباه»، قال الحموي «في معجم الأدباء» [17: 191] في أوّل ترجمة المترجم: إنّ له قصيدة يسميها بالأشباه، يمدح فيها علياً. ثم قال في [ص200]: له قصيدته ذات الاشباه، وسمّيت بذات الأشباه لقصده فيما ذكره من الخبر الذي رواه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري، عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله(صلي الله عليه وآله) وهو في محفل من أصحابه: إن تنظروا إلي آدم في علمه، ونوح في فهمه، وإبراهيم في خلقه، وموسي في مناجاته، وعيسي في سنّته، ومحمد في هديه وحلمه، فانظروا إلي هذا المقبل، فتطاول النّاس فإذا هو عليّ بن

أبي طالب(عليه السلام) فأورد المفجع ذلك في قصيدته.

قال الأميني: هذا الحديث الذي رواه الحموي في معجمه نقلاً عن تأريخ ابن بشران، قد أصفق علي روايته الفريقان، غير أن له ألفاظاً مختلفة وإليك نصوصها:

1 أخرج إمام الحنابلة أحمد عن عبد الرّزاق بإسناده المذكور بلفظ: من أراد أن ينظر إلي آدم في علمه، وإلي نوح في فهمه، وإلي إبراهيم في خلقه، وإلي موسي في مناجاته، وإلي عيسي في سنّته، وإلي محمّد في تمامه وكماله، فلينظر إلي هذا الرجل المقبل. فتطاول النّاس فإذا هم بعليّ بن أبي طالب، كأنّما ينقلع من صبب، وينحطّ من جبل.

2 أخرج أبو بكر أحمد بن حسين البيهقي المتوفّي [سنة 458] في «فضائل الصحابة» بلفظ: من أراد أن ينظر إلي آدم في علمه، وإلي نوح في تقواه، وإلي إبراهيم في حلمه، وإلي موسي في هيبته، وإلي عيسي في عبادته، فلينظر إلي عليّ بن أبي طالب.

3 أخرج الحافظ أحمد بن محمد العاصمي في كتابه «زين الفتي في شرح هل أتي» بإسناده من طريق الحافظ عبيد الله بن موسي العبسي عن أبي الحمراء قال: قال رسول الله(صلي الله عليه وآله): من أراد أن ينظر إلي آدم في علمه، وإلي نوح في فهمه، وإلي ابراهيم في حلمه، وإلي موسي في بطشه، فلينظر الي عليّ بن أبي طالب. وأخرج بإسناد ثالث بلفظ أقصر من المذكور.

ثم بسط القول في بيان وجوه المشابهة بين أمير المؤمنين(عليه السلام) وبين بعض الأنبياء، منهم: آدم، ونوح، وإبراهيم، ويونس، وموسي، وداود، وسليمان، وأيوب، ويحيي، وعيسي.

4 أخرج أخطب الخطباء الخوارزمي المالكي المتوفّي [سنة 568] بإسناده في «المناقب» [ص49] من طريق البيهقي عن أبي الحمراء بلفظ: من أراد أن ينظر إلي آدم في علمه، وإلي نوح

في فهمه، وإلي يحيي بن زكريا في زهده، وإلي موسي بن عمران في بطشه، فلينظر إلي عليّ بن أبي طالب.

وأخرج في [ص39] بإسناده من طريق ابن مردويه عن الحارث الأعور صاحب راية عليّ بن أبي طالب قال: بلغنا أنّ النبي(صلي الله عليه وآله) كان في جمع من أصحابه فقال: اُريكم آدم في علمه، ونوحاً في فهمه، وإبراهيم في حكمته؟ فلم يكن بأسرع من أن طلع عليّ(عليه السلام)فقال أبو بكر: يا رسول الله! أقست رجلاً بثلاثة من الرسل؟ بخ بخ لهذا الرجل، من هو يا رسول الله؟ قال النبيّ: أو لا تعرفه يا أبا بكر؟ قال: الله ورسوله أعلم. قال: هو أبو الحسن عليّ بن أبي طالب. فقال أبو بكر: بخ بخ لك يا أبا الحسن وأين مثلك يا أبا الحسن؟

5 أورد أبو سالم كمال الدين محمد بن طلحة الشافعي المتوفّي [سنة 652]في «مطالب السؤول» نقلاً عن كتاب «فضائل الصحابة» للبيهقيّ بلفظ: من أراد أن ينظر إلي آدم في علمه، وإلي نوح في تقواه، وإلي إبراهيم في حلمه، وإلي موسي في هيبته، وإلي عيسي في عبادته، فلينظر إلي عليّ بن أبي طالب.

ثم قال: فقد أثبت النبيّ(صلي الله عليه وآله) لعليّ بهذا الحديث علماً يشبه علم آدم، وتقوي تشبه تقوي نوح، وحلماً يشبه حلم إبراهيم، وهيبة تشبه هيبة موسي، وعبادة تشبه عبادة عيسي. وفي هذا تصريح لعليّ بعلمه وتقواه وحلمه وهيبته وعبادته، وتعلو هذه الصفات إلي أوج العلا حيث شبهها بهؤلاء الأنبياء المرسلين من الصفات المذكورة، والمناقب المعدودة.

6 قال عزّ الدين بن أبي الحديد المتوفّي [سنة 655] في «شرح النهج» [2: 36]: روي المحدّثون عنه(صلي الله عليه وآله) أنّه قال: من أراد أن ينظر إلي نوح في

عزّته، وموسي في علمه، وعيسي في ورعه، فلينظر إلي عليّ بن أبي طالب.

ورواه في [2: 449]: من طريق أحمد البيهقي نقلاً عن مسند الأوّل وصحيح الثاني بلفظ: من أراد أن ينظر إلي نوح في عزمه، وإلي آدم في علمه، وإلي إبراهيم في حلمه، وإلي موسي في فطنته، وإلي عيسي في زهده، فلينظر إلي عليّ بن أبي طالب.

7 الحافظ أبو عبدالله الكنجي الشافعي المتوفّي [سنة 658] أخرجه في «كفاية الطالب» [ص45] بإسناده عن ابن عبّاس قال: بينما رسول الله(صلي الله عليه وآله) جالس في جماعة من أصحابه إذ أقبل عليّ(عليه السلام)، فلمّا بصر به النبي(صلي الله عليه وآله) قال: من أراد منكم أن ينظر إلي آدم في علمه، وإلي نوح في حكمته، وإلي إبراهيم في حلمه، فلينظر إلي عليّ بن أبي طالب.

ثم قال: قلت: تشبيهه لعليّ بآدم في علمه، لأن الله علّم آدم صفة كل شيء، كما قال عزّوجلّ: (وعلّم آدم الأسماء كلّها) [120] فما من شيء ولا حادثة إلاّ وعند عليّ فيها علم، وله في استنباط معناها فهم. وشبّهه بنوح في حكمته، وفي رواية: في حكمه، وكأنه أصح، لأن علياً كان شديداً علي الكافرين، رؤوفاً بالمؤمنين، كما وصفه الله تعالي في القرآن بقوله: (والذين معه أشدّاءُ علي الكفَّار رحماء بينهم) [121] وأخبر الله عزّوجلّ عن شدّة نوح علي الكافرين بقوله: (ربِّ لا تَذَر عَلي الأرضِ من الكافرين دَيَّاراً) [122].

وشبّهه في الحلم بإبراهيم خليل الرحمن. كما وصفه الله عزّوجلّ بقوله: (إنّ إبراهيم لأوّاهٌ حليم) فكان متخلّقاً بأخلاق الأنبياء، متّصفاً بصفات الأصفياء.

8 الحافظ أبو العبّاس محب الدين الطبري المتوفّي [سنة 694] رواه في «الرياض النضرة» [2: 218] كما قد مرّ حديثه. الرواية الاُولي عن أبي الحمراء، والثانية

عن ابن عبّاس.

9 شيخ الاسلام الحمّوئي المتوفّي [سنة 722] أخرجه في «فرائد السمطين» بعدة أسانيد من طرق الحاكم النيسابوري، وأبي بكر البيهقي، بلفظ محب الدين الطبري المذكور وما يقرب منه.

10 القاضي عضد الدين الأيجي الشافعي المتوفّي [سنة 756] رواه في «المواقف» [3: 276] بلفظ: من أراد أن ينظر إلي آدم في علمه، وإلي نوح في تقواه، وإلي إبراهيم في حلمه، وإلي موسي في هيبته، وإلي عيسي في عبادته، فلينظر إلي عليّ بن أبي طالب.

11 ابن الصباغ المالكي المتوفّي [سنة 855] روي في «الفصول المهمة» [ص21] نقلاً عن «فضائل الصحابة» للبيهقي باللفظ المذكور.

12 التفتازاني الشافعي المتوفّي [سنة 792] في «شرح المقاصد» [2: 299]بلفظ القاضي الأيجي المذكور.

13 السيد محمود الآلوسي المتوفّي [سنة 1270] رواه في شرح عينية عبد الباقي العمري [ص27] بلفظ البيهقي.

14 الصفوري قال في «نزهة المجالس» [2: 240]: قال النبي(صلي الله عليه وآله): من أراد أن ينظر إلي آدم في علمه، وإلي نوح في فهمه، وإلي إبراهيم في حلمه، وإلي موسي في زهده، وإلي محمد في بهائه، فلينظر إلي عليّ بن أبي طالب(رضي الله عنه). ذكره ابن الجوزي.

وفي حديث آخر ذكره الرازي في تفسيره: من أراد أن يري آدم في علمه، ونوحاً في طاعته، وإبراهيم في خلقه، وموسي في قربه، وعيسي في صفوته، فلينظر إلي عليّ بن أبي طالب.

15 السيّد أحمد القادين خاني في «هداية المرتاب» [ص146] بلفظ البيهقي.

سوره نساء، آيه 54

في قوله تعالي: (أَم يَحْسُدونَ النَّاسَ عَلَي ما آتاهُمُ اللهُ مِن فَضْلهِ) [النساء: 54].

أخرج ابن المغازلي الشافعي في «المناقب» [ص267] قال: أخبرنا أبو الحسن علي ابن الحسين الطيّب الواسطيّ إذناً، حدّثنا أبو القاسم الصفّار، حدّثنا عمر بن أحمد بن هارون، حدّثنا أحمد بن محمد بن سعيد

الكوفي، حدّثنا يعقوب بن يوسف، حدّثنا أبو غسّان، حدّثنا مسعود بن سعد عن جابر عن أبي جعفر، يعني محمّد بن عليّ الباقر(عليهما السلام)في قوله تعالي: (أَم يَحسُدُونَ النَّاس عَلَي ما آتاهم الله مِن فَضْلِهِ) قال: نحن النّاس.

وقد ذكره ابن حجر الهيثمي في «الصواعق» [ص150] واعترف بأن هذه الآية من الآيات النازلة في أهل بيت النبوّة(عليهم السلام) وقال: أخرج أبو الحسن ابن المغازلي، عن الباقر(عليه السلام)أنّه قال في هذه الآية: نحن الناس والله، «أي المحسودون».

وفي «إسعاف الراغبين» [ص118] بهامش «نور الأبصار» قال الصّبان: وأخرج بعضهم عن الباقر في قوله تعالي: (أَمْ يحسُدُونَ النَّاس علي ما آتاهم الله مِن فَضلهِ)أنّه قال: أهل البيت هم النّاس.

وذكره أيضاً القندوزي الحنفي في كتابه «ينابيع المودّة» [ص131] قال في تفسير قوله تعالي: (أَم يَحسُدُونَ النّاس علي ما آتاهم الله مِن فَضْلِهِ): أخرج ابن المغازلي، عن أبي صالح، عن ابن عبّاس رضي الله عنهما قال: هذه الآية نزلت في النبي(صلي الله عليه وآله)، وفي عليّ(عليه السلام). أيضاً: أخرج ابن المغازلي، عن جابر الجعفي، عن محمد الباقر(عليه السلام)في هذه الآية، قال: نحن الناس المحسودون.

وفي الغدير [3 ص61] قال الأميني عند شرحه بعض شعر الحمّاني في قوله:

محسّدون ومن يعقد بحبّهم

حبل المودّة يضحي وهو محسود

ولعلّ قوله: محسّدون، إشارة إلي قوله تعالي: (أم يحسدون النّاس علي ما آتاهم الله من فضله) وقد ورد فيها أنهم الأئمة من آل محمد. قال ابن أبي الحديد في «شرح النهج» [2: 236]: إنها نزلت في عليّ(عليه السلام) وما خص به من العلم.

وفي تفسير «مجمع البيان» [3 4: 79 ط. دار إحياء التراث العربي]: قال الطبرسي عند تفسيره قوله تعالي: (أم يحسدون الناس) معناه: بل يحسدون النّاس، واختلف في معني النّاس

هنا علي أقوال:

وقال في القول الثاني: إن المراد بالنّاس النبي(صلي الله عليه وآله) وآله، عن أبي جعفر(عليه السلام) والمراد بالفضل فيه النبوّة، وفي آله الإمامة.

وفي تفسير العياشي بإسناده عن أبي الصباح الكناني قال: قال أبو عبدالله(عليه السلام): يا أبا الصباح! نحن قوم فرض الله طاعتنا، لنا الأنفال، ولنا صفوة المال، ونحن الراسخون في العلم، ونحن المحسودون، الذين قال الله في كتابه: (أم يحسُدُونَ النّاس) الآية، قال: والمراد بالكتاب: النبوّة، وبالحكمة: الفهم والقضاء، وبالملك العظيم: افتراض الطاعة.

وفي تفسير «الميزان» [4: 400] قال الطباطبائي في تفسير الآية: والمراد بالنّاس علي ما يدلّ علي هذا السياق هم: الذين آمنوا، وبما آتاهم الله من فضله هو: النبوّة والكتاب والمعارف الدينية، غير أن ذيل الآية: (فقد آتينا آل إبراهيم) الخ يدلّ علي أنّ هذا الذي اُطلق عليه النّاس من آل ابراهيم، فالمراد بالنّاس حينئذ هو: النبي(صلي الله عليه وآله) ولما انبسط علي غيره من هذا الفضل المذكور في الآية، فهو من طريقه وببركاته العالية، وقد تقدم في تفسير قوله تعالي: (إن الله اصطفي آدم ونوحاً وآل إبراهيم) الآية [آل عمران: 23]أن آل ابراهيم هو النبي وآله.

وفي بحثه الروائي [ص408] قال: وفي تفسير «البرهان» في قوله تعالي: (أَمْ يحسُدُونَ النّاس علي ما آتاهم الله مِن فَضْلِهِ): الآية. عن الشيخ في أماليه بإسناده عن جابر عن أبي جعفر(عليه السلام): (أم يحسدون الناس علي ما آتاهم الله من فضله) قال: نحن النّاس.

قال: أقول: وهذا المعني مروي عن أئمة أهل البيت(عليهم السلام) مستفيضاً بطرق كثيرة، مودعة في جوامع الشيعة، كالكافي، والتهذيب، والمعاني، والبصائر، وتفسير القمي، وتفسير العياشي وغيرها.

وفي معناها من طرق أهل السنة ما عن ابن المغازلي … «وقد مر ذكره».. وما في «الدر

المنثور» عن ابن المنذر، والطبراني من طريق عطاء عن ابن عبّاس في قوله: (أم يحسُدُون النّاس) قال: نحن النّاس، دون النّاس، وقد روي فيه أيضاً تفسير «النّاس» برسول الله(صلي الله عليه وآله)عن عكرمة ومجاهد ومقاتل وأبي مالك، وقد مرّ فيما قدّمناه من البيان: أنّ الظاهر كون المراد بالنّاس رسول الله(صلي الله عليه وآله) وأهل بيته ملحقون به.

وفي «دلائل الصدق» [ص201] قال الإمام المظفر بعد أن ذكر ما أورده ابن المغازلي عن الباقر(عليه السلام): فإن المراد ب (ما آتاهم الله من فضله) هو: العلم والهدي والفهم والحكمة ونحوها من الصفات والفضائل التي هي شأن محمّد(صلي الله عليه وآله) وعلي(عليه السلام)لا اُمور الدنيا الدنيّة.

ومن المعلوم أن إيتاء هذا الفضل لعليّ(عليه السلام) الذي حسده النّاس عليه، يستدعي الأفضلية والإمامة، وإلاّ لما حسدوه عليه، كما أنّ مشاركته(عليه السلام) للنبيّ(صلي الله عليه وآله) في الفضل علي الرواية الثانية، دليل علي أنّ فضله من نوع فضل النبي(صلي الله عليه وآله) فيكون الأفضل والأحق بخلافته.

«والمراد بالرواية الثانية هي: ما أخرجها ابن المغازلي عن ابن عبّاس قال: هذه الآية نزلت في النبي(صلي الله عليه وآله) وفي عليّ(عليه السلام)».

سوره فاتحه، آيه 6

اشاره

في قوله تعالي: (اهْدِنَا الصِّراطَ المستَقيمَ) [الفاتحة: 6].

إن لأهل التفسير في تفسير معني «الصراط» أقوالاً، منهم من قال بأن (الصراط المستقيم) هو: الاسلام. ومنهم من قال هو: القرآن. ومنهم من قال هو: رسول الله(صلي الله عليه وآله)وصاحباه من بعده.

لفت نظر في هذا القول

إنّ المتبادر إلي عقل كل قارئ بأن مراد القائل في قوله: «وصاحباه من بعده» هما: الشيخان أبو بكر وعمر بلا نزاع. وأما كونهما أحد معاني «الصراط المستقيم» فلعلّ من القرّاء من لم يجد سبيلاً يهتدي به إلي معرفة مصداق هذا القول، لتجرّده عن البيان والتبيين. ولما كانت الحالة هذه، فكان لزاماً علي القارئ إذا شكّ في صحّة هذا القول، أن يحسن ظنّه بقائله، كأن يعتقد بأنه من ذوي مسكة بدقائق العلوم، بحيث إنّه يعلم مثلاً بأعلمية الشيخين بمعاني كتاب الله عزّوجلّ وجميع أسرار ما تضمّنته آياته وغاية مغزاها، وكعلمه بشدّة تمسّك الشيخين بسنّة الله ورسوله، وحرصهما علي العمل بما أوصاهما به، وتمام وفائهما بعهده، وفيما أشار إليه من بعده، وحسن موافقتهما له(صلي الله عليه وآله)في جميع مبادئه، أو لسبب آخر كان معلوماً لديه مهما قد خفي علي أكثر النّاس، حتي صارا به من جملة المفسَّرين بمعاني «الصّراط المستقيم».

وهذا القول لأبي العالية كما في «الدر المنثور» [1: 40]: وصدّقه الحسن. ومهما كان فإن الظن لا يغني من الحق شيئاً، والله أعلم.

وهناك أقوال مسطورة في كتب القوم وتفاسيرهم مسندة بالأخبار والآثار والروايات بغير المعني المذكور، كما سنوردها فيما يلي تيمّناً، نقلاً عن تفسير الثعلبي «الكشف والبيان» وتفسير وكيع بن الجرّاح، وكتاب ابن شاهين، وتفسير «الميزان» للعلاّمة محمد حسين الطباطبائي. وتفسير «مجمع البيان» للشيخ أبي عليّ الفضل بن الحسن الطبرسي، من أكابر العلماء في القرن السادس. فعسي أن يكون

إيرادها في هذه العجالة من المتممات للفائدة.

منها ما ذكره الحافظ الشهير محمّد بن عليّ بن شهر آشوب المازندراني في مناقبه [3: 73 ط. دار الأضواء]: ومن تفسير وكيع ابن الجراح عن سفيان الثوريّ، عن السدّي، عن أسباط ومجاهد، عن عبدالله بن عباس في قوله تعالي: (إهدنا الصّراط المستقيم) قال: قولوا معاشر العباد: أرشدنا إلي حب النبي وأهل بيته.

وفيه عن تفسير الثعلبي وكتاب ابن شاهين عن رجاله، عن مسلم بن حيان، عن بريدة، في قول الله: (اهدنا الصّراط المستقيم) قال: صراط محمّد وآله.

وأخرج عن الباقرين(عليهما السلام) في قوله تعالي: (إهدنا الصّراط المستقيم) قالا: دين الله الذي نزل به جبرائيل علي محمّد: (صراط الّذين أنعمت عليهم)، فهديتهم بالاسلام وبولاية عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) ولم تغضب عليهم ولم يضلّوا، (المغضوب عليهم) اليهود والنصاري، والشكاك الذين لا يعرفون إمامة أمير المؤمنين. و(الضالّين) عن إمامة عليّ بن أبي طالب.

وفي مسند الإمام أحمد بن حنبل أيضاً [6: 97 ط. مؤسسة التاريخ العربي] روي بسنده عن جابر بن سمرة قال: سمعت رسول الله(صلي الله عليه وآله) «أو قال»: قال رسول الله(صلي الله عليه وآله): يكون بعدي إثنا عشر خليفة كلّهم من قريش. قال: ثم رجع الي منزله فأتته قريش فقالوا: ثم يكون ماذا؟ قال: ثم يكون الهرج.

وروي في [6: 119] بسنده عن جابر بن سمرة قال: سمعت النبي(صلي الله عليه وآله) يقول: يكون لهذه الاُمة إثنا عشر خليفة.

وفي «كنز العمال» للمتقي [12: 33 ط. مؤسسة الرسالة] ولفظه: يكون لهذه الاُمة إثنا عشر قيّماً، لا يضرّهم من خذلهم، كلّهم من قريش، قال: أخرجه الطبراني عن جابر بن سمرة.

قال المؤلف: وذكره الهيثمي أيضاً في مجمعه [5: 191] وقال: لا يضرّهم عداوة من عاداهم،

فالتفتّ خلفي فإذا أنا بعمر بن الخطاب في اُناس، فأثبتوا لي الحديث كما سمعت. انتهي.

وقال أبو جعفر الهاروني في قوله تعالي: (وإنّه في أُمِّ الكتاب لَديْنَا لَعَليٌّ حكِيمٌ) [123] وأم الكتاب «الفاتحة»، يعني أن فيها قوله: (إهدنا الصّراط المستقيم).

وعن الأعمش عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله تعالي: (فَسَتَعْلَمُونَ من أَصحاب الصِّراطِ السَّوِيِّ) [124] هو والله محمّد وأهل بيته. (ومن اهتدي) فهم: أصحاب محمّد.

وفي «الخصائص» بالإسناد عن الأصبغ بن نباتة عن عليّ(عليه السلام) وفي كتبنا عن جابر، عن أبي جعفر في قوله تعالي: (وإنّ الَّذِينَ لا يُؤمنُونَ بالآخِرَة عن الصّراط لَنَاكُبون) [125] قال: عن ولايتنا.

وقال أبو عبدالله(عليه السلام) في قوله تعالي: (أَفمنْ يَمْشِي مُكبّاً علي وَجههِ أَهدي)أي: أعداؤهم (أم من يمشي سَويّاً علي صِرَاط مُّستقيم) [126] قال: سلمان الفارسي، والمقداد، وعمار وأصحابه، وفي التفسير: (وأنّ هذا صِرَاطي مُستقيماً) [127]: يعني القرآن وآل محمد.

عن عليّ بن عبدالله بن عبّاس عن أبيه، وزيد بن عليّ بن الحسين(عليهم السلام) في قوله تعالي: (واللهُ يَدعُو إِلي دارِ السلامِ) [128] يعني به: الجنة (ويهدي من يشاء الي صراط مستقيم) يعني به: ولاية عليّ بن أبي طالب.

وعن جابر بن عبدالله: أن النبي(صلي الله عليه وآله) هيّأ أصحابه عنده، إذ قال وأشار بيده إلي عليّ: هذا صراط مستقيم فاتبعوه.

قال ابن عبّاس: كان رسول الله يحكم وعليّ بين يديه ومقابلته، ورجل عن يمينه ورجل عن شماله فقال: اليمين والشمال مضلّة، والطريق المستوي الجادة، ثم أشار بيده، وأنّ هذا صراط مستقيم فاتّبعوه.

قال الثماليّ عن أبي جعفر(عليه السلام) في قوله تعالي: (فاسْتَمسك بالَّذي اُوحِيَ إِلَيكَ إنَّك عَلَي صرِاط مُستَقيم) [129] قال: إنك علي ولاية عليّ(عليه السلام) وهو الصّراط المستقيم.

ومعني ذلك: أن علي بن أبي

طالب الصراط إلي الله. كما يقال: فلان باب السلطان إذا كان يوصل به، ثم إن الصراط الذي هو عليه عليّ، يدلّك وضوحاً علي ذلك قوله: (صراط الذين أنعمت عليهم) [130] يعني: نعمة الاسلام، لقوله: (وأسبغَ عليكم نعمه) [131] والعلم: (وَعَلمَّكَ مَا لَم تكُن تَعلَمُ) [132] والذرية الطيبة، لقوله: (إنّ الله اصطفي آدم) [133] وإصلاح الزوجات، لقوله: (فاستجبنَا لَهُ وَوَهبنَا لَهُ يَحيي وأصلحنا لهُ زَوجَهُ) [134] فكان عليّ في هذه النعم في أعلي ذراها.

قال الحميري:

سمّاه جبّار السما

صراط حق فسما

فقال في الذكر وما

كان حديثاً يفتري

هذا صراطي فاتبعوا

وعنهم لا تخدعوا

فخالفوا ما سمعوا

والخلف ممن شرعوا

واجتمعوا واتفقوا

وعاهدوا ثم التقوا

إن مات عنهم وبقوا

أن يهدموا ما قد بني

وقال أيضاً:

وله صراط الله دون عباده

من يهده يرزق تقيً ووقارا

في الكتب مسطور مجلّي باسمه

وبنعته فاسأل به الأحبارا

قال الطباطبائي في تفسير «الميزان» [1: 39]: في «الفقيه» وتفسير العياشي عن الصّادق(عليه السلام) قال: الصراط المستقيم: أمير المؤمنين عليّ(عليه السلام).

وفي «المعاني» أيضاً عن السجّاد(عليه السلام) قال: ليس بين الله وبين حجّته حجابٌ، ولا لله دون حجّته سترٌ، نحن أبواب الله، ونحن الصراط المستقيم، ونحن عيبة علمه، ونحن تراجمة وحيه، ونحن أركان توحيده، ونحن موضع سرّه.

وفي تفسير العياشي عن الفضيل بن يسار قال: سألت أبا جعفر عن هذه الرواية: ما في القرآن آية إلاّ ولها ظهر وبطن، وما فيها حرف إلاّ وله حد، ولكل حد مطلع، ما يعني بقوله: «ظهر وبطن»؟ قال: ظهره تنزيله، وبطنه تأويله، منه ما مضي ومنه ما لم يكن بعد، يجري كما يجري الشمس والقمر، كلّما جاء منه شيء وقع. الحديث.

قال الطباطبائي: وفي هذا المعني روايات اخر، وهذه سليقة أئمة أهل البيت، فإنهم(عليهم السلام)يطبّقون الآية من القرآن علي ما يقبل أن ينطبق عليه من الموارد،

وإن كان خارجاً عن مورد النزول، والاعتبار يساعده، فإنّ القرآن نزل هدي للعالمين، يهديهم إلي واجب الاعتقاد وواجب الخلق وواجب العمل، وما بيّنه من المعارف النظريّة حقائق لا تختص بحال دون حال، ولا زمان دون زمان، وما ذكره من فضيلة أو رذيلة أو شرّعه من حكم عمليّ لا يتقيّد بفرد دون فرد، ولا عصر دون عصر لعموم التشريع. انتهي.

وفي «الغدير» [2: 311] قال الأميني بعد ما روي ما أخرجه الثعلبي ووكيع بن الجراح: وأخرج الخوارزمي في «المناقب»: الصراط صراطان: صراط الدنيا، وصراط في الآخرة. فأما صراط الدنيا فهو عليّ بن أبي طالب، وأما صراط الآخرة فهو: جسر جهنم. من عرف صراط الدنيا جاز علي صراط الآخرة. ويوضّح معني هذا الحديث ما أخرجه ابن عدي والديلمي، كما في «الصواعق» [ص111] عن رسول الله(صلي الله عليه وآله) قال: أثبتكم علي الصراط أشدّكم حباً لأهل بيتي ولأصحابي.

وأخرج شيخ الاسلام الحمّوئي بإسناده في «فرائد السمطين» في حديث عن الإمام جعفر الصّادق قوله: نحن خيرة الله، ونحن الطريق الواضح والصراط المستقيم إلي الله.

فهم الصراط إلي الله، فمن تمسّك بهم فقد اتّخذ إلي ربه سبيلاً، كما ورد فيما أخرجه أبو سعيد في «شرف النبوّة» بإسناده عن رسول الله(صلي الله عليه وآله) قال: أنا وأهل بيتي شجرة في الجنة وأغصانها في الدنيا، فمن تمسّك بنا اتخذ إلي ربه سبيلاً. «ذخائر العقبي» [ص16].

أقول: وهناك أخبار كثيرة في حديث الشجرة، قد أوردها جمع من حملة الأخبار والسنّة، فمنهم: ابن المغازلي في مناقبه [ص90]: أخبرنا أبو نصر أحمد بن موسي بن عبد الوهاب بن عبدالله الطحان إجازة، عن أبي الفرج أحمد بن علي الخيوطي القاضي، حدّثنا عبد الحميد، حدّثنا عبدالله بن محمد بن ناجية. أخبرنا

عثمان بن عبدالله القرشي بالبصرة، حدّثنا عبدالله بن لهيعة، عن أبي الزبير، واسمه محمد بن مسلم بن تدرس، عن جابر بن عبدالله قال: بينما رسول الله(صلي الله عليه وآله) ذات يوم بعرفات، وعليّ تجاهه، إذ قال له رسول الله(صلي الله عليه وآله): اُدن منّي يا عليّ، خلقت أنا وأنت من شجرة، صنع جسمك من جسمي. خلقت أنا وأنت من شجرة، فأنا أصلها وأنت فرعها، والحسن والحسين أغصانها، فمن تعلق بغصن منها، أدخله الله الجنة.

وأخرجه الذهبي في «ميزان الاعتدال» [3: 41] برقم 5523 من طريق يحيي البختري بلفظ: يا عليّ اُدن مني، خمسك في خمسي، يا علي، أنا وأنت من شجرة، أنا أصلها وأنت فرعها، والحسن والحسين أغصانها، فمن تعلّق بغصن منها أدخله الله الجنة.

وروي الحاكم في «المستدرك» [2: 241] من كتاب التفسير، مسنداً عن جابر بن عبدالله، قال: سمعت رسول الله(صلي الله عليه وآله) يقول لعليّ(عليه السلام): يا عليّ، الناس من شجر شتّي، وأنا وأنت من شجرة واحدة، ثم قرأ رسول الله(صلي الله عليه وآله): (وجنَّاتٌ مِّن أعناب وزَرعٌ ونَخيِلٌ صِنوانٌ وغَيرُ صنوان يسقي بماء واحد) [135] ثم قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد.

وفي [3: 160] روي أيضاً حديثاً بسنده عن مولي عبد الرحمن بن عوف قال: خذوا عني قبل أن تشاب الأحاديث بالأباطيل، سمعت رسول الله(صلي الله عليه وآله) يقول: أنا الشجرة وفاطمة فرعها، وعليّ لقاحها، والحسن والحسين ثمرتها، وشيعتنا ورقها، وأصل الشجرة في جنة عدن، وسائر ذلك في سائر الجنة.

وفي «كنوز الحقائق» [ص155] كما في «فضائل الخمسة» [1: 172] قال(صلي الله عليه وآله): النّاس من شجر شتّي، وأنا وعليّ من شجرة واحدة. «قال»: أخرجه الطبراني.

وفيه أيضاً عن «كنز العمال» [6: 154] قال(صلي الله

عليه وآله): أنا وعليّ من شجرة واحدة، والنّاس من أشجار شتّي. «قال»: أخرجه الديلمي عن جابر.

وروي السيوطي في «الدر المنثور» [4: 44] في ذيل قوله تعالي: (وفي الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقي بماء واحد ونفضّل بعضها علي بعض في الاُكل إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون): عن ابن مردويه عن جابر(رضي الله عنه) قال: سمعت النبي(صلي الله عليه وآله) يقول: يا عليّ! النّاس من شجر شتّي، وأنا وأنت يا عليّ من شجرة واحدة.

ورواه أيضاً صاحب «مجمع البيان» [5 6: 276 ط. دار إحياء التراث العربي] عند تفسيره (وفي الأرض قطع متجاورات) في الآية الرابعة من سورة الرعد.

وأيضاً صاحب تفسير «الميزان» في [11: 142] في بحثه الروائي نقلاً عن تفسير «البرهان» وعن الخركوشي في كتابه «شرف المصطفي» وعن الثعلبي في «الكشف والبيان» وعن الفضيل بن شاذان في «الأمالي» واللفظ له، بإسناده عن جابر بن عبدالله، قال: سمعت رسول الله(صلي الله عليه وآله) يقول لعليّ(عليه السلام): النّاس من شجر شتّي، وأنا وأنت من شجرة واحدة، ثم قرأ: (جنات من أعناب وزرع ونخيل) إلي قوله تعالي: (يسقي بماء واحد)قال(صلي الله عليه وآله): بالنبي وبك. قال: ورواه النطنزي في «الخصائص» عن سلمان، وفي رواية: أنا وعليّ من شجرة، والناس من أشجار شتّي.

وأخرج ابن المغازلي أيضاً في «المناقب» [ص297 برقم 340] من طريق أحمد بن المظفر العطّار، عن أبي الزبير قال: سمعت جابر بن عبدالله يقول: كان رسول الله(صلي الله عليه وآله)بعرفات وعليّ تجاهه، فأومأ إليّ وإلي عليّ فأقبلنا نحوه، وهو يقول: اُدن منّي يا عليّ، فدنا منه، فقال: ضع خمسك في خمسي، فجعل كفّه في كفّه فقال: يا عليّ، خلقت أنا وأنت

من شجرة، أنا أصلها وأنت فرعها، والحسن والحسين أغصانها، فمن تعلّق بغصن منها أدخله الله الجنة، يا عليّ، لو أنّ اُمتي صاموا حتي يكونوا كالحنايا، وصلّوا حتي يكونوا كالأوتار وبغضوك لأكبّهم الله في النار. انتهي.

قال الفاضل المحقق محمّد باقر البهبودي في ذيل الكتاب: أخرجه أيضاً العلاّمة الحمّوئي في «فرائد السمطين» والحافظ الكنجي في «كفاية الطالب» [ص318]: كلاهما بالإسناد الي ابن زنجويه بعين السند واللفظ. وأخرجه السيوطي في ذيل «اللآلي» [ص63 ط. لكهنو]بالإسناد إلي عثمان بن عبدالله القرشي.

سوره انفال، آيه 62

في قوله تعالي: (هوَ الَّذِي أيّدَكَ بنصرِهِ وبِالمؤمنِينَ) [الأنفال: 62].

قال القندوزي الحنفي في كتابه «ينابيع المودة» [ص94] أخرج أبو نعيم بسنده عن أبي هريرة، أيضاً عن ابي صالح عن ابن عباس، أيضاً عن جعفر الصّادق رضي الله عنهم في قوله تعالي: (هو الذي أيّدك بنصره وبالمؤمنين) قالوا: نزلت في عليّ، وأن رسول الله(صلي الله عليه وآله)قال: رأيت مكتوباً علي العرش: لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، محمّد عبدي ورسولي، أيّدته ونصرته بعليّ بن أبي طالب. وروي عن أنس بن مالك نحوه.

وفي كتاب «الشفاء» روي ابن قانع القاضي، عن أبي الحمراء قال: قال رسول الله(صلي الله عليه وآله): لما اُسري بي إلي السماء إذا علي العرش مكتوب: لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله، أيّدته بعليّ. قال القندوزي: وفي المناقب عن حذيفة(رضي الله عنه) قال النبي(صلي الله عليه وآله): ضربة عليّ يوم الخندق أفضل من اُعمال أمتي إلي يوم القيامة.

وفي «الدر المنثور» [3: 199] قال السيوطي: وأخرج ابن عساكر عن أبي هريرة(رضي الله عنه)قال: مكتوب علي العرش: لا إله إلاّ الله أنا وحدي لا شريك لي، محمد عبدي ورسولي أيّدته بعلي.

وروي السيد مرتضي الحسيني في كتابه «فضائل

الخمسة» [1: 175] ما أخرجه الخطيب البغدادي في «تاريخ بغداد» [11: 173] بسنده عن أنس بن مالك قال: قال النبي(صلي الله عليه وآله): لما عرج بي رأيت علي ساق العرش مكتوباً: لا إله إلاّ الله، محمد رسول الله أيّدته بعلي.

وأورد أيضاً عن «ذخائر العقبي» [ص69] عن أبي الخميس قال: قال رسول الله(صلي الله عليه وآله): اُسري بي إلي السماء، فنظرت إلي ساق العرش الأيمن، فرأيت كتاباً فهمته: محمد(صلي الله عليه وآله)رسول الله، أيّدته بعليّ(عليه السلام) ونصرته به.

وأورد عن «كنز العمال» [6: 158] قال(صلي الله عليه وآله): رأيت ليلة اُسري بي مثبتاً علي ساق العرش: إني أنا الله لا إله غيري، خلقت جنة عدن بيدي، محمد صفوتي من خلقي، أيّدته بعليّ ونصرته بعليّ. قال: أخرجه ابن عساكر وابن الجوزي من طريقين عن أبي الحمراء.

وفي «كنز العمال» أيضاً [6: 158] قال: مكتوب في باب الجنة، قبل أن يخلق السموات والأرض بألفي سنة، لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله، أيّدته بعليّ. قال: أخرجه العقيلي عن جابر.

وفي «المناقب» لابن المغازلي [ص91 برقم 134] قال: أخبرنا أبو الحسن أحمد بن المظفر الفقيه الشافعي(رحمه الله) بقراءتي عليه فأقرّه، فقلت له: أخبركم أبو محمّد عبدالله بن محمد ابن عثمان المزنيّ الملقّب بابن السقاء الحافظ الواسطيّ(رحمه الله)، حدّثنا أبو يعلي أحمد بن علي بن المثنّي الموصليّ، حدّثنا زكريا بن يحيي الكسائي، حدّثنا يحيي بن سالم، حدّثنا أشعث ابن عمّ الحسن بن صالح، وكان يفضل علي الحسن بن صالح قال: حدثني مسعر بن كدام، عن عطية بن سعيد، عن جابر بن عبدالله قال: سمعت رسول الله(صلي الله عليه وآله)يقول: مكتوب علي باب الجنّة قبل أن يخلق الله السموات والأرض بألفي عام: محمد رسول

الله وعليّ أخوه.

وفي «ميزان الاعتدال» للذهبي [2: 76 برقم 2890]: حدّثنا محمد بن عثمان، حدّثنا زكريا بن يحيي الكسائي، حدّثنا يحيي بن سالم، حدّثنا أشعث ابن عم الحسن بن صالح، حدّثنا مسعر، عن عطية العوفي عن جابر مرفوعاً: مكتوب علي باب الجنة: محمد رسول الله، أيّدته بعليّ. قال أبو نعيم الحافظ: أخبرنا أبو عليّ بن الصوّاف، ومحمّد بن عليّ بن سهل، وسليمان الطبراني، والحسن بن عليّ بن خطاب، قالوا: حدّثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، فساقه بنحوه، لكن لفظه: علي باب الجنة: لا إله إلاّ الله محمد رسول الله، عليّ أخو رسول الله، قبل أن يخلق الله السموات بألفي عام.

وفي «ميزان الاعتدال» أيضاً [1: 269 برقم 1006] بالسند المذكور: مكتوب علي باب الجنة: لا إله إلاّ الله، محمد رسول الله، أيّدته بعليّ، قبل خلق السموات بألفي سنة.

سوره زخزف، آيه 45

في قوله تعالي: (واسأل مَن أَرسلنا من قبلك مِن رُّسُلنا) [الزخرف: 45].

قال الحلّي وهو الحسن بن يوسف المطهّر من كبار العلماء الإمامية في القرن الثامن الهجري كما في «دلائل الصدق» [2: 108]: روي ابن عبد البر وغيره من السنّة في قوله تعالي: (واسأل من أرسلنا مَن قبلك مِن رُّسُلنَا)قال: أن النبيّ ليلة اُسري به، جمع الله بينه وبين الأنبياء، ثم قال له: سلهم يا محمّد! علي ماذا بعثتم؟ قالوا: بعثنا علي شهادة إن لا إله إلاّ الله، وعلي الإقرار بنبوّتك، والولاية لعليّ بن أبي طالب. قال الإمام المظفر: نقل المصنّف «أي الحلّي» في «منهاج الكرامة» هذا الحديث عن ابن عبد البر، وعن أبي نعيم، ونقل جماعة نحوه عن الثعلبي «أي صاحب تفسير الكشف والبيان» عن ابن مسعود قال: قال رسول الله(صلي الله عليه وآله): أتاني ملك فقال:

يا محمّد! واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا علي ما بعثوا؟ قلت: علي ما بعثوا؟ قال: علي ولايتك وولاية عليّ بن أبي طالب.

وفي «ينابيع المودّة» للقندوزي الحنفي [ص82] عن أبي نعيم، الحافظ والحمّوئي، وموفق بن أحمد الخوارزمي بأسانيدهم عن ابن مسعود قال: قال رسول الله(صلي الله عليه وآله): لما عرج بي إلي السماء انتهي بيّ السير مع جبرائيل الي السماء الرابعة فرأيت بيتاً من ياقوت أحمر، فقال جبرائيل: هذا البيت المعمور، قم يا محمّد فصلّ إليه، قال النبيّ(صلي الله عليه وآله): جمع الله النبيين فصفّوا ورائي صفاً، فصلّيت بهم، فلما سلّمت أتاني آت من عند ربي فقال: يا محمد، ربك يقرئك السلام ويقول لك: سل الرسل علي ما اُرسلتم من قبلك؟ فقلت: معاشر الرسل، علي ماذا بعثكم ربّي قبلي؟ فقالت الرسل: علي نبوّتك وولاية عليّ بن أبي طالب. وهو قوله تعالي: (واسأل مَن أرسَلنا مِن قبلك مِن رُسُلنَا)الآية أيضاً رواه الديليمي عن ابن عباس.

ثم قال: عن طلحة بن زيد عن جعفر الصّادق عن آبائه عن أمير المؤمنين علي(عليه السلام)قال: قال رسول الله(صلي الله عليه وآله): ما قبض الله نبياً حتي أمره الله أن يوصي إلي أفضل عشيرته من عصبته، وأمرني أن أوصِ إلي ابن عمك عليّ، أثبتّه في الكتب السالفة، وكتبت فيها أنّه وصيّك، وعلي ذلك أخذت ميثاق الخلائق، وميثاق أنبيائي ورسلي، وأخذت ميثاقهم لي بالربوبية، ولك يا محمّد بالنبوّة، ولعليّ بن أبي طالب بالولاية والوصية. انتهي.

قال الإمام المظفر: فإن قلت: لم تذكر الآية الكريمة النبوّة والإمامة، بل ولا الإرسال بالشهادة أن لا إله إلاّ الله، فإنها قالت: أجعلنا؟ ولم يقل: أأرسلناهم بالشهادة؟! قلت: السؤال والاستفهام للتقرير، بمعني تقرير الرسل عن أمر استقر عندهم

نفيه، وهو: جعل آلهة من دون الرحمن يعبدون.

لكن لما كان المناسب لتقرير الرسل بما هم رسل، هو تقريرهم عما اُرسلوا به، كان الظاهر إرادة تقريرهم عن ذلك بما هم رسل بنفيه، وهو راجع إلي الإرسال بالشهادة بالوحدانية، فصحّ ما أفادته الروايات من أن المراد بالآية السؤال عما بعث به الرسل من الشهادة بالوحدانية.

ولما كان بعثهم بهذا معلوماً للنبي(صلي الله عليه وآله) البتة، لم يحسن أن يراد أن يقرّرهم به خاصة، بل ينبغي أن يراد تقريرهم به بضميمة ما لا يعلم النبي(صلي الله عليه وآله) إقرارهم به، لعدم علمه بإرسالهم عليه، وهو الذي ذكرته الروايات، أعني: إرسالهم علي نبوّته وإمامة أمير المؤمنين(عليه السلام)، وإنما لم تذكره الآية الشريفة، للاكتفاء بذكر الأصل، وهو البعث علي الشهادة بالوحدانية، كما أن بعض الروايات المذكورة اكتفت بذكر نبوّة نبيّنا وإمامة وليّنا، لأنهما الداعي إلي السؤال والتقرير، مع وضوح بعثهم علي الشهادة بالوحدانية، لكونه الأصل، ولذكر الآية له.

فما أعظم قدر نبيّنا الأطيب، وأخيه الأطهر، عند الله تبارك وتعالي؟ حتي ميّزهما علي جميع عباده، وأكرمهما ببعث الرسل الأكرمين علي الإقرار بفضلهما، ورسالة محمّد، وإمامة عليّ، وأخذ الميثاق عليهم بهما مع الشهادة بالوحدانية، فحقّ لذريتهما أن يفتخروا بما افتخر الشريف الرضي به، وهو قول الفرزدق:

أولئك آبائي فجئني بمثلهم

إذا جمعتنا يا جرير المجامع

وفي تفسير «الميزان» [18: 108] قال السيد المؤلف: وفي «الاحتجاج» عن أمير المؤمنين(عليه السلام) في حديث طويل يقول فيه: وأما قوله تعالي: (واسأل مَن أرسلنا مِن قبلك مِن رُسُلِنَا) فهذا من براهين نبيّنا(صلي الله عليه وآله) الّتي آتاه الله إيّاها، وأوجب به الحجّة علي سائر خلقه، لأنّه ختم به الأنبياء، وجعله رسولاً إلي جميع الاُمم وسائر الملل، وخصّه بالارتقاء إلي السماء عند

المعراج، وجمع له يومئذ الأنبياء، فعلم منهم ما اُرسلوا به، وحملوه من عزائم الله وآياته وبراهينه.

ثم قال: أقول: وروي هذا المعني القمي في تفسيره بإسناده عن أبي الربيع عن أبي جعفر(عليه السلام) في جواب ما سأله نافع بن الأزرق. ورواه في «الدر المنثور» بطرق عن سعيد بن جبير، وابن جريج، وابن زيد.

أقول: وإليك ما رواه السيوطي في «الدر المنثور» [6: 19]: أخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، عن سعيد بن جبير، في قوله: (واسأل مَن أرسلنا مِن قبلك من رُسُلنِا) قال: ليلة اُسري به لقي الرسل.

وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله: (واسأل مَن أرسلنا مِن قبلك مِن رُسُلنا) قال: بلغنا أنه ليلة اُسري به اُري الأنبياء، فاُري آدم، فسلّم عليه، واُري مالكاً خازن النار، واُري الكذّاب الدجّال.

وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله: (واسأل مَن أرسلنا مِن قبلك مِن رُسُلنا)قال: جُمعوا له ليلة اُسري به ببيت المقدس.

أقول: فهذه الأخبار قد اتفقت مع ما مر من الروايات المذكورة، في كون الأمر بالسؤال ليلة الإسراء حين جمعوا له النبيين، ولا تنسجم بطبع الحال مع من فسّر بأن المسؤول هم: مؤمنو أهل الكتاب، أو رواية من قال أهل التوراة والانجيل. والله أعلم.

وفي تفسير «فتح القدير» للشوكاني في [4: 557 ط. بيروت عالم الكتب] في ذيل قوله تعالي: (واسأل مَن أرسلنا مِن قبلك مِن رُسُلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون)قال الزهري، وسعيد بن جبير، وابن زيد: إن جبرئيل قال: ذلك للنبي(صلي الله عليه وآله)لما اُسري به. فالمراد سؤال الأنبياء في ذلك الوقت عند ملاقاتهم له.

سوره ضحي، آيه 5

أيضاً في قوله تعالي: (ولَسوْفَ يُعطِيك ربُّك فَتَرضَي) [الضحي: 5].

قال الشوكاني في تفسيره «فتح القدير»:

وأخرج البيهقي في «شعب الإيمان» عن ابن عبّاس في قوله: (ولسوف يعطيك ربك فترضي) قال: رضاه أن يدخل اُمّته كلّهم الجنة.

وأخرج ابن جرير الطبري في تفسيره عنه أيضاً في الآية قال: من رضا محمّد أن لا يدخل أحد من أهل بيته النار. وأخرج ابن المنذر، وابن مردويه، وأبو نعيم في «الحلية» من طريق حرب بن شريح قال: لا يرضي محمد وأحد من اُمته في النار. ويدلّ علي هذا ما أخرجه عن ابن عمرو: أن النبي(صلي الله عليه وآله) تلا قول الله في إبراهيم: (فمن تبعني فإنه منيّ) وقول عيسي: (إن تعذّبْهم فإنهم عبادك).

فرفع النبي يديه وقال: اللهم اُمّتي اُمّتي وبكي. فقال الله: يا جبرئيل، إذهب إلي محمّد وقل له: إنا سنرضيك في اُمّتك ولا نسوؤك.

وأخرج ابن المنذر، وابن مردويه، وأبو نعيم، في «الحلية» من طريق حرب قال: قلت لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين «الباقر»: أرأيت هذه الشفاعة التي يتحدّث بها أهل العراق أحق هي؟ قال: إي والله، حدّثني محمد بن الحنفية عن عليّ: أن رسول الله(صلي الله عليه وآله)قال: أشفع لاُمّتي حتي يناديني ربّي: أرضيت يا محمّد؟ فأقول: نعم يا رب رضيت، ثم أقبل عليّ(عليه السلام) فقال: إنكم تقولون يا معشر أهل العراق: إن أرجي آية في كتاب الله: (يا عبادي الذين أسرفوا علي أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إنّ الله يغفر الذنوب جميعاً) [136] قلت: أنا لنقول ذلك؛ قال(عليه السلام): لكنا أهل البيت نقول: إن أرجي آية في كتاب الله: (ولسوف يعطيك ربك فترضي) [137] وهي الشفاعة.

وفي تفسير ابن كثير [4: 558 559 ط. دار المعرفة]: قال السدي عن ابن عبّاس: من رضاء محمّد أن لا يدخل أحد من أهل بيته

النار. رواه ابن جرير، وابن أبي حاتم، وقال الحسن: يعني بذلك الشفاعة. وهكذا قال أبو جعفر الباقر(عليه السلام).

وقال أبو بكر بن أبي شيبة: حدّثنا معاوية بن هشام، عن عليّ بن صالح، عن يزيد بن أبي زياد، عن إبراهيم، عن علقمة عن عبدالله قال: قال رسول الله(صلي الله عليه وآله): إنا أهل بيت، لنا الآخرة علي الدنيا، ولسوف يعطيك ربك فترضي.

وفي تفسير «مجمع البيان» [9 10: 505 ط. مؤسسة التاريخ العربي بيروت] روي الحديث الآنف ذكره عن محمّد ابن الحنفية. وعن الصّادق(عليه السلام) قال: دخل رسول الله(صلي الله عليه وآله)علي فاطمة(عليها السلام) وعليها كساء من ثلّة الإبل، وهي تطحن بيدها وترضع ولدها، فدمعت عينا رسول الله(صلي الله عليه وآله) لمّا أبصرها فقال: يا بنتاه، تعجّلي مرارة الدنيا بحلاوة الآخرة، فقد أنزل الله عليّ: (ولسوف يعطيك ربك فترضي).

وقال زيد بن علي: إن من رضا رسول الله(صلي الله عليه وآله) أن يدخل أهل بيته الجنة.

وفي تفسير «الدر المنثور» للسيوطي في [6: 361] قال: أخرج ابن جرير من طريق السدي عن ابن عبّاس في قوله: (ولسوف يعطيك ربك فترضي) قال: من رضا محمّد أن لا يدخل أحد من أهل بيته النار.

وقد أردف فيه أيضاً جميع ما ذكرناه في هذه السطور من الروايات في هذا المقام.

أقول: وقد يؤيد فيما يناسب ذكره في هذا المعني من الأحاديث النبوية حول تفسير هذه الآية الشريفة، ما أورده أساطين المحدّثين في كتبهم المشهورة، السائرة الدائرة بين الاُمة، وقد جمع البعض منها عنهم العالم الفاضل، فرع الشجرة النبوية وزهرة الدوحة العلوية، السيد الشريف مرتضي الحسيني الفيروزآبادي، في كتابه النفيس «فضائل الخمسة» [2: 64] منها:

ما في «مستدرك الصحيحين» [3: 150] روي بسنده عن عمر بن سعيد

الأبح، عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس قال: قال رسول الله(صلي الله عليه وآله): وعدني ربي في أهل بيتي من أقرّ منهم بالتوحيد ولي بالبلاغ أن لا يعذبهم. قال عمر بن سعيد الأبح: ومات سعيد ابن أبي عروبة يوم الخميس، وكان حدّث بهذا الحديث يوم الجمعة، مات بعده بسبعة أيام في المسجد. فقال قوم: لا جزاك الله خيراً صاحب رفض وبلاء، وقال قوم: جزاك الله خيراً صاحب سنّة وجماعة، أدّيت ما سمعت. «قال الحاكم»: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

وفي «كنز العمال» [6: 215] ولفظه: سألت ربي أن لا يدخل أحداً من أهل بيتي النار فأعطانيها قال: أخرجه أبو القاسم بن بشران في أماليه. وأخرجه المحب الطبريّ في «ذخائر العقبي» [ص19]. وقال: أخرجه أبو سعيد، والملاّ في سيرته، والمناوي أيضاً في «فيض القدير» [4: 77] في المتن، وذكر في الشرح أنه أخرجه أبو القاسم بن بشران في أماليه عن عمران بن حصين، وأبو سعيد في «شرف النبوّة». والملا في سيرته. وهو عند الديلمي وولده بلا سند. قال: وهذا يوافق ما أخرجه ابن أبي حاتم عن ابن عبّاس في قوله تعالي: (ولسوف يعطيك ربك فترضي) قال: من رضا محمّد(صلي الله عليه وآله) أن لا يدخل أحد من أهل بيته النار.

وفي «كنوز الحقائق» للمناوي [ص24] ولفظه: اللهم إليك لا إلي النار أنا وأهل بيتي. قال: أخرجه الطبراني. أقول: وذكره المتقي أيضاً في «كنز العمال» [6: 217]: وقال: أخرجه الطبراني عن اُم سلمة. انتهي.

وفي «الصواعق» عدّ ابن حجر هذه الآية من الآيات النازلة في أهل البيت، وذكرها في «الآية العاشرة» [ص95] وقال في ذيل الآية: نقل القرطبي عن ابن عبّاس أنه قال: رضا محمّد(صلي الله

عليه وآله) أن لا يدخل أحد من أهل بيته النار. وقال ابن حجر في [ص158] من صواعقه: وأخرج تمام، والبزار، والطبراني، وأبو نعيم أنه(صلي الله عليه وآله)قال: فاطمة أحصنت فرجها فحرّم الله ذرّيتها علي النار، «وفي رواية»: فحرّمها الله وذريتها عن النار.

وقال أيضاً: وأخرج الحافظ أبو القاسم الدمشقي أنّه(صلي الله عليه وآله) قال: يا فاطمة! لم سمّيت فاطمة؟ قال عليّ: لم سمّيت فاطمة يا رسول الله؟ قال: إن الله قد فطمها وذريتها من النار.

وقال: أخرج النسائي: إن ابنتي فاطمة حوراء آدمية، لم تحض ولم تطمث، إنّما سمّاها فاطمة لأن الله فطمها ومحبيها علي النار. وأخرج الطبراني بسند رجاله ثقات، أنّه(صلي الله عليه وآله)قال لها: إنّ الله غير معذبك ولا أحد من ولدك.

وفي «فضائل الخمسة» [2: 66] قال السيد مرتضي الحسيني الفيروزآبادي: ونظيره ما رواه المحب الطبري في «ذخائر العقبي» [ص20] قال: وعن عليّ(عليه السلام) قال: سمعت رسول الله(صلي الله عليه وآله)يقول: اللهم إنهم عترة رسولك، فهب مسيئهم لمحسنهم وهبهم لي، قال: ففعل وهو فاعل، قال: قلت: ما فعل؟ قال: فعله بكم ويفعله بمن بعدكم. أخرجه الملاّ «يعني في سيرته».

سوره نساء، آيه 59

في قوله تعالي: (يا أيّها الَّذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسولَ وأُولي الأمر منكم) [النساء: 59].

إن أقوال العلماء والمفسّرين في تفسير هذه الآية الكريمة غير متفقة، وآراؤهم في بيان ما تضمنته من الإشارات متضاربة متفارقة. فمنهم من قال بأن المراد بأولي الأمر هم العلماء، ومنهم من قال بأن المراد بهم الاُمراء. ومنهم من قال بأن المراد بهم الأئمة الإثنا عشر الأوصياء من أهل بيت أفضل الأنبياء عليهم أفضل الصلوات، وأزكي التحيات. وكل حزب منهم يستدلّون فيما قالوه بما ورد من الأحاديث عن المشرع الأعظم(صلي الله عليه

وآله).

فحجّة من قال بأن المراد بهم العلماء، فبما ورد من الأحاديث عن جابر بن عبدالله وعن ابن عبّاس، وفي رواية عن مجاهد، والحسن، وعطاء، وجماعة، كما ذكره الطبرسي وغيره من المفسّرين. وحجّة من قال بأن المراد بهم الاُمراء، فبما ورد عن أبي هريرة، وابن عبّاس أيضاً، وفي رواية عن ميمون بن مهران، والسدّي، وأختاره الجبائي والبلخيّ والطبريّ.

وأما حجة من قال بأن المراد بهم الأئمة الإثنا عشر، فبما ورد عن زهرة الشجرة النبوية، وثمرة الدوحة العلوية، الإمام جعفر الصّادق عليه وعلي آبائه السلام. من الأحاديث والأخبار، كما سيلي ذكرها فيما بعد.

وقبل أن نخوض في هذا البحر المتلاطمة أمواجه، أري من الخير لمن كان من أمثالي التحرر من قيد العصبية المظلمة. ولكل باحث عن الحق، أنّ يستهدي بما ثبت من البينات المسطورة في طيّات صحائف المتبحرين في هذا الفن، فيستضيءبأنوارها إلي سبل السلام، فالله ولي التوفيق، والهادي إلي سواء الطريق.

قال الجهبذ العلاّمة، والحبر الفهامة، السيد الشريف محمد حسين الطباطبائي في تفسيره القيّم «الميزان» [4: 416] في بعض ما تعلق بهذه الآية الشريفة: فالآية تدلّ علي افتراض طاعة اُولي الأمر هؤلاء، ولم تقيده بقيد ولا شرط، وليس في الآيات القرآنية ما يقيد الآية في مدلولها، حتي يعود معني قوله: (وأطيعوا الرسول واُولي الأمر منكم)إلي مثل قولنا: وأطيعوا اُولي الأمر منكم فيما لم يأمروا بالمعصية أو لم تعلموا بخطئهم، فإن أمروكم بمعصية فلا طاعة عليكم، وأن علمتم خطأهم فقوّموهم بالرد إلي الكتاب والسنّة، فهذا معني قوله: (واطيعوا الرسول واُولي الأمر منكم).

مع أنّ الله سبحانه أبان ما هو أوضح من هذا القيد، فيما هو دون هذه الطاعة المفترضة، كقوله في الوالدين: (ووصّينا الإنسان بوالديه حسناً وإن جاهداك لتشرك بي ما

ليس لك به علم فلا تطعهما) الآية [العنكبوت: 8].

فما باله لم يظهر شيئاً من هذه القيود في آية تشتمل علي اُسّ أساس الدين، وإليها تنتهي عامّة أعراق السعادة الإنسانيّة؟

علي أنّ الآية جمع فيها بين الرسول واُولي الأمر، وذكر لهما معاً طاعةً واحدةً، فقال: (وأطيعوا الرسول واُولي الأمر منكم) ولا يجوز علي الرسول أن يأمر بمعصية، أو يغلط في حكم، فلو جاز شيء من ذلك علي اُولي الأمر، لم يسع إلاّ أن يذكر القيد الوارد عليهم، فلا مناص من أخذ الآية مطلقةً من غير أي تقييد.

ولازمه اعتبار العصمة في جانب اُولي الأمر، كما اعتبر في جانب رسول الله(صلي الله عليه وآله)من غير فرق.

ثم أتي السيد المؤلف ببحثه الروائي من الأحاديث عن تفسير «البرهان» عن ابن بابويه بإسناده عن جابر بن عبدالله الأنصاري: لما أنزل الله عزوجل علي نبيه محمد(صلي الله عليه وآله): (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واُولي الأمر منكم) قلت: يا رسول الله! عرفنا الله ورسوله، فمن اُولو الأمر الذين قرن الله طاعتهم بطاعتك؟ فقال(صلي الله عليه وآله): هم خلفائي يا جابر وأئمة المسلمين من بعدي. أوّلهم علي بن أبي طالب، ثم الحسن، ثم الحسين، ثم علي ابن الحسين، ثم محمد بن عليّ المعروف في التوراة بالباقر، ستدركه يا جابر، فإذا لقيته فأقرئه مني السلام، ثم الصّادق جعفر بن محمّد، ثم موسي بن جعفر، ثم عليّ بن موسي، ثم محمّد بن عليّ، ثم عليّ بن محمّد، ثم الحسن بن عليّ، ثم سميّي محمّد وكنيّي حجة الله في أرضه، وبقيته في عباده، ابن الحسن بن عليّ، ذاك الذي يفتح الله تعالي ذكره علي يديه مشارق الأرض ومغاربها، ذاك الذي يغيب عن شيعته وأوليائه،

غيبة لا يثبت فيه علي القول بإمامته، إلاّ من امتحن الله قلبه للإيمان.

قال جابر: فقلت له يا رسول الله، فهل يقع لشيعته الانتفاع به في غيبته؟

فقال(صلي الله عليه وآله): إي والذي بعثني بالنبوّة. إنهم يستضيئون بنوره، وينتفعون بولايته في غيبته، كانتفاع النّاس بالشمس وإن تجلاّها سحاب، يا جابر هذا من مكنون سر الله، ومخزون علم الله، فاكتمه إلاّ عن أهله.

وقال: أقول: وفي تفسير العياشيّ عن عمر بن سعيد عن أبي الحسن(عليه السلام) مثله. وفيه: عليّ بن أبي طالب والأوصياء من بعده. وعن ابن شهر آشوب: سأل الحسن بن صالح عن الصادق(عليه السلام) ذلك، فقال: الأئمة من أهل البيت.

ثم قال: أقول: وروي مثله الصدوق عن أبي بصير عن الباقر(عليه السلام) وفيه قال: الأئمة من ولد عليّ وفاطمة إلي أن تقوم الساعة.

وفي تفسير العياشيّ عن عبدالله بن عجلان عن أبي جعفر(عليه السلام) في قوله: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واُولي الأمر منكم) قال: هي في عليّ وفي الأئمة، جعلهم الله مواضع الأنبياء، غير أنهم لا يحلّون شيئاً ولا يحرّمونه.

وفي «الكافي» بإسناده عن بريد بن معاوية قال: تلا أبو جعفر(عليه السلام): (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واُولي الأمر منكم): فإن خفتم تنازعاً في الأمر فارجعوه إلي الله وإلي الرسول وإلي اُولي الأمر منكم. (الخ) انتهي.

وفي تفسير «مجمع البيان» [3 4]: للطبرسي، قال: وأما أصحابنا فإنهم رووا عن الباقر والصّادق(عليهما السلام) أن اُولي الأمر، هم الأئمة من آل محمد(صلي الله عليه وآله)، أوجب الله طاعتهم بالإطلاق، كما أوجب طاعته وطاعة رسوله، ولا يجوز أن يوجب الله طاعة أحد علي الإطلاق إلاّ من ثبتت عصمته، وعلم أن باطنه كظاهره، وأمن منه الغلط والأمر بالقبيح، وليس ذلك بحاصل في الاُمراء ولا العلماء سواهم،

جلّ الله أن يأمر بطاعة من يعصيه، أو بالانقياد للمختلفين في القول والفعل، لأنّه محال أن يطاع المختلفون، كما أنه محال أن يجتمع ما اختلفوا فيه. ومما يدلّ علي ذلك أيضاً أن الله تعالي لم يقرن طاعة اُولي الأمر بطاعة رسوله، كما قرن طاعة رسوله بطاعته إلاّ وأولو الأمر فوق الخلق جميعاً، كما أن الرسول فوق اُولي الأمر وفوق سائر الخلق، وهذه صفة أئمة الهدي من آل محمد(صلي الله عليه وآله)الذين ثبتت إمامتهم وعصمتهم واتفقت الاُمة علي علوّ رتبتهم وعدالتهم.

(فإن تنازعتم في شيء فردّوه إلي الله والرسول) معناه: فإن اختلفتم في شيء من اُمور دينكم، فردّ وا التنازع فيه إلي كتاب الله وسنة رسوله، وهذا قول مجاهد وقتادة والسدي.

ونحن نقول: الرد إلي الائمة القائمين مقام الرسول بعد وفاته، وهو مثل الرد إلي الرسول في حياته، لأنهم الحافظون لشريعته، وخلفاؤه في اُمته، فجروا مجراه فيه … (الخ). انتهي.

وفي «الينابيع» للقندوزي الحنفي قال في الباب السابع والسبعين [ص444] في تحقيق حديث: بعدي إثنا عشر خليفة: وفي «جمع الفوائد» جابر بن سمرة رفعه: لا يزال هذا الدين قائماً حتي يكون عليكم إثنا عشر خليفة، كلّهم تجتمع عليه الاُمة، فسمعت كلاماً من النبي(صلي الله عليه وآله)لم أفهمه، فقلت لأبي: ما يقول؟ قال: كلّهم من قريش. للشيخين، والترمذي، وأبي داود بلفظه.

وذكر يحيي بن الحسن في كتابه «العمدة» من عشرين طريقاً في أنّ الخلفاء بعد النبي(صلي الله عليه وآله) إثنا عشر خليفة كلّهم من قريش. في البخاري من ثلاثة طرق، وفي مسلم من تسعة طرق، وفي أبي داود من ثلاثة طرق، وفي الترمذي من طريق واحد، وفي الحميدي من ثلاثة طرق.

وفي «البخاري» عن جابر رفعه: يكون بعدي إثنا عشر أميراً، فقال

كلمة لم أسمعها، فسألت أبي: ماذا قال؟ قال: قال: كلّهم من قريش.

وفي صحيح مسلم عن عامر بن سعد: كتبت إلي ابن سمرة: أخبرني بشيء سمعته من النبي(صلي الله عليه وآله)فكتب إليّ: سمعت رسول الله(صلي الله عليه وآله) يوم الجمعة، عشية رجم الأسلمي يقول: لا يزال الدين قائماً حتي تقوم الساعة، ويكون عليهم إثنا عشر خليفةً كلّهم من قريش.

وفي المودّة العاشرة من كتاب «مودّة القربي» للسيد علي الهمداني قدّس الله سرّه، وأفاض علينا من بركاته وفتوحه: عن عبد الملك بن عمير، عن جابر بن سمرة قال: كنت مع أبي عند النبي(صلي الله عليه وآله) فسمعته يقول: بعدي إثنا عشر خليفة، ثم أخفي صوته، فقلت لأبي: ما الذي أخفي صوته؟ قال: قال: كلّهم من بني هاشم. وعن سماك بن حرب مثل ذلك.

وعن الشعبي عن مسروق قال: بينا نحن عند ابن مسعود نعرض مصاحفنا عليه إذ قال له فتي: هل عهد إليكم نبيكم كم يكون من بعده خليفة؟ قال: إنّك لحديث السن، وإن هذا شيء ما سألني عنه أحد قبلك، نعم، عهد إلينا نبينا(صلي الله عليه وآله) أنّه يكون بعده إثنا عشر خليفة، بعدد نقباء بني إسرائيل.

وعن عباية بن ربعي عن جابر قال: قال رسول الله(صلي الله عليه وآله): أنا سيّد النبيين، وعليّ سيّد الوصيّين وإن أوصيائيّ بعدي إثنا عشر، أولهم عليّ وآخرهم القائم المهدي.

وعن عليّ كرم الله وجهه قال: قال رسول الله(صلي الله عليه وآله): لا تذهب الدنيا حتي يقوم باُمتي رجل من ولد الحسين، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت ظلماً.

وعن سليم بن قيس الهلالي، عن سلمان الفارسي(رضي الله عنه) قال: دخلت علي النبي(صلي الله عليه وآله)فإذا الحسين علي فخذيه، وهو يقبّل خدّيه ويلثم فاه، ويقول: أنت

سيد ابن سيّد، أخو سيّد، وأنت إمام ابن إمام أخو إمام، وأنت حجة ابن حجة أخو حجة، أبو حجج تسعة تاسعهم قائمهم المهدي. وأخرجه أيضاً: الحمّوئي، وموفق بن أحمد الخوارزمي.

وعن ابن عبّاس(رضي الله عنه) قال: سمعت رسول الله(صلي الله عليه وآله) يقول: أنا وعليّ والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين مطهّرون معصومون. وأخرجه أيضاً الحمّوئي.

وعن عليّ(عليه السلام) قال: قال رسول الله(صلي الله عليه وآله): من أحب أن يركب سفينة النجاة، ويستمسك بالعروة الوثقي، ويعتصم بحبل الله المتين، فليوال علياً، وليعاد عدوه، وليأتم بالأئمة الهداة من ولده، فإنهم خلفائي وأوصيائي، وحجج الله علي خلقه من بعدي، وسادات اُمتي وقوادّ الأتقياء إلي الجنة، حزبهم حزبي وحزبي حزب الله، وحزب أعدائهم حزب الشيطان.

وعن ابن عبّاس قال: قال رسول الله(صلي الله عليه وآله): إن الله فتح هذا الدين بعليّ، وإذا قتل فسد الدين، ولا يصلحه إلاّ المهدي.

وعن عليّ(عليه السلام) قال: قال رسول الله(صلي الله عليه وآله): الأئمة من ولدي، فمن أطاعهم فقد أطاع الله، ومن عصاهم فقد عصي الله، هم العروة الوثقي، والوسيلة إلي الله جلّ وعلا.

قال القندوزي: قال بعض المحققين: إنّ الأحاديث الدالّة علي كون الخلفاء بعده(صلي الله عليه وآله)إثنا عشر، قد اشتهرت من طرق كثيرة، فبشرح الزمان، وتعريف الكون والمكان، علم أن مراد رسول الله(صلي الله عليه وآله) من حديثه هذا الأئمة الإثنا عشر من أهل بيته وعترته، إذ لا يمكن أن يحمل هذا الحديث علي الخلفاء بعده من أصحابه، لقلّتهم عن اثني عشر، ولا يمكن أن يحمله علي الملوك الاُموية، لزيادتهم علي اثني عشر، ولظلمهم الفاحش إلاّ عمر بن عبد العزيز، ولكونهم غير بني هاشم، لأن النبي(صلي الله عليه وآله)قال: كلّهم من بني هاشم، في رواية

عبد الملك عن جابر، وإخفاء صوته(صلي الله عليه وآله).

في هذا القول ترجح هذه الرواية، لأنهم لا يحسنون خلافة بني هاشم.

ولا يمكن أن يحمله علي الملوك العباسية، لزيادتهم علي العدد المذكور، ولقلّة رعايتهم الآية: (قُلّ لا أَسألكُم عَلَيهِ أَجراً إلاّ الموَدَّةَ في القُربَي) [138] وحديث الكساء، فلا بدّ من أن يحمل هذا الحديث علي الأئمة الإثني عشر من أهل بيته وعترته(صلي الله عليه وآله)، لأنهم كانوا أعلم أهل زمانهم، وأجلهّم وأورعهم وأتقاهم وأعلاهم نسباً وأفضلهم حسباً، وأكرمهم عند الله.

وكان علمهم عن آبائهم متصلاً بجدهم(صلي الله عليه وآله) وبالوراثة واللّدنية، كذا عرّفهم أهل العلم والتحقيق، وأهل الكشف والتوفيق.

ويؤيد هذا المعني، أي أن مراد النبي(صلي الله عليه وآله) الأئمة الاثنا عشر من أهل بيته، ويشهد له ويرجحه: حديث الثقلين والأحاديث المتكثرة المذكورة في هذا الكتاب وغيرها. وأما قوله(صلي الله عليه وآله) في رواية جابر بن سمرة، فمراده(صلي الله عليه وآله) أن الاُمة تجتمع علي الإقرار بإمامة كلّهم وقت ظهور قائمهم المهدي، رضي الله عنهم.

وفي نهج البلاغة من خطبة عليّ(عليه السلام): «أين الذين زعموا أنّهم الراسخون في العلم دوننا كذباً وبغياً علينا؟ أن رفعنا الله ووضعهم، وأعطانا وحرمهم، وأدخلنا وأخرجهم، بنا يُستعطي الهُدي، وبنا يُستجلي العمي» [139] وقال: وإنّه سيأتي عليكم من بعدي زمانٌ، ليس فيه شيء أخفي من الحقّ، ولا أظهر من الباطل، ولا أكثر من الكذب علي الله ورسوله، وليس عند أهل ذلك الزمان سلعةٌ أبور من الكتاب إذا تلي حق تلاوته، ولا أنفق منه إذا حرّف عن مواضعه، ولا في البلاد شيءٌ أنكر من المعروف ولا أعرف من المنكر. واعلموا أنكم لن تعرفوا الرشد حتي تعرفوا الذي تركه، ولن تأخذوا بميثاق الكتاب حتي تعرفوا الذي نقضه،

ولن تمسكوا به حتي تعرفوا الذي نبذه، فالتمسوا ذلك من عند أهله، فإنهم عيش العلم، وموت الجهل، هم الذين يخبركم حكمهم عن علمهم، وصمتهم عن منطقهم، وظاهرهم عن باطنهم، لا يخالفون الدين ولا يختلفون فيه، فهو بينهم شاهد صادق، وصامت ناطق [140].

وفي الباب الثامن والسبعين [ص448] أورد ما رواه الشيخ محمد بن إبراهيم الجويني الخراساني الحمّوئي، المحدّث الفقيه الشافعي: عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله(صلي الله عليه وآله): إن علياً وصيّي، ومن ولده القائم المنتظر المهدي الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما ملئت جوراً وظلماً، والذي بعثني بالحق بشيراً ونذيراً، إن الثابتين علي القول بإمامته في زمان غيبته، لأعزّ من الكبريت الأحمر. فقام إليه جابر بن عبدالله فقال: يا رسول الله! وللقائم من ولدك غيبة؟ قال: إي وربّي، ليمحّص الذين آمنوا ويمحق الكافرين، ثم قال: يا جابر إن هذا أمر من أمر الله، وسر من سر الله، فإياك والشك، فإن الشك في أمر الله عزّوجلّ كفر.

وذكر السيد مرتضي الحسيني الفيروز آبادي في كتابه «فضائل الخمسة» [2: 23]ما أخرجه بعض أئمه المحدّثين في كتبهم، كالبخاري ومسلم، وقد مضت بعض رواياتهم فيما مضي، وأما رواية غيرهما فسنذكرها فيما يلي، فمنهم: الترمذي في صحيحه [2: 35]روي بسندين عن جابر بن سمرة قال: قال رسول الله(صلي الله عليه وآله): يكون بعدي اثنا عشر أميراً، قال: ثم تكلّم بشيء لم أفهمه، فسألت الذي يليني، فقال: قال: كلّهم من قريش.

الحاكم في «المستدرك» [4: 501] روي بسنده عن مسروق قال: كنا جلوساً ليلة عند عبدالله يقرئنا القرآن، فسأله رجل فقال: يا أبا عبد الرحمن! هل سألتم رسول الله(صلي الله عليه وآله)كم يملك هذه الاُمة

من خليفة؟ فقال عبدالله: ما سألني عن هذه أحد منذ قدمت العراق قبلك، قال: سألناه، فقال: إثنا عشر، عدّة نقباء بني اسرائيل.

«قال الفيروزآبادي»: ورواه أيضاً: أحمد بن حنبل في مسنده: بطريقين في [1: ص389 وص406] وذكره الهيثمي أيضاً في «مجمع الزوائد» [5: 190] وقال: رواه أحمد وأبو يعلي، والبزار. وذكره المتقي أيضاً في «كنز العمال» [3: 205] ولفظه: إن عدّة الخلفاء بعدي عدّة نقباء موسي، وقال: أخرجه: ابن عدي وابن عساكر عن ابن مسعود، وفي [6: 201]أيضاً، وقال: أخرجه الطبراني عن ابن مسعود وفي [ص201]أيضاً، وقال: أخرجه نعيم بن حماد في «الفتن» عن ابن مسعود.

وذكره المناوي في «الفيض القدير» في الشرح [2: 458] وقال: أخرجه ابن عدي، وابن عساكر في التاريخ، عن ابن مسعود.

أحمد بن حنبل في مسنده [5: 86] روي بسند عن جابر بن سمرة فقال: قال رسول الله(صلي الله عليه وآله): لا يزال الدين قائماً حتي يكون اثنا عشر خليفة من قريش (الحديث).

وفي مسند الإمام أحمد بن حنبل أيضاً [5: 92] روي بسنده عن جابر بن سمرة قال: سمعت رسول الله(صلي الله عليه وآله) أو قال: قال رسول الله(صلي الله عليه وآله): يكون بعدي اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش.

وروي في [5: 106] بسنده عن جابر بن سمرة قال: سمعت النبي(صلي الله عليه وآله) يقول: يكون لهذه الاُمّة اثنا عشر خليفةً.

وفي «كنز العمال» للمتقي [6: 201] ولفظه: يكون لهذه الاُمة اثنا عشر خليفةً قيّماً لا يضرّهم من خذلهم، كلّهم من قريش، قال: أخرجه الطبراني عن جابر بن سمرة.

قال المؤلف: وذكره الهيثمي أيضاً في مجمعه [5: 191] وقال: لا يضرّهم عداوة من عاداهم. فالتفتّ خلفي فإذا بعمر بن الخطاب في اُناس، فأثبتوا لي الحديث

كما سمعت. انتهي.

وإلي ذلك أشار سيدي وقدوتي الحبيب العارف بالله عبدالله الحداد في قصيدة له:

ومنا إمام حان حين خروجه

يقوم بأمر الله خير قيام

فيملأها بالحق والعدل والهدي

كما ملئت جوراً بظلم طغام

إذا قام قمنا والموفق ربنا

بنصرته أن راث حين حمام

وإلاّ فنرجو أن يقوم بنصره

فروع من البيت المصون نوامي

ولله منّا الحمد والشكر والثنا

علي نعم مشكورة بدوام

ونسأل مولانا تبارك إسمه

ثباتاً وتأييداً وحسن ختام

وتمّت وصلي الله أزكي صلاته

علي أحمد ما انهلّ وَدْقُ غمام

وما غرّدت ورق علي غصن دوحة

وما لاح برق النجد جنح ظلام

وآل وأصحاب ومن كان تابعاً

علي البر والتقوي وحفظ ذمام

وقال رضي الله عنه ورضي به عنا في الدارين في كتابه «تثبيت الفؤاد» [1: 34]: أخبر رجل عن أبيه أنّه قال: إذا مات فلان سيدنا، بقي النّاس يضرب جباههم بعضها بعضاً. فقلنا: لا، إن شاء الله، وليس هذا الظن بالله، بل الظن أنه إذا راح واحد خلّفه بدل منه قدم علي قدم، إلي خروج المهدي ونزول عيسي.

قال الحساوي: وفي ذلك رائحة من معني قوله(رضي الله عنه): عندنا أمانة لا يحملها إلاّ المهدي، وقال مرةً: أخذنا من الكتاب والسنّة ما لا يحمله إلاّ المهدي، وقال مرةً: عندنا من الشيخ عبدالله بن أبي بكر «يعني العيدروس» أمانة لا يحملها إلاّ المهدي.

وقد ذكر ابن حجر الأئمة الاثني عشر بأسمائهم وصفاتهم ومالهم من الفضائل والمكرمات واحداً بعد واحد في كتابه «الصواعق» [141].

ونقل السيد أمير محمد الكاظمي القزويني في كتابه «نقض الصواعق» [ص278] ما قاله قطب العارفين، وشيخ المؤرخين، البحاثة عند أعلام السنّة، صاحب الفتوحات المكية، ابن عربي في الباب [366 ص128] من اليواقيت والجواهر، للعارف عبد الوهاب الشعراني في المبحث 65 من النسخة المطبوعة سنة 317 هجرية: «إن الائمة من أهل البيت النبوي اثنا

عشر إماماً، وإن آخرهم المهدي، وهو حي موجود. وقد اجتمع معه الكثير من علماء السنة، وسوف يخرج في آخر الزمان، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً» [142].

قال في ذلك الكتاب ما لفظه: واعلموا أنه لا بد من خروج المهدي(عليه السلام)لكن لا يخرج حتي تمتلئ الأرض جوراً وظلماً فيملؤها قسطاً وعدلاً. ولو لم يكن من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوّل الله ذلك اليوم، حتي يلي ذلك الخليفة، وهو من عترة رسول الله(صلي الله عليه وآله)من ولد فاطمة(عليها السلام) جدّه الحسين بن عليّ بن أبي طالب، ووالده الحسن العسكري ابن الإمام علي النقي «بالنون» ابن الإمام محمد التقي «بالتاء» ابن الإمام عليّ الرضا، ابن الإمام موسي الكاظم، ابن الإمام جعفر الصّادق، ابن الإمام محمد الباقر، ابن زين العابدين عليّ، ابن الإمام الحسين ابن الإمام عليّ بن أبي طالب، يواطئ اسمه اسم الرسول(صلي الله عليه وآله)يبايعه المسلمون بين الركن والمقام. انتهي.

وهذا يتفق مع ما أخرجه البخاري في صحيحه [4: 154]: في باب «الاُمراء من قريش» في أول كتاب الأحكام. ومسلم في الباب نفسه، وغيرهما من أهل الصحاح. كما مرّ عن النبي(صلي الله عليه وآله): «لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان» وفي بعض الرواية: من بني هاشم كما في «ينابيع المودّة».

سوره العاديات، آيه 1

في قوله تعالي: (والعَادِيَاتِ ضَبْحاً) [العاديات: 1].

قد جاء فيما نقله بعض المفسّرين في تفاسيرهم بأن هذه الآية الشريفة قد نزلت في أمير المؤمنين عليّ(عليه السلام)، وذلك حين بعثه النبي(صلي الله عليه وآله) في سرية من السرايا، وكان(صلي الله عليه وآله)قد بعث قبله رجالاً بعد رجال عدّة مرّات وانهزموا ورجعوا خائبين. وقتل من المسلمين عدد كبير كما روي ذلك:

الطبرسي في تفسيره «مجمع البيان»

[5: 675 ط. بيروت مؤسسة التأريخ العربي]: قال: قيل: بعث رسول الله(صلي الله عليه وآله) سرية إلي حي من كنانة، فاستعمل عليهم المنذر بن عمرو الأنصاري أحد النقباء، فتأخر رجوعهم، فقال المنافقون: قتلوا جميعاً، فأخبر الله عنها بقوله: (والعاديات ضبحاً) عن مقاتل، وقيل.نزلت السورة لما بعث النبي(صلي الله عليه وآله)علياً(عليه السلام)الي ذات السلاسل فأوقع بهم، وذلك بعد أن بعث عليهم مراراً غيره من الصحابة فرجع كل منهم الي رسول الله(صلي الله عليه وآله). وهو المروي عن أبي عبدالله(عليه السلام) في حديث طويل. قال: وسمّيت هذه الغزوة ذات السلاسل لأنه اُسر منهم وقتل وسبي وشد أسراهم في الحبال مكتفين كأنهم في السلاسل.

ولما نزلت السورة، خرج رسول الله(صلي الله عليه وآله) الي النّاس فصلّي بهم الغداة، وقرأ فيها: (والعاديات ضبحاً). فلما فرغ من صلاته قال أصحابه: هذه سورة لم نعرفها، فقال رسول الله(صلي الله عليه وآله): نعم، إن علياً ظفر بأعداء الله، وبشّرني بذلك جبرئيل(عليه السلام) في هذه الليلة، فقدم عليّ(عليه السلام) بعد أيام بالغنائم والاُساري.

وفي تفسير الميزان [20: 491 ط. دار الكتب الاسلامية] ذكر في بحثه الروائي ما نقله عن مجمع البيان باللفظ المذكور. وذكر ابن شهر آشوب في مناقبه [3: 140]: في فصل «فيما ظهر منه(عليه السلام)في غزاة السلاسل» قال: قال أبو القاسم بن شبل الوكيل، وأبو الفتح الحفار بإسنادهما عن الصّادق(عليه السلام) ومقاتل، والزجاج، ووكيع، والثوري، والسدي، وأبو صالح، وابن عبّاس: إنه أنفذ رسول الله(صلي الله عليه وآله) أبا بكر في سبعمئة رجل، فلما صار إلي الوادي وأراد الانحدار فخرجوا إليه، فهزموه وقتلوا من المسلمين جمعاً كثيراً، فلما قدموا علي النبي(صلي الله عليه وآله)بعث عمر فرجع منهزماً، فقال عمرو بن العاص: إبعثني يا رسول

الله فإن الحرب خدعة، ولعلّي أخدعهم، فبعثه فرجع منهزماً، «وفي رواية» أنه أنفذ خالداً فعاد كذلك، فساء النبي ذلك فدعا علياً وقال: أرسلته كرّاراً غير فرّار، فشيّعه إلي مسجد الأحزاب، فسار بالقوم متنكباً عن الطريق، يسير بالليل ويكمن بالنهار، ثم أخذ عليّ محجّة غامضة، فسار بهم حتي استقبل الوادي من فمه، ثم أمرهم أن يعكموا الخيل وأوقفهم في مكان. وقال لا تبرحوا، وانتبذ أمامهم وأقام ناحيةً منهم، فقال خالد، وفي رواية قال عمر: أنزلنا هذا الغلام في واد كثير الحيّات والهوام والسباع، إمّا سبع يأكلنا أو يأكل دوابنا، وإمّا حيّات تعقرنا وتعقر دوابنا، وإمّا يعلم بنا عدونا فيأتينا ويقتلنا، فكلّموه نعلو الوادي.

فكلّمه أبو بكر فلم يجبه، فكلّمه عمر فلم يجبه، فقال عمرو بن العاص: إنه لا ينبغي أن نضيع أنفسنا، انطلقوا بنا نعلو الوادي، فأبي ذلك المسلمون.

ومن روايات أهل البيت(عليهم السلام): أنه أبت الأرض أن تحملهم، قالوا فلما أحس(عليه السلام)الفجر قال: إركبوا بارك الله فيكم وطلع الجبل حتي إذا انحدر علي القوم وأشرف عليهم قال لهم: اُتركوا عكمة دوابكم قال: فشمت الخيل ريح الإناث فصهلت فسمع القوم صهيل خيلهم فولّوا هاربين. وفي رواية مقاتل والزجاج: أنه كبس القوم وهم غادون، فقال: يا هؤلاء! أنا رسول الله إليكم، أن تقولوا لا إله إلاّ الله محمد رسول الله، وإلاّ ضربتكم بالسيف، فقالوا: إنصرف عنا كما انصرف ثلاثة، فإنك لا تقاومنا، فقال(عليه السلام): إنني لا أنصرف، أنا علي بن أبي طالب، فاضطربوا، وخرج إليه الأشداء السبعة، وناصحوه وطلبوا الصلح، فقال(عليه السلام): إمّا الاسلام وإما المقاومة. فبرز إليه واحد بعد واحد، وكان أشدّهم آخرهم، وهو سعد بن مالك العجليّ، وهو صاحب الحصن، فقتلهم فانهزموا، ودخل بعضهم في الحصن وبعضهم

استأمنوا وبعضهم أسلموا، وأتوه بمفاتيح الخزائن.

قالت اُم سلمة: انتبه النبي(صلي الله عليه وآله) من القيلولة، فقلت: الله جارك مالك؟ فقال: أخبرني جبرئيل بالفتح، ونزلت: (والعاديات ضبحاً) فبشّر النبي(صلي الله عليه وآله) أصحابه بذلك، وأمرهم باستقباله والنبي(صلي الله عليه وآله) تقدمهم، فلما رآي عليّ النبي(صلي الله عليه وآله) ترجّل عن فرسه فقال النبي(صلي الله عليه وآله): إركب فإن الله ورسوله عنك راضيان، فبكي عليّ(عليه السلام) فرحاً، فقال النبي(صلي الله عليه وآله): يا عليّ لولا أني اُشفق أن تقول فيك طوائف من اُمتي ما قالت النصاري في المسيح، … «الخبر». انتهي.

وقد أخرج ابن المغازلي هذا الخبر أيضاً، غير أنه قال بأنّ قول النبي(صلي الله عليه وآله) لعليّ لما قدم بفتح خيبر. روي ذلك في «المناقب» [ص237 برقم 285] مسنداً. قال: أخبرنا أبو الحسن عليّ بن عبيد الله بن القصاب البيّع(رحمه الله)، حدّثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن يعقوب المفيد الجرجرائيّ، حدّثنا أبو الحسن عليّ بن سليمان بن يحيي، حدّثنا عبد الكريم بن عليّ، حدّثنا جعفر بن محمّد بن ربيعة البجليّ، حدّثنا الحسن بن الحسين العرنيّ، حدّثنا كادح بن جعفر، عن عبدالله بن لهيعة عن عبد الرحمن بن زياد، عن مسلم بن يسار، عن جابر بن عبدالله قال: لمّا قدم عليّ بن أبي طالب بفتح خيبر قال له النبيّ(صلي الله عليه وآله): يا عليّ لولا أن تقول طائفة من اُمتي، فيك ما قالت النصاري في عيسي بن مريم لقلت فيك مقالاً، لا تمرّ بملأ من المسلمين إلاّ أخذوا التراب من تحت رجليك، وفضل طهورك، يستشفعّون بهما، ولكن حسبك أن تكون مني وأنا منك، ترثني وأرثك وأنت مني بمنزلة هارون من موسي غير أنه لا نبي بعدي، وأنت

تبرئ ذمتي، وتستر عورتي، وتقاتل علي سنّتي، وأنت غداً في الآخرة أقرب الخلق منّي، وأنت علي الحوض خليفتي، وإنّ شيعتك علي منابر من نور مبيضة وجوههم حولي، أشفع لهم ويكونون في الجنّة جيراني، وإن حربك حربي وسلمك سلمي، وسريرتك سريرتي، وعلانيتك علانيتي وإن ولدك ولدي، وأنت تقضي ديني وأنت تنجز وعدي، وإن الحق علي لسانك وفي قلبك ومعك وبين يديك ونصب عينيك، الإيمان مخالط لحمك ودمك كما خالط لحمي ودمي، لا يرد عليّ الحوض مبغض لك، ولا يغيب عنه محب لك. فخرّ عليّ(عليه السلام)ساجداً وقال: الحمد لله الذي منّ علي بالأسلام، وعلّمنيّ القرآن، وحبّبني إلي خير البريّة، وأعزّ الخليقة، وأكرم أهل السّماوات والأرض علي ربّه، وخاتم النبيين وسيّد المرسلين وصفوة الله في جميع العالمين. إحساناً من الله العليّ إليّ، وتفضلاً منه عليّ.

فقال له النبي(صلي الله عليه وآله): لولا أنت يا عليّ ما عرف المؤمنون بعدي. لقد جعل الله جلّ وعزّ نسل كل نبي من صلبه، وجعل نسلي من صلبك، يا عليّ فأنت أعزّ الخلق وأكرمهم عليّ وأعزّهم عندي، ومحبّك أكرم من يرد عليّ من اُمتي.

قال الفاضل محمد باقر البهبودي في تعليقه علي الكتاب: أخرجه ابن حاتم في «علل الحديث» [1: 313] والكراجكي في «كنز الفوائد» [ص281]. والخوارزمي في «مقتل الحسين» وفي المناقب [ص245 و ص77]. والكنجي الشافعي في «كفاية الطالب» [ص263]والهيثمي في «مجمع الزوائد» [9: 131] وابن أبي الحديد المعتزلي في «شرح النهج» [2: 339]وقال: ذكره أحمد بن حنبل في مسنده. انتهي.

وذكر الإمام المظفر في «دلائل الصدق» [2: 156] عن الحلّي في قوله تعالي: (والعاديات) قال: أقسم الله تعالي بخيل جهاده في غزوة السلسلة لما جاء جماعة من العرب واجتمعوا علي وادي الرملة ليبيّتوا النبي(صلي

الله عليه وآله) بالمدينة، فقال النبي لأصحابه: من لهؤلاء؟ فقام جماعة من أهل الصفة فقالوا: نحن، فولّ علينا من شئت، فأقرع بينهم فخرجت القرعة علي ثمانين رجلاً منهم ومن غيرهم.

فأمر أبا بكر بأخذ اللواء، والمضي إلي بني سليم وهم ببطن الوادي، فهزموهم وقتلوا جمعاً كثيراً من المسلمين وانهزم أبو بكر. وعقد لعمر وبعثه فهزموه، فساء النبي(صلي الله عليه وآله)فقال عمرو بن العاص: إبعثني يا رسول الله، فأنفذه، فهزموهم وقتلوا جماعةً من أصحابه، وبقي النبي(صلي الله عليه وآله) أياماً يدعو عليهم.

ثم طلب أمير المؤمنين(عليه السلام) وبعثه إليهم، ودعا له وشيّعه إلي مسجد الأحزاب. وأنفذ معه جماعة منهم أبو بكر وعمر وعمرو بن العاص، فسار الليل وكمن النهار حتي استقبل الوادي من فمه، فلم يشك عمرو بن العاص أنه يأخذهم، فقال لأبي بكر: هذه أرض سباع وذئاب، وهي أشدّ علينا من بني سليم، والمصلحة أن نعلو الوادي، وأراد إفساد الحال، وقال: قل ذلك لأمير المؤمنين(عليه السلام) فقال له أبو بكر، فلم يلتفت(عليه السلام)إليه، ثم قال لعمر فلم يجبه أمير المؤمنين(عليه السلام)، وكبس علي القوم الفجر فأخذهم، فأنزل الله تعالي: (والعاديات ضبحاً) السورة. واستقبله النبي(صلي الله عليه وآله) فنزل أمير المؤمنين وقال له النبي(صلي الله عليه وآله): لو لا أن اُشفق أن يقول فيك طوائف من اُمتي ما قالت النصاري في المسيح، لقلت فيك اليوم مقالاً لا تمرّ بملأ منهم إلاّ أخذوا التراب من تحت قدميك، إركب فإن الله ورسوله عنك راضيان.

قال الإمام المظفر: وقد ورد مضمون هذا الخبر في جملة من أخبار القوم فضلاً عن أخبارنا. فقد حكاه في «ينابيع المودّة» عن أحمد في مسنده من طريقين، وكذا عن موفق ابن أحمد «الخوارزمي»، وقال الشافعي فيما نسب

اليه:

لو ان المرتضي أبدي محلّه

لصار الخلق طراً سجّداً له

كفي في فضل مولانا عليّ

وقوع الشك فيه أنه الله

سوره يونس، آيه 87

في قوله تعالي: (وأَوحَيْنا إِلي مُوسي وأخيه أَن تبوّءا لِقَومِكَما بمِصِرَ بُيُوتاً)[يونس: 87].

قال السيوطي في تفسيره «الدر المنثور» [3: 314] لدي تفسير الآية: وأخرج ابن عساكر عن أبي رافع(رضي الله عنه): أن النبي(صلي الله عليه وآله) خطب فقال: إنّ الله أمر موسي وهارون أن يتبوّآ لقومهما بيوتاً، وأمرهما أن لا يبيت في مسجدهما جنب، ولا يقربوا فيه النساء إلاّ هارون وذريته، ولا يحلّ لأحد أن يقرب النساء في مسجدي هذا، ولا يبيت فيه جنب إلاّ علي وذريته.

وأخرج ابن المغازلي الشافعي في مناقبه [ص252 برقم 301]: أخبرنا أحمد بن محمد إجازة، قال: حدّثنا عمر بن شوذب، حدّثنا أحمد بن عيسي بن الهيثم، حدّثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، حدّثنا إبراهيم بن محمد بن ميمون، حدّثنا عليّ بن عيّاش، عن الحارث ابن حصيرة، عن عديّ بن ثابت قال: خرج رسول الله(صلي الله عليه وآله) إلي المسجد فقال: إنّ الله أوحي إلي نبيه موسي أن ابنِ لي مسجداً طاهراً لا يسكنه إلاّ موسي وهارون وابنا هارون، وإنّ الله أوحي إليّ أن أبني مسجداً طاهراً لا يسكنه إلاّ أنا وعليّ وابنا عليّ.

قال الفاضل محمد باقر البهبودي في تعليقاته علي الكتاب المذكور: وأخرجه الشيخ عبدالله الشافعي في مناقبه المخطوط. وأخرجه الشيخ عبيد الله الحنفي الأمرتسري في «أرجح المطالب» [ص416 ط. لاهور] بعين السند واللفظ، كلاهما من طريق مؤلفنا ابن المغازلي الشافعي. وأخرجه العلاّمة السيوطي في «الخصائص» [2: 343] بالإسناد عن أبي حازم الأشجعي، وأخرجه ابن عساكر عن أبي رافع «وقد مر ذكره» وهكذا أخرجه الحافظ الكنجي الشافعي في «كفاية الطالب» [ص284] من

طريق الحافظ ابن عساكر.

وأخرج ابن المغازلي أيضاً في [ص299] من الكتاب المذكور برقم [343] مسنداً قال: قال رسول الله(صلي الله عليه وآله) إن الله عزّوجلّ أوحي إلي موسي(عليه السلام) أن ابنِ لي مسجداً طاهراً لا يكون فيه غير موسي وهارون وابني هارون شبّراً وشبيراً، وأن الله أمرني أن أبني مسجداً طاهراً، لا يكون فيه غيري وغير أخي عليّ وغير ابني الحسن والحسين(عليهم السلام). «انتهي».

أقول: وقد روي هذا الحديث ونحوه عدّة من الأئمة وكبار المحدّثين وحملة السنن في صحاحهم ومسانيدهم، كما نقل عنهم السيد الشريف مرتضي الحسيني الفيروزآبادي في كتابه القيمّ «فضائل الخمسة» [2: 156] فمنها:

صحيح الترمذي [2: 300] روي بسنده عن أبي سعيد قال: قال رسول الله(صلي الله عليه وآله)لعليّ(عليه السلام): يا عليّ! لا يحلّ لأحد أن يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك.

سنن البيهقي [7: 65] روي بسنده عن اُم سلمة قالت: خرج علينا رسول الله(صلي الله عليه وآله)فوجّه هذا المسجد فقال: ألا لا يحلّ هذا المسجد لجنب ولا لحائض إلاّ لرسول الله وعليّ وفاطمة والحسن والحسين، ألا قد بينت لكم الأسماء أن لا تضلّوا.

وقال المؤلف السيد مرتضي: ورواه بطريق آخر عن اُم سلمة قالت: قال رسول الله(صلي الله عليه وآله): ألا إن مسجدي حرام علي كل حائض من النساء. وكل جنب من الرجال إلاّ علي محمّد وأهل بيته: عليّ وفاطمة والحسن والحسين.

ثم إنّ الطريقين المذكورين قد ذكرهما المتقي أيضاً في «كنز العمال» [6: 217]: قال في أولهما: أخرجه البيهقي وابن عساكر، وقال في ثانيهما: أخرجه البيهقي.

وفي «كنز العمال» [1: 159] قال(صلي الله عليه وآله): لا ينبغي لأحد أن يجنب في هذا المسجد إلاّ أنا أو عليّ قال: رواه الطّبرانيّ عن اُم سلمة.

وفي «مجمع الزوائد»

[9: 115] للهيثمي قال: عن خارجة بن سعد، عن أبيه قال: قال رسول الله(صلي الله عليه وآله) لعليّ: لا يحلّ لأحد أن يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك. وقال: رواه البزار.

وقال المؤلف: وذكره ابن حجر أيضاً في صواعقه [ص73] وقال أيضاً: أخرجه البزار، وفي «فتح الباري» في شرح البخاري [8: 16] قال: أخرج إسماعيل القاضي في أحكام القرآن، من طريق المطلب بن عبدالله بن حنطب، أن النبي(صلي الله عليه وآله) لم يأذن لأحد أن يمرّ في المسجد وهو جنب إلاّ لعليّ بن أبي طالب لأن بيته كان في المسجد.

وفي «الصواعق» لابن حجر [ص121] قال في الحديث الثالث عشر: أخرج البزار عن سعد قال: قال رسول الله(صلي الله عليه وآله) لعليّ: لا يحل لأحد أن يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك. انتهي.

وقد ذكره السيوطي أيضاً في كتابه «تأريخ الخلفاء» [ص115 ط. المنيرية سنة 1351].

سوره فتح، آيه 29

في قوله تعالي: (مُحمَّد رَّسولُ اللهِ والَّذينَ مَعَهُ أشدّاءُ عَلَي الكفَّار) [الفتح: 29].

نقل السيد المرتضي الحسيني في كتابه «فضائل الخمسة» [2: 208] عن «تأريخ بغداد» للخطيب البغدادي [3: 153] أنه روي بسنده عن أبي الأحوص. قال: كنا عند ابن مسعود فتلا ابن عباس هذه الآية: (محمّد رسول الله والّذين معه أشدّاء علي الكفار)وساق الحديث إلي أن قال ابن عبّاس: (يعجب الزرّاع ليغيظ بهم الكفار): عليّ بن أبي طالب. كنا نعرف المنافقين علي عهد رسول الله(صلي الله عليه وآله) ببغضهم عليّ بن أبي طالب(عليه السلام).

أقول: وقد روي الحديث جمع كثيرون من أساطين المحدّثين وحملة السنن في صحاحهم ومسانيدهم كما نقل عنهم السيد الفاضل الحسيني في كتابه المذكور. فمنهم:

الترمذي في صحيحه [2: 299] روي بسنده عن أبي سعيد قال: إنا كنا لنعرف المنافقين «نحن

معشر الأنصار» ببغضهم عليّ بن أبي طالب(عليه السلام).

قال المرتضي الحسيني: رواه أبو نعيم أيضاً في «حلية الأولياء» [6: 294].

وفي صحيح الترمذي أيضاً [2: 299] روي بسنده عن المساور الحميري عن أُمّه قالت: دخلت علي اُم سلمة فسمعتها تقول: كان رسول الله(صلي الله عليه وآله) يقول: لا يحب علياً منافق، ولا يبغضه مؤمن. قال: وفي الباب عن عليّ(عليه السلام). قال المؤلف: رواه أحمد بن حنبل في مسنده [6: 292].

وفي «المستدرك» للحاكم [3: 129] روي بسنده عن أبي عبدالله الجدليّ عن أبي ذر قال: ما كنا نعرف المنافقين إلاّ بتكذيبهم الله ورسوله، والتخلّف عن الصلوات، والبغض لعليّ بن أبي طالب(عليه السلام). قال الحاكم: هذا حديث صحيح علي شرط مسلم. وقال الحسيني: وذكره المتقي أيضاً في «كنز العمال» [6: 39] وقال: أخرجه الخطيب في «المتفق».

وذكره المحب الطبري أيضاً في «الرياض النضرة» [2: 214]: وقال: أخرجه ابن شاذان.

وفي «مشكل الآثار» للطحاوي [1: 50] روي بسنده عن عمران بن حصين قال: خرجت يوماً فإذا أنا برسول الله(صلي الله عليه وآله) فقال لي: يا عمران! إن فاطمة مريضة، فهل لك أن تعودها؟ قال: قلت: فداك أبي وأمي، وأي شيء أشرف من هذا؟ قال(صلي الله عليه وآله): انطلق، فانطلق رسول الله(صلي الله عليه وآله) وانطلقت معه حتي أتي الباب، فقال: السلام عليكم، أدخل؟ «فساق الحديث» وفي آخره قول رسول الله(صلي الله عليه وآله) لفاطمة: لقد زوجتك سيداً في الدنيا وسيداً في الآخرة، لا يبغضه إلاّ منافق.

قال الحسيني: وذكره المحب الطبري أيضاً في «ذخائر العقبي» [ص43] وقال: خرّجه الحافظ أبو القاسم الدمشقي في «فضل فاطمة».

وفي «الاستيعاب» لابن عبد البر [2: 464] قال: وروي عمار الدهني عن أبي الزبير عن جابر قال: ما كنا

نعرف المنافقين إلاّ ببغض عليّ بن أبي طالب(عليه السلام).

قال السيد الحسيني: وذكره الهيثمي أيضاً في «مجمع الزوائد» [9: 132] وقال: رواه الطبراني في «الأوسط» والبزار بنحوه، إلاّ أنّه قال: ما كنّا نعرف منافقينا معشر الأنصار. وذكره المحب الطبري أيضاً في «الرياض النضرة» [2: 214] وقال أخرجه أحمد في «المناقب».

وفي «الدر المنثور» للسيوطي في ذيل تفسير قوله تعالي: (إن الذين ارتدّوا علي أدبارهم) في آخر سورة محمد، «ويقال لها سورة القتال أيضاً» قال: وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود قال: ما كنا نعرف المنافقين علي عهد رسول الله(صلي الله عليه وآله) إلاّ ببغضهم عليّ بن أبي طالب(عليه السلام).

وفي «كنز العمال» للمتقي [6: 158] قال: لا يبغض علياً مؤمن ولا يحبه منافق. قال: أخرجه ابن أبي شيبة عن اُم سلمة.

وقال أيضاً ابن مردويه وابن عساكر عن أبي سعيد الخدري في قوله تعالي: (ولتعرفنّهم في لحن القول) [محمد: 30] قال: ببغضهم علي بن أبي طالب(عليه السلام).

وفي «كنز العمال» أيضاً [6: 158] قال: لا يحب علياً إلاّ مؤمن، ولا يبغضه إلاّ منافق وقال: أخرجه الطبراني عن اُم سلمة.

وفي «مجمع الزوائد» للهيثمي [9: 133] قال: وعن ابن عبّاس قال: نظر رسول الله(صلي الله عليه وآله) إلي عليّ(عليه السلام) فقال: لا يحبك إلاّ مؤمن، ولا يبغضك إلاّ منافق، من أحبك فقد أحبني، ومن أبغضك فقد أبغضني، وحبيبي حبيب الله، وبغيضي بغيض الله، ويل لمن أبغضك بعدي. قال: رواه الطبراني في «الأوسط».

وفي «مجمع الزوائد» [9: 133]: قال: وعن عمران بن الحصين أن رسول الله(صلي الله عليه وآله)قال لعليّ(عليه السلام): لا يحبك إلاّ مؤمن ولا يبغضك إلاّ منافق.

قال: رواه الطبراني في الأوسط.

وفي «الرياض النضرة» للطّبري [2: 214] قال: وعن المطلب بن عبدالله بن

حنطب عن أبيه قال: قال رسول الله(صلي الله عليه وآله) يا أيها الناس! اُوصيكم بحب ذي قرنيها، أخي وابن عمي عليّ بن أبي طالب، فإنه منّي لا يحبه إلاّ مؤمن ولا يبغضه إلاّ منافق، من أحبه فقد أحبني، ومن أبغضه فقد أبغضني. قال: أخرجه أحمد في «المناقب».

وفي «كنوز الحقائق» للمناوي [ص63] قال: حب عليّ براءة من النفاق. قال: أخرجه الديلمي.

وفي «الرياض النضرة» أيضاً [2: 214] قال: عن الحارث الهمداني قال: رأيت علياً(عليه السلام)علي المنبر، فحمد الله وأثني عليه ثم قال: قضاء قضاه الله عزّوجلّ علي لسان نبيكم، النبي الاُمي(صلي الله عليه وآله) أن لا يحبني إلاّ مؤمن، ولا يبغضني إلاّ منافق. قال: أخرجه ابن فارس.

وفي «نور الأبصار» للشبلنجي [ص90] قال: عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله(صلي الله عليه وآله) لعلي(عليه السلام): حبك إيمان، وبغضك نفاق، وأول من يدخل الجنة محبك، وأول من يدخل النار مبغضك.

ومنها: ما ذكره الهيثمي أيضاً في «مجمع الزوائد» [9: 132] قال: وعن فاطمة بنت رسول الله(صلي الله عليه وآله) قالت: خرج علينا رسول الله(صلي الله عليه وآله) عشية عرفة فقال: إن الله تعالي باهي بكم وغفر لكم عامة، ولعليّ(عليه السلام) خاصة، وإني رسول الله إليكم غير محاب لقرابتي، هذا جبريل يخبرني: أن السعيد حق السعيد من أحب علياً في حياته وبعد موته، وأن الشقي كل الشقي من أبغض علياً في حياته وبعد موته. قال رواه الطبراني. وقال المؤلف السيد الحسيني: وذكره المتقي أيضاً في «كنز العمال» [6: 400] وقال: أخرجه الطبراني، والبيهقي في «فضائل الصحابة» وابن الجوزي.

ومنها: ما ذكره الطبري في «الرياض النضرة» [2: 189] قال: وعن أبي بكر قال: رأيت رسول الله(صلي الله عليه وآله) خيّم خيمة وهو

متّكئ علي قوس عربية، وفي الخيمة عليّ وفاطمة والحسن والحسين فقال: معشر المسلمين، أنا سلم لمن سالم أهل الخيمة، وحرب لمن حاربهم، وليّ لمن والاهم، لا يحبهم إلاّ سعيد الجد طيب المولد، ولا يبغضهم إلاّ شقي الجد رديء الولادة.

وفي «صحيح مسلم» في كتاب الإيمان، في باب الدليل علي حب الأنصار وعليّ(عليه السلام)من الإيمان، روي بسنده عن عدي بن ثابت عن زر قال: قال عليّ(عليه السلام): والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، إنّه لعهد النبي الاُمّي إليّ أن لا يحبني إلاّ مؤمن، ولا يبغضني إلاّ منافق.

قال المؤلف السيد الحسيني: ورواه الترمذي أيضاً في صحيحه [2: 301] والنسائي أيضاً في صحيحه [2: 271] بطريقين وفي خصائصه [ص27] بثلاثة طرق، وابن ماجة أيضاً في صحيحه [ص12] وأحمد بن حنبل أيضاً [1: 84 95 128] في مسنده والخطيب البغدادي في تاريخه [2: 255] وفي [8: 417] وفي [14: 426] وأبو نعيم في حليته [4: 185]بثلاثة طرق عن عدي بن ثابت عن زر، ثم قال: هذا حديث صحيح متفق عليه. ثم ذكر جمعاً كثيراً ممن روي هذا الحديث عن عدي بن ثابت. وذكره المتقي أيضاً في كنز العمال [6: 394] وقال: أخرجه الحميدي، وابن أبي شيبة، وأحمد بن حنبل، والعدني، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة، وابن حبان، وأبو نعيم، وابن أبي حاصم.

ثم قال المؤلف السيد الحسيني: وذكره المحب الطبري أيضاً في الرياض النضرة [2: 214] وقال أخرجه أبو حاتم.

سوره احزاب، آيه 6

في قوله تعالي: (النَّبِيُّ أَولَي بالمُؤمنِينَ مِن أَنفُسِهِم) [الاحزاب: 6].

قال السيوطي في تفسيره [5: 182] في ذيل الآية: أخرج ابن أبي شيبة، وأحمد، والنسائي عن بريدة(رضي الله عنه) قال: غزوت مع عليّ اليمن، فرأيت منه جفوة، فلما قدمت علي رسول الله(صلي الله عليه

وآله) ذكرت علياً فتنقّصته، فرأيت وجه رسول الله(صلي الله عليه وآله) تغيّر وقال: يا بريدة! ألست أولي بالمؤمنين من أنفسهم؟ قلت: بلي يا رسول الله، قال: من كنت مولاه فعليّ مولاه.

أقول: والروايات في الباب كثيرة عديدة، والأخبار فيه متعددة متواردة، وقد أثبتها السيد العلاّمة البحّاثة الفاضل مرتضي الحسيني في كتابه «فضائل الخمسة» [1: 349 384]عن أعيان المحدّثين ما لا يستهان بهم، منهم:

الإمام أحمد بن حنبل في مسنده [4: 372] روي بسنده عن ميمون أبي عبدالله قال: قال زيد بن أرقم وأنا أسمع: نزلنا مع رسول الله(صلي الله عليه وآله) بواد يقال له وادي خم، فأمر بالصلاة فصلاّها بهجير، قال: فخطبنا وظلّل لرسول الله(صلي الله عليه وآله) بثوب علي شجرة سمرة من الشمس، فقال: ألستم تعلمون؟ أولستم تشهدون أني أولي بكل مؤمن من نفسه؟ قالوا: بلي، قال: فمن كنت مولاه فإن علياً مولاه.

قال المؤلف: رواه في [4: 372] بلفظ آخر، عن ميمون أبي عبدالله قال: كنت عند زيد بن أرقم، فجاء رجل من أقصي الفسطاط فسأله، فقال: إن رسول الله(صلي الله عليه وآله) قال: من كنت مولاه فعليّ مولاه، قال ميمون: فحدّثني بعض القوم عن زيد أن رسول الله(صلي الله عليه وآله) قال: اللهم وال من والاه وعاد من عاداه.

وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» [9: 104] عن عمر ذي مر، وزيد بن أرقم قالا: خطب رسول الله(صلي الله عليه وآله)يوم غدير خم فقال: من كنت مولاه فعليّ مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وانصر من نصره، وأعن من أعانه.

وفي مسند الإمام أحمد بن حنبل أيضاً [4: 368] روي بسنده عن عطية العوفي قال: سألت زيد بن أرقم فقلت له: إن ختناً لي حدّثني عنك

بحديث في شأن عليّ(عليه السلام) يوم غدير خم، فأنا اُحب أن أسمعه منك، فقال: إنكم معشر أهل العراق فيكم ما فيكم، فقلت له: ليس عليك مني بأس، قال: نعم كنا بالجحفة فخرج رسول الله(صلي الله عليه وآله) إلينا ظهراً وهو آخذ بعضد عليّ(عليه السلام) فقال: يا أيها النّاس! ألستم تعلمون أني أولي بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلي، قال: فمن كنت مولاه فعليّ مولاه، قال: فقلت: هل قال: اللهم وال من والاه وعاد من عاداه؟ قال: إنما اُخبرك كما سمعت.

وذكره المتقي أيضاً في «كنز العمال» [6: 390] وقال: عن عطية العوفي، عن زيد بن أرقم، أن رسول الله(صلي الله عليه وآله) أخذ بعضدي عليّ(عليه السلام) يوم غدير خم بأرض الجحفة ثم قال: أيها الناس ألستم تعلمون أني أولي بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلي يا رسول الله. قال: من كنت مولاه فعليّ مولاه، قال: أخرجه ابن جرير.

وفي صحيح ابن ماجة في باب «فضائل أصحاب رسول الله(صلي الله عليه وآله) [ص12] روي بسنده عن البراء بن عازب قال: أقبلنا مع رسول الله(صلي الله عليه وآله) في حجته التي حج، فنزل في بعض الطريق فأمر بالصلاة جامعة، فأخذ بيد عليّ(عليه السلام) فقال: ألست أولي بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلي، قال: ألست أولي بكل مؤمن من نفسه؟ قالوا: بلي، قال: فهذا وليّ من أنا مولاه، اللهم وال من والاه، اللهم عاد من عاداه.

قال الحسيني: ورواه أحمد بن حنبل في مسنده [4: 281] وهذا لفظه: قال البراء: كنا مع رسول الله(صلي الله عليه وآله) في سفر، فنزلنا بغدير خم فنودي فينا: الصلاة جامعة، وكسح لرسول الله(صلي الله عليه وآله)تحت شجرتين فصلّي الظهر، وأخذ بيد عليّ(عليه السلام) فقال: ألستم تعلمون أني أولي

بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلي، قال: ألستم تعلمون أني أولي بكل مؤمن من نفسه؟ قالوا: بلي، قال: فأخذ بيد عليّ(عليه السلام) وقال: من كنت مولاه فعليّ مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، قال: فلقيه عمر بعد ذلك فقال له: هنيئاً لك يابن أبي طالب، أصبحت وأمسيت مولي كل مؤمن ومؤمنة.

وفي «خصائص النسائي» [ص25] روي بسنده عن سعد قال: أخذ رسول الله(صلي الله عليه وآله)بيد عليّ(عليه السلام) فخطب، فحمد الله وأثني عليه، ثم قال: ألم تعلموا أني أولي بكم من أنفسكم؟ قالوا: نعم صدقت يا رسول الله، ثم أخذ بيد عليّ(عليه السلام) فرفعها فقال: من كنت وليّه فهذا وليّه، وإن الله ليوالي من والاه، ويعادي من عاداه.

وفي «خصائص النسائي أيضاً» [ص25] روي بسنده عن سعد قال: كنا مع رسول الله(صلي الله عليه وآله) بطريق مكة، وهو متوجه إليها، فلما بلغ غدير خم وقف الناس، ثم رد من سبقه، ولحقه من تخلّف، فلما اجتمع النّاس إليه قال: أيها النّاس من وليّكم؟ قالوا: الله ورسوله، ثلاثاً، ثم أخذ بيد عليّ(عليه السلام) فأقامه، ثم قال: من كان الله ورسوله وليّه، فهذا وليّه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه.

وفي «كنز العمال» [6: 397] قال: عن عليّ(عليه السلام) قال: قال رسول الله(صلي الله عليه وآله): ألست أولي بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلي، قال: فمن كنت وليّة فهو وليّه.

وفي «كنز العمال أيضاً» [6: 399] قال: عن عليّ(عليه السلام): أن النبي(صلي الله عليه وآله) حضر الشجرة بخم، ثم خرج آخذاً بيد عليّ فقال: أيها الناس، ألستم تشهدون أن الله ربكم؟ قالوا: بلي، قال: ألستم تشهدون أن الله ورسوله أولي بكم من أنفسكم وأن الله ورسوله مولاكم؟ قالوا: بلي، قال: فمن

كان الله ورسوله مولاه، فإن هذا مولاه، وقد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلّوا بعده. كتاب الله سببه بيده وسببه بأيديكم، وأهل بيتي. قال أخرجه ابن جرير، وابن أبي عاصم، والمحاملي في أماليه وصححه.

وفي «مشكل الآثار» للطحاوي [2: 307] روي بسنده عن محمد بن عمر بن عليّ(عليه السلام)عن أبيه عليّ(عليه السلام) أن النبي(صلي الله عليه وآله) حضر الشجرة بخم، فخرج آخذاً بيد علي(عليه السلام)فقال: يا أيها الناس! ألستم تشهدون أن الله ربكم؟ قالوا: بلي، قال: ألستم تشهدون أن الله ورسوله أولي بكم من أنفسكم وأن الله ورسوله مولاكم؟ قالوا: بلي، قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، إني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلّوا بعدي، كتاب الله بأيديكم، وأهل بيتي.

وأخرج ابن المغازلي في مناقبه [ص18] قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد بن طاوان قال: حدّثنا أبو الحسين أحمد بن الحسين «ابن السماك» قال: حدّثنا أبو محمد جعفر بن محمد بن نصير الخلدي، حدّثنا علي بن سعيد بن قتيبة الرملي، حدثنا ضمرة بن ربيعة القرشي، عن ابن شوذب، عن مطر الورّاق، عن شهر بن حوشب عن أبي هريرة قال: من صام يوم ثماني عشرة خلت من ذي الحجة، كتب له صيام ستين شهراً، وهو يوم غدير خم، لما أخذ النبي(صلي الله عليه وآله) بيد عليّ بن أبي طالب فقال: ألست أولي بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلي يا رسول الله، قال: من كنت مولاه فعليّ مولاه، فقال عمر بن الخطاب: بخ بخ لك يا عليّ بن أبي طالب، أصبحت مولاي ومولي كل مؤمن فأنزل الله تعالي: (اليوم أكملت لكم دينكم) [المائدة: 3].

وفي «الصواعق» لابن حجر [ص25 ط. الميمنية] قال: هذا الحديث وغيره

عند الطبراني وغيره بسند صحيح أنه(صلي الله عليه وآله) خطب بغدير خم تحت شجرات فقال: أيها النّاس إنه قد نبأني اللطيف الخبير أنه لم يعمر نبي إلاّ نصف عمر الذي يليه من قبله، وإني لأظن أني يوشك أن اُدعي فاُجيب، وإني مسؤول وإنكم مسؤولون، فماذا أنت قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلّغت وجهدت ونصحت، فجزاك الله خيراً، فقال: أليس تشهدون أن لا إله إلاّ الله؟ وأن محمداً عبده ورسوله، وأن جنته حق، وأن ناره حق، وأن الموت حق، وأن البعث حق بعد الموت، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور؟ قالوا: بلي نشهد بذلك، قال: اللهم اشهد، «ثم قال»: يا أيها النّاس إن الله مولاي وأنا مولي المؤمنين، وأنا أولي بهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه فهذا مولاه «يعني علياً» اللهم وال من والاه وعاد من عاداه.

«ثم قال»: يا أيها النّاس إني فرطكم، وإنكم واردون عليّ الحوض، حوض أعرض مما بين بصري إلي صنعاء فيه عدد النجوم قِدحان من فضة، وإني سائلكم حين تردون عليّ عن الثقلين، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، الثقل الأكبر كتاب الله عزّوجلّ، سبب طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم، فاستمسكوا به لا تضلّوا ولا تبدّلوا، وعترتي أهل بيتي، فإنه نبأني اللطيف الخبير أنهما لن ينقضيا حتي يردا عليّ الحوض.

وفي «خصائص النسائي» [ص21] روي بسنده عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم قال: لما رجع النبي(صلي الله عليه وآله) من حجة الوداع ونزل غدير خم، أمر بدوحات فقممن ثم قال: كأني دعيت فأجبت، وإني تارك فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنهما لن يفترقا حتي يردا عليّ الحوض، «ثم

قال»: إن الله مولاي وأنا ولي كل مؤمن، ثم إنه أخذ بيد عليّ(عليه السلام) فقال: من كنت وليّه فهذا وليّه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، فقلت لزيد: سمعته من رسول الله(صلي الله عليه وآله)؟ فقال: وإنه ما كان في الدوحات أحد إلاّ رآه بعينيه وسمعه باُذنيه.

وذكره المتقي أيضاً في «كنز العمال» [6: 390]: وقال: أخرجه ابن جرير، ثم قال عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري مثل ذلك، أخرجه ابن جرير أيضاً.

وفي «كنز العمال» [1: 48]: بلفظ: إني لا أجد لنبي إلاّ نصف عمر الذي كان قبله، وإني اُوشك أن اُدعي فاُجيب، فما أنت قائلون؟ قالوا: نصحت، قال: أليس تشهدون أن لا إله إلاّ الله وأن محمداً عبده ورسوله، وأن الجنة حق، وأن النار حق، وأن البعث بعد الموت حق؟ قالوا: نشهد. قال: وأنا أشهد معكم، ألا تسمعون؟ فإني فرطكم علي الحوض، وأنتم واردون عليّ الحوض، وأن عرضه أبعد ما بين صنعاء وبصري، فيه أقداح بعدد النجوم من الفضة، فانظروا كيف تخلفوني في الثقلين، قالوا: وما الثقلان يا رسول الله؟ قال: كتاب الله، طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم، فاستمسكوا به ولا تضلّوا، والآخر عترتي، وإن اللطيف الخبير نبّأني أنهما لن يفترقا حتي يردا عليّ الحوض، فسألت ذلك لهما ربّي، فلا تقدّموهما فتهلكوا، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا، ولا تعلّموهم فإنهم أعلم منكم، من كنت أولي به من نفسه فعليّ وليّه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه. قال: رواه الطبراني في الكبير عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم.

وفي «الرياض النضرة» للطبري [2: 169] قال: وعنه «أي عن رياح» قال: بينما عليّ جالس إذ جاء رجل فدخل، عليه أثر السفر، فقال: السلام عليك يا

مولاي، قال: من هذا؟ قال: أبو أيوب الأنصاريّ، فقال عليّ(عليه السلام): افرجوا له ففرجوا، فقال أبو أيوب: سمعت رسول الله(صلي الله عليه وآله) يقول: من كنت مولاه فعليّ مولاه. قال: أخرجه البغوي في معجمه.

وفي «اُسد الغابة» لابن الأثير [3: 47 ط. دار الشعب] روي بسنده عن الأصبغ بن نباتة قال: نشد عليّ(صلي الله عليه وآله) النّاس في الرحبة: من سمع النبي(صلي الله عليه وآله) يوم غدير خم ما قال إلاّ قام، ولا يقوم إلاّ من سمع رسول الله(صلي الله عليه وآله)يقول، فقام بضعة عشر رجلاً فيهم أبو أيوب الأنصاري، وأبو عمرة بن عمرو بن محصن، وأبو زينب، وسهل بن حنيف، وخزيمة بن ثابت، وعبدالله بن ثابت الأنصاري، وحبشي بن جنادة السلولي، وعبيد بن عازب الأنصاري، والنعمان بن عجلان الأنصاري، وثابت بن وديعة الأنصاري، وأبو فضالة الأنصاريّ، وعبد الرحمن بن عبد رب الأنصاري، فقالوا: نشهد أنا سمعنا رسول الله(صلي الله عليه وآله)يقول: ألا إنّ الله عزّوجلّ وليّي. وأنا وليّ المؤمنين، ألا فمن كنت مولاه فعليّ مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وأحبّ من أحبه، وابغض من أبغضه، وأعن من أعانه.

وفي «الإصابة» [2: 248 ط. دار الكتاب العربي] للعسقلاني قال: وأورد ابن مندة من طريق عمرو بن عبدالله بن يعلي بن مرّة عن أبيه عن جدّه قال: سمعت النبي(صلي الله عليه وآله) يقول: «من كنت مولاه فعلي مولاه»، فلما قدم عليّ(عليه السلام) الكوفة نشد النّاس فانتشد سبعة عشر رجلاً، منهم عامر بن ليلي الغفاريّ، وذكره أيضاً ابن الأثير الجزري في «اُسد الغابة» [3: 139 ط. دار الشعب] وقال فيه بعد قوله(صلي الله عليه وآله): من كنت مولاه فعلي مولاه: اللهم وال من والاه وعاد من

عاداه.

وفي دلائل الصدق أيضاً ما رواه صاحب «المواقف» وشارحها، والقوشجي في «شرح التجريد» أن النبي أحضر القوم بغدير خم، وأمر بجمع الرحال فصعد عليها وقال لهم: ألست أولي بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلي، قال: فمن كنت مولاه فعليّ مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وانصر من نصره واخذل من خذله.

وأخرج ابن المغازلي الشافعي في [مناقبه ص25 ط. برقم 37 ط. المكتبة الاسلامية طهران]قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن طاوان، قال: حدّثنا الحسين بن محمد العلوي العدل، قال: حدّثنا عليّ بن عبدالله بن مبشر، قال: حدّثنا أحمد بن منصور الرمادي، قال: حدّثنا عبدالله بن صالح، عن ابن لهيعة عن ابن هبيرة وبكر بن سوادة عن قبيصة بن ذؤيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن، عن جابر بن عبدالله، أن رسول الله(صلي الله عليه وآله) نزل بخم، فتنحّي النّاس عنه، ونزل معه عليّ بن أبي طالب، فشق علي النبي(صلي الله عليه وآله) تأخّر النّاس فأمر علياً فجمعهم، فلما اجتمعوا قام فيهم متوسّداً عليّ بن أبي طالب فحمد الله وأثني عليه ثم قال: أيّها النّاس إنه قد كرهت تخلّفكم عنّي حتي خيّل إليّ أنه ليس شجرة أبغض إليكم من شجرة تليني، ثم قال: لكن علي بن أبي طالب أنزله الله مني بمنزلتي منه، فرضي الله عنه كما أنا عنه راض، فإنه لا يختار علي قربي ومحبتي شيئاً، ثم رفع يديه وقال: من كنت مولاه فعليّ مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. قال: فابتدر النّاس الي رسول الله(صلي الله عليه وآله) يبكون ويتضرّعون، ويقولون: يا رسول الله، ما تنحّينا عنك إلاّ كراهية أن نثقل عليك، فنعوذ بالله من شرور أنفسنا وسخط رسول الله. فرضي رسول الله(صلي

الله عليه وآله) عنهم عند ذلك.

وقال: الطبرسي في «مجمع البيان» [4: 440 ط. مؤسسة التأريخ العربي بيروت] لدي تفسيره النظمي في قوله تعالي: (النّبي أولي بالمؤمنين من أنفسهم) [143] الآية: وأصل الولاية لله تعالي كما قال: (هنالك الولاية لله) [144] فلاحظّ فيها لأحد إلاّ لمن ولاّه سبحانه. وإلي هذا المعني أشار النبي(صلي الله عليه وآله) يوم الغدير في قوله: ألست أولي بكم منكم بأنفسكم؟ فلما قالوا: بلي، قال: من كنت مولاه فعليّ مولاه، والمولي بمعني الأولي، بدلالة قوله: (مأواكم النار هي مولاكم) [145] أي أولي بكم.

أقول: ولعلّ من المناسب بالمقام الذي نحن بصدده أن نعقد هنا ما ذكره الحافظ الشهير محمد بن علي بن شهر آشوب المتوفّي [سنة588] في مناقبه [1: 251 252].

قال: سأل حمران بن أعين يحيي بن أكثم عن قول النبي(صلي الله عليه وآله) حيث أخذ بيد علي(عليه السلام)وأقامه للناس فقال: «من كنت مولاه فعليّ مولاه»، أبأمر من الله تعالي ذلك أم برأيه؟ فسكت عنه حتي انصرف، فقيل له في ذلك، فقال: إن قلت برأيه نصبه للنّاس خالفت قول الله تعالي: (وما ينطق عن الهوي) [146] وإن قلت بأمر الله تعالي ثبتت إقامته، قال: فلم خالفوه واتخذوا ولياً غيره؟

قال البشوي:

يا مصرف النص جهلاً عن أبي حسن

باب المدينة عن ذي الجهل مقفول

مولي الأنام عليّ والولي معاً

كما تفوّه عن ذي العرش جبريل

وقال ابن العودي النيلي:

وكل نبي جاء قبلي وصيّه

مطاع وأنتم للوصي عصيتم

ففعلكم في الدين أضحي منافياً

لفعلي وأمري غير ما قد أمرتم

وقلتم مضي عنا بغير وصية

ألم اُوصِ لو طاوعتمُ وعقلتم

وقد قلت من لم يوص من قبل موته

يمت جاهلاً بل أنتم قد جهلتم

نصبت لكم بعدي إماماً يدلّكم

علي الله فاستكبرتم وضللتم

وقد قلت في تقديمه وولائه

عليكم بما شاهدتم وسمعتم

عليّ

غدا منّي محلاًّ وقربةً

كهارون من موسي فلِم عنه حلتم

عليّ رسولي فاتبعوه فإنه

وليّكم بعدي إذا غبت عنكم

ومما يناسب المقام ذكره، ما رواه المؤلف في [ص258] محاورة أبي الحسن الرفّا مع ابن رامين الفقيه، وذلك: قال أبو الحسن الرفّا لابن رامين الفقيه: لما خرج النبي(صلي الله عليه وآله)من المدينة ما استخلف عليها أحداً؟ قال: بلي استخلف علياً. قال: وكيف لم يقل(صلي الله عليه وآله)لأهل المدينة: اختاروا فإنكم لا تجتمعون علي الضلال، قال: خاف عليهم الخلف والفتنة. قال: فلو وقع بينهم فساد لأصلحه عند عودته، قال: هذا أوثق، قال: أفاستخلف أحداً بعد موته قال: لا، قال: فموته أعظم من سفره، فكيف أمن علي الاُمّة بعد موته ما خافه في سفره وهو حي؟ فقطعه.

سوره مطففين، آيه 30-29

في قوله تعالي: (إنّ الَّذينَ أَجرمُوا كانُوا مِن الذَّين آمنوا يَضحكون - وإذا مرُّوا بِهِم يتَغامزُونَ) [المطففين: 29 30].

نقل السيد مرتضي الحسيني في «فضائل الخمسة» [1: 290] عن الزمخشري في الكشاف [4: 724 ط. دار الكتاب العربي] في تفسيره هذه الآية قال: وقيل: جاء عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) في نفر من المسلمين، فسخر منهم المنافقون وضحكوا وتغامزوا، ثم رجعوا إلي أصحابهم فقالوا: رأينا اليوم الأصلع، وضحكوا منه، فنزلت قبل أن يصل عليّ(عليه السلام) إلي رسول الله(عليه السلام). قال المؤلف: وذكره الفخر الرازي أيضاً في تفسيره الكبير [31: 101 ط. دار احياء التراث العربي].

وقال الطبرسي في «مجمع البيان» [9 10: 457]: وقيل نزلت في عليّ بن أبي طالب(عليه السلام)وذلك أنه كان في نفر من المسلمين جاءوا إلي النبي(صلي الله عليه وآله)فسخر منهم المنافقون وضحكوا وتغامزوا، ثم رجعوا إلي أصحابهم فقالوا: رأينا اليوم الأصلع فضحكنا منه، فنزلت الآية قبل أن يصل عليّ(عليه السلام) وأصحابه إلي النبي(صلي

الله عليه وآله) عن مقاتل والكلبي.

وذكر الحاكم أبو القاسم الحسكاني في كتاب «شواهد التنزيل» بإسناده عن أبي صالح عن ابن عبّاس قال: (إن الذين أجرموا) منافقو قريش، و (الذين آمنوا): عليّ ابن أبي طالب وأصحابه.

وذكر أيضاً السيد الطباطبائي في «الميزان» [20: 240] في بحثه الروائي عن «مجمع البيان» في قوله تعالي: (وإذا مرّوا بهم يتغامزون) ما رواه الطبرسي عن مقاتل والكلبي. وأيضاً ما ذكره الحسكاني عن أبي صالح وابن عبّاس.

أقول: وقد استفاضت الأخبار عن النبي(صلي الله عليه وآله) فيمن سبّ علياً(عليه السلام) فكأنما سبّ النبي(صلي الله عليه وآله)، كما نقل إلينا جمع من أعاظم العلماء والمحدّثين في صحاحهم ومسانيدهم، منهم:

الحاكم في «مستدرك الصحيحين» [1: 121] فيما نقل عنه السيد المفضال مرتضي الحسيني الفيروز آبادي في كتابه النفيس «فضائل الخمسة» [2: 223] روي بسنده عن أبي عبدالله الجدلي قال:

دخلت علي اُم سلمة فقالت لي: أيسب رسول الله(صلي الله عليه وآله) فيكم؟ فقلت: معاذ الله، أو سبحان الله أو كلمة نحوها، فقالت: سمعت رسول الله(صلي الله عليه وآله) يقول: من سب علياً فقد سبني. قال الحاكم: هذا الحديث صحيح الإسناد.

وقال المؤلف: رواه أحمد بن حنبل في مسنده [6: 323] والنسائي في خصائصه [ص24].

وفي «المستدرك أيضاً» [3: 121] روي بسنده عن أبي عبدالله الجدلي يقول: حججت وأنا غلام فمررت بالمدينة، وإذا النّاس عنق واحد، فأتبعتهم، فدخلوا علي اُم سلمة زوج النبي(صلي الله عليه وآله) فسمعتها تقول: يا شبيب بن ربعي، فأجابها رجل جلف جاف: لبيك يا اُماه، قالت: يسب رسول الله(صلي الله عليه وآله) في ناديكم؟ قال: وأني ذلك؟ فقالت: فعليّ بن أبي طالب؟ قال: إنا لنقول أشياء نريد عرض الدنيا، قالت: فإني سمعت رسول الله(صلي الله عليه

وآله) يقول: من سب علياً فقد سبني، ومن سبني فقد سب الله.

وذكره المتقي الهندي أيضاً في «كنز العمال» [6: 401] وقال: أخرجه ابن شيبة.

وفي «ذخائر العقبي» للطبري [ص66] قال: وعن ابن عباس قال: أشهد بالله لسمعته من رسول الله(صلي الله عليه وآله) يقول: من سب علياً فقد سبني، ومن سبني فقد سب الله، ومن سب الله عزّوجلّ أكبّه الله علي منخريه.

وفي «الرياض النضرة للطبري أيضاً» [2: 166] قال: وعن ابن عبّاس أنه مرّ بعدما حجب بصره بمجلس من مجالس قريش، وهم يسبون علياً(عليه السلام)، فقال لقائده: ما سمعت هؤلاء يقولون؟ قال: سبوا علياً(عليه السلام) قال: فردّني إليهم؛ فردّه، قال: أيّكم الساب لله؟ قالوا: سبحان الله من سب الله فقد أشرك، قال: أيكم الساب لرسول الله(صلي الله عليه وآله)؟ قالوا: سبحان الله من سب رسول الله(صلي الله عليه وآله) فقد كفر، قال: فأيكم الساب لعليّ(عليه السلام)؟ قالوا: أما هذا فقد كان، قال: فأنا أشهد بالله لسمعت رسول الله(صلي الله عليه وآله) يقول: من سب علياً فقد سبني، ومن سبني فقد سب الله عزّوجلّ، ومن سب الله عزّوجلّ أكبه الله علي منخره. ثم تولّي عنهم فقال لقائده: ما سمعتهم يقولون؟ قال: ما قالوا شيئاً، قال: فكيف رأيت وجوههم حيث قلت ما قلت؟ قال:

نظروا إليك بأعين محمرّة

نظر التيوس إلي شفار الجازر

قال: زدني فداك أبي واُمي قال:

جزر الحواجب ناكسي أذقانهم

نظر الذليل إلي العزيز القاهر

قال: زدني فداك أبي وامي، قال: ما عندي غيرهما، قال: لكن عندي:

أحياؤهم حزني علي أمواتهم

والميتون مسبة للغابر

وفي مناقب ابن شهر آشوب [3: 221]: فقال ابن عبّاس:

سبّوا الإله وكذّبوا بمحمد

والمرتضي ذاك الوصي الطاهر

أحياؤهم خزي علي أمواتهم

والميتون فضيحة للغابر

وقال العبدي:

وقد روي عكرمة في خبر

ما شك فيه أحد ولا

امتري

مرّ ابن عبّاس علي قوم وقد

سبوا علياً فاستراع وبكي

وقال مغتاظاً لهم أيكم

سب إله الخلق جلّ وعلا

قالوا معاذ الله قال أيكم

سب رسول الله ظلماً واجتري

قالوا معاذ الله قال أيكم

سب علياً خير من وطئ الحصي

قالوا نعم قد كان ذا فقال قد

سمعت والله النبي المجتبي

يقول من سب علياً سبني

وسبني سب الإله واكتفي

وفي «فضائل الخمسة» [2: 225]: قال المتقي الهندي في «كنز العمال» [6: 405]: قال: عن أبي صادق قال: قال عليّ(عليه السلام): حسبي حسب رسول الله(صلي الله عليه وآله) وديني دينه، فمن تناول مني شيئاً فإنما تناوله من رسول الله(صلي الله عليه وآله).

قال: أخرجه الخطيب في «المتفق» وابن عساكر.

وفيه أيضاً ما ذكره الهيثمي في مجمعه [9: 129] قال: وعن أبي بكر بن خالد بن عرفطة: أنه أتي سعد بن مالك فقال: بلغني أنكم تعرضون علي سب عليّ بالكوفة، فهل سببته؟ قال: معاذ الله، والذي نفس سعد بيده لقد سمعت رسول الله(صلي الله عليه وآله) يقول في عليّ شيئاً، لووضع المنشار علي مفرقي ما سببته أبداً.

قال رواه أبو يعلي وإسناده حسن.

أقول وبالله بالتوفيق: كيف لا يكون سبه(عليه السلام) سباً للنبي(صلي الله عليه وآله) وقد أخبرنا الله بكل وضوح في آية المباهلة بأنه(عليه السلام) نفس النبي(صلي الله عليه وآله) واتفقت علي ذلك كلمة أهل التفسير علي اختلاف مذاهبهم. ولو لم يكن لنا ما دلّ علي أن علياً(عليه السلام) هو نفس الرسول(صلي الله عليه وآله)سوي هذه الآية الكريمة لكانت كفاية لمن كان له قلب أو ألقي السمع وهو شهيد. ومع ذلك فقد كان عليه الصلاة والسلام كثيراً ما يقول في معرض الإنذار لأقوام: لتنتهنّ أو لأبعثنّ إليكم رجلاً هو عندي كنفسي. فليضربن أعناق مقاتليهم وليسبين ذراريهم، قال: فرآي النّاس أنه يعني

أبا بكر أو عمر فأخذ بيد عليّ(عليه السلام) فقال: هذا. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد.

قال المؤلف: وذكره المتقي الهندي في «كنز العمال» [6: 415] والهيثمي في مجمعه [9: 134] وقال: رواه أبو يعلي. وذكره في [ص163] وقال: رواه البزار.

وفي «خصائص النسائي» [ص89 ط. نينوي الحديثة طهران] روي بسنده عن اُبي بن كعب قال: قال رسول الله(صلي الله عليه وآله): لينتهينّ بنو وليعة أو لأبعثنّ عليهم رجلاً كنفسي، ينفذ فيهم أمري، فيقتل المقاتلة، ويسبي الذرية. قال اُبي بن كعب: فما راعني إلاّ وكف عمر في حجزتي من خلفي، وقال: من يعني؟ قلت: إياك يعني وصاحبك، قال: فمن يعني؟ قلت: خاصف النعل، قال: وعليّ يخصف النعل.

قال المؤلف: وكان اُبي قد استهزأ بعمر أولاً، فقال له: إياك يعني وصاحبك، فأحس بذلك عمر وأنه قد استهزأ به، فاستفهمه ثانياً، فبيّن له علي وجه الجد أنه(صلي الله عليه وآله)يعني علياً(عليه السلام). وذكر مثله الطبري في «الرياض النضرة» [2: 164]: عن زيد ابن نفيع، وقال: أخرجه أحمد في «المناقب».

وفي «الكشاف للزمخشري» في تفسير قوله تعالي: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبيّنوا) [الحجرات: 6].

قال: بعث رسول الله(صلي الله عليه وآله) الوليد بن عقبة أخا عثمان لأمه، «إلي أن قال» مصدقاً إلي بني المصطلق، وكانت بينه وبينهم إحنة، فلما شارف ديارهم ركبوا مستقبلين له، فحسبهم مقاتليه فرجع وقال لرسول الله(صلي الله عليه وآله): قد ارتدّوا ومنعوا الزكاة، فغضب رسول الله(صلي الله عليه وآله) وهمّ أن يغزوهم، فبلغ القوم فوردوا وقالوا: نعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله، فاتهمهم فقال(صلي الله عليه وآله): لتنتهن أو لأبعثنّ إليكم رجلاً هو عندي كنفسي، يقاتل مقاتلكم ويسبي ذراريكم، ثم ضرب بيده علي كتف عليّ(عليه

السلام).

وفي «مجمع الزوائد» للهيثمي [7: 110] قال: وعن جابر بن عبدالله قال: بعث رسول الله(صلي الله عليه وآله) الوليد بن عقبة إلي بني وليعة، وساق الحديث إلي أن قال: فقال رسول الله(صلي الله عليه وآله): لينتهين بنو وليعة أو لأبعثنّ إليهم رجلاً كنفسي يقتل مقاتلهم ويسبي ذراريهم، وهو هذا، ثم ضرب بيده علي كتف عليّ بن أبي طالب(عليه السلام). الحديث. قال: رواه الطبراني في «الأوسط».

وفي «الاستيعاب» لابن عبد البر [2: 464] قال: وروي معمر عن طاووس عن أبيه عن المطلب بن عبدالله بن حنطب قال: قال رسول الله(صلي الله عليه وآله) لوفد ثقيف حين جاءه: لتسلمن أو لأبعثنّ رجلاً مثل نفسي، فليضربن أعناقكم، وليسبين ذراريكم، وليأخذن أموالكم. قال عمر: فوالله ما تمنيت الإمارة إلاّ يومئذ، وجعلت أنصب صدري له، رجاء أن يقول: هو هذا، قال: فالتفت إلي عليّ فأخذ بيده، ثم قال: هو هذا. وذكره الطبري أيضاً في الرياض النضرة [2: 164] وقال فيه: رجلاً مني، أو قال: رجلاً مثل نفسي، وقال في آخره: هو هذا، هو هذا مرّتين.

قال السيد المؤلف: وفي روايات اُخري ما يناسب ذكرها:

أحدها: ما رواه الحاكم في «المستدرك» [3: 126] روي بسنده عن ابن عبّاس أن النبي(صلي الله عليه وآله)قال في خطبته في حجة الوداع: لأقتلن العمالقة في كتيبة، فقال جبرئيل(عليه السلام): أو عليّ، قال(صلي الله عليه وآله): أو عليّ بن أبي طالب.

وثانيها: ما ذكره الطبري في «الرياض النضرة» [2: 164] قال: وعن أنس بن مالك قال: قال(صلي الله عليه وآله): ما من نبي إلاّ وله نظير في اُمته. وعليّ نظيري. قال: أخرجه القلعي.

وثالثها: ما ذكره المناوي في «فيض القدير» [4: 356]: في المتن، وذكره المتقي في «كنز العمال» في [11:

602 ط. مؤسسة الرسالة] تحت رقم 32908: عليّ أصلي وجعفر فرعي.

قالا: رواه الطبراني، والضياء عن عبدالله بن جعفر. انتهي.

فهذه بعض الروايات الدالّة علي كون عليّ(عليه السلام) نفسه صلوات الله عليه وآله، وقد نقلت إلينا عن الرواة الثقات البارزين، واقتصرنا علي القدر المذكور علي سبيل التبرّك، ولنذكر الآن ما ورد من الأخبار ما يتضمن فيها قوله عليه الصلاة والسلام: «عليّ مني وأنا من عليّ»:

صحيح البخاري في الصلح في باب «يكتب: هذا ما صالح فلان بن فلان» روي بسنده عن البراء بن عازب قال: اعتمر النبي(صلي الله عليه وآله) في ذي القعدة، فأبي أهل مكة أن يدعوه يدخل مكة حتي قاضاهم علي أن يقيم بها ثلاثة أيام، فلما كتبوا الكتاب كتبوا: هذا ما قاضي عليه محمد رسول الله، فقالوا: لا نقرّ بها، فلو نعلم أنك رسول الله ما منعناك، ولكن أنت محمد بن عبدالله، قال(صلي الله عليه وآله): أنا رسول الله وأنا محمد بن عبدالله، ثم قال لعليّ(عليه السلام): امح رسول الله، قال(عليه السلام): لا والله لا أمحوك أبداً، فأخذ رسول(صلي الله عليه وآله) الكتاب فكتب: هذا ما قاضي عليه محمد بن عبدالله، لا يدخل مكة سلاح إلاّ في القراب، وأن لا يخرج أهلها بأحد إن أراد أن يتبعه، وأن لا يمنع أحداً من أصحابه إن أراد أن يقيم بها. فلما دخلها ومضي الأجل، أتوا علياً(عليه السلام) فقالوا: قل لصاحبك فقد مضي الأجل، فخرج النبي(صلي الله عليه وآله)فتبعتهم ابنة حمزة تنادي: يا عم يا عم فتناولها عليّ(عليه السلام) فأخذ بيدها وقال لفاطمة(عليها السلام): دونك ابنة عمك فحملتها، فاختصم فيها علي وزيد وجعفر، فقال عليّ: أنا أحق بها وهي ابنة عمي، وقال جعفر: ابنة عمي وخالتها تحتي، وقال

زيد: ابنة أخي، فقضي بها النبي(صلي الله عليه وآله) لخالتها وقال: الخالة بمنزلة الاُم. وقال لعليّ: أنت مني وأنا منك. وقال لجعفر: أشبهت خلقي وخلقي، وقال لزيد: أنت أخونا ومولانا.

قال السيد مرتضي الحسيني: وذكره البخاري ثانياً بعينه سنداً ومتناً في كتاب «بدء الخلق في باب عمرة القضاء». ورواه البيهقي أيضاً في سند عن البراء [8: 5]وأحمد بن حنبل في مسنده [1: 98] عن هاني بن هاني عن عليّ(عليه السلام). والحاكم في «المستدرك» [3: 120]عن هاني بن هاني. والطحاوي في «مشكل الآثار» [4: 173] والخطيب البغدادي في تأريخه [4: 140] عن هاني بن هبيرة عن عليّ(عليه السلام).

صحيح الترمذي [2: 297] روي بسنده عن عمران بن حصين قال: بعث رسول الله(صلي الله عليه وآله) جيشاً واستعمل عليهم عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) فمضي في السرية فأصاب جاريةً فأنكروا عليه، وتعاقد أربعة من أصحاب رسول الله(صلي الله عليه وآله) فقالوا: إذا لقينا رسول الله أخبرناه بما صنع عليّ. وكان المسلمون إذا رجعوا من السفر بدؤوا برسول الله(صلي الله عليه وآله)فسلّموا عليه ثم انصرفوا إلي رحالهم، فلما قدمت السرية سلّموا علي النبي(صلي الله عليه وآله) فقام أحد الأربعة فقال: يا رسول الله ألم تر الي عليّ بن أبي طالب صنع كذا وكذا؟ فأعرض عنه(صلي الله عليه وآله)، ثم قام الثاني فقال مثل مقاله، فأعرض عنه. ثم قام الثالث فقال مثل مقاله، فأعرض عنه، ثم قام الرابع فقال مثل ما قالوا، فأقبل رسول الله(صلي الله عليه وآله) والغضب يعرف في وجهه فقال: ما تريدون من عليّ؟ ما تريدون من عليّ؟ ما تريدون من عليّ؟ إن علياً مني وأنا منه، وهو وليّ كل مؤمن بعدي.

قال السيد الحسيني: ورواه أحمد بن حنبل

في مسنده [4: 437] والحاكم في «المستدرك» [3: 110] وأبو داود الطيالسي في مسنده [3: 111] وأبو نعيم في «حلية الأولياء» [6: 294] والمتقي في «كنز العمال» [6: 399] وفي صحيح الترمذي أيضاً [2: 299]روي بسنده عن البراء بن عازب أن النبي(صلي الله عليه وآله) قال لعليّ بن أبي طالب(عليه السلام): أنت مني وأنا منك. ورواه النسائي أيضاً في «الخصائص ص19».

وفي الصفحة المذكورة روي أيضاً بسنده عن حبشي بن جنادة قال: إن النبي(صلي الله عليه وآله)قال: عليّ مني وأنا من عليّ، ولا يؤدّي عني إلاّ أنا أو عليّ.

قال السيد الحسيني: ورواه ابن ماجة في صحيحه [ص12] وأحمد بن حنبل في مسنده [4: 164] بطريقين، وبثلاثة طرق في [ص165]. والنسائي في الخصائص بطريقين أحدهما في [ص19] والآخر في [ص20]. والطبري في «الرياض النضرة» [2: 174].

وفي مسند الإمام أحمد بن حنبل [1: 108] روي بسند عن هاني بن هاني عن عليّ ابن أبي طالب(عليه السلام) قال: أتيت النبي(صلي الله عليه وآله) وجعفر وزيد، فقال لزيد: أنت مولاي فخجل، وقال لجعفر: أنت أشبهت خلقي وخلقي فخجل وراء زيد: وقال لي: أنت مني وأنا منك، فخجلت وراء جعفر. ورواه البيهقي أيضاً في سننه [10: 226] والنسائي في «الخصائص» [ص51]باختلاف اللفظ.

وفي مسند الإمام أحمد أيضاً [6: 489 ط. مؤسسة التاريخ العربي] روي بسنده عن بريدة قال: بعث رسول الله(صلي الله عليه وآله) بعثين إلي اليمن علي أحدهما عليّ بن أبي طالب وعلي الآخر خالد بن الوليد، فقال(صلي الله عليه وآله): إذا التقيتم فعليٌّ علي الناس، وإن افترقتما فكل واحد منكما علي جنده، قال فلقينا بني زيد من أهل اليمن فاقتتلنا، فظهر المسلمون علي المشركين، فقتلنا المقاتلة، وسبينا الذرية، فاصطفي عليٌّ(عليه

السلام) امرأة من السبي لنفسه، قال بريدة: فكتب معي خالد بن الوليد إلي رسول الله(صلي الله عليه وآله) يخبره بذلك، فلما أتيت النبي(صلي الله عليه وآله)دفعت الكتاب اليه فقرئ عليه، فرأيت الغضب في وجه رسول الله(صلي الله عليه وآله) فقلت يا رسول الله هذا مكان العائذ، بعثتني مع رجل وأمرتني أن اُطيعه ففعلت ما اُرسلت به، فقال رسول الله(صلي الله عليه وآله): لا تقع في عليّ فإنه منّي وأنا منه، وهو وليّكم بعدي، وإنه مني وأنا منه، وهو وليكم بعدي.

قال السيد الحسيني: ورواه النسائي باختلاف في بعض الألفاظ، قال فيه: وكتب بذلك خالد إلي النبي(صلي الله عليه وآله) وأمرني أن أنال منه «أي من عليّ» قال: فدفعت الكتاب إليه(صلي الله عليه وآله)ونلت من علي، فتغيّر وجه رسول الله(صلي الله عليه وآله) وقال: لا تبغّضن يا بريدة لي علياً، فإن علياً منّي وأنا منه، وهو وليّكم بعدي.

وذكره الهيثمي أيضاً في مجمعه [9: 128] وقال فيه: فخرج «أي رسول الله» مغضباً فقال: ما بال أقوام ينتقصون علياً، من تنقص علياً فقد تنقصني، ومن فارق علياً فقد فارقني، إن علياً مني وأنا منه، خلق من طينتي، وخلقت من طينة إبراهيم، وأنا أفضل من إبراهيم … «إلي أن قال»: يا بريدة أما علمت أن لعليّ أكثر من الجارية التي أخذ، وإنه وليّكم بعدي؟ فقلت: يا رسول الله بالصحبة إلاّ لبسطت يدك فبايعتني علي الاسلام جديداً، قال: فما فارقته حتي بايعته علي الاسلام. انتهي.

وفي «الخصائص للنسائي» [ص19] روي بسنده عن عمران بن حصين قال: قال رسول الله(صلي الله عليه وآله): إن علياً منّي وأنا منه، وولي كل مؤمن بعدي.

وفي [ص36] روي بسنده عن اسامة بن زيد عن أبيه قال: قال

رسول الله(صلي الله عليه وآله): أمّا أنت يا عليّ فختني وأبو ولدي، أنت منّي وأنا منك.

وفي تأريخ ابن جرير الطبري [2: 197]: روي بسنده عن أبي رافع عن أبيه قال: أبصر رسول الله(صلي الله عليه وآله) جماعة من مشركي قريش، فقال لعليّ(عليه السلام): إحمل عليهم، فحمل عليهم ففرق جمعهم، وقتل عمرو بن عبدالله الجمحي، قال: ثم أبصر رسول الله(صلي الله عليه وآله)جماعة من مشركي قريش، فقال لعليّ(عليه السلام): إحمل عليهم، فحمل عليهم ففرق جماعتهم وقتل شيبة ابن مالك أحد بني عامر بن لؤي، فقال جبرئيل: يا رسول الله أن هذه للمواساة، فقال رسول الله(صلي الله عليه وآله): إنه منّي وأنا منه، فقال جبرئيل: وأنا منكما، قال: فسمعوا صوتاً «لا سيف إلاّ ذوالفقار ولا فتي إلاّ عليّ».

وفي «الرياض النضرة» للطبري [2: 172] قال: وعن أبي رافع قال: لما قتل عليّ صاحب الألوية يوم اُحد، قال جبرئيل(عليه السلام): يا رسول الله إن هذه للمواساة، فقال له النبي(صلي الله عليه وآله): إنه منّي وأنا منه، فقال جبرئيل(عليه السلام): وأنا منكما يا رسول الله.

قال السيد الحسيني: وذكره الهيثمي في مجمعه [6: 114]، والمتقي في «كنز العمال» [6: 400] نقلاً عن الطبراني.

وفي «الرياض النضرة» [2: 202] قال: روي أبو سعيد في «شرف النبوّة»: أنّ رسول الله(صلي الله عليه وآله) قال لعليّ(عليه السلام): «اُوتيت ثلاثاً لم يؤتهن أحد ولا أنا، اُوتيت صهراً مثلي ولم اُوت صهراً مثلي، واُوتيت زوجة صدّيقة مثل ابنتي ولم أوت مثلها زوجة، واُوتيت الحسن والحسين من صلبك، ولم اُوت من صلبي مثلهما، ولكنكم مني وأنا منكم».

سوره طه، آيه 26-25

اشاره

في قوله تعالي: (رَبِّ اشرح لي صدري - ويسّر لي أَمري) [طه: 25 26].

روي السيوطي في «الدر المنثور» [5: 565] في

ذيل هذه الآيات حديثاً نقله عنه جماعة وذكروه في كتبهم، منهم الطباطبائي في تفسيره «الميزان» في [14: 159]، والإمام المظفر في كتابه «دلائل الصدق» [3: 341]، والسيد مرتضي الحسيني في كتابه «فضائل الخمسة» [1: 371] وغيرهم.

قال الإمام المظفر: قال السيوطي في «الدر المنثور»: أخرج ابن مردويه، والخطيب وابن عساكر عن أسماء بنت عميس قالت: رأيت رسول الله(صلي الله عليه وآله) بإزاء ثبير وهو يقول: «أشرق ثبير أشرق ثبير، اللهم إني أسألك بما سألك أخي موسي، أن تشرح لي صدري، وأن تيسّر لي أمري، وأن تحلّ عقدة من لساني يفقهوا قولي، واجعل لي وزيراً من أهلي، عليّاً أخي، أشدد به أزري، وأشركه في أمري، كي نسبّحك كثيراً ونذكرك كثيراً، إنك كنت بنا بصيراً».

وقال السيوطي أيضاً: وأخرج السلفي في «الطيورات» بسند رواه عن أبي جعفر ابن عليّ(عليه السلام) قال: لما نزلت: (واجعل لي وزيراً من أهلي - هارون أخي اشدد به أزري)كان رسول الله(صلي الله عليه وآله) علي جبل، ثم دعا به وقال: «اللهم اشدد أزري بأخي عليّ»، فأجابه إلي ذلك.

وفي «دلائل الصدق» أيضاً ما نقله ابن الجوزي في «تذكرة الخواص» عن أحمد بن حنبل في «الفضائل» عن ابن عباس قال: أخذ النبي(صلي الله عليه وآله) بيد عليّ وبيدي ونحن بمكة، وصلّي أربع ركعات ورفع بيده إلي السماء فقال: «اللهم موسي بن عمران سألك، وأنا محمد نبيك أسألك، أن تشرح لي صدري، وتحلّ عقدة من لساني يفقهوا قولي، وإجعل لي وزيراً من أهلي، عليّ بن أبي طالب أخي، أشدد به أزري، وأشركه في أمري». قال ابن عباس: سمعت منادياً ينادي: «يا أحمد، قد اوتيت ما سألت».

وقال القندوزي الحنفي في كتابه «ينابيع المودّة» [ص87] وفي مسند أحمد بن

حنبل بسنده عن النسيم قال: سمعت رجلاً من خثعم يقول: إني سمعت رسول الله(صلي الله عليه وآله)يقول: «اللهم إنّي أقول كما يقول أخي موسي: اللهم اجعل لي وزيراً من أهلي عليّاً أخي، أشدد به أزري، وأشركه في أمري، كي نسبحك كثيراً، ونذكرك كثيراً، إنك كنت بنا بصيراً».

وفي «نور الأبصار» للشبلنجي [ص86 ط. دار الفكر]، يوجد بعض الاختلاف في متن الرواية المنقولة عن تفسير الفخر الرازي الكبير كما في [6: 26 ط. دار إحياء التراث العربي] في ذيل قوله تعالي: (إنما وليكم الله ورسوله) [المائدة: 55].

قال: وعن أبي ذر الغفاري(رضي الله عنه) قال: صلّيت مع رسول الله(صلي الله عليه وآله) يوماً من الأيام الظهر، فسأل سائل في المسجد فلم يعطه أحد، فرفع السائل يده إلي السماء وقال: اللهم إشهد أني سألت في مسجد الرسول محمّد(صلي الله عليه وآله) فلم يعطني أحد شيئاً، وكان عليّ(عليه السلام) في الصلاة راكعاً، فأومأ إليه بخنصره اليمني وفيها خاتم، فأقبل السائل وأخذ الخاتم من خنصره، وذلك بمرآي النبي(صلي الله عليه وآله) وهو في المسجد، فرفع رسول الله(صلي الله عليه وآله) طرفه إلي السماء وقال: «اللهم إن أخي موسي سألك فقال: رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي، واجعل لي وزيراً من أهلي، هارون أخي أشدد به أزري، وأشركه في أمري، فأنزلت عليه قرآناً: (سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطاناً فلا يصلون إليكما) اللهم وأنا محمد نبيك وصفيك، فاشرح لي صدري، ويسّر لي أمري، واجعل لي وزيراً من أهلي علياً، أشدد به أزري». قال أبو ذر: فو الله ما أتم رسول الله(صلي الله عليه وآله)هذه الكلمة حتي نزل جبرئيل فقال: يا محمد إقرأ: (إنما وليكم الله

ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) قال: نقله أبو اسحاق أحمد الثعلبي في تفسيره.

أقول وفقني الله للصواب بمنّه وكرمه: قد دعا رسول الله(صلي الله عليه وآله) ربّه عزّوجلّ كدعاء موسي(عليه السلام) المحكي في الكتاب العزيز، وظهر في مضمون دعائه سؤاله(صلي الله عليه وآله) بأن يجعل له وزيراً من أهله، وهو مما لا جدال فيه أخوه عليّ(عليه السلام) ليشركه في أمره، ويشدد به أزره، ثم إنه(صلي الله عليه وآله) فيما عدا ذلك قد بيّن لاُمته بياناً واضحاً وضوح النور علي الطور، في غير مكان، بأن علياً(عليه السلام) أخوه ووزيره وخير من خلفه بعده، مثلما كان لهارون من موسي(عليهما السلام) من المنزلة حين خلّفه في قومه، وكم من روايات وأخبار وردت عن النبي(صلي الله عليه وآله) في ذلك قد سجّلها الحفّاظ المشهورون بين الاُمة المحمّدية مع اختلاف مذاهبهم، منها ما ورد في أن علياً(عليه السلام) أخو النبي(صلي الله عليه وآله)، ومنها في كونه وزيراً له(صلي الله عليه وآله)، ومنها في أنه(عليه السلام) بمنزلة هارون من موسي(عليهما السلام)، وسنذكر بعون الله كل رواية في بابها وموضعها.

في أن عليا أخو النبي

وأما ما ورد في أن علياً(عليه السلام) أخو النبي(صلي الله عليه وآله) فقد ذكر السيد المرتضي الحسيني الفيروزآبادي في كتابه «فضائل الخمسة» [1: 318 332]: عن المستدرك [3: 126]روي بسنده عن ابن عباس قال: كان عليّ(عليه السلام) يقول في حياة رسول الله(صلي الله عليه وآله): إن الله يقول: (أفإِن مات أو قتل انقلبتم علي أعقابكم)، والله لا ننقلب علي أعقابنا بعد إذ هدانا الله، والله لئن مات أو قتل لاُقاتلنّ علي ما قاتل عليه حتي أموت، والله إني لأخوه ووليه وابن عمه ووارث علمه، فمن أحق به مني؟

وفي

«صحيح الترمذي» [2: 299] روي بسنده عن ابن عمر قال: آخي رسول الله(صلي الله عليه وآله)بين أصحابه، فجاء عليّ(عليه السلام) تدمع عينه فقال: يا رسول الله آخيت بين أصحابك ولم تؤاخِ بيني وبين أحد، فقال له رسول الله(صلي الله عليه وآله): «أنت أخي في الدنيا والآخرة». ورواه الحاكم في المستدرك [3: 14] والمناوي في «كنوز الحقائق» مختصراً.

وفي صحيح ابن ماجة [ص12] روي بسنده عن عباد بن عبدالله عن عليّ(عليه السلام)قال: قال عليّ(عليه السلام): «أنا عبدالله وأخو رسول الله(صلي الله عليه وآله)، وأنا الصديق الأكبر، لا يقولها بعدي إلاّ كذّاب، صلّيت قبل النّاس بسبع سنين». ورواه الحاكم أيضاً في المستدرك [3: 111]، وابن جرير الطبري في تاريخه [2: 56]، والنسائي في خصائصه [3: 18] باختصار، والمتقي الهندي في كنز العمال [6: 394]، وفي [ص396] أيضاً، وقال في آخره: «لا يقولهما أحد بعدي إلاّ كاذب». فقالها رجل فأصابته جنّة. وذكره المحب الطبري أيضاً في «الرياض النضرة» [2: 155] وقال خرّجه القلعي.

وفي «مستدرك الصحيحين» [3: 159] روي بسنده عن أسماء بنت عميس قالت: كنت في زفاف فاطمة بنت رسول الله(صلي الله عليه وآله)، فلما أصبحنا جاء النبي(صلي الله عليه وآله) إلي الباب فقال: يا اُم أيمن إدعي لي أخي، فقالت: هو أخوك وتنكحه؟ قال: نعم يا اُم أيمن، فجاء عليّ(عليه السلام)فنضح النبي(صلي الله عليه وآله) من الماء ودعا له، ثم قال: إدعي فاطمة، قالت: فجاءت تعثر من الحياء، فقال لها رسول الله(صلي الله عليه وآله): اُسكني فقد أنكحتك أحب أهل بيتي. «الحديث» وروي ابن سعد في طبقاته [8: 14] حديثاً قال فيه:

فجاء رسول الله(صلي الله عليه وآله) فاستفتح فخرجت اُم أيمن، فقال: أثم أخي؟ قالت: وكيف يكون أخاك

وقد أنكحته ابنتك؟ قال: فإنه كذلك. وذكره أيضاً الهيثمي في «مجمع الزوائد» [9: 205]، والنسائي في الخصائص [ص32].

وفي «كنز العمال» للمتقي الهندي [3: 155] قال: عن زافر عن رجل عن الحارث بن محمد عن أبي الطفيل عامر بن واثلة قال: كنت علي الباب يوم الشوري، فارتفعت الأصوات بينهم، فسمعت علياً(عليه السلام) يقول: بايع النّاس لأبي بكر وأنا والله أولي بالأمر منه، وأحق به منه، فسمعت وأطعت، مخافة أن يرجع النّاس كفاراً يضرب بعضهم رقاب بعض بالسيف، ثم بايع الناس عمر، وأنا والله أولي بالأمر منه، وأحق به منه، فسمعت وأطعت مخافة أن يرجع النّاس كفاراً يضرب بعضهم رقاب بعض بالسيف. ثم أنتم تريدون أن تبايعوا عثمان، إذن أسمع واُطيع، إن عمر جعلني في خمسة نفر أنا سادسهم لا يعرف لي فضلاً عليهم في الصلاح، ولا يعرفونه لي، كلّنا فيه شرع سواء، وأيم الله لو أشاء أن أتكلم ثم لا يستطيع عربيهم ولا عجميهم ولا المعاهد منهم ولا المشرك ردّ خصلة منها فعلت، ثم قال: نشدتكم بالله أيُّها النفر جميعاً، أفيكم أحد أخو رسول الله(صلي الله عليه وآله)غيري؟ قالوا: اللهم لا. «ثم ساق الحديث طويلاً».

وفي «كنز العمال» أيضاً [3: 154] ذكر حديثاً مسنداً عن أبي ذر قال: لما كان أول يوم في البيعة لعثمان، اجتمع المهاجرون والأنصار في المسجد، وجاء علي بن أبي طالب(عليه السلام)فأنشأ يقول: إن أحق ما ابتدأ به المبتدئون، ونطق به الناطقون، وتفوّه به القائلون حمد الله والثناء عليه بما هو أهله، والصلاة علي النبي(صلي الله عليه وآله) ثم ساق خطبةً طويلة إلي أن قال: أناشدكم الله، هل تعلمون أن رسول الله(صلي الله عليه وآله) قال: لما اُسري بي إلي السماء السابعة، رفعت

إليّ رفارف من نور، ثم رفعت إليّ حجب من نور. فاُوحي إلي النبي(صلي الله عليه وآله)أشياء، فلما رجع من عنده، نادي مناد من وراء الحجب: يا محمد نعم الأب أبوك إبراهيم(عليه السلام)، نعم الأخ أخوك عليّ(عليه السلام) تعلمون معاشر المهاجرين والأنصار كان هذا؟ فقال عبد الرحمن بن عوف من بينهم: سمعتها من رسول الله(صلي الله عليه وآله) بهاتين وإلاّ فصمّتا. «الحديث».

وفي «ذخائر العقبي» للمحب الطبري [ص92] قال: عن أنس بن مالك قال: صعد رسول الله(صلي الله عليه وآله) المنبر فذكر قولاً كثيراً ثم قال: أين عليّ بن أبي طالب؟ فوثب إليه فقال: ها أنا ذا يا رسول الله، فضمه إلي صدره وقبّل بين عينيه وقال(صلي الله عليه وآله) بأعلي صوته: «معاشر المسلمين، هذا أخي وابن عمي وختني، هذا لحمي ودمي وشعري، هذا أبو السبطين الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة». الحديث.

وفي «الاستيعاب في معرفة الأصحاب» لابن عبد البر [2: 460]: روي بسنده عن أبي الطفيل قال: لما احتضر عمر جعلها شوري بين عليّ(عليه السلام) وعثمان وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد، فقال لهم عليّ(عليه السلام): «أنشدكم الله، هل فيكم أحد آخي رسول الله(صلي الله عليه وآله)بينه وبينه إذ آخي بين المسلمين غيري؟ قالوا: اللهم، لا». قال: وروينا من وجوه عن عليّ(عليه السلام) إنّه كان يقول: «أنا عبدالله وأخو رسول الله، لا يقولها أحد غيري إلاّ كذّاب».

وفي «الرياض النضرة» للطبري [2: 168]، قال: وعن عمر بن عبدالله عن أبيه عن جده أن النبي(صلي الله عليه وآله) آخي بين النّاس وترك علياً(عليه السلام) حتي بقي آخرهم لا يري له أخاً، فقال(عليه السلام): يا رسول الله، آخيت بين النّاس وتركتني، قال(صلي الله عليه وآله): ولم تراني تركتك؟ إنما

تركتك لنفسي، أنت أخي وأنا أخوك، فإن ذكرك أحد قل: أنا عبدالله وأخو رسوله، لا يدّعيها بعدي إلاّ كذّاب. وذكره المتقي الهندي في «كنز العمال» [6: 153] وقال: أخرجه ابن عدي في «الكامل».

وفي «حلية الأولياء» لأبي نعيم [7: 256]: روي بسنده عن جابر قال: قال رسول الله(صلي الله عليه وآله): «مكتوب علي باب الجنة: لا إله إلاّ الله، محمد رسول الله، عليّ أخو رسول الله(صلي الله عليه وآله)قبل أن يخلق السماوات والأرض بألفي عام».

ورواه الخطيب البغدادي أيضاً في تاريخه [7: 387]، وذكره المتقي الهندي أيضاً في «كنز العمال» [6: 159] نقلاً عن الخطيب في «المتفق والمفترق»، وذكره المناوي في «فيض القدير» [4: 355] نقلاً عن الطبراني في «الأوسط».

وفي الإصابة للعسقلاني [8: 183] في ترجمة ليلي الغفارية قال: وأخرج ابن مندة من رواية عليّ بن هاشم بن البريد حدّثتني ليلي الغفارية قالت: كنت أغزو مع النبي(صلي الله عليه وآله)فاُداوي الجرحي وأقوم علي المرضي، فلما خرج عليّ(عليه السلام) إلي البصرة خرجت معه، فلما رأيت عائشة أتيتها فقلت: هل سمعت من رسول الله(صلي الله عليه وآله) فضيلة في عليّ(عليه السلام)؟ قالت: نعم، دخل علي رسول الله(صلي الله عليه وآله) وهو معي، وعليه جرد قطيفة، فجلس بيننا، فقلت: أما وجدت مكاناً أوسع لك من هذا؟ فقال النبي(صلي الله عليه وآله): «يا عائشة دعي لي أخي، فإنه أول النّاس إسلاماً، وآخر النّاس بي عهداً، وأول النّاس لي لقياً يوم القيامة».

وفي «مناقب آل أبي طالب» [2: 184]، للحافظ الشهير محمد بن علي بن شهرآشوب قال: صارا أخوين «أي النبي وعليّ» من ثلاثة أوجه:

أولها: لقوله(صلي الله عليه وآله): لا زال ينقله من الآباء الأخاير «الخبر».

الثاني: أن فاطمة بنت أسد ربّته حتي قال(صلي

الله عليه وآله): هذه أمي، وكان(صلي الله عليه وآله) عند أبي طالب من أعز أولاده، رباه في صغره وحماه في كبره، ونصره باللسان والمال والسيف والأولاد والهجرة، والأب أبوان: أب ولادة، وأب إفادة، ثم إن العم والد، قال تعالي حكاية عن يعقوب: (ما تعبدون من بعدي) الآية، وإسماعيل كان عمه، وقوله تعالي حكاية عن إبراهيم: (وإذ قال ابراهيم لأبيه آزر) قال الزجاح: أجمع النسابة أن اسم أبي إبراهيم تارخ، يعني أن آزر عمه.

والثالث: آخاه في عدة مواضع: يوم بيعة العشيرة حين لم يبايعه أحدٌ بايعه عليّ، علي أن يكون له أخاً في الدارين، وقال(صلي الله عليه وآله) في مواضع كثيرة، منها يوم خيبر: أنت أخي ووصيّي. وفي يوم المؤاخاة ما ظهر عند الخاص والعام صحته، وقد رواه ابن بطة من ستة طرق، وروي أنه كان النبي(صلي الله عليه وآله) بالنخيلة وحوله سبعمئة وأربعون رجلاً فنزل جبرئيل وقال: إن الله تعالي آخي بين الملائكة وبيني وبين ميكائيل، وبين إسرافيل وبين عزرائيل، وبين دردائيل وبين راحيل، فآخي النبي(صلي الله عليه وآله) بين أصحابه.

قال: وفي تاريخ البلاذري والسلامي وغيرهما عن ابن عباس وغيره: لما نزل قوله تعالي: (إنما المؤمنون إخوة) آخي رسول الله بين الأشكال والأمثال، فآخي أبا بكر وعمر، وبين عثمان وعبد الرحمن بن عوف «وساق الحديث إلي أن قال»: حتي آخي بين أصحابه بأجمعهم علي قدر منازلهم، ثم قال(صلي الله عليه وآله): «أنت أخي وأنا أخوك يا عليّ».

وقال: وفي «فضائل السمعاني» روي أبو الصلت الأهوازي بإسناده عن طاووس عن جابر، أن النبي(صلي الله عليه وآله) رأي علياً(عليه السلام) فقال: «هذا أخي وصاحبي ومن باهي الله به ملائكته، ومن يدخل الجنة بسلام».

وروي عن الصّادق(عليه السلام) قال: «ولما

آخي رسول الله(صلي الله عليه وآله) بين الصحابة وترك علياً، فقال له(عليه السلام) في ذلك، فقال له النبي(صلي الله عليه وآله): إنما اخترتك لنفسي، أنت أخي وأنا أخوك في الدنيا والآخرة» فبكي عند ذلك وقال:

أقيك بنفسي أيها المصطفي الذي

هدانا به الرحمن من عمه الجهل

وأفديك حوبائي وما قدر مهجتي

لمن أنتمي منه إلي الفرع والأصل

ومن ضمّني مذ كنت طفلاً ويافعاً

وأنعشني بالبرّ والعل والنهل

ومن جدّه جدّي ومن عمه عمي

ومن أهله اُمي ومن بنته أهلي

ومن حين آخي بين من كان حاضراً

دعاني وآخاني وبيّن من فضلي

لك الفضل إني ما حييت لشاكر

لإتمام ما أوليت يا خاتم الرسل

وفي «كنز العمال» [13: 137 ط. مؤسسة الرسالة]، كما في فضائل الخمسة للحسيني [1: 326]: عن جابر قال: سمعت علياً(عليه السلام) ينشد ورسول الله(صلي الله عليه وآله) يسمع:

أنا أخو المصطفي لا شك في نسبي

معه رُبيتُ وسبطاه هما ولدي

جدّي وجدّ رسول الله منفرد

وفاطم زوجتي لاقول ذي فند

صدّقته وجميع النّاس في بهم

من الضلالة والإشراك والنكد

فالحمد لله شكراً لا شريك له

البرُّ بالعبد والباقي بلا أمد

فتبسّم رسول الله(صلي الله عليه وآله) وقال: صدقت يا علي.

أقول: وذكره الفنجكردي في «سلوة الشيعة» كما في «المناقب» لابن شهرآشوب [2: 187].

وقال ابن حماد في مناقب شهرآشوب [2: 188 189]:

واخاك أحمد إذ واخي صحابته

وكنت أنت له دون الأنام كفي

زوّجت فاطمة الزهراء اذ خطبت

ورد خطابها بالرغم والأسف

وقال الجماني:

وآخاهم مثلاً لمثل فأصبحت

أُخوّته كالشمس ضمت إلي البدر

فآخي علياً دونكم وأصاره

لكم علماً بين الهداية والكفر

وقال محمد بن علي العلوي:

وهو أخوه يوم آخي صحبه

ونفسه في المحكم المنزل

فإن أردت صدق ما أوضحته

وجدته في سورة المزمّل

في أن عليا وزير النبي

وأما الروايات الدالّة علي أن أمير المؤمنين(عليه السلام) وزير النبي(صلي الله عليه وآله) فسنذكر مما ذكره السيد الحسيني في «فضائل الخمسة» [1: 333] وغيره مما

رواه الحفاظ علي قدر ما يقوم به وجه الاستدلال، فمنهم:

ابن سعد في طبقاته [1: 187 ط. دار الفكر] روي بسنده عن علي(عليه السلام) قال: أمر رسول الله(صلي الله عليه وآله) خديجة وهو بمكة، فاتخذت له طعاماً ثم قال لعليّ(عليه السلام): أُدع لي بني عبد المطلب، فدعا أربعين، فقال لعليّ(عليه السلام): هلمّ طعامك، قال عليّ(عليه السلام): فأتيتهم بثريدة، إن كان الرجل منهم ليأكل مثلها، فأكلوا منها جميعاً حتي أمسكوا، ثم قال(صلي الله عليه وآله): اسقهم، فسقيتهم بإناء هو ريّ أحدهم، فشربوا منه جميعاً حتي صدروا، فقال أبو لهب: لقد سحركم محمد، فتفرّقوا، ولم يدعهم، فلبثوا أياماً، ثم صنع لهم مثله، ثم أمرني فجمعتهم فطعموا، ثم قال لهم: من يؤازرني علي ما أنا عليه، ويجيبني علي أن يكون أخي وله الجنة؟ فقلت: أنا يا رسول الله، وإني لأحدثهم سناً وأحمشهم ساقاً، وسكت القوم ثم قالوا: يا أبا طالب ألا تري إبنك؟ قال: دعوه فلن يألو ابن عمه خيراً.

وفي «كنز العمال» [13: 131، ح 36419 ط. مؤسسة الرسالة] قال: عن علي(عليه السلام) قال: لما نزلت هذه الآية علي رسول الله(صلي الله عليه وآله): (وأنذر عشيرتك الأقربين) دعاني رسول الله(صلي الله عليه وآله)فقال: يا عليّ! إن الله أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين، فضقت بذلك ذرعاً، وعرفت أني مهما اُناديهم بهذا الأمر أري منهم ما أكره، فصمتّ عليها حتي جاءني جبرئيل فقال: يا محمد إنك إن لم تفعل ما تؤمر به يعذّبك ربك، فاصنع لي صاعاً من طعام واجعل عليه رجل شاة، واجعل لنا عسّاً من لبن، ثم اجمع بني عبد المطلب حتي اُكلمهم واُبلغ ما أمرت به. ففعلت ما أمرني به، ثم دعوتهم وهم يومئذ أربعون رجلاً، يزيدون رجلاً

أو ينقصونه، فيهم أعمامه أبو طالب وحمزة والعباس وأبو لهب، فلما اجتمعوا إليه دعاني بالطعام الذي صنعته لهم فجئت به، فلما وضعته تناول النبي(صلي الله عليه وآله) جشب حزبة من اللحم، فشقها بأسنانه، ثم ألقاها في نواحي الصحفة ثم قال: كلوا باسم الله، فأكل القوم حتي نهلوا عنه ما نري إلاّ آثار أصابعهم، والله إن كان الرجل الواحد منهم ليأكل مثل ما قدمت لجميعهم، ثم قال: اسق القوم يا عليّ، فجئتهم بذلك العس فشربوا منه حتي رووا جميعاً، وأيم الله إن كان الرجل منهم ليشرب مثله، فلما أراد النبي(صلي الله عليه وآله) أن يكلمهم بدره أبو لهب إلي الكلام فقال: لقد سحركم صاحبكم، فتفرق القوم ولم يكلمهم النبي(صلي الله عليه وآله). فلما كان الغد فقال: يا عليّ إن هذا الرجل قد سبقني إلي ما سمعت من القول، فتفرق القوم قبل أن أكلمهم، فعد لنا مثل الذي صنعت بالأمس من الطعام والشراب ثم اجمعهم لي، ففعلت ثم جمعتهم، ثم دعاني بالطعام فقرّبته، ففعل به كما ما فعل بالأمس، فأكلوا وشربوا حتي نهلوا، ثم تكلم النبي(صلي الله عليه وآله)فقال:

«يا بني عبد المطلب، إني والله ما أعلم شاباً في العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به، إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه، فأيّكم يؤازرني علي أمري هذا؟» فقلت وأنا أحدثهم سناً وأرمصهم عيناً وأعظمهم بطناً وأحمشهم ساقاً: أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه، فأخذ برقبتي فقال: «إن هذا أخي ووصيّي وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا». فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع وتطيع لعليّ.

قال: أخرجه ابن إسحاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، وأبو نعيم، حق معاً

[147] في «الدلائل».

وقال السيد الحسيني: وجدت الحديث في تأريخ ابن جرير الطبري [2: 62]، كما ذكره المتقي في كنز العمال باختلاف يسير في الألفاظ.

وفي «الإصابة للعسقلاني» [1: 217] قال: ذكر الخطيب في «المؤتلف» من طريق القاسم بن خليفة، حدّثنا أبو يحيي التيمي، عن إسماعيل بن إبراهيم، عن مطين بن خالد، عن أنس بن مالك قال: كنا إذا أردنا أن نسأل رسول الله(صلي الله عليه وآله) عن شيء أمرنا علياً(عليه السلام) أو سلمان أو ثابت بن معاذ، لأنهم كانوا أجرأ أصحابه عليه، فلما نزلت: (إذا جاء نصر الله)فذكر حديثاً في فضل عليّ(عليه السلام) فيه: أنه أخي ووزيري وخليفتي في أهل بيتي وخير من أخلف بعدي. «الحديث».

وفي «كنز العمال» [6: 155] ولفظه: «ألا أرضيك يا عليّ؟ أنت أخي ووزيري، تقضي ديني وتنجز موعدي وتبرئ ذمتي، فمن أحبك في حياة منّي فقد قضي نحبه، ومن أحبك في حياة منك بعدي ختم الله له بالأمن والإيمان، ومن أحبك بعدي ولم يرك ختم الله له بالأمن والإيمان، وآمنه يوم الفزع، ومن مات وهو يبغضك ياعلي مات ميتة جاهلية، يحاسبه الله بما عمل في الاسلام». قال: أخرجه الطبراني عن ابن عمر.

في حديث المنزلة

أما قوله(صلي الله عليه وآله) لعليّ(عليه السلام): «أنت منّي بمنزلة هارون من موسي». فقد استفاضت به الروايات في الصحاح وغيرها من المسانيد. وعلي كل تقدير لعلّ من الحسن أن لا يخلو الكتاب منها وليتم الفصل بذكرها، ولأنها جزء من المبحث الذي نحن بصدده. فلنبدأ بما أخرجه شيخ المحدّثين في صحيحه في كتاب «بدء الخلق» باب فضائل علي(عليه السلام).

روي البخاري بسنده عن إبراهيم بن سعد عن أبيه قال: قال النبي(صلي الله عليه وآله) لعليّ(عليه السلام): «أما ترضي أن تكون مني بمنزلة

هارون من موسي؟». قال السيد الحسيني في «فضائله» [1: 299]: ورواه مسلم أيضاً في صحيحه في كتاب «فضائل الصحابة» في باب فضائل عليّ ابن أبي طالب(عليه السلام)، وابن ماجة في صحيحه [ص12]، وأحمد بن حنبل في مسنده [1: 174]، وأبو داود الطيالسي في مسنده [1: 28]، وأبو نعيم في حليته [7: 194]، والنسائي في خصائصه بطريقين في [ص15 16].

وفي «صحيح مسلم» في كتاب «فضائل الخمسة» باب فضائل علي بن أبي طالب: روي بسنده عن سعيد بن المسيب عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال رسول الله(صلي الله عليه وآله)لعليّ(عليه السلام): «أنت منّي بمنزلة هارون من موسي، إلاّ أنه لا نبي بعدي». قال سعيد: فأحببت أن أشافه بها سعداً، فلقيت سعداً فحدّثته بما حدّثني عامر، فقال: أنا سمعته، فقلت: أنت سمعته؟ فوضع إصبعيه علي اُذنيه فقال: نعم وإلاّ فاستكتا. قال: ورواه ابن الأثير في «اُسد الغابة» [4: 26]، والنسائي في خصائصه [ص15].

وفي «صحيح البخاري» أيضاً في كتاب «بدء الخلق» باب غزوة تبوك: روي بسنده عن مصعب بن سعد عن أبيه: أن رسول الله(صلي الله عليه وآله) خرج إلي تبوك واستخلف علياً(عليه السلام)فقال: أتخلفني في الصبيان والنساء؟ قال(صلي الله عليه وآله): «ألا ترضي أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسي؟ إلاّ أنه لا نبي بعدي».

وفي «صحيح الترمذي» [2: 301] روي عن سعيد بن المسيب عن سعد بن أبي وقاص أن النبي(صلي الله عليه وآله) قال لعليّ(عليه السلام): «أنت منّي بمنزلة هارون من موسي إلاّ أنه لا نبي بعدي». وروي فيه أيضاً نحوه بسنده عن جابر بن عبدالله، وعن سعد، وزيد بن أرقم، وأبي هريرة، واُم سلمة، ورواه أحمد بن حنبل في مسنده [3: 338]،

والخطيب البغدادي في تأريخه [3: 381]بطريقين، قال في أحدهما: إلاّ أنه لا نبي بعدي، ولو كان لكنته.

وفي «صحيح ابن ماجة» [1: 45 ط. دار احياء التراث العربي بيروت]: روي بسنده عن ابن سابط وهو عبد الرحمن عن سعد بن أبي وقاص قال: قدم معاوية في بعض حجّاته فدخل عليه سعد، فذكروا علياً(عليه السلام) فنال منه، فغضب سعد وقال: تقول هذا لرجل سمعت رسول الله(صلي الله عليه وآله) يقول: «من كنت مولاه فعلي مولاه». وسمعته يقول: «أنت منّي بمنزلة هارون من موسي إلاّ أنّه لا نبي بعدي». وسمعته يقول: «لأعطين الراية اليوم رجلاً يحب الله ورسوله».

وفي «مسند الإمام أحمد بن حنبل» [1: 175]: روي بسنده عن سعيد بن المسيب قال: قلت لسعد بن مالك: إنك إنسان فيك حدّة، وأنا أريد أن أسألك، قال: ما هو؟ قال: قلت: حديث عليّ(عليه السلام)، قال: فقال: إن النبي(صلي الله عليه وآله) قال لعليّ(عليه السلام): «أما ترضي أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسي؟» قال: رضيت، ثم قال: بلي بلي. وروي نحوه أيضاً في [ص: 173 و 175 و 177 و 184 و 230] و [6: 369]، كما قاله السيد الحسيني في فضائله.

وفي «خصائص النسائي» [ص17]: روي بسنده عن حرب بن سلك قال: قال سعد ابن مالك: إن رسول الله(صلي الله عليه وآله) غزا علي ناقته الجدعاء وخلّف علياً(عليه السلام)، وجاء علي(عليه السلام) حتي تعدّي الناقة فقال: يا رسول الله زعمت قريش إنك إنما خلفتني أنك استثقلتني وكرهت صحبتي، وبكي عليّ(عليه السلام) فنادي رسول الله(صلي الله عليه وآله) في الناس: «ما منكم أحد وله حاجة بابن أبي طالب، أما ترضي أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسي إلاّ أنه لا نبي

بعدي؟» قال عليّ(عليه السلام): رضيت عن الله عزّوجلّ وعن رسول الله(صلي الله عليه وآله).

وروي نظيره في [ص4 و 14 و 19 و 32] كما ذكره السيد الحسيني في [1: 306 ط. دار الكتب الأسلامية طهران] من عدّة طرق.

وفي الطبقات لابن سعد [3: 24]: روي بسند عن أبي سعيد قال: غزا رسول الله(صلي الله عليه وآله)غزوة تبوك وخلّف علياً في أهله، فقال بعض النّاس: ما منعه أن يخرج به إلاّ أنه كره صحبته، فبلغ ذلك علياً فذكره للنبي(صلي الله عليه وآله) فقال: «أيابن أبي طالب: أما ترضي أن تنزل منّي بمنزلة هارون من موسي؟».

وروي أيضاً في [3: 24 ط. دار الفكر] بسنده عن البراء بن عازب وزيد بن أرقم قالا: لما كان عند غزوة جيش العسرة وهي تبوك، قال رسول الله(صلي الله عليه وآله) لعليّ(عليه السلام): إنه لا بد من أن أقيم أو تقيم، فخلّفه، فلمّا فصل رسول الله(صلي الله عليه وآله) غازياً قال ناس: ما خلّف علياً إلاّ لشيء كرهه منه، فبلغ ذلك علياً(عليه السلام) فأتبع رسول الله(صلي الله عليه وآله) حتي انتهي إليه فقال له: ما جاء بك يا عليّ؟ قال: لا يا رسول الله إلاّ أني سمعت ناساً يزعمون أنك إنّما خلفتني لشيء كرهته منّي، فتضاحك رسول الله(صلي الله عليه وآله) وقال: «يا عليّ أما ترضي أن تكون منّي كهارون من موسي؟ غير أنك لست بنبي»؟ قال: بلي يا رسول الله. قال: فإنّه كذلك.

وفي «حلية الأولياء» لأبي نعيم [7: 196]: روي بسنده عن سعيد بن المسيب عن عليّ(عليه السلام) قال: قال رسول الله(صلي الله عليه وآله) في غزوة تبوك: «خلفتك أن تكون خليفتي في أهلي». قلت: لا أتخلف بعدك يا نبي الله، قال:

«ألا ترضي أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسي إلاّ أنه لا نبي بعدي». ورواه أيضاً في [ص195] عن سعد بن إبراهيم، وفي [4: 345] روي عن حبشي بن جنادة.

وفي «تاريخ ابن جرير الطبري» [2: 368]: روي بسنده عن ابن إسحاق في حديث غزوة تبوك، قال فيه: فلما سار رسول الله(صلي الله عليه وآله)، تخلف عنه عبدالله بن أُبي في من تخلف من المنافقين وأهل الريب، وكان عبدالله بن أُبي أخا بني عوف من بني الخزرج، وعبدالله بن النبيل أخا بني عمرو بن عوف، ورفاعة بن يزيد بن التابوت أخا بني قينقاع، وكانوا من عظماء المنافقين، وكانوا ممن يكيد الاسلام وأهله، وفيهم أنزل الله عزّوجلّ: (لقد ابتغوا الفتنة من قبل وقلَّبوا لك الاُمُور) [148] قال: وقال ابن اسحاق: وخلّف رسول الله(صلي الله عليه وآله)عليّ ابن أبي طالب(عليه السلام) وأمره بالإقامة فيهم. «إلي أن قال»: فأرجف المنافقون بعليّ بن أبي طالب(عليه السلام) وقالوا: ما خلّفه إلاّ استثقالاً له وتخفّفاً منه، فلما قال ذلك المنافقون أخذ علي(عليه السلام)سلاحه ثم خرج حتي أتي رسول الله(صلي الله عليه وآله) وهو بالجرف، فقال: يا نبي الله زعم المنافقون أنك إنما خلّفتني أنك استثقلتني وتخففت مني فقال(صلي الله عليه وآله): «كذبوا ولكني إنما خلفتك لما ورائي، فارجع فاخلفني في أهلي وأهلك، أفلا ترضي يا عليّ أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسي؟ إلاّ أنه لا نبي بعدي». فرجع عليّ(عليه السلام) إلي المدينة ومضي رسول الله(صلي الله عليه وآله)علي سفره. «الحديث».

وفي «اُسد الغابة» لابن الأثير [5: 8] قال في ترجمة نافع بن الحارث بن كلدة: وروي عن النبي(صلي الله عليه وآله) أنه قال لعليّ(عليه السلام): «أنت منّي بمنزلة هارون من موسي».

وفي كنز

العمال للمتقي [6: 395] قال: عن ابن عبّاس قال عمر بن الخطاب: كفّوا عن ذكر عليّ بن أبي طالب، فإني سمعت رسول الله(صلي الله عليه وآله) يقول: في عليّ ثلاث خصال، لأن يكون لي واحدة منهن أحب إلي مما طلعت عليه الشمس، كنت أنا وأبو بكر وأبو عبيدة ابن الجراح ونفر من أصحاب رسول الله(صلي الله عليه وآله) والنبي متّكئ علي عليّ بن أبي طالب، حتي ضرب بيده علي منكبيه ثم قال: «أنت يا علي أوّل المؤمنين إيماناً، وأولهم إسلاماً، ثم قال : «أنت منّي بمنزلة هارون من موسي، وكذب عليّ من زعم أنه يحبني ويبغضك».

وذكر فيه أيضاً في [3: 154] حديثاً نظيره في الباب الذي نحن فيه عن أبي ذر، وفي [6: 154] عن أسماء بنت عميس، وفي [6: 405] عن سعد وعن عامر بن سعد.

وفي «كنز العمال» أيضاً [16: 183 ط. مؤسسة الرسالة] قال: عن يحيي بن عبدالله بن الحسن عن أبيه قال: كان عليّ(عليه السلام) يخطب فقام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين أخبرني، من أهل الجماعة؟ ومن أهل الفرقة؟ ومن أهل السنة؟ ومن أهل البدعة؟ فقال(عليه السلام): ويحك، أما إذ سألتني فافهم عنّي، ولا عليك أن لا تسأل عنها أحداً بعدي «فساق الحديث» إلي أن قال: وتنادي النّاس من كل جانب: أصبت يا أمير المؤمنين، أصاب الله بك الرشاد والسداد. فقام عمار فقال يا أيها النّاس، إنكم والله إن تبعتموه وأطعتموه لم يضل بكم عن منهاج نبيكم قيد شعرة، وكيف يكون ذلك؟ وقد استودعه رسول الله المنايا والوصايا وفصل الخطاب، علي منهاج هارون بن عمران، إذ قال رسول الله(صلي الله عليه وآله): «أنت منّي بمنزلة هارون من موسي إلاّ أنه لا

نبي بعدي». فضلاً خصّه الله به إكراماً منه لنبيه(صلي الله عليه وآله)حيث أعطاه ما لم يعطه أحداً من خلقه. «الحديث».

وفي «مجمع الزوائد» للهيثمي[9: 109] قال: عن أبي سعيد الخدري قال: إن رسول الله(صلي الله عليه وآله) قال لعليّ(عليه السلام) في غزوة تبوك: خلفتك في أهلي، قال عليّ(عليه السلام): يا رسول الله إني أكره أن تقول العرب: خذل ابن عمه وتخلف عنه، قال: أما ترضي أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسي؟ إلاّ أنه لا نبي بعدي.

وذكر أيضاً في الصفحة المذكورة نحوه عن اُم سلمة، وعن ابن عباس، وفي [ص110]روي عن ابن عمر، وعن جابر بن سمرة، وفي [ص111] روي عن أبي أيوب.

وفيه أيضاً [9: 111] روي عن ابن عباس قال: لما آخي النبي(صلي الله عليه وآله) بين أصحابه من المهاجرين والأنصار فلم يؤاخ بين عليّ بن أبي طالب وبين أحد منهم، خرج مغضباً حتي أتي جدولاً فتوسّد ذراعه. «إلي أن قال»: فقال له «أي النبي(صلي الله عليه وآله)»: قم فما صلحت أن تكون إلا أبا تراب، أغضبت عليّ حين آخيت بين المهاجرين والأنصار ولم اُواخ بينك وبين أحد منهم؟ أما ترضي أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسي؟ إلاّ أنه ليس بعدي نبي، ألا من أحبك حُفّ بالأمن والإيمان، ومن أبغضك أماته الله ميتة جاهلية، وحوسب بعمله في الاسلام. قال: رواه الطبراني في الكبير والأوسط. وذكره المتقي الهندي في «كنز العمال» [6: 154].

وفيه أيضاً [9: 111] روي عن ابن عبّاس قال: قال رسول الله(صلي الله عليه وآله) لاُم سلمة: هذا عليّ بن أبي طالب لحمه لحمي، ودمه دمي، فهو منّي بمنزلة هارون من موسي إلاّ أنه لا نبي بعدي.

وفي الرياض النضرة للمحب الطبري [2: 162]

قال: وعنه «أي سعد» قال: لما نزل رسول الله(صلي الله عليه وآله) الجرف طعن رجال من المنافقين في إمرة عليّ(عليه السلام) وقالوا: إنما خلفه استثقالاً، فخرج عليّ(عليه السلام) فحمل سلاحه حتي أتي النبي(صلي الله عليه وآله) بالجرف، فقال: يا رسول الله! ما تخلّفت عنك في غزاة قط قبل هذه، قد زعم المنافقون أنك خلّفتني استثقالاً، فقال(صلي الله عليه وآله): كذبوا ولكن خلّفتك لما ورائي فارجع فاخلفني في أهلي، أفلا ترضي أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسي؟ إلاّ أنه لا نبي بعدي.

وفي «الرياض النضرة» أيضاً [2: 164] قال: عن أسماء بنت عميس قالت: هبط جبرئيل(عليه السلام): علي النبي(صلي الله عليه وآله) فقال: يا محمّد! إن ربّك يقرئك السلام ويقول لك: عليّ منك بمنزلة هارون من موسي لكن لا نبي بعدك. قال: أخرجه الإمام عليّ بن موسي(عليه السلام).

وفيه أيضاً [2: 195] قال: وعن أبي حازم قال: جاء رجل إلي معاوية فسأله عن مسألة فقال: سل عنها عليّ بن أبي طالب فهو أعلم، قال: يا أمير المؤمنين: جوابك فيها أحب إليّ من جواب عليّ، قال: بئسما قلت، لقد كرهت رجلاً كان رسول الله(صلي الله عليه وآله) يغرزه بالعلم غرزاً، ولقد قال له: أنت منّي بمنزلة هارون من موسي إلاّ أنه لا نبي بعدي. وكان عمر إذا أشكل عليه شيء أخذ منه. قال: أخرجه أحمد في «المناقب».

وفي ذخائر العقبي للمحب الطبري [ص120]: وعن أسماء بنت عميس قالت: أقبلت فاطمة بالحسن(عليهما السلام)، فجاء النبي(صلي الله عليه وآله) فقال: يا أسماء هلمّي ابني، فدفعته إليه في خرقة صفراء، فألقاها عنه قائلاً: ألم أعهد إليكن أن لا تلفّوا مولوداً بخرقة صفراء؟ فلفيّته بخرقة بيضاء فأخذه وأذّن في اُذنه اليمني وأقام في

اليسري، ثم قال لعليّ(عليه السلام): أي شيء سمّيت ابني؟ قال: ما كنت لأسبقك منك بذلك، فقال: ولا أنا اُسابق رّبي، فهبط جبرئيل(عليه السلام)فقال: يا محمد إن رّبك يقرئك السلام ويقول لك: علي منك بمنزلة هارون من موسي لكن لا نبي بعدك، فسمِّ ابنك هذا باسم ولد هارون، فقال: وما كان اسم ابن هارون يا جبرئيل؟ قال: شبّر فقال(صلي الله عليه وآله): إن لساني عربي، فقال: سمّه حسناً. ففعل(صلي الله عليه وآله). فلما كان بعد حول ولد الحسين(عليه السلام) فجاء نبي الله(صلي الله عليه وآله) وذكرت مثل الأول، وساقت قصة التسمية مثل الأول، وأن جبرئيل(عليه السلام) أمره أن يسميه باسم ولد هارون شبير، فقال النبي(صلي الله عليه وآله): مثل الأول، فقال: سمّه حسيناً، انتهي.

أقول: وأخرجه الفقيه الحافظ الشهير بابن المغازلي في مناقبه [ص27] من عدة طرق.

وفي تفسير الميزان [14: 159] للطباطبائي قال في ذيل تلكم الآيات الشريفة بعد أن نقل الحديث المذكور عن «الدر المنثور» وذلك في قوله مجيباً لقول الآلوسي في تفسيره «روح المعاني» [8: 186 ط. دار إحياء التراث العربي] ما مفهومه بأن هذا الحديث لا يصلح أن يكون دليلاً بأن خلافة أمير المؤمنين عليّ بلا فصل.

قلت: أما الاستدلال بالحديث أو حديث المنزلة علي خلافته(عليه السلام) بلا فصل فالبحث فيه خارج عن غرض الكتاب، وإنما نبحث عن المراد بقوله(صلي الله عليه وآله) في دعائه لعليّ(عليه السلام): «وأشركه في أمري» طبقاً لدعاء موسي(عليه السلام) المحكي في الكتاب العزيز، فإن له مساساً بما فهمه(صلي الله عليه وآله) من لفظ الآية، والحديث مؤيد بحديث المنزلة المتواتر [149] فمراده(صلي الله عليه وآله)بالأمر في قوله: «وأشركه في أمري» ليس هي النبوّة قطعاً، لنصّ حديث المنزلة باستثناء النبوّة، وهو الدليل

القاطع علي أن مراد موسي بالأمر في قوله: «وأشركه في أمري» ليس هو النبوّة، وإلاّ بقي قول النبي(صلي الله عليه وآله): «أمري» بلا معني يفيده.

وليس المراد بالأمر هو مطلق الارشاد والدعوة إلي الحق قطعاً «كما ذكره» لأنه تكليف، يقوم به جميع الاُمة ويشاركه فيه غيره، وحجة الكتاب والسنّة قائمة فيه، كمثل قوله تعالي: (قُل هذِهِ سبيلي أدعُو إِلي اللهِ علي بصيرة أنَا ومَن اتّبعني) [150] وقوله(صلي الله عليه وآله)الذي رواه العامّة والخاصة: «فليبلّغ الشاهد منكم الغائب» وإذا كان أمراً مشتركاً بين الجميع فلا معني لاشتراك عليّ(عليه السلام) فيه، علي أنّ الاضافة في قوله: «أمري» تفيد الاختصاص، فلا يصدق علي ما هو مشترك بين الجميع، ونظير الكلام يجري في قول موسي المحكي في الآية.

سوره انفال، آيه 29

اشاره

في قوله تعالي: (وَاتَّقُوا فِتنةً لا تُصيبَنَّ الَّذين ظَلَمُوا منكم خاصّةً)[الأنفال: 29].

نقل السيد المرتضي الحسيني الفيروز آبادي في كتابه القيّم «فضائل الخمسة» [2: 364] حديثاً يناسب ذكره تجاه هذه الآية النازلة في معرض التنبيه والإنذار، لما يتضمن من توضيح الصحابي الكبير الزبير بن العوام، وتعبيره عن معني هذه الفتنة المحذور منها، وقد كان مقراً ومعترفاً بأنها قد وقعت فيه وفي قومه، وذلك حينما تظاهروا بالمطالبة بدم عثمان من أمير المؤمنين(عليه السلام) وهو بريء منه حتي حاربوه، فكان ما كان مما لست أذكره فظن خيراً ولا تسأل عن الخبر.

فبذلك فقد ظهر لنا أيضاً مصداق ما أخبر به النبي(صلي الله عليه وآله) بأنه(عليه السلام) قاتل الناكثين والقاسطين والمارقين، وهم أهل الجمل، وأهل صفين، والخوارج، ويتحقق أيضاً مصداق ما أخبر به الزبير بأنه سيقاتل علياً(عليه السلام) وهو له ظالم. كما سنذكر هنا كل رواية من الأخبار، في مواردها المناسبة لها.

في إخبار النبي زبيرا أنّه سيقاتل عليا وهو ظالم له

ذكر الهيثمي في مجمع الزوائد [ج7 ص27] قال: عن مطرّف قلنا للزبير: يا أبا عبدالله ما جاء بكم؟ ضيّعتم الخليفة حتي قتل، ثم جئتم تطلبون بدمه، فقال الزبير: إنا قرأناها علي عهد رسول الله(صلي الله عليه وآله) وأبي بكر وعمر وعثمان: (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) لم نكن نحسب أنا أهلها حتي وقعت فينا.

وفي مستدرك الصحيحين للحاكم [3: 366] روي بسنده عن أبي الأسود الدؤلي قال: شهدت الزبير خرج يريد علياً فقال له عليّ(عليه السلام): أنشدك الله، هل سمعت رسول الله(صلي الله عليه وآله) يقول: تقاتله وأنت له ظالم؟ فقال: لم أذكر، «يعني أنه نسي» ثم مضي الزبير منصرفاً. قال: هذا حديث صحيح.

وفيه أيضاً [3: 366] روي عن قيس بن أبي حازم قال: قال عليّ(عليه

السلام) للزبير: أما تذكر يوم أنا وأنت في سقيفة قوم من الأنصار؟ فقال لك رسول الله(صلي الله عليه وآله): أتحبه؟ فقلت: وما يمنعني؟ قال(صلي الله عليه وآله): أما إنك ستخرج عليه وتقاتله وأنت ظالم له، قال: فرجع الزبير.

وفي نفس الجزء والصفحة منه أيضاً روي بسند عن أبي الأسود الدؤلي قال: شهدت علياً(عليه السلام) والزبير، لما رجع الزبير علي دابته يشق الصفوف، فعرض له ابنه عبدالله فقال: مالك؟ قال: ذكر لي عليّ حديثاً سمعته من رسول الله(صلي الله عليه وآله) يقول: لتقاتلنه وأنت ظالم له، فلا أقاتله، قال: وللقتال جئت؟ إنما جئت لتصلح بين النّاس، ويصلح الله هذا الأمر بك، قال: لقد حلفت أن لا اُقاتل، قال: فاعتق غلامك جرجس، وقف حتي تصلح بين النّاس؛ قال فأعتق غلامه جرجس ووقف، فاختلف أمر الناس، فذهب علي فرسه. قال الحاكم: وقد روي إقرار الزبير لعلي بذلك من غير هذه الوجوه والروايات.

وفي اُسد الغابة لابن الاثير [2: 199] في ترجمة الزبير بن العوام قال: وشهد الزبير الجمل مقاتلاً لعليّ(عليه السلام)، فناداه علي(عليه السلام) ودعاه فانفرد به، وقال له: أتذكر إذ كنت أنا وأنت مع رسول الله(صلي الله عليه وآله) فنظر إليّ وضحك وضحكت، فقلت أنت: لا يدع ابن أبي طالب زهوه، فقال(صلي الله عليه وآله): ليس بمزه، ولتقاتلنه وأنت له ظالم، فذكر الزبير ذلك فانصرف عن القتال.

وفي الإصابة لابن حجر العسقلاني [3: 6] قال: روي أبو يعلي من طريق أبي جرو المازني قال: شهدت علياً(عليه السلام) والزبير توافيا يوم الجمل، فقال له عليّ(عليه السلام) أنشدك، أسمعت رسول الله(صلي الله عليه وآله) يقول: إنك تقاتل علياً وأنت ظالم له؟ فقال: نعم، ولم أذكر ذلك إلي الآن، فانصرف.

وفي تهذيب التهذيب [6:

325]: في ترجمة عبد السلام الكوفيّ قال: قال إسماعيل بن خالد عن عبد السلام «رجل من حية»: خلا عليّ(عليه السلام) بالزبير يوم الجمل، فذكر حديث: لتقاتلنه وأنت ظالم له.

قال السيد الحسيني: وذكره المتقي الهندي أيضاً في «كنز العمال» [6: 85] وقال: خلا علي(عليه السلام) بالزبير يوم الجمل فقال: أنشدك الله كيف سمعت رسول الله(صلي الله عليه وآله)يقول وأنت لاوي يدي في سقيفة بني فلان: لتقاتلنه وأنت له ظالم، لينصرنّ عليك؟ فقال: قد سمعت لاجرم لا أقاتلك. وذكره العسقلاني أيضاً في فتح الباري [16: 165].

وفي كنز العمال للمتقي [6: 83] قال: عن نذير الضبي: أن علياً(عليه السلام) دعا الزبير وهو بين الصفين فقال: أنت آمن، تعال حتي اُعلمك، فأتاه، فقال عليّ(عليه السلام) أنشدك بالله الذي بعث محمداً(صلي الله عليه وآله) بالحق نبياً، أخرج النبي(صلي الله عليه وآله) يمشي وأنا وأنت معه، فضرب كتفك ثم قال لك: يا زبير كأنك قد قاتلت هذا؟، قال: اللهم نعم، فرجع.

وفي الإمامة والسياسة لابن قتيبة [ص63] في قصة أهل الجمل قال: ثم خرج عليّ(عليه السلام) علي بغلة رسول الله(صلي الله عليه وآله) الشهباء بين الصفين وهو حاسر فقال: أين الزبير؟ فخرج إليه حتي إذا كان بين الصفين اعتنق كل واحد منهما صاحبه وبكيا، ثم قال عليّ(عليه السلام): يا أبا عبدالله ما جاء بك ها هنا؟ قال جئت أطلب دم عثمان، قال عليّ(عليه السلام): تطلب دم عثمان؟ قتل الله من قتل عثمان، أنشدك الله يا زبير هل تعلم أنك مررت بي وأنت مع رسول الله(صلي الله عليه وآله)وهو متّكئ علي يدك، فسلّم علي رسول الله(صلي الله عليه وآله) وضحك إليّ، ثم التفت إليك فقال لك: يا زبير إنك تقاتل علياً وأنت له ظالم؟

قال: اللهم نعم، قال عليّ(عليه السلام): فعلي مَ تقاتلني؟ قال الزبير: نسيتها والله لو ذكرت ما خرجت إليك ولاقاتلتك «الخ».

وذكر ابن عبد البر في «الاستيعاب» [1: 207] في ترجمة طلحة بن عبيد الله قال: ثم شهد طلحة بن عبيد الله يوم الجمل محارباً لعليّ(عليه السلام) فزعم بعض أهل العلم أن علياً(عليه السلام)دعاه فذكّره أشياء من سوابقه وفضله، فرجع طلحة عن قتاله علي نحوما صنع الزبير، واعتزل في بعض الصفوف، فرمي بسهم فقطع من رجله عرق النساء، فلم يزل ينزف حتي مات.

ونقل السيد الحسيني في فضائل الخمسة [2: 408] ما ذكره السيوطي في «الدر المنثور» في ذيل تفسير قوله تعالي: (شهر رمضان الذي اُنزل فيه القرآن) [البقرة: 158]قال: وأخرج البيهقي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله(صلي الله عليه وآله) الصلاة المكتوبة إلي الصلاة التي تليها كفارة ما بينهما، والجمعة إلي الجمعة التي تليها كفارة ما بينهما، والشهر إلي الشهر «يعني شهر رمضان» كفارة ما بينهما، إلاّ من ثلاث: الإشراك بالله، وترك السنّة، ونكث الصفقة فقلت: يا رسول الله، أما الإشراك بالله فقد عرفناه، فما نكث الصفقة وترك السنّة؟ قال: أما نكث الصفقة فأن تبايع رجلاً بيمينك ثم تخالف إليه فتقاتله بسيفك، وأما ترك السنّة فالخروج من الجماعة.

وفي الغدير [3: 188] قال ردّاً علي مخاريق ابن تيمية في حكم قتال يومي الجمل وصفين المسجلة في كتابه المسمّي ب «منهاج السنّة»: إني لأعجب من جهل هذا الانسان «الذي خلق جهولاً» بشؤون الإمامة، وأن حامل أعبائها كيف يجب أن يكون في ورده وصدره، فإنّه في منتأي عن معني الإمامة التي نرتئيها، ولا أعجب من جهله بموقف مولانا أمير المؤمنين(عليه السلام) وأنّه كيف كان قيد الأمر ورهن الإشارة من

مخلّفه النبيّ الأعظم، فأنّه لم تتح له الحيطة بمكانته وفواضله ومجاري علمه وعمله، فإن النصب المردي قد أعشي بصره، ورماه عن الحق في مرمي سحيق، وإنما كلُّ عجبي من جهله بما أخرجه الحفّاظ والأئمة في ذلك، ولكنه من قوم «لهم أعين لا يبصرون بها»، ونحن نعلم ما يوسوس به صدره. غاية الرجل من هذا الحكم البات، تغرير الاُمة والتمويه علي الحقيقة، وجعل تلك الحروب الدامية نتيجة رأي واجتهاد من الطرفين، حتّي يسع له القول بالتساوي بين أمير المؤمنين ومقاتليه في الرأي والاجتهاد، وإنّ كلاًّ منهما مجتهدٌ، وله رأيه مصيباً كان أو مخطئاً، غير أنّ للمصيب أجرين، وللمخطئ أجر واحد، ذاهلاً علي أنّ المنقّب لا يخفي عليه هذا التدجيل، ويد التحقيق توقظ نائمة الأثكل، وقلم الحق لا يترك الاُمة سدي، وينبئهم عن أن اجتهاد القوم [إن صحّت الأحلام] اجتهادٌ في مقابلة النص النبويّ الأغر.

وليت شعري كيف يخفي الأمر علي أي أحد؟ أو كيف يسع أن يتجاهل أيُّ أحد؟ وبين يدي الملأ العلمي قول رسول الله(صلي الله عليه وآله) لزوجاته: أيتكنَّ صاحبة الجمل الأدبب «وهو الكثير الشعر» تخرج فينبحها كلاب الحوأب؟ يقتل حولها قتلي كثير وتنجو بعد ما كادت تقتل.

وقوله(صلي الله عليه وآله) لهن: كيف بإحداكّن إذا نبح عليها كلاب الحوأب؟

وقوله(صلي الله عليه وآله) لهن: ليت شعري أيتكن تنبحها كلاب الحوأب، سائرة الي الشرق في كتيبة؟

وقوله(صلي الله عليه وآله) لهن: أيتكن التي تنبح عليها «تنبحها» كلاب الحوأب؟

وفي لفظ الخفاجي في شرح الشفا [3: 166]: ليت شعري أيتكن صاحبة الجمل الأزب، تنبحها كلاب الحوأب؟

وقوله(صلي الله عليه وآله) لعائشة: كأني بإحداكنّ قد تنبحها كلاب الحوأب، وإياك أن تكوني أنت يا حميراء.

وقوله(صلي الله عليه وآله) لها: يا حميراء كأني بك

تنبحك كلاب الحوأب، تقاتلين علياً وأنت له ظالمة.

وقوله(صلي الله عليه وآله) لها: انظري يا حميراء، أن لا تكوني أنت.

وقوله(صلي الله عليه وآله) لعليّ(عليه السلام): إن وليت من أمرها شيئاً فارفق بها.

وقوله(صلي الله عليه وآله): سيكون بعدي قوم يقاتلون علياً(عليه السلام) علي الله جهادهم، فمن لم يستطع جهادهم بيده فبلسانه، فمن لم يستطع بلسانه فبقلبه، وليس وراء ذلك شيء. قال: أخرجه الطبراني كما في مجمع الزوائد [9: 134]: وكنز العمال [6: 155] وفي [7: 305] نقلاً عن الطبراني، وابن مردويه، وأبي نعيم.

وقيل لحذيفة اليماني: حدّثنا ما سمعت عن رسول الله(صلي الله عليه وآله) قال: لو فعلت لرجمتموني، قلنا: سبحان الله، قال: لو حدّثتكم أنّ بعض اُمهاتكم تغزوكم في كتيبة، تضربكم بالسيف ما صدّقتموني، قالوا: سبحان الله، ومن يصدّقك بهذا؟ قال: أتتكم الحميراء في كتيبة تسوق بها أعلاجها [151]، حيث تسوء وجوهكم، ثم قام فدخل مخدعاً. قال الحاكم: هذا حديث صحيح علي شرط الشيخين ولم يخرجاه [152].

وقال العرني صاحب جمل عائشة: لمّا طرقنا ماء الحوأب فنبحتنا كلابها، قالوا: أيّ ماء هذا؟ قلت: ماء الحوأب، فصرخت عائشة بأعلي صوتها، ثمّ ضربت عضد بعيرها فأناخته ثم قالت: أنا والله صاحبة كلاب الحوأب طروقاً، ردّوني. تقول ذلك ثلاثاً، فأناخت وأناخوا حولها، وهم علي ذلك وهي تأبي حتي كانت الساعة التي أناخوا فيها من الغد، قال: فجاءها ابن الزبير فقال: النجاء النجاء فقد أدرككم والله عليّ بن أبي طالب. قال: فارتحلوا وشتموني. تاريخ الطبري [5: 171].

وفي مستدرك الصحيحين للحاكم النيسابوري [3: 120] في حديث قيس بن حازم قال: لمّا بلغت عائشة بعض ديار بني عامر نبحت عليها الكلاب، فقالت: أيّ ماء هذا؟ قالوا: الحوأب، قالت: ما أظنني إلاّ راجعة، فقال الزبير:

لا، بعد تقدمي ويراك النّاس ويصلح الله ذات بينهم، قالت: ما أظنني إلاّ راجعة، سمعت رسول الله(صلي الله عليه وآله) يقول: كيف بإحداكنّ إذا نبحتها كلاب الحوأب؟

في أمر النبي عليا بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين

وأما ما جاء عن النبي(صلي الله عليه وآله) من الروايات في أمره(صلي الله عليه وآله) علياً(عليه السلام) بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين، فقد تواردت في كتب المسانيد والمعاجم وغيرها، غير أنها مدفونة بين أطباق الصفحات: لا يلوي عليها أحد ممن له مسكة من نور العلم، لأمر ما، مع أنها تدعوهم بلسان حالها: «هلمّوا إلينا نهدكم سبيل الرشاد» ولكن يا أسفاً وهل ينفع الصم الدعاء إذا ما ولوا مدبرين إلي حيث ما قادهم تعصبهم لآبائهم أو لكبرائهم؟ إما من دنيا تصيبهم، وإما من أحقاد ما يتوارثونها أبا عن أب وجدّاً عن جد من لدن أهل الطبقة الاُولي أو من يوم بدر. فلنذكر في هذه الأسطر مما رواه حفظة السنن الموثوقون، عسي أن يكون بذكرها تطمئن قلوب ذوي الإنصاف، ومما تتم به الفائدة للنشأة الحديثة من أبناء الثقافة الاسلامية، خصوصاً لطلبة العلم الديني الذين تحرّروا من قيد العصبية المضنية، لتقوية وحدة الاُخوة الاسلامية.

في مستدرك الصحيحين للحاكم [3: 139] روي بسنده عن عقاب بن ثعلبة: حدّثني أبو أيوب الأنصاري في خلافة عمر بن الخطاب، قال: أمر رسول الله(صلي الله عليه وآله) عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين.

وفي الصفحة المذكورة روي أيضاً بسند عن الأصبغ بن نباتة عن أبي أيوب الأنصاري قال: سمعت النبي(صلي الله عليه وآله) يقول لعليّ بن أبي طالب(عليه السلام): تقاتل الناكثين والقاسطين بالطرقات والنهروانات وبالسعفات، قال أبو أيوب: قلت يا رسول الله، مع من نقاتل هؤلاء القوم؟ قال: مع عليّ بن أبي طالب.

وفي تأريخ بغداد للخطيب

[8: 340] روي بسنده عن خليد العصري قال: سمعت أمير المؤمنين علياً(عليه السلام) يقول يوم النهروان: أمرني رسول الله(صلي الله عليه وآله) بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين.

وفي تأريخ بغداد أيضاً [13: 186] روي بسنده عن علقمة والأسود قالا: أتينا أبا أيوب الأنصاري عند منصرفه من صفين فقلنا له: يا أبا أيوب، إن الله أكرمك بنزول محمد(صلي الله عليه وآله) وبمجيء ناقته تفضلاً من الله وإكراماً لك، حتي أناخت ببابك، دون النّاس، ثم جئت بسيفك علي عاتقك تضرب به أهل لا إله إلاّ الله، فقال: يا هذا إن الرائد لا يكذب أهله، وإن رسول الله(صلي الله عليه وآله) أمرنا بقتال ثلاثة مع عليّ(عليه السلام): بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين، فأما الناكثون فقد قاتلناهم؛ [أهل الجمل طلحة والزبير] وأما القاسطون فهذا منصرفنا من عندهم: [يعني معاوية وعمراً]، وأما المارقون فهم أهل الطرقات وأهل السعيفات وأهل النخيلات وأهل النهروانات، والله ما أدري أين هم، ولكن لا بد من قتلهم إن شاء الله. وسمعت رسول الله(صلي الله عليه وآله) يقول لعمار: تقتلك الفئة الباغية. وأنت إذ ذاك مع الحق والحق معك. يا عمار بن ياسر، إن رأيت علياً قد سلك وادياً، وسلك النّاس وادياً غيره، فاسلك مع علي، فإنه لن يدليك في ردي، ولن يخرجك من هدي. يا عمار، من تقلّد سيفاً أعان به علياً علي عدوه، قلّده الله يوم القيامة وشاحين من در، ومن تقلّد سيفاً أعان به عدو عليّ(عليه السلام) قلّده الله يوم القيامة وشاحين من نار. قلنا يا هذا حسبك رحمك الله، حسبك رحمك الله. «قال السيّد الحسيني في فضائل الخمسة» [2: 359]: وذكره المتقي الهندي في كنز العمال [6: 155] وقال فيه: لن يدلّك علي ردي ولن

يخرجك من الهدي. قال: أخرجه الديلمي عن عمار بن ياسر وعن أبي أيوب.

وفي أُسد الغابة لابن الأثير [4: 32] روي بسنده عن أبي سعيد الخدري قال: أمرنا رسول الله(صلي الله عليه وآله) بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين، فقلنا: يا رسول الله، أمرتنا بقتال هؤلاء فمع من؟ فقال: مع علي بن أبي طالب، معه يقتل عمار بن ياسر.

وفي اُسد الغابة [4: 33] روي بسنده عن مخنف بن سليم قال: أتينا أبا أيوب الأنصاري فقلنا: قاتلت بسيفك المشركين مع رسول الله(صلي الله عليه وآله) ثم جئت تقاتل المسلمين قال: أمرني رسول الله(صلي الله عليه وآله) بقتل الناكثين والقاسطين والمارقين. وفي «كنز العمال» [6: 88]وقال في آخره: فقد قاتلت الناكثين والقاسطين وأنا مقاتل إن شاء الله المارقين. قال: أخرجه ابن جرير.

وفي «اُسد الغابة أيضاً» [4: 33] روي بسنده عن عليّ بن ربيعة قال: سمعت علياً(عليه السلام)علي منبركم هذا يقول: عهد إليّ رسول الله(صلي الله عليه وآله) أن اُقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين.

وفي الدر المنثور للسيوطي في ذيل تفسير قوله تعالي: (فَإِمَّا نَذهَبنَّ بِكَ فإِنَّا مِنهُم منتقمُون) [الزخرف: 41] قال: أخرجه ابن مردويه من طريق محمد بن مروان عن الكلبي عن أبي صالح عن جابر بن عبدالله عن النبي(صلي الله عليه وآله) في قوله تعالي: (فإِمّا نَذهبنَّ بك فإِنّا منهم منتقمون) نزلت في عليّ(عليه السلام) أنه ينتقم من الناكثين والقاسطين بعدي.

وفي «كنز العمال» [11: 327 ط. مؤسسة الرسالة بيروت]: قال: عن عليّ بن ربيعة قال: سمعت علياً(عليه السلام)علي المنبر وأتاه رجل فقال: يا أمير المؤمنين، مالي أراك تستحل النّاس استحلال الرجل إبله؟ أبعهد من رسول الله(صلي الله عليه وآله) أو شيئاً رأيته؟ قال: والله ما كذبت ولا كذّبت، ولا ضللت ولا

ضلّ بي، بل عهدٌ من رسول الله(صلي الله عليه وآله) عهده إليّ، وقد خاب من افتري، عهد إليّ النبي(صلي الله عليه وآله)أن أقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين: «قال: أخرجه البزار وأبو يعلي».

وفي «كنز العمال» [11: 352]: قال: عن الثوري ومعمر عن أبي إسحاق عن عاصم ابن ضمرة عن أبي صادق: قال: قدم علينا أبو أيوب الأنصاري العراق فقلت له: يا أبا أيوب، قد كرّمك الله بصحبة نبيه محمّد(صلي الله عليه وآله) وبنزوله عليك، فما لي أراك تستقبل النّاس تقاتلهم؟ تستقبل هؤلاء مرةً، وهؤلاء مرةً، فقال: إن رسول الله(صلي الله عليه وآله) عهد إلينا أن نقاتل مع عليّ(عليه السلام)الناكثين فقد قاتلناهم، وعهد إلينا أن نقاتل معه القاسطين فهذا وجهنا إليهم [يعني معاوية وأصحابه] وعهد إلينا أن نقاتل مع علي(عليه السلام) المارقين فلم أرهم بعد. «قال أخرجه ابن عساكر».

وفي «كنز العمال» [11: 327]: قال: عن ابن مسعود قال: خرج رسول الله(صلي الله عليه وآله)فأتي منزل اُم سلمة، فجاء عليّ فقال رسول الله(صلي الله عليه وآله): يا اُم سلمة، هذا والله قاتل القاسطين والناكثين والمارقين من بعدي. قال: أخرجه الحاكم في «الأربعين» وابن عساكر والمحب الطبري في «الرياض النضرة» [2: 240].

وفي «كنز العمال» [16: 194 ح44216] قال: عن يحيي بن عبدالله بن الحسن عن أبيه قال: كان عليّ(عليه السلام) يخطب، فقام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين «إلي أن قال»: أخبرنا عن الفتنة هل سألت عنها رسول الله(صلي الله عليه وآله)؟ قال: نعم، إنه لما نزلت هذه الآية من قول الله عزوجل: (الم أَحسبَ النَّاس أن يُتركُوا أَن يَقُولُوا آمنّا وَهُم لا يُفتنون)[العنكبوت: 2]علمت أن الفتنة لا تنزل بنا ورسول الله(صلي الله عليه وآله) حيّ بين أظهرنا، فقلت: ما

هذه الفتنة التي أخبرك الله بها؟ فقال: يا عليّ! إن اُمتي سيفتنون من بعدي، «إلي أن قال»: فقلت: بأبي أنت واُمي بيّن لي ما هذه الفتنة التي يبتلون بها؟ وعلي ما اُجاهدهم بعدك؟ فقال: إنّك ستقاتل بعدي الناكثة والقاسطة والمارقة، وجلاّهم وسمّاهم رجلاً رجلاً.

وفي «مجمع الزوائد للهيثمي» [9: 235] قال: وعن عبدالله «يعني ابن مسعود» قال: أمرنا رسول الله(صلي الله عليه وآله) بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين. وذكره في [7: 238]وقال: اُمر عليّ(عليه السلام) بقتال الناكثين والقاسطين والماراقين. ثم قال: رواه الطبراني في الأوسط [153].

وروي الذهبي في «ميزان الاعتدال» [1: 271] قال: وعن علي بن الحزور، عن الأصبغ بن نباتة عن أبي أيوب عن النبي(صلي الله عليه وآله): أنه أمرنا بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين. قلت: يا رسول الله مع من؟ قال: مع عليّ بن أبي طالب.

وفي [1: 584] روي عن عبيد الله بن موسي عن فطر عن حكيم بن جبير عن إبراهيم عن علقمة عن عليّ قال: اُمرت بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين.

وفي منتخب كنز العمال بهامش مسند الإمام أحمد بن حنبل [5: 437] قال: عن عليّ(عليه السلام) قال: اُمرت بقتال ثلاثة: الناكثين والقاسطين والمارقين، فأما القاسطون فأهل الشام، فأما الناكثون فذكرهم … وأما المارقون فأهل النهروان «يعني الحرورية». وفي [ص451] منه روي أيضاً عن الثوري عن عاصم بن ضمرة عن أبي صادق قال: قدم علينا أبو أيوب الأنصاري العراق. إلي آخر الحديث المذكور في كنز العمال، وقد مّر ذكره.

وفي «الاستيعاب في معرفة الأصحاب» بهامش الإصابة للعسقلاني [3: 53]. في ترجمة عليّ بن أبي طالب قال: وروي من حديث عليّ، ومن حديث ابن مسعود ومن حديث أبي أيوب الأنصاري أنه اُمر بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين.

وفي «مناقب محمّد

بن عليّ بن شهر آشوب [3: 147 ط. دار الاضواء] قال: قرأ أمير المؤمنين(عليه السلام)يوم البصرة «أي في وقعة الجمل»: (وإن نَّكَثوا أيْمانَهم مِن بعد عَهدِهِم وطَعَنُوا في ديِنكمِ فقاتلوا أئمّة الكفر إنَّهُم لا أيمانَ لَهم لعلّهم يَنتَهون) [التوبة: 12] ثم قال: لقد عهد إليّ رسول الله(صلي الله عليه وآله) وقال: يا علي، لتقاتلنّ الفئة الناكثة، والفئة الباغية، والفرقة المارقة، إنّهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون.

قال ابن عباس: لما علم الله أنّه ستجري حرب الجمل، قال لأزواج النبي(صلي الله عليه وآله): (وقرن في بيوتكن ولا تبرّجن تبرّج الجاهلية الاُولي) وقال تعالي: (يا نساء النبي من يأتِ منكن بفاحشة مبيّنة يضاعف لها العذاب) [الأحزاب: 30 و 33] في حربها مع عليّ.

وعن شعبة، والشعبي، والأعثم، وابن مردويه، والخطيب في كتبهم، بالأسانيد عن ابن عباس وابن مسعود، وحذيفة، وقتادة، وقيس بن أبي حازم، واُم سلمة، وميمونة، وسالم بن أبي الجعد واللفظ له: إنّه ذكر النبي(صلي الله عليه وآله) خروج بعض نسائه فضحكت عائشة، فقال: انظري يا حميراء لا تكونين هي، ثم التفت إلي عليّ فقال: يا أبا الحسن إن وليت من أمرهاشيئاً فارفق بها.

قال الزاهي:

كم نُهيت عن تبرج فعصت

وأصبحت للخلاف متّبعه

قال لها في البيوت قري

وخالفته العفيفة الورعه

وقال السوسي:

وما للنساء وحرب الرجال

فهل غلبت قط اُنثي ذكر

ولو أنها لزمت بيتها

ومغزلها لم ينلها ضرر

وقال الحميري:

جاءت مع الأشقين في هودج

تزجي إلي البصرة أجنادها

كأنها في فعلها هرة

تريد أن تأكل أولادها

وقال الحميري:

أعائش ما دعاك إلي قتال

الوصيّ وما عليه تنقمينا

ألم يعهد إليك الله ألاّ

تري أبداً من المتبرّجينا

وأن ترخي الحجاب وأن تقرّي

ولا تتبرّجي للناظرينا

وقال لك النبي أيا حميرا

سيبدي منك فعل الحاسدينا

وقال ستنبحين كلاب قوم

من الأعراب والمتعرّبينا

وقال ستركبين علي خدب

يسمَّي عسكراً فتقاتلينا

فخنت محمداً في أقربيه

ولم ترعي له

القول الوضينا

وفي [3: 153] [154] منه قال: وسأل ابن الكواء وقيس بن عباد أمير المؤمنين(عليه السلام) عن قتال طلحة والزبير، فقال: إنهما بايعاني بالحجاز وخلعاني بالعراق فاستحللت قتالهما لنكثهما بيعتي.

وفيه عن تأريخ الطبري: قال يونس النحوي: فكرت في أمر عليّ وطلحة والزبير، إن كانا صادقين أن علياً قتل عثمان فعثمان هالك، وإن كذبا عليه فهما هالكان.

قال رجل من بني سعد:

صنتم حلائلكم وقدتم اُمّكم

هذا لعمرك قلّة الإنصاف

اُمرت بجرّ ذيولها في بيتها

فهوت تشقّ البيد بالايجاف

عرضاً يقاتل دونها أبناؤها

بالنبل والخطّي والأسياف

وقال الناشي:

ألا يا خليفة خير الوري

لقد كفر القوم إذ خالفوكا

أدلُّ دليل علي أنهم

أتوك وقد سمعوا النص فيكا

خلافهم بعد دعوتهم

ونكثهم بعد ما بايعوكا

طغوا بالخريبة واستنجدوا

بصفين والنهر إذ صالتوكا

اُناس هم حاصروا نعثلاً

ونالوه بالقتل ما استأذنوكا

فيا عجباً منهم إذ جنوا

دماً وبثاراته طالبوكا

سوره رعد، آيه 28

اشاره

في قوله تعالي: (الَّذينَ آمنوا وتطمئنُ قُلُوبُهُم بذكر الله أَلا بذكرِ الله تطمئنُّ القُلُوبُ) [الرعد: 28].

قال السيوطي في «الدر المنثور» [4: 642 ط. دار الفكر لبنان]: وأخرج ابن مردويه عن عليّ(رضي الله عنه) أن رسول الله(صلي الله عليه وآله) لما نزلت هذه الآية: (ألا بذكر الله تطمئن القلوب) قال: ذاك من أحب الله ورسوله، وأحب أهل بيتي صادقاً غير كاذب، وأحب المؤمنين شاهداً وغائباً، ألا بذكر الله يتحابّون.

وذكره الشوكاني في تفسيره فتح القدير في [3: 82]. والطباطبائي في تفسيره «الميزان» في [11: 367] ونقل فيه عن تفسير العياشي عن ابن عباس أنه قال رسول الله(صلي الله عليه وآله): (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب)ثم قال لي: أتدري يابن اُم سليم من هم؟ قلت: من هم يا رسول الله؟ قال: نحن أهل البيت وشيعتنا.

وفي الدر المنثور في الصفحة المذكورة قال: أخرج أبو الشيخ عن أنس

قال: قال رسول الله(صلي الله عليه وآله)لأصحابه لما نزلت هذه الآية: (ألا بذكر الله تطمئن القلوب): أتدرون ما معني ذلك؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: من أحب الله ورسوله، وأحب أصحابي.

وأخرج ابن مردويه عن علي(عليه السلام) أن رسول الله(صلي الله عليه وآله) لما نزلت هذه الآية: (ألا بذكرِ اللهِ تطمئنّ القلوبُ) قال: ذاك من أحب الله ورسوله، وأحب أهل بيتي صادقاً غير كاذب، وأحبّ المؤمنين شاهداً وغائباً، ألا بذكر الله يتحابون.

يفيد مفهوم هذه الآية بأن القلوب لا تطمئن بشيء عن ذكر الله عزّوجلّ، واستبان لنا أيضاً من بيان النبي(صلي الله عليه وآله) في قوله: «ذاك من أحب الله» فلا ضير أن يكون ذلك كما قيل من أحب شيئاً أكثر من ذكره.

ثم عطف النبي(صلي الله عليه وآله) بقوله: «وأحب رسوله» فبطبع الحال بأن من أحب الله عزّوجلّ لا محالة أحب رسوله. وقد ورد عنه(صلي الله عليه وآله) لا يؤمن أحدكم حتي أكون أحب إليه من نفسه «الحديث» ثم عطف(صلي الله عليه وآله) محبة أهل بيته علي محبته بقوله: «وأحب أهل بيتي صادقاً غير كاذب» ثم ختم حديثه بقوله: «وأحب المؤمنين شاهداً وغائباً».

قال الطباطبائي في تفسير الحديث: فإن النبي(صلي الله عليه وآله) والمطهّرين من أهل بيته، والخيار من الصحابة والمؤمنين من مصاديق ذكر الله لأن الله يُذكر بهم.

وأقول وبالله التوفيق للصواب: ولعل من الممكن من أهم ما يعتبر بما في ضمن هذا الحديث، ويعتني بتحقيقه، قوله عليه وعلي آله الصلاة والسلام: «وأحب أهل بيته صادقاً غير كاذب» لأن ذلك من المحتمل لمن أمعن النظر فيه من مغزاه ومفهومه، أن يكون من النّاس من لم يكن صادقاً في حبهم، فلعل من أجل ذلك قد ورد عنه(صلي الله عليه

وآله)أحاديث كثيرة في التحريض علي حبهم، وبشّر من أحبهم بما بشّر، وحذّر من بغضهم وأنذر من أبغضهم بما أنذر. كما سنذكر بعون الله عزّوجلّ في هذه العجالة بعض الأحاديث المحرّضة علي حبّهم، والمحذّرة من بغضهم. راجياً من المولي أن ينتفع بها كل قارئ منصف لبيب، وكل ذي قلب سليم ورأي أريب، من الذين لا ينتزع أحدهم بأي نزعة من النزعات، ولا ممن يتكدر صفاء ذهنه بهوي العصبيات.

في ما جاء في حب أهل البيت

روي الترمذي في «صحيحه» [2: 308] عن ابن عباس قال: قال رسول الله(صلي الله عليه وآله): أحبّوا الله لما يغذوكم من نعمه، وأحبّوني لحب الله، وأحبّوا أهل بيتي لحبّي.

قال السيد الحسيني في «فضائل الخمسة» [2: 75]: ورواه الحاكم أيضاً في «مستدرك الصحيحين» [3: 149] بطريقين وقال: هذا حديث صحيح الإسناد. ورواه أبو نعيم أيضاً في «حلية الأولياء» [3: 211] والخطيب البغدادي أيضاً في «تأريخ بغداد» [4: 159] وابن الأثير الجزري أيضاً في «اُسد الغابة» [2: 12] والسيوطي أيضاً في تفسيره «الدر المنثور» في ذيل تفسير قوله تعالي: (قل لا أسألكم عليه أجراً) الآية [الشوري: 23]وقال: أخرجه الترمذي وحسّنه، والطبراني والحاكم، والبيهقي في «شعب الإيمان».

وفي «تأريخ بغداد للخطيب» [2: 146] روي بسنده عن عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) قال: قال: قال رسول الله(صلي الله عليه وآله): شفاعتي لاُمتي من أحب أهل بيتي، وهم شيعتي.

وفي «الدر المنثور» للسيوطي [7: 349] في ذيل تفسير قوله تعالي: (قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودّة في القربي) قال: وأخرج أحمد، والترمذي وصحّحه، والنسائي، والحاكم، عن المطلب بن ربيعة قال: دخل العبّاس علي رسول الله(صلي الله عليه وآله) فقال: إنّا لنخرج فنري قريشاً تحدّث، فإذا رأونا سكتوا، فغضب رسول الله(صلي الله عليه وآله) ودرّعرق

بين عينيه ثم قال: والله لا يدخل قلب امرئ مسلم إيمان حتي يحبّكم لله ولقرابتي. وذكره المحب الطبري أيضاً في ذخائر العقبي [ص9] لكن عن ابن عباس وقال: أخرجه أحمد.

وقال فيه أيضاً: أخرجه الطبراني والخطيب من طريق أبي الضحي عن ابن عبّاس قال: جاء العباس إلي رسول الله(صلي الله عليه وآله) فقال: إنك قد تركت فينا ضغائن منذ صنعت الذي صنعت، فقال النبي(صلي الله عليه وآله) لا يبلغوا الخير والإيمان حتي يحبّوكم.

وقال فيه أيضاً: وأخرج الخطيب من طريق أبي الضحي عن مسروق عن عائشة قالت: أتي العباس بن عبد المطلب إلي رسول الله(صلي الله عليه وآله) فقال: يا رسول الله، إنّا لنعرف الضعائن في اُناس من قومنا لوقائع أوقعناها، فقال: أما والله إنهم لم يبلغوا خيراً حتي يحبّوكم لقرابتي، ترجو سليم شفاعتي ولا يرجوها بنو عبد المطلب.

وفي «كنز العمال» [1: 41 ط. مؤسسة الرسالة] ولفظه: لا يؤمن أحدكم حتي أكون أحب إليه من نفسه، وأهلي أحب إليه من أهله، وعترتي أحب إليه من عترته، وذريتي أحب إليه من ذريته. قال أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» والبيهقي في «شعب الإيمان». وقال السيد الحسيني: وذكره الهيثمي أيضاً في «مجمع الزوائد» [1: 88] وقال: رواه الطبراني في «الأوسط والكبير» انتهي. وذكره الشبلنجي في نور الأبصار [ص103] وقال: رواه الطبراني والديلمي، وأبو الشيخ ابن حبان، والبيهقي مرفوعاً.

وفي «كنز العمال» أيضاً [6: 218] وفي [7: 103] قال(صلي الله عليه وآله): يا علي إن الاسلام عريان، لباسه التقوي، ورياشه الهدي، وزينته الحياء، وعماره الورع، وملاكه العمل الصالح، وأساس الاسلام حبي وحب أهل بيتي. قال: أخرجه ابن عساكر عن علي(عليه السلام).

وفي «كنز العمال» أيضاً [7: 213] ولفظه: لا تزول قدما عبد يوم

القيامة حتي يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن جسده فيما أبلاه، وعن ماله فيما أنفقه ومن أين اكتسبه، وعن حبنا أهل البيت، قال: أخرجه الطبراني عن ابن عباس.

وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» [10: 346] وقال: رواه الطبراني في الكبير والأوسط.

وذكره ثانياً بلا فصل وقال: عن أبي برزة قال: قال رسول الله(صلي الله عليه وآله) لا تزول قدما عبد يوم القيامة «وساق الحديث كما تقدم» وقال في آخره: قيل: يا رسول الله، فما علامة حبكم؟ فضرب بيده علي منكب عليّ(عليه السلام).

قال: أخرجه الطبراني في «المعجم الأوسط».

وفي «كنز العمال» أيضاً [6: 217] وفي [8: 151] قال(صلي الله عليه وآله): أربعة أنا لهم شفيع يوم القيامة: المكرم لذريتي، والقاضي لهم حوائجهم، والساعي لهم في اُمورهم عندما اضطرّوا إليه، والمحب لهم بقلبه ولسانه … «قال: أخرجه الديلمي». وقال السيد الحسيني: وذكره المحب الطبري في ذخائر العقبي [ص18].

وفي «كنز العمال» أيضاً [8: 278] ولفظه: أدّبوا أولادكم علي ثلاث خصال: حبّ نبيكم، وحبّ أهل بيته، وقراءة القرآن، فإن حملة القرآن في ظل الله يوم لا ظل إلاّ ظله مع أنبيائه وأصفائه. قال: أخرجه أبو نصر عبد الكريم الشيرازي في «الفوائد» والديلمي في الفردوس، وابن النجار عن عليّ(عليه السلام). وقال السيد الحسيني: وذكره المناوي في «فيض القدير» في المتن [1: 225] وذكره ابن حجر أيضاً في «الصواعق» [ص103].

وفي «كنز العمال» أيضاً [6: 216]ولفظه: إن لكل بني أب عصبةً ينتمون إليها، إلاّ ولد فاطمة فأنا وليّهم وأنا عصبتهم، وهم عترتي خلقوا من طينتي، ويل للمكذبين بفضلهم، من أحبهم أحبه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله. قال: أخرجه ابن عساكر عن جابر. أقول: وأما حديث كون النبي(صلي الله عليه وآله) عصبة أولاد فاطمة

فقد رواه ابن حجر في صواعقه [ص234]وقال: جاء من طرق، بعضها رجاله موثوقون.

وفي تفسير الكشاف للزمخشري [4: 220 ط. منشورات البلاغة] في تفسير قوله تعالي: (قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودّة في القربي) [الشوري: 23]. قال: رسول الله(صلي الله عليه وآله): من مات علي حب آل محمد مات شهيداً، ألا ومن مات علي حب آل محمد مات مغفوراً له، ألا ومن مات علي حب آل محمد مات تائباً، ألا ومن مات علي حب آل محمد مات مؤمناً مستكمل الإيمان، ألا ومن مات علي حب آل محمد بشّره ملك الموت بالجنة، ثم منكر ونكير، ألا ومن مات علي حبّ آل محمد يزف إلي الجنة كما تزف العروس إلي بيت زوجها، ألا ومن مات علي حب آل محمد فتح له في قبره بابان إلي الجنة، ألا ومن مات علي حب آل محمد جعل الله قبره مزاراً لملائكة الرحمن، ألا ومن مات علي حب آل محمد مات علي السنّة والجماعة، ألا ومن مات علي بغض آل محمد جاء يوم القيامة مكتوباً بين عينيه آيس من رحمة الله، ألا ومن مات علي بغض آل محمد مات كافراً، ألا ومن مات علي بغض آل محمد لم يشم رائحة الجنة. انتهي.

قال الفخر الرازي في تفسيره الكبير في ذيل تفسير أية المودّة «بعد نقل ما تقدم من الزمخشري في الكشاف» ما لفظه: أقول: آل محمد(صلي الله عليه وآله) هم الذين يؤول أمرهم إليه، فكل من كان أمرهم إليه أشد وأكمل كانوا هم الآل، ولا شك أن فاطمة وعلياً والحسن والحسين(عليه السلام) كان التعلق بينهم وبين رسول الله(صلي الله عليه وآله) أشد التعلقات، وهذا كالمعلوم بالنقل المتواتر، فوجب أن يكونوا هم الآل.

وذكره الشبلنجي أيضاً في نور الأبصار [ص127 ط. دار الفكر].

وفي «مجمع الزوائد» للهيثمي [9: 172]: قال: وعن الحسن بن عليّ(عليهما السلام)، أن رسول الله(صلي الله عليه وآله) قال: إلزموا مودّتنا أهل البيت، فإنه من لقي الله عزّوجلّ وهو يودّنا دخل الجنة بشفاعتنا، والذي نفسي بيده لا ينفع عبداً عمله إلاّ بمعرفة حقنا. «قال: ورواه الطبراني في الأوسط».

وفي «كنوز الحقائق» للمناوي [ص5] ولفظه: أثبتكم علي الصراط أشدكم حباً لأهل بيتي. وقال: أخرجه الديلمي.

وفي «ذخائر العقبي» للمحب الطبري [ص18] قال: وعن جابر بن عبدالله قال: قال رسول الله(صلي الله عليه وآله): لا يحبنا أهل البيت إلاّ مؤمن تقي، ولا يبغضنا إلاّ منافق شقي. «قال: أخرجه الملاّ. يعني في سيرته».

وفي «ذخائر العقبي» أيضاً [ص18] قال: وعن عليّ(عليه السلام) قال: قال رسول الله(صلي الله عليه وآله): يرد الحوض أهل بيتي ومن أحبهم كهاتين السبابتين. «قال: أخرجه الملاّ. يعني في سيرته».

وفي «نور الأبصار» للشبلنجي [ص103] قال: وروي عن عليّ(عليه السلام) قال: خرج رسول الله(صلي الله عليه وآله) مغضباً حتي استوي علي المنبر، فحمد الله وأثني عليه ثم قال: ما بال قوم يؤذونني في أهل بيتي، والذي نفسي بيده، لا يؤمن عبد حتي يحبني، ولا يحبني حتي يحب ذريتي.

وفي «حلية الأولياء» لأبي نعيم [9: 652] قال: حدّثنا عبدالله بن محمد، حدّثني أبو بكر السبئي قال: سمعت بعض مشائخنا يحكي: أن الشافعي عابه بعض النّاس لفرط ميله إلي أهل البيت ولشدة محبته لهم، إلي أن نسبه بعض الي الرفض، فأنشأ الشافعي في ذلك يقول:

يا راكباً قف بالمحصّب من مني

واهتف بقاعد خيفها والناهض

إن كان رفضاً حب آل محمد

فليشهد الثقلان أني رافضي

قال السيد مرتضي الحسيني: وذكرها أيضاً ابن حجر في صواعقه [ص131] وفي طبعة

اُخري [ص79] باختلاف وزيادة، فقال: وقال أيضاً «يعني الشافعي»:

يا راكباً قف بالمحصب من مني

واهتف بساكن خيفها والناهض

سحراً إذا فاض الحجيج إلي مني

فيضاً كملتطم الفرات الفائض

إن كان رفضاً حب آل محمد

فليشهد الثقلان أني رافضي

ثمّ قال: «يعني ابن حجر» [ص178] وفي طبعة اُخري [ص108]:

وأخرج الخطيب أن أحمد بن حنبل كان إذا جاءه شيخ أو حدث من قريش أو الأشراف، قدمهم بين يديه، وخرج وراءهم. وكان أبو حنيفة يعظم أهل البيت كثيراً، ويتقرب بالإنفاق علي المتسترين والظاهرين، حتي قيل إنه بعث إلي متستر منهم باثني عشر ألف درهم، وكان يحض أصحابه علي ذلك، ولمبالغة الشافعي فيهم صرح بأنه من شيعتهم حتي قيل: كيت كيت.

فأجاب عن ذلك بما قدمنا عنه من النظم البديع. وله أيضاً:

آل النبي ذريعتي

وهم إليه وسيلتي

أرجو بهم اُعطي غداً

بيدي اليمين صحيفتي

وذكرها الشلنجي في نور الأبصار [ص127].

وقال ابن حجر في صواعقه [ص131] والشبلنجي في نور الأبصار [ص127]: قال «يعني الشافعي»:

قالوا ترفّضت قلت كلاّ

ما الرفض ديني ولا اعتقادي

لكن تولّيت غير شك

خير إمام وخير هادي

إن كان حب الولي رفضاً

فإنني أرفض العباد

وفي الصواعق أيضاً [ص131] قال: قيل للمزني «أي الشافعي»: إنك توالي أهل البيت، فلو عملت في هذا الباب أبياتاً، فقال:

وما زال كتماً منك حتي كأنني

بردّ جواب السائلين لأعجم

وأكتم ودّي مع صفاء مودّتي

لتسلم من قول الوشاة وأسلم

وفي نور الأبصار [ص127] قال الشبلنجي: ولأبي الحسن بن جبير(رحمه الله):

اُحب النبي المصطفي وابن عمه

علياً وسبطيه وفاطمة الزهرا

همو أهل بيت أذهب الرجس عنهمو

وأطلعهم اُفق الهدي أنجماً زهرا

موالاتهم فرض علي كل مسلم

وحبهمو أسني الذخائر للاُخري

ولا أنا للصحب الكرام بمبغض

فإني رأيت البغض في حقهم كفرا

همو جاهدوا في الله حق جهاده

وهم نصروا دين الهدي بالظبا نصرا

عليهم سلام الله ما دام ذكرهم

لدي الملأ الأعلي وأكرم به ذكرا

وقال بعضهم:

هم

العروة الوثقي لمعتصم بها

مناقبهم جاءت بوحي وإنزل

مناقب في الشوري وفي هل أتي أتت

وفي سورة الأحزاب يعرفها التالي

وهم آل بيت المصطفي فودادهم

علي النّاس مفروض بحكم وإسجالِ

في تحذيره من بغض أهل بيته

وأما ما جاء من الروايات عن النبي(صلي الله عليه وآله) في التحذير من بغض أهل بيته(عليهم السلام)، فقد رواها عدة من المحدّثين والمفسّرين وغيرهم، وقد ذكرنا شطراً من ذلك في باب «حثّه(صلي الله عليه وآله)علي حب أهل بيته» وسنذكر ما بقي مما جمعه السيد الحسيني في كتابه «فضائل الخمسة» [2: 91] فيكون متمماً للباب الذي نحن بصددة.

روي الحاكم في «المستدرك» [3: 148] بسنده عن ابن عبّاس أن رسول الله(صلي الله عليه وآله)قال: يا بني عبد المطلب! إني سألت الله لكم ثلاثاً: أن يثبت قائمكم، وأن يهدي ضالّكم، وأن يعلّم جاهلكم. وسألت الله أن يجعلكم جوداء نجداء رحماء، فلو أن رجلاً صفن فصلّي وصام ثم لقي الله وهو مبغض لأهل بيت محمّد دخل النار. قال الحاكم: هذا حديث حسن صحيح علي شرط مسلم.

وقال السيد الحسيني: وذكره المتقي أيضاً في كنز العمال [6: 203] وقال فيه: «صفن بين الركن والمقام» ثم قال: أخرجه الطبراني والحاكم عن ابن عباس.

وفي «المستدرك» أيضاً [3: 150] روي بسند إلي أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله(صلي الله عليه وآله): والذي نفسي بيده، لا يبغضنا أهل البيت أحدٌ إلاّ أدخله الله النار. «قال الحاكم: هذا حديث صحيح علي شرط مسلم».

وقال السيد الحسيني: وذكره ابن حجر في صواعقه [ص143] وقال: إنه صحيح. وذكره السيوطي أيضاً في الدر المنثور في ذيل تفسير آية المودّة في سورة الشوري، وقال: أخرجه أحمد وابن حبان والحاكم عن أبي سعيد.

وفي تأريخ بغداد للخطيب البغدادي [3: 122] روي بسنده عن ابن عبّاس قال: قال

رسول الله(صلي الله عليه وآله): ليس في القيامة راكب غيرنا، ونحن أربعة «وساق الحديث» فذكر النبي(صلي الله عليه وآله) وصالح وحمزة وعلي بن أبي طالب(عليه السلام) إلي أن قال(صلي الله عليه وآله): لو أن عابداً عبد الله بين الركن والمقام ألف عام وألف عام، حتي يكون كالشن البالي، ولقي الله مبغضاً لآل محمد، أكبّه الله علي منخره في نار جهنم.

وفي الدر المنثور للسيوطي في ذيل تفسير آية المودّة في سورة الشوري قال: وأخرج ابن عدي عن أبي سعيد قال: قال رسول الله(صلي الله عليه وآله): من أبغضنا أهل البيت فهو منافق.

قال السيد الحسيني: وذكره الطبري أيضاً في ذخائر العقبي [ص18] وقال: أخرجه أحمد في المناقب. وذكره المناوي أيضاً في كنوز الحقائق [ص134] وقال: أخرجه الديلمي. وقال السيوطي أيضاً: وأخرج الطبراني عن الحسن بن عليّ(عليهما السلام) قال: قال رسول الله(صلي الله عليه وآله): لا يبغضنا أحد ولا يحسدنا أحد إلاّ ذيد يوم القيامة بسياط من نار.

وفي «مجمع الزوائد» للهيثمي [4: 278] قال: وعن معاوية بن خديج قال: أرسلني معاوية بن أبي سفيان إلي الحسن بن عليّ(عليهما السلام) أخطب علي يزيد بنتاً له أو اختاً له فأتيته فذكرت له يزيد، فقال(عليه السلام): إنا قوم لا نزوج نساءنا حتي نستأمرهن، فأتيتها فذكرت لها يزيد، فقالت: والله لا يكون ذلك حتي يسير فينا صاحبك كما سار فرعون في بني إسرائيل، يذبّح أبناءهم ويستحيي نساءهم، فرجعت إلي الحسن(عليه السلام)فقلت: أرسلتني إلي فلقة تسمّي أمير المؤمنين «يعني معاوية» فرعون، قال(عليه السلام): يا معاوية «يعني ابن خديج» إياك وبغضنا فإن رسول الله(صلي الله عليه وآله) قال: لا يبغضنا ولا يحسدنا أحد إلاّ ذيد يوم القيامة بسياط من النار.

وفي «تفسير الكشاف» للزمخشري في

تفسير قوله تعالي: (قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودّة في القربي) [الشوري: 23] قال: وعن النبي(صلي الله عليه وآله): حرّمت الجنة علي من ظلم أهل بيتي وآذاني في عترتي، ومن اصطنع صنيعة إلي أحد من ولد عبد المطلب، ولم يجازه عليها، فأنا اُجازيه عليها غداً إذا لقيني يوم القيامة، قال السيد الحسيني: وذكره المحب الطبري في ذخائر العقبي [ص20] باختلاف في اللفظ. عن عليّ(عليه السلام) قال: قال رسول الله(صلي الله عليه وآله): إن الله حرّم الجنة علي من ظلم أهل بيتي أو قاتلهم أو أغار عليهم أو سبّهم. قال: أخرجه الامام عليّ بن موسي الرضا(عليهما السلام).

وفي كنوز الحقائق للمناوي [ص134] ولفظه: من آذاني في أهل بيتي فقد آذي الله. قال: أخرجه الديلمي، وقال السيد الحسيني، وذكره المتقي أيضاً في كنز العمال [6: 217]ولفظه: من آذاني في أهل بيتي فقد آذي الله، قال: أخرجه أبو نعيم عن عليّ(عليه السلام).

وفي ذخائر العقبي للطبري [ص7] قال: وعن أبي هريرة قال: جاءت سبيعة بنت أبي لهب إلي النبي(صلي الله عليه وآله) فقالت: يا رسول الله! إن النّاس يقولون: أنت بنت حطب النار. فقام رسول الله(صلي الله عليه وآله)وهو مغضب فقال: ما بال أقوام يؤذونني في قرابتي، من آذي قرابتي فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذي الله. قال: أخرجه الملاّ في سيرته.

وفي الصواعق لابن حجر [ص177] في «المقصد الثالث» قال: صح أنه(صلي الله عليه وآله)قال: والذي نفسي بيده، لا يبغضنا أهل البيت أحد إلاّ أدخله الله النار.

وقال: وأخرج أحمد مرفوعاً: من أبغض أهل البيت فهو منافق. وأخرج هو والترمذي عن جابر: ما كنا نعرف المنافقين إلاّ ببغضهم علياً.

وقال أيضاً: وصحّحه الحاكم غير أنه(صلي الله عليه وآله) قال: يا بني

عبد المطلب! إني سألت الله لكم ثلاثاً «الحديث».

فهذه بحمد الله جملة مما اطّلعنا عليه بمنّه وفضله، مع قلّة ما عندنا من الكتب التي نعتمد عليها، وضعف باعنا وقصور معرفتنا في هذا الفن، غير أن الدافع إلي ذكر تلكم الأخبار والروايات، طول غربتها عن مسامع آذان الاُمة، لعدم من يذكرها، مع كثرة خطبهم في مجالس العلم، والمبلغين في كل محفل. وليت شعري أيرون بأن العلم بهاتيك الأخبار النبوية ليس من الضروري للملاء الديني؟ أو ليست من إحدي المهمات الدينية في حقهم؟ أو لم يكن مفاد تلكم الأخبار يعرب بكل وضوح بأن حب أهل بيته(صلي الله عليه وآله)علامة لإيمان المؤمن، وانتفاء البغض لأهل بيته عن قلوب المتعبدين شرط في قبول عباداتهم، وبغضهم من أمارات النقاق ومن مقتضيات الدخول في النار؟

فمن أجل ذلك وعظيم ضروريتها للكثيرين من العامة، قال ابن حجر في صواعقه [ص173 ط. مصر]: تنبيه! قال القاضي في «الشفاء» «يعني القاضي عياض اليحصبي» ما حاصله: من سبّ أبا أحد من ذريته(صلي الله عليه وآله)ولم تقم قرينة علي إخراجه(صلي الله عليه وآله) قتل، وقال: وعلم من الأحاديث السابقة، وجوب محبة أهل البيت، وتحريم بغضهم التحريم الغليظ. وبلزوم محبّتهم صرّح البيهقي والبغوي وغيره، أنها من فرائض الدين، بل نص عليه الشافعي فيما حكي عنه في قوله:

يا أهل بيت رسول الله حبكم

فرض من الله في القرآن أنزله

يكفيكم من عظيم الفخر أنكم

من لا يصلّي عليكم لا صلاة له

وقال في [ص168]: وللشيخ الجليل شمس الدين ابن عربي:

رأيت ولائي آل طه فريضة

علي رغم أهل البعد يورثني القربا

فما طلب المبعوث أجراً علي الهدي

بتبليغه إلاّ المودّة في القربي

سوره اعراف، آيه 181

في قوله تعالي: (وممّن خلقنا أُمّةٌ يهدون بالحقّ وبه يعدلون)[الاعراف: 181].

قال الحلّي وهو الحسن بن يوسف

بن المطهّر من كبار علماء الإمامية في القرن الثامن الهجري كما في «دلائل الصدق [2: 186 ط. بصيرتي] في قوله تعالي: (وممن خلقنا أُمة يهدون بالحق وبه يعدلون): قال عليّ(عليه السلام): أنا وشيعتي.

وقال الإمام المظفر في كتابه دلائل الصدق «في الصفحة والجزء المذكورين»: لا يخفي أنه ورد في كثير من أخبار القوم أن المراد بالاُمة في الآية اُمة محمّد، وليس المراد هو الاُمة بإطلاقها، كما في تفسير الرازي قال: قرأ النبي(صلي الله عليه وآله) الآية وقال: إن من اُمتي قوم علي الحقّ حتي ينزل ابن مريم.

ولما استفاض في الأخبار من أن اُمة محمّد(صلي الله عليه وآله) تفترق إلي ثلاث وسبعين فرقة، فرقة ناجية وما سواها هالكة في النار، فلا يمكن أن تكون كلّها هادية بالحقّ، بل بعضها، وهي الفرقة الناجية، وقد فسّرتها الرواية التي أشار إليها المصنف «يعني الحلّي» بعلي وشيعته، كما يشهد لها حديث الثقلين وغيره.

في الدر المنثور [3: 149] قال السيوطي: وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع في قوله تعالي: (وممن خلقنا اُمة يهدون بالحق) قال: قال رسول الله(صلي الله عليه وآله): إن من اُمتي قوماً علي الحقّ حتي ينزل عيسي بن مريم متي ما نزل.

وقال: أخرج أبو الشيخ عن عليّ بن أبي طالب قال: لتفترقن هذه الاُمة علي ثلاث وسبعين فرقة، كلّها في النار إلاّ فرقة. يقول الله: (وممن خلقنا اُمة يهدون بالحقِّ وبه يعدلون) فهذه هي التي تنجو من هذه الاُمة.

والطبرسي أيضاً في تفسيره مجمع البيان [2: 123 ط. مؤسسة التأريخ العربي] قال: وروي العياشي بإسناده عن أمير المؤمنين عليّ(عليه السلام) أنه قال: والذي نفسي بيده، لتفترقن هذه الاُمة علي ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلاّ فرقة واحدة (وممن خلقنا

اُمة يهدون بالحق وبه يعدلون) فهذه التي تنجو. وروي فيه أيضاً عن أبي جعفر وأبي عبدالله(عليهما السلام)، قالا: نحن هم.

وفي ينابيع المودّة للقندوزي الحنفي في الباب الخامس والثلاثين [ص109] قال: وأخرج موفق بن أحمد الخوارزمي عن عمر بن اُذينة عن جعفر الصادق عن آبائه عن عليّ(عليهم السلام)، قال: قال رسول الله(صلي الله عليه وآله): يا عليّ مثلك في اُمتي مثل عيسي ابن مريم، افترق قومه ثلاث فرق: فرقة مؤمنون وهم الحواريون، وفرقة عادوه وهم اليهود، وفرقة غلوا فيه فخرجوا عن دين الله وهم النصاري، وأن اُمتي ستفترق فيك ثلاث فرق: فرقة اتبعوك وأحبّوك وهم المؤمنون، وفرقة عادوك وهم الناكثون والمارقون والقاسطون، وفرقة غلوا فيك وهم الضالّون، يا عليّ، أنت وأتباعك في الجنة، وعدوّك والغالي فيك في النار.

وفي ينابيع المودّة أيضاً «في الباب المذكور» قال: وأخرج موفق بن أحمد الخوارزمي المكي، عن زادان عن عليّ(عليه السلام) قال: تفترق هذه الاُمة علي ثلاث وسبعين فرقة: اثنتان وسبعون في النار، وواحدة في الجنة، وهي الذين قال الله عزّوجلّ في حقهم: (وممّن خلقنا اُمة يهدون بالحقّ وبه يعدلون) وهم أنا ومحبّيّ وأتباعي.

وفي دلائل الصدق للإمام المظفر [2: 187 ط. بصيرتي] قال: قال عليّ(عليه السلام): في هذه الرواية كما في «كشف الغمة» عن ابن مردويه: وتفترق هذه الاُمة علي ثلاث وسبعين فرقة: اثنتان وسبعون في النار، وواحدة في الجنة، وهم الذين قال الله تعالي: (وممّن خلقنا اُمة يهدون بالحقّ وبه يعدلون) وهم أنا وشيعتي.

أقول: وأما الأحاديث الواردة في كون شيعة أمير المؤمنين عليّ(عليه السلام) وأتباعه هم الفرقة الناجية الفائزة، والراضية المرضية الواردون علي الحوض مع العترة النبوية، فقد رواها جمع كثيرون من أعلام الاُمة، وأعاظم الأئمة، وقد مضي ذكر شطر

منها في «المبحث السادس» في تفسير معني قوله تعالي: (اُولئك هم خير البرية).

وقد نقل السيد الحسيني الفيروز آبادي في كتابه النفيس «فضائل الخمسة» [3: 98 ط. دار الكتب الاسلامية] باب «أن علياً(عليه السلام) وشيعته يردون علي الحوض» عن الهيثمي في «مجمع الزوائد» [9: 131] قال: وبسنده «يعني الطبراني» أن رسول الله(صلي الله عليه وآله) قال لعليّ(عليه السلام): أنت وشيعتك تردون علي الحوض رواة مرويين، مبيضة وجوهكم، وإن أعداءك يردون علي الحوض ظماء مقمحين.

وفي كنوز الحقائق للمناوي [ص189] ولفظه: يا عليّ أنت وشيعتك تردون علي الحوض وروداً.

وفي مستدرك الصحيحين [3: 151] روي الحاكم بسنده عن عاصم بن ضمرة عن علي(عليه السلام) قال: أخبرني رسول الله(صلي الله عليه وآله) إن أوّل من يدخل الجنة أنا وفاطمة والحسن والحسين، قلت: يا رسول الله، فمحبّونا، قال: من ورائكم. «قال الحاكم: صحيح الإسناد» وقال الحسيني في فضائل الخمسة [3: 133]: وذكره المحب الطبري في ذخائر العقبي [ص27]وقال: أخرجه أبو سعيد.

وفي كنز العمال [12: 104 ط. مؤسسة الرسالة] ولفظه: يا عليّ إن أوّل أربعة يدخلون الجنة: أنا وأنت والحسن والحسين وذرارينا خلف ظهورنا، وأزواجنا خلف ذرارينا، وشيعتنا عن أيمانناً وعن شمائلنا. قال: أخرجه ابن عساكر عن عليّ(عليه السلام) وأخرجه الطبراني عن أبي رافع.

وفي حلية الأولياء لأبي نعيم [4: 329] روي بسنده عن الشعبي عن عليّ(عليه السلام)، قال: قال لي النبي(صلي الله عليه وآله): إنك وشيعتك في الجنة «الحديث» ورواه الخطيب البغدادي أيضاً في تأريخ بغداد [12: 289].

وفي تأريخ بغداد للخطيب [12: 358] روي بسنده عن أبي سعيد الخدري عن اُم سلمة قالت: كانت ليلتي من رسول الله(صلي الله عليه وآله) فأتته فاطمة(عليها السلام) ومعها عليّ(عليه السلام) فقال له النبي(صلي الله عليه

وآله): أنت وأصحابك في الجنة، أنت وشيعتك في الجنة. الحديث.

قال الحسيني في فضائل الخمسة [3: 119 ط. بصيرتي]: وذكره الهيثمي أيضاً في مجمع الزوائد [10: 21] وقال: رواه الطبراني في الأوسط.

وفي مجمع الزوائد للهيثمي [9: 173] قال: وعن أبي هريرة أن علي بن أبي طالب قال: يا رسول الله! أيما أحب إليك أنا أم فاطمة؟ قال(صلي الله عليه وآله): فاطمة: أحب إلي منك، وأنت أعزّ عليّ منها، وكأني بك وأنت علي حوضي تذود عنه النّاس، وإن عليه لأباريق مثل عدد نجوم السماء، وإني وأنت والحسن والحسين وفاطمة وعقيل وجعفر في الجنة، إخواناً علي سرر متقابلين، أنت معي وشيعتك في الجنة، ثم قرأ رسول الله(صلي الله عليه وآله): (إخواناً علي سرر متقابلين)لا ينظر أحد في قفا صاحبه. قال: رواه الطبراني.

وفي المناقب لابن المغازلي الشافعي [ص339 برقم 296] قال: أخبرنا أبو الحسن أحمد ابن المظفر العطار الفقيه الشافعي(رحمه الله)، أخبرنا عبدالله بن محمّد بن عثمان المزنيّ الملقّب بابن السقاء الحافظ، حدّثنا عبدالله بن زيدان، حدّثنا عليّ بن يونس بن عليّ بن يونس العطّار، حدّثنا محمد بن عليّ الكندي، حدّثني محمد بن سالم، حدّثنا جعفر بن محمد، قال: حدّثني محمد بن عليّ، حدّثني عليّ بن الحسين، حدّثني الحسين بن عليّ، حدثني عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) عن رسول الله(صلي الله عليه وآله): قال: يا عليّ إنّ شيعتنا يخرجون من قبورهم يوم القيامة علي ما بهم من العيوب والذّنوب، وجوههم كالقمر ليلة البدر. وقد فرجت عنهم الشدائد، وسهّلت لهم الموارد، واُعطوا الأمن والأمان، وارتفعت عنهم الأحزان، يخاف النّاس ولا يخافون، ويحزن النّاس ولا يحزنون، شرك نعالهم تلألأ نوراً، علي نوق بيض لها أجنحة، قد ذلّلت من غير مهانة، ونجبت

من غير رياضة، أعناقها من ذهب أحمر، ألين من الحرير، لكرامتهم علي الله عزّوجلّ.

ونذكر ما رواه ابن حجر في صواعقه، والذي نقله عن الإمام أحمد بن حنبل، والطبراني، والديلمي ولا نري بإيراده بأساً لو تكرر بما سبق في المبحث السادس مما رواه غيره عن اُولئك الحفاظ الثلاثة، ورب تكرار يجدي نفعاً، ويزيد بياناً واعتباراً.

قال في [ص 140 ط. الميمنية]: وفي حديث ضعيف عن علي: شكوت إلي رسول الله(صلي الله عليه وآله) حسداً في النّاس، فقال لي: أما ترضي أن تكون رابع أربعة؟ أول من يدخل الجنة أنا وأنت والحسن والحسين، وأزواجنا عن أيماننا وشمائلنا، وذريتنا خلف أزواجنا.

وقال في [ص96 ط. الميمنية] أيضاً: أخرج الطبراني أنه(صلي الله عليه وآله) قال لعليّ: أوّل أربعة يدخلون الجنة أنا وأنت والحسن والحسين، وذريتنا خلف ظهورنا، وأزواجنا خلف ذريتنا، وشيعتنا عن أيماننا وشمائلنا.

وقال فيه أيضاً: أخرج أحمد في «المناقب» أنه(صلي الله عليه وآله) قال لعليّ: أما ترضي أنك معي في الجنة والحسن والحسين، وذريتنا خلف ظهورنا، وأزواجنا خلف ذريتنا، وشيعتنا عن أيماننا وشمائلنا.

وقال في [ص151]: وأخرج الطبراني بسند ضعيف أن علياً أتي يوماً البصرة بذهب وفضة، فقال ابيضّي واصفرّي غرّي غيري، غرّي أهل الشام غداً إذا ظهروا عليك، فشق قوله ذلك علي النّاس: فذكر له ذلك، فأذّن في النّاس فدخلوا عليه، فقال: إن خليلي(صلي الله عليه وآله)قال: يا علي إنّك ستقدم علي الله وشيعتك راضين مرضيين، ويقدم عدوك غضاباً مقمحين، ثم جمع عليّ(صلي الله عليه وآله) يده إلي عنقه يريهم الاقماح. ثم قال الشيخ: وشيعته هم أهل السنّة.

إن من الغريب عن مستوي الأفهام، ويتعجب منه بسطاء الاُمة من العوام، فضلاً عن ذوي الاعتبار من الأعلام، تعبيره عن معني الشيعة في

الحديث المذكور بأهل السنّة، مع أن لفظة الشيعة منذ أوائل نشأتها ما كانت تطلق إلا علي محبّي أمير المؤمنين وأبنائه من أهل بيت الوحي. ومنذ مقتل سيد الشهداء الحسين السبط(عليه السلام) اتسع معني الشيعة حتي اُطلقت غالباً علي مواليهم ومناصريهم ومؤازريهم وعلي المعادي لمن عاداهم، والمحاربين لمن حاربهم، إلي يوم النّاس هذا. وقد شاع ذلك وذاع بين الخاص والعام، شرقاً وغرباً، كالنار علي المنار، والنور علي الطور، فأي جدوي يا هل تري بالتأويلات الباردة، والاحتمالات البعيدة؟ وحاشا أن يلتبس علي الاُمة معناها الحقيقي.

وأما ما نقله في [ص 96] عن الديلمي فلفظه: يا عليّ إن الله قد غفر لك ولذريتك ولولدك ولأهلك ولشيعتك ولمحبّي شعيتك، فأبشر فأنت الأنزع البطين. وفي [ص139 ط. الميمنية]قال: وفي رواية: إن الله قد غفر لشيعتك ولمحبّي شيعتك. كذا رواه السيد الحسيني في فضائل الخمسة[2: 95].

وذكر الزمخشري في الكشاف [4: 220] في تفسير قوله تعالي: (قل لا أسألكم عليه أجراً)الآية، قال: روي عن عليّ بن أبي طالب(عليه السلام): شكوت إلي رسول الله(صلي الله عليه وآله) حسد النّاس لي، فقال(صلي الله عليه وآله): أما ترضي أن تكون رابع أربعة؟ أوّل من يدخل الجنة أنا وأنت والحسن والحسين، وأزواجنا عن أيماننا وشمائلنا وذريتنا خلف أزواجنا.

وفي المناقب لابن المغازلي الشافعي [ص293 برقم 335] قال: أخبرنا القاضي أبو جعفر محمد بن إسماعيل العلوي، حدّثنا أبو محمد عبدالله بن عثمان المزني الحافظ الملقب بابن السقّاء، حدّثنا أبو عبدالله أحمد بن عليّ الرازي، حدّثنا عليّ بن حسين بن عبيد الرازي، حدّثنا إسماعيل بن أبان الأزدي، عن عمرو بن حريث، عن داود بن سليك عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله(صلي الله عليه وآله): يدخل من اُمتي الجنة

سبعون ألفاً لاحساب عليهم، ثم التفت إلي عليّ(صلي الله عليه وآله) فقال: هم من شيعتك وأنت إمامهم.

سوره النجم، آيه 4-1

في قوله تعالي: (والنّجم إِذا هَوي - ما ضلَّ صاحبُكمُ وما غوي - وما ينطقُ عن الهوي - إن هُوَ إِلاّ وحيٌ يوحَي) [النجم: 1 4].

قال ابن المغازلي الشافعي في مناقبه [ص226 برقم 313]: أخبرنا أبو البركات إبراهيم ابن محمد بن خلف الجماريّ السقطيّ، أخبرنا أبو عبدالله الحسين بن أحمد، حدّثنا أبو الفتح أحمد بن الحسن بن سهل المالكيّ المصريّ الواعظ بواسط في القراطيسيين، حدّثنا سليمان ابن أحمد المالكي قال: حدّثنا أبو قضاعة ربيعة بن محمد الطائي، حدّثنا ثوبان ذو النون، حدّثنا مالك بن غسّان النهشليّ، حدّثنا ثابت عن أنس قال: انقضّ كوكب علي عهد رسول الله(صلي الله عليه وآله) فقال رسول الله(صلي الله عليه وآله): انظروا إلي هذا الكوكب، فمن انقض في داره فهو الخليفة من بعدي، فنظروا فإذا هو قد انقض في منزل عليّ، فأنزل الله تعالي: (والنجم إِذا هوي - ما ضلَّ صاحبكم وما غوي - وما ينطق عن الهوي - إن هو إِلاّ وحيٌ يوحَي).

قال المحقق والمعلّق علي الكتاب الفاضل محمد باقر البهبودي: أخرجه العلاّمة الذهبي في «ميزان الاعتدال» [155] [2: 45 برقم 2756] من طريق الجوزجاني بهذا السند. وأورده ابن حجر العسقلاني في «لسان الميزان» [2: 449].

وأورده أيضاً ابن المغازلي في «المناقب» [ص310 برقم 353] بغير السند المذكور، قال: أخبرنا أبو طالب محمد بن أحمد بن عثمان، أخبرنا أبو عمر محمد بن العبّاس بن حيّويه الخراز إذناً، حدّثنا أبو عبدالله الحسين بن عليّ الدهّان، المعروف بأخي حّماد، حدّثنا عليّ ابن محمّد بن الخليل بن هارون البصري، حدّثنا محمد بن الخليل الجهنيّ، حدثنا هشيم

عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس قال: كنت جالساً مع فتية من بني هاشم عند النبيّ(صلي الله عليه وآله) إذ انقضّ كوكب، فقال(صلي الله عليه وآله): من انقضّ هذا النجم في منزله فهو الوصيّ من بعدي، فقام فتية من بني هاشم فنظروا، فإذا الكوكب قد انقضّ في منزل عليّ(عليه السلام). قالوا: يا رسول الله، قد اُغويت في حب عليّ، فأنزل الله تعالي: (والنجم إِذا هوي) إلي قوله تعالي: (وهو بالاُفق الأعلي).

قال الفاضل محمد باقر البهبودي: أخرجه من طريق مؤلفنا ابن المغازلي عبدالله الشافعي في مناقبه [ص76]، وأخرجه الكنجي الشافعي في «كفاية الطالب» [ص260]بالإسناد إلي أبي عمر محمد بن العباس بن حيّويه بعين السند واللفظ، ثم قال: هكذا ذكره محدّث الشام في ترجمة عليّ(عليه السلام).

وفي المناقب [3: 10 ط. دار الأضواء] للحافظ محمد بن علي بن شهر آشوب قال: أخرج أبو جعفر بن بابويه في «الأمالي» بطرق كثيرة، عن جويبر، عن الضحاك، عن أبي هارون العبدي، عن ربيعة السعدي، وعن أبي إسحاق الفزاري، عن جعفر بن محمد عن آبائه(عليهم السلام)كلّهم عن ابن عبّاس.

وروي عن منصور بن الأسود عن الصّادق عن آبائه(عليهم السلام) واللفظ له قال: لما مرض النبي(صلي الله عليه وآله) مرضه الذي توفّي فيه، اجتمع إليه أهل بيته وأصحابه، فقالوا: يا رسول الله، إن حدث بك حدث فمن لنا بعدك؟ ومن القائم فينا بأمرك؟ فلم يجبهم جواباً وسكت عنهم، فلما كان اليوم الثاني أعادوا عليه القول فلم يجبهم عن شيء مما سألوه، فلما كان اليوم الثالث قالوا: يا رسول الله، إن حدث بك حادث فمن لنا بعدك؟ ومن القائم لنا بأمرك؟ فقال لهم: إذا كان غداً هبط نجم من السماء في

دار رجل من أصحابي فانظروا من هو، فهو خليفتي فيكم من بعدي والقائم بأمري، ولم يكن فيهم أحد إلاّ وهو يطمع أن يقول له أنت القائم من بعدي، فلما كان اليوم الرابع جلس كل واحد منهم في حجرته ينتظر هبوط النجم، إذ انقضّ نجم من السماء قد علا ضوؤه علي ضوء الدنيا حتي وقع في حجرة عليّ، فماج القوم وقالوا: ضل هذا الرجل وغوي، وما ينطق في ابن عمه إلاّ بالهوي، فأنزل الله في ذلك: (والنجم إذا هوي) الآيات.

ويقال ونزل: (أفكلّما جاءكم رسول بما لا تهوي أنفسكم). وفي رواية نوف البكالي أنه سقط في منزل عليّ نجم أضاءت له المدينة وما حولها، والنجم كانت الزهرة، وقيل بل الثريا.

قال ابن حمّاد:

قال الإمام هو الذي في داره

ينقض نجم الليل ساعة يطلع

فانقض في دار الوصيّ فغاضهم

وغدت له ألوانهم تتمقع

قالوا أمال به الهوي في صنوه

وتوازروا إلبا عليه وشنّعوا

وله أيضاً:

نص عليه أحمد

في خبر لا يجحد

والقوم كل يشهد

قال لهم وما افتري

من ذا هوي نجم الاُفق

في داره عند الغسق

فهو الإمام المستحق

لا تقعدوا عنه بطا

قالوا بدا في حكمه

هوي لابن عمه

يجعلها بزعمه

فقال والنجم إذا

في تلكم الدار هوي

ما ضلّ ذا ولا غوي

صاحبكم كما ادّعي

بل هو حق قد أتي

وقال خطيب منيح:

ويوم النجم حين هوي فقاموا

علي أقدامهم متألمينا

فقالوا ضلّ هذا في عليّ

وصار له من المتعصبينا

وأنزل ذو العلي في ذاك وحياً

تعالي الله خير المنزلينا

بأن محمداً ما ضلّ فيه

ولكن أظهر الحق المبينا

وقال ابن علوية:

هل تعلمون حديث النجم إذا هوي

في داره من دون كل مكان [156].

قالوا أشرْ نحو النبي بنعمة

نسمع له ونطعه بالإذعان

قال النبي ستكفرون إن انتم

ملتم عليه بخاطر العصيان

وستعلمون من المزنّ بفضله

ومن المشار إليه بالازمان

قالوا أبنه فلم نخالف أمره

فيما يجيء به من البرهان

فإليه أومِ فقال إن علامة

فيها الدليل علي

مراد العاني

فابغوا الثريا في السطوح فإنها

من سطح صاحبكم كلمع يمان

سكنت رواعده وقل وميضه

فتبيّنته حسائر العوران

فضلاً عن العين البصير بقلبه

والمبصر الأشياء بالأعيان

حتي إذا صعدت حقائق أمره

نفروا نفور طرائد البهزان

زعموا بأن نبينا اتّبع الهوي

وأتاهم بالإفك والعدوان

كذبوا ورب محمد وتبدّلوا

وجروا إلي عمه وضدّ بيان

وهناك أحاديث وروايات كثيرة، فلعل من الخير أن نذكر شطراً منها لمناسبة في المقام الذي نحن بصدده، لما انضم مدلولاتها بعضها إلي بعض لمن تدبر مرماها ومغزاها، ولاتفاق معانيها باعتبار مفهومها وفحواها، وإن كانت ألفاظها قد اختلفت، وعباراتها قد تباينت، فلتطوّر أطوار الأحوال والمواقع والمقامات. كما أخرجه نقلة الأخبار والآثار، ونقلها عنهم ابن شهر آشوب في مناقبه [3: 53 ط. دار الأضواء]. منها ما نقله المنقري بإسناده إلي عمران بن أبي بريدة الأسلمي. وروي يوسف بن كليب المسعودي بإسناده عن داود عن بريدة. وروي عبّاد بن يعقوب الأسدي بإسناده عن داود السبيعي عن أبي بريدة أنه دخل أبو بكر علي رسول الله(صلي الله عليه وآله)فقال: إذهب وسلّم علي أمير المؤمنين، فقال: يا رسول الله وأنت حيّ؟ قال: وأنا حيّ. ثم جاء عمر فقال له: مثل ذلك.

وفي رواية السبيعي أنه قال عمر: ومن أمير المؤمنين؟ قال(صلي الله عليه وآله): عليّ بن أبي طالب، قال عن أمر الله وأمر رسوله؟ قال: نعم.

ومنها ما رواه في نفس المصدر [3: 53] عن إبراهيم السقفي، عن عبدالله بن جبلة الكناني، عن ذريح المحاربي عن الثمالي عن الصّادق(عليه السلام): أن بريدة كان غائباً بالشام فقدم وقد بايع النّاس أبا بكر، فأتاه في مجلسه فقال: يا أبا بكر هل نسيت تسليمنا علي عليّ بإمرة المؤمنين واجبة من الله ورسوله؟ قال: يا بريدة إنك غبت وشهدنا، وإن الله يحدث الأمر بعد الأمر، ولم

يكن الله يجمع لأهل هذا البيت النبوّة والملك.

وفي رواية الثقفي والسري بن عبدالله بإسنادهما: أن عمران بن الحصين وأبا بريدة قالا لأبي بكر: قد كنت أنت يومئذ فيمن سلّم علي عليّ بإمرة المؤمنين. فهل تذكر ذلك اليوم أم نسيته؟ قال: بل أذكره، فقال بريدة: فهل ينبغي لأحد من المسلمين أن يتأمّر علي أمير المؤمنين؟ فقال عمر: إن النبوّة والإمامة لا تجتمع في بيت واحد، فقال له بريدة: (أم يَحسُدُونَ النّاسَ عَلَي ما آتاهم الله من فَضلِه فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم مُّلكاً عظيماً)[النساء: 54]، فقد جمع الله لهم النبوّة والملك. قال: فغضب عمر وما زلنا نعرف في وجهه الغضب، حتي مات.

وأنشد بريدة الأسلمي:

أمر النبي معاشراً هم اُسوة

ولازم أن يدخلوا فيسلّموا

تسليم من هو عالم مستيقن

إن الوصي هو الإمام القائم

وفي نفس المصدر [3: 63] ما رواه عن ابن مردويه وعن السمعاني في «فضائل الصحابة» عن ابن مسعود أنه قال: كنت مع النبي(صلي الله عليه وآله) وقد تنفس الصعداء، فقلت ما لك يا رسول الله؟ قال: نعيت إلي نفسي يابن مسعود، قلت استخلف، قال: من؟ قلت: أبا بكر، فسكت. ثم مضي ساعة ثم تنفس، فقلت: ما شأنك يا رسول الله؟ قال: نعيت إليّ نفسي، فقلت: استخلف، قال: من؟ قلت: عمر، فسكت ثم مضي ساعة ثم تنفس، فقلت: ما شأنك يا رسول الله؟ قال: نعيت إلي نفسي، قلت: استخلف، قال: من؟ قلت: عليّ بن أبي طالب، فسكت ثم قال: والذي نفسي بيده، لئن أطاعوه ليدخلن الجنة أجمعين أكتعين.

وروي في نفس المصدر [3: 48] نقلاً عن «حلية الأولياء» لأبي نعيم، وكتاب الولاية للطبري، قال النبي(صلي الله عليه وآله): يا أنس يدخل عليك من هذا الباب أمير المؤمنين، وسيد

المرسلين [157]، وقائد الغرّ المحجلين، وخاتم الوصيّين، قال أنس: قلت اللهم اجعله رجلاً من الأنصار، وكتمته، إذ جاء عليّ فقال(صلي الله عليه وآله): من هذا يا أنس؟ قلت: عليّ، فقام مستبشراً واعتنقه ثم جعل يمسح عرق وجهه بوجهه، فقال عليّ: يا رسول الله! لقد رأيتك صنعت بي شيئاً ما صنعته بي قبل، قال(صلي الله عليه وآله): وما يمنعني وأنت تؤدّي عني، وتسمعهم صوتي، وتبيّن لهم ما اختلفوا فيه بعدي.

وفي [ص249] روي المؤلف عن «العقد الفريد» لابن عبد البر وقال: بل روته الاُمة بأجمعها عن أبي رافع وغيره: أن علياً نازع العباس إلي أبي بكر في برد النبيّ وسيفه وفرسه، فقال أبو بكر: أين كنت يا عبّاس حين جمع النبيّ(صلي الله عليه وآله) بني عبد المطلب وأنت أحدهم فقال: أيكم يؤازرني فيكون وصيّي وخليفتي في أهلي، وينجز موعدي ويقضي ديني؟ فقال له العبّاس: فما أقعدك مجلسك هذا تقدّمته وتأمّرت عليه؟ فقال أبو بكر: أغدراً يا بني عبد المطلب؟

وفي [ص260] روي عن مسند أبي يعلي عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه، وذلك: سئل أبو ذر عن اختلاف النّاس عنه فقال: عليك بكتاب الله والشيخ عليّ بن أبي طالب، فإني سمعت رسول الله(صلي الله عليه وآله) يقول: عليّ مع الحق، والحق معه وعلي لسانه، والحق يدور حيثما دار عليّ. ورواه صاحب اعتقاد أهل السنة عن سعد بن أبي وقاص عن النبي(صلي الله عليه وآله).

وفي [ص 47] روي عن الطبري بإسناد له عن سلمان الفارسي قال: قلت لرسول الله(صلي الله عليه وآله): يا رسول الله إنه لم يكن نبي إلاّ وله وصيّ، فمن وصيّك؟ قال: وصيّي وخليفتي في أهلي وخير من أترك بعدي مؤدّي ديني، ومنجز

عداتي عليّ بن أبي طالب.

وفيها أيضاً عن أبي رافع قال: لما كان في اليوم الذي توفّي فيه رسول الله(صلي الله عليه وآله)غشي عليه، فأخذت بقدميه اُقبّلهما وأبكي، فأفاق وأنا أقول: من لي ولولدي يا رسول الله؟ فرفع إليّ رأسه وقال: الله بعدي ووصيّي صالح المؤمنين.

وفي رواية عن زيد بن عليّ عن أبيه(عليه السلام) أن أبا ذر لقيه عليّ(عليه السلام) فقال أبو ذر: أشهد لك بالولاء والإخاء والوصيّة. وروي مثل ذلك ابن مردويه عن سلمان والمقداد وعمار.

وروي أيضاً عن المسعودي عن عمر بن زياد الباهلي عن شريك بن الفضل بن سلمة عن اُم هاني بنت أبي طالب قالت: قلت: يا رسول الله! إن ابن اُمي يؤذيني «تعني علياً» فقال النبي(صلي الله عليه وآله) إن علياً لا يؤذي مؤمناً، إن الله طبعه علي خلقي، يا اُم هاني! إنه أمير في الأرض، وأمير في السماء، إن الله جعل لكل نبيّ وصيّاً، فشيث وصيّ آدم، ويوشع وصيّ موسي، وآصف وصيّ سليمان، وشمعون وصي عيسي، وعليّ وصيّي وهو خير الأوصياء في الدنيا والآخرة، وأنا صاحب الشفاعة يوم القيامة، وأنا الداعي وهو المؤدّي.

سوره اسراء، آيه 81

في قوله تعالي: (وَقُل جاءَ الحقُّ وزهَقَ الباطلُ إِنَّ الباطِلَ كان زَهُوقاً)[الاسراء: 81].

روي الحاكم في المستدرك [2: 366 367] عن عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) قال: انطلق بي رسول الله(صلي الله عليه وآله) حتي أتي بي الكعبة فقال لي: إجلس، فجلست إلي جنب الكعبة، فصعد رسول الله(صلي الله عليه وآله) بمنكبي، ثم قال لي: إنهض، فنهضت فلما رأي ضعفي تحته قال لي: إجلس فنزلت وجلست، ثم قال لي: يا علي إصعد علي منكبي، فصعدت علي منكبيه ثم نهض بي رسول الله(صلي الله عليه وآله) فلما نهض بي خيّل

إليّ لو شئت نلت اُفق السماء، فصعدت فوق الكعبة وتنحّي رسول الله(صلي الله عليه وآله) فقال لي: ألقِ صنمهم الأكبر صنم قريش، وكان من نحاس موتّداً بأوتاد من حديد إلي الأرض، فقال لي رسول الله(صلي الله عليه وآله) عالجه، ورسول الله(صلي الله عليه وآله) يقول لي: إيه إيه جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً، فلم أزل اُعالجه حتي استمكنت منه، فقال: إقذفه فقذفته فتكسّر، وتردّيت من فوق الكعبة، فانطلقت أنا والنبيّ(صلي الله عليه وآله)نسعي، وخشينا أن يرانا أحد من قريش وغيرهم، قال عليّ: فما صعد به حتي الساعة.

وروي الزمخشري في تفسيره «الكشاف» [2: 688 ط. دار الكتاب العربي] عند تفسيره الآية قال: وعن ابن عباس(رضي الله عنه): كانت لقبائل العرب أصنام يحجّون إليها وينحرون لها، فشكا البيت إلي الله عزّوجلّ فقال: أي رب حتي متي تعبد هذه الأصنام حولي دونك؟ فأوحي الله إلي البيت: أني سأحدث لك نوبة جديدة، فأملأك خدوداً سجداً يدفّون إليك دفيف النسور، ويحنون إليك حنين الطير إلي بيضها، لهم عجيج حولك بالتلبية.

ولما نزلت هذه الآية يوم الفتح قال جبرئيل(عليه السلام) لرسول الله(صلي الله عليه وآله): خذ مخصرتك ثم ألقها، فجعل يأتي صنماً صنماً وهو ينكت بالمخصرة في عينه ويقول: جاء الحق وزهق الباطل، فينكب الصنم لوجهه حتي ألقاها جميعاً، وبقي صنم خزاعة فوق الكعبة وكان من قوارير صفر، فقال(صلي الله عليه وآله): يا عليّ إرم به، فحمله رسول الله(صلي الله عليه وآله) حتي صعد فرمي به فكسره، فجعل أهل مكة يتعجّبون ويقولون: ما رأينا رجلاً أسحر من محمّد(صلي الله عليه وآله).

وروي الامام أحمد بن حنبل في مسنده [1: 84] عن عليّ(عليه السلام) قال: انطلقت أنا والنبيّ(صلي الله عليه وآله)

حتي أتينا الكعبة فقال ليّ رسول الله(صلي الله عليه وآله): إجلس، وصعد علي منكبي فذهبت لأنهض به فرآي مني ضعفاً فنزل: وجلس لي نبي الله(صلي الله عليه وآله) وقال: إصعد علي منكبي، قال: فصعدت علي منكبيه، قال: فنهض بي، قال: فأنه يخيّل إليّ أني لو شئت لنلت اُفق السماء، حتي صعدت علي البيت وعليه تمثال صفر أو نحاس. فجعلت اُزاوله عن يمينه وعن شماله وبين يديه ومن خلفه، حتي إذ استمكنت منه قال لي رسول الله(صلي الله عليه وآله): إقذف به، فقذفت به فتكسر كما تتكسر القوارير، ثم نزلت فانطلقت أنا ورسول الله(صلي الله عليه وآله) نستبق حتي توارينا بالبيوت خشية أن يلقانا أحد من الناس.

وفي «دلائل الصدق» [2: 294 ط. بصيرتي] قال: ونحوه في مسند أحمد لكن من دون تعيين الليلة، وكذا في كنز العمال نقلاً عن ابن أبي شيبة وأبي يعلي في مسنده وابن جرير والخطيب. ثم قال: إن اختصاص أمير المؤمنين(عليه السلام) بمشاركة النبي(صلي الله عليه وآله) في هذه الواقعة الخطيرة بطلب من النبي(صلي الله عليه وآله) دليل علي فضله علي غيره، لا سيما وقد رقي علي منكب دونه العيوق، وهام الملائكة والملوك. وقد أشار الشافعي إلي هذه الواقعة مادحاً لأمير المؤمنين(عليه السلام) كما حكاه القندوزي الحنفي في «ينابيع المودّة» في الباب الثامن فقال:

قيل لي قل في عليٍّ مدحاً

ذكره يخمد ناراً موصده

قلت لا أقدم في مدح امرئ

ضلّ ذو اللب إلي أن عبده

والنبي المصطفي قال لنا

ليلة المعراج لما صعده

وضع الله بظهري يده

فأحس القلب أن قد برّده

وعليٌّ واضع أقدامه

في محل وضع الله يده

وقال ابن شهر آشوب في مناقبه [2: 135 ط. دار الأضواء]: وقد استنابه «يعني علياً» يوم الفتح في أمر عظيم، فإنه وقف

حتي صعد علي كتفيه وتعلّق بسطح البيت وصعد، وكان يقلع الأصنام بحيث تهتز حيطان البيت ويرمي بها فتنكسر. رواه أحمد بن حنبل، وأبو يعلي الموصلي في مسنديهما، وأبو بكر الخطيب في تأريخه، ومحمد بن الصباح الزعفراني في الفضائل، والخطيب الخوارزمي في أربعينه، وأبو عبدالله النطنزي في الخصائص، وأبو المضا صبيح مولي الرضا(عليه السلام) قال: سمعته يحدّث عن أبيه عن جده في قوله تعالي: (ورفعناه مكانا علياً) [مريم: 57] نزلت في صعود عليّ علي ظهر النبي لقلع الصنم.

وقال: حدّثني أبو الحسن علي بن أحمد العاصميّ، عن إسماعيل بن أحمد الواعظ، عن أبي بكر البيهقي بإسناده عن أبي مريم عن أمير المؤمنين(عليه السلام) قال: قال رسول الله(صلي الله عليه وآله): إحملني لنطرح الأصنام عن الكعبة، فلم اُطق حمله فحملني، فلو شئت أتناول السماء فعلت، وفي خبر: والله لو شئت أن أنال السماء بيدي لنلتها.

وروي فيه أيضاً عن أبي بكر الشيرازي في نزول القرآن في شأن أمير المؤمنين عليّ(عليه السلام): عن قتادة عن ابن المسيب، عن أبي هريرة قال: قال لي جابر بن عبدالله: دخلنا مع النبي(صلي الله عليه وآله) مكة وفي البيت وحوله ثلاثمئة وستون صنماً، فأمر بها رسول الله(صلي الله عليه وآله)فاُلقيت كلها لوجوهها، وكان علي البيت صنم طويل يقال له هبل، فنظر النبي إلي عليّ وقال له: يا عليّ تركب علي أو أركب عليك لاُلقي هبل عن ظهر الكعبة؟ قلت: يا رسول الله بل تركبني، فلما جلس علي ظهري لم أستطع حمله لثقل الرسالة، قلت: يا رسول الله بل أركبك، فضحك ونزل وطأطأ لي ظهره واستويت عليه، فوالذي فلق الحبة وبرأ النسمة، لو أردت أن اُمسك السماء لأمسكتها بيدي، فألقيت هبل عن ظهر الكعبة، فأنزل

الله تعالي: (وقُل جاءَ الحقَّ وزهق الباطل إنّ الباطل كان زهوقاً) [الأسراء: 81].

وفيه قال أيضاً: وروي القاضي أبو عمرو عثمان بن أحمد عن شيوخ بإسناده عن ابن عبّاس قال: قال النبي(صلي الله عليه وآله) لعليّ: قم بنا إلي صنم في أعلي الكعبة، فقاما جميعاً، فلما أتياه قال له النبي(صلي الله عليه وآله): قم علي عاتقي حتي أرفعك عليه، فأعطاه علي ثوبه فوضعه رسول الله(صلي الله عليه وآله)علي عاتقه، ثم رفعه حتي وضعه علي البيت، فأخذ عليُّ الصنم وهو من نحاس فرمي به من فوق الكعبة، فنادي رسول الله(صلي الله عليه وآله): إنزل، فوثب من أعلي الكعبة كأنما كان له جناحان.

ويقال: إن عمر كان تمنّي ذلك، فقال(صلي الله عليه وآله): إن الذي عبده لا يقلعه. ولما صعد أبو بكر المنبر نزل مرقاة، فلما صعد عمر نزل مرقاة، فلما صعد عثمان نزل مرقاة، فلما صعد عليُّ صعد إلي موضع يجلس عليه رسول الله(صلي الله عليه وآله)، فسمع من النّاس ضوضاء، فقال(عليه السلام): ما هذه التي أسمعها؟ قالوا: لصعودك إلي موضع رسول الله الذي لم يصعده الذي تقدمك، فقال(عليه السلام)سمعت رسول الله يقول: من قام مقامي ولم يعمل بعملي أكبّه الله في النار، وأنا والله العامل بعمله، الممتثل قوله، الحاكم بحكمه، فلذلك قمت هنا.

ثم ذكر في خطبته: معاشر النّاس! قمت مقام أخي وابن عمي، لأنه أعلمني بسرّي وما يكون منّي. فكأنه قال: أنا الذي وضعت قدمي علي خاتم النبوّة، فما هذه الأعواد؟ أنا من محمّد ومحمّد منّي.

وقال(عليه السلام) في خطبة الافتخار: أنا كسرت الأصنام، أنا رفعت الأعلام، أنا بنيت الاسلام. قال ابن نباتة: حتي شدّ به أطناب الاسلام، وهدّ به أحزاب الأصنام، فأصبح الإيمان فاشياً بأقياله، والبهتان متلاشياً

بصياله، ولمقام إبراهيم شرف علي كل حجر، لكونه مقاماً لقدم إبراهيم. فيجب أن يكون قدم عليّ أكرم من رؤوس أعدائه، لأن مقامه كتف النبوّة.

ثم قال ابن شهر آشوب: والغالية والمشبهة تقول أكثر من هذا كما أنشد شاعرهم. وقد روي عن أبي نواس:

قيل لي قل في عليّ المرتضي

كلمات تطفي ناراً موقده

قلت لا يبلغ قولي رجلاً

حار ذو الجهل إلي أن عبده

وعليّ واضعاً رجلاً له

بمكان وضع الله يده

وأنشد آخر:

قالوا مدحت عليّ الطهر قلت لهم

كل امتداح جميع الأرض معناه

ماذا أقول لمن حطّت له قدم

في موضع وضع الرحمن يمناه

وقال العوني:

أمير المؤمنين أبو تراب

بني الاسلام بالبيض الرقاق

غياث محمّد في كل كرب

إذا ما الحرب قامت فوق ساق

وجاهد في سبيل الله ما إن

يحابي في الجهاد ولا يتاقي

علي كاسر الأصنام لما

رقي كتف النبي إلي بساق

وله أيضاً:

فهذا ويوم الفتح نادي محمّد

ألا قم إلي الأصنام حيدر فاقلع

وطأطا له حتي اعتلي فوق ظهره

فأجلل بهذا من مقام وأرفع

فقال عليُّ لو أشا نلت عندها

سما الله أورمت النجوم أتت معي

وقال الزاهي:

مكسر الأصنام في اليوم الذي

أريح عن وجه الهدي عماسه

رقي علي الكاهل من خير الوري

والدين مقرون به انباسه

ونكّس اللاّت وألقي هبلاً

مهشّماً يقلبه انتكاسه

وقام مولاي علي البيت وقد

طهّر إذ فارقه أنجاسه

وقال المفجع:

رام حمل النبي كي يقلع الأصنام

من سخطها المشول الجثيا

فحباه ثقل النبوّة حتي

كاد ينآد تحته مثنيا

فارتقي منكب النبي عليُّ

صنوه ما أجلّ ذاك رقيّا

فأماط الأوثان عن طابة

الكعبة ينقي الأرجاس عنها نقيا

ولو أن الوصيّ حاول مس النجم

بالكف لم يجده قصيا

وقال المرزوقي «وقيل الحصفكي»:

يا رب بالقدم التي أوطأتها

من قاب قوسين المحل الأعظما

وبحرمة القدم التي جعلت لها

كتف المؤيد بالرسالة سلّما

إجعلهما ربي إليك وسيلتي

في يوم حشر أن أزور جهنما

وقال السروجي:

رقي علي ظهر النبي حيدرٌ

من دون جمع بين بدو وحضر

حتي علا البيت وألقي هبلا

من كعبة الله سريعاً وانحدر

وذكر

فيه [2: 141] أيضاً ما رواه اسماعيل بن محمد الكوفي في خبر طويل عن ابن عباس: أنه كان صنم لخزاعة من فوق الكعبة، فقال له النبي(صلي الله عليه وآله): يا أبا الحسن! إنطلق بنا نلقي هذا الصنم عن البيت، فانطلقا ليلاً، فقال له(صلي الله عليه وآله): يا أبا الحسن إرقَ علي ظهري، وكان طول الكعبة أربعين ذراعاً، فحمله رسول الله(صلي الله عليه وآله) فقال: انتهيت يا عليّ؟ قال(عليه السلام): والذي بعثك بالحق، لو هممت أن أمس السماء بيدي لمسستها، واحتمل الصنم وجلد به الأرض، فتقطّع قطعاً، ثم تعلّق بالميزاب وتخلّي بنفسه إلي الأرض، فلما سقط ضحك، فقال النبي(صلي الله عليه وآله): ما يضحكك يا عليّ؟ أضحك الله سنّك، قال(عليه السلام): ضحكت يا رسول الله تعجباً من أني رميت بنفسي من فوق البيت إلي الأرض فما ألمت ولا أصابني وجع فقال(عليه السلام): كيف تألم يا أبا الحسن، أو يصيبك وجع؟ إنما رفعك محمّد(صلي الله عليه وآله) وأنزلك جبرئيل(عليه السلام) انتهي.

وفي أربعين الخوارزمي في خبر طويل: فانطلقت أنا والنبي وخشينا أن يرانا أحد من قريش أو غيرهم، فقذفته فتكسّر ونزوت من فوق الكعبة.

قال الحميري:

وليلة خرجا فيها علي وجل

وهما يجوبان دون الكعبة الظلما

حتي إذا انتهيا قال النبي له

إنا نحاول أن نستنزل الصنما

من فوقها فاعلُ ظهري ثم قام به

خير البرية ما استحيي وما احتشما

حتي إذا ما استوت رجلا أبي حسن

أهوي به لقرار الأرض فانحطما

ناداه أحمد أن ثب يا عليّ لقد

أحسنت بارك ربي فيك فاقتحما

وله أيضاً:

وليلة قاما يمشيان بظلمة

يجوبان جلباباً من الليل غيهبا

إلي صنم كانت خزاعة كلها

توقّره كي يكسراه ويهربا

فقال اعلُ ظهري يا عليّ وحطّه

فقام به خير الأنام مركبا

يغادره فضاً جذاذاً وقال ثب

جزاك به ربي جزاء مؤربا

وقال [2: 140]: وحديث

الارتقاء مثل حديث المعراج سواء، وقد روي كل واحد منهما من وجهين في زمانين مختلفين، فيدل هذا علي أن كل واحد منهما كان مرتين.

وروي القندوزي الحنفي في كتابه ينابيع المودة [ص140 في الباب 48] خبراً طويلاً وقال أخيراً: وقد احتمل(صلي الله عليه وآله) الحسن والحسين يوم حديقة بني النجار وكانا نائمين فيها، وقال(صلي الله عليه وآله): نعم الراكابان وأبوهما خير منهما، وأنه(صلي الله عليه وآله) يصلّي بأصحابه فأطال سجدته، فيقول: إن ابني ركبني فكرهت أن أرفع رأسي حتي ينزل باختياره. فعل ذلك إظهاراً لشرفهم وعظيم قدرهم عند الله عزّوجلّ، وحمل علياً علي ظهره إشارةً إلي أنه أبو ولده والأئمة من صلبه، كما حوّل رداءه في الاستسقاء إعلاماً أنه تحول الجدب خصباً، وإعلاماً أن ما حمله المعصوم فهو معصوم. وقال: يا عليّ، إن الله حمل ذنوب أتباعك ومحبيك عليّ ثم غفرها لي. وذلك قوله تعالي: (ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر) [الفتح: 2].

وأخرج ابن المغازلي الشافعي في مناقبه [ص202 برقم 240] مسنداً عن أبي هريرة قال: قال رسول الله(صلي الله عليه وآله) لعلي بن أبي طالب يوم فتح مكّة: أما تري هذا الصّنم بأعلي كعبة؟ قال: بلي يا رسول الله، قال: فأحملك فتناوله، فقال علي(عليه السلام): بل أنا أحملك يا رسول الله، فقال(صلي الله عليه وآله): والله لو أن ربيعة ومضر جهدوا أن يحملوا مني بضعة وأنا حيّ ما قدروا، ولكن قف يا عليّ، فضرب رسول الله(صلي الله عليه وآله) بيده إلي ساقَي عليّ فوق القرنوس، ثمّ اقتلعه من الأرض بيده فرفعه حتي تبيّن بياض إبطيه، ثم قال له: ما تري يا عليّ؟ قال: أري أن الله عزّوجلّ قد شرّفني بك حتي أنّي

لو أردت أن أمس السماء لمسستها، فقال له: تناول الصّنم يا عليّ، فتناوله ثمّ رمي به، ثمّ خرج رسول الله(صلي الله عليه وآله) من تحت عليّ فترك رجليه فسقط علي الأرض فضحك، فقال له(صلي الله عليه وآله): ما أضحكك يا عليّ؟ فقال: سقطت من أعلي الكعبة فما أصابني شيء، فقال رسول الله(صلي الله عليه وآله): وكيف يصيبك شيء وإنّما حملك محمّد وأنزلك جبرئيل(عليه السلام)؟

قال الفاضل [158] في تعليقاته علي الكتاب: قد أخرجه بهذا السند الشيخ عبدالله الشافعي في مناقبه المخطوط [ص38] علي ما في ذيل «إحقاق الحق» وتراه في المناقب المرتضوية [ص188 ط. بمبي] وقد أخرجه عن مؤلفنا ابن المغازلي السيد ابن طاووس في «الطرائف» [ص20] وابن البطريق في «العمدة» [ص191] وهكذا أخرج ابن شهر آشوب في المناقب، عن أبي بكر الشيرازي.

وفي تفسير الدر المنثور [4: 199 ط. منشورات مكتبة المرعشي النجفي] روي السيوطي ذلك من عدة طرق، ولكن كلّها مختصرة، وقد اقتصر علي رواية دخول النبي(صلي الله عليه وآله)مكة، فجعل يطعن الأصنام المعبودة حول الكعبة بعود بيده حتي انكبّت لوجهها قائلاً: جاء الحق وزهق الباطل، إن الباطل كان زهوقاً.

وفي «الخصائص» للنسائي [ص31] كما في «فضائل الخمسة» [2: 340] روي بسنده عن أبي مريم قال عليّ(عليه السلام): انطلقت مع رسول الله(صلي الله عليه وآله) حتي أتينا الكعبة، فصعد رسول الله(صلي الله عليه وآله) علي منكبي، فنهضت به فلما رآي رسول الله(صلي الله عليه وآله) ضعفي قال لي: إجلس، فجلست فنزل النبي(صلي الله عليه وآله) وجلس لي وقال لي: إصعد علي منكبي فصعدت علي منكبيه فنهض بي، فقال عليّ(عليه السلام): إنه يخيّل إلي أني لو شئت لنلت اُفق السماء، فصعدت علي الكعبة وعليها تمثال من صفر

أو نحاس، فجعلت أعالجه لاُزيله يميناً وشمالاً وقداماً ومن بين يديه ومن خلفه، حتي استمكنت منه، فقال نبي الله(صلي الله عليه وآله) إقذفه، فقذفت به فكسرته كما تكسر القوارير، ثمّ نزلت فانطلقت أنا ورسول الله(صلي الله عليه وآله) نستبق حتي توارينا بالبيوت خشية أن يلقانا أحد.

وفي المستدرك [3: 5] روي الحاكم من طريق أبي بكر بن محمد بن إسحاق عن

عليّ(عليه السلام) بلفظ: لما كان الليلة التي أمرني رسول الله(صلي الله عليه وآله) أن أبيت علي فراشه وخرج من مكة مهاجراً، انطلق بي رسول الله(صلي الله عليه وآله) إلي الأصنام فقال: إجلس، فجلست إلي جنب الكعبة، ثمّ صعد رسول الله(صلي الله عليه وآله) علي منكبي، ثمّ قال إنهض فنهضت به، فلما رآي ضعفي تحته قال: إجلس، فجلست فأنزلته عني، وجلس لي رسول الله(صلي الله عليه وآله) ثم قال لي: يا عليّ إصعد علي منكبي، فصعد علي منكبيه، ثم نهض بي رسول الله(صلي الله عليه وآله) وخيل إليّ أنّي لو شئت نلت السماء، وصعدت إلي الكعبة وتنحّي رسول الله(صلي الله عليه وآله) فألقيت صنمهم الأكبر وكان من نحاس موتّداً بأوتاد من حديد إلي الأرض، فقال لي رسول الله(صلي الله عليه وآله) عالجه، فعالجت فما زلت اُعالجه ويقول رسول الله(صلي الله عليه وآله): إيه إيه، فلم أزل أعالجه حتي استمكنت منه، فقال: دقّه، فدققته فكسرته ونزلت. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

فهذا بعض ما أطلعنا الله عليه بإعانته وتأييده، ووفقنا علي جمع ما اقتطفناه بفضل كرمه وتوفيقه، فله جزيل الحمد والشكر أولاً وآخراً، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم.

پاورقي

[1] التوبة: 61.

[2] المائدة: 3.

[3] راجع البداية والنهاية 7: 386 ط. دار الاحياء.

[4] في كشف

الظنون وفي هداية العارفين ورد اسمه عبد الوهاب بن أحمد الملتاني.

[5] هكذا في الأصل، راجع: الغدير 1: 143. والصحيح مؤلفهما.

[6] هكذا في الأصل، والصحيح الثبور.

[7] بعد مراجعة المصدرين المذكورين وجدنا اختلافاً يسيراً بينهما، فراجع.

[8] الصافات: 24.

[9] ما بين القوسين من قول المؤلف لا من قول الإمام شرف الدين(قدس سره).

[10] إلي هنا انتهي كلام السيد شرف الدين(قدس سره) راجع النص والاجتهاد ص 22 30 ط. اُسوة.

[11] راجع المعجم الكبير 3: 49 ط. دار الاحياء بيروت.

[12] راجع: الحاكم، المستدرك علي الصحيحين 3: 154 والإمامة والسياسة ص 20.

[13] صحيح البخاري 4: 119، باب رجم الحبلي من كتاب الحدود والمحاربين. وتاريخ الطبري، أحداث سنة 11 ه.

[14] صحيح البخاري 8: 26، كتاب المحاربين باب رجم الحبلي ط. دار الفكر بيروت.

[15] المراجعات، المراجعة 6 12.

[16] الإمامة والسياسة ص 21 ط. مؤسسة الحلبي.

[17] إلي هنا انتهي كلام السيد القزويني(رحمه الله).

[18] راجع: تأريخ بغداد 3: 302 ط. دار الكتب العلمية بيروت، فإن لفظ الحديث يختلف وإليك لفظه: وإن ولّيتموها علياً فهاد مهتدي يقيمكم علي صراط مستقيم، ثم نقل حديث ابن أبي السري: فهاد مهتدي يقيمكم علي طريق مستقيم.

[19] الي هنا انتهي الكلام في نهج البلاغة راجع: شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 9: 305 ط. دار الاحياء بيروت. وصبحي الصالح الخطبة 172 ط. قم.

[20] راجع الغدير 9: 399.

[21] هكذا في الأصل، والصواب أنها علي وجه التخصيص.

[22] تفسير القرآن العظيم: 2/73 ط. دار المعرفة بيروت.

[23] فتح القدير 2: 53.

[24] هكذا في المصدر، والظاهر أنها قام.

[25] الغدير 4: 148 149.

[26] الجامع لأحكام القرآن، 18: 278 ط. دار الاحياء بيروت.

[27] هكذا في الأصل، والصحيح أنها لاهُمَّ.

[28] راجع: الوفا بأحوال المصطفي لابن الجوزي، ص: 783 ط. دار

الكتب العلمية بيروت.

[29] راجع: الغدير 1: 232 ط. طهران.

[30] الغدير 1: 236 ط. دار الكتب الاسلامية طهران.

[31] هكذا في الأصل، والصحيح بواحد.

[32] ما بين القوسين غير موجود في الطبعة الميمنية والبيروتية فراجع.

[33] تأريخ بغداد 3: 192 ط. دار الكتب العلمية بيروت.

[34] المصدر نفسه 4: 391 392.

[35] ابن شهر آشوب، المناقب 3: 119 ط. دار الأضواء بيروت.

[36] ذكره السيد الخوئي في معجمه [18: 188 ط. ايران] تحت اسم معاذ بن مسلم الهراء (معاذ بيّاع الاكسية).

[37] راجع: الطبرسي، مجمع البيان 5 6: 278 تجد بعض الاختلاف اليسير في نقل الرواية عن الحسكاني، وسوف تمرّ عليك بعد صفحات عن الحاكم الحسكاني، فلاحظ.

[38] تعليل المؤلف في غير محلّه وذلك لأن الذهبي قد وثّقه فراجع المصدر المذكور المطبوع بهامش المستدرك.

[39] أورد الأميني النص المطوّل في غديره 2: 106 108 فراجع.

[40] راجع: الحاكم الحسكاني، شواهد التنزيل 1: 275 376.

[41] راجع: ابن حجر، الصواعق المحرقة ص: 91 ط. الميمنية.

[42] هذا تعليق السيد شرف الدين في مراجعاته علي ما ذكره ابن حجر في صواعقه. راجع: المراجعات؛ المراجعة 12، ص41 ط. المجمع العالمي لأهل البيت(عليهم السلام).

[43] راجع ابن كثير، تفسير القرآن العظيم 2: 591 592.

[44] راجع: البحراني، غاية المرام ص: 241 من الباب المذكور اعلاه.

[45] ما نقله السيد شرف الدين في مراجعاته فيه اختلاف يسير ببعض الألفاظ عما هو في الصواعق المحرقة.

[46] ما بين القوسين من كلام المؤلف وليس من كلام صاحب الغدير.

[47] هكذا في الاصل، والظاهر أنه الثعلبي.

[48] راجع: صحيح البخاري 5: 7 ط. دار الفكر بيروت، كتاب المغازي من الباب 8.

[49] كذا في النسخة، وقال في تفسير الآية الكريمة من مجمع البيان: وروي الحاكم أبو القاسم الحسكاني باسناده عن ابن بريدة عن

ابيه قال: بينما شيبة والعباس يتفاخران.. وهو الظاهر، ورواه عن المجمع في البرهان: 2/110، والباب 63 من كتاب غاية المرام ص 363.

[50] الرواية المذكورة في كتاب الغدير لم تكن بعينها كما في تفسير الطبري، ولعلّ المؤلف اعتمد علي نسخة اُخري، راجع: تفسير الطبري 6: 335 337.

[51] راجع: الحاكم الحسكاني، شواهد التنزيل 2: 254 263.

[52] مسند الإمام أحمد [1: 33].

[53] صحيح البخاري، [6: 69]، باب تبتغي مرضاة أزواجك.

[54] راجع: ابن كثير، تفسير القرآن العظيم [4: 414 415].

[55] راجع: الكشاف للزمخشري 4: [565 566].

[56] ابن كثير، تفسير القرآن العظيم 3: 39.

[57] راجع: العقد الفريد 5: 321 ط. دار الفكر.

[58] الفصل في الملل والأهواء والنحل 3: 146 ط. دار المعرفة بيروت.

[59] الاعراف: الآيات 47 49.

[60] هكذا في الغدير، والصحيح انها غيرها.

[61] هكذا في الأصل، والظاهر انها «علي».

[62] فتح القدير 4: 536.

[63] هكذا في الأصل، ولعلّ الصواب: وعلي لقاحها، وفاطمة فرعها.

[64] الانعام: 153.

[65] هكذا في الأصل، والصحيح وابنيهما.

[66] هكذا في الأصل، ويبدو انها «ضن» بمعني بخل.

[67] الظاهر، إن هذا اشتباه وقع فيه الحاكم، إذ إن هذا الحديث لعلي(عليه السلام) وليس لرسول الله(صلي الله عليه وآله وسلم) حتي يقول: قال رسول الله(صلي الله عليه وآله وسلم).

[68] الحاكم 3: 152 ط. دار المعرفة بيروت.

[69] هكذا في الأصل، والصواب أنه: صدرَ هذه السورة.

[70] سيرة ابن هشام 1: 574.

[71] جامع البيان 10: 296 ط. دار المعرفة بيروت.

[72] هكذا في الأصل، ولعلّ في الحديث نقصاً، هو مجيء بقية أصحاب الكساء ودخولهم مع النبي(صلي الله عليه وآله وسلم).

[73] هكذا في الأصل، والصواب «حيّان».

[74] هكذا في الأصل، ويبدو أن في الرواية سقطاً هو كلمة «لسن» حتي يكون آخر الرواية منسجماً مع اولها، وتكون العبارة «نساؤه لسن

من أهل بيته». وقد ذكر هذا النص في تفسيره 4: 122 ط. دار المعرفة بيروت. فراجع.

[75] الفتح: 2.

[76] الحديد: 21.

[77] هذه العبارة للسيد الطباطبائي.

[78] التوبة: 103.

[79] راجع: صحيح البخاري 3: 47، كتاب المغازي، باب: بعث خالد الي بني جذيمة.

[80] الكامل 2: 256 ط. دار الفكر بيروت.

[81] الترمذي: 5: 594 ط. دار الفكر بيروت وهذا الحديث نقله أيضاً الإمام أحمد في مسنده 6: 489 ط. بيروت مؤسسة التاريخ.

[82] كنز العمال: 13: 127 ط. مؤسسة الرسالة بيروت.

[83] الاستيعاب بهامش الإصابة 3: 46 ط. دار الكتاب بيروت.

[84] هكذا في الأصل، والظاهر أنها «تلقاها».

[85] دلائل الصدق 2: 82 ط. قم بصيرتي.

[86] في المصدر هكذا: قال عليّ بن أبي طالب(رضي الله عنه): قال رسول الله(صلي الله عليه وآله). ويبدو أن قوله: «قال رسول الله» زيادة.

[87] هكذا في فضائل الخمسة، وهي في تاريخ بغداد «قابلناهم».

[88] هكذا في فضائل الخمسة، وهي في تاريخ بغداد «الطرفاوات».

[89] في تاريخ بغداد: «يا عمار تقتلك».

[90] هكذا في الأصل، والصواب «سابح».

[91] الغدير 9: 399 ط. دار الكتب الاسلامية.

[92] هذا النص بعينه ليس موجوداً في تاريخ ابن كثير، ولكن يوجد ما في معناه. راجع: البداية والنهاية 5: 44 47 ط. دار إحياء التراث العربي بيروت.

[93] راجع: الغدير 1/40.

[94] مجمع البيان: 1 2: 388 ط. دار إحياء التراث العربي بيروت.

[95] هكذا في الأصل، وقيل إنها «قطام» كما في مقتل أمير المؤمنين(عليه السلام)لابن بكر عبدالله بن محمد، ص86 ط. وزارة الارشاد طهران.

[96] في بعض الأحاديث «إنسية».

[97] تاريخ بغداد ج5 ص87. المواهب اللدنية للزرقاني المالكي ج2 ص29. مقتل الحسين للخوارزمي ص63 64. ذخائر العقبي للطبري ص36. وميزان الاعتدال للذهبي ج1 ص81 ط. دار المعرفة مستدرك الحاكم ج3 ص156 وتلخيص الذهبي. مجمع

الزوائد للهيثمي ج9 ص202. ينابيع المودّة للقندوزي الحنفي ص97. نزهة المجالس ج2 ص179. ومناقب ابن المغازلي ص358. والبحار ج18 ص315 وص350 وص364. والمختصر ص135. وعلل الشرائع ص72. وتفسير القمي ص341 وص242. وملحقات احقاق الحق للمرعشي ج10 ص1 11، عن بعض من تقدم، وعن محاضرات الأوائل ص88. ونظم درر السمطين ص77. وأرجح المطالب ص739. ووسيلة المآل ص78 79. وإعراب ثلاثين سورة ص120. وكنز العمال ج14 ص97 وج3 ص94. ومفتاح النجا ص98 واخبار الدول ص87. وميزان الاعتدال ج1 ص38 وص252 وج2 ص26 و ص 84.

[98] الاسراء: 71.

[99] يونس: 35.

[100] الانبياء: 73.

[101] الغدير 4: 159.

[102] الميزان 1: 277، ط. دار الكتب الاسلامية.

[103] الميزان 1: 279، ط. دار الكتب الاسلامية.

[104] تفسير العياشي 1: 57 ط. المكتبة العلمية الاسلامية.

[105] الصدوق، الأمالي: 144 ط. مؤسسة الأعلمي بيروت.

[106] النمل: 40.

[107] الأعراف: 145.

[108] الزخرف: 63.

[109] الأنعام: 59.

[110] الرعد: 31.

[111] النمل: 75.

[112] فاطر: 32.

[113] الرعد: 7.

[114] هود: 17.

[115] هكذا في الأصل، والظاهر أنها «أقرب له».

[116] في المصدر: ولا أنظف قطّ.

[117] مجمع البيان 7 8: 143 ط. دار إحياء التراث العربي.

[118] الأعراف: 181.

[119] الزول: الغلام الظريف.

[120] البقرة: 31.

[121] محمد: 29.

[122] نوح: 26.

[123] الزخرف: 4.

[124] طه: 135.

[125] المؤمنون: 74.

[126] الملك: 22.

[127] الأنعام: 153.

[128] يونس: 25.

[129] الزخرف: 43.

[130] الفاتحة: 7.

[131] لقمان: 20.

[132] النساء: 113.

[133] آل عمران: 33.

[134] الانبياء: 90.

[135] الرعد: 4.

[136] الزمر: 53.

[137] الضّحي: 5.

[138] الشوري: 23.

[139] نهج البلاغة الخطبة: 144 ص201: صبحي الصالح، ط. دار الهجرة قم.

[140] آخر الخطبة 147.

[141] الصواعق، الفصل الثالث، ص 114 124 ط. الميمنية.

[142] الفتوحات المكية: 3/337 ط. بيروت.

[143] الأحزاب: 6.

[144] الكهف: 44.

[145] الحديد: 15.

[146] النجم: 3.

[147] هكذا في كنز العمال.

[148] التوبة: 48.

[149] نقل البحراني الحديث في غاية المرام بمئة طريق من

طرق أهل السنة وسبعين طريقاً من طرق الشيعة [هامش الميزان 14/172 ط. دار الكتب الاسلامية].

[150] يوسف: 108.

[151] الي هنا في كتاب الغدير: أما ما في المستدرك للحاكم فأنه يختلف في بعض الالفاظ قليلاً مع وجود هذا الذيل الذي يذكره المؤلف.

[152] مستدرك الصحيحين 4: 471.

[153] راجع: فضائل الخمسة 2: 402.

[154] المناقب لابن شهر آشوب.

[155] في ذيل الحديث الذي ينقله صاحب ميزان الاعتدال: فقال جماعة قد غوي محمد في حب عليّ؛ فنزلت: (والنجم إذا هوي - ما ضلَّ صاحبكم وما غوي).

[156] هكذا في الأصل وفي صدره خلل في الوزن ظاهر.

[157] هكذا في الأصل.

[158] المقصود به: محقق الكتاب محمد باقر البهبودي.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.