شرح نهج البلاغه (سيد محمد حسيني شيرازي)

اشارة

سرشناسه: حسيني شيرازي محمد، شارح

عنوان و نام پديدآور: شرح نهج البلاغه تاليف محمد الشيرازي

مشخصات نشر: قم موسسه الفكر الاسلامي 1410ق = 1368.

مشخصات ظاهري: 4 ج در دو مجلد)

شابك: بها: 4600ريال دوره كامل

وضعيت فهرست نويسي: فهرستنويسي قبلي

عنوان ديگر: نهج البلاغه

موضوع: علي بن ابي طالب ع، امام اول 23 قبل از هجرت - 40ق -- خطبه ها

موضوع: علي بن ابي طالب ع، امام اول 23 قبل از هجرت - 40ق -- كلمات قصار

شناسه افزوده: علي بن ابي طالب ع، امام اول 23 قبل از هجرت - 40ق نهج البلاغه شرح

رده بندي كنگره: BP38/02 /ح 5

رده بندي ديويي: 297/9515

شماره كتابشناسي ملي: م 68-1372

خطبه ها

خطبه 001

[صفحه 11]

(فمن خطبه له) اي للامام اميرالمومنين (عليه السلام.. يذكر فيها ابتداء خلق السماء) كيف انشئت من العدم (و الارض) كيف اوجدت من لا شي ء (و) ابتداء (خلق آدم) عليه الصلاه و السلام. (الحمد لله) اي ان جنس الحمد له سبحانه، اذ جميع المحامد راجعه اليه (الذي لا يبلغ مدحته) اي مقدار حق مدحه و الثناء عليه (القائلون) الذين يقولون الحمد و يتكلمون به، و ذلك لان نعم الله سبحانه لا تحصي كثره و الانسان مهما حمد و مدح فانه لا يصل الي المقدار الواجب عليه عقلا، او المعني انه حيث كان غير محدود الصفات الحسنه، و الانسان محدود لا يمكن ان يحيط المحدود بغير المحدود (و لا يحصي نعمائه العادون) جمع عاد و هو الذي يعدد و يحسب، اي ان الذين لهم علم بالحساب و العدد لا يتمكنون من احصاء نعمه لكثرتها (و لا يودي حقه المجتهدون) جمع مجتهد، و هو الذي يجهد نفسه و يتعبها في سبيل شي ء ما، و المراد هنا المجتهدون في العباده و الطاعه، و انما لا يودون حقه تعالي، لا اعمال

العباد في جنب الطافه اليهم اقل من المقدار اللازم و الثمن المتعارف. (الذي لا يدركه بعد الهمم) جمع همه، يعني ان الانسان مهما كانت همته رفيعه و نظره دقيقا فانه لا يدرك كنهه سبحانه،

بل لا يعرف الانسان من الله سبحانه، الا انه موجود له صفات كماليه منزه عن النقائص، اما ما هو؟ و كيف هو … ؟ و امثال ذلك فلا يدرك الانسان شيئا منها (و لا يناله غوص الفطن) جمع فطنه و هي الذكاء و الغوص هو الارتماس في الماء، و غالبا يطلق الغوص، لمن يغوص مريدا اللولو و المرجان- و هذا كنايه- اي ان الاذكياء كلما غاصوا في بحار العلوم و المعارف، لعرفان حقيقته تعالي، و الالتقاط من درر كنهه سبحانه، لا يقدرون علي الوصول و الالتقاط. (الذي ليس لصفته حد محدود) فان صفات الممكن تنقطع، كما نري ذلك في قدرتنا، و علمنا و حياتنا، و سائر صفاتنا، فمثلا انا نقدر علي حمل (مائه كيلو) او نقدر علي النظر ساعه، او نعلم كتابا خاصا، او نحي خمسين سنه، اما الله سبحانه، فلا حد لصفاته فعمله غير محدود بحدود، و قدرته تشمل كل شي ء، و حياته ازليه ابديه و هكذا. (و لا) لصفته (نعت موجود) النعت يقال لما يتغير فعلمنا مثلا يتغير من قله الي كثره، او حال الي حال، اما علمه سبحانه فلا تغير فيه (و لا) لصفته (وقت معدود) اي وقت قد عد بالحساب، كان نقول ان علمه مدته خسمه ايام، او الف سنه (و لا) لصفته (اجل) اي وقت (ممدود) اي طويل قد مد كان يقال انه يعلم الاشياء الي حي

ن انقضاء الدنيا، و هذا مع سابقه عبارتان عن شي ء واحد،

و لكن باعتبارين، فباعتبار آخر المده يقال (اجل) و باعتبار قطعات الزمان يقال (وقت معدود) و الحاصل انه لا يصح ان يقال حد علم الله- مثلا- الموجودات، و لا ان يقال زاد علمه او نقص، و لا ان يقال علمه يبقي خمسين سنه و لا ان يقال علمه ينتهي الي الزمان الفلاني. و لما اتم الامام بيان ذاته و صفاته تعالي.. اتي لبيان بعض مظاهر قدرته سبحانه فقال: (فطر) اي خلق (الخلائق) جميع اصناف الخلق (بقدرته) فان الخلق لا يكون الا بالقدره، و هي الابداع عن اراده (و نشر الرياح) اي بسطها في السماء و الارض من هنا الي هناك و من هناك الي هنا لك (برحمته) حيث ان الرياح- غالبا- رحمه و فضل، لانها تنقي الاجواء، و تصفي المياه، و تربي الاشياء، و تروح عن الانسان (و وتد) اي سكن عن الاضطراب، كالوتد الذي يحفظ الشي ء عن السقوط و الاضطراب (بالصخور) جمع صخر، و المراد به الجبل (ميدان) اي اضطراب، من (ماد) اذا اضطرب (ارضه) فان الارض تتفكك و تضطرب، بسبب الحركه و الجاذبيه لو لا الصخور التي هي كالاوتاد لها.

[صفحه 13]

(اول الدين) الدين هو الطريقه، و المراد به هنا الطريقه السماويه التي جائت لهدايه البشر (معرفته) فان الانسان اذا لم يعرف الله فانه لا دين له و ان صلي و صام و بر و انفق، فان من لا يعرف الله كيف يتبع منهاجه؟ (و كمال معرفته التصديق به) بان يبني الانسان بناء اعمليا علي الاذعان و الاعتراف، فان بذلك التصديق يمكن العرفان، و الا فمن عرف قلبا و لم يصدق فهو ناقص المعرفه (و كمال التصديق به) اي بالله (توحيده) بان يوحده الانسان

و لا يجعل له شريكا فان من عرف الله و صدق به، لكنه جعل له شريكا كان تصديقه ناقصا، اذ ليس تصديقا بما هو الواقع من جميع الجهات، بل من بعض الجهات. (و كمال توحيده الاخلاص له) فان التوحيد لا يكمل الا اذا الخلص الانسان في سره و باطنه لله تعالي، اما من يوحده و لكن لا يخلص له في اعماله، فان توحيده صوري لا كمال له (و كمال الاخلاص له نفي الصفات عنه) بان لا يجعل الانسان الا له شيئا، و صفاته شيئا آخر، كما هو كذلك في الانسان و صفاته، مثلا زيد شي ء و علمه شي ء آخر، و ان اقترنا، فمن ولد الله سبحانه و لم يجعل له شريكا من الصنام و ما اشبه، لكنه اثبت هناك صفاتا مغايره للذات، لم يكن مخلصا لله سبحانه اذ يتوج

ه الي الذات و الي الصفات، و هذا هو الذي عبر عنه المتكلمون بانه سبحانه (لا معاني له) اي ان صفاته عين ذاته و انما تنتزع الصفات من الذات باعتبارات، فباعتبار انه يعلم الاشياء يقال عالم، و باعتبار انه يقدر علي الاشياء يقال قادر، لا ان هناك ذات و علم، و ذات و قدره و هذا كما يقال الانسان واحد: زيد، ابو عمرو، ابن خالد، جد محمود، فان هذه الاسامي قد انتزعت عن شي ء واحد باعتبارات متعدده، و الحاصل ان من اثبت صفه و ذاتا لم يكن مخلصا في توحيده. ثم بين الامام عليه السلام عله التلازم بين التوحيد و نفي الصفات بقوله: (لشهاده كل صفه انها غير الموصوف) فانه لو قال هناك ذات و صفه غير الذات ملاصقه بها- نحو التصاق اوصافنا بذواتنا- دلت الصفه علي غير

الموصوف فتحدث الاثنينيه (و شهاده كل موصوف انه غير الصفه) فان كل شي ء يشهد- شهاده تكوينيه- علي انه غير الشي ء الاخر، ثم فرع الامام عليه السلام علي ذلك قوله: (فمن وصف الله سبحانه) بصفه مغايره للذات (فقد قرنه) اي قد قرن الله بشي ء آخر- هو الصفه- (و من قرنه) تعالي باوصافه (فقد ثناه) اي جعله اثنينا: الذات، و الصفات (و من ثناه) اي جعل الله اثنينا (فقد جزاه) اي جعله ذا اجزاء، فان الاثنين المتدا

خلين واحد ذو اجزاء، كما ان الانسان واحد ذو اجزاء، و (السكنجبين) واحد ذو اجزاء خل و شهد. (و من جزاه) اي جعله تعالي ذا اجزاء (فقد جهله) اي لم يعرفه حق معرفته، اذا انه عرف اثنينا، و الها ذا اجزاء، و لم يعرف واحدا، و الها بسيطا لا جزء له (و من جهله) تعالي (فقد اشار اليه) اذ الجهل يستلزم ان يعده الانسان كالامور الجسماميه القابله للاشاره الحسيه، او كالامور العقليه- كالجنس و الفصل- القابله للاشاره العقليه، و الله سبحانه منزه عن امثال هذه الاشارات. (و من اشار اليه) (فقد حده) اي جعله محدودا، اذ الاشاره تستلزم التوجه الي ناحيه خاصه، و ذلك يلزم ان تكون تلك الناحيه محيطه بذلك المشار اليه (و من حده) تعالي (فقد عده) اي ادخله تحت التعداد، اذ يكون المشار اليه حينئذ واحدا، و الجانب الاخرثان، و الجانب الاخر ثالث، و هكذا، و الله منزه عن ان يدخل تحت العد، اذ هو الواحد الذي لا ثاني له (و من قال) عن الله: (فيم) اصله (في ما) و اذا دخلت حروف الجر علي (ما) الاستفاهاميه حذف الفها نحو (فيم) و (لم) و (عم) و نحوها … يعني

من سئل قائلا (فيم الله)؟ (فقد ضمنه) اي جعله في ضمن شي آخر اذ (في) للظريفه، و المظروف دائما محاط بالظرف محدود، و الله

ليس محدودا. (و من قال) عن الله: (علام)؟ اي سئل (الله علي اي شي)؟ (فقد اخلي منه) اي كان لازم سواله ان بعض الجهات خال عنه تعالي، اذ الشي ء الكائن علي شي ء آخر يكون الاسفل منه خاليا عنه، كما انك اذا قلت زيد علي الارض كان لازم ذلك خلو باطن الارض من زيد

[صفحه 16]

(كائن) اي ان الله سبحانه موجود (لا عن حدث) اي مبتدائا عن حدوث بان لم يكن ثم كان، كما هو شان سائر الكائنات، و (عن) للمجاوزه (موجود) اي انه سبحانه موجود (لا عن عدم) فلم يكن سابقا معدوما ثم وجد و كان الفرق بين الفقرتين ان الاولي باعتبار الذات- و انها ليست حادثه- و الثانيه باعتبار السابق، و انها لم يسبق عليها العدم، و ان كانتا متلازمتين في النتيجه. و الله سبحانه (مع كل شي ء لا بمقارنه) اي ان (المعيه) ليست بمعني اقتران الله بالاشياء، كما هو كذلك في الامور الجسمانيه فاذا قلت زيد مع محمد، كان معناه اقتربانها، بل اقترانه تعالي بالاشياء بمعني انه عالم بها قادر عليها (و غير كل شي ء لا بمزايله) اي انه تعالي مغاير للاشياء لكن ليست المغايره بمعني انه تعالي زائل عنها غير مرتبطه بها، كما لو قلنا ان زيدا غير محمد، حيث يراد به انهما جنسان متغايران، بل المغايره هنا بمعني ان له ذاتا و صفاتا، لا تشابه سائر المخلوقات و هو سبحانه (فاعل) للاشياء و مكون لها (لا بمعني الحركات و الاله) يعني انه لا يتحرك اذا اراد ان يفحل شيئا،

كما هو كذلك بالنسبه الينا فاذا اردنا ان نفعل شيئا تحركنا حتي نفعله، و هكذا الله تعالي يوجد الاشياء

ابتداء بدون احتياج الي آله توصله الي ذلك الشي ء بخلاف البشر الذي يصنع الاشياء بالالات، فينشر الخشب و يثبت الوتد، بالمنشار و المدق و ما اشبه ذلك و انه تعالي (بصير) اي عارف بالاشياء (اذ) اي في زمان (لا منظور اليه من خلقه) اي كان سبحانه متصفا بانه (بصير) في وقت لم يكن مخلوق موجودا، و المراد بالبصير العارف الاشياء، و هذا بخلاف الانسان الذي لا يبصر الا ما هو مخلوق موجود، ثم لا يخفي انه سبحانه لا حاسه له كحواسنا تبصر الاشياء، اما انه هل يراها بذاته، و يسمع بذاته، ام المراد بالسمع و البصر العلم احتمالان، و المرجح لدي- حسب المستفاد من الظواهر- الثاني، و لا ينافي ذلك عدم معرفتنا بالمزايا و الكيفيات، كما لا نعرف سائر صفاته بكنهها، و هو سبحانه (متوحد) اي واحد، و لكن ليست وحدته كوحدتنا، فان الوحده فينا معناها ان هناك غيرنا ممن اذ ابتعد عنا نستوحش، و اذا اقترب الينا نانس، و ليس كذلك سبحانه اذ لا جنس له حتي يانس بقربه و يستوحش لبعده، كما لا قرب و لا بعد للاشياء بالنسبه اليه، و الي هذا اشار عليه السلام بقوله: (اذا لا سكن يستانس به) و الاستيناس ضد الوحشه التي تطر علي الانسان حال الانفراد (و لا يستوحش لفقده) بالابتعاد عنه او

فنائه و هلاكه، و (اذ) للعله، بخلاف (اذ) في الجمله السابقه، فانها بمعني الزمان.

[صفحه 17]

(انشاء) سبحانه (الخلق انشائا) و الانشاء غالبا يستعمل في الابداع، و هي الايجاد بدون احتذاء مثال و اتباع الغير (و ابتدئه) اي الخلق (ابتدائا)

فكان هو الاول في الخلق لا سابق عليه، و الابتداء اعم- مفهوما- من الانشاء (بلا رويه) هي بمعني الفكر (اجالها) اي اداراها و رددها، فان الانسان اذا اراد ان يعمل شيئا قلب وجوه الراي في ذهنه حتي يستقر علي كيفيه خاصه، و الله سبحانه انما يخلق بلا فكر و ترديد (و لا تجربه استفادها) من غيره بان كان غيره صنع شيئا ثم جعل ذلك الغير قدره له يستفيد من اعماله الكيفيه و المزايا. (و لا همامه نفس) الهمامه بمعني الاهتمام، اي بدون اهتمام حدث في نفسه سبحانه (اضطرب فيها) بان اهتم في الامر مضطربا كما هو الشان في من يريد ان يفعل شيئا عظيما، اذ يهتم و يضطرب فكره (احال الاشياء لاوقاتها) اي انه تعالي احال كل شي ء مما يحدث في الكون لوقته، فمثلا احال الفواكه لفصل الصيف، و الامطار لفصل الشتاء و هكذا، و الحاصل انه تعالي جعل لكل شي ء وقتا خاصا به، يظهر في ذلك الوقت حسب حكمته البالغه. (و لام بين مختلفاتها) اي جعل الالتئام و الوفاق و الائتلاف بين الاشياء المختلفه كما قرن النفس اللطيفه بالجسم الكث

يف، و قرن الطبائع الاربع بعضها مع بعض في المواليد الثلاثه: فالماء و النار مقترنان و الهواء و الارض ملتمئتان (و غرز غرائزها) جمع غريزه و هي الطبيعه، اي جعل لكل شي ء طبيعه خاصه و هذا كقولهم سود السواد، و بيض البياض، اي جعل ذالك الجنس اسود، و هذا الجنس ابيض.. فنري لكل شي ء طبيعه خاصه هذا بارد، و ذاك حار، و هكذا (و الزمها اشباحها) جمع شبح، و من الشخص اي الزم سبحانه الغرائز اشخاصها، اي جعل تلك الغرائز في مواد خاصه، حتي يعرف

كل ماده بغريزتها فلا تتبدل الغرائز عن الاشباح و لا الاشباح عن الغرائز، كان تكون الطبيعه البارده مره في النار و مره في الماء، او يكون الماء مره بارد اومره حارا- بالطبيعه، و هذا الالزام هو الذي كون القوانين العامه في الكون و الا لم يستقر حجر علي حجر. و كان سبحانه (عالما بها) اي بالاشياء (قبل ابتدائها) و خلقها فكان تعالي يعرف مزايا الاشياء التي يريد خلقها بلا زياده او نقيصه (محيطا) احاطه علم (بحدودها) اجناسها و فصولها و سائر الامور المرتبطه بها (و انتهائها) اي يعلم وقت ما ينتهي كل شي ء و يتحول من الوجود الي العدم لانقضاء امده (عارفا بقرائنها) جمع قرينه و هي ما يقترن بالشي ء (و احنائها) جمع حنو- ب

الكسر- بمعني الجانب، فمثلا كان سبحانه يعلم (السكر) قبل خلقه، محيطا بانه جسم ابيض حلو، و انه الي اي حين يبقي (حلوا) ثم يذهب حلائه لتمادي الزمان عليه- مثلا- عارفا بانه يقترن بالخل او بما اشبهه، و سائر جوانبه مثل انه لو اقترن بالخل ماذا كان يصير لونه، و ماذا تكون خواصه، و كيف يكون طعمه … ؟

[صفحه 19]

(ثم) بعد العلم و العرفان بالاشياء (انشاء سبحانه فتق الاجواء) جمع جو و هو الفضاء بين السماء و الارض، و اعتبار كل طرف من اطرافه، اوجب جمعه علي الاجواء و معني فتق الاجواء شقها، ان صار محلا لشي ء بعد ان كان فضائا بحتا، و الظاهران الفضاء ايضا مخلوق، و ان كان خاليا من كل شي ء، و عدم تصور الانسان لحاله قبل الفضاء لا يوجب القول بعدم خلقها، و حاصل هذا الفصل، انه تعالي خلق مائا في الفضاء و خلق ريحا، و موجت الريح

الماء، و من ذلك خلق السماوات و الارض. (و شق الارجاء) جمع (رجاء) علي وزن (عصي) بمعني الجانب، اي شق اطراف الفضاء، يجعل الماء فيها، فان الماء يشق الفضاء الممتد في كل جانب (و سكائك الهواء) جمع (سكاكه) علي وزن (تلاقه) بمعني الهواء الملاقي اعالي الفضاء، و هذا كنايه عن ان الفتق كان ذا ارتفاع كما كان ذا طول و عرض و توسع يشتمل الاجواء و الارجاء (فاجري) تعالي (فيها) اي في تلك الاجواء و الارجاء و السكائك (مائا متلاطما تياره) التيار الموج الذي ياتي، يعني ان امواجه كانت متلاطمه تلطم بعضها بعضا، و تصطدم بعضها بالاخر، لشده هيجانها و حركتها (متراكما زخاره) التراكم هو كون الشي ء بعضه فوق بعض مع زياده و كثره، و الزخ

ار مبالغه في الزاخر، و هو الممتد المرتفع اي ان الماء كان بعضه فوق بعض في ارتفاع و علو، بخلاف مياه البحار المسطحه- حسب ما يري-. ثم خلق سبحانه قسمين من الريح قسما تحت الماء تحمله و قسما فوق الماء تعصفه و تموجه (حمله) اي الماء (علي متن الريح العاصفه) و هي الشديده الهبوب (و) علي متن (الزعزع) هي الريح سميت به، لانها تزعزع اي تحرك الاشياء الثابته (القاصفه) من قصف بمعني حصم، اي الريح الشديده التي من شانها ان تحطم (فامرها) اي امر الله سبحانه الريح (برده) اي رد الماء عن الهبوط، فان الماء لثقله يهبط لكن الريح جعلت له كالسناد الذي كما ثقل نحو الاسفل حفظته و ردته عن الهبوط (و سلطها) اي سلط الله الريح (علي شده) اي شد الماء كانها وثاق للماء تشد بعضه مع بعض حتي يبقي مجتمعا لا يفترق (و قرنها) اي قرن الله

الريح (الي حده) اي حد الماء فكان السطح الاعلي للريح مماسا للسطح الاسفل للماء. (الهواء من تحتها فتيق) يعني ان الهواء من تحت الريح مفتوق مشفوق فان الريح الحامله للماء كانت قد فتقت الهواء حتي اخذت مكانها (و الماء من فوقها دفيق) يعني ان الماء من فوق الريح يتدفق و يتحرك بشده فالريح متوسطه بين الهواء و الماء، و المراد بالهواء اما

الفضاء او الجسم اللطيف الذي يتنفس به و هو غير الريح (ثم) الظاهر انه لترتيب الكلام لا لترتيب المطلب، اذ قد سبق اضطراب الماء و تموجه دفقه (انشاء) اي خلق (سبحانه) مفعول مطلق لفعل محذوف اي انزهه تنزيها، و اسجه سجانا (ريحا اعتقم مهبها) المهب مصدر ميمي بمعني الهبوب و الجري و اعتقم بمعني كانت عقيمه لا تلد، فان مع الرياح ما لا تلقح سحابا و لا شجرا، و منها ما تلقح، و تلك الريح كانت عقيمه لانها لم تكن تلقح بل تحرك الماء فقط. (و ادام مربها) المرب مصدر ميمي من ارب بالمكان، مثل البربه- باب افعال من المضاعف- بمعني لازمه، اي ادام الله الزام تلك الريح لمكانها فلم تكن تسير من هناك، كما هي عاده الرياح، بل كانت في محل واحد لتحريك الماء و تموجه (و اعصف) الله سبحانه (مجراها) اي جري الريح- مصدر ميمي- بمعني اجرائها، و المعني جعل جري تلك الريح شديده، فان العصف بمعني شده الهبوب (و ابعد منشاها) اي جعل محل انشاء تلك الريح بعيدا، و لعلها كانت تاتي من مكان بعيد حتي تصل الي سطح الماء (فامرها) اي امر الله سبحانه تلك الريح- و لعل المراد: الامر تكوينا، لا تشريعا- (بتصفيق الماء الزخار) التصفيق هو التحريك و

التقليب، و الزخار هو الممتد المرتفع،

اي بتحريك الماء المذكور سابقا- ذي الارتفاع و الكثره-. (و اثاره موج البحار) اي امر الله تلك الريح بان تثير و تهيج امواج تلك المياه و سماها بحارا، باعتبار قطعها المختلفه (فمخضته مخض السقاء) المخض هو التحريك بشده، كما بمخض السقاء الاستخراج الزبد من اللبن، و السقاء هو الجلد الذي يصنع منه وعاء اللماء و اللبن و الدهن و ما اشبه، اي حركت الريح تلك المياه تحريكا عنيفا كتحريك السقاء (و عصفت) تلك الريح (به) اي بالماء (عصفها) اي مثل عصفها و شده هبوبها (بالفضاء) بمعني ان الريح جعلت تشتد بالماء جيئه و ذهابا، كما تجري في الفضاء بشده و قوه بدون مانع و دافع، فقوله عصفها مفعول مطلق نوعي، نحو جلست جلسه الامير (ترد) الريح (اوله الي آخره) اي اول الماء الي آخره في تمويجه له و تحريكه اياه (و) ترد تلك الريح (ساجيه) من سجي بمعني سكن (الي مائره) من (مار) بمعني تحرك، اي كلما سكن بعض الماء ردته الي المتحرك حتي صار الماء دائم التحرك. (حتي عب عبابه) (عب) بمعني ارتفع اي ارتفع الماء ارتفاعه المقصود، فان التحريك يوجب تدخيل اجزاء الهواء في الماء حتي يرتفع الماء للفرج الحاصله فيه من الهواء (و رمي) الماء (بالزبد) و هو ما يعلو البحر و اللبن لدي

شده هياجها من الماء الذي فيه الهواء، او الدهن المخلوط باللبن (ركامه) اي ارتفاعه، و هو مفعول به (لرمي) اي رمي الماء اعلاه بالزبد، بان تجمع الزبد في اعلا الماء (فرفعه) اي ذلك الزبد و المراد به بخار الماء، و انما سمي زبدا لشبهه به في انه يرتفع من الشي ء بسبب الحركه و الحراره،

و هذا لا ينافي ما ورد في القرآن الكريم من ان السماوات خلقت من الدخان، اذ المراد بالدخان ذلك ايضا، لشبهه به في المنظر، و اختلاط ذرات المرتفع بالهواء، و قد دلت الادله علي انه لم تكن هناك نار و رماد ليتكون الدخان (في هواء) المراد به جهه العلو (منفتق) قد انشق ذلك السماء بسبب هذا الدخان، فهو مجاز بالمشارفه من قبيل (من قتل قتيلا) اذ الانفتاق كان بسبب الدخان، و هو لا يقال انه لم يكن هناك شي ء حتي ينشق؟ اذ الفضاء له وحده متصله فاذا دخله شي ء فقد انشق. (و جو) اي رفعه في فضاء (منفهق) اي المفتوح الواسع (فسوي) اي صنع الله سبحانه (منه) اي من ذلك الزبد (سبع سموات) و هذا لا ينافي ما ثبت في علم الفلك الحديث انه ليس هناك الا الفضاء لانه لا شك في ان المدارات للاجرام السياره ممتلئه بالاجسام اللطيفه المسماه في الاصطلاح العلمي (بالغاز) بالاضافه الي احتمال ان ي

كون المراد بالسماوات السبع المجرات و السدم مما ثبت في العلم الحديث (جعل) الله (سفلاهن) اي اسفل السماوات (موجا مكفوفا) اي الممنوع من السيلان، فان (الغاز) الموجود شبيه بالموج، او سمي موجا لتموجه، و هذا- و الجمله الاتيه بيان لقوله عليه السلام (سبع سماوات) (و عليا هن) اي السماء الاعلي- و السماء مونث مجازي و لذا جي ء لها بالضمير المونث، و ان جاز فيها التذكير ايضا- (سقفا محفوظا) اما بمعني حافظا، لان السماء تحفظ العالم عن الفساد بما اودع فيها من قوي الجاذبيه و نحوها، و في علم الفلك الحديث، قالوا: ان في اعالي الجو طبقه (نتروجينيه) تحفظ الارض من قذائف السماء، او المراد (محفوظا) من وصول الشياطين،

و من فساد و الاختلال. (بغير عمد يدعمها) اي ليس للسماء عماد يحفظها عن السقوط و الانهيار (و لادسار) مفرد الدسر، و هو الخيط و المسمار الذين بهما يشد السفينه كما قال سبحانه: (و حملناه علي ذات الواح و دسر) (ينظمها) اي ينظم السماء و يربط بعض اجزائها ببعض (ثم زينها) اي زين الله السماء (بزينه الكواكب) بيان (زينه) اي بزينه هي الكواكب فان الكواكب تزين السماء و تجملها (و) ب (ضياء الثواقب) جمع (ثاقبه) اسم للكوكب لانه بنور، يثقب السماء حت

ي يصل الي الارض (و اجري) الله سبحانه (فيها) اي في السماء (سراجا) اي مصباحا و المراد به الشمس (مستطيرا) اي منتشرا و ذلك باعتبار انتشار ضيائه، و المراد باجرائه جعله يجري (و قمرا منيرا) اي يعطي النور و الضياء، و كل واحد من السراج و القمر (في فلك دائر) اي يدور، و المراد بالفلك المدار الذي يدور فيه الشمس و القمر، و كونه دائرا اما باعتبار ما حمل فيه- بعلاقه الحال و المحل- او باعتبار ما يستصحب هذين الجرمين من الهواء و الغاز لدي الركه. (و سقف سائر) فان السماء الذي هو سقف- تشبيها بسقوف البيوت- يسير باحد الاعتبارين الاولين (و رقيم) اسم من اسماء الفلك سمي به، لانه مرقوم فيه بالكواكب، كاللوح الذي رقم فيه الخط (مائر) اي متحرك كما قال سبحانه: (تمور السماء مورا).

[صفحه 24]

(ثم) بعد خلق السماوات (فتق) و شق سبحانه و تعالي (ما بين السماوات العلا) فان وحده السماء- اي شي ء كان- قد انشق بايجاد الملائكه فيها (فملاهن اطوارا) اي اقساما (من ملائكته) و الملك هو الجسم الروحاني اللطيف المنزه عن العصيان، و يسمي ملكا، باعتبار كونه رسولا من

قبله سبحانه في الامور، من (الالوكه) بمعني الرساله- و قد ذكر عليه السلام اربعه اقسام من الملائكه، هنا. ف (منهم) اي من اولئك الملائكه (سجود) جمع ساجد (لا يركعون) فهم دائما في السجود تعظيما لله سبحانه (و) منهم (ركوع) جمع راكع (لا ينتصبون) اي لا يستقيمون الي القيام، كما هو عاده الراكع (و) منهم (صافون) قد اصطفوا امام عظمه الله سبحانه كما يصطف الجند امام الملك تعظيما و احتراما (لا يتزايلون) عن الاصطفاف، بل هم في حاله الاصطفاف دائما (و) منهم (مسبحون) يسبحون الله- اي ينزهونه عن النقائص- (لا يسامون) اي لا يملون من السام بمعني الملل. (لا يغشاهم) اي لا يعرض علي اولئك الملائكه المذكورين (نوم العين) اي النوم الذي يعرض علي العين، و كان الاضافه لاجل ان لا يتوهم متوهم ان المراد من النوم الفتره- كما يقال فلان نائم يراد بذلك غفلته و عدم ارتقا به لالامر- (و لا) ي

غشاهم (سهو العقول) بان يسهو عن شي ء كما يسهو الانسان (و لا فتره الابدان) بان تضعف ابدانهم عن العباده (و لا غفله النسيان) بان يغفلوا عن الشي ء بسبب نسيانه فان الملائكه معصومون علي الخطاء و النسيان و ما اشبه.. و قد كان ما سبق هو القسم الاول من اقسام الملائكه، ثم جاء السياق لبيان القسم الثاني بقوله عليه السلام (و منهم) اي ان بعضا من الملائكه، (امناء علي وحيه) جمع (امين) و هم الذين ياتون بالوحي الي الانبياء كجبرئيل عليه السلام (و السنه الي رسله) جمع لسان، فهم مثل اللسان في التعبير للغير عن القلب، فان الملائكه تاتي بكلام الله الي الرسل عليهم السلام (و مختلفون) الاختلاف هو المراوده بالمجي ء و الذهاب (بقضائه و امره) فياتون بالقضاء

الذي قضاه الله علي الناس من موت و حياه و سعه رزق و ضنك و ما اشبه، و باوامر الله سبحانه تكوينا او تشريعا، و المراد بهذه الجمله اما ما سابق، او المراد بهم الملائكه الذين ينفذ الله بهم اوامره و تقديراته في هذا العالم كعزرائيل عليه السلام الذي يختلف باماته الناس و هكذا. (و منهم) اي و من الملائكه- و هم القسم الثالث- (الحفظه) جمع حافظ مثل كتبه و طلبه جمع كاتب و طالب (لعباده) الذين يحفظونهم عن ا

لعطب و الهلاك ففي الاحاديث ان لله ملائكه يحفظون الناس عن انواع الهلكات فاذا جاء القدر خلوا بينه و بين ذلك الامر المقدر، او المراد من الحفظه الكاتبون الذين يحفظون اعمال العباد و يسجلونها عليهم كما قال سبحانه: (ما يلفظ من قول الالديه رقيب عتيد) (و السدنه) جمع سادن و هو الخادم الحافظ للشي ء الذي انيط به (لابواب جنانه) بيدهم مفاتيح الابواب و هم الحافظون عليها. (و منهم) اي و من الملائكه- هم القسم الرابع- (الثابته في الارضين السفلي اقدامهم) اي الطبقات السفلي من الارض (و المارقه) اي الخارجه، من (مرق) بمعني خرج (من السماء العليا) و هي السماء السابعه (اعناقهم) فهم بهذا الطول المدهش (و الخارجه من الاقطار) جمع (قطر) و هو الناحيه (اركانهم) جمع ركن بمعني الجانب اي ان جوانب جسمهم خارجه من اقطار الارض، فبعضها في هذا القطر و بعضها في ذلك القطر و هكذا. (و المناسبه لقوائم العرش) جمع قائمه و هي رجل السرير و العرش هو سرير الملك، و اصله بمعني الارتفاع، و لذا يقال للسقف عرش، و عريش، و قد خلق الله سبحانه كرسيا عظيما جعله مورد لطفه و عنايته، و

هي محمله علي اكتاف الملائكه لزياده العظمه و الجلال، كما قال سبحانه: (و يحمل عرش ربك فوقهم

يومئذ ثمانيه) (اكتافهم) فهم خلقوا بحيث ان اكتافهم مناسبه لقوائم العرش طولا و عرضا و صلابه، و الظاهر من السياق ان هولاء الملائكه حقيقه، لا استعاره و لا منافاه بين وجودها و عدم رويتنا و احساسنا، فان الملك جسم نوراني لا يري بالعين المجرده، كالهواء- مثلا- (ناكسه دونه) اي دون عظمه الله سبحانه (ابصارهم) اي انهم خفضوا ابصارهم لجلاله سبحانه، او ان الضمير يرجع الي (العرش) و المال في المعنيين واحد (متلفعون) من (تلفع) بمعني التحف بالثوب (تحته) اي تحت العرش (باجنحتهم) جمع جناح و كان المراد انهم قد التفوا باجنحتهم و جعلوها امام اعينهم خوفا و اجلالا. (مضروبه بينهم) اي بين اولئك الملائكه (و بين من دونهم) من سائر الناس، الذين هم دونهم في الرتبه و العظمه (حجب العزه) فقد شهبت العزه التي احاطت باولئك الملائكه باستار تمنع من مشاهد تهم، كما ان عزه السطان- في الدنيا- توجب احتجابه عن الناس و الحجب جمع حجاب (و استار القدره) اي استار قدره من الله تعالي التي خلقهم بهذه الكيفيه اللطيفه حتي لا يتمكن الانسان من رويتهم او عرفان مزاياهم و خصوصياتهم … و هولاء الملائكه مع قربهم المعنوي منه تعالي (لا يتوهمون ربهم) تعالي (بالتصوير) بان يصوروا

له صوره في اوهامهم و اذهانهم- كبعض جهله الناس الذين ينقشون في اذهانهم لله سبحانه الصوره و الشبح (و لا يجرون) هولاء الملائكه (عليه) تعالي (صفات المصنوعين) كان يصفونه بالولد و الزوجه و الشريك و ما اشبه ذلك من الجهل و العجز و الطيش، مما تصفه الكفار بها تعالي (و لا يحدونه بالاماكن)

بان يقولوا انه موجود في السماء، او في الارض، او ما اشبه، حتي يجعلوه محدودا بالمكان المحيط به (و لا يشيرون اليه بالنظائر) بان يقولوا ان الله نظير الانسان او شبيه النور، او نحو ذلك، فان التمثيل و التنظير له بالممكنات يوجب الاشاره اليه، و قد سبق ان صحه الاشاره الي شي ء من لوازم امكانه.

[صفحه 28]

(صفه خلق آدم عليه السلام) (ثم) لترتيب الكلام، او لترتيب المطلب حيث ان خلق آدم كان بعد خلق السماوات و الارض (جمع) الله (سبحانه) مصدر لفعل محذوف، اي اسبحه سبحانه- بمعني انزهه عن النقائص تنزيها- (من حزن الارض) الحزن علي وزن فلس: الغليظ الخشن (و سهلها) و هو ضد الحزن (و عذبها) هي الارض التي لا ملح فيها (و سبخها) و هي الارض المالحه (تربه) اي ترابا، و لعل حكمه الجمع كانت لاجل تدخيل الطبائع المختلفه في الانسان ليصلح للامتحان اذ لو كان من السهل العذب لما كان فيه استعداد العصيان، و لو كان بالعكس لما كان فيه استعداد الاطاعه (سنها) اي خلطها (بالماء حتي خلصت) اي صارت طينا خالصا (و لاطها) اي خلطها و عجنها (بالبله) اي الرطوبه (حتي لزبت) اي صلبت و تداخلت بعضه في بعض، و الظاهر ان الفرق بين الجملتين ان الاولي لحالته الطينيه و الثانيه لحالته الاستمساكيه، و لذا قال في الاولي (بالماء) و في الثانيه (بالبله) فان الطين اذا عجن عجنا شديدا و مر عليه، زمان صار لازبا صلبا يصلح للقالب و التمثيل. (فجبل) اي خلق (منها) اي من تلك التربه (صوره) المراد بها صوره آدم عليه السلام (ذات احناء) جمع (حنو) بالكسر بمعني ما فيه اعوجاج في ا

لبدن كالاضلاع و ما اشبه (و وصول) جمع

كثره للوصل، و جمع قلته اوصال، و هي المفاصل سميت بذلك لانها توصل الجسم بعضه ببعض (و اعضاء) جمع عضو كاليد و الرجل (و فصول) لعل بها الاحوال المختلفه كفصل الشباب و فصل الهرم، او المراد ما هو اعم من العضو، فالراس فصل، بينما العين في الراس عضو و هكذا. (اجمدها) اي جعل تلك التربه بعد كونها طينا مره و لا زبه مره اخري- جامده بان يبست (حتي استمسكت) اي تماسكت بعض اجزائها ببعض (و اصلدها) اي جعلها صلدا، و هي الصلبه الملساء (حتي صلصلت) اي تسمع لها صلصله اذا هبت عليها الرياح، كالفخار، و قد كان تصنيع هذا التمثال (لوقت معدود) و هو الوقت الذي ينفخ فيه الروح (و امد معلوم) الامد هو المده من الزمان باعتبار الامتداد، و الوقت هو المده باعتبار كل جزء جزء و لذا قال في الاول (معدود) و في الثاني (معلوم) (ثم) بعد الصنع و مرور تلك المده (نفخ) الله (فيها) اي في تلك التربه (من روحه) اضافه الروح الي الله سبحانه للتشريف، نحو (بيت الله) و (ناقه الله) و المراد بالنفخ، الضغط علي الروح حتي يدخل كالنفخ الذي هو ضغط علي الهواء حتي تدخل في الشي ء او تهب علي الشي ء. (فمثلت) تلك التربه، من (مثل) علي وزن (كرم) اي قام

منتصبا (انسانا) هو آدم عليه السلام (ذا اذهان) جمع (ذهن) و هو قوه التعقل (يجليها) اي يحرك تلك القوي العقليه في الامور لتحصيل وجه الراس فيها و لعل وجه الاتيان ب(الاذهان) جمعا، باعتبار مختلف القوي الباطنه، من مدركه للمبصرات، و المسموعات و المعقولات، و هكذا … (و) ذا (فكر) جمع (فكر) و هو الذي يجيل الذهن و يصرفه من هنا

الي هناك- فالمراد بالاذهان المتحرك، و بالفكر المحرك- (يتصرف) الانسان (بها) اي بتلك الفكر في اموره. (و) ذا (جوارح) جمع جارحه، و هي العضو، سمي بالجارحه، لانها تجرح و تفعل (يختدمها) اي يجعلها في حوائجه، كالخادم الذي يستعمله الانسان في حوائجه (و ادوات) جمع (اداه) و هي الاله، و لعلها اعم من الجارحه فانها تصدق علي الاصبع و الجارحه لا تصدق عليها الا بعنايه (يقلبها) اي يحركها في حوائجه و اموره (و) ذا (معرفه) اي عرفان و قوه ادراك (يفرق) الانسان (بها) اي بسبب تلك المعرفه (بين الحق و الباطل) فيعرف الحق، و يعرف الباطل، و هذه القوه غير القوي السابقه (و) ذا (الاذواق) جمع ذوق و اصله ما يدرك بالسان ثم تستعمل في كل شي ء يدركه الانسان بالقوي اللامسه او نحوها، كما قال سبحانه: (ذق انك انت العزيز) و قال: (فاذاقها الله

لباس الجوع و الخوف). (و) ذا (المشام) جمع (مشم) و المراد به آله الشم، و لعل الاتيان بالجمع باعتبار افراد الانسان- كما يظهر من قوله و الالوان و الاجناس- او كان المراد المفرد، فان الجنس و الجمع ينوب احدهما مكان الاخر باعتبارات بلاغيه، فينسلخ من الجمع مناه ليستعمل في الفرد كقوله تعالي: (هم الذين يقولون لا تنفقوا علي من عند رسول الله) و المراد (ابن ابي) كما ينسلخ من الفرد قيد الوحده ليستعمل في الجنس كقوله تعالي: (ربنا آتنا في الدنيا حسنه) و المراد جنس الحسنه لا حسنه واحده (و) ذا (الالوان) جمع (لون) كالاحمر و الاخضر (و الاجناس) جمع (جنس) كالعربي و التركي و الفارسي، او جنس الحراره و البروده و هكذا- و الاول اقرب- … في حال كون الانسان (معجونا بطينه الالوان

المختلفه) يعني ان الانسان قد عجن في اصل طينته بالالوان المختلفه و الظاهر ان المراد باللون القسم، فانه يطلق بمعناه (و الاشباه) جمع شبه، و هو ما يشبه بعضه البعض (الموتلفه) التي الئتلفت بعضها مع بعض. (و الاضداد) جمع (ضد) و هو المخالف للشي ء (المتعاديه) التي يعادي بعضها بعضا تكوينا (و الاخلاط) جمع (خلط) و هو ما يخلط اجزائه بعضه ببعض (المتباينه) اي المخالف بعضها بعضا،

ثم بين عليه السلام ما وصفه بتلك الاوصاف الاربعه قوله (من الحر و البرد و البله) هي الرطوبه (و الجمود) هو اليبس، فلكل من هذه الاجناس الاربعه لون خاص مخالف للون الاخر، و كل واحد شبيه بالاخر من جهه الائتلاف معه و كونه مخلوقا لاصلاح الجسم و تمشيه الحياه، و كل واحد ضد للاخر من بعض الجهات فالحر ضد البرد، و الرطوبه ضد اليبوسه، و كل واحد مركب من اجزاء صغارو اخلاط تباين بعضها بعضا، قالوا و الانسان مركب من الصفراء و السوداء و البلغم و الدم، و كل واحد منها من العناصر الاربعه الماء و الهواء و النار و التراب.

[صفحه 31]

(و) بعد ما كمل (آدم) عليه السلام، و نفخ فيه الروح (استادي الله) اي طلب الاداء و هو اعطاء ما بذمه الشخص (سبحانه) مفعول مطلق لفعل محذوف (الملائكه وديعته) الضمير عائد الي (الله) (لديهم) فقد شبه ما كان بذمتهم من لزوم السجود لادم- حسب امر الله تعالي- بالوديعه المستودعه عند الشخص، و قد طلبها سبحانه لوصول وقت ادائها، حيث قال لهم: (فاذا سويته و نفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين). (و عهد وصيته اليهم) اي ما عهده سبحانه اليهم حيث اوصاهم بالسجود لادم، فالسجده وديعه، و الامر بها وصيه اليهم

(في الاذعان) و الانقياد (بالسجود له) اي لادم عليه السلام (و الخشوع) اي الخضوع (لتكرمته) اي لتكريم الله سبحانه له (فقال) الله (سبحانه) للملائكه (اسجدوا لادم فسجدوا الا ابليس) و كان الامر شاملا له و ان لم يكن من جنس الملائكه (اعترته الحميه) اي عرضت عليه الانفه و الاستكبار (و غلبت عليه الشقوه) ضد السعاده (و تعزز) اي ظن نفسه عزيزا (ب) سبب (خلقه النار) اي كونه مخلوقا من النار، و ان آدم قد خلق من الطين، زاعما ان النار افضل من التراب (و استهون) اي راه هينا خفيفا (خلق الصلصال) اي خلقه الانسان من الصلصال، و هو الطين الذي يبس فسمع له

صليل و صوت و حينذاك طلب ابليس ان يكون منظرا الي يوم يبعثون. (فاعطاه الله النظره) اي البقاء و الانتظار الي يوم الوقت المعلوم (استحقاقا للسخطه) اي انما قبل الله طلب الشيطان ليستحق بذلك الامد السخط و الغضب الشديد من الله بما يصدر منه من الكفر و المعاصي زياده علي عصيانه بترك السجود و هذا عله غائيه، يعني ان الانتظار كان موديا الي استكمال السخط نحو قوله: (فالتقطه الي فرعون ليكون لهم عدوا و حزنا) (و استتما ما للبليه) البليه- و الابتلاء- بمعني الامتحان، اي انما اعطاه الله المهله طلبا لتمام الامتحان فان البقاء يوجب ظهور ما في باطن الانسان من السعاده او الشفاء (و انجازا للعده) اي اراد سبحانه بابقاء الشيطان ان ينجز وعده، و لعله سبحانه كان وعد سابقا ابقاء الشيطان، حتي يكون (اعطائه النظره) انجازا لذالك الوعد، او ان (استحقاقا و استماما) عله لاعطا النظره و (انجازا) عله للابقاء بعد (اعطاء النظره). (فقال) الله سبحانه لذلك (انك) يا شيطان (من المنظرين)

الذين انظروا و امهلوا- اي انت من جملتهم، و لعل غيره هم الملائكه و من اشبههم (الي يوم الوقت المعلوم) اي الي اليوم الذي عين فيه وقت اهلاكك المعلوم لديه سبحانه- و هو يوم القيامه، ا

و يوم ظهور الامام المهدي، كما في بعض الاحاديث-.

[صفحه 33]

(ثم اسكن) الله (سبحانه) مصدر لفعل محذوف- كما تقدم- (آدم) عليه السلام و عدم ذكر (حواء) في هذه المجالات، لعدم تعلق القصد بها، و انما المقصود بيان اول الخلقه لينتهي الي بعثه الانبياء (دارا) هي الجنه (ارغد فيها عيشه) اي اوسعه بان هي له من جميع الملاذ، كما قال سبحانه: (و كلوا منها رغدا) اي واسعا (و آمن فيها) اي في تلك الدار (محلته) اي محل حلوله فان الجنه دار امان لا خوف فيها من فقر او مرض او جهل او عدو او ما اشبه (و حذره) اي خوف الله سبحانه (آدم) عليه السلام (ابليس) اي من الشيطان (و عداوته) له (فاغتره عدوه) اي جعل الشيطان، آدم مغرورا، بما وسوس اليه و حلف له (نفاسه عليه) النفاسه الحسد اي حسدا من الشيطان علي آدم عليه السلام (بدار المقام) فان النعمه لها حساد، فحسد الشيطان ان يري آدم في الجنه التي هي دار البقاء و الاقامه الابديه (و) ب(مرافقه الابرار) المرافقه هي البقاء مع الرفيق، و سمي الرفيق بذلك، لرفق كل منهما بصاحبه، و الابرار جمع بر و هو المحسن، فقد حسد الشيطان ان يري آدم مرافقا للملائكه. (ف) لما غره الشيطان (باع) آدم عليه السلام (اليقين) الذي قاله الله سبحانه بالمنع من اكل الشجره (بشكه) اي بالشك الذي

القاه الشيطان اليه، فانه سبحانه قال لادم لا تاكل من هذه الشجره تكون ملكا كسائر الملائكه او تكون

خالدا، فشك آدم عليه السلام في صدقه، لكن الشيطان حلف له: كما قال سبحانه: (فقاسمهما اني لكما لمن الناصحين) فاكل آدم منها اغترارا بكلام ابليس (و) باع (العزيمه) اي العزم الاكيد الذي كان ينبغي له- في اتباع امر الله تعالي- (بوهنه) اي بان وهن آدم و ضعف في انقاذ امر الله تعالي، و المعني انه باع ما كان ينبغي له من العزم في طاعه الله بالضعف في انفاذ امره. (و استبدل) آدم عليه السلام (بالجذل) و هو الفرح الذي غمره بكونه في الجنه (و جلا) بالخوف من حلول العقاب، لانه لما اكل الشجره خاف من العقوبه و سخط الله تعالي (و بالاغترار ندما) اي استشعر الندم بسبب ذلك الاغترار فقد كان مغرورا فبدله بالندم، كانه اعطي الغرور و اخذ الندم، كما اعطي الفرح و اخذ الوجل. (ثم) بعد العصيان و الندم (بسط الله سبحانه) و معني البسط اجازه التوبه كانه سبحانه نشر رحمته و بسطها حتي تكون تحت متناول آدم عليه السلام (له) اي لادم (في توبته) من (تاب) بمعني رجع، كان العاصي ابتعد عن قربه سبحانه ثم يرجع الي قربه، ثم ان الانبياء معصومون عن العصيان، و انما يعتريهم (ترك

الاولي) و قد كان اولي به آدم عليه السلام ان لا ياكل من الشجره، فان امره سبحانه لادم بعدم الاكل كان ارشاديا، كامر الطبيب مريضه بان لا ياكل الطعام الفلاني، بدليل قوله سبحانه: (ان لك ان لا تجوع فيها و لا تعري و انك لا تظماء فيها و لا تضحي) فكان النهي عن الاكل، لبقائه في الجنه في محل راحه و كرامه، و مخالفه الامر الارشادي لا توجب عصيانا و لا عقابا و انما يصل الي المخالف الجزاء الطبيعي

(كاكل الحامض و هو مزكوم يصيبه المرض) (و لقاه كلمه رحمته) اي اعطاه و لقنه الكلمه التي اذا، قالها آدم رحمه الله سبحانه، و في الاحاديث، ان المراد بها ان يقسم الله تعالي بحق الخمسه الطيبين محمد و علي و فاطمه و الحسن و الحسين صلوات الله عليهم اجمعين. (و وعده المرد) مصدر ميمي، اي الرد (الي جنته) اي الجنه التي كان فيها و قد اخرج منها بسبب ذلك الاكل من الشجره المنهيه (و اهبطه) اي انزل الله سبحانه آدم (الي دار البليه) اي الدار التي يبتلي فيها الانسان و المراد بالدار، الدنيا، و الابتلاء بمعني الاختبار و الامتحان (و) الي دار (تناسل الذريه) التناسل التوالد، و الذريه الاولاد و الاحفاد، اي ان الدنيا دار يتناسل فيها الانسان، و يعقب الذراري و الاحفا

د.

[صفحه 35]

(و اصطفي) اي اختار الله (سبحانه من ولده) جمع (ولد) اي اولاد آدم عليه السلام (انبياء) مرسلين (اخذ) الله تعالي (علي الوحي ميثاقهم) الميثاق هو العهد الاكيد من (وثق) كان يوجب وثاق الانسان و شده شدا محكما، و المعني اخذ عليهم الميثاق ان يبلغوا ما اوحي اليهم (و علي تبليغ الرساله) اي ابلاغ الناس رساله الله سبحانه (امانتهم) و معني (اخذ الامانه) جعل لشي ء امانه عند الشخص فكانه اعطي الرساله و اخذ الامانه، فان بلغوا الرساله رد اليهم الامانه فهم ذووا امانه، و ان لم يبلغوا الرساله، لم يرد عليهم الامانه و يبقون بلا امانه- و هذا من بديع البلاغه-. (لما بدل اكثر خلقه) اي خلق الله (عهد الله اليهم) فان الله سبحانه عهد الي الناس ان يومنوا به، و العهد عباره عما اودع فيهم من الفطره الداله علي توحيده و سائر الاصول

و المعارف- اجمالا- و قوله: (لما) يراد بذلك ان بعض الانبياء اتوا علي اثر تبديل اكثر الخق، لاكل الانبياء، اذ ان الانبياء تسلسوا من عهد آدم عليه السلام، فهذا بالنسبه الي قوله: (و اصطفي) من قبيل بدل البعض من الكل، ثم ان التبديل عباره عن الانكار و عدم الاذعان، في مكان الاعتراف و الاذعان (فجهلوا حقه) اي حق الله عليه

م (و اتخذوا الانداد) جمع (ند) و هو (الضد) و (المثل) و المراد هنا الالهه الباطله (معه) اي مع الله سبحانه (و اجتالتهم) الاجتيال الصرف، اي صرفت الناس (الشياطين عن معرفته) اي معرفه الله تعالي (و اقتطعتهم) اي قطعتهم الشياطين (عن عبادته) تعالي، فلم يسمحوا لهم بالمعرفه و الطاعه. (فبعث) اي ارسل الله (فيهم) اي في الناس (رسله) جمع رسول (و واتر) اي ارسل وترا بعد وتر، و واحدا بعد الاخر (اليهم انبيائه) النبي يقال له (رسول) باعتبار انه يبلغ، و يقال له (النبي) باعتبار يخبر من (انباء) بمعني الخبر (ليستادوهم) اي يطلب الانبياء من الناس اداء (ميثاق فطرته) اي العهد الاكيد المودوع في فطرتهم- و الفطره بمعني الخلقه- فان كل انسان قد اودع في فطرته معرفته سبحانه حتي انه مضطر الي العرفان و ان انكر باللسان و في الاحاديث ان الميثاق كان في عالم (الذر) (و يذكروهم) اي يذكر الانبياء الناس (منسي نعمته) اي نعم الله المنسبه فان الانسان المغمور في النعمه ينساها لالفه بها، فيحتاج الي المذكر حتي يشكر و يذكر. (و يحتجوا) اي الانبياء (عليهم) اي علي الناس (بالتبليغ) بان تتم الحجه عليهم حيث بلغوهم فمن لم يعمل كان مستحقا للنكال و العقاب (و يثيروا) من (

الاثاره) و هي اظهار المخفي، كما يثراب التراب

بالمحراث (لهم) اي للناس (دفائن العقول) اي كنوز العقول المخفيه، فان في كل انسان من الطاقات و القابليات قدرا كبيرا فلو الفت و علم و ذكي ظهرت الطاقات مما توجب عماره الدنيا و اسعاد الاخره، و لو اهمل ذهبت سدي لم ينتفع بها في دين و لا دينا. (و يروهم) اي يري الانبياء النسا (الايات المقدره) اي الادله الداله علي الصانع تعالي التي قدرت و خلقت (من سقف) بيان (الايات) (فوقهم مرفوع) و المراد به السماء، كما قال سبحانه: (و جعلنا السما سقفا محفوظا) و كونه سقفا باعتبار انه في جانب العلو كالسقوف في المنازل (و مهاد) هو المحد، شبهت الارض به لانها محل استراحه الانسان كما ان المهد محل استراحه الطفل (تحتهم موضوع) قد وضع و جعل، و المراد به (و معايش) جمع معيشه، و هي ما يستعيش به الانسان (تحييهم) اي توجب حياتهم و بقائهم من الماكل و المشارب و ما اشبه (و اجال) جمع (اجل) و هو الوقت المضروب لانتهاء مده الانسان في الحياه (تفنيهم) اي اذا وصلوا اليها فنوا و هلكوا- و نسبه الافناء الي الاجاز، مجاز كما لا يخفي (و اوصاب) جمع (وصب) و هو (التعب) (تهرمهم) اي تسبب هرمهم و شيخوختهم فان المتاعب تهرم الانسان

(و احداث) جمع (حدث) و هو ما يحدث علي الانسان طول عمره (تتابع) اي تتوارد (عليهم). (و لم يخل) من الخلاء بمعني الفراغ (سبحانه) مصدر لفعل محذوف اي اسبحه تسبيحا (خلقه من نبي مرسل) كان يهديهم الي الحق و الي صراط مستقيم (او كتاب منزل) انزله من السماء فبقي بين اظهر الناس حتي يرشدهم، و ان لم يكن نبي موجودا بل قد ذهب النبي من

بينهم بالموت او نحوه (او حجه لازمه) قد لزمت الناس كالعلماء الذين هم ورثه الانبياء و خلفائهم، فيما لم يكن الكتاب ايضا بان حرف و بدل (او محجه قائمه) المحجه هي الطريق الواضح، و معني قائمه القويمه المستقيمه المسلوكه، و لعل المراد بها التقاليد و العادات التي بقيت من عند الرسل مستمره في الامه.. ثم وصف عليه السلام الانبياء بقوله: (رسل) اي هم رسل (لا تقصربهم قله عددهم) اي ان قله عددهم لا توجب لهم ان يقصروا في تبليغ الرساله خوفا، كما هو الشان في الناس حيث انهم اذا راو خذلان الناصر و قله العدد لم يقدموا للتبليغ و الارشاد (و لا كثره المكذبين لهم) فانهم مع كثره من يكذبهم لا تنهار اعصابهم ليتركوا واجبهم في الارشاد و الهدايه (من سابق) بيان (رسل) اي رسول سابق (سمي له من بعده) بان اوحي الله تعالي باسم الرسول الذ

ي ياتي من بعده ليبشر به الناس كما بشر موسي و عيسي بالرسول صلي الله عليه و آله و سلم (او غابر) اي رسول لا حق (عرفه من قبله) بان جاء و هو معروف لدي الناس بسبب تعريف النبي السابق له. و حيث ان الديانات السماويه كلها واحده من عنداله واحد كان الانبياء يبشر السابق منهم باللاحق، و يصدق اللاحق منهم السابق

[صفحه 39]

(علي ذلك) التبشير و التعريف للانبياء بعضهم لبعض (نسلت) اي ولدت (القرون) جمع (قرن) و هو مده من الزمان يقترن فيها اعمار الجيل بعضهم لبعض- كمائه سنه، او ثلاثين سنه، او نحو ذلك، حسب اختلاف الانظار- و قد شبهت القرون بمن تتنسل و تتولد، باعتبار مجي ء كل قرن عقب قرن سابق (و مضت الدهور) جمع دهر و هو

القطعه من الزمان (و سلفت الاباء) فان كل اب يذهب و يموت قد كان معاصرا لنبي سابق مبشر بني لاحق (و خلفت الابناء) فان الاولاد انما يتخلفون ابائهم و هم معاصرون لنبي سابق يبشر باللاحق، او نبي لاحق قد عرف من قبل النبي السابق. (الي ان بعث الله سبحانه) مصدر سبح، اي انزهه تنزيها (محمدا رسول الله صلي عليه و آله و سلم لانجاز عدته) مصدر (وعد) ابدلت الواو بالتاء، فقد كان الله سبحانه وعد الانبياء السابقين بارسال الرسول صلي الله عليه و آله و سلم فانجز بارساله وعده سبحانه (و تمام نبوته) اي و لان تتم النبوه المنسوبه الي الله تعالي بمجي ء خاتم الانبياء، و آخر السفراء.. في حالكونه (ماخوذا علي النبيين ميثاقه) اي اخذ الله عهد النبيين بان يبشروا ممهم بالرسول صلي الله عليه و آله و سلم، و الميثاق هو العهد الاكيد، من وثق (مشهوره سماته)

جمع (سمه) بمعني العلامه، من (الوسم) كعده من الوعد، اي ان اوصاف الرسول كانت مشهوره لدي الامم السابقه حيث عرفها الانبياء لهم. (كريما ميلاده) يعني ان ولادته كانت نقيه شريفه، من اصل طاهر، و اباء طيبين (و) الحال ان (اهل الارض يومئذ) اي يوم بعثه الرسول (ملل متفرقه) جمع (مله) و هي الفرقه من الناس، اي فرق مخلتفه العقائد و العادات و التقاليد (و اهواء منتشره) قد كان لكل جماعه هوي و اتجاه بلاحجه او دليل، و التقدير (ذو و اهواء) او مبالغه من قبيل (زيد عدل) (و طوائف متشتته) جمع طائفه، و هي الجماعه من الناس، و التشتت هو التفرق، و الاتيان بثلاث جمل في معني واحد، لتصوير حاله اهل الارض و انقسامهم العجيب في الطوائف

(بين مشبه لله بخلقه) اي جماعه قد شبهت الله سبحانه بالمخلوقين، فزعموا ان له ولدا و صاحبه و زوجه و هكذا. (او ملحد في اسمه) من (الحد) بمعني مال اي مائل عن اسم الله سبحانه فجعله بصفات لا تليق به، او بمعني الذين يلحدون فينكرونه سبحانه، و المراد ب(الاسم) المسمي (او مشير الي غيره) بان يشرك معه الها آخر، فالناس بين من يصفه سبحانه بغير اوصافه، و من ينكره، و من يشرك معه غيره (فهداهم) الله (به) اي بالرسول صلي الله عليه و آله و

سلم (من الضلاله) و هي الانحراف عن جاده الهدي (و انقذهم) اي خلصهم الله سبحانه (بمكانه) اي مكان الرسول صلي الله عليه و آله و سلم، و يطلق المكان علي المكين بعلاقه الحال و المحل (من الجهاله) التي عمتهم حول الله سبحانه و صفاته.

[صفحه 41]

(ثم اختار الله سبحانه لمحمد صلي الله عليه و آله و سلم لقائه) و هذا مجاز، من باب تشبيه المعقول. بالمحسوس، و المراد به لقاء كرامته (و رضي له) اي للرسول صلي الله عليه و آله و سلم (ما عنده) اي عنده تعالي، بان اراد ان يمنحه الثواب و الجنه و يخلصه من اتعاب الحياه (و اكرامه) تعالي (عن دار الدنيا) كان الدنيا ليست دار كرامه، و لذا اكرمه عن هذه الحياه المشوبه بالكدورات (و رغب) الله سبحانه (به) اي بالرسول، بمعني رفعه (عن مقاربه البلوي) اي الابتداء الموجود في الدنيا، بان اراد ابعاده عن المصائب و المتاعب (فقبضه) اي قبض الله الرسول صلي الله عليه و آله و سلم (اليه) اي منتهيا القبض الي ثوابه و فضله، في حالكونه صلي الله عليه و آله و سلم

(كريما) ذا كرامه و رفعه و جاه (صلي الله عليه و آله) جمله خبريه، يراد بها الانشاء، اي اللهم صل عليه، و معني الصلاه العطف و الرحمه. (و خلف) الرسول (فيكم) ايها الناس (ما خلفت الانبياء في اممها) و المراد ب(ما) الشي ء الذي يرجع اليه، للسعاده و الاسترشاد (اذ لم يتركوهم) اي لم يترك الانبياء اممها (هملا) اي مهملين بلا طريق و هدايه (بغير طريق) الي الحق (واضح) ظاهر يعرفه الكل (و لا علم قائم)

اي بدون منار يسنير به الناس ليعرفوا الصحيح عن الفاسد و الهدايه عن الضلاله. (كتاب ربكم فيكم) (كتاب) منصوب علي انه بدل من (ما) المنصوب ب(خلف) اي خلف الرسول صلي الله عليه و آله و سلم فيكم كتاب الله تعالي، و المراد به القرآن، في حال كون ذلك الكتاب (مبينا) بصيغه الفاعل، اي قد بين (حلاله و حرامه) اي ما احل الله و ما حرمه تعال (و فرائضه) اي واجباته (و فضائله) اي ما رغب فيه. و لعل ذلك اشاره الي الاحكام الخمسه التكليفيه ف (الحلال) المباح و (الحرام) المحضور و (الفرائض) الواجبات و (الفضائل) المستحبات، و ترك المكروهات.. و منهم من ادرج المكروه في (الحلال) و (ناسخه) و هو الحكم الذي نسخ غيره و بين انتهاء امده (و منسوخه) و هو الحكم الذي بين انتهاء امده من نسخ الضوء الظل اذا ازاله و ابطله (و رخصه) جمع (رخصه) كغرفه و غرف، و هو ما رخص فيه (و عزائمه) جمع عزيمه و هي التي لا رخصه فيها (و خاصه) و هو ما يخص فردا او طائفه او ما اشبه (و عامه) و هو ما يعم افرادا (و عبره) جمع عبره، و

هي ما يعتبر به الانسان من قصص الماضين و احوالهم و ما آل اليه امرهم (و امثاله) جمع (مثل) و هو الشي ء يقرب المطلب الي الذهن بتطبيق الكلي علي الفرد (و مرسله)

هو المطلق (و محدوده) هو المقيد، و الفرق بينهما و بين العام و الخاص ان العام يشمل الافراد باللفظ نحو (العلماء) و المرسل يشملها بالهميه نحو (العالم) و في مقابلهما الخاص و المقيد نحو (العلماء العدول) و (العالم العادل). (و محكمه) و هو الذي يعرف المراد منه لظهوره في معني خاص (و متشابه) و هو الذي يتشابه المراد منه بان يتحمل اللفظ لمعنيين او اكثر فلا يعرف ايهما يراد من اللفظ. فالحلال، نحو: (كلوا مما في الارض حلالا طيبا). و الحرام، نحو: (حرمت عليكم الميته و الدم). و الفريضه، نحو: (اقيموا الصلاه و اتوا الزكاه). و الفضيله، نحو: (كاتبوهم ان علمتم فيهم خيرا، و لا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم علي بعض). و الناسخ، نحو: (ااسفقتم ان تقدموا بين يدي نجواكم صدقات). و المنسوخ، نحو: (اذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقه). و الرخصه، نحو: (فمن اضطر في مخصمه غير متجانب لاثم) و العزيمه نحو: (و لا تاكلوا ممالم يذكر اسم الله عليه) و الخاص، نحو: (يا ايها النبي لم تحرم ما احل الله لك). و العام، نحو: (يا ايها الذين آمنوا اتقوا الله). و العبره، نحو: (الم تر الي الذين بدلوا نعمه الله كفرا). و المثل، نحو: (الله نور السموات و الارض مثل

نوره كمشكاه). و المرسل، نحو: (فك رقبه). و المحدود، نحو: (فصيام شهرين متتابعين). و المحكم، نحو: (فاعلم انه لا اله الا هو). و المتشابه، نحو: (المص). (مفسرا مجمله) اي

في حال كون الرسول صلي الله عليه و آله و سلم قد فسر و اوضح ما اجمل في الكتاب، مثلا قال الكتاب: (اقيموا الصلاه) فبين الرسول صلي الله عليه و آله و سلم المراد بالصلاه و اوقاتها و خصوصياتها (و مبينا غوامضه) و الغوامض هي الامور التي يصعب علي الانسان فهمه، و ان لم يكن مجملا في اللفظ، كبعض شئون المبدء تعالي، جمع (غامض) و هو الخفي من الامر، ثم ان ما ذكر في الكتاب و بينه الرسول صلي الله عليه و آله و سلم علي اقسام ف (بين ماخوذ ميثاق في علمه) اي قد اخذ علي العباد العهد و الميثاق بان يعلموه كالاحكام و ما اشبهها (و موسع علي العباد في جهله) بان لا يلزم علمه فمن شاء تعلمه و من شاء لم يتعلمه كالاداب غير الواجبه و كخصوصيات الاخره، فان اللازم تعلم الفرائض و العلم بالاخره في الجمله. (و بين مثبت في الكتاب) اي في ظاهر القرآن الحكيم (فرضه) كقوله سبحانه: (و انكحوا الايامي منكم) و (كاتبوهم ان علمتم فيهم خيرا) مما ظاهره الوجوب لانه بصيغه الامر (و معلوم في السنه) المفسره لل

كتاب الوارده عن الرسول صلي الله عليه و آله و سلم (نسخه) فان الرسول صلي الله عليه و آله و سلم بين فضل الانكاح و المكاتبه لا وجوبهما، و تسميه هذا نسخا بالمجاز، و انما ارتكبنا ذلك لوضوح ان السنه لا تنسخ الكتاب (و واجب في السنه اخذه) بان كان ظاهر السنه وجوب الاخذ به- لما ورد من الامر به الظاهر في الوجوب (و مرخص في الكتاب تركه) بعكس القسم السابق كقوله سبحانه (فمن حج البيت او اعتمر فلا جناح عليه

ان يطوف بهما) مما ظاهره جواز ترك السعي، و لكن السنه دلت علي وجوب السعي- استظهرناه من كلامه عليه السلام- و للشارح (ابن ميثم ره) قول آخر هذا نصه. ثالثها ما هو مثبت في الكتاب فرضه معلوم في السنه نسخه و ذلك كقوله تعالي (و اللاتي ياتين الفاحشه من نسائكم فاستشهدوا عليهن اربعه منكم فان شهدوا فامسكوهن في البيوت حتي يتوفاهن الموت او يجعل الله لهن سبيلا و اللذان ياتيانها منكم فاذوهما فان تابا و اصلحا فاعرضوا عنهما) فكانت الثيب اذا زنت في بدء الاسلام تمسك في البيوت الي الممات و البكر توذي بالكلام و نحوه بمقتضي هاتين الايتين، ثم نسخ ذلك في حق الثيب بالرجم و في حق البكر بالجلد و التعذيب بحكم السنه.. و رابعها ما هو بعكس ذلك اي مثبت في ا

لسنه اخذه ماذون في الكتاب تركه و ذلك كالتوجه الي بيت المقدس في ابتداء الاسلام، فانه كان ثابتا في السنه ثم نسخ بقوله تعالي (فنولينك قبله ترضاها فول و جهك شطر المسجدالحرام و حيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره).. اقول و في كلا الامرين مناقشه، و قد ذكرنا ما يظهر من الايه السابقه في (تقريب القرآن) مما لا نسخ معه. (و بين واجب بوقته) كالحج الذي يجب في اشهر الحج (و زائل في مستقبله) فاذا فاتت الاشهر زال الوجوب الفعلي حتي تاتي الا شهر من جديد، و هذا بخلاف الواجبات غير المقيده كالنذور المطلقه و الديون و ما اشبه مما لا وقت لها (و مباين بين محارمه) اي بين احكام مباين بعضها مع بعض في الحرمه و مقدارها (من كبير اوعد عليه نيرانه) كقوله سبحانه (و من قتل مومنا متعمدا فجزائه جهنم

خالدا فيها) (او صغير ارصد) اي هي (له غفرانه) اي مغفرته كالصغائر- و بها فسر قوله تعالي (الا اللمم) (و بين مقبول في ادناه) اي يقبل ادني ذلك التكليف و اخفه (موسع في اقصاه) مع انه سبحانه وسع للانسان بان ياخذ باقصي التكليف و اثقله، كما يقبل في كفاره اليمين اطعام عشره مساكين، الذي هو ادني و اخف كفاره علي الانسان و يوسع للانسان في ان لا ياخذ بالادني بل يكسي العشره،

او يعتق رقبه.. و المقصود من هذه الجمل ذكر اقسام الاحكام- في الجمله- بانها مختلفه رتبت حسب المصالح، فلكل حكم لون خاص، ليكون الانسان في سعه و تنوع و ذلك ابعد من الضجر و اقرب الي طبيعه الانسان المياله نحو التلون و التطور.

[صفحه 46]

(منها) اي بعض هذه الخطبه التي سبقت جمل منها (ذكر) عليه السلام (في) باب (الحج) فقد كانت الخطبه طويله اسقط الشريف الرضي جمله منها. (و فرض) الله (عليكم) ايها الناس (حج بيته الحرام) اصل الحج القصد، و سمي الحج بذلك لانه القصد الي محل مخصوص و اضافه البيت اليه سبحانه تشريفيه لانه مورد عنايته، و وصفه بالحرام باعتبار كونه ذا حرمه و احترام.. البيت (الذي جعله قبله للانام) يقابلونه في صلواتهم و ذبحهم و يوجهون امواتهم اليه الي غير ذلك مما يجب او يستجب فيه استقبال القبله (يردونه) يقال (ورد) اذا وصل، و يستعمل غالبا في ورود الماء، و الضمير عائد الي البيت (ورود الانعام) اي كما يرد البهائم علي الماء عطاشا، و هذا لبيان شده شوق الناس الي البيت (و يالهون) من (اله) بمعني (فزع) الي يفزعون (اليه) اي الي البيت و يلوذون به (و لوه الحمام) اي كما يفرغ الحمام

الي محله عند الخوف، فان الحمام يظهر عليه اثر اللوذ بكثره. (جعله) اي البيت (سبحانه) مصدر لفعل محذوف (علامه) اي دليلا (لتواضعهم) اي تواضع البشر و خشوعهم و خضوعهم (لعظمته) تعالي فان المواقف و الاعمال تدل علي التواضع و الخشوع (و اذعانهم) اي انقيادهم (لعزته) سبحانه اذمن لا ين

قاد لا يذهب الي الحج و لا ياتي بتلك المناسك (و اختار) الله سبحانه (من خلقه سماعا) جمع سامع كزراع جمع زارع (اجابوا اليه) انما عدي ب(الي) لانتهاء الجواب اليه تعالي (دعوته) لهم الي الحج (و صدقوا كلمته) فقد وافق عملهم لما قاله سبحانه من وجوب الحج. و الصدق هو مطابقه شي ء لشي ء، و منه يسمي الخبر صدقا لانه يطابق الواقع. (و وقفوا) في عرفات و المشعر و مني و المطاف و السعي (مواقف انبيائه) فان الانبياء قد حجوا و وقفوا في تلك المواقف (و تشبهوا) هولاء الحجاج عند طوافهم حول البيت (بملائكته) تعالي (المطيفين بعرشه) من اطاف اذا دار، فان لله تعالي ملائكه يطوفون حول العرش خضوعا و انقيادا. (يحرزون) اي الحجاج (الارباح) جمع ربح و المراد به الثواب (في متجر عبادته) المتجر محل التجاره و مواقف الحج في مكه و حواليها متجر يحصل الانسان فيها علي الثواب، لانها متجر العباده و الطاعه لا المال و الماده (و يتبادرون) المبادره المسابقه، اي يسابق بعض الحجاج بعضا (عند موعد مغفرته) اي عند المحل الذي وعد الله الغفران في ذلك المحل، و التبادر انما هو بالاعمال الصالحه كما قال سبحانه (سارعوا الي مغفره من ربكم) كان من يعمل اكثر يكون اكثر مسارعه لتحصيل ا

لمغفره و المثوبه (جعله) اي جعل الله (سبحانه و تعالي) البيت (للاسلام علما) كالاعلام التي

تخفق فياوي اليها الجيش، او المراد بالعلم- الجبل- فهو كالجبل الاشم الذي يلوذ بكنفه الناس من الحر و الجرد و سائر المخاوف. (و) ل (العائذين) جمع عائذ و هو المتسجير (حرما) اي محل امن و سلامه حتي ان الولي للدم لا يتمكن ان ينال المجرم بسوء و هو عائذ بالحرم (فرض) اي اوجب الله سبحانه (حجه) اي حج البيت (و اوجب) سبحانه علي الناس (حقه) اي حق البيت بالحج و الاحترام (و كتب عليكم و فادته) الوفاده الزياره، و معني كتب: فرض اي الزم علي الناس زياره البيت (فقال سبحانه: و لله علي الناس حج البيت) اي حق لله علي الناس ان يحجوا بيته (من استطاع اليه سبيلا) اي تمكن من السير اليه بالزاد و النفقه و ما اشبه، و (من) بدل بعض عن كل، فان الواجب انما هو علي المستطيع (و من كفر) بان لم يحج (فان الله غني عن العالمين) فانه لا يضر الله، و انما يضر نفسه و لا يخفي ان المراد بالكفر هنا و فيما اشبهه انما هو الكفر العملي لا الكفر العقيدي.

خطبه 002

[صفحه 49]

(و من خطبه له عليه السلام) اي جمله من خطبه خطبها الامام اميرالمومنين عليه السلام (بعد انصرافه) و رجوعه نحو الكوفه (من صفين) و هو اسم مكان بين الفرات و الدجله او من توابع سوريا قرب حلب و قد وقع في هذا الموضع حرب بين الامام اميرالمومنين عليه السلام و بين معاويه، و له قصه طويله في التاريخ. (احمده) الضمير عائد الي (الله) تعالي (استتماما لنعمته) اي طلبا لتمامها فان الشكر يوجب زياده النعمه كما قال تعالي لئن شكرتم لا زيدنكم و استتماما ما مفعول له (و استسلاما لعزته) الاستسلام

هو الانقياد، فان الحمد يدل علي ان الحامد انقاد لعزته تعالي، و العزه هي الرفعه و الغلبه (و استعصاما) اي طلبا للحفظ و العصمه (من معصيته) اي من عصيانه فان الحمد يوجب زياده الطافه تعالي بالنسبه الي الحامد و اذا كثرت الطافه تعالي بالنسبه الي احد ابتعه عن العصيان (و استعينه) اي اطلب اعانته تعالي (فاقه) اي لاجل الفاقه و الاحتياج (الي كفايته) اي الي ان يكفيني ما احتاج به اليه تعالي (انه) تعالي (لا يضل من هداه) هذا من تتمه الثناء لا انه عله لما تقدم و معني (من هداه) انه تعالي اذا هدي احدا فانه لا يضله، و انكان ربما ضل بسوء عمله. (و لا يئل)

من (وئل) علي وزن (وعد، يعد) بمعني (خلص) (من عاداه) تعالي بمعني ان عدوه المخالف لاوامره لا ينجو من العقاب (و لا يفتقر) اي لا يكون فقيرا (من كفاه) تعالي (فانه) اي الحمد، و هذا تعليل لقوله (احمده) (ارجح ما وزن) اي ارجح الطاعات في ميزان الحسنات (و افضل ما خزن) اي احسن الاشياء التي يخزنها الانسان و يدخرها ليوم حاجته (و اشهد ان لا اله الا الله) فالاصنام و الاوثان و غيرها ليست الهه، بل هو سبحانه الا له (وحده لا شريك له شهاده) هذا حال من (اشهد) (ممتحنا اخلاصها) اي ان كونها خالصه قد امتحنت فان اعمال الانسان تدل علي انه هل يشهد باخلاص، ام ان شهادته سطحيه فاذا دار الامر بين الله و بين غيره يرجح الغير عليه سبحانه (معتقدا مصاصها) مصاص كلشي ء خالصه اي ان خالص تلك الشهاده هو المعتقد لنا فعقيدتنا هي الشهاده الخالصه عن شوائب الشرك. (نتمسك بها) اي بهذه الشهاده (ابدا)

اي دائما (ما ابقانا) الله سبحانه في الدينا (و ندخرها) اي نجعلها ذخيره (لا هاويل) جمع (اهوال) و هو جمع (الهول) و المراد بذلك ما يخاف منه من بلاء الدنيا و عذاب الاخره (ما يلقانا) في المستقبل كان كلمه الشهاده كنز ينفق الانسان منه لدفع ما يخاف منه، كما يدفع الانسان لد

فع ابتلائات السلاطين و من اليهم (فانها) اي كلمه الشهاده (عزيمه الايمان) اي الامر الضروري بالنسبه الي الايمان حتي انه لا ايمان بدون هذه الشهاده (و فاتحه الاحسان) اي ان كل احسان انما يبتدء بالشهاده، فان من لم يشهد بهذه الشهاده لا يقبل عمله فهو كمن لا احسان له (انما يتقبل الله من المتقين) و (لئن اشركت ليحبطن عملك) و (مرضاه الرحمان) اي موجبه لرضي الله سبحانه عن العبد، و مرضاه مصدر ميمي (و مدحره الشيطان) اي موجبه لدحره، و الدحر الطرد و البعد فان من شهد هذه الشهاده ابتعد الشيطان عنه و مدحره مصدر ميمي ايضا.

[صفحه 51]

(و اشهد ان محمدا عبده) اي عبد الله تعالي (و رسوله) الذي ارسله الي الناس (ارسله) الله تعالي (بالدين المشهور) المراد الدين الظاهر الذي لا خفاء فيه، و منه يسمي المشهور مشهورا لانه ظاهر للناس لا خفاء فيه (و العلم) هو الذي يهتدي به من العلامه، و منه يسمي اللواء علما (الماثور) من (اثر) بمعني ورد، و المراد به هنا الاسلام الذي هو علم للضال يهتدي به الي طريق الحق و السعاده (و الكتاب المسطور) و المراد به القرآن، الذي سطر و كتب، اما في اللوح المحفوظ او في الصحائف لتلاوه الناس (و النور الساطع) اي المتعالي الظاهر، و هذا من باب التشبيه فكما يري الانسان بسبب

النور الاشياء المحسوسه كذلك يري بسبب نور الهدايه طريق السعاده و الشقاء. (و الضياء اللامع) عطف بيان للجمله السابقه (و الامر الصادع) يقال صدع بالامر اذا قام به، قال سبحانه (فاصدع بما تومر) و نسبه الي الامر المجاز، فان الامر مصدوع به، و انما الصادع هو الانسان القائم بالامر (ازاحه للشبهات) اي انما ارسله الله سبحانه لاجل ازاله الشبهات، التي هي اسباب ان يشتبه الانسان الحق بالباطل (و احتجاجا بالبينات) جمع (بينه) و هي الحجه الواضحه اي لاجل ان يحتج الرسول علي الكفار

و العضات بالادله الواضحه الداله علي خطاهم و انحراف طريقهم. (و تخديرا بالايات) اي لاجل ان يحذرهم و يخوفهم بما يبين لهم من الايات الداله علي علم الله و قدرته و نكاله للظالمين (و تخويفا بالمثلات) المثلات بالفتح ثم الضم جمع مثله بضم الشاد، و هي العقوبات التي حلت بالامم السابقه التي صارت مثلا للناس يذكرونها و يخافون منها، اي ان الرسول يخوف الناس بانهم ان لم يومنوا عوقبوا كما عوقب الامم السابقون المنحرفون (و) قد بعث الرسول في حال كون (الناس في فتن) جمع فتنه، و هي البليه (انجذم) اي انقطع (فيها) اي في تلك الفتن (حبل الدين) و انما يقال للدين (حبل) لانه كالحبل الذي يتعلق به الانسان الموجود في الهاويه، ليجره الذي في فوق، الي الاعلي، و هكذا من تعلق بالدين رفعه الدين الي الدرجات العاليه و السعاده في الدنيا و الاخره. (و تزعزعت) اي تحرك و تزلزلت (سواري) جمع (ساريه) و هي الدعامه و العمود (اليقين) فلا يقين للناس بالمبدء و المعاد (و اخلتف النجر) هو بمعني الاصل اي اختلفت الاصول التي اعتمد الناس عليها، فلا اصل مسلم في العقيده

او العاده او النظام يستند الكل اليها، بل كل طائفه ذهبت نحو اصل و معتقد اختارته لنفسها (و تشتت الامر) اي

اختلف فكل يسلك سبيلا و يسير سيرا مخالفا لسير الاخر (وضاق المخرج) شبه الخروج عن الاهواء و التقاليد الفاسده بمن يريد الخروج من شده، لكن الباب ضيق لا يتمكن من الخروج، و ضيق المخرج كنايه عن عدم وضوحه فلا يدري الانسان كيف يخرج من المشاكل و المفاسد. (و عمي المصدر) اي ضاع و خفي محل صدور الناس في تقاليد هم و عقائدهم، كالاعمي الذي لا يبصر، فان الناس انما ياخذون عقائدهم و اعمالهم عن الذي يعرف- فهو مصدرهم- فاذا لم يكن هناك عارف يوخذ عنه، فكان المصدر الذي عليه ان يري فيهدي، قد عمي فلا يبصر، فكيف يتمكن من ابصار غيره؟ (فالهدي خامل) يقال خمل الامر اذا خفي، اي ان الهدي مخفي ليس بظاهر حتي يوخذ به (و العمي شامل) اي عدم معرفه الحق شامل للناس يعمهم (عصي الرحمان) اي عصاه الناس (و نصر الشيطان) و المراد اطاعته في الكفر و العصيان فان ذلك نصر له علي جنود الرحمان (و خذل الايمان) اي ترك و لم يعمل به (فانهارت دعائمه) الانهيار هو السقوط اي سقطت دعامات الايمان و الدعامه ما يستند اليه. (و تنكرت معالمه) التنكر تحول الشي ء من حال معروف الي حال منكر، يقال تنكر فلان اذا صار ينكر اصدقائه و معارفه، و المعالم جمع (معلم) و هو موضع العلامه التي يه

تدي بها للطريق، اي ان علائم الايمان قد تنكرت فلم يعرفها الانسان حتي يسير في هدايتها لئلا يضل (و درست) الدروس الانطماس و ذهاب الاثر (سبله) اي طريق الايمان فلا تعرف الطرق لتسلك

(و عفت شركه) جمع شركه بالفتحات و هي وسط الطريق، اي اندرست طرق الهدي، فان (عفي) بمعني (درس) (اطاعوا) اي الناس (الشيطان فسلكوا مسالكه) اي طرقه، جمع (مسلك) و هو الطريق المسلوك (و وردوا مناهله) جمع (منهل) و هو مورد الشرب في النهر، اي ورد الناس منهل الشيطان، عوض ان يردوا منهل الحق (بهم) اي بالناس (سارت اعلامه) اي اعلام الشيطان، جمع (علم). (و قام لوائه) اي ان الناس هم السبب لغلبه الباطل علي الحق (في فتن) جمع فتنه و هي البليه اي انهم ساروا في فتن (داستهم) تلك الفتن اي سحقتهم (باخفافها) جمع (خف) و هو رجل البعير مما يمس الارض، فكان الفتنه سحقت الناس حتي ذلوا و هشمت عظامهم (و وطئتهم باضلافها) جمع (ظلف) بالكسر، و هو رجل البقر و الشاه مما يمس الارض و هذا كنايه عن ان الفتن سيطرت علي الناس، من جراء النطماس الهدي، و اتباع سبل الشيطان (و قامت) الفتن (علي سنابكها) جمع (سنبك) كقنفذ و هو طرف (الحافر) فكان الفتنه بعير قامت و سيطرت، بعد ما كانت في ايام (اله

دي) ساقطه مضمحله. (فهم) اي الناس (فيها) اي في الفتن (تائهون) جمع (تائه) و هو الذي ضل الطريق فلا يعرف المسلك (حائرون) جمع حائر و هو المتحير (جاهلون) للحق (مفتونون) قد فتنوا، و المفتون هو الذي استهوته الفتنه و الضلال فتبعها (في خير دار) اي مكه (و شر جيران) و هم عبده الاوثان و الكفار الذين جاوروا بمكه، اي ان اولئك الناس الموصوفون بتلك الاوصاف كانت داره احسن دار، و جيرانهم- او جيرانها- شر جيران (نومهم سهود) اي انهم دائموا الخوف- كما هو من لوازم المجتمع المضطرب- حتي انهم

لا ينامون و انما (يسهدون) اي يسهرون من الخوف و كذلك كانت مكه قبل البعثه (و كحلهم دموع) فانهم حيث كانوا دائمي المحاربه: يبكون علي الدوام، حتي كان الدمع كحلهم الملازم لعينهم و هم (بارض عالمها) اي العالم الذي فيها (ملجم) قد الجم و سد لسانه بلجام فلا يتمكن ان يتكلم بالحق خوفا (و جاهلها مكرم) يكرمه الناس اتقاء شره و طبيشه او لانهم علي شاكلته و الناس علي امثالهم اشبه. (و منها) اي استطرد الامام في الخطبه، حتي وصل الي جمله منها (يعني) و هو عليه السلام يقصد بالاوصاف الاتيه (آل النبي صلي الله عليه و آله و سلم) و المراد باله: علي و فاطمه و اولاد هما الطاهرو

ن.

[صفحه 55]

(موضع سره) فان الله سبحانه يضع اسراره فيهم، و المراد بالسر هو الامر الذي لا يصلح اظهاره كالاجال و الارزاق و ما اشبه (و لجاء امره) اللجاء ما يلتجاء اليه الناس و يلوذون به، و المعني ان الاوامر تاتي اليهم، فهم مركز الاوامر الصادره من عنده سبحانه، كما ان الاشراف ملجاء الناس و ماواهم (و عيبه علمه) العيبه الوعاء يعني ان الله سبحانه يفيض اليهم بالعلوم فهم محل علمه تعالي (و موئل حكمه) اي مرجع حكم الله تعالي، من ال يول بمعني رجع، و النسبه مجاز، اذ المعني انهم موئل الناس لاستفاده حكم الله تعالي منهم (و كهوف كتبه) جمع كهف و هو المغاره في الجبل، و المراد بالكتب القرآن و كتب الانبياء السابقين و انما قال (كهوف) تشبيها بسعه صدورهم في اكتناز العلوم، و صلابه انفسهم الحاويه لتلك العلوم كالجبال الراسيه. (و جبال دينه) فكما ان الجبل لا يتزلزل، كذلك لا يتزلزل آل محمد عليهم

الصلاه و السلام في الامور الدينيه (بهم) اي بال محمد صلي الله عليه و آله و سلم (اقام) الله سبحانه (انحناء ظهره) اي ظهر الدين و انحنائه كنايه من ضعفه، فكما ان المنحني ضعيف و اهن كذلك كان الدين قبل تقويم الرسول و آله، له (و اذهب) الله (ارتعاد) هو تحرك

البدن خوفا (فرائصه) جمع (فريصه) و هي اللحمه بين الجنب و الكتف و بين الثدي و الكتف، ترتعد عند الخوف و الفزع، و هذا كنايه عن ان الدين كان كالخائف، و بالرسول و آله، صار كالامن.

[صفحه 56]

(و منها) اي استطرد الامام في الخطبه حتي وصل الي هذه القطعه (يعني) اي يقصد الامام عليه السلام بالاوصاف الاتيه (قوما اخرين) الذين هم ناوئوا آل محمد صلي الله عليه و آله و سلم. (زرعوا الفجور) جعل عليه السلام القبائح التي ارتكبوها كزرع زرعوه، و الفجور العصيان (و سقوه الغرور) فان الاغترار بالدنيا لما يري الشخص فهيا من المهله بمنزله السقي، الذي يوجب ريع الزرع و قوته (و حصدوا) اي قطعوا الثمر (الثبور) اي الهلاك فان ثمره الفجور الهلاك، و لعل المراد بهولاء مغتصبي الخلافه كمعاويه و اتباعه و اسياده (لا يقاس به آل محمد صلي الله عليه و آله من هذه الامه احد) فان احدا من المسلمين لا يشبه آل محمد صلي الله عليه و آله في فضلهم و نبلهم و سائر مكارمهم، و لعل الاتيان ب(من هذه الامه) لاجل انه اذا لم يقس بهم احد من الامه، فعدم قياس غير الامه بهم بطريق اولي (و لا يسوي بهم) التسويه التعديل، اي لا يعاد لهم (من جرت نعمتهم عليه ابدا) اي من انعموا عليه، فان المتفضل لا يعادل بمن تفضل

عليه فان اليد العيا خير من اليد السفلي، و المراد بنعمتهم فضلهم عليه بالعلم و الارشاد و ما اليهما. (هم) يعني آل محمد صلي الله عليه و آله (اساس الدي

ن) فكما ان البناء لا يقوم الا بالاساس كذلك الدين لا يقوم الا بهم (و عماد اليقين) فكما ان السقف لا يبقي في محله المرتفع الا بالعماد كذلك يقين الناس بامبدء و المعاد و ما اليهما متوقف علي آل محمد صلي الله عليه و آله (اليهم يفي ء) اي يرجع (الغالي) الذي غلا في دينه فهم الهادون الراشدون، فمن تجاوز حد العقيده الصحيحه انما يعرف العقيده بسببهم (و بهم يلحق التالي) اي الذي قصر في العقيده، و تاخر في هذا المجال انما يصحح عقيدته بهم. مثلا انهم يقولون بان عيسي عليه السلام بشر رسول، فمن غلا و اعتقد الوهيته لابدله ان يرجع اليهم في تصحيح معتقده و من قصر و قال ان عيسي ليس رسولا و انما هو انسان عادي لابد له ان يصل اليهم في معتقده حتي يكون قد خرج من التقصير، و لعل المراد بالغلو و التلو الاعم من العقيده و العمل، فان لكل شي ء جانبين افراط و تفريط. (و لهم) اي لال محمد صلي الله عليه و آله (خصائص حق الولايه) فان الولايه العامه علي الناس حق من الله و له خصائص و ميزات ككون الولي معصوما اشجع الناس و احسنهم خلقا و افضلهم و هكذا، و هذا كله مجتمع في آل محمد صلي الله عليه و آله و سلم (و فيهم الوصيه) من الرسول حيث اوصي قائلا اني تارك فيكم خل

يفتين ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا من بعدي ابدا كتاب الله و عترتي

اهل بيتي. (و الوراثه) فانهم الذين ورثوا الرسول في مادياته و معنوياته، فان المعنويات تورث بالنطفه و الولاده، و باكتساب الاخلاق من طول المعاشره (الان- اذ- رجع احلق الي اهله) حينما ذهب الخلفاء الثلاثه و صارت النوبه لعلي عليه السلام فقد نصبه الرسول يوم غدير خم خليفه من بعده فالمراد ب(الان) عند ممات عثمان، و (اذ) زائده و المراد بالحق الخلافه (و نقل) الحق (الي منتقله) اي المحل الذي انتقل منه.

خطبه 003

[صفحه 59]

(الخطبه الشقشقيه) (و من خطبه) اي بعض خطبه او (من) نشويه (له عليه السلام و هي المعروفه) لدي الناس (بالشقشقيه) لقول الامام عليه السلام في اخرها (انما شقشقه هدرت) (اما) كلمه تنبيه (و الله) حلف بالله لا علي التقمص بل علي (و انه يعلم) و انما ذكر التقمص مقدمه للقسم له (لقد تقمصها) اي تقمص الخلافه و قد شبه الامام الخلافه بالقميص الذي يلبسه الانسان، لانها تحيط بالانسان احاطه اللباس بالبدن، و لانها جمال و زينه مثل اللباس هو جمال و زينه (فلان) و في بعض النسخ (ابن ابي قحافه) مكان (فلان) و المودي واحد بالاتفاق (و انه ليعلم) اي و الحال ان ابابكر يعلم باني احق بها منه اذ (ان محلي منها) اي من الخلافه (محل القطب من الرحي) الرحي ما يطحن فيه الحبوب و ما اشبه، و القطب هو محور الرحي الذي يدار عليه و بدون القطب لا يتمكن الرحي من العمل و الانتاج يعني ان ابابكر يعلم اني قطب رحي الخلافه، كما كان الامام- بعد الرسول- قطب رحي الاسلام، كما قالت الصديقه الطاهره عليها السلام في خطبتها (دارت بنا رحي الاسلام). فان الاسلام لم يقم الا بسيف الامام كما قال الرسول صلي الله

عليه و آله و المع الي ذلك تصريحا او تلويحا مرات عديده فقد ك

ان هو الفاتح في اغلب الحروب الصعبه كبدر واحد و حنين و خيبر و غيرها، كما ان ابابكر و عمر لما كانا يستشيران الامام في امور الفتح و ما اشبه- كما ثبت ذلك في تاريخ الفريقين- كانا في امن من تضعضع الاسلام و هز كيانه داخليا او خارجيا، و لما ال النوبه الي عثمان، و اخذ ياخذ براي عشيرته امثال (مروان) دون الامام اجتاح الاسلام ذلك الاعصار الهائل الذي يكوي المسلمين بناره الي هذا اليوم (ينحدر عني السيل) هذا تشبيه اخر، حيث شبه الامام نفسه بالجبل الاشم الذي يتجمع عليه الامطار و البرد ثم تنحدر عنه الي العيون و الاوديه و البساتين فان العم قد انحدر من الرسول الي الامام و منه انحدر الي غيره، و قد كان الخلفاء قبله ياخذون منه، حتي قال عمر في سبعين موضع (لولا علي لهلك عمر). (و لا يرقي الي الطير) اي لا يطير الطير طيرانا يصل الي لسمو مقامي و قد يتوهم بعض الناس ان تزكيه الانسان نفسه مما لا ينبغي، لكن من المفروض علي الولياء الله ان يدعو الناس الي انفسهم لهداتيهم الي الطريق، و لذا كان الرسل يدعون الناس الي الاعتراف بهم- و هل هناك طريقه اخري الي تعريف انفسهم، و هذا هو السبب في تعريف الرسول لاهل بيته (فسدلت) سدل الثوب ارخائه (دونها) اي دون

الخلافه (ثوبا) و ذلك كنايه عن اني لبست ثوبا اخر غير ثوب الخلافه، لما رايتها مغتصبه (و طويت عنها) اي عن الخلافه (كشحا) هي الخاصره يعني اني اعرضت عن الخلافه، فان الانسان المعرض عن الشي ء يطوي و يلف

خاصرته نحو التجاه اخر لا فاده اعراضه و عدم الاكتراث بذلك الشي ء. (و طفقت) طفق بمعني جعل و شرع (ارتئي) اي شرعت اجيل راييي في الامر، و ماذا ينبغي ان افعل (بين ان اصول بيد جذاء) يقال (صال) اذا حمل نفسه علي الشي ء بكل قوه و اقدام، و الجذاء بمعغني المقطوعه، اي هل الافضل ان اعارض القوم و احاربهم بيد مقطوعه- و ذلك كنايه عن عدم الناصر و المعين- (او اصبر علي طخيه) هي الظلمه يقال ليله طخياء اي مظلمه (عمياء) و المراد بذلك الهضم و الظلم الذي صدر منهم بحق الامام و بحق الاسلام، اي اصبر علي هذه الظلمه الشديده و نسبه (عمياء) الي (طخيه) بعلاقه السبب و المسبب، اذ من في (الطخيه) هو الذي لا يبصر. (يهرم) اي يشيب غايه الشيب (فيها) اي في تلك الطخيه (الكبير) اي المسن فان المصائب تسبب هرم الانسان و شيبه لما يرد علي النفس من الالام و المكاره (و يشيب فيها) اي في تلك الطخيه (الصغير) القليل السن (و يكدح فيها مومن) الكدح هو السعي و العمل (حتي يل

قي ربه) فلا راحه للمومن في الطخيه، اذ المومن كلما راي الاسلام في خطر سعي وجد و اجتهد لازاله الخطر (فرايت) بعد اجاله الراي و الترديد بين الامرين (ان اصول، او اصبر) (ان الصبر علي هاتا) اي هذه فانها لغه في (هاتي) للاشاره و المراد بها (الصبر) و الاتيان بالمونث باعتبار (الطخيه) (احجي) اي الزم و اولي من (حجي) بمعني لزمه و رضي به، و ذلك لعدم الناصر (فصبرت و في العين قذي) هذا كنايه عن شده الالم، فان من في عينه (قذي) و هو ما يقع من العين

من غبار و نحوه يكون في الم شديد. (و في الحلق شجي) الشجي ما اعترض في الحلق من عظم و نحوه، اي كان حالي كحال من دخل عظم او نحوه في حلقه، حيث يكون في شده الالم لا راحه له و لا قرار (اري تراثي) هو الميراث، اي ما وصل الي من الرسول صلي الله عليه و آله، من الخلافه، او الاعم من ذلك و من (فدك) (نهبا) اي منهوبا قد سبلوه

[صفحه 62]

(حتي مضي الاول) اي ابوبكر (لسبيله) المقدور و هي الموت (فادلي بها) اي ارسل الخلافه كما قال سبحانه (ادلي دلوه) (الي فلان) يعني عمر، و في بعض النسخ (الي ابن ابي الخطاب) (بعده) حيث اوصي ابوبكر بان يكون الخليفه من بعده عمر (ثم تمثل) الامام عليه السلام (بقول الاعشي) و هو احد الشعراء: (شتان ما يومي علي كورها) (و يوم حيان اخي جابر (شتان) بمعني افترق و (ما) زائد و (كور) الرحل الذي يوضع علي الناقه و (ها) عائد الي الناقه و (حيان) كان سيدا في بني حنيفه مطاعا فيهم و (جابر) اخو حيان اصغر منه يقول الشاعر- و هو اعشي الذي كان ينادم حيان- ان هناك فرقا بعيدا بين يومين مرا علي، ففي يوم كنت علي كور الناقه في السفر في متاعب و زحمات، و في يوم آخر كنت عند حيان في رفاه و راحه.. و لعل وجه تمثيل الامام بهذا البيت ارادته مقارنه يوميه، ففي يوم كان مع الرسول صلي الله عليه و آله و سلم في راحه و عزه و منعه، و في يوم ابتلي ب(عمر) في تعب و نصب و بلاء، او المراد مقارنه يومه بيوم عمر، فيومه موجب للتعب و

النصب و غصب الحق و يوم عمر يمر عليه و هو متقمص الخلافه في عز و منعه. (فيا عجبا) اصله (عجبي) و في المنادي المضاف الي اليا يجوز وجوه

خمسه كما قال ابن مالك (و اجعل منادي صح ان يضف ليا) (كعبد عبدي عبد عبدا عبديا) و المعني (يا عجيب احضر فهذا وقتك) او يا قوم التعجب تعجبا، (بينا هو) اي ابوبكر (يستقيلها) اي يطلب الاقاله من الخلافه (في حياته) اي حين كان حيا لانه يعلم عدم قابليته لها، فقد روي علماء العامه و الخاصه ان ابابكر قال (اقيلوني فسلت بخيركم و علي فيكم) (اذ عقدها) اي الخلافه (لاخر) و هو (عمر) (بعد وفاته)؟ فكيف تحمل اثام الخلافه بعد الموت، و هو يري نفسه غير قابل لها و هو في الحيات؟ (لشد ما تشطرا ضرعيها) (اللام) للتعجب و القسم و (شد) من الشديد و المراد الاستمساك بالشي ء بكل قوه (تشطرا) اي اخذ كل من ابي بكر و عمر شطرا و جزئا (ضرعيها) الضرع هو الثدي و الضمير عائد الي الخلافه. فقد شبه الامام الخلافه بناقه حلوبه- بجامع الانتفاع بالخلافه كالانتفاع بالناقه- و شبه تمسك عمر و ابي بكر بالخلافه بنفرين يدران ضرع الناقه بكل شده و استمساك فكانهما تواطيا علي ان لا يخليا بين الناقه و بين صاحبها و انما تمسك كل واحد بضرع من ضرعيها بالشده ليشرب حليبها، و هذه الجمله للتعجب، يعني عجيب هذا الاقتسام الذي تمسكا به بكل شده حيث رشح ابابكر عمر- في يوم السقيفه- و عين ا

بوبكر عمر حال موته، و من غريب الامر التهافت الواقع للعامه في قصه هذا الاستخلاف، فقد رووا ان ابابكر اغمي عليه حال الوصيه علي عمر و هو

في السوق، و مع ذلك كانت الوصيه صحيحه- و لم يهجر ابوبكر- كما هجر الرسول- العياذ بالله- حينما راد الوصيه علي عليه السلام … ؟ (فصيرها) اي جعل ابوبكر الخلافه (في حوزه) هي المحل الذي يحاز فيه الشي ء (خشناء) اي خشنه و المراد بها (عمر) فالخلافه صارت فيه و هو خشن الاخلاق غليظ جاف سريع الغضب (يغلظ كلامها) هي الارض الغليظه التي يصعب المشي ء فيها، فقد كان عمر شديد المواجهه يخشي الذي يقابله شره و بذائه لسانه (و يخشن مسها) اي لمسها و الاقتراب منها، و هذا كنايه عن طبع عمر (و يكثر العثار فيها) اي في تلك الارض، يقال (عثر) اذا اصاب رجله حجر او نحوه فالمها او اوجب سقوط الانسان، فان الارض الخشنه يعثر الماشي فيها (و الاعتذار منها) اي يكثر الاعتذار و هذا اشاره لما كان يفعله عمر من المسارعه في الاحكام عن جهل ثم يعتذر منها حين ما كان ينبهه علي عليه السلام او احد الصحابه علي خطائه. (فصاحبها) اي الذي يمشي في تلك الارض و يصاحبها (كراكب الصعبه) و هي الناقه العاصيه التي لا تسير سيرا هينا و انما تشمس و توذ

ي الراكب (ان اشنق لها) اي لتلك الناقه و اشنق بمعني جر الزمام لا يقانها و عدم سيرها (خرم) اي سبب شق انفه الذي هو محل الزمام لانها تريد الجري، و الراكب يريد ايقانها بشده- و شق انفها يوجب ضررا علي المالك و اذي لها- (و ان اسلس لها) اي ارخي الزمام حتي تجري الناقه كما تشاء (تقحم) اي ادخلت نفسها في مواضع الهلكه، فلا يدري راكب مثل هذه الناقه ماذا يصنع، هل يشنق ام يسلس؟ و هكذا من يصاحب عمر

ان اراد نهيه عن اعماله الفاسده، عاداه و اذاه، و ان سكت عنه ليفعل ما يفعل اورد المسلمين في الهلكه. (فمني الناس) اي ابتلوا و اصيبوا (لعمر الله) قسم بالله، و اصل (عمر) الحيات يقال لعمرك، اي و حتي حياتك، ثم استعمل في القسم مطلقا من دون نظر الي اصل معناه (بخبط) لما كان عليه عمر من الخبط و الخلط في الامور (و شماس) هو اباء الفرس عن الركوب، و هو اشاره الي ان (عمر) لم يكن يطاوع الرفق، بل كان عنيفا في امروه، و كان الناس مبتلون بسوء اخلاقه (و تلون) فانه كان يوم في لون غير لون اليوم السابق، فمره يحارب و مره يصاحب، و هكذا كما هو الشان في كل انسان غير متزن (و اعتراض) هو السير علي خط غير مستقيم اي لم يكن يسير علي خط مستقيم و جاده واضحه. (فصبرت) ع

لي اعمال عمر (علي طول المده) اي مع ان مده خلافته قد طالت (و شده المحنه) التي ابتليت بها من اجله، و قد ذكر كتب السير من الفريقين طرفا من اعمال عمر و ارائه، ممايد هش الانسان

[صفحه 65]

(حتي اذا مضي) عمر (لسبيله) كنايه عن موته و المراد ب(مضي) اراد المضي فان كل واحد من الفعل و الاراده يستعمل بمعني الاخر قال سبحانه (انما يريد الله بكم اليسر) بمعني فعل، و قال (اذا قمتم الي الصلاه) اي اردتم القيام (جعلها) اي جعل عمر الخلامه (في جماعه) سته (زعم اني احدهم) و هم علي عليه السلام و عثمان، و طلحه، و الزبير، و عبد الرحمان بن عوف، و سعد، و لفظه (زعم) باعتبار ان محله عليه السلام ارفع منهم، لا بمعني (الزعم) المتعارف- كما

لا يخفي. و خلاصه حديث الشوري- كما في شرح ابن ميثم- ان عمر لما طعن دخل عليه وجوه الصحابه و قالوا له ينبغي لك ان تعهد عهدك ايها الرجل و تستخلف رجلا ترضاه، فقال لا احب ان اتحملها حيا و ميتا فقالوا افلا تشير علينا؟ فقال اما ان اشير فان اجبتم قلتم؟ فقالوا نعم فقال الصالحون لهذا الامر سبعه نفر سمعت رسول الله صلي الله عليه و آله يقول انهم من اهل الجنه احدهم سعيد بن زيد و انا مخرجه منهم لانه من اهل بيتي و سعد ابي وقاص و عبدالرحمان بن عوف، و طلحه، و زبير، و عثمان، و علي، فاما سعد فلا يمنعني منه الا عنفه و فضاضته، و اما عن عبدالرحمان بن عوف فلانه قارون هذه الامه، و اما من طلحه فتكبره و

نخوته، و اما من الزبير فشحه و لقد رايته بالبقيع يقاتل علي صاع من شعير و لا يصلح لهذا الامر الا رجل واسع الصدر. و اما من عثمان فحبه لقومه و عصبيته لهم و اما من علي فحرصه علي هذا الامر و دعابه فيه ثم قال يصلي صهيب بالناس ثلاثه ايام و تخلو السته نفر في البيت ثلاثه ايام ليتفقوا علي رجل منهم فان استقام امر خمسه و ابي رجل فاقتلوه، و ان استقر امر ثلاثه و ابي ثلاثه فكونوا مع الثلاثه الذين فيهم عبدالرحمان بن عوف، و يروي فاقتلوا الثلاثه الذين ليس فيهم عبدالرحمان بن عوف، و يروي فتحاكموا الي عبد الله بن عمر، فاي الفريقين قضي له فاقتلوا الفريق الاخر، فلما خرجوا عنه و اجتمعوا لهذا الامر قال عبدالرحمان ان لي و لابن عمر من هذا الامر الثلث فنحن

نخرج انفسنا منه علي ان نختار رجلا هو خيركم للامه فقال اليوم رضينا غير علي فانه اتهمه في ذلك فقال اري و انظر. فلما يئس من رضي علي رجع الي سعد فقال هلم نعين رجلا و نبايعه فالناس يبايعون من بايعته فقال سعد ان بايعك عثمان فانا لكم ثالث و ان اردت ان تولي عثمان فعلي احب الي، فلما آيس من مطاوعه سعد كف عنهم، و جائهم ابوطلحه في خمسين رجلا من الانصار يحثم علي التعين فاقبل عبد الرحمان الي علي عل

يه السلام و اخذ بيده و قال ابايعك علي ان تعمل بكتاب الله و سنه رسوله و سيره الخليفتين ابي بكر و عمر، فقال علي عليه السلام تبايعني علي ان اعمل بكتاب الله و سنه رسوله و اجتهد راي فترك يده، ثم اقبل علي عثمان فاخذ بيده و قال له مثل مقاله لعلي عليه السلام فقال نعم فكرر القول علي كل منهما ثلاثا فاجاب كل بما اجاب به اولا فبعدها قال عبدالرحمان هي لك يا عثمان، و بايعه، ثم بايعه الناس. و يرد الاشكال علي عمر من وجوه نذكر بعضها: الاول: ان الخليفه كان معينا من قبل الرسول في قصه (الغدير) و غيرها، فباي حق خالف النص؟. الثاني: انه باي حق عاب جماعه زعم ان الرسول صلي الله عليه و آله مات عنهم راضيا- كما صرح بذلك- و انهم من اهل الجنه؟. الثالث: انه باي حق حكم بتقديم الثلاثه الذين فيهم ابن عوف؟. الرابع: انه باي حق حكم بقتل من خالف الاكثر، و هل اهل الجنه يقتلون لمجرد راي راوه؟. الخامس: انكان امر الخلافه (شوري) فهذا التعيين كان خلاف (الشوري) فاي دليل لرضي المسلمين بذلك، و انكان بالنص

فلا نص لهذا الموضوع بهذه الكيفيه؟. كما ان ابن عوف باي معيار دخل سيره الشيخين في الشروط؟ مع ان سيره الشيخين متناقضه، فهذا ولي خالدا، و هذا عزله، و هذا ح

كم بشكل و ذلك بشكل اخر، و هذا اوصي و ذاك جعله شوري، و هكذا.. فكيف يمكن ان يعمل الخليفه براي متناقض؟ ثم هل و في عثمان، ام ضرب بالكل عرض الحائط؟ (فيا لله) اللام للاستغاثه (و للشوري) اي استغيت بالله من (الشوري) و هي المشوره في امر الخلافه، و بالاخص بالكيفيه التي جعلها عمر، فان الشوري غير جائز في الامر المنصوص، فكما لا تجوز المشوره في تحليل الخمر، او اباحه ترك الصلاه، كذلك لا تجوز المشوره في تبديل خليفه، و انما دخل علي عليه السلام في الشوري لمصحله اهم و هي تكذيب اولئك الذين قالوا ان النبوه و الخلافه لا تصلحان لبني هاشم، و لاحتمال انقاذ الحق بذلك (متي اعترض الريب) اي الشك (في) حرف جر مضاف الي ياء المتكلم (مع الاول منهم) اي من هولاء و هو ابوبكر، و جعله منهم باعتبار تامرهم علي اغتصاب الخلافه؟ يعني اني لم اكن اقرن بابي بكر الذي يعترف كل من اولئك له بالفضل فكيف اقرن بمن دونه؟. (حتي صرت اقرن) و اساوي- بمعني اجعل قرينا- (الي هذه النظائر) جمع نظيير و هو المثيل، اي امثل بعثمان و اشباه عثمان (لكني اسففت اذ اسفوا) يقال اسف الطائر اذا دني من الارض (و طرت اذا طاروا) يعني اني لم اخالفهم- حفظا علي بيضه الاسلام- فكان مثلي مثل طا

ئر في سرب طائر الذي يدنوا الي الارض اذ دنوا منها و يطير و يصعد اذا طاروا و صعدوا. (فصغا) اي مال او

استمع و كان الاصل هو الثاني و انما يستعمل بمعني مال، لان الاصغاء يلازم الميل (رجل منهم) من اهل الشوري: و يريد عليه السلام بذلك (سعد) (لضغنه) اي عداوته و حسده الكامن في صدره، فقد كان ابن وقاص منحرفا عنه عليه السلام، و تخلف عن بيعته بعد قتل عثمان (و مال الاخر) و هو عبدالرحمان بن عوف (لصهره) اي مصاهره الذي كان بينهما ارتباط سببي، و المراد به عثمان فقد كان عبدالرحمان زوجا لام كلثوم بنت عقبه بن ابي معيط و هي اخت عثمان لامه اروي بنت كريز، و لذا اعطي الخلافه لعثمان دون الامام علي عليه السلام (مع هن و هن) هذا كنايه عن وجود امور اخري سبب عدم بيعتهم للامام، و لعله عليه السلام يشير الي اشتراطهم معه متابعه سيره الشيخين، و تخوفهم من عمله بالحق، فلا يكون لهم نصيب في الملك و ما اشبه ذلك و (هن) اسم لمطلق الاجناس: و يستعمل كثيرا في امور مكروهه.

[صفحه 69]

(الي ان) تمت البيعه لعثمان و (قام ثالث القوم) بعد الشيخين (نافجا حضنيه) النافخ، هوالنافخ و الحضن ما بين الابط و الكشح- اي الخاصره- و هذا كنايه عن اكله لبيت مال المسلمين كالبعير الذي ياكل كل شي ء يجده من النبات فينتفخ، و هذا المعني اظهر بقرينه ما ياتي، من ان يكون المراد النفخ تكبرا (بين نثليه) و هو الروث (و معتلفه) و هو محل العلف، فكما ان البهيمه تطوف بين المحل الذي له ما فيه العلف و المحل الذي يبعر فيه، كذلك كان عثمان كل همه جمع اموال المسلمين و اكلها و اشباع اقاربه منها دون ملاحظه مصالح المسلمين، فكانه ياكل هنا و يبعر هناك و هو في التطواف بينهما

دون الاشتغال بامر اخر، و قد ذكر (العلامه الاميني) في (الغدير) قائمه ببعض سرفه في اموال المسلمين. (و قام معه) اي مع عثمان (بنوابيه) هم بنواميه اشباه مروان (يخضمون مال الله) الخضم الاكل بملاء الفم كما ياكل البعير النبات (خضمه الابل) اي مثل خضمه الابل و اكلها (نبته الربيع) فكما انها لا تلتفت الي شي ء الا الاكل و ياكل في نهم و حرص بجميع فمه كذلك كان عثمان و بنواميه بالنسبه الي اموال المسلمين (الي ان انتكث) اي انتقض، و اصله: ابطال امر مبرم (فتله) اي ما ابرمه

و فتله من الرئاسه و جمع الاموال و السيطره (و اجهز عليه) اي علي عثمان (عمله) اي قتله ما عمل، يقال اجهزت علي الجريح اي قتلته. (و كبت به) من (كبو) اذا سقط و منه الجواد قد يكبو (بطنته) و هي التخمه و الاسراف في الشبع، اي ان اكله للاموال اورث سقوطه فقد جعل عثمان يسي ء التصرف في امور المسلمين باكل اموالهم، و تفريقها في اقاربه و فرض سيطرتهم علي رقاب المسلمين بدون مبرر او كفايه منهم للسلطه، و اقصاء خيار الصحابه، و ضربهم و ايذائهم، و تبديل الخلافه الي ملك عضوض، و لذا اجتمع المسلمون من مختلف الامصار- في قصه طويله- و كلما ارادوا ارجاعه عن سيره لم يرجع، فاضطروا الي ان قتلوه ليخلصوا المسلمين و بلاد الاسلام منه، و كان من الكبر المحرضين علي قتله عائشه و طلحه و الزبير و اشباههم حتي ان عائشه كانت تشبهه بيهودي طويل اللحيه يسمي نعتل فتقول (اقتلوا نعتلا قتله الله فقد بدل سنه الرسول وثوبه بعد لم يبل). و بعد ان قتل لم يجرء احد من اهله من دفن

جنازته حتي بقي ثلاثه ايام و اخيرا اجتمع بعض بني اميه و اهله و دفنوه ليلا في (حش كوكب) و هو بستان كان يتخلي فيه متصل بالبقيع ثم ادخله معاويه في البقيع.. و بعد قتله التف الناس حول الامام علي علي

ه السلام يطلبون بيعته و بعد اصرار قبل الامام و كان اول من بايعه طلحه و الزبير، و لكنهما لما رايا ان مطامحهم و مطامعهم في الاماره و السيطره و المال قد انهارت، لعمل الامام بالحق- نكثا بيعته و التحقا بعائشه التي كانت تحسد الامام و تبغضه، و اقاموا حرب الجمل و منها تولدت حرب صفين و منها تولدت حرب النهروان، التي اكتوي المسلمون بنارها الي هذا اليوم.

[صفحه 71]

(فما راعني) اروع الفزع اي ما افزعني (الا و الناس) مقبلون (الي) لاخذ البيعه و المعني ما راعني الا اقبال الناس (كعرف الضبع) الضبع حيوان من نوع السباع تاكل الاموات ان وجدتها، و عرفها الشعر الكثير الذي علي عنقها و هذا تشبيه لتكاثر الناس علي الامام و ازدحامهم عليه (ينثالون) اي يزدحمون (علي من كل جانب) من الجوانب الاربعه (حتي لقد وطي ء) اي سبحق بالاقدام لكثره الناس (الحسنان) الامام الحسن و الامام الحسين عليهم السلام، كما هو العاده في ان الازدحام اذا كثر يسحق من الي جوانب الشخص المزدحم عليه، و قال بعض ان المراد ب(الحسنان) الا بهامان، فقد كان الامام جالسا حينما انثالوا عليه لمبايعته. (و شق عطفاي) العطف طرف الرداء، سمي به لانه يعطف باستداره البدن، فقد انخرق جانبا رداء الامام من كثره جذب الناس لهما، لاراده الوصول الي الامام و اخذ يده للبيعه، في حال كونهم (مجتمعين حولي) اي اطرافي (كربيضه الغنم) الربيضه الطائفه الرابضه من الغنم،

بالتشبيه بها من جهه ان المجتمعين كانوا كالاغتام في عدم الوقار و عدم توازن الحركات- كانهم بهائم، من شده شوقهم و حرصهم علي بيعه الامام- (فلما نهضت بالامر) اي قبلت البيعه و قمت بالاماره

الظاهريه- بعد ما كان عليه السلام هو الخليفه من الله و الرسول علي المسلمين- (نكثت) اي نقضت بيعتي (طائفه) و هم اصحاب الجمل كطلحه و الزبير و من اليهما، فقد بايعوا الامام ثم نقضوا بيعته. (و مرقت اخري) المروق هو الخروج، و المراد بهم اهل النهروان- الخوارج- فانهم خرجوا من الدين بعد ما كانوا فيه، كما يمرق السهم من الغرض بعد دخوله فيه (و قسط اخرون) اي فسق، كما قال سبحانه (و اما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا) و المراد بهم معاويه و اصحابه الذين فسقوا و لم يدخلوا في طاعه الامام، بعد مبايعه الناس له، و يحتمل ان يكون المراد بالمقاربه معاويه و اجناد الشام و بالقاسطه الخوارج حسب الترتيب الخارجي، و علي اي تقدير فهذه الاسامي لهولاء من الرسول صلي الله عليه و آله حيث قال للامام عليه السلام ستقاتل الناكثين و المارقين و القاسطين. و مجمل القصه ان الامام بويع بالمدينه، اراد طلحه و الزبير منه اماره الكوفه، و البصره فلم يلب طلبهما، فخرجا من المدينه باسم (العمره) و التحقا بعائشه، فاخذوا يالبون الناس علي الامام، و كتبا الي معاويه في الشام و ارادا اقتسام البلاد بين الثلاثه، و ذهبا الي البصره لتوجيه العراق نحوهم، و ذلك سبب تمرد معاويه، حيث ا

ستظهر بهم و اقاما في البصره يفسدان حتي التحق الامام بهما بجيشه، و ركبت عائشه علي (جمل) و جرت المحاربه بين الطرفين مما انتهي الي نصر الامام و قتل طلحه و

الزبير و رجوع عائشه الي المدينه خائبه خاسره.. ثم قام (معاويه) لمحاربه الامام و حارب الطرفان في محل يسمي (صفين) و لما قرب انتصار الامام دبر (عمروالعاص) مكيده رفع المصاحف علي الرماح باسم انهم يطلبون حكم القرآن، و انطلت هذه الحيله علي جمله من اصحاب الامام فكفوا عن القتال، و قد اشرف عليه السلام علي الانتصار. و اخيرا انتهي الامر الي تحكيم حكمين (ابي موسي الاشعري، و عمرو العاص) فحكم ابو موسي بعزل الامام، و عمرو بنصب معاويه و هنا انشق اولئك الاغرار من اصحاب الامام عليه السلام و خرجوا عليه، و من ذلك سموا ب(الخوارج) و حاربوا الامام في محل يسمي (نهروان) و انتصر الامام عليهم، و ان بقيت منهم بقيه عاشوا في البلاد الاسلاميه، و اخيرا قتل واحد منهم و هو (ابن ملجم) الامام عليه السلام في محراب مسجد الكوفه (كانهم) اي هولاء الطوائف الثلاث (لم يسمعوا كلام الله سبحانه حيث يقول) في كتابه الكريم (تلك الدار الاخره نجعلها للذين لا يريدون علوا في الارض و لا فسادا و العقابه للمتقين) و ل

ذا لم يعملوا بمقتضاها و ارادوا العلو و افسدوا، و في الحقيقه ان هذه الحلقه من الاضطراب بعد حلقه (السقيفه) من اهم الحوادث التي افسدت البلاد و غيرت مجاري تاريخ المسلمين، و سببت انشقاقهم الي هذا اليوم. (بلي) نفي ل(كانهم لم يسمعوا) (و الله لقد سمعوها) باذانهم (و وعوها) بقلوبهم اي صاروا و عائا لها (و لكنهم) تركوا العمل بها لانه (حليت الدنيا في اعينهم) اي تزينت و اراوها حلوه يقال حليت المرئه اي تزينت بالحلي (و راقهم) اي اعجبهم (زبرجها) اي زينه الدنيا و زخارفها، و لذا تركوا الاخره للتحفظ عليها و النيل

من زخارفها

[صفحه 74]

(اما و الذي فلق الحبه) اي شقها و اخرج منها النبات (و براء) اي خلق (النسمه) و هي الانسان او الروح (لو لا حضور الحاضر) الذي حضر لبيعه الامام و الامتثال لا وامره (و قيام الحجه) من الله علي الامام، بان يقول له لم لم تنهض بالامر و قد هي لك الجو (بوجود الناصر) اي بسبب وجود الناصر للامام علي اعدائه. (و) لو لا (ما اخذ الله) (ما) موصوله (علي العلماء ان لا يقاروا) من قر علي الامر اذا لزمه و لم يغيره (علي كظه ظالم) الكظه هي الالم التي يجده الانسان في بطنه من كثره الاكل و امتلاء الطعام (و لاسغب مظلوم) السغب شده الجوع بمعني ان الله عهد الي العلماء ان لا يسكتوا علي ظلم الظالم للمظلوم بان ياكل حقه، فلا يجد المظلوم ما يتقوت به بينما ياكل الظالم حتي يمتلاء و يكظ بطنه- كنايه عن حرمان ذلك و اتخام هذا- (لا لقيت) جواب (لو لا) (حبلها) اي حبل الخلافه (علي غاربها) الغارب الكاهل، فقد شبه الامام الخلافه بالناقه، و القاء الحبل علي الغارب كنايه عن اهمالها و ارسالها و عدم التصدي لها، كما ان مهمل الناقه يلقي حبلها علي كاهلها لتذهب حيث تشاء. (و لسقيت اخرها) اي اخر الخلافه، فقد شبهها الامام بمزرعه سقي اولها (بكاس اولها) فكما تر

كت الامر في ايام ابي بكر، كنت اترك الامر بعد عثمان (و لا لفيتم) اي وجدتم انتم- ايها الناس، و انكان الامر كذلك عند الامام حتي بعد قيامه بالامر- (دنياكم هذه) برئاستها و زخارفها (ازهد عندي من عفطه عنز) و هي ما ترسله من انفها، و المراد في ازهد- اي اكثر زهدا و

نفره من الدنيا من زهدي في عفطه العنز- فنسبه ازهد الي الدنيا: مجاز كما لا يخفي. انتهت الخطبه. (قالوا) اي الروات (و قام اليه) اي الي الامام عليه السلام (رجل من اهل السواد) و المراد به العراق، و سمي سوادا لكثره زرعه، و العرب يسمي الاخضر اسود، لانه يميل اليه (عند بلوغه) اي بلوغ الامام (الي هذا الموضع من خطبته فناوله) اي عطاه (كتابا) قيل كانت فيه اسئل اراد الاجابه عنها (فاقبل) الامام (ينظر فيه) و انقطعت الخطبه (قال له ابن عباس) و المراد به عبدالله علي الظاهر (يا اميرالمومنين لو اطردت) اي لسترسلت (خطبتك) التي كنت تخطبها بان تاتي بالبقيه (من حيث افضيت) اي من حيث انتهت اليه. (فقال) الامام عليه السلام (هيهات) كلمه تقال بمعني (ابتعد) اي تبعد المطلب من ان يتم (يا بن عباس تلك) المقاله (شقشقه) هو شي ء كالرئه يخرجها البعير من فيه اذا هاج (هدرت) اي خرجت خروج الهدير، و هو

صوت البعير (ثم قرت) اي سكنت فلا زياده عليها (قال ابن عباس فوالله ما اسفت علي كلام قط) اي ابدا (كاسفي علي هذا الكلام) الذي بتر و قطع (الا يكون اميرالمومنين عليه السلام بلغ منه) اي من هذا الكلام (حيث اراد) بسبب قطع ذلك الرجل لكلامه.

خطبه 004

[صفحه 77]

(بنا) المراد بالضمير الرسول و اهل البيت (اهتديتم) ايها الناس (في الظلماء) اي ظلمه الكفر و المعاصي، فان الانسان الذي لا يعرف الحقيقه يتبه في الظلمات، و الرسول و اهل بيته عرفوا للناس الحقائق، فكانهم حملوا مشاعل النور لهدايه الناس عن ظلمات الحيات ليبصروا الحق و الحقيقه (و تسنمتم العلياء) تسنم ركب سنام البعير، و هو الموضع العالي في ظهره، و المعني ارتقيتم مراقي الشرف و

السودد، فقد كانت العرب و سائر اهل الارض في ظلمه حالكه من الكفر و العصيان و المشاكل، كما كانوا خائفين اذلاء (و بنا انفجرتم) اي دخلتم في الفجر (عن السرار) و هو اخر ليله من الشهر يختفي فيها القمر. (و قر سمع) اي صم و هذا دعاء بالصم علي السمع الذي (لم يفقه الواعيه) و هي العبر و المواعظ التي تصرخ بالانسان لتهديه الي السبيل (و كيف يراعي النباه) و هي الخبر بصوت خفي (من اصمته الصيحه) هي الصوت الشديد؟ و المعني ان من اصم سمعه الصيحه- فلم يسمعها- كيف يمكن ان يسمع الصوت الضعيف؟ و لعل هذا اشاره الي ان من لم يعتبر بالقرآن و السنه النبويه كيف يوثر فيه كلام الامام عليه السلام، و هو ادون منهما منزله و الذي يويد هذا ان الامام خطب هذه الخطبه بعد مقتل طلحه

و الزبير، و كانه يشير اليهما، و الي ما احدثاه من الفتنه بدون اتعاظ بكلام الله و الرسول و الامام. (ربط جنان) الجنان القلب، و سمي بذلك لاختفائه، من (جن) و المراد الدعاء للقلب الخائف من الله بالرباطه و القوه، فان الشي ء اذا كان مربوطا، كان قويا لا يتمكن احد من زحزحته- و لذا كني عن القوه بالربط- (لم يفارقه الخفقان) هو الاضطراب، فان القلب الخائف من الله سبحانه دائم الاضطراب خوفا من ان لا يكون صدر منه شي ء يوجب العقوبه و العذاب و هكذا يلازم الخوف من الله الرباطه و القوه فان الانسان اذا عظم الخالق في نفسه صغر ما دونه في عينه.

[صفحه 78]

(ما زلت انتظر بكم) ايها المحتقون بي (عواقب الغدر) فان الانسان الذي يغدر باميره لابد و ان تظهر عواقب غدره من

التامر و الافساد و خلع الطاعه و نحو ذلك (و اتوسمكم) التوسم التفرس اي اتفرس فيكم- من حركاتكم و سكناتكم- (بحليه المغترين) اي بعلائم الاشخاص المغرورين، و المغرور هو الذي حلي في عينه شي زائف، و مثله يترك الحق لاجل ذلك، و لذا لا يبعد ان يتركوا الامام لغرورهم و غفلتهم، و يميلوا الي غيره (سترني عنكم جلباب الدين) الجلباب هو الثوب الفضافض الذي تلبسه المرئه، و جلباب الدين احكامه التي توجب ستر الانسان عن السيئات فلا يري اعماله السيئه، يعني ان الذي عصمكم مني فلم اتعرض عليكم بالاذي هو الظواهر الدينيه التي لبستموها. (و بصرني بكم) اي اراني واقعكم و ما خفي في صدوركم (صدق النيه) اي النيه الصادقه الكامنه في صدري فانها تتفرس بواطنكم السيئه، فان الانسان الطاهر القلب يلقي اليه بواطن الاشخاص- من الغيب- فيري كل انسان علي ما هو عليه (اقمت لكم) (اللام) للتاكيد و المعني (اقمتكم) بارشاداتي و نصائحي (علي سنن الحق) و السنن هو الطريق الواضح (في جواد) جمع جاده و هي الطريق (المضله) هي الارض التي يضل سالكها، اي اني اقمتكم

علي طريق في بين الطرق الباطله الكثيره التي يضل الانسان اذا سلكها بلا دليل (حيث تلتقون و لا دليل) اي حيث يلتقي بعضكم ببعض ليتاسئل عن الطريق لكن الكل تائهون لا يعرفون الطريق فلا فائده في التقائهم و تسائلهم. (و) حيث (تحتفرون) الارض للوصول الي الماء لئلا تهلكوا من العطش (و لا تميهون) يقال (اماه) اي اخرج الماء، اي لا تجدون الماء، فالارض مضله، و الدليل مفقود، و الماء غير موجود، فكيف كنتم؟ و هكذا انتم في الامور الدينيه، و قد انقذتكم من مثل ذلك (اليوم انطق لكم

العجماء ذات البيان) العجماء هي البهيمه التي لا تتكلم و معني كونها ذات البيان انها مع عدم تكلمها تبين عن الشي ء بالدلاله و الاشاره، و مراده عليه السلام ب(العجماء) العبر و العظات، التي هي اعجم و لا تنطق و لكنها تدل و تشير الي الامور، فان العبره تدل علي ان من فعل كذا اصابه كذا- لم بين الاسباب و المسببات من الارتباط- و معني انطاقه عليه السلام لهم، دلالتهم علي تلك العبر و ارشادهم اليها، كي يعتبروا. (غرب) اي غاب و ضل (راي امري تخلف عني) اي لم يتبعني فان الامام هو الحق، و كل من تخلف عنه علي باطل (ما شككت في الحق مذ اريته) اي من وقت ارانيه رسول الله صلي الله عليه و آل

ه و سلم، فقد كنت الزم الحق، و لذا كان كل مخالف لي علي باطل (لم يوجس موسي عليه السلام خيفه علي نفسه) كما قال سبحانه: (فاوجس في نفسه خيفه موسي) اي لم يكن خوف موسي عليه السلام علي نفسه و انما خاف من ان يموه السحره علي الناس فلا يقبلوا كلام موسي عليه السلام (اشفق) اي اكثر شفقه و خوفا (من غلبه الجهال) و هم السحره (و دول الضلال) جمع دوله و هي السلطه، اي سلطه فرعون، فان موسي كان اخوف ما يخاف هو هذا الامر لا غيره و قد اراد عليه السلام بهذا الكلام انه لا يخاف علي نفسه من الظالمين المعادين له و انما يخاف علي انطلاء تمويهاتهم علي الناس فينحرفون عن الحق. (اليوم توافقنا) اي تلاقينا نحن و انتم (علي سبيل الحق و الباطل) فمن سار معي كان علي الحق، و من خالفني كان علي الباطل (من وثق بماء لم يظماء)

اي ان من كان واثقا باحد لم يحتج الي غيره فم اللازم ان يحصل الانسان علي الثقه بامامه حتي لا يحتاج الي غيره، و ذلك كما ان الشخص الذي يعلم ان عنده ماء يكفيه للشرب لم يهج به العطش، فان سكون النفس يوثر في الجسد.

خطبه 005

[صفحه 81]

(لما قبض رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و خاطبه العباس و ابوسفيان بن حرب في ان يبايعاله بالخلافه). و ذلك ان اباسفيان اراد الفتنه و جعل المسلمين بعضهم يضرب وجه بعض، حتي ينتهز فرصه لارجاع الناس الي الكفر، فجاء و استصحب العباس، و هو لا يعلم بالمكيده- يستنهضان الامام عليه السلام للقيام بطلب حقه و اقصاء القوم. (ايها الناس شقوا امواج الفتن بسفن النجاه) فكان الفتن مثل امواج البحر التي اذا غمرت شيئا اغرقته، و سفن النجاه هي الطرق الموصله الي رضوان الله سبحانه، و شقها كنايه عن السير في الطريق القويم الموجب للوصول الي الساحل. (و عرجوا) اي ميلوا و اعزفوا (عن طريق المنافره) اي منافره بعضكم لبعض، و النفره هي الابتعاد عن كره (وضعوا) اي اتركو (تيجان المفاخره) عن روسكم، فان الذي يفتخر كانه شمخ براسه و وضع عليها تاجا من الافتخار كتيجان الملوك، فالامام يامر بالتواضع (افلح من نهض بجناح) اي فاز بالظفر من نهض بالامر و كان له جناح يساعده، و قد كانت الجمل لردع ابي سفيان عن المفاخره بعلي عليه السلام في قبال اولئك الغاصبين و هذه الجمله و ما بعدها لبيان عذره عليه السلام في تركه الامر و عدم نهوضه حيث لا جناح و لا انصا

ر له، و قد شبه الانصار بالجناح، لانه كما يطير الطائر بجناحه كذلك ينهض الناهض بانصاره. (او استسلم) و

لم ينهض (فاراح) الناس و اراح نفسه يوقعهم في المهلكه، و لم يوقع نفسه في المذله، يقال قيل لعنتره انك اشجع العرب؟ فقال لست باشجعهم و لكن اقدم اذا ان الاقدام عزما و احجم اذا كان الاحجام حزما (هذا) الذي تدعواني للنهوض به من الامره و الخلافه (ماء آجن) اي كالماء المتعفن الذي لا يستساغ طعمه فان الخلافه تشوبها المكاره و المصاعب و المتاعب (و لقمه يغص بها اكلها) فلا يهناء بها و معني (غص) بالشي ء، بقي في حلقه و نشب في لهاته فلم يتمكن من بلعه، كما قال الشاعر (اكاد اغص بالماء الفرات). و بعد ما شبه الامام عليه السلام الخلافه بالماء الاجن و اللقمه الصعبه، شبه نفسه بالذي يقطف الثمره قبل النضج (و مجتني الثمره) من (اجتني) بمعني قطف (لغير وقت ايناعها) يعني قبل بلوغها النضج و الكمال، و (اللام) للتاكيد، فان وقت خلافه العام الظاهريه لم يحن بعد اذ لو قام بالامر لم يتبعه الاجماعه قليله، و ذلك يورث الفتنه التي تعصف بالاسلام و لذا ترك الامام حقه، فاذا قمت انا في هذا الوقت كنت (كالزراع بغير ارضه) الذي لا يحصل شيئا من ثمره فان الناس ليسوا

بمحل قابل لخلافه الامام و انما هم محل لابي بكر، فانهم الي اشباههم اميل، و قد اخبر القران الحكيم بذلك بقوله: (افان مات او قتل انقلبتم علي اعقابكم). (فان اقل) ان الخلافه لي و انتم غاصبون لها (يقولوا حرص علي الملك) بان يسيطر و يتسلط علي الملك و المنصب (و ان اسكت) فلا اطالب حقي (يقولوا) و المراد ناس آخرون (جزع من الموت) و خاف انه اذا طلب حقه و قامت المحاربه، قتل في سبيل ذلك، فتخلصا من

الموت يسكت عن حقه (هيهات) اي شتان بين هذه المزاعم و بين الواقع، فلو طلبت لم يكن طلبي حرصا علي الملك و لو سكت لم يكن سكوتي جزعا من الموت (بعد اللتيا و التي) اي تلك المزعمه الاولي و المزعمه الثانيه اي بعد التجاوز عن هذين الكلامين الباطلين، الحق في ان سكوتي لمصلحه الاسلام، و لو طلبت كان لاجراء الحق و ارجاع الخلافه الي اهلها الشرعي و اللتيا مصغر التي، و تصغيرها شاذ، كما قال ابن مالك (و صغروا شذوذا الذي التي) (و ذامع الفروع منها تاوتي و هذا مثل اصله ان رجلا تزوج بقصيره سيئه الخلق فشقي بعشرتها ثم طلقها و تزوح باخري طويله فكان شقائه بها اشد فطلقها، فقيل له الا تتزوج؟ قال لا اتزوج بعد اللتيا و التي (و الله) ليس السكوت خوف الموت، فانه (لابن

ابي طالب) يعني نفسه عليه السلام، و اللام، للتاكيد (انس بالموت) اي اكثر انسا بان يموت (من الطفل بثدي امه) فليس لي خوف من الموت (بل) سكوتي لاني (اندمجت) اي انطويت و اشتملت (علي مكنون علم) اي علم مكنون، هو ما اعلم من نتائج الامور و عواقبه و ان الله انما امهل هولاء للامتحان و الاختبار. (لو بحت به) من باح بسره اذا اظهره، اي لو اظهرت ذلك العلم (لاضطربتم) انتم (اضطراب الارشيه) جمع رشاء بمعني الحبل (في الطوي) جمع طويه و هي البئر (البعيده) اي العميقه فكما يكثر اضطراب الحبل فيها عند السقاء- لبعد عمقها- كذلك يكثر اضطرابكم و لو اعلمتكم بما اعلم، فانه عليه السلام لو اخبرهم بامتلاك اولئك الامر و ما يسببون من اراقه الدماء و تغيير الاحكام و سوق الناس بالغلظه و الاستيثار بفي ء المسلمين و

ما الي ذلك لاضطراب المسلمون اشد الاضطراب، كما ان من يخبر ان حاكمه سوف يظلم و يوذي خاف و اضطراب، لكن الامام يسكت عن ذلك كله ابقائا لنظام الاسلام، و لعدم ايجاد حرب داخليه توجب العصف بالاسلام و المسلمين

خطبه 006

[صفحه 85]

(لما اشير عليه بان لا يتبع طلحه و الزبير و لا يرصد لهما القتال) اي لا يرقب و لا يستعد لقتالهما. (و الله لا اكون كالضبع) هو حيوان من السباع ياكل الاموات اذا وجدها (تنام علي طول اللدم) اللدم هو الضرب بشي ء ثقيل يسمع صوته، و ضبع مونث سماعي، قال ابوعبيد ياني صائد الضبع فيضرب بعقبه الارض عند باب جحرها ضربا غير شديد- و ذلك هو اللدم- ثم يقول خامري ام عمر (اي الزمي دارك من خامر اذا لزم داره و ام عامر كنيه الضبع) يقول ذلك بصوت ضعيف مكررا فتنام الضبع علي ذلك فيجعل في عرقوبها حبلا، فيجرها و يخرجها (و كان في الصوت تاثيرا و ايحائا) يقول الامام عليه السلام لا اكون كالضبع ابقي في المدينه حتي تقوي شوكه طلحه الزبير، فياخذان الامر من يدي، كالضبع المصيده. (حتي يصل اليها) اي الي الضبع (طالبها) الذي يريد صيدها (و يختلها) الختل الخديعه (راصدها) اي الصائد الذي رصدها (و لكني اضرب بالمقبل الي الحق) الذي تبغي (المدبر عنه) اي عن الحق، و هو من خالف الامام (و) اضرب (بالسامع) للحق (المطيع) لاوامري (العاصي) للحق (المريب) ذو الريب في الحق- و الريب بمعني الشك- (ابدا) يعني هذا شاني دائما (حتي ياتي علي يومي) اي مماتي و اليوم المع

د لانتقالي من الحيات الي الدار الاخره. ثم بين عليه السلام ان هضم طلحه و الزبير لحقه، ليس اول هضم اصابه،

بل قد استمرء الناس حقوقه و هضموا امره منذ امد طويل (فو الله ما زلت مدفوعا عن حقي) اي دفعني الناس عن الحق الذي هو لي (مستاثرا علي) اي ان الناس استاثروا و استبدوا بحقوقي علي ضرري (منذ قبض الله نبيه صلي الله عليه و آله و سلم حتي يوم الناس هذا) (منذ) بمعني الوقت الماض فقد غصب ابوبكر، ثم عمر، ثم عثمان، حقه الشرعي في الخلافه و بعد ذلك جائت عائشه و طلحه و الزبير، و بعدهم معاويه.

خطبه 007

[صفحه 87]

يذم فيها اتباع الشيطان (اتخذوا) اي الكفار و العصات (الشيطان لامرهم ملاكا) الملاك قوام الشي ء الذي يملك به، يعني ان قوام امرهم اطاعه الشيطان (و اتخذهم) اي الشيطان (له) اي لنفسه (اشراكا) جمع شرك و هو ما يصاد به فهم آله الشيطان في الاضلال اذ بسببهم يضل سائر الناس (فباض و فرخ في صدورهم) هذا كنايه عن استيطان الشيطان لقلوب هولاء، فان الطير اذا باض و فرخ في مكان فقد اتخذه وطنا لنفسه و ماوي ياوي اليه (ودب) اي تحرك (و درج) اي مشي (في حجورهم) جمع حجر، و هو الحضن، فكما ان الطفل يدب و يدرج في حجر و الديه و يالف بهما الفه شديده كذلك هولاء بالنسبه الي الشيطان (فنظر) الشيطان (باعينهم) و هذا كنايه عن ان نظر هولاء الي المحارم و الشرور اذ نظر الشيطان اليهما، فقد اتحد بهم و امتزج معهم (و نطق بالسنتهم) فكلامهم كلام الشيطان. (فركب) الشيطان (ب) سبب (هم الزلل) جمع زله و هي العثره عن الحق و عدم رسوخ القدم فيه، اي ان الشيطان اوقفهم في مواقف الزله حتي زلوا و لم يثبتوا (و زين لهم الخطل)

هو اقبح الخطاء، اي ان الشيطان حسن في نفوسهم الخطايا و الاثام القبيحه، ففعلوا (فعل من قد شركه الشيطان في سلطانه) اي ان الشيطان صار شريكا ل

هم في سلطتهم علي الامور، فما يفعلونه انما يفعلونه باشتراك مع الشيطان حصه له و حصه لهم (و نطق بالباطل، علي لسانه) فلسانهم يتكلم لكن بايحاء من الشيطان و القاء منه اليهم.

خطبه 008

[صفحه 88]

يعني به الزبير في حال اقتضت ذلك الكلام لقد كان المسلمون يقولون لطلحه و الزبير، كيف تنقضان بيعه الامام، و قد بايعتماه طوعا و رغبه بدون اكراه و لا اجبار؟ فكانا يجيبان بانهم انما بايعا بايديهما لا بقلوبهما و يزعمان ان هذا الجواب يبرر موقفهما العدائي من الامام عليه السلام و لذا قال الامام عليه السلام (يزعم) الزبير (انه بايع بيده و لم يبايع بقلبه) فكان في البيعه مكروها غير راضي (فقد اقر البيعه) اقرارا (و ادعي الوليجه) الدخيله في الامر، ادعائا، و المقر ماخوذ باقراره ما لم يثبت بحجه واضحه خلاف الاقرار (فليات) زبير (عليها) اي علي الوليجه التي ادعاها (بامر يعرف) اي بحجه واضحه معروفه (والا) فان لم يات بالحجه (فليدخل فيما خرج منه) من طاعتي و تسليم الامر الي، فان علي المدعي البينه، و ان لم يقمها كان اللازم، الكف عن ادعائه.

خطبه 009

[صفحه 89]

يصف اصحاب الجمل و انهم اصحاب قول لا اصحاب عمل (و قد ارعدوا و ابرقوا) شبههم عليه السلام بالسحاب الذي يرعد و يبرق، الماغا الي المطر فانهم كانوا يقولون و يسبون و يظهرون الشجاعه و البساله (و مع هذين الامرين) الارعاد و الابراق (الفشل) و عدم المحاربه الشديده، فقد اعتزل زبير الحرب و طلحه قتل بدون محاربه معلومه (و لسنا نرعد) بان نقول و نهرج (حتي نوقع) بالعدو و نوسع فيهم القتل و الضرب (و لا نسيل) بالكلام (حتي نمطر) اي نظهر العمل فاننا نجري الامور، لا الاقوال، و هذا هو الحائز بين العاملين و غيرهم- غالبا- فالعاملون يعملون بلا ان يقولا و القائلون لا يعملون، و انما مجرد قول و ثرثره.

خطبه 010

[صفحه 90]

و الغالب ان (الخطبه) تكون مع اعتماد في الاداء، و وقوف او صعود منبر او ما اشبه، و ابتداء بالحمد و الصلاه، بخلاف (الكلام) و هذا هو الذي جعل (السيد) يقول تاره (من خطبه) و اخري (من كلام) و الغالب ان (السيد) يبتر بعض الخطبه او بعض الكلام، مما يراه افصح من سائر جملها و لذا يقول (من..) بالتبعيض (الا) حرف تنبيه، اي ليتنبه السامع (و ان الشيطان قد جمع حزبه) المراد بالشيطان اما حقيقه او كنايه عن شخص و قد ذكروا انه عليه السلام خطبه بمناسبه حركه الطلحه و الزبير (و استجلب) اي طلب جلب (خيله و رجله) اي فرسانه و رجالته و هذا اشاره الي قوله تعالي (و اجلب عليهم بخيلك و رجلك) (و ان معي لبصيرتي) لم اتغير بل عرفاني بالامور كما كنت سابقا (ما لبست علي نفسي) التلبيس الاشتباه اي لم اسبب الاشتباه علي نفسي حتي لا ادري هل

انا علي الحق ام لا، كما هو الشان في كثير من الناس حيث يقعون في المعارك يتشككون في امر انفسهم (و لا لبس علي) بان شكك لي مشكك فشككت (و ايم الله) اي قسما بالله، فان (ايم) بمعني القسم (لا فرطن) يقال افرطه اذا ملاه حتي فاض (لهم) اي لهولاء المخالفين لي (حوضا انا ماتحه) يقال متح الماء اذا نزح الماء، و المعني اني ا

هي لهم الجيش الجم الذي انا متوليه بحيث (لا يصدرون عنه) اي لا يخرجون عن الماء- كنايه عن انهم يقتلون فلا ينجون بسلامه- (و لا يعدون اليه) اذ لو ماتوا لا يتمكنون من الذهاب و الاياب.

خطبه 011

[صفحه 91]

(لابنه محمد بن الحنفيه لما اعطاه الرايه- اي العلم- يوم الجمل) و انما سمي ابن الحنفيه لان امه امرئه من بني حنفيه و انما قيل له ذلك ليميز عن اولاد فاطمه الزهراء صلوات الله عليهما، و كان شجاعا محبوبا عند الامام عليه السلام و اخوانه. (تزول الجبال و لا تزل) يعني يجب ان تكون من الصمود في مقابل الاعداء حتي انك لا تزحزح عنهم، و ان زالت الجبال عن مراكزها (عض علي ناجذك) النواجذ اقصي الاضراس، و اذا عض الانسان علي اسنانه اشتدته اعصاب راسه فكان اكثر عزيمه و اشد شكيمه (اعر الله) من (اعار يعير) اي ابذل بنحو العاريه لله (جمجمتك) اي راسك فانه سبحانه ياخذه هنا و يعطيك هناك، و معني هذا ان يتصمم للقتل (تد) من (وتد) اي اثبت الوتد في الجدار و نحوه (في الارض قدمك) اي اجعلها كالوتد، حتي اذا جائت كتيبه لا تنهزم، فان الوتد ثابت مهما كان الامر (ارم ببصرك اقصي القوم) اي انظر الي اخر معسكر الاعداء،

حتي تجد في نفسك العزم علي مقاتله الجمع الكثير، فان الانسان كلما كان اعرف بكثره العدو كان اشد عزما و اقوي قلبا للتقدم و اكثر تقديرا للظروف (و غض بصرك) اي بعد ان نظرت الي اخر القوم ارم بصرك علي الارض لئلا يهولنك السيوف و الرماح المش

رعه نحوك، و هكذ الانسان ذو العزم الراسخ يقدر مقدار الاعداء ثم يشرع من الادني فالادني ناظرا امامه لئلا يضطرب قلبه اذا ابصر غير قدامه (و اعلم ان النصر من عندالله سبحانه) و اذا علم الانسان ذلك اشتد قلبه و ربط جاشه و تضاعف نشاطه و قدرته.

خطبه 012

[صفحه 93]

(لما اظفره الله باصحاب الجمل- بان غلب عليهم و انهزموا- و قد قال له بعض اصحابه وددت ان اخي فلانا كان شاهدنا- اي يري نصرنا عليهم- ليري ما نصرك الله به علي اعدائك؟) (فقال له عليه السلام: اهوي اخيك معنا)؟ اي هل ميله و رغبته معنا، و انه يحبنا و يكره اعدائنا؟ (فقال- الرجل- نعم- … ) (قال) - عليه السلام- (فقد شهدنا) اي حضرنا في الثواب فانه شريك معنا في الاجر لان الرجل مع من احب (و لقد شهدنا في عسكرنا) اي كان كالحاضر معنا في الثواب و الاجر (هذا) صفه (عسكرنا) (اقوام في اصلاب الرجال) جمع صلب و هو عظم الظهر موضع المني، كما قال سبحانه (يخرج من بين الصلب و الترائب) (و ارحام النساء) المراد بهم الاجنه الذين لم يخرجوا بعد من الرحم (سيرعف بهم الزمان) اي يخرجهم الزمان الي الوجود، و اصل الرعاف الدم الذي يخرج من الانف، فكان الزمان يرعف و رفاعه اولئك المشاركون معنا، لانهم يهوونا و يحبونا و هوائهم معنا (و يقوي بهم الايمان) لانهم ينصرون

اميرالمومنين و اهل بيته بالقلم و اللسان و سائر و سائل النصر.

خطبه 013

[صفحه 94]

في ذم اهل البصره و ذلك بعد وقعه الجمل. (كنتم) يا اهالي البصره (جند المراه) يعني عائشه (و اتباع البهيمه) يعني الجمل، فانهم كانوا يتبعون الجمل حيث مال و ذهب و كان الجمل يسمي ب(عسكر) (رغا) الجمل: و هو صوته (فاجبتم) و قدكني عن صوت راكبه بصوته- بعلاقه الحال و المحل- (و عقر) اي قطعت ارجله و جرح (فهربتم) فلا ثبات لكم، و لا ادراك (اخلاقكم دقاق) جميع دقيق و هو الدني ء اذا الشي ء الدقيق لا يستقر علي حال، و لا يتحمل مختلف الاشياء (و عهدكم شقاق) فانهم عاهدوا الامام عليه السلام علي يد و اليه (عثمان بن حنيف) ثم خالفوا فكان عهدكم مخالفه و مشاقه (و دينكم نفاق) تظهرون هنا وجها و هناك وجها. (و ماوكم زعاق) اي مالح و الماء المالح يوثر في اخلاق الانسان حرافه و تغتا (و المقيم بين اظهركم) جمع ظهر، و المعني في وسطكم، فان ظهر الشي ء ما يظهر منه مقابل البطن المخفي من كل شي ء (مرتهن بذنبه) اي انه ملازم للذنب، اذ لابد و ان يكتسب من اخلاقهم و صفاتهم، فهو كالرهن الملازم للشحص مادام المال لم يود (و الشاخص عنكم) اي المسافر عن بلادهم الي غيرها (متدارك برحمه من ربه) قد ادركته الرحمه و لذا وفق للفرار منهم و من بلدهم (كاني بمسجدكم)

و هو مسجد كبير بين (البصره) الحاليه و (الزبير) ربما قدر بمائه الف (متر) (كجوجو سفينه) و هو صدرها الظاهر للابصار من بعيد. (قد بعث الله عليها) اي علي البصره (العذاب من فوقها) اي الطرف الاعلي منها (و من تحتها) اي من الطرف

الاسفل منها، كما قال سبحانه (اذ جاوكم من فوقكم و من اسفل منكم) قالوا و قد غربت البصره مرتين في ايام (القادر بالله) و مره في ايام (القائم بامر الله) كما اخبر الامام عليه السلام (و غرق من في ضمنها) اي في داخل بصره. و في روايه: (و ايم الله) اي قسما بالله فان (ايم) بمعني القسم (لتغرقن بلدتكم) اي بصره (حتي كاني انظر الي مسجدها) الذي تقدم ذكره (كجوجوء سفينه) اي صدر السفينه (او نعامه جاثمه) اي واقعه علي وجه الارض، فان شرفات المسجد لعلوها لم يغمرها الماء بل بقيت ظاهره. و في روايه: (كجوجوء طير) اي صدره (في لجه بحر) اي في وسطه، فان الانسان يري الطير الرابض علي ماء البحر و الذي يملاء عين الانسان منه هو الصدر منه. و لعل الامام عليه السلام قال ذلك مكررا، فاختلف الروات حسب اختلاف كلام الامام عليه السلام، فان العاده قد جرت بان الانسان يذكر الخبر الطريف- تبشيرا و تحذيرا- مكررا في كل منلسبه، و الله العالم. و ف

ي روايه اخري: (بلادكم) يطلق البلاد علي البلد الواحد باعتبار المحلات (انتن بلاد الله تربه) و ذلك لكثره البخار المتصاعد من المياه الموجب للرطوبه و العفونه، بالاضافه الي ان قرب الارض من الماء يوجب عفونتها لاحتباس الا بخره فيها- كما ذكروا في كتاب الطب- (اقربها) اي اقرب البلاد (من الماء) لا نخفاض مستواها حتي انها قريبه من مستوي المياه الداخليه و سطح البحر (و ابعدها من السماء) اي من الرحمه، او المراد (السماء النقي) فان الارض كلما كانت ارفع انت اقرب الي الهواء النقي الذي لم تشبه الابخره و العفونات، و المراد ب(التفضيل) النسبي، لا الحقيقي كما لا يخفي (و

بها) اي في بلادكم (تسعه اعشار الشر) هذا عدد يقال للمبالغه، لا للحصر الحقيقي، و المعني ان فيها شر كثير. (المحتبس فيها) اي الباقي- و قد شبه الامام عليه السلام بالمحبوس، لانها مثل الحبس في ردائتها- مرتهن (بذنبه) و حذف (مرتهن) لدلاله الكلام عليه (و الخارج) منها انما خرج (بعفو الله) فان بقائه هناك الموجب لتخلفه باخلاقهم معصيه تحتاج الي عفو الله سبحانه للخلاص منها، و من هذا يظهر ان قوله عليه السلام (المحتبس..) يراد به: بان الباقي، انما احتبس هناك بسبب ذنب صدر منه (كاني انظر

الي قريتكم هذه) و القريه تطلق في مقابل الصحراء، و ان كانت بلده كبيره، كما قال سبحانه (و ان من قريه الا خلا فيها نذير) (اخرجوهم من قريتكم) (قريتك التي اخرجتك) و كانها سميت قربه لانها (مقري) الضيف (قد طبقها الماء) اي شملها (حتي ما يري منها) اي من القريه (الا شرف المسجد) جمع شرفه و هي ما يبني في اعالي جدار المسجد للزينه (كانه جوجوء طير في لجه بحر) قد سبق تفسير الجملتين.

خطبه 014

[صفحه 98]

قاله عليه السلام (في مثل ذلك) لذم اهل البصره (ارضكم) يا اهالي البصره (قريبه من الماء) لا نخفاض مستواها (بعيده من السماء) اي الرحمه او الهواء النقي (خفت عقولكم) تشبيه للعقل بالشي ء الخفيف الذي يحركه هبوب الرياح، في مقابل العقول الرزينه التي لا تتحرك بادني حركه و اقل اضطراب و عاصفه (و سفهت حلومكم) اي انكم سفهاء لاكمال لعقولكم (فانتم غرض لنابل) القرض هو الشي ء الذي ينصب ليرمي بالسهام، و النابل الضارب بالنبل و هو السهوم، فانهم صاروا غرضا لطلحه و الزبير و عائشه (و اكله لاكل) يعني انكم لا حصانه لكم، حتي ان كل احد يطمع

في اكلكم كلقمه سائغه (و فريسه لصائل) اي من صال من السباع و الفريسه هو الحيران الصغير الضعيف الذي يفترسه السباع و صال بمعني هاجم و وثب بقوه.

خطبه 015

[صفحه 99]

فيما رده علي المسلمين من قطائع عثمان فان عثمان كان قد اعطي بعض اراضي المسلمين لا قربائه و من اليهم فلما جاء الامام عليه السلام الي الحكم قطع ايدي اولئك الذين استولوا عليها بامر عثمان، و ردها للمسلمين كما كانت لهم. (و الله لو وجدته) اي وجدت المال الذي اقطعه عثمان (قد تزوج به النساء) بان جعله المعطي له مهراو تزوج به امرئه (و ملك به الاماء) بان اشتري به امه (لرددته) فابطلت كونه مهرا و كونه ثمنا لاشتراء الامه، و النكاح لا يمنعني من ابقاء المال المغتصب علي غصبيته، و هذا بيان ان استحلال الفرج بهذا المال لا يلزم الاغتصاب فكيف بسائر التصرفات؟ (فان في العدل سعه) اذ العدل يسع الكل، و لا يوجب التخصيص ببعض دون بعض- كما في الظلم- (و من ضاق عليه العدل فالجور عليه اضيق) فان الانسان انما يفر من العدل خوف ان لا يرضي به اهل المطامع و المطامح، فاذا جار هذا الانسان ارضاء لرغبه اولئك كان الناقون عليه اكثر، و يكون هو في ضيق اشد، كما ان عثمان لما ارضي خاصته ضاق عليه الامر حتي قتل.

خطبه 016

[صفحه 100]

(لما بويع في المدينه) بعد مقتل عثمان (ذمتي بما اقول رهينه) الذمه هي النفس الملتزمه بشي ء، اي ان نفسي مرتهنه يصحه ما اقول، فكما ان الرهينه لا تفك الا باعطاء المال المقابل لها، كذلك الذمه لا تفك- و لا يظهر صدق القائل و صحه دعواه- الا بمطابقه كلامه للواقع (و انابه) اي بما اقول (زعيم) اي كفيل بصدق ما اقول- و الجملتان بمنزله الحلف- و متعلق الحلف قوله (ان من صرحت له العبر) جمع عبره، و هي الموعظه التي تقع في

الناس فيعتبر بها غيرهم، و معني تصريح العبره دلالتها علي النتيجه (عما بين يديه من المثلات) بمعني العقوبات. اي ان العبر تكشف عن العقوبات التي تقدمت، و معني بين يديه، ما تقدم علي زمانه، كانه امامه، و يعبر عن الاثام ب(بين اليدين) لامتداد الفضاء من ذلك الي بين يدي الانسان. (حجزته التقوي) اي منعته تقواه- و اتقائه عن العذاب- (عن تقحم الشبهات) الشبهه هي ما يشتبه حاله، فلا يدري احل هو ام محرم، و التقحم الدخول بلا رويه، اي ان العبرادت الي ان لا يقتحم هذا الشخص في الشبهه، خوفا من نزول العقاب عليه، فان الشبهه مظنه الخطيئه (الا) فليتنبه السامع (و ان بليتكم) اي ابتلائكم و اختباركم (قد عادت كهيئتها يوم بعث الله

نبيكم صلي الله عليه و آله و سلم) فكما بعث النبي (صلي الله عليه و آله و سلم) كان موجبا للامتحان العظيم ليظهر المومن و الكافر و المنافق، كذلك اخذ الامام بالزمام اوجب امتحان الناس، و ان ايهم يتبع الحق و ايهم يتبع الباطل. (و الذي) اي قسما بالله الذي (بعثه) اي ارسل الرسول (بالحق) اي ارسالا بالحق، فلم يكن الارسال بالباطل، كارسال الجبابره جلاوزتهم للجور و الطغيان (لتبلبلن بلبله) يقال بلبلت الالسن بمعني اختلطلت اي يخلط بعضكم ببعض، فان الاحداث تخلط الناس اعاليهم بادانيهم، و ادانيهم باعاليهم، او المراد البلبله في الكلام. (و لتغر بلن غربله) هي نخل الدقيق في الغربال، كانهم في الاحداث الاتيه ينخلون فيبقي القوي الايمان، و يسقط الضعيف الايمان، و ان كان الظاهر استوائهما او العكس، قبل الاحداث، فان الاحداث تظهر جواهر الرجال (و لتساطن سوط القدر) السوط تحريك ما في القدر باله و نحوها، يعني تكونون

هكذا، (حتي يعود اسفلكم) جاها و رتبه و دينا (اعلاكم) لما فيه من الجوهر الكامن الذي يرتفع عند الاحداث (و اعلاكم اسفلكم) لما فيه من الضعف الموجب لسقوطه من الفتن، كما قال سبحانه (الا في الفتنه سقطوا) تشبيه للسقوط المعنوي بالسقوط الحسي (و ليس

بقن) الي الجهاد و الخير و الفضيله (سابقون) اليها (كانوا) في السابق (قصروا) فلم يبلغوا المقادر الممكن لهم (و ليقصرن سباقون كانوا سبقوا) اي كان اناس في زمن الرسول صلي الله عليه و آله و سلم و هما بعده سباقون الي الفضيله و الجهاد، و في هذا الدور يقصرون في العمل، كالزبير الذين كان من السابقين في نصره الرسول و الامام ثم صار من اعدائه فاورد نفسه النار بذلك. (و الله ما كتمت و شمه) هي الكلمه، اي لم اكتم شيئا من الحق، بل اظهرت الحق كما هو فقد كان عليه الصلاه و السلام هاديا الي الحق امارا بالمعروف نهائا عن المنكر (و لا كذبت كذبه) واحده ابدا، فقد كان عليه السلام صريحا غير مجامل في الحق و لا مداهن في العدل (و لقد نبئت) اي اخبرت، و المخبر له هو الرسول صلي الله عليه و آله و سلم (بهذا المقام) الذي اقوم لبيعتكم (و هذا اليوم) الذي تبايعونني فيه، و كان الامام عليه السلام اراد بهذا قطع السبيل علي الذين يريدون منه المواربه و المداجات كما اعتادوه عمن سلفه، ثم بين عليه السلام ان المخالف له انما يعصي الله سبحانه، فاللازم ان ياخذ بزمام نفسه لئلا يقع في الخطاء (الا) فليتنبه السامع (و ان الخطايا) جمع خطيئه و هي المعصيه سميت بها، لان ا

لانسان ياتي بها غلطا، و الا فالعاقل لا يعفل ما يضره.

(خيل شمس) جمع شموس، و هي الفرس التي تمنع ظهرها عن الركوب، و تقتحم في المهالك (حمل عليها) اي علي تلك الخيل- و هو اسم جنس- (اهلها) اي اهل الخطايا و الذنوب، تشبيه للمذنب براكب الفرس الشموس التي لا يامن الانسان منها و (خلعت لجمها) اي افلتت من يد الراكب لجامها الحافظ لها عن تقحم المهالك (فتقحمت بهم في النار) اي ادخلتهم فيها (الا و ان التقوي مطايا) المراد ب(التقوي) الجنس و لذا وصف بالجمع بقوله (مطايا) جمع (مطيه) و هي المركوب، كما قالوا (اهلك الناس الدرهم البيض و الدينار الصفر) (ذلل) جمع ذليل، فان التقوي تمنع الانسان عن المهالك، بعكس الخطايا فانها توردها في المهالك، و لذا شبهت الخطايا ب(الشمس) و التقوي، ب(الذلل). (حمل عليها) اي علي تلك المطايا (اهلها) اي اهل التقوي (و اعطوا ازمتها) جمع زمام، فان الانسان الذي اعطي زمام الخيل حفظها عن السرعه و الحركه غير المرغوبه، و هكذا التقوي كالمطيه التي بيد الانسان زمامها (فاوردتهم الجنه) في سير مريح، و هذا تحريض علي اجتناب المعاصي و الاثام و التزام التقوي في الامور (حق و باطل) فان الله سبحانه حيث جعل الدنيا دار الختبار اسلس قي

اد كل من الحق و الباطل ليختبر فيها الناس كما قال سبحانه (انا هديناه السبيل اما شاكرا و اما كفورا) (و لكل اهل) فبعض يختار الحق و بعض يختار الباطل (فلئن امر الباطل) اي تسنم مقام القياده و الامر و النهي (لقديما فعل) اي فعل الباطل قديما ذلك حيث كان الباطل من قديم الزمان ياخد بزمام الامر و النهي (و لئن قل الحق) اي اتباعه (فلربما) يغلب الباطل مع قلته (و لعل) ياتي يوم يغلب

الحق الباطل، كما قال سبحانه (كم من فئه قليله غلبت فئه كثيره باذن الله) (و لقلما ادبر شي ء فاقبل) هذا استبعاد منه عليه السلام ان يعود الحق الي نصابه كما كان فان الشي ء اذا ادبر كان بسبب ذهاب مقوماته، و مع ذهاب المقومات لا يعود كما كان، و كان هذا اشاره الي ما وقع فعلا من عدم رجوع الناس الي سنه الرسول صلي الله عليه و آله و سلم اقول: ان في هذا الكلام الادني من مواقع الاحسان ما لا تبلغه مواقع الاستحسان و ان حظ العجب منه اكثر من حظ العجب به و فيه مع الحال التي و صفنا زوائد من الفضاحه لا يقوم بها لسان و لا يتطلع فجها انسان و لا يعرف ما اقول الا من ضرب في هذه الصناعه بحق و جري فيها علي عرق و ما يعقلها الا العالمون

[صفحه 105]

اي من جمله هذه الخطبه تقسيم الناس الي ثلاثه اقسام (شغل من الجنه و النار امامه) اي ان الانسان الذي يعلم بان امامه احد الامرين: الجنه و النار، يشتغل بذلك عن غيره، فانه لا بدو ان يعمل ليل نهار لتحصيل الجنه و الابتعاد عن النار، و شغل، مبني للمفعول، و نائب الفاعل له (من) و الجمله اما اخباريه، او انشائيه بمعني ان اللازم ان يعمل الانسان دائم الاوقات للاخره، لان امامه اما جنه و اما نار فلا مجال له للاشتغال بامور الدنيا. ثم اخذ الامام عليه السلام يقسم الناس الي ثلاثه طوائف (ساع سريع نجا) اي اسرع في السير الي رضوان الله سبحانه نجا بنفسه و فاز بالجنه، و اصل (ساع) (ساعي) و حيث كانت الضمه ثقيله علي الياء حذفت، فالتقي الساكنان فحذف

الياء لدلاله الكسره عليها، و اتصلت التنوين بالعين فصار (ساع) (و طالب) لرضوان الله و جناته (بطي ء) في سيره فمره يعمل بالخير و مره بالشر (رجا) اي رجا الثواب و الجنان (و مقصر) في العمل (في النار هوي) اي سقط لانه لم يعمل بالواجب و لم يترك المحرم (اليمين و الشمال مضله) اي ان ما زاغ عن جاده الشريعه نحو الافراط و التفريط، ضلال و انحراف عن الحق كالطرفين في الطريق اذا سلكهما الانسان ضل و حا

د عن الجاده الموصله (و الطريق الوسطي) صفه الطريق، لانها مونث ساعي (هي الجاده) الموصله الي الهدف. (عليها) اي علي الجاده (باقي الكتاب و آثار النبوه) اي الكتاب الباقي، و اثر الانبياء، فكان الكتاب و آثار النبوه سارا علي ذلك فمن سار في الجاده كان تابعا لهما (و منها) اي من الطريق الوسطي (منذ السنه) اي ان سنه الرسول صلي الله عليه و آله و سلم تنفذ و تسير من الجاده و تصل للهدف، فالسائر في الجاده سائر علي منهاج السنه (و اليها) اي الي الجاده (مصير العاقبه) اي ان العاقبه المحموده للانسان تصير الي الجاده، اما من كانت عاقبته سيئه فانه يخالف الجاده حتي يصل الي تلك العاقبه السيئه (هلك من ادعي) انه علي الحق و هو يسير في اليمين و الشمال (و خاب) اي خسر (من افتري) و كذب بنسبه اليمين و الشمال، الي الله سبحانه، كاهل الاهواء الباطله الذين ينسبون اعمالهم المنحرفه الي الله سبحانه و رسوله صلي الله عليه و آله و سلم. (من ابدي) اي اظهر (صفحته) اي صفحه وجهه (للحق) اي من بارز الحق صريحا، فان العدو يبدي صفحه وجهه لعدوه (هلك) لان

الحق يحطمه و يهلكه (و كفي بالمرء جهلا ان لا يعرف قدره) فان الانسان له قابليه ان يسير في مراقي السعاده حتي يكون ا

عظم السعداء في الدنيا و عظيم الحظ في الاخره، و هذا هو قدر الانسان، فاذا لم يعرف الانسان قدر نفسه ضاعها او الحق بها الشقاوه في الدنيا و الاخره، و اي جهل اعظم من هذا الجهل الموجب لخساره الدنيا و الاخره (لا يهلك علي التقوي سنخ اصل) السنخ النبت، اي ان اصل نبات الانسان لا يهلك اذا كان مقترنا بالتقوي، كما لا يفسد اصل نبات الاشجار اذا و فرت له الارض الصالحه و الماء و الهواء و الضياء (و لا يظماء عليها) اي لا يعطش اذا كان مقترنا بالتقوي (زرع قوم) فالاعمال الخيريه اذا كانت بدون تقوي صاحبها عطشت عطشا يوجب فسادها، فان الله انما يتقبل من المتقين، اما اذا كانت مقترنه بالتقوي لم تعطش بل بقيت ريانه غير فاسده و لا ذابله. (فاستتروا ببيوتكم) اي الزموا البيوت، و لا تعرضوا انفسكم لمقابله الحق، كما هو العاده في ايام الاضطراب و الفوضي، من ان ضعفاء الايمان يسيطر عليهم قاده الباطل، فيبدن صفحتهم للحق و في ذلك هلاكهم (و اصلحوا ذات بينكم) فكان الصله شي ء بين الطرفين، اذ صارت بينهما منافره، فسدت، و اصلاحها ارجاعها الي نصابها الصالح الموجب للسعاده و الالفه (و التوبه من ورائكم) تتمكنون من الاتصال بها، كما ان من وراء الانسان يتمكن الافساد

من الاتصال به، و هذا كنايه عن عدم فوت محل التوبه (و لا يحمد حامد الاربه) اذ جميع النعم منه تعالي، و المراد ان اصل الحمد مربوط به، و ان كان اللازم ان يشكر الانسان وسائط النعم

كما قال سبحانه (ان اشكر لي و لوالديك) (و لا يلم) من لام يلوم (لائم الا نفسه) و المراد لزوم اشتغال كل انسان بعيوب نفسه عن عيوب الاخرين، و قد اجاد الشاعر في قوله: لسانك لا تبدي به سوئه امرء فكلك سوات و للناس السن و عينك ان اهدت اليك معائبا من الناس قل يا عين للناس اعين

خطبه 017

[صفحه 108]

(في صفه من يتصدي للحكم بين الامه و ليس لذلك باهل) (ان ابغض الخلائق) جمع خليفه، و لعل التانيث باعتبار كونها صفه للنفس (الي الله) و الاتيان ب(الي) لان السوء الموجب للبغض و العداوه - عند الله سبحانه - يبتد من الانسان، و ينتهي اليه سبحانه، كما قال تعالي: (اليه يصعد الكلم الطيب) (رجلان) اي صنفان من الرجال. (رجل و كله الله الي نفسه) فان الانسان اذا راي الهدي فلم يتبعه تركه سبحانه و شانه و لا يلطف به الالطاف الخفيه الموجبه لعونه و مدده، كما ان الاب اذا اعرض ولده عن اطاعته، تركه و شانه، لا يابه به، و لا يعتني بامره، و كان المراد بهذا الصنف الحكام، الجائرون، و المراد بالصنف الثاني العلماء الضالون المضلون. (فهو جائر) اي مائل (عن قصد السبيل) اي وسط الطريق الموصل الي الهدف (مشغوف بكلام بدعه) اي مولع به، قد بلغ حبه شغاف قلبه، و هو غلافه، كما قال سبحانه (قد شغفها حبا) (و دعاء ضلاله) فهو يتكلم بما هو بدع - اي جديد - في الدين و يدعوا الناس الي الضلاله، كمعاويه مثلا الذي كان يتكلم بما ابدع لا بما سنه الرسول صلي الله عليه و آله و سلم، و يدعوا الناس الي نفسه و ضلالاته، لا الي

الحق و اهله (فهو قتنه) اي موجب لامتحا

ن (من افتتن به) و تعلق باعماله و اقواله، و الفتنه هي ما توجب تحريف الانسان عن جاده الهدي الي الضلاله (ضال عن هدي من كان قبله) اي قد ضل الطريق فلم يسر علي طريق من قبله من الصالحين (مضل لمن اقتدي به) و اتبعه (في حياته و بعد وفاته) فان من يرسم طريق الضلاله يوجب اضلال الناس سواء كان المضل حيا ام ميتا (حمال خطايا غيره) اي انه كثير الحمل لخطايا الذين اتبعوه، فان من سن سنه سيئه كان له وزرها و وزر من عمل بها الي يوم القيامه (رهن بخطيئته) اي انه مرتهن بعصيانه معاقب عليه، و ليس مطلقا ليرتقي في مراقي السعاده و الكمال. (و رجل) و هو الصنف الثاني، و هم العلماء الضالون المضلون، فان هاتين الطائفتين هما الحكام علي الابدان و العقائد و لذا قال الرسول صلي الله عليه و آله و سلم (طائفتان في امتي اذا صلحتا صلحت امتي و اذا افسدتا فسدت امتي: العلماء و الامراء) و ذلك لان الناس تابعون لمجري حياتهم و مجري تعليمهم - لان الاول يومن ابدانهم و الثاني عقائدهم - فاذا فسد احدهما فسد الناس و اذا صلح صلح الناس (قمش) اي جمع- و اصل القمش جمع التفرق - (جهلا) فمثلا قال بعدم عداله الله كما يقول الاشعري و لعدم حشر الاجساد كما يقول الفلاسفه غير المتاله

ين، و هكذا فما جمعه انما هو جهل، لا علم (موضع في جهال الامه) (موضع) اسم فاعل من اوضع بمعني اسرع، كما قال سبحانه (لا وضعوا خلالكم) اي مسرع بالافساد في جهال الناس، فانهم هم الذين يفسدون بفساده. (عاد) من

(عدايعدو) بمعني اسرع، اي مسرع (في اغباش الفتنه) جمع (غبش) بالتحريك، بمعني الظلمه، اي انه يسرع في ظلمات الفتن، بخلاف العاقل فانه لا يذهب في الفتنه بل يتنحي عنها لئلاتصيبه بظلماتها و اثامها (عم) صفه مشتقه من (العمي) (بما في عقد الهدنه) فالهدنه و المسالمه بين الناس- التي يعقدها العقلاء- ذات منافع جمه و مثل هذا الشخص جاهل بما فيه من المصالح، و لذا يسعي للاضطراب و الفتن، و هذه حقيقه يشاهدها الانسان في الظروف الامنه، فان امثال اولئك الجهال يسعون لتحطيمها بظن ان التحطيم يحسن الحال غافلين عن ان الهدنه و المسالمه لا تعقدان الا بشق الانفس و بصعوبات جمه، و انها اذا هدمت ساد الفوضي و الاضطراب. (قد سماه اشتباه الناس) الذين هم في صوره الناس، و ليس لهم حقيقه الانسانيه لعدم انطوائهم علي العلوم و المعارف و لا يميزون بين الصالح و الطالح و الصحيح و الفاسد (عالما و) الحال انه (ليس به) اي ليس بعالم و انما جاهل في صوره عالم (بكر) اي

اصبح (فاستكثر من جمع ما قل منه خير مما كثر) فان مثل هذا العالم شكلا، ياتي كل صباح ليحفظ و يتلقي دروسا من الاضاليل و الاباطيل (حتي اذا ارتوي) اي امتلاء كالعطشان الذي يرتوي من الماء (من آجن) هو الماء المتعفن المتغير طعمه و لونه (و اكتنز) اي جمع في نفسه ما عده كنزا من العلوم (من غير طائل) اي بدون فائده لانه شي ء خسيس حقير، فقد جمع اقوالا فارغه و ادله و هميه، و احاديث موضوعه و ما اشبه ذلك (جلس بين الناس قاضيا) ليقضي بينهم في امور الحلال و الحرام و الدعاوي و المرافعات. (ضامنا لتخليص ما

التبس علي غيره) فان الذي يجلس مجلس القضاء و الافتاء كان اظهار الضمان ذلك، و معني (تخليص ما التبس) انه يظهر الحق، و يخلصه من بين الشتبهات و المحتملات (فان نزلت به احدي المبهمات) اي جائته احدي القضايا المبهمه المشكله (هيالها) اي لحل تلك المبهمه (حشوا) اي كلاما زائدا فارغا، فان الحشو هو الزائد الذي لا فائده فيه (رثا) اي باليا، ضد الجديد (من رايه) كما هو العاده في الجهال انهم يهيئون كلاما كثيرا في المشكلات للحفظ علي كيانهم امام الناس (ثم قطع به) اي بذلك المهيي ء البالي، و جعله المطلب المقطوع به المصاب لكبد الحقيقه (فهو) اي هذا الشخص (م

ن لبس الشبهات) و الشك و الالتباس فيها (في مثل نسج العنكبوت) و هو بيتها، يعني انه شاك في نفسه لا يعلم ان حكمه صحيح او باطل. (لا يدري اصاب ام اخطاء) لانه يعلم ان ادلته و اهيه و انه لمقها تلفيقا (فان اصاب) الواقع في حقيقه الامر (خاف ان يكون قد اخطاء) لانه لا يعلم الصواب و الخطاء عن دليل و مستند (و ان اخطاء) في الواقع (رجا) في نفسه (ان يكون قد اصاب) و هذا تمثيل بليغ لحال الجهلاء المتعرضين للفتوي و القضاء (جاهل) بنفسه و ان تزي ء بزي اهل العلم و القضات (خباط جهالات) يقال (خبط) اي سار في الليل علي غير هدي، اي انه يسير في الجهالات بدون دليل و مرشد (عاش) هو الذي ضعف بصره حتي لا يميز بين الامور و انما يري الاشباح (ركاب عشوات) جمع (عشوه) مثله الاول، و هي ركوب الامر علي غير هدي، اي انه يركب الامور و يفتي بها بدون هدايه و دليل (لم يعض

علي العلم بضرس قاطع) فان الانسان اذا اراد اختيار (عود) انه لين او صعب، عن عليه فيعرف حقيقته، و الجازم في الامور العلم بها كذلك بخلاف الجاهل الذي لا يدري حقيقه الاشياء اذ لا يقدر علي العض الكامل الشديد ليختبر الامور. (يذري الروايات) اي يطرحها (اذ راء الريح الهشيم) الهشيم ما يبس من النبت و تف

تت اي كما ان الريح تنشر و تفرق الهشيم كذلك هذا الجاهل يطرح ما روي عن الرسول صلي الله عليه و آله و سلم لانه يعتمد علي رايه لا علي الروايات (لا ملي) الملي هو الذي يحسن القضاء و يجيده و هذا الناصب نفسه للقضاء ليس مجيدا (- و الله- باصدار ما ورد عليه) اي بان يحكم في القضيه بما هو الحق، حتي تصدر القضيه عنه و قد بلغت نصابه من الحق و اعطيت حقها من الفصل و الحكم (و لا هو اهل لما فوض اليه) اي للقضاء الذي فوضه الخليفه اليه، فقد كان القضات في زمان من تقدم علي الامام كذلك فانهم بمجرد ان تعلموا بعض روايات الرسول صلي الله عليه و آله و سلم او صحبوه اياما قلائل كانوا يعينون قضاه بلا علم و معرفه (لا يحسب العلم في شي ء مما انكره) اي انه اذا لم يعرف شيئا يزعم انه ليس بعلم، و ان العلم منحصر فيما عرفه و هكذا شان الجهال دائما يظنون ان ما لديهم هو العلم، فقط، دون مالدي سواهم. (و لا يري ان من وراء ما بلغ مذهبا لغيره) و فيزعم ان المذهب الحق هو ما ذهب اليه، فكل ما ذهب اليه غيره مما وراء رايه لا قيمه له و لا ثمن له بنظره

(و ان اظلم امر اكتتم به) (اظلم امر) بمعني انه جهله حتي كان الامر في ظلمه فلا يري، يعني انه اذا لم يعرف شيئا كتمه و س

تره، كما هو شان الجهال ذوي الاتفه، بخلاف العلماء الراسخين الذين يبحثون و يسئلون عما لا يعلمونه، و لذا قالوا (اذا رايتم العالم يكثر من قوله لا ادري فاقتربوا اليه، فانه عالم، متقي) (لما يعلم من جهل نفسه) فانه يظن ان لو اظهر جهله بعدم اطلاعه علي المساله الفلانيه تبدل راي الناس في كونه عالما فان الانسان الفارغ يخاف ان يظهر للناس امره بخلاف العالم فانه و زين بما لديه و لذا لا يخشي. (تصرخ من جور قضائه الدماء) يعني ان الدماء التي يريقها في الحدود و الديات التي حكم فيها بغير حق تصرخ الي الله سبحانه للانتقام منه، و هذا كنايه عن بطلان احكامه في الدماء (و تعج منه المواريث) العجيج رفع الصوت، اي ان المواريث التي يحكم فيها بغير ما انزل الله ترفع صوتها شاكيه الي الله سبحانه، بانه جار فيها و اعطاها غير اهلها، و حرم اهلها، و حرم اهلها، و المواريث جمع ميراث (الي الله اشكوا من معشر) اي جماعه، و تسمي الجماعه معشرا، لمعاشره بعضهم لبعض (يعيشون جهالا) اي جاهلين بالاحكام و السنه (و يموتون ضلالا) جمع ضال، اي انهم ضالون الي حين المماه لا يهتدون الي السبيل حتي يموتو ابتلك الحاله (ليس فيهم سلعه) اي متاع (ابور) اي اكثر كسادا، من (بارت ال

سلعه، اذ كسدت) (من الكتاب اذ تلي حق تلاوته) اي عمل به كما ينبغي العمل به، و انما جي ء بلفظ (التلاوه) لانها طريق الي العمل. (و لا سلعه انفق بيعا و

لا اغلي ثمنا من الكتاب) اي القرآن الكريم (اذا حرف عن مواضعه) اي فسر بغير معناه، و لذا يري الانسان كل ذي مبدء باطل ياخذ بايه يفسرها كما يشاء ثم هي عنده افضل شي ء، و اذا فسرت كما هو ظاهره كانت بائره يهرب صاحب ذلك المبد منها (و لا عندهم انكر) اي اكثر انكارا (من المعروف) فانهم ينكرون المعروف لانه يصادم مصالحهم (و لا اعرف من المنكر) لانه يوافق ماربهم و امورهم.

خطبه 018

[صفحه 114]

(في ذم اختلاف العلماء في الفتيا) فلقد كان اصحاب الرسول صلي الله عليه و آله و سلم - غالبا - يعملون بارائهم في الامور لقله ماحفظوه من الروايات، و اذا قيل للخليفه بذلك صوت ارائهم جميعا لانه هو الاخر …، يعمل بالراي و يوصي قضائه و ولاته بالعمل بالراي. (ترد علي احدهم) اي علي احد القضات او العلماء (القضيه في حكم من الاحكام) الشرعيه سواء كانت مرتبطه بالقضاء او بيغر القضاء (فيحكم فيها) اي في تلك القضيه (برايه) و حسب فكرته غير المستقات من الكتاب و السنه (ثم ترد تلك القضيه بعينها) لتاكيد كون القضيه الثانيه مثل القضيه الاولي في جميع الجهات (علي غيره) اي غير ذلك القاضي الاول (فيحكم فيها) اي في تلك القضيه (بخلافه) اي بخلاف حكم القاضي الاول (ثم يجتمع القضات بذلك) الحكم، في تلك القضيه (عند الامام الذي استقضاهم) اي طلب منهم ان يكونوا قضاه (فيصوب ارائهم جميعا) فانه يحكم بان كل اولئك مع اختلافهم، علي صواب و سداد، و هذا هو الفرق بيننا نحن- الشيعه- و بين السنه، فان نقول بان حكم الله واحد، و ان من اصابه فقد اصاب الحق، و من لم يصبه فقد اخطاء،

لكنه معذور اذا لم يقصر في المقدمات بخلاف السنه القائلين بان المجتهدين المت

خلفين علي صواب كلهم، و ان تناقضوا في الاراء و الفتاوي. ثم يتعجب الامام من انه كيف يمكن ان تكون آرائهم جميعا علي صواب (و الههم واحد) الواو للحال (و نبيهم واحد) هو الرسول صلي الله عليه و آله و سلم (و كتابهم واحد) هو القرآن، فلو كان هذه الثلاثه متعددا امكن الاختلاف، لكن مع الوحده لا يمكن الاختلاف (افامرهم الله- سبحانه- بالاختلاف) اي اختلاف بعضهم مع بعض (فاطاعوه)؟ هذا استفهام انكاري فان الله لم يامر الا بالتحاد و الائتلاف لا بالاختلاف و التعدد في الفتيا (ام نهاهم عنه فعصوه)؟ و لم هذا العصيان بعد النهي؟ قال سبحانه (و لا تكونوا كالذين اختلفوا من بعد ما جائهم العلم) (ام انزل الله دينا ناقصا فاستعان بهم) اي بهولاء القضات (علي اتمامه)؟ بان يقولوا من عند انفسهم، و لذا استغنوا عن الكتاب و السنه باجتهاد آرائهم، و معلوم ان الراي يختلف باختلاف اصحاب الراي. (ام كانوا) هولاء القضات (شركاء له) اي لله سبحانه (فلهم ان يقولوا) ما شائوا (و عليه) تعالي (ان يرضي)؟ كما هو حال الشريك مع شريكه اذ كل واحد لابد و ان ينفذ آراء شريكه، و الا انفسخت الشركه بينهما (ام انزل الله سبحانه دنيا تاما فقصر الرسول صلي الله عليه و آله و سلم عن تبليغ

ه) للناس (و ادائه) اي اعطاء ذلك الدين (اليهم) اي الي الناس؟ و لذا فما وصل بيد الناس دين ناقص يحتاج الي الاتمام، و اداء القضات بمنزله المتمم له، و لكن هذا خلاف القرآن الحكيم (و الله سبحانه يقول) ما يرد هذا الزعم (ما فرطنا في

الكتاب من شي ء) اي ما قصرنا في القرآن من امر يحتاج اليه الناس، فان الكتاب قد بين الخطوط العامه لما يحتاج اليه الناس في امور دينهم و دنياهم، و قد شرح الرسول صلي الله عليه و آله و سلم بما كفي الامه، كما قال صلي الله عليه و آله و سلم (ما من شي ء يقربكم الي الجنه و يبعدكم من النار الا و قد امرتكم به و ما من شي ء يقربكم الي النار و يبعدكم عن الجنه الا و قد نهيتكم عنه). و قال تعالي (فيه) اي في القرآن (تبيان كلشي ء) اي بيان كل ما يحتاج الناس من الخطوط العامه لامور دينهم و دنياهم، فاصول التوحيد و العدل و المعاد و الرساله، و العبادات و المعاملات و الفضائل و ما اشبه موجوده في القرآن الحكيم (و) لا تناقض في القرآن تي يقول كل صاحب راي انا اخذت بطرف منه و جانب مما بين فيه و يكون كذلك منشاء الاختلاف فقد (ذكر) سبحانه (ان الكتاب يصدق بعضه بعضا) لا انه يناقض بعضه بعضا (و انه لا اختلاف فيه) اي في الكتاب (فق

ال سبحانه) بهذا الصدد (و لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا) فان اعظم المنكرين لا يمكن ان يولف كتابا في ظرف ثلاث و عشرين سنه، و يطرء عليه مختلف الاحوال و الاطوار العجيبه، و مع ذلك ياتي بالكتاب الذي الفه في اسلوب واحد و نسق واحد بلا اختلاف و تناقض و تهافت. و قد زعم من لا خبره له و لا معرفه له بالتفسير، ان هذا التحدي منظور فيه، اذ نري كثيرا من الكتب لا اختلاف فيها؟ و هذا زعم الجاهل،

فان الايه تقول: (لو كان القرآن) - و المراد بظروفه و ملابساته- لا ان المراد كل كتاب و لو ذو عشرين صفحه و الفه انسان في نصف يوم … اذا فالقرآن لا نقص فيه- كما ذكر ذلك في الايه الاولي- و قد اوضح كلشي ء توضيحا- كما ذكر ذلك في الايه الثانيه- و لا يخالف بعضه بعضا- كما ذكر ذلك في الايه الثالثه- و ما هذا شانه لا يمكن ان يسند الخلاف اليه، و مع ذلك كله فالقرآن ذو روعه خاصه و روح عجيبه اخاذه (و ان القرآن ظاهره انيق) حسن معجب بانواع البلاغه و البيان و الاسلوب الحسن و الانسجام المدهش، يقال آنقني الشي ء اي اعجبني (و باطنه عميق) فلا يدرك اسراره الا الراسخون في العلم، كالبحر الذي لا يدرك ما فيه الا الغواص الماهر. (لا تنفي عجائبه و لا ت

نقضي غرائبه) فقد اضفي الله سبحانه عليه حاله جده بحيث كلما طالعه الانسان و تلاه رآه عجيبا مدهشا (و لا تكشف الظلمات) اي ظلمات المناهج في الحيات (الابه) اي بالقرآن فانه هو الذي يقرر برامج الحيات السعيده التي تنجي الانسان من ظلمات العقائد، و العادات و الاخلاق و الاعمال و ما الي ذلك، فان الانسان بدون القرآن في ظلمه الجهل لا يرف الطريق الي العقائد الحقه، و الاعمال الحسنه، و الفضائل، و الاحكام الصحيحه، و اذا كان معه القرآن اهتدي الي كل ذلك و تبدد الظلام بنور القرآن الحكيم، فان قلت كيف اختلف العلماء عندنا، في بعض الاحكام … ؟ قلت ذلك اختلاف في فهم الكتاب و السنه لا اختلاف في الاداء، بدون استناد الي كتاب و سنه، بالاضافه الي ضياع كثير من السنه عندنا

و لو وصلت الينا السنه كما كانت في زمان الامام، او في زمان اولاده الطاهرين لم يكن اختلاف.

خطبه 019

[صفحه 119]

(قاله للاشعث بن قيس، و هو علي منبر الكوفه يخطب، فمضي في بعض كلامه شي ء، اعترضه الاشعث، فقال يا اميرالمومنين: هذه عليك لا لك، فخفض عليه السلام اليه بصره، ثم قال عليه السلام) قالوا: كان اميرالمومين عليه السلام يتكلم في امر الحكمين، فقام رجل من اصحابه، و قال نهيتنا عن الحكومه ثم امرتنا بها، فلم ندر اي الامرين ارشد؟ فصفق عليه السلام باحدي يديه علي الاخري و قال هذا جزاء من ترك العقده، و اراد بذلك ان تحكيم الحكمين كان جزائكم حيث تركتم معقد الامر و هو خلافته عليه السلام و رضيتم بالتحكيم الذي لا يدري ما عاقبته، فظن الاشعث ان الامام اراد بذلك جزاء نفسه، حيث حارب القوم، فقال الاشعث قوله مريدا بذلك ان هذا الكلام في ضررك يا اميرالمومنين لا في نفعك، فقال الامام: ما يدرك و هنا قول آخر ذكره ابن ميثم، لكن ما ذكرناه هن الاظهر و الله العالم. (ما يدريك) يا اشعث (ما علي مما لي)؟ فانك لم تفهم الكلام حتي تعرف هل انه في ضرري او نفعي (عليك لعنه الله و لعنه اللاعنين) و قد كان اشعث هذا منافقا، و اشترك- اخيرا- هو في قتل الامام، في موامرته مع ابن ملجم، كما اشتركت ابنته (جعده) في قتل الامام الحسن عليه السلام، باسقائه السم

الذي بعثه اليها معاويه، و اشترك ابنه (محمد) بن الاشعث في قتل الامام الحسين عليه السلام يوم عاشوراء، فقد كان من قواد جيش ابن سعد (حائك ابن حائك) اما حقيقه بان كان هو و ابوه حائكا، فقد كان اهل اليمن يحيكون الاثواب، او مجاز يراد

به نقصان العقل، فان الحائك حيث انه مشتغل بالحياكه طول وقته يجمد فكره علي جهه خاصه و لا يتسع افق عقله، و لذا لا يكون له دقه سائر الناس المطلقي الافاق، و لذا ورد نقصان عقل الحائك، هذا بالاضافه الي ان حركات بدن الحائك في حال الحياكه توجب خفه فيه. (منافق ابن كافر) فقد كان اشعث منافقا في اصحاب الامام عليه السلام كما كان عبدالله ابن ابي منافقا في اصحاب الرسول صلي الله عليه و آله و سلم يظهر كل منهما الولاء، و يبطنان العداء و كان ابو الاشعث كافرا (و الله لقد اسرك الكفر مره و) اسرك (الاسلام) مره (اخري) فقد وقع بين طائفتين من الكفار مقاتله فغلب الجانب الاخر و اسروا في جمله اسراهم الاشعث، و ارتد الاشعث بعد موت الرسول صلي الله عليه و آله و سلم فقاتله المسلمون و غلبوا عليه و اسروه ابي بكر ثم عفا عنه، و تفصيل ذلك كما ذكروا: ان قبيله مراد قتلت قيسا الاشج اباالاشعث فخرج الاشعث طالبا بثار ابيه، فخرجت كن

ده متساندين الي ثلاثه الويه، علي احدها كبش ابن هاني، و علي احدها القشعم بن الارقم و علي احدها الاشعث فاخطاوا مرادا و وقعوا علي بني الحارث بن كعب، فقتل كبش و القشعم و اسر الاشعث و فدي بثلاثه آلاف بعير لم يفد بها عربي قبله و لا بعده و اما اسر الاسلام له فذلك ان بني وليعه لما ارتدوا بعد موت النبي صلي الله عليه و آله و سلم و قاتلهم زياد بن لبيد البياضي الانصاري لجئوا الي الاشعث مستنصرين به فقال لا انصركم حتي تملكوني فتوجوه كما يتوجه الملك من قحطان فخرج معهم مرتدا يقاتل

المسلمين و امد ابوبكر زيادا بالمهاجر ابن ابي اميه فالتقوا بالاشعث فتحصن منهم فحاصروه اياما ثم نزل اليهم علي ان يومنوه و عشره من اقار به حتي ياتي ابابكر فيري فيه رايه و فتح لهم الحصن فقتلوا كل من فيه من قوم الاشعث الا العشره الذين عزلهم و كان المقتولون ثما نمائه، ثم حملوه اسيرا مغلولا الي ابي بكر فعفي عنه و عمن كان معه و زوجه اخته لم فروه بيت ابي قحافه. (فما فداك من واحده منهما مالك و لا حسبك) اي لم ينفعك اموالك و لا مزاياك في عدم الاسر، فلقد اسرت مع ما كان لك من الاموال و الحسب- كما زعمت- و ليس ذلك الا لانحراف شخصك عن الجاده المستقيمه حتي انك كنت ف

ي كل واحد من الكفر و الاسلام منحرفا عن اهل ملتك (و ان امر دل علي قومه السيف) اي ارشد السيف الي قومه ليقتلهم، فانه كما تقدم فتح باب الحصن حتي هجم المسلمون و قتلوا ثما نمائه رجل من قومه، و كان ذلك منه استيثارا لنفسه و ترجيحا لنجاته علي نجات اقوامه، و ياتي احتمال اخر في هذا (و ساق اليهم الحتف) هو الموت- و اللفظان كنايه- (لحري) اي جدير (ان يمقته الاقرب) اي يغضب عليه اقربائه و عشيرته (و لا يامنه الابعد) اذ من يفعل من قريبه ذلك، لا يامن من شره الاباعد الذين ليسوا من قومه و عشيرته. لكن السيد الشريف الرضي، قال: اراد بقوله عليه السلام: دل علي قومه السيف ما جري له مع خالد بن الوليد باليمامه، فانه غر قومه و مكر بهم حتي اوقع بهم خالد و كان قومه بعد ذلك يسمونه (عرف النار) و هو

اسم للغادر عندهم انتهي، ثم ان هنا سوالا و هو انه كيف سب الامام عليه السلام الاشعث بمثل هذا السب الشديد، و هو النزيه اللسان و الجوارح؟ و قد قال عليه السلام لاصحابه: اني اكراه لكم ان تكونوا سبابين- في قصه حرب صفين-؟ و الجواب: ان السب علي نوعين، سب للتشفي و هو امر شخص موقت و سب لهدم الضلال و تعريفه للناس كي لا يتبعوه، فانه نوع من محاربه الباطل و الذي

نهي الامام عنه هو القسم الاول، و ما فعله عليه السلام هو من القسم الثاني، و لذا نري القرآن العظيم بينها، يقول: (و لا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم) يقول (انكم و ما تعبدون من دون الله حصب جهنم) و يقول في وصف بعض الكافرين (عتل بعد ذلك زنيم) و في بعض المنافقين (قاتلهم الله).

خطبه 020

[صفحه 123]

و فيه تخويف الناس من الموت، و ترغيبهم للطاعه (فانكم) ايها الناس (لو عاينتم ما قد عاين من مات منكم) اي ابصرت الاهوال و الشدائد التي عاينها الاموات (لجزعتم و هلتم) هو الخوف و الفزع الشديد، من (و هل) بمعني خاف (و سمعتم) كلام الله سبحانه (و اطعتم) اوامره (و لكن محجوب عنكم ما قد عاينوا) اي مستور ما شاهدوه من الشدائد (و قريب ما يطرح الحجاب) و المراد بذلك حين موت الانسان، فانه يري ما حجب عنه (و لقد بصرتم) اي اريكم الرسول و اريتكم الطريق (ان ابصرتم) بمعني لقد انتفعتم لو اردتم الانتفاع و البصيره (و اسمعتم) المواعظ و الزواجر (ان سمعتم) اي انتفعتم بالمسموعات الدينيه ان اردتم الاستماع لها و العمل بها (و هديتم) هداكم الكتاب و السنه (ان اهتديتم) اي

ان اردتم الاهتداء و سلوك الطريق المستقيم. (بحق اقول) هذا كقوله سبحانه (و الحق اقو) اي ان قولي حق مطابق للواقع (لقد جاهرتكم العبر) جمع عبره بمعني الموعظه، اي ان المواعظ ظهرت لكم في جهر، بلاخفاء و تستر (و زجرتم) اي منعتم و نهيتم (بما فيه مزدجر) مصدر ميمي اي بالنواهي المخدره التي تكفي لزجر الانسان عن المعاصي و الاثام (و ما يبلغ عن الله بعد رسل السماء الا البشر) يعني

هل تنتظرون احدا غيري؟ فان تبليغ الاحكام و المواعظ لا يكون الا علي ايدي الرسل، و بعد الرسل يبلغ البشر احكامه و تخويفاته، و قد بلغتكم و انذرتكم و بعضهم فسر هذه العباره، بغير المعني الذي ذكرناه، لكن هذا اقرب.

خطبه 021

[صفحه 124]

يزهد عليه السلام، الناس في الدنيا، و يرغبهم في الاخره (فان الغايه امامكم) الغايه هي الجنه و السعاده، و هي في امام الانسان، لان الانسان يسير حتي يصل اليها، (و ان ورائكم الساعه تحدوكم) فكان القيامه كالسائق الذي يسوق الانسان ليوصله الي غايته، و يعبر عن المستقبل بالامام و بالوراء باعتبارين (تحففوا) فعل امر من باب (التفعل) اي خففوا في اثقالكم و ذنوبكم (تلحقوا) بالغايه المترقبه من السعاده و الجنه، و بالصالحين الذين ذهبوا قبلكم و ماتوا في الماضي (فانما ينتظر باولكم اخركم) اي ان الاموات الذين ذهبوا قبلكم، انما هم باقون في البرزخ، ليلحق بهم سائر الناس الاخرون، حتي يذهبوا جميعا الي المحشر للحساب و الجزاء، فانتم لستم هملا، و انما ينتظرونكم للموت و الالتحاق بالسابقين.

خطبه 022

[صفحه 125]

قد بلغ الامام عليه السلام خبر الناكثين لبيعته، فخطب هذه الخطبه، مبينا ان الناكثين هم مريقو دم عثمان (الا و ان الشيطان قد ذمر حزبه) اي حثهم و خصهم يقال (ذمر فلانا بالامر) اي حثه عليه (و استجلب جلبه) الجلب علي وزن فرس بمعني ما يجلب من بلد الي بلد، يعني احضر جيشه من هنا و هناك، ليحارب الحق و يلقي الفتن (ليعود الجور) اي الظلم و الباطل (الي اوطانه) اي محاله الاولي التي ازالها الاسلام عنها (و يرجع الباطل الي نصابه) اي اصله، و قد ظهر صدق كلام الامام عليه السلام، فقد انقسم المسلمون بهذه الحركه قسمين، فتفرقوا بعد الالفه، و تعادوا بعد الحب و الوداد، و جاء الباطل يسوق معاويه فاخذ مكان الحق و هكذا (و الله ما انكروا) اي هولاء الناكثون لبيعتي كطلحه و الزبير و من لف لفهم (علي منكرا) باني عملت عملا منكرا و

لذا هم ينكثون بيعتي و يخرجون علي (و لا جعلوا بيني و بينهم نصفا) النصف- بالكسر- بمعني العدل، اي لم يحكموا العدل بيني و بينهم ليعدوا في الامر، و انما جائوا بالكذب، و المكر، و هم يبتغون وراء ذلك رئاسه و سلطه. (و انهم) في طلبهم بدم عثمان- كما يقولون- (ليطلبون حقا هم تركوه) فانهم تركوا عثمان بين الشرار و الناقمين

عليه (و دما هم سفكوه) فقد كانت عائشه و طلحه و الزبير يصرون علي قتل عثمان و يحرضون الناس حتي ان عائشه كانت تقول (اقتلوا نعثلا قتله الله) و الامام عليه السلام كان ياخذ دور الناصح المشفق فيطلب من عثمان اصلاح الامر و يتوسط بين عثمان و بين الشوار، في قضيه طويله مذكوره في التاريخ (فلئن كنت شريكهم فيه) علي الفرض و التقدير (فان لهم) اي لهولاء الناكثين (لنصيبهم منه) فلا حق لهم في ان يطالبوني ما هم شركاء (و لئن كانوا و لوه) اي تولوا قتله و اراقه دمه (دوني) بان لم اكن شريكا معهم- كما هو الواقع- (فما التبعه الا عندهم) التبعه ما يتبع الانسان من الاثم و لوازم السوء من جراء علمه الشي ء، يعني ان اللوازم السيئه انما هي من طرف الناكثين لا من جهتي. (و ان اعظم حجتهم) التي يحتجون بها علي- من قتل عثمان- (لعلي انفسهم) لانهم هم المحضرون المسببون (يرتضعون اما قد فطمت) اي انهم يريدون احياء الجاهليه بعد انقضاء اوانها، فان الام اذا فطمت رضيعها فقد انقضي وقت الرضاع (و يحيون بدعه قد اميتت) فان بدع الجاهليه و ضلالاتها قد اماتها الاسلام و هولاء يريدون احيائها بشق عصي المسلمين و القاء الفتن التفرقه فيهم (يا خيبه الداعي) يعني ان

الداعي الي ه

ذه البدعه خائب خاسر، و التقدير (يا خيبه الداعي احضري فهذا وقتك) او ياقوم انظروا خيبه الداعي، و لقد كان كما قال الامام عليه السلام خاب طلحه و الزبير بان قتلا و استحقا اللعنه في الدنيا و العذاب في الاخره (من دعي)؟ تحقير للداعي، بانه انسان لا قيمه له (و الام اجيب)؟ يعني الذين اجابوه الي اي شي ء اجابوه؟ و هذا تحقير للمطلب، و اصل (الي م) (الي ما) فان (ما) الاستفهام يحذف الفها اذا دخل عليها حرف الجر نحو (عم) و (لم) و ما اشبههما. (و اني لراض بحجه الله عليهم) اي بما يحتج عليهم يوم القيامه من ما ارتكبوه من الاثام (و علمه فيهم) فانه سبحانه يعلم ما يفعلون كما هو عالم بنواياهم و سيجازيهم عليها (فان ابوا) اي امتنعوا عن الانقياد للحق و الرجوع الي الطاعه (اعطيتهم حد السيف) اي اجبرت علي مقاتلتهم بنزا للفساد (و كفي به) اي بالسيف (شافيا من الباطل) اذ الباطل الذي لا يرتفع بالنصح و الهدايه لابد و ان يرتفع بالسيف (و ناصرا للحق) فان الحق يغلبه الباطل اذا لم تسنده القوه و المال (و من العجب) (من) للتبعيض، و غالبا ياتي- في مثل هذا الموضع- لشده العجب (بعثهم الي) اي ارسال هولاء الناكثين الي (ان ابرز) اي استعديا علي عليه السلام (للطعان

) مصدر من باب المفاعله، فان لهذا الباب مصدرين المفاعله و الفعال (و ان اصبر للجلاد) اي المجالده و المحاربه. (هبلتهم الهبول) هبلتهم اي ثكلتهم، و الهبول المرئه الثكلي التي لا يبقي لها ولد، و هذا دعاء عليهم بالموت حتي لا تند بهم امهاتهم (لقد كنت و ما اهدد بالحرب) اي كنت سابقا بحيث يخشي

بطشي، و يعرف الناس شجاعتي فلم يكن يهددني احد بالحرب، لانهم يعلمون اني لا اخافها (و لا ارهب بالضرب) اي لا اخوف بان اضرب و اقاتل، لان الناس كانوا يعلمون اني اقتل و اضرب (و اني لعلي يقين من ربي) و المتيقن لا يخاف الموت لانه يعلم انه لو مات انتقل الي جوار رحمه ربه و تخلص من الدنيا و احزانها و اشجانها و آلامها (و غير شبهه من ديني) فاعرف ان الدار الاخره خير لي من الدنيا.

خطبه 023

[صفحه 129]

(اما بعد) اصله مهما يكن من شي ء بعد الحمد و الصلاه، فقلبت (مهما) (اما) و حذفت سائر الكلام و بقي لفظه (بعد) (فان الامر) المراد به الجنس من الاجال و الارزاق، و المناصب، و ما اشبه ذلك (ينزل من السماء الي الارض) كنايه عن ان التقديرات انما تكون في السماء (كقطرات المطر) فكما ان المطر ينزل من السماء كذلك التقديرات، كما قال سبحانه (و في السماء رزقكم و ما توعدون) (الي كل نفس بما قسم لها) اي لتلك النفس، و النفس مونث سماعي (من زياده او نقصان) في كل شي ء، زياده المال او نقصانه، زياده العلم و نقصانه، زياده الاولاد او نقصانهم، و هكذا (فاذا راي احدكم لاخيه غفيره) اي زياده و كثره (في اهل او مال او نفس) بان صار له اهل و عشيره، او اموال كثيره، او اولاد و بنين و حفده (فلا تكونن) تلك الغفيره (له) اي لهذا الرائي (فتنه) و امتحانا، بان يحسد هذا الانسان الذي يري اخيه و يعمل للحط منه، كما هو عاده الكثيرين، فانهم اذا راو رفعه اخوانهم في امر من الامور الدنيويه كادو لهم و عملوا لتحطيمهم. و

قد قال الامام قوله السابق (ان الامر ينزل … ) تمهيدا لهذا، فان من علم ان الامور بالزياده لاحد من تقدير الله سبحانه، فما السبب في حسده و

كيده لمن زيد له و الزياده لم تكن باختياره و انما باراده الله سبحانه؟ و الذي ينبغي ان يعمل هذا الحاسد و يدعو ليقدر له مثل ما قدر لاخيه، قال سبحانه (و قل اعملوا) (و قال و قال ربكم ادعوني استجب لكم) (فان المرء المسلم البري من الخيانه) هذا تاكيد لقوله (لا تكونن له فتنه) و عله لذلك و حاصله ان المسلم ارفع من ان يحسد غيره، بل اللازم عليه- اذ راي رفعه اخيه- ان ينتظر احد الحسنيين، اما الرفعه له من الله سبحانه في الدنيا، و اما ان يرزق الخير في الاخره، و قوله (فان) ابتداء الكلام و ما ياتي من قوله (كان) خبر له، و قد وصف عليه السلام المومن المنتظر لاحد الحسنيين، بعدم الخائن لدينه، لانه اذا خان لم يرج احديهما، فان نصيب الخائن الشقاء و لا السعاده. (ما لم يغش دنائه) اي لم يعمل، من (غشي) بمعني ارتكب و احاط بالشي ء، و الدنائه العمل الدني القبيح (تظهر) اي دنائه ظاهره، في مقابل ما لو غشي دنائه جاهلا بكونها دنائه (فيخشع لها اذا ذكرت) اي يخاف من ذكرها و يوجل، فان الانسان العامل للقبيح يخجل من ذكر عمله و يخشع نفسيا من افشائه (و تعزي بها) اي بتلك الدنائه (لئام الناس) فان الدنائه يغر بها الادنياء، و الاغراء هو الالزام للشي ء، كان ال

شيطان يغريهم يغويهم و يلزمهم اياها ( … خبر قوله (فان المرء المسلم) و قوله (تظهر … ) جمله معترضه لوصف الدنائه (كالفالج الياسر)

الياسر هو المقامر، و الفالج بمعني الظافر و هذا من اضافه الصفه الي الموصوف، فان اصله كان كاليا سر الفالج. (الذي ينتظر اول فوره) اي نجاح، من (فار) اذا غلي، فان الانسان الناجح لعلوه و ارتفاعه، كالمرجل الذي يغلو الي فوق (من قداحه) جمع (قدح) و هو سهم المقامره، فانهم كانوا يكتبون علي السهام اسامي الانصبه او اسامي الاشخاص، فيجعلون بعض السهام اعلي من بعض، و بعض السهام فارغه لا نصيب لها (توجب) تلك القداح (له) اي لهذا الفالج الياسر (المغنم) اي الغنيمه و الفائده و ربح القمار (و يرفع بها) اي بسبب هذه القداح (عنه) اي عن الفالج الياسر (المغرم) اي الغرامه، فهو مصدر ميمي قالوا و كان من ترتيب قمارهم انهم يعدون احد عشر سهما، يكون لسهم نصيب و للثاني نصيبان و للثالث ثلاثه انصبه و هكذا الي السهم السابع الذي له سبعه انصبه، و يجعلون اربعه منها فارغه لا نصيب لها، و يكتبون بذلك فوق السهام، ثم ياتون بجزور عن صاحبها بغير ان يدفعوا اليها قيمتها فينحرونها و يقسمونها عشره اجزاء متساويه. ثم ياتي بشخص تعصب عينه، و

تعطي القداح فيخرج احدها باسم احدهم، فما كان في ذلك السهم من الاجزاء يعطي الي المسمي الاول، و هكذا حتي تتم الاجزاء العشره للابل، و هولاء ياخذون الاجزاء بدون اعطاء ثمن البعير، فمن كان ظافرا خرج له سهم السبعه و دونه السته و هكذا، و بعد تمام اجزاء الجزور، من خرج سهم باسمه لزم عليه ان يغرم من ثمن البعير بمقدار حصص سهمه الخارج باسمه حتي يتم الثمن، و من خرج باسم احدي تلك السهام الفارغه فلا يخسر و لا يربح، مثلا اذا خرج السهم

الاول باسم زيد و كان مكتوبا عليه اربعه، اخذ اربعه اجزاء من الجزور، ثم خرج السهم الثاني باسم عمرو و كان مكتوبا عليه سته اخذ سته اجزاء من الجزور ثم اذا خرج السهم الثالث باسم بكروكان مكتوبا عليه سبعه لزم ان يغرم سبعه اعشار ثمن الجزور، و هكذا حتي يتم الثمن و يتم اجزاء الجزور. فكما ان الياسر المقدر له الظفر و النجاح ينتظر الخير، كذلك المسلم البري ء من العيب ينتظر احد الحسنين، و هذا من باب تشبيه اهل الدين في فوزهم بالاخره او حسني الدنيا، باهل الدنيا، تقريبا لاذهان اولئك الناس الذين كانوا قريبي عهد بهذه الاعمال المقامريه (و كذلك المرء المسلم البري ء من الخيانه) في دينه فان العاصي خائن لنفسه و لدينه (ين

تظر من الله احدي الحسنيين) اي احد الامرين الحسنين (اما داعي الله) اي الموت، الذي يوتي بسبب داعي الله و هو ملك الموت الذي يدعو من قبله سبحانه (فما عند الله خير له) من الدنيا كما قال سبحانه: (و ما عند الله خير). (و اما رزق الله) في الدنيا (فاذا هو ذو اهل و مال) بفضله سبحانه (و معه دينه) اذ لم يحسد غيره الذي راه متفرقا عليه (و حسبه) اي شرفه الذي حصله من علم و فضيله و ما اشبه، فاذا كان المرء من بين احد الحسنيين دنيا او اخره، فما الداعي له الي ان يحسد غيره الذي راه متفوقا عليه، فانه اما ان يبقي- في الدنيا- علي وضعه المنحط حتي ياتيه الموت، فقد حصل علي جزاء الاخره و نعيم الجنه، و اما ان يرتفع من الدنيا بفضله سبحانه، فقد حصل علي خير الدنيا، و من هو الي خبر لا

ينبغي ان يحسد الغير، نعم هذا مشروط بكونه نظيفا من الذنوب، كما عبر عنه عليه السلام بقوله (ما لم يغض دنائه … ) و قوله (البري ئمن الخيانه) و حيث ان جمله الشرط و هي قوله (فان المرء المسلم البري … ) ابتعدت عن الجواب الذي هو قوله (ينتظر … ) كرر الشرط بقوله عليه السلام (و كذلك … ) (ان المال البنين حرث الدنيا) اي زرعها الذي يزرعه الانسان في دار الدنيا ثم يري حال زرعه ف

ي الدنيا (و العمل الصالح) الذي يعمله الانسان يري جزائه في الاخره (حرث الاخره و قد يجمعهما الله لا قوام) كما ينسب الي الامام عليه السلام قوله (ما احسن الدين و الدنيا اذا اجتمعا) (و اقبح الكفر و الافلاس بالرجل) و اذ بين عليه السلام حرمه افتتان الانسان بما يري من نعمه الغير، قال (فاحذروا من الله) اي خافوا منه سبحانه (ما حذركم من نفسه) فانه تعالي حذركم من المعاصي و الاثام كما قال سبحانه (و اياي فارهبون) (و اخشوه خشيه ليست بتعذير) اي خشيه خاليه من الاشياء الموجبه لعذر الانسان، فان الانسان قد يخش الله سبحانه، لانه قد اذنب فيخشي من ذنبه، و قد يخش الله سبحانه بدون ان كان قد اذنب، و انما رفعه مقامه سبحانه توجب الخشيه، فان (تعذير) مصدر (عذر) بمعني لم يثبت له عذر. (و اعملوا في غير رياء و لا سمعه) فلا يكن اتيانكم بالعمل الصالح لاجل ان يري الناس عملكم او يسمعون بما عملتم فيحسنون عملكم، فان الرياء و السمعه يبطلان الاعمال الصالحه (فانه من يعمل لغير الله) اي ياتي بالاعمال الصالحه لكن بدون ان يكون قصده الله سبحانه بل قصده تحسين الناس له (يكله الله

الي من عمل له) اي ان الله سبحانه لا يعطيه اجر عمله، و انما ينبغي ان يطلب ثواب ع

مله ممن رائي لاجله، مثلا لو اعطي المال للفقير لاجل تحسين الناس له، كان ثواب انفاقه علي الناس لا علي الله، اذ كيف يعمل الانسان لشخص و يريد جزائه و اجره من اخر؟ (نسئل الله منازل) جمع المنزله (الشهداء) الذين قتلوا في سبيل الله (و معايشه السعداء) في الاخره (و مرافقه الانبياء) بان نكون من اتباعهم في الدنيا حتي نحشر في زمرتهم و نكون رفيقا لهم في الاخره.

[صفحه 134]

(ايها الناس انه لا يستغني الرجل- و ان كان ذا مال- عن عشيرته) اي قبيلته التي جمعهم و اياه احد الاجداد القريبين (و دفاعهم) اي لا يستغني عن دفاع العشيره (عنه بايديهم و السنتهم) فان لكل انسان حساد و اعداء، خصوصا اذا كان نابها عظيما، و العشيره تاخذها الحميه نحو قريبهم فهم يدافعون عنه في المشاكل و الازمات (و هم اعظم الناس حيطه) اي احاطه، كالسور المحيط بالبلد الذي يحفظه من هجوم الاعداء (من ورائه) يحفظونه من مهاجمه الاعداء و همز الحساد و الانداد (و المهم لشعثه) اي اكثر الناس لما و جمعا لتفرقه و انتشاره فان الشعث بمعني الانتشار، فان الانسان باعتبار عرضه و ما له و اهله منتشر في الناس فاذا لم يكن له من يجمع امره، نال كل عدو شيئا منه، و هذا تشبيه بمن انتشر ما له، فاذا لم يكن له من يجمع له ما له ضل بعضه و صار عرضه للنهب. (و اعطفهم عليه) اي يميلون اليه، من العطف بمعني الميل (عند نازله) اي مصيبه نازله و انما قيل نازله، لانها تنزل من السماء،

بكونها مقدره هناك (اذا نزلت به) من فقد مال او جاه او اهل او ما اشبه (و لسان الصدق يجعله الله للمرء في الناس) بان يمدحوه و يذكروه بالحسن، و انما سمي لسان الصدق، لان الانسان

النزيه، اذا مدحه الناس كانوا صادقين في مدحهم له و اذا ذموه كانوا كاذبين (خير له من المال يورثه غيره) و هذا كنايه عن لزوم سير الانسان بالسيره الحسنه، و تحليه بالفضائل حتي يبقي له ذكر طيب في الناس، و معلوم ان الذكر الطيب خير من جمع الانسان للمال حتي يبقي بعده، فان المال خاص لبعض الورثه في مده قليله ثم يفني، اما الذكر الحسن فيبقي مدي الازمان، و قد دعا ابراهيم عليه السلام قائلا (و اجعل لي لسان صدق في الاخرين).

[صفحه 135]

اي من تلك الخطبه (الا) كلمه تنبيه (لا يعدلن احدكم عن القرابه) بان يهمل قريبه و لا يرعاه بالمال و العطف (يري بها الخصاصه) الخصاصه الفقر، اي اذا راي بقريبه الفقر (ان يسدها) اي يسد تلك الخصاصه، و معني سدها رفعها بالمال، و هذا بدل الاشتمال لقوله (القرابه) اي لا يعدلن احدكم عن سد خصاصه القرابه (بالذي) اي بالمال و الجاه و العون، الذي (لا يزيده ان امسكه) يعني ان امسك ذلك العون عن قريبه لا يزيد الممسك شيئا، ان اموال الدنيا و سائر شئونها اذا امسكها الانسان لا تزيد الانسان شيئا، فان المقدر كائن لا مما له (و لا ينقصه ان اهلكه) يعني لو بذل ذلك المال و اهلكه في سبيل قريبه، لا ينقص منه شي ء، و قد تقدم قول الامام عليه السلام فيما ينسب اليه. اذا اقبل الدنيا عليك فجد بها علي الناس طرا قبل ان تتفلت فلا

الجود مضنيها اذا هي اقبلت و لا البخل مبقيها اذا هي ولت (و من يقبض يده عن عشيرته) اي لا يساعدهم بالمال و العون (فانما تقبض منه) اي من هذا الانسان (عنهم) اي عن العشيره (يد واحده) فان يد الانسان واحده لا اكثر (و تقبض منهم) اي من جانب عشيرته (عنه) اي من هذا الانسان القابض يده (ايد) جمع يد (كثيره) فان الانسان اذا لم يسا

عد الناس كف كل يد المساعده عنه و ليس من العقل ان يكف الانسان يده ليخسر ايادي كثيره (و من تلن حاشيته) بمعني ان يكون انسانا لينا، و الحاشيه الاطراف تشبيه بالشي ء اللين جوانبه الممكن لان يداس و يقترب منه (يستدم من قومه الموده) اي يكون يلين الحاشيه طالبا لدوام حب قومه له، فان الناس ينفرون من الشخص الخشن، اما الشخص اللين الهش البش ذو الاخلاق الفاضله، فالناس يجتمعون حوله، لانه لا يوذيهم بلسانه او عمله.

خطبه 024

[صفحه 137]

(و لعمري) (اللام) للقسم و (عمرو) بمعني الحيات و بمعني الدين، اي قسما بحياتي، او قسما بديني- و الاول اقرب- (ما علي من قتال من خالف الحق) اي ليس علي في قتال المخالفين (و خابط الغي) اي داخل الضلال و خالطه (من ادهان) اصله (اندهان) باب افتعال من (الدهن) بمعني المصانعه و المداهنه علي جهه الباطل، كما قال سبحاه (و دوا لو تدهن فيدهنون) كان المصانع يستعمل الدهن ليلين للناس و يلينوا له، كما يستعمل الدهن في الرضوض و ما اشبه لغرض التليين (و لا ايهان) اي الدخول في الوهن، اما بمعني الضعف او المراد به نصف الليل، فيكون كنايه عن التستر و المخاتله، اي لا يدخلني ضعف او لا اتستر و لا

اخاتل (فاتقوا الله) خافوا عقابه و نكاله (عباد الله) منادي حذف منه حرف النداء، و عباد جمع عبد، فان لعبد اثنين و عشرين جمعا او اكثر، و مناسبه هذا الكلام لسابقه ان الانسان لا ينبغي له ان يهين في امر الله و اطاعته لمصانعه الناس و مداهنتهم. (و فروا من) عذاب (الله) سبحانه (الي) رحمه (الله) و من عذابه الي رضوانه فكما ان الفاريفر من الشي ء المكروه الي الشي ء المرغوب فيه، كذلك ينبغي ان يكون الانسان بالنسبه اليه تعالي لغير مما يوجب سخطه من الكفر

و العصيان الي ما يوجب رضوانه من الاطاعه من الايمان (و امضوا) اي سيروا (في) الطريق (الذي نهجه) و اوضحه و جعله (لكم) من الاحكام و الشرائع (و قوموا بما عصبه بكم) اي ربطه بكم و كلفكم بادائه، فان الانسان مربوط بتكاليفه (فعلي) عليه السلام، يعني لنفسه الشريف (ضامن) اذا عملتم بما ذكرت لكم (لفلجكم) اي ظفركم، فان الفلج بالمعني الفوز بامرغوب فيه (اجلا) اي في المستقبل، اما المراد في الدنيا، او في الاخره، (و ان لم تمنحوه) اي تعطوا الظفر (عاجلا) سريعا، او في الدنيا، فان الانسان العامل باوامره سبحانه يظفر بالسعاده في الدنيا و لو بعد حين، و في الاخره بكل قطع و يقين.

خطبه 025

[صفحه 139]

كان قوم بصنعاء من شيعه عثمان يعظمون قتله، فبايعوا عليا عليه السلام علي دخل فلما اختلف الناس عليه عليه السلام بالعراق و كان العامل له عليه السلام علي صنعاء عبيدالله بن العباس و علي الجند بها سعيد بن نمران، ثم قتل محمد بن ابي بكر بمصر و كثر غارات اهل الشام تكلم هولاء و دعوا الي الطلب بدم عثمان فانكر عليهم عبيدالله بن العباس و تظاهروا بمنابذه علي عليه السلام،

فحبسهم فكتبوا الي اصحابهم الجند، فعزلوا سعيد بن نمران عنهم و اظهروا امرهم فانضم اليهم خلق كثر اراده مع الصدقه، فكتب عبيدالله و سعيد الي اميرالمومنين عليه السلام يخبر انه الخبر فكتب عليه السلام الي اهل اليمن و الجند كتابا يهددهم فيه و يذكرهم الله تعالي، فاجابوه انا مطعيون ان عزلت عنا هذين الرجلين عبيدالله و سعيدا، ثم كتبوا الي معاويه فاخبروه فوجه اليهم بسر بن ارطات، و كان فظا سفاكا للدماء، فقتل في طريقه بمكه داود و سليمان ابني عبدالله بن العباس، و في الطائف عبدالله بن المدان. و كان صهرا لابن عباس ثم انتهي الي صنعاء، و قد خرج منها عبيدالله و سعيد و استخلفها عليها عبدالله بن عمرو بن اراكه الثقفي و قتله بسر، و اخذ صنعاء فلما قدم ابن عباس و سعيد عل

يا عليه السلام بالكوفه عابهما علي تركهما قتال بسر فاعتذرا اليه بضعفهما عنه، فقام عليه السلام الي المنبر ضجرا من مخالفه اصحابه له في الراي، و انشاء الخطبه … قال السيد (ره) و قد تواترت عليه الاخبار باستيلاء اصحاب معاويه علي البلاد، و قدم عليه عاملاه علي اليمن، و هما عبيدالله بن العباس و سعيد بن نمران لما غلب عليها بسر بن ارطات، فقام عليه السلام الي المنبر ضجرا بتثاقل اصحابه عن الجهاد و مخالفتهم له في الراي فقال: (ما هي الا الكوفه) اي ليس في يدي علي نحو التام و الاستقلال الا مدينه الكوفه (اقبضها و ابسطها) اي هي تحت تصرفي اتصرف فيها كما اشاء، كما يتصرف الانسان في الثوب الي تحت يده بالقبض و البسط فان الامام كان لا يعتمد علي جند سائر البلاد التي كانت في تصرفه و تحت ديده، و

ان كانت هي كثيره حتي ذكروا انه كان للامام عليه السلام الف عامل علي البلاد، و كان الخارج عن حوزته- قبل قصه مصر و اليمن- الشام فقط، ثم توجه الامام عليه السلام بالخطاب الي الكوفه قائلا (ان لم تكوني) يا كوفه (الا انت) تحت تصرفي (تهب اعاصيرك) الجمله صفه، يعني ان لم يكن ملكي الا الكوفه التي تهب اعاصيرها، و هي جمع اعصار، ريح تهب و تمتد من الارض الي ال

سماء فيها الغبار الكثير، وهب الاعاصير كنايه عن اختلاف الاراء الموجود في الكوفه (فقبحك الله) اي جعلك الله قبيحا، و هذا جواب (ان) و ذلك مثل ان يقال: ان لم يكن الا انت فلا تكن، و قد اراد الامام عليه السلام من ذلك اظهار ضجره و بيان قله ما يعتمد عليه من ملكه. (و تمثل) الامام عليه السلام (بقول الشاعر): (لعمر ابيك الخير، يا عمرو انني علي و ضر من ذا الاناء قليل) الوضر هو غساله السقاء و القصعه و بقيه الدسم في الاناء، و عمر ابيك، اي قسما بحياته، و الخير صفه للاب من باب (زيد عدل) و المراد ان الذي بقي عليه من الملك مما اعتمد عليه، كالوضر الباقي في الاناء الذي هو شي ء قليل، في مقابل الاناء الممتلي بالماء او الطعام

[صفحه 141]

(ثم قال عليه السلام) (انبئت) اي اخبرت (بسرا) ابن ارطات و كان سفاكا من عملاء معاويه (قد اطلع اليمن) اي بلغها و تمكن منها، و قد فعل بسر بيمن ما تقدم بعضه، و قد دعا عليه السلام بقوله (اللهم اسلبه عقله و دينه) فجن من دعاء الامام عليه السلام و كان يلتقم بفيه عذرته، بعد ان غلوا يديه لئلا ياكل القاذورات (و اني و الله لا ظن ان

هولاء القوم) اي معاويه و اتباعه (سيد الون منكم) اي ستكون لهم الدوله، عوضا عنكم (باجتماعهم علي باطلهم) اي بسبب انهم مجتمعون علي امرهم الباطل و هو التمسك بطاعه معاويه (و تفرقكم عن حقكم) فان اهل الكوفه كانوا متفرقين عن الامام عليه السلام، لا يطيعون اوامره. (و بمعصيتكم) اي عصيانكم- فان المعصيه هنا مصدر ميمي- (امامكم) اميرالمومنين، عصيانه (في الحق) الذي يامر به (و طاعتهم) اي اصحاب معاويه (امامهم) معاويه (في) الامر (الباطل) الذي يامر به (و بادائهم الامانه الي صاحبهم) فلو امرهم بشي ء انجزوا ما قال بدون ايه خيانه (و خيانتكم) فواحد منكم يشرد و واحد منكم ينهب المال و هكذا كما اتفق في اصحاب الامام عليه السلام (و بصلاحهم في بلادهم) فانهم يحبون بلادهم و يصلحونها و يجلبون اليها الخير (و فسادكم)

فان اهل الكوفه كانوا بالعكس (فلو ائتمنت احدكم علي قعب) القعب القدح الضخم (لخشيت ان يذهب بعلاقته) اي يده. و هنا امران لابد من التنبيه عليهما … الاول ان جماعه زعموا ان معاويه كان ذا سياسه رفيعه، و بذلك تمكن من الاستيلاء علي اجهزه الحكم، دون الامام عليه السلام، و الثاني ان الحق لا يتمكن من اخذ القياد امام الباطل، و لذا لم يتمكن الامام من ذلك، لكن الزعمان باطلان، فان معاويه كان لايبال باي اثم ارتكب و من المعلوم ان الانسان المحدود بحدود الشرع لا يتمكن من مثل ذلك، فالامر له يكن الا لصوصيه و نهبا و سفكا، و لا حكومه و سياسه … اما ان الحق لا يتمكن فيكذبه الوجدان بل الحق اقوي من الباطل في الاداره، كما راينا الرسول صلي الله عليه و آله و سلم ادار الامور و تغلب علي الباطل،

و كما راينا غير الرسول صلي الله عليه و آله و سلم من الحكام العادلين. و هنا يبقي سئوال انه لم انهزم الامام امام معاويه؟ و الجواب ان الله سبحانه جعل الامام امتحانا، و لذا لم يكن مامورا الا بالسير الدقيق ليميز الخبيث من الطيب، كما ان عيسي المسيح عليه السلام انهزم امام قوي اليهود، و هكذا بعض الانبياء الاخرين. (اللهم اني قد مللتهم) اي القوم (و ملوني) فان ا

لناس لا يستعدون للمداقه و لذا يملهم الحاكم الدقيق و يملونه، اي يحصل لهم منه السام و الضجر و الملل (و سئمتهم و سئموني) و هي بمعني الملاله، و كانها رتبه بعد الملل (فابدلني بهم خيرا منهم) و المراد الانبياء و الصلحاء في الاخره (و ابدلهم بي) اي بعوضي (شرا مني) عقوبه لاعمالهم، و التفضيل منسلخ عن معني الفضل، كما هو كثير في هذا الباب، او المراد الشريه في الاصطلاح المتعارف (اللهم مث) من (ماث) بمعني (اذاب) (قلوبهم كما يماث الملح في الماء) و ذلك كنايه عن ازاله القوه و الصلابه عنها، فان القلب اذا لم يقو، جر الانسان كل شر، اذ قوه القلب هي مبعث العزه و السعاده و سائر الفضائل، فقد كان الامام عليه السلام يريد من اهل البلاد عامه ان يكونوا مستقيمين في جاده الشرع بحيث لا يحيدون عنها قيد شعره، فاذا راي منه ذلك اظهر التضجر منهم، و الا فقد كان للامام عليه السلام من خيره الاصحاب ما يضرب بهم الامثال، و قد ضمن لثلاثين الف منهم الجنه، و كانوا يسمون بشرطه الخميس- كما في منتهي المقال للمامقاني- و هذه الادعيه و التضجرات انما هي بالنسبه الي المنحرفين. (اما و الله لوددت) اي اجببت (ان

لي بكم) اي عوضكم (الف فارس من بني فراس بن غنم) و هم قبي

له مشهوره بالشجاعه، و منهم ربيعه حامي الضعن حيا و متيا و لم يحم الحريم احد و هو ميت غيره، عرض له فرسان من بين سليم، و معه ضعائن من اهله يحميهن وحده فرماه احد الفرسان بسهم اصاب قلبه فنضب رمحه في الارض و اعتمد عنيه و اشار اليهن بالمسير فسرن حتي بلغن بيوت الحي و بنو سليم قيام ينظرون اليه لا يتقدم احد منهم نحوه خوفا منه حتي رمو فرسه بسهم فوثبت من تحته فسقط و تبين للقوم انه كان ميتا منذ اصابته السهم. (هنالك لو دعوت اتاك منهم فوارس مصل ارميه الحميم) يعني لو دعوت بني فراس لرفع الضيم، اتاك جماعه مهم راكبين خيولهم- فان الفارس الشجاع الراكب للخيل- و هم مثل سحب الصيف في السرعه، فان (ارميه) جمع (رمي) و هو السحاب سمي به لانه يرمي به في الهواء، و الحميم وقت الصيف، من (حم) بمعني الحراره (ثم غزل عليه السلام من المنبر).

خطبه 026

[صفحه 144]

(ان الله بعث محمدا صلي الله عليه و آله و سلم نذيرا للعالمين) اي لينذر الناس و يخوفهم من الكفر و المعاصي، و المراد بالعالمين، الانس و الجن، و من في الكرات الاخري، الي يوم القيامه (و امينا علي التنزيل) اي كان موتمنا علي القرآن و الوحي لا يزيد فيهما و لا ينقص منهما (و انتم معشر العرب علي شر دين) و هو الكفروا لشرك فانه شر طريقه، اذ لا يعتقد صاحبها بالا له و لا بالانبياء و لا بالمعاد، فقد كان ذلك صبغه العرب بصوره العموم و ان كان فيهم اليهودي و المجوسي و المسيحي، و

فئه قليله، علي دين ابراهيم عليه السلام (و في شر دار) اذ كان دارهم- و هي مكه- محلا للاوثان و الاصنام و الشرك و الفسوق و العصيان (منيخون) من اناخ بالمكان اذا اقام به، و في بعض النسخ (متنخون) من باب التفعيل علي وزن (مصرفون) و هو بالمعني السابق (بين حجاره خشن) جمع خشناء بمعني الخشونه ضد اللين، و حيث ان المراد بالحجاره الجنس، جي ء لها بوصف الجمع (و حيات) جمع حيه (صم) جمع صماء و هي التي تمشي في طريقها لا تلوي علي شي ء كالانسان الاصم الذي لا يزجره الصحيه. فان اراضي الحجاز لبعدها عن الماء، و قربها الي خط الاستواء، تكون الشمس فيها اكثر اشراقا و حرار

ه فتتصلب حجارتها اكثر، و تكون حياتها اخشن (تشربون) الماء (الكدر) الذي غيره البقاء الطويل، و امال لونه الي الكدره لعدم توفر المياه لديهم، الامياه الغدران و الابار و الامطار و ما اشبه (و تاكلون الجشب) هو الطعام الغليظ، او الذي لا ادام معه (و تسفكون) اي تريقون (دمائكم) بعضكم يريق دماء بعض (و تقطعون ارحامكم) فلا تواصلوهم بالبر و الاحسان (الاصنام فيكم منصوبه) تجعلونها للعباده و الخضوع لها (و الاثام) جمع اثم و هو المعصيه (بكم معصوبه) اي مشدوده بكم، فانتم ملازمون لها، ملازمه احد الشيئين المشدودين للاخر. لقد كان العرب كذلك قبل الاسلام، حتي من الله عليهم بالرسول، فانتشروا في الارض و استبدلوا باماكنهم الحاره ذات الاحجار و الصلال اراياف الشام و العراق و ايران و غيرها، و صاروا ساده يجبي اليهم الخير من كل مكان، بل فوق ذلك فقد ارتفع مناخهم بكل وسائل الراحه، كما نشاهد اليوم في الحجاز فقصور مشيده، و حدائق، و مياه

عذبه، و خيرات كل شي ء.

[صفحه 146]

(فنظرت فاذا ليس لي معين) يعينني لاخذ حقي من الذين جلسوا مجلسي بعد الرسول صلي الله عليه و آله و سلم (الا اهل بيتي) من ابناء عمومتي و اولادي و من اليهم (فضننت بهم عن الموت) اصل الضن البخل، و المراد هنا تحفطت عليهم ان لا يموتوا في سبيل امري، اذا انا حاربت القوم، و لقد كان في اسباب عدم نهضه الامام، ذلك فلو قتل الامامان الحسن و الحسين انقطعت الامامه (و اغضيت علي القذي) القذي ما يقع في العين من ذرات التراب و ما اشبه فيوذي العين اذيه كثيره، و الاغضاء هو الاغماض، و ذلك كنايه عن شده تالمه عليه السلام من الغاصبين لمكانه (و شربت علي الشجي) هو ما يعترض في الحلق من عظم و نحوه مما يوذي الانسان اذيه كبيره، و الشرب عليه اكثر ايذائا، حيث لابد للانسان من الشراب (و صبرت علي اخذ الكظم) الكظم، الحلق، اي اني كنت كالشخص الذي اخذ حلقه …، من جهه اولئك الذين تقدموا علي، و في شده كشده الاختناق (و علي امر) اي كثر مراره (من طعم العلقم) اي الحنظل.

[صفحه 146]

و منها: اي بعض هذه الخطبه، و فيه ذم ابن العاص (و لم يبايع) عمرو بن العاص معاويه (حتي شرط ان يوتيه علي البيعه ثمنا) بان يوليه مصر لو تمت له و خرجت منيد الامام عليه السلام (فلا ظفرت يد البايع) هذا دعاء علي البائع و هو معاويه بعدم الظفر و الفوز (و خزيت امانه المبتاع) هو عمرو بن العاص الذي ابتاع ملك مصر بالبيعه لمعاويه، و معني خزيت، ذلت و سفلت، و المراد بالامانه الدين الذي جعله الله امانه عند الناس

ليري كيف يودونها هل بحق ام يبيعونها بمقابل عرض زائل (فخذوا) يا اهل الكوفه- بعد ما عرفتم الامر بالنسبه الي اهل الشام- (للحرب اهبتها) اي استعدادها، و الحرب مونث سماعي (و اعدوا لها عدتها) اي لوازمها من سلاح و نحوه، و العده هي ما يهيئها الانسان لملاقات العدو (فقد شب) اي اشتغل (لظاها) اي نار الحرب، و اللظي هي النار المشتعله (و علا سناها) اي ضوئها، و هذا كنايه عن قرب الحرب (و استشعروا الصبر) اي اجعلوه شعاركم، فان الانسان المصمم علي الصبر ينجح (فانه) اي الصبر (ادعي الي النصر) اي كثر دعوه، فان الانسان الصابر لا يفر من الميدان بل يصمد كلف الامر، و الصمود سر النجاح.

خطبه 027

[صفحه 148]

و قد خطب عليه السلام هذه الخطبه حين بلغه ان جيش معاويه غزي بعض مملكته. قالوا: ورد الي الامام شخص من اهل الانبار يخبره ان سفيان بن عوف الغامدي قد ورد في خيل معاوي الي الانبار و قتل عامله حسان بن حسان البكري فصعد عليه السلام المنبر و خطب الناس و قال: ان اخاكم البكري قد اصيب بالانبار و هو مغتر، لا يخاف ما كان و اختار ما عندالله علي الدنيا، فانتدبوا اليهم حتي تلاقوهم فان اصبتم منهم طرفا انكلتموهم عن العراق ابدا ما بقوا. ثم سكت رجاء ان يجيبوه بشي ء فلم يفه احد منهم بكلمه فلما راي صمتهم نزل و خرج يمشي راجلا حتي احاط به قوم من اشرافهم و قالوا يا اميرالمومنين الا ترجع و نحن نكفيك؟ فقال: ما تكفوني و لا تكفون انفسكم فلم يزالوا به، حتي ردوه الي منزله، فبعث سعيد بن قيس الهمداني في ثمانيه الاف في طلب سفيان من عوف فخرج حتي

انتهي الي ادني ارض قنسرين فاتوه فرجع، فخرج الامام مغضبا يجر ردائه حتي اتي النخيله و معه الناس فرقي رباوه من الارض فحمدالله و اثني عليه و صلي علي النبي صلي الله عليه و آله و سلم ثم قال: (اما بعد) اصله مهما يكن من شي ء بعد الحمد و الصلاه، فابدلت (مهما) ب(اما) و حذفت الجمله، و بقي لفظ (بعد) دا

لاعليها (فان الجهاد باب من ابواب الجنه) و هذا تشبيه، اذ كما ان باب الدار منفذ اليها، كذلك الجهاد منفذ الي الجنه، و سميت الجنه جنه، لتسترها بالاشجار، ماخوذه من (جن) بمعني استتر (فتحه الله لخاصه اوليائه) جمع ولي و هو المحب الموالي، و معني ذلك انه لا يوفق للجهاد الا خواص عباد الله الصالحين (و هو لباس التقوي) فكما ان اللباس يقي الانسان من الحر و البرد، و تجمله بين الناس، كذلك التقوي تقي الانسان من المعاصي و تجمله بين الناس لتحليه- بسببها- بالفضائل (و درع الله الحصينه) اي التي تحصن الانسان و تحفظه عن الاثام و المعاصي، و عن النار النكال في الاخره، و الدرع مونث سماعي (و جنته) هي (المجن) او بمعني وقايته (الوثيقه) التي يوثق بها. (فمن تركه) اي الجهاد (رغبه عنه) اي تنفرا عنه، و ذلك لا يكون الا بعد اجتماع الشرائط اذ الترك عند فقدها، ليس رغبه عنه، و انما لعدم امكانه و توفر شرائطه (البسه الله ثوب الذل) لان الاعداء يتسلطون عليه فيذل (و شمله البلاء) الشمله هي ما يشتمله الانسان و يلبسه، فان الاعداء اذا تسلطوا علي الانسان احاطوه بانواع البلاء في ماله و عرضه و سائر اموره، حتي كانه لبس شمله منه (و ديث) من (ديثه)

باب التفعيل بمع

ني (ذلله) اي ذل (بالصغار) مقابل الكبر (و القمائه) يقال (قمي) الرجل، علي وزن (كرم) اي ذل و اهين (و ضرب علي قلبه بالاسداد) جمع سد، هو الحجاب الذي يحول بين الانسان و بين الحسنات الموجب الهلاكه في الدنيا و الاخره، فان الانسان لا يلبث ان يعتاد المنكرات و الاثام، و في ذلك كل شقاء و بليه. (و اديل الحق منه) اي اخذ انتقام الحق منه، حيث لم ينصره، و انتقام الحق بما يفعله سبحانه به من شقاء الدنيا و نار الاخره من (ادال) بمعني اخذ الدوله و ذلك (ب) سبب (تضييع الجهاد) و عدم القيام به في مقابل الباطل، و قد صار اهل الكوفه كما قال الامام عليه السلام حيث سيطر عليهم معاويه- بعد مده- فاذلهم بما لا فوقه ذله، بينما انهم لو كانوا يجاهدون فينصرون الامام و ولده الحسن عليهما السلام لكانوا امنع من عقاب الجو (و سيم الخسف) الخسف الذل و المشقه و سيم بمعني كلف، اي كلفه الباطل ما يذله و ما يشق عليه (و منع النصف) بمعني العدل، اي لم يعدل الاعداء فيه، بل يظلمونه و يجورون عليه.

[صفحه 150]

(الا) فليتنبه السامع (و اني قد دعوتكم) يا اهل الكوفه (الي قتال هولاء القوم) معاويه و اصحابه (ليلا و نهارا و سرا و اعلانا) اي جهارا (و قلت لكم اغزوهم) بالذهاب الي بلادهم لاستلابها منهم (قبل ان يغزوكم) و يستلبوا منكم بلادكم و يغيرون عليكم في بلادكم (فوالله ما غزي قوم في عقر دارهم) عقر الدار و سطها (الا ذلوا) فان الانسان اذا بقي في داره لم يستعد للقتال، فاذا جائه جيش مستعد غلب علي اهل الدار، فاذلهم، بخلاف الانسان الذي

يستعد للجهاد و الغزو، فانه لا يمكن ان يغزي في داره، لانه خارج متطلع مستعد، فاذا لاقاه جيش كان كفوا له (فتواكلتم) اي اوكل الامر بعضكم الي بعض (و تخاذلتم) اي تنحي كل واحد منكم ناحيه (حتي شنت الغارات) جمع غاره، و هي الدفعه من هجوم العدو، و شنها: الهجوم (عليكم) فقد امر معاويه جيشه بان ينالوا اطراف بلاد الامام لالقاء الرعب في قلوب الامه (و ملكت عليكم الاوطان) فقد كان جيش معاويه يسيطر علي بعض اطراف البلاد. و قد ذكر اهل السياسه، ان بعض الناس فيه طبيعه الاستعلاء يحب الترفع بالمال و الجاه و ما اشبه، و منهم رعاع يتبع الساده حيثما يوجهونهم، فمن جبل علي الاستعلاء بيده قلوب الرعاع، فاذا جلبه الانس

ان الي نفسه باشباع رغبته من اعطاء المال، او منح المنصب، تبع الانسان و جر اتباعه نحوه، و اذا اراد الانسان ان يعطي كل ذي حق حقه، اغضب، فان تمكن جاهر بالعداء و المبارزه، و ان لم يتمكن نافق و انتهز الفرص للنيل من كرامه الانسان، و هذا هو السر، لكثره اعداء الانبياء سواء غلبوا ام غلبوا، فانهم كانوا يريدون الحق، و اعطاء كل ذي حق حقه، و عدم منح الباطل شيئا، فكان ذلك غضب الذين يرون لانفسهم فضلا، فيحاربونهم او ينافقون اذا لم يجدوا للحرب سبيلا. و حيث ان الامام كان ينهج منهاج الانبياء، لم يكن اشراف قومه يطيعونه و يكفونه الامر، بخلاف معاويه الذي كان يعمل بما يقوي سلطانه، فمثلا لو كان الامام اعطي طلحه و الزبير الكوفه، و البصره، و معاويه الشام، و عائشه عشره الاف درهم كل سنه- كما اعطاها عمر، خلافا للعدل- لاستقامت له الامور، لكنه عليه السلام

كان يري ان ذلك كله باطل، و لذا انقض هولاء عليه، بخلاف ابي بكر، الذي يمنح الفاسق الزاني (خالد بن الوليد) منصبا، و يسميه سيفا، و عمر الذي يعطي عائشه الاف الدراهم جورا في العطاء، و عثمان الذي يقرب بني اميه و يركبهم روس المسلمين و يبعد اباذر العظيم، و معاويه الذي يعطي مصر ابن النابغه عمرو بن ا

لعاص في سبيل تقويه سلطانه … نعم قد تساعد الظروف احدا، فيتمكن ان يسلح نفسه ليعمل الحق، و يسيطر علي اصحاب الاطماع حتي لا يتمكنوا من القيام ضده علنا، و يتولد من ذلك النفاق، كما تمكن الرسول صلي الله عليه و آله و سلم من ذلك، و لذا كثر المنافقون حوله، حتي نزلت فيهم آي من الذكر الحكيم. (و هذا اخو غامد) هو سفيان بن عوف من بني غامد قبيله من اليمن بعثه معاويه لشن الغارات علي اطراف العراق تهويلا لاهلها (قد وردت خيله الانبار) هو بلده عراقيه كما ذكروا (و قتل حسان بن حسان البكري) و الي الامام عليه السلام علي هناك (و ازال خيلكم عن مسالحها) جمع مسلحه و هي الثغر سمي بذلك لانه محل السلاح (و لقد بلغني ان الرجل منهم) اي من جيش معاويه (كان يدخل علي المرئه المسلمه و) المرئه (الاخري المعاهده) اي المسيحيه و اليهوديه اللتين في عهد الاسلام و ذمته (فيتنزع حجلها) اي خلخالها و هو الذهب و الفضه المصنوع لزينه الرجل (و قلبها) هو السوار زينه اليد (و قلائدها) جمع قلاده ما تلبسها المرئه في عنقها للزينه (و رعاثها) جمع (رعثه) بمعني القرط ما يلبس في الاذن (ما تمتنع) تلك المرئه المسلوبه (منه) اي من ذلك الرجل الناهب (الا بالاسترجاع) بان تقول

(انا

الله و انا اليه راجعون) ان تردد صوتها بالبكاء (و الاسترحام) بان تطلب رحمه و شفقته لعدم ان ينالها بمكروه. (ثم انصرفوا) جيش معاويه (وافرين) تامين عددهم لم ينقص احدهم بالقتل (ما نال رجلا منهم كلم) اي جرح، لانه يقابلهم احد من جيش العراق و رجاله (و لا اريق لهم دم) اي لم يجرحهم احد حتي يراق علي الارض دمهم و هذا مما يشجع اولئك الغزات علي اعاده الغزو و الارهاب لانهم لم يروا مقابله و مقاتله (فلو ان امرئا مسلمامات من بعد هذا) الحادث (اسفا) اي حزنا (ما كان به) اي بسبب موته (ملوما) فلا يلام علي موته لم قد مات؟ (بل كان به) اي بالموت (عندي جديرا) اي حقيقا حريا

[صفحه 153]

(فيا عجبا) اي يا عجبي و المنادي المضاف الي الياء يجوز فيه تبديل ياء المتكلم بالالف، كما قال ابن مالك (و اجعل منادي صح ان يضف ليا) (كعبد عبدي عبد عبدا عبديا) و المنادي اما محذوف بمعني يا قوم اعجب انا او هو هو المنادي اي يا عجبي احضر فهذا و قتك (و الله يميت القلب) و يخمد فيه النشاط (و يجلب الهم) و الحزن و هذه جمله معترضه بين العجب و المتعجب منه. (من اجتماع هولاء القوم) اي معاويه و اصحابه (علي باطلهم) الذي دعوي الخلافه و الاستقلال في الاماره و سائر اعمالهم المنكره (و تفرقكم عن حقكم) فان لكم آراء مختلفه لا تجتمعون علي الطاعه، كاجتماع اولئك و لقد كان بامكان الامام ان يجمعهم علي الطاعه بمنع الروساء منهم ما يريدون و قتل المعارضين حتي يصفوله الجو لكن كان ذلك خلاف الحق و لذا كف الامام عنه بل اراد عليه السلام ان

يجمعهم الحق فلم يجتمعوا (فقبحا لكم) منصوب بفعل محذوف اي قبح الله قبحا لكم (و ترحا) الترح مقابل الفرح بمعني الهم و الحزن (حين صرتم غرضا) هو ما يجعل في محل ليجرب الرمات مقدار اصابتهم الهدف فيرميه كل واحد منهم (يرمي) فانكم مثل الغرض في تناول كل احد عليكم بالسوء و الهجوم. (يغار عليكم) اي يهجمكم اصحاب

معاويه (و لا تغيرون) فلا تهجمون معاويه و بلاده (و تغزون) اي يغزوكم العدو (و لا تغزرن) فانكم لا تردون الاعتداء بمثله (و يعصي الله) يعصيه معاويه و اصحابه (و ترضون) فان السكوت علامه الرضا (فاذا امرتكم بالسير اليهم في ايام الحر) كالصيف (قلتم) معتذرين (هذه حماره القيظ) اي شده الحر فان حماره بمعني ذلك، و القيظ فصل الصيف (امهلنا يسبخ عنا الحر) التسبيخ التخفيف و التسكين، و معناه حتي يخف الحرفان السفر و القتال في ايام الحراشد وقعا علي الانسان (و اذا امرتكم بالسير اليهم في الشتاء) و ايام البرد (قلتم) معتذرين (هذه صباره القر) بمعني البرد، و الصباره شده برد الشتاء (امهلنا ينسلخ) و يذهب (عنا البرد) فان الهواء البارد يوذي الانسان المسافر. (كل هذا) تقولون (فرارا من الحر و القر) اي البرد، و نصب فرارا، لكونه مفعولا لاجله (فاذا كنتم من الحر و القر تفرون) و لا تريدون السفر و القتال فيهما (فانتم و الله من السيف افر) اي ااكثر فرارا و لعل قوله (كل هذا) علي نحو الاستفهام الانكاري، لاعلي نحو الجمله الخبريه، فالمعني الانكار عليهم بكون فرارهم- كما يقولون- من الحر و البرد و انما من القتال (يا اشباه الرجال) جمع شبه اي انتم في شكل الرجا

ل (و لا رجال) ليس فيكم حقيقه الرجوليه

فان الرجل يكون ذا غيره و حميه و انقه من ان يغار ويهان و يذل (حلوم الاطفال) اي فيكم عقول الاطفال التي لا تقدر الاشياء قدرها الحقيقي (و عقول ربات الحجال) جمع (ربه) و هي المرئه العروسه التي في الحجله، فان عقلها غير كامل و لا ناضج لانها جديد العهد بالدخول في مزدحم الحيات، حتي ان العجوز اعلي منها عقلا و تجربه. (لوددت اني لم اركم) بان لم اكن سافرت من الحجاز الي العراق لا راكم (و لم اعرفكم) ثم بين ذلك بقوله (معرفه) اي اني معرفتي لكم معرفه (- و الله- جرت ندما) الي (و اعقبت) اي خلفت (سدما) اي هما واسفا (قاتلكم الله) دعاء عليهم بان يهلكهم الله و انما جي ء بباب المفاعله، لان الاصل قتل احد لاحد، انما يكون من طرفين كل يريد قتل صاحبه، و ان كان هذا المعني مفقودا في اهلاك الله سبحانه، كما قال سبحانه (قاتلهم الله اني يوفكون) (لقد ملئتم قلبي قيحا) هذا تشبيه فان الحمل المتقيح يتالم و يشتد وجعه، و هكذا قلب الامام عليه السلام كان متالما منهم اشد التالم كالمكان المجروح المتقيح. (و شحنتم صدري غيظا) الشحن هو الملاء، اي ملئتم، و انما نسب الي الصدر لان القلب الذي هو محل النفس في الصدر، و الغيظ هو

الحزن علي الامر مع اراده الانتقام و الدفع (و جرعتموني نغب) جمع نغبه مثل جرعه لفظا و معني (التهمام) بمعني الهم (انفاسا) جمع نفس، اي اشربتموني بعدد انفاسي جرعا من الهم و الحزن بما فعلتم من المعصيه و مخالفه الامر (و افسدتم علي رايي بالعصيان و الخذلان) فقد عصيتموني و تركتم او امري، و الخذلان هو ترك الشخص وحده بلا

نصره و اعانه (حتي لقد قالت قريش ان ابن ابي طالب رجل شجاع و لكن لا علم له بالحرب) لانه لو كان عالما بالحرب لم يغلبه معاويه و لم تدر قريش ان عدم نصرتي انما هي من اصحابي الذين لا يطيعون او امري و يخذلونني (لله ابوهم) كلمه تعجب و استغراب، و اصلها التعجب عن شي ء حسن، نحو (لله دره) فان الشي ء او الشخص الذي لله يكون حسنا جميلا، و من المعلوم ان اب الانسان لو كان حسنا في افعاله سري ذلك الي اولاده فان الولد سر ابيه. (و هل احد منهم) اي من قريش (اشد لا) اي للحرب- و هي مونث سماعي- (مراسا) مصدر (مارسه) اي عالجه و زامله، حتي عرف جميع خصوصياته (و اقدم فيها) اي في الحرب (مقاماني) اي قياما بشئونها و خوضا فيها (لقد نهضت فيها) اي في الحرب (و ما بغلت العشرين) من العمر (و ها) للتبنيه (انا ذا) الانسان السابق المقدم (قد ذرفت ع

لي الستين) اي زدت عليها (و لكن لا راي لمن لا يطاع) فان اصحابي اذا لم يطيعوني لا ينفذ رايي حتي يتبين ان ارائي مصيبه و خططي في الحرب تفوق خطط معاويه و من ماثله من الانتهازيين و (لا اري) نفي الحقيقه مجازا اي لا يفيد راي من لا يطاع رايه.

خطبه 028

[صفحه 157]

و فيها التحذير من الدنيا و الترغيب في الاخره و الوعظ و الزجر (اما بعد) اصله مهما يكن من شي ء بعد الحمد و الصلاه، فبدلت (مهما) ب(اما) و حذفت سائر الجمله ما عدا (بعد) (فان الدنيا قدا دبرت) فان الانسان اذا جاء الي الدنيا، كانت الدنيا معدبره عنه اذ في كل ساعه ينقص من عمره

جزء و تتاخي الدنيا عنه (و اذنت بوداع) اي اعلنت بانها تودع اهلها للرحيل عنهم، و اذانها ما تري الناس من مصرع ابائهم او صدقائهم (و ان الاخره قد اشرفت باطلاع) الاطلاع هو الاتيان فجئه، يقال اطلع فلان علينا اي اتانا فجئه و اشراف الاخره قربها، فان كل يوم تتقدم الاخره الي الانسان بمقدار تاخر الدنيا عنه (الا و ان اليوم المضار) محل ضمور الخيل، فان الخيل اذ اريد المسابقه عليها تضمر لتهزل فتتمكن من الجري سريعا، و المعني ان الانسان في الدنيا كالخيل في محل الاضمار فان عمل بما يجب عليه سبق هناك و ان لم يعمل تاخر. (و غدا) اي يوم القيامه (السابق) اي المسابقه، لانه يعرف هناك من السابق الي الجنه- باختلاف درجاتها- و من التاخر الي النار- باختلاف دركاتها- (و السبقه) هي الغايه التي يجب علي السابق ان يصل اليها- و سياتي في كلام السيد معني اخر له- (الجنه)

فان السابق يفوز بها (و الغايه النار) فان الموطن الاخير الذي ينتهي اليه الانسان الذي لم يعمل هي النار … ثم عطف الامام عليه السلام الي العظه و التحذير (افلا تائب من خطيئته)؟ استفهام ترغيبي يريد الامام عليه السلام الترغيب في التوبه (قبل منيته) اي قبل موته (الا عامل لنفسه) اي لنجاتها و خلاصها (قبل يوم بوسه) البوس سوء الحاله، و اشتداد الحاله (الا) فليتنبه السامع (و انكم في ايام امل) يامل كل حسن العاقبه (من ورائه اجل) اي من وراء الامل الموت. (فمن عمل في ايام امله) في الدنيا (قبل حضور اجله) و موته (فقد نفعه عمله) لانه يري ثوابه في الاخره (و لم يضره اجله) اذ غير العامل يضره اجله، لما يلاقي من

الاهوال و العذاب (و من قصر في ايام امله) بان لم يعمل كما ينبغي (قبل حضور اجله) و موته (فقد خسر عمله) الذي عمل من الاثام و المعاصي (و ضره اجله) لانه يبتلي هنا لك بالعذاب و النكال (الا فاعلموا) ايها الناس (في الرغبه) اي في السراء و الحالات الحسنه (كما تعملون في الرهبه) اي في الضراء و الحالات السيئه، فان من عاده الانسان ان ينسي الله سبحانه حاله السراء و يذكر حاله البوس و الشدائد (الا و اني لم اركالجنه نام طالبها) (نام) بمعني (له

يعمل) (و لا) رايت (كالنار نام هاربها) اي الذي يخاف منها، و هذا كنايه لعدم العمل الموجب للجنه و الخلاص من النار مع عظم الامرين- بما لاعظم فوقهما-. (الا و انه من لا ينفعه الحق) بان لم يتبعه لينتفع به (يضره الباطل) اذ هناك طرفان فمن لم يلتحق بطرف الحق لابد و ان يلتحق بطرف الباطل و يضره ذلك فان لم يجد يبخل، و من لم يقدم يحجم، و من لم يشجع يجبن و هكذا (و من لم يستقم به الهدي) اي لم ينفعه الهدي فلم يقمه عن الاعوجاج و الضلال (يجر به الضلال الي الردي) اي الهلاك، كما قال سبحانه (انا هديناه السبيل اما شاكرا و اما كفورا) (الا) فليتنبه السامع (و انكم قد امرتم بالظعن) اي الرحيل عن الدنيا (و دللتم علي الزاد) اي دلكم الكتاب و السنه علي لوازم هذا السفر الطويل و هو تقوي الله و العمل الصالح (و ان اخوف ما اخاف عليكم) اي اشد الاشياء التي اخافها عليكم (اثنتان) اي خصلتان (اتباع الهوي) الهوي ميل النفس الي الملذات حلالا كانت او حراما، و اتباع

الهوي غالبا يردي الانسان. (و طول الامل) بان يامل الانسان البقاء في الدنيا طويلا فان الانسان اذا امل البقاء الطويل يقترف الاثام و يقول سوف اتوب و بعد لامر انقلع (فتزودوا من الدنيا) اي خذوا زادكم

للاخره (ما تحرزون) اي تحفظون (انفسكم) عن النار (به) اي بذلك الزاد (غدا) في الاخره، يقال حرز نفسه اذا حفظها عن العطب و الهلاك. قال السيد الشريف الرضي (ره): اقول: لو كان كلام ياخذ بالاعناق الي الزهد في الدنيا و يضطر الي عمل الاخره لكان هذا الكلام، و كفي به قاطعا لعلائق الامال، و قادحا زناد الاتعاظ الازدجار، و من اعجبه قوله عليه السلام: (الا و ان اليوم المضمار و غذا السباق و السبقه الجنه و الغايه النار) فان فيه مع فخامه اللفظ و عظم فدر المعني و صادق التمثيل و واقع التشبيه سرا عجيبا و معني لطيفا و هو قوله عليه السلام: (و السبقه الجنه و الغايه النار) فخالف بين اللفظين لاختلاف المعنيين. و لم يقل السبفه النار كما قال: البسقه الجنه لان الاستباق انما يكون الي امر محبوب و غرض مطلوب و هذه صفه الجنه و ليس هذا المعني موجودا في النار نعوذ بالله منها فلم يجز ان يقول و السبقه النار بل قال و الغايه النار، لان الغايه ينتهي اليها من لا يسره الانتهاء و من سيره ذلك، فصلح ان يعبر بها عن الامرين معا فهي في هذا الموضوع كالمصير و المال، قال الله تعالي: (قل تمتعوا فان مصيركم الي النار) و لا يجوز في هذا الموضع ان يقال سبقتكم (بسكون ال

باء) الي النار فتامل ذلك فباطنه عجيب و غوره بعيد و كذلك اكثر كلامه عليه السلام (و في بعض

النسخ) و قد جاء في روايه اخري (و السبقه الجنه) بضم السين، و السبقه عندهم اسم لما يجعل للسابق اذا سبق من مال او عرض و المعنيان متقاربان لان ذلك لا يكون جزاء في فعل الامر المذموم و انما يكون جزاء علي فعل الامر المحمود.

خطبه 029

[صفحه 161]

و قد خطب عليه السلام بهذه الخطبه حين بلغه ان الضحاك اغار علي الحجاج بامر معاويه و ذلك ان معاويه لما سمع باختلاف الناس علي علي عليه السلام و تفرقهم عنه و قلته من قتل من الخوارج بعث الضحاك بن قيس في اربعه الاف فارس و امره بالنهب و الغاره علي اطراف بلاد الامام لالقاء الرعب و الخوف في قلوب الناس لينفضوا عن علي عليه السلام، فان الناس اذا راو ضعف القياده لم يلتفوا حولها فاقبل الضحاك يقتل و ينهب حتي مر بالثعلبيه فاغار علي الحاج فاخذ امتعتهم و قتل عمرو بن عميس بن مسعود ابن اخي عبدالله بن مسعود صاحب رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و قتل معه ناسا من اصحابه فلما بلغ عليا عليه السلام ذلك استصرخ اصحابه علي اطراف اعماله و استشارهم للقاء العدو فتلكئوا فخطبهم بهذه الخطبه: (ايها الناس المجتمعه ابدانهم) فبعضهم تلو بعض (المختلفه اهوائهم) اي ارائهم فلكل واحد منهم راي خاص به (كلامكم يوهي) اي يضعف (الصم) جمع (اصم) و هو من الحجاره الصلب شبه بالاصم الذي لا يوثر فيه الكلام لفقد سمعه (الصلاب) جمع صلب و هو الشديد القوي اي ان كلامكم بقوته و بريقه يوثر في الحجر فيوهيه (و فعلكم) المنبي ء عن ضعفكم و عدم عزمكم علي الامر (

يطمع فيكم الاعداء) فان الاعداء اذا راوا قولهم خافوا و اذا راوا فعلهم المنبي ء

عن ضعفهم طمعوا (تقولون في المجالس كيت و كيت) اي كذا و كذا، و هذا كنايه عن قولهم انما نعمل بالاعداء و نهجم عليهم و نبيدهم و ما اشبه ذلك و (كيت) لا يستعمل الا مكررا بدون حرف العطف او معه (فاذا جاء) وقت (القتال) و المبارزه (قلتم حيدي حياد) هذه كلمه يقولهاالهارب في من مصطلحهاتهم عند الفرار من الحرب من (حاد) بمعني مال و ااغرب، كانه يطلب من الحرب ان تميل عنه و لا تصيبه باذاها اي ميلي ميلا (ما عزت دعوه من دعاكم) اما جمله خبريه اي ليست عزيزه دعوته لانكم تخونون و لا تنصرون او دعاء عليهم بان يكونوا اذ لاء حتي لا يعتمد احد عليهم، لان الرئساء اذ راوا تفرقهم لم يعتمدوا عليهم (و لا استراح قلب من قاساكم) اي رافقكم لانكم تخالفونه فهو في تعجب دائم منكم (اعاليل) جمع اعلال، جمع علل، جمع عله، و هو مرض و نحوه مما يتعلل به الانسان (باضاليل) جمع اضلوله و هو الباطل اي انكم تتعللون لخذلانكم و تفرقكم بالف باطل و ضلال (و سئلتموني) لفراركم عن الحرب (التطيل) في موعد الحرب بان تتاخرون عن النفور اليها، فانكم تدفعون الحرب عن انفسكم (دفاع ذي الدين) اي المديون (المط

ول) اي الكثير المطل- و هو تاخير اداء الدين بغير عذر- اي انكم في دفع الحرب عن انفسكم تشبهون دفاع المديون الدين عن نفسه بلا عذر وجهه، و انما فرارا عن الاداء فقط. (لا يمنع الضيم) اي الظلم (الذليل) فان الانسان الذليل لا قوه له حتي يتمكن من دفع الظلم و الوقوف دون الظالم لئلا يظلم (و لا يدرك الحق لا بالجد) في مقابل الهزل، فان العمل

الجدي هو الذي يسبب ادراك الحق و الوصول اليه، و في هاتين الجملتين تلميح الي انهم اذ لاء غير جادين في اعمالهم (اي دار بعد داركم تمنعون) اي اذا لم تدافعوا عن بلادكم فعن اي بلاد تدافعون؟ و هذا تحريض لهم علي الدفاع لان الاغاره و قعت علي بلادهم (و مع اي امام بعدي تقاتلون)؟ فان الامام عليه السلام كان جامعا بشرائط الامامه فلو كان الانسان يدافع عن امامه لكان الامام عليه السلام احق الناس بالدفاع عنه (المغرور- و الله- من غررتموه) فان الذي يخدع بكم، هو المخدوع الكامل، اذ لا تمدون اليه يد العون ابدا، فهو كامل الغرور اذ غره من لم يف له بشي ء اصلا (و من فاز بكم) بان صار رئيسكم (فقد فاز- و الله- بالسهم الاخيب) و هو من سهام الميسر الذي لا حظ له و اخيب تفضيل من الخيبه بمعني الفشل و عدم الفوز. (و من رمي ب

كم) كنايه من معاضدتهم في الحرب كالرامي الذي يعتمد علي سهمه و رميه في الحرب (فقد رمي بافوق ناصل) (الفوق) موضع الوتر من السهم، و الا فوق السهم المكسور فوقه و الناصل العاري عن النصل، و هي الحديد الي تغرز في الجسم علي راس خشب السهم يعني ان من رمي باهل الكوفه فكانما رمي بسهم لا يثبت في الوتر حتي يرمي، و ان رمي به لم يقتل احدا اذ لا نصل له (اصبحت- و الله- لا اصدق قولكم) فيما تقولون، فان الانسان لا يصدق كثير القول، الذي لا يعمل ابان العمل (و لا اطمع في نصركم) لعلمي بخذلانكم (و لا اوعد العدوبكم) الايعاد هو وعد الشي ء اي لا اتمكن تهديد العدو بان لي جنود الكوفه

لعلمي بعدم نصرتكم (ما بالكم)؟ استفهام انكاري اي لا دواء لدائكم النفسي. (ما طبكم)؟ استفهام انكاري، اي لا يمكن شفائكم من مرض التفرق و التشتت و عدم الاستقامه و عدم العمل (القوم) اصحاب معاويه الذين ياتمرون باوامره الباطله (رجال امثالكم) فلما ذا لا تكونون مثلهم في العمل و الاقدام؟ (اقولا بغير عمل)؟ استفهام انكاري اي هل تقولون قولا- بانما نفعل كذا و كذا- بغير ان تعملون بقولكم (و غفله من غير ورع)؟ اي انكم غافلون عن شئون دنياكم، لا مثل غفله الناس المتقين الذين غفلتهم ع

ن الدنيا انما هي لاشتغالهم بامور الاخره (و طمعا في غير حق)؟ اي انكم تطمعون طمعا في المال حين تقسيم بيت المال، و في الجاه و المنصب بغير ان يكونوا مستحقين لذلك، لانهم لا يعملون حيي يستحقوا المزيد من الفي ء و المناصب الرفيعه في الدوله.

خطبه 030

[صفحه 165]

في معني قتل عثمان يفصل عليه السلام فيه حديث قتله و انه لم قتل؟ (لو امرت به) اي بقتل عثمان (لكنت قاتلا) لان السبب كالمباشر في الفعل (او نهيت عنه) اي عن قتله (لكنت ناصرا) له فان الامام حيث نصح الطرفين و لم ينفع فيهما النصح اعتزل الامر فلم يامر و لم ينه و ان كان المجرم في الامر عثمان حيث خالف وعده و اراد الفتك بالطالبين للاصلاح في قصه طويله- راجع الغدير للاميني- (غير ان من نصره لا يستطيع ان يقول) في مقام ترجيح نفسه علي قاتليه (خذله من انا خير منه) فمروان- مثلا- لا يتمكن ان يقول انا خير من الثائرين لاني نصرت عثمان و هم خذلوه فان نصره رجل مثل عثمان لا يوجب مدحا للناصر (و من خذله) كالثائرين (لا يستطيع ان يقول

نصره من هو خير مني) كان يجعلوا مروان، خيرا من انفسهم، اذ نصره عثمان لا توجب خيريه الناصر من الخاذل، و من هذا الكلام يفهم ان الامام عليه السلام كان ناقما علي عثمان و علي ناصريه، اذ لم يعكس الامر في الفقره الثانيه. (و انا جامع لكم امره) اي امر قتل عثمان، و معني (جامع) ملخص لكم الواقعه (استاثر) عثمان اي استبد بارائه (فاساء الاثره) فان المستبد برايه الذي يسلك طريق الحق لا غضاضه عليه، اما المستبد الم

سي ء فانه يستحق كل لوم و اثم (و جزعتم) عن اعماله و استبداده (فاساتم الجزع) اذ الجزع اورث قتلا سبب انقسام المسلمين و لعله لو كان الجزع مع الحنكه و التروي- اكثر مما تروا و صبروا- لكان افضل اذ لعله حصلوا علي مخرج من الامر (و لله حكم واقع) في الدنيا، او المراد حكمه في الاخره (في المستاثر) و هو عثمان (و الجازع) و هم الثوار، فانه يعاقب- في الاخره- المخطي ء منهما كما انه ترك الامر بالاختيار و الاراده- في الدنيا- حتي وقع ما وقع كما هو شانه سبحانه حيث جعل الدنيا دار اختبار و اختيار و ليمتحن الناس علي اعمالهم.

خطبه 031

[صفحه 167]

و قد ارسل عليه السلام عبدالله بن عباس الي الزبير يطلب عنه الرجوع عن الحرب و ذلك قبل وقوع حرب الجمل (لا تلقين) يابن عباس (طلحه فانك ان تلقه) من (لقي) بمعني المواجهه و المكالمه حول رجوعه عن الحرب (تجده كالثور عاقصا قرنه) من عقص الشعر اذا قتله و لواه و هذا كنايه عن كبريائه، فان الثور الذي يلوي قرنه- طبيعيا- فيه من القوه البدنيه شي ء كثير و هكذا المتكبر فيه من الكبر النفسي شي ء غير قليل (يركب

الصعب) اي الامور الشاقه و ركوبها كنايه عن اقدامه عليها (و يقول هو الذلول) الذلول الابل اليسير الذي لا يوذي صاحبه، مقابل الصعب، يعني انه لكبره يستهين بالامور الصعبه، و هذا غير استسهال الانسان في سبيل الحق امرا مشكلا، فان الاول كبرياء، و الثاني علو همه- و بينهما فرق واضح (و لكن) يابن عباس (الق الزبير) ابن العوام (فانه الين عريكه) هي بمعني الطبيعه، و اصل العرك دبغ الجلد بالدلك و نحوه، كانه يوجب لينه و نضجه بخلاف الجلد الذي لم يدبغ. (فقل له) اذا لقيته (يقول لك ابن خالك) يعني نفسه عليه السلام و علي ابن خال الزبير لان اباطالب و صفيه ام الزبير من اولاد عبدالمطلب بن هاشم (عرفتني بالحجاز) حيث بايعتني، فان الانسان المبا

ئع لابد و ان يعرف المبائع له و الا لم يبايعه (و انكرتني بالعراق) حيث جئت لمحاربتي و المحارب لابد و ان ينكر فضل الانسان و الا لم يحارب (فما عدا مما بدا) يقال عداه الامر بمعني صرفه و بدا بمعني ظهر، و (من) للاستبداء اي ما الذي صرفك مما ظهر منك- في الحجاز- من بيعتي؟ و قد كان الجواب واضحا فانه صرفه حب الرئاسه و قد قال الرسول الاعظم صلي الله عليه و آله و سلم: حب المال و الجاه ينبتان النفاق في قلب الرجل المومن كما ينبت الماء البقل.

خطبه 032

[صفحه 169]

و فيها يصف زمانه بالجور و يقسم الناس الي اقسام (ايها الناس انا قد اصبحنا في دهر عنود) الدهر قطعه من الزمان، و قد يطلق علي الزمان كله، و عنود من (عند) علي وزن (نصر) بمعني جار، و وصف الدهر بالعنود، باعتبار ما يقع فيه من الجور بعلاقه

الحال و المحل، نحو جري النهر و الدنيا لم تخل من الجور، و لكن قد يكون الجور ظاهرا شاملا و قد يكون قليلا غير ظاهر، و قد كان زمان الامام عليه السلام، من القسم الاول، لكثره الفتن فيه في البلاد الاسلاميه (و زمن كنود) اي الكفور ثم بين الامام عليه السلام سبب ذلك بقوله (يعد فيه المحسن مسيئا) لان طبائع الناس اذا مالت الي الاسائه نفرت من الاحسان فيعدون العامل به مسيئا (و يزداد الظالم فيه عتوا) اي تكبرا و تجبرا، لما يجد من الانصار و الاعوان (لا ننتفع بما علمنا) من عاده البلغاء ان ينسبون الي انفسهم القضايا العامه، تليينا للموقف، و بيانا للعموم. (و لا نسال عما جهلنا) من الاحكام و الاداب (و لا نتخوف قارعه) هي الخطب العظيم ينزل علي الناس من قحط او غلاء او امراض او تسلط الاعداء او ما اشبهه، و سميت قارعه لانها تقرع الناس بالشده، و القلوب بالفزع (حتي تحل بنا) ثم فصل الامام عليه السلام

احوال الناس، استدلالا لما ذكره من كون الدهر عنودا … الخ (فالناس علي اربعه اصناف منهم) اناس فاسدون في انفسهم و قلوبهم و انما لا يفسدون لضعفهم و هم (من لا يمنعه الفساد) اي من الفساد (الامهانه نفسه) من (هان)، بمعني ذل و خف اي خمولها و عدم وجود انصار و قوه بهما يفسد (و كلاله حده) اي ضعف سلاحه عن القطع يقال كل حد السيف اذا ضعف سلاحه عن القطع يقال كل حد السيف اذا ضعف عن القطع (و نضيض وفره) النضيض القليل و الوفر المال اي قله ماله فليس له مال يصرفه في افساده و شهوات نفسه. (و منهم المصلت لسيفه) يقال اصلت

سيفه، اي جره و شهره علي الناس، يعني انه مبطل قوي يشهر سيفه في وجه المحق (و المعلن بشره) اي المظهر شره (و المحلب بخيله و رجله) اي جمع انصاره ممن له فرس و ممن هو راجل و هذا كنايه عن جمعه انصاره لمكافحه الحق و اظهار الباطل (قد اشرط نفسه) اي هياها و اعدها للفساد (و اوبق) اي اهلك (دينه) بما عمل من الاثام (لحطام) هو المتكسر من النبات بعد اليبس و قد شبه الدنيا بذلك لان مال اخرها الي ذلك (ينتهزه) اي يختلسه و يحصل عليه (او مقنب) طائفه من الخيل (يقوده) يعني انه انما ما فعل اما للجاه بان يحصل عل الحطام، و اما للجاه بان يرئس فئ

ه، هم كالخيل التي بقودها الانسان الي حيث ما يريد (او منبر يفرعه) اي يعلوه من (فرع المنبر) اذا علاه بان يحصل علي منصب الجمعه و الجماعه و الخطابه، و كان (المقنب) للاماره و هذا للفقاهه و القضاء و نحوهما. (و لبئس المتجر) مصدر ميمي (ان تري) ايها الانسان (الدنيا لنفسك ثمنا) اي بئست التجاره تجاره من يتاجر للدنيا، لانه يراها ثمنا لا تعابه و اعماله مع ان الدنيا دار رحيل و زوال، فاللازم ان يعمل الانسان فيها للاخره لان يعمل لها (و) تري الدنيا (ممالك عند الله) اي من ثواب الذي لك عند الله سبحانه (عوضا) بان تترك الثواب و تاخذ الدنيا بدله (و منهم من يطلب الدنيا بعمل الاخره) فانه يصلي لرياء، و يدرس للشهره و ينفق لجلب الانظار الي نفسه و هكذا يعمل اعمال الاخره، و لكن ينوي بها تحصيل الدنيا (و لا يطلب الاخره بعمل الدنيا) فان الانسان يتمكن ان يجعل

ضروريات الامور الدنيويه من قبيل الاكل و المقاربه و التجمل للاخره فياكل للتقوي علي العباده و يقارب لامر الله تعالي و حفظ نفسه عن الاثام و يتجمل لتقويه الحق بتحصيل الشوكه له، و هكذا. (قد طامن) فعل من الطمانينه، اي خفض (من شخصه) اي تواضع لان يخدع الناس بانه انسان خائف من الله، مع انه في قل

به يريد بذلك اصطياد السذج و تمكين نفسه في قلوب البسطاء (و قارب من خطوه) بان يمشي بخطي متقاربه تشبها بالصالحين، ليخدع الناس بانه منهم (و شمر من ثوبه) اي رفعه من الارض، ليظهر انه متقي يتجنب من ان يمس ذيله الاراضي المحتمله للنجاسه (و زخرف من نفسه للامانه) اي زين نفسه بزينه الصالحين، كالخضاب، و لبس الخواتيم و ما اشبه ذلك، كل ذلك لان يري صلاحه، فياتمن الناس به، و يجعلوه في محل القدس و التقوي (و اتخذ ستر الله) له بان لم يظهره سبحانه علي حقيقته و خداعه (ذريعه) اي وسيله (الي المعصيه) لانه مخادع، يريد بهذه الاعمال النيل من الدنيا و الرئاسه علي الناس فقد جعل مظاهر الدين وسيله لاصطياد الدنيا. (و منهم من اقعده عن طلب الملك ضوله نفسه) اي صغرها، فهو انما يترك طلب الملك لا تورعا و خوفا من التلوث بالاثام بل لان نفسه ضئيله حقيره لا ترتفع الي معالي الامور (و انقطاع سببه) اي لا اسباب له بها يتوصل الي الملك من مال و قوه و عشيره و ما اشبه (فقصرته الحال) الحال يجوز فيه التذكير و التانيث (علي حاله) اي حصرته ضوله نفسه علي حاله الذي هو فيه بدون ان يترقي و يرتفع (فتحلي) اي تزين (باسم القناعه) بان اظهر نفسه:

انه قانع لا يريد الملك، مع

انه يعلم في قراره نفسه، انه غير قادر (و تزين بلباس اهل الزهاده) بان اظهر نفسه زاهدا في الامر غير راغب في الملك (و) الحال انه (ليس من ذلك) الذي يظهره من القناعه و الزهد (في مراح و لا مغدي) المراح المحل الذي تائوي اليه الماشيه بالليل و المغدي المحل الذي تاوي اليه بالنهار و هذا كنايه عن انه لا محل له في صف الزهاد، في اي وقت من الاوقات. (و بقي رجال) ليس اولئك في صف الاقسام الاربعه السابقين (غض ابصارهم) اي غمضها (ذكر المرجع) اي المعاد، فان خوفهم من يوم القيامه اوجب ان يغضوا ابصارهم عن شهوات الدنيا و متعها (و اراق دموعهم) اي اسلبها (خوف المحشر) فان الانسان اذا خاف من شي ء خوفا كثيرا بكي (فهم بين شريد) يشرد من الناس خوف ان يشترك معهم في عصيان يرتكبونه (ناد) هو الهارب من الجماعه الي الوحده (و) بين (خائف) من الله و هو في المجتمع (مقموع) اي مقهور قد اشتمل علي ذل العبوديه (و) بين (ساكت مكعوم) من (كعم البعير) اذا شدفاه لئلا ياكل او يوذي باسنانه، اي ان الخوف قد شد فاه فلا يتكلم خوفا من ان يجلب اليه الكلام عصيانا و اثما. (و) بين (داع) يدعو الله سبحانه او يدعو اليه تعالي (مخلص) لا يريد بذلك غير وجهه (و ثكلان) الثكل الحزن ع

لي فقد بعض الاشياء المحبوبه (موجع) اي انه محزون حزنا شديدا علي فقد بعض المراتب منه في الاخره، لانه يري نفسه مقصرا امام عطمه الله سبحانه (قد اخملتهم التقيه) يقال اخمله اي اسقط ذكره، فلا ذكر له بين الناس، و التقيه هي اتقاء المعاصي،

فان الانسان المتقي يتجنب عن المجتمعات خوف الوقوع في المعاصي، فيخمل ذكره، لان الناس لا يحتلفون الا بمن عاشرهم (و شملتهم الذله) اي ذله العبوديه و الطاعه لله تعالي. (فهم في بحر اجاج) اي بحر مالح و هذا كنايه عن عدم انسياقهم وراء شهواتهم حتي يلتذون بالمعاصي كالتذاذ اهل الدنيا (افواهم ضامزه) من (ضمز) بمعني (سكن) اي لا تتكلم كثيرا (و قلوبهم قرحه) اي مجروحه و هذا كنايه عن تالم قلوبهم خوفا من الاخره، و تالمها لما يرون من الكفر و العصيان في الناس (و قد وعظوا) الناس بامرهم بالتقوي (حتي ملوا) اي ملهم الناس و سئموا من كلامهم- هذا اذا كان الفعل بالبناء للمفعول- اما لو كان بالبناء للفاعل، فالمعني انهم ملوا من كثره الوعظ و اخذهم السام (و قهروا) اي قهرهم الاعداء (حتي ذلوا) فان الاعداء اذا قهرهم ذلوا، اذ الانسان المقهور ذليل في نفسه (و قتلوا حتي قلوا) اي قتل منهم الاعداء حتي قل عددهم و هذا تحفيز للاخ

يار علي مقارعه الاشرار و ان قهروهم و قتلوا منهم. (فلتكن الدنيا في اعينكم) ايها الناس (اصغر من حثاله القرظ) الحثاله القشاره و ما لا خير فيه كالثقل و نحوه و القرظ ورق السلم يدبغ به فان حثاله القرظ لا قيمه لها اطلاقا و لا ينظر اليها احد نظر الاعتبار (و قراظه الجلم) الجلم هو المقراض يجز به الصوف و نحوه، و قراضته ما يسقط منه عند القرض و الجز (و اتعظوا) اي خذوا العبره و الوعظ (بمن كان قبلكم) من الناس الذين اسلبهم الدهر نعمهم (قبل ان يتعظ بكم من بعدكم) بان يسلب الدهر نعمكم فتكون عبره و موعظه للذين ياتون من بعدكم

(و ارفضواها) اي الدنيا (ذميمه) اي في حال كونها مذمومه فلستم ترفضون شيئا ممدوحا بل شيئا مذموما (فانها قد رفضت من كان اشغف بها منكم) اي اشد تعلقا بالدنيا منكم فانهم مع تعلقهم بالدنيا و حبهم الشديد لها، لم تف الدنيا بهم، و انما اهلكتهم و ابادتهم.

خطبه 033

[صفحه 176]

عند خروجه لقتال اهل البصره قال عبدالله بن عباس دخلت علي اميرالمومنين عليه السلام بذي قار و هو يخصف نعله، فقال: لي ما قيمه هذه النعل؟ فقلت لا قيمه لها. فقال: و الله لهي احب الي من امرتكم الا ان اقيم حقا او ادفع باطلا ثم خرج فخطب الناس فقال: (ان الله بعث محمدا صلي الله عليه و آله و ليس احد من العرب يقرا كتابا) اي كتابا سماويا صحيحا فان الكتب السماويه كانت قد حرفت، كما قال سبحانه (يحرفون الكلم) (و لا يدعي نبوه) و هذا كنايه عن عدم وجود نبي مرشد بين العرب فلم يكونوا يهتدون سبيلا، اذ الحق يظهر اما بالكتاب او بالنبي، و قد فقدت العرب كليهما (فساق الناس) الي الحق (حتي بواهم) اي اعطاهم المحل و المنزل (محلتهم) اي منزلهم اللائق بالانسان من الالتزام، بالعقائد الحقه و الفضائل و الاداب، و الاعمال الصالحه و النظام الصحيح (و بلغهم منجاتهم) اي محل نجاتهم (فاستقامت قناتهم) القناه هي الرمح، و المعني صاروا بعد الاعوجاج مستقيمين، و الاعوجاج هو في العقيده و الشريعه و سائر العادات و الملابسات (و اطمانت صفاتهم) اي ان صفاتهم كانت متزلزله لا رسوخ و لا ثبات فيها، اذ كانت الفوضي تشملهم، فهذا صفته الوئد و ذاك صفته الرحم، و

كل يفتخر بما اوتي و هكذا. (اما و الله ان كنت) (ان) مخففه

من الثقيله، اي اني كنت (لفي ساقتها) و هي موخره الجيش التي تسوق الجيش حتي لا يبقي منه احد لا يسير جمع سائق (حتي تولت) اي فرت (بحذا فيرها) اي بجميعها فكان الامام عليه السلام كان في موخر جيش الكفر يسوقه نحو الايمان او الانهزام لئلا يبقي حدا امام حركه الاسلام، و الظاهر ان الظمائر عائده لي الجاهليه (ما عجزت) عن المقاومه (و لا جبنت) بان اخاف من كثره الاعداء (و ان مسيري هذا لمثلها) اي ان سيري الي قتال اهل البصره مثل تلك المسيره في زمان الرسول صلي الله عليه و آله و سلم لان كلا السيرين لمكافحه الباطل (و لا نقبن الباطل) النقب هو الثقب (حتي يخرج الحق من جنبه) فكان الباطل لباس، غشي به الحق فاذا نقب، فيه خرج من جنبه الحق، حتي يظهر للناس (ما لي و لقريش) يعني عليه السلام طلحه و الزبير و امثالهما من حاربوا الامام و نصبوا له العداء، و اصل الكلمه للاستفهام ثم استعملت للانكار و التقريع علي المقابل. (و الله لقد قاتلتهم) تحت رايه الرسول في حالكونهم (كافرين) بالله و اليوم الاخر (و لا قاتلنهم) الان في حال كونهم (مفتونين) قد فتنتم زهره الحياه الدنيا و زخرفها، و ان اظهر و الاس

لام (و اني لصاحبهم) اي الذي حاربهم (بالامس) في زمن الرسول صلي الله عليه و آله و سلم (كما انا صاحبهم اليوم) و هذا كنايه عن عدم تغيره عليه السلام عن الحاله التي كانت عليها في زمان الرسول صلي الله عليه و آله و سلم.

خطبه 034

[صفحه 178]

في استنفار الناس الي اهل الشام روي انه عليه السلام خطب بهذه الخطبه بعد فراغه من امر الخوارج، و قد كان قام

بالنهروان بحمدالله و اثني عليه و قال: اما بعد فان الله تعالي قد احسن نصرتكم فتوجهوا من فوركم هذا الي عدوكم من اهل الشام فقالوا له قد نفذت نبالنا و كلت سيوفنا ارجع بنا الي مصرنا لنصلح عدتنا و لعل اميرالمومنين يزيد في عددنا مثل من هلك منا لنستعين به؟ فاجابهم عليه السلام يا قوم ادخلوا الارض المقدسه التي كتب الله لكم و لا ترتدوا علي ادباركم الايه، فتلكوا عليه و قالوا ان البرد شديد فقال عليه السلام انهم يجدون البرد كما تجدون اف لكم ثم تلاقو له تعالي: قالوا يا موسي ان فيها قوما جبارين الايه، فقام منهم ناس و اعتذروا بكثره الجراح في الناس و طلبوا ان يرجع بهم الي الكوفه اياما ثم يخرج بهم فرجع بهم غير راض فانزلهم نخيله و امرهم ان يلزموا معسركهم و يوطنوا علي الجهاد انفسهم و يقلوا زياره اهلهم فلم يقبلوا و جعلوا يتسللون و يدخلون الكوفه حتي لم يبق معه الا القليل منهم، فلما راي ذلك دخل الكوفه فخطب الناس و قال ايها الناس استعدوا لقتال عدو في جهادهم القربه الي الله و درك الوسليه عنده قوم حيادي عن الحق لا ينص

رونه موزعين بالظلم و الجور لا يعدولون به و حفاه عن الكتاب نكب عن الدين يعمهون في الطغيان و يتبعكون في غمره الضلال فاعدوا لهم ما استطعتم من قوه و من رباط الخيل و توكلوا علي الله و كفي بالله وكيلا؟ قال الراوي فلم ينفروا فتركهم اياما ثم خطبهم بهذه الخطبه فقال: (اف لكم) (اف) كلمه تضجر و ماياتي بعده يظهر المراد من الضجر (لقد سئمت) السام الملاله (عتابكم) اي ان اعاتبكم في الامر لما اري من

انحرافكم (ارضيتم بالحياه الدنيا من الاخره عوضا)؟ استفهام انكاري، كيف رضيتم ان تكون الدنيا بدلا من الاخره بان تركتم اعمال الاخره، للحصول علي دنيا زائله، و التنعم بملذاتها (و بالذل من العز خلفا) اي هل رضيتم ان تذلوا تحت امره معاويه عوض العز الذي انتم فيه (اذا دعوتكم الي جهاد عدوكم) يعني معاويه و اتباعه (دارت اعينكم) بمعني اضطربت من الخوف و الجزع، فان الانسان الخائف يلتفت يمينا و شمالا ليجد مهربا من الخوف الذي احاط به (كانكم من الموت في غمره) غمره الموت شده كربه فان الانسان اذا كان في حال الاحتضار، تدور عينه ليجد مخلصا مما هو فيه و سميت (غمره) لانه يغمر الانسان و يغشاه كالماء الذي يغمر الغريق. (و) كانكم (من الذهول) الفزع و النسيان فا

ن الخائف ينسي اموره لتوجه ذهنه الي المخوف عنه (في سكره) كالانسان الذي شرب الخمر فسكرو لا يشعر بشي ء (يرتج عليكم) يقال رتج الباب اذا غلقه (حواري) اي كلامي و المعني يغلق فهمه عليكم (فتعمهون) من العمه و هو شده العمي، اي تتحيرون في كلامي بماذا تجيبون؟ و هذا شان الخائف الذي يخاف الجانبين جانب التصديق و جانب الانكار، فانهم كانوا يخافون ان يقبلوا كلام الامام فيقعوا في مشكله الجهاد، و يخافون ان يردوا، كلامه خوف الرعيه من السلطه (و كان قلوبكم مالوسه) من المس بمعني اختلط بالجنون (فانتم لا تعقلون) الامر و لا تدركون الواقع. (ما انتم) ايها القوم (لي بثقه سجيس الليالي) اي ما دامت الليالي، فان سجيس بمعني (ابدا) (و ما انتم بركن يمال بكم) اي يمل الانسان اليكم لتحفظوه من كوارث الزمن، و انما جي ء به (باء) الجر دون (الي) لاشراب الفعل

معني (يصول) … انتم (زوافر عز) جمع (زافره) و هي ركن البناء و عشيره الرجل و انصاره … اي يحتاج الانسان (اليكم) لانكم لا تنصرون من استعان بكم (ما انتم الا كابل ضل رعاتها) فان الابل اذا ضل راعيها، تفرقت و تشتتت، و كانت عرضه لكل و هكذا كان اهل الكوفه فهم مختلفوا الاراء مشتتوا الافكار فكلما جمعت) تلك ا

لابل الضاله رعاتها (من جانب) لتنتظم تحت نظام (انتشرت من) جانب (اخر) اذ لا تنقاد الا بالراعي دون سواه من يريد جمعها. (لبئس- لعمر الله-) اي قسما بالله، فان (عمر) بمعني الحيات ثم استعمل لمطلق القسم (سعرنار الحرب انتم) اي ما توقد به الحرب و هذا كنايه عن استعدادهم للحرب لجبنهم و فساد رايهم (تكادون) اي يكيد الاعداء عليكم (و لا تكيدون) لهم بالاستعداد لمحاربتهم و مقاتلتهم (و تنقص اطرافكم) بان يغير معاوين علي اطراف بلادكم فيسلبها و ياخذها (فلا تمتعضون) الامتعاض الغضب الكثير (لا ينام عنكم) اي ان الاعداء ساهرون علي اذا كم و الكيد بكم (و انتم في غفله) عنهم لاحباط موامراتهم (ساهون) كالانسان الذي يسهو عن الامر فلا يبالي به (غلب- و الله- المتخاذلون) يعني ان الذين يخذل بعضهم بعضا، و يترك احدهم نصره الاخر، يغلبون علي ايدي اعدائهم (و ايم الله) حلف بالله، و يجوز في (ايم) وجوه كثيره منها (ايمن). (اني لا ظن بكم ان لو حمس الوغي) الوغي الحرب، و معني حمس، اشتد اشتعل (و استحر الموت) اي بلغ في النفوس غايه حدته، بان كثرت القتلي و شاع الموت في الحرب (قد انفرجتم) اي تفرقتم (عن) اطراف (ابن ابي طالب) يعني نفسه الكريمه (انفراج الراس) اي كما

ينفرج الراس من البدن، الذي

لا التيام بعده و لا حيات الانسان بعد ذلك (و الله ان امرا يمكن عدوه من نفسه) بان لا ياخذ للعد و عدته بل يسهل في الامر حتي يسيطر العدو عليه بسبب انه ترك الحزم و لم يات باللازم للحرب، حتي (يعرق) اي ياكل العدو (لحمه و يهشم) اي يكسر (عظمه و يفري) اي يشق و يقطع (جلده) و هذا كنايه عن شده تسلط العدو حتي انه يفعل فيه ما يشاء (لعظيم عجزه) اذ يدل ذلك علي انه عاجز كمال العجز، و الا لم يسمح بالعدو ان يفعل به ذلك. (ضعيف ما ضمت عليه جوانح صدره) جوانح جمع جانحه و هي الضلع، و تسمي بذلك لانها كالجناج للانسان، في طرفه، و المراد ب(ما ضمت) القلب، اي انه ضعيف القلب غير مقدام و ترك عدوه حتي يسيطر عليه (انت) ايها السامع (فكن ذاك) الانسان العاجز (ان شئت) فلك الخيار في ان تفعل بنفسك ما تشاء (فاما انا فو الله دون ان اعطي ذلك) اي امكن العدو و من نفسي حتي اعطيه ما يريد (ضرب بالمشرفيه) هي السيف سمي بها نسبه الي (المشارف) و هي بلده كانت تصنع السيوف الجيده (تطير منه) تذكير الضمير باعتبار السيف (فراش الهام) الهام الراس و فراشه العظام الرقيقه المفروشه عليه. (و تطيح) اي تسقط (السواعد) جمع ساعد و هو اليد (و الاقدام)

جمع قدم و هو الرجل (و يفعل الله بعد ذلك ما يشاء) من نصرتي و عدمها و هذا من التعليمات الراقيه للناس حيث يجب عليهم ان لا يسلموا للذل مهما كانت النتائج بل يقدمون بما تمكنوا من قواهم، و الامر بعد ذلك بيد الله سبحانه

[صفحه 183]

(ايها الناس ان لي عليكم

حقا) بصفتي اميركم (و لكم علي حق) بصفتكم رعيتي (فاما حقكم علي فالنصيحه لكم) اي انصحكم و ارشدكم الي سعاده الدنيا و الاخره (و توفير) اي تكثير (فيئكم) اي الخراج و مال بيت المال (عليكم) لسد حوائجكم و توفير الفي ء باستعمال اساليب توجب زيادته، من الامر بزراعه الارض و التعمير و ما اشبه مما يوجب زياده الحقوق المقرر في الاسلام (و تعليمكم) الاحكام (كيلا تجهلوا) شيئا (و تاديبكم) و هي التزكيه العلميه (كيما تعلموا) فان الانسان بالتاديب يعلم، اما بالتعليم فان صور الاشياء تنقش في ذهنه- فقط-. ثم لا يخفي ان قوام الامور في المجتمع الصالح هذه الاربعه، النصيحه، التعليم و التربيه، و المال (و اما حقي عليكم فالوفاء بالبيعه) بعدم نكثها و فعل ما ينافيها (و النصيحه في المشهد و المغيب) اي تعلمون لي فعل الناصح سواء كنت حاضرا او غائبا و ذلك ب(الدعايه) الحسنه- علي ما هو الاصطلاح في هذا اليوم و المشهد و المغيب مصدر ان ميميان، بمعني الشهود و الغيبه (و الاجابه) لي (حين ادعوكم) بان تحضروا حين اريدكم لامر (و الطاعه حين امركم) بامر و قد جعل الامام اربعه حقوق لهم و اربعه حقوق له، و هذه هي قوام المجتمع الصالح ا

لذي يسعد فيه الراعي و الرعيه علي حد سواه.

خطبه 035

[صفحه 184]

بعد التحكيم و مجمل القصه ان معاويه لما راي ان جيش الامام سينتصر علي جيشه مما يسبب له الهزيمه التجاء الي عمرو بن العاص يستشيره في الامر، فاشار عليه برفع المصاحف علي الرماح، و طلب جند الامام الي تحكيم القرآن، و ذلك لكي يستعيد جيش معاويه انفاسه، لعل هذه المكيده تقع في اصحاب الامام موقعها، و تمنع اصحابه عليه السلام

عن موصله القتال فرفعوا المصاحف علي الرماح يطلبون رد الحكم الي كتاب الله و كانت الحرب اكلت من الفريقين فانخدع القراء و جماعه اتبعوهم من جيش علي عليه السلام و قالوا دعينا الي كتاب الله و نحن احق بالاجابه اليه فقال لهم اميرالمومنين عليه السلام انها كلمه حق يراد بها باطل انهم ما رفعوها ليرجعوها الي حكمها انهم يعرفونها و لا يعملون بها و لكنها الخديته و الوهن و الميكده اعيروني سواعدكم و جماجمكم ساعه واحده فقد بلغ الحق مقطعه و لم يبق الا ان يقطع دابر الذين ظلموا و خالفوا و اخلتفوا فوضعت الحرب او زارها و تكلم الناس في الصلح. و قد قررا تحكيم حكمين حم من جانب الامام و حكم من جانب معاويه يحكمان بما في الكتاب فعين الامام ابن عباس لكن القوم لم يقبلوا ابن عباس و اختاروا- بدون رضي الامام ابا موسي الاشعر

ي و قد حذرهم الامام مغبه الامر لكنهم لم يسمعوا لكلامه- و اختار معاويه ابن العاص و تشاور الحكمين في الامر، ثم خدع ابن المعاصي الاشعري و قا له انا نخلع الاميرين ليرجع الامر شوري يختار المسلمون من شائوا، فقام الاشعري و خلع الامام، ثم قام ابن العاص و قال لقد رايتم- ان صاحبكم قد خلع صاحبه- يعني الامام- لكن انا نصبت صاحبي معاويه اميرالمومنين فتنازع القوم علي غير جدوي، و قد صاركما اراد معاويه فلما ان سمع الامام بذلك امتعض امتعاضا شديدا و خطب بهذه الخطبه: (الحمد لله و ان اتي الدهر) اي الزمان (بالخطب) هو الامر العظيم (الفادح) اي الثقيل، من فدحه الدين اذا اثقله، يعني انا نحمد الله في كل حال، حتي في حال الضراء، كما وقع

الان من نتيجه امر الحكمين، و تدبير ابن العاص لهذه المكيده (و الحدث) هو الامر الحادث (الجليل) اي العظيم (و اشهد ان لا اله الا الله لا شريك له ليس معه اله غيره) و هذه الجمله تاكيد للجمله السابقه (و ان محمدا عبده و رسوله) و الظاهر ان كونه عبده يراد به الاعتراف بالوهيته تعالي في مقابل اقوال المسيحيين ان عيسي اله يعبد مع الله تعالي (صلي الله عليه و آله) جمله خبريه اريد بها الدعاء (اما بعد) اصله مهما يكن من شي

ء بعد الحمد و الصلاه قلبت (مهما) (اما) و حذفت الجمله باستثناء لفظه (بعد) (فان معصيه الناصح الشفيق) هو الذي يشفق علي الانسان اي يخاف عليه ان يتاذي بموذي (العالم المجرب) الذي جرب الامور و عرف نتائج الاعمال (تورث الحيره) اي توجب المعصيه تحير الخالف له اذ المخالفه تول الي ما لا يحمد. (و تعقب الندامه) اي ان يندم المخالف (و قد كنت امرتكم في هذه الحكومه) اي نصب حكمين لانهاء امر القتال (امري) بانها مكيده معاويه للفرار من الحرب و التخلص، من الانهزام الذي ظهرت بوادره لمعاويه و اصحابه (و نخلت) اي اخلصت تشبيه بما ينخل من الدقيق و نحوه لان يظهر خالصه (لكم مخزون رايي) اي الراي الحصيف الذي كان مخزونا في صدري (لو كان يطاع لقيصر امر) هذا مثل، و قصير اسم رجل، و اصل المثل ان (جذيمه) كان قتل ابا (الزباء) ملكه الجزيره فبعثت اليه بعد حين انها تريد ان تتزوج به- خدعه- و سئلته القدوم عليها فاجابها الي ذلك و خرج في الف فارس و خلف باقي جنوده مع ابن اخته عمرو بن عدي و كان قصير اشار

الي جذيمه ان لا يتوجه اليها فلم يقبل رايه فلما قرب جذيمه من الجزيره استقبله جنود بالعده و لم يرمنهم اكراما له، فاشار اليه قصير بالرجوع عنها و قال انها امرئ

ه و من شان النساء الغدر فلم يقبل فلما دخل عليها غدرت به، و قتلته، فعندها قال (قيصر) لا يطاع لقصير امر. فذهبت مثلا لكل ناصح عصاه الاخر و قد كان مصيبا في رايه، و جواب لو محذوف اي لو كان يطاع لقصير امر، لراي الناس عاقبه امره الحسن (فابيتم) اي خالفتم (علي) رايي (ابا المخالفين) اي كانكم مخالفون لي اعداء معي، لا كانكم انصاري و اصحابي (الجناه) جمع الجاني و هو الذي يجني علي اخر (و المنابذين) من بنذ بمعني طرح امر الطرف المقابل (العصات) جمع عاصي (حتي ارتاب الناصح بنصحه) يعني ان مخالفتهم كانت بحيث شك الناصح في ان نصيحته هل هي صحيحه ام لا؟ و هذا كنايه عن شده مخالفتهم- لا انه عليه السلام شك في صحه نصيحته- و ذلك لان الانسان اذا راي الاجماع علي خلافه شك في صحه مقاله و رايه لانه يستبعد انهم جميعا علي خطاء و انه و حد علي الصواب. (و ضن) اي بخل (الزند) و هو الحجر الذي يصك باخر فيخرج منه النار (بقدحه) اي باخراجه النار، و هذا كنايه امساكه عليه السلام بارائه المصيبه المضيئه النافعه فان الانسان اذا راي عصيان الناس لرايه لا يظهر ارائه ضنابها ان تذهب سدي (فكنت) انا (و اياكم كما قال) دريد بن الصحه (اخو هوازن) اي انه من تلك القبيله في

بيان انهم عصوه فراوا عاقبه عصيانهم. (امتركم امري بمنعرج اللوي فلم تستبينوا النصح الاضحي الغذ) (منعرج اللوي) اسم مكان اي اني

امرتكم بنصيحتي في ذلك المكان و انتم خالفتموني، و لم تعلموا صدق كلامي الا غدا عند الضحي حيث فات الاوان.

خطبه 036

[صفحه 188]

في تخويف اهل النهروان قد روي ان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بينا هو يقسم بعض الغنيمه جائه رجل من بني تميم يقال له (ذو الخويصره) فقال اعدل يا محمد صلي الله عليه و آله و سلم فقال قد عدلت فقال له ثانيه اعدل يا محمد فانك لم تعدل فقال ويلك من يعدل اذا لم اعدل فقام عمر و قال يا رسول الله ائذن لي في ضرب عنقه؟ فقال صلي الله عليه و آله و سلم دعه فسخرج من ضيضي ء هذا قوم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرميه يخرجون علي خير فرقه من الناس تحتقر صلاتكم عند صلاتهم و صومكم عند صومهم يقرئون القرن ان لا يجاوز تراقيهم، فيهم رجل اسود مخدج اليد احدي يديه كانها ثدي امرئه او بضعه، قد يقتلهم اولي الفريقين بالحق، و قد كانت الخوارج من اصحاب الامام عليه السلام خرجوا عليه عند نهر قرب الكوفه يسمي (النهروان) و قد كان سبب خروج هولاء فهو انه عليه السلام لما قهره اصحابه علي التحكيم و اظهروا عنه الرضا به بعد ان حذرهم و وعظهم فلم يلتفوا الي نصحه و انذاره كتبوا كتاب التحكيم و اخذه الاشعث بن قيس فطاف به علي اصحاب معاويه فرضوا به. و طاف به علي اصحاب علي عليه السلام فرضوا به حتي مر برايات عنزه و كان مع علي عليه السلام منه

م بصفين اربعه الاف فارس فلما قرا الكتاب عليهم قال فتيان منهم لا حكم الا لله ثم حملا علي اصحاب معاويه فقتلا، فهما اول من حكم و

هكذا اخالف جماعات و قالوا لا حكم الا لله، فرجع الاشعث فاخبر الامام عليه السلام بذلك فاستصغر قدرهم، فلما بلغهم امر الحكمين مارا.. الا و الناس يتنادون من كل جانب لا حكم الا الله الحكم لله يا علي لا لك و قد كنا اخطانا حين رضينا بالحكمين فرجعناه الي الله و تبنا فارجع انت و تب الي الله كما تبنا و الا برئنا منك فابي عليه السلام الرجوع و قال و يحكم ابعد العهد نرجع؟ فما نصنع بقوله تعالي: و اوفوا بعهد الله اذا عاهدتم الايه و ابت الخوارج الا تضليل التحكيم و الطعن فيه فبرئوا من علي عليه السلام ثم كان اجتماعهم ب(حروراء) فسماهم عليه السلام لذلك بالحروريه فناظرهم بها فرجع الفان ثم مضرا الي نهروان و كان اميرهم عبدالله بن الكوا، و حين القتال (الراسي) فسار الامام اليهم فخطبهم فلم ينفع فيهم الكلام فقاتلهم حتي افناهم الاعده قليله منهم فروا. (فانا لكم) ايها الخوارج (نذير) اي منذر مخوف (ان تصبحوا صرعي) جمع صريع، و هو القتيل الذي يقع مصروعا طريحا (باكناف) جمع كنف بمعني الطرف (هذا النهر) الذي كان قرب الكوفه،

و كان يسمي بالنهروان (و باهضام) جمع هضم و هو المنخفض من الوادي (هذا الغائظ) الغائط ما سفل من الارض: و انما يسمي المدفوع بذلك لعلاقه الحال و المحل (علي غير بينه) اي دليل واضح (من ربكم) اي ان قتلكم لاحجه في خروجكم، فهناك معاقبون علي فعلكم فخسر الدنيا و الاخره (و لا سلطان مبين) اي دليل واضح و حجه ظاهره (معكم) في خروجكم علي، و لعل الثاني شامل للادله الظاهريه، و ان لم تكن حجه من عند الله في الواقع (قد طوحت) اي توهت و الفتكم

في المتاهمه و الضلاله (بكم الدار) اي دياركم فخروجكم ليس الي الطريق حتي تهتدون سبيلا و تصلون الي غايه سعيده، و انما الي متاهه و ضلال. (و احتبلكم) اي اوقعكم في حبالته- و هي شرك الصائد الذي يصيد به- (المقدار) اي الامر الذي قدر لكم، و المقدار، هو المسافه الزمنيه المحدده يسر الناس فيها حتي يصلوا الي زمان موتهم، فكان القدر احاط بهم كما تحيط الحباله بالصيد (و قد كنت نهيتكم عن هذه الحكومه) اي التحكيم في امر الخلافه، فان الامام عليه السلام كان يري زيفها و انها مكيده، و هل يعين الحكم لفصل الامر، في ان الحق لعلي عليه السلام او لمعاويه؟ (فابيتم علي) اي خالفتم كلامي و رايي (اباء المخالفين) اي كانهم مخالفون

لا اعداء، لا كانكم انصاري و اوليائي (المنابذين) من نبذ، بمعني طرح و يسمي المعادي منابذا، لانه يطرح الطرف المقابل و لا يبالي به (حتي صرفت رايي الي هواكم) اي اجبرت لا سلاس قيادكم (و انتم معاشر اخفاء الهام) الهام الراس، و خفه الراس كنايه عن عدم وجود العقل فيه ليرشد الانسان الي الصلاح. (سفهاء الاحكام) اي ان لكم عقول السفهاء و السفيه ضد الرشيد فهو الذي ليس له عقل لتدبير اموره (و لم ات- لا ابالكم-) جمله معترضه، و هذه كلمه تستعمل لكل من المدح و الذم، فكونها مدحا، باعتبار ان من لا اب له يملك امر نفسه فليس تحت طاعه غيره و كونها ذما باعتبار ان من لا اب له لا كافل له- و هي دعاء في صوره الخبر- (بجرا) اي شرا، اي ان امر هذا التحكيم كان منكم و لم ات انا شرا، حتي تخرجون علي و تحاربونني (غيري جنا

و انا المعاقب فيكم) (فكانني سبابه المتقدم) (و لا اردت لكم ضرا) حتي تريدون الانتقام مني و هكذا عاده الجهال دائما، انهم يصرون علي الامر، فاذا راوا نتائجه السيئه القوا باللائمه علي العاقل الذي كان يخالفهم.

خطبه 037

[صفحه 191]

يجري مجري الخطبه و معني جريه مجري الخطبه انه انشاء بذلك الاسلوب و قد اشرنا سابقا الي ان الخطبه انما هي في مجمع من الناس و تبتدء بالحمد و تنشاء باتكاء صوت، و في مرتفع و ما اشبه ذلك. (فقمت بالامر) اي بامر الاسلام بالجهاد في ميادين القتال و الصبر و الثبات (حين فشلوا) و اصابهم الوهن و الضعف، فان الخلفاء الذين تقدموا علي الامام و كثيرا من صنايد الاصحاب كانوا يفرون عن القتال و ينهزمون في مواقع الخوف (و تطلعت) اي ظهرت (حين تقبعوا) التقبع هو الاختفاء ضد التطلع و الظهور (و نطقت) اي تكلمت بالحق في محل الخوف عن اظهار الحق (حين تعتعوا) التعتعه الاضطراب في الكلام (و مضيت بنور الله حين وقفوا) اي اني سرت نحو الهدف من اظهار الاسلام و اعلاء كلمته حين وقف القوم، كما قال سبحانه (و اذا اظلم عليهم قاموا) (و كنت اخفضهم صوتا) و هذا كنايه عن رباطه جاشه عليه السلام و قوه قلبه فان الخائف يرفع صوته جزعا و هلعا اما المطمئن الشجاع، فانه يتكلم بكل هدوء و اطمينان. (و اعلاهم فوتا) الفوت السبق، اي ارفع مقاما منهم من حيث السبق الي كل فضيله (فطرت بعنانها) هذا كنايه عن سرعه سيره عليه السلام نحو الفضيله، فالعنان زمام الفرس، و معني

طرت اني جريت جريا سريعا كالطائر في السرعه، اخذا بعنان الفضيله (و استبددت) الاستبداد بالشي ء الاختصاص به (برهانها) الرهان هو الجمل الذي

يقرر لمن سبق في مضمار المسابقه، و هذا كنايه عن تقدمه عليه السلام عليهم في الفضائل، و كنت في حاله الاضطراب و الخوف (كالجبل) الثابت (لا تحركه القواصف) جمع قاصفه و هي الكارثه المهلكه (و لا تزيله العواصف) جمع عاصفه و هي الريح الشديده الهبوب، يعين ان المخاوف و الاضطرابات لم تكن توثر في جهادي و عملي، بل كنت لا ابالي بها مهما بلغت. (لم يكن لاحد في مهمز) الوقيعه، اي لم اكن مورد اللوقيعه، اذ لا نقص في و هذا من قبيل (لا ريب فيه) يعني ان القرآن ليس محلا للريب و ان ارتاب فيه المبطلون (و لا لقائل في مغمز) الغمز هو الاشاره بالسوء نحو احد، و هو مصدر ميمي و كذلك المهمز (الذليل عندي عزيز) اي انزله منزله الاعزاء (حتي اخذ الحق له) ثم اتركه و شانه (و القوي عندي ضعيف) لا ابالي بقوته و لا اخاف بطشه و سطوته (حتي اخذ الحق منه) للذي سلب حقه، و هذان كنايه عن انه لا يبالي الا بالحق، فهو ياخذ من الغاصب ليوفره علي المغصوب منه، و ان كان الاول قويا و الثاني ضيعفا (رضينا عن الله) سبحانه (قضائه) اي الذي حكم

بان نكون نحن ساده و امراء و جعلنا بمنزله تكون محلا لهجوم الاعداء، يدا و لسانا (و سلمنا لله امره) فلم نرد امره فينا و التسليم عباره عن عدم معارضه الانسان قلبا او لسانا مع ما قدر الله من الامور، قالوا و قد قال الامام عليه السلام ذلك حينما اتهمه بعض الناس في انبائاته الغيبيه و قالوا انه يكذب. (اتراني اكذب علي رسول الله صلي الله عليه و آله)؟ اي كيف اكذب عليه فيما اخبر عنه

من الاخبار الغيبيه (و الله لانا اول من صدقه) فان الانسان انما يهون عنده نسبه الاقوال الكاذبه الي احد اذا كان غير معتقد بذاك الشخص، غير عزيز عنده، اما من يكون عنده عزيز افلا ينسب اليه خبرا مكذوبا حتي اذا ظهر كذبه سقطت منزلته عن القلوب (فلا اكون اول من كذب عليه) اي نسب اليه قولا عن المستقبل، بالكذب قالوا ان الامام عليه السلام لما قال سلوني قبل ان تفقدوني فو الله لا تسئلوني عن فئه تضل مائه و تهدي مائه الا انبئتكم بناعقها و سائقها، قام اليه انس النخعي فقال اخبرني كم في راسي و لحيتي طاقه شعر؟ فقال و الله لقد حدثني حبيبي ان علي كل طاقه شعر من راسك ملك يلعنك و ان كل طاقه شعر من لحيتك شيطانا يغوبك و ان في بيتك سخلا يقتل ابن رسول الله، و قد كان قاتل الح

سين عليه السلام (سنان بن انس) في ذلك الوقت طفلا يدرج. (فنظرت في امري) بعد ممات الرسول صلي الله عليه و آله و سلم- و كان هذه الجمله باعتبار قوله او مصدق به- (فاذا طاعتي) علي الناس (قد سبقت بيعتي) عليهم، فان الله سبحانه وجب علي الناس طاعتي، قبل ان ياخذ الرسول منهم البيعه لي في غديرخم (و اذا الميثاق) اي العهد الاكيد (في عنقي لغيري) و هو الله سبحانه يعني انه اخذ علي الميثاق بان اقوم باعباء الخلافه و لذا تعرضت للامر و الا لم اكن اوقع نفسي في ميثاق الخلافه و معارضتها، و قد يحتمل في الجملتين معان اخر و الله العالم بمراد اوليائه.

خطبه 038

[صفحه 195]

(و انما سميت الشبهه) و هو الامر المشكل وجهه هل هو حلال ام حرام (شبهه

لانها تشبه الحق) فلا يعلم انها حق ام باطل؟ (فاما اولياء الله) اي احبائه اذا وقعوا في الشبهه (فضياوهم فيها اليقين) اي يستضيئون باليقين العام الذي لهم في الامور، فاذا كانت الشبهه من مصاديق الباطل تركوها، و اذا كانت من مصاديق الحق اقتحموا فيها، الشبهه التي اثارها معاويه حول ادانه الامام بقتل عثمان، يكون موقف اولياء الله منها: انهم سمعوا من الرسول صلي الله عليه و آله و سلم قوله: (علي مع الحق و الحق مع علي) و لذا يضربون بالشبهه عرض الحائط (و دليلهم سمت الهدي) اي طريقه فان الهدي باد العلاقه في ان الامام علي الحق و لو فرض انه اشترك في قتل عثمان لانه دائم المواظبه عي التقوي و الحيطه في صغريات الامور فكيف بكبرياتها. (و اما اعداء الله) الذين لا يريدون اتباع الحق (فدعاوهم فيها) اي في الشبهه (الضلال) اي انما يدعون الي الضلاله (و دليلهم العمي) اي انهم كالذين يتقدمه اعمي في القياده حتي يوردهم موارد الهلكه لانه لا يبصر الطريق (فما ينجو من الموت من خافه) كانه تفريع علي عدم اتباع الشبهه، بغير هدي، لان الناس عرضه للموت فلا ينبغي للانسان ان يهدم

اخرته دنيا زائله فالانسان و ان خاف الموت لابد و ان يلاقيه (و لا يعطي البقاء من احبه) اي احب البقاء الابدي فكل نفس هالك الا وجهه، و ما كان لبشر من قبلك الخلد.

خطبه 039

[صفحه 196]

(منيت) اي ابتليت (بمن لا يطيع اذا امرت) بالجهاد و نحوه (و لا يجيب اذا دعوت) … جامع او اقدام او احجام (لا ابالكم) كلمه تستعمل في المدح- باعتبار ان الذي لا اب له يملك امر نفسه- و في الذم- باعتبار ان

من لا اب له تسوء تربيته و لا ظهر له، و هذا دعاء بالخير او الشر، و انكانت في صوره جمله خبريه و بالقرينه يعرف المراد (ما تنتظرون بنصركم ربكم)؟ و هذا استفهام استنكاري اي ليس هناك احسن من نصر الله، فانه موجب للسعاده في الدنيا، و الاخره، فهل بعد ذلك انتظار آخر؟ (اما دين يجمعكم؟) علي كلمه واحده حتي تجاهدون في سبيلها (و لا حميه) اي انفه و رفعه نفس (تحمشكم؟) اي تغضبكم حتي تقوموا بالانتقام من اعدائكم؟ من حمشه اي ساقه بغضب. (اقوم فيكم مستصرخا) اي اطلب صرختكم و انتصاركم لي، فان الناصر يصرخ للمنصور له حتي يسمع الصوت من هو بعيد فياتي للنصره (و اناديكم متغوثا) اي قائلا و اغوثاه، و الغوث هو الذي يغيث الانسان و ينقذه من ايدي اعدائه (فلا تسمعون لي قولا) اي سماعا نافعا تعلمون بحسبه (و لا تطيعون لي امرا) فيما امركم به (حتي تكشف الامور) اصله تنكشف حذفت احدي تائيه علي قاعده المضارع اذا اجتمعت في اوله تائان (عن عواقب المسم

اه) اي ان الامور في المسقبل تظهر عن العواقب التي توجب المساه و الحزن و الذي يسوء (فما يدرك بكم ثار) اثار هو الدم المراق ظلما، اي انكم لستم انصارا مجدين حتي يدرك الموتور ثاره بسببكم. (و لا يبلغ بكم مرام) المرام المقصد اي لا يبلغ الانسان بنصركم مقصده اذ انتم لا تنتضرونه (دعوتكم الي نصر اخوانكم) فقد خطب الامام عليه السلام بهذه الخطبه بعد ان اغار نعمان بن بشير علي عين التمر احد اعمال الامام عليه السلام و قد كان المستنهض همم اصحابه حتي يلاحقوا المغيرين فتثاقلوا، فعاتبهم بهذه الخطبه (فجرجرتم جرجره الجمل الاسر) الجرجره صوت يردده

البعير في حنجريه و الاسر صفه للبعير الذي اصيب بداء السرر و هو مرض في سرته ينشاء من الدبره التي تصيب البعير، و اذا مرض بذلك اظهر صوتا رخيما شجيا يدل علي الضعف و الوهن و المرض (و تثاقلتم) التثاقل هو التعاجز باظهار ثقل عن الحركه (تثاقل النضو) هوالمهزول من الابل (الادبر) هو البعير المجروح في ظهره من القتب و نحوه (ثم خرج الي منكم) بعد الدعوه و الصرخه (جنيد) تصغير جند اي جند قليل (متذائب) كانه الشمعه المذابه التي لا سمن لها (ضعيف). (كانما يساقون الي الموت) من الخوف و الوجل (و هم ينظرون) فان الذي

يري الموت بعينه يكون بطوئه في الحركه اكثر و مظاهر الوجل و الخوف عليه اظهر.

خطبه 040

[صفحه 199]

في الخوارج لما سمع قولهم: لا حكم الا لله فقد قال الخوارج ذل يريدون ان التحكيم في تعيين الخليفه ليس بصحيح فمن حكم فهو كافر- علي اصلهم الفاسد من ان كل مرتكب ذنب فهو كافر حلال الدم- و قد كان هذا الكلام منهم خطائا انه، اذا لم يقبل الناس حكم الله في تعيين الخليفه- كما لم يقبلوا الامام بعد تعيين الله له- و لم يجلس اهل الحل و العقد لتعينه، فمن ياتري يقود الامه؟ هل يبقون بلاحاكم، و هو موجب للفوضي و الفساد ام يتركون الامر حتي يسيطر عليه كل غاشم، و هذا اسوء و اكثر فسادا … ثم انا نقعد ان الله سبحانه عين الحاكم و هو الرسول ثم الامام ثم الفقيه الجامع للشرائط، و اذا تعدد الفقيه كان الامر لا علمهم علي قول المشهور، او يعين بالاقتراع و نحوه- الي كلام طويل ليس هنا محل ذكره- اما الا الانتخابات فلم تكن

من الاسلام في يوم من الايام- خصوصا بهذه الصوره الديمقراطيه الرجعيه السائده في هذا اليوم-. (كلمه حق يراد بها باطل) يعني ان كون الحكم لله كلمه حق، اذ المشرع هو الله وحده لا الناس و انما استعملوا هذه الكلمه- الخوارج- في نفي تعيين الحاكم، و هذا غير مربوط بتلك الكليه، فان الحكم غير الحاكم، فالكلي صحيح و التطبيق باطل (نع

م انه لا حكم الا لله) و من احسن من الله حكما؟ و من لم يحكم بما انزل الله فاولئك هم الكافرون (و لكن هولاء يقولون) ذلك و يريدون (لا امره الا لله) اي لا حاكم الا الله، و الحاكم الذي يسوس الرعيه غير الحكم و الشريعه فالكبري استعمالها في هذه الصغري من باب المغالطه (و انه لابد للناس من امير) يدير شئونهم و يفصل قضاياهم (بر او فاجر) فالبر يدير الشئون حسب موازين الاسلام و التقوي، و الفاجر يدير الشئون حسب ارائه او اراء الناس، لكنه يحفظ المجتمع في الجمله عن الانهيار و الفوضي (يعمل) للاخره (في امرته، المومن) اي ان المومن في اماره الامير و حكومته يعمل لاجل اخرته (و يستمتع فيها) اي في امره الامير- ايا كان- (الكافر) اي ان الكفار تحت اماره الامير يستمتعون بما قدر لهم من انواع الاستمتاعات في الدنيا، بدون اضطراب و فوضي (و يبلغ الله فيها) اي في امره الامير (الاجل) اي ينتهي كل شي ء الي اجله الطبيعي، و ذلك بخلاف ما لو عاش الناس بلا امير فان الاضطراب يتقص الاجال (و يجمع به) اي بالامير (الفي ء) اي المال اللازم لتمشيه الامور و المصالح العامه، فانه لو يكن جبر و كره قلما استعد احد ان يعطي الحقوق الماليه،

و سمي المال فيئا، باعتبار ان ال

مال لله عند الناس فاذا اخذه و لي الامر فقد فاء اي رجع الي الله. (و يقاتل به) اي بالامير (العدو) اذ الامير هو الذي يجمع الناس لمحاربه الاعداء (و تامن به) اي بالامير (السبل) جمع سبيل و هو الطريق، فان اللصوص و قطاع الطرق انما يخافون باس الحكومات و السلطات (و يوخذ به) اي بسبب الامير، الحق (للضعيف من القوي) الذي لا يخاف الا السلطه (حتي يستريح به) اي بالامير (بر) اذ يعيش في كنفه في امن و سلام (و يستراح من فاجر) يريد اذي الناس و اشاعه الفوضي في البلاد. (و في روايه اخري: انه عليه السلام لما سمع تحكيمهم) اي قولتهم السابقه بانه لاحكم الا لله، حيث جعلوا الحاكم الله تعالي … قال: (حكم الله انتظر فيكم) اي اني منتظر ان يحكم الله بقتلهم فاقتلهم حسب امره، فاني مطبق ما ذكروا من انه لا حكم الا لله، (و قال: اما الامره) اي الاماره (البره) اي الصالحه (فيعمل فيها التقي) بجميع موازين التقوي لانه لا يخاف احدا و لا يمنعه عن العمل مانع (و اما الامره الفاجره) التي لا تعمل بموازين الاسلام (فيمتتع فيها الشقي) كما قال سبحانه قل تمتعوا فان مصيركم الي النار، فقد قرر الله سبحانه لكل انسان مده امتحان و وفر عليه في تلك المده اسباب البقاء- حسب

المصالح في كثرتها و قلتها- فامره الفاجر توفر هذه الوسيله الامتحانيه للانسان، فهي امتحان للفاجر الامير، كما انها امتحان للشقي الذي يشقي بما وفر له من الاسباب فلا عذر له غدا بانه ان امهل احسن (الي ان تنقطع مدته) المقرره لبقائه فيها (و تدركه منيته) اي موته.

خطبه 041

[صفحه

202]

(ان الوفاء توام الصدق) التوئم هما الولدان اللذان يتكونان في الرحم معا، فكما انهما معافي الرحم لا يفارق احدهما الاخر، كذلك الوفاء و الصدق، اذ الوفاء قسم من الصدق، فان من يعطي عهدا ثم يفي به، كان صادقا في اعطائه العهد، بخلاف الذي لا يفي، و لا يفي الانسان الذي له ملكه الصدق، كما انه لا يصدق الا الذي يفي اذا عاهد (و لا اعلم جنه اوقي منه) اي من الوقاء فانه احفظ للانسان من سائر اقسام الجنه و الوقايه، اذ الانسان الوفي يكون كثير الاصدقاء و المدافعين، فهم يقونه من كل محذور، (و لا يغدر) بنقض العهد (من علم كيف المرجع) اي من كان عالما باحوال الاخره، اذ العالم بذلك يعلم و خامه العاقبه للغادر فلا يغدر و لا ينغض العهد و الوفاء. (و لقد اصبحنا في زمان قد اتخذ اكثر اهله) الظاهر ان المراد بالاكثريه بالنسبه الي من بيدهم العقد و الحل (الغدر كيسا) اي عقلا و سياسه و دهائا فقد كثر في زمن الامام عليه السلام الغادرون الذين غدروا بشرائط الايمان او ببيعه الامام عليه السلام (و نسبهم اهل الجهل) الذين يجهلون عواقب الامور (فيه) اي في الزمان، او في الغدر، اي الجاهلون في هذا الزمان، او الجاهلون بعواقب الغدر (الي حسن الحيله) و ا

نه حيله حسنه اذ الانسان الوفي قديري اشتباه رايه فوفائه يلزم المكروه بخلاف الغادر الذي يتخلص من التبعه لما عهد بالغدر (ما لهم) يحكمون هكذا؟ (قاتلهم الله) دعاء عليهم بالهلاك، و كان الاتيان بباب المفاعله لاجل ان اصل المقاتله من طرفين، فكل يريد قتل صاحبه. (قد يري الحول) اي البصير بتحويل الامور القادر علي الخروج من المشاكل (القلب) العارف بتقليب

الامور القادر علي ان يقلب الامر ليخرج من الازمه (وجه الحليه) و يعرف طريق الخلاص (و دونه مانع من امر الله) لهو لا يفعل شيئا لان الله امره بلزوم عمله (و نهيه) فلا يغدر مثلا لان الله نهي عن الغدر (فيدعها) اي الحيله (راي عين) اي في حال كونه قد راها راي العين، فليس عدم عمله لجهله بالمخرج و انما لمانع له عن ذلك (بعد القدره عليها) اي علي وجه الحيله (و ينتهز اي يستلب و ياخذ (فرصتها) اي فرصه وجه الحيله (من لا حريجه له في الدين) الحريجه التحرج و التحرز من الاثام و قد كان الامام عليه السلام كذلك فكان بامكانه كل شي ء لكنه لم يكن يفعل لما يري من الروادع الدينيه، بخلاف غرمائه الذين كانوا يفعلون كل شي ء في سبيل النيل من المال او المنصب.

خطبه 042

[صفحه 204]

(ايها الناس ان اخوف ما اخاف عليكم) اي ان اكثر الاشياء خوفا عليكم، بان تقعوا فيه و يوجب سلب دنياكم و آخرتكم (اثنتان) اي خصلتان الاولي (اتباع الهوي) بان يتبع الانسان ميوله النفسيه التي تامره بالملذات و المشتهيات المحرمه، (و) الثانيه (طول الامل) بان يكون الانسان طويل الامل يمني نفسه بالبقاء في الدنيا طويلا (فاما اتباع الهوي فيصد) اي يمنع (عن الحق) اذ الحق غالبا في ضد الهوي، فاذا كان الانسان متبعا لهواه منع عن العمل بالحق و ذلك يوجب شقاوه الدنيا و الاخره (و اما طول الامل فينسي الاخره) اذ الانسان اذا طال امله اشتغل بامور الدنيا و انغمس في ملذاتها و ذلك يوجب نسيان الاخره، فقد ورد ان الدنيا و الاخره ضرتان كلما ارضيت احديهما، سخطت الاخري (الا) فليتنبه السامع (و ان الدنيا قدولت) اي

ادبرت (حذاء) اي ماضيه سريعه التصرم و الانقضاء و ذلك لان دنيا كل احد تسير سيرا سريعا، و ان ظنها بطيئا، و لذا لا تمر الليالي و الايام الاوقد انقضت المده، و تمت الايام الموقته لكل احد. (فلم يبق منها) اي من الدنيا (الاصبابه) هي البقيه من الماء و اللبن التي تبقي في الاناء معرضه للصب (كصبابه الاناء) و مهما راي الانسان باقي عمره طوي

لا فانه بنظر الواقع، ليس اكثر من صبابه الاناء (اصطبها) اي تركها (صابها) اي تاركها، و هذا لتاكيد معني النفره عن الدنيا، فكما ان بقيه الماء لا شان لها كذلك بقيه ايام الدنيا (الا) فليتنبه السامع (و ان الاخره قد اقبلت) و كل آت مقبل، و كلما مضي يوم من ايام الدنيا، اقتربت الاخره بمقدار يوم (و لكل منهما) اي من الدنيا و الاخره (بنون) فبنو الدنيا من يهتمون لها و بنو الاخره و بنو الاخره من يستعدون لاجلها (فكونوا) ايها الناس (من ابناء الاخره) العاملين لاجلها. (و لا تكونوا من ابناء الدنيا) بان تصرفوا همتكم لاجلها غافلين عن الاخره (فان كل ولد سيحلق بامه يوم القيامه) فمن كان من ابناء الدنيا يلحق بالدنيا و يلقي في جهنم و من كان من ابناء الاخره يلحق بالاخره و يذهب الي الجنه (و ان اليوم عمل و لا حساب) اذ كل عامل خير او شر لا يحاسب من عند الله سبحانه و لا يجازي ما يستحق من الجزاء (و غدا حساب و لا عمل) فبالموت ينقطع العمل و يحاسب كل فريق بما عمل، و هذا تحريض علي مبادره الانسان علي الاعمال الصالحه قبل ان ياتي يوم لا يجد فيه مجالا الي العمل. (اقول)

هذا منكلام السيد الرضي (ره) (الحذاء: السريعه، و من الناس من يرويه جذاء) اي مقطوعه

خيرها، من جذ بمعني قطع.

خطبه 043

[صفحه 206]

و قد اشار عليه اصحابه بالاستعداد للحرب بعد ارساله جرير بن عبدالله البجلي الي معاويه فقد كان الامام عليه السلام ارسل جرير الي معاويه بكتاب احتجاجي حول الخلافه، و بيان ان شقه للعصي بلا عذر، و لما كان الظاهر لدي اصحاب الامام ان معاويه اطماع، لا انه ممن يريد الحق، اشاروا علي الامام في المحاربه، قبل ان يرجع جرير بالجواب، لكن الامام عليه السلام لم يقدم علي ذلك، و قال هذا الكلام: (ان استعدادي لحرب اهل الشام) بان اعد العده للمحاربه (و جرير عندهم) الواو للحال (اغلاق للشام) اي اغلاق لابواب السلم في وجوههم (و صرف لاهله) اي اهل الشام (عن خير) في اطاعه الامام (ان ارادوه) فان الانسان اذا استعد لمحاربه احد صمم الطرف المقابل علي المحاربه و كان ذلك موجبا لتبعيده عن سبل الخير الذي يحتمل ان يسلكها لو لم يحاربه (ولكن قد وقت لجرير وقتا) اي حددت له موعدا (لا يقيم بعده) اي بعد انتهاء ذلك الوقت (الا مخدوعا او عاصيا) فاعل يقيم (معاويه) اي ان اقام بعده الوقت علي المخالفه، لم يخل حاله عن احد امرين اما انه قد خدع و غر، فلا ياتي الي الطاعه، و اما انه عاص، و في كلا الحالين قد اتممت الحجه، و لا غضاضه في المحاربه، بعد ذلك (و

الراي عندي مع الاناه) اي ان نصبر حتي نري العواقب راي العين ثم نقدم في الامر (فارودوا) من الارواد و هو السير برفق (و لا اكراه لكم الاعداد) اي لا مانع من ان تستعدوا للحرب، ولكن لا تحاربوا حتي

تظهر العاقبه. (و لقد ضربت انف هذا الامر و عينه) و هذا مثل يراد به الاستقصاء في البحث و الطلب، فكما ان من يضرب عين انسان و انفه فقد هزمه بتغيير ملامحه و تشويهه كذلك من يستقصي في الامر، فكانه غلب علي الامر و هزمه، فلم يبق خاف عصيا عليه لا يدري ما هو، و المراد بهذا الامر: امره مع معاويه (و قلبت ظهره و بطنه) و هذا تشيه آخر، فان الانسان اذا اراد الاطلاع علي الشي ء يقلبه ظاهرا و باطنا حتي لا يبقي شي ء معضلا لا يعرفه بل يطلع علي خفاياه كما اطلع علي ظاهره (فلم ار الا القتال) بان نقاتلهم حتي امحو الكفر عن بلاد الاسلام (او الكفر) فانهم ان بقوا قلبوا الامه كافرين، و قد صرح بذلك معاويه في خبر ينقله (مغيره) انه قال لا اجوز عن اخماد بني هاشم حتي امحو اسم الرسول صلي الله عليه و آله و سلم، كما ان ولده يزيد قال (لعبت هاشم بالملك فلا) (خبر جاء و لا وحي نزل) و كذلك الوليد بعض ذويهم في قوله (اذا ما جئت) ربك يوم حشر) (فقل يا رب مزقني الوليد).

ثم بين الامام عليه السلام جواب عذر معاويه- في عدم البيعه- بانه يطلب دم عثمان، بقوله (انه قد كان علي الناس و ال) اي عثمان (احدث احداثا) اي ابدع بدعا في الاسلام (و اوجد للناس مقالا) اي فتح علي نفسه باب ان يقال المسلمون فيه كل شر، فان الانسان اذا عمل سيئا فتح علي الناس الي نفسه باب النقد و الاقوال السيئه (فقالوا) اي قال الناس فيه ما قالوا و اخذوا يعددون بدعه و احداثه (ثم) لما لم يروا منه تغييرا

للمفاسد (نقموا) و غضبوا عليه (فغيروا) بان اجتمعوا قتلوه، فلست انا فاعل ذلك حتي يعتذر معاويه عن عدم بيعتي، بانه يطلب بذلك دم عثمان، و انما يريد و الخلافه، و يطرقها من هذا الباب مستغلا عواطف السذج البسطاء.

خطبه 044

[صفحه 209]

(لما هرب مصقله بن هبيره الشيباني الي معاويه و كان قد ابتاع سبي بني ناجيه من عامل اميرالمومنين عليه السلام و اعتقهم فلما طالبه) الامام عليه السلام (بالمال) الذي اشتري السبي (خاس به) اي خان بالمال (و هرب الي الشام). و قصه ذلك انه كان الخريت بن راشد الناجي احد بني ناجيه مع اميرالمومنين عليه السلام في صفين و نقض عهده بعد صفين: فصار مع الخوارج و نقم عليه في التحكيم و خرج يفسد الناس و يدعوهم للخلاف فعبث اليه اميرالمومنين عليه السلام كتيبه مع معقل بن قيس الرياحي لقتاله مع من انضم اليه من بعض المسلمين الذن ارتدوا الي المسيحيه و من اشبههم فادركته الكتيبه بسيف البحر بفارس، و بعد دعوته الي التوبه و ابائه قبولها شدت الكتيبه عليه و علي جيشه فقتل و قتل معه كثير من قومه و سبي من ادرك في رحالهم من الرجال و النساء و الصبيان فكانوا خمسمائه اسير، و لما رجع معقل بالسبي مر علي مصقله بن هبيره الشيباني، و كان عاملا لعلي عليه السلام علي اردشير خره، فبكي اليه النساء و الصبيان و تصايح الراجال يستغيثون في فكاكهم فاشتراهم هبيره من معقل بخسمائه الف درهم، ثم استدعاه الامام عليه السلام الي الكوفه فجاء فدفع مائتي الف، و بقي ع

ليه الباقي فخاف من طلب الامام له، ففر الي معاويه. (قبح الله مصقله) هذا دعاء عليه بان يقبحه الله تعالي، و ان كان في قالب الجمله الخبريه (فعل

فعل السادات) فان الانسان السيد يعطف علي الضعفاء، و يفك الاسراء (و فر فرار العبيد) اذ العبد اذا لم يجد للعسر يسرا فر، لانه لا علاقه له بشي ء، اما السيد فانه لا يفر بل يبقي و يفصل الامر، و ان كان فيه له عسر و شده (فما انطق مادحه) اي انه بفعله فعل السادات جعل الناس يمدحونه، لكنه ما انطقهم (حتي اسكته) فان الانسان اذا عمل سيئا بعد عمل حسن، لم يمدحه احد لان السيئات تحب الحسنات (و لا صدق واصفه) فمن كان يصفه- سابقا- بالفضله كان فعله مصدقا له (حتي بكته) التبكيت هو الاسكات بعنف و تقريع (و لو اقام) في مقامه و لم يفر (لاخذنا ميسوره) اي المال الذي كان في ميسوره متيسرا عنده (و انتظرنا بماله وفوره) اي زياده ماله في المستقبل حتي ناخذ منه الباقي، فلم نكن نضيق عليه.

خطبه 045

[صفحه 211]

(الحمد لله غير مقنوط من رحمته) القنوط هو الياس، اي لست مايوسا من رحمته تعالي (و لا مخلو من نعمته) يعني ان نعمه سبحانه دائم التهطال علي (و لا مايوس من مغفرته) اي اني آمل وراج ان يغفرلي، و هذا لا ينافي عصمته عليه السلام، فان الانبياء و الائمه عليهم السلام حبث كانوا يرون انفسهم في محضر الله سبحانه كانوا يعدون الضروريات الجسديه خلاف الاولي، فكانوا يستغفرون منها- كما ذكرنا ذلك مفصلا في- تقريب القرآن- (و لا مستنكف عن عبادته) الاستنكاف هو الاستكبار اي لا اتكبر عن عبادته سبحانه و طاعته (الذي لا تبرح منه رحمه) اي ان رحمته دائمه لا تنقطع، من برح بمعني زال، و (منه) للنشر، و في بعض النسخ (له) مكان (منه) (و لا تفقد له نعمه) فان نعمه

سبحانه متواتره دائمه لا يفقدها الانسان، في وقت من الاوقات. ثم عطف عليه السلام الي الدنيا فقال (و الدنيا دار مني لها الفناء) اي قدر لها، فان الله سبحانه خلق الدنيا دار متوسطه ينتقل منها الانسان الي الاخره (و لاهلها منها الجلاء) اي الخروج، فبالموت يخرج الانسان من هذا العالم الي عالم آخر، و ان بقي روحه و جسده (و هي) اي الدنيا (حلوه خضره) فمذاقها حلو، و منظرها خضر يانع حالب (و قد عج

لت للطالب) اي اسرعت اليه، فان من طلب الدنيا اسرعت الدنيا اليه- في كثير من الاحيان- او المراد انها عاجله (و التبست بقلب الناظر) اي ان الدنيا اختلطت بقلب الذي ينظر اليها، فان محبتها داخله في القلب (فارتحلوا عنها باحسن ما بحضرتكم من الزاد) اي هيئوا لانفسكم احسن الزاد الذي تتمكنون منه، لتنتقلوا منها في يوم انتقالكم، و قد استصحبتم احسن الزاد، و هو الايمان بالله و العمل الصالح (و لا تسئلوا فيها فوق الكفاف) اي فوق المقدار الذي يكفيكم، حتي يكون عليكم حسابه و وباله (و لا تطلبوا منها) اي من الدنيا (اكثر من البلاغ) اي الذي يبلغكم الي الاخره، حتي تكونوا خزانا لغيركم، و عليكم وبال المفاضل.

خطبه 046

[صفحه 213]

عند عزمه علي المسير الي الشام فان معاويه ابدي العصيان للامام و جهز الجيش لمقاتلته عليه السلام فسار اليه الامام بجيشه و التقيا في ارض تسمي (صفين) و طالت الحرب مده مديده، انتهت بالتحكيم. (اللهم اني اعوذ بك من وعثاء السفر) اصل (اللهم) يا الله، حذف حرف النداء، و عوض عنه (الميم) و الوعثاء المشقه (و كابه المنقلب) الكابه الحزن، و المنقلب مصدر ميمي بمعني الانقلاب، اي الرجوع، بمعني ان لا نرجع محزونين،

للحوق الانهزام بنا (و سوء المنظر في الاهل و المال) بان اري منظرا يسوئني في اهلي او مالي، و ذلك يكون بموت بعض الاهل او مرضهم، او انحرافهم، و نقصان المال و ما اشبه (اللهم انت الصاحب في السفر) اي تصحب عنايتك و رعايتك المسافر فلا يصيبه اذي (و انت الخليفه هي الاهل) اي تبقي رعايتك خلفا للمسافر، عند اهله لئلا يصيبهم مكروه (و لا يجمعهما) اي الاستصحاب للمسافر و البقاء عند اهله (غيرك) فان غير الله سبحانه لا يقدر علي هذا الجمع بين المتنافيين- بالنسبه الي الاجسام- (لان المستخلف) الذي بقي و استخلف (لا يكون مستصحبا) للمسافر الذاهب (و المستصحب) الذي مع الانسان في السفر (لا يكون مستخلفا) اي باقيا، فان الاجسام لا بدلها من

مكان، و لا يمكن لها الكون في مكانين.

خطبه 047

[صفحه 215]

في ذكر الكوفه (كاني بك) اصله كاني اري بواسطتك، و الشي ء اذا صار علي حاله راي الانسان تلك الحاله بواسطه ذلك الشي ء (يا كوفه) و مثل هذا الخطاب، للسامعين، و ان كان موجها نحو شي ء لا يعقل (تمدين مد الاديم العكاظي) عكاظ كان سوقا للعرب قرب الطائف يجتمعون اليه من اول شهر ذي القعده ليتعاكضوا- اي يتفاخروا- كل بما لديه من فضيله او ادب فكان يباع فيه كل شي ء، و كان اكثر ما يباع فيه (الاديم) و هو الجلد المدبوغ، و لذا نسب اليه، و المعني انه كما يمد الاديم (كالمطاط) كذلك تديمين انت يا كوفه بواسطه العسف و الحروب و الانقلابات و الثورات (تعركين بالنوازل) جمع نازله و هي المصيبه الشديده سميت بذلك لانها تنزل من السماء، و العرك الذلك (و تركبين بالزلازل) جمع زلزله، و هي الامر الذي يوجب

الاضطراب و التحريك العنيف، اي ان الزلازل تركبك، و تكون فيك. (و اني لاعلم انه ما اراد بك جبار سوا الا ابتلاه الله بشاغل) اي بما يشغله عنك، من مرض او موت او ما اشبه مما يصرفه عنك، و المراد الجبار الظالم الذي يجبر الناس علي ما يريد (و رماه بقاتل) اي بامره يقتله و يهلكه و هنا لا باس بذكر امور ثلاثه علي وجه الايجاز. الاول- ان كل دوله قامت

دفعه لابد و ان تمحي من الحيات دفعه اذا لم يكن فيها صلوح البقاء، و ان كان فيها صلوح البقاء لابد و ان تضطرب اضطرابها كثيرا، و الدوله الاسلاميه حيث قامت فجائه، و كان فيها صلاحيه البقاء اصابها اضطرابات كثيره بعد موت الرسول صلي الله عليه و آله و سلم، و في زمن عثمان، و في زمن الامام عليه السلام، و ذلك لان ولاده الحيات الجديده حيث تعارض الحيات السابقه توجب التعارض فان كان في الحيات الجديده صلاحيه البقاء تقدمت علي الحيات السابقه و الا خنقت و تقدمت الحيات السابقه عليها. و حيث ان كوفه كانت من المراكز المهمه كانت محلا للاضطرابات. الثاني- ان كوفه محترمه باحترام المسجد و احترام كونها مذفن الامام عليه السلام و لذا ما اراد الجبارون بها سوا من قتل اهلها او تشريدهم او ايذائهم الا كان ذلك خلافا للحرمتين و لذا يدافع الله سبحانه عنهم. الثالث- ان كوفه كانت محلا للاضطرابات مثل اضطراب الثوار في زمن عثمان و اضطراب الخوارج في زمن الامام عليه السلام، و اضطراب (زياد) في زمن معاويه، و اضطراب (ابن زياد) في زمن يزيد، ثم (المختار) ثم (مصعب) الي غير ذلك من الاضطرابات الكثيره التي دامت حوالي قرن، اما

ابتلائهم فقد روي الموروخون ان زياد رمي با

لفالج و ابنه عبيدالله رمي بالجذام، و الحجاج اصابه داء في مقعده و تورات الديدان الكبار في بطنه حتي اهلكته خنفسانه لدغت استه و عمرو بن هبيره و ابنه يوسف اصابهما البرص و خالد القسري ضرب و حبس حتي مات جوعا، و مصعب و يزيد المهلب قتلا، و هكذا …

خطبه 048

[صفحه 217]

عند المسير الي الشام ان الامام عليه السلام لما اراد الذهاب الي صفين لمقاتله معاويه بعث زياد بن النصر و شريح بن الهاني في اثني عشر الف فارس مقدمه له و امرهم ان يلزموا شاطي ء الفرات فاخذوا شاطئها من قبل البر مما يلي الكوفه حتي بلغوا (عانات)،- و الملطاط- هو جنب الشاطي ء الفرات ثم خرج عليه السلام من الكوفه و انتهي الي المدائن فحذرهم و وعظهم ثم سار عنهم و خلف عليهم عدي ابن حاتم و تبعه ثمانمائه رجل تحت لواء عدي و خلف ابنه زيد عليهم ثم تبعه زيد باربعمائه آخرين ثم التحق المقدمه بالامام عليه السلام حتي تلاقي الجيشان في صفين. (الحمد لله كلما وقب ليل) اي دخل الليل (و غسق) اي اشتدت ظلمته (و الحمد لله كلما لاح نجم) اي اظهر في السماء (و خفق) اي غاب، او تموج بسبب هبوب الهواء (و الحمد لله غير مفقود الانعام) اي ان نعمه لا تفقد بل تستمر و تتوالي (و لا مكافي ء الافضال) اي ان الانسان لا يتمكن ان يكافي ء، فضله و احسانه، اذ لا يملك الانسان شيئا ليرده علي الله سبحانه في مقابل فضله و رحمته (اما بعد فقد بعثت مقدمتي) اي مقدمه جيشي- كما مر- (و امتهم بلزوم هذا الملطاط) هو حافه الوادي و شفيره و ساحل البحر

(حتي ياتيهم امري)

و انهم ماذا يصنعون (و قد اردت ان اقطع هذه النطفه) اي الفرات لان الامام عليه السلام عبره الي المدائن، و النطفه هي المال القليل، و لذا سمي المني بالنطفه، و لعل تسميته بها توهينا له في مقام عزم الامام عليه السلام (الي شر ذمه منكم) اي جماعه منكم، و هم اهل المدائن (موطنين اكناف دجله) اي الذين اخذوا الوطن في جوانب نهر دجله، فان اكناف جمع كنف و هو الطرف. (فانهضهم معكم الي عدوكم) اي اجعلكم يتعاونون معكم لمحاربه معاويه (و اجعلهم من امداد القوه لكم) الامداد جمع مدد و هو ما يتقوي الجيش به من الرجال و السلاح.

خطبه 049

[صفحه 219]

(الحمد لله الذي بطن خفيات الامور) معني بطن الخفيات علمها، و خفيات الامور، ما خفي علي الحواس من اعماقها، و من ما غاب عنها، كاعماق البحار، و كنه الانسان و الحيوان، و ابعاد السماء و ما اشبه ذلك كله (و دلت عليه) تعالي (اعلام الظهور) جمع علم، و هو علامه الشي ء الداله عليه، و المراد بها الادله الظاهره، التي تدل عليه سبحانه من السماء و الارض و النجوم و المياه و غيرها، فان كل شي ء ظاهر يدل علي ان له الها قادرا عالما حكيما (و امتنع علي عين البصير) فان الانسان المبصر لا يشاهده و لا يراه لا في الدنيا و لا في الاخره لفقد شرائط الرويه بالنسبه اليه كما ذكروه في علم الكلام، و الاتيان بلفظه (البصير) للتعميم، نحو (و لا طائر يطير بجناحيه). (فلا عين من لم تره ينكره) اذ العين انما تنكره غير المبصر اذا لم يدل عليه دليل، و قد دلت الادله علي وجوده تعالي (و لا قلب من اثبته

يبصره) اي المثبت لوجوده تعالي لا يتمكن من رويته، و المراد ان غير الرائي لا يتمكن من انكاره و المثبت لا يتمكن من ابصاره (سبق في العلو) السبق بالنسبه الي الاوليه، و السبق بالنسبه الي الاوليه، و السبق بالنسبه الي العظمه، فهو قبل كل عال، كما انه اعلي من

كل عال رتبه (فلا شي ء اعلي منه) فان المخلوق لا يمكن ان يكون اعلي من الخالق (و قرب في الدنو) الي الاشياء دنو علم و قدره (فلا شي ء اقرب منه) حتي انه سبحانه اعلم بالانسان و اقدر علي الانسان، من الانسان بالنسبه الي نفسه. (فلا استعلائه) اي علوه (باعده عن شي ء من خلقه) كما هو الشان في الاجسام فلكما علي جسم علي جسم ازدار ابتعادا عنه (و لا قربه) تعالي الي الاشياء (ساواهم في المكان به) اذ ليس القرب هنا بمعني القرب الجسمي حتي بكون المتقارب الي الشي ء مساويا له في المكان، بل كما تقدم علو معنوي و قرب بالعلم و القدره و الاحاطه (لم يطلع العقول علي تحديد صفته) فان عقل الانسان لا يتمكن من ادراك صفته سبحانه، اذ المدرك يحيط بالمدرك، و الله سبحانه لا يحاط بذاته و لا اوصافه لانها غير متناهيه و الشي ء المتناهي لا يحيط بما لا يتناهي (و لم يحجبها عن واجب معرفته) يعني ان العقل و ان لم يطلع علي كنه صفاته تعالي، ولكنه يعرف مقدارا قليلا- مما وجب ان يدرك و يعرف- فالعقل يدري انه تعالي عالم قادر حكيم- مثلا- و ان لم يك يدرك حقائق هذه الاشياء. (فهو) سبحانه (الذي تشهد له اعلام الوجود) اي ادلته، و المراد بها المجودات، لانها اعلام و ادلته علي

وجوده تعالي (و في

كل شي ء له آيه) (تدل علي انه واحدا) (علي اقرار قلب ذي الجحود) يعني ان الانسان الذي يجحد و ينكر وجوده باللسان، فانما هو مقر بالقلب، لما يعرف من اعلام الوجود و الايات الكونيه، كما قال سبحانه (و جحدوا بها و استيقنتها انفسهم) فالشهاده انما وصلت الي قلب الجاحد، و لم يتمكن الجاحد، ان يدفع قلبه حتي لا يعترف، فانما هو مضطر الي الاذعان (تعالي الله) اي ترفع (عما يقوله المشبهون به) فهو ارفع من مزاعم الوثنيين الذي يشبهون الله بخلقه، و مزاعم الذين يظنون ان الله جسم اوله صفات الاجسام (و الجاحدون) اي المنكرون (له) فانه ارفع عن الانكار، فلا يمكن انكاره (علوا كبيرا) اي علوا زائدا.

خطبه 050

[صفحه 221]

(انما بدء وقوع الفتن) جمع فتنه، اي ابتداء وقوعها (اهواء تتبع) بان يتبع ملقي الفتنه هواه صارفا نظره عن الحق و الدين (و احكام تبتدع) بان يبتدع الشخص حكما جديد احدثه من نفسه، يجمع له انصارا حتي يصطدم بالمحقين و يسبب الفتنه و الاضطراب (يخالف فيها) اي في تلك الاحكام (كتاب الله) سبحانه (و يتولي عليها) اي علي تلك الاهواء و الاحكام (رجال رجالا) بان يستعين الاناس المبتدعون باناس آخرين (علي غير دين الله) يعني ان التولي و النصره ليس علي دين الله، و انما علي الهوي و البدعه (فلو ان الباطل خلص من مزاج الحق) اي كونه ممازجا و مخلوطا بالحق، بان كان الباطل في جانب و الحق في جانب آخر (لم يخف) الباطل (علي المرتادين) اي الطالبين للحقيقيه و الحق، من ارتاد بمعني طلب، و المراد به طالب الحق، (و لو ان الحق خلص من لبس الباطل) بان لم يلبس علي الحق لباس الباطل

(لا نقطعت عنه) اي عن الحق (السن المعاندين) فان الذين يعاندون الحق انما يمدون السنتهم الي الحق، بالطعن فيه من جهه الباطل الذي صار لبساله، باعمال الذين يلبسون الحق بالباطل، و حاصل الفقرتين انه لو كان الباطل معلوما اجتنبه الناس، و لو كان الحق ظاهرا لم يلبسه الناس بالباطل

لم يجد المبطلون طعنا في الحق، اذ الحق لا طعن فيه (ولكن يوخذ من هذا) اي الحق (ضغث) اي قبضه و مقدار (و من هذا) اي الباطل، (ضغث) و الفاعل لذلك اهل الباطل، فان اهل الحق لا ياخذون الا الحق (فيمزجان) و يخلط احدهما بالاخر (فهنا لك يستولي الشيطان علي اوليائه) اي احبائه و التعابعين له، بان ياخذون الباطل باسم الحق و يطعنون في الحق، لانه ملبوس بالباطل (و ينجو) من التردي (الذين سبقت لهم من الله الحسني) اي الذين علم الله سبحانه انهم لهم الصفه الحسني، فلا ياخذون الا بالحق.

خطبه 051

[صفحه 223]

لما غلب اصحاب معاويه اصحابه عليه السلام علي شريعه الفرات الصفين و منعوهم من الماء و ذلك انه وقع في (صفين) اوجب زحزحه اصحاب الامام عليه السلام عن النهر فلما انزاحوا عنه استولي عليه اصحاب معاويه و منعوا اصحاب الامام من الماء. (قد استطعموكم القتال) اي طلبوا منكم ان تطعموهم، و ذلك لان عملهم ذلك كان في معني طلب القتال (فاقروا علي مذله) اي اما ان تقروا علي الذل و لا تحاربهم (و تاخير محله) اي تاخير المنزله عن رتبه الشرف و الشجاعه و الدفاع عن الحقوق (او رووا) من الارتواء بمعني الشرب من الماء الي ان يذهب الظماء و يمتلي البطن من الماء (السيوف من الدماء) بتكثير القتل فيهم (ترووا من الماء) لانهم اذا وجدوا السيف

انزاحوا عن الماء (فالموت في حياتكم مقهورين) اي ان الانسان المقهور ميت، و ان كان في الظاهر حيا، و انما يطلق علي الميت، لانه لا يظهر منه اثار الحياه التي هي حمايه الوقار و الشهامه و الشجاعه (و الحيات في موتكم قاهرين) لان القاهر تبقي اثاره الحيويه و ذكر الجميل بعده، و ذلك ثمره الحيات. (الا) فليتنبه السامع (و ان معاويه قادلمه من الغواه) اللمه الذين يجمعون من اللم بمعني الجمع و الغوات جمع غاوي، بمعني الض

ال (و عمس عليهم الخبر اي اخفي الحقيقه عليهم (حتي جعلوا نحورهم اغراض المنيه) نحور جمع نحر، و اغراض جمع غرض و هو الهدف كانهم استعدوا لان يموتوا في سبيل معاويه، و هذا تحريض لاصحابه عليه السلام لقتالهم و بيان مقدار صمود اولئك حتي يقدروا موقفهم فان بيان مقدار استعداد العدو موجب للاستعداد في الطرف المقابل.

خطبه 052

[صفحه 225]

في التزهيد في الدنيا، و نعم الله علي الخلق (الا) فلينتبه السامع (و ان الدنيا قد تصرمت) اي انقطعت و ذهبت (و اذنت) اي اعلمت (بوداع) بانها تذهب و تنقضي (و تنكر معروفها) اي صار المعروف قليلا حتي انه ينكر و لا يعرف، و هذه الجمله و اشباهها بالنسبه الي كل زمان و اهل كل قرن، اذا انقلبت احوالهم من حسن الي سي ء و قد كان هذا زمان الامام عليه السلام حيث ان عصره بالنسبه الي عصر الرساله كان كذلك (و ادبرت) الدنيا (حذاء) اي مسرعه في الذهاب و الرحيل (فهي تحفز) اي تدفع (بالفناء) اي نحو الموت (سكانها) الذين هم ساكنون فيها في حيات و عيش (و تحدوا) الدنيا اي تسوق (بالموت جيرانها) الذين يجاورونها فالدنيا سائقه و الموت عصاها و الهلاك الغايه

(و قد امر) اي صارموا نحو اظلم بمعني صار الظلام (منها) اي من الدنيا (ما كان حلوا) هذا كنايه عن المشاكل التي حدثت فيها (و كدر منها) اي من الدنيا (ما كان صفوا) اي تغير لونه من الصفاء الي الكدوره (فلم يبق منها الاسمله) هي بقيه الماء في الحوض و نحوه (كسمله الاداوه) هي المطهره التي يتطهر بها و ذكر ذلك لتاكيد الحقاره (او جرعه) هي المقدار الذي يتجرعه الانسان مره واحده (كجرعه المقله) المقل

ه حصات كان المسافرون يضعونها في الاناء ثم يصبون الماء فيه الي ان يغمرها و يتناول كل منهم مقدار ما غمره، يفعلون ذلك لتسويه القسمه فيما شح مائهم (لو تمززها) التمزز الامتصاص قليلا قليلا (الصديان) هو العطشان (لم ينقع) اي لم يرو من العطش (فازمعوا) اي عزموا، يا (عباد الله الرحيل) فان مريد السفر يخفف حمله و يهتم بالامر، و ليس كالضاعن الذي لا يبالي. (عن هذه الدار المقدور علي اهلها الزوال) اي ان الله سبحانه قدر و حكم علي زوال اهلها و عدم بقائهم فيها (و لا يغلبنكم فيها) اي في الدنيا (الامل) فتاملون البقاء الطويل، و تهتمون بها (و لا يطولن عليكم الامد) بان اذا رايتم انه قد طال امدكم و مدتكم في البقاء، تركنون اليها و تنسون الاخره (فو الله لو حننتم) التحنن العطف و الميل (حنين الوله) جمع واله، و هي الابل التي فقدت ولدها، كما ياتي جمع والهه ايضا (العجال) جمع عجول و هي الابل التي فقدت ولدها، و كان الوصفين باعتبارين انها والهه و انها تعجل في الامر للحصول علي ولدها (و دعوتم بهديل الحمام) هديله صوته الشجي لفقد الفه (و جارتم) اي دفعتم اصواتكم،

من الجوار و هو الصوت المرتفع (جوار متبتلي الرهبان) المتبتل المنقطع للعباده، و الرهبان

جمع راهب، و هو الخائف، غلب علي المسيحي المنقطع عن الدنيا الي العباده. (و خرجتم الي الله) اي الي محل تعبدونه فيه (من الاموال و الاولاد) لئلا تتعلقون بعلائقها فتصرفكم عن العباده (التماس القربه اليه) اي لاجل طلب التقرب اليه تعالي، و المراد تقرب المنزله و المرتبه، فانه سبحانه منزه عن المكان (في ارتفاع درجه عنده) بان يتفضل عليكم برفع الدرجات في الاخره (او غفران سيئه احصتها) اي اثبتها (كتبه) جمع كتاب، و هو ما يدرج فيه اعمال اخلائق (و حفظها رسله) و هم الملائكه، كما قال سبحانه (ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد) (لكان قليلا) جواب (لو) (فيما ارجو لكم من ثوابه) فان ثوابه سبحانه شي ء عظيم جدا، حتي انه لا يخطر بقلب بشر من كثرته و عظمته- كما المح الي ذلك بعض الاحاديث- (و اخاف عليكم من عقابه) اذ عقابه لا يطاق، و ما كان كذلك كان اللازم ان يدئب الانسان للفرار منه، و النيل من الثواب. (و الله لو انماثت قلوبكم انمياثا) انماث بمعني ذاب، و هذا كنايه عن انكسار النفس خوفا و وجلا تشبيها للمعقول بالمحسوس (و سالت عيونكم) اي دموعها، من قبيل سال الميزاب- لعلاقه الحال و المحل- (من رغبه اليه) الي ثوابه و رضاه تعالي (او رهبه منه) اي خوفا

من نكاله و سخطه (دما) فان الانسان اذا بكي كثيرا جف ماء عينيه و يوجب الضغط اخراج الدم من اماقه (ثم) لترتيب الكلام لا ترتيب الموضوع (عمرتم في الدنيا ما الدنيا باقيه) اي الي آخر ايام الدنيا و (ما) بمعني (المده) (ما جزت اعمالكم عنكم)

جواب (لو) و مفعول (جزت) ما ياتي من قوله (انعمه) يعني انكم لو كنتم كذلك، لم تكن تجزي اعمالكم في مقابل نعمه تعالي، فكيف اذا لم تكونوا كذلك؟. (و لو لم تبقوا شيئا من جهدكم) هذه جمله معترضه بين الفعل و هو (جزت) و بين المفعول و هو (انعمه) و انما جئي بهذا الاعتراض لانه من تتمه الكلام السابق، يعني انكم لو علمتم بمنتهي طاقتكم مع ذلك لا تودون حق نعم الله سبحانه (انعمه عليكم العظام) هذا مفعول (جزت) و ترتيب الكلام هكذا: لو انماثت قلوبكم و لم تبقوا شيئا من جهدكم، ما جزت اعمالكم انعمه العظام (و هداه اياكم للايمان) فالهدايه نعمه تشريعيه، و سائر النعم نعم تكوينيه، و اني للانسان، ان يقوم باداء حق هذه النعم التي لا تقابل بشي ئ؟

[صفحه 229]

في ذكر يوم النحر، و صفه الاضحيه (و من تمام الاضحيه) هي منسوبه الي الاضحي، اذا كان ذبحها وقت الضحي في اليوم العاشر من ذي الحجه، او الي يومين بعدها ايضا، و معني (من تمامها) ان ما يذكره عليه السلام من الشروط شرائط او اداب (استشراف اذنها) اي طولها، و ذلك كنايه عن عدم نقصها خلقه او عارضا، يقال استشرف الرجل اذ ارتفع (و سلامه عينها) بان لا تكون عوراء و نحوها (فاذا سلمت الاذن و العين سلمت الاضحيه و تمت) بمعني ان الشرط المهم، الذي يمكن خلافه في الاضاحي قد وجد، و هذا لا ينافي في اشتراط امور اخر- كما ذكر في الفقه- (و لو كانت عضباء القرن) اي مكسورته (تجر رجلها الي المنسك) و هذا كنايه عن عرجتها و المنسك المذبح.

خطبه 053

[صفحه 230]

و قد كان يمنع اصحابه من قتال اهل الشام- في صفين-

ليبتدء القوم بذلك، و لاتمام الحجه (فتداكوا) من باب التفاعل، بمعني التزاحم، كانه يدك بعضهم بعضا (علي تداك الابل الهيم) جمع هائم، و هي الواله عطشا (يوم وردها) اي يوم شربها الماء، فان الابل في ذلك اليوم تتزاحم بعضها بعضا تزاحما عجيبا (قد ارسلها) اي اطلقها علي الماء (راعيها) فلا ينظم صفوفها (و خلعت مثانيها) جمع مثني و مثناه و هو الحبل الذي يعقل به البعير، اي ان الحبال قد فكت عنها (حتي ظننت انهم قاتلي) و معني ظننت ان المحل كان محل الظن، فان شده الازدحام يوجب ان يداس الانسان، و ان يضيق عليه التنفس مما يوجب زهاق الروح (او بعضهم قاتل بعض لدي) لعين السبب الذي ذكر، و كثيرا مات في الزحام بعض الناس- و هذه الجمله مقدمه، لبيانه عليه السلام جواز قتال هولاء، اذا انهم انما يحاربون اماما عين بهذه الكيفيه من الالحاح و الاصرار. (و قد قلبت هذا الامر) اي قلبت وجوه الراي في مقاتله هولاء القوم (بطنه و ظهره) و هذا من باب تشبيه المعقول بالمحسوس، فكما ان من يريد اختبار شي ء يقلب اطرافه، كذلك من يريد الاقدام علي عمل مهم لينكر في وجوهه و محتملاته (حتي منعني النوم) اي ان الن

كر منعني عن النوم (فما وجدتني) اي لم اجد نفسي (يسعني الا قتالهم) اي لا يجوز لي ذلك، لانهم اهل الباطل (او الجحود) اي الانكار (بما جائني به محمد صلي الله عليه و آله و سلم) فان من ترك قتال البغات كان منكرا لامر الرسول صلي الله عليه و آله و سلم بلزوم قتالهم كما قال سبحانه (فان بغت احديهما علي الاخري فقاتلوا التي تبغي حيت تفي ء الي امر الله).

(فكانت معالجه القتال) اي اعالجه و اقاسي مشقاته (اهون) و ايسر (علي من معالجه العقاب) في الاخره، الناشي ء عن مخالفه الله و الرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم (و موتات الدنيا) اي اهوالها و شدائدها الشبهيه بالموت صعوبه و اذيه- مما تسببها الحرب- (اهون علي من موتات الاخره) التي تسببها مخالفه الله و الرسول صلي الله عليه و آله و سلم، و هذا كنايه عن انه يري قتالهم، ولكنه انما لا يقدم لمصالح اخر، كما ذكر بعضها، فليس في تاخيره عليه السلام قتالهم ترددا و شكا، و انما مصلحه و حكمه.

خطبه 054

[صفحه 232]

و قد استبطاء اصحابه اذنه لهم في القتال بصفين فلقد كثر الحاح اصحاب الامام عليه السلام له بان ياذن لهم في قتال اهل الشام فكان لا ياذن لهم، حتي زعم بعضهم ان الامام يكره من الموت المحتمل و زعم آخرون انه شاك في جواز قتالهم فقال عليه السلام: (اما قولكم: اكل ذلك كراهيه الموت؟) اي كل المنع عن القتال لاجل ان الامام يكره الموت (فو الله) ليس كذلك اذ (ما ابالي) اي لا اهم (ادخلت الي الموت او خرج الموت الي) هذا تشبيه للموت بسبع في و جاره يدخل الانسان اليه تاره فيفترسه، و يخرج هو الي الانسان مره فيقتله، فانه قد يهاجم الانسان، فكانه دخل الي الموت، و قد يهاجم فكان الموت دخل عليه (و اما قولكم) ان في عدم اذني (شكا في) جواز قتال (اهل الشام ف) ليس كذلك اذ (و الله ما دفعت الحرب يوما الا و انا اطمع ان تلحق بي طائفه) من اصحاب معاويه (فتهتدي بي) اي بسببي الي الحق فان الخداع لا يلبث ان يزاح فيظهر الحق

(و تعشو) يقال عشا الي النار اذا ابصرها ليلا فقصدها (الي ضوئي) و يكون ذلك سببا لنجاتهم من النار (و ذلك) اي الصبر لعل طائفه يهتدون (احب الي من ان اقتلها علي ضلالها و ان كانت) تلك الطائفه حينذاك (تبوء باثامها) اي تحمل خطاياه

ا، فتاخيري للرفق لا لخوف الاثم.

خطبه 055

[صفحه 234]

يبن موقف اصحاب الرسول و صبرهم و ثباتهم حتي تمكنوا من اعلاء كلمه الاسلام (و لقد كنا مع رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم) في بدء الاسلام (نقتل آبائنا و ابنائنا و اخواننا و اعمامنا) يريد بذلك انهم كانوا مستعدين لان يضحوا في سبيل الاسلام باقرب اقربائهم (ما يزيدنا ذلك) القتل للاقارب (الا ايمانا و تسليما) فلم نكن نجد في انفسنا غضاضه في الاسلام و الايمان، بل كنا نزيد صمودا فان الانسان كلما فدي شيئا باشياء ثمينه لديه يزداد ذلك الشي ء قربا عنده و منزله لديه (و مضيا علي اللقم) هو جاده الطريق (و صبرا علي مضض الالم) اي لذعته و شدته، فكنا نزداد صبرا و استقامه بكثره المجاهده و تفديه الارقاب (و جدا في جهاد العدو) فتقوي انفسنا علي الجهاد اكثر فاكثر. (و لقد كان الرجل منا و) الرجل (الاخر من عدونا يتصاولان) اي يطلب كل واحد منهما ازهاق روح الاخر، فان التصاول هو ان يحمل كل قرن علي قرنه يريد قتله (تصاول الفحلين) من الشاه (يتخالسان انفسهما) اي يريد كل منهما ان يختلس روح الاخر و يسلبه عن بدنه (ايهما يسقي صاحبه كاس المنون) المنون هو الموت و قد شبه بكاس الخمر من جهه ان كلا منهما يوجب انتقال الانسان من حال الي حال فا

لخمر توجب ذهاب العقل و الموت

يوجب ذهاب الروح (فمره) يكون الغلب (لا من عدونا) فنغلبهم (و مره لعدونا منا) فيكون الغلب لهم (فلما راي الله صدقنا) في الجهاد و المثابره و انا ماضون سواء غلبنا او غلبنا (انزل بعدونا الكبت) اي الذل و الخذلان (و انزل علينا النصر) حتي انتصرنا عليهم في نهايه المطاف. (حتي استقر الاسلام) فان لم يخف ازالته و محوه عن الوجود (ملقيا جرانه) جران البعير مقدم عنقه من مذبحه الي منحره، و البعير اذا نام آمنا القي جرانه علي الارض، و هذا كنايه عن استقرار الاسلام و عدم الخوف عليه من الاعداء (و متبوا اوطانه) يقال تبوء الدار اذا حعلها منزلا و ماوي له، يعني ان الاسلام اتخذ لنفسه اوطانا هي محل اجتماع المسلمين و دارا منهم (و لعمري) اي قسما بحياتي- فان عمر بمعني الحيات- (لو كنا ناتي) في سبيل الاسلام مثل (ما اتيتم) انتم اليها المعاصرون لي، من الضعف و الجبن و الوهن (ما قام للدين عمود) فكما ان الخباء يقوم بالعمود كذلك الدين يقوم بشعائره و احكامه (و لا اخضر للايمان عود) كنايه عن عدم حياته، فان الشجر اذا لم يخضر عوده كان دليلا علي موته. (و ايم الله) ايم بمعني القسم- و فيه لغات- اي قسما بالله سبحانه (لتحتلبنها دم

ا) الاحتلاب اخراج ما في الضرع من اللبن بالحلب، و الضمير في (لتحتلبنها) عائد الي ما يفهم من قوله (ما اتيتم) و هو (الاعمال) اي تستنتجون من اعمالكم شيئا سيئا كما ان من يحتلب الناقه فياتي الدم مكان الحليب يكون وبالا عليه (و لتتبعنها) اي تندمون علي وهنكم و ضعفكم و قد كان كما ذكره الامام عليه السلام فان وهنهم اوجب قتل الامام عليه السلام

و استيلاء معاويه مما نكل بهم تنكيلا ذريعا، و تنابعت عليهم الفتن و المصائب.

خطبه 056

[صفحه 237]

وصف به معاويه بن ابي سفيان و استيلائه علي الحكم (اما) للتنبيه (انه سيظهر عليكم) اي يتسلط عليكم يا اهل الكوفه، كما قال سبحانه (انهم ان يظهروا عليكم يرجموكم) (بعدي رجل رحب البلعوم) اي واسع مجري الحلق، و ذلك كنايه لكثره اكله، و كبر لقمته (مندحق البطن) اي عظيم البطن بارزه (ياكل ما يجد) من الملك، و من الطعام، فان معاويه كان كثير الاكل بعد ما دعا عليه الرسول صلي الله عليه و آله و سلم بقوله: اللهم لا تشبع بطنه، كما انه كان حريصا علي توسيع سيطرته (و يطلب ما لا يجد) من الماكل، و الاملاك، (فاقتلوه) لانه غاصب ظالم مفسد (و لن تقتلوه) هذا اخبار عنه عليه السلام بانهم لم يفعلوا ذلك، و ان كان مستحقا للقتل و لو كان المسلمون قتلوه يوم وجدوه لم يجرهم الي تلك الويلات التي يقاسي المسلمون عواقبها الي يومنا هذا، و الي ظهور الامام الحجه عليه الصلاه و السلام (الا) فتنبهوا (و انه سيامركم بسبي) فقد كان معاويه لعنه الله يامر بسب الامام و شتمه، لاسقاط منزلته عن القلوب- ولكن: ابي الله الا ان يتم نوره-. (و) يامركم (بالبرائه مني) بان تبرئوا مني باطنا، فان السب لساني، و البرائه باطنيه (فاما السب فسبوني) و قد اباح الاسلام اظها

ر السب باللسان لانقاذ الحياه، كما ورد في قصه عمار انه نال الرسول صلي الله عليه و آله و سلم بلسانه حينما اجبره المشركون علي ذلك، فانزل الله سبحانه (الا من اكره و قلبه مطمئن بالايمان) و قال له الرسول صلي الله عليه و آله و سلم:

ان عادوا فعد (فانه) اي السب (لي زكاه) اي تطهير عند الله سبحانه، فان الله يرفع درجه الامام- و ذلك مشابه للتطهير- بما يناله من السب، و مضافا الي ذلك انه زكاه للامام في الدنيا، اذ المظلوم يلتف الناس حوله اكثر (و لكم نجاه) عن القتل الذي ينزله معاويه بكم ان امتنعتم عن سبي (و اما البرائه) القلبيه (فلا تتبرئوا مني) و لا تقطعوا ودكم وصلتكم القلبيه عني. لا يقال كيف يمكن قطع الصله القلبيه عن الشخص مع انه امر قلبي ليس باختيار الانسان ايجاده او افنائه، فكيف يقع ذلك مورد النهي؟ فان الجواب واضح اذ الود كسائر الامور القلبيه- غالبا- قابله للايجاد و الافناء بالتفكر و العنايه و جمع الادله و الشواهد، و لذا تري الانسان يحب انسانا ثم اذا اراد ان يبغضه تمكن من ذلك بقطع صلاته منه اولا ثم التجنب عنه و جمع النقد و النقص له، و هكذا بالعكس (فاني ولدت علي الفطره) اي فطره الاسلام، فقد ورد ان كل مولود يولد علي الفطره

لا ان ابويه هما اللذان يهودانه و ينصرانه و يمجسانه- و هذه الجمله كمقدمه للجمله الثانيه- اذ كل انسان يولد علي الفطره اما الانسان الذي ولد علي الفطره وراعي فطرته الي اخير حياته فذلك خاص بمن لم يشرك (و سبقت) الناس (الي الايمان) حيث كان الامام عليه السلام اول الناس ايمانا (و الهجره) مع الرسول صلي الله عليه و آله و سلم الي المدينه، فلا يوجد في ما يبرر البرائه مني، لاني متصل الايمان و الاطاعه.

خطبه 057

[صفحه 240]

كلم به الخوارج، حين زعموا الامام قد كفر لانه رضي بالتحكيم، و طلبوا منه ان يتوب عن كفره!! (اصابكم حاصب) هي ريح

شديده تحمل الحصباء اذا اصابت الانسان اعطبته و الجمله دعاء عليهم بالهلاك (و لا بقي منكم ابر) اي رجل يقوم بتابير النخل و اصلاحه، من ابر النخل اذا لقحه، و هذا دعاء عليهم بالفناء جميعا (ابعد ايماني بالله) الهمزه للاستفهام الانكاري (و جهادي مع رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم اشهد علي نفسي بالكفر) اي كيف اشهد و انا اول المومن و اول مجاهد فان الكافر لا يكون مومنا و لا مجاهدا (لقد ضللت اذا و ما انا من المهتدين) (اذا) اي اذا كان الامر كذلك و هذا اقتباس من القرآن الحكيم (فاوبوا شر ماب) اي ارجعوا عن دينكم الي شر مرجع و هو الكفر (و ارجعوا علي اثر الاعقاب) جمع عقب، و اثرها العلائم التي تتركها علي الارض عند المشي، و ذلك لتاكيد كون الرجوع في نفس المسير الذي ساروا فيه، و الامر في المقامين للتهديد، و اظهار التضجر. (اما انكم) ايها الخوارج (ستلقون بعدي ذلا شاملا) اي ذلا يشملكم فقد وضع آل اميه فيهم السيف و عمموهم بالذل بلا هواده و لا رحم و هذا طبيعي بالنسبه الي من يجرء الي اولي الامر، فان ولي الامر، ا

ذا كان منصفا و كان معارضه و قحا، جر ذلك الي ذله في المستقبل لعدم تحمل كل رئيس القحه من الناس (و سيفا قاطعا) كنايه عن قتلهم بايدي الروساء من بعد الامام عليه السلام (واثره) هي الاختصاص بالملك دون الخوارج بعدم اشراكهم في دائر او عمل او مال (يتخذها الظالمون فيكم سنه) اي عاده مستمره لا يحيدون عنها.

خطبه 058

[صفحه 242]

لما عزم علي حرب الخوارج و قيل له: انهم قد عبروا جسر النهروان و ذلك ان

الامام عليه السلام بشر بان الخوارج قد ولوا و عبروا النهر فاعطوه اقفيتهم، و العدو اذا كان قفاه في طرف الانسان كان غزوه اسهل و الوقيعه فيه ايسر، لكن الامام عليه السلام يعلم الغيب عرف كذب الخبر، و كان كما اخبر (مصارعهم) اي مواضع و قوعهم قتلي علي وجه الارض (دون النطفه) اي قبل الفرات و النطفه اصلها الماء القليل، و لذا يقال للمني (نطفه) و استعملت في الماء الكثير اما بعلاقه … او باعتبار قياسه الي ماء البحر (و الله لا يفلت منهم عشره) اي لا ينجوا من الخوارج عشره فانهم قتلوا جميعا باستثناء تسعه منهم (و لا يهلك منكم) اصحابي (عشره) فانه قتل منهم ثمانيه اشخاص فقط.

خطبه 059

[صفحه 243]

و لما قتل الخوارج، قيل له: يا اميرالمومنين هلك القوم باجمعهم (كلا و الله) (كلا) للردع اي انهم لم يهلكوا جميعا (انهم نطف في اصلاب الرجال) نطف جمع نطفه، و اصلاب جمع صلب، و هو فقار الظهر، سميت بذلك لصلابتها، و المني مستقر في الصلب (و قرارات النساء) اي ترابئهن و هي عظام الصدر، كما قال سبحانه (يخرج من بين الصلب و الترائب) و هذا كنايه عن انهم يمتدون و يخرجون من آبائهم الي الوجود، و قد كان كما اخبر الامام فان بعض الخوارج لم يقتلوا ثم اخذوا يكثرون بالتوالد و باغواء الناس حتي قتلوا الامام و افسدوا بلاد الاسلام، و بقوا الي يومنا هذا (كلما نجم) اي ظهر (منهم قرن) اي فئه، و سميت قرنا لكونها شبيها به في ظهوره اول ما يظهر من اجزاء الحيوان (قطع) اي استئصل، و ذلك لانهم كانوا ضد السلطات دائما، كما عرف الامام عليه السلام من طبيعتهم (حتي يكون آخرهم) اي

مال آخرهم ان يصبحوا (لصوصا سلابين) فانهم اذا لم يتمكنوا من مواجهه السلطات علنا التجئوا الي الجبال و الصحاري يسلبون الناس و يفسدون في الارض.

خطبه 060

[صفحه 244]

(لا تقتلوا الخوارج من بعدي) و انما نهي عن قتلهم لانه علم عدم ولايه الامر- بعده- من يستحقه، و من المعلوم انه لا يجوز لغير الوالي الشرعي قتل الناس كذا قيل لكن فيه نظر لما ذكره عليه السلام من التعليل بقوله (فليس من طلب الحق فاخطاه … الباطل فادركه) فان الخوارج كانوا قد طلبوا الحق، لكنهم اخطئوه، بخلاف معاويه و اصحابه الذين ارادوا الباطل فاصابوه و هنا اسئله. الاول- انه عليه السلام كيف قتلهم، مع انه نهي عن قتلهم؟ الثاني- هل انهم كانوا علي خطاء معذورين؟ الثالث- هل لا يجوز قتل المخطي ئ؟ و الجواب اما عن الاول، انه انما قتلهم لانهم اثاروا الفتن و خرجوا علي امام الزمان و مثل هولاء يجب قتلهم في الشريعه، و انما نهي عن قتلهم علي تقدير بقائهم متفرقين لا يثيرون قلاقل و فتن، و الكلام و ان كان مطلقا لكن لابد من حمله علي ذلك جمعا بين الادله. و اما عن الثاني، انهم كانوا علي خطاء لكنهم لم يكونوا معذورين لتمام الحجه عليهم، و من المعلوم الفرق بين المخطي ء الذي يريد الحق، و الذي يريد الباطل. و اما عن الثالث، فبانه لا يجوز قتل المخطي ء الذي لا يتم علي الحجه اما من تمت عليه الحجه فقتله جائز مباح اذا تجمعت اسباب الجواز. ق

ال الشريف الرضي- في معني قوله عليه السلام كمن طلب الباطل فادركه- (يعني معاويه و اصحابه).

خطبه 061

[صفحه 246]

- لما خوف من الغيله- (الغيله) القتل علي غفله من المقتول، فقد كان ابن ملجم لعنه الله المح الي انه يريد قتل الامام عليه السلام، و قالوا للامام في ذلك لكن الامام لم يكن يبالي بل قال في جواب الناس (و ان علي

من الله جنه حصبنه) اي وقايه تحصنني عن القتل و تحفظني من الاغتيال مادام لم يات وقتي (فاذا جاء يومي) اي يوم موتي (انفرجت عني) اي ابتعدت الجنه عني و الانفراج هو الانشقاق كني بذلك عن ابتعاد الجنه (و اسلمتني) حتي اموت (فحينئذ) اي حين الانفراج و التسليم (لا يطيش السهم) من طاش السهم بمعني انحرف عن الغرض و المراد سهم المنيه (و لا يبرء الكلم) اي الجرح اي لا يطيب بل يفعل المقدور اثره، لا يقال لو علم الامام عليه السلام ان ابن ملجم قاتله كيف جاز ان يتركه و شانه؟ اذ الجواب واضح فان القصاص قبل الجنايه لا يجوز.

خطبه 062

[صفحه 247]

- في التزهيد- (الا) فليتنبه السامع (و ان الدنيا دار لا يسلم منها الا فيها) اي ان السلامه من عواقب الدنيا لا تكون الا في الدنيا فان الانسان اذا عمل صالحا و هو في الدنيا نجي من شرورها و عواقبها، و ان لم يعمل صالحا حال كونه فيها ابتلي بعواقبها السيئه (و لا ينجي بشي ء كان لها) اي ان العمل الذي يعمل لاجل الدنيا لا يكون فيه النجات و انما النجات بما يعمل للاخره (ابتلي الناس بها) اي بالدنيا (فتنه) اي لاجل الاختبار و الامتحان (فما اخذوه منها لها) اي ان الشي ء الذي اخذوه من الدنيا، لاجل الدنياهم من المال و الجاه و ما اشبه (اخرجوا منه) لان الموت اذا جاء اخرج الانسان مما هيئه من ملاذه و شهواته (و حوسبوا عليه) فان الانسان يحاسب علي ما جمع من الدنيا. (و ما اخذوه منها لغيرها) مما قدموه لاخرتهم من الانفاق و العمل الصالح (قدموا عليه) فان الانسان يذهب نحو اعماله الصالحه التي ارسلها الي

آخرته في حياته (و اقاموا فيه) اي بقوا مخلدين في النعيم الذي قدموه لانفسهم (و انها) اي الدنيا (عند ذوي العقول) الذين لهم عقول سليمه لا تخالطها الشهوات (كفي الظل) اي الظل الذي يفي ء و هو ظل ما بعد الزوال، او المراد الظل الذي يفي ء،

و هو ما قبل الزوال مما تنسخه الشمس، و هذا اقرب معني و الاول اظهر لفظا (بينا تراه) اي ذلك الظل (سابغا حتي قلص) اي انقبض (و زائدا حتي نقص) و الدنيا هكذا لا تلبث ان تزول و تعدم كان لم يكن شيئا مذكورا.

خطبه 063

[صفحه 249]

- في التزهيد- (فاتقوا الله) اي خافوا عقابه، و ذلك باتيان اوامره و الاجتناب عن زواجره (عباد الله) هذا تذكير بانهم عبيد و يجب علي العبد ان يتقي سيده و يخافه (و بادروا اجالكم باعمالكم) اي اعملوا قبل ان يوافيكم الاجل فكان الانسان و الاجل يتبادران فالانسان يريد ان يعمل قبل ان يموت و الموت يريد ان ياخذ الانسان قبل ان يعمل (و ابتاعوا) اي اشتروا (ما يبقي لكم) من الاخره (بما يزول عنكم) من الدنيا، و ذلك بان يصرف الانسان جسمه و ماله في مرضات الله حتي ينال الاخره (و ترحلوا) اي انتقلوا، و المراد به هنا لوازم الانتقال و هو تهيئه الزاد للاخره (فقد جد بكم) اي حثثتم للرحيل، يقال جد به السير اي اسرع في المسير (و استعدوا للموت) بتهيئه الامور اللائقه للاخره (فقد اظلكم) تشبيه لقربه بالشي ء الذي يظل الانسان لانه اقترب اليه حتي انه صار علي راسه و القي ظلاله عليه (و كونوا قوما صيح بهم) و الصائح هم الانبياء و الائمه و الصلحاء حيث ارادوا تنبيهم عن نومهم الذي هم

فيه فقد شبه الانسان بالنائم الذي لا يعمل صالحا و لا يدفع شرا عن نفسه (فانتبهوا) اي تيقظوا و قاموا من القوم. (و عملوا ان الدنيا ليست لهم بدار) اي دار بقاء (فاستب

دلوا) اي باعوا هذه الدار و اشتروا الدار الاخره (فان الله سبحانه لم يخلقكم عبثا) اي بلا غايه و غرض حتي يهملكم (و لم يترككم سدي) اي مهملا بلا تكليف، حتي لا يريد منك شيئا (و ما بين احدكم و بين الجنه) ان كان من اهلها (او النار) ان كان من اهلها (الا الموت ان ينزل به) فاذا مات دخل في الجنه او في النار و هذا تحريض علي العمل لقرب الغايه التي يراها الانسان نتيجه اعماله (و ان غايه تنقصها اللحظه) المراد بالغايه المده، فان مده بقاء الانسان في الدنيا تنقصها كل لحظه من لحظات الانسان اذ العمر مركب من لحظات، فكلما نقصت لحظه انتقص منه جزء (و تهدمها الساعه) فان كل ساعه تهدم جزا من اجزاء العمر (لجديره بقصر المده) اي حقيق بان تكون ذات مده قصيره (و ان غائبا) و المراد به الموت او امور الاخره (يحدوه) اي يسرعه ليحضر (الجديدان) و هما (الليل و النهار) سميا بذلك لان كلا منهما يتجدد كل يوم (لحري) اي حقيق (بسرعه الاوبه) اي الرجوع فكان كل واحد من الليل و النهار اذا جاء و مضي سبب وصول الغائب و لذا استعار عليه السلام لذلك لفظه (يحدو). كما ان لفظه (الاوبه) من باب التشبيه، و الا فالموت لم يكن سابقا، حتي يطلق عليه (اب) بمعني رجع، او باعتبار ك

ون الانسان كان سابقا جمادا فهو ميت، كما قيل في قوله تعالي (ربنا امتنا اثنتين و احييتنا

اثنتين) (و ان قادما) هو الموت او امور الاخره، مما يقدم علي الانسان- من باب التشبيه- (يقدم بالفوز) الابدي و ذلك اذا كان الانسان من اهل الصلاح (او الشقوه) اذا كان الانسان طالحا (لمستحق) ذلك القادم (لافضل العده) اي ان يعد الانسان له افضل عده حتي توجب تلك العده ان يقدم بالفوز، لا بالشقوه. (فتزودوا) اي خذوا الزائد، و هو ما يهيئه المسافر من ماكل و سائر اللوازم، لئلا يبقي في سفره خاليا عن ما يحتاج اليه (من الدنيا) بالاعمال الصالحه، و الحال انتم (في الدنيا) فان زاد الاخره انما يحصل في حال كون الانسان في الدنيا (ما تحرزون) اي تحفظون عن العذاب و السخط (به) اي بذلك الزاد (انفسكم غدا) عند الموت و بعده- و جعله غدا باعتبار مقابله اليوم الذي هو مجموع عمر الانسان في الدنيا-. (فاتقي عبد ربه) اي خاف من ربه، فلم يعص، و هذا و ما بعده اوامر، في صوره الماضي، و النكته في اخراج الامر هذا المخرج كثره شوق الامر الي المامور به حتي كانه وقع و مضي، كما انه قد ياتي الاخبار عن المستقبل بصوره الماضي نحو (نفخ في الصور) لاجل مثل ذلك (نصح نفسه) و النصح هو ان

يظهر الانسان ما يوجب سعاده الطرف، و كان الانسان بالعمل الصالح يكون ناصحا للطرف، فطرف ناصح و طرف منصوح- و السر ان الانسان يجد في نفسه ازدواجا، و لذا يكون فيها تجاذب و تدافع، نحو كل عمل خير او شر، هذا يامر و هذا ينهي (قدم توبته) بمعني انه لم يوخر، حتي يفلت الزمام من يده (و غلب شهوته) اي اشتهائه بالمعاصي و الاثام و ما يوجب بعده من ساحه

القرب. (فان اجله) الذي يوجب انتقاله من الدنيا الي الاخره (مستور عنه) اذ لا يعلم الانسان انه اي وقت يموت، فاللازم ان يقدم امره حتي اذا جائه الاجل بغته لا يحسر و لا يتاسف، (و امله) الذي يترجاه لمستقبله من الخير الدنيوي (خادع له) يخدعه فربما لا يصل الي امله، كما هو الكثير (و الشيطان موكل به) اي هو كالموكل الذي يلاحظ اموره و يوجهه نحو الضلال (يزين له المعصيه) فيبين له فوائدها، و يصرف نظره عن مضارها (ليركبها) اي يرتكبها و قد شبه تسلط الانسان علي المعصيه بالراكب المسلط علي المركوب (و يمنيه) اي يبين الشيطان للانسان ان التوبه ممكنه في المستقبل (ليسوفها) اي ليوجلها، من (سوف). (حتي تهجم منيته) اي الموت، و معني الهجوم الورود دفعه (عليه اغفل ما يكون) اي في حال كون الانسان اكثر غفله من كل وقت

(عنها) اي عن المنيه، و كونه اغفل باعتبار ان الانسان اذا تمادي في العصيان، يزداد غفله علي غفله، حتي انه في وقت المنيه اكثر الاوقات غفله (فيا لها حسره) (يا) حرف نداء، و (اللام) للاستغاثه، و راجع الي (الحسره)، و انما قدم الضمير للتهويل فان ذكر الصريح بعد التلويح اوقع في النفس، لتعطش القلب الي الاظهار بعد الاخفاء، (و حسره) تميز، و المعني، ايتها الحسره احضري فهذا وقتك، و هذا حكايه حال الذي تاتي اليه المنيه و هو اغفل ما يكون، اذا يتحسر اشد الحسره، و الحسره التاسف و الندامه، لما فات وقته، و لا تدارك لضرره. (علي كل ذي غفله) اي ان هذه الحسره الهائله انما هي للانسان الغافل عن آخرته (ان يكون عمره عليه حجه) يحتج الله سبحانه بعمره عليه فيقول (او

لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر و جائكم النذير؟) (و ان توديه ايامه) التي جعلت له لاجل سعادته (الي الشقوه) الي شقاء ابدي في الاخره (نسئل الله سبحانه) منصوب علي تقدير فعل محذوف، اي اسبحه سبحانه، بمعني انزهه تنزيها عن النقائص (ان يجعلنا و اياكم ممن لا تبطره نعمه) اي لا توجب بطره و طغيانه و نسيانه الاخره، كما قال سبحانه (ان الانسان ليطغي ان راه استغني) و معني (لا يجعلنا) ان يلطف بنا ا

لالطاف الخفيه حتي نتجنب عن الطغيان (و لا تقصر به عن طاعه ربه غايه) اي ان بلوغ بعض الغايات الدنيويه لا تسبب تقصيره عن طاعه ربه حتي لا يطيع لانه يريد الوصول الي امر دنيوي (و لا تحل به بعد الموت ندامه) بان يندم علي تقصيره في الدنيا و تركه اوامر ربه (ولا كابه) و هي الحزن و انقباض النفس من الالام و الاحزان.

خطبه 064

[صفحه 254]

يذكر فيها بعض صفات الله سبحانه و تعالي (الحمد لله الذي لم يسبق له حال حالا) كان يكون موجودا قبل ان يكون عالما، و ان يكون عالما قبل ان يكون قادرا، و هكذا، كما هو صفه الخلق، ان تتقدم بعض صفاتهم علي بعض صفاتهم الاخر، و السر في ذلك ان الله سبحانه كامل منذ الازل لا نقص فيه، و انه لا يطرء عليه الزمان، حتي يكون بعض اموره المرتبطه به مقدمه علي بعضها الاخر، و لذا قال عليه السلام (فيكون اولا قبل ان يكون آخرا) فان الله سبحانه لا زمان له حتي يعتبر في بعض احواله (اولا) و في بعض احواله (آخرا) بل هو هو، لا اعتبار للاوليه و الاخريه فيه تعالي. (و يكون ظاهرا قبل

ان يكون باطنا) كما هو الشان في الاشياء فانها ظاهره ثم تبطن مثلا الشي ء الكائن علي وجه الارض يحتف به الغبار و ما اشبه حتي يبطن، و هكذا، و هذا من باب احد المثالين، فانه تعالي ليس باطنا قبل ان يكون ظاهرا، كما هو الشان في الاشياء فانها باطنه ثم تظهر، كالاعشاب و المعادن و ما اليها، و معني كونه تعالي ظاهرا انه معروف لدي العقل بالايات و الادله، كالاشياء الظاهره التي يراها الانسان، و معني كونه سبحانه باطنا انه مخفي الكنه لا تصل العقول الي كنه معرفته، الحاصل انه

في حال واحد اظهر باعتبار، و باطن باعتبار، لا انه ظاهر ثم يبطن او بالعكس (كل مسمي بالوحده) اي الاشياء المتفرده التي تطلق عليها الوحده، كالانسان الواحد، و الشجره الواحده (غيره) تعالي (قليل) لانه في مقابل الكثره، بخلافه سبحانه فانه مع وحدته اقوي من كل شي ء. (و كل عزيز غيره) سبحانه (ذليل) اذ عزته وقتيه اضافيه، لا عزه له، و لا داوم لعزته بخلافه تعالي فان عزته من ذاته، و هي دائمه لازوال لها (و كل قوي غيره) تعالي (ضعيف) بذاته، و ان كان قويا بالاضافه، مثلا يقال فلان قوي، يراد ان له اهلا او منصب او مالا او قوه جسديه، و كل هذه اشياء خارجه عنه طارئه عليه، يمكن زوالها، فهو ضعيف بذاته، بخلافه سبحانه فان قوته من ذاته و ليست مضافه، و لا محدوده بقدر، و لا موقته بزمان (و كل مالك غيره مملوك) فكونه مالكا لا يوجب سيادته بعد انه بذاته مملوك لله تعالي، اما الله تعالي، فهو المالك بقول مطلق الذي لا مالك له. (و كل عالم غيره متعلم) قد تعلم العلم،

فان الانسان حين ياتي الي الدنيا ليس بعالم و انما يحصل العلم، بخلافه سبحانه فانه عالم بذاته لم يتعلم العلم من احد (و كل قادر غيره يقدر و يعجز) اي يقدر علي شي ء و يعجز عن شي ء، و يقدر في وقت و

يعجز في وقت بخلافه سبحانه فانه قادر علي كل شي ء في كل زمان، لا حد لقدرته (و كل سميع غيره يصم) اي لا يسمع (عن لطيف الاصوات) اي الاصوات الضعيفه، بخلافه سبحانه فانه يسمع كل صوت و ان كان في منتهي الاخفات و اللطافه (و يصمه كبيرها) فان الصوت الهائل يوجب صمم الانسان لخرقه محل السماع (و يذهب عنه ما بعد منها) اي ان الاصوات البعيده لا يسمعها الانسان، و هذا بخلافه سبحانه، فان الاصوات الهائله والخافته و البعيده و القربيه كلها متساويه عنده تعالي، اذ ليس سمعه بالاله و الجسميه حتي يفترق الامر عنده. (و كل بصير غيره) سبحانه (يعمي عن خفي الالوان) اي الالوان المختلفه في خلايا الاجسام او الالوان الضعيفه، فان العين لا تدرك الا الالوان الظاهره الشديده، و لذا نري بالمجهرات الالوان الضعيفه بينما لا نراها بالعين المجرده، و هناك الوان لا تري حتي بالمجهر (و لطيف الاجسام) اي الاجسام الدقيقه، كالجراثيم الصغيره، و الذرات، و قد توصل العلم الي اختراع (المكرسكوبات) ولكنها لا تري الادق من مدي المجهر، و هذا بخلافه سبحانه فانه يري كل جسم و كل لون و ان كان في غايه الدقه و نهايه اللطافه و الخفاء (و كل ظاهر غيره باطن) فان الاشياء مهما كانت معروفه

، فانها مستوره عن كثير الناس، و الظهور هو الانكشاف بعكس البطون، و هذا واضح فان الاشياء الظاهره حتي الشمس

و القمر مخفيان عند الاعمي، بخلافه سبحانه فانه ظاهر لدي الجميع باثاره و صنايعه. و يحتمل ان يكون المراد ان وجود الاشياء- هو ظهورها- ليس بذواتها، فانها في ذواتها باطنه- اي معدومه- و انما ظهورها بالله سبحانه، بخلافه سبحانه فانه ظاهر بذاته، لا بطون و لا عدم له منذ الاول الي الابد (و كل باطن غيره) سبحانه (غير ظاهر) فان الشي ء المخفي و الشي ء المعدوم غير ظاهر و لا منكشف للناس، و ذلك بخلافه سبحانه فانه مع كونه باطنا ظاهر بالايات و الادله (لم يخلق) تعالي (ما خلقه) من جميع الاكوان (لتشديد سلطان) اي لاجل ان تقوي سلطته كما هو الشان في الناس فانه سلطتهم تقوي اذا كان ما يملكون كثيرا، من غير فرق بين كون الممتلكات الجند او المال او الاراضي. (و لا تخوف من عواقب زمان) بان خاف ان يدرو زمانه الي زمان سي ء فخلق ما خلق يكون له ذخيره في يوم حاجته و زمان فقره- كما هو الشان في الانسان- (و لا استعانه) اي لم يخلق ما خلق لان يستعين به (علي ند) اي اي مثل (مثاور) اي المحارب، من (ثار) بمعني هاج للحرب و الوثوب، فانه سبحانه لا ند له و لا

خوف له من احد (و لا شريك مكابر) بان يكون له شريك يريد ان يستعلي عليه، فخلق ما خلق، لاجل تحفظ مقامه من ان يعلو عليه شريكه (و لا ضد منافر) اي مغالب بان يريد الضد ان يغلبه في الرفعه و العلو فيخلق الله ما يخلق لئلا يتمكن ذلك الضد من منافرته، يقال نافره في الحسب اي غلبه، و (الند) و (الضد) متقابلان، و فرقهما مع الشريك عدم شراكه زين،

بخلاف هذا، فالشراكه وصف عرضي تطرء علي كل من الضد و الند. (ولكن) الاشياء (خلائق) لله (مربوبون) اي مملوكون، فانه مفعول من (رب) و الرب الحقيقي- اي المربي في جميع المراحل- هو المالك (و عباد داخرون) اي اذلاء، لا ضديه و لا نديه و لا شراكه لهم مع الله سبحانه (لم يحلل) الله (في الاشياء فيقال هو) تعالي (كائن) فيها، فانه سبحانه منزه عن المكان، اذا المكان من عوارض الحادث، و الله سبحانه ازلي، و قوله (فيقال هو كائن) اي كائن بهذا النحو، اذ ليس المراد نفي كونه (كائنا) بقول مطلق (و لم يناء) اي لم يعبد الله سبحانه (عنها) اي عن الاشياء (فيقال هو منها) اي من الاشياء (بائن) اي منفصل، و ليس كالجسم الذي ان حل في شي ء كان كائنا فيه، و ان لم يحل كان بائنا، لان الحلول و البينونه متقابلان في الاجسام كالعقل و ال

جنون، بالنسبه الي الانسان و الملتحي و المرد بالنسبه الي الرجال، اما الله سبحانه فليس بمثل ذلك حتي يلزم ان يتصف باحدي الصفتين علي سبيل منع الخلو، بل هو مقترب الي الاشياء بالعلم و الاحاطه، مبتعد بالمهيه و الحقيقه، (لم يوده) اي لم يثقل عليه (خلق ما ابتداء) يقال آده الامر اذا لثقله و اتعبه و هذا بخلاف الناس فانهم اذا عملوا عملا ثقل الامر عليهم بعد ذلك لما لذلك الشي ء من التبعه (و لا تدبير ماذرا) (ذرا) بمعني خلق، اي ان تدبير امور المخلوقين لا يثقل عليه سبحانه، لان قدرته و علمه عامان لا حد لهما، حتي اذا وصل الشي ء الي مرتبه يوجب ثقلا عليه تعالي (و لا وقف به عجز عما خلق) بان يكون له

مقدار من القدره، حتي اذا اعملها انتهت و عجز عما سوي ذلك (و لا … دخلت (عليه) تعالي (شبهه فيما قضي و قدر) كما هو صفه الانسان اذا عمل عملا … راي بعض النقائص فيه تدخله الشبهه هل كان مصيبا فيما عمل ام لا. (بل) امره سبحانه (قضاء متقن) لا تدخله الشبهه (و علم محكم) لا حد له و لا وقوف و لا تزلزل (و امر مبرم) من (ابرم) بمعني فتل الحبل (فتلا محكما (المامول مع النقم) يعني انه سبحانه و ان انزل النقمه بعيد من عباده، لا ينقطع رجاء ذلك العبد عنه تعال

ي، لانه يعلم ان الانزال لمصلحه، و ليس كالناقمين الذين اذا نقموا قطعوا خيرهم و برهم (و المرهوب مع النعم) يعني انه تعالي مع انه ينعم، مرهوب، اذ اعماله وفق الحكمه و الصلاح، و ليس كالانسان الذي اذا انعم علي شخص كان ذلك دليلا علي انه لا يعذبه.

خطبه 065

[صفحه 260]

في تعليم اصحابه كيفيه القتال، قالوا، و قد قال هذا الكلام في صفين، ليله الهرير، او غيرها (معاشر المسلمين) منادي محذوف منه حرف النداء، و هو جمع معشر، بمعني الجماعه (استشعروا الخشيه) اي لا زموها في حال الحرب، فان الانسان الذي يخشي من الله سبحانه- بان يفكر حتي يوجد في نفسه الخشيه، الذ هو معني استشعروا- يعمل بجد و اخلاص مما يقدم الامر الذي بيده و لا يقف لخوف من الناس او مارب، من مارب الدنيا (و تجلببوا السكينه) من الجلباب، و هو الثوب الطويل الذي تلبسه المرئه فوق ثيابها لستر جميع جسدها، و ذلك كنايه بان يكون الانسان موقرا من قرنه من قرنه الي قدمه، فلا يتحرك حركات غير لائقه، و لا

يضحك او يصيح او ما اشبه مما لا يناسب السكينه و الوقار، و ذلك مما يوجب انشغال النفس بالامور التافهه فلا يتركز الذهن في انجاح الامر بخلاف، المتجلبب بالسكينه. (و عضوا علي النواجذ) جمع ناجذ و هو اقصي الاضراس، و لكل انسان اربعه نواجذ، و هي التي تنبت بعد البلوغ و تسمي سن العقل، و العض علي النواجذ يوجب قوه اراده الانسان، لازدياد الحراره في اعصاب الراس، و الحراره تلازم شده البطش، ثم ذكر عليه السلام عله جميع ما ذكر، او عله الامر الاخير

بقوله (فانه انبي للسيوف عن الهام) اي موجب لابعيده سيف العدو، و الذي افهم من هذا الكلام انه كنايه عن ما يلازم تلك الصفات او اللصفه الاخيره من قوه الانسان، و بعض الشراح فسروه بقولهم انه اذا عض الانسان علي ناجذه كانت هامته اصلب علي مقاومه السيف، فكان انبي عنها و ابعد عن التاثير فيها. (و اكملوا اللامه) هي الدرع، او مطلق آلات الحرب، و اكمالها، الاتيان بها كاملا، لزياده التهي ء للحرب (و قلقلوا السيوق) اي جربوها بالاخراج و الادخال مرارا (في اغمادها) جمع غمد و هو قراب السيف (قبل سلها) اي اخراجها في حال الحرب، و انما يفعل ذلك لئلا يعصي السيف حال الحرب فلا يخرج من غمده و يكون الغلب للعدو حيث انه مسلح، و هذا اعزل (و الحظوا الخزر) الخرز النظر، و معني لحظه، القائه قويا نظر مغضب، فان الانسان اذا لحظ لحظا قويا بخزر هاج غضبه فيكون اقدر علي القتال (و اطعنوا الشزر) الشزر هو الطعن في الجوانب يمينا و شمالا، و المراد بذلك تكثير الطعن بالضرب يمينا و شمالا، حتي يحمي و طيس الحرب و يكون التسلط لهم

علي الاعداء، فان الانسان المهاجم بقوه يرهب العدو مما يوجب الظفر و النصر للانسان و الانهزام للعدو. (و نافحوا بالظباء) النفح هو الضرب، و ظب

ا جمع ظبيه و هي طرف السيف وحده، و لعل هذا لاجل عدمه الاقتراب كثيرا من العدو حتي يوجب انشغال الانسان و لا يتمكن من اباده العدو، بل يكون المحارب بعيدا عن عدوه بقدر ما يصل اليه طرف سيفه لا سيفه اجمع، او المراد المحاربه بالسيف دون الرمح و النبل فان المحاربه به اوجب لا لقاء الهزيمه في العدو (و وصلوا السيوف بالخطا) اي تقدموا نحو العدو بخطوات و انتم تضربونه بالسيف فانه يوجب الهزيمه في العدو لما يجد من الجرئه و الجساره، و من عاده الناس ان يهزموا اذا راوا التصميم و الاقدام (و اعلموا انكم بعين الله) اي انه سبحانه ينظر اليكم و الي اعمالكم، و ذلك اوجب للاقدام، و الخوف من الانهزام. (و مع ابن عم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم) اي انكم، مع الحق، و الانسان الذي علم انه مع الحق يكون اربط جاشا و اقوي قلبا، لانه يعلم ان قتل او قتل كان مصيره الجنه و الثواب (فعاودوا الكر) بان كلما رايتم طرفا من جيش الاعداء اهجموا عليهم، و هذا مما يوجب النصر لان الاستمرار في العمل يضمن نجاحه (و استحيوا من الفر) اي لا تفروا امام الاعداء و اخجلوا من الفرار (فانه) اي الفرار من الزحف (عار في الاعقاب) جمع عقب، فان الاولاد و الاحفاد يعيرون بفرار آب

ائهم (و نار يوم الحساب) كما قال سبحانه: (و من يولكم منهم يومئذ دبره.. فقد باء بغضب من الله و ماواه جهنم) (و طيبوا

عن انفسكم نفسا) اي ادفعوا هذه النفوس لتاخذوها بدلها نفسا اخري في يوم القيامه منعمه مكرمه. (و امشوا الي الموت مشيا سجحا) بمعني سهلا، و هذا تحريض لهم علي اقتحام غماد الحرب غير مبالين بالموت المحتمل، و معني السير السل ان لا يكون فيه تباطي ء و احجام (و عليكم) ايها الناس (بهذا السواد الاعظم) المراد به جماهير اهل الشام الذين كانوا في ركاب معاويه، و ذلك كنايه عن اقتحام وسط الحرب لا التناوش من اطرافها و جوابنها فان القاء الانسان في وسط الحرب اقرب لهزيمه الطرف (و الرواق المطنب) الرواق الفسطاط، و المطنب بمعني المشدود بالاطناب و المراد به خيمه معاويه الواقعه في وسط الجماهير (فاضربوا ثبجه) الثبج الوسط (فان الشيطان كامن في كسره) اي في وسط هذا الرواق، و المراد به معاويه، او ان المراد ان الشيطان اتما يبث كيده و مكره من هناك، و المراد بالكسر الشق الاسفل، و لعل وجه التخصيص بذلك ان الاوامر تصدر من شقوق الخيمه السفلي، فهو تمثيل لطيف. (قد قدم) الشيطان (للوثبه يدا) حيث يريد ان يقفز للامام اذا وجد الفرصه، (و اخر للنكو

ص رجلا) اي انه ينظر الي المعركه فان وجد هزيمه من الطرف وثب الي الامام، و ان وجد صلابه ارتد الي الخلف، فان نكص بمعني رجع (فصمدا صمدا) اي ثبوتا ثبوتا، و هذا تحريض لهم علي الثبوت و عدم الفرار من مقابله العدو (حتي يتجلي لكم) اي يظهر (عمود الحق) اي وسطه القوي، فان المحن توجب الريب و الشك في الحق فاذا انزاحت ظهر الحق جليا لا غبار فيه و لا شبهه تعتريه (و انتم الاعلون و الله معكم و لن يتركم اعمالكم) اي لا

ينقصكم شيئا من جزائها.

خطبه 066

[صفحه 264]

(قالوا لما انتهت الي اميرالمومنين عليه السلام انباء السقيفه) التي اجتمع فيها جماعه من الناس (بعد وفات رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم) لاختيار الخليفه عليهم خلافا لما امره الرسول و فعله من نصب علي خليفه علي المسلمين من بعده. (قال عليه السلام: ما قالت الانصار؟) فقد اختلف في السقيفه المهاجرون و الانصار، كل يريد الخلافه لنفسه. (قالوا: قالت) الانصار: (منا امير و منكم) ايها المهاجرون (امير). (قال عليه السلام: فهلا احجتم عليهم) اي علي الانصار، و هذا لفظه ردع و تانيب (بان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم وصي بان يحسن الي محسنهم و يتجاوز عن مسيئهم؟ و الظاهر ان المراد من حديث الرسول صلي الله عليه و آله و سلم التجاوز عن الاسائه التي لا توجب حكما شرعيا من حد او تعزيرا او ما اشبه- كما لا يخفي-. (قالوا: و ما في هذا من الحجه عليهم)؟ اي كيف يحتج بهذا علي الانصار؟ و كيف يكون كلام الرسول صلي الله عليه و آله و سلم موجبا لبطلان امارتهم التي ارادوها.؟ قال عليه السلام (لو كانت الاماره فيهم لم تكن الوصيه بهم) اي ان الاماره لو حلت لهم، و صاروا امراء لم يكن معني لتوصيه الرسول، فان الوصيه دائما تكون للامير بان ير

اعي سائر الناس، فلو كان الانصار امراء، كان اللازم ان يوصيهم الرسول صلي الله عليه و آله و سلم بان يعطفوا علي الناس لا ان يوصي الرسول صلي الله عليه و آله و سلم بان يعطف عليهم. ثم قال عليه السلام (فماذا قالت قريش)؟ اي المهاجرون، في جواب كلام الانصار. (قالوا: احتجت) لكونها احق بالخلافه (بانها شجره

الرسول صلي الله عليه و آله و سلم) لانهم من عشيرته، و العشيره بعضهم اولي ببعض في الامور، كما قال سبحانه (و اولي الارحام بعضهم اولي ببعض في كتاب الله). (قال عليه السلام: احتجوا بالشجره و اضاعوا الثمره) فالثمره آل البيت، و علي راسهم الامام عليه السلام، يعني انه كانت الخلافه بالقرابه، لكان الامام احب بها من سائر قريش، لان المقصود بالشجره الثمره، فاللازم ان تكون الخلافه له عليه السلام لا لغيره- و بهذا الكلام ابطل الامام خلافه كل من الانصار و المهاجرين-.

خطبه 067

[صفحه 268]

(لما قلد محمد به ابي بكر (مصر) فملكت عليه و قتل) فقد كان الامام اميرالمومنين ارسل (محمدا) الي مصير ليكون واليا عليها، و بعث معاويه عمرو بن العاص الي مصر في سته الاف فارس، فاقتل الطرفان، و انهزم (محمد) لما قتل عسكره، و اوي الي خرجه، فارسل اليه عمرو من وجده هناك و قتله و ادخله جوف حمار ميت و احرقه فبلغ الخبر الامام عليه السلام فتاثر تاثرا كبيرا، و قال هذه الكلمه. (و قد اردت توليه مصر هاشم بن عتبه) دون محمد بن ابي بكر، فقد كان محمد شابا قليل الخبره، و لذا غلبه عمرو بمكره و دهائه (و لو وليته) اي هاشم (اياها) اي مصر (لما خلي لهم العرصه) اي عرصه مصر، واصل العرصه فناء الدار، و كل بقعه واسعه بين الدور (و لا انهزم الفرصه) اي لم تاتهم فرصه الغلبه علي مصر و استلابها من محمد، و لعل الامام عليه السلام كان ولي محمدا، و لم يول هاشما لمحذور كان هناك، و هذا لا ينافي علمه بالواقع، و ليس هذا تاسفا بل اخبارا، و قد جعل- قبله عليه السلام- رسول الله صلي الله عليه و آله

و سلم، خمسين من الرماه علي الشعب باحد، فلم يمتثلوا امره، و اوجبوا تلك المصاعب العديده له صلي الله عليه و آله و سلم. (بلا ذم لمحمد بن ابي بكر) اي ان ذ

لك ليس ذما لمحمد، فان الانسان اذا خانته الاقدار و الظروف ليس مذموما بعد ان بذل جهده، فقد ساعد في هزيمه محمد دهاء عمرو بن العاص و مكره، و كثره موالي عثمان في مصر، حتي انضموا الي جنود الشام و اجبوا هزيمه اهل العراق من اتباع محمد والي الامام (و لقد كان الي حبيبا) اي كان محمد محبوبا لدي لكونه مطيعا لله و الرسول و لقد كان من النساك و الزهاد علي حداثه سنه (و كان لي ربيبا) اي ابن زوجتي فقد كانت (اسماء) زوجه (جعفر بن ابي طالب) و ولدت له (عبدالله) ثم لما قتل عليه السلام تزوجها (ابوبكر بن ابي قحافه) فاولدها (محمدا) و لما مات ابوبكر، تزوجها الامام عليه السلام، فكان محمد ربيب الامام، اي ابن زوجته.

خطبه 068

[صفحه 270]

و فيه يوبخ اصحابه علي عدم الاطاعه- (كم اداريكم) المدارات المماشات مع الطرف بحيث لا يعاقبه الانسان و لا يقاطعه و ان اوجب ذلك- و الناس دائما منحرفون عن اي زعيم- و بالاخص اذا كان ملازما للعدل و الحق- و انما الفرق اي الزعيم اذا كان معاشرا لهم ظهر له من انحرافهم ما يولمه، و ان لم يكن معاشرا لهم لم يظهر، لكن الزعماء الالهيين لابد لهم من معاشره الناس لتقويمهم، فتبقي توجيهاتهم عبر الابد (كما تداري البكار) جمع بكر و هو الفتي من الابل (العمده) و هو الابل الذي انفضخ باطن سنامه لكن ظاهره سلم، فان الانسان يداري هذا الابل لئلا يكثر جرحه، و هكذا كان

الامام يداري اصحابه الذين سلمت ظواهرهم و امتلئت بالنفاق بواطنهم (و الثياب المتداعيه) اي الخلقه التي قد انخرقت، فان الانسان لا يقدر ان يلبسها كما يلبس البزه الجديده، بلا مبالات و لا مدارات. (كلما حيصت) اي خيطت تلك الثياب (من جانب) من جوانبها المشقوقه (تهتكت) اي تخرقت (من) جانب (آخر) لتداعيها و تهالكها (اكلما اطل عليكم) اي اشرف عليكم (منسر) هو القطعه من الجيش، التي تتقدم امام الجيش الكثير (من مناسر اهل الشام) فقد كان معاويه يوالي ارسال الجيوش لغزو اطراف بلاد الامام

عليه السلام لادخال الرعب في قلوب شيعته (اغلق كل رجل منكم بابه) كنايه عن تخفيه خوفا من ان يري فيكلف الجهاد و الذهاب لرد العاديه (و انجحر) معني دخل في الحجر (انجحار الضبه) هي نوع من حيوان البر شبيه بالقط- نوعا ما- (في جحرها) اي ثقبها، فانها اذا رات الانسان خافت و اختلفت في دارها التي حفرها في جوف الارض (و) تخفي (الضبع) هو حيوان سبع (في وجارها) اي بيتها و يقال لبيت الضبع و جار. (الذليل- و الله- من نصرتموه) لان نصرتهم كانت قليلا تغني فكان الذي ينصروه بتلك النصره الضئيله ذليلا لتغلب الاعداء عليه (و من رمي بكم) اي من جعلكم كالسهم يرمي به اعدائه (فقد رمي بافوق ناصل) الافوق من السهام ما كسر فوقه اي موضع الوتر منه و الناصل العاري من النصل- و هو حديده الرمح التي ترتكز في الخشب و تدخل في الانسان لدي رميمه بالسهم- و من المعلوم ان السهم اذا كان مكسور الفوق عاريا من النصل لم يوثر في الرميه (و انكم- و الله- لكثير في الباحات) جمع باحه و هي الساحه (قليل تحت الرايات) جمع رايه

و هي العلم الذي يرفع للقتال اي انكم لكثرتكم تملئون كل ساحه اما اذا كان وقت القتال تفرون فلا يوجد منكم الا القيل. (و اني لعالم بما يصلحكم و يقيم اودكم) ا

لاود الاعوجاج، و مراده عليه السلام بذلك السيف و الشده، فان الناس يعتدلون اذا راوا الشده من الحكام و الاستبداد، كما تمكن حجاج من الحكم في اهل الكوفه عشرين سنه، لما كان عليه من الشده و اخذ البري ء و السقيم و الاسراف في الدماء، و هكذا غيره ممن جعل الشده لنفسه ديدنا (ولكني لا اري اصلاحكم بافساد نفسي) فان الجنوح الي سياسه الشده يوجب الظلم المفسد للظالم اذ يفسد عليه دنياه و آخرته فان قلت كيف ينبغي ان يعمل الرئيس؟ قلت- العدل و انما لم يستقيم الامر للامام لانه جاء عقيب فساد شامل و بعد الثورات- غالبا- لا يستقيم الامر للروساء. (اضرع الله خدودكم) اي اذل وجوهكم، و هذا دعاء عليهم بالذله و الهوان و قد استجيب دعاء الامام عليه السلام (و اتعس جدودكم) التعس الانحطاط و الهلاك، و جدود جمع جد بمعني الحظ، اي احلطها حتي لا يكون لكم حظ من السعاده و الرفاه (لا تعرفون الحق كمعرفتكم الباطل) و هذا كنايه من عدم اتباعهم للحق، فانه لو عرف الانسان الحق، لاتبعه، اما اذا لم يتبعه كان كمن لم يعرفه (و لا تبطلون الباطل) اي لا تمحقونه و تعدمونه (كابطالكم الحق) و قد ملو قل الامام عليه السلام هما وقيحا من جزاء اعمالهم الباطله مما اوجب ان يدعو عليهم

، و يوبخهم بهذه الجمل.

خطبه 069

[صفحه 273]

في سحره اليوم الذي ضرب فيه- السحره، و السحر الاعلي القريب من الفجر (ملكتني عيني و انا جالس) اي غلبني النوم في

حال جلوسي- و هذا كنايه لطيفه، فان الانسان اليقظ يملك عينه اذ يديرها كيفما اراد، اما الانسان النائم فان عينه تملكه اد تسيطر عليه فلا يتمكن من فتحها و غمضها و ارسالها كيف شاء (فسنح) اي ظهر في المنام (لي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم) و قد كان رويته للرسول صلي الله عليه و آله و سلم حقيقه فان الشيطان لا يتمثل بالرسول و الائمه كما في بعض الاحاديث، و ان ورد احاديث آخر بخلاف ذلك- كما في الوسائل- فقلت يا رسول الله: ماذا لقيت من امتك من الاود و اللد) الاود الاعوجاج و اللد الخصومه، و هذا استفهام لبيان الانزعاج و اشمئزاز، و اضافه الامه الي الرسول صلي الله عليه و آله و سلم، ليس في معرض التوهين- كما قد يقول الانسان ذلك في معرض توهين المضاف اليه- بل في مقام التعجب عن انحراف المضاف، بانهم كيف انحرفوا مع ان موهلات الاستقامه موجوده فيهم لانهم من امه الرسول صلي الله عليه و آله و سلم. (فقال) صلي الله عليه و آله و سلم في المنام (ادع) يا علي عليه السلام (عليهم) جزائا لسوء اعمالهم (فقلت ابدلني الله- ب

هم-) الباء للبدل، اي عوضا عنهم (خيرا منهم) و هذا لا يدل علي وجود الخير فيهم، فان. مثل هذا اللفظ كنايه عن الخلاص الي الخير، و ان كان الاصل فيه التفضيل (و ابدلهم بي) اي اعطائهم بدلا مني (شرا لهم مني) و هذا ايضا منسلخ فيه معني الفضل، فلا يدل علي وجود شرفي الامام عليه السلام، و قد استجاب الله سبحانه دعاء الامام عليه السلام، حيث قتل الامام فالتحق بالرفيق الاعلي- الذي هو خير له منهم- كما

سلط عليهم معاويه الذي هو شر لهم، قال سبحانه (اصحاب الجنه خير مقاما) و قال بالنسبه الي اصحاب النار (شر مكانا) قال السيد الشريف رحمه الله (يعني بالاود: الاعوجاج … و باللدد: الخصام، و هذا من افصح الكلام) فان المعوج المخاصم من اشد البلاء.

خطبه 070

[صفحه 275]

في ذم اهل العراق لقد كان الامام عليه السلام يبين مقدار علمه، بانه لو ثنيت له الوساده لحكم بين كل طائفه حسب مذهبهم، و انه يتمكن من الجواب عن كل سوال- ذلك لبيان منزلته التي خصها الله سبحانه به- فكان المنافقون من اصحابه يكذبونه، و في احدي المناسبات انشا هذه الخطبه. (اما بعد) اي مهما يكن من شي ء بعد الحمد و الصلاه- كما تقدم- (يا اهل العراق) و من المعلوم ان مثل هذه المخاطبات، ذما او مدحا- انما يراد بها فئه خاصه من الناس، لاكلهم، و انما يخاطب بالعام، لان السكوت و الموافقه- غالبا- دليلان للرضا (فانما انتم كالمرئه الحامل) لا تدخل تاء التانيث في الحامل و الحائض، لعدم الاشتراك في هذين الوصفين بين الرجل و المرئه فلا احتياج للتاء الفارقه (حملت فلما اتمت) الحمل بان انقضت المده (املصت) اي القت ولدها ميتا (و مات قيمها) اي القائم بامور معيشتها و حفظها و هو الزوج، (و طال تايمها) اي خلوها عن الزوج فان (الايم) المرئه او الرجل الذي لا زوج لهما، و جمعه (ايامي) كما قال سبحانه (انكحوا الايامي منكم) (و ورثها) حين ماتت (ابعدها) اي لااباعد، اذ لا زوج لها، و لا ولد، حتي يكون ارثها للقريب سببا او نسبا، فهي في حالتي الحيا

ت و الممات مضاعه مهانه. و وجه الشبهه بين الطرفين ان اهل الكوفه حاربوا مع الامام اهل

الصفين، حتي اذا قرب النصر التجئوا الي التحكيم الذي اوجب لهم ذلا في المستقبل حين حيات الامام- بغارات اهل الشام- و بعد مماته، فالامام و هو القيم لهم قتل، و النصر الذي كان كالولد كفيلا بتابين سعاده مستقبلهم و عزهم و استقلالهم و عدم ذلهم تحت لواء معاويه، فقدره، بسوء صنيعهم في قصه التحكيم، و اغترارهم بمكيده معاويه. (اما و الله) حرف تنبيه (ما اتيتكم) اي ما جئت اليكم يا اهل العراق- من الحجاز- (اختيارا) بان اختار مجاورتكم، علي جوار الحجاز (ولكن جئت اليكم سوقا) فلو لا وقعه الجمل، و ان طلحه و الزبير و عائشه جائوا الي العراق يفسدون اهلها، ما جاء الامام الي هنا (و لقد بلغني انكم تقولون: علي يكذب) فيما يخربه، و فيما يدعي انه يعلم … - بما حباه الله به سبحانه- (قاتلكم الله) هذا دعاء عليهم بالموت و انما جي ء من باب المفاعله، لان اصل في القتل في الحرب ان يكون من الجانبين لان كل يريد قتل الاخر، او شبه اراده الله موتهم، و ارادتهم عدم موتهم بالمقاتلين، الذين يريد احدهما قتل صاحبه و يريد الصاحب قتله (فعلي من اكذب)؟ هذا بيان لعدم الداعي علي الكذب

(اعلي الله) اكذب؟ (ف) لا يمكن هذا اذ (انا اول من آمن به) و المومن و المكذب طرفا نقيض (ام علي نبيه) محمد صلي الله عليه و آله و سلم؟ (فانا اول من صدقه) و المصدق و المكذب لا يجتمعان. و كان المراد ان كونه عليه السلام اول مومن بالله و مصدق برسوله، دال علي قوه ايمانه و القوي الايمان لا يهوي في مهوي الكذب، و الا فمجرد اوليه في شي ء لا يلازم عدم الكذب

بعد ذلك، لمصالح في نظر الكاذب، كما ان الظاهر كون المراد ان اخباراته عن الغيب و ما اشبه اما عن الله او عن الرسول فلو كان كلامه كذبا لكان افتراء علي احدهما، و هو مناف لكونه عليه السلام اول مومن مصدق- بالتقريب المتقدم- فلا مجال لان يقال ان كونه كاذبا في اخباراته لا يلازم كونه كذبا علي الله او الرسول، حتي يكون ابطاله كونه كاذبا علي احدهما ابطالا لكونه كاذبا (كلا و الله) ليس الامر علي ما زعمتم من اني كاذب (ولكنها) الضمير يعود الي (لهجه) المتاخره باعتبار ما يفهم من الكلام السابق: من اخباراته عليه السلام. (لهجه غبتم عنها) اي ضرب من الكلام الذي يلهج- اي يتكلم- به، متصفه بان السامعين غابوا عنها حين علمها الامام من كلام الله و الرسول صلي الله عليه و آله و سلم، و كل غائب عن شي ء ل

ا يدركه- و ليس الشاهد كالغائب- (و لم تكونوا من اهلها) فان الامام يعرف كليات الامور و يقدر علي تطبيقها علي المصاديق و الجزئيات اما من سواه فليس من اهل ذلك، و قد قال عليه السلام علمني رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم الف باب من العلم ينفتح من كل باب الف باب، فكان الجمله الاولي- اي لهجه غبتم- للالف المعلم، و الجمله الثانيه- اي لم تكونوا- للمليون المنفتح من ذلك الالف (و يلمه) اصل هذه الكلمه (ويل) (امه) و هو دعاء علي الشخص، بان يموت حتي تصاب امه بمصيبه، نحو (ثكلته امه) و كان المراد دعاء علي من يقول: بان الامام يكذب، بان الامام يكذب، بان تصاب به امه (كيلا بغير ثمن) اي يكيل الكلام جزافا، كما اذا كال شخص

مالا بيغر ثمن، او المراد ان الامام يكيل لهم الكلام الحسن من الاخبارات الغيبيه و العلوم، بدون ان ياخذ منهم بدلا و ثمنا، و مع ذلك هم يكذبونه (لو كان له وعاء) اي لو كان لهذا العلم الذي افيضه عليهم حمله يعونها و يقبلونها برحابه الصدر و التصديق، و جواب لو محذوف اي لافدتهم من العلوم كثيرا، لكن لا وعاء صالح له او هو متعلق ب(كيلا) اي الكيل بغير ثمن لو اجد له وعاء (و لتعلمن نباه بعد حين) اي صدق من اقول، بعد زمان، و كان كم

ا قال عليه السلام، فكل اخبار انه ظهر صدقها، ولكن بعد فوات الاوان.

خطبه 071

[صفحه 278]

(علم فيها الناس الصلاه علي رسول الله صلي الله عليه و آله) (اللهم) اصله (يا الله) حذف حرف النداء، و عوض عنه الميم (داحي المدحوات) اي باسط الاشياء المبسوطه، و المراد منها الارضين، فانها منبسطه صالحه للسكني و الزراعه و ما اشبه (و داعم المسموكات) من سمك بمعني رفع، و المراد من المسموكات السماوات التي رفعت عن الارض، في النظر، و ان كانت محيطه بالارض، في الواقع، و الدعم بمعني الحفظ و الاقامه، كما قال سبحانه: ان الله يمسك السماوات و الارض ان تزولا (و جابل القلوب علي فطرتها) جبل بمعني خلق، و الفطره هي كيفيه الخلقه التي يسير المخلوق عليها في دور كونه في هذه النشائه، اي انه سبحانه خلق القلوب كلا بفطره خاصه و كيفيه مخصوصه. (شقيها و سعيدها) اي سواء القلوب شقيه او سعيده، فانه سبحانه هو الذي خلقها و انما الشقوه و السعاده طرت عليها بعد ان خلقها سبحانه مختاره تقدر علي اكتساب اي الامرين (اجعل) يا الله (شرائف صلواتك) الصلاه

هي العطف و تلك من الله سبحانه انزال الرحمه، و شرائفها هي الرحمات الوسيعات، فان للرحمه انواعا و الوانا بعضها فوق بعض (و نوامي بركاتك) البركه هي الخير المستقر من برك الابل اذا نام، في مقابل الخي

ر الزائل، و النوامي جمع ناميه، و هي الخير الذي ينمو و لا يبقي جامدا، لا يزيد (علي محمد عبدك و رسولك) و كان تقديم العبد للاعتراف بكونه مملوكا له سبحانه، زياده في تمجيده سبحانه (الخاتم لما سبق) من النبوات و رسالات السماء، فانه صلي الله عليه و آله و سلم ختمها لا نبي بعده كما قال سبحانه (ولكن رسول الله و خاتم النبيين). (و الفاتح لما انغلق) فقد كانت القلوب منغلقه بالضلال لا يدخل فيها الحق و لا يخرج منها الخير، كما ان ابواب السعاده كانت منغلقه، و انما فتحها الرسول صلي الله عليه و آله و سلم، بمناهجه و تعاليمه (و المعلن الحق بالحق) فان الشخص قد يعلن الحق الباطل، بان يجعل الباطل وسيله لاظهار الحق، و قد يجعل الحق وسيله لاظهار الحق، مثلا قد يدعي مشتري الدار من زيد- لدي الترافع- بانه ورثها من آبائه حتي يصل الي حقه الذي هو ملكيه الدار، و قد يقول انه اشتراها من زيد و يقيم البرهان عليه (و الدافع جيشات الاباطيل) جيشات جمع جيشه من جاش القدر اذا ارتفع غليانها، و اباطيل جمع باطل، كان الاباطيل كانت تغلي و تفور فدفعها الرسول صلي الله عليه و آله و سلم. (و الدامغ) من ذمغه بان ضربه علي راسه حتي بلغ دماغه (صولات الاضاليل) الصوله هي

السطوه، و ضاليل جمع ضلال، فان لضلال سطوه و هجوما، و الرسول صلي الله عليه و آله

و سلم دمغها حتي لا تتحرك و لا تبدي حياه (كما حمل فاضطلع اي فعل تلك الامور السابقه من الختم و الفتح و الاعلان و الدفع و الدمغ- كما حمل- اي كما حمله الله سبحانه و اراد منه بغير زياده او نقصان، و الاضطلاع النهوض بالامر، بكل قوه و قدره، من الضلاعه بمعني القوه (قائما) اي في حال كونه صلي الله عليه و آله و سلم قائما (بامرك) و هذا كنايه عن اداء الامر، فان الانسان القائم يتمكن من العمل اكثر من الانسان القاعد (مستوفزا) اي مسارعا مستعجلا (في مرضاتك) اي رضاك، فان المراضه مصدر ميمي (غير ناكل) الذي ينكص و يتاخر (عن قدم) القدم بمعني المشي الي الحرب و قد يستعمل في مطلق الاقدام تشبيها. (و لا واه في عزم) الواهي الضعيف، اي لم يكن عزمه ضعيفا حتي يتردد في الاقدام و الاحجام، او السكوت و الكلام (واعيا) اي فاهما فهما صحيحا (لوحيك) فلا يكون بليدا في فهمه، او ناسيا له (حافظا لعهدك) و المراد به الاحكام، فانه سبحانه عهد الي الرسول بتبليغ الاحكام و ارشاد الانام (ماضيا علي نفاذ امرك) اي عاملا لتنفيذ امر الله و تطبيقه في الناس بلا مبالات او تلكوء (حتي اوري) اي ا

ظهر الضياء، من اوري الزند بمعني قدحه حتي خرج ناره (قبس القابس) القبس شعله من النار، و المقابس الذي يطلب النار، اي ان الرسول صلي الله عليه و آله و سلم اظهر شعله النار لمن اراد اخذها، و هذا كنايه عن انه صلي الله عليه و آله و سلم اظهر متطلبات الذين يريدون الحق (و اضاء الطريق للخابط) الخابط هو الذي يسير ليلا في الظلام علي غير

هدي، خارجا عن الجاده، فقد كان الناس في الجاهليه يخبطون و لا يرون طريق الحق، فاضاء لهم الرسول صلي الله عليه و آله و سلم الطريق، حتي اخذوا يسيرون في طريق السعاده. (و هديت به) صلي الله عليه و آله و سلم (القلوب) نسبه الهدايه الي القلوب لانها مركز الهدايه و مبعثها (بعد خوضات الفتن) خوضات جمع خوضه، و هي الولوج في الشي ء، كان القلوب كانت تخوض في التفن مره بعد مره، فنجت ببركه الرسول صلي الله عليه و آله و سلم عن الخوض، و الفتنه هي الامر المشتبه الذي يوجب شقاء الدنيا و الاخره (و اقام) صلي الله عليه و آله و سلم (موضحات الاعلام) اي الاعلام الموضحه للطريق، من اضافه الصفه الي الموصوف، و اعلام جمع علم هو الشي ء المنصوب الذي يعرف به الطريق، او كل شي ء يدل علي امر، كالرايه في الحرب، و اسم الشي ء الذي هو علم

له، و هكذا (نيرات الاحكام) اي الاحكام النيره بمعني الواضحه، لا كالاحكام المنحرفه التي هي مبهمه الوجه غير مطابقه الحق. (فهو) صلي الله عليه و آله و سلم (امينك) اللهم (المامون) الذي لا يخون في اداء الرساله الملقات علي عاتقه (و خازن علمك المخزون) لقد كان علم الله سبحانه بالشريعه و طريق السعاده مخزونا محفوظا لديه سبحانه، ثم حمله تعالي الرسول صلي الله عليه و آله و سلم، فصار الرسول صلي الله عليه و آله و سلم بذلك خازنا و حافظا لهذا العلم، كخازن المال، الذي بيده خزينته اي محل حفظه و ايداعه (و شهيدك) اي الذي تستشهد به علي الناس كما قال تعالي (و يكون الرسول عليكم شهيدا) (يوم الدين) بمعني الجزاء، و المراد

به يوم القيامه، اذ يستشهد بالرسول صلي الله عليه و آله و سلم في ذلك اليوم لمن آمن و عمل صالحا، و علي من كفر او عمل سيئا (و بعيثك بالحق) اي الذي بعثته و ارسلته، ارسالا بالحق، مقابل ارسال الظلمه رسلهم بالباطل. (و رسولك الي الخلق) اي الذي ارسلته اليهم لهدايتهم، و المراد بالخلق اما العام او الانس و الجن فقط (اللهم افسح له) اي للرسول (مفسحا) اي محلا فسيحا واسعا (في ظلك) المراد به الاخره، و هذا دعاء بان يعطي الرسول صلي الله ع

ليه و آله و سلم هناك اماكن رحمه و قصورا واسعه، و (ظلك) كنايه فكما ان الانسان اذا ذهب في ظل شي ء، عند الهاجره يستريح، كذلك من كان تحت لطف الله و عنايه فانه يستريح من الاتعاب و الاوصاب (و اجزه مضاعفات الخير) اي الخير المضاعف و هو الذي يماثل اضعاف و اجر الانسان (من فضلك) فان اعطاء الاجر من الله سبحانه فضل، اذ لا يستحق الانسان في مقابل عمله شيئا، فكيف بمضاعفات الخير؟ (اللهم اعل علي بناء البانين بنائه) هذا كنايه علي اظهار دينه علي سائر الاديان حتي يكون دينه ارفع في الانظار من اديانهم، كما ان البناء الارفع يكون اعلي من سائر الابنيه. (و اكرم لديك منزلته) بان تكون له منزله و مقام كريم، يكرم صاحبها (و اتمم له نوره) اما كنايه عن الارتفاع، فكما ان الاتم نورا- من المصابيح- يكون اظهر و ارفع، كذلك الذي يلطف به سبحانه بجزيل لطفه و اما حقيقه بان يراد اعطاء النور- بمعناه اللغوي-، و هذا اشاره الي قوله تعالي (اتمم لنا نورنا) و المراد بالاتمام اعطاء النور التام بالقدر اللائق بالمعطي

له (و اجزه من ابتعاثك له) اي اعطه جزاء بعثته، فان لرسول الشخص جزائا في مقابل تعبه (مقبول الشهاده) اي اجعل جزاء بعثك له: ان تقبل شهادته فيما يشهد به

، و هذا من اضافه الصفه الي الموصوف، اي اجعل جزائه الشهاده المقبوله. لا يقال ان الله سبحانه يفعل ذلك، بدون دعاء الداعي، فالداعي من قبيل تحصيل الحاصل؟ لانا نقول، الظاهر ان المراد بمثل هذا الدعاء التعميم في الامر، بان يكون المعطي اعم و اشمل، و لا منافات بين اعطائه سبحانه له صلي الله عليه و آله و سلم اصل هذه الامور بالاستحقاق و اعطائه له صلي الله عليه و آله و سلم الزائد الدعاء، و لذا قال المحققون ان التصليه توجب رفعه درجه الرسول صلي الله عليه و آله و سلم، فان الطاف الله سبحانه لا اخر لها، فكلما صلي عليه مصل رفعت درجته (و مرضي المقاله) بان يكون قوله مرضيا، عند الله يرتب عليه الاثر، و هذا اما اعم من (مقبول الشهاده) او المراد به ما يقابل ذلك، من سائر الاقوال التي لا ترتبط بالشهاده (ذا منطق عدل) اي في حال كونه صلي الله عليه و آله و سلم ذا كلام مستقيم، فليس جزائه صلي الله عليه و آله و سلم ب(مقبول الشهاده و مرضي المقاله) اعتباطا، و هذا كما يقول احدنا للاخر، اقبل كلام زيد، فانه صادق (و خطه فصل) اي ان طريقته في القول و العمل فصل بين الحق و الباطل يفصل بينهما، فلا يلتبس احدهما بالاخر، و لا يلبس الحق بالباطل. (اللهم اجمع ب

يننا و بينه في برد العيش) البرد مقابل الحرب، تقول العرب عيش بارد، اي لا حرب فيه، او

مقابل الحر، و حيث ان الحر يوذي غالبا، جعل كنايه عن الاذيه، و المراد بذلك (الجنه) اذ لا حرب فيها و لا اذي، و هذا دعاء لالتحاق الداعي بالرسول صلي الله عليه و آله و سلم في الجنه (و قرار النعمه) اي النعمه القاره التي لا زوال لها (و مني الشهوات) المني، جمع منيه و هي ما يتمناها الانسان من الوان الراحه و السعاده، و الشهوات ما يشتهيها الانسان (و اهواء اللذات) فان الانسان يهوي اللذه (و رخاء الدعه) الدعه سكون النفس و اطمينانها بالخير، و في ذلك رخاء، لا ضيق له و لا ضنك فيه (و منتهي الطمانينه) اي الاطمينان و استقرار النفس، و الجنه منتهي ذلك، اذ لا زوال لها و لا اضمحلال (و تحف الكرامه) جمع تحفه، و هي ما يتحف به الانسان، من الاشياء الثمينه النادره.

خطبه 072

[صفحه 285]

قاله لمروان بن الحكم بالبصره … قالوا اخذ مروان بن الحكم اسيرا يوم الجمل فاستشفع الحسن و الحسين عليهماالسلام الي اميرالمومنين عليه السلام اي طلب منهما ان يشفعا له عند الامام في خلاصه و فكه (فكلماه فيه فخلا سبيله) اي اطلق الامام سراحه بشفاعه الحسنين (فقالا له: يبايعك يا اميرالمومنين)؟ هذا استفهام طلبي اي اطلب منه البيعه (فقال عليه السلام): (او لم يبايعني بعد قتل عثمان)؟ هذا استفهام انكاري لبيان ان بيعته لا تنفع و لا تقف دون غدره ان اراد الغدر، فانه قد بايعني بعد قتل عثمان، و مع ذلك غدر و خرج محاربا، و ايه قيمه لمثل هذه البيعه الغادره؟. (لا حاجه لي في بيعته) فان بيعته و عدمه سواء (انها كف يهوديه) تشبيه لكف مروان بكف اليهود، حيث من طينتهم الغدر و الخيانه،

و اذ لا يستقيمون علي عهدهم (لو بايعني بكفه لغدر بسبته) السبت الاست، قالوا ان سفهاء اهل الجاهليه كانوا اذا بايعوا احدا و عهدوا معه ثم ارادوا نقضه ضرطوا و اشاروا الي مقعدهم، و هذا بيان لسفاله مروان حتي انه كاولئك لا تنفع بيعته (اما) للتنبيه (ان له امره) اي اماره علي المسلمين (كلعقه الكلب انفه) هذا تصوير لقصر مده اماره مروان، و المراد بلعقه انفه ل

حسه اياه، و التشبيه بذلك لكونه في معرض الذم، و قد ذكر المورخون ان مروان بويع بعد يزيد بن معاويه، و كانت مده امرته اربعه اشهر و عشره ايام او سته اشهر. (و هو ابوالاكبش الاربعه) اكبش جمع كبش، و هو رئيس القوم، شبه بكبش الغنم الذي يتقدم عليه، فقد تولي اربعه اولاد لمروان الو لايات فولي عبدالملك بن مروان الخلافه و محمد بن مروان الجزيره و عبدالعزيز بن مروان مصر و بشر بن مروان العراق، و يمكن ان يراد بالاكبش اولاد عبدالملك بن مروان فقد كان لعبدالملك اربعه اولاد كلهم ولوا الخلافه احدهم بعد الاخر، و هم الوليد و سليمان و يزيد و هشام ابناء عبدالملك بن مروان، و لم يتفق في الخلافه قبلهم و بعدهم اربعه اخوه ولوها تباعا (و ستلقي الامه) الاسلاميه (منه) اي من مروان (و من ولده يوما احمر) كنايه عن كثره ظلمهم و سفكهم للدماء، و قد كان كما قال الامام عليه السلام، و يكفي ان يعرف الانسان ان حجاج و هو والي احدهم علي العراق قتل من المسلمين مائه و عشرين الفا مع قطع النظر عن سجونه المرعبه التي كانت تحتوي علي ثمانين الف انسان.

خطبه 073

[صفحه 287]

لما عزموا علي بيعه عثمان بعد قتل

عمر و قصه الشوري (لقد علمتم) الظاهر كون الخطاب موجها الي اصحاب الشوري الذين رشحوا عثمان للخلافه دون الامام عليه السلام (اني احق الناس بها) اي بالخلافه (من غيري) و ذلك لنص رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم عليه، بالاضافه الي موهلاته الشخصيه التي لم يكن و لا بعضها في سواه (و و الله لا سلمن) اي اكون مسالما في مقابل المحارب (ما سلمت امور المسلمين) اي مادام كانت امور المسلمين تجري علي ظواهر الاسلام (و لم يكن فيها جور الا علي خاصه) فان انتزاع الخلافه من الامام عليه السلام كانت له مضرات ثلاثه: الاولي- كونه جورا علي الامام. الثانيه- كونه جورا علي المسلمين حيث حرموا عن عدل الامام و فضله. الثالثه- ما رافقه من اقسام الجور علي الامه كضرب من لا يستحق الضرب و اخذ مال من لا يستحق اخذ ماله و هكذا. لكن الامام عليه السلام تنازل عن حقه الشخصي بالنسبه الي نفسه و بالنسبه الي حرمان المسلمين حيث كانت ظواهر الاسلام محفوظه و حيث انه لم يكن يقدر علي النهوض الا بايجاد انشقاق داخلي بين المسلمين ربما اودي بالاسلام نفسه، اما ما رافق الامر من الجور و الخروج عن خطه الاسلام فكان الامام يعارض

و يحارب كما فعل في زمن معاويه، و لا يقال ان المنصب للامام الهي فلا يصح التنازل عنه لان التنازل اذا كان اعتباطا كان خلافا للشريعه اما التنازل اذا لم يجد الامام الانصار الكافي و كان القيام ذا خطر اكبر فالتنازع هو المتعين لترجيح اقل الضررين. (التماسا لاجر ذلك و فضله) اي ان تسليمي انما هو رجاء ان يعطيني الله سبحانه لهذا العمل الذي هو للابقاء علي الاسلام اجرا

و فضلا (و زهدا) اي و لاجل الزهد و النفور (فيما تنافستموه) من زخرفه) تشبيه للخلافه بالذهب الذي يتنافس فيه الناس (و زبرجه) هو الزينه، اي اني زاهد فيما يتنافس فيه اهل الشوري من المنصب و المال التابعين للخلافه.

خطبه 074

[صفحه 289]

لما بلغه اتهام بني اميه له بالمشاركه في دم عثمان فقد تذرع معاويه و ذويه الي اتهام الامام بدم عثمان ليجدوا مبررا لقتاله و خلع طاعته، طمعا منهم في الملك و السيطره. (او لم ينه بني اميه علمها بي) علمها فاعل، و اميه مفعول، و المراد ب (اميه) بنو اميه، فان القبيله كثيرا ما يطلق عليها اسم جدها الاعلي، و المعني ان علم بني اميه بي لم ينههم (عن قرفي) اي عن ان يعيبوني، فان القرف بمعني العيب، و هذا استفهام استنكاري، اي اكيف يعيبني بنو اميه و هم يعلمون برائتي من دم عثمان، و تحرجي من اراقه الدمائ؟ (او ما وزع الجهال) اي منع جهال بني اميه (سابقتي) في الاسلام و التحرج عن العصيان و ارتكاب الماثم و ما ينافي الفضيله و (سابقتي) فاعل (وزع) (عن تهمتي) اي اتهامي بدم عثمان، ثم الامام عليه السلام سلي نفسه بما يشعر بان آل اميه لو اعرضوا عن وعظه فقد اعرضوا عن وعظ الله سبحانه بقوله: (و لما وعظهم الله به ابلغ من لساني) (الام) في (لما) للتاكيد و القسم، اي ان وعظ الله سبحانه، بالاجتناب عن سوء الظن، و الهمز و اللمز، و القول بغير علم، و الاجتناب عن الغيبه خاصه، ابلغ من وعظي لهم، و قوله (ابلغ) خبر (لما) (انا حجيج المارقين) اي خص

ميهم الذي احتج عليهم، و المارق هو الخارج، و المراد به هنا الخارج عن الدين بنكث

بيعه الامام، و المخالفه له في اثاره الفتن، و خلق الاضطراب (و خصيم الناكثين المرتابين) اي الذين ارتابوا و شكوا في الامر، و المراد بذلك اما في الاخره، او الاعم منها و من الدنيا (و علي كتاب الله تعرض الامثال) يعني ان كل شي ء يماثل شيئا احدهما حتي و الاخر باطل- كخلافه الامام و نقض الناكثين- انما يعرض علي كتاب الله ليعرف ايهما حق و ايهما باطل و مادام الكتاب يصدق اعمال الامام و اقواله، فمن خالفه علي باطل (و بما في الصدور تجازي العباد) و هذا كنايه عن ان مخالفوه يعلمون ان الامام علي حق و انهم علي باطل، و انما تخالف اعمالهم و ما في قلوبهم، كما قال سبحانه (و جحدوا بها و استيفنتها انفسهم) و قال (يعرفونه كما يعرفون ابنائهم).

خطبه 075

[صفحه 291]

(رحم الله امرا سمع حكما) من احكام الاسلام (فوعي) اي ادركه و حفظه ليعمل به، قوله (رحم الله) دعاء بصوره الاخبار، اي اللهم ارحم، و ذلك للتشويق، و للدعاء بالرحمه لمن كان كذلك (و دعي الي ارشاد) اي ما يوجب رشده (فدنا) اي اقترب الي الداعي، ليسترشد به و ياخذ بقوله (و اخذ بحجزه هاد) الحجزه معقد الازار، و هذا تشبيه للمعقول بالمحسوس فكما ان الانسان اذا اراد النجاه من المواقع المزدحمه، ياخذ بحزام انسان قوي لئلا يضل او يعطل، كذلك من اراد النجاه من مزالق الدنيا و عقوبات الاخره، يتبع الذي يهديه الي الحق (فنجا) و لم يهلك و لم يضل. (راقب ربه) اي لا حظ في كل عمل يعمله ربه راض عنه ام لا، كالذي يراقب السلطان لئلا يصدر عنه ما يخالفه فيقع في العقاب و اللوم (و خاف

ذنبه) فان الذي يخاف الذنب- سواء عمله ام لم يعمله- لابد و ان يتجنب عنه، كالذي يخاف من الاسد فانه يهرب منه و لا يقترب اليه (قدم) الي آخرته عملا (خالصا) عن الرياء و الاثم (و عمل) عملا (صالحا) مقابل العمل الفاسد، و ذلك بالملازمه العرفيه يدل علي عدم العمل الفاسد (اكتسب مذخورا) فان اجر الاخره و درجاتها مذخوره باقيه- ليست عاجله فانيه- و اكتسابها انما هو بالعمل الم

حرز لها (و اجتنب محذورا) اي المحرم الذي حذره الله عنه (رمي غرضا) فكان العامل الدنيا يطيش سهمه اذ لا يصل هدف الذي هو السعاده الابديه، بخلاف الذي يعمل للاخره (و احرز عوضا) اي حصل علي عوض عمله، و هو سعاده الاخره، و لم يذهب عمله هباء منثورا، كاعمال اهل الدنيا. (كابر) اي غالب (فحيث يريد الهوي به شرا غالبه فغلبه، و انصرف عن ذلك الشر (و كذب مناه) (مني) جمع (منيه) و هي ما يتوقعه الانسان من الخير علي اعماله، او بدون ان يعمل، و انما ينتظر الصدفه لتاتي بالامنيه، و الاماني غالبا سراب خادع تمنع الانسان عن العمل الصالح ثم لا يعرف الانسان بعد ذلك انه كان مخدوعا، لم يصل الي الامنيه، و ذهب عمره ضياعا، و ذلك بخلاف من يكذب مناه فانه يعمل صالحا، و معني التكذيب عدم الانخداع بما يترائي له من الاماني (جعل الصبر مطيه نجاته) فان الانسان في الدنيا يلاقي مشاكل و صعوبات، فاذا جعل الصبر قرينه- كالمطيه التي يركب الانسان عليها لتسهل له قطع المسافه- لم تمر الايام الاوقد انحلت المشكله و حصلت الغايه المرجوه … اذا لم يصبر بان جزع او ترك ما بيده من العمل الصالح او نحو

ذلك فاتته … متوخاه. (و التقوي مده وفاته) اي الامر الذي اعده لاخرته، فان ات

قاء المعاصي خير زاد للاخره (ركب الطريقه الغراء) اي النيره الواضحه، و المراد بركوبها، العمل بها، (و لزم المحجه) اي الطريقه (البيضاء) اي الواضحه اللامعه، فان البياض واضح لا لوث فيه و لا غموض (اغتنم المهل) اي المهله التي امهل فيها، و المراد به ما بقي من عمره، و اغتنام العمر عباره عن العمل فيه لاجل السعاده و الاخره (و بادر الاجل) اي سابقه، كالذي يسبق الاخر ليفوز بالجائزه، فكان الاجل يريد اختطاف الانسان و الحيلوله بينه و بين العمل الصالح، و الانسان يعمل مبادرا لئلا يقع في مخالبه قبل اتمام عمله الذي يوجب سعادته (و تزود من العمل) اي عمل صالحا ليكون زاده في الاخره.

خطبه 076

[صفحه 294]

(ان بني اميه ليفوقونني) اي يعطونني من المال قليلا قليلا، و اصل التفويق ان يعطي الفصيل امه لتدر ثم يمنع عنها لتحلب، فيكون ما يحصل الفصيل من حليب امه قليلا قليلا، و هذا تشبيه لنفسه عليه السلام بالفصيل الذي لا يعطي الدر كاملا (تراث محمد صلي الله عليه و آله و سلم) المراد ما خلفه الرسول صلي الله عليه و آله و سلم من السيطره و الحكم، و وجه الشتبيه ان بني اميه و علي راسهم معاويه لم يسمحوا لحكم الامام حكما مطلقا، و انما اخذ الامام منهم السيطره شيئا فشيئا، فقد انضموا الي الجمل فاسترد الامام منهم البصره و ما والاها ثم اوجدوا قصه صفين، فاسترد الامام منهم بعض اجزاء البلاد، و سببوا تكون الخوارج فاسترد الامام منهم السيطره (تفويقا) للمبالغه في الاعطاء قليلا قليلا، لانه مصدر تاكيدي. (و الله لئن بقيت لهم) ذكر (لهم) لان

البقاء لا يستلزم التمكن، فكانه عليه السلام قال لئن بقيت قادرا عليهم (لانفضنهم) النفض تحريك الشي ء بعنف ليطير منه ما لصق به، من تراب و نحوه (نفض اللحام) اي بائع اللحم- كالقصاب و نحوه- (الوذام) جمع وذمه و هي القطعه من الكرش و نحوها (التربه) اي التي اصابها التراب، فان القصاب اذا جعل الكرش و المعمي عل

ي الارض فتلطخت بالتراب، نفضها نفضا شديدا اذا اخذها، ليزيل التراب و القذر الذي لصق بها من الارض و انما شبهه بذلك، تحقيرا لهم، و تشبيها لما احتووها بالتراب و القذي، و قد جرت عاده القصابين، علي جعل الكرش و نحوها علي الارض، ثم نفضها لدي اخذها. قال السيد الرضي (ره) (التراب الوذمه و هو علي القلب) من قبيل عرضت الناقه علي الحوض و قول الشاعر: (فلما ان جري سمن عليها كما طينت بالفدن السياعا) فان الوذمه تترب، لا ان التراب يوصف بالوذمه، ثم قال السيد (ره): (ليفوقونني: اي يعطونني من المال قليلا قليلا كفواق الناقه و هو الحلبه الواحده من لبنها) التي تعطي له لتدر الام، ثم اذا درت فصل عنها لتحلب (و الوذام جمع وذمه و هي الحزه من الكرش و او الكبد) الحزه القطعه (تقع في التراب فتنفض) و قد اراد الامام عليه السلام بذلك انه يسلبهم ما احتووه من السلطه و المال بغير حق.

خطبه 077

[صفحه 296]

(اللهم اغفر لي ما انت اعلم به مني) لقد كان الانبياء و الائمه عليهم السلام يرون ما يصدر عنهم من انواع المباح، بل حتي الضروريات الجسديه، خلاف ما يليق بعظمه الله سبحانه، و ان لم تكن تلك معاصي شرعيه، كما يري الانسان مد رجله امام المجتمع خلاف اللائق الموجب للاعتذار، و ان كان

مضطرا الي ذلك لالم في الرجل او نحو ذلك، و علي هذا كان استغفارهم، و المراد بما انت اعلم، الخلاف الذي يكون الله سبحانه اعلم به من العبد، فان علم الله بالاشياء انفذ و اقوي حتي من علم نفس العامل (فان عدت) الي ترك الاولي (فعد علي بالمغفره) مصدر ميمي لمغفر، بمعني عفي من الذنب و ستره (اللهم اغفر لي ما وايت) اي وعدت، من وي ء وزن رمي (من نفسي و لم تجد له وفاء عندي) بان وعدت ان اترك تلك المخالفه، ثم اف بذلك. (اللهم اغفر لي ما تقربت به اليك بلساني ثم خالفه قلبي) كان شكر الله بلسانه، ثم سخط علي احواله و ما فيه من ضيق باطنا (اللهم اغفر لي رمزات الالحاظ) جمع رمز، بمعني الاشاره، و الالحاظ جمع لحظ و هو باطن العين و المراد طلب الغفران من الاشارات التي تصدر عن العين خلاف مرضاته سبحانه،- و المراد هنا ما كان تركا للاولي، كما تقدم- (و سقطات الالفاظ)

اي الالفاظ الساقطه عن درجه الاعتبار و طريقه الادب، كاللغو من الالفاظ و الهدر من الكلمات (و شهوات الجنان) الجنان القلب، سمي بذلك لاختفائه، و منه سمي الجن و الجنين و المجن و ما اشبه، و المراد بشهوات الجنان الميول القلبيه الي غير الفضيله، و ان كان مباحا (و هفوات اللسان) جمع هفوه و هي الزله و لعل الفرق بين هذا و بين قوله سقطات الالفاظ، ان ذاك اشبه بالعمد، و هذا اشبه بالسهو.

خطبه 078

[صفحه 298]

قاله لبعض اصجابه لما عزم علي المسير الي الخوارج فقال له يا اميرالمومنين ان سرت في هذا الوقت خشيت ان لا تظفر بمرادك من طريق علم النجوم، فقال عليه السلام:

للردع عن التبوء عن المستقبل بعلم النجوم، ما ياتي، و علم النجوم هوالعلم باحوال الارض و من عليها، من اختلاف حركات النجوم و قد كان لهذا العلم اصل، ثم اندرس، و لم يبق منه الا امور ناقصه تطابق الواقع احيانا و تخالفه كثيرا، و لذا فلا يصح الاخبار بذلك، و لا الجزم، و لا ترتيب الاثر، كما ذكر في الفقه. (اتزعم) اي هل تظن ايها المخبر عن علم النجوم (انك تهدي) و ترشد الناس (الي الساعه التي من سار فيها صرف عنه السواء) بان لا يصيبه مكروه، لان سيره كان في ساعه حسنه (و تخوف من الساعه التي من سار فيها حاق) اي احاط و حل (به الضر) اي الضرر لانه سار في ساعه نحسه (فمن صدق بهذا) الذي تزعم عن علمك (فقد كذب القرآن) لان القرآن يقول: و ما تدري نفس ماذا تكسب غدا و ما تدري نفس باي ارض تموت، ان قلت فماذا هذا الذي نري من مطابقه بعض الاخبارات للمستقبل، قلت: ذلك من باب الصدفه لا الكليه، و من علم فليس يتمكن من القطع- الا من باب قطع الانسان غير العادي- اذ لا يعلم الانسان الاسباب

و المسببات من جميع وجوهها و خصوصياتها، و من ادعي ذلك فهو جاهل او متجاهل. (و استغني عن الاعانه بالله في نيل المحبوب و دفع المكروه) فان الانسان اذا علم المستقبل بحيث لا يغير و لا يبدل كما هو مقتضي اخباره القطعي لم يك موقع ليطلب من الله سبحانه ان يتفضل عليه بما يريده من الامور المحبوبه، او بما يخشاه من الامور المكروهه، و هذا خلاف ضروري الاسلام من الدعاء و الرجاء و الخوف و ما اشبه

(و تبتغي) ايها المنجم المخبر عن المستقبل (في قولك) اخبارا عن مستقبل مخاطبك (للعامل بامرك ان يوليك الحمد) اي ان يحمدك لما كشفت له عن المستقبل المحبوب، او المستقبل المكروه، فاجتنبه لقولك، فلم يقع فيما يكره (دون ربه) تعالي لانك افدته من افادته سبحانه، اذ لو لا انت لوقع في المحذور، فانت الدافع الوحيد للمحذور. (لانك بزعمك) الزعم يستعمل كثيرا لماظنه الانسان واقعا و ليس بواقع (انت هديته) و ارشدته (الي الساعه التي نال فيها النفع) فلو لا انت لم نيل النفع (و امن الضر) و لو لا انت لوقع في الضرر. ثم لا يخفي ان المنجم الذي اخبر الامام عليه السلام كان علي خطاء، لان الامام خرج الي الخوارج و ظفر عليهم فقد بددهم و كسر شوكتهم و انتصر عليهم. ثم اقبل عليه

السلام علي الناس فقال: (ايها الناس اياكم و تعلم النجوم) (اياكم) للتحذير، اي احذركم من تعلم النجوم، و المراد النجوم التي توجب الاخبار عن المغيبات لا النجوم التي تعرف بها الازمان، فقد قال الامام عليه السلام: انما العلوم اربع علم الفقه لحفظ الاديان و علم النجوم لحفظ الازمان و علم النحو لحفظ اللسان و علم الطب لحفظ الابدان، و لذا استثني عليه السلام عن التحذير بقوله: (الا ما يهتدي به في بر او بحر) فان النجوم دليل الانسان في الليالي المظلمه الي كيفيه السير نحو المقصد، كما قال سبحانه (و بالنجم هم يهتدون) و الظاهر ان هذا من باب المثال، و الا فكل اهتداء جائز بالنجم، مثلا اكثر الزارع يهتدون بالنجوم لاوقات الزرع و نحوه (فانها) اي النجوم- و المراد تعلم التنجيم- (تدعو الي الكهانه) و هي تقويه النفس تقويه خاصه للاتصال بالشياطين و الارواح

غير المرئيه، ثم تلقي الاخبار المستقبله منها، فقد تصدق تلك الاخبار و قد تكذب. و انما كانت النجوم تدعوا الي الكهانه لان النجم كثيرا ما يحلوله اطلاعه عن المستقبل بواسطه النجوم- خصوصا اذا صدقت جمله من اخباره الموجب لعلو منزلته عند الناس- و ذلك يجره الي الاستزاده من هذا النحو من العلم مما يوجب

تتبعه لمظانه، و من مظانه الكهانه لانها توجب الاطلاع علي المستقبل ايضا- بزعمه- (و المنجم كالكاهن) لان كلا منهما يخبر عن المستقبل بادله حدسيه لكن الاول يستدل بالنجوم عليه و الثاني يستدل بالارواح غير المرئيه عليه (و الكاهن كالساحر) و الفرق بين الكهانه و السحر، ان الاول مجرد الاطلاع عن المستقبل بواسطه الارواح و الثاني التاثير في الناس تاثيرا غريبا بواسطه الارواح كعقد الرجل عن حليلته و ما اشبه ذلك، و كلاهما من واد واحد حيث يستعين الانسان لكشف مستقبله او تاثيره بالارواح غير المرئيه. (و الساحر كالكافر) لان كليهما خارج عن اطاعه الله سبحانه، فانه سبحانه حرم السحر لما يترتب عليه من الضرر، كما نهي عن الكفر، و لذا ورد في الحديث ساحر المسلمين يقتل، و لو انفتح باب السحر لسبب اضرارا كثيره في المجتمع كما لا يخفي، و قد حدث لبعض اقربائنا انه طرد ساحره عن بيته، كانت تراودهم بحكم الجوار فاغتاظت الساحره، و ارادت الاضرار برئيس البيت الطارد لها، ثم قالت اني لا اسحر نفس الطارد- لما له من النعمه علي- و انما اضره في عنيه و اعميه، فلم تمض الامده يسيره، و اذا بالطارد رمدت عيناه و عميتا، و بقي كذلك حتي مات- رحمه الله تعالي عليه- و قد كشف

العلم الحديث جانبا كبيرا من الامور المرتبطه بالارواح، كما

تجده في كتاب (علي حاف العالم الاثيري) لبعض الغربين (و الكافر في النار) و بقياس المساوات: المنجم في النار (سيروا علي اسم الله) و هكذا خرج الامام لحرب اهل النهروان بدون الاعتناء الي ذلك المنجم، و ظفر رغما علي اخباره بانه يخشي انه لا يظفر بمراده.

خطبه 079

[صفحه 302]

خطبها (بعد حرب الجمل في ذم النساء) و ذلك لان الرئيس في تلك الحرب كانت امرائه و هي- عائشه- فاراد عليه السلام بيان فشل رايهن حتي لا يعتمد عليهن في مشوره خصوصا في الامور العظيمه، و قد ثبت في العلم الحديث ضعف اجهزه المرئه العقليه، و انها عاطفيه مما لا يمكن ان يستند اليها بالامور العظام. و لذا نري العالم- و ان هرج حولها و حول مساواتها للرجل- لم يستند اليها بمنصب روساء الحكومات و ما اشبه بل المناصب العظام كلها مستنده الي الرجال فهذه امريكا، و انكلترا، و المانيا، و فرنسا، و الاتحاد السوفياتي، و غيرها كل روساء حكوماتها رجال، و ان ملئوا العالم صياحا بتساويها مع الرجل، و هكذا في سائر المناصب المهمه كمجلس الاعيان و الوكلاء. (معاشر الناس) جمع (معشر) و هو الجمع، و هذا منادي محذوف عنه حرف النداء (ان النساء نواقص الايمان) شرعا، و ذلك تبع لنقصان عقولهن كما سيائي، و المراد بنقص الايمان عدم ادراكهن الايمان الكامل الذي يتمكن الرجل ان يتوصل اليه (نواقص الحظوظ) جمع حظ و هو الامر الذي يسعد الانسان، و هذا ايضا شرعي تبع لنقصان عقولهن و ضعف اجهزتهن خلقه (نواقص العقول) و هذا خلقي، فقد خلق الله تعالي المرئه لشئون المنزل ف

هي بين اداره بيت، و حمل و ولاده، و تبعا لذلك جعل فيه العاطفه القويه حتي تحنو

علي المنزل و الاولاد، و بهذه النسبه من قوه العاطفه تقل القوه العقليه المتوفره في الرجل (فاما نقصان ايمانهن فقعودهن عن الصلاه و الصيام في ايام حيضهن) (الحيض دم تراه المراه في كل شهر غالبا) اذا صارت بالغه و لم تبلغ سن الياس، و اقل الحيض ثلاثه ايام، و اكثره عشره ايام، و البلوغ يتحقق فيها بدخولها في العاشره و الياس يتحقق في القرشيه و النبطيه ببلوغ السنين و في غيرهما ببلوغ الخمسين. و لعل الحكمه في سقوط الصلاه و الصيام عنهن التعويض بذلك عن مرضهن، فان الحيض مرض كما قال سبحانه (و يسئلونك عن المحيض قل هو اذي) و كما قرر ذلك علم الطب، ثم لا يخفي ان هذا النقصان ليس مما يوجب نقصان اجرهن في الاخره، و لذا تكون زوجات اهل الجنه، في منازل ازواجهن. (و اما نقصان حظوظهن فمواريثهن علي الانصاف من مواريث الرجال) كما قال سبحانه (للذكر مثل حظ الانثيين) و هذا غالبي و الا فربما صار حظها مساويا او اكثر من الرجل و الحكمه في تقليل حظها ان مونتها اقل فالام و البنت و الزوجه- و هن غالب النساء- نفقاتهن علي الولد و الاب و الزوج (و اما نقصان عقولهن) و قد استدل الامام لذ

لك بدليل شرعي بقوله (فشهاده امراتين كشهاده الرجل الواحد) في كثير من ابواب الشهاده، كما يعرفها المطلع علي الفقه، و لو لم تكن المرئه ناقصه العقل لم تكن شهادتها كذلك. (فاتقوا) ايها الناس (شرار النساء) و لا تملكوهن ازمه الامور، فان الناقص اذا كان شرا و ملك اوجب الفساد و التبار، و لذا قال الرسول صلي الله عليه و آله ذل قوم وليتهم امرئه (و كونوا

من خيارهن علي حذر) لان الخير العملي لا يوجب تبدلا في الخلقه، فمثلا السفيه اذا كان خيرا لا يوجب كونه خيرا رشدا و حصافه في عقله و تصرفاته (و لا تطيعوهن في المعروف) بان لا يكون عملكم بالمعروف صادرا عن اطاعتهن، بل صادرا عن انفسكم و حسن المعروف الذاتي (حتي لا يطمعن في المنكر) فان الانسان اذا راي نفسه مطاعا، تدرج من الامر بالحسن الي الامر بالقبيح.

خطبه 080

[صفحه 305]

في تعريف الزهد في الدنيا و تعيين الزاهد (ايها الناس: الزاهاده قصر الامل) بان لا يكون الانسان طويل الامل، و معني طول الامل ان يامل الانسان ان يبقي في الدنيا طويلا و يرغب في نعيم الدنيا، فان ذلك يوجب التكالب عليها مما ينسي الاخره فلا يعمل العمل اللائق بها (و الشكر عند النعم) لان الزاهد نظره الي الاخره و كلما كان نظر الانسان الي الاخره يكون متوجها الي الله سبحانه مما يوجب شكره لكل نعمه للالتفات الحاصل له، و ذلك دون غير الزاهد الذي هو اقل التفاتا او عديم الالتفات (و الورع عن المحارم) اي الاجتناب عنها، فان الزاهد يعرف عظم خطر المحرمات فيجتنب عنها بخلاف غير الزاهد (فان عزل ذلك) الزهد (عنكم) اي لم تكونوا زاهدين في الدنيا معرضين عنها- فان عزب بمعني غرب و بعد- (فلا يغلب الحرام صبركم) بان تقتحموا المحرمات حسب شهوه النفس، و لا تتمكنوا من كف النفس عن الشهوه، اذ في اقتحام المحرمات نكالا و عقابا. (و لا تنسوا عند النعم شكركم) بان تتركوا الشكر اطلاقا، فان هناك واسطه بين الشكر المطلق و نسيان الشكر اطلاقا، كما ان هناك واسطه بين الزهاده و بين ارتكاب المحرمات، و الامام عليه السلام يامر باتباع

الوسط اذا لم يتسني ل

لانسان المرتبه الراقيه من الزهد و الشكر (فقد اعذر الله اليكم) يقال اعذرت الي فلان بمعني اقمت لنفسي عنده عذرا و معني اعذر الله، انه تعالي اقام العذر حتي اذا عاقب يكون قد اتم الحجه، و لم يكن عقابا بلا بيان (بحجج مسفره) من اسفر اذا بان و ظهر (ظاهره) تاكيد لمسفره، و الحجج هي الانبياء و الائمه الذين نصبهم لهدايه العباد و ارشاد الناس لئلا يقول احدكم لم اك اعلم لزوم الشكر او خطر المحرمات (و كتب بارزه العذر) اي كون تلك الكتب السماويه ظاهره في اتمام الحجه الموجبه لان يكون لله عذرا في عقابكم اذا خالفتم (واضحه) ليست بغامضه، و لا يعيده من متناول الناس.

خطبه 081

[صفحه 307]

(في صفه الدنيا، لتزهيد الناس فيها) (ما اصف من دار اولها عناء) اي تعب و نصب، و (ما) استفهاميه، و كون اول الدنيا عناء واضح فان الانسان لا يردها الا بصعوبه في الحمل و الوضع و ما اشبه (و اخرها فناء) اي عاقبه الناس فيه ان يموت او عاقبه نفس الدنيا ان تنفي عند قيام الساعه و دار لا تبقي ينبغي ان يزهد فيها لعدم قيمه حقيقيه للشي ء الذي يفني و لا يدوم (في حلالها حساب) اذ يحاسب الله سبحانه يوم القيامه كل ما عمل الانسان من خيرا و شر و المراد بالحلال- علي الظاهر- كل ما ليس بحرام، بقرينه المقابله (و في حرامها عقاب) و نكال (من استغني فيها) غناء في المال او الجاه او ما اشبه (فتن) بمعني انه يعرض عن الذي يجب عليه بالنسبه الي ما اعطاه الله تعالي، فاذا صار صاحب مال بخل او صاحب جاه لم يقض الحوائج

و تكبر، او صاحب علم لم يبذل و شمخ بانفه و هكذا. (و من افتقر فيها حزن) و من المعلوم لزوم النفره عن شي ء يوجب كلا طرفيه المشقه و الانحراف. (و من ساعاها) اي سعي لاجلها (فاتته) اي تفوته الدنيا، فان الدنيا لا تحصل بالسعي و انما بالتقدير و النصيب كما قال الشاعر: جري قلم القضاء بما يكون فسيان التحرك و السكون و هذا غالبي، لا دائمي

. كا ان قوله (ع) (من استغني الخ) غالبي، فان هذه الحمل علي نحو القضيه الطبيعيه لا الكليه كما لا يخفي، و قد تفسر هذه الجمله بان فاتته بمعني سبقته فانه كلما نال الانسان شيئا فتحت له ابواب الامال فيها فلا يكاد يقضي مطلوبا واحدا حتي يهتف به الف مطلوب، و الذي ذكرناه اظهر في معني الجمله. (و من قعد عنها) اي عن الدنيا (و اتته) اي اتته الدنيا، فليس حصولها بالسعي، و ان كان للسعي مدخلا، و لذا نري: كم عاقل عاقل اعيت مذاهبه و جاهل جاهل تلقاه مرزوقا هذا الذي ترك الانسان يذعن ان هناك من خلق الاشياء تدقيقا (و … بها) اي جعل الدنيا اله البصيره ليري بها الاشياء و يعتبر بها الامور كيف تصرف و تنتقل من حال الي حال (بصرته) اي ارته الامور مجاريها و مصايرها، فلا يغتر بها لمعرفته حقيقتها (و من ابصر اليها) بان جعل غايه نظره الدنيا يتطلب جاهها و مالها و عزها (اعمته) و تسبب له الهلاك، فان النظر الي الدنيا كالنظر الي المراه قد تكون نظره اليه و قد تكون نظره استقلاليه.

خطبه 082

[صفحه 310]

(و هي من الخطب العجبيه و تسمي الغراء) و كونها عجيبه لاشتمالها علي غرائب احوال الانسان

في النشائين بعبارات بليغه، و اساليب بديعه، قد بلغ الامام عليه السلام عمق احوال الدنيا و احوال الاخره. (الحمد لله الذي علا) اي ترفع (بحوله) و قدرته، و لا يخفي ان صفات الذات اذا صيغت في قالب الفعل انسلخ الفعل بالنسبه اليها عن الزمان، فاذا قيل (علم الله) او (علا) او (قدر) او ما اشبه لا يراد بها انه صار الي تلك الصفات بعد ان لم يكن، بل المراد نسبه المصدر الي الذات، بمعني انه عالم قادر عال، و هكذا، بل قد ذكر المحقق الخراساني في الكفايه ان الفعل لا وضع له للزمان، و انما ينصرف منه ذلك انصرافا حسب القرينه العامه، و المعني ان قدرته العامه هي الموجبه لكونه سبحانه عاليا رفيعا، اذ ذو القدره فوق ما لا قدره له، (و دنا) اي قرب الي الخلق قربا معنويا بالاطلاع و الاحسان (بطوله) اي بفضله و كرمه فكما ان المتفضل قريب الي المتنعم قربا حسيا كذلك الله سبحانه قريب الي الخلق قربا معنويا (مانح كل غنيمه و فضل) فان كلما يغتنمه الانسان من خير و ما ياتيه من فضل و احسان فانه من الله سبحانه (و كاشف كل) بليه (عظيمه) فانه تعالي هو الذي يزيل ال

مكاره، و انما قيل (كشف) تشبيها للمكاره بالغاشيه التي تغشي الانسان فاذا ازيلت فقد كشفت (و ازل) هو الضيق و الشده (احمده علي عواطف كرمه) العطف هو الميل نحو الغير، و نسبته الي الكرم مجاز من باب علاقه السبب و المسبب لان الكرم لا يعطف و انما الشخص يعطف (و سوابغ نعمه جمع سابغه و هي النعمه الشامله من سبغ الظل اذا عم و شمل. (و اومن به) اي بالله سبحانه

(اولا باديا) اي في حال كونه تعالي اول الاشياء لا شي قبله او معه، و كونه باديا اي ظاهرا لاخفاء فيه (و استهديه) اي اطلب هدايته في حال كونه (قريبا) الي الانسان بالعلم و القدره (هاديا) يهدي الناس من الظلمات الي النور و من الباطل الي الحق (و استعينه قادرا قاهرا) فانه يتمكن من عون الانسان لقدرته و يتمكن لقهر الصعاب و تذليلها (و اتوكل عليه) التوكل هو تفويض الامر الي الله سبحانه ليتولي انفاذه و امضائه (كافيا) يكفي من كل شي ء (ناصرا) ينصر من طلب النصره منه في اموره (و اشهد ان محمدا صلي الله عليه و آله عبده و رسوله) و كان الشهاده بكونه صلي الله عليه و علي آله عبده لئلا يغال محبيه فيرفعوه فوق درجته، و ان كان هذا غير خاص به اذ كل انسان عبد له تعالي. (ارسله) تعالي الي البشر و معني ا

لارسال تحميل الرساله، و ان لم يكن هناك تحرك من محل الي محل اخر (لانفاذ امره) اي ايصال امر الله تعالي الي المامورين (و انهاء عذره) العذر هو الحجه، و المعني ابلاغ احكام الله تعالي الذي يوجب الحجه من الله علي الناس حتي اذا لم يعملوا و عاقبهم كان ذلك بعد اتمام الحجه (و تقديم نذره) النذر جمع نذير و هو التخويف، و المعني ان يبيين الرسول المخوفات للناس، و انما سمي تقديما باعتبار ان ذكرها مقدم علي وجودها الخارجي فالرسول يبين ان من زنا- مثلا- فعليه كذا من العقاب، فقد قدم الانذار علي العقاب الذي يشتمل الزاني.

[صفحه 312]

(اوصيكم عباد الله بتقوي الله) اي اتقائه و الخوف منه (الذي ضرب لكم الامثال) جمع مثل، و هو ما

يذكر مما اصاب الاوليين الذين عصوا و خالفوا الاوامر، او المراد مطلق المثل الذي جي ء به لتوضيح الكلام. (و وقت لكم الاجال) جمع اجل و هو اخر مده الانسان، او مده كونه في الحيات، و المراد ان الله سبحانه جعل للبشر وقتا محدودا بلا زياده او نقصان (و البسكم الرياش) و هو اللباس الجميل الذي يتزين به الانسان، و المراد اما الالبسه و اما صوره الانسان التي بها جمال الانسان علي سائر انواع الحيوان (و ارفغ لكم المعاش) يقال رفغ عيشه رفاغه اي اتسع، اي انه سبحانه اوسع عليكم ما تعيشون به من مال و ماكول و مسكن و ما اشبه (و احاطكم بالاحصاء) اي انه سبحانه احصاكم و يعلم تعدادكم، و العالم محيط بالعلوم معني، كما ان السور محيط بالبلد خارجا (و ارصد لكم الجزاء) اي اعده لكم فكل انسان يلقي جزائه (و اثركم) اي اختاركم (بالنعم السوابغ) جمع سابغه و هي الواسعه، فان الله سبحانه اختار الانسان لاعطائه اعظم النعم مما لم يفعله بالملائكه و سائر مخلوقاته. (و الرفد الروافغ) الرفد جمع رفده و هي العطيه، و الروافغ جمع رافغه و هي المتسعه (و انذركم بالحجج

البوالغ) جمع بالغه اي الحجه الواصله اليكم (و احصاكم عددا) فهو يعلم عددكم (و وظف لكم مددا) اي جعل لكم مده و امتدادا في الحيات لا تتجاوزون عنه، و لعل التكرار لئلا يتوهم لمبالغه في قوله (وقت لكم الاجال) (و احاطكم بالاحصاء) فان الذهن يستبعد علم احد بكل انسان و ان تكون الاوقات المختلفه بالجعل و التوظيف فالتكرار للاثبات و التاكيد و التركيز (في قرار خبره) اي ان الاحصاء و التوظيف في مستقر- هو الدنيا- جعل ذلك للاختبار

و الامتحان (و دار عبره) فان الدنيا دار الاعتبار و الاتعاظ. (انتم مختبرون فيها) فان الله سبحانه يمتحن الانسان في الدنيا (و محاسبون عليها) اي يحاسبكم علي الدنيا، و المراد الحساب علي تعاطي الانسان الدنيا (فان الدنيا رنق مشربها) الرنق هو الكدر، و هذا كنايه عن الام الدنيا، و همومها، فهي مثل الماء الكدر الذي لا يهناء شاربه و قوله (فان) ب (الفاء) تفريع علي قوله (اوصيكم) كانه عليه السلام قال اتركوا لذات الدنيا فانها كدر (ردغ مشرعها) المشرع المحل الذي يتمكن الانسان من الوصول الي ماء النهر و نحوه و الردغ الكثير الطين و الوحل (يونق منظرها) اي يعجب منظر الدنيا، فان الانسان اذا نظر اليها اعجبته و ظن انها بدون الام و

هموم (و يوبق) اي يهلك (مخبرها) اي الاخذ بها، فان من ياخذ بالدنيا بلا احتراز و توفي يهلك لما يصيبه من الاثام و المعاصي. (غرور حائل) اي ان الدنيا غرور يحول و يزول فلا يبقي، و حمل (غرور) علي الدنيا مبالغه، مثل (زيد عدل) و حائل من حال يحول اذا زال و لم يبق (و ظل زائل) اي ان الدنيا كالظل الذي تنسخه الشمس فلا يبقي و انما يمكث برهه (و سناد مائل) السناد ما يستند اليه الانسان فان كان ثابتا قائما استقر المستند اليه، و ان كان مائلا مشرفا علي الوقوع كان المستند اليه في معرض السقوط (حتي اذا انس نافرها) النافر من الحيوان الذي لا يئنس، و انس النافر كنايه عن التعب لاجل الايلاف، كما يتعب من يريد تذليل الحيوان الوحش ليانس (و اطمان ناكرها) اي الذي ينكر الدنيا، و هو كنايه عن الاطمينان و الاستقرار الذي يحصل للانسان بعد جهد

و جد، من جهه الملاذ و المكانه الاجتماعيه و ما اشبه. (قمصت) الدنيا (بارجلها) يقال قمصت الدابه اذا رافعت يديها معا و طرحتهما، و في ذلك طرح للراكب لانه يميل الي الخلف بهذا العمل (و قنصت باحبلها) اي اصطادت بالشباك التي بسطتها لاقتناص الناس، و ذلك عن ايجاد المشاكل لهم، او اماتتهم (و اقصدت باسهمها) جمع سهم اي ارسلت

سهامها الي هذا الانسان المطمئن حتي تجرحه و توذيه (و اعلقت المرء اوهاق المنيه) الاوهاق جمع وهق و هو شي كان يستعمله اللصوص اذا ارادوا التسلق، فهي حبال في راسها عصي معقوفه، يطرحونها علي الحائط ثم يتسلقونها و تسمي بالفارسيه (كمند) يعني ان الدنيا تطرح علي المرء حبال الموت لتجره نحو الفناء و الهلاك، او بمعني يصعد الموت اليه بسبب الوهق. (قائده له الي ضنك المضجع) اي تقود الدنيا الانسان الي ضيق القبر، فان الضنك بمعني الضيق (و وحشه المرجع) فان الانسان يستوحش من الاخره لعدم انسه بها (و معاينه المحل) اي مشاهده مكانه في الاخره (و ثواب العمل) اي جزاء ما عمله في الدنيا، فان (ثوب) بمعني جزاه، قال تعالي (هل ثوب الكفار) (و كذلك الخلف يعقب السلف) فانه تذهب الاجيال جيلا بعد جيل، و كلها تبتلي بالدنيا، بما ذكر لها من الاوصاف (لا تقلع المنيه اختراما) اقلع عن الشي امتنع عنه، و الاخترام الموت اي لا تمتنع المنيه عن اهلاك الاحياء، بل الموت جاد مستمر في اهلاك الناس. (و لا يرعوي الباقون اجتراما) اي لا يكف الناس الباقون عن اقتراف الاثام و الجرائم، فانهم لا يعتبرون بموت ابائهم و اسلافهم ليكفوا عن الذنب و يكفروا في المصير (يحتذون مثالا) اح

تذي، بمعني اقتدي و المعني ان

الباقين يقتدون في اعمالهم اثار السابقين مثلا بمثل، بلا ارعواء و لا انقلاع (و يمضون ارسالا) جمع رسول و هو القطيع من الخيل و الابل و الغنم، اي ان الناس كالاغنام يسير بعضهم اثر بعض (الي غايه الانتهاء) اي الي غايه هي انتهاء الانسان في الحيات (و صيور الفناء) علي وزن تنور مشتق من صار بمعني مصير الشي و ما يول اليه امره (حتي اذا تصرمت الامور) اي انقضت امور هذا العالم مما قدرها الله سبحانه (و تقضت الدهور) جمع دهر و هو مده طويله من الزمان و معني تقضت انقضت و تمت (و ازف النشور) اي اقترب يوم القيامه، و يسمي بالنشور لنشر الناس فيه بعد الممات (اخرجهم) الله سبحانه (من ضرائح القبور) جمع ضريح و هو الشق وسط القبر، و اصله من ضرحه، بمعني دفعه، و سمي بذلك لعلاقه الحال و المحل فان الميت مدفوع الي هناك او باعتبار انه يدفع دون ضرح الشق (و اوكار الطيور) جمع وكر و هو مسكن الطير، فان بعض الطيور ياكل الاموات و يجمع اجزائهم من عظام و نحوها في مساكنها (و اوجره السباع) جمع وجار و هو مسكن السبع و نحو فان السباع تاكل الاموات و تبقي فضلاتهم في محلاتها (و مطارح المهالك) جمع مطرح و هو محل طرح الشي ء اي الاماكن التي

طرحت فيها اجزاء اولئك الاموات، و هلك فيها الناس. في حال كون الناس (سراعا الي امره) تعالي، اي يسرعون لحضور القيامه و سراع جمع سريع (مهطعين) اي مسرعين عن الهطع بمعني ارع (الي معاده) اي المحل الذي قرره الله سبحانه لعود الانسان و هو المحشر، و الفرق بين الجملتين ان الاولي بالنسبه الي امره

تعالي. و الثانيه بالنسبه الي المحشر، و انكانت النتيجه واحده (رعيلا) اي في حال كون البشر كالرعيل، و هي القطعه من الخيل، شبهوا بها لتلاحق جماعات الناس بعضهم ببعض كما تتلاحق قطع الخيل (صموتا) اي ساكتين لا يتكلمون لخوف الموقف، في حال كونهم (قياما) جمع قائم فان الدهشه تمنعهم عن الاستراحه و الجلوس (صفوفا) مصطفين كل صنف صف (ينفذهم البصر) و الظاهر ان المراد انه لا مخفي منهم بل كلهم في صحراء واحده بارزون حتي ان الانسان اذا نظر اليهم يحيط بهم بغير ان يمنع عن رويتهم مانع من ستر او حجاب او مخباء او ما اشبه ذلك. (و يسمعهم الداعي) فان الذي يدعوهم من قبله سبحانه يسمع جميعهم فلا يخرج احد منهم من قبضته سبحانه (عليهم لبوس الاستكانه) هي بمعني الخضوع و اللبوس ما يلبس، و هذا كنايه عن انهم خاضعون منتهي الخضوع حتي كانهم لابسون لباس الخضوع من راسهم الي

اقدامهم (و ضرع الاستسلام) الضرع الوهن و الخشوع و الاستسلام تسليم الامر، فهم خاضعون لامر الله تعالي، حيث لا قوه تمنعهم عن حكمه (و الذاله) فهم اذلاء لا عزه لهم و لا منعه (قد ضلت الحيل) جمع حيله و هي العلاج للتخلص من المشكله التي يقع الانسان فيها، اي انهم لا حيله لهم لدفع مكاره يوم القيامه فقد انقطعت الحيل التي كانوا يباشرونها في دار الدنيا و ضلت كنايه عن فقدانها (و انقطع الامل) فلا رجاء لهم في غيره سبحانه و تعالي. (و هوت الافئده) جمع فواد. و معني هرت اضطربت، فان الانسان اذا راي مهول حس في قلبه انه يهوي الي الاسفل، في حال كون تلك القلوب (كاظمه) قد كظمت غضبها لانه لا

منفد للغضب هناك (و خشعت الاصوات) اي خفيت كما قال سبحانه: (و خشعت الاصوات للرحمان فلا يسمع الا همسا) (مهينمه) الهينمه الكلام الخفي، فان من طبع الانسان ان يتكلم عند المخوف بالهمس و الاخفات، و كانه لئلا يظهر شخصه فيبتلي بما يخاف منه و يخشاه (و الجم العرق) فان الانسان اذا عرق كثيرا جرت المياه من راسه الي طرف فمه فكانه لجام علي فيه، او المراد انهم يعرقون حتي يبلغ العرق من اقدامهم الي افواههم فهم في بحر من عرقهم. (و عظم الشفق) اي الخوف (و ارعدت الاسماع) ا

ي عرتها الرعده، فان الانسان اذا سمع صوتا مزعجا يحس برعده في اذنه (لزبره الداعي) من زبره معني زجره، و المراد بالداعي الملك الذي يدعو الناس بشده (الي فصل الخطاب) اي الخطاب الفاصل بين الحق و الباطل (و مقابضه الجزاء) اي قبض جزاء اعمالهم، و كانه جي ء من باب المفاعله، لان الانسان يعطي العمل و ياخذ الجزاء فذلك اخذ و اعطاء (و نكال العقاب) عطب بيان ل (نكال) او هو اشد انواع العقاب، فمن باب اضافه الخاص الي العام نحو (خاتم فضه) (و نوال الثواب) يقال ناله اذا وصل اليه، و من المعلوم ان الخوف ليس من الثواب، و انما الخوف من انه هل يعاقب او يثاب فالجملتان تحكيان شيئا واحدا متعلقا للخوف، لا ان الخوف يتعلق بكل واحد منهما استقلالا.

[صفحه 319]

(عباد مخلوقون اقتدارا) اي خلقهم الله تعالي بقدرته (و مربوبون اقتسارا) المربوب هو المملوك، و الاقتسار من القسر بمعني الجبر (و مقبوضون احتضارا) اي يقبضهم الله سبحانه حال احتضارهم و هو حاله الموت (و مضمنون اجداثا) جمع جدث و هو القبر، اي ان البشر لا يملك

من امره شي ء فهو مخلوق بدون اختياره، و يملك ناصيته الله سبحانه في هذه الحياه فلا يملك من امره صحه و لا مرضا و لا غني و لا فقرا، و لا سائر الشون التكوينيه، ثم اذا اراد سبحانه ان يميته اماته بدون اختياره و اقبره في المحل الذي قدره له (و كائنون رفاتا) اي حطاما مهشمه مبعثره، تتفرق اجزائهم، كاليابس من الحشيش (و مبعوثون افرادا) كما قال سبحانه: (لقد جئتمونا فرادي كما خلقناكم اول مره) فان كل انسان يحشر وحده ليس معه عشيرته و افراد اسرته. (و مدينون جزاء) اي مجزيون بجزاء اعمالهم، فان الدين بمعني الجزاء قال تعالي: (مالك يوم الدين) و قال الشاعر: (و لا انت دياني فتحزوني) (و مميزون حسابا) كل يحاسب علي عمله مميزا عما سواه فلا تزر وازره وزر اخري (قد امهلوا) امهلهم الله سبحانه في الدنيا (في طلب المخرج) اي الخروج من الذنوب و المعاصي بالتوبه و العمل الصالح (و هدوا سبيل

المنهج) اي ارشدهم الله سبحانه الي الطريق الواضح للسعاده، فان النهج هو الطريق الواضح، و المراد بذلك الشريعه الاسلاميه التي توصل بسالكها الي الجنه و السعاده. (و عمروا مهل المستعتب) (المستعتب) هو الذي يطلب رضاه، من استعتبه اذا استرضاه، و المعني ان الله سبحانه اعطي الانسان من العمر بمقدار مهله المستعتب فانك اذا استرضيت شخصا و طلبت منه ان يرضي تفسح له في المجال. (و كشفت عنهم سدف الريب) السدف جمع سدفه بمعني الظلمه، و الريب جمع ريبه و هي الشبهه اي ان ظلم الشبهات قد كشفت عن الناس ببركه الادله و الحجج التي اقامها الانبياء فلا شبهه لا حد في الضلال و الانحراف (و خلوا لمضمار الجياد)

اي تركوا في مجال من اعمارهم يتمكنون به من التسابق الي الخيرات، فان المضمار هو المكان و الزمان الذين يضمر فيهما الخيل، فانه اذا اريد السباق، جوع الخيل ليضمر و يهزل فيتمكن من العدو و لا يمنعه السمن من الركض و الجياد جمع جواد و هو الفرس (و) خلوا ل (رويه) اي اعمال الفكر في الامر (الارتياد) بمعني طلب ما يراد ما يختاره الانسان، و المعني انهم امهلوا، فلم يوخذوا سريعا، حتي لا يكون لهم مجال فكر و عمل. (و) خلوا ل (اناه المقتبس المرتاد) الاناه التوئده

مقابل العجله، و المقتبس الذي اخذ قبسا من الضياء- كمصباح او نحوه- و المرتاد الذي يريد شيئا، فان الانسان اذا طلب شئيا في الليل، و بيده مصباح يستنير به ليظفر بمطلبه تاني في الحركه و الطلب، و المعني ان الناس في الدنيا امهلوا كمثل هذه المهله و هذا كنايه عن طول الامل (في مده الاجل) اي في امتداد الاجل المضروب للانسان في الحياه، و هذا يتعلق بقوله (خلوا) اي انهم ابقي عليهم في هذه المده (و مضطرب المهل) اي مده الاضطراب، و هو بمعني الاختلاف مجيئا و ذهابا (فيا لها امثالا صائبه) (يا) حرف نداء و (اللام) للاستغاثه و (ها) تعود الي الامثال، باعتبار ذكرها سابقا، كان المتكلم يستغيث بالامثال لتحضر فيفهمها السامع، و يستجيب لدعوه القائل. (و مواعظ شافيه) اي انها عظات تشفي من داء الجهل و العصيان (لو صادفت قلوبا زاكيه) اي قلوبا ذات زكات و طهاره، فان من القلوب ما لا تنفعها المواعظ لكونها كالاراضي المالحه التي لا تنبت شيئا و من القلوب بعكس ذلك (و اسماعا واعيه) تعي و تستوعب الحق و هذا كنايه عن

النفوس الواعيه، و الا فالسمع اله- كما لا يخفي- (و اراء عازمه) اي تعزم علي الحق، فان بعض الناس لا ملكه لهم تسبب عزمهم علي الامور الخيره، و بالعكس

من ذلك بعض الناس الذين لهم عزم قوي و اراده شديده (و البابا حازمه) جمع لب، و هو العقل، و الحازم هو المقدر للامور المعطي كل شي ء قدره، فلا يفوته شي ء مما ينبغي الاخذ له و العمل به. (فاتقوا الله) اي خافوه، بمعني لا تعصوه (تقيه من سمع) الموعظه (فخشع) اي خضع الله سبحانه فاطاع اوامره (و اقترف فاعترف) الاقتراف تعاطي الذنب، و حيث ان الاعتراف فيه نوع خضوع و ندم، كان الاعتراف بالذنب لديه تعالي حسنا (و وجل) اي خاف الاخره (فعمل) ما يوجب سعادته (و حاذر) اي خاف الفوت (فبادر) اي سارع الي العمل الصالح (و ايقن) اي تيقن بصدق ما اخبره الانبياء حول امور الاخره (فاحسن) في العمل (و عبر) اي عرضت عليه اسباب العبره (فاعتبر) اي اتعظ و انزجر (و حذر) اي خوف من العذاب و النكال (فازدجر) اي انتهي عن المعاصي و الاثام (و اجاب) داعي الله (فاناب) اي رجع عن طريقته السابقه الضاله، و انما اخذ يتبع الداعي عن قبله سبحانه. (و رجع عن اعماله السابقه (فتاب) الي الله توبه نصوحا (و اقتدي) بالصالحين كالانبياء و الائمه (فاحتذي) اي رسم خطاهم و جعل عمله طبق عملهم (و اري) اي راه الانبياء طريق الهدايه (فراي) الطريق المنجي المسعد، بمعني اتبعه، فان من اري فلم ي

عتني، فكانه لم ير، فان البصير الذي لا يعمل بمقتضي ما يبصر، و الاعمي سواء (فاسرع) نحو عمل الخير (طالبا) للنجاه (و نجا) من المهالك بحزمه (هاربا) اي

في حال كونه هاربا عن المعاصي و الاثام (فافاد ذخيره) افاد و استفاد بمعني واحد، اي استفاد الذخيره الصالحه التي يدخرها لاخرته في دنياه (و اطاب سريره) اي طيب باطنه، فلم يكن قلبه اثما و لا منطويا علي الرذائل (و عمر معادا) اي عمل ما يوجب تعمير آخرته و سعاده محشره (و استظهر زادا) اي حمل الزاد لاخرته، تشبيها بالمسافر الذي يحمل زاده، يقال استظهر، بمعني جعل الزاد فوق ظهره. (ليوم رحيله) الذي يرحل فيه من الدنيا الي الاخره (و وجه سبيله) اي لطريقه الذي يسلكه الي الاخره، و اضافه الوجه اليه للتوضيح (و حال حاجته) و هو ما بعد الموت الذي يحتاج الانسان فيه الي العمل الصالح (و موطن فاقته) اي محل فقره (و قدم) العمل الصالح (امامه لدار مقامه) فان الانسان يقم في الاخره الي الابد اذا لا زوال لها و لا اضمحلال، بخلاف الدنيا فانها دار زوال و انتقال (فاتقوا الله عباد الله) منادي حذف منه حرف النداء (جهه ما خلقكم له) اي توجهوا الي الناحيه التي خلقتم له، و هي جهه العمل الصالح، و الاجتناب عن المحرم

ات و الاثام، فكانه قال اعلموا متقين لتلك الجهه (و احذروا منه) اي خافوا من الله سبحانه (كنه ما حذركم من نفسه) لقد حذرنا سبحانه من معاصيه، و حيث ان كنه الشي ء نهايته من جهه السر، اعير بمعني النهايه و الغايه، اي احذروه غايه الحذر. (و استحقوا منه) اي اعملوا عملا تستحقون بذلك العمل (ما اعدالكم) في الاخره من انواع المثوبات (بالتنجز لصدق ميعاده) تنجز الوعد طلب وفائه، و صدق المعياد مطالبه الخارج للوعد، بان يفي بما وعد، و المعني انهم يستحقون الوفاء بالوعد الذي

وعدهم سبحانه باعطائهم الجنه و الرضوان (و الحذر من هول معاده) معطوف علي التنجز، اي احذروا من اهوال معاده- باجتناب المعاصي حتي تستحقون ما اعدالكم، و حاصل المعني لتمام الجمله (اطلبوا) و (احذروا) لتستحقوا ما اعدلكم.

[صفحه 323]

(منها) اي بعض تلك الخطبه، و قد حذف الشريف ما بين الفقرتين، كما هو دابه حيث انه يجمع المختار من كلامه عليه السلام، الي كلما وصل اليه. (جعل) الله سبحانه (لكم اسماعا لتعي) اي تدرك (ما عناها) اي اهمها، فان الانسان يصرف سمعه فيما يهمه لا في كل شي ء (و ابصارا لتجلو) من جلاعن المكان، بمعني فارقه (عن عشاها) العشي ظلمه تعرض للعين بالليل. اي تفارق الظلمه الي البصيره، و ذلك كنايه عن رويه الحق (و اشلاء) جمع شلو و هو عضو الجسد (جامعه لاعضائها) فان لكل عضو من اعضاء الانسان اعضاء مثلا في اليد الاصابع و الكف و العضد و هكذا، فكل شلو جامع لاعضاء (ملائمه) تلك الاشلاء (لا حنائها) جمع حنو بالكسر، و هو كل ما اعوج عن البدن، و المراد تناسب الاعضاء للمفاصل و المنعطفات (في تركيب صورها) اي في حال كون الا شلاء ملابسا لتركيب الصور فلكل عضو صوره خاصه و هيئه مخصوصه (و مدد عمرها) فان لكل عضو عمر خاص به، فالانسان تعمر اقل، و العين و الاذن قد تعمران اقل من سائر الاعضاء، فيصبها العمي و الصمم. (بابدان) اي ان تلك الاشلاء و سائر جهات الجسم ملابسه بالبدن (قائمه بارفاقها) جمع رفق بالكسر، و المراد بها المنافع، فان البدن قائم بمنافعه، و

معني ذلك ان قيام البدن بسبب وصول المنافع اليه، او ان البدن ياتي لنفسه بما ينفعه (و قلوب رائده) اي طالبه (لارزاقها) فان

القلب يصرف همه لطلب الرزق للاشلاء (في) حال كون تلك الابدان بما يتبعها في (مجللات نعمه) من جلله بمعني غطاه اي ان نعمته سبحانه تغمر الانام، فهو من اضافه الصفه الي الموصوف (و موجبات مننه) اي النعم التي هي منه منه سبحانه علي البشر مما توجب الشكر (و حواجز عافيته) اي عافيته التي تحجز و تمنع الانسان ان يوصل اليه سوء. (و قدر لكم اعمارا سترها عنكم) فان الانسان لا يعلم قدر عمره (و خلف لكم عبرا) جمع عبره و هي ما يوجب اعتبار الانسان و تبصره حتي لا يقع في المحذور و المشكله (من آثار الماضين) فان اخبار السالفين الباقيه للاجيال توجب لهم تبصرا و عبره (قبلكم، من مستمتع خلاقهم) الخلاق النصيب، اي نصيبهم الذي اوجب استتماعهم بالحياه، فان ما وصلنا من اخبار نعم الماضين، مثلا، موجب لان نعتبر فلا نغتر اذا راينا مقبله علينا (و مستفسح خناقهم) الخناق حبل يخنق به، فاذا كان فيه سعه و فسحه لم يجعل الهلاك بالمختوق، و هذا كنايه عما نعمله من طول مده حياه الماضين اي انهم كانوا ذوي اعمار طويله، و مع ذلك لم يتوبوا، و اخذوا فاهلك

وا- مثلا-. (ارهقتهم) اي اهلكتهم و اعجلت بهم (المنايا) جمع منيه و هي الموت (دون الامال) اي قبل ان يصلوا الي امانيهم (و شذ بهم عنها) اي عن الامال و معني شذ بهم، بعدهم (تخرم الاجال) الخرم بمعني القطع و الشق، اي ان اجالهم التي اهلتكم بعدتهم عن الوصول الي المالهم، و اضافه (نخرم) الي (الاجال) من اضافه المصدر الي الفاعل (لم يمهدوا) اي لم يهيئوا وسائل راحتهم في الاخره (في) حال (سلامه الابدان) بل صرفوا ابدانهم السليمه في

اللهو و اللعب (و لم يعتبروا في انف الاوان) انف الاوان، بمعني اوله، يقال امر انف، اي اول لا شي ء قبله و كانه ماخوذ من الانف الذي هو اول الجسم نتوا (فهل ينتظر) بعد اولئك، و الاستفهام للانكار (اهل بضاضه الشباب) البضاضه امتلاء البدن و قوته و رونقه (الاحواني الهرم) الهرم الشيخوخه، فانها موجبه للحنو، اي الميل نحو الضعف و العجز (و اهل غضاره الصحه) الغضاره طيب العيش فان الصحيح طيب العيش (الانوزال السقم) جمع نازله، فان السقم ينزل بالانسان (و اهل مده البقاء) اي الذين لبقائهم مده و امتداد (الا آونه الفناء) آونه الشي وقته (مع قرب الزيال) مصدر ازليه، اي قرب زوال الانسان عن الدنيا و انتقاله الي الاخره (و ازوف) اي

اقتراب من ازف بمعني اقترب (الانتقال) من هذه الدار (و علز القلق) العلز كالرعده ياخذ المريض، فان الانسان قد يكون مطمئنا هادي البال، ثم ينقلب حاله الي القلق و الاضطراب. (و الم المضض) هو بلوغ الحزن الي القلب، فان ذلك يولم الانسان اشد الايلام، و المراد بهذه الجمله و سابقها و لاحقها اما وقت الموت و اما وقت تبدل النعم الي شده و ضنك نحو (حواني الهرم) و (غصص الجرض) هو الريق، و غصص جمع غصه، و هي عدم نزول الماء الي الجوف لافه في الحنجره او شبه ذلك (و تلفت الاستغاثه) فان الانسان المحتضر يتلفت الي من حوله مستغيثا بهم (بنصره الحفده) جمع حفيد و هو الحاشيه للانسان من صديق و معين و اولاد و نحوهما، اي يستغيث لينصره الحفيد مما به من الكرب و الهم (و الاقرباء) جمع قريب (و الاعزه) جمع عزيز (و القرناء) جمع قرين و هو قرين

الانسان في عمره، او عمله، او ما اشبه (فهل دفعت الاقارب) ما نزل بالمرء من الكرب و المصائب، و هذا استفهام انكاري، اي انهم لا يتمكنون من الدفع. (او نفعت النواحب) جمع ناحبه و هي الباكيه لمصيبه الانسان (و قد غودر) اي ترك و بقي (في محله الاموات رهينا) اي مرهونا محبوسا، فلا رجوع له (و في ضيق المضجع) اي القبر، فان القبر م

حل ضجعه الانسان (وحيدا) لا احد معه الا عمله (قد هتكت الهوام جلدته) الهوام جمع هامه، و هي الحيوان الصغير كالدود و النمل و ما اشبه، او ما له سم كالحيه و الافعي، فانها تشق جلد الانسان لتاكل من لحمه و تشرب من دمه (و ابلت) من البلاء مقابل الجده (النواهك) جمع ناهكه، و هي التي تضعف الانسان و توذيه (جدته) و هذا كنايه عن تغير جسمه و تبدل طراوته (و عفت) اي محت و اذهبت (العواصف) جمع عاصفه، و هي الريح الشديده الهبوب (اثاره) فان القبر يندرس بالعواصف (ومحا الحدثان) الي الليل و النهار (معالمه) جمع معلم، و هو ما يستدل به، و المراد اما معالم جسده، او معالمه في الخارج. (و صارت الاجساد) بعد الموت (شحبه) من الشحوب بمعني الذبول (بعد بضتها) اي امتلائها بالسمن و النضاره، يقال بض الماء اذا ترشح قليلا قليلا، فكان الجسم الممتلي يترشح بالماء (و العظام نخره) اي باليه (بعد قوتها) و صلابتها (و الارواح مرتهنه بثقل اعبائها) جمع عب ء بمعني الثقل، يعني ان الارواح التي خرجت عن الاجساد هناك في تعب و الم لما فعلت في دار الدنيا، فهي كالرهينه التي ليست منافعها لصاحبها (موقنه بغيب انبائها) فان الاخبار التي تقال لها في الدنيا-

و قد كانت تشك فيها- صا

رت يقينا هناك اذ شاهدت احوال الاخره خيرها و شرها (لا تستزاد من صالح عملها) اي لا يطلب منها زياده العمل الصالح لان محل العمل قد فات بعد الموت بخلاف حال الحياه، فان الانسان يطلب بزياده العمل في حال كونه في الدنيا. (و لا تستعتب) اي لا يطلب منها قديم العتبي اي التوبه (من سي ء زللها) اي الاعمال السئيه التي عملها في حال الحياه، و الزله هي العمل السي ء سمي بذلك لايهام ان الانسان يزل حين يرتكبه، لا انه يعمله قاصدا، كما يسمي خطاء الايهام ذلك ايضا (اولستم) ايها السامعون (ابناء القوم و الاباء) لهم، و قد ماتوا و بقيتم انتم (و اخوانهم و الاقرباء) و هذا استفهام الفاتي (تحتذون امثلتهم) اي تفعلون مثل ما فعلوا (و تركبون قدتهم) اي تسيرون في طريقتهم التي ساروا فيها، فان القده بمعني الطريقه (و تطوون جادتهم) اي تسيرون في المحل الذي ساروا فيه، و المعني لماذا لا تعتبرون؟ و انكم مثلهم في ان الموت يشملكم عن قريب. (فالقلوب قاسيه عن حظها) اي انها صلبت فلا يدخلها الحظ، و هذا كنايه عن عدم العمل بما يوجب اسعادها (لاهيه عن رشدها) فانها مشغوله باللهو ذاهله عن الرشد (سالكه في غير مضمارها) المضمار هو المحل الذي يضمر فيه الخيل لتتهيا للسباق،

و اذا سلكت في غير تلك المضمار فاتها السبق، و هكذا الانسان الذي لا يعمل بما يسعده (كان المعني) اي المقصود بالاوامر و الزواجر (سواها) فهي لا تهتم بما يوجب سعادتها، و يدفع عنها (و كان الرشد في احراز دنياها) اي جمعها و حفظها لا في احراز الاخره، و لذا لا تهتم الا بالدنيا

[صفحه 329]

(واعلموا) ايها

الناس (ان مجازكم) اي محل عبوركم، من (جاز) اذا عبر (علي الصراط) و هو جسر بين المحشر و بين الجنه، تحته النار، فمن عمل صالحا جازه و من عمل سيئا وقع في النار. (و مزالق دحضه) جمع مزلق، و هو الموضع الذي يقع فيه الانسان لعدم استواء الطريق، و الدحض مقابل الرفع، اي ان في الصراط محلات يزلق فيه الانسان الي النار (و اهاويل زلله) جمع اهوال، و هو جمع هول، فان الانسان اذ زل خاف و هاله الامر (و تارات اهواله) جمع ثاره، و هي المره، اي ان في الصراط اهوال مكرره يتلو بعضها بعضا (فاتقوا الله تقيه ذي لب) اي صاحب عقل يعمل عقله ليري مستقبله (شغل التفكر قلبه) اي التفكر في مصيره و سائر اموره (و انصب الخوف بدنه) اي اتعبه، من النصب التعب (و اسهر التهجد غرار نومه) غرار النوم النوم القليل الذي يتقطع بالسهر، و معني اسهر التهجد؟ ازال قيام الليل للعباده نومه القليل المتقطع. (و اظماء الرجاء) اي رجاء الثواب (هواجر يومه) جمع هاجر و هي الساعه الحاره في النهار و المعني انه يصوم اشتياقا الي الثواب، في الايام الحاره (و ظلف) اي منع (الزهد) في الدنيا (شهواته) فلا ينساق مع ما يشتهي (و ارجف الذكر بلسانه) اي يحرك الذكر لسانه،

كان في لسانه رجفه من كثره ذكر الله سبحانه (و قدم الخوف) اي خاف في الدنيا، مقدما علي خوف الاخره (لامانه) اي لان يومن هناك، فان الخائف في الدنيا يعمل صالحا لياتي آمنا يوم القيامه (و تنكب) اي مال من شي ء (المخالج) جمع مخلج، و هو الطريق المنشعب عن الجاده المودي الي الهلكه (عن وضح السبيل) اي السبيل الواضح،

و المعني ان المخلج عن وضح السبيل، يتنكبها، فلا يسلكها، بل يسلك الجاده المستقيمه التي هي الشرع. (و سلك اقصد المسالك) اي اعدل الطرق الموديه (الي النهج المطلوب) اي الشي ء المطلوب، و هو الجنه و الثواب (و لم تفتله) من فتله بمعني صرفه، اي لم تصرفه عن الجاده الواضحه (فاتلات الغرور) اي الاشياء الموجبه للانصراف التي يبعث عليها غرور الانسان بالدنيا (و لم تعم عليه مشتبهات الامور) اي ان الامور المشتبهه بالحل و الحرمه، لا تشتبه عليه و انما يعرف الصواب من الانحراف، و معني (لم تعلم) لم تخف، بعلاقه ان الاعمي يخفي عليه الامر، كما قال سبحانه (فعميت عليهم الانباء) (ظافرا بفرحه البشري) اي انه فاز- بسبب تلك الاتعاب- بفرح بشاره السعاده و نيل رضي الله و درجات الاخره (و راحه النعمي) بمعني سعه العيش و نعيمه الذي يناله في الاخره فان ذلك

موجب للراحه الابديه. (في) حال كونه بعد الفوز و الراحه في (انعم نومه) اي النوم الهني ء الذي لا مخاوف و لا وساوس لديه (و امن يومه) اي ان يرمه اكثر آمنا من سائر ايامه السالفه و سائر ايام الناس (قد عبر معبر العاجله) اي الدنيا فقد شبهت بالقنطره لان الانسان يعبر منها الي الاخره (حميدا) اي في حال كونه محمودا غير مذموم (و قدم الاجله) اي الاخره (سعيدا) قد سعد بسبب ما عمله سابقا في دار الدنيا (و بادر) اي اسرع في عمل الحسنات (من) جهه (وجل) و الخوف من العذاب و النكال، فالخوف اوجب ان يبادر الي عمل الصالحات (و اكمش) اي اسرع (في مهل) اي في وقت كونه ذا مهله، و هو في الدنيا. (و رغب) الي الاخره و الثواب

(في طلب) فلم تكن رغبته مجرده، و انما هي مع العمل الصالح (و ذهب عن هرب) اي انصرف عن المحرمات، هربا منها و خوفا من تبعاتها (و راقب في يومه) و هو في الدنيا (غده) بمعني انه عمل لاخرته (و نظر قدما) اي سابقا (امامه) الذي هو الاخره، بمعني انه نظر الي الاخره، فلم يغفل عنها (فكفي بالجنه ثوابا و نوالا) النوال ما يناله الانسان من خير و سعاده (و كفي بالنار عقابا و وبالا) الوبال تبعه الاعمال الانسان السيئه، اي ان ذين الامرين يكفيان في سوق

الانسان نحو الاعمال الصالحه، و ردعه عن الاعمال السيئه (و كفي بالله منتقما) لمن عصاه (و نصيرا) لمن اطاعه (و كفي بالكتاب) اي القران (حجيجا) اي ما يحتج به علي الانسان، فاذا عمل شيئا قال له: الم يكن القران نهاك عنه؟ (و خصيما) اي خصما لمن خالفه.

[صفحه 331]

(اوصيكم بتقوي الله الذي اعذر بما انذر) اي انه سبحانه حيث انذر الناس بالعقاب لمن خالف و اتي بالمحرمات، فقد ترك مجال عذر المعتذر، فمن عصي كان عن علم و عمل، و معني (بما) بسبب انذاره، فان (ما) مصدريه (و احتج بما نهج) اي احتج علي العباد، بسبب ما وضح لهم من الاحكام و الشرائع (و حذركم) اي اخافكم (عدوا) هو الشيطان (نفذ في الصدور خفيا) فان الشيطان حيث كان جسما لطيفا ينفذ في داخل الانسان، فيوسوس في القلب الذي هو في الصدر، و لذا ورد ان الشيطان يجري من ابن آدم مجري الدم (و نفث) اي قال و تكلم (في الاذان نجيا) اي كلاما خفيا، من (النجوي) و هذا تشبيه للذي يناجي، لا ان الانسان يسمع كلام الشيطان (فاضل) الانسان عن

سبيل الحق (واردي) اي اهلك، من (الردي) بمعني الهلاك. (و وعد فمني) اي صور الاماني و الغايات الحسنه- كذبا- كان قال اذا عملت هذا الحرام فزت بالمال او المنصب او ما اشبه (و زين) اي حسن في نظر الانسان (سيئات الجرائم) اي المعاصي السيئه فان الزاني و الشارب و اللاعب- و غيرهم- يري ان عمله حسنا (و هون) اي قال ان المعصيه الفلانيه هينه لا خوف منها (موبقات العظائم) المعصيه المهلكه، اي المعاصي العظيمه الموجبه للهلاك (حت

ي اذا استدرج قرينته) قرينه الشيطان هي النفس الاماره، فان الشيطان يقترن معها، و الاستدراج هو ان يجلب الشيطان الانسان درجه درجه من الصلاح الي الفساد (و استغلق رهينته) اي جعل الشي المرهون- و هو النفس التي هي رهينه بعملها- بحيث لا يمكن فكها، كالبيت المغلق الذي لا يفتح. (انكر مازين) فان الشيطان لا يبقي صديقا وفيا للعاصي، بل يعاديه، و يقول (ما انا بمصرخكم ما انت بمصرخي) (و استعظم ما هون) فيقول للعاصي لماذا فعلت تلك المعصيه العظيمه، بينما كان الشيطان قد هون العصيان في نظر العاصي قبل ذلك (و حذر ما امن) اي انه يخوف عن المعصيه، بعد ما قال انه لا خوف منها، و انها محل الامان، فلا يحلق الانسان منها تبعه.

[صفحه 333]

(و منها في صفه خلق الانسان) (ام) بمعني بل، للانتقال من وصف الشيطان الي وصف الانسان (هذا الذي انشائه) الله سبحانه (في ظلمات الارحام)، فان الجنين في ظلمه البطن و الرحم و المشيمه و الجلد (و شغف الاستار) جمع شغاف، نحو سحاب و سحب، و هو في الاصل غلاف القلب، ثم استعمل لكل غلاف، و المراد بالاستتار هي التي ذكرناها مما يحتوي علي الجنين،

في حال كونه (نطفه دهاقا) من دهق اذا صب بقوه، فان المني يخرج من الرجل يقوه و دفق (و علقه محاقا) فان المني بعد استقراره في الرحم و مضي مده عليه ليكون كالعلقه، و هي الدوده التي تمص الدم، و معني محاقا، انه ممحوق فيه الصوره، اذ لا صوره انسانيه له (و جنينا) يسمي الولد بذلك مادام في الرحم، لاختفائه، من جن اذا اظلم و اختفي (و راضعا) اذا خرج من بطن امه فاخذ يرتضع اللبن من ثديها. (و وليدا) بعد الرضيع (و يافعا) و هو الغلام (ثم منحه) اي اعطاه الله سبحانه (قلبا حافظا) يحفظ الاشياء، فان الالوان و الطعوم و الاشكال و سائر الامور انما تحفظ بالقلب، و لذا اذا راها الانسان عرفها (و لسانا لافظا) يلفظ و يتكلم (ليفهم) الانسان الاشياء (معتبرا) بها اي ان ياخذ العبره (و يقصر) عن الرذائل اي يمتنع من

ها (مزدجرا) اي ممتنعا منها بسبب العقل (حتي اذا قام اعتداله) بمعني اعتدل و استوي و كمل مشاعره الظاهره و الباطنه (و استوي مثاله) و هذا عباره اخري عن الجمله الاولي و كان للانسان مثالا اذا بلغ ذلك القدر كان مستويا غير زائد و لا ناقص، و الاصل و استوي علي مثاله، او علي القلب نحو (طينت بالفدن السياعا) (نفر مستكبرا) اي تنفر من الله سبحانه و احكامه، لكبر فيه و نخوه في راسه. (و خبط سادرا) الخبط هو الخلط بين الصحيح و السقيم، و السادر المتحير الذي يمشي بلا هدايه يعني يتناول الاثام و المعاصي كالخابط السادر (ماتحا) يقال متح الماء اذا نزعه من البئر (في غرب) هو الدلو العظيمه (هواه) اي انه يملاء دلو حياته من الملذات

و المشتهيات من غير مراعات للاحكام الشرعيه (كادحا) الكدح شده السعي و العمل الدائب (سعيا لدنياه) فانه يخصص عمله و سعيه الدائب الدنيا بلا ان يعمل للاخره شيئا (في لذات طربه) الطرب خفه تعرض الانسان حال شده الفرح (و بدوات اربه) بدوات جمع بدئه و هي ما بدا و ظهر من الراي، و ارب جمع اربه و هي الحاجه اي انه يمضي فيما يبدوله من الرغائب، بدون ان يتقيد بشريعه او دين. (لا يحتسب رزيه) المصيبه، اي انه لا يكفر في احتمال وقوع مصيب

ه عليه كما هو شان الغافلين اللاهين (و لا يخشع) اي لا يخضع (تقيه) من الله و خوفا من عقابه من اتقي بمعني خاف و اجتنب المحذور (فمات في فتنته) اي افتتانه بالدنيا و ملذاتها (غريرا) اي في حال كونه مغرورا، قد ظن بقاء الدنيا و لذاتها (و عاش في هفوته) اي خطاه و زلته (يسيرا) فان عمر الدنيا مهما طال يسير (لم يفد) من افاد بمعني استفاد (عوضا) من دنياه و اعماله، لانه لم يصرف عمره في التجاره و الثواب بل في المعصيه و العقاب (و لم يقض) اي لم يات (مقترضا) اي فريضه فرضها الله سبحانه (دهمته) اي غشيته و ورد عليه فجاه (فجعات المنيه) الفاجعه المصيبه النازله، و المنيه هي الموت، فان الانسان اذا مات ابتلي بعده رزايا و مصائب اذا لم يعمل في الدنيا لاخرته و لعل المراد بفجعات المنيه المصائب المتقدمه التي تنزل الانسان قبل الموت. (في غبر جماحه) غبر جمع غابر، كطلب جمع طالب، الجماح العتو و النفوذ اي انه حيث جمع و عتي في سابق عمره اتاه الموت الموجب لمصيبته و رزيته (و سنن) اي

طريق (مراحه) المرح شده الفرح و البطر (فظل) في الدنيا، قبل ان تدهمه المنيه، حال اغتراره و غفلته (سادرا) حائرا ماضيا في الشر (و بات ساهرا) ليله في الم و تعب (في غمرات الالام

) كان الالم يغمره و يتجاوز راسه، كالماء الذي يغمر الانسان (و طوارق) جمع طارقه و هي النازله التي تنزل بالانسان ليلا، علي حين غفله و غره (الاوجاع و الاسقام) الوجع الالم، و السقم المرض، و بينهما عموم من وجه، فمن اصطدم جسمه بشي ء بلا ان يحدث فيه مرضا، وجع غير سقيم، و من ابتلي بالسل- مثلا- سقيم غير وجع. (بين اخ. شقيق) قيل للاخ شقيق لانه شق الانسان، كالغصن الذي هو شق الغصن الاخر (و والد شفيق) الشفقه الخوف، و يقال للمحب شفيق، لانه يخاف من تضرر الانسان بالاضرار (و داعيه) من النساء كالام و الاخوات و الزوجه (بالويل جزعا) تقول يا ويلي، من تالمها و جزعها علي الرجل المريض الذي هو قريبها (و لادمه) اي ضاربه (للصدر قلقا) فان الانسان- خصوصا المرئه- اذا اشتدت به المصيبه ضرب صدره (و المرء) العاصي الذي وصف سابقا (في سكره) من سكرات الموت فان الموت اذا نزل غطي علي عقل الانسان، كما تعطي الخمره (ملهيه) اي تلهيه السكره و تشغله عن الالتفات الي اهله و اقربائه. (و غمره كارثه) الغمره ما يغمر الانسان من الماء او ما اشبه، و المراد هنا الشده التي تحيط بالعقل و الراس مما يحول دون الانسان و دون التعقل و التفهم و الكارثه المصيبه الشديده (و ا

نه موجعه) من الانين الذي يطلقه المريض من شده الوجع، و وصفها بموجعه لكونها من شدتها توجع و تولم من حول المريض (و

جذبه) اي جذب الموت لروحه، او جذبه به للنفس بشده (مكربه) اي موجبه للكرب و الالم (و سوقه) اي سوق الموت له، كانه يجعل بروحه لتخرج من جسده (متعبه) تورث تعبه و نصبه (ثم) بعد ان راي تلك الشدائد و الاهوال في حال الاحتضار (ادرج) اي وضع (في اكفافه) المعده لانتقاله الي الاخره (مبلسا) من ابلس بمعني يئس، فانه حينذاك ييئس و يندم و لا يجد مهربا و لا مفزعا. (و جذب من المغتسل، يجذب جثته المشيعون، في حال كونه (منقادا) لهم سلسا) اي سهلا لعدم قدرته علي الامتناع (ثم القي علي الاعواد) اي الجنازه فقد كان من المتعارف رص الاعواد و حمل الميت عليها (ريجع و صب) اي الراجع الي الاخره، رجوع تعب و اذيه، حيث انه لم يعمل في الدنيا ما يوجب راحته (و نضو) بمعني المهزول (سقم) اي انه هزيل من الاسقام و الالام التي شاهدها عند الاحتضار و بعد الموت (تحمله حفده الولدان) اي احفاده من بناته و ابنائه، و الحفيد ابن الابن، و ابن البنت، و المراد الاعوان، و علي هذا فالولدان صفه الحفده (و حشده الاخوان) الحشده المسارعون في التعاون من الاقرباء و القر

ناء و الاصدقاء، يحملون جنازته (الي دار غربته) و هي القبر، فانه فيها غريب عن الاهل و الاصدقاء (و منقطع زورته) بحيث لا يزار، اي تنقطع زيارته. (حتي اذا انصرف المشيع) الذي شيعه الي قبره، و تبعه (و رجع المتفجع) اي اهله الذين فجعوا به (اقعد في حفرته) فان نكيرا و منكرا يقعدان الميت في القبر، و المراد اقعاد ما يتعلق بجسمه من بقايا الروح الذي كان ممدودا بمد جسمه، لا انه يقعد جسمه. (نجيا) اي

ليناجي، و يتكلم خفيا، لا يعرف كلامه الاحياء، و لذا شبه بالنجوي (لبهته السوال) اي حيرته، فان السوال الذي يوجه الي الميت موجب لتحيره كيف يجيب؟ هل بالصدق فيعذب، ام بالكذب فيفضح؟ (و عثره الامتحان)، فان امتحانه هناك- هل عمل صالحا ام لا؟ يوجب عثرته، و رسوبه. (و اعظم ما هنالك) من المصائب و الالام (بليه نزول الحميم) و هو الماء الحار، فان الانسان اذا كان عمل الموبقات و المعاصي في الدنيا، يكون شرابه هنالك من الماء الحار الغلي، فهو في عذاب و نكال من هذه الجهه، او المراد نزوله في محل حار، فان القبر لغير الصالح حفره من حفر النيران- كا ورد في الحديث- (و تصليه الجحيم) من صلاها اذا وردها و وصل اليها (وفورات السعير) السعير النار الملتهبه، و فوزتها

و زبانيتها (وسورات الزفير) الزفير صوت النار عند توقدها، و السوره الصوله و الشده فان النار اذا زفرت كانت كالهاجم الصائل (لا) هناك (فتره مريحه) فان العذاب لا يفترعن اهل النار، حتي يستريحو (و لا دعه) اي راحه (مزيحه) تزيح عنهم العذاب و النصب الذي يلحقهم من الالم و الحرق. (و لا قوه حاجزه) اي تحجزو تمنع العذاب من ان يصل اليهم (و لا موته ناجزه) الناجزه الحاضره اي لا موت حاضر، حتي يموتوا فيستريحوا من العذاب، كما قال سبحانه (و ياتيه الموت من كل مكان و ما هو بميت) و قال (لا يموت فيها و لا يحيي) (و لا سنه) هي اول النوم (هي اول النوم (مسليه) اي تسليهم و تلهيهم، فان النعاس يخفف آلام الانسان، بل هم (بين اطوار الموتات) فان كل لون من الوان العذاب في الشده و الصعوبه كالموت، كما

قال سبحانه (و ياتيه الموت من كل مكان) (و عذاب الساعات) فان لكل ساعه عذابا و نكالا (انا بالله عائذون) اي مستجيرون من النار، و من العاقبه السيئه.

[صفحه 339]

ثم توجه الامام عليه السلام، الي وعظ اهل الدنيا باسلوب اخر، بقوله: (عباد الله) حذف منه حرف النداء لوضوحه (اين الذين عمروا) اي طالت اعمارهم في الدنيا (فنعموا) اي تنعموا بانوع النعم (و عملوا) علمهم الانبياء خيرهم و شرهم (ففهموا) و ادركوا، فلم يكونوا جاهلين، ولكن مع ذلك انحرفوا و عصوا (و انظروا) اي امهلوا في الدنيا (فلهوا) اي اشتغلوا باللهو و اللعب دون العمل الصالح الموجب لسعادتهم (و سلموا) من الامراض و المخاوف (فنسوا) الاخره، و لم ينتهزوا سلامتهم للعمل الصالح (امهلوا طويلا) فان عمر الانسان طويل بالنسبه الي تمكنه من الاعمال الصالحه (و منحوا) اي اعطوا (جميلا) من المال و الجاه و سائر نعم الدنيا (و حذروا) عذابا (اليما) اي و لما موجعا- اذا عصوا- (و وعدوا) بالجنه و الرضوان قدرا (جسيما) كبيرا، اذا اطاعوا. (احذروا) ايها الناس (الذنوب المورطه) اي المهلكه التي توقع الانسان في الهلكه (و العيوب المسخطه) اي التي توجب السخط و الغضب، و المراد بالعيوب المعاصي، يا (اولي الابصار و الاسماع) فانتم تبصرون و تسمعون الان (و العافيه) البدنيه و ما اشبه (و المتاع) اي امتعه الدنيا و اثاثها (هل من مناص) عن الموت و العقاب- لمن

عصي- (او خلاص) بان كان الانسان اذا وقع في الشده الاخرويه يتمكن الخلاص منها، و الاستفهام للانكار (او معاذ) يستعيد به الانسان (او ملاذ) يلوذ و يلتجي ء اليه (او فرار) يتمكن من الفرار من العذاب (او محار) اي مرجع الي الدنيا بعد فراقها، من حار (ام

لا) لا نجات و لا خلاص، فاذا كان (لا) (فاني توفكون) اي كيف تصرفون عن الحق الي الباطل و عن الطاعه الي المعصيه، من افك بمعني انصرف. (ام اين تصرفون) في طريقكم عن الحق الي المتاهه (اما بماذا تغترون) فلا احد منجي و لا شي ء مفيد (و انما حظ احدكم من الارض ذات الطول و العرض) هذا كنايه عن سعه الارض (قيد قده) اي مقدار طوله، فان الانسان لا ينام الا في القبر الذي بمقدار قامه الانسان، في حال كونه (متعفرا) العفر التراب (علي خده) فان خده يوضع علي التراب ارض القبر، اعلموا (الان) يا (عباد الله و الخناق مهمل) الخناق الحبل الذي يخنق به الانسان و المراد ب (مهمل) عدم شده علي العنق (و الروح مرسل) في بدن الانسان غير مقبوض (في فينه) اي حال (الارشاد) اي قد ارشدتم الي العمل الصالح (و راحه الاجساد) فان اجسادكم ليست في النار و العذاب و الاتعاب. (و باحه) باحه الدار ساحتها (الاحتشاد) اي الاجتماع علي ا

لبر و التعاون علي الخير و المعني انكم في الدنيا تتمكنون من الاجتماع و العمل الصالح بالتعاون، لتمهيد آخرتكم (و مهل البقيه) اي في مهله من بقايا عمركم، و ان كان ذهب بعضه فان في باقيه كفايه (و انف) اي المستانف (المشيه) اي الاراده، و المعني انكم ان اردتم استيناف ارادتكم للعمل الصالح لتمكنتم (و انظار التوبه) بحيث لكم وقت للتوبه عما سلف منكم من الاثام، فقد امهلكم الله و انظركم للتوبه، (و انفساح الحوبه) الحوبه الحاله، اي اتساع حالتكم (قبل الضنك) هو الضيق (و المضيق) مصدر ميمي اي قبل ان يضيق وقتكم فلا وقت يكفي للتوبه و عمل الخير (و)

قبل (الروع) اي الخوف الذي يحيطكم في حاله الموت و في القبر (و الزهوق) اي الاضمحلال، و الفناء من الدنيا (و قبل قدوم الغائب المنتظر) اي الموت (و اخذه العزيز المقتدر) الاخذه، بمعني العقاب، بعلاقه السبب و المسبب، و العزيز المقتدر و هو الله سبحانه.

خطبه 083

[صفحه 342]

في ذكر عمرو بن العاص و قد كان يقول لاهل الشام انما اخرنا عليا لان فيه هزلا لا جد معه (عجبا لابن النابغه) عجبا منصوب بفعل مقدر، اي اتعجب تعجبا، و النابغه هي المرئه الزانيه، من نبغ اذا ظهر كان الزانيه تظهر و تشتهر، بينما سائر النساء في خفاء و ستر، و قد كانت ام عمرو بن العاص زانيه مشهوره (يزعم) قائلا (لاهل الشام ان في دعابه) اي المزاج و اللعب، و قد كان الامام عليه السلام يمازح احيانا- و كان مزاحه بالحق- كما كان الرسول صلي الله عليه و آله و سلم يمازح، و يستجب المزاح للمومن، فانه ينشط النفس، و يذهب بالكسل، و من الغريب ان التاريخ حفظ للرسول مزاحات، و لم يحفظ للامام عليه السلام ذلك (و اني امرء تلعابه) اي كثير اللعب (اعافس) اي اعالج الناس بالمزاح من عفس اذا مازح (و امارس) الممارسه المعالجه بالقرص و المصارعه و نحوهما (لقد قال باطلا) فاني بعيد عما ذكر (و نطق اثما) اي في حال كونه عاصيا لله سبحانه في نسبه الكذب الي (اما) فلينتبه السامع (- و شر القول الكذب-) هذه جمله معترضه تمهديه للجمله التاليه، مدخوله (اما) (انه) اي ابن العاص (ليقول) الكلام (فيكذب) في القول، و الفاء للترتيب ذكرا و الا فقوله هو كذبه الذي ي

قوله. (و يعد) بالشي ء (فيخلف) و لا يفي بوعده (و يسئل)

من طرفه الشي ء (فيلحف) اي يلح في السوال، و هذا من الخصال المذمومه، و لذا وصف الله سبحانه المتقين بضده قوله (لا يسئلون الناس الحافا) (و يسئل) اي يسئله الناس العطيه و العون (فيبخل) اي لا يعطي السائل شيئا (و يخون العهد) الذي يعهده في الحرب و نحوه (و يقطع الال) هي بمعني القرابه، اي يقطع الرحم (فاذا كان عند الحرب فاي زاجر و آمر هو) اي انه محرض للحرب و امر و ناهي (مالم تاخذ السيوف ماخذها) اي مالم تتحرك السيوف للقتال، و ما لم تشتبك الجيوش (فاذا كان ذلك) بان اخذت السيوف ماخذها و اشتبك القتال (كان) اجبن الناس، و هكذا شان الجبناء فانهم اهل الكلام و ليسوا اهل عمل. و لذا كان ابن العاص اذا اشتبك الحرب (اكبر مكيدته ان يمنح القرم) اي يظهر للشجاع الذي جاء لمنازلته و مقاتله (سبته) اي استه فقد بارز ابن العاص يوم صفين، فقابله الامام عليه السلام و لما راي ابن العاص انه لا مفر من ضربه الامام القي بنفسه علي الارض و اخرج عورته امام الامام لما كان يعلم من اعراض الامام عن النظر فنجي لذلك، و اشتهر بعتيق استه، و قد كان مثل ذلك في اصحاب معاويه فكانوا يبدون عوراتهم اذا راوان لا مفر ل

هم حتي قال الشاعر: افي كل يوم فارس تندبونه له عوره وسط العجاجه باديه (اما و الله اني ليمنعني من اللعب) المنسوب الي كذبا (ذكر الموت) فان الانسان الذاكر للموت مشتغل بامر الاخره. (و انه) اي ابن العاص (ليمنعه من قول الحق نسيان الاخره) و المراد تركه لها و عدم اعتقاده بها، و لذا يكذب (انه) اي ابن العاص (لم يبايع

معاويه) و لم يكن من انصاره في باطله الا لاجل الدنيا (حتي شرط ان يوتيه) اي يعطيه معاويه (اتيه) علي وزن عطيه لفظا و معني (و يرضخ له) الرضخ العصيه التي تعين لمن فعل شيئا (علي ترك الدين) و نقض خلافه الامام، و محاربته (رضيخه) و المراد بذلك ولايه مصر، فقد شرط ابن العاص علي معاويه ان نصره فغلب علي الامام و استولي علي مصر، ان يمنحه حكومه مصر، فقبل معاويه الشرط و لما استولي علي مصر و في له اولا- حيث كان ضعيفا لم يجد بدا من اظهار الوفاء- ثم لما توفي معاويه خان، كما هو مذكور في التواريخ (و ما خائن الا سيبلي بخائن).

خطبه 084

[صفحه 345]

(اشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له) قد بتراول الخطبه، حيث ان الشريف- كما ذكر- لا يريد الا ذكر المختار من الخطب، لاكلها (الاول لا شي قبله) فانه سبحانه قبل جميع الاشياء، و الاوليه ليست زمانيه، اذ لا زمان له تعالي كما تقرر في محله (و الاخر لا غايه له) كما هو مقتضي وجوب الوجود، اذ لا يتطرق العدم في واجب الوجود اطلاقا، و الا كان خلفا (لا تقع الاوهام) المراد بالاوهام الافكار، لا الوهم مقابل الظن (له) تعالي (علي صفه) اذكنهه سبحانه مجهول فانا نعلم ان الله سبحانه عالم- مثلا- اما كيفيه علمه فلا ندركها، كما انا نعلم- في اضعف من ذلك- ان فلانا عاقل، اما ما هو العقل فلا نعلمه، و هكذا (و لا تقعد القلوب منه علي كيفيه) القعود كنايه عن استقرار الحكم فكما ان الشخص القاعد مستقر، كذلك العالم بالشي ء مستقر النفس، و الفرق بين الجملتين ان الاولي بالنسبه الي الاوصاف

و الثانيه بالنسبه الي الذات، فان ذاته تعالي مجهوله لا يدركها العقل. (و لا تناله التجزئه) فليس له تعالي اجزاء حسيه، كاجزاء الانسان من يد و رجل و ما اشبه، و لا اجزاء عقليه كالجنس و الفصل (و التبعيض) بان يكون له ابعاض، و هذا اما عطف بيان، و اما يراد به ا

لجزء من الشي ء الواحد، كالجزء من الدم مثلا، في مقابل التجزئه التي هي جزء من الشي ء كاليد من الانسان (و لا تحيط به الابصار و القلوب) فلا يراه احد و لا يعرفه احد لان الرويه محاله في حقه، و العرفان غير ممكن اذ الانسان محدود فلا يحيط بغير المحدود و الالزم الخلف.

[صفحه 346]

(و منها): اي بعض الخطبه (فاتعظوا) يا (عباد الله بالعبر النوافع) عبر، جمع عبره، و هي التي يشاهدها الانسان، مما تشع الاعتبار و التذكير، و نوافع جمع نافعه، يعني التي تنفعكم في دنياكم و اخراكم (و اعتبروا بالاي) جمع ايه، و المراد بها آيات القرآن الحكيم، او كل دليل (السواطع) جمع ساطعه، و هي الظاهره اللامعه (و ازدجروا) اي امتنعوا عن المحرمات (بالنذر) جمع نذير (البوالغ) جمع بالغه، يعني النواهي و الانذرات التي بلغتكم (و انتفعوا بالذكر) اي بما يذكركم (و المواعظ) التي ترشدكم الي طريق الصلاح. (فكان قد علقتكم) اي تعلقت بكم (مخالب) جمع مخلب و هو اظافر الطيور المفترسه (المنيه) بمعني الموت، و هذا من باب التشبيه (و انقطعت منكم علائق الامنيه) فالانسان اذا علم بقرب موته انقطعت علائقه الدنيا، و امانيه فيها (و دهمتكم) اي حلت بكم حلولا مفاجئا (مفظعات الامور) اي شدائدها يقال امر فظيع اذا كان شديدا مولما (و) دهمتكم (السياقه الي الورد المورود) اي سوقكم

الي الموت، فقد شبه الموت بالماء الذي يرده الانسان ليشربه، فان الورد هو الماء الذي يورد للشرب، و المورود صفه له (و كل نفس معها سائق) يسوقها (و شهيد) يشهد بما عملت. (سائق ي

سوقها الي محشرها) اي محل جمع الناس للمحاسبه، فانه اسم مكان من حشر بمعني جمع (و شاهد يشهد عليها بعملها) في الدنيا من خيرا و شر.

[صفحه 347]

(و منها) اي من تلك الخطبه (في صفه الجنه) المعده للمتقين (درجات متافضلات) فان بعض منازلها اعلي من بعض (و منازل متفاوتات) في الكرامه، فبعضها اكرم من بعض (لا ينقطع نعيمها) فان النعيم ابدي، لا زوال له و لا اضمحلال (و لا يظعن) اي لا يرتحل (مقيمها) فان الانسان فيها باق ابد الابدين (و لا يهرم خالدها) فان اهل الجنه في حاله اشباب الي الابد (و لا يياس) اي يحتاج- من البوس- (ساكنها) اذ لا يحتاج الانسان هناك الي شي ء الا و هو حاضر عنده.

خطبه 085

[صفحه 5]

(قد علم) الله سبحانه (السرائر) جمع سريره، و هي القلب والضمير، فان جميع النوايا التي ينويها الانسان يعلمها سبحانه و تعالي (و خبر) اي اطلع و علم (الضمائر) جمع ضمير، و هذا عطف بيان للجمله السابقه، تاكيدا (له الاحاطه بكل شي ء) و معني احاطته استيلاه بالعلم و القدره (و الغلبه لكل شي ء) فهو غالب علي جميع الاشياء (و القوه علي كل شي ء) فهو القوي الغالب المحيط، و لا يخفي اختلاف مفهومات الصفات المذكوره. (فليعمل العامل منكم) ايها الناس (في ايام مهله) و هي ايام كونه في الدنيا، فان له مهله فيها للعمل الصالح (قبل ارهاق اجله) اي ان يرهقه و يستاصله (و في فراغه قبل اوان شغله) المراد بالفراغ اما

الفراغ في الدنيا، قبل الاخره، او وقت فراغه، فان الانسان قد يكون فارغا، و قد يكون مشغولا. (و في متنفسه) اي وقت امكان التنفس، و هو ما دام حيا (قبل ان يوخذ بكظمه) الكظم هو الحلق (و ليمهد) اي يهيي مكانه في الاخره (لفنسه و قدومه) و ذكر القدوم لانه من اهول الاجوال (و ليتزود) بالعمل الصالح (من دار ظعنه) اي الدنيا التي يظعن و ينتقل منها (لدار اقامته) اي الاخره التي يبقي فيها ابد الابدين

[صفحه 6]

(ف) احذروا (الله الله) كرر للتاكيد، يا (ايها الناس فيما استحفظكم من كتابه) اي جعلكم حفيظا عليه، فاحفظوه و حفظه عباره عن العمل به. (و استودعكم من حقوقه) اي جعلكم محلا لوديعته التي هي حقوقه عليكم، و المراد بها الاحكام الشرعيه، فانها حق الله علي الناس، و هي ودائعه تعالي عندهم (فان الله سبحانه لم يخلقكم عبثا) اي بلا غايه و لا مقصد حتي لم يكن عليكم تكليف (و لم يترككم سدي) اي فلا تكليف، و سدي بمعني الاهمال (و لم يدعكم في جهاله) لا تعرفون الاصول و الفروع بل علمكم بسبب الانبياء (و لا عمي) فان الانسان الجاهل كالاعمي الذي لا يبصر. (قد سمي آثاركم) اي كتب قبل ان تعملوها، و هذا كنايه عن علمه سبحانه بما يعملون او المراد انه تعالي بين اعمالهم و حددها لكن الاول اقرب (و علم اعمالكم) اي جعل العلامه علي اعمالم، او علمكم اياها حتي لا تجهلوها (و كتب آجالكم) اي مده بقائكم في الدنيا (و انزل عليكم الكتاب) المراد به اما جنس الكتب المنزله علي الانبياء او خصوص القرآن الحكيم (تبيانا) اي بيان- قالوا و التبيان اكثر افاده من البيان- (لكل شي ء)

و المراد بذلك انه تعالي بين في القرآن الخطوط العامه للحياه السعيده، لا انه ذكر كل جزئ

ي جزئي من الامور (و عمر فيكم نبيه) محمد صلي الله عليه و آله و سلم (ازمانا) اي اعطي العمر لنبيه ليكون بينكم مده مديده (حتي اكمل) سبحانه (له) صلي الله عليه و آله (و لكم- فيما انزل من كتابه- دينه) اي اكمل دينه، بسبب القران و الاحكام المنزله فيه. (الذي رضي لنفسه) بمعني انه سبحانه ارتضاه دينا لنفسه، اي طريقه يصل الخلق منها الي مرضاته (و انهي اليكم) اي اوصل اليكم (علي لسانه) اي لسان الرسول صلي الله عليه و آله و سلم (محابه من الاعمال) اي الاعمال التي يحبها سبحانه و محاب جمع محب مصدر ميمي، او اسم مكان اي مكان حبه (و مكارهه) اي الاعمال التي يكرهها (و نواهيه و اوامره) و لعل الفرق ان المحاب اعم من الاوامر لانها تشمل حتي المتسحبات بخلاف الاوامر، و كذا النسبه بين المكاره و النواهي. (و القي اليكم المعذره) اي ما يوجب عذركم ان اطعتموه و عذره- في عقابكم- ان عصيتموه، لانه بين لكم فخالفتم (و اتخذ عليكم الحجه) و هي ما يحتج به المولي علي العبد- ان خالف- و العبد علي المولي- ان اطاع - (و قدم اليكم بالوعيد) اي بين لكم العقاب الذي ياتيكم ان خالفتم. (و انذركم بين يدي عذاب شديد) اي قبل عذاب شديد، الذي هو عذاب الاخره، فان معني (بين يدي

) قبل الشي ء و قدامه (فاستدركوا) اي ادركوا فلا يفوتكم (بقيه ايامكم) بالعمل الصالح و التوبه (و اصبروا لها) اي اجعلوا لانفسكم الصبر في الاعمال التي تعملونها في بقيه الايام (انفسكم) مفعول اصبروا، و

معني تصبير النفس امرها بالصبر (فانها) اي بقيه الايام (قليل في كثير الايام التي تكون منكم فيها الغفله) (في) بمعني النسبه، يعني ان ما بقي من الايام قليل بالنسبه الي الايام الماضيه التي غفلت عن الله فيها، و انما كانت قليله بالنسبه الي مجموع الناس بالنسبه الي المجموع، و انكانت الايام الباقيه بالنسبه الي الشاب اكثر من الايام الماضيه، او الكلام (خطابي) لتهوين امر الصبر لديهم كما جرت عاده البلغاء في تهوين المشاق للناس حتي يركبوها. (و التشاغل عن الموعظه) اي عدم الاعتناء بها، و هذا عطف علي قوله (الغفله) (و لا ترخصوا لانفسكم) اي لا تبيحوا لها عمل المحرمات، فان الانسان يوحي الي نفسه بالخير و الشر و النفس تعمل حسب تلك الايحاات (فتذهب بكم الرخص) التي ارخصتموها لانفسكم (فيها) اي في الانفس (مذاهب الظلمه) جمع ظالم، اي تسير النفس كما يسير الظالمون في ارتكاب المحرمات، و ترك الواجبات (و لا تداهنوا) المداهنه اظهار خلاف ما في الضمير مجام

له للعاصي (فيهجم بكم الادهان علي المصيبه) فان الانسان لو داهن يكون مصيره الي النار التي هي اعظم المصائب، و ذلك لان المداهنه خلاف الامر بالمعروف و النهي عن المنكر، و قد قال الامام المرتضي صلوات الله عليه: امرنا رسول الله ان نلاقي اهل المعاصي بوجوه مكفهره، او المراد مداهنه الانسان مع نفسه.

[صفحه 9]

يا (عباد الله ان انصح الناس لنفسه اطوعهم لربه) اي اكثرهم اطاعه، و انما كان انصح لانه يهيي ء لنفسه احسن المقامات في الاخره (و ان اغشهم لنفسه) اي كثرهم غشالها (اعصاهم لربه) لانه يهيي ء لها مستقبلا سيئا (و المغبون من غبن نفسه) فان من يغبن نفسه باعمال توجب لها هوانا و عقابا، فانه

احق باسم المغبون من المغبون في معاملته، فان خسارات المعامله وقتيه و خساره النفس ابديه (و المغبوط) الذي يغبطه الناس و يتحسرون علي مقامه الرفيع (من سلم له دينه) بان لم يفسد بالمعاصي و الاثام، (و السعيد) الذي نال السعاده (من وعظ بغيره) بان راي غيره تضرر من المعاصي فلم يعمل بها، فانه ادرك السعاده بدون ضرر. (و الشقي من انخدع لهواه) فان الهوي والميول النفسيه الي الشهوات تخدع الانسان و من استسلم لهواه فقد شقي و استحق العقاب (و غروره) اي النفس التي تغره و تزين له العصيان. (و اعلموا ان يسير الرياء شرك) الرياء هو ان يعمل الانسان الاعمال الصالحه ليراه الناس فيمدحوه، و هذا شرك لان المرائي عمل لغير الله سبحانه، و اتخذ مع الله ربا آخر، زعمه ضارا نافعا. (و مجالسه اهل الهوي) الذين ينساقون وراء هواهم و شهواتهم (منساه للايمان) اي توجب نسيان ال

ايمان، فان الايمان يضعف اذا كثر علي النفس ما يخالف الايمان مما يقوله و يعمله اهل الهوي- فان الطبع سارق- (و محضره للشيطان) فان الشيطان يحضر عند اهل الهوي و المعصيه (جانبوا الكذب) اي تجنبوا عنه (فانه) اي الكذب (مجانب للايمان) اذ الايمان يامر بالصدق و ينهي عن الكذب. (الصادق علي شرف منجاه) اي ان صدقه يوجب نجاته (و كرامه) اي تكريم الله و الناس له، فان الصدق فضيله يمدحها الناس. (و الكاذب علي شفا) (شفا) جرف الوادي، مما اشرف علي السقوط (مهواه) اي هوي في المشكله و السقوط (و مهانه) عند الله سبحانه و عند الناس فانهم مهما عرفوا ان فلانا كذب سقط من اعينهم، فهو قريب الوقوع و المهانه عند الناس (و لا تحاسدوا) و

هو ان يتمني الانسان لزوال نعمه المتنعمين و لذا يعمل لزوالها بالتنقيص لهم و الحط من شانهم (فان الحسد ياكل الايمان كما تاكل النار الحطب) اذ الحسد موجب لحبط الاعمال، هذا بالاضافه الي ان المجتمع المتحاسد لايزال ياخذ في السقوط و الهوي حتي يصل الهاويه اذ افراده عوض ان يشتغلوا بالرفعه والترفيع مشغولون بالتخفيض. (و لا تباغضوا) بان يبغض بعضكم بعضا (فانها) اي المباغضه (الحالقه) التي تحلق و تزيل كل خير و سعاده (و اعلموا ان الام

ل يسهي العقل) اي يوجب سهوه و ذهوله، اذ الذي يامل الاشياء البعيده لا يعمل حسب اوامر العقل من العمل الصالح و اخذ الحيطه والحذر، لانه يرجو بقائه الطويل، (و يسني الذكر) اي يوجب ان لا يذكر الانسان ربه، اذ يترقب ان يتوب في كبره و آخر عمره، كما هو المشاهد في الناس طوال الامل (فاكذبوا الامل) اي اذا قال لكم انتم تبقون في الدنيا مده مديده، اعملوا عمل من لا يبقي الا مده قليله، كما قال الامام الحسن عليه السلام اعمل لاخرتك كانك تموت غدا (فانه غرور و صاحبه) اي صاحب الامل (مغرور) قد خدع، و اري ما ليس بحقيقه.

خطبه 086

[صفحه 12]

في بيان صفات المتقين و صفات الفساق يا (عباد الله من احب عباد الله اليه) فالذين هم في الدرجه الاولي من الحب جماعه منهم من ياتي وصفه، و لذا جي ء ب (.من) التي هي للتبعيض (عبدا اعانه الله علي نفسه) بان كان مسلطا علي النفس، يقودها حيث مراضي الله لا ان النفس تقوده الي الشهوات، و ليس معني اعانه الله جبره سبحانه، بل توفيقه الخاص الذي يتوقف علي المجاهده قبلا كما قال سبحانه (و الذين جاهدوا فينا لنهدينهم

سبلنا). (فاستشعر الحزن) اي جعل الحزن شعارا لنفسه. و الشعار هو اللباس اللاصق بالبدن سمي بذلك لاتصاله بالشعر، يعني انه دائما حزين، لما يعلم من صعوبه المستقبل و الموقف في الاخره. (و تجلبب الخوف) اي جعل الخوف من الاهوال المستقبله في الاخره جلبابا له و الجلباب هو الثوب الساتر الذي يكون فوق جميع الثياب و الحزن قلبي بخلاف الخوف الذي يظهر اثره علي الاعضاء والجوارح و ان كان مصدره القلب ايضا. (فزهر) اي اضاء (مصباح الهدي في قلبه) فان الانسان الخائف من الاخره يوجد في قلبه حاله تبعثه علي الخير و الواجب و تمنعه عن الشر و المحرم. (و اعد القري) هو ما يهيي ء للضيف، و المراد به العمل الصالح (ليومه النازل به) و هو يوم الموت

او يوم الاخره، يعني انه يستعد للقاء الله تعالي (فقرب علي نفسه البعيد) الذي هو الموت، فهو يراه قريبا يستعد له، بينما يراه سائر الناس بعيدا لا يعمل لاجله (و هون الشديد) اي الاعمال الشديده الموجبه لنجاته فانه يراها هينه لما يعلم من حسن عاقبتها (نظر) الي الامور بدقه و اعتبار (فابصر) لا يعمي عن المصلحه و المفسده حيث ان الناس يخلطون بين الحق و الباطل- فكانهم غير مبصرين-. (و ذكر) الله سبحانه (فاستكثر) من الذكر، اي ذكر ذكرا كثيرا، او استكثر من العمل الصالح. (و ارتوي) اي شرب حتي امتلا من الماء (من عذب فرات) و المراد به العلوم الصالحه لانه شبيه بالماء العذب السائل الذي يتلذذ الانسان بشربه و تكون له عقبي محموده (سهلت له موارده) جمع مورد و هو محل الورود في الماء. فان الانسان الذي يبتغي الحق يسهل عليه التمسك بالاحكام و تعلم شرائع الاسلام

بينما يصعب ذلك علي غيره (فشرب نهلا) النهل هو الشرب الاول يعني انه ارتوي بشربه الاول، فلم يحتج الي تكرر الشرب (و سلك سبيلا جددا) هي الارض الصلبه المستويه التي يسهل السلوك فيها فان جاده الشرع واضحه قويمه (قد خلع) اي طرح من راسه (سرابيل الشهوات) جمع سربال و هو الثوب. (و تخلي من الهموم) التي

اشتغل بها اهل الدنيا، فان الانسان الذي صرف نظره الي الاخره، لا يهتم للامور الدنيويه كثيرا حتي يهتم لها (الا هما واحدا انفرد) لهذا الانسان (به) و هو هم الاخره، و انما كان منفردا لان اهل الدنيا لا يشاركونه في هذا الهم (فخرج من صفه العمي) فان الانسان الذي لا يميز بين الحق و الباطل و الحرام و الحلال هو و الاعمي سواء في عدم رويه الاشياء لكن عمي الاعمي ظاهري و هذا اعمي معني (و مشاركه اهل الهوي) لا يشاركهم في ارتكاب المحضورات لمجرد هوي نفسه (و صار من مفاتيح ابواب الهدي) فان الناس اذا ارادوا الهدايه سالوا من هذاالانسان فكان الهداي بيت له باب اذا اريد دخوله لزم فتحه بالمفتاح الذي هو هذا الانسان المتقي (و مغاليق) جمع مغلاق و هو ضد مفتاح (ابواب الردي) اي الهلاكه، لانه يسد علي الناس الفساد و الشر، فهو كالمغلاق. (قد ابصر طريقه) المودي به الي الجنه (و سلك سبيله) لانه يسلك نفس ذلك السبيل بخلاف من يعلم و يفعل خلاف ما يعلم فانه ابصر الطريق لكنه تنكب السبيل. (و عرف مناره) هوالمحل الذي ينصب في الطريق و يجعل عليه النور ليلا ليهتدي الماره (و قطع غماره) جمع غمر - بالفتح- و هو معظم البحر يعني انه عبر بحار المهالك الي سواحل النجات.

استمسك من العري باوثقها) عري جمع عروه، فقد شبه الاسلام بكوزذي عري اذا تمسك الانسان باحداها من الشرب منه، و اوثق تلك العري عروه التقوي. (و من الحبال بامتنها) فكان السعاده في محل مرتفع و ادلي منه حبال ليصعد الناس بها الي ذلك المحل، و اقوي الحبال هو حبل التقوي، و هذان اقتباس من قوله تعالي: (فقد استمسك بالعروه الوثقي) و قوله سبحانه: (و اعتصموا بحبل الله جميعا) (فهو من اليقين علي مثل ضوء الشمس) فكان ان ضوء الشمس واضح لا لبس فيه كذلك يقين هذا الانسان بالاخره و ما وراء الطبيعه (قد نصب نفسه لله سبحانه في ارفع الامور) فان الانسان اذا التزم جاده الشرع و جد و اجتهد عرف الاحكام و فهم طرق الاسلام فهو لقربه منه سبحانه و احتواه لاحكامه كالمقرب عند الملك الذي له مكانه رفيعه عند الملك (من اصدار كل وارد عليه) يعني انه اذا ورد عليه مساله من مسائل الدين يتمكن من الجواب عنها جوابا صحيحا فيصدر السوال بعد ان ورد عليه (و تصيير كل فرع الي اصله) لانه يعرف اصول الاسلام و فروعه فاذا سال عنه من فرع تمكن من ارجاعه الي اصله، لا الي غير اصله، فيعرف مثلا ان هذا الفرع من (اصل: كل شي ء حلال) او (اصل: قف عند الشبهه). فهو (مصباح ظلمات) اذ ظل

مات الجهل تنكشف بسببه (كشاف عشاوات) جمع غشاوه و هو سوء البصر، اي انه يكشف عن اصحاب العشاوات الظلمات التي في ابصارهم، و هذا كنايه عن توضيحه الامور الملتبسه التي التسبت علي الذين ليس لهم حظ وافر من الدين (مفتاح مبهمات) التي ابهمت و اشكلت فانه يفسرها و يبينها و يظهرها (دفاع

معضلات) جمع معضله و هي المشكله التي يصعب حلها، فانه يحلها و يدفع اعضالها و يسهل فهمها (دليل فلوات) جمع فلات و هي الصحراء الواسعه، فكان ان الدليل يرشد الضال عن الطريق في الصحراء، فكذا الانسان المتقي يرشد الناس الي طريق الحق في متاهات الحياه (يقول) الجواب، او الحكم (فيفهم) المخاطب، لوضوح بيانه (و يسكت) فيمان كان الجواب موجبا لمضره، او التكلم موجبا لشر (فيسلم) من عواقب الكلام. (قد اخلص لله) في اعماله، فلا يعمل الا له سبحانه (فاستخلصه) اي جعله سبحانه خالصا لنفسه بان اولاه عنايته و لطفه و جعله من خاصته (فهو من معادن دينه) فكان ان معدن الذهب محله كذلك هذا الانسان محل الدين، اذ هوالعالم به. (و اوتاد ارضه) فان الارض انما تكون موضع رحمه الله بواسطه الاختيار. و لو لا هم لصرف الله سبحانه لطفه عن اهل الارض، فهم كالوتد الحافظ لالواح الخشبه بعضها مع بعض (

قد الزم نفسه العدل) اي بان يعدل في جميع الامور (فكان اول عدله نفي الهوي عن نفسه) اي لا ينساق وراء الاهواء. اذ الانسياق وراء الهوي ظلم و تعد بالنسبه الي النفس، لاخراجها بذلك عن سعادتها الي شقائها (يصف الحق) اي يبين ما هو الحق من الاشياء (و يعمل به) هو لا انه يامر الناس بالبر و ينسي نفسه. (لا يدع للخير غايه الا امها) اي قصدها اي انه يقصد نهايه كل خير، مثلا نهايه الخير في باب الصلوات، اي ياتي بالنوافل، و في الزكاه ان يزكي من ارباح التجاره و هكذا، فهو لا يقتنع باول الخير دون غايته (و لا مظنه الا قصدها) فكلما ظن وجود الخير تبعه حتي ينال من الخير، مثلا

يظن ان هذا الشخص فقير و في اعانته مثوبه، فيعطيه و هكذا. (قد امكن الكتاب من زمامه) اي اعطي زمامه للكتاب حتي يذهب به الي حيث الاحكام الشرعيه، و هذا كنايه عن اتباعه للكتاب الحكيم (فهو) اي القرآن (قائده) الذي يقوده (و امامه) الذي ياتم هذا الشخص به (يحل) هذا الانسان (حيث حل ثقله) ثقل المسافر متاعه، و ثقل القرآن اوامره و زواجره، يعني ان هذا الشخص يتبع القرآن في كل حكم (و ينزل) هذا الشخص (حيث كان منزله) اي منزل القرآن، و فيه استعاره لطيفه.

[صفحه 18]

و لما اتم عليه السلام صفات المتقين شرع في صفات الفساق بقوله: (و اخر قد تسمي عالما) اي سمي نفسه عالما (و ليس به) اي ليس بعالم (فاقتبس) اي اخذ (جهائل) جمع جهاله، و المراد ما ظنه علما و هو في الحقيقه جهل (من جهال) لانهم لو كانوا علما لم يعطوا الجهل باسم العلم (و اضاليل) اي ضلالات، و هي ما ظن انها هدايات و ليست كذلك (من ضلال) من اناس ضالين، و لو لا انهم ضالون لم يعطوا الضلالات (و نصب للناس شركا) هو الحباله التي يصاد بها الطير و السمك و نحوهما (من حبائل غرور) فكان للخدعه حبالات تنظم حتي تكون شركا (و قول زور) اي الكذب، فقد نظم اموره المكذوبه والمزوره لصيد الناس و جعلهم من حفدته و مراجعيه. (قد حمل الكتاب) الي القرآن الحكيم (علي آرائه) فمثلا يحمل قوله تعالي (الي ربها ناظره) علي ان الله سبحانه قابل للرويه بالبصر، و هكذا (و عطف الحق) اي آماله (علي اهوائه) فكلما اشتهاه قال انه الحق و اخذ يستدل لذلك (يومن) الناس (من) الذنوب (العظائم) فيقول ان هذه

الذنوب لا خوف منها (و يهون كبير الجرائم) اي المعاصي الكبيره، فيجعلها هينا لا اهميه لها، و لا اثم عظيم في فعلها (يقول) بلسانه لخداع الناس (اقف عند الشبهات) ليزكي نفس

ه و يري للناس شده ورعه حتي انه يقف عند الامور المشتبهه و لا يعمل بها احتياط (و) الحال انه (فيها) اي في تلك الشبهات (وقع) اذ ليس له احتياط و ارعواء و تقوي (و يقول) لتزكيه نفسه (و اعتزل البدع) التي تجددت مما ليست من الدين و نسب اليه (و بينها اضطجع) اي نام، كنايه عن انغماره فيها. (فالصوره صوره انسان) في الخلقه (و القلب قلب حيوان) لا يدرك و لا يفهم (لا يعرف باب الهدي فيتبعه) لانه انحرف عن الهدايه، و عدم المعرفه لما اوقع نفسه في الشهوات (و لا) يعرف (باب العمي) والضلاله (فيصد عنه) و يمتنع عن الدخول فيه (و ذلك) الانسان (ميت الاحياء) لانه حي بدنا ميت روحا، فكما لا ياتي من الميت الخير كذلك لا ياتي من هذا الانسان، ثم اشار عليه السلام الي انفتاح باب الحق حتي ان الذي لا يلجه فانما بسبب نفسه (فاين تذهبون) ايها الناس في ترككم الحق و اتباعكم الباطلل (و اني توفكون) افك بمعني انصرف، اي الي اين تنصرفون، عن الحق. (و الاعلام قائمه) اعلام جمع علم و هو الذي ينصب في الطريق بفاصله ليعلم منه الجاده و المراد اعلام الحق التي يستدل بها عليه (و الايات) الداله علي رضي الله سبحانه و امره و نهيه (واضحه) لا لبس فيها (و المنار) و هو المحل ال

ذي يوضع عليه المصباح ليلا للاهتداء نحو الطريق، و المراد به هنا الجنس و لذا قال عليه السلام: (منصوبه) موجوده

(فاين يتاه بكم) من التيه بمعني الضلاله، اي الي اين يذهب الشيطان بكم منحرفا عن الجاده (بل كيف تعمهون) من العمه و هو اشد العمي (و) الحال انه (بينكم عتره نبيكم) اي اهله و ذريته الذين هم خلفائه و القائمون مقامه. (و هم ازمه الحق) جمع زمام، و هو الشي ء الذي يقاد به الحيوان فكانهم ازمه للحق لقود الناس الي السعاده (و اعلام الدين و السنه الصدق) اي ان كلامهم عين الصواب، و فيه استعاره لطيفه. (فانزلوهم باحسن منازل القرآن) احسن منازل القرآن هو القلب، و المراد حب اهل البيت و تقديرهم، كما يقدر القرآن و يحترم، او المراد باحسن ما انزلهم القرآن حيث قال (الا الموده في القربي) و المراد من (الاحسن) حينئذ، كما يراد من قوله: (ياخذوا باحسنها) (و ردوهم) من ورد الماء اذا نزل المشرعه لشربه اي اغترفوا من بحار علومهم (ورود) اي مثل ورود (اليهم العطاش) الهيم جمع هائم و هو الابل الشديد العطش و عطاش جمع عطشان. (ايها الناس خذوها) الضمير للقصد و الشان، اي خذوا هذه الجمله التي تاتي، و هذا لتاكيد التمسك بالعتره لان الرسول صلي الله عليه و

آله و سلم نص عليهم (عن خاتم النبيين صلي الله عليه و آله و سلم) فانه قال: (انه يموت من مات منا) اهل البيت (و ليس بميت) لبقاء آثاره، و اشعاع روحه الطاهره من عالم الاخره الي عالم الدنيا. (و يبلي من بلي منا) اي يفقد شخصه و يدفن تحت التراب (و ليس ببال) لبقاء ذكره الجميل، قال الشاعر: (و الذكر للانسان عمرثان) (فلا تقولوا بما لا تعرفون) فان وجود الائمه عليهم السلام موجب لمضاعفه عذاب من يقول في الاحكام بما

لا يعلم (فان اكثر الحق فيما تنكرون) و من كان لا يعرف اكثر الحق كيف يحق له ان يتكلم من عند نفسه، و الاعلام قائمه و المراد ب(تنكرون) اما (تجهلون) بقرينه (لا تعرفون) كما هو الظاهر، و هذا واضح لان غالب الناس يجهلون اكثر الاحكام، و اما بمعني (تخالفون) من الانكار، و هذا لان الحقائق الكونيه شرعيه و غيرها خافيه علي غالب الناس، و يظنون خلافها. (و اعذروا) اي لا تلوموا (من لا حجه لكم عليه) اي لا دليل لكم علي انه اخطا (و انا هو) المراد بقول (اعذروه) (الم اعمل فيكم بالثقل الاكبر) الثقل هو المتاع النفيس، و هذا اشاره الي قوله صلي الله عليه و آله و سلم: (اني تارك فيكم الثقلين كتاب الله و عترتي اهل بيتي ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا م

ن بعدي) و انما كان القرآن الثقل الاكبر، لانه عباره من مجموع الاحكام الالهيه التي منها مساله الامامه. (و اترك فيكم الثقل الاصغر) فان الامام قد خلف الحسنين عليهماالسلام، و هما من الثقل الاصغر، قدوه للناس و اماما لهم، بالايصاء بهما و الزام التمسك لهما. (و ركزت) اي اثبت (فيكم رايه الايمان) ببيان اصول الاسلام و شرح عقائده. (و وقفتكم علي حدود الحلال و الحرم) ببيان الفروع و شرح الاحكام (و البستكم العافيه من عدلي) فانتم في عافيه من الظلم. (و فرشتكم) اي بسطت لكم (المعروف من قولي و فعلي) فانهما كانا من المعروف الذي يستريح الانسان تحت لوائه، و فيه تشبيه بالارض المفروشه التي يتهنا الانسان بالتقلب عليها. (و اريتكم كرائم الاخلاق) من عدل و فضيله و سخاء شجاعه و وفاء و غيرها، و الارائه كانت بالقول و

بتجليه عليه الصلاه و السلام بها و المراد هنا الثاني قرينه قوله (من نفسي) و ان كان يحتمل الاعم، فان القول ايضا من النفس (فلا تستعملوا الراي) و القياس في الاحكام الشرعيه- بدون اتباع الكتاب و العتره- (فيما لا يدرك قعره البصر) فان الاحكام لا ينال البصر مغزاها (و لا تتغلغل) اي لا تدخل (اليه الفكر) اذا العين و الفكر قاصران عن اكتناه ال

حياه حتي يتمكنا من معرفه احكام الله المقرره لكل جزئي جزئي من جزئيات الحياه الوسيعه.

[صفحه 23]

(منها): ثم ذكر الامام عليه السلام ما يكون بعده من الاحداث، و قد حذف الشريف (ره) وسط الخطبه (حتي يظن الظان) اي الذي يظن خطاء (ان الدنيا معقوله) من العقال و هو شد ركبه البعير- كنايه عن استقرارها- (علي بني اميه) لا تتجاوز عنهم (تمنحهم) اي تعطيهم الدنيا (درها) اي لبنها (و توردهم) من ورود الماء، اي ان الدنيا اذا ارادت سقي بني اميه توردهم (صفوها) اي المحل الصافي من الماء (و) يظن الظان انه (لا يرفع عن هذه الامه سوطها و سيفها) كنايه عن حكومتهم، فهم دائموا الحكومه و السلطه علي الناس. (و كذب الظان لذلك) اي دوام ملك بني ميه (بل هي) المنحه التي تمنحهم الدنيا (مجه) هي نقطه العسل، او من مج الشراب اذا قذفه من فيه (من لذيذ العيش) و قد شبه بالمجه تحقيرا لها و تشبيها لقصر مدتها (يتطعمونها برهه) اي زمانا قصيرا (ثم يلفظونها) اي يتركونها (جمله) فلا يبقي في ايديهم شي ء منها.

خطبه 087

[صفحه 24]

و قد ذكر الامام عليه السلام فيها ما يسبب هلاك الناس (اما بعد) و الاصل مهما يكن من شي ء بعدالحمد و الصلاه (فان الله لم يقصم جباري دهر قط) قصمه بمعني

كسره ظهره، و المراد اباده الجبارين و سلب النعمه عنهم (الا بعد تمهيل) بان امهلهم مده يتمكنون فيها من الانابه و الرجوع (و رخاء) بان انعم عليهم فقابلوا نعمه بالاسائه (و لم يجبر عظم احد من الامم) بان رفعهم بعد ضعفهم و انعشهم بعد ذلهم و هوانهم و قد كني عليه السلام عن ذلك بجبر العظم (الا بعد ازل و بلاء) الازل: الشده، اي ان الشده توجب الانعاش فان بعد العسر يسرا، و هذا الامر طبيعي كسابقه، فان الجبارين يشتغلون بالملاهي و الفساد و هما مسببا و ثبه الناس لازالتهم كما ان الادله يفكرون و يجمعون قواهم لرفع الهوان عن انفسم، و هما سبب التقدم و السعاده (و في دون) اي في اقل من (ما استقبلتم من عتب) اي عتب الزمان، و اذلاله لكم. (و ما استدبرتم من خطب) اي ما مربكم من الاحداث و الخطوب الجسيمه، و الخطب هو الامر العظيم الذي ينزل بالانسان كالرزيه و المصيبه و ما اشبه (معتبر) مبتدا خبره قوله (في دون) اي ان اذلال الزمان لكم و انزال الخطوب بكم كاف لان تعتبروا، لانكم صرتم من مصاديق

الجمله السابقه (و لا يجير عظم احد..) (و ما كل ذي قلب بلبيب) و هذا كالحث لهم علي العمل و النهوض، اي ان كل انسان ليس بعاقل، فكانوا انتم عقلاء فيما يجب عليكم من النهضه و القيام. (و لا كل ذي سمع) اي اذن (بسميع) اي بواعي ما يسمع ليعتبر به، او بمعني انه يمكن ان يكون اصم. (و لا كل ناظر) اي عين (ببصير) باحد المعنيين السابقين. (فيا عبجا) اي يا عجب احضر فهذا وقتك، و الالف في آخر الكلمه بدل من ياء

المتكلم قال ابن مالك: و اجعل منادي صح ان يضف ليا كعبد عبدي عبد عبدا عبديا (و مالي لا اعجب) فان المكان مكان تعجب و استغراب (من خطا هذه الفرق) فقد تولدت في زمان الامام فرق دينيه كل يدعي انه المحبوب عند الله سبحانه المتبع لامره و نهيه من خوارج، و عثمانيه، و محايده، و صوفيه، و ما اشبه (علي اختلاف حججها في دينها) فلكل حجه مزعومه لعمله بطريقته الخاصه به (لا يقتصون اثر نبي) لانهم لو تمسكوا باقوال النبي صلي الله عليه و آله و سلم التي منها (علي مع الحق و الحق مع علي) لم يختلف منهم اثنان (و لا يقتدون بعمل وصي) فان الامام كان وصيا و خليفه فيهم، فلو لم تكن اقوال النبي صلي الله عليه و آله و سلم، كان اللازم اتباع الوصي مهما كان (و لا يومنو

ن بغيب) فانهم لو آمنوا بالله و اليوم- و هما غائبان عن الحواس- ايمانا صادقا، كان ايمانهم زاجرا لهم عن اتباع الميول و الاهواء (و لا يعفون عن عيب) اي لا يكفون عن عيوبهم، بل هم سائرون في المعائب و النقائص فان معني عف كف. (يعملون في الشبهات) اي الامور المشتبهه التي لا يعلم حلها من حرامها و حقها من باطلها (و يسيرون في الشهوات) اي ميولهم و اهوائهم بلا مراعاه للشريعه (المعروف عندهم ما عرفوا) و انكان مخالفا للحق (و المنكر عندهم ما انكروا) و انكان موافقا للحق. (مفزعهم في المعضلات الي انفسهم) المفزع الملجا الذي يلجا اليه الانسان في مهماته، و المعضله المشكله الدينيه والدنيويه، و المراد انهم لا يرجعون الي الامام في حل مشاكلهم (و تعويلهم) اي اعتمادهم (في المبهمات)

اي الامور المبهمه الخفيه (علي آرائهم) فهم لا يرجعون الي الكتاب و السنه و التعره (كان كل امري ء منهم امام نفسه) فلا يحتاج الي امام و مقتدي (قد اخذ منها) اي من نفسه (فيما يري) من آرائه في المشاكل (بعري و ثقات) فهو قد تمسك بعروه نفسه، و وثق بذاته (و اسباب محكمات) فكان الحبل الذي تمسك به مما ينتهي الي نفسه حبل محكم لا انفصام له.

خطبه 088

[صفحه 27]

حول الرسول الاعظم صلي الله عليه و آله و سلم و اتباعه عليه السلام له صلي الله عليه و آله. (ارسله) الله سبحانه (علي حين فتره من الرسل) الفتره الفاضله بين الشيئين، فقد جاء الرسول صلي الله عليه و آله بعد ما انقضي عن رساله عيسي حوالي خمسمائه سنه، لا كانبياء بني اسرائيل الذين ارسلوا تباعا. (و طول هجعه من الامم) الهجوع النوم، كان الامم كانت نائمه عن المعارف الحقه و المعلومات الالهيه فجاء النبي صلي الله عليه و آله و سلم لا يقاظهم و اعاده الحق الي نصابه. (و اعتزام) اي غلبه (من الفتن) فان الفتته تقوم كلما تقلص الدين من النفوس اذ الدين خير رادع عن الفتن و اسبابها و جذروها. فاذا ذهب الدين انتشر الامر بين اهواء الناس مثلا الدين يقرر ان مهر السنه خمسمائه درهم، اما اذا لم يكن دين فقانون يغالي فيه الي حدود مدهشه، و قانون يخفض منه الي حدود زهيده و هكذا. (و تلظ من الحروب) تلظت الحرب، اي اشتعلت، و التهيت، و كلما بعد الناس عن الدين كثرت الحروب، لانها و لائد الفتن، و عدم استقرار النظام، و هما من ثمار عدم الدين. (و الدنيا كاسفه النور) فكما ان النور اذا كان،

يري الانسان الاشياء كذلك الدين سبب لرويه المضار و المصالح و

الخيرات و الشرور، فاذا فقذ الذين لم يكن للدنيا نور (ظاهره الغرور) الناس مخدوعون بها اذا ثقافه دينيه لهم حتي يخرجوا عن الاغترار الي التبصر و التفكر (علي حين اصفرار من ورقها) فالدنيا كالشجره اذا كانت مع دين كانت مخضره للنشاط و الحياه و الصفحه التي يولدها الدين فيها، و الا كانت بالعكس (و اياس من ثمرها) فان الدنيا اذا كانت مضطربه لا تثمر الثمر المطلوب منها من التقدم و الامن و الرخاء. (و اغورار من مائها) كنايه عن عدم النضاره و البهجه، او ان هذه الجمله علي نحو الحقيه فان انحراف الارض عن مناهج السماء توجب عدم جريان الانهار، و قله الثمار، و اصفرار الاشجار، و هذا كما انه مربوط بالامور الغيبيه كذلك مربوط بالمناهج فان الدين يوسع آفاق الفكر، و يضع المناهج الصحيحه، و يوجب التعاون و كل ذلك موجب لعماره الارض. (قد درست) اي خلقت و بليت (منار الهدي) المنار المحل الذي يوضع عليه المصباح، ليري الانسان طريقه، في اليل، و هذا جنس و لذا جي ء بالفعل مونثا، كالمثل (اهلك الناس الدرهم البيض و الدينار الصغر) (و ظهرت اعلام الردي) اي رايات الضلاله الموجبه للهلاك و الشقاء. (فهي) اي الدنيا (متهجمه لاهلها) من تهجم بمعني استقبله بوجه عابس كريه

(عابسه) اي قابضه اشمئرازا (في وجه طالبها) لا تسعد الطالب و لا تفي بما يريد الانسان من الخير و السعاده (ثمرها الفتنه) فان المناهج اذا انحرفت- و ذلك من جراء عدم الانبياء و سلطه الجبارين- كثرت الفتن و الاضطرابات (و طعامها الجيفه) فقد كانوا ياكلون الجيف، لقله ارزاقهم. (و شعارها الخوف) اي كان الناس

يخاف بعضهم من بعض، و الشعار هو الثوب اللاصق بالشعر من الجلد- و منه سمي شعارا- و شبه به الخوف لانه في قلب الانسان لاصق به، و ذلك لان الاضطراب يوجب خوف جميع افراد الانسان بعضهم من بعض. (و دثارها السيف) الدثار هو الثوب الذي يلبس فوق الشعار، و المجتمع اذا كان خائفا كان يحمل السلاح وقايه لنفسه عن الاعداء. اقول: و قد عادت في ايامنا هذه الحاله- كما قال الامام عليه السلام- حيث ابتعد الناس عن الاحكام، و هذا طابع عام لزمان الجاهليه. (فاعتبروا عباد الله) اي خذوا العبره- للعمل الصالح - من تلك الفتره المظلمه، و الاعتبار انما هو لعدم اعاده تلك الظروف، بسبب ترك احكام الله سبحانه. (و اذكروا تيك) الاعمال السيئه و العقائد الباطله (التي آباوكم و اخوانكم بها مرتهنون) فانهم رهائن اعمالهم فاذ قد كانوا اسائوا خسروا السعاده في الدنيا و الاخره

، فلا تعلموا مثل اعمالهم حتي يصيبكم مثل ما اصابهم (و عليها محاسبون) في الاخره (و لعمري) هذا حلف بنفسه الشريفه (ما تقادمت بكم و لا بهم) بالاباء و الاخوان (العهود) فانكم تذكرون عهد ما قبل الرساله و الفجائع التي كنتم و كان آبائكم جميعا فيها (و لا خلت) اي لم تمضي، من خلا بمعني مضي (فيما بينكم و بينهم) اي بين الاباء و الاخوان (الاحقاب) جمع حقب ثمانون سنه او اكثر (و القرون) القرن هو مده جيل واحد، فقالوا مائه، و قالوا اقل. و المعني: ان الاباء والاخوان الذين كانوا في تلك الظلمات، قريبون منكم زمانا، فهم بين اب و اخ و جد و ما اشبه. (و ما انتم اليوم من يوم كنتم في اصلابهم ببعيد) و انما الفصل

اقل من خمسين سنه، و اصلاب جمع صلب و هو العظم الذي في ظهر الانسان، و هو محل مني الرجل، قال سبحانه: (يخرج من بين الصلب والترائب). (و الله ما اسمعهم) اي الاباء و الاخوان الذين عاصروا قبل الرساله و حين الرساله و راوا الزمانين (الرسول شيئا) من الحكم و الاحكام و المواعظ والنصائح (الا و ها انا ذا اليوم مسمعكموه) اي ابين لكم ما بين الرسول لابائكم و اخوانكم. (و ما اسماعكم اليوم بدون اسماعهم بالامس) يعني انكم تسمعون كما كان اصحاب الرسول صلي

الله عليه و آله يسمعون فاللازم ان تعملوا كما كانوا يعملون (و لا شقت لهم الابصار) حيث ان البصر محاط بالوجه الممتد، فكانه قد شق في وسط شي ء متسو (و لا جعلت لهم الافئده) جمع فواد و هو القلب (في ذلك الاوان) اي اوان حياه الرسول صلي الله عليه و آله و سلم. (الا و قد اعطيتم مثلها في هذا الزمان) فانتم و اياهم سواء في وجوب العمل كما اني كالرسول صلي الله عليه و آله في الوعظ و الارشاد. (و الله ما بصرتم بعدهم) اي بعد اصحاب الرسول صلي الله عليه و آله و سلم (شيئا جهلوه) حتي يكون عذركم في عدم العمل انهم انما عملوا لانهم جهلوا عفو الله و غفرانه- مثلا- و انتم عالمون بذلك فتعلمون انه لا اهميه للعمل (و لا اصفيتم به) اي بشي ء (و حرموه) بان يكون سبب عدم عملكم انكم مخصوصون بامر ينجيكم، مما لم يكن لاولئك ذلك الامر. بل انتم احق بالعمل (و) ذلك لانه (لقد نزلت بكم البليه) اي المصيبه و هي التفرق و التشتت و الفتن التي نجمت من سوء تصرف عثمان

الذي ادي الي قتله (جائلا) من الجولان و هو الحركه (خطامها) هو ما يجعل في انف البعير لينقاد به، و هذا كنايه عن الاضطراب و عدم الاستقرار، فان البعير اذا كان جائل الخطام كان غير متجه الي وجهه معينه (رخوا

بطانها) البطان حزام يجعل تحت بطن البعير، ليستقر القتب فوق ظهره، فاذا كان رخوا القي الراكب غثا و ارهاقا (فلا يغرنكم ما اصبح فيه اهل الغرور) اي لا يخدعكم عن الايمان و العمل الصالح ما ترون من نعمه اهل الدنيا، فتظنون ان ترك الدين يودي الي الخير و النعمه (فانما هو) اي ما فيه اهل الغرور من النعم (ظل ممدود) لا حقيقه له و لا بقاء بل (الي اجل معدود) قد عدت مدت بقائها، ثم تزول بموتهم، او زوال نعمتهم.

خطبه 089

[صفحه 33]

و هي مشتمله علي اوصاف الله سبحانه، و عظيم مخلوقاته (الحمد لله المعروف من غير رويه) فان الله تعالي معروف لدي عباده باثاره و ان لم يره احد. (و الخالق من غير رويه) اي انه خلق الاشياء بدون ترو و تفكر و امعان نظر (الذي لم يزل قائما دائما) فلم يخل منه وقت و كان قائما منذ الازل، اي عالما قادرا حيا من غير نوم و لا كسل و ما اشبهه (اذ لا سماء ذاب ابراج) جمع برج، و هو القطعه من السماء التي تظهر، و من ذلك سمي برجا، فان برج بمعني ظهر (و لا حجب ذات ارتاج) جمع رتج و هو الباب العظيم و المراد بالحجب و هو جمع حجاب- ما جعله الله سبحانه من الحجب علي العرش، كالملوك الذين يجعلون الحجب من دون سريرهم، و ان كان الله سبحانه ليس جسما، و

انما هو للتشريف و العظمه (و لا ليل داج) اصله (داجي) بمعني مظلم (و لا بحر ساج) اصله (ساجي) بمعني ساكن، فان للبحار سكونا في مقابل الانهار التي تجري. (و لا جبل ذو فجاج) جمع فج، و هو الطريق في الجبل (و لا فج) اي طريق (ذو اعوجاج) فان الطريق في الجبل غالبا يكون ذو التوائات و اعوجاجات (و لا ارض ذات مهاد) اي تمهد و قابليه للسكون (و لا خلق ذو اعتماد) اي ذو قصد و اراده يعتمد عليها في اعماله، او است

ناد الي محل (ذلك) الله العظيم المتصف بما ذكر من الصفات (مبتدع الخلق) الذي خلقهم ابتداء بدون مثال و احتذاء ما سبق من الامثال (و وارثه) لان الخلق يفني و يبقي الله سبحانه مالكا لما يبقي منهم- كالوارث الذي يتملك ما يبقي من المورث- (و اله الخلق) لا معبود لهم سواه (و رازقه) و الرزق اعم من الماكول و الملبوس و غير هما. (و الشمس و القمر دائبان) اي متحركان بحركه مستمره بلا توقف (في مرضاته) اي حسب ارادته تعالي و امره، فان الكون لا يتحرك و لا يسكن الا حسب امره سبحانه (يبليان كل جديد) و هذا اسناد مجازي فان البقاء موجب للبلاء، او حقيقي فان للنيرين مدخلا في تفرق الاجزاء الموجب للبلاء (و يقربان كل بعيد) فان البعيد الزماني يقرب بمرور الايام و الليالي الحاصلات من حركات النيرين (قسم ارزاقهم) اي ارزاق الناس (و احصي آثارهم) اي عدد اثر كل انسان و ما يبقي منه و يخلفه بعده (و اعمالهم) التي يعملونها (و عدد انفاسهم) فهو سبحانه يعلم عدد نفس كل انسان (و خائنه اعينهم) اي لمحات اعينهم التي تلمح

بالخيانه الي مال الناس و عرضهم و ما اشبه. (و ما تخفي صدورهم من الضمير) اي السر الذي ينوونه بقلوبهم، فان الصدر وعاء للقلب (و مستقرهم) اي محل استقر

ارهم قبل المجي ء الي الدنيا، و هي ارحام النساء (و مستودعهم) اي المحل الذي يودعون فيه قبل المجي ء الي الدنيا و المراد به اصلاب الرجال، و انما سمي الصلب مستودعا، و الرحم مستقرا، لمكث الانسان في الرحم اكثر من مكثه في الصلب، و قد بين الامام المراد من اللفظين بقوله (من الارحام و الظهور) فان الصلب في ظهر الرجل، و هو محل المني قبل افرازه (الي ان تتناهي بهم الغايات) يعني ان علمه سبحانه باحوال البشر يبتدء من حين كونهم في الاصلاب الي آخر ايامهم في الحياه حيث ينتهون الي الغايه المقدره لهم، و العباره من (القلب) الذي هو من فنون البلاغه، نحو عرضت الناقه علي الحوض، فان الغايه لا تنتهي بهم، بل ينتهون الي الغايه. (هو) الله سبحانه (الذي اشتدت نقمته علي اعدائه في سعه رحمته) فان من يعاديه سبحانه بترك اوامره، و ارتكاب نواهيه تكون النقمه و العذاب عليه شديدا، مع انه تعالي واسع الرحمه والمغفره (و اتسعت رحمه لاوليائه في شده نقمته) و هاتان صفتان تلفت الانظار، لما بينهما من التتافي عند المخلوقين، فان الانسان اذا رضي غمض عن اعدائه و اذا غضب لم ينج من غضبه احبائه، لكنه سبحانه يكل لكلشي ء بكيله و يضع كل شي ء في موضعه (قاهر من عازه) اي قص

د مشاركته تعالي في عزته بان يقهر السلاطين و اصحاب الاموال و من اليهم ممن لهم شراكه- اسميه- في صفه من صفاته سبحانه، او المراد الفراعنه و من اليهم ممن يدعون

الربوبيه (و مدمر) اي مهلك (من شاقه) اي عاداه، كانه في شق و جانب، و الله سبحانه في جانب و شق آخر. (و مذل من ناواه) اي عاداه (و غالب من عاداه) فان الله سبحانه يغلب علي اعدائه كما قال (كتب الله لاغلبن انا و رسلي). (و من توكل عليه) بان وكل اموره الي الله سبحانه- و هذا لا ينافي العمل بل العمل من التوكل لانه مما امر به الله تعالي (كفاه) اي تفضل عليه بانجاز امره. (و من ساله اعطاه) و هذه القضايا طبيعيه، لا كليه فلا ينافيها عدم تطبيقها علي بعض المصاديق لمصالح خاصه كما نقول العقار الفلاني مقوي للقلب فانه لا ينافي عدم تقويته في بعض الناس. (و من اقرضه) اي اعطي الله قرضا و هو عباره عن صرف المال او النفس او ما اشبه في امره سبحانه كما قال (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا) (قضاه) اي ارجع سبحانه اليه ما اقرض، في الدنيا او الاخره. (و من شكره) اي شكر آلائه و نعمه (جزاه) اعطاه جزاء الشكر،

[صفحه 36]

يا (عباد الله زنوا انفسكم) امر من (الوزن) و المراد عرضه علي الشريعه ليعلم مطابقتها لها و عدم مطابقتها، كما يعرض الجنس علي المقدار ليعلم كميته (قبل ان توزنوا) في الاخره، حيث اذا ظهرت خفه وزنكم لم يكن لكم محل للتدارك (و حاسبوها قبل ان تحاسبوا) ليروا هل انها ادت ما وجب عليها ام لا، حتي اذا ظهر عدم ادائها تداركتم (و تنفسوا) اي اعملوا و التنفس كنايه عنه (قبل ضيق الخناق) الحبل الذي يوضع في عنق من يراد خنقه و اهلاكه، فان الحبل اذا ضيق لم يتمكن المخنوق من التنفس و

هكذا الانسان اذا مات لم يتمكن من العمل المريح لنفسه، كما يريح النفس للجسم (و انقادوا) اي اتبعوا الاوامر، كالدابه التي تنقاد لصاحبها (قبل عنف السياق) و المراد به الموت الذي يسوق الانسان بعنف الي الاخره. (و اعلموا انه من لم يعن علي نفسه) بان يجمع قواه و عقله ليغلب علي شهوات نفسه و لذاتها (حتي يكون له منها) اي من نفسه (واعظ) بان كانت نفسه يقظه تعظه عند كل زله و ترشده (و زاجر) ترجزه عن المعاصي (لم يكن له من غيرها زاجر و لا واعظ) فان النفس المنحرفه لا ينفعها مواعظ الاولين و الاخرين، لانه اذا لم يكن للنفس حاله تهيي ء و استعداد لم تقبل النصح و الارشاد

مهما كان الناصح عظيما.

خطبه 090

[صفحه 38]

(تعرف بخطبه الاشبحاح و هي من جلائل خطبه عليه السلام) (و كان ساله سائل ان يصف الله حتي كانه يراه عيانا فغضب عليه السلام لذلك) و الاشباح جمع شبح، و هو الشخص، و كان التسميه بهذا الاسم لسوال ذلك الشخص من الامام عليه السلام، روي مسعده بن صدقه عن الصادق عليه السلام، انه قال خطب اميرالمومنين هذه الخطبه علي منبر الكوفه و ذلك ان رجلا اتاه فقال له يا اميرالمومنين صف لنا ربنا لنزداد له حبا و به معرفه، فغضب و نادي: الصلاه جامعه، فاجتمع الناس حتي غص المجسد باهله، فصعد المنبر و هو مغضب متغير اللون، فحمد الله و اثني عليه و صلي علي النبي صلي الله عليه و آله ثم خطبها. اقول: لعل غضب الامام عليه السلام كان لاجل كون السئوال تعنتا، كما هو كثير عند الجهله، لا يريدون بذلك الفهم و انما تجيب انفسهم، و انما اجاب الامام لموقفه من الحاضرين الذين شهدوا السئوال،

فان العالم يفهم الحقيقه من التعنت اما غيره فلا يدرك، فعدم الجواب يحمل علي سوء الاخلاق او العجز او (الحمدلله الذي لا يفره) من (فرر) (يفر) علي وزن وعد يعده اي لا يزيده (المنع) عن العطاء (و الجمود) جمد مقابل سال، فان العطيه تسيل، و المنع ملازم للجمود (و لا يكديه) اي

لا يفقره (الاعطاء و الجود) فان الكون يتكون بلفظه (كن) او اراده معناها، فكيف يمكن الوفر و الفقر بالنسبه الي من ارادته هكذا (اذ كل معط) غيره سبحانه (منتقص) اي موجب لنقصه عما اعطاه (سواه) تعالي، و لفظه (اذ) تعليل لما ربما يسئل: بانه كيف الله هكذا، و نشاهد ان غيره ليس كذلك؟ (و كل مانع مذموم ما خلاه) هذا عليه لقوله (لا يفره) فانه دفع لدخل مقدر، هو انه تعالي اذا (لا يفره المنع) فلماذا يمنع؟ (و هو المنان بفوائد النعم) اي ان اعطائه منه محض، لا ان احد يستحق منه تعالي شيئا و اضافه الفوائد الي النعم للبيان. (و عوائد المزيد و القسم) عوائد جمع عائده و هي النعمه العائده الي الانسان و سميت عائده تفولا بانها لا تكون مره واحده، بل تعود مره بعد مره، و القسم جمع قسمه و هي ما قسمها الله سبحانه للخلق من ضروب المنافع و الارزاق (عياله الخلق) اي الذين يعيلهم و يدير شئونهم جميع الخلق، (ضمن ارزاقهم) بان يوصلها اليهم، ما دام قدر لهم رزقا (و قدر اقواتهم) بان كتب في اللوح و علم بان لكل احد اي قدر من الرزق (و نهج) اي اوضح و بين (سبيل الراغبين اليه) اي الذين يرغبون الوصول الي ثوابه و رضوانه (و الطالبين ما لديه) من الكرامه و

الجنه و النعيم

. (و ليس بما سئل باجود منه بما لم يسال) فان وجوده حسب الصلاح و الحكمه لا حسب السوال، و ان كان احيانا يعطي السائل بما لا يعطي الساكت، لكن ذلك ليس الا لان السوال عله للحكمه و الصلاح و هذا بخلاف البشر الذين هم يجودون بالمسئول بما لا يجودون بغير المسئول. (الاول الذي لم يكن له قبل فيكون شي ء قبله) فان الله سبحانه ازلي، لا شي ء قبله اطلاقا، حتي العدم (و الاخر الذي ليس له بعد فكون شي ء بعده) فهو تعالي ابدي لا (بعد) يتصور بعده حتي يتصور المظروف الذي في ذلك (البعد). (و الرادع اناسي الابصار) جمع انسان و هو ما يري وسط البصر ممتازا عن السواد في لونه (عن ان تناله او تدركه) النيل الوصول، و الادراك التميز فقد يكون الانسان يري شيئا باجمال لكن لا يدركه بتفضيل، و قوله (الرادع) مجاز، و الا فهو سبحانه غير قابل للرويه اطلاقا. (ما اختلف عليه دهر) بان تمر عليه الايام، و الشهور و الاعوام، فان هذه امور حادثه و الامور الحادثه لا تحتوي علي القديم (فيختلف منه الحال) بان يكون حاله في السنه الفلانيه غير حاله في السنه التاليه و هكذا فان اختلاف الاحوال تابع لاختلاف الازمان و الامكنه و الصفات، فاذا انتفي الزمان انتفي المكان و الصفه الزائده

(و لا كان) تعالي (في مكان) خاص (فيجوز) و يمكن (عليه الانتقال) فلا زمان و لا مكان له تعالي، لانهما حادثان و الحادث لا يحتوي علي القديم (و لو وهب) و اعطي للنبي (ما تنفست عنه معادن الجبال) قالوا بان الجواهر و المعادن تتكون من الحراره المتصاعده من جوف الارض، فانها تحرك المواد الثمينه

الي الخارج و تنضجها، و لذا شبه عليه السلام بالتنفس. (و ضحكت عنه اصداف البحار) فان الصدف ينقلق كالانسان الضاحك حتي يظهر ما فيه من اللولو و ما اشبه (من فلز اللجين) الفلز المعادن التي تذاب بالنار، كالذهب و الفضه و ما اشبه، و اللجين الفضه (و العقيان) الذهب (و نثاره الدر) اي ما ينثر في الاعراس و نحوه من الدر الذي هو حصاه شفافه ثمينه (و حصيد المرجان) و هو نبات ينبت في الحبر فيحصده الغواصون (ما اثر ذلك) الاعطاء و الهبه لجميع الاشياء الثمينه (في جوده) بان يعتريه بخل فان الجواد اذا اعطي امواله اثر ذلك فيه بخلاف حيث يريد الابقاء لنفسه و ليس كذلك الله سبحانه، لانه لا يحتاج و لان خلق امثال ما وهب بيده (و لا انفد سعه ما عنده) اي لم يوجب لملكه و قدرته نفادا بل يخلق من جديد. (و لكان عنده) تعالي (من ذخائر الانعام) مما يملك خلقه، او في سائر الكواكب

و المجرات والعوالم (ما لا تنقده مطالب الانام) اي لا تعدمه طلبات الناس لان ملك الله سبحانه لا يدرك وسعته و عظمته (لانه الجواد الذي لا يغيضه) اي لا ينقصه من غاض الماء اذا نزل و فني (سئوال السائلين) فاعطاء اسالتهم لا يوجب نفاد ما عنده (و لا يبخله) اي لا يوجب بخله (الحاح الملحين) و اصرارهم علي العطاء، بخلاف الناس فانهم ان كثر عليهم الطلب و الالحاح مما اوجب ذهاب اكثر اموالهم فانه يوجب بخلهم لخوفهم من الفقر و العدم ان تعادوا في الجود والاعطاء.

[صفحه 42]

(فانطر ايها السائل) يريد عليه السلام به من ساله ان يصف ربه- كما مر في اول الخطبه - (فما دلك القرآن عليه

من صفته) تعالي، ككونه عالما قادرا سميعا بصيرا خالقا رازقا الي غيرها (فائتم به) اي اقتد بالقران في وصفه تعالي بتلك الصفات (و استضي ء بنور هدايته) اي بنور هدايه القران في ما يجوز علي الله تعالي من الصفات و النعوت) (و ما كلفك الشيطان علمه) بان الهم في نفسك بان تصف الله سبحانه بتلك الصفه التي لم تذكر في القرآن- و المراد بالقرآن الاعم من ما جاء به النبي و الائمه عليهم السلام، فان ذلك من باب المثال- و لذا قال عليه السلام (مما ليس في الكتاب عليك فرضه) اي ثبوته، فان احكام الكتاب و مناهجه ثابته للناس (و لا في سنه النبي صلي الله عليه و آله و ائمه الهدي) الاثني عشر، و المراد ذلك و ان لم يوجد بعضهم بعد، فقد اخبر النبي بهم و امر باتباعهم (اثره) بان لم يرد عنهم. (فكل علمه) و هل انه صحيح ام لا؟ (الي الله سبحانه) و لذا قال الفقهاء ان صفات الله توقيفيه لا يجوز اطلاق صفه عليه الا اذا ورد، حتي فيما كان الفعل من تلك الماده موجوده في الكتاب او السنه مثلا لا يصح اطلاق (زارع) عليه تعالي، مع انه ورد (اانتم تزرعونه ام

نحن الزارعون) (فان ذلك) الايكال الي الله تعالي و عدم التكلم حول الصفه التي لم تذكر (منتهي حق الله عليك) و معني منتهي الحق، انه ليس لك واجب آخر بالنسبه الي هذا الموضوع غير السكوت. (و اعلم) ايها السائل (ان الراسخين في العلم) يقال رسخ بمعني ثبت و الراسخ هو الذي تعلم كثيرا حتي ثبت في العلم و علم النتائج، بخلاف غيره الذي لا يعلم النتائج و هو منها في شك، لعدم قوه

علمه و كثره مراسه، حتي يعض علي العلم بضرس قاطع. (هم الذين اغناهم عن اقتحام) اي الدخول في (السدد) جمع سده، و هي باب الدار و الفاصله (المضروبه دون الغيوب) اي الاشياء الغائبه عن الادراك و الحواس، و السدد استعاره (الاقرار) فاعل اغناهم (بجمله ما جهلوا تفسيره من الغيب المحجوب) اي انهم يعترفون بالمجهول لديهم اجمالا: بانا نعترف بكل غيب، و لا يتكلفون الفحص عما لا طريق لهم اليه، حتي ربما يوجب ذلك تنكبهم الطريق الحق، و سلوكهم في متاهات الضلاله (فمدح الله اعترافهم بالعجز عن تناول) اي اتباع و الاخذ بالبحث (ما لم يحيطوا به علما) حيث قال سبحانه: (و الراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا). (و سمي) الله سبحانه (تركهم التعمق فيما لم يكلفهم البحث عن كنهه رسوخا) فان

الانسان الراسخ في العلم يعرف ما يقدر مما لا يقدر فيحوم حول ما يقدر و يترك ما لا يقدر بخلاف غير الراسخ الذي يظن ان كلشي ء في متناوله فيتعمق في الممكن و المحال. (فاقتصر علي ذلك) الايمان بالجمله و ترك التعمق (و لا تقدر عظمه الله سبحانه علي قدر عقلك) فان العقل محدود، و الله سبحانه غير محدود، و لا يمكن للمحدود الاحاطه بغيرالمحدود، و الا لزم الخلف (فتكون من الهالكين) لانك بذلك تذعن بخلاف الواقع، و ذلك كفر،

[صفحه 44]

ثم ابتداء عليه السلام ببيان ما تقدم باسلوب آخر بقوله: (هو القادر الذي اذا ارتمت الاوهام) اي ذهبت الاوهام و الافكار، من الرمي، و جواب (اذا) قوله (ردعها) (لتدرك منقطع قدرته) منقطع الشي ء منتهاه، لانه ينقطع عند ذلك الحد، اي ارادت الاوهام ان تعرف منتهي قدره الله تعالي، كما يعرف الانسان ان منتهي

قدره زيد- في حمل الاثقال مثلا- مائه كيلو، و في المعارف الي كتاب المعالم و هكذا. (و حاول الفكر المبرا من خطرات الوساوس) بان كان الفكر صحيحا سليما، لا مريضا بالوسواس، فان مثله ابعد عن الادراك، لانه يتشكك في كلشي ء (ان يقع عليه) اي يدركه و يفهمه، في حالكونه تعالي (في عميقات غيوب ملكوته) الملكوت، مبالغه في الملك، يعني انه سبحانه الملك العظيم الغائب عن الادراك كنهه. (و تولهت) التوله اشتداد الحب، من (وله) بمعني اشتياق (القلوب اليه) تعالي (لتجري) القلوب- اي لتفهم- (في كيفيه صفاته) و انها كصفات المخلوقين، ام لا (و غضمت) اي خفيت (مداخل العقول) بان كان العقل يدخل من مداخل ضيقه جدا، حتي ان مداخله كانت غامضه خفيه- و هذا استعاره لمنتهي الدقه- (في حيث لا تبلغه الصفات) اي بلغت تلك المداخل في الدقه الي حيث لا يمكن ان توصف لدق

تها. (لتناول علم ذاته) بان يتناول بالعلم، ذاته تعالي، و انها كيف هي و ما هي (ردعها) اي ردع الله سبحانه تلك الاوهام و القلوب و العقول التي ارادت كشف ذاته تعالي، و المراد بالردع، قصورها عن الوصول (و هي تجوب) اي تسير في (مهاوي سدف الغيوب) مهاوي جمع مهوي، و هو محل التردي من فوق الي تحت، و سدف جمع سدفه و هي القطعه من الليل المظلم، كان العقل و الفكر و الوهم، تتردي في ظلمات الغيب بدون ان كانت وصلت الي المطلوب (متخلصه اليه سبحانه) اي حينما ارادت التخلص و الوصول الي ذاته تعالي، بان تعرف كنه الذات (فرجعت) العقول و الاوهام و القلوب (اذ جبهت) يقال جبهه اذا ضرب علي جبهته ليردعه و يرديه (معترفه بانه) سبحانه (لا

ينال بجور الاعتساف) الجور الظلم، و الاعتساف سلوك غير الجاده، كان الفكر و ما اليه تنكبوا الطريق و ساروا علي غير الجاده، اذا رادوا معرفه كنهه تعالي. (كنه معرفته) نائب فاعل (لا ينال) (و لا تخطر ببال اولي الرويات) الرويه الفكر، اي اصحاب الفكر و العقل (خاطره) اي الصفه الخاطره التي تخطر بالبال (من تقدير جلا عزته) اي فهم مقدار عزته سبحانه. (الذي ابتدع الخلق علي غير مثال امتثله) اي اوجد الخلق، ايجاد ابتداع، لا ايجاد اقتداء

بغيره، فانه لم يكن مثال اقتفاه سبحانه في خلقه. (و لا مقدار احتذي) اي اقتدي (عليه) اي علي ذلك المقدار، فلم يقس سبحانه مقدار خلقه بمقدار سابق فهو المبدع في اصل الخلق، و في مقدار الخلق (من خالق) متعلق ب (مثال) اي لم يكن مثال من خالق اخر (معهود كان قبله) تعالي. (و ارانا) سبحانه (من ملكوت قدرته) اي الملك العظيم الذي هو آثار قدرته تعالي (و عجائب ما نطقت به آثار حكمته) كان آثار حكمه الله- في خلقه- السنه تنطق بالعجائب. (و اعتراف) عطف علي قوله (ملكوت) اي ارانا من اعتراف (الحاجه من الخلق الي ان يقيمها بمساك) ما يمسك الشي ء (قوته) (من الخلق) و (الي) متعلقان ب(حاجه) اي ان حاجه الخلق الي من يقوم بشئونه (ما دلنا) مفعول (ارنا) اي ان الله سبحانه ارانا بواسطه الملك الوسيع، و الاثار الكثيره، و احتياج الخلق، دليلا علي ذاته المقدسه (باضطرار قيام الحجه له) متعلق ب(دلنا) (علي معرفته) متعلق ب(دلنا) اي دلنا علي معرفته، بسبب ان قيام الحجه يضطر الانسان الي العلم و العرفان. (و ظهرت في البدائع التي احدثها) و اوجدها من العدم (آثار صنعته) فاعل ظهرت (و اعلام

حكمته) عطف علي الفاعل، فالبدائع دليل علي الصنع و علي الحكمه (فصار كل ما خلق) من

صنوف المخلوقات (حجه له) تعالي يحتج بها علي العباد- ان تركوا الاذعان به- (و دليلا عليه) يدلنا علي وجوده سبحانه و الا فلو لم يكن موجودا فمن اين هذه الاثار البديعه و الصنائع المحكمه؟ (و ان كان) ما خلق (خلقا صامتا) كالجمادات و الحيوانات و النباتات (فحجته) اي حجه ذلك الخلق، و الاضافه الي المعفول (بالتدبير ناطقه) اي انها تنطق بانها من فعل مدبر حكيم، و معني نطقها دلالتها علي ذلك (و دلالته) عطف علي حجه (علي المبدع قائمه) فان الاثر يدل علي الموثر و انكان صامتا غير ناطق.

[صفحه 48]

(فاشهد) يا الله (ان من شبهك بتباين اعضاء خلقك) اي بخلقك المتباين الاعضاء من عين و لسان و اذن و غيرها. (و تلاحم) اي اتصال (حقاق مفاصلهم) حقائق جمع حق بضم الحاء بمعني راس العظم عند المفصل، و المفصل موضع اتصال العظمين (المحتجبه) تلك الحقائق (لتدبير حكمتك) فان حكمته سبحانه اقتضت احتجاب المفاصل تحت اللحم و الجلد، لئلا تصاب باذي (لم يعقد غيب ضميره علي معرفتك) خبر (ان) اي ان ضمير الغائب الباطن لم يصل الي معرفته سبحانه، لانه شبهه تعالي بما ليس شبيها به (و لم يباشر قلبه اليقين) فاعل يباشر و (قلبه) مفعول (بانه لا ند) و لا شريك (لك) لان الله اذا كان شبيها بالانسان او الحيوان كانا شريكين له، اذ المتشابهان مشتركان في الحكم و الند يستعمل بمعني المثل، و بمعني الضد. (و كانه لم يسمع) الي القرآن العظيم حيث يبين (تبروء التابعين) لاهل الضلاله (من المتبوعين) في القيامه (اذ يقولون: (تالله ان كنا لفي ضلال مبين

اذ نسويكم برب العالمين) (التاء) للقسم و (ان) مخفقه من الثقيله، و (مبين) بمعني الظاهر الواضح، و (نسويكم) بمعني نقول بالتساوي بينكم و بين الله سبحانه (كذب العادلون بك) يا رب، و معني العادلون: الذين عدلوا بك غيرك، و

قالوا بالتعادل و التساوي بين الخالق و المخلوق (اذ شبهوك باصنامهم فقالوا ان (الله) اله، كما ان (الاصنام) الهه (و نحلوك) اي عطوك (حليه المخلوقين) اي صفاتهم الخاصه بين الجسميه و ما اشبه (باوهامهم) متعلق ب (نحلوك) اي كانت النحله بالوهم و الخيال، لا للحقيقه و الواقع. (و جزاوك تجزئه المجسمات بخواطرهم) فان الاجزاء خاصه بالاجسام و القول بان لله شريكا يوجب التجزئه، لان الشركاء لهم جهه جامعه و جهه فارقه (و قدروك) اي قاسوك (علي الخلقه المختلفه القوي بقرائح عقولهم) قرائح جمع قريحه، و هي ما يقترحها الانسان، اي ان عقولهم اقترحت قياسك علي الخلق الذين تختلف قواهم، و الله سبحانه ليس ذا قوي مختلفه، و انما هو ذات واحد لا اجزاء له و لا قوي تتحكم فيه. (و اشهد ان من ساواك بشي ء من خلقك فقد عدل بك) اي سواك بغيرك و جعلك معاد لا له (و العادل بك كافر بما تنزلت به محكمات آياتك) فان آيات الله المحكمه- غير المتشابهه- دلت علي ان الله سبحانه لا شبه له كقوله (ليس كمثله شي ء) و قوله (و لم يكن له كفوا احد) (و نطقت عنه) اي عن قبل عدم التشبه و المعادله- اي ان النطق من هذه الجهه- (شواهد حجج بيناتك) البينات جمع بينه و هي الادله الواضحه و المعني

ان الادله الواضحه التي هي حجه تشهد- ناطقه- انك لست كغيرك حتي تكون صفاتك كصفات سائر المخلوقين. (و

انك انت الله الذي لم تتناه في العقول) اي لم تكن متناهيا محدودا في عقول الناس، اي لا تدركك العقول (فتكون في مهب فكرها مكيفا) اي فتتكيف و تتلون- بلون فكر العقول، اذ العقل اذا احتوي علي شي ء فانما يلونه بلون المعقوليه، و قوله (مهب) من باب الاستعاره كان الفكر كالريح التي تهب و لها مهب خاص. (و لا في رويات خواطرها) جمع رويه و هي الفكر (فتكون محدودا) بحد الفكر (مصرفا) تصرفك العقول، و تحوم حولك. و حيث ان الله سبحانه منزه عن صفات المخلوقين، و اغلب الناس يصورونه بتصاويرهم، و يظنون انه سبحانه كمثل بعض مخلوقاته اكد الامام في هذه الخطبه و في سائر خطبه بضروب التاكيد علي تشبهه بالخلق، و افرغ المطلب في قوالب متعدده، و في سائر خطبه بضروب التاكيد علي تشبه بالخلق، و افرغ المطلب في قوالب متعدده، و في الحقيقه ان الطريقه الدينيه الوحيده التي تنزه الله سبحانه عما لا يليق به هي طريقه اهل البيت عليهم السلام الذين عرفوه سبحانه في حدود المعرفه البشريه، اما كنه معرفه الله سبحانه، فمن المتسحيل ادراكه، و ذلك لدليل واضح هو انه سبحانه غير محدود

، و العقل محدود، المحدود لا يشتمل علي غير المحدود، و الالزم الخلف، و دليل المقدمتين (الله غير محدود، و العقل محدود) واضح لا يحتاج الي البيان.

[صفحه 51]

(و منها) (قدر) الله سبحانه (ما خلق) من صنوف المخلوقات، و معني قدر، انه لم يخلق اعتباطا، و انما عن مقدار معين لحكمه خاصه (فاحكم تقديره) اذ وضع كلشي ء موضعه اللائق به (و دبره) التدبير التخطيط للمستقبل حتي ياتي الشي ء كما يراد (فالطف تدبيره) و لطف التدبير عباره عن دقته بحيث لا يبقي

فراغ لحاجات الشي ء (وجهه لوجهته) اي سيره في المسير اللائق به فيها (فلم يتعد) ذلك الشي ء الموجه (حدود منزلته) اي الحدود التي انزله الله فيها (و لم يقصر دون الانتهاء الي غايته) فان كل شي ء من المخلوقات لابد و ان يصل الي الغايه التي عينها الله سبحانه، مثلا غايه ارتفاع النخل كذا مترا، فانه لا يقصر عن الوصول الي ذلك الارتفاع الذي عينه الله سبجانه له (و لم يستصعب) اي لم ير الامر صعبا (اذ امر بالمضي علي ارادته) اي ارادته تعالي- و هذا كسابقه انما هو بالنسبه الي التكوينيات. (و كيف) يتمكن الشي ء من مخالفته سبحانه (و انما صدرت الامور) المرتبطه بهذا الشي ء (عن مشيئته) تعالي، فاذا لم يشاء شيئا لم يكن له تكون و صدور اطلاقا (المنشي اصناف الاشياء بلا رويه فكر) الاضافه بيانيه (آل) الله تعالي (اليها) اي الي تلك الرويه، بخلاف البشر فانه يعم

ل الاشياء بعد التفكر فيرجع الي ما فكر ثم يعمل (و لا قريحه) هي ما يقترحه الانسان و ينشئه في صقع ذهنه ثم ياتي به خارجا (غريزه) هي الصفه المنطبعه في الانسان (اضمر) الله تعالي (عليها) اي علي تلك القريحه بان اضمر اقتراحا ثم ابداه في حال الوجود. (و لا تجريه افادها) هو بمعني استقادها (من حوادث الدهور) كالانسان الذي يستفيد من الحوادث فيصحح افكاره و اعماله. (و لا شريك اعانه علي ابتداع عجائب الامور) فان الله لا شريك له، حتي يكون له معين في الخلق بل هو وحده خلق جميع ما خلق (فتم خلقه) اي خلق المخلوق، بالله وحده، و الفاء تفريع علي (المنشي ء) (و اذعن لطاعته) فاعل اذعن (الخلق) المستفاد من (خلقه) (و اجاب الي دعوته)

فانه تعالي كلما اراد، كان (و لم يعترض دونه) اي دون الخلق و الانقياد (ريث المبطي ء) اي مده مهله الذي يبطي ء في الاجابه، فانه تعالي بمجرد ان اراد شيئا كان ذلك الشي ء بلا تمهل و بطوء (و لا اناه المتلكي ء) الاناه، الصبر و التوئده، و التلكو التباطي و التعلل في عدم الاطاعه (فاقام) اله سبحانه (من الاشياء اودها) اي اعوجاجها، و هذا كنايه عن عدم الاعوجاج في المخلوقات (و نهج) اي عين و رسم (حدودها) و مزاياها. (و لائم) من الم

لائه، بمعني جعل التناسب و الالتئام (بقدرته) سبحانه (بين متضادها) اي متضاد الاشياء، فالنار المتضاده للماء جمع بينهما الله تعالي، و هكذا. (و وصل اسباب قرائنها) اي جعل اسباب القرائن موصوله بعضها ببعض حتي تجتمع قرينه كلشي ء مع ذلك الشي ء (و فرقها) اي الاشياء (اجناسا مختلفات في الحدود) كالارتفاع و الانخفاض (و الاقدار) كالكبر و الصغر (و الغرائز) اي الطبائع، كاليبوسته و الرطوبه، (و الهيئات) كالاحمر و الاصفر و الاشكال المختلفه، و ما ذكرناه من باب المثال، و الا فالالفاظ اعم، هي (بدايا خلائق) بدايا جمع بدي ء بمعني المصنوع، من (بدء) اي خلائق مصنوعه (احكم) الله تعالي (صنعها) فليس في صنعها خللا و فسادا. (و فطرها علي ما اراد و ابتدعها) بلا مشارك، و مضاد في ارادته سبحانه فلا يكون المصنوع وفق ارادته تعالي.

[صفحه 54]

(منها) في صفه السماء (و نظم بلا تعليق) بشي ء (رهوات) جمع رهوه و هي المحل المرتفع، اي بلا ان يعلق السماء بواسطه الحبائل بالاعالي، كما هي العاده في تعليق الاشياء بالمرتفعات (فرجها) جمع فرجه، و هي المحل الخال، اي فرج السماوات، و ما بينها من الفضاء و السعه (و لاحم) اي

الصق (صدوع) جمع صدع و هو الشق (انفراجها) اي الصق بعض السماوات ببعض حتي لا انفراج هنا، و حيث ان الشي ء ملاء الفضاء متصله صح هذا التعبير كما يصح التعبير السابق اختلاف الطبقات العليا في الغلظه و الخفه (و وشج) اي شبك (بينها) اي بين المساوات (و بين ازواجها) اي امثالها ففي كل سماء انجم و كواكب و اجرام و معني التشبيك جعل بعضها في بعض. (و ذلل للهابطين بامره) و هم الملائكه (و الصاعدين باعمال خلقه) فان اعمال الخلق تصعد بسبب الملائكه الي السماء (حزونه) اي صعوبه (معراجها) اي العروج الي السماوات، فان العروج و النزول مشكلان لكن الله سهل للملائكه ذلك (و نادها) اي السماوات (بعد اذ هي دخان) فقد خلقت السماوات من بخارالماء كما قال سبحانه (ثم استوي الي السماء و هي دخان، فقال لها و للارض: ائتيا طوعا او كرها، قالتا اتينا طائعين) و انما عبر عن البخار بالدخان

للمشابهه، فان الاول ذرات الماء المختلطه بالهواء، و الثاني ذرات الرماد- كذا قالوا- (فالتحمت عري اشراجها) التحمت اي اتصلت، و عري جمع عوره، و اشراج الوادي ما انفسح منه، اي اتصلت القطعات من الدخان حتي صارت سماء ملتحمه، و الاتيان ب (عري) لان كل قطعه كالعروه في انها تمسك لقصد اتصالها بالقطعه الاخري. (و فتق) اي فصل (بعد الارتتاق) اي الاتصال (صوامت ابوابها) جمع صامت كفي به عن الانغلاق، و المعني ان الله سبحانه فتح ابواب السماء بعد انغلاقها، و المراد بذلك جعل فيها ابوابا لنزول الملائكه و صعودهم (و اقام رصدا) و هو ماء يرصد و يرقب الحركات (من الشهب) جمع شهاب، و هو النار التي تري في الليل في السماء (الثواقب)

جمع ثاقيه سميت الشهب بذلك لانها تثقب الفضاء حين انقضاضها (علي نقابها) جمع نقب و هو الخرق و المراد بالخرق المحل الممكن لاستراق السمع في السماوات، و قد قال سبحانه (الا من خطف الخطفه فاتبعه شهاب ثاقب) و هو كما ورد، ان الشياطين يصعدون اعالي الجو لاستراق كلمات الملائكه، فمن استرق منهم شيئا من الكلام رمي بالشهاب الذي يحرقه، و قد دل العلم الحديث علي ان الجو محل لسكونه الارواح الخيره و الشريره، كما في كتاب (علي حافه العالم ا

لاثيري) كما دل العلم الحديث علي ان الارض معرض للقذائف الجويه التي لو لا الطبقه (النتروجينيه) المحطمه للقذائف لاصيب اهل الارض بعنت كبير كما في كتاب (بصائر جغرافيا). (و امسكها) اي حفظ الله السماء (من ان تمور) اي تضطرب (في خرق الهواء) اي في الفضاء، فان الارض كره معلقه في الهواء، لا تضطرب و لا تمور خلاف سيرها المقدر لها، و قوله (خرق) من باب التشبيه (بايده) اي بقوته و الاصل انها جمع (يد) و حيث ان اليد آله قوه الانسان، استعملت بمعني القوه. (و امرها ان تقف) اي لا تفارق مدارها، في مقابل الاضطراب (مستسلمه لامره) فهي تطيع الله سبحانه كما قال سبحانه، (فقال لها و للارض ائتيا طوعا او كرها، قالتااتينا طائعين). (و جعل) الله سبحانه (شمسها آيه) اي دليلا علي وجوده تعالي (مبصره) اي توجب ابصار الناس للاشياء (لنهارها) اللام متعلق بجعل، اي جعل لاجل النهار الشمس مبصره. (و) جعل (قمرها آيه ممحوه) قد محي فيه النور فليس له نور كالشمس، او المراد المحو الذي يشاهد في القمر (من ليلها) الظاهران الجار متعلق ب (ممحوه) اي المحو من الليل (فاجراهما) اي حركت الشمس

و القمر (في مناقل) جمع منقل، و هو محل الانتقال، و المراد به البروج التي يسير فيها

النيران (مجراهما) اي مجل جريانهما (و قدر سيرهما) التقدير جعل الشي ء بقدر معلوم (في مدراج درجهما) مدراج جمع مدرج، و هو محل الدرج بمعني الحركه، و درج بمعني الدرجه، اي ان الله سيرهما في درجاتهما في السماء. (ليميز بين الليل و النهار بهما) فاذا طلعت الشمس كان النهار، و اذا غابت، و ظهر القمر كان الليل. (و ليعلم عدد السنين و) ليعلم (الحساب بمقاديرهما) فان كل دوره يوم و كل ادوار خاصه للقمر شهر، و هكذا، و بهما يعرف السنه، كما يعرف اوقات المحاسبه، في مواعيد الاجال (ثم علق) الله سبحانه (في جوها) اي في جو السماء، اي وسطها، و المراد بالسماء الفضاء (فلكها) اي افلاك السماء و المراد بالافلاك مدارات الكواكب (و ناط بها) اي علق بالسماء (زينتها) اي ما هو زينه السماء، و المراد الكواكب، كما قال سبحانه (انا زينا السماء الدنيا بزينه الكواكب) (من) بيان ل(زينتها) (خفيات دراريها) جمع دري، و هو الكوكب الوضاء كالدر و الظاهر ان المراد بها النجوم الصغار (و مصابيح كواكبها) اي الكواكب التي هي كالمصابيح اشراقا، و المراد بها الكواكب الكبار التي تضي ء في الليل. (و رمي مسترقي السمع) اي الشياطين الذين يعلون الي قرب الملائكه فيستمعون الي كلامهم،

خفيه، و لذا سمي اشراقا فان الملائكه لا تريد ان يسمع الشياطين كلامها (بثواقب شهبها) الي الشهب الثاقبه كما تقدم (و اجراها) اي سير الكواكب (علي اذلال) جمع (ذل) بالكسر و هو محجه الطريق (تسخيرها) اي سخرها في الطرق المقدره لها، بحيث لا تحيد عن تلك الطرق (من ثبات ثابتها) فان بعض الكواكب

ثابته في محلاتها كاكثر الكواكب (و مسير) اي سير، فانه مصدر ميمي (سائرها) و هي الكواكب السبع السياره- او الاكثر من السبع- كما في العلم الحديث. (و هبوطها و صعودها) فان الكوكب ما دام لم يصل الي خط نصف النهار فهو صاعد فاذا انحدر عنه فهو هابط (و نحوسها و سعودها) فان بعض الكواكب علامه السعد و بعضها علامه النحس، كما ان الهواء الشرقيه- في بلادنا- علامه الامراض، و الغريبه بالعكس، فقد جعل الله سبحانه لكل شي ء علامه، لا ان الكوكب بنفسه سعد او نحس.

[صفحه 59]

(و منها) في صفه الملائكه عليهم السلام (ثم خلق سبحانه لاسكان سماواته) اي الفضاء، كما قال سبحانه (و انزلنا من السماء ماء طهورا) و قال في وصف الطير (سخرات في جو السماء). (و عماره الصفيح الاعلي) اي الصفحه الاعلي مقابل الصفيح الاسفل، و هو الارض (من ملكوته) اي من ملكه، فان (ملكوت) لتعظيم الملك (خلقا بديعا اي قسما جديدا (من ملائكته) فان الملائكه قسم جديد من الخلق (و ملاء بهم) اي بالملائكه (فروج فجاجها) جمع فج و هو الطريق و فروج جمع فرجه، و هي السعه، اي السعه ما بين طرق السماء (و حشا بهم) اي جعلهم في وسط السماء- من الحشو- (فتوق) جمع فتق و هو الانفصال في الشي ء (اجوائها) اي فضائاتها، جمع (جو) بمعني الفضاء. (و بين فجوات تلك الفروج) الكائنه في السماء (زجل المسبحين منهم) الزجل الصوت المرفوع، فان الاصوات الملائكه ترتفع بالتسبيح له سبحانه، و عدم سماع الانسان لاصواتهم، لعدم قابليه صماخه، كما ان الاصم لا يسمع اصواتنا لعدم قابليه صماخه (في حظائرالقدس) جمع حظيره، و هو المحل الخضر الذي يسور بسور، و لذا سمي حظيره- من

حظر بمعني منع- و القدس بمعني النزاهه و الطهاره (و سترات) جمع ستره و هو الثوب الذي يعلق للستر (الحجب)

جمع حجاب، و الاضافه للبيان، فان هناك حجبا عما ورائه تشبيها بالحجب التي تنصبها الملوك لستر داخلته عن الاعين. (و سرادقات المجد) جمع سرادق، و هو ما يمد علي صحن البيت فيغطيه عن الريح و الحر و البرد و الانظار (و وراء ذلك) الذي ذكر من الحجب و السرادقات (الرجيح) اي الزلزله و الاضطراب من رج بمعني تحرك (الذي تستك) اي تصم (منه الاسماع) لشده الصوت او الكيفيه، و المراد بالرجيج ما تقدم من (الزجل) و (الرجيج) في الاعراب عطف بيان ل(ذلك) و (و وراء) خبر لقوله: (سبحات) اي ان وراء تلك الاصوات طبقات. (نور تردع الابصار عن بلوغها) لقوه النور و شدته (فتقف) الابصار (خاسئه) اي مطروده، من خسوء بمعني طرد (علي حدودها) فان العين لا تتمكن ان تري اكثر من قابليتها. و لا يخفي انه ليس هناك جسم او ما يشبه بل هذا محل التشريف، كما جعل سبحانه الكعبه محل تشريفه- في الارض- جعل الحجب و الانوار و العرش و ما اشبه محل تشريفه في السماء، و الا فمن زعم انه سبحانه جسم اوله محل، او انه اقرب الي مكان من مكان، فقد اشرك بالله، و تاه في متاهات الكفر. (و انشاهم) اي اوجد الله تعالي الملائكه (علي صور مختلفات) كما ان الانسان علي صور مختلفه (و اقدار متفاوتات) فلكل ق

در و مزايا (اولي اجنحه) جمع جناح، و جناحهم من جنسهم، لا من جنس اجنحه الطير، الا اذا شائوا التشكل بالطيور (تسبح) الملائكه (جلال عزته) اي انهم ينزهون الله سبحانه عما هو اجل و

اعز منها- كالجسميه و الولد و ما اشبه-. (لا ينتحلون) اي لا ينسبون لانفسهم (ما ظهر في الخلق من صنعته) تعالي كافراد الانسان الذين ينسبون الي انفسهم خلق الله سبحانه، كاذلين ادعوا الربوبيه و نحوهم. (و لا يدعون انهم يخلقون شيئا مما انفرد) الله تعالي (به) اي بخلقه (بل) الملائكه (عباد مكرمون) اكرمهم الله سبحانه (لا يسبقونه بالقول) كنايه عن انهم مطيعون له تعالي، فلا يقولون شيئا قبل ان يريده تعالي (و هم بامره) سبحانه (يعملون) و هذا اقتباس للايه الكريمه في وصف الملائكه. (جعلهم فيما هنا لك) (ما) زائده للتزيين (اهل الامانه علي وحيه) فانهم امناء الله سبحانه في انزال الوحي علي انبيائه (و حملهم الي المرسلين) اي جعلهم يحملون من قبله تعالي الي انبيائه (ودائع امره و نهيه) الاضافه للبيان، اي امره و نهيه التي هي ودائعه عند الملائكه ليودوه الي الانبياء. (و عصمهم) اي حفظهم (من ريب الشبهات) اي الشبهه في الاله، كما يشك فيه سبحانه بعض الناس (فما منهم) اي ليس احد م

ن الملائكه (زائع) اي مائل منحرف (عن سبيل مرضاته) مصدر ميمي اي عن طريق رضاه تعالي (و امدهم بفوائد المعونه) بان اعلنهم علي طاعته. (و اشعر قلوبهم) اي الهمها (تواضع اخبات السكينه) الاخبات بمعني الخضوع، فان النفس الساكنه المطمئنه خاضعه خاشعه، بخلاف النفس الجموحه (و فتح لهم) تعالي (ابوابا ذللا) جمع ذلول خلاف العصب (الي تماجيده) جمع تمجيده، و هو المدح، فانهم يسهل عليهم تمجيده و تسبيحه تعالي، و ليسوا كالبشر يوجب ذلك صعوبه و تعبا عليهم. (و نصب لهم منارا) جمع مناره، و هي المحل المرتفع الذي يوضع فيه المصباح لهدايه السائر ليلا (واضحه علي اعلام) اي ادله

(توحيده) فكلهم يوحدون الله سبحانه، و ليسوا كالبشر بين شاك و مقر و منكر (لم تثقلهم موصرات الاثام) اي مثقلاتها، من (الاصر) بمعني الثقل، فانهم لا يذنبون لانهم معصومون (و لم ترتحلهم) بقال ارتحله اذا وضع عليه الرحل ليركبه (عقب الليالي و الايام) جمع عقبه و هي النوبه، و تضاف الي الليل و النهار لتعاقبهما، اي لم يتسلط عليهم تعاقب الليالي و الايام لتفنيهم و تهرمهم (و لم ترم الشكوك) من (رمي يرمي) (بنوازعها) جمع نازعه، و هي القوس لانها تنزع الوتر للرمي (عزيمه ايمانهم) اي صلابه ايمانه

م، و المعني انهم لا يشكون بعد الايمان، كما يحدث ذلك لبعض الناس. (و لم تعترك الظنون) اي لم تعرض الظنون و الاوهام (علي معاقد يقينهم) كان لليقين عقدا في القلب- و لذا يقال له عقيده- (و لا قدحت) اي ظهرت، و اصل القدح صك الحجر بعضه ببعض لاخراج النار (قادحه الاحن) جمع احنه و هي الحقد و الضغينه (فيما بينهم) فليس بينهم عداوه و بغضاء (و لا سلبتهم الحيره) في الله (ما لاق) اي الشي ء الذي لصق (من معرفته) سبحانه (بضمائرهم) اي ان الحيره لاتسلب عقيدتهم بالله، كما قد يكون في البشر، حيث يتحيرون في الله بعد المعرفه (و) لا سلبتهم الحيره (ما سكن- من عظمته و هيبه جلالته- في اثناء صدورهم) فانهم يعظمونه سبحانه و يهابون منه و لا يزول ذلك من صدورهم (و لا تطمع فيهم الوساوس) الوسوسه التردد في الامر و الشك فيه (فتقترع) من الاقتراع بمعني ضرب القرعه. (برينها) الرين الدنس (علي فكرهم) كان الوسوسه تقترع لتري المحل المناسب لدنسها) و الاتيان بالاقتراح، من جهه شباهه الوسوسه بترديد الاقتراع، و حاصل المعني ان

الوسوسه لا تدنس افكارهم (منهم) اي بعض الملائكه، في الخلقه (من هو في خلق الغمام الدلح) جمع دالح و هو الغمام الثقيل بالماء، اي ان شكله كشكل ال

غمام ذي المطر (و في عظم الجبال الشمخ) جمع شامخ و هو المرتفع (و في قتره) اي خفاء (الضلالم الابهم) اي الشديد الظلمه، يعني انهم بتلك العظمه سود شديد السواد، و ذلك للارهاب و التخويف، و لا يخفي ان الارواح- التي من جنسها الملائكه- ليست من الماديه بحيث تحس بالحواس، او تصادم مع سائر الماديات المحسوسه، فلا يقال اذا كانت الملائكه هكذا فلماذا لا نحس بها. (و منهم من خرقت اقدامهم تخوم الارض السفلي) تخوم جمع تخم يفتح التاء و هي باطن الارض، اي اعماقها، اي ان اقدامهم في اعماق الارض (فهي كرايات) اي اعلام (بيض) جمع بيضاء في مقابل اولئك الملائكه السود (قد نفذت في مخارق الهواء) مخارق جمع مخرق، و هو محل الخرق اي انها تخري الهواء، حيث تخرج من الارض الي ناحيه الفضاء (و تحتها) اي تحت اولئك الملائكه (ريح هفاقه) اي الساكنه الطيبه (تحبسها) اي تحبس تلك الريح اولئك الملائكه (علي حيث انتهت) تلك الملائكه، اي تحبسها علي منتهاها، فلا تمتد اولئك الملائكه (من الحدود المتناهيه) المعينه لها، فلا تتحرك عن اماكنها، كما ان الريح تحبس الرايه عن التعدي عن حدودها، بالالتواء و ما اشبه. (قد استفرغتهم اشغال عبادته) اي ان اشتغالهم بعباده الله سبحانه افرغ

هم عن الاشتغال بغير العباده فلا يشتغلون بشي ء آخر (و وصلت حقائق الايمان) اي الايمان الحقيقي (بينهم) اي بين اولئك الملائكه (و بين معرفته) تعالي، كان الايمان خيط متصل بين الله سبحانه و بينهم (و قطعهم الايقان به) اي اليقين

بالله سبحانه (الي الوله) هو شده الاشتياق (اليه) تعالي، و معني (قطعهم) ان اليقين سبب قطعهم عن كلشي ء الي الاشتياق فهم مشتاقون الي الاستزاده من معرفته (و لم تجاوز رغباتهم ما عنده) اي ان رغبتهم الي ما عنده تعالي لم تجاوز (الي) رغبتهم في (ما عنده غيره) فهم راغبون اليه فقط (قد ذاقوا حلاوه معرفته) و حلاوه المعرفه ابتهاج يحصل للنفس حتي يري الانسان ان كل حلاوه ما دونها. (و شربوا بالكاس الرويه) التي تروي و تطفي ء العطش (من محبته) تعالي (و تعكنت) العكنه الطي الذي في البطن من السمن (من سويداء قلوبهم) هي مجمع الروح في القلب، و تعتبر كمركز للقلب (و شيجه خيفته) الوشيجه عرق الشجره و اريد بها هنا بواعث الخوف من الله سبحانه، اي ان بواعث الخوف النابعه من سويداء قلوبهم تجمعت كالعكن (فحنوا) اي ثنوا (بطول الطاعه) الباء سبيه (اعتدال ظهورهم) فهم في حاله ركوع (و لم ينفد) من النفاد بمعني الخلاص و التمام (طول الرغبه ا

ليه) تعالي (ماده تضرعهم) فان رجائهم لم يعدم خوفهم منه سبحانه. (و لا اطلق عنهم عظيم الزلفه) اي قربهم منه تعالي- قربا معنويا- (ربق خشوعهم) جمع ربقه و هي حبل فيه عده عري تربط فيها الحيوانات المتعدده، فانهم مع قربهم خاشعون له سبحانه اعناقهم في ذل العبوديه (و لم يتولهم الاعجاب) من اعمالهم (فيستكثروا ما سلف منهم) كما هو الغالب في افراد الناس حيث يحسنون اعمالهم السابقه فيظنون كثرتها و كفايتها (و لا تركت لهم استكانه الاجلال) اي خضوعهم لجلال الله و عظمته (نصيبا في تعظيم حسناتهم) فانهم لا يعظمون حسناتهم لما يعلمون من عظمه الله و جلاله فان الشخص اذا نظر الي عظم

الطرف يستقل عمله تجاهه (و لم تجر الفترات فيهم) الفتره من الفتور عن العمل كسلا و مللا (علي طول دووبهم) من دائب في العمل بمعني بالغ فيه و اجتهد حتي جهد نفسه. (و لم تغض رغباتهم) من غاض الماء اذا نزل في الارض حتي لم يبق منه شي ء اي ان رغبتهم في الطاعه لا تفني (فيخالفوا عن رجاء ربهم) فان الرغبه اذا غاضت لم يرج الانسان المرغوب فيه، فلا يعمل لاجله (و لم تجف) من الجفاف بمعني اليبس (لطول المناجاه) و التكلم مع الله سرا (اسلات السنتهم) جمع اسله و هي طرف اللسان، حتي تقف عن

ذكره تعالي. (و لا ملكتهم الاشغال) بمعني منعتهم اشغالهم (فتنقطع بهمس الجوار) الهمس الصوت الخفي، و الجوار الصوت، الصوت الرفيع تضرعا، (اليه) سبحانه (اصواتهم) اي ان الاشتغال يوجب تبدل ضراعتهم الجهريه الي الهمس فان الانسان المشغول بامر ما يهمس صوته عاده، لانصراف القوه الي ناحيه اخري. (و لم تختلف- في مقاوم الطاعه-) جمع مقام اي مقامات الطاعه (مناكبهم) جمع منكب، فانهم في صفوف معتدله، حتي ان مناكبهم مصطفه لا تقدم لبعضها علي بعض، و هذا يدل عي التادب. (و لم يثنوا الي راحه التقصير في امره رقابهم) فان الشخص اذا اراد الاستراحه ثني رقبته لتمديدها و دفع الكسل و النصب عنها، و هذا تقصير بالنسبه اليه سبحانه فالملائكه لم يفعلوا ذلك و انما رقابهم ممتده دائما في الضراعه و الاستكانه. (و لا تعدو) اي لا تسطو (علي عزيمه جدهم) اي جهدهم في الطاعه (بلاده الغفلات) اي الغفله البليده، فانهم دائمو الجد بغير غفله و فتور. (و لا تنتضل) يقال انتضلت الابل اذا رمت بايديها في السير سرعه (في هممهم) في

العباده و الطاعه (خدائع الشهوات) اي الشهوات الخادعه للانسان، و المعني ان الشهوات لا تسير سيرا سريعا في اهتمامهم بالعباده، حتي تنقص من طاعتهم. (قد اتخ

ذوا ذا العرض) اي الله سبحانه (ذخيره ليوم فاقتهم) اي حاجتهم و لعل المراد بذلك يوم العرض الاكبر، اذ كل نفس تحضر هناك للمحاسبه، و هو اشد ايام الانفس حاجه و فقرا (و يموه) اي قصدوه (عند انقطاع الخلق الي المخلوقين برغبتهم) فهم يرغبون اليه تعالي بينما سائر الخلق يرغبون الي مخلوق مثلهم لقضاء حوائجهم، فقوله (برغبتهم) متعلق ب(انقطاع). (لا يقطعون امد) اي طول (غايه عبادته) اي ان عبادتهم لا تنتهي الي الغايه حتي يستريحوا بانهم عملوا الي الغايه المطلوبه منهم (و لا يرجع بهم) رجوعا من الطاعه الي الكسل (الاستهتار بلزوم طاعته) الاستهتار التولع الزائد، اي ان ولعهم بلزوم الطاعه لا يسبب لهم رجوعا، كما هي العاده في الناس، فان الولع الزائد بالشي ء يولد في انفسهم غفوه و اشمئزازا. (الا الي مواد من قلوبهم غير منقطعه من رجائه و مخافته) مواد جمع ماده و هي التي تمد الشي ء، و الاستثناء منقطع، اي انهم كلما اطاعوا اذ دارت فيهم بواعث الاطاعه من الرغبه و الرهبه الموجودتين في قلوبهم، و الحاصل انه لا يرجع ولع الملائكه بالطاعه، الا الي الزياده، و ذلك للمواد الموجوده في قلوبهم الموجبه للزياده (لم تنقطع اسباب الشفقه منهم) الشفقه الخوف (فينوا) من (

وني) بمعني كسل و ضعف (في جدهم) و اجتهادهم في الطاعه. (و لم تاسرهم الاطماع) اي اطماع خارجيه (فيوئثروا) و يقدموا (و شيك السعي) اي السعي الوشيك و هو السعي الضعيف، مقابل السعي الحثيث، فان الوشيك بمعني القريب (علي اجتهادهم) و سعيهم الحثيث في

الطاعه فان الانسان اذا طمع في شي ء قل سعيه في غيره، و الملائمه لا طمع لهم في غير الله سبحانه كي يخف سعيهم في طاعه الله تعالي. (و لم يستعظموا ما مضي من اعمالهم) اي لا يعدونه عظيما (و لو استعظموا ذلك) العمل الماضي منهم (لنسخ الرجاء منهم) اي ابطل الرجاء- الذي يحدث من استعظام العمل، فان الشخص اذا راي عمله عظيما صار رجائه كبيرا- (شفقات و جلهم) اي تارات خوفهم، جمع شفقه، و هي التاره من الخوف، فان الرجاء اذا عظم، قل الخوف. (و لم يختلفوا في) محبه (ربهم) و طاعته (ب) سبب (استحواذ الشيطان) و استيلائه (عليم) فان الشيطان لا يجد اليهم سبيلا (و لن يفرقهم سوء التقاطع) اي التحاسد و التشتت فيما بينهم. (و لا تولاهم) اي اخذهم (غل التحاسد) اي الحسد الكائن في النفس فان الغل هو الحسد الكامن في النفس. (و لا شعبتهم) اي فرقتهم (مصارف الريب) جمع ريبه، اي صروف الريبه الذي يصرف بالانسان، فان الشك يوجب صرف

الانسان عن اتجاهه، و ذلك يوجب التفرق. (و لا اقتسمتهم اخياف) جمع خيف بمعني الناحيه (الهمم) جمع همه اي ان النواحي المتشته من الافكار و الاهتمامات لا توجب تفرقهم- كما في البشر- اذ لا هم مختلفه لهم، و انما هم جميعهم شي ء واحد (فهم اسراء ايمان) قد جمع الايمان بالله كلهم تحت لواء واحد، كالاسير الذي لا يتمكن من الانفكاك و الانطلاق (لم يفكهم من ربقته) اي ربقه الايمان و هي الحبل فيه عري لاعناق البهم تربط بها لتنخرط في حبل واحد و يسهل سوقها (زيغ) اي انحراف (و لا عدول) عن الحق (و لا وني) اي وهن و ضعف (و لا

فتور) اي فاصله و كساله بين العمل. (و ليس في اطباق السماء) اي طبقاتها المختلفه، و المراد اجزائها (موضع اهاب) هو جلد الحيوان، اي قدر جلد (الا و عليه ملك ساجد) لله (او ساع حافد، خفيف سريع السير فيما امره الله فالسماء ممتلئه بالملائكه (يزدادون علي طول الطاعه) اي علي انهم في الطاعه طول اوقاتهم (بربهم علما) و هذا خلاف الانسان فان طول طاعته لاحد، يزداده تنفرا و اشمئزازا، لما يبدو له من نقائصه (و تزداد عزه ربهم في قلوبهم عظما) فعظمته سبحانه لا تزال تنمو في انفسهم.

[صفحه 71]

(و منها في صفه الارض و دحوها علي الماء) اي بسطها عليه (كبس) الله (الارض) اي ضغط بالارض و جعلها (علي مور) المور التحرك الشديد (امواج مستفحله) اي هائجه صعبه، فان الله سبحانه خلق الماء اولا ثم جعل فوقه الارض ضاغطا للارض علي الماء، حيث كانت الامواج الهائجه تعلوا الماء (و) علي (لجج) جمع لجه، و هي معظم الماء و وسطه (بحار) من الماء، و التيان بالجمع باعتبار قطعها المختلفه و الا كانت بحرا واحدا (زاخره) من زخر اذا امتلا (تلتطم اواذي) جمع لذي و هو اعلي المرج (امواجها) جمع موج و هو ما يعلوا البحر من المياه المختلطه بالهواء، و معني التطامها ضرب بعضها بعضا بشده (و تصطفق) اي تضطرب و تهتز (متقاذفات اثباجها) جمع ثبح- كفرس- ما بين الكاهل و الظهر، و استعير لا عالي الموج، و معني اصطفاقها اضطرابها الموجب لقذف بعضها علي بعض. (و ترغو) تلك البحار، اي تعطي الرغوه (زبدا) بيان لترغو، اي تخرج الزيد (كالفحول) من الابل (عند هياجها) فان الابل اذا اهتاج اخرج من فمه الزبد لما يخلط من الهواء

باللعابات اللزجه الكائنه في فمه (فخضع جماح) اي استعلاء (الماء المتلاطم) الذي يلطم بعضه بعضا (لثقل حملها) اي حمل الارض (و سكن هيج) اي هيجان (

ارتمائه) من (رمي) اي اضطرابه و قذقه للامواج (اذ وطئته) اي وطئت الارض الماء (بكلكلها) بمعني الصدر (و ذل) الماء (مستخذيا) اي منسكرا مسترخيا (اذ تمعكت) التمعك تمرغ الدابه في التراب (عليه) اي علي الماء (بكواهلها) اي كواهل الارض، و الكاهل بين العضد و العنق، و المراد هنا الثقل، يعني ان الارض لما القت بثقلها علي الماء، ذل الماء فلم يضطرب و لم يهتز- كما كان- (فاصبح) الماء (بعد اصطخاب) افتعال من الصخب بمعني رفع الصوت (امواجه) فان للامواج صوتا و صياحا (ساجيا) من سجي بمعني سكن (مقهورا) ذليلا قد قهرته الارض (و في حكمه الذل) الحكمه ما احاط بحنكي الفرس من لجامه (منقادا اسيرا) لا يقدر علي التحرك و الاضطراب. (و سكنت الارض مدحوه) من الدحو بمعني البسط (في لجه تياره) اي معظم تيار الماء، و التيار هو الماء الجاري بشده (و ردت) الارض (من نخوه باوه) اي زهوه (و اعتلائه) اي تعاليه، فان الماء كان كالزاهي المتعال، فلما القيت الارض عليه رجع عن ذلك، بل سكن و هدء. (و شموخ انفه) يقال شمخ بانفه اذا تكبر (و سمو) اي ارتفاع (غلوائه) اي نشاطه و تكبره، فان الغلواء بمعني تجاوز الحد. (و كعمته) اي كعمت الارض الماء، يقال كعم البعير اذا شد فاه لئلا ي

عض او ياكل (علي كظه جريته) الكظه ما يعرض من امتلاء البطن بالطعام، فالماء الذي كان يجري في تياره، كان كثيرا متراكما كالشخص المتلي ء طعاما (فهمد) اي سكن الماء (بعد نزقاته) النزقه الطيش (و لبد)

اي قام و سكن (بعد زيفان و ثباته) الزيفان التبختر في المش، و الوثبه الطفره، كان الماء كان يطفر من هنا الي هنا متبخترا. (فلما سكن هياج الماء) اي اضطرابه (من تحت اكنافها) اي اطراف الارض، فان الاكناف جمع كنف بمعني الطرف و الناحيه (و) من (حمل) الماء ل(شواهق الجبال) جمع شاهقه و هي المرتفعه (الشمخ) جمع شامخ و هو المرتفع (البذخ) جمع باذخ و هو المرتفع الضخم (علي اكتافها) اي اكتاف الارض، الاموجب لثقل الارض علي الماء. (فجر) اي اظهر الله سبحانه (ينابيع العيون) جمع ينبوع و هو محل الماء العذب المجتمع تحت الارض (من عرانين انوفها) عرانين جمع عرنين- بالكسر- و هو ما صلب من عظم الانف، و المراد اعالي الجبال (و فرقها) اي الانهار النابعه (في سهوب) جمع سهب بمعني الفلات (بيدها) جمع بيداء و هي الصحراء، و كان المعني الصحاري الواسعه (و اخاديدها) جمع اخدود و هي الحفر المتسطيله في الارض، كمجاري الانهار. (و عدل حركتها) اي حركات الارض، فان الارض لوجود

ثقل عليها تتحرك و تضطرب، اضطراب السفينه في الماء (بالراسيات) جمع راسيه و هي الجبل (من جلاميدها) جمع جلمود و هو الحجر الصلب. (و ذوات الشناخيب) جمع شنخوب و هو راس الجبل (الشم) جمع اشم و هو الرفيع (من صياخيدها) جمع صيخود و هو الصخره الشديده (فسكنت) الارض (من الميدان) اي التحرك و الاضطراب (لرسوب الجبال) اي نفوذ الجبال في اعمال الارض (في قطع) جمع قطعه (اديمها) اي سطحها، تشبيها بالجلد (و تغلغلها) التغلغل المبالغه في الدخول، و الضمير للجبال (متسربه) التسرب الدخول في الشي ء (في جوبات خياشيمها) جوبات جمع جوبه و هي الحفره، و خياشيم جمع خيشوم و هو

منفذ الانف الي الراس. (و ركوب الجبال اعناق سهول الارضين) السهل ضد الجبل، و ركوب الاعناق و كنايه عن التسلط، فان الراكب علي عنق البعير اكثر تسلطا عليها (و جراثيمها) هي ما سفل عن السطح فان الجبال داخله في اجواف الارض، و الارضين- جمعا- باعتبار قطعها المختلفه. (و فسح) الله سبحانه، اي اوسع (بين الجو) اي الفضاء (و بينها) اي بين الارض (و اعد الهواء متنسما) آله للتنفس، و النسيم ما يشرح النفس و يبرد حراره البدن و القلب (لساكنها) اي ساكن الارض و لو لا الهواء لم يتمكن الانسان من العيش عل

ي وجه الارض. (و اخرج اليها) اي الي الارض (اهلها) من الانسان و الحيوان و النبات (علي تمام مرافقها) اي بعد ان اكمل جميع وسائل الحيات و العيش اخرج و اظهر سكان الارض، و مرافق جمع مرفق، بمعني اسباب الرفق، و المراد اسباب العيش و وسائل الحياه المريحه. (ثم لم يدع) سبحانه (جرز الارض) و هي الاراضي التي لاتمر عليها مياه العيون فتنبت النبات (التي تقصر مياه العيون عن روابيها) جمع رابيه و هي الارض المرتفعه التي لا يصل اليها مياه الانهار و العيون. (و لا تجد جداول الانهار) جمع جدول و هو النهر (ذريعه) اي وسيله (الي بلوغها) لارتفاع الارض و انخفاض النهر (حتي انشا لها) و اوجد من اجل تلك الاراضي المرتفعه (ناشئه سحاب تحيي مواتها) الموات ما لا يزرع من الارض، و ناشئه بمعني المنشائه، و انما جي ء بهذه اللفظه، لان السحاب ينشاء رويدا رويدا حتي يكون ركاما كثيفا (و تستخرج) تلك الناشئه (نباتها) بالهطول عليها (الف) الله سبحانه (غمامها) هو السحاب (بعد افتراق لمعه) جمع لمعه و هي القطعه

البيضاء من السحاب، سميت بها لانها تلمع لبياضها (و تباين قزعه) جمع قزعه و هي القطعه من الغيم، فان قطع السحاب تتجمع من هنا و هناك و يتصل بعضها ببعض حتي تكون سحا

با كثيفا. (حتي اذا تمخصت) اي تحركت تحركا شديدا كما يتحرك اللبن في السقاء (لجه المزن) اللجه معظم الماء، و المزن السحاب، و ضمير (فيه) راجع الي المزن، فان الماء يتمخض في السحاب، حتي يهطل، و حيث ان السحاب ماء مخلوط بالهواء صح جعل السحاب ظرفا، و الماء مظروفا (و التمع برقه في كففه) جمع كفه و هي الحاشيه و الطرف، فان البرق يظهر من اطراف السحاب غالبا. (و لم ينم وميضه) اي لمعانه (في كنهور) كسفرجل القطعه العظيمه من السحاب (ربابه) هي السحاب الابيض، اي لم يسكن البرق في هذا السحاب المحمل بالماء، بان تتابعت البروق- و ذلك قرب نزول المطر-. (و متراكم سحابه) السحاب المتراكم هو الكثير الذي اجتمع من تجمع القطع الكثيره (ارسله) اي ارسل الله تعالي المطر (سحا) اي صبا متلاحقا (متداركا) يدرك بعضه بعضا. (قد اسف) اسف: دنا من الارض لثقله (هيدبه) ما تهدب منه الي الارض اي ما تدل (تمريه الجنوب) اي تستخرج رياح الجنوب ما في السحاب من الماء، من مري الناقه اذا مسح علي ضرعها ليحلب لبنها (درر) جمع (دره) بالكسر، و هي اللبن (اهاضيبه) جمع اهضاب، و هو جمع هضبه، و هي المطره فالسحاب كالبقره، و ما تدل منه كالضرع، و الجنوب كالحالب، و الامطار التي تنزل مت

داركه، كالحليب. (و دفع شابيبه) جمع شئبوب، و هي الدفعه القويه، من المطر (فلما القت السحاب) و حيث ان السحاب للجنس. جي ء بالفعل مونثا (برك بوانيها) البرك

الصدر و البواني ما يلي الصدر من الاعضاء، فالسحاب كالحيوان الذي يلقي علي الارض بصدره و اضلاعه- و المراد بذلك انه انزل ما فيه من الامطار-. (و) القت (بعاع) الثقل الكائن فيه من الامطار (ما استقلت) السحاب (به) اي بذلك البعاع، اي حملته (من العب ء) اي الحمل (المحمول عليها) فقد حملها الله سبحانه المطر. (اخرج) الله سبحانه (به) اي بذلك المطر النازل (من هوامد الارض) جمع هامده و هي الميته التي لا نبات فيها (النبات) و هو كل ما ينبت ماكولا كان او غير ماكول (و من زعر الجبال) جمع ازعر و هو الموضع القليل نباته (الاعشاب) جمع عشب و هو النبات الذي لا ساق له (فهي) اي الارض (تبهج) من البهجه و هي الفرح و السرور (بزينه رياضها) فكانه فرحه مسروره بالبساتين و الاعشاب المزينه لها. (و تزدهي) اي تعجب و تتبختر (بما البسته) الفعل مبني للمجهول، و الملبس هو الله سبحانه، او السحاب (من ريط) جمع ريطه بالفتح و هي كل ثوب رقيق لين (ازاهيرها) جمع ازهار و هو جمع زهره بمعني النبات، او بمعني الورده (و ح

ليه ما سمطت) الارض (به) الضمير عائد الي (ما) و سمط بمعني علق عليه (من ناضر انوارها) جمع نور بالفتح بمعني الزهر، و الناضر ذو النضره، اي البهجه و الجمال (و جعل ذلك) الذي يخرج من الارض (بلاغا للانام) البلاغ ما يتبلغ به الانسان من القوت، و الانام بمعني الناس (و رزقا للانعام) جمع نعم من غنم و ابل و بقر و ما اشبه (و خرق الفجاج) الطرق (في آفاقها) اي آفاق الارض، او آفاق الفضاء، جمع افق، و معني خرق، اوجد الطرق التي تخرق الهواء

او الارض. (و اقام المنار) اي محل الاناره (للسالكين) الذين يريدون الذهاب من محل الي محل (علي جواد طرقها) جواد جمع جاده، و هي الطريق الواضح و الضمير للارض، و المراد بالمنار العلائم الدلاله علي الطريق، من الكواكب، و الجبال، و الرياح و ما اشبه مما تدل علي اتجاه الطرق و البلاد.

[صفحه 79]

(فلما ممهد ارضه) جعلها قابله للسكني (و انفذ امره) بمعني خلق ما اراد (اختار آدم عليه السلام خيره من خلقه) (خيره) مصدر تاكيدي (و جعله اول جبلته) اي اول خليقته، فانه اول جنس البشر (و اسكنه) اي آدم عليه السلام (جنته) و هل هي جنه الدنيا او جنه الاخره فيه خلاف (و ارغد) اي اوسع في هناء (فيها) اي في الجنه (اكله) اي ما ياكله (و او عز اليه) اي اخبره و انباه (فيما نهاه عنه) من اكل الشجره. فقال (لا تقربا هذه الشجره فتكونا من الظالمين). (و اعلمه ان في الاقدام عليه) اي علي ما نهاه (التعرض لمعصيته) و المراد عصيان الامر الارشادي لا المولوي الذي هو معصيه حقيقه (و المخاطره بمنزلته) اي جعل منزلته في خطر الزوال، لانه اذا اكل من الشجره خرج من الجنه. (فاقدم) آدم عليه السلام (علي ما نهاه) الله (عنه) من اكل الشجره، و ذلك بتغرير الشيطان و حلفه له بانه له عليه السلام لمن الناصحين (موافاه لسابق علمه) تعالي، اي كان الاقدام موافقا لما علمه سبحانه من السابق، فانه تعالي يعلم كل شي ء يقع في المستقبل (فاهبطه) اي انزل آدم عليه السلام من درجته (بعد التوبه) اي تاب آدم عن زلته (ليعمر ارضه بنسله) و ذريته، و الا كانت الارض خاليه عن ال

بشر. (و ليقيم الحجه به) اي بواسطه آدم عليه السلام

(علي عباده) فان الانبياء حجه علي الخلق اذا عصوا (و لم يخلهم) اي العباد (بعد ان قبضه) اي امات آدم عليه السلام (مما يوكد عليهم حجه ربوبيته) فان العقل دل علي الربوبيه، و الانبياء يوكدون ذلك (و يصل بينهم) اي بين العباد (و بين معرفته) بسبب الانبياء. (بل تعاهدهم) الله سبحانه (بالحجج علي السن الخيره من انبيائه) اي ارسل علي العباد الحجه بعد الحجه علي لسان المختارين من الانبياء (و متحملي ودائع رسالاته) فان الرساله وديعه من الله سبحانه عند انبيائه ليودوها الي عباده (قرنا فقرنا) و المراد به مده عمر جيل من الناس، و سمي قرنا لاقتران اعمار بعضهم ببعض، و في مدته خلاف من ثلاثين، الي المائه، و ذلك بمختلف الاعتبارات، و المشهور عند الان اطلاقه علي المائه. (حتي تمت بنبينا محمد صلي الله عليه و آله حجته) اذ لا نبي بعده ياتي بحجه جديده (و بلغ المقطع) اي النهايه التي لا شي ء بعده (عذره) فانه فيما لو خالف الناس لم يكن من الله سبحانه. (و نذره) جمع النذير، الذي يخوف بالعقب علي المخالفين. (و قدر) سبحانه (الارزاق فكثرها) لبعض (و قللها) لاخر، و معني التقدير التخطيط كراكب السياره الذي هو م

ضطر في السير الي اتجاه السياره، بينما هو مختار في عمله داخل السياره، و لذا ورود لا جبر و لا تفويض بل امر بين الامرين. (و قسمها) اي الارزاق و ذلك بعد التقدير- (علي الضيق و السعه فعدل فيها) فلم يكن احد الامرين ظلما اذ الظلم ان يمنع الانسان احدا حقه، و لا حق لاحد علي الله سبحانه، و انما قسم بالاختلاف (ليبتلي) اي يمتحن (من اراد) امتحانه (بميسورها و معسورها) فهل يصبر

المعسور له و هل يشكر الميسور لاجله؟ (و ليختبر بذلك) الاختلاف (الشكر و الصبر من غنيها و فقيرها) الضمير راجع الي العباد و يجوز الاتيان بضمير المونث باعتبار (الجماعه) كما قال ابن مالك (و التاء مع جمع سوي السالم من) (مذكر كالتا مع احدي اللبن) او راجع الي الارزاق- مجازا-. (ثم قرن) سبحانه (بسعتها) اي سعه الارزاق (عقابيل) جمع عقبوله بمعني الشدائد (فاقتها) اي الفقر، فان السعه دائما معرضه للزوال و اتيان الضيق مكانها (و بسلامتها) اي سلامه الارزاق (طوارق آفاتها) جمع طارقه و هي المصيبه النازله دفعه فقد لا يتضيق الرزق و لكنه يكون بشده و صعبوه. (و) قرن سبحانه (بفرج) جمع فرجه (افراحها) جمع فرح و انما قال (فرج) لان الانسان يفرح في الفرجه و السعه (غصص اتراحها) جمع غص

ه، و اتراح مقابل افراح. (و خلق) سبحانه (الاجال) اي مده اقامه كل انسان في دار الدنيا (فاطالها و قصرها) بان جعل مده بعض طويلا، و مده بعض قصيرا (و قدمها و اخرها) فذو الاجال القصيره يقدم اجل هذا علي ذاك، و كذلك في الاجال الطويله. (و وصل بالموت اسبابها) اي حبال الاجال، كان لكل مده موصوله بحبل حتي ينتهي الحبل بيد الموت، فاذا انتهت المده جر الموت الحبل و اختطف الانسان المنقضي اجله. (و جعله) اي الموت (خالجا) اي جاذبا (لاشطانها) جمع شطن علي وزن فرس بمعني الحبل الطويل، شبه به الاعمار الطويله- كما ذكرنا- (و قاطعا لمرائر) جمع مريره و هي الحبل بفتل علي اكثر من طاق (اقرانها) جمع قرن و هو الحبل يقرن به بعيران، و هذا من اقوي الحبال، و مع ذلك الموت يقطعه فيقع الانسان المتصل به في هوه

الفناء.

[صفحه 83]

هو سبحانه (عالم السر من ضمائر المضمرين) الذين يضمرون الاشياء في مكنونهم فانه سبحانه يعلمها. (و) من (نجوي المتخافتين) التخافت المكالمه سرا يعني انه سبحانه يعلم نجواهم. (و) من (خواطر رجم الظنون) فان الظن اذا وقع علي شي ء، فكانه قد رجم ذلك الشي ء، و الخاطر هو الشي ء يخطر ببال الانسان. (و عقد) جمع عقده (عزيمات) جمع عزيمه مما يعزم الانسان عليه (اليقين) فاليقين كالشي ء المعقود بالقلب الذي ينوي الانسان له و يعزم عليه، يعني انه سبحانه يعلم الظنون و يعلم اليقين، و هما سران في ضمير الانسان. (و مسارق) جمع مسرق، و هو مصدر ميمي (ايماض) اللمعان الذي ياتي من اشاره العين، قال الشاعر امرئه في الرمضان الماضي تقطع الحديث بالايماضي اي باشاره العين (الجفون) جمع جفن، يعني انه سبحانه يعلم سرقه النظر، و ان لم يدرك ذلك الناس الذين بحضره من يسرق في نظره. (و) يعلم (ما ضمنته اكنان القلوب) جمع كن بالكسر، و هو كل ظرف يستتر فيه الشي ء و المراد انه يعلم المعلومات الموجوده في زوايا القلوب (و غيابات) اي اعماق (الغيوب) التي هي غائبه عن الحواس كالاشياء المستوره تحت الارض و نحوها. (و) يعلم (ما اصغت) الاصغاء بمعني الاستماع (لاستراقه

مصائخ الاسماع) مصائخ جمع مصاخ، و هو محل الاصاخه، اي ثقبه الاذن، اي انه يعلم ان فلانا يسترق السمع، او يعلم المطلب الذي يسترق السمع لاجله. (و مصائف) جمع مصيف، و هو محل الاقمه في الصيف (الذر) النمل، اي يعلم محل النمل في الصيف- تحت الارض- فان النمل تغير مكانه في الصيف عن مكانه في الشتاء. (و مشاتي الهوام) جمع هامه، و هي كل حيوان صغير يعيش في الحجر، و المشاتي

جمع مشتي، و هو محل الاقامه شتاء. (و) يعلم (رجع الحنين) اي ترديد الحنين الذي يظهرها اصحاب المصائب (من المولهات) اي النساء الوالهه الحزينه اليت اصيبت بمصيبه. (و) يعلم (همس) اي الصوت الخافت من (الاقدام) فانه سبحانه يعلمها و يسمعها. (و) يعلم (منفسح الثمره) مكان نموها، من فسح (من ولائج) جمع وليجه بمعني البطانه (غلف) جمع غلاف و هو القشر المحيط به (الاكمام) جمع (كم) بالكسر، و هو غطاء الفواد و وعاء الطلع، يعني انه سبحانه يعلم محل نمو الثمره في داخل غلاف الوعاء المقرر للثمار. (و) يعلم (منقمع الوحوش) اي موضع اختفاء الحيوانات الوحشيه- غير الانسيه- من انقمع بمعني اختفي. (من غيران الجبال) جمع غار، و هي الثقبه الواسعه في الجبل يختفي فيها الحيوان (و اوديتها) جمع الوادي، و ه

و المحل المنفسح في الجبال و (من) بيان لمنقمع. (و) يعلم (مختباء) اي محل اختباء- بمعني الاختفاء- (البعوض بين سوق الاشجار) جمع ساق و هو اسفل الشجره (و الحيتها) جمع لحاء و هو قشر الشجره. (و) يعلم (مغرز الاوراق) اي محل غرزها اي نباتها (من الافنان) اي الغصون. (و) يعلم (محط الامشاج) جمع مشيج، من مشج اذا خلط، و المراد المني، لانه مخلوط من اجزاء مختلفه- انفصلت كل جزء من جزء من البدن- لتكون بها اجزاء مختلفه للانسان و الحيوان، و (محط) بمعني المحل الكائن فيه المني (من مسارب الاصلاب) جمع مسرب، و هو المحل الذي يتسرب و يدخل فيه المني، و اصلاب جمع صلب، في ظهر الرجل. (و) يعلم (ناشئه الغيوم) اي المنشا من السحاب، الذي لم يتلاحم بعد (و متلاحمها) اي ما اتصل بعضه ببعض كاللحم المتصل اجزائه. (و) علم (درور) اي الهطول

و النزول- كدر احليب- (قطر السحاب) اي الامطار (في متراكمها) اي السحاب الذي بعضه فوق بعض. (و) يعلم (ما تسفي الاعاصير) يقال سفت الريح التراب، اي ذرته و حملته، و العاصير جمع اعصار، و هي ريح تثير السحاب، او تقوم من الارض كالعمود (بذيولها) فان ذيول الريح تعمل ما تعمل، اما معظمها فهي في الفضاء. (و) يعلم ما (تعفو الامطار) اي تم

حو (بسيولها) و هو المطر الغزير الذي يشكل مياها كثيره تسيل، فتخرب البناء و ما اشبه. (و) هو عالم ب (عوم) من عام اذا دخل، و جر (عوم) لانه عطف علي قوله (السر) المضاف اليه ل(عالم) و انما جئنا ب(يعلم) في الجمل السابقه، للايضاح، و الا فالكل عطف علي (السر) (نبات الارض في كثبان الرمال) جمع كثيب، و هو التل الصغير من الرمل. (و) عالم ب(مستقر ذوات الاجنحه) اي محل الطيور (بذرا) جمع ذروه و هي القمه باعلي الشي ء (شناخيب الجبال) جمع شنخوب بمعني الراس. (و) عالم ب(تغريد ذوات النمطق) يقال غرد الطائر اذا رفع صوته كانه يغني (في دياجير الاوكار) جمع ديجور و هو شده الظلمه، و اوكار جمع وكر بيت الطائر، و انما سمي (دوات المنطق) لانه نطقها. (و) يعلم (ما اوعبته) اي جمعته (الاصداف) جمع صدف و هو القشره التي يخرج منها اللولو (و حضنت عليه امواج البحار) يعني ان الامواج تحضنت ذلك الشي ء كتحضن الام ولدها، و ذلك مثل العنبر الذي تربيه البحار. (و) يعلم (ما غشيته سدفه ليل) اي ظلمته، و غشاه بمعني حواه (او ذر) اي طلع (عليه شارق نهار) اي ضياء النهار. (و) يعلم (ما اعتقبت) اي تعاقبت و توالت (عليه اطباق الدياجير) جمع طبق، و دياجير

جمع ديجور بمعني الظلمه،

كان ظلمات الليل كالاغطيه التي تغطي علي الاشياء طبقا بعد طبق (و سبحات النور) جمع سبحه اي درجاته و اضوائه. (و) هو سبحانه عالم ب(اثر كل خطوه) اي ما يبقي بعدها علي الارض مما يدل علي مرور ذي روح هنا. (و) عالم ب(حس كل حركه) المراد بحسها صوتها، او حالتها الموجوده فيها (و رجع كل كلمه) اي جواب الكلمه، او ترديدها في الهواء. (و) عالم ب(تحريك كل شفه) بالكلام (و مستقر كل نسمه) اي كل انسان، اي يعلم ان كل انسان اين يستقر في حال سكونه. (و) عالم ب(مثقال) اي ثقل (كل ذره) و هي التي تري في ضوء الشمس الداخل من كوه في محل مظلم. (و) عالم ب(هماهم) جمع همهمه، و هي الصوت الذي لا يميز (كل نفس هامه) اي التي تهم. (و) يعلم سبحانه (ما عليها) اي علي الارض (من ثمر شجره) حين وقوعه عليها (او ساقط ورقه) اي اوراق الاشجار التي تسقط علي الارض (او قراره نطفه) اي قرارها في الرحم (او نقاعه دم) ما ينقع من الدم في اجزاء البدن، اي يجتمع في النقره التي في العروق و ما اشبه (و مضغه) و هي اللمحه التي تشبه اللحم الممضوغ بالاسنان، فان المضغه تنقع في الرحم، او انها عطف علي نقاعه، اي يعلم سبحانه كل مضغه. (او ناشئه خلق) اي الخلق الذي ينشا و يخرج من العدم الي ال

وجود (و سلاله) اي الخلاصه التي تخلص من الاشياء، او المراد الاصفاء (لم يلحقه) سبحانه (في ذلك) العلم بهذه الاشياء (كلفه) و صعوبه كما هو كذلك في الانسان فان الانسان لا يعلم شيئا الا بعد تكلف و مشقه (و لا اعترضته

في حفظ ما ابتدعه) و اوجده (من خلقه عارضه) تمنعه عن الابتداع و الايجاد، كما قد يمنع الانسان شي ء عما يريد ان يعمله و يوجده (و لا اعتورته) الاعتوار العروض (في تنفيذ الامور و تدابير المخلوقين ملاله و لا فتره) اي كسل و ضعف كما يعترض الانسان، اذا استمر في عمل طويل (بل نفذ فيهم علمه) اي علم الامور داخلها و خارجها، كالشي ء الذي ينفذ في شي ء، فيدخل باطنه (و احصاهم عده) فانه سبحانه يعلم عددهم (و وسعهم عدله) فانه يعدل بالنسبه الي جميع المخلوقين، و معني العدل وضع كلشي ء موضعه (و عمرهم فضله) فان احسانه سبحانه شمل جميعهم (مع تقصيرهم عن كنه) اي ما يستحق من (ما) اي العباده التي (هو اهله).

[صفحه 89]

(دعاء) (اللهم انت اهل الوصف الجميل) اي اهل لان توصف بالجميل (و التعداد الكثير) فان اوصافه سبحانه كثيره (ان تومل) اي يرجو فضلك الناس (فخير مومل) لانه لا افضل منه سبحانه في الرجاء و الامل (و ان ترج فاكرم مرجو) هو الذي يترقب الانسان منه الخير (اللهم و قد بسطت لي) من فضلك (فيما) اي في النعم التي (لا امدح به) الضيمر عائد الي (ما) المراد به (النعم) (غيرك) فانك المتفضل فكيف امدح سواك (و لا اثني) اي لا امدح، من الثناء بمعني الاطراء (به) اي بسبب تلك النعم، و الضمير عائد الي (ما) (علي احد سواك) و المراد انقطاعه عليه السلام بالحمد له وحده. (و لا اوجهه) اي اوجه المدح (الي معادن الخيبه) اي المحلات التي تخيب الانسان اذا رجاها و المراد منهم ما سوي الله سبحانه (و مواضع الريبه) اي الشك، فان المخلوق موضع شك في انه هل يتفضل ام لا؟

(و) قد (عدلت) يا رب (بلساني عن مدائح الادميين) اي المنسوبين الي آدم عليه السلام (و الثناء علي المربوبين المخلوقين) و انما نسب العدل اليه تعالي، لانه وحده تفضل، فلم يبق مجالا لتفضل غيره حتي يستحق المدح معه تعالي، و هذا من باب النسبه الي السبب، و المراد بهذه الجمل، السبب الاول الحقيقي في ال

انعام، و الا فلكل منعم من الناس حق المدح و الثناء. (اللهم و لكل مثن) اي عامل للثناء، مادح لشخص (علي من اثني عليه مثوبه) اي ثواب و جزاء، فانه مصدر ميمي (من جزاء) بقدر الثناء (او عارفه من عطاء) اي عطاء معروف اكثر من الجزاء (و قد رجوتك) يا الهي (دليلا علي ذخائر الرحمه) اي ان الرجاء هو ان تدلني علي الرحمه المدخره عندك للصالحين (و كنوز المغفره) اي غفران الذنب. (اللهم و هذا مقام) اي انا قائم في هذا المقام (من افردك بالتوحيد) اي جعلك واحدا لا شريك لك (الذي هو لك) و هذا لتاكيد ان التوحيد ليس اغراقا، و انما حقيقه واقعه في مقابل صفات المخلوقين التي قد يدعي الانسان انها لهم، و ليست واقعا بل اغراقا و مبالغه و تملقا (و لم ير مستحقا لهذه المحامد) جمع محمده، مصدر ميمي بمعني الحمد (و المادح غيرك) و قوله (و لم) عطف علي (افردك). (و بي فاقه) اي حاجه شديده (اليك لا يجبر مسكنتها) المسكنه شده الفقر التي توجب سكون صاحبها عن الحركه التجاريه و الزراعيه و ما اشبه- مما يتحرك بها اهل الثروه- (الا فضلك) و احسانك (و لا ينعش من خلتها) اي فقرها، و الانعاش ما يوجب النشاط و الحركه (الا منك) اي احسانك (و جودك) بالاعطاء و

الاكرام (فهب لنا في ه

ذا المقام) الذي انا فيه (رضاك) بان ترضي عنا (و اغننا) باعطائنا حوائجنا (عن مد الايدي) اي بسطها للاستعطاء (الي سواك) اي غيرك (انك علي كل شي ء قدير).

خطبه 091

[صفحه 92]

(لما اريد علي البيعه بعد قتل عثمان) (دعوني و التمسوا غيري) اي اطلبوا للبيعه غيري، ليكون رئيسا علي المسلمين (فانا مستقبلون امرا له وجوه و الوان) اي في الخلافه- بعد مقتل عثمان- اضطرابات و ارتباكات، فان اراد الخليفه ان يعمل بالكتاب و السنه و العدل و الحق، يقوم في وجوهها المعارضون الذين اعتادوا الرشوه و الظلم و هضم حقوق الضعفاء، و ان اراد الخليفه الانحراف و مسايره الظالمين كما فعل عثمان، كان حائدا عن الكتاب و السنه. و حيث ان الامام لا يريد الا الحق كان يعلم عدم استقامه الامر له ف(لا تقوم له) اي لهذا الامر الذي هو الخلافه (القلوب) اي لا تتحد في الالتفاف حوله (و لا تثبت عليه العقول) بل العقول التي تقبله اول الامر ترده آخر الامر (و ان الافاق قد اغامت) اي غطيت بالغيم، و هذا كنايه عن خروج الامر عن الحاله الطبيعيه، كما تخرج الافاق بالغيم عن ذلك. (و المحجه) اي الطريق (قد تنكرت) اي ذهبت معالمها فلا تعرف (و اعلموا اني ان اجبتكم) الي قبول الخلافه الظاهريه (ركبت بكم ما اعلم) اي سرت بكم في طريق الحق، كما يركب القائد الناس في مراكبه (و لم اصغ) اي لا اسمع (الي قول القائل) الذي يقول في ما يشاء (و عتب العاتب) الذي

يعتب لماذا تركت سيره الخلفاء (و ان تركتموني) و لم تبايعوني (فانا كاحدكم) في انه لا تبعه عليكم مني، و لا افسد الامر عليكم. (و

لعلي اسمعكم و اطوعكم لمن وليتموه امركم) اي للخليفه الذي تنصبونه (و انا لكم وزيرا) بان تجعلون الخليفه غيري (خير لكم مني اميرا) اي خليفه. و لا يقال: كيف جاز للامام ان يرفض الخلافه؟ لانه يقال: الامام لم يرفض و انما بين طريقته في هذه الاسلوب- فالاسلوب مجاز عن الطريقه لا انه رفض حقيقي- و لذا قال في الاخير (خير لكم) اي من جهه الدنيا، لا انه خير في نظر الواقع و الحقيقه، و الله اعلم.

خطبه 092

[صفحه 94]

(اما بعد) اي بعد الحمد و الصلاه (ايها الناس فاني فقات عين الفتنه) فقا العين بمعني قلعها، و الظاهر ان المراد بالفتنه فتنه الخوارج، حيث ان اجتثاثهم كان صعبا جدا، اذا انهم كانوا يتظاهرون بالاسلام و الزهد فلم يكن احد يجترء علي تكفيرهم و محاربتهم لو لا الامام الذي كان اشد ملازمه منهم لاحكام الاسلام، و ازهد منهم عند الخاص و العام، و هذا شي ء واضح فان الذين يتظاهرون بالدين لا يتمكن من اسقاط منزلتهم و زحزحتهم الا الاشد تمسكا و الاقوي اخذا و احتمل ان يراد بالفتنه جميع الفتن التي وقعت في زمان الامام، التي لو لا الامام لم يتمكن احد من قلعها. (و لم يكن ليجتري عليها) اي علي الفتنه و اجتثاثها (احد غيري) لما ذكرنا (بعد ان ماج) شمل و اضطرب (غيهبها)، اي ظلمتها، بان شملت ظلمتها الناس حتي الاخيار، فان بعض الفتن تشمل الخواص كما تشمل العوام. (و اشتد كلبها) الكلب داء يصيب الكلاب و يسمي حينئذ بالكلب العقور، فاذا عض احدا مات، ان لم يسرع الي الدواء، و كان امر الخوارج هكذا يفسد الناس بمجرد وصوله اليهم. و اذا كنت الامام القادر علي

امور الدنيا و الدين (فاسالوني) عن كل تشائون (قبل ان تفقدوني) بالموت و الخروج من بين اظهركم.

(فو الذي نفسي بيده) قسم بالله سبحانه الذي نفس الامام بيده يوجهها كما يشاء (لا تسالوني عن شي ء فيما بينكم و بين الساعه) اي يوم القيامه، و انما سميت بالساعه، لتجدد الساعه هناك- و كما يقال فعلا (ساعه الصفر) البتداء الثورات- (و لا) تسئلوني (عن فئه) اي جماعه (تهدي مئه و تضل مئه) الواو بمعني او، و انما خصص هذا بالذكر، لان ابتداء الكلام كان في الخوارج الذين اضلوا الناس. (الا انباتكم) اي خبرتكم (بناعقها) اي الداعي الي تلك الهدايه، او الضلاله- المفهوم من قوله تهدي و تضل-. (و قائدها) الذي يقود اولئك المائه، و يحتمل ان يراد بالضمير في (ناعقها): المائه، علي ضرب من المجاز (و سائقها) و الفرق ان القائد هو الذي يتقدم، و السائق هو الذي يتاخر. و انما لم يذكر الامام عليه السلام متعلق (لا تسالوني) اكتفاء بذكر متعلق (و لا عن فئه) علي حد قول الشاعر (نحن بما عندنا و انت بما عندك راض و الراي مختلف) و قوله (علفتها تبنا و ماء باردا). (و مناخ ركابها) المناخ بضم الميم محل بروك القافله، من اناخ، و ركاب الراكب، مقابل راجل. (و محط رحالها) اي المحل الذي يحط رحل الابل و الفرس و من المعلوم ان محل الاناخه: غير محط الرحال. (و من يقتل من اهلها)

اي اهل تلك الفئه (قتلا) في مقابل الموت (و من يموت منهم موتا) في مقابل القتل (و لو قد فقد تموني و نزلت بكم كرائه الامور) جمع كريهه و هي الامور الشديده التي لا يعلم حلها و علاجها (و حوازب الخطوب)

جمع حازب و هو الامر الصعب، و خطوب جمع خطب و هي الداهيه والامر الشديد. (لا طريق كثير من السائلين) اطرق براسه اذا نكسه فلم يرفعه تحيرا، و هذا كنايه عن تحيرهم في الامر لا يدرون من يحل لهم المشكله و يرشدهم طريق الصواب. (و فشل كثير من المسوولين) لا يعلمون الجواب و لا يهتدون الي طريق الصواب (و ذلك اذا قلصت حربكم) اي تمادت و استمرت، و اصل التقلص التقبض يعني عدم انفراجها و انكشاف غمتها. (و شمرت عن ساق) فان الانسان اذا اراد الجد في العمل رفع ثوبه عن ساقه- و هو التشمير- لئلا يمنعه فاضل الثوب عن الاسراع في العمل، و الجمله تشبيه بهذا الانسان، كنايه عن جد الحرب و استعارها. (و ضاقت الدنيا عليكم ضيقا) بان لا تجدوا مفرا و ملجا عن المشكله و الكارثه (تستطيلون معه) اي مع ذلك الضيق. (ايام البلاء عليكم) فان الانسان الواقع في البليه يستطيل الايام، و بالعكس الانسان الذي في الهناء و الرفاه. (حتي يفتح الله لبقيه الابرار منكم) و الفتح و ان كان

عاما لكنه انما ياتي بملاحظه الابرار و لذا نسب اليهم.

[صفحه 97]

(ان الفتن اذا اقبلت شبهت) يعين يشتبه فيها الحق بالباطل، و يلبس الباطل لباس الحق فيغر به من قلت معرفته، و ضئلت تجربته. (و اذا ادبرت) بان انزاحت (نبهت) و دلت علي مواقع الخطا فيها فان الانسان يفكر و يرجع اليه صوابه فيري موقع الحق من الباطل. (ينكرن) اي الفتن، و المعني لا يعرف كونها فتنه و باطلا (مقبلات) اي في حال اقبالها (و يعرفن مدبرات) فيعرف الناس- لدي ادبار الفتن- انها كانت فتنه و باطلا (يحمن) اي الفتن. (حوم الرياح) اي

مثل حركه الرياح، من حام بمعني دار. (يصبن) الفتن (بلدا و يخطئن بلدا) فتشمل الفتنه بلدا دون بلد كما ان الرياح تشمل بلدا دون بلد. (الا ان اخوف الفتن عندي عليكم فتنه بني اميه) و ذلك لانهم حرفوا الاسلام باسم الاسلام، و حيث كانت السلطه بايديهم، تمكنوا من ارساخ قواعد الكفر في المجتمع، مما كوي المسلمون بنارها الي يومنا هذا بعد اربعه عشر قرنا- و قد كانت الجمل السابقه من قوله (ان الفتن) مقدمه لهذه النتيجه-. (فانها فتنه عمياء) كالاعمي الذي لا يبصر الطريق فيضل و يسقط في المهاوي (مظلمه) و هذان وصفان لشده جهاله الحق فيها و اختلاطه بالباطل. (عمت خطتها) لانها كانت رئاسه عامه للبلاد الاسلاميه فلا من

جي لاحد منها (و خصت بليتها) لال البيت عليهم السلام، حيث انها كانت ضدهم، او المراد خصت بليتها اهل الحق، و ليست كالفتن التي تشمل اهل الحق و اهل الباطل. (و اصاب البلاء من ابصر فيها) اي في تلك الفتنه، فان من عرف انها فتنه و اراد تجنبها الي الحق نزل به بلاء الاضطهاد من بني اميه. (و اخطا البلاء من عمي عنها) اي من لم يبصر انها فتنه فجاراها و سايرها، فانهم لم يكونوا يتعرضون لمن لم يعارضهم. (و ايم الله لتجدن) ايها المسلومن (بني اميه لكم ارباب سوء بعدي) اي قاده سوء يعملون سوء و يامرونكم بالسوء. (كالناب الضروس) الناب الناقه المسنه، و الظروش السيئه الخلق التي تعض بضرسها حالبها (تعذم) اي تعض (بفيها و تخبط بيدها) اي تضرب الارض و تخلط الحسن بالسيي ء. (و تزبن) اي تضرب (برجلها) فترفس الناس و تكسر الاشياء و هكذا. (و تمنع درها) اي حليبها فلا تعطي اللبن (لا يزالون بكم) اي بنو

اميه (حتي لا يتركوا منكم) احدا (الا نافعا لهم) يويدهم (او غير ضائر بهم) لا ينهاهم عن المنكر. (و لا يزال بلاوهم) يتمادي و يستمر (حتي لا يكون انتصار احدكم منهم) اذا اراد كفهم عن ظلمه، او اخذ حقه منهم. (الا كانتصار العبد من ربه) اي سيده فكما لا يتمكن العبد ان

ينتصر من سيده كذلك لا تتمكنون من الانتصار عليهم. (و) انتصار (الصاحب من مستصحبه) اي التابع من متبوعه و الذليل ممن اذله (ترد عليكم) ايها الناس (فتنتهم) اي فتنه بني اميه (شوهاء) قبيحه المنظر، اي مشوه الخلقه (مخشيه) اي مخوفه مرعبه. (و قطعا جاهليه) فانهم يعيدون الاخلاق الجاهليه، فكل خلق منها كقطعه من قطع الجاهليه قبل الاسلام (ليس فيها) اي في فتنتهم (منار هدي) محل للنور يعرف به الطريق. (و لا علم يري) اي دليل يسير عليه السائر، يراه فيسير نحوه لئلا يضل. (نحن اهل البيت) المراد الائمه الطاهرون (منها) اي من فتنه بني اميه (بمنجاه) اي في محل نجاه لا تشملنا، و هذا تحريض للناس للتمسك باهل البيت اذا ارادوا النجاه من تلك الفتنه- بمعني عدم الوقوع في الباطل و لاثم.- (و لسنا فيها بدعاه) جمع داعي، فان اهل البيت كانوا مخالفين لبني اميه لا داعين اليهم. (ثم يفرجها الله عنكم) بزوال ملكهم (كتفرج الديم) هو الجلد، اي كما يسلخ الجلد عن اللحم (بمن) اي يكون الفرج علي يد من (يسومهم خسفا) اي يذل بني اميه، يقال سامه خسفا اذا اذله (و يسوقهم عنفا) يريد بالسوق تنحيتهم عن اريكه السلطه و المراد باولئك آل عباس، و ليس هذا مدحا لهم بل نقلا و حكايه،

كما قال سبحانه عن بخت نصر (بعثنا عليكم عبادا لنا اولي باس شديد). (و

يسقيهم بكاس مصبره) اي مملوئه الي اصبارها- جمع صبر بمعني الحاشيه و الطرف- و هذا كنايه عن الوان الانتقام منهم و تعميم التعذيب و الاستيصال لهم (لا يعطيهم الا السيف) كنايه عن سعه القتل فيهم فلا امان لهم (و لا يحلسهم) اي لا يلبسهم يقال احلس البعير اذا البسه الحليس و هو الكساء الذي يوضع علي ظهره- (الا الخوف) يعني انه يغشي فيهم الخوف. (فعند ذلك تود قريش- بالدنيا و ما فيها- لو يرونني) فان ابامسلم انما قام في مقابله الامويين لنصره العلويين، فكانت قريش تود ان تري الامام لتعطيه حقه، و قوله: (بالدنيا) اي كانوا يحبون رويته عليه السلام في مقابل اعطائهم الدنيا و ما فيها. (مقاما واحدا و لو قدر جزر جزور) الجزور الناقه التي تجزر اي تنحر، اي ان قريش تود رويتي و لو بمقدار نحر بعير- في مقام واحد- فان الانسان في السراء يحب ان يري اصحابه و اهله ليري سرورهم خصوصا اذا كان السرور لمن ظلم (لاقبل منهم) اي اتسلم و آخذ من قريش. (ما اطلب اليوم بعضه فلا يعطونني) هولاء القوم- من النصفه و الحق- اي يحبون ان يروني لا قبل منهم السلطه العامه مما اطلب اليوم بعضه، فان الامام علي

ه السلام كان يطلب ضم الشام- الذي هو بعض السلطه- فلا يعطيها معاويه، و في بعض الشروح تفسير (تود قريش) يحب بني اميه لذلك- لكن ما ذكرناه اظهر، و الله العالم.

خطبه 093

[صفحه 102]

و فيها وصف الله و الرسول و آل البيت عليهم السلام، ثم الوعظ و الارشاد. (فتبارك الله) من برك بمعني ثبت، اي انه سبحانه ثابت لا يزول، و منه سميت البركه، لانها تبقي و لا تفني بسرعه (الذي لا يبلغه بعد

الهمم) جمع همه، اي ان الهمه البعيده لا تبلغ كنه معرفته سبحانه لتعذرها علي البشر (و لا يناله حدس) هو الظن (الفطن) جمع فطنه بمعني الذكاء. (الاول الذي لا غايه له) اي لا آخر لوجوده تعالي (فينتهي) و ينعدم (و لا آخر له فينقضي) و كانه بالنسبه الي ذات الشي ء، و الوصف السابق باعتبار ظرفه، مثلا اذا سار زيد الي الكوفه فالكوفه غايه، و اذا كان عمره الي ذلك الوقت فله آخر هناك- و الا فالوصفان بمعني واحد، او يتكلف: بان لا غايه بمعني (لا ابتداء).

[صفحه 102]

(منها) في وصف الانبياء (فاستودعهم) الله، اي اودعهم (في افضل مستودع) اي اصلاب الرجال (و اقرهم في خير مستقر) اي ارحام النساء (تناسختهم) اي تناقلتهم (كرائم الاصلاب) اي الاصلاب الكريمه، و الصلب في ظهرالرجل موضع مائه (الي مطهرات الارحام) اي ارحام النساء المطهره عن الزنا و الكفر و ما اشبه، فمثلا الرسول صلي الله عليه و آله و سلم اودع في صلب آدم عليه السلام ثم انتقل الي رحم (حواء) و هناك اودع في صلب (هابيل) و انتقل الي رحم (زوجته) و هلم جرا. (كلما مضي منهم) اي من الانبياء (سلف) بان مات احدهم (قام منهم بدين الله) اي لاقامه دينه (خلف) يخلف مكانه ليودي رسالته ربه (حتي افضت) اي انتهت (كرامه الله) بالنبوه (الي محمد صلي الله عليه و آله فاخرجه) اي الرسول (من افضل المعادن منبتا) المنبت اسم مكان بمعني محل النبات، و المراد (بني هاشم). (و اعز الارومات) جمع ارومه بمعني الاصل (مغرسا) موضع الغرس (من الشجره التي صدع منها انبيائه) يقال صدع فلانا اذا قصده لكرمه، اي خصهم بالنبوه و المراد بها شجره ابراهيم عليه السلام الذي تفرع

منه انبياء بني اسرائيل الكثار و غيرهم. (و انتخب) اي اختار (منها) اي من تلك الشجره (امنائه) المام

ونين علي تبليغ الشريعه (عترته) عتره الرجل اهله الاقربون، اي ان اهل بيت الرسول صلي الله عليه و آله (خير العتر) جمع عتره (و اسرته) رهطه و جماعته (خير الاسر) جمع اسره (و شجرته خير الشجر) الشجر للجنس و الشجره للفرد نحو تمر و تمره، و بقر و بقره (نبتت) شجره الرسول صلي الله عليه و آله (في حرم) مكه (و بسقت) اي ارتفعت (في كرم) فلكهم كرماء اذكياء (لها فروع طوال) لامتداد ذريه الرسول صلي الله عليه و آله. (و ثمره لا تنال) اي ان عزه و سودده لا ينال فلا يتمكن احد من الصول الي هذه المرتبه الرفيعه (فهو امام من اتقي) لانه صلي الله عليه و آله المعلم و المرشد و الاسوه. (و بصيره) اي سبب بصيره (من اهتدي) الي الحق (سراج) اي مصباح (لمع) و اشرق (ضووه) فكما يضي ء المصباح كذلك الرسول صلي الله عليه و آله يضي ء بالارشاد و الهدايه. (و شهاب) هو النيزك يري بالليل ينبقض في السماء (سطع) اي ارتفع (نوره) فرآه كل احد (و زند) هو ما يقدح من الحجر لاخراج النار (برق لمعه) اي نوره (سيرته القصد) يعني التوسط في الامور بلا افراط و لا تفريط (و سنته) اي طريقته (الرشد) لاغي في سنته صلي الله عليه و آله و سلم. (و كلامه الفصل) بين الحق و الباطل (و حكمه العد

ل) لا يجور في الحكم او ان احكامه كلها عادله لا انحراف فيها (ارسله) الله سبحانه (علي حين فتره من الرسل) الفتره الزمان بين الرسولين (و هفوه) اي انحراف الناس

(عن العمل) الصالح (و غباوه) اي جهل (من الامم) بما يصلح دنياهم و آخرتهم.

[صفحه 105]

(اعملوا) ايها الناس (رحمكم الله) دعاء في صوره الجمله الخبريه (علي اعلام بينه) اي واضحه، و المراد بالاعلام، احكام الكتاب و السنه، فانها اعلام لطريق الحق و الهدي. (فالطريق) الي الحق (نهج) واضح مستقيم (يدعوا الي دار السلام) فاعل يدعو (الطريق) و دار السلام هي الجنه، لانها دار سلامه، كما قال سبحانه: (لهم دار السلام عند ربهم). (و انتم في دار مستعتب) اي طلب العتبا- بمعني الرضا- فان الدنيا دار يطلب من الانسان- فيها- اي يرضي ربه، و هذا كنايه عن ان للانسان وقت للعمل الصالح. (علي مهل) اي مهله من العمل (و فراغ) فلا اشتغال للانسان لا يتمكن من العمل الصالح بسببه (و الصحف) جمع صحيفه- التي يكتب فيها عملكم- (منشوره) فلكم امكان ان تزيدوا و تنقصوا في اعمالكم. (و الاقلام جاريه) بالكتابه لكم او عليكم، فيمكنكم التدارك (و الابدان صحيحه) لا مرض فيها (و الالسن مطلقه) لا خرس لها، و الجملتان من باب الغالب- كما لا يخفي- (و التوبه مسموعه) لا كالاخرهه التي لا تقبل التوبه فيها (و الاعمال مقبوله) فمن عمل صالحا قبل منه و رفع به درجته.

خطبه 094

[صفحه 106]

في فضيله الرسول صلي الله عليه و آله (بعثه) الله سبحانه (و الناس ضلال) جمع ضال (في حيره) لا يعرفون طريق الصواب (و خابطون في فتنه) اي كانوا يخوضون في الفتن لا يهتدون الي الحق، و لا يجدون للخلاص سبيلا (قد استهوتهم الاهواء) اي ان الميول و الشهوات اخذتهم الي جانبها (و استزلتهم الكبرياء) اي ادت كبريائهم و انصرافهم عن الحق الي الزله و السقوط في المفاسد. (و استختهم

الجاهليه الجهلاء) اي جعلتهم الجاهليه خفيفا، تسوق بهم الي المهالك و المضار، و الجاهليه صفه لاقوام ما قبل الرساله، حيث كان الناس يغوطون في بحارالجهل و الاثام، و الجهلاء مبالغه في وصفها بالجهل. (حياري) جمع حيران (في زلزال من الامر) اي ان امورهم لم تكن مستقره بل مضطربه. (و بلاء من الجهل) فجهلهم كان بلاء عليهم (فبالغ) الرسول (صلي الله عليه و آله في النصيحه) لهم بترك الكفر و الاثام (و مضي علي الطريقه) الصحيحه يدعو الناس لا تباعه. (و دعا الي الحكمه و الموعظه الحسنه) اي دعا الناس بان يكونوا حكماء عارفين، و يعظون الناس موعظه حسنه، لا عنف فيها و لا تجهم، و لا ايذاء

خطبه 095

[صفحه 107]

(فيها حمد الله، و تمجيد الرسول صلي الله عليه و آله) (الحمد لله الاول فلا شي ء قبله فهو واجب الوجود، فهو ازل، و لا شي ء غيره الا ممكن الوجود، فيسبق عدمه وجوده، مهما طال به الزمن في طرف الازل، (و الاخر فلا شي ء بعده) لانه سبحانه يبقي بعد فناء جميع الاشياء و الدليل عليه هو (وجوب الوجود) كما ذكرنا. (و الظاهر فلا شي ء فوقه) و المراد بالظاهر العالي منزله الرفيع قدرا، و لذا وصفه عليه السلام بقوله (فلا شي ء فوقه) اي من حيث الرتبه و الشرف. (و الباطن فلا شي ء دون) في تبطن الاشياء و عرفان كنهها، و المراد البطون بالعلم، لا بالمكان- كما هو واضح.

[صفحه 108]

(منها في دكر الرسول صلي الله عليه و آله) (مستقره) صلي الله عليه و آله و سلم، اي محل قراره، و هو مكه، او المراد رحم امه صلي الله عليه و آله (خير مستقر) فان مكه هي ام القري، و بيت الله

الحرام، و ان اريد قرار نطفته، فلطهاره والده الرسول صلي الله عليه و آله و اصالتها. (و منبته) اي آبائه الذين نبت صلي الله عليه و آله منهم (اشرف منبت) لانهم المختارون لهذا الرسول العظيم (في معادن الكرامه) فاجداده صلي الله عليه و آله كانوا كرماء اذكياء، كانهم معدن لهذا الوصف. (و مماهد) جمع ممهد، و المراد المهد- فهو اسم مكان من امهد اي هيي ء المكان الحسن للاستقرار- (السلامه) فان الرسول صلي الله عليه و آله كان من آباء كلهم سالمون عن الفكر و السفاح و سائر الارجاس. (قد صرفت نحوه افئده الابرار) اي ان قلوبهم مصروفه نحوه صلي الله عليه و آله لاتخاذ العلم و العمل منه، فانهم ياتسون به و يتقدون بسيرته و سنته (و ثنيت اليه) صلي الله عليه و آله. (ازمه الابصار) ازمه جمع زمام، و انثناء الازمه كنايه عن تحول الابصار اليه، كما ان انثناء ازمه الدابه انما يكون اذا اريد تحولها الي اتجاه آخر. (دفن) الله سبحانه (به) اي بالرسول صلي الله عليه و

آله (الضغائن) اي الاحقاد، بما اوجد في قلوبهم من المحبه و الالفه. (و اطفا به الثوائر) جمع ثائره، و هي العداوه التي تثور و تثب للاضرار (الف) الله سبحانه (به) صلي الله عليه و آله (اخوانا) فجعل كل مسلم اخا للاخر- كما قال تعالي: (انما المومنون اخوه). (و فرق) سبحانه (به) صلي الله عليه و آله (اقرانا) الذين كانوا يالفون علي الشرك و العصيان، فمن آمن منهم فرق عمن بقي علي كفره. (اعز) سبحانه (به) صلي الله عليه و آله (الذله) التي كانت تشمل العرب و سائر الناس، فيما قبل الاسلام. (و اذل) سبحانه (به) صلي

الله عليه و آله (العزه) للكافرين و العصاه فاصبحوا اذلاء بعد ان كانوا اعزه. (كلامه) صلي الله عليه و آله (بيان) للحق، ليس هدرا و لغوا. (و صمته لسان) فان سكوته صلي الله عليه و آله دليل علي العدم و الترك. فاذا سكت عن شي ء دل علي انه ليس بمنكر، لان قوله و فعله و تقريره كلها حجه.

خطبه 096

[صفحه 110]

في حال اصحابه، و حال اصحاب الرسول صلي الله عليه و آله (و لئن امهل) الله (الظالم) و لم يعجل في عقابه (فلن يفوت اخذه) اي لا يذهب عنه تعالي ان ياخذه و ينتقم منه (و هو) سبحانه (له) اي الظالم (بالمرصاد) هو موضع الرصد و الترقب، كانه سبحانه واقف في طريق الظالم يراقبه حتي اذا وصل اليه- و حان وقته- اخذه اخذ عزيز مقتدر. (علي مجاز طريقه) المجاز محل العبور، من جاز بمعني مر (و بموضع الشجا) الشجي ما يعترض في الحلق من عظم و نحوه (من مساع ريقه) اي ممره من الحلق، فان ماء الفم يمر من الحلق بسهوله الي الباطن، و هذا تمثيل لقرب ترقب الله سبحانه للظالم، حتي كانه سبحنه في حلقه، فاذا اراد اخذه جعل هناك شجي فلا يتمكن من شر الماء. (اما و الذي نفسي بيده) اي الله سبحانه الذي روح الانسان تحت قدرته و هذا حلف فيها نكته لطيفه-. (ليظهرن) اي ليغلبن و ليتسلطن (هولاء القوم) معاويه و اتباعه (عليكم ليس لانهم اولي بالحق منكم) حتي ينطبق عليهم (الحق يعلو و لا يعلي عليه). (و لكن لاسراعهم الي باطل صاحبهم) معاويه اي انه اذا امرهم بامرا اسرعوا في تلبيته فينتهزون كل فرصه، و العامل- دائما- مقدم علي الكسول العاطل

(و ابطائكم عن حقي) اي عن ال

حق الذي امركم به. (و لقد اصبحت الامم تخاف ظلم رعاتها) جمع الراعي، اي حكامها، فان الناس يخافون من ظلم السلاطين و الحكام. (و اصبحت) بالعكس من ذلك (اخاف ظلم رعيتي) بان تظلمني في عدم الاطاعه، و عدم السير علي الخطه التي انهجها لهم (استنفرتكم للجهاد) اي طلبت منك النفر و السير للجهاد مع اهل الشام (فلم تنفروا) و لم تسيروا. (و اسمعتكم فلم تسمعوا) اي اسمعتكم سوء العاقبه اذا لم تحاربوا هولاء. لكنكم ما اطعتم كالذي لا يسمع. (و دعوتكم) الي الحق (سرا) فرادي و في الخلوات (و جهرا) جماهيرا و في الاجتماعات (فلم تستجيبوا) و لم تقبلوا النصح و الارشاد. (و نصحت لكم) فيما ينفعكم (فلم تقبلوا) نصحي و لم تسيرا وفق منهجي (اشهود كغياب)؟ استفهام انكار، اي كيف انت حاضرون في حال كونكم- في عدم الانتفاع كالغائبين الذين لا يسمعون الكلام (و عبيد كارباب) ان العبد يحتاح الي الاخافه في الاطاعه، و هولاء كانوا عبيدا لكنهم كارباب لا رب لهم و هذا الكلام في غايه الجمال و البلاغه في الازدراء بهم. (اتلو) اي اقرء (عليكم الحكم) جمع حكمه و هي الموعظه (فتنفرون منها) بعدم العمل بعضا مينها (و اعظكم بالموعظه البالغه) التي تبلغ غايه الارشاد و الايضاح (فتتفرقون

عنها) اي لا تجتمعون علي الاخذ بها و الاتعاظ منها. (و احثكم) اي احرضكم (علي جهاد اهل البغي) اي اهل الظلم و هم معاويه و اتباعه (فما اتي علي آخر قولي) في الحث و التحريض (حتي اراكم متفرقين) يذهب كل فريق الي داره و محله (ايادي سبا) جمع ايدي، و هي النعمه، اي كما تفرقت نعم (سبا) و هي

مدينه في اليمن، حكا القرآن الحكيم قصتها في قوله (لقد كان لسبا في مسكنهم آيه)، و قيل غير ذلك، ثم صار (ايادي سبا) مثلا في شده التفرق و الاختلاف. (ترجعون الي مجالسكم) بلا اهتمام للجهاد (و تتخادعون) اي يخدع بعضكم بعضا (عن مواعظكم) التي وعظتكم بها، فلا ترون لها قيمه و ثمنا. (اقومكم) بالنصح و الارشاد و جعمكم (غدوه) اي صباحا (و ترجعون الي عشيه) اي ليلا (كظهر الحنيه) اي القوس، سميت بها لا نحنائها (عجز المقوم) عن تقويمكم، و هذا جمله خبر للتافيف و التضجر (و اعضل المقوم) اي استصعب و عصي من يراد قوامه و استقامته. (ايها) الجماعه (الشاهده ابدانهم) اي الحاضره في محضري (الغائبه عقولهم) كنايه عن عدم رشدهم و ادراكهم (المختلفه اهواوهم) فلكل هوي و ميل و اتجاه، بلا اجتماع علي الحق (المبتلي بهم امراوهم) فان امراء العراق ما كانوا يعلمون ماذا يصنعون بهولاء، و

لذا دل التاريخ علي كثره التقلبات في هذه البلاد بما يقل مثلها في سائر المدن و البلاد. (صاحبكم) يعني الامام ب(الصاحب) نفسه الطاهره (يطيع الله) في اوامره و نواهيه (و انتم تعصونه) بالمخالفه و التفرق و اتباع الاهواء. (و صاحب اهل الشام) و هو معاويه (يعصي الله) فلا يطيع اوامره و زواجره (و هم يطيعونه) في باطله (لوددت) اي احببت. (- و الله- ان معايه صارفني بكم صرف الدينار بالدرهم) المصارفه تعويض نقد بنقد آخر (فاخذ مني عشره منكم و اعطاني رجلا منهم) فان الدينار- كان- يعادل عشره دراهم و المراد ان رجلا من اهل الشام- في الاطاهه خير من عشره منكم، فالجيش المكون من مائه منهم- مثلا افضل في القوه و المنعه من جيش مكون من

الف منكم. (يا اهل الكوفه منيت منكم) اي امتحنت بواستطكم و ابتليت بكم (بثلاث) من الخصال السيئه التي فيكم (و اثنتين) اي خمس خصال سيئه، و انما فرقهما لان الاثنتين شكل آخر، من غير شكل الثلاث، و ان كان الجميع خصال سوء اما الثلاث (صم ذوو اسماع) اي ان اسماعكم لا تنفع، فانتم كالانسان الاصم الذي لا ينتفع بسمعه و صم جمع اصم، و هو من فقد حاسه السمع. (و بكم) جمع ابكم و هو الذي لا يقدر علي التكلم (ذوو كلام) و حيث ان كلامهم لا

ينفع فهم كالابكم الذي لا يتلكم اذ عدم الكلام و الكلام غير المفيد سواء. (و عمي) جمع اعمي (ذوو ابصار) و الحاصل ان اسماعكم و ابصاركم و السنتكم لا ياتي منها الخير فوجودها كعدمها … و اما الاثنتان (لا احرار صدق) اي ليس احدكم حرا صادقا، و انما حريتكم مكذوبه لان عملكم عمل العبد (عند اللقاء) في الحرب، فالعبد يفر، لانه لا يهمه من كان سيده، سيده الاول او خصمه، اما الحر فانه يعلم اذا غلب يكون عبد الخصمه، و لذا يصمد امام الاعداء (و لا اخوان ثقه) اي اخوان يثق بكم الانسان (عند البلاء) فانكم تتجانبون اصدقائكم اذا نزلت بهم البلاء، لانطوائكم علي الرذيله. (تربت ايديكم) اي اصابت التراب، و هذا دعاء عليهم بعدم الخير، لان الانسان اذا ذهب الي العمل فقد يجد العمل، و قد لا يجد فكانه اصابت يده التراب الذي لا ينفع، و لم تصب عملا نافعا. (يا اشباه الابل) المتصفه بانها (غاب عنها رعاتها) فان الابل اذا غاب عنها الراعي تفرقت اشد التفرق (كلما جمعت من جانب) فيما كان الجمع من غير الراعي لها

(تفرقت من جانب آخر) لعدم انتظام امرها. و عدم اتحاد اهوائها. (و الله- لكاني بكم) اي هكذا اراكم و اظنكم (فيما اخال) اي فيما اظن، فان (خال) بمعني (ظن) (ان لو

حمس) اي اشتد (الوغي) اي الحرب (و حمي) اصار حارا (الضراب) اي القتال، و حرارته كنايه عن شدته (و قد انفرجتم) اي تفرقتم (عن ابن ابي طالب) يعني الامام عليه السلام نفسه. (انفراج المراه عن قبلها) كما تبدي النساء عورتها لدي الوضع عند الولاده، او لدي ملاقات السلاح، لانها تذهل عن امرها، حتي انها لا تعرف انكشاف قبلها اذا فرت و قد صرح الامام بهذا اللفظ ليوجد فيهم الانفه و الحميه لعلهم يانفون عن مثل هذا التشبيه القبيح، و المراد التشبه في فرارهم بالمراه المنفرجه لا ان المقصود جميع اطراف التشبيه فتامل. (و اني) لا يهمني امركم في ذات نفسي، و انما انصح لكم، اذ اني (لعلي بينه من ربي) فانا اعرف احكام الله سبحانه. (و منهاج من نبيي) اعلم سنه الرسول صلي الله عليه و آله. (و اني لعلي الطريق الوضاح القطه لقطا) اي آخذ الحق كما ياخذ الانسان اللقطه الثمينه من بين ما لا ثمن له، فان الحق واحد و الباطل ضروب مختلفه.

[صفحه 116]

(انظروا) الي (اهل بيت نبيكم فالزموا سمتهم) اي طريقهم (و اتبعوا اثرهم) في الاعمال و الاقوال و العقائد (فلن يخرجوكم من هدي) الي الضلاله (و لن يعيدوكم في ردي) اي الهلاك، و الاعاده باعتبار ما كان الناس عليه في زمن الجاهليه. (فان لبدوا) اي اقاموا علي امر (فالبدوا) اي اقيموا عليه من (لبد) بمعني (اقام). (و ان نهضوا) بالحرب، او ما اشبه (فانهضوا) و هذا كنايه عن اتباعهم في كل الامور (و

لا تسبقوهم) بان تسرعوا في الامر فيما تانوا فيه، كان يحاربوا و اهل البيت يرون وجوب المسالمه (فتضلوا) عن الطريق. (و لا تتاخروا عنهم) كما لو قام اهل البيت بالحرب، فلم ينهض معهم الناس، فانهم تاخروا عنهم- فان التقدم و التاخر يعتبر بالسلوك، تشبيها له بالمشي- (فتهلكوا) بالعصيان و توجبوا علي انفسكم العقاب و النيران. (لقد رايت اصحاب محمد صلي الله عليه و آله و سلم فما اري احدا منكم يشبههم) في الطاعه و السبق الي الخير و الفضيله- و المراد بهم المومنون حقا، لا المنافقون،- كما لا يخفي-. (لقد كانوا يصبحون شعثا) جمع اشعث و هو الذي لم يمشط راسه فتداخل شعره (غبرا) جمع اغبر و هو المعفر الراس، فان القيام بالليل و كثره الركوع و السجود يسبب ذلك،

و المراد انهم كانوا عبادا زهادا (و قد باتوا) ظلوا الليل كله (سجدا) جمع ساجد (و قياما) جمع قائم (يراوحون) المرواحه بين عملين هي ان يعمل هذا مره و ذاك مره (بين جباههم) جمع جبهه (و خدودهم) جمع خد، يعني انهم كانوا يضعون جبهتهم و خدهم علي الارض خضوعا- هذه مره، و ذاك اخري- و ذلك كنايه عن ادمان الصلاه و الاستكانه (و يقفون علي مثل الجمر) اي مثل الواقف علي جمر النار (من ذكر معادهم) فان الانسان اذا خاف شديدا، كان كالواقف علي الجمر في ضربان القلب، و عدم استقرار الجسد. (كان بين اعينهم) اي في جباههم (ركب المغزي) جمع ركبه، و المعزي، جمع معز، فان كثره السجود توجب يبس الموضع و استدارته و انعقاد الثفنه، و تخصيص المعزي لان ركبها اشد يبوسه (من طول سجودهم) لله سبحانه. (ذا ذكر الله هملت) اي جرت (اعينهم)

دموعا (حتي تبل) اعينهم (جيوبهم) من كثره البكاء، فان الخائف الشديد الخوف، و الراغب الشديد الرغبه، اذا ذكر لديهم المخوف منه او المرغوب اليه بكوا. (و مادوا) اي اضطربوا- عند ذكر الله سبحانه- (كما يميد الشجر يوم الريح العاصف) اذا هبت الرياح الشديده (خوفا من العقاب) لئلا يكون من اهله (و رجاء للثواب) تمنيا ان يكونوا من مستحقيه.

خطبه 097

[صفحه 118]

في وصف بني اميه (و الله لا يزالون) اي يبقون (حتي لا يدعوا) اي لا يتركوا (لله محرما الا استحلوه) اي اتوا به كانه حلال (و لا عقدا) مما عاهد الله البشر (الا حلوه) و لم يفوا به، او المراد عقودهم مع الناس، و هذا اضافي بمعني انهم لا يبالون بالمحرمات و العقود، لا استغراقي حقيقي. (و حتي لا يبقي بيت مدر) و هو المبني من طوب و حجر و نحوهما (و لا وبر) و هو الخيام المضروبه من اوبار الابل و نحوها (الا دخله ظلمهم) فان الضرائب و ما اشبه تدخل كل بيت. (و نبا به سوء رعيهم) يقال نبا به المنزل اذا لم يوافقه فارتحل عنه، يعني ان سوء اداره بني اميه يوجب ابتعاد الناس عن دارهم فرار من الظلم. (و حتي يقوم الباكيان يبكيان) المراد جنسان من الباكي (باك يبكي لدينه) حيث ان بني اميه يحاربون الدين (و باك يبكي لدنياه) حيث يستبدون بالسيطره علي الدنيا فلا يجعلون لاحد منها نصيبا. (و حتي تكون نصره احدكم من احدهم) اي اذا اراد الانتصار (كنصره العبد من سيده) الذي لا يتمكن الانتصار منه و التغلب عليه (اذا شهد اطاعه و اذا غاب اغتابه) هذا بيان لكيفيه النصره، فان العبد حيث لا يتمكن من الانتصار يكون حاله هكذا، اذا

حضرالمولي اطاعه- خوفا و جبرا

- و اذا غاب المولي، اغتابه العبد و بين مظالمه و اذاه له. (و حتي يكون اعظمكم فيها) اي في حكم بني اميه (عناء) تعبا و صعوبه (احسنكم بالله ظنا) اذ الانسان الحسن الظن بالله يعمل من اجله سبحانه، و بنو اميه مخالفون لمن اطاع الله سبحانه و لذا يضطهدوه و يوذوه اكثر من غيره. (فان اتاكم الله بعافيه) سلامه عن شرهم (فاقبلوا) و اشكروا الله عليها (و ان ابتليتم) ببلائهم (فاصبروا) حتي ياتي الله بامره (و العاقبه للمتقين) الذين يتقون الاثام و المعاصي.

خطبه 098

[صفحه 120]

في التزهيد في الدنيا (نحمده) تعالي (علي ما كان) من تهطال نعمه علينا قديما (و نستعينه من امرنا علي ما يكون) ليكون سبحانه عونا لنا في ما ياتي (و نساله المعافاه في الاديان) بان يتفضل علينا بعافيه ديننا عن الاخطار (كما نساله المعافاه في الابدان) بان يعافي بدننا من الامراض.

[صفحه 120]

يا (عباد الله اوصيكم بالرفض لهذه الدنيا) اي تركها و عدم الاقبال عليها (التاركه لكم و ان لم تحبوا تركها) فان الدنيا تترك الانسان عند الموت و تاخذ عنه نعيمها، و ان لم يحب الانسان الا البقاء، و دوام النعمه (و المبليه لاجسامكم) فان الانسان يبلي في القبر و يصير ترابا. (و ان كنتم تحبون تجديدها) اي تجديد الدنيا، فهي من النقيض لكم حيث انكم تخدمونها و هي نسي ء اليكم فما اجدر بالانسان ان يترك ما هذا شانه. (فانما مثلكم و مثلها) اي مثلكم في الدنيا (كسفر) بمعني جماعه مسافرين (سلكوا سبيلا) اي ساروا في طريق (فكانهم قد قطعوه) و وصلوا الي الغايه التي من اجلها سافروا (و اموا علما) اي قصدوا جبلا- او علامه- (فكانهم قد

بلغوه) و هكذا الدنيا حيث انها محدوده لابد و ان تنتهي عن قريب، و لذا فمن الافضل ان لا يعتمد الانسان عليها (و كم عسي المجري) مركوبه (الي الغايه ان يجري اليها) اي الذي يريد ان يجري الي تلك الغايه (حتي يبلغها) متعلق ب(كم عسي) اي، مقدار من المده يرجو- الذي يجري مركوبه الي غايه يريد ان يرجي اليها- حتي يبلغ تلك الغايه؟ و هذا استفهام للتحقير، فان ماله غايه لابد من الوصول اليها، و ان كانت المسافه بعيده. (و ما

عسي) اي ما يومل (ان يكون بقاء) اي بقائه (من له يوم لا يعدوه) فان لكل انسان يوم لا يعدو ذلك اليوم، بل اذا وصل اليه انتهي عمره و انتقل الي الاخره، و الاستفهام للتحقير لبيان قله الامر المومل اذا كان له آخر و غايه (و) الحال انه (طالب حثيث) يحث و يحرض علي السير (يحدوه) يسوقه و يسيره (في الدنيا حتي يفارقها) و الطالب الحثيث هو امر الله سبحانه فالامر آخر، و طالب يحدو … فكم يبقي الانسان و الحال هذه؟ (فلا تنافسوا) التنافس التغالب علي الشي ء (في عز الدنيا و فخرها) بان يريد كل منكم ان يعلوا علي صاحبه في العز و الفخر. (و لا تعجبوا بزينتها و نعيمها) اي لا تفرحوا و لا ترضوا عن زينه الدنيا و نعيمها، لانه سراب خادع لا دوام له و لا بقاء (و لا تجزعوا) الجزع ضد الصبر (من ضرائها) اي الاضرار التي تلحق بكم من الدنيا (و بوسها) شدائدها (فان عزها و فخرها الي انقطاع) فلابد ان ياتي زمان لا عز لكم فيه و لا فخر حيث ذهبا بسبب او بالموت (و ان زينتها و

نعيمها الي زوال) و فناء (و ضرائها و بوسها الي نفاد) اي خلاص و تمام، من نفد اذا فني (و كل مده) خيرا كانت او شرا (فيها) اي في الدنيا (الي انتهاء) قال الشاعر: رايت الدهر مختلفا يدور فلا حزن يدو

م و لا سرور و قد بنت الملوك به قصورا فما بقي الملوك و لا القصور (و كل حي فيها الي فناء) فكيف يعتمد العاقل علي مثل هذه الدنيا؟ ام كيف يحزن ليوسها؟ او يفرج لنعيمها؟ (او ليس لكم في آثار الاولين) ممن كان من قبلكم (مزدجر) اي ما يسبب الانزجار و الارتداع عن الاقبال علي الدنيا، فها هم قد فنوا و مضوا و هذه آثارهم. (و في آبائكم الماضين) الذين ماتوا (تبصره و معتبر) اي ما يوجب التبصر و الاعتبار، بان تعرفوا من مضيهم حال الدنيا و انها لا تفي و لا تبقي علي احد (ان كنتم تعقلون) اي ان كنتم تعقلون لاعتبرتم بابائكم و الاولين ممن كان قبلكم، (اولم تروا الي الماضين منكم لا يرجعون)؟ فهل ترجعون رجوعا لكم اذا فنيتم و لذا تعتمدون علي الدنيا (و الي الخلف الباقين لا يبقون) فهل ترجون بقاء بعد ما ترون من هلاك خلفاء السابقين- الذين يعاصرونكم-؟ (او لستم ترون اهل الدنيا يصبحون و يمسون علي احوال شتي)؟ جمع شتيت بمعني احوال مختلفه، و ذلك مما يدل علي دم بقاء الدنيا علي حال و انما انتقالها من حال الي حال (فميت يبكي) له (و آخر يعزي) و هو من يرتبط بالميت حيث يعزونه الناس و يسلونه في مصابه (و صريع) اي من نام علي فراش العله، كان المرض صرعه (مبلتي)

ابتلي بالداء و المرض. (و عائد) للمريض (يعود)

اي يزوره و يسال من احواله (و آخر) محتضر في آخر ساعاته (بنفسه يجود) اي يعطي نفسه لله سبحانه، يقال جاد بنفسه اذا قارب الموت. (و طالب للدنيا و الموت يطلبه) فهو في عين الايغال في الدنيا يبتعد عنها بطلب الموت له (و غافل) عن الاخره (و ليس بمغفول عنه) بل له حساب دقيق (و علي اثر الماضي) من الناس (ما يعضي الباقي) (ما) مصدريه، اي يكون مضي الباقين في الدنيا. (الا) للتنبيه (فاذكروا) ايها الناس (هادم اللذات) و هو الموت الذي يهدم لذات الانسان في هذه الحياه، و من المعلوم ان ذكر الموت يوجب ابتعاد الانسان عن الشهوات لانه يوجد في نفس الذاكر ملكه عزوف عن الدنيا (و منغص الشهوات) يقال نغص عيشه اذا افسده (و قاطع الامنيات) جمع امنيه بمعني الامال، فكان الاماني متصله بالانسان و الموت يقطع خيوطها (عند المساوره) متعلق بما ذكروا، و المساوره المواثبه كان الانسان يثب علي العمل القبيح فياتي به (للاعمال القبيحه) المحرمه في الشريعه. (و استعينوا الله علي اداء واجب حقه) اي اطلبوا منه سبحانه الاعانه كي يودوا حقه حتي يعينكم (و) اداء الواجب (ما لا يحصي من اعداد نعمه و احسانه) فان الانسان لا يتمكن ان ي

حصي عدد نعم الله سبحانه.

خطبه 099

[صفحه 125]

في رسول الله و اهل بيته الاطهار (الحمدلله الناشر في الخلق فضله) فانه سبحانه عمم فضله و احسانه في جميع خلقه (و الباسط فيهم بالجود يده) فكما ان الانسان اذا اراد ان يعطي احدا شيئا مد يده- اي بسطها- ليناوله، كذلك الله سبحانه، من باب تشبيه المعقول بالمحسوس تقريبا الي الذهن و الا فلا يد لله سبحانه فانه منزه عن الجسم و عن عوارض

الجسم. (نحمده في جميع اموره) و من نعمه او بلاء فانه لا يفعل شيئا الا حسب الصلاح فيستحق بذلك حمدا و ثناء (و نستعينه علي رعايه حقوق) اي نطلب منه تعالي ان يعيننا حتي نودي حقه- الذي هو اطاعته و عبادته. (و نشهد ان لا اله غيره و ان محمدا عبده و رسوله) و تقديم (عبده) للاعتراف بمقام الالوهيه و التخضع لدي جنابه تعالي. (ارسله) سبحانه (بامره صادعا) يقال صدع بالامر اي قام به، واصل الصدع الكسر كانه يكسر الباطل ليبني مكانه صرح الحق. (و بذكره ناطقا) اي بان يذكره سبحانه، او بذكره الذي هو قرانه (فادي) رساله ربه (امينا) بغير ان يزيد فيه او ينقص. (و مضي رشيدا) اي مع الرشد لم يتغير عما كان عليه، و هذا خلاف كثير من الناس الذين يبتدئون في الاعمال بنظافه و نزاهه، لكن في آخر الامر يتورطون و يرتطمون

في الغي و الانحراف. (و خلف فينا رايه الحق) و هي الكتاب و العتره كما قال (صلي الله عليه و آله) اني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله و عترتي اهل بيتي ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي ابدا. (من تقدمها مرق) اي خرج عن الدين، و معني التقدم الزياده علي ما شرعه الله سبحانه. (و من تخلف عنها زهق) اي اضمحل و هلك، و التخلف بعدم اتيان ما شرع الله من الاحكام. (و من لزمها) اي لزم الرايهه (لحق) بالحق بدون تقدم او تاخر (دليلها) شرع الامام عليه السلام في بيان دليل يعرف به رايه الحق حتي لا يجتمع الناس تحت رايه الباطل بظن انها الحق. (مكيث الكلام) اي رزين يمكث في قوله، فلا يسرع في الجواب، و ذكر

الحلول للمشاكل و انما يمكث. (بطي ء القيام) اي لا يقوم بامر الا بعد بطي ء و تريث و تفكر. (سريع اذا قام) فاذا تبين وجه الحق نهض في تنفيذه مسرعا بلا تلكوء و بطوء- و كان الامام عليه السلام يصف بذلك حال نفسه. (فاذا انتم النتم له رقابكم) الان رقبته كنايه عن الخضوع له عليه السلام، لان الرقبه تكون طوع امره و نهيه، لا تبقي صلبه لا تعتني بامره و نهيه. (و اشرتم اليه باصابعكم) بان كان مشهورا بينكم يشار اليه بالاصابع (جائه الموت فذهب به) يعني اذا تم الاسلام

بالامام بان صار مطاعا مشتهرا توفي. و بعد الوفاه تمضي مده حتي يقوم قائم آل محمد عليه السلام (فلبثتم بعده ما شاء الله) من المده الطويله بلا امام قائم (حتي يطلع الله لكم) اي يخرج لكم (من يجمعكم) تحت لواء الحق (و يضم نشركم) يجمع المتفرق منكم (فلا تطمعوا في غير مقبل) الي الزعامه، كالائمه الذين لم يقوموا بالامر، فانهم لم يقبلوا نحو الزعامه و انما لزموا دورهم (و لا تياسوا من مدبر) كالامام المهدي الذي ادبر بغيبته عنهم (فان المدبر عسي) اي لعل (ان تزل احدي قائمتيه) اي رجليه و الزله كنايه عن عدم القيام بالامر. (و تثبت الاخري) كنايه عن عدم الانقطاع مطلقا و انما التاخير لمصالح. (و) بعد ذلك (ترجعا) القائمتان (حتي تثبتا جميعا) بان تكمل شرائط القيام فيقوم باذن الله سبحانه. و لا يخفي ان الكلام لا يدل علي عدم قيام لواء الحق قبل ظهور الامام عليه السلام و انما الحق الكامل يكون بظهوره، ثم ذكر عليه السلام لزوم استمرار الحجه و ان لم يقم الامام بالزعامه.

[صفحه 128]

(الا ان مثل آل محمد صلي الله عليه و آله كمثل

نجوم السماء) ثم بين وجه التمثيل بقوله: (اذا خوي) اي غاب (نجم طلع نجم) و النجوم لا تزال في السماء سواء كان الليل و كانت ظاهره او كان النهار و كانت مستوره. (فكانكم قد تكاملت من الله فيكم الصنائع) جمع صنيعه بمعني النعمه، اي النعم (و اراكم) الله سبحانه (ما كنتم تاملون) بظهور الامام المهدي عليه السلام.

خطبه 100

[صفحه 129]

و هي تشتمل علي الملاحم، و تسمي الحرب بالملحمه، لانها محل اللحم الذي يحصل من القتل، فان اجزاء الانسان اذا قطعت كانت لحما و سميت به، و ملاحم جمع محلمه. هو سبحانه (الاول قبل كل اول) فكلما يسمي بالاول، يكون الله سبحانه (اولا) قبله (و الاخر بعد كل آخر) فكلما يسمي بالاخر يكون الله سبحانه (آخرا) بعده (ب) سبب (اوليته) و قدمه علي الاشياء (وجب ان لا اول له) اذ لو كان له تعالي اول، لم يكن هو الاول، بل ما سبقه الاول بقول مطلق-. (و ب) سبب (آخريته) و بقائه بعد الاشياء (وجب ان لا آخر له) اذ لو كان له تعالي آخر، لم يكن هو الاخر، بل ما يتاخر عنه هو الاخر- بقول مطلق-. (و اشهد ان لا اله الا الله شهاده يوافق فيها السر الاعلان) لا كشهاده المنافقين الذين يشهدون ظاهرا لا باطنا، او شهاده الكفار الذين (جحدوا بها و استيقنتها انفسهم) يشهدون باطنا لا ظاهرا.

[صفحه 130]

(و القلب اللسان) فكلاهما يشهدان بالوحدانيه و يعترفان بالربوبيه. (ايها الناس لا يجرمنكم) اي لا يسبب جرمكم و عصيانكم (شقاقي) اي معاندتي، لان الانسان ربما يريد معانده غيره فيوقعه العناد في الاثم و عصيان الله سبحانه. (و لا يستهوينكم) يقال استهواه اذا اماله عن طريق الصواب، اي لا يميلكم

عن طريق الحق (عصياني) بان يكون عصيانكم لي سببا لميلكم عن الحق، كما ربما يوقع المعاند نفسه في العصيان و المهلكه عنادا لشخص آخر، و قد كان في الكوفه اناس يعاندون الامام فيركبون كل صعب و ذلول في سبيل معاندته. (و لا تتراموا بالابصار) اي تغامز بعضكم ببصره مع بعض اشاره الي كذبي (عند ما تسمعونه مني) من الاخبار المغيبه. (فو الذي فلق الحبه) اي شقها ليخرج منها النبات. (و برا النسمه) اي خلق الانسان (ان الذي انبئكم به) اي اخبركم من الامور المستقبله، انما هو (عن النبي الامي) منسوب الي ام القري (صلي الله عليه و آله ما كذب المبلغ) اي الرسول، فيما اخبرني (و لا جهل السامع-) يعني نفسه عليه السلام. (و لكاني) اللام للقسم، لتاكيد الامر (انظر الي ضليل) شديد الضلال (قد نعق بالشام) اي صاح، و الغالب استعماله في الاهانه، لان النعيق صوت الحمار، و

في المراد ب(الضليل) خلاف و الا شبه انه عبدالملك، و انما كان مبدء نعقه بالشام. (و فحص براياته) اي ركز لها، كما يفحص الطائر- اي يبحث بحرجوئه- عن الارض، ليزيح التراب عنها ليبيض (في ضواحي) جمع ضاحيه، بمعني الطرف (كوفان) اي الكوفه، و قد كان عبدالملك قد خرج امر العراق و الحجاز و فارس و مناطق اخري من يده، و خلع بقيه ولات فلسطين و غيرها، و وثب في الشام بعض الامويين ضده، فتمكن من استرداد الملك من ايديهم بالبطش و الشده، و هذا كنايه عن استيلائه علي العراق بعد قتله لمصعب بن الزبير الذي كان واليا من قبل اخيه عبدالله. (فاذا فغرت فاغرته) اي انفتح فمه، يقال فغر الفم اذا انفتح- و انما جي ء بالمونث باعتبار النفس، كانها تريد

الالتهام لكل شي ء- و الفم دليل علي فغر النفس- (و اشتذت شكيمته) الشكيمه هي الحديده المتعرضه في اللجام في فم الدابه، و اذا كانت الدابه قويه تكون شكيمتها شديده و هذا كنايه عن قوه (الضليل). (و ثقلت في الارض و طاته) اي عظم سلطانه حتي كب علي الناس، كانه شي ء ثقيل واقع عليهم (عضت الفتنه ابنائها) و المراد بابناء الفتنه الداخلين فيها ممن وثب علي الامر و خالف سلطته (بانيابها) جمع ناب، و هو الضرس المتصله بالضواحك و ا

نما نسب العض اليها، لانها اشد في الايلام و القطع، لحده راسها. (و ماجت الحرب) اي اضطربت الحرب في كل مكان، كما يموج البحر (بامواجها) و انما شبه بالموج، لان الفتنه تبتدء صغيره ثم تكبر و تتوسع، و هكذا الموج. (و بدا) اي ظهر (من الايام كلوحها) اي عبوسها و شدائدها، من عبس وجهه اذا قبضه اشمئزازا. (و من الليالي كدوحها) جمع كدح و هو الجرح و اثر الخدش، و هو كنايه عن الشده (فاذا اينع زرعه) اي نضج و كمل، و هو كنايه عن كمال استيلاء (الضليل). (و قام علي ينعه) اي حاله نضجه بان استقام الامر له (و هدرت شقاشقه) الشقشقه هو ما يخرج البعير من الزبد لدي هياجه، و هدرت اي خرجت، و هذا كنايه عن كمال الفتنه و وصولها حال الاهتياج. (و برقت بوارقه) جمع بارقه و هي البرق، او السيف لانه يبرق و التانيث باعتبار كونه حديده. (عقدت رايات الفتن المعضله) اعضل الامر اذا اشكل (و اقبلن) تلك الرايات (كالليل المظلم) في عدم رويه الانسان وجه الحق لكثره اضطراب الامور و تداخل الحق و الباطل. (و البحر الملتطم) الذي يلتطم بعض مائه

ببعض و يتداخل امواجه من كثره الاضطراب و الحركه. (هذا) اي خذ هذا الخبر عن المسقبل، و قد كان الامر كما اخبر الامام عليه السلام فان عب

دالملك لما سيطر علي الامر بعث الحجاج واليا علي العراق فعقد رايات الفتن و اخذت عراق تموج بمظالم الحجاج من قتل و نهب و ما اشبه ذلك، و حارب الخوارج عده مرات، ثم عطف الامام عليه السلام الي الكوفه يخبر عما تكون عليه في المسقبل بقوله: (و كم يخرق الكوفه من قاصف) من قصف اذا اشتد صوته، يقال قصفت الريح اذا اشتد صوتها. و المراد ان الكوفه تري اضطرابات و فتنا (و يمر عليها) اي الكوفه (من عاصف) و هو الريح الشديد، سمي به، لانه يعصف اي يهب بشده و قد كان كما قال الامام عليه السلام، فبعد الامام جاء معاويه ثم المختار ثم مصعب، ثم عبدالملك، و هكذا. (و عن قليل تلتف القرون بالقرون)، لعل المراد قرون اهل الحق من الشيعه بقرون اهل الباطل من ابتاع معاويه (و يحصد القائم) فان معاويه اخذ يحصد الحكم القائم في زمان الامام عليه السلام. (و يحطم المحصود) فقد كان معاويه يحطم الشيعه بالقتل و الاسر و حرق الدور و ما اشبه، هذا ما يمكن ان يستفاد من الخطبه و العلم عند الله و عند اوليائه عليهم السلام.

خطبه 101

[صفحه 134]

(يجري هذا المجري)- اي في ذكر الملاحم و الاخبار المستقبله (و ذلك) اي يوم القيامه (يوم يجمع الله في الاولين و الاخرين (فان جميع الخلائق يجتمعون في يوم القيامه (لنقاش الحساب) اي الاستقصاء والدقه في المحاسبه، من ناقشه اذا داقه و حاسبه حسابا دقيقا. (و جزاء الاعمال) ليجزي كل انسان بما عمل ان خير فخير و ان شرا

فشر، في حال كون الناس (خضوعا) كانهم من شده خضوعهم قطعه من الخضوع، نحو (زيد عدل) و في حال كونهم (قياما) جمع قائم، و هذا دليل الشده، اذ الانسان الذي في الامن و الرفاه يجلس وقت المحسابه اما الخائف فهو يقف. (قد الجمهم العرق) اي وصل العرق الي افواهم من الكثره كانه لجام في فمهم. (و رجفت) اي اضطربت (بهم الارض) كما قال سبحانه (اذا زلزلت الارض زلزالها). (فاحسنهم حالا من وجد لقدميه موضعا) يستقر فيه، و هذا اما علي الحقيقه لبيان ضيق المحشر، و اما علي المجاز لبيان الاضطراب، فان المضطرب لا يدري اين يقف فهو كمن لا يجد لقدميه موضعا (و لنفسه متسعا) اي مكانا وسيعا لا يتاذي بضيقه.

[صفحه 135]

(و منه) ثم عطف الامام عليه السلام الي ذكر الملاحم- بعد ذكر بعض احوال القيامه- و كانه عليه السلام ذكر احوال القيامه تمهيدا ليتخد الانسان حذره- في الفتن- من ذلك اليوم، فلا يخوض في الفتنه خوضا بلا مبرر مشروع (فتن كقطع الليل المظلم) فكما لا يري الانسان مقصده في الليل، كذلك لا يري الانسان الحق في الفتنه. (لا تقوم لها قائمه) اي لا تنجح تلك الفتنه، و لعل المراد بها فتنه صاحب الزنج الذي زعم انه من آل الرسول، و التف حوله العبيد، و اخذ يقتل و ينهب و يسلب في البصره و ما والاها، و لكنها لم تنجح اخيرا، فقد حاربها الاخيار و الاشرار علي حد سواء حتي سقط قتيلا و ذهبت حركه ادراج الرياح. (و لا ترد لها رايه) اي ان اعلامها لا ترد و انما تتقدم الي حيث يريد، و ذلك كنايه عن عموم فسادها و توسعها (تاتيكم) هذه الفتنه (مزمومه) تشبيه لها

بالناقه المهيئه للركوب التي لها زمام (مرحوله) اي ولها رحل، و ذلك كنايه عن استعدادها التام للافساد (يحفزها) اي يحثها و يحرضها. (قائدها) و هو صاحب الزنج- علي ما ذكر- (و يجهدها راكبها) اي ان راكبي تلك الفتنه يجهدونها للتغلب علي الامر- و هذا كنايه عن شده باسهم و اهتمامهم البالغ في الحركه و الوث

وب علي البلاد (اهلها) اي اهل تلك الفتنه القائمون باشعالها (قوم شديد كلبهم) اي ضراوتهم و قساوتهم، كالكلب المتهارش (قليل سلبهم) اي ملكهم الذي يستولون عليه او المراد انهم ليسوا من اهل الثروه و المال، و قد كان كذلك فان غالب احزاب صاحب الزنج كانوا من العبيد لاشداء القليلي المال. (يجاهدهم في سبيل الله قوم) كان المراد بهم الاهالي الخيرون، لا ان القصد حربهم مع الخلفاء (اذله عند المتكبرين) فان ذوي الدين من اهل البصره و ما والاها حاربوهم، لما رواوا فيهم من الانحراف عن الشريعه- كما ذكر في التواريخ- و كونهم اذله، باعتبار ان السلطات الجباره- غالبا- لا تهتم بحركات اهل الدين و لا تري فيها فائده، اذ ان اعتمادها علي رجالها و سلاحها، فلا تري للدين اهميه و لذويه غني و فائده. (في الارض مجهولون) ليس لهم معروفيه اصحاب المناصب و الرتب من اهل السلطان. (و في السماء معروفون) لانهم اخيار ابرار لهم فيمتهم عند الله سبحانه) فويل (فويل لك يا بصره عند ذلك) فقد كانت الفتنه في البصره و امتدت الي اهواز و عبادان و اخيرا قضي عليها الموفق العباسي. (من جيش من نقم الله) كان الله سبحانه اراد الانتقام من اهل البصره، فقد كثر فيها الفساد قبل ظهور صاحب

الزنج، كما هو العاده في الثورات، فانها و لائد

فساد عام في السلطه و الاجتماع. (لا رهج له) اي لا غبار لهذا الجيش، فانه كانت ثوره داخليه، لا عساكر و جيوش (و لا حس) اي الجلبه و الاصوات المختلفه التي تتولد من حركه الجيش. (و سيبتلي اهلك) يا بصره (بالموت الاحمر) علي يد صاحب الزنج، ففي بعض التواريخ انه قتل ثلاثمائه الف شخص (و الجوع الاغبر) الموجب لتغير الوجه، كان عليه غبار، اذا الجوع يذهب بطلاوه الوجه و نضارته، فقد فقد الناس في فتنه صاحب الزنج اقواتهم، حتي اشتد بهم الجوع، و قد ذكر ابن ميثم في الشرح تمام هذه الخطبه و هي طويله فلتراجع.

خطبه 102

[صفحه 138]

في التزهيد في الدنيا (ايها الناس انظروا الي الدنيا نظر الزاهدين فيها) و الزهد في الدنيا عباره عن اتخاذها مقرا دائما و التناول منها كيف ما كان من دون رعايه الحلال و الحرام، اما التمتع بطيبات الدنيا فان ذلك لا ينافي الزهد قال الله سبحانه: (قل من حرم زينه الله التي احرج لباده و الطيبات من الرزق؟ قل هي للذين آمنوا في الحياه الدنيا). (الصادفين عنها) من صدف بمعني اعرض (فانها) اي الدنيا (و الله- عما قليل) (ما) زائده لتاكيد معني القله (تزيل) اي تفني و تهلك (الثاوي) اي الذي اتخذها مثوي و محلا (الساكن) فيها (و تفجع) افجعه الامر اذا نزل به ما يوجب ذهاب مال او اهل او ما اشبه. (المترف) الذي له ترف و هو التزيد من التمتع و الاسراف فيه (الامن) في محله و مكانه (لا يرجع ما تولي منها) اي من الدنيا (فادبر) عن الانسان، (و لا يدري) اي لا يعلم (ما هو آت منها) اي بماذا ياتي الدنيا بخير او شر (فينتظر)

اي حتي ينتظره الانسان (سرورها مشوب بالحزن) فان الانسان لابد و ان يحزن لجانب من جوانب الدنيا و انكان فرحا بجانب آخر. (و جلد الرجال) اي قوتهم و منعتهم (فيها) اي في الدنيا، ينتهي (الي الضعف و الوهن) عطف بيان للضعف. (فلا يغر

نكم كثره ما يعجبكم فيها) اي اذا حصل لديكم كثره من النعم الموجبه لرضاكم لا يغركم ذلك (لقله ما يصحبكم منها) من تكل الكثره، او من الدنيا، فان اصطحاب الدنيا للانسان في مده قليله.

[صفحه 139]

(رحم الله امرئا تفكر) في امر نفسه و زوال الدنيا (فاعتبر) اي اخذ العبره، و هي معرفه حقيقه الدنيا، و انها دار انقضاء لا دار بقاء (و اعتبر فابصر) فان الابصار ياتي بعد الاعتبار. (فكان ما هو كائن من الدنيا) و موجود فعلا (عن قليل لم يكن) لانه يفني و الفاني كانه لم يكن ابدا، اذ لا اثر له. (و كان ما هو كائن من الاخره) مما سيصل الي الانسان (عما قليل لم يزل) اذ يبقي الي الابد. (و كل معدود) اي ما يعد، و له اخر (منقض) اي ينقضي و يفني- كالدنيا (و كل متوقع) ما يترقب وقوعه- كالاخره- (آت) ياتي لا محاله (و كل آت قريب دان) من (دني) بمعني اقترب.

[صفحه 140]

(و منها) (العالم من عرف قدره) بان علم بان له قيمه و وزنا، و انه يتمكن ان يحصل علي اعالي الدرجات بسبب العمل الصالح. (و مفي بالمرء جهلا الا يعرف قدره) لان هذا اعظم انواع الجهاله، و انكان عالما في جميع العلوم. (و ان من ابغض الرجال الي الله لعبدا و كله الله الي نفسه) بان لم يلطف به الالطاف الخفيه، لتركه طريق الهدي، و مثله

مثل انسان له ولدان اعطي واحد منهما الف دينار ليتجر به فاتجر احدهما و ربح فاحبه الوالد و زاد له في الاعطاء و الاكرام، و قامر الاخر فخسر فتركه الوالد و شانه لا يابه به و لا يعطيه بعد ذلك شيئا، فانه سبحانه اعطي الانسان القوه و العقل فان صرفهما في سيبل الخير زاده هدي و تقوي و ان صرفهما في الشر تركه و ما يعمل حتي يوصله الي آخر درك في الهاويه. في حال كون ذلك العبد (جائرا) اي مائلا (عن قصد السبيل) اي وسط طريق الهدي (سائرا بغير دليل) فلا يتبع الانبياء و الائمه في سيره في الحياه. (ان دعي الي حرث الدنيا) اي زرعها و ما يوجب انمائها (عمل) طلبا للدنيا (و ان دعي الي حرث الاخره) و ما يوجب الفوز بها من الاعمال الصالحه (كسل) و وهن لعدم رغبه له فيها (كان ما عمل له) من امور الدنيا (واجب عليه) حتي اذا

لم يعمله عوقب (و كان ما وني) و كسل (فيه) من عمل الاخره (ساقط عنه) مع ان الامر بالعكس.

[صفحه 141]

(و منها) (و ذلك) اي آخر الزمان (زمان لا ينجو فيه) اي من شره (الا كل مومن نومه) اي كثير النوم، و ذلك كنايه عن عدم مشاركه الاشرار، كالانسان النائم الذي لا يشارك الناس في اعمالهم (ان شهد) اي حضر في مجتمع الناس (لم يعرف) اي لا يعرفه الناس لعدم اختلاطه بهم. (و ان غاب لم يفتقد) اي لم يسال عن احواله احد لعدم صداقتهم معه، و هكذا يكون الاخيار عند غلبه الاشرار، لانهم يقطعون عنهم بعد رويتهم عدم فائده النصح فيهم، و هذا لا ينافي وجوب التصدي لاحكام الاسلام الموجب

للشهره و العز، فان لكل واحد من الامرين ظرفا خاصا، بل ينبغي للمومن ان يتصدي لان يكون اماما للمتقين كما قال سبحانه: (و اجعلنا للمتقين اماما). (اولئك) الموصوفون بتلك الاوصاف (مصابيح الهدي) فكما يوجب المصباح هدايه الناس الي حوائجهم في الظلمه، كذلك هولاء ادله الناس الي الحق في ظلمه الجهل و الاثم. (و اعلام السري) هو السير ليلا، شبه به السير في ظلمه الكفر و العصيان فانهم اعلام و ادله لمن يريد الاستناره و الهدايه في ظلمات الجهل و الباطل. (ليسوا بالمساييح) جمع مسياح و هو الذي يسير في الناس بالفساد (و لا المذاييع) جمع مذياع و هو من يذيع الفاحشه (البذر) جمع بذو

ر و هو كثير السفه (اولئك بفتح الله لهم ابواب رحمته) في الدنيا بالسلامه، و في الاخره بالجنه. (و يكشف عنهم ضراء نقمته) فلا تنزل عليهم نقمته سبحانه اذا نزلت بالاشرار بل ينصرف عنهم ضر النقم و اذاه.

[صفحه 142]

(ايها الناس سياتي عليكم زمان يكفا فيه السلام) اي يترك الاسلام فلا يعمل به (كما يكفا الاناء بما فيه) فكما ان الانسان اذا كفي ء جعل اعلاه اسفله. كذلك يقلب الاسلام- و هو مجاز عن انقلاب اهل الاسلام- و هذا كزماننا حيث ان السلام لا يعمل به الا في مجال بعض العبادات. (ايها الناس ان الله قد اعاذكم) اي امنكم (من ان يجور عليكم) فانه سبحانه لا يظلم احدا (و لم يعذكم من ان يبتليكم) اي يمتحنكم فانه سبحانه يمتحن كل احد، فاللازم ان يخاف الانسان من الفشل في الامتحان، و ياخذ عدته و يعمل صالحا لينجح لدي الامتحان. (و قد قال جل من قائل): (ان في ذلك لايات و ان كنا لمبتلين) (ان) مخففه

من الثقيله و الابتلاء بمعني الامتحان.

خطبه 103

[صفحه 143]

(و قد تقدم مختارها ب) شكل (خلاف هذه الروايه) (اما بعد) اصله مهما يكن من شي ء بعد الحمد و الصلاه، ثم خفف الي لفظه (اما بعد) (فان الله سبحانه بعث محمدا صلي الله عليه و آله و) الحال انه (ليس احد من العرب يقرا كتابا) سماويا قرائه صحيحه، فان الكتب السابقه قد حرفت و بدلت فما كان منها في ايدي الناس كانت محرفه باطله. (و لا يدعي نبوه و لا وحيا) اليه من جانبه سبحانه، و مراد الامام عليه السلام بهذه الجمله بيان حالتهم في الضلاله و الجهاله، فان خبر السماء اما ان يصل بواسطه الوصي و النبي، و اما بواسطه الكتاب الصحيح و كلاهما كان مفقودا في زمان بعثه الرسول (ص) (فقاتل) صلي الله عليه و آله (بمن اطاعه) اي بسبب المومنين (من عصاه) من الكافرين. (يسوقهم) اي الناس (الي منجاتهم) مصدر ميمي اي الي نجاتهم (و يبادر بهم الساعه ان تنزل بهم) اي يعجل بهم السير حتي يومنوا و يعملوا صالحا، حتي لا يفاجئهم الموت قبل التنزيه و التزكيه، فكانه صلي الله عليه و آله و الساعه يبادر كل منهما لاختطاف الناس. (يحسرالحسير) اي يكمل الذي يكل عن العمل للاخره، من حسر فلان اذا اعيي و كل (و يقف الكسير) اي المكسور بعض اعضائه (فيقيم) صلي الله و عليه و

آله (عليه) اي علي كل واحد منهما (حتي يلحقه غايته) التي هي الايمان و العمل الصالح، و المعني ان من ضعف ايمانه او فسد عمله فتراخي في السير في سبيل المومنين للوصول للسعاده و النجاه فان النبي صلي الله عليه و آله كان يقيم عليه و ينتظره و

يعالج مرضه حتي يوصله بقافله المومنين، تشبيها بقائد القافله الذي يلاحظ الضعفاء و اهل المرض لئلا يبقوا في الطريق، و يكونوا عرضه الهلاك (الا هالكا لا خير فيه) فمن دعاه صلي الله عليه و آله و سلم فلم تنفع فيه الدعوه و عاند و اصر فانه يتركه و شانه، و تسميه هالكا علي نحو المجاز بالمشارفه. (حتي اراهم) صلي الله عليه و آله و سلم (منجاتهم) مصدر ميمي اي نجاتهم (و بواهم) اي احلهم (محلتهم) اي المحل اللائق بهم (فاستدارت رحاهم) كنايه عن حسن احوالهم، فان دوران الرحي يوجب الطحن الموجب لرفاه الانسان في ماكله و طعامه (و استقامت قناتهم) هي الرمح، فاذا كان معوجا لم يتمكن المحارب من الغلبه، اما اذا استقام تمكن من الغلبه علي عدوه. (و ايم الله) قسم بالله سبحانه (لقد كنت من ساقتها) اي ساقه جيش الكفر، يعني كنت في آخرها اضربها و افتك فيها، و كونه في الساقه كنايه عن مطاردها باجمعها، لا مطارده جانب خاص فقط (حت

ي تولت) اي الجيش، و التانيث باعتبار الجماعه، او الكتيبه، او ما اشبه، و معني تولت (انهزمت) (بحذافيرها) اي باجمعها (و استوسقت) اي اجتمعت (في قيادها) اي قياد الرسول صلي الله عليه و آله لها بمعني اطاعه العرب للرسول صلي الله عليه و آله في ما يامر و ينهي. (ما ضعفت و لا جبنت و لا خنت) فلم يكن لي نكوص عن الجهاد في سبيل الاسلام بسبب ضعف في البدن، او ضعف في النفس، او ضعف في الايمان، فان الجبن من ضعف النفس، و الخيانه من ضعف الايمان (و لا وهنت) الوهن اعم من الضعف، فان الانسان قد گتن اسل عن امر و

ان لم يكن ضعيفا في بدنه و قوته. (و ايم الله لابقرن) اي اشقن (الباطل) كانه غلاف علي الحق، فاذا شق ظهر الحق (حتي اخرج الحق من خاصرته) اي جانبه، يعني انا في هذا الحال كما كنت مع الرسول صلي الله عليه و آله و سلم، فلا اهتم بالباطل الملتف علي الحق، كما لم اكن اهتم بالباطل المحارب مع الحق.

خطبه 104

[صفحه 146]

فيها صفات الرسول صلي الله عليه و آله و تهديد بني اميه، و موعظه الناس (حتي بعث الله محمدا صلي الله عليه و آله) اي كانت الاحوال مظلمه حتي بعث صلي الله عيله و آله (شهيدا) يشهد علي الناس بما عملوا (و بشيرا) يبشر من امن و اطاع بالثواب (و نذيرا) ينذر من خالف بالعقاب، في حال كونه صلي الله عليه و آله (خير البريه طفلا) اذ كان صادقا امينا طاهر المولد، كريم الاصل (و انجبها كهلا) اي اكثرها نجابه في حال تقادم السن لم يقترف اثما او باطلا او ما يخالف العفاف- كما كان الشان لدي كهول الجاهليه- (و اطهر المطهرين شيمه) الشيمه الخلق، اي انه صلي الله عليه و آله و سلم كان متحليا بطهاره الاخلاق، و عدم دنسه بالرذائل (و اجود المستمطرين ديمه) المستمطر السحاب الذي يطلب منه المطر، و (ديمه) بمعني السحاب، اي انه صلي الله عله و آله كان اجود الناس في الاعطاء لمن طلب منه العون و العطاء، قالوا: الديمه المطر الذي لا رعد فيه و لا برق، فهو افضل انواع السحاب- لانه يشبه المتواضع في مطره- و لعل الاتيان بهذه اللفظه للدلاله علي اعطاء الرسول و فيضه بلا من او اذي او جلبه. (فما احلولت لكم) يا بني اميه

(الدنيا) بان صارت لكم حلوا، من زمان عثم

ان (في لذتها و لا تمكنتم من رضاع اخلافها) جمع خلف بالكسر حلمه ضرع الناقه، اي ما تمكنتم من در لذات الدنيا و جمع مشتهياتها. (الا من بعد ما صادفتموها) اي الدنيا (جائلا خطامها) تشبيه للدنيا بالناقه التي لا راكب لها في تحول الحبل الذي يوضع في انفها كالزمام لتقاد به (قلقا و ضينها) الوضين حزام الناقه الذي يشد تحت بطنها لبقاء السرج عليها حتي لا يتاذي الراكب، و لا يقلق من ركوبها، يعني ان الدنيا كانت قلق الوضين لا صاحب لها يسوي سرجها. و الحاصل انكم لم تحصلوا علي الدنيا بالاتعاب و الجهد- كما فعل الرسول صلي الله عليه و آله- و انما حصلتم عليها حين لا داعي لها، و هي مستعده لالقاء زمامها بكل ايدي، فقد كان عثمان هكذا غير مبال بالامر يتسلطوا عليه كل حيال انتهازي. (قد صار حرامها) اي حرام الدنيا (عند اقوام) كعثمان و حاشيته (بمنزله السدر المخضود) السدر هو النبق، و المخضود المقطوع الشوك، و منشي الاغصان من ثقل الجمل لكثره الثمره، و المراد كثره لذتها، يعني انه قد اختلط الحرام بالحلال، و صار الحرام شيئا سائغا شهيا لديهم، فان الركوب علي الدنيا في هذا الحال ايسر لان الجائي يتمكن من نيل اللذه كيفما كانت، بخلاف ما لو كان الحرام محظورا

فان الوصول الي اللذه المحلله شي ء صعب. (و حلالها بعيدا غير موجود) اي ليس بموجود في قربكم، لا انه ليس بموجود اطلاقا (و صادفتموها) اي وجدتموا الدنيا. (- و الله- ضلا ممدودا) يتهني المتفي ء فيه، و ذلك كنايه عن لذتها و سعتها (الي اجل معدود) اي مده قد عدت تعدادا، فلا بقاء

لها- و هذا لبيان واقع حال الدنيا، لا من تتمه المطلب-. (فالارض لكم شاغره) اي فارغه، قد شغرت و خلت عن القائد المحامي (و ايديكم فيها) اي في الدنيا، او في الارض (مبسوطه) قد وسع عليكم عثمان بما تشتهون بلا حساب و لا عقاب (و ايدي القاده) جمع قائد (عنكم مكفوفه) مقبوضه، فان عثمان قد منع الناس العلماء كالامام، و ابي ذر و امثالهما من وضع حد لاستهتار بني اميه (و سيوفكم عليهم) اي علي القاده (مسلطه) بمعني انه كانت لكم السلطه بما منحكم الخليفه فالقاده بالحق اتباع و انتم امرائهم. (و سيوفهم) اي القاده (عنكم مقبوضه) لا تتمكن من ايقافكم علي حدكم و منعكم عن الاستهتار و الالتذاذ بكل ما تشتهون من الحرام و الفساد. ثم اشار عليه السلام الي تهديد بني اميه بعقاب الله تعالي (الا ان لكل دم) يراق بغير حق (ثائرا) يثور للانتقام ممن اراق الدم (و لكل حق) مضاع (طالبا) يطلبه ممن قد

اضاعه. (و ان الثائر في دمائنا) التي ارقتموها يا بني اميه، يوم صفين و الجمل و نهروان (كالحاكم في حق نفسه) فان دمائنا حق للثائر الذي هو الله سبحانه، و هو هذا لبيان انه تعالي لا يسامح في الطلب و العقاب، لانه حكم في حق هو له سبحانه، اذا الامام و اصحابه كانوا منفذين لامره تعالي (و هو) اي الثائر (الله الذي لا يعجزه من طلب) اي لا يتمكن مطلوبه من تعجيزه بالفرار او الاعتصام بالقوه، حتي لا يتمكن سبحانه من الانتقام منه و جزائه بالعقاب و الادانه (و لا يفوته من هرب) اذ لا يمكن الهروب منه تعالي. (فاقسم بالله، يا بني اميه عما قليل) (ما) زائده، لتاكيد التقليل (لتعرفنها) الي الدنيا (في

ايدي غيركم) كما صارت لبني عباس و غيرهم (و في دار عدوكم) اي ان السلطه تكون في دار اعدائكم الذين هم (المختار) و (المصعب) و (آل عباس) و (العلويون) و من اشبههم.

[صفحه 150]

(الا و ان ابصر الابصار) اي اشد الابصار رويه (ما نفذ من الخير طرفه) فكانه شعاع يخرج من العين فاذا نفذ طرف الشعاع في الخير، كان شديد الابصار و اذا نفذ في الشر- بان نظر البصير الي الشر و اراده- كان البصر ضعيفا كليلا، و هذا تحريض علي ان يصرف الانسان نظره في الخير و الحق، لا في الباطل و الشر (الا ان اسمع الاسماع) اي اشد الاسماع سمعا (ما وعي التذكير) اي احتوي علي التذكير (و قبله) بان عمل به. (ايها الناس) ثم نحي عليه السلام نحو وعظ النس و ارشادهم (استصبحوا) اي اطلبوا المصباح و الضياء (من شعله مصباح واعظ متعظ) اي يعمل هو بوعظه، فان الاطيمنان انما يكون بمثل هذا الواعظ حتي يتبين من عمله انه متاثر بما يقول (و امتاحوا) اي استقوا الماء، يقال امتاح اذا استقي (من صفوعين) اي الماء الصافي النابع من عين (قد روقت) اي صفت، من راق (من الكدر) و المراد استقاء الحلم من نفسه الكريمه عليه السلام. يا (عباد الله لا تركنوا) اي لا تعتمدوا (الي جهالتكم) بان لا تحصلوا علي العلم و انما تسيروا في جهالتكم (و لا تنقادوا لاهوائكم) تسيركم حيث تشاء (فان النازل بهذا المنزل) اي المعتمد علي هواه (نازل بشفاجرف هار) (شفا) طرف الوادي، و (

جرف) المحل الذي يجرفه السيل و ما اشبه. و يسقطه و (هار) اصله (هاري) بمعني المتهدم او المشرف علي الانهدام، اي ان التمكل علي هواه في محل السقوط

و الانهيار (ينقل اردي) اي الهلكه (علي ظهره من موضع الي موضع) هذا كنايه عن كونه موجبا لاضلال الناس، لانه ينقل الجهاله الي المستشير، فهو هالك و ينقل الهلاك الي غيره. (لراي يحدثه بعد راي يريد ان يلصق ما لا يلتصق) الظاهران (اللام) متعلق ب(يريد) اي ان هذا الجاهل المعتمد علي هواه يريد- بسبب ارائه التي يحدثها مره و مره- ان يلصق الاشياء و يجمع بين شتاتها، فان الجهال لا يعلمون الاسباب و النتائج، و انما يجمعون بين جهالات لالصاقها، و حيث لا قدر لهم في العلم لهم كل يوم راي في التوجيه. مثلا من يري الكون و لا علم له بالواقع تاره يقول انه خليق الصدفه، و اخري يقول تجمع السدم، و ثالثه يقول انه من الاثير، و هكذا، و الحق في خلاف ذلك كله. (و يقرب ما لا يتقارب) اي يجعل بعض الاشياء قريبا الي بعضها الاخر و مرتبطا به، بينما لا تقارب بينهما، كما قرب (دارون) بين الانسان و القرد. (فالله الله) منصوب بفعل مقدر اي اذكروا الله، او خافوا الله (ان تشكوا الي من لا يشكي شجوكم) الشجو الهم و الحاجه، و الاشك

اء، ازاله شكوي المشتكي، اي لا ترفعوا الشكوي الي من لا يزيل همكم و شكواكم، و هذا لبيان ان لا ياخذوا الحلول في المشاكل من غيره عليه السلام، لانه شكايه الي من لا يحل المشكله و لا يزيل الهم. (و) الي من (لا ينقض برايه ما قد ابرم لكم) اي المشكله التي وقعتم فيها كانها مبرمه مفتوله، تحتاج الي النقض و الفل حتي تنجوا منها، فلا تشكوا الي من لا يتمكن من نقض هذه المشكله، فلا يقدر ان ينقض برايه-

ما قد ابرم و اشكل، ثم بين عليه السلام دفع ما ربما يتوهم من انه لا يتدخل في بعض الامور فيكف يامر بالارجاع اليه وحده، و ذلك لبيان ان المقصود من الارجاع الي نفسه في هذه الامور التي يذكرها، لا سائر الشئون. (انه ليس علي الامام الا ما حمل من امر ربه) اي اداء الرساله التي حملها الله سبحانه علي لسان نبيه، ثم بين ذلك بقوله (الا بلاغ في الموعظه) بان يبلغ الناس الموعظه النافعه لهم. (و الاجتهاد في النصيحه) بان يتعب نفسه في نصح الناس و ارشادهم (و الاحياء للنسه) اي طريقه الرسول صلي الله عليه و آله و سلم. (و اقامه الحدود علي مستحقيها) ممن قد ارتكب اثما او جريمه. (و اصدار السهمان) جمع سهم، بمعني النصيب من الحقوق الماليه (علي اهلها) المتسحقين، ففي

هذه الامور يراجع الامام و لا يرجع الي غيره اما سائر الامور فليس من مهمه الامام، فانه ليس علي الامام الا ما حمل، و الاعتراض علي الناس انما هو: لماذا ترجعون الي غير الامام في هذه الامور؟ و لا يخفي ان هذه الخمسه شامله لكل شئون الدنيا و الدين، بضرب من التعميم، كشمول (اصدار السهمان) للمصالح العامه حتي مثل تبليط الشوارع لان اهل المدينه يستحقون ذلك، و هكذا. (فبادروا العلم) اي اسرعوا في اخذ العلم من الامام (قبل تصويح) اي جفاف (نبته) بموت صاحب العلم. (و من قبل ان تشغلوا بانفسكم عن مستثار العلم) المستثار مصدر ميمي اي اثاره العلم، من آثاره، بمعني اظهر، فكان العلم في العام مخفي، يتمكن الانسان من اثارته و اظهاره بالسوال (من عند اهله) و المراد به نفسه الزكيه. (و انهوا عن المنكر و تناهوا عنه)

اي انتهوا بانفسكم عنه (فانما امرتم بالنهي بعد التناهي) فان النهي عن الشي ء انما يوثر بعد ان يتناهي الانسان- بنفسه- عن ذلك الشي ء قال سبحانه: (لم تقولون ما لا تفلعون؟ كبر مقتا عند الله ان تقولوا ما لا تفعلون) و قال: (قوا انفسكم، و اهليكم، نارا) فقدم حفظ النفس- علي حفظ الاهل قال الشاعر: لا تنه عن خلق و تاتي مثله عار عليك اذا فعلت، شديد

خطبه 105

[صفحه 154]

و فيها فضل الاسلام، و فضائل الرسول، و لوم اصحابه (الحمدلله الذي شرع الاسلام) اي نهجه و جعله دستورا للحياه (فسهل شرائعه لمن ورده) حيث رفع السعر و الحرج فضلا منه و منه، و لم يشرع الاحكام الضرريه، الا في مواضع الضروره- مما خيره اعم- كالجهاد و ما اشبه. (و اعز اركانه) اي جعل اركان الاسلام عزيزه (علي من غالبه) اي من غالب الاسلام، و اراد دحضه، فان احكام الاسلام من القوه و العصمه بحيث لا يتمكن احد من نقضه او دحضه، او المراد باركان الاسلام، حكومته، يعني ان الحكومه الاسلاميه لا تغالب. (فجعله) اي الاسلام (امنا) اي محل امان و اطمينان (لمن علقه) اي تعلق به (و سلما لمن دخله) فان الداخل في الاسلام يسعد و يسلم من شرور الدنيا و الاخره- و هذا حكم طبيعي فلا ينافي ذلك عدم انطباق الكليات المذكوره علي بعض الافراد، كما ان قول الطبيب العقار الكذائي مقو، طبعي لا ينافيه عدم التقويه في عبض الامزجه. (و برهانا) اي حجه (لمن تكلم به) اي من حاج بالاسلام غلب علي خصمه. (و شاهدا لمن خاصم به) فان المسلم اذا خاصم اجدا في امر، و اتي من الاسلام دليلا علي وجه نظره، صار شاهدا

له، لقوه احكامه و تطابقها للواقع. (و نورا لمن استضاء به)

فمن يريد الضياء للخروج عن ظلمه الجهل، كان الالسلام مرشدا له الي الخير و الصلاح. (و فهما لمن عقل) اي موجب لدرك الاشياء و فهمهما علي حقيقتهما لمن اراد التعقل و الفهم، لان الاسلام بين الخطوط العامه للكون و الحياه. (و لبا) اي عقلا (لمن تدبر) فكما ان بالعقل يفهم الانسان الاشياء كذلك، بالاسلام يفهم الحقائق فهو كاللب في كونه آله الادراك. (و آيه) اي دليلا (لمن توسم) اي تفرس و المتوسم هو الذي يدرك الخفايا بالادله و العلامه، و هكذا الاسلام، فان الانسان يعلم الامور المستقبله بواسطه الاسلام. (و تبصره لمن عزم) اي من عزم امرا، و لم يعلم النتيجه كان الاسلام مبصرا له، لان الاسلام يري النتائج المترتبه علي المقدمات. (و عبره لمن اتعظ) اي من اراد الاتعاظ، فان الاسلام بما بين من القصص و التواريخ يكون عبره له. (و نجاه) عن مشاكل الدنيا و الاخره (لمن صدق) بالاسلام بان يكون عمله موافقا له. (و ثقه لمن توكل) علي الاسلام، اي ان من فوض اموره علي الاسلام بان جعله منهاجه في الحياه كان الاسلام ثقه له لا يخونه، و لا يسلمه الي المعاطب و المهالك. (و راحه لمن فوض) امره الي الاسلام، لانه يعلم ان كلشي ء يصيبه ففيه الخير فهو في راحه و اطمينان (و

جنه) اي وقايه (لمن صبر) فان الصابر- حسب امر الاسلام- يقي نفسه من المهالك (فهو) اي الاسلام (ابلج) اوضح (المناهج) جمع منهاج و هو الطريق كان الطرق الي الحياه السعيده في الدنيا و الاخره كثيره اوضحها و انورها الاسلام (و اوضح الولائج) جمع وليجه، و هي ما يلج و

يدخل فيه الانسان لحفظه عن الاخطار (مشرف المنار) المشرف هو المكان الذي يرتفع عليه الانسان ليطلع علي ما ورائه، و المنار محل الاناره لاضائه الطريق اي ان مناره مرتفع، فاذا استضاء الانسان به راي الي آخر الطريق. (مشرق الجواد) جمع جاده و هي الطريق الواضح، اي ان طريق الاسلام ظاهر، من اشرق اذا ظهر و استبان و انار (مضي ء المصابيح) فان مصابيح الاسلام وهن احكامه تضي ء و تنير طريق السعاده لمن طلبها. (كريم المضمار) المضمار محل تضمير الخيل للسباق، و معني كونه كريما ان الانسان اذا اضمر خيله هناك، سبق عند المسابقه، و هذا كنايه عن ان الذي يربي في الاسلام نفسه يسبق الاخرين في نيل السعاده. (رفيع الغايه) فان غايته سعاده الدنيا و الاخره، و هذا ارفع الغايات و اسماها (جامع الحلبه) الحلبه خيل تجمع من كل مكان للانتصار كانها الحليب الذي يجمع من جسد الحيوان عند الدر، و المراد يكون الاسل

ام جامع الحلبه انه يجمع جميع فنون السعاده لانتصار الانسان علي المشاكل و انواع الشقاء. (متنافس السبقه) السبقه العوض الذي يعين للسابق في ميادين التغالب بالخيل و شبهها، و الاسلام يتنافس و يزاحم الناس بعضهم بعضا في النيل لسبقته التي هي الجنه، لانها انفس الاشياء التي يستبق الناس لاجلها. (شريف الفرسان) اي ان الداخلين في الاسلام الذين يتسابقون شرفاء لانهم انما تسابقوا في اشرف شي ء. (التصديق) لله و الرسول و الائمه (منهاجه) اي طريق الاسلام. (و الصالحات مناره) اي الشي ء ينير الطريق الي السعاده- ليس مصباحا و انما- الصالحات، فانها تنير طريق الحق (و الموت غايته) اي ان الاسلام لا ينتهي الا بالموت، و الا فاللازم علي المسلم ان يعمل باستمرار حتي يموت.

(و الدنيا مضماره) فاللازم ان يعمل الانسان مادام في الدنيا، لا مثل مضمار الخيل، الذي هو ايام قلائل. (و القيامه حلبته) اي محل الحصول علي السبقه (و الجنه سبقته) اي جزاء السابقين العاملين بالاسلام، و من المحتمل ان تكون هذه الجمل تفسيرا للجمل السابقه، لا جملا مستانفا- علي نحو ما فسرناه-.

[صفحه 158]

(حتي اوري) اي اوقد (قبسا) اي شعله من النور (لقابس) الذي يريد الاقتباس و المعني ان الرسول صلي الله عليه و آله اظهر الاحكام النيره، التي هي شعله من النور في طريق الحق، لطلاب الحق و السعاده. (و انار علما) اي وضع له نارا في راس علم- اي الجبل- (لحابس) هو الذي حبس ناقته حيره لا يدري اين الطريق، فقد كانت العرب تضع النيران في روس الجبال للاشاره الي الطريق- في الليل- ليستنير بها المتحيرون من القوافل و غيرهم، و هذا تشبيه لحال الرسول صلي الله عليه و آله، و حال المتحيرين في بيداء الجهل و الضلال (فهو) اي الرسول صلي الله عليه و آله. (امينك المامون) لا يخونك اذا ائتمنته و قلدته دينك و منهاجك، اي اتبعته في اوامره و زواجره. (و شهيدك يوم الدين) الدين بمعني الجزاء، و يوم الدين هو يوم القيامه، فان الرسول صلي الله عليه و آله يشهد لمن عمل بما عمل، كما قال سبحانه: (و يكون الرسول عليكم شهيدا). (و بعيثك) اي المبعوث لك (نعمه) اي انعاما من الله سبحانه علي البشر (و رسولك) اي المرسل اليك، ارسالا (بالحق) لا بالباطل (رحمه) اي ترحما و تفضلا من الله علي الناس. (اللهم اقسم له) اي الرسول (مقسما) اي نصيبا (من عدلك) و هذا دعاء لاعط

ائه سبحانه للرسول ما يستحق

في مقابله اعماله. (و اجزه مضاعفات الخير) اي الخير المضاعف (من فضلك) و احسانك زياده علي العدل و الاستحقاق. (اللهم اعل علي بناء البانين بنائه) كنايه عن ارتفاع دينه حتي يكون ارفع الاديان، كما قال سبحانه: (ليظهره علي الدين كله). (و اكرم لديك) المراد القرب معنا لا حسا- لاستحالته في حقه سبحانه- (نزله) هو ما يهي ء للضيف من ماكل و ما اشبه لراحته و معني اكرامه ما يوجب تكريمه و تفضيله. (و شرف عندك منزلته) بان تكون له منزله شريفه رفيعه (و آته) اي اعطه (الوسيله) اي السبب الذي يوصله الي ما يشاء (و اعطه السناء) الرفعه و النور (و الفضيله) بان يكون له فضل و زياده علي من عداه. (و احشرنا) اي اجمعنا من حشر بمعني جمع (في زمرته) اي في جماعته صلي الله عليه و آله الخاصين به (غير خزايا) جمع خزيان، من خزي اذا ارتكب شيئا يوجب الخجل و القباحه (و لا نادمين) بان لاتخذ لنا حتي نعمل اعمالا توجب الخزي و الندم- في الاخره- (و لا ناكبين) نكب الطريق اذا عدل عنه، اي لا نكون عادلين عن طريق الحق. (و لا ناكثين) نكث العهد اذا نقضه و لم يف به (و لا ضالين) قد انحرفنا عن الطريق و ضللنا (و لا مضلين) اضللنا الناس (و لا مفتونين

) قد فتنتنا الدنيا بزخارفها، فغررنا بها. (اقول و لعل الامام ذكرهما في مناسبتين)

[صفحه 160]

(و قد بلغتم) ايها المسلمون (من كرامه الله لكم) حيث اكرمكم بالاسلام (منزله تكرم بها) اي بسبب تلك الكرامه (اماوكم) بعد ما كان السعاده- في زمن الجاهليه في خوف و اهانه- (و توصل بها جيرانكم) اي يتفقد الانسان جاره، و كل ذلك

الامر الاسلام و تربيته الناس علي ذلك. (و يعظمكم من لا فضل لكم عليه) فان الكفار كانوا يعظمون المسلمين لما راو فيهم من الرفعه و السمو، بدون ان يكون سبب ذلك فضلا من المسلمين عليهم (و لا يد) اي لا نعمه (لكم عنده) و انما قيل للنعمه (يد) لانها آله اعطائها - غالبا-. (و يهابكم من لا يحاف لكم سطوه) اي بطشا و عقابا، فان الانسان يحترم العالم و يهابه و ان لم يخف بطشه و عذابه، و قد كان الكفار يهابون المسلمين بمثل هذه الهيبه (و لا لكم عليه امره) اي اماره و سلطه (و قد ترون عهود الله منقوضه) قد نقضها الكفار، لعدم دخولهم في الاسلام، او نقضها اصحاب معاويه (فلا تغضبون) و لا تنهون عن المنكر (و انتم لنقض ذمم) جمع ذمه و هي العهد- (آبائكم تانفون اي تترفعون انفسكم من ان تري ذمه آبائكم منقوضه فتنهون عن ذلك و تخاصمون الناقض. (و كانت امور الله عليكم ترد) فالناس يسالون منكم عن الاحكام (و عنكم تصدر) فانتم تجيب

ون عنها (و اليكم ترجع) في موارد اختلاف الناس في حكم من احكام الله (فمكنتم الظلمه) جمع ظالم و هو الذي لا يعمل باحكام الله تعالي (من منزلتكم) بان تركتم منزلتكم حتي استولي عليها الضالمون (و القيتم اليهم) اي الي الظلمه. (ازمتكم) جمع زمام و هو ما يقاد به الدابه، يعني انكم بعد ان كنتم تاخذون بقياد الناس اخذ الناس بقيادكم، و هذا مما يويد كون الكلام في مقابل معاويه و اصحابه- لا الكفار-. (و اسلمتم امور الله في ايديهم) بعد ما كانت في ايديكم (يعملون في الشبهات) بدون ان يروا وجه الحق فيتبعوه (و

يسيرون في الشهوات) يعملون حسب لذاتهم و شهواتهم لا حسب اوامر الله. (و ايم الله لو فرقوكم تحت كل كوكب) بان باعدوا بينكم بهذا المقدار من البعد للخلاص منكم. (لجمعكم الله لشر يوم لهم) اي لقهرهم و الانتقام منهم، كما فعل سبحانه في قصه (المختار) و (التوابين) و ما اشبه، و هذا الكلام تقويه للشيعه في القيام باخذ حقهم.

خطبه 106

[صفحه 162]

في بعض ايام صفين (و قد رايت جولتكم) معاشر اصحابي اي جولانكم و حركتكم في الحرب (و انحيازكم) اي تقهقركم و ابتعادكم (عن صفوفكم) خوفا من عسكر الشام (تحوزكم) اي تشتمل عليكم (الجفاه) جمع الجافي: من الجفاء بمعني الظلم (الطغام) اوغاد الناس. (و اعراب اهل الشام) الذين لا ثقافه لهم و لا حضاره و هذا عتب علي اصحابه … كيف يذلون امام جيش معاويه، و يبتعدون عن صفوفهم. (و) الحال (انتم لهاميم) جمع لهيميم بمعني السابق من الخيل و الانسان (العرب) اي السباقون الي كل فضيله (و يافيخ الشرف) جمع يافوخ و هو فوق الراس حيث يجتمع عظما الموخر و المقدم. (و الانف المقدم) وصف توضيحي لتاكيد معني الشرف (و السنام الاعظم) السنام هو ما علي ظهر البعير مما هو اعلا اعضائه يشبه به في ارفعه و السمو. (و لقد شفي و حاوح صدري) جمع وحوحه صوت الصدر اذا كان متالما و هو صوت معه بحح (ان رايتكم باخره) اي في جوله آخره (تحوزونهم كما حازوكم) بان اشتلمتم عليهم و احطتم بهم و الاحاطه بالعدو و دليل الغلبه اذ لا مفر للمحاط فمن اين توجه ياتيه الحراب (و تزيلونهم عن موافقهم كما ازالوكم) في الجوله السابقه (تحسونهم (حسا) اي قتلا (بالنصال) هو المبارات في الرمي

شجرا) اي طعنا (بالرماح) جمع رمح (تركب اولاهم اخرهم) لفرارهم من ايديكم فان الجمع اذا ارادوا الفرار وقع بعضهم علي بعض كانه راكب عليه (كالابل اليهم) جمه هائمه و هي العطشانه (المطروده) التي تطرد من الماء فانها من شده و العطش و خوف الطرد اذا فرت ركبت بعضها علي بعض (ترمي) تلك الابل (عن حياضها) جمع حوض و هو محل الماء (و تذاد) اي تمنع (عن مواردها) جمع مورد و هو محل ورودها لشرب الماء.

خطبه 107

[صفحه 164]

(و هي من خطب الملاحم) و قد مر معني الملاحم (الحمدلله المتجلي) اي المظهر نفسه (لخلقه ب) سبب (خلقه) فان الخلق هو الاثر الدال علي الخالق (و الظاهر لقلوبهم) لا لابصارهم لانه سبحانه لايري (بحجته) اي بما استدل به و احتج علي وجوده سبحانه. (خلق الخلق من غير رويه) اي تفكر و تدبر لانه لا يحتاج الي الفكر (اذ كانت الرويات لا تليق الا بذوي الضمائر) اي الذين لهم قلوب و اجزاء كالناس: اما الله المنزه عن ذلك فلا يتروي و لا يفكر لخلوه سبحانه عن الاعضاء و الجوارح. (و ليس) سبحانه (بذي ضمير في نفسه) اي ليس لنفسه اي ذاته ضمير و سر (خرق علمه) اي نفذ (باطن غيب السترات) جمع ستره: و هي ما يستر به اي الباطن الغائب المستور. (و احاط) علمه سبحانه (بغموض عقائد السريرات) اي المخفي من عقائد الناس الكائنه في سريرتهم- اي ضمائرهم-.

[صفحه 165]

(اختاره) الله سبحانه (من شجره الانبياء) فان الرسول صلي الله عليه و آله و سلم ينتهي نسبه الي ابي الانبياء ابراهيم عليه السلام. (و مشكاه) الكره التي يوضع فيها المصباح (الضياء) و الاضافه للبيان كان هذه السلسله التي منها النبي كون يشع

منها ضياء الوحي و النبوه (و ذوابه) الناصيه (العلياء) اي العلو فهو صلي الله عليه و آله و سلم في اعلي مراتب العلو. (و سره البطحاء) البطحاء الارض المستويه و المراد هنا مكه و السره يراد بها الوسط اي انه صلي الله عليه و آله و سلم من افضل بيت في مكه. (و مصابيح الظلمه) فان آباء الرسول كانوا اهل حق و دين يضيئون الطريق للجاهل و الضال. (و ينابيع الحكمه) جمع ينبوع، و هو العين، كانهم كانوا عيون الحكم يتفجر منهم مما يفيد الناس و يهديهم الي السعاده و الخير.

[صفحه 166]

(و منها) ثم وصف الامام عليه السلام نفسه بقوله: (طبيب دوار بطبه) اي انه يدورهنا و هناك و معه طبه- الذي هو العلم- لعله يجد مريضا يريد العلاج عن مرض الجهل فيشفيه بارشاده و هدايته. (قد احكم مراهمه) جمع مرهم و هو الدواء الشافي للدمل و نحوه (و احمي مواسمه) جمع ميسم و هو المكوات التي يكوي بها المريض اذا عجز عن الشفاء بغيره و (احمي) بمعني اوقد عليه النار حتي حمي، و ذلك كنايه عن استعداده للشفاء بحيث لايحتاج الي الاحماء اذا وجد من احتاج الي الكي (يضع ذلك) الطب (حيث الحاجه اليه) اي في كل مكان محتاج الي الشفاء (من قلوب عمي) جمع اعمي و هو القلب المصروف عن الله سبحانه. (و آذان صم) جمع صماء و هي التي لا تصغي الي الموعظه (و السنه بكم) جمع ابكم و هو اللسان الذي لا ينطق بالحق. (متتبع) اي ذلك الطبيب (بدوائه مواضع الغفله) اي انه يذهب الي الناس الغافلين عن الاخره (و مواطن الحيره) اي المتحيرون عن الله و عن احكامه. (لم يستضيئوا بانورا

الحكمه) اي انهم لم يهتدوا- قبله عليه السلام- بالنور الساطع من الحكم الاسلاميه (و لم يقدحوا) اصله ضربا الحجر علي الحجر لاخراج النار (بزناد العلوم الثاقبه) فانهم لم يتناولوا العلوم التي تث

قب الجهل لتصل الي محض الحق (فهم في ذلك) الجهل- المستفاد من الكلام- (كالانعام السائمه) التي ترعي الاعشاب بلا علم و لا درايه و انما همها بطنها (و الصخور القاسيه) اي الصلبه التي لا تتفجر منها الانهار و لا تنبت النبات فليست محل خير.

[صفحه 167]

(قد انجابت) اي ظهرت (السرائر) جمع سريره، و المزاد بها الامور الراقعيه المستوره (لاهل البصائر) الذي لهم قلوب و قاده بصيره، و المراد بذلك اما نفسه عليه السلام، اي قد ظهرت لي كوامن الامور، فيكون هذا مقدمه لما يخبر به بعد من الاخبار المتسقبله، او ان المراد ان اهل البصره ظهر لهم الحق بما بينه عليه السلام فمن لم يظهر له انما كان لتقصيره كقولنا (وضح الحق لذي عينين). (و وضحت محجه الطريق) اي وسطه الواضح (لخابطها) اي السائر عليها و المعني ان مريد السير قد وضح له الحق (و اسفرت الساعه) اي القيامه (عن وجهها) اي اظهرت عن نفسها و ذلك بمجي ء علائمها، فقد قال الرسول صلي الله عليه و آله و سلم (بعثت انا و الساعه كهاتين) و اشار صلي الله عليه و آله و سلم الي اصبعيه. (و ظهرت العلامه) للساعه (لمتوسمها) المتوسم هو المتفرس الذي يري العلامه فيغرف ذا العلامه، و هذا فذلكه لبيان فتنه مستقبله هي من اشراط الساعه. ثم الظاهر ان الامام وجه الخطاب الي المعاصرين لتلك الفتنه الذين لا يقومون باخمادها، بقوله: (ما لي … ) لا انه خطاب الي اصحابه لعدم المناسبه اللهم الا ان

يقال وجه الخطاب عتابهم في عدم اخذهم بهذه العلوم التي يفيض بها صدر

الامام، و عدم اعتنائهم لها. (ما لي اراكم) و هذا عتاب لهم، في مكان (ما لكم) و انما ينسب الاستفهام الي نفسه للاشاره الي ان المطلب من الغرابه بحيث يمكن ان يكون المتكلم اشتبه في الرويه فهم غير مقصرين و انما رآهم المتكلم مقصرين اشتباها منه (اشباحا) جمع شبح و هو الجسد بلا روح (بلا ارواح) اجسام مرئيه بلا ارواح مدركه. (و ارواحا بلا اشباح) هذا من تتمه التانيب اي انكم ناقصون كالروح بلا جسد، او الجسد بلا روح الذي لم ينفع كل واحد منهما دون الاخر، و هذا كما يذم ذا اللسانين، و انكان احد لسانيه حسنا. (و نساكا) جمع ناسك و هو الزاهد (بلا صلاح) اي انكم غير زاهدين، و انما تظهرون الزهد و الصلاح (و تجارا بلا ارباح) اي تعملون بلا ثمر، لان اعمالكم للدنيا التي لا ربح حقيقي لها. (و ايقاظا) جمع يقظ (نوما) جمع نائم اي انكم في الظاهر ايقاظ لكن لعدم درككم للامور و عدم عملكم عملا مثمرا، كالنوم. (و شهودا) جمع شاهد و هو الحاضر (غيبا) جمع غائب، اي انكم حاضرون جسما، غائبون قلبا. (و ناظره عمياء) تنظرون بالعيون لكنكم كالاعمي لا تدركون الحقائق، و عمي جمع (اعمي) (و سامعه صماء) جمع اصم. (و ناطقه بكماء) جمع ابكم و المعني لا تنتفعون بابصاركم و اسما

عكم و السنتكم

[صفحه 169]

(رايت ضلاله قد قامت) لعله اشاره الي آخر الزمان- كالوقت الذي نحن فيه- (علي قطبها) تمثيل الاستحكام اي تلك الضلاله، حتي ان لها رحي و مدارا و قطبا، تدور بانتظام، لا انها شي ء وقتي و جوله تنتهي بسرعه. (و

تفرقت) تلك الضلاله (بشعبها) اي انتشرت بفروعها فلها شعب و فروع (تكيلكم) اي تاخذكم للهلاك كيلا (بصاعها) آله الكيل، كان تلك الفتنه عامه حتي انها تكال الناس كيلا، لا انها خاصه ببعض الناس كما ان الامر كذلك في زماننا هذا. (و تخبطكم) من خبط الشجر اذا ضربه بالعصي ليسقط ورقه، او من خبط البعير بيده الارض اذا ضربها بيده، و هذا اقرب (بباعها) و هو مد اليدين، و ذلك كنايه عن شمول الفتنه لجميعهم (قائدها) اي قائد تلك الفتنه، و كان المراد الحكام (خارج من المله) اي من شريعه الاسلام. (قائم علي الضله) اي الضلاله (فلا يبقي- يومئذ-) اي في ذاك اليوم (منكم الاثفاله كثفاله القدر) الذي يبقي بعد ذهاب الخالص الطيب من الطعام، يعني ان الباقين ليسوا الا شرارا قد ذهب خيارهم (او نفاضه) ما يسقط بالنفض. (كنفاضه العكم) هو لمظ تجعل فيه المراه ذخيرتها، فاذا تمت الذخيره نفضت العكم لتنفضها من بقايا الزد الباقيه في ثنايا نسيج العكم. (تعرككم)

الفتنه، و هو الدلك الشديد (عرك الاديم) هو الجلد، يدلك شديد ليمتد و هو كنايه عن شده وطاء الفتنه، و تحريكها لهم تحريكا عنيفا. (و تدوسكم) الفتنه (دوس الحصيد) اي الحب المحصود فانه يداس بشده ليتفرق قشره عن لبه (و تستخلص) الفتنه (المومن من بينكم) و نسبه استخلاص الفتنه المومن، لانها هي السبب في كمال ايمانه حيث يبقي في كل الهزاهز بدون انحراف او تنكب. (استخلاص الطير الحبه البطينه) اي السمينه (من بين هزيل الحب) اي غير سمينه. ثم توجه الامام عليه السلام بالخطاب الي اهل ذلك الزمان الذين يقعون في الفتنه، بقوله: (اين تذهب بكم المذاهب) جمع مذهب، و هي الطرائق التي تتولد في الفتن و

يدعوا كل انسان اتباعه الي طريقه خاصه. (و تتيه بكم الغياهب) جمع غيهب و هو الظلمه، كان الظلمات تسبب ظلالهم و تيههم. (و تخدعكم الكواذب) اي الاقوال الكاذبه (و من اين توتون) كان اعوان الفتنه ياتون الي الناس لاظلالهم، و هذه الاستفهامات للانكار. (و اني توفكون) اي كيف تنصرفون عن الحق؟ من افك بمعني انصرف، ثم بين الامام عليه السلام ان تلك الفتنه لا تبقي و انما تذهب و تضمحل بعد مده بقوله (فلكل اجل) اي مده (كتاب) قد كتب الاجل في ذلك الكتاب فلا يزيد علي ما كتب

و لا ينقص عنه. (و لكل غيبه) لاحد او شي ء (اياب) و رجوع و هكذ يرجع الاسلام بعد الفتنه التي تسبب غياب احكامه و نظامه. (فاستمعوا من ربانيكم) العارف بالله سبحانه، منسوب الي (رب) و المراد نفسه الكريمه (و احضروا قلوبكم) للادراك و الفهم، لتعرفوا ذلك الزمان و علائمه. (و استيقظوا) اي لا تكونوا كالنائم (ان هتف) اي صاح الرباني (بكم) لايقاظكم، حتي لا تقعوا في الفتنه من غير درايه (و ليصدق رائد اهل) الرائد هو الذي يتقدم القوم المسافرين يرتاد لهم موضع كلاء و ماء، و هذا امر بالقاده، بان يتحفظوا علي الناس في ذلك الزمان لئلا يضل الاتباع بلا علم (و ليجمع) الرائد (شمله) اي جماعه فلا يتركهم نهبا للفتن و الضلالات (و ليحضر) الرائد (ذهنه) ليعرف مواقع الفتن و الضلاله (فلقد فلق) اي شق و فاعله الضمير العائد الي الامام عليه السلام (لكم الامر) اي بينه لكم لئلا تضلوا. (فلق الخرزه) فكما ان الخرزه اذا شقت روي ما في جوفها كذلك اوضح الامام لكن باطن الامر، حتي لا يبقي شي ء مشتبه (و قرفه) اي قرف الامر، اي

قشره، و اوضحه (قرف الصمغه) اي مثل تقشير الصمغه، فانها اذا تقشر يظهر ما في بطنها بجلاء، لكونها شفافه، ثم بين الامام عليه السلام علائم تلك الف

تنه و ما يصحبها من الموبقات و الاثام بقوله: (فعند ذلك) الزمان (اخذ الباطل ماخذه) جمع ماخذه اي جميع المحلات الممكنه اخذها (و ركب الجهل مراكبه) و المراد تفشيه و اتساعه بين الناس (و عظمت الطاغيه) اي سلطه السلطان الطاغي، و التانيث باعتبار النفس، او ان التاء للمبالغه. (و قلت الداعيه) الي الهدي (وصال الدهر) اي هجم علي الناس بالفقر و البلاء و المرض و ما اشبه. (صيال السبع العقور) الذي اذا عقر، موضعا سبب الما كثيرا و مرضا، اي مثل صوله الحيوان المفترس الذي صار مع ذلك عقورا (و هدر فنيق الباطل) شبه الفتنه بالبعير اذا هدر، فان (فنيق) الفحل من الابل (بعد كظوم) اي كظم و امساك، فان اهل الباطل في دوله الحق ساكنون خوفا من اهله اما اذا قامت الفتن، فاهل الباطل يشرعون في الحركه و الصياح و الدعوه و الافساد (و تواخي الناس) اي آخي بعضهم بعضا (علي الفجور) فيتخد الخليل خليله فاجره، او خليلا فاسقا، حيث لا اخوه تجمعهم الا الفسق (و تهاجروا علي الدين) اي اذا كان احدهم متدينا هاجره صديقه. (و تحابوا علي الكذب) اي احب بعضهم بعضا، لانه كذب في نفعه (و تباغضوا علي الصدق) اي ان احدهم اذا صدق و قال الحق، غضب عليه آخر، و ابغضه لانه صدق (فاذا كان

ذلك) حال الناس (كان الولد غيظا) اي موجبا لغيظ ابويه لانه يكون للولد اتجاه آخر غير اتجاه الابوين، فان الاسلام هو الذي يوحد الاتجاهات و يظلل العائله بالالفه و الوداد، فاذا

انفصم انفصمت العلائق (و المطر قيظا) المراد ان المطر ياتي في الصيف حيث لا ينفع، او ان المطر يكون كالمطر في القيظ لعدم الاستفاده منه، حيث تكون الامور الزراعيه بالمكائن و الالات- كما في حالنا هذا-. (و تفيض اللئام فيضا) اي يكثرون كما يفيض الماء و يكثر، و ذلك لان المجتمع اذا صار فاسدا كثر فيه الفاسدون و قل الصالحون (و تغيض الكرام) من غاض الماء اذا غار في الارض (غيضا) و ذلك كنايه عن قلتهم. (و كان اهل ذلك الزمان ذئابا) اي كالذئاب في اختطاف الخيرات، و عدم المبالات بالحرام و الحلال، و سوء العواقب. (و سلاطينه سباعا) كالسبع في افتراس الناس و قتلهم و نهشهم (و اوساطه) اي المتوسطون من اهل ذلك الزمان (اكالا) لا يعرفون الا الاكل و ذلك كنايه عن عدم اهتمامهم الا بانفسهم. (و فقراوه) اي فقراء ذلك الزمان (امواتا) اي كالاموات في عدم وسائل العيش لهم، اذ الاغنياء لا يرحمونهم، و الدوله لا تهتم بهم، بخلاف ما لو كان الاسلام آخذا بالزمام (و غار الصدق) اي نضب و ذهب. (و

فاض الكذب) اي كثر و زاد كما يفيض الماء (و استعملت الموده باللسان) اي انه يذهب الود من القلوب و انما يكون لود الحب باللسان فقط (و تشاجر) اي عادي (الناس) بعضهم بعصضا (بالقلوب) و هي صفت النفاق (وصاز الفسوق نسبا) فالفسق يكون هو سبب التواصل- كما يكون النسب سبب التواصل- فمثلا يتصادق الناس علي المنكرات و المحرمات، و يحتمل ان يكون المراد ان الزنا و ما اشبهه يكون سببا للنسب. (و) يكون (العفاف) و النزاهه (عجبا) اي موجبا لعجب الناس كيف عف و تنزه فلان؟ (و لبس الاسلام لبس

الفرو مقلوبا) فقلب الناس يحب الاسلام و عليهم اسمه اما ظاهرهم فظهر كفر و نفاق.

خطبه 108

[صفحه 175]

في صفه الله و ذكر الملائكه و بيان الخلق و الاشاره الي البعث (كل شي ء خاشع) اي خاضع (له) تعالي، حتي الذين لا يعترفون به خاضعون تكوينا لارادته. (و كل شي ء قائم به) اي ان قوام كل شي ء و وجوده حسب ارادته سبحانه، حتي اذا صرف عنهم الاراده فنوا و عدموا. (غني كل فقير) فان غني الفقراء- فيما هم فيه اغنياء، كالصحه، و الامن، و الوجود، و ما اشبه- انما هو بسببه و فضله تعالي او المراد ان كل شي ء فقير في ذاته- لكونه ممكنا- و انما غناه و وجدانه لشي ء من الله سبحانه. (و عز كل ذليل) فان الذليل يعتز بان له الها عظيما عزيزا، او الذي ذكرنا في الفقره السابقه بمعني ان الذليل ذاتا عزه بالله. (و قوه كل ضعيف) فالقوه التي للضعفاء انما هي بالله، او علي المعني الذي ذكرناه سابقا. (و مفزع كل مهلوف) المفزع محل الفزع و الالتجاء، و الملهوف، هو الذي نابه امر و عرضت له كارثه، فان كل مضطر يلتجا اليه سبحانه لكشف ضره و تعويض خسارته. (من تكلم سمع) الله سبحانه (نطقه) اينما كان و كيفما تكلم (و من سكت) و لم ينطق (علم سره) و ما يدور في ضميره (و من عاش) في الدنيا (فعليه) تعالي (رزقه) حتي يموت (و من مات فاليه) سبلحانه (منقلبه) مصدر ميمي اي

انقلابه و رجوعه و معني (اليه) الي جزائه و المحل الذي اعده له، اذ هو سبحانه منزه عن المكان. ثم التفت عليه السلام عن الغيبه الي الخطاب- الذي هو من فنون البلاغه- بقوله: (لم ترك)

من (راي) و (الكاف) للخطاب (العيون فتخبر عنك) اخبارا بالرويه، بان تحكي للنفس صورتك و كيفيتك. (بل كنت) يا رب (قبل الواصفين من خلقك) فان الناس القادرين علي الوصف هم مخلوقون لك و الاتيان بلفظه (بل) لعله لدفع ايهام ان (مالا يري لا يكون) بعدم رويته ليس لعدم كونه فانه كائن بل قبل كل شي ء (لم تخلق الخلق لوحشه) كما يتوحش الانسان من الانفراد، فيكسب مونسا (و لا استعملتهم) اي امرتهم بالعمل، او جئت بهم الي الوجود و اعطيتهم ما اعطيتهم (لمنفعه) لك من ورائهم (و لا يسبقك) في الفرار (من طلبت) تشبيه بمن يسبق طالبه فرارا فلا يدركه الطالب عجزا (و لا يفلتك) اي لا ينفلت منك (من اخذت) كما ربما ينفلت الناس من ايدي خصمائهم. (و لا ينقص سلطانك من عصاك) اذ سلطانه كائن علي الجميع، سواء عصي العاصي ام اطاع المطيع، لعدم خروج شي ء من تحت امره، و قبضه قدرته سبحانه. (و لا يزيد في ملكك من اطاعك) لان الملك كائن لا يتسع و لا ينقبض، و انما الامر بالاطاعه لمنفعه المطيع (و لا ي

رد امرك) اي تقديرك (من سخط قضاوك) فمثلا من سخط لضيق رزقه، لا يرد سخطه ضيق رزقه الذي قضاه سبحانه له. (و لا يستغني عنك من تولي) اي اعرض (عن امرك) بان عصاك، فان الانسان احتياج محض اليه سبحانه (كل سر عندك) يا رب (علانيه) اي ظاهر غير مستور. (و كل غيب) اي ما غاب عن الحواس (عندك شهاده) اي حاضر مشهود، لان الله مطلع علي جميع الاشياء ظاهرها و باطنها، حاضرها و غائبها. (انت الابد) اي باقي دائما (لا امد لك) اي لا مده لك، حتي اذا

بلغت الي تلك المده انقضي اجلك. (و انت المنتهي) اي انتهاء جزاء كل انسان اليك (لا محيص) اي لا مفر (عنك) و لا يتمكن احد من ان لا يصل اليك (و انت الموعد) الموعد محل الوعد، اي ان الانسان وعد ان يصل اليك- و الموعد غير المنتهي مفهوما- (لا منجي) اي لا نجات (منك الا اليك) بان يتضرع الانسان اليك لنجاته من سخطك. (بيدك) اي بقدرتك و تحت امرك (ناصيه كل دابه) الناصيه مقدم الجبهه، و انما خص بذلك، لان الشخص اذا اخذ بشعر انسان لا يتمكن الماخوذ من الانفلات، و يتمكن من توجيهه كيفما شاء. (و اليك مصير) مصدر ميمي اي صيروره (كل نسمه) اي كل انسان (سبحانك) مفعول مطلق لفعل محذوف، اي اسبحك سبحانك، و المعني انزهك تنزيها عن ا

لنقائص (ما اعظم ما نري من خلقك) فان ما يري من مخلوقاته سبحانه عظيم فكيف بما لا يري (و ما اصغر عظيمه) اي عظيم المخلوقات (في جنب قدرتك) فان قدره الله سبحانه لاتحد بحد. (و ما اهول ما نري من ملكوتك) اي ان كبر الملكوت- بمعني الملك- موجب للهول و الدهشه (و ما احقر ذلك) الخلق و الملك- الذي نراه- (فيما غاب عنا من سلطانك) و ملكك (و ما اسبغ نعمك في الدنيا) فان نعمه سبحانه في الدنيا سابغه واسعه (و ما اصغرها في نعم الاخره) (في) بمعني النسبه فان نعم الاخره من الكثره بحيث ان نعم الدنيا لا شي ء بالنسبه اليها.

[صفحه 179]

(من ملائكه اسكنتهم سماواتك) فان الملائكه اجسام لطيفه مقرها الطبقات العليا من الفضاء (و رفعتهم عن ارضك) فليسوا من سكان الارض- كالانسان- (هم اعلم خلقك بك) هذا اضافي بالنسبه الي عامه الناس

و الاجنه و الحيوانات، لا انه حتي بالنسبه الي النبي صلي الله عليه و آله و سلم و الائمه عليهم السلام (و اخوفهم لك) اي اكثر الخلق خوفا منك (و اقربهم منك) قرب منزله، لا قرب مكان- فانه تعالي منزه عن المكان-. (لم يسكنوا) اي الملائكه (الاصلاب) جمع صلاب و هو محل المني في ظهر الرجل (و لم يضمنوا الارحام) جمع رحم، و هي محل الولد في الام. (و لم يخلقوا من ماء مهين) اي حقير و المراد به النطفه (و لم يشعبهم) من شعبه بمعني اهلكه (ريب المنون) المنون الفوت، و ريبه عمله، و المعني انهم لا يموتون- كما يموت الانسان- او ان (المنون) الدهر، و (ريبه) صرفه اي لا تنالهم صروف الدهر من قوه و ضعف و غني و فقر و ما اشبه (و انهم) اي الملائكه و هذا متعلق بقوله (لو عاينوا) و الجمله في الوسط اعتراض (علي مكانهم منك) اي قربهم للطفك و فضلك يا رب (و منزلتهم عندك، اي مكانتهم الرفيعه (و استجماع اهوائهم فيك) اي ليست لهم اهواء متشته متفرقه- كالانسان- و انما

كل فكرهم و نظرهم عنده سبحانه و مصرفوه في عظمته و طاعته. (و كثره طاعتهم لك) فانهم دائما في طاعه الله سبحانه (و قله غفلتهم عن امرك) اما حقيقي، بان كان لهم غفله قليله منه سبحانه، او كنائي، ان لم تكن لهم غفله (لو عاينوا) متعلق بقوله سابقا (و انهم). (كنه ما خفي عليهم منك) اي كنه ذاتك و صفاتك (لحقروا اعمالهم) فان الانسان كلما اطلع علي عظمه الله سبحانه حقر عمله في جنب عظمته تعالي. (و لزروا علي انفسهم) اي عابوها و حقروها لانها لا تعمل الا

قليلا (و لعرفوا انهم لم يعبدوك حق عبادتك و لم يطيعوك حق طاعتك) فان ذلك غير معقول بالنسبه الي المخلوقات.

[صفحه 180]

ثم توجه الامام عليه السلام الي الانكار علي الناس العصات الذين اعرضوا عنه تعالي، و قدم علي ذلك مقدمه بقوله: (سبحانك) اللهم (خالقا و معبودا) اي انت خالق الخلق، و انت الاله المعبود بالحق (بحسن بلائك عند خلقك) الباء للسببيه، اي ان التسبيح بسبب حسن امتحان الله سبحانه فانه تعالي انما اختبر عباده اختبارا حسنا سهلا لا عسر فيه و لا صعوبه (خلقت دارا) اي الجنه (و جعلت فيها مادبه) هي ما يضع من الطعام للمدعوين، و المراد نعيم الجنه. ثم فسر عليه السلام ذلك بقوله: (مشربا و مطعما) مصدران ميميان اي شرابا و طعاما (و ازواجا) للنساء رجالا و للرجال نساء (و خدما) جمع خادم. (و قصورا و انهارا و زروعا) جمع زرع و هو التبات و الشجر (و ثمارا) اي فواكه. (ثم ارسلت داعيا) هو النبي صلي الله عليه و آله و سلم. او مطلق الدعات فالمراد الجنس (يدعوا اليها) اي الي تلك الدار. (فلا الداعي اجابوا) اي لم يجب الناس الداعي- و المراد الاغلبيه منهم- (و لا فيما رغبت رغبوا) فانهم لم يرغبوا في نعيم الجنه (و لا الي ما شوقت اليه اشتاقوا) جهلا منهم و عتوا (اقبلوا علي جيفه) المراد منها الدنيا (افتضحوا باكلها) الا فتضاح ظهور نوايا الشخص السيئه و نفس

يته الدنيئه. (و اصطلحوا علي حبها) اي صالح بعضهم بعضا، بان لا ينكر احدهم علي آخر، في حب الدنيا (و من عشق شيئا) كما عشق الناس الدنيا (اعشي بصره) اي اعماه، فان المحب لا يري الا الصفات المحبوبه اما الصفات الذميمه فيغض

عنها. (و امرض قلبه) فان القلب اذا لم ير الشر، فهو مريض لخروجه من جاده الاستقامه (فهو ينظر بعين غير صحيحه) و المراد من النظر ليس الرويه و انما الادراك النفسي (و يسمع باذن غير سميعه) فان سمع حسنه اخذها، و ان سمع سيئه تصام عنها. (قد خرقت الشهوات عقله) فامتلاء بالشهوات بعد ان كان العقد لا ينفذ فيه شي ء حتي يكون علي حد ذاته يدرك الاشياء و يميزها بميزان عادل صحيح (و اماتت الدنيا قلبه) فان القلب الحي هو الذي يفر من السي ء و ياوي الي الحسن، اما القلب اذا مات، كان كالانسان الميت الذي لا يفر من الضار و لا يجلب النافع. (و ولهت) اي اشتاقت اشتياقا زائدا (عليها) اي علي الشهوات (نفسه فهو عبد لها) اي للشهوات (و لمن في يده شي ء منها) فكما ان العبد يتبع سيده كذلك هذا الانسان يتبع شهواته و من يمكن ان يحصل علي الشهوات بواسطته (حيثما زالت) اي مالت الشهوات (زال) هذا الشخص (اليها) الي الشهوات (و حيثما اقبلت) و اتجهت تلك

الشهوات (اقبل عليها) يدور معها. (و لا يزدجر) اي لا ينتهي (من الله) اي من جهه امره سبحانه (بزاجر) اي بسبب زاجر عن قبله تعالي (و لا يتعظ منه) تعالي (بواعظ) اي بسبب و واعظ من طرفه سبحانه. (و) الحال (و) الذي اتبع الشهوات غافلا عن الاخره (يري الماخوذين علي الغره) الذين ماتواه و اخذهم الله سبحانه للحساب و الجزاء غفله و بغته بدون سابق انذار (حيث لا اقاله) بان يقيلهم الله سبحانه عثراتهم (و لا رجعه) الي الدنيا ليتداركوا ذنوبهم بالطاعه و الانابه (كيف نزل بهم ما كانوا يجهلون)؟ من احوال الاخره و سيئات

ما عملوا، و الاستفهام للتعجيب و التذكير (و جائهم من فراق الدنيا ما كانوا يامنون) (من) بيان (ما) اي انهم كانوا يامنون فراق الدنيا، فجائهم الفراق بغتته و خطفهم من مامنهم (و قدموا من الاخره) بيان (علي) (علي ما كانوا يوعدون) من العقاب و الحساب الذي كانوا يوعدونه فلا يصدقونه.

[صفحه 184]

(فغير موصوف ما نزل بهم) من اهوال و الشدائد فانها لعضمها لا تاتي في درج البيان و الوصف (اجتمعت عليهم سكره الموت) فان للموت حاله كحاله السكران اذ يغطي علي عقله من شده اهوال الموت (و حسره الفوت) اي فوت اوان الطاعه الموجبه للخلاص و الفوز (ففترت لها) اي لتلك السكره و الحسره (اطرافهم) فان الانسان يضعف عصبه عند الشدائد و المخاوف (و تغيرت لها الوانهم) اذ الخوف يوجب هجوم الدم نحو الباطن فيصفر الوجه. (ثم ازداد الموت فيهم ولوجا) اي دخولا، لان الموت امر تدريجي ياتي جزئا جزئا (فحيل بين احدهم) المراد كل واحد من هولاء الموصوفين كما قال سبحانه: (يود احدهم لو يعمر الف سنه) (و بين منطقه) حتي انه لا يتمكن ان يتكلم. (و انه لبين اهله) ممدود في حاله السكرات (ينظر ببصره) اليهم (و يسمع باذنه) كلامهم لكنه لا يقدر لي التكلم (علي صحه من عقله و بقاء من لبه) اي عقله كل ذلك مما يزده حسره (يفكر فيم) اصله (في ما) و اذا دخلت حروف الجر علي (ما) حذف الالف نحو (عم) و (لم) و ما اشبه (افني عمره)؟ حيث لم يحصل علي الغايه الحسنه (و فيم اذهب) و اعدم (دهره) بلا فائده و لا تجاره رابحه. (و يتذكر) في ذلك الحال (اموالا جمعها) طيله حياته و ق

د (اغمض في

مطالبها) اي ما يطلبه تلك الاموال من الشقاء و السعاده، لانه اغمض بصره في كون تلك الاموال من الحرام او الحلال. (و اخذها) اي تلك الاموال (من مصرحاتها) الصريح هو الذي لا لبس فيه و لا اشتباه (و مشتبهاتها) اشتبه حله بحرامه (قد لزمته تبعات جمعها) جمع تبعه، و هي العقوبه و المشكله تتبع التصرف السي ء من جهه الجمع و معني لزمته ان استحق العقاب. (و اشرف علي فراقه) اي مفارقه تلك الاموال (تبقي) تلك الاموال (لمن ورائه) اي يبقي من بعده من الورثه و نحوهم (ينعمون فيها) اي يتنعمون في تلك الاموال (و يتمتعون بها) التمتع اخذ المتعه (فيكون المهنا) من (هناء) و هو ما اتاك من خير بلا صعوبه و مشقه (لغيره) و هو الوارث (و العب) اي الثقل، الذي هو الذنب (علي ظهره) فان الوارث لا يعلم بكون المال حراما، و لذا يجري اصل الصحه و يتناوله في هناء (و المرء) المورث (قد غلقت رهونه) اي استحقها مرتهنها (بها) اي بتلك الاموال. (فهو يعض يده) كنايه عن اسفه (ندامه علي ما اصحر له) اي ظهر له، و اصله البروز الي الصحراء لانه يظهر فيها (عند الموت من امره) اي امر نفسه (و يزهد) هذا الانسان المحتضر (فيما كان يرغب فيه ايام عمره) لانه يظهر له في ذلك الحال

عدم فائده المال و ما اشبه، و لذا ينفر عنه، بينما كان في السابق يرغب فيه (و يتمني) حال الموت (ان) الشخص (الذي كان يغبطه بها) اي يغبط هذا المحتضر بسبب تلك الاموال (و يحسده عليها) و الفرق بين الغبطه و الحسد ان الغبطه تمني المرء ان يكون لنفسه مثل ما لغيره و الحسد تمني

المرء زوال نعمه الغير. (قد حازها) اي ملكها ذلك الحاسد و الغابط (دونه) لانه راي و بال تلك الاموال فيقول يا ليت كانت لغير حتي لا اوخذ باثمها و تبعتها (فلم يزل الموت يبالغ في جسده) و يوهن قواه. (حتي خالط لسانه سمعه) اي شارك السمع اللسان في العجز عن القيام بوظيفته فقد كان قادرا علي الاستماع غير قادر علي التكلم و الان صار لا يقدر علي الاستماع ايضا (فصار بين اهله لا ينطق بلسانه و لا يسمع بسمعه) و انما يبقي له البصر. (يردد طرفه بالنظر في وجوهم) ينظر الي هذا مره و الي ذاك اخري (يري حركات السنتهم) مما يدل علي انهم يتكلمون بشي ء (و لا يسمع رجع) اي صوت (كلامهم) لان الموت قد شمل اذنه، و في هذا الحال زياده الحسره و كثره الغصه. (ثم ازداد الموت التياطا) اي اختلاطا (به فقبض بصره كما قبض سمعه) و لسانه من ذي قبل (و خرجت الروح من جسده) و مات. (فصار جيفه) اي كالجيفه،

و هذا مجاز بالمشارفه (بين اهله) و تكرار هذه الكلمه لا شفاق (قد اوحشوا من جانبه) اي من جهته (و تباعدوا من قربه) اذ الناس يخافون من الميت و يتعبدون عنه (لا يسعد باكيا) بالبكاء معه، اي لا يشاركهم في احزانهم كما كان يشارك معهم في حال حياتهم (و لا يجيب داعيا) يدعوه. (ثم حملوه الي مخط) اي مكان قد خط لقبره (في الارض و اسلموه فيه) اي في ذلك المخط (الي عمله) بمعني انه يبقي و عمله الذي قدمه في اليحاه فانكان خيرا سعد و انكان شرا شقي. (و انقطعوا عن زورته) اي زيارته، فلا يزورونه، و يبقي هناك في

القبر رهن عمله

[صفحه 187]

(حتي اذا بلغ الكتاب اجله) اي الذي كتبه الله سبحانه لبقاء الاموات في القبور، اجله: اي مدته (و) بلغ (الامر مقاديره) جمع مقدار، اي امر الله في البقاء في القبر مقداره الذي قدره و عينه. (و الحق اخر الخلق باوله) بان مات الجميع (و جاء من امر الله ما يريده من تجديد خلقه) باحيائهم و جمعهم في عالم الاخره (اماد السماء) اي حركها (و فطرها) اي شقها و صدعها، و المراد تبديد نظام السماء، و هذا جواب (اذا) (و ارج الارض) من الرجه بمعني الحركه (و ارجفها) اي زلزلها (و قلع جبالها) عن مواضعها (و نسفها) اي ازالها (و دك بعضها بعضا) الدك الضرب (من هيبه جلالته) سبحانه. (و مخوف سطوته) اي سلطته المخوفه، و الالفاظ اما علي الحقيقه، انكانت الجبال تشعر، او كنايه. (و اخرج) الله سبحانه (من فيها) اي في الارض من الاموات (فجددهم بعد اخلاقهم) جمع خلق، بمعني البلي، و انما جي ء بالجمع، باعتبار كل شخص شخص (و جمعهم بعد تفرقهم) في اماكن متعدده من الارض. (ثم ميزهم) اي جعل كل جماعه ذات عمل متشابه، متميزه عن الجماعه الاخري (لما يريد) سبحانه (من مسالتهم عن خفايا الاعمال) اي الاعمال التي عملوها خفيه (و خبايا الافعال) جمع خبيئه و هي الخفيه (و جع

لهم فريقين) مختلفين (انعم علي هولاء) بالجنه و المغفره (و انتقم من هولاء) بالنار و العقاب. (فاما اهل طاعته فاثابهم بجواره) و المراد مجاوره رضاه و لطفه- فانه سبحانه منزه عن المكان-. (و خلدهم في داره) اي جعلهم خالدين باقين ابد الابدين (حيث لا يظعن) اي لا يرحل (النزال) جمع نزال، اي ليس لهم انتقال من الاخره (و

لا تتغير بهم الحال) في سرور دائم و عيش رغد. (و لا تنوبهم الافزاع) جمع فزع بمعني الخوف، و نابه بمعني ادركه (و لا تنهالهم الاسقام) جمع سقم بمعني المرض (و لا تعرض لهم الاخطار) جمع خطر، و هو ما يوجب ذهاب محبوب من محاب الانسان. (و لا تشخصهم الاسفار) جمع سفر، اي ليس لهم سفر، و اشخصه بمعني اذهب به، و السفر حيث فيه المشقه لا يوجد في الجنه (و اما اهل المعصيه فانزلهم شر دار) و هي جهنم (و غل الايدي) لهم (الي الاعناق) حيث يجمع بينهما في الغل (و قرن النواصي) جمع ناصيه مقدم الراس (بالاقدام) يجمع بينهما زياده في العذاب و النكال. (و البسهم سرابيل القطران) سرابيل جمع سربال و هو الثوب، و القطران شي ء كالدهن له رائحه كريهه تسرع فيه النار (و مقطعات النيران) اي الالبسه المقطعه من النار (في عذاب قد اشتد حره) حتي ان حراره النار

في الدنيا الا شي ء بالنسبه اليه- كما ورد-. (و باب) لجهنم (قد اطبق) و سد (علي اهله) اي اهل العذاب (في نار لها كلب) اي هيجان (و لجب) اي صوت مرتفع (و لهب) اي شعله (ساطع) عال (و قصيف) هو الصوت الشديد. (هائل) يوجب الهول و الوحشه (لا يظعن) اي لا يسافر و لا يرحل (مقيمها) اي المقيم في تلك النار فانها ابديه دائمه (و لا يفادي اسيرها) اي في الدنيا (و لا تفصم) اي لا تنقطع (كبولها) جمع كبل بمعني القيد (لا مده للدار فتفني) كما تنفني الدنيا (و لا اجل للقوم) اي مده لبقائهم هناك (فيقضي) ذلك الاجل، و يتخلصوا من العذاب.

[صفحه 190]

(قد حقر الدنيا و صغرها) اي راها حقيره صغيره

لا اهميه لها و لا شان لامرها. (و اهون بها) اي راها هونا (و هونها) اي راها يسيرا. (و علم) صلي الله عليه و آله و سلم (ان الله زواها) اي صرف الدنيا (عنه) صلي الله عليه و آله و سلم (ان الله زواها) اي صرف الدنيا (عنه) صلي الله عليه و آله و سلم (اختيارا) اي اختيار للرسول الابتعاد عن الدنيا (و بسطها لغيره) كالكفار و الفراعنه (احتقارا) للدنيا، فانها ليست بشي ء مهم حتي يمنع عن الاشرار. (فاعرض) الرسول صلي الله عليه و آله و سلم (عنها) اي عن الدنيا (بقلبه) فلم يحبها (و امات ذكرها عن نفسه) فلم يكن يحدث نفسه بالنيل منها (و احب ان تغيب زينتها عن عينه) فان الانسان اذا لم ير الشي ء المرغوب فيه، لم يتمناه (لكي لا يتخذ منها رياشا) اللباس الفاخر و ما اشبهه (او يرجو منها) اي من الدنيا (مقاما) و منصبا (بلغ) صلي الله عليه و آله (عن ربه معذرا) اي ما يوجب العذر من طرفه سبحانه، اذا عذب العاصي بعد البلاغ. (و نصح لامته منذرا) لهم مخوفا عن عذاب الاخره (و دعا الي الجنه مبشرا) بالثواب لمن اطاع.

[صفحه 191]

ثم عطف الامام الي اهل البيت عليهم السلام بقوله: (نحن شجره النبوه) اي المتفرعون من تلك الشجره (و محط الرساله) اي محل حط الرساله السماويه. (و مختلف الملائكه) اي محل اختلافهم و ذلك بهبوطهم و صعودهم من اختلف اليه اذا جاء و ذهب. (و معادن العلم) فكما ان المعدن محل الشي ء الثمين الذي يتكون فيه كذلك الائمه عليهم السلام محلات للعلم الكثير. (و ينابيع الحكم) جمع ينبوع و هي العين، و الحكمه العلم بمواضع الاشياء و مناسبات الامور

(ناصرنا و محبنا) و ان لم يتمكن من نصرنا (ينتظر الرحمه) من الله سبحانه لانه امر بحبنا و نصرتنا (و عدونا و مبغضنا ينتظر السطوه) و العذاب من الله تعالي.

خطبه 109

[صفحه 192]

في اركان الاسلام (ان افضل ما توسل به المتوسلون الي الله سبحانه) الوسيله هي السبب الذي يتسبب به الي شي ء محبوب (الايمان به) اي بالله (و برسوله) اي تصديقه فانه احسن الوسائل التي يتقرب الانسان بها الي لطف الله و رحمته. (و الجهاد في سبيله) بالمال و النفس و سائر ما يبذله الانسان في سبيل اقامه امر الاسلام. (فانه) اي الجهاد (ذروه الاسلام) اي اعلي احكام الاسلام و ذلك لانه الشي ء الوحيد الذي يوجب وجود الاسلام في الناس، و بقائه (و كلمه الاخلاص) اي الشهاده بالوحدانيه- و هذا غير الايمان فان الايمان لا ينافي الاشراك، فانه ايمان باثنين- (فانها الفطره) اي الخلقه فان الخلقه الخاليه عن الشوائب و الشبهات اذا نظر الي الكون و فهم وحده النظام فيه لابد و ان يعترف بالوحدانيه (و اقام الصلاه) اي الاتيان بها بحدودها و شروطها (فانها المله) اي انها اعظم ركن من اركان المله الاسلاميه- اي طريقتها- و لعظمها فكانها هي المله بالذات. (و ايتاء الزكاه) اي اعطائها (فانها فريضه واجبه) ثابته في الشريعه. (و صوم شهر رمضان فانه جنه) اي وقايه (من العقاب) كالجنه للمحارب التي تقيه من الاعداء. (و حج البيت و اعتماره) اي العمره (فانهما ينفيان

الفقر و يرخصان الذنب) اي يغسلان الذنب. (و صله الرحم) بان يصل الانسان ارحامه فلا يتطعمهم (فانها) اي الصله (مثراه في المال) اي موجبه للثروه (و منساه في الاجل) اي توجب تاخيره، من نسي اذا تاخر. (و صدقه السر)

اي اعطاء الصدقه سرا بحيث لا يعلم بها احد (فانها تكفر الخطيئه) اي توجب محو الذنب. (و صدقه العلانيه) بان يتصدق الانسان في العلن- مع التحفظ علي الاخلاص- (فانها تدفع ميته السوء) اي الموت السي ء كالغرق و الحرق و الهدم و ما اشبه. (و صنائع المعروف) اي صنع الشي ء الحسن كاعانه الفقراء و مساعده اهل الحاجه و السعي في زواج العزاب و ما اشبه ذلك (فانها تقي) اي تحفظ الانسان عن (مصارع الهوان) اي السقطات الموجبه للهون و الذله، كذهاب مال الانسان و منصبه و تشتت امره و ما اشبه ذلك.

[صفحه 194]

(افيضوا في ذكر الله) الافاضه الدخول، و معني الجمله المواظبه علي الذكر (فانه احسن الذكر) لانه موجب لاناره القلب و مرضات الرب و ثواب الاخره. (و ارغبوا فيما وعد) الله (المتقين) و الرغبه فيه بالعمل الصالح المودي اليه (فان وعده اصدق الوعد) لا خلف فيه و لا زياده او نقصان (و اقتدوا بهدي نبيكم) هديه اي طريقته الرشيده الموجبه للوصول الي الغايه. (فانه افضل الهدي) لانه موصل الي السعاده في الدارين. (و استنوا بسنته) اي ابتغوا سنته (فانها اهدي السنن) اي احسن السنن هدايه، و لعل الفرق بين الجملتين ان الاول خاصه بسيرته الشخصيه صلي الله عليه و آله و سلم، و الثانيه عمامه لما شرعه صلي الله عليه و آله و سلم من الاحكام و بينه من طريق السعاده. (و تعلموا القرآن فانه احسن الحديث) اذ هو جامع لخير الدنيا و سعاده الاخره. (و تفقهوا فيه) بمعرفه تفسيره و تاويله (فانه ربيع القلوب) فان فهم القران موجب لازدهار القلوب كما يزدهر الربيع بالخضورات (و استشفوا بنوره) اي اطلبوا الشفاء من ظلمه الجهل بنورالقرآن

الموجب لمعرفه الحقائق الكونيه و الشرعيه (فانه شفائالصدور) من ظلمه الجهل، فان الجهل من اشد الامراض. (و احسنوا تلاوته) اي قرائه ال

قرآن (فانه احسن القصص) اذ فيه القصص الحقه الموجبه للهدايه و التبصر، و لما ذكر الامام عليه السلام لزوم الاتيان للمذكورات، بعد ما تلبس الانسان لباس الاسلام، بين انه بدون العمل بهذه الامور، و الاكتفاء بالعلم بها، موجب للخسران. (فان العالم العامل بغير علمه) كان علم بوجوب الصلاه و الزكاه و الحج و حسن الصدقه و التلاوه، لكنه لا يعمل بما يعلم (كالجاهل الحائر) الذي يتحير في وجه الخير و طريق السعاده (الذي لا يستفيق من جهله) اي لا يتخلص من جهله، فان العلم انما هو للعمل فاذا لم يكن عمل كان العالم كالجاهل (بل الحجه عليه اعظم) لانه ترك العمل بعد المعرفه، و الحجه علي الجاهل: انه لم يتعلم؟ (و الحسره له) في فوات الخيرات عنه (الزم) اي اكثر لزوما من الحسره علي الجاهل (و هو) العالم التارك للعمل (عند الله الوم) اي اشد لوما، فان لوم الله سبحانه له اكثر من لومه للجاهل، و انكانا كلاهما يشتركان في اللوم.

خطبه 110

[صفحه 196]

في ذم الدنيا (اما بعد) اي بعد الحمد و الصلاه (فاني احذركم الدنيا) اي اخوفكم من الوقوع في حبائلها و شهواتها (فانها حلوه خضره) لها طعم حسن و لون جذاب. (حفت بالشهوات) اي ان الشهوات احاطت بالدنيا، و ذلك كنايه انها تلازم الشهوات، و تخالطها (و تحببت) اي تقربت الي الناس (بالعاجله) اي كونها غير اجله، و انما عاجله ياخذها الانسان بدون ترقب و الناس يحبون العاجله. (و راقت) اي تزينت (بالقليل) اي بشي ء قليل من المال و الجاه، في مقابل درحات الاخره،

و نعيمها الكثير (و تحلت) من الحلي، اي تزينت (بالامال) فان الانسان يامل المستقبل الخير، و هي زينه الدنيا حتي ان الانسان اذا لم يرج مستقبلا زاهرا، لم يكن لدنياه حليه. (و تزينت بالغرور) اي ان زينه الدنيا كذب لا اساس لها، و انما هي غرور و خداع اذ زينتها ليست الا صوريه زائله (لا تدوم حبرتها) الحبره السرور و النعمه (و لا تومن فجعتها) اي ان الانسان لا يومن ان تصيبه مصيبه و فجيعه (غراره) كثيره التغرير و الخداع (ضراره) كثيره الضرر (حائله) اي متغيره تنقلب من حال الي حال (زائله) تزول و تنقضي (نافده) تنفد و تنتهي (بائده) اي هالكه. (اكاله) تاكل كل شي ء بافنائها له (غواله) اي مه

لكه من غال بمعني اهلك (لا تعدو) يتاتي متعلقه في قوله (ان تكون) و الجمله في وسطهما اعتراض. (- اذا تناهت الي امنيه اهل الرغبه فيها) اي اذا اتت باماني الناس و آمالهم (و الرضا بها-) لانها جائت بامانيهم (ان تكون) متعلق ب(لا تعدوا). (كما قال الله تعالي سبحانه) اي ليست اكثر من هذا المثل المذكور في القرآن الكريم (كماء انزلناه من السماء) اي المطر و المراد بالسماء جهه العلو (فاختلط به نبات الارض) هذا في غايه البلاغه، حتي كان الماء لم ينشاء النبات، و انما صرف اختلاط- لبيان السرعه في التكون دليلا علي سرعه الدنيا- (فاصبح هشيما) الهشيم النبت اليابس المتكسر، و في هذا ايضا من البلاغه ما لا يخفي حتي كانه لم يكن فصل بين اختلاط الماء بالنبات و بين ان يصبح هشيما- الا بمقدار (الفاء)-. (تذروه الرياح) اي تنقله من مكان الي مكان (و كان الله علي كل شي ء مقتدرا) فهو سبحانه

قادر علي هذه التبديلات و التحويلات في سرعه خاطفه (لم يكن امروء منها) اي من الدنيا (في حبره) اي سرور و حبور (الا اعقبته) اي اعقبت الدنيا ذلك الشخص (بعدها) اي بعد الحبره (عبره) بان بكا بعد السرور فان (العبره) بمعني (الدمعه). (و لم يلق) امرء (في سرائها) اي افراح الدنيا

(بطنا) كان الدنيا مقبله عليه فبطنها بطرف ذلك الانسان (الا منحته) الدنيا (من ضرائها) اي ضررها و بوسها (ظهرا) بان ادارت الدنيا له ظهرها و انقلبت عليه. (و لم تطله) الطل المطر، اي لم تمطر علي احد (فيها) اي في الدنيا (ديمه) هي مطر يدوم في سكون بلا رعد و لا برق (رخاء) بان صار رخي البال الكثير النعم دائمها (الا هتنت عليه) اي امطرت، من الهتن بمعني الصب (مزنه) بمعني المطر (بلاء) اي انصبت عليه البلاء، كما انصب عليه الرخاء. (و) الدنيا (حري) اي حقيق (اذا اصبحت له) اي لاحد منتصره) نصرته علي اعدائه (ان تمسي) الدنيا (له) اي لذلك الشخص (متنكره) كالذي لا يعرفه فتنقل الانتصار الي جانب آخر (و ان جانب) اي طرف (منها) اي من الدنيا (اعذوذب) اي صار عذبا فراتا (و احلولي) اي صار حلوا (امر منها جانب) اي صار مرا (فاوبي) اي صار كثير الوباء، و هو مرض قتال (لا ينال امروء من غضارتها) اي نعمتها و سعتها (رغبا) اي رغبته و ميلا. (الا ارهقته) الدنيا، و الارهاق تحميل العمل الموجب للتعب و النصب (من نوائبها) جمع نائبه و هي المصيبه الشديده (تعبا) بان اوقعته في التعب بعد الراحه (و لا يمسي) الانسان (منها) اي من الدنيا (في جناح امن) كانه في اعلي مراتب

الامن، عي جناح طائر- هو الامن-

(الا اصبح علي قوادم خوف) جمع قادمه و هي ريشات كبار في مقدم جناح الطائر، و هذا تشبيه لشده الخوف لان الكائن علي القوادم في معرض السقوط، الدنيا (غراره) كثيره الخدع (غرور ما فيها) فان كل ما فيها- لزواله- كانه غرور و خدعه (فانيه) هي اي الدنيا (فان من عليها) من الانسان و غيره (لا خير في شي ء من ازوادها) جمع زاد (الا التقوي) فان اتقاء الله و المعاصي هو الذي يبقي الي الاخره. (من اقل منها) اي اخذ القليل من الدنيا (استكثر مما يومنه) اي كان امنه كثيرا، اذ كلما قل جانب كثر الجانب الاخر (و من استكثر منها) اي اكثر من الدنيا (استكثر مما يويقه) اي يهلكه (و زال) اي انتقل (عما قليل) (ما) زائده لتاكيد معني القله (عنه) اي عما استكثر من الدنيا. (كم من واثق بها) اي بالدنيا ظن انها تبقي له (فجعته) اي افقدت منه ما يحبه من امور الدنيا، كالاهل و المال و المنصب و ما اشبه. (و) كم من (ذي طمانيه) اي اطمينان (اليها قد صرعته) اي اوقعته علي الارض المذله و العدم (و) كم من (ذي ابهه) اي عظمه و رفعه (قد جعلته) الدنيا (حقيرا) بان اذهبت ابهته. (و) كم من (ذي نخوه) اي افتخار و اعتزاز بما لديه من العز و الشرف (قد ردته)

اي ارجعته الدنيا (ذليلا) بان ارغمت انفه (سلطانها دول) ينتقل من هذا الي ذاك و هكذا جمع دوله و هي انقلاب الزمان. (و عشيها رنق) اي كدر فانه مشوب بالالام و الاسقام (و عذبها اجاج) اي مالح شديد الملوحه، اذ في عين عذوبه جانب اجاج في جانب (و حلوها صبر) هو عصاره شجر

مره. (و غذاوها سمام) جمع سم و هو ما يوجب قتل الانسان اذا شربه، اي ان غذاء الدنيا مشوب بالسم. (و اسبابها رمام) و هي القطعه الباليه من الحبل، جمع رمه: اي ان يتمسك بها من الدنيا، و يجعل سببا للوصول الي هدف و غايه، بال منقطع (حيها بعرض موت) اي في معرض ان يفني و يموت (و صحيحها بعرض سقم) اي معرض للمرض. (ملكها مسلوب) يسلب من يد المالك اما بالحوادث او بالموت (و عزيزها مغلوب) بغلبه آخر عليه او غلبه الموت. (و موفورها منكوب) اي ما كثر من الدنيا و وفر مصاب بالنكبه اي في معرض المصيبه و الشديده التي تذهب بذلك الكثير. (و جارها محروب) اي من جاور الدنيا و كان فيها فانه بصيبه الحرب- علي وزن فرس- اي السلب و النهب.

[صفحه 201]

(الستم) ايها الناس (في مساكن من كان قبلكم) من الامم في حالكونهم (اطول) منكم (اعمارا و ابقي آثارا) فانهم لقوه آثارهم بقيت الي هذا الوقت، كقلعه حلب و غيرها (و ابعد آمالا) فانهم حيث كانوا اطول اعمارا، كانت آمالهم اعبد من هولاء. (و اعد عديدا) اي اكثر تعدادا للعدد و الاشخاص (و اكثف) اي اكثر (جنودا) و الخطاب اما عام، او خاص بالنسبه الي المخاطبين. (تعبدوا) اي عبدوا (للدنيا اي تعبد) و عبادتهم لها بمعني خضوعهم لزخارفها كما يخضع العابد للمعبود. (و اثروها) اي قدموها علي سائر الاشياء (اي ايثار) و هذا اللفظ للتعظيم، اي ايثارا عظيما. (ثم ظعنوا عنها) اي انتقلوا (بغير زاد) من العمل الصالح (مبلغ) يبلغهم ذلك الزاد الي الاخره، و هذا كنايه عن بقائهم بعد الموت فقراء عن العمل، فاهلكهم العذاب، كما ان من لا زاد

له في السفر يهلكه الجوع و العطش. (و لا ظهر) اي دابه يركبون ظهرها (قاطع) يقطع الطريق و يوصلهم الي الغايه المنشوده (فهل بلغكم ان الدنيا سخت لهم نفسا بفديه) بان اعطتهم انفسهم في مقابل فداء اخذته منهم، اي هل ابقتهم الدنيا، ام اهلكتهم؟ (او اعانتهم) لدي الشدائد و الموت (بمعونه) اسدتها اليهم لاخراجهم من الشده (او احسنت

لهم صحبه) بان حفظت كرامتهم و حقوقهم؟ كلا! (بل ارهقتهم) اي اتعبتهم الدنيا (بالقوادح) جمع قادحه و هي مرض يقع في الاسنان فيبددها و يفسدها. (و اوهنتهم) اي اضعفتهم (بالقوارع) جمع قارعه، و هي المصيبه الشديده التي تقرع الانسان و تحطمه. (و ضعضعتهم) اي حركتهم و ذللتهم (بالنوائب) جمع نائبه و هي المصيبه (و عفرتهم للمناخر) جمع منخر بمعني الانف، اي كبت انوفهم في التراب، من (العفر) بمعني التراب. (و وطئتهم الدنيا (بالمناسم) جمع منسم و هو رجل البعير، اي داست الدنيا عليهم بارجلها. (و اعانت) الدنيا (عليهم ريب المنون) اي الموت لما اراد اخذهم اعانت الدنيا الموت لاختطافهم و اهلاكهم. (فقد رايتم) ايها الناس (تنكرها) كانها لاتعرفهم (لمن دان لها) اي خضع للدنيا بصرف اوقاته في طلبها و تجميلها (و) لمن (اثرها) اي قدم الدنيا علي الاخره (و اخلد لها) اي ركن اليها (حتي ظعنوا) اي ارتحلوا (عنها لفراق الابد) اي مفارقه لا رجوع اليها. (و هل زودتهم الدنيا، اي اعطتهم الزاد (الا السغب) اي الجوع (او احلتهم الا الضنك) اي الضيق، اي احلتهم في محل ضيق (او نورت لهم الا الظلمه) اي ارتهم الظلمه باسم النور. (او اعقبتهم الا الندامه) فان الانسان يندم علي ما

اخذ من الدنيا (افهذه) الدنيا (توثرون) لها علي الاخره، بعد هذه الاوصاف؟

و الاستفهام للانكار (ام اليها تطمئنون)؟ اي ببقائها و دوامها (ام عليها تحرصون) لجمعا و اقتنائها. (فبئست الدار) الدنيا (لمن لم يتهمها) بالخيانه و الغدر (و لم يكن فيها علي وجل) و خوف (منها) اما من اتهمها و وجل منها و عمل الاخرته فنعمت الدار هي اذا الانسان يحصل علي الاخره فيها. (فاعلموا) ايها الناس (- و انتم تعلمون-) جمله معترضه (بانكم تاركوها) عند الموت (و ظاعنون) اي مسافرون (عنها) الي الاخره (و اتعظوا فيها) اي خذوا الموعظه في الدنيا (ب)الكفار (الذين قالوا) تبجحا و اغترارا (من اشد منا قوه)؟ ظانين ان قوتهم عن باس الله فيهم و عن الموت ان ينزل بهم. (حملوا الي قبورهم) بالجنائز (فلا يدعون ركبانا) جمع راكب: اي لا يقال لهم الناس انهم راكبون- حين ما حملوا في الجنائز- اذ الراكب هو من ركب اختيارا. (و انزلوا الاجداث) جمع جدث و هو القبر (فلا يدعون ضيفانا) جمع ضيف اي لا يقال لهم: انهم ضيوف، لان الضيف ليس بهذه الكيفيه. (و جعل لهم من الصفيح) بمعني وجه الارض، فانه يستعمل في كل شي ء عريض، او المراد بالصفيح (اللبن) (اجنان) جمع جنن بمعني القبر. (و من التراب اك

فان) فان اكفانهم تبلي و لا تبقي الا القبر مشتملا عليهم (و من الرفات جيران) الرفات العظام الباليه، اي ان جيرانهم عظام سائر الاموات (فهم جيره) جمع جار (لا يجيبون داعيا) ان دعاهم احد لم يتمكنوا من اجابته (و لا يمنعون ضيما) اي ظلما ينزل بهم، فلو اذا هم احد لم يتمكنوا من دفعه. (و لا يبالون مندبه) اي لا يهتمون بندبه احد لهم (ان جيدوا) اي مطروا، من جاره الغيث (لم يفرحوا) كما يفرح

اهل الدنيا بالمطر لنماء زروعهم و ثمارهم. (و ان قحطوا) اصابهم القحط، بان لم يمطر السحاب (لم يقطنوا) لعدم تضررهم بالقحط (جميع و هم آحاد) فان ابدانهم مجتمعه في المقابر لكنهم آحاد، حيث لا صله و لا تزاور و لا تعارف بينهم، و هذا بالنسبه الي ابدانهم اما ارواحهم فهي مستانسه بعضها ببعض انكانوا متقين- كما ثبت بالضروره من الدين-. (و جيره) اي بعضهم جار بعض لتجاور قبورهم (و هم ابعاد) احدهم يبعد عن الاخر. (متدانون) اي بعضهم قريب من بعض (لا يتزاورون) اي لا يزور احدهم الاخر (و قريبون) في النسب او في المزار (لا يتقاربون) اي لا يقرب بعضهم من بعض. (حلماء قد ذهبت اضغانهم) اي انهم كالحليم الذي لا يضغن و لا يحقد احدا (و جهلاء) اي انهم كالجهال، لان علمهم قد سلب

عن اجسادهم (قد ماتت احقادهم) فان الجاهل يحقد، لكن هولاء لا يحقدون. و يحتمل ان يكون المراد ان حليمهم لا يضعن و جاهلهم لا يحقد، علي خلاف ما كانوا في الدنيا. (لا يخشي فجعهم) اي لا يخاف احد ان يفجعوه و يصيبوه باذي، او لا يخاف ان ينفجع احد منهم بفجيعه. (و لا يرجي دفعهم) بان يدافعوا عن الاحياء كما كانوا يدافعون في حال حياتهم. (استبدلوا بظهر الارض بطنا) فتركوا ظهر الارض، و ناموا في بطنها. (و بالسعه ضيقا) فكانوا في سعه الدنيا فصاروا في ضيق القبور (و بالاهل غربه) فقد كانوا في اهلهم ثم صاروا غرباء. (و بالنور ظلمه) فقد كانوا في نور الشمس و القمر، ثم صاروا في ظلمه القبر. (فجاوئوها كما فارقوها) اي رجعوا الي الارض بعد مفارقتهم لها، فان الانسان كان ترابا ثم نباتا، ثم انسانا،

ثم يرجع الي حاله التراب كما كان سابقا. (حفاه عراه) اي جائوها في حال عدم التنعل، و عدم اللباس (قد ظعنوا عنها باعمالهم) اي سافروا عن الارض، و المراد مسافره ارواحهم (الي الحياه الدائمه و الدار الباقيه) و هي الجنه او النار. (كما قال سبحانه: كما بدانا اول خلق نعيده) اي كما ابتدنا خلق الانسان من التراب، نعيده في التراب (وعدا علينا) اي ان هذا وعد لازم علينا ا

ن نفي به (انا كنا فاعلين) لذلك.

خطبه 111

[صفحه 207]

في امتناع وصف الاله و (ذكر فيها ملك الموت و توفيه النفس) (هل تحس) ايها الانسان (به) اي بملك الموت (اذا دخل منزلا) لقبض الارواح؟ (ام هل تراه اذا توفي) اي امات (احدا) من الناس (بل كيف) يدخل ملك الموت في بطن النساء و (يتوفي الجنين في بطن امه) (توفي) متعد، فاعله ملك الموت، قال سبحانه: (الله يتوفي الانفس) و حكي ان احدا قال وراء جنازه (من المتوفي)؟ بصيغه الفاعل، فقال الامام اميرالمومنين- و كان حاضرا-: الله، فتعجب الرجل فقال الامام (الله يتوفي الانفس). (ابلج) اي يدخل الملك (عليه) اي علي الجنين (من بعض جوارحها) اي من بعض اعضاء المراه، جمع جارحه بمعني العضو (ام الروح اجابته) اي اجابت ملك الموت حين طلبها من الخارج (باذن ربها) (الروح) مونث سماعا (ام هو) اي الملك القابض لروح الجنين (ساكن معه) اي مع الجنين (في احشائها) اي في بطنها؟ (كيف يصف الهه من يعجز عن صفه مخلوق مثله)؟ اي ملك الموت، فان من لا يقدر وصف المخلوق لا يقدر وصف الاله، بالاولي،.

خطبه 112

[صفحه 209]

في ذم الدنيا (و احذركم) اي اخوفكم ايها الناس من (الدنيا فانها منزل قلعه) اي محل انقلاع و عدم استقرار (و ليست بدار نجعه) اي ليست محط الرحال، فان النجعه بمعني طلب الكلاء في موضعه، فان القوافل كانوا يطلبون لمنزلهم محلا ذا كلاء، فاذا لم يجدوه لم ينزلوا. (قد تزينت بغرورها) اي ازدانت للناس بالخداع و الغرور لا بالواقع و الصدق، بمعني ان زينتها ليست صادقه (و غرت) اي خدعت الناس (بزينتها) الزائله. (دار هانت علي ربها) لا قيمه لها عند الله سبحانه (تخلط حلالها بحرامها) بمعني ان جعل سبحانه فيها من النوعين

(و خيرها بشرها و حياتها بموتها و حلوها بمرها) و لو كانت عزيزه عنده سبحانه لم يجعلها الا محلا للخيرات فقط، كما ان الانسان اذا اصطفي شيئا لم يجعل فيه الا الخير. (لم يصفها الله تعالي لاوليائه) اي لم يجعلها صافيه لهم عن الاكدار و الالام (و لم يضن بها) سبحانه، اي لم يمنعها (علي اعدائه) و هم الكفار و العصاه. (خيرها زهيد) اي قليل (و شرها عتيد) اي حاضر (و جمعها ينفد) اي يخلص و يتم (و ملكها يسلب) يسلبه الفناء (و عامرها يخرب) فان العماره مهما كانت محكمه يسري اليها الخراب و الفناء. (فما خير دار تنفض) اي تهدم (نقض البن

اء) اي كما ينهدم النباء، و الاستفهام للانكار، يعني لا خير في مثل هذه الدار. (و) ما خير (عمر يفني فناء الزاد) فكما يفني الماكول يفني عمر الانسان و ينتهي (و) ما خير (مده تنقطع انقطاع السير) فكما ان السائر ينقطع سيره بعد مده كذلك تنقطع مده بقاء الانسان في الدنيا بعد زمان مقدر له. (اجعلوا ما افترض الله عليكم) من الواجبات و ترك المحرمات (من طلبكم) فكما انتم تحصلون علي مطالبكم الدنيويه- من اكل و شرب و لباس و ما اشبه- بكل حرص و اشتياق، فكذلك اجعلوا فرائض الله هكذا. (و اسالوه من اداء حقه ما سالكم) اي اطلبوا من الله سبحانه ان يوفقكم لاداء ما فرضه عليكم- الذي هو حقه- و معني (ما سالكم) الشي ء الذي طلبه منكم. (و اسمعوا دعوه الموت اذانكم) اي اسمعوا اذانكم دعوه الموت لكم، و هذا كنايه عن تملي الانسان بقضيه الموت (قبل ان يدعي بكم) اي قبل ان تدعون الي الموت.

[صفحه 211]

(ان الزاهدين في الدنيا

تبكي قلوبهم) كنايه عن حزنها (و ان ضحكوا) بوجوهم (و يشتد حزنهم) الباطن (و ان فرحوا) في الظاهر. يكثر مقتهم انفسهم) اي غضبهم علي افنسهم- لانها لا تطاوعهم فيما يريدون من الاعمال- (و ان اغتبطوا بما رزقوا) اي غبطهم غيرهم بما رزقهم اله سبحانه من الحظ في الطاعه و العباده (قد غاب عن قلوبكم) ايها الناس (ذكر الاجال) اي الموت فلا تذكرونه. (و حضرتكم كواذب الامال) اي الامال الكاذبه التي لا تصلون اليها، فانها نصب اعينكم تسعون لها (فصارت الدنيا املك بكم من الاخره) ازمتكم بيد الدنيا كانكم ملك لها. (و) صارت (العاجله) اي الدنيا العاجله (اذهب بكم) اي اكثر تسييرا لكم نحوها (من الاجله) اي الاخره التي هي موجله. ثم مثل الامام عليه السلام لكون الدنيا اخذه بزمامهم، لا الدين، بقوله: (و انما انتم اخوان علي دين الله) كما قال سبحانه: (انما المومنون اخوه). (ما فرق بينكم الا خبث السرائر) اذ حب المال و الجاه و ما اشبه يوجب التحاسد و التفرقه (و سوء المضائر) اي النوايا السيئه (فلا توازرون) اي لا يتعاون بعضكم بعضا، من (وزر) (و لا تناصحون) لا ينصح بعضكم بعضا (و لا تباذلون) لا يبذل الغني منكم للفقير (و لا تواد

ون) لا يحب احدكم الاخره. (ما بالكم تفرحون باليسير من الدنيا)؟ اي لماذاتفرحون بدنيا يسيره (تدركونه) اي اذا ادركتم ذلك اليسير. (و لا يحزنكم الكثير من الاخره تحرمونه) اي تحرمون منه بسوء صنيعكم او كسلكم عن القيام بما يوجب حيازتكم له، كعدم مسارعتكم في الاتيان بالمندوبات و الفضائل (و يقلقكم) اي يسبب اضطرابكم (اليسير من الدنيا يفوتكم) بان يذهب عنكم بعد حيازتكم له، او بعد رجاء ان تحوزوه (حتي يتبين ذلك)

الاضطراب (في وجوهكم) بانقباضها (و) في (قله صبركم عما زوي) اي ابتعد (منها) اي من الدنيا (عنكم) فان قله الصبر تظهر في حركات الانسان. (كانها) اي الدنيا (دار مقامكم) داركم التي تقيمون فيها الي الابد (و كان متاعها باق عليكم) متاع الدنيا: ما يتمتع الانسان به فيها من لباس و رياش و ما اشبه. (و ما يمنع احدكم ان يستقبل اخاه بما يخاف) عليه (من عيبه الا مخافه ان يستقبله بمثله) اي انكم لا تذكرون معائب اخوانكم لهم، حتي يتجنبون عنها لانكم تخافون ان ذكرتم عيوبهم، ان يذكروا لكم عيوبكم و لذا يسكت كل واحد منكم عن عيب الاخر، و تبقي العيوب بلا اصلاح لها. (قد تصافيتم) اي صافي بعضكم بعضا (علي رفض الاجل) الذي هو الاخره (و حب العاجل) الذي هو

الدنيا (و صار دين احدكم لعقه علي لسانه) كاللعوق فان الدين في اللسان، لا في القلب، فقد قال الامام الحسين عليه السلام: (الناس عبيد الدنيا و الدين لعق علي السنتهم). تصنعون بالنسبه الي اوامر الله سبحانه (صنيع من قد فرغ من عمله و احرز) اي حاز و ادرك (رضي سيده) فان الانسان الذي عمل ما وجب عليه و احرز رضي مولاه، يستريح و لا يهتم، و اهل الدنيا هكذا يصنعون، بلا مبالاه باوامره سبحانه.

خطبه 113

[صفحه 214]

في وعظ الناس (الحمد لله الواصل الحمد بالنعم و النعم بالشكر) فان من حمده سبحانه تفضل عليه بالنعمه، ثم طلب من الناس- علي نعمه- الشكر، فالشكر تابع للنعمه، و النعمه تابعه للحمد. (نحمد) سبحانه (علي آلائه) جمع (الي) بمعني النعمه (كما نحمده علي بلائه) اي المصائب، فانها اما تطهير للذنوب، او موجبه للاجر، و كلاهما لطف يستحقان حمدا. (و نستعينه)

اي نطلب اعانته (علي هذه النفوس) اي نفوسنا، بان يساعدنا لنتغلب عليها (البطاء) جمع بطي، اي التي تبطي (عما امرت به) فان الانسان يتكاسل عن فعل الطاعات (السراع الي ما نهيت عنه) اي تسرع الي ارتكاب المحرمات. (و نستغفره) اي نطلب غفرانه (مما احاط به علمه) اي علمه من المعاصي التي ارتكبناها (و احصاه كتابه) اي عده كتابه الذي كتب فيه اعمالنا، فان علمه سبحانه (علم غير قاصر) بل يدرك جميع الاشياء (و) كتابه سحبانه (كتاب غير مغادر) لا يغادر- اي لا يترك- عملا الا كتبه، كما قال سبحانه: لا يغادر صغيره و لا كبيره الا اخصاها). (و نومن به ايمان من عاين الغيوب) المراد بالغيوب، ذاته سبحانه، فكما لو فرض انه كان مرئيا، كان ايمان الانسان به ايمانا قويا، كذلك نومن به الان ايمانا قويا. (و وقف عل

ي الموعود) و هو يوم القيامه، و من المعلوم ان الايمان بالحشر، من الايمان بالله (ايمانا نفي اخلاصه الشرك) فان الايمان الخالص يلازم نفي الشرك. (و) نفي (يقينه الشك) فان الايمان قد يكون ظنا فلا ينفي الشك- اي الاحتمال- اما اذا كان يقينا كان منافيا للشك. (و نشهد ان الا اله الا الله وحده لا شريك له، و ان محمدا عبده و رسوله صلي الله عليه و آله و سلم) و الشهاده بعبوديه الرسول بالاضافه الي انه نوع تشريف له لانه عبد لله العظيم، لنفي مزعمه الوهيته صلي الله عليه و آله و سلم، كما زعم النصاري بالنسبه الي المسيح، او الولاده كما زعم اهل الكتاب بالنسبه الي عزير و المسيح عليهماالسلام. (شهادتين) حال من نشهد (تصعد ان القول) الحسن الي السماء، بمعني انهما توجبان له قبولا

(و ترفعان العمل) الصالح (لا يخف ميزان توضعان) اي الشهادتان (فيه) فانه يثقل بالحسنات. (و لا يثقل ميزان ترفعان عنه) لان العمل الصالح بدون الشهادتين غير مجد

[صفحه 216]

(اوصيكم عباد الله بتقوي الله) اي الخوف منه الموجب لاتيان الواجب و ترك الحرام (التي هي الزاد) الموجب للوصول الي الغايه المنشوده (و بها المعاد) الحسن. ثم فسر عليه السلام المراد من الزاد و المعاد بقوله: (زاد مبلغ) كاف لان يوصل الانسان الي الاخره بسلام. (و معاد منجح) يوجب نجاح الانسان و فوزه بالجنه (دعا اليها) اي الي تلك التقوي (اسمع داع) اي اكثر الداعين اسماعا (و وعاها) اي احتفظ بها و اخذها (خير واع) فان كل انسان محتفظ بالتقوي فهو خير راع لانه وعي احسن شي ء (فاسمع) الناس (داعيها) اي الرسول صلي الله عليه و آله و سلم (و فاز) و ظفر بسعاده الدارين (واعيها) الذي وعاها. يا (عباد الله ان تقوي الله حمت) اي منعت من (حمي) بمعني منع (اولياء الله محارمه) اي المحرمات، لان من خاف حقيقه اجتنب الحرام (و الزمت قلوبهم مخافته) اي الخوف منه تعالي، و (مخافه) مصدر ميمي بمعني الخوف. (حتي اسهرت) التقوي (لياليهم) هذا من الاسناد المجازي، اي اسهروا في الليالي (و اظمات هواجرهم) جمع هاجره و هي الساعه الحاره في وسط النهار، و المراد انهم قاموا الليالي عباده، و صاموا النهار حتي عطشوا في الساعات الحاره. (فاخذوا الراحه بالنصب) اي ا

خذوا علي راحه الاخره بتعب الدنيا: (و الري) في الاخره (بالظماء) في الدنيا (و استقربوا الاجل) اي راوه قريبه (فبادروا العمل) حتي لا يدركهم الاجل و بعد لم يعملوا عملا كافيا. (ثم ان الدنيا دار فناء و عناء) اي صعوبه و

تعب (و غير) اي تغيرات (و عبر) اي اشياء توجب الاعتبار و التنبه (فمن الفناء) (من) لبيان (ان الدهر موتر قوسه) اي جعل لقوسه الوتر ليرمي بها الناس فيهلكهم (لا تخطي ء سهامه) التي يرميها نحو الناس، و المراد بالسهام اسباب الموت. (و لا توسي جراحه) اي لا تداوي من اسوت الجرح بمعني داريته (يرمي) الدهر (الحي بالموت) فيموت (و الصحيح بالسقم) فيمرض (و الناجي بالعطب) اي الهلاك، فيهلك، بعد نجاته من شديده، و الدهر (اكل) للناس (لا يشبع) من اكله (و شارب) للدماء (لا ينقع) بالشرب، لرفع عطشه. (و من العناء) اي التعب الموجود في الدنيا (ان المرء يجمع ما لا ياكل) فتعبه عليه بدون ان يكون له (و يبني ما لايسكن) بل يسكنه غيره (ثم يخرج الي الله) المراد الي الدار التي اعدها الله سبحانه للحساب و الجزاء (لا مالا حمل) مما جمعه (و لا بناء نقل) مما بناه و لم يسكنه. (و من غيرها) اي من تغير الدنيا و تقلبها (انك تري المرحوم مغبوطا) اي ان الا

نسان الذي يرحمه الناس لفقره او نحوه، يغبط بعد زمان لتجدد الغنا له او نحو ذلك. (و) تري (المغبوط مرحوما) فمن كان يغبط لماله او جاهه او نحو ذلك يصبح مرحوما يرحمه الناس لفقده اسباب السعاده و الاغتباط. (ليس ذلك) الرحم له (الا نعيما زل) و انتقل منه (و بوسا نزل) عليه (و من عبرها) اي اسبابها الموجبه للعبره (ان المرء يشرف علي امله) حتي يقال انه وصل اليه (فيقتطعه) عن امله (حضور اجله) حيث يختطفه الموت فلا يصل الي امانيه. (فلا امل يدرك و لا مومل) اي صاحب الامل (يترك) علي حاله. (فسبحان الله) كلمه تستعمل

بمعني التعجب، و الاصل فيها: ان النزاهه عن التغير لله لا لغيره (ما اغر سرورها) فانما ان سرورها غرور محض. (و اظماء ريها) فان ارتواء الانسان فيها من الماء عطش، لانه امل اليه (و اضحي فيئها) الفي ء الظل، و الاضحاء البروز الي الشمس، اي ان فيئها زائل بمجي الشمس مكانه. (لا جاء يرد) فان الموت و السقم و الذله و ما اشبهها اذا قدر مجيئها لا يرد. (و لا ماض يرتد) فان من مضي لا يرجع (فسبحان الله ما اقرب الحي من الميت) اذ كل حي قريب من الموت. (للحاقه به) اي التحاق الحي بالميت، بعد ان مات (و ابعد الميت) الذي مات (من الحي) الذي بقي (لانقطا

عه عنه) فان الانسان اذا مات له ميت انقطع عنه، فلا يرجع الميت اليه ابدا.

[صفحه 219]

(انه ليس شي ء بشر من الشر) اي باكثر شرا من الشر نفسه (الا عقابه) فالسرقه مثلا شي ء، و عقابها اكثر شرا منها (و ليس شي ء بخير من الخير) اي باحسن من الخير (الا ثوابه) الذي يبقي. (و كل شي ء من الدنيا سماعه اعظم من عيانه) مثلا اذا سمع الانسان ان البحر الكذائي عظيم، فاذا شاهده رآه اصغر مما في نفسه، و هكذا بالنسبه الي سائر الاشياء- والسر ان نفس الانسان خلقت اعظم من جميع ما في الدنيا-. (و كل شي ء من الاخره عيانه اعظم من سماعه) مثلا الجنه اذا شاهدها الانسان راها اعظم مما سمع، و كذلك سائر امور الاخره- و العله ان النفس خلقت اصغر من امور الاخره-. (فليكفكم من العيان السماع) اي اكتفوا بسماع الاخره- في العمل- عن عيانه الذي هو اعظم منه (و من الغيب الخبر) اي من الغيب الذي

غاب عنكم من امور الاخره، الذي سمعتم من خبرها. و اعلموا ان ما نقص من الدنيا و زاد في الاخره) كالمال الذي ينفقه الانسان في سبيل الله (خير مما نقص من الاخره و زاد في الدنيا) كما لو لم يعط الزكاه- مثلا-. (فكم من منقوص) نقص ماله الدنيوي (رابح) لانه ي زاده في آخرته (و) كم من (مزيد خاسر) زاد ماله الدنيوي، لكنه خاسر اذ خسره في الاخره. (ان الذي امرتم به

اوسع من الذي نهيتم عنه) هذا لبيان ان الانسان اذا اخذ بالواجبات- التي هي اضداد المحرمات- كان في سعه، بخلاف ما اذا اراد الا خد بالمحرمات فليس العمل الصالح صعبا، بل العكس صعب فمثلا امر الانسان بالعدل و نهي عن الظلم، و العدل اوسع لانه يوجب العمران و التقدم و الائتلاف مما يزيد في سعه العالم، بخلاف العظلم الذي بعكس ذلك كله. (و ما احل لكم اكثر مما حرم عليكم) مثلا احل للانسان اكثر انواع الاشربه- التي تعدوا الالاف- في حين لم يحرم عليه الا الخمر و ما اشبهها، و هكذا. (فذروا) اي اتركوا و دعوا (ما قل لما كثر) ففي الكثير غني عن القليل (و) ذروا (ما ضاق لما اتسع) فان في السعه كفايه عن الضيق (قد تكفل) الله (لكم بالرزق) بمعني ان الرزق لابد و ان يصل الي الانسان فقليل من السعي كاف، فان غالب الرزق انما يكون بعمل الله سحبانه، كالانهر، و الهواء، و الضياء و النبات، و ما اشبه. (و امرتم بالعمل) الصالح للاخره، فان الانسان لا يحصل علي الاخره الا بالعمل. (فلا يكونن المضمون لكم طلبه) اي ما ضمن الله ان يطلبه لكم و هو الرزق (اولي بكم من المفروض

عليكم عمله) و هو ما يوجب لكم القربي الي الله سبحانه و تحصيل الجنه، و انما قال عليه السلام: (اولي

بكم) لان الانسان اذا اولي شيئا اهتماما كان بحسب المترائي (اولي به). (مع انه- و الله- لقد اعترض الشك و دخل اليقين) اي جاء الشك و دخل في اليقين، فان اليقين بكون الله سبحانه كفيل بالرزق خالطه الشك، و لفظه (مع) لبيان انه: اقول لكم الكلام السابق، مع اني اعلم، انه قد اعترض الشك، و (و الله) لتاكيد علمه عليه السلام بذلك. (حتي كان الذي ضمن لكم) و هو الرزق (قد فرض عليكم) بان تحصلوه (و كان الذي قد فرض عليكم) و هو العمل (قد وضع عنكم) فلم يجب عليكم الاتيان به. ثم لا يخفي ان مثل هذه الكلمات انما هي للحد من نشاط الذين يصرفون كل اوقاتهم في طلب الدنيا بدون اعتناء بالاخره، كما هو اغلب الناس، فلابد من كثره التاكيد ليعتدل الامر، و الا فطلب الحلال من المفروض علي الانسان، كما هو ضروري من ضروريات الدين. (فبادروا العمل) اي عجلوا للعمل للاخره (و خافوا بغته الاجل) اي يباغتكم و يفجئكم الاجل بدون تهيئه زاد من العمل الصالح. (فانه لا يرجي من رجعه العمر ما يرجي من رجعه الرزق) فان فائت العمولا يرجع، و اما ما يفوت من الرزق فمن الممكن تعويضه. (ما فات اليوم من الرزق رجي غدا زيادته) بان يزاد المقدار الفائت علي ما هو موجود عند الانسان. (و ما ف

ات امس من العمر لم يرج اليوم رجعته) و تغييرا يساق في (الغد، و اليوم) بملاحظه البلاغه (الرجاء مع الجائي) اي الممكن مجيئه و هوالرزق (و الياس مع الماضي) الذي لا يعوض و هو العمر.

(فاتقوا الله حق تقاته) اي حق تقواه و هو اجتناب المحرمات و الاتيان بالواجبات. (و لا تموتن الا و انتم مسلمون) اي ليكن موتكم مع الاسلام الكامل، فان في ذلك السعاه الابديه.

خطبه 114

[صفحه 223]

(في الاستسقاء) و هو طلب (السقيا) اي نزول المطر (اللهم قد انصاحت) اي جفت (جبالنا) و جفاف الجبل يوجب عدم جريان العيون، و جفاف ما عليها من النباتات. (و اغبرت ارضنا) اي صار فيها الغبار لجفافها (و هامت دوابنا) اي عطشت من الهيام بمعني العطش. (و تحيرت) الدواب ما تدري كيف تروي انفسها (في مرابضها) جمع مربض، و هو محل الدابقي (و عجت) اي الدواب، و العجيج صوت فيه حزن (عجيج الثكالي) جمع (ثكلي) و هي المراه التي مات ولدها (علي اولادها) التي عطشت. (و ملت) الدواب (التردد في مراتعها) جمع مرتع و هي محلات الرعي، فانها ملت و عجزت عن كثره ما ترددت في المراتع طلب للماء. (و) ملت (الحنين الي مواردها) جمع مورد و هو محل شرب الماء اي اخذت تحن و تعطف علي موارد الماء (اللهم فارحم انين الانه) اي الحيوانات التي تان من العطش. (و حنين الحانه) اي الحيوانات التي تحن و تعطف. (اللهم فارحم حيرتها) اي تحير تلك الحيوانات (في مذاهبها) جمع مذهب، و هو محل الذهاب (و انينها في موالجها) جمع مولج و هو المدخل و المراد مرابضها. (اللهم خرجنا اليك) فان دعاء الاستسقاء و صلاته في الصحراء، و المعني تجردنا عن الوطن نحو رحمتك (حين اعتكرت علينا) اي عكر

ضد صفا (حدابير السنين) جمع حدبار و هي الناقه المهزوله شبهت بها السنه المجدبه. (و اخلفتنا مخائل) جمع مخيله و هي السحابه التي تظهر انها ماطره ثم

لا تمطر، (الجود) المطر، و معني الاخلاف انها لا تفي بما اظهرت من اراده الامطار: (فكنت) اللهم و (الرجاء للمبتئس) ابتئس اي مسته الباساء (و البلاغ للملتمس) يقال التمس الشي اذا طلبه، و البلاغ الي الكفايه (ندعوك حين قنط الانام) اي يئسوا من المطر و الماء (و منع الغمام) عن المطر. (و هلك السوام) جمع سائمه و هي البهيمه الراعيه (ان لا تواخذنا باعمالنا) بان يكون مظهر مواخذتك لنا قطع المطر. (و لا تاخذنا بذنوبنا) لعل الفرق بين (المواخذه) و (الاخذ) ان الاول بمعني المحاسبه و الثاني بمعني العقاب. (و انشر علينا رحمتك بالسحاب المنبعق) يقال انبعق المزن اذا انفرج عن المطر. (و الربيع المغدق) اعدق المطر بمعني كثر مائه، و المراد بالربيع الفصل المقابل للفصول الاخر (و النبات المونق) آنق النبات اي اسر و افرح لكثره نمائه و حسن منظره، سحابا. (سحا) اي صبا (و ابلا) اي شديد المطر (تحيي به ما قد مات) من الاراضي، و احياء الارض انما يكون بالنبات (و ترد به ما قد فات) اي مضي، كان اخضرار الارض رد لمافات.

(اللهم) اسقنا (سقيا منك) اي من طرفك و لطف (محييه) لاراضينا (مرويه) تروي الانسان و الحيوان و النبات و الارض (تامه) لا نقص فيها (عامه) تعم الجميع (طيبه) لا توجب مرضا او نحوه (مباركه) توجب البركه الي النمو و الزياده (هنيئه) تكون بلا كدر و لا تعب (مريعه) اي خصيبه توجب الخصب. (زاكيا نبتها) اي ينمو نبات تلك المطره (ثامرا) اي آتيا بالثمر (فرعها) اي اغصان تلك النباتات (ناضرا) من النضاره بمعني البهجه (ورقها) بان يكون شديد الاخضرار. (تنعش بها الضعيف من عبادك) اي توجب له القوه (و تحيي بها

الميت من بلادك) فان المطر يوجب الحركه للنبات و ذلك شبيه بالحياه. (اللهم) اسقنا (سقيا منك تعشب بها) اي بتكل السقيا (نجادنا) جمع نجد و هو ما ارتفع من الارض (و تجري بها وهادنا) جمع وهده و هي ما انخفص من الارض، اي تجري بالماء. (و يخصب بها جنابنا) الخصب ضد الجدب، و الجناب الناحيه (و تقبل بها ثمارنا) من الاقبال بمعني الظهور و الخروج. (و تعيش بها مواشينا) جمع ماشيه، و هي الابل و البقر و الغنم، بان لا تموت من الظماء. (و تندي بها اقاصينا) اي اطراف البلاد البعيده، جمع قاصيه. (و تستعين بها ضواحينا) جمع ضاحيه اي النواحي التي لها سكان كالارياف (من

بركاتك الواسعه) متعلق ب(سقيا) و (عطاياك الجزيله) اي الكثيره العظيمه (علي بريتك المرمله) اي الفقيره. (و وحشك) اي الحيوانات المتوحشه (المهمله) في الحصاري لا راعي لها و لا كفيل. (و انزل علينا سماء) اي مطرا- بعلاقه الظرف و المظروف- (مخضله) من اخضل بمعني ابتل. (مدرارا) يدر و ينزل باستمرار (هاطله) يقال هطل المطر اذا نزل باستمرار (يدافع الودق منها الودق) الودق المطر، و الجمله كنايه عن استمراره بشده، حتي كان كل قطره تدافع القطره السابقه عليها حتي تنزل (و يحفز) اي يدفع و يحث (القطر منها القطر) فكل قطره محفزه للقطره المتقدمه عليها. (غير خلب برقها) البرق الخلب ما يظهر ان في سحابه المطر ثم لا ينزل المطر. (و لا جهام) هو السحاب الذي لا مطر فيه (عارضها) ما يعرض في الافق من الحساب. (و لا قزع) هو القطع الصغار من السحاب (ربابها) هو الحساب الابيض (و لا شفان) الشفان الريح البارده اي لا ذات ريح بارده (ذهابها) جمع ذهبه

و هي المطره القليله، اي لا تكون امطارها القليله ذات ريح بارده فان ذلك مما يضر الزرع و يوذي الانسان. (حتي يخصب لامراعها المجدبون) يقال اخصب القوم اذا نالوا الخصب و هو كثره العشب، و الامراع الاخصاب، و المجدب الذي نال

ه الجدب اي الحقط و المعني حتي يكثر عشب اهل الجدب لا مراع تلك المطره. (و يحيا ببركتها المسنتون) اي الذين اصابتهم السنه- بمعني الحقط- و حياتهم بكثره الماء و العشب و ما يتبع ذلك. (فانك) يا رب (تنزل الغيث) اي المطر (من بعد ما قنطوا) اي قنط الناس و يئسوا من نزوله. (و تنشر رحمتك) اي تعمه للناس (و انت الولي الحميد) الذي يحمد افعاله فلا يذر عباده يهلكون جدبا و قحطا.

خطبه 115

[صفحه 229]

(ارسله) الله سبحانه، و المراد الرسول صلي الله عليه و آله و سلم (داعيا الي الحق و شاهدا علي الخلق) فانه صلي الله عليه و آله و سلم يشهد عليهم يوم القيامه بما فعلوا، كما قال سبحانه: (و يكون الرسول عليكم شهيدا). (فبلغ رسالات ربه) انما جمع (رسالات) باعتبار كل رساله رساله (غير وان) من (وني) بمعني تباطي و تكاسل (و لا مقصر) في الاداء. (و جاهد في الله) اي في سبيل اقامه دين الله (اعده ئه) اي اعداء الله. سبحانه- الذين لا يمتثلون اوامره-. (غير واهن) من الوهن بمعني الضعف اي لم يضعف في الجهاد (و لا معذر) هو من يعتذر كاذبا، بلا عذر له واقعا، اي لم يعتذر الرسول صلي الله عليه و آله و سلم في ترك الجهاد باعذار كاذبه، و هو صلي الله عليه و آله و سلم (امام من اتقي) لانه صلي الله عليه و آله و سلم

مقتدي الناس الذين يخافون الله تعالي (و بصر من اهتدي) اي اسباب بصيره المهتدين، كانه بصرهم الذي يرون به سبيل الحق.

[صفحه 230]

(منها): (لو تعلمون ما اعلم) من احوال الاخره (مما طوي عنكم غيبه) اي اخفي عليكم، كالصحيفه التي تطوي و تلف فلا يعلم ما فيها. (اذا لخرجتم الي الصعدات) جمع صعيد بمعني الصحراء لتركتم منازلكم هائمين في الصحاري، فان الخائف كثيرا يهيم في الفلوات. (تبكون علي اعمالكم) التي اسلفتموها من المعاصي او التي لم تحصلوا من ورائها الثواب. (و تلتدمون) الالتدام الضرب علي الصدر او الوجه للنياحه حزنا علي مفقود (علي انفسكم) اي تضربون اجسامكم جزعا. (و لتركتم اموالكم لا حراس لها) اي اهملتموها، فان من خاف خوف شديدا لم يابه بالمال. (و لا خالف عليها) اي ليس عليها من يخلفكم، (و لهمت كل امري نفسه) اي لحزنت نفس كل امرء علي شخصه فلم يحزن لما سواها. (لا يلتفت الي غيرها) من الاهل و الاقارب و الاصدقاء (و لكنكم نسيتم ما ذكرتم) اي ذكركم الله سبحانه من اهوال القيامه. (و امنتم ما حذرتم) حذركم الله سبحانه من النكال و العقاب (فتاه عنكم) اي ضل عنكم (رايكم) الموجب لارشادكم الي الخوف من الاخره. (و تشتت) اي تفرق (عليكم امركم) فان الانسان الذي لم يجمع فكره في اتجاه واحد، يتيه الحق و يسهر عن الصواب. (و لوددت) اي اني احب (ان الله فرق بيني و بين

كم) لانكم لا تهتمون بالاخره. (و الحقني بمن هوا حق بي منكم) يعني الرسول صلي الله عليه و آله و سلم و الانبياء و الاوصياء، و كونهم احق بالامام، لانه و اياهم علي منهاج واحد، بخلاف المخاطبين. (قوم و الله ميامين) جمع

ميمون (الراي) في رايهم اليمن و السعاده (مراجيح الحلم) لهم حلوم راجحه لا طيش لهم و لا سرعه في الامور. (مقاويل بالحق) جمع مقوال اي كثير القول بالحق (متاريك للبغي) جمع متراك مبالغه في الترك، اي كثيروا الترك للظلم. (مضوا قدما) اي مضوا في امامي الي الاخره، فان (قدم) بمعني المضي في الامام (علي الطريقه) الصحيحه (و اوجفوا) الوجيف سير سريع اي اسرعوا (علي المحجه) بمعني الطريق، و المراد سرعتهم في عمل الصالحات. (فظروا) اي فازوا (بالعقبي الدائمه) اي العاقبه الحسنه المستمره- اي الجنه- (و الكرامه البارده) اي هنيئه، فانهم كانوا اذا حصلوا علي الشي ء بالحرب، كانت (جاره) و الا سموها (بارده) و ذلك المزيد في الهناء، حيث لم يتعب عليها تعبا زائدا. (اما و الله ليسلطن عليكم غلام ثقيف) اي الحجاج بن يوسف الثقفي الذي كان واليا عليهم من قبل عبدالملك بن مروان. (الذيال) اي الطويل الذيل، فقد كان لكبره يطول ثيابه- كعاده الجبارين- (ال

ميال) الكثير الميل عن الحق الي الباطل، او المائل المتبختر في مشيته. (ياكل خضرتكم) كنايه عن تبديل لاحوالهم الحسنه الي الحاله السيئه (و يذيب شحمتكم) كنايه عن تضعيفه اقواهم، كما ان من يذاب شحم جسده يهزل و يعضف. (ايه ابا وذحه) ايه اسم فعل للاستزاده من الشي ء، كانه عليه السلام قال: استزد يا حجاج من امرك- علي نحو الكنايه بكونه لا مزيد علي ما يفعل من الخراب و الفساد-.

خطبه 116

[صفحه 233]

يوبخ البلخاء بالمال و النفس (فلا اموال بذلتموها للذي رزقها) اي رزقكم تلك الاموال، و معني البذل له تعالي بذلها في سبيله. (و لا انفس خاطرتم بها للذي خلقها) في سبيل الجهاد و الامر بالمعروف و النهي عن المنكر (تكرمون بالله

علي عباده) اي تكونون اعزه بسبب الله سبحانه- بانتسابكم اليه بايمانكم و علمكم و مااشبه- علي عباد الله، و انما جي ء ب(علي) لمعني الترفع. (و لا تكرمون الله في عباده) و معني اكرام الانسان له تعالي، ان يجله بالدعوه اليه، و غرس عظمته تعالي في نفوس الناس. (فاعتبروا بنزولكم منازل من كان قبلكم) اي انكم كائنون في منازل آبائكم السابقين الذين ماتوا و خلفتموهم من بعدهم، فانكم سوف تكونون مثلهم، و هذا تحريض لبذل النفس و المال، فانهما الي انقطاع، و قد قال الامام الحسين عليه السلام: و انكانت الابدان للموت انشئت فقتل امرء بالسيف في الله افضل (و) اعتبروا ب(انقطاعكم اوصل اخوانكم) فان اقرب اخوانكم اليكم من انقطع عنكم بالموت، و انتم عن قريب تكونون مثلهم، فسارعوا في الاعمال الصالحه.

خطبه 117

[صفحه 234]

في مدح اصحابه و تحريضهم علي العمل (انتم) معاشر اصحابي (الانصار علي الحق) اي ينصر بعضكم بعضا في الحق. (و الاخوان في الدين) فالاخوه بينكم اخوه دينيه، لا قبليه او نسبيه او ما اشبه. (و الجنن) جمع جنه (يوم الباس) اي يوم الشده فانتم تحفظون البلاد و العباد في يوم الكريهه و الشده. (و البطانه دون الناس) بطانه الرجل خواصه، و هو تشبيه ببطانه الثوب التي تلو جسده، اي انتم الخواص لي، دون سائر الناس. (بكم) اي بسببكم (اضرب المدبر) عن الحق الي الباطل (و ارجو طاعه المقبل) فان المقبل انما يقبل بواسطه الدعايه و بواسطه الخوف و هما يتمان بالانصار و الاصحاب. (فاعينوني بمناصحه خليفه من الغش) اي ينصح بعضكم بعض في سبيل المصلحه الاسلاميه، بدون ان يظهر النصحيه و يبطن الغش، كما هو كثير في المرائين و المنافقين. (سليمه من الريب) اي

ليست محل شك و ارتياب، كما ربما تكون النصحيه بحيث يرتاب الانسان من نوايا صاحبها. (فو الله اني لاولي الناس بالناس) اي اني اولي بهم من انفسهم، فاذا امرتهم بامر و ارادوا غير ذلك يلزمهم اتباع امري و ترك ارادتهم لاجلي، و هذه الجمله لتاكيد لزوم الاعانه له عليه السلام عليهم، حيث انه عليه السلام اولي بهم م

ن انفسهم، فاعانته عليهم اولي من الانصراف الي شئون انفسهم.

خطبه 118

[صفحه 236]

(و قد جمع الناس و حضهم علي الجهاد فسكتوا مليا) اي سكوتا طويلا فلم يجيبوه و قد كان ذلك حين ما كان يغير اصحاب معاويه علي اطراف بلاد الامام، فكان عليه السلام يريد استنفارهم لرد الاعتداء. (فقال عليه السلام): (ما بالكم) اي اي شي ء سبب سكوتهم (امخرسون انتم)؟ من الخرس بمعني عدم التمكن من التكلم (فقال قوم منهم: يا امير المومنين، ان سرت سرنا معك) (فقال عليه السلام: ما بالكم لا سددتم لرشد) هذا دعاء عليهم بعدم التوفيق، فان التسديد بمعني التوفيق، و الرشد الهدايه (و لا هديتم لقصد) اي لطريق المني الذي هو قصد- اي وسط- (اني مثل هذا ينبغي لي ان اخرج)؟ فان شان الخليفه ان يخرج الي محاربات مهمه، لا مناوشات مختصره، فكيف تقولون ان تخرج نخرج؟ (انما يخرج في مثل هذا رجحل ممن ارضاه) و اراه اها لصد العدو (من شجعانكم) جمع شجاع، (و ذوي باسكم) الباس بمعني الشده، اي صاحب الشده الذي يتمكن من الدفاع. (و لا ينبغي لي ان ادع الجند و المصر) اي المدينه (و بيت المال و جبايه الارض) اي جمع الخراج و المقاسمه من الارض. (و القضاء بين المسلمين) في حقوقهم (و النظر في حقوق المطالبين) الذين يطلبون عزل وال، او نصب وال،

او سعد ثغراو ما اشبه.

(ثم اخرج في كتيبه) اي جماعه قليله من الجيش، من كتب بمعني جمع، و يقال للكاتب كاتب لانه يجمع الكلمات بعضها الي بعض. (اتبع) كتيبه (اخري) من العدو (اتقلقل) اي اتحرك (تقلقل القدح) هو السهم قبل ان يوضع له الريش (في الجفير) الكنانه التي توضع فيها السهام (الفارغ) الذي لا سهم فيه، فان السهم اذ كان بلا ريش، وضع في الكنانه الفارغه، تقلقل و صوت، و هذا تشبيه لحاله عليه السلام لذلك القدح الذي يكون وصفه غير لائق به. (و انما ان اقطب الرحا) فان الرحي يدور علي القطب (تدور علي و انا بمكاني) مقيم لا ان اخرج الي هنا و هناك (فاذا فارقته) اي مكاني (استحار) اي تردد و اضطرب (مدارها) اي مدار الرحي (و اضطرب ثفالها) هو الشق الاسفل من حجري الرحي. (هذا) الذي ذكرتم من خروجي (لعمر الله) اي قسما بالله (الراي السوء) الذي لا يصلح المضي عليه (و الله لو لا رجائي الهشاده عند لقائي العدو- لو قد حم لي لقاوه-) (حم) بمعني قدر (لقربت ركابي) اي احضرت ابلي التي هي للركوب (ثم شخصت عنكم) اي سافرت من بلدكم و تركتكم متخليا عنكم (فلا اطلبكم) للنصره او ما اشبه (ما اختلف جنوب و شمال)- بمعني الي الابد- و المراد بالاختلاف هبوب رياح الجهتين، يخلف احداهما الاخري

(انه لا غناء) و لا فائده (في كثره عددكم مع قله اجتماع قلوبكم) فان الاجتماع بالابدان لا ينفع ذا تفرقت القلوب. (لقد حملتكم) اي اريتكم و حرضتكم (علي الطريق الوضاح التي لا يهلك عليها الا هالك) اي غير الشخص الذي تمكن الفساد عن طبعه فلا يهتدي ابدا. (من استقام) في سلوك هذا الطريق

(فالي الجنه و من زل) و عطب و لم يستقم (فالي النار) و هذا الكلام من الامام عليه السلام بيان، لانه عليه السلام فعل ما ينبغي له، فقد اتم الحجه عليهم و اراهم طريق الرشاد، فان لم يستقيموا كان ذلك من انفسهم، بعد تمام الحجه.

خطبه 119

[صفحه 239]

في بيان بعض فضله، و وعظ الناس (تالله) حلف بالله (لقد علمت تبليغ الرسالات) اي اعلم كيف يلزم ان يبلغ الخليفه، ان يبلغ رسالات ربه، مما امنه النبي لديه. (و اتمام العدات) جمع (عده) بمعني الوعد، اي اعلم كيف يلزم ان يتم الخليفه ما وعده، بلا خلف و لا نقض. (و تمام الكلمات) اي اعلم كيف يلزم ان يتم الخليفه كلامه الذي تكلم به، و هذا يلح الي التعرض بمن تصدي للخلافه بدون ان يعلم ذلك، و ان يعمل به فلم يعرفوا كيف يبلغون رسالات الله، بل كانوا يقولون لو لا علي لهلك عمر، كما لم يعرفوا كيف يتمون المواعيد، اذا كان وعدهم جهلا، فاذا وقعوا في مازق خالقوا الوعد، كما لم يعرفوا كيف يخرجون عن الكلام الذي تكلموا به، لترائي المحذور لديهم في وسط الكلام. (و عندنا اهل البيت) منصوب علي الاختصاص، اي اخص اهل بيت رسول الله صلي الله عله و آله و سلم (ابواب الحكم) الحكمه وضع الشي ء في موضعه (و ضياء الامر) فالامور لدينا ظاهره واضحه لا تخفي و لا تشتبه. (الا و ان شرائع الدين واحده) لا تناقص فيها و لا تخالف، فما كان ليفعله الخلفاء من التناقض في الاحكام فواحد ينصب خالدا و واحد يعزل، و واحد يري الحد و آخر يري خلافه- مثلا- خلاف شريعه الاسل

ام. (و سبله قاصده) اي مستقيمه متوسطه لا افراط

فيها و لا تفريط (من اخذ بها) اي بسبل الدين (لحق) الغايه (و غنم) المثوبه. (و من وقف نها) بان لم يسير في طريق الحق (ضل و ندم) لما يلحقه من الاثم و العقاب.

[صفحه 240]

(اعملوا ليوم) هو يوم القيامه (تذخر له الذخائر) فان الانسان يدخر الاعمال لذلك اليوم الذي هو احوج ايامه. (و تبلي) اي تظهر (فيه) اي في ذلك اليوم (السرائر) جمع سريره، بمعني ضمير الانسان و سره، فان الانسان في الدنيا مخفي ضميره، و ما كان يعمل و ينوي، اما في ذلك اليوم فيظهر ضميره علي الملاء. (و من لا ينفعه حاضر لبه) اي عقله الحاضر لديه فعلا (فعازبه) اي عازب لبه، و العازب المنحاز الذي لا يدرك (عنه) اي عن النفع (اعجز) فانك اذا لم تستفد من عقلك الحاضر فهل تستفيد من عقل ليس لك؟ (و غائبه) اي غائب اللب، و هو الذي يترقب في المتسقبل (اعوز) اي اشد عوزا و عدما في عدم الاستفاده منه، و هذا لمن يوخر الامر معتذرا بعدم ادراك عقله فعلا، و لعله يدركه في المستقبل، و المعني التحريض علي العمل حالا، و عدم ترك العمل رجاء عقل يحصل، او رجاء عقل مستقبل. (و اتقوا نارا حرها شديد) فلا تعصوا لتبتلوا بها (و قعرها بعيد) فان عمقها كثير (و حليتها) اي زينتها التي توضع في العنق و اليد و الرجل (حديد) اي الغل و القيود (و شرابها صديد) و هو شي ء يشبه قيح الجرح، و في الخير يخرج من فروج الزناه. (الا) فتنبهوا (و ان اللسان الصالح يجعله الله تعا

لي للمرء في الناس) بان يكون لسانهم حسنا بالنسبه الي الشخص لانه عمل الصالحات، فيحمده الناس (خير له من

المال يورثه من لا يحمده) و هذا تحريض علي ان يعمل الانسان صالحا و يصرف امواله في سبل الخير، فانه يوجب محمده الناس بخلاف ما لو ترك العمل و اشتغل بجمع الاموال، فانه يورثه الورثه، و غالبا، لا يحمد الوارث المورث، بل يصرف ماله بلا ذكر حسن منه له.

خطبه 120

[صفحه 242]

بعد ليله الهرير (و قد قام اليه رجل من اصحابه فقال: نهيتنا عن الحكومه ثم امرتنا بها فما ندري اي الامرين ارشد) فان معاويه لما رفع المصاحف، كف اصحاب الامام عن الحرب، ثم الزموه ان يقبل اقتراح معاويه، بان يكون من طرف الامام حكم، و من طرف معاويه حكم، يجلسان لينظرا في امر المسلمين و يحلا المشكله، لكن الامام لم يقبل حتي اجبروه و راي الامام لو لم يقبل التحقوا بمعاويه- كما فعلوا من بعد بالامام الحسن عليه السلام- فقبل الامام، ثم عين الامام الحكم لكنهم لم يقبلوا حكم الامام- و هو ابن عباس- بل انتخبوا اباموسي الاشعري، و اجبروا الامام علي القبول، و جلس الحكمان، و خدع ابن العاص اباموسي، و لما راوا فشل الحكمين، جاء المغفلون من اصحاب الامام ليلقوا تبعه التحكيم علي الامام، قائلين: كيف نهيتنا اولا عن التحكيم، ثم امرتنا به؟ فان كان النهي صحيحا فلماذا امرت بعد ذلك؟ و انكان الامر صحيحا فلماذا نهيتنا اولا؟ (فصفق عليه السلام احدي يديه علي الاخري ثم قال): (هذا) اي فشلكم انتم المغفولون، الذين انطلت عليكم حيل معاويه (جزاء من ترك العقده) اي ما حصل عليه التعاقد، فقد تعاقد الامام اصحابه علي حرب معاويه، لكنهم تركوا الحرب عن

د حيله ابن العاص برفع المصاحف. (اما و الله لو اني حين امرتكم بما امرتكم به) من الاستمرار في الحرب و

عدم تركها لحيله ابن العاص. (حملتكم علي المكروه) اي نفذت امري بكل شده و صلابه، و ان كرهتم ذلك (الذي يجعل الله فيه خيرا) فان تنفيذ الامام لرايه- و لو بكره من اصحابه مما جعل اله فيه الخير لاصابه راي الامام عليه السلام الهدف. (فان استقمتم هديتكم) هذه الجمله و الجملتان بعدها، لبيان كيفيه تنفيد الامام لرايه و المعني ان كنتم مطيعين بينت لكم طريق الصواب. (و ان اعوججتم) بان اردتم العصيان (قومتكم) بالقوه و العقاب (و ان ابيتم) التقويم (تداركتم) بقتل العصاه و اخراجهم من زمه الجيش (لكانت الوثقي) هذا جواب (لو) اي لو اني نفذت راي بكل صوره، لكانت الطريقه الوثقي- مونث اوثق- و ذلك لنجاح هذه الطريقه و كفالتها لانتصار الامام علي الاعداء. (و لكن بمن) اقوم العصاه؟ (و الي من) ارجع في مساعدتي عليكم؟ (اريد ان اداوي بكم) داء التفرق و عدم الاطاعه (و انتم دائي) فمنكم التفرق و عدم الاطاعه. (كناقش الشوكه بالشوكه) اي كمن يريد اخراج الشوكه بسبب الشوكه، فانها تالم جسمه اكثر (و هو يعلم ان ضلعها معها) الضلع الميل، اي ان الانسان يعلم ان ميل الشو

كه الي جنسها، لا الي جسد الانسان، فربما انسكرت الشوكه في الجسم و صارت مع الشوكه السابقه اوجبت الالم اكثر، و هذا بيان لحال اصحابه بان ميل المطيعين ايضا مع العاصين، فكيف يالج ببعضهم بعضا، و لا يخفي ان السواد دائما هكذا، و ان كان الخواص علي خلاف ذلك. (اللهم قد ملت اطباء هذا الداء الدوي) وصف للداء للمبالغه، مثل ليله ليلاء، و معني ملاله الاطباء ياسهم عن العلاج. (و كلت) اي تعبت و عجزت (النزعه) جمع نازع هو الذي ينزع الماء من البئر

(باشطان) جمع شطن و هو الحبل (الركي) جمع ركيه و هي البئر اي ان من يريد نزع الماء من هذه البئر بواسطه الحبل قد كل، و ذلك كنايه عمن يريد نزع الهدي من قلوب الناس، و جريه علي جوارحهم. (اين القوم الذين دعوا الي القرآن) دعاهم الرسول الي العمل بالقرآن (فقبلوه) و عملوا به (و قرووا القران فاحكموه) اي احكموا قرائته و احكامها العلم به (و هيجوا الي القتال) اي هاجهم الرسول صلي الله عليه و آله و سلم، بمعني آثارهم (فولهوا) اي تحركوا نحوها تحرك الشخص الواله الذي يشق الشي ء (و له اللقاح الي اولادها) اي مثل وله اللقاح، جمع لقوح و هي الناقه (و سلبوا السيوف اغمادها) بمعني جروها عن الغمد للجهاد. (و اخذوا باطرا

ف الارض زحفا زحفا) اي سيرا سيرا (و صفا صفا) فهنا صف من المجاهدين و هناك صف، حتي استولوا علي اطراف الارض و جوانبها (بعض هلك) في الحرب بان قتل (و بعض نجا) رجع سالما غانما (لا يبشرون بالاحياء) اي اذا قيل لاولئك المجاهدين ان فلانا بقي حيا و لم يقتل في المعركه لا يفرحون بحياته، لانهم لا يرون في الموت حزنا و هما، اذ يعلمون ان القتل في سبيل الله شرف و مثوبه (و لا يعزون عن الموتي) اي اذا مات قريب احدهم في الجهاد، لا يعزيه اصحابه بموت قريبه لانهم لا يرون الموت في سبيل الله فجيعه تستحق ان يعزي قريب الميت، بسبب موت قريبه. (مره العيون من البكاء) من خوف الله سبحانه، جمع امره و هو من فسد عينه (خمص البطون من الصيام) جمع اخمص بمعني الضامر الهزيل (ذبل الشفاعه) ذبل جمع ذابل به معني اليابس،

و شفاه جمع شفه (من الدعاء) فان المكثر (من الدعاء) و الكلام يبيس فمه، لتبخر الماء بالحراره الحاصله من الحركه. (صفر الالوان من السهر) اي سهر الليل بالصلاه و القرآن و الدعاء، جمع اصفر. (علي وجوهم غبره الحاشيعن) فان الانسان الحاشع ينكسر وجهه خشوعاء او المراد الغبار الحاصل من السجود علي الارض (اولئك) الذين وصفتهم بتلك الاوصاف (اخواني الذاهبون) ال

ي الحياه الاخري. (فحق لنا ان نظما اليهم) كما يظما الانسان و يتطلب الماء (و نعض الايدي) اسفا (علي فراقهم) فان الانسان المتاسف يعض علي اصابعه ليخفف من همه. (ان الشيطان يسني لكم طرقه) سناه بمعني سهله (و يريد ان يحل دينكم عقده عقده) كما تحل عقد الخيط، و المراد تركهم لشريعه شريعه من شرائع الاسلام. (و يعطيكم ب) عرض (الجماعه) و الاجتماع (الفرقه) و التفرق (فاصدفوا) اي اعرضوا (عن نزغاته) جمع نزغه، بمعني الحث (و نفثاته) كانه ينفث اي ينفخ في قلب الانسان و يحثه علي العصيان. (و اقبلوا النصحيه منن اهداها اليكم) يويد نفسه الكريمه عليه السلام فانه كان يهدي النصحيه اليهم. (و اعقلوها) اي احبسوا النصحيه (علي انفسكم) بمعني ملازمه النفس لها، و عدم تركها تذهب ادراج الاهمال.

خطبه 121

[صفحه 247]

قاله للخوارج و قد خرج الي معسكرهم و هم مقيمون علي انكار الحكومه (فقال عليه السلام): (اكلكم) ايها المنكرون للحكومه (شهد معنا صفين) اي حضر في تلك الواقعه التي صارت سببا لظهور الخوارج اثر قصه التحكيم؟. (فقالوا: منا من شهد و منا من لم يشهد) لانه التحق بخوارج صفين جماعه اخري من اثر دعايه الخوارج. (قال): (فامتازوا فرقتين) اي جماتين (فليكن من شهد صفين فرقه و من لم يشهدها فرقه حتي اكلم كلا بكلامه) فلان الانسان

الحاضر في محل ليس كالغائب. (و نادي الناس) اي اخذوا يتكلمون و يصيحون- كما هي العاده في المثل هذه المواقف. (فقال امسكوا عن الكلام) اي اسكتوا (و انصتوا لقولي) اي استمعوا (و اقبلوا بافئدتكم) جمع فواد بمعني القلب (الي فمن نشدناه شهاده) اي طلبنامنه ان يشهد (فليقل بعلمه فيها) اي في تلك الشهاده (ثم كلمهم عليه السلام بكلام طويل) (منه) (الم تقولوا عند رفعهم المصاحف) زاعمين انهم يدعون الي حكم القرآن في حال كون رفعهم كان (حيله و غيله) اي اغتيالا بمعني اخذ الطرف بالمكروه فجئه و بدون سابق علم. (و مكرا) اي احتيالا للفرار من الحرب (و خديعه) اي غشا لاصحاب الامام عليه السلام: (اخواننا) متعلق ب(تقولوا) (و اهل دع

وتنا) اي ان اهل الشام اخوان لنا في الدين، و اهل دعوه الاسلام- مثل نحن- (استقالونا) اي طلبوا منا ان نقيلهم و نترك الحرب معهم (و استراحوا الي كتاب الله سبحانه) اي طلبوا الراحه الي الكتاب ليريحهم الكتاب تعب الاختلاف و الاشقاق (فالراي القبول منهم و التنفيس عنهم) يقال نفس عنه اذا رفع همه و غمه. (فقلت لكم: هذا) الذي يطلبون (امر ظاهره يمان و باطنه عدوان) لانهم يريدون بذلك وقف القتال ليستعيدوا نشاطهم و يبدوا به من جديد، قاصدين استمرار تعديهم. (و اوله رحمه) لانه توقيف للقتال و استراحه (و آخره ندامه) حيث تندمون بترككم، لهم و قد اشرفتم علي الانتصار (فاقيموا علي شانكم) اي المحاربه (و الزموا طريقتكم) في عدم انهاء القتال. (و عضوا- علي الجهاد- بنواجذكم) هي الطواحن فاذا عض الانسان عليها قويت اعصاب راسه، و يكون اكثر استعداد للحرب لتزيد الحراره في الراس، الدافعه نحو الاقدام. (و لا تلتفتوا الي ناعق نعق) اي

صائح صاح، و المراد به ابن العاص الذي دعا الي ترك المحاربه و تحكيم القرآن (ان اجيب) ذلك الناعق الي ما دعي (اضل) اتباعه (و ان ترك ذل) لانهزام معسكره و انبطال امره. (و قد كانت هذه الفعله) اي صارت هذه الهيئه من الفعل، فان (فعله)

بالفتح بمعني الهيئه (و قد رايتكم اعطيتموها) اي انتم الذي اعطيتم هذه الصوره للواقعه بعصيانكم امري في استمرار القتال، و التحاكم الي كتاب الله- الذي رفع ابن العاص حيله و مكرا. ثم بين الامام عليه السلام انه سواء قبل انهاء الحرب و الاحتكام الي الكتاب او لم يقبل كان علي حق، لان الكتاب في الحالين معه. (و الله لئن ابيتها) اي هذه الفعله- يعني انهاء الحرب- (ما وجبت علي فريضتها) اي لم يكن واجب علي انهاء الحرب، و فريضتها يعني ثبوت الفعله- و قد اريد بالفعله انهاء الحرب. (و لا حملني الله ذنبها) اي لم يكن علي ذنب في اباء انهاء الحرب، اذ كان آباء الامام لمصلحه المسلمين و الاسلام. (و و الله ان جئتها) اي الفعله بمعني انهاء الحرب، اي قبلت الانهاء و تركت الحرب باختياري. (اين للمحق الذي يتبع) فكانت دعوه ابن العاص في اتباع الكتاب لا تضرني اذ الكتاب يعيني خلفا و قائدا (و ان الكتاب لمعي ما فارقته مذصحبته) اي لم اخالف احكامه من يوم اسلمت- حسب الظاهر فلم اكن اخشي ان اتحاكم الي الكتاب، و انما كان ابائي لاني اعلم بمكيده القوم. (فلقد كنا مع رسول الله صلي الله عليه و آله) نتبع الكتاب حيث الوقت حرج و الازمه شديده- فكيف نفارق الكتاب في هذا

الظرف، و ليس الامر بذلك التحرج. (و ان القتل ليدور علي الاباء و الابناء) بمعني

ان المسلم كان يقتل اباه الكافر و ابنه الكافر. (و الاخوان و القرابات) فلم نفر من الميدان و لم نخالف الكتاب انسياقا مع العواطف (فما نزداد علي كل مصيبه و شده الا ايمانا) فان الانسان كلما ضحي بشي ء غال لديه، في سبيل هدف خاص يزداد تعلقه بذلك الهدف. (و مضيا علي الحق) نمضي في سبيل الحق بلا رجوع او ارتداد (و تسليما للامر) الذي امرنا الله سبحانه من اقسام الفرائض (و صبرا لي مضض الجراح جمع جرح و مضضها المها. (و لكنا) اليوم ليس الامر بتلك العصوبه (انما اصبحنا نقاتل اخواننا في الاسلام) و هو اهون علي النفس عن قتال الاباء و الابناء (لما دخل فيه) اي في اسلام هولاء الاخوان (من الزيغ و الاعوجاج) حيث خلفوا طاعه ولي الامر و انضووا تحت لواء الباطل. (و الشبهه و التاويل) حيث يشبهون الباطل بالحق و يولون الحق بغير معناه. و الحاصل انا علي منهاج واحد فقد كنا نقاتل في اول الاسلام لارساء دعائم الاسلام، و نقاتل الان لتقويم ما اعوج من امره، و الهدف في كلا الامرين واحد. (فاذا طمعنا في خصله) اي في امر (يلم الله به شعثنا) اي يجمع به تفرقنا، و ذلك بدخول هولاء في الط

اعه و نبذهم العناد و العصيان. (و نتداني بها) اي نقترب بسبب تلك الخصله بعضنا من بعض (الي البقيمه فيما بيننا) اي الي بقيه الاسلام التي يتمسك الطرفان بها (رغبنا فيها) اي في تلك الخصله (و امسكنا عما سواها) من الاختلافات التي لا تعود الي جوهر الاسلام، و تقدير الكلام: فاذا طمعنا في لم الشعث، حاربنا رغبه في الاجتماع، و قد تحصل ان الامام عليه السلام احتج عليهم بامرين:

الاول: انهم هم الذين طلبوا الحكومه فلم يكن ذلك من الامام عليه السلام. الثاني: ان الامام سواء حارب او انهي المحاربه فهو علي حق، فان محاربه الامام كانت للاسلام، فلا ماخذ عليه، و تركه كان للرجوع الي حكم القرآن، و القرآن يعينه دون عدوه.

خطبه 122

[صفحه 252]

(قاله لاصحابه في ساحه الحرب) بصفين و فيه تعليمهم لكيفيه المحاربه (و اي امري ء منكم) معاشر اصحابي (احس من نفس رباطه جاش) اي قوه القلب (عند اللقاء) اي لقاء العدو (و راي من احد من اخوانه فشلا) و ضعفا (فليذب عن اخيه) فليدافع عنه (بفضل نجدته) اي شجاعته (التي فضل بها عليه) اي فضل بتلك الشجاعه علي اخيه (كما يذب عن نفسه) و هذا بالنتيجه عائد الي نفسه لان نصره الانسان تتوقف عمل نصره اقرانه جميعا. (فلو شاء الله لجعله مثله) في ضعف القلب و الفشل، فاذا تفضل الله عليه بالشجاه فليشكر ربه في بذلها لصديقه الفاشل الضعيف. (ان الموت طالب حثيث) اي يطلب الناس بشده (لا يفوته المقيم) في محله (و لا يعجزه الهارب) الذي يهرب من الموت و هذا الكلام من الامام دفع، لان يقول القوي اني اخاف ان نصرت اخر ان اقتل دونه. (ان اركم الموت القتل) لان الانسان لابد ان يموت، فاذا قتل في سبيل الله ادرك الثواب، و اذا مات، لم يدرك ثوابا، و الامر كائن لا محاله، فلماذا لا يدرك الانسان ما فيه فضل. (و الذي نفس ابن ابي طالب بيده) هذه حلف بالله سبحانه، مع اشتماله علي التهديد- انكان المطلب علي خلاف الواقع-. (لالف ضربه بالسيف) في سبيل الله (اهون علي م

ن ميته علي الفراش) و معني الهوان، كونه محبوبا لدي، لما اعلم من الثواب

فيه.

خطبه 123

[صفحه 253]

(و منه) اي بعض هذا الكلام (و كاني انظر اليكم) معاشر المحاربين في ركابي (تشكون كشيش الضباب) جمع ضب و هو حيوان معروف، فانها اذا ازدحمت سمع لجلودها صوت خاص، يسمي بالكشيش، و المراد حكايه حال اصحابه عند الهزيمه من جيش الاعداء، و لعل ذلك بعد قتله عليه السلام و سيطره معاويه علي البلاد. (لا تاخذون حقا و لا تمنعون ضيما) اي ظلما (قد خليتم و الطريق) اي خلي لكم الطريق، فان القوم يسيرون في طريق الدنيا، اما طريق الاخره، فقد خلي لكم. (فالنجاه للمقتحم) اي للذي يسلك طريق الاخره، و انما سماه اقتحاما لما في طريق الاخره من الشدائد (و الهلكه) اي العقاب و العذاب (للمتلوم) اي للمتباطي و المتوقف، و هو الذي لا يسلك طريق الاخره.

خطبه 124

[صفحه 254]

(و منه): في حثهم علي القتال (فقدموا الدارع) اي ليكن الذي لبس الدرع في مقدمه الصفوف لعدم تاذيه بنبال القوم و رماحهم (و اخروا الحاسر) الذي لا درع له (و عضوا علي الاضراس) اي اضغطوا بعضها علي بعض (فانه) الي العض (انبي للسيوف عن الهام) من بنا السيف اذا رفعته الصلابه من موقعه فلم يقطعه، فان الانسان اذا عض علي نواجذه تصلبت اعصاب راسه و جلدته، فيكون اقوي في الصلابه و يقل تاثير السيف علي راسه حينئذ، وهام، جمع هامه، بمعني الراس. (و التووا في اطراف الرماح) اي اذا جائكم طرف رمح الاعداء، فاميلوا ذلك الجانب و اعطفوه، حتي لا يصل اليكم الرمح. (فانه) اي الالتواء (امور للاسنه) اسنه، جمع سنان، و هو المرح، و معني امور: اشد فعلا للمور، اي الاضطراب، لان الانسان اذا التوي، اضطرب جانبه المقصود بالرمح فلم يتمكن الرمح من النفوذ فيه،

بل انزلق عنه (و غضوا الابصار) و الظاهر ان المراد بالغض تضييق الجفون ليري قليلا، لا الغمض، (فانه) اي الغض (اربط للجاش) اي اكثر تقوينا للقلب (و اسكن للقلوب) فان الانسان اذا نظر الي الاعداد هاله كثرتهم و اضطرب قلبه و خاف اما اذا غض بصره لم ير الا ما امامه و ذلك شي ء قليل فيقوي قلبه في المحاربه.

(و اميتوا الاصوات) اي لا تتكلموا (فانه اطرد للفشل) فان المتكلم يذهب بعض قواه فيكون اقرب الي الفشل، اما الساكت فقواه متجمعه في باطنه مندفعه نحو عمله فيكون اطرد للفشل. (و رايتكم) اي لو انكم (فلا تميلوها) فان ميل الرايه موجب لريبه البعيد فيظن انها مشرفه علي السقوط (و لا تخلوها) اي لا تفعلوا بها ما يوجب خللا، لان الرايه علامه البقاء و الاستمرار في الجهاد. (و لا تجعلوها الا بايدي شجعانكم و المانعين الذمار منكم) الذمار ما يلزم علي الانسان حفظه من عرض او مال او ما اشبه، اي الاشخاص الذين لهم نفسيه منع الذمار عن الاعداء فانهم اكثر ايثارا للنفس في سلب التحفظ علي كيانهم، فلا يتخلون علي اللواء بمجرد خوف او تعب. (فان الصابرين علي نزول الحقائق) اي الذين يصبرون اذا نزلت بهم نازله (هم الذين يحفون براياتهم) اي يكتنفون بها و يحيطون حولها لئلا تسقط فيفشلوا و يلاموا. (و يكتنفونها حفا فيها) اي جوانبها اي يدورون في جوانبها تحفظا لها عن الاعداء. (ورائها و امامها) تفسير لحفا فيها (و لا يتاخرون عنها فيسلموها) بيد الاعداء (و لا يتقدمون عليها) بان يجعلونها وراء ظهرهم (فيفردوها) فان افراد الرايه محل خطر السقوط الذي فيه انهزام الجيش. (ا

جزا امرو قرنه) فعل ماضي بمعني الامر، و اجزء

بمعني يكفي، اي فليكف كل شخص منكم قرنه- اي مثله- من الاعداء (و آسي اخاه بنفسه) اي ليواسي اخاه بنفسه، بان يقدم له ما يتمكن من العون. (و لم يكل قرنه الي اخيه) بان يفر هو من مقابله قوه من الاعداء، حتي يذهب القرن الي صديقه (فيجتمع عليه) اي علي ذلك الصديق (قرنه و قرن اخيه) فان الكافر اذا لم يجد المسلم الذي كان يقاتله لوي عنانه الي مسلم آخر، فيجتمع علي ذلك المسلم كافران. (و ايم الله) حلف بالله سبحانه (لئن فررتم من سيف العالجه) اي سيف الدنيا، الذي بايدي اعدائكم فرار من خوف الموت (لا تسلموا من سيف الاخره) اي عذاب الله سبحانه المهيي ء لمن فر عن الزحف (و انتم لهاميم العرب) جمع لهميم، و هو السابق من الانسان او الخيل، اي السابقون الي كل خير، فان الكوفه كانت معروفه بالبساله و الشجاعه. (و السنام الاعظم) السنام ما علي ظهر البعير من الارتفاع، يمثل به المترفع (ان في الفرار موجده الله) اي غضبه (و الذل اللازم) فان الانسان الذي ينتصر عدوه عليه يلزمه الذل و العار (و العار الباقي) حتي بعد موته، حيث يذكر فيعير. (و ان الفار لغير مزيد في عمره) فان العمر لا يطول بالفرار، كما لا يقصر بالوقوف

(و لا محجوز بينه و بين يومه) المقدر فيه موته، اي لا يتمكن من ان يحجز و يمنع عن الموت اذا جاء وقته. (الرائح الي الله) المراد الميت الذي له عمل صالح- كالمشهد في سبيل الله- (كالظمان يرد الماء) فكما يفرح و يروي الماء غلته كذلك يفرح الميت في سبيله سبحانه و يتنعم بمختلف انواع النعيم. (الجنه تحت اطراف العوالي) جمع عاليه بمعني

الرمح، و المعني ان الجنه انما تتحصل من الاستشهاد تحت ظلال الرمح، او مطلق الجهاد و ان لم يستهشد الانسان. (اليوم تبلي الاخبار) اي تظهر اخبار كل انسان، مما كان يظهر انه شجاع او ثابت او ما شاكل ذلك، فان الحرب مختبر الرجال. (و الله لانااشوق الي لقائهم) اي لقاء الاعداء، لنيل ثواب الجهاد (منهم الي ديارهم) فان الشوق الي الديار اقل من شوق المومن الي الجنه. (اللهم فان ردوا الحق) و لم يقبلوا (فافضض جماعتهم) اي فرقهم (و شتت كلمتهم) اي اجعل كلام واحد يخالف كلام الاخر، حتي يقع التنافر بينهم من جراء اختلافهم. (و ابسلهم) اي اسلمهم للهلاك (بخطاياهم) اي بذنوبهم، و المعني عجل العقوبه عليهم بما اذنبوا، و لا توخر هلاكهم (انهم) اي الاعداء (لن يزولوا عن مواقفهم دون طعن دراك) اي متدارك متتابع (يخرج منه) اي من مواضع ذ

لك الطعن (النسيم) اي الهواء، و المعني انهم مستميتون، فاللازم ان يتخذ اصحابنا اهبتهم للقائهم. (و) دون (ضرب يفلق) اي يكسر (الهام) اي الراس (و يطيح العظام) فان الضرب اذا كان شديدا تطايرت منه صغار العضام، فتسقط علي الارض. (و يندر) اي يخرج (السواعد) جمع ساعد من اليد (و الاقدام) اي يخرجها عن مراكزها (و حتي يرموا بالمناسر) جمع منسر، القطعه من الجيش (تتبعها المناسر) اي بتوالي قطعات الجيش بعضها اثر بعض. (و يرجموا بالكتائب) جمع كتيبه بمعني الجيش، او قسم خاص منه (تقفوها) اي تتبعها (الحلائب) جمع حلبه، هي الجماعه من الخيل تجتمع للنصره. (و حتي يجر ببلادهم الخميس) اي يذهب الي بلادهم الجيش، و سمي الجيش خميسا لاشتماله علي الايمن و الايسر و المقدم و الخلف و القلب. (يتلوه الخميس) اي

جيش وراء جيش (و حتي تدعق) يقال دعق الطريق اذا وطئه وطئا شديدا (الخيول في نواحر ارضهم) اي اقاصي ارضهم تشبيها بالنحر الذي هو آخر الجسد، او المراد المواضع المهمه، كما ان النحر موضع مهم اذا خنق مات الانسان. (و باعنان مساربهم و مسارحهم) اعنان الشي ء اطرافه، و المسارب جمع مسرب بمعني المذهب، و المسارح جمع مسرح، بمعني محل سرح الماشيه، و قد كان الامام عليه

السلام يعلم مقدار استعداد الاعداء و لذا حرض اصحابه بمثل هذه التحريضات البالغه، و هي دستور لكل من يريد الظفر علي اعداء مجهزين.

خطبه 125

[صفحه 260]

(في التحكيم) و ذلك بعد ان سمع عليه السلام قصه الحكمين (انا لم نحكم الرجال) كان الامام عليه السلام يريد بذلك ان ينقض كلام الخوارج الذي قالوا قد حكمت الرجال في دين الله. (و انما حكمنا القرآن) بان ينظرا فيه فيحكما علي طبق امره (و هذا القران انما هو خط مسطور بين الدفتين) هما الصفحتان من جلد تحويان علي اوراق المصحف الشريف. (لا ينطق بلسان) اذ لا لسان له (و لابد له من ترجمان) يترجم و يبين المراد منه (و انما ينطقه عنه الرجال) العارفون لمعناه، و هذا نقض لكلام الخوارج حيث قالوا لا حاجه الي التحكيم بعد وجود كتاب الله سبحانه، فان الامام عليه السلام يذكر ان القرآن صامت فلابد له من رجال يعرفون معناه ليبينوا ما فيه من الاحكام. (و لما دعانا القوم) اي اصحاب معاويه (الي ان نحكم بيننا القرآن لم نكن الفريق المتولي) اي المعرض (عن كتاب الله تعالي). (و قد قال الله سبحانه: (فان تنازعتم في شي ء فردوه الي الله و الرسول)) فان الامام انما اعرض عن التحكيم لانه كان يعلم انه مكيده، و

لم يكن اعراضه عن الكتاب. (فرده الي الله) في قوله سبحانه: (ردوه الي الله) (ان نحكم بكتابه) فيما يوجد في الكتاب من الاحكام. (و رده الي الرسول) ف

ي قوله سبحانه: (و الرسول) (ان ناخد بسنته) في ما لم يوجد في الكتاب (فاذا حكم بالصدق) بان لم يكن القصد المكيده (في كتاب الله) بان بين المراد من الكتاب كتطبيق آيه: (و اولي الامر منكم) علي الامام. (فنحن احق الناس به) اي بالحكم، او بالكتاب (و ان حكم بسنته رسول الله صلي الله عليه و آله) كقوله صلي الله عليه و آله و سلم: علي مع الحق و الحق مع علي. (فنحن اولاهم) اي اولي الناس، او اولي من معاويه و اصحابه (به) اي بحكم السنه. (و اما قولكم) اي الخوارج (لم جعلت بينك و بينهم اجلا في التحكيم)؟ فان الامام عليه السلام جعل مده الحكم سنه، حتي ينظر الطرفان في تلك المده و يحكما بما يوافق الكتاب، و قد كان الخوارج يوجهون النقد علي الامام في ضرب هذه المده و حجتهم في النقد ان معاويه يتقوي في مده المهله و يستعيد نشاطه للمحاربه من جديد، لكن كلام الخوارج كان فاسدا، فان المده كانت لابد منها كما ضرب الرسول صلي الله عليه و آله و سلم مده في قصه الحديبيه، و ذلك لان امر الثورات ليس كقضاء عادي بين نفرين يفصل في يوم او ساعه، و انما يحتاج الي مده من الامر، لتهيئه الظروف للتفاهم، و تقريب وجهات الانظار. و لا باس ببيان صوره الكتاب: (بسم الله الرحما

ن الرحيم، هذا ما تقاضي عليه علي بن ابي طالب و معاويه بن ابي سفيان قاضي علي بن ابي طالب علي اهل العراق و

من كان معه من شيعته من المومنين و المسلمين، و قاضي معاويه بن ابي سفيان علي اهل الشام و من كان من شيعته من المومنين و المسلمين انما ننزل عند حكم الله تعالي و كتابه و لا يجمع بيننا الا اياه و ان كتاب الله سبحانه بيننا من فاتحته الي خاتمته نحيي ما احي القرآن و نميت ما امات القرآن، فان وجد الحكمان ذلك في كتاب الله اتبعاه، و ان لم يجداه اخذا بالسنه العادله غير المفرقه، و الحكمان عبدالله و عمر بن العاص، و قد اخذ الحكمان من علي و معاويه و من الجندين انهما آمنان علي انفسهما و اموالهما و اهلهما، و الامه لهما انصار و علي الذين يقضيان عليه و علي المومنين و المسلمين من الطائفتين عهد الله ان يعمل بما يقضيان عليه فيما وافق الكتاب و السنه و ان الامن و الموادعه و وضع السلاح متفق عليه بين الطائفتين الي ان يقع الحكم، و علي كل واحد من الحكمين عهد الله ليحكمن بين الامه بالحق، لا بما يهوي و اجل الموادعه سنه كامله، فان احب الحكمان ان يعجلا الحكم عجلاه، و ان توفي احدهما فلامير شيعته ان يختار مكانه رجلا لا يالوا الحق و العدل و ان

توفي احد الاميرين كان نصب غيره الي اصحابه ممن يرتضيون امره و يحمدون طريقته، اللهم انما نستنصرك علي من ترك ما في هذه الحصيفه و اراد فيها الحادا او ظلما). و شهد في الصحيفه من اصحاب علي عليه السلام عشره و من اصحاب معاويه عشره. (فانما فعلت ذلك لتبين الجاهل) اي يفهم الامر (و يتثبت العالم) في رايه ليتخلص من الشبهات (و لعل الله ان يصلح في

هذه الهدنه) اي مده الكف عن القتال (امر هذه الامه) بما لا يكون معه قتال بعد ذلك. (و لا توخذ باكظامها) جمع (كظم) محركه بمعني مخرج النفس، و ذلك كنايه عن المضايقه و الاشتداد لعده المهله (فتعجل عن تبين الحق) بمعني ان تتعجل قبل تبين الحق و ظهوره. (و تنقاد لاول الغي) اي ما يبدو من الضلال، فان الجاهل ينساق وراء كل ناعق و يتجاوب لكل حركه.

[صفحه 263]

ان افضل الناس عند الله من كان العمل بالحق احب اليه) هذا لبيان ان المده و لو كانت توجب الصعوبه علي، لكن ذلك حق، و اللازم ان يتبع الانسان الحق و ان اوجب صعوبه عليه (و ان نقصه) الحق و (كرثه) اي اوجب شده الغم عليه. (من الباطل) متعلق باحب اليه (و ان جر اليه فائده و زاده) عطف علي (جر) اي زاده فائده (فاين يتاه بكم) خطاب مع الخوارج، اي الي اين تضلون. (و من اين اتيتم)؟ اتاه، اي خدعه و اغفله اي من ان صار سبب هلاككم، و الي اي المهالك تذهبون، بعد وضوح الحجه و الاستفهام انكاري. (استعدوا للمسير الي قوم) اي اصحاب معاويه (حياري عن الحق) جمع حيران (لا يبصرونه) اي لا يرون الحق (و موزعين) من اوزعه اي اغراه (بالجور) فان معاويه اغراهم بالظلم و الجور. (لا يعدلون به) اي لا يجعلون شيئا عدلا للجور الذي يرتكبونه (جفاه) من جفا، بمعني ظلم و ابتعد (عن الكتاب) اي القرآن (نكب) جمع ناكب بمعني المائل (عن الطريق) لا يستقيمون فيه و انما يمشون في الطرق المعوجه، ثم اظهر الامام اشمئزازه عن اصحابه بقوله: (ما انتم بوثيقه يعلق بها) اي بعروه محكمه يستمسك بها (و لا

زوافر) جمع زافره و هي انصار الرجل و اعوانه (عز) اي انصار موجب للعز و الشر

ف (يعتصم اليها) اي يتمسك الشخص بها و يوجبون له عزه و رفعه. (لئبس حشاش نارالحرب انتم) حشاش جمع حاش، من حش النار بمعني اوقدها، اي ليئس الموقدون لنار الحرب انتم، و شبهت الحرب بالنار، لانها كالنار، تفني الاشياء. (اف لكم) كلمه تضجر و تنفر و (لكم) لبيان جهه الضجر، و انه من جهتكم. (لقد لقيت منكم برحا) اي شده و عنتا (يوما اناديكم و يوما اناجيكم) اي سواء كنتم بعيدين عني او قريبين، فلا بعدكم بمريح و لا قربكم بمفيد. (فلا احرار عند النداء) للحرب و عنده، فان الانسان الحر يجيب المنادي للحرب لانه يعلم ان الحرب عزه و شرفه و بقاء اهله و بلده، بخلاف العبد الذي لا علاقه له، فانه لا يفرق لديه تغلب اي الطرفين، فانه لا علاقه له بهذا الطرف و لا بذاك الطرف. (و لا اخوان ثقه عند النجاء) النجاء الافضاء بالسر، من النجوي اي لا يوثق بكم في اباحه السر و اظهار الضمير للمشاوره و المباحثه.

خطبه 126

[صفحه 266]

(لما عوتب علي التسويه في العطاء) فقد كان الرسول صلي الله عليه و آله و سلم يسوي في العطاء بين المسلمين، سواء كان المال من الغنائم او الزكواه او ما اشبه، اما من جاء بعده ممن ادعي الخلافه فقد كانوا يتفاضلون، خلاف سنه الرسول صلي الله عليه و آله و سلم، حتي جاء الامام عليه السلام فاخذ في التسويه و ذلك مما لم يرق للذين اعتادوا الفضل في زمن الثلاثه، فعاتبوه بما فعل، و ذكروه له انه عليه السلام ان استمر في هذه الطريقه ادي ذلك الي تفرق

اصحابه، و فاته النصر، فاجاب الامام عليه السلام بهذا الجواب: (اتامروني ان اطلب انصر بالجور) اي ان اكون منتصرا بسبب اعطاء حق العضيف الي القوي الذي هو جور و ظلم (فيمن وليت عليه) متعلق (بالجور) اي اجور علي الرعيه التي ملكت زمام امرها. (و الله ما اطور به) من طار يطور، بمعني حام حول الشي ء، اي الا احوم حول ذلك و لا اقاربه. (ما سمر سمير) اي مادام يسمر سامر، و السامر هو المتحدث بالليل، و هذا كنايه عن الابديه في عدم جوره، لان السمر مستمر مع بقاء الانسان. (و ما ام نجم في السماء نجما) اي مادام يقصد بعض النجوم بعضا، و ذلك كنايه عن سيرها، فانها بحركاتها، تري كالقاصد. (لو كان المال لي)

ملكا شحصيا (لسويت بينهم) اي بين الناس في العطاء (فكيف) لا اعدل (و انما المال مال الله) و قد امر سبحانه بالتسويه، فاولي بان اسوي بين الرعيه. (الا و ان اعطاء المال في غير حقه تبذير و اسراف) لان الله سبحانه جعل للمال موارد خاصه، فاذا صرف في غير تلك الموارد، كان تبذيرا. (و هو) اي اعطاء المال في غير حقه (يرفع صاحبه في الدنيا) لتقويه صاحب الاطماع للمعطي (و يضعه في الاخره) لانه عصي الله سبحانه في صرفه المال في غير مصرفه المقرر. (و يكرمه في الناس) لمدح الاخذين له (و يهينه عند الله) لعصيانه له تعالي (و لم يضع امرو ماله في غير حقه) المقرر شرعا (و لا عند غير اهله الا حرمه الله شكرهم) اذ الاخذ ذو الطعم لا يعرف حقا، حتي يشكر المعطي، و لو عرف الحق لم يطمع في ازيد من نصيبه. (و كان لغيره) اي غير

المعطي (ودهم) اي حب الاخذين، فهم ياخذون من هذا المال و يحبون غيره. (فان زلت به النعل) كنايه عن سقوط المعطي سقوطا ماليا او اجتماعيا او ما اشبه (يوما) في يوم من الايام. (فاحتاج الي معونتهم) اي ان يعينه الاخذون لماله. (ف) هم (شر خدين) الخدين الصديق (و الام خليل) اي اكثر الاخلاء لئامه، فان مع يطمع في مال الانسان لا يهبه حقه فما دام له م

ال و رفعه حام حوله، اما اذا سقط، تركه ليحوم حول ذي مال آخر.

خطبه 127

[صفحه 268]

و فيه يبين بعض احكام الدين و يكشف للخوارج الشبهه و ينقض حكم الحكمين في الاعتراض علي الخوارج، فانهم قالوا بان الامام كفر- لانه عليه السلام قبل التحكيم في دين الله- و قالوا للامام تب، لكن الامام عليه السلام لم يقبل مقالهم، و بين لهم انه لم يخطا حتي تجب عليه التوبه، فاخذوا يحاربون الامام و المسلمين عامه، يفسدون في الارض و يقتلون الناس، بلا مبرر الا هوي و جهاله ضلاله. (فان ابيتم الا ان تزعموا اني اخطات و ظللت) بقبولي للتحكيم (فلم تظللون عامه امه محمد صلي الله عليه و آله) فان ضلال الخليفه لا يوجب ضلال الامه (بضلالي) اي بسبب ضلالي. (و تاخذونهم بخطئي) و عصياني (و تكفرونهم بذنوبي) و قد قال سبحانه: (لا تزر وازره وزر اخري). (سيوفكم علي عواتقكم) جمع عاتق ما بين المنكب و العنق يوضع السيف هناك استعداد للضرب. (تضعونها مواضع البر و السقم) اي تضربون بها المستحق و غير المتسحق- و المراد السقم بنظرهم، لا بنظر الامام عليه السلام-. (و تخلطون) في الضرب (من اذنب) بنظركم- كالامام عليه السلام- (بمن لم يذنب) كعامه المسلمين و قد كان الخوارج ولدوا نظره مغلوطه-

تابعا لنظرتهم المغلوطه حول الامام عليه السلام- و تلك انه لا واس

طه بين الاسلام و الكفر فمن اذنب فهو كافر، و من لم يذنب فهو مسلم- و ليس هناك مسلم فاسق، يستحق الحد لفسقه، لا القتل لكفره، فاعرتض عليهم الامام عليه السلام بقوله: (و قد علمتم ان رسول الله صلي الله عليه و آله رجم الزاني المحصن) و هو الذي له زوج، فكانه قد تحصن عن ازنا بالزواج (ثم صلي عليه) صلاه الاموات، فلو كان كافرا- لزناه- لم يصل عليه النبي صلي الله عليه و آله و سلم (ثم ورثه اهله) اي اعطي ميراثه لاهله بعد موته،لا لاهله قبل موته، بعد الزنا فان الانسان اذا كفر قسم امواله يوم كفره الي ورثته في ذلك اليوم لا ورثته عند الموت. (و قتل) صلي الله عليه و آله و سلم (القاتل و ورث ميراثه اهل) يوم قتل و لو كان كافرا بسبب قتله كان اللازم جعل ميراثه حسب يوم ان قتل، لا يوم قتل. (و قطع) صلي الله عليه و آله و سلم يد (السارق و جلد الزاني غير المحصن) الذي لا زوج له (ثم قسم عليهما من الفي ء) اي الغنيمه (و نكحا المسلمات) و لو كانا كفرا بالسرقه و الزنا، لم يكونا مسلمين ليستحقا الغنيمه و يجوز للمسلمات نكاحهن اياهما. (فاخذهم رسول الله صلي الله عليه و آله بذنوبهم) اي عاقبهم حسب ذنوبهم (و اقام حق الله فيهم و لم يمنعهم) الرسول صلي الله عليه

و آله و سلم (سهمهم من الاسلام) كالفي ء الذي يعطي للمسلم و ما اشبه (و لم يخرج اسمائهم من بين اهله) اي اهل الاسلام، بان يعلن انهم كفار داخلون في زمره الكافرين. (ثم انتم

شرار الناس) ترتكبون الاثام بانفسكم فكيف تكفرون مرتكبي الاثام و تصرفون النظر عن انفسكم. (و من رمي به الشيطان مراميه) اي انتم من وسائل الشيطان في اضلال الناس تشبيه بمي يرمي بسهمه هدفه ليصطاد من وراء ذلك ما شاء. (و ضرب به تيهه) اي سلك به في وادي الضلاله، يقال ضربت التيه اي سرت في المتاهه، سمت الصحراء بها لانها محل التيه و الضلال عن الطريق. (و سيهلك في صفنان) من الناس، و المراد الهلاك، عاقبه و آخره (محب مفرط يذهب به الحب الي غير الحق) كالذين قالوا بالواهيه الامام عليه السلام. (و مبغض مفرط يذهب به البغض الي غير الحق) كالخوارج و النواصب الذين سبوا الامام عليه السلام و نسبوه الي الفكر و العصيان (و خير الناس- في- حالا) تميز لخير (المنط الاوسط) اي القسم الاوسط و هم شيعته عليه السلام. (فالزموه) اي النمط الاوسط (و الزموا السواد الاعظم) فقد كان السواد الاعظم ذلك اليوم مع الامام عليه السلام، و انما كان مع الخوارج قله من الناس، و ليس المراد السواد الاعظم مطل

قا، و الا فاهل الباطل كالوثنيين و المحسيحيين اكثر من المسلمين. (فان يد الله مع الجماعه) اي قوه الله سبحانه- اذ اليد بمعني القوه- (و اياكم و الفرقه) اي التفرقه (فان الشاذ من الناس للشيطان) اذ من يترك الناس و يستبد بارائه يسرع اليه الباطل، لانه لا يستفيد الاراء الصحيحه من المجتمع. (كما ان الشاذ من الغنم للذئب) حيث يخطفها، اذ لا يري الراعي عليها (الا من دعا الي هذا الشعار) الشعار علامه يتواضع جماعه من الناس عليه ليعرفوا به جماعتهم عمن سواهم، و سمي شعارا كانه اللباس الملاصق الي جلدهم- اذ البطانه تسمي الشعار، في

مقابل الظهاره المسماه بالدثار- و مراده عليه السلام بهذا الشعار المفارقه للجماعه التي هم علي حق. (فاقتلوه، و لو كان تحت عمامتي هذه) هذا لبيان عدم غرور الانسان بزهد صاحب الشعار و صلاحه، و انما الميزان كونه مع الجماعه، او مخالفا لهم، فان من يخالف الجماه اذ لم يقتل كان ماده فساد و اخلال بالامن و الاجتماع. (و انما حكم الحكمان) ابوموسي و ابن العاص (ليحييا ما احيا القرآن و يميتا ما امات القرآن) كما سبق ذكره في الكتاب الذي كتب بين الامام و معاويه. (و احياوه) اي القرآن (الاجتماع عليه) لانه يوجب حركه القرآن في مجال

ات الحياه و الحركه من ملازمات الحياه. (و اماتته الافتراق عنه) فانه يوجب عدم العمل بالقرآن (فان جرنا القرآن اليهم) اي الي معاويه و اصحابه (اتبعناهم) و سلمنا الامر اليهم (و ان جرهم) القرآن (الينا اتبعونا) و سلموا الامر الينا- و هذا لكلام من الامام عليه السلام لبيان انه لم يعمل عصيانا بتحكيم القرآن و جعل الحكمين. (فلم آت- لا ابالكم- بجرا) البجر الشر، و اصل لا ابالكم كلمه تنقيص كانه لا ابالهم ليرشدهم و يودبهم، او دعاء عليهم بان يفقدوا الاب ليتشتت شملهم. (و لا ختلتكم) اي خدعتكم (عن امركم) بان جعلت الحكمين خدعه، فتاخذون ذلك علي (و لا لبسته عليكم) بان اخفيت عنكم وجه الحقيقه لتشتبهوا في الامر. (انما اجتمع راي ملئكم) اي جماعتكم و ذوي الراي منكم (علي اختيار رجلين) الاشعري و ابن العاص (اخذنا عليهما) العهود (ان لا يتعدياالقرآن) في حكمهما (فتاها) اي ضلا و انحرفا (عنه) اي عن القرآن (و تركا الحق و هما يبصرانه) لان كليهما كان يعلم ان الحق مع الامام. لكن الاشعري لم يعين الامام

حقدا عليه، حيث عزله الامام عليه السلام عن منصبه في الكوفه، و ابن العاص ترك الامام انسياقا وراء شهواته و ما وعده معاويه من ولايه مصر، فقد خدع ابن العاص

الاشعري، و قال له: ان الفساد من هذين الرجلين علي و معاويه، فاللازم ان يخلع كل منا صاحبه، حتي يجتمع المسلمون و يعينوا خليفه صالحا لانفسهم، و اغتر الاشعري بكلام ابن العاص، و في يوم الاعلان، صعد الاشعري المنبر، و قال: ايها الناس انا خلعت عليا كما نزعت هذا الخاتم من اصبعي. ثم صعد ابن العاص- و كان الاشعري يظن انه يفعل مثل ما فعل، بالنسبه الي صاحبه معاويه- و قال: ايها الناس استمعتم ان الاشعري خلع صاحبه؟ فاني قد نصبت صاحبي معاويه علي مسند الخلافه، كما وضعت خاتمي في اصبعي ثم جعل خاتمه في اصبعه، ثم لما نزل من المنبر، سبه الاشعري، و اخذ كل بلحيه الاخري، و لم تنحل الفتنه، و انما زادت. (و كان الجور) و الانحراف (هواهما) اي الاشعري و ابن العاص (فمضيا عليه) تاركين الحق و العدل (و قد سبق استثناونا عليهما) اي ان تفويضنا لهما لم يكن مطلقا، بل استثنينا العمل برايهما، فهما لم يكونا حكمان حتي في نفاذ مثل هذا الراي- (في الحكومه بالعدل و الصمد للحق-) اي العصود و الثبات للحق، هذه جمله معترضه لبيان مقدار تفوضيهما في الامر (سوء رايهما و جور حكمها) مفعول (استثنينا)

خطبه 128

[صفحه 275]

(فيما يخبر به عن الملاحم بالبصره)، و كان ذلك بعد موقعه الجمل (يا احنف) و قد كان واليا للامام علي البصره (كاني به) اي بصاحب الزنج و اسمه علي بن محمد، و كان يدعي انه من آل الرسول صلي الله عليه و آله و سلم، ثار و

اجتمع حوله كثيره من العبيد و الصعاليك، و قتل في البصره مقتله عظيمه، حتي ذكر بعض التواريخ ان قتلاه كانوا ثلثمائه الف، و اخيرا اغلب عليه الخليفه العباسي و قتله. (و قد سار بالجيش الذي لا يكون له غبار) لعدم كونه جيشا له خيل ينشر الغبار، و انما كان اتباعه حفاتا. (و لا لجب) اي لا صياح لهم (و لا قعقعه لجم) جمع لجام، لانه لم يكن لهم خيل حتي تكون لها لجم، و قعقعه اللجام صوته لدي الحركه. (و لا حمحمه خيل) اي صوتها (يثيرون الارض باقدامهم) اي يظهرون الغبار بالاقدام، دن الخيول (كانها اقدام النعام) جمع نعامه، لعل التشبيه في سهوله المشي و يسره فان النعام هكذا، و قل غير ذلك (يومي بذلك الي صاحب الزنج) و انما قيل له ذلك، لان غالب جيشه كان من الزنج اي العبيد، الذين اتي بهم من الزنج. (و يل لسكككم العامره) جمع سكه، و المراد خراب الطرق العامره بواسطه ي ثوره صاحب الزنج (و الدور المزخرفه) اي المزينه بالزخرف، و ه

و بمعني الزينه (التي لها اجنحه كاجنحه النسور) المراد ما يخرج منها الي الجاده كالجناح، بقصد توسعه الغرف، و تظليل الماره عن البرد و الحر. (و خراطيم) جمع خرطوم (كخراطيم الفيله) جمع فيل و المراد بها الاصده التي تحفظ الجناح. (من اولئك الذين لا يندب قتيلهم) (من) متعلق بويل، و الظاهر ان المراد بعدم ندبه القتيل انهم لا اهل لهم- لان اغلبهم من العبيد- فلا يبكي احد لهم لذا قتلوا. (و لا يفتقد غائبهم) اذا غاب منهم احدا لم يكن احد يفتقده و يبحث عن احواله. (انا كاب الدنيا لوجهها) من كب الاناء، اذا كفئه، بمعني انه

زهد في الدنيا فلم يعتن بشانها. (و قادرها بقدرها) اي معامل في الدنيا بقدرها الحقيقي، لا ان اضعها فوق قيمتها، كما يفعل اهل الدنيا. (و ناظرها بعينها) اي انظر الي الدنيا بعين الدنيا اي بالعين التي ينبغي ان ينظر بها الي الدنيا لا بعين العظمه و الكبر-

[صفحه 277]

(منه) و يومي عليه السلام به الي وصف الاتراك، الذين جائوا من الشرق، و هم المغول و خربوا بلاد الاسلام و قد كان حركه هولاء بتحفيز المسيحيين، و الذي تمكن اين يبقي من الاسلام باقيه امام زحفهم هم الشيعه بقياده الامام الشيخ نصيرالدين الطوسي (ره)، كما ثبت ذلك في التواريخ. (كاني اراهم) اي المغول (قوما كان وجوههم المجان) جمع مجن (المطرقه) و هي التي الزق بها الطراق- ككتاب- و هو جلد يقدر علي مقدارا الترس ثم يلزق به، و قد كان وجوه الاتراك في الاستداره كالمجان و في الخشونه كالمطرقه. (يلبسون السرق) الحرير الابيض، او مطلق الحرير (و الديباج) ما كان فيه حرير (و يعتقبون الخيل) اي يحتبسونها لانفسهم و يمنعونها عن غيرهم. (العتاق) جمع عتيق، و هي الخيل الكريمه، فقد كان الاتراك اصحاب ترف و جمال (و يكون هناك استحرار قتل) اي اشتداده اصله من (الحر). (حتي يمشي المجروح علي المقتول) و قد اكثر الاتراك القتل في ايران و العراق. (و يكون المفلت) الذي يفلت من ايديهم و ينجو بنفسه (اقل من الماسور) الذي ياسرونه. (فقال له بعض اصحابه: لقد اعطيت يا اميرالمومنين علم الغيب.. فضحك عليه السلام و قال للرجل- و كان كلبيا-): (يا اخا كلب ليس هو

بعلم غيب و انما هو تعلم من ذي علم) اي ليس هذا علما مبني بالغيب ذاتا، و انما هو تعلم من

الرسول صلي الله عليه و آله و سلم الذي علمه الله سبحانه. (و انما علم الغيب علم الساعه) اي وقت قيام القيامه (و ما عدده الله سبحانه بقوله: (ان الله عنده علم الساعه) (الايه) اشاره الي آخر الايه (فيعلم سبحانه ما في الارحام) اي ارحام النساء (من ذكر او انثي و قبيح او جميل و سخي او بخيل و شقي او سعيد) و الظاهر ان المراد العموم، اما في الجمله فيمكن ان يعلمه الوصي بواسطه الرسول صلي الله عليه و آله و سلم بامره سبحانه، كما قال سبحانه: (فلا يظهر علي غيبه احدا الا من ارتضي من رسول). (و من يكون في النار حطبا) توقد به النار، كما قال سبحانه: (و قودها الناس و الحجاره) (او في الجنان للنبيين مرافقا) اي مصاحبا و رفيقا. (فهذا) اي كل واحد من هذه الثلاثه (الساعه) و (ما في الارحام) و (غايه كل انسان) (علم الغيب الذي لا يعلمه احد الا الله) تعالي (و ما سوي ذلك) المذكور (فعلم علمه الله نبيه فعلمنيه) فانا اعلمه بتعليم الرسول اياي. (و دعا) الرسول صلي الله عليه و آله (لي بان يعيه) اي يحفظه و يضبطه (صدري) فلا انساه (و تضطم) اي تضم، باب افتعال من (الضم) بم

عني الاشتمال (عليه جوانجي) اي اضلاعي، جمع جانحه، و المراد بذلك القلب، و حاصل الفرق علي ما بينه الامام عليه السلام ان في الغيب امرين. الاول: ما يبديه الله سبحانه للرسول صلي الله عليه و آله و سلم و يعلمه الرسول للاوصياء. الثاني: ما لا يعلمه الله للرسول- و هو الامور الثلاثه- و عدم التعليم غالبي، و الا فقد اخبر سبحانه بعض تلك الثلاثه لنبيه صلي

الله عليه و آله و سلم، و اخبره النبي صلي الله عليه و آله و سلم للائمه- كما يظهر من بعض الاحاديث-.

خطبه 129

[صفحه 280]

(في ذكر المكاييل و الموازين) للناس صالحهم و طالحهم يا (عباد الله انكم- و ما تاملون من هذه الدنيا- اثوياء) جمع ثوي كغني بمعني الضيف، اي مثلكم مثل الضيف، و مثل امالكم مثل امال الضيف، فكما ان الضيف لو امل آمالا كثيره كان ذلك باطلا، كذلك اذ كانت لكم آمالا طوالا، اذ لا تبقون في الدنيا كثيرا حتي تدركوا جميع آمالكم. (موجلون) لكم اجل و مده محدوده (و مدينون) اي مطلوبون بالموت (مقتضون) من اقتضاه بمعني طلبه، اي يطلبكم الموت، فلا بقاء لكم حتي تدركوا امالكم، لكم. (اجل منقوص) ينقص كل يوم جزء منه (و عمل محفوظ) يحفظ كل ما عملتم لتجزون به في الاخره. (فرب دائب) في العمل، اي مستمر فيه ليله و نهاره (مضيع) اوقاته، حيث انه يعمل فيما لا ينفعه في الاخره (و رب كادح) من كدح بمعني تعب و اجهد نفسه (خاسر) لانه خسر عمره بدون ان يحصل علي ما يبقي له في الاخره، و هاتان الجملتان لتحريض الانسان علي ان يصحح اعماله، و يجعلها بحيث ينتفع منها في الاخره. (و قد اصبحتم في زمن) المراد زمانه عليه السلام، بالقياس الي زمان الرسول صلي الله عليه و آله و سلم (لا يزداد الخير فيه الا ادبارا) لان الناس قد توجهوا الي الدنيا، حيث اعتادوا في زمن ا

لخلفاء ذلك، و حيث انهم يستقبلون زمن معاويه الذي كان ماديا محضا. (و لا الشر الا اقبالا) فكلما ادبر الخير اقبل الشر (و لا) يزداد (الشيطان في هلاك الناس الا طمعا) لما يري

من ادبارهم عن الاخره و اقبالهم علي الدنيا (فهذا اوان) جمع آن بمعني الوقت (قويت عدته) اي عده الشيطان، لما يري من استيلاء معاويه علي بعض البلاد، و تفرق المسلمين (و عمت مكيدته) اي شملت كثيرا من الناس. (و امكنت فريسته) اي سهلت الفريسه التي يريد ان يفترسها، و المراد بالفريسه، اهل الباطل و الاثام، فانهم فريسه الشيطان يفترسهم لادخالهم في النار، و تبعيدهم عن رحمه الله سبحانه. (اضرب بطرفك) ايها السامع (حيث شئت من الناس) اي انظر اليهم (فهل تبصر الا فقيرا يكابد فقرا) (يكابد) اي يلاقي مصاعبه و مصائبه، و هذا لا ينافي قوله عليه السلام: (و لعل هناك باليمامه او الحجاز من لا عهد له بالشبع و لا طمع له في القرض) الظاهر منه عدم وجود الفقير في المجتمع، فان الامام عليه السلام اراد بالفقير هنا، الذي لا يعيش عيش رفاه وسعه، و الا فقد عمم الاسلام- بواسطه منهاجه الذي طبقه الامام عليه السلام- الغني، حتي لم يكن في المجتمع الاسلامي فقير واحد، و لذا لما راي الامام فقيرا بصي

را، وقف يسئل، ما هذا؟ قالوا يا اميرالمومنين: نصراني كبر و عجز، قال عليه السلام ما انصفتموه استعملتوه حتي اذا عجز تركتموه، اجروه له من بيت المال راتبا. و اما قصه عقيل عليه السلام، و قوله عليه السلام: رايت صبيه شعت الشعور فقد كان عقيل بذولا للمال، و لذا ورد انه استفرض مائه الف، و ارادها من الامام. (او غنيا بدل نعمه الله كفرا) اشار الي قوله سبحانه: (الم تر الي الذين بدلوا نعمه الله كفرا و احلوا قومهم دار البوار) و تبديل النعمه كفرا يراد به عدم صرف النعمه في المحل اللائق بها. (او بخيلا اتخذ البخل بحق

الله وفرا) اي موجبا لتوفير ماله و تكثيره، و هذا غير المستبدل لنعمه الله كفرا، فان ذلك يصرفها في غير مصارفها، و هذا يجمعها فلا يصرفها اصلا. (او متمردا كان باذنه عن سمع المواعظ وقرا) اي صمما فلا يرعوي عن غيه كانه لا يمسع المواعظ. (اين اخياركم و صلحاوكم) لقد كان الامام عليه السلام يحب ان يري المجتمع، كالمجتمع ايام الرسول صلي الله عليه و آله و سلم- كما تقدم في خطبه اخري له عليه السالم- فاذ لم ير ذلك، تافف و تضجر، كما هو شان الملحين اذا راو خللا في المجتمع تضجروا منه كثيرا لتالمهم بالخلل الجزئي لما ارتكزوا عليه من حب الا

صلاح. (و اين احراركم) جمع حر، و المراد المقيد بالشرف و الوطن و الدين، و قد سبق ان العبد لا يهمه الوطن و نحوه، لعدم علته له بجانب خاص. (و سمحاوئكم) اي اهل السماح و الفضل (و اين المتورعون في مكاسبهم) يهمهم الحلال و يتورعون- اي يجتنبون- عن الحرام. (و المتنزهون في مذاهبهم) اي يتنزهون يتبعدون عن الشبهات في طرقهم الدينيه و الدنيويه. (اليس قد ظعنوا) اي سافروا (جميعا عن هذه الدنيا الدنيه) اي الوضيعه (و العاجله المنغصه) التي تنغص عيش الانسان و تشوبه بالكدور و المراره. (و هل خلقتم) انتم المخاطبون (الا في حثاله) اي في جماعه من الناس انذال، فان الحثاله بمعني الردي. (لا تلتقي بذمهم الشفتان) فان المتكلم اذا اراد ان يتكلم تلاقت شفتاه، و هولاء لا يذمهم الانسان لكثره نذالتهم (استصغارا لقدرهم) فانه يحقرهم و يراهم اصغر حتي من الذم. (و ذهابا عن ذكرهم) اي ابتعادا حتي من ان يذكرهم و يتلفظ باسمهم و بمثالهم (فانا لله و انا اليه

راجعون) قد وقعنا في الفاجعه حيث عاصرنا مثل هولاء الناس. (ظهر الفساد) و الانحراف عند الناس (فلا منكر مغير) اي لا احد ينكر المنكر و يغيره الي المعروف. (و لا زاجر مزدجر) اي لا رادع للمنكر يرتدع هو بنفسه عن الاث

ام (افبهذا) العمل و الخلق (تريدون ان تجاوروا الله) اي تجاوروا رضاه و لطفه (في دار قدسه) اي الدار التي اعدها مقدسه طاهره من كل نقص و عيب. (و تكونوا اعز اوليائه عنده؟) و الاستفهام للانكار و التوبيخ (هيهات) كلمه استبعاد، بمعني لا يكون ذلك (لا يخدع الله عن جنته) بان يخدعه الانسان ببعض ظواهر ياتي بها، لاخذ الجنه. (و لا تنال) اي لا تدرك (مرضاته) اي رضاه سبحانه- مصدر ميمي بمعني الرضا- (الا بطاعته) و عبادته، و لما ذكر عليه السلام قوله: (و لا زاجز مزدجر) عقب ذلك بقوله: (لعن الله الامرين بالمعروف التاركين له) فعمله منكر، و يامر بمعروف، كما قال سبحانه: (كبر مقتا عند الله ان تقولوا ما لا تفعلون). (و الناهين عن المنكر العاملين به) و هذان من صفات المنافقين، فانهم يامرون و ينهون لعدم الصعوبه في ذلك، لكنهم لا ياتمرون بما يامرون و لا ينتهون عما ينهون، لصعوبه العمل.

خطبه 130

[صفحه 285]

(لابي ذر رحمه الله لما اخرج الي الربذه) و هي موضع قرب المدينه المنوره، و قبر ابي ذر هناك، و قد هدمه الوهابيون و هو مزار معروف الي الان، وقد كان ابوذر رحمه الله لا يسكت عن بدع عثمان و ما احدثه في الاسلام مما يخالف الكتاب و السنه، و لذا نفاه عثمان الي الشام- و شيعه لبنان الي يومنا هذا من مخلفات ابي ذر في مذه نفيه- ثم ارجعه معاويه الي المدينه، فنفاه عثمان ثانيا

الي الربذه، و بقي هناك يكابد الجوع و المرض حتي مات هناك و دفن، و لما اراد الخروج من المدينه منفيا من قبل عثمان، ودعه الامام عليه السلام بهذه الكلمات: (يا اباذر انك غضبت لله) حيث رايت اعمال عثمان المخالفه لله سبحانه (فارج من غضبت له) بان يتفضل عليك في الدنيا بذكر باق حسن، و في الاخره بالاجر و الثواب الجزيل. (ان القوم) يعني عثمان و معاويه و حاشيتهما (خافوك علي دنياهم) لانهم راو فيك مهددا لدنياهم حيث ان ذكر مثاب الشخص يوجب انفضاض الناس من حوله. (و خفتهم علي دينك) حيث خفت ان جاملتهم و سكت عن معايبهم تكون ماثوما عند لله سبحانه (فاترك في ايديهم ما) اي الدنيا التي (خافوك عليه) اي اعرض عنها بقلبك و تسل بفراقها. (و اهرب منهم بما) اي بالدين الذي (خفت

هم) اي خفت منهم (عليه) فان الانسان اذا بعد عن مجتمع الناس سقط تكليفه في الامر و النهي، فيكون هاربا بدينه، لم يبق و يترك الامر حتي يكون عاصيا. (فما احوجهم الي ما منعتهم) اي انهم محتاجون الي الدين، الذي انت لم تعطهم دينك في سبيل تعميرهم لدنياك. (و ما اغناك عما منعوك) فان الانسان الزاهد لا يحتاج الي الدنيا و انما كل نظره الي الاخره. (و ستعلم من الرابح غدا) علم يقين و مشاهده، هل انت الرابح ام هم؟ (و) من (الاكثر حسدا) جمع حاسد، كنايه عمن اوتي الثواب، فان المنعم محسود. ثم بين الامام عليه السلام له ان الله تعالي لا يذره هملا (و لو ان السماوات و الارض كانتا علي عبد رتقا) بحيث لا مفر له منهما، قد ضيقتا سبله، و احاطتا به، و اوقعتاه في المشاكل.

(ثم اتقي الله) اي عمل باحكام الشريعه (لجعل الله له منهما مخرجا) كما قال سبحانه: (و من يتق الله يجعل له مخرجا و يرزقه من حيث لا يحتسب). (و لا يونسنك الا الحق) فكن آنسا به و ان اوحشك الناس (و لا يوحشنك الا الباطل) فكن مستوحشا به و ان آنسك الناس. (فلو قبلت دنياهم) و سكت عنهم (لاحبوك) حب الظالم لانصاره (و لو قرضت منها) اي قطعت جزئا من دنياهم (لامنوك) فان الانسان عبيد الاحسان. و من ط

ريق ما ينقل ان عثمان بعث الي ابي ذربمال- مع عبد له- ليسكته عن نقده لعثمان، و حيث علم ان عثمان لا يقبل الرشوه اراد الخدعه- و الاتيان مما ظاهره الشرع- فقال للعبد: ان قبل ابوذر المال فانت حر، اراد بذلك ان يصر العبد، و يري ابوذر ان قبول المال موجب لعتق رقبه ليقدم علي القبول فجاء العبد و عرض الامال فابي ابوذر، قال العبد: ان في ذلك عتقي، فقال ابوذر: ولكن في ذلك رقي.

خطبه 131

[صفحه 288]

و فيه يبين عليه السلام قبوله، اي الخلافه و يصف الامام الحق (ايتها النفوس امختلفه) من حيث الاهواء و الميول (و القلوب المتشتته) تشتت بمعني تفرق (الشاهده ابدانهم) اي انهم حضور بابدانهم (و الغائبه عنهم عقولهم) كنايه عن عدم وعيهم و اتعاظهم كالغائب عقله (اظاركم) اي اعطفكم و اميلكم (علي الحق و انتم تنفرون عنه نفور المعزي) جمع معز (من وعوعه الاسد) صوته. (هيهات ان اطلع بكم سرار العدل) اي ما خفي من العدل، و المراد انتم غير قابلين للاطلاع، حتي اشرفكم علي العدل المضاع بين اظهركم، يقال اطلع به الشي ء، اذا اصعده ربوه ليري الشي ء المخفي ورائها، و اسرار كسحاب آخر ليله

من الشهر، و المراد به الظلمه، اي الظلمه الساتره للعدل. (او اقيم اعوجاج الحق) اي الاعوجاج الذي اصاب الحق، بخلطه مع الباطل، فانكم غير مستعدين لذلك.

[صفحه 289]

(اللهم انك تعلم انه لم يكن الذي كان منا) من قبول الخلافه الظاهريه (منافسه في سلطان) بان اردت ان اتقدم في السلطه علي سائر الناس و يكون لي الحكم و الامر و النهي. (و لا التماس) اي طلب (شي ء من فضول الحطام) اي زوائد متاع الدنيا، و سمي حطاما، لانه يحطم و ينفي، و اضافه الفضول الي الحطام بيانيه. (و لكن لنرد المعام من دينك) معالم الطريق، النصب الداله عليه، و قد طمست المعالم في زمن عثمان، و بعضها في زمن الخليفتين، فاراد الامام عليه السلام اضهارها و احيائها. (و نظهر الاصلاح في بلادك) و قد امر سبحانه بعماره الارض و اصلاحها (فيامن المظلومون من عبدك) و لا يخافوا من الظالمين (و تقام المعطله من حدودك) اي الحدود المعطله و الاحكام المهمله. (اللهم اني اول من اناب) اي رجع اليك بالطاعه و الانقياد، و تسميه الامر انابه- و ان لم يكن من الامام عليه السلام اعراض- باعتبار المشابهه لمن سواه، كما قالوا في قوله تعالي: (لنخرجنكم من ارضنا او لتعودن في ملتنا). (و سمع) داعي الله (و اجاب) بقبول الاسلام و احكامه، فان الامام عليه السلام اول الناس ايمانا. (لم يسبقني الا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بالصلاه) و من هذا شانه يسر

ع الي اوامر الله سبحانه لا يريد الخلافه لسلطان او مال.

[صفحه 290]

(و قد علمتم) ايها الناس (انه لا ينبغي ان يكون الوالي علي الفروج و الدماء و المغانم) جمع مغنم الغنيمه (و الاحكام) اي تنفيذ احكام

الاسلام (و امامه المسلمين) اي كونه مقتدي لهم و اسوه، و كون الوالي علي الفروج باعتبار امر و نهيه بالحرب الموجبه لسبي النساء المسلمات احيانا، و سبي النساء الكافرات، و بمغني ذلك الوالي علي الدماء. (البخيل) اسم ل(يكون) و (الوالي) خبره المقدم (فتكون في اموالهم نهمته) يبالغ في حرصه و جمعه لاموالهم، لان البخيل لا يبذل المال، و في ذلك تعطيل لاموالهم، و اضاعه لما يحتاج و من يحتاج الي المال. (و لا الجاهل فيضلهم بجهله) لان الوالي مصدر الامور، فاذا جهل الامور سبب اضلالهم (و لا الجافي) الذي لا يجفو و لا يقاطع الناس كبرا او ضجرا (فيقطعهم بجفائه) و يعطل امورهم المتوقفه عليه. (و لا الحائف) الذي يحيف و يجور (للدول) جمع دوله، بمعني المال لانه يتداول من يد الي يد، يعني الذي يجور في اعطاء المال، فيحابي شخصا زائدا، و يمنع شخصا آخر، حسب شهواته و رغباته. (فيتخذ قوما دون قوم) دون ان يراعي المساواه و جعل الحقوق مواضعها، و في بعض النسخ (الخائف) بالخاء المعجمه اي الذي يخاف بعض الدول، فيصادق من خا

ف منه دون غيره. (و لا المرتشي في الحكم) اي الذي ياخذ الرشوه (فيذهب بالحقوق) لانه ياخذ الرشوه و يحكم للراشي، دون الذي له الحق واقعا. (و يقف بها) اي بالحقوق (دون المقاطع) اي الحدود التي عينها الله سبحانه، جمع مقطع، اي محل قطع الامور، الذي جعله الله سبحانه. (و لا المعطل للسنه) الذي لا ينفذ احكام الاسلام (فيهلك الامه) لان في احكام الاسلام حياه الامه، فاذا عطلت هلكت الامه. و لا يخفي ان الامام عليه السلام ذكر ابرز الصفات المناقيه للامير، لا كلها، و الجامع ان يكون فاقها لامور

الدنيا و الدين، عادلا- بمعني الملكه الباعثه علي الاطاعه- رجلا طاهر المولد، الي غيرها مما فصل في الفقه.

خطبه 132

[صفحه 292]

و فيها وعظ و تزهيد و تذكير (نحمده علي ما اخذ و اعطي) فان كلا من اخذه سبحانه و اعطائه يتبع مصلحه تستحق الحمد (و علي ما ابلي) اي احسن و انعم (و ابتلي) اي امتحن. (الباطن لكل سريره) اي يعلم السرائر، كانه باطن معها (العالم بما تكن الصدور) اي تخفي فيها (و ما تخون العيون) من اختطاف النظر، الذي لا يطلع عليه احد، و لو كان قريبا من الخائن عينه. (و نشهد ان لا اله غيره، و ان محمدا) صلي الله عليه و آله (نجيبه) اي مختاره من انجبه، اي اختاره (و بعيثه) اي مبعوثه ارسله بالهدي و دين الحق (شهاده يوافق فيها السر الاعلان و القلب اللسان) لا شهاده لسانيه كالمنافق، او قلبيه فقط كالكافر الذي يعلم، قال سبحانه: (و جحدوا بها و استيقنتها انفسهم) فكلاهما يشهد ان بهاتين الشهادتين، و المراد بالسر و الاعلان جهرا و خفيه.

[صفحه 293]

(منها) في وعظ الناس (فانه) اي امر الاخره (و الله الجد لا اللعب) اي ان ما هناك من جنه ابديه او نار سرمديه جد، لا انه لعب و لهو (و الحق) المطابق للخارج (لا الكذب و ما هو) مصير الانسان (الا الموت اسمع) الناس (داعيه) اي داعي الموت و ليس المراد صرف الموت، بل ما يترتب عليه من الامور، و معني اسماع داعيه، انه قد علم كل انسان مصيره. (و اعجل حاديه) الذي يحد و ويسير بالناس الي الموت يسير بهم سيرا مستعجلا- و ذلك كنايه عن سرعه ايام الدنيا و انقضائها-. (فلا يغرنك سواد الناس

من نفسك) فان الانسان كثيرا ما يغترر بوجود الناس في اطرافه فيعصي الله سبحانه، اعتمادا عليهم، بينما ان الموت يختطفه و لا ينفعه سواد الناس في دفع الموت و دفع العقاب المترتب علي الخطيئه. (فقد رايت من كان قبلك) من الناس الذين ماتوا (ممن جمعت المال و حذر) اي خاف (الاقلال) اي القله من المال (و امن العواقب) بان لم يخشي موتا و لا فوتا (طول امل و استبعاد اجل) اي كان آمنه لاجل طول امله في الدنيا، و انه كان يستبعد ان ياتيه اجله. (كيف نزل به الموت فازعجه عن وطنه) الازعاج التسبب الي ما يوجب اذي الانسان (و اخذه من مامنه) اي محل امنه، في حالكونه (محمولا ع

لي اعواد المنايا) اي التابوت و منايا جمع (منيه) بمعني الموت (يتعاطي به الرجال الرجال) اي يعطي بعض بعضا جنازته (حملا علي المناكب) جمع منكب و هو ما بين العضد و العنق (و امساكا) اي اخذا (بالانامل) جمع انمله، راس الاصبع، و المعني انك ستصبح بعد قليل مثل اولئك، فاللازم ان تاخذ حذرك. (اما رايتم الذين ياملون بعيدا) لهم آمال طوال. مثل انه يامل ان ينال بعد سنوات مناصب او اموالا، او ما اشبه. (و يبنون مشيدا) اي ابنيه محكمه مما تدل علي رجائهم البقاء الطويل. (و يجمعون كثيرا) زاعمين انهم يبقون مده مديده يحتاجون خلالها الي تلك الاموال. (كيف اصبحت بيوتهم قبورا) مثل الناس الذين يدفنون في بيوتهم، او يهدم بيوتهم قبورا) مثل الناس الذين يدفنون في بيوتهم، او يهدم عليهم البيت فيبقون هناك الي الابد. (و ما جمعوا بورا) جمع بائر اي بلا فائده منها لهم (و صارت اموالهم للوارثين) اما عطف بدل عن

(ما جمعوا بورا) او ان المراد بما جمعوا- جمعهم- اي ان الفعل، و هو الجمع قد هلك، و صار المال لغيرهم، بمعني ضاع عملهم، و صارت نتيجه العمل للغير، فان العمل شي ء و النتيجه شي ء آخر. (و ازواجهم) نسائهم، او المراد الاعم من (الرجل) الذي ماتت زوجته و (الزوج

ه) التي مات زوجها (لقوم آخرين) و هذا الكلام لاستفزاز النفس نحو العمل الصالح، فان ازواجهم و من اقرب الناس اليهم يصبحن لعيش اناس اجانب- بعد موتهم- فما الامل من هذه الدنيا؟ و ما يكون اعتبار مثلها؟ (لا في حسنه يزيدون) لان ابن آدم اذا مات انقطع عمله. (و لا من سيئه يستعتبون) اي يطلب منهم اين يعملوا عملا يكفرها (فمن اشعر التقوي قلبه) اي اذاق قلبه طعم التقوي بحيث صارت التقوي ملكه له. (برز مهله) اي اضهر التقدم في الخير- علي سائر الناس- فان (المهل) بمعني التقدم في الخير (و فاز عمله) اي ظفر علي عمله الصالح، و تمكن من الاتيان به، في مقابل الفساق الذين لا يتمكنون من الظفر علي صالح الاعمال. (فاهتبلوا هبلها) الاهتبال تطلب الشي ء باحكام للنيل منه، و الضمير عائدا الي التقوي اي اطلبوا التقوي طلبا لائتابها. (و اعملوا للجنه عملها) اي العمل اللائق بالجنه الموصل اليها (فان الدنيا لم تخلق لكم دار مقام) اي دار بقاء تقيمون فيها. (بل خلقت لكم مجازا) اي محل عبور (لتزودوا منها الاعمال الي دار القرار) اي لتاخذوا منها زادكم للاخره التي هي دار قراركم و بقائكم، الي الابد. (فكونوا منها) اي من الدنيا (علي اوفاز) جمع وفز بمعني العجله، اي علي

استعجال- لئلا تفوت الدنيا قبل ان تعملوا للاخره، و لعل الاتيان ب(اوفاز) جمعا للاشاره الي انه

ينبغي العجله في كل امر. (و قربوا الظهور) اي الظور الماطيا التي تركبون عليها (للزيال) اي لغراق النيا، تشبيه بمن يريد السفر حيث يقرب مراكبه الي نفسه للسير.

خطبه 133

[صفحه 296]

فيها تعظيم لله سبحانه، و ذكر للقرآن و الرسول صلي الله عليه و آله و سلم، و وعظ للناس. (و انفادت له) اي لله سبحانه (الدنيا و الاخره بازمتها) جمع زمام (و قذت اليه المساوات و الارضون مقاليدها) جمع مقلاد، بمعني المفتاح، فكما ان الباب ينفتح، كذلك ابواب الرزق و الخلق و ما اشبه من المكونات مفاتيحها بيد الله سحبانه. (و سجدت له بالغدو) اي الصباح (و الاصال) جمع اصيل طرف العصر (الاشجار الناضره) اي ذات النضره و البهجه، و المعني خضوعها له سبحانه و قوله بالغدو و الاصال كنايه عن الاستمرا، او هناك سجده خاصه لها في الوقتين لا ندركها. (و قدحت له) اي لله سبحانه (من قضبانها) جمع قضيب بمعني الغصن (النيران المضيئه) فان المرخ و العقار تظهر من اغصانها النار، و معني (له) لامره و ارادته تعالي. (و آتت) اي اعطت (الكها) اي ما يوكل من الثمار (- بكلماته-) اي باوامره التكوينيه التي هي كالكلات بالنسبه الي المخلوقين (الثمار) اي اشجار الثمار- فاعل آتت- (اليانعه) اي الناضجه المدركه.

[صفحه 297]

(منها): في القرآن (و كتاب الله) اي القرآن (بين اظهركم) اي في وسطكم (ناطق لا يعيا) اي لا يكل (لسانه) كنايه عن امكان دوام الاستفاده منه (و بيت) كما ان البيت يحفظ الانسان عن الحر و البرد و اللص و ما اشبه، كذلك القرآن حافظ للعامل به. (لا تهدم اركانه) اركان البيت جوانبه المحيطه به، و المراد باركان القرآن مواعظه و اصوله و احكامه و

ما اشبه (و عز لا تهزم اعوانه) فان اعوان القرآن منتصرون دائما، لانتصار الحق علي الباطل دائما، اما جسما، او روحا و واقعا.

[صفحه 298]

(منها): حول الرسول صلي الله عليه و آله و سلم. (ارسله) الله سبحانه (علي حين فتره من الرسل) اي فاصله بين الرسول و بين الرسل السابقه. (و تنازع من الالسن) فان الالسن كانت مختلفه، و انما وحدها الاسلام بلغه القرآن، او هو كنايه عن المذاهب و الاراء، بعلاقه السبب و المسبب، فان مظهر المذهب اللسان. (فقفي به) اي بالرسول صلي الله عليه و آله و سلم (الرسل) اي اتبع اله سبحانه بسبب الرسول اولئك الرسل بان جعله صلي اله عليه و آله و سلم في قفاهم و من بعدهم. (و ختم به الوحي) اذ هو صلي الله عليه و آله و سلم آخر الانبياء و خاتم المرسلين. (فجاهد في الله) اي في سبيله سبحانه (المدبرين عنه) اي الذين ادبروا عن الله، و اقبلوا علي الاصنام و الاثام. (و العادلين به) اي الذين يجعلون الاوثان عدله لله تعالي و شركاء له.

[صفحه 298]

(منها:) في وصف الدنيا (و انما الدنيا منتهي بصر الاعمي) فان الدنيا آخر مكان ينظر اليها الشخص الذي عمي عن الاخره، فيظن ان ليس بعد الدنيا شي ء. (لا يبصر مما ورائها) اي وراء الدنيا (شيئا) و يزعم ان لا آخره. (و البصير ينفذها بصره) اي ينفذ في الدنيا و يعبر منها الي الاخره، فيري انه وراء الدنيا آخره (و يعلم ان الدار) الحقيقه التي هي دار باقيه (ورائها) و انها ليست بدار الا مجازا. (فالبصير منها) اي من الدنيا (شاخص) اي مسافر، و المعني انه كالمسافر يعمل عمل المسافر، لا عمل القاطن

(و الاعمي) الذي لا يري الاخره (اليها) اي الي الدنيا (شاخص) بمعني شخص ببصره اذا نظر به الي الشي ء يعني ان تمام نظره الي الدنيا، لا ينظر الي الاخره. (و البصير منها) اي من الدنيا (متزود) ياخذ الزاد للاخره، لانه يري ان داره هناك فلابد ان يتزود لها. (و الاعمي لها متزود) فانه حيث يزعم ان الدنيا هي داره، انما يعمل لعماره الدنيا فقط، فكل ما يحصله من الاشياء انما يحصله لعماره الدنيا.

[صفحه 299]

(منها:) في موعظه الناس. (و اعلموا انه ليس من شي ء) من امور الدنيا (الا و يكاد صاحبه) اي صاحب ذلك الشي ء (يشبع منه و يمله) من الملاله بمعني الضجر، فان طبع الانسان متطور يالف الجديد و يتنفر من القديم (الا الحياه فانه لا يجد) له اي لنفسه (في الموت راحه) بل يخاف الموت و لا يمل من الحياه خوفا من ان يبتلي بالموت، و قد جعل الله هذه الخفيفه من الموت، لمصلحه بالغه، هي ان يعمل الانسان لما بعد الموت، فان الانسان اذا خاف من شي ء مترقب فكر في علاج الامر و ما يزل الخوف، و هذا هو المراد من قوله عليه السلام: (و انما ذلك) الخوف من الموت (بمنزله الحكمه التي) هي وضع الاشياء مواضعها، اي ان الخوف حكمه (هي حياه للقلب الميت) الذي لا يعرف الاخره، فان خوفه يسوقه الي العمل الصالح و ما يوتي به نفسه عن الاهوال بعد الموت. (و) ذلك الخوف (بصر للعين العمياء) اي يوجب تبصرها، لمن لا يري الا الدنيا (و سمع للاذن الصماء) فان الخوف يوجب ان يستمع الي المواعظ ليجد ضالته فيها. (و ري للظمان) الذي ظماء الي معرفه ما ينجي من الاهوال، هذا الخوف

ري له اي موجب لريه، لانه يسوقه الي الترحي عن الحقيقه و معرفه اسباب النجاه (و فيها) اي في تلك الحك

مه التي هي الخوف من الموت (الغني كله) فان الحائف يتزود بما يوجب غناه هناك (و السلامه) فان الحائف يعمل الصالح الموجب لسلامه آخرته. ثم عطف الامام عليه السلام الي القرآن بقوله: (كتاب الله تبصرون به) الحقائق من الاصول و الفروع و الاخلاق و القصص. (و تنطقون به) فان حمله الكتاب ينطقون بالكتاب في اوامرهم و سائر شئون علمهم و عملهم. (و تسمعون به) اي تستمعون الي الاشياء بواسطه الكتاب، فان صدقه الكتاب اخذتم، و الا رفضتم. (و ينطق بعضه ببعض) اي يفسر بعضه بعضا (و يشهد بعضه علي بعض) ففي مكان منه الدعوي، و في مكان آخر الدليل. (و لا يختلف) القرآن (في الله) اي في باب بيان الله، كما يختلف التورات و الانحيل الرائجان في اوصافه سبحانه. (و لا يخالف) القرآن (بصاحبه) الذي اخذ به و عمل بما فيه (عن الله) اي لا يبعده عنه تعالي، ان القرآن الذي هذا شانه بينكم و لكنكم اعرضتم عنه

[صفحه 301]

و (قد اصطلحتم) اي تصالح بعضكم مع بعض (علي الغل فيما بينكم) اي الخيانه و الحقد فيحقد بعضكم علي بعض، و يخون بعضكم بعضا، كانه وقع التصالح علي ذلك، و لذا لا ينكر احد منكم علي الاخر غله و عمله الفاسد. (و) اصطلحتم علي (نبت المرعي علي دمنكم) هذا مثال لمن يتصالح في الظاهر و يريد الغدر في الباطن، المرعي: النبات. و (دمن): جمع (دمنه) بمعني المحل القذر، فان النبات الذي ينبت علي المقاذر نضر لكنه سريع الجفاف، و كذلك التصالح الذي يقع مع غل القلوب، فانه في

الظاهر جميل، لكان في الباطن سريع الزوال، لان غل القلوب لا يذره يبقي، و المعني ان صلحكم علي الغل من هذا القبيل. (و تصافيتم) اي صار بينكم الصفا (لي حب الامال) فلكل امل يرقبه، و لا ينكر عليه غيره، للتصافي الذي صار بينهم. (و تعاديتم في كسب الاموال) فان بعضكم يعادي بعضا حول مال الدنيا، يريد كل واحد ان يسلب ما في يدي الاخر، و يسبق الي المنفعه قبل وصول اخيه اليها. (لقد استهام بكم الخبيث) اي الشيطان، و المعني صار هائما- شديد العشق- بكم حيث راكم لاوامره مطيعين (و تاه بكم الغرور) اي ان الغرور اوجب ظلالكم، من تاه اذا تحير. (و الله المستعان) الذي يستعان به لانقاذه تعالي

المبتلي بيد عدوه (علي نفسي و انفسكم) حتي نتغلب عليها، و لا تقودنا الي هواها.

خطبه 134

[صفحه 303]

(و قد شاوره عمر بن الخطاب في الخروج الي غزو الروم بنفسه) فقد كان الجيش الاسلامي يحارب في جبهات الشام بقياده خالد بن الوليد- في زمن ابي بكر- و لما مات و ولي عمر الامر، عزل خالد- لما بينهما من الاحن- و نصب مكانه اباعبيده الجراح، فضعف الجيش عن المقاومه، و خرج ملك الروم بنفسه للمحاربه، فقوي جانب الكفار لما راو ملكهم معهم، و وصل الخبر الي (عمر) فاراد ان يخرج بنفسه، فشاور الامام عليه السلام في ذلك- كما كان من عادته مشاوره الامام، لما يعلم من صواب رايه عليه السلام، و لم يكن الامام يخفي عنه النصيحه للاسلام و المسلمين، فاشار الامام عليه السلام، عليه بعدم خروجه قائلا: (و قد توكل الله) اي تحفظ سبحانه (لاهل هذا الدين) اي المسلمين (باعزاز الحوزه) حوزه كل شي ء مجمعه، و ما يحوزه اي يملكه، اي انه

سبحاه يعز حمي الاسلام. (و ستر العوره) اي عوره المسلمين و هي محات النقص فيهم، يسترها لئلا يراها الاعداء، فيهاجمون منها علي المسلمين. (و) الله سبحانه (الذي نصرهم) اي المسلمين (و هم قليل) في بدء الاسلام (لا ينتصرون) اي ان من شانهم ان لا يتغلبوا علي الاعداء، لقلتهم و كثره الاعداء (و منعهم) عن تسلط الاعداء عيهم (و هم قليل

لا يمتنعون) اي ليس فيهم قابليه الامتناع (حي لا يموت) فيقدر ان ينصرهم علي الروم، و يمنعهم عن باس الكفار، و بعد بيان هذه المقدمه بين الامام اعله في نهيه عمر عن الخروج الي الروم- بنفسه- فقال: (انك متي تسر الي هذا العدو) الذي هو الروم (بنفسك فتلقهم بشخصك) في ميدان الحرب (فتنكب) اي تغلب بان يغلب الروم عليك- فرضا- (لا تكن للمسلمين كانفه) اي حاصمه و كنف يلجاون اليها (دون اقصي بلادهم) اي ملجا يحفظ بلادهم، كانه حامي لا قاصي بلاد الاسلام كما يقال لا حفاظ دون البلد، اي الامام البلد يحفظه من الاخطار. (ليس بعدك) اذا نكبت و غلب الروم (مرجع يرجعون اليه) اما اذا كنت في المدينه، و كسر جيش الاسلام لا يهولهم الامر لوجود الحافظ و المرجع و لا يخفي ان هذا الكلام لا ينافي رويه الامام الحق لنفسه، اذ كان الامر دائرا بين ذهاب الاسلام، او ذهاب حق الامام، فاختار الثاني، فانه اذا ذهب عمر و غلب، انسكر المسلمون هناك، و طمع فهيم الاعداء من كل مكان، و الامام لم يعرف عند جميع المسملين بكونه مرجعا حتي يكون الاخذ بالزمام، و لعله كان في ذلك هلاك الامه. ان قلت: الم يكن يقدر الامام علي الحفظ؟ قلت: النبي و الامام يسيرون حسب

الظروف الظاهريه، العادي

ه، و الامام بلا معين لم يكن يقدر حسب العاده. (فابعث اليهم رجلا محبا) اي ممارسا للحروب (و احفز) اي ادفع (معه اهل البلاء) اي الذين لهم مهاره و تجارب (و النصيحه) الذين ينصحون لله و الرسول و المسلمين في الجهاد لا يرودون الا الحق. (فان اظهر الله) الامر بان كان الغلب للمسلمين (فذاك ما تحب) و قد انتهي الامر بسلام. (و ان تكن الاخري) بان انكسر المسلمون (كنت) انت (ردئا) اي ملجاء (للناس) المنكسرين (و مثابه) اي مرجعا (للمسلمين) فتهي ء الجيش من جديد.

خطبه 135

[صفحه 306]

(و قد وقعت مشاجره بينه و بين عثمان) و كان ذلك حال استسفر الثوار الامام ليبلغ عثمان رايهم و يطلب منه الخروج عن المظالم. (فقال المغيره بن الاخنس لعثمان انا اكفيكه، فقال علي عليه السلام لمغيره:) (يابن العين الابتر) ابومغيره كان من روس المنافقين، و الابتر كل شي ء انقطع عن الخير، من بتر بمعني قطع (و الشجره التي لا اصل لها) لا آباء كرام (و لا فرع) الي اولاد صالحين (انت تكفيني)؟ استفهام انكار (و الله ما اعز الله من انت ناصره) فان الشخص الذي لا دين له لا ينصر نصره لله فيها رضي، حتي يعز منصوره. (و لا قام من انت منهضه) اي تنهضه و تقومه، فان الشخص الجبان لا يتمكن من اقامه انسان. (اخرج عنا ابعد الله نواك) اي دارك، او النوي بمعني البعد، و المعني ان بعدك يكون كثيرا (ثم ابلغ جهدك) فيما تشاء ان تعمل من التخريب و الافساد. (فلا ابقي الله عليك ان ابقيت) يقال ابقيت علي فلان، اذا راعيته، و المعني عدم تمكنه من اي افساد و عمل، حتي انه ذا اراد الابقاء علي

الامام عليه السلام و رعايته، لم يحتج الامام الي ذلك. بل يطلب منه ان لا يبقي عليه، و يدعو عليه بان لا يرعاه الله ان اراد رعايه الامام.

خطبه 136

[صفحه 307]

في امر بيعه الناس له (لم تكن بيعتكم اياي فلته) الفلته الامر الذي يقع فجئه بلا رويه و لا استشاره و هذه اشاره الي ما وصف به عمر بيعه ابي بكر- كما في كتب السنه- قال ان بيعه ابي بكر- كما في كتب السنه- قال ان بيعه ابي بكر كانت فلته وقي الله المسلمين شرها و من عاد اليها فاقتلوه، قال الشاعر: قد قال فيها انها لفلته لا ترجعوا لمثلها البته و هذا الكلام من الامام اشاره الي وجوب اطاعتهم له، لان الامر لم يكن بلا اختيار و مشوره حتي يحتجوا بانهم اضطروا، فلا حكم لبيعتهم. (و ليس امري و امركم واحدا) اي لنا اتجاهان (اني اريدكم لله) بان اقيمكم و اقيم امر الله فيكم (و انتم تريدونني لانفسكم) بان اعمر دنياكم و اشبع ميولكم. (ايها الناس اعينوني علي انفسكم) اي اذا امرت امرا خلاف ميولكم، فانفذوا امري علي انفسكم و انكانت كارهه لذلك. (و ايم الله) حلف بالله تعالي (لانصفن المظلوم من ظالمه) يعني آخذ الحق للمظلوم ممن ظلمه. (و لاقودن الظالم بخزامته) و هي خلقه من شعر تجعل في وتره انف البعير ليشد فيها الزمام فيقاد حيث شاء و هو كنايه عن ارغام الظالم (حتي اورده منهل الحق و انكان كارها) المنهل محل ورود الماء.

خطبه 137

[صفحه 309]

(في معني طلحه و الزبير) كيف بايعا الامام و كيف خرجا عليه. (و الله ما انكروا) طلحه و الزبير و اتباعهما (علي منكرا) عملته يبررون بذلك خروجهم علي. (و لا جعلوا بيني و بينهم نصفا) اي عدلا و انصافا بان ينصفونني (و انهم) باحتجاجهم الباطل: في طلبهم مني دم عثمان (ليطلبون حقا هم تركوه) فان كان حق عثمان صحيحا،

فلماذا تركوا عثمان حتي قتل بدون اين يفكروا علي القاتلين. (و دما هم سفكوه) فانهم كانوا في طليعه المحرضين علي قتل عثمان (فان كنت) فرضا (شريكهم فيه) اي في سفك دم عثمان (فان لهم نصيبهم منه) و لا وجه لان يطالب احد القتله آخر بالديه و القود. (و ان كانوا ولوه) اي باشروا سفك دم عثمان (دوني) و كان هذا هو الواقع حيث ان الامام كان يستسفر بين عثمان و الثوار لئلا تقع المشكله. (فما الطلبته الا قبلهم) الطلبه ما يطالب به الثار، ان المطلوب بدم عثمان، هم لا انا. (و) بناء علي هذا ف(ان اول عدلهم) اذا ارادوا العدل (للحكم علي انفسهم) (اللام) للتاكيد و الجمله خبر (ان) فاللازم ان يحكموا اولا علي انفسهم ثم من بعد ذلك ينظرون من كان شريكا معهم، و الواقع ان طلحه و الزبير و معاويه و عائشه كانوا هم الذين اثاروا الفتنه علي عثمان

، و لكنهم لما راو ان الامام لا ينزل عند رغبتهم في توليتهم المناصب و اعطائهم الاموال اتخذوا دم عثمان ذريعه لوصولهم الي شهواتهم، لكن القضاء عاكس جميعهم فالاولان قتلا هدرا و عائشه ابتليت بمعاويه التي لم تكن تفكر في انه يصبح خليفه، و معاويه و ان نال الخلافه اياما، لكن ايامه كانت ايام فتن و اضطرابات مما لم يهناء بالملك، ثم اورث العنه و الخزي الي الابد. (ان معي لبصيرتي) لم ارفارق بصيرتي و علمي حتي لا اعلم ما لي مما علي (ما لبست) اي اشتبهت (و لا لبس علي) بان يسبب قول الناس و عملهم اشتباها في امري حتي اشتبه و لا اعلم وجه الحق، فانا اعلم اني علي حق و انهم علي

باطل. (و انها) اي هذه الفئه التي تحارب بقياده طلحه و الزبير (للفئه الباغيه) التي تبغي و تظلم (فيها الحما) اي القريب في النسب من الامام و هو الزبير فقد كان ابن خاله الامام (و الحمه) و هي الابره اللاسعه من العقرب و نحوه و يشير بذلك الي زوجه الرسول، حيث كانت تلدغ، و قد اخبر الرسول صلي الله عليه و آله و سلم الامام بخروج هولاء عليه، كما اخبر صلي الله عليه و آله و سلم عائشه بالذات. (و الشبهه المغدفه) من اغدف بمعني اظلم، اي الشبهه التي تظلم وجه الحق، و تستر علي الناس ا

لدوافع الحقيقه لطلب هولاء بدم عثمان. (و ان الامر لواضح) في ذاته و دوافعه (و قد زاح الباطل) اي زال و ذهب (عن نصابه) اي عن محله (و انقطع لسانه) اي لسان الباطل (عن شغبه) الشعب تهيج الشر، فقد كان الناس يعرفون دوافع طلحه و الزبير و عائشه و معاويه، و قد اوضحها الامام في عده خطب و كلمات، حتي لم يكن للمشتبه عذر في عدم العلم. (و ايم الله لافرطن لهم حوضا انا ماتحه) افرط الحوض بمعني ملاه حتي فاض، و متح الماء بمعني نزعه من البئرا و نحوها و اخرجه يعني املا لهم حوض المنيه الذي انا اخرجت ماء ذلك الحوض و حصلت عليه، و ذلك كنايه عن استعداده للمحاربه فهو يتح الماء و يملاء احواضهم. (لا يصدرون عنه بري) اي لا يتمكنون من الاستفاده من ذلك الحوض فلا يرتون عنه، بل يغصون بمائه، و ذلك كنايه عن عدم استفادتهم مطالبهم من هذا الشغب الذي اثاروه. (و لا يعبون) العب شرب سريع بلا تنفس (بعده) اي بد الشرب

من هذا الحوض (في حسي) و هو مجمع الماء في الارض اي لا يتمكنون ان يشربوا ماء بعد شربهم من هذا الحوض، لان مائه يهلكهم فلا تبقي لهم حياه ليشربوا من ماء آخر.

[صفحه 312]

(منه) في كيفيه بيعه الناس له عليه السلام. (فاقبلتم) بعد قتل عثمان (الي اقبال العوذ) اي مثل اقبال الانثي من الضبي ء و الابل، جمع عائذه (المطافيل) جمع (مطفل) بمعني ذات الطفل (علي اولادها) فكما ان الام تقبل علي اولادها كانها تستجير بها و تلوذ، كذلك كانت الناس تقبل علي الامام للبيعه معه. (تقولون: البيعه البيعه) منصوب بفعل مقدر اي نريد البيعه (قبضت كفي) اي جمعتها لئلا تلامس ايديكم للبيعه (فبسطتموها) و جزيتموها (و نازعتكم يدي) اريد قبضها و تريدون بسطها (فجاذبتموها) للبيعه، هكذا كانت بيعه الناس لي، و منهم طلحه و الزبير، ثم نكثا ايثارا للدنيا و لشهواتهما. (اللهم انهما) اي طلحه و الزبير (قطعاني و ظلماني و نكثا بيعتي) اي نقضاها (و البا) اي حرضا (الناس علي) لنكث البيعه و المحاربه (فاحلل ما عقدا) من الاتفاق ضدي، حتي تفسد عقدتهما (و لا تحكم لهما ما ابرما) الابرام انقل، اي لا تجعل ما ابرما محكما حتي لا يقبل النقض و النكث. (و ارهما المساه) اي السوء (فيما املا) من النفوذ و السلطه، فقد كان امل طلحه و الزبير الخلافه و الاماره (و عملا) من تهيئه الجيش و تحريض الناس و قد استجاب الله دعاء الامام عليه السلام، فقتلا شر

قتله و لم ينالا ما ارادا. (و لقد استثبتهما) اي طلبت رجوعهما الي البيعه و الطاعه، من (ثاب) بمعني رجع (قبل القتال) فابيا (و استانيت بهماامام الوقاع) اي طلبت منهما الاناه و التوئده قبل وقوع الحرب

(فغمطا النعمه) اي ججداها، و المراد نعمتي عليهما (و ردا العافيه) بالسلامه من الحرب الي المحاربه و المقاتله.

خطبه 138

[صفحه 313]

يومي ء فيها الي ذكر الملاحم (يعطف الهوي علي الهدي) هذا في احوال الامام المنتظر المهدي عجل الله تعالي فرجه الذي بشر به الرسول صلي الله عليه و آله و سلم في اخباره متواتره ذكرها علماء السنه و علماء الشيعه، و المعني ان الامام يحكم بالهدي و يترك الهوي. (اذا عطفوا) اي سائر الناس (الهدي علي الهوي) بان جعلوا الدين تبعا لهواهم و مشتهيات انفسهم (و يعطف) الامام عليه السلام (الراي علي القرآن) فيري حسب احكام القرآن و يفتي بها (اذا عطفوا القرآن علي الراي) بان اولوا القرآن حسب آرائهم و افكارهم.

[صفحه 314]

(منها) في بيان كيفيه استيلاء الامام المنتظر، و حكمه في البلاد و العباد، فانه عليه السلام ياتي و يثور (حتي تقوم الحرب بكم علي ساق) كنايه عن اشتدادها، كالانسان القائم علي رجله، ليتهيا للامر (باديا) اي ظاهرا (نواجذها) جمع (ناجذ) و هي اربعه في اقصي الاضراس، و هذا كنايه عن شده الاحتدام، فان الاسد اذا اشتد غضبه ابدي نواجذه. (مملوئه اخلافها) جمع خلف- بالكسر- بمعني الضرع، و هذا كنايه عن كثره الشر و استعداده للظهور كاستعداد الحليب في الضرع اذا امتلاء. (حلوا رضاعها) فان الناس يستعذبون تلك الحرب لما يروا فيها من سيطره الحق (علقما) اي مرا كالعلقم (عاقبتها) بالنسبه الي الظالمين (الا و في غد) و المراد: المستقبل، و انكان بعيدا، كما يطلق الامس علي الماضي، و انكان قبل دهر. (و سياتي غد بما لا تعرفون) جمله معترضه بين الظرف (في غد) و المظروف (ياخذ) اتت للتهويل. (ياخذ الوالي) المراد بالوالي الامام الحجه عليه السلام (من غيرها)

اي ان المتصف بكونه من غير هولاء السلاطين، و كانه قد سبق ذكر للامره و الولايه لجماعه من الناس كبني اميه و العباس. (عما لها علي مساوي اعمالها) اي يحاسب العمال الذين تحت نفوذه و امرته علي سوء تصرف

اتهم في البلاد و العباد، ولا يتركهم هملا يعملون كيف يشائون كما في العاده في الحكومات الظالمه حيث لا تهمهم مظالم الناس و ظلم العمال. (و تخرج له الارض افاليذ) جمع افلاذ، و هو جمع فلذه، و هي القطعه الثمينه من المعادن، كالذهب و الماس و غير هما. (كبدها) جمع كبد شبه بها المعادن الخفيه تحت الارض، والمراد ان المعادن و الكنوز تظهر للامام الحجه عليه السلام. (و تلقي) الارض (اليه) اي الي الامام الحجه عليه السلام (سلما مقاليدها) جمع مقلاد، و هو المفتاح و مفاتيح الارض الاشياء التي هي سبب للوصول الي غايات مهمه، من فتح البلاد و استخراج الثروات، و ما اشبه ذلك، و قوله: (سلما) اي بدون صعوبه كبيره. (فيريكم) الامام الحجه (كيف عدل السيره) اي السيره العادله، او سيره رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فاللام للعهد الذهني (و يحيي ميت الكتاب و السنه) و المراد بميتهما ما اهمل و ترك العمل به منهما، و حياته رواجه و تنفيذه.

[صفحه 315]

(منها): اي قطعه من هذه الخطبه (كاني به) لفظه (كاني) و ما اشبه، للدلاله علي ان الامر واقع، حتي كان الامام عليه السلام ينظر اليه، و الضمير (به). علي ما ذكروا عائد الي عبدالملك بن مروان، الذي ثارت اطراف البلاد عليه، فاخمدها. (قد نعق) اي صوت، و النعيق هو الصوت الذي له اعوان (بالشام) فان مركز عبدالملك كان الشام (و فحص براياته) اي بحث باعلامه،

و بحثها كنايه عن تركيزها، لان العلم يركز بعد حفر الارض كانه فحص القطات لبيضها (في صواحي كوفان) جمع ضاحيه و هي الناحيه (فعطف) اي عبدالملك (عليها) اي علي تلك الضواحي و اهاليها (عطف الضروس) هي الناقه السيئه الخلق، و المراد انتقاد عبدالملك من الاهالي، فانه قد صار مختار ضد بني اميه ثم ثار ابن الزبير في مكه و ارسل اخاه مصعبا، فاستولي معصب علي العراق، و قتل المختار، ثم جاء عبدالملك و قتل مصعبا و انتقم من اهالي الكوفه و ما والها انتقاما شديدا، و اكثر فيهم القتل. (و فرش الارض بالرووس) كنايه عن كثره قتله لاهل العراق (قد فغرت) اي انفتحت (فاغرته) كنايه عن فمه، فان السبع اذا اراد التهام شي ء فتح فاه للاكل و الازدراد. (و ثقلت في الارض وطاته) اي قدمه التي توطي ء الارض، و ذلك

كنايه عن ثقله علي الناس لما كانوا يخافون و يرهبون بطشه و فتكه (بعيد الجوله) اي الحركه كنايه عن سيطرته في الافاق. (عظيم الصوله) اي البطش و الفتك، يقال صال الاسد اذا وثب علي فريسته. (و الله ليشردنكم) يفرقنكم (في اطراف الارض حتي لا يبقي منكم) معاشر المخاطبين، و المرادهم و ذريتهم، (الا قليل) ينجو من يده (كالكحل في العين) من القله و استداره الاعداء عليهم (فلا تزالون كذلك) في ظلم بني اميه و اضطهادهم (حتي تووب) اي ترجع (الي العرب عوازب احلامها) اي غائبات عقولها، فان عوازب جمع عازبه، بمعني الغائبه و الاحلام جمع حلم بمعني العقل، و هل المراد بذلك بنو العباس لانهم كانوا عربا اصيلا- بخلاف بني اميه الذين كان اصلهم من روم- او سلاطين الشيعه، او ذلك في زمان الامام المهدي عليه السلام؟ احتمالات. (فالزموا) ايها الناس

(السنن القائمه (اي الاحكام التي هي جاريه بينكم، و لا تتركوها (و الاثار البينه) اي آثار الرسول صلي الله عليه و آله و سلم الواضحه الظاهره (و العهد القريب) اي عهد الرسول صلي الله عليه و آله و سلم الذي هو قريب من زمانكم (الذي عليه) اي علي ذلك العهد (باقي النبوه) و المراد بهاالائمه عليهم السلام، الذين هم الباقون من آل

الرسول صلي الله عليه و آله و سلم. (و اعلموا ان الشيطان انما يسني) اي يهيي ء (لكم طرقه) بالتزيين لكم و حثكم علي سيرها (لتتبعوا عقبه) اي عقب الشيطان، و العقب موخر القدم.

خطبه 139

[صفحه 318]

(في وقت الشوري) قاله عليه السلام لاهل الشوري- الخمسه- حينما كانوا يريدون انتزاع امر منه. (لم يسرع احد قبلي الي دعوه الحق) فاني اول الناس اجابه الي دعوه الحق، كما في زمن الرسول صلي الله عليه و آله و سلم، حيث كان اول الناس ايمانا، و اطاعه للرسول في كل امر (و صله رحم) فان قبول الاسلام من الرسول صلي الله عليه و آله و سلم كان صله للرحم، حين قطعها سائر اقارب الرسول. (و عائده كرم) اي الكرم العائد علي الناس بخير، فالاضافه من باب اضافه الصفه الي الموصوف. (فاسمعوا قولي) حيث علمتم سوابقي و اني لا اقصد و لا اعمل الا الخير (و عوا) اي ادركوا (منقطي) اي كلامي (عسي) اي لعل- اذا سرعتم الي الانتخاب- (ان تروا هذا الامر) اي انتخاب احد بلا رويه (من بعد هذا اليوم تنتضي) اي تسل و تجر (فيه السيوف) للمقاتله (و تخان فيه العهود) بين الامه و الولات (حتي يكون بعضكم ائمه لاهل الضلاله) اي مقتدي لهم (و شيعه لاهل الجهاله) اي تابعا

لاهل الجهل، و قد كان كما قال الامام عليه السلام، فان عثمان خان عهد اهل الشوي بان يعمل بكتاب الله و سنه رسوله، بل سار علي هواه حتي اجتمع الثوار فقتلوه، و صار اماما لاهل الضلاله كمعاويه و من اشبه، بين

ما كان تابعا لاهل الجهل كصهره مروان و سائر اقربائه يتبع آرائهم في العمل علي خلاف الكتاب و السنه.

خطبه 140

[صفحه 319]

و من كتاب له عليه السلام في النهي عن عيب الناس (و انما ينبغي لاهل العصمه) الذين حفظهم الله و عصمهم عن اقتراف الاثام، و المراد الذين لا يعصونه سبحانه، كالعدول (و المصنوع اليهم في السلامه) الذين صنع الله اليهم في ان يسلموا من الاثام و السيئات (ان يرجموا اهل الذنوب و المعصيه) بان يهتموا لاقصائهم عن العاصي، كما لو قيل ترحم علي المريض كان معناه اعطف عليه و انجه من المرضي (و يكون الشكر) علي ما انعم الله عليهم بارشاد هم الي الطريق و حفظهم عن العصيان. (هو الغالب عليهم و الحاجز لهم) اي المانع لاهل العصمه (عنهم) اي عن عيب اهل المعصيه (فكيف بالعائب الذي عاب اخا) لانه يعصي، فهو بعدم شكره و عدم ترحمه، قد خالف اللازم عليه فكيف اذا زاد علي ذلك الاشتغال بالعيب. (و عيره ببلواه) الذي ابتلي به من العصيان (اما ذكر) هذا الغائب اخاه العاصي (موضع ستر الله عليه) اي اما فعل الله تعالي بهذا الشخص العائب (من ذنوبه) بيان لما ستر، متعلق به (ستر) (مما هو اعظم من الذنب عابه به) فان اهل الصلاح مهما كانوا اتقياء- اذا لم يكونوا معصومين- لابد و ان قد ارتكبوا جرائم هي بالنسبه اليهم، اعظم من الجرائم التي يرتكبها الفساق بالنسبه الي

انفسهم (و

كيف يذمه بذنب قد ركب مثله) اي قد عمل مثل ذلك الذنب (فان لم يكن ركب ذلك الذنب بعينه) الذي يعيب الفاسق به (فقد عصي الله فيما سواه) اي سوي ذلك الذنب (مما هو اعظم منه و قد مر وجه كونه اعظم، ثم بين الامام عليه السلام انه اذا فرض عدم ذنب له سابقا، لكنه الان آت بالذنب. (و ايم الله لئن لم يكن عصاه) اي عصي الله (في الكبير و) لم يكن (عصاه في الصغير) قبل ذلك (لجراته علي عيب الناس اكبر) من عيوب الناس فهو اذا عاصي له سبحانه بعيبه للناس. (يا عبدالله لا تعجل فيعيب احد بذنبه) اي بسبب ذنبه (فلعله مغفور له) و لا يخفي ان هذا الكلام من الامام عليه السلام انما هو بالنسبه الي الذين لم يخلعوا جلباب الحياء ممن امر الله سبحانه بذمهم و عيبهم، ليذوقوا هون المعصيه، و يجنب الناس عن اتباعهم و الاقتداء بعملهم. (و لا تامن علي نفسك صغير معصيه، فلعلك معذب عليه) اذ لا يعلم الانسان مورد غضب الله تعالي، و لذا ورد لا تحقر شيئا من المعاصي فلعل فيها غضب الله. (فليكفف من علم منكم عيب غيره) اي فليحفظ نفسه من ا يعيب احدا (لما يعلم من عيب نفسه) قال الشاعر: لا تنه عن خلق و تاتي مثله عار عليك اذا فعلت عظيم (و ليكن الشكر) لله سبحانه علي ما وفقه

(شاغلا له علي معافاته) اي علي ان عافاه (مما ابتلي به غيره) من اصناف المعاصي و الاثام.

خطبه 141

[صفحه 322]

في النهي عن سماع الوقيعه و ترتيب الاثر عليها، و في الفرق بين الحق و الباطل. (ايها الناس من عرف) منكم (من اخيه وثيقه دين) اي ان

له دينا يوثقه و يقيده عن اقتراف الاثام و المعاصي (و سداد طريق) اي صحه طريقه و سيرته في الامور. (فلا يسمعن فيه اقاويل الرجال) اي كلماتهم البذيئه فيه و رميه بالجرائم (اما انه قد يرمي الرامي و تخطي السهام) فكما انه قد تخطي السهام فلا تصيب الهدف كذلك قد يخطي الكلام فلا يكون المرمي بالكلام السي ء مقترفا لما رمي به، مثلا يقال فلان ليس بامين، و الحال ان هذا الكلام مخالف للواقع، بل هو امين في الامور، و هكذا. (و يحيل الكلام) اي يتغير عن وجه الحق (و باطل ذلك) الكلام اي المكذوب منه (يبور) اي يهلك و لا يثمر يعني انه اذا كانت الوقيعه مكذوبه تهلك و تفسد بلا ان يضر المرمي شيئا (و الله سميع) للقذف (و شهيد) يشهد علي ذلك و هذا كالتهديد لمن يرمي القول جزافا. (اما انه ليس بين الحق و الباطل الا اربع اصابع) (فسئل عليه السلام عن معني قوله هذا؟) (فجمع اصابعه و وضعها بين اذنه و عينه ثم قال): (الباطل ان تقول سمعت، و الحق ان تقول رايت) و المراد بذلك ان مسموعات الانسان يختلط فيها الحق بالباطل، ف

من الباطل ان يحكم الانسان بكل شي ء سمع، و ذلك بخلاف ما يراه الانسان فانه حق لا شبهه فيه، قالوا: و هاتان القضيتان مهمتان، اذ لا سور لهما، و لذا جاز ان يكون من السموع حقا و هو ما اجتمع فيه شرائط الحجيه، و من المرئي بالطلا و هو الذي يدرك بالبصر خلاف واقعه لعله، كالماء المتراكم الذي يري اسود و الجسم البعيد الذي يري صغيرا و الخطان المتقاربان الذاي يري اتصالهما بعد مسافه و هكذا.

خطبه 142

[صفحه 324]

في مواضع

المعروف، و انه ما قد تكون عند اهله، و قد تكون عند غير اهله. (و ليس لواضع المعروف في غير حقه و عند غير اهله) كمن يطلق كلبا عقورا، فان الاطلاق لغير حق، و هو ليس باهل للاطلاق- و اللفظتان: في غير.. و عند غير.. متقاربتا المعني-. (من الحظ فيما اتي) و عمل من فعل المعروف، و (من) متعلق ب(ليس) (الا محمده اللئام) فان اللئام هم الذين يحمدون عمله (و ثناء الاشرار) فانهم يثنون عليه و يمدحونه (و مقاله الجهال) فان الجهال يقولون فيه القول الحسن (مادام منعما عليهم) فان الثناء منهم له مادامت نعمته قائلين (ما اجود يده) او انها جمله مستانفه، اي انه جواد (و) لكن (هو عن ذات الله) اي البذل في سبيله و حسب اوامره (بخيل) لا يبذل شيئا. (فمن آتاه الله) اي اعطاه سبحانه (ما لا فليصل به القرابه) بان يبذل علي ذوي قرباه (و ليحسن منه) اي من ذلك المال (الضيافه) بان يضيف الناس ضيافه حسنه، لا ان يضيف الاثرياء و اهل المعصيه او ما اشبه (و ليفك به الاسير) في ايدي الظالمين، يفديه بماله ليخلصه من شرهم (و العاني) الذي عناه و قصده بحاجته (و ليعط منه) اي من ذلك المال (الفقير و الغارم) اي المديون في غير معصيه الله سبحانه (و ليصبر ن

فسه علي الحقوق) اي و حقوق الله الناس عليه، بادائها اليهم كالخمس و الزكاه و الصدقات. (و النوائب) جمع نائبه و هي المصيبه فان للمال و الاعطاء في سبيل الصالح العام تبعات و صعوبات، و ذلك (ابتغاء الثواب) اي طلب الاجر من الله سبحانه، لا لاجل الرياء و السمعه (فان فوزا) يفوز به االانسان (ب)

سبب (هذه الخصال) التي ذكرت، و انما نكر (فوزا) للتعظيم نحو: (ربنا آتنا في لدنيا حسنه. (شرف مكارم الدنيا و درك فضائل الاخره) فقد حاز المنفق ماله في هذه السبيل لشرف الدنيا و سعاده الاخره (انشاء الله) تعالي.

خطبه 143

[صفحه 326]

في الاستسقاء (الا و ان الارض التي تقلكم) اي تحملكم (و السماء التي تظلكم) تشبيه للسماء بالسقف الذي يظل الانسان من الحر و البرد (مطيعتان لربكم) كما قال سبحانه: (فقال لها و للارض ائتيا طوعا او كرها. قالتا اتينا طائعين). (و ما اصبحتا تجودان لكم ببركتهما) من المطر و النبات و ما اشبه (توجعا لكم) اي تالما لفقركم، كما يتالم الانسان لانسان فقير. (و لا زلفه اليكم) اي لاجل انهما تريدان الاقتراب و التحبب اليكم (و لا لخير ترجوانه منكم) فسهما غنيان عنكم. (و لكن امرتا بمنافعكم) امرهما الله سبحانه بان تنفعاكم (فاطاعتا و اقيمتا) اي اقامهما الله سبحانه (علي حدود مصالحكم فقامتا) بامر الله سبحانه (ان الله يبتلي عباده عند الاعمال السيئه) اي اذا عملوا السيئات (بنقص الثمرات) فتحمل الاشجار ثمار اقل مما كانت تحمل سابقا. (و حبس البركات) جمع بركه و هي النمو و الزياده فنتاج الحيوان و الارض و ما اشبه يكون اقل. (و اغلاق خزائن الخيرات) فالخير الذي كان ياتي سابقا، من الانسان لاخيه، او من السماء او من الارض، تغلق ابوابه (ليتوب تائب) فان التاديب موجب لليقظه و التوبه. (و يقلع مقلع) اي ينتهي عن الشي ء من اراد الانتهاء (و يتذكر م

تذكر) اي من له قابليه التذكر و الانزجار بواسطه التاديب (و يزدجر مزدجر) اي ينزجر عن المعصيه من اراد الانزجار. (و قد جعل الله سبحانه الاستغفار سببا لدرور الرزق) اي

دره و نزوله كدر الحليب (و رحمه الخلق) عطف علي (درور) (فقال) تعالي في القرآن الحكيم: (استغفروا ربكم انه كان غفارا) كثير المغفره للذنوب (يرسل السماء عليكم مدرارا) اي هاطلا بالامطار (و يمددكم باموال و بنين) بان يكثر اموالكم و اولادكم، كل ذلك بسبب الاستغفار. (فرحم الله امرء استقبل توبته) كما يستقبل الانسان اصدقائه و اقربائه، و المراد تاب في مستقبل عمره و جهله (رحم الله) ماض، لكنه بمعني الدعاء و الانشاء. (و استقال خطيئته) اي طلب منه سبحانه ان يقيله و يغفر ذنبه كانه لم يذنب (و بادر منيه) اي موت بان عمل قبل ان يموت. (اللهم انا خرجنا اليك) في الصحراء- علي ما يقتضي العاده من كون الاستسقاء في الصحراء (من تحت الاستار) كالمخدرات التي خرجن من تحت الستر (و الاكنان) جمع كن، و هو البيت (و بعد عجيج البهائم) اي صوتها من العطش (و الولدان) اي عجيج الاولاد الصغر من العطش. في حالكوننا (راغبين في رحمتك) بانزال المطر و در الخير (و راجين فضل تعمتك) بان تتفضل علينا من نعمتك

(و خائفين من عذابك و نقمتك) النقمه ضد الرحمه. (اللهم فاسقنا غيثك) اي المطر النازل من عندك (و لا تجعلنا من القاوطين) اي الايسين من رحمه الله (و لا تهلكنا بالسنين) جمع سنه بمعني القحط و الجدب (و لا تواخذنا بما فعل السفهاء منا) من المعاصي، فان العاصي سفيه و ان ظهر في كمال العقل (يا ارحم الراحمين) فان رحمته سبحانه اكثر كما و كيفا من كل رحمه. (اللهم انا خرجنا اليك) اي خروجا لنطلب لطفك و احسانك، فانه سبحانه منزه عن المكان. (نشكو اليك ما لا يخفي عليك) من عدم الامطار، و

الحقط، و شح المياه، و قله الارزاق (حين الجاتنا المضايق الوعره) جمع مضيق، و هو المحل الضيق الذي يصعب للانسان الكون فيه، و الوعره بمعني الخشنه الشديده، يقال ارض وعره اي غير مستويه. (و اجائتنا) بمعني جائت بنا (المقاحط) جمع مقحط، بمعني القحط (المجدبه) من اجدب مقابل اخصب (و اعيتنا) اي عجزتنا (المطالب المتعسره) اي مطالبنا التي تعسرت علينا (و تلاحمت) اي اجتمعت حتي صارت وصله كاللحم (علينا الفتن المستصعبه) فان القحط يوجب الفتنه لا شاعته للرعب و الفوضي. (اللهم انا نسالك ان لا تردنا خائبين) الخائب الذي لم يحصل علي مطلبه (و لا تقلبنا) اي لا ترجعنا الي اهلنا (واج

مين) الواجم هو الحزين الكاسف البال الذي اسكنه الحزن عن التكلم. (و لا تخاطبنا بذنوبنا) بان تسمينا عندك مذنبين، فلا ترضا (و لا تقايسنا باعمالنا) اي لا تجعل فعلك بنا مناسبا لاعمالنا (اللهم انشر علينا غيثك) الغيث المطر (و بركتك) اي نماء في الثمر و ما اشبه (و رزقك و رحمتك) الرحمه اعم من الزق (و اسقنا سقيا) اي مطرا (نافعه) للبلاد و العباد (مرويه) اي تروي من الظماء و العطش (معشبه) تنبت العشب و الكلاء (تنبت بها ما قد فات) فلم ينبت بسبب القحط (و تحيي بها ما قد مات) من الاشجار، فان اصل الشجر يبقي حيا بينما يموت الشجر، فاذا وصل اليه الماء حي من جديد. (نافعه الحيا) اي المطر و الخصب (كثيره المجتني) اي الثمر الذي يجتني و يقتطف (تروي بها القيعان) جمع قاع و هي الارض السهله (و تسيل البطنان) جمع بطن، و هو المنخفض من الارض (و تستورق الاشجار) اي تخرج ورقها (و ترخص الاسعار) فان الرزق اذا كثر رخص

و ذهب الغلاء (انك علي ما تشاء قدير) فتقدر علي ان تعمل كل ما طلبنا منك.

خطبه 144

[صفحه 331]

في بعثه الرسل، و فضل اهل البيت، و احوال اهل الضلال. (بعث الله رسله بما خصهم به من وحيه) فان الوحي خاص بالرسل الا يشركهم فيه احد (و جعلهم حجه له علي خلقه) يحتج يوم القيامه بالرسل علي العصاه، يقول لهم: الا بلغ الرسل، فلماذا عملتم بالمعاصي و الاثام (لئلا تجب الحجه لهم) اي للناس (ب) سبب (ترك الاعذار) من الله (اليهم) فيقول اهل المعاصي: يا رب لم نكن نعرف ما يجب علينا، فارتكابنا للمعاصي لم يكن تقصيرا منا. (فدعاهم) الله سبحانه (بلسان الصدق) فان الرسل كانوا صادقين في كلماتهم (الي سبيل الحق) الذي هو مطابق للواقع لا خلاف فيه. (الا ان الله قد كشف الخلق كشفه) اي اطلع عليهم، و ذلك تشبيه بمن يكشف السر، و يستبطن الامر ليطلع عليه. ثم بين عليه السلام ان الكشف لم يكن لجهله سبحانه، بل الاختبارهم (لا انه) تعالي (جهل ما اخفوه) اي الناس (من مصون اسرارهم و مكنون ضمائرهم) جمع ضمير و هو باطن الانسان و سره (و لكن) كان الكشف (ليبلوهم) اي يختبرهم (ايهم احسن عملا) و المراد ايهم يعمل حسنا و ايهم يعمل سيئا (فيكون الثواب جزاء) اي لئلا يكون الثواب جزافا يعطي لمن لا يستحق (و العقاب بواء) من باء اذا رجع، اي جزاء لما عملوا من الم

عاصي، او من باء فلان بفلان، اي قتل به، فيكون العقاب كالقصاص. (اين الذين زعموا انهم الراسحون في العلم) اي الثابتون فيه، فان العالم القوي يكون راسخا، غير مردد في الامور، بخلاف غيره فانه يتردد في الامور، فيظن او يشك و

يرجح بالمرجحات (دوننا) اي لسنا نحن الراسخين و انما هم الراسخون فقد كان في اصحاب الرسول من يزعم انه اعلم من اهل البيت، او اقرء او اقضي او ما اشبه. (كذبا) كان زعمهم (و بغيا علينا) اي حسدا و ذلك لانه (ان رفعنا الله و وضعهم) قال سبحانه: (ام يحسدون الناس علي ما آتاهم الله من فضله؟). (و اعطانا) العلم (و حرمهم، و ادخلنا) في لطفه و رحمته (و اخرجهم) اي لم يعطهم و لم يشملهم بلطفه (بنا يستعطي الهدي) اي يطلب الناس اخذ الهدي (و يستجلي العمي) اي يطلب انجلاء الجهل (ان الائمه من قريش غرسوا في هذا البطن من هاشم) اي البطن الطالبي العلوي (لا تصلح) الامامه (علي سواهم) من سائر الناس و سائر بطون قريش (و لا تصلح الولاه) خلفاء الرسول (من غيرهم).

[صفحه 333]

(منها): اي بعض تلك الخطبه (آثروا عاجلا) اي ان بعض الناس اختارو الدنيا العاجله (و اخروا آجلا) و لم يعتنوا بالاخره المستقبله فلم يعملوا لها (و تركوا صافيا) فان الاخره مصفاه من الاكدار (و شربوا آجنا) الماء الاجن المتغير لونه و طعمه و المراد لذائذ الدنيا المشوبه بالكدورات (كاني انظر الي فاسقهم) اي فاسق الناس، او فاسق معين، كملوك بني اميه و من اشبههم (و قد صحب المنكر فالفه) كما يالف الصديق الصديق (و بسي ء به) اي فرح به (و وافقه) اي وافق الفسق (حتي شابت عليه مفارقه) جمع مفرق، و هو ام راسه (و صبغت به) اي بالمنكر (خلائقه) جمع خليقه، ملكه الانسان، اي ان ملكاته النفسيه تلونت بلون المنكر (ثم اقبل) علي الناس (مزيدا) يخرج الزبد من فيه، بيان لحاله في سوره غضبه (كالتيار) و هو الشلال من

الماء و نحوه، الذي يجري بشده فيوجب الامواج و التلاطم. (لا يبالي ما غرق) لكونه كالسكران من المعصيه (او كوقع النار في الهشيم) اي الحطام اليابس، الذي يتهشم و يتكسر بسهوله (لا يحفل) اي لا يبالي (ما حرق) و هكذا يكون اهل المعصيه، اما اهل الدين فانهم يراقبون كل حركاتهم و سكناتهم حتي لا يصدر منهم ما فيه لله سبحانه نهي. (اين العقول المس

تصبحه بمصابيح الهدي) اي صحب معها مصابيح الهدي، التي هي احكام الله سبحانه، فسار في ضوئها الي موضع السعاده. (و) اين (الابصار اللامحه) اي الناظره (الي منار التقوي) كالرسول صلي الله عليه و آله و سلم و الائمه الطاهرين، حيث تشع منهم التقوي (اين القلوب التي وهبت لله) فلم تفكر و لم تامر الا في الله و فيما لله فيه رضي (و عوقدت) عقدها اصحابها (علي طاعه الله) حتي لا تتحرك الاللطاعه (ازدحموا) اي الناس (علي الحطام) اي حطام الدنيا، و هو ما يبس من النبات حتي اذا صادفه اقل قوه تكسرت و تلاشبت- و قد شبهت الدنيا بذلك، لانها مثله في الفناء و الذهاب- (و تشاحوا) اي تضاربوا (علي الحرام) اي علي اقتناء كل واحد منهم المحرمات والتلذد بها (و رفع لهم علم الجنه و النار) اراد عليه السلام بعلم الجنه الاحكام الموديه اليها و يعلم النار المحرمات المنتهيه اليها، و معني (رفع) ظهر كما تظهر اعلام الطريق للماره. (فصرفوا عن الجنه وجوههم) اي اعرضوا عنها فلم يعملوا بما يودي اليها (و اقبلوا الي النار ب) سبب (اعمالهم) الموديه اليها (دعاهم ربهم فنفروا و ولوا) هاربين عن دعوته (و دعاهم الشيطان) الي المعاصي. (فاستجابوا و اقبلوا) يتمثلون اوامره و ينفذون احك

امه.

خطبه 145

[صفحه

335]

في فناء الدنيا، و ذم البدعه (ايها الناس انما انتم في هذه الدنيا غرض) الغرض الهدف الذي يرمي بالسهم (تنتضل فيه المنايا) جمع منيه، و هي الموت، و تنتضل بمعني تترامي اليه، فان سهام الموت تقصد الانسان و تتوجه نحوه (مع كل جرعه) يتجرعها الانسان من الماء و نحوه (شرق) هو الماء يذهب في مجري التنفس، و احيانا يسبب هلاك الانسان، و كونه مع كل جرعه بمعني ان كل جرعه معرض لذلك (و في كل اكله غصص) هو اللقمه لا يتمكن الانسان من ازدرادها، و ربما سببت الهلاك. (لا تنالون منها نعمه الا بفراق اخري) فمثلا نعمه النضج الفكري تتوقف علي فقد الشباب، و نعمه الزوجه لا تنال الا بفقد الفراغ، و نعمه الثروه لا تكون الا تكون بفقد الراحه، و هكذا. (و لا يعمر معمر منكم يوما من عمره الا بهدم آخر من اجله) فكل يوم يعمره الانسان، انما يكون قد هدمه و ازاله عن مدته المقرره كونه في الدنيا. (و لا تجدد له زياده في اكله الا بنفاد ما قبلها) اي ما قبل تلك الزياده (من رزقه) فمثلا قدر ان يصل الي الانسان في يوم السبت دينار، و في يوم الاحد ديناران، فان وصول الدينارين، انما هو بعد نفاد الدينار الاولي، اي بعد وصوله اليه و عدم ترقبه. (و لا يحيا له اثر ال

ا مات له اثر) فان الاثر الذي يوثره الانسان في الماء و الهواء و الارض و ما اشبه ياخذ في الزوال- يمقتضي ان العالم كون و فساد فكل وقت جديد، ياتي فيه اثر جديد، يذهب الاثر القديم. (و لا يتجدد له جديد الا بعد ان يخلق له جديد) يخلق اي

يبلي، فان الدنيا دار بلي (و لا تقوم له نابته) اي الشجره التي تنبت (الا و تسقط منه) اي من ملك هذا الانسان (محصوده) اي ثمره قد حصدت (و قد مضت اصول) من اجدادنا و آبائنا (نحن فروعها) فان الاولاد كالفرع بالنسبه الي الاباء (فما بقاء فرع بعد ذهاب اصله) بمعني انه لا بقاء له.

[صفحه 337]

(منها) اي من تلك الخطبه، في ذم البدعه (و ما احدثت بدعه) و هي التي يوتي بها بعنوان انه من الاسلام، و ليس من الاسلام، بان لم يدل علي جوازه دليل عام او خاص، كصلاه التراويح و ما اشبه، اما ما يوتي به الا بعنوان انه من الاسلام، و ان لم يكن في زمن الرسول، كركوب الطائره، او بعنوان انه من الاسلام حيث دل عليه دليل عام، و ان لم يدل دليل خاص، كبناء المدارس الدينيه و ما اشبه، فليست بدعه. (الا ترك بها سنه) فان البدعه انما توضع في مكان السنه، فمثلا سنه الرسول صلي الله عليه و آله و سلم عدم صلاه التراويح، فالاتيان بها موجب لترك السنه هي ضدها، و هكذا. (فاتقوا البدع و الزموا المهيع) هو الطريق الواضح، و المراد طريق الاسلام (ان عوازم الامور افضلها) جمع (عوزم) كجعفر بمعني المتقادم، اي الامور التي كانت في زمن الرسول صلي الله عليه و آله و سلم و جاء بها الدليل- مقابل البدعه التي هي شي ء جديد-. (و ان محدثاتها) اي ما يحدث و يبدع من الامور (شرارها) الشر كل شي ء ياتي منه الشقاء و العناء فان البدع توجب خسران الدنيا و الاخره.

خطبه 146

[صفحه 338]

(و قد استشاره عمر بن الخطاب في الشخوص) اي الذهاب و السفر (لقتال الفرس

بنفسه) و كان عمر خاف من انهزام المسلمين، و زعم انه لو كان معهم، كان اقرب الي النصر، فاشار اليه الامام بالعدم و في بعض التواريخ ان الامام بعث بالامام الحسن عليه السلام مع الجيش، و انه ذهب الي ان فتح و دخل اصفهان و صلي في مسجد هناك. (ان هذا الامر) اي الفتح (لم يكن نصره و لا خذلانه بكثره و لا قله) من باب اللف و النشر المرتب (و هو) اي الاسلام (دين الله الذي اظهره) من الغيب للناس (و جنده) الظاهر ان المراد كون المسلمين- المفهوم من الكلام- (الذي اعده و امده) اي هيئه و جعل له مددا (حتي بلغ ما بلغ) اي المقدار الذي بلغ من السعه و القدره. (و طلع حيث طلع) اي ظهر في الاماكن (و نحن علي) امر (موعد من الله) حيث قال سبحانه: (و ينصرن الله من ينصره). (و الله منجز وعده) اي لا يخلفه (و ناصر جنده) الذين هم المسلمون المجاهدون في سبيله (و مكان القيم بالامر) اي الخليفه القائم بامر المسلمين (مكان النظام) اي السلك (من الخرز) اسم جنس و هو ما تنظم في سلك، كحبه السبحه و نحوها. (يجمعه و يضمه) اي يجمع السلك الخرز، و يضم بعضها الي بعض (فان انقطع النظام) اي

السلك (تفرق) الخرز (و ذهب) بددا. (ثم لم يجتمع بحذافيره) اي بتمامه (ابدا) فان السعاده اذا ذهبت هيهات ان ترجع (و العرب اليوم و ان كانوا قليلا) بالعدد (فهم كثيرون بالاسلام) فان الاسلام قد اوجد فيهم طاقه هائله، و اورث لهم هيبه كبيره. (و عزيزون بالاجتماع) لان كلمتهم واحده تحت لواء الاسلام (فكن) باقيا في المدينه (قطبا) لهم (و استدر الرحا) اي

ادرها (بالعرب) فهم الذين يذهبون و يفتحون، كما تدور الرحي علي القطب لتحطيم الحبات و طحنها (و اصلهم) اي العرب (- دونك- نار الحرب) و الاصلاء ايصال الشي ء الي النار (فانك ان شخصت) اي ذهبت و سافرت (من هذه الارض) و هي المدينه (انتقضت عليك العرب من اطرافها) فانهم جديد و عهد بالاسلام و مستعدون للارتداد (و اقطارها) جمع قطر، بمعني الناحيه. (حتي يكون ما تدع ورائك من العورات) الجبهات التي تفتح ضد الاسلام، و العوره هي المكان الذي يخشي منه ان اغفل منه (اهم اليك مما بين يدك) اي الفرس، فالانسان لذا تحطم داخله كان اشد عليه، مما اذا لم يكن له قوه في الخارج. (ان الاعاجم ان ينظروا اليك غدا يقولوا هذا اصل العرب) الذين يحاربوننا (فاذا اقتطعتموه) اي قتلتموه (استرحتم) مونه هجومهم من جديد و فتحهم لبلا

دنا (فيكون ذلك) الذي يسبب جرئه الاعاجم (اشد لكلبهم) اي ضراوتهم و شدتهم (عليك و طمعهم فيك) فيكون رواحك بنفسك سببا لتشدد الامر علي المسلمين، و ضعف جانب الداخل منهم، و لذا فالمشوره ان لا تذهب. اقول: لقد تقدم وجه عدم اجازه الامام عليه السلام له في المسير- في كلام له عليه السلام حول عدم خروجه الي حرب الروم-. (فاما ما ذكرت من مسير القوم الي قتال المسلمين) فقد ذكر عمر للامام انه سمع ان الفرس قد قصدوا المسير الي المسلمين و قصدهم لذلك دليل قوتهم و انما اكره ان يغزونا قبل ان نغزوهم، فاجاب الامام بهذا الجواب ثم بين السبب في ردعه، و ان قصدوا ذلك بقوله: (فان الله سبحانه هو اكره لمسيرهم منك) لان الله تعالي اكثر حبا للاسلام من كل احد (و هو اقدر علي

تغيير ما يكره) بان يثني عزمهم و يلقي الرعب في قلوبهم فلا يتمكنون من السير. (و اما ما ذكرت من عددهم) و انهم عدد هائل و عدد المسلمين قله (فانا لم نكن نقاتل فيما مضي بالكثره) بانا اكثر عددا من الاعداء (و انما كنا نقاتل بالنصر) من الله سبحانه (و المعونه) اي اعانته، و قد كان كما قال الامام عليه السلام: فانتصر المسلمون، و ظهر خلل راي عثمان، حيث اشار بخروج عمر.

خطبه 147

[صفحه 341]

و فيها بيان عله البعثه، و فضل القرآن، و الناس في المستقبل، و عظمه الناس. (فبعث الله) سبحانه (محمدا صلي الله عليه و آله بالحق) اي ارسالا بالحق لا ارسالا بالباطل، كما يرسل الجبابره الولاه. (ليخرج عبادمه من عباده الاوثان) اي الاصنام (الي عبادته) تعالي (و من طاعه الشيطان الي طاعته) فان العصان يطيعون الشيطان اذ هو الامر بالعصيان (بقرآن) اي مع قرآن (قد بينه) الله سبحانه (و احكمه) فان احكامه متقنه لا خلل فيها و لا نقص (ليعلم) اي يعرف (العباد ربهم اذ جهلوه) اي في ظرف جهلوه سبحانه، فان الناس كانوا جهله زمان ابتعاث الرسول صلي الله عليه و آله و سلم. (و ليقروا به اذ جحدوه) اي انكروه (و ليثبتوه بعد اذ انكروه) فلم يعترفوا بوجوده، و لعل الجحود مع الاستيقان و الانكار مع الشك و الجهل عدم المعرفه اطلاقا. (فتجلي سبحانه لهم) اي ظهر- ذاته و صفاته- (في كتابه من غير ان يكونوا راوه) فانه سبحانه قد عرف نسفه في القرآن الكريم. (بما اراهم من قدرته) فان الانسان اذا ذكر باثار احد عرفه، فانه سبحاه قد ذكر في القرآن صنوفا من مظاهر قدرته، مما يلفت الانسان الي معرفته. (و

خوفهم من سطوته) اي عقابه، بما بين من العذاب في الدنيا و ال

اخره لمن خالف و عصي. (و كيف محق) اي اهلك (من محق) من الامم السابقه (بالثملات) اي بالعقوبات التي صارت مثلا للناس. (و احتصد) اي حصد كما يحصد السنبل (من احتصد بالنقمات) جمع نقمه و هي العقوبه

[صفحه 343]

(و انه سياتي عليكم من بعدي) كزمان بني اميه (زمان ليس في شي ء اخفي من الحق و لا اظهر من الباطل) فان الحق قد خفي في زمان بني اميه، و ظهر الباطل، حتي لم يكن الناس يعرفون امور دينهم الا كما شائت اهواء آل اميه. (و لا اكثر من الكذب علي الله و رسوله) فقد امر معاويه باختلاق الاحاديث عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم، لتقويه سلطانه، و بذل لذلك الاموال الطائله. (وليس عند اهل ذلك الزمان سلعه ابور من الكتاب اذا تلي حق تلاوته) (ابور) يعني لا رواج له اطلاقا، بمعني انه لا يعمل به، و معني (تلي) عمل به، فان حق التلاوه العمل، و المعني ان الكتاب بمعناه المراد ابعد الشياء عن العمل فقد كان آل اميه يشربون الخمر، و يزنون مع المحارم، و يقتلون النفوس البرئيه، الي غيرها من المحرمات المنصوصه في القرآن الحكيم. (و لا انفق منه) اي اروج من الكتاب (اذا حرف عن مواضعه) بمعني فسر كما تشاء اهواء بني اميه فقد اعطي معاويه لسمره بن جندب اربعمائه الف درهم، حتي صعد المنبر و نسب الي الرسول صلي الله عليه و آله و سلم، انه قال: نزلت في علي عليه السلام آيه: (و من الناس من يعجبك قوله في الحياه الدنيا و يشهد الله علي ما في قلبه و هو الد الخصا

م،

و اذا تولي سعي في الارض ليفسد فيها و يهلك الحرث و النسل و الله لا يحب الفساد) و نزلت في ابن ملجم قاتل علي عليه السلام آيه: (و من الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاه الله). (و لا في البلاد شي ء انكر من المعروف) هذا علي طريق المبالغه، او علي ظاهره، فان حب الامام- مثلا- كان من انكر الشتام في بلاد معاويه. (و لا اعرف من المنكر) فان ولاء آل اميه كان من اشد انحاء المعروف (فقد نبذ الكتاب) اي طرحوا العمل به (حملته) كاصحاب الرسول صلي الله عليه و آله و سلم امثال ابي هريره (و تناساه) اي جعلوا انفسهم كانهم ناسين لاحكامه- مع انهم في الحقيقه غير ناسين- (حفظته) الذي حفظوه (فالكتاب- يومئذ- و اهله) الحقيقيون كشيعه الامام عليه السلام (منفيان طريدان) طردهم اهل الباطل عن المجامع، ينفون من بلد الي بلد، كما فعل بحجر و اصحابه (و صاحبان مصطحبان) اي صديقان يكون احدهما صاحبا للاخر، لا يفارقه. و هما (في طريق واحد) من الخير و الصلاح (لا يوويهما موو) الايواء: اعطاء المكان و المسكن، و ذلك كنايه عن الاحتفال بهما، و الاهتمام بشانهما كالغريب الذي لا يوويه احد (فالكتاب و اهله في ذلك الزمان في الناس) بهياكلهما و جسومهما (و ليسا فيهم) بارواحهما،

لعدم الالفه بين الناس و بين الكتاب و اهله (و معهم) جسما و هيكلا (و ليسا معهم) روحا و عملا (لان الضلاله) التي بايدي الناس (لا توافق الهدي) الذي يدعوا اليه الكتاب و اهله (و ان اجتمعا) باجسامهما في محل واحد- و هذا عله لقوله عليه السلام: ليسا فيهم، و ليسا معهم- (فاجتمع القوم) اي الناس المناوئون للكتاب و اهله (علي الفرقه) اي التفرق،

كما هو الطابع العام لاهل الشام و من اليها في زمن الامويين، و معني الفرقه: الابتعاد عن الكتاب و اهله (و افترقوا علي الجماعه) العامله بالكتاب. (كانهم) في اتخاذ آرائهم، و تاويل الكتاب علي طبق اهوائهم (ائمه الكتاب و ليس الكتاب امامهم) اذ لو كان الكتاب امامهم، ابتعوه. (فلم يبق عندهم منه) اي من الكتاب (الا اسمه) اذ لا عمل به حتي تبقي روحه لديهم (و لا يعرفون الا خطه و زبره) اي كتبه يقال زبره بمعني كتبه و المعني انهم لا يعرفون مقاصده العاليه و احكامه الساميه (و من قبل) في ازمنه بني اسرايل و نحوها (ما) زائده للتزيين (مثلوا بالصالحين كل مثله) اي كل انواع المثله، و المثله عباره عن التنكيل و العقاب، الذي يسبب ان يجعل ذلك مثلا عند الناس لفضاعته، كان تصلم الاذن، او تفقاء العين، او يجدع الانف، و نحو

ذلك، و هذه الجلمه بيان ان تمثيل بني اميه باهل الكتاب ليس شيئا جديدا، فعاده الجبابره- في كل زمان- التنكيل بالصالحين، او المراد ان بني اميه في زمان كفرهم فعلوا امثال هذه الاعمال، كما فعلت هند بحمزه عليه السلام، فليس عملهم شيئا جديدا بالنسبه اليهم. (و سموا صدقهم) اي صدقه الصالحين (علي الله) حيث كانوا يصدقون باحكام الله سبحانه (فريه) اي افترائا كما كان ابوسفيان ينسب كلام الرسول صلي الله عليه و آله و سلم الي الافتراء (و قالوا افك افتراه) و (و قالوا اساطير الاولين اكتتبها). (و جعلوا في الحسنه عقوبه السيئه) فالحسنه التي هي الاسلام و التوحيد، كان لدي بني اميه- قبل اظهارهم للاسلام- كانت لها عقوبه السيئه، فكانوا ينكلون بالمسلمين و يعاقبونهم- و هذا ان كان المراد بالجمل السابقه بني اميه، و انكان المراد

الامم السابقه، فالمصداق غير بني اميه و انما عتاه الامم البائده، و علي اي حال ففي هذه الجمل بيان حال الجبابره و العتاه في كل زمان. ثم توجه الامام عليه السلام الي نصح الناس بقوله: (و انما هلك من كان قبلكم) من الامم (بطول آمالهم) جمع امل، و هو ان يرجوا المرء ان يفعل في المستقبل اشياء مرتبطه بالدنيا (و تغيب آجالهم) اي انه غاب

عن انظارهم اجلهم، فلم يتاهبوا للاخره و لم يعجلوا بالصالحات، و معني هلاك الامم اما نزول العقوبه عليهم، او ذهاب كيانهم كما ذهب كيان الرومانيين، و كيان بني اسرائيل، و هكذا. (حتي نزل بهم الموعود) و هو الموت (الذي ترد عنه المعذره) اي لا يقبل فيه عذر، بان يعتذر الانسان عن الموت، فيرجع الموت، و لا ياخذ من جاء لاجله. (و ترفع عنه التوبه)، اي لا تفيد التوبه بعده اذا جاء (و تحل) اي تنزل (معه) اي مع الموت (القارعه) اي الداهيه المهلكه، كانها تقرع الانسان و تدقه (و النقمه) اي العقاب.

[صفحه 347]

(ايها الناس انه من استنصح الله) له، بمعني اتخذ الله ناصحا له، باتباع اوامره، و انتهاج مناهجه (وفق) لكل خير و سعاده (و من اتخد قوله) اي قول الله تعالي (دليلا) يدله علي مواضع الخير (هدي) الي صراط مستقيم (للتي هي اقوم) اي للطريقه التي هي اقوم و احسن الطرق، كما قال سبحانه: (ان هذا القرآن بهدي للتي هي اقوم). (فان جار الله) اي الذي اتخذ احكامه- كان جر في ظل جاره- (آمن) عن المكاره، و ما نزل عليه منها فانما هو موجب اللمرض و الاجره، فلا منفعه تفوت من يديه بلا بدل- كما يقال: الذي امن نفسه في (شركه التامين) امن.

(و عدوه خائف) ان عاش كان في ضيق، و ان مات فالي النار (و انه لا ينبغي لمن عرف عظمنه الله ان يتعظم) اذ الانسان يعرف الاشياء باضدادها، فمعرفه عظمه الله ملازمه لمعرفه حقاره النفس، فلا ينبغي بعد ذلك التعاظم. (فان رفعه الذين يعلمون ما عظمته) سبحانه (ان يتواضعوا له) ففي تواضعهم رفعه لهم، اذ التواضع يدل علي الفهم، و تقدير الاشياء حق قدرها و كلا الامرين موجب للرفعه. (و سلامه الذين يعلمون ما قدرته) اي سلامتهم عن العقوبه (ان يستسلموا له) بالانقياد، و اطاعته الاوامر (فلا تنفروا من الحق نفار الصحيح) اي مثل نفار

الصحيح من الحيوان (من الاجرب) الذي اصيب بداء الجرب- و هو داء خبيث يوجب العدوي، و لذا يفر الصحيح منه خوفا- (و الباري) اي الانسان الصحيح البري من المرض (من) الانسان. (ذي السقم) اي المريض. (و اعلموا انكم لن تعرفوا الرشد حتي تعرفوا الذي تركه) فان الانسان لا يدرك حسن الاشياء، الا اذا راي قبح اضدادها، و لذا قالوا تعرف الاشياء باضدادها. (و لن تاخذوا بميثاق الكتاب) اي باحكامه المحكمه التي هي بمنزله المواثيق و العهود بين الله و بين خلقه (حتي تعرفوا الذي نقضه) فان قبح الناقض يوجب ترفع الانسان عن ان يماثله، و ذلك موجب للاخذ بالكتاب (و لن تمسكوا) اصله (تتمسكون) (به) اي بالكتاب و التمسك قوه الاخذ و العمل باحكامه (حتي تعرفوا الذي نبذه) اي طرح العمل به، و العله لذلك كما ذكرنا في الجمل السابقه (فالتمسوا) اي اطلبوا (ذلك) العمل بالكتاب، و المراد العلم بقاصد الكتاب (من عند اهله) و هم الائمه و العلماء الربانيون (فانهم عيش العلم) بهم يعيش العلم، و يبقي في الحياه. (و

موت الجهل) اي انعدامه و نفيه، فان العلماء هم الذين يميتون الجهل و ينيرون الناس بالعلم (هم الذين يخبركم حكمهم عن علمهم) فان الانسان اذا حكم في قضيه، عرف من حكمه انه ع

الم او ليس بعالم (و صمتهم عن منطقهم) فان العالم صموت، و الجاهل ثرثار، فصمت النسان دليل علمه، (و ظاهرهم عن باطنهم) فان الظاهر عنوان الباطن، فاذا كان الظاهر حسنا، دل علي قلب حسن ملي ء بالفضيله و التقوي. (لا يخالفون الدين) بترك اوامره، و الاتيان بنواهيه (و لا يختلفون فيه) بان يكون لكل واحد اتجاه يخالف اتجاه الاخر، فان اتجاه اهل الدين واحد (فهو) اي القرآن (بينهم شاهد صادق) يشهد بحسن اعمالهم. لمطابقه اعمالهم له (و صامت ناطق) فانه لا يتكلم، لكنه يعلم و يبين و يرشد.

خطبه 148

[صفحه 351]

(في ذكر اهل البصره) و هم الذين اجتمعوا لمحاربه الامام في وقعه الجمل و علي راسهم طلحه و الزبير و عائشه. (كل واحد منهما) اي من طلحه و الزبير (يرجو الامر) اي امر الخلافه (له) فمحاربتهما ليست لاجل الدين و انما لاجل الدنيا (و يعطفه عليه) اي يحيل الامر الي نفسه (دون صاحبه) و صديقه، فهو مخالف في قلبه حتي مع صاحبه. (لا يمتان الي الله بحبل) اي لا يتصلان اليه سبحانه بحبل الدين و الايمان (و لا يمدان اليه) تعالي (بسبب) فلا سبب بينهما و بينه تعالي، من اسباب الايمان (كل واحد منهما حامل ضب لصاحبه) الضب حيوان معروف، و العرب تضرب المثل به في الحقد اي ان كل واحد من طلحه و الزبير يحقد صاحبه و يحسده، و انما جمعهما المصلحه المشتركه، في قبال الخلافه (و عما قليل يكشف قناعه) اي قناع كل

واحد منهما (به) اي بسبب الحقد الذي يطوي عليه لصاحبه، كما قال الشاعر: و مهما يكن عند امر من خليقه و ان خالها تخفي علي الناس تعلن و قد ظهر صدق مقاله الامام عليه السلام فانهما اختلفا فيمن يصلي بالناس، و اراد كل واحد منهما ان يكون هو الامام حتي خافت عائشه تفكك الجيش فاصلحت بينهما بان يصلي محمد بن صلحه في يوم و يصلي عبدالله بن الزبير في يوم

، و ادعي عبدالله بن الزبير ان عثمان نص عليهما بالخلافه يوم الدار، لكن منجنيق حجاج كانت اقو يمن نصر عثمان، و طلب كل واحد من طلحه و الزبير ان يسلم الناس عليه بامره المومنين، و طلب كل واحد منهما تولي القتال، الي غير ذلك من المهاذل. (و الله لئن اصابوا الذي يريدون) من انتزاع الامر من يدي و الاستبداد به (لينتزعن هذا) اي احدهما (نفس هذا) اي الاخر (و لياتين هذا) احدهما بالقتل (علي هذا) اي الاخر، اي لقامت الحرب بينهما حتي ان كل واحد منهما يريد قتل الاخر و الاستراحه منه. (قد قامت الفئه الباغيه) التي تبغي و تظلم، و تهدم الاسلام (فاين المحتسبون) اي الذين يجاهدون حسبه لله، اي في حسابه و قربه اليه. (فقد سنت لهم) اي للمحتسبين الذين يريدون ثواب الله سبجانه (السنن) اي دلوا علي الخير (و قدم لهم الخبر) فعلموا من علي الحق و من علي الباطل، فان الرسول صلي الله عليه و آله و سلم اخبر بكل ذلك قبل الوقوع، و قال صلي الله عليه و آله و سلم: يا علي: حربك حربي. و قال: علي مع الحق و الحق مع علي. و قال: لعن الله من اذاني في

علي. الي غير ذلك. (و لكل ضله) اي ضلال (عله) هذا بيان لعله ضلال هولاء، و هي طلب الخلافه (و لكل ناكث) ينكث البيعه و يخون

العهد (شبهه) ما يسبب له اشتباه الحق بالباطل- عن عمد او جهل- كما كانت شبهه هولاء دم عثمان. (و الله لا اكون كمستمع اللدم) هو ضرب الانسان علي صدره و وجهه عند المصيبه (يسمع) مستمع اللدم (الناعي) الذي يخبر بموت شخص (و يحضر الباكي) اي يراه. (ثم لا يعتبر) و المعني انه عليه السلام لا يتغافل عن هولاء، بعد ما عرف نواياهم، و ظهرت له آثار نكثهم، فلا يكون كمن يري موضع الخطر، فيري ان الناعي نعي من وقع عليه الخطر، و الباكي بكاه، ثم لا يتجنب ذلك الموضع، حتي يقع الخطر عليه و يموت كما مات من قبله.

خطبه 149

[صفحه 354]

قبل موته و السيد (ره) اراد بذلك، انه صدر منه عليه السلام بعد ما ظهر اثر الموت عليه. (ايها الناس كل امري ء لاق) اي يلقي (ما يفر منه) اي الموت (في فراره) فان الانسان بمواظبته علي صحه جسده و وقايته عن الافات كالفار عن الموت، لكن الفرار ليس ظاهريا، بل عمليا وقائيا. (و الاجل مساق النفس) اي ان الاجل يسوق الانسان حتي يوصله الي ساعته المقرره فيموت فيها (و الهرب منه) اي من الموت (موافاته) اي يوجب الوصول اليه، اذ الهرب يحتاج الي الزمان، و كلما انقض زمان اقترب الانسان بمقدار ذلك الزمان الي الموت. (كم اطردت الايام) اسناد الاطراد الي الايام مجاز، و الاصل اطردت ما اريد في الايام، نحو صائم النهار، و اطراد الشي ء جعله طريدا لاقتناصه و التحصيل عليه. (ابحثها) اي ابحث في الايام و اطلب (عن مكنون هذا

الامر) اي وقت الموت، و كان الامام عليه السلام اطال التفكير في ايام عديده، لتحصيل قاعده يعرف منها وقت موت كل انسان، كما تعرف النتائج من مقدماتها، و كما تعرف الامراض عن علائمها. (فابي الله الا اخفائه) و هذه الجمل كنايه عن عدم الفائده في اتعاب النفس لمعرفه وقت الموت فقد شاء الله ان لا يكون للموت علامه- يعرف بها وقت الموت

بحيث يعرف كل انسان اي وقت يموت- و هذا في الحقيقه من عجيب، فانه اشغل بال الحكماء، لكن احدا لم يقدر علي الاستخراج. (هيهات) لا يعلم احد فانه (علم مخزون) قد خزن في الغيب الذي لا يعلمه الا الله سبحانه، و لمن شاء سبحانه ان يعلمه. (اما وصيتي: فالله لا تشركوا به شيئا) اي لا تجعلوا شيئا شريكا له (و محمدا صلي الله عليه و آله فلا تضيعوا سنته) اي طريقته التي هي احكامه و ما جائه من عند ربه. (اقيموا هذين العمودين) اي التوحيد و النبوه (و اوقدوا هذين المصباحين) اي ابقوا لهما ضوئهما و المراد الاستناره الدائمه منهما. (و خلاكم ذم ما لم تشردوا) اي ليس عليكم ذم ما لم تفروا من هذين الامرين (حمل كل امري ء منكم مجهوده) اي ليحمل كل انسان ما يقدر عليه من العمل، و هذا تحريض علي العمل بمنتهي الطاقه. (و خفف عن الجهله) اي ليخفف كل انسان احكامه علي الجهال، كاهل البوادي و من اشبه، و هذا اشاره الي انه لا يحق لانسان عالم عامل ان ينظر بالازدراء الي الجهال، لانهم لا يعلمون كما يعلم، و لا يعملون كما يعمل- كما هي العاده عند العاملين غالبا-. (انا بالامس) في حال صحتي (صاحبكم) الذي صحبكم و كان منكم

(و انا اليوم عبره لكم) تعتبرون بي كيف ان الانسان ي

فارق الحياه، و لا يقدر- في مقابل قضاء الله- علي شي ء (و غدا مفارقكم) بالموت و الذهاب الي الاخره (غفر الله لي) باعطاء الدرجات الرفيعه (و لكم) بمحو الخطايا (ان تثبت الوطاه) اي الثقل، اي ان بقيت حيا في دار الدنيا (في هذه المنزله) اي محل الذله الحياه، حيث ضرب عليه السلام. (فذاك) ما يرجوه اهله عليه السلام و الناس (و ان تدحض القدم) اي تزل و تزلق، و هذا كنايه عن موته عليه السلام (ف) ليس قولي بعجيب، اذ الانسان في دار الدنيا عاريه، كالذي في ظل شجره او ظل غمام، فانه يذهب الظل عنه. (انما كنا في افياء) جمع في ء، و هو الظل (اغصان) جمع غصن (و مهاب رياح) جمع مهب و هو محل هبوبها، فان الرياح لا تلبث ان تسكن فلا يتمتع الانسان بها. (و تحت ظل غمام) اي السحاب (اضمحل في الجو) اي انعدم في الفضاء (متلفقها) اي المنضم بعضه الي بعض، و الضمير للغمام- و انما انت باعتبار الجنس-. (و عفا في الارض مخطها) اي المكان الذي تخط الرياح في الارض، فان آثار الرياح تذهب سريعا و (عفي) بمعني (انعدم). (و انما كنت) بينكم (جاروا جاوركم بدني اياما) و كان التخصيص بالبدن لبقاء روحه عليه السلام في الناس الي الابد. (و ستعقبون مني جثه خلاء) اي ستبقي بدني، خاليا

عن الروح (ساكنه بعد حراك) اي بعد تحرك (و صامته بعد نطق) اي ساكته، و هذا وصف للشي ء باعتبار جزئه. (ليعظكم هدوي) اي سكوني (و خفوت اطرافي) من خفت بمعني السكون و الاطراف جمع طرف بمعني الاعين (و سكون اطرافي) جمع طرف بمعني الاعضاء (فانه) الهدو و

السكون. (اوعظ للمعتبرين) اي الذين يريدون الاعتبار، فان الانسان اذا راي الميت تذكر فناء الدنيا، و كان ذلك اكثر تاثيرا في قلبه من الموعظه (من المنطق البليغ) الذي يبلغ المتكلم مراده من الوعظ. (و القول المسموع) الذي يسمعه المتسمع (و داعيكم) اي انا اودعكم- و الاصل و داعي لكم-. (وداع امري مرصد) اي منتظر (للتلاقي) في الاخره (غدا ترون ايامي) في الاخره تكون ايامي عامره بالسياده و العزه لا كايام الدنيا التي كانت علي. (و يكسف لكم عن سرائري) فان السرائر في الدنيا مخفيه لا يعلم حسنها من سيئها، فاذا صارت القيامه و ظهرت السرائر، كما قال سبحانه: (يوم تبلي السرائر) يظهر نقاء سريره الامام و كدوره سرائر اعدائه. (و تعرفونني) في الدنيا (بعد خلو مكاني و قيام غيري مقامي) فان الامام كان عطوفا روفا يعدل و يقسم المال بالسويه، و اذا قام غيره مقامه، اظهر كل فساد و ظلم و تعد، و قد كان كما قال الامام ع

ليه السلام حين استولي معاويه و اخذ يجور في الناس جورا لم ير مثله، و كذلك اجلاف اميه، و بني العباس.

خطبه 150

[صفحه 359]

(في الملاحم) و في وصف اهل الضلال (و اخذوا) اي الناس (يمينا و شمالا) اي في طرق الضلال، فان جاده الهدي، هي الوسط، و اطرافها ضلال و هلاك (طعنا) اي ولوجا (في مسالك الغي) اي الضلال (و تركا لمذاهب الرشد اي طرقه، فان مذاهب جمع مذهب، و هو الطريق، و الاتيان باللفظ جمعا، باعتبار ان كل واحد من النبي و الامام و العالم طريق الي الله سبحانه و انكان الجميع حاكيا عن امر واحد. (فلا تستعجلوا ما هو كائن مرصد) لقد كان النبي صلي الله عليه و

آله و سلم و الامام عليه السلام اخبرا بامور مستقبله، فكان الناس يستعجلون في صيرورتها، فنهاهم الامام عن ذلك، لان الاستعجال لا يفيد الا قلق المستعجل، و معني (مرصد): (مراقب) ينتظره الانسان (و لا تستبطئوا ما يجي ء به الغد) اي لا تعدوه بطيئا. (فكم من مستعجل بما) اي لشي ء (ان ادركه ود انه لم يدركه) لما يصاحبه من الفتن و الابتلاء (و ما اقرب اليوم من تباشير غد) تباشير الشي ء اوله، و المعني ان الغد قريب حتي ان الانسان- و هو في يومه هذا- قريب من طلائع الغد. (يا قوم هذا) القوت (ابان) اي قرب وقت (ورود كل موعود) من مواعيد الرسول و الامام حول تسلط الامويين، كما راي الرسول صلي الله عليه و آله

و سلم في المنام انهم ينزون علي منبره نزو القرده و غير ذلك من الاخبارات المستقبله (و دنو) اي قرب (من طلعه ما لا تعرفون) يقال طلع الشي ء اذا ظهر بعد اختفائه (الا و من ادركها) اي الموعودات (منا) اي من ائمه اهل البيت عليهم السلام. (يسري فيها بسراج منير) فان تلك الفتن الموعوده لا توثر فيهم انحرافا، (و يحذو فيها) اي يتبع (علي مثال الصالحين) من الانبياء و المرسلين، و هذا تحريض للناس علي اتباعهم عليه السلام في الفتن، و انما يري الامام بسراج منير (ليحل فيها) اي في تلك الفتن (ربقا) جمع ربقه، و هي الحبل الذي فيه عده عري لربط البهائم، اي يريد الامام حل رقاب الناس من الهلكه. (و يعتق رقا) اي عبوديتهم، فكان الناس في الفتن عبيد شهواتهم و عبيد الظالمين، و الائمه يعتقونهم من العبوديتين. (و يصدع شعبا) الشعب التفرق، و الصدع الجمع (و يشعب) اي يفرق (صدعا)

اي جمعا في معسكر الضلال، و انهم يبصرون الطريق و يهدون الناس الي السبيل. (في ستره عن الناس) اي في حالكونهم متسترين عن الناس، او في حال ستره للحق عن الناس بحيث لا يرونه، حتي انه (لا يبصر القائف) و هو الذي يعرف الاثار و يستدل بها علي الامور (اثره) اي اثر نفسه، و هذا بيان لشده الظلا

م و تراكم الباطل علي الحق (و لو تابع) القائف (نظره) بان نظر مره بعد مره ليري اثره (ثم) لترتيب الكلام لا لترتيب المطلب فان (ثم) ياتي للامرين. (ليشحذن) من شحذ السكين و نحوها بمعني حددها (فيها) اي في تلك الفتن (قوم شحذ القين) اي الحداد (النصل) اي هي حديده السيف و السكين و نحوهما و مراد: ان في تلك الفتن تتقوي اذهان جماعه من الناس فتصير مستعده لدرك العلوم و المعارف و فهم الحقائق، كما هي العاده في الفتن، فانها- حيث كانت محل تقلب الاراء و تبدل السماه و العلاماه- توجب شحذ اذهان جماعه من الناس (تجلي بالتنزيل) اي القرآن (ابصارهم) فانهم حيث يرون الفتن يرجعون الي القرآن ليجدوا حلا لها فينكشف لديهم اسرار القرآن. (و يرمي بالتفسير في مسامعهم) حيث يسالون عن تفسير الايات، فتفسر لهم كانه القاء في المسامع (و يغبقون) اي يسقون (كاس الحكمه) اي تفهم الاشياء و ادراك الامور (بعد الصبوح) اي بعد ما شربوها بالصباح، و هذا كنايه عن دوام تعلمهم الامور في كل صباح و مساء.

[صفحه 362]

(منها:) في اهل الضلال (و طال الامد) اي المده (بهم) حيث لم يروا جزاء اعمالهم فاوغلوا في المعاصي (ليستكملوا الخزي) اي يكملو سخط الله سبحانه بهم (و يستوجبوا الغير) اي احداث الدهر و نوائبه، فان

الانسان انما يستوجب تغير النعمه عنه اذا تمادي في الطغيان و الظلم، كما قال سبحانه: (و ما كان الله مغيرا نعمه انعمها علي قوم حتي يغيروا ما بانفسهم). (حتي اذا اخلولق) اي استوي (الاجل) يقال: اخلولق السحاب اذا استوي و ضار خليقا ان يمطر، و المعني قرب اجلهم (و استراح قوم الي الفتن) بمعني انهم اعتزلوها و تركوا الفتنه تاخذ مجراها بدون ان يقوموا بتغيرها. (و اشالوا) اي رفعوا انفسهم (عن لقاح حربهم) اي عن تهييج المحاربه مع اهل الفتنه، فان الفتنه اذا دخلها جماعه هاجت، فكانت كالناقه اذا لقحت للحمل. (لم يمنوا علي الله بالصبر) جواب (اذا) اي ان هولاء المومنين اذا احدثت تلك الحوادث قاموا في وجه الباطل صابرين لما يلقون من الاذي في سبيل الجهاد، و اعلاء كلمه الحق، بدون ان يمنوا علي الله في صبرهم لاجله سبحانه (و لم يستعظموا بذل انفسهم في الحق) فلا يعدون انفسهم عظيما حتي يرون ان بذلها شي ء مهم (حتي اذا وافق وارد القضاء) اي القضاء ال

الهي الوارد في وجوب الجهاد (انقطاع مده البلاء) بان جاء القضاء بالجهاد و انقطعت مده البلاء (حملوا بصائرهم علي اسيافهم) فانهم يظهرون عقيدتهم داعين اليها بالاسياف، فكانهم جعلوا البصائر- جمع بصيره بمعني العقيده الصحيحه- علي السيف، يدعون الي البصيره، و الا فالسيف. (و دانوا لربهم بامر واعظهم) الذي هو الرسول صلي الله عليه و آله و سلم- و حيث ان الحمل السابقه كانت في احوال الجاهليه، كما يظهر من سياق الكلام- قال عليه السلام: (حتي اذا قبض الله رسوله) محمدا (صلي الله عليه و آله، رجع قوم علي الاعقاب) جمع عقب: و هي موخره الرجل، بمعني ارتدوا الي الجاهليه كما كانوا

سابقا، و هذا من باب تشبيه المعقول بالمحسوس (و غالتهم) اي هلكتهم (السبل) المتفرقه التي سلكوها عوض سلوك سبيل الحق. (و اتكلوا) اي اعتمدوا في اخذ الدين (علي الولائج) جمع وليجه، اي دخائل المكر و الخداع التي يدخل فيها الانسان للموامره علي الحق (و وصلوا غير الرحم) اي غير رحم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، حيث نحتوا لانفسهم الخليفه (و هجروا السبب) المتصل بالله سبحانه- يعني نفسه الشريفه- (الذي امر الله بمودته) كما قال سبحانه: (قل لا اسالكم عليه اجرا الا الموده في ال

قربي). (و نقلوا البناء عن رص اساسه) اي عن سمت اساسه، كنايه عن تزحزح الامر من علي عليه السلام الذي هو اساس الاسلام، الي ابي بكر (فبنوه) اي البناء- و هو كنايه عن الخلافه- (في غير موضعه) الذي هم آل البيت عليهم السلام. (معادن كل خطيئه بيان ل(غير موضعه) (و ابواب كل ضارب في غمره) الغمره: الشده و الضارب في الغمره، كنايه عن المشيرين للفتن، و الخلفاء كانوا ابواب اولئك، اذ بسببهم تمكنوا من ايجاد الفتن، كخالد بن الوليد، و مروان، و ابن ابي سرح، و من اليهم (قد ماروا) اي تحركوا و اضطربوا (في الحيره) اي في ما يوجب التحير و عدم فهم حل المشاكل (و ذهلوا في السكره) فهم كالسكران الذي لا يعلم من بختار و ما يعمل (علي سنه من آل فرعون) فان فرعون علي في الارض و جعل اهلها شيعا، يستضعف طائفه منهم، يذبح ابنائهم و يستحيي نسائهم و قد فعل خالد بن الوليد بمالك بن نويره مثل ذلك و هكذا قضايا اخر مذكوره في كتب السير، تشبه اعمال فرعون و آله (من منقطع الي الدنيا راكن) اليها

(او مفارق للدين مباين) له.

خطبه 151

[صفحه 365]

و فيها تحذير من الفتن (و احمد الله و استعينه علي مداحر الشيطان) الدحر بمعني الطرد، و مداحر جمع مدحر- مصدر ميمي- بمعني الامر الذي به يدحر الشيطان يعني استعين الله سبحانه علي ان يوفقني لطرد الشيطان. (و مزاجره) جمع مزجر: بمعني الزجر، اي علي ان يوفقني لزجر الشيطان (و) علي (الاعتصام من حبائله و مخاتله) اي ان يحفظني سبحانه لئلا اقع في حبائله، و هي جمع حباله، بمعني شرك الصياد، و المخاتل جمع مختل، بمعني المحل الذي يختل و يختفي فيه الشيطان ليكمن الاجل اصطياد الفريسه. (و اشهد ان لا اله الا الله، و اشهد ان محمدا عبده و رسوله) ذكر في ما سبق ان ذكر (عبده) لعله في مقابل النصاري، الذين يزعمون ان المسيح اله شريك مع الله سبحانه (و نجيبه) اي انتجبه و اختاره لرسالته (و صفوته) اي مختاره، فان الشخص يصطفي الشي ء الحسن (لا يوازي) اي لا يقابل (فضله) فليس احد في الفضل كالرسول صلي الله عليه و آله و سلم (و لا يجبر فقده) فلا يسد مكانه صلي الله عليه و آله و سلم شي ء. (اضائت به البلاء) فكما ان الظلم تمنع عن اهتداء الانسان للطريق، كذلك الجهل بالمناهج المسعده. (بعد الضلاله المظلمه) التي كانت شامله للناس في زمن الجاهليه (و) بع

د (الجهاله الغالبه) علي الناس حتي انهم لم يكونوا يعرفون طريق الرفاه و السعاده و الخير (و الجفوه) يجفو و يظلم بعضهم بعضا (الجافيه) وصف للتاكيد مثل (ليله ليلاء). (و الناس) في ذلك الزمان (يستحلون الحريم) اي المحرم المخظور من الاشياء (و يستذلون الحكيم) فان الجاهل لا يعرف قدر العالم العارف بالاشياء و

لذا لا يقدره، بل يستذله (يحيون علي فتره) اي خلو من الشرائع السماويه (و يموتون علي كفره) اي علي هيئه الكفر و الانكار لله سبحانه.

[صفحه 366]

(ثم) حذر الامام عليه السلام المسلمين بان لا يعلموا ما يستحقوا بذلك رجوع حالات الجاهليه، بقوله: (انكم معشر اعرب اغراض بلايا قد اقتربت) اي ان البلايا تقصدكم، كما يرمي الغرض بالسهم. (فاتقوا سكرات النعمه) فان الانسان اذا راي نفسه منعما اخذته الغفله- التي هي كالسكره- فيعمل بما يوجب سخط الله سبحانه، الموجب لزوال نعمته. (و احذروا بوائق النقمه) بوائق جمع بائقه، و هي الداهيه الوارده و النقمه ضد النعمه (و تثبتوا) اي ترووا و لا تعلموا شيئا بدون تدبر و تبصر (في قتام العشوه) القتام: الغبار، و العشوه ان يركب الانسان الامر بلا بصيره، يعني في حالات الفتن و الاضطرابات لا تركبوا الامور بدون تثبت و تفحص لئلا تضلوا و شتقوا. (و اعوجاج الفتنه) فان التفته لها طرق ملتويه معوجه، بخلاف الحالات العاديه التي لها طرق واضحه، و سبل معلومه (عند طلوع) اي ظهور (جنينها) اي جنين الفتنه، فكان الفتنه تحمل اولا ثم تظهر نتائجها. (و ظهور كمينها) من يكمن و يختفي ليظهر و يلقي الفتنه علي غيره و فجئه (و انتصاب قطبها) و هو الذي تدور عليه الفتنه من المنافقين و الكفار (و مدار رحاها) اي دوران رحي الفتنه. (تبدا)، الفتنه (في مدارج خفيه) جمع مدرج

: و هو محل الدرج و الحركه، اي ان الفتنه تبتدء في اختفاء (و توول) اي تنتهي (الي فظاعه جليه) اي الي شناعه واضحه غير مخفيه (شبابها) اي شباب الفتنه، و المراد اولها حين قوتها (كشباب الغلام) الذي له نشاط متزايد، و سرعه في النمو

و الحركه. (و آثارها كاثارالسلام) الحجاره الصم واحدها سلمه، اي ان له افي الابدان ان كاثر الحجاره من الرضي و الجرح و الكسر (تتوارثها) اي تلك الفتنه (الظلمه) جمع ظالم (بالعهود) يعهد بعضهم الي بعض، كما عهد معاويه اليه يريد و هكذا. (اولهم) اي اول الذين يثيرون الفتنه (قائد لاخرهم) فهو بما وضع من الخطط و الاساليب كالقائد للاخر الذي يتبع مناهجه. (و آخرهم مقتد باولهم) حيث يتبع خطوانه الفاسده، بدون ان يتبصر هو بالامر، و ياخذ بما يوجب السعاده و الخير. (يتنافسون) اي يتغالبون و يتحاسدون (في دنيا دنيه) وضيعه لا قيمه لها (و يتكالبون) كما يتهارش الكلاب (علي جيفه مريحه) اي منتنه، فان الدنيا كالجيفه و آكلها كالكلاب- الا اذا كانت في طاعه الله سبحانه-. (و عن قليل) اي بعد قليل- حين الموت و مشاهده الاثار اعمال الاخره- (يتبرا التابع من المتبوع) لانه صار سببا لهلاكه (و القائد من المقود) اي المتبوع من التابع، كما ق

ال سبحانه: (اذ تبرء الذين اتبعوا من الذين اتبعوا، و راوا العذاب، و تقطعت بهم الاسباب). (فيتزايلون) اي يزول بعضهم عن بعض و يفارق احدهم الاخر (بالبغضاء) بالعداء لا كمثل مفارقه الاحباء بعضهم لبعض. (و يتلاعنون عند اللقاء) اي يلعن بعضهم بعضا، اذا جمعوا في الاخره، و بعد ما اشار عليه السلام الي فتنه بني اميه التي نكب الاسلام بها اكبر نكبه، اشار الي فتنه التتار او الفتنه في زماننا هذا بعد سقوط الدوله الاسلاميه بقوله: (ثم ياتي بعد ذلك طالع الفتنه) اي الفتنه الطالعه الظاهره (الرجوف) الكثيره الرجفه و الاضطراب (و القاصمه) الكاسره لظهر الاسلام و المسلمين (الزحوف) التي تزحف من بلاد الكفار الي بلاد الاسلام. (فتزيغ قلوب) اي

تميل من الاسلام (بعد استقامه) فان الناس تبع للملوك، و حيث ان التتار قلبوا البلاد الي مناهج كافره، انحرف كثير من المسلمين فاخذوا يتعاطون المنكرات. (و تضل رجال بعد سلامه) من اديانهم (و تختلف الاهواء) اي الميول و الاتجاهات (عند هجومها) اي هجوم تلك الفتنه لبلاد الاسلام. (و تلتبس الاراء) اي حقها بباطلها (عند نجومها) اي ظهور تلك الفتنه. (من اشرف لها) اي جعل ينظر الي تلك الفتنه- خارجا عنها- او المعني اراد دفعه

ا (قسمته) اي كسرته (و من سعي فيها) بان صار جزء لها (حطمته) اي اهلكته و ابادته- و الجملتان كنايه عن شمول الفتنه لكل الناس من دخلها و من لم يدخلها-. (يتكادمون) اي يعض بعضهم بعضا (فيها) اي في تلك الفتنه (تكادم الحمر) جمع حمار (في العانه) و هي القطيع من حمر الوحش، اي اذا كانت حمر الوحش في جماعه من انفسها كيف تتعاض بعضها البعض كذلك هولاء (قد اضطرب معقود الحبل) اي الحبل المعقود في رقاب الاجتماع الجامع لهم علي منهاج الاسلام و اضطرابه كنايه عن اضطراب الناس في الاراء و الاخلاق و الاعمال و العقائد- كما هو المشاهد في زماننا هذا-. (و عمي وجه الامر) فلا يعرف الحق من الباطل او الصحيح من السقيم (تغيض) اي تغور و تنضب (فيها) اي في تلك الفتنه (الحكمه) فلا حكمه عند الناس و لا حكماء لهم. (و تنطق فيها الظلمه) جمع ظالم، بالظلم و العدوان (و تدق) تلك الفتنه (اهل البدو) اي اهل الباديه- مقابل الحضر- (بمسحلها) هي آله النحت و ذلك كنايه عن شده وقعها عليهم كشده وقع آله النحت علي الشي ء المنحوت (و ترضهم) رض الشي ء دقه و هشمه (بكلكلها) اي

بصدرها. (يضيع في غبارها الواحدان) جمع واحد: اي المتفردون، و المراد الفضلاء، فان للفاضل قدر في زمن الهد

و، اما في زمن الفوضي فيتقدم الاشرار و يضيع الافاضل. (و يهلك في طريقها الركبان) اي ان اهل القوه الخائفين في تلك الفتنه يهلكون، فكيف بسائر الناس (ترد) هذه الفتنه علي الناس (بمر القضاء) اي القضاء الالهي الذي هو مر في اذهان الناس. (و تحلب عبيط الدماء) اي الغليظ من الدم الطري، و حلبها له كنايه عن ايجاب تلك الفتنه اراقه الدماء، كما يحلب الانسان اللبن. (و تثلم) اي تكسر و تهدم تلك الفتنه (منار الدين) كالعلماء و المدارس الدينيه و ما اشبه ذلك (و تنقض عقد اليقين) اي يقين الناس بالله و الرسول و الاصول و الفروع، فانها تسبب زوال يقين الناس، لما تلقيه من الشبهه و الاشكالات. (تهرب) اي تفر (منها) اي من تلك الفتنه (الاكياس) جمع كيس و هو الحاذق العاقل (و تدبرها) اي تهيئتها و تدير شئونها (الارجاس) جمع رجس و هو القذر، و المراد اشرار الناس (مرعاد مبراق) اي لتلك الفتنه اصوات هائله كالرعد و كثوف عجيبه كالبرق، تشبيه بالسحاب الموجب للهول لرعده و برقه (كاشفه عن ساق) اشاره الي عملها المتواصل، كالذي يريد العمل فيكشف عن ساقه لئلا يمانعه الثوب. (تقطع فيها الارحام) لان الفتنه توجب تفرق الناس، فتقطع الرحم رحمه (و يفارق عليها) اي علي تلك الف

تنه (الاسلام) فالناس يتركون الاسلام انسياقا مع تلك الفتنه (بريها سقيم) يعني ان الدخل فيها و لو كان بري الجسم، لكنه سقيم النفس. (و ظاعنها مقيم) اي ان من يسافر فرارا عنها تدركه الفتنه، فهو و المقيم سواء في اشتمال الفتنه عليهم جميعا.

[صفحه 372]

(منها:) اي

من تلك الخطبه، في وصف الناس عندها (بين قتيل مطلول) يقال طل دمه: بمعني هدر فلم يقتص من القاتل (و خائف مستجير) يستجير و يلوذ بالناس لرجاء النجاه. (يختلون) اي ان الناس يخدعون (بعقد الايمان) فالظالمون يقولون لهم انا مومنون، حتي يخدعوهم و يقضون منهم ماربهم (و بغرور الايمان) جمع يمين اي يحلفون لهم بحسن نواهم، ليخدعوهم فيظنون ان حلفهم صادقه (فلا تكونوا) ايها الناس (انصاب الفتن) جمع نصب، و هو ما يوضع ليقصد، اي لا تكونوا من حمات الفتنه حتي يقصدكم الناس الذين يريدون الفوضي و الشغب (و اعلام البدع) جمع بدعه (و الزموا ما عقد عليه حبل الجماعه) و هي الكتاب و السنه، فانها كالحبل المعقود في رقاب المسلمين، و المعني الزموا جماعه المسلمين في اعمالهم، و لا تتفرقوا في الاحزاب و الاهواء (و بنيت عليه اركان الطاعه) اي اسس الاسلام التي بنيت علي تلك الاسس اركان طاعه الله سبحانه. (و اقدموا علي الله مظلومين و لا تقدموا عليه ظالمين) يعني اذا دار الامرين بين ان تكونوا احدهما فكونوا مظلوما لا ظالما. (و اتقوا مدارج الشيطان) جمع مدرج، و هو محل درجه و سيره، و المعني المعاصي (و مهابط العدوان) اي الحملات التي اسست علي ال

تعدي علي الناس، كمراكز الحكومه و السلطان الظالمه. (و لا تدخلوا بطونكم لعق الحرام) جمع لعقه، و هي ما تاخذه في الملعقه (فانكم بعين من حرم عليكم المعصيه) اي انه سبحانه يراكم، و سيجازيكم عليه (و سهل لكم سبيل الطاعه) حتي لا تصعب عليكم.

خطبه 152

[صفحه 374]

في صفه الله سبحانه، و صفه ائمه الدين (الحمد لله الدال علي وجوده بخلقه) فان الخلق اثر له سبحانه، و الاثر يدل علي

الموثر (و بمحدث خلقه علي ازليته) اذ لو كان محدثا هو سبحانه، لاحتاج الي محدث، فلم يكن الها (و باشتباههم) اي مشابهه بعضهم لبعض (علي ان لا شبه له) اذ الاشباه تجمعها الصفه الواحده، فلو كان سبحانه شبيها للخلق، لكان و اياهم، داخلين في صفه واحده، و ذلك يستلزم الامكان، و حيث ان الاشياء تعرف بما يقابلها، عرف ازليته و عدم شباهته، بحدوث الاشياء و انها يشبه بعضها بعضا. (لا تستلمه المشاعر) اي لا تصل اليه سبحانه الحواس، فلا يبصر، و لا يلمس و هكذا، و مشاعر جمع مشعر بمعني محل الشعور و الادراك (و لا تحجبه السواتر) اي انه سبحانه عالم بكل شي ء، و انكان مخفيا تحت الاستار (لافتراق الصانع و المصنوع) فالمصنوع حادث ذو شبه يمكن حجبه و الصانع بالعكس من كل ذلك. (و الحاد) الذي جعل الحدود (و المحدود) الذي جعل له الحدود (و الرب و المربوب) اي الخلق الذين هم تحت تربيته سبحانه (الاحد بلا تاويل عدد) يعني انه سبحانه واحد، لكن لا بالوحده العدديه، بان يكون داخلا في الاعداد، حتي يكون واحدا من جنس ما يكون له ثان و ثالث و

هكذا (و الخالق لا بمعني حركه و نصب) اي التعب، فكونه خالقا، انما هو بالاراده، لا كما في الانسان الذي لا يتمكن من خلق و صنع شي ء الا اذا ترحم و تعب. (و السميع لا باداه) اي آله السمع كالاذن بل يسمع سبحانه بذاته (و البصير لا بتفريق آله) فان الابصار في الانسان و نحوه لا يكون الا بتفريق الجفان و فتح احدهما عن الاخر، و ليس له سبحانه عين حتي يكون هكذا. (و الشاهد) اي الحاضر (لا بمماسه) اي

مس جسم الشاهد لهواء خاص و مكان خاص، حتي يكون مقتربا من المشهود عليه، فالله سبحانه منزه عن القرب المكاني، و المماسه الجسميه (و البائن) اي المنفصل عن الاشياء (لا بتراخي مسافه) اي بابتعاد شي ء عن شي ء في المسافه، فان ذاته سبحانه مبائن للاشياء (و الظاهر) في العالم (لا برويه) الانسان له، بل ظاهر باثاره و ادلته (و الباطن) اي الخفي ذاته (لا بلطافه) فان الاشياء الباطنه كالماء الذي يتسرب في الباطن و ما اشبه يحتاج الي لطف حتي يتسرب و يبطن و ليس الله سبحانه هكذا (بان من الاشياء بالقهر لها) اي انه سبحانه منفصل عن الاشياء انفصالا قاهرا لها- لا انفصالا محايدا- (و القدره عليها) فهو قادر علي التصرف فيها و التقليب لها. (و بانت الاشياء منه بالخضوع له

) فكل شي ء خاضع له سبحانه مطيع لامره (و الرجوع اليه) فكل شي ء يرجع في بقائه و تقلباته- تكوينا- اليه تعالي (من وصفه) سبحانه (فقد حده) و المراد من وصفه بصفات الاشياء بان بين كيفيته و خصوصياته، فان ذلك مستلزم لتحديده و حصره في جانب واحد، و الله سبحانه غير متناه و لا وصف بصفات المخلوقين (و من حده فقد عده) اي جعله معدودا في ردف سائر الموجودات فهو واحد منهم. (و من عده فقد ابطل ازله) اذ لو كان سبحانه كالمجودات لم يكن ازليا (و من قال: كيف) بان بين كيفيته سبحانه (فقد استوصفه) اي وصفه بما هو بري منها، فان الله سبحانه لا كيف له، او المراد ان من قال كيف- علي سبيل الاستفهام- فقد طلب وصفه. (و من قال اين) اي انه تعالي في المكان الكذائي (فقد حيزه) اي جعل له حيزا

و مكانا خاصا، و الله لا مكان له. (و) هو تعالي (عالم اذ لا معوم) اذ علمه بالاشياء منذ الازل (و رب) اي له صفه الربوبيه- التي معناها التربيه- (اذ لا مربوب) و ليس ان وجدت له صفه الربوبيه، و صلاحيه الخلق، بعد ان لم له تكن له تلك الصلاحيه (و قادر اذ لا مقدور) اذ القدره صفه ذاتيه لا انها وجدت حين خلق المقدورات.

[صفحه 377]

(منها:) في بيان اوصاف ائمه الدين، و وصف الاسلام (قد طلع طالع) اي خرج الي الخلافه، قالوا خطب الامام عليه السلام بهذه الخطبه بعد مقتل عثمان، فعل المراد بالاوصاف اوصاف نفسه الشريفه و الائمه من ذريته، او انها اوصاف الامام المهدي عليه السلام (و لمع لامع) اي اشرق (و لاح) اي ظهر (لائح) و هذه الجمل تفيد المفاجات غير المترقبه. (و اعتدل مائل) فان الامر كان مائلا في زمن الخلفاء نحو الانهيار و اعتدل في زمن الامام عليه السلام. (و استبدل الله بقوم قوما) جعل القوم الذين علي الحق في مكان القوم الذين كانوا علي الباطل (و بيوم يوما) اي جعل يوم الحق مكان يوم الباطل (و انتظرنا الغير) اي صروف الدهر حتي تاتي بالحق (انتظار المجدب) اي الذي في القحط، من الجدب مقابل الخصب (المطر) ليخرج من البلاء الي الرخاء، ثم بين عليه السلام وصف الائمه الذين يليقون باخذ الزمام. (و انما الائمه قوام الله) اي القائمون من طرفه سبحانه (علي خلقه) ليسوقوهم الي الخير و السعاده (و عرفاوه علي عباده) جمع عريف بمعني النقيب، المطلع علي احوال الناس. (لا يدخل الجنه الا من عرفهم و عرفوه) بان يكون بينهما تعارف و تواصل (و لا يدخل النار الا من انكرهم و انك

روه) بان

يكون بينهما تناكر و تدابر

[صفحه 378]

(ان الله تعالي خصكم) ايها المسلمون (بالاسلام) بان وفقكم الاعتناقه و الالتزام به (واستخصكم له) اي طلب منكم ان تخصصوا انفسكم للاسلام، بان تعملوا من اجله و لاعلائه (و ذلك) اي لماذا طلب منكم ان تخصصوا انفسكم للاسلام (لانه اسم سلامه) اي علامه علي سلامه الدنيا و الاخره، فينبغي ان يخصص الانسان نفسه لاجله (و جماع كرامه) اي مجتمع الكرامات الدنيويه و الاخرويه فمن عمل به سعد في النشاتين. (اصطفي الله تعالي منهجه) اي اختار طريق الاسلام للناس (و بين حججه) اي الادله الداله علي انه احسن الاديان و المناهج (من ظاهر علم) اي ان ظاهر حجج الاسلام علم (و باطن حكم) فلكل حجه من حجج الاسلام حكمه و مصلحه و عمق، و (من) بيان الحجج، فان الحجه قد تكون تافهه سخيفه، و قد تكون في ظاهرها دليلا علميا، و لكن كانت جدلا لا باطن حقيقي لها، و ليس كذلك حجج الاسلام (لا تفني غرائبه) اي غرائب الاسلام فكلما تعمق الانسان في الاسلام ظهرت له غرائب احكام تدل علي انه من جعله سبحانه لا من جعل البشر. (و لا تنقضي عجائبه) اي الامور العجيبه المودوعه في الاسلام (فيه) اي في الاسلام (مرابيع النعم) جمع مرباع و هو المكان الذي ينبت فيه نبت الربيع. (و مصابي

ح الظلم) اي المصباح الذي يكشف الظلمه و يجعل مكانها نورا (لا تفتح الخيرات الا بمفاتيحه) يعني ان الخير لا يتوجه نحو الانسان، الا اذا سلك الانسان السبيل الذي جعل الله للخير و قرره في الاسلام، مثلا العلم لا يحصله الانسان الا بالتعلم من عالم، و المال لا يحصله الانسان الا بكلد و الاكتساب، و هكذا سائر

الشئون الدينيه و الدنيويه لها مفاتيح بينت و قررت في الاسلام فالضمير في مفاتيحه عائد الي الاسلام. (و لا تكشف الظلمات) ظلمات الجهل و الفتنه و ما اشبه (الا بمصابيحه) اي مصابيح الاسلام (قد احمي) الله اي حفظ و رعي (حماه) الضمير للاسلام، و الحمي هو المحل الذي يحظر استطراقه لاحترام جعل له. (و ارعي مرعاه) اي هي الاسلام لان يكون مرعي للعلم و الحكمه و الخير، كما يرعي الانسان المرعي لرعي دوابه (فيه) اي في الاسلام (شفاء المشتفي) اي من اراد الشفاء من الاثام و الشقاء (و كفايه المكتفي) اي الذي ليس حريصا، و انما يكتفي بالخير و الوسط في الاسلام كفايه له، اذ بالاسلام يحصل الانسان علي خير الدنيا و سعاده الاخره.

[صفحه 380]

في صفه الضال، و وصف الغافل، و الوعظ و الارشاد (و هو) اي الضال الحائد عن طريق الله سبحانه (في مهله من الله) قد اخر اجله لينظر عمله (يهوي) و ينزل في دركات الاثام (مع الغافلين) الذين غفلوا عن الله و احكامه. (و يغدو) اي يصبح (مع المذنبين) العاصين لله تعالي (بلا) ان يكون له (سبيل قاصد) اي متوسط يوصل الي المطلوب و المراد به سبيل الحق (و لا امام قائد) له الي السعاده و الخير فان الانسان المذنب يترك الطريق الحق، و يترك الامام الهادي الذي يقوده الي النجاه، و يشتغل بالمعاصي و الاثام.

[صفحه 380]

(منها): في صفات اهل الغفله، و انهم كيف يندمون حيث لا ينفع الندم (حتي اذا كشف لهم) الله سبحانه (عن جزاء معصيتهم) و ذلك بعد ان قبض ارواحهم (و استخرجهم) اي اخرجهم (من جلابيب غفلتهم) جمع جلباب، و هو الثوب الواسع الذي يلبس الانسان، فكانهم كانوا

من جلباب من الغفله لا يهتدون الي الحق حتي اذا جائهم الموت خرجوا من ذلك الجلباب. (استقبلوا مدبرا) اي العذاب الاخروي (و استدبروا مقبلا) اي الدنيا و متاعها، فقد كانوا في الدنيا يتوجهون الي الدنيا، و يولون الدبر للاخره، فلما جائهم الموت انعكس الامر، استقبلوا الاخره، و ادبروا عن الدنيا، و ذلك لانقضاء ايام الدنيا، و مجي ء ايام الاخره (فلم ينتفعوا بما ادركوا من طلبتهم) يعني ان ما ادركوه في الدنيا من لذائذها و شهواتها، لم ينفعهم اذا ادبرت و لم تبق معهم. و لا بما قضوا من وطرهم) اي حاجتهم فان حوائجهم الدنيويه التي قضيت لم تنفعهم في الاخره، حيث انقطعت الدنيا بما فيها (اني احذركم) ايها الناس (و) احذر (نفسي) من (هذه المنزله) اي ان يكون للانسان هذه المنزله الموجبه للندم. (فلينتفع امروء بنفسه) و ذلك بالعمل الصالح، و هذا امر و طلب لان لا يضيع الانسان فسه في الدنيا، بطلب الشهو

ات و الغفله عن الاخره (فانما البصير من سمع) الوعظ و الارشاد و الاعتبار (فتفكر) في امر نفسه و عمل لنجاتها (و نظر) الي الدنيا و احوالها (فابصر) الحقيقه و لم تعمه الشهوات (و انتفع بالعبر) الموجبه لان يعتبر الانسان، و يدرك حقيقه الدنيا و زوالها و ضرر شهواتها، و خير تركهما في سبيل الاخره. (ثم) بعد الاعتبار (سلك جددا) اي طريقا (واضحا) هو طريق الحق و الهدي. (يتجنب فيه) اي في ذلك الجدد (الصرعه) اي الوقوع و الهلاك (في المهاوي) جمع مهوي، و هو المحل المنخفض الذي يقع فيه الانسان، و ذلك كنايه عن المعصيه و الاثم، فانها توجب هوي الانسان عن مراتب الكمال الي النقص، ثم العقاب في الاخره. (و)

عن (الضلال) و ان يتيه الانسان (في المغاوي) جمع مغواه، و هي محل الغوي و الضلال، كما يضل الانسان الطريق في الحصاري المجهوله (و لا يعين علي نفسه الغواه) جمع غاوي و هو الضال عن طريق الهدايه، اي لا يعينهم- باتباع طريقهم- علي ضد نفسه و هلاكها (بتعسف في حق). بان يتكلف الباطل و يترك طريق الحق (او تحريف في نطق) بان ينطق بالباطل و يحرف بكلامه، الحق (او تخوف من صدق) بان لا يصدق خوفا من الناس، فان الانسان اذا عمل هذه الاعمال، كان معينا للغوات، فانهم ي

طمعون فيه و ياخذونه معهم. ثم اخذ عليه السلام في الوعظ و الارشاد (فافق ايها السامع) لكلامي (من سكرتك) السكره كنايه عن الغفله، و الافاقه كنايه عن الالتفات. (و استيقظ) اي تنبه (من غفلتك) فان الغافل كالنائم اذ كلاهما لا يدركان الواقع (و اختصر من عجلتك) اي سرعتك في طلب الدنيا، و الاختصار التاني ليري الصحيح من السقيم، و النافع من الضار. (و انعم الفكر) اي تفكر فكرا حسنا (فيما جائك علي لسان البني الامي) محمد (صلي الله عليه و آله و سلم) المنسوب الي ام القري، و هي مكه (مما لابد منه) اي في الاحكام التي لابد للانسان من الاخذ بها، او المراد من امور الاخره التي لابد و ان تصل الي الانسان. (و لا محيص) اي لا مفر (عنه) اذ لا يمكن الفرار من الاحكام لمن اراد السعاده، او لا يمكن الفرار من امور الاخره فانها آتيه لا محاله (و خالف من خالف ذلك) الاشاره الي (ما لابد منه) (الي غيره) اي العصاه الذين خالفوا الاحكام و ما جاء به الرسول صلي الله عليه و آله و

سلم خالفهم، و لا تتبع طريقتهم. (ودعه) اي ذرالمخالف العاصي (و ما رضي لنفسه) من الاثام (وضع فخرك) اي لا تفتخر فان الافتخار دليل صغر النفس (و احطط كبرك) اي لا تتكبر فان الكبر دليل خفه الن

فس و عدم وزن لها (و اذكر قبرك) فان ذكر القبر يوجب ان يعمل الانسان صالحا (فان عليه) اي علي القبر (ممرك) مصدر ميمي، اي مرورك في سفرك من الدنيا الي الاخره. (و كما تدين تدان) اي كما تعمل تجزي، فان الجزاء من جنس العمل، فان (دان) بمعني عمل اي كما تعمل بك (و كما تزرع) اي كالذي تزرع من حنطه و شعير- و المراد هنا الاعمال التي يعملها الانسان- (تحصد) و من المعلوم انه (لا يجتني الجاني من الشوك الغب) (و لا من الاعناب شوكا ذا تعب). (و ما قدمت اليوم) اي الي الاخره- من صالح الاعمال او فاسدها- (تقدم عليه غدا) في الاخره (فامهد) اي هيي ء في الاخره (لقدمك) اي المكان الذي تضع فيه قدمك، و ذلك بطيب الاعمال ليكون محلك هناك حسنا. (و قدم) الاعمال الصالحه (ليومك) اي الاخره فانه يوم نجاح الانسان او سقوطه (فالحذر الحذر) مفعول مطلق لفعل محذوف، اي احذ الحذر. اللازم (ايها المستمع) لئلا تعمل بما يوجب خزيك هناك. (و الجد الجد) اي جد جدا لان تعمل بما يجب عليك (ايها الغافل) عن عواقب الاعمال (و لا ينبئك مثل خبير)) اي لا يخبرك عن الواقع، مثل الانسان الخبير المطلع علي الامور، و هذا كنايه عن اطلاع المتكلم عن الحقيقه مما يلزم علي السامع قبول خبره.

[صفحه 384]

ثم بين عليه السلام جمله من خصال الشر الموجب لسوء العاقبه (ان من عزائم الله) جمع عزيمه، و

هي الفريضه، مقابل الرخصه، و المراد هنا المحرمات، لانه سبحانه فرض تركها و الزم العقباب لمرتكبها (في الذكر الحكيم) اي المذكوره في القرآن، و وصفه بالحكيم، لانه يضع لاشياء مواضعها، و بينها علي حقائقها (التي عليها) اي علي تلك العزائم (يثيب) اي يعطي الثواب سبحانه، لمن تركها (و يعاقب) لمن ارتكبها. (و لها) اي لتلك العزائم (يرضي) اذا تركت (و يسخط) اذا عمل بها (انه) اسم (ان) في قوله (ان من عزائم الله) و الجار خبر مقدم (لا ينفع عبدا- و ان اجهد) ذلك العبد (نفسه) في الطاعه (و اخلص فعله) الطاعات لله سبحانه (ان يخرج) فاعل (ينفع) و جملتا (اجهد) و (اخلص) معترضتان. (من الدنيا لاقيا ربه) ملاقاه الله كنايه عن الوصول الي المحل الذي اعده الله سبحانه للثواب و العقاب، و وجه الكنايه: ان الانسان يلاقي الحاكم لدي المحاكمه، فالتشبيه للمعقول بالمحسوس (بخصله من هذه الخصال) التي سنذكرها، بحيث (لم يتب منها) اي ان الانسان اذا عمل بعض هذه الاعمال، ثم خرج من الدنيا قبل التوبه، لابد و ان يلاقي سخط الله سبحانه و عقابه، اذ انها ميزان الثواب و ال

عقاب، و الرضا و السخط (ان يشرك بالله فيما افترض) الله (عليه من عبادته) (فيما) بيانيه، اي ان الشرك في عباده الله، بان يعبد الانسان صنما او ما اشبه، يوجب العقاب، و انكان اخلص الانسان في الاعمال الخيريه، و اجهد نفسه في الطاعات، فقد قال سبحانه: (ان الله لا يغفر ان يشرك به): (ان يشفي غيظه بهلاك نفس) بان يقتل احدا شفاء لغضبه، لان ان يكون القتل له سبحانه، كالحدود و القصاص، فقد قال سبحانه: (و من يقتل مومنا متعمدا فجزاوه جهنم خالدا

فيها). (او يقر بامر فعله غيره) لعل المراد بذلك، ان يقول الانسان فعلت كذا من الخير، و الحال انه لم يفعله، بل فعله غيره، لقوله سبحانه: (لا تحسبن الذين يفرحون بما اوتو، و يحبون ان يحمدوا بما لم يفعلوا، فلا تحسبنهم بمفازه من العذاب) او المراد قذف انسان، فالمعني القول بان الغير فعل كذا، لقوله سبحانه: (ان الذين يحبون ان تشيع الفاحشه في الذين آمنوا لهم عذاب اليم) و هنا احتمالات اخر ذكرها الشراح. (او يستنجح حاجه الي الناس) اي يطلب نجاح حاجته من الناس (باظهار بدعه في دينه) بان يبدع في الدين ما ليس منه، و لعل الايه الداله علي ذلك قوله سبحانه: ان الذين يكتمون ما انزلنا من البينات و الهدي من بعد ما بي

ناه للناس في الكتاب اولئك يلعنهم الله و يعلنهم اللاعنون) او قوله، (فويل للذين يكتبون الكتاب بايديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم ما كتبت ايديهم و ويل لهم ما يكسبون). (او يلقي الناس بوجهين) فاذا حضروا مدحهم و اذا غابوا ذمهم (او يمشي فيهم بلسانين) لسان مدح و اطراء، و لسان ذم و ازدراء. و لعل الجملتين لمفاد واحد، و الدليل عليه قوله سبحانه: (ان المنافقين في درك الاسفل من النار) (اعقل ذلك) الذي ذكرت من الوعظ و الارشاد. (فان المثل دليل عي شبهه) اي ان الاحوال التي تجري علي الاشياء. دليل علي ان مثل تلك الاشياء ايضا تجري عليه مثل تلك الاحوال، مثلا: الحكم الذي يجري علي صاحب هذا السلطان من العزه و الجاه يجري علي صاحب السلطان الاخر، و الخوف الذي يسيطر علي هذا الجيش المنكسر يجري مثله علي الجيش

الاخر اذا انكسر و هكذا، و هذه الجمله اما تابعه للجمل السابقه، و المعني ان المحرمات التي لم يذكرها الامام، كالمحرمات التي ذكرها في عدم الانتفاع بصالح الاعمال لمن يرتكبها، مما وعد الله النار عليها، كالربا، و الزنا، و اشباه ذلك و اما مقدمه لما ياتي و ذلك لبيان ان الانسان التابع لشهواته كالبهيمه، الخ.

[صفحه 387]

(ان البهائم) جمع بهيمه و هي الحيوان الذي لا يفصح، و لذا سمي بهيمه، و التانيث باعتبار النفس (همها بطونها) ان تملاها و تفرعها (و ان السباع همها العدوان علي غيرها) فهي بما اودع فيها من الغرائز تريد الظلم و التعدي دائما. (و ان النساء همهن زينه الحياه الدنيا، و الفساد فيا) اذ المراه بوصف كونها عاطفيه، تهتم بالفساد كلما هاج منها العاطفه نحو جانب، فهي مفرطه في جانب، و مفرطه في جانب آخر، بخلاف الرجال الذين تتعل فيهم قوتا العقل و العاطفه (ان المومنين مستكينون) اي خاضعون لله عز و جل، من استكان بمعني تضرع، و المستكين لا يكون في فكرالبطن، و انما في فكر الاطاعه و العبده (ان المومنين مشفقون) اي خائفون متعطفون، من اشفق بمعني خاف و تعطف، و الخائف المتعطف لا يعتدي علي احد (ان المومنين خائفون) و الخائف لا يهتم بالزينه و الفساد.

خطبه 153

[صفحه 388]

في فضل اهل البيت و الارشاد (و ناظر) اي عين (قلب اللبيب) اي العاقل- و عين القلب، كنايه عن ادراكه للاشياء، كما يدرك البصر للمتبصرات (به) اي سببب ذلك الناظر (يبصر) اللبيب (امده) اي منتهي امره، و اذا ادرك الانسان منتهي الامور و ما يول اليه الاعمال، لابد و ان لا يخرج عن حدود العقل و الشريعه، و مما يضره في

دينه و دنياه. (و يعرف غوره) اي عمقه و انخفاضه (و نجده) اي ارتفاعه اي يري ما يوجب الرفعه و ما يوجب الضعه (داع دعا) و المراد به الرسول صلي الله عليه و آله و سلم (و راع رعي) الناس في مواضع الرفاه و السعاده، و الجملتان السابقتان كالمقدمه لهذه الجمل، حيث ان البصير يدرك الحقيقه، فمن الضروري ان يتبع الحق المتمثل في الرسول صلي الله عليه و آله و سلم. (فاستجيبوا) اي اجيبوا ايها الناس، و لعل الاتيان من باب الاستفعال لان الاجابه يسبقها التفكر، و اهتمام النفس بالاجابه (للداعي) الذي دعي الي الهدي. (و اتبعوا الراعي) الذي يرعاكم في معاشب امن و سلامه، اما غيرنا ممن اخذ زمام الامور عنفا و تخويفا ف(قد خاضوا) اي دخلوا (بحار الفتن) حيث اهلكوا انفسهم من غير بصيره. (و اخذوا بالبدع) التي ابدعوها (دون السنن) جمع سنه، اي: ال

طرائق التي سنها الرسول صلي الله عليه و آله و سلم، كابداعهم صلاه التراويح و منع المولفه، و تحريم متعتي الحج و النساء، و غيرها (و ارز المومنون) اي انقبضوا و ثبتوا و لا ذوا بالصمود لئلا ينحرفوا مع المنحرفين (و نطق الضالون المكذبون) لله و رسوله حيث استولوا علي الامور بالقوه، و اخذوا ينطقون بما يشائون. (نحن الشعار) للدين، و هو الثوب الذي يلبس ملاصقا للجلد، و سمي شعارا: باعتبار اتصاله بشعر جسم الانسان، فكانهم عليهم السلام لشده لصوقهم بالدين كالشعار للجسد (و الاصحاب) للرسول صلي الله عليه و آله و سلم الذين صخبوه لاجل الاسلام فقط، لا لحب الرئاسه و مااشبه. (و الخزنه) جمع خازن: و هو الحافظ للشي ء النفيس، فهم عليهم السلام خزان علم الكتاب و سنه

الرسول صلي الله عليه و آله و سلم (و الابواب) للعلم و المعرفه، فكما ان الانسان لا يتمكن من الدخول في الدار و نحوها، الا بطرق الباب، كذلك لا يتمكن الانسان من الدخول في مدائن العلم و العرفان الا بالسوال منهم (لا توتي البيوت الا من ابوابها) كما قال سبحانه: (فمن اتاها من غير ابوابها سمي سارقا) و هكذا من طلب الاسلام من غير طريقهم عليهم السلام.

[صفحه 390]

(منها): اي بعض الخطبه في شان آل البيت عليهم السلام (فيهم) نزلت (كرائم القرآن) جمع كريمه: و هي الايات المادحه الموجبه لتكريم المراد منها. (و هم كنوز الرحمن) فكما ان محل الشي ء الثمين فهم محل العلوم و المعارف الثمينه بايداع الله سبحانه ذلك فيهم (و هم كنوز الرحمن) فكما ان الكنز محل الشي ء القمين، فهم (ان نطقوا) و تكلموا في خبر او حكم او قصه او اشبه (صدقوا) لعلمهم بالاشياء. (و ان صمتوا) و لم يتكلموا (لم يسبقوا) اي لم يسبقهم احد بالكلام لهيبتهم، فان الانسان اذا علم وجود اعلم منه في المجلس، لا يقدر علي الكلام خوفا من الفضيحه (فليصدق رائد اهله) الرائد هو الذي يتقدم القوم المسافرين لينظر لهم مكانا حسنا، لنزولهم فيه، و المراد هنا ان رواد العلم الذين ياخذون العلوم و الاحكام، يلزم عليهم ان يصدقوا الناس في ذكر فضائلهم عليهم السلام و انهم هم الائمه و الخلفاء دون سواهم. (و ليحضر عقله) اي يعمل عقله في تميز الحق من الباطل، لا ان يجري علي عواطفه و تقاليده (و ليكن من ابناء الاخره) الذين يخافون عذاب الله و يرجون ثوابه، فيعملون عملا صادقا، و ان خالف ذلك دنياهم (فانه منها) اي من الاخره (قدم) فان آدم عليه السلام

كان

في الجنه، ثم جاء الي الارض (و اليها ينقلب) اي يرجع بعد موته (فالناظر بالقلب) نظر تبصر و تعقل (العامل بالبصر) اي الذي يعمل بنهج البصيره و الادراك، لا بنهج الجهال (يكون مبتدا عمله ان يعلم: اعمله عليه ام له؟) اي ان الذي يريد الشروع فيه، هل يوجب له الخير و السعاده و الثواب ام الشر و الشقاوه و العقاب (فان كان) العمل المراد (له) اي نافعا له (مضي فيه) و عمله (و ان كان عليه وقف عنه) و لم يرتكبه لئلا يتضرر به. (فان العامل بغير علم) بعاقبه عمله (كالسائر علي غير طريق) منحرفا موربا عنه (فلا يزيده بعده عن الطريق الا بعدا من حاجته) و هذا تحذير عن العمل علي غير هدي، و بدون ان يفكر الانسان في مصير عمله. (و) ان (العامل بالعلم) بان تبصر عاقبه ما يريد عمله (كالسائر علي الطريق الواضح) الذي يصل الي هدفه بدون كلل او ملل (فلينظر ناظر) اي عامل يريد السير في طريق (اسائر هو) سيرا يوصله الي غايته (ام راجع) يوجب سيره الخزي و الندامه، كالمراجع الذي يريد مقصدا، لكنه يسير ضد اتجاهه، و بعد ما بين الامام عليه السلام ميزان العمل الصحيح، بين التلازم بين الظاهر و الباطن، حتي لايقال ان ظاهر العمل ليس دليلا علي صحه الباطن او سوئه.

[صفحه 392]

(و اعلم ان لكل ظاهر باطنا علي مثاله) اي مثل ذلك الظاهر (فما طاب طاهره طاب باطنه) فان الظاهر عنوا الباطن (و ما خبث ظاهره خبث باطنه) و ذلك لان خبيث السريره لم يتمالك من تصحيح ظاهره، و ان اراد اخفاء سريرته، اد السريريه تعمل تلقائيا، و الظاهر يعمل بتكلف، و التلقائي لابد و ان

يظهر اثره، بمجرد ان رفع القسر، و لو بالسهو و النسيان و نحوهما، و هكذا طيب السريره، و لذا قال الامام عليه السلام: (ما نوي امرء شيئا الا ظهر في فلتات لسانه و صفحات وجهه) و قال الشاعر: و مهما يكن عند امرء من خليفه و ان خالها تخفي علي الناس تعلن (و قد قال الرسول الصادق صلي الله عليه و آله و سلم: (ان الله يحب العبد) اذا كان نقي السريره طاهر الضمير (و يبغض عمله) الذي ياتي به اذا كان منكرا، زل اليه. (و يحب العمل) الصالح (و يبغض بدنه) اي الشخص الذي عمل ذلك العمل، اذا كان خبيث السريره، فاسد الضمير، و الاستشهاد بهذا الكلام لبيان خبث العمل- احيانا- لا يسبب سقوط الظاهر الحسن اذا كان الباطن حسنا، و بالعكس طيب العمل احيانا، لا يسبب سقط الظاهر السيي ء اذا كان الباطن سيئا، فان الظاهر يتبع الباطن في الحسن و القبح، و لا يتبع بعض الاعمال النادره ا

لتي تصدر مخالفا للباطن احيانا. (و اعلم ان لكل عمل نباتا) اي ثمرا و نموا و نتيجه (و كل نبات لا غني به عن الماء و المياه مختلفه) فالعمل مثلا كتاليف الكتاب، و النبات هو الثمر الذي يترتب عليه من ارشاد الناس، و المياه هو المحل الذي استقي من المولف الرشد- من القرآن، او كتب الفلاسفه- (فما طاب سقيه طاب غرسه) اي نباته (و حلت) من الحلاوه (ثمرته) كالمستقي من القرآن الحكيم- في المثال-. (و ما خبث سقيه خبث غرسه) و نموه (و امرت ثمرته) اي صارت مره لا تستساغ، و هذا ترحيض علي صحه العمل و تحسين الشخص لنواياه التي هي بمنزله الماء و انتقاء مصدر

العمل.

خطبه 154

[صفحه 394]

في حمد الله و تنزيهه، و يذكر فيها بديع خلقه الخفاش (الحمدلله الذي انسحرت) اي انقطت و انفرجت (الاوصاف) اي اوصاف الناس له سبحانه (عن كنه معرفته) فلا تدرك الاوصاف معرفه كنهه سبحانه، لان ذات الله لا تعرف، و ذلك لان الانسان محدود، و الله سبحانه غير محدود، و لا يعقل احاطه الحدود، بغير المحدود، و الا لزم الخلف (و ردعت عظمته) تعالي (العقول) التي تريد ادراكه (فلم تجد) العقول. (مساغا) اي محلا ممكنا، يسوغ- اي يجوز- عليها الوصول الي ذلك المحل (الي بلوغ غايه ملكوته) اي مكله الواسع (هو) المتصف بتلك الصفات (الله الحق) في مقابل الاصنام الباطله (المبين) الظاهر باثاره (احق و ابين) اي اظهر (مما تري العيون) فان العين يمكن ان تغلط، كما تري الماء الكثير اسود، و كما تري الشمس صغيره و هي كبيره، و كما تري الخطين المتوازيين الممتدين متصلا- بعد مسافه- الي غيرها، اما العقل فلا يمكن غلطه، فاذا قال لابد للاثر من موثر، او لا يمكن اجتماع النقيضين، او ان الكل اعظم من الجزء، لابد و ان يكون و لا خطا فيه اطلاقا. (لم تبلغه العقول بتحديد) بان يحدده العقل و يعرف حدوده (فيكون) سبحانه (مشبها) شبيها بسائر الامور المحدوده (و لم تقع ع

ليه الاوهام) اي العقول (بتقدير) بان يبين قدره تعالي (فيكون) سبحانه (ممثلا) اي مثلا لسائر المخلوقات، و لعل المراد بالتحديد الحد المنطقي- اي الجنس و الفصل- و بالتقدير، الكم و الكيف، و ما اشبه. (خلق) سبحانه (الخلق علي غير تمثيل) اي لم يكتسب مثالا للخلق، حتي يكون صنعه للخلق حسب ذلك المثال (و لا مشوره مشير) استشاره في امر الخلق (و لا معونه

معين) بان اعانه في الخلق احد او آله- كما هي الحاله عند الناس في اعمالهم- (فتم خلقه) تعالي للاشياء (بامر) سبحانه (و اذعن) اي انقاد الخلق (لطاعته) تكوينا (فاجاب) الخلق لما اراد تعالي (و لم يدافع) سبحانه بان يابي الخلق من الانقياد التكويني له (و انقاد) اي خضع الخلق (و لم ينازع) سبحانه بان يخاصمه احد في خلقه. ثم اخذ سبحانه في بيان خلقه الخفاش، ذكر المثال من امثله خلقه التي تدل علي عظيم لطفه و علمه و صنعه، و انكان المخلوق في الناس منفورا منه، غير ظاهر عليه آثار القدره

[صفحه 395]

(و من لطائف صنعت) اي دقائقها (و عجائب خلقته) اي الخلق المورث للعجب (ما ارانا من غوامض الحكمه في هذه الخفافيش) جمع خفاش و هو حيوان معروف (التي يقبضها الضياء الباسط لكل شي ء) فان ضياء الشمس يسبب حركه الانسان و الحيوان في مذاهبهما و الي مصالحهما، الا ان الخفاش ينقبض و ياوي الي بيته بالنهار لان الضياء يوذيه. (و يبسطها) بالحركه و الانتشار (الظلام القابض لكل حي) مما يسبب له اخماد الحس و الحركه (و كيف عشيت) العشاء: سوء البصر (ضعفه) و يسمي خفاشا لذلك، بان الخفش بمعني ضعف البصر (اعينها عن ان تستمد من المشس المضيئه نورا) فانها ضعيف البصر، و لذا توذيها الشمس فتفر منها فلا (تهتدي به) اي بنور الشمس (في مذاهبها) جمع مذهب، و هو طريق الذهاب و الاياب. (و تتصل بعلانيه برهان الشمس) اي بظهور دليل الشمس- و المراد بدليلها- نورها (الي معارفها) الي المواضع التي تتعرف اليها الخفافيش (و ردعها) اي منع النور الخفافيش (ب) سبب (تلالو ضيائها) اي ضياء الشمس (عن المضي في سبحات اشراقها) اي درجاتها

و اطوارها (و اكنها) اي استر النور الخفافيش (في مكامنها) جمع مكمن، و هو: محل الاختفاء (عن الذهاب في بلج) اي ضوء (ائتلاقها) اي لمعان ا

لشمس. (فهي) اي الخفافيش (مسدله الجفون) من اسدل الستر بمعني نصبه (بالنها علي احداقها) جمع حدقه و هي العين. (و) هي (جاعله الليل سراجا) اي مصباحا (تستدل به) اي بالليل (في التماس ارزاقها) اي طلب رزقها في تبصر بالنور القليل الوجود في الليل. (فلا يرد ابصارها اسداف ظلمته) يقال اسدف الليل اذا اظلم (و لا تمتنع) الخفافيش (من المضي) و السير (فيه) اي في الليل (لغسق) اي شده ظلمه (دجنته) الدجنه بمعني: الظلمه. (فلذا القت الشمس قناعها) كنايه عن ظهورها كان الليل قناع تقنع الشمس به (و بدت) اي ظهرت (اوضاح نهارها) جمع وضح بمعني بياض الصبح (و دخل من اشراق نورها علي الضباب) جمع ضب، و هو حيوان معروف، يسكن في داخل الارض (في وجارها) الوجار: حجر الضب، فان النور لزم ان يشتد حتي يدخل في الثقوب العميقه في داخل الارض. (اطبقت) الخفافيش (الاجفان) جمع جفن، و هو غطاء العين (علي ماقيها) جمع ماق، و هو طرف العين ممايلي الانف (و تبلعت) اقتاتت و اكتفت (بما اكتسبت من في ء ظلم لياليها) و المراد بفي ء الليل، القوت الذي حصلته في الليل. (فسبحان من جعل الليل لها) اي للخفافيش (نهارا) اي كالنهار في الحركه (و معاشا) اي لاجل تحصيل المعاش الذي يعيش به (و ال

نهار سكنا) تسكن فيه (و قرارا) تقر و تنام فلا تخرج. (و جعل لها اجنحه من لحمها) فان جناح كل طائر من الريش الا ان جناح الخفاش من اللحم (تعرج) اي تصعد (بها) اي بسبب تلك الاجنحه

(عند الحاجه الي الطيران، كانها) اي كان تلك الاجنحه (شظايا) جمع شظيه، بمعني القطعه من الشي ء (الاذان) فان جناح الخفاش يشبه قطعه الاذن في انه كالغضروف، في حال كون تلك الاجنحه (غير ذوات ريش و لا قصب) كقصب ريش الطائر و انكان لجناح الخفاش ايضا قصب من جنس المغضروف (الا انك تري مواضع العروق) في جناح الخفاش (بينه اعلاما) اي رسوما ظاهر، فان علم الشي ء دليله. (لها جناحان لما يرقا) اي لم يرقا، و جي ء ب(لما) للطف لا يخفي (فينشقا) في الطيران (و لم يغلظا فيثقلا) و يمنعا الخفاش عن الطيران (تطير) الخفافيش (و ولدها لاصق بها) فانها تحمل اولادها الصغار اذا ارادت ان تطير. (لاجي الهيا) مخافه السقوط (يقع) الولد اي يهبط (اذا وقعت) الخفافيش (و يرتفع اذا ارتفعت) اي طارت (لا يفارقها) الولد (حتي تشتد اركانه) الضمير عائد الي الولد، و اشتداد الاركان كنايه عن قوته للنهوض و الاستقلال. (و يحمله للنهوض جناحه) اي حتي يحمل الولد جناحه للنهوض و الطيران و هذا عطف بيان لقوله:

تشتد اركانه (و يعرف مذاهب عيشه) اي يتمكن الولد من الاستعاشه بنفسه و القيام بهمامه (و مصالح نفسه) فحينذاك ينفك عن امه. (فسبحان الباري) اي الخالق (لكل شي ء علي غير مقال خلا) اي بقي ذلك المثال (من غيره) تعالي، بان يكون عمل احد قبله سبحانه، ثم تعلم منه تعالي، لانه لا احد قبله و لا شي ء مخلوق لغيره.

خطبه 155

[صفحه 400]

(خاطب به اهل البصره علي جهه اقتصاص الملاحم) اي قصه حرب الجمل، و فيها وصف الايمان، و حال اهل القبور. يظهر من السياق ان الامام عليه السلام اخبر عن بعض الفتن المستقبله، ثم قال: (فمن استطاع عند ذلك) الامر المستقبل

(ان يعتقل) اي يحفظ (نفسه علي الله عز و جل) بان لا يخرج عن طاعته (فليفعل) و جمله الشرط للتاكيد، و لبيان صعوبه الحفظ في طريق الله سبحانه، كما يقال: ان كنت رجل فافعل كذا. (فان اطعتموني) في حفظ انفسكم (فان حاملكم ان شاء الله علي سبيل الجنه) اي اوصلكم اليها، و لفظ (حامل) باعتبار اي الحمل و الارشاد مشابهان في الايصال. (و ان كان) حفظ النفس- و ان وصليه- (ذا مشقه شديده) لان المغريات و الاهواء علي ضد ذلك (و مذاقه مريره) اي ان ذوق المحافظه و التحمل لها مر صعب (و اما فلانه) و الظاهر ان المقصود بها (عائشه) و كانه سال عليه السلام عن امرها في قصه الجمل، و ما الذي حملها علي محاربه الامام؟ مع انها ما كانت تطمع بالملك، كما كان الزبير و الطلحه يطمعان فيه؟. (فادركها راي النساء) فان النساء يعملن بالعواطف لا العقول- غالبا- فلا عله لعملهن الا الاعتباط في كثير من الحركات. (وضغن) اي حقد قديم (غلا في صدرها) فانها

كانت تغار من فاطمه الزهراء زوجه الامام عليه السلام، كما كانت تحقد علي الامام كونه الخليفه الشرعي المنافس لابوها ابوبكر، و لما تعلم من ان الامام لا يذرها تعمل ما تشاء، كما كانت فعل في ايام الخلفاء من نشر الاحاديث الزائفه و ما اشبه، و كانت تعلم ان الامام لا يفضلها في العطاء، و انما يقسم بالسويه حسب ما كان يعمل الرسول صلي الله عليه و آله و سلم. (كمرجل القين) المرجل القدر، و القين الحداد، فان من عاده الحدادين ان يضعوا الحديده المحماه في الماء، و ذلك الماء اذا وضع فيه الحديد يغلي غليا شديدا. (و لو دعيت) عائشه

(لتنال من غيري ما اتت الي) من السب و تجهيز الجيش و تحريض الناس و ما اشبه (لم تفعل) لانها كانت تكره الامام اشد الكره، علي خلاف امر الله و الرسول صلي الله عليه و آله و سلم (و لها بعد) اي بعد كل ذلك الذي تقدمت بها الي (حرمتها الاولي) فاني احترمها كما كنت احترمها سابقا- لاجل رسول الله صلي الله عليه و آله (و الحساب علي الله تعالي) فانه يجازيها باعمالها.

[صفحه 402]

(منه): اي بعض هذا الكلام، في وصف الايمان، هذا الايمان (سبيل ابلج المنهاج) اي واضح الطريق (انور السراج) اي مضي ء المصباح (فبالايمان يستدل علي الصالحات) اذ لا يعرف الانسان الاعمال الصالحه، و انما الايمان دليل علي ان الشي ء الفلاني صالح و الشي ء الفلاني غير صالح (و بالصالحات يستدل علي الايمان) فان العامل بالصالحات مومن، فالعمل دليل الايمان، اما من يقول انا مومن و لا يعمل فكلامه كذب، اذ للايمان آثار. (و بالايمان يعمر العلم) اذا العلم انما يحفز عليه الايمان، اما العلم الذي لا يحفز عليه الايمان، ففيه المخلوط من الحق و الباطل، مثلا العلم بمبدء الكون و منتهاه ياتي من الايمان، و لذا نري من لا ايمان له يقول بالتعطيل او الشرك او ما اشبه (و بالعلم يرهب الموت) اي يخشي منه، اذ من يعلم عاقبه امره يخشي من العمل الفاسد و من ان يلقي الموت بلا استعداد. (و بالموت تختم الدنيا) كما ان بالولاده تبتدء الدنيا، و انما ينتقل الانسان بالموت الي الاخره (و بالدنيا تحرز الاخره) اذ الاعمال الصالحه المحرزه للاخره انما توتي في الدنيا (و الخلق لا مقصر لهم) اي لا مستقر لهم (عن القيامه مرقلين) اي مسرعين

(في مضارها) اي ميدان الدنيا

(الي الغايه القصوي) اي ابعد الغايات، و هي الاخره فان العمر يذهب بكل سرعه.

[صفحه 403]

(منه): اي بعض هذا الكلام، في حال حشر الانسان (قد شخصوا) اي سافروا، و تحركوا (من مستقر الاجداث) جمع جدث و هو القبر، اي قد سافروا من قبورهم التي كانت محل قرارهم الي الاخره- و قد تم برزخهم- (و صاروا الي مصائر الغايات) مصائر جمع مصير، و هو ما يصير الانسان اليه من سعاده او شقاء و جنه او نار (لكل دار) من الجنه و النار (اهلها) فللجنه المومن العامل بالصالحات، و للنار غيره. (لا يستبدلون بها) بدارهم دارا اخري (و لا ينقلون عنها) فالسعداء في الجنه ابدا، و الاشقياء في النار ابدا، و انما ينتقل من النار الموقته اي الجنه السعداء، و المقصود ابديه البقاء بالاخره، لا من الابتداء، و اذ كان الامر خطرا فعلي الانسان ان يعمل لا نقاذ نفسه و انقاذ غيره، اما انقاذ الغير فبالامر بالمعروف و النهي عن المنكر، و اما انقاذ النفس فبالعمل بالكتاب، و لذا شرع عليه السلام- بعد بيان الجنه و النار- في الترحيض علي هذين الامرين. (و ان الامر بالمعروف) و هو كل ما حسنه الشرع و العقل (و النهي عن المنكر) و هو كل ما قبحه الشرع و العقل (لخلقان من خلق الله سبحانه) فمن اخلاقه سبحانه الامر بالمعروف و النهي عن المنكر، فانه لم يرسل الرسل، و لم ينزل

الكتب الا لاجل هذين الامرين (و انهما لا يقربان، من اجل) الامر الناهي. (و لا ينقصان من رزق) فانه يغلب علي ظن الناس انهم ان امروا او نهوا قتلوا، او نقص رزقهم بعدم توفيره من فاعل المنكر- اذا كان

سببا لرزقهم- و الامر ليس كذلك، فانهما بشرائطهما- التي منها الامن من الضرر- لا يوجبان شيئا من تقريب الاجل و نقص الرزق، اما ما يوجب احد الامرين- اي الضرر- فذلك من الجهاد في سبيل الله، و مورده غير مورد الامر و النهي. (و عليكم بكتاب الله) اي الزموه فان (عليك) اسم فعل بمعني الزم (فانه الحبل المتين) اي المحكم الذي لا ينقطع، تشبيه له بالحبل الذي يرفع الانسان من البئر و نحوها. (و النور المبين) بمعني الواضح، من ابان بمعني ظهر (و الشفاء النافع) الذي ينتفع به الانسان من مشاكل الدنيا و الاخره (و الري) اي الارتواء من الماء (الناقع) اي المزيل للعطش، يقال نقع العطش اذا ازاله. (و العصمه للمتمسك) اي يعصم و يحفظ المتمسك به، من الاخطار (و النجاه للمتعلق) فمن تعلق بالقرآن، اي عمل به نجي من المهالك (لا يعوج) و ينحرف (فيقام) كما يقام الرمح و شبهه اذا اعوج. (و لا يزيغ) من زاع بمعني مال (فيستعتب) من اعتب اذا انصرف، و المعني لا يطلب منه الانصرا

ف عن زيغه، كما يطلب من الانسان الزائغ ان يرجع الي الجاده، فليس القرآن كالقوانين الوضعيه التي يلزم تعديلها باختلاف الظروف و تبدل الحالات (و لا تخلقه) اي تبليه كما يبل الثوب و نحوه (كثره الرد) اي القرائه. (و ولوج السمع) اي دخول القرآن في سمع الانسان، و هذا من عجائب القرآن، فان اسلوبه و معانيه جديده الي الابد لا نطباقه علي كل زمان و مكان (من قال به) اي بالقرآن، بان بين محتوياته (صدق) لانه مطابق للواقع (و من عمل به سبق) غيره الي السعاده و الخير.

[صفحه 405]

(و قام اليه رجل فقال: يا اميرالمومنين،

اخبرنا عن الفتنه، و هل سالت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم عنها … ؟؟ فقال عليه السلام:) (لما انزل الله سبحانه قوله: (الم احسب الناس ان يتركوا ان يقولوا آمنا)) اي ظنوا انهم بمجرد اظهارهم الايمان يتركوا و شانهم بدون امتحان و اختبار (و هم لا يفتنون) اي لا يمتحنون، و هذا استفهام انكاري، اي ليس الامر كذلك، و انما كل احد يظهرالايمان لابد و ان يختبر و يمتحن (علمت ان الفتنه) اي الامتحان (لا تنزل بنا و رسول الله صلي الله عليه و آله بين اظهرنا) و ذلك لدلاله الايه علي كون الفتنه في المستقبل لا في الحال، و القرائن تدل علي ان المستقبل بعد فوت الرسول (ص) (فقلت يا رسول الله ما هذه الفتنه التي اخبرك الله تعالي بها)؟ (الظاهر ان قوله عليه السلام: (لما انزل الله) و قوله: (فقلت) لبيان كون السوال و الجواب بعد نزول الايه في الجمله، لا لكونهما وقعا بعد النزول مباشره و بلا فصل، حتي يستشكل ان السوره مكيه، فكيف يجتمع كلامه عليه السلام (لما) مع كون السئوال بعد (قصه احد)؟ (فقال:) صلي الله عليه و آله (يا علي: ان امتي سيفتنون من بعدي) اي يمتحنون ايهم يثبت علي الحق و ايهم ينحاز الي

الباطل. (فقلت: يا رسول الله، او ليس قد قلت لي يوم احد، حيث استشهد من استشهد من المسلمين) كحمزه عليه السلام و غيره (و حيزت) اي نحيت (عني الشهاده) فلم اقتل في سبيل الله (فشق ذلك علي) حيث لم استشهد حتي انال درجات الشهداء (فقلت لي: (ابشر فان الشهاده من ورائك)) اي علي يدي ابن ملجم لعنه الله (فقال صلي الله عليه و آله لي: (ان

ذلك)) النهي قلت (لكذلك) كائن لا محاله (فكيف صبرك اذا)؟ اي علي ايه حاله تكون حين تضرب؟ علي حاله الصبر او حاله الجزع؟ (فقلت: يا رسول الله: ليس هذا من مواطن الصبر) اي ينبغي ان لا اسال هل اصبر ام لا، فان ذلك مثل ان يسال (من زف اليه عروس): هل تصبر؟! (و لكن من مواطن البشري) اي البشاره (و الشكر) فان اهل الايمان و اولياء الله يستبشرون بالمنيه في سبيل الله. (فقال يا علي:) في جواب السئوال عنه صلي الله عليه و آله (ما هذه الفتنه؟ و الجمل في وسط السوال و الجواب معترضه لبيان وقت السئوال و الجواب معترضه لبيان وقت السوال و الجواب. و بيان انه كيف يجمع بين (افاتتان الناس) مما ظاهره كونه بسبب الامام بعد موت الرسول صلي الله عليه و آله و بين (استشهاد الامام) ما ظاهره كون ذلك في زمن الرسول صلي الله عليه و آله و الظ

اهر ان السيد الرضي (ره) بتر وسط الكلام الموجب لربط الجمل بعضها ببعض- و قد نقل يعض الشارحين وسط الكلام- ففي المقام سوالا و جوابان: الاول: (ما الفتنه)؟ و جوابه مذكور بقوله صلي الله عليه و آله: (يا علي … الخ) (و الثاني: كيف يفتن الناس بسبب الامام، و الحال انه سيقتل؟ و الجواب: انه يقتل بعد افتتان الناس به- و هذا ساقط في الذي نقله السيد (ره)- (ان القوم سيفتنون باموالهم) فان الانسان اذا راي ماله كثيرا طغي و منع الحقوق. (و يمنون بدينهم علي ربهم) فيزعمون ان اسلامهم الظاهري منه منهم علي الله تعالي، بينما الله سبحانه غني عن العالمين. (و يتمنون رحمته) بلا عمل يستحقون به الرحمه (و

يامنون سطوته) اي عقابه و نكاله، من دون ان يتركوا المناهي و المحرمات. (و يستحلون حرامه) اي الذي حرمه سبحانه (بالشبهات الكاذبه) اي يجعلون المحرم مشتبها، و هم يعلمون انهم كاذبون في هذا الجعل (و الاهواء الساهيه) اي الموجبه للسهو عن الحق، و ذلك مثل قوله تعالي (في عيشه راضيه) اي مرضيه. (فيستحلون الخمر ب) اسم (النبيذ) و هو نوع من الخمر لكنه اخف من خمر العنب (و السحت) كالرشوه و ما اشبه (ب) اسم (الهديه) فاذا اراد ان يرشي القاضي و من اشبهه، قال: انه هد

يه (و الربا ب) اسم (البيع) فيبيع ما قيمته مائه بمائه و خمسين ثم يشتريه منه بمائه، و لا يريد بهذا الا اعطاء قرض مائه و اخذ مائه و خمسين، و انما البيع لفظ محض و صوره مجرده. (قلت يا رسول الله:) اذا كان كذلك (باي المنازل انزلهم) اي باي حكم احكم علي مثل هولاء (عند ذلك؟) الامتثال و الامتحان؟ (ابمنزله رده) و انهم مرتدون عن الاسلام (ام بمنزله فتنه) و انهم مخدوعون فمتنون، فانما لهم التاديب و التانيب، لا القتل و التعذيب. (فقال:) صلي الله عليه و آله (بمنزله فتنه) اذ هذه الامور معاصي و ليست كفرا و ارتدادا، و انما الكفر في الانكار، و لعل وجه سوال الامام عليه السلام، لان يعرف الخوارج ان ليس كل عاص كافرا- كما كانوا يزعمون-.

خطبه 156

[صفحه 409]

فيها الحث علي التقوي و العمل للاخره (الحمدلله الذي جعل الحمد مفتاحا لذكره) فاذا اراد الانسان ذكره سبحانه لزم ان يفتح الكلام بالحمد، كما يفتح الباب بالمفتاح، و قد ورد (كل امر ذي بال لم يبدء فيه بحمد الله فهو ابتر) (و سببا للمزيد) اي الزياده

(من فضله) كما قال سبحانه: (لئن شكرتم لازيدنكم) و الحمد احد انواع الشكر، فان مواقع الشكر الجنان، و الاركان، و اللسان، و لذا قال سبحانه: (اعملوا آل دواد شكرا). (و دليلاا(علي آلائه) جمع (آلي) بمعني النعمه (و عظمته) فان الانسان الذي يحمد الله يتوجه الي نعمته سبحانه و الي عظمته، اذ اللفظ يوجب الايمان الي الذهن بالتفكر حول ما يلفظ، يا (عباد الله ان الدهر) اي الزمان، و الدنيا (يجري بالباقين كرجيه بالماضين) فان حال الباقي من الناس، في الدنيا، كحال الماضي منهم، فالدنيا نسخه مكرره لامر واحد (لا يعود ما قد ولي منه) اي من الدهر، و المراد مما فيه من حيوان و انسان و نبات و سائر الاشياء، فانها اذا فنيت لم تعد. (و لا يبقي سرمدا) باقيا دائما (ما فيه) فان كلشي ء فيه الي زوال و اضمحلال (آخر فعاله) اي فعال الدهر (كاوله) حياه و موت، و وجود و عدم، و ما اشبه (متسابقه اموره) اي تت

سابق الامور الجاريه في الدنيا، فمثلا الفقر يريد اخذ مكان الغني، و الغني يريد اخذ مكان الفقر، و كذلك في الصحه و المرض، و الحياه، و الموت، و غيرها، و في بعض النسخ (متشابهه اموره) (متظاهره اعلامه) اي تتوالي العلاماه علي الاشياء، فان كل ما يوجد في الدنيا، او يعدم له علم- اي علامه ليبق ذلك الشي ء ليدل عليه (فكانكم بالساعه) اي القيامه (تحدوكم) اي تحرضكم علي السير، فان الانسان يسير سيرا حثيثا نحو الاخره، فكان الساعه تحدوه (حدو الزاجر) اي سائق الابل (بشوله) جمع شائله، و هي: الخاليه عن الولد فان سوق الانسان لها اعنف. (فمن شغل نفسه بغير نفسه) بان لم يشتغل باصلاح نفسه،

بل اشتغل بعماره الدنيا و بامور الناس و ما اشبه (تحير في الظلمات) اي ظلمات الجهل و ظلمات العاقبه السيئه (و ارتبك في الهلكات) (ارتبك) اي تحير، فيما اذا وقع في الهلكه، ماذا يصنع؟ و الهكله انما تكون لانه لم يهيي ء نفسه للسعاده الابديه (و مدت به شياطينه في طغيانه) اي امدوه بالوسوسه، و الاغواء، حتي لا يخرج عن الطغيان، و هو المخالفه لاوامر الله سبحانه. (و زينت) الشياطين (له سيي ء اعماله) فان الانسان اذا اعتاد عملا زين ذلك العمل في نظره، كما قال سبحانه: (افمن زي

ن له سوء عمله فرآه حسنا). (فالجنه غايه السابقين) الذين سبقوا الي الخيرات (و النار غايه المفرطين) الذين فرطوا و قصروا في الاعمال الصالحه

[صفحه 411]

(اعلموا عباد الله ان التقوي دار حصن عزيز) اي موجبه لعزه الكائن في هذه الدار، اي الملا بس للتقوي. (و الفجور) اي الخروج عن اوامر الله سبحانه (دار حصن ذليل) توجب ذله الداخلين فيها (لا يمنع) الفجور (اهله) عن المكاره و الافات (و لا يحرز) اي لا يحفظ (من لجا اليه) و اعتصم به (الا) فليتنبه السامع (و بالتقوي تقطع حمه الخطايا) حمه هي ابره الزنبور و العقرب و ما اليهما، و المراد بها هنا سطوه المعاصي، فان المتقي يحفظ نفسه- بسبب تقواه- من ان يناله الخطايا بسوء. (و باليقين) بالمبدء و المعاد (تدرك الغايه القصوي) اي ابعد الغايات، و هي الجنه، فان الانسان المتيقن يجتنب عن العصيان، مما يوجب ادراك السعاده الاخرويه. يا (عباد الله) احذروا (الله في) ان تفعلوا شئيا يوجب هلاك (اعز الانفس عليكم) و المراد بها نفس الانسان، فانها اعز الانفس (و احبها اليكم) فان الانسان يحب نفسه اكثر من حبه

لاي نفس آخر (فان الله قد اوضح لكم سبيل الحق) الموجب لنجاه من سلكه (و انار طرقه) اي الطرق الي مختلف السعادات (ف) ان وراء الانسان ليس الا (شقوه لازمه) بالخلود في النار لمن كفر و عصي (او سعاده دائمه) بالخلود في الجنه لمن آمن و اطاع. (فتزودوا ف

ي ايام الفناء) و هي ايام الدنيا (لايام البقاء) في الاخره (فقد دللتم علي الزاد) و هو الايمان و العمل الصالح (و امرتم بالظعن) اي ما يوجب الحسن، و هو العمل الصالح، فان معني الظعن السير. (و حثثتم علي المسير) اي تهيئه اسباب السير المريح، او المراد ان الدنيا تحث الانسان علي السير بتقلب احوالها و قصر ايامها (فانما انتم كركب وقوف) جمع واقف (لا يدرون متي يوئمرون بالمسير) فان الموت ياتي مفاجئا

[صفحه 413]

(الا فما يصنع بالدنيا من خلق للاخره)؟ استفهام للانكار فان الانسان الذي لا يبقي في الدنيا، اذا عمل من اجلها كان سفها و عبثا. (و ما يصنع بالمال من عما قليل يسلبه) اي يوخذ منه، و ذلك حين الموت (و تبقي عليه تبعته) فان ما يتبع المال من الاثام فيما اذا منع حقه، او صرف في غير حقه، او اكتسب من غير حقه، يبقي علي الانسان (و حسابه) فان الانسان محاسب بما ملك سواء من الخير او من الشر، و سواء صرفه في الخير او في الشر او لم يصرفه. يا (عباد الله انه ليس لما وعد الله من الخير مترك) اي محل ممكن الترك فان كل ما امر الله سبحانه لابد و ان ينفذ و يطاع، و قوله عليه السلام (من الخير) اي من موجبات الخير، و هي الواجبات التي توجب السعاده (و لا

فيما نهي عنه من الشر مرغب) اي محل رغبته فانه لا يمكن للانسان ان ياتي بمناهي الله سبحانه الموجبه للشر، يا (عباد الله احذروا يوما تفحص فيه الاعمال) اي يري الصحيح منها و السقيم، و ذلك للجزاء. (و يكثر فيه الزلزال) كما قال سبحانه: (و ان زلزله الساعه شي ء عظيم) فان من احوال القيامه وقوع الزلازل فيها (و تشيب فيه الاطفال) اي يبلغون حد الهرم، اما لطوله فانه خمسون الف سنه، و اما لاهواله فان ا

لهول يوجب الضعف الموجب لبياض الشعر، كما قال الشاعر: (و اشاب الدهر راسي قبل ابان المشيب). (اعلموا عباد الله ان عليكم رصدا) اي رقيبا يرصد عليكم (من انفسكم) فان في باطن الانسان قوه توقظ الانسان و تنبهه، فاذا اراد عمل الخير حثه و اذا اراد عمل الشر ردعه (و عيونا من جوارحكم) فان جوارح الانسان تشهد علي الانسان بما فعل، في يوم القيامه، كما قال سبحانه: (اليوم نختم علي افواههم، و تكلمنا ايديهم و تشهد ارجلهم بما كانوا يكسبون.) فالجوارح كالجواسيس علي الانسان. (و حفاظ صدق) اي صادقين في كلامهم و كتابتهم (يحفظون اعمالكم) و هم الملائكه، كما قال سبحانه: (ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد) (و عدد انفاسكم) يعني ان الحساب دقيق الي هذا الحد. (لا تستركم منهم) اي من اولئك الحفظه (ظلمه ليل داج) دجي بمعني اظلم و اشتد ظلامه (و لا يكنكم) من الكن، بمعني: محل الحفظ (منهم باب ذو رتاج) اي ذو احكام في الغلق اي لا يتمكن الانسان ان يهرب الي مكان و يغلق الباب علي نفسه لئلا يعلم باعماله الحفظه من الملائكه. (و ان غدا) الذي فيه حسابكم (من اليوم قريب) فان

كل آت قريب، و هذا تحريض للعمل لذلك اليوم، لا ان يقال: انه بعيد فلا يهم العمل لاجله، فان الان

سان لا يهتم للمستقبل البعيد (يذهب اليوم) اي ايام الدنيا (بما فيه) من خير و شر (و يجي ء الغد) و هو ما بعد الموت (لا حقا به) اي بهذا اليوم، الذي نحن فيه من ايام الدنيا. (فكان كل امري ء منكم قد بلغ من الارض منزل وحدته) و هو القبر (و مخط حفرته) الحفره المكان الذي يحفر، و المخط موضع التخطيط، فان القبر يخطط مقداره اولا، ثم يحفر (فياله) لفظه تعجب في فرح او حزن او ما اشبه، و اصله (يا قوم له) و الضمير عائد الي ما يسبقه، يفسره (من) فيما بعده، و (اللام) تعجب من هذا النحو من المالكيه، فمثلا: مالكيه القبر لهذا النحو من الوحده المنقطعه عن جميع الناس، و هكذا. (من بيت وحده) لا احد مع الانسان فيه (و منزل وحشه) يوجب وحشه الانسان، و هي حاله خوف تطرء علي الانسان المتوحد في محل مخوف، كالصحراء او المكان المظلم او ما اشبه (و مفر غربه) اي محل يفرد فيه الانسان و هو غريب لا عهد له به (و كان الصيحه) اي صيحه الموت، او صيحه القيام للمحشر (قد اتتكم) و الثاني اقرب. (و الساعه) اي ساعه القيام للسوق نحو المحشر (قد غشيتكم) اي شملتكم (و برزتم) اي ظهرتم في المحشر (لفصل القضاء) اي للقضاء الفاصل بين السعيد و الشقي و اهل الجنه و اهل النار (قد زاحت

) اي انكشفت (عنكم الاباطيل) التي كانت تكتنفكم في الدنيا، من زخارفها و مالها و جاهها و ما اشبه، لان الانسان يجرد من كل ذلك في الاخره.

(و اضمحلت) اي بطلت (عنكم العلل) التي كنتم تعللون بها اعمالكم الفاسده في الدنيا، فان هناك لا تقبل العلل الباطله، كان يعلل شربه للخمر بانه اعتادها، او لعبه للقمار بانه مسلي له (و استحقت بكم الحقائق) اي احاطت بكم، يقال استحق الدين اذا جاء وقته (و صدرت بكم الامور مصادرها) اي وصلتكم الامور الصادره من مصادرها، و هذا للتهويل، فان الامر لا يصدر من المصدر الا انه يوجب غايه و نتيجه مهمه بالنسبه الي الانسان (فاتعظوا بالعبر) جمع عبره، و هي ما يوجب التفات الانسان، و ادراكه لما ينفع و ما يضر (و اعتبروا بالغير) اي التغيرات فان تغيرات الدنيا توجب اعتبار الانسان ان فكر فيها و اعطاها حق النظر (و انتفعوا بالنذر) جمع نذير و هو كل امر يوجب تخويفا من عمل، لان له عاقبه سيئه.

خطبه 157

[صفحه 417]

فيها بيان فضل الرسول، و عظمه القرآن، و دوله بني اميه (ارسله) اي ارسل الله تعال محمد صلي الله عليه و آله (علي حين فتره من الرسل) اي حين عدم وجود الرسل، و بعد زمانهم الذي كانوا فيه، فان بين رسول الاسلام، و عيسي عليه السلام ما يقرب من خمسائه عام (و طول هجعه) اي نوم، و المراد نوم عن المعارف و الاحكام (من الامم) فقد كانت امم العالم تغط في نوم الجهل و الغفله (و انتقاض من المبرم) اي المحكم، و اصله مبرم الحبل و نحوه اذا فتل فتلا قويا، اي ان احكام الله سبحانه المبرمه كانت منقوضه في زمن الجاهليه لا يعمل بها. (فجائهم) الرسول صلي الله عليه و آله و سلم (بتصديق الذي بين يده) اي ما كان امامه صلي الله عليه و آله من الرسل

و احكام الله سبحانه (و النور) اي جائهم الرسول بالنور (المقتدي به) و هو القرآن الحكيم، الذي يقتدي به الناس (ذلك) النور هو (القرآن فاستنطقوه) اي اطلبوه ان ينطق لكم، و لكنه (لن ينطق) نطقا باللسان، و انما النطق بمعني بيان القصص و المعارف و الاحكام. (و لكن اخبركم عنه) اي عن القرآن، و كيفيه ارشاده (الا ان فيه علم ما ياتي) من احوال القيامه و الجنه و النار و ما اشبه (و الحديث عن الماضي) المبدء و احوا

ل الانبياء و قصصهم مع اقوامهم (و دواء دائكم) فان داء الانسان الجهل و المرض و الرذيله، و دواء الكل في القرآن (و نظم ما بينكم) فانه ينظم امور الناس حتي يسعدوا جميعا في الفه و رفاه … (منها:)

[صفحه 418]

في دوله بني اميه (فعند ذلك) اي قيام الحكم الاموي (لا يبقي بيت مدر) مصنوع من حجاره و نحوها (و لا وبر) مصنوع من الشعر و نحوه، اي الخيام (الا و ادخله الظلمه) جمع ظالم، و المراد حكام بني اميه (ترحه) اي يوسا و شده، ضد (فرحه). (و اولجوا فيه نقمه) اي ادخلوا فيه الانتقام و الشده، فان حكم الباطل هكذا يكون دائما، يوجب ضيقا في النفوس، و ضنكا في الحياه (فيومئذ) اي في ذلك اليوم الذي يحكم فيه الامويون و يذيقونكم الوان العذاب. (لا يبقي لكم في السماء و لا في الارض ناصر) و ذلك لان الناس اذا اشتغلوا بالمعاصي، و لم يغيروا المنكر، انقطع عنهم عون السماء، و اذا انقطع عون السماء، لم يكن لهم عون في الارض (اصفيتم) اي آثرتم و قدمتم (بالامر غير اهله) اي بامر الخلافه و الاماره. (و اوردتموه غير مورده) تشبيه للخلافه بالحيوان

الذي يورد علي الماء، فانه اذا اورده السائق في غير المشرعه تعب السائق و الحيوان معا. (و سينتقم الله ممن ظلم) باعطاء الامر الي الامويين، و السكوت علي اعمالهم (ماكلا بماكل) اي يوكله سبحانه المر، كما اكل الحلو (و مشربا بمشرب) اي يشربه الكدر، كما شرب العذب (من مطاعم العلقم) شي ء شدي المراره (و مشارب الصبر و ا

لمقر) الصبر عصاره شجره مره، و المقر السم، يعني ان الجزاء تقديم بني اميه هذه الامور، و هي كنايه عما يلاقونه من الشدائد في دولتهم. (و) من (لباس شعار الخوف) اي باطنه الخوف (و دثار السيف) اي ظاهره السيف. فان الانسان في دوله الظلمه خائف القلب، مهي ء السلاح و شبه الخوف بالشعار- و هو الثوب الذي يلاصق شعر الجسد- لانه في داخل قلب الانسان، و اما الدثار و هو الثوب الذي فوق الشعار ظاهر، و لذا شبه به السيف الظاهر علي جسد الانسان. (و انما هم) اي آل اميه (مطايا الخطيئات) كان الخطايا و الاثام تركب عليهم لتسوقهم الي النار (و زوامل الاثام) جمع زامله، و هي: ما يحمل عليها الطعام من الابل و نحوه (فاقسم ثم اقسم) تكرار للتاكيد (لتتخمنها اميه) النخامه: ما يدفعه الصدر او الدماغ من الماء اللزج، معني الجمله ان اميه تلفظ الخلافه، كما يلفظ الانسان النخامه، و ذلك كنايه عن خروج الامر من ايديهم، بسبب بني العباس (من بعدي كما تلفظ) اي تطرح (النخامه) و لعل وجه اسناد اللفظ اليهم، انهم ارتكبوا جرائم اوجبت ذلك- و ان كان خروج الخلافه عنهم كان بكره منهم-. (ثم لا تذوقها) اي الخلافه (و لا تتطعم بطعمها) اي لا تعرف طعم الخلافه (ابد، ما كر الجديدان) هم

ا الليل و

النهار و كرهما و دورانهما.

خطبه 158

[صفحه 420]

يبين فيها حسن ادارته للرعيه (و لقد احسنت جواركم) ايها المسلمون، فاوصلت الخير اليكم، و كففت الاذي عنكم (و احطت- بجهدي- من ورائكم) اي حفظتكم عن ان ينال احد منكم مكروها، كما يحيط البناء بالانسان حافظا له عن الاخطار (و اعتقتكم من ربق الذل) جمع ربقه، و هي: الحبل فيه عري، لربط اعناق الاغنام بها لينخرط الكل في نظام واحد يساقون كما يشاء الراعي، فان عثمان جعل المسلمين اذلاء، بسبب اعماله و حكامه، حتي انهم كانوا يعدون العراق (بستان قريش). (و حلق) جمع حلقه (الضيم) اي الذل، فكانه خلقه في رقابهم، و ايديهم ارجلهم (شكرا من للبر القيل) اي ما رايته من بر بعضكم، فاني جازيت ذلك البر بتلك الاعمال من احسان الجوار و غيره (و اطراقا) يقال اطرق راسه، اذا لم يرفعها، و كانه لا يري ما يفعل امامه (عما ادركه البصر) منكم من سوء الاعمال (و) اطراقا عما (شهده البدن) اي لمسه بدني- و ذلك كنايه عما ادركه عليه السلام او الاذي الوارد علي جسده الشريف- (من المنكر الكثير) الصادر منكم، كل ذلك بعكس عثمان و ولاته، الذين سبقوا الامام في اداره البلاد.

خطبه 159

[صفحه 422]

في حمده سبحانه، و بيان عظمته، و فضائل رسله، و حقيقه الرجاء (امره) سبحانه بشي ء (قضاء) لازم لا يمكن الفرار عنه (و حكمه) فانه تعالي لا يامر الا حسب المصلحه و الخير (و رضاه) اذا رضي عن احد (امان) له عن الاخطار (و رحمه) له بالانعام و الافضال (يقضي) اي يحكم فيما يحكم (بعلم) فليس حكمه صادرا عن جهل. (اللهم لك الحمد علي ما تاخذ و تعطي) فان كليهما خير للانسان، و لذا يستحق سبحانه علي كل واحد منهما

الحمد و المدح (و علي ما تعافي و تبتلي) فان ابتلائه اما لحط ذنب او لرفع درجه، و كلاهما نعمه تستحق الحمد (حمدا يكون ارضي الحمد لك) اي تكون انت اكثر رضا من ذلك الحمد، من رضاك سائر انواع حمد الحامدين، و ذلك كنايه عن بلوغ حمد الحامد الدرجه الكامله حتي يكون سبحانه شديد الرضا به (و احب الحمد اليك) اي تحبه اكثر من حبك لسائر انواع المحامد (و افضل الحمد عندك) فان الرضا و الحب قد يتعلقان بغير الافضل- كما يتداول عند الناس-. (حمدا يملاء ما خلقت) هذا من تشبيه المعقول بالمحسوس، فلو كان الحمد جسما لملاء كل شي ء، و مثل هذا الكلام تعبير عن مدي اهتمام النفس بهذا الجانب، حتي انه لو تمكن من هذا المقدار من الحمد- تكوينا، لا رمزا، ك

ما يقوله الان- لمحمد، و الحاصل ان مثل هذا اللفظ رمز الي هذا المقدار من الحمد النفسي، كما تقول: الف رحمه علي فلان، تريد انك لو قدرت لترحمت عليه الف مره (رحمه رحمه رحمه … ) حتي تبلغ الالف في التعداد و حيث لا تقدر علي ذلك- عدم قدره حقيقه او ادعاء جعلت لفظ (الالف) رمزا الي ذلك، دلاله لما تنطوي عليه نفسك من اراده نزول الرحمه علي (فلان) (و يبلغ ما ادرت) لو كان جسما، و اريد بلوغه الي المكان المرتفع (الفلانا) لبلغ (حمدا لا يحجب عنك) فان الانسان اذا كان عاصيا حجب و منع حمده عن الله سبحانه، بمعني انه لم يقبل و لم يترتب عليه الاثر المترتب علي حمد الحامدين (و لا يقصر) نفس الحمد (دونك) اي دون البلوغ الي رضاك، فان عدم الوصول قد يكون بسبب منع مانع

عن الوصول و قد يكون بسبب عدم وجود المقتضي في الشي ء. (حمدا لا ينقطع عدده) فلو كان يعد لبقي الي الابد (و لا يفني مدده) ما يمده من الحمد المتوالي بعضه اثر بعض. (فلسنا نعرف كنه عظمتك) اي مقداره الزائد، و (الفاء) لتعليل هذا الحمد الكثير، كان قائلا قال: و لم هذا القدر الكبير من الحمد؟ فاجيب لعظمته سبحانه البالغه حدا لا يدرك، فهو اعظم من اين يفي الحمد مهما كثر بعظمه (الا انا نعلم انك ح

ي) لا تموت ابدا (قيوم) قائم بالامور لا تغفل عنها طرفه عين (لا تاخذك سنه) هي مقدمه النوم (و لا نوم) فانه سبحانه لا تعرض عليه العوارض (لم ينته اليك نظر) فيراك احدك من خلقه، لان النظر يقع علي الجسم و لوازمه و هو سبحانه مزنه عنهما. (و لم يدركك بصر) عطف بيان للجمله السابقه، او المراد بالنظر: الفكر فالجملتان مختلفتان (ادركت الابصار) و التخصيص بها للمقابله (و احصيت الاعمال) بمعني علمه سبحانه بها و بكميتها و كيفيتها. (و اخذت بالنواصي) جمع ناصيه، و هي: مقدم الراس (و الاقدام) جمع قدم، و ذلك كنايه عن كون الناس تحت قدرته الكامله، كما ان من ياخذ بناصيه شخص و قدمه- جميعا- يكون مسلطا علي الماخوذ اقوي سلطه (و ما الذي نري من خلقك؟) استفهام للتحقيق، اي ان مرئياتنا ليست بهمه بالنسبه الي غيرها التي لا نراها مما خلقت و صنعت (و نعجب له من قدرتك) مما ندركه بحواسنا (و نصفه من عظيم سلطانك)؟ (و) الحال ان (ما تغيب) اي غاب (عنا منه) اي من خلقك (و قصرت ابصارنا عنه) فلا نراه لبعده عنا، او الحيوه شي بيننا و بينه، او لصغره

حتي لا يري بالعين المجرده (و انتهت عقولنا دونه) فلا تدركه عقولنا، لان عقولنا اقصر من ادراكه. (و حالت سواتر الغيوب) اي

كونه غائبا، فكان الغيب ساتر (بيننا و بينه) فلا ندركه (اعظم) خبر قوله (و ما تغيب منا) ثم لمح عليه السلام الي بعض ما لا يدركه العقل من اسرار الخلقه بقوله (فمن فرغ قلبه) عن كل شي ء ليفكر في هذا الامر: (كيف اقمت) فقط (و اعمل فكره ليعلم كيف اقمت عرشك) علي اكتاف الملائكه، او في الفضاء او المراد كيف هو- بالذات-. (و كيف ذرات) اي خلقت (خلقك) من اي شي ء، و بايه كيفيه (و كيف علقت في الهواء سماواتك) هذه الاجرام الثقيله، و المنضمات الكثيره. (و كيف مددت علي مورد الماء) اي اضطرابه و موجه- الذي كان عند بدء الخلقه- (ارضك، رجع) جواب (من فرغ) (طرفه حسيرا) اي ممنوعا عن الفهم و الاسناد الي الطرف، لانه آله الادراك (و عقله مبهورا) اي مغلوبا عن الفهم (و سمعه والها) اذ لا يسمع ما يفيد ذلك (و فكره حائرا) غير مدرك لما اراد.

[صفحه 425]

(منها:) في بيان حقيقه الرجاء (يدعي- بزعمه- انه يرجو الله) و الرجاء عباره عن تقرب المحبوب، و رجاء الله ترقب رضاه و احسانه و فضله (كذب) في قوله انه يرجو (و) الله (العظيم) انه لا يرجوا رجاء حقيقيا (ما باله لايتبين رجاوئه في عمله)؟ (ما باله) اي ما شانه، لو صدق في قوله، انه لا يظهر من اعماله كونه راجيا. (فكل من رجا عرف رجاوئه في عمله) فانه لا يصح ان يقول الزارع اني ارجو ان احصل في هذه السنه علي حنطه جيده، و هو لم يزرع الحنطه، او يقول المهندس اني ارجو

ان احصل علي دار جميله، و هو لم يخطط و لم يبيبن، فان الرجاء عباره عن ترقب المحبوب، بعد تهيئه الانسان للمقدمات التي بيده، و انما الرجاء بالنسبه الي سائر المقدمات التي ليست بيد الانسان، فانه يرجو تمامها بقدره الله تعالي، و يخاف عدم تمامها، كما يرجو و يخاف الزارع اذا زرع، ان يهطل المطر، و ان لا يهطل. (و كل رجاء الا رجاء الله تعالي، فانه مدخول) اي مغشوش قد دخله العيب اذ ليس بايدي الناس شي ء، الا اذا شائت الاقدار، و هذا كما يقال كل ملك غير ملك الله مجاز، فلو قدر الله وصول الدينار من (زيد) الي الراجي وصل و لو لم يقدر لم يصل. (و كل خوف محقق) اي ان الناس يخافون م

ن كل مخوف خوفا حقيقيا (لا خوف الله فانه معلول) اي فيه عله و سقم، فان الغالب من الناس لا يخافون الله سبحانه، خوفا هو اهله و لذا يغلبهم الذنب، مع العلم انه لو كان خوفهم خوفا تاما لم يقدموا علي الذنب، بعد ما اعد له من العقاب. ثم بين عليه السلام ان الناس كيف لم يودوا حق الله مع عظيم رجائهم منه. (يرجو الله في الكبير) اي في الشي ء الكبير كالاولاد و الجنه، و ما اشبه (و يرجو العباد في الصغير) كاعطائه مالا او منصبا اوما اشبه (فيعطي العبد) من التقدير و الاحترام (ما لا يعطي الرب) من الائتمار باوامره و الانتهاء عن نواهيه، و هذا كما لو رجوت (زيدا) الف دينار، و لم تطعه، و رجوت (خالدا) دينارا و اطعته. (فما بال الله) اي ما شان الانسان مع الله (جل ثناوه يقصر به عما يصنع لعباده) اي لا

ياتي الانسان بواجب تقديره، مثل ما ياتي بواجب تقدير العباد (اتخاف ان تكون في رجائك له كاذبا)؟ فانت لا ترجوه حقيقه و لذا لا تقدره حق قدره، بينما ترجو سائر العباد حقيقه، و لذا تقدرهم حق قدرهم و المعني: هل السبب في عدم تقديرك لله انك لا ترجوه حقيقه. (او) السبب في عدم تقديرك له سبحانه انك (تكون لا تراه للرجاء موضعا) و من الطبيعي ان من لا يرجوه الانسا

ن لا يقدره. بخلاف الناس، فانت تراهم موضع رجاء و اهلا لا يرجون، فلذا تقدرهم (و كذلك) لما اتم عليه السلام الكلام حول الرجاء تلكم حول الخوف، علي طريق (اللف و النشر المرتب). (ان هو) اي الانسان (خاف عبدا من عبيده اعطاه من خوفه ما لا يعطي ربه) فان الانسان الخائف من شخص يتجنب سخطه و يريد ارضائه بكل وسيله ليحمد الخوف، و ليس الانسان كذلك مع الله، فانه و ان خافه لم يطعه، و لم يات بمرضاته، و لذا لا يعصي الانسان الملك الذي يخاف منه، و يعصي الله و ان ادعي انه يخاف منه تعالي (فجعل خوفه من العباد نقدا) حيث ياتي بمقتضي الخوف (و خوفه من خالقهم) اي خالق العبيد (ضمار) يسوف به و يضمره (و وعدا) يعد و لا يفي. (و كذلك من عظمت الدنيا في عينه) يعامل مع الله اقل من معاملته مع الناس، في بابي الرجاء و الخوف، لانه قدم الدنيا علي الاخره (و كبر موقعها في قلبه) اكبر من موقع الله سبحانه و موقع الاخره (آثرها) اي اختارها و قدمها (علي الله تعالي فانقطع اليها) فلم يسر الي ما ورائها (و صار عبدا لها) في الانقياد و الخضوع لا عبدا

لله سبحانه.

[صفحه 428]

(و لقد كان في رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم- كاف لك في الاسوه) اي الاقتداء (و دليل لك علي ذم الدنيا و عيبها) اي انها مذمومه معيوبه (و كثره مخازيها) جمع مخزي، بمعني الخزي- و هو السقوط عن درجه الاعتبار و اهمال الشان بحيث لا يعتني به- (و مساويها) من السوء بمعني القبح. ثم بين عليه السلام وجه الدلاله مقوله: (اذ قبضت عنه اطرافها) اي اطراف الدنيا، طرف المال و طرف الماكل، و طرف النساء و هكذا، فان الرسول صلي الله عليه و آله لم يتمتع بمال الدنيا و ماكلها، و الحسان من ابكارها- و هذا و ان كان باراده الرسول صلي الله عليه و آله في الواقع، الا انه لم يتهياء له صلي الله عليه و آله ما تهياء للقياصره و الاكاسره في الظاهر- و لو كانت الدنيا حسنه ممدوحه، لم يحرم منها الرسول صلي الله عليه و آله و تعطي لغيره. (و وطئت لغيره اكنافها) جمع كنف، بمعني: الجانب، و معني (و طئت) هيئت و ذللت (و فطم عن رضاعها) كنايه عن عدم التذاذه صلي الله عليه و آله بلذائذ الدنيا (و زوي) اي ابتعد (عن زخارفها) جمع (زخرف) بمعني الزينه. (و ان شئت) اي تدرك كيف ان الدنيا مذمومه (ثنيت بموسي كليم الله عليه السلام) اي ذكرته صلي الله عليه و آله ثا

نيا، لتري كيف انه انقطع عن الدنيا (اذ يقول) كما يحكيه القرآن الحكيم (رب اني لما انزلت الي من خير، فقير) (فقير) مبتدء موخر، و (لما) خبر مقدم، اي انا فقير لكل نوع من انواع الخير الذي تتفضل به علي، و قد قال موسي عليه السلام ذلك

حين ما جاء الي (مدين) هارابا من (فرعون) و لم يكن زاد و لا مركب و لا ماوي (و الله ما ساله الا خبزا ياكله) فكان سواله عليه السلام لشبع بطنه (لانه كان ياكل بقله الارض) في سفره من (مصر) الي (مدين). (و لقد كانت خضره البقل) اي العشب (تري من شفيف صفاق بطنه) الصفاق الجلد الاسفل تحت الجلد الذي عليه الشعر، و شفيفه كونه غير ممتل حتي يكون كالزجاج رقه (لهزاله) عليه السلام (و تشذب لحمه) اي تفرقه و تحلله، حتي لم يبق له لحم كثيف يحول بين ما في البطن، و بين نفوذ النظر في الداخل، فلو كانت الدنيا ممدوحه لم تذوعن مثل موسي عليه السلام. (و ان شئت) الزياده في عرفان ذم الدنيا (ثلثت بداوود عليه السلام) اي ذكرته كمثال ثالث (صاحب المزامير) جمع (مزمور) و هو ما يترنم به من الاناشيد، فقد كان داوود عليه السلام يقرء (الزبور)- و هو الكتاب السماوي المنزل عليه بلحن طيب جميل، لا بلحن الغناء- كما ربما يزعم-. (و قاري اهل الج

نه) كما ورد في الاحاديث ان الله سبحانه ينعم علي اهل الجنه بقرائه داود بصوته الجميل الرخيم (فلقد كان يعمل سفائف الخوص) جمع سفيفه، و هي: المنسوجه من خوص الاشجار، اي كان ينسج الخوص (بيده) الكريمه (و يقول: لجلسائه ايكم يكفيني بيعها) بان يبيع هذه السفائف، لكي لا ابيعها انا بنفسي (و ياكل قرص الشعير من ثمنها) اي ثمن تلك السائف، و لو كان للدنيا قدر، لم يتركها مثل داود النبي العظيم عليه السلام. (و ان شئت) الزياده في معرفه ذم الدنيا (قلت في عيسي بن مريم عليه السلام) بعض احواله و زهده في الدنيا (فلقد كان يتوسد الحجر) اي يجعله و

سادته، فيضع راسه عليه (و يلبس) اللباس (الخشن) غير الناعم (و ياكل الحشب) اي الغليظ من الطعام (و كان ادامه) هو الشي ء الذي يوكل مع الخبز (الجوع) هذا كنايه عن انه لم يكن له ادام، بل كان ياكل قدرا من الخبز، و يجوع عوض الادام فالجوع كان يملاء بعض بطنه عوض الادام، و هذا من بليغ العباره: (و سراجه بالليل القمر) اذ لم يكن له مصباح يستضيي ء بنوره في الليالي (و ظلاله في الشتاء) اي ما يظله من البرد (مشارق الارض و مغاربها) ففي الصباح كان ياوي نحو الشرق حتي تشرق عليه الشمس، و في العصر نحو الغرب حتي لا يحرم من

الشمس. (و فاكهته و ريحانه) الفاكهه الثمار، كالرمان، و الريحان الخضروات كالفجل (ما تنبت الارض للبهائم) من القت و نحوه (و لم تكن له زوجه تفتنه) اي توجب فتنته و امتحانه (و لا ولد يحزنه) اي يوجب حزنه، لمرضه او ما اشبه (و لا مال يلفته) اي يجلب التفاته و نظره فينشغل عن الاخره (و لا طمع) في مال احد او منصب او شي ء (يذله) فان الطامع يذل لمن يطمع فيه. (دابته رجلاه) فكان يسير من مدينه الي مدينه راجلا بغير دابه (و خادمه يداه) لا خادم له يخدمه، و انما كان يقضي حوائجه بنفسه، ثم لا يخفي ان مثل هذا الالحاح في الاحاديث و كلمات الرسول و الائمه عليهم الصلاه و السلام، انما هو لتعديل جانبي الدنيا و الاخره، فان الناس مغرقون في الدنيا، و من الغريب ان الناس بعد ذلك كله لم يعتدلو، بل مضو في نفس الخطه البهيمه لكن بادني تفاوت.

[صفحه 432]

(فتاس) اي اقتد ايها المسلم (بنبيك الاطيب) ريحا (الاطهر) خلقا، و

في سائر انواع الطهاره (صلي الله عليه و آله) دعاء في صوره خبر، اي اللهم اعطف عليه و ارحمه بفضلك (فان فيه) صلي الله عليه و آله (اسوه) و مقتدي (لمن تاسي) اي لمن اراد الاقتداء، لانه صلي الله عليه و آله كامل في الجهات الانسانيه، و المثل الرفيعه (و عزاء) اي صبرا و سلوه (لمن تعزي) اي لمن اراد التصبر و التسلي، فان الانسان الذي يترك اللذائذ تهيج به النفس، فلابد له من سلوه يتسلي بها، فان النفس تستقر اذا راي الذين هم مثلها في الصبر عند المكاره. (و احب العباد الي الله المتاسي) اي المقتدي (بنبيه) صلي الله عليه و آله و سلم (و المتقص) اي المتتبع (لاثره) يمشي في المحل الذي مشي فيه، من باب تشبيه المعقول بالمحسوس- تقريبا للذهن (قضم) صلي الله عليه و آله (الدنيا قضما) القضم، هو: الكسر بالاسنان، فكانه صلي الله عليه و آله كسر الدنيا كسرا، و لم يبق عليها سالمه كمن يقضم الشي ء الذي لا حاجه له به (و لم يعرها) من اعار بمعني اعطي العاريه (طرفا) اي لم ينظر اليها، و لم يعطها طرفه، و انما كان نظره الي الاخره. (اهضم اهل الدنيا كشحا) الكشح: ما بين الخاصره و الضلع

الخلفي، اي انه صلي الله عليه و آله كان اخلي الناس بطنا، فان الهضم بمعني خمص البطن و خلوه من الطعام، و ذلك كنايه عن اعتراضه عن الدنيا (و اخمصهم من الدنيا بطنا) اي ان بطنه كان اخلي بطون اهل الدنيا (عرضت عليه الدنيا فابي ان يقبلها) فان الله سبحانه عرض الدنيا علي الرسول صلي الله عليه و آله، لكن الرسول صلي الله عليه و آله

امتنع من قبولها، لانه كان يعلم انه لا فائده فيها و انها زائله لا تبقي. (و علم ان الله سبحانه ابغض شيئا) اي الدنيا (فابغضه) و بغض الله للدنيا، من جهه كونه سبحانه يعصي فيها، و الا فالدنيا المحلله التي هي وسيله الاخره، فقد كان النبي صلي الله عليه و آله و سائر الرسل يقبلون عليها، و لذلك اخذ الرسول صلي الله عليه و آله في يده الملك و القوه (و حقر) الله (شيئا فحقره) اي عده حقيرا، فان الدنيا في جنب الاخره حقيره جدا، حتي لا تساوي جناح بعوضه. (و صغر شيئا فصغره) و الفرق بين الحقير و الصغير، ان ما لا كمال له، و الثاني ما لم يبلغ الكمال، و انكان له كمال مترقب، و لذا يقال للطفل صغير و لا يقال له حقير (و لو لم يكن فينا الا حبنا) اي محبتنا (ما ابغض الله) اياه (و رسوله) له، و مصداق (ما): الدنيا، اي حبنا للدنيا ا

لتي ابغضها الله و رسوله. (و تعظيمنا) ل(ما صغر) ه (الله و رسوله) و المراد بها الدنيا ايضا (لكفي به) اي بذلك الحب (شقاقا لله) المشاقه بمعني: المخالفه، كان احد الطرفين في شق، و الاخر في شق ثان (و محاده عن امر الله) المحاده المخالفه في عناد (و لقد كان صلي الله عليه و آله ياكل علي الارض) اي جالسا عليها، لا علي الكرسي و الفرش، او كان يضع خبزه و ما اشبه علي صعيد الارض. (و يجلس جلسه العبد) فان العبد لا يجلس جلسه استراحه و تربيع، و انما يجلس جلسه المنتظر للقيام، لانه منتظر لامر مولاه، حتي اذا امره كان مهيا فورا، بدون تاخير

حتي بمقدار ان ينتقل من الجلسه المريحه الي الجلوس التهيي ء ثم القيام، و هكذا يكون دائما اصحاب الاشغال الكثيره المتواضعون في انفسهم (و يخصف) اي يخيط (بيده نعله) اذا احتاجت الي الخياطه و نحوه (و يرقع بيده ثوبه) الرقعه: الوصله، توضع في موضع الخرق، ثم تخاط بالثوب لئلا يبقي الخرق (و يركب الحمار العاري) فلا يانف من عريه (و يردف خلفه) هو ان يجلس الراكب معه غيره، و هذا يدل علي التواضع، (و يكون الستر علي باب بيته فتكون فيه التصاوير) اي الصور مقابل الستر الذي لا صوره فيه (فيقول) صلي الله عليه و آله (يا فلانه-

لاحدي زوجاته- غيبيه عني) و المراد رفع الستر، لا يبقي معلقا تظهر صوره (فاني اذا نظرت اليه ذكرت الدنيا و زخارفها) جمع زخرف، بمعني: الزينه، و من المعلوم ان الانسان بمقدار تذكر الدنيا و تعلق قلبه بها، يغفل عن الاخره، فان القلب لا يتوجه الي طرفين مختلفين، كما اشار اليه سبحانه بقوله: (ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه). (فاعرض عن الدنيا بقلبه) و لعل ذكر القلب للاشاره الي ان الاعراض كان حقيقيا، لا كبعض الناس، الذي يظهرون الاعراض، و يبطنون الحب و الاقبال (و امات ذكرها من نفسه) صلي الله عليه و آله و سلم، فلم يكن يذكر الدنيا و يميل اليها حتي في نفسه. (و احب ان تغيب زينتها عن عينه) حتي لا يراها، ليكون في موضع الافتتان بها و الحب لها، فان القلب يميل الي الشي ء الجميل اذا نظر اليه، او ذكر عنده (لكي لا يتخذ منها رياشا) الرياش اللباس الفاخر و نحوه (و لا يعتقدها قرارا) اي انها دار قرار و بقاء، فان الانسان

اذا تعلق قلبه بشي ء قويت فيه ملكه التلاقي معه دائما (و لا يرجو فيها مقاما) اي لا يترقب ابقاء و الاقامه في الدنيا (فاخرجها) صلي الله عليه و آله (من النفس) فلم يكن للدنيا في نفسه الشريفه محل و اعتبار (و اشخصها) اي ابعدها (عن

القلب) فلم يتعلق قلبه المبارك بها (و غيبها عن البصر) فلم ينظر اليها و لم يجمع حوله منها ما يقع نظره عليه (و كذا من ابغض شيئا ابغض ان ينظر اليه) لان النظر يذكر الانسان به فيهيج فيه عواطف العداء مما يوجب اذاه (و ان يذكر عنده) لنفس ذلك السبب:

[صفحه 436]

(و لقد كان في رسول الله- صلي الله عليه و آله- ما يدلك علي مساوي الدنيا) جمع المسائه، بمعني: العيب و النقص (و عيوبها) و هو ضد الكمال، و التمام (اذ جاع فهيا) اي في الدنيا (مع خاصته) اي مع خصوصيته و فضله عند الله سبحانه، او المراد بخاصته اهله، الذين هم الصق الناس به صلي الله عليه و آله رحما، و لو كانت الدنيا حسنه جميله عند الله سبحانه لكان نصيب الرسول صلي الله عليه و آله منها اكثر، لانه كان احب الناس اليه تعالي، و الاحب موفور النصيب وافر الحظ. (و زويت) اي بعدت (عنه) صلي الله عليه و آله و سلم (زخارفها) اي زينتها (مع عظيم زلفته) اي قربه من الله تعالي فان (زلفي) بمعني القرب (فلينظر ناظر بعقله) اي نظر تدبر و تفكر هل (اكرم الله محمدا بذلك) الزهد في الدنيا (ام اهانه؟) فانزواء الدنيا عنه، اذا لم يكن اهانه، حكم العقل بحسن اتباع هذه الطريقه (فان قال اهانه فقد كذب و) الله (العظيم) اذ لم يوجد

عاقل في الدنيا يحكم بان الرسول صلي الله عليه و آله كان مهانا من هذه الناحيه، بل جميع العقلاء يحبون الانسان الزاهد الذي صرف نظره عن الدنيا و زخارفها. (و ان قال اكرمه، فليعلم ان الله قد اهان غيره) اي غير الرسول صلي الله عل

يه و آله (حيث بسط الدنيا له) اي لذلك الغير المثري (و زواها) اي الدنيا (عن اقرب الناس منه) منزله، و هو الرسول صلي الله عليه و آله (فتاسي) امر في صوره الاخبار، اي فليتاس، و التاسي: الاقتداء (متاس) اي من اراد التاسي و الاقتداء (بنبيه) في الاعراض عن الدنيا (و اقتص اثره) اي و ليتبع اثر الرسول في الزهد في ملذات الحياه (و ولج) اي دخل (مولجه) اي المحل الذي دخل فيه الرسول صلي الله عليه و آله. (و الا) فان لم يفعل كما فعل الرسول صلي الله عليه و آله (فلا يامن الهلكه) اي الهلاك الاخروي (فان الله جعل محمدا- صلي الله عليه و آله- علما للساعه) اي علامه ليوم القيامه، فان مبعثه اقرب من الساعه، من مبعث سائر الانبياء، فهو صلي الله عليه و آله الدليل الذي يقتدي به، و من خالفه يقدم علي هلاك نفسه مع قرب الساعه، (و مبشرا بالجنه) لمن امن و اطاع (و منذرا بالعقوبه) لمن كفر او عصي (خرج) صلي الله عليه و آله (من الدنيا خميصا) اي خال البطن من الطعام، اما حقيقه، او كنايه عن عدم تمتعه باللذات (و ورد الاخره، سليما) عن الاثام و الادران (لم يضع) لنفسه (حجرا علي حجر) اي لم يبني بيتا محكما كما يبني اهل الدنيا، و انما صنع غرفه التي كانت دائره مدار

المسجد من اللبن

و الطين. (حت مضي) صلي الله عليه و آله (لسبيله) اي طريقه الذي يحب ان يسلكه و هو الموت (و اجاب داعي ربه) و هو ملك الموت الذي يدعو الي الله سبحانه (فما اعظم منه الله عندنا حين انعم علينا به) اي بالرسول صلي الله عليه و آله (سلفا) اي في حال كونه صلي الله عليه و آله سابقا علينا في الطلاعه و العباده، او سابقا في العمر (نتبعه) في اعماله و افعاله (و قائدا) يقود الناس الي الخير (نطا عقبه) العقب: موخر القدم، و وطئها كنايه عن الاقتفاء التام حتي ان رجلنا تتصل برجله، كانها تطا عقبه صلي الله عليه و آله ثم بين عليه السلام: انه اقتدي بالرسول صلي الله عليه و آله في الزهد و الاعراض عن الدنيا. (و الله لقد رقعت مدرعتي هذه) هي ثوب من صوف (حتي استحييت من راقعها) كما يستحي الانسان ذو الثوب الخلق من الناس الذين حواليه. (و لقد قال لي قائل:) و لعله هو الراقع، او غيره (الا تنبذها)؟ اي تطرح هذه المدرعه لتستبدل بها جديدا، و هذا استفهام للتحريض. (فقلت: اغرب عني) اي ابتعد (فعند الصباح يحمد القوم السري) السري هو السير ليلا، فان القافله اذا سارت ليلا، وصل المحل قبل الصباح، فاذا اصبح حمد سيره في الليل الموصل له الي الهدف، و ان

كان في الليل وقت السير، يكره السير لنعاسه و لصعوبه السير، و هذا مثل يقال لمن يتحمل التعب رجاء ادراك الخير، و قد اراد الامام عليه السلام بذلك، انه يتحمل مثل هذه المدرعه المشينه، رجاء رحمه الله و فضله المعده للزاهدين في الدنيا.

خطبه 160

[صفحه 440]

في صفه الرسول صلي الله عليه و آله، و اهل

بيته عليهم السلام و لزوم اتباع طريقتهم، و الوعظ (بعثه) الله سبحانه (بالنور المضي ء) و هي الاحكام التي تضي ء سبيل السعاده (و البرهان الجلي) اي الواضح، و هي المعجزات الباهرات التي كانت للنبي صلي الله عليه و آله مما تدل علي صدق كلامه و ادعائه النبوه (و المنهاج) اي الطريق (البادي) اي الظاهر، فان طريقه الاسلام ظاهره، لا لبس فيها و لا غموض (و الكتاب) اي القرآن (الهادي) فانه يهدي الي الحق و الي طريق مستقيم (اسرته خير اسره) الاسره: اقارب الانسان. (و شجرته) اي اصله (خير شجره) لانها شجره ابراهيم الخليل، و الانبياء من آله الاطهار (و اغصانها) اي اغصان تلك الشجره و هم الانبياء (معتدله) لا انحراف فيهم (و ثمارها) و هي العلوم و المعارف المنتشره منهم (متهدله) اي دانيه للاقتطاف، فكل احد يتمكن من الوصول الي معارفهم و علومهم. (مولده بمكه) اي انها محل ولادته، و هذا من جمله المفاخر، اذ مكه حرم الله سبحانه. (و هجرته بطيبه) و هي المدينه المنوره، و كانت لها قبل تسميه الرسول صلي الله عليه و آله اياها ب(المدينه) اسمان: الاول: طيبه، كانت اسما لها عند اهاليها، لكثره مياهها و زروعها

، و ندي هوائها، في وسط الجبال و الصحراء القاحله. الثاني: يثرب، كانت اسمالها عند سائر الناس، لانهم اذا وردوها تمرضوا لتغير المناخ عليهم من يبوسه الي رطوبه، و كون الهجره الي هناك مفخره دنيويه، للتخلص من الهواء الشديد، الي الهواء اللطيف (علا) اي ارتفع (بها) اي بالمدينه (ذكره) صلي الله عليه و آله (و امتد بها صوته) كنايه عن بلوغ دعوته الي اطراف البلاد. (ارسله) الله (بحجه كافيه) في الدلاله و البرهنه (و موعظه شافيه) عن

امراض الجهل و الرذيله (و دعوه متلافيه) من تلافاه بالاصلاح قبل ان يهلكه الفساد، فلو لا الرسول صلي الله عليه و آله كان الناس يذهبون الي الشقوه الابديه (اظهر) الله سبحانه (به) صلي الله عليه و اله (الشرائع المجهوله) عند الناس (و قمع) اي قلع (به الدبع المدخوله) التي دخلت في الاديان كالوثنيه، و عباده المسيح و عزيز، و ما اشبه. (و بين به الاحكام المفصوله) التي فصلها الله سبحانه تفصيلا، او بمعني الفاصله بين الحق و الباطل فان اسم المعفول قد ياتي بمعني اسم الفاعل، نحو (حجابا مستورا) اي ساترا (فمن يتبع غير الاسلام دينا تتحقق شقوته) اي شقائه في الدنيا و الاخره (و تنفصم) اي تنقطع (عروته) اي محل استمساكه بالحياه ال

سعيده. (و تعظم كبوته) اي سقطته، لانه يسقط في مشاكل الحياه، و في النار بعد المماه (و يكون مابه) اي مرجعه، من (اب) بمعني (رجع) (الي الحزن الطويل) في الاخره (و العذاب الوبيل) اي الموجب للوبال و الشده (و اتوكل علي الله توكل الانابه اليه) اي توكل من يرجع اليه سبحانه في جميع اموره، لا توكل من يجعل ذلك لقلقه لسانه بلا حقيقه له. (و استرشده) اي اطلب ان يرشدني (السبيل المودي الي جنته) و المراد. الابقاء علي ذلك السبيل- مثل: اهدنا الصراط المستقيم- (القاصده) صفه السبيل و هي مونثه سماعا، و المراد بها (المتوسطه) التي لا انحراف فيها (الي محل رغبته) اي المحل الذي رغب سبحانه ان يذهب الانسان اليه اي الجنه.

[صفحه 442]

(اوصيكم) يا (عباد الله بتقوي الله) اي الخوف منه (و طاعته) في اوامره و نواهيه (فانها) اي كل واحد من التقوي و الطاعه (النجاه غدا) اي موجبه للنجاه في

الاخره (و المنجاه) مصدر ميمي بمعني (النجاه) (ابدا) اي دائما في الدارين (رهب) اي اخاف الناس عن المعاصي (فابلغ) في ترهيبه، اذ اتي بكل ما يمكن ان يوجد في الانسان خوفا و خشيه (و رغب) في الجنه و الرضوان (فاسبغ) اي احاط بجميع وجوه الترغيب، او اكثر في الاعطاء. (و وصف لكم الدنيا و انقطاعها) كما في القرآن الكريم (و زوالها و انتقالها) الفاظ متقاربه المعني تودي الي امر واحد، و هو فناء الدنيا (فاعرضوا) ايها الناس (عما يعجبكم فيها) اي ما يحلو في انفسكم، من زخارف الدنيا (لقله ما يصحبكم منها) فان منتهي عمر الدنيا مائه سنه، و هي تنقضي بسرعه. (اقرب دار من سخط الله) سبحانه حيث يعصي فيها (و ابعدها من رضوان الله) اي رضاه سبحانه، حيث تقل الطاعه فيها (فغضوا عنكم) يا (عباد الله، غمومها و اشغالها) اي لا تهتموا بغموم الدنيا و امورها، و الغض كنايه عن عدم الالتفات، فكما ان من غض بصره، سترت عينه، كذلك من غض همه، ستره و لم يعتن به، كانه غير مشاهد (لما قد ايقنتم به) الضيمر عائد ال

ي (ما) (من فراقها و تصرف حالاتها) اي انقلاباتها من حال الي حال (فاحذروها) و خافوا منها (حذر الشفيق) اي الخائف (الناصح) لنفسه الذي يزجرها عن الوقوع في الهلكه (و المجد) في عمله (الكادح) الذي يكدح اي يتعب لخلاص نفسه، و راحه مستقبله. (و اعتبروا بما قد رايتم من مصارع القرون قبلكم) مصارع جمع مصرع، و المراد به الهلاك، و القرون، الامم الذين كانوا في الدنيا، حيث هلكوا و فنوا عن آخرهم، و لم يبق منهم احد، و معني الاعتبار بهم التهيي ء و الستعداد للاخره قبل

ان يكون الانسان كاحدهم في الفناء و الذهاب عن الدنيا (قد تزايلت) اي تفرقت (اوصالهم) اي مفاصل ابدانهم، بان زالت بعضها عن بعض (و زالت) اي ذهبت (ابصارهم و اسماعهم) فلا سمع لهم و لا بصر (و ذهب شرفهم و عزهم) فلا شريف و لا عزيز، بل كلهم متساوون تحت التراب (و انقطع سرورهم و نعيمهم) فلا سرور و فرح لهم، و لا نعيم عندهم، و المراد امامطلقا، او الدنيوي من تلك الامور. (فبدلوا) اي بدلهم الموت (بقرب الاولاد فقدها) اذا ابتعدوا عنهم (و بصحبه الازواج) النساء، او الاعم (مفارقتها) فلا ازواج لهم، و انما نكحت نسائهم، و صرن لقوم آخرين (لا يتفاخرون) بان يفتخر بعضهم علي بعض بالامور الدنيويه (و

لا يتناسلون) بان يولدوا الاولاد (و لا يتزاورون) يزور احدهم الاخر، و المراد اما الاشرار، او الزياره الدنيويه- ان اريد به الاعم من الاخيار- (و لا يتجاورون) اي لا يسكن احدهم بجوار الاخر، كما كانوا يتجاورون في الدنيا. (فاحذروا) يا (عباد الله) عن العاقبه السيئه (حذر الغالب لنفسه) اي الذي غلب علي نفسه، فلم تتمكن من الانقياد الي شهواتها (المانع لشهوته) عن النفوذ و الارتواء (الناظر بعقله) اي الذي يفكر في الامور، و ياخذ بالاصلح (فان الامر واضح) اي امر السعاده و الشقاء، واضح لا لبس فيه (و العلم) اي العلامه للخير و الشر (قائم) يراه الانسان، كالعلم القائم في الطريق، مقابل العلم الساقط الذي لا يدل علي طريق (و الطريق) الي الاخره (جدد) اي مستوي مسلوك (و السبيل) الي الجنه (قصد) قويم مستقيم.

خطبه 161

[صفحه 446]

(لبعض اصحابه، و قد ساله عليه السلام: كيف دفعكم قومكم عن هذا المقام) اي الخلافه (و انتم احق به؟ فقال): (يا

اخا بني اسد) اخو فلان، يعني انه من تلك القبيله (انك لقلق الوضين) شي ء يشد تحت بطن البعير لبقاء الرحل قويا مستويا، و قلقه كنايه عن عدم استحكامه، فلا يتهناء الراكب في ركوبه، لتحرك ما تحته (ترسل) اي تقول الكلام (في غير سدد) اي بدون استقامه، و قلق الوضين، مثال يقال لمن يتكلم اعتباطا، بدون ترو، و دون مراعاه محل الكلام، و كان السائل كان سال هذا الكلام في غير موضعه، و لذا زجره الامام، و حيث ان (قلق الوضين) و المتكلم في غير موضعه، شبيهان في ازعاج الانسان، استعير احدهما للاخر. (و لك بعد) اي بعد هذا الذي ذكر من الاضطراب في الكلام (ذمامه الصهر) اي حمايه صهر الانسان، فان الانسان يراعي حق صهره و يحاميه، فلك الحق في ان اجيبك عن سئوالك، و انكان في غير مورده، فان الرجل كان اسديا، و كانت زوجه رسول الله صلي الله عليه و آله زينب بنت جحش اسديه، و الصهر علقه حاصله بين اقارب الزوج و اقارب الزوجه (و) لك (حق المساله) اذ للجاهل ان يسال عن العالم بما يهمه من امر دينه و دنياه. (و قد استعلمت) اي طلبت العلم (فاعلم) جو

ابك (اما الاستبداد) اي استقلال عمر و ابي بكر و عثمان بالخلافه، و انحصارها فيهم (علينا) اي علي ضررنا (بهذا المقام) اي الخلافه (و نحن الاعلون نسبا) لانتسابهم الي عبدالمطلب الذي كان سيدا عظيما، و كذلك سائر افراد اسرتهم (و الاشدون برسول الله- صلي الله عليه و آله- نوطا) اي تعلقا (فانها كانت اثره) اي اختصاص الشخص بالشي ء و عزله عن مستحقه. (شحت عليها نفوس قوم) اي بخلت عن وضع الحق في موضعه، و القوم هم

الذين تقدموا علي الامام (و سخت) اي سمحت (عنها نفوس آخرين) اي نفسه الكريمه، فانه سخي بهذا المقام، ليسلبه غيره، حفظا لبيضه الاسلام، فانه لوجود سيفه و اراد اخذها منهم بالقهر لحدثت التفرقه، مما تودي بالاسلام حيث ان الناس جديد و العهد به. (و الحكم) بيننا و بينهم (الله) و سوف يحاسب كل امرء بما عمل (و المعود اليه القيامه) اي ان العود اليه سبحانه في الاخره، حيث يجزي المثيب و يعاقب المسي ء (ودع عنك نهبا صيح في حجراته) البيت لامرء القيس و تتمته (و هات حديثا، ما حديث الرواحل) فان جماعه نهبوا ابلا لامرء القيس فقال له: بعض اصدقائه اعرني راحلتك حتي اركبها و التحقق بهم و استرد الابل، فاعطاه امرء القيس راحلته، و لما ذهب الرجل لياخذ اب

ل امرء القيس، اخذ اولئك هذه الراحله ايضا منه و رد خائبا، فقال امرء القيس: دع انك قصه نهب الابل، فانه امر واضح- اذ الناهبون نهبوها فجئه و بغته- و الذي ينبغي التكلم حوله، قصه الراحله: هل انها اخذت من صديقي قهرا، ام انه خانني و اعطاهم اياهم خدعه بي؟ و (الحجرات) بمعني (الاطراف) و معني (صيح في حجراته) اي جري الكلام حوله، فهو شي ء معلوم لا يحتاج الي السئوال و الجواب، (و ما خبر)، و (حديث الرواحل) مبتدء. و (هات) بمعني قص و انقل و تكلم حول ذلك. و وجه تمثيل الامام علي عليه السلام، ان قصه الخلفاء الثلاثه شي معلوم، لا يحتاج الي السئوال و الجواب، فانهم نهبوا الخلافه بكل وضوح و جلاء، و عرف ذلك كل احد، و انما الذي ينبغي التكلم حوله، قصه معاويه، الذي جاء يدعي الامر بعد ما استقرت السلطه بيدي

و بايعني الناس. (و هلم) اي اذكر (الخطب) اي الامر العجيب المدهش (في) معاويه (ابن ابي سفيان) و ادعائه الخلافه (فلقد اضحكتي الدهر بعد ابكائه) فان الانسان اذ دهمه امر حقير، فاثر فيه اثر كبيرا، يبكي اولا لما ناله، ثم يرجع فيضحك متعجبا من تفاهه الامر الذي نابه فاثر فيه ما لم يكن مترقبا، و هذا مثال يضرب لامر تافه يوثر اثرا غير مترقب (و لا غرو)

اي الا عجب (و الله) فان حاله الدنيا هي هذه قديما و حديثا. (فياله خطبا) الخطب: الامر المعجب المدهش، و (يا) حرف نداء مناداه محذوف، اي يا قوم و (له) عائد الي المتاخر، او المعني (يا للخطب) يعني يا خطب احضر فهذا وقتك، كما قالوا في (يا للعجب) (يستفرغ العجب) اي يثير كلاما لدي الانسان من تعجب، حتي يفرغ محل عجب الانسان، و هذا لا ينافي قوله (لا غرو) فان الانسان اذا نظر الي تقلب الدنيا لا يتعجب، و اذا نظر الي الامر نفسه يتعجب، او هو مثل ما قال ابن هاني: قد سرت في الميدان يوم طرادهم فعجبت حتي كدت لا اتعجب بمعني انه فرع محل تعجبي من كثره العجب (و يكثر الاود) اي الاعوجاج (حاول القوم اطفاء نور الله من مصباحه) و هو الامام عليه السلام (و سد فواره) اي فوار النور، و هو الثقبه التي يخرج منها النور بشده- كفواره الماء- (من ينبوعه) اي عين النور، فان للنور محلا للاشعاع كما للماء عين لاخراج الماء (و جدحوا) اي خلطوا (بيني و بينهم شربا و بيئا) اي نصيبا من الماء يوجب شربه الوباء، اراد عليه السلام بذلك الفتنه التي اججوها، حتي ان من وقع فيها اصيبت و ابتلي، كما يبتلي الشارب

للماء الوبي ء. (فان ترتفع عنا و عنهم محن البلوي) المحن: جمع محنه،

و هي الشده، و البلواي: الابتلاء، يعني اذا ارتفعت عنا هذه الفتن، بانهزام القوم (احملهم من الحق علي محضه) اي خالصه، فاني انما احارب للحق، فان جاء الامر بيدي عملت به- بكل دقه و امانه- (و ان تكن) الواقعه، الخصله (الاخري) بان لم اتمكن من السيطره عليهم، فلم ينهزموا (فلا تذهب نفسك عليهم حسرات) اي لا تمت غما من اجلهم، فان الانسان اذا اشتد تحسره و توجعه لامر، مات فجئه، و الايه تنهي عن ذلك (ان الله عليم بما يصنعون) فهو يجازيهم بسوء اعمالهم.

خطبه 162

[صفحه 451]

في بيان صفه الخالق سبحانه، و ابتداعه للمخلوقات (الحمد لله خالق العباد) جمع عبد، و الانسان عبد الله تعالي، بما للكلمه من معني، لان جميع اموره ابتداء و استدامه منه سبحانه (و ساطع المهاد) اي الارض، يقال سطحه بمعني: بسطه (و مسيل الوهاد) جمع وهده: و هي: المنخفض من الارض، و تسييل الوهاد، اساله الامطار فيها- بعلاقه الحال و المحل مثل جري النهر-. (و مخصب النجاد) جمع نجد، و هو: ما ارتفع من الارض و تخصيبها انبات النبات فيها مما يسبب الخصب و الرخاء (ليس لاوليته) سبحانه (ابتداء) فكلما تقدم الفكر في طرف الابتداء، كان سبحان بلا انقطاع له، حتي يقال اول ابتدائه تعالي، ذلك الوقت و الا لزم الامكان و الحدوث، و يوجب التسلسل او الدور- كما تقرر في علم المعقول- (و لا لازليته انقضاء) اي ليس آخر لبقائه و دوامه، بل هو باقي بلا آخر (هو الاول لم يزل) في اوليته (و الباقي بلا اجل) اي بدون مده، بل يبقي بلا آخر (خرت) اي سقطت خضوعا (له

الجباه) جمع جبهه، و المراد بالسجود له (و وحدته الشفاه) جمع شفه، اي: قالت انه سبحانه واحد لا شريك له (حد الاشياء) اي جعل لكل شي ء حدا، من زمان و مكان و كم و كيف. (عند خلقه لها ابانه له) اي تميزا

لنفسه سبحانه (من شبهها) اي من شباهه الاشياء، فهو تعالي لا حد له، و الاشياء لها حدود. (لا تقدره الاوهام) اي الافكار، بان تعرف قدره تعالي، و تبين حدوده سبحانه (بالحدود و الحركات) بان تقول الاوهام ان له تعالي كذا من الحدود و كذا من الحركات، كما تحدد حركات الانسان و حدوده- و ذلك لانه تعالي لا حركه له و لا حدود- اذ كلا الامرين يستلزمان الحدوث. (و لا بالجوارح) جمع جارحه، و هي: العضو، فلا عين له سبحانه و لا يد، و هكذا (و الادوات) جمع (ادات) بمعني: (آله) كالقلب و الكبد، و الكليه، و ما اشبه (لا يقال له: متي؟) كان بمعني الزمان، اذ لا زمان له، بل الزمان مخلوق له (و لا يضرب له) تعالي (امد) و مده في بقائه (بحتي) كان يقال (ان الله باقي حتي الوقت الفلاني) و ذلك لانه تعالي لا آخر له و (حتي) للغايه (الظاهر، لا يقال: مما؟) فلا يقال من اي شي ء ظهر، كما يظهر النبات من الارض و الجنين من الرحم، فان ظهوره تعالي ليس من هذا القبيل، بل بمعني انه معلوم باثاره و قدرته و صنائعه (و الباطن لا يقال: فيما؟) فلا يقال في اي شي ء بطن، كما يقال بطن الذهب في الصندوق، و الانسان في القبر، فان كونه باطنا، بمعني انه غير ظاهر الكنه، كالشي ء الباطن ال

غائب عن الحواس. (لا) انه سبحانه

(شبح) اي جسم كسائر الاجسام (فيقتضي) اي يفني و ينعدم كما تفن الاجسام (و لا محجوب) اي وراء حجاب جسماني (فيحوي) اي يشمله ذلك الحجاب، كما يشمل الحجاب الانسان و ما اشبهه فان ذلك من صفات الاجسام، و هو تعالي ليس بجسم (لم يقرب من الاشياء بالتصاق) كما يلتصق الاجسام بعضها ببعض و انما قربه سبحانه بالعلم و القدره (و لم يبعد عنها) اي عن الاشياء (بافتراق) بان يكون بينها مسافه، اذ ذلك من صفات الجسم، و انما بعده بمعني انه ليس كثمل الاشياء في الجسم و الروح و ما اشبه. (لا يخفي عليه من عباده شخوص لحظه) اي امتداد بصر، بدون حركه، الجفن، كان ابصر شاخص اي مسافر الي جهه النظر (و لا كرور لفظه) اي رجوعها، و لعل التخصيص بذلك لاجل ان رجوع اللفظ الي الحلقه اخفي و ايسر من خروجها الي الخارج، و كرورها جر النفس بقايا اللفظ الي الداخل (و لا ازدلاف ربوه) ازدلف، بمعني: اقترب، و الربوه المحل المرتفع من الارض، يعني وقوع نظر الانسان الي اول ربوه بعيده من الربي، فيمن يسير في الصحراء، فانه حتي مثل هذه النظره مشموله لعلم الله سبحانه. (و لا انبساط خطوه) اي التي يخطوها الانسان، فان الرجل تنفرج عند الخطوه، سواء كان ذلك (

في ليل داج) اي المظلم من دجي بمعني: اظلم (و لا غسق ساج) الغسق: الظلمه، و المراد بها الليل، و الساجي بمعني الساكن، و نسبه السكون الي الليل من باب علاقه الحل و المحل، اذ الساكن ما في الليل، لا الليل بنفسه- الا بضرب من الاعتبار-. (يتفيا عليه القمر المنير) تفي ء اي نسخ، فان نور القمر ينسخ سواد الليل و

غسقه، و ياخذ مكانه (و تعقبه) اي الغسق، او الليل (الشمس) اي تاتي بعقب الليل، و في مكانه (ذات النور في الافول و الكرور) اي في كل من الغروب و الطلوع، فان الشمس عند غروبها تكون كالشي ء يعقب الليل اذ تطرده من تحت الافق، و كذلك عند طلوعها تعقب الليل اذ تطرده من فوق الافق. (و) في (تقلب الازمنه و الدهور) عطف علي قوله (في ليل داج) اي ان جميع الحركات و السكنات معلومه لديه في طول الازمنه، لا في زمان دون زمان، و يحتمل ان يكون (تقلب) بالرفع، عطفا علي (شخوص) اي لا يخفي عليه تقلب الازمنه (من اقبال ليل مقبل) بيان لتقلب الازمنه و الدهور (و ادبار نهار مدبر) فان كل ذلك مشمول علمه سبحانه. و هو سبحانه (قبل كل غايه) للاشياء (و مده) لها، و الظاهر ان الفرق بينهما هنا، ان الغايه اخر الشي ء، و المده امتداد بقائه (و كل احصاء وعده) اي و تعداد

، اذ هو سبحانه قبل الاشياء، فيكن بعددها و تعدادها، الذي هو من الصفات العارضه للاشياء. (تعالي) اي ارتفع سبحانه- ارتفاعا معنويا- (عما ينحله المحددون) اي ينسبه اليه تعالي الذين يجعلون له حدودا (من صفات الاقدار) بيان (ما) و صفات الاقدار، الطول و العرض و العمق، و الكبر و الصغر، مما يتصف به الاشياء ذات القدر و الحدود، فانه سبحانه بري من كل ذلك (و نهايات الاقطار) اي آخر الابعاد الثلاثه، فان ما لا قدر له، لا نهايه له- في جهه من الطول و العرض و العمق-. (و تاثل المساكن) اي انه سبحانه تعالي عن تاصل المسكن، اي المساكن المتاصله فليس له مسكن، لا بدله منه، كما لابد

للانسان من ذلك، و الاتيان ب(تاثل) بمعني (تاصل) مع انه لا مسكن له اطلاقا لافاده، ان كل شي ء له مسكن، لابد و ان يكون متاصلا في الاحتياج الي المسكن (و تمكن الاماكن) فان المكان متمكن بالنسبه الي ذي المكان، اي انه لابد له من المكان. (فالحد) كيفا او كما، زمانا او مكانا، (لخلقه مضروب) اي ان خلقه متصف بهذه الصفات، لا هو تعالي (و الي غيره) تعالي (منسوب) اما هو فمنزه عن الحد (لم يخلق الاشياء من اصول ازليه) بان كانت اصول الاشياء و موادها، و انما كان الله سبحانه صورها- كما

يقول القائلون بقدم العالم- بل الله سبحانه خلق الماده و خلق الصوره. (بل خلق ما خلق) من الاشياء (فاقام حده) اي جعل له حدا خاصا به (و صور ما صور) اي اعطاه صوره خاصه، كصوره الانسان، و صوره الحيوان و ما اشبه (فاحسن صورته) فاتقنها و احكمها (ليس لشي ء منه) سبحانه (امتناع) بل كلما يريد يكون. (و لا له) تعالي (بطاعه شي ء انتفاع) و انما الطاعه لانتفاع المخلوقين (علمه) تعالي (بالاموات الماضين كعلمه بالاحياء الباقين) فان علمه بالنسبه الي جميع المعلومات متساوي، من دون تفاوت بين الماضي و المستقبل و الحال (و علمه بما في السماوات العلي) اي العاليه المرتفعه (كعلمه بما في بالارضين السفلي) لا يفترق بالنسبه الي علمه المرتفع و المنخفض.

[صفحه 456]

(منها): اي بعض هذه الخطبه (ايها المخلوق السوي) اي المستوي الخلقه، لا نقص فيه، بل صنع كل شي ء منه علي وجه الاتقان و الاحكام (و المنشا) اي الذي انشا و ابدع (المرعي) الذي رعي و حفظ بحفظه سبحانه و برعايته تعالي (في ظلمات الارحام) ظلمه البطن و ظلمه الرحم، و ظلمه

المشيمه (و مضاعفات الاستار) اي الاستار التي بعضها فوق بعض، و هي الطبقات الثلاثه المذكوره. (بدئت من سلاله من طين) السلاله الخالص من الشي ء، الذي ينسل- اي يخرج- منه، فان كل انسان اصله تراب، ثم ينقلب عشبا، ثم دما ثم منيا (و وضعت في قرار مكين) هي رحم الام، فان المني يستقر فيها، و كونها مكينا، لانها ذات تمكن من حفظ النطفه. (الي قدر معلوم) اي الي مده معلومه مقدره للحمل، و هي بين سته اشهر و سنه، حسب اختلاف المقدر لكل جنين، (و اجل مقسوم) اي نهايه قسمها الله سبحانه لهذا الجنين (تمور) اي تضطرب (في بطن امك) في حال كونك (جنينا لا تحير دعاء) اي لا ترد جواب من يدعوك، من (ما احار جوابا) اي ما رد (و لا تسمع نداء) لمن يناديك لعدم قابليه اذن الجنين للسماع. (ثم اخرجت من مقرك) في البطن (الي دار لم تشهدها) اي لم ترها قبل ذلك، و هي دار الدنيا (و لم تعرف سبل منافعه

ا) اي الطرق التي تجر المنفعه اليك (فمن هداك) و انت طفل (لاجترار الغذاء من ثدي امك)؟ بسبب المص، اليس هذا دليلا علي مدبر حكيم عليم خلقك و هداك الي ذلك. (و) من (عرفك عند الحاجه) الي شي ء من الطعام و الافراغ (مواضع طلبك و ارادتك) فتمص الثدي دون غيره، و تبكي اذا اردت ذلك؟ و هكذا من عرفك الا فراغ لدي الحاجه (هيهات) كلمه تستعمل لاستعباد الامر، و المراد هنا استبعاد ان يفهم الانسان كنه الخالق (ان من يعجز عن صفات ذي الهيئه و الادوات) اي ذي الشكل و الجوارح، و هو الانسان. (فهو عن صفات خالقه اعجز) لان الخلق اذا

كان مع وضوحه متعذر الوصف و بلوغ الكنه، فالخالق لغموضه ابعد فهما، و اغمض ادراكا و وصفا (و من تناوله) اي يتناوله الانسان، بمعني يدركه (بحدود المخلوقين) فيظن انه محدود بالكم و الكيف و الزمان و المكان (ابعد) عن الفهم و الادراك.

خطبه 163

[صفحه 459]

(لما اجتمع الناس اليه، و شكوا ما نقموه علي عثمان، و سالوه مخاطبه عنهم، و استعتابه لهم) اي يطلب الامام عليه السلام منه ان يرضي الناس (فدخل عليه) حاملا لرساله الناس اليه (و قال): يا عثمان (ان الناس ورائي) اي خلفي، في المدينه (و قد استسفروني) اي جعلوني سفيرا، و هو حامل الرساله بين شخصين (بينك و بينهم) لاودي رسالتهم اليك، و كلامك اليهم (و والله ما ادري ما اقول لك) هذا كنايه عن عدم جهله بشي ء من امر نفسه و امر الناس، حتي ينبه و يرشد (ما اعرف) من طلبات الناس (شيئا تجهله) انت حتي ابين لك (و لا ادلك علي امر لا تعرفه) بل انت تعرف وجه نقمه الناس عليك (انك لتعلم) من امر الاسلام (ما نعلم) من واجباته و محرماته (ما سبقناك الي شي ء) بان اخذناه دونك (فنخبرك عنه) لتعرفه (و لا خلونا بشي ء) من امر الدين- الواجب علي كافه المسلمين- (فنبلغكه) اي نبين لك ذلك الشي ء (و قد رايت) الرسول صلي الله عليه و آله و سلم و سائر الامور المرتبطه بالاسلام (كما دفعكم راينا) نحن. (و سمعت) كلام الله و الارشاد من الرسول (كما سمعنا) نحن (و صحبت رسول الله صلي الله عليه و آله) فعرفت سيرته (كما صحبنا) نحن، و هذه الجمل لتاكيد انه يعلم ماذا

يجب عليه، فلا موضع لان يرشد الي مجهول (و ما ابن ابي قحافه)

ابوبكر (و لا ابن الخطاب) عمر (اولي بعمل الحق منك) لان الكل متساوون عند الله تعالي يريد من جميعهم العمل. (و انت اقرب الي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم وشيجه) اي اشتباك (رحم) و قرابه (منهما) اي من عمر و ابي بكر، فان عثمان من بني اميه بن عبدشمس بن عبدمناف رابع اجداد النبي صلي الله عليه و آله و اما ابوبكر فهو من بني مره سابع اجداد النبي صلي الله عليه و آله و سلم و عمر بن عدي بن كعب ثامن اجداد النبي صلي الله عليه و آله و سلم، و هذا حسب الظاهر، و الاماميه كان لصيقا و عمر كان غير نقي النسب. (و قد نلت من صهره) اي مصاهره الرسول صلي الله عليه و آله (ما لم ينالا) فقد تزوج عثمان به بنتي الرسول صلي الله عليه و آله (ما لم ينالا) فقد تزوج عثمان به بنتي الرسول صلي الله عليه و آله و سلم رقيه، و ام كلثوم، و كان هذا من اكبر الشرف- لو عرف قدره- و هذا لتاكيد انه اوجب بعلم الحق منهما (ف) اذكر (الله الله في) جهه (نفسك) لا تعرضها للهكه في الدنيا و العقوبه في الاخره. (فانك- و الله ما تبصر من عمي) اي اذا قال لك شخص وجه الخلاص من هذه المشكله، لم يكن ذلك شيئا لا تعرفه، فا

نت اعرف بمظالمك عند الناس (و لا تعلم من جهل) بان لا تعلم سبب نقمه الناس، ثم تعرفه بمقاله قائل (و ان الطرق لواضحه) اي طرق الاسلام، و المراد احكامه (و ان اعلام الدين لقائمه) اعلام الدين، ما يدل علي احكامه، كما ان اعلام الطريق تدل

علي الطريق المنجح الموصل. (فاعلم ان فاضل عباد الله، عند الله امام عادل) يعدل بين الناس (هدي) الي الحق، بان تعلمه (و هدي) الناس اليه (فاقام سنته معلومه) بان عمل بها و نشرها بين الناس (و امات بدعه مجهوله) اي لا يعرفها الشرع، و لا يعترف بها (و ان السنن) اي الاحكام التي سنها الله و رسوله، في كيفيه اداره الامه (لنيره) واضحه (لها اعلام) اي ادله من الشريعه، كما ان الطريق له اعلام، تدل الانسان صوبه. (و ان البدع لظاهره لها اعلام) اي ادله تدل علي انها بدع، فليس لاحد ان يرتكبها زاعما انه لا دليل علي ان الشي ء الفلاني بدعه (و ان شر الناس عند الله امام جائر) الامام هو المقتدي سواء كان بحق او باطل قال سبحانه: (و جعلناهم ائمه يهدون بامرنا) و قال: (ائمه يهدون الي النار) (ضل) عن الطريق (و ضل به) اي ضل الناس بسببه لانه نشر البدع فاخذ بهاالناس (فامات سنه ماخوذه) قد اخذها الناس و عملوا بها (و احيا بدعه م

تروكه) عند المسلمين (و اني سمعت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يقول يوتي يوم القيامه بالامام الجائر) الذي جار و ظلم (و ليس معه نصير) ينصره (و لا عاذر) يقبل عذره، او يبين عذره في اعماله التي عملها (فيلقي في جهنم فيدور فيها) لحيرته و ارادته الفرار و النجاه (كما تدور الرحي) حول نفسها. (ثم يرتبط في قعرها) اي يشد في الطبقه السفلي من جهنم، لانه اشد الناس جرما، و لذا يكون من اشد الناس عذابا (و اني انشدك الله) اي اقسمك بالله (ان لا) تفعل ما بسببه (تكون امام هذه الامه المقتول)

الذي يفتح علي المسلمين المضاربه و المقاتله. (فانه كان يقال) و لعله لتذكيره بما علم سابقا من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم (يقتل في هذه الامه امام يفتح) ذلك الامام (عليها) اي علي الامه (القتل و القتال الي يوم القيامه) و قد كان كذلك فان انحراف عثمان الموجب لقلته اوجب انشقاق الامهالي سنه و شيعه، و التاريخ يدل علي ما وقع بين الطائفتين من الماسي، بينما لو كان الامر طبيعيا، لكان الامام يملك زمام الحكم و يحكم بين المسلمين علي الكتاب و السنه و يتسلسل الامر بلا خلاف و تشاحن. (و يلبس) ذلك القتل (امورها عليها) فلا يدرون الحق من الباطل (و يبث) ا

ي ينشر (الفتن عليها) كفتنه الجمل و صفين و الخوارج و غيرها (فلا يبصرون الحق من الباطل) و ذلك لالقاء الطامعين الفتن و القلاقل بين الناس. (يموجون فيها) كما يموج البحر، و الضمير عائد الي الفتنه (موجا) مصدر للتاكيد (و يمرجون فيها مرجا) اي يخلطون بين الحق و الباطل في تلك الفتنه (فلا تكونن) يا عثمان (لمروان سيقه) هو ما استقاقه العدو من الدواب، و قد كان مروان- ابن طريد رسول الله- مستشارا لعثمان و كان احمق منافق، عابد شهوه و فجور، و هو الذي اشعل الفتنه، حتي استبد بالامر، و كان عثمان ملكه زمام الدوله في الواقع، فاردي المسلمين بهذا المهوي السحيق (يسوق حيث شاء بعد جلال السن) اي تقدمه (و تقضي العمر) اي انقضائه. (فقال له عثمان) في جواب طلبه عليه السلام منه الاصلاح (كلم الناس) الثائرين (في ان يوجلوني) اي يمهلوني مده (حتي اخرج اليهم من مظالمهم) و ارفع الظلم عنهم؟ (فقال عليه السلام) له: (ما كان) من

المظالم (بالمدينه) كالحمي، و حبس اموال المسلمين و نحوهما (فلا اجل فيه) لانك تقدر ان تنفذ الامر في ظرف يوم (و ما غاب) عن المدينه، كالمظالم بالامصار (فاجله وصول امرك اليه) و الان تتمكن من ار سال الرسل لرد مظالم الناس في الافاق، و مع

ني كلام الامام عليه السلام انه لا وجه للتاجيل لكن عثمان ركب راسه و تمادي في المظالم، حتي قتله المسلمون و وقعت الفتنه.

خطبه 164

[صفحه 3]

يذكر فيها عجيب خلقه الطاووس، و دقائق خلقه الطيور، و يصف الجنه (ابتدعهم) اي المخلوقات، و الاتيان بضمير العاقل، تغليبا للعقلاء علي غيرهم (خلقا عجيبا) يورث تعجب الانسان (من حيوان و موات) الشي ء الذي لا روح فيه (و ساكن) كالجبال و ما اشبه (و ذي حركات) حيوانا كان او انسانا او غيرهما كالشمس و القمر و الرياح و ما اشبه. (فاقام) سبحانه (من شواهد البينات) اي الادله الشاهده (علي لطيف صنعته) اي دقيقها (و عظيم قدرته) فان الاشياء الدقيه تحتاج الي قدره فائقه (ما انقادت له العقول معترفه به) اي خضعت العقول معترفه بالله سبحانه (و مسلمه له) بان للكون الها عالما قادرا لطيفا. (و نعقت) اي صاحت (في اسماعنا، دلائله علي وحدانيته) كنايه عن وضوح الادله الداله علي الوحدانيه، اذ لو كان فيها آلهه الا الله لفسدتا. (و ما ذرا) عطف علي الضمير المجرور في (دلائله) اي نعقت دلائل ما ذرا، اي ما خلق (من مختلف صور الاطيار) جمع طير (التي اسكنها اخاديد الارض) جمع اخدود، و هو الشق الكائن في الارض، فان كثيرا من الطيور يسكنون في شقوق الارض كالعصافير و ما اشبه (و خروق) جمع خرق، و هو الشق (فجاجها) الفج الطريق، و جمعه فجاج

(و رواسي اعلامها) جمع

راسيه، بمعني: الشامخه و المرتفعه، و الاعلام جمع علم، بمعني الجبل. (من ذوات اجنحه) جمع جناح (مختلفه) في الشكل و الكيفيه (و هيئات متباينه) غير متشابهه (مصرفه) اي يصرفها الله سبحانه (في زمام التسخير) و الاستخدام، فانها لا تعمل الا كما قدر الله سبحانه، و هي لها من الاسباب و الاجهزه. (و مرفرفه) اي باسطه جناحها (باجنحتها في مخارق الجو) جمع مخرق، و هو الواسع من المكان، و الجو: الفضاء (المنفسح) اي الواسع (و الفضاء المنفرج) اي ذو الفرجه، و هي مقابله للمنسد. (كونها) اي كون الله الطيور (بعد ان لم تكن) اي اوجدها من العدم (في عجائب صور ظاهره) للابصار (و ركبها في حقاق مفاصل) حقائق جمع (حق) و هو مجتمع المفصلين، و مفاصل جمع مفصل، و هو محل اتصال عظمين (محتجبه) اي مخفيه عن الانظار فان الانسان لا يري داخل بدن الطير، الذي هو محل المفاصل و العظام. (و منع) سبحانه (بعضها) اي بعض انواع الطيور (بعباله) هي الضخامه و امتلاء الجسد (خلقه) اي بسبب عظم بدنه (ان يسمو في السماء) اي يرتفع (خفوفا) اي سرعه و خفه. (و جعله يدف دفيفا) بان يحرك جناحيه حتي يتمكن من الطيران، و الدفيف مقابل الصفيف، و هو بسط الجناحين في حال الطيران. (و نسقها) اي رتبها

(علي اختلافها في الاصابيغ) جمع اصباغ، و هو جمع صبغ بمعني اللون (بلطيف قدرته و دقيق صنعته) فلكل طائر لون او الوان متعدده، مما تجذب الانظار، و تلفت الابصار. (فمنها) اي من الطيور (مغموس) قد غمس و ادخل (في قالب لون) واحد، كان اللون كان قالبا للطائر بلا زياده و نقصان، و لذا كان له لون واحد

فقط (لا يشوبه غير لون ما غمس فيه) و ذلك كالغراب الاسود و ما اشبه. (و منها مغموس في لون صبغ) اي ما يصبغ به (قد طوق) ذلك الطائر (بخلاف) لون (ما صبغ به) سائر جسده كالحمام المطوق، حيث ان حوالي عنقه لون غير لون سائر جسمه.

[صفحه 6]

(و من اعجبها خلقا الطاووس الذي اقامه في احكم تعديل) اي عداله الجسم و اللون فلا اعوجاج في جسمه، و لا بشاعه في لونه، و انما وضع كل شي ء موضعه (و نضد) اي رتب (الوانه في احسن تنضيد) اي في اجمل ترتيب، خلقه سبحانه (بجناح اشرج قصبه) اي داخل بين احاد اعمده الجناح، فقد شبه عليه السلام اعمده الجناح بالقصب، و الاشراج جعل بعض الاجزاء داخلا في بعض بشكل منظم (و) ب (ذنب اطال مسحبه) اي طول الذنب حتي انه يسحب علي الارض، فان للطاووس ذنبا طويلا ينشره احيانا، و يطويه احيانا (اذا درج) اي تحرك الذكر من الطاووس (الي الانثي نشره) اي نشر ذنبه (من طيه) اي من حاله جمعه (و سما به) اي ارتفع بذنبه، بمعني ارفعه (مطلا) اي مشرفا (علي راسه) كانه يظلله، فصار بذلك جميلا و في وضع جذاب. (كانه) اي كان جناحه (قلع) هو شراع السفينه (داري) منسوب الي (دارين) و هو بلد يصنع به الشراع (عنجه) اي جذبه فرفعه (نوتيه) اي ربان السفينه. (يختال) اي يتكبر الطاووس (بالوانه) اي الوان ذنبه (و يميس بزيفانه) اي يتبختر بحركات ذنبه يمينا و شمالا، فان الزيفان الحركه بتكبر (يفضي) الطاووس الي انثاه، اي يقترب منها لقضاء حاجته (كافضاء الديكه) جمع ديك (و يور) اي يا

تي انثاه (بملاقحه) اي افراز ماده منويه فيها (ار الفحول) اي مثل

ملاقحه الفحل لا نثاه (المغتلمه) من اغتلم اذا غلب للشهوه، و هذا لبيان شده شبقه بانثاه (في الضراب) هو بمعني لقاح الفحل لا نثاه. (احيلك) ايها السامع (من ذلك) الذي ذكرت في امر الطاووس (علي معاينه) بان تذهب و تعاين حاله بعينيك (لا كمن يحيل علي ضعيف اسناده) مما لا دليل له اسناد ضعيف، بل له امر خارجي واضح يتمكن كل احد ان يراه بام عينيه، و انما اكد الامام عليه السلام في امر تلقيح الطاووس، لان بعض الناس كانوا يزعمون ان الذكر تدمع عينيه فتقف الدمعه بين اجفانه فتاتي الانثي فتطعمها فتلقح من تلك الدمعه. (و لو كان) تلقيحه (كزعم من يزعم انه يلقح بدمعه تسفحها) اي تصبها (مدامعه) اي عيونه، جمع مدمع، و هو محل الدمع (فتقف) الدمعه (في ضفتي) اي جانبي (جفونه) جمع جفن، غلاف العين (و ان انثاه تطعم ذلك) اي تشربه (ثم تبيض) الانثي بيضه تكون منشا الفرخ (لا من لقاح فحل) و سفاده (سوي الدمع المنبجس) اي المنفجر من عينيه. (لما كان ذلك باعجب من مطاعمه الغراب) اي لوصح ذلك الزعم في الطاووس لكان له مثال، حيث زعم جمع آخر، ان الغراب ايضا لا سفاد له، و انما تشرب الانثي من ماء اجتمع في ق

انصه الذكر، و مطاعمه، بمعني الشرب، فان هذه الماده تستعمل في الشرب كما تستعمل في الاكل، قال سبحانه: (و من لم يطعمه فانه مني). ثم رجع الامام عليه السلام الي ذكر بقايا عجائب الطاووس بقوله: (تخال) اي تظن ايها الناظر (قصبه) جمع قصبه، و هي عمود الريش (مداري) جمع (مدري) و هو ما يصنع، من حديد او خشب، علي شكل المشط (من فضه) و ذلك لبريق القصب

و بياضها و انتظامها (و) تخال (ما انبت) من الريش (عليها) اي علي القصب. (من عجيب داراته و شموسه) اي استدارته العجيبه المماثله للشمس (خالص العقيان) هو الذهب الخالص (و فلذ) جسم فلذه بمعني القطعه (الزبرجد) الاخضر، و التشبيه بهما لان ريشه احمر و اخضر في لوني الذهب الخالص و الزبرجد الاخضر. (فان شبهته) اي ريش الطاووس (بما انبتت الارض) اي بالاعشاب (قلت جني) اي مجتني (جني) اي اقتطف (من زهره كل ربيع) اي من كل زهره تنبت في الربيع، لان الريش في لون الازهار المختلفه (و ان ضاهيته) اي شبهته (بالملابس) جمع ملبس بمعني اللباس (فهو) اي الريش (كموشي الحلل) بصيغه اسم الفاعل، اي المنقوش من الحله، و هي البزه اي الثوب (او مونق) اي جميل (عصب اليمن) و هو ضرب من البرود المنقوشه التي تصنع في اليمن. (و ان شاك

لته) اي شبهت الريش (بالحلي) و هي الحليه التي تلبسها المرئه للزينه (فهو) اي الريش (كفصوص) جمع فص، و هو ما يركب في الخاتم من زبرجد و الماس و در و ما اشبه (ذات الوان) لكل فص لون (قد نطقت) اي شدت (باللجين) اي الفضه (المكلل) اي المزين بالجواهر، فان القصب يشد بعض تلك الفصوص ببعض، و القصب شبيه بالفضه في بياضها، فالقصب مكلل بالفصوص، و الفصوص شدت بالقصب (يمشي) الطاووس (مشي المرح) اي المعجب بنفسه (المختال) اي المتكبر في مشيته (و يتصفح) اي يتفقد و ينظر بالرقه (ذنبه و جناحيه فيقهقه ضاحكا) تشبيه لصوته بالقهقهه (لجمال سرباله) اي لباسه (و اصابيغ) اي الوان (و شاحه) سير يجعل فيه اللولو و نحوه فتلبسه المرئه من عاتقها الي كشحها. و الطاووس بهذا الحسن، له رجلان

قبيحتان، و لذا اذا نظر اليهما حزن و اغتم، بما يظهر ذلك لمن نظر اليه (فاذا رمي) الطاووس (ببصره الي قوائمه) جمع قائمه، بمعني الرجل (زقا) اي صاح في دهشه (معولا) الاعوال رفع الصوت بالبكاء (بصوت يكاد يبين) اي يظهر (عن استغاثته) اي طلبه ان يغاث من قبح رجله (و يشهد) ذلك الصوت (بصادق توجعه) اي تالمه الصادق لما في رجله من قبح (لان قوائمه حمش) جمع احمش اي دقيق (كقوائم الديكه) جمع د

يك (الخلاسيه) المنسوبه الي خلاس، و هي المتولده بين هنديه و فارسيه، فانها اقبح رجلا من الديكه العاديه. (و قد نجمت) اي ظهرت و خرجت (من ظنبوب) هو عظم حرف الساق (ساقه) اي ساق الطاووس (صيصيه) هي الاصبع الطالعه في رجل الديك و نحوه مما لا تلامس الارض (خفيه) ليست بالطويله (وله) اي للطاووس (في موضع العرف) ريش الرقبه، و عرف الفرس شعر اطراف عنقه (قنزعه) هي الخصله من الشعر و نحوه (خضراء) اللون (موشاه) اي منقوشه ملونه (و مخرج عنقه كالابريق) في الهيئه و الشكل (و مغرزها) اي الموضع الذي غرز فيه العنق كانه شي ء دخل في جسم الطاووس، و هو المحل بين العنق و البطن، و لذا قال: (الي حيث بطنه كصبغ الوسمه اليمانيه) في اللون، و هي نبات النيل الذي منه صبغ النيلج، و اليمانيه من افخر اقسامها. (او) ان ذلك المحل من العنق، في لونه و صفاته (كحريره) سوداء (ملبسه مرآه ذات صقال) اي ذات جلاء، فكما يبرق مثل ذلك الحرير، كذلك يبرق هذا الموضع من عنق الطاووس (و كانه متلفع) من تلفع ان يدير الانسان شيئا فوق راسه و رقبته (بمعجر) ما تديره المرئه حول راسها و

رقبتها (اسحم) اي اسود (الا انه يخيل لكثره مائه) اي ماء ذلك اللون الاسود، و المراد بريقه الشبيه ببر

يق الماء، و لذا فسره عليه السلام بقوله: (و شده بريقه) اي لمعانه (ان الخضره الناضره) اي الزاهيه (ممتزجه به) اي بذلك السواد، فليس السواد قاتما و انما ناضرا ظريفا، ثم اخذ الامام عليه السلام في وصف الخط الابيض عند محل سمع الطاووس (و مع فتق) اي شق (سمعه) اي اذنبه (خط) ابيض (كمستدق القلم) اي القلم الدقيق الذي يخط خطا دقيقا (في لون الاقحوان) هو البابونج، ابيض يشبه به الثغر لبياضه. (ابيض يقق) اي شديد البياض (فهو) اي ذلك الخط (ب) سبب (بياضه في) اثناء (سواد ما هنا لك) حول رقبه الطاووس (ياتلق) اي يلمع (و قل صبغ) اي لون (الا و قد اخذ منه) اي من الطاووس (بقسط) اي بنصيب و هذا كنايه عن اشتمال لون الطاووس علي معظم الاشكال المتعارفه الا ولويه لا كلها، كما هو واضح، فقد احصوا ان الالوان تنوف علي ثلثمائه الف لون. (و علاه) اي ارتفع لون الطاووس تلك الاصباغ في الكيفيه، فلونه ازهي من الالوان الموجوده في غيره و ذلك (بكثره صقاله) اي جلاء الوانه (و بريقه) اي لمعانه (و بصيص ديباجه) اي ضياء ريشه فقد استغير البصيص- و هو اول النور الذي يبتدء ضئيلا- لبريقه، و استعير الديباج- و هو الحرير- لريشه (و رونقه) اي رونق لون الطاووس. (فهمو) اي لون ر

يشه (كالازاهير) جمع ازهار، جمع زهر (المبثوثه) اي المنتشره في الصحراء فلكل زهر لون و كيفيه، و هكذا لكل جزء من اجزاء الطاووس لون و كيفيه (لم تربها) اي ما ربت تلك الالوان الموجوده في الطاووس (امطار ربيع) بخلاف

الازهار فانها تربيه امطار الربيع (و لا شموس قيظ) اي الحر، و الاتيان بشموس جمع شمس- باعتبار ان لكل يوم شمسا، او المراد بها اشراقات الشمس، فان الازهار تنظر و تزدهر بسبب الحر المصقل لالوانها. (و قد يتحسر) الطاووس (من ريشه) اي يتكشف بسقوط جميع ريشه (و يعري من لباسه) الجميل (فيسقط) الريش من بدن الطاووس (تتري) اي تباعا، بعض الريش يسقط عقب بعض. (و ينبت) الريش بعد سقوطه (تباعا) اي متتاليا، بل فصل زمان كثير (فينحت) اي يسقط الريش (من قصبه) هي الاعمده الريشيه التي تربط الريش بجسم الطاووس (انحتات) اي مثل سقوط (اوراق الاغصان) حيث يبقي الغصن و يسقط الورق (ثم يتلاحق ناميا) ينمو الريش في مكان الذي سقط بتلاحق و توالي (حتي يعود كهيئته قبل سقوطه) بلا زياده او نقصان او تخالف في الالوان. (لا يخالف) اللون الجديد (سالف الوانه) اي الوانه السالفه (و لا يقع لون) من الالوان الجديده (في غير مكانه) السابق. (و اذا تصفحت) اي نظرت بدقه

(شعره من شعرات قصبه) اي النابته علي قصب جسمه (ارتك) تلك الشعره (حمره ورديه) اي كالورد (و تاره) اي مره تريك (خضره زبرجديه) اي كالزبرجد في الصفاء. (و احيانا) اي في بعض الاحيان (صفره عسجديه) اي ذهبيه (فكيف تصل الي صفه هذا) الطائر الجميل (عمائق الفطن) جمع عميقه، و فطن جمع فطنه، بمعني الادراك الحاد (او تبلغه قرائح العقول) جمع قريحه بمعني العقل المقترح الذي ينبع منه الفكر (او تستنظم وصفه) اي تتمكن من نظم وصفه (اقوال الواصفين) فان الامام عليه السلام لم يصف منه الا شيئا قليلا كما لا يخفي. (و اقل اجزائه) اي اجزاء هذا الطائر (قد اعجز الاوهام ان تدركه) ادراكا

عميقا (و الالسنه ان تصفه) اي اعجز الالسنه، فمم خلق الشعره؟ و كيف جاء اللون؟ و ما هو اللون؟ الي الف سوال و سوال. (فسبحان الذي بهر العقول) اي قهرها فردها عن المعرفه و الادراك (عن وصف خلق) اي ان تتمكن من ان تصف مخلوقا- هو الطاووس- (جلاه للعيون) اي كشفه لها، فالانسان مع اداركه لهذا الحيوان لا يتمكن ان يصفه حق وصفه. (فادركته) اي ادركت العقول هذا المخلوق (محدودا) بحدود الكيف و الكم (مكونا) مخلوقا (و مولفا) من اجزاء (ملونا) بالوان مختلفه (و اعجز الالسن عن تلخيص صفته) اي

تلخص وصفه في العباره و لعل ذكر (التلخيص) لان الوصف ايجاز للوجود الخارجي (و قعد بها) اي بالالسن (عن تاديه) اي اداء، و ذكر، (نعته) اي وصف هذا المخلوق، فاذا كان الانسان لا يدرك حقيقه حيوان، و لا يتمكن ان يصف حتي الوصف ما يشاهده؟ كيف يطمع ان يدرك الخالق، او ان يتمكن من وصفه حق نعته. ثم اخذ الامام في وصف ما هو اصغر من الطاووس (و سبحان من ادمج قوائم الذره) القوائم: الارجل، و الادماج جعلها في جسدها، و الذره، النمل (و) ادمج قوائم (الهمجه) جمع همج ذباب صغير، و منه (همج رعاع اتباع كل ناعق) (الي ما فوقهما) اي خذ هذين الحيوانين الصغيرين ثم تدرج الي الاكبر و الاكبر من الحيوانات ففي الكل آيات و دلالات و اعاجيب (من خلق الحيتان) جمع حوت (و الفيله) جمع فيل، و هما حيوانان كبيران احدهما بري و الاخري بحري (و واي) اي الزم سبحانه (علي نفسه) بان قدر تعالي (ان لا يضطرب) اي يتحرك (شبح) اي جسم من الاجسام الحيه (مما اولج فيه الروح) اي ادخل

فيه الروح (الا و جعل الحمام) اي الموت (موعده و الفناء) بتفرق الاجزاء (غايته) اي آخر امره.

[صفحه 16]

(منها في صفه الجنه) ثم اخذ الامام عليه السلام في وصف الجنه بقوله: (فلو رميت ببصر قلبك) بان فكرت و امعنت (نحو) اي الي طرف (ما يوصف لك منها) اي من الجنه (لعزفت) اي كرهت و اعرضت (نفسك عن بدائع ما اخرج الي الدنيا من شهواتها و لذاتها) فان الانسان اذا راي الشي ء الاحسن كره الشي ء الحسن و اعرض عنه، طلبا لذلك الاحسن، و هذا هو نسبه لذات الدنيا الي لذات الاخره (و زخارف مناظرها) جمع زخرف بمعني الزينه (و لذهلت) اي اندهشت (بالفكر في اصطفاق اشجار) اي تضارب اوراقها بسبب النسيم، فان الانسان اذا تصور ذلك النسيم الذي يهب في الجنه الذي يصفق الاشجار، لذهل و تحير من شده اشتياق النفس الي التملي من ذلك النعيم الجميل. (غيبت عروقها) اي عروق تلك الاشجار (في كثبان المسك) جمع كثيب و هو التل، فان طين الجنه، هو المسك (علي سواحل انهارها) اي انهار الجنه (و) لذهلت بالفكر (في تعليق كبائس) جمع كباسه (اللولو) اي الخصل المكبوسه من اللولو (الرطب) و هو اجود انواع اللولو: و سمي رطبا لبقايا الماء فيه، الموجبه للنظاره و البهجه (في عساليجها) جمع عسلوج، بمعني الغصن (و افنانها) جمع فنن و هو الغصن ايضا، او نوع آخر منه (و طلوع تلك الثمار) ا

ي ظهور اللولو كالثمره (مختلفه) كبرا و صغرا، او المراد بتلك الثمار، الثمار المعهوده، اي الفواكه المختلفه (في غلف) جمع غلاف (اكمامها) جمع كم، و هو وعاء الطلح و النور، مما يستر الثمر به، حفظا له. (تحني) اي تعطف و تنحني تلك الاغصان- لمن

اراد تناول تلك الثمار- (من غير تكلف) و صعوبه، فقد ورد ان الانسان اذا اشتهي شيئا من الثمار انحنت الاغصان نحوه ليقطفها (فتاتي) تلك الاغصان، او الثمار (علي منيه مجتنيها) اي من يريد اقتطافها و اخذها (و يطاف) نائب الفاعل له قوله عليه السلام الاتي (قوم) و فاعله الله سبحانه الذي يامرهم بالطواف علي المومنين (علي نزالها) اي نزال الجنه الذين جائوا اليها و نزلوا فيها (في افنيه قصورها) جمع (فناء) بمعني الساحه الواسعه امام القصر، او داخله (بالاعسال) جمع عسل (المصفقه) اي المصفات (و الخمور المروقه) اي المجعوله في (الراووق) و هو اناء خاص يزيد الخمر صفائا و اجتذابا لشاربها. (قوم لم تزل الكرامه تتمادي بهم) (قوم) نائب فاعل لقوله: (يطاف) و المراد بهم الولدان المخلدون. (حتي حلوا دارالقرار) اي الجنه التي يستقر فيها الانسان، و تمادي الكرامه، كنايه عن اهليتهم لكونهم (ولدانا) هناك، فان الله اكرمهم بجعلهم

هناك (و امنوا) اولئك القوم (نقله الاسفار) اي الانتقال من محل الي محل فانهم لم ينتقلوا من الارض الي البشريه، و من هذه الحياه، الي البرزخ، و من هناك الي المحشر، و من هناك الي الجنه- كما ينتقل الانسان- (فلو شغلت قلبك- ايها المستمع- بالوصول الي ما يهجم عليك) اي ياتي نحوك، و التعبير بالمهجوم، لانه شبيه به، فاذا بالانسان يري جيشا كثيفا من النعم المختلفه، و السعادات المتنوعه التي لا زوال لها و لا اضمحلال. (من تلك المناظر) جمع منظر (المونقه) المعجبه (لزهقت نفسك) اي طارت و خرجت من البدن (شوقا اليها) اي الي تلك المناظر (و لتحملت) اي حملت نفسك (من مجلسي هذا) و انت تسمع الي هذه الاوصاف و تفكر فيها (الي مجاوره اهل القبور)

و هذا كنايه عن الموت (استعجالا لها) اي طلبا لسرعه الوصول الي تلك النعم العجيبه، فان شده الشوق توجب موت الانسان. (جعلنا الله و اياكم ممن سعي بقلبه) فان القلب اذا درك سعي، و بسعيه تسعي الجوارح (الي منازل الابرار، برحمته) متعلق ب(جعلنا).

خطبه 165

[صفحه 20]

في الحث علي التالف، ثم في زوال ملك بني اميه، و ارشاد الناس للتمسك بالحق. (ليتاس) اي ليقتدي (صغيركم بكبيركم) فان الكبراء اكثر حكمه و درايه و تجربه، فاذا تاس بهم الصغراء، كان اسهل ليسر في مرافق الحياه، و آمن من الخطر (و ليراف كبيركم بصغيركم) لياخذ بيده حتي يرد مورد الرجال، و يستغني عن المعاون و المرشد (و لا تكونوا كجفاه الجاهليه) جمع جاف، من جفي يجفو، و هو الغليظ الظالم، فان النفوس اذا لم ترفق بالدين و الفضيله جفت و غلظت (لا في الدين يتفقهون) حتي يعلوا الاحكام (و لا عن الله يعقلون) اي ياخذون الشريعه و المنهج، انهم. (كقيض بيض) القيض، هي: القشره العليا اليابسه علي البيضه (في اداح) جمع ادحي- كلجي- و هو مبيض النعلم في الرمل، تدحوه برجلها لتبيض فيه، فان الانسان المحرم اذا مر في الاداحي فراي فيها بيضا احتمل امرين: الاول: ان تكون تلك البيوض للقطاء فلا يجوز كسرها، للمحرم، و اذا ابقي عليها يحتمل ان تكون للثعابين فيخرج منها … الذي يلدغه (يكون كسرها وزرا) و اثما، او المراد كسر بيض القطا مطلقا وزر، و ان لم يك الانسان محرما لانه اذيه للحيوان و هو مكروه في الشريعه. (و يخرج حضانها) اي تحضن البيض و ابقائها (شرا

) و هذا مثال للانسان الذي له صوره انسانيه، و باطن ملي ء بالشرور، فان في كل من ابقائه

و اهلاكه احتمال الخطي ء فاذا اهلكه الوالي احتمل الاثم، بسبب عدم كونه ذا شر- و ان ابقاه احتمل ان يخرج منه شرور و اثام توجب افساد الناس و اهلاكهم.

[صفحه 21]

في احوال بني اميه (افترقوا) اي المسلمون (بعد الفتهم) في ظاهر الاسلام (و تشتتوا عن اصلهم) اي القاعده الاوليه في الاسلام، من الائتلاف، حيث قال سبحانه: (و لا تنازعوا فتفشلوا و تذهب ريحكم) و قال: (و اعتصموا بحبل الله جميعا، و لا تفرقوا) (فمنهم) اي بعض المسلمين (آخذ بغصن) من اغصان الايمان، و المراد به الموالي لهم (اينما مال) ذلك الغصن (مال معه) و هم شيعه الامام التابعون له حيث سار ساروا، و في الكلام تقدير: اي و منهم من ليس كذلك، لكنه اكتفي عن ذكره بقرينه السابق. (علي) ان هذا التفرق لا يبقي الي الابد بل (ان الله تعالي سيجمعهم) اي المسلمين (لشر يوم لبني اميه) قيل ذلك اشاره الي اجتماع المسلمين لمحاربه بني اميه. في زمن (مروان الحمار) حيث نزهوا الملك عنهم ثم استبد به بنوالعباس (كما تجتمع قزع الخريف) هي القطع المتفرقه من السحاب، واحدتها قزعه بالتحريك، و تخصيص الامر بالخريف، لان التراكم في سحاب الخريف اكثر (يولف الله بينهم) اي بين المسلمين، و لا يخفي ان الاسناد اليه سبحانه لا يدل علي حسن العمل، فقد قال سبحانه في احوال (بخت النصر) الكافر، و جنوده: (بعثنا عليكم عبادا لنا اولي باس شديد) و يحتمل ان يكون للعمل و

جهان، الخير في انقضاضهم علي بني اميه، و الشر في كونه بدون امام معصوم. (ثم يجعلهم ركاما) هو المتراكم بعضه علي بعض (كركام السحاب) الذي يجتمع بعضه علي بعض (ثم يفتح لهم) اي للمسلمين (ابوابا) اي يهيي ء لهم وسائل الانقضاض علي

دوله بني اميه (يسيلون من مستثارهم) اي موضع انبعاثهم ثائرين، و لعل المراد بذلك الموضع (خراسان) حيث ثارت الثائره من هناك بقياده ابي مسلم الخراساني (كسيل الجنتين) و هو سيل العرم، المذكور في القرآن الحكيم، بقوله: (جنتان عن يمين و شمال) ثم قال: (فارسلنا عليهم سيل العرم) و قد كان سيلا شديدا لم يبق لهم شيئا الا القليل القليل (حيث لم تسلم عليه) اي علي السبيل، و الاتيان ب (علي) للاشاره الي انه لا يقف امام السيل، بان يكون صامدا ضررا علي السيل (قاره) اي المستقر من الارض المنبسطه، او المراد عين قاره، ذات قرار، فان السيل يكتسح كل شي ء امامه. (و لم تثبت عليه) اي علي السيل (اكمه) هي المرتفع من الارض (و لم يرد سننه) اي جري السيل (رص طود) الطود الجبل، و الرص تلاصق بعض الاطواد ببعض (و لا حداب ارض) جمع حدب بالتحريك، و هو ما غلظ من الارض و ارتفع، فاذا جاء سيل الثائرين لاكتساح بني اميه (يزعزعهم الله) اي يقلعهم و

يفرقهم- و ضمير المفعول لبني اميه- (في بطون اوديته) اي مسالك الاختفاء في الارض، فكل واحد منهم يفر الي مجهله من الارض (ثم يسلكهم ينابيع في الارض) يتسربون في باطن الارض اختفاء من سلطات آل عباس، كما يختفي الماء و يتسرب في باطن الارض، و يحتمل ان يكون الضمير في (يزعزهم) و (يسلكهم) الي مناوي ء آل اميه، اي انهم يحتفون في اول امرهم، و يجرون من هنا و هناك باختفاء كالينابيع، حتي يظهروا و يثوروا ضد الامويين. (ياخذ بهم) اي بسبب هولاء الثائرين (من قوم) و هم بنواميه (حقوق قوم) و هم الهاشميون فقد اكثروا في آل اميه من القتل و اراقه الدماء في قضايا معروفه

(و يمكن لقوم) و هم آل عباس (في ديار قوم) و هم آل اميه (و ايم الله) حلف به سبحانه (ليذوبن) اي يضمحلن، كما يذوب الجليد (ما في ايديهم) اي ايدي الامويين من الملك و السلطه (بعد العلو) لهم (و التمكين) علي السلطه (كما تذوب الاليه) هي الشحمه التي في ذيل الغنم (علي النار) حتي لا يبقي منها شي ء يذكر- و قد كان كما اخبر الامام عليه السلام-

[صفحه 24]

(ايها الناس لو لم تتخاذلوا عن نصر الحق) التخاذل، هو ان يتحرك بعضهم بعضا، فلا يجتمعون لنصره الحق (و لم تهنوا) من الوهن بمعني الضعف (عن توهين الباطل) اي تضعيفه و تحطيمه (لم يطمع فيكم من ليس مثلكم) في الدين و الايمان، اي الكفار و المنافقين (و لم يقومن قوي) الان (عليكم) اي لم يتمكن من ان ينشر قوته عليكم (لكنكم تهتم) اي تحيرتم في الامر لا تسيرون في الطريق الصحيح (متاه بني اسرائيل) اي مثل تيه بني اسرائيل الذين ضلوا في الصحراء، فبقوا اربعين سنه في التيه، لانهم خالفوا امر الله سبحانه في دخول الارض المقدسه، و اخراج الكفار منها. (و لعمري) قسم بنفسه الشريفه (ليضعفن لكم التيه من بعدي) اي يتضاعف الحيره في الامر، و عدم معرفه الطريق المنجح (اضعافا) اي اضعاف تيهكم في زماني. و ذلك (ب) سبب (ما خلفتم الحق وراء ظهوركم) اي لم تعتنوا به (و قطعتم الادني) الي الله و الرسول و الاحكام- و هو الامام عليه السلام- حيث خالفوه (و وصلتم الابعد) و هو الشيطان او قرناء السوء. (و اعلموا انكم ان اتبعتم الداعي لكم) يعني: نفسه الكريمه، حيث كان يدعوهم الي الرشاد (سلك بكم منهاج الرسول) صلي الله عليه و آله و سلم (و

كفيتم موونه الاعتساف) ا

لشده و الصعوبه، في الامور الدنيويه و الاخرويه، اي لا تلحقكم ما تلحقكم الان من المصاعب و المتاعب (و نبذتم) اي طرحتم (الثقل الفادح) اي الثقيل (عن الاعناق) و المراد به، المشاكل التي تنتابهم، فان المنهاج الاسلامي كفيل بحل جميع مشاكل الانسان.

خطبه 166

[صفحه 26]

في اوائل خلافته، و فيها النصح و الارشاد، و التحذير من الموت بلا عده (ان الله تعالي انزل كتابا هاديا) يهدي الناس الي سبل الحق و السعاده، و المراد به القرآن الحكيم (بين فيه الخير و الشر فخذوا نهج الخير) اي طريقه (تهتدوا) اي تصلوا الي المطلوب، فان الهدايه قد تاتي بهذا المعني، كما تاتي بمعني ارائه الطريق (و اصدفوا) اي اعرضوا (عن سمت الشر) اي جهته (تقصدوا) اي تستقيموا، ادوا (الفرائض الفرائض) التكرار للتاكيد و للتركيز في الذهن (ادوها الي الله) كان العمل بها اداء اليه سبحانه تشبيها بالمحسوسات (تودكم الي الجنه) اي توصلكم اليها (ان الله حرم حراما) المراد به الجنس (غير مجهول) اذ قد بين في الكتاب و السنه (و احل حلالا) اي جنس المحللات (غير مدخول) اي ليس بمعيب، بخلاف المحرمات التي هي عيوب و نقائص (و فضل حرمه المسلم) اي احترامه (علي الحرم كلها) فلا حرمه اعظم من حرمه المسلم. (و شد بالاخلاص و التوحيد حقوق المسلمين) اي جعل حقوق المسلمين مرتبطه باخلاصهم لله و توحيدهم له، حتي ان منهم من اذا كان لم يخلص او لم يوحد- فرضا- لم يكن له حقوق (في معاقدها) اي مواضعها من الذمم فذمه الناس رهينه بحق مسلم اخلص لله وحده (فالمسل

م من سلم المسلمون من لسانه) فلا يسب و لا يغتاب و لا يفتري و هكذا (و

يده) فلا يبسطها الي احد بسوء (الا بالحق) كلعن يستحق اللعن، و قتل من يستحق القتل، و هكذا. (و لا يحل اذي المسلم الا بما يجب) في الشريعه، كاجراء الحدود عليه، فانه و انكان موجبا لاذاه، الا انه غير محظور لان اجراء الحدود واجب، و اذا جمعيت هذه الجمل كانت هكذا (المسلم المخلص الموحد محترم، لا يجوز تناوله بيد او لسان، الا بالحق)، و هذا من مصاديق الحرام غير المدخول، فكانه مثال له. (بادروا) اي اسرعوا في (امر العامه) اي عامه ذوات الارواح، و المراد بالمبادره لذلك الامر الاستعداد له (و خاصه احدكم) اي ان ذلك الامر العام يخص كل واحد منكم (و هو الموت) فانه عام لكل ذي روح، و خاص لكل انسان، فاعلموا له- و هو معني المبادره- (فان الناس) الذين ذهبوا الي الاخره (امامكم) ساروا في هذا المسير (و ان الساعه تحدوكم من خلفكم) اي تزجركم للاسراع نحوها، و المراد بالساعه يوم القيامه، و تحدوكم، كنايه عن سرعه فناء الدنيا. (تخففوا) عن الاثام، و لا تثقلوا كواهلكم بالمعاصي (تلحقوا) بالرجال الصالحين الذين سبقوا الي الجنات كما ان المسافر اذا تخفف، لحق بالقافله، و وصل الي المنزل. (فا

نما ينتظر باولكم) الذي مات (آخركم) الذي لم يمت بعد، بعني ان الناس انما ينتقلون الي المحشر، اذا مات الكل، فمنع من تقدم عن الحضور في المحشر انما هو لاجل ان يلحق بهم الباقون، فيحشر جميعهم في وقت واحد (اتقوا الله) اي خافوه (في عباده) فلا تفعلوا بهم شرا مما نهي الله عنه (و بلاده) فلا تفسدوا فيها (فانكم مسئولون حتي عن البقاع) جمع بقعه، كيف كنتم بها هل عمرتموها ام خربتموها (و البهائم)، هل قمتم

بواجبهم من النفقه و السكن و كف الاذي عنهم، ام بالعكس من ذلك؟ (اطيعوا الله و لا تعصوه) فان في الاطاعه السعاده و في العصيان الشقاوه (و اذا رايتم الخير فخذوا به) اي اعلموه (و اذا رايتم الشر فاعرضوا عنه) اي اتركوه، و المراد بالرويه العلم.

خطبه 167

[صفحه 29]

بعد ما بويع بالخلافه، و قد قال له قوم من الصحابه، لو عاقبت قوما ممن اجلب علي عثمان، اي جمع الانصار و الاعوان لقتل عثمان؟ فقال عليه السلام: (يا اخوتاه اني لست اجهل ما تعلمون) بمن اجلب، و ماذا يستحقون، و قد كان الامام عليه السلام يعلم عدم استحقاقهم للقتل، اذ كان هذا هو الجزاء الطبيعي لبدع عثمان، التي ملات الافاق، كما ان هذا الطلب كان سخيفا، اذ لو اراد الامام قتل مائه الف ثائر و تاديبهم و فيهم عائشه و طلحه و الزبير و من اليهم، لم يكن له من يعينه في هذا الامر، و انحلت عري الاسلام لكن الامام اكتفي في جوابهم، بالامر الثاني، دون الاول، لانه لم يرد ان يزيد الفتنه وقودا، بتقرير انه كان ايضا يري انحراف عثمان و بدعه (و لكن كيف لي بقوه) التاديب للثائرين؟ (و القوم المجلبون) الذين اجلبوا علي عثمان (علي حد شوكتهم) اي قوتهم السابقه. (يملكوننا و لا نملكهم) فان ازمه الامور بايديهم، و هم مرموقون عند المسلمين مما لا يمكن التعرض لهم باذي (و هاهم هولاء) طلحه و الزبير و عائشه و عبدالله و محمد (قد ثارت معهم) ضدي (عبدانكم) جمع عبد، فان كثره من عبيد المسلمين اخذوا ينصرون الجمل تخلصا من مواليهم (و التفت اليهم اعرابكم) اهل

البوادي طمعا في الغزو و املغنيمه (و هم خلالكم) اي في ثنايامكم

و ما بينمكم (يسومونكم ما شاووا) من العذاب، من سامه خسفا اذا اذله و اذاه (و هل ترون موضعا لقدره) مني (علي شي ء تريدونه)؟ و هو معاقبه المجلبين علي عثمان، و الاستفهام للانكار. (ان هذا الامر) اي تحرك الثائرين ضدي (امر جاهليه) فكما ان الجهل و الطمع كانا يقودان الناس في زمن الجاهليه الي الحركه و الغزو، كذلك حركا هولاء اعصات ضدي، مما لا اقدر معه من التاديب- لو كان الملازم التاديب فرضا-. (و ان لهولاء القوم) العصات (ماده) اي عونا و مددا من طلاب الرياسه كمعاويه و من اليه (ان الناس من هذا الامر) اي امرالعاقبه لقتله عثمان (اذا حرك) بان اردنا الشروع فيه (علي الامور) اي اقسام (فرقه تري ما ترون) من لزوم معاقبه قتله عثمان (و فرقه تري ما لا ترون) و هم الثائرون و من اليهم ممن كان يري عثمان واجب القتل، لبدعه و ضلالاته (و فرقه لا تري هذا و لا ذاك) و انما هو حياد في الامر، لا يخصه امر الفتنه اطلاقا (فاصبروا حتي يهدا الناس) اي يسكنوا من فورتهم (و تقع القلوب مواقعها) الصحيحه بان تاخذ التروي و التدبر، لا العواطف الجائشه و الميول الوقتيه التي ترافق الثورات دائما. (و توخذ

الحقوق مسمحه) فكان الحقوق جادت بنفسها عليهم، فاخذوه، من اسمح اذا جاد (فاهدووا عني) و لا تكلفوني ما ليس لي، و لا ظرف يقتضيه (و انظروا ما ذا ياتيكم به امري) اي بماذا ياتي اليكم من اوامري. (و لا تفعلوا فعله تضعضع قوه) اي تحركها و تضعفها، بانشقاق جديد و اختلاف بين الناس (و تسقط منه) المنه بمعني القدره (و تورث و هنا) اي ضعفا (و ذله) لكم،

لان الضعيف لابد و ان يذل (و سامسك الامر) اي اخذه علي علامه (ما استمسك) بنفسه، اي لا اشتت المسلمين، ما دام هم متماسكون، لا فرقه بينهم. (و اذا لم اجد بدا) اي علاجا، للطامعين كطلحه و الزبير (فاخر الدواء الكي) اي اقاتلهم، ان بقوا يفسدون و يحرضون و يفرقون. و هذا مثال يضرب للمريض الذي لا يبرء، فان آخر العلاج الكي بالنار- مما هو معروف-.

خطبه 168

[صفحه 32]

(ان الله بعث رسولا هاديا بكتاب ناطق) اي مع كتاب ينطق بما هو الحق (و امر قائم) اي منهاج لجوانب الحياه، قائم في الناس، لصلاح، و كونه قائما، اما بالمجاز المشارفي، و اما المراد قائم في زمان تكلمه عليه السلام و الا فالمنهاج لم يكن قائما حين البعث (لا يهلك عنه) اي بعد الرسول و الكتاب (الا هالك) اي من في طبعه اعوجاج و تسميته هالكا مجاز بالمشارفه، نحو من قتل قتيلا (و ان المبتدعات) اي الاشياء الجديد ه التي نهي عنها الاسلام ثم عمل به الناس (المشبهات) بالدين، و ليست منه (هن المهلكات) اي الموجبات للهلكه (الا ما حفظ الله منها) استثناء منقطع، الا ما حفظ الله الانسان منها، فلا تكون سببا لهلاك الانسان المحفوظ (و ان في سلطان الله) اي في منهاجه، او في السلطه التي جعلها للائمه و نوابهم (عصمه لامركم) فانها تحفظكم من الزله و الانحراف. (فاعطوه) اي الله سبحانه (طاعتكم) اي اطيعوه (غير ملومه) اي طاعه لا تلام، بسبب كونها مشوبه بالنفاق، و ما اشبه (و لا مستكره بها) بان تكون الطاعه عن خوف و رجاء، لا عن كره و اجبار من الناس و ملاحظه لهم (و الله لتفعلن) الذي قلت من الطاعه الخالصه

النابغه من الايمان (او لينقلن الله عنكم سلطان ا

لاسلام) الي الاجانب، كما نري الان، ان لا سلطه للمسلمين، و انما السلطه للكفار (ثم لا ينقله) اي السلطان- و هو جائز الامرين في التذكير و التانيث- (اليكم ابدا) فلا ترجع السلطه اليكم (حتي يارز الامر) اي يرجع الامر (الي غيركم) (حتي) غايه لقوله: (لينقلن) و (ثم) تاكيد لذلك، و لذا جي ء مقدما علي (حتي) و لا يخفي ان المراد عدم الرجوع مادام هم تاركين للاسلام.

[صفحه 33]

(ان هولاء) يريد عليه السلام: اصحاب الجمل (قد تمالووا) اي اتفقوا و تعاونوا (علي سخطه امارتي) اي كراهتها، و عدم الرضا بها (و ساصبر ما لم اخف علي جماعتكم) اي جماعه المسلمين ان يتفرق بسبب فسادهم و افسادهم. (فانهم ان تمموا علي فياله هذ الراي) اي علي ضعفه، و المراد بهذا الراي، رايهم حول الامام عليه السلام (انقطع نظام المسلمين) مما يوجب التفرقه، و هي منهيه، بالاضافه الي ان ذلك دفع لحق ذي الحق، الذي هو الخلافه الالهيه المقرره للامام عليه السلام (و انما طلبوا) هولاء طلحه و الزبير و عائشه و اتباعهم (هذه الدنيا حسدا لمن افائها الله) اي ارجعها الله (عليه) و هو الامام عليه السلام، فان الدنيا كانت له- حسب الخلافه الرعيه، و سلبها عنه الثلاثه، ثم رجعت اليه (فارادوا رد الامور علي ادبارها) اي ارجاع امر الاسلام جاهليه تتحكم فيه الكبرياء و الحسد و طمع السلطه مما كانت قبل الاسلام، و نهي عنها القرآن و الدين. (و لكم) ايها المسلمون (علينا) يقصد عليه السلام الخليفه (العمل بكتاب الله تعالي و سيره رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم) اي سنته التي هي فعله و قوله و تقريره (و القيام بحقه)

اي حق الرسول صلي الله عليه و آله و سل

م و هو الجد لترويج الاسلام، و تركيز دعائمه (و النعش) اي الرفع، من نعشه اذ ارفع (لسنته) اي سنه الرسول صلي الله عليه وآله و سلم، و قد فعل الامام كما قال، فانه في زمن الرسول اكان السبب الثاني لرفع رايه الاسلام بجهاده و فتوحاته، التي لو ها لم يكن من الاسلام اثر و في زمن الخلفاء كان الرقيب الناظر علي تحريفاتهم، و لما انتهي الامر اليه حارب المنحرفين داخل الاسلام و اوضح منهاج الاسلام حتي انه لو لم يكن، لكان الاسلام اليوم وجه غير وجهه الواقعي الذي اراده الله و الرسول صلي الله عليه و آله و سلم.

خطبه 169

[صفحه 36]

(ارايت) اي اخبرني (لو ان الذين ورائك بعثوك رائدا) الرائد هو الذي يتقدم القافله ليرتاد لهم المكان ذا الشعب و الماء و القابل للسكني (تبتغي لهم مساقط الغيث) جمع مسقط، اي محل سقوط الامطار و هو كنايه عن المحل الموجود فيه الماء (فرجعت اليهم و اخبرتهم عن الكلاء) اي العشب (و الماء) و انها في المكان الكذائي (فخالفوا) اولئك القوم معك و لم يذهبوا الي المحل الذي رايت بل ذهبوا (الي المعاطش) المحلات الخاليه عن الماء الموجبه للعطش، جمع معطش، و هو محل العطش (و المجادب) جمع مجدب، هو محل الجدب، مقابل الخصب، الذي لا كلاء فيه (ما كنت صانعا)؟ هل توافقهم حتي تهلك او تتركهم؟ (قال) كليب (كنت تاركهم و مخالفهم) فاذهب (الي الكلاء و الماء) فان الانسان العاقل يطلب حياه نفسه، و يخالف من يطلب الهلاك (فقال عليه السلام: فامدد اذا يدك) لتبايعني لانك عرفت ان الحق معي، و حال قومك لا يخلوا اما من

قبول امري فنعم الوفاق، و اما من رفضي، فانت قلت انما تتبع موضع الماء لا موضع الهلاك، و في مخالفتي هلكه، بعد ما تبين الحق لك. (فقال الرجل فو الله ما استطعت ان امتنع) عن بيعته عليه السلام (عند قيام الحجه علي) بانه علي الحق، و اعدائه علي الباط

ل (فبايعته عليه السلام). (و الرجل يعرف بكليب الجرمي).

خطبه 170

[صفحه 37]

(لما عزم علي لقاء القوم بصفين) و هو دعاء، و دعوه لاصحابه علي القتال. (اللهم رب السقف المرفوع) المراد به السماء (و الجو المكفوف) الذي كف عن الارض فلا يسقط عليها، و المراد عدم سقوط اجرام الجو (الذي جعلته مغيضا لليل و النهار) الجو منبع الضياء و الظلام و المغيض، مشتق من غاض الماء اذا ذهب في الارض و اختفي، فكان النور و الظلمه، يتسربان في الجو، في كل ليل و نهار (و مجري للشمس و القمر) فان الفضاء محل لجريان الشمس و القمر و سيرهما (و مختلفا) اي محل اختلاف، و الاختلاف بمعني التردد ذهابا و ايابا (للنجوم السياره) التي تسير في الفلك، كزحل و المشتري و عطارد (و جعلت سكانه) اي سكان الجو (سبطا) اي جماعه، فان السبط بمعني الامه (من ملائكتك لا يسامرن من عبادتك) سام بمعني مل، فان الملائكه لا تمل من العباده. (و رب هذه الارض التي جعلتها قرارا للانام) اي مقرا لهم، فانه لو لا الجاذبيه لم تستقر الاشياء علي الارض (و مدرجا) اي محل درج و حركه (للهوام) جمع هامه و هي الحيوانات الصغيره كالفاره و الحيه و ما اشبه (و الانعام) جمع نعم، و هي الابل و البقر و الغنم (و) ل (ما لا يحصي) اي لا يتمكن الانسان من احصائه

(مما يري و مما لا يري

) من الاشياء الموجوده في الارض، او هو عطف علي (هذه) اي (رب ما لا يحصي). (و رب الجبال الرواسي) جمع راسيه، و هي الثابته علي الارض (التي جعلتها للارض اوتادا) اي كالوتد الذي يحفظ الالواح بعضها ببعض، فان الجبال تحفظ الارض عن الاضطراب و التفكك (و للخلق اعتمادا) فان الانسان يعتمد بالجبل لدي الخوف من العدو او السيل او ما اشبه (ان اظهرتنا علي عدونا اي جعلت النصر لنا (فجنبنا البغي) اي الظلم، فان العسكر الظافر غالبا يظلم المغلوبين (و سددنا للحق) اي لان نعمل به (و ان اظهرتهم علينا) بان غلبنا، و كان النصر لهم (فارزقنا الشهاده) اي الموت في سبيلك (و اعصمنا) اي احفظنا (من الفتنه) بمعني الانحراف عن سنن الاسلام، فان الامه المغلوبه غالبا تتبع الامه الغالبه في آدابها و ملوكها، بل و دينها. ثم توجه الامام عليه السلام، الي اصحابه يحرضهم علي القتال بقوله: (اين المانع للذمار) الذمار ما يلزم علي الانسان حفظه من اهل و عشيره و ما اشبه، و هذا استفهام بمعني التحريض، فانهم ان انهزموا صارت عشيرتهم و اهلهم مطمعا للاعداء (و الغائر) من غار علي زوجته او اهله ان يمسهم احد بسوء (عند نزول الحقائق) اي النوازل الثابته، فانها حقيقه لا مجاز، و تطلق ع

لي الحرب كما قال علي الاكبر عليه السلام: (الحرب قد بانت لها حقائق). (من اهل الحفاظ) بيان للمانع و الغائر، اي الذين لهم حفظ لاهلهم و كرامتهم (العار ورائكم) ان تقاعستم حتي هزمتم، فان عار الهزيمه يبقي علي الانسان الي الابد (و الجنه امامكم) فان قتلتم كان مصيركم الجنه، فلا تشتروا العار، و لا تبيعوا الجنه، بالضعف و الانهزام.

خطبه 171

[صفحه

40]

(الحمد لله الذي لا تواري عنه سماء سماء) اي الا تسبب الاجرام السماويه عدم مشاهدته سبحانه لاجرام اخر، فانه لا يحجب حاجب شيئا، كما يحجب عندنا (و لا ارض ارضا) فالارض الوسط لا تحجب الارض البعيده، فان رويته سبحانه عامه لكل شي ء.

[صفحه 40]

في قصه الشوري (و قال قائل: انك علي هذا الامر يابن ابي طالب لحريص) اي امر الخلافه، و قد كان القائل سعد بن ابي وقاص، و لقد كان هذا الكلام منه، لرغبته عنه عليه السلام، و الا فعثمان كان اكثر حرصا، اذ قبل الشرط، و الامام لم يقبل الشرط (فقلت بل انتم و الله لاحرص) مني (و ابعد) عن هذا الامر (و انا اخص) بهذا الامر لانه لي بنص الرسول صلي الله عليه و آله و سلم (و اقرب) الي الرسول منكم، او اقرب الي هذا الامر (و انما طلبت حقا لي) فان الخلافه كانت حق الامام بنص الله و الرسول صلي الله عليه و آله و سلم (و انتم تحولون بيني و بينه، و تضربون وجهي دونه) كنايه عن منعهم له عليه السلام من الوصول الي حقه، بالالاعيب التي لعبوها عند الشوري، كما هو مشهور في التواريخ. (فلما قرعته) اي قرعت القائل، و اصل القرع الضرب بالعصي للتاديب (بالحجه في الملاء) اي الجماعه (الحاضرين هب) اي انتبه او بهت (لا يدري ما يجيبني به) لانه افحم. ثم توجه الامام الي الله سبحانه، شاكيا له حاله، و هضم هولاء له، حسدا و بغيا، فقال: (اللهم اني استعينك) اي اطلب عونك و نصرتك (علي قريش و من اعانهم) في غصب حقي (فانهم قطعوا رحمي) فان من مصاديق قطع الرحم الحيلو

له بين الانسان و بين حقه الشرعي (و صغروا

عظيم منزلتي) فان منزله الخلافه الموهوبه للامام من الله، لم يابهوا بها، بل جعلوا الامام كاحدهم (و اجعلوا علي منازعتي امرا) اي المنازعه معي في امر (هو لي) و المراد بذلك الامر الخلافه (ثم قالوا الا ان في الحق ان تاخذه) اي هذا الامر، فانهم كانوا معترفين بفضل الامام (و في الحق ان تتركه) قالوا هذا بعد ان اتفقوا علي عثمان، و قالوا ذلك قبل الاتفاق علي عثمان، فقد ارادوا بيعه الامام بشرط ان يقبل العمل بسيره الشيخين، لكن الامام لما ابي ردوه علي عثمان، و قالوا مقالتهم الثانيه، و في بعض النسخ (ناخذه) بالنون، فالجملتان في مفاد واحد، اي ان الحق اخذنا للخلافه، و تركك لها، و علي اي فكلامهم اعظم من عملهم اجراما.

[صفحه 42]

(منها في ذكر اصحاب الجمل) طلحه و الزبير و ابناهما محمد و عبدالله. (فخرجوا) من المدينه (يجرون حرمه رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم) اي عائشه (كما تجرا الامه عند شرائها) فان الامه تجر بلا احترام، و هكذا فعلوا بعائشه (متوجهين بها الي البصره) و قد ارادوا بذلك قطع سلطه الامام من العراق فاذا انضم الي ذلك قطع سلطته من الشام، سهل امره، و تمكن العاصيان من الوثوب علي الحكم، و تنحيه الامام الي جانب الانزواء (فحبسا) اي طلحه و الزبير (نسائهما في بيوتهما) احتراما منهما لنسائهما (و ابرزا) اي اظهرا في الملاء (حبيس رسول الله صلي الله عليه و آله) و سلم اي عائشه التي كانت محبوسه، لا يجوز لاحد ان يقتربها احتراما للرسول، كما قال سبحانه: (و لا تنكحوا نسائه من بعده) و هذا التعبير للدلاله علي كثره احترامها قبل الحركه، و مع ذلك انهما

لم يحترما الرسول في امرها (لهما و لغيرهما) متعلق بابرزا. (في جيش ما منهم رجل ما منهم رجل الا و قد اعطاني الطاعه) فهم قد خانوا البيعه (و سمح لي بالبيعه) السماح هو الاعطاء عن نيه صادقه (طائعا غير مكره) فلم يكن اكراه، حتي يعتذروا بان البيعه لم تكن شرعيه (فقدموا) اي الجيش (علي عاملي بها) اي

بالبصره و هو عثمان بن حنيف (و خزان بيت المال المسلمين) اي الحفظه لبيت المال، فان بيت المال كان في محل و كان في حواله حفظه يحفظونه عن الصراق و من اليهم (و غيرهم من اهلها) اي اهل البصره (فقتلوا طائفه) منهم (صبرا) هو القتل في غير ميدان القتال، بان يحبس الشخص ثم يجرح في دفعات حتي يقتل، و قد يطلق علي مطلق من يجرح دفعات لانه ليس قتلا دفعيا (و طائفه غدرا) بان اعطوهم الامان ثم قتلوهم. (فو الله لو لم يصيبوا من المسلمين الا رجلا واحدا متعمدين لقتله) اي قاصدين قتله، بان لم يكن خطائا او شبه خطاء (بلا جرم جره) مما يستحق به القتل (لحل لي قتل ذلك الجيش كله اذ حضروه فلم ينكروا) فانهم داخلون في عموم قوله: (انما جزاء الذين يحاربون الله و رسوله و يسعون في الارض فسادا ان يقتلوا) و قد قال الرسول صلي الله عليه و آله و سلم للامام عليه السلام: (حربك حربي) في حديث مشهور عند الفريقين. و من المعلوم ان الراضي بفعل احد شريك له، فالجيش بقتلهم واحدا في مقابل الامام عليه السلام كانوا محاربين للامام (و لم يدفعوا عنه بلسان و لا يد) مما يخرجهم عن المحاربين للامام، فان المدافع ليس محاربا (دع ما انهم) (ما) زائده لتزيين الكلام

(قد قتلوا من المسل

مين مثل العده التي دخلوا بها) اي بتلك العده (عليهم) اي ان قتلهم مسلما واحدا يبيح لي قتل جميعهم، قكيف اذا قتلوا كثيرا بقدر الجيش الذي جائوا لقتلهم؟ فان ذلك مما يجعل قتل جميعهم اهون في نظر الشريعه.

خطبه 172

[صفحه 45]

و فيها ذكر المستحق للاخلافه، و بيان هوان الدنيا ابتدء عليه السلام بذكر الرسول صلي الله عليه و آله و سلم بقوله: (امين وحيه) فلا يزيد و لا ينقص مما يوحي اليه (و خاتم رسله) فلا رسول بعده (و بشير رحمته) اي انه صلي الله عليه و آله و سلم يبشر برحمه الله لعن آمن و اطاع (و نذير نقمته) اي انه صلي الله عليه وآله و سلم ينذر بالنقمه و العذاب لمن كفر او عصي.

[صفحه 45]

(ايها الناس ان احق الناس بهذا الامر) اي الخلافه (اقواهم عليه) اي اقوي الناس في اداره الشئون الاسلاميه (و اعلمهم بامر الله فيه) اي ان يكون اعلم الناس باوامر الله و نواهيه في باب هذا الامر الذي هو اداره شئون المسلمين (فان شغب شاغب) بعد ذلك، بان كان الوالي متصفا بما يلزم فيه، ثم يهج الفساد احد (استعتب) اي طلب منه الرضا بالحق (فان ابي) من الرضوخ و الخضوع (قوتل) حتي يفي ء الي امر الله سبحانه، ثم بين الامام عليه السلام خطل ما كان معاويه يعتذر به من ان الامام عليه السلام لم ينصبه جميع المسلمين و انما نصبه اهل المدينه و من اليهم فقط، فليست خلافته بالاجماع، بقوله: (و لعمري) اي اقسم بنفسي (لئن كانت الامامه لا تنعقد حتي يحضرها عامه الناس) اي جميع المسلمين (فما الي ذلك سبيل) اذ كيف يمكن حضور عامه المسلمين، و الادلاء برايهم

(و لكن) علي مبني كون الامامه بالاجماع- علي فرض التسليم، لا بالنص، كما هو الواقع- (اهلها) اي اهل الامام، و هم الذين بيدهم الحل و العقد، من المسلمين المحتفين بالخليفه (يحكمون علي من غاب عنها) بمعني انهم اذا حكموا ثبت حكمهم علي الغائبين (ثم) بعد الحكم (ليس للشاهد) الحاضر (ان يرجع) عما اختاره

(و لا للغائب ان يختار) غير من اختارته اهل الحل و العقد. (الا) فلينتبه السامع (و اني اقاتل رجلين) اي احد طائفتين (رجلا ادعي ما ليس له) كمعاويه الذي يدعي الخلافه (و آخر منه الذي عليه) كطلحه و الزبير الذين منعا الذين منعا الطاعه التي هي عليهما، بعد مبايعتهما للامام.

[صفحه 46]

(اوصيكم بتقوي الله) اي الخوف منه في جميع الامور (فانها خير ما تواصي العباد به) اي اوصي بعضهم بعضا، اذ هو سبب سعاده الدنيا و الاخره (و خير عواقب الامور عند الله) اي ان اواخر االامور، خيرها التقوي، لكن ذلك عند الله سبحانه، اذ خير اواخر الامور عند الناس المنصب الرفيع و المال الكثير و ما اشبه. (و قد فتح باب الحرب بينكم و بين اهل القبله) اي المسلمين الذين يصلون الي القبله، و هم اصحاب الجمل و صفين و النهروان (و لا يحمل هذا العلم) اي علم الحرب مع هولاء المنحرفين (الا اهل البصر) بالدين حتي لا يغره كونهم اهل قبله في ترك قتالهم (و الصبر) بان يصبر (بالاضافه علي الصبر علي الحراب) علي كلام الناس و لومهم. (و العلم بمواضع الحق) حتي يعلم انه يجب جهاد المخالف للحق، و ان كان في الظاهر لابسا ثوب الحق (فامضوا لما تومرون به) من جهاد هولاء (وقفوا عند ما تنهون عنه) من الكف عن

الحرب و ما اشبه، حينما تقتضي المصلحه ذلك و ينهاكم الامام (و لا تعجلوا في امر) من الاقدام او الاحجام (حتي تتبينوا) اي تحصلوا العلم بصواب ذلك الامر (فان لنا مع كل امر تنكرونه) و ترون لزوم حربه (غيرا) اي تغيرا، فلربما اقتصت المصلحه عدم قتاله او عدم ق

تله، كما لم يقتل الامام مروان و من اليه ممن اثاروا الفتن و استحقوا القتل لمصالح كا ن هو عليه السلام اعلم بها. و قوله: (فان) لبيان عله لزوم اطاعتهم للامام في كل صغير او كبير. ثم عطف الامام سوق الكلام، لبيان حقاره الدنيا، و لزوم الزهد فيها

[صفحه 48]

(الا و ان هذه الدنيا التي اصبحتم تتمنونها و ترغبون فيها) بان تبقون و تتمتعون بزخارفها و لذائذها (و اصبحت تغضبكم) مره لعدم حصول حاجاتكم و رغباتكم (و ترضيكم) مره باعطائكم ما تحتاجون (ليست بداركم) التي تبقون فيها (و لا منزلكم الذي خلقتم له و لا الذي دعيتم اليه) دعوه بقاء و اقامه (الا و انها ليست بباقيه لكم) الي الابد (و لا تبقون عليها) فان كلا الطرفين يفترق عن الاخر، و كانه لو حظ سير كل واحد في اتجاه معاكس لاتجاه الاخر كالسائرين الذين ياخذ احدهما اليمين و الاخر الشمال، لا مثل الذي يسير عن داره الذي يخص السير به، دون الدار، و ذلك لان الانسان يفني و الدنيا تفني، و قد اخذ الشاعر هذا المعني من الامام عليه السلام بقوله: فلا الدنيا بباقيه لحي و لا حي علي الدنيا بباق (و هي) اي الدنيا (و ان غرتكم منها) اي من نفسها، باظهارها الزينه و تحبيبها نفسها اليكم (فقد حذرتكم شرها) بارائتكم مصارع الناس و مختلف صنوف البلاء فيها (فدعوا

غرورها لتحذيرها) اي الا تغترروا بزخارفها، لما تشاهدون من اهوالها و مصائبها (و) دعوا (اطماعها) اي الاطماع فيها (لتخويفها) اي تخويف الدنيا لكم عن البلايا (و سابقوا فيها) بالاعمال الصالحه

(الي الدار التي دعيتم اليها) و هي الاخره (و انصرفوا بقلوبكم عنها) اي اخرجوا قلوبكم عن الدنيا، حتي لا تحبوها و لا تتعلقوا بها (و لا يخنن) الخنين ضرب من البكاء يردد به الصوت في الانف (احدكم) لفقد الدنيا (خنين الامه) ذكر الامه لان خنينها اكثر و اشد توجعا. حيث اجتمعت فيها انواع المذله (علي ما زوي) اي بعد (عنه) الضمير عائد الي احدكم (منها) اي من الدنيا. (و استتموا نعمه الله عليكم) اي اطلبوا تمام النعم، بان يتفضل سبحانه بانعم زائده (بالصبر علي طاعه الله) فان من صبر اعطاه سبحانه كل خير و وفقه لكل سعاده (و المحافظه علي ما استحفظكم) اي طلب منكم حفظه (من كتابه) فانه امر بحفظ احكام الكتاب و اقامه حدوده. (الا و انه لا يضركم تضييع شي ء من دنياكم) بان لم تبالوا بما ضاع منها من مال او جاه او ما اشبه (بعد حفظكم قائمه دينكم) اي الاحكام القائمه التي يجب العمل بها، فان الضرر البالغ هو ضرر الاخره، لا ضرر الدنيا، اذ انها الي نفاذ، فمهما كان الانسان واجدا فيها، ياتي يوم ينفك عن ما يوجد لديه. (الا و انه لا ينفعكم- بعد تضييع دينكم- شي ء حافظتم عليه من امر دنياكم) فما فائده ما يزول؟. (اخذ الله بقلوبنا و قلوبكم الي الحق) دعاء في صوره

خبر، اي اللهم وجه قلوبنا جميعا الي الحق، لكي نطبق اعمالنا عليه (و الهمنا و اياكم الصبر) بان يقوي فينا عزيمه الصبر لكي نصبر علي

ترك الدنيا، و علي صعوبه العمل للاخره لنكون من الفائزين.

خطبه 173

[صفحه 50]

(في معني طلحه بن عبيدالله) اي مقصده من اثاره حرب الجمل، و قد قاله عليه السلام حين بلغه ان طلحه و الزبير خرجا الي البصره، و هدد الامام بالقتال. (قد كنت و ما اهدد بالحرب) لما يعلمه الناس من شجاعتي و قوتي (و لا ارهب بالضرب) اذ علم الناس عدم خوفي من الضرب (و انا علي ما قد وعدني ربي من النصر) فكما وعدني سابقا، كذلك وعدني حالا، يعني ان الشجاعه الجسميه و النفسيه، و النصره المعنويه كلتاهما معي، و مثلي لا يخاف من القتال حتي يهدد به. (و الله ما استعجل) طلحه (متجردا للطلب بدم عثمان) كانه سيف تجرد عن غمده، و ذلك لانه اظهر ما في قلبه، كما يظهر الغمد ما في جوفه من السيف. (الا خوفا من ان يطالب بدمه) اي يطلبه الناس بدم عثمان، و انه لم قتله؟ (لانه) اي طلحه (مظنته) اي محل ظن بان يطالب (و لم يكن في القوم) الذين قتلوا عثمان (احرص عليه) اي علي دم عثمان و اراقته (منه) اي من طلحه فانه جمع الناس في داره يحرضهم علي قتل عثمان، ثم لما قتل منع من دفنه ثلاثه ايام، ثم امر برمي الحاملين لجنازته بالحجاره، حتي هموا بطرح الجنازه، فرارا من اصابتهم بالحجاره، و جادل في دفنه بمقابر المسلمين، بل كان يقول انه يلزم ان يدفن بمقابر اليهود

، و اخيرا دفنوا بحش كوكب، و كان محلا للقاذورات و محلا للتخلي، و بعد ذلك كله، لما راي عدم اصابته بغيته من الخلافه و الاماره جاء يطالب الامام بدم عثمان، و اخيرا خسر دنياه، و له في الاخره

عذاب النار. (فاراد ان يغالط) اي يوقع الناس في الغلط، حتي يظنوا انه بري ء من دم عثمان (بما اجلب فيه) اي بسبب جلبه للجيوش و العساكر لمحاربه الامام (فيه) اي في الامر (ليلبس الامر) علي الناس، فيشكوا في انه من القتله (و يقع الشك) في جرمه. (و والله ما صنع) طلحه (في امر عثمان واحده من ثلاث) كان من اللازم ان يصنع واحده منها، اي لم يصنع احد الاشياء الثلاثه، و ذلك لانه اما كان عالما بان عثمان ظالم، و اما كان عالما بان عثمان مظلوم، و اما كان شاكا في امر عثمان، فان كان الاول، كان اللازم ان يحاربه، و المكان الثاني كان اللازم ان ينصره، و ان كان الثالث كان اللازم ان يتجنب المعركه الدائره بين عثمان و بين الثوار، و لكنه لم يفعل اي واحد من الثلاثه، مما يدل علي انه كان كاذبا في اقواله مراوغا لا يبتغي من وراء حركاته الا الرئاسه و طلب الجاه. (لئن كان ابن عفان ظالما- كما كان يزعم-) ابان الثوره (لقد كان ينبغي له ان يوازر) اي يساعد (قاتليه) اي الثوار

(او ينابذ ناصريه) اي يعادي و يعارض من ينصر عثمان. (و لئن كان مظلوما) كما يدعي الان و يطالب بدم عثمان (لقد كان ينبغي له ان يكون من المنهنهين) اي الناهين (عنه) يقال نهنه عن الامر اي زجر و منع (و المعذرين فيه) اي الذين يعذرون عثمان و يبررون اعالم ليخمد و الثوره عله. (و لئن كان في شك من الخصلتين) فلا علم اظالم هو او مظلوم؟ (لقد كان ينبغي له ان يعتزله و يركد جانبا) اي يسكن في جانب، لا له، و لا عليه، (و يدع

الناس معه) لا ان يحرضهم عليه (فما فعل) طلحه، اي لم يفعل (واحده من) الخصال (الثلاث) بل حرض علي قتله و لم يشارك، ثم جاء يطلب بدمه (و جاء بامر لم يعرف بابه) و هو التحريض، و الاجتناب عن المداخله مباشره، او المراد، نكثه للبيعه (و لم تسلم معاذيره) اي كانت اعذاره واهيه، غير سالمه عن الخطل و الخلل.

خطبه 174

[صفحه 54]

(ايها الغافلون غير المغفول عنهم) فان الله سبحانه يعلم جميع حركات الانسان و سكناته، (و التاركون) الذي يجب عليهم (الماخوذ منهم) الدنيا و ما فيها، فلا يبقي لهم- بعد الاخذ- مجال للعمل و تدارك مافات (ما لي اراكم عن الله ذاهبين) اي مخالفين لاوامره (و الي غيره راغبين) فان رغبه الناس الي الدنيا و ملذاتها (كانكم عم) هي الابل و البقر و الغنم، و الجمع (انعام) (اراح بها) اي ذهب بها (سائم) اي راع (الي مرعي) اي محل الرعي، الذي نبت فيه المعشب (و بي) الردي الذي يجلب الوباء و المرض (و مشرب) اي محمل شرب فيه الماء (دوي) اي وبيل مفسد للصحه، و وجه الشبه ان الشيطان سبب اقتراف الناس للاثام مما يجلب الاخطار و العقاب و (انما هي) اي تلك انعم (كالمعلوفه) اي البهيمه التي تاكل العلف (للمدي) جمع مديه، و هي: السكين، اي ان مصيركم الي الموت كما ان مصير الحيوان الي الذبح (لا تعرف) تلك البهيمه (ماذا يراد بها) اي الذبح، و كذلك انتم لا تعرفون مصيركم و عاقبه امركم. (اذا احسن اليها) بتهيئه العلف و الماء و وسائل راحتها (تحسب يومها دهرها) بلا تفكر في العواقب، فانها متي شبعت ظنت ان لا شي ء بعد ذلك، و كذلك الناس الغافلون يهمهم

امر يومهم،

اما المستقبل فلا يفكر فيه (و) تحسب (شبعها امرها) اي ان الامر المهم فقط، هو ان تشبع. (و الله لو شئت ان اخبر كل رجل منكم بمخرجه و مولجه) اي من اين يخرج، و في اي مكان يدخل (و جميع شانه) في اموره (لفعلت) فانكم كتلك البهائم، و هذا الكلام منه عليه السلام لبيان انه انما يشبههم بالانعام بعد عرفانه حقائقهم، لا انه رمي للقول علي عواهنه (و لكن اخاف) ان لو اخبرتكم بالمغيبات (ان تكفروا في برسول الله صلي الله عليه و آله) و سلم فتجعلوني افضل منه، كما كفر النصاري، في عيسي، بالله سبحانه، حيث جعلوه الها، لما اخبرهم بما ياكلون و ما يدخرون في بيوتهم. (الا و اني مفضيه) اي موصل الاخبار المغيبه (الي الخاصه) و هم خاصه الرجل الذين لهم من العلم و المعرفه قدر كاف (ممن يومن ذلك) الانحراف (منه) فلا يفضل الامام علي الرسول صلي الله عليه و آله و سلم اذا سمع منه اخبارا مغيبه (و الذي بعثه) اي الرسول صلي الله عليه و آله و سلم (بالحق و اصطفاه علي اخلق) بان فضله عليهم (ما انطق الا صادقا) في كل ما اخبر من الامور المستقبله (و قد عهد) الرسول صلي الله عليه وآله و سلم (الي بذلك) الذي اخبركم (كله) فالفضل في ذلك للرسول صلي اله عليه و آله و سلم، و لا ي

ظن ظان اني افضل منه (و بمهلك من يهلك) في الفتن و الاضطرابات و المراد اما الهلاك بمعني الموت او بمعني الضلال (و منجي من ينجو) (منجي) مصدر ميمي اي نجاته (و مال هذا الامر) اي الي من يكون امر الخلافه. (و ما ابقي)

الرسول صلي الله عليه و آله و سلم (شيئا يمر علي راسي) اي يجول في خاطري من الاسئله و المجهولات (الا افرغه في اذني) اي قال جوابه و حله لي (و افضي به) اي بذلك الشي ء، و الافضاء الايصال (الي) اما علي نحو الكليه او علي نحو الجزئيه. (ايها الناس اني و الله ما احثكم علي طاعه الا و اسبقكم اليها) لا كسائر الزعماء الذين يقولون ما لا يعلون و يامرون بما يخالفونه في خاصه انفسهم (و لا انهاكم عن معصيه الا و اتناهي قبلكم عنها) اي عن تلك المعصيه، و بيان هذا المطلب مما يزيد الناس تقربا الي الخير، و ابتعادا عن الشر، اذ الناس علي دين ملوكهم، و عاده امرائهم، و ليس الكلام تيجحا بل ارشادا.

خطبه 175

[صفحه 57]

و فيها الوعظ و الارشاد، و بيان فضل القرآن (انتفعوا ببيان الله) الذي بينه في القرآن الحكيم (و اتعظوا بمواعظ الله) في الاتيان بالاوامر و الانتهاء عن النواهي (و اقبلوا نصيحه الله) في ترك الدنيا، و الاقبال عي الاخره. (فان الله قد اعذر اليكم به) الاعذار (الجليه) الواضحه (و اتخذ عليكم الحجه) بما بين لكم علي لسان انبيائه، حتي ان من خالف لا عذر له (و بين لكم محابه) اي ما يحبه (من الاعمال) الصاحله (و مكارهه منها) اي من الاعمال (لتتبعوا هذه) اي المحاب (و تجتنبوا هذه) اي المكاره (فان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم (كان يقول: ان الجنه حفت بالمكاره) فان الطاعه ثقيله علي النفس، و مكروهه لديها، و هي طريق الجنه فكان الجنه محفوفه بها (و ان النار حفت بالشهوات) فان ترك الانسان للواجب مشتهي للنفس كما ان فعله

للمحرمات كذلك، و هي سبيل النار، فكانها حفت و احيطت بالشهوات. (و اعلموا انه ما من طاعه الله شي ء الا ياتي في كره) لانها مخالفه لهوي النفس، مثلا الانسان يريد عدم القيام للصلاه، و عدم الامساك للصيام، و عدم تجشم الالقاب للحج، و هكذا. (و ما من معصيه الله شي ء الا ياتي في شهوه) فالخمر و القمار و الزنا و ما اشبه

تشتهيها النفس البهيميه الاماره بالسوء، و لا يخفي ان الحصر اضافي الا حقيقي، و الا فالاجتماع بالليله طاعه توتي بشهوه، و اكل القاذورات معصيه يوتي باكراه. (فرحم الله رجلا نزع عن شهوته) اي انتهي و اقلع (و قمع هوي نفسه) اي قلع هواها و اشتهائها للمحرمات (فان هذه النفس ابعد شي ء منزعا) اي انتزاعا من المحرمات و المعاصي، اذ النفس مياله الي الشهوات دائما فنزعها عنها في كمال الصعوبه (و انها لا تزال تنزع) اي تميل (الي معصيه في هوي) النفس و ميولها، و (في) متعلق ب (تزال). (و اعلموا) يا (عباد الله ان المومن) الكامل (لا يصبح و لا يمسي الا و نفسه ظنون) اي ضعيف قيل الحيله (عنده) لا تتمكن نفسه من السيطره عليه بسوقه نحو الشهوات، بل هو يسيطر علي نفسه ليسوقها نحو الخيرات (فلا يزال) المومن (زاريا) اي عائبا (عليها) اي علي نفسه، ينظر اليها بنظر الازدراء و الاهانه (و مستزيدا لها) اي طالبا منها ان تزاد في الطاعه، لان المومن يري عمله قليلا مهما كان كثيرا (فكونوا) انتم (كالسابقين قبلكم) من اصحاب الرسول صلي الله عليه و آله و سلم الذين كانوا يعملون ليل نهار في طاعه الله سبحانه. (و الماضين امامكم) ممن باعوا لله سبحانه دنياهم ليحرزوا آخرتهم

(قوضوا)

اي اولئك السابقون، و التقويض نزع اعمده الخيمه و اطنابها للرحيل، و المراد منه هنا ارتحالهم عن الدنيا (من الدنيا تقويض الراحل) فلا يهتموا بالدنيا و لم يتخذوها مسكنا، كما لا يتخذ المسافر البيداء و المنازل في الوسط محلا و مسكنا (و اطووها طي المنازل) كما يطوي الراحل المنازل في الطريق ليصل الي مقصده. ثم شرع عليه السلام في بيان فضل القرآن بقوله: (و اعلموا ان هذا القرآن هو الناصح الذي لا يغش) فاذا قال: (لا تتخذوا اليهود و النصاري اولياء) مثلا: لم يكن ذلك غشا منه، بل كان في الاتخاذ ضررا ارشد اليه، و هكذا سائر احكامه و ارشاداته (و الهادي) الي سبيل الخير (الذي لا يضل) من اهتدي به (و المحدث الذي لا يكذب) فاذا اخبر عن الامم السابقه لم يكن كلامه كذبا (و ما جالس هذا القرآن احد الا قام عنه بزياده او نقصان) المردا بمجالسه القرآن تذكره و فهمه (زياده في هدي) ان قرء ما يدل علي الاتيان بالاعمال الصالحه (او نقصان في عمي) ان قرء ما يدل علي الترك للاعمال القبيحه- و (او) علي سبيل منع الخلو. (و اعلموا انه ليس علي احد بعد القرآن من فاقه) اي فقر و حاجه الي هاد غيره فانه يرشد الي الاصول و الفروع، و الاحكام و الاخلاق، و المراد بي

ان الخطوط العريضه لتلك الامور (و لا لاحد قبل القرآن) اي قبل تعلمه (من غني) فان الاديان السابقه التي حرفت و العقول، لا تبين الامور المذكوره بما يسبب سعاده الانسان كامله غير منقوصه (فاستشفوه) اي اطلبوا من القرآن الشفاء (من ادوائكم) اي امراضكم الاجتماعيه و الفرديه، الاخلاقيه و العاطفيه و ما اليها، فان انحرافات الفرد

او المجتمع، امراض، كما ان الاسقام امراض. (و استعينوا به) اي بالقرآن (علي لاوائكم) اي شدائدكم (فان فيه) اي في القرآن (شفاء من اكبر الداء) اي اكبر اقسام امراض النفس (و هو الكفر و النفاق و الغي) و هو الانحراف في العقيده و ان لم يصل الي رتبه الكفر و النفاق (و الضلال) و هو يشمل ما لا يشمله الغي، كالضلال في الاحكام، او تاكيد. (فاسالوا الله به) حوائجكم اي بسبب القرآن بان يجعل وسيله لانجاح مطالبكم لديه سبحانه (و توجهوا اليه) تعالي (بحبه) اي بحبكم للقرآن، فان الانسان اذا احب القرآن، اقبل الله عليه بلطفه و عطفه (و لا تسالوا به) اي بالقرآن (خلقه) كالذين يجعلون القرآن وسيله للكسب و المعيشه (انه ما توجه العباد الي الله بمثله) اي بمثل القرآن، هذا عله، لقوله: (فاسئلوا) لا لقوله: (و لا تسئلوا). (و اعلموا انه) اي ال

قرآن (شافع) للانسان (مشفع) يقبل الله شفاعته (و قائل) يحكي الاخبار، و يبين الاحكام (مصدق) يصدقه الناس في قوله، لانه لا يحكي الا الصدق و الحق. (و انه من شفع له القرآن يوم القيامه شفع فيه) فقد ورد في الاحاديث ان القرآن ياتي يوم القيامه في صوره جميله فيشفع للعالمين به. (و من محل به القرآن يوم القيامه) يقال محل زيد بفلان اذا كاده بنقل سيئاته عند السلطان (صدق عليه) و من المعلوم ان ذلك موج للعقاب و النكال (فانه ينادي مناد يوم القيامه: الا ان كل حارث) اي عامل عملا، تشبيها بالحارث الذي يحرث الزرع، و ياخذ الثمر (مبتلي في حرثه و عاقبه عمله) و المراد حرثه امور الدنيا و السيئات، كما لا يخفي. (غير حرثه القرآن) جمع حارث،

و المراد بهم العالمون به، فانهم رابحون غير مبتلين. (فكونوا) ايها الناس (من حرثته و اتباعه) باتباه اوامره و الانتهاء عن نواهيه (و استدلوه علي ربكم) اي اطلبوا منه ان يدلكم علي الله، و المراد التدبر و الامعان في آياته حتي يكون كاشفا عن صفاته سبحانه، و تستفيدوا منه المعارف (و استنصحوه) اي اطلبوا نصحه و ارشاده (علي انفسكم) لترشدوا به (و اتهموا عليه آرائكم) فاذا خالفت آرائكم مع القرآن، فاتهموا آرائكم بانها خطاء،

و ان الصحيح هو القرآن (و استغشوا فيه اهوائكم) اي قولوا ان في اهوائنا المخالفه للقرآن غش و خداع، فاتركوها و خذوا بالقرآن.

[صفحه 62]

ثم اخذ الامام في حث الناس علي العمل بقوله: اعملوا (العمل العمل) ادئبوا عليه ليلا و نهارا (ثم) لاحظوا (النهايه النهايه) فرب عامل لا يصل الي النهايه الحسنه، لانه يترك العمل في منتصف الطريق (و) راقبوا (الاستقامه الاستقامه) في الاعمال، فان الاعمال المنحرفه لا تنفع و لا تعطي. الثمن الحسن (ثم) و اظبوا (الصبر الصبر) فان العمل المستمر المستقيم يحتاج الي اكبر قدر من الصبر (و) لازموا- في اعمالكم- (الورع الورع) بان اجتنبوا المحرمات، فان العمل المستمر المستقيم، لا ينفع اذا لم يتورع الانسان عن المحرمات، قال سبحانه: (انما يتقبل الله من المتقين). (ان لكم نهايه فانتهوا الي نهايتكم) اي انتهوا نهايه حسنه، و الا فكل احد ينتهي الي نهايه (و ان لكم علما) يدلكم علي طريق الحق و هو الرسول، او الامام، او القرآن او المجموع. (فاهتدوا بعلمكم) لئلا تضلوا فتشقوا. (و ان للاسلام غايه فانتهوا الي غايته) غايه الاسلام ايصال العاملين به الي خير الدنيا، و سعاده الاخره، و المراد من الانتهاء الي غايته العمل المودي الي

تلك الغايه (و اخرجوا الي الله بما افترض عليكم من حقه) يقال خرج الي فلان من حقه! بمعني اداه، و حق الله هو الواجبات و الم

حرمات بان يعمل الانسان حسب احكامه (و بين لكم من وظائفه) الوظيفه، الخصله التي امر الانسان بها او نهي عنها (انا شاهد لكم) بما عملتم (و حجيج يوم القيامه عنكم) اي اقوم بالحجه عن قبلكم اذا احسنتم في الدنيا، كالمحامي الذي يدافع عن موكله.

[صفحه 63]

(الا و ان القدر السابق قد وقع) اي الذي قدره الله سبحانه من انتهاء الخلافه الي (و القضاء الماضي) في علم الله سبحانه (قد تورد) اي ورد شيئا فشيئا، و القدر بمعني التقدير للاشياء، كالمهندس الذي يقدر و يخطط للبناء و القضاء، بمعني الحكم علي اجراء شي ء، كالحاكم الذي يقضي في المور، و كالمهندس اذا حكم بلزوم البناء علي كيفيه تقديره و تخطيطه، و الله سبحانه قدر العالم، و حكم بجري الامور علي طبق ذلك التقدير، لكنه اراد ان يكون ذلك، باراده الناس- فيما للاراده فيه مدخل- فالمعني من القدر و القضاء، علمه سبحانه بما يكون و تهيئه الاسباب فقط، اما التنفيذ فانه يقع باراده الناس، كما انك لو علمت ان زيدا ينفق و هيئت له المال للانفاق، فان انفاقه بقدرك و قضائك و لكن الانفاق صدر منه، لا منك. (و اني متكلم بعده الله) اي بما وعده (و حجته) اي بما احتج، و المعني: انه لما وقع امر الخلافه بيدي- بقضائه و قدره- فاني ابين مواعيد الله سبحانه، و ابين حججه تعالي في الامور الاصوليه و الفرعيه، ثم بين الامام عليه السلام وعدا من وعوده سبحانه في القرآن الحكيم، و هو ان المستقيم له الجنه (قال

الله تعالي: ان الذين قالوا: ربنا الله ثم استقاموا) ف

ي اعمالهم، بان عملوا بمقتضي العبوديه، و متطلبات الربوبيه (تتنزل عليهم الملائكه) اي يستمر نزول الملائكه عليهم، اما في الدنيا، و انهم يرونهم- كالزهاد و الاخيار- او لا يرونهم، و انما يثبتونهم، بالقاء الثبات في قلوبهم كما قال سبحانه: (اذ يوحي ربك الي الملائكه ان ثبتوا الذين آمنوا) و هذا شي ء حسي فان ضمير الانسان المتدين يلقي اليه بالثبات و الستقامه، فمن اين هذا الالقائ؟ انه من الملائكه، كما ورد في الاحاديث.. و اما ان ذلك عند الموت، و حين مشاهده الاخره. و تقول الملائكه لهم: (الا تخافوا) من الاهوال، فان الله معكم (و لا تحزنوا) علي الشدائد، فانها توجب ارتفاع درجتكم (و ابشروا بالجنه التي كنتم توعدون) بها، و لا يخفي ان لفظه (كنتم) تويد الاحتمال الثاني و هو ان نزول الملائكه حاله الموت (و قد قلتم) ايها الناس (ربنا الله) بما آمنتم بالله و الرسول (فاستقيموا علي كتابه) و لا تخالفوا القران (و علي منهاج امره) الذي جاء به القرآن و الرسول صلي الله عليه و آله و سلم (و علي الطريقه الصالحه من عبادته) سبحانه. (ثم لا تمرقوا) اي لا تخرجوا (منها) اي من الاستقامه، او من العباده (و لا تبتدعوا فيها) بالزياده و النقصان (و لا تخالفوا عنه

ا) بالانحراف الي صوب آخر، و جاده اخري. (فان اهل المروق) اي الذين خرجوا عن الدين- بالاعمال السيئه- بعد ورودهم فيه (منقطع بهم، عند الله، يوم القيامه) اي انهم لا حجه لهم، فينقطع عذرهم، و لا يتمكنون ان ياتوا بما يسبب خلاصهم و نجاتهم كالذي ينقطع به الطريق، فلا ينجو بالوصول الي محل الامن و

السلامه. (ثم اياكم و تهزيع الاخلاق) تهزيع الشي ء تكسيره (و تصريفها) اي تقليبها، كان تكسروا الصدق، بان تقولوا الكذب، او تكسروا الشجاعه، بالاتصاف بالجبن، او تصرفوا وجه العدل بارتكاب الظلم، و هكذا (و اجعلوا اللسان واحدا) فلا يكن احدكم ذا لسانين يطري اخاه شاهدا و يغتابه غائبا. (و ليخزن الرجل لسانه) اي يحفظه (فان هذا اللسان جموح بصاحبه) يقال فرس جموح، اذا كان لا يهدء في السير، بل يضطرب، حتي يخشي علي راكبه من التردي و السقوط، و هكذا اللسان، فان الانسان اذا اطلقه، خشي من تردي صاحبه في مهالك الدنيا و الاخره، فانه ياتي من اللسان، الظلم، و الكذب، و السب، و الاستهزاء، و النميمه و الغش، و التهمه، و الغيبه، و مدح من لا يستحق المدح، و ذم من لا يستحق الذم، و المر اللغو، الي غيرها من آفات اللسان. (و الله ما اري عبدا يتقي تقوي تنفعه) تلك التقوي

(حتي يختزن لسانه) اي يحفظه من الموبقات و الاثام (و ان لسان المومن من وراء قلبه) فان قلبه يفكر، ثم يتكلم (و ان قلب المنافق من وراء لسانه) يتكلم بكلام اعتباطا، ثم يفكر فيما قال هل هو صحيح ام لا؟ اذ المنافق لا يحجزه الورع عن ارسلا الكلام كيفما كان. ثم بين الامام عليه السلام ذلك بقوله: (لان المومن اذا اراد ان يتكلم بكلام تدبره في نفسه) حتي لا يكون كلامه محرما يوجب عقابه، او هدرا ينقص ثوابه (فان كان خيرا ابداه) و اظهره، بان تكلم به (و ان كان شرا و اراه) اي اخفاه بمعني انه لا يظهره (و ان المنافق يتكلم بما اتي علي لسانه لا يدري ماذا له) اي يوجب خيره (و

ماذا عليه) اي يوجب سوق شر اليه، لانه لا يومن بالله، حتي يعتقد بان لكلامه ثوابا او عقابا (و قد قال رسول الله صلي الله عليه و آله) في باب لزوم حفظ اللسان (لا يستقيم ايمان عبد حتي يستقيم قلبه) اذ منبع الايمان القلب، و الاعضاء انما هي ادله عليه غالبا، فاذا كان الانسان منحرف القلب لم ينفعه التحفظ الظاهري لجوارحه و اعضائه. (و لا يستقيم قلبه حتي يستقيم لسانه) اما المراد ان استقامه اللسان دليل استقامه القلب، لانه ما نوي احد شيئا الا ظهر في فلتات لسانه، و اما المراد ان بحفظ ا

للسان يستقيم القلب، اذ اللسان ان كف عن الكذب و الغيبه و النميمه و السب و ما اشبه، تولد في الانسان ملكه حسنه توجب استقامه قلبه- كما هو محسوس لمن تدبر-. (فمن استطاع منكم ان يلقي الله تعالي و هو نقي الراحه) لقاء الله كنايه عن الموت، و نقاء الراحه كنايه عن عدم التلوث، و الراحه بمعني الكف (من دماء المسلمين) بعدم اراقتها (و اموالهم) بعدم النيل منها (سليم اللسان من اعراضهم) بان لم ينلهم بلسان سوء (فليفعل) و الشرط للتاكيد في الامر، و الالماع الي صعوبه ذلك، مما يحتاج الي عزم قوي، و اراده اكيده. ثم عطف الامام نحو لزوم اتقاء البدع، حيث قد خطب الامام بهذه الخطبه في اوائل خلافته، و قد اعتاد الناس بدع عثمان، و المتقدمين عليه، الذين زادوا في الدين و نقصوا حسب شهواتهم.

[صفحه 68]

(و اعلموا عباد الله ان المومن يستحل العام) اي في هذا العام (ما استحل عاما اول) اي في السنه السابقه (و يحرم العام ما حرم عاما اول) فلا يبدع، بل ما احله و

حرمه، بمقتضي ايمانه و ارشاد الدين له، في السابق يبقي عليه الي الاخر، فاذا احل المتعه حسب ما ارشده الدين يبقي علي حليته الي الاخر، و اذا حرم صلاه النافله في جماعه حسب امر الاسلام يبقي علي تحريمه الي الاخر، لا ان يحرم المتعه بعد حليتها، و يحل صلاه التراويح بعد تحريمها. (و ان ما احدث الناس) من الامور المخالفه للشرع، (لا يحل لكم شيئا مما حرم عليكم) في الشريعه، فان الدع لا تغير احكام الله تعالي. (و لكن الحلال ما احل الله) سبحانه (و الحرام ما حرم الله) تعالي سواء بقوا الناس علي ذلك ام انحرفوا. (فقد جربتم الامور) فرايتم الحق من الباطل (و ضرستموها) اصل ذلك ان يعض الانسان علي الشي ء ليعلم انه قوي او ركيك، و هذا كنايه عن التجربه، و قد المع الامام عليه السلام بذلك الي صنائع الخلفاء ضد الاسلام و دساتير الرسول صلي الله عليه و آله و سلم و القرآن، فلا ينساقوا الي حيث الهلكه باتباع البدع و ترك السنن (و وعظتم بمن كان قبلكم) من الذين اهلكوا حيث خالفوا اوامر الله (

و ضربت الامثال لكم) المثل هو الشي ء الموثر في النفس، الذي يتخذ منهاجا، ليحتذي علي مثاله (و دعيتم الي الامر الواضح)، و هو الكتاب و السنه، فانهما لا لبس فيهما و لا غموض. (فلا يصم عن ذلك الا اصم) فان الصوت لا نقص فيه، فاذا لم يسمعه احد- و ذلك كنايه عن عدم العمل- فانه اصم فيه النقص (و لا يعمي عن ذلك الا اعمي) فان الشي ء ظاهر يراه كل احد، فاذا لم يره احد كان لكونه اعمي لا يبصر الحق (و من لم ينفعه الله بالبلاء)

اي الابتلاء بمعني الاختبار (و التجارب) التي تمر به، فيري نتائج العمال للسابقين، من عمل منهم حسنا، و من عمل منهم سيئا (لم ينتفع بشي ء من العظه) مصدر وعظ، نحو عده مصدر (وعد) اذا الوعظ كلام، و التجارب امور خارجه، و تلك اقوي من الكلام في الالفات و الارشاد (و اتاه التقصير من امامه) كان التقصير عدو مجاهر، ياتي من امام الانسان لمحاربته، و ذلك بخلاف الانسان غير المجرب فانه اذا اتاه التقصير، فكانه اتاه العدو علي حين غفله و غره، اذ لم يعرف الامور و لم ير التجارب، حتي يكون مقصرا اذا وقع في الهلكه. (حتي يعرف ما انكر) اي جعله في السابق منكرا (و ينكر ما عرف) اي ما كان جعله في السابق معروفا، او المراد انه لا ينتفع بالوعظ

حتي يعرف ما انكره، بان يتبين لديه اشتباهه، و ان ما ظنه منكرا، يعرفه معروفا و بالعكس (و انما الناس رجلان:) احدهما (متبع شرعه) اي شرعيه الحق (و) الثاني (مبتدع بدعه) علي خلاف الشرع (ليس معه) اي مع المبتدع (من الله سبحانه برهان سنه) اي دليل علي ان ما يعلمه سنه سنها الله سبحانه (و لا ضياء حجه) فان للحجه ضيائا يوجب كشف الحقيقه، و تميزها عن الاباطيل و الاوهام (و ان الله سبحانه لم يعظ احدا بمثل هذا القرآن) اذ جمع فيه سبحانه جميع انواع المواعظ (فانه حبل الله المتين) اي المحكم فكما ان الحبل المحكم اذا شد به الانسان الذي يراد جره الي فوق لا يخشي عليه من السقوط بانقطاع الحبل، كذلك الانسان المريد للرقي اذا تمسك بالقرآن، لا يخاف السقوط و الخسران. (و سببه الامين) فكما ان السبب للشي ء اذ كان

امينا، لا يخشي من عدم الوصول الي المسبب كذلك من تمسك بالقرآن لا يخشي عدم الوصول الي مطلبه الذي هو خير الدنيا و الاخره (و فيه ربيع القلب) فكما ان الربيع سبب لخروج الازها، كذلك القرآن يسبب ازدهار كذلك القرآن يسبب ازدهار القلب و تحليه بانواع الفضيله و الكمال. (و ينابيع العلم) جمع ينبوع، فان علم الاصول و الفروع، و العبر و الاحكام و ما اشبه

ينبع من القرآن (و ما للقلب جلاء غيره) فان الجلاء الحقيقي الذي لا يكدره الالام انما هو في القران اذ يهدء قلب الانسان و يطمئن حتي انه اذا نزلت به اعظم الكوارث، كان واثقا من رحمه الله و حسن جزائه (مع انه قد ذهب المتذكرون) الذين كانوا يتذكرون بسبب القرآن، اي اقول هذا الكلام و انا متاسف من ذهابهم، فان (مع) يفيد ذلك، و المراد بالمتذكرين اصحاب الرسول صلي الله عليه و آله و سلم الاخيار، كابي ذر و سلمان و اضرابهما. (و بقي الناسون و المتناسون) المتناسي هو الذي لم ينس، لكنه يظهر نفسه كانه ناس (فاذا رايتم خيرا فاعينوا عليه) كما قال سبحانه: تعاونوا علي البر و التقوي (و اذا رايتم شرا فاذهبوا عنه) و لا تعينوه حتي بالاجتماع حوله، كما قال سبحانه: (و لا تعاونوا علي الاثم و العدوان) فان رسول الله صلي الله عليه و آله كان يقول: (يابن آدم اعمل الخير و دع الشر فاذا) فعلت ذلك ف (انت جواد قاصدا) الجواد هو الفرس، و القاصد هو الذي يتوسط في الجاده فلا ياخذ يمينا و شمالا، و هذا تشبيه للانسان بالفرس الذي لا ينحرف، فانه يصل الي مقصده بدون عطب و تعطيل، و كذلك الانسان العامل

بالخير، التارك للشر، و ليس في التشبيه بالفرس حزازه، فانه لشرافته، ك

ان موردا للتشبيه كثيرا:

[صفحه 71]

ثم اخذ الامام عليه السلام في بيان انواع الظلم، و التنفير منه، بقوله: (الا و ان الظلم ثلاثه) اقسام (فظلم لا يغفر) اي من طبيعه ان لا يغفره الله سبحانه (و ظلم لا يترك) في الدنيا بل يري الظالم جزاء ظلمه قبل الاخره (و ظلم مغفور لا يطلب) يعني انه هو الغالب في الغفران، لا انه مغفور البته، و الا نافي كونه ظلما كما لا يخفي، و الحاصل ان الظلم قد يكون له تبعه اخرويه، و قد يكون له تبعه دنيويه، و قد يكون الغالب فيه عدم التبعتين. (فاما الظلم الذي لا يغفر فالشرك بالله) كما قال لقمان: (ان الشرك لظلم عظيم قال الله تعالي: (ان الله لا يغفر ان يشرك به) و المراد بالشرك هنا اعم من الكفر. (و اما الظلم الذي يغفر) و هو ثالث الاقسام (فظلم العبد نفسه عند بعض الهنات) جمع هنه، و هي: المعاصي التي ترجع ضررها الي الانسان نفسه، مما لا ترجع الي انكار اصول الدين، و الي ظلم الناس. (و اما اظلم الذي لا يترك) بل يري الانسان تبعته في الدنيا (فظلم العباد بعضهم بعضا) كقتل الانسان او سرقه ماله او هتك عرضه او ما اشبه ذلك. (القصاص هناك شديد) اي في الاخره، و هذا تحذير لان يعمل الانسان عملا يوجب القصاص في الاخره، و هو بيان ان ظلم العباد كما ل

ا يترك في الدنيا، لا يترك في الاخره ايضا (ليس هو) اي القصاص الاخروي (جرحا بالمدي) جمع مديه، و هي السكين (و لا ضربا بالسياط) جمع سوط، اي ليس المه كالام السكين و

السياط، حتي يستسهله الانسان (و لكنه ما) اي القصاص، عذاب شديد (يستصغر ذلك) الجرح و الالم الدنيوي، بالسكين و السوط (معه) اي مع القياس بذلك القصاص، اي بالنسبه اليه. (فاياكم و التلون في دين الله) بان تاخذوا كل يوم لونا، و ذلك بمعني الابتداع (فان جماعه فيما تكرهون من الحق) اي تكونون جماعه مجتمعين في الحق، و ان كرهتم ذلك الحق (خير من فرقه فيما تحبون من الباطل) بان يتبع كل واحد ما يحبه، فيفترق عن اخوانه، و الحق حيث انه واحد يجمع الناس اما الباطل حيث انه متعدد فانه يفرقهم دائما، و هذا هو شان البدعه (و ان لله سبحانه لم يعط احدا بفرقه خيرا) اذ السعاده و القوه في الاجتماع لا في التفرق (ممن مضي و لا ممن بقي) بيان (احد) اي من الامم الماضيه و الامم الباقيه. (يا ايها الناس طوبي لمن شغله عيبه عن) الاشتغال ب (عيوب الناس) و معني ذلك ان يشتغل بالعلم ليرفع عيبه الذي هو الجهل، و بالعمل ليرفع عيبه الذي هو البطاله، و هكذا، لا ان يستغل بذكر معائب الناس (و طوبي لمن لزم بيته)

لا يدخل في الفتن بلا هدي و حجه (و اكل قوته) لا يطمع في اموال الناس (و اشتغل بطاعه ربه) فلا يصرف وقته في البطاله، فكيف بما اذا اشتغل بالمعاصي؟ (و بكي علي خطيئته) التي صدرت منه ليغفرها الله سبحانه له (فكان من نفسه) اي من ناحيه نفسه التي تامره بالعمل (في شغل) لاصلاح دينه و دنياه (و الناس منه في راحه) لانه لا يثير الفتن، و لا يتعرض للناس بسوء.

خطبه 176

[صفحه 74]

اي في الامر المرتبط بها، و قد تكلم عليه السلام بهذا الكلام،

بعد ما بلغه امر الحكمين. (فاجمع راي ملئكم) اي وجوهكم و اشرافكم، فان الملاء هم الاشراف، لانهم يملئون الصدر هيبه، و العين جلالا (علي ان اختاروا رجلين) عمر بن العاص و اباموسي (فاخذنا عليهما ان يجعجعا عند القرآن) من جعجع البعير اذا برك و المراد ان لا يتعديا حكم القرآن (و لا يجاوزاه) بان يحكما بالاهوء (و تكون السنتهما معه) اي مع القرآن (و قلوبهما تبعه) بان يكون اعتقادهما كما قال القرآن، لا ان يوجها القرآن حسب آرائهما (فتاها) اي ضلا (عنه) اي عن القرآن اذ القرآن يقول (و السابقون الاولون من المهاجرين) و علي عليه السلام سابق و معاويه لم يكن سابقا، و يقول: (يا ايها الذين آمنوا اتقوا لله و كونوا مع الصادقين) و علي كان صادقا دون معاويه، و هكذا سائر الايات النازله بشان علي عليه السلام او المنطبقه عليه عليه السلام، دون معاويه. (و تركا الحق و هما يبصرانه) لعرفانهما اخلاق علي عليه السلام و معاويه، و ان الاول متعين للخلافه (و كان الحجور) و العدول عن الحق (هواهما) فان هوا ابن عامر كان مع معاويه حيث وعده ملك مصر، و كان هوي ابي موسي مخالفا لعلي عليه السلام

حيث كان علي عزله عن الاماره في الكوفه و نصب غيره مكانه. (و الاعوجاج دابهما) اي عادتهما. (و قد سبق) عند تخويلهما الحكم (استثناونا عليهما- في الحكم بالعدل و العمل بالحق- سوء رايهما) اي كان المقرر ان يحكما بالعدل لا ان يسيئا الراي فيحكما حسب شهواتهما و اهوائهما (و جور حكمهما) عطف علي سوء رايهما، و علي هذا فحكمهما باطل اذ لم نحكمهما، مطلقا و بلا شرط. (و) عليه ف (الثقه في ايدينا لانفسنا) اي الحجه في ايدينا لنحكم اناسا

آخرين، و لم نعط الثقه لهما حتي يقال: انكم اعطيتم ثقتكم بايديهما فلا ثقه لكم بعده حتي تعطياها لشخص آخر، و العباره كالاستعاره لتمكن، فكانه اذا اعطي الاختيار مطلقا، فحكم الطرف ماض بخلاف ما اذا شرط (حين خالفا سبيل الحق) في كيفيه التحكيم (و ايتا بما الا يعرف من معكوس الحكم) اي الحكم المعكوس من عزل احدهما عليا عليه السلام، و نصب احدهما معاويه.

خطبه 177

[صفحه 76]

في وصفه سبحانه، و بيان رساله الرسول، و الانذار و الوعظ (لا يشغله شان) فانه سبحانه ليس كالبشر، اذا توجه لامر ذهل عن الامور الاخر، بل هو يتوجه نحو الف امر بلا ان يشغله احدهما عن الباقي (و لا يغيره زمان) بان ينقص من عمره، كما في الانسان، او يبليه، كما في العماره و الثياب و ما اشبه. (و لا يحويه) ان يشتمل عليه (مكان) كما يشتمل المكان علي الانسان و سائر الاجسام (و لا يصفه لسان) حق وصفه لان الانسان لا يدركه سبحانه كنهه حتي يتمكن من وصفه حق الوصف (و لا يعزب عنه) اي يغيب عنه بمعني يجهل (عدد قطر الماء) الموجود في الكون او المراد قطر المطر (و لا) عدد (نجوم السماء) فانه يعلم عددها التي لا تحصي (و لا سوافي الريح في الهواء) جمع سافيه، و هي التي تهب، فانه يعلم اعدادها و كيفياتها (و لا دبيب النمل علي الصفا) جمع صفاه هي الصخره الملساء و ربيبها حركتها (و لا مقيل الذر) الذر النمل، و مقيلها محل استراحتها و نومها (في الليله الظلماء) التي لا يري فيها الاشياء فكيف بالصغيره؟. (يعلم) سبحانه (مساقط الاوراق) جمع مسقط، بمعني السقوط، او محل السقوط، و المراد اوراق الاشجار، كما قال

سبحانه: (و ما تسقط من ورقه الا يعلمها) (و خف

ي طرف الاحداق) جمع حدقه، و هي العين، و طرفها تحريك جفنها، و خفي التحريك هو الذي يحفيه الانسان عن الحاضر، لئلا يعلم اين نظر، كالذين يسرقون النظره. (و اشهد ان لا اله الا الله غير معدول به) اي لا اجعل لله سبحانه عدلا و شريكا (و لا مشكوك فيه) اي لا اشك في وجوده (و لا مكفور دينه) اي لا انكر دينه، حتي اكون انا منكرا لدينه، و دينه مكفورا (و لا مجحود تكوينه) اي لا اجحد خلقه للخلق (شهاده من صدقت نيته) اي شهد بصدق نيه، لا كالمنافقين الذين يشهدون لسانا و ينكرون جنانا (و صفت دخلته) اي باطنه و لم يلوث بالنفاق (و خلص) عن شوائب الشك (يقينه) فله يقين كامل (و ثقلت موازينه) كنايه عن قوه اليقين. (و اشهد ان محمدا عبده و رسوله المجتبي) اي المختار (من خلائقه) فهو افضل من جميعهم (و المعتام) اي المختار، من العتمييه بمعني المختار من المال (لشرح حقائقه) اي حقائق دين الله من الاصول و الفروع (و المختص بعقائل) اي الكرائم (كراماته) اي افضل كرامات الله تعالي. (و المصطفي) اي المختار (لكرائم رسالاته) اي الرساله التي هي اكرم الرسالات، و هي نهايه الاحكام و الاخلاق و ما اشبه، مما اتي بها الرسول صلي الله عليه و آله و سلم دون سائر الانبياء (و ال

موضحه به) اي بسبب الرسول صلي الله عليه و آله و سلم (اشراط الهدي) اي علاماته و دلائله (و المجلوبه) اي المنكشف بسبب الرسول صلي الله عليه و آله و سلم (غربيب العمي) اي اشد انواع العمي ضلاله، فان غربيب، بمعني السواد

القائم، فانه صلي الله عليه و آله و سلم يزيل اشد انواع الضلاله، و يهدي الناس الي احق و الي صراط مستقيم.

[صفحه 78]

(ايها الناس ان الدنيا تغر المومل لها) اي تخدعه بارائتها له انها توصله الي آماله (و المخلد اليها) من اخلد بمعني ركن و مال (و لا تنفس) الدنيا، اي لا تبخل (بمن نافس فيها) اي بمن يباهي غيره بان له الدنيا فانت تعظم الدنيا و تباهي بها، و الدنيا لا تهتم بشانك و لا تبخل بك، بل تسلمك للافات بدوه ن مبالاه (و تغلب) الدنيا (من غلب عليها) فان الانسان يظن انه غلب علي الدنيا حيث حصل بعض جاهها او مالها، لكنه ظن مكذوب بل الدنيا غلبت علي هذا الشخص، حيث خدعته و بعدته عن دار كرامه الله سبحانه. (و ايم الله) قسم بالله سبحانه (ما كان قوم- قط- في غض نعمه) اي حسن نعمه، فان الغض الجديد الناضر (من عيش) هني ء (فزال عنهم الا بذنوب اجترحوها) اي عملوا بها و اقترفوها فان الذنوب سبب زوال النعمه. قال الشاعر: اذا كنت في نعمه فارعها فان المعاصي تزيل النعم و حافظ عليها بشكر الا له فان الا له شديد النقم (لان الله ليس بظلام للعبيد) يزيل نعمتهم اعتباطا بدون ذنب منهم، و (ظلام) صيغه نسبه، اي بذي ظلم (و لو ان الناس حين تنزل بهم النقم) جمع نقمه، مقابل نعمه (و تزول عنهم النعم) جمع نعمه (فزعوا) اي التجاوا (الي ربهم بصدق من نياتهم) با

ن يكونوا مستجيرين حقيقه، عازمين علي طاعته، نادمين عما سلف منهم من الذنوب (و وله) اي تحير (من قلوبهم) بان كانت قلوبهم و الهه في حب الله و طاعته (لرد عليهم

كل شارد) اي كل ما شرد منهم من النعم (و اصلح لهم كل فاسد) من امورهم. (و اني لاخشي عليكم ان تكونوا في فتره) اي في فتره من المهله الالهيه. التي يمهل بها كل مجرم ليستكمل اجرامه، ثم يوخذ علي حين غفله بل ما تمت عليه الحجه، و اشتدت عليه العقوبه، كما قال سبحانه: (انما نملي لهم ليزدادوا اثما). (و قد كانت امور مضت ملتهم فيها ميله) عن جاده الهدي، و لعل المراد بذلك ميلهم الي وقف القتال في صفين، و انخداعهم بمكر معاويه، و اختيارهم اباموسي الاشعري، و ما اشبه ذلك. (كنتم فيها عندي غير محمودين) حيث خالفتم الاوامر، و بذلك انشقت صفوف المسلمين، و تجرء الاعداء (و لئن رد عليكم امركم) كما كان في زمن الرسول صلي الله عليه و آله و سلم حيث الوحده و الايمان و الاطاعه (انكم لسعداء) لانه موجب لخير الدنيا و الاخره (و ما علي الا الجهد) بان اتعب و اجتهد للارشاد و الهدايه (و لو اشاء ان اقول- لقلت: عفا الله عما سلف) اي سامحتكم لما سلف من اعمالكم، فلا تعودوا لمثلها.

خطبه 178

[صفحه 81]

و قد ساله ذعلب اليماني، فقال: هل رايت ربك يا اميرالمومنين؟ فقال عليه السلام: افاعبد ما لا اري؟! فقال: و كيف تراه؟ فقال: (لا تراه) سبحانه (العيون بمشاهده العيان) كما تري العين سائر الاشياء، لان الله سبحانه مستحيل عليه الرويه (و لكن تدركه القلوب بحقائق الايمان) اي بسبب احتواء القلب علي حقيقه الايمان بالله سبحانه، فان الايمان الحقيقي يوجب المعرفه الكامله لله تعالي، اذ كل مصنوع يدل علي الصانع، و هو سبحانه. (قريب من الاشياء) باحاطه علمه و قدرته عليها (غير ملامس) اي ليس قربه

مثل قرب الاجسام بعضها ببعض، مما يوجب الملامسه، و اللمس لدي الالتصاق (بعيد منها) اي من الاشياء، بعدا بمعني عدم المجانسه و المشاهده، لا البعد الزماني و المكاني (غير مباين) اي ليس المبعد من قبيل بعد النار عن الماء، او ما اشبه، مما يباين احدهما الاخر (متكلم لا برويه) اي ان تكلمه لا يصدر عن فكر، و انما يخلق الكلام بدون فكر (مريد لا بهمه) فانه لا يهتم نفسا ثم يريد، اذ لا نفس له سبحانه. (صانع) للاشياء (لا بجارحه) اي بيد و رجل و نحوهما، و انما يامر ب (كن) فيكون ما اراد (لطيف) بمعني نفوذ قدرته و علمه في كلشي ء (لا يوصف بالخفاء) و الرقه، بخ

لالف اللطيف من الاشياء كما يقال الهواء لطيف، اذا لم تر. (كبير) اي عظيم (لا يوصف بالجفاء) اي الخشونه و عدم المبالاه، كالبشر الذين اذا علت منزلتهم جفوا الناس و لم يهتموا بهم (بصير) لا يري الاشياء (لا يوصف بالحاسه) اي بالعين، فانه سبحانه لا عين من لحم و دم له. (رحيم لا يوصف بالرقه) اي رقه القلب، اذ لا قلب له سبحانه، و لا تبدل في حالاته (تعنو) اي تذل و تخضع (الوجوه لعظمته) فكل شريف خاضع له (و تجب) اي تضطرب، من وجب بمعني خفق و اضطرب (القلوب من مخافته) اي خوفا منه سبحانه، بان كانت قصرت في الاعمال، فتبتلي بالعقاب.

خطبه 179

[صفحه 83]

في ذم العاصين من اصحابه (احمد الله علي ما قضي من امر) كما قال سبحانه: (و قضي ربك الا تعبدوا الا اياه) (و قدر من فعل) كما قال سبحانه: (و قدر فيها اقواتها) فان القضاء و القدر يستعملان بمعان، و الظاهر اراده ما ذكرنا،

في هذا الكلام بقرينه (امر) و (فعل). (و) احمد الله (علي ابتلائي بكم ايها الفرقه) اي الجماعه (التي اذا امرت لم تطع) و المراد جميع اوامره عليه السلام، لا مطلقا كما لا يخفي. (و اذا دعوت) الي الجهاد و ما اشبه (لم تجب) جبنا او تكاسلا (ان امهلتم) فلم اطلبكم للجهاد و العمل (خضتم) في الباطل، دون ان تعملوا لسعادتكم (و ان حوربتم) اي حضرتم ميادين الحرب (خرتم) اي صحتم، من خار بمعني صاح، فان المحارب يجب ان يلزم الصمت و السكينه لا الصياح و العجيج، فان ذلك مما يوهن الانسان. (و ان اجتمع الناس علي امام) يريد نفسه الكريمه (طعنتم) في ذلك الامام، بان تنحتوا له معائب و منقصات (و ان اجبتم الي مشاقه) المراد بها الحرب (نكصتم) اي رجعتم القهقري و فررتم عن الحرب (لا ابا لغيركم) (لا ابا لك) جمله تستعمل للذم بمعني فقدت الاب حتي تكون من دون والي، و تستعمل للدعاء بمعني تملك امرك، و قد تلطف الامام بتوجيه الجمله للغير

، اما احتراما لهم ان اريد بها الذم، او اهانه لهم ان اريد بها الدعاء. (ما تنتظرون بنصركم و الجهاد علي حقكم)؟ استفهام انكاري، اي هل بعد موقع للانتظار، ان حقكم قد غصب، و النصر قد فاتكم باستيلاء معاويه علي بعض بلادكم، فما وجه الانتظار بعد ذلك؟ اتريدون في انتظاركم (الموت او الذل لكم) فانكم ان بقيتم بلا محاربه، اما متم، او سيطر معاويه حتي تذلوا. (فو الله لئن جاء يومي) اي وقت موتي (و لياتيني) اخبار بانه سياتي يومي (ليفرقن بيني و بينكم) بالموت (و انا لصحبتكم) اي مصاحبتكم (قال) اي كاره، من (قلي)، بمعني كره و غضب يعني افرح

بموتي و تخلصي من اصطحابكم (و بكم غير كثير) فان الكثره انما تراد للمنفعه، فاذا انتفت كان وجودها كعدمها، يعني لست كثيرا بسببكم لعدم نفعكم. (لله انتم) هذه جمله تستعمل في الذم، بمعني ان الله يقدر ان يعالجهم و ينتقم منهم، و تستعمل في المدح، ايانهم لله سبحانه، مخلصين له في اعمالهم و اقوالهم (اما دين يجمعكم)؟ ففيم هذا التفرق في آرائكم و اهوائكم (و لا حميه) اي انفه و كبر في نفوسكم عن تسلط الاعداء عليكم (تشحذكم) اي تفيظكم لتقوموا بالجهاد، من شحذ السكين، بمعني حددها، و الانسان اذا شحذ صار كالسكين يقطع و ينفذ.

(او ليس عجبا ان معاويه يدعو الجفاه) جمع جافي و هو الغليظ الخشن في اعماله و نواياه (الطغام) بمعني اراذل الناس (فيتبعونه علي غير معونه) اي اعانه منه لهم (و لا عطاء) لهم، و السبب ان معاويه كان يالف الروساء بالمال رشوه، جورا و ظلما، و الاراذل تبع لكبرائهم، و الامام كان يقسم بالسويه فالكبراء كانوا غير راضين عنه، و لذا لا يحركون اتباعهم لنصره الامام عليه السلام (و انا ادعوكم- و انتم تريكه الاسلام) اي البقيه الباقيه من المسلمين الذين يعتز بهم الاسلام (و بقيه الناس) الصالحين، خلف عن سلف صالح (الي المعونه) متعلق ب (ادعوكم) و (و) الي (طائفه من العطاء) اي اعين جماعه، و اعطي جماعه، و الاعانه: الاعطاء تبرعا، بخلاف العطاء فانه العطاء من بيت المال حسب الاستحقاق. (فتفرقون عني) بان يستجيب بعض للجهاد، و لا يستجيب بعض (و تختلفون علي) هذا يريد، و ذاك يرد (انه لا يخرج اليكم من امري) اي من اوامري التي آمركم بها (رضي) للجميع (فترضونه) كلكم (و لا سخط فتجتمعون عليه)

بان تسخطون جميعا، و هذا بيان انهم لا يجتمعون لا علي رضي و لا علي سخط، بل متفرقون دائما يرضي بعضهم، و يسخط بعض، كيفما امر الامام عليه السلام (و ان احب ما انا لاق) اي احب

شي ء القاه (الي الموت) بان اموت فاستريح منكم، ثم بين عليه السلام انه اتهم بكل ارشاد و نصيحه، لكنهم بقوا علي ضلالهم و جهالتهم (قد دارستكم الكتاب) اي قرات عليكم القرآن تدريسا و تعليما (و فاتحتكم الحجاج) اي عرفتكم وجوه الاحتجاج، بعد ان لم تكونوا تعرفونها، فهي مفاتحه مني (و عرفتكم ما انكرتم) اي ما جهلتم (و سوغتكم) اي جعلت سائغا هنيئا عندكم (ما مججتم) اي ما كنتم تمجونه و تطرحونه، و كان المراد الاخلاق الفاضله (لو كان الاعمي يلحظ) اي يبصر، و (لو) لبيان احوالهم، و انهم كالاعمي لا يبصرون شيئا، و ان بصرو (او النائم يستيقظ) اي يتنبه و يقوم من النوم (و اقرب بقوم من الجهل) صيغه تعجب اي ما اقرب قوم الي الجهل (بالله) سبحانه و باحكامه (قائدهم معاويه، و مودبهم ابن النابغه) اي عمرو بن العاص، و المراد بهم اصحاب الشام، و هذه الجمله لبيان الفرق بين اهل العراق، و بين اهل الشام، و للتافف من عدم اطاعه هولاء مع ان قائدهم مثل الامام العالم الورع، و اطاعه اولئك مع ان قائدهم مثل معاويه، و مرشدهم مثل ابن العاص.!.

خطبه 180

[صفحه 87]

(و قد ارسل) عليه السلام (رجلا من اصحابه، يعلم له احوال قوم من جند الكوفه، قد هموا باللحاق بالخوارج، و كانوا علي خوف منه عليه السلام، فلما عاد اليه الرجل قال له: (اامنوا فقطنوا ام جبنوا فظعنوا؟) اي هل آمنوا جانبي فبقوا، ام خافوا نكالي فسافروا و ذهبوا الي الخوارج؟-

(فقال الرجل: بل ظعنوا يا اميرالمومنين، فقال عليه السلام): (بعدا لهم كما بعدت ثمود) دعاء عليهم بان يبعدهم الله عن رحمته، كما ابعد الله قوم صالح النبي- و هو قبيله ثمود- عن رحمته، حيث انزل عليهم العذاب، لما خالفوا امر الله، و عقروا الناقه، و (بعدا) منصوب بفعل مقدر، اي اللهم ابعدهم بعدا (اما لو اشرعت الاسنه) جمع سنان، و هو الرمح (اليهم) عند المحاربه مع الخوارج، و اشرعت بمعني صوبت نحوهم (و صبت السيوف علي هاماتهم) اي روسهم، و هذا كنايه عن تكاثر الضرب بالسيوف عليهم. (لقد ندموا علي ما كان منهم) من الظعن و الالتحاق بالخوارج، لانهم لا يتمكنون من المقاومه (ان الشيطان اليوم قد استفلهم) اي دعاهم للتفلل، و هو الانهزام عن الجماعه (و هو غدا متبري منهم) و المراد اما في يوم القيامه، اذ يتبرء الشيطان من اتباعه، قال سبحانه: (اذ تبرء الذين اتبعوا من الذين ا

تبعوا) او المراد عند الحرب، و تبرئه كنايه عن عدم نصرته لهم، كما صار في حرب الكفار مع الرسول، قال سبحانه: (فلما ترائت الفئتان نكص علي عقبيه و قال اني بري ء منكم ان اري ما لا ترون). (و متخل عنهم) التخلي عن فلان بمعني الابتعاد عنه و عدم نصرته (فحسبهم) ضلالا و جهاله (بخروجهم من الهدي) الباء زائده، اذ الاصل فيه (هم يكتفون بذلك). (و ارتكاسهم) اي انقلابهم، و اصل الارتكاس: ان يقع الانسان من راسه في وحل او ما اشبه (في الضلال و العمي) اي عدم تبصر السبيل، كالاعمي الذي لا يبصر الطريق (و صدهم عن الحق) اي منعهم للناس عن اتباع الامام (و جماحهم) اي عصيانهم (في التيه) اي في الضلال، فان التائه يلزم

ان يطيع من يرشده، لا ان يعصي حتي يهلك في المهالك.

خطبه 181

[صفحه 89]

و فيها حمد الله، و بيان صفاته، و الارشاد و النصح، (روي عن نوف البكالي) منسوب الي (بكال) قبيله من قبائل العرب (قال خطبنا هذا الخطبه اميرالمومنين عليه السلام بالكوفه و هو قائم علي حجاره، نصبها له جعده بن هبيره المخزومي) و هو ابن اخت الامام عليه السلام، و امه ام هاني اخت الامام، بنت ابي طالب، و كانه وضع تلك الحجاره كمصعد يصعد عليها الامام ليرتفع علي الناس عند الخطبه، شبه المنبر (و عليه مدرعه) اي قميص ضيق الاكمام (من صوف) و هذا اقرب الي الزهد لخشونه الصوف، بخلاف القطن و نحوه (و حمائل سيفه) و هو الخيط الذي يشد به السيف ليحمل فيتوشح به من (ليف) النخل (و في رجليه نعلان من ليف) الظاهر كون كل النعل من ليف لا ان شراكها منه (و كان جبينه) من كثره السجود (ثفنه بعير) و هو المحل الذي يمس الارض، عند بروك الابل، فانه يغلظ و يخشن من مباشره الارض، و الدلوك بها (فقال عليه السلام): (الحمد لله الذي اليه مصائر الخلق) جمع مصير، بمعني الصيروره، اي ان الخلق ينتهون الي ثوابه و عقابه، و دار كرامته و محل سخطه (و عواقب الامر) فان عاقبه امر كل انسان اليه سبحانه. (نحمده علي عظيم احسانه) اي احسانه العظيم الينا بالخلق و الرزق و

غيرهما (و نير برهانه) اي دليله الواضح الذي نصبه دليلا علي وجوده و سائر صفاته (و نوامي فضله و امتنانه) نوامي جمع نام، بمعني: الزائد، اي فضله بالزائد علي قدر الاستحقاق، او فضله الذي ينمو و يزيد (حمدا يكون لحقه) سبحانه (قضاء) اي اداء البعض ما يستحق (و

لشكره اداء) اي يكون موديا لشكره الواجب علي الناس (و الي ثوابه مقربا) فان الحمد يقرب الانسان الي ثواب الله تعالي (و لحسن مزيده موجبا) اي موجبا لمزيد نعمه، و اضافه حسن اليه، من باب اضافه الصفه الي الموصوف. (و نستعين به استعانه راج لفضله) لا استعانه آيس، فان الانسان قد يطلب العون من احد و هو آيس من اجابته، و قد يستعين و هو راج للاجابه (مومل لنفعه) سبحانه، بان ينفعنا (واثق بدفعه) المكاره عنا (معترف له) تعالي (بالطول) اي الانعام و الفضل (مذعن له) اي خاضع لله سبحانه (بالعمل و القول) نحمده لسانا، و نعمل له بجوارحنا و اعضائنا (و نومن به) سبحانه (ايمان من رجاه موقنا) فان يقين الانسان في رجائه، دليل علي قوه ايمانه (و اناب اليه) اي رجع اليه تعالي بالتوبه (مومنا) بوجوده و سائر صفاته (و خنع) اي خضع (له مذعنا) فضله لا مثل الانسان للجبابره، فانه يخضع لهم كارها (و اخلص له) لي جعل

اعماله و عقيدته له سبحانه بلا مشاركه احد معه (موحدا) في مقابل الاشراك (و عظمه ممجدا) اي اعترف بعظمته في تمجيد و ثناء عليه (و لا ذبه) اي التجا اليه عن الاهوال و النوائب (راغبا) فضله (مجتهدا) يقال اجتهد اذا اتعب نفسه. (لم يولد سبحانه) بان يكون له اب او ام (فيكو في العز مشاركا) لان الابوين شريكان مع الولد في العز، بل اعز لانهما عله وجوده (و لم يلد) سبحانه ولدا (فيكون موروثا) لان الولد يرث ابويه (هالكا) اذ كل شي ء يلد يكون ممكنا و كل ممكن هالك، فانه كماله تغير بالولاده، كذلك له تغيربالحياه و الموت. (و لم يتقدمه وقت و لا زمان)

بان يكون لا زمان و لا يكون الله سبحانه- كما هو شان الممكنات (و لم يتعاوره) اي يتداوله و يتبادل عليه (زياده و لا نقصان) بان يزيد مره و ينقص اخري (بل ظهر) سبحانه (للعقول بما ارانا من علامات التدبير) اي من الادله الموجوده في المخلوقات الداله علي التدبير المتقن) اذ وضع كل شي ء موضعه، كالبناء الفخم الذي يدل علي مهاره بانيه (و القضاء المبرم) اي المحكم، فان حكمه سبحانه بالخلق و الرزق و الحياه و الموت و غيرها مبرم لا ينقض. (فمن شواهد خلقه) علي وجوده تعالي و سائر صفاته (خلق السماوات) اي الاجرام و مج

اريها (موطدات) اي مثبتات في مداراتها علي ثقلها (بلا عمد) جمع عماد، فانها لا عمد لها، كما للبناء المرتفع من عمد تحفظه من السقوط (قائمات) في محالها (بلا سند) يستند و يتكي ء عليها (دعاهن) سبحانه، و ذلك كنايه عن جعل نظام لهن (فاجبن) دعوته تعالي (طائعات مذعنات) كما قال سبحانه: فقال لها و للارض ائتيا طوعا او كرها، قالتا اتينا طائعين) (غير متلكئات) التلكو التوقف في الامر (و لا مبطئات) من ابطاء بمعني: عام الاستعجال في المر، نعم انها اطاعت فورا. (و لو لا اقرارهن له) تعالي (بالربوبيه) او انه آلههن (و اذعانهن بالطواعيه) اي الاطاعه بالرغبه (لما جعلهن موضعا لعرشه) العرش: محل تشريف له في السماء، كما ان الكعبه موضع تشريف له سبحانه في الارض (و لا تشريف له في السماء، كما ان الكعبه موضع تشريف له سبحانه في الارض (و لا مسكنا لملائكته) المقربين، الذين هم اطهار، فيلزم ان يكون محلهم طاهرا (و لا مصعدا) اي محل الصعود (للكلم الطيب و العمل الصالح) فان الاعمال الصالحه، و

الكلمات الطيبه، من العباد، تصعد نحو السماء، و ذلك ليس لانها مكان الله سبحانه، فانه لا مكان له، و انما لاجل انه تعالي جعل السماء محلا شريفا، و ماوي للاشياء الحسنه، و هذا

اشاره الي قوله سبحانه: (اليه يصعد الكلم الطيب، و العمل الصالح يرفعه) (من خلقه) اي الكلم و العمل، الصادره من الخلق. (جعل) سبحانه (نجومها) اي كواكب السماوات (اعلاما) اي ادله (يستدل بها الحيران) اي الشخص المتحير (في مختلف فجاج) جمع فج بمعني الطريق (الاقطار) جمع قطر، بمعني القطعه من الارض، اي مختلف الصحاري. (لم يمنع ضوء نورها) اي نور الكواكب (ادلهمام سجف الليل المظلم) الادلهمام: شده الظلمه، و سجف: الستر (و لا استطاعت جلابيب سواد الحنادس) جلابيب جمع جلباب، و هو ثوب واسع يلبس فوق الملابس، و المراد هنا ظلمه الليل الشامله لكل شي ء، و حنادس جمع حندس، بمعني الليل المظلم (ان ترد) حتي لا يصل الي الارض (ما شاع) و انتشر (في السماوات من تلالو نور القمر) بل نور القمر، كنور النجوم، يصلان الي الارض في ظلمه الليل، فيهدي بهما الناس في الصحاري و القفار. (فسبحان من لا يخف عليه سواد غسق داج) الغسق الظلمه، و داج بمعني المظلم (و لا) سواد (ليل ساج) الساجي بمعني الساكن، و وصف الليل به، لانه يسكن فيه كل ذي روح، فهو وصف باعتبار ما فيه، من باب علاقه الحال و المحل (في بقاع الارضين المتطاطئات) اي المنخفضات، فانه سبحانه يري كل ما في منخفضات

الارض، و لو تحت الليل المظلم (و لا في يفاع) بمعني التل و المكان المرتفع (السفع) جمع سفعاء، و هو السواد يضرب الي الحمره، والمراد بها الجبال، فان الجبال هكذا تظهرمن بعد

(المتجاوزات) اي المجاوره بعضها لبعض. (و) سحان من لا يخفي عليه (ما يتجلجل به الرعد) الجلجله صوت الرعد (في افق السماء) اي اطرافها (و ما تلاشت عنه بروق الغمام) فان البرق يتلاشي ء و يضمحل، و الظاهر ان المراد مصدر البرق، الذي يظهر منه البرق، ثم يتلاشي من القوه الكهربائيه الموجوده في السحاب (و ما تسقط من ورقه تزيلها) اي تزيل تلك الورقه (عن مسقطها) اي محل سقوطها، و هو محل اتصال الورقه بالشجره (عواصف الانواء) جمع نوء، و هو احد منازل القمر اذا كان القمر فيه او نحو ذلك تهب الرياح، و لذا اضيفت اليه، بمناسبه ان الاضافه يكفي فيها ادني مناسبه (و انهطال السماء) اي امطار السماء، بالمطر، و المعني لا يخفي عله انهطال السماء. (و يعلم) سبحانه (مسقط القطره) اي محل سقوط كل قطهره من اقطار المطر (و مقرها) اي محل استقرار القطره، اذا يمكن ان يكون المسقط غير المقر (و مسحب الذره) اي المحل الذي تمشي فيه النمله (و مجرها) اي المحل الذي يجره نفسه اليه (و ما يكفي البعوضه) البق

(من قوتها) و رزقها (و) يعلم تعالي (ما تحمل الانثي في بطنها) من ذكر او انثي.

[صفحه 94]

(الحمد لله الكائن قبل ان يكون كرسي او عرش) اذ لا يحتاج سبحانه الي شي ء منهما، و هذا من باب تشبيه المعقول بالمحسوس، فان الملك يجلس علي الكرسي، في عرشه، قد خلق سبحانه محلا يسمي العرش، لتوجه الملائكه اليه، كما يتوجه البشر الي الكعبه، في الارض (او سماء او ارض او جان او انس) و الجن قسم من المخلوق مخفي عن الابصار (لا يدرك) سبحانه (بوهم) اي بفكر و تعقل اذ كنهه مستحيل الادراك (و لا

يقدر) اي لا يعرف حدوده (بفهم) الانسان. (و لا يشغله سائل) بان يغفل عن سائر الاشياء، كما هو شان البشر (و لا ينقصه نائل) اي العطاء، فانه سبحانه يعطي و لا ينقص ما عنده، اذ لا يفوته شي ء، و انما كلشي ء في ملكه، اعطي ام لم يعط (و لا يبصر) اما علي المجهول او علي المعلوم (بعين) فعل الاول معناه انه سبحانه لا يري، و علي الثاني معناه انه تعلي لا عين له- كعين الانسان- و انما يبصر الاشياء بذاته (و لا يحد باين) اي بالمكان، فانه لا مكان له، حتي يكون مشمولا لذلك المكان (و لا يوصف بالازواج) اي بالامثال، لانه لا مثل له، فلا شريك له (و لا يخلق) الاشياء (بعلاج) بان يمتنع عليه الشي ء فينفذ امره بالعلاج (و لا يدرك بالحواس) الخمس، فلا يبصر، و لا يشم

، و لا يذاق، و لا يملس، و لا يسمع حسن منه، لاستحاله كل ذلك في حقه. (و لا يقاس بالناس) كما يقاس الناس بعضهم ببعض (الذي كلم موسي) عليه السلام (تكليما) و كلامه انما هو بخلق الصوت الذي يسمعه الطرف المقابل (و اراه من آياته) اي ادلته (عظيما) كالعصا و اليد البيضاء، و الضفادع، و القمل و الدم، و غيرها، كلم. (بلا جوارح) اي بغير اعضاء للتكلم (و لا ادوات) كالفم و الاسنان و اللسان (و لا نطق) كنطق الانسان (و لا لهوات) جمع لهات، و هي اللحمه المشرفه علي الحلق في اقصي الفم (بل ان كنت صادقا، ايها المتكلف لوصف ربك) اي ان كنت صادقا انك تتمكن ان تصفه سبحانه حق وصفه، و معني المتكلف الذي يوقع نفسه في الكلفه و المشقه. (فصف جبرائيل و

ميكائيل) الذين هما مخلوقان لله سبحانه، فاذا لم نتمكن من وصفهما فعدم امكانك لوصفه سبحانه، اظهر (و جنود الملائكه المقربين) اليه سبحانه، اقرب شرف و طاعه، لا قرب مكان- اذ لا مكان له تعالي- (في حجرات القدس) اي النزاهه و الطهاره، و المراد بالحجرات اماكنهم (موجحنين) اي مقشعرين، خوفا و وجلا منه تعالي، من ارجحن، بمعني مال يمينا و شمالا (متولهه) اي متحيره (عقولهم ان يحدوا احسن الخالقين) فان عقولهم تتحير في وصفه س

بحانه، و لا تجد لذلك سبيلا. (فانما يدرك) كنه الشي ء (بالصفات ذوو الهيئات) اي الاشكال (و الادوات) اي الالات (و من ينقضي) اي يهلك (اذا بلغ امد حده بالفناء) اي اذا وصل الي منتهي العمر المقدر له، و بالفناء متعلق ب (ينقضي) (فلا اله الا هو اضاء بنوره كل ظلام) من ظلمات العدم بان اوجد المعدومات و ظلمات الجهل، و ظلمات الليل و ما اشبه (و اظلم بظلمته) اي بالنسبه الي نوره (كل نور) فان كل نور في قبال نوره مظلم.

[صفحه 97]

(اوصيكم) يا (عباد الله بتقوي الله) اي الخوف منه و العمل بما امر (الذي البسكم الرياش) اي اللباس الفاخر، الانساني، او الاعم من ذلك و من سائر الالبسه الحسنه، و الظواهر الجميله (و اسبغ) اي اكثر (عليكم المعاش) بما هي لكم ما تعيشون فيه. (و لو ان احدا يجد الي البقا سلما) شبه البقاء شي ء رفيع، لا يتناوله احد، حتي اذا نصب السلم- و هو المعراج- (او الي دفع الموت سبيلا) اي وسيله يتمكن بها من دفع الموت (لكان ذلك) العارف بطريق البقاء الابدي (سليمان بن داوود عليه السلام الذي سخر له ملك الجن و الانس) فكان الجن يطيعه كالانس (مع النبوه)

فقد كان عليه السلام نبيا لله سبحانه (و عظيم الزلفه) اي القرب من الله سبحانه، لان النبوه مقام عظيم، و بكلمه جامعه، قد جمع له السعاتان الدينيه و الدنيويه. (فلما استوفي طعمته) اي ماكله المقدر له، اذ الله سبحانه قدر لكل انسان قدرا خاصا من الرزق (و استكمل مدته) بان اكمل مده بقائه في الدنيا المقدره له (رمته قسي الغنا) جمع قوس (بنبال الموت) جمع نبل، و هو السهم، قسي الفناء المقدرات التي تفني الانسان، و نبال الموت اسبابه، من هموم و مرض، و ما اشبه. (و اصبحت الديار منه خاليه) اذ انتقل الي قبر

ه (و المساكن معطله) اذ لم يسكن بعد في مسكن (و ورثها) اي تلك الديار و المساكن (قوم آخرون) من ورثته و المستولين للسلطه بعده. (و ان لكم في القرون السالفه) جمع قرن، و هو مائه سنه، او مده عمر جيل من البشر، يقال لها قرن لاقتران اعمار بعضهم مع بعض و السالفه بمعني السابقه (لعبره) تكفي لان تعتبروا بفناء الدنيا، و عدم بقاء سلطتها و زينتها (اين العمالقه) جمع عملاق، و هو: الرجل القوي الكثير العمل، و قد كانوا ملوكا يملكون اليمن و الحجاز، و قد عاثوا في الارض فسادا حتي ان الملك منهم امر بان العروس ليله عرسها لا تذهب الي زوجها الا و قد زارها الملك و افتضها ثم تذهب الي زوجها، ثم هجم الناس عليه و قتلوه و اراحوا الناس من شره في قصه طويله مذكوره في التواريخ (و ابناء العمالقه)؟ استفهام علي نحو التنبيه، بمعني ان دولتهم قد ابيدت و ملكهم قد ذهب، و هم قد ماتوا فلا اثر لهم. (اين الفراعنه) جمع فرعون (و ابناء الفراعنه)؟

و هم ملوك مصر، منهم فرعون موسي الذين كان يدعي الربوبيه، و يقتل الناس، و يبقر بطون الحبال. (اين اصحاب مدائن الرس) كانوا يعبدون الشجر، فاتاهم نبي ينهاهم عن ذلك لكنهم عتوا و قتلوا النبي اشنع قتله، فاهلكهم الله سبحانه بعذاب

شنيع (الذين قتلوا النبيين و اطفاوا سنن المرسلين) فان سنن المرسلين مصابيح تنير دروب الحياه، ليري الانسان المنهاج المسعد له في دنياه و آخرته، و اطفائها اخمادها، و ترك العمل حتي تنسي، كما في زماننا الذي اطفي ء الكفار و المنافقون- عملائهم- منهاج القرآن، و اتوا مكانه بمناهج اليهود و النصاري (و احيوا سنن الجبارين) الذين مسلكهم جبر الناس علي الباطل، و ظلم العباد بانواع الظلم. (و اين الذين ساروا) الي اعدائهم (بالجيوش) الكثيره؟ معتزين بها (و هزموا الالوف) من جيش الاعداء، لقوتهم و شده بطشهم. (و عسكروا العساكر) اي جمعوها لحفظهم و حفظ رعاياهم (و مدنوا المدائن) اي صنعوها و بنوها؟ فقد مات كلهم، و فنوا، و بعد ذلك ينبغي للعاقل ان لا يغتر بالدنيا، و لا يعمل فيها ما يوجب عقابه و نكاله الابدي.

[صفحه 99]

في ذكر المتقين و اصحاب العقل (قد لبس للحكمه) هي وضع الاشياء مواضعها (جنتها) و هي ما يحفظ الانسان من الهذر و اللغو و العصيان، كما تحفظ الجنه صاحبها من الضرب و الطعن (و اخذها) اي الحكمه (بجميع ادبها) اي كل آدابها، فلم يترك من الحكمه في الاكل و اللبس و التكلم، و التعلم، و ما اشبه، شيئا (من الاقبال عليها) اي علي الحكمه (و المعرفه بها) فانه يعرف الحكمه و انها ما هي (و التفرغ لها) لا يشغل نفسه بضدها. (و هي) اي الحكمه (عند نفسه ضالته التي يطلبها)

تشبيه لبيان شده طلبه لها، كما يطلب الانسان بكل جد ما ضل من اثاثه و نقوده (و حاجته التي يسال عنها) ليجدها و يعرفها، كما يسئل الانسان عن حوائجه الماديه (فهو) مع الاسلام يدور، و منه لا ينفك (مغترب) اي يذهب الي الغربه (اذا اغترب الاسلام) بان تركه اهله، فكانه سافر عنهم، فانه ايضا يترك الناس و يكون مع الاسلام غريبا عندهم (و ضرب) الاسلام (بعسيب ذنبه) اي اصل ذنبه (و الصق) الاسلام (الارض) اي بالارض (بجرانه) مقدم عنق البعير، و هذان كنايتان عن ضعف الاسلام، فان البعير اذا ضعف نام و الصق عنقه، و آخر ذنبه علي الارض، لا يقدر علي القيام، فمثل هذا الشخص، و قيل المراد به الامام

الحجه المهدي عليه السلام. (بقيه من بقايا حجته) اي حجج الله علي الناس (خليفه من خلائف) جمع خليفه (انبيائه) فهو يمثل الانبياء في التزامهم بالدين.

[صفحه 100]

ثم قال عليه السلام: (ايها الناس اني قد بثثت) اي نشرت و اظهرت (لكم المواعظ التي وعظ الانبياء بها) اي بتلك المواعظ (اممهم) من الامر بالتقوي، و الزهد في الدنيا، و الخوف من النار، و الشوق الي الجنه. (و اديت اليكم) اي اوصلت اليكم (ما ادت الاوصياء) للانبياء (الي من بعدهم) من الناس، الذين لم يدركوا الانبياء. (و اذبتكم بسوطي فلم تستقيموا) بان تتركوا كافه المعاصي، و تنتهجوا نهج الاسلام سويا (و حدوتكم) اي سقتكم، و الحداء رفع الصوت للابل ليسير سيرا مطمئنا (بالزواجر) جمع زاجره، و هي النصيحه التي تزجر الانسان عن المعصيه (فلم تستوثقوا) يقال استوثقت الابل، بمعني اجتمعت، و المراد انهم بقوا متفرقين لا تجتمع آرائهم علي الحق. (لله انتم) كلمه تقال للذم، و للمدح، بمعني ان لله يقدر

علي تقويمكم، او ان امركم لله سبحانه لا لغيره- كما تقدم-. (اتتوقعون اماما غيري يطابكم الطريق) اي يسير بكم في الطريق السوي (و يرشدكم السبيل) الراشد؟ ثم اخذ في نصحهم، و بيان ضجره من الدنيا بعد ان ذهب اصحابه الي الاخره.

[صفحه 101]

(الا انه قد ادبر من الدنيا ما كان مقبلا) فان الانسان في حاله طفولته، يكون عمره مقبلا، اذا ياتي نموه، فاذ شاخ، كان عمره مدبرا، و هكذا (و اقبل منها) اي من الدنيا (ما كان مدبرا) من الشرور و الاثام التي ادبرت بمقدم الرسول صلي الله عليه و آله و سلم، و لعل ادبار المقبل- ايضا- يراد به الخير، الذي اقبل بمقدم الرسول صلي الله عليه و آله و سلم (و ازمع) اي اظهر عزما (الترحال) اي الرحيل الي الاخره (عباد الله الاخيار) فانهم حيث علموا فناء الدنيا يقصدون المسير منها، و قصدهم كنايه عن تهيئه زاد الاخره. (و باعوا قليلا من الدنيا لا يبقي بكثير من الاخره لا يفني) فان الانسان اذا صرف عمره و ماله في الخير، كان بائعا لهما بالجنه التي لا تفني، قال سبحانه: (ان الله اشتري من المومنين انفسهم، و اموالهم، بان لهم الجنه) ثم بين عليه السلام ان الذين استشهدوا في سبيل الله لم يتضرروا بشي ء، بل العكس ربحوا الخلاص من الدنيا الكدره. (ما ضر اخواننا) (ما) استفهاميه (الذين سفكت دماوهم- و هم بصفين-) موقعه الحرب مع معاويه (ان لا يكونوا اليوم احياء)؟ اي اي شي ء ضرهم في عدم حياتهم (يسيغون الغصص) اساغه بمعني بلعه، و الغصص جمع غصه، و هي ما

يوخذ في الحلق، فلا ينزل الي الجوف (و يشربون الرنق) اي الماء الكدر كنايه عن المتاعب و الالام

التي كان الامام يواجهها من جراء المنافقين. (قد- و الله- لقوا الله) كنايه عن موتهم (فوفاهم اجورهم) اي اعطاهم اجورهم كامله (و احلهم) اي اسكنهم (دار الامن) اي الجنه (بعد خوفهم) في الدنيا من الاعداء. (اين اخواني الذين ركبوا الذين ركبوا الطريق) اي استقاموا فيه، لم ينحرفوا الي هنا و هناك (و مضوا علي الحق)؟ لا يبتغون عنه بدلا (اين عمار) بن ياسر، من اصحاب الرسول عليهم السلام الاولين، و قد قال فيه صلي الله عليه و آله و سلم ملي ء ايمانا من قرنه الي قدمه؟ (و اين ابن التيهان)؟ هو ابوالهيثم مالك من اكابر الصحابه؟ (و اين ذوالشهادتين)؟ خزيمه بن ثابت الانصاري، الذي جعل الرسول صلي الله عليه و آله و سلم شهادته منفردا قائمه مقام شهاده رجلين، (و اين نظراوهم) اي امثال هولاء الذين قتلوا بصفين (من اخوانهم الذين تعاقدوا علي المنيه) اي علي الموت، فان بعضهم عاهد الاخر، علي ان يقتلوا في سبيل الله (و ابرد برووسهم الي الفجره) اي قطعت روسهم، و ارسلت بواسطه البريد، الي اصحاب الفجور، و هم معاويه و جاشيته. فقد قطع اصحاب معاويه بصفين روس جماعه من اصحا

ب الامام، عند الحرب، و ارسلوا بها الي معاويه. (قال: ثم ضرب) الامام عليه السلام (بيده الشريفه علي لحيه الكريمه فاطال البكاء، ثم قال عليه السلام:) (اوه) كلمه ترجع (علي اخواني الذين تلوا القرآن فاحكموه) قرائه و علما و عملا (و تدبروا الفرض) بان فكروا قيما هو مفروض عليهم من احكام الله سبحانه (فاقاموه) بان و اظبوا عليه ادائا، و امرا للناس باتيانه (احيوا السنه) الوارده عن الرسول (و اماتوا البدعه) التي جائبها الخلفاء، كصلاه التراويج، و اسقاط (حي علي خير العمل) من

الاذان، و ما اشبه ذلك (دعوا للجهاد فاجابوا) بان جاهدوا في سبيل الله (و وثقوا بالقائد) يعني نفسه الشريفه (فاتبعوه) فيما يامر و ينهي. (ثم نادي) الامام عليه السلام (باعلي صوته) الزمو (الجهاد الجهاد) يا (عباد الله، الا و اني معسكر في يومي هذا) لفتح الشام، و خلاص المسلمين من معاويه و زمرته الطاغيه (فمن اراد الرواح الي الله) اي الي الاخره، دار ثواب الله سبحانه (فليخرج) معي (قال نوف) البكال، راوي الخطبه (و عقد للحسين عليه السلام في عشره آلاف) بان جعل له جيشا مكونا من عشره آلاف شخص، و الامام الحسين قائده (و لقيس بن سعد رحمه الله في عشره آلاف، و لابي ايوب الانصاري)

الذي نزل عليه الرسول صلي الله عليه و آله و سلم حين قدم المدينه (في عشره آلاف، و لغيرهم علي اعداد آخر و هو) عليه السلام (يريد الرجعه الي صفين) اي قتال معاويه (فما دارت الجمعه) اي ما مضي اسبوع (حتي ضربه الملعون اين ملجم لعنه الله، فتراجعت العساكر فكنا كاغنام فقدت راعيها تختطفها الذئاب من كل مكان).

خطبه 182

[صفحه 105]

في وصفه تعالي، و فضل القرآن، و وعظ الناس (الحمد لله المعروف من غير رويه) اي لا يراه احد، و مع ذلك يعرفونه باثارهم و صنائعه (و الخالق من غير منصبه) اي تعب و نصب. (خلق الخلائق بقدرته) لا باله، او مشارك او ما اشبه (و استعبد الارباب) اي جعل ارباب العبيد، عبيدا له (بعزته) لانه اعز من الجميع (و ساد العظماء بجوده) فانه من جاء ساد، و لا يخفي ان مثل تعليل ثانوي، للاشاره الي هذا الوصف، و الا فالاستبعاد و السياده، بخلقه سبحانه لهم- اولا و بالذات- كما لا يخفي. (و هو

الذي اسكن الدنيا خلقه، و بعث الي الجن و الانس رسله) و البعثه الي الجن اما بان يعملوا كما يعمل الانس او بتكاليف اخر، و انكان ظاهر الايات انهم مكلفون بمثل ما كلف به الانس (ليكشفوا لهم عن غطائها) اي غطاء الدنيا، فان الدنيا دار آلام و اتعاب، لكنها مغطات بغطاء مبهرج يوجب الخدعه و الغرور، فاذا كشف للانسان عن غطاء الدنيا لم يغترر بها (و ليحذروهم من ضرائها) اي ضر الدنيا الموجب للشقاء دنيا و آخره (و ليضربوا لهم امثالها) اي الامثال المرتبطه بالدنيا، مما توجب عبره و زياده بصيره (و ليبصروهم عيوبها) ككونها موجبه للغرور و مفوته للاخره لمن ركن اليها (و ليهجم

وا عليهم) الهجوم الدخول غفله، كان الناس كانوا غافلين، فاذا بهم يرون الانبياء يقولون لهم ما يوجب اعتبارهم (بمعتبر) مصدر ميمي بمعني الاعتبار و الاتعاظ (من تصرف مصاحها) جمع مصحه بمعني الصحه و العافيه (و اسقامها) اي ليقولوا لهم ما يوجب اعتبار الناس من ان الدنيا دار تتغير و تتبدل فيها الصحه و السقم، فاللازم ان لا يغتر الانسان بالصحه، و لا يياس عند السقم. (و) من (حلالها و حرامها و) من (ما اعد الله للمطيعين منهم و العصاه من جنه و نار) بيان (ما) (و كرامه و هوان) اي ذله (احمده الي نفسه) اي حمدا ينتهي الي ساحه قدسه سبحانه: (كما استحمد الي خلقه) اي طلب من خلقه ان يحمدوه، فالطلب كان منه اليهم، و الحمد مني اليه (جعل) سبحانه (لكل شي ء قدرا) فليس شي ء اعتباطا عنده بلا تقدير، مثلا جعل للانسان عمرا محدودا (و لكل قدر اجلا) ينتهي ذلك القدر باتيان ذلك الوقت و الفرق بين القدر و الاجل

ان الاول باعتبار تمام المده، و الثاني باعتبار آخرها (و لكل اجل كتابا) اذ كتب سبحانه في اللوح المحفوظ الاجال.

[صفحه 107]

في فضل القرآن (فالقرآن آمر زاجر) آمر بالواجبات، زاجر، اي ناهي عن المحرمات (و صامت) لا يتكلم بلفظ (ناطق) ببيان الاحكام (حجه الله علي خلقه) فان الله يحتج علي الخلق بالقرآن يقول لهم، هلا عملتم بعد ما بينت لكم في القرآن. (اخذ عليهم ميثاقه) اي العهد الاكيد بالايمان و العمل الصالح، و ذلك بواسطه الانبياء. (و ارتهن عليه انفسهم) اي علي القرآن، و معني الجمله انه سبحانه جعل نفوسهم رهنا في مقابل العمل بالقرآن، فمن عمل فك رهنه، و اخلص نفسه، و من لم يعمل اخذ نفسه، و القي في جهنم، كما قال سبحانه: (كل نفس بما كسبت رهينه). (اتم نوره) اي نور القرآن فيكفي لا ضائه الطريق، بدون ان يبقي بعض الطريق مظلما. (و اكمل به) اي بالقرآن (دينه) فان دين الله الذي كان بين الناس كمل بالقرآن (و قبض نبيه صلي الله عليه و آله و سلم) بان اماته (و قد فرغ الي الخلق من احكام الهدي به) اي بسبب القرآن، اي فرغ من بيان احكام الهدي و كان ذلك منتهيا الي الخلق، بمعني ان فائدته انتهت الي الناس (فعظموا) ايها الناس (منه سبحانه ما عظم من نفسه) اي ليكن تعظيمكم لما من طرفه سبحانه، كما انه عظم لما كان من طرفه، و المراد به القرآن. (فانه) تعالي (لم يخف ع

نكم شيئا من دينه) بل بين كله في الكتاب و السنه. (و لم يترك شيئا رضيه) مما فيه مصلحه (او كرهه) مما فيه مفسده (الا و جعل له علما باديا) اي علامه ظاهره

(و آيه محكمه) غير متشابهه (تزجر عنه) اي تنهي من ذلك الشي ء، كالخمر (او تدعو اليه) كالصلاه. (فرضاه) سبحانه (فيما بقي واحد) اذ لا يقبل الرضا، فيوما يرضي بالصلاه، و يوما لا يرضي (و سخطه فيما بقي واحد) كما كان فيما مضي، و هذا مضمون الحديث: (حلال محمد حلال الي يوم القيامه، و حرام محمد حرام الي يوم القيامه).

[صفحه 108]

و قد فسر الجملتين بقوله عليه السلام: (و اعلموا انه لن يرضي عنكم بشي ء سخطه علي من كان قبلكم) فانه لن يرضي بالشرك- مثلا- الذي سخطه علي الامم السابقه (و لن يسخط عليكم بشي ء رضيه ممن كان قبلكم) فلن يغضب بسبب الصلاه، مما رضيه عن الامم السابقه، و لا يخفي ان المراد اصول الدين و جوهر الشريعه، اما مثل صوم الوصال، و ما اشبه فلا مانع من الختلاف حوله في الاديان (و انما تسيرون في اثر بين) اي واضح، لا يخشي عليكم منه الضلال، و الاثر موضع الاقدام في التراب، و كني به هنا عن الاحكام الباقيه من الانبياء و المرسلين (و تتكلمون برجع قول) هو ما يرجع من الصوت اذا اصطدم بجبل و نحوه (قد قاله الرجال من قبلكم) و المراد بالرجال الانبياء و الصلحاء، اي ان كلامكم حول الاصول و الفروع هو استفاده من كلام الانبياء و الاوصياء. (قد كفاكم) سبحانه (مونه دنياكم) فان الشي ء الاكبر من الدنيا مكفي، و انما يكسب الانسان لتحصيل ذلك المودوع في الارض من زرع و ضرع و معدن و بناء، و ما اشبه (و حثكم علي الشكر) علي نعمائه (و افترض من السنتكم الذكر) اي اراد من السنتكم اراده مفترضه واجبه، ان تذكروه تعالي. (و اوصاكم بالتقوي) بان تخافوه

فلا تخالفوه (و

جعلها منتهي رضاه) فان منتهي رضاه سبحانه ان يتقيه الانسان، فلا يعصيه (و) منتهي (حاجته من خلقه) و هذا كنايه عن طلبه لا انه تعالي محتاج الي شي ء من خلقه. (فاتقوا الله الذي انتم بعينه) اي بحيث لا تخفون عليه، فهو يراكم (و نواصيكم) جمع ناصيه، مقدم الراس طرف الجبهه (بيده) كنايه عن تسلطه سبحانه علهيم (و تقلبكم في قبضته) اي ان حركاتكم كلها تحت قدرته، لا يتمكن احد من الافلات عنه (و ان اسررتم) اي اتيتم بشي ء سرا (علمه) تعالي (و ان اعلنتم كتبه) و اثبته. (قد و كل بذلك) اي بان يكتب عنكم كل شي ء (حفظه) جمع حافظ (كراما) جمهع كريم، و هم الملائكه، و كونهم كراما، لانهم (لا يسقطون حقا) ثبت عليكم (و لا يثبتون باطلا) ليس من اعمالكم، بل يكتبون الاعمال بقدر ما عملتم. (و اعلموا انه من يتق الله يجعل له مخرجا من الفتن) فان الانسان كثيرا ما يعصي الله سبحانه، بظن ان ذلك منح له، و الحال ان المتقي يخرج من الفتنه سليما، و العاصي ان خرج فلا يخرج الا ملوثا (و نورا من الظلم) فانه يبصر موضع الظلمه من المناهج الموجبه للضلال و الشقاء، فيتجنبها (و يخلده) في الاخره (فيما اشتهت نفسه) من انواع الملذات (و ينزله منزل الكرامه عنده) فيكون محترما مكرما ل

ديه سبحانه. (في دار اصطنعها لنفسه) و المراد بها الجنه، و معني لنفسه انه خاصه باوليائه. (ظلها عرشه) اي انهم هناك تحت سلطان الله فقط، لا تحكمهم سلطات بشريه، كما في الدنيا (و نورها بهجته) فان الفرح الذي يغمر الناس هناك يوجب انبساطهم، كما يوجب النور في الدنيا انبساط الذين يعيشون فيه (و

زوارها ملائكته) فانهم يزورون الناس هناك، كما قال سبحانه: (و الملائكه يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم). (و رفقاوها رسله) فان هناك مرافقه الرسل، و صحبتهم (فبادروا المعاد) اي العمل للقيامه (و سابقوا الاجال) كان الاجل يريد اختطاف الانسان، و الانسان يريد ان يعمل قبل ان يختطفه الاجل فهما يتسابقان. (فان الناس يوشك) اي يقرب (ان ينقطع بهم الامل) بان يموتوا فلا يبقي لهم املهم الذي كانوا ياملونه في المستقبل (و يرهقهم الاجل) اي يغشاهم و يتبعهم (و يسد عنهم باب التوبه) فان الانسان اذا مات لم يقبل توبته. (فقد اصبحتم في مثل ما سال اليه الرجعه من كان قبلكم) اي انكم في حاله يمكنكم فيها العمل لاخرتكم، مما سئل الاموات الرجوع الي مثل حالتكم، بقولهم: رب ارجعوني لعلي اعمل صالحا فيما تركت (و انتم بنو سبيل) اي اناس في الطريق، لا في المنزل، فان الدنيا طر

يق، و ليس بمنزل. (علي سفر من دار) هي الدنيا (ليست بداركم) التي تبقون فيها، و انما الاخره دار الانسان (و قد اوذنتم منها بالارتحال) اي اعلمكم الله سبحانه انكم سوف ترتحلون عنها (و امرتم فيها بالزاد) اي باخذ الزاد، و هو الاعمال الصالحه. (و اعلموا انه ليس لهذا الجلد الرقيق) و المراد: الابدان البشريه (صبر علي النار) في جهنم (فارحموا نفوسكم) و لا تعملوا بالمعاصي، حتي تستحقوا بها النار في الاخره (فانكم قد جربتموها) اي نفوسكم (في مصائب الدنيا) و آلامها، و عرفتم مقدار تحملها. (افرايتم جزع احدكم من الشوكه تصيبه) مع صغرها و قله و خزها (و العثره) اي الوقعه علي الارض (تدميه) اي توجب خروج الدم من جسمه (و الرمضاء) الارض الحاره (تحرقه)؟ و هذه

استفهامات للتقرير و الالفات (فكيف) حالكم (اذا كان) الجلد الرقيق (بين طابقين من نار) طابق فوقه و طابق تحته. (ضجيع حجر) يكون منه ليزيد في احراقه، كما قال سبحانه: (وقودها الناس و الحجاره) (و قرين شيطان) يوذيه؟ (اعلمتم ان مالكا اذا غضب علي النار) المالك، هو الخازن اللنار، و معني غضبه علي النار ارادته شدتها (حطم بعضها بعضا لغضبه) بمعني حطم الحطب، او هو كنايه عن الزفير و الصياح المتداخل بعضه

في بعض (و اذا زجرها) و صاح عليها (توثبت) النار اي تحرك امواج من النار تحركا عنيفا كالمتوثب (بين ابوابها) اي ابواب النار، و ذكر الابواب لانها منتهي محل التوثب (جزعا من زجرته) اي خوفا منها، و هذا كنايه عن تلك الحركه المشابهه لحركه الجزع.

[صفحه 112]

(ايها اليفن) اي الشيخ (الكبير) المسن (الذي قد لهزه) اي خالطه (القتير) اي الشيب، كانه صار جزئا منه (كيف انت اذا التحمت اطواق النار بعظام الاعناق!) فصار الطوق الناري، كاللحيم في اتصاله بعظم الفسق، حيث قد شويت اللحوم من تحته (و نشبت) اي علت (الجوامع) جمع جامعه و هي الغل يجمع اليدين الي العنق (حتي اكلت لحوم السواعد)؟ جمع ساعد و هي اليد. (ف) اتقوا (الله الله) يا (معشر العباد) المعشر بمعني الجماعه (و انتم سالمون في الصحه قبل السقم) فان السقيم لا يتمكن من العمل، او المراد السقم في الاخره (و في الفسحه قبل الضيق) فان الانسان في الدنيا، في سعه يتمكن من العمل، اما في الاخره فلا يتمكن من العمل الصالح كانه في ضيق. (فاسعوا في فكاك رقابكم) بان تعملوا صالحا حتي تنجو من اسار العذاب (من قبل ان تعلق رهائنها) غلق الرهن- كذح- اذا استحق صاحب الحق

و لم يفك حتي ينجي ماله (اسهروا عيونكم) اي اقلوا النوم بالليل، للعباده (و اضمروا بطونكم)، بطول الجوع (و استعملوا اقدامكم) بالوقوف عليها في الطاعه و الصلاه (و انفقوا اموالكم) في سبيل الله (و خذوا من اجسادكم) باتعابها في ترك الملذات، و القيام بالفضائل (وجودوا بها علي انفسكم) فا

ن الانسان اذا اتعب جسمه في العمل الصاح كملت نفسه و ترقت و ارتفعت (و لا تبخلوا بها) اي بالاجساد (عنها) اي عن النفوس فقد قال الله سبحانه (ان تنصروا الله ينصركم و يثبت اقدامكم) فاذا نصر الانسان دين الله سبحانه بجسمه، نصره سبحانه بترفيعه في الدنيا و الاخره. (و قال تعالي: (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا) بقصد الاخلاص (فيضاعفه له) فيرده عليه مضاعفا (و له اجر كريم) مع اكرام و احترام. (فلم يستنصركم) الله، اي يطلب نصركم (من ذل) له تعالي (و لم يستقرضكم من قل) اي من جهه قله في ماله سبحانه (استنصركم و له جنود السماوات و الارض) كل شي ء في السماوات و الارض مسخر لامره تعالي يفعل ما يامر (و هو العزيز الحكيم) الذي يقدر علي كل شي ء بعزته و قدرته، و يفعل كل شي ء حسب الصلاح بحكمته. (و استقرضكم و له خزائن السماوات و الارض) الخزينه محل الثروه، و الثروه انما تتولد من الشمس و البحر، و الارض، و الفضاء، فكلها خزائن الله سبحانه (و هو الغني) عن كل احد (الحميد) المحمود في غناه، لا كالاغنياء البخلاء او المسرفين منهم. (اراد) سبحانه بالاستنصار و الاستقراض (ان يبلوكم) اي يختبركم (ايكم احسن عملا) ليجازي كل حسب عمله. (فبادروا باعمالكم تكونوا

مع جيران الله في داره) و المراد بجيران الله اهل كرامته الذين

هم تحت لطفه، كما ان الجار تحت لطف الجار- تشبيها للمعقول بالمحسوس- (رافق بهم رسله) اي جعل الله سبحانه هوالاء الجيران مرافقين لرسله (و ازارهم ملائكه) اي امر الملائكه بزيارتهم اكراما لهم (و اكرم اسماعهم ان تسمع حسيس) اي الصوت الخفي (نار ابدا) كما قال سبحانه (لا يسمعون حسيسها و هم فيما اشتهت انفسهم خالدون) (و صان) اي حفظ (اجسادهم ان تلقي لغوبا و نصبا) اللغوب الاعياء الشديد، و النصب التعب كما قال سبحانه عن اهل الجنه: (لا يمسهم فيها نصب و لا يمسهم فيها لغوب) (ذلك) الذي قسم الله سبحانه لعباده الاخيار (فضل الله يوتيه من يشاء) ممن امن و عمل صالحا (و الله ذوالفضل العظيم) علي عباده (اقول ما تسمعون) هذا كلام يقوله الانسان عند ما يريد الفات السامع، الي انه قد اتم الحجه، و بقي علي السامع ان يعمل او لا يعمل (و الله المستعان علي نفسي و انفسكم) بان يعيننا حتي نتمكن من كبح جماح انفسنا (و هو حسبي) اي كافي (و نعم الوكيل) فان الانسان اذا و كل الله سبحانه في امره كفاه احسن كفايه، بفضله و لطفه.

خطبه 183

[صفحه 116]

(قاله للبرج بن مسهر الطائي و قد قال) برج (له) اي للامام (بحيث يسمعه: لا حكم الا لله و كان) برج (من الخوارج) و هم يريدون بهذه الجمله انه لا حاجه الي الدوله و الرئيس، و انما كل انسان يعمل بنفسه فيما فهم انه حكم الله. (اسكت قبحك الله) اي جعلك قبيحا في الدنيا و الاخره (يا اثرم) و هو من سقط ثنايا اسنانه، فصار مشوها عند التكلم و الضحك (فو الله لقد ظهر الحق فكنت فيه ضئيلا شخصك، خفيا صوتك)

كنايه علي انه لم يكن يعمل لا علاء الحق، بل كان في معزل عن الحق، بل كان في معزل عن الحق، يوم اعتلي و ارتفع في زمن الرسول، او زمن الامام حين حارب الجمل و معاويه (حتي اذا نعر الباطل) اي صاح، حين خروج الخوارج (نجمت) اي ظهرت (نجوم قرن الماعز) اي مثل ظهور قرن المعز، فانه يظهر ناتيا في محل معتدل لا يلائمه، و هذا التشبيه لتحقيره.

خطبه 184

[صفحه 231]

يصف فيها المتقين (روي ان صاحبا لاميرالمومنين عليه السلام يقال له همام، و كان رجلا عابدا، فقال يا اميرالمومنين صف لي المتقين حتي كاني انظر اليهم، فتثاقل عليه السلام) اي تباطي ء (في جوابه، ثم قال: يا همام اتق الله و احسن) و الاحسان فوق التقوي، بان يعمل الانسان بالرغائب و المندوبات (فان الله مع الذين اتقوا و الذين اتقوا و الذين هم محسنون) و لعل تثاقل الامام و اختصاره في الجواب لما يعلم من ان التفصيل موجب لهلاكه، كما ياتي في آخر الخطبه (فلم يقنع همام بهذا القول حتي عزم عليه) اي اصران يجيبه اجابه مفصله، و افصم الامام علي ذلك (فحمد الله و اثني عليه، و صلي علي النبي صلي الله عليه و آله ثم قال) عليه السلام: (اما بعد) اي بعد الحمد و الصلاه (فان اله سبحانه و تعالي خلق الخلق حين خلقهم غنيا عن طاعتهم) اي لم يكن محتاجا لطاعتهم (آمنا من معصيتهم) فلم يكن يخاف من عصيانهم (لانه لا تضره معصيه من عصاه) و انما تضر المعصيه ذات العاصي (و لا تنفعه طاعه من اطاعه) و انما تنفع الطاعه نفس المطيع. (فقسم بينهم معيشتهم) اي ارزاقهم التي يعيشون بها (و وضعهم من الدنيا مواضعهم) اي

جعل كل واحد من الناس في الموضع اللائق به، بحيث

ان بمثل هذه المواضع تدار امور الكون. (فالمتقون فيها) اي في الدنيا (هم اهل الفضائل) التي تزين الانسان و تحليه (منطقهم الصواب) اي كلامهم صواب لا هذر و لا محرم فيه، و المنطق مصدر ميمي، بمعني: النطق. (ملبسهم) اي لباسهم (الاقتصاد) فالاقتصاد في الامور، و التوسط بلا زياده و نقيصه، كاللباس لهم الذي به يعرف الانسان، و يحتمل ان يكون المراد انهم متوسطون في ثيابهم، لا يلبسون غالبا، و لا مبتذلا (و مشيتهم التواضع) اي يمشون في الارض متواضعين، او المراد بالمشي السلوك، فان الانسان المتواضع قلبه يتواضع في كل سلوكه. (غضوا ابصارهم عما حرم الله عليهم) اما المراد غض البصر عن مثل النظر الي الاجنبيه، او المراد غض البصر عن المحرمات مطلقا، اي انهم لا ينظرون الي المحرمات بنظر الاراده و التعاطي (و وقفوا اسماعهم علي العلم النافع لهم) فلا يضيعون اسماعهم في استماع اللغو فكيف بالمحرم؟. نزلت انفسهم منهم في البلاء كالتي نزلت في الرخاء) اي نفوسهم في البلاء و الرخاء علي حد سواء، لا انهم يجرعون عند البلاء، شان الذين لا رزانه لانفسهم (و لو لا الاجل الذي كتب لهم) اي كتب الله لهم، و المده المقرره عنده تعالي لهم (لم تستقر ارواحهم في اجسادهم طرفه عي

ن) اي مقداران يحرك الانسان عينه (شوقا الي الثواب، و خوفا من العقاب) فان كثره الرغبه و الرهبه توجبان- في الاولي- خلو القلب من الدم، لان الدم يتوجه الي الخارج للتملي من اللذه- و في الثانيه- كثره الدم في القلب، لان الدم يتوجه الي الداخل فرارا من المولم و في كل واحد من هذين الامرين هلاك الانسان

(عظم الخالق في انفسهم) حيث ادركوا بعض عظمته سبحانه (فصغر ما دونه في اعينهم) اذ الانسان اذا اعرف شيئا عظيما قاس سائر الاشياء بذلك الشي ء، و لذا تصغر تلك الاشياء في عينه. (فهم و الجنه كمن قدر راها) فان الانسان اذا طال فكره في شي ء ارتسم ذلك الشي ء في نفسه حتي كانه حسه باحدي حواسه (فهم فيها منعمون) فان ارتسام النعمه رتبه من رتب التنعم (و هم و النار كمن قد رآها فهم فيها معذبون) علي غرار ما ذكر في الجنه. (قلوبهم محزونه) لانهم لا يدرون ماذا يصنع بهم، و هذا لا ينافي قوله تعالي: (الا ان اولياء الله لا خوف عليهم و لا هم يحزنون) لان ذلك الحزن علي الامور الدنيويه، و الحزن في امر الاخره، الذي يلازم العصات، و الحزن هنا ما يلازم المتقين من جهه الدرجات و ما اشبه (و شرورهم مامونه) يامن الناس شرهم، لانهم لا ياذون احدا (و اجسادهم نحيفه) لك

ثره تفكرهم و عملهم، و قله اكلهم، فان ذلك كله يوجب نحافه الجسم. (و حاجاتهم خفيفه) اذ المومن لا يرغب في كثير من الدنيا حتي تكون حاجته اليها كثيره (و انفسهم عفيفه) عفت اعن الاثام و المعاصي و تنزهت من ارتكاب المحرمات (صبروا اياما قصيره) اي ايام الدنيا (اعقبتهم) تلك الايام اي الصبر فيها (راحه طويله) في الاخره لهم (تجاره مربحه) فان عمل الانسان في الدنيا في حكم التجاره، اذ يعمل هنا، و ياخذ هناك. (يسرها) اي سهل هذه التجاره (لهم ربهم) اذ جعل الثواب بازاء العمل، و بين ذلك لهم بسبب الانبياء (ارادتهم الدنيا فلم يريدوها) بمعني انهم اعرضوا عن الدنيا، و لم يصرفوا وقتهم في تحصيلها، و انما

صرفوه في تحصيل الاخره. (و اسرتهم) اي جعلتهم الدنيا اسيرا لنفسها (ففدوا انفسهم منها) تاسير الدنيا عباره تزيين الدنيا نفسها لهم حتي يطلبوها، و تغديه انفسهم بترك الدنيا و زخارفها. (اما الليل فصافون اقدامهم) اي يصطفون احدي رجليهم بازاء الاخري قائمين (تالين) اي قارئين (لاجزاء القرآن يرتلونه ترتيلا) و الترتيل اظهار الحروف و الوقف علي الوقوف او التدبر، او هما معا. (يحزنون به) اي بالقرآن (انفسهم) فان الانسان اذا تذكر الامور المحزونه حزن، كما انه ت

ذكر الامور المفرحه فرح، و القرآن حيث يشتمل علي التخويفات يوجب الحزن. (و يستثيرون) اي يهيجون (به) اي بسبب القرآن (دواء دائهم) المراد به البكاء، و الداء الكمد الحاصل للانسان من الهموم و الاحزان، فاذا بكي سكن الداء الكائن في قلبه، او ان المراد التعرف علي علاج الرذائل التي هي داء. (فاذا مروا بايه فيها تشويق) الي الثواب (ركنوا اليها طمعا) اي اتكلوا الي تلك الايه راجين ان يصلهم ذلك الثواب (و تطلعت نفوسهم اليها) اي الي تلك الايه، و التطلع النظر الي المحبوب ليطلع عليه (شوقا) الي الثواب. (و ظنوا انها نصب اعينهم) من كثره اشتياقهم، فان الانسان اذا اشتاق الي شي ء تفكر فيه كثيرا، و ذلك ما يوجب ارتسامه في ذهنه. (و اذا مروا بايه فيها تخويف) عن العقاب (اصغوا اليها) الاصغاء الاستماع (مسامع قلوبهم) بمعني انهم التقوا اليها بقلوبهم، لا باسماعهم فقط (و ظنوا ان زفير جهنم و شهيقها) الزفير و الشهيق صوت تنفس الانسان، جذبا للهواء و اخراجا لها الي الخارج، و النار لها هذان الصوتان حين اشتعالها و التهابها (في اصول آذانهم) اي في اعماق آذانهم، و ذلك كنايه عن شده تاثر النفس بها (فهم

حانون) حتي يحنوا اذا انحني (علي اوساطهم) فان الانسان الخا

ئف يحني نفسه، و ذلك ليكون الضغط علي قلبه اكثر، فيحس بالطمانينه، مما يسببها تجمع الدم في القلب، او المراد الركوع. (مفترشون لجباههم و اكفهم و ركبهم و اطراف اقدامهم) هي المواضع التي تصل الي الارض حال السجود (يطلبون الي الله تعالي في فكاك رقابهم) اي خلاصها من النار، و انما نسب الي الرقبه، لانها محل الذنب، بعلاقه انها محل السيف، في الشخص المجرم، قال الشاعر بالنسبه الي الامام عليه السلام: و ضربته كبيعته نجم مواقعه من الناس الرقاب (و اما النهار ف) هم (حلماء) جمع حليم، في اعمالهم (علماء) جمع عالم (ابرار) جمع بر، و هو المحسن (اتقياء) جمع تقي، بمعني المجتنب عن المعصيه (قد براهم الخوف) اي نحتهم الخوف من الله و الخوف من الذنب (بري القداح) جمع قدح بالكسر، و هو السهم، قبل ان يراش، فان الخوف يوجب اذابه اللحم، فقد رقق اجسادهم كما ترقق السهام بالنحت. (ينظر اليهم الناظر فيحسبهم مرضي) لما يري عليهم من آثار الضعف و صفره الوجه و ما اشبه (و ما بالقوم من مرض) اذ ما يشاهد فيهم من آثار الصيام و الصلاه و السهر (و يقول) الناظر (قد خولطوا) اي خلط عقلهم خلل لما يراهم من الانقطاع عن الناس و البكاء و ما اشبه- مما قد يكون مثل ذلك في ال

مجانين،- (و لقد خالطهم امر عظيم) هو الخوف من الله سبحانه الذي اقلقهم و اسهرهم. (لا يرضون من اعمالهم القليل) فان الانسان اذا عليم بالثواب الذي امامه، لابد و ان يستقل عمله و لا يرضي بقليله. (و لا يستكثرون الكثير) اذ الثواب من الكثره بحيث كل عمل كثير

لا يفي به (فهم لانفسهم متهمون) يتهمونها بالتقصير و الكساله (و من اعمالهم) التي عملوها (مشفقون) اي خائفون، هل قبلت حسناتهم؟ و هل يعاقبون علي غير الحسنات؟ (اذا زكي احدهم) اي مدحه الناس (خاف مما يقال له) خوف من يخشي ان لا يكون كذلك فيفضح غدا او يخشي ان يسبب المدح له كبرا و نخوه. (فيقول:) لرد المادح (انا اعلم بنفسي من غيري) و هذا عباره اخري عن القدح (و ربي اعلم بي من نفسي) اذ- حتي الانسان نفسه- لا يعرف نفسه، ثم يتوجهون الي الله سبحانه تواضعا قائلين. (اللهم لا تواخذني بما يقولون) مواخذه من يرضي بما ليس فيه، كما قال سبحانه: لا تحسبن الذين يفرحون بما اوتوا و يحبون ان يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازه من العذاب (و اجعلني افضل مما يظنون) اي يظن هولاء الماد حون في من الخير و الصلاح. (و اغفر لي ما لا يعلمون) من هفواتي و تقصيري.

[صفحه 238]

(فمن علامه احدهم) اي احد هولاء المتقين (انك تري له قوه في دين) اي ان دينه قوي لا يزول بمجرد زخارف الدنيا و شهوات النفس و ما اشبه (و حزما في دين) اي انه متقن لاموره، لكن بدون عنف، بل يعاشر الناس و يعمل بكل رفق و لين. (و ايمانا في يقين) فهو مومن في الظاهر متقين في الباطن (و حرصا في علم) اي في التعلم و التعليم. (و علما في حلم) فان العالم يحتاج الي الحلم الكثير، لانه- بعلمه- يري انحراف الناس، فيلزم ان يكون حليما حتي يتمكن من اجابه المسائل و من الاصلاح. (و قصدا في غني) اي انه و لو كان غنيا، يتوسط في اموره، بدون

سرف و لا يخل (و خشوعا في عباده) اي يعبد خاشعا خاضعا لله سبحانه، لا مجرد اتيان الظواهر (و تجملا في فاقه) اي الفقر، فان الفقراء غالبا لا يهتمون باصلاح ظواهرهم، و ذلك مما يوجب ذلتهم علاوه علي فقرهم، و يستحب للانسان ان يتجمل، فان الله جميل يحب الجمال، كما ورد. (و صبرا في شده) فان المصائب اذا وردت علي الانسان لم يكن امامه الا الصبر و الجزع، و في الاول خير الدنيا بسكون النفس، و خير الاخره بالثواب و الاجر. (و طلبا في حلال) مقابل الطلب كيفما كان حلالا ام حراما (و نشاطا في هدي) اي الجد و القوه في الهدا

يه، بان يعمل بلا كلل في سبيل الهدايه و الاهتداء (و تحرجا) بمعني: عد الشي ء حرجا اي اثما و صعبا (عن طمع) فلا يطمع في مال الناس، او ما اشبه ذلك. (يعمل الاعمال الصالحه و هو في وجل) اي خوف، هل انه عمل بما يلزم عليه ام لا؟ (يمسي) اي يدخل المساء، بمعني: العصر، او الليل. (و همه الشكر) لله سبحانه، علي ما انعم عليه من اول الصباح، فان الشكر بعد النعمه (و يصبح و همه الذكر) لله تعالي، فان الانسان يتذكر الله سبحانه عند الصباح كانه وجود من جديد (يبيت) اي يدخل الليل (حذرا) لا يدري يبقي الي الصباح في امن و سلامه و ذكر (و يصبح فرحا) حيث مر عليه الليل بسلام (حذرا من الغفله) بان يعد من الغافلين- و هذا مصداق لقوله: حذرا (و فرحا بما اصاب) و ادرك (من الفضل و الرحمه) من طرفه سبحانه. (ان استصعب عليه نفسه فيما تكره) اي اذا لم تطاوعه نفسه فيما يشق عليها من

الطاعه (لم يعطها سولها فيما تحب) بان يترك الطاعه، و ياخذ بالشهوات التي تريدها نفسه. (قره عينه) اي فرحه و الاصل فيه ان عند الفرح تستقر العين، لا تتحرك كالمضطرب الذي ينظر هنا و هناك ليجد الملجا و المفر (فيما لا يزول) اي: الاخره (و زهادته) اي تفرقه (فيما لا يبقي) اي الدنيا. (يمزج الحل

م بالعلم) اي يتصف بالحلم مع انه عالم، و ذلك لان العلم يحتاج الي حلم كبير ليعلم الجهال، و يتعلم هو بنفسه المسائل العضال. (و القول بالعمل) فلا يكتفي بالاقوال فقط (تراه) ايها الرائي (قريبا امله) لا يامل بعيدا، كامل اهل الدنيا الذين يرون انفسهم باقين فيها مده مديده، فان طول الامل ينسي الاخره. (قليلا زلله) جمع زله، بمعني: العصيان، و فعل ما لا ينبغي، فان الانسان اذا كان واعيا ملتفتا تقل خطاياه (خاشعا) اي خاضعا لله سبحانه (قلبه) لا ان يكون قلبه صلدا، و انما الخشوع سمه جوارحه فقط، كالمرائي (قانعه نفسه) بما اعطاه الله سبحانه. (منزوزا اكله) اي قليلا، من النزر (سهلا امره) لا يتكلف في اموره كما يتكلف اهل الدنيا في امورهم. (حريزا) اي حصينا محفوظا (دينه) لا ينثلم بالشهوات (ميته شهوته) كنايه عن عدم اتباعه للشهوات (مكظوما غيظه) الكظم الاخماد، اي لا يظهر غضبه اذا غضب (الخير منه مامول) يامل الناس خيره، لانه من اهل الخير (و الشر منه مامون) اذ لا يريد شرا بالناس. (ان كان) بجسده (في الغافلين) بان كان في جملتهم جسما (كتب في الذاكرين) لله سبحانه لانه ذاكر بقلبه. (و انكان في الذاكرين) بجسده (لم يكتب من الغافلين) لانه ذاكر كما هم ذا

كرون، لا انه كالغافل في وسط الذين يذكرون الله سبحانه (يعفو

عمن ظلمه) كما قال سبحانه: (و ان تعفوا اقرب للتقوي) (و يعطي من حرمه) لانه لا يريد الانتقام فاذا كان الذي حرمه اهلا لان يعطي اعطاه. (و يصل من قطعه) فانه لا يفعل القطيعه المذمومه، انتقاما، و لو ان طرفه قطعه (بعيدا فحشه) اي كلامه القبيح، و السباب، و معني بعده عدم تناوله له. (لينا قوله) و لا جافيا (غائبا منكره) اي لا يفعل الافعال المنكره (حاضرا معروفه) اي يعمل العمل المعروف (مقبلا خيره مدبرا شره) اي يعمل الاول و يترك الثاني. (في الزلازل وقور) اي لا يضطرب في الشدائد، فان الاضطراب فيها يوجب عدم التمكن من مقاومتها، و عدم المجال لفكر كيفيه حلها و التخلص منها. (و في المكاره صبور) يصبر عند الامر المكروه، حتي يمر بسلام (و في الرخاء) و السعه (شكور) كثير الشكر له سبحانه (لا يحيف) اي لا يجور (علي من يبغض) كما هو عاده كثير من الناس اذا عضبوا جاروا بالقول و العمل علي من غضبوا عليه (و لا ياثم) اي لا يعصي الله (فيمن يحب) لارضاء حبيبه، فلا يفرط في لوازم محبه، كان يعطي من يحبه اكثر من استحقاقه- مثلا-. (يعترف بالحق قبل ان يشهد عليه) اي يطلب منه الشهاده حرصا له علي احقاق ا

لحق (لا يضيع ما استحفظ) اي ما جعل عنده وديعه، ليحفظها. (و لا ينسي ما ذكر) فلو ذكره الله سبحانه شيئا، او ذكره احد، لا ينسي ذلك الشي ء، اهمالا و تساهلا (و لا ينابز بالالقاب) اي لا يدعو غيره باللقب الذي يكره، كما قال سبحانه: (و لا تنابزوا بالالقاب). (و لا يضار بالجار) اي لا يكون سببا لضرر الجار (و لا يشمت بالمصائب) فلا يفرح

اذا نزل بغيره مصيبه، و لا يقول قول المتشفي. (و لا يدخل في الباطل) كيفما كان من قول او عمل (و لا يخرج من الحق) بان يتركه (ان صمت) اي سكت (لم يغمه صمته) اي الم يحزن لسكوته، لانه يري الصمت فضيله (و ان ضحك لم يعل صوته) فان ذلك قبيح، و انما ضحكه التبسم. (و ان بغي عليه) اي ظلم (صبر حتي يكون الله هو الذي ينتقم له) فان الله ياخذ بحق المظلوم من الظالم. (نفسه منه في عناء) اي في تعب من الاعمال الصالحه (و الناس منه في راحه) لانه لا يوذي احدا (اتعب نفسه لاخرته) عباده و عملا صالحا (و اراح الناس من نفسه) فلا يكلفهم و لا يوذيهم. (بعده عمن تباعد عنه زهد و نزاهه) فانه اذا تباعد عن شخص كان لاجل اطاعه الله في الابتعاد، و لانه يريد ان لا يتلوث باثامه، لا ان يكون ابتعاده لاجل هوي نفسه (و دنوه ممن دنا منه) اي اقتر

ب اليه (لين) اي دنو لين (و رحمه) يرحمه بها، لا خدعه و ابتزاز لماله، او نحو ذلك. (ليس تباعده بكبر و عظمته) كما ذلك عاده الجبارين (و لا دنوه بمكر و خديعه) و هاتان الجملتان مصداقان لما سبق. (قال) الراوي (فصعق همام صعقه كانت نفسه فيها) اي في تلك الصعقه اي الغشوه نفسه بان مات من شده التاثر بهذه الخطبه فقال اميرالمومنين عليه السلام: (اما و الله لقد كنت اخافها) اي الصعقه، (عليه) اي علي همام (ثم قال) عليه السلام: (اهكذا تصنع المواعظ البالغه باهلها)؟ الاستفهام للتعجب عن صنع الموعظه، و انما يموت الانسان لشده الفرح الموجبه لخلو القلب عن الدم، او لشده الحزن الموجبه لامتلاء

القلب بالدم (فقال له قائل: فما بالك يا اميرالمومنين)؟ اي لما ذا لا تموت انت مع اطلاعك علي هذه الموعظه. (فقال:) (ويحك) كلمه توبيخ، و قد تستعمل في الاطراء (اذ لكل اجل) في انقضاء عمر الانسان (وقتا لا يعدوه) اي لا يتجاوز عنه (و سببا) اي للموت (لا يتجاوزه) و لو الي قبل ذلك الوقت (فمهلا) اي انتظر في كلامك و ترو (لا تعد لمثلها) اي لمثل هذه الكلمه (فانما نفث) اي نفخ (الشيطان علي لسانك) حتي تكلمت بهذا الكلام، و السران النفوس الكبيره لا تتاثر بما تتاثر به النفو

س الصغيره، و لذا تري شده فرح انسان صغير بدميه، او شده حزنه لفقد درهم، مما لا يوثر اضعاف ذلك، في النفس الكبيره.

خطبه 185

[صفحه 245]

(نحمده) تعالي (علي ما وفق له من الطاعه) اي من الطاعه له تعالي (و ذاد) اي دفع (عنه) سبحانه (من المعصيه) اي دفع المعصيه عن نفسه بارشاد الانسان الي مواضع سخطه (و نسئله لمنته) اي فضله (تماما) بان يتم فضله علينا (و بحبله اعتصاما) اي يوفقنا الان نعتصم بحبله، و المراد دينه. (و نشهد ان محمدا عبده و رسوله) ذكرنا سابقا ان تقديم عبده لعله في مقابل اليهود و النصاري الذين يجعلون انبيائهم ابناء الله و شركائه. (خاض الي رضوان الله كل غمره) اي دخل في كل شده لاجل رضاه سبحانه (و تجرع فيه) اي في رضاه (كل غصه) اذا شرب الانسان الماء فلم يسغه بان لم ينزل من حلقه بسهوله، يقال: غص بالماء (و قد تلون له الادنون) اي تقلب له اقربائه صلي الله عليه و آله فكانوا يوما له و يوما عليه، الا النادر منهم (و تالب) اي اجتمع علي

عداوته (الاقصون) اي الابعدون الذين لم يكن لهم قرابه معه صلي اله عليه و آله. (و خلعت اليه العرب اعنتها) جمع عنان، و هو الزمام، اي انهم صاروا ضده يعادونه (و ضربت الي محاربته بطون رواحلها) جمع راحله، و هي الناقه، اي انهم ساقوا ركائبهم لمحاربته، فان الانسان اذا اراد سرعه مشي دابته ضرب برجله بطنها (حتي انزلت) العرب

(بساحته) اي بفناء محله، و المراد المدينه المنوره (عداوتها) اي جائوا الي هناك لمعاداته (من ابعد الدار) و هي مكه (و اسحق المزار) اي اقصي محل الزياره، فان السحق بمعني البعد.

[صفحه 246]

(اوصيكم) يا (عباد الله بتقوي الله) اي الحذز منه و اجتناب محرماته (و احذركم اهل النفاق) اي اخوفكم من المنافقين، لا تغتروا بهم (فانهم الضالون) الذين تاهوا عن الطريق (المضلون) الذين يضلون من عداهم. (و الزالون) من زل بمعني: اخطاء (المزلون) اي الموقعون للناس في الخطاء (يتلونون الوانا) فلهم كل يوم لون، اذ انهم لا يسيرون علي مبدء، و انما يسيرون وفق مصالحهم، فاين ما كانت مصالحهم انحازوا نحوها (و يفتنون) اي ياخذون في فنون من العمل و القول (افتنانا) لا ياخذون طريقه واحده، مثل اصحاب المبادي. (و يعمدونكم بكل عماد) اي يقيمونكم بكل ما يعتمد عليه لتتبعوا طريقهم، فان من يريد الجاء غيره الي جانبه ياتي اليه بكل وسيله (و يرصدونكم بكل مرصاد) اي يترقبونكم في كل مكان، ليصيدونكم بحبائلهم، و يدخلونكم في جمعهم (قلوبهم دويه) اي مريضه من الدوي بالقصر بمعني المرض. (و صفاحهم) جمع صفحه، و المراد صفحه وجههم (نقيه) عن آثار العداوه، لانهم يظهرون انفسهم، في صوره البري ء، و قلوبهم تملي ء من النفاق او المراد نقائها من آثار الطاعه و لعباده (يمشون

الخفاء) اي مشي التستر لئلا يطلع احد علي باطن امرهم (و يدبون الضراء) الدب هو المشي الخف

ي، اي: يسيرون في المجتمع سير المرض في الجسم اينما وصلوا افسدوا. (وصفهم دواء) اي يصفون الدواء للامراض الاجتماعيه (ليراهم الناس مصلحين- و قولهم شفاء) عن الامراض لانهم يرشدون الناس الي ادويه امراضهم النفسيه (و فعلهم الداء العياء) اي الداء الذي اعجز الاطباء و اعياهم عن علاجه (حسده الرخاء) جمع حسود، اي يحسدون الناس علي السعه (و موكدوا البلاء) اي اذا نزل البلاء باحد اكدوه و زادوه بالشماته و السعي لاعضاله (و مقنطوا الرجاء) اي اذا رجي احدا شيئا اوقعوه في القنوط و الياس. (لهم بكل طريق صريع) اي انهم كثيرا ما خدعوا اناسا فاهلكوهم، كمايهلك القاتل من يصرعه، و يطرحه علي الارض (و الي كل قلب شفيع) فهم يجعلون الي كل انسان وسائل ليقضوا ماربهم اذا احتاجوا اليها (و لكل شجو) اي حزن (دموع) يبكون لكل انسان مفجوع تصنعا و تزلفا حتي يقربوا انفسهم الي قلبه (يتقارضون الثناء) اي كل واحد منهم يثني علي الاخره و يطريه، ليثني الاخر عليه، لا لاستحقاق احدهم للثناء. (و يتراقبون الجزاء) اي يعمل كل للاخره ليعمل الاخر له، لا كالمومنين الذين يعملون لله سبحانه (ان سالوا الحفوا) اي الحوا في السوال و بالغوا (و ان عذلوا) اي الاموا احدا (كشفوا) اي فضحو

ا من يلومونه، اذ ليس قصدهم الاصلاح بل الفضيحه و الانتقام. (و ان حكموا اسرفوا) في الحكم بان يزيدون في التقدير (قد اعدوا لكل حق باطلا) اي جعلوا قبال كل حق باطلا لصرف الناس الي ذلك الباطل- الذين البسوه لباس الحق- (لكل قائم مائلا) اي جعلوا بازاء كل شي ء مستقيم شيئا

منحرفا (و لكل باب مفتاحا) حتي لا يصعب عليهم و لو حج كل مكان لقضاء ماربهم (و لكل ليل مصباحا) فاذا ادلهم خطب هيئوا- قبلا- لذلك ما ينيرهم حتي لا يسقطوا في الظلمه. (يتوصلون الي الطمع بالياس) اي انهم باظهارهم الياس عما في ايدي الناس يتوصلون الي مطامعهم الدنيويه، فان الناس يقضون حوائج الذين يظهرون الياس عما في ايديهم، و لذا قال عليه السلام: (ليقيموا به) اي: (و ينفقوا) اي يروجوا (به) اي بذلك الياس (اعلاقهم) جمع (علق) بمعني الشي ء النفيس (يقولون فيشبهون الحق بالباطل، و الباطل بالحق (و يصفون فيموهون) التمويه التلبيس، و المراد وصف الاشياء بما ليس من اوصافها (قد هونوا) اي سهلوا علي الناس (الطريق) الذي يسيرون عليه بان قالوا لهم ان طريقتنا الذي نسير عليه طريق سهل يسير، حتي يتبعهم الناس. (و اضلعوا المضيق) اي عوجوا مضائق الطرق، و المضائق كنايه عن الداخل الدقيقه، الت

ي يظهر فيها باطنهم و نفاقهم، و تعويجها، ارائه الناس انهم لا يقصدون هذا الطريق، و انما يريدون غيره، تعميه عليهم، اذ لو دخلوا في المضائق بدون التعميه ظهر باطنهم الفاسد. (فهم لمه الشيطان) اللمه الجماعه، اي انهم من جماعه الشيطان (و حمه النيران) الحمه ابره العقرب التي تسلع بها، فكان نار جهنم بواسطه هولاء تلسع الناس و توصل المها اليهم (اولئك حزب الشيطان الا ان حزب الشيطان هم الخاسرون) الذين خسروا دنياهم و آخرتهم.

خطبه 186

[صفحه 250]

فيها الحمد لله، و الثناء علي رسوله، و الوعظ: (الحمد لله الذي اظهر من آثار سلطانه) اي آثار سلطانه علي الكون، فان الخلق من آثار سلطه الله سبحانه (و جلال كبريائه) اي ارتفاع عظمته (ما حير مقل العيون) جمع مقله، و هي

شحمه العين التي تجمع السواد و البياض (من عجائب قدرته) بيان ما (وردع) اي منع (خطرات هماهم النفوس) جمع همهمه، و هي صوت خفي عند حديث النفس، و المراد تشبيه ما يخطر بالبال عند اراده ادراك كنهه سبحانه (عن عرفان كنه صفته) اي كنه ذاته و صفاته. (و اشهد ان لا اله الا الله شهاده ايمان و ايقان) لا كشهاده المنافقين الذين لم يدخل الايمان قلوبهم، و لا كشهاده ضعفاء الايمان من المومنين الذين لم يتيقنوا يقينا راسخا (و اخلاص) لا شرك فيه (و اذعان) اي خضوع لله سبحانه. (و اشهد ان محمدا عبده و رسوله ارسله و اعلام الهي دراسه) الواو للحال، و المراد باعلام الهدي الاحكام و الاثار التي تدل علي الاصول، و دراسه بمعني منهدمه. (و مناهج الدين) جمع منهج، بمعني الطريق (طامسه) من طمس بمعني انمحي و اندرس (فصدع بالحق) اي قام بالحق واصل الصدع الكسر، و المراد كسر الباطل بصمه الحق (و نصح للخلق) بان ارشدهم اليما يسعدهم في الدار

ين. (و هدي الي الرشد) مقابل الغي، بمعني الضلال (و امر بالقصد) اي يسلك الناس سلوكا وسطا لا افراط و لا تفريط، في جميع امورهم.

[صفحه 251]

(و اعلموا عباد الله) منادي حذف حرف النداء منه، نحو (يوسف اعرض عن هذه) (انه) تعالي (لم يخلقكم عبثا) اي بلا غايه و بدون مصلحه (و لم يرسلكم) تشبيه للخلق بالارسال (هملا) اي بدون اوامر و نواهي (علم) سبحانه (مبلغ نعمه عليكم) اي مقدارها (و احصي احسانه اليكم) فليس احسانه بلا حساب (فاستفتحوه) اي اطلبوا منه ان يفتح عليكم الابواب التي اغلقت في وجوهكم (و استنجحوه) اي اطلبوا منه نجاح اموركم. (و اطلبوا) حوائجكم (اليه) اي

منتهيا اليه تعالي (و استمنحوه) اي اطلبوا منه العطاء و المنحه. (فما قطعكم عنه) تعالي (حجاب) اي لا حجاب بينه و بين خلقه (و لا اغلق عنكم دونه) سبحانه (باب) بالعكس من الملوك و الكبراء. (و انه) سبحانه (لبكل مكان) اللام للتاكيد، و معني انه في كل مكان، نفوذ علمه و قدرته، اذ ليس سبحانه جسما، و هو منزه عن الزمان و المكان. (و في كل حين و اوان) جمع آن بمعني الزمان، و ليس كالموجودات، التي تكون حينا و لا تكون حينا- قبل خلقها، و بعد انعدامها- (و مع كل انس و جان) معيه العلم و القدره، لا معيه الاجسام (لا يثلمه) اي لا ينقصه (العطاء) لان العطاء لا يخرج عن ملكه، و لانه قادر علياخلق ما لا يحصي. (و لا ينقصه الحبا

ء) الحباء العطيه بدون مكافئه، اي لا تنقص خزائنه عن اعطاء شي ء (و لا يستنفذه سائل) استنفذه اي جعله نافذ المال، لا شي ء عنده فان السائلين لا يتمكنون من ذلك، اذ لا ينفذ ما لديه تعالي (و لا يستقصيه نائل) استقصا، بمعني اتي علي آخر ما عنده، اي ان الذين ياخذون منه لا ياتون علي آخر ما عنده تعالي، اذ عطائه بدي لا آخر له. (و لا يلويه شخص عن شخص) فاذا توجه سبحانه الي شخص لم يكن ذلك سببا لان ينصرف و يميل عن التوجه الي الاخرين (و لا يلهيه صوت عن صوت) الهاء بمعني اشغله، فان اله سبحانه يسمع جميع الاصوات في آن واحد، لا كالانسان الذي اذا استمع الي صوت لم يقدر ان يستمع الي آخر. (و لا تحجزه) اي لا تمنعه (هبه) لاحد (عن سلب) لاخر، و بالعكس

من ذلك الانسان، فانه اذا اشتغل بالعطاء لم يتمكن من السلب، اذ لا حواس له تفي بالجهتين و الله ليس بجسم، فانه يعطي لهذا و ياخذ من هذا في حال واحد. (و لا يشعله غضب) علي احد (عن رحمه) لاخر، فانه يرحم هذا، و يغضب علي، لك في حال واحد، (و لا تولهه) اي الا تحيره (رحمه عن عقاب) بان يرحم احدا و يعاقب غيره، او المراد الرحمه و العقاب بالنسبه الي انسان واحد، في حال واحد، من جهتين، كان يعطيه الحياه رحمه، و ي

مرضه عقابا. (و لا يجنه) اي لا يستره (البطون) اي كونه تعالي مخفيا (عن الظهور) لخلقه، باثاره فهو باطن بذاته، ظاهر باثاره (و لا يقطعه الظهور) باثاره (عن البطون) و معني يقطعه يمنعه، اي ظهوره لا يمنع عن كونه باطنا. (قرب) الي الناس علما و قدره (فناي) اي بعد، فان قربه الي كل حد موجب لبعده عن مشابهه الاجسام، اذ لو كان شبيها بالاجسام لما قرب الي كل احد، فان نسبه الجسم لابد و ان تختلف، قربا الي بعض الاشياء و بعدا عن بعض الاشياء. (و علا) اي ارتفع عن مشابهه المخلوقات (فدنا) اليها بالعلم و القدره، اذ علوه سبحانه سبب قربه (و ظهر) للناس باثاره (فبطن) اي لم يعرف كنهه، و الظهور سبب البطون، اذ لو لم يكن له هذه الاثار الظاهره، لم يكن باطنا مخفيا، فان مثل الاثار الكثيره لا تاتي الا من الواجب وجوده، و ذلك يلازم خفاء الكنه. (و بطن) اي اختف كنهه (فعلن) باثاره- علي عكس ما تقدم- و لا يخفي ان تعليل كل من الضدين بالاخر، من جهه كونهما معولا لشي ء واحد فباعتبار هذا عله

ذاك، و باعتبار آخر بالعكس (و دان) اي حاسب الخلائق (و لم يدن) اي لم يحاسبه احد (لم يذر) اي لم يخلق (الخلق باحتيال) اي بتفكر و طلب علاج، فان الحيله بمعني معالجه الامر للوصو

ل اليه. (و لا استعان بهم) اي بالخلق (لكلال) اي ملل من التعب، كما يستعين الانسان بشخص اذا مل و كل عن عمله.

[صفحه 254]

(اوصيكم عباد الله بتقوي الله) اي الخوف منه امسبب الاجتناب معاصيه و الاتيان باوامره (فانها) الي التقوي (الزمام) الذي ياخذ بها الانسان ليوجهه نحو السعاده، مثل زمام الفرس و شبهه (و القوام) اي ما يقوم الانسان، فلا ينحرف و لا يضل. (فتمسكوا بوثائقها) اي اعتصموا بالامور الوثيقه المحكمه من التقوي، اتي ليس فيها رباء و نفاق و بدعه (و اعتصموا بحقائقها) اي بالتقوي الحقيقه، لا مثل الوسوسه التي توجب كثره تطهير الانسان لمده و ثويه، فيسمي في العرف منقيا، و ليس به (تول بكم) تلك التقوي، اي تصيركم و تنتهي بامركم (الي اكنان الدعه) اكنان جمع كن بالكسر و هو ما يستكسن به، و الدعه خفض العيش و سعته. (و اوطان السعه) اي المحلات التي هي وسيعه من حيث المساحه و من حيث النعمه و ما اشبه (و معاقل الحرز) جمع معقل بمعني الحصن، و الحرز الحفظ من كل آفه و بلاء (و منازل العز) الموجبه لعزه الانسان فلا ذله فيها (في يوم تشخص فيه الابصار) و ذلك يوم القيامه، و شخوص البصر كنايه عن دهشه الانسان، فان الشخوص بمعني السفر، و المراد هنا حركه الابصار هنا و هناك لتجد ملجائا و مفرا، كما هو شان الخائف. (و تظلم له) اي لذلك اليوم (الاقطار) جمع قطر، بم

عني: القطعه

من الارض، او اطرافها، فان في يوم القيامه تشمل ظلمه حالكه المحشر- كما ورد-. (و يعطل فيه صروم) جمع صرمه، و هي: القطعه من الابل من عشره الي خسمين (العضار) جمع عشراء، و هي: الناقه مضي لحملها عشره اشهر، و حيث ان الابل من نفائس اموال العرب كني بذلك عن شده الهول المسيطره علي الموقف، حتي ان الناس يذهلون عن اهم و انفس اموالهم، فلا يراعونها، اذ التعطيل معناه الاهمال قال سبحانه: و اذ العشار عطلت (و ينفخ في الصور) و هو بوق ينفخ فيه اسرافيل مرتين مره عند انقضاء الدنيا فيموت كل انسان، و مره عند قيام الاخره، فيحي كل انسان. (فتزهق كل مهجه) المهجه النفس، و معني زهوقها دهشتها، كانها زاهقه بالطله، لا تقدرا ان تعمل شيئا (و تبكم) الابكم الاخرس (كل لهجه) اي لسان، فلا يتكلم انسان من الخوف (و تدك الشم) جمع اشم، بمعني: الرفيع (الشوامخ) جمع شامخ، و هو الكثير الارتفاع، و المراد بذلك الجبال، و دكها عباره عن نسفها حتي تكون كالصوف المندوب كما قال سبحانه: (و دكت الجبال دكا دكا). (و الصم) جمع اصم، و هو المحكم الذي لا تجويف فيه (الرواسخ) جمع راسخ، بمعني الثابت الذي لا يضطر، و هذا عباره اخري عن الجبال (فيصير صلدها) اي الصلب الامل

س من الجبال (سرابا) اي كالسراب، الذي هو شبه الماء في طرف الافق، و ليس بماء، قال سبحانه: (و سيرت الجبال فكانت سرابا). (رقرقا) اي مضطربا، و منه يسمي الماء الرقراق، لانه لا يستقر (و معهدها) اي محل الجبال الذي كان يعهد وجودها فيه (قاعا) القاع المطمئن من الارض الذي لا نتوء فيه (سملقا) اي مستويا، كما قال سبحانه:

(لا تري فيها عوجا و لا امتا) (فلا شفيع يشفع) لمن لا يستحق الشفاعه، فان الشفاعه هناك ليست كالشفاعه في الدنيا يشفع كل انسان لصديقه، بل لا يشفعون الا لمن ارتضي (و لا حميم) اي صديق (يدفع) الاهوال و العذاب عن الانسان (و لا معذره) اي عذر (تنفع) حتي تخلص صاحبها عن العذاب، اذا كان مستحقا له.

خطبه 187

[صفحه 257]

حول: بعثه الرسول (ص)، و موعظه الناس: (بعثه) اي ارسل الله رسول الاسلام صلي الله عليه و آله (حيث لا علم قائم) اي دين و شريعه تكون علما للناس يهديهم الي الطريق الموصل الي السعاده، تشبيها باعلام الطرق التي توضع لتدل عليها (و لا منار ساطع) المنار الموضع المرتفع الذي يوضع عليه النور ليلا ليهتدي الماره الي الطريق، و الي محل الضيافه، و الساطع المرتفع الظاهر (و لا منهج) اي طريقه (واضح) يعرفه الانسان فيسلكه ليوصله الي السعاده. (اوصيكم) يا (عباد الله بتقوي الله) الخوف منه، الموجب لعبادته و طاعته و اجتناب معاصيه. (و احذركم الدنيا) اي اخوفكم من التلوث بالدنيا الموجبه لذهاب آخرتكم (فانها دار شخوص) اي الذهاب و الانتقال، لا يبقي الانسان فيها (و محله تنغيص) اي محل ينغص عيش الانسان بالهموم و الاكدار (ساكنها ظاعن) اي مسافر، فان الانسان و انكان ساكنا فيها، فانه لابد و ان يسافر الي الاخره (و قاطنها) اي الذل قن و سكن فيها (بائن) اي مبتعد منفصل عنها، بعد قليل، و ذلك حين يموت. (تميد) اي تضطرب (باهلها ميدان السفينه) اي مثل اضطراب السفينه في امواج البحار، فانها تقلب الناس من حال الي حال (تقصفها)، اي تكسرها (العواصف) جم

ع عاصفه، و هي الريح الشديده (في لجج البحار) جمع لجه

و هي وسط البحر. (فمنهم الغرق) الذي غرق عند انكسار سفينته (الوبق) اي الهالك، و هم الذين غرتهم الدنيا فتعاطوا المحرمات، حتي افسدوا آخرتهم. (و منهم الناجي علي بطون الامواج) بان ركب قطعه من الاخشاب المتكسره من السفينه و بقي علي بطن الموج لا يدري مصيره و مسيره (تحفزه) اي تدفعه (الرياح باذيالها) جمع ذيل، اي اطرافها (و تحمله) الرياح (علي اهوالها) فهول الغرق، و هول ان يكون طعمه للاسماك، و هول البقاء في البحر حتي يموت بلا اكل و استراحه. (فما غرق منها) اي من السفينه بمن فيها (فليس بمستدرك) اي لا يمكن ان يدركه الانسان و ينجيه (و ما نجا منها فالي مهلك) اي الناجي غالبا، يبقي في البحر حتي يهلك و يموت. يا (عباد الله، الان فاعلموا) للنجاه من اموال الاخره، و انتم في الدنيا (و الالسن مطلقه) يمكنكم الذكر و التسبيح و النطق بالخير، قبل قيد الالسن عند لاموت (و الابدان صحيحه) تتمكنون من عمل الخير و العباده (و الاعضاء) اي الجوارح (لدنه) اي لينه تطيعكم، قبل ان تيبس و لا تتحرك (و المنقلب فسيح) اي ان مكان الانقلاب ما الضلال الي الهدي واسع يمكنكم ذلك. (و البجال عريض) اي واسع يمكنكم ال

تدارك لما فات منكم (قبل ارهاق الفوت) ارهقه الشي ء اي اتعبه، و الفوت ذهاب الفرصه بحلول الاجل، و وصول الموانع (و حلول الموت) اي مجيئه. (فحققوا عليكم نزوله) اي اجعلوه كالمحقق الكائن لا محاله، و لا تكونوا غافلين كالذين لا يهتمون بالموت كانهم شاكون فيه (و لا تنتظروا قدومه) حتي تعملوا، بل اعملوا قبل ان يرد الموت بكم، كالذي يعمل للضيف قبل نزوله به

خطبه 188

[صفحه 260]

يذكر فيه قصته مع

الرسول صلي الله عليه و آله و سلم، و يحرض اصحابه علي الجهاد: (و لقد علم المستحفظون) اي الذين اودعهم النبي صلي الله عليه و آله علمه و امانته، و العلماء الذين استحفظوا الدين فان استحفظ متعد، و ليس بلازم (من اصحاب محمد صلي الله عليه و آله اني لم ارد علي الله) بان لا اقبل له حكما، كما كان بعض الصحابه يفعل ذلك (و لا علي رسوله) بان يامر النبي بامر فلا اطيعه، كما كان غيري يفعل ذلك، و الفرق ان الاول رد لحكم من احكام القرآن، و الثاني رد لامر من اوامر الرسول صلي الله عليه و آله (ساعه قط) اي ابدا، حتي في لحظه واحده، فان الساعه لغه بمعني: الجزء من الزمان. (و لقد واسيته) اي الرسول صلي الله عليه و آله (بنفسي) بان اشركت نفسي مع الرسول صلي الله عليه و آله في الشده، او قدمت نفسي لاقي الرسول فان المواسات تستعمل في الامرين (في المواطن التي تنكص فيها الابطال) نكص بمعني فر، و لم يقدم (و تتاخر فيه الاقدام) جمع قدم، و ذلك كيوم حنين و خيبر واحد و غيرها، ممن فر الصحابه فيها، و ثبت الامام كالجبل الاشم، يدافع عن الرسول صلي الله عليه و آله حتي قال ابن ابي الحديد يصف شيخيه: لو يكن فيهما شجاعه قرم فلماذا في

الدين ما بذلاها. (نجده) اي كانت تلك الاقدامات نجده، و شجاعه (اكرمني الله بها) اذ الانسان لا يكرم الا عند الامتحان اذا نجح. (و لقد قبض رسول الله صلي الله عليه و آله) اي قبض الله روحه عن جسده (و ان راسه لعلي صدري) و هذا البيان انه كان مع الرسول

صلي الله عليه و آله الي آخر لحظه من لحظات حياته صلي الله عليه و آله و سلم: (و لقد سالت نفسه) اي روحه الطاهره (في كفي) فان الروح كما ثبت جسم لطيف- من قبيل الهواء و الضياء- يراها اولياء الله تعالي (فامررتها علي وجهي) تبركا بها (و لقد و ليت غسله صلي الله عليه و آله) اي فوض الي غسله صلي الله عليه و آله. (و الملائكه اعواني) في التغسيل (فضجت الدار و الافنيه) اي ازدحمت بالملائكه، و افنيه جمع فناء، و هو ما استع من الدار و الساحه (ملا) اي جمع من الملائكه (يهبط) اي ينزل الي الارض (و ملا يعرج) اي يصعد الي السماء (و ما فارقت سمعي هينمه) هي الصوت الخفي (منهم) اي من الملائكه (يصلون عليه) اي علي الرسول صلي الله عليه و آله (حتي و اريناه) اي دفناه (في ضريحه) اي قبره. (فمن ذا احق به مني حيا و ميتا) حتي ياخذ مقامه بعده؟. (فانفذوا علي بصائركم) اي سيروا الي العدو عن بصيره بامامكم، لا ريبه ف

ي قلوبكم من الامر، و لتصدق نياتكم في جهاد عدوكم) لا ان تكون نياتكم مدخوله بالشك في صحه هذا الجهاد و عدمه (فو الذي لا اله الا هو اني لعلي جاده الحق) الموصله اليه (و انهم) اي الاعداء (لعلي مزله الباطل) مكان الزلل الموجب للسقوط في الهلكه (اقول ما تسمعون) هذا كتاكيد للمطلب، و اصله ان الانسان يمكن فيه الاشتباه، فاذا قال مثل هذه الكلمه اراد افاده انه واع لكلام نفسه، لا اشتباه و لا غفله عنده (و استغفر الله) اي اطلب غفرانه (لي و لكم).

خطبه 189

[صفحه 263]

في علم الله، و الحث علي

التقوي، و بيان فضل الاسلام، و الرسول، و القرآن: (يعلم) سبحانه (عجيج الوحوش في الفلوات) عجيج الوحش اصواتها، و فلوات جمع فلات، بمعني الصحراء (و معاصي العباد في الخلوات) حيث ليس هناك احد يطلع عليها (و اختلاف النينان) جمع نون، بمعني الحوت و اختلافها ذهابها و مجيئها و حركتها (في البحار الغامرات) اي العميقه الكثيره الماء (و تلاطم الماء) اي تحركه و اضطرابه (بالرياح العاصفات) التي تعصف اي تهب بشده. (و اشهد ان محمدا نجيب الله) اي مختاره الذي انتجبه (و سفير وحيه) اي الواسطه الذي ياخذ الوحي من ناحيته تعالي، ليوصله الي العباد (و رسول رحمته) الذي بعثه ليرحم العباد ببيان المنهاج المسعد للانسان في دنياه و آخرته فان منهاج الاسلام يوجب للانسان الخلاص من كل هم و حزن، و كل مشكله و عقده في الحياه الدنيويه، اما الاخره فالاسلام كفيل بالجنه للمسلم العامل.

[صفحه 264]

(اما بعد) الحمد والصلاه (فاني اوصيكم بتقوي الله الذي ابتدا خلقكم) بان كان مبرئكم منه (و اليه يكون معادكم) اي عودكم، و معني اليه الي حكمه و قضائه و حسابه (و به نجاح طلبتكم) فان طلب الانسان لا ينجح الا باراده الله سبحانه (و اليه منتهي رغبتكم) فان انتهاء رغبه الانسان الكمال المطلق الذي لا يتاتي الا من قبله سبحانه (و نحوه) تعالي (قصد سبيلكم) فان طريق الانسان ينتهي الي جناحه تعالي- اي الي ثوابه و عقابه- (و اليه مرامي مفزعكم) مرمي الفزع ما يدفع اليه الخوف، و هو الملجاء الذي يتوجه اليه الانسان ليامن من خوفه و المفزع مصدر ميمي. (فان تقوي الله دواء داء قلوبكم) و داء القلب الرذائل، فاذا اتقي الانسان ذهبت الرذيله عن قلبه، لانها منهيه

لله سبحانه فيتركها الانسان حسب تقواه (و بصر عمي افئدتكم) جمع فواد، و هو القلب، فان القلب غير المتقي اعمي الا يبصر العواقب، فاذا اتقي الانسان ابصر قلبه حقائق الامور و عواقبها. (و شفاء مرض اجسامكم) فان الامراض غالبا و لائد المحرمات و ما اشبه، فاذا اتقي الانسان شفي جسمه- و لذا يكون الطابع العام للمجتمع المتدين الصحه، و للمجتمع غير المتدين المرض-. (و صلاح فساد صدوركم) بالحقد و الغ

ل و الكبر و ما اشبه، فان التقوي تذهب امراض الصدر (و طهور دنس انفسكم) فلا تكون نفوسكم جبانه او بخيله او ما اشبه. (و جلاء غشاء ابصاركم) العشوه الضعف في البصر و جلائها ذهابها (و امن فزع جاشكم) الجاش ما يضطرب في القلب عند الفزع، فان التقوي حيث توجب تعلق الانسان بالخالق، تامن من الاهوال و الفزع (و ضياء سواد ظلمتكم) اي ظلمه الكفر و العصيان. (فاجعلوا طاعه الله شعارا) هو الثوب اللاصق بالجلد، و المراد ان تكون التقوي في القلب (دون دثاركم) هو الثوب ما فوق الشعار، اي لا ظاهرا فحسب، كما في المنافق الذي يظهر الايمان و ببطن الكفر و النفاق. (و دخيلا) اي داخلا في انفسكم (دون شعاركم) اي لا ملاصقا بالجسم فحسب (و لطيفا بين اضلاعكم) اي في قلبكم الذي هو بين الاضلاع (و اميرا فوق اموركم) فكل ما رضي به التقوي ائتوا به و ما لم ترضه اتركوه (و منهلا) هو ما يرده الشارب من الماء للشرب (لحين ورودكم) اي وقت ورودكم في الماء، و المعني خذوا المور من نحو التقوي لا كيف ما كان. (و شفيعا لدرك طلبتكم) فان التقوي توجب ان يدرك الانسان مطلبه قال سبحانه: و من

يتق الله يجعل له مخرجا (و جنه ليوم فزعكم) فاذا خاف الانسان المتقي نجاه الله سبحانه (و مصابيح ل

بطون قبوركم) فان القبر مظلم و ضيائه التقوي. (و سكنا) اي انيسا (لطول وحشتكم) في القبر، فان قبر غير المتقي موحش (و نفسا) اي موجبا لخروج الهم (لكرب) جمع كربه، بمعني: الهم (مواطنكم)، فان الانسان لابد و ان يتوجه اليه الهم و الغم، فاذا كان متقيا نفس كربه و ازيل همه. (فان طاعه الله حرز) اي حافظ (من متالف مكتنفه) متالف جمع متلف، اي محل التلف، و مكتنفه المحيطه بالانسان. (و مخاوف) جمع مخوف مصدر ميمي (متوقعه) اي اقسام متوقعه من الخوف (و اوار) حراره النار و لهيبها (نيران موقده) و المراد نيران الحروب الحروب و الفتن، و انما شبهت بالنار لانه توجب حراره جسم الانسان، و افناء الاشياء كما ان النار توجب ذلك، و ايقاد النار اشعالها. (فمن اخذ بالتقوي عزبت) اي بعدت و غابت (عنه الشدائد بعد دنوها) و اقترابها، فان الله سبحانه يكفي امتقي امره، و يجعل له مخرجا من حيث لا يحتسب. (و احلولت له الامور) اي صارت حلوا (بعد مرارتها) فان امر المتقي الي خير (و انفرجت عنه الامواج) اي امواج الفتن و البلايا (بعد تراكمها) اي تجمعها (و اسهلت له الصعاب) اي سهلت له المشكلات (بعد انصابها) اي اتعابها لهذا الشخص (و هطلت) اي انصبت كالمطر. (عليه الكرامه بعد

قحوطها) اي كونها قحطا لا توجد (و تحدبت) اي عطفت (عليه الرحمه بعد نفورها) اي شرودها عنه (و تفحرت عليه النعم) جمع نعمه و تفجرها كنايه عن كثرتها كما تتفجر العيون (بعد نضوبها) يقال نضب الماء اذا غار في الارض و ذهب (و

وبلت عليه البركه) الوابل المطر الشديد (بعد ارذاذها) الرذاذ المطر الضعيف. (فاتقوا الله الذي نفعكم بموعظته) حيث ارشدكم الي مواقع السعاده، و مواقع الشفاء (و وعظكم برسالته) التي ارسلها اليكم بواسطه الانبياء (و امتن عليكم) اي من عليكم (نعمته) و فضله. (فعبدوا) اي ذللوا (انفسكم لعبادته) و طاعته (و اخرجوا اليه من حق طاعته) و حق الطاعه ان يطيع الانسان في كل ما امر سبحانه و نهي

[صفحه 267]

(ثم) لتراخي الكلام، لا لفصل الزمان بين الكلامين (ان هذا الاسلام دين الله الذي اصطفاه لنفسه) اي اختاره لان يكون سبيلا الي رحمته سبحانه في الدارين. (و اصطنعه) اي صنعه، بان قرر مناهجه (علي عينه) هذا كنايه عن اكتماله، كما ان من ينظر الي الشي ء الذي يصنعه لابد و ان ياتي ذلك الشي ء وفق مراده، فان اصطناع الشي ء علي العين الامر بان يضع تحت النظر، خوف المخالفه في المطلوب ان صنع بعيدا عن النظر. (و اضفاه) اي اعطي الاسلام (خيره خلقه) اي خير البريه، و هو الرسول صلي الله عليه و آله، ليبلغه للناس (و اقام دعائمه) اي دعائم الاسلام و هي اركانه و احكامه (علي محبته) اي محبه الرسول صلي الله عليه و آله، فانه لا يقبل الاسلام بدون حب الرسول صلي الله عليه و آله (اذل الاديان) السابقه كاليهوديه و المسيحيه (بعزته) اي بسبب ان اعز الاسلام و لم يقبل سواه (و وضع الملل) التي لا تعانق الاسلام (برفعه) اي بسبب ان رفع الاسلام، فا من الطبيعي ان الشي ء اذا ارتفع علي اقرانه، انخفضوا. (و اهان اعدائه) اي اعداء الاسلام (بكرامته) اي بسبب ان كرم الالام فان الشي ء اذا كرم كان ملازما لاهانه من ناواه (و

خذل محاديه) جمع محاد، و هو الشديد المخا

لفه (بنصره) اي بنصر الاسلام. (و هدم اركان الضلاله بركنه) اركان الضلاله طرقها و اتباعها، فانه حيث جعل اللاسلام طرق لم يبق للضلاله طرق مشروعه، و انما جاء الناس الي طرق الاسلام. (و سقي من عطش) الي الايمان و الفضيله (من حياضه) جمع حوض، و المراد معارف الاسلام و احكامه (و اتاق الحياض) اي املاء حياض الاسلام من تئق الحوض بمعني امتلاء (بمواتحه) جمع ماتح، و هو الذي ينزع الماء من البئر للحوض و نحوه (ثم جعله لا انفصام لعروته) العروه يد الابريق و نحوه و المعني ان من تمسك بالاسلام، لا ينقطع عنه الخير، اذ لا انقطاع له. (و لا فك لحلقته) التي يتمسك بها الانسان ليجره الي السعاده في الدارين (و لا انهدام لاساسه) كما يهدم اساس البناء، بانياتي دين جديد فيهدم الاسلام (و لا زوال لدعائمه) اي احكامه (و لا انقلاع لشجرته) معارف الاسلام و اصوله و فروعه (و لا انقطاع لمدته) اذ هو باق تالي يوم القيامه (و لا عقاء) اي لا دروس و لا اضمحلال (لشرائعه) جمع شريعه، اي احكامه و سائر ما يتعلق به (و لا جذ) اي لا يقطع (لفروعه) بل فروعه باقيه لا تغير (و لا ضنك) اي لا ضيق (لطرقه) بل طرقه واسعه، كنايه عن سلهوله الاحكام و عدم العسر فيها. (و لا وعوثه لسهول

ه) الوعوثه رخاوه في الارض تغوص بها القدام عند السير فيعسر المشي فيه. (و لا سواد لوضحه) الوضح بياض السبح، فلا انحراف لاحكام الاسلام، حتي يكون كالسواد في بياض الصبح (و لا عوج) و التواء (لانتصابه) اي: لاستقامه (و لا عصل) هو الاعوجاج الذي يصعب

تقويمه (في عوده) تشبيه للاسلام يعود مستقيم لاعوج فيه (و لا وعث) الوعث الطريق الذي يعسر فيه المشي (لفجه) الفج الطريق الواسع بين جبلين. (و لا انطفاء لمصباحه) فنور الاسلام باق ابد الدهر (و لا مراره لحلاوته) فالاسلام حلو الاصول و الفروع (فهو دعائم اساخ) اي اثبت (في الحق اسناخها) جمع سنخ، بمعني: الاصل، فاصوله نابته في الحق لا في الباطل (و ثبت لها) اي للدعائم (اساسها) فهي محكمه متقنه (و) هو (ينابيع) جمع ينبوع، بمعني: العين (غزرت) اي كثرت (عيونها) من الماء (و) هو (مصابيح شبت) ارتفعت من الايقاد (نيرانها) فضوئه عال مرتفع (و) هو (منار) هو المحل المرتفع الذي يوضع فيه النور لهدايه الماره. (اقتدي بها سفارها) اي ذوو السفر، و هم المسافرون ليلا، و الضمير عائد الي النيران، و الاقتداء بها معرفه الطريق بسببها (و اعلام) جمع علم، و هو ما ينصب في الطريق ليهتدي به المسافر (قصد بها) اي بسبب تلك ا

لاعلام (فجاجها) جمع فج، و هو: الطريق، و كان المنار لليل و الاعلام للنهار. (و مناهل) جمع منهل، محل الشرب الماء (روي بها) من الظما (ورادها) اي من وردها لشرب الماء. (جعل) سبحانه (فيه) اي في الاسلام (منتهي رضوانه) فمن عمل به رضي الله عنه (و ذوره دعائمه) الذروه المحل المرتفع من الشي ء فكان الاديان دعائم، و الاسلام ذروتها. (و سنام طاعته) السنام من البعير الموضع المرتفع في ظهره و يشبه به كلشي ء مرتفع (فهو عند الله وثيق الاركان) اي محكم الاصول و الفروع (رفيع البنيان) فلا بناء مثله في الرفعه (منير البرهان) دليله واضح لا خفاء فيه (مضي ء النيران) فمصابيحه موقده (عزيز السلطان) اي رفيعه الذي لا يغالب (مشرف

المنار) اي مناره مرتفع يشرف علي الطرق لهدايه الناس. (معوز المثار) اي لو اراد احد اثاره هذا الدين، بان يخلطه و يحرفه، لا يتمكن من ذلك، من اعوذ اذا احتاج اليه فلم ينله، و المثار مصدر من ثار الغبار اذا هاج. (فشرفوه) اي تشرفوا به (و اتبعوه) بالتزام احكامه (وادوا اليه حقه) من الاخذ به، و الدعوه اليه (وضعوه مواضعه) اي لا تحرفوا احكامه.

[صفحه 271]

(ثم ان الله) سبحانه (بعث محمدا صلي الله عليه و آله بالحق حين دنا من الدنيا الانقطاع) اي قبل آخر الدنيا، فان الرسول صلي الله عليه و آله من علائم الساعه (و اقبل من الاخره الاطلاع) اي الاتيان، يقال اطلع فلان علينا اي اتانا. (و اظلمت بهجتها) اي بهجه الدنيا (بعد اشراق) فقد اشرقت الدنيا بوجود الانبياء السابقين، فلما اظلمت بفقدهم و ترك الناس احكام الله سبحانه جاء الرسول ليشرقها من جديد. (و قامت باهلها علي ساق) اي حاربتهم، يقال: قامت الحرب علي ساق اذا استعرت (و خشن منها) اي من الدنيا (مهاد) فلم يتمكنوا من الاستراحه عليها، كما اذا خشن فراش الاثام (و ازف منها قياد) ازف اي قرب و المعني اقترب من الدنيا ان تنقاد اللزوال. (في انقطاع من مدتها) اي ان الدنيا انقطعت من مدتها المقرره لها، كانها انقضي اجلها و اقتربت من القيامه (و اقتراب من اشراطها) اي علائم زوالها. (و تصرم من اهلها) اي تقطع من اهل الدنيا فانهم ذهبوا الي الاخره (و انفصام من حلقتها) اي انقطعت الروابط بين الدنيا و بين اهلها فلا هم يتنعمون فيها، و لا هي تعمر بهم (و انتشار من سببها) اي تفر اسباب الحياه في الدنيا حتي لا تضبط،

و كلما تقلص النظام صارت الاس

باب منتشره لا ينتفع بها (و عفاء) اي انطماس (من اعلامها) جمع علم، و هي النصب التي توضع في الطريق للدلاله علي الطريق. (و تكشف) اي ظهور (من عوراتها) اي سيئات الدنيا كالفقر و الحرب و المرض و ما اشبه (و قصر من طولها) فان الدنيا اقتربت من الاخره، و ذهب جزء منها او ان الاعمار صارت قصيره بسبب الفوضي السائده فيها (جعله الله) الضمير للرسول صلي الله عليه و آله و سلم (بلاغا لرسالته) اي سببا لان يبلغ الناس رساله الله تعالي. (و كرامه لامته) فان المسلمين علت منزلتهم بسبب الرسول صلي الله عليه و آله و سلم (و ربيعا لاهل زمانه) فكما ان الربيع يوجب انعاش اهله، كذلك الرسول صلي الله عليه و آله و سلم كان ربيعا للناس (و رفعه لاعوانه) فانهم ارتفعت مكانتهم (و شرفا لانصاره) عظموا به صلي الله عليه و آله و سلم و صارت لهم عزه و سياده. (ثم انزل) الله سبحانه (عليه) صلي الله عليه و آله و سلم (الكتاب) اي القرآن الحكيم (نورا لا تطفا مصابيحه) اي احكامه و ارشاداته (و سراجا لا يخبو) اي الا يطفي ء (توقده) اي اشتعاله (و بحرا لا يدرك قعره) من العمق و الغور (و منهاجا) اي طريقا الي الحق (لا يضل نهجه) اي لا يسبب ضلال الناس الذين تمسكوا به. (و شعاعا لا

يظلم ضوئه) فضوئه مستمر موجب للهدايه (و فرقانا) اي فارقا بين الحق و الباطل (لا يحمد برهانه) بل دليله باق الي الابد (و تبيانا) اي بيانا للحق (لا تهدم اركانه) اي شرائعه و احكاه (و شفائا) لامراض القلب و امراض الجسم و امراض

المجتمع (لا تخشي اسقامه) اذ لا يوجب سقما و مرضا، حتي يخشي من ذلك. (و عزا لا تهزم انصاره) في ميدان الاستدلال و الاحتجاج اذ حجته فوق كل حجه (و حقا) مطابقا للواقع (لا تخذل انصاره) فانصاره غالبون دائما لا يغلب احد عليهم (فهو) اي القرآن (معدن الايمان) اي المحل الذي يوخذ منه الايمان (و بحبوحته) اي وسط الذي يوجد فيه معظمه. (و ينابيع العلم) جمع ينبوع، بمعني: العين (و بحوره) التي الا تنزف (و رياض العدل) جمع روضه، بمعني الحديقه، او محل الماء (و غدرانه) جمع غدير، و هو الموضع المنخفض الذي يجتمع فيه ماء المطر و نحوه، يعني ان كل مطلب من مطالب الكتاب عدل لا ظلم و لا زيغ فيه (و اثاف الاسلام) جمع اثفيه، و هي الحجر الذي يوضع عليه القدر ليطبخ اي ان القرآن اساس الاسلام (و بنيانه) اي هيكل بنائه فهو الاصل و الفرع. (و اوديه الحق) جمع وادي، و هو الشط (و غيطانه) جمع غوط بمعني المكان المطمئن من الارض يزكو نبته الجتماع

المياه فيه. (و بحر لا ينزفه) اي لا يتم مائه (المستنزفون) اي الاخذون لمائه (و عيون لا ينضبها) اي لا يتمها (الماتحون) اي آخذون الماء منها، جمع ماتح و هو نازع الماء من البئر و نحوها (و مناهل) جمع منهل محل الشرب من النهر و نحوه (لا يغيضها) اي لا ينقصها (الواردون) الذين يردونها للشوب. (و منازل لا يضل نهجها المسافرون) فان من اراد السفر الي الحق يري الطريق اليه مستقيما بسبب القرآن الحكيم (و اعلام) جمع علم، و هو العلامه التي تنصب في الطريق للدلاله عليه (لا يعمي عنها السائرون) لانها واضحه جليه فلا تخف

عليمن اراد السير (و آكام) جمع اكمه، و هو الموضع المرتفع في الصحراء (لا يجوز عنها) بل يحطون الرحال عليها (القاصدون) فان السائر ينزل في المرتفعات لانها انظف و اشرف. (جعله الله) الضمير للقرآن (ريا لعطش العلماء) لان فيه من العلوم ما يرتوي العاطش للعلم بسببه (و ربيعا) اي منعشا (لقلوب الفقهاء) الذين يريدون فهم الحقائق و معرفتها (و محاج) جمع محجه، بمعني الطريق (لطرق الصلحاء) فان الصالح الذي يريد السير الي الله سبحانه يكون القرآن طريقه الموصل له الي ما يريد. (و دواء ليس بعده داء) و مرض (و نورا ليس معه ظلمه) اذا القرآن ينير سبيل

الحق كاملا (و حبلا و ثيقا) اي محكما (عروته) و هي الحلقه التي في الحبل اذا تمسك الانسان بها اوصلها الي السعاده و الجنه (و معقلا) اي حصنا (منيعا ذورته) فاذا اعلاه الانسان يمنعه عن مكاره الدنيا و الاخره. (و عزا لمن تولاه) اي اتخذه وليا لنفسه (و سلما لمن دخله) يوجب سلامه دينه و ماله و سائر ما يتعلق به (و هدي) يرشده الي الطريق (لمن ائتم به) اي اقتدي به و جعله امامه (و عذرا لمن انتحله) اي نسب نفسه اليه، فان المنافق اذا انتحل القرآن، كان عذرا له فلا يقتل و لا يسلب ماله و اهله (و برهانا) اي حجه (لمن تكلم به) و جعله حجه لكلامه. (و شاهدا لمن خاصم به) فانه يغلب علي خصمه اذا احتج بالقرآن (و فلجا) اي اظفرا و فرزا (لمن حاج به) المحاجه المباحثه و المجادله، فان من باحث بواسطه القرآن غلب علي خصمه (و حاملا لمن حمله) اي من حمل القرآن بان عمل به كان القرآن حاملا له

علي الخير و السعاده (و مطيه) هي الدابه التي يركبها الانسان للوصول الي مقاصده (لمن اعمله) اي جعله بحيث يعمل في المجتمع فانه يسبب وصول الانسان الي مقاصده. (و آيه لمن توسم) اي اراد التفرس عن الامور المستقبله فان القرآن آيه و دليل علي ذلك (و جنه) ما به يتقي الضرر (لمن اس

تلائم) اي لبس الملامه و هي ادات الحرب التي يلبسها الانسان لتقيه من الاعداء و علما لمن وعي) اي ادرك (و حديثا لمن روي) اي اراد ان يروي القصص (و حكما لمن قضي) اي اراد القضاء بين الناس.

خطبه 190

[صفحه 277]

في الصلاه، و الزكاه، و الامانه، و الوعظ: (تعاهدوا امر الصلاه) اي واظبوا شانها لئلا تضيع (و حافظوا عليها) بادائها في اوقاتها (و استكثروا منها) باتيان النوافل و التبرع بها فان الصلاه خير موضوع (و تقربوا بها) الي الله سبحانه فانها معراج المومن (فانها كانت) الفعل لمجرد الربط، لا بمعني الماضي (علي المومنين كتابا موقوتا) اي مكتوبا محتوما. (الا تسمعون الي جواب اهل النار) كما يحكيه القرآن الحكيم (حين سئلوا: (ما سلككم) اي ادخلكم (في سقر)؟ اي في النار (قالوا: لم … من المصلين) و هذا من اسباب دخولنا في النار (و انها) اي الصلاه (لتحت الذنوب) اي تسقطها (حت الورق) اي مثل سقوط اوراق الاشجار عند الخريف. (و تطلقها) اي الذنوب (اطلاق الربق) حبل فيه عده عري كل منها ربقه يربط بها الدواب، فكان الذنوب ربق في الاعناق فاذا صلي الانسان فكت ربقه كما تفك الربق عن اعناق الدواب. (و شبهها) اي الصلاه (رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بالحمه) العين التي تنبع الماء الحار فيستشفي به من العله (تكون

علي باب الرجل فهو يغتسل منها في اليوم و الليله خمس مرات) حسب اعداد اليوميه الصبح و الظهر و العصر و المغرب و العشاء. (فما عسي ان ي

بقي عليه من الدرن)؟ استفهام انكار اي هل يمكن ان يبقي علي ذلك الرجل المغتسل كل يوم خمس مرات شي ء من الاوساخ؟ و هكذا من صلي الخمس لا يبقي عليه شي ء من الذنوب. (و قد عرف حقها رجال من المومنين) فادوها حق ادائها (الذين لا تشغلهم عنها زينه متاع و لا قره عين) اي الاموال و الاولاد، و يسمي الولد قره عين، لانه يوج استقرار العين، و ذلك يكون عند الفرح، اما عند الخوف فان العين تضطرب هنا و هناك لتجد ملتجائا. (من ولد و لا مال) علي اللف و النشر المشوش (يقول الله سبحانه: رجال لا تلهيهم) اي لا تشغلهم (تجاره و لا بيع) التجاره اعم من البيع لانها تشمل الرهن و المزارعه و المساقات و ما اشبه (عن ذكر الله و) عن (اقام الصلاه) اصله اقامه الصلاه، مصدر باب الافعال من اقام يقيم (و ايتاء الزكاه) اي اعطائها (و كان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم … ) اي: اذا تعب (بالصلاه) من كثره اتيانه صلي الله عليه و آله و سلم بها (بعد التبشير له) من الله سبحانه (بالجنه) و انما كانت يتعب نفسه بالصلاه مع علمه بانه يذهب الي الجنه (لقول الله سبحانه: و امر اهلك بالصلاه و اصطبر عليها) اي كن صابرا في ادائها متحملا للمشارق في سبيلها ( … يامر) بالصلاه و اهله

(و يصبر عليها نفسه) فلا يتركها لتعبها. (ثم ان الزكاه جعلت مع الصلاه قربانا) اي موجبه للتقرب

الي مرضات الله سبحانه (لاهل الاسلام فمن اعطاها طيب النفس بها) بان لم يرها مغرما ثقيلا و انما فرضا يسيرا (فانها) اي الزكاه (تجعل له كفاره) لذنوبه، يقال: كفر الذنب اي ستره و محاه (و من النار حجازا) اي حاجزا و مانعا فلا تلفحه النار (و وقايه) اي حافظا (فلا يتبعنها احد نفسه) اي لا يكون نظره وراء تلك الزكاه لتعلق نفسه بها. (و لا يكثرن عليها لهفه) بان يتلهف علي ذلك المال المدفوع كانه شي ء ذهب من يده اعتباطا (فان من اعطاها غير طيب النفس بها) كانه يراه مغرما بان (يرجو بها ما هو افضل منها) من ثواب الله و فضله (فهو جاهل بالسنه غير عالم بما اعد الله سبحانه لمعطي الزكاه من الاجر و الفضل (مغبون الاجر) اي منقوصه (ضال العمل) قد بطل عمله بلا فائده تعود اليه (طويل الندم) يندم في الاخره طويلا، لماذا لم يعط عن طيب خاطر حتي ينال ثواب الله. (ثم) لترتيب الكلام لا للتدرج في الخارج (فقد خاب من ليس من اهلها) اي خسر من ليس موديا للامانه (انها) اي الامانه (عرضت علي السماوات المبنيه) التي بناها الله بقدرته (و الارضين المدحوه) اي المبسوطه من دحاها

بمعني: بسطها، (و الجبال ذات الطول المنصوبه) علي الارض (فلا اطول و لا اعرض و لا اعلي و لا اعظم منها) بالنسبه الي الكائنات الارضيه. (و لو امتنع شي ء بطول او عرض او قوه او عز لا متنعن) اي لو كان ظواهر الشي ء سببا لتمكنه من حمل الامانه الذي يحتاج الي نفس قويه، لكانت الجبال احق الاشياء بالامتناع و التمكن، و المراد الامتناع عن الخيانه، باداء الامانه سالمه كما اخذت. (و لكن اشفقن)

اي خفن (من العقوبه) التي تترتب علي خيانه الامانه (و عقلن) اي ادركن (ما) اي الشي ء الذي (جهل) ذلك الشي ء (من هو اضعف منهن) اي من السماوات.. الخ (و هو الانسان) فقبلها. (انه كان ظلوما) بخيانه الامانه بعد قبولها (جهولا) يجهل العقاب المترتب علي ذلك و كلام الامام عليه السلام اشاره الي قوله سبحانه: انما عرضنا الامانه علي السماوات و الارض و الجبال فابين ان يحملنها و اشفقن منها و حملها الانسان انه كان ظلوما جهولا و المراد من الايه، اما المجاز لبيان صعوبه قبول الامانه و ادائها او حقيقه، بان قد عرضت الامانه علي تلك الاشياء عرض اختيار، فلم تقبل لما علمت من صعوبتها- و قد ذكرنا تفصيل ذلك في كتاب (تقريب القرآن) فراجع-. (ان الله سبحانه و تعالي لا يخفي علي

ه ما) اي الشي ء الذي (العباد مقترفون) اي عامرون به من اقترف بمعني كسب و عمل (في ليلهم و نهارهم لطف به) الضمير عائد الي ما (خبرا) اي علما و معني، اللطف الدقه، اي ان علمه نافذ في دقائق الاشياء (و احاط به علما) فعلمه محيط بالاشياء لا تخرج شي ء من علمه. (اعظائكم شهود) علي اعمالكم قال سبحانه: (اليوم نختم علي افواههم و تكلمنا ايديهم و تشهد ارجلهم بما كانوا يعملون) (و جوارحكم جنود) اي جند الله سبحانه ياتمرون بامره (و ضمائركم) اي سرائركم (عيونه) اي جواسيسه فاذا فعلتم شيئا اخبرت الله سبحانه بذلك، و هذا من بديع التعبير (و خلواتكم عيانه) اي مشاهد اليه لا يخفي عليه.

خطبه 191

[صفحه 282]

لقد كان معاويه يتوسل بالحيل و مختلف انواع المكر و الخدعه لبلوع ماربه فكان الناس يقولون ان معويه داهيه، و في قباله الامام كان يتحرج

الا من العمل الصحيح المرضي لله سبحانه، و لذا كان يفوته كثير من المنافع الدنيويه، و قد بين في هذا الكلام وجه ذلك بقوله: (و الله ما معاويه بادهي مني) اي اكثر دهائا، و هو التمكن من الوصول الي المطلب بواسطه الوسائل الملتويه المخفيه (و لكنه يغدر) اذا راي في الغدر نفعا له فلا يلتزم بالعهد. (و يفجر) اي يعصي الله سبحانه عصيانا كبيرا، اذا راي في ذلك صلاح نفسه. (و لو لا كراهيه الغدر) اي اني اكرهه لانه خيانه و منقصه و معصيه (لكنت من ادهي الناس) لاني اعرف بوجه الحيله من كل احد (و لكن كل غدره فجره) اي فجور و عصيان (و كل فجره كفره) فان الكفر علي قسمين: كفر في العقيده، و كفر في العمل، كما قال الرسول صلي الله عليه و آله و سلم: كفر من هذه الامه عشره النمام … و المراد كفر العمل لا كفر العقيده. (و لكل غادر لواء) اي علم (يعرف به يوم القيامه) كانه علامه له، اذ لكل انسان ياتي الي المحشر طابع خاص و شكل مخصوص، كما قال سبحانه: يعرف المجرمون بسيماهم. (و الله ما استغفل بالمكيده) اي انا اعرف ا

لكيد فليس تسلط ذي الكيد علي لاني غافل بل من جهه اني متحرج لا اريد الكيد (و لا استغمز بالشديده) اي ان القوه الشديده لا توجب ضعفي و انما اتقي الله سبحانه، و لذا لا اقدم في كثير من الموارد، يقال: غمزه، اذا اثر فيه بالضغط.

خطبه 192

[صفحه 284]

(ايها الناس لا تستوحشوا في طريق الهدي لقله اهله) فاذا رايتم اهل الحق قليلا فلا يسبب ذلك توحشكم، و خوفكم بل سيروا في الطريق مهما كان انصاره

قليلين (فان الناس) اهل الباطل (قد اجتمعوا علي مائده) هي مائده الدنيا و التلذذ بلذائذها كيفما كانت من حل او حرام (شبعها قصير) لان ايام الدنيا قليله قصيره (و جوعها طويل) فان من شبع من الدنيا المحرمه، جاع في الاخره. (ايها الناس) اذا تركتم الدنيا تقوي و زهدا، فلا ترضوا باعمال المتكالبين عليها، فان الانسان كما يوخذ بعمله كذلك يوخذ برضاه. (انما يجمع الناس الرضاء و السخط) فالراضي بفعل شريك له و الساخط علي فعل مجانب له (و انما عقر ناقه ثمود) قوم صالح (رجل واحد) هو قيدار (فعمهم الله بالعذاب) بان انزل العذاب علي العاقر و غيره (لما عموه بالرضا) اي عموا العاقر بان رضوا بفعله فكانوا شركاء له في الاثم الموجب للعقاب. (فقال سبحانه) ناسبا الفعل الي جميعهم (فعقروها) اي جرحوها (فاصبحوا نادمين) من فعلهم الذي اوجب نزول العقاب عليهم (فما كان الا ان خارت) اي صوتت كخوار الثور (ارضهم بالخسفه خوار السكه المحماه) اي: الحديده المحمره بالنار (في الارض الخواره) اي اللينه السهله، فانها لح

رارتها تسرع النفوذ في الارض، و كثيرا ما يسمع لها صوت خرقها للارض و احراقها لما فيها من جذور النبات و ما اشبه. (ايها الناس من سلك الطريق الواضح ورد الماء) لان الطرق المسلوكه لابد و ان تنتهي الي مواضع الماء و الكلاء فيستريح الانسان بالوصول الي محل الراحه (و من خالف) بان ذهب يمينا و شمالا (وقع في التيه) الذي لا ماء فيه فيوجب هلاكه، فسيروا في الطريق الواضح الذي امر الله و رسوله.

خطبه 193

[صفحه 286]

روي ان الامام لما اراد ان يضع الصديقه الطاهره عليهاالسلام في القبر، ظهرت يدان شبيهتان بيدي رسول الله صلي الله عليه و

آله و سلم داخل القبر، و اخذتا الصديقه عليهاالسلام، و لما علم الامام بموقع الرسول خاطبه بهذا الخطاب (السلام عليك يا رسول الله عني و عن ابنتك) فان الانسان يبلغ السلام الي من يلقاه عن صديقه ايضا، اذا علم برضاه لذلك و رغبته فيه (النازله في جوارك) فان الميت ينزل في القبر (و السريعه اللحاق بك) لانها اول اهل بيت الرسول صلي الله عليه و آله و سلم لحوقا به، كما اخبرها صلي الله عليه و آله و سلم في مرضه الذي توفي فيه (قل يا رسول الله عن صفيتك) اي ان القله ناشيئه من ناحيه فاطمه عليهاالسلام التي هي مختاره لك (صبري) و اذا قل صبر الانسان اظهر الجزع و الحزن الشديد. (ورق) اي ضعف (عنها تجلدي) اي تحفظي علي عدم ابداء الجزع فاني لا اتمكن الا من اظهار الجزع. (الا ان لي في التاسي) اي الاقتداء (بعظيم فرقتك) اي بفراقك الذي عظم علي (و فادح) اي تمثيل (مصيبتك) اي موتك (موضع تعز) اي تصبر و جلل و المعني اني اعتبر بالمثال المتقدم- و هو صبري في مصيبتك- فلا اجزع في هذه المصيبه ايضا صبرا و احتسابا. (فلقد وسدتك) اي

انمتك و جعلت لك الوساده (في ملحوده قبرك) الملحوده الجهه المشوقه من القبر (و فاضت) اي خرجت (بين نحري و صدري نفسك) فان الرسول صلي الله عليه و آله و سلم كان في حجر علي عليه السلام حين النزع، فكما اني صبرت في تلك المصيبه مع عظمها و مشاهدتي لها، كذلك اصبر في مصيبه الزهراء عليهاالسلام. (انا لله و انا اليه راجعون) هذه الجمله يقولها من اصيب بمصيبه ليعزي نفسه، اذ المملوك لله الذي الي ثوابه

و عقابه مصيره لا ينبغي ان يحزن اذا اخذ الله سبحانه منه شيئا. (فلقد استرجعت الوديعه) فان الصديقه عليهاالسلام كانت وديعه الرسول صلي الله عليه و آله و سلم عند الامام، و استرجاعها لان الرسول صلي الله عليه و آله و سلم اخذها بيديه صلي الله عليه و آله و سلم الطاهرتين في قبرها (و اخذت الرهينه) كانها كانت عند الامام بازاء عهد الامام الذي اعطاه للرسول بان يراعيها و يقوم بشانها. (اما حزني فسرمد) اي دائم مادمت حيا (و اما ليلي فمسهد) اي ينقضي بالسهاد، اي السهر، فان المحزون كثيرا لا يقدر ان ينام (الي ان يختار الله لي دارك) اي الجنه (التي انت بها مقيم) و لا يخفي ان الفاجعه الاليمه توجب دوام الحزن و السهر كلما ذكرها الانسان اذانها تكمن في طيات الن

فس و تعمر النفس بالاسي كلما ذكرتها. (و ستنبئك) اي تخبرك (ابنتك بتضافر امتك) اي تظاهرهم (علي هضمها) اي ظلمها بعضهم بالفعل و بعضهم بالسكوت و التاييد فانهم غصبوا عنها فدكا، و كسروا ضلعها، و اسقطوا جنينها، و لطموا وجهها، و آذوها في زوجها و احرقوا باب دارها، و دخلوها بغير آذنها. (و استخبرها الحال) اي اطل منها ان تخبرك عن حالنا بعدك (هذا) كله وقع علينا (و لم يطل العهد) الذي عاهدوك في ان يحسنوا الي اهل بيتك (و لم يخل منك الذكر) بل كان ذكرك باق بينهم، و انما فعلوا ما فعلوا- لا نسيانا- و انما عصيانا و تكالبا علي المال و السلطه (و السلام عليكما سلام مودع) يريد الوداع و الانصراف، فان السلام يوتي به عند الدخول و عند الانصراف (لا قال) القال المبغض (و لا شئم)

من السامه، بمعني: الملاله، اي ان انصرافي ليس لاجل ان غاضب و ملول منكما. (فان انصرف) و ارجع عن قبركما (فلا عن ملامه) من بقائي عندكما (و ان اقم) عند قبركما (فلا عن سوء ظن بما وعد الله الصابرين) بان اكون بقائي للجزع، حيث اني اسي ء الظن بعقبي الصبر بل انصرافي لاجل اداره شئون اسباطك يا رسول الله، و القيام بمهام الاسلام حسب امرك، و لو بقيت كان ذلك لاجل اني معرض عن الدنيا و

زخارفها لا انس لي بها و باهلها.

خطبه 194

[صفحه 290]

ايها الناس انما الدنيا دار مجاز) اي ممر الي الاخره (و الاخره دار قرار) التي يستقر فيها الانسان (فخذوا من ممركم لمقركم) بان تزودوا من الدني بالاعمال الصالحه، حتي يكون لكم هناك المقامات العاليه، فان ما يزرعه الانسان في الدنيا يحصده في الاخره. (و لا تهتكوا استاركم) كان ظاهر الانسان الذي لم يعص ستر علي باطنه البلي ء بالشهوات فاذا عصي انكشف باطنه و هتك ستره (عند من يعلم اسراركم) اشاره الي ان الله سبحانه يعلم الضمائر، لكنه لا ينظر اليها نظر عقاب و عذاب الا اذا هتكوا الستر باتيان المعصيه (و اخرجوا من الدنيا قلوبكم) بان يكون قلبكم مربوطا بالاخره ناظرا اليها (من قبل ان تخرج منها ابدانكم) بالموت و الذهاب تحت التراب. (ففيها) اي في الدنيا (اختبرتم) اي امتحنكم الله سبحانه (و لغيرها خلقتم) اي ان الانسان خلق للاستقرار في الاخره، و انما الدنيا ممر و مختبر، و اعملوا فلا ينفعكم الا العمل، اما المال فيبقي … (ان المرء اذا هلك) اي مات (قال الناس: ما ترك)؟ اي يكون سوالهم عن امواله. (و قالت الملائكه: ما قدم)؟ اي يكون سوالهم عن عمله

الذي عمله في الدنيا لياخذ جزائه في الاخره (لله آباوكم) كلمه تستعمل للتضجر، و اصلها ان

من كان لله يجب ان يعمل بما امر الله فكيف يخالفه؟ و تستعمل احيانا للمدح. (فقدموا) من اعمالكم (بعضا) و لا تجعلوا عملكم كله للدنيا (يكن لكم) ذلك الذي قدمتموه (قرضا) تاخذونه عند ورودكم الي الاخره (و لا تخلفوا) اي لا تبقوا في الدنيا (كلا فيكون عليكم) وزرا و عقابا.

خطبه 195

[صفحه 292]

(كان كثيرا ما ينادي به اصحابهم) يعظهم به و يزهدهم في الدنيا. (تجهزوا) اي خذوا جهازكم، و هو زاد المسافر و ما يلزم في سفره (رحمكم الله) جمله خبريه في … لانشاء (فقد نودي فيكم بالرحيل) اي اعلمتم بلزوم السفر من الدنيا الي الاخره. (اقلوا العرجه) اسم من التعريج بمعني حبس المطيه علي المنزل (علي الدنيا) اي اجعلوا ركونكم اليها قليلا. (و انقلبوا بصالح ما بحضرتكم اي ارجعوا الي الاخره، و قد صحبتم احسن مالديكم (من الزاد) بان تجعلوا اعماركم و اموالكم للاخره لا تصرفوها لاجل الدنيا (فان امامكم عقبه كودا) اي صعبه المرتقي (و منازل مخوفه مهوله) توجب الخوف و الهول، فان القبر، و الحساب، و الصراط، و ما اشبه توجب اشد الخوف و الهول (لابد من الورود عليها) فليس للانسان مفر منها (و الوقوف عندها) بان يقف حتي يحاسب. (و اعلموا ان ملاحظ المنيه) اي منبعث نظر الموت، كان الموت شي ء ينظر الي الانسان حين يريد اختطافه (نحوكم دانيه) اي قريبه. (و كانكم بمخالبها) جمع مخلب، و هو ظفر الحيوان المفترس (و قد نشبت فيكم) اي علقت بكم (و قد دهمتكم) اي وردت عليكم (فيها) اي في المنيه- اذا نزلت- (مفظعات الامور) اي الامور الفظيعه الشديده (و

معظلا

ت المحذور) اي المحاذير- المخوفات- المشكله من اعضل الامر اذا اشكل و لم يعلم وجه حله. (فقطعوا علائق الدنيا) حتي لا تصيدكم و تقعوا في شباكم (و استظهروا) اي ليستعينوا (بزاد التقوي) اي الزاد الذي هو التقوي من الله سبحانه. و قد مضي شي ء من هذا الكلام فيما تقدم بخلاف هذه الروايه.

خطبه 196

[صفحه 294]

لما عاتبه طلحه و الزبير، في انه عليه السلام لا يستشيرهما في الامور و لا يستعين بهما. (لقد نقمتما يسيرا) اي غضبتما الامر يسير و عدم مشورتي لكما (و ارجاتما) اي اخرتما (كثيرا) اي ان الذي اخرتماه لي- غير النقمه التي اظهرتماها- من تجهيز الجيش و القيام بمحاربتي كثير. (الا تخبراني اي شي ء لكما فيه حق دفعتكما عنه)؟ اي هل لكما الحق في لزوم مشورتي لكما، فلم استشر، حتي يكون ذلك دفعا لحقكما و سببا لغضبكما (و اي قسم) اي قسمه في العطاء (استاثرت) اي استبددت (عليكما به) اي بذلك القسم بان اخذته لنفسي، و حرمتكما في حال كون ذلك حق لكما، حتي تغضبان علي. (ام اي حق رفعه الي احد من المسلمين) في امور القضاء و نحوها (ضعفت عنه) فلم اتمكن من تنفيذه (ام جهلته) فلم اعلم به (ام اخطات بابه) بما اشتبهت في المصداق و الجهل، الخطاء في الحكم.. فاحتجت الي احد يوازرني فلم اعتمد عليكما؟ كل ذلك لم يكن، و انما اراد ان يكونا وزيران يكون لهما منصب، و ان يكون لهما مال زائد علي سائر المسلمين، فلما رايا خلاف ذلك نقما علي الامام، و شقا عصي الطاعه. (و الله ما كانت لي في الخلافه رغبه) و ميل حتي تمنا علي بانكما نفذتما رغبتي ببيعتكما لي، فاللاز

م ان انفذ رغبتكما

(و لا في الولايه) اي تولي شئون المسلمين (اربه) اي غرض و حاجه (و لكنكم دعوتموني اليها) اي الي الخلافه (و حملتموني عليها) اي اصررتم علي حتي قبلتها. (فلما افضت) الخلافه، اي وصلت (الي نظرت الي اكتاب الله و ما ضع لنا) اي الاحكام التي بينها الكتاب للخليفه. (و امرنا بالحكم به) من احكام الشريعه (فاتبعته) و نفذته في المسلمين (و ما استسن) اي جعله سنه و طريقه (النبي صلي الله عليه و آله و سلم فاقتديته) اي جعلته قدوه الي، و عملت به. (فلم احتج في ذلك) العمل بالكتاب و السنه (الي رايكما) حتي استشير (و لا راي غيركما) و هل يستشير الانسان بدون الاحتياج؟ (و لا وقع حكم جهلته) كيف يكون و كيف ينفذ؟ (فاستشيركما) فيه (و) استشير سائر (اخواني من المسلمين) حتي اعرف الحكم. (و لو كان ذلك) بان جهلت شيئا (لم ارغب عنكما) بان اترككما و لا استشيركما (و لا عن غيركما) من سائر المسلمين (و اما ما ذكرتما من امر الاسوه) اي الاقتداء بالرسول صلي الله عليه و آله و سلم في تسويه العطاء، و بعده جاء عمر و عثمان، ففضلا بعضا علي بعض علي خلاف حكم الله و الرسول صلي الله عليه و آله و سلم. (و لما جاء الامام و اعاد سنه الرسول صلي الله عليه و آل

ه و سلم و سيرته، نقم اهل الاثره عليه و من جملتهم طلحه و الزبير، اذا كانا يريدان ان يفضلهما في العطاء، فابي عليه السلام الا اتباع سيره الرسول صلي الله عليه و آله و سلم (فان ذلك امر لم احكم انا فيه برايي) حتي يكون راي الخاص موجبا لحرمانكما (و لا

وليته) اي اتبعت هذا الامر- و هو التسويه- (هوي مني) اي بمجرد رغبتي و هوي نفسي. (بل وجدت انا و انتما ما جاء به رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم) من التسويه في العطاء (قد فرغ منه) اي انه مفروغ منه ثابت في الشريعه شهدته و شهدتما ذلك في زمن الرسول صلي الله عليه و آله و سلم (فلم احتج اليكما فيما قد فرغ الله من قسمه) اي جعله من التسويه في العطاء (و امضي فيه حكمه) بان يكون للكل علي حد سواء، و ذلك لان المسلمين اذا كانوا جميعا دخيلا في تحصيل الغنيمه كان الكل فيه مشاركون علي حد سواء الا ما استثني- نحو: من قتل قتيلا فله سلبه، و ما اشبه- فاذا اراد احدهم اكثر كان ظالما لمن ينتقص من حقه و حيث ان مركز القياده الاسلاميه هي التي تقوم بالجهاد و ما اشبه، يكون النصيب هناك موزعا. اما سائر بلاد الاسلام، فلها حسب الحاجه كما يري الولات و من ذلك تبين انه لا يلزم تقسيم المال الي جميع افراد ال

مسلمين: حتي يقال: و كيف كان العطاء خاصا بالمدينه مثلا؟ كما ان ذلك حكم الغنائم و ما اشبه فلا يقال: فكيف يجوز للمجتهد التفضيل في اعطاء الخمس و الزكاه؟ و لذا كان الامام اوصي مالكا في عهده حين ولاه مصران يعطي القاضي ما يسد حاجته، الي غير ذلك. (فليس لكما) يا طلحه و الزبير (و الله عندي و لا لغيركما في هذا) الامر و هو التقسيم بالسويه (عتبي) اي عتب و اشكال (اخذ الله بقلوبنا و قلوبكم الي الحق) بان ترضي القلوب باتباع الحق (و الهمنا و اياكم الصبر) علي

حكم الله سبحانه و انكان في ذلك نقص لمال او جاه بالنسبه الينا. (ثم قال عليه السلام): (رحم الله امرء راي حقا فاعان عليه) حتي يستقر و يغلب علي الباطل (او راي جورا) اي ظلما (فرده) بان ابطله (و كان عونا بالحق علي صاحبه) الذي يظلم، بان ينبه صاحبه الذي علي الباطل، حتي يرجع عن غيه.

خطبه 197

[صفحه 298]

(و قد سمع قوما من اصحابه يسبون اهل الشام ايام حربهم بصفين) و فيه نهي لهم عن السب، و لا يخفي انه لا ينافي عدم السب لمصلحه طارئه، جواز السب للقاعده، فان لكل شي ء موقعا، و لذا قال سبحانه،: و لا تسبوا الذين يدعون ممن دون الله و قد كان النبي صلي الله عليه و اله و سلم يسب الاصنام، و لذا قال قريشي لابي طالب ان ابن اخيك قد سب آلهتنا. (اني اكره لكم ان تكونوا سبابين) فان السب يثير الطرف المقابل بلا فائده (و لكنكم لو وصفتم اعمالهم) اي اعمال معاويه و اتباعه (و ذكرتم حالهم) لمن يجهل اي الطرفين علي الحق (كان اصوب في القول) لانه يوجب الفات الناس الي عدم لياقه معاويه، و كونه ظالما في دعواه (و ابلغ في العذر) اي عذرنا في قتالهم، اذ كل من يعرف انهم ظالمون يعطينا الحق في محاربتهم. (و قلتم مكان سبكم اياهم اللهم احقن) اي احفظ (دمائنا و دمائهم) بان يرجعوا الي الحق فلا يحاربوا حتي تراق الدماء (و اصلح ذات بيننا و بينهم) اي الصفه التي بين الطرفين كانها شي ء متصل اذا فسد حاربا و اذا صلح تالفا. (و اهدهم من ضلالتهم حتي يعرف الحق من جهله) منهم (و يرعوي) اي ينقلع (عن الغي) اي الضلاله (و

العدوان) اي التعدي (من لهج به) اي تكلم

بالغي و العدوان، ممن علم الحق لكنه يستمر علي الباطل، غيا و عدوانا.. و لا يخف ان مثل ذلك بالنسبه الي الخصم يوجب جلبه و ترضيه خاطره و جلبه الي طرف الحق.

خطبه 198

[صفحه 300]

في بعض ايام الصفين، حين راي الامام الحسن عليه السلام يتسرع الي الحرب (املكوا) اي احفظوا بشده (عني) اي عن طرفي، و من جهه امري (هذا الغلام لا يهدني) اي حتي لا يهدم اركاني بموته اذا قتل (فانني انفس) اي ابخل (بهذين)- يعني الحسن و الحسين عليهماالسلام- (علي الموت لئلا ينقطع … ) سبب … (هما نسل رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم) اذ هما الباقيان عن نسل الرسول صلي الله عليه و آله و سلم.

خطبه 199

[صفحه 301]

قاله لما اضطرب عليه اصحابه في امر الحكومه، في قصه صفين: (ايها الناس انه لم يزل امري معكم علي ما احب) من لزومكم الطاعه و ائتماركم لاوامري (حتي نهكتكم الحرب) اي اضعفتكم (و قد و الله اخذت) الحر (منكم) بعضا ممن قتلوا (و تركت) بعضا و هم الباقون (و هي) اي الحرب (لعدوكم) اي اصحاب معاويه (انهك) اذ قتل منهم اكثر من اصحاب الامام و هذا الكلام لوم لاصحابه، كيف حنبوا عن القتال لما اضعفتهم الحرب بينما يجب ان يكونوا كالسابق، اذ تاثير الحرب في اعدائهم كان اكثر.. و انما الشي ء قوي و انهم في اجبار الامام علي الحكومه، خوفهم الذي سري فيهم من الحرب. (لقد كنت امس) قبل انهاك الحرب (اميرا) آمركم فتاتمرون (فاصبحت اليوم مامورا) اذ هم الذين الجئوا الامام لان يقبل قضيه التحكيم، و كان الامام كارها له، لانه يعلم انه مكيده. (و كنت امس ناهيا) عن الحكومه حينما اقترحتم علي (فاصبحت اليوم منهيا) اذ ان اصحاب الامام لما عرفوا المكيده في التحكيم جعلوا ينهون الامام عنه بعد ما افلت الزمام من يده عليه السلام، و اعطي القول بقبوله. (و قد احببتم البقاء)

في الدنيا و الذا اجبرتمونا علي التحكيم، لتنهوا بذلك امر القتال (و ليس لي ان احملكم عل

ي ما تكرهون) من الحرب، و هذا توبيخ لهم، بتركهم الحرب، و جبنهم و الزامهم للامام بالتحكيم، ثم ندمهم و نهيهم له عليه السلام عن التحكيم.

خطبه 200

[صفحه 303]

(بالبصره، و قد دخل علي علاء بن زياد الحاريثي- و هو من اصحابه- يعوده، فلما راي سعه داره قال:) (ما كنت تصنع بسعه هذه الدار في الدنيا)؟ استفهام للانكار، اي انك لا تحتاج الي مثل هذه اسعه، فما حاجتك لها..؟ (اما) للتنبيه (انت اليها) اي الي هذه السعه (في الاخره كنت احوج) بمعني ان تقدم بعضها الي آخرتك و تكتفي في الدنيا بدار تكفيك.. و كان الامام عليه السلام قال هذه الحمله مقدمه لكلامه الاتي (و بلي ان شئت بلغت بها الاخره) بان صرفتها في تحصيل مرضات الله سبحانه (تقري فيها الضيف) اقراء الضيف اضافته. (و تصل فيها الرحم) بان تدعوهم الي دارك للنزهه و ما اشبه (و تطلع منها) اي من هذه الدار (الحقوق) الشرعيه (مطالعا) اي الي وجوهها التي شرعها الله سبحانه (فاذا) فعلت ذلك (انت قد بلغت بها) اي بهذه الدار (الاخره) لانها صارت سببا لتحصيلها. (فقال له العلاء: يا اميرالمومنين اشكو اليك اخي عاصم بن زياد، قال عليه السلام: و ما له؟ قال: لبس العبائه) التي كانت من زي الزهاد (و تخلي عن الدنيا) اي عن التنعم بنعمها (قال عليه السلام: علي به. فلما جاء قال:) (يا عدي نفسه) تصغير عدو اما للتصغير او للتعظيم نحو (دويهيه تصغر منها الانامل

) (لقد استهام بك الخبيث) اي الشيطان، و معني استهام زين الهيام و التوله اليك (اما رحمت الهلك و ولدك)؟ حيث تركت شانهم

لزعمك انك زهدت في الدنيا (اتري الله احل لك الطيبات و هو يكره ان تاخذها)؟ حيث قال سبحانه: قل من حرم زينه الله التي اخرج لعباده و الطيبات من الرزق؟ قل: هي للذين آمنوا في الحياه الدنيا، خالصه يوم القيامه. (انت اهون علي الله من ذلك) بان يحلل لك مجبورا في تحليله، حتي اذا علمت ذلك تركت لتوافق مرضات الله سبحانه، و ذلك لان لذائذ الدنيا مباحه للانسان و قد خلقها سبحانه له بشرط ان لا ياخذها من حرام، و لا يصرف القوه التي اخذ منها الا في طاعه، و لا يبعد ان يكون هذا للعامه اما الخواص فينطبق عليه قوله عليه السلام: ما من احد طاب مطمعه و ملبسه الا وطال وقوفه بين يدي الله سبحانه. (قال:) عاصم مستفسرا عن الامام كيف ينهاه، عن ذلك و هو زاهد في الدنيا (يا اميرالمومنين هذا انت في خشونه ملبسك) لا نعومه له حتي يلتذ جسمك و (جشوبه ما كلك) اي خشونتها لا لين فيه..؟. (قال) عليه السلام: (ويحك) كلمه تستعمل للاهانه و للمدح (اني لست كانت) حتي تقيس نفسك بي (ان الله فرض علي ائمه العدل) مقابل الائمه الجائرون، فان الله سبحانه لميمض

كونهم اماما، حتي يرتب عليهم شئون الائمه المنصوبين من قبله (ان يقدروا) اي يقيسوا (انفسهم بضعفه الناس) جمع ضعيف، اي يعيشوا كالضعفاء في الماكل و الملبس و ما اشبه (كيلا يتبيغ) اي لا يهيج (بالفقير فقره) اذ لو راي الفقير ان امامه يتنعم بلذائذ الحياه هاج به الفقر و لم يصبر و انحرف عن الجاده، اما اذا راي امامه يعيش مثل عيشه كان ذلك سلوه … و تطمينا لقلبه.

خطبه 201

[صفحه 306]

(و قد سئله سائل عن احاديث

البدع و عما في ايدي الناس من اختلاف الخبر) اي الاخبار المرويه عن الرسول صلي الله عليه و آله و سلم، و ما نسب صلي الله عليه و آله و سلم بدعه و كذبا فقال عليه السلام مقسما الحديث الي اربعه اقسام. (ان في ايدي الناس حقا و باطلا و صدقا و كذبا) الحق و الباطل باعتبار المطالب- ككون الاله واحدا ام متعددا- و الصدق و الكذب باعتبار الاخبار، ككون الرسول قال كذا ام لم يقله، و قد يكون الفرق بينهما بالاعتبار، فيقال للخبر المطابق للواقع صدق باعتبار كونه مطابقا للواقع و حق باعتبار انه مطابق للواقع. (و ناسخا) ازال الحكم السابق (و منسوخا) قد ازيل حكمه (و عاما) شاملا لكل الافراد نحو اكرم العلماء و خاصا نحو لا تكرم زيدا (و محكما) واضح الدلاله نحو قل هو الله احد (و متشابها) غير واضح الدلاله، نحو الي ربها ناظره (و حفظا) اي ما حفظ عن الرسول صلي الله عليه و آله و سلم (و وهما) ما لم يتعمد كذبه و لكن توهم خلاف ما قاله الرسول صلي الله عليه و آله و سلم. (و لقد كذب علي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم علي عهده) اي في زمان حياته (حتي قام خطيبا فقال: من كذب علي متعمدا فليتبوء مقعده من النار) اي ليمل

اء مكانه في الاخره من النار، و هذا كنايه عن انه بذلك يستحق النار (و انما اتاك بالحديث اربعه رجال ليس لهم خامس) و كان الامام عليه السلام قدم تلك المقدمه لبيان ان بعض الناس عل بالعام دون الخاص، او سمع المتشابه و ظن محكما، او ما اشبه ذلك … الاول: (رجل

منافق) يخالف ظاهر باطنه، فهو مسلم في الظاهر، كافر في الباطن (مظهر للايمان متصنع بالاسلام) اي يصنعه لنفسه دون ان يكون في الواقع مسلما (لا يتاثم) اي لا يخاف الاثم (و لا يتحرج) اي لا يخشي الوقوع في الحرج، اي الجرم الموجب للضيق (يكذب علي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم متعمدا) لمصالح شخصيه و ذلك كابي هريره، و سمره بن جندب، و احزابهما. (فلو علم الناس انه منافق كاذب) في حديثه (لم يقبلوا منه و لم يصدقوا قوله و لكنهم قالوا صاحب رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم راي) الرسول صلي الله عليه و آله و سلم (و سمع منه) الحديث (و لقف عنه) اي تناول و اخذ (فياخذون بقوله) فيما يرويه عن الرسول. (و قد اخبرك الله عن المنافقين بما اخبرك و و صفهم بما وصهم به لك) من الصفات الذميمه، كقوله سبحانه: و الله يشهد ان المنافقين لكاذبون اتخذوا ايمانهم جنه فصدوا عن سبيل الله انهم ساء ما كانوا

يعملون، ذلك بانهم آمنوا ثم كفروا فطبع علي قلوبهم فهم لا يفقهون، و اذا رايتهم تعجبك اجسامهم، و ان يقولوا تسمع لقولهم كانهم خشب مسنده يحسبون كل صيحه عليهم هم العدو فاحذرهم قاتلهم كانهم خشب مسنده يحسبون كل صيحه عليهم هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله اني يوفكون فهل يتوقع الانسان بعد ذلك من امثال هولاء الصدق و الامانه في نقل الحديث؟. (ثم بقوا) هولاء المنافقون (بعده عليه و آله السلام) اي بعد موت الرسول صلي الله عليه و آله و سلم (فتقربوا الي ائمه الضلاله و الدعاه الي النار) جمع الداعي (بالزور) اي الكذب و هذا متعلق …

(تقربوا) (و البهتان) اي الافتراء علي الرسول في خلق الاحاديث. (فولوهم الاعمال) حيث راي اولئك الائمه ان في بقاء هولاء تقويه لسلطانهم، اذ يختلقون لهم احاديث (و جعلوهم حكاما علي رقاب الناس) يتصرفون في البلاد و العباد كيف شائوا (و اكلوا) اي اولئك الامه (بهم) اي بهولاء المنافقين نقله الاحاديث كذبا (الدنيا) اذ قووا سلطتهم باختلاف احاديث مجعوله لتحبيبهم الي الناس. (و انما الناس مع الملوك و) مع (الدنيا الا من عصم الله) اي: حفظه حتي لا يميل اليهم، اذا كان في ذلك هلك دينه (فهذا احد الاربعه) الذين ياتون بالحديث عن الر

سول صلي الله عليه و آله و سلم، و منه يقع الاختلاف في الاخبار المرويه عنه صلي الله عليه و آله و سلم، و من هنا نشئت البدع. (و) الثاني من الاقسام الاربعه (رجل سمع من رسول الله شيئا لم يحفظه علي وجهه) كما قال الرسول و علي الجهه التي ارادها (فوهم) اي اخطاء و غلط (فيه) اي في ذلك الشي ء (و لم يتعمد كذبا) علي الرسول و افتراء عليه (فهو) اي الحديث الموهوم (في يديه و يرويه) عن الرسول صلي الله عليه و آله و سلم. (و يعمل به) لنفسه (و يقول: انا سمعته من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، فلو علم المسلمون انه و هم فيه) و اخطاء (لم يقبلوه منه، و لو علم هو) الراوي (انه كذلك) و هم و اشتباه (لرفضه) و لم يروه و لم يعمل به. (و) الثالث من الاقسام الاربعه (رجل ثالث سمع من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم شيئا يامر به ثم نهي عنه و هو لا

يعلم) بالنهي، كسماعه امره صلي الله عليه و آله و سلم بذهاب ابي بكر لسوره برائه ثم نهيه عن ذلك، و تبديله بالامام عليه السلام (او سمعه) صلي الله عليه و آله و سلم (ينهي عن شي ء ثم امر به و هو لا يعلم) كما لو سمع لزوم الكف عن الجهاد في مكه ثم امر به في المدينه (فحفظ المنسوخ) الذي زال حكمه (و لم يحفظ

الناسخ) اي الحكم الثاني. (فلو علم انه منسوخ لرفضه) و لم يعلم به (و لو علم المسلمون اذ سمعوه منه انه منسوخ لرفضوه) و لم يعملوا به، لكنهم جهلوا ذلك فاخذوا به، و هو خلاف الواقع فمن هنا ياتي الاختلاف. (و) القسم الرابع (آخر رابع) الاقسام الثلاثه الماضيه الراويه للحديث (لم يكذب علي الله و لا علي رسوله) عمدا كالمنافقين (مبغض للكذب خوفا من الله) لئلا يعاقبه (و تعظيما لرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم) اذ نسبه الكذب اليه قبيح ينافي مقامه الكريم (و لم يهم) اي لم يخطا، لا كالقسم الثاني، و لا كالقسم الثالث (بل حفظ ما سمع علي وجهه) اي مع عرفان مقصده الذي قيل لاجله (فجاء به) اي نقل الحديث (علي ما سمعه لم يزد فيه و لم ينقص منه) كما انه سمع الرسول صلي الله عليه و آله و سلم، لا بعضه دون بعض. (فحفظ الناسخ فعمل به، و حفظ المنسوخ فجنب) اي تجنب (عنه) فان الرسول صلي الله عليه و آله و سلم كان يامر حسب المصالح في شئون خاصه، فاذا ذهب ذلك الطرف امر بما يلائم الظرف الثاني، كالكف عن الجهاد في مكه، و الامر بالجهاد في المدينه. (و عرف الخاص و

العام) فلم يامر بالعام حتي في مورد الخاص (فوضع كل شي ء موضعه) العام لجميع الافراد باستثناء الخ

اص، و الخاص لمكانه المخصوص به. (و عرف المتشابه) الذي يراد به غير معناه الظاهر، او ما تشابه فلم يعلم المراد منه (و محكمه) نحو لا تدرك الابصار الذي هو محكم و وجوه يومئذ ناظره الي ربها ناظره الذي هو متشابه و هذا الراوي- من الاقسام الاربعه- هو المعتمد عليه الذي لا يروي الا صدقا و حقا، و يمكن الاخذ بقوله. (و قد كان يكون من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم الكلام له و جهان:) من جهه يمكن العمل به و من جهه لا يمكن العمل به، فان الرسول كان يتكلم حسب اهل العرف قال سبحانه: و ما ارسلنا من رسول الا بلسان قومه فكما ان كلام البلغاء يحتوي علي مختلف الاشكال كذلك كلام الرسول صلي الله عليه و آله و سلم (فكلام خاص و كلام عام فيسمعه) اي الكلام العام (من لا يعرف ما عني الله سبحانه به) اي بهذا الكلام العام فيظن انه عني تمام افراده، و الحال ان المقصود باستثناء الخاص. (و لا ما عني رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم) من بيان هذا الكلام العام (فيجعله السامع و يوجهه علي غير معرفه بمعناه) المقصود (و ما قصد به) حين اطلق (و ما خرج) اي جاء (من اجله) فقد جاء الكلام من اجل الكنايه، كما يحكي ان الرسول صلي الله عليه و آله و سلم قال لبعض اصح

ابه اقطع لسانه- بالنسبه الي سائل كان يساله- … الرجل ان يقطع لسانه، فادركه علي عليه السلام و قال: ان مراد السائل اعطائه

شيئا، و هكذا. (و ليس كل اصحاب رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم من كان يساله و يستفهمه) اي يطلب من الرسول صلي الله عليه و آله و سلم فهم ما يقول، اما خجلا او جهلا، او ما اشبه. (حتي ان كانوا ليحبون ان يجي ء الاعرابي) اي البدوي الخارج من المدينه (و الطاري) اي الذي طوء اي عرض، و ليس من الصحابه (فيساله عليه السلام حتي يسمعوا) فاذا كانوا كذلك لم يكن فهمهم للاحاديث فهما صحيحا يمكن الاعتماد عليه. (و كان لا يمر بي من ذلك شي ء) من الاحاديث المشكله (الا سالت عنه و حفظته) و لذا قال عليه السلام علمني لرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم الف باب من العلم يفتح لي من كل باب الف باب. (فهذه وجوه ما عليه الناس في اختلافهم و عللهم) اي عله هولاء في الاختلاف (في رواياتهم) التي رووها كما ان منا ظهر منشا البدعه، و ان بعضها عمد و بعضها جهل.

خطبه 202

[صفحه 314]

في عجيب صنعه الكون: (و كان من اقتدار جبروته) الجبروت الحاله التي يمكن بها جبر الاشياء علي الاطاعه و الانقياد، فاضافه الاقتدار اليها من باب اضافه العام الي الخاص (و) من (بديع لطائف صنعته) اي الصنعه الدقيقه التي ابتدعها و اوجدها من غير مثال (ان جعل من ماء البحر) و هو البحر الذي خلقه الله سبحانه قبل خلق الارض و السماوات، و اشير اليه في الخطبه الاولي و غيرها (الزاخر) اي الطافي الممتلي من زخر البحر اذا امتلاء (المتراكم) اي المجتمع (المتقاصف) اي الذي يقصف بعضه بعضا، اي يكسره (يبسا جامدا) اي الارض اليابسه. (ثم فطر منه) اي خلشق من ذلك

الماء (اطباقا) اي طبقات، فان ماء البحر خض خضا شديدا، فجعل من زبده الارض، و من بخاره الصاعد السماوات، و حيث كان البخار شيئا واحدا متصلا، قال عليه السلام (ففتقها) اي فرقها بعد ان كانت متصله (سبع سماوات) اما المراد الاجرام، او المراد ما يملاء الفضاء من الجسم البسيط الذي كان يسمي اثيرا، و تمييز بعض السماوات عن بعض بكونها مدارات لكل مدار نظام خاص (بعد ارتتاقها) اي بعد ان كانت متصله بعضها ببعض اذ البخار كا ن جسما واحدا. (فاستمسكت) السماوات، اي تماسكت (بامره) التكويني (و قامت ع

لي حده) اي الحد الذي حدده لها الامر الالهي (وارسي ارضا) اي جعلها ثابته محكمه (يحملها الاخضر) اي البحر، فان الارض كالكره في البحر (المثعنجر) اي معظم البحر، او المراد البحر، او المراد البحر السائل، فان السائل يقال له مثعنجر- بالكسر- (و القمقام) اسم آخر للبحر (المسخر) الذي سخره الله سبحانه، و الارض و ان لم تكن محموله حقيقه، الا ان الانسان يراها كذلك (قد ذل) البحر (لامره) سبحانه. (و اذعن لهيبته) اي من خوفه تعالي (و وقف الجاري منه) اي من البحر (لخشيته) اي خوفه تعالي، و امثال هذه الجمل من باب التشبيه، و انما المراد الاطاعه التكوينيه من الاشياء لله سبحانه، و من الممكن ان يكون للاشياء خوف و خشيه و ادراك، كما يظهر من جمله من الايات و الروايات. (و جبل) سبحانه، اي خلق (جلاميدها) جمع جلمود، و هي الصخور الصلبه (و) خلق (نشوز) اي مرتفعات (متونها) كالاكام، الشبيهه بمتن الانسان في ارتفاعها (و اطوادها) جمع طود، بمعني: الجبل (فارساها) اي: اثبت تلك الجبال (في مراسيها) اي محلات استقرارها. (و الزمها) اي الجبال (قراراتها) فكل

واحده منها مستقره في مكانها، و اذا جاء يوم القيامه، ينعكس الامر، قال سبحانه: و تري الجبال تحسبها جامده و ه

ي تمر مر السحاب. (فمضت روسها في الهواء) شامخه مرتفعه (و رست) اي ثبت (اصولها في الماء) فان الجبل يخترق الارض حتي الماء (فانهد) سبحانه، اي ارفع (جبالها عن سهولها) السهل ضد الجبل، اي جعل الجبال اعلي من الارض السهله. (و الساخ قواعدها) اي اثبت اصول الجبال (في متون اقطارها) اي في المتون من اقطار الارض و اطرافها (و مواضع انصابها) جمع نصب، و هو ما جعل علما ليعرف الانسان به الجاده، اي جعلها في المواضع التي يراد ان يكون موضع دلاله للطرق و ما اشبه (فاشهق) اي جعلها شاهقه مرتفعه (قلالها) جمع قله، و قله الجبل اعلاه (و اطال) في الجو (انشاذها) اي متونها المرتفعه في الارض، غير القلال، جمع نشز، و هو المرتفع. (و جعلها اللارض عمادا) تعتمد الارض علي تلك الجبال، و الا لتفككت و اضطربت (و ارزها) اي ثبت اتلك الجبال (فيها) اي في الارض (اوتادا) جمع وتد، و هو المسمار، فان الجبال بمنزله المسامير التي تجمع بين قطع الخشب (فسكنت) الارض (علي حركتها) اي مع كونها متحركه- كما يقول العلم الحديث- او في حال كونها متحركه، اذ كانت قبل خلق الجبال مضطربه (من ان تميد) اي تضطرب (باهلها) و تتزلزل بهم. (او تسيخ) اي تهبط في الهواء (بحملها) اي بما تحمل من

الانسان و الدواب و غيرهما، بان تاخذ غير مدارها- كما يقول العلم الحديث- (او تزول عن مواضعها) ذات اليمين او الشمال او الفوق. (فسبحان من امسكها) اي حفظ الارض (بعد موجان) اي تموج (مياهها) فلم توثر الامواج الشديده في

تحريك الارض. (و اجمدها) اي جعلها جامده (بعد رطوبه اكنافها) اي اطرافها فانها خلقت من زبد البحر. (فجعلها) اي الارش (لخلقه مهادا) موضع الاستقرار و الاستراحه (و بسطها لهم فراشا) كالفرش المبسوط الذي يستريح الانسان اليه (فوق بحر لجي) كثير الماء (راكد) ذلك الماء (لا يجري) كما تجري مياه الانهار. (و قائم) في مكانه (لا يسري) في الهواء (تكركره) اي تحركه ذاهبه به و عائده له (الرياح العواصف) جمع عاصفه، و هي الشديده (و تمخضه) كما يمخض اللبن في السقاء ليخرج منه الزبد (الغمام) اي السحاب، و المراد به الجنس، و لذا جي ء بالفعل مونثا (الذوارف) جمع ذارفه، اي السائله، فان الامطار الشديده توجب مخض ماء البحر اذا نزلت فيه، لان اعلاه يكون اسفله، و بالعكس (ان في ذلك) الذي ذكر من الايات الارضيه و السماويه (لعبره) اي اعتبارا، و دلاله علي وجود الخالق و علمه و قدرته و حكمته (لمن يخشي) فيعترف بالاله سبحانه و يطيعه.

خطبه 203

[صفحه 318]

فيها انهاض لاصحابه الي قتال معاويه، و اعوانه، بصوره الدعاء: (اللهم ايما عبد من عبادك) (ما) زائده، او موصوفه اي شخص وصف ب(عبد) (سمع مقالتنا) اي قولنا (العادله) في قصه الخلافه، و بطلان مزاعم من ابطل خلافه الامام طمعا او جهلا (غير الجائره) التي لا جور فيها و لا انحراف الي الباطل (و المصلحه) صفه المقاله (في الدين و الدنيا) لانها توجب اطاعه امر الله، و نظم المسلمين في سلك واحد، يوجب قوتهم امام الكفار. (غير المفسده) حال عن المصلحه اي في حالكون مقالتنا لا تفسد شيئا (فابي بعد سمعه لها) اي للمقاله (الا النكوص) اي الرجوع و عدم العمل بان اصر علي باطله (عن نصرتك) بنصر

دينك (و الابطاء عن اعزاز دينك) فان اعزاز الدين انما يكون بالالتفاف حول خليفه رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم الشرعي الذي يعرف الاسلام عرفانا تاما. (فانا نستشهدك عليه باكبر الشاهدين شهاده) اي نجعلك شاهدا عليه، بانه عرف و لم …، او المعني نطلب شهادتك ضدك بسبب شهاده الرسول او القرآن، فانهما شهيدان لنا، و بشهادتهما الصادقه نطلب ان تكون انت ايضا شاهدا- اذ قال الرسول: علي مع الحق، و الحق مع علي، و قال القرآن: اطيعوا الله و اطيعوا الرسول، و اولي

الامر منكم- اما علي المعني الاول فيكون باكبر شبه بدل عن الكاف في نستشهدك (و نستشهد عليه جميع من اسكنته ارضك و سماواتك) من الملائكه و الانسان و الجن و من اشبه، و لا يخفي ان استشهاد هولاء مثل استشهاد الانسان لانسان آخر في قضيه من القضايا (ثم انت) يا رب (بعد) اي بعد انحرافه عمدا و الاستشهاد منا عليه (المغني عن نصره) اي تغنينا حتي لا نحتاج الي آخر مثل الشخص (و الاخذ له بذنبه) ذنب الانحراف عن الحق عمدا.

خطبه 204

[صفحه 320]

(الحمد لله العلي عن شبه المخلوقين) اي انه ارفع من ان يشبههم، اذ لو كان شبيها لهم، كان مساويا معهم، فلم يكن ارفع (الغالب لمقال الواصفين) اي لا يقطع الواصفون ان يصفوه مهما بالغوا في الوصف، كانه سبحانه يغلب وصفهم (الظاهر به) سبب (عجائب تدبيره) اي تدبيره للمخلوقات العجيبه (للناظرين) فان من نظر الي الاثار العجيبه عرف حكمه صانعها و قدرتها الفائقه. (الباطن بجلال عزته) اي ان كونه عزيزا سبب جلاله و ارتفاعه فان كل عزيز مرتفع (عن فكر المتوهمين) فلا يصل اليه تعالي فكر الناس و التوهم:

التظني و التعقل، فانه سبحانه لا يدرك كنهه. (العالم بلا اكتساب) علم من احد، بعكس الانسان الذي يعلم الاشياء بالكسب و التعلم (و لا ازدياد) فان علمه لا يزداد تدريجا كما يزداد علم الانسان (و لا علم مستفاد) فلم يستفد العلم من احد، و الاكتساب اعم من الاستفاده. (المقدر لجميع الامور) بان يكون لكل شي ء مقدار خاص طولا و عرضا و زمانا و عمرا، و ما اشبه (بلا رويه) اي فكر (و لا ضمير) اي اضمار في النفس اذ لا نفس له سبحانه (الذي لا تغشاه الظلم) جمع ظلمه، فان النهار و الليل لا يقعان عليه، اذ هو سبحانه ليس بجسم (و لا يستضي ء بالانوار) بان يقع عل

يه نور الشمس او نور المصباح او غيرهما. (و لا يرهقه ليل) اي لا يغشاه (و لا يجري عليه نهار) و هذا اخصان من الظلم و الانوار في الجملتين السابقتين. (ليس ادراكه) تعالي للاشياء (بالابصار) اذ لا عين له كعيون البشر (و لا علمه بالاخبار) بان يخبره شخص فيعلم بعكس الانسان الذي علمه باخبار الناس له.

[صفحه 321]

(و منها في ذكر النبي صلي الله عليه و آله و سلم) (ارسله) سبحانه (بالضياء) اي النور الذي يجب معرفه الناس لطريق السعاده (و قدمه) علي غيره (في الاصطفاء) بان اختاره للرساله دون سواه (فرتق به المفاتق) جمع مفتق، بمعني الشق، فانه كان بين الناس انشقاقات طبقيه و ما اشبه، فجمع شملهم (و ساور) اي غالب الله سبحانه (به) اي: بسبب الرسول صلي الله عليه و آله و سلم (المغالب) اي الكفار الذين يغالبون الحق لاراده الغلبه عليه. (و ذلل به) اي بالرسول صلي الله عليه و آله و سلم (الصعوبه) اي

المشاكل التي كانت تكتنف الناس من كل جانب و مكان (و سهل به الحرونه) اي الصعوبه التي كانت في الاخلاق، و في طباع الناس، فان الرسول صلي الله عليه و آله و سلم لين الطباع و هذبها (حتي سرح الضلال) اي ابعده عن الناس (عن يمين و شمال) اي جانب الافراط و التفريط، فمثلا الضلال في الانفاق الاسراف و البخل و الوسط الجود.

خطبه 205

[صفحه 323]

في الشهادتين، و صفه العلماء، و الوعظ: (و اشهد انه) تعالي (عدل) بذاته لا ميل فيه و لا اعوجاج (عدل) في الحكم و في الخلق، فلم يظلم مخلوقا و لا في حكم (و حكم) اي حاكم (فصل) في القضيه تفصيلا عادلا. (و اشهد ان محمدا عبده و رسوله) لعل تقديم العبد- لما تقدم- دلاله علي ان الرسول صلي الله عليه و آله و سلم لا يتعدي منزله العبوديه، خلافا لزعم اليهود و النصاري في انبيائهم (و سيد عباده) جعله تعالي سيدا عليهم (كلما نسخ الله الخلق فرقتين) اي جعلهم جماعتين، كالعرب و العجم و اولاد سام و اولاد حام و هكذا. (جعله) اي جعل نطفه الرسول صلي الله عليه و آله و سلم و نوره (في خيرهما) اي في احسن الفرقتين. (لم يسهم فيه) اي لم يشترك في نطفته- اي آبائه و امهاته- (عاهر) اي زان (و لا ضرب فيه) صلي الله عليه و آله و سلم (فاجر) يقال ضرب في الشي ء اذا صار له نصيب منه، اي ليس لفاجر نصيب في الرسول، فلم يكن في آبائه شخص فاجر ابدا. (الا و ان الله جعل للخير اهلا) هم ياتون بالخير و يعملون له (و للحق دعائم) هم ياخذون الحق، حتي لا

ينهار (و للطاعه عصما) جمع عصمه و هي ما يعتصم به و المراد الاشخاص المطيعون الذين تعتصم بهم الطاعه من ان تنهار

و تفني، اذ لو لا المطيعون لم تكن طاعه (و ان لكم عند كل طاعه عونا من الله) فان الله يعينكم في طاعاتكم (يقول) ذلك العون (علي الالسنه) اي: يجري ذلك العون الطاعه علي اللسان. (و يثبت الافئده فيه) اي يثبت ذلك العون القلوب في الاتيان بالطاعه، لئلا يتزلزل القلب و يخاف، و يرجف اللسان و لا يتكلم بالطاعه (كفاء) ذلك العون الغيبي (لمكتف) اي الذي يريد الاكتفاء، لا الذي يريد ان يتعلل ليفر من الطاعه (و شفاء لمشتف) اي لمن يريد الشقاء من امراض المعصيه.. و قد ذكر الامام هذه الجمل من قوله الاوان لحث الناس علي الطاعه و ترغيبهم في الاطاعه.

[صفحه 324]

(و اعلموا ان عباد الله المستحفظين علمه) اي الذين اودع الله فيهم العلم فحفظوه- و هم العلماء الاخبار- (يصونون مصونه) اي يحفظون ما يجب حفظه، من العلوم لئلا يندرس و يفني (و يفجرون عيونه) اي عيون العلم، بالمدارسه و المذاكره. (يتواصلون بالولايه) اي يصل بعضهم بعضا بسبب الولايه و المحبه التي تحلوا بها من جراء كونهم حافظين لعلم الله تعالي. (و يتلاقون) اي يلقي بعضهم بعضا (بالمحبه) فيحب احدهم الاخر (و يتساقون) يسقي بعضهم بعضا (بكاس رويه) اي توجب الارتواء من الظماء، و النجات من العطش، فان العلم الذي يقوله احدهم للاخر يوجب ارتواء المتعلم، لان ذلك العلم ينير الاذهان المظلمه. (و يصدرون بريه) اي يخرجون بعد التفرق بالري اي الامتلاء من الماء- التاء في ريه، للموحده- (لا تشوبهم الريبه) اي لا يشك احدهم بالاخر- من جهه سوء الظن او ما

اشبه- (و لا تسرع فيهم الغيبه) اي لا يغتاب احدهم الاخره، كما هو شان اهل الجهل اذ يسرع احدهم في غيبه الاخر- لدي غيابه- (علي ذلك) لذي ذكر لهم من الصفات الحسنه (عقد) الله سبحانه (خلقهم و اخلاقهم) فان خلقهم من طينه صافيه، و اخلاقهم ظاهره زاكيه (فعليه) اي علي ذلك العقد (يتحابون) يحب بعضهم بعضا.

(و به يتواصلون) يصل احدهم الاخر و لا يهجره (فكانوا كتفاضل البذر) اي انهم يتفاضلون علي سائر الناس كما يفضل البذر (ينتقي) اي يختار صافيا من الزوان و ما اشبه ليخرج النبات جيدا (فيوخذ منه) اي من ذلك البذر الجيد (و يلقي) الردي ء. (قد ميزه) اي ذلك البذر (التخليص) اي كونه قد خلص من البذور السيئه (و هذبه) اي نقاه (التمحيص) اي الاختيار- و هذا هو وصف العلماء الاخيار كما ذكره الامام عليه السلام- (فليقبل امرء كرامه) اي كرامه عظيمه (بقبولها) اي بقبوله للتقوي (و ليحذر قارعه) اي مصيبه تقرع الانسان، و المراد به الموت او القيامه (قبل حلولها) بان يعمل صالحا حتي لا تاتيه القارعه بغته فتصير سببا لعذابه و نكاله. (و لينظر امرء في قصير ايامه) المراد بالنظر التفكر و العمل الصالح (و قليل مقامه) اي مقامه القليل في الدنيا (في منزل) اي الدنيا و كان التفكير لتحقير شانها. (حتي يستبدل به منزلا) المراد به الاخره، اي يصبر حتي ينتقل الي ذلك المنزل (فليصنع لمتحوله) اي المحل الذي يتحول اليه (و معارف منتقله) اي المواضع التي يعرف الانتقال اليها. (فطوبي لذي قلب سليم) عن ادران الملكات السيئه (اطاع من يهديه) اي الله سبحانه (و تجنب من يرديه) اي من ي

هلكه و هو الشيطان. (و اصاب سبيل السلامه) اي الطريق

الموجب لسلامه عن المعاصي و الاثام (ببصر من بصره) اي بابصار المرشد الذي ارشده (و طاعه هاد امره) بالسلوك في هذا السبيل فسلك كما امر (و بادر الهدي قبل ان تغلق ابوابه) بالموت، فانه لا تقبل التوبه من الانسان اذا مات. (و تقطع اسبابه) اي اسباب الهدي (و استفتح التوبه) اي فتحها بان شرع في التوبه (و اماط الحوبه) اي ازال الاثم. (فقد اقيم علي الطريق) اي اقاموا الانسان علي طريق الزوال (و هدي نهج السبيل) اي اروه الطريق المستقيم الواضح.

خطبه 206

[صفحه 328]

(كان يدعو به كثيرا) و فيه يذكر جمله من النعم: (الحمد لله الذي لم يصبح بي ميتا و لا سقيما) اي لم يمتني و لم يمرض (و لا مضروبا علي عروقي بسوء) فان العرشق اذا ضرب- اي اضطرب- صار الانسان مريضا (و لا ماخوذا باسوء عملي) اي لم ياخذني الله سبحانه باعمالي السيئه، حتي يهلكني و يعذبني، و لا يخفي ان المراد بسوء العمل- ما ذكرناه سابقا من الامور اللازمه للجسد، التي كان الامام و سائر المعصومين يرونها بعدا عن الله تعالي و سيئا- (و لا مقطوعا دابري) الدابر بقيه الرجل من ولده و نسله، اي لم يقطع نسلي. (و لا مرتدا عن ديني) اي لم ارجع عن ديني (و لا منكرا لربي) كالجاحدين الذين ينكرون وجود الله سبحانه (و لا مستوحشا من ايماني) فان بعض الناس يخافون من ايمانهم، و يرونه شيئا غريبا لا صقابهم (و لا ملتبسا عقلي) اي لم يختلط عقلي بجنون و نحوه (و لا معذبا بعذاب الامم من قبلي) من قبيل الخسف و الرمي بالحجاره و ما اشبه مما اصيب بها الامم السابقه. (اصبحت عبدا مملوكا) لله سبحانه

(ظالما لنفسي) فان المعصوم حيث يري حضور الله دائما، و يعلم علمه الواسع و احاطته الشامله، يري نفسه مقصرا في جنبه، اذ لا يتمكن من الوفاء بحقه، لضروريات جسده

(لك الحجه علي و لا حجه لي) فان الله سبحانه اتم الحجه علي العبد، بما ليس للعبد حجه اذا ترك امرا او ارتكب نهيا (و لا استطيع ان آخذ) شيئا من الاشياء (الا ما اعطيتني) من النعم و الفواضل. (و لا اتفي الا ما وقيتني) اي حفظتني منه (اللهم اني اعوذ بك ان افتقر في) جنب (غناك) الذي تغني به كل شي ء، بان تحرمني من فضلك حتي افتقر (او اضل في هداك) اي مع هدايتك لي، و في بمعني النسبه (او اضام) اي اظلم (في سلطانك) اي و الحال انك سلطان تقدر علي دفع الظالمين عني (او اصطهد) و يوخذ حقي (و الامر لك) تقدر علي الدفاع عني. (اللهم اجعل نفسي اول كريمه تنتزعها من كرائمي) اي الاشياء الكريمه اليت اعطيتها لي، فان الجوارح و المشاعر كلها كرائم تفضل الله بها علي الانسان، و انتزاع النفس كنايه عن الموت، اذ لو انتزع غيرها، قبل الموت اصبح الانسان ناقصا، كان يعمي او يصم او يجن ا وما اشبه (و اول و ديعه ترتجعها) اي: تاخذها (من وداع نعمك عندي) فان نعم الله سبحانه عند الانسان وديعه لابد و ان يرتجعها جميعا. (اللهم انا نعوذ بك ان نذهب عن قولك) اي نخالف اوامرك (او ان نفتتن عن دينك) بان نخرج من الدين بافتتان الناس و اضلالهم (او تتابع بنا اهوائنا) اي نسير خ

لف الهوي مره فمره (دون الهدي الذي جاء من عندك) بان نتبع الهوي دون الهدي.

خطبه 207

[صفحه 331]

(اما

بعد فقد جعل الله لي) ايها المسلمون (عليكم حق بولايه امركم) اي بكوني واليا لاموركم (و لكم علي من الحق مثل الذي لي عليكم) المماثله في اصل الحق، لا في الكيفيه. (فالحق اوسع الاشياء في التواصف) اي في وصف الناس له، فكل الانسان يصف الحق (و اضيقها في التناصف) اي في اعطاء الانصاف، فان الانسان لا يستعد ان ينصف الناس من نفسه، واصل الانصاف من النصف، كان كلا الطرفين ينصفان الامر نصف لهذا و نصف لذاك. (لا يجري) الحق (لاجد الا جري عليه) بان كان عليه الحق مثل انه له الحق، فمثلا للرجل الحق علي المرئه بحسن التبعل، كما ان للمرئه الحق علي الرجل بالنفقه، و للواحد الحق علي الولد بالاطاعه، و للولد الحق علي الوالد بالتربيه، و هكذا. (و لا يجري عليه الا جري له) هذه القضيه عكس القضيه السابقه (و لو كان لاحد ان يجري له) بان كان له لحق علي غيره (ولا يجري عليه) فلا يكون عليه حق من احد (لكان ذلك خالصا لله سبحانه دون خلقه) اذ له حق علي كل احد، و ليس لاحد حق عليه، و الاتيان بلو مجاز لزياده التقريب فيعدم لانفكاك بين الاصل و العكس. (لقدرته علي عباده) و القادر المطلق، لا حق عليه، اذ هو خالق، و الخالق لا يعطيه احد شيئا حتي يستح

ق شيئا عليه (و لعدله في كل ما حرت عليه صروف قضائه) فاذا عدل سبحانه في كل شي ء لم يكن ظالما، حتي ياتي عليه حق المظلوم، اذ مثار الحق احد شيئين. الاول: ان يكون شخص متفضلا علي الانسان، فالمتفضل يكون له الحق علي ذلك المتفضل عليه- و ليس لاحد فضل علي الله-. (الثاني:

ان يكون الشخص ظالما لغيره، فيكون للمظلوم حق، و الله سبحانه عادل لا يظلم احدا و صروف القضاء تقلبات الامور الجاريه علي الناس، من افقار و اغناء، و ابلال و امراض، و احياء و امانه، و ما اشبه. (و لكنه) مع ذلك الذي لا حق عليه سبحانه واقعا (جعل حقه علي العباد ان يطيعوه) بان جعل حقا له- جديدا- غير اصل الخلقه و الانعام (و جعل جزائهم عليه مضاعقه الثواب) اي الثواب الذي هو ضعف العمل، قال تعالي: من جاء بالحسنه فله عشر امثالهم (تفضلا منه و توسعا) اي سعه في رحمته (بما هو- المزدي- من اهله) اي بما هو اهله، مزيدا، اي زياده علي اصل الاهليه و هذا لزياده التجليل عنه سبحانه. ثم.. بين عليه السلام حق الوالي و حق الرعيه- الذي ساق الكلام بصدده- (ثم جعل سبحانه من حقوقه حقوقا افترضها لبعض الناس علي بعض) فان استحقاق بعض الناس علي بعض، انما هو بجعل الله، و الا فمن تصرف في ملك الاخر ك

ان الحق للمالك، لا للملوك، و الناس كلهم ملك لله سبحانه، فاذا تصرف احد فيهم بما لا يلائمهم، كان اللازم ثبوت حق الله تعالي عليه، لا حق للمتصرف فيه (فجعلها تتكافا، في وجوهها) فحق في مقابل حق. (و يوجب بعضها بعضا) فاذا صار من احد حق علي غيره، كان لذلك الغير حق ايضا (و لا يستوجب بعضها الا ببعض) هذه القضيه عكس القضيه السابقه (و اعظم ما افترض) اي اوجب (سبحانه من تلك الحقوق، لان الاجتماع يستقيم بذلك، بينما سائر الحقوق توجب اقامه الافراد، و ما يتوقف عليه الاجتماع اهم مما يتوقف عليه الفرد. و كل هذين الحقين (فريضه فرضها الله سبحانه

لكل علي كل) اي: لكل طرف علي كل طرف (فجعلها) اي هذه الفريضه (نظاما لالفتهم) به ينتظم الالفه بين الوالي و الرعيه (و عزا لدينهم) اذ بالالفه تعتز الحكومه و الامه، مما يوجب عز الدين و رفعته في نظر الاعداء. (فليست تصلح الرعيه الا بصلاح الولاه) فان الناس علي دين ملوكهم (و لا تصلح الولاه الا باستقامه الرعيه) اذ لو انحرفت الرعيه، اضطرب امر الوالي، و لم يتمكن من اداره البلاد كما ينبغي. (فاذا ادت الرعيه الي الوالي حقه) بالنصره و الموازره (و ادي الوالي اليها) اي الي الرعيه (حقها) بالرعايه و العنايه (عز ا

لحق) بسبب الاجتماع و الافته و القوه (بينهم، و قامت مناهج الدين) للتعاون الحاصل بينهما الموجب للرقابه الشديده علي حفظ الدين. (و اعتدلت معالم العدل) جمع معلم و هو ما ينصب في الطريق للارشاد الي جهته، حتي لا يضل الماره (و جرت علي اذلالها) جمع ذل بكسر الذال بمعني محجه الطريق (السنن) اي جرت سنن الله و احكامه، علي وجوهها (فصلح بذلك الزمان) اذ ليس المراد من صلاح الزمان و فساده الا فساد الناس و صلاحهم. (و طمع في بقاء الدوله) اذ الدوله انما تبقي بمعاضده الامه لها، اما اذا صار الامر بالعكس سقطت الدوله بتجمع الامه ضدها (و يئست مطامع الاعداء) اي اعداء الدين اذ الاعداء انما يتمكنون من الاخلال اذا تشتت الامر و تفرقت الكلمه فالوحده عز، و … (و اذا غلبت انزعيه و اليها) بعدم الاطاعه و المخالفه (او اجحف الوالي برعيته) اي اظلم الوالي رعيته و سار بهم في طريق الجور (اختلفت هنالك الكلمه) اي تشتت كلمه الوالي و الرعيه و عبر عن التشتت بالكلمه لانه اذا

اختلفت الاراء، اختلفت الكلمات، فكل يقول غير ما يقوله الاخر. (و ظهرت معالم الجور) اذ كل من الطرفين يجور علي الاخر (و كثر الادغال في الدين) الادغال في الامر ادخال ما يفسده فيه، اذ كل جانب

يجر الدين الي جانبه ليقوي جبهته، و من المعلوم ان ذلك موجب للتاويل و الاختلاف و نسبه ما ليس من الدين الي الدين (و تركت محاج السنن) جمع محجه، بمعني وسط الطريق اي سنن الاسلام. (فعمل بالهوي) عوض الهدي (و عطلت الاحكام) اذ لا ينفذها كل جانب عنادا علي اجانب الاخر (و كثرت علل النفوس) اي امراضها الباطنيه من قبيل الحسد و الغل و الافتراء و ما اشبه. (فلا يستوحش لعظيم حق عطل) اي اذا عطل الحق لا تاخذ النفوس وحشه و استغراب لتعودها علي تعطيل الحقوق، و اتيان كل جانب بالاعمال الباطله تجاه الاخر. (و لا لعظيم باطل فعل) لاستيناس كل جانب بالاعمال الباطله الصادره من الجانب الاخر (فهنالك تذل الابرار) جمع بر، بمعني: المحسنين، (و تعز الاشرار) لانه يروج سوق الدجل و الاعمال المنكر، يستعين بهم كل طرف للتفليق ضد الطرف الاخر، و بمقدار ما يعز هولاء يذل الابرار، لان تورعهم المانع عن الاتيان بالمنكرات يسقطهم عن الانتفاع في زمان رواج سوقها (و تعظم تبعات الله عند العباد) التبعه ما يتبع الذنب من الاثم و العقاب، و المراد ان الناس يستوجبون العقاب من جانبه سبحانه. (فعليكم بالتناصح في ذلك) الوقت بان ينصح كل جانب الجانب الاخر، لتعود الالفه بين الوال

ي و الرعيه (و حسن التعاون عليه) بان يحسن كل جانب اعانه الجانب الاخر في الاتحاد و العمل بامر الله سبحانه (فليس احد و ان اشتد علي رضا الله

حرصه) بان كان حريصا علي تحصيل مراضي الله سبحانه، بامتثال جميع اوامره تعالي. (و طال في العمل اجتهاده) بان اكثر جهد نفسه ليل نهار للعمل حسب اوامر الله تعالي (ببالغ) متعلق بقوله فليس احد و الجمله بينهما معترضه اي لا يبلغ اي انسان (حقيقه ما الله سبحانه اهله من الطاعه له) من بيان ما المصدريه، و انما لا يبلغ لان الانسان لا يتمكن ان يودي مقدار حق الله تعالي، اذ هو ملك له، فكل ما يصدر منه ليس عوضا من نفسه، حتي يكفي و يقابل ما اعطاه الله تعالي. (و لكن) اذا لم يقدر الانسان علي اداء جميع حق الله تعالي، يلزم ان لا يترك ما يقدر عليه اذ (من اوجب حقوق الله علي العباد النصيحه) بان ينصح كان انسان من يتمكن من نصيحته (بمبلغ جهدهم) اي منتهي مقدار طاقتهم (و التعاون علي اقامه الحق بينهم) كل يعين الاخر، حتي يتمكن من اداء حقوقه تعالي. (و ليس امرء و ان عظمت في الحق منزلته) بان كان ذا رتبه كبيره من التقوي و الورع (و تقدمت في الدين فضيلته- بان يكون ذا فضل علي اقرانه في الالتزام بالدين و احكامه (بفوق

ان يعاون) اي يعينه الناس (علي ما حمله الله من حقه) اذ حق الله لا يمكن ان يوديه الانسان وحده، اذ من حقوقه ما لا يودي الا بالاجتماع و التعاون، و قوله: بفوق متعلق ب(ليس) امرء و الجمله بينهما معترضه. (و لا امرء و ان صغرته النفوس) بان نظر الناس اليه نظر تصغير و تحقير (و اقتحمته العيون- اي احتقرته، و النسبه الي العين لانها آله ادراك الموجب للاحتقار (بدون ان يعين علي ذلك) الحق الله

الواجب علي غيره (او يعان عليه) اي علي الحق الواجب علي نفسه، فكل انسان- كبيرا كان او صغيرا- يلزم ان يعين غيره و يعان من ناحيه غيره، اذ الحقوق الاجتماعيه لا تتاتي الا بالتعاون، و قوله بدون متعلق ب(لا امرء) و الجمله بينهما اعتراض

[صفحه 338]

(فاجابه عليه السلام رجل من اصحابه بكلام طويل يكثر فيه الثناء عليه، و يذكر سمعه و طاعته له، فقال عليه السلام) ردا له علي اطرائه ما يونبه في ذلك تعليما للناس بانه لا ينبغي اطراء الولات، اذ ان ذلك يوجب كبرهم و زعمهم التفوق، و ذلك يكثر المتزلفون حولهم مما يفسدهم، و يحول بينهم و بين قضائهم لحوائج الناس او قبول النقد لهم. (ان من حق من عطم جلال الله في نفسه) بان اعلم ان الله اجل و ارفع من كل شي ء (و جل) اي ارتفع (موضعه) سبحانه (من قلبه) بان راه اجل من كل شي ء (ان يصغر عنده لعظم ذلك كل ما سواه) ذلك اي ذلك الجلال و كل فاعل يصغر و وجه ذلك ان الانسان انما يعظم شيئا اذ لم يدرك اعظم منه، و الاصغر ذلك العظيم عند الاعظم، فاذا ادرك الانسان عظمته سبحانه لم ير لما سواه قيمه و عظمه اذ كل عظيم لا شي ء عند عظمته الله سبحانه، فان النسبه ابعد مما بين القطره و البحر، او الهبائه و الفضاء- اذا اردنا ان نقرب الي الذهن بالتمثيل بالمحسوسات-. (و ان احق من كان كذلك) اي احق المعظمين لله بتصغير ما سواه (لمن عظمت نعمه الله عليه) لانه كلما عظمت نعمه الله علي احد، عرف عظمه الله اكثر، و كلما كان معرفه الانسان بعظمه الله اكثر ازداد

تصغيرا لمن سواه سبحانه.

(و لطف احسانه اليه) اي دق فان الاحسان قد يشمل الاشياء الكبيره، و قد يشمل حتي الاشياء الدقيقه. (فانه لم تعظم نعمه الله علي احد الا ازداد حق الله عليه عظما) اذ الحق بمقدار النعمه، و كلما زاد الحق زادت المعرفه- لمن تفكر- و كلما زادت المعرفه التصغير لما سواه سبحانه (و ان من اسخف حالات الولاه) السخف رقه العقل و ضعفه (عند صالح الناس ان يظن بهم حب الفخر) اي ان حال الوالي سخيف، اذا ظن الصالحون به انه يحب الفخر، اذ ان ظنهم كاشف عن انه بحيث يظن به مثل هذا الظن، بينما اللازم علي الوالي ان يسير سيره تنفي عنه مثل هذا الظن. (و يوضع امرهم علي الكبر) اي من سخف الولاه ان يظن الصالحون بهم انهم يبنون امورهم علي اساس الكبر، فحيثما كان رفعه لهم تبعوه. (و قد كرهت ان يكون جال في ظنكم) اي جاء و تحرك في اذهانكم (اني احب الاطراء) اي الثناء و المدح (و استماع الثناء) اي استمع منكم ثنائكم علي. (و لست بحمد الله كذلك) احب الثناء و المدح، و انما قال الامام هذه الجمل، دفعا لقول ذلك الشخص الذي مدحه، بعد ما بين الامام حق الوالي و حق الرعيه، مما يستشم منه انه عليه السلام يريد اطراء نفسه بانه قام بالواجب عليه تجاه الرعي

ه. (و لو كنت احب ان يقال ذلك) الاطراء في- محبه نفسيه- (لتركته) اي اخليت قلبي عن ذلك الحب (انحطاطا لله سبحانه) اي تواضعا له (عن تناول) اي اراده (ما هو) سبحانه (احق به) و بين ما بقوله (من العظمه و الكبرياء) فان الله سبحانه احق بان يعظم و يكبر من كل احد،

اذ فيه حقيقه، و في غير مجاز. (و ربما استحلي الناس الثناء بعد البلاء) اي يسر بعض الناس الثناء بعد اجهاد النفس و العمل الصالح حلوا، لكني لست كذلك. (فلا تثنوا علي بجميل ثناء) اي بالثناء الجميل (لا خراجي نفسي الي الله و اليكم من التقيه) لا خراجي متعلق بلا تثنوا اي لا يكن ثنائكم لي، لاني خرجت من حقوقكم، و خرجت من حقوق الله سبحانه، اي اديت الحقوق المفروضه علي، تجاه الله و تجاهكم بدون تقيه او خوف (في حقوق لم افرغ من ادائها) في متعلق باخراجي اي لاني اخرجت نفسي من الحقوق التي لم اتم بعد جميعها، فان الانسان مادام في الدنيا لم يرد جميع الحقوق الواجبه عليه، اذا الحقوق طيله الحياه. (و) في (فرائض) علي بعد (لابد من امضائها) اي انجازها (فلا تكلموني بما تكلم به الجبابره) جمع جبار و هو الظالم، فان الظالم انما يمدح بما لا يستحق خوفا منه. (و لا تحفظوا مني بما يتحفظ به عند اهل البا

دره) اي الذين تبدر منه بوادر السوء فان الناس يتحفظون علي انفسهم من الجبابره بمدحهم، و الموافقه علي آرائهم حقا كانت ام باطلا. (و لا تخالطوني) اي تعاشروني (بالمصانعه) اي المدارات و المجامله، بدون ان تفهموا اوامري وزر اجري خوفا و تملقا (و لا تظنوا بي استثقالا في حق قيل لي) فانه مهما قيل لي الحق نفذته بكل ترحات (و لا) تظنوا بي (التماس اعظام لنفسي) اي اني اريد ان اعظم نفسي. (فانه من استثقل الحق ان يقال له) اي يقال له ان هذا حق (او) استثقل (العدل ان يعرض عليه) فاذا عرض عليه شي ء فيه العداله استثقله و اباه (كان العمل

بهما اثقل عليه) فان من لا يستعد ان يسمع الحق و العدل، كيف يستعد ان يعمل بهما؟. (فلا تكفوا) اي لا تتركوا (عن مقاله بحق) اذا رايتم الحق في شي ء فاعرضوه علي و قولوا لي ذلك (او مشوره بعدل) بان تستشيروني فيما رايتم فيه العدل، لا عمل به. (فاني لست في نفسي) اي مع الغض عن الروح القدسيه- و انا بصفتي انسانا كسائر افراد الانسان- (بفوق ان اخطي و لا آمن ذلك) الخطاء (من فعلي) ثم استثني من ذلك بما هو الواقع، في المعصومين عليهم السلام بقوله: (الا ان يكفي الله من نفسي ما هو املك به مني) اي يكفيني الخطاء فانه سبحانه اكث

ر ملكا للخطاء من الامام، اذ كل شي ء يقع انما هو بقدرته و ارادته حتي انه سبحانه لو شاء ان لا يقع لم يقع، و هذا كقول يوسف عليه السلام: و الا تصرف عني كيدهن اصب اليهن و اكن من الجاهلين. (فانما انا و انتم عبيد مملوكون مربوبون) جمع مربوب، بمعني: مخلوق (لرب لا رب غيره يملك منا ما لا نملك من انفسنا) فان كل شي ء صادر عن النفس فانما هو بارادته سبحانه اما في الخير فظاهر، و اما في الشر فلانه سبحانه يملك ان يحول بين العبد و بين ما يريد فعله من الشر. (و اخرجنا مما كنا فيه) اي من الجاهليه التي عمت الافاق قبل الاسلام، و هذا باعتبار الاجتماع لا باعتبار الامام نفسه (الي ما صلحنا عليه) من نور الاسلام (فابد لنا بعد الضلاله) التي عمت الدنيا (بالهدي) الذي جاء به رسول الله صلي الله عليه و آله (و اعطانا البصيره) في امر الدين و الدنيا (بعد العمي) اي الجهاله، فان

الجاهل كالاعمي، في كون كل منهما لا يهتدي الي سبيل، و لا يعرف الطريق المنجي من الطريق المردي.

خطبه 208

[صفحه 343]

(اللهم اني استعديك) اي استغيثك و استعينك و الاسم العدوي (علي قريش) قبيله الامام عليه السلام (فانهم قد قطعوا رحمي) فان سلب الانسان حقه اعظم قطع للرحم (و اكفئوا انائيي) كنايه عن غصب الحق، اذ كما اذا كفي ء الاناء يفرغ ما فيه، كذلك اذا غصب الحق يذهب عن الانسان حقه الذي هو له (و اجمعوا علي منازعتي حقا) هو الخلافه (كنت اول به من غيري) اذ عينه الرسول صلي الله عليه و آله و سلم بامر الله سبحانه خليفه من بعده، ثم نازعه الخلفاء الثلاثه مقامه، و هم من قريش (و قالوا: الا ان في الحق ان تاخذه) اي ذلك الحق فانت له اهل و كفوء. (و في الحق ان تمنعه) لينتقل الي غيره و كانه عليه السلام يريد ببيان هذا الكلام اظهار المناقضه التي وقعوا فيها، اذ لو كان حقا له عليه السلام كيف يكون من الحق ان يمنعه، و ان لم يكون حقا له كيف يكون من الحق ان ياخذه..؟ ثم قالوا (فاصبر) يا علي (مغموما) في غم و غصه (او مت متاسفا) و هذا كنايه عن عدم الفائده و عدم ارجاعهم الحق له كقوله سبحانه- فاصبروا او لا تصبروا- (فنظرت) اي تفكرت كيف اصنع (فاذا ليس لي رافد) اي معين (و لا ذاب) اي دافع يدفع عني (و لا مساعد) يساعدني في ارجاع حقي (الا اهل بيتي فضنن

ت بهم) الضن، البخل اي بخلت بهم (عن المنيه) فان لازم المحاربه قتل جماعه من اهل البيت عليهم السلام (فاغضيت) اي غمضت عيني- عن الخلافه- (علي القذي) هو ما يقع

في العين مما يوذيه، و هذا كنايه عن شده تاذيه عليه السلام علي انسلاب حقه (و جرعت) اي ابتلعت (ريقي) الريق ماء الفم (علي الشجي) هو عظم يعترض في الحلق فيشتد الوجع به، و الم ما يكون اذا اراد الانسان بلع شي ء، و هذا كنايه ثانيه عن الصبر بكل اذيه و صعوبه. (و صبرت من كظم الغيظ) اي اخمادهو عدم اظهاره (علي امر من العلقم) هو ماده مره جدا (و الم) اي اكثر الما (للقلب من خز الشفار) جمع شفره بمعني حد السيف و نحوه، و هذان من باب تشبيه ما يقع علي النفس من المراره و الالم بما يقع علي الجسم و الحاسه. (قال الشريف رضي الله عنه: و قد مضي هذا الكلام في اثناء خطبه متقدمه) هي الشقشقيه (الا اني ذكرته هاهنا لاختلاف الروايتين)

[صفحه 345]

(فقدموا) اي طلحه و الزبير و عائشه و من اليهم (علي عمالي) جمع عامل، و هو المنصوب من قبل الخليفه لاداره الامور (و خزان بيت المسلمين) جمع خازن و هو الحافظ (الذي في يدي) اذ الامام لما انتقلت اليه الخلافه الظاهريه صارت جميع بيت الاموال في البلاد تحت سلطه الامام، كانها في يده (و) قدموا (علي اهل مصر كلهم في طاعتي و علي بيعتي) المراد بالمصر (البصره) (فشتتوا كلمتهم) بجعلهم فرقتين فرقه معي، و فرقه مع العصاه (و افسدوا علي جماعتهم) اذ بدلوا بالجماعه بالفرقه. (و وثبوا) اصل الوثوب القفز، و يستعمل بمعني اهتبال الفرصه بغته (علي شيعتي، فقتلوا طائفه منهم غدرا) و خيانه اذ لم يكونوا محاربين لهم، و انما كانوا امناء تحت لواء الاسلام و سلطه الخلالفه الشرعيه (و طائفه عضوا علي اسيافهم) العض علي السيف كنايه عن

ملازمه العمل بها، بكل اصراركما ياخذ العاض باسنانه الشي ء بكل شده (فضاربوا بها) اسيافهم، و حاربوا اولئك العصاه (حتي لقوا الله) اي لقوا ثواب الله سبحانه (صادقين) في اسلامهم اذ من شرائط الاسلام دفاع الذين يحاربون المسلمين لحب نشر السلطه عليهم.

خطبه 209

[صفحه 347]

و كان عبدالرحمان من اعيان بني اميه و كبرائهم و الاشداء ضد الامام عليه السلام. (لقد اصبح ابومحمد) كنيه طلحه (بهذا المكان غريبا) اذ ليس ببلده (اما و الله لقد كنت اكره ان تكون قريش قتلي) جمع قتيل (تحت بطون الكواكب) اي منتشرين في الافاق، كل واحد منهم تحت كوكب من كواكب السماء (ادركت و تري) اي ثاري (من بني عبدمناف) فان طلحه كان منهم و كان قاتله مروان قتله انتقاما لتاليبه الناس علي عثمان، فقد وتروا الامام بتاليب الناس ضده و عصيانه، و تشقيق شيعته و قتل جماعه منهم، و الوتر في الدين من افضل الفضائل، و لذا قال الرسول صلي الله عليه و آله و سلم عند فتح مكه حيث عدوا احلاف قريش، علي حلف الرسول صلي الله عليه و آله خزاعته لا نصرت ان لم انصر خزاعه. (و افلتتني اعيان بني جمح) اي شردوا مني و لم اتمكن عليهم، و المراد باعيانهم كبرائهم الذين كانوا في ركب الجمل (لقد اتلعوا) اي رفعوا، و المراد بهم من كانوا في ركب الجمل (اعناقهم الي امر لم يكونوا اهله) فانهم لم يكونوا اهل الخلافه، و انما ارادوا الاستيلاء عليها بالقوه و سفك الدماء (فوقصوا) اي كسرت اعناقهم (دونه) اي قبل الوصول الي ذلك الامر، و من غريب الامر ان هولاء هم الذ

ين افسدوا دنياهم و آخرتهم بهذا العصيان ضد الخليفه اشرعي، و معاويه هو الذي حصد

نتاج اتعابهم.

خطبه 210

[صفحه 349]

في وصف من يرد السلوك اليه سبحانه بالتقوي، و العمل الصالح: (قد احيا) صاحب التقوي (عقله) و احياء العقل انما هو بالعلم و التفكر، و العمل مما يوجب جلاء العقل الذي هو بمنزله حياته (و امات نفسه) بعدم الانسياق وراء شهواتها (حتي دق جليله) اي خف الامر الذي كان كبيرا في نفسه من حب الشهوات و اتباع الاهواء (و لطف غليظه) فان النفس خشنه بالرذائل جموح، و اذا اتقي الانسان، لطفت النفس حتي تمحي خشونتها و تكون لينه حكيمه. (و برق) اي ظهر (له لا مع كثير البرق) فانه سبحانه يهد سبيله لمن جاهد من اجله، كما قال سبحانه: و الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا و هذا من باب تشبيه المعقول بالمحسوس كما ورد: ليس العلم بكثره التعلم، بل تور يقذفه الله في قلب من يشاء (فابان) اي اظهر ذلك البرق (له الطريق) للسعاده (و سلك به السبيل) اي سار به في طريق الحق. (و تدافعه الابواب الي باب السلامه) فان الانسان الطالب للحق يطرق كل باب، فاذا لم يوجد مطلوبه في ذلك الباب طرق بابا آخر، و هكذا حتي ياتي الي باب السلامه لدنياه و آخرته و هو باب الحق مثلا من يريد الفحص عن المبدء اذا كان صادقا بدون تعصب يطرق باب الحاد فلا يجد مطلوبه، ثم باب الثنويه، و ه

كذا، حتي يصل الي التوحيد، و هذا في كل شاي من الاصول و الفروع. (و دار الاقامه) اي المحل الذي يقم عليه من الاعتقاديات و الاعمال و الاخلاق (و ثبتت رجلاه بطمانينه بدنه) اي بسبب ان بدنه مطمئن غير شاك و لا متزلزل (في قرار الامن و الراحه) فان الانسان

اذا كان خائفا شاكا لم يطمئن بدنه، و من عدم اطمينانه لا تستقر رجلاه في قرار يوجب امن قلبه و الراحه نفسه، و انما يكون كذلك (ب) سبب (ما استعمل عقله) حتي يدرك الواقع (و ارضي ربه) في العمل بما احب.

خطبه 211

[صفحه 422]

يحث فيه اصحابه علي الجهاد (و الله) سبحانه (مستاديكم شكره) اي طالب منكم اداء شكره (و مورثكم امره) اي يورث امر الدين اياكم، حيث قمتم بامره و اطاعته (و ممهلكم في مضمار محدود) اي معطيكم المهله في مضمار الحياه المحدود بالاجل، و المضمار هو محل تربيه الخيل و اضماره، ليتمكن من السبق يوم المسابقه، و شبه به الدنيا حيث انها محل العمل للسبق) يوم القيامه، و الفوز بالجنه. (لتتنازعوا سبقه) السبق هو الشي ء الثمين الذي يكون عليه التسابق، فياخذه السابق، من المتسابقين، و معني التنازع التنافس في احتواء اكبر قدر من الثواب و الجنه (فشدوا عقد المازر) العقد جمع عقده، و المازر جمع مئزر، هو (الفوطه) و شد عقدها كنايه عن الجد و العمل، فان العقده اذا لم تشد شدا محكما، لم يتمكن الانسان من العمل الدائب السريع، خوف ان يقع مئزره و تبد و عورته. (و اطووا فضول الخواصر) فان الانسان اذا اراد العمل، جمع فاضل ثوبه لئلا يلتف بقدمه، فيمنعه من الحركه (و لا تجتمع عزيمه) اي عزم راسخ للعمل (و وليمه) اي الاطعمه الشهيه، يعني لا يجتمع معال الامور مع طلب اللذائذ و الشهوات (ما انقض النوم لعزائم اليم) اي ما اشد النوم نقضا لعزيمه الانسان فاذا نا

م الخشص لم يتمكن من انفاذ عزمه و ارادته. (و امحي الظلم) اي ما اكثر مايمحي ظلمه اليل، فان ظلم جمع ظلمه (لتذاكير

الهمم) اي تذكار الهمه التي كانت بالنهار، فاذا جاء الليل ارتخي الانسان، و لم يمض ما بناه و عزم عليه في النهار، و كان الجملتين لبيان وجوب الجد حتي لا يبطل العمل النوم، و ظلمه الليل. (و صلي الله علي سيدنا محمد النبي الامي) المنسوب الي ام القري- و هي مكه، لان البلاد مدت من تحتها، كما في الاحاديث- (و علي آله مصابيح الدجي) اي الظلمات، فانهم ينيرون سبيل الحق (و العروه الوثقي) اي المحكمه التي اذا اخذ بها الانسان لم يخف انفصامها، حتي يبقي بلا ماء (و سلم) خبر في معني الانشاء اي اللهم سلم علي الرسول صلي الله عليه و آله و سلم (تسليما كثيرا) و الصلاه منه سبحانه العطف بالرحمه، و السلام جعلهم سالمين من كل مكروه.

خطبه 212

[صفحه 351]

قاله بعد تلاوته (الهاكم التكاثر حتي زرتم المقابر) الهاكم اي صرفكم عن ذكر الله سبحانه المكاثره و اراده كل واحد منكم ان يكثر مائه و ثروته، علي اقرانه، و استمر ذلك الالهاء بكم حتي الموت و زيارتكم المقابر محمولا علي الاعواد، هذا هو المعني الظاهرين من الايه، حسب المتفاهم عرفا، لكن الظاهر من كلام الامام عليه السلام انه فسر التكاثر بالافتخار بكثره الاباء و الاجداد كما هو العاده عند الناس حيث يفتخرون بابائهم و اجدادهم مع انهم تراب في القبور، قد فنوا و ذهبوا. (يا له مراما ما ابعده) (يا) حرف نداء و (اللام) للتعجب، و المنادي محذوف اي يا قوم و الضمير في (له) راجع الي المرام، و هو منصوب علي التميز، اي يا للتكاثر مقصدا بعيدا لا يدركه الانسان، فان الانسان لا يصل الي ما يريده و يقصده من التكاثر في الاموال و

الاولاد، فان النفس غير القانعه لا تصل الي مشتهاها من كثره الاموال و الاولاد. (و زورا) اي زائرون للمقابر، (ما اغفله) اي اكثر غفلتهم، حيث انهم غافلون عن هذا المصير، اي الهلاك، و لذا يكثرون من الاموال و الاتيان بضمير المفرد في ما اغفله و الحال ان وزرا جمع باعتبار كل واحد واحد، نحو قوله سبحانه: و الملائكه بعد ذل

ك ظهير (و خطرا) ذلك التكاثر او تلك الزياره للمقابر (ما افظعه) اذ يوجب ذلك ذهاب سعاده الانسان. (لقد استخلوا منهم) اي وجد الاحياء خاليا من الاموات (اي مدكر) اي اي تذكر و اعتبار، فلم يعتبروا بهم، اذ لو وجد الاحيا و تذكرا و اعتبارا من الاموات لتذكروا، فان الانسان اذا وجد تذكره عن احد تذكر، فاذا لم يتذكر كان معناه انه لم يجد تذكرا و اعتبارا، و المذكر مصدر ميمي اصله (اذ … ) من الذكر قلبت الذال دالا لقاعده باب الافتعال. (و تناوشوهم من مكان بعيد) اي تنالوا آبائهم الاموات بالمفاخره بهم، و الحال انهم يعيدون عنهم، فهم في عالم الاخره و المكاثرون في عالم الدنيا (افبمصارع آبائهم يفخرون)؟ الاستفهام للانكار، اي كيف يفخر هولاء الاحياء المكاثرون بالاباء الذين صرعوا و ماتوا (ام بعديد الهلكي) اي بتعداد الهالكين، فان هلكي جمع هالك (يتكاثرون) يتفاخر بعضهم علي بعض، فيقول هذا لي عشره من الاباء العظام، و يقول ذاك لي عشرون، و هكذا. (يرتجعون) اي يرجع هولاء الاحياء بسبب المفاخره (منهم) اي من امواتهم (اجسادا خوت) اي سقط بنائها، و خلت من الارواح، فكان المفاخر بابائه، يريد ان يرجعهم الي الدنيا بعد ان هلكوا، و صاروا في القبور رميما (و حركا

ت سكنت) حيث يقول فعلوا كذ

ا و كذا من البطولات و المفاخر (و لان يكونوا) اي الاباء الميتون (عبرا) اي سببا لاعتبار الاحياء (احق من ان يكونوا مفتخرا) يفتخر الاحياء بهم، اذ الانسان يلزم ان يعتبر بالميت، ان يفتخر. (و لان يهبطوا) اي ينزل الاباء (بهم) اي بهولاء الاحياء المفتخرون (جناب ذله) اي علي عتبه الذلال، بان يكون موتهم سببا لذله هولاء الاحياء حيث ان الانسان عند بواعث الضعف و الهلاك يذل لا ان يطغي (احجي) اي اولي (من ان يقوموا) اولئك الاموات (بهم) اي بهذه الاحياء (مقام عزه) فيعتزوا بهم، و يكون اولئك سببا لطغيانهم حيث يفتخرون بهم. (لقد نظروا) اي الاحياء (الهيم) اي الي اولئك الاباء الاموات (بابصار العشوه) اي ضعيفه البصر، اذ لو كانت ابصارهم ينظر البعيد، و يدرك اعماق الاشياء، لروا منهم الموجب للاعتبار لا للفخر و التكاثر (و ضربوا) هولاء الاحياء (منهم) اي من الاموات (في غمره جهاله) اي الجهاله التي تغمرهم و تشملهم كان هولاء الاحياء بسبب مفاخرتهم الاموات ادخلوا انفسهم في جهاله كثيره يقال ضرب بالماء اذا غاض فيه و معني (منهم) من جهتهم و بسببهم. (و لو استنطقوا عنهم) اي طلب الاحياء عن قبل الاموات النطق (عرصات تلك الديار الخا

ويه) جمع عرصه، بمعني الساحه و الديار الخاويه اي المتهدمه اي لو سئل الاحياء عن عرصات المقابر، كيف صارت آبائنا (و الريوع الخاليه) الربوع المساكن، و الخاليه التي خلت عن الانس و الانسان. (لقالت) تلك الديار و الربوع في جواب السئوال (ذهبوا في الارض ضلالا) جمع ضال، اي ان ابائكم قد ضلوا تحت التراب، فلا يعرفون اذ صاروا ترابا و اختلطت اجزاء بعضهم ببعض (و ذهبتم) انتم ايها الابناء (في اعقابهم) اي بعدهم

(جهالا) جمع جاهل، اذ لم تتذكروا بهم (تطاون في هامهم) اي تمشون علي روسهم، فان الهام اعلي الراس، و من المعلوم ان الاحياء يمشون فوق الاموات اذ انهم اخفض منهم في القبور. (و تستثبتون) اي تطلبون اثبات ما تثبتون من الجدران و الاعمده (في اجسادهم) اذ تراب اجساد اولئك الاموات اختلطت بالجص و الاجر و الارض فيكون البناء و محله في اجساد اولئك الاموات لدي الواقع و الحقيقه (و ترتعون) اي تاكلون و تلذذون (فيما لفظوا) اي ترك اولئك الاموات من الاموال و الارث. (فتسكنون فيما خربوا) اي في بيوتهم التي خربوها، خرابا معنويا بانتقالهم عنها (و انما الايام بينكم و بينهم بواك) جمع باكيه (و نوائح) جمع نائحه (عليكم) اي ان الايام تتحسر عليكم كيف غفلتم و

نسيتم، و هذا مجاز عن انهم يذهبون الايام الباقه من عمرهم هدرا بدون تدبر و تفكر. (اولئكم) الاموات و كم للخطاب (سلف غايتكم) الغايه: الموت اي انهم اسلافكم الذاهبون الي الغايه التي انتم تذهبون اليها. (و فراط مناهلكم) فراط جمع فارط، و هو المتقدم من القوم الي الماء و الكلاء ليهيا لهم مكانا حسنا، و المناهل جمع منهل، محل ورود الانسان علي الماء، يعني انهم الذاهبون قبلكم الي موارد الماء و المراد بها مناهل الموت (الذين كانت لهم مقاوم العز) مقاوم جمع مقام، اي مقامان يظهر فيها عزهم (و حلبات الفخر ملوكا) جمع حلبه، و هي الدفعه من الخيل في الرهان، و المراد محلات يفتخرون في تلك المجلات (و سوقا) اي كانت لهم الاسواق الرائجه، و المراد نفوذ كلمتهم و رواج امرهم او هو جمع سوقه، بمعني الرعيه. (سلكوا في بطون البرزخ) البرزخ العالم المتوسط بين الدنيا و

الاخره، و معني بطونه اواسطه و بحبوحاته (سبيلا سلطت الارض عليهم فيه) اي في البرزخ و المراد بتسليط الارض تمكنها من تحويلهم الي التراب (فاكلت) الارض (من لحومهم) اذ بدلتها ترابا (و شربت من دمائهم) اذ سالت عليها و نفذت فيها. (فاصبحوا في فجوات قبورهم جمادا) اي كالجماد الذي لا ينمو، و فجوات جمع

فجوه، بمعني الفرجه، و المراد شق القبر (لا ينمون) اي ليس لهم نموكما ينمو الاحياء. (و ضمارا) اي غائبين خلاف العيان (لا يوجدون) اي لا يجدهم الانسان لاختفائهم في القبور (لا يفزعهم) اي لا يوجب خوفهم و فزعهم (ورود الاهوال) في عالم الارض، لانهم بمعزل عن الارض و اهوالها و مخاوفها. (و لا يحزنهم تنكر الاحوال) اي تبدل الحالات الحسنه الي حالات السيئه لاهل الارض (و لا يحفلون بالرواجف) اي لا يبالون بالاضطرابات التي تحصل لاحياء، و رواجف جمع راجفه، بمعني: الاضطراب و الزلزله (و لا ياذنون) اي لا يستمعون (للقواصف) من قصف الرعد اذا اشتد صوته. (غيبا) جمع غائب (لا ينتظرون) اي لا ينتظر اجد رجوعهم (و شهودا) جمع شاهد اي حاضرون في البلاد غير مسافرين- اذ المقبره من البلد- (لا يحضرون) في المجالس و النوادي. (و انما كانوا جميعا) مجتمعين بعضهم مع بعض و مع اهاليهم (فتشتتوا) اي تفرقوا و آلافا) جمع اليف، اي موتلفين مع غيرهم (فافترقوا) فلا الفه بينهم و بين الاحياء. (و ما عن طول عهدهم و لا بعد محلهم عميت اخبارهم) اي ان جهل الناس باخبارهم و ما مر عليهم بعد الموت، ليس لاجل انهم منذ زمان بعيد افترقوا عن الناس- اذ الميت القريب العهد ايضا لا يعرف خ

بره- و ليس لان محلهم بعيد مكانا عن

محل الاحياء و لذا لا يعرف خبرهم (و صمت ديارهم) صم، اي: خرس بعلاقه الحال و المحل، فاذا خرس الحال ينسب الخرس الي المحل. (و لكنهم سقوا كاسا) هي كاس الموت (بدلتهم) تلك الكاس- و هي مونثه سماعا- (بالنطق خرسا) فصمتوا و لا يتمكنون من حكايه احوالهم (و بالسمع) اي استماعهم للاقوال (صمما) فلا يسمعون الكلام بالاذان الجسديه (و بالحركات سكونا) فلا يتمكنون من الحركه (فكانهم في ارتجال الصفه) اي اذا وصفهم واصف مرتجلا بلا امل في حين ما يشاهدهم ملقين علي الارض (صرعي سبات) اي صرعوا و القوا علي الارض من النوم.

[صفحه 357]

(جيران) بعضهم لبعض (لا يتانسون) اي لا يانس احدهم بالاخر و المراد بهذه الصفه و ما اشبهها حسب ابدانهم و حالتهم الدنيويه لا حاله ارواحهم. (و احباء) لانهم كانوا في حال الحياه احباء (لا يتزاورون) لا يزور بعضهم بعضا (بليت بينهم) اي خلقت و ذهبت بين الاموات (عري التعارف) جمع عروه، اي لا يتعارف احدهم مع الاخر (و انقطعت منهم اسباب الاخاء) فلا اخوه بينهم (فكلهم وحيد و هم جميع) اي ان كل واحد منهم منفرد، لا يرتبط بالاخر و الحال انهم مجتمعون في قبور متقاربه. (و بجانب الهجر) اي كل واحد منهم يهجر صاحبه (و هم اخلاء) جمع خليل بمعني الصديق- اذا كانت بينهم موده في الدنيا- (لا يتعارفون لليل و نهارا و صباحا و لا لنهار مسائا) اي لا يميزون احدهما من الاخر. (اي الجديدين) اي الليل و النهار، و يقال لهما جديدان لتجدد كل واحد منهما (ظعنوا فيه كان عليهم سرمدا) الظعن السفر، اي ان ماتوا نهارا لم ياتهم ليل بعد، و ان ماتوا ليلا لم ياتهم نهار بعد

فكانه صار ابديا لهم. (شاهدوا من اخطار دارهم) الجديده، اي عالم القبر و الاخره (افظع مما خافوا) فان المخاوف هناك اكثر مما عرفها الانسان، او يتمكن ان يصفها (و راوا من آياتها) اي علاماتها و

الاشياء المهمه من تلك الدار (اعظم مما قدروا) فان الانسان مهما قدر احوال الاخره، اذا وصل اليها رآها اعظم مما قدر، لان ذلك عالم وسيع، نسبته الي الدنيا كنسبه الدنيا الي الرحم. (فكلتا الغايتين) اي الجنه و النار (مدت لهم الي مبائه) المبائه: مكان التبوء و الاستقرار، اي ان الانسان يمد في عمره الي تلك الغايه، فاسناد الامتداد الي الغايه مجاز، و انما الاسناد حقيقه الي مده بقاء الانسان في الدنيا المنتهيه تلك امده الي الغايه- و جاز الاسناد المجازي الملازمه بين المده و بين الغايه، و اذا اريد الحقيقه قيل فكلتا المدتين مدت لهم الي مبائه. (فاتت) تلك المبائه (مبالغ الخوف و الرجاء) فان الجنه فوق رجاء الانسان، و النار فوق خوف الانسان، فالمبائه التي هي محل الاستقرار اعظم مما نتصوره نحن في الدنيا، فان مبلغ خوفنا هنا لا يصل الي واقع النار العظيمه الخارجه عن التصور، فاذا رايناها وجدناها اكثر خوفا مما كنا نخاف منها، و هكذا الجنه بالنسبه الي الرجاء. (فلو كانوا) هولاء الاموات (ينطقون بها) اي بتلك المبائه- بان اذنوا في ان يصفوا لنا مقدار الخوف من النار و الرجاء للجنه- (لعيوا) اي عجزوا (بصفه) اي بان يصفوا (ما شاهدوا و ما عاينوا) من اهوا

ل النار و نعيم الجنه اذ انهما فوق الوصف (و لئن عميت آثارهم) اي انقطعت عن كل اثر عن الاموات. (و انقطعت اخبارهم) فلا يخبرون بشي ء (لقد رجعت فيهم ابصار العبر) اي ان

ابصارنا التي تعتبر نظارت اليهم، فانا و ان لم نعتبر بكلامهم- لسكرتهم- لكن لابد و ان نعتبر بالاموات انفسهم، اذ رايناهم هامدين خامدين بعد الحركه و النشاط، و انما قال عليه السلام رجعت لان العين كانت ناظره اليه محال الحياه، ثم رجعت اليهم بعد الممات. (و سمعت عنهم) اي اقوالهم التي يقولونها بلسان الحال (آذان العقول) اي عقولنا (و تكلموا) اولئك الاموات (من غير جهات النطق) و انما من جهات الحال (فقالوا: كلحت) اي تكشر في عبوس و تجهم (الوجوه النواضر) جمع الناضره، اي التي لها بريق و صفاء من النعمه (و خوت) اي تهدمت و تفرقت الاجزاء (الاجسام النواعم) اي اللينه جمع ناعمه. و لبسنا اهدام البلي) جمع هدم بالكسر الثوب البالي و البلي: الفناء و الزوال (و تكائدنا) اي شق علينا (ضيق المضجع) اي القبر (و توارثنا الوحشه) اي ورثها بعض لا حق عن بعض سابق، فكان الميت السابق الذي كان في وحشه الانفراد و العزله اعطي بالارث الوحشه للميت اللاحق. (و تهكمت) اي تهدمت او سخرت (علينا الربوع) ا

ي اماكن الاقامه، و المراد المقابر (الصموت) الذي لا ينطق (فانمحت) اي زالت اصله،: انمحت (محاسن اجسادنا) اي المحلات الجميله في ابداننا (و تنكرت) بحيث اذا راها الانسان الذي كان يعرفها لم يعرفها الان لتغيرها (معارف صورنا) اي المواضع المعروفه من صورتنا، كالعين و الفم و ما اشبه. (و طالت في مساكن الوحشه اقامتنا) فلا نبرح المقابر (و لم نجد من كرب فرجا) اذ المهموم في القبر لسوء عمله لا يجد مفرجا لهم و حزنه (و لا من ضيق) اي ضيق القبر (متسعا) اي محل سعه (فلو مثلتهم) ايها السامع (بعقلك) اي تصورت حالهم (او

كشف عنهم محجوب الغطاء) اي الغطاء الحاجب، نحو قوله (حجابا مستورا) اي ساترا (لك) ايها السامع. (و قد ارتسخت) اي صارت الهوام راسخه ثابته في آذانهم (اسماعهم بالهوام) جمع هامه، الحيوانات الصغيره التي تسكن داخل الارض، و المراد بها الدود (فاستكت) اي صمت (و اكتحلت ابصارهم بالتراب) بان دخل التراب في اعينهم (فخسفت) و غارت اذ العين تتقلص لدي الجفاف و اليبس (و تقطعت الالسنه) اي صارت قطعه قطعه (في افواههم بعد ذلاقتها) اي حدتها في انطق و فصاحتها. (و همدت) اي سكنت (القلوب في صدورهم بعد يقظتها) و حركتها الدائمه (و عاث) اي افسد (في كل جا

رحه) اي عضو (منهم جديد بلي) اي فناء جديد اذ الفناء يتجدد، كما ان البقاء في الحي يتجدد (سمجها) اي قبحها (و سهل) ذلك البلي (طرق الافه اليها) و الافه الفساد (مستسلمات) تلك الجوارح للفناء و البلي لا تقدر علي دفع شي ء يرد عليها من الفساد و الافات. (فلا ايد تدفع) الفصاد كما كان في ايام الحياه، اذ وردت وارده علي جسدهم تدفعها ايديهم (و لا قلوب تجزع) اي عيونا قد دخلها القذي و هو ما يقع في العين فيوذيها (لهم) اي لاولئك الاموات (في كل فظاعه) اي امر فظيع شديد (صفه حال لا تنتقل) اي لا تنتقل تلك الصفه السيئه عنهم، لا مثل المريض الذي اذا طاب ذهبت عنه الحاله السيئه. (و عمره) اي كربه تغمرهم اي تشملهم (لا تنجلي) اي لا تنكشف و لا تذهب

[صفحه 361]

(و كم اكلت الارض) فصيرته ترابا (من عزيز جسد) اي جسد عزيز (و انيق لون) اي لون انيق، بمعني الرائق الحسن. (كان) ذلك الجسد و اللون (في الدنيا غذي ترف) اي

مغذيا بالنعم، فان غذي فعيل بمعني المفعول، و الترف الزياده في النعمه (و ربيب شرف) اي مربا بالشرف و العز (يتعلل بالسرور) اي يتشاغل باسباب السرور و الفرح لينسي احزانه (في ساعه حزنه) ضنا علي قلبه ان يقع في مخاطب الاحزان. (و يفزع الي السلوه) اي ينصرف الي التسلي بتخيل السعاده و الافراح و اللذائذ (ان مصيبه نزلت به) يريد انصراف نفسه عن تلك المصيبه (ضنا) اي بخلا (بغضاره عيشه) اي بطيب عيشه ان ينقص بالمهموم و المصائب (و شحاحه) اي بخلا (بلهوه و لعبه) اي يذهبا من يده، بسبب المصيبه النازله به (فبينا هو يضحك الي الدنيا و تضحك) الدنيا (اليه) فهو فرح مسرور، و الدنيا مقبله عليه (في ظل عيش غفول) اي موجب للغفله. (اذ وطي الدهر به حسكه) الحسك شوك شديد اللزقه كثير الالم، و المعني ادخل الدهر في جسم هذا الانسان الحسك اي اشد الالام و المصائب (و نقضت الايام قواه) اي حطمها حتي لا تبقي له قوه (و نظرت اليه الحتوف) اي المهلكات، جمع حتف (من كثب) اي من قرب، بمعني وصول المهلكات الي

ه (فخالطه بث) اي حزن (لا يعرفه) اي لم يكن يعرفه سابقا، و انما ورد عليه ورودا و خالطه اي مازج خواطره و افكاره (و نجي هم) اي هم خفي كانه يناجيه (فما كان يجده) سابقا. (و تولدت فيه فترات علل) اي علل تاخذه في فترات و دفعات (آنس ما كان بصحته) اي في وقت كان اكثر الاوقات انسا و فرحا بصحته (ففزع) اي التجاء (الي ما كان عوده الاطباء) لشفاء امراضه (من تسكين الحار بالقار) اي البارد، و سمي قارا لان من طبع البروده الاستقرار، بعكس

الحراره التي من طبعها الحركه، و الحار الامراض الحاره التي تودلت من الدم. (و تحريك البارد) الذي يقطن البدن فيفسده كالبلغم (بالجار) اذ الادويه الحاره، تحرك امرض البارد و تزيله (فلم يطفي ء ببارد) مرضه الحار (الا ثور حراره) اي هيجها و الا استثناء منقطع، و المعني لم ينفع الدواء البارد الا تهيج الحراره، اذ يتحرك الطبع الحار بالحراره لدفع البارد- فان الطبع و الدواء يتعارضان- و ذلك يسبب ثوران الحار. (و لا حرك بحار) من الدواء، الذي شربه لتحريك البارد و ازالته (الا هيج بوده) و صار سببا لازدياد المرض (و لا اعتدل بممازج لتلك الطبائع) اي لم يتمكن المريض من تعديل طبيعه بسبب مزج تلك الادويه بطبيعته المنحرفه التي

يريد تعديلها (الا امد منها) اي من الطبائع (كل ذات داء) حتي قويت و تمكنت من اضافه داء جديد علي دائه القديم. (حتي فتر معلله) المعلل من يتول خدمه المريض و يرجيه الشفاء، و فتر بمعني: ضعف و وهن، لانه لم ير له شفائا (و ذهل) اي فوجي بعذم شفائه الموجب لذهوله (ممرضه) اي من يداريه (و تعايا اهله بصفه دائه) اي عجز اهله عن ان يصفو للطبيب دائه، و بذلك اشتركوا في العجز، مع الطبيب و الممرض و المعلل. (و خرسوا عن جواب السائلين عنه) لانهم لا يريدون ان يقولوا، انه اسوء حالا، و لا يتمكنون ان يقولوا انه احسن (و تنازعوا ادونه) اي حول المريض (شجي خبر) اي الخبر المشجي المحزن (لما تكتمونه) من عدم رجاء شفائه، فان الحاضرين يختلفون عند الياس عن برئه ماذا يصنعون؟ (فقائل يقول هو) اي المريض (لما به) اي انه يموت لما به من المرض، و كانه مملوك للعله

التي حلت به- و لذا قال: لما به- (و ممن لهم اياب عافيته) اي يمني اهله بان عافيه المريض تعود (و مصبر لهم علي فقده) بانه ان فقد فالله يعطيهم الاجر و الصبر (يذكرهم اسي الماضين) جمع اسوه، لزوم الاقتداء و التاسي بعباد الله الصالحين الذين مضوا فانهم كانوا يصبرون علي البلايا (من قبله) اي من قبل هذا الجادث

او قبل هذا المريض او قبل هذا الذي يصيبه (فبينا هو) المريض (كذلك علي جناج من فراق الدنيا) تشبيه بالراكب علي جناح من فراق الدنيا) تشبيه بالراكب علي جناح الطائر الذي يريد به السير و الطيران من مكان الي مكان. (و ترك الاحبه) جمع حبيب (اذ عرض له عارض من غصصه) جمع غصه التي توجب كرب الانسان، و صعوبه حاله، فان نوبات المرض تاخذ و تفك (فتحيرت نوافذ فطنته) نوافذ الفطنه المحلات التي تنفذ الفطنه و الفكر منها الي الخارج، و المراد ان افكارها الصائبه قد تجمدت لان الروح اخذت في الخروج فلا تعمل اجهزه الفطنه لتاخذ الافكار و تعطيها. (و يبست رطوبه لسانه) فلا يقدر علي التكلم (فلم من مهم من جوابه عرفه) اي يهم الحاضرين جوابه عن سئوال وجهوه اليه، و هو يعرف الجواب (فعي) اي عجر (عن رده) لانه لا يقدر علي الكلام (و دعاء مولم لقلبه سمعه) اي دعاه بعض اهله و الحاضرين، و قد سمعه و كان ذلك النداء مولما لقلبه اذ كان مزيجا بالحزن و البكاء (فتصام عنه) اي كان كالاصم عن سماعه اذ لم يتمكن علي جوابه ليبس لسانه. (من كبير كان يعظمه) اي كان الدعاء له من كبير هو معظم عند المريض (او صغير كان يرحمه) و يرحب به

و يحبه (و ان للموت لغمرات) جمع غمره بمعني الشد

ه التي تغمر الانسان و تحيط به (هي افظع من ان تستغرق بصفه) فلا يمكن وصف تلك الشدائد (او تعتدل علي قلوب اهل الدنيا) اي انهالا تستقيم علي قلوب الناس، لانهم في غفله عنها و لهو و لعب، او ان قلوب الناس لا يمكن ان تدركها لانها اعظم من القياس و المعلومات التي للانسان حتي يقيسوا تلك الشدائد بما علموها.

خطبه 213

[صفحه 366]

(قاله عليه السلام عند تلاوته: رجال لا تلهيهم تجاره و لا بيع عن ذكر الله). (ان الله سبحانه و تعالي جعل الذكر جلائا للقلوب) فكما تصفو المراء بالجلاء، كذلك تصفو القلوب بالذكر، لانه يذكرها، بالحقائق فتلين خشونتها (تسمع) القلوب (به) اي بالذكر (بعد الوقره) هي ثقل في السمع (و تبصر) القلوب (به) اي بالذكر (بعد العشوه) هي ضعف البصر (و تنقاد) القلوب اي تخضع (به) اي بالذكر (بعد المعانده) اي عنادها و لجاجها في ترك الحق و العدل. (و ما برح الله عزت آلاوه-) اي مازال، و اسمه قوله عباد و معني عزت آلائه اي نعمه سبحانه عزيزه رفيعه لانها من قبل الله عزيزي رفيع (في البرهه بعد البرهه) اي الفتره بعد الفتره (و في ازمان الفترات) جمع فتره، هي الزمان الخالي عن المعالم و الشرائع (عباد ناجاهم) الله سبحانه (في فكرهم) بان القي سبحانه في فكرهم. (و كلمهم في ذات عقولهم) اي دلت عقولهم، و الدلاله كانت من الله سبحانه، كانها كلامه لهم (فاستصبحوا بنور يقظه في الابصار و الاسماع و الافئده) استصبح اي اضاء مصباحه اي اضاء ابصارهم برويه الحقائق و اسماعهم بالاستماع الي الحق، و افئدتهم بفهم الحقيقه. (يذكرون) متعلق بعباد اي ان

لله عباد تلك او

صافهم يذكرون الناس (بايام الله) ايام الله هي الايام التي كانت فيها لله سبحانه نعمه عظيمه علي البشر، او نقمه عظيمه عليهم، و بالقرينه يعين، اي المعينين، و المراد هنا الثاني بقرينه (و يخوفون مقامه) اي يخوفون الناس ان هم اسددوا في الغي و الضلال بعذاب الله سبحانه، و قوله مقامه من باب تشبيه المعقول بالمحسوس. (فهم (بمنزله الادله في الفلوات) ادله جمع دليل الذين يدلون المسافرين علي الطريق و فلوات جمع فلات، بمعني: الصحراء (من اخذ القصد) اي: الطريق السوي (حمدوا اليه طريقه) اي استحسنوه في سيره لهذا الطريق المستقيم (و بشروه بانجاه) لان قصد الطريق، يوصل الي الغايه المطلوبه (و من اخذ يمينا و شمالا) بان انحرف عن الجاده، و لعل المراد الافراط و التفريط في الحق (ذموا اليه الطريق) و قالوا ان طريقك هذا مذموم (و حذروه من الهلكه) اي الهلاك (و كانوا كذلك) اي كاولئك الادله في الطريق في الصحاري (مصابيح تلك الظلمات) ظلمات الجهل و الضلال (و ادله تلك الشبهات) الامور التي تشتبه في ذهن الانسان فلا يدري ايها الحق و ايها باطل. (و ان للذكر لاهلا اخذوه) اي اخذوا الذكر (من الدنيا بدلا) فلم يشغلوا انفسهم بالدنيا، بل اشغلوها بالذكر (فلم تشغلهم ت

جاره) كالمزارعه و الاصطياد، و المداهنه، و ما اشبه (و لا بيع عنه) اي عن الذكر (يقطعون به) اي بالذكر (ايام الحياه) اي يسيرون مده عمرهم و هم ذاكرون لله سبحانه (و يهتفون بالزواجر) جمع زاجره، و هي المواعظ المخوفه التي تزجر الانسان عن المعاصي (عن محارم الله في اسماع الغافلين) الذين غفلوا عن الاخره، و هتف بمعني صاح. (و يامرون) الناس (بالقسط) اي

العدل (و ياتمرون به) اي: انهم يعملون بالقسط (و ينهمون عن المنكر): المحرمات و القبائح (و يتناهون عنه) اي انهم الا ياتون بالمنكر (فكانما قطعوا الدنيا الي الاخره) اي وصلوا الي الاخره و تمت دنياهم (و هم فيها) اي و الحال انهم في الدنيا (فشاهدوا ما وراء ذلك) الذي هم فيه من الدنيا. (فكانما اطلعوا غيوب اهل البرزخ) اي غيب احوالهم (في طول الاقامه فيه) اي في حالكون اهل البرزخ مقيمين فيه طويلا، فان طول الاقامه يوجب الضجر و السامه علاوه علي سائر اقسام العذاب (و حققت القيامه عليهم) اي علي هولاء الادلاء المرشدين (عداتها) جمع عده، بمعني: الوعد (فكشفوا غطاء ذلك) فان الاخره كالمغطات بغطاء، و لذا لا يعلم بتفاصيلها و خصوصيتها اهل الدنيا (لاهل الدنيا) اذيبينون تفاصيلها (حتي كانهم يرون ما لا يري

الناس) من الاخره. (و يسمعون) من اقوال اهل البرزخ و القيامه و الجنه و النار (ما لا يسمعون) اي لا يسمع الناس (فلو مثلتهم لعقلك) اي مثلت اولئك الادله المرشدين، بان تفكرت احوالهم- و هم في الدنيا- (في مقاومهم المحموده) جمع مقام (و مجالسهم المشهوده) التي يشهدونها اي يحضرونها لاجل الطاعه و العباده (و قد نشروا دواوين اعمالهم) جمع ديوان، و هو الصحيفه التي كتبت فيها الحسنات و السيئات، و هذا كنايه عن تفكرهم فيما عملو من خير و شر في ماضي احوالهم، عند وقايتهم لانفسهم فان الصالحين يراقبون انفسهم (و فرغوا) عن كل عمل (لمحاسبه انفسهم عن كل انفسهم عن كل صغيره و كبيره امروا بها) بان ارادوا الاطلاع علي خصوصيات اعمالهم كبيرها و صغيرها. (فقصروا عنها) اي عن الاتيان بتلك الاشياء التي امروا بها (او نهوا عنها ففرطوا فيها)

بان اتوها خلافا للنهي- و انما ذكر عليه السلام هذين فقط، لان الصالحين اذا ارادوا التفكر في اعمالهم، و محاسبه انفسهم تذكروا المعاصي فقط لانها هي محط نظرهم (و حملوا ثقل اوزارهم ظهورهم) اي نسبوا الوزر و العصيان الي انفسهم، لا كعامه الناس الذين لا يعترفون بالعصيان، و اذا اعترفوا بها عللوا ذلك بعلل غير انفسهم حتي يبرئوا س

احتهم. (فضعفوا عن الاستقلال بها) اي علموا بانهم لا يتمكنون من حمل هذه الاوزار، لانها توجب العذاب الذي لا يطاق (فنشجوا) نشج الباكي اذا غص بالبكاء في حلقه من شده تالمه النفسي (نشيجا و تجاوبوا نحيبا) النحيب اشد البكاء، اي اجاب بعضهم بعضا في البكاء، كما يفعل اهل المصيبه، و هكذا كان عباد الله سابقا، يجتمعون كل اسبوع مره او ما اشبه، ثم يتذكرون و يذاكرون احوال الاخره، و ما سلف منهم من المعاصي و الذنوب فيبكون و يعلو نشيجهم و نحيبهم (يعجون) العجيج: الصياح (الي ربهم من مقاوم) جمع مقام (نذم و اعترف) باخطايا (لرايت) جواب فلو مثلتهم (اعلام هدي) جمع علم بمعني اللواء، او الجبل. (و مصابيح دجي) اي الظلمه، فكما ينير المصباح للهدايه الي الطريق، كذلك ينيرون هولاء لهدايه الناس الي الحق في ليالي الجهل و الضلال (قد حفت بهم الملائكه) اي احاطت بهم، كما قال سبحانه: الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكه. (و تنزلت عليهم السكينه) اي حاله هدوء و اطمينان و سكون توجب استقرارهم و عدم تزلزلهم في الحق، او في كل امر (و فتحت لهم ابواب السماء) المراد ان ادعيتهم ترفع الي الله سبحانه، و تنزل الرحمه عليهم (و اعدت لهم مقاعد الكرامات

) اي في الجنه، و مقاعد جمع

مقعد، محل القعود و الجلوس (في مقام الطلع الله عليهم) اي انزل عليهم و فضله (فرضي سعيهم) الذي عملوه لاجله سبحانه. (و حمد مقامهم) اي مدحه و اجزل ثوابهم لاجل ذلك (و يتنسمون) اي ينتظرون، و تنسم النسيم اي تشممه بانفه (بدعائه) اي بدعائهم له تعالي (روح التجاوز) عن سيئاتهم (رهائن فاقه) اي احتياج (الي فضله) فكانه في رهن الفضل فكت رقابهم كما يفلك الرهن اذا جاء المال. (و اساري ذله لعظمته) اي انهم اسري لعظمته تعالي، فقد اسرتهم العظمه فيتبعونه تعلي، اتباع الاسير لمن آسره (جرح طول الاسي) اي: الحزن (قلوبهم) و المراد بالجرح الخشوع و الخضوع و الانكسار. (و طول البكاء) من خشيته سبحانه (عيونهم) فاعينهم مجروحه الاجفان (لكل باب رغبه الي الله يد قارعه) اي يقرعون جميع ابواب رحمته باب الخوف، و باب الرجاء، و باب الشكر، و باب الذكر، و هكذا، و المعني: انهم يقبلون عليه سبحانه، بمختلف انحاء الاقبال و الرجاء (سيالون من لا تضيق لديه المنادح) جمع مندوحه، و الاصل فيها المتسع من الارض، و المراد انه لا تضيق لديه الاعطيات (و لا يخيب عليه الراغبون) فمن رغب فضله لا يخيب، بل يرجع بما رغب و اراد (فحاسب) ايها الانسان (نفسك

لنفسك) اي لنجات نفسك (فان غيرها) اي غير نفسك (من الانفس لها حسيب غيرك) فلا تشغل نفسك بحساب غيرك.

خطبه 214

[صفحه 373]

قاله عند تلاوته (يا ايها الانسان ما غرك بربك الكريم)؟: (ادحض مسئول حجه) دحض بمعني باطل، يعني ان الانسان حجته امام حجه لله سبحانه باطله تافهه لا قيمه لها، و هذا الكلام بمناسبه قوله سبحانه: ما غرك يعني انه لا حجه له عند احتجاج لله سبحانه عليه بانه لم

فعل المحرمات؟ (و اقطع مغتر) اي مغرور و معناه المخدوع (معذره) اذ لا عذر له امام حجته سبحانه (لقد ابرح) اي اعجب (جهاله) اي من جهه جهله (بنفسه) فاعجبته نفسه، اذ لم يعلم واقعها و حقيقتها. (يا ايها الانسان ما جراك علي ذنبك) استفهام توبيخي، اي ما الذي صار سببا لجراتك حتي تعصي الله سبحانه (ما غرك بربك) اي ما الذي خدعك حتي عصيت ربك (و ما آنسك بهلكه نفسك) اي ما اكثر انسك بان تهلك نفسك بسبب الاثام و المعاصي. (اما من دائك بلول)؟ اي شفاء من بل مرضه اذا زال (ام ليس من نومتك) اي غفلتك (يقظه) و انتباه؟ (اما ترحم من نفسك ما ترحم من غيرك)؟ فالانسان يرحم غيره اذا راه في مشكله توجب له عاقبه سيئه فكيف لا رحم نفسه، و هي معرضه لسخط الله و انتقامه (فربما تري الضاحي لحر الشمس) الضاحي البارز الظاهر للشمس (فتظله) لئلا توذيه الشمس. (او تري المبتلي بالم يمض جسده) اي يبالغ في ن

هك جسده و ضعفه (فتبكي رحمه له) و حزنا لما اصابه (فما صبرك علي دائك) اي مرضك؟ الذي هو الانحراف في النفس و في العمل، و هذه صيغه تعجب (و جلدك) من التجلد بمعني التصبر (علي مصابك)؟ اي مصيبتك التي هي الزيغ عن سبيل الرشاد الموجب لهلاك الانسان في الاخره. (و) ما (عزاك) اي سلاك (عن البكاء علي نفسك و هي اعز الانفس عليك)؟ فغفلت عنها، و عما يراد بها من العذاب و الاهوال في الاخره فلم تبك خوفا (و كيف لا يوقظك) عن نومه الغافلين (خوف بيات نقمه) اي تبيت بنقمه من الله توجب زوال نعمتك. (و قد تورطت بمعاصيه) التورط

الوقوع في المحذور (مدارج سطواته) جمع مدرج، بمعني المحل الذي يدرج اليه الانسان درجه، درجه، و الباء في (بمعاصيه) للسببيه، اي وقعت بسبب معاصي الله سبحانه، في مدارج عقوباته، فان السطوه بمعني الهجمه للاخذ و النكال (فقداو من داء الفتره) اي الفتور عن اطاعه الله سبحانه (في قلبك) فان مبعث الفتور في الجسد القلب (بعزيمه) اي عزم واضح موجب للعمل (و من كري الغفله) الكري النوم، فان الغافل كالنائم (في ناظرك بيقظه) اي انتباه من الغفله (و كن لله مطيعا) في اوامره و نواهيه (و بذكره انسا) اي تانس بذكره، و لا تضجرو لا تسام و لا تستوحش. (و ت

مثل في حال توليك عنه) اي اعراضك عنه تعالي (اقباله عليك) فان الله سبحانه ناظر الي اعمال عبده دائما، فهو دائم الاقبال، و كيف يعرض الانسان عن ملك عظيم مقبل عليه بيده كل رحمه و نقمه؟ (يدعوك الي عفوه) بان تفعل ما يوجب عفوه من التوبه و الانابه (و يتغمدك) اي يغمرك (بفضله) و نعمته. (و انت متول عنه الي اغيره) اي صارف بقلبك الي لذائذ الدنيا و شهواتها (فتعالي) اي ارتفع سبحانه (من قوي ما اكرمه) صنيعه التعجب، اي انه قوي كريم في غايه الكرم بينما ان الاغنياء في العاده لا يكرمون، لانهم يرون انفسهم في غني عن مصانعه الناس بكرم و احسان، لانهم اقوياء (و تواضعت) اي انت وضيع (من ضعيف ما اجرئك علي معصيته) مع ان العاده تقتضي عدم جرئه الضعيف علي العصيان. (و انت في كنف) اي طرف (ستره مقيم) فقد ستر عليك و لم يبد معايبك امام الناس (و في سعه فضله متقلب) اي متحرك، نهار تستضي ء به، و ليل تسكن

فيه و اثاث و رياش تتنعم بها و ماكل و مشارب تتلذذ بها و هكذا (فلم يمنع) سبحانه (عنك فضله) بسبب عصيانه (و لم يهتك عنك ستره) بما اقترفت من الاثام. (بل لم تخل من لطفه مطرف عين) اي مقدار طرفه عين، و هي اللحظه التي يتحرك فيها الجفن (في نعمه يحدثها لك) فان ن

عمه حركه اجهزه البدن المستمره و التنفس، و نقاء الهواء، و ما اشبه ذلك، ترد علي الانسان، في كل لحظه لحظه (او سيئه يسترها عليك) فان الستر مستمر، و انكانت السيئه سابقه (او بليه) اي بلاء (يصرفها عنك) اذ الانسان معرض للاخطار و البلايا كل آن. (فما ظنك به لو اطعته)؟ فان من يحسن علي العاصي كيف بعمل مع المطيع؟. نعم قد ورد في الحديث القدسي: عبدي اطعني تكن مثلي، اقول للشي ء كن فيكون و تقول للشي ء كن فيكون (و ايم الله) حلف بالله و سبحانه فان كلمه (ايم) و فيها لغات للحلف (لو ان هذه الصفه) اي صفه عصيانك له و احسانه لك (كانت في متفقين في القوه) فكان هناك نفران يتفقان في القوه (متوازيين في القدره) بان كانت قدره احدهما بقدر قدره الاخر، ثم كان احدهما يحسن الي الاخر، و الاخر يسي ء اليه. (لكنت اول حاكم علي نفسك بذميم الاخلاق) اذ كنت تسي ء الي من احسن اليك، و ذميم فعيل بمعني المفعول اي بالاخلاق المذمومه (و مساوي الاعمال) اي الاعمال السيئه، فكيف اذا كان احدهما اله عظيم و الاخر عبد ذليل..؟. (و حقا اقول) اي اقول حقا- و هو مفعول مطلق (ما الدنيا غرتك) اي ان الدنيا لم تسبب غرورك، حتي اجترئت علي المعاصي، اذ الدنيا ارتك الاعتبار و

الموعظ

ه. (و لكن) انت (بها) اي بالدنيا (اغتررت) فاللوم عليك لا عليها، اذ انك غفلت عما تري في الدنيا من مصائبها و احزانها (و لقد كاشفتك الغطات) اي اظهرت لك الموعظات التي تقع في الدنيا حقيقه الدنيا لكنك لم تهتم بها (و آذنتك) اي اعلمتك الدنيا (علي سواء) اي علي عدل في الاعلام فلم تنحيي ء شيئا (و لهي) اي الدنيا، و اللام للتاكيد (بما تعدك من نزول البلاء بجسمك) اذ الانسان معرض للبلايا و الامراض (و النقص في قوتك) بالشيب و الهرم (اصدق و اوفي من ان تكذبك) بان تعدك بالقوه الدائمه و الصحه المستمره، ثم لا تفي ء. (او تغرك) اي تخدعك (و لرب ناصح لها) اي للدنيا، و المراد لاهل الدنيا- بعلاقه الحال و المحل- نحو و اسئل القريه (عندك متهم) كما كان الناس يتهمون الانبياء و الائمه فلا يقبلون اقوالهم. (و) لرب (صادق من خبرها) لك بانها دار زوال و بلاء عندك (مكذب) لا تصدقه، كما هو شان الجهله، لا يصفون الي كلام الصلحاء و المرشدين (و لئن تعرفتها) اي طلبت معرفه الدنيا علي حقيقتها (في الديار الخاويه) اي: الساقطه، التي فني اهلها، و سقطت ابنيتها. (و الربوع الخاليه) عن الاهل و الربع المنزل (لتجدنها من حسن تذكيرك) اي تذكير الدنيا لك، بسبب بيان احوال ا

لسابقين فيها الذين فنوا، و بقيت ديارهم خاليه خاويه (و بلاغ موعظتك) اي وعظها لك وعظا بالغا (بمحله الشفيق عليك) اي تكون الدينا بهذه الموعظه بمنزله الناصح المشفق، و الاشفاق الخوف و يقال للصديق شفيق، لانه يخاف ان يقع صديقه في محذور. (و الشحيح) اي البخيل (بك) لا يريد ان يسلمك بيد الحوادث، و لا يريد ان يخدعك

و يغرك (و لنعم) اي الدنيا (دار من لم يرض بها دارا) بان جعلها معبرا، و انما كانت حسنه، لانها مزرعه الاخره (و محل من لم يوطنها محلا) بان لم يتخذها وطنا لنفسه (و ان اسعداء بالدنيا غدا) اي الذي سعد بسبب الدنيا، و هو في الاخره (هم الهاربون منها) اي من الدنيا (اليوم) لانهم تزودوا منها، يبدون ان يتلوثوا بها. (اذا رجفت الراجفه) الراجفه هي النفخه التي ترجف و تزلزل الارض، حين النشور (و حقت) اي ثبتت و قامت (بجلائلها القيامه) اي قامت القيامه مع عظائمها و اهوالها (و لحق بكل منسك اهله) اي عباده، قال سبحانه: و لكل جعلنا منسكا هم ناسكوه (و بكل معبود عبدته) فالمشركون يلحقون بالاصنام، و عباد النار يلحقون بها، و عباد البقر يلحقون به، و هكذا (و بكل مطاع) من اهل الصلاح او الجور (اهل طاعته) اي اتباعه. (فلم يجز في عدله و قسطه) الضمي

ر لله سبحانه (يومئذ) اي يوم القيامه (خرق بصر في الهواء) فكان الهواء شي ء واحد، اذا نظر الانسان الي مافوق خرق نظره ذلك شي ء (و لا همس قدم في الارض) كان للقدم صوت خفيا اذا وضعت علي الارض، حاصل ذلك من الاصطكاك و الاصطدام (الا بحقه) اي كل صغير- فكيف بالكبير- يجازي في يوم القيامه بالحق. (فكم حجه يوم ذاك داحضه) اي باطله، و هي الحجج و الاعذار التي يقدما اهل المعاصي (و علائق عذر) ما يتعلق به الانسان العاصي ليجعله عذرالنفسه (منقعه) اذ لا تقل تلك الاعذار (فتحر) من التحري، بمعني الطلب (من امرك) اي اطلب امرا (ما يقوم به عذرك) فاذا اردت ان تعمل عملا، فاطلب وجه رضاه سبحانه فيه، حتي يكون

لك عذر هناك. (و تثبت به حجتك) بان تكون لك حجه و مفرا عما اتيت به من الاعمال (و خذ ما يبقي لك) من الدنيا، كالخيرات و الصدقات و الاعمال الصالحه (مما لا تبقي له) فان الانسان لا يبق للدنيا، و لا يبق لعمره و صحته و ماله و نشاطه و ما اشبه. (و تيسر) اي تاهب (لسفرك) الي الاخره (و شم) اي المح و انظر (برق النجاه) اي انتظره لتستغله فتسير في ضوئه (و ارحل مطايا التشمير) مطايا جمع مطيه، و هي المركوب، يقال رحل المطيه اذا وضع عليها الرحل، و التشمير الحسر

عن اليد و الرجل استعداد للعمل، و المرد به السفر الي الاخره.

خطبه 215

[صفحه 380]

في ابتعاده عن الظلم، و قصه عقيل عليه السلام، و قصه اخري (و لله لئن ابيت) اي اكون ليلا الي الصباح (علي حسك السعدان) الحسك: الشوك، و السعدان: نبت ترعاه الابل له شوك شديد تشبه حلمه الثدي، (مسهدا) اي مسهرا، لا انام من سهده اذا اسهره (و اجر في الاغلال) جمع غل، ما يوضع في عنق المجرم و يده و رجله (مصفدا) اي مقيدا (احب الي من ان القي الله و رسوله يوم القيامه ظالما لبعض العباد) ملاقات الله كنايه عن ملاقات جزائه و حسابه. (و غاصبا لشي ء من الحطام) حطام الدنيا متاعها تشبيه بما يحطم- اي يكسر- من النبت اليابس الذي لا قيمه له (و كيف اظلم احد النفس يسرع الي البلي قفولها)؟ القفول الرجوع، و البلي القناء، فان نفس الانسان يرجع الي الفناء كما كان فانيا قبل وجوده، و المراد من (نفس) نفسه الزاكيه، و المعني: لماذا يظلم الانسان احدا، لمنفعه نفسه الفانيه، فانها سواء انتفعت ام لا،

تفني و لا تبقي للدنيا، حتي يقول الشخص ان فائده الظلم تبقي له. (و يطول في الثري) اي التراب (حلولها) و بقائها (و الله لقد رايت عقيلا) يريد عليه السلام اخاه عقيل بن ابي طالب عليه السلام (و قد املق) اي افتقر، و ذلك لانه عليه السلام كان كريما، فبذل ا

موالا كثيره حتي ركبته مائه الف من الديون، و ذلك سبب سوء حاله و حال عائلته، و هذا هو السبب في عدم عطاء الامام دينه- مع ان بيت المال لابد و ان يقوم بديون المديونين- فان ذلك الدين لشئونه لا الدين لبذله الذي لا يعرف الوسط. و منه ظهر كيف وجد هذا الفقر في الدوله الاسلاميه مع انه لا يوجد فقير واحد في بلاد الاسلام، لم قرر الاسلام من المناهج لرفع الفقر، و لذا قال الامام عليه السلام في كلام له: (لعل هناك بالحجاز او اليمامه من لا عهد بالشبع و لا طمع له في القرص) و تعجب الامام من وجود فقير في الكوفه حتي وقف سائلا: ما هذا؟ كما في كتاب الوسائل. (حتي استماحني) اي استعطاني (من بركم) اي حنطتكم، و المراد حنطه بيت المال (صاعا) الصاع ثلاثه امداد، و هو اقل من ثلاث كيلوات (و رايت صبيانه شعث الشعور) شعث جمع اشعث و هو الشعر المتلبد بالوسخ (غبر الالوان) جمع اغبر، و هو متغبر اللون بسبب غبار او شحوب (من فقرهم) فان الفقير يشحب لونه، و يغبر لعدم اعتنائه بنظافه جسمه، من شده الفقر (كانما سودت وجوههم بالعظلم) هو سواد يصبع به. (و عاودني) عقيل عليه السلام في طلبه (موكدا) استعطائه (و كرر علي القول) في طلب العطاء الزائد (مرددا) يردد و يكرر الط

لب (فاصغيت اليه سمعي) اي استمعت

الي كلامه (فظن اني ابيعه ديني) بانجاز رغبته خلافا لامر الدين (و اتبع قياده) ما يقاد به كالزمام، اي اتبعه فيما يقول (مفارقا طريقي) الدينيه (فاحميت له حديده) اي جعلتها في النار حتي صارت حاره. (ثم ادنيتها من جسمه) اي قربت الحديده الحاره من جسم عقيل عليه السلام (ليعتبر بها) اي يتعظ و يعرف الم العذاب (فضج) عقيل (ضجيج ذي دنف) اي ذي مرض (من المها) تالم جسمه بالحديده (و كاد ان يحترق من ميسمها) الميسم المكوات، التي تكوي بها اجسام الحيوانات او ما اشبه و انما قال عليه السلام كاد، لان الحديده لم تتصل بجسم عقيل، و انما اقتربت منه فحس بلفحها. (فقلت له ثكلتك الثواكل يا عقيل) الثكل فقدان الحبيب، و الاكثر ان يستعمل في فقدان الولد، و هذه الجمله دعاء علي الانسان بالموت، حتي تفقده امه و نساء اقاربه، فان الثواكل جمع ثاكله (اتئن) من الانين، بمعني: الصوت الذي يخرجه المريض من فمه من شده المرض (من حديده احماها انسانها للعبه) فان العمل لم يكن جدا، اذ لم يرد الامام عليه السلام ان يكويه، بل اراد ان يقرب من جسمه و اضافه الانسان الي الحديده، لادني مناسبه. (و تجرني الي نار سجرها) اي اوقدها (جبارها) اي الله

سبحانه الجابر القاهر للاشياء حسب ارادته (لغضبه) فان من لا يتحمل الم قرب حديده محمات ينبغي له ان لا يريد بغيره الوصول الي النار (اتئن من الاذي) الاذيه القليله (و لا ائن من لظي) اي نار جهنم، و الاستفهام للانكار في الوضعين: ثم انتقل الامام الي قصه اخري تفيد ما افادتها القصه الاولي، من انه عليه السلام يتحرج عن الظلم و لو كان قليلا، و هي ان اشعث بن قيس

كان من المنافقين، و اراد ان يصانع الامام بشي ء حتي يستميل قلبه عليه السلام، و يكون بذلك محفوظا لديه فينال بذلك مالا او جاها كما هي عاده الاشراف مع الحكام. (و اعجب من ذلك) اي من استعطاف عقيل عليه السلام، و انما كان اعجب لان عقيل كان في مطلبه شفعاء فقره و قرابته وحقه في بيت المال، دون هذا الانسان الذي اهدي الهديه التي اراد بها التوصل الي نيل جاه او مال حرام. (طارق) الطارق هو الاتي ليلا، و يستعمل في كل من يطرق باب الانسان بمكروه (طرقنا بملفوفه) اي مع ملفوفه، و هي نوع من الحلاوي، كانها تلف بعد الطبخ (في وعائها) اي في ظرفها (و) ب(معجونه) عجنت من السكر و الدقيق و ما اشبه (شنئتها) اي كرهتها (كانما عجنت بريق حيه) اي: بلعابها المسموم (او قيئها) الذي اشد كراهه للانسان. (فقلت

: اصله) للرحم هذه (ام زكاه) فان ثمن الزكاه يجوز ان يشتري به الحاجه للفقير (ام صدقه) مستحبه (فذلك محرم علينا اهل البيت) فقد حرم الله سبحانه علي الرسول و آله الائمه و الصديقه الطاهره عليهم الصلاه و السلام الزكاه و الصدقه المستحبه و الواجبه. اما غيرهم من الساده فالمحرم عليهم الصدقه الواجبه، اما المستحبه فلا تحرم عليهم، و احتمل جماعه من الفقهاء ان حرمه الصدقه المستحبه جاريه حتي بالنسبه الي اقرباء الرسول الاقربين، غير الائمه عليهم السلام، و لذا كانت ام كلثوم تاخذ الجوز و التمر من افواه ايتام الامام الحسين عليه السلام و تقذفها، … اهل الكوفه بان الصدقه محرمه عليهم. ثم ان الامام عليه السلام لم يذكر حكم الصله لوضوح ان الطارق لم يقصدها اذ لم تكن قرابه بين الامام و بين الاشعث، و لفظه (ذلك) تعود

الي كل من (الزكاه) و (الصدقه). و لم يذكر الامام الهديه، لان الهديه انكانت لاجرائه الحق فلا يجوز ان ياخذ الانسان ثمن ااجراء الحق، و انكانت لان يعمل بالباطل فحرمه ذلك اكثر، و لذا استغرب الامام عليه السلام لما قال الشخص انه هذيه (فقال) الطارق (لا ذا) اي الصدقه (و لا ذاك) اي الزكاه (و لكنها هديه) اهديت اليك (فقلت هبلتك الهبول) هي

المرئه لا تعيش لها ولد، و هبلتك بمعني: ثكلتك، و هذا دعاء عليه بالموت، حتي تثكل عليه امه (اعن دين الله اتيتني لتخدعني)؟ بان الين الك بواسطه هذه الهديه، فاميل عليك سواء وافق الحق ام الباطل. (امختبط انت) هو الذي خلط عقله، فهو نصف مجنون (ام ذو جنه) هو المجنون الصرف، الذي ستر علي عقله (ام تهجر) اي تهذوا بما لا معني له، فان الانسان العاقل الشاعر لا يقصد خداع الامام، بعد معرفته له بمثل الهديه و نحوها، و قد رفض الامام عليه السلام في قضيه الشوري الخلافه الطويله العريضه، لمجرد ان لايقول (و سيره الشيخين). لا يقال فكيف كان الرسول صلي الله عليه و آله و سلم يقبل الهدايه؟ اذ الجواب واضح، فانه فرق بين المهدين للهدايا، اذ قد يكون المهدي يريد بذلك رضاه سبحانه و محبته للمهدي له، و من هذا القبيل كانت الهدايا التي يقبلها الرسول صلي الله عليه و آله و سلم، و قد يكون يريد بذلك استماله الحاكم ليحكم له بالباطل، و هذا هو الذي قصده الامام عليه السلام. (و الله لو اعطيت الاقاليم السبعه) جمع اقليم، و هو القطعه المعينه من قبل علماء الفلك في الارض، فانهم قسموا الربع الشمال من خط الاستواء الي سبعه اقسام معظم المعموره فيها، و

مراد الامام عليه

السلام اعطيت المعموره كلها (بما تحت افلاكها) اي عطيتها من السماء الي الارض (علي ان اعصي الله في نمله اسلبها جلب شعيره) اي قشرتها (ما فعلته) ذلك الظلم علي قلته و لو كان الثمن بتلك الكثره و العظمه فكيف اظلم- كما يريد الاشعث- في مقابل ملفوفه حلواء..؟ (و ان دنياكم عندي لاهون من ورقه) من اوراق الشجره (في فم جراده تقضمها) تكسرها باسنانها، فكيف اظلم احدا لهذه الدنيا؟ (ما لعلي و لنعيم يفني)؟ اي لا حاجه لي بنعيم الدنيا الفانيه (و لذه لا تبقي) من لذائذ الدنيا (نعوذ بالله) اي نستجير به ان يحفظنا (من سبات العقل) اي نومه الموجب لان يرجح الانسان شهواته علي مقتضيات عقله (و قبح الزلل) اي السقوط في الخطاء الذي هو قبيح (و به نستعين) حتي يعيننا علي انفسنا كي لا نظلم و لا نعصي.

خطبه 216

[صفحه 386]

يلتجي ء الي الله ان يغنيه (اللهم صن وجهي باليسار) صيانه الوجه حفظه من التعرض للسئوال، و نسبه الصيانه الي الوجه لانه الموضوع الذي يواجه الانسان به الباذل فيوجب خجله و نحوه، و اليسار الغني (و لا تبذل جاهي بالاقتار) الاقتار: الفقر، و بذل الجاه اسقاط المنزله من القلوب، فان الفقير تسقط منزلته، لان الناس يفرون منه و لا يحترمونه (فاسترزق) اي اطلب الرزق من (طالبي رزقك) اي الذين يطلبون الرزق منك، فلا داعي الي تطويل الطريق، و اعطاء غيرك لي ما انت قادر عليه. (و استعطف شرار خلقلك) اي اطلب عطفهم و منحهم (و ابتلي بحمد من اعطاني) دون حمدك (و افتتن) اي ابتلي و امتحن (بذم من منعني) و ذلك ليس مما ينبغي ان يذم الانسان شخصا منعه لمجرد انه منعه

(و انت من وراء ذلك كله) اعطاء المعطي و لمنع المانع (ولي الاعطاء و المنع) فانه سبحانه لم يقدر لي و لذا منعت او تفضل علي بعطف المعطي، فاعطيت، فاذا كان الامر بيدك يا رب، فاسئلك ان توصل الرزق الي مستقيما بدون واسطه (انك علي كل شي ء قدير) فتقدر علي الايصال و صون وجهي باليسار.

خطبه 217

[صفحه 388]

في التنفير من الدنيا، و التزهيد فيها (دار بالبلاء محفوفه) ففي جوانبها كلها بلايا و اسقام (و بالغدر) اي: الخدعه (معروفه) يغدر بذي الجاه و ذي المال، و ذي السلطان فينزلهم عن رتبهم، و يجعل غيرهم مكانهم (لا تدوم احوالها) علي حاله واحده، بل تتقلب من حال الي حال (و لا يسلم نزالها) جمع نازل، اي النازلون فيها، بل ترميهم بمختلف اصناف البلاء و المحن، فللانسان فيها (احوال مختلفه) من غني و فقر و صحه و مرض و شباب و هرم و هكذا. (و تارات) جمع تاره، بمعني مره، (متصرفه) اي مختلفه فمره هكذا، و مره هكذا (العيش فيها مذموم) اذ عيشها منغص بالكدورات، و اذا يذمه كل انسان (و الامان فيها معدوم) اذ لا امان لاحد، بل كل انسان فيها معرض للفناء و صنوف البلاء (و انما اهلها فيها اغراض مستهدفه) اي كالغرض الذي يرمي و يجعل هدفا للنبال، ياتيهم مختلف سهام البلاء (ترميهم) الدنيا (بسهامها) المراد بها الامراض و المحن و الشدائد (و تفنيهم بحمامها) الحمام: الموت. (و اعلموا عباد الله، انكم و ما انتم فيه من هذه الدنيا) اي شملكم في حال كونكم في الدنيا (علي سبيل من قد مضي قبلكم) من اهل الدنيا الذين تمتعوا بالدنيا ثم فنوا (ممن كان اطول منكم ا

عمارا) فان الاعمار

في بعض الامم كانت اطول من اعمارنا، لشده بنيتهم و صلابه عظامهم (و اعمر ديارا) اي ان ديارهم كانت اكثر عماره كالسباء و نحوها. (و ابعد آثارا) فان آثارهم كانت تبقي بعدهم كثيرا، بخلاف آثاركم التي لا تبقي الا قليلا، و لذا بقيت بقايا طاق كسري، و قلعه بعلبك، و ما اشبههما (اصبحت اصواتهم هامده) اي ساكنه، فلا يتكلمون (و رياحهم راكده) اي ساكنه، و ركود الريح كنايه عن انقطاع العمل و بطلان الحركه (و اجسادهم باليه) اي فانيه مندرسه من البلي بمعني الاندراس. (و ديارهم خاليه) عن اهلها فقد فني اهلها و بقيت الديار (و آثارهم عافيه) اي ذاهبه مندرسه (فاستبدلوا بالقصور المشيده) اي المبنيه بناء محكما (و النمارق) جمع نمرقه، و هي الوساده (الممهده) التي صفطت لا تكائهم عليها (الصخور و الاحجار المسنده) التي يستندون في القبور اليها (و القبور اللاطئه) اي اللاصقه بالارض، من لطاء بالارض بمعني لصق (الملحده) من الحد القبر اذا جعل له لحدا، و هو الشق في جانبه (التي قد بني بالخراب فنائها) الفناء الساحه للدار ما اشبه، كان تلك القبور منازل لها فناء، و فنائها خراب و عدم. (و شيد بالتراب بنائها) اذ تملاء القبور بالتراب (فمحلها) اي محل

تلك القبور (مقترب) قريب من الناس، فان المقابر في قرب المدن (و ساكنها مغترب) غريب اذ لا انس له باهل الدنيا (بين اهل محله موحشين) فان الاموات لا تزاور بينهم و لا انس، و لذا فهم اهل محله واحده، و لكنهم تغمرهم الوحشه و الانفراد. (و اهل فراغ) اذ لا عمل لهم (متشاغلين) اي مشغولين بثواب اعمالهم او عقابها (لا يستانسون بالاوطان) التي تركوها في دار الدنيا (و لا يتواصلون)

يصل بعضهم بعضا (تواصل الجيران) اذ همدت اجسامهم و خوت اجسادهم (علي ما بينهم من قرب الجوار) اي مع ان بعضهم قريب من البعض (و دنوا الدار) اي قربها، فان قبورهم متقاربه، (و كيف يكون بينهم تزاور) زياره بعضهم لبعض. (و قد طحنهم بكلكله البلي) البلي: الفناء، و كلكل: الصدر، كان الفناء القي عليهم صدره، فصار سببا لتحطمهم، كما تحطم الحنطه و نحوها بالرحي (و اكلتهم الجنادل) جمع جندل، بمعني: الحجاره (و الثري) اي التراب، فان الانسان يتحول الي التراب فكان التراب اكله. (و كان قد صرتم) ايها السامعون (الي ما صاروا اليه) من الفناء (و ارتهنكم ذلك المضجع) كما يحبس الرهن في يد المرتهن و المضجع محل الاضطجاع و النوم، يعني القبر (و ضمكم ذلك المستودع) اي حواكم القبر الذي هو محل وديع

ه اجسادكم (فكيف بكم لو تناهت بكم الامور) تناهي به الامر، اي وصل الي غايته، و المراد انتهاء الامور التي في البرزخ و القبر، لتاتي نوبه القيامه و اهوالها. (و بعثرت القبور) اي قبلت ثراها و اخرجت الاموات منها (هناك تبلو) اي تخبر من قبله سبحانه (كل نفس ما اسفلت) في دار الدنيا و المراد الاخبار للجزاء، كما يقرء جرم المجرم ليعاقب، و احسان المحسن لتعطي الجائزه (و ردوا الي الله) اي الي جزائه و حسابه (مولاهم الحق) فانه سبحانه ربهم لا غيره (و ضل عنهم) اي عن عبده الاصنام (ما كانوا يفترون) اذ يجعلونها شركاء له سبحانه.

خطبه 218

[صفحه 392]

(اللهم انك انس الانسين لاوليائك) فاولياء الله سبحانه اشد انسا بالله من انسهم بكل احد، و الانس بالله عباره عن اراده العزله و المناجات، مما يجد الصالحون فيه لذه و اطمينان (و احضرهم)

اي احضر الناس (بالكفايه للمتوكلين عليك) فانك تكفيهم باحسن انواع مما لا يقدر مثلها غيرك، و المتوكل علي الله هو الذي يعمل بامره سبحانه، و يكل امره اليه (تشاهدهم في سرائرهم) جمع سريره، اي تنظر الي ضمائر الناس الاولياء و المتوكلين. (و تطلع عليهم في ضمائرهم) الاطلاع اعم من المشاهده، اذ المشاهد الرويه و الاطلاع شامل للاستماع و نحوه (و تعلم مبلغ بصائرهم) جمع بصيره، بمعني: المعرفه، اي تعلم مقدار معرفه كل واحد منهم (فاسرارهم لك) يا الهي (مكشوفه) اذ انت مطلع علي باطنهم (و قلوبهم اليك ملهوفه) اي: مضطربه من شده الحب و الاشتياق (ان اوحشتهم الغربه) بان كانوا في محل غريبا، يوجب وحشتهم (انسهم ذكرك) فان بالذكر يحصل اطمينان و سكون للنفس يوجب ذهاب الوحشه. (و ان صبت عليهم المصائب لجاوا الي الاستجاره بك) اي يلجئون اليك في دفع المصائب و المكاره عنهم (علما) منهم (بان ازمه الامور) جمع زمام و هي الاسباب التي تاتي بالنتائج الحسنه او السيئه (بي

دك) المراد تحت ارادتك، و لفظه اليد من باب التشبيه (و) ان (مصادرها) اي صدور تلك الامور (عن قضائك) فانك مقضي ما تشاء. (اللهم ان فههت) اي عييت، فان الفهاهه ضد النصاحه (عن مسئلتي) اي عن كيفيه السئوال (او عميت عن طلبتي) فلم اتمكن من الوصول اليها (فدلني علي مصالحي) في كيفيه الطلب و طريق الوصول (و خذ بقلبي الي مراشدي) مواضع الرشد و الصلاح (فليس ذلك بنكر) اي منكر- غير معروف- (من هداياتك) فكم هديت الناس الي مصالحهم، و ارشدتهم الي مواضع رشدهم. (و لا يبدع) اي مبتدع جديد (من كفاياتك) التي تكفي بها من تشاء من خلقك (اللهم احملني علي عفوك) كان

العفو مركب يركب الانسان عليه فينجو من خطاياه و آثامه (و لا تحملني علي عدلك) اذ العدل موجب لعدم اعطاء الاجر، فان الانسان ملك له سبحانه، فكل عمل يعمله يكون باستحقاقه تعالي، و مثله لا يوجب الاجر، و قد سبق وجه استغفار المعصومين عليهم السلام و طلبهم العفو

خطبه 219

[صفحه 394]

في مالك الاشتر (ره) بعد موته (لله بلاء فلان) اي لله ما فعل مالك من الخير، و هذا مدح بان عمله كان لله سبحانه (فقد قوم الاود) اي عدل الاعوجاج فقد كان (ره) للامام بمنزله الامام عليه السلام للرسول صلي الله عليه و آله و سلم- كما نصر بذلك الامام عليه السلام- (و داوي العمد) اي العله، و مداواتها ازالتها (خلف الفتنه) بان تركها بعده، و هذا تضجر من بقاء الفتنه، و موت مالك الذي كان يعالج الفتن و ينفذ امر الامام عليه السلام فيها، بلا زياده او نقصان. (و اقام السنه) اي عمل بسنه الرسول صلي الله عليه و آله و سلم، بدون ابتداع فيها (ذهب نقي الثوب) نقاء الثوب كنايه عن عدم تلوثه بالمعاصي و الاثام (قليل العيب) و انما قال قليل العيب لا كل احد غيرالمعصوم لابد و ان يكون فيه عيب (اصاب خيرها) لعل الضمير يعود الي احوال الناس الظاهر من السياق، و اصابه الخير كنايه عن نجاحه في الامتحان، اذ ثبت و استقام. (و سبق شرها) كنايه عن ان شرها لم يلحقه، فكانه فرعنها، كالذي يفر من سبع و لص و ما اشبه (ادي الي الله طاعته) اي اطاعه سبحانه، فكان الطاعه كانت امانه بيده فاداها كامله (و اتقاه بحقه) اي حق التقوي (رحل و تركهم) اي الناس (في … م

تشعبه) فان مالك كان زمام امر

اهل الكوفه يثقون به و يجتمعون علي رايه، فلما مات صار لكل راي (لا يهتدي فيها) اي في تلك الطرق (الظال) اذ لا يطمئن بما يري من طرق الهدايه. (و لا يستيقن المهتدي) بان طريقه هدي، هذه عاده الناس، فانهم يتبعون روسائهم دون الامر الاعلي، فاذا فقد الرئيس انفصم حبلهم، و قد قال بعض اهل السنه ان المراد ب(فلان) في كلام الامام، عمر، و هذا خطا و كيف يجتمع هذا مع تضجره الشديد من عمر في خطبه الشقشقيه، مع الغض عن سائر الامور التي ثبتت في التواريخ و السير.

خطبه 220

[صفحه 396]

يصف كيفيه بيعتهم له بالخلافه، قال الشريف: (و قد تقدم مثله بالفاظ مختلفه). (و بسطتم يدي) اي مددتموها للبيعه (فكففتها) اي جمعتها فرارا عن بيعتكم (و مددتموها فقبضتها) اما عباره اخري عن الجمله السابقه، او المراد ببسط اليد فتح الكف، و المراد بكففتها جمعها، فالجملتان لا فاده معنيين (ثم تداككتم علي) التداك الازدحام (تداك الابل اليهم) اي مثل تزاحم جماعه الابل العطاش، فان هيم جمع هيماء، بمعني: العطشي، (علي حياضها) جمع حوض: مجمع الماء (يوم ورودها) اي ورودها الماء للشرب (حتي انقطعت النعل) اي انقطع شسع نعل الامام عليه السلام. (و سقطت الرداء) من منكب الامام عليه السلام (و وطي ء الضعيف) اي: سحق بالاقدام من كان ضعيفا لا يقدر علي المكافحه (و بلغ من سرور الناس ببيعتهم اياي ان ابتهج بها) اي بالبيعه (الصغير) و الابتهاج الفرح (و هدج) اي مشي مشيه الضعيف (اليها الكبير) ليوصل نفسه الي الامام فيبايع (و تحامل نحوها العليل) اي حمل نفسه علي المشي بكل صعوبه ليبلغ البيعه. (و حسرت اليها الكعاب) كعاب وزن السحاب، الجاريه حين يبدو ثديها للنهود، و هي

الكاعبه، و حسرت اي كشفت عن وجهها لتري جماهير الناس، و هذه من عاده البنات ان يك

شفن عن وجوههن في الازدحامات و المناسبات، و غض الامام عليه السلام من بيان هذه الجمل ان البيعه تمت بمنتهي اختيار الناس، فليس لاحد ان يقول عنها بانها كانت باكراه و اجبار، و هذه عاده الناس يقبلون علي الشي ء بكل جد و اشتياق، ثم اذا تصادم الحق مع مصالحهم تنفروا.

خطبه 221

[صفحه 397]

في فضيله التقوي، و العمل، و الجد (فان تقوي الله مفتاح سداد) فان سداد الانسان انما يكون بالتقوي (و ذخيره معاد) اي هي الباقيه للانسان في يوم القيامه (و عتق من كل ملكه) الملكه الصفه الحاصله للنفس الثابته فيها، كملكه الجبن او الشجاعه، و البخل، او الكرم و هكذا، و المراد هنا الملكات السيئه، فان الانسان المتقي يتخلص من كل هذه الملكات، حيث يتبع اوامر الاسلام. (و نجاه من كل هلكه) اي هلاكه في الدنيا و الاخره، فان التقوي تحفظ الانسان عن المهالك- و بالاخص الهالك الاخرويه- (بها) اي بالتقوي (ينجح الطالب) لامر من الامور فان الله يتفضل علي اهل التقوي بانجاز امورهم (و ينجو الهارب) من خوف المعاصي و الاثام، فالذي يهرب من الله من خوف معاصيه اذا اتقي ينجو و لا يلحقه الضرر الذي هرب منه (و تنال الرغائب) اي: الاشياء المرغوبه للانسان. (فاعملوا) الان، و انتم في الدنيا (و العمل يرفع) اي يقبل (و التوبه تنفع) فتوجب محو الذنوب (و الدعاء يسمع) اي يقبله الله سبحانه و السماع حيث هو سبب للقبول، اقيم مقامه بعلاقه السبب و المسبب (و الحال هادئه) اي ساكنه يمكن العمل فيها، فان في اوقات الاضطراب لا يمكن العمل. (و الاقلام جاريه)

اي تج

ري بكتابه الحسنات، و المراد اقلام الكتبه من الملائكه الحافظين للاعمال (و بادروا بالاعمال عمرا ناكسا) اي ذاهبا كان العمر الناكس- و هو اواخر العمر الموجب لنكس الانسان الي حاله الطفوله و الخرافه- يريد اخذ الانسان و العمل يريد استغلاله، فاللازم ان يعمل الانسان قبل ان ياخذه العمر (و مرضا حابسا) اي يحبسكم و يمنعكم من العمل (او موتا خالسا) ياخذكم علي فجئه و بغته. (فان الموت هادم لذاتكم) يهدم لذائذكم في الحياه (و مكدر شهواتكم) تنغصها بالفناء (و مباعد طياكم) جمع (طيه) بالكسر، بمعني: القصد اي يحول بينكم و بين مقاصدكم فيبعدها عنكم و الموت (زائر غير محبوب) لا يحبه الانسان (و قرن) هو الكفوء في الشجاعه، الذي يبارز الشخص في ساحه الحرب (غير مغلوب) لا يتمكن الانسان من غلبته. (و واتر) القاتل و من اشبه من الذين يريقون دم الانسان و يجرحونه (غير مطلوب) فان الانسان لا يتمكن ان يطالب الموت بدم من اماته (قد اعلقتكم حبائله) شبكه الصيد، جمع حباله، و اعلقتكم اي تعلقت بكم (و تكنفتكم) اي احاطتكم (غوائله) جمع غائله، و هي الشدائد و الكوارث. (و اقصدتكم) اقصده اذا رماه بالسهم (معابله) جمع معبله، و هي: النصل الطويل العريض، اي الحديده في راس

السهم (و عظمت فيكم سطوته) اي اخذه فان الموت اذا اراد اخذ احد لا يمكنه الفرار منه (و تتابعت عليكم عدوته) العدوه العدوان، و تتابع العدوان باعتبار اخذه لاقربائهم و اصدقائهم واحد بعد واحد (و قلت عنكم نبوته) النبوه: ان يخطي في الضربه فلا يصيب، اي الموت الا يخطي ء اذا اراد الاصابه، و لعل لفظه (قلت) باعتبار الاجال المعلقه التي يفلت الانسان منها (فيوشك ان تغشاكم دواجي

ظلله) دواجي جمع داجيه، اي المظلمه و ظلل جمع ظله، كالسحابه التي تظل اي يقرب ان يظلكم سحاب الموت المظلم. (و احتدام علله) اي يوشك ان يغشاكم احتدام- اي اشتداد- علل الموت، جمع عله، فان الموت يورث العله (و حنادس غمراته) حنادس جمع حندس، بكسر الحاء، الظلمه الشديده و غمرات جمع غمره، و هي التي تغمر الانسان و تشمله من انواع الشدائد. (و غواشي سكراته) غواشي جمع غاشيه، التي تغشي الانسان و تشمله، و سكرات جمع سكره، الحاله الشديده التي توجب ان لا يشعر الانسان كانه سكران (و اليم ازهاقه) الازهاق الابطال، اي الشديد المولم من الموت الذي يوجب ابطال الانسان (و دجو اطباقه) الدجو الاظلام، و الاطباق الاشتمال فان الموت يشمل الانسان، و له ظلمه توجب سقوط الحواس و المشاعر عن الادار

ك. (و جشوبه) اي خشونه (مذاقه) اي ذوقه، فان الانسان يذوق الموت بحواسه و ادراكاته، و التاكيد بهذه الجمل المتقاربه معني لتركيز حال الموت في ذهن الانسان، فان التكرار من افضل وسائل التركيز (فكان قد اتاكم) الموت (بغته) اي فجئه (فاسكت نجيكم) النجي القوم يتناجون. (و فرق نديكم) الندي الجماعه يجتمعون للمشاوره (و عفي اثاركم) اي محاها حتي لا اثر لكم بعد (و عطل دياركم) عن ساكنيها فبقيت خاليه (و بعث) اي اثار (وراثكم) جمع وارث (يقتسمون تراثكم) اي ميراثكم (بين حميم خاص) اي حال انتم في حال الموت بين صديق يخصكم (لم ينفع) بكم نفعا في درء الموت عنكم. (و قريب محزون لم يمنع) الموت عنكم (و اخرشامت) يفرح بموتكم (و لم يجزع) اي لم يحزن حزنا شديدا (فعليكم بالجد) في العمل (و الاجتهاد) في الطاعه (و التاهب) اي التهي لملاقات الموت

(و الاستعداد) بتحصيل التقوي التي تنفع في الاخره (و التزود) اي اخذ الزاد اللائق بالاخره و هو العمل الصالح (في منزل الزاد) اي الدنيا. (و لا تغرنكم الدنيا) اي لا تخدعنكم بزخارفها حتي تركنون اليها (كما غرت من كان قبلكم) من البشر (من الامم الماضيه) الذين انحرفوا عن سنن الانبياء (و القرون الخاليه) الخاليه اي الماضيه،

و قرون جمع قرن مائه سنه او ما اشبه، و الظاهر انه سمي قرنا، لتقارن اعمار كل جيل في تلك المده (الذين احتلبوا) اي حلبوا (درتها) اي لبن الدنيا، و المراد لذائذها تشبيها لها بالناقه الحلوبه. (و اصابوا غرتها) اي غفلتها، فكانهم اصابوا ان الدنيا غافله عنهم، لا تريد بهم شرا، و لذا تمتعوا بلذائذها غافلين من انها فاطنه و ستنتقم منهم (و افنوا عدتها) اي ايامها العديده، كنايه عن بقائهم فيها مده مديده (و اخلقوا جدتها) اي جعلوا جديدها- من الشباب و الرياش و الاموال و ما اشبه- قديما حيث عمروا فيها و تمتعوا بزخارفها (اصبحت مساكنهم اجداثا) جمع جدث، بمعني: القبر. (و اموالهم ميراثا) ارثا لاقربائهم (لا يعرفون من اتاهم) الي مقابرهم، و المراد عدم المعرفه بالابدان، كما كانت العاده ان يعرفوا بحواسها (و لا يحلفون) اي الا يبالون (من بكاهم) لانهم في شغل عنهم (و لا يجيبون) اجابه باللسان (من دعاهم) كما كانوا في الدنيا يجيبون، اما المعرفه بالنفس لمن اتي و الاهتمام بالنفس لمن بكا و اجابه النفس لمن دعا فذلك شي ء مسلم بالنسبه الي من يوذن لهم هناك. (فاحذروا الدنيا فانها غداره) تغدر بالانسان تظهر شيئا حتي اذا اطمئن اليه اخذه منه علي حين غره (غرار

ه) كثيره التغرير و الخداع (خدوع) كثيره الخديعه و المكر

(معطيه) لبعض الاشياء للانسان (منوع) كثيره المنع لحوائج الانسان، و لا تعطي يوما شيئا الا منعته بعد ذلك (ملبسه) تلبس الانسان اللباس و الرياش (نزوع) ثم تنزعها منه. (لا يدوم رخائها) الرخاء السعه في العيش (و لا ينقضي عنائها) اي تعبها (و لا يركد) اي لا يهدء (بلائها) و مصائبها.

[صفحه 402]

(منها:) (في صفه الزهاد): (كانوا قوما من اهل الدنيا) بابدانهم و تعرفهم مع اهلها (و ليسوا من اهلها) بالقلوب و الاعمال (فكانوا فيها كمن ليس منها) اذ لا يعاشرون اهل الدنيا معاشره تامه، و انما ياخذون بطرف من الدنيا لا تضر دينهم و آخرتهم (عملوا فيها بما يبصرون) فيه الخير والسعاده، لا كاهل الدنيا الذين يعملون كالاعمي لا يهتمون انجوا ام هلكوا؟ (و بادروا فيها ما يحذورن) اي سبقوا المحذور حتي لم يلحقهم كمن يسبق لصا او سبعا حتي لا يلحقه (تقلب) اي تتقلب، حذفت احدي تائيه علي قاعده باب التفعل (ابدانهم بين ظهراني اهل الاخره) اي كانهم- و هم في الدنيا- يعيشون بين اظهراهل الاخره، لانسهم باولئك، و وحشتهم من اهل الدنيا (يرون اهل الدنيا يعظمون موت اجسادهم) فاذا مات من اهل الدنيا احد عظموا موته، مع العلم ان ليس المهم موت الاجساد و انما المهم موت القلوب. (و) لذلك (هم) اي الزهاد (اشد اعظاما لموت قلوب احيائهم) فاذا راو حيا مات قلبه- بان ترك الطاعه و اقترف المعصيه- عظموا ذلك، لما يعلمون من ان عاقبه مثل هذا الانسان الي الخساره الابديه.

خطبه 222

[صفحه 404]

(خطبها بذي قار) اسم موضع (و هو متوجه الي البصره، ذكرها الواقدي في كتاب الجمل). (فصدع) اي الرسول صلي الله عليه و آله و سلم، و الصدع الصله الكسر، فكان الرسول

صلي الله عليه و آله و سلم كسر عادات الجاهليه و عقائدها (بما امر به) من اوامر الله سبحانه (و بلغ رسالات ربه) و الاتيان بالجمع باعتبار كل رساله رساله، و حكم و حكم (فلم الله به الصدع) اي جمع سبحانه بسبب الرسول صلي الله عليه و آله و سلم انشقاق الناس. (و رتق) اي خاط (به الفتق) و هو شق الثوب، و مفاد هذه الجمله كمفاد الجمله الاولي (و الف به ذوي الارحام بعد العداوه الواغره في الصدور) الواغره، بمعني: الداخله، فان الجاهليين كانوا يقطعون الارحام لعداوات بينهم فالف الله بالرسول صلي الله عليه و آله و سلم بين اولئك حتي صاروا ارحاما و اخوه (و الضغائن) جمع ضغينه، بمعني الحقد (القادحه في القلوب) كانت تتطاير شررها في قلوب اهل الجاهليه.

خطبه 223

[صفحه 405]

(كلم به عبدالله بن زمعه و كان من شيعته، وذلك انه قدم عليه في خلافته يطلب منه مالا، فقال عليه السلام): (ان هذا المال) الذي تراه في بيت المال تحت سلطتي، و اردت بعضه (ليس لي، و لا لك، و انما هو في ء للمسلمين) اي اخراج و غنيمه (و جلب اسيافهم) اي ما جلبه اسيافهم في الجهاد (فان شركتهم في حربهم) بان حاربت معهم (كان لك مثل حظهم) يقسم المال علي الكل بالسويه فيعطي لك قسم منه (و لا فجناه ايديهم) اي ما جناه (لا تكون لغير افواههم) و لا نصيب لك فيه.

خطبه 224

[صفحه 406]

امر الامام ابن اخته (جعده بن هبيره) يوما ان يخطب الناس فصعد المنبر فحصر، و لم يستطع الكلام فخطب الامام بهذا الكلام. (الا ان اللسان بضعه) اي قطعه (من الانسان فلا يسعده القول) اي لا يتاتي من اللسان التكلم (اذا امتنع) الانسان عن الكلام بان علم يستعد ذهنه لتخريج الكلام (و لا يمهله النطق اذا اتسع) اذ تنحدر الالفاظ من اللسان انحدار السيل حتي لا يجد لا فراغ ما في ذهنه، مجالا (و انا لامراء الكلام) يعني ان عي ابن اختي ليس لعدم تمكنه، فانا في الكلام كالامير، و سائر الناس كالرعيه، بل عيه لعدم مساعده ذهنه، لان اللسان بضعه من الانسان لا يسعده القول اذا امتنع. (و فينا تنشبت) اي ثبتت (عروقه) كالشجره التي تثبت اصولها (و علينا تهدلت) اي تدلت (غصونه) فالمعاني الساميه في انفسنا، و الالفاظ الفصيحه البليغه متدليه علينا، اي انها تتفجر من جوانبنا. (و اعلموا رحمكم الله) دعاء بلفظ الخبر، و كان الاصل فيه بيان الشوق الي المطلوب حتي كانه وقع او سيقع في مثل: يرحمكم

الله (انكم في زمان القائل فيه بالحق قليل) هذا بالنسبه الي زمان الرسول صلي الله عليه و آله و سلم او مطلقا، لان زمان الامام كان زمان فوضي و اضطراب، و في مثله يقل

القائل بالحق (و اللسان عن الصدق كليل) اي تعب اللخوف او الطمع المستولي علي النفس مما يوجب ثقل الصدق. (و اللازم للحق ذليل) و هكذا يكون الزمان اذا اضطراب و اختل حبل الوحده (اهله معتكفون علي العصيان) اي ملازمون له من عكف بمعني لزم (مصطلحون علي الادهان) اي اصطلح بعضهم بعضا علي المجامله في الدين (فتاهم) اي شابهم (عارم) شرس سي ء الخلق (و شائبهم) اي كبيرهم في السن (اثم) يعصي الله سبحانه و لا يمنعه شيبه عن الكف عن الاثم. (و عالمهم منافق) يبطن شيئا و يظهر غيره طلبا للدنيا (و قارئهم) للقرآن (معاذق) هو من يخرج وده بالغض، بينما اللازم ان يكون القاري محبا للناس، حتي يوثر القرآن فيهم بسبب محبوبيه شخصه (لا يعظم صغيرهم كبيرهم) و ذلك لفساد الصغار و الكبار (و لا يعول) اي لا يعين (غنيهم فقيرهم) لاستيلاء حب المال علي قلوب الاغنياء، فلا يقومون بامور الفقراء.

خطبه 225

[صفحه 408]

(روي ابومحمد يماني، عن احمد بن قتيبه، عن عبدالله بن يزيد، عن مالك بن دحيه قال: كنا عند اميرالمومنين عليه السلام، و قد ذكر عنده اختلاف الناس) اي في الاخلاق و الصفات و الطاعه و العصيان، فقال عليه السلام: (انما فرق بينهم مبادي ء طينهم) اي عناصر تركيبهم التي هي الاصل فيهم (و ذلك) اي بيان ذلك (انهم كانوا) في الاصل (فلقه) اي قطعه (من سبخ ارض و عذبها) اي مالح الارض الناشه بالملح، و عذبها التي لا ملوحه فيها (و حزن

تربه) اي الخشن من الارض (و سهلها) التي لا خشونه فيها، بل لين و نعومه (فهم علي حسب قرب ارضهم) اي قرب اصل بعضهم لبعض في اللين و الخشونه و ما اشبه (يتقاربون) فنفران كانا من طين عذب تتقارب اخلاقهما و هكذا. (و علي قدر اختلافها) اي اختلاف ارضهم في الحزونه و السهوله و ما اشبه (يتفاوتون) في الاخلاق، و توضيح ذلك انه لا شك في اختلاف طبائع الانسان، فمن جواد ذاتا الي بخيل ذاتا، و شجاع طبعا الي جبان طبعا، و هكذا.. كما لا شك في ان اصل الانسان التراب، اذ يتحول التراب نباتا فياكله الانسان- او ياكله الحيوان و ياكل ذلك الحيوان الانسان- فيصير الماكول دما ثم منيا منشاء اللولد، فذلك الطبع الذي كان في الارض يوثر ف

ي اخلاق الانسان و نفسياته، مع اختلاف الاثر في كونه ترابا او انسانا، فالارض السهله تكون الانسان اللين الاخلاق و بالعكس، الحزنه و الارض المالحه تكون الانسان الصعب النفس بخلاف العذبه. (و لكن لا يخفي انه مع ذلك زمام الاختيار بيد الانسان، و ليس مجبورا علي العمل بمقتضي طبعه و ذاته، و لهذا الكلام تفصيل طويل، و احتمالات اكتفينا منه بهذه القدر من الاحتمال. ثم بين الامام عليه السلام اقسام الناس بالنسبه الي الجهه الجسميه و العقليه معا، اذ اختلاف التربه يوثر في اختلاف الجسم ايضا (فتام الرواء) اي المنظر و المعني ذو النظر الحسن التام (ناقص العقل) خلاف منظره (و ماد القامه) بان كانت قامته طويله (قصير الهمه) لا يهتم لامور العاليه المحتاجه الي طول زمان (و زاكي العمل) اي الذي عمله حسن (قبيح المنظر) فبين منظره و عمله خلاف. (و قريب القعر) اي قصير الجسم،

خفيفه في مقابل الانسان السمين الشبيه بالاناء البعيد قعره (بعيد السبر) اي بعيد النظره و الفكره و الهمه و المسبار آله يقدر بها عمق الشي ء (و معروف الضريبه) اي الطبيعه (و منكر الحليبه) ما يتصغه الانسان علي خلاف طبعه كانه يحلبه و يجلبه (و تائه القلب) لا يستقر قلبه علي شي ء، و لا ارتك

از فيه (متفرق اللب) اي العقل فتفكيره مشوش، و ميوله متناقضه (و طليق اللسان) اي فصيحه (حديد الجنان) اي ثاقب الفكر، قوي الفهم، و الجنان القلب سمي به لتستره.

خطبه 226

[صفحه 410]

قاله و هو يلي غسل رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و تجهيزه (بابي انت و امي) الباء للتفديه، اي افديك ابي و امي، لانك اعز منهما عندي، و هذه الجمله لاظهار مقدارالحب بالنسبه الي المحبوب، حتي ان الحب اذا دار الامر بينه و بين ابويه قدمه عليهما و فداه بهما (لقد انقطع بموتك ما لم ينقطع بموت غيرك) من الانبياء (من النبوه و الانباء و اخبار السماء) اذ كل نبي توفي كان بعده نبي متصل بماوراء الغيب، فهو نبي و ياتي باخبار السماء، و انباء غيبيه، و لو من غير جهه السماء، لقوه نفس النبي و اتصاله بماوراء الطبيعه. اما بعد الرسول صلي الله عليه و اله و سلم حيث لم يكن نبي آخر، فقد انقطعت هذه السيسله من الموجودات الشريفه و الاخبار الغيبيه (خصصت) يا رسول الله بالفضل اهلك و اقاربك (حتي صرت مسليا عمن سواك) فلم يكن فقدهم لشي ء محزنا لهم، بعد ان لهم مثلك (و عممت) بالفضل جميع الناس (حتي صار الناس فيك سواء) فكلهم مغترف من فضلك مستفيد من رسالتك، و بعض الشراح جعل

التخصيص و التعميم في جهه مصيبه صلي الله عليه و آله و سلم، و الاطلاق اجمل. (و لو لا انك امرت بالصبر) في المصائب (و نهيت عن الجزع) و هو انسياق الانسان وراء عاطفته في

المصيبه، فان الانسان اذا انساق وراء العاطفه ظهر منه حزن كثير، و ضرب للنفس و اعمال بشعه اخري يفعلها الجهلاء (لانفدنا عليك ماء الشئون) الشئون منابع الدمع من الراس، اي افنينا في فراقك ماء عيوننا حتي لا يبقي دمع في مخازنه (و لكان الداء مماطلا) فلا يذهب بل يبقي كالمماطل الذي لا يودي دينه، و المراد بالداء هنا الحزن. (و الكمد) الحزن الكامن في النفس الشديد التاثير (محالفا) لنا، لا يفارقنا كالذين تحالفا ان يكون احدهما عونا للاخر حيث لا يفترقان (و قلا) تثنيه (قل) فعل ماضي، اي ان الداء المماطل و الكمد المحالف قليلان (لك) في مصابك (و لكنه) اي الموت (ما يملك رده) فان الانسان لا يقدر علي ارجاع الموت. (و لا يستطاع دفعه) فاي فائده في الحزن بعد ان اختطفك المنون فان المطلب المهم و هو دفع الموت ليس مقدورا، و المقدور هو الحزن لا ينفع- و بهذا الاعتبار جي ء بالاستثناء بلفظه (لكنه)- (بابي انت و امي) يا رسول الله (اذكرنا عند ربك) بالدعاء لنا، و طلب الرحمه منه سبحانه علينا (و اجعلنا من بالك) في خاطرك و لفظه (من) نشويه.

خطبه 227

[صفحه 117]

في حمد الله، و ذكرالرسول، و الالفات الي خلق الحيوان (الحمد لله الذي لا تدركه الشواهد) جمع شاهده، اي لا تدرك الادله كنهه تعالي (و لا تحويه) اي لا تشتمل عليه (المشاهد) جمع مشهد بمعني: المحضر، فانه سبحانه لا يحويه مكان، اذ ليس بجسم، (و لا

تراه النواظر) جمع ناظره، بمعني: العين (و لا تحجبه السواتر) فان الاستار لا تمنع الله سبحانه عن النظر الي خلقه (الدال علي قدمه) اي كونه قديما لا حدوث له (يحدوث خلقه) فان الحادث- كما نشاهد في الخلق- ما له اول، و الله ليس له اول، اذ لو كان له حدوث لكان محتاجا، فلم يكن الها (و بحدوث خلقه علي وجوده) اذ لو لم يكن له وجود لم يكن خلق حادث فان الاثر يدل علي الموثر. (و باشتباههم علي ان لا شبه له) فان الاشباه في الحكم سواء، و اذ كانت الاشباه مخلوقات لدلت علي ان الخالق ليس له شبيه (الذي صدق في ميعاده) فوعده صادق لا خلف فيه (و ارتفع عن ظلم عباده) اي تنزه و تعالي، فلا يظلم احدا. (و قام بالقسط) اي العدل (في خلقه) و القيام كنايه عن استمراره سبحانه لذلك (و عدل عليهم في حكمه) فحكمه عدل لا جور فيه. (مستشهد بحدوث الاشياء علي ازليته) يعني انه تعالي استشهد- تكوينا- و ذلك لان الحادث يدل

علي ان باريه قديم، و الا لاحتاج الي آخر (و بما وسمها) اي جعل علي الاشياء علامه (به) يعود الي (ما) (من العجز) بيان ما (علي قدرته) اي ان عجز الاشياء دال علي قدرته تعالي، اذ لو كان عاجزا كان كاحدها فلم يقدر علي الخلق (و بما اضطرها اليه من الفناء) اي استشهد سبحانه بفناء الاشياء التي اضطرها اليه (علي دوامه) اذ لو كان فانيا كاحد الاشياء فلم يكن الها (واحد لا بعدد) اي ليست الوحده العدديه- التي بعدها الاثنان و الثلاثه و هكذا- شامله له تعالي (و دائم لا بامد) اي الا غايه و امد له

(و قائم لا بعمد) اي ليس له عماد، كما للانسان القائم عماد من عظامه و رجليه و ما اشبه (تتلقاه الاذهان) اي تعرفه سبحانه (و لا بمشاعره) اي بتاثر المشاعر منه، كما يتاثرالحواس من المحسوسات- اذ ليس سبحانه محسوسا-. (و تشهد له المرائي) جمع مرات، بمعني المنظر (لا بمناضره) اي بكونه سبحانه منظورا فيها، بل ان خلقها دال علي وجود خالق له (لم تحط به الاوهام) بان تعرف الاذهان حقيقته تعالي (بل تجلي) سبحانه (لها) اي للاوهام (بها) اي بسبب الاوهام فان الذهن لما عرف انه مخلوق عرف ان له خالقا، اذ كل اثر يدل علي الموثر (و بها) اي بدلاله الاوهام علي انه سبحانه لا يمك

ن درك كنهه (امتنع منها) اي امتنع تعالي من ان تناله الاوهام. و الحاصل: ان امتناع ادارك كنهه يدل عليه الذهن (و اليها) اي الي الاوهام (حاكمها) اي حاكم الله الاوهام، بان قال للاذهان تفكري هل يمكن اداراك كنه الله؟ فتفكرت في الادله، و اجابت بالنفي، لان المحدود لا يمكن ان يشمل علي غير المحدود (ليس) الله سبحانه (بذي كبر) جسمي (امتدت به النهايات) اي الطول و العرض و العمق (فكبرته تجسيما) اي جعلته النهايات جسما كبيرا (و لا بذي عظم تناهت به الغايات) اي انتهت الي غايه في اطرافه، كما ينتهي كل جسم الي غايه في جوانبه الست (فعظمته) الغايات (تجسيدا) له بان صار سبحانه جسدا (بل كبر) اي اذا قيل (كبر) كان المراد (شانا) فهو معنوي لا مادي (و عظم سلطانا) لا عظمه جسميه. (و اشهد ان محمدا عبده و رسوله الصفي) اي الذي اصطفاه و اختاره (و امينه الرضي) اي المرضي عنده تعالي (صل الله عليه

و آله) جمله خبريه في معني الدعاء، اي اللهم صل عليه، و الصلاه من الله انزال الرحمه. (ارسله) تعالي (بوجوب الحجج) اي الادله الواجبه الثابته (و ظهور الفلج) اي الظفر علي الاعداء (و ايضاح المنهج) اي الطريق، و المراد هنا الطريق الي رضوان الله تعالي (فبلغ الرساله صا

دعا بها) اي معلنا لها (و حمل) الناس (علي المحجه) اي الطريق السوي (دالا عليها) و ذلك ببيان الاحكام الموجب لنجاه العامل بها (و اقام اعلام الاهتداء) جمع علم و هو ما ينصب في الطريق لهدايه السائر الي الطريق (و منار الضياء) المنار: المحل المرتفع الذي يوضع عليه النور، لهدايه السائر ليلا علي الطريق. (و جعل امراس الاسلام) جمع مرس، و هو جمع مرسه، بمعني الحبل (متينه) اي قويه، و المراد بامراس الاسلام، احكامه و اصوله و اخلاقه و كونها متينه، بمعني كونها مطابقه للواقع موجبه لسعاده، فمن تمسك بها رفعته الي الجنه و السعاده (و) حبل (عري الايمان) جمع عروه، و هي: ما يلزم من الابريق و الكوز و ما اشبه (وثيقه) اي قويه لا تنفصم، كما قال سبحانه: (فقد استمسك بالعروه الوثقي) و هذان من باب تشبيه المعقول بالمحسوس.

[صفحه 121]

(في صفه خلق اصناف من الحيوان). (و لو فكروا) اي الناس (في عظيم القدره) اي قدره الله سبحانه العظيمه (و جسيم النعمه) اي النعمه الكبيره التي انعم سبحانه بها علي الناس (لرجعوا الي الطريق) اي طريقه سبحانه في الايمان و الطاعه (و خافوا عذاب الحريق) اضيف (عذاب) الي (الحريق) لان المراد به جهنم (و لكن القلوب عليله) لم تمتلا بالايمان حتي تعمل بمقتضاه (و البصائر) جمع بصيره (مدخوله) ليست علي صفائها حتي تري الحق، بل دخلتها وسواس

الشياطين، و هوي النفس الاماره. (الا تنظرون الي صغير ما خلق) سبحانه (كيف احكم خلقه)؟ فليس اهمل فيه بعض النواحي الصغيره كما هو عاده الانسان لا يهتم بالامور الصغيره و انما يصب اهتمامه علي الامور الكبيره (و اتقن تركيبه) في جعل الادوات و الاجهزه له (و فلق) اي خلق (له السمع و البصر) شق في راسه موضعها. (و سوي له العظم) اي جعله سويا صحيحا (و البشر) جمع بشره و المراد بها مقابل العظم (انظروا الي النمله في صغر جثتها) اي جسمها (و لطافه هيئتها) فانها في شكل لطيف دقيق (لا تكاد تنال بلحظ البصر) اي برويه العين، لصغرها (و لا بمستدرك الفكر) اي بالفكر الذي استدرك و نبه الانسان اليه بعد الغفله (كيف دبت)

و تحركت النمله (علي ارضها) اي الارض المعده لها (و صبت علي رزقها) فان النمل تجتمع علي الارزاق المقدره لها، في شبه الانصباب (تنقل الحبه الي جحرها) آيه حبه كانت و الجحر المنزل (و تعدها) اي تجعلها مستعده للبقاء و الاكل (في مستقرها) اي محل استقرارها (تجمع في حرها) اي الصيف و ما اشبه (لبردها) اي الشتاء، حيث لا تتمكن من الخروج للمطر و الثلج (و في ورودها لصدرها) اي تجمع في حال ما ترد الي الخارج، لحالها اذا رجع ت الي جحرها، فان الصدر- محركا- الرجوع بعد الورود (مكفوله برزقها) فان الله سبحانه كفل لها رزقها (مرزوقه بوفقها) اي انها رزقت رزقا موافقا لها (لا يغفلها المنان) اي لا يجعله الله سبحانه غافله حتي لا تكد لرزقها (و لا يحرمها الديان) سبحانه، بان يمنعها من الرزق فقد اعطاها الفطنه لجمع لرزق و اعطاها الرزق، و المنان: كثير المن و العطاء،

و الديان: كثير الحكم علي الخلائق (و لو في الصفا) هي الصخره الصلبه الملساء (اليابس) اي لا يحرمها، و لو كانت علي مثل هذه الصخره التي الا تنبت العشب (و الحجر الجامس) اي الجامد. (و لو فكرت في مجاري اكلها) اي اكل النمله، و المراد بالمجاري الامعاء (في علوها و سفلها) اذ الغداء يصعد و ينزل في ال

امعاء الملتويه (و ما في الجوف من شراسيف) و هي: اطراف البطن الداخله التي تشرفش علي البطن (بطنها و ما في الراس من عينها و اذنها) بكل نظام و دقه (لقضيت من خلقها عجبا) اي تعجبت تعجبا كاملا (و لقيت من وصفها تعبا) فان الانسان اذا اراد وصفها وصفا دقيقا تعب و نصب، و قد كتب علماء الحيوان في العصر الحديث كتبا متعدده حول النمل (فتعالي) الله (الذي اقامها علي قوائمها) جمع قائمه، و هي الايدي و الارجل (و بناها) اي بني جسمها (علي دعائمها) جمع دعامه اي الاعضاء و الالات (لم يشركه) سبحانه (في فطرتها) اي خلقتها (فاطر) شريك غيره (و لم يعنه في خلقها قادر) فانه سبحانه لا يستعين بشي ء في خلقه للاشياء. (و لو ضربت في مذاهب فكرك) اي صرفت الفكر هنا و هناك، تشبيها بالضرب في الارض (لتبلغ غاياته) اي غايه الفكر (ما دلتك الدلاله) اي الادله و البراهين (الا علي ان فاطر النمله هو فاطر النخله) فهو سبحانه الخالق للكبير، كما انه خالق للصغير (لدقيق تفصيل كل شي ء) اي ان الدقه في كل شي ء يدل علي ان الخالق واحد، من غير فرق بين ان يكون ذلك الشي ء صغيرا، او كان كبيرا (و غامض اختلاف كل حي) اي ان كل حي مع اختلافه مع

سائر الاحياء، غامض ف التركيب و الاجهزه

(و ما الجليل) اي العظيم (و اللطيف) اي الدقيق (و الثقيل و الخفيف و القوي و الضعيف في خلقه) سبحانه (الاسواء) من جهه الدقه و الاتقان. ثم صرف عليه السلام مساق الكلام الي خلق السماء و لكون بقوله: (و كذلك) تدل علي اله قدير حكيم (السماء و الهواء و الرياح) هي الهواء التي تهب و الهواء التي لا تهب (و الماء) كلها في غايه الدقع و الاتقان، مما تدل علي حكيم عليم. (فانظر الي الشمس و القمر و النبات و الشجر و الماء و الحجر) امثله لمختلف اصناف المخلوقات العلويه و السفليه، الناميه و غير الناميه، و السائله و الجامده الالفات الي مختلف اصناف الاشكال و الحقائق في الخلق. (و اختلاف هذا الليل و النهار) كون كل واحد منهما خلقه للاخر، و آتيا مكانه (و تفجر هذه البحار) فان الامواج و التيارات توجب ظهور التفجر في البحار (و كثره هذه الجبال) في كل مكان من اماكن الارض (و طول هذه القلال) جمع قله، و هي راس الجبل (و تفرق هذه اللغات) فلكل قوم لغه خاصه كالعربيه و الفارسيه و التركيه (و الالسن المختلفات) فلكل انسان لهجه خاصه و نبره مخصوصه بها يميز صوته عن اصوات اشباهه. (فالويل لمن جحد المقدر) اي الله سبحانه الذي قدر هذه الاشياء و خلقها (و انكر المدبر

) الذي دبر، و كان الفر بينهما، ان التقدير التخطيط، و التدبير جعل طريق الوصول الي النتيجه (زعموا انهم كالنبات) الذي يخرج في البريه بلا زارع انساني (ما لهم زارع) خلقهم و كونهم (و لا لاختلالف صورهم صانع) اي صانع جعلهم مختلفين في الصوره، و هولاء هم الطبيعيون، و

كلامهم هراء و سخف اذ احتياج المعلول الي العله. ضروري لا يخفي علي ذي عقل (و لم يلجاوا) اي لم يستندوا (الي حجه) و برهان (فيما ادعوا) من انه لا صانع للكون (و لا تحقيق لما اوعوا) بمعني (وعوا) اي بما حفظوا و جعلوا صدورهم خزانه له، فان الجهال يعون بلا تدبر و ادله بخلاف العلماء الذين لا يحفظون الا ما قامت عليه البراهين (و هل يكون بناء من غير بان)؟ يبينه (او جنايه من غير جان)؟ استفهام انكاري، اي لا يكون ذلك، فاذا لم يكن بناء صغير بدون بناء، او اثر صغير لجنايته بدون فاعل فكيف يمكن بناء الكون الكبير و هذه الاثار العظيمه بلا خالق؟.

[صفحه 125]

(و ان شئت قلت في الجراده) اي تكلمت حول خلق الجراده، مما يدل علي انه لابد لها من صانع مع صغرها فكيف بالكون الكبير الذي تكون الجراده جزئا ضئيلا من اجزائه؟ (اذ خلق) الله سبحانه (لها عينين حمراوين) فان عينها حمراء (و اسرج لها) الاسراج اضائه السراج، اي المصباح (حدقتين) الحدقه: محل الرويه في العين، و (قمراوين) اي مضيئين، كان كلا منهما ليله قمراء اضائها القمر (و جعل لها السمع الخفي) غير الظاهر في جسمه (و فتح لها الفم السوي) اي المستوي الذي لا انحراف فيه (و جعل لها الحس القوي) فانه يحس بالاشياء، و لذا يفر طائرا اذا علم بالخطر (و) جعل لها (نابين) هي السن (بهما تقرض) الاشياء، كالمقراض (و منجلين) المنجل اله عوجاء من حديد يقطع بها الزرع (بهما تقبض) و الظاهر ان المراد بهما رجلاها، فانهما، خشنتان عوجاوتان، كالمنجل. (يرهبها) اي يخاف من الجراده (الزراع) جمع زارع (في زرعهم) لانها تاكل الزرع (و لا

يستطيعون ذبها) اي دفعها (و لو اجلبوا بجمعهم) اي تهيئوا جميعا (حتي ترد) الجراده (الحرث) اي الزرع (في نزواتها) يقال نزا عليه اذا وثب اي في وثباتها (و تقضي منه في شهواتها) اي شهوتها الاكل، حتي تشبع. (و خلقها كله لا يكون اص

بعا) اي بمقدار اصبع (مستدقه) اي دقيقه صغيره. (فتبارك) بمعني الثبات و البقاء، اصله من برك الابل، اذا نام علي الارض، و منه البركه، بمعني: الزياده، لانها توجب دوام النعمه، اذ النعمه القليله تفني بسرعه. (الله الذي يسجد له من في السماوات و الارض) سجودا تكوينيا، بمعني الخضوع، او ان لكل شي ء سجود واقعي، فان من المحتمل تزود كل شي ء بنوع من المعرفه و الادراك، و ان كنا لا ندرك كيفيه ذلك (طوعا و كرها) هذا كنايه عن قطعيه السجود، لا لبيان ان بعض الاشياء تسجد كرها (و يعنو) اي يخضع (له) تعالي (خدا و وجها) اي اتجاها، فان الوجه سمي بذلك لاتجاهه نحو المطلوب، و اتجاه الاشياء اليه فيما اذا اريد التوجه نحوه (و يلقي اليه) تعالي (بالطاعه سما و ضعفا) فكل شي ء سلم الله سبحانه، و ضعيف في قبال قدرته عز اسمه (و يعطي له القياد) حتي يقوده تعالي كيف شاء (رهبه و خوفا) منه تعالي. (فالطير) و المراد بها: الجنس، و لذا جي ء لها بوصف مونث (مسخره لامره) تعالي، لا تتمكن ان تزول عن الخطه التي جعلها لها (احصي) تعالي (عدد الريش منها و النفس) اي عدد انفاسها التي يتنفس بها (و ارسي قوائمها) اي جعل ارجلها (علي الندي) اي الماء (و اليبس) اي الارض، فمن الطي

ر ما يسكن الماء، و منه ما يسكن في الارض (و قدر اقواتها) فلكل

واحد من اقسام الطير، قوت خاص قدر له (و احصي) اي حسب (اجناسها) بمعني انه علم عدد اجناس الطيور، كالبلبل، و الحمام و الدراج، و ما اشبه (فهذا غراب، و هذا عقاب، و هذا حمام، و هذا نعام) اي نعامه (دعا كل طائر باسمه) اي سمي كل طائر باسمه الذي هو علامه خاصه له، و ليس المراد اللفظ، بل المراد جعل الحقيقه لكل طائر (و كفل له بزرقه) فلكل طير ياكل رزق الله المقدر له. (و انشا) اي خلق (السحاب الثقال) اي الثقيله بالماء (فاهطل ديمها) اي مطرها فان ديم- علي وزن همم- جمع ديمه، و هو مطر يدوم في سكون و اهطال، جعلها بحيث تتتابع بالمطر (و عدد قسمها) بمعني احصي ما قدر من تلك الامطار لكل بقعه من بقاع الارض (قبل الارض) اي جعلها مرطوبه، بماء المطر (بعد جفوفها) اي يبسها (و اخرج نبتها بعد جدوبها) اي ان اجدبت- ضد اخصبت- لانقطاع المطر عنها.

خطبه 228

[صفحه 128]

و تجمع هذه الخطبه من اصول العلم ما لا تجمعه خطبه (ما وحده من كيفيه) اي لم يجعل الله سبحانه واحدا، من جعل له كيفا، اي حاله، اذا الحاله غير الذات، فيوجب ذلك الاثنينيه مثلا (زيد) شي ء، و (المرض) شي ء، و كذلك (العلم) و (القوه) و (الكرم) و غيرها، و انما الله سبحانه صفاته عين ذاته (و لا حقيقه اصاب من مثله) اي جعل له سبحانه مثالا، اذ المثال لما كان ممكنا لزم ان يكون الممثل ايضا ممكنا، و من وصفه سبحانه بصفات الممكنات لم يصب حقيقه الله تعالي- التي هي واجب وجوده غير مماثل للممكنات. (و لا اياه عني) اي قصد (من شبهه) اي جعل له شبيها-

لما تقدم في دليل نفي المثال-. (و لا صمده) اي قصده (من اشار اليه) لان الاشاره تستلزم الجسمنيه و الجهه، و الله ليس بجسم و لا له جهه (و توهمه) اي تصوره فان كنهه سبحانه مخفي، فمن تصور كنهه فانما المتصور غير الله سبحانه. (كل معروف بنفسه) اي كل ما كان ذاته معروفه، و نفسه واضحه لدي الانسان (مصنوع) اي مخلوق، اذ ذات الخالق لا تعرف، فانها غير محدوده، و الذهن المحدود لا يمكن ان يحتوي علي ما ليس بمحدود. (و كل قائم في سواه) اي ما كان قيامه و وجوده بسبب غير نفسه (معلول) اي له عليه، بخلاف ما

كان قيامه بذاته- و هو الله سبحانه- فانه عليه و ليس بمعلول لشي ء. (فاعل لا باضطراب آله) اي لم يضطرب سبحانه في خلق الاشياء، كما يتحرك و يضطرب آلات الانسان- اي جوارحه- لدي ارادته ان يعمل عملا ما (مقدر) للاشياء (لا بجول فكره) فان الانسان اذا اراد ان يقدر شيئا و يخططه لابد و ان يحرك فكره اولا، و ذلك ليس في الله سبحانه، اذ لا فكر له و انما علم و اراده. (غني لا باستفاده) الثروه والقدره من غيره، و انما هو سبحانه غني بذاته. (لا تصحبه الاوقات) فان الوقت حادث، و القديم يستحيل عليه مقارنه الحادثات (و لا ترفده) اي تعينه (الادوات) اي الالات كما تعيين الانسان في حوائجه (سبق الاوقات كونه) اي وجوده سبحانه اذا الوقت حادث و هو قديم. (و) سبق (العدم وجوده) و ليس كالممكنات التي يسبق عل وجودهما العدم، اذ انها معدومه ثم توجد (و) سبق (الابتداء ازله) فهو اول و لا ابتداء له (بتشعيره المشاعر) جمع مشعر، بمعني آله

الشعور و الادراك. كالعين، و الاذن، اي بجعله سبحانه لهذه المشاعر (عرف ان لا مشعر له) اي لا حاسه له، اذ هو سبحانه لا يشابه خلقه، فاذا جعل شيئا في الخلق دل ذلك علي نفيه عن وجوده سبحانه (و بمضادته بين الامور) اي جعل بعضاها ضد بعض،

كالحراره ضد البروده، و السواد ضد البياض (عرف ان لا ضد له) اذ الضدان امران وجوديان يخلف احدهما الاخر، و الله سبحانه لا يخلف مكانه شي ء، كما انه لا يخلف شيئا. (و بمقارنته بين الاشياء) بان جعل بعضها قرين بعض، كجعل اللحم قرين الدم في جسم الانسان (عرف ان لا قرين له) فان الاقتران حدوث حاله للشي ء بعد عدمها، و الله سبحانه لا تتبدل عليه الاحوال و الا لزم ان يكون ممكنا و من المحتمل ان يراد من (المقارنه) المماثله، و المعني انه لا مثل له تعالي- و انكان الظاهر هو المعني الاول-. (ضاد النور بالظلمه) اي جعل بينهما تضادا (و الوضوح بالبهمه) فان الظهور ضد الخفاء- في كل شي ء- و البهمه بمعني الخفا، من الابهام (و الجمود بالبلل) فان البله سياله، و الجمود ثابت، كالماء، و الحجر (و الحرور) اشده الحر (بالصرد) اي شده البرد. (مولف بين متعادياتها) فانه سبحانه جمع في جسم الانسان بين الحراره و البروده، و الرطوبه و اليبوسه، كما ثبت في الطب (مقارن بين متبايناتها) و المباين يراد به المضاد (مقرب بين متباعداتها) مما يبعد بعضها عن بعض في الطبيعه، كالماء و النار (مفرق بين متدانياتها) اي ما كان دانيا لاخر كجزئين من عنصر واحد في جسمين مختلفي المزا

ج مثلا السكر الابيض و الشير خشت مختلفان من حيث الحراره و البروده، و كلاهما ابيض،

ففرق سبحانه بين البياضين المتدانين بجعل كل في شي ء يخالف الاخر و يتناينه (لا يشمل) سبحانه (بحد) بان يمكن تحديده، اذ هو تعالي غير محدوده، فان الحد زمان او مكان او كيف او ما اشبه، و كلها من لوازم الامكان. (و لا يحسب بعد) اي انه واحد، لكن ليس بالعدد الذي هو من جنس الثاني و الثالث، مما يطرء علي الممكنات المعدوده (و انما تحد الادوات انفسها) اي الادات التي تحدد الاشياء، كالزمان و المكان انما تحدد ما من قبيلها في الامكان، و لا يمكن ان تحد (الله) سبحانه الذي ليس من قبيل هذه الاشياء (و تشير الاله الي نظائرها) اذ الاشاره من صفات الجسم، مشيرا، و مشار اليه (منعتها (منذ) القدميه) اي كونه سبحانه قديما، مانع من اطلاق منذ عليه، اذ منذ داله علي الزمان، و القدم قبل الزمان، و الضمير في منعتها راجع الي ذاته سبحانه و القدميه فاعل منعتها و المفعول له منذ و حمتها اي منعت عن ذاته سبحانه (قد) اي من اطلاق لفظه قد عليه (الازليه) اي كونه ازليا، و هذا فاعل حمتها فان كونه تعالي ازليا، يمنع من ان يقال بالنسبه اليه قد يكون و قد لا يكون (و جنبتها لو لا التكمله)

فان المخلوق يقال فيه لو لا فاعله ما وجد فهي تكمله للمهيه و الله سبحانه حيث لا عله له يمتنع في حق لو لا و لا يخفي ان في هذه الحمل الثلاث يحتمل احتمالات اخر ايضا (بها) اي بتلك الصفات التي ذكرت له سبحانه (تجلي صانعها) اي صانع الاشياء (للعقول) او المراد به منذ و قد و لولا تجلي صانع هذه الثلاثه، و المعني انه حيث نري

ان الاشياء لها زمان و عدم و وجود و عله نعرف ان الخالق ليس له شي ء منها، فضمير بها و صانعها يرجع الي قد و منذ و لولا- و هذا اظهر-. (و بها امتنع عن نظر العيون) اي بسبب احتفاء هذه الاشياء قد ما منذ و لو لا بالممكنات، امتنع تعالي عن الرويه، فان العين تحتف به هذه الثلاثه، و ما يكون كذلك لا يشاهد، ما هو منزه عن هذه الثلاثه، اذ الرويه تحتاج الي المجانسه و لا مجانسه بين الله و بين العين. (لا يجري عليه) سبحانه (السكون و الحركه) اذ هما من اوصاف الجسم، و ليس سبحانه جسما (و كيف يجري عليه ما هو) سبحانه (اجراه) فانهما مخلوقان له، و كيف يصدق المخلوق علي خالقه؟ (و) كيف (يعود فيه) اي يكون عود هذين في الله تعالي- بان بصدق عليه- (ما هو ابداه) اي الشي ء الذي الله تعالي ابداه و اظهره؟ (و) كيف (يحدث فيه) تعالي (ما هو احدثه

) فان الله احدث و اوجد الحركه و السكون، فلا يحدثان فيه (اذا) اي اذا كان تعالي محل للحركه و السكون (لتفاوتت ذاته) اي لاختلفت باختلاف الاعراض عليه (و لتجزا كنهه) اي صار صفتها و ذو اجزاء، اذ الحركه و السكون من خواص الجسم، و الجسم مجزء منقسم (و لا متنع من الازل معناه) لان الذي يطرء عليه الاحوال ليس الا ممكنا، و الممكن حادث لا ازل. (و لكان له وراء) و خلف (اذ وجد له امام) فان الحركه و السكون من آثار الجسم، و الحركه لابد فيها ان يكون المتحرك بها ذا خلف معرض عنه، و امام مقبل اليه، و الا لم تتحقق مفهوم الحركه

(و لالتمس التمام اذ لزمه النقصان) اذ الحركه لا تكون الا لدرك الناقص، فيلزم ان يكون سبحانه ناقصا يلتمس ان يتم نفسه بالحركه (و اذا) اي اذا كانت هذه صفاته (لقامت آيه المصنوع فيه) اي علامه كونه مصنوعا و مخلوقا (و لتحول دليلا) علي اله آخر (بعد ان كان مدلولا عليه) بالاثار، فان الا له يستدل عليه باثاره. (و خرج) عطف علي قوله: لا يجري عليه السكون، اي انه سبحانه خرج (ب) سبب (سلطان الامتناع) اي كونه ممتنعا عليه صفات المخلوقين (من ان يوثر فيه ما يوثر في غيره) فالاشياء التي توثر في المخلوقات، لا توثر فيه سبحانه، مثلا النار و

الجمد يوثرا في الاشياء، بالحراره و البروده، و لا يوثران فيه تعالي، و هكذا.

[صفحه 134]

هو الله سبحانه (الذي لا يحول) من حال الي حال (و لا يزول) بالفناء كما يزول سائر الاشياء (و لا يجوز عليه الافول) اي الغياب، فانه حاضر عند كل شي ء، و في كل زمان و مكان لا غيبه له (و لم يلد فيكون مولودا) اذ يتلازم المولوديه و الولاده، فكل شي ء يلد، لابد و ان يكون هو مولودا (و لم يولد) اي لم يلد الله شي ء (فيصير محدودا) لانه يكون له بدء، و يكون مشمولا لغيره، و كلاهما حد (جل) اي ارتفع (عن اتخاذ الابناء) فليس المسيح و عزيز و الملائكه عليهم السلام ابناء له، كما زعم النصاري و اليهود و المشركون (و طهر) اي تنزه (عن ملامسه النساء) بان تكون له زوجه، كما زعم الكفار، قال سبحانه: (و جعلوا بينه و بين الجنه نسبا). (لا تناله الاوهام) اي لا تصل الي كنه معرفته العقول (فتقدره) بان تجعل له تقديرا (و لا

تتوهمه الفطن) جمع فطنه، بمعني الاداراك (فتصوره) بان تجعل له صوره (و لا تدركه الحواس) الخمسه الباصره، و الذائقه و الشامه و السامعه و اللامسه (فتحسه) اي يكون سبحانه محسوسا لها. (و لا تلمسه الايدي فتمسه) و المس غير الحس، اذ يمكن المس بلا حس، كما في الاشل (لا يتغير) سبحانه (بحال) بان ينتقل من حال الي حال (و لا يتبدل) ذاته (

بالاحوال) كان يكون شابا و هرما و ما اشبه (و لا تبليه الليالي و الايام) كما تبلي سائر المخلوقات، كالثوب، و الجلد، و ما اشبه (و لا يغيره الضياء و الظلام) كان يقع عليه النور، عند شروق الشمس، و يحويه الظلام اذا جاء الليل. (و لا يوصف بشي ء من الاجزاء) فلا يقال ان له جزئا ماديا كاللحم و الدم او جزئا عقليا، كالجنس و الفعل (و لا) يوصف (بالجوراح و الاعضاء) كان يقال له يد او رجل او عين او ما اشبه. (و لا) يوصف (بعرض من الاعراض) كالاحمر، و الابيض، و الطويل، و القصير، (و لا بالغيريه) كان يقال انه تعالي (غير الشي ء الفلاني) كما يوصف الممكن بذلك، فيقال زيد غير عمرو، فان الغير يطلق علي الاشياء المتشابهه، و لا شبه له تعالي (و الابعاض) فلا يقال ان بعضه سبحانه كذا و بعضه كذا، كما يقال بعض الانسان يد و بعضه دم، و بعضه روح. (و لا يقال له حد) اي مقدار محدود (و لا نهايه) اي آخر، فهو غير محدود الصفات و باق الي الابد (و لا انقطاع و لا غايه) فلا ينقطع ذاته او صفاته، و لا امد لوجوده سبحانه (و لا ان الاشياء تحويه) فليس محويا للسماء او الارض

او ما اشبه (فتقله) اي ترفعه، كالارض التي تقل الانسان (او تهويه) اي تخفضه، كالسماء التي تظل الانس

ان (او ان شيئا يحمله) كان يكون فرق العرش (فيميله) الي جانب من الجوانب، كما يميل الحامل حمله (او … ) بان يكون مستويا عليه لا ميل له الي جانب (ليس) سبحانه (في الاشياء بوالج) اي داخل، كدخول الماء في الاناء (و لا عنها بخارج) بان يكون غير مسلط عليها بالعلم و القدره. (يخبر) سبحانه (لا بلسان و لهوات) جمع لهات، و هي: اللحمه المتدليه في اقصي الغم، اذ ليس سبحانه جسما (و سمع لا بخروق) جمع خرق، كخرق اذن الانسان (و ادوات) اي ادات الاستماع، كما في الانسان من الطبله الاذنيه، و العظم و ما اشبه (يقول) الكلام بخلق الصوت (و لا يلفظ بلسان (و يحفظ) الاشياء عن الفساد و الزوال- حسب باقدر لها- (و لا يتحفظ) اي لا يكلف نفسه الحفظ، كما يتكلف الانسان، حفظ الاشياء، قال سبحانه: و لا يوده حفظهما. (و يريد) سبحانه الاشياء (و لا يضمر) كما يضمر الانسان، لانه تعالي ليس ضمير و باطن- كما للانسان- (يحب) الاشياء (و يرضي) بالاعمال الصالحه (من غير رقه) قلبيه، كما في الانسان، فان حب الانسان و رضاه، يلازم رقه في قلبه، و ذلك لانه تعالي لا قلب له، و لا تطرء عليه الاحوال (و يبغض) الاشياء الفاسد (و يغضب) علي من يخالف اوامره (من غير مشقه) و عناء، كما تعرض

المشقه النفسيه للانسان حينما يبغض و يغضب، اذ انه تعالي لا نفس له (يقول لمن اراد كونه) اي ايجاده (كن ف) بمجرد صدور هذا الامر (يكون) ذلك الشخص (لا بصوت يقرع) الاسماع و يصطك بها (و

لا بنداء يسمع) كما يسمع نداء الانسان (و انما كلامه سبحانه فعل منه) فاراده، و فعل بلا تكلم بلفظه (كن) و انما هذا اشاره الي الفعل الصادر منه تعالي (انشاء) اي ابدع و اوجد ذلك الفعل المراد. (و مثله) اي مثل هذا الانشاء لم يكن (من قبل ذلك كائنا) اذ الايجاد امر حادث (و لو كان قديما لكان الها ثانيا) اذ القديم الذي لا اول له (اله) لعدم الخالق له، حتي يكون مخلوقا فالقول بقديم الكلام يستلزم القول بتعدد الالهه، ثم لا يخفي ان كون كلامه تعال فعله، لا يستلزم ان لا يكون له كلام بمعني ايجاد الاصوات في الهواء و نحوه، كما قال سبحانه: و كلم الله موسي تكليما.

[صفحه 137]

(لا يقال) لله سبحانه (كان) بمعني وجد (بعد ان لم يكن) له وجود- كما يقال ذلك بالنسبه الي المخلوقات- (فتجري عليه الصفات المحدثات) اذ الوجود بعد العدم من صفات الحادث، لا من صفات القديم تعالي. (و لا يكون بينها) اي بين الصفات (و بينه) تعالي (فصل) بان تكون الصفه شيئا و الموصوف شيئا آخر- كما يكون في الانسان كذلك- اذ لو كان كذلك لزم الاثنينيه، و تعدد الالهه، بل صفاته سبحانه عين ذاته (و لا له) اي لله تعالي (عليها) اي علي الصفات (فضل) و زياده، بان تكون ذاته قديما، و الصفات حادثه- اذ للقديم فضل علي الحادث- لان ذلك يستلزم كونه سبحانه محلا للحوادث، و معرضا للتغير و التبدل (فيستوي الصانع و المصنوع) اذ المصنوع صفاته غير ذاته، و لذاته فضل التقدم علي صفاته (و يتكافا المبتدي) اي يتماثل الله الذي كان بدء الاشياء و قلبها (و البديع) اي المصنوع الذي خلق و ابتدع.

(خلق) سبحانه (الخلائق علي غير مثال خلا) اي بقي ذلك المثال (من غيره) تعالي بان يكون خلقه للخلق بتعلم من اله سابق كما يتعلم التلميذ من استاذه (و لم يستعن علي خلقها) اي خلق الخلائق (باحد من خلقه) بان يتخذه معينا و ظهيرا (و انشا الارض فامسكها) من الانفراط عن فلكها

(من غير اشتغال) فان انشائه سبحانه بالاراده لا بالشغل و العمل- كما في احدنا حيث نشتغل بما نريد ايجاده- (و ارساها) اي جعلها راسيه لا تضطرب و لا تزلزل (علي غير قرار) اذلا موضع و ضعت فيه الارض، و انما هي كره معلقه في الفراغ (و اقامها) اي جعلها قائمه غير زائله (بغير قوائم) جمع قائمه، بمعني العمود. (و رفعها) في الفضاء، ليس تحتها مقر و محل (بغير دعائم) جمع دعامه، بمعني العمود (و حصنها) اي حفظها (من الاود) اي الانحراف (و الاعوجاج) اي الزيع و الميل، الي جانب.. (و منعها من التهافت) اي التساقط قطعه قطعه (و الانفراج) اي الاشقاق بان تنشق فتكون بين ابعاضها فواصل من الفضاء، كانها اجسام متعدده (ارسي) اي اثبت و احكم (اوتادها) جمع وتد، و المراد بها الجبال التي هي كالمسامير الثابته في اللوح (و ضرب اسدادها) اي جعل الفواصل الجبليه بين قطعات الارض، فان الجبال كالسدود بين طرفيها (و استفاض عيونها) اي جعل العيون تفيض بالماء، فان الماء الفائر يعلو اطراف العين (و خد) اي شق (اوديتها) جمع وادي، بمعني: النهر (فلم يهن) اي لم يضعف (ما بناه) تعالي بمعني انه خلق كلشي ء من خلقه ببناء محكم مستحكم (و لا ضعف ما قواه) اي ما جعله قويا. (هو) تعالي)

الظاهر عليها) اي المسلط علي المخلوقات (بسلطانه و عظمته) فان

سلطته تعالي مستوليه علي كل شي ء (و هو الباطن لها) اي العالم ببواطن الاشياء (بعلمه و معرفته) من البواطن و المخفيات (و العالي علي كل شي ء منها) اي انه اعلي من كل شي ء من المخلوقات (بجلاله و عزته) اي لانه جليل و عزيز. (لا يعجزه شي ء منها طلبه) فمطلوبه لا يتمكن من الامتناع منه (و لا يمتنع) ذلك المطلوب له سبحانه (عليه) تعالي (فيغلبه) اذ لو تمكن من الامتناع عنه سبحانه، لكان غالبا عليه (و لا يفوته السريع) السير (منها) اي من الاشياء (فيسبقه) كما قد يفوت السائر سريعا عمن يطلبه و يريد اخذه (و لا يحتاج) تعالي (الي ذي مال فيرزقه) تعالي. (خضت الاشياء له) فكل شي ء طوع ارادته (و ذلت مستكينه) اي متضرعه (لعظمته) تعالي (لا تستطيع) الاشياء (الهرب) اي الفرار (من سلطانه) تعالي (الي غيره) كما قد يهرب الانسان من سلبطان الي سلطان (فتمتنع) تلك الاشياء، بسبب هي بها منه (من نفعه و ضره) بان لا تكون مشموله لنفع انه لها، و لا لضده عليها (و لا كفوء له) اي لا مثل له تعالي (فيكافئه) اي يماثله (و لا نظير له فيساويه) في الذات و الصفات (هو المفني لها) اي للاشياء (بعد وجودها) فانه تعال

ي يعدم الموجودات (حتي يصير موجودها كمفقودها) عدما بعد ان كان. (و ليس فناء الدنيا بعد ابتداعها) اي خلقها و ايجادها (باعجب من انشائها و اختراعها) فان كلا منهما، لغير القادر محال و للقادر ممكن، فمن قال كيف لا تكون بعد ان كانت؟ يقال له: كيف كانت بعد ان لم تكن؟. (و كيف) يتمكن احد من انكار وجود الصانع، و الحال انه لا يتمكن المخلوق باجمعه من خلق

بقه واحده؟ فاذا لم يكن صانع فمن الخالق لهذه الكثره المدهشه من الخلق؟ ف (لو اجتمع جميع حيوانها) اي اقسام حيوانات الدنيا (من طيرها و بهائمها) جميع بهيمه، هي الحيوانات، سميت بها لانها لا تقدر علي النطق، من بهم بمعني اختفي (و ما كان من مراحها و سائمها) اي ما كان من الحيوان في ماواه و ما كان في مرعاه، فان السائم الحيوان حال الوعي، من سام اذا رعي، و المراح اسم مفعول من اراح الابل اذا رده الي مكانه (و اصناف اسناخها) اي اصولها فان السنخ بمعني: الاصل، و المراد الاجناس العاليه، كالطير، و الوحش، و السمك (و اجناسها) اي الانواع كالحمامه، و البلبل، و الدراج- في الطير- و الاسد، و النمر، و الثعلب- في الوجوش، و هكذا. (و متبلده اممها) جمع امه، بمعني: الطائفه، فان كل حيوان امه قال سبحانه: (و

ما من دابه في الارض و لا طائر يطير بجناحيه الا امم امثالكم) و المراد بالمتبلده: الغيبه من الحيوانات (و اكياسها) جمع كيس، بمعني: الفطن الجاذق (علي احداث) اي ايجاد (بعوضه) اي بقه- و علي متعلق بقوله: لو اجتمع (ما قدرت علي احداثها و لا عرفت كيف السبيل الي ايجادها) فان الشخص قد يعرف الطريق، لكنه لا يتمكن من المسير، و لا قد يتمكن من المسير و لا يعرف الطريق. (و لتحيرت عقولها في علم ذلك) الطريق الي ايجادها (و تاهت) اي ضلت (و عجزت) عن ايجادها (قواها) جمع قوه (و تناهت) اي وصلت الي النهايه بدون ان تقدر علي الايجاد. (و رجعت) قواها (خاشئه) اي ذليله (حسيره) اي كليله (عارفه بانها مقهوره (قد قهرت و ردت (مقره بالعجز عن انشائها) اي ايجادها

(مذعنه بالضعف عن افنائها) اي لا تقدر افنائها، و انما تقدر علي ازهاق روحها، و سحقها، اما الافناء فهو بالله سبحانه.

[صفحه 142]

(و ان الله سبحانه بعود) تعبير مجازي (بعد فناء الدنيا وحده لا شي ء معه، كما كان قبل ابتدائها) اي ايجاد الدنيا (كذلك يكون) الله (بعد فنائها) و اعدامها. (بلا وقت و لا مكان) اي يفني حتي الوقت و المكان (و لا حين و لا زمان) و لا يخفي ان هذا الكلام صريح في انعدام الكون، لا في تفرق اجزائه، كما هو المسلك الاخر في المساله، و اما شبهه لزوم ذلك و اعداه المعدوم، عند الحشر، فهي مدخوله. (عدمت عند ذلك) اي عند فناء الدنيا (الاجال) جمع اجل، اي مده الاشياء (و الاوقات) اي الا زمنه. (و زالت السنون و الساعات) فلا سنه، و لا ساعه، كما لا مكان و لا يكن. (فلا شي ء الا الواحد القهار) الذي يقهر كل شي ء حسب ارادته (الذي اليه مصير جميع الامور) فان كل الاشياء ترجع الي قدرته سبحانه. (بلا قدره منها) اي من الامور (كان ابتداء خلقها) فانها لم تكن قادره عند خلقها (و بغير امتناع منها كان فناوها) فان الله اذا اراد فناء الاشياء لم تقدر الاشياء من الامتناع، فلا قدره لها عند الايجاد، و لا امتناع لها عند الاعدام (و لو قدرت علي الامتناع) بان تمتنع عن اعدام الله لها (دام بقائها) الي الابد (لم يتكاده) تعالي، اي الم يشق عليه (صنع شي ء منها ا

ذ صنعه) و اوجده، لا مثل الانسان الذي يثقل عليه صنع شي ء. (و لم يوده) اي لم يثقله (منها) اي من الكائنات (خلق ما خليقه و براه) اي اوجده (و لم يكونها

لتشديد سلطان) اي لتقويه سلطانه و ملكه (و لا خوف من زوال و نقصان) فاراد بذلك ان يصنع ما يعينه حتي لا يزول، او لا ينقص عديده، كما يكون السلطان الجيش، حتي لا يزول ملكه، و لا ينقص عديده في مقابل خصمه (و لا للاستعانه بها) اي بالاشياء المخلوقه (علي ند … ) اي مثل للاله (مكاثر) يباهي بكثرته- اذ لا مثل له سبحانه- (و لا للاحتراز) و التجنب (بها) اي بسبب الاشياء المخلقوه (من ضد مثاور) يريد الثوره و الهجوم علي الله سبحانه- فانه لا اله الا هو سبحانه-. (و لا للازدياد بها) اي بتلك المخلوقات (في ملكه) تعالي (و لا لمكاثره شريك في شركه) بان يريد ان يبين لشريكه، انا اكثر منك خلقا- اذ لا شريك له تعالي- (و لا لوحشه كانت منه) تعالي، عند وحدته قبل خلق الخلق، و الوحشه حاله رعب تلزم النفس عند الوحده، و ان لم يخف من شي ء (فاراد ان يستانس اليها) اي الي المخلوقات. (ثم هو) سبحانه (يفنيها بعد تكوينها) و ايجادها (لا لسام) و ملل (دخل عليه) سبحانه (في تصريفها و تدبيرها) (كما يسام الانسان اذا طال ع

نده تصريف ما تحت يده بلا فائده كانت منه اليه (و لا) لاجل (راحه و اصله اليه) تعالي، كما قد يريد الانسان الراحه من عمله المتعب فيترك عمله (و لا لثقل شي ء منها عليه) سبحانه اذ لا تثقله الاشياء. (لم يمله طول بقائها فيدعوه) الملل (الي سرعه افنائها) و انما الافناء لما جعل لكل شي ء من امد حسب حكمته البالغه- الا الجنه و النار، فلا امد لهما، و لا انتهاء للنعيم و العذاب فيهما-. (لكنه سبحانه دبرها بلطفهه) و

فضله علي الخلق (و امسكها) اي حفظها (بامره) لتلك الاشياء بان تبقي (و اتقنها بقدرته) فكل شي ء منها في غايه الاتقان و الدقه في الصنع و الخلق (ثم يعيدها بعد الفناء من غير حاجه منه) تعالي (اليها) فان الاعاده للحشر، ليست من جهه الحاجه، بل من باب الصلاح و الحكمه، كما ان الابتداء كان كذلك (و لا استعانه بشي ء منها عليها) اي ان اعاده الكل بلا حاجه، لا ان اعاده البعض للاستعانه به علي ايجاد البعض الاخر، كما يستعين الانسان بالمنشار لقطع الخشب. (و لا لانصراف من حال وحشه الي حال استيناس) بان يكون عدم الاشياء، موجبا لوحشته تعالي، و لذا يعيدها، حتي ليستانس بها (و لا من حال جهل و عمي) اي ضلاله (الي حال علم و التماس) بان يكون عدمها سب

با لجهله و لضلالته سبحانه، فليتمس بالاعاده رجوع العلم و الهدايه اليه، كالانسان اذا فقد كتابه، جهل و عمي (و لا من فقر و حاجه) يعتريه تعالي عند الفناء (الي غني و كثره) يتطلبهما بالاعاده و الايجاد (و لا من ذل وضعه) من- وضع يضع، علي وزن: عده- الي عز و قدره) بان يكون قادرا عزيزا لدي الاعاده.

خطبه 229

[صفحه 146]

(الا بابي و امي) الباء للتفديه، اي افديهم بالاب و الام، و لا يخفي ان تفديه المفضول للفاضل جائز عقلا و شرعا عند دوران الامر بينهما، هذا بالاضافه الي ان الجمله للكفايه من مقام المذكورين في نفس المفدي، و انكان اصلها للتفديه (هم) اشاره الي الائمه عليهم السلام من ولده (من عده) اي جماعه و من لبيان (اسمائهم في السماء معروفه) حيث يعرفهم الملائكه (و في الارض مجهوله) عند معظم الناس (الا فتوقعوا) ايها الناس

المومنون (ما يكون) بعدي (من ادبار اموركم) فان الامور تدبر عند حكم الظلمه (و انقطاع و صلكم) اي صله بعضكم ببعض، اذ الظلمه يوجبون تفرق الكلمه (و استعمال صغاركم) فان كبار النفوس العقلاء لا يعملون مع الظلمه المنحرفين، و لذا تستعمل الظلمه- دائما- الصغار و الاراذل (ذاك) الذي من ادبار الامور و اخواته (حيث تكون ضربه السيف علي المومن اهون) اي اقل تعبا (من الدرهم من حله) فان الظلمه يفسدون المكاسب و يخلطون الحلال بالحرام، مما يوجب تعسر تحصيل الرزق الحلال. (ذاك حيث يكون المعطي) اي آخذ العطاء، و هو الفقير (اعظم اجرا من المعطي) الذي هو الغني، اذ الاغنياء يتلوثون بالمحرمات، حيث ان اموالهم لا تحصل الا من الحرام، فيكون

لهم في الاعطاء اجر الظاهر فقط (ذاك حيث تسكرون من غير شراب) سكر الغني، فان الشراب كما يغطي علي عقل الانسان كذلك الغني يغطي علي عقل الانسان (بل من النعمه و النعيم) و كان الفرق بينهما ان النعمه الذات، و النعيم الوصف (و تحلفون من غير اضطرار) اي بدون حاجه الي الحلف (و تكذبون من غير احراج) اي بدون تضييق، فان الدين اذا زال عن القلب، لا يهتم الانسان بهذه الامور (ذلك اذا عضكم البلاء كما يعض القتب) هو الاكاف الذي يوضع علي الابل (غارب البعير) ما بين عنقه و سنامه، فان في دوله الظلمه تكون كل هذه الامور. (ما طول هذا العناء) الذي يلاقيه الناس في دول الظلمه (و ابعد هذا الرجاء) الذي يرجو كل واحد ان يصل اليه، من الخلاص منهم- و قيل: ان هذا الكلام منقطع عما قبله، كما هو عاده الشريف في اختياره جملا من كل خطبه- (ايها الناس القوا هذا

الازمه) جمع زمام، كائمه جمع امام (التي تحمل ظ … ) اي ظهور الدواب ذوات الزمام (الاثقال) اي الاحمال، جمع ثقل (من ايديكم) و المراد ترك البدع و الخطايا، فكان الانسان العاصي يقود دوابا محموله من الاثقال، مما يوجب قودها بالزمام تعبا علي القائد، و القاء الازمه كنايه عن ترك الاثام حتي لا يكون ثقلها علي الانسا

ن (و لا تصدعوا) اي لا تفرقوا (علي سلطانكم) و المراد به نفسه الكريمه، اي لا تختلفوا علي (فتذموا) انفسكم (غب) اي بعد (فعالكم) فان الانسان انما يعرف قبح عمله، بعد ان ركبه، فيذم نفسه: لم فعلت كذا؟. (و لا تفتحموا) اي الا تدخلوا (ما استقبلتم) اي الذي تستقبلونه (من فور) اي ارتفاع (نار الفتنه) و لهبها اي لا تدخلوا في الفتن (و اميطوا) اي تنحوا (عن سننها) اي طرق الفتنه (و خلوا قصد السبيل) اي وسط الطريق (لها) اي للفتنه، لكان الفتنه سائر ذو شر، يسير في وسط الطريق فاذا لم يتنكب الانسان عن وسط الطريق شمله و ضره، و لذا من الافضل ان يتجنب الانسان وسط الطريق لئلا يصطدم بالفتنه. (فقد لعمري يهلك في لهبها) اي اشتعال الفتنه (المومن) بان يلقي نفسه فيها بظت حسن فينحرف عن الطريق، و ذلك يوجب هلاكه في الدنيا و الاخره (و يسلم فيها غير مسلم) لانه لم يصطدم بها، فيبقي علي حياته- علي الاقل-. (و انما مثلي بينكم مثل السراج في الظلمه) اي المصباح في الليله الظلماء (يستضي ء به من ولجها) اي ولج الظلمه، بمعني دخل فيها، فالمسلمون في عصر الامام عليه السلام الداخلون في ليل الفتنه التي قامت منذ ما بعد الرسلاه اذ اتبعوا الامام كانوا في نور، لا ينحرفو

ن عن

الطريق، و لا ينجرفون مغ التيارات الباطله. (فاسمعوا) كلامي (ايها الناس و عوا) اي ادركوا معناه و حقيقه (و احضروا اذان قلوبكم) استعاره لطيفه، فان الانسان كما يسمع الكلام باذن الراس، يفهم مغزي الكلام باذن القلب- اذ اراد القلب التفهم و الادراك- (تفهموا) حقيقه ما ذكرت لكم و ذلك ما يوجب نجاتكم.

خطبه 230

[صفحه 150]

في الوصيه بالتقوي، و ذكر الموت، و الاستعداد له (اوصيكم ايها الناس بتقوي الله) اي الخوف منه سبحانه، بعمل الصالحات، و ترك السيئات (و كثره حمده) سبحانه (علي آلائه) جمع الي بمعني النعمه (اليكم) اي النعم التي ساقها اليكم (و نعمائه عليكم) بان انعم عليكم بها (و بلائه) اي احسانه (لديكم) فان البلاء يستعمل للخير و الشر، او المراد المصائب، فان المصائب المسافه من جانبه سبحانه تستحق الحمد، لانها ترفع الدرجات و تحط السيئات (فكم خصكم) سبحانه (بنعمه) لم يعطيها لغيركم (و تدارككم برحمه) اي ارسل الرحمه في عقبكم (اعورتم له) اي اظهرتم له تعالي عوراتكم و عيوبكم- بالمعاصي- (فستركم) و لم يفضحكم (و تعرضتم لاخذه) اي بطشه و عذابه، و التعرض لذلك، بالمعاصي، فان العاصي في معرض نكال الله تعالي (فامهلكم) و لم يعاجلكم بالعقوبه. (و اوصيكم بذكر الموت) بان تذكرون دائما (و اقلال الغفله عنه) اي اقلوا من الغفله، بان يكون اكثر اوقاتكم مصروفا في ذكره (و كيف غفلتكم عما) اي عن الموت الذي (ليس يغفلكم؟ يقال اغفله اذا سها عنه، اي الا يسهو الموت عنكم، بل ياتيكم و ان كنتم عنه غافلين (و) كيف (طمعكم فيمن ليس يمهلكم) فان الانسان يطمع في ابتعاد

الموت عنه، و الحال ان الموت اذا جائه لا يمهله و لو لحظه واحده. (فكفي واعظا) لكم

(بموتي) جمع ميت (عاينتموهم) اي رايتموهم (حملوا الي قبورهم غير راكبين) اي لم يركبوا اكتاف الناس باختيارهم، و انما قهرا عليهم، و دون ارادتهم (و انزلوا فيها) اي في القبور (غير نازلين) باختيارهم، بل جبرا و كرها. (فكانهم لم يكونوا للدنيا عمارا) جمع عامر، فقد انقطع اثرهم (و كان الاخره لم تزل لهم دار) اي كانهم من القديم في الاخره، اذ قد محت آثارهم عن الدنيا (او حشوا ما كانوا يوطنون) اي الامكنه التي اتخذوها اوطانا لهم في حياتهم، او حشوها، اي جعلوها موحشه فهم، لا انس لهم بها، و لا انس لها بهم، اذ تركوها و هجروها (و اوطنوا ما كانوا يوحشون) اي القبور التي كانت موحشه منهم، لا تالفهم، و لا يالفونها، صارت اوطانهم- من اوحشه اذا هجره-. (و اشتغلوا بما فارقوا) اي بحساب الدنيا التي فارقوها (و اضاعوا ما اليه انتقلوا) اي الي الاخره، و معني الاضاعه عدم امكان عملهم لها بعد الموت، كالذي يضيع شيئا فلا يعمل له، او المراد حكايه حالهم في الدنيا: اي اشتغلوا في ادنيا بما فارقوها الان، و هكذا الجمله الثانيه. (لا عن قبيح يستطيعون انتقالا) اذ لا توبه بعد الموت (

و لا في حسن يستطيعون ازديادا) اذ الاخره دار حساب، لا دار عمل (انسوا بالدنيا) حين كانوا فيها (فغرتهم) و خدعتهم (و وثقوا بها) اي بالدنيا، ظانين انه تنفعهم (فصرتهم) و خدعتهم (و وثقوا بها) اي بالدنيا، ظانين انها تنفعهم (فصرعتهم) اي اهلكتهم، خلاف ثقتهم بها (فسابقوا- رحمكم الله- الي منازلكم) في الاخره، و المسابقه بالتكثير من العمل الصالح، فمن كان اكثر عملا كان اسبق احتلال الاخره و حيازتها (التي امرتم ان تعمروها) فان الانسان امر

بالعمل الصالح ليتعمر منزله في الاخره (و التي رغبتم فيها) اي رغبكم الله سبحانه و شوقكم الي تلك المنازل (و دعيتم اليها) فانه سبحانه دعا الناس و طلبهم الي تلك المنازل. (و استتموا نعم الله عليكم) اي اطلبوا تمام النعمه (بالصبر علي طاعته) فان من اطاع و صبر علي مشاق الطاعه، زادت نعمته (و المجانبه لمعصيته) قال الشاعر: اذا كنت في نعمه فارعها فان المعاصي تزيل النعم (فان غدا من اليوم قريب) المراد بالغد الاخره، و باليوم الدنيا (ما اسرع الساعات في) افناء (اليوم) و ابادته (و اسرع الايام في) اباده (الشهر و اسرع الشهور في) افناء (السنه) و اعدامها (و اسرع السنين في) افناء (العمر) فالساعات التي ندرك سرعت

ها و انقضائها، انما هي وحدات العمر، فاذا اسرعت الواحدات في الفناء و الانقضاء، اسرع المولف منها في ذلك- و هذا تعليل لقوله: (فان غدا من اليوم قريب).

خطبه 231

[صفحه 154]

في الايمان، و معني الهجره، و تحمل امر الامامه، و بيان علمه عليه السلام. (فمن الايمان ما يكون ثابتا) لا يزول (مستقرا في القلوب) بحيث لا يتزحزح منها (و منه ما يكون عواري) جمع عاريه (بين القلوب و الصدور) تاره يخرج من القلب ياتي الي الصدر، ليخرج من الفم، فيكفي الشخص، و تاره يرجع الي القلب، كما قال سبحانه: (كلما اضاء لهم مشوا فيه، و اذا اظلم عليهم قاموا) (الي اجل معلوم) اي وقت معلوم، قدر لخروج الايمان من الانسان، لانه لم ياخذه اخذا قويا، و لم يقوه بالاعمال الصالحه (فاذا كانت لكم برائه من احد) اي اردتم ان تتبرئوا من شخص، لما ترون من سوء اعماله (فقفوه) اي التبري (حتي يحضره الموت) اي يموت (فعند ذلك) الموت

(يقع حد البرائه) فان بقي علي ايمانه و لم يظهر منه انحراف و زيغ تتبرئوا منه و ان ظهر منه الكفر و الزيغ فتبرئوا منه. (و الهجره قائمه علي حدها الاول) اي لم يزل ان حكمها الوجوب، فقد كان في اول الاسلام- حين هاجر الرسول صلي الله عليه و آله و سلم من مكه الي المدينه- تجب هجره سائر المسلمين من مكه، و ذلك قبل فتح مكه، و السبب انهم لم يكون يتمكنون من اقامه شعائر الاسلام و هم في مكه، و لذا وجب الهجره (ما كان لله

في اهل الارض حاجه) (ما) نافيه، اي ليست الهجره لاجل حاجه الله الي اهل الارض، و انما هي لمصلحتهم (من مستسر الامه و معلنها) اي من يضمر اسلامه، من الامه في بلاد الكفر، و من يعلن السلامه في بلاد الايمان، و (من) لبيان (اهل الارض) و انما تجب الهجره من بلاد الكفر الي بلاد الاسلام لمن لا يتمكن من معرفه الاصول و الفروع، الا بالهجره. (لا يقع اسم الهجره علي احد بمعرفته الحجه في الارض) يعني انه اذا كان سلم في بلاد الكفار، و عرف الحجه، اي الاصول و الفروع، فلا تجب عليه الهجره الي بلاد الاسلام، و قد قيد جمع من العلماء، بامكانه اقامه شعائر دينه هناك، و الا لزم ان يهاجر (فمن عرفها) اي الحجه (و اقربها) بان اسلم و اعتقد بما جاء به السلام (فهو مهاجر) هذا تنزيل لتحقق الغايه من الهجره عند ذلك، و هي العرفان (و لا يقع اسم الاستضعاف) اي لا يقال (مستضعف) و قد اعفي عن المستضعفين من وجوب الهجره، كما قال سبحانه: (الا المستضعفين من النساء و الوالدان الذين لا

يستطيعون حيله و لا يهتدون سبيلا) و سمي مستضعفا، لعده الكفار ضعيفا، و لانه غير قادر علي الهجره. فان اسم المستضعف لا يقع (علي من بلغته الحجه) علي الاسلام (فسمعتها اذنه و وعاها قلبه) بمع

ني انه قبل الحجه، و اقبل علي الاسلام بكله اذنا و قلبا، ثم بين عليه السلام اذ امر الرساله و الامامه صعب، فان ملازمه الانسان للدساتير الوارده عن طريق الرسول صلي الله عليه و آله و سلم و الائمه عليهم السلام من اصعب الامور، بقوله: (ان امرنا صعب مستصعب) اي انه صعب بذاته، و يستصعبه الناس، في قبال الصعب الذي لا يستصعبه الانسان، لما يري له من النتائج، فان النفس مجبوله علي استسهال ما يري الانسان نتائجه الرابحه، و انكان صعبا بذاته (لا يحمله) اي ذلك الامر (الا عبد مومن امتحن الله قلبه للايمان) بمعني ان الايمان بالغ من قلبه مركز فيه، فان الايمان اذا صار ملكه للانسان يستسهل الصعاب في سبيله (و لا يعي حديثنا) اي لا يشتمل عليه اشتمال وعي و درايه، للتعلم و العمل (الا صدور امينه) فيها امانه الحفظ، لما لها من ملكات الايمان، مقابل الصدور الخائنه التي تمجها و لا تقبلها (و احلام) اي عقول (رزينه) و قره ناضجه عارفه. (ايها الناس سلوني) اي اسئلوني (قبل ان تفقدوني) بان اموت و انتقل من بين ظهرانيكم (فلانا بطرق السماء اعلم مني بطرق الارض) اللام للتاكيد و المراد بطرق السماء، التي ينزل منها الملائكه، و تصعد فيها اعمال العباد، و يمكن للانسان

ان يصعد منها الي السماء، او يسير فيها من مكان الي مكان كما اكتشف اخيرا، ان هناك في السماء تيارات هوائيه و فراغات ممتده، اذا سارت الطائره في بعضها

اصابها عطب، و بالعكس اذا سارت في بعضها الاخر و هكذا، و قوله عليه السلام: (اعلم) من باب التاكيد، لا الاعلميه الحقيقه و المراد انه مع بعد السماء، و عدم علم الناس بطرقها، يعلمه جيدا، فكيف الارض، و هذه الجمله كالتعليل، كقوله: سلوني، فان العالم بطرق السماء، لابد و ان يعلم كلشي ء (قبل ان تشغر برجلها فتنه) يقال شغر برجله اذ رفعها، كان الفتنه اذ كانت ساكنه كانت شبيهه بالابل الواقفه، بخلاف ما اذا تركت، فانها كالابل المتحركه التي ترفع رجلها للمشي (تطا في خطامها) الخطام الحبل الذي يجعل في انف البعير كالزمام، و طي البعير في خطامها كنايه عن تخطيها اذ ذلك لا يكون الا اذا استقلت في الحركه بدون قياده و صاحب (و تذهب) تلك الفتنه (باحلام قومها) اي عقول القوم الداخلين في تلك الفته، و المراد انه اذا قامت الفتنه، لا يبقي مجال لسوالهم عن الامام عليه السلام و جوابه لهم، اذ الفتن توجب تشتت الافكار، فالمقصود السئوال قبل ان يفقدوا الامام و قبل ان يقعوا في فتن تذهلهم عن مثل تلك الاسئله.

خطبه 232

[صفحه 158]

فيها حمد الله، و الثناء علي نبيه، و الوصيه بالتقوي (احمده) تعالي (شكرا لا نعامه) اي ان الحمد لاجل شكره سبحانه علي ما انعم علينا (و استعينه) سبحانه (علي) اداء (وظائف حقوقه) اي اتمكن من القيام باداء حقه تعالي من الطاعه و العباده، فانه لو لا اعانته سبحانه لا يتمكن الانسان من الطاعه، هو سبحانه (عزيز الجند) لا يغلبون، و انما يغلب كل من حاربهم (عظيم المجد) اي الرفعه، فان عظمته سبحانه و رفعته اعظم من كل شي ء (و اشهد ان محمدا عبده) ليس باله او ولد للاله، كما ادعي

اليهود و النصاري بالنسبه الي انبيائهم (و رسوله) الذي ارسله رحمه للعالمين. (دعا) صلي الله عليه و آله و سلم (الي طاعته) اي طاعه الله تعالي (و قاهر) اي غالب و حارب (اعدائه جهادا علي دينه) اي الاجل المجاهده لاعلاء كلمه الاسلام (لا يثنيه) اي لا يسبب انسحاب الرسول عن ميدان الدعوه (عن ذلك) الدعاء (اجتماع) من الكفار (علي تكذيبه) صلي الله عليه و آله (و التماس) اي طلب من الكفار (لاطفاء نوره) فقد كان صلي الله عليه و آله ثابتا لا يحركه شي ء و لا يزيله عن دعوته تجمع القوي ضده. ثم شرع عليه السلام في الوصيه بالتقوي: (فاعتصموا) اي تمسكوا ايها الناس (بتقوي ال

له فان لها) اي للتقوي (حبلا وثيقا) اي محكما (عروته) هي المحل الذي يتمسك به الانسان، كعروه الابريق (و معقلا) اي ملجاء او ملاذا (منيعا ذروته) اي اعلاه، يعني ان الانسان اذا اتقي كان كالذي هو فوق جبل، لا يتمكن ان يصل الاعداء اليه. (و بادروا الموت) بالاعمال الصالحه، كان الموت يريد اختطاف الانسان قبل ان يعمل، و الانسان يريد ان يعمل قبل ان يموت، فهما يتبادران (في غمراته) اي قبل ان يلقيكم في اهواله، جمع غمره، و هي المحل المخوف من الماء الذي يوجب الغرق (و امهدوا له) اي هيئوا مكانكم للموت (قبل حلوله) بالاعمال الصالحه (و اعدوا له) اي خذوا استعدادكم لمواجهه الموت (قبل نزوله) بكم (فان الغايه) التي يصل الانسان اليها في سيره (القيامه) حيث العرض علي الله سبحانه (و كفي بذلك) اي بالموت، او بالشي ء الذي يستقبل الانسان- و هو القيامه- (واعظا) فان الانسان اذا علم بالموت و القيامه لابد و ان يهيي ء لهما بالاعمال الصالحه و

ترك الاعمال القبيحه (لمن عقل) و عليم (و معتبرا) اي يعتبر بالموت الانسان (لمن جهل) الامر بذاته، فاذا راي الموت، ادرك انه صائر اليه، فلابد ان يتهيا له. (و قبل بلوغ الغايه) اي قبل ان تبلغوا القيامه (ما تعلمون) اي يكو

ن الشي ء الذي تعلمونه (من ضيق الارماس) اي القبور، جمع رمس، بمعني القبر (و شده الابلاس) حزن في خذلان و ياس، كما قال سبحانه: (يبلس المجرمون). (و هول المطلع) المطلع هو المنزل الذي يطلع الانسان منه علي امور الاخره، و امراد البرزخ، او المراد الموت، و هو له لانه عالم آخر لم يالفه الانسان، فلا يدري ماذا يصنع به (و روعات الفزع) اي نوبات الخوف التي تاخذ الانسان عند انتقاله من هذا العالم الي العالم الاخر. (و اختلاف الاضلاع) جمع ضلع، اي دخول بعضها في بعض من شده الضغظ في القبر (و استكاك الاسماع) اي صمم الاذان من الاصوات الهائله التي تسمعها عند الموت، او من التراب. (و ظلمه اللحد) و هو الشق الذي يعمل في القبر في جانبه الامام لمن توجه الي القبله، لوضع الميت فيه (و خيفه الوعد) الذي وعد الانسان به من المحاكمه علي اعماله السابقه (و غم الضريح) اي الجزن الذي ياخذ الميت عند وضعه في ضريحه، و المراد به اللحد (و ردم الصفيح) هو الحجر العريض، و ردمه سد القبر به، اذ يوضع في ظهر الميت- اذا وضع في اللحد- صفائح من اللبن.

[صفحه 161]

(ف) اذكروا (الله الله) يا (عباد الله) في انفسكم. لا تعملوا ما يوجب العقاب و العذاب (فان الدنيا ماضيه بكم علي سنن) اي تمضي بكم في طريق من كان قبلكم من اماتتهم و اهلاكهم. (و انتم و

الساعه) اي الموت، او يوم القيامه و هو الاظهر (في قرن) هو الحبل الذي يقرن به بعيران، و المراد اقران الانسان بالقيامه، لا ينفك احدهما عن الاخر، و ذلك كنايه عن وصول الانسان اليه قطعا (و كانها) اي الساعه (قد جائنت باشراطها) اي مع علائمها (وازفت) اي قربت (بافراطها) جمع فرط، و هو العلم الذي يتقدم في الطريق دالا عليه، و المراد بدلائلها الداله علي القيامه (و وقفت) الساعه (بكم علي صراطها) اي صرتم الي الصراط الذي هو جسر بين المحشر و بين الجنه ممدودا علي جهنم فمن عبره بسلام دخل الجنه، و الا وقع في النار. (و كانها) اي الساعه (قد اشرفت بزلازلها) اذ قبل القيامه تكون زلازل، كما قال سبحانه: ان زلزله الساعه شي ء عظيم. (و اناخت) اي الساعه، و الاصل في الاناخه نوم البعير (بكلاكلها) جمع كلكل، بمعني الصدر، و هي كنايه عن الاثقال التي ترد علي الانسان في يوم القيامه، كما يلقي البعير بثقله علي الارض اذا اناخت و نامت. (و انصرمت) اي انقضت و ذهبت (

الدنيا باهلها) اي مع اهلها، اذ تتم الدنيا اذا جاء المحشر، و ينتقل اهلها الي دارالاخره (و اخرجتهم) اي اخرجت الدنيا، الناس (من حضنها) كما تخرج المراه الولد من حضنها (فكانت) الدنيا- اذا فكر فيها المفكر- (كيوم مضي) اذ لا اثر له (او شهر انقضي) اذ تم و انصرم، فيقول الانسان في الاخره، مضت الدنيا و تمت. (و صار جديديها) اي ما كان جديدا فيها (رثا) اي باليا قديما (و سمينها) اي ما عد ثمينا نافعا في الدنيا (غثا) اي مهزولا تافها. حيث يصل الانسان (في موقف ضنك المقام) اي ضيق محله، ضيقا حسيا، او

ضيقا معنويا لما ينال الانسان من الضيق بسبب المخاوف و الاهوال (و امور مشتبهه) لا يعرف الانسان ايها تصل اليه (عظام) جمع عظيم (و نار شديد كلبها) الكلب اكل بغير شبع، كان النار تاكل بلا شبع كلما يلقي فيها (عال لجبها) اي صياحها و اضطرابها (ساطع لهبها) اي شعلتها (متغيط زفيرها) التغيظ الهيجان، و الزفير صوت رفد النار (متاجج) اي مشتعله (سعيرها) اي لهبها (بعيد خمودها) كن بذلك عن عدم خمودها، اذ هي دائمه ابديه (ذاك) من زكت النار اذا اشتد لهبها (وقودها) اي ما يوقد به النار، فانه ملتهب مشتعل (مخيف وعيدها) اي يخيف الانسان الوعيد بالنار. (غم) صفه من

غمه اذا غطاه (قرارها) اي محل الاستقرار فيها، اي مستو، او مغطي آخر النار الذي يسكن فيه المجرمون (مظلمه اقطارها) اي اطرافها، فلا يري الانسان فيها شيئا (حاميه قدورها) المنصوبه لاجل ارواء الظمان من اهل النار بماء تقطع منه احشائهم، و الحاميه بمعني الحاره (فظيعه) اي مهوله (اميرها) كلا من الامور المرتبطه بالنار، هذا لمن كفر و عصي (و سيق الذين اتقو ربهم) بالايمان و الاعمال الصالحه (الي الجنه زمرا) جمع زمره، بمعني جماعات جماعات و ذلك الفي ء لان الانسان يتهنا بالاجتماع اكثر من الانفراد (قد امن) الذي يساق الي الجنه (العذاب و انقطع) عنه (العتاب) فلا يقال له: لم فعلت كذا؟. (و زحزحوا) اي بعدوا (عن النار) كما قال سبحانه: فمن زحزح عن النار و ادخل الجنه فقد فاز (و اطمانت بهم الدار) اي صارت مقرا لهم بكل اطمينان و استقرار، و ذلك حيث لا منغص فيها (و رضو المثوي) اي محل السكونه (و القرار) اي المحل الذي استقروا (الذين كانت اعمالهم في الدنيا

زاكيه) اي ناميه مباركه توجب الثمره الطيبه (و اعينهم باكيه) من خوف الله. (و كان ليلهم في دنياهم) اي حين كانوا في الدنيا (نهارا) اي كالنهار في كونهم يقظين، لا نائمين (تخشعا و استعفارا) فقد كانوا

في حل خشوع و استغار خوفا من الله سبحانه. (و كان نهارهم ليلا) اي كالليل (توحشا) من الناس (و انقطاعا) (عن ملذات الدنيا، فكما يتوحش الانسان بالليل و ينقطع عن مباهج الحياه، كان اولئك هكذا في النهار، خوفا من ان يصيبهم الاثم. (فجعل الله لهم الجنه مابا) اي من اب، بمعني رجع، اي مرجعا لهم و انما سمي بالمرجع، لان (آدم) عليه السلام جاء الي الدنيا من الجنه (و الجزاء ثوابا) اي الخير الواصل اليهم مع الاكرام- و هذا هو معني الثواب- (و كانوا) هولاء (احق بها) اي بالجنه من سائر الناس (و) كانوا (اهلها) اي اهل الجنه فان الجنه بنيت الهم (في ملك دائم) لا زوال له (و نعيم قائم) اي ثابت مستقر. (فارعوا) يا (عباد الله ما) اي الشي ء الذي (برعايته يفوز فائزكم) من الايمان و العمل الصالح، فان الانسان بهما ينال الدرجات الرفيعه. (و باضاعته يخسر مبطلكم) فان العامل بالباطل انما يخسر لعم رعيته الايمان و العمل الصالح. (و بادروا) اي سابقوا (آجالكم) جمع اجل، و هو الموت (باعمالكم) بان تعملو اقبيل ان يخطفكم الموت (فانكم مرتهنون بما اسلفتم) اي عملتم في الدنيا (و مدينون بما قدتم) اي ما خوذون باعمالكم التي قدمتموها الي الاخره قبل ان تموتوا. (و كان قد ن

زل بكم المخوف) اي الموت (فلا رجعه) الي الدنيا (تنالون) فان الانسان يريد الرجعه الي الدنيا، لكن لا يستجاب طلبه. (و لا عثره تقالون) اي لا تقال

عثرتكم، بمعني لا يغفر ذنبكم- و المراد ما ليس قابلا للمغفره- (استعملنا الله و اياكم بطاعته) بمعني ان يوفقنا حتي نطيع (و طاعه رسوله) صلي الله عليه و آله (و عفا عنا و عنكم بفضل رحمته) فان العفو ليس بالاستحقاق و انما بالفضل.

[صفحه 165]

(الزموا الارض) اي كونوا ساكنين غير محاربين فيما اذا لم تتوفر فيكم شروط المحاربه مع اهل الباطل (و اصبروا علي البلاء) الذي ينزل بكم، فان الصبر مفتاح الفرج (و لا تحركوا بايديكم) ضربا (و سيوفكم) قتلا و جرحا (في هوي السنتكم) فان الانسان قد يهوي ان يتكلم كلاما، و من كلامه تتحرك الفتنه و تقع المحاربه (و لا تستعجلوا بما لم يعجله الله لكم) من ملك السلطه، و السياده الشرعيه. (فانه من مات منكم علي فراشه و هو علي معرفه حق ربه) بالايمان (و حق رسوله) بالاطاعه (و) حق (اهل بيته) بالولايه (مات شهيدا و وقع اجره علي الله) في صبره و عدم قيامه بالحرب في غير اوانها (و استوجب ثواب مانوي) اي قصد (من صالح عمله) بانه انكان الامر جامعا للشرائط قام بالجهاد. (و قامت النيه مقام اصلاته لسيفه) اصلت سيفه اذا جرده اللحرب (و ان لكل شي ء مده و اجلا) فالسياده اهل الحق وقت خاص، لا تكون الا اذا جاء وقتها كما ان لسياده اهل الباطل مده، لا تنقضي الا بانتهاء تلك المده.

خطبه 233

[صفحه 166]

في حمد الله، و الثناء علي نبيه، و الوصيه بالتقوي (الحمد لله الفاشي) اي الشائع بين الناس (حمده) فان المومنين به تعالي يحمدونه في كل مكان، و ان كفر به اقوام منحرفون (و الغالب جنده) كما قال سبحانه: و ان جندنا لهم الغالبون فاذا اراد الله

شيئا كان، و ليس لايه قوه ان تقف امام ارادته سبحانه (و المتعالي) اي العالي (جده) اي عظمته، كما قال سبحانه: (و ان تعالي جد ربنا). (احمده علي نعمه التوام) اي المتواصل، كالمولودين من بطن واحد، حين ياتي احدهما بعقب الاخر- و اصله علي وزن جعفر، ثم خفف- (و آلائه) جمع الي، بمعني: النعمه (العظام) جمع عظيم (الذي عظم حلمه فعفا) عن المجرمين (و عدل في كل ما مضي) اي حكم (و عليم ما يمضي) اي ما ياتي في المستقبل (و ما مضي) في السابق. (مبتدع الخلائق بعلمه) اذ الجاهل لا يتمكن من الابتداء (و منشئهم بحكمه) جمع حكمته، و هي بمعني: وضع الاشياء مواضعها (بلا اقتداء و لا تعليم) من احد، بل هو المنشي المبدع (و لا احتذاء) اي اقتداء (لمثال صانع حكيم) قبله بان كان هناك صانع، فصنع الا له مثله (و لا اصابه خطاء) فانه سبحانه لم يخطا في عمله و لو خطاء او احدا (و لا حضره ملاء) اي لم يحتج الي ان يحضر جما

عه حتي يتمكن من انجاز الامر- بعكس عاده السلاطين و من اليهم حيث اذا ارادوا امار مهما، احضروا اولي الراي و الحكمه. (و اشهد ان محمدا عبده و رسوله) اي العبد الحقيقي، و قدم لانه اعظم مرتبه من الرساله، او في مقابل زعم النصاري و اليهود، ان ابنائهم شركاء لله في الالوهيه، و ابناء له تعالي. (ابتعثه) اي بعثه (و الناس يضربون في غمره) اي في الجهاله التي كانت تغمرهم الي روسهم كما يغمر الماء الغريق. (و يموجون) اي يضطربون (في حيره) من امرهم، لا يعرفون كيف يسعدون (قد قادتهم ازمه الحين) - بالفتح- بمعني: الهلاك، فان

الاهواء و الشهوات التي تقود الانسان تورث هلاكه في الدنيا و الاخره، و الازمه جمع زمام (و استغلقت) اي اغلقت (علي افئدتهم) اي قلوبهم- عن معرفه الحق- (اقفال الرين) اي الطبع، فانها طبعت عليها بالضلال و الجهل، فلا يتمكنون من ازالته، كما لا يتمكن الانسان من فتح الباب المغلق بالقفل. (اوصيكم عباد الله بتقوي الله) الخوف منه (فانها) اي التقوي (حق الله عليكم) ارادها منكم في مقابل خلقه لكم، و رزقه اياكم (و الموجبه علي الله حقكم) اي انكم بالتقوي تصيرون ذوي حقوق علي الله سبحانه- و هو حق جعله علي نفسه، لا الحق الحقيق كما لا يخفي-

قال تعالي: (و كان حقا علينا نصر المومنين). (و ان تستعينوا عليها) اي علي التقوي (بالله) فان الله عون للمتقي (و تستعينوا بها) اي بالتقوي (علي الله) اي في النجاه من عذابه، فان هناك مخوفين: الاول: الخوف من الناس، و الثاني: الخوف من الله، و التقوي توجب حفظ الانسان من وصول اي المكروهين اليه (فان التقوي) قائدتها (في اليوم) و نحن في الدنيا (الحرز) اي حفظ الانسان (و الجنه) الواقيه عن المكاره (و في غد) في الاخره (الطريق الي الجنه) و النجاه- من النار- و هذا علي ترتيب اللف و النشر المرتب-. (مسلكها) اي طريق التقوي (واضح) لا خفاء فيه (و سالكها) اي الذي يمشي في طريق التقوي (رابح) قد ربح سعاده الدنيا و الاخره. (و مستودعها حافظ) اي الذي تكون التقوي وديعه عنده- و هو الله سبحانه- حافظ لا يخون، بل يعطي جزائها للانسان (لم تبرح) اي لم تزل التقوي (عارضه نفسها علي الامم الماضين) و ذلك ببيان انبيائهم لهم كيفيه التقوي (و الغابرين) اي الباقين- فان

غابر يستعمل بمعني: الماضي و الباقي- و انما كانت التقوي عارضه نفسها علي الكل (لحاجتهم اليها غدا) اي في الاخره (اذ اعاد الله ما ابدي) اي اعاد الله الناس الذين خلقهم اولا، في دار الدنيا (و سال

ما اسدي) اي ما اعطاه من النعم، فانه يسئل عن نعمه كيف صرفوها العباد، و هل ادوا حق الله سبحانه فيها؟. (فما اقل من قبلها و حملها) صيغه تعجب، لقله من قبل التقوي و عمل بها (حق حملها) و ذلك بالمواظبه الكامله عليها (اولئك الاقلون عددا) من الذين لم يقبلوها او قبلوها، لكنهم لم يعملوا بها حق العمل (و هم اهل صفه الله) اي مصداق لوصفه (سبحانه اذ يقول) في القرآن الحكيم: (و قليل من عبادي الشكور) اي الشاكرون حق الشكر، قلبا و لسانا و عملا. (فاهطعوا) الاهطاع: الاسراع (باسماعكم اليها) بان تعجلوا في الاستماع الي موازين التقوي و كيفيتها (و كظوا) الكظاظ- لكتاب- الممارسه و طول الملازمه (بجدكم) اي باجتهادكم (عليها) اي علي التقوي فان ملازمه التقوي في جميع الامور تحتاج الي جد و اجتهاد. (و اعتاضوها من كل سلف خلفا) اي اجعلوا التقوي عوض كل شي ء فان منكم سابقا، فان من عنده التقوي لم يفته شي ء. (و من كل مخالف موافقا) فان الذي يوافق التقوي لا يهتم بمن خالفه، لانه يوافق اعظم الاشياء و اربحها. (ايقظوا بها) اي بالتقوي (نومكم) فان من يريد التقوي لابد و ان يستيقظ وقت المنام لاداء الصلاه و العباده (و اقطعوا بها يومكم) اي سيروا من اول النهار الي

الليل مصاحبين لتقوي. (و اشعروها قلوبكم) حتي يكون قلبكم متقيا، لا ان تعمل جوارحكم حسب التقوي، بدون ان يكون ذلك نابعا من القلب (و

ارحضوا) اي اغسلوا (بها) اي بالتقوي (ذنوبكم) فان الحسنات يذهبن السيئات (و داوا بها الاسقام) الامراض النفسيه، فان المتقي الا يبخل و لا يجبن و لا ينافق، و ما اشيه من امراض القلب، و الامراض البدنيه، فان النفس المعلقه بالله سبحانه توثر في البدن، فتشفيه من امراضه- كما ثبت في علم النفس-. (و بادروا بها الجمام) اي اموت، اي اتقوا قبل ان ياخذكم الموت (و اعتبروا بمن اضاعها) انظروا اليمن ضيع التقوي، لتروا كيف شقي، فيكون ذلك عبره لكم، حتي تلازموا التقوي. (و لا يعتبرن بكم من اطاعها) اي لا تكونوا ممن ضيع التقوي حتي تكونوا عبره للمطيعين، فان الشقي عبره للسعيد، و العاصي عبره للمطيع (الا فصونوها) اي احفظوا التقوي، بمعني اعملوا بها (و تصونوا بها) اي تحفظوا علي انفسكم من الشقاء، بسبب التقوي (و كونوا عن الدنيا نزاها) جمع نازه و هو العفيف (و الي الاخره ولاها) جمع واله، و هو المشتاق. (و لا تضعوا من رفعته التقوي) اي لا تفعلوا فعلا يوجب خفه المتقي و اسقاطه عن الرفعه و السمو (و لا اترفعوا من رفعته الدنيا) اي

لا تفعلوا فعلا يوجب رفعه غير المتقي من اهل الدنيا (و لا تشيموا) اي لا تنظورا (بارقها) اي سحاب الدنيا، و المعني لا تنظروا لما يغركم من مطامع الدنيا، من شام البرق، اذا نظر اليه اين يمطر (و لا تستمعوا ناطقها) اي من ينطق نطق الدنيا، فان اللازم ان يستمع الانسان الي من ينطق حول الاخره (و لا تجيبوا ناعقها) اي من يتكلم و يصيح لاجل الدنيا، و انما اللازم ان يجيب الانسان داعي من يدعوا الي الاخره (و لا تستضيئوا باشراقها) اي الا تذهبوا حيث

تضي ء الدنيا، كنايه عن موقع ملذاتها و شهواتها (و لا تفتنوا باعلاقها) جمع علق بالكسر بمعني: النفيس، اي لا تخدعوا بنفائس الدنيا. (فان برقها خالب) الخالب ما السحاب ما لا مطر فيه، اي المكان الذي تري الدنيا نفسها منه خدعته و غرور، لا يعطي للانسان ما يامل (و نطقها) اي كلامها حول نفسها (كاذب) لا اصل له (و اموالها محروبه) اي منهوبه فانها الا تعطي للانسن مالا، الا و تنهبه منه (و اعلاقها) اي نفائسا (مسلوبه) تسلبها من الانسان بعد اعطائها. (الا و هي) اي الدنيا (المتصديه) هي المراه التي تري نفسها للرجال تميلهم الي نفسها (العنون) مبالغه، من عن اذا ظهر، فانه تري كل يوم لرجل، و لا تفي لاي شخص منهم (و

الجامحه الحرون) من جمحت الدابه اذا صعب ركوبها، و الحرون التي اذا طلب منها السير وقفت (و المائنه) اي الكاذبه (الخئون) اي كثيره الخيانه، فانها لا تفي لاحد. (و الجحود) التي تجحد خدمات الانسان لها (الكنود) من كند، بمعني كفر النعمه، فان الانسان مهما خدم الدنيا و جد في عمرانها، فانه لابد و ان تصرع الانسان و تهلكه (و العنود) كثير العناد و المخالفه (الصدود) كثيره الصد و الهجران (و الحيود) مبالغه في الحيد بمعني الميل، اي كثيره الميل و الانحراف عن الانسان (الميود) من ماد بمعني اضطرب اي تضطرب بالانسان من رفعه الي ضعه و من ضعه الي رفعه، و هكذا. (حالها انتقال) من حال الي حال فمن الفقر الي الغني، و بالعكس و من الصحه الي المرض و بالعكس، و هكذا (و وطاتها زلزال) فانها لا تستقر باحد فمن وطها و اراد الاستقرار فيها زلزلت به و حركته من حال

الي حال (و عزها ذل) اي ينتهي الي الذيله، او انه ذله و اقعيه، اذ العزه الواقعيه لاهل الاخره. (و جدها هزل) اذ هو في النتيجه كالهزل، لا حقيقه باقيه له (و علوها سفل) فان الدنيا سافله، حتي اذا كان الانسان في اعالي مراتبها (دار حرب) الحرب سلب كل مال الانسان (و سلب) هو اعم من الحرب (و نهب) للاموال (و

عطب) اي هلاك للانسان، لان الدنيا تهلك مال الانسان و بدنه. (اهلها علي ساق) اي قائمون علي ساق استعداد لما ياتي من اجالهم (و سياق) اي يساقون الي الاخره. (و لحاق) فيلتحق الباقي بالماضي، اذا مات (و فراق) لمن يموت عن اهله و اصدقائه (قد تحيرت مذاهبها) اي تحير الناس في طرقهم، لا يدرون كيف يعملون لينالوا السعاده، و نسبه التحير الي المذاهب بعلاقه الحال و المحل (و اعجزت مهاربها) اي عجز الناس عن الهرب من الاتعاب التي تصل اليهم (و خابت) اي خسرت (مطالبها) اي طلب الانسان فيها يبوء بالخيبه الفشل. (فاسلمتهم المعاقل) جمع معقل، بمعني الملجا كنايه عن عدم وجود ملجا امين في الدنيا يقي الانسان شر المهلك و النوازل (و لفظتهم) اي طرحتهم بشده، كما يطرح الفم النوات (المنازل) بان اخرجتهم الي القبور (و اعيتهم) اي اعجزتهم (المحاول) جمع محال- بفتح الميم- بمعني الحذق وجوده النظر ايان فكرهم و فطنتهم لم يفدهم في الخلاص، و درك السعاده. (فمن ناج) من الموت، لم يمت بعد (معقور) اي مجروح من عقره بمعني جرحه (و لحم مجزور) اي مسلوخ اخذ عنه جلده، كنايه عن شده بلائه حتي لم يبق منه الا اللحم بلا جلد (و شلو مذبوح) الشلو البدن، اي هو كالمذبوح في كثره البلا

يا

عليه. (و دم مسفوح) قد اريق، بان قتل الانسان فاريق دمه (و عاض علي يديه) ندما، فان الانسان اذا ندم علي ما فات عض علي اصبعه، في اليدين، اذا كان الندم شديدا (و صافق بكفيه) فان المتحسر يصفق كف عليكف (و مرتفق بخديه) اي وضع طرفي وجهه علي مرفقيه، كما يفعل المتحير، يرفع ساقيه، و يضع يديه علهما، ثم يضع وجهه علي يديه (و زار) من زري، بمعني: قيح (علي رايه) اي يقبح رايه السابق حينما يري ما حر عليه من الندم (و راجع عن عزمه) فيما اذا عزم شيئا، ثم تبين له انه باطل. (و قد ادبرت الحيله) اي طريق العلاج، فلا يتمكن من علاج ما فات من منافعه (و اقبلت الغيله) اي الشر الذي اضمرته الدنيا له خفيه و غيله. (و لات حين منص) لات اصلها (لا) النافيه، زيدت عليها (التاء) لتانيث الكلمه، و (المناص) بمعني الخلاص، و اسم (لات) محذوف، اي ليس الوقت وقت الخلاص من المشكله التي وقع الانسان فيها. (و هيهات هيهات) اشاره الي تبعيد الامر في الخلاص من الشقاء الذي هيئه الانسان لنفسه (قد فات ما فات) اي مضي فلا يمكن تداركه (و ذهب ما ذهب) فلا يمكن الابقاء عليه (و مضت الدنيا لحال بالها) اي للحاله التي تريد هي لا التي يريدها الناس، فان البال بمعني الخاطر (فما بكت

عليهم السماء و الارض و ما كانوا منظرين) اي لم ياسف لموتهم شي ء لا سماء و لا ارض، و لا امهلهم الله سبحانه حتي يتداركوا الامر.

خطبه 234

[صفحه 176]

(تسمي القاصعه) من قصعه بمعني حقره لانه عليه السلام حقر فيها حاله المتكبرين (و هي تتضمن ذم ابليس علي استكباره و تركه السجود لادم

عليه السلام و انه اول من اظهر العصبيه و تبع الحميه و تحذير الناس من سلوك طريقته) العصبيه و الاعتزاز باعصبه و هي قوم الرجل، في حق او باطل، و الحميه حفظ الحمي حقا كان ام باطلا، و كلاهما باطل. (الحمد لله الذي لبس العز و الكبرياء) اي انهما كاللباس له سبحانه، ملاصقان به (و اختارهما لنفسه دون خلقه) فلم يرد لهما التكبر و الاعتزاز، بخلاف بعض صفاته الاخر، حيث اختارها لخلقه ايضا، كالعلم و الحلم و ما اشبه (و جعلها حمي) هو ما حميته عن وصول الغير اليه و التصرف فيه (و حرما) المحل المحترم الذي لا يدخله الا من شاء الانسان (علي غيره) فلا يجوز لاحد ان يتكبر (و اصطفاهما) اي اختارهما (لجلاله) اي لذاته الجليله (و جعل اللعنه) اللعن الطرد عن الخير (علي من نازعه فيهما من عباده) اي من اراد ان ياخذ بهما، كانه منازع لله سبحانه، حيث يريد سلب ما يخصه تعالي (ثم اختبر) اي امتحن (بذلك) الاختصاص (ملائكته المقربين) في درجات الطاعه و العباده (ليميز المتواضعين منهم) الذين لا يغترون و لا يتكبرون (من المست

كبرين) الذين يلصقون الكبرياء بانفسهم. (فقال سبحانه: و هو العالم بمضمرات القلوب) اي ما تضمره و تخفيه قلوب الناس (و محجوبات الغيوب) اي ما هو مستور في الغيب، مما هو غائب من الحواس، و بان هذه الجمله لدفع توهم انه سبحانه انما يمتحن حتي يعلم المخفيات، اذ الله تعالي يعلم كلشي ء و انما يمتحن ليظهر ما خفي، لا ليعلم ما اختف- و ذلك اتماما لحجه علي العباد (ان خالق بشرا من طين فاذا سويته) اي صنعته و اكملته (و نفخت فيه من روحي) بان اعطيته الروح

المضافه الي تشريفا، كما يضاف البيت الحرام اليه سبحانه، فيقال: بيت الله، تشريفا (فقعوا له ساجدين) امر من (وقع) (يقع) و المخاطب الملائكه (فسجد الملائكه كلهم اجمعون الا ابليس) الشيطان، و سمي ابليسا، لانه ابلس من رحمه الله. (اعترضته الحميه) اي عرضت له الكبرياء (فافتخر علي آدم بخلقه) اذ خلق الشيطان من جن النار، و خلق آدم من جنس الطين، فزعم الشيطان ان النار افضل من الطين، و لذا لا ينبغي لمثله ان يسجد لمثل آدم (و تعصب عليه) اي علي آدم (لاصله) المخلوق منه، و قد كان القياس باطلا، اذ لا دليل علي اشرفيه النار، و علي تقديرا ان تكون اشرف فالا طاعه تشريف للامر لا للمامور به (فعدو الله) ابليس (ام

ام المتعصبين) اي مقتداهم، و السالك لهذا الطريق قبلهم (و سلف المستكبرين) اي السابق عليهم. (الذي وضع اساس العصبيه) حيث اظهرها (و نازع الله رداء الجبريه) اي في جبروته و كبريائه، فانه كالرداء له سبحانه خاص به (و ادرع) اي لبس الدرع، و هو قسم من الثياب (لباس التعزز بذاته)، بان يعد نفسه عزيزا (و خلع قناع التذلل) امام الله سبحانه، كان الذله قناع في وجه الانسان يمنعه عن ادعاء ما ليس له. (الا ترون كيف صغره الله بتكبره) فطرده من الجنه و جعله لعينا (و وضعه بترفعه) اي بسبب ان عد نفسه رفيعا (فجعله في الدنيا مدحورا) اي مطرودا يلعنه كل احد (و اعد له في الاخره سعيرا) اي نار ملتهبه.

[صفحه 179]

(و لو اراد الله ان يخلق آدم من نور يخطف الابصار ضياوه) خطف البصر كنايه عن عدم تمكنه من الرويه، كانها مخطوفه في عدم انتفاع صاحبها بها (و يبهر) اي يورث

تعجب (العقول) و حيرتها (رواوه) اي حسن منظره ( … ) من (طيب ياخذ الانفس عرفه) اي رائحته، اذا كانت شديده الطيب اخذت بالنفس، فلا يتنكن الانسان الشام لها ان يتنفس بسهوله، لان الهواء النقي النافعه للرئه يخلطها العصر الذي لا تهضمه الرئه (لفعل) جواب (لو). (و لو فعل) سبحانه ذلك (لضلت له الاعناق خاضعه) اي خاضعه لادم عليه السلام طبيعه لا حسب امره سبحانه، و بذلك لم يكن امتحان في خضوعهم لادم (و لخفت البلوي) اي الابتلاء (فيه) اي في آدم عليه السلام (علي الملائكه) فلم يكونوا يترفعون عن السجده لادم (و لكن الله سبحانه يبتلي خلقه ببعض ما يجلهون اصله) حتي يتبين المطيع منهم من العاصي. (تمييزا) اي لاجل التمييز بينهم (بالاختبار لهم) اي بالامتحان لهم (و نفيا للاستكبار عنهم) فان الانسان اذا اعتاد اطاعه الاوامر، ذابت في نفسه ملكه التكبر (و ابعدا للخيلاء) هو الكبر و الاختيال (منهم) اي من الخلق. (فاعتبروا) ايها الناس (بما كان من فعل الله بابليس اذ احبط عمله الطويل) و معني الا

حباط محو الحسنات، لما فعل من السيئه (و جهده الجهيد) توصيف للجهد بيانا لكثرته، مثل ليله ليلاء (و كان) ابليس (قد عبد الله سته آلاف سنه) قبل امره بالسجود لادم عليه السلام (لا يدري) في العرف (امن سني الدنيا) كانت تلك السنوات السته الالاف (ام سني الاخره) انما احبط عمله (عن) جهه (كبر ساعه واحده) اذ تكبر في لحظه، فلم يسجد لادم. (فمن ذا بعد ابليس) بتلك العباده الطويله (يسلم علي الله) من عقابه و الاتيان بعلي لانه يشبه الضرر في ان الله يريد شيئا، و يريد العاصي شيئا آخر خلاف ارادته سبحانه (بمثل معصيه) اي في حال كونه

آتيا بمثل معصيه الشيطان، و هو الكبر (كلا) ليس كما زعم المتكبر، انه يتكبر، ثم يدخل الجنه (ما كان الله سبحانه ليدخل الجنه بشرا) اذا كان عاملا (بامر) هو الكبر (اخرج به) اي بسببه (منها) اي من الجنه (ملكا) و هو ابليس، و سمي ملكا، للتغليب، و الا فهو من الجن كما نص القرآن الحكيم، و الملك من نور، و الجن من نار (ان حكمه) سبحانه (في اهل السماء) من الملائكه (و اهل الارض) من البشر (لواحد) فالكبر مذموم عنده في الطائفتين (و ما بين الله و بين احد من خلقه هواده) اي لين و رخصه (في اباحه حمي حرمه علي العالمين) فالمعاصي حمي ا

لله سبحانه، حرمها علي العالمين اجمعين، لا يقتحمها احد الا عاقبه و نكل به.

[صفحه 181]

(فاحذروا) يا (عباد الله ان يعديكم) اي يصيبكم الشيطان (بدائه) وهو الكبر و العصيان (و ان يستفزكم) اي يحرككم لا طاعه اوامره (بندائه) اي دعوته لكم الي المحرمات (و ان يجلب عليكم) اييغلب عليكم (بخيله) اي ركبانه (و رجله) اي مشاته، كما يجلب قائد الجيش علي العدو، بالركبان و الراجلين من اصحابه، و المراد بهم هنا الناس الاشرارا، فقويهم كالراكب و ضعيفهم كالراجل. (فلعمري) قسم بنفسه الكريمه (لقد فوق لكم) اي هي لكم (سهم الوعيد) فان الشيطان يوسوس الي الانسان انه لو لم يفعل المحرم الفلاني يقع في محذور كذا، مثلا لو لم يسرق افتقر، و لو لم يقتل ذهبت هيبته و هكذا. (و اغرق لكم بالنزع الشديد) الرامي اذا اراد ان يرمي بكل قوه، نزع وتر القوس بكل شده، و يسمي ذلك بالاغراق في النزع (و رماكم من مكان قريب) لان موضع الشيطان في نفس الانسان،

و لذا يوسوس اليه من اقرب الاماكن الي الانسان. (و قال) الشيطان لله سبحانه، حين طرده عن الجنه: يا (رب بما اغويتني) اي من اجل اغوائك لي- بان امرتني بالسجود لادم الذي صار سببا لضلالي- (لازينن لهم) اي للبشر (في الارض) و المراد تزيين المحرمات في اعينهم (و لاغوينهم اجمعين) اي اضلنهم (قذفا بغيب بعيد)

اي كان الشيطان في كلامه هذا، يقول رميا بالغيب اذ من اين علم انه يتمكن من اضلال الناس (و رجما بظن مصيب) الرجم رمي الحجر، اي انه كان يرمي ظنه الي الانسان و قد اصاب ظنه، كما قال سبحانه: و لقد صدق عليهم ابليس ظنه فاتبعوه الا فريقا من المومنين (صدقه به) اي بظنه (ابناء الحميه) الذين لهم عصبيه الجاهليه، كما قال سبحانه: اذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحميه حميه الجاهليه. (و اخوان العصبيه) اي الذين لهم عصبيه و كبر (و فرسان الكبر و الجاهليه) كانهم في شدتهم و قوتهم في التكبر، كالفرسان، اي راكبو الافراس، في الحرب لا كالمشاه. (حتي اذا انقادت له الجامحه منكم) اي النفوس التي تمت، فان الجموح عسق الفرس و عدم انقيادها للركوب (و استحكمت الطماعيه منه) اي الطمع من الشيطان (فيكم) و لا يخفي ان قوله: حتي للغايه، اي انهم صدقوه حتي اذا وصل الامر الي الانقياد و الاستحكام و ياتي جواب قوله اذا (فنجمت) اي ظهرت (الحال) اي حال العصيان (من السر الخفي) الذي كان وسوسه في الصدور، و ميلا في القلوب (الي الامر الجلي) بان جاهروا بالعصيان و اطاعه الشيطان. (استفحل سلطانه عليكم) استفحل الامر اذا اشتد، اي قوي سلطه الشيطان علي الناس (و دلف) اي اقترب (بج

نوده نحوكم) اي مع جنوده

من الشياطين و اتباعه من افراد الانسان (فاقحموكم) اي ادخلوكم (ولجات الذلل) جمع وليجه، و هي المحل الذي يدخل فيه الانسان، فان الامور التي يامر بها الشيطان، توجب الذله في الدنيا و الاخره (و احلوكم ورطات القتيل) جمع ورطه، و هي الشده التي يتورط فيها الانسان، اي ادخلوكم الشيطان و جنوده في موجبات قتل بعضكم بعضا، من الشقاق و التشتت و ما اشبه (و اوطووكم اثخان الجراحه) يقال اثخنه الجرح، اذا اضعفه، اي ان الشيطان و جنده اوطئوكم وطئا مثل وطي ضعف الجراحه، فقد اجرحوا الناس بجرامات المعاصي و الاثام حتي ضعف (طعنا في عيونكم) فلا تبصر الحق، كالذي طعن في عينه (و حزا في حلوقكم) حتي لا تذوق مذاق الايمان، كالذي جز- اي قطع حلقه-. (و دقا لمناخركم) جمع منخر، بمعني: الانف، فقد ارغم الشيطان الانسان و اذله، كما يدق انف الذليل (و قصد لمقاتلكم) جمع مقتل، بمعني موضع القتل- و هي الحنجره- اي قصد الشيطان اهلاككم، كما يقصد القاتل حنجره القتيل (و سوقا) اي يسوقكم سوقا (بخزائم القهر) جمع خزامه، و هي حلقه تدخل في انف البعير ليشد بها الحبل الذي يجربه، و اضافتها الي القهر، لان الشيطان يقهر الانسان و يجبره سوقا (الي النار المعده

) للعاصين (فاصبح) الشيطان (اعظم في دينكم جرحا) كان الدين- عند المتدين- جسد صحيح، فاذا عصي جرح في دينه بمقدار تلك المعصيه (و اوري في دنياكم قدحا (اي اشد قدحا- و اخراجا- للنار المحرقه لدنياكم (من الذين اصبحتم لهم مناصبين) اي ان الشيطان اشد عداوه لكم من سائر اعدائكم الذين تناصبونهم- اي تحاربونهم- (و عليهم متالبين) التالب التجمع الاجل المحاربه. (فاجعلوا) ايها الناس (عليه) اي علي الشيطان (حدكم)

اي غضبكم وحدتكم (و له) اي للشيطان (جدكم) و اجتهادكم، او قطعكم، فان (جد) بالفتح، بمعني: القطع (فلعمر الله) قسم بالله سبحانه (لقد فخر علي اصلكم) اي افتخر الشيطان علي اصلكم الذي هو آدم عليه السلام حيث قال: انا خير منه (و وقع في حسبكم) اي في شرفكم، اذا ذهب شرفكم بايجابه المعصي عليكم، فان شرف الانسان في الطاعه (و دفع في نسبكم) فان انتساب الانسان بالانبياء يوجب رفعته فاذا اطاع الشيطان ابتعد عن نسبه الرفيع و صار وضيعا بسبب العصيان، و هذا دفع لشرافته النسب (و اجل بخيله عليكم) اي احضر لكم اتباعه الاقوياء- كانهم راكبو الخيل- لاضلالكم و اعوائكم. (و قصد برجله) اي اعوانه الضعفاء، الذين هم كالجند الراجلين، لا خيل لهم (سبيلكم) ليحرفكم عن

الطريق (يقتنصونكم) الاقتناص اخذ الصياد للصيد دفعه (بكل مكان) لا ضلالكم (و يضربون منكم كل بنان) اي الاصابع، فانه اذ ضربت اصابع الانسان لم يقدر علي اخذ السيف و المجاهده، و هذا كنايه عن تضعيف الشيطان لقوي الانسان الايمانيه (لا تمتنعون) عنه (بحيله) تخلصكم من يده (و لا تدفعون) الشيطان عن انفسكم (بعزيمه) اي باراده قويه، فانتم (في حول ذل) اي محل ذله، اذ المعصيه توجب الذله (و حلقه ضيق) فان اتباع الشيطان يوجب ضيق الدنيا و ضيق الاخره، قال سبحانه: (و من اعرض عن ذكري فان له معيشه ضنكا). (و عرصه موت) العرضه الساحه، اي انتم في ساحه الموت، و هي الدنيا (و جوله بلاء) يجول عليكم البلاء، اي كيف تتبعونه و انتم هكذا لا تدرون مصيركم؟. (فاطفئوا ما كمن في قلوبكم من نيران العصبيه) فان الصفات الرذيله ملكات في قلب الانسان، اذا فكر الانسان في رذالتها و عالجها،

اطفئت و خمدت (و احقاد الجاهليه) فان اهل الجاهليه كان يحقد بعضهم علي بعض بمناسبات الانتساب الي القبائل المختلفه (فانما تلك) الاحقاد و (الحميه) التي يتبعها في حق و باطل من غير مراعاه موازين الحق (تكون في المسلم من خطرات الشيطان) اي ما يوجب الشيطان ان يخطر بذهن المسلم (و نخواته) جمع

نخوه، بمعني التكبر و التعاظم (و نزغاته) جمع نزغه، بمعني الافساد (و نفثاته) جمع نفثه، بمعني النفخه، كانه ينفخ في الانسان بوساوسه، و تلك النفخه توجب تلك العصبيات. (و اعتمدوا) اي اطلبوا (وضع التذلل علي رووسكم) بان تكونوا متواضعين (و القاء التعزز تحت اقدامكم) بان لا تظهروا العزه و العصبيه (و خلع التكبر من اعناقكم) فان التكبر يظهر في العنق كانه طوق فيه. (و اتخذوا التواضع مسلحه) الثغر، او محل السلاح الذي يوخذ منه السلاح لمحاربه العدو (بينكم و بين عدوكم ابليس و جنوده) كانه الحد الفاصل بين بلاد الايمان و بلاد الشيطان، فان تواضع الانسان لم يتمكن ابليس من السيطره عليه، اما اذا تكبر كان الشيطان مسيطرا عليه (فان له) اي للشيطان (من كل امه جنودا و اعوانا) يتخذهم لمحاربه المومنين (و رجلا و فرسانا) اي جنودا راجلين، و جنودا راكبين. (و لا تكونوا كالمتكبر علي ابن امه) اي اخيه، و المراد به قابيل الذي حسد اخاه هابيل عليه السلام (من غير ما فضل جعله الله فيه) اي بدون ان يكون له فضل عليه، و ما زائده. (سوي ما الحقت العظمه بنفسه من عداوه الحسد) اي لا فضل له سوي الحسد الذي يوجب الحاق العظيمه بنفس هذا الانسان المتكبر، فان الانسان اذا ح

سد اخاه، زعم ان نفسه عظيمه (و) سوي ما (قدحت الحميه في قلبه

نار الغضب) فان الحميه الجاهليه تورث اشتغال نار الغضب في قلب الانسان علي اخيه (و نفح الشيطان في انفه من ريح الكبر) حتي تكبر و تعاظم (الذي اعقبه الله به الندامه) فان الله سبحانه يعقب المتكبر الندامه (و الزمه آثام الشقاتلين) اي خطاياهم (الي يوم القيامه) فان قابيل شريك في قتل كل مقتول بغير حق، لانه اول من علم الناس القتل حسدا و بغيا، و الانسان المتكبر يكون حاله حال قابيل حيث حسد اخاه بلا سبب و لا مبرر.

[صفحه 187]

(الا و قد امعنتم) ايها الناس (في البغي) اي الظلم فقد كان عمر وضع اسس الحميه العربيه، حيث قال: (ان قريش تابي ذلك) و ان العرب لا ترضي بذلك و اشباه هذا، و امتدت هذه الحميه- بعد ان زادت في زمن عثمان- الي ايام الايام، و لذا عنفهم عليه السلام بهذا الخطاب (و افسدتم في الارض مصارحه لله بالمناصبه) اي صارحتم و اظهرتم المحاربه لله سبحانه حيث انه سبحانه جعل الميزان التقوي، و انتم جعلتم الميزان العصبيات (و مبارزه للمومنين بالمحاربه) فقد كان العرب في زمن الامام و ما قبله لا يهتمون بالمسلمين الذين ليسوا من هذا العنصر، و يقولون لهم- الموالي- لا يزوجونهم و لا يرون انهم في الكفائه، اما حين جائت نوبه دوله معاويه و بني اميه، فقد اشتد الامر اشتدادا هائلا كما هو مذكور في التاريخ (ف) اذكروا (الله الله في كبر الحميه) اي التكبر الناشي من الحميه (و فخر الجاهليه) الذين كانوا يفخرون بانسابهم لا بانسابهم (فانه) اي كبر الحميه و فخر الجاهليه (ملاقح الشنان) جمع ملقح، اي لقاح البغض، بمعني الذي يولده بين الناس (و منافخ الشيطان) جمع منفخ، بمعني: النفخ، اي انه

من نفخ الشيطان في قلوب الناس (التي خدع) الشيطان (بها) اي بتلك المنافخ (

الامم الماضيه) فكان يوسوس اليهم انهم خير من الامم الاخري، حتي يوجب بينهم شقاقا و اختلافا (و القرون الخاليه) اي الماضيه: (حتي اعنقوا) اولئك الامم، و الاعناق الاختفاء (في حنادس) جمع حندس، بمعني: الظلام الشديد (جهالته) اي انهم اختفوا في ظلمات الجهاله التي هيئها لهم الشيطان حيث زعموا انهم افضل من جيرانهم- بسبب الدم- كما زعم اليهود انهم شعب الله المختار (و مهاوي) جمع مهوي بمعني محل الهوي و التردي (ضلالته) فقد اضلهم الشيطان بهذه الوسوسه و اهلكهم. (ذللا علي سياقه) جمع ذلول، من الذل ضد الصعوبه، و السياق السوق، اي ان الامم كانوا سلسي القياد اللشيطان يسوقهم كيف يشاء (سلسا) جمع سلس، بمعني السهل (في قياده) اي في الانقياد لقياده الشيطان، و هي التسيير بالدابه من امامها، و السوق التسيير بها من خلفها (امرا تشابهت القلوب فيه) اي اطاعوا امر الشيطان، الذي تشابهت قلوب الناس في اطاعته (و تتابعت) اي توالت (القرون) جمع قرن، و هي القطعه من الزمان الممتده بامتداد عمر جيل من الناس (عليه) فكلهم يسلكون سبيل الشيطان (و كبرا) اي يتبعون تكبر و نخوه (تضايقت الصدور به) فان الكبر يوجب ضيق صدر الانسان، بخلاف التواضع، فان القلب- الذي في الصدر-

يتسع لكل شي ء بسببه. (الا فالحذر الحذر) منصوب بفعل مقدر، اي احذروا الحذر (من طاعه ساداتكم و كبرائكم الذين تكبروا عن حسبهم) فان حسبهم- اي موهلاتهم و فضائلهم كانت قليله، و اظهروا للناس انها اكبر من الواقع (و ترفعوا فوق نسبهم) بان تكبروا و اظهروا انفسهم كبراء اكثر من كبرهم الواقعي الذي كان مقتضي نسبهم (و القوا الهجينه) اي

الصفه القبيحه (علي ربهم) فانهم باحتقارهم الناس انما احتقروا خلق الله سبحانه (و جاحدوا الله ما صنع بهم) يعني جحدوا و انكروا ما فعل الله بهم من ضعه النسب و قله الفضيله، فبمقتضي كبرهم تمنوا ان لو كان لهم فوق مقامهم نسبا و حسبا. (مكابره لقضائه) اي تكبروا عن قضاء الله و حكمه فيهم (و مغالبه لالائه) جمع (الي) بمعني النعمه، اي ارادوا ان يغلبوا النعم، بان يكون لهم فوق ما قدر الله لهم (فانهم) اي اولئك السادات الذين كان امرهم كما تقدم (قواعد اساس العصبيه) فان العصبيه انتشرت الي الناس منهم (و دعائم اركان الفتنه) فان الفتنه بين الناس و الاضطراب انما تنشي ء منهم، لانهم يوجدون التفرقه، و التمايز حسدا و كبرا (و سيوف اعتزاء الجاهليه) الاعتزاء التفاخر بالنسب، فان الجاهليه انما تشهر السيوف بعد التفاخر الذي ينجر

الي المحاربه (فاتقوا الله) خافوا عقابه، فلا تفخروا بمثل هذه المفاخرات، و لا تعتزوا بمثل هذه الجهالات و العصبيات (و لا تكونوا للعمه عليكم اضداد) بان يضاد بعضكم بعضا، لان الله انعم علي ذلك دون هذا. (و لا لفضله عندكم حسادا) بان يحسد بعضكم بعضا، لانه سبحانه تفضل علي هذا دون هذا (و لا تطيعوا الادعياء) جمع دعي هو الذي يدعي الدين و يلصق نفسه به (الذين شربتم بصفوكم كدرهم) فان الانسان في نفسه سالم و انما يتخذ العصيان و الانحراف من غيره فشبه عليه السلام الاطاعه بالصفو، و العصيان بالكدر (و خلطتم بصحتكم) عن الرذائل (مرضهم) و تلوثهم بالاثام (و ادخلتم في حقكم باطلهم) بان خذتم منهم بعض الاباطيل فاختلط بما تعملون من الحق (و هم اساس الفسوق) اي الخروج عن طاعته سبحانه، فان اصحاب العصبيه هم

اول من يظهر من الفسق (و احلاس العقوق) جمع حلس- بالكسر- و هو غطاء رقيق علي ظهر البعي ملازم له قيل لكل ملازم الشي ء هو حلسه، و العقوق العصيان، اي الملازمون له (اتخذهم ابليس مطايا ضلال) فان ضلاله يحمل عليهم ثم يتعدي الي سائر الناس. (و جندا بهم يصول) الشيطان (علي الناس) اي يجارب المتدينين بسببهم لانهم اصحاب المنكر و اعداء المعروف. (و تراجمه) يتر

جمون كلام الشيطان و يبينونه (ينطق علي السنتهم) بايحاء ما يشاء الي قلوبهم (استراقا) اي سرقه من الشيطان (لعقولكم) لانه لو كان للانسان عقل ثابت غير مسروق لم يبع آخرته بالاضلال و الضلال (و دخولا في عيونكم) للحيلوله بينها و بين رويه الحق (و نفثا) اي نفخا (في اسماعكم) اذ لو كان السمع صحيحا لم يستمع الانسان الي كلام باطل. (فجعلكم) الشيطان (مرمي نبله) النبل السهم، و المرمي محل الرمي (و موطي ء قدمه) كانه يطئهم تحت اقدامه، و هذا كنايه عن سيطرته و استدلاله لهم (و ماخذ يده) ياخذهم بايديه ليتصرف بهم كيف شاء. (فاعتبروا) ايها الناس (بما اصاب الامم المستكبرين من قبلكم) حيث استكبروا عن قبول الحق (من باس الله) اي عذابه سبحانه (و صولاته) الصوله الهجوم بقصد الاضرار (و وقائعه) جمع واقعه، و المراد بها عذابه سبحانه اياهم (و مثلاته) اي عقوباته التي توجب ان يضرب بها المثل (و اتعظوا بمثاوي خدودهم) جمع مثوي، بمعني المنزل، و مثوي اخد الموضع الذي يوضع فيه في القبر، و المراد الاعتبار بمصارع اولئك القوم كيف اهلكوا لما خالفوا الانبياء و تكبروا (و مصارع جنوبهم) جمع مصرع، هو محل صرع الجنب علي التراب (و استعيذوا بالله من لواقح الكبر) جمع لاقح

ه، و هي

التي تلقح في النفس، كما يلقح الذكر الانثي، و اللاقح هنا ابليس. (كما تستعيذونه) اي تطلبون منه سبحانه (من طوارق الدهر) جمع طارقه، و هي المصيبه التي تطرق الانسان و تاتيه فجئه.

[صفحه 192]

(فلو رخص الله الكبر لاحد من عباده) بان اباح ان يتكبر (لرخص فيه) اي في الكبر (لخاصه انبيائه و اوليائه) اي الانبياء و الاولياء المخصوصون بفضله و كرمه سبحانه (و لكنه سبحانه كره اليهم التكابر) اي جعله مكروها لديهم، و التكابر هو ان يتكبر بعضهم علي بعض (و رضي لهم التواضع) بعدم اظهار الانانيه. (فالصقوا) اي الانبياء و الاولياء (بالارض خدودهم) في حال السجود له سبحانه، تواضعا (و عفروا في التراب وجوههم) و التعفير هو التقليب علي التراب (و خفضوا اجنحتهم للمومنين) كما يخفض الفرخ جناحه لامه و ابيه تذللا و تواضعا قال سبحانه: (و اخفض جناحك لمن اتبعك من المومنين). (و كانوا اقواما مستضعفين) يستضعفهم الناس بعدهم ضعفاء مع انهم كان في ايديهم قوي الكون- باذنه سبحانه- (و قد اختبرهم الله بالمخمصه) اي امتحنهم بالجوع (و ابتلاهم بالمجهده) اي المشقه الموجبه للجهد. (و امتحنهم بالمخاوف) اي الامور المخوفه، بان كانوا في خوف من الاعداء (و مخضهم) يقال مخض اللبن اذا حركه ليخرج زبده (بالمكاره) اي بالامور المكروهه لدي الانسان، فان المكاره تظهر قوه ايمان الانسان، و مزاياه العقليه و فضائله النفسيه (فلا تعتبروا الرضا) اي رضاه سبحانه (و

السخط) اي غضبه (بالمال و الولد) فاذا رايتم انه تعالي اعطي لشخص مالا و ولدا كثيرا تستدلون بذلك علي انه سبحانه رضي من المعطي، و سخط علي من لم يعطه. (جهلا) منكم- اذا اعتبرتم ذلك- (بمواقع الفتنه) اي الامتحان (و الاختبار) بان تجهلوا كيف امتحانه

سبحانه (في مواضع الغني و الاقتدار) فتظنون ان الغني المقتدر مرضي له تعالي، و عكسه مسخوط عليه من قبله سبحانه (و قد قال سبحانه و تعالي:) في نفي ذلك (ايحسبون انما نمدهم به من مال و بنين) اي اتظنون ان اموالهم و اولادهم، التي منحناها لهم انما ذلك لاجل انا (نسارع لهم في الخيرات)؟ اي نسرع لاعطاء هذا الخير لهم هنا، الي ربي لاجدن خيرا من هذا منقلبا و الاستفهام في الايه للانكار، و لذا قال سبحانه: (بل لا يشعرون) ان الامر ليس كذلك، بل انما ذلك لازهاق انفسهم. (فان الله سبحانه يختبر عباده المستكبرين في انفسهم) انصراف متعلق بالمستكبرين (باوليائه المستضعفين في اعينهم) فان اولياء اقوياء بنظر الواقع، و انما ضعفاء بنظر المستكبرين، و الله يمتحن اولئك بهولاء فان اكرموهم و اتخذوا باقوالهم نجوا و الا هلكوا. (و لقد دخل موسي بن عمران و معه اخوه هارون- عليهماالسلام- علي فرعون) حين ارسلهما الله سبحا

نه اليه (و عليهما مدارع الصوف) جمع مدرعه و هي ثوب قصير ضيق لا يلبسه الا المتواضع، لعدم كونه فضفاضا يلائم الكبرياء (و بايديهما العصي) جمع عصي، و هذا ايضا ظاهره اخري للتواضع (فشرطا له) اي لفرعون (اي اسلم) لله سبحانه (بقاء ملكه و دوام عزه) فانه لم يك يهلك، علي تقديرا ايمانه، و المراد بالبقاء و الدوام، الاستطاله، لا الابديه- كما لا يخفي- (فقال) فرعون لمن حوله: (الا تعجبون من هذين) الشخصين (يشرطان لي دوام العز و بقاء الملك و هم بما ترون من حال الفقر و الذل)؟! و كيف يمكن ان يكون الفقير الذليل معطيا للعز و البقاء، فان ذلك للغني العزيز (فهلا القي عليهما اساوره من ذهب) لو

كانا صادقين في دعواهما النبوه من قبله سبحانه؟ و اساوره: جمع اسوره، جمع سوار، و هو ما يجعل زينه في اليد، و قد كان الملوك في السابق يلبسون السوار، و لذا اخبر رسول الله صلي الله عليه و آله، و قد كان هذا الكلام من فرعون (اعظاما للذهب و جمعه) كانه معيار النبوه (و احتقارا للصوف و لبسه) كانه ينافي البعث من طرفه تعالي.

[صفحه 194]

(و لو اراد الله سبحانه بانبيائه- حيث بعثهم- ان يفتح لهم كنوز الذهبان) جمع ذهب (و معادن العقيان) هو نوع من الذهب ينمو في معدنه (و مغارس الجنان) جمع مغرس، اي محل غرس الاشجار في البساتين بان يكون لهم بساتين و اشجارا (و ان يحشر معهم) اي يجمع لديهم، فان الحشر بمعني الجمع (طيور اسماء) حيث ذهبوا ذهبت (و وحوش الارض) جمع وحش، و هو الحيوان غير الاهلي، سواء كان سبعا ام لا (لفعل) جواب (لو) (و لو فعل) سبحانه ذلك بالانبياء، بان اعطاهم هذه اله … ه، و هذا الملك (لسقط البلاء) اي الامتحان، اي لم يمتحن الناس بالانبياء لان الناس يتبعون الملك و السلطه، اينما كانا، فلم يتميز الخبيث من الطيب. (و بطل الجزاء) اذا الجزاء علي اتباع الحق عن اختيار و رغبه، لا عن اضطرار اتباع المال و السلطه (و اضمحلت) اي بطلت و ذهبت (الانباء) اي اخبار السماء بالوعد لمن آمن و الوعيد لمن كفر، لعدم الحاجه الي ذلك (و لما وجب للقابلين اجور المبتلين) اي ثواب الذين ابتلوا و اختبروا، فخرجوا ناجحين من الاختبار، و ادوا حق الله في المضايق و المهالك، عن طيب نفس و رغبه قلب. (و لا استحق المومنون ثواب المحسنين) لانهم لم

يحسنوا باتباع الانبياء، بل اتبعوا ش

هواتهم في المال و السلطه (و لا لزمت الاسماء معاينها) فمثلا المومن ليس بمعناه الحقيقي، و هو الذي نبع ايمانه من القلب، و انما يسمي به من انقاد، و الانقاد خوفا و طمعا للسلطه الثريه ليس ايمانا حقيقيا. (و لكن الله سبحانه) عرض ان يزود الرسل بالمال و الجاه (جعل رسله اول قوه في عزائمهم) جمع عزيمه، بمعني الاراده (و) حملهم (ضعفه) جمع ضعيف (فيما تري الاعين من حالاتهم) الماديه، و الجاهيه (مع قناعه) للرسل عن المال و الجاه (تملا القلوب و العيون غني) فان قلبهم لا يميل الي زخارف الدنيا، و عينهم لا تنظر الي زينتها نظر تطلب و اشتهاء (و خصاصه) اي فقر (تملا الابصار و الاسماع اذي) كما يتاذي الناس من رويه الفقراء و استماع احاديثهم. (و لو كانت الانبياء اهل قوه لا ترام) اي لا تقصد، بمعني ان احدا لا يقصدهم لكثره قوتهم، او ان قوتهم من الكثره بحيث لا يتوقع احد ان يكون مثلهم في القوه (و عزه لا تضام) اي الا تغلب بحيث تكون عزتهم فوق كل عزه لا يتمكن احد من ظلمهم (و ملك تمتد نحوه اعناق الرجال) تعجبا و تطلبا. (و تشد اليه عقد الرجال) جمع عقده، الحبال التي تعقد علي الرحل لئلا يقع من ظهر الدابه، فان اصحاب السلطه يسافرون الناس اليهم طلبا لدنياه

م (لكان ذلك) الملك (اهون علي الخلق في الاعتبار) اي اضعف تاثيرا في القلوب من جهه اعتبارها و اتعاظها (و ابعد لهم في الاستكبار) اي لا يتكبرون عليهم بل يومنون بهم فورا، لان الناس عليدين ملوكهم، او المعني انه بسبب استكبار الناس، لانهم يرون الانبياء و هم قدوه،

في هاله من الكبرياء، (و لامنوا عن رهبه قاهره لهم او رغبه مائله بهم) اي لم يكن ايمانهم عن رهبه النار، او رغبه الجنه، لانهم في منتاي عنهما، بل كان الايمان لسلطه الانبياء و ثروتهم. (فكانت النيات مشرتكه) اي نيه المومن حقيقه، و المومن لاجل السلطه، مشتركه غير معلومه ان ايهما عن حقيقه، و ايهما عن رغبه في سلطه الانبياء. (و الحسنات مقتسمه) بينما ينبغي ان يكون للمومن الحقيقي الحسنه لا لكل من اظهر الايمان. (و لكن الله سبحانه اراد ان يكون اتباع لرسله و التصديق بكتبه) السماويه (و الخشوع لوجهه) اي ذاته المقدسه و سميت بالوجه لتوجه الانسان اليها، فباعتبار ذات، و باعتبار وجه، و باعتبار جنب و باعتبار عين، و هكذا (و الاستكانه) اي التضرع (لامره) تعالي (و الاستسلام) اي الانقياد (لطاعته) سبحانه (امورا له خاصه) بان يكون المومن انما آمن لذاته تعالي، لا لما يري من سلطه الانبياء (لا

تشوبها من غيرها) اي من غير هذه الامور (شائبه) بان لا تدخلها ريبه سلطه و ثروه. (و كلما كانت البلوي) اي الابتلاء (و الاختبار اعظم) حيث يكون الايمان اشكل (كانت المثوبه و الجزاء اجزل) لان الاجر بقدر المشقه.

[صفحه 198]

(الا ترون) في مثال الختبار بالاشياء الشاقه، لا بالاشياء المشتهات لنفس الانسان (ان الله سبحانه اختبر) اي امتحن (الاولين من لون آدم صلوات الله عليه الي الاخرين من هذا العالم) اي من اهل الارض (باحجار) هي الكعبه المعظمه، التي بنيت من الاحجار، و امر الناس- حتي آدم عليه السلام- بالحج اليها و الطواف حولها (لا تضر و لا تنفع) بذاتها (و لا تبصر و لا تسمع) حسب الظاهر، و هذا لا ينافي ضررها و نفعها حسب امر

الله سبحانه، و بصرها و سمعها حسب الواقع، حيث ورد ان الحجر الاسود ملك يسمع، و لذا نقول له،: امانتي اديتها كما لا تنافي بين قوله سبحانه: و لا تدع من دون الله ما لا يضرك و لا ينفعك مع كون الاصنام ضاره بلا اشكال، (فجعلها) اي تلك الاحجار (بيته الحرام) اي المحترم (الذي جعله) قبله للانام و (للناس قياما) اي موجب لقيام امورهم الاجتماعيه و الاقتصاديه و ما اليهما. (ثم وضعه) اي هذا البيت، و ثم: لترتيب الكلام، لا للترتيب الخارجي (باو عر بثقاع الارض حجرا) اي اكثرها و عوره و خشونه، فان مكه سلسله جبال خشنه (و اقل نتائق الارض) جمع نتيقه، بمعني: المرتفع و مكه مرتفعه باعتبار انها جبال (مدرا) هو قطع الطين اليابس، فانه كلما قل

المدر- و المراد به الطين- يقل النبات. (و اضيق بطون الاوديه) جمع وادي، بمعني: الصحراء (قطرا) اي من حيث السعه، فان الجبال قريبه بعضها الي بعض، فلا سهل يوجب الانبساط في النفس، و السعه في محل الحركه و العمل. (بين جبال خشنه) لا لين في احجارها (و رمال دمثه) لينه يصعب السير فيها (و عيون و شله) اي قليله الماء، لقله الامطار هنالك (و قري) جمع قريه (منقطغه) اي بعيده بعضها عن بعض (لا يزكو بها خف) اي الجمل، فان جمال مكه- لقله نبتها- لا تنموكنمو جمال المناطق الخصبه (و لا حافر) اي الخيل (و لا ظلف) اي البقر و الغنم، فان جميع هذه الحيوانات، هناك هزال. (ثم امر) سبحانه (آدم) عليه السلام (و ولده ان يثنوا اعطافهم) جمع عطف، و هو طرف الجنب (نحوه) اي نحو البيت الحرام، و ثني العطف كنايه عن التوجه و الميل

اليه، و الطواف حوله (فصار) هذا البيت (مثابه) اي مرجعا، من تاب اذا رجع (لمنتجع اسفارهم) اي محل الفائده من الاسفار فان مكه بسبب الحج اليها محل لفائده الناس حيث يتجر اليها و منها. (و غايه لملقي رحالهم) اي لا لقاء رحلهم عن ظهور دوابهم (تهوي اليه) اي تميل الي البيت الحرام (ثمار الافئده) اي الارواح الكائنه في القلوب، كانها ثمرتها (من مفاو

ز) جمع مفازه، بمعني الصحراء (قفار) جمع قفر، الصحراء التي لا ماء لها و لا كلاء و لا انيس (سحيقه) اي بعيده (و مهاوي) جمع مهوي، و هو المحل المنسرح من الجبل (فحاج) جمع فج، بمعني الطريق (عميقه) النهايه، اي ان الناس ياتون اليه من الصحاري و الجبال (و جزائر) جمع جزيره، قطعه الارض في وسط البحر (بحار منقطعه) تلك الجزائر عن الاتصال بالارض، لانها محاطه بالماء (حتي يهزوا) اي يحركوا حول الكعبه (مناكبهم) جمع منكب، ما بين العنق و العضد (ذللا) اي اذله خاضعين (يهلون) اي يرفعون صوتهم من الاهلال، و منه الاهلال بالتلبيه و الادعيه (لله حوله) اي حول هذا البيت (و يرملون) الرمل ضرب من السير السريع (علي اقدامهم شعثا) جمع اشعث، و هو ضد التمشيط للراس و اللحيه (غبرا) جمع اغبر، و هو المغبر بالغبار (له) اي له تعالي، فانهم يطوفون بالبيت، و يسعون بين الصفاء و المروه في هذه الاحوال. (قد نبدوا السرابيل) جمع سربال، بمعني الثوب (وراء ظهورهم) اذ المحرم يتجرد عن ثوبه فيدخل في ثوب الاحرام (و شوهوا) اي غيروا (يا عفاء الشعور) تركها بلا تمشيط و لا حلق و لا تقصير (محاسن خلقهم) من وجه و راس و جسد، ابتلاهم الله سبحانه بذلك (ابتلائا) اي

امتحانا (عظيما) ل

ا يناله الانسان الا بمشقه. (و امتحانا شديدا) علي النفس (و اختبارا مبينا) اي واضحا ظاهرا (و تمحيصا) التمحيص تحريك الشي ء حتي يوخذ لبه (بليغا) اي بالغا في التمحيص (جعله الله) اي البيت الحرام (سببا) و عله (لرحمته) علي خلقه المطيعين له (و وصلته الي جنته) اي سببا لوصول الانسان الي جنته. (و لو اراد سبحانه ان يضع بيته الحرام و مشاعره العظام) جمع مشعر، و هو محل الشعار، كالصفا و المروه، و عرفات، و كالمشعر، و مني (بين جنات و انهار) اي بساتين و حدائق (و سهل) من الارض، لا علو و لا انخفاض فيها، في حالكونها (جم الاشجار) اي كثير الشجر (داني الثمار) فيها ثمار دانيه او ان قطفها (ملتف البنا) جمع بنيه، و هي ما يبتنيه الانسان، و المراد كثير العمران بحيث كانت الابنيه متلاصقه بعضها ببعض (متصل القري) لخصب الارض و طييب هوائها، كثرت قراها، حتي اتصل بعضها ببعض. (بين بره) اي حنطه (سمراء) و هي اجود انواع الحنطه (و ورضه) اي حديقه (خضراء) مخضره (و ارياف) جمع ريف و هي ارارض الخصبه (محدقه) اي محيطه بالبيت (و عراص) جمع عرصه الساحه الواسعه التي ليس بها بناء (مغدقه) من اغدق المطر اذا كثر مائه (و رياض) جمع روضه، بمعني: الحديقه (ناضره) من النضا

ره، بمعني البهجه و الزينه. (و طرق عامره) بالماره، و بوسائل الراحه (لكان) جواب لو (قد صغر قدر الجزاء) لمن حج (علي حسب ضعف البلاء) اي قله الامتحان، لان مثل ذلك المكان يذهب اليه الانسان بدون امر و زجر. (و لو كان الاساس المحلول عليها) بناء الكعبه، اي اساس الكعبه (و الاحجار المرفوع بها) الكعبه، اي الاحجار

التي بنيت الكعبه منها (بين زمرده خضراء) نوع من الجوهر الثمين (و ياقوته حمراء و نور و ضياء) بان كانت الاحجار تشع نورا (لخفف ذلك مسارعه الشك في الصدور) فان كل انسان لم يك يشك في انه من الله و شي ء حسن، و انما يعجل الله سبحانه موضع شك و ريبه ليحتاج الي الدلاله، و مجاهده النفس ليكثر الاجر و يظهر الفضل (و لوضع) اي لابطل (مجاهده ابليس عن القلوب) اي لم يكن الانسان يحتاج الي الجهاد مع الشيطان، في صحه الحج، و لم يكن ابليس يقدر علي الوسوسه في قلب الانسان لابطال الحج (و لنفي معهتلج الريب) اي الريب الذي اعتلج- بمعني التطم بالقلب- (من الناس) فلم يكونوا يرتابون في الحج. (و لكن الله يختبر عباده بانواع الشدائد) التي يسوقها اليهم، يظهر صبرهم و تحملهم و اطاعتهم (و يتعبدهم) اي يامرهم علي نحو الستعباد (بانواع المجاهد) جمع مجهد، مصد

ر ميمي، بمعني: الجهد (و يبتليهم يضروب المكاره) التي يكرهونها (اخراجا للتكبر من قلوبهم) فان المشاق تصفي نفس الانسان، و تلطف الافئده عن خشونتها (و اسكانا للتذلل في نفوسهم) فان المشاق ترشد الانسان علي انه ضعيف لا يقدر علي شي ء فيسكن الذل و الانكسار في قلبه. (و ليجعل ذلك) الاختبار بالمشاق (ابوابا فتحا) اي مفتوحه (الي فضله) فان الشخص اذا عمل بالمشاق نال فضله تعالي (و اسبابا ذللا) اي سهله (لعفوه) تعالي، فان العفو عن المذنب لا يكون الا بالاطاعه.

[صفحه 203]

(ف) اذكروا (الله الله في عاجل البغي) اي لا الظلم في الدنيا (و آجل وخامه الظلم) اي شدته علي الظالم (و سوء عاقبه الكبر) اي لا نفعلوا ما يسبب ذلك لكم غدا (فانها) اي هذه الرذائل

(مصيده ابليس) التي يصيد بها الناس لا لقائهم في النار (العظمي) اذ النفوس مائله الي الظلم و الكبر (و مكيدته الكبري) اي اكبر انواع كيده و مكره لتحريف الناس عن سبيله سبحانه (التي تساور) اي تقاتل و تحارب (قلوب الرجال مساوره السموم القاتله) فكما ان السم يغالب الصحه، حتي يغلبها و يتلق الانسان، كذلك الكبر و الظلم و البغي- و هو اخص من الظلم- تغالب قلب الانسان النقي، حتي تلوثه بها، و توجب هلاك الانسان. (فما تكدي) اي ما تعجز هذه المكيده عن التاثير- من اكدي الحافر اذا عجز عن التاثير في الارض- (ابدا) بل تعمل مكيده الشيطان دائما (و لا تشوي) الاتخطاء، من اشوت الضربه، اذا اخطات فلم تقتل (احدا) من الناس (لا عالما لعلمه) فان العلم لا يتف سدا دون هذه المكيده (و لا مقلا) اي فقيرا (في طره) اي كسائه البال، فكيف بالجاهل و الغني، اي ان الظلم و البغي و الكبر آلات لابليس يصيد بها كل احد (و عن ذلك) الكيد الشيطاني (ما حرس الله) ما زائده، او مصدريه اي ح

راسه الله، اي حفظ الله (عباده المومنين) حتي لا يتمكن الشيطان من اغرائهم و … هذه الرذائل فيهم (بالصلوات و الزكوات) فانهما ترقق القلب، و تقربه الي الله، فلا يتمكن الشيطان من اغرائهم بادخال الكبر و الظلم و البغي، في قلوبهم و جوارحهم. (و مجاهده الصيام) اي الصيام الموجب للجهد (في الايام المفروضات) كشهر رمضان و ما اشبه (تسكينا لاطرافهم) اي ايديهم و ارجلهم و سائر جوارحهم، فان كلا من الصلاه و الصيام يسكن اطراف الانسان (و تخشيعا لابصارهم) اي ايجابا لها علي الخشوع و الانكار (و تذليلا لنفوسهم) لئلا تطغي،

فان الانسان في الصلاه، و هكذا الجائع عطشان تسكن فوره نفسه (و تحفيضا لقلوبهم) اي التهاب القلب نحو الشهوات (و اذهابا للخيلاء) اي الكبر (عنهم) فان الوقوف امام الله و الضعف يشعر ان الانسان بضعته و عدم قوته علي شي ء، فيذهب عنه الكبر (لما في ذلك) الشي ء الواجب- و هو الصلاه- و من هذا يظهر ان الجمل السابقه انما هي بالنسبه الي الصلاه، و يويده قوله بعدا من الصيام الخ و يحتمل ان يكون الي هنا للاعم من الصلاه و الصيام، و تكون هذه الجمله خاصه بالصلاه، كما جرينا علي ذلك في التفسير- و الاول اظهرلفظا، و الثاني معني. (من تعبير عتاق الو

جوه بالتراب) اي وضعها في التراب، و العتاق جمع عتيق، بمعني الكريم، اي الوجوه الكريمه التي هو اكرم اعضاء البدن (تواضعا) لله سبحانه (و التصاق كرائم الجوارح) من يدين و رجلين (بالارض تصاغرا) لله سبحانه (و لحوق البطون بالمتون) اي الظهور (من الصيام) فان المعده اذا خلت من الطعام و الشراب التصق البطن بالظهر (تذللا) لله سبحانه (مع ما في الزكاه من صرف ثمرات الارض) من حنطه و شعير و تمر و زبيب- واجبا- و سائر الحبوب و ما اشبه- استحبابا- (و غير ذلك) من ابل و بقر و غنم و ذهب و فضه- و جوبا- و اسائر الامور الزكويه- استحبابا- (الي اهل المسكنه و الفقر) و يسمي الفقير مسكينا، لان الفقر يسكنه فلا يتمكن ان يتحرك كما يتحرك الغني. (انظروا) ايها الناس (الي ما في هذه الافعال) العباديه من صلاه و صيام و زكاه (من قمع نواجم الفخر) جمع ناجمه، من نجم بمعني طلع، اي قلع ما يظهر من الفخر في القلب

(و تدع) اي كف (طوالع الكبر) جمع طالعه اي ما يظهر من الكبر في الانسان، فان الاخضاع الذي تاتي به هذه الافعال يحصد كل فخر و كبر

[صفحه 205]

(و قد نظرت فما وجدت احدا من العالمين) و المراد الاشخاص الظاهرين المعروفين لديهم، لا ان العموم شمول حقيقي (يتعصب لشي ء من الاشياء) و يبذل في سبيله نفسه و ماله، في خلاف الحق (الا عن عله تحتمل تمويه الجهلاء) اي عله تحتمل التمويه لدي الجاهل، اي ان المتعصب جاهل، فموه عليه و لذا يتعص (او حجه) اي دليل له علي تعصبه (تليط) اي تللتصق تلك الحجه (لعقول السفهاء) فيظن السفيه المتعصب صحه تلك الحجه علي العصبيه، و لذا يتعصب بخلاف الحق. (غيركم) و المراد بهم من خاطبهم الامام عليه السلام، فان تعصبهم عبث و اعتباط (فانكم تتعصبون لامر لا يعرف له سبب و لا حجه) لا عن حجه يقبلها السفيه و لا عن عله تتحمل التمويه، فان تعصبهم كان للعرب، و ذلك كان محض الباطل، اذا كان يوجب تفرق المسلمين عنهم. و بغض الناس لهم، و … تمكن غيرهم ان ينقض عليهم بثورات مستمره، حتي فلعوا جذور التعصب عن بلاد الاسلام، ثم بين عليه السلام عله بعض اقسام التعصبات التي كانت مقترنه بحجه مموهه. (اما ابليس فتعصب علي آدم) عليه السلام، اي قام ضد آدم تعصابا لنفسه (لاصله) اي لاجل ان اصل آدم كان من الطين (و طعن عليه) اي علي آدم (في خلقته فقال: انا ناري) اي اصلي مخل

وق من النار (و انت) يا آدم (طيني) و النار اشرف، و لذا فلا ينبغي لها ان تسجد لادم عليه السلام. (و اما الاغنياء من مترفه الامم) المترف بصيغه المفعول، هو الموسع عليه

في النعم الذي يصرف ثروته في غير حق (فتعصبوا) لانفسهم، و جعلوها فوق الناس (لاثار مواقع النعم) فان موقع النعمه كالارض الخصبه ينبت الكبر و الفخر، فان الانسان يطغي اذا راي الغني، فكان النعم تسقط في مواقع، و من تلك المواقع تنبت آثار الكبر و ما اليه (فقالوا) في ضد الانبياء (نحن اكثر اموالا و اولادا) منكم، فكيف نتبعكم ايها الانبيائ؟ (و ما نحن بمعذبين) في الاخره، لان الله يحبنا بدليل انه اعطانا في الدنيا الامول و الاولاد، فما وجه احتايجنا لاتباعكم؟ (فانكان لابد) لكم (من العصبيه) بان تتعصبوا الامر تجتمعون حوله و تعادون من لا يوافقكم عليه. (فليكن تعصبكم لمكارم الخصال) اي الصفات الكريمه (و محامد الافعال) اي الافعال المحموده (و محاسن الامور) اي الامور الحسنه (التي تفاضلت فيها المجداء) جمع مجيد و هو الرفيع (و النجداء) جمع نجيد و هو الشجاع الماضي عزمه (من بيوتات العرب) البيت القبيله، و سميت بيتا لاجتماعهم في بيت واحد (و يعاسيب القبائل) جمع يعسوب، و هو امير النحل

، و رئيس القبيله، اي تعصبوا للصفات الحسنه التي كانت في العرب، لا ان يكون تعصبكم للعرب (بالاخلاق الرغيبه) اي الحميده المرغوب فيها، و الظرف متعلق بقوله: تفاضلت (و الاحلام) اي العقول (العظيمه) في الرزانه و المعرفه (و الاخطار) جمع خطر، بمعني: العظمه و الشرف (الجليله) اي ذات الجلال و الرفعه (و الاثار المحموده) التي بقيت منهم و حمدها الناس لهم. (فتعصبوا لخلال الحمد) اي الصفات التي تورث الحمد من الناس لذي الصفه (من الحفظ للجوار) اي من جاور الانسان، باحتمائه عن الظلم، و القيام بقضاء حاجته (و الوفاء بالذمام) اي العهد (و الطاعه للبر) بان يطيع الانسان البر، بمعني

ان يعمله (و المعصيه للكبر) بان لا يستجيب الانسان لداعي الكبرياء من نفسه (و الاخذ بالفضل) بان يعمل الانسان بالفضل (و الكف) اي الامتناع (عن البغي) اي الظلم علي الغير (و الاعظام للقتل) بان يعد الانسان قتل النفس بلا سبب عظيما، فيتركه (و الانصاف للخلق) بان يجعل بينهم و بينه نصفه يحب لهم ما يحب لنفسه (و الكظم للغيظ) فاذا غضب لم يظهر غضبه (و اجتناب الفساد في الارض) بالايذاء، و الفتنه، و اكل اموال الناس و ما اشبه (و احذروا ما نزل بالامم قبلكم من المثلات) اي العقوبات ا

لتي صارت مثلا للناس، يرهب الصالحون بها المفسدين. فقد نزلت بهم العقوبه (ب) سبب (سوء الافعال و ذميم الاعمال) اي الاعمال المذمومه (فتذكروا في الخير و الشر احوالهم) اي احوال تلك الامم حتي تفعلوا الخير، و تتركوا الشر خوفا من ان ينزل بكم ما نزل بهم.

[صفحه 209]

(و احذروا ان تكونوا امثالهم) في نزول العقوبه بكم (فاذا تفكرتم في تفاوت حاليهم) اي حالي السعاده و الشفاء، في تلك الامم (فالزموا كل امر) حسن (لزمت العزه به) اي بسبب ذلك الامر. (شانهم) اي انظروا ماذا كان سبب عزه اولئك لامم فازموه، و ياتي بيان الامر في قوله ( … اجتناب..) (و زاحت) اي بعدت (الاعداء له) اي لالتزامهم بذلك الامر (عنهم) اي عن تلك الامم. (و مدت العافيه فيه) اي في ذلك الامر و بسببه (عليهم و انقادت النعمه) اي جائت النعمه (له) اي لاجل ذلك الامر (معهم) فكانت النعمه معهم. (وصلت الكرامه عليه) اي علي ذلك الامر (حبلهم) بان اتصلوا بحبل الكرامه (من الاجتناب للفرقه) اي التفرقه و التشتت، هذا بيان لقوله: كل امر اي الزموا الاجتناب

من التفرق- اي الاتحاد- فانه صار سببا لتلك الفضائل فيهم. (و اللزوم الالفه) بان يالف بعضكم بعضا (و التحاض عليها) بان يحض بعضكم بعضا بالائتلاف و عدم التشتت (و التواصي بها) بان يوصي بعضكم بعضا بالالفه و الاتحاد. (و اجتنبوا كل امر كسر فقرتهم) هي ما انتظم من العظام في الظهر من الكاهل الي مطلع الذنب، و هي كنايه عن تبديد شملهم (و اوهن منتهم) المنه القوه، و اوهن، بمعني: اضعف (من تضاغن

القلوب) الضغن: الحقد، اي تحاقد بعضهم لبعض (و تشاحن الصدور) الشحناء: البغضاء، (و تدابر النفوس) بان ادبرت نفس بعضهم عن نفس الاخرين (و تخاذل الايدي) بان خذلت يد بعضهم بعضا، فلم تساعده، و هكذا العكس. (و تدبروا احوال الماضيين من المومنين قبلكم) اي: طالعوا سيرتهم (كيف كانوا في حال التمحيص) اي تمحيص الله لهم، لاخذ خيارهم و تمييز صلحاهم (و البلاء) اي الابتلاء و الامتحان، و الامر بالتدبر في احوال اولئك لتخفيف و طائه المصئب علي المخاطبين، اذ الانسان بالتفكر في احوال المبتلين يسرعن نفسه الهموم الوارده عليه، كما يقال: اذ اعم البلاء طاب. (الم يكونوا اثقل الخلق اعباء) جمع عب ء، و هو الثقل (و اجهد العباد بلاء) اي كان بلائهم اكثر اجهادا لهم، من اجهاد البلاء علي سائر الناس. (و اضيق اهل الدنيا حالا)؟ ثم بين عليه السلام سبب ضيق اولئك المومنين بقوله: (اتخذتهم الفراعنه) جمع فرعون، و هو لقب عام الملوك مصر، في زمان موسي عليه السلام و حواليه (عبيدا) يذبحون ابنائهم و يستحيون نسائهم (فساموهم سوء العذاب) اي انزلوا بهم اشد انواع العذاب (و جرعوهم المرار) شجر شديد المراره، حتي ان الابل اذا اكلته تقلصت منه شفاهها (فلم تبرح الحال بهم) اي

ل

م تزل حاله العذاب باولئك المومنين (في ذل الهلكه) اي الذل الملحق بهم بسبب اهلاك الفراعنه لهم. (و قهر الغلبه) فان الغالب يقهر المغلوب و يجبره علي ما يريد (لا يجدون حيله) اي وسيله و طريقا (في امتناع) اي لان يمتنعوا عن تعذيب الفراعنه. (و لا سبيلا الي دفاع) عن انفسهم حتي لا ينصب عليهم عذاب فرعون و قومه (حتي اذا راي الله جد الصبر منهم) اي الصبر الجدي الحقيقي منهم، لا يتركون دينهم، ليكف فرعون منهم، بل صامدون صابرون (علي الاذي في محبته) تعالي (و الاحتمال للمكروه) اي احتمل المومنين المكروه- اي العذاب (من خوفه) سبحانه، فانهم لم يتركوا دينهم خوفا منه تعالي (جعل) جواب اذا (لهم من مضايق البلاء فرجا) فان البلاء يضيق علي الانسان حركاته و اعماله. (فابدلهم العز مكان الذل) حيث صاروا ساده، بعد ان كانوا عبيدا، و ذلك حين اغرق فرعون و جنوده، و نجاهم من مصر و القبط (و الامن مكان الخوف) من فرعون و ملاه (فصاروا ملوكا حكاما) يحكمون البلاد. (و ائمه اعلاما) للدين، بهم يهتدي الناس و يقتدي (و بلغت الكرامه من الله لهم) اي اكرمهم الله كرامه (ما لم تبلغ الامال) اي آمالهم (اليه) الضمير عائد الي ما (بهم) اي مقدار لم تبلغ الامال بذلك المقدار ب

هولاء، فلم ترفعهم الامل الي حيث الاحتمال لمثل هذه الكرامه. (فانظروا كيف كانوا) اي بنواسرائيل (حيث كانت الاملاء) جمع ملاء، بمعني: الجماعه (مجتمعه) تحت لواء الدين (و الاهواء) اي الاراء لهم (متفقه) في تنفيذ احكام الشريعه. (و القلوب معتدله) لا افراط فيها و لا تفريط (و الايدي مترادفه) بعضها اثر بعض، يعمل الكل العمل الواحد لاجل الشريعه و تعمير الارض.

(و السيوف متناصره) اذا هجم بهم العدو اجتمع الكل لحربه (و البصائر نافذه) تنفذ من الدنيا و من ظواهر الامور الي الاخره، و الي عواقب الاشياء و اعماقها (و العزائم) جمع عزيمه، بمعني: الاراده (واحده) بلا تشتت و لا اختلاف. (الم يكونوا اربابا) اي سادات و حكاما (في اقطار الارضين) ففي كل قطر و قطعه كان منهم الساده و الملوك. (و ملوكا علي رقاب العالمين) يحكمون علي الناس، و ذكر الرقاب، لان البيعه تتعلق بالرقبه، و ذلك لانها مكان السيف ان لم تقبل الاطاعه، فالحكم نافذ فيها، كما ان السيف نافذ فيها- بعلاقه المماثله-. (فانظروا الي ما صاروا اليه في آخر امورهم) اي آخر امور بني اسرائيل- بعد تلك الرفعه و العزه- (حين وقعت الفرقه) اي التفرقه بينهم (و تشتت الالفه) اي: الائتلاف الذي كان بينهم (و

اختلف الكلمه) بان صار لكل واحد منهم كلام غير كلام الاخر (و الافئده) جمع فواد (و تشعبوا مختلفين) اي صاروا شعبا مختلفه. (و تفرقوا متحارين) اي صار كل جماعه منهم حزبا مخالفا لجماعه اخري (قد خلع الله عنهم لباس كرامته) التي اكرمهم بها حين كانوا مجتمعين (و سلبهم غضاره نعمته) اي سعتها. (و بقي قصص اخبارهم فيكم) اي رواياتها (عبرا للمعتبرين) (عبر) جمع عبره، بمعني: ما يسبب اعتبار الانسان، و ايقاظه الي جهه الصلاح و الفساد، و عاقبه الاعمال

[صفحه 213]

(فاعتبروا بحال ولدا اسماعيل) جد الرسول صلي الله عليه و آله، و منه عرب الحجاز غالبا. (و بني اسحاق) بني يعقوب ابن ابراهيم عليه السلام (و بني اسرائيل) اسرائيل اسم يعقوب عليه السلام، و لعل ذكرهم في قبال بني اسحاق لعدم اشتهار بعض بني اسحاق باسم بني اسرائيل (فما اشد اعتدال الاحوال) اي تناسب حال اولئك باحوالكم انتم معاشر

المسلمين (و اقرب اشتباه الامثال) اي تشابه اولئك بكم. (تاملوا امرهم في حال تشتتهم) اي تفرقهم الاول قبل ظهور محمد صلي الله عليه و آله، و ظهور دولتهم ببركته (ليالي كانت الاكاسره) جمع كسري، و هم ملوك الفرس. (و القياصره) جمع قيصر، ملوك الروم (اربابا لهم) اي ساداتهم (يحتازونهم) اي يقبضونهم (عن ريف الافاق) اي الاراضي الخصبه في اطراف الارض (و بحر العراق) فقد كان العراق- في الاصطلاح السابق- يقال لقطعه من الارض يحيط بها ثلاثه ابحر، البحر الاسود، و بحر قزوين، و الخليج الفارسي، و كان العرب و اليهود منتشرين علي بعض هذه الابحر. (و خضره الدنيا) اي محلاتهم الخضره (الي منابت الشيح) جمع منبت، و الشيح قسم من النبات القليل الفائده (و مهافي الريح) المواضع التي تهفو- اي تهب- فيها الرياح- و هذا كنايه عن تبعي

دهم في الصحاري حيث لا زرع و لا فائده (و نكد المعاس) اي صعوبته (فتركوهم) القياصره و الاكاسره (عاله مساكين) عاله، جمع عيل، و هم الذين لا نفقه لهم و انما ينفق عليهم شخص آخر، و مساكين جمع مسكني، و هم الذين اسكنهم الفقر (اخوان دبر) اي ظهر مقروح (و وبر) هو شعر الجمل، و المراد ازالتهم عن المدن و اسكانهم في الصحاري في الخيام، يمتطون الدواب المقروحه الظهر من كثر التعب (اذل الامم دارا) اي ان دارهم ذليله لا يهتم بها و لا يعتني من شانها. (واجد بهم قرارا) اي ان قرارهم و مستقرهم جدب لا نبت فيه مقابل الخصب (لا ياوون الي جناح دعوه) اي لم يكن في بينهم من يدعوا الي الحق فياوون و يجتمعون اليه بحيث (يعتصون بها) اي يحفظون انفسهم بتلك الدعوه اذلال

الملوك لهم. (و لا) ياوون (الي ظل الالفه) فيما بينهم (يعتمدون علي عزها) فان الالفه توجب العزه. (فالاحوال منهم مضطربه) غير مستقره (و الايدي مختلفه) لا تعاون بينها (و الكثره متفرقه) لا اجتماع لها (في بلاء ازل) بمعني الشده، اي بلاء شديد (و اطباق جهل) قد شملهم الجهل لا يعلمون من الحياه و من الاخره شيئا. (من … ) وئد بنته، اي: دفنها و هي حيه، فقد كانت من عاده اهل الجاهليه، ان يدفنون البنات اح

ياء قائلين نعم الصهر القبر، كارهين للبنات، كما قال سبحانه: (و اذا بشراحدهم بالانثي ظل وجهه مسودا و هو كظيم) و قال: (و اذا الموئوده سئلت باي ذنب قتلت؟) (و اصنام معبوده) فانهم كانوا يعبدون الاصنام ينحتونها بايديهم ثم يعبدونها. (و ارحام مقطوعه) يقطع بعضهم البعض، فلا تزاور و لا تالف (و غارات مشنونه) يشن بعضهم الغاره- اي الهجوم- علي بعض، فيقتل و يهتك و يسلب، هذه كانت حالهم قبل الاسلام. (فانظروا الي مواقع نعم الله عليهم حين بعث اليهم رسولا) هو نبي الاسلام محمد صلي الله عليه و آله و سلم (فعتقد بملته) اي بطريقته السماويه (طاعتهم) فقد كانت الطاعه بينهم متفرقه، كل يطيع شيئا و شخصا، فجمع الرسول طاعتهم حول شي ء واحد. (و جمع علي دعوته الفتهم) فالفهم جميعا حول دعوه الاسلام (كيف نشرت النعمه عليهم جناح كرامتها) كما ينشر الطائر جناحه علي فراخه لئلا يصيبهم اذي. (و اسالت) النعمه الالهيه (لهم جداول) جمع جدول، بمعني النهر (نعيمها) الموجبه لريهم من الظماء (و التفت المله) اي الطريقه الاسلاميه (بهم) اي جمعتهم كما يلتف الحبل بحزمه القصب (في عوائد بركتها) اي في بركاتها العائده اليهم (فاصبحوا في نعمتها غرقين)

كما يغرق الشخص في البحر،

و هذا كنايه عن كثره النعمه عليهم (و عن خضره عيشها) كنايه عن العيش الهني ء، تشبيه بخضره النبات في مقابل يبسه (فكهين) اي راضين بتفكهون بتلك العيشه. (قد تربعت الامور بهم) اي اقامت امورهم بعد التفرق و التشتت (في ظل سلطان قاهر) للاعداء هو سلطان الاسلام (و آوتهم الحال) اي اعطتهم حالتهم الاسلاميه الايواء و المسكن (الي كنف عز غالب) اي الي جهه عزه غالبه لا يتمكن شي ء من ازالتها. (و تعطفت الامور عليهم) كان الامور كانت شارده عنهم في زمن الجاهليه، ثم مالت نحوهم (في ذري) جمع ذروه، بمعني الجهه الاعلي من كل شي ء (ملك ثابت) اي حيث صاروا روساء الدوله الثابته. (فهم حكام علي العالمين) المراد بالعالمين الاقطار المختلفه، (و ملوك في اطراق الارضين) ببركه الاسلام. (يملكون الامور علي من كان يملكها عليهم) فانهم صاروا ملوكا علي امم كسر و قيصر، بعد ان كانت تلك الامم ملوكا عليهم. (و يمضون الاحكام) اي يجرون احكامهم (فيمن كان يمضيها فيهم) من الفرس و الروم (لا تغمز لهم قناه) كنايه عن قوتهم، و القناه الرمح، و غمزها كنايه عن الضغط عليها لتعديلها في ما اذا كانت معوجه، و القناه اذا كانت صلبه لا يمكن غمزها، و هكذا صارت العرب بفضل الاسلام اقوياء

، لا يتمكن احد من غمزهم. (و لا تقرع لهم صفاه) هي الحجر الصلب، و قرعها صدمها لتكسر، و هذا ايضا كنايه عن قوتهم و شده باسهم ببركه الاسلام، ثم بعد ما بين الامام عليهم السلام حالهم قبل الاسلام، و حالهم بعد الاسلام، عطف بالكلام نحو حالهم في زمانه، حيث رجعوا الي حاله الجاهليه.

[صفحه 218]

(الا و انكم قد نفضتم ايديكم) نفض اليد

كنايه عن الانعزال عن الامر، كما اذا نفضت اليد- اي حركت تحريكا عنيفا- يسقط كل ما فيها (ما حبل الطاعه) كان الطاعه حبل يوصل الحاكم بالرعيه، و يجمع بينهما. (و ثلمتم) الثلم، الثقب، و الخرق (حصن الله المضروب عليكم) و هو حصن الشريعه التي تجمعهم و تسعدهم و تمنع الاعداء من الوصول اليهم (ب) سبب اتباعكم ل(احكام الجاهليه) من التفرق و التشتت و المخالفه لمواليكم (فان الله سبحانه قد امتن هعلي جماعه هذه الامه) و ياتي متعلق (امتن) في قوله: بنعمه و الجهل بينها اعتراض (فيما عقد بينهم من حبل هذه الالفه) اي تاليف بعضهم الي بعض، كما قال سبحانه: و اذكروا نعمه الله عليكم اذ كنتم اعدائا فالف بين قلوبكم، فاصبحتم بنعمه اخوانا و قال: لو انفقت ما في الارض ما الفت بين قلوبهم (التي ينتقلون) اي المسلمون (في ظلها) اذ لو لا الفتهم لم يتمكنوا من السير في آفاق الارض و السيطره علي البلاد و العباد. (و ياوون الي كنفها) اي يستريحون الي جنب هذه الالفه، في امن من الاخطار (بنعمه) متعلق ب(امتن) (لا يعرفون احد من المخلوقين لها قيمه) اي لا تقدر بثمن، من عظم ثمنها (لانها) اي الالفه (ارجح من كل ثمن) يقدر

(و اجل من كل خطر اي من كل عظيم، اذ بها تويتي كل شي ء، و بدونها لا يحصل الشخص علي اي شي ء. (و اعلموا انكم صرتم بعد الهجره) و هي كنايه عن الالتزام باحكام الاسلام (اعرابا) كنايه عن صيرورتهم كاهل الباديه- الذين قال الله تعالي فيهم: (الاعراب اشد كفرا و نفاقا، و اجدر ان لا يعلموا حدود ما انزل الله علي رسوله)- (و بعد الموالاه) لجهه واحده (احزابا) كل

حزب له جهه خاصه، و آراء مخصوصه. (ما تتعلقون من الاسلام الا باسمه) فتسمون مسلمين، بدون ان تعملوا باحكام الاسلام (و لا تعرفون من الايمان الا رسمه) اي علامته، بدون ان تكونوا مومنين عاملين بشرائط الايمان، و الاسلام هو الشهادتان، و الايمان العمل جنانا و لسانا و اركانا بماء جاء به الرسول صلي الله عليه و آله (تقولون النار و لا العار) اذا دعيتم الي حكم من احكام الاسلام ينافي تقاليدكم و عاداتكم، كالمتزوج من غير العربي، و هكذا، و المعني نقدم نار جهنم- بتركنا حكم الاسلام- و لا نقدم علي ما يصير سببا للعار علينا. (كانكم تريدون ان تكفئوا) اي تكبوا (الاسلام علي وجهه) بعدم عملكم باحكام الاسلام (انتهاكا) منكم (لحريمه) اي حرمه الاسلام، فان الاتيان بالمحرمات اذهاب لحرمه الاسلام (و نقضا لم

يثاقه) اي عهده الذي اخذ منكم، باتباع احكامه في مقابل اسعاده لكم في الدارين، و حقنه لدمائكم و اموالكم و اعراضكم. الميثاق (الذي وضعه الله لكم حرما في ارضه) لان بذلك الميثاق حفظتم، كما يحفظ من في حرم ملك او كبير (و امنا بين خلقه) اذ ان امنكم انما نشاء من ذلك الميثاق (و انكم ان لجاتم الي غيره) اي لذتم الي غير الاسلام، او غير ميثاق (حاربكم اهل الكفر) لان لكل مله اعداء. (ثم لا جبرائيل و لا ميكائيل و لا مهاجرون و لا انصار) الذين هاجروا مع الرسول الي المدينه، و الذين نصروه من اهل المدينه- الذين هم اقوي ايمانا منكم، و اشهر عند الناس و لذا يهابونهم (ينصرونكم) اذ من انحرف عن طريق الاسلام لا ينصره الله بارسال الملائكه، و لا اصحاب الرسول الاخيار، فلا يبقي في الميدان لمحاربه

الكفار (الا) هو وحده لائذا ب(المقارعه بالسيف) فسيفه ناصره- فقط- (حتي يحكم الله بينكم) ان شاء غلبتم، و الاغلب الكفار، بخلاف العامل بالاسلام حقيقه، فان الله ينصره حتما كما قال: ان تنصروا الله ينصركم. اقول: لقد صار حال المسلمين- اليوم، و انا اكتب هذا الشرح- كما قال الامام عليه السلام اذ تركوا العمل بالاسلام، فوكلهم الله الي انفسهم، فقارعوا مع الكفار وحده

م، و غلب عليهم الكفار، حتي ان اليهود و هم اذل خلق الله سيطروا علي بلادهم- في فلسطين- و لم يتمكنوا من تحركا ساكن، بله الامم الكبار، الذين لا يعد دوله المسلمين امامهم شي ء ينكر و قد ابتلعوا بلاد الاسلام واحده تلو الاخري، فذهبت من ايديهم اسپانيا و الهند، و الصين، و تاتجكستان، و بلاد افريقيا، و غيرها، و البلاد الباقيه في ايديهم لا شان لهم فيها، و انما هي خاضعه لقوانين الكفار و سلطتهم و مكرهم و كيدهم، هدي الله المسلمين، و انقذهم من ايدي اعدائهم بمحمد و آله الطاهرين. (و ان عندكم الامثال من باس الله) اي عذابه الذي صبه علي الذين لا يمتثلون اوامره (و قوارعه) جمع قارعه، و هي: العذاب الشديد الذي يقرع الامه (و ايامه) التي صنع فيها بعض الاشياء غير المترقبه، يقال: يوم فلان اذا وصلت اليه فرحه او فاجعه غير مترقبه (و وقائعه) جمع واقعه، و هي القصه التي تقع من قبله سبحانه علي الناس (فلا تستبطئوا وعيده) اي: لا تظنوا ان وعيده تعالي بالعذاب علي المخالفين (جهلا) منكم (ب) كيفيه (اخذه) تعالي للعصات (و تهاونا) و منكم اي: تساهلا (ببطشه) اي ضربه و تعذيبه (و ياسا) منكم (من باسه) اي عذابه و شدته. (فان الله سبحانه لم

يلعن القرن الماضي بين

ايديكم) و المراد بهم اما بنواسرائيل، او الامم الذين كانوا في الروم و الفرس، الذين غلب المسلمون عليهم و اخذوا بلادهم (الا لتركهم الامر بالمعروف و النهي عن المنكر) تهاونا بهذين الواجبين. (فلعن الله السفهاء) اي طردهم عن رحمته، و السفهاء هم الذين ارتكبوا المعاصي (لركوب المعاصي) و عملهم بها (و الحلماء) العقلاء منهم (لترك التناهي) اي تركهم النهي عن المعاصي، و التناهي من باب التفاعل، لنهي بعض بعضا.

[صفحه 221]

(الا و قد قطعتم قبل الاسلام) الذي كان عليكم، و المراد بقيد الاسلام احكامه، و قطعه، تركهم لها (و عطلتم حدوده) التي جعلها الله سبحانه (و امتم احكامه) فانها اذا تركت كانت كالميت لا ياتي منه خير. (الا و قد امرني الله بقتال اهل البغي) اي الظلم (و النكث) اي الذين نقضوا البيعه (و الفساد في الارض) اي الذين افسدوا فيها (فاما الناكثون) و هم طلحه و الزبير و اصحاب الجمل الذين بايعوا الامام عليه السلام نقضوا بيعته حبا للرئاسه (فقد قاتلت) معهم. (و اما القاسطون) اي الظالمون- كما قال سبحانه: و اما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا- و المراد بهم الخوارج (فقد جاهدت) اي حاربت (و اما المارقه) من مرق، بمعني: خرج، و هم اصحاب معاويه الذين خرجوا عن الدين (فقد دوخت) اي اضعفتهم و اذللتهم، في صفين، و … بقي منهم شي ء. (و اما شيطان الردهه) هي النقره في الجبل، يجتمع فيها الماء، و المراد بشيطانها، ذو الثديه، رئيس الخوارج فقد وجد مقتولا في ردهه (فقد كفيته) اي كفيت شره (بصعقه) اي غشيه اصابته من الهول (سمعت لها) اي لتلك الصعقه (وجبه قلبه) اي خفقانه و اضطرابه (و رجه صدره) اي اهتزازه و

ارتعاده، فقد اضطرب ذو الثديه عن دقتله اضطرابا عظيما

. (و بقيت بقيه من اهل البغي) كمعاويه و اصحابه (و لئن اذن الله في الكره عليهم) اي في رجوعي الي قتالهم، و اذن الله عباره عن تهيته سبحانه للاسباب، و ابقائه للعمر (لاديلن منهم) اي آخذ الدوله منهم (الا ما يتشذر) اي يتغرق (في اطراف البلاد تشذرا) فان من فر منهم من يدي فله نصيبه، اما من بقي، فسوف احاربهم و آخذ الدوله منهم- ان شاء الله-

[صفحه 223]

ثم بين عليه السلام انه قادر علي ذلك بقوله: (انا وضعت في الصغر) اي في حال صغر سني (بكلاكل العرب) جمع كلكل، بمعني الصدر، و المراد بها: روساء الكفار الذين قتلهم الامام عليهم السلام (و كسرت نواجم) جمع ناجمه، بمعني: ما ظهر من الشي ء (قرون ربيعه و مضر) اي ما كان يظهر من هاتين القبيلتين من الكفار المحاربين للرسول صلي الله عليه و آله. (و قد علمتم) ايها الناس (موضعي من رسول الله) اي ارتباطي به صلي الله عليه و آله، وصلتي معه (صلي الله عليه وآله). و ذلك (بالقرابه القريبه) فانا ابن عمه صلي الله عليه و آله و سلم (و المنزله الخصيصه) اي التي كانت تخصني دون غيري. (و ضعني) رسول الله (في حجره و انا ولد) صغير (يضمني الي صدره) حبا و عطفا، كم يضم الاب الروف ولده الي صدره (و يكنفني الي فراشه) اي: يوويني معه في فراشه صلي الله عليه و آله (و يمسني جسده) كما يمس الانسان جسده بجسد ولده حبا و حنانا، و لاجل التقبيل و التلطيف. (و يشمني عرفه) هي الرائحه الطيبه، فان الانسان اذا لم آخر، دخل حبه في قلبه، و لذا

يشم الانسان ولده و حبيبه، و لعل الرسول صلي الله عليه و آله كان يامر عليا عليه السلام بذلك ليتمازج الحبان، او انه كنايه ع

ن تقريبه صلي الله عليه و آله، له عليه السلام حتي كان يشم رائحته الطيبه. (و كان يمضع الشي) باسنانه صلي الله عيه و آله (ثم يلقمنيه) كما يفعل الانسان ذلك لولده، حبا له و عطفا عليه، فقد اوتي بالامام الي الرسول و هو وضيع (و ما وجد) صلي الله عليه و آله لي كذبه في قول) اذ لم اكذب قط (و لا خطله) اي خطائا (في فعل) من الافعال. (و لقد قرن الله به- صلي الله عليه و آله- من لدن) اي من وقت (ان كان فطيما) قد اخذ من الرضاع و شرب اللبن (اعظم ملك من ملائكه) لعله الروح، او جبرائيل عليه السلام (يسلك) ذلك الملك (به) صلي الله عليه و آله (طريق المكارم) اي يرشده اليها (و محاسن اخلاق العالم) اي الاخلاق الحسنه، كالصدق، و الامانه، و الوفاء، و ما اشبه، (ليله و نهاره) اي كان الملك مع الرسول صلي الله عليه و آله ليلا و نهارا لا يفارقه ابدا. (و لقد كنت اتبعه) اي اتبع الرسول صلي الله عليه و آله (اتباع الفصيل اثر امه) الفصيل ولد الناقه، و يسمي بذلك لانه فصل منها (يرفع لي كل يوم من اخلاقه علما) و سمي ذلك بالعلم، تشبيها باعلام الطريق الداله علي المسلك فان الاخلاق سبيل السعاده في الدارين (و يامرني بالاقتداء به) زياده في التربيه و التوجيه. (و لقد

كان يجاور كل سنه بحراء) جبل علي القرب من مكه، كان النبي صلي الله عليه و آله يذهب اليه للخلوه بنفسه و مناجات

ربه (فاراه) صلي الله عليه و آله (و لا يراه غيري) حيث كنت معه، و لم يكن معه احد. (و لم يجمع بيت واحد يومئد) اي يوم اذ بعث (في الاسلام غير رسول الله صلي الله عليه و آله و خديجه) زوجته المفضله عليهاالسلام (و انا ثالثهما) و كان العابد لله سبحانه منحصرا فيهم (اري نور الوحي و الرساله) الظاهر اراده ضيائهما المعنوي، فان اللحق نورا يعرفه اهله (و اشم ريح النبوه) شما معنويا، و هذا من باب تشبيه المعقول بالمحسوس، او ان المراد امر خارق، كان يشمه الامام. (و لقد سمعت رنه الشيطان) اي انينه (حين نزل الوحي عليه صلي الله عليه و آله، فقلت يا رسول الله ما هذه الرنه)؟ التي اسمعها (فقال): صلي الله عليه و آله (هذا الشيطان) و هذه رنته (قدايس من عبادته) فكان الشيطان كان عازما علي اضلال الناس الي حد ان يعبدوه حتي تهيي ء اذهان اهل جزيره العرب لمثل هذا النحو من الكفر- كما نري من بعض عباد ابليس في بلاد سنجار و نحوها في العراق، فلما بعث الرسول صلي الله عليه و آله تاوه لما راي من احباط الله سبحانه لمكره و موامراته ضد البشر، ببعثه من ي

كون سببا لهدايتهم، ثم قال الرسول صلي الله عليه و آله لعلي عليه السلام (انك تسمع ما اسمع) من صوت الوحي، و رنه الشيطان، و ما اشبه (و تري ما تري) من صوره الملائكه، و الشيطان (الا انك لست بنبي) اذ النبي من امر ابتدائا بتبليغ الرساله (و لكنك وزير) معين لي (و انك لعي خير) في المستقبل.

[صفحه 226]

(و لقد كنت معه صلي الله عليه و آله لما اتاه الملاء من

قريش) اي الاشراف منهم، و انما سموا بالملاء، لانهم يملئون الصدور و العيون هيبه و جلالا (فقالوا له يا محمد انك قد ادعيت عظيما) من الامر (لم يدعه آباوك) الاقربون (و لا احد من بيتك) من قريش و مطلب و هاشم (و نحن نسالك امرا ان اجبتنا اليه و اريتناه) بان اتيت بهذه المعجزه التي نسئلك اياها، حتي نشاهدها باعيننا (علمنا انك نبي و رسول، و ان لم تفعل) تلك المعجزه (علمنا انك ساحر كذاب) لست نبي (فقال صلي الله عليه و آله: و ما تسالون) عني؟ (قالوا: تدعو لنا هذه الشجره حتي تنقلع) عن الارض (بعروقها) جمع عرق (و) تاتيك ف(تقف بين يديك) مثل اتيان شخص اليك. (فقال صلي الله عليه و آله: ان الله عل كل شي ء قدير) فيقدر علي مثل ذلك الذي طلبتموه (فان فعل الله لكم ذلك) الذي سالتموه (اتومنون) بي؟ (و تشهدون بالحق) الذي بعثت به؟ (قالوا: نعم، قال) صلي الله عليه و آله (فاني ساريكم ما تطلبون، و اني لاعلم انكم لا تفيئون) اي لا ترجعون (الي خير) فلا تومنون بي (و ان فيكم من يطرح في القليب) اي في بئر بدر- و البئر تسمي قليبا- و ذلك انهم جائوا الي حرب الرسول- و هو في المدينه- و تحارب ال

طرفان في محل يسمي بدرا و قتل جمع من الكفار، و طرحوا في تلك البئر التي كانت موجوده هناك. (و من يحزب الاحزاب) و هم كبراء قريش، الذين جمعوا احزابا مختلفه، و جائوا الي حرب الرسول، في غزوه (خندق) المشهوره (ثم قال صلي الله عليه و آله: يا ايتها الشجره ان كنت تومنين بالله و اليوم الاخر و تعلمين اني

رسول الله فانقلعي بعروتك) عن الارض (حتي تقفي بين يدي باذن الله) تعالي. ثم قال الامام عليه السلام، و هو يحكي هذه القصه (فو الذي بعثه بالحق) (الواو) للقسم، و الذي بعث الرسول بالحق هو الله سبحانه (لا نقلعت) الشجره، و (اللام) للتاكيد (بعروقها) اي مع عروقها (و جائت) الي الرسول صلي الله عليه و آله (و لها دوي) اي صوت (شديد و قصف) اي: صوت (كقصف اجنحه الطير) وقت رفيفها بشده. (حتي وقفت بين يدي رسول الله صلي الله عليه و آله مرفوفه) رفرف الطائر اذا بسط جناحه علي شي ء، و المراد ان الشجره بسطت اغصانها علي الرسول صلي الله عليه و آله (و القت بغضها الاعلي علي رسول الله صلي الله عليه و آله) لعل المراد حماسته لجسمه الشريف (و ببعض اغصانها علي منكبي) و المنكب ما بين العنق و العضد (وكنت عن يمينه صلي الله عليه و آله) اذ ذاك. (فلما نظر القوم) ال

كفار (الي ذلك قالوا- علوا و استكبارا-) لا تفهما و استظهارا (فمرها فلياتك نصفها و يبقي نصفها) في مكانها (فامرها) الرسول صلي الله عليه و آله (بذلك) الذي طلبوا (فاقبل اليه) صلي الله عليه و آله (نصفها كاعجب اقبال) بسرعه و عدو (و اشده دويا) اي صوتا (فكادت) اي اقترب ان (تلتف برسول الله صلي الله عليه و آله) من شده الالتصاق به. (فقالوا- كفرا و عتوا-) اي ظلما، اي ان قولهم كان ناشئا عن ذلك، لا عن تفهم الحق، و الايمان به (فمر هذا النصف) الذي جائك (فليرجع الي نصفه) الباقي (كما كان) حتي يستويان شجره (فامره صلي الله عليه و آله فرجع) كما طلبوا و ارادوا. (فقلت انا:

لا اله الا الله، فاني اول مومن بك يا رسول الله) و ليس المراد ايمانه عليه السلام هناك، و انما تجديد لاظهار ايمانه، تقويه، … الرسول صلي الله عليه و آله و تشجيعا لمن يريد الايمان (و اول من اقر بان الشجره فعلت ما فعلت) من الانقطاع و المجي ء اليك (بامر الله تعالي، تصديقا بنبوتك و اجلالا لكلمتك) حتي لا يضع كلامك فارغا هبائا (فقال القوم) الحاضرون (كلهم: بل ساحر كذاب) اي كثير الكذب في دعواه النبوه (عجيب السحر) حيث بطيعه الكائنات (خفيف فيه) فان الخفه في الاعمال دليل الحذ

ق. (و هل يصدقك) يا محمد (في امرك) العمل (الامثل هذا) الشخص (يعنوني) اي يعنون بهذا الامام عليه السلام؟ (و اني لمن قوم لا تاخذهم في الله لومه لائم سيماهم) اي ظاهرهم (سيما الصديقين) هم الذين يكثرون تصديق الله و الرسول فان سيماء الصديق وقر، متواضع، خاشع، قليل، الكلام، و ما اشبه ذلك. (و كلامهم كلام الابرار) الذين لا يكذبون، و لا يستغيبون، و لا يبهتون و لا يستهزئون، اي اني من اولئك القوم (عمار الليل) اي القائمون بالطاعه و العباده ليلا، و عمار جمع عامر (و منار النهار) بهم يستنير الناس في امور دينهم (مستمسكون بحبل القرآن) كان القرآن حبل الله، الذي القاء للناس، فمن تعلق به رفعه الله الي الجنان. (يحيون سنن الله) احياء السنه عباره عن العمل بها و حض الناس عليها (و سنن رسوله) ما ورد عنه صلي الله عليه و آله، و ان لم يكن في القرآن الحكيم (لا يستكبرون) اي لا يتكبرون (و لا يعلون) اي لا يريدون علوا في الارض، و انما همهم الاخره (و لا يغلون) اي لا يخونون (و

لا يفسدون) في الارض. (قلوبهم في الجنان) يريد الذهاب اليها (و اجسادهم في العمل) الصالح الموجب لسعاده النشاتين.

خطبه 235

[صفحه 420]

(قاله لعبدالله بن عباس، و قد جائه برساله من عثمان، و هو محصور، يسئله فيها الخروج الي ماله بينبع، ليقل هتف الناس باسمه للخلافه، بعد ان كان سئله مثل ذلك من قبل) لقد كان الثوار المجتمعون في المدينه من البلاد، لاجل اعطاء عثمان مطاليبهم، و امره بعدل الولات في المسلمين، يئسوا من عثمان، و لذا حاصروه في داره، و اعلموا انهم لم يفكوا الحصار حتي يخرج من مظالمهم، و كان جماعه منهم في ذلك الاثناء ينادي باسم الامام خليفه مكان عثمان، و هذا مما ساء عثمان، فارسل الي الامام عليه السلام، يامره بالخروج- مسفرا- الي الخارج المدينه، حيث كان للامام هناك مال يسمي (ينبع) المعروف بهذا الاسم الي يومنا هذا، فخرج الامام، ثم بعد ان راي عثمان ان لا يمكن لشخص غير الامام حل المشكله، طلبه و جعله سفيرا بينه و بين الثوار. فجاء الامام عليه السلام، و اراد الاصلاح، لكن عثمان ابي العمل بنصح الامام و مطاليب المسلمين، و عاد المسلمون الي حصارهم، فطلب عثمان ابن عباس، و قال له ابلغ الامام لزوم خروجه من المدينه ثانيا، حيث سمع الهتاف باسم الامام خليفه، من الثائرين، فلما ابلغ ابن عباس الامام مقاله عثمان، قال عليه السلام: (يابن عباس ما يريد عثم

ان الا ان يجعلني جملا ناضحا بالغرب) الغرب: الدولو العظيمه، و الجمل الناضح، هو الذي يستقي الماء من البئر و نحوها، فانه اذا ذهبنحو البئر تدلت الدلو الي الماء، و اذا رجع صعدت الدلو، فياخذها الزارع، و نحوه ليكبها (اقبل و ادبر) كيف ما شاء عثمان، و الكلام تضجر و استهزاء

(بعث) عثمان (الي ان اخرج) من المدينه، فخرجت (ثم بعث الي ان اقدم) و ارجع الي المدينه، فرجعت (ثم هو الان يبعث الي ان اخرج) من المدينه (و الله لقد دفعت عنه) و رددت الثوار (حتي خشيت ان اكون اثما) حيث كان الحق مع الثوار، و المراد ليست الخشيه حقيقه، بل هذا كنايه لكثره المدافعه.

خطبه 236

[صفحه 412]

(اقتص) اي قص و حكي (فيه) اي في هذا الكلام (ما كان منه عليه السلام بعد هجره النبي صلي الله عليه و آله و سلم) من مكه الي المدينه (ثم لحاقه عليه السلام به صلي الله عليه و آله و سلم). (فجعلت اتبع ماخذ رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم) اي محل اخذه اي كنت اتسائل عن كيفيه عمل الرسول صلي الله عليه و آله، من يوم فارق مكه بقصد الهجره (فاطاء ذكره) كانه عليه السلام يمشي في ذكر الرسول صلي الله عليه و آله و سلم اذ يتتبع اخباره (حتي انتهيت الي العرج) عند خروجي من مكه بعد الرسول بقصد الهجره و عرج موضع بين مكه و المدينه.

خطبه 237

[صفحه 413]

في الحث علي المسارعه علي العمل (فاعلموا و انتم) الواو للحال (في نفس البقاء) اي سعه البقاء، و سميت السعه نفسا كان البقاء يتنفس و له حيات بعد، بخلاف ما اذ ذهب البقاء- بان مات الانسان- فقد انقطع نفس البقاء (و الصحف) التي تكتب فيها اعمالكم جمع صحيفه (منشوره) لم تطوفان الانسان مادام حيا تبقي صحفه منشوره ليدرج فيها عمله (و التوبه مبسوطه) اي لها مجال فتقبل و البسط ضد القبض (و المدبر) اي الذي ادبر عن الله سبحانه بالكفر و العصيان (يدعي) يدعوه سبحانه الي الايمان و الاطاعه. (و المسي ء يرجي) ان يقلع عن اسائته حيث ينفعه الانقلاع (قبل ان يخمد العمل) اي يبطل فلا عمل بعد الموت (و ينقطع المهل) اي المهله (و ينقضي الاجل) اي تنفني مده بقاء الانسان في الدنيا (و يسد باب التوبه) كما قال سبحانه: (و ليست التوبه للذين يعملون السيئات حتي اذا جاء احدهم الموت قال اني

تبت الان، و لا الذين يموتون و هم كفار) (و تصعد الملائكه) الحافظون لعمل الانسان فانه اذا مات لم تبق حفظته في الارض لانتهاء مهمتهم. ((فاخذ امرء من نفسه لنفسه) (اخذ) ماض بمعني الامر، اي فلياخذ كل امرء من نفسه- بصرفها في الاعمال الصالحه- لنفسه اي لنجاتها، و فوزها

غدا، فان الانسان اذا صرف نفسه في العمل الصالح راي نتيجته في الدنيا و الاخره (و اخذ من حي) اي من نفسه و هو حي (لميت) اي لحاله موته (و من فان) و هو جسمه (لباق) و هو الانسان في عالم الاخره. (و من ذاهب) و هو الانسان في الدنيا، اذ يذهب و يسافر منها (لدائم) باق، و هو الانسان في الاخره، او المراد بالذاهب الدنيا، و بالدائم الاخره، فالناجي هو (امرو خاف الله) فعمل باوامره (و هو معمر) اي يعمر و يبقي في الدنيا (الي اجله) الذي هو وقت موته. (و منظور) اي اعطي المهله و النظره (الي عمله) الذي يعمله و هو في الدنيا (امرو الجم نفسه بلجامها) و لجام النفس التقوي التي تحول بين الانسان و بين المحرمات (و زمها) اي قادها (بزمامها) اي بالحبل الذي يقاد به النفس و هو حبل الشريعه (فامسكها بلجامها عن معاصي الله) هذا بيان لقوله عليه السلام (بلجامها) (و قادها بزمامها الي طاعه الله) هذا بيان لقوله بزمامها.

خطبه 238

[صفحه 415]

(في شان الحكمين) في قصه معاويه و حرب صفين (و ذم اهل الشام) اهل الشام اصحاب معاويه (جفات) جمع جاف، بمعني غليظ القلب (طغام) اوغاد الناس و اراذلهم (و عبيد) جمع عبد، و انما شبههم بالعبيد لعدم استقلالهم في الاراده و تفهم الاشياء، و انما هم اتباع يمتثلون امر معاويه

في ما يضرهم (اقزام) جمع قزم، و هو الرذل الذي لا يعرف له كيان (جمعوا من كل اوب) اي من كل ناحيه و هذا عاده الاشرار دائما، فان ذوي البيوتات و الشرف لا يتبعهم، فيضطرون الي جمع الاشرار و التقويه بهم. (و تلقطوا) الالتقاط الجمع و الاخذ من الارض (من كل شوب) اي: كل خلط، فهم ليسوا بصراح النسب، بل شائبه (ممن ينبغي ان يفقه و يودب) اي انهم جهلاء اصحاب رذيله، فاللازم ان يعلموا و يودبوا بالاداب (و يعلم) العلم (و يدرب) اي يمرنوا علي العمل فلا اصل لهم و لا شرف، و لا حسب لهم و لا ادب (و يولي عليه) اي يكون له ولي يلي شئونه، فانهم سفهاء لا رشد فيهم (و يوخذ علي يديه) حتي لا يتصرف تصرفا سيئا. (ليسوا من المهاجرين و الانصار) ذوي السوابق و العلم و الاداب (و لا من الذين تبوا و الدار) اي نزلوا المدينه المنوره ممن اجتمع حول الرسول صلي الله عليه و آله و سلم من غير مكه

، لا يقال و قد كان كذلك اصحاب الرسول صلي الله عليه و آله و سلم، حيث اجتمعوا من كل ناحيه، و لم يكن لهم في اول الدعوه سوابق؟ اذ الفرق واضح فان الرسول اجتمع حوله الاخيار، اذ لم يكن له اول الدعوه مال و قوه بخلاف معاويه فانه جمع الاشرار بالمال و القوه، و الاشرار تابعون لهما، بخلاف الاخيار الذين هم تابعون للحق. ثم ان الرسول صلي الله عليه و آله و سلم لم يكن في قباله من له انصار ذووا سوابق، فعدم السابقه في اصحابه لا يضر بخلاف معاويه، فانه جمع من لا سابقه له

ليقابل بهم من له سوابق و فضائل. (الا و ان القوم) اي معاويه و ربعه (اختاروا لانفسهم اقرب القوم مما تكرهون) اي اختاروا في التحكيم اباموسي الاشعري، و اسمه عبدالله بن قيس، و هذا الرجل كان قريبا الي ما يكره اصحاب الامام، لانه كان ضد الامام، و ضد قيامه بالحرب امام الطغام. (و انما عهدكم بعبدالله بن قيس بالامس يقول) ما يذل علي كراهته لكم و لنهضتكم: (انهافتنه) اي هذا الحرب بين الامام و بين الناقضين لبيعته (فقطعوا اوتاركم) اي اوتار القسي، و هو ما يرمي منه (و شيموا) اي اغمدوا (سيوفكم)، و ذلك كنايه عن عدم الحرب، فكان ابوموسي يخذل عن الامام و يثبط عزائم المومنين في محاربه منا

وي ء الامام عليه السلام. (فانكان صادقا) في ان هذه الحرب فتنه و ينبغي للانسان ان لا يشارك فيها (فقد اخطاء بمسيره) الي الفتنه بنفسه (غير مستكره) اذ لم يكره احد اباموسي ليسير الي الحرب و يدخل فيها و يكون حكما في الامر فعمله خلاف عقيدته، و مثل هذا الشخص لا يعتمد عليه. (و ان كان كاذبا) في قوله: انها فتنه (فقد لزمته التهمه) اذ كان عارفا بالحق، و مع ذلك تكلم بالباطل (فادفعوا في صدد عمرو بن العاص بعبدالله بن العباس) فقد رشح الامام عليه السلام للمحاجه من جانبه ابن العباس، لانه كفوء لعمرو و يعلم مكائده، اما ابوموسي فكان ابلها، لكن عده من اصحاب الامام المغفلين اصروا علي ابوموسي، جهلا منهم بواقع الحال (و خذوا مهل الايام) اي اجعلوا ايام المهله بين الجانبين حيث عطلت الحرب مده مديده، لحكم الحكمين، لتجديد قواكم و استعدادكم للحرب من جديد. (و حوطوا قواصي الاسلام) جمع قاصيه، و هي: الاطراف البعيده، و

معني احاطتها حفظها من غاره اهل الفتنه عليها، و قد كان الامر كما قال الامام عليه السلام، فان معاويه اغار علي اطراف بلاد الامام حيث راي تفرق جيش الامام (الا ترون الي بلادكم تغزي) و تهاجم بسبب معاويه؟ (و الي صفاتكم) الصفات الحجر الصلب

، و المراد منها هنا القوه (ترمي) اي ان قواكم صارت مطمعا للاعداء.

خطبه 239

[صفحه 418]

يذكر فيها آل محمد صلي الله عليه و آله (هم عيش العلم و موت الجهل) اذ العلم لا يعيش الا بسبب العلماء، و الجهل لا يموت الا بمقدار حياه العلم (يخبركم حلمهم عن علمهم) فان العالم يكون حليما، اما الجاهل فانه يكون عجولا حادا (و صمتهم عن حكم منطقهم) فان الصمت دليل العقل الذي العقل الذي هو بدوره دليل علي المنطق الحكيم، و هو عباره عن الارشاد، و القول في موضع الكلام بقدر الحقيقه. (لا يخالفون الحق) الي الباطل (و لا يختلفون فيه) بان يخالف احدهم الاخر (هم دعائم الاسلام) جمع دعامه، بمعني العمود، اذ هم المبينون لاحكامه (و ولائج الاعتصام) ولائج جمع وليجه، و هي: ما يدخل فيها الانسان فرارا من مطر او عدو او سبع او ما اشبه، اي ان باتباع طريقهم يعتصم الانسان من الانحراف و الزلل. (بهم عاد الحق في نصابه) اي اصله المقدر له (و انزاح) اي زال (الباطل عن مقامه) الذي اقام فيه، فكان الحق و الباطل يتراوحان في مجالات الحياه فاذا وجد الحق اعوانا يبينونه و يهتمون بشانه- كالائمه عليهم السلام و اوليائهم- ياخذ الحق مكان الباطل، و الا اخذ الباطل مكان الحق (و انقطع لسانه) اي لسان الباطل (عن منبته) اي المحل الذي نبت فيه، اي اصله، و هذا

كنايه عن انقطاع حجه

الباطل امام حجه الحق. (عقلوا) اي فهم آل محمد صلي الله عليه و آله و سلم (الدين عقل وعايه) بان وعوه و اشتملوا عليه (و رعايه) بان رعوه و لا حظوه لئلا يتعدي عليه متعد و لا يحرفه محرف (لا عقل سماع و روايه) فلم يكونوا مجرد سامع لاحكام الدين، و رووا من النبي صلي الله عليه و آله الي الغير، بدون تفهم و تدبر (فان رواه العلم كثير) اي الذين يروونه (و رعاته قليل) اي الذين يراعونه.

نامه ها

نامه 001

[صفحه 425]

لاهل الكوفه، عند مسيره من المدينه الي البصره، يبين فيه حاله و حال مناوئيه (من عبد الله علي اميرالمومنين الي اهل الكوفه جبهه الانصار) المراد: انصاره عليه السلام، لا انصار الرسول صلي الله عليه و آله و سلم، و تشبيههم بالجبهه تشريف لهم، كانهم في اعلي مرتبه من مراتب انصاره (و سنام العرب) السنام المحل المرتفع في ظهر الابل، و انما شبههم بالسنام، ترفيعا لهم، ثم لا يخفي ان هذا لا ينافي تضجره عليه السلام فيما بعد عنهم، لانه اختلف حالهم قبلا و بعدا. (اما بعد فاني اخبركم عن امر عثمان) و ما جري عليه، لتعلموا عدم اشتراكي في قتله، كما يدعيه العصات كطلحه و الزبير، (حتي يكون سمعه كعيانه) اي سماعكم كالرويه لا تخفي عليكم من الامر خافيه (ان الناس طعنوا عليه) اي عابوا اعماله (فكنت رجلا من المهاجرين اكثر استعتابه) اي استرضائه، حتي يرضي عن الناس فيعطيهم مطاليبهم المشروعه (و اقل عتابه) و العيب عليه. (و كان طلحه و الزبير اهون سيرهما فيه) اي في امر عثمان و النقمه عليه (الوجيف) اي السريع، و هذا كنايه عن مسارعتهما في آثاره الفتنه عليه و كثره الطعن فيه

(و ارفق حدائهما العنيف) الحداء زجل الابل لسيره، و العنيف التسير بكل شد

ه و عنف (و كان من عايشه فيه) اي في عثمان (فلته غضب) الفلته ما يصدر من الانسان من قول او عمل فجئه و بلا رويه، فقد كانت عائشه تقول: (اقتلوا نعثلا قتله الله) تشبه عثمان بنعثل اليهودي و كانت تحرص الناس عليه اشد تحريض. (فاتيح له قوم) اي هيي ء لعثمان جماعه (فقتلوه) بسبب تلك التحريضات (و بايعني الناس غير مستكرهين) لم يكرههم احد علي البيعه (و لا مجبرين) و الجبر خروج الامرمن يد الانسان، و الاكراه ان يعمله بذاته، لكنه لخوف من يكره، فاذا صب الماء في حلق انسان بالقوه سمي اجبارا، و اذا قيل له ان لم تشرب قتلناك، فاخذ بيده و شربه، سمي اكراها (بل طائعين) في بيعتهم (مخيرين) بكل اختيارهم و ارادتهم. (و اعلموا ان دار الهجره) اي المدينه التي كانت هجره الرسول صلي الله عليه و آله و سلم و اصحابه اليها (قد قلعت باهلها) اذ انتقل اهلها، الامام و اصحابه المهاجرون و الانصار- من بقي مهم- الي صوب العراق (و قلعوا بها) اي فارقوها، يقال قلع المكان باهله، اذا انتقلوا عنه و لم يصلح لاستيطانهم (و جاشت) اي غلت (جيش المرجل) اي مثل غليان القدر، لتدفع فتنه عائشه و طلحه و ابن الزبير، اي فعليكم ان تقتدوا بهم في الخروج من الكوفه لنصره الاسلام ضد العصا

ت. (و قامت الفتنه علي القطب) اي قطب الخلافه، و هو الامام، و اخماد مثل هذه الفتنه اولي، من الفتنه التي تقوم علي الاطراف و الجوانب (فاسرعوا) يا اهل الكوفه (الي اميركم) يعني نفسه الشريفه (و بادروا) الي (جهاد عدوكم) فان العصات اعداء

المسلمين اذ يريدون الفوضي و الاضطراب (ان شاء الله عز و جل) كلمه كانت للشرط، ثم استعملت للتبرك.

نامه 002

[صفحه 428]

اليهم، بعد فتح البصره (و جزاكم الله من اهل مصر) (من) لبيان (كم) (من اهل بيت نبيكم) اي جزاكم من جهه نصرتكم، لاولئكم (احسن ما يجزي العاملين بطاعته) اذ اطعتم يا اهل الكوفه في نصره خليفه الرسول و سائر اهل بيته (و الشاكرين لنعمته) اذ شكرتم نعمه الخليفه بنصركم له (فقد سمعتم) الكلام (و اطعتم) الامر (و دعيتم) الي الجهاد (فاجبتم) و نصرتم.

نامه 003

[صفحه 429]

(كتبه لشريح بن الحارث، قاضيه) في الكوفه، و قد كان قاضيا من زمن عمر الي زمن يزيد، حيث افتي بقتل الحسين عليه السلام، ثم بقي بعد ذلك الي زمان الحجاج، و كانت مده قضاوته خمسا و سبعين سنه، باستثناء عامين في فتنه ابن الزبير و سبب هذا الكتاب ما (روي ان شريح بن الحارث قاضي اميرالمومنين عليه السلام، اشتري علي عهده دارا بثمانين دينارا، فبلغه عليه السلام ذلك، فاستدعاه، و قال له): (بلغني انك ابتعت) اي اشتريت (دارا بثمانين دينارا و كتبت كتابا) ادرجت فيه البيع (و اشهدت فيه شهودا) بان اخذت امضائتهم؟ (فقال شريح: قد كان ذلك يا اميرالمومنين كما بلغك، قال الراوي (فنظر عليه السلام اليه نظر مغضب) ثم قال له: (يا شريح اما انه سياتيك من لا ينظر في كتابك) اي الموت، او عزرائيل عليه السلام (و لا يسئلك عن بينتك) و شهودك (حتي يخرجك منها) اي من هذه الدار (شاخصا) اي ذاهبا بك الي قبرك. (و يسلمك الي قبرك خالصا) اي مجردا عن تلك الراد (فانظر يا شريح لا تكون ابتعت هذه الدار من غير مالك) كمال الرشوه و الايتام و الامانات و ما اشبه (او نقدت الثمن) اي اعطيته (من غير حلالك) بان كان من مالك المشتبه (فاذا انت) فعلت احد

هذين (قد خسرت دار

الدنيا) لانتقالك عنها (و دار الاخره) لتعاطيك المحرم الموجب لدخول النار. (اما انك لو كنت اتيتني عند شرائك مااشتريت) من تلك الدار (لكتبت لك كتابا علي هذه النسخه) الاتيه (فلم ترغب في شراء هذه الدار بدرهم فما فوق) حيث توجب هذه النسخه التنبيه و الايقاظ (و النسخه) هذه (هذا ما اشتري عبد ذليل) شريح (من عبد) هو البائع (قد ازعج للرحيل) اي: حرك تحريكا موجبا لاذاه (اشتري منه دارا من دار الغرور) اي الدنيا (من جانب الفانيين) اي من طرف اناس قد فنوا. (و خطه الهالكين) اي صوبهم (و تجمع هذه الدار حدود اربعه) كالشمال و الجنوب و الغرب و الشرق، في الدور المشتراه، لكنها حدود معنويه (الحد الاول ينتهي الي دواعي الافات) جمع آفه، و هي: البلاء في المال، كانه من هذا الحد ينتهي البلاء في مال ساكن الدار (و الحد الثاني ينتهي الا دواعي المصيبات) اي ما يصيب الانسان في اهله و بدنه (و الحد الثالث ينتهي الي الهوي المردي) اي هوي النفس الموجب لهلاك الانسان (و الحد الرابع ينتهي الي الشيطان المغوي) الذي يغوي الانسان ليهلكه، و المراد بهذه الحدود ان الانسان معرض لهذه الاخطار الاربعه. (و فيه) اي في الحد الرابع (يشرع باب هذه الدار) اي يفتح باب الدار، و

ذلك كنايه عن اختلاف الشيطان ذهابا و ايابا الي الانسان (اشتري هذا المغتر بالامل) اي شرع الذي غره و خدعه البقاء في الدنيا (من هذا) البائع (المزعج بالاجل) اي المضطرب بسبب الاجل و الموت (هذه الدار) مفعول (اشتري) و انما اشتراها (ب) سبب (الخروج من عز القناعه) التي كان فيها حيث لا دار له. (و الدخول في ذل الطلب)

فان الطالب للشي ء اسير له (و الضراعه) اي الاستكانه و التضرع (فما ادرك هذا المشتري) اي لحقه (فيما اشتري) اي: الدار (من درك) اي تبعه و نقص (فعل مبلبل اجسام الملوك) خبر مقدم، و مبتدئه (اشخاصهم) اي لو ظهر نقص، فعلي الله سبحانه ان يجمع بين البائع و المشتري في يوم الحساب، ليري هناك، لمن الحق، و مبلبل الجسم مهيج دائه. (و سالب نفوس الجبابره) اي مهلكهم- و هو الله- جمع جبار، و هو الذي يجبر الناس علي حسب ارادته، بما يكرهون (و مزيل ملك الفراعنه) جمع فرعون، و المراد به هنا الملوك الطغات (مثل كسري) ملك فرس (و قيصر) ملك الروم (و تبع و حمير) ملوك اليمن. (و من جمع المال علي المال فاكثر) من المال و الادخار (و بني) الابنيه (و شيد) اي رفع البناء (و زخرف) اي نقش البناء بالزينه (و نجد) اي زين (و اعتقد) المال اي اقتناه (و نظر- بزع

مه- للولد) اي فكر في ان يدخر المال لاولاده من بعده. (اشخاصهم) مبتدء: تقدم خبره، و هو قوله فعلي مبلبل (جميعا) اي اذا ظهر نقص في الدار، فعلي الله سبحانه ارسال البائع و المشتري (الي موقف العرض و الحساب) اي القيامه، و هذه الجمله علي غرار ما يكتب في اوراق الاملاك، من انه اذا ظهر نقص، فعلي البائع، او فعل المشتري. (و موضع الثواب و العقاب) اذ في القيامه يبين من المثاب، و من المعاقب؟ (اذا وقع الامر بفصل القضاء) اي اشخاصهم في هذا الزمان، و الجمله السابقه لبيان المكان (و خسر هنالك) في القيامه في ذلك اليوم (المبطلون) اي: العماملون بالباطل، ثم يكتب مكان الشهود (شهد علي ذلك) البيع (العقل

اذا خرج من اسر الهوي) اي هو النفس (و سلم من علائق الدنيا) فانه يميز حينئذ ان الامر كما كتب في هذه النسخه.

نامه 004

[صفحه 433]

و ذلك حين انتهي اصحاب الجمل الي البصره، فكتب الي و اليه عثمان بن حنيف، يامره باخضاعهم (فان عادوا الي ظل الطاعه) الطاعه باعتبارهم موجبا للرفاه، جعل لها ظل (فذاك الذي نجب) الموجب لجمع شمل المسلمين (و ان توافت الامور بالقوم) توافي القوم اي وافي بعضهم بعضا، حتي تم اجتماعهم و الامور يراد بها ما يسبب و ينتهي بهم (الي الشقاق و العصيان) عن طاعه الدوله. (فانهد) اي انهض (بمن اطاعك الي من عصاك) من اهل الجمل و مواليهم من البصرين (و استغن بمن انقاد معك عمن تقاعس عنك) اي تخلف و تثاقل (فان المتكاره) المتثاقل الذي يكره الحرب (مغيبه) اي غيابه (خير من شهوده) اذ غيابه يوجب قله نفر واحد، اما شهوده فانه موجب لان يخذل غيره فيلزم فقدان عده اشخاص (و قعوده اغني عن نهوضه) اي اكثر فائده عن ان ينهض للحرب، و هذه قاعده كليه في اهل الاستثقال و الكراهه.

نامه 005

[صفحه 434]

الي اشعث ابن قيس، عامل آذربيجان (و ان عملك ليس لك بطعمه) فلا تجعل ولايتك لاستدرار الماده و المال (و لكنه في عنقك امانه) يجب ان تتحفظ عليه كما تتحفظ علي امانتك (و انت مسترعي لمن فوقك) اي يرعاك و يواظب علي تصرفاتك الخليفه الذي هو فوقك (ليس لك ان تفتات في رعيه) اي تستبد فيهم (و لا تخاطر) المخاطره القاء النفس في الخطر، و المراد به الدنيوي و الاخروي (الا بوثيقه) اي دليل شرعي، و اجازه من الخليفه. (و في يديك مال من مال الله عز و جل) و هو ما يجتمع في بيت المال (و انت من خزانه) جمع خازن، و هو الحافظ (حتي تسلمه الي) بارساله، كي

يصرف في مصالح المسلمين (و لعلي ان لا اكون شر ولاتك) اي الذين تسلطوا عليك من الخلفاء (لك و السلام) و كلمه (لعل) من الامام عليه السلام علي سبيل التواضع.

نامه 006

[صفحه 435]

الي معاويه (انه بايعني القوم الذين بايعوا ابابكر و عمر و عثمان) مراد الامام اهل الحل و العقد، لا الافراد باعيانهم (علي ما بايعوهم عليه) من العمل بالكتاب و السنه (فلم يكن) بعد بيعتهم (للشاهد) الحاضر الذي لم يبايع بعد (ان يختار) لنفسه خليفه آخر (و لا للغائب) عن المدينه (ان يرد) لان الميزان لو كان بيعه اهل الحل و العقد في عاصمه الاسلام، فقد بايعني اولئك، و انكان الميزان غير ذلك فكيف رضيت انت ببيعه اولئك. (و انما الشوري للمهاجرين و الانصار) لانهم اهل الحل و العقد الذين عرفوا الاسلام احسن من عيرهم (فان اجتمعوا علي رجل و سموه اماما كان ذلك لله رضي) اما علي راي الشيعه فلان اجتماع جميعهم يلازم وجود راي الامام المعصوم و اما علي راي السنه فلان اهل العقد و الحل كاف في تعيين الخليفه (فان خرج من امرهم خارج بطعن) في الخليفه (او بدعه) بان اشترط شيئا آخر في الخليفه، و اتي بشرط جديد (ردوه الي ما خرج منه) بالنصح و الارشاد، لياخذ بما اخذ به المسلمون. (فان ابي قاتلوه علي اتباعه غير سبيل المومنين) الذي اجمع المسلمون عليه (و ولاه الله ما تولي) اي جعله الله محبا لما احب، و تابعا لما تبع، و هذا اشاره الي قوله سبحانه (

و من يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدي، و يتبع غير سبيل المومنين نوله ما تولي و نصله جهنم و سائت مصيرا (و لعمري) قسم بنفسه

الشريفه (يا معاويه، لئن نظرت بعقلك دون هواك) و اتباعك لميولك و شهواتك (لتجدني ابرء الناس من دم عثمان) اي اكثر الناس برائه، اذ لم اشرك فيه بيد و لا لسان (و لتعلمن اني كنت في عزله عنه) اي انعزال و انزواء (الا ان تتجني) اي تدعي الحنايه علي من لم يفعلها (فتجن) اي تستر (ما بدا لك) اي ما ظهر لك و انقدح في نفسك ان تخفيه (و السلام) ختم الكتب بالسلام، من باب سلام الوداع.

نامه 007

[صفحه 437]

اليه ايضا (اما بعد فقد اتتني منك موعظه موصله) اي ملفقه من كلام مختلف، وصل بعضه ببعض، فقد كتب معاويه الي الامام كتاب وعظ و ارشاد- حيله و خدعه- فاجابه الامام بهذا الجواب (و رساله محبره) اي مزينه بالالفاظ و العبارات (نمقتها بضلالك) اي حسنت بلاغتها، بسبب ضلالك، اذ تريد اكل الحق بالكتب و العبارات (و امضيتها بسوء رايك) امضيتها، اي بعثتها الي، حيث ان رايك سي ء تظن ان لاماره الدنيا قيمه و قدرا. (و كتاب امرء ليس له بصر يهديه) اي بصيره توجب هدايته، و هذا عطف علي (موعظه) (و لا قائد يرشده) الي موضع صلاحه و فلاحه (قد دعاه الهوي) الي العصيان (فاجابه) اي قبل طلب الهوي (و قاده الضلال) اي جره كما تجر الدابه (فاتبعه) الضمير للضلال (فهجر) اي هذي في كلامه (لاغطا) من اللغط بمعني الجلبه بلا معني (و ضل) اي انحرف عن الطريق (خابطا) قد خرج الكلام بلا ميزان.

[صفحه 438]

(منه): اي من ذلك الكتاب، في رد معاويه الذي ادعي ان البيعه لم تتم للامام (لانها بيعه واحده لا يثني فيها النظر) اي لا ينظر فيها ثانيا بعد ما نظر اليها اولا، بل

تنفذ البعه اذا تمت (و لا يستانف فيها الخيار) اي لا اختيار الاحد ان يستانف البيعه بعد عقدها و قبول الناس لها (الخارج منها طاعن) في عمل المسلمين (و المروي فيها) اي الذي يتفكر و يتروي هل يقبلها ام لا؟ (مداهن) اي منافق، يخالف الحق باطنا، و يسميه التروي ظاهرا.

نامه 008

[صفحه 438]

الي جرير بن عبدالله البجلي، لما ارسله الي المعاويه (اما بعد) اي بعد الحمد و الصلاه، (فاذا اتاك كتاب) هذا (فاحمل) اي الزم (معاويه علي الفصل) اي الحكم القطعي، في انه يرضخ، او يابي، فقد بعث الامام جريرا الي معاويه بكتاب، لكن معاويه ارجاء الجواب، و جرير في دمشق ينتظر الجواب، و يريد معاويه بالمماطله، تجهيز قواه، ليعلم انه هل يتمكن ان يقابل الامام ام لا؟ و لذا كتب الامام بهذا الكتاب الي جرير (و خذه بالامر الجزم) اي القطع في احد الطرفين. (ثم خيره بين حرب مجليه) اي مخرجه له من وطنه، ان ابي التسليم لبيعتي (او سلم مخزيه) اي تخزيه و تذله عن كبريائه، و ذلك بقبوله البيعه، و الحرب و السلم مونثان سماعا، و لذا جي ء بوصفهما مونثا (فان اختار الجرب) و العصيان (فانبذ اليه) اي اعلمه من قبلي بالحرب، و اني اعامله معامله المحارب (و ان اختار السلم) و الرضوخ (فخذ بيعته) لي (و السلام).

نامه 009

[صفحه 439]

يحكي عليه السلام معامله قريش للرسول صلي الله عليه و آله في اول الدعوه (فاراد قومنا) اي العرب، او قريش (قتل نبينا) كما فعلوا في ليله المبيت (و اجتياح) اي استئصال (قطع اصلنا) فان الرسول صلي الله عليه و آله اصل اهل بيته (و هموا بنا الهموم) اي قصدوا انزالها بنا (و فعلوا بنا الافاعيل) جمع افعوله، و هي الفعله الرديئه، من الالجاء الي الشعب، و التعذيب، و الاهانه، و ما اشبه (و منعونا العذب) اي هني ء العيش، او الماء العذب. (و احلسونا الخوف) اي الزمونا الخوف، بافعالهم و تهديداتهم (و اضطرونا الي جبل و عز) كنايه عن الجاء الكفار لهم الي الشدائد، كالذي يضطر

الي ان يصعد جبلا و عرا شديدا حيث يلاقي الشدائد و المصائب (و اوقدوا لنا نار الحرب) اي حاربونا، و انما قيل نار الحرب، تشبيها لها بالنار التي تاكل الحطب و ما اشبه، و الحرب تاكل الناس و تحطمهم. (فعزم الله لنا) اي اراد لنا (الذب عن حوزته) اي نذب و ندفع عن شريعته (و الرمي من وراء حرمته) حرمه الله احكامه، و الرمي من ورائها كنايه عن الدفاع عنها، كالذي له حرمه فيرمي الاعداء من وائها لئلا يصلوا اليها (مومننا) الذي آمن بالرسول (يبغي بذلك) الدفاع (الاجر) و الثواب (و ك

افرنا) اذا دافع عن الرسول، كما دافع ابولهب عنه صلي الله عليه و آله و سلم في بعض الاوقات (يحامي عن الاصل) و الغشيره، فلم يكن لنا مدافع، لاجل مال او منصب او ما اشبه. (و من اسلم من قريش) غير قبيله الرسول صلي الله عليه وآله و سلم و اهلبيته الادنين (خلو مما نحن فيه) اي خال عن الهمموم و الشدائد التي كنا نفاسينها بسبب اسلامنا (بحلف يمنعه) فله حلف مع عشيره يمنعه ذلك الحلف من ان يوذيه الكفار (او عشيره تقوم دونه) فان عشائرهم كانوا يحامون عنهم، فلا بتعرض احد لهم بسوء (فهو من القتل بمكان امن) لا يتجرء احد من قتله، فاهل البيت و اقارب الرسول صلي اله عليه و آله هم- فقط- قاسوا الشدائد. و كان رسول الله صلي الله عليه و آله اذا احمر البائس) اي اشتد القتال، فان القتال اذا اشتد جرت الدماء فيه كثيرا و ذلك احمراره (و احجم الناس) اي فروا و تقهقروا (قدم اهل بيته) للمبارزه، لانهم يفدونه الي اخر انفاسهم، و لذا كان حوله

صلي الله عليه و آله يوم حنين عباس و اولاده و الامام عليه السلام، الي غير هذا الموقف، من سائر المواقف (فوقي بهم اصحابه حر السيوف و الاسنه) جمع سنان، بمعني: الرمح، اي جعل اهل بيته وقايه لاصحابه، فيلاقون حراره السيف و الرم

ح، دون اصحابه. (فقتل عبيده بن الحارث) ابن عم الامام عليه السلام (يوم بدر) و هو اول حرب بين الرسول صلي الله عليه و آله و بين الكفار (و قتل حمزه) بن عبدالمطلب عم الامام عليه السلام (يوم احد) و مثل بحسمه الشريف (و قتل جعفر) (بي) ابن ابي طالب، اخ الامام عليه السلام (يوم موته) و هي بلد علي حدود الشام، في حرب بين الرسول صلي الله عليه و آله و الروم. (و اراد من … شئت ذكرت اسمه) (من) فاعل (اراد) و مصداقه (الامام عليه السلام) لم يسم نفسه تواضعا، اي اني اردت (مثل الذي ارادوا من الشهاده) و القتل في سبيل الله تعالي (و لكن آجالهم عجلت) اي آجال من ذكرت اسمائهم من اقاربي (و منيته) اي موته، و الضمير عائد الي الامام عليه السلام (اجلت) و تاخرت (فيا) قوم (عجبا) اصله عجبي، و يجوز في مثله خمسه اوجه، قال ابن مالك: و اجعل منادي صح، ان يضف ليا كعبد عبدي عبد عبدا عبديا (للدهر) و الزمان (اذ صرت يقرن بي من لم يسع بقدمي) اي بمثل وقوفي علي قدمي لاجل الدين، و المراد ب(من) معاويه. (و لم تكن له كسابقتي) اذ لا سابقه لمعاويه الا الكفر و القيام ضد الاسلام، لمحاربه الرسول صلي الله عليه و آله و سلم (التي لا يد لي احد بمثلها) اي لا يقول احد

بان لي مثل سابقه الامام، لعدم وجود مثل تلك

السابقه في احد من المسلمين (الا ان يدعي مدع ما لا اعرفه) بان يكذب، فيقول عن نفسه سوابق مكذوبه. (و لا اظن الله يعرفه) اذ لا وجود لها، و هذا من باب السالبه بانتفاء الموضوع، كقوله سبحانه: اتعلمونه، بما لا يعلم في السماوات و لفظه الظن من باب التواضع (و الحمد لله علي كل حال) حتي حال اني (صرت فرن بمثل معاويه) و انما يحمده سبحانه، لان البلايا موجب للاجر، و لذا ورد (الحمد لله الذي لا يحمد علي المكروه سواه).

[صفحه 442]

(و اما ما سئلت من دفع قتله عثمان اليك) لقد وجد معاويه في المطالبه بدم عثمان حين خدعه يخدع بها جماهير اهل الشام البله، و بذلك يتمكن ان يشق عصر الطاعه، و يدعي الخلافه، فيجعل ذلك ذريعه اليما دار في نفسه المشوبه من حب السلطه، و لذا طالب في كتابه الامام عليه السلام بان يدفع اليه قتله عثمان ليقتلهم عوضه. (فاني نظرت في هذا الامر فلم اره يسعني دفعهم اليك و لا الي غيرك) و ذلك لان عثمان بسبب بدعه كان مهدور الدم، كما افتي بذلك طلحه و الزبير و عائشه و من اليهم، و لا يقتصي من قتل مهدور الدم، و لا اقل من ان يكون الامر شبهه، و الحدود تدرء بالشبهات، و علي فرض وجوب القصاص، فلين معاويه حق الاقتصاص، و هل يصح لافراد الرعيه ان يطالبوا تنفيذ الحكم بايديهم؟ بالاضافه الي ان القتله كانوا مجتهدين، و فتواهم ان للمجتهد المخطي اجرا و احدا. (و لعمري) قسم بنفسه الشريفه (لئن لم تنزع عن غيك و شقاقك) اي: لم تنته عن ضلالك و مشاقتك اي مخافتك (لتعرفنهم) اي قتله عثمان (عن قليل) اي بعد

قليل من الزمان (يطلبونك) عوض ما كنت انت تطلبهم، يريدون قتلك كما قتلوا عثمان (لا يكلفونك طلبهم) اي هم بانفسهم ياتون اليك، حتي لا تحتاج انت الي ان تتكلف

في طلبهم (في بر و لا بحر و لا جبل و لا سهل) اي لا تحتاج الي طلبهم في هذه الاماكن و انما هم الطالبون لك (الا انه) اي: لطلبهم لك (طلب يسوئك وجدانه) اي وجدان هذا الطلب، بمعني: ان تجده. (و زور) جمع زائر، اي انهم زائرون لك (لا يسرك لقيانه) اي لقائهم، و افراد الضمير باعتبار كل واحد واحد كقوله سبحانه: (الي طعامك و شرابك لم يتسنه) (و السلام لاهله) اي اهل السلام المستحقين له.

نامه 010

[صفحه 444]

اليه ايضا (و كيف انت) يا معاويه (صانع اذا تكشفت عنك جلابيب ما انت فيه) جلابيب جمع جلباب، الثوب الذي فوق الثياب و تكشف الجلابيب كنايه عن موته مخلفا ورائه امور الدنيا و زخارفها (من دنيا قد تبهجت) اي تحسنت (بزينتها) لك (و خدعت بلذتها) اي غرت الناس بسبب لذائذها، فارتكبوا معاصي الله سبحانه لاجلها (دعتك) الدنيا (فاجبتها) بالتناول من محرماتها (و قادتك) الي الضلاله (فاتبعتها) فضللت (و امرتك فاطعتها) خلافا الامر الله سبحانه. (و انه يوشك) اي يقرب (ان يقفك واقف علي ما لا ينجيك منه مجن) المجن الترس، و المراد ايقافه سبحانه له في معرض الحساب و الهوان، حيث لا ترس ينجيه (فاقعس) اي تاخر (عن هذا الامر) اي امر الخلافه (و خذ اهبه الحساب) اي استعداد حساب الاخره و عدته (و شمر لما قد نزل بك) اي استعد للمحاربه و البلاء الذي نزل بك (و لا تمكن الغواه) جمع غاوي، بمعني قرناء السوء (من سمعك) بان

يقولوا لك ما شائوا فتسمع كلامهم. (و الا تفعل) ما امرتك (اعلمك ما اغفلت من نفسك) من الضعف، فانك اذا اصطدمت بالقوه تعرف ضعف قواك، و هكذا الانسان لا يعرف جهاته الا عند الامتحان (فانك مترف) المترف الذي اطغته النعمه (قد اخذ الشيطان منك

ماخذه) اي ما اراد اخذه، و تسلط الشيطان علي المترفين اكثر من تسلطه علي غيرهم (و بلغ فيك امله) اذ امل الشيطان ان يضل الناس (و جري) الشيطان (منك مجري الروح و الدم) كنايه عن تسلطه التام عليه. (و متي كنتم يا معاويه ساسه الرعيه)؟ جمع سائس، بمعني المدير لشئونها (و ولاه امر الامه) اي انكم لا تصلحون لذلك (بغير قدم سابق) اي لا سابقه لكم حتي تستحقون ذلك (و لا شرف باسق) اي عال رفيع، فقد كان ابو معاويه ابوسفيان رجلا جاهلا بخيلا احمق زانيه- كما هو مشهور في قصه ابي سلول- و امه هند، حمقاء حقودا زانيه- كما هو مشهور في قصه تلاوه النبي صلي الله عليه و آله و سلم آيه: اذا جائك المومنات عليها، الي قوله: و لا يزنين و ضحك الحاضرين- (و نعوذ بالله من لزوم سوابق الشقاء) اي ان يلزم الانسان ما سبق له من الشقوه، فيشقي بسبب ذلك (و احذرك) يا معاويه (ان تكون متماديا في غره الامنيه) اي مستمرا في غرور الامل، اذ امله بالخلافه هو الذي اوجب له ذلك التمادي في الغي و الضلال (مختلف العلانيه و السريره) فعلانيته طلب دم عثمان، و سريرته الطمع في الخلافه

[صفحه 446]

(و قد دعوت الي الحرب) قد كان معاويه اراد اظهار الشجاعه، فدعي الامام للمحاربه، فاجابه الامان بهذا الجواب (فدع الناس جانبا و اخرج الي) لنحارب انا

و انت، حتي يظهرالشجاع. (و اعف الفريقين من القتال ليعلم اينا المرين علي قلبه) يقال: ران علي قلبه، اذا صدء قلبه- اذا صدء قلبه- كما يصدء الحديد- من الاثام و المعاصي (و المغطي علي بصره) فلا يري الحق، و هذا الكلام من الامام كالمباهله، في غلبه الصادق علي الكاذب، و لذا جاء بلام التعليل في قوله عليه السلام (ليعلم) فلا يقال: اي ربط بين (اخرج) و بين (ليعلم)؟ (فانا ابوحسن) اي المعروف عندك، و عند الناس بالشجاعه (قاتل جدك) لامك عتبه بن ابي ربيعه (و خالك) الوليد بن عته (و اخيك) حنظله بن ابي سفيان (شدخا) اي كسرا لهم (يوم بدر و ذلك القلب) القوي (القي عدوي ما استبدلت دينا) بان اعرض عن ديني السابق بدين جديد (و لا استحدثت نبيا) بان اتخذ نبيا جديدا. (و اني لعلي المنهاج الذي تركتموه طائعين) فان معاويه و اباه و قومه الكفار لعنهم الله لم يدخلوا في الاسلام بالطوعه و الرغبه (و دخلتم فيه مكرهين) بعد فتح مكه حين راوان عدم اسلامهم يوجب قتلهم لما اقترفوه من الاثام و الاجرام مع الرسو

ل، قبل الفتح.

[صفحه 447]

(و زعمت انك جئت ثائرا بعثمان) يقال ثار به اذا طلب بدمه (و لقد علمت حيث وقع دم عثمان) اي علي من لزم و من الذي اراقه (فاطلبه من هناك ان كنت طالبا) فان من اراق دم عثمان بالتحريض و الحث هم عائشه و طلحه و الزبير. (فكاني قد رايتك تضج من الحرب) اي تصيح و تولول خوفا و هلعا (اذا عضتك) اي الحرب، تشبيه لها بالسبع الذي يعض الشخص باسنانه (ضجيج الجمال بالاثقال) اي مثل ما يضج الجمل بحمله الثقيل، لانه لا يطيقه، و قد كان

كما قال الامام عليه السلام (و كاني بجماعتك تدعوني- جزعا من الضرب المتتابع) ياتي متعلق تدعوني في قوله (الي) و معني جزعا، انهم جزعا من ضربنا الذي يتبع بعضه بعضا، بهم. (و القضاء الواقع) عليهم بالقتل و الاباده (و مصارع بعد مصارع) اذ يقتل منهم جماعه بعد جماعه (الي كتاب الله) كما فعل معاويه باشاره عمرو بن العاص حيث امر برفع المصاحف خدعه و مكيده (و هي كافره جاحده) بالكتاب، اذ لا تعمل باحكامه (او مبايعه حائده) اي غادره حيث بايعت معي ثم حادت و مالت عن البيعه، و المراد انهم يرفعون المصاحف و هم بين كافر و بين غادر كالذين بايعوا الامام ثم التحقوا بمعاويه.

نامه 011

[صفحه 448]

وصي بها جيشا بعثه الي العدو (فان نزلتم بعدو) بان ذهبتم اليهم (او نزل بكم) العدو، بان جاء اليكم (فليكن معسكركم في قبيل الاشراف) جمع شرف- محركه- العلو، اي قدام الجبال (او سفاح الجبال) سفح الجبل اسفله (او اثناء الانهار) اي: منعطفات النهر (كيما يكون لكم ردء) اي عونا، فان العدو لا يتمكن ان يعبر الشرف او الجبل او النهر ليحيط بكم (و دونكم مردا) اي مكان الرد الدفع، ترجعون اليه فتتحصنون. (و لتكن مقاتلتكم من وجه واحد) اي طرف واحد (او اثنين) لا اكثر، لئلا يتفرق العسكر، فان تفرق القوي موجب لضعفها (و اجعلوا لكم رقباء) جمع رقيب، و هو المراقب لحال العدو (في صياصي الجبال) اي اعاليها (و مناكب الهضاب) اي مرتفعات الاكام، فان مناكب جمع منكب، بمعني المرتفع، و هضاب جمع هضبه، بمعني: الجبل القليل الارتفاع. (لئلا ياتيكم العدو من مكان مخافه) اي مكان تخافون منه (او امن) اي: تامنون من جهته (و اعلموا ان

مقدمه القوم) الذين يذهبون مقدما عليهم ليختاروا لهم المكان المناسب (عيونهم) التي بها يرون المكان الصالح للقتال (و عيون المقدمه طلائعهم) فان من المقدمه يخرج بعضهم الاجرء الاعلم بالامور ليختار المكان، فاللازم ان تكون المقدمه و

الطليعه في كمال الالتفات و الوعي، او المراد انهم اذا راو طلائع العدو فليتهيئوا، و لا يستسهلوا الامر. (و اياكم و التفرق) و التشتت بينكم فان ذلك موجب لضعف قواكم (فاذا نزلتم) في مكان (فانزلوا جميعا، و اذا ارتحلتم) و اردتم السير فارتحلوا جميعا) لا ان ينزل بعض و يرتحل بعض حتي تختلف كلمتهم (و اذا غشيكم الليل فاجعلوا الرماح كفه) اي مثل كفه الميزان مستديره حولكم، حتي اذا هجم العدو يكونوا مستعدين للدفاع، ليس حمل السلاح الذي يحيط بهم (و لا تذوقوا النوم الا غرارا) هو النوم الخفيف (او مضمضه) بان يتراوح بين النوم و اليقظه، كالذي يتمضمض الماء، و ياخذه ثم يمجه، و هكذا.

نامه 012

[صفحه 450]

وصي بها معقل بن قيس الرياحي حين انفذه الي الشام في ثلاثه آلاف مقدمه له: (اتق الله الذي لابد لك من لقائه) اي لقاء حسابه و جزائه (و لا منتهي لك دونه) فان نهايه كل انسان الي حسابه تعالي و ثوابه او عقابه (و لا تقاتلن الا من قاتلك) فاترك الامنين في القري و الارياف و الاخبيه، و من لا يتعرض لك (و سر البردين) اي في الغداه و العشي حيث الهواء و الارض باردتان، حتي لا يتاذي العسكر بالحر (و غور بالناس) اي انزل بهم في الغائره، اي نصف النهار وقت شده الحر. (و رفه بالسير) اي سر سيرا عادلا، لا سريعا حتي يتاذي الناس (و لا تسر اول الليل) وقت منام

الناس (فان الله جعله سكنا) اي وقتا للسكون، لتخفيف اتعاب النهار (و قدره مقاما) اي للاقامه (لا ضعنا) اي لا لاجل السفر (فارح فيه) اي في اول الليل (بدنك و روح ظهرك) اي ارح دابتك. (فاذا وقفت) اي قمت (حين ينبطح السحر) اي ينبسط (او حين ينفجر الفجر) اي يظهر، و الفجر هو الصبح (فسر علي بركه الله) بان يجعل الله سبحانه سيرك مباركا، ذا ثبات و استمرار، و هذا هو الاصل في البركه (فاذا لقيت العدو فقف من اصحابك وسطا) و ذلك ليستوي اصحابه بالنسبه اليه فيكون اسهل في الامر و النهي، و لئلا يقت

ل فيتشتت نظام الجيش (و لا تدن من القوم) اي لا تقترب من العدو (دنو من يريد ان ينشب الحرب) اي يهيجها (و لا تباعد عنهم) اي عن العدو (تباعد من يهاب الباس) اي يخاف الحرب حتي يوجب ذلك جرئه العدو و خوف جيشك، اذ يروك كالخائف (حتي ياتيك امري) بماذا ينبغي ان تفعل (و لا يحملنكم شنانهم) اي بغضكم للعدو (علي قتالهم قبل دعائهم) ايقبل ان تدعوهم الي المسالمه و نبذ الخلاف (و الاعذار اليهم) اي تقديم ما يبين عذركم في قتالهم، فاللازم الاعذار و الدعاء ثم القتال.

نامه 013

[صفحه 452]

(الي اميرين من امراء جيشه) هما زياد بن النضر و شريح بن هاني بعثهما علي مقدمه له في اثني عشر الفا، فالتقيا بجند الشام، و كتبا الي الامام بذلك، فارسل اليهما الاشترلنجدتهما. (و قد امرت عليكما) اي جعلت اميرا (و علي من في حيزكما) اي في جانبكما من الجيش (مالك بن الحارث الاشتر فاسمعا له و اطيعا) ما يامر (و اجعلاه درعا و مجنا) اي ترسا تتحفظان به عن الاعداء (فانه

ممن لا يخاف وهنه) اي لا يخاف ان يهن و يضعف (و لا سقطته) اي ان يسقط و يغلط في المحاربه (و لا بطوئه عما الاسراع عليه احزم) اي اقرب الي احزم، و هو تدبير الامر و الالتفات الي جهات العمل (و لا اسراعه الي ما البطوء عنه امثل) اي اولي و احسن.

نامه 014

[صفحه 453]

لعسكره قبل لقاء العدو بصفين (لا تقاتلوهم حتي يبداوكم) فتكون الحجه لكم عليهم، اذ تكونوا بذلك مدافعين، الا مهاجمين (فانكم بحمد الله علي حجه) و من هو كذلك لا يحتاج الي الاسراع و السبق في المحاربه، انما ذلك لمن يعلم انه ليس محقا فيريد السبق لئلا يسبقه المحق (و ترككم اياهم حتي يبداوكم حجه اخري لكم عليهم) اذ لا يتمكنوا ان يقولوا بعد ذلك ان الطرف اعتدي علينا و نحن دافعنا (فاذا كانت الهزيمه) و الانكسار للاعداء (باذن الله) و لطفه (فلا تقتلوا مدبرا) اي من فر و ادبر. (و لا تصيبوا) بالقتل و الجرح (معورا) الذي امكن من نفسه و عجز عن حمايتها (و لا تجهزوا علي جريح) الاجهاز علي الجريح تتميم اسباب موته و قتله (و لا تهيجوا النساء باذي) اي الا توذوا امره (و ان شتمن اعراضكم) العرض كل شي ء يحترمه الانسان من نفسه او اهله او اقربائه (و سببن امرائكم) و حكامكم. (فانهن ضعيفات القوي) فان الرجل اقوي من المرئه (و الانفس) فان روح الرجل اكثرمن روح المرئه، اذ ضعف جسدها يوجب ضعف نفسها (و العقول) فان المرئه اميل الي العاطفه، من العقل (ان) مخففه من الثقيله، و حذف اسمها، اي انا (كنا لنومر بالكف عنهن) اي عن النساء (و انهن لمشركات)

و ذلك في زمن رسول الله

صلي الله عليه و آله وسلم. (و ان كان الرحل ليتناول المرئه في الجاهليه) اي يويها و يضربها (بالفهر) الحجر الصغير بقدر املاء الكف او ما اشبه (او الهراوه) العصي (فيعير بها) اي بهذه الفعله يلومه قومه، لم فعلت هذا مع المرئه؟ (و) يعير (عقبه) اي نسله بفعل ابيه (من بعده) فاذا كان هذا حال الجاهليه، و ذلك حال الاسلام مع المشركات، فما اجدر بالعفو عن مثل المسلمه التي انحرفت في الفتن.

نامه 015

[صفحه 455]

كان عليه السلام يقول اذا لقي عدوا محاربا: (اللهم اليك افضت القلوب) اي انتهت بالتوجه و الاستكانه (و مدت الاعناق) لتنظر هل ياتي الفرج و النصر (و شخصت الابصار) اي توجهت نحو السماء، الذي هو جهه العلو، و منهياتي النصر و الرزق (و نقلت الاقدام) اذ الذهاب الي الحرب ذهاب الي امره سبحانه (و انضيت) اي ابليت بالضعف و الهزال (الابدان) في طاعتك (اللهم قد صرح) اي ظهر (مكتوم الشنان) اي ان العداوه المكتوبه في صدور الاعداء قد ظهرت. (و جاشت) اي غلت كما يغلي القدر (مراجل) جمع مرجل، بمعني: القدر (الاضغان) جمع ضغن، بمعني الحقد (اللهم انا نشكو اليك غيبه نبينا). هذا اظهار للضعف امام الله سبحانه ليتفضل بالقوه و الغلبه (و كثره عدونا، و تشتت) اي تفرق (اهوائنا) اي آرائنا، و المراد آراء انصاره عليه السلام (ربنا افتح بيننا و بن قومنا) المحاربين لنا، فتحا (بالحق) و القيد توضيحي، و اظهار لما في نفس الداعي من طلب الحق، اذ من المعلوم ان فتحه سبحانه بالحق (و انت خير الفاتحين) الذي تفتح الطريق امام اهل الحق.

نامه 016

[صفحه 456]

لاصحابه عند الحرب (لا تشتدن عليكم) اي الا تشق عليكم (فره) اي فرار (بعدها كره) و رجوع، فلا تعتبروها انهزاما لتخلق في نفوسكم الضعف و آثار الانكسار (و لا جوله) اي دوران من هنا الي هناك (بعدها حمله) و هجوم علي الاعداء (و اعطوا السيوف حقوقها) في الضرب بها علي الاعداء (و وطئوا للجنوب) جمع جنب (مصارعها) اي هيئوا لجنوب الاعداء محل وقوعها، كنايه عن لزوم احكام الضرب حتي يسقط العدو بسببه الي مصرعه (و اذ مروا) اي حرضوا (انفسكم علي الطعن) في الاعداء (الدعسي) اي الشديد اسم

من الدعس اي الطعن الشديد (و الضرب الطلحفي) اشد الضرب- و الياء في اللفظين للمبالغه- (و اميتوا الاصوات) فلا تتكلموا عند الحرب (فانه) اي السكوت (اطرد للفشل) اذ المتكلم يتوجه بعض نفسه الي الكلام و الي المخاطب، فلا تتجه نفسه جميعا الي المحاربه، فيتسرب اليه الفشل بخلاف الساكت (فو الذي فلق الحبه) اي شقها حتي اخرج من وسطها النبات (وبرا) اي خلق (النسمه) اي البشر (ما اسملوا) اي معاويه و من علي شاكلته (و لكن استسلموا) اي اظهروا الاسلام حقنا لدمائهم، و انتهازا للفرصه (و اسروا الكفر) اي اضمروه في انفسهم (فما و جدوا اعوانا عليه) اي علي الكفر (اظهروه) و

ذلك بنقض احكام الاسلام، و هدم شريعه الدين.

نامه 017

[صفحه 457]

(الي معاويه، جوابا عن كتاب منه، اليه عليه السلام) و ذلك بعد ما طالت الحرب، و خاف معاويه الفشل، فطلب من الامام الشام- بحجه ان الحرب اكلت العرب، و انه و الامام سيان، فمن الجديران ياخذ الامام بعضا و يدع لمعاويه بعضا. (فاما طلبك الي الشام) بان ادعها لك (فان لم اكن لاعطيك اليوم ما منعتك امس) فان الامام لم يقر معاويه في منصبه: اماره الشام، فكيف يعطيه اليوم، و قد ظهر خبث سريرته، و ما عرفه الامام منه، من عدم الدين، و تصرفه السي ء في المسلمين (و اما قولك ان الحرب قد اكلت العرب) اي افنتهم (الاحشاشات انفس بقيت) جمع حشاشه بمعني بقيه الروح (الا و من اكله الحق) بان قتل عن امر الدين و في سبيله (فالي الجنه) و ذلك لا يضر (و من اكله الباطل) بان حارب ضد الدين (فالي النار) و هذا جزائه. (و اما استواونا في الحرب و الرجال) اذ تريد بذلك

تهديدي، بانه لا غلبه لي عليك، اذ الجيشان متساويان (فلست بامضي علي الشك مني علي اليقين) فلسنا متساويين اذ الشاك لا يتمكن ان يخلص لمبدئه كما يتمكن المتيقن، و المعني: لست علي الشك الذي انت فيه، باكثر مضيا و اقداما في الامر، مني و انا علي يقين من عقيدتي و امري، هذا حالنا. (و) اما جنودنا ف(ل

يس اهل الشام) و هم جنودك (باحرص علي الدنيا من اهل العراق) جنودي (علي الاخره) لان اهل الاخره احرص علي الاخره، من اهل الدنيا علي الدنيا. (و اما قولك انا بنو عبدمناف) اراد معاويه ان يبين استوائه مع الاما في النسيب (فكذلك نحن) من بني عبدمناف، لا انتم (و لكن ليس اميه) جدك (كهاشم) جدي (و لا حرب) جدك الثاني (كعبدالمطلب) جدنا الثاني (و لا ابوسفيان) ابوك (كابي طالب) ابي، فقد كان آبائي ساده اشرافا، و آباوك اراذل اوباشا. (و لا المهاجر) يعني نفسه الكريمه (كالطليق) اي الذي اطلق، حيث ان معاويه اسلم عام الفتح، و اطلقهم الرسول صلي الله عليه و آله و سلم منا عليهم حيث قال لهم اذهبوا فانتم الطلقاء (و لا الصريح) يعني نفسه الزكيه حيث ان نسبه صحيح لا مغمز فيه (كاللصيق) اي كالذي الصق بالقبيله و ليس منهم، فان اميه كما يذكر اهل التواريخ كان عبدا روميا تبناه عبدالشمس و يقال ان بينها كان اتصال محرم، و هذا ليس بعيدا من سيره آل اميه فان اخلاقهم لا تشبه اخلاق العرب، فضلا عن قريش و الهاشميين. (و لا المحق) يعني نفسه الكريمه (كالمبطل) و هو معاويه (و لا المومن كالمدغل) اي المفسد، و هو معاويه (و لبئس الخلف خلف يتبع سلفا هوي في نار جهنم)

فان م

عاويه كان يتبع آبائه في معاوضه الاسلام و قد هوي آبائه في نار جهنم (و في ايدينا بعد فضل النبوه) اي بقايا تعاليم النبي صلي الله عليه و آله و سلم، و ما فضل الله سبحانه هذا البطن من هاشم الذي فيه النبي صلي الله عليه و آله و سلم (التي اذللنا بها العزيز) من الكفار. (و نعشنا) اي رفعنا (بها الذليل) اذ الاسلام الغي الميزات الا التقوي، كما قال سبحانه: (ان اكرمكم عند الله اتقاكم) فلا ذله بسبب الانتماء الي العشيره الفلانيه، او ما اشبه كما كان رائجا في الجاهليه، و بنو اميه ليسوا كذلك لعدم كونهم من هذا البطن، و لا لديهم تعاليم الرسول صلي الله عليه و آله و سلم التي علمها لاهل بيته. (و لما ادخل الله العرب في دينه افواجا) اي جماعه، جماعه حيث قوي الاسلام (و اسلمت له هذه الامه طوعا و كرها) اي بعضهم عن رغبه نفس، و بعضهم عن خوف و رهبه (كنتم ممن دخل في الدين اما رغبه) في مال و جاه (او رهبه) عن قتل و اهانه (علي حين فاز اهل السبق بسبقهم) اي بسبب سبقهم الي الاسلام، و كان المراد بذلك نفسه الكريمه الذي كان اول من اسلم. (و ذهب المهاجرون الاولون) الذين هاجروا مكه الي المدينه (بفضلهم) اذ فضلهم الله سبحانه علي من سواهم، بما لقوا من الاتعا

ب و ثبتوا في مقابل الشدائد (فلا تجعلن للشيطان فيك نصيبا) كان جزئا منه للشيطان (و لا علي نفسك سبيلا) بان يكون متبعا له، و لعل الاول لنهيه عن اتباع الهوي، و الثاني لنهيه عن اتباع الشيطان، و الله العالم.

نامه 018

[صفحه 461]

(الي عبدالله بن عباس،

و هو عامله علي البصره) (اعلم ان البصره مهبط ابليس) و لعل ذلك باعتبار القائه الفتن هناك، يوم الجمل، كانه هبط هناك للاضلال و الاغواء (و مغرس الفتن) كان الفتن تخرج منها، و هذه العاده جاريه فيما اذا وقعت الثوره في مدينه كثرت الفتن فيها الي مده مديده، لهيجان النفوس المقتضي للفتن (فحارث اهلها بالاحسان اليهم) ليكون الكلام كلاما حسنا (و احلل عقده الخوف عن قلوبهم) كان الخوف، عقد في قلوبهم، و لذا هم دائموا الخوف، و الترفق و اللين يوجب حل تلك العقده. (و قد بلغني تنمرك لبني تميم) اي تنكرا اخلاقك لهم، فان بني تميم كانوا ضد الامام في قصه الجمل، و لذا كان ابن عباس يسي ء اليهم انتقاما، فكتب بعض الشيعه الي الامام يخبره بذلك، فكتب الامام الي ابن عباس بهذا الكتاب (و غلظتك عليهم) اي تغلظ و تخشن في معاملتهم. (و ان بني تميم لم يغب لهم نجم الا طلع لهم) نجم (آخر) كنايه عن ان بعضهم و انكانوا معادين الا ان بعضهم الاخر موالون (و انهم لم يسبقوا بوغم) اي حرب (في جاهليه و لا اسلام) فكانوا هم شجعان في الجاهليه و الاسلام، حتي ان قبيله لم تسبقهم في الشجاعه، و مثل هذه فضيله تستحق التقدير (و ان لهم بنا رحم

ا ماسه) اذ كان بين تميم و هاشم مصاهره، و هي تستلزم القرابه و الرحميه (و قرابه خاصه) لا قرابه مطلق القبائل بعضهم مع بعض في اجدادهم الاعالي (نحن ماجورون علي صلتها) اي صله تلك الرحم. (و مازورون) من الوزر، اي مذنبون (علي قطيعتها) و هذه جهه اخري توجب مراعاتهم (فاربع) اي ارفق (اباالعباس) لقب عبدالله بن عباس (رحمك الله) دعاء بلفظ الخبر (فيما جري

علي لسانك و يدك) بالنسبه الي بني تميم (من خير و شر) يعني في الاثابه و المعاقبه، فلا تحرمهم من الثواب، و لا تكثر عليهم من العقاب- فوق الذي يستحق المستحق منهم- فانا شريكان في ذلك) اي فيما جري علي لسانك و يدك، علي الخليفه احسان الوالي و اسائته، لنصبه اياه. (و كن عند صالح ظني بك) اي صدق ظني الحسن فيك بانك تطيع امري (و لا يفيلن) اي لا يخطئن (راي فيك) بسوء صنيعك (و السلام) عليك.

نامه 019

[صفحه 463]

الي بعض عماله (اما بعد) الحمد و الصلاه (فان دهاقين اهل بلدك) جمع دهقان- معرب ده بان- اي اصحاب الريف، فان (ده) بمعني الريف، و (بان) بمعني الحافظ له (شكوا منك غلظه و قسوه) في اخلاقك و اعمالك معهم (و احتقارا) لهم (و جفوه) اي جفاء (و نظرت) اي فكرت في امرهم (فلم ارهم اهلا لان يذلوا) اي يقربوا اليك (لشركهم) و المروي انهم كانوا مجوسا (و لا ان يقصوا) اي يبعدوا و يهانوا (و يجفوا) اي يقطع الوال صلاته معهم (لعهدهم) ايلانهم معاهدون (فالبس لهم جلبابا) هو الثوب الواسع الذي يلبس فوق الثياب، و المراد هنا (الاخلاق) لانها تحيط بالانسان. كالجلباب (من اللين تشوبه بطرف من الشده) اي تخلطه ببعض الشده. (و داول لهم) اي تراوح (بين القسوه) مره (و الرافه) مره (و امزج لهم) اي ليكن لك اخلاقا مختلفه ممزوجه (بين التقريب و الادناء) لهم منك (و الابعاد و الاقصاء ان شاء الله) و ذلك لان كونهم معاهدين يوجب اللين، و اذا اخذوا باللين طمعوا في الامر و قويت شوكتهم مما يضر الاسلام فاللازم ان يمزج اللين ببعض الشده، حتي لا يفسدهم اللين.

نامه 020

[صفحه 465]

(الي زياد بن ابيه، و هو خليفه عامله عبدالله بن عباس علي البصره، و عبدالله عامل اميرالمومنين يومئذ عليها و علي كور الاهواز و فارس و كرمان) كور: جمع كوره، بمعني: الناحيه، لا يقال: كيف ولي الامام زيادا، و هو ولد الزنا، و ذلك لا يصلح لمجرد الامامه فكيف بالولايه؟ و قد اجيب عن ذلك بجوابات ذكرناها في شرح العروه في مساله التقليد، لعل اقربها: ان الاحكام كانت تدريجيه، بعضها لم يظهر الا بعد الرسول صلي الله عليه

و آله و سلم، او في زمان امام متاخر، كما ان بعضها لم يظهرالي الان، فيظهر في زمان الامام المهدي عليه السلام، و لعل عدم الصلاحيه من هذا القبيل، و هذا لا ينافي ظهور الاحكام في زمن الرسول صلي الله عليه و آله و سلم، اذ ان ظهور بعضها بمعني ايداعها الي الامام عليه السلام، لا ان جميعها ظهرت الي الناس كما لا يحفي. (و اني اقسم بالله قسما صادقا) اي عاملا بمقتضي القسم (لئن بلغني انك خنت من في المسلمين) اي غنائمهم (شيئا صغيرا او كبيرا) اي قليلا كانت الخيانه او كثيره (لاشدن عليك شده تدعك قليل الوفر) اي قليل المال، بسبب ما جمعته منك (ثقيل الظهر) من العقاب، و هذا من باب التشبيه، فان العقاب يحمل علي الجسم كله، لكن ا

لظهر حيث انه محل الحمل، جعل موضعا للعقاب الذي يتحمله الانسان (ضئيل الامر) اي ضعيفه، فان العزل عن المقام يوجب ضئاله امر الانسان، و عدم جاه له (و السلام).

نامه 021

[صفحه 466]

اليه ايضا (فدع الاسراف) و كن (مقتصدا) اي متوسطا في الانفاق، لا بالافراط و لا بالتفريط (و اذكر في اليوم) اي الدنيا (غدا) اي الاخره الذي فيه تحاسب عما عملت (و امسك) اي احفظ (من المال بقدر ضرورتك) التي تحتاج اليها (و قدم الفضل) اي الزائد علي الضروره (ليوم حاجتك) في الاخره (اترجو ان يعطيك الله اجر المتواضعين) الذين عملوا باوامره تواضعا و تخضعا (و انت عنده من المتكبرين) الذين لا يعملون بامره، فان من يتصرف المال بخلاف امره سبحانه متكبر عليه اذ عمل عملا يدل علي عدم الانقياد، بل الكبر و اللجاج. (و تطمع- و انت متمرغ) اي متقلب (في النعيم) اللذائذ و المشتهيات

(تمنعه) اي النعيم (الضعيف) اي الفقير (و الارمله) التي مات زوجها و بقيت فقير بلا والي (ان يوجب) الله (لك ثواب المتصدقين) الذين تصدقوا باموالهم في سبيله سبحانه. (و انما المرء مجزي بما اسلف) اي يجزي في الاخره، بما قدم في الدنيا (و قادم) اي يرد في القيامه (علي ما قدم) و ارسل من الدنيا الي هناك (والسلام).

نامه 022

[صفحه 3]

الي عبدالله بن العباس، و كان عبدالله يقول: ما انتفعت بكلام بعد كلام رسول الله، كانتفاعي بهذا الكلام. (اما بعد) الحمد و الصلاه (فان المرء قد يسره) و يفرحه (درك) ادراك (ما لم يكن ليفوته) بان قدر ان يصل اليه، و الحال ان المقطوع بوصوله لا ينبغي الفرح له، اذ الانسان يفرح بالامور المحتمله لا المقطوعه، الا تري لا يفرح الانسان باشراق الشمس و ما اشبه؟ (و يسووه) و يحزنه (فوت ما لم يكن ليدركه) اذ قدر ان لا يصل اليه الانسان، و الحال ان المقطوع بفوته لا حزن عليه الا تري ان الانسان لا يحزن بفوت السلطنه منه، لانها مقطوعه العدم. (فليكن سرورك بما نلت من آخرتك) اذ هو محتمل الوصول و العدم (و ليكن اسفك) و حزنك (علي ما فاتك منها) اي من الاخره، لانها كانت محتمله الوصول ففاتت (و ما نلت) و ادركت (من دنياك فلا تكثر فيه فرحا) اذ الدنيا المقدره تصل الي الانسان قطعا (و ما فاتك منها فلا تاس) اي لا تحزن (عليه جزعا) و حزنا اذ الدنيا التي لم تقدر لا تصل الي الانسان قطعا (و ليكن همك فيما بعد الموت) لتحصل اكبر قدر ممكن من الثواب.

نامه 023

[صفحه 4]

قاله قبل موته، علي سبيل الوصيه، لما ضربه ابن ملجم لعنه الله (وصيتي لكم) ايها الاولاد، و الوصيه النصيحه، سواء كانت في حال الحياه، او لما بعد الممات (ان لا تشركوا بالله شيئا) اي لا تجعلوا له شريكا (و محمد صلي الله عليه و آله فلا تضيعوا سنته) اي شريعته و دينه (اقيموا هذين العمودين) التوحيد و العمل بالاسلام (و خلاكم ذم) اي جاوزكم اللوم، فلا ذم عليكم بعد هذين

الامرين، تركتم ما تركتم، و اخذتم ما اخذتم (انا بالامس) الذي كنت صحيحا معافي (صاحبكم) و الخليفه الامر و الناهي فيكم. (و اليوم عبره لكم) تعتبرون بي، و تعرفون بسبب حال الدنيا و عدم امكان الركون اليها (و غدا مفارقكم) الي الاخره (ان ابق) في الحياه، و لم امت من هذه الضربه (فانا ولي دمي) اي الجرح الذي جرحني ابن ملجم، افعل به ما اشاء من العفو و الانتقام (و ان اقن) و امت من هذه الضربه، (ف)ليس عجيبا ذلك اذ (الفناء ميعادي) مصدر ميمي، اي وعدت بذلك، فكل حي فان، (و ان اعف) عن ابن ملجم قبل ان اموت (فالعفو لي قربه) يقربني الله بذلك الي رضاه و فضله، لقوله سبحانه: (و ان تعفو اقرب للتقوي) و قوله تعالي: (خذ العفو). (و هو) اي العفو، ان عفوتم بعدي (لكم حسنه) لان العفو

مستحب مثاب عليه، (فاعفوا الا تحبون ان يغفر الله لكم)؟ بسبب عفوكم، او كما تحبون عفو الله، فاعفوا، و لا يخفي: ان هذا لا ينافي الانتقام من ابن ملجم كما حدث بعد الامام، اذ الامر اللارشاد لا للايجاب، و لا ينافي وجود الغفران في العفو، وجوده في القصاص، لان لكل من الطرفين مصلحه، و لذا يوجب كل واحد منهما الثواب. (و الله ما فجئني) اي ما ورد علي فجئه و بغته (من الموت) اي: بسببه (وارد كرهته) اذ الكراهه اما لمفارقه الدنيا، او لملاقات الاخره، و كلاهما كان محبوبا للامام (و لا طالع انكرته) و اشمئززت منه (و ما كنت الا كقارب) هو الطالب للماء ليلا (ورد) الماء، و يجد مطلوبه (و طالب وجد) ما كان يطلبه، فقد كان عليه السلام شائقا الي لقاء الله، متضجرا من

الدنيا (و ما عند الله خير للابرار) من الدنيا، و ابرار جمع بر، بمعني: المحسن. (قال السيد الشريف، رحمه الله، اقول: و قد مضي بعض هذا الكلام فيما تقدم من الخطب الا ان فيه ههنا زياد اوجبت) تلك الزياده (تكريره) اي ذكره ثانيا.

نامه 024

[صفحه 6]

(بما يعمل في امواله، كتبها بعد منصرفه) اي انصرافه و رجوعه (من صفين) (هذا) الاتي في الوصيه (ما امر به عبدالله علي بن ابي طالب في ماله) اي بالنسبه الي ماله (ابتغاء وجه الله) اي عملته رغبه في ثوابه سبحانه (ليولجه) اي يدخله الله تعالي (به) اي بسبب هذا الامر و هذا العمل (الجنه و يعطيه به الامنه) اي الامن في الاخره، من العذاب و النار. (منها): (و انه يقوم بذلك) اي بشئون ذلك الوقف الذي اوقفه الامام عليه السلام (الحسن بن علي ياكل منه بالمعروف) اي بالقدر المتعارف اكله لمتولي الوقف حسب تعبه فيه و مقدار اجرته العادله. (و ينفق) الباقي (في المعروف) من وجوه البر و الخيرات (فان حدث بحسن حدث) اي مات عليه السلام (و حسين حي) بعد في دار الدنيا (قام) الحسين عليه السلام (بالامر) اي امر الوقف (بعده و اصدره) اي: اجري الوقف (مصدره) اي في المورد المقرر له، من الاكل و الانفاق (و ان لابني فاطمه) عليهم السلام، اي الحسن و الحسين (من صدقه علي) عليه السلام، اي ما وقفه (مثل الذي لبني علي) من سائر زوجاته، فكلهم شركاء في الاكل. (و اني انما جعلت) التوليه علي الوقف و (القيام بذلك الي ابني فاطمه ابتغاء وجه الله) اي طلب ثوبه، لانهما ا

حب اليه تعالي، من سائر الاولاد (و قربه) اي تقربا (الي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم)

حيث انهما و لداه (و تكريما لحرمته) اي حرمه الرسول صلي الله عليه و آله و سلم (و تشريفا لوصلته) اي صلته و قرابته معهما (و يشترط) فاعله (علي) عليه السلام (علي الذي يجعله اليه) اي المتولي المنصوب علي الوقف، من الحسن عليه السلام و سائر المتولين (ان يترك المال علي اصوله) و كان المال ارضا و نخلات (و ينفق من ثمره، حيث امر به) اي في المكان الذي امر به، من الاكل و الانفاق في وجوه الخير (و هدي له) اي اوقع في قلبه ان ينفقه في ذلك السبيل الخيري (و ان لا يبيع من اولاد نخل هذه القري) الموقوفه (وديه) اي فسيلا، و هو النخل الصغير (حتي تشكل ارضها غراسا) اي يكثر النخل في الارض. (و من كان من امائي) اي جواري (اللاتي) جمع التي (اطوف عليهن) اي الا مسهن (لها ولد او هي حامل) فاذا انا مت (فتمسك علي ولدها) اي تحفظه و هي القيمه علي شئونها (و هي من حظه) اي تعتق هي من نصيب ارث الولد (فان مات ولدها و هي حيه فهي عتيقه) لا سبيل للورثه علي استملاكها (قد افرج عنها الرق) اي العبوديه، قد ارتفعت عنها (و حررها العتق) اي اطلقها فهي حره، بعد ذلك. (قوله عليه ال

سلام، في هذه الوصيه: ان لا يبيع من نخلها و ديه الفسيله و جمعها (ودي) قوله عليه السلام: حتي تشكل ارضها غراسا، هو من افصح الكلام. و المراد ان الارض يكثر فيها غراس النخل، حتي يراها الناظر علي غير تلك الصفه التي عرفها بها، فيشكل عليه امرها، و يحسبها غيرها).

نامه 025

[صفحه 9]

(كان يكتبها لمن يستعمله علي الصدقات) اي لجمع الزكوات، قال الشريف: و انما ذكرنا

هنا جملا، ليعلم بها انه عليه السلام كان يقيم عماد الحق و يشرع امثله العدل، في صغير الامور و كبيرها، و دقيقها و جليلها). (انطلق) ايها العامل (علي تقوي الله وحده لا شريك له) بان تكون التقوي ملازمه لك في جميع اعمالك و افعالك (و لا تروعن) اي تخيفن لاجل اخذ الزكاه (مسلما و لا تجتازن عليه) اي لا تمر علي مسلم (كارها) اي: في حالكونه كارها لمرورك من ارضه (و لا تاخذن منه اكثر من حق الله في ماله) اي مقدار الزكاه (فاذا قدمت علي الحي) القبيله، او القريه (فانزل بمائهم) علي حافه بئريستقون منها، او ستر لهم (من غير ان تخالط ابياتهم) فلا تدخل في وسط الحي براحلتك. (ثم امض اليهم بالسكينه) اي الهدوء في المشي (و الوقار) اي: مشيه الاحترام (حتي تقوم بينهم فتسلم عليهم) لا دخول متسلط متكبر (و لا تخدج بالتحيه لهم) اي لا تبخل، يقال اخدجت السحابه اذا قل مطرها (ثم تقول: عباد الله ارسلني اليكم ولي الله و خليفه) يعني الامام اميرالمومنين عليه السلام (لاخذ منكم حق الله في اموالكم فهل لله في اموالكم من حق) اي الزكاه (فتودوه الي وليه) علي عليه السلام؟ (ف

ان قال قائل: لا، فلا تراجعه) حملا لفعل المسلم علي الصحيح، و لقوله علي الصدق (و ان انعم لك منعم) اي قال لك نعم، عندي حق الله (فانطلق معه) اي اذهب معه لاخذ الزكاه (من غير ان تخيفه) في الكلام (او توعده) من (الايعاد) و هو الوعد بالشر (او تعسفه) اي تاخذه بشده (او ترهقه) اي تكلفه ما يصعب عليك. (فخذ ما اعطاك من ذهب او فضه) اذا كان عنده منهما ما يبلغ التصاب مع اشتراط سائر

الشرائط الموجبه للزكاه (فانكان له ماشيه) اي دابه زكويه تمشي كالبقر و الغنم (او ابل فلا تدخلها) اي لا تدخل و في محلها (الا باذنه فان اكثرها له) و من ام الاقل يجب ان يراعي حق من له الاكثر (فاذا اتيتها) و دخلت فيها باذنه (فلا تدخل عليها دخول متسلط عليه) كدخول الجبابره و المتكبرين (و لا عنيف به) اي بشده و عنف (و لا تنفرن بهيمه) فان الاسلام يامر برعايه الحيوان، كما يامر بالاحسان الي الانسان. (و لا تفز عنها) اي تخيفن البهيمه (و لا تسون صاحبها فيها) بان تعمل مع البهيمه عملا يتاذي بذلك صاحبها، كما يفعل بعض الناس من حملها بصوفها، او الضغط علي كلاها، او ما اشبه (و اصدع المال صدعين) اي: اقسمه قسمين (ثم خيره) اي خير المالك في اختيار اي القسمين اراد. (فاذا اختا

ر) المالك قسما (فلا تعرضن لما اختاره) اي لا تاخذ من مختاره شيئا (ثم اصدع الباقي) الذي لم يختره (صدعين) اي قسمين (ثم خيره) في قبول الي القسمين (فاذا اختار) قسما (فلا تعرضن لما اختاره) ثانيا (فلا تزال كذلك) تقسم المال قسمين قسمين (حتي يبقي ما فيه وفاء لحق الله في ماله) فاذا كان المال عشرين مثلا، و الحق خمسه تقسم العشرين عشره عشره ثم تقسم العشره التي لم يختارها خمسه خمسه، فيختار هو خمسه، و انت تاخذ الخمسه الباقيه، و لا يخفي ان ليس المراد التقسيم الحقيقي، اذ في كثير من الا حيان يلزم الكسر مثل خمسه و عشرين اذا اريد تقسيمه قسمين. (فاقبض حق الله منه) اي المقدارالمفروض زكاه (فان استقالك) بان طلب منك ان تجعل ما اخذته في ضمن الاغنام ثانيا، و التقسيم

من اول (فاقله) اي فاقبل كلامه (ثم اخلطهما) ما اخذت انت و ما بقي له (ثم اصنع مثل الذي صنعت اولا) من تقسيم المال قسمين قسمين و هكذا. (حتي تاخذ حق الله في ماله) و في هذا لنحو من الاخذ، روعي المالك خير مراعات (و لا تاخذن عودا) اي المسنه من الابل (و لا هرمه) هي الاسن من العود (و لا مكسوره) رجلها او يدها او قرنها او ما اشبه (و لا مهلوسه) اي الضعيفه (و لا ذات عوار) اي ذات عيب (و

لا تامنن عليها) اي علي البهيمه الماخوذه (الا من تثق بدينه) في حالكونه (رافقا بمال المسلمين) فلا يوذيها (حتي يوصله الي و ليهم) اي ولي المسلمين، و هو الامام نفسه (فيقسمه بينهم) كما امر الله سبحانه. (و لا توكل بها) حتي تريد تسليمها لا يصالها الي الامام (الا ناصحا شفيقا و امينا حفيظا) يحفظها و لا يخون فيها، و يخاف عليها من العطب و ينصح للمسلمين فلا يحيف عليهم (غير معنف) من العنف بمعني الشده (و لا مجحف) يجحف بحقها اي يظلم في اعطاء الكلاء و الماء و ما اشبه. (و لا ملغب) يورث تعب الحيوان (و لا متعب) اللغوب اشد التعب، ففي الكلام تدرج من الاعلي الي الاسفل (ثم احدر) اي ارسلها الينا سريعا (الينا ما اجتمع عندك) من الزكوات (نصيره) اي نصرفه (حيث امر الله به) في قوله عز و جل (انما الصدقات..). (فاذا اخذها امينك) يريد ان ياتينا به (فاوعز اليه) اي امره (الا يحول بين ناقه و فصيلها) اي ولدها الرضيع (و لا يمص لبنها) اي لا يبالغ في حلبها حتي يقل اللبن في الضرع، للولد (فيضر ذلك بولدها)

اذ يقل رضاعه فيهزل و يمرض (و لا يجهدنها ركوبا) فيما اذا كان ابلا، اي لا يركبها ركوبا مجهدا موجبا لتعبها. (و ليعدل بين صواحباتها في ذلك) الركوب (و بي

نها) فيركب هذه مره و تلك مره (و ليرفه علي اللاغب) اي ليرح ما لغب بمعني تعب (و ليستان) من الانات، بمعني ليرفق (بالنقب) اي بالحيوان الذي جرح خفه (و الظالع) اي الذي تعب او جرح حتي اخذ يغمز في مشيته (و ليوردها) اي الماشيه (ما تمر به من الغدر) جمع غدير، و هو: الماء الموجود في منخفضات الارض، اي ياتي بالماشيه الي الغدران، لتشرب العطشي منها. (و لا يعدل بها عن نبت الارض) اي محل النبات فيها (الي الجواد الطريق) جمع جاده، و هي التي لا نبت فيها، لكونها مسير القوافل (و ليروحها في الساعات) اي يعطيها الراحه في ساعات الاسرتاحه (و ليمهلها) اي يعطيها المهله و لا يسير بها (في النطاف) جمع نطفه، و هي: الماء القليل في الطريق، و المهله لاجل ان تشرب. (و الاعشاب) اي مواضع الكلاء (حتي تاتينا باذن الله بدنا) جمع بادنه اي سمينه (منقيات) اسم فاعل من انقت الابل اذا سمنت، و اصله بمعني صارت ذات نقي اي مخ (غير متعبات) اي لم تتبع (و لا مجهودات) من الجهد، بمعني النصب (لنقسمها علي كتاب الله و سنه نبيه صلي الله عليه و آله) بين الفقراء و سائر المصالح (فان ذلك اعظم لاجرك و اقرب لرشدك ان شاء الله) كلمه تبرك، و انكان الاصل فيها الاستثناء.

نامه 026

[صفحه 14]

الي بعض عماله، و قد بعثه الي الصدقه (امره بتقوي الله) اي بان يخافه سبحانه (في سرائر امره) اي ما ينجزه من الامور

المخفيه (و خفيات عمله) اي اعماله المخفيه، فان التقوي في ذلك اهم، من التقوي في الامور العلانيه (حيث لا شهيد غيره) اي لا يشهد العمل الخفي غيره سبحانه (و لا وكيل دونه) اي ليس هناك من يوكل الامور اليه مطلقا سوي الله تعالي، و يحتمل ان يكون (لا شهيد) بهذا المفاد ايضا، اي لا شهيد بقول مطلق الا الله تعالي. (و امره ان لا يعمل بشي ء من طاعه الله فيما ظهر فيخالف الي غيره فيما اسر) اي اخفي بان لا يكون باطنه مخالفا لظاهره، فمحل النهي هو المخالفه في الباطن، لا العمل بالطاعه في الظاهر (و من لم يختلف سره و علانيته و فعله و مقالته) اي فعله مع قوله (فقد ادي الامانه) الملقات علي عاتقه من اطاعه الله سبحانه في كل حال (و اخلص العباده) لله تعالي، اذ لو كان مرائيا اختلف ظاهره و باطنه، و سره و علنه. (و امره ان لا يجبههم) اي لا يضرب علي جبهه الذين يريد اخذ الصدقه منهم (و لا يعضههم) اي لا يبهتهم، كما هي عاده الامراء اذا غضبوا علي الرعيه بهتوها ليبرروا موقفهم في الانتقام (و لا يرغب عنهم) اي لا يتجافي و لا يبتعد (

تفضلا بالاماره عليهم) بان يترفع عليهم بسبب الاماره (فانهم) و اياه (الاخوان في الدين و الاعوان علي استخراج الحقوق) فهم يعطون و هذا ياخذ (و ان لك في هذه الصدقه نصيبا مفروضا) فرضه الله سبحانه بقوله و العاملين عليها. (و حقا معلوما) بينه الله سبحانه اذ جعله احد المصارف الثمانيه (و شركاء اهل مسكنه) لانه تعالي اردفه بقوله (و المساكين) (و ضعفاء ذوي فاقه) اي فقر و حاجه لانه سبحانه اردفه

بهم في قوله0 انما الصدقات للفقراء … و العالمين عليها) (و انا موفوك حقك) اي نعطيك ما تستحق (فوفهم حقوقهم) بان لا تتعدي علي اصحاب الاموال في قول او فعل، و لا علي اصحاب الزكاه بنقص حقهم في الاخذ (و الا تفعل) من توفيه حق الناس (فانك من اكثر الناس خصوما يوم القيامه) اذ كل الفقراء خصومه (و يوسا) اي فقرا و ياسا (لمن خصمه عند الله الفقراء و المساكين) و المسكين اشد حالا من الفقير (و المدفوعون) اي الذين يجب ان يدفع اليهم من سائر المصالح (و الغارم) و هو المديون (و ابن السبيل) الذي تمت نفقته في السفر فبقي حائرا لا يعلم كيف يرجع الي اهله (و من استهان بالامانه، بعدم توفيه الناس حقوقهم (و لم ينزه نفسه) اي شرفه النفسي و سمعته عند الناس (ودينه) عند

الله تعالي (عنها) اي عن الخيانه (فقد احل بنفسه في الخزي) جمع خزيه، اي البليه و الفضيحه (و هو في الاخره اذل و اخزي) مما عليه في الدنيا (و ان اعظم الخيانه خيانه الامه) في اموال الفقراء و سائر المصالح (و افضع الغش) اي: اسوئه (غش الائمه) اي الولات و الخلفاء (و السلام).

نامه 027

[صفحه 17]

(الي محمد بن ابي بكر، حين قلده مصر) جعله واليا عليها (فاخفض لهم جناحك) اي تواضع لاهل مصر، واصل خفض الجناح، ان الطائر يخفض جناحه امام ابويه، تذللا (و الن) من اللين مقابل الشده (لهم جانبك) اي طرفك، من اللسان و اليد و ما اشبه، فانها من جوانب الانسان (و ابسط لهم وجهك) لا تعبسه (و آس بينهم) بمعني المواسات، اي اجعل بعضهم اسوه بعص (في اللحظه) اي الملاحظه، و هي النظره بطرف العين. (و

النظره) كي لا تنظر الي بعضهم اكثر من بعض، فيظنون انك ترجح بعضهم علي بعض (حتي لا يطمع العظماء) اي الاشراف (في حيفك لهم) اي ظلمك للناس، لاجلهم، فانهم اذا راوا من الوالي زياده عنايه طمعوا في ان يجروه الي جانبهم فيما يريدون فعله من ظلم الضعفاء (و لا يياس الضعفاء من عدلك بهم) اي انك تعدل بهم غيرهم، بان لا تفرق بين القوي و الضعيف. (فان الله تعالي يسائلكم معشر عباده) منصوب علي الاختصاص، اي يا معشر عباده (عن الصغيره عن اعمالكم و الكبيره) فالنظره و اللحظه مورد المحاسبه كالصلاه و الصيام (و الظاهره و المستوره) عن اعين الناس (فان يعذب) بذنبكم (فانتم اظلم) اي فانتم الظالمون، لا هو، و التفضيل هنا جرد (عن الفضل) و انما جي للاصل، كقولهم (ا

لاحوط) يراد الاحتياط، و قوله سبحانه: (ذلك خير) و لا يراد انه احسن و طرفه الاخر حسن (و ان يعف) عن ذنوبكم (فهو اكرم) و ذلك العفو بكرمه و فضله.

[صفحه 18]

(و اعلموا عباد الله ان المتقين) الذين خافوا الله سبحانه فعملوا بمرضاته (ذهبوا بعاجل الدنيا و آجل الاخره) اي اذ ركبوا حسن الدنيا و حسن الاخره (فشاركوا اهل الدنيا) الذين لا تقوي لهم (بافضل ما سكنت) اذ هو ساكن في محله و هو راض بما قسم الله له مطمئن بانه لم يجرم في سكناه هادي البال، بخلاف غير المتقي فانه يسكن غير راض ران سكن قصرا- اذ الرضا من لوازم الايمان، و لا اطمينان له، اذ قد اجرم في تحصيل السكني، قلق الخاطر لما يصير اليه. (و اكلوها بافضل ما اكلت) للرضا بالقسمه، و ان اكل خبزا يابسا، مطمئن بحسن ثواب الله، اذا نال

الضيق في ماكله، و ذلك بخلاف المجرم العاصي (فحظوا من الدنيا بما حظي) اي بمثل ما نال (به المترفون) اي المنعون الذين يسرفون في التلذذ و الشهوات (و اخذوا منها ما اخذه الجبابره) جمع جبار، الذي يجبر الناس و يظلمهم (المتكبرون) الذي لا يودون حق الله سبحانه كبرا و اعتلاء. (ثم انقلبوا) اي المتقون، انتقلوا الي الدار الاخره (عنها) اي: عن الدنيا (بالزاد المبلغ) الذي يبلغهم المراتب الرفيعه في الاخره، و هي الاعمال الصالحه (و المتجر) اي التجاره (الرابح) ذو الربح، اذ عملوا حسنا فياخذون جزائه ضعفا. (اصابوا

لذه زهد الدنيا في دنياهم) فان للزهد لذه لا يلتذ بمثله احد، اذ هو لذه العقل، و هو افضل من كل لذه (و تيقنوا انهم جيران الله) تشبيه للمعقول بالمحسوس، اذ الاخره دارلرضاه سبحانه و كرامته، فكانه سبحانه هناك (غدا في آخرتهم) و هذا اليقين مما يوجب ان تحسن دنياهم اكثر من غيرهم، اذ العلم بالمصير الحسن يوجب اطيمنانا في النفس و فرحا (لا ترد لهم دعوه) يدعون الله بها، اذ من اطاع الله سبحانه قبل الله كل دعائه و استجاب. (و لا ينقص لهم نصيب من لذه) اذ يلتذون بكل ملذات الدنيا المباحه من مسكن، و ملبس، و ماكل، و مشرب، و منكح، و مركب، و غيرها … (فاحذروا عباد الله الموت و قربه) فانه مهما كان بعيدا فانه قريب الي الانسان (و غير بعيد كل ما هو آت). (و اعدوا له عدته) اي الشي اللائق بالانسان بعد موته، و هو العمل الصالح (فانه) اي الموت (ياتي بامر عظيم) و هو الانتقال الي عالم آخر (و خطب جليل) الخطب المصيبه، و الجليل بمعني الكبير (بخير لا يكون

معه شر ابدا) لمن امن و اصلح، اذ الثواب دائم له (او شر لا يكون معه خير ابدا) لمن كفر و عصي اذ العقاب- للمخلد- غير منقطع ابدا (فمن اقرب الي الجنه من عاملها)؟ استفهام بمعني النفي اي لا اقرب الي الجنه م

ن العامل لها. (و من اقرب الي النار من عاملها) اي من الذي عمل عملا يستحق النار، كالكفر و الاثم (و انتم طردا الموت) جمع طريد، تشبيه للموت بالصياد، و للانسان بالصيد الذي يعقبه الصياد و يطارده لياخذه (ان اقمتم له) في بلادكم (اخذكم) الموت (و ان فررتم منه) سيحا في البلاد، او استحكاما للابنيه، و تهيئه للسلاح و ما اشبه، تحصيلنا لانفسكم عن القتل و الموت بالمفاجئات (ادرككم) و لا ينفعكم الفرار. (و هو الزم لكم من ظلكم) فانه ملازم لكم حتي يحين و قتلكم فيدرككم، و العباره كفايه عن شده الملازمه (الموت معقود بنواطيكم) جمع ناصيه، مقدم شعر الراس، و كما ان الشي الذي عقد بالناصيه ملازم للانسان كذلك الموت (و الدنيا تطوي من خلفكم) كان الانسان في صفحه طويله مر الدنيا بمقدار عمره فكلما من يوم تقدم الانسان الي آخرالصفحه، و طويت الصفحه من خلفه حتي تنتهي الصفحه. (فاحذروا نارا قعرها) اي عمقها (بعيد) فلا تعصوا حتي تبتلوا بهذه النار (و حرها شديد و عذابها جديد) اذ لا يخمل له عذاب بل يتجدد كل آن، فان جهنم (دار ليس فيها رحمه) لله سبحانه علي اهلها (و لا تسمع فيها دعوه) لمن يدعوا لله تعالي (و لا تفرج فيها كربه) فان اهلها في كربه دائمه. (و ان ا

ستعطعتم ان يشتد خوفكم من الله) بتوليد موجبات الخوف منه تعالي في نفسكم بكثره

التفكر و العباده (و ان يحسن ظنكم به) بان تظنوا به سبحانه انه يدخلكم الجنه (فاجمعوا بينها) اي الخوف و الرجا (فان العبد انما يكون حسن ظنه بربه علي قدر خوفه من ربه) فان من خافه سبحانه كان عارفا بنقمته، و من كان عارفا بنقمته يكون عارفا برحمته فيكون حسن الظن به، اذ لازم المعرفه عرفان كل من الرحمه الموجبه للرجاء. و النقمه الموجبه للخوف. (و ان احسن الناس ظنا بالله) بانه يرحمه و يتفضل عليه (اشدهم خوفا لله) باحتمال انه يعاقبه و ينكل به

[صفحه 21]

(و اعلم يا محمد بن ابي بكر اني قد وليتك اعظم اجنادي) جمع جند، و حيث ان اهل البلاد كانوا جنودا للوالي و الخليقه اذا دهم عدو سماهم عليه السلام جندا (في نفسي) اي عند نفسي (اهل مصر) بدل من (اعظم اجنادي). (فانت محقوق ان تخالف علي نفسك) اي مطالب بحق في ان تخالف شهواتك و ميولك (و ان تنافح عن دينك) اي تدافع عنه (و لو لم يكن لك الا ساعه من الدهر) لا كما يقول الجهال العمر قصير، فاللازم ان نلتذ فيه باكبر قدر ممكن من اللذه (و لا تسخظ الله برضا احد من خلقه) بان تعصي الله سبحانه حتي يرضي عنك الناس (فان في الله خلفا من غيره) فاذا فقدت عطف احد لاجله سبحانه فالله يعوضك عما فقدته. (و ليس من الله خلف من غيره) فاذا فقد الانسان فضله تعالي لم يجد ذلك عند احد (صل الصلاه لوقتها الموقت لها) نحو بين الطلوعين لصلاه الصبح، و من دلوك الشمس الي غسق الليل للظهرين، و من المغرب الي نصف الليل للعشائين (و لا تعجل وقتها لفراغ) عند كان تقدم الظهر

علي الدلوك (و لا توخرها عن وقتها) كان توخر الظهر عن المغرب (لاشتغال) لك (و اعلم ان كل شي من عملك تبع لصلاتك) فان قبلت قبل ما سواها، و ان ردت رد ما سواها.

[صفحه 22]

(و منه): (فانه لا سواء امام الهدي و امام الردي) اي ليس مساويا امام يهدي و امام يوجب الردي و الهلاك، و هو امام الفساق و الضلال (و الي النبي) الذي تولاه و احبه صلي الله عليه و آله و سلم (وعد و النبي) الذي عاداه صلي الله عليه و آله و سلم (و لقد قال لي رسول الله صلي الله عليه و آله اني لا اخاف علي امتي مومنا) اي يوذيهم و يضلهم (و لا مشركا) اي كافرا (اما المومن فيمنعه الله بايمانه) من ان ينال امتي بسوء. (و اما المشرك فيقمعه الله بشركه) اي يقهره، فلا يتمكن ان يوذي الامه، لانهم يعلمون انه مشرك فلا يسمعون كلامه حتي يوجب هلاكهم و ضلالهم (و لكني اخاف عليكم) ايتها الامه (كل منافق الجنان) اي الذي اسر النفاق و الكفر في قلبه (عالم اللسان) العارف بالحكام الشريعه الناطق بها (يقول ما تعرفون) من الاحكام و الشرائع (و يفعل ما تنكرون) من الاثام و المحرمات، فانه يودي الامه حتي ينخدعون بلسانه، فيتسممون باعماله.

نامه 028

[صفحه 24]

(الي معاويه، جوابا، قال الشريف: و هو من محاسن الكتب) (اما بعد) الحمد و الصلاه (فقد اتاني كتابك تذكر فيه اصطفاء (ص) اي اختاره لان يبلغ دين الله تعالي الي الناس (و تاييده اياه) اي تقويه الله للرسول، من الايد بمعني القوه (بمن ايده من اصحابه) اي هي سبحانه اصحابا يقرونه و ينفذون امره (فلقد حباء) اي اخفي (لنا

الدهر منك عجبا) اي امر غريبا، ثم اظهره، بهذا الكلام منك (اذ طفقت) اي اخذت (تخبرنا ببلاء الله عندنا) اي امتحانه لنا: (و نعمته علينا في نبينا) اذ نحن اصحابه الذين ايده الله بنا، فهذا الكلام منك كلام رجل مراوغ يريدان يقصي صاحب الحق عن حقه، اذ الحق لا يقال لاهله، و انما لغير اهله، بقصد اعلامهم (فكنت في ذلك) الاخبار (كناقل. التمر الي هجر) بلده من بلاد بحرين كثيره النخيل و التمور (او داعي مسدده) المسدد معلم يرمي السهام (الي النضال) اي كالذي يدعو من علمه الرمي الي المرامات. (و زعمت ان افضل الناس في الاسلام فلان و فلان) ذكر معاويه في كتابه الي الامام بان الافضل فلان و فلان، بقصد تنقيص الامام (فذكرت امرا ان تم) وصح (اعتزلك كله) اي انت بمعزل عن ذلك كله اذ فضيله من لا يرتبط بك اطلاقا لا يوجب فضلك (و ان نقص

) و كنت كاذبا في ما قلت- كما هو كذلك- (لم تلحقك ثلمته) اي عيبه فان عدم فضيله شخص لا يوجب عدم فضيله آخرين (و ما انت) يا معاويه (و الفاضل و المفضول) اي انت بعزل عن فهم ذلك و تعيينه، فانه انما يعرف ذا الفضل، من الناس ذووه، (و السائس و المسوس؟) السائس الحاكم الذي يسوس الذي و يدير شئونهم، و المسوس الرعيه. (و ما للطقاء و ابناء الطلقاء) فان معاويه كان طليقا للرسول، و ابن ابي سفيان الطليق ايضا، و هولاء حيث كانوا اسلموا خوفا لم يكن لهم في الاسلام نصيب حتي يتمكنوا من التمييز (و التمييز بين المهاجرين الاولين و ترتيب درجاتهم) بان ايهم افضل. (و تعريف طبقاتهم) بان ايهم في ايه طبقه من

الفضل (هيات) ان يعرف ذلك الا من كان في عدادهم و علي غرارهم (لقد حن قد ليس منها) القدح السهم، و حن بمعني صوت، فان السهم اذا كان يخالف سائر السهام في النحت و الخشب كان له صوت يخالف صوت سائر السهام، عند الرمي، و هدا مثل لمن يدخل في شان ليس من شانه (و طفق) اي اخذ (يحكم فيها) اي في المفاضله (من عليه الحكم لها) اي للمفاضله فان من ليس له فضل، محكوم بذلك فكيف يتمكن ان يكون حاكما؟.. (الا تربع ايها الانسان علي ضلعك) اي الا تفف علي حدك، تشبيه بالايل الذ

ي ينام علي ضلعه، و الاستفهام للامر و التوبيخ (و) الا (تعرف قصور ذرعك؟) اي قصور يدك عن تناول هذه الامور (و تتاخر حيث اخرك القدر)؟ التقدير السي الذي كان لك (فما عليك غلبه المغلوب) اي: لا يرتبط بك ان الشخص اذا غلب. (و لا ظفر الظافر)؟ اي ان الغالب اذا غلب، فلست انت في شي من ذلك (و انك) يا معاويه (لذهاب في التيه) اي كثير الذهاب في الضلال (رواغ عن القصد) اي كثير المراوغه و الميل عن قصد الطريق و وسطه (الا تري- غير مخبر لك و لكن بنعمه الله احدث) اي ان ما اريد او اقوله ليس بقصد اخبارك و الفخر بالنسبه الي نفسي، و لكن احدث بنعمه الله سبحانه حيث قال (و اما بنعمه ربك فحدث) (ان قوما استشهدوا في سبيل الله من المهاجرين) اي قتلوا في الجهاد و ما اشبه (و لكل فضل) في استشهاده. (حتي اذا استشهد شهيدنا) هو حمزه بن عبدالمطلب عم (ص) استشهد في غزوه احد (قيل) له من جانب الله سبحانه (سيد

الشهداء) و ذلك لبلائه العظيم و ايمانه الراسخ (و خصه (ص) بسبعين تكبيره تند صلاته عليه) و الحال ان لصلاه الميت خمس تكبيرات. (اولا تري ان قوما) من المسلمين (قطعت ايديهم في سبيل الله) و الجهاد من اجله (و لكل فضل) لما اصابه (حتي اذا فعل بواحدنا ما فعل بواحد

هم) من قطع اليد، و هو جعفر بن ابي طالب، اخ الامام عليه، قطعت يداه في غزوه، موته (قيل) له من جانب الله سبحانه، علي لسان (ص) (الطيار في الجنه و ذوالجناحين) فقد وهب الله سبحانه عوض قطع يديه جناحين يطير بهما في الجنان مع الملائكه. (و لو لا ما نهي الله عنه من تزكيه المرء نفسه) حيث قال سبحانه: (فلا تزكوا انفسكم) (لذكر ذاكر) يعني نفسه الكريمه (فضائل جمه) اي كثيره (تعرفها قلوب المومنين) لانهم حفظوها و قدروها حق قدرها (و لا تمجها آذان السامعين) اي لا تكرهها لانها واقعيه و ليست مكذوبه. (فدع عنك من مالت به الرميه) الصيد يرميه الصائد، و مالت به خالفت قصده فاتبعها، مثل لمن اعوج غرضه، فمال عن الاستقامه لطلبه، و لعل القصد بالمثل، خطاب النفس، اي لا يهمك يا علي عليه السلام، من خالف القصد لاغراضه، كمعاويه و اضرابه، او تعريض بالذين تقدموه في الخلافه، جوابا عن تفضيل معاويه لهم، او غير ذلك (فانا صنائع ربنا) اي ان لنا من الفضل ما يكفينا، و لا يضرنا جهل الجاهل و انكار المنكر، و معني الصنائع المختصون بفضله في بابي الرساله و الامامه. (و الناس بعد صنائع لنا) فنحن واسطه الفيض اليهم الموجب لحياتهم السعيده في الدنيا و الاخره (لم يمنعنا

قديم عزنا) اي عزنا القديم بابائنا (و لا عادي طولنا) اي فضلنا

الاعتيادي، فان الطول بمعني الفضل، و العادي بمعني الشي ء المعتاد (ان خلطناكم) يا بني اميه (بانفسنا) (ان) فاعل (لم يمنع) يحتمل ان يكون مفعولا، و (قديم) فاعل (فنكحنا) منكم (و انكحنا) لم بناتنا (فعل الاكفاء) اي عاملناكم معامله الكفو لكفوه، و المثل لمثله (و لستم هناك) اي لم تكونوا اكفاء لنا. (و اني يكون ذلك)؟ اي المماثله و الكفوء- بيننا و بينكم- (و) الحال انه (منا النبي) (ص) (و منكم الكذاب) لقب ابوجهل (و منا اسد الله) حمزه بن عبدالمطلب (و منكم اسد الاحلاف) ابوسفيان، لانه جمع القبائل و حالف بعضهم مع بعض لحرب (ص) (و منا سيد شباب اهل الجنه) الحسن و الحسين عليهماالسلام كما قال (ص) (و منكم صبيه النار) اولاد عقبه، او مروان، حيث او عدهم (ص) بالنار، و هم صبيان. (و منا خير نساء العالمين) فاطمه الزهراء عليهاالسلام (و منكم حماله الحطب) زوجه ابي جهل ام جميل بنت حرب عمه معاويه كانت تحمل الاشواك و تلقيها في طريق (ص) لتدخل في قدمه الشريفه اذا سار في الليل من داره الي المسجد (في كثير) من هذه المفاضلات (مما لنا) خيره (و عليكم) شره.

[صفحه 29]

(فاسلامنا قد سمع) سمعه الناس، باناكنا اسرع الناس الي الا سلام (و جاهليتنا) اي شرفنا في زمن الجاهليه (لا تدفع) اي لا ينكره احد، حيث كانت لهم الفضائل في زمن الجاهليه. (و كتاب الله يجمع لنا ما شذ عنا) اي ان ما سلبوه منا من الخلافه، يرجع الينا بحكم القرآن، و معني شذ: ابتعد (و هو قوله: (و اولوا الارحام بعضهم اولي ببعض في كتاب الله) فما كان للنبي (ص) من السلطه و الامره لنا، اذ نحن اولي به، بحكم الكتاب،

حيث اننا من قرباه (و قوله تعالي: (ان اولي الناس بابراهيم للذين اتبعوه و هذا النبي و الذين آمنوا) اي احق الناس بمقام ابراهيم و بالانتساب اليه، هم طائفتان: الاولي: الذين اتبعوه سابقا، و الثانيه هذا النبي و المومنون (و الله ولي المومنين) جميعا، و حيث ان الامام من اتباع ابراهيم حقا، اذ كل من كان الزم بطاعه الله كان اولي بابراهيم و بقمام السلطه و الاماره (فنحن مره اولي) بمقام الخلاقه (من غيره نا به) سبب (القرابه) (ص). (و تاره اولي به) سبب (الطاعه) حسب الايه الثانيه (و لما احتج المهاجرون علي الانصار يوم السقيفه بر رسول (ص) فلجوا عليهم) اي غلبوهم، فان الانصار في يوم السقيفه قالوا منا امير و منكم امير، فاحتج الم

هاجرون علي اولويه انفسهم بانهم من شجره الرسول (ص)، و بهذا قبل الانصار ان يتاخروا. (فان يكن الفلج) و الظفر (به) اي بالقرب من رسول (ص) (فالحق لنا دونكم) لاني اقرب الناس برسول (ص) ممن يصلح للخلاقه (و ان يكن) الفلج (بغيره) اي ليس بالقرب من الرسول، و انما بمن تقدم كيفما كان (فالانصار علي دعواهم) في ان لهم الحق في الخلاقه و يلزم ان يكون منهم امير، كما من المهاجرين امير. (و زعمت) يا معاويه في كتابك (اني لكل الخلفاء حسدت و علي كلهم بغيت) اي ظلمت (فان يكن ذلك كذلك) اي كما تقول، و ليس كما تقول فانهم هم الذين ظلموا الامام و حسدوه حيث اخروه عن مقامه و غصبوا الخلافه التي عقدها الله و رسوله، له، في يوم الغدير و غيره (فليس الجنايه) مني (عليك) اذ لا ترتبط انت بالخلفاء (فيكون العذر اليك) اي فيلزم علي ان

اعتذر اليك. (و تلك شكاه ظاهر عنك عارها) هذا من تتمه بيت لابي ذوئيب، و اوله (و عيرها الواشون اني احبها) و الشكاه النقيصه، و ظاهر بمعني بعيد، اي ان محبتي لها ليست عارا عليك يا ايتها المحبوبه، و مراد الامام عليه السلام بالتمثيل، ان هذه النقيصه التي تزعم في، لا ترتبط بك يا معاويه. (و قلت) في كتابك (اني كنت اقاد) يوم اراد وا اخذ ا

لبيعه مني، لابي بكر (كما يقاد الجمل المخشوش) اي الذي جعل في انفه الخشب ليربط به الحبل فيقاد كيف يشاء الشخص (حتي ابايع) لابي بكر، فظن معاويه ان هذا طعن في الامام عليه السلام (و لعمر الله) اي قسما بالله (لقد اردت ان تذم) بهذا (فمدحت و ان تفضح) بالصاق عيب بي (فافتضحت) اذا لصق بك العيب. (و ما علي المسلم من غضاضه) و نقيصه (ان يكون مظلوما) و هذا دليل علي انهم ظلموني حقي و اجبروني بمثل هذا الاجبار العظيم علي اخذ البيعه (و ما لم يكن شاكا في دينه) بان لا يكون عدم علمه بشي ء) من اجل الشك في الدين (و لا مرتابا بيقينه) اي صاحب ريب، و هو اول الشك، في يقينه باصول الدين. (و هذه) التي ذكرتها من اني اخذت قهرا للبيعه (حجتي الي غيرك قصدها) لانها تقصد ابابكر و من لحقه، فانا انما احتج بهذا علي اولئك بانهم سلبوني حقي حتي قهرت، اما انت فلست في العير و لا في النفير فلا حاجه في الاحتجاج عليك اذا ظراف الاحتمال انا و ابوبكر، لا انا و انت. (و لكني اطلقت لك منها) اي من هذه الحجه- التي لا ترتبط بك- (بقدر ما سنح) اي ظهر (من ذكرها) اشاره الي ان

ما اردت تنقيصي به، انما هو مدح لي.

[صفحه 32]

(ثم ذكرت) يا معاويه (ما كان ما امري و امر عثمان) و اني ما نصرته حتي قتل (فلك ان تجاب) اي لك الحق في ان اجيبك عن هذات الاشكال. (لرحمك منه) فان عثمان من بني اميه، و للرحم ان يدافع عن رحمه (فاينا) انا ام انت (كان اعدي له) اي اشد عدوانا لعثمان (و اهدي) اي ابصر (الي مقاتله) اي وجوه قتله؟. (امن بذل له) اي لعثمان (نصرته) هو الامام عليه السلام حيث صار سفيرا بينه و بين الناقمين و نصح عثمان مكررا في الخروج من مظالمهم (فاستقعده و استكفه) اي طلب عثمان منه ان يقعد و يكف عن النصره، فان عثمان اخرح الامام من المدينه او طلب اليه ان لا يتداخل في الامر، بعد ما هدي الامام الثوار و طلب منهم ان يكفوا عن عثمان، بل ارسل الماء مع الامام الحسن عليه السلام اليه حيث حصروه في داره. (امن استنصره) اي طلب عثمان نصرته، و هو معاويه، فقد ارسل عثمان اليه- الي الشام- ان ينصره، فارسل معاويه جماعه، و امرهم بالسير حتي اذا وصلوا قرب المدينه، لا يدخلوها اطلاقا، حتي ياتيهم امر معاويه، و اكد ذلك للجماعه، بان لا يقولوا: شهدنا ما لم تشهده، قال: فانما انا الشاهد و انتم الغائبون، و كل قصده من هذا العمل ان يسد لسان الناس عن نفسه حتي لا يقولوا ل

م ينصره معاويه، و من جانب آخر لا ينصره، حتي يقتل فيخلو له الجو. (فتراخي عنه وبث المنون اليه) اي نشر الموت اليه، بسبب عدم نصرته (حتي اتي قدره عليه) و قتل (كلا و الله) ليس الامر كما تزعم، بان الناس لا يدرون

صنعك، و يخفي علي الله فعللك (لقد علم الله المعوقين منكم) العوق: المانع عن النصره (و القائلين لا خوانهم) الذين يريدون الجهاد (هلم الينا) اي كونوا معنا و لا تخرجوا للجهاد. (و لا ياتون الباس) اي الحرب (الا قيلا) في ما اذا اضطروا و لم يجدوا مفرا. (و ما كنت لا عتذر من اني كنت انقم عليه) اي علي عثمان (احداثا) اي اعيب عليه بدعا و اعمالا سيئه، كتقسمه الولايات في اقربائه الذين لايليقون، و اعطائه اموال الامه الي اقربائه و حاشيته دون المسلمين، و ضربه ابن مسعود، و نفيه لابي ذر، و غيرها. (فان كان الذنب اليه) مني (ارشادي، و هدايتي له) بالكف عن هذه الاعمال (فرب ملوم لا ذنب له) اي يمكن ان الام انا بهذا لكن لا ذنب لي، فالارشاد واجب. (و قد يستقيد الظنه المتنصح) و هذا فجر بيت صدره (و كم سقت في آثاركم من نصيحه) و الظنه: التهمه، و المتنصح: المبالغ في النصح و الارشاد اي قد يتحمل الناصح التهمه، لان من يريد نصحهم يريدون ان يبرروا

انفسهم من هذا الناصح، فيتهموه ليشوهوا سمعته. (و ما اردت الا الاصلاح ما استطعت) اي بقدر استطاعتي (و ما توفيقي الا بالله عليه توكلت) في اموري.

[صفحه 34]

(و ذكرت) يا معاويه (انه ليس لي و لاصحابي الا السيف) تهددني بذلك (فلقد اضحكت) الناس من تهديدك (بعد استعبار) اي بعد ان اورثت البكاء علي حالك في الضلال. (متي الفيت) اي وجدت (بني عبدالمطلب عن الاعداء ناكلين) اي: متاخرين فارين، حتي تهدد هم بالسيف (و بالسيوف مخوفين) اي يخوفون بالسيف (لبث قليلا يلحق الهيجا حمل) (لا باس بالموت اذا الموت نزل) (حمل) اسم رجل اغير علي ابله، فاستنقذها،

و انشد هذا البيت، اي امكث قليلا ايها المغير، يلحق الحرب- و هي الهيجاء- حمل، و يحارب حتي ينقذ آباله، فصار مثلا يضرب للتهديد بالحرب، اي اصبريا معاويه يلحق علي عليه السلام بالحرب، فتعرف مذاق المحاربه معه (فسيطلبك) للحرب (من تطلب) و تهدده بالحرب (و يقرب منك ما تستبعد) من نزول الهزيمه بك و بجيشك (و انا مرقل) مسرع (نحوك في جحفل) اي جيش (من المهاجرين و الانصار). من الاصحاب الرسول (ص) (و التابعين لهم باحسان) الذين اتبعوهم ممن لم يدركوا النبي (ص) (شديد زحامهم) اي اجتماعهم و مزاحمتهم لك. (ساطع قتامهم) اي غبارهم وقت المسير اليك (متسربلين) اي لا بسين (سرابيل الموت) اي لباس الموت، كنايه عن استعداد هم للموت، و يكون المستعد للموت اشد قتالا (ا

حب اللقاء اليهم لقاء ربهم) يعني انهم يحبون الموت، لما يعلمون في ان موتهم يسبب لهم ملاقات ثواب الله سبحانه (قد صحبتهم ذريه بدريه) اي اولاد اهل بدر، فهم اولاد ساده كرام. (و سيوف هاشميه) كنايه عن نفوذها و شده باسها في الاعداء (قد عرفت) يا معاويه (مواقع نصالها) اي المحلات التي تضرب بتلك السيوف (في اخيك) حنظله (و خالك) الوليد (و جدك) لامك عتبه (و اهلك) الذين قتلهم تلك السيوف، حيث حاربوا الرسول (ص) (و ما هي من الظالمين ببعيد) كنايه عن ان تلك السيوف قريبه الي معاويه لتقتله، كما قتلت اقرباء.

نامه 029

[صفحه 36]

الي اهل البصره (و قد كان من انتشار حبلكم) انتشار الحبل تفرق طاقاته التي فتل منها، و هذا كنايه عن تفرق اهل البصره فقسم له عليه السلام و قسم عليه و قسم بين ذلك (و شقاقكم) اي مخالفتكم (ما لم تغبوا عنه) اي ما لم تجهلوه،

من غبا عنه بمعني جهله (فعفوت عن مجرمكم) اي المسي منكم (و رفعت السيف عن مدبركم) فان الامام اوصي جيشه بان لا يتبعوا الفارين من اهل الجمل (و قبلت) العذر (من مقبلكم) الذي اتا الينا معتذرا. (فان خطت) اي تجاوزت (بكم الامور المرديه) اي المهلكه (و سفه الاراء الجائره) اي الاراء الناشئه من السفاهه و الظلم (الي منابذتي) اي: مخالفتي (و خلافي) بان اردتم الشقاق و العصيان ثانيا (فها انا ذا قد قربت جيادي) جمع جواد، اي قربتها لاركبها حتي آتي الي محاربتكم ثانيا (و رحلت ركابي) اي شددت الرحل عليها، و الركاب: الابل. (و لئن الجاتموني الي المسير اليكم) اي اضطررتموني- بسبب مخالفتكم- حتي اسير اليكم، للمحاربه (لا وقعن بكم وقعه) اي احاربنكم محاربه (لا يكون يوم الجمل) بالنسبه (اليها الا كلعقه لاعق) اللعقه اللحسه، اي ان يوم الجمل يكون السير منها، كنايه عن شده محاربته لهم هذه المره. (مع اني) لا اربد بهذا جميع اه

ل البصره، بل اهل النفاق و الشقاق منها، اذ اني (عارف لذي الطاعه منكم فضله) في طاعته و انقياده لاوامري (و لذي النصيحه) الذي ينصح و لا يفسد (حقه) علي، في حالكوني في تهديد اهل البصره (غير متجاوز الي بري) بل اخص العتاب و العقاب بالسيقم (و لا ناكثا الي وفي) اي لا انقض العهد بالنسبه الي من وقي و بقي علي الطاعه.

نامه 030

[صفحه 38]

الي معاويه (فاتق الله فيما لديك) اي فيما انت مسلط عليه، بان لا تخالف امر الله سبحانه في ذلك (و انظر في حقه) سبحانه (عليك) فاده كما امر (و ارجع الي معرفه ما لا تعذر بجهالته) و هو معرفه الخليفه و اتباعه (فان للطاعه اعلاما

واضحه) جمع (علم) و هو ما ينصب في الطريق لمعرفه الجاده، ان من يريد اطاعه الله سبحانه لا يضل الطريق، لمعروفيه طريق الاطاعه (و سبلا نيره) اي واضحه ذات نور. (و محجه) اي طريقا (نهجه) و اضحه (و غايه مطلوبه) للناس، و هي الوصول الي السعاده في الدارين (يردها) اي تلك الطرق، او تلك الغايه (الاكياس) جمع كيس، بمعني العاقل الفطن (و يخالفها الانكاس) جمع نكس، بمعني الدني. (من نكب عنها) اي انحرف عن تلك الطريق (جارعن الحق) الي الباطل (و خبط في التيه) اي مشي علي غير هدايه، في الضلال (و غير الله نعمته) عليه (و احل به نقمته) اي عذابه و عقوبته، كما قال سبحانه: (و ما كان الله مغيرا نعمه انعمها علي قوم حتي يغيروا ما بانفسهم). (ف)احفظ (نفسك نفسك) عن الاثام و العقاب (فقد بين الله لك سبيلك) الذي ان سلكته رشدت و سعدت (و حيث تناهت بك اموري) اي راقب المحل الذي تنتهي امورك اليه لئلا تضل و تشقي (فقد اجريت) مصي

بتك (الي غايه خسر) اي غايه توجب خسارتك لكل شي (و محله كفر) اي المحل الذي ينتهي اليه الكافر من النار و النكال. (و ان نفسك قد اولجتك شرا) اي ادخلتك في الشر (و اقحمتك) اي ادخلتك بكل صعوبه و شده (غيا) اي ضلالا (و اورد تك المهالك) جمع مهلكه، و هي محل الهلاكه (و او عرت) اي اخشنت و صعبت (عليك المسالك) اي: مسالك الرشاد، فتراها صعبه حيث زينت لك نفسك الضلال و الغي.

نامه 031

[صفحه 40]

(من الوالد الفان) اي الذي اخذ في سبيل الفناء (المقر للزمان) بانه يفعل ما يشاء ان يفعل بالانسان، من الضعف و الانحلال (المدبر

العمر) لان غالبه قد ذهب، و بقي منه اقله (المستسلم للدهر) اي المنقاد لصروفه، اذ لا يملك ان يغيره (الذام للدنيا) اذ هي دار بلاء و عناء (الساكن مساكن الموتي) فان من ماله الموت يسكن الدنيا. (و الظاعن عنها) اي الراحل عن الدنيا (غدا) اي بعد هذا اليوم، و يراد الغد حقيقه (الي المولود المومل ما لا يدرك) فان الانسان يامل في الدنيا اشياء لا يدركها (السالك سبيل من قد هلك) فان الانسان يمشي في طريق الهالكين في اعماله و افعاله (غرض الاسقام) كان الاسقام يرمي الانسان بنبالها (و رهينه الايام) فكما يسترد الرهن، كذلك يسترد الانسان الي التراب و الفناء كما كان. (و رميه المصائب) الرميه الصيد الذي يرمي، يعني ان المصائب تاتيه و ترميه من كل جانب (و عبد الدنيا) اي المتبع لها، كاتباع العبد لسيده (و تاجر الغرور) اذ يصرف عمره و يشتري الاشياء التي لا تفيد، كالمغرور الذي اعطي ما له لما لا يقابله (و غريم المنايا) جمع منيه، فكما ان الدائن يطلب المديون، كذلك الموت يطلب الانسان. (و اسير الموت) فكما ان الاسير

لا مخلص له من الاسر كذلك الانسان لا مخلص له من الموت. (و حليف الهموم) اي قرينها (و قرين الاحزان) فان الانسان مقترن بانواع الحزن (و نصب الافات) اي لا تفارقه الافات، مثل فلان نصب عيني اي في منظري و تحت ادراكي (و صريع الشهوات كان الشهوات تصارع الانسان و الانسان يصارعها للتخلص منها، فتغلب هي حتي تصرع الانسان. (و خليفه الاموات) اذا الانسان قائم مقام الاموات في بلادهم و آثارهم، و هو من اولادهم.

[صفحه 41]

(اما بعد فان فيما تبينت) اي علمت (من ادبار الدنيا عني) اذ ذهب

غالبها (و جموح الدهر) اي تغلبه و عصيانه (علي) برميي بالمصائب (و اقبال الاخره الي) اي قربها (ما يزعني) اي يمنعني (من ذكر ممن سواي) لاني مشغول بامر نفسي. (و الاهتمام بما و رائي) اي الذي اخلفه و رائي من الدنيا و شئونها (غيراني- حيث تفرد بي، دون هموم الناس، هم نفسي) هم نفسي فاعل تفرد، و ياتي متعلق (غير اني) في قوله (كتب) او (اوصيك) (فصد فني) اي صرفني همي (رايي) اي اتباع آرائي، فلا اتبع افكاري الدنيويه (و صرفني عن هواي) اذ الهم يوجب يقظه الانسان، حتي لا يتبع هواه، و يحتمل ان يكون (رائي) فاعل صدفني و صرفني، فالمراد بالراي الراي الصائب و العقل الحصيف. (و صرح لي) اي ظهر لي (محض امري) اي خالصه الذي لا تغشاه الاهواء و الميول (فافضي بي) اي انتهي رائي الصائب و محض امري (الي جد لا يكون فيه لعب) لما علمت من بطلان اللعب و سوء عاقبته (و صدق لا يشوبه كذب) فان الصادق من كل شي ء ما يطابق الواقع الصحيح. (و وجدتك) يابني، و هذا عطف علي (تفرد) اي حيث وجدتك (بعضي) فان الولد من بعض الانسان، لان جزئا من دمه ينقلب منيا، ثم ولدا. (بل وجدتك كلي) لان المني ينفصل عن

كل جزء من اجزاء الانسان، او باعتبار انه الباقي بعده و الممثل له (حتي كان شيئا لو اصابك اصابني) فان الانسان يحس بالالم اذا اصاب ولده شي ء، كما يحس بالالم اذا اصاب نفسه شي ء (و كان الموت لو اتاك اتاني) فكرهي لموتك مثل كرهي لموتي (فعناني من امرك ما يعنيني من امر نفسي) اي حيث انك كنفسي، لم ار مانعا من نصيحتك، و

ان كنت مشتغلا بهموم نفسي دون غيري. (فكتبت اليك) متعلق به (غير اني) (مستظهرا به) اي استعين بما اكتب علي هدايتك (ان انا بقيت لك او فنيت) اي سواء بقيت حيا اومت و فارقتك.

[صفحه 43]

(فاني اوصيك) مفعول (كتبت) (بتقوي الله) اي الخوف منه (اي بني) مصغرابن (و لزوم امره) بان تلازم احكامه (و عماره قلبك بذكره) بان تذكره دائما، فانه يوجب عماره القلب بالفضائل، و بدون ذكره يكون القلب كالخراب، لاستيلاء الرذائل عليه (و الاعتصام بحبله) اي التمسك بشريعته التي هي كالحبل الموصل للانسان الي الدرجات الرفيعه (و اي سبب بينك و بين الله ان انت اخذت به)؟ استفهام تعجب لتعظيم حبله سبحانه يعني انه سبب و اي سبب، نحو رجل و اي رجل، في مقام المدح، و (ان) من الشرط لتحقيق الموضوع.

[صفحه 43]

(احي قلبك بالموعظه) فان حياه القلب بالفضائل و هي تتولد من المواعظ (و امته) عن طلب الشهوات (بالزهاده) فان الانسان اذا زهد في الدنيا ماتت الشهوات في قلبه فلا يتطلبها (و قوه باليقين) فان اليقين يقوي القلب، حتي لا يخاف شيئا (و نوره بالحكمه) فان الحكمه و هي معرفه الشريعه توجب نورا في القلب به يبصر الحق و الباطل، و الحسن و القبيح. (و ذلله بذكر الموت) فان القلب جموح، فاذا ذكر الموت ذل و تواضع (و قرره بالفناء) اي اطلب منه الاقرار بالفناء و الموت (و بصره فجائع الدنيا) اي اره مصيبات الدنيا، حتي لا يركن اليها (و حذره صوله الدهر) اي هجومه و الامه حتي يكون علي استعداد للاخره (و فحش) اي فاحش (تقلب الليالي و الايام) فان الايام كثيره التقلبات من غني الي فقر و من صحه الي مرض

و هكذا. (و اعرض عليه اخبار الماضين) الذين مضوا قبلك من الاخيار و الاشرار، ليجتنب عمل الاشرار، و يقتضي اثر الاخيار (و ذكر بما اصاب من كان قبلك من الاولين) من انواع المصائب و العقوبات، حتي يعرف الدهر تماما (و سر في ديارهم و آثارهم، الباقيه بعد هم (فانظروا فيما فعلوا) من الابنيه و العمارات و البساتين و مصنوعات، كطاق كسري و قلعه بعلبك- مثلا- (و ع

ما انتقلوا) اي عن الاهل و البلاد و الاثار. (و اين حلوا و نزلوا) في القبور، و ديار الفناء (فانك تجدهم) بفكرك و بصيرتك (قد انتقلوا عن الاحبه) جمع حبيب (و حلوا ديار الغربه) فان الانسان في المقابر غريب- و المراد غربه جسمه- (و كانت عن قليل) اي: بعد مده قليله (قد صرت كاحدهم) في الانتقال عن الدنيا الي الاخره (فاصلح مثواك) اي محل الثوي و الرقده (و لا تبع آخرتك بدنياك) بان تعصي الله سبحانه للذه الدنيا، فلا تكون لك آخره سعيده. (و دع القول فيما لا تعرف) فلا تتكلم بما لا تعلم (و الخطاب فيما لم تكلف) اي لم يكلفك الله سبحانه (و امسك عن طريق اذا خفت ضلالته) و المراد الطرق التي لا يعلم الانسان صحتها و بطلانها، في الاعمال و الاقوال (فان الكف) اي الترك (عند حيره الضلاله) اي الضلاله الموجبه لحيره الانسان هل يقدم ام لا؟ (خير من ركوب الاهوال) التي لا يعلم هل ينجو الانسان منها ام لا؟. (و امر بالمعروف تكن من اهله) اي اهل المعروف، فان اهل كل شي ء من يزاوله و يلازمه (و انكر المنكر بيدك و لسانك) اي قولا و عملا (و باين) اي: فارق و ابتعد عن (من

فعله) اي فعل المنكر (بجهدك) اي بكل ما تقدر عليه من الجهد (و جاهد في الله) اي في سبيله سبحانه

و لاجله (حق جهاده) اي كما ينبغي ان يجاهد الانسان. (و لا تاخذك في الله لومه لائم) اي لا تسبب ملائمه شخص ان تترك امرا من اوامر الله سبحانه (و خض الغمرات) اي ادخل في الشدائد، فان الغمرات جمع غمره، و اصلها الماء الذي يغمر الانسان اي يشمله (للحق حيث كان.) الحق (و تفقه في الدين) اي تعلم احكام الدين (و عود نفسك التصبر علي المكروه) فان الانسان اذا لزم التصبر يكون الصبر معتادا له (و نعم الخلق التصبر) لانه يعين الانسان في الوصول الي الغايات الساميه. (و الجي نفسك في الامور كلها الي الهك) اي عودها ان تلتجي في الشدائد و سائر الحوائج الي الله سبحانه (فانك) ان فعلت ذلك (تلجئهاالي كهف حريز) اي الي ملجا حافظ لك من ان يمسك مسوء (و مانع عزيز) اي مانع عن وصول المكاره اليك، ذو عزه و منعه (و اخلص في المساله لربك) بدون رياء او سمعه او تشريك غيره سبحانه في السوال منه (فان بيده) تعالي (العطاء و الحرمان) فان اخلصت في السئوال اعطاك، و ليس بيد احد غير شي ء من هذين. (و اكثر الاستخاره) اي طلب الخير من الله سبحانه، او اجاله الراي لطلب خيرالاراء، فيما ترتدان ان تعمله (و تفهم وصيتي) حتي تعمل بها عن تفهم و بصيره، لا عن تعبد و اطاعه (و لا تذه

بن عنها) اي عن وصيتي (صفحا) بان تعرض عنها، تشبيه بمن لا يمشي في وسط الجاده، و انما في جوانبها (فان خير القول ما نفع) فاذا انتفعت بوصيتي كانت من

خير القول. (و اعلم انه لا خير في قولا لا ينفع) فاذا علمت الوصيه و لم تعمل بها، لا خير فيها (و لا ينتفع بعلم لا يحق تعلمه) اي لا يكون من الحق تعلمه كالسحر و ما اوجب الفساد.

[صفحه 47]

(اي نبي) (اي) حرف ندا، و بني منادي (اني لما رايتني قد بلغت سنا) اي وصلت نهايه عمري (و رايتني) اي رايت نفسي (ازداد و هنا) اي ضعفا (بادرت) اي تعجلت (بوصيتي اليك) بهذه الوصيه (و اوردت خصالا) جمع خصله، و هي الصفه (منها) اي من الوصيه (قبل ان يعجل بي اجلي دون ان افضي) الي القي (اليك بما في نفسي) من النصح و الارشاد. (و) قبل (ان انقص في رايي) فان الانسان اذا شاخ لا يمكنه ان يبين جميع آرائه او هذا علي سبيل العاده، من نقص الانسان في معلوماته لدي الكبر- و انكان الامام منزها عن ذلك-. (كما نقصت في جسمي) فان العمر ينقص منها (او يسبقني اليك بعض غلبات الهوي) بان يستولي علي قلبك ما يغلب من اسباب الهوي، فياخذ بمجامع القلب، و لا يجد الموعظه فيه، بعد ذلك سبيلا، و هذا من باب اياك اعني و اسمعي يا جاره- لو كان المخاطب الامام الحسن عليه السلام (و فتن الدنيا) ما يوجب الفتنه منها (فتكون) انت في عدم استماع المواعظ (كالصعب) الي كالفرس الذي يصعب ركوبه لتوحشه (النفور) الذي يتنفر و لا يانس (و انما قلب الحدث) اي الشاب (كالارض الخاليه) التي لا زرع فيها (ما القي فيها من شي ء) بيان (ما) الموصوله (قبلته) و رتبه و اخرجته نباتا. (فب

ادرتك بالادب) اي اسرعت الي ادبك (قبل ان يقسو قلبك) اي: يشتد بالملكات الرديئه، فلا

تجد الفضائل فيه منفذا. (و يشتغل) بامور الدنيا و الرذيله (لبك) اي عقلك، و انما بادرتك (لتستقبل بجد رايك) اي برايك الجاد (من الامر ما قد كفاك اهل التجارب) (ما قد) مفعول (تستقبل) و (من الامر) بيان ل (ما) (بغيته) اي طلبه (و تجربته) فتستعمل حسب ما جرب اهل التجربه، و لا تتجشم اعاده التجارب (فتكون) باستعمال اوامر اهل التجربه (قد كفيت موونه الطلب) فلا تحتاج الي ان تتطلب بنفسك و تجرب الامور بنفسك لتصرف من اوقاتك ثمينا حتي تحصل علي تلك النتائج (و عوفيت من علاج التجربه) اي: كنت بمناي من ان تعالج التجارب بنفسك (فاتاك من ذلك) العلاج (ما قد كنا ناتيه) اي جائك نتايج العلاجات، بلا صعوبه، مما قد كنا نعالج فنحصل عليها بالعلاج و المشقه (و استبان لك) اي ظهر لك (ما ربما اظلم علينا منه) اي لم يظهر وجهه حتي حصلناه و فهمناه بالصعوبه و العلاج- و هذا علي سبيل العرف، و الا فالامام كان في غني عن ذلك-

[صفحه 48]

(اي بني اني و ان لم اكن عمرت عمر من كان قبلي) اي العمر الطويل (فقد نظرت في اعمالهم) نظر تعقل و تدبر (و فكرت في اخبارهم) التي جائت الينا منهم (و سرت في آثارهم) الباقيه بعدهم، كبقايا المدن و ما اشبه (حتي عدت) اي صرت (كاحدهم) مطلعا علي اوضاعهم تمام الاطلاع. (بل كاني بما انتهي) اي وصل (الي) (من امورهم قد عمرت مع اولهم الي آخرهم) اذ اجتمع لدي اخبار جميعهم (فعرفت صفو ذلك) الذي انتهي الي (من كدره) فايه حياتهم كانت صفوا، و ايتها كانت كدره تشوبها الالام و المخاوف (و نفعه من ضرره) فاي سلوكهم كان ضارا و

ايه كان نافعا (فاستخلصت لك من كل امر نخيله) اي مختاره المصفي (و توخيت) اي تحريت و اخرجت لك في هذه الموعظه (جميله) الموجب للسعاده و الرفاه (و صرفت عنك مجهوله) اي لم ابين لك ما يجهل غايته (و رايت) اي نظر لك (حيث عناني من امرك) اي من جهه عنايتي بامرك (ما يعني الوالد الشفيق) فانه لا يعني لولده الا خيرا، و انا قصدت ذلك لك. (و اجمعت) اي عزمت (عليه) الضمير عائد الي (ما) (من ادبك) بيان (ما) اي عزمت علي ادبك (ان يكون ذلك) النصح و الارشاد (و انت مقبل العمر) اي العمر مقبل عليك اذ انت في اوله، و يحتمل كون (ان يكون) مفعو

ل (رايت) و يكون (اجمعت) عطفا علي (يعني) (و مقتبل الدهر) اي الدهر مقبل عليك، اذ الانسان في اول عمره له من النشاط ما يقبل الدهر عليه باعطائه بعض آماله، في حالكونك (ذونيه سليمه) لم تختلط بعد بامراض الدنيا النفسيه (و نفس صافيه) لم تكدرها الالام و الشهوات (و ان ابتدائك بتعليم كتاب الله) مفعول (رايت) اي رايت اولا ان اعلمك القرآن (و تاويله) اي ما يول امر الايات اليه من النتائج المخالفه لظواهر الايات، كتاويل (الي ربها ناظره) اي كونهم ينظرون الي الطافه سبحانه. (و) تعليم (شرائع الاسلام) جمع شريعه، و اصلها المورد الذي يرده الانسان علي الشطوط لشرب الماء، و المراد به قوانين الاسلام. (و احكامه و حلاله و حرامه لا اجاوز ذلك بك الي غيره) اي لا اعلك غير الكتاب (ثم اشفقت) اي خفت (ان يلتبس عليك) اي يشتبه عليك (ما اختلف الناس فيه من اهوائهم و آرائهم) في الكتاب (مثل الذي التبس عليهم) اي:

يشتبه عليك القرآن، كما اشتبه علي الناس، فان الانسان اذا عرف القرآن اول ما عرف، و راي الناس مختلفين فيه، يوشك ان يميل الي جانب من تلك انحرافات، و هذا ارشاد الي لزوم تعليم الناس الاصول و الفروع قبل تعليمهم الكتاب و تاويله اذا كان يخشي عليهم الانحرا

ف (فكان احكام ذلك) الذي اختلف الناس فيه، اي احكام الاصول الغامضه بسبب البرهان و الادله (علي ما كرهت من تنبيهك له) اذ الانسان يكره الخوض في الدقائق لصعوبتها عليه و هذه جمله معترضه بين اسم كان و هو (احكام) و خبره و هو (احب). (احب الي من اسلامك) اي من ان اسلامك (الي امر لا آمن عليك به الهلكه) بان اتركك و شانك لتاخذ من الناس آرائهم، حتي تهلك بسبب الانحراف الذي ياتي الي ذهنك في اصول الدين، تاخده من الناس المنحرفين (و رجوت) عطف علي (اشفقت) (ان يوفقك الله فيه) اي فيما اختلف الناس فيه (لرشدك) فلا تنحرف. (و ان يهديك لقصدك) اي وسط الطريق لا يمينه و شماله المائلان عن الحق (فعهدت اليك وصيتي هذه) قبل ان اعلمك القرآن

[صفحه 51]

(و اعلم يا بني ان احب ما انت آخذ به الي) اي احب الاشياء الي مما تاخده انت (من وصيتي: تقوي الله) اي الخوف منه سبحانه. (و الاقتصار علي ما فرضه الله عليك) بان لا تزيد عليه من عندك فتكون مبدعا (و الاخذ) اي التمسك (بما مضي عليه الاولون من آبائك) كالرسول (ص) و اجداده الكرام الذين هم سلسله الانبياء و الاوصياء (و الصالحون من اهل بيتك) الذين كانوا مومنين و عاملين بالصالحات. (فانهم لم يدعوا ان ينظروا لانفسهم) اي لم يتركوا التفكر في امر انفسهم

و ماذا ينبغي ان يصنعوا (كما انت ناظر) اي كما انت تنظر لامر نفسك (و فكروا كما انت مفكر) في كيفيه سلوكهم الموجب لسعادتهم (ثم رد هم اخر ذلك) النظر و التفكر (الي الاخذ بما عرفوا) من الامور المفيده (و الامساك) اي الكف (عما لم يكلفوا) اي لم يكلفهم الله سبحانه، فاعمل انت كما عمل اولئك و الذي وصلوا اليه بعد التفكر و التجربه. (فان ابت نفسك) اي امتنعت (ان تقبل ذلك) الذي ذكرت من الاخذ بما عرف و الامساك عما لم يكلف (دون تعلم) سبب ذلك (كما عملوا) اي علم آبائك و اهلك (بتفهم و تعلم) بان يكون قصدك ان تعرف و تفهم (لا بتورط الشبهات) اي بان توقع نفسك في الامور المشتبهه (و علوا الخصومات)

بان تعلوا الخصومه بينك و بين غيرك، فان الانسان قد يفتش عن حقيقه بالجدل و النزاع، و قد يفتش عن حقيقه بالتعلم و التفكر. (و ابدا قبل نظرك في ذلك) الذي ذكرت لك (بالاستعانه بالهك) بان تستعين به، ليعينك علي الفهم و الادراك (و الرغبه اليه) اي الطلب منه تعالي (في توفيقك) اي يوفقك للغايه الصحيحه (و ترك كل شائبه اولجتك في شبهه) اي يوفقك في ان تترك كل ما يشوب الفكر، مما يدخل الانسان في الشبهه في الحق و عدم الاذعان به. (او اسلمتك الي ضلاله) اي الشائبه الموجبه لتسليم الانسان الي الانحراف عن الحق، اي المسببه لذلك (فاذا ايقنت ان قد صفا قلبك فخشع) لله تعالي (و تم رايك) اي صح تماما بلا شبهه فيه (فاجتمع) شوارد الاراء تحت نطاق واحد، لا ان يتردد الراي بين النفي و الاثبات (و كان همك في ذلك) الذي تطلبه منه

تعالي (هما واحدا) لا احتمالات و ترددات. (فانظر فيما فسرت لك) مما سياتي في بيان اصول الدين (و ان لم يجتمع لك ما تحب من نفسك) بان ترددت نفسك في احتمالات (و فراغ نظرك) اي لم يفرغ نظرك الي جهه واحده (و فكرك) الي اتجاه واحد حتي تدرك ما ساذكره لك من مسائل اصول الدين (فاعلم انك) بتشتت رايك (انما تخبط العشواء) اي مثل خبط الناقه الضعيفه

البصر التي لا تامن من السقوط في هوه لا منجاه لها منها (و تتورط الضلماء) اي تدخل في مكان مظلم لا تدري عاقبه الدخول فيه. (و ليس طالب الدين من خبط او خلط) الحق بالباطل، و الصحيح بالسقيم، اذ طالب الدين يريد معرفه الحق، و تلك لا تجتمع مع الخبط و الخلط (و الامساك عن ذلك) الفكر الذي ليس بمستقيم بل مشوب بالخلط (امثل) اي احسن، و حاصل كلام الامام انه ينبغي لولده ان يسير في الاخذ باصول الدين سيره ابائه و صالحين، فان اراد ان يعرف الحق هو بنفسه، فاللازم اولا ان يستعين بالله، ثم يجرد فكره للحق، فاذا راي في فكره خلطا و ارتباكا، فالا مثل ان يترك التفكر بمثل هذا الذهن المشوب لان ضره اقرب من نفعه.

[صفحه 53]

(فتفهم) اي تعلم (يابني وصيتي و اعلم ان مالك الموت هو مالك الحياه) و هذا شروع في بيان صفاته تعالي، و انه لا تضاد لما قد يتوهم انه مضاد، فالحياه و الموت- علي ما بينهما من الاختلاف- من اله واحد (و ان الخالق) للناس (هو المميت) لهم، لا ان هناك خالقا، و آخر مميتا (و ان المفني) لبشر (هو المعيد) لهم في الاخره (و ان المبتلي هو المعافي) الابتلاء

الامتحان بالشدائد، و المعافات كون الانسان بمنجي من الابتلاء. (و ان الدنيا لم تكن لتستقر الا علي ما جعلها الله عليه من النعماء و الابتلاء) اي ان الدنيا تتراوح بين النعمه و الشده، كما شاء الله سبحانه، فانه تعالي شاء لها ذلك، و لا يمكن التخلف عن مشيئه الله تعالي (و الجزاء في المعاد) اي شاء الله سبحانه ان يجازي الناس، علي ما عملوا، في الاخره، فانه لم يشاء ان يجعل الدنيا دار الجزاء (او ما شاء مما لا نعلم) اي تكون الدنيا علي ما شاء الله ما سائر احوالها مما لا نحيط بها علما، و هذا اذعان بان امور الكون كلها منه سبحانه، لا قوه لاحد علي تغييرها و تبديلها. (فان اشكل عليك شي ء من ذلك) كان تقول كيف يمكن وحده المميت و المحيي، او كيف لا يمكن تغيير الدنيا عما هي عليه؟ او ما اشبه م

ن الاشكالات (فاحمله علي جهالتك به) اي قل: انا جاهل، و الا فالامركما اخبرني ابي عليه السلام (فانك اول ما خلقت، خلقت جاهلا ثم علمت) الاشياء تدريجيا، و احمل هذا الشي ء الذي لا تفهمه علي جهالتك ايضا. (و ما اكثرما تجهل من الامر) فليكن هذا ايضا كتلك الجهالات (و يتحير فيه رايك) كيف هو؟ (و يضل فيه بصرك) اي لا يعرف ذلك لنفسك بصيرتك (ثم تبصره بعد ذلك) فليكن جهلك بما ذكرت لك، مثل تلك الجهالات، و لا تتعجل بالانكار و الجحود، بلا دليل. (فاعتصم) اي تمسك، و لذ (بالذي خلقك و رزقك و سواك) اي صنعك صنعا معتدلا (و ليكن له تعبدك) اي عبادتك و طاعتك (و اليه رغبتك) بان ترغب في الحظوه عنده و الزالفه لديه (و

منه شفقتك)

[صفحه 55]

اي خوفك (و اعلم يا بني ان احدا لم ينبا عن الله) اي لم يخبر عنه سبحانه (كما انبا عنه الرسول (ص)) من اوامره و نواهيه، و ثوابه و عقابه، و صفاته و احواله (فارض به) اي بالرسول (ص) (رائدا) اي معرفا و دليلا. (و الي النجاه قائدا) فانه (ص) احسن القاده الي طريق النجاه (فاني الم آلك) اي لم اقصر لك (نصيحه) فقد نصحتك حق النصح (و انك لم تبلغ في النظر لنفسك) اي اذا اردت ان تنظر و تفكر لنفسك لسعادتك و نجاتك (و ان اجتهدت) و تعبت في التفكر و النظر (مبلغ نظري لك) اي بقدر ما انا نظرت لاجلك و لا رشادك و نصيحتك فان الاب الروف العالم احسن نظرا، من الولد الذي لم يبلغ مرتبه.

[صفحه 56]

(و اعلم يا بني انه لو كان لربك شريك) بان كان للكون الهان (لاتتك رسله) ليبينوا امره و نهيه (و لرايت آثار ملكه و سلطانه) فان لكل ملك آثار (و لعرفت افعاله و صفاته) ماذا فعل؟ و ما هي صفته؟ و اذ لم يكن اي ذلك، دل علي عدم شريك لله سبحانه (و لكنه آله واحد) لا شريك له (كما وصف نفسه) في الكتاب الحكيم (لا يضاره في ملكه احد) فهو المالك المطلق الذي يفعل ما يشاء. (و لا يزول) عن الالوهيه (ابدا) بل هو باق سرمدي (و لم يزل) بان لم يكن ثم كان، بل كان منذ الازل، هو (اول قبل الاشياء) كان او لم يكن شي ء (بلا اوليه) اي انه لا اول له، حتي يكون مسبوقا بالعدم (و آخر بعد الاشياء) فيبقي بعدد فناء جميعها (بلا نهايه) اي لا آخر له

(عظم عن ان تثبت ربوبيته باحاطه قلب او بصر) اي انه سبحانه اعظم من ان يراه الانسان، او يدرك كنهه. (فاذا عرفت ذلك) اي عظمته سبحانه (فافعل كما ينبغي لمثلك ان يفعله) تجاه الله سبحانه (في صغر خطره) اي صغر قدره بالنسبه الي الله تعالي (و قله مقدرته) اذ الانسان قليل القدره جدا (و كثره عجزه) عن غالب الاشياء (و عظيم حاجته الي ربه) في جميع اموره (في طلب طاعته) متعلق بقوله (فافعل) (و الرهبه من عقوبته) بان تخاف

عقابه فلا تعصيه (و الشفقه) اي الخوف (من سخطه) و غضبه (فانه لم يامرك الا بحسن) اذ الواجبات و المستحبات فيها مصالح (و لم ينهك الاعن قبيح) فان المحرمات و المكروهات فيها مفاسد، و هذا كعله ثانيه للزوم اطاعته، اولا لعظمه تعالي، و ثانيا للصالح في احكامه.

[صفحه 57]

(يا بني اني قد انباتك) اي اخبرتك (عن الدنيا و حالها و زوالها و انتقالها) من حال الي حال، و الزوال الفناء (و انباتك عن الاخره و ما اعد لاهلها فيها) من ضروب النعيم و اصناف اللذات (و ضربت لك فيهما) اي في بايي الدنيا و الاخره (الامثال) الموجبه لتقريب الذهن (لتعتبربها) اي: بتلك الامثال (و تحذو عليها) اي تقتدي بتلك الامثال من الحذر. (انما مثل من خبر الدنيا) اي عرفها علي حقيقتها (كمثل قوم سفر) اي: مسافرون (نبا بهم منزل جديب) اي لم يوافقهم، المنزل المقحط الذي فيه القحط و الغلاء، فاهل الدنيا فيها، كاهل ذلك المنزل، اذ الدنيا لا توافق الانسان. (فاموا) اي قصدوا (منزلا خصيبا) ذا خصب و سعه و رخص، و المراد به آلاخره (و جنابا) اي ناحيه (مريعا) اي كثير العشب) و الماء (فاحتملوا و

عثاء الطريق) اي مشقته (و فراق الصديق) اي الاصدقاء الذين كانوا لهم في المنزل الاول- و هكذا الانسان حين يموت. (و خشونه السفر) اي صعوبته (و جشوبه المطعم) اي خشونته (لياتوا سعه دارهم) و المراد بها الاخره (و منزل قرارهم) الذي فيه مستقرهم (فليس يجدون لشي من ذلك) الصعوبات في الطريق (الما) لما يقصدون من الغايه الحسنه (و لا يرون نفقه) ينفقونها في

سبيل قطع الطريق (مغرما) اي غرامه ذاهبه عنهم، و انما يجدونها غنيمه اذ اوصلتهم الي مقصدهم. (و لا شي احب اليهم مما قربهم من منزلهم) فكلما قربوا ازاداد وا فرحا (و ادناهم من محلهم) الذي يقصدون، هذا مثل العقلاء النابهين في الدنيا. (و مثل من اغتر بها) اي خدع بالدنيا (كمثل قوم كانوا بمنزله خصيب) دي سعه (فنبا بهم الي منزل جديب) ذي قحط، فان الدنيا بالنسبه الي الكفار و العصات، كالمنزل الخصيب، و الاخره كالمنزل الجديت. (فليس شي اكره اليهم و لا افظع عندهم) اي اصعب بنظرهم (من مفارقه ما كانوا فيه) كالدنيا (الي ما يهجمون عليه) اي ينتهون اليه بغته (و بصيرون اليه) اذ لا شي لهم هناك، بل نكال و عقاب.

[صفحه 59]

(يا بني اجعل نفسك ميزانا فيما بينك و بين غيرك) فكما يوزن بالميزان الاشياء فيعرف تساويها و قيمها، كذلك يلزم علي الانسان ان يجعل ذاته كمحايد بين شخصين احدهما نفسه، و الاخر غيره، فيعطي الاثنين بالتساوي (فاحبب لغيرك ما تحب لنفسك) من انواع الخير. (و اكره له ما تكره لها) اي لنفسك من انواع الشر و الاثم (و لا تظلم) احدا كما لا تحب ان تظلم) اي يظلمك الناس (و احسن) الي الناس (كما تحب ان يحسن اليك) اي

يحسن الناس اليك (و استقبح من نفسك) اي انظره بنظر الزرايه و الا هانه (ما تستقبح من غيرك) من الاعمال السيئه و (و لا تقل ما لا تعلم) اذا سالت عن شي (و ان قل ما تعلم) كما لا تحب ان يقال لك ما لا يعلمون، في جوابك عن السئوال (و لا تقل ما لا تحب ان يقال لك) من السب و الاتسهزاء و ما اشبه، و ما ذكره الامام عليه السلام من اعجب الموازين الموجبه للاجتماع و الالفه و لكل خير، و العمل به من اشكل الامور. (و اعلم ان الاعجاب) اي استحسان الانسان ما يصدر من نفسه (ضد الصواب) لان الاعمال منها حسنه، و منها قبيحه، فاستحسان الكل خطاء. (و آفه الالباب) اي مصيبه العقول، فانها تصاب بهذا المرض الوخيم (فاسع في كدحك) اي في اشد السعي (و لا ت

كن خازنا لغيرك) بان تحرص علي جمع المال، فيبقي بعدك للورثه بل انفق من المال في سبيل الله ليبقي لك (و اذا انت هديت لقصدك) بان وفقت لاعمال الخير و الاستقامه (فكن اخشع ما تكون لربك) دفعا للعجب عن نفسك، فان الانسان ربما يهتدي، لكنه يعجب بنفسه، فيكون و بالا عليه.

[صفحه 60]

(و اعلم ان امامك طريقا ذا مسافه بعيده) و المراد به طريق الوصول الي الجنه و السعاده الابديه (و مشقه شديده) يلزم علي الانسان ان يطيع طول عمره حتي يحصل علي تلك النتيجه المطلوبه (و انه لا غني لك فيه) اي في هذه الطريق (عن حسن الارتياد) الارتياد الطلب، و حسنه الاتيان به علي ما ينبغي مما يوجب السعاده (قدر بلاغك من الزاد) بان تحمل زاد يكفيك طول الطريق (مع خفه الظهر) بان لا

يكون ثقيلا بالذنوب، كالمسافر الذي يجب ان يحمل زاد كثيرا- اذا كان الطريق طويلا- مع ملاحظه ان يكون الزاد غير متعب لراحلته (فلا تحملن علي ظهرك فوق طاقتك) من الذنوب و المعاصي و ما لا يعني (فيكون ثقل ذلك و بالا عليك) اي موجبا للاذيه و العقوبه. (و اذا وجدت من اهل الفاقه) اي الحاجه (من يحمل لك زادك الي يوم القيامه) فان الفقير ياخذ المال من الانسان هنا، ليسترده الانسان هناك في الاخره، و هذا يوجب- بحسب التشبيه- الحصول علي الفائده بدن المشقه (فيوافيك) اي يعطيك (به) اي بذلك الزاد (غدا) في يوم القيامه (حيث تحتاج اليه) اشد الاحتياج. (فاغتنمه) اي عد وجود مثل هذا المحتاج غنيمه (و حمله) اي: الزاد (اياه) اي ذلك الفقير (و اكثر من تزويده) اي من اعطائه ال

زاد (و انت قادر عليه) اي و الحال انك قادر علي تزويده (فلعلك تطلبه فلا تجده) اذ لا يتسير الفقير في كل وقت، قالوا و هذا الكلام من ابلغ ما قيل في الحث علي الصدقه و الاحسان. (و اغتنم من استقرضك في حال غناك) بان طلب منك شيئا في الدنيا، و انت قادر علي اعطائه (ليجعل قضائه لك في يوم عسرتك) اي الاخره، اذ كل ما احسن الانسان هنا. وجده هناك، و هو في اشد الاحتياج.

[صفحه 61]

(و اعلم ان امامك عقبه كوودا) اي صعبه المرتقي، و العقبه الطريق الملتوي في الجبل، الذي بين ارتفاع الجبل، و هوه السفح (المخف فيها) اي في تلك العقبه (احسن حالا من المثقل) الذي عليه ثقل و شي ء كثير، لان خطر السقوط علي المثقل اكثر من خطره علي المخف. (و المبطي عليها) اي علي تلك العقبه. و

هو الذي يمشي بطيئا (اقبح حالا من المسرع) اذ كلما طال الامد في العقبه، رافقه طول الخطر، و المراد خفه الظهر من الذنوب، و الاسراع في الاعمال الصالحه الموجب لسرعه المرور في المحشر و علي الصراط (و ان مهبطلك بها) اي محل هبوطل و نزولك، بتلك العقبه (لا محاله) اي يقينا (علي جنه او علي نار) ان كنت مطيعا فعلي الجنه و الا فعلي النار. (فارتد) اي اطلب (لنفسك) طلبا حسنا (قبل نزولك) هناك، حيث لا رجوع (و وطي المنزل) اي هيئه تهيئه حسنه (قبل حلولك) فيه (فليس بعد الموت مستعتب) اي استرضاء، فلا يطلبون رضاك (و لا الي الدنيا منصرف) اي لا رجوع لك الي الدنيا حتي تتدارك ما فات، و تبدل المنزل من سي الي حسن.

[صفحه 62]

(و اعلم ان الذي بيده خزائن السماوات و الارض) و هو الله سبحانه، و خزائن السماوات و الارض، هو المولدات لجميع انواع احتياجات البشر فالشمس مثلا من الخزائن لانها مما توجب حياه الانسان و الحيوان و النبات، و الارض من الخزائن، لانها معدن الجواهر و المعادن الثمينه، و هكذا (قد اذن لك في الدعاء) بان تطلب منه حوائجك (و تكفل لك بالاجابه) قال تعالي: (و قال ربكم ادعوني استجب لكم). (و امرك ان تساله ليعطيك و تسترحمه) اي تطلب رحمته (ليرحمك) و يتفضل عليك بما تحتاجه (و لم يجعل بينك و بينه من يحجبه عنك) اي يكون لك حجابا و واسطه فان الانسان يدعو الله سبحانه مباشره و بلا واسطه (و لم يلجئك) اي لم يضطرك (الي من يشفع لك اليه) فلا يحتاج الانسان الي الشفيع لينال الخطوه لديه تعالي، و انما يحتاج الي الشفيع اذا اساء

و اقترف. (و لم يمنعك- ان اسات- من التوبه) فان الانسان اذا اساء ثم تاب قبل الله توبته (و لم يعاجلك بالنقمه) فان الله سبحانه يوخر العذاب علي العاصي لعله يتوب (و لم يعيرك بالانابه) اي التوبه، و ليس سبحانه، كالناس الذين يعيرون المذنب، اذا رجع بذنبه السابق (و لم يفضحك) اي يظهر سيئاتك (حيث الفضيحه بك اولي) من الستر، بل ه

و سبحانه ساتر للمعاصي، الا ان يظهرها الانسان بنفسه. (و لم يشدد عليك في قبول الانابه) فانه يقبل التوبه بمجرد الرجوع و تلاقي ما فات (و لم يناقشك بالجريمه) فان الانسان اذا اجرم و اناب لم يحاسبه الله سبحانه حسابا دقيقا لما اجرم (و لم يويسك من الرحمه) بل وعد الرحمه لمن عصي و اناب، كما قال سبحانه: (و اني لغفار لمن تاب) و قال: (يا عبادي الذين اسرفوا علي انفسهم لا تقنطوا من رحمه الله ان الله يغفر الذنوب جميعا). (بل جعل نزوعك) اي رجوعك (عن الذنب حسنه) اذ التوبه في نفسها حسنه (و حسب سيئتك واحده) كما قال سبحانه: (و من جاء بالسيئه فلا يجزي الا مثلها) (و حسب حسنتك عشرا) حيث قال سبحانه: (من جاء بالحسنه فله عشر امثالها) (و فتح لك باب المتاب) اي التوبه، مصدر ميمي. (فاذا ناديته سمع ندائك) و صوتك (و اذا ناجيته) اي تكلمت معه بكلام خفي (علم نجواك) فانه لا يحتاج الي الجهر حتي يعلم، فانه يعلم السر كما يعلم العلانيه. (فافضيت) اي القيت (اليه بحاجتك) التي تحتاجها (و ابثثته) اي كاشفته (ذات نفسك) اي التي بنفسك من الحوائج و الالام (و شكوت اليه همومك) تطلب دفعها و رفعها (و استكشفته كروبك) اي طلبت منه

ان يكشف احزانك و مصائبك (و استعنته ع

لي امورك) اي طلبت منه ان يعينك علي امورك (و سالته من خزائن رحمته ما لا يقدر علي اعطائه غيره) الذي بيده وحده (من زياده الاعمار) بان يزيد في عمرك او عمر احد يخصك امره. (و صحه الابدان) عند مرضها (وسعه الارزاق) عند ضيقها. (ثم جعل في يديك مفاتيح خزائنه) اي ما يوجب فتح رحمته و لطفه نحوك، لقضاء حوائجك (بما اذن لك من مسالته) فانه تعالي حيث اذن للانسان في ان يسئله، و جعل السئوال سببا للعطاء، كان مفتاح خزائنع بيد الانسان. (فمتي شئت استفتحت بالدعاء) اي بسبب الدعاء (ابواب نعمته) فتهمي اليك مختلف النعم بالدعاء (و استمطرت شابيب رحمته) شابيب جمع شئبوب بالضم، بعمني الدفعه من المطر، كان رحمته تعالي كالمطر، الذي ينزل من السماء بدفعات (فلا يقنطنك ابطاء اجابته) اي لو ابطي سبحانه في الاجابه لا تقنط من فضله و لا تياس (فان العطيه علي قدر النبه) اي علي قدر نيتك من الاخلاص و غيره و اليقين و غيره تكون عطيه الله سبحانه لك. (و ربما اخرت عنك الاجابه ليكون ذلك) التاخير (اعظم لاجر السائل و اجزل لعطاء الامل) اي انه سبحانه يعطيك اكثر من املك، و لذا اخر العطاء، للامتحان و ما اشبه. (و ربما سالت الشي) من الله سبحانه (و لا توتاه) اي لا يعطيك سئ

ولك (و اوتيت خيرا منه عاجلا او آجلا) مما الله سبحانه اعرف بصلاحك فيما اعطاك و ما منعك. (او صرف عنك لما هو خير لك) اي صرف شي ضار كان صرفه عنك خيرا لك من اعطاء طلبتك (فلرب امر قد طلبته فيه هلاك دينك لو اوتيته) كما لو

طلب الانسان الغني، و علم الله سبحانه انه لو اغناه، طغي.. (فلتكن مسالتك) اي سوالك من الله سبحانه (فيما يبقي لك جماله) من التوفيق للسعادات الدنيويه و الاخرويه (و ينفي عنك و باله) بان لا يكون له و بال اي عاقبه سيئه، و هذا تعليم منه عليه السلام لكيفيه السوال، و ماذا ينبغي ان يسئله الانسان (فالمال لا يبقي لك و لا تبقي له).

[صفحه 66]

(و اعلم انك انما خلقت للاخره لا للدنيا) فان الدنيا ممر، و الاخره مقر (و للفناء) اي الموت (لا للبقاء) اذ لا يبقي الانسان حيا دائما (و للموت لا للحياه) اما عطف بيان، او المراد بالفناء ان يعدم الانسان، و بالموت ان يموت و الفرق بينهما واضح (و انك في منزل قلعه) ينقلع الانسان عنه، و ليس مستقرا له (و دار بلغه) اي دار يوخذ منها قدر الفكايه للاخره فهي للبلاغ، لا للبقاء. (و طريق الي الاخره و انك طريد الموت) يطاردك الموت حتي يصل اليك كما يطارد الصياد الصيد حتي يقتضه (لا ينجو منه هاربه) اي من هرب منه بالتحفظ علي صحته و التحصن بالحصون القويه و الاكتناف بالجنود و الاسلحه (و لابد انه) اي الموت (مدركه) اي واصل اليه (فكن منه) اي: من الموت (علي حذر ان يدركك) اي يصل اليك، و حيث ان لفظه (حذر) اضيف الي (ان يدركك) لم يدخله ما التنوين. (و انت علي حال سيئه) من معاصي الله سبحانه (قد كنت تحدث نفسك منها) اي من تلك الحال (بالتوبه فيحول) الموت (بينك و بين ذلك) الذي تحدثت به نفسك من التوبه (فاذا انت قد اهلكت نفسك) بسبب المعصيه التي لم تتب منها، و هذا تحذير عن

مطلق العصيان، لان احتمال ان ياخذ الانسان الموت فجئه، دائمي.

[صفحه 67]

(يا بني اكثر من ذكر الموت) و انك لابد و ان تموت (و ذكر ما تهجم عليه) اي ما ترد انت عليه بعد الموت، فجئه و بلا تدرج (و) ما (تفضي) اي تصل (بعد الموت اليه) من المنزل الجديد ذي الاهوال العظيمه (حتي ياتيك) الموت (و قد اخذت منه حذرك) احتراسك، فان الانسان اذا ذكر المخوف، عمل للتجنب عنه (و شددت له ازرك) اي قوتك، فان الانسان اذا علم ان امامه شيئا مهو لا جمع قواه حتي يتغلب عليه (و لا ياتيك) الموت (بغته) فجئه، و بلا استعداد (فيبهرك) اي يغلبك علي امرك (و اياك ان تغتر) و تنخدع (بما تري من اخلاد اهل الدنيا اليها) اي سكونهم و اطيمنانهم بالدنيا (و تكالبهم) اي تنازعهم (عليها) فتكون كاحدهم، بل اللازم ان لا تطمئن بالدنيا، و ان لا تكالب علي زينتها، فان اهل الدنيا غافلون. (فقد نباك الله عنها) اي اخبرك عن الدنيا و احوالها (و نعمت) اي: وصف (لك نفسها) اي نفس الدنيا (و تكشفت) الدنيا (لك عن مساويها) حيث تهلك انسانا بعد اعطائه الحياه، و تفقر بعد الغني، و هكذا (فانما اهلها كلاب عاويه) اي صائحه (و سباع ضاربه) تضر بعضها ببعض (يهر) اي بمقت و يكره (بعضها بعضا، و ياكل عزيزها ذليلها) اي ياكل امواله و عنوانه و سائر ممتلكاته (و يق

هر كبيرها صغيرها) اي يجبره في حوائجه و يسخره لمصالحه. (نعم معقله) اي ان بعض اهل الدنيا و هم الضعفاء، كالبعير الذي عقلت يده فلا يتمكن من الحركه (و اخري مهمله) و هم الاقوياء كالابل التي اهملت فتفعل ما تشاء (قد اضلت

عقولها) اي اضاعتها فلا تدرك بها (و ركبت مجهولها) اي الطرق المجهوله التي لا يدري ما عاقبتها (سروح عاهه) اي انهم يسرحون لوعي الافات، كما تسرح الابل لوعي النبات، و سروح جمع سرح، و هو السائم من الابل و نحوه (بواد وعث) اي رخو يعصب فيه السير، لان سير الانسان في الدنيا مشكل صعب. (ليس لها راع يقيمها) اي يقيم امر تلك النعم حتي تصل الي مصالحها (و لا مقيم يسيمها) اسام الدابه بمعني سرحها الي المرعي، اي ليس لها قيم يسرحها. (سلكت بهم الدنيا طريق العمي) اي او قعتهم في جاده منحرفه (و اخذت بابصارهم عن منار الهدي) اي غطت علي ابصارهم حتي لا يرون منار الهدي فياوون اليه و يستضيئون بنوره لئلا يضلوا (فتاهوا) اي ضلوا (في حيرتها) اي في تحيرهم في الدنيا. (و غرقوا في نعمتها) حتي لم يعرفوا الخلاص من النعمه لشكرها لئلا تكون لهم و بالا (و اتخذوها) اي الدنيا (ربا) اي كالرب، فانهم يعبدونها و يعملون لاجلها (فلعبت بهم) حيث اوردتهم ا

لمهالك (و لعبوا بها) حيث صرفوها كيف شائوا بغير مراقبه الشريعه فيها (و نسوا ما ورائها) من امور الاخره و الثواب و العقاب. (رويدا) اي اصبر قليلا (يسفر الضلام) اي يكشف ظلام الجهل فيتبين احوال الاخره، (كان قد وردت الاظعان) جمع ظعينه، بمعني الهودج، اي يرد المسافرون الي الاخره (يوشك من اسرع ان يلحق) فان الناس مسرعون في سيرهم نحو الاخره، و يقرب ان يلحقوا، بان يموتوا.

[صفحه 69]

(و اعلم ان من كانت مطيته الليل و النهار) كانهما مركبان للانسان يسيران به (فان يسار به و ان كان) هو بنفسه (واقفا) غير سائر (و يقطع المسافه) الزمانيه (و ان

كان مقيما) في الدنيا (و ادعا) اي ساكنا مستريحا (و اعلم) علما (يقينا) اي مطابقا للواقع (انك لن تبلغ املك) اي: ما تامله من امور الدنيا (و لن تعدوا اجلك) اي لن تجاوزه. (فخفص في الطلب) اي موفق و اقل من طلب الدنيا (و اجمل في المكتسب) اي في الاكتساب، و الاجمال فيه عدم الحرص (فانه رب طلب قد جر الي حرب) اي سلب المال و الشقاء، كنايه عن لزوم طلب الدنيا لفوات الاخره (فليس كل طالب بمرزوق) يرزق النعمه كما يشاء (و لا كل مجمل) في الطلب متوسط فيمه (بمحروم) اي يحرم عما يطلبه (و اكرم نفسك عن كل دنيئه) اي عن الصفات و الافعال الخسيسه (و ان ساقتك) تلك الدنيئه و اوصلتك (الي الرغائب) اي ما ترغبه و تشتهيه من امور الدنيا (فانك لن تعتاض بما تبذل من نفسك عرضا) اذا نفس الاشياء اعن الاشياء، فلا يتمكن ان يحصل الانسان علي عرض منها اذا اهانها لاجل طلب او رغبه (و لا تكن عبد غيرك) تطيعه اطاعه عمياء (و قد جعلك الله حرا) تملك زمام امرك (و ما خير خير لا ينال الا بشر ان الشي الحسن ا

لذي لا يصل الانسان اليه الا بسبب الشر، ليس ذلك الشي ء خيرا، فلا تدن منه (و) ما خبر (ليس لا ينال الا بعسر) اذ الانسان يفر من الشي العسير لعسره فاذا كان اليسر في طريقه عسر، لم يكن فرق بينه و بين العسر (و اياك ان توجف بك) اي تسرع بك (مطايا الطمع) جمع مطيه، كان الطمع له مطيه يركبها الانسان ليصل الي ما طمع فيه (فتوردك مناهل الهلكه) جمع منهل، المحل الذي يرد الانسان الي الماء

منه و ذلك لان الطمع دائما يسبب اذ لال الانسان و هلاكه (و ان استطعت ان لا يكون بينك و بين الله ذو نعمه) بان تكون نعمتك من نفسك بالاكتساب او نحوه (فافعل) اذ لا وجه لان يذل الانسان نفسه في تحصيله رزقه (فانك) سواء كان بينك و بين الله واسطه ام لا (مدرك قسمك) اي الذي قسم الله لك (و اخذ سهمك) اي نصيبك المقدر لك (و ان اليسير من الله سبحانه اعظم و اكرم من الكثير من خلقه) فلا يذهب الانسان الي باب احد لتحصيل اكثر من رزقه الذي ياتيه بلا واسطه احد (و انكان كل منه) تعالي، ان مصدر الارزاق هو الله فقط.

[صفحه 71]

(و تلافيك) اي تداركك (ما فرط من صمتك) اي ما تقدم من سكوتك (اليسر من ادراكك) ما فات من منطقك) فان الانسان يتمكن ان يتدارك ما لم يقله- بان يقوله- لكنه لا يتمكن ان يدركه ما قاله، ثم ندم عليه، اذ الكلام لا يرجع بعد ان قيل (و حفظ ما في الوعاء بشد الوكاء) اي الرباط، و هكذا قلب الانسان فانه وعاء الكلام، فالتحفظ عليه بشد اللسان، الذي هو رباط له فاذا له يشد خرج ما في القلب، و لا يقدر الانسان علي رده. (و حفظ ما في يديك احب الي من طلب ما في يد غيرك) فلا يبذل الانسان كل ما في يديه حتي يحتاج الي الناس و يطلب ما في ايديهم، كما قال سبحانه (و لا تجعل يدك مغلوله الي عنقك) (و مراره الياس خير من الطلب الي الناس) اي ان الياس يلزم ان يكون ما يوسا عما في ايدي الناس، فان مراره هذا، احسن من ان

يطلب الانسان من الناس شيئا ثم لا يعطونه. (و الحرفه) اي الضيق في الرزق (مع العفه) بان يعف الانسان و يتنزه عن كسب الحرام (خير من الغني مع الفجور) اي عمل المحرم، اذ يبقي وبال الفجور، و يذهب ضيق الرزق (و المرء احفظ لسره) فلا تقل سرك لاحد، لانه يفشيه (و رب ساع فيما يضره) فاللازم ان يلاحظ الانسان فيما يسعي هل ذلك يضره او ينفعه؟ (من اكثر

) في الكلام (اهجر) اي هذي، فاللازم ان يقلل الانسان من كلامه (و من تفكر ابصر)، طريق الصواب، فاللازم لمن يريد امرا ان يكثر من التفكر فيه (قارن اهل الخير) اي كن معهم (تكن منهم) لان اخلاقهم تسري اليك (و باين اهل الشر) اي ابتعد عنهم (تبن عنهم) اي: تكن خلافهم و علي ضد صفتهم (بئس الطعام الحرام) لانه يوجب خزي الدنيا و الاخره. (و ظلم الضعيف افحش الظلم) لانه اوجب في كسر القلب الموجب لزياده العقوبه (اذا كان الرفق خرقا) لان المقام مقام العنف، و الخرق ضد الرفق (كان الخرق) اي العنف (رفقا) لان الرفق عباره عن وضع كل شي ء موضعه، و من الناس من لا ينفع معه الرفق، فاللازم علي الانسان ان يلاحظ كل مقام و يوديه حقه. (ربما كان الدواء دائا) لانه موجب لازدياد المرض (و الداء دواء) لانه موجب لدفع مرض اشد، كالزكام الذي يدفع الجنون، و الرمد الدافع للعمي، و الدمل الدافع للجذام، فاللازم علي الانسان ملاحظه كل مقام (و ربما نصح غير الناصح) اي الذي ليس من شانه النصح، فاللازم ان يلاحظ الانسان الكلام، و لا يعرض عنه بمجرد انه خرج من غير الناصح. (و غش المستنصح) اي المطلوب منه النصح، فلا

يعتمد الانسان علي كلام الناصح بدون ان يتدبر و يفكر فيه (و ايا

ك و اتكالك علي المني) اي الاماني و الامال بدون عمل وجد فيما تريد (فانها) اي المني (بضائع الموتي) فان من يتمني لا يصل الي منا حتي يموت، فكان امنيته بضاعه موته، و هذا تحريض علي العمل دون الانتظار للصدف. (و العقل حفظ التجارب) اي ان العقل هو ان يحفظ الانسان تجاربه حتي ينتفع بها في مقام الحاجه (و خير ما جربت ما وعظك) اي زجرك عن سيئه، او ارشدك الي حسنه (بادر الفرصه) بان تعمل اذ جائت الفرصه (قبل ان تكون غصه) لا تقدر علي العمل، لا نتقاء وقت الفرصه و الغصه الحزن، و اصلها ما ينشب في الحلق فلا ينحدر. (ليس كل طالب يصيب) فاذا علم الانسان بذلك، و جعله نصب عينه لم يحزن اذا فات ما قصده (و لا كل غائب يوب) اي يرجع فمن يعلم هذا كانت صدمه عدم الرجوع ضعيفه بالنسبه اليه (و من الفساد اضاعه الزاد) بان لا يتحفظ الانسان عليه حتي اذا احتاج لم يجده (و) من الفساد (مفسده المعاد) اي افساده بعدم العمل له، فليس الفساد منحصرا في اضاعه الدنيا- كما يظن الناس-. (و لكل امر عاقبه) فالانسان اذا عمل شيئا لابد و ان يعلم ان له عاقبه حسنه او سيئه فليلا حضها (سوف ياتيك ما قدر لك) فلا تحرص و لا تحزن (التاجر مخاطر) لانه ربما خسر، فاذا علم التاجر ذلك لا يح

زن اذا خسرلانه قدره قبل التجاره (و رب يسير انمي من كثير) اي: نمائه اكثر، فلايهتم الانسان بالقله و الكثره في الاوائل، و انما يلزم ان يلاحظ النتائج

[صفحه 74]

(لا خير في مهين)

اي شخص حقير النفس، فاللازم ان لا يتخذه الانسان ردا و ظهيرا (و لا في صديق ظنين) اي متهم لانه يجر من الشر اكثر من الخير (ساهل الدهر) اي خذ حظلك منه، و لا تاتي بالاعمال العنيفه رجاء البلوغ الي احسن (ما ذل لك قعوده) هي الابل التي يقعدها الراعي في حوائجه، لانها اسهل قيادا من سواها، و المراد ان الدنيا اذا كانت سهله للانسان، لزم علي الانسان ان ينتفع ان ينتفع بها و لا يكدر صفوه نفسه بالطمع في امور اخري لا يعلم هل تستقيم له ام لا؟ اذ ربما اوجب ذلك ذهاب السهل، و عدم ادراك القصد. (و لا تخاطر بشي رجاء اكثر منه) اذ ربما ذهب القليل، و لم يات الكثير (و اياك ان تجمح بك مطيه اللجاج) فان الانسان قد يصر علي الشي فيه هلاك نفسه و ذهاب ماله، فاللازم علي الانسان ان لا يلج، و الجموح الارتفاع عن عنف و لجاجه (احمل نفسك من اخيك- عند صرمه-) اي قطعه عنك (علي الصله) فاللازم ان تصله انت، و ان قطع هو عنك (و عند صدوده) اي هجره لك و عنفه بك (علي اللطف) اللين معه. (و المقاربه) بان تقترب منه في مقابل هجره لك (و عند جموده) بان لا يبذل لك ما لا و لا جاها (علي البذل) و الاعطاء (و عند تباعده) عنك (علي الدنو) و الاقتراب

منه (و عند شدته) اي الشده في اخلاقه (علي اللين) في الكلام و المعاشره، معه (و عند جرمه) بان اجرم اليك (علي العذر) بان تعتذر انت منه، ليرجع الصفاء و الوداد (حتي كانك له عبد و كانه ذو نعمه عليك) اذ بهذه الاخلاق يستقيم

الوداد، و يصفو القلب، و تقوي الاخوه. (و اياك ان تضع ذلك) اي ما ذكرت من الصفات (في غير موضعه) فان بعض الناس اذا لان الانسان امامهم سبب ذلك غلوائهم و شده ابتعادهم و كثره جرمهم (او ان تفعله بغير اهله) فتجرئهم عليك اكثر فاكثر (لا تتخذن عدو صديقك صديقا فتعادي) بسبب ذلك (صديقك) اذ ذلك تقويه لجانب العدو طبعا و اضعاف لجانب الصديق (و امحض اخاك النصيحه حسنه كانت) النصيحه (ام قبيحه) بالنسبه اليه، فان النصيحه لها ثمار طيبه، و انكانت ذات اصطدام. (و تجرع الغيظ) اي لا تظهر الغضب بل اكتمه في نفسك (فاني لم ارجوعه احلي منها عاقبه) اذ هو يوجب المحبه و الالفه، و عدم انجرار الامر الي ما لا يحمد عقباه (و لا الذ مغبه) اي عاقبه فان الانسان يحس بعد الكظم بلذه نفسيه و راحه عقليه. (و لن) اي كن لينا (لمن غالظك) اي تغلظ عليك في الكلام و ما اشبه (فانه) ان لنت له (يوشك) اي يقرب (ان يلين لك) اذ لينك يحدث فيه رد فعل قوي يوجب لينه

(و خذ علي عدوك بالفضل) اي تفضل عليه (فانه احلي الظفرين) ظفر الانتقام و ظفر العفو، و كونه احلي لانه يورث رفعه للانسان حتي في نظر عدوه، و ارتياحا في ضمير التفضل (و ان اردت قطيعه اخيك) اي تهجره و تقاطعه (فاستبق له من نفسك بقيه) بان تبقي بينك و بينه بقيه من الصله (ترجع اليها) اي الي تلك البقيه (ان بدا) اي ظهر (له) اي لذلك الصديق الذي اوجب بفعله قطيعتك (ذلك) الرجوع (يوما ما) فان الرجوع بعد القطيعه التامه اشكل من الرجوع اذا بقي بعض الصله. (و من

ظن بك خيرا فصدق ظنه) اي كن كما ظن و افعل الامر الذي يريده منك (و لا تضيعن حق اخيك اتكالا) و اعتمادا (علي ما بينك و بينه) بان تقول بيننا صله قويه فلا حاجه الي اعطائه حقه، لانه لا يهم الامر مادام بيننا الصداقه (فانه ليس لك باخ من اضعت حقه) فان اضاعه الحق توجب قطع الصله و البروده من الجانبين. (و لا يكن اهلك اشقي الخلق بك) لحرمانهم من حقوقهم، اعتمادا علي كونهم اهلك و لا يهم امرهم، و انما المهم امر الاجانب (و لا ترغبن فيمن زهد فيك) اي نفي عنك، فان ذلك يوجب ذله و منقصه (و لا يكونن اخوك اقوي علي قطيعتك منك علي صلته) فاذا اتي هو باسباب القطيعه فات انت باسباب الصله، حتي تتبدل القطيع

ه صله (و لا تكونن علي الاسائه اقوي منك علي الاحسان) بان تسرع علي الاسائه، و تبطي عن الاحسان (و لا يكبرن عليك ظلم من ظلمك) فلا تهتم بظلم الناس لك، لان عاقبته محموده (فانه) اي الظالم (يسعي في مضرته) اي ضرر نفسه (و نفعك) اذ الظالم حقير عند الناس مهان، و المظلوم محترم عزيز (و ليس جزاء من سرك ان تسوئه) فاذا اتي انسان اليك بما يسرك فلا تفعل ما يوجب حزنه.

[صفحه 77]

(و اعلم يا بني ان الرزق رزقان) اي قسمان من الرزق (رزق تطلبه و رزق يطلبك) فلا تحرص في طلب الرزق (ف)ان الرزق المقدر لك (ان انت لم تاته اتاك) اذ قدر وصوله اليك (ما اقبح الخضوع) لانسان (عند الحاجه) اليه (و الجفاء) له (عند الغني) منه، فان ذلك دليل خسه النفس، و انها تذهب وراء حاجاتها، لا وراء الفضيله (ان

لك من دنياك ما اصلحت به مثواك) اي آخرتك، اما ما بقي فانه يفني و لا يبقي لك منه شي ء، و هذا تحريض لانتهاز الدنيا في عماره الاخره (و ان جزعت) اي اردت ان تجزع (علي ما تفلت) اي ذهب (من يديك) من امور الدنيا (فاجزع علي كل ما لم يصل اليك) لان الجزع لهما سواء، و هذا بيان لعدم صحه الجزع علي ما تفلت لانه غير لائق بالانسان و هو مثل الجزع علي ما لم يصل. (استدل علي ما لم يكن بما قد كان) لان الدنيا بعضها يشبه بعضا فيعلم مقياس الامور المستقبله بالنظر الي الامور الماضيه، و هذا بيان للزوم فطنه الانسان الي المستقبل ليعد له عدته (فان الامور اشباه) سابقا و لا لاحقا و مقارنا (و لا تكونن من لا تنفعه العظه) اي الموعظ و الارشاد (الا اذا بالغت في ايلامه) بل انتفع بالموعظه بمجرد سماعها (فان العاقل يتعظ بالاداب) التي يعلم بها و

يراها (و البهائم لا تتعظ الا بالضرب) و الايلام في الانسان كالضرب في الحيوان، و لا تكن بمنزله الحيوان (اطرح عنك واردات الهموم) اي ما يرد عليك من الاحزان (بعزائم الصبر) اي الصبر القوي. (و حسن اليقين) بان الله سبحانه سيكشف الهموم و يجزل اجرها فان الانسان اذا عزم علي الصبر. و سلي نفسه بانكشاف الهم، لا توثر فيه الهموم (من ترك القصد) اي الوسط في كل شي (جار) اي كان جائرا ظالما (و الصاحب مناسب) اي مثل ذو النسب، فله من الحقوق و الواجبات كما للنسب. (و الصديق من صدق غيبه) بان حفظك في غيبتك كما يحفظك في حضوره، و الصدق معناه تطابق الحالين (و الهوي) اي اتباع

الميول النفسيه (شريك العناء) و التعب، لانه يوجب الاتعاب (رب قريب ابعد من بعيد) لانه يجفو الانسان بما لا يجفو بمثله البعيد، فاللازم علي الانسان مراعات الاحوال لا النسبه (و رب بعيد اقرب من قريب) في النسب فيقوم بحقوق الانسان اكثر من نيام ذي نسبه. (و الغريب من لم يكن له حبيب) لا من كان في البلاد النائيه. و هذا تحريض علي اتخاذ الاحباء (من تعدي الحق ضاق مذهب) اي محل حركته اذ التعدي من الحق موجب للافراط او التفريط، و كلا هما يوجب الضيق، بخلاف الحق الذي هو عدل في الامور (و من

اقتصر علي قدره) بان لم يفعل فوق طاقته (كان) قدره (ابقي له) لان قدر الانسان مع الانسان، اما الزائد، فلا. (و اوثق سبب اخذت به) لوصولك الي غاياتك (سبب بينك و بين الله) فانه باق و موصل لك الي ما تريد، اذ بيده سبحانه كل شي (و من لم يبالك) اي لم يهتم بامرك، من باليته بمعني راعيته (فهو عدوك) اذ العدو هو الذي يضيع الحقوق (قد يكون الياس ادراكا) للمني (اذا كان الطمع هلاكا) اذ ضد الهلاك البقاء الموجب لادراك الانسان بعض ما يتمناه، و هذا تحريض علي ان لا يطمع الانسان في كل شي مما يحتمل فيه هلاكه، فان بقائه بلا ما رغب فيه، افضل له (ليس كل عوره تظهر) فلا يغتم الانسان لما يعلم من عورات نفسه و نقائصه التي لا علاج لها عنده، اذ لا تظهر للناس كل عوره. (و لا كل فرصه تصاب) فلا يغتم الانسان لما فاته من الفرص، اذ لا يتمكن الانسان من اغتنام كل فرصه، و يحتمل ان يكون المعني بالعكس و اريد من

الجمله، التحريض علي انتهاز الفرصه متي سنحت اذ يمكن ان لا يصيب الانسان مثلها، فيها (و ربما اخطاء البصير قصده) فلم يبلغ مراده (و اصاب الاعمي رشده) فبلغ ما اراد و لعل هذا لتحريض الانسان علي الطلب، و انكان لا يعرف وجه الحيله، اذ ربما اصاب الاعمي رشده اذ

ا جد و اجتهد (اخر الشر) اذا كنت تريد ان تعلمه (فانك اذا شئت تعجلته) فان فرص الشر لا تنقضي، و لذا من الافضل تاخيره لمن اراده، لعله ينصرف عنه فلا يفعله. (و قطيعه الجاهل تعدل صله العاقل) فانها توجب الراحه و الحفظ علي الاداب، فاللازم علي الانسان ان يقاطع الجاهل و يفر منه اذا لم تكن الصله بقصد الارشاد و التوجيه المحتمل تاثيره (من امن الزمان خانه) فاللازم علي الانسان ان يتخذ حذره من تقلبات الدهر (و من اعظمه) بان اهاب الحوادث فلم يقدم في مطابه (اهانه) اي جعله مهينا، فان من هاب شيئا لم يقدر علي التغلب عليه (ليس كل من رمي اصاب) فاذا رمي الانسان، و قصد حاجه، فليجعل في خاطره انه ممكن الخطاء و بذلك لا يحزن اذا اخطاء الهدف. (اذا تغير السلطان تغير الزمان) المراد تغير اهل الزمان، فان الناس تابعون للملوك فيكف ما كان الملوك كانوا (سل عن الرفيق قبل الطريق) اي اوجد لنفسك رفيقا للسفر قبل ان تسافر، للزوم الرفيق في السفر (و عن الجار قبل الدار) اذ لو كان جار الانسان سيئا كان في عذاب دائم

[صفحه 80]

(اياك ان تذكر) في الكلام ما يكون مضحكا) فان الاضحاك يوجب سلب الهيبه و الوقار (و ان حكيت ذلك) الكلام المضحك (عن غيرك) لان السوء في الاضحاك، لا في كون الكلام منك او

من غيرك. (و اياك و مشاوره النساء) من امر تريد ان تفعله (فان رايهن الي افن) اي الي نتيجه ضعيفه غير قويه (و عزمهن الي و هن) اي الي ضعف، و من عزمه ضعيف، و نتائج آرائه ضعيفه، لا ينبغي ان يشاور، فان النساء عاطفيات لا عقليات. (و اكفف عليهن من ابصارهن بحجابك اياهن) اي احفظهن في دائره العفه و الفضيله بسبب ان تمنعهن عن العمل بما يشتهين (فان شده الحجاب ابقي عليهن) بخلاف التسهيل في امرهن فانه مفسد لهن، و السران المرئه تميل بالعاطفه لا بالعقل، و اتباع العواطف يوجب الفساد، و يحتمل ان يراد به (ابصارهن) خصوص هذا العضو، فالمراد حفظهن عن النظر الي الاجانب من الرجال. (و ليس خروجهن) من الدار (باشد من ادخالك من لا يوثق به عليهن) فان في كلا الحالين تختلط المرئه بمن لا يثق الانسان بدينه و امانته، و ذلك مظنه الفساد (و ان اسطعت) اي استطعت (ان يعرفن غيرك فافعل) اذ كلما كانت دائره حركه المرئه اقل، كان الانسياق وراء العاطفه المفسده فيها اقل (و لا تملك المرئه من ا

مرها ما جاوز نفسها) بان تملكها امورا لا ترتبط بشانها، كتمليكها البيع و الشراء و ما اشبه (فان المرئه ريحانه) اي خلقت كالريحان لاجل اللطف و الانوثه (و ليسنت بقهرمانه) تتحكم في الامور حسب آرائها و افكارها (و لا تعد بكرامتها نفسها) اي لا تجاوز باكرامها، اكرام نفسها، بان تكرم غيرها لاجلها، لان ذلك يوجب انسياقك وراء عواطفها، و هذا خارج عن الاعتدال، الذي يكون باتباع العقل دون العاطفه. (و لا تطمعها في ان تشفع بغيرها) بان تجعل غيرها شفيعا لها عندك، لتقضي حوائجها اذ الناس يشفعون لها،

و ذلك يوجب ان تذهب انت حسب حوائجها العاطفيه، خجلا من الناس الذين شفعوا لها (و اياك و التغاير) اي اظهار الغيره علي المرئه بسوء الظن في امرها (في غير موضع غيره) اي بدون سبب عقلائي موجب للغيره (فان ذلك يدعو الصحيحه الي السقم) اي الصحيحه في عفتها، الي ذهاب العفه (و البريئه) من الخيانه (الي الريب) و الشك، فان المرئه لا تقدم علي الفساد خوف الفضيحه، فاذا رات انها مفتضحه بلا سبب، تجرئت علي الخيانه، فان اللوم يوجب الاغراء، و قال الشاعر: (دع عنك لومي فان اللوم اغراء). (و اجعل لكل انسان من خدمك) جمع خادم (عملا تاخذه به) فان توزيع الاعمال اكثر نجاحا

في الوصول الي الغايات، و في عدم حسن كل فرد بانه كلف فوق مقداره (فانه احري ان لا يتواكلوا في خدمتك) بان يكل بعضهم الامر الي آخر، فلا ينجز العمل (و اكرم عشيرتك فانهم جناحك الذي به تطير) اذ الانسان يساعده عشيرته في الافراح و الاحزان، والشدائد و المكاره (و اصلك الذي اليه تصير) اي اليهم ترجع، فانكانوا في اعين الناس عظماء كنت عظيما، و ان كانوا صغراء كنت صغيرا (و يدك التي بها تصول) علي الاعداء و تهجم عليهم لان العشيره يحاربون من حارب الانسان، و يهجمون علي من هجم عليه. (استودع الله) اي اجعل عند الله بعنوان الوديعه (دينك و ديناك) ليسلما عن الذهاب و الفقدان، فانه سبحانه اكرم الامناء (و اسئله خير القضاء) اي القضاء و التقدير الحسن (لك في العاجله و الاجله و الدنيا و الاخره) عطف بيان (و السلام) و لا يخفي ان هذه الوصيه من جلائل الوصايا، فمن عمل بها سعد في الدارين سعاده ليست

فوقها سعاده، فانها جامعه لمكارم الاخلاق، و فضائل النفس، و الله الموفق.

نامه 032

[صفحه 83]

الي معاويه (و ارديت) اي اهلكت يا معاويه (جيلا) اي جماعه (من الناس كثيرا) حيث اضللتهم مما سبب عقابهم الاخروي (خدعتهم بغيك) اي بسبب ظلالك (و القيتهم في موج بحرك) اي الفتن التي اثرتها، تشبيه لها بموج البحر (تغشاهم الظلمات) اي تعلوهم ظلمات الجهل و الضلال، فهم في تلك الظلمات لا يعرفون الطريق (و تتلاطم بهم الشبهات) كما تتلاطم امواج البحر (فجاوزوا عن و جهتهم) اي تعدوا عن جهه قصد هم الذي كان الحق (و نكصوا) اي رجعوا (علي اعقابهم) الي الوراء، و الي زمان الجاهليه، تشبيه بمن يرجع القهقري، عوض ان يمشي الي الامام (و تولوا) اي ادبروا عن الحق (علي ادبارهم) جمع دبر و هو الوراء. (و عولوا) اي اعتمدوا (علي احسابهم) فتعصبوا تعصب الجاهليه بخلاف ما جعله الله سبحانه ميزانا من التقوي، و ذلك ان معاويه قوي العنصريه العربيه و نادي صراحه بالقوميه (الا من فاء) اي رجع (من اهل البصائر) جمع بصيره بمعني المعرفه (فانهم فارقوك بعد معرفتك) اي بعد ان عرفوا انك مخالف للاسلام (و هوبوا الي الله) بالتوبه و الانابه (من موازرتك) اي اعانتك (اذ حملتهم علي الصعب) اي لما راوا انك اكرهتهم علي الامر الصعب الذي هو خلاف الدين (وعدلك بهم عن القصد)

اي وسط الطريق، الي المهاوي و الضلالات (فاتق الله يا معاويه في نفسك) اي خفه سبحانه خوفا باطنا، لا مجرد اظهار الخوف لخدعه الناس، او المراد لاجل نفسك و (في) للنسبه (و جاذب الشيطان قيادك) فاخرج قيادك و زمامك من يد الشيطان الذي يقودك الي النار و العقاب (فان الدنيا منقطعه عنك) اي

زائله غير باقيه (و الاخره قريبه منك) فاللازم ان تفكر لاخرتك (و السلام).

نامه 033

[صفحه 85]

الي قثم بن العباس، و هو عامله علي مكه (اما بعد) الحمد و الصلاه (فان عيني بالمغرب) اي الذي جعلته رقيبا في البلاد المغربيه، لا طلاعي علي احوال معاويه (كتب الي يعلمني) في كتابه (انه وجه علي الموسم) اي موسم الحج، و الموجه معاويه (اناس من اهل الشام العمي القلوب) جمع اعمي، و المراد بهم من لا يدركون الحق بقلوبهم (الصم الاسماع) الذين لا يستمعون الي الموعظه للانتفاع بها (الكمه الابصار) جمع اكمه، اي الذين لا ينظرون في الادله للاستفاده منها (الذين يلتمسون) اي يطلبون (الحق بالباطل) اي يريدون الوصول الي الحق لكن بسبب اعمال باطله (و يطيعون المخلوق) اي معاويه (في معصيه الخالق) الذي امرهم باتباع الخليفه الشرعي (و يحتلبون الدنيا درها) الدر اللبن، و المراد حلب و تطلب خيرات الدنيا (ب) اسم (الدين) فانهم جعلوا الدين وسيله لانتهاز الدنيا (و يشترون عاجلها) اي عاجل الدنيا (باجل الابرار و المتقين) و هو الجنه. (و لن يفوز بالخير الا عامله) هذا بيان انهم لن يفوزوا بالخير و السعاده، لانهم لم يعملوا لاجله، و الفائز بالخير هو الذي يعمل له (و لا يجزي جزاء الشر الا فاعله) فهم يجزون جزاء الشر (فاقم) يا قثم (علي ما في يديك) من ا

لسلطه و الحكومه (قيام الحازم) الملتفت للاشياء المستعد للاحداث (الصليب) اي الشديد المتصلب في امره. (و الناصح اللبيب) اي العاقل (و التابع لسلطانه) اي لخليفته (و المطيع لامامه) يعني نفسه الكريمه (و اياك و ما يعتذر منه) اي احذر ان تفعل شيئا تحتاج الي الاعتذار منه، اذا قيل لك: لم فعلت هذا (و

لا تكن عند النعماء) الي النعمه (بطرا) اي شديد الفرح الموجب لاهمال الامر الذي يسبب ضياع النعمه (و لا عند الباساء) اي الشده (فشلا) اي فاشلا جبانا (و السلام).

نامه 034

[صفحه 87]

و ذلك ان الامام عليه السلام كان قد و لا محمدا مصر، ثم عزله، و نصب مكانه مالك الاشتر، لما راي فيه من الصلاح فتكدر خاطر محمد من عزله (الي محمد بن ابي بكر لما بلغه توجده) اي تكدر محمد (من عزله بالاشتر عن مصر، ثم توفي الاشتر) بسم دسه اليه معاويه (في توجهه الي مصر، قبل وصوله اليها). (اما بعد) الحمد و الصلاه (فقد بلغني موجوتك) مصدر ميمي، بمعني الوجد، و هو الغضب و الكدوره (من تسريح) اي ارسال مالك (الاشتر الي عملك) اي ولايتك (و اني لم افعل ذلك انستبطاء الك في الجهد) اي لاني لم ارمنك كثير جهد في عملك (و لا ازديادا في الجد) اي لم يكن عزلك لاني اردت بذلك ان تزداد جدا في الاعمال- فلا يسبق الي ذهنك ان عزلك لتقصير منك-. (و لو نزعت ما تحت يدك من سلطانك) و ولايتك (لوليتك ما هو ايسر عليك موونه) و عده الامام عليه السلام بان يوليه بلدا آخر اسهل علي محمد، من و لابه مصر (و اعجب اليك و لايه) اي احب اليك من مصر، و ذلك تكيا لخاطره و ترضيه له، و قد كان بناء الامام عليه السلام ذلك، لكن الامر لم يتم (ان الرجل الذي كنت وليته امر مصر) اي الاشتر (ره) (كان رجلا لنا ناصحا) يعمل حسب رغبتنا. (و علي عدونا) اي معاويه (شديد ناقما)

اي كارها (فرحمه الله) حيث ان الامام كتب هذا الكتاب بعد مقتل الاشتر، ترحم عليه (فلقد استكمل

ايامه) اي اكمل ايام عمره المقدر له (و لاقي حمامه) اي موته (و نحن عنه راضون) اذ كان مع الحق (اولاه الله رضوانه) اي اعطاه الله سبحانه الرضا و الجنه (و ضاعف الثواب له) اي اكثر من عمله، و حيث قتل اشتر ارجع الامام محمدا الي منصبه الاول، و لذا قال له (فاصحن) اي اظهر، و اصله الخروج من الابنيه الي الصحراء (لعدوك) معاويه و جيشه فقد بعث معاويه الي مصر جيشا لاستلابها. (و امض علي بصيرتك) و دينك (شمر لحرب من حاربك) اي استعد، و اصل التشمير ترفيع الثوب عن الساق، لاجل العمل، حتي لا يلتف بالرجل، و يمنع عن السرعه في العمل (و ادع الي سبيل ربك) اي اهد الناس و امرهم بالمعروف (و اكثر الاستعانه بالله) في قلبك و لسانك (يكفك) الله سبحانه (ما اهمك) مما تريد (و يعنك) الله سبحانه (علي ما نزل بك) من الكارثه من الكارثه من جهه الحرب (انشاء الله) تعالي.

نامه 035

[صفحه 89]

الي عبدالله بن العباس، بعد مقتل محمد بن ابي بكر (اما بعد) الحمد و الصلاه (فان مصر قد افتتحت) علي يد معاويه، فان معاويه ارسل جيشا، و حارب محمد بن ابي بكر، حتي قتل، و دخل جيش معاويه مصر فاتحا (و محمد بن ابي بكر رحمه الله قد استشهد) اي قتل في سبيل الله (فعند الله نحتسبه) اي نجعله لله حتي يجزل لنا الاجر (ولدا ناصحا) اي في حالكونه كان لنا ولد يرشد و ينصح (و عاملا كادحا) يكد و يتعب في سبيل الله (و سيفا قاطعا) اي كان كالسيف علي رقاب الاعداء (و ركنا دافعا) يدفع الخصوم (و قد كنت) عند اراده معاويه غزو مصر. (حثثت الناس علي

لحاقه) علي ان يلحقوا بمحمد (و بامرتهم بغياثه) بان يغيثوه (قبل الوقعه) اي قبل ان تقع المحاربه بين الجانبين (و دعوتهم) اي الناس (سرا و جهرا) اي في اوقات الانفراد و الاجتماع (و عودا و بدئا) اي اولا و اخيرا، و هذان بالنسبه الي كل مجلس مجلس، يعني كنت دائم الدعوه لذلك. (فمنهم الاتي) لنصره محمد (كارها) لا عن نشاط و اندفاع (و منهم المعتل كاذبا) اي المتعذر بالاعذار المكذوبه (و منهم القاعد) عن الحرب (خاذلا) يجبن الناس (و اسئل الله ان يجعل منهم) اي من الناس (فرجا عاجلا) بالخلاص منهم (فو الله لو لا

طمعي عند لقاء عدوي في الشهاده) اي في ان ارزق الشهاده في سبيل الله. (و توطيني نفسي علي المنيه) اي استعدادي لان اموت (لاحببت ان لا القي مع هولاء) القوم (يوم واحدا و لا التقي بهم ابدا) لما اري من خذلانهم و تفرق آرائهم و عدم نصرتهم، لكن بقائي معهم باشتياق ان ارزق الشهاده في احدي الحروب التي تلتحم بيني و بين عدوي.

نامه 036

[صفحه 91]

الي اخيه عقيل بن ابي طالب، في ذكر جيش انفذه الي بعض الاعداء، و هو جواب كتاب كتبه اليه عقيل. (فسرحت) اي ارسلت (اليه) اي ذلك العدو (جيشا كثيفا) اي كثيرا (من المسلمين) الذين تحت لوائي (فلما بلغه) اي العدو (ذلك) الجيش (شمر هاربا) اي رفع ثوبه عن ساقه لئلا يلتف برجله حين العدو و الفرار (و نكص) اي رجع في حالكونه (نادما) علي فعله (فلحقوه) اي العدو (ببعض الطريق) في فراره (و قد طفلت الشمس) اي دنت (للاياب) اي الرجوع، بان كان ذلك قبل الغروب (فاقتتلوا شيئا كلا و لا) اي زمانا قليلا، بمقدار قله لفظه (لا و

لا) فان حرفين ثانيهما حرف اللين سريع الانقضاء عند الاستماع و منه قال المغربي: و اسرع في العين من لحظه و اقصر في السمع من لا و لا (فما كان) الحرب (الا كموقف ساعه) اي مقدار و قوف جزء من الزمان (حتي نجا جريضا) اي مغموما (بعد ما اخذ منه بالمخنق) اي الحلق الذي هو مكان الخناق (و لم يبق منه غير الرمق) اي بقيه النفس. (فلاء يا بلاي مانجا) اللاي مصدر حذف فعله و معناه الشده و (ما) مصدريه، و (نجا) كالمصدر من النجاه، اي عسرت نجاته عسرا بعسر، و ذلك بيان لشده عسره حتي انجا نفسه (فدع عنك قريشا و تركاظهم في الضلال) التركاض م

بالغه في الركض (و تجوالهم) اي جولانهم (في الشقاق) اي: الخلاف معي (و جماحهم في التيه) اي ترفعهم و استعصاهم، في الضلال (فانهم قد اجمعوا علي حربي كاجماعهم علي حرب رسول (ص) قبلي) اي قبل ذلك، لكن ذلك كان في الاسلام، و هذا في الايمان. (فجزت قريشا عني الجوازي) جمع جازيه، دعاء عليهم بان يجزوا علي اعمالهم السيئه (فقد قطعوا رحمي) فان من اظهر مظاهر قطع الرحم المعادات و المحاربه (و سلبوني سلطان ابن امي) اي الخلافه، و المراد بابن الام الاخ، و قد آخي الرسول (ص) و بين الامام و بين نفسه، او لان فاطمه بنت اسد ام الامام، كان الرسول (ص) يعبر عنها بالام لانها ربت الرسول (ص)، فقال (ص) في شانها (فاطمه امي بعد امي). (و اما ما سئلت عنه من رايي في التقال)؟ و ماذا اعزم عليه في المستقبل (فان رايي قتال المحلين) الذين يحلون قتال المسلمين و يجوزونه، كمعاويه و اصحابه (حتي القي الله)

اي القي ثوابه و جزائه، و المراد الموت (لا يزيدني كثره الناس حولي عزه) و كبرا (و لا تفرقهم عني وحشه) و خوفا، و هكذا يكون الانسان المطمئن قلبه بالله، فانه يري في القرب من الله عزه، و في العبد عنه وحشه، اما من سواه فلا يري لهم وزنا (و لا تحسبن ابن ابيك) يعني نفسه

الكريمه (- و لو اسلمه الناس-) بان تركوه و التفوا حول اعدائه (متضرعا خاشعا) من الخوف الذي يلحق به. (و لا مقرا للظيم) اي الظلم الذي يلحق به (واهنا) اي ضعيفا (و لا سلس الزمام) اي سهل الانقياد (للقائد) اي الذي يريد ان يقوده (و لا وطي الظهر) اي لينه (للراكب المتعقد) اي الذي يتخذ الظهر قعودا اي مستعملا للركوب في كل حاجاته، و هذا من باب التشبيه بالنافه، و ذلك كنايه عن عدم انقياده عليه السلام للاحداث و الاشخاص، و انما له اتجاه خاص ينفذه بكل دقه. (و لكنه كما قال اخو بني سليم): (فان تسئليني كيف انت؟ فانني صبور علي ريب الزمان صليب) اي صلب شديد، لا اخضع للاحداث و الالام، و انما امضي بكل صبر و صلابه (يعز علي ان تري بي كابه) اي يشق علي ان يري الرائي بوجهي آثار الحزن، مما نزل بي (فيشمت عاد) اي عدو (و يساء حبيب) و لذا اظهر التجلد و التصبر لا الكابه و الحزن، و هذا من شيم الرجال البواسل و يوجب قوه في نفس الانسان بالايخاء الذاتي و ضعفا في اعدائه.

نامه 037

[صفحه 94]

الي معاويه (فسبحان الله) يستعمل للتعجب، كانه تنزيه لله في مقابل ضعف او قوه، في المتعجب منه، فاذا قال ذلك شخص في المومن او الكافر، كان مراده تنزيه

الله سبحانه عن مثل ايمانه او مثل كفره، و هكذا (ما اشد لزومك الاهواء المبتدعه) التي ابتدعتها و الصيغه للتعجب (و الحيره المتبعه) اي التحير في الامر الذي تتبعه انت، فان المومن يعرف منهاجه و يسير عليه، اما المنافق فانه متحير دائما لا يدري ماذا يصنع حتي يبطن الكفر فلا يظهر، و يظهر الايمان فلا يزري به (مع تضيع) اي ضياعك انت (للحقائق) جمع حقيقه، و المراد حقائق الاسلام، و الاحداث (و اطراح الوثائق) اي طرحك لكل عهد من عهود الاسلام و الايمان (التي هي لله طلبه) فان الله سبحانه يطلب تلك العهود التي عهدها للبشر. (و علي عباده حجه) يحتج بها سبحانه علي عباده، فيقول: الم اعهد اليكم يا بني آدم الا تعبدوا الشيطان (فاما اكثاركم الحجاج) اي المجادله و المحاجه (في عثمان و قتلته) و رميك اياي بقتل عثمان و ايواء قاتليه (ف)انت الماخوذ بدم عثمان دوني اذ (انك انما نصرت عثمان حيث كان النصر لك) و ذلك بعد قتله، حيث ان كلامك و نصرتك لاجل نفسك، اذ تريد بهذا انتهاز الامره و الخلافه (و خذ

لته) فلم تنصره (حيث كان النصر له) في زمن حياته، فانه استنصر معاويه ضد الثوار فلم يرسل اليه المعونه حتي قتل (و السلام).

نامه 038

[صفحه 95]

الي اهل مصر، لما ولي عليهم الاشتر (من عبدالله علي اميرالمومنين الي القوم الذين غضبوا الله حين عصي في ارضه) فان اهل مصر كانوا في الثوار الذي جائوا الي المدينه يطالبون عثمان باصلاح اوضاع البلاد، و دفع الظلم عن العباد، و لهم قصه طويله مع عثمان مذكوره في التواريخ (و ذهب بحقه) حق الله اوامره و نواهيه، فاذا لم يعمل بها كان ذهابا لحقه

سبحانه (فضرب الجور) و الظلم (سرداقه) هو غطاء يمد فوق صحن البيت (علي البر و الفاجر) اذ لم يود حق اي احد منهم و المقيم) في بلده (و الظاعن) المسافر. (فلا معروف يستراح اليه) اي يسكن الناس اليه و يطمئنون به (و لا منكر يتناهي عنه) اي ينهي عنه (اما بعد) الحمد و الصلاه، و ما تقدم (فقد بعثت اليكم عبدا من عباد الله) هو مالك الاشتر (ره) لا ينام ايام الخوف) استعداد اللعمل و رفع الخوف، و المراد حذره و التفاته عند المكاره (و لا ينكل) اي لا ينكص و يجبن عن الاعدا (ساعات الروع) اي اوقات الخوف و الفزع (اشد علي الكفار من حريق النار) حتي يولهم و يذرهم هلكي فانين. (و هو مالك بن الحارث اخو مذحج) اسم لقبيله مالك (فاسمعوا له) كلامه سماعا للعمل (و اطيعوا امره) فيما يقول (فيما طابق الحق) هذا قيد ل

لتوضيح و التعميم، كقوله سبحانه: (و لا طائر يطير بجناحيه) (فانه سيف من سيوف الله) علي الاعداء (لا كليل الظبه) الظبه حد السيف و السكين، و الكليل الذي لا يقطع. (و لا نابي الضريبه) يقال نبا السيف، اذا لم يوثر في المضروب، و الضريبه النفس المضروبه، اي يوثر سيفه اذا ضرب (فان امركم ان تنفروا) الي الجهاد (فانفروا) و اخرجوا (و ان امركم ان تقيموا) و لا تجاهدوا (فاقيموا فانه لا يقدم و لا يحجم) ضد الاقدام (و لا يوخر و لا يقدم الا عن امري) و حسب ارادتي (و قد اثرتكم) اي قدمتكم (به) اي بمالك (علي نفسي) حيث ارسلته اليكم، و لم اتحفظ به لحوائجي (لنصيحته لكم) فانه يفعل ما هو صلاح لكم. (و شده

شكيمته) اي قوته (علي عدوكم) و الشكيمه حديده معترضه في فم الفرس، في اللجام، فانكان قويه اوجبت القوه في الراكب، ثم استعيرت لكل قوه.

نامه 039

[صفحه 97]

الي عمروبن العاص (فانك) يا عمرو (قد جعلت دينك تبعا لدنيا امرء ظاهر غيه) اي معاويه الذي ضلاله و انحرافه ظاهر لدي الانسان (مهتوك ستره) اذ لا ستر علي نفسه حتي لا تبين نواياه، بل ظاهر انه يريد الرئاسه و الفجور (يشين الكريم بمجلسه) و هكذا يكون الشخص الخليع الفاسق، فان الكريم النفس يهان في مجلسه (و يسفه الحليم بخلطته) اي بالمخالطه معه (فاتبعت اثره) في ما يامر و ينهي (و طلب فضله) اي ما يفضل منه من المال و الجاه (اتباع الكلب للضرغام) اي مثل اتباع الكلب للاسد فان الكلاب يتبعون الاسود للاكل من فضل فرائسهم (يلوذ) الكلب (الي مخالبه) اي مخالب الاسد، كنايه عن انتظاره لما يحصله مخلب الاسد من الفريسه. (و ينتظر) الكلب (ما يلقي) الاسد (اليه من فضل فريسته) اي ما صاده من الحيوان (فاذهبت دنياك و آخرتك) اما الاخره فواضح، و اما الدنيا فلما يسبب اتباع معاويه من الاتعاب و السباب و لو بالحق اخذت ادركت ما طلبت و فوقه لان في اتباع الحق دنيا و آخره (فان يمكنني الله منك و من ابن ابي سفيان) اي معاويه (اجزكما بما قدمتما) اي اعطيكما جزاء اعمالكما السابقه من الافساد (و اذ تعجزاني) بان لا اتمكن من ان اجزيكما (و تبقيا) في الحياه،

فلم تقتلا علي يدي (فما امامكما شر لكما) اذ هو العذاب و النكال الابدي، و هو شر من القتل بيد الامام (و السلام).

نامه 040

[صفحه 99]

الي بعض عماله (اما بعد) الحمد و الصلاه (فقد بلغني عنك امر) شنيع (ان كنت فعلته فقد اسخطت ربك) اي اغضبت الله سبحانه (و عصيت امامك) حيث خالفته (و اخزيت امانتك) اي الصقت بها خزيه و

مصيبه، و هي الخيانه، فان الولايه امانه بيد الوالي، فاذا عمل بخلاف مقتضاها فقد خان الامانه (بلغني انك جردت الارض فاخذت ما تحت قدميك) من اموال الناس. (و اكلت ما تحت يديك) من الغنيمه و الفي (فادفع الي حسابك) و ما صنعت باموال المسلمين (و اعلم ان حساب الله اعظم من حساب الناس) فراقب الله سبحانه في اموال الامه (و السلام) قيل ان هذا الكتاب كان عبدالله بن عباس والي الامام علي البصره، و ذلك حين اخذ بعض اموال بيت المال بلا حق.

نامه 041

[صفحه 100]

الي بعض عماله (اما بعد) الحمد و الصلاه (فاني كنت اشركتك في امانتي) حيث جعلتك واليا من قبلي، و الامه امانه بيد الخليفه و الوالي (و جعلتك شعاري) اصله الثوب اللاصق بشعر البدن، و يكني به عن خاصه الشخص (و بطانتي) مقابل الظهاره، و هي الطبقه الثانيه من الثوب في طرف البدن (و لم يكن رجل من اهل) ممن يصلح للولايه- فليس هذا تفضيلا علي الامامين الحسن عليه السلام و الحسين عليه السلام (اوثق منك في نفسي لمواساتي) اي من جهه انك تواسيني في مهامي، و تجعل نفسك مثل نفسي في جلب النفع الي و دفع الضرر عني. (و موارزتي) اي معاونتي (و اداء الامانه الي) بالقيام حسب موازين الشريعه في الولايه (فلما رايت الزمان علي ابن عمك) يعز نفسه الكريمه، فان الكتاب موجد الي عبدالله بن عباس والي الامام علي البصره، حيث اخذ من بيت المال ما لا يستحق و فر الي الحجاز، و ربما قيل انه موجه الي عبيد الله بن عباس و التفصيل في رجال المامقاني (ره) (قد كلب) اي اشتد و خشن. (و العدو) اي معاويه (قد حرب) اي اشتد امره (و

امانه الناس قد خزيت) اي وقعت في الخيانه و البليه و المراد بامانه الناس الخلافه، و خزايتها و قوعها في محنه المحاربه التي اثارها معاويه (

و هذه الامه قد فنكت) اي وقعت في المهزله (و شغرت) اي لم يبق لها حامي يحميها عن الاعداء (قلبت لابن عمك ظهر المجن) المجن الترس و تقليب ظهره كنايه عن النكوص عن القتال و هذا مثال يضرب لمن يخالف ما عهد فيه. (ففارقته مع المفارقين) عنه من سائرا الاعداء (و خذلته) اي تركت نصرته (مع الخاذلين) الذين تركوا نصرته (و خنته مع الخائنين) الذين نقضوا عهده و تركوا طاعته (فلا ابن عمك اسيت) اي ساعدت و شاركت في المكاره (و لا الامانه اديت) اذ خنت فيها (و كانك لم تكن الله تريد بجهادك) اذ من يريد الله لا يخون (و كانك لم تكن علي بينه) اي حجه واضحه (من ربك) فان من يعلم بالله و علمه و سائر صفاته لا يعقل ان يخون (و كانك انما كنت تكيد هذه الامه عن دنياهم) فتظهر الايمان و الجهاد، خداعا و مكرا، حتي يطمئنوا بك و يدعوك امانتهم فتخونها، فعل المنافق المرائي (و تنوي غرتهم) اي غفلتهم (عن فيئهم) اي غنائمهم، حتي تسلبها. (فلما امكنتك الشده في خيانه الامه) فان الامر اذا اشتد علي الخليفه. اشتغل بنفسه و صار الولات في سعه مما يفعلون بالامه و اموالها، اذ لا محاسب لهم (اسرعت الكره) اي الرجوع الي نواياك التي نويتها من ذي قبل و اظهرت خلافها خداعا (و عاجلت ا

لوثبه) اي الوثوب علي اموال الامه. (و اختطفت) الاختطاف الاخذ بكل سرعه، لئلا تري العيون المختطف (ما قدرت عليه من اموالهم المصونه) اي المحفوظه في

بيت المال، التي كانت حفظت (لاراملهم) نسائهم اللاتي فقدن الازواج جمع ارمله (و ايتامهم) الاولاد الذين مات ابوهم (اختطاف الذئب الاذل) اي السريع العدو و الجري (داميه المعزي) اي المعزي المجروحه التي يدمي جسمها (الكسيره) التي كسرت رجلها، فلا تقدر علي الفرار. (فحملته) اي المال (الي الحجاز، رحيب الصدر بحمله) اي لا تتاثم في هذا الحمل و الخيانه (غير متاثم) اي متحرز عن الاثم (في اخذه) و سلبه (كانك- لا ابا لغيرك-) هذا تلميح الي السب بدون التفوه بلفظه، نحو (لا اقسم) الذي هو تلميح الي القسم، و هذا كنايه عن نزول المصيبه اذ من يموت ابوه تنزل به الكوارث (حدرت) اي ارسلت (الي اهلك تراثا) اي ارثا (من ابيك و امك) و هكذا تستحل ما لا تملك. (فسبحان الله) تعجب من فعله (اما تومن بالمعاد)؟ استفهام توبيخ (او ما تخاف نقاش الحساب) اي المناقشه و المداقه لدي حساب الخلق يوم القيامه (ايها المعدود- كان- عندنا من ذوي الالباب) لفظه (كان) للاشاره، الي سقوطه عن هذه الدرجه بعد هذه الفعله، و الباب جمع لب، بم

عني اللب (كيف تسيع طعاما و شرابا) الا ساغه الاكل هنيئا (و انت تعلم انك تاكل حراما و تشرب حراما)؟ استفهام انكار و توبيخ. (و) كيف (تبتاع) اي تشتري (الاماء و تنكح) من هذا المال (النساء) بمهور محرمه (من مال اليتامي و المساكين و المومنين و المجاهدين الذين افاء الله) اي ارجع سبحانه (اليهم هذه الاموال) و الارجاع باعتبار ان المال لله خلقه لاوليائه فكونه في يد الكفار كالمغصوب، فلما جاء الي المسلمين كان ارجاعا اليهم (و احرز بهم هذه البلاد) اي حفظ بسببهم البلاد من الكفر و الظم، و من المعلوم

ان اشتراء الامه بمال حرام موجب لبطلان البيع فيكون الاقتراب منها زنا و كذلك جعل المال الحرام مهرا لبضع منكوح- اذا كان علي وجه القيديه- موجب لبطلان العقد. (فاتق الله) يابن عباس (واردد الي هولاء القوم اموالهم فانك ان لم تفعل) رد المال (ثم امكنني الله منك لا عذرن الي الله فيك) اي لاعاقبنك عقابا يكون عذرا لي عند الله من فعلتك (و لاضربنك بسيفي الذي ما ضربت به احدا الا دخل النار) اذ لا يكون الضرب به الا لاهل الباطل المستحقين للنار. و الظاهر ان ابن عباس تاب و ارجع المال، لانه كان بعد ذلك مع الامام في الكوفه حتي اذا قتل بسيف ابن ملجم لعنه ال

له قام خطيبا و بين للناس تعين الامام الحسن عليه السلام بعد ابيه للخلافه (و الله لو ان الحسن و الحسين فعلا مثل الذي فعلت) و هذا ليس اهانه بالنسبه اليهما، فان الشرط ياتي في المحال نحو قوله سبحانه: (لو كان فيهما الهه) و (انكان للرحمان ولد) (ما كانت لهما عندي هواده) اي اختصاص بالميل (و لا ظفرا مني باراده) اي لم اردهما بعد ذلك، و كانه كنايه عن الطرد (حتي اخذ الحق منهما و ازيل الباطل عن مظلمتهما) اي عن الظلم الذي اقترفاه، و كان (عن) هنا للبيان، بمنزله (من). (و اقسم بالله رب العالمين ما يسرني ان ما اخذته من اموالهم حلال لي) اي اني ما افرح بمثل تلك الاموال فيما كانت حلالا لي، فكيف انت تفرح بها و هي محرمه عليك؟ (اتركه ميراثا لمن بعدي) لعل ذكر هذا من باب ان التصرف في المال محذور آخر، لمحاسبه الانسان علي ما فعل من الحلال، فكيف اخذ المال ابن عباس حراما، و

تصرف فيه حالكونه حراما آخر؟ (فضح رويدا) اي فادع نفسك علي مهل، و هو كنايه عن عدم الاسراع الي المعاصي، واصل ضح من ضحيت الغنم اذا رعيتها في الضحي (فانك قد بلغت المدي) اي الغايه، و المراد الموت (و دفنت تحت الثري) اي التراب (و عرضت عليك اعمالك بالمحل الذي ينادي الظالم فيه ب

الحسره) اي القيامه، حيث يقول الظالم (يا حسرتا علي ما فرطت في جنب الله) كما يحكي عنه القرآن الحكيم. (و يتمني المضيع) اي الذي ضيع دنياه قلم يحصل فيها ما يسعده هناك (فيه بالرجعه) يقول (رب ارجعوني لعلي اعمل صالحا) (ولات حين مناص) اي ليس ذلك الوقت وقت الخلاص و النجاه و (لات) (لا) النافيه زيدت عليه (التاء) و حذف اسمها، اي لات الحين، حين مناص، و الحين الوقت، و المناص بمعني النجات و الخلاص.

نامه 042

[صفحه 105]

(الي عمر بن ابي سلمه المخزومي، و كان عامله علي البحرين، فعزله، و استعمل نعمان بن عجلان الزرقي مكانه). (اما بعد) الحمد و الصلاه (فاني قد وليت) اي اعطيت الولايه و السلطه (نعمان بن عجلان الزرقي، علي البحرين، و نزعت) اي رفعت (يدك) عن السلطه (بلا ذم لك) في عزلك (و لا تثريب) اي لوم (عليك) فليس خلعك لاجل منقصه فيك حتي تغتم لذلك (فلقد احسنت الولايه) اي تولي الامور، هناك (و اديت الامانه) التي هي اداره البلاد حسب اوامر الشريعه (فاقبل) الي في حالكونك (غير ظنين) اي ظن به سوء الظن. (و لا ملوم) في ادراتك (و لا متهم) في عملك (و لا ماثوم) اي عاص في امر الله سبحانه (فلقد اردت المسير) اي السير (الي ظلمه اهل الشام) اي معاويه و ربعه الظالمين في عصيانهم

لامامهم، و ظلمه جمع ظالم (واجبت ان تشهد معي) اي تحضر معي القتال (فانك ممن استظهر به) اي استعين به (علي جهاد العدو و اقامه عمود الدين انشاء الله) تعالي، و هذا من غايه المدح للرجل رحمه الله.

نامه 043

[صفحه 107]

(الي مصقله بن هبيره الشيباني، و هو عامله علي اردشير خره) بلده من بلاد الفرس. (بلغني عنك) يا مصلقه (امر، ان كنت فعلته) بان كان الخبر صادقا (فقد اسخطت الهك) حيث فعلت الحرام (و اغضبت امامك) حيث اتيت بخلاف امره، و الامر هو (انك تقسم في المسلمين) اي اموالهم و غنائمهم (الذي حاذته) اي جمعته و تسلطت عليه (رماحهم و خيولهم) في الحرب، فان الغنائم تحصل بسببهما (و اريقت عليه دمائهم) حيث حاربوا الكفار و قتل بعضهم (فيمن اعتامك) اي اختارك و صادقك (من اعراب قومك) و وصفهم بالاعراب، لعل فيه اهانه بالنسبه اليهم، اشاره الي قوله سبحانه (الاعراب اشد كفرا و نفاقا). (فو الذي فلق الحبه) اي شقها و اخرج النبات منها (و برء النسمه) اي خلق الانسان (لئن كان ذلك) الذي بلغني (حقا) مطابقا للواقع (لتجدن بك علي هوانا) اي ذله وضعه (و لتخفن عندي ميزانا) فلا يكون لك وزن ثقيل لدي (فلا تستهن بحق ربك) من الاهانه، اي لا تجعل حق الله سبحانه هينا سهلا (و لا تصلح دنياك بمحق دينك) اي باذهاب دينك و ابطاله (فتكون من الاخسرين اعمالا) الذين حصوا باعمالهم العقاب و العذاب (الا و ان حق من قبلك) اي عندك من المسلمين. (و قبلنا) اي في طرفنا (من المسلمي

ن في قسمه هذا الفي ء) اي الغنيمه (سواء) فلكلهم حق فيه (يردون عندي عليه) اي ياتون عندي كلهم لاجل هذا الحق

(و يصدرون عنه) اي يخرجون من عندي و قد اخذ كل حقه، فكيف اختصصت بمثل هذا قومك، لاجل انها اختاروك و قووا سلطانك؟

نامه 044

[صفحه 109]

(الي زياد بن ابيه) (لقد بلغه عليه السلام ان معاويه كتب اليه، يريد خديعته باستلحاقه بنفسه. (و قد عرفت ان معاويه كتب اليك) كتابا (يستزل لبك) اي يطلب بكتابه زلل عقلك، و سقوطه في الاثم (و يستفل) اي يثلم (غربك) اي حدتك، كنايه عن استمالته الي جانبه حتي لا يكون شديدا عليه، فانه كان شديدا ضد معاويه (فاحذره) اي خف من معاويه، لا يفعل بك ذلك (فانما هو) اي معاويه (الشيطان ياتي المومن من بين يديه و من خلفه و عن يمينه و عن شماله) كنايه عن التوسل لاضلاله بكل الوسائل و من كل الجهات الممكنه (ليقتحم غفلته) اي ليدخل بالقوه علي الانسان في حال غفلته. (و يستلب) اي يسلب (غرته) اي في حالكونه غافلا مخدوعا غير ملتفت (و قد كان من ابي سفيان) ابي معاويه (في زمن عمر بن الخطاب فلته) اي كلام باطل، حيث قال في شان زياد (اني اعلم من وضعه في رحم امه) يريد نفسه فقد كان ابي سفيان زني بام (زياد) و هي زوجه لعبيد، فكان يقول: انا ابوه، لا كما امرالاسلام (الولد للفراش و للعاهر الحجر) و حيث كان زياد قويا، طمع فيه معاويه، حتي يجعله من انصاره، و يصرفه من نصره الامام، و راي ان احسن وسيله لذلك، ان يخدعه بانه اخوه لان اباسفيان والد كليهما (من

حديث النفس) اي كلام يتكلم به الانسان من دون اراده للحقيقه و الواقع. (و نزغه من نزغات الشيطان) اي باطلا من اباطيله، و النزغ بمعني الميل (لا يثبت بها) اي بتلك الفلته

(نسب و لا يستحق بها ارث) لان للعاهر الحجر (و المتعلق بها) اي بتلك الفلته، و المراد به معاويه (كالواغل) الذي يريد الشرب مع القوم و ليس معهم (المدفع) فيدفع، ليطرد، فاذا اريد اثبات النسب بهذه الفلته، دفع المريد لانه علي خلاف حكم الاسلام. (و النوط) الذي يناط و يعلق بالرجل (المذبذب) المتحرك بغير استقرار، فاذا استلحقك معاويه بابيه، كنت مضطربا في نسبك دائما، لاقرار لمثل هذه النسبه. (فلما قرء زياد هذا الكتاب) من الامام عليه السلام (قال شهد بها) اي بالنسبه، و فاعل شهد ابوسيفيان (و رب الكعبه) لان زيادا كان يميل الي ان يوصل نفسه، بمثل هولاء، ليذهب عنه العار الذي كان يرمي به (و لم تزل في نفسه حتي ادعاه معاويه) بعد مقتل الامام عليه السلام، و فرح به ابوسفيان، و صار من انصار الباطل، بعد ان خدم الحق. (قال الرضي (ره): قوله عليه السلام (الواغل) هو الذي يهجم علي الشرب ليشرب معهم و ليس منهم، فلا يزال مدفعا محاجزا (و النوط المذبذب) هو ما يناط برجل الراكب من قعب او قدح

او ما اشبه ذلك فهو ابدا يتقلقل اذا حث ظهره و استعجل سيره)

نامه 045

[صفحه 111]

(الي عثمان بن حنيف الانصاري، و هو عامله علي البصره، و قد بلغه انه دعي الي وليمه قوم من اهلها، فمضي اليها). (اما بعد) الحمد و الصلاه (يابن حنيف فقد بلغني ان رجلا في فتيه اهل البصره) جمع فتي و هو الشاب (دعاك الي مادبه) هي الطعام يصنع للدعوه (فاسرعت اليها تستطاب لك الالوان) اي يطلب لك طيب اصناف الطعام (و تنقل اليك الجفان) جمع جفنه، و هي القطعه، و لعل هذا الطعام كان سببا لاستماله الوالي، و اذا مال

الوالي الي جانب، ابتعد عن العدل بذلك المقدار، و لذا نبه الامام عليه السلام بالاضافه الي ما ذكره بقوله: (و ما ظننت انك تجيب الي طعام قوم عائلهم) اي محتاجهم و فقيرهم (مجفو) اي يجفي و يطرد فلا يدعي. (و غنيهم مدعو) الي الوليمه (فانظر) يابن حنيف (الي ما تقضمه) اي تاكله (من هذا المقضم) اي الماكل (فما اشتبه عليك علمه) بان لم تعلم وجه الصحه فيه (فالفظه) اي اتركه (و ما ايقنت بطيب و جوهه) اي بانه حلال في اكتسابه و انفاقه و سائر الامور المتعلقه به (فنل منه) من نال اي ادرك، و المراد تصرف فيه.

[صفحه 112]

(الا و ان لكل ماموم اماما يقتدي به) في اعماله و افعاله فيسير علي منهاجه و سيرته (و يستضي ء بنور علمه) ليري دروب الحياه الحالكه (الا و ان امامكم قد اكتفي من دنياه بطمريه) الطمر الثوب الخلق (و من طعمه) الضمير عائد الي الامام، لا الي الدنيا، اي من الطعام الذي يتمكن منه (بقرصيه) اي قرصي الخبز، قرص للظهر و قرص للعشاء (الا و انكم لا تقدرون علي ذلك و لكن اعينوني) ايها الناس، و ايها المقتدون بي (بورع) في اعمالكم بان تكون مطابقه للشرع (و اجتهاد) في الاعمال الصالحه، بان تجهدوا انفسكم و تتعبوها في ذلك (و عفه) هو التوسط في الملذات (و سداد) اي الصلاح، فان الامه اتصفت بهذه الصفات كان ذلك عونا للخليفه في انجاز اموره التي يتوخاها فان فراغ البال من ناحيه الامه، يوسع مجال الخليفه في العمل. (فو الله ما كنزت) اي ما جمعت (من دنياكم) ايها الناس (تبرا) اي ذهبا (و لا ادخرت) الادخار الحفظ ليوم الحاجه (من غنائمها و فرا) اي

ما لا كثيرا، كما هي عاده الملوك و الامراء (و لا اعددت لبالي ثوبي طمرا) اي ثوبا آخر، حتي انزع البال، و البس الثاني

[صفحه 113]

(بلي كانت في ايدينا فدك) هي بساتين و اراضي كانت لرسول (ص) اعطاها لفاطمه عليهاالسلام، و غصبها بعد ذلك ابوبكر لا خلاء يد علي عليه السلام عن المال فلا يميل اليه الناس (من كل ما اظلته السماء) اي تحت السماء و هذا الوصف للشمول (فشحت عليها نفوس قوم) اي بخلت، و ذلك باخذها، كانها تشع من ان تجعلها في يد اهلها، و القوم ابوبكر و اتباعه. (و سخت عنها نفوس قوم آخرين) اي سمحت بها و القوم هم علي عليه السلام و فاطمه و ابناهما، و السماح كنايه عن عدم المطالبه بلغ الامر ما بلغ (و نعم الحكم الله) الذي يحكم بين الغاصب و المغصوب منها (و ما اصنع بفدك و غير فدك) من اموال الدنيا (و النفس مظانها) جمع مظنه، و هو المكان الذي يظن فيه وجود الشي ء (في غد جدث) اي القبر (تنقطع في ظلمته) اي ظلمه القبر (اثارها) اي حركاتها و افعالها. (و تغيب اخبارها) اي ماذا احدث عليها (و حفره) عطف علي جدث (لوزيد في فسحتها) اي وسعتها (و اوسعت) لها (يدا حافرها) الذي يحفر القبر (لاضغطها الحجر و المدر) المدر هو الطنين المتحجر، و الاضغاط لان جدران القبر لابد و ان تضغط علي الميت لعدم المنفذ و لتهدمها عليه و لو بعد حين (و سد فرجها التراب المتراكم) فرج جمع

فرجه، بمعني: الوسعه الخاليه، و المتراكم بمعني المجتمع (و انما هي نفسي اروضها) اي: اذللها (بالتقوي) و الاجتناب عن ملذات و المشتهيات (لتاتي آمنه يوم الخوف الاكبر) و هو

يوم القيامه (و تثبت علي جوانب المزلق اي موضع الزله، اي الصراط الذي من عبره دخل الجنه و من زلق منه وقع في النار.

[صفحه 114]

(و لو شئت لا هتديت الطريق) اي كنت قادرا (الي مصفي هذا العسل) الذي يعرفه الناس، و لذا جي بلفظه (هذا) اشاره اليه (و لباب هذا القمح) اي الحنطه (و نسائج هذا القز) اي الاثواب المنسوجه من القز، و هو ما يصنع منه الحرير (و لكن هيهات ان يغلبني هواي) اي ميلي النفسي في اتباع هذه الملذات (و يقودني جشعي) اي شده الحرض علي الدنيا و ملذاتها، لتناول هذه المشتهيات. (الي تخير الاطعمه) اي اختيار الاحسن منها (و لعل بالحجاز او ليمامه) يجد (من لا طمع له في القرص) اي في قرص الخبر من شده الفقر (و لا عهد له بالشبع) فلم يشبع بطنه من الطعام فقرا و فاقه، و هذه الجمله نفيد عدم وجود فقير حقيقي في البلاد الاسلاميه الطويله العريضه، ابان حكم الامام، ببركه تطبيق الاسلام، و الا لم يكن مجال لكلمه (لعل). (او ابيت) اي هيهات ان ابيت في الليل (مبطانا) اي ممتلي ء البطن، و لعل ذكر الليل، باعتبار ان احتمال جوع الفقراء في الليل اكثر (و حولي بطون غرثي) اي جائعه (و اكباد حري) مونث حران، بمعني العطشان (او اكون كما قال القائل) و هو حاتم الطائي المشهور بالسخاء، في جمله ابيات (و حسبك دائا) اي مرضا (ان تبيت ببطنه) اي شبعان البطن من الاكل (و حولك

اكباد تحن الي القد) اي تميل الي اكل القد، و هو الجلد غير المدبوغ.

[صفحه 115]

(ااقنع من نفسي بان يقال) لي (اميرالمومنين) بان يكون لي الاسم الكبير و المكانه المرموقه (و لا

اشاركهم في مكاره الدهر) بان ينزل المكروه بهم دوني فاشبع و يجوعون، و آكل الجيد و اترفه، و ياكلون الردي، في صعوبه من العيش؟ كلا لا يكون هذا (او) لا (اكون اسوه) و مقتدي (لهم في جشوبه العيش) اي خشونته، لا يكون هذا بل اعيش في جشوبه كما يعيش بعضهم هكذا. (فما خلقت ليشغلني اكل الطيبات) فان خلقه الانسان للعباده، كما قال سبحانه: (و ما خلقت الجن و الانس الا ليعبدون) (كالبهيمه المربوطه) القيد بذلك لان البهيمه المرسله همها غير الاكل ايضا، بخلاف المربوطه، فانه لا هم لها الا الاكل (همها علفها) اي ان ياكل العلف. (او) كالبهيمه (المرسله شغلها تقممها) اي التقاطها للقمامه، و هي الكناسه (تكترش) اي تملا كرشها (من اعلافها) اي علف القمامه (و تلهو) اي تغفل (عما يراد بها) من الذبح و الاكل (او) هل (اترك) من قبله سبحانه (سدي) بلاغايه و لا امر و نهي (او اهمل عابثا) اي لاعبث و العب؟ (او اجر حبل الضلاله) فان الضال يجر حبله معه نحو الضلاله. (او اعتسف) الاعتساف ركوب الطريق علي غير قصد و هدي (طريق المتاهه) اي الحيره و التيه، و هذه الاستف

هامات علي طريق الانكار، و النفي (و كاني بقائلكم يقول) في معرض الانكار علي عدم تنعمي و اكلي الطيبات (اذا كان هذا) الذي ذكره من القرصين (قوت ابن ابي طالب فقد قعد به الضعف علي قتال الاقران) اي من يماثله في الشجاعه (و منازله) اي محاربه (الشجعان) جمع شجاع. (الا) فليعلم القائل المنكر علي قوتي القليل (و ان الشجره البريه) التي تنبت في البر (اصلب عودا) لانه يقوي بمقاسات الحر و البرد (و الروائع الخضره) اي الاشجار ذات الروعه و

الجمال و الخضره (ارق جلودا) من جلود اشجار البر (و التباتات البدويه) اي الاعشاب النابته في البدو، مقابل البستان (اقوي وقودا) اي اشتعالا للنار، في النباتات غير البدويه. (و ابطا خمودا) فان نارها ادوم، فاذا كان ماكل الانسان خشنا و عيشه صعبا كانت قواه اكثر و تحمله للشدائد ازيد (و) هناك سبب آخر لقوتي، و هو اني من عشيره الرسول (ص) و كل هذه العشيره شجعان اقوياء ف (انا من رسول (ص) كالصنو من الصنو) الصنوان نخلتان يجمعهما اصل واحد (و الذراع من العصد) فاذا كان العضد شديدا كانت الذراع كذلك. (و الله لو تظاهرت العرب) اي اجتمعت، و يسمي بالتظاهر لان كل منهم يقوي ظهر الاخر للثبات و الوقوف (علي قتالي) اي محاربتي (ل

ما وليت) اي ما ادبرت (عنها، و لو امكنت الفرص من رقابها) بان كانت كافره، و تمكنت من قتلها (لسارعت اليها) بلا خوف و لا وجل (و ساجهد في ان اطهر الارض في هذا الشخص المعكوس) اي معاويه و كونه معكوسا باعتبار انعكاس الفضيله فيه الي الرذيله. (و الجسم المركوس) اي المقلوب، باعتبار كونه مقلوب الاراء و الصفات، و النسبه الي الجسم باعتبار المجاوره او الحال و المحل- مجازا- (حتي تخرج المدره) هي قطعه الطين اليابس (من بين حب الحصيد) الصيد هو النبات المحصود اي المقطوع من الارض، و حبه كالقمح و الشعير و ما اشبه، و هذا عن التميز بين الحق و الباطل.

[صفحه 118]

(و من هذا الكتاب و هوآخره:) (اليك عني) اي ابتعدي عني (يا دنيا) و المراد انه عليه السلام غير راغب في زخارفها (فحبلك علي غاربك) الغارب الكاهل، و هذا كنايه عن تسريحها لتذهب حيث شائت، كما انه اذا

سرح الحيوان يجعل حبله علي عاتقه، و لا يجر بالحبل الي جهه مخصوصه (قد انسللت) اي فررت (من مخالبك) جمع مخلب، و هو اظافر الحيوان المفترس التي بها ياخذ الصيد و يقتله (و افلت) اي شردت (من حبائلك) جمع حباله و هي شبكه الصياد. و اجتنبت الذهاب في مدحض، مدحض، و هو محل السقوط و الهلاك (اين القوم الذين غررتهم) اي خدعتهم ايتها الدنيا (بمداعبك) جمع مدعبه، بمعني الدعابه و المزاح (اين الامم الذين فتنتهم) اي خدعتهم ايتها الدنيا (بزخارفك) جمع زخرف، بمعني الزينه. (ها هم رهائن القبور) فكما يبقي الرهن عند المرتهن كذلك هولاء باقون في قبورهم الي يوم النشور (و مضامين اللحود) جمع لحد، و هو الشق في القبر، اي مضمونون في شقق قبورهم (و الله) ايتها الدنيا (لو كنت شخصا مرئيا) اي شخصا يري (و قالبا) اي هيكلا (حسيا) اي محسوسا يدرك بالحواس (لاقمت عليك) يادنيا (حدود الله) من الرجم و الجلد و التعزيز و ما اشبه (في عباد غررتهم بالاماني) اي بان م

نيتهم بالاكاذيب فانخدعوا و تركوا الاخره لاجلك، و لا يخفي ان امثال هذه العباره من الكنايه و اظهار الارشاد للسامعين، بترك الدنيا و الاقبال علي الاخره. (و امم القيتهم في المهاوي) جمع مهوي و هو المحل المنخفض الذي يهلك الانسان اذا وقع فيه (و ملوك اسلمتهم الي التلف) الاخروي بالعقاب و العذاب علي ما فعلوا و اقترفوا (و اوردتهم موارد البلاء) و العذاب (اذ) اي في مكان (لاورد) اي ليس محل ورود الماء (و لا صدر) اي ليس محلا للخروج عن المشرعه بعد الارتواء، فكانها باسم الماء جاء بهم الي محل الهلاك. (هيهات) لست انت ناصحه شفيقه ف (من

وطي) اي جعل رجله في (دحضك) هي المزلقه التي لا تثبت عليها الرجل (زلق) و سقط (و من ركب لججك) لجه البحر معظمه (غرق) هذان كنايتان عن من اعتمد علي الدنيا و تناول ملذاتها (و من ازور) اي مال (عن حبالك) جمع حباله، و هي شبكه الصياد (وفق) للخلاص و النجاه. (و السالم منك) يا دنيا (لا يبالي ان ضاق به مناخه) اي محله و منزله (و الدنيا عنده كيوم حان) اي حضر (انسلاخه) اي ذهابه و فنائه، و المعني انه لا يهتم بشانها كما ان من يريد الذهاب عن منزل لا يهتم بذلك المنزل حسنا كان ام قبيحا (اعزبي) اي ابتعدي ايتها الدنيا (عني

، فو الله لا اذل لك) باراده ملذاتك الموجبه للذله (فتستدليني) اي تجعليني ذليله، تعطي حاجه مره و تمنعها مره. (و لا اسلس لك) اي لا انقاد لك، بان اسير كلما توجهت ملذاتك و شهواتك (فتقوديني) كما تقاد العالم (و ايم الله) قسم بالله سبحانه، و في ايم، لغات (يمينا) منصوب بفعل مقدر اي احلف قسما (استثني فيها بمشيئه الله) اي لا اترك متعلق الحلف الا اذا شاء الله سبحانه، و هذا للتبرك و الاحترام، و الا فلا تفرق الحلف بذلك. (لاروضن نفسي رياضه) بمنعها عن الملذات و المشتهيات (تهش) اي تفرح و تنبسط، نفسي (معها) اي مع تلك الرياضه و بسبب شدتها (الي القرص) اي قرص الخبز (اذا قدرت) النفس (عليه) اي علي القرص (مطعوما) اي من انواع الطعام (و تقنع) النفس بالملح (مادوما) اي اداما يوكل مع الخبز. (و لادعن) اي اتركن (مقلتي) اي عيني (كعين ماء) من كثره البكاء لله سبحانه (نضب) اي غادوتم (معينها) اي مائها (مستفرغه)

اي: في حالكون عيني افرغت (دموعها) ثم استبعد عليه السلام ان يكون حاله عليه السلام في الماكل و ما اشبه كحال البهيمه؟ (اتمتلي السائمه من رعيها فتبرك) اي تنام (و تشبع الربيضه) اي الغنم، و الربوض للغنم، كالبروك للابل (من عشبها فتربض) اي تستق

ر. (و ياكل علي من زاده فيهجع) اي يسكن كما سكنت الحيوانات بعد شبعها؟ لا يكون هذا ابدا (قرت اذا عينه) هذا دعاء للانسان بالاطمينان و الاستقرار لان الخائف تنظر عينه هنا و هناك ليجد ملجائا بخلاف المطمئن المستقر، و استعملت الجمله هنا استهزائا من باب استعمال الضد في الضد (اذا اقتدي) علي عليه السلام (بعد السنين المتطاوله) اي السنين الطويله من عمره (بالبهمه الهامله) اي المسترسله التي لا داعي لها (و السائمه) اي التي تسرح في الاعشاب (المرعيه) اي التي ترعي. (طوبي لنفس ادت الي ربها فرضها) اي ما فرض الله عليها من الاحكام، و اداء الفرض اتيانه (و عركت) اي سحقت (بجنبها) الضمير للنفس (بوسها) اي ضرها، كان البوس شوكه في جنب الانسان فيسحقها الانسان صابرا عليها، و هذا كنايه عن الصبر في المكاره (و هجرت في الليل غمضها) اي نومها و الاصل فيه غمض العين، للتضرع و العباده (حتي اذا غلب الكري) اي النوم (عليها) اي علي النفس (افترشت ارضها) بان نام علي الارض بغير فراش. (و توسدت كفها) بان جعل و سادته الكف، بدون مخده يضع راسه عليها (في معشر) اي هو في بين جماعه من العباد (اسهر عيونهم خوف من العقوبه، و هكذا تتاتي الخواطر المخفيه الي الانسان في ا

لليل (و تجافت) اي ابتعدت (عن مضاجعهم) جمع مضجع، بمعني محل النوم (جنوبهم) فلا يضعون جنبهم علي الفراش. (و همهمت بذكر

ربهم شفاههم) الهمهمه صوت يردد في الصدر، و يراد بها هنا الصوت الخفي (و تقشعت بطول استغفارهم ذنوبهم) يقال: تقشع السحاب اذا انجي (اولئك) الذين هذه صفاتهم (حزب الله الا ان حزب الله هم المفلحون) اي الفائزون (فاتق الله يابن حنيف) رجوع الي خطاب عثمان بن حنيف الذي حضر تلك المادبه، و كتب اليه الامام بهذه الكتاب لتاديبه و ارشاده (و لتكفك اقراصك) فلا تحضر المادب المشبوهه (ليكن من النار خلاصك) و نجاتك.

نامه 046

[صفحه 123]

الي بعض عماله (اما بعد) الحمد و الصلاه (فانك ممن استظهر به) اي استعين به (علي اقامه الدين) اي اقامه احكامه، من الامر بالمعروف و النهي عن المنكر و ارشاد الجاهل و ما اشبه (و اقمع به) اي اقلع و اكسر بسببه (نخوه الاثيم) اي تكبر العاصي (و اسد به لهات) هي اللحمه المستدليه في الحق و المراد هنا المنفذ (الثغر) مظنه العدو في حدود المملكه (المخوف) الموجب للخوف من هجوم الاعداء (فاستعن باله علي ما اهمك) من الامور، بعمني: اطلب اعانته. (و اخلط الشده) علي الاثمين (بضغث) اي بشي ء خليط (من اللين) فان الشده المحضه توجب الياس عن الوالي، كما ان اللين المحظ يوجب تجري الناس علي الانسان (و ارفق) بالناس (ما كان الرفق ارفق) اي اوجب لملائمه الحال (و اعتزم) من العزم (بالشده حين لا يغني عنك الا الشده) بانكانت الشده هي الموجبه لانقلاع المفسدين عن افسادهم (و اخفض للرعيه جناحك) و خفض الجناح كنايه عن اللين و الملائمه معهم، كما يخفض الطائر جناحيه لابويه. (و ابسط لهم وجهك) فلا تقطب وجهك عبوسا حتي يخافوا منك (و الن لهم جانبك) بان تجعل جانبك لينا لا شديدا غليظا (واس) اي

شارك و سو (بينهم في اللحظه) هي النظر بطرف العين (و النظره) ه

ي النظر بتمام العين و هذا كنايه عن التساوي بينهم حتي في دقائق الامور (و الارشاره) اذا كان المجال مجال الاشاره، للعطف. (و التحيه) اي السلام و ما اشبه (حتي لا يطمع العظماء في حيفك) اي في ظلمك (و لا يياس الضعفاء من عدلك) فان القوي لو راي الوالي يميل اليه طمع في جلبه الي جانبه ليظلم كيف يشاء، و حين ذاك يياس الضعيف من العدل، و هذا موجب لسخط الناس، الموجب للتصادم بين السلطه و الامه و ينتهي الي ما لا يحمد (و السلام).

نامه 047

[صفحه 125]

(للحسن و الحسين عليهماالسلام، لما ضربه ابن ملجم، لعنه الله) (اوصيكما بتقوي الله) اي الخوف منه (و ان لا تبغيا الدنيا) اي لا تطلباها (و ان بغتكما) اي طلبتكما بتهيئه اسباب الراحه و الرفاه، بل اعرضا عنها، و دعوها لاهلها، فان الدنيا اذا احتوت علي الانسان اوجبت نسيان الاخره (و لا تاسفا) اي لا تغتما (علي شي ء منها) اي من الدنيا (زوي عنكما) اي نحي: بان فاتتكما (و قولا للحق) لا لطلب المال و الجاه (و اعملا للاجر) في الاخره، لا لشي ء من عرض الدنيا. (و كونا للظالم خصما) مخاصما له مهما كان قويا (و للمظلوم عونا) معينا له ضد الظالم (اوصيكما) اوصي (جمع ولدي و اهلي) اي اقربائي و من يمت الي بصله (و من بلغه كتابي) هذا (بتقوي الله) اي الخوف منه، حتي يكون موجبا لا طاعه اوامره و الانتهاء عن نواهيه (و نظم امركم) بان ينظم الانسان اموره الماليه، و العباديه، و العائليه، و الدرسيه، و ما اشبه، فان النظام موجب للراحه و الاطمينان. (و

صلاح ذات بينكم) بان يكون بعضكم مواد الاخر، لا يعاديه، و لا يهجر (فاني سمعت جدكما) رسول الله (ص)، يقول: صلاح ذات البين افضل من عامه الصلاه و الصيام) يعني ان فضل الصلاح اكثر من فضل الصلاه و الصي

ام طيله الحياه، و من المعلوم ان بعض الواجبات افضل من بعضها الاخره، اذكروا (الله الله) و التكرار للتاكيد (في الايتام) الذين تحت ايديكم. (فلا تغبوا افواهم) بان تطعموهم يوما و تتركوا يوما، يقال: اغب القوم بمعني جائهم يوما و ترك يوما، و هذا كنايه عن تعاهد الايتام باستمرار، لا متقطعا (و لا يضيعوا) اي الايتام في اي جانب من جوانب الحياه (بحضرتكم) اي في حال اطلاعكم و حضوركم علي حالهم. (و) اذكروا (الله الله في جيرانكم) جمع جار (فانهم وصيه نبيكم) اي اوصي بهم الرسول (ص) وصيه ثم اقيم المصدر مقام الفعل (ما زال) النبي (ص) (يوصي بهم حتي ظننا انه سيورثهم) اي يجعل لهم نصيبا من تركه الجار و المراد بالظن في مثل هذه المقامات كون الراجح بحسب انظار العقلاء، من ظواهر الكلام ذلك لا ان الامام عليه السلام كان يظن بذلك حقيقه، فهو من المجاز الشائع في الاستعمالات. (و) اذكروا (الله الله في القرآن لا يسبقكم بالعمل به غيركم) فان كل انسان يلزم علي حفظ احكام القرآن و تلاوته، حتي لا يسبقه غيره، و هذا مثل قوله سبحانه: (و في ذلك فليتنافس المتنافسون) و قوله: (استبقوا الخيرات). (و) اذكروا (الله الله في الصلاه فانها عمود دينكم) فان الدين يقوم بالص

لاه، اذ الصلوات المفروضات كل يوم خمس مرات، موجبه لتهيئه النفس لامتثال سائر اوامر الدين، لكونها تقوي ملكه الدين، الباعثه للاتيان بسائر امور الدين. (و) اذكروا

(الله الله في بيت ربكم) مكه المكرمه (لا تخلوه) عن الحاج و المعتمر (ما بقيتم) في الحياه (فانه ان ترك لم تناظروا) اي لا ينظر الله اليكم بالكرامه، كما لا ينظر الناس اليكم بالعظمه، فان عظمه المسلمين تظهر في الحج (و الله الله في الجهاد) اصله من الجهد بمعني المشقه (باموالكم) بذلا (و انفسكم) تعبا و حربا (و السنتكم) قولا (في سبيل الله) و لاجل رضاه و تطبيق احكامه (و عليكم بالتواصل) يصل بعضكم بعضا مقابل القطيعه و الهجران (و التباذل) بان يعطي بعضكم بعضا. (و اياكم و التدابر) بان يجعل بعضكم دبره للبعض الاخر (و التقاطع) بان يقطع بعضكم عن بعض و يهجره (لا تتركوا الامر بالمعروف و النهي عن المنكر) المعروف كل ما امر به الشرع او العقل، و المنكر كلما نهي عنه احدهما (ف) ان تركتم (يولي عليكم شراركم) جمع شرير، و ذلك لان الاشرار لو راوا الطريق مفتوحا امامهم بلا مانع دخلوه و ساموا الناس الوان العذاب (ثم تدعون) الله سبحانه في كشف ذلك (فلا يستجاب لكم) لانكم اوجبتم سخط الله، بترك ام

ره، فلا يتسجيب دعائكم.

[صفحه 128]

ثم قال عليه السلام: (يابني عبدالمطلب) اراد عليه السلام اقربائه الحاضرين (لا الفينكم) اي لا اجدنكم، نفي في معني النهي (تخوضون دماء المسلمين) اي تقتلونهم انتقاما لقتلهم اياي (خوضا) و اصل الخوض الدخول في الماء و ما اشبه (تقولون: قتل اميرالمومنين) كما هي عاده الناس اذا قتل رئيسهم اخذوا الناس، هذا لانه قتل، و ذالك لانه تامر، و ذلك لانه مظنون، و هكذا فان الاسلام يحرم ذلك و انما القتل للقاتل فقط (الا، لا تقتلن بي غير قاتلي) ابن ملجم لعنه الله. (انظروا اذا انا مت من ضربته

هذه فاضربوه ضربه ب) مقابل ضربه لي (ضربه) واحده (و لا يمثل بالرجل) التمثيل هو التشويه بقطع الاطراف سواء قبل الموت او بعده (فاني سمعت رسول (ص) يقول اياكم و المثله) اي احذروها و لا تفعلوها (و لو بالكب العقور) الذي يعقر الناس و يجرحهم، و هو مرض يصيب الكلب، و يوجب تسمم من عقره.

نامه 048

[صفحه 129]

الي معاويه (و ان البغي) اي الظلم (و الزور) اي الكذب (يذيعان بالمرء) اي يشهرانه و يفضحانه (في دينه و دنياه) فهو انسان مفتضح في الدنيا يتجنبه الناس و ينظرون اليه شذرا، و مفتضح في الاخره، بما عمل، مما يورثه النار و النكال (و يبديان) اي يظهران (خلله) جمع خله، اي مفاسده (عند من يعيبه) اي يريد عيبه، فان الناس اذا اراد و اعيب احد، فانكان ظالما كاذبا كان لهم ذلك حجه علي تعيبهم له (و قد علمت) يا معاويه (انك غير مدرك ما قضي فواته) اي دم عثمان اي قضي- بقضاء الله سبحانه- ان يفوت و يذهب. (و قد رام) اي قصد (اقوام) اي جماعات (امرا) هو الطلب بدم عثمان، قبلك، و المراد بالاقوام اصحاب الجمل (بغير الحق) لانهم لم يكونوا اولياء عثمان (فتالوا) اي تطاولوا (علي الله) سبحانه بنقض احكامه (فاكذبهم) الله تعالي اي حكم بكذبهم، بما بين في القران و السنه، من علائم الصادق و الكاذب او المراد بالتاويل، اراد الاماره باسم دم عثمان مما يول امر طلبهم بدمه، اليه، و المراد باكذبهم، اظهر كذبهم بغلبه الامام عليهم. (فاحذر) يا معاويه (يوما) و المراد به يوم القيامه (يغتبط فيه) اي: يفرح و يسر في ذلك اليوم (من احمد عاقبه عمله) اي جعل عاقبه عم

له محموده بان

عمل الصالحات حتي ينال الثواب في الاخره (و يندم) في ذلك اليوم (من امكن الشيطان من قياده) بان اتبع الشيطان، مثل الحيوان الذي ياخذ قياده شخص فيجره الي حيث يريد (فلم يجاذبه) اي لم يجذب الزمام من يد الشيطان، حتي يستقبل هو بنفسه، فلا يورده الشيطان مورد الهلكه. (و قد دعوتنا الي حكم القرآن) في مكيده رفع المصاحف (و لست) انت (من اهله) اي من اهل القران (و لسنا اياك اجبنا) حيث قلنا ان القرآن حكم بيننا و بينك (و لكنا اجبنا القرآن في حكمه) علينا بما حكم من امر القتال و الكف، و غيرهما (و السلام) علي من اتبع الهدي.

نامه 049

[صفحه 131]

(الي غيره) اي غير معاويه (اما بعد) الحمد و الصلاه (فان الدنيا مشغله) اي موجب لشغل الانسان بها (عن غيرها) اذ هي تستنفد نشاط الانسان فلا يذر له نشاطا يصرفه في الاخره، اذا اراد الانسان الاشتغال بالدنيا (و لم يصب صاحبها) اي صاحب لدنيا و مريدها (منها شيئا الا فتحت) الدنيا (له) اي لهذا الصاحب (حرصا عليها) اي زاد حرصه علي الدنيا، فاذا اصاب الانسان دارا فتحت الدنيا له حرصا آخر باراده حديقه، و هكذا. (و لهجا بها) اي ولوعا و شده حرص (و لن يستغني صاحبها) اي مريد الدنيا (بما نال) و ادرك (فيها) اي في الدنيا (عما لم يبلغه منها) بل هو محتاج الي ما لم ينل (و من وراء ذلك) الطلب و الحرص (فراق ما جمع) بالموت (و نقص ما ابرم) فقد ابرم و احكم السيطره علي اموال. الدنيا، ثم ينقض كل ذلك، اذ ينقطع من الجميع (و لو اعتبرت) يا ايها الانسان (بما مضي) بان فكرت في احوال ما

مضي من الدنيا و كيف كانت و كيف صارت (حفظت ما بقي) من عمرك، و لم تتلفه في طلب الدنيا (و السلام).

نامه 050

[صفحه 132]

الي امرائه علي الجيش (من عبدالله علي بن ابي طالب اميرالمومنين الي اصحاب المسالح) جمع مسلحه، اي الثغور و الحدود: و سميت بدلك لانها مواضع السلاح (اما بعد) الحمد و الصلاه (فان حقا علي الوالي ان لا يغيره علي رعيته) بالاهانه بهم و هضم حقوقهم و الكبر عليهم (فضل ناله) اي حصل عليه من مال كثير او سلطان جديد (و لا طول) اي فضل كبير (خص به) دون سائر الناس، و المعني ان الحق علي الوالي ان لا يتغير بسبب سلطان او مال، لا كالعاده علي ضعاف النفوس من الولات، حيث اذا راوا انفسهم في غني تغيروا علي الرعيه و تجبروا في الارض. (و ان يزيده ما قسم الله له من نعمه) (ما) فاعل (يزيده) (دنوا من عباده) بان يقترب منهم اكثر (و عطفا علي اخوانه) اي يعطف علي الناس الذين هم رعيته، شكرا لما تفضل تعالي عليه، و قضائا لحق الامه حين قدر عليه بسبب ذلك الفضل الذي اعطاه الله اياه. (الا و ان لكم) ايها الامراء (عندي) و من حقكم علي (ان لا احتجز دونكم سرا) اي لا اخفي عليكم امرا من امور المملكه (الا في حرب) فان الحرب يجب ان توتي بكل سريه حتي لا يطلع الاعداء و تهيئوا للمدافعه، و حيث ان الاطلاع علي الاوضاع في البلاد مما تتشاق النفوس اليها، فهو حق

لهم علي الوالي ان اذا اطلع علي شي ء ان يعرفهم به، لا ان يختص بالسر دونهم (و لا اطوي دونكم امرا) بان لا اجعل لكم نصيبا في

امر يحدث، بالمشوره (الا في حكم) شرعي لا يحتاج الي الشور و التفاوض و في الحقيقه ان هذين الامرين من اهم ما يلزم علي الولات اذا ارادوا الكرامه لانفسهم، و لرعيتهم، حيث ان هذين يوجب العلاقه المتباد له و اطمينان الناس بالحكومه و اخلاصهم لها و تفانيهم في سبيلها. (و لا اوخر لكم حقا عن محله) اي وقت حلوله، باعطائكم فيئكم و سائر ما تستحقون (و لا اقف به) اي بالحق (دون مقطعه) اي دون الحد الذي قطع به ان يكون لكم، مثلا قطع بكون حق كل واحد الف دينار، فلا يقف الوالي دون الالف باعطائهم تسعمائه (و ان تكونوا عندي في الحق سواء) لا ارجح بعضا علي بعض (فاذا فعلت ذلك) الذي هو حق علي لكم (وجبت لله عليكم النعمه) اي ثبتت نعمته تعالي عليكم حيث هي لكم واليا عادلا شفيقا فيجب شكره سبحانه (و) وجبت (لي عليكم الطاعه) لوجوب طاعه الوالي اذا كان عادلا. (و ان لا تنكصوا) اي لا ترجعوا (عن دعوه) ادعوكم اليها (و لا تفرطوا) اي لا تقصروا (في صلاح) اي في امر هو صلاح للدوله و الامه (و ان تخوضوا الغمرات) اي تدخلوا في الشدائد (الي الحق)

اي كي تنتهوا الي الحق الذي طلبه سبحانه منكم (فان انتم لم تستقيموا لي علي ذلك) الذي ذكرت من الحقوق عليكم، بعد عدلي فيكم و اعطائكم حقوقكم (لم يكن احد اهون علي) اي اذل عندي (ممن اعوج منكم) و لم يعمل بواجبه. (ثم اعظم له العقوبه) لانه انيط به الامر، فافسد عوض الاصلاح و احق الناس بالعقوبه من ضيع الحق الذي عليه (و لا يجد) المعوج (عندي فيها) اي في العقوبه (رخصه) بان

اتركها كاني مرخص في فعل العقوبه و تركها (فخذوا هذا) الحق الذي بنيت بانه لكم علي امرائكم (من امرائكم) اي الولاه عليكم ايها الامراء علي الجيش (و اعطوهم من انفسكم) اي الحقوق التي عليكم (ما يصلح الله به امركم) اي خذوا حقكم من الوالي، و اعطوا حق الوالي له حتي يصلح الله الامر، في البلاد.

نامه 051

[صفحه 136]

الي عماله علي الخراج (من عبدالله علي اميرالمومنين الي اصحاب الخراج) و الخراج هو الذي ياخذ الوالي من الاراضي المفتوحه عنوه، التي هي لكل المسلمين، فيوجرها الوالي، في مقابل مال معلوم، و يسمي بالخراج، لانه يخرج من الارض، و اصحاب الخراج هم الذين يتولون الحراج و يدعونه خزينه الدوله (اما بعد) الحمد و الصلاه (فان من لم يحذر) اي لم يخف (ما هو صائر اليه) اي: العاقبه التي يصير اليها، بان لم يخف العقاب (لم يقدم لنفسه ما يحرزها) اي يحفظها من سوء المصير، من الاعمال الصالحه بخلاف من خاف، فانه يعمل حتي ينجو هناك من النكال و العذاب. (و اعلموا ان ما كلفتم) من الطاعه (يسير) سهل (و ان ثوابه) الذي قرره سبحانه علي تلك الاعمال (كثيرا) اذ هو الثواب الابدي الذي لا يشوبه حزن و الم (و لو لم يكن فيما نهي الله عنه من البغي و العدوان) اي الظلم و التعدي، و (من) بيان (ما) (عقاب يخاف) منه، اسم كان، اي لو لم يكن عقاب في الظلم الذي نهي الله عنه (لكان في ثواب اجتنابه) اي الثواب الذي قرره سبحانه لمن اجتنب الظلم (ما لا عذر في ترك طلبه) فمن لم يطلبه، لم يكن معذورا عند الناس، لكثره ثواب ترك الظلم. (فانصفوا الناس من انفسكم) اي

اجعلوا

بينكم و بينهم النصفه، باعطائهم حقهم، كما تاخذون منهم حقكم (و اصبروا لحوائجهم) لا ان تتركوها و لم تهتموا بها ضجرا و ضيقا (فانكم خزان الرعيه) جمع خازن و هو الحافظ للمال، فان عمال الخراج يحفظون الاموال عندهم، لقنفق في مصالح الناس (و وكلاء الامه) فقد اعطي الامه ثقتها بهم حيث دخل في بيعه الخليفه الامر عليهم. (و سفراء الائمه) اي الوسطاء بينهم و بين الناس، و المراد بالامه الخلفاء و من اليهم (و لا تحسموا) اي لا تقطعوا (احدا عن حاجته) بان لا تودوها اليه (و لا تحبسوه عن طلبته) بان تحيلوا بينه و بين ما يريد ان يعمل، و ليت الامام كان حاضرا، ليري ماذا يعمل الموظفون بالناس، في هذا الدور؟. (و لا تبيعن للناس في) استيفاء (الخراج) و اخذه (كسوه شتاء و لا صيف) اي ما يحتاجون اليه من الكساء طول السنه، فان و انكان الوقت صيفا لا يباع كساء الشتاء لاجل الخراج، و هكذا بالعكس (و لا دابه يعتملون عليها) اي اللازمه لاعمالهم في الزرع و الحمل و ما اشبه (و لا عبدا) يختاجون اليه مما يعد مونه لهم. (و لا تضربن) اصله تضربون، حذف نونه للنهي، و واوه لالقتاء الساكنين (احدا سوطا لمكان درهم) اي لاجل طلبكم منهم المال، اذا لم يعطوكم (و لا تمسن مال احد

من الناس) بان تاخذوه للبيع و اخذ الخراج من ثمنه (مصل) اي مسلم (و لا معاهد) كتابي في ذمه المسلمين. (الا ان تجدوا فرسا او سلاحا) في يد المعاهد، المستحق عليه الخراج (يعدي به علي اهل الاسلام) فان من طبيعه الكتابي ان يتعدي علي المسلم اذا وجد فرصه، فحينئذ يجوز بيع ذلك الفرس او

السلاح في الخراج (فانه لا ينبغي للمسلم ان يدع ذلك في ايدي اعداء الاسلام فيكون شوكه عليه) اي علي الاسلام و المسلمين. (و لا تدخروا انفسكم نصيحه) ادخر الشي ء اذا بقاه ليصرفه في وقت الحاجه اي لا تمنعوا انفسكم من نصح المسلمين، بظن انكم تخفون ذلك النصح لوقت آخر، بل مهما عملتم من نصح فابذلوه، و هذا من اهم الدساتير فكثيرا ما يعلم احد شيئا في صلاح الناس لكنه لا يبديه لهم، بزعم انهم اذا علموا احتياجهم تبعوه و سئلوه او ما اشبه ذلك (و لا) تدخروا (الجند حسن سيره) اي سيروا معهم سيره حسنه فلا تدخروا رواتبهم (و لا الرعيه معونه) اي عونا، بل اعينوهم من الخراج بقدر رفع حاجتهم (و لا دين الله قوه) فابذلوا كل ما تتمكنون من المال لتقويه دين الله سبحانه. (و ابلو في سبيل الله) اي ادوا لاجله سبحانه (ما استوجب عليكم) اي ما وجب من الفرائض (فان الله سبحانه قد اصطنع عندن

ا و عندكم) يقال اصطنعت عنده اي طلبت منه ان يصنع لي شيئا، و المعني طلب سبحانه منا (ان نشكره بجهدنا) اي بكل قوانا و جهودنا، و شكره اداء ما وجب علينا (و ان ننصره) و المراد نصره دينه (بما بلغت قوتنا) اي بجميع قوتنا (و لا قوه) لاحد (الا بالله العلي العظيم) فانه تعالي هي الاسباب و ارشد الي المصالح.

نامه 052

[صفحه 139]

الي امراء البلاد في معني الصلاه (اما بعد) الحمد و الصلاه (فصلوا بالناس الظهر) من اول الزوال (حتي تفي ء) اي ترجع (الشمس من مريض العنز) اي حائط محل نوم الاغنام فان الحائط يعدم ظله اول الظهر- تقريبا- ثم يرجع الظل المغربي الي ناحيه المشرق كلما

رجعت الشمس نحو المغرب، و المراد ان يصير ظل كل شي ء مثله، فانه اخر وقت فضيله الظهر (وصلوا بهم العصر و الشمس بيضاء) لم تصفر للغروب (حيه) لم تقترب من المغيب الذي هو كالموت لها، و المراد بذلك فضيله الاتيان بالعصر في هذا الوقت قبل اصفرار الشمس (في عضو) اي جزء (من النهار حين يسار فيها) اي في الشمس (فرسخان) بان بقيت ساعتان الي الغروب حتي اذا اراد الشخص السير و السفر، كان فرسخان من سيره في النهار حيث الشمس باقيه فوق الافق. (و صلوا بهم المغرب حين يفطر الصائم) اي بعد الغروب بمقدار ربع ساعه (و يدفع الحاج) من عرفات- ليله العاشر- (الي) نحو (مني) فانه يسير ليلا الي نحو مني، ليبيت في المشعر، ثم يصبح في المني بعد طلوع الشمس (و صلوا بهم العشاء حين يتواري) اي يغيب (الشفق) و هو الضياء اول الليل، و غيبوبه الشفق بعد ساعه من الغروب- تقريبا- (الي ثلث الليل) فانه آخر وقت العشاء. (و

صلوا بهم الغداه) اي صلاه الصبح (و الرجل يعرف وجه صاحبه) من الضياء، و كان هذا تاخير عن اول وقتها- و هو طلوع الفجر الصادق- لاجل قيام الناس من النوم و جمعهم في المسجد (وصلوا بهم صلاه اضعفهم) بان يخفف الامام في صلاته حسب طاقه اضعف المامومين من المرضي و العاجزين (و لا تكونوا) ايها الائمه للجماعه (فتانين) اي موجبين لفتنه المامومين و نفرتهم من صلاه الجماعه بسبب التطويل في الصلاه.

نامه 053

[صفحه 141]

(كتبه للاشتر النخعي، لما و لاه علي مصر و اغمالها) اي بلادها و قراها (حين اضطرب امر اميرها محمد بن ابي بكر) فطلبه الامام، و جعل مكانه مالك الاشتر (و هو اطول عهد)

للامام عليه السلام (و اجمع كتبه للمحاسن) و الاداب و السياسات. (بسم الله الرحمن الرحيم) ابتداء باسم الاله المستجمع لجميع صفات الكمال المكرر رحمته في الدنيا و في الاخره، و قد ذكرنا تفسير البسمله مفصلا في كتاب التفسير (هذا ما امر به عبدالله علي اميرالمومنين مالك بن الحارث الاشتر) واصل مالك من اليمن، و كان من الشجعان، و قد قال فيه الامام عليه السلام كان لي، كما كنت لرسول (ص)، و سمي بالاشتر، لخرق جفنه الاسفل في بعض الحروب (في عهده اليه) عهد اليه اي اوصي بوصيه، و التعديه ب (الي) لانتهاء العهد الي ذلك الطرف (حين ولاه مصر) اي جعله واليا عليها (جبايه خراجها) اي ولاه لاجل جمع خراج مصر، (و الجبايه بمعني: الجمع) و الخراج ما يخرج من الارض من المنافع و الحقوق. (و جهاد عدوها) الداخلي كمعاويه او الخارجي كالروم (و استصلاح اهلها) اي طلب صلاحهم بالارشاد و التاديب و ما الي ذلك (و عماره بلادها) بان يعمرها بالدور و الشوارع و الحوانيت و الحمامات و البساتين و

ما الي ذلك (امره) علي عليه السلام (بتقوي الله) بان يخافه فيطيعه فيما امر و نهي (و ايثار طاعته) بان يقدم طاعته سبحانه علي كل شي ء (و اتباع ما امر به) سبحانه (في كتابه) القرآن الكريم. (من فرائضه) الواجبه (و سننه) المستحبه (التي لا يسعد احد الا باتباعها) و العمل بها (و لا يشقي الا مع جحودها) اي انكارها (و اضاعتها) بعدم العمل بها (و ان ينصر) الاشتر (الله) تعالي (سبحانه بقلبه) بالعزم علي تنفيذا و امره في البلاد و العباد (و يده) بالتاديب و الجهاد و الكتابه، و ما اشبه (و لسانه) بقوله الحق و الامر بالمعروف

و النهي عن المنكر (فانه جل اسمه) اي عظم، و الاضافه الي الاسم للتشريف، و الا فاصل الجلال في المسمي (قد تكفل) و ضمن (بنصر من نصره) اي نصر دينه حيث قاله سبحانه: (ان تنصروا الله ينصركم و يثبت اقدامكم) و (اعزاز من اعزه) فان من اعز الله تعالي بالقيام لاجله، اعزه سبحانه بين الناس. (و امره) علي عليه السلام (ان يكسر نفسه من الشهوات) اي يذلها فلا يعطيها ما تطلبه من الملذات و المشتهيات (و يزعها) اي يكف نفسه عن المطامع و المطامح (عند الجمحات) اي اذا جمحت النفس و عصت الا عن نيل الملذات (فان النفس اماره بالسوء) اي كثيره الامر ب

الاعمال السيئه (الا ما رحم الله) سبحانه فحقظ الانسان نفسه- برحمه تعالي- عن الانسياق وراء الشهوات و الاسواء.

[صفحه 143]

(ثم اعلم يا مالك اني قد وجهتك) اي ارسلتك (الي بلاد قد جرت عليها دول) جمع دوله، و جرت بمعني مضت (قبلك) و قبل دولتك (من عدل وجور) اي ان بعض تلك الدول كانت عادله و بعضها كانت ظالمه (و ان الناس ينظرون من امورك) و كيف تعمل ايام حكومتك (في مثل ما كنت تنظر فيه من امور الولاه قبلك) فكنت تقول هذا حسن و هذا سي ء، و هكذا ينظر الناس اليك (و يقولون فيك) و في تصرفاتك (ما كنت تقول فيهم) من تحسين حسناتهم و تقبيح قبائحهم. (و انما يستدل علي الصالحين) و ان اي الناس صالح و ايهم ليس بصالح (بما يجري الله لهم علي السن عباده) فان مدح الناس شخصا، كان دليلا علي صلاحه (فليكن احب الذخائر) التي تدخرها (اليك، ذخيره العمل الصالح) في مقابل ذخيره الملوك و الولاه للمال و الجواهر

(فاملك هواك) لئلا يردك موارد الهلكه (و شح بنفسك) اي ابخل بها فلا تبذلها (مما لا يحل لك) من الاعمال و الاقوال و التصرفات. (فان الشح بالنفس) بعدم صرفها في موارد الهلكه (الانصاف منها فيمااحبت) بعدم التعدي (او كرهت) بعدم التفريط، فان الانسان قد يحب شخصا فيسرف في اكرامه، و قد يكره شخصا فيبخل حتي باكرامه اللائق به، و الشح بالنفس العمل مع كل انسان حسب قابليته ل

ا حسب حب الانسان او كرهه له. (و اشعر قلبك الرحمه للرعيه) حتي يكون حب الرعيه داخلا في قلبك، و ذلك فان الانسان بكثره التفكر في امر، يكون ذلك الامر ملكه له (و المحبه لهم) بان تحبهم (و اللطف بهم) بان تكون لطيفا في معاملتك معهم (و لا تكونن عليهم سبعا ضاريا) اي تضرهم (تغتنم اكلهم) و المراد هضمهم حقوقهم، و التصرف في اموالهم بالاغتصاب. (فانهم) اي الناس (صنفان) اي قسمان (اما اخ لك في الدين) انكان مسلما كما قال سبحانه (انما المومنون اخوه) (او نظير لك في الخلق) فان الناس يتشابه بعضهم بعضا، فيما لم يكن مسلما (يفرط منهم الزلل) اي يسبق منهم الخطا، و التعبير بالسبق، لبيان انه لا يريد الخطاء، و انما الخطاء يبدر بدون ان يصل الانسان اليه فيقف امامه حتي لا يبدر. (و تعرض لهم العلل) اي عله الاعمال السيئه فيسيئون بسبب تلك العلل (و يوتي علي ايديهم) العمل القبيح (في العمد و الخطاء) و هذا طبيعه الانسان، اذ ليس معصوما (فاعطهم من عوفك و صفحك) عن اسائتهم (مثل الذي تحب ان يعطيك الله من عفوه و صفحه) بالنسبه الي ذنوبك و آثامك. (فانك) يا مالك (فوقهم) اي اعلي مرتبه من الرعيه (و

والي الامر عليك) و المراد به نفسه الكريمه (فوقك) رتبه (و الله)

سبحانه (فوق من ولاك) فاللازم ملاحظته سبحانه في امره و نهيه (و قد استكفاك) اي طلب سبحانه منك كفايه (امرهم) بانجاز طلباتهم و القيام بمصالحهم (و ابتلاك بهم) اي اختبرك بسببهم حيث جعلك واليا عليهم (و لا تنصبن نفسك لحرب الله) اي مخالفه شريعته تعالي بالظلم و الجور، فان الوالي الجائر كالذي نصب نفسه للمحاربه. (فانه لا يدلك بنقمته) اي ليس لك يد و قوه لدفع عذابه تعالي اذا اراد بك سواء (و لا غني بك عن عفوه و رحمته) فان الانسان مهما كان رفيعا محتاج الي فضله تعالي، و من هو بهذه المنزله يحتاج الي شخص و لا يتمكن من دفع نقمته، لا ينصب نفسه مخالفا له، حتي يقطع رحمته منه او ينزل عقوبته به (و لا تند من علي عفو) فان عفوت عن مجرم اجرم اليك ثم عفوت عنه فلا تندم ابدا، اذ العفو احسن عاقبه من الانتقام. (و لا تبجحن بعقوبه) اي لا تفرحن بسبب ما عاقبت به احدا، فان العقوبه شر عاقبه مهما كانت حقا (و لا تسرعن الي بادره) و هي ما يظهر من الانسان من قول او فعل عند الغضب (وجدت منها مندوحه) اي مفرا و مخلصا، بل فر من آثار الغضب حتي يهدء. (و لا تقولن اني موئمر) قد امرت من جانب الخليفه بكذا (امر) لكم ايتها الرعيه (فاطاع) اي فاللازم ان اطاع، بان تري

نفسك فوقهم (فان ذلك) اي جعل الانسان نفسه بهذه المنزله، الموجبه للكبر (ادغال في القلب) اي ادخال للفساد فيه اذ الشخص الذي يفكر هكذا تفكير اذا عملت الرعيه خلاف هواه عاقب بغير حق

(و منهكه للدين) اي مضعفه لدين الانسان اذ ذلك يوجب الظلم و العدوان و الكبر و الترفع (و تقرب من الغير) اي الاغترار بالسلطه، و الوقوع في تطورات غير محموده. (و اذا احدث لك ما انت فيه من سلطانك ابهه) (ما) فاعل احدث، و (من) بيان له و (ابهه) مفعوله اي اذا سبب السلطه لك كبرا و عظمه (و مخيله) اي الخيلاء و العجب (فانظر) لكسر جماح نفسك و اخراج الكبر من قلبك (الي عظم ملك الله فوقك) فان النفس اذا نظرت الي اعظم منها صغرت، و استصغرت ما هي فيه (و قدرته) سبحانه منك (علي ما لا تقدر عليه من نفسك) يعني انه تعالي قادر علي التصرف في نفسك بالافقار و الامراض و الاماته و ما اشبه مما لا تقدر انت علي مثل ذلك، بالنسبه الي نفسك. (فان ذلك) النظر و التفكر في عظمته سبحانه (يطامن اليك) اي يخفض (من طماحك) اي ارتفاعك و كبرك (و يكف عنك) اي يمنع (من غربك) اي حده تعظيمك لنفسك (و يفي اليك) اي يرجع (بما عزب عنك) اي غاب (من عقلك) فان من ذهول العقل ان يري الانسان نفسه عظيما، و

هي صغيره حقيره. (اياك) اي احذر يا مالك (و مساماه الله) اي مباراته و مقابلته في السمو و العلو (في عظمته) بان تري نفسك عظيما، فان ذلك مقابله لله في عظمته (و التشبه به في جبروته) بان تكون جبارا، كما هو سبحانه جبار، فان جبره انما هو في ملكه، و تجبر الانسان يكون في غير ملكه، اذ الملك كله لله (فان الله يذل كل جبار) يجبر الناس علي ما لا يريدون. (و يهين كل مختال) اي متكبر

[صفحه

147]

(انصف الله) بالاتيان بما امر (و انصف الناس) باعطاء حقوقهم (من نفسك و من خاصه اهلك) فلا تذرهم يتركون اوامره تعالي، او يضيعون حقوق الناس (و من لك فيه هوي من رعيتك) اي لك ميل اليه، من حاشيتك و اصحابك، فان الغالب ان اهل السلطان و حاشيته لا يهتمون بفرائض الله، و لا بحقوق الناس حيث يرون انفسهم في غني، و ان الانسان ليطفي ان رآه استغني. (فانك ان لا تفعل) الانصاف (تظلم) الناس بنفسك او بحاشيتك و اهلك حيث اطلقت سراحهم يعملون ما يشائون بالناس (و من ظلم عباد الله كان الله خصمه دون عباده) فان الله تعالي يتولي رد المظالم (و من خاصمه الله ادحض حجته) اي ابطلها، لانه سبحانه عالم بالواقعيات، فلا يعبر عليه الكذب و التزوير. (و كان) هذا الظالم (لله حربا) اي محاربا (حتي ينزع) اي يقلع عن الظلم (او يتوب) فيما لو تمت المظلمه و لا محل للانزاع منها (و ليس شي ء ادعي) اي اكثر دعوه و تسبيبا (الي تغيير نعمه الله) بذهابها عن الانسان (و تعجيل نقمته) اي نكاله و عقابه علي الانسان (من اقامه علي الظلم) اي من ان يقيم الانسان و يستمر في ظلم الناس. (فان الله سميع دعوه المضطهدين) اي يسمع شكايه المظلمومين و دعائهم لزوال ملك الظالم (و هو

للظالمين بالمرصاد) اي بمحل الرصد و الترقب يراقبهم لاخذهم (و ليكن احب الامور اليك اوسطها في الحق) اي اعدلها من جهه كونه حقا مثلا احب البذل ما لم يكن فيه افراط و لا تفريط، و انكانا جائزين في انفسهما، لعدم كونهما مضرين (و اعمها في العدل) بان يشمل عدلها الناس، فاذا اراد بذل الف دينار، اعطاها

لالف شخص مثلا، لالمائه، و ان كان كل الامرين جائزا. (و اجمعها لرضا الرعيه) بان توجب لرضي جميع الرعيه لا بعضهم دون بعض (فان) الانسان اذا لاحظ رضي البعض و هم الخاصه وقع في محذور غضب العموم و من المعلوم ان (سخط العامه يجحف) اي يذهب (برضا الخاصه) اذ العامه يوجبون ان يسخط الخاصه علي الانسان ايضا، اذا اكثروا الشكاوي عندهم، لان الناس مرتبطون بعضهم ببعض. (و ان سخط الخاصه) اي بعض الناس، الذين يريدون الزياده من حقهم علي حساب سائر الناس (يغتفر) و لا يوئثر (مع رضا العامه) و لذا يجب علي الانسان ان يلاحظ رضاء العامه، و ان سخط بعض الخاصه (و ليس احد من الرعيه اثقل علي الوالي مونه) اي ما يتطلب و يريد (في الرخاء) و الراحه (و اقل معونه) اي عونا و اغاثه (له في البلاء) و الشده (و اكره للانصاف) اذا اراد الوالي اعطاء حقه، لا اكثر (و اسئل بالالحاف)

اي الالحاح في السوال (و اقل شكرا عند الاعطاء) اي اعطائه المال و المنصب و ما اشبه (و ابطا عذر اعند المنع) اي لا يقبل عذر الوالي اذا منعه عن العطيه (و اضعف صبرا عند ملمات الدهر) اي حوادثه التي تلم بالانسان (من اهل الخاصه) اي اهل الخصوصيه و القرب بالانسان، و هم الحاشيه، و الجار متعلق، باثقل، و ما بعده من افضل التفضيلات، و السر في ذلك واضح فان الخاصه يعدون انفسهم من الطبقه الرفيعه، و الطبقات الرفيعه غالبا يبتلون بهذه النقائض، لانهم يرون لانفسهم امتيازات موهومه. (و انما عماد الدين) الذين يقومون بامره و سائر شئونه (و جماع المسلمين) اي جماعتهم (و العده) التي يهيئها الوالي (للاعداء) فيما

اذا صارت محاربه (العامه من الامه) لانهم حيث لا يرون لانفسهم امتيازات يعملون في جميع المجالات (فليكن صغوك) اي اصغائك (لهم) بالاختلاط معهم و قضاء حوائجهم. (و ميلك معهم) فلا تحجبهم و لا تصرف نفسك عنهم، و هنا شي ء لابد من ذكره، و هو ان الانسان مضطر الي الخاصه، لانهم هم الذين يشاركونه في التفكير و الاستعداد لمواجهه الاحوال فاللازم ارضائهم ايضا، بما لا يسخط العامه، كما كان الرسول (ص) و الامام عليه السلام يفعلان ذلك، و انجح الناس من تمكن م

ن جمع الجهتين و ارضاء الطرفين، في طاعه الله سبحانه، و لكن هذا من اشكل الامور.

[صفحه 150]

(و ليكن ابعد رعيتك منك) تبتعد عنه اكثر من ابتعادك غيرك (و اشناهم) اي ابغضهم عندك (اطلبهم لمعائب الناس) اي اشدهم طلبا و تفحصا و بيانا لعيوب الناس (فان في الناس عيوبا الوالي احق من سترها) فانه يحتاج الي الكل، و الكل يحتاجون اليه، فاذا اراد عيبهم تنفي الطرفان احد هما من الاخره، مما ينجر الي التصادم و ما لا يحمد عقباه. (فلا تكشفن) اي لا تفحصن (عما غاب عنك منها) اي من المعائب (فانما عليك تطهير ما ظهر) فان الله سبحانه نهي عن التجسس و لم يامر بالتفحص عما لا يعلم، و هذا هو منشاء ما اشتهر بين الفقهاء من قولهم: (انما مامورون بالظاهر) (و الله يحكم علي ما غاب عنك) فدعه لله تعالي (فاستر العوره) اي العيب (ما استطعت يستر الله منك) عيبك من (ما تحب ستره من رعيتك) اي من عيوبك التي تحب ان لا يعرفها الرعيه. (اطلق عن الناس عقده كل حقد) فان الاحقاد و لائد اسباب خاصه، اذا ازال الانسان تلك الاسباب زالت تلك

العقد النفسيه التي تورث الحقد الدائم (و اقطع عنك سبب كل وتر) اي كل عداوه، مثلا هذا يعادي الانسان لانه لم يكرمه في مجلس، و ذاك يعادي لانه لم يعطه، و ثالث يعادي لانه مازاره عند رجوعه من سفره، فاذا تدارك الانسان هذه الا

مور زالت العداوات و الاحقاد (و تغاب) اي كن كالغائب في عدم المعرفه (عن كل ما لا يصح لك) من دعوه، او عقوبه، او اعطاء، او ما اشبه، فاجعل نفسك كانك لم تفهمه و لم تحضر الامر (و لا تعجلن الي تصديق ساع) يسعي بذكر معائب الناس و جرائمهم لتنزل عقوبتك عليهم (فان الساعي غاش) يغش و يكذب و يوجب الفساد (و ان تشبه بالناصحين) لك، لانه يقول انا ناصح اريد اطلاعك علي الخفايا، لتاخذ حذرك منها. (و لا تدخلن في مشورتك) الشور الفحص عن الحق بسبب تصفح الاراء و الافكار (بخيلا يعدل بك عن الفضل) فيقول لك لا تتفضل و لا تعط، خوفا من الفقر، او لعدم استحقاق الاخذ او اشبه (و يعدك الفقر) ان انت اعطيت ما عندك (و لا جبانا يضعفك عن الامور) لانه يخاف من مواجهه المشكلات. (و لا حريصا) علي الملك و المال، و ما اشبه (يزين لك الشره) هو الافراط في الملذات (بالجور) فيقول لك انهب الاموال، ليكون لك مال او نحو ذلك (فان البخل و الجبن و الحرص غرائز) اي طباع (شتي) متفرقه في الانسان (يجمعها سوء الظن بالله) فالسي ء الظن باعطائه سبحانه و تعويضه ما اعطي الانسان، يكون بخيلا، و السي الظن باعانته و نصره يكون جبانا، و السي الظن بتقديره تعالي يكون حريصا.

[صفحه 152]

(ان شر وزرائك) الوزير هو الموازر للعمل (من كان للاشرار

قبلك وزيرا) لانه مكروه عند الناس، منحرف النفس (و من شركهم في الاثام) و المعاصي (فلا يكونن) امثال هذا الوزير (لك بطانه) اي وزيرا و خاصه لك (فانهم اعوان الاثمه) جمع آثم اي فاعل الاثم، فان من اعتاد علي الاثم يعين الاثمين. (و اخوان الظلمه) جمع ظالم، و اخو الظالم لا يعين العادل، بل يعين الظالم- فان الطيور علي اشكالها تقع- (و انت) يا مالك (واجد) اي تجد (منهم) اي بدل هولاء الوزراء (خير الخلف) فان البلاد لا تخلو عن الحكماء المعتدلين (ممن له مثل آرائهم) الصائبه (و نفاذهم) في الامور، بمعرفه كيفيه العمل، و الاتيان بالفعل فعلا (و ليس عليه مثل اصارهم) جمع اصر، و هو: الذنب و الحمل الثقيل (و اوزارهم) جمع وزر، بعمني: الاثم. (ممن لم يعاون ظالما علي ظلمه) حتي يكون له سابق سي ء عند الله و عند الناس (و لا اثما علي اثمه) و ان لم يكن الاثم ظلما للغير، كشرب الخمر و ما اشبه (اولئك) الوزراء الذين ليس لهم سابقه سوء (اخف عليك مونه) فانهم لم يعتاد وا اخذ الاموال من الولات، حتي يريدوا مثلها منك (و احسن لك معونه) لانهم لم يترهلوا في الحكم حتي يثقل عليهم العمل، (و احني عل

يك عطفا) اي اكثر حنوا و ميلا و تعطفا عليك، لانه يرون انك ولي نعمتهم. (و اقل لغيرك الفا) اي الفه و محبه، اذ لم يسبق لهم حكم حتي الفوا الناس (فاتخذ اولئك) الجدد من الوزراء (خاصه لخلواتك) تخلو بهم للاستشاره (و حفلاتك) اذا اردت ان تحتفل بشي ء و المراد اجتماعاتك بالناس للاعياد و اشباه ذلك (ثم ليكن اثرهم عندك) اي افضلهم لديك الذي تقدمه علي غيره (اقولهم

بمر الحق لك) اي اكثر تكلما بالحق المحض، و الاتيان بلفظ (مر) لان الحق مر، بخلاف الباطل الذي هو حلو، لانه انفكاك عن القيد و التبعه. (و اقلهم مساعده فيما يكون منك مما كره الله لاوليائه) كصرف العمر في البطاله، و ما اشبه بان يكون ذلك الوزير لا يساعدك علي مثل هذا الامر، و انما: يساعدك في الامور الحسنه (واقعا ذلك) المكروه لله (من هواك حيث وقع اي و انكان ذلك الامر من اشد مرغوباتك، و كلمه (واقعا) حال مما كره الله، فان بعدم مساعده الوزير لك يعرف انه لا يعمل حسب هواك و انما يعمل حسب اوامر الله و الصلاح (الصق) اي اقترب، يا مالك (باهل الورع) الخائفين من الله سبحانه. (و الصدق) الصادقين في اعمالهم و اقوالهم (ثم رضهم) اي عودهم، من الرياضه (علي ان لا يطروك) اي لا يمدحوك (و لا يبجحوك

) اي: لا يفرحوك (بباطل لم تفعله) بان يقولوا فعل الوالي كذا، و الحال انك لم تفعله، و انما فعله غيرك (قان كثره الاطراء) و المدح (تحدث) في الممدوح (الزهو) اي الفخر و العجب بالنفس (و تدني) اي تقرب الممدوح (من العزه) اي الكبر و الاعتزاز، و كل ذلك رذيله.

[صفحه 154]

(و لا يكونن المحسن و المسي ء عندك بمنزله سواء) اي متساويين فتحترم المسي ء كما تحترم المحسن (فان في ذلك تزهيدا) و تنفيرا (لاهل الاحسان في الاحسان) اذ يقول المحسن لا داعي لي في الاحسان، و قد اري استواء منزلتي بمنزله الذي لم يتعب و لم يحسن؟ (و تدريبا لاهل الاسائه علي الاسائه) اذ يقول المسي ء، يظهر انه له مانع في الاسائه و الا كنت مكروها لدي الناس، فلا مانع من الاستمرار

في الاسائه؟. (و الزم كلا منهم) اي من المحسنين و المسيئين (ما الزم نفسه) باكرام المحسن، و اهانه المسي ء، فان المحسن باحسانه طلب لنفسه الاكرام، و المسي ء باسائته طلب لنفسه الاهانه (و اعلم انه ليس شي ء بادعي) اي باكثر طلب و دعوه (الي حسن ظن راع برعيته، من احسانه اليهم) فاذا احسن اليهم اجهم، لانه امن منهم و وثق بمحبتهم له، فيحبهم. (و تخفيفه المونات) اي الصعوبات (عليهم) فانه اذا شدد عليهم في الامور كرهره، فكرهم، اما اذا خفف عليهم احبوه فاحبهم (و ترك استكراهه) اي اكرهه (اياهم علي ما ليس له قبلهم) اي عند هم بان لا يكرههم علي اتيانهم بشي ء و الحال انه لا يحق له ذلك، كان يكرههم علي حضور مجلسه دائما، و الحال انه ليس من حق الوالي علي الرعيه ذلك

. (فليكن منك) يا مالك (في ذلك) الذي ذكرت (امر يجتمع لك به) اي بسببه (حسن الظن) من رعيتك اليك، حتي يظنوا انك لا تريد الا خيرهم و لا تحملهم امرا شاقا، فاذا فعلت ذلك (يقطع عنك) اي يزيل عنك (نصبا) و تعبا (طويلا) اذ الرعيه اذا اسائوا الظن بالوالي، اوجدوا له في كل يوم مشكله، و لم يعينوه في اموره، بخلاف ما اذا احسنوا به الظن فانهم يكونون له عونا، عوض ان يكونوا عليه ثقلا. (و ان احق من حسن ظنك به لمن بلائك عنده) اي امتحانك له، بان رايته عاملا مجاهدا مخلصا، و البلاء بمعني الصنع، و يستعمل في الحسن و السي ء (و ان احق من ساء ظنك به لمن ساء بلائك عنده) فاللازم ان يجعل الانسان ميزان حسن الظن و سوء الظن، مقادير الناس في الاعمال السابقه، لا

ان يجعل الميزان، مقادير مدحهم و ذمهم للوالي، يطرد الناقد، و يقرب المطري- كما هي العاده عند الاعرار من اصحاب السلطه-. (و لا تنقص سنه صالحه عمل بها صدور هذه الامه) اي السابقون منهم، فان الولاه كثيرا ياخذهم الكسل و الترهل فيتركوا بعض السنن استثقالا، و يستمر الامر علي ذلك حتي تموت تلك السنه بين الناس (و اجتمعت بها) اي بتلك السنه (الالفه) بين الناس (و صلحت عليها) اي علي تلك السنه (الرعيه) و ذل

ك مثل ان يترك حضور الجماعه، بل يستنيب مكانه، فان الجماعه من عمل صدر الاسلام، و فيها ياتلف الناس بعضهم ببعض، و يصلح الوالي بها ولائهم. فاذا صرفوا الناس نشاطهم في هذه السنه الجديده، لم يبق لهم نشاط لصرفه في السنه القديمه، كان يسن مثلا زياره الحسين عليه السلام يوم العشرين من شعبان بمناسبه- و ان اعلن للناس انه من باب مطلق الزياره لا من باب زياره خاصه- فلا ياتي الناس الي الزياده في النصف منه (فيكون الاجر لمن سنها) اي سن تلك. السنه السابقه، كلائمه عليهم السلام. (و الوزر عليك بما نقضت منها) حيث صارت طريقتك موجبه لترك تلك السنه (و اكثر) يا مالك (مدارسه العلماء) اي المباحثه معهم في شئون الاسلام (و منافثه الحكماء) اي محارثتهم، و الحكماء هم المطلعون علي الاوضاع (في تثبيت ما صلح عليه امر بلادك) بان يكون سببا لاستقرار اوضاع البلاد (و اقامه ما استقام به الناس قبلك) حتي تعلم ماذا صار سببا لاستقرار الناس و استقامتهم، قبلك في الحكومات الماضيه، فتعمل به، و ماذا صار بعكس ذلك فتتركه

[صفحه 157]

(و اعلم) يا مالك (ان الرعيه طبقات) مختلفه (لا يصلح بعضها الا ببعض) لان كل طبقه تقوم بنواقص

الطبقه الاخري (و لا غني ببعضها عن بعض) لاحتياج كل طبقه الي سائر الطبقات، مثلا الخباز يحتاج الي الحطاب، و بالعكس، و هكذا. (فمنها جنود الله) اي الجيش المحافظون للبلاد، و اضافته لله من باب كونهم حمات بلاد الاسلام المنسوب اليه سبحانه (و منها كتاب العامه و الخاصه) كتاب، جمع كاتب، و كتاب العامه هم الذين يكتبون لعامه الناس، كالخراج و المظالم، و كتاب الخاصه هم الذين يكتبون اوامر الوالي بالنسبه الي العمال نصبهم و عزلهم و اخبار الاعداء، و ما اشبه ذلك ممن لا يرتبطون بعامه الناس، و انما هم من خواص الوالي و اهل سره. (و منها قضاه العدل) اي القاضون بين الناس بالعدل (و منها عمال الانصاف و الرفق) الذين يعملون للوالي، باحضار الناس و تبليغهم، و من يودعهم الوالي الاموال، من لهم الانصاف في الامور، و يعالجون المشاكل بكل رفق و لين (و منها اهل الجزيه) اليهود و النصاري و المجوس الذين يودون قدرا من اموالهم- بعنوان الجزيه- في مقابل حمايه الدوله لهم (و الخراج) الذين يدفعون ايجار الاراضي التي هي للدوله لكونها مفتوحه عنوه، ممن استاجروه

م لمصالحهم الزراعيه و ما اشبه (من اهل الذمه و مسلمه الناس) اي الذين استسلموا و دخلوا في طاعه الدوله (و منها التجار) الذين يتجرون و يكسبون (و اهل الصناعات) الذين لهم صنعه كالحداد و النجار و من اشبههم (و منها الطبقه السفلي من ذوي الحاجه لهم صنعه كالحداد و النجار و من اشبههم (و منها الطبقه السفي من ذوي الحاجه و المسكنه) اي الفقراء، من الذين لا يدخلون تحت تلك العناوين. (و كل) من اصناف هذه الطبقات (قد سمي الله) اي عين سبحانه (له

سهمه) اي نصيبه و حكمه (و وضع علي حده) اي شانه (فريضه) اي: بين الواجب له و عليه (في كتابه) القرآن الحكيم (او سنه نبيه (ص) عهدا منه) (ص) (عندنا محفوظا) فنعلم حكمه ببيان الرسول (ص) (فالجنود- باذن الله-) هذا للتبرك، و الا فمن المعلوم ان كل شي ء في الكون باذن الله و ارادته اذ لو لم يرد شيئا بالاراده التكوينيه، لم يصرا اطلاقا (حصون الرعيه) فكما يحفظ الحصن اهله، كذلك يحفظ الجند الناس من خطر الاعداء. (و زين الولاه) اذ الوالي يتزين بالجند، كما يتزين الانسان بالملابس و ما اشبه (و عزالدين) اذ يكون لهم سطوه و رهبه في نفوس الاعداء (و سبل الامن) لان بهم يامن الناس علي اموالهم و اعراضهم و انفسهم، اذ الا

من انما ياتي بسبب القوه (و ليس تقوم الرعيه) و تستقيم (الا بهم) اذ لو لا الجند لثار كل طامع، و نهب كل لص، و هكذا. (ثم لا قوام للجنود الا بما يخرج الله لهم من الخراج) اذ الكافل بشئون الجيش من السلاح و العتاد و ما اشبه، و جمعهم تحت لواء الطاعه، هو المال (الذي يقوون به علي جهاد عدوهم) الذي هو عدو المسلمين (و يعتمدون عليه) اي علي ذلك الخراج (فيما يصلحهم) من السلاح و الزاد و ما اشبه (و يكون من وراء حاجتهم) اي محيطا بجميع حاجاتهم، فيسدها. (ثم لا قوام لهذين الصنفين) الجنود، و اهل الخراج (الا بالصنف الثالث من القضاه) ليحل مشاكلهم و الا وقع التصادم و فسد النظام (و العمال) الذين يجمعون الخراج (و الكتاب) الذين يكتبون المرافعات، و مقادير الخراج و ما اشبه (لما يحكمون من المعاقد) جمع معقد بمعني العقد في

البيع و الشراء و سائر المعاملات كالقضاه، و (لما) علقه لقوله عليه السلام: (لا قوام) (و يجمعون من المنافع) و هم العمال الذين يجمعون الخراج و سائر اموال الدوله (و يوتمنون عليه) اي يكونون امناء لشئون الدوله (من خواص الامور و عوامها) بالكتابه و الانشاء. (و لا قوام لهم جميعا الا بالتجار) الذين يتجرون و يجمعون المال (و ذوي الصناعا

ت) من الناس، و ذلك لانهم الصنف الذي يوجد المال، و الاصناف السابقه لا يقومون الا بالمال (فيما يجتمعون عليه من مرافقهم الضمير للتجار و ذوي الصناعات، اي بسبب انهم يجتمعون المنافع و كيفيه ايرادها و اصدارها. (و يقيمونه من اسواقهم) اي انهم لاجل مرافقهم يقيمون الاسواق (و) ما (يكفونهم) اي يكفي اصحاب الصناعات، سائر الناس (من الترفق) و العمل (بايديهم) في انتاج المصنوعات (ما لا يبلغه رفق غيرهم) لان غيرهم لا يعرف كيفيه الصنعه (ثم الطبقه السفلي)، و سمي بهذا، لانه ياكل و لا يعمل لعدم قدرته علي العمل. (من اهل الحاجه و المسكنه الذين يحق) اي يجب (رفدهم) اي مساعدتهم (و معونتهم) اي اعطاء العون لهم (و في) خلق الله سبحانه (لكل) من هذه الطبقات المتقدمه (سعه) اذ قد هي في الارض كل ما يحتاج اليه الانسان (و لكل) من هذه الطبقات (علي الوالي حق بقدر ما يصلحه) و يهيي ء امره، اذا الوالي هو المنظم العام للدوله. (و ليس يخرج الوالي من حقيقه ما الزمه الله من ذلك) الحق الذي للطبقات عليه (الا باهتمام) بامور الناس (و الاستعانه بالله) ليعينه فيما كلفه حتي يقدر علي القيام به (و توطين نفسه) اي تحضير ذاته (علي لزوم الحق و الصبر عليه) اي علي الحق (في

ما خف عليه)

بان سهل فعله (او ثقل) عليه و صعب الاتيان به.

[صفحه 161]

(فول من جنودك) اي اجعلهم واليا علي سائرهم (انصحهم في نفسك) اي تطمئن نفسك بكونه انصح من سواه (لله و لرسوله) بان يطيع الكتاب و السنه (و لامامك) اي نفسه الكريمه (و انقاهم) اي اطهرهم (جيبا) جيب القميص طوقه في طرف العنق، و المراد طهاره الصدر و القلب، و عدم اتيانه بلوث يلزم عنقه (و افضلهم حلما) بان يكون احلمهم (ممن يبطي ء عن الغضب) فاذا غضب لم ينفذ غضبه. (و يستريح الي العذر) فاذا اعتذر اليه المسي ء قبل عذره، و جعله راحه لنفسه (و يرئف بالضعفاء) فيقضي حوائجهم (و ينبو) اي يشتد و يعلو (علي الاقوياء) فيوقفهم عند حدهم، حتي لا يظلموا الضعفاء (و من يثيره) و لا يهيجه (العنف) و الشده في الامر، لان نفسه ساكنه هادئه (و لا يقعد به الضعف) بل ينفذ الامر الصالح، و انكان في حاله ضعف و وهن، ثم بين الامام عليه السلام، من ينبغي ان يكون ولات الجند، ممن يجتمع فيه هذه الصفات بقوله: (ثم الصق) في توليه الجند (بذوي المروات) المروه الرجوله (الاحساب) اي اصحاب الحسب و الفضيله (و اهل البيوتات الصالحه) اي المعروفه بالصلاح، و بيوتات جمع بيت، و المراد من له عشيره، و الانسان صاحب العشيره افضل من غيره، لما عركته التجارب، و له وزن عند ا

لناس، و هو يلاحظ شرف عشيرته فلا يسرع الي بعض ما لا يحمد- و كل ذلك غالبي- (و السوابق الحسنه) فمن حسنت سابقته تحسن لا حقته (ثم اهل النجده) الذين يعينون الناس، و يغلبون علي الامور الصعاب، فان النجده بمعني الاعانه، و الغلبه (و الشجاعه و السخاء و السماحه) الذين

يسمحون في الامور لسعه صدرهم، و لا يضيقون الاشياء. (فانهم) اي المتصفين بهذه الصفات (جماع من الكرم) اي مجموع منه (و شعب من العرف) جمع شعبه، و العرف بمعني المعروف، اي ان كل جانب من جوانبهم معروف غير منكر، و مثل هذا الانسان يصلح لان يولي امر الجند الذي بيده الدماء و الفروج و الاموال و البلاد، بل يناط به بالاخره، الايمان و الكفر (ثم تفقد) اي تفحص (من امورهم) و حاجاتهم (ما يتفقد الوالدان من ولدهما) من القيام بجميع شئونهم. (و لا يتفاقمن) اي لا يفطمن (في نفسك شي ء قويتهم) اي الجنود، اي ولاه الجنود المتصفين بتلك الصفات (به) و المعني كل ما قويت به مثل هذا الوالي، لا يفطم عندك، فتقول في نفسك، ما صرفته علي مثله عظيم، و اكثر من استحقاقه، فان كل ما يصرف لمثل هذا الوالي يكون بحق و استحقاق. (و لا تحقرن لطفا) و احسانا (تعاهدتهم به) فلا تترك شيئا من لطفك لانه حقير غير مهم،

بل كل لطف (و ان قل) يقع من قلوبهم موقعا حسنا (فانه) اي ذلك اللطف (داعيه لهم الي بذل النصيحه) اي لان يبذلوا النصيحه (لك) في حفظ الجند و حسن الخدمه (و حسن الظن بك) بانك قريب منهم عاطف عليهم، و لذا تلطف بهم. (و لا تدع تفقد) اي التفحص عن (لطيف امورهم) اي صغارها كان تسال عن دمل وقع بجسم احدهم مثلا (اتكالا علي جسيمها) بان تفكر اني اتفقد عظيم الامور فلا داعي للتفقد عن صغير امورهم (فان لليسير من لطفك موضعا) في قلوبهم (ينتفعون به) و يوجب ذلك شده حسن ظنهم بك حتي انك تسئل عن الاشياء الصغيره المرتبطه بهم (و للجسيم

موقعا لا يستغنون عنه) فلابد للوالي من الفحص عن العظيم الحقير بما يحتاجون اليه. (و ليكن آثر روس جندك عندك) اثرهم اي افضلهم عندك و اعلاهم رتبه في نظرك، و روس الجند زعمائه (من و اساهم في معونته) بان ساعدهم بمعونته لهم كانه احدهم (و افضل عليهم) اي جاد عليهم (من جدته) اي من غناه و ماله و المراد ما بيده من ارزاق الجند (بما يسعهم) اي بالقدر الذي يكفيهم (و يسع من ورائهم) اي اهلهم الذين بقوا في بلادهم و تركوهم في ديارهم (من خلوف اهليهم) جمع خلف، و هو من يبقي في الحي من النساء و الاطفال و العجزه بعد سفر الرجال (حتي يكون

همهم هما واحدا في جهاد العدو) فانهم اذا كفوا مونه نفسهم و مونه اهليهم و مونه حكومتهم لم يبق لهم هم الاهم جهاد الاعداء، و ذلك يوجب نجاح الدوله، و هيبته في اعين الاعداء. (فان عطفك) و ميلك يا مالك (عليهم) اي علي الروساء او علي الجند عامه (يعطف قلوبهم عليك) و يكثر و لائهم لك (و ان افضل قره عين الولاه) الموجب لفرحهم و اطمينانهم الذي هو سبب استقرار العين و عدم اضطرابها، كما في عين الخائف الذي يريد ان يجد ملجائا، و لذا ينظر هنا و هناك باستمرار (استقامه العدل في البلاد) بان يامن كل انسان لعداله الحكومه و عدم تعدي الرعيه بعضهم علي بعض. (و ظهور موده الرعيه) اي حبهم للدوله (و انه لا تظهر مودتهم) و حبهم للولاه (و لا تصح نصيحتهم) اي لا ينصحون للوالي نصيحه صحيحه (الا بحيطتهم) اي احتياطهم و حفظهم (علي ولاه الامور) اي حب الرعيه لبقاء الولاه، و اخذهم التدبير لعدم

ظهور ثوره عليهم فان الناس اذا احبوا الولاه تحفظوا عليهم لما علموا من ان حفظهم يعود بالخير علي انفسهم، فاذا احتاطوا علي الوالي انكشف من عملهم هذا انهم يحبون الوالي. (و قله استثقال دولتهم) بان لا يستثقل الرعيه الدوله و يروها ثقليه عليهم يرجون زوالها (و ترك استبطاء انق

طاع مدتهم) بان يعدون زمن دولتهم قصيرا و يريدون لها الطول، فلا يرون ان انقطاع مدتهم قد طال فيستبطوه (فافسح) اي وسع يا مالك (في امالهم) اي امال الرعيه حتي يروان ثباتك يلزم حصولهم علي ما يتمنون و ذلك بتوسيع الامن و تشجيع الزراعه و الصناعه و ما اشبه ذلك. (و واصل في حسن الثناء عليهم) بان تثني عليهم دائما، بما يستحقون من الثناء و الاطراء (و تعديد ما ابلي ذو و البلاء منهم) بان تعد صنائع اعمال الذين قاموا بالاعمال العظيمه فان ذلك يشجع الناس علي الاقدام، و يرجو لك المقدمون طول البقاء حتي يستفيدوا من مدحك (فان كثره الذكر لحسن افعالهم) و ما اتوا به (تهز الشجاع) اي تحركه للاقدام (و تحرض) اي تحث (الناكل) اي المتاخر المتقاعد، ليتقدم و يعمل (ان شاء الله) تعالي.

[صفحه 165]

(ثم اعرف لكل امرء ما ابلي) من البلاء بمعني الامتحان، اي بما عمل من الصنائع الجليله (و لا تضيفن بلاء امرء) اي لا تنسبن اعمال كل شخص (الي غيره) فانه ظلم له و كذب (و لا تقصرن به دون غايه بلائه) اي لا تعطه من الجزاء اقل من استحقاقه (و لا يدعونك شرف امرء) و عز مقامه (الي ان تعظم من بلائه) و عمله (ما كان صغيرا) فتطويه اكثر من استحقاقه و تجزيه باكثر من جزائه. (و لا) يدعونك (ضعه

امرء) و عدم رفعه مقامه (الي ان تستصغر من بلائه ما كان عظيما) كما جرت عاده الناس بذلك فانهم يمدحون العظماء باعمال تافهه و لا يمدحون الاصاغر و لو باكابر الاعمال (و اردد الي الله و الرسول) اي: الي الكتاب و السنه (ما يضلعك) اي يشكل عليك (من الخطوب) اي الامور العظيمه في السلم و الحرب و ما اشبه. (و) ما (يشتبه من الامور) فلا تدري ماذا تصنع (فقد قال الله تعالي لقوم احب ارشادهم: يا ايها الذين آمنوا، اطيعوا الله باتباع الكتاب (و اطيعوا الرسول) باتباع السنه (و اولي الامر منكم) اي اصحاب الخلافه، و هم الائمه الاثني عشر عليهم السلام (فان تنازعتم في شي ء) من الاحكام (فردوه الي الله و الرسول) بالرجوع الي الكتاب و السنه لترون اي جانب من الجانبين

عليه دليل شرعي (فالرد الي الله الاخذ بمحكم كتابه) اي نصه الصريح الذي ليس متشابها. (و الرد الي الرسول الاخذ بسنته الجامعه) التي اجمعت الامه علي انها وردت من الرسول (غير المفرقه) اي لا السنه التي اختلفت الامه فيها فبغضهم يقول بانها من الرسول، و بعضهم يقول بانها مكذوبه مفتراه عليه (ص)

[صفحه 167]

(ثم اختر للحكم بين الناس افضل رعيتك) و هذا انتقال من الحكم في الجند الي الكلام في شئون القاضي و القاضي (في نفسك) بان تطمئن به (ممن لا تضيق به الامور) فيضجر من القضايا و الاحكام (و لا تمحكه) اي لا تغضبه (الخصوم) اي المترافعون (و لا يتمادي) اي لا يستمر (في الزله) اي السقطه في الخطاء، فاذا علم بخطاه رجع. (و لا يحصر) اي لا يضيق صدره (من الفي ء الي الحق) اي الرجوع اليه (اذا عرفه) بعد ان حكم بخلاف الحق،

بخلاف بغض القضاه الذين يتكبرون عن الاعتراف بالخطاء (و لا تشرف نفسه علي طمع) فيترك الحق لطمع رشوه او جاه او ما اشبه (و لا يكتفي بادني فهم) للاحكام و القضايا (دون اقصاه) بالتامل و الغور و التحقيق (و اوقفهم) اي اكثرهم وقوفا (في الشبهات) اي الاحكام و القضايا المشتبهه، و هذا عطف علي قوله: (افضل). (و اخذهم بالحجج) اي اكثرهم اعتنائا و اخذا بالادله التي ياتي بها الخصوم لدي المحاكمه (و اقلهم تبرما) و ضجرا (بمراجعه الخصم) فاذا اكثر الخصم من مراجعته لا يتبرم و لا يضجر (و اصبرهم علي تكشف الامور) فلا يعجل في الحكم، بل يلطف و يصبر حتي يظهر الامر الذي يريد ان يحكم فيه (و اصرمهم) اي اكثرهم قطعا للخصومه و بيانا لمرالح

ق (عند اتضاح الحكم) اي وضوحه (ممن لا يزدهيه) اي لا يستخفه فرحا (اطراء) اي ثناء حتي اذا ثني عليه مال الي جانب المثني. (و لا يستميله اغراء) حتي اذا اغراه احد بالمال او نحوه مال الي جانبه (و اولئك) المتصفون بهذه الصفات (قليل) لكن لابد للوالي من الفحص عنهم حتي يجدهم و يستقضيهم (ثم اكثر) يا مالك (تعاهد قضائه) اي تتبعه في احكامه حتي يعرف انك مراقب عليه فلا يفلت في الحكم بالباطل خوفا منك. (و افسح له في البذل) اي وسع عليه في الاعطاء (ما يزل علته) اي حاجته حتي لا ينظر الي اموال الناس، و لا يحتاج الي الرشوه و ما اشبه (و تقل معه) اي مع بذلك (حاجته الي الناس) و لفظه (تقل) من باب العرف، و الا فالمراد عدم حاجته (و اعطه من المنزله لديك) بان تعظمه و توقره (ما لا يطمع فيه

غيره من خاصتك) حتي يكون مهيبا عند الناس و ينفذ حكمه فورا. (و ليامن بذلك) الذي اعطيته من المنزله (اغتيال الرجال له) اي و شايتهم له (عندك) فانه اذا خاف احدا لابد و ان يخضع له، و اذا خضع لشخص لا يتمكن من الحكم عليه اورد و ساطته و بذلك يفسد الحكم (فانظر في ذلك) الذي ذكرت من او صاف القاضي و كيفيه معاملتك له (نظرا بليغا) بالاهتمام بما ذكرت (فان هذا الدين قد كان اس

يرا في ايدي الاشرار) في زمن عثمان حيث كان الولاه و الحكام يعملون بالاهواء (يعمل فيه بالهوي) و الميول النفسيه (و تطلب به الدنيا) لا الاخره

[صفحه 169]

(ثم انظر) يا مالك (في امور عمالك) الذين تجعلهم و لا تافي المدن و البلاد (فاستعملهم اختبارا) اي بعد الاختبار و الامتحان (و لا تولهم) الاعمال (محاباه و اثره) المحابات الاعطاء مجانا، و الاثره الاعطاء ترجيحا لاحد علي احد بدون رجحان. (فانهم) اي الولاه (جماع) اي مجمع (من شعب الجور و الخيانه) اذ الوالي معرض لكل ذلك فاذا لم يمتحن و انيط به العمل و كان غير نقي الباطن تناول انواع الظلم، و الخيانه بالامه (و توخ) اي تحر و اطلب (منهم) اي من العمال (اهل التجربه) الذين جربوا الامور فعرفوها (و الحياء) فان الحبي يستحي من الظلم و الخيانه و ما اشبه (من اهل البيوتات الصالحه) المعروفه بالصلاح و تقدم وجه كون الشخص من البيت و العشيره. (و القدم في الاسلام) اي من له خطوه سابقه علي غيره في الخدمه بالاسلام، فان من له سابقه احسن عملا، لانه يلاحظ سوابقه و يمشي علي تلك الطريقه (المتقدمه) في تقبل الاسلام فان ذلك يدل علي

اصاله في النفس توجب قبول الحق بمجرد عرفانه (فانهم اكرم اخلاقا) لتربيه الاسلام لهم (و اصح اعراضا) لم يختلط عرضهم بما لا يعرف كما هو كذلك بالنسبه الي غير اهل البيوتات. (و اقل في المطامع اشرافا) لان حيائهم و تجربت

هم يوجبان التنزه عن المطامع، اذا الانسان لا يطمع لما يعلم من ان الطمع يشين امره (و ابلغ في عواقب الامور نظرا) لما عركتهم التجارب و عرفوا الامثال و التقلبات (ثم اسبغ) اي اوسع (عليهم الارزاق) باعطائهم مقدار حاجتهم في رفاه. (فان ذلك) الاسباغ (قوه لهم علي استصلاح انفسهم) و من صلح حاله لا يفكر الا في عمله، اما من اشتغل ذهنه باموره الداخليه فانه لا يتمكن من انجاز الاعمال المركوله اليه كما ينبغي (و غني لهم عن تناول ما تناول ما تحت ايديهم) فلا يظلمون الناس باخذ اموالهم، و لا بيت المال باكل ما فيه من حقوق المسلمين. (و حجه عليهم ان خالفوا امرك) اذ يقال لهم لماذا خالفتم هل لاحتياجكم الي المال؟ فقد اسبغت الدوله عليكم في العطاء و اعطاكم الوالي بقدر ما يفرغ بالكم لتشتغلوا بتنفيذ الاوامر (او ثلموا) اي خانوا (امانتك) في عملهم او بيت المال الذي تحت ايديهم (ثم تفقد اعمالهم) و افحص عنها هل يقومون بالواجب عليهم ام لا؟. (و ابعث) اي ارسل (العيون) اي الجواسيس (من اهل الصدق و الوفاء عليهم) اما كونه صادقا، لئلا يكذب عليك، و اما كونه وفيا ليفي بما امرته (فان تعاهدك في السر) و الخفيه (لامورهم) اي امور العمال (حدوه) اي سوق وحث (لهم علي

استعمال الامانه و الرفق بالرعيه) لانهم يخافون ان تعزلهم اذا لم يستعملوا ذلك. (و تحفظ من الاعوان) اي احفظ مثل

هولاء الاعوان الذين هم عيونك علي العمال (فان احد منهم) اي من العمال (بسط يده الي خيانه) بالنسبه الي الدوله او الامه (اجتمعت بها) اي بتلك الخيانه (عليه) اي علي ذلك العامل الخائن (عندك اخبار عيونك) بان اجمع جميع عيونك علي انه خان تلك الخيانه (اكتفيت بذلك) الاجتماع في اخبار العيون (شاهدا) علي ذلك العامل (فبسطت عليه العقوبه في بدنه) بالحد و التعزير. (و اخذته) اي عاقبته (بما اصاب من عمله) المحرم عليه (ثم نصبته بمقام المذله) بان اذللته امام الناس (و وسمته بالخيانه) اي علمته عند الناس بانه خائن (و قلدته عار التهمه) بانه متهم كانه قلاده في عنقه، فان ذلك يوجب اعتبار سائر العمال و حذرهم من ان يصابوا بما اصيب.

[صفحه 171]

(و تفقد امر الخراج) اي افحص عنه (بما يصلح اهله) اي الذين يدفعون الخراج فاصلح امرهم حتي يتمكنوا من اعطائه اعطائا حسنا (فان في صلاحه) اي الخراج (و صلاحهم) اي الذين يدفعونه (صلاحا لمن سواهم) من الطبقات اذ انهم يتوقفون علي الاموال فاذا تحسنت اموال الدوله، تحسنت امور الناس (و لا صلاح لمن سواهم) اي سوي اهل الخراج (الا بهم) و ذلك (لان الناس كلهم عيال علي الخراج و اهله) اذ لا تنتظم امور الناس الا بقوه الدوله و الدوله لا تقوي الا بالمال (و ليكن نظرك) يا مالك (في عماره الارض) بالزرع و الضرع و البناء و ما اشبه (ابلغ من نظرك في استجلاب الخراج) اي في جلبه و جمعه من الناس (لان ذلك) الخراج (لا يدرك الا بالعماره) اذ الارباح تتوقف علي العمران (و من طلب الخراج بغير عماره) سابقه للارض (اخرب البلاد و اهلك العباد) لانه اجبر الناس علي

بيع امتعتهم و اكثر في تضعيفهم مما يهلكون بسببه جوعا و مرضا، و لا يقدرون علي العماره فلا تعمر البلاد بل تخرب (و لم يستقم امره الا قليلا) اذ الناس يدفعونه حتي يسقط عن الحكم و ياتي من يقوم بشئونهم (فان شكوا) اي اهل الخراج (ثقلا) في كثره الخراج (او عله) كالجراد (او انقطاع شرب) هو الماء الذي

ياتي في النهر. (او) انقطاع (باله) اي ما يبل لارض من المطر فيما يسقي بالمطر (او احاله ارض) لما فيها من البذر و الزرع الي الفساد بسبب انه (اعتمرها) اي عمها (غرق) لها (او اجحف بها عطش) بان قل مائها فلم تات بالزرع الكافي (خففت عنهم) في الخراج (بما ترجو ان يصلح امرهم) حسب نظرك في قدر التخفيف. (و لا يثقلن عليك شي ء خففت به المونه عنهم) بان تعد الذي لم تاخذ عنهم من المال المقدر عليهم بعنوان الخراج ثقيلا علي نفسك، لانه اوجب تنقيص اموال الدوله (فانه ذخر) لك عندهم (يعودون به عليك في عماره بلادك) فان عماره البلاد يعود الي الوالي خيرها (و تزيين و لا يتك) بالزرع و العماره (مع استجلابك) و جلبك (حسن ثنائهم) فانهم يمدحونك بتخفيفك الخراج عليهم (و تبجحك) اي سرورك (باستفاضه العدل فيهم) اي بان سببت افاضه العدل و تكثيره بالنسبه اليهم (معتمدا فضل قوتهم) اي انك تعتمد و تستند الي قوتهم الماليه و ولائهم للدوله (بما ذخرت عندهم من اجمامك) اي اراحتك (لهم) بعد اخذك الزائد (و الثقه منهم) فانهم وثقوا بك و اذا وثقت الرعيه بالوالي عملت لاجله بكل اخلاص (بما عودتهم من عدلك عليهم) فان من راي العدل من واليه و اعتاده وثق به (في رفقك بهم) و

عدم ا

لعنف في اخذ الخراج كاملا حين لم يجدوه. (فربما حدث من الامور) التي تحتاج فيها الي مالهم و رجالهم كالحرب الفجائيه، او ما اشبه (ما اذا عولت) و اعتمدت (فيه) اي في ذلك الامر (عليهم من بعد) اي بعد تخفيف الخراج عليهم (احتملوه) و قبلوه (طيبه انفسهم به) اي بكل طيب نفس او لاجل ان انفسهم طيبه تجاهك، و لذا يتحملون الامور التي تكلفهم بها. ثم بين الامام عليه السلام وجه التخفيف عليهم اذا شكوا نقصا في الزرع بقوله (فان العمران محتمل ما حملته) اي اذا كانت العماره قائمه و الزرع ناميا، فكلما حملت اهلها من الخراج سهل عليهم، لانهم يحصلون الارباح فيد فعون بعضها الي الدوله (و انما يوتي خراب الارض من اعواز اهلها) فانهم اذا افتقروا لم يتمكنوا من العماره فتخرب الارض، و كيف يريد الوالي منهم الخراج حال انهم محتاجون؟. (و انما يعوز اهلها) اي يفتقر اهل الارض الخراجيه (لاشراف انفس الولاه علي الجمع) للمال (و سوء ظنهم بالبقاء) لاحتمالهم انهم يعزلون عن قريب، و لذا يدخرون المال حتي يكون لهم شي ء يعيشون به اذا عزلوا (و قله انتفاعهم بالعبر) جمع عبره، و هي ما يوجب ايقاظ الانسان و اعتباره من الامور التي تحدث، و لو كان الوالي معتبرا يقظا لعلم ان الا

مر بيد الله، فلو عزل او بقي كان رزقه علي الله، و ان جمعه للمال يقرب عزله بالعكس من انصافه و اكتفائه فانه يوجب بقائه في عمله.

[صفحه 174]

(ثم انظر) يا مالك (في حال كتابك) الذين يكتبون امور الدوله (فول علي امورك) في شئون الكتابه (خيرهم) اي احسنهم (و اخصص رسائلك التي تدخل فيها مكائدك) جمع مكيده، و هي معالجه المشاكل

الحربيه و الدوليه و ما اشبه (و اسرارك) الماليه و ما اشبه (باجمعهم) متعلق باخصص (لوجوه صالح الاخلاق) اي افضل الكتاب صفات و اخلاقا. (ممن لا تبطره) اي لا تطغيه (الكرامه) التي تري منك (فيجتري بها) اي بسبب تلك الكرامه (عليك في خلاف لك) بان يجتري فيخالفك في قول او فعل (بحضره ملا) اي بمحضر من الناس، مما يوجب سقوط هيبتك (و لا تقصر به الغفله) اي لا توجب غفلته عن اعمالك حتي يقصر في امرك (عن ايراد مكاتبات عمالك عليك) اي في اطلاعك علي ما كتب العمال اليك. (و اصدار جواباتها) اي جوابات كتب العمال (علي الصواب) متعلق باصدار (عنك) فان الانسان غير المهتم، لا يهتم بما ورد و بما صدر بخلاف النبيه الذي لا يفوته شي ء (فيما ياخذ لك و يعطي منك) هذا بيان لوجه الصواب فان الكاتب يلزم ان يعرف ماذا ينبغي ان ياخذ من العامل للوالي، فقد يكل الي العامل عملا، ليس من صالح الوالي، و قد يجبره الي القيام بامر يظنه اخذ امن العامل للوالي، و الحال ان فيه الضرر و ه

كذا (و) ان يكون الكاتب خبيرا بطرق المعاملات ف (لا يضعف عقدا اعتقده لك) بان يعقد لك عقدا يكون قليل الفائده للوالي و ضعيف الشروط و البنود. (و لا يعجز عن اطلاق ما عقد عليك) اي اذا وقعت معاقده مع احد كانت ضاره عليك، يعرف الكاتب وجوه حل تلك المعاقده بالطرق الشرعيه حتي تتخلص من هذه المشكله (و لا يجهل مبلغ قدر نفسه في الامور) بان يكون عارفا بمقدار نفسه، فلا يرفع بها فوق مستواها فيتدخل في امور ليس من شانه، و لا ينزل بها اقل من رتبتها فيحتشم

من امور يلزمه التدخل فيها. (فان الجاهل بقدر نفسه يكون بقدر غيره اجهل) و من يجهل مقادير الناس لا يتمكن ان يكتب اليهم علي وجه الصواب و الحكمه (ثم لا يكن اختيارك اياهم) اي للكتاب (علي فراستك) اي قوه ظنك و حسن نظرك (و استنامتك) اي ثقتك و سكونك بالاشخاص، بان يكون الاختيار تابعا لميلك الخاص بدون المشاوره و اخذ الاراء و الاختبار (و حسن الظن منك) بهذا او ذاك. (فان الرجال) الذين يريدون الحظوه عند الدوله (يتعرفون لفراسات الولاه) اي يتوسلون لان يوقعوا انفسهم عند حسن ظن الولات، حتي يناط بهم امر، و يقضي لهم حاجه، و لذا يلزم علي الوالي ان لا يعتمد علي فراسته. (بتصنعهم) اي بصتعهم الحسن (و حسن خ

دمتهم) للولاه في ابتداء الامر (و) الحال انه (ليس وراء ذلك) التصنع و حسن الخدمه (من النصيحه و الامانه شي ء) فقد وقع الوالي في احبولتهم اذا عمل بحسن فراسته. (و لكن اختبرهم بما و لوا للصالحين قبلك) فمن احسن في عمله سابقا يستخدم، و من لم يعمل يترك (فاعمد) اي اعتمد للاستخدام (لاحسنهم- كان- في العامه اثرا) بان رضيت عنه عامه الناس (و اعرفهم بالامانه وجها) بان عرف الناس وجهه بالامانه في الامور (فان ذلك) الاختبار للكاتب (دليل علي نصيحتك) يا مالك (لله و لمن و ليت امره) يعني الامام نفسه الكريمه. (و اجعل لراس) اي لرئاسه (كل امر من امورك راسا منهم) اي رئيسا من الكتاب، فللخراج كاتب، و للجند كاتب، و للعمال كاتب، و هكذا بحيث يكون ذلك الكاتب (لا يقهره كبيرها) اي لا يسبب غضبه كبير الامور الملقات علي عاتقه (و لا يتشتت عليه كثيرها) اي يكون قادرا علي

ضبط الكثير من الكتابات و الاعمال، فلا يتفرق عليه بحيث لا يعلم بعضها و يفوته (و مهما كان في كتابك من عيب فتغابيت) اي تغافلت (عنه الزمته) اي الزمك الناس بذلك العيب، و الصق العيب اليك فان الناس يقولون انه من عيب الوالي، و الا اصلح الكاتب

[صفحه 177]

(ثم استوص بالتجار) اي اوصهم بحسن العمل (و ذوي الصناعات) من الكسبه (و اوص) الناس (بهم) اي بالتجار و ذوي الصناعات (خيرا) بان يحسن العمال و الكتاب و سائر موظفيك اليهم، و لا يوذوهم من غير فرق بين اقسامهم (المقيم منهم) في البلد (و المضطرب بماله) الذي يتردد بين البلدان للاتجار (و المترفق ببدنه) اي صاحب الصنعه الذي يزاول الصنعه كالنجار و الحداد. (فانهم) اي التجار و ذوي الصناعات (مواد المنافع) اذ المنافع تاتي منهم (و اسباب المرافق) اي الحاجات، فانهم يطلبون الحاجات للناس، و يصنعون الصنائع المحتاج اليها (و جلابها) اي الذين يجلونها (من المباعد) اي الاماكن البعيده. (و المطارح) اي اماكن السقوط و الطرح، كالجبال و سائر المحلات التي يطرح فيها تلك الحاجيات (في برك و بحرك و سهلك و جبلك) السهل مقابل الجبل. (و) يجلبونها من (حيث لا يلتئم الناس لمواضعها) اي لا يتمكن الناس ان يبقوا في تلك الاماكن لصعبوبه البقاء هناك، كالجزر و ما اليها (و لا يجترئون عليها) لانها موضع الخوف او ما اشبه، ثم علل عليه السلام قوله: (استوص و اوص) بعله اخري بقوله: (فانهم) اي التجار و الصناع (سلم) اي مسالمون (لا تخاف بائقته) اي داهيته و اضراره،

اذ التجار لا يحاربون الدوله و لا يثورون عليها. (و صلح) اي مصالحون (لا تخشي غائلته) اي ضرره و عصيانه (و تفقد امورهم) اي

ابحث عن احوال التجار (بحضرتك) اي الذين هم في بلدك (و في حواشي بلادك) اي من كان منهم في اطراف البلاد (و اعلم) يا مالك (مع ذلك) الذي ذكرت من مدح التجار (ان في كثير منهم ضيقا) في الخق و المعامله (فاحشا) اي كثيرا (و شحا) اي بخلا (قبيحا) موجبا لقبح صاحبه لكثره البخل (و احتكارا للمنافع) اي حبسالها عن الناس رجاء الزياده في السعر و الغلاء (و تحكما) اي حكما بالجور (في البياعات) اي المبايعات اذ يجعلون عليها اثمانا غاليه. (و ذلك) الذي يفعله بعض التجار (باب مضره للعامه) اي عامه الناس لما يلحقهم من الاذي من جهه هذه الاعمال (و عيب علي الولاه) لدلاله ذلك علي ضعفهم (فامنع من الاحتكار) بان تامر التجار بعدم حفظ ما يحتاج اليه الناس (فان رسول (ص) منع منه) و هدد من عمل به (و ليكن البيع بيعا سمحا) ليسامح و يسهل فيه (بموازين عدل) لا نقص فيها كما قد يكون ذلك عند بعض الكسبه. (و اسعار) جمع سعر، بمعني: الثمن (لاتجحف) اي: لا تضر (بالفريقين من البائع و المبتاع) اي اشتري يقال ابتاع المتاع اذا اشتراه (فمن قارف) اي ارتكب (

حكره) اي احتكارا (بعد نهيك اياه) عن الاحتكار (فنكل به) اي اوقع به النكال و العذاب (و عاقبه في غير اسراف) بان لا تكثر من العقوبه، و انما بمقدار الاستحقاق.

[صفحه 179]

(ثم) اذكر (الله الله) يا مالك (في الطبقه السفي من الذين لا حيله لهم) اي لا علاج لهم في اداره امورهم (من المساكين) جمع مسكين، و هو الذي اسكنه الفقر من الحركه، فلا يتحرك كما يترك الاغنياء. (و المحتاجين) جمع محتاج، اي صاحب الحاجه (و اهل البوسي)

بمعني شده الفقر من البوس (و الزمني) جمع زمين، و هو المصاحب بالزمانه، اي العاهه و المرض المانعان عن الاكتساب (فان في هذه الطبقه قانعا) بمعني: السائل من قنع بمعني سئل (و معترا) اي متعرضا للعطاء بلا سوال (و احفظ لله ما استحفظك) اي طلب سبحانه منك الحفظ (من حقه) تعالي (فيهم) اي في اهل المسكنه و الحفظ بادراه شئونهم و تفقد احوالهم و القيام بحوائحهم. (و اجعل لهم قسما من بيت مالك) الذي يجمع من الخراج و الزكات و الجزيه و ما اشبه (و قسما من غلات صوافي الاسلام) غلات جمع غله، و هي: الثمره كالحنطه و الشعير و صوافي الاسلام جمع صافيه، و هي ارض الغنيمه التي اغتنمها المسلمون باسم الاسلام، و معني في كل بلد، توصيه العمال باعطائهم في سائر البلاد. (فان للاقصي) اي الابعد (منهم) اي من الفقراء و المساكين الذين في سائر البلاد (مثل الذي للادني) اي للاقرب اليك الذي في بلدك، فتعطي لاهل

بلدك من بيت المال، و لاهل سائر البلاد من الصوافي حيث لا بيت مال هناك (و كل قد استرعيت حقه) اي طلب سبحانه منك ان ترعي حقهم قريبا كان ام بعيدا (فلا يشغلنك عنهم بطر) اي طغيان الملك و النعمه، كما هي عاده الروساء يشغلون بامرهم عن تفقد سواهم (فانك لا تعذر) اي لا يقبل الله و لا الناس عذرك (بتضييعك التافه) اي بعدم اعتنائك بالشي ء القليل من الامور (لاحكامك الكثير المهم) فان الانسان مسئول عن التافه كما هو مسئول عن الكثير، فاللازم مراعات الامرين، لا ترك التافه و الاعتناء بالكثير. (فلا تشخص) اي لا تصرف (همك) اي اهتمامك (عنهم) اي: عن ملاحظه شئون الفقراء و المساكين

(و لا تصعر) اي لا تمل (خدك عنهم) كما يفعل المتكبرون (و تفقد) اي ابحث عن (امور من لا يصلك اليك منهم) اي من الفقراء (ممن تقتحمه العيون) اي تنظر اليه باحتقار (و تحقره الرجال) لعدم اهميه له و رثاثه اثوابه (ففرغ لاولئك) الفقراء (ثقتك) اي الموثقين من اصحابك، ليفحصوا عن شئونهم و خصوصياتهم (من اهل الخشيه) من الله سبحانه حتي يخافون في امر الفقراء فلا يهملوهم. (و التواضع) حتي لا يتكبروا عن مباشرتهم و الفحص عنهم في الخرائب و الخانات و ما اشبه، فاذا تفحصوا عنهم و وجدوهم (ف

ليرفع) اولئك الثقاه (اليك امورهم) اي امور الفقراء (ثم اعمل فيهم بالاعذار الي الله) اي بما يقدم لك عذرا عنده سبحانه (يوم تلقاه) بعد الموت، حتي لا يقول لك: لماذا ضيعت الفقراء (فان هولاء) الفقراء (بين الرعيه احوج الي الانصاف من غيرهم) لمسكنتهم و انقطاعهم. (و كل) اي كل واحد من هولاء الفقراء، او من كل طبقه (فاعذر الي الله) اي ائت بما يعذرك عند الله (في تاديه حقه اليه) اي باعطائك له حقه الذي اوجبه سبحانه عليك (و تعهد) بالبحث و القيام بالحوائج (اهل اليتم) اي الايتام (و ذوي الرقه في السن) اي المتقدمون في العمر الذي رق عظمهم و حالهم (ممن لا حيله له) اي لا علاج له في انجاز اموره. (و لا ينصب للمسئله نفسه) اي لا يقوم بنفسه للسوال (و ذلك) العمل بان ينصب نفسه للفخص عن الطبقه السفلي (علي الولاه ثقيل) لكثره اشغالهم و عدم رجاء فائده من وراء هولاء الفقراء (و الحق كله ثقيل) اذ الانسان يريدان لا يكون مقيدا، بل يعمل كيف يشاء يكذب و يخون و يتبع الشهوات

المحرمه و هكذا. (و قد يخففه الله) اي يجعل الحق علي انفسهم خفيفا غير ثقيل (علي اقوام طلبوا العاقبه) المحموده في الاخره (فصبروا انفسهم) عن اقتراف الاثام (و وثقوا بصدق موعود الله لهم)

اي ما وعده سبحانه من الجنان و الثواب

[صفحه 182]

(و اجعل) يا مالك (لذوي الحاجات) الذين يحتاجون اليك لحل قصه، او طلب شي ء او رفع ظلامه او ما اشبه (منك) اي من نفسك (قسما) بان تجعل بعض اوقاتك لهم (تفرغ لهم فيه) اي في ذلك القسم (شخصك) بالذات. (و تجلس لهم مجلسا عاما) يحضره عموم الناس المحتاجين (فتتواضع فيه) اي في ذلك المجلس (لله الذي خلقك) حتي يتمكن كل ذي حاجه ان يبدي حاجته اذ الناس لا يتمكنون ان يتكلموا مع المتكبرين. (و تقعد عنهم جندك و اعوانك) بان تامرهم ان لا يتعرضوا لهم بالمنع او الاذي (من احراسك) جمع حرس بمعني الحافظ (و شرطك) جمع شرطه علي وزن غرفه، و هم طائفه من اعوان الدوله بخلاف الحارس الذي هو خاص برئيس الدوله او ما اشبه (حتي يكلمك متكلمهم) اي من يريد الكلام من ذوي الحاجات في حالكونه (غير متتعتع) التعتعه في الكلام التردد فيه من عجز و المراد غير خائف، فان الخائف لا يتمكن من الافصاح عما لديه. (فاني سمعت رسول (ص) يقول: - في غير موطن-) واحد، بل في مواطن و مواضع عديده (لن تقدس) اي لن تطهر، من الرذائل (امه لا يوخذ للضعيف فيها حقه من القوي غير متتعتع) اي في حال كون الاخذ بغير تعتعه بل بكل جرئه (ثم احتمل) اي تحمل يا مالك (الخرق) اي العنف في الكلام (م

نهم) اي من ذوي الحاجات حين يطلبون حاجتهم (و العي) اي

العجز عن الافصاح بحاجتهم، و المراد عدم الضجر بذلك. (و نح عنهم الضيق) اي لا تضيق خلقك (و الانف) اي الاستنكاف، فلا تانف للتكلم معهم (يبسط الله عليك بذلك) اي بسبب ذلك افتحمل بكل لين و رفق (اكناف رحمتك) اي اطرافها (و يوجب لك ثواب طاعته) حيث اطعته فيما امرك من مراعات الرعيه (و اعطيت ما اعطيت هنيئا) لا بان تمن او تعنف في الاعطاء حتي تكون العطيه ثقيله علي الاخذ غير هني لديه. (و امنع) اذا اردت منع احد عن العطيه (في اجمال) اي في منع جميل (و اعذار) اي بتقديم عذر عن منك لا منعا قايسا

[صفحه 184]

(ثم) هناك (امور من امورك) المربوطه بك (لابد لك) يا مالك (من مباشرتها) اي معالجتها بنفسك. (منها اجابه عمالك بما يعيا) و يعجز (عنه كتابك) فقد لا يعرف الكاتاب كيف يجيب سوال العامل فلابد لك ان تجيب بنفسك ذلك السوال، و الا فقد ضيعت الامر- ان وكلت كل الامور الي الكتاب- (و منها اصدار حاجات الناس) اي اعطائهم حاجاتهم (يوم ورودها عليك) بان تعجل في الاعطاء (بما تحرج به صدور اعوانك) اي تضيق صدورهم عن القضاء السريع. و انما يريدون المماطله اما اظهارا للكبرياء، او تعاجزا عن التعجيل، او ما اشبه ذلك. (و امض لكل يوم عمله) اي نفذ في كل يوم عمله المربوط به و لا توخر العمل (فان لكل يوم ما فيه) من الاعمال (و اجعل لنفسك) في العباده و الضراعه (فيما بينك و بين الله افضل تلك المواقيت) التي تقسمها علي اعمالك (و اجزل) اي احسن و اعظم (تلك الاقسام) الموزعه علي الاشغال. (و انكانت) الاوقات (كلها لله) سبحانه يعطي عليها الاجر (اذا صلحت

فيها النيه) بان قام الانسان بكل عمل يعمه، حتي الاكل و الوقاع قربه اليه (و سلمت منها الرعيه) بان عمل الوالي لاجل سلامه المسليمن (و ليكن في خاصه ما تخلص به لله دينك) اي في اخص الحالات التي تتدين فيه

ا لله (اقامه فرائضه) هذا اسم (ليكن) (التي هي له خاصه) و ليست مربوطه بشئون الرعيه (فاعط الله من بدنك) اي بعض بدنك (في ليلك و نهارك) باقامه الصلاه و ما اشبه. (و وف ما تقربت به الي الله من ذلك) الذي تاتي له (كاملا غير مثلوم) اي غير مخدوش بشي ء من الموانع (و لا منقوص) بمثل الرياء و العجب، فمثلا ياتي الانسان بالصلاه كامله بادابها و شرائطها خاليه عن الرياء و الموانع (بالغا من بدنك ما بلغ) اي و ان بلغ تعب بدنك في سبيل الاتيان بالفرائض مبلغا عظيما فان اللازم ان يهتم الانسان باداء ما عليه، و لا يعتني بتعبه و نصبه. (و اذا قمت في صلاتك للناس) بان صليت معهم في جماعه (فلا تكونن منفرا) اي موجبا لنفره الناس و فرارهم بتطويلك للصلاه (و لا مضيعا) للصلاه بالنقص في الاركان و الشرائط (فان في الناس من به العله) اي المرض الذي لا يتمكن من الطول (و له الحاجه) التي تفوت اذا طول صلاته. (و قد سالت رسول (ص)- حين وجهني الي اليمن-) فقد الرسل الرسول (ص) الامام الي اليمن في مهمه، كما هو مذكور في التواريخ، و كان ذلك عام حجه الوداع (: كيف اصلي بهم؟) طويلا ام قصيرا (فقال) (ص): (صلي بهم كصلاه اضعفهم) فلا تطول (و كن بالمومنين رحيما) تعطف عليهم و

ترحمهم

[صفحه 186]

(اما بعد) ما تقدم يا مالك (فلا تطولن احتجابك

عن رعيتك) بان لا تظهر لهم مده طويله (فان احتجاب الولاه عن الرعيه) و عدم ظهورهم امام الناس في المناسبات- كما يفعله المتكبرون بزعم الابقاء علي هيبتهم-. (شعبه من الضيق) اي ضيق صدر الوالي من حوائج الناس (و قله علم بالامور) لانه لو علم الامور كما ينبغي قضي البعض الممكن، و اعتذر اعتذارا مقنعا عما لا يمكن (و الاحتجاب منهم) اي من الرعيه (يقطع عنهم) اي عن الولاه (علم ما احتجبوا دونه) اي جعلوا لانفسهم حجابا دون ذلك الامر، حين لم يعرفوا الامر المحجوب عنه. (فيصغر عند هم الكبير) اذ انهم لا يعرفون الامور الا بواسطه، و الواسطه قد يجعل الامر الكبير صغيرا تزلفا، فلا يهتم له الوالي و ذلك يفسد عليه الامر (و يعظم الصغير) بعكس ذلك (و يقبح الحسن و يحسن القبيح) فيرتب الوالي آثار الضد علي ضده مما يوجب الفساد (و يشاب الحق بالباطل) اي يخلط بينهما. (و انما الوالي بشر) لا يعلم الغيب (لا يعرف ما ثواري عنه الناس به من الامور) اي ما اخفي الناس عنه، و ضمير (به) راجع الي (ما) و مصداقه (من الامور) و ليست علي الحق سمات) جمع سمه، بمعني: العلامه، اي ليس للحق علامات ظاهره حتي يعرف الوالي

الحق من الباطل بواسطه تلك العلامه حتي (تعرف بها) اي بتلك السمات (ضروب الصدق من الكذب) اي اقسام الصدق. (و انما انت) يا مالك الاشتر (احد رجلين اما امرء سخت نفسك بالبذل) لنفسك و مالك (في الحق) و حوائج الناس (ف)اذا (فيم احتجابك) اي لماذا تحتجب عنهم؟ هل تحتجب (من واجب حق تعطيه) اي هل تريد الفرار من حق واجب؟ (او فعل كريم تسديه) اي عمل تقوم به

في قضاء حوائج الناس؟ (او) انت الرجل الثاني بان تكون (مبتلي بالمنع)؟ تمنع الناس حوائجهم و حينئذ لا احتياج الي الاحتجاب (فما اسرع كف الناس عن مسالتك) اي انهم يكفون عن سوالك فورا (اذا ايسوا من بذلك) و اعطائك. (مع ان اكثر حاجات الناس اليك مما لا مونه فيه عليك) اي لا كلفه و لا صعوبه لانها امور ضئيله تافهه، فاذا ظهرت للناس و سئلوك اياها تمكنت من قضائها بلا صعوبه (من شكاه مظلمه) اي شكايه عن ظلم فتامر من ينهي الظالم عن ظلمه (او طلب انصاف في معامله) فيما يريد احد المتعاملين الاجحاف بحق الاخر، فتامر من يامره بالانصاف، و امثال هذه الامور خفيفه لا تهم حتي يحجب الوالي عن الناس لاجلها.

[صفحه 188]

(ثم ان للوالي خاصه و بطانه) البطانه ضد الظهاره- في الثياب- و المراد هنا المقربون الي الوالي الجلاس له (فيهم استئثار) اي حب لجمع الاموال و الوجاهات لانفسهم (و تطاول) اي ترفع علي الناس بالجبروت (و قله انصاف في معامله) يعاملون الناس بها (فاحسم) اي اقطع (ماده اولئك) البطانه (بقطع اسباب تلك الاحوال) اي قطع اسباب تعديهم بان لا تعطهم المجال للاستئثار و التطاول. (و لا تقطعن لاحد من حاشيتك و حامتك) الحامه كطامه الخاصه و القرابه (قطيعه) هي الارض التي يمنحها الخليفه او الوالي لاحد و المصدر الاقطاع (و لا يطمعن) احد من حاشيتك و حامتك (منك في اعتقاد عقده) اي في اقتناء ضيعه، فان العقده بمعني الضيعه (تضر بمن يليها من الناس) اذا كانت بيد حاشيتك (في شرب) اي النصيب من الماء بان ياخذ الماء بنفسه، فيضر ذلك باراضي المجاورين. (او عمل مشترك يحملون مونتهم) و مصارفه (علي غيرهم) مثلا

يحتاج النهر الي الكري، فاذا اعطيت الضيعه للحاشيه، حملوا مونه الكري علي المشترك و هكذا (فيكون مهناء) اي المنفعه الهنيئه ل (ذلك) الشي ء اعطيته للحاشيه (لهم دونك) اذ لا تنتفع انت بتلك الضيعه او العقده (و عيبه عليك في الدنيا) بذم الناس لك (و الاخ

ره) باثم اعمال الحاشيه و انت قادر علي منعهم. (و الزم الحق من لزمه) اي من لزم عليه الحق، فاذا كان الحق يري لزوم احد، فالزمه كما يامر الحق (من القريب و البعيد) و لا تترك الحق الذي ثبت علي القريب خوفا او شفقه او ما اشبه (و كن في ذلك) الالزام للحق (صابرا) متحملا للاذي الذي يتولد منه (محتسبا) اي تحسب ذلك عند الله سبحانه، بان تكون الزامك و صبرك له سبحانه (واقعا ذلك) الالزام بالحق (من قرابتك) اي اقوامك (و خاصتك) اي حواشيك (حيث وقع) اي و لو كان في غايه الثقل عليهم. (و ابتغ) اي اطلب (عاقبته) اي عاقبه الزام الحق (بما يثقل عليك منه) اي من الحق، فان في بعض الاحيان يلزم العمل بالحق ثقلا كبيرا علي الانسان، لكن هذا الثقل يثمر عاقبه حسنه (فان مغبه) اي عاقبه (ذلك) الالزام بالحق (محموده) في الدنيا بحسن الثناء الناس و الاخره بالاجر و الثواب (و ان ظنت الرعيه بك حيفا) اي ظلما بالنسبه اليهم بان ظنوا انك قصرت في اموالهم او في ادراتهم او ما اشبه. (فاصحر) اي اظهر (لهم بعذرك) اي بين وجه ذلك العمل، ان اتيته او بين انه افتراء عليك ان لم تاته (و اعدل) اي اصرف (عنك ظنونهم باصحارك) اي باظهارك الحق (فان في ذلك) الاظهار لدي ظن السوء بك (ريا

ضه منك لنفسك) اي تعويدا

لنفسك علي العدل، و ارغاما لكبرك علي الخضوع فان الانسان لا يحب ان يتنازل لبيان اعذاره لدي الناس، اذ يراهم انهم دون ذلك. (و رفقا برعيتك) لان مثل هذا العمل يوجب الرفق و اللين بالنسبه الي الرعيه (و اعذارا) اي اظهارا للعذر (تبلغ به) اي بسبب هذا الاعذار (حاجتك من تقويمهم علي الحق) فان من يحضر لابداء عذره لا يجوز عن باطل غيره، و اذا عرف الناس منه ذلك، استقاموا علي الحق في امورهم.

[صفحه 190]

(و لا تدفعن صلحا دعاك اليه) اي الي ذلك الصلح (عدوك و) الحال ان (لله فيه) اي في ذلك الصلح (رضي) بان لم يكن الصلح محرما من جهه من الجهات (فان في الصلح دعه) اي راحه (لجنودك و راحه من همومك) فان المحارب يتحمل هموما جمه بخلاف المصالح (و امنا لبلادك) لان الناس في ايام السلم يامنون و يعملون بكل راحه لترقيه البلاد. (و لكن) خذ (الحذر كل الحذر من عدوك بعد صلحه) معك فلا تغفل منه طرفه عين، و لا تتساهل في العده و العده و التهي ء اعتمادا علي الصلح (فان العدو ربما قارب) اي تقرب منك بالصلح (ليتغفل) اي ليغفلك فيغدرك فجئه في حال الغفله منك (فخذ بالحزم) اي ملاحظه الامور الحيطه لها (و اتهم في ذلك) الحزم (حسن الظن) فلا تحسن ظنك بالعدو مهما كان ظاهر الصدق. (و ان عقدت بينك و بين عدوك عقده) اي معاهده (او البسته منك ذمه) بان يكون في ذمامك و امنك، و الاول للمكافي، و الثاني للعدو الضعيف (فحط) من حاط اي احفظ (عهدك بالوفاء) فلا تخن العهد (و ارع ذمتك بالامانه) اي كن امينا في ذمتك فلا تخن الزمام (و اجعل

نفسك جنه) اي وقايه (دون ما اعطيت) اي حافظ علي العهد بنفسك حتي اذا وجه اليك سهم الانتقاد فاقبله و لا تخن (فانه ليس من فرائض ا

لله شي ء، الناس اشد عليه اجتماعا مع تفرق اهوائهم) و ميولهم (و تشتت آرائهم) اي اختلاف انظارهم (من تعظيم الوفاء بالعهود) فان كل الناس يعظمونه مهما اختلفت آرائهم و (الناس) مبتداء خبره (اشده) و قوله: (مع تفرق اهوائهم و تشتت آرائهم) جمله معترضه (و قد لزم ذلك) الوفاء بالعهود (المشركون فيما بينهم) بان اوصي بعضهم بعضا بان لا يخونوا (دون المسلمين) اي بالنسبه لعهدهم مع المسلمين مع ما هم عليه من الشرك و عداوه الاسلام (لما استوبلوا من عواقب الغدر) اي لانهم وجدوا عواقب الغدر و بيله مهلكه، و استوبل بمعني عده و بيلا- اي: مهلكا قبيحا-. (فلا تغدرن) يا مالك (بذمتك و لا تخيسن) اي لا تخونن (بعهدك) الذي عاهدت (و لا تختلن) الختل الخداع (عدوك) اي لا تخدعه باعطائه الامان، ثم نقضه (فان لا يجتري علي الله) بنقض العهد الذي اوجب الوفاء به كما قال سبحانه: (و اوفوا بالعهد ان العهد كان مسئولا) (الا جاهل) بعواقب النقض (شقي) قد وجب عليه العقاب. (و قد جعل الله عهده و ذمته) اي العهد الذي اوجده بين الناس و الذمه التي جعلها و ديعه عند كل احد و الاضافه الي الله تشريفي، نحو خلق الله (امنا) اي لاجل امن بعض من بعض (افضاه) اي افشاه و جعله (بين العباد

برحمته) و لطفه (و حريما) اي شيئا حرام خلافه (يسكنون) اي يطمئن الناس (الي منعته) اي ماله من قوه يلتجي ء الناس اليها، اذ لو لا خلقه سبحانه للعهد و الذمه لم يكن

للخائفين و المحاربين ملجاء و ملاذ (و يستفيضون) اي يفزعون بسرعه (الي جواره) اي جوار العهد و الذمه فرارا من الخوف عن الحرب و ما اشبه. (فلا ادغال) اي افساد بنقض العهد (و لا مدالسه) اي تدليس باظهار الامان و المباغته بالخيانه (و لا خداع فيه) اي في العهد (و لا تعقد عقدا) بينك و بين غيرك (تجوز فيه العلل) بان كان العقد غير صريح في المراد، فيجوز فيه احتمالات: و علل جمع عله و هي ما يطرء علي الكلام من الاحتمالات المفسده لاستفاده المراد منه. (و لا تعولن) اي لا تعتمدن (علي لحن قول) اللحن ما يقبل التوجيه كالتوريه و المفهوم المخالف و ما اشبه (بعد التاكيد) من العهد (و التوثقه) اي الوثوق بان تريد نقض العهد فتعلل بان العهد لم يكن صريحا و هكذا بالنسبه الي العقد- كما يفعل ذلك من لا وجدان له-. (و لا يدعونك ضيق امر لزمك فيه عهد الله) بان عاهدت مع احد ثم رايت ضيقا من الوفاء بالعهد (الي طلب انفساخه) متعلق ب (لا يدعونك) اي لا تطلب انفساخ العهد (بغير الحق) هذا بيان لطلب الانفساخ

(فان صبرك علي ضيق امر) اي امر ضيق عليك اوجبه العهد (ترجو انفراجه) بتمام مده العهد او ما اشبه (و) ترجو (فضل عاقبته) اذ تعرف لدي الناس بانك و في بالعهد بالاضافه الي مالك من الثواب الجزيل (خير من عذر) بالعهد (تخاف تبعته) اي اثمه عند الناس و عند الله. (و ان تحيط بك من الله فيه) اي في ذلك العذر (طلبه) اي مطابته سبحانه بحقه في الوفاء، فاذا لم تفعل الوفاء استحققت العقاب (فلا تستقبل فيها دنياك و لا آخرتك) من الاقاله

بمعني طلب الفسخ و العفو اي لا تقدر بعد العذر ان تستقيل الناس بان يعفوا عن عذرك و لا يذموك، و ان تستقيل الله بان يعفو عنك و لا يعاقبك.

[صفحه 194]

(اياك) اي احذر يا مالك (و الدماء و سفكها) اي اراقتها بقتل الناس (بغير حلها) الذي احله الله سبحانه كالمفسد و القاتل و من اشبههما (فانه لسي شي ء ادني) اي اقرب (لنقمه) اي لغضب الله سبحانه (و لا اعظم لتبعه) اي الاثم و العقاب (و لا احري) اي اجدر و احق (بزوال نعمه و انقطاع مده) اي مده العمر بالموت (من سفك الدماء بغير حقها) فان يوجب كل ذلك. (و الله سبحانه مبتدء بالحكم بين العباد فيما تسافكوا) اي سفك بعضهم دم آخر (من الدماء يوم القيامه) فان اول شي ء يحكم هناك حوله هو الدماء (فلا تقوين سلطانك بسفك دم حرام) كما يفعل الجبارون اذ يقتلون الابرياء لانهم امروا بمعروف او نهوا عن منكر او ما اشبه ذلك (فان ذلك) السفك (مما يضعفه) اي يضعف السلطان (و يوهنه بل يزيله و ينقله) من سفك الي غيره. (و لا عذر لك عند الله و لا عندي في قتل العمد) اي في ما اذا قتلت بريئا عمدا (لان فيه) اي في قتل العمد (قود البدن) اي القصاص الواقع علي جسم القاتل فلا يمكن صرف النظر عن القصاص (و ان ابتليت ب) قتل (خطاء. بان لم تتعمد القتل (و) انما (افراط عليك سوطك) بان كتب تريد الحد او التعزير تاديبا فسبب السوط موت المجرم (او سيفك) كان اردت التاديب

بالسيف فقتل المجرم. (او يدك بالعقوبه) التي تريدها بالمذنب (فان في الوكزه) هي الضربه بقبضه اليد (فما فوقها) من اقسام

الضرب (مقتله) اي قتل، و هذا تعليل لكون السوط و نحوه قد يفرط، اذ قد يكون الشي ء اليسير سببا للقتل كما وكز موسي عليه السلام ذلك القبطي فقضي عليه (فلا تطمحن) اي ترتفعن (بك نخوه سلطانك) اي كبريائه (عن ان تودي الي اولياء المقتول) اي ورثته (حقهم) من ديه الخطاء.

[صفحه 195]

(و اياك) يا مالك (و الاعجاب بنفسك) بان تحسن الظن بنفسك و ان ما عملت حسن (و الثقه بما يعجبك منها) بان تثق بالعمل الذي يسبب ان تعجب بنفسك لانها ادت مثل ذلك العمل (و) اياك و (حب الاطراء) اي حب ان يثني الناس عليك و يمد حوك (فان ذلك) كله (من اوثق فرص الشيطان) اي احسن فرصته التي تسبب هلاك الانسان (في نفسه) الضمير عائد الي الشيطان (ليمحق ما يكون من احسان المحسنين) اي ليبطله، فان الانسان اذا عجب بنفسه بطل عمله، و كذلك من احب الاطراء علي عمله، اذ يدل علي كون العمل ليس لله سبحانه، و انما للرياء و السمعه. (و اياك) يا مالك (و المن علي رعيتك باحسانك) بان تمن عليهم اذا احسنت اليهم (او التزيد) اي اظهار الزياده (فيما كان من فعلك) بان تريد اظهار انه فوق الذي عملت حقيقه (او ان تعدهم) و عدا (فتتبع موعوك بخلفك) بان تخلف وعدك. (فان المن يبطل الاحسان) لدي الناس و لدي الله سبحانه (و التزيد يذهب بنور الحق) فان للحق نورا، فاذا اظهر الشخص انه عمل فوق ما عمله، لم يكن لما عمله وقع و نور في اعين الناس (و الخلف) للوعد (يوجب المقت) اي الغضب (عند الله و) عند (الناس) فيكرهون الانسان المخلف لو عده و قال الله تعالي: (كبر مقتا عند

الله)

اي انه مقت كبير (ان تقولوا ما لا تفعلون) من الاعمال، و الايه عامه شامله للوعد كما تشمل الامر بالحسن و النهي عن القبيح (و اياك) يا مالك (و العجله بالامور) بان تاتي بها (قبل اوانها) جمع آن، بمعني الوقت (او التسقط فيها) اي التهاون- عكس العجله- (عند امكانها) بان جاء وقتها (او اللجاجه فيها) بالاصرار لفعلها (اذا تنكرت) اي صعبت و لم تتيسر، بل اللازم ان يترك الانسان الامر اذا صعب و اشكل (او الوهن) و الضعف (عنها) و عن الاتيان بها (اذا استوضحت) اي وضحت و تيسرت. (فضع كل امر موضعه) اللائق به من الاقدام او الاحجام و الاتيان بالشي ء علي وجه (و اوقع كل امر موقعه) المناسب له (و اياك) يا مالك (و الاستئثار) اي الاستبداد (بما الناس فيه اسوه) اي متساوون بان تخص نفسك بشي ء هو للناس عامه، كان تتملك الانهار العامه، و المعادن الوسيعه و ما اشبه. (و) اياك و (التغابي) اي التغافل (عما تعني به) اي تقصد انت به بان يريده الناس منك (مما قد وضح للعيون) اي ظهر و علم به الناس (فانه) الظاهر ان الضمير عائد الي (ما الناس فيه اسوه) (ماخوذ منك لغيرك) اي ما تملكته و خصصته بنفسك سيوخذ منك لغيرك اذا انتقل الملك عنك فعليك اثمه و لا يبقي في يدك.

(و عما قليل) (ما) زائده و (عن) بمعني (بعد) (تنكشف عنك اغطيه الامور) فان امور الاخره مغطاه لا يراها الانسان الا اذا مات (و ينتصف منك للمظلوم) الذي استاثرت بحقه بعد كون الناس كلهم سواء في ذلك (املك) يا مالك (حميه انفك) اي كبرك و ترفعك (و سوره) اي حده (حدك) اي غضبك (و

سطوه يدك) اي الضرب الشديد بها. (و غرب لسانك) اي شدتها في القوم فان غرب السيف حده فلا تتكبر و لا تغضب و لا تضرب احدا و لا تتكلم كلاما حادا (و احترس) اي احترز و تجنب (من كل ذلك بكف البادره) اي ما يبدر و يسرع منك من لسانك او يدك (و تاخير السطوه) و الشده اذا اردتها، فان في التاخير يرجع العقل الي الانسان فلا يفعل الا اللائق المناسب (حتي يسكن غضبك فتملك الاختيار) في ان تفعل و مقدار ما تفعل، فان الانسان لدي الغضب هائج يفعل ما لا يليق. (و لن تحكم ذلك) الكف للبادره و التاخير للسطوه (من نفسك) بان تقوي نفسك علي زمامها عند الغضب (حتي تكثر همومك) و احزانك (بذكر المعاد) اي الرجوع (الي) ثواب (ربك) و عقابه حتي يتجلي المعاد في النفس، فلا تفعل شيئا الا اذا علم عدم سوء عاقبته

[صفحه 198]

(و الواجب عليك) يا مالك (ان تتذكر ما مضي لمن تقدمك) بان تنظر الي اعمالهم و احوالهم فان السير في احوال الماضين يوقظ الانسان و يرشده الي ما ينبغي ان يعمله، و لذا قال سبحانه: (فسيروا في الارض) (من حكومه عادله) بيان (ما). (او سنه فاضله) اي ذات فضل و حسن (او اثر) اي خبر وارد (عن نبينا (ص) او فريضه في كتاب الله) تعالي (فتقتدي) بالعمل (بما شاهدت مما عملنا به) الضمير عائد الي (ما) في (مما) (فيها) اي في ذكر من الحكومه و السنه و الاثر و الفريضه، و لا يخفي ان السنه هنا اعم من الاثر، اذ المراد بها الطريقه الحسنه سواء كانت عن الانبياء السابقين او نبينا (ص)، او عمل صالح اعتاده الناس

كبناء المدرسه مثلا. ثم ان المراد بقوله (بما شاهدت) ان يكون العمل وفق اعمال الامام و الصحابه الصالحين، لا ان يعمل بظاهر من الظواهر بدون فهم المراد منه فان كثيرا من الظواهر اريد بها غيرها، و انما اوضح المراد الرسول (ص) في عمله مما اقتدي به اصحاب الاخيار، فمثلا المراد من النهي عن الصلاه علي المنافق في قوله سبحانه: (ربائبكم اللاتي في حجوركم) قيدا، و انما لبيان الغالب بقرينه عمل الصحابه و هكذا. (و تجتهد لنفسك) فان فائده الاجتهاد عائده

الي نفسك (في اتباع ما عهدت اليك في عهدي هذا) بان تتعب لتعمل به في كل امورك (و استوثقت) اي طلبت الوثوق (به) اي بسبب هذا العهد (من الحجه لنفسي عليك) بان لا يكون لك عذر اذا خالفت. (لكي لا تكون لك عله) و عذر (عند تسرع نفسك الي هواها) في خلاف ما بينت لك

[صفحه 199]

(و انا اسئل الله بسعه رحمته) اي اجعل سعه رحمته واسطه لانجاح امري و اعطاء طلبتي (و عظيم قدرته علي اعطاء كل رغبه) (علي) متعلق ب (قدرته) فانه سبحانه قادر علي اعطاء كل ما يرغب الانسان اليه (ان يوفقني و اياك) يا مالك (لما فيه رضاه) سبحانه (من الاقامه علي العذر الواضح اليه) تعالي (و الي خلقه) اي يوفقنا لان نقيم علي الحق الذي من عمل به كان له عذر واضح في اعماله، فلا يمكن ان يوخذ بشي ء اذ كلما اشكل عليه اجاب بانه عمل بالحق فتتقدم حجته و لا يوخذ بشي ء (مع حسن الثناء في العباد) بان يذكر الناس له عليه السلام بخير، كما دعا ابراهيم عليه السلام بقوله: (و اجعل لي لسان صدق في الاخرين). (و جميل الاثر) الباقي منا (في

البلاد) بعمارتها و اصلاحها (و تمام النعمه) بان يتم سبحانه علينا نعمه (و تضعيف الكرامه) بان يزيد في كرمه علينا و اكرامه لنا (و ان يختم لي و لك بالسعاده و الشهاده) في سبيل الله (انا اليه) سبحانه (راجعون) و المراد الي حسابه و ثوابه (و السلام علي رسول (ص) اطيبين) فلا خبث فيهم (الطاهرين) فلا قذاره لهم (و سلم تسليما كثيرا) و معني تسليم الله له (ص) جعله سالما من مكاره الدنيا و الاخره، و (السلام).

نامه 054

[صفحه 201]

(الي طلحه و زبير) ارسله مع عمران بن الحصين الخزاعي اليهما، (ذكره ابوجعفر الاسكافي في كتاب المقامات في مناقب اميرالمومنين عليه السلام). (اما بعد) الحمد و الصلاه (فقد علمتما- و ان كتمتما-) اي اخفيتما ما تعلمون (اني لم ارد الناس) و لم اطلبهم لبيعتي (حتي ارادوني) بانفسهم للبيعه (و لم ابايعم) فلم امداد اليهم يدي للبيعه حرصا علي الخلافه (حتي بايعوني) بان بسطوا يدي بالقوه (و انكما ممن ارادني و بايعني) فلي في اعناقكما البيعه (و ان العامه) من الناس (لم تبايعني لسلطان غالب) حتي تقولا انهم بايعوا خوفا فلا شرعيه لهذه البيعه (و لا لعرض) اي مال (حاضر) حتي تقولا انهم بايعوا طمعا، و انما كانت بيعتهم بمجرد الرضا و الرغبه (فان كنتما بايعتماني طائعين) اي بالطوع و الرغبه منكما (فارجعا) عن نقضكما البيعه (و توبا الي الله من قريب) و ادخلا في سائر المسلمين الباقين تحت البيعه. (و انكنتما بايعتماني كارهين) اي كنتما تكرهان بيعتي (فقد جعلتما لي عليكما السبيل) اي الحجه (باظهار كما الطاعه و اسراركما) اي اخفائكما (المعصيه) و النقض فاذا قيل لما يحاربهما علي عليه السلام، اجيب بانهما خانا و نقضا البيعه (و لعمري

ما كنتما باحق ال

مهاجرين بالتقيه و الكتمان) فلا مجال لكما بان تقولا انا خفنا منك، و اتقينا الناس اذ انتما في قوه و منعه و القوي لا يتقي، و انما يتقي الضعيف و سائر المهاجرين مع انهم لم يكونوا بمثل قوتكما لم يتقوا، و لم يخافوا فكيف يمكنكم ادعاء الخوف و التقيه؟. (و ان دفعكما هذا الامر) الي البيعه لي بالخلافه (من قبل ان تدخلا فيه كان اوسع عليكما) عند الله و عند الناس (من خروجكما منه بعد اقراركما به) اذ النقض محرم عند الله قبيح عند الناس، فكيف تمكنتما من الخراج، و لم تتمكنا من عدم الدخول؟ (و قد زعمتمااني قتلت عثمان) و هذا الزعم باطل لانهما كانا يعلمان خلافه، بالاضافه الي ان قتل عثمان ان كان يبرر شيئا فانما يبرر عدم بيعتهما لا نقض البيعه (فبيني و بينكما من تخلف عني و عنكما من اهل المدينه) فان شهدوا علي بذلك فالحق معكما، فلنرجع في التحاكم و الاستشهاد اليهم. (ثم يلزم كل امرء) مني و منكما (بقدر ما احتمل) من الاشتراك في دم عثمان، فقد كانا يحرضان علي قتله، بينما الامام يصلح و ينصح الجانبين (فارجعا ايها الشيخان) يا طلحه و يا زبير (عن رايكما) في القتال و نقض البيعه (فان الان اغظم امركما) ان رجعتما (العار) فيقال انهما تابا، و هذا عار خفيف

(من قبل ان) تموتا ف (يتجمع العار و النار) في الاخره (و السلام).

نامه 055

[صفحه 204]

الي معاويه (اما بعد) الحمد و الصلاه (فان الله سبحانه قد جعل الدنيا) طريقا و محل عمل (لما بعدها) من الاخره (و ابتلي) اي امتحن (فيها اهلها ليعلم ايهم احسن عملا) و معني ليعلم، ان يصير علمه

خارجيا بان يوجد ما كان يعلمه منذ الازل (و لسنا) نحن البشر (للدنيا خلقنا) و انما خلقنا للاخره (و لا بالسعي فيها) لاجلها (امرنا) و انما امرنا بالسعي للاخره (و انما وضعنا فيها لنبتلي) اي نمتحن (بها) اي بالدنيا و زخارفها. (و قد ابتلاني الله بك و ابتلاك بي) فكل يمتحن بالاخر (فجعل احدنا حجه علي الاخر) فان الامام عليه السلام كان حجه علي معاويه (فعدوت) اي و ثبت انت يا معاويه (علي الدنيا بتاويل القرآن) حيث اولت آيه القصاص بالنسبه الي، و الحال انا بري من دم عثمان (فطلبتني بما لم تجن يدي) اي بجنايه لم افعلها (و لا لساني) فلم احرض عليها (و عصبته) اي ربطت ذلك الامر و هو دم عثمان (انت و اهل الشام بي) مع اني بري من ذلك. (و الب) اي حرض (عالمكم) بالواقع من برائتي (جاهلكم) علي (و قائمكم) الذي قام بالمطالبه (قاعدكم) الذي لم يكن له داع في المطالبه (فاتق الله) يا معاويه (في نفسك) اي خوفا باطنا يردعك عن الاثام، لا اظهار الخوف فقط (و

نازع الشيطان قيادك) اي جاذب قيادك من الشيطان لئلا يرديك الي النار (و اصرف الي الاخره وجهك) عوض صرفه الي الدنيا (فهي) اي الاخره (طريقنا و طريقك) فاللازم ان نتهيي ء له. (و احذر ان يصيبك الله منه) اي من جانبه سبحانه (بعاجل قارعه) القارعه هي المصيبه تمس الانسان بشده، كما يقرع الشي ء بالشي ء، و المراد عذاب عاجل في الدنيا (تمس الاصل) اي اصلك (و تقطع الدابر) اي: فرعك، و هذا كنايه عن انه لا يذر اصلا و لا فرعا (فاني اولي) اي احلف (لك بالله اليه) اي حلفا (غير فاجره) اي غير خانثه

و لا كاذبه (لئن جمعتني و اياك جوامع الاقدار) اي الاقدار التي تجمع بين شخصين (لا ازال بباحتك) اي بساحتك بمعني دوام الحرب معك (حتي يحكم الله بيننا) بغلبه احدنا علي الاخر او بموت احدنا (و هو خير الحاكمين) الذين يحكمون بالعدل.

نامه 056

[صفحه 206]

(وصي بها شريح ابن هاني لما جعله علي مقدمته في الشام) (اتق الله) يا ابن هاني (في كل صباح و مساء) اي نهار و ليل (و خف علي نفسك الدنيا الغرور) اي خف من خدعه الدنيا التي تغر الانسان و تخدعه (و لا تامنها علي حال) بان تظن انها لا تخدعك و لا تنال منك (و اعلم انك ان لم تردع نفسك) و تاخذ امامها (عن كثير مما تحب مخافه مكروه) يصل اليك (سمت) اي ارتفعت (بك الاهواء) جمع هوي، بمعني: الميول النفسيه و الشهوات (الي كثير من الضرر) فمثلا لو اخذ الانسان في عداوه الناس مخافه نقص جاهه، اذا اطلق امرهم امتد ذلك العداء الي اضرار كثيره (فكن لنفسك) يابن هاني (مانعا) عن المضرات (رادعا) اي زاجرا. (و لنزوتك) اي و ثبتك (عند الحفيظه) اي الغضب (و اقما) اي قاهرا (قامعا) اي قالعا، فاذا غضبت فلا تسطو علي من غضبت عليه، بل تدبر الامر، و اعمل حسب الصلاح و الحكمه.

نامه 057

[صفحه 207]

(الي اهل الكوفه عند مسيره من المدينه الي البصره) في حرب الجمل. (اما بعد) الحمد و الصلاه (فاني خرجت من حيي هذا) الحي: محل القبيله، و المراد به المدينه المنوره، محل سكني الامام (اما ظالما و اما مظلوما و اما باغيا) البغي هو الظلم، لكنه اخص منه، لان البغي ظاهر في ظلم الغير بخلاف الظلم الذي هو اعم من ظلم النفس (و اما مبغيا عليه) و المراد كونه عليه السلام بالنسبه الي اعدائه طلحه و الزبير و عائشه، في احدي الحالتين. (و اني اذكر الله) اي اطلب باسم الله سبحانه (من بلغه كتابي هذا) هذا مفعول (اذكر) (لما نفر الي) اي سافر و خرج من

الكوفه قاصدا نحوي (فان كنت محسنا اعانني) في امري (و ان كنت مسيئا استعتبني) اي طلب مني الرجوع عن اسائتي، و هذا الكلام من الامام عليه السلام في غايه الانصاف. و قد قال قبله عليه السلام القرآن الكريم: (انا و اياكم لعلي هدي او في ضلال مبين).

نامه 058

[صفحه 208]

(كتبه الي اهل الامصار يقص فيه ما جري بينه و بين اهل صفين) معاويه و اتباعه. (و كان بدء امرنا) اي ابتداء الحرب (ان التقينا و القوم من اهل الشام) معاويه و اصحابه (و الظاهر) اي و الحال ان الظاهر هو من حال الجانبين (ان ربنا واحد و نبينا واحد و دعوتنا في الاسلام واحده) لان كل جانب يدعوا الي الاسلام (و لا نستزيدهم) اي لا نطلب منها الزياده (في الايمان بالله و التصديق برسوله) لانهم معترفون بالامرين (و لا يستزيدوننا) اي لا يطلبون منا الزياده علي الامرين (الامر) بيننا و بينهم (واحد) لا اختلاف فيه (الا ما اختلفنا فيه من دم عثمان و نحن منه براء) اي بريئون اذ لم نرق نحن دم عثمان، فكان اولئك يلقون الدم علينا و كنا نحن نظير البرائه منه. (فقلنا) لهم (تعالوا نداوما لا يدرك اليوم) اي نجعل للامر دواء، فان عثمان لا يعود حيا، و انما نتيجه الخصام تشتت الكلمه، فتعالوا لنداوي هذا الامر (باطفاء الثائره) اي نخمد الفتنه التي ثارت و انتشرت (و تكسين العامه) اي عامه الناس (حتي يشتد) و يقوي (الامر) اي امر الاسلام (و يستجمع) اي يجمع اطرافه (فنقوي علي وضع الحق مواضعه) المقرره في الشريعه. (فقالوا: بل) جواب لنفي كلام الامام عليه

السلام (نداويه بالمكابره) اي المعانده، فتركوا التصالح و التفاهم الذي دعوتهم عليه الي المحاربه و

المعائده (فابوا) الاصلاح (حتي جنحت الحرب) اي مالت بان قويت بميل اولئك لها (و ركذت) اي استقرب و قامت (و وقدت) اي اشتعلت (نيرانها) تشبيه للحرب بالنار لانها تفني الرجال و الاموال كما تفني النار الحطب (و حمست) اي اشتدت و صلبت. (فلما ضرستنا) الحرب اي عضتنا باضراسها (و اياهم) بان افنت منا و منهم (و وضعت مخالبها) جمع مخلب، و هو اظفر السبع، تشبيه للحرب به (فينا و فيهم) بان صرنا جميعا فريسه لها (اجابوا عند ذلك الي) الصلح و المفاهمه (الذي دعوناهم اليه) قبل ان تنشب الحرب بان حكموا القرآن، و قالوا ما حكم القرآن اتبعناه (فاجبناهم الي ما دعوا) من المصالحه و المفاهمه (و سارعناهم) اي طلبنا سرعتهم (الي ما طلبوا) من التفاهم. (حتي استبانت عليهم الحجه) اي ظهرت بان الحق لنا، و لم نكن شركاء في دم عثمان (و انقطعت منهم المعذره) اي لم يكن لهم عذر في شق عصي الطاعه علينا (فمن تم علي ذلك) الذي ظهر بان رجع الي الحق (فهو الذي انقذه الله) اي نجاه (من الهلكه) اي الهلاك الاخروي باتباع معاويه. (و من لج) في البقاء علي الباطل (و تمادي) اي استمر في

الغي (فهو الراكس) اي الناكث الذي قلب عهده (الذي ران الله علي قلبه) اي غطي قلبه، حتي يتيه في الضلال، بعد ان راي سبحانه منه اعراضا عن الحق مع علمه به (و صارت دائره السوء علي راسه) فان الايام تدور بالخير و الشر، فاذا صارت دائره السوء علي راس احد، كان معناه انه وقع في السوء، و هذا من باب التشبيه كما لا يخفي.

نامه 059

[صفحه 210]

(الي الاسود بن قطبه، صاحب جند حلوان) و هي من

ايالات فارس ايران. (اما بعد) الحمد و الصلاه (فان الوالي اذا اختلف هواه) بان جري مع اهوائه و ميوله النفسيه، بخلاف الذي يتبع الدين فان هواه واحد لا يختلف (منعه ذلك) الاختلاف (كثيرا من العدل) اذ انه يتبع الهوي لا الحق (فليكن امر الناس عندك في الحق سواء) لا تلاحظ ميلك الي بعضهم دون بعض (فانه ليس في الجور عوض عن العدل) فان الجور لا ياتي بالنتائج التي ياتي بها العدل في الدنيا و الاخره. (فاجتنب ما تنكر امثاله) اذا صدر عن الاخرين اي لا تفعل الشي ء الذي تنكره اذا فعله غيرك، مثلا كيف تنكر ظلم الناس لك، فانكر ظلمك للناس و اجتنبه (و ابتذل) اي ابذل (نفسك في ما افترض الله عليك) اي الواجبات (راجيا ثوابه) اي في حالكونك ترجوا ثوابه تعالي (و متخوفا عقابه) اي خائفا من عقابه تعالي. (و اعلم ان الدنيا دار بليه) اي بلاء و عناء (لم يفرغ صاحبها فيها) اي في الدنيا (قط) اي ابدا (ساعه) واحده (الا كانت فرغته) اي: فراغه (عليه حسره يوم القيامه) لانه يندم علي ان لم يعمل في تلك الساعه ما يوجب ثوابه و رفعه درجته. (و انه لن يغنيك عن الحق شي ء ابدا) اذ الباطل لا ياتي بالثمار الطيبه الت

ي ياتي بها الحق (و من الحق عليك حفظ نفسك) عن المحرمات و الاثام (و الاحتساب) اي المراقبه (علي الرعيه بجهدك) حتي لا ينحرفوا عن طريق الحق (فان) الثواب (الذي يصل اليك من ذلك) الاحتساب علي الرعيه (افضل من الذي يصل بك) بسبب هذا الاحتساب من الجهد و الاذي (و السلام).

نامه 060

[صفحه 212]

(الي العمال الذين يطي الجيش عملهم) اي يمر جيش الامام باراضيهم (من

عبدالله علي اميرالمومنين الي من مر به الجيش) اي جيش الامام (من جباه الخراج) جمع جابي و هو الذي يجمع الخراج من الاراضي (و عمال البلاد) جمع عامل، و هو المنصوب من قبل الخليفه لاداره البلاد (اما بعد) المقدمه (فاني سيرت جنودا) اي امرتهم بالسير (هي ماره) اي تمر (بكم انشاء الله و قد اوصيتهم بما يجب لله عليهم من كف الاذي) بان لا يوذوا من في طريقهم (و صرف الشذي) اي الشربان لا يعملوا شرا بالنسبه الي احد. (و انا ابرء اليكم) اي اظهر برائتي بالنسبه اليكم (و الي ذمتكم) فان من في ذمه الخليفه و تحت رعايته محترم فالاعتذار الي الذمه اعتباري (من معره الجيش) اي اذاه، فاني لا ارضي بذلك فاذا آذي الجيش احدا فليس من قبلي و لا برضاي (الا من جوعه المضطر) فاذا اصاب الجيش احدا فليس من قبلي و لا برضاي (الا من جوعه المضطر) فاذا اصاب الجيش جوع اضطر معه الي تناول ما يسد به رمقه فلا باس عليه، لان الله سبحانه اباح للمضطر رفع اضطراره بشرط ان (لا يجد عنها) اي عن تلك الجوعه (مذهبا) يذهب اليه في سد رمقه (الي شبعه) غير التناول من اموال الناس (فنكلوا من تناول منهم) اي م

ن الجيش و التنكيل: العقوبه (بشيئا ظلما عن ظلمهم) اي عوض ظلمهم فاذا اراد الجيش ان يتناول شيئا حراما استحق العقاب و علي العامل للامام ان يعاقبه. (و كفوا ايدي سفهائكم) اي امنعوهم (عن مضارتهم) اي ايراد الضرر بالجيش (و التعرض لهم) حتي لا يتعرضوا الي الجيش بسوء (فيما استثنيناه منهم) اي من الجيش، و المستثني هو حاله الاضطرار، فاذا اضطر الجيش الي تناول ما

يسد به رمقه، فلا يحق لاحد ان يتعرض بهم لدفعهم و انما لصاحب المال الحق في ان يطالب بالثمن كما قرر في الشريعه (و انا بين اظهر الجيش) اي في وسطهم، و هذا اما من باب ان الامام عليه السلام كان حاضرا في الجيش- كما هو الظاهر- او مجاز من باب قرب وصول الانسان في العاصمه، و كانه لاشرافه علي الجيش بين اظهرهم. (فارفعوا الي مظالمكم) جمع مظلمه، بمعني: الظلم، فاذا ظلم الجيش احدا و لم يقدر علي دفعه، فليرفع الي الامام شكايته (و ما عراكم) اي عرض و طرء عليكم (مما يغلبكم) فلا تقدرون علي كفه (من امرهم) اي امر الجيش (و ما لا تطيقون دفعه الا بالله) اي بحوله و قوته (و بي) اي بسببي (فانا اغيره) اي اغير ذلك الظلم (بمعونه الله) و عونه (انشاء الله) تعالي.

نامه 061

[صفحه 214]

(الي كميل بن زياد النخعي و هو عامله علي (هيت) ينكر عليه: تركه من يجتاز به من جيش العدو) معاويه في حالكون الجيش (طالبا الغاره). (اما بعد) الحمد و الصلاه (فان تضييع المراء ما ولي) اي ما جعل واليا عليه (و تكلفه ما كفي) بان يتكلف العمل لما لم يجب عليه (لعجز حاضر) اذ لم يفعل ما وجب عجزا (و راي متبرء) من تبر اذا اهلكه، اي راي فاسد اذ فعل ما لم يجب عليه (و ان تعاطيك) اي اعطائك للعدو المجال ل (الغاره علي اهل قرقيسيا) و هي بلده علي الفرات (و تعطيلك مسالحك) جمع مسلحه، و هي الثغر الذي يلي حدود البلاد، و تسمي بذلك لكونها موضع الرجل و السلاح (التي و ليناك) اي فرضنا امرها اليك (ليس بها من يمنعها) من جراء

اهمالك شانها. (و لا يرد الجيش) الذي هيئه العدو (عنها لراي شعاع) اي متفرق غير مجتمع لحفظ البلاد و مكافحه العدو (فقد صرت) باهمالك لبلادك (جسرا لمن اراد الغاره من اعدائك علي اوليائك) اذ انهم راو ضعفك فعبروا الي البلاد فكانك جسر لهم، و لو راو فيك قوه لما تجاسروا علي الغاره في حالكونك (غير شديد المنكب) هو مجتمع الكتف و العضد و هذا كنايه عن القوه (و لا مهيب الجانب) حتي يهابه و يخافه العدو (و لا ساد ثغره) و هي: الف

رجه التي يدخل منها العدو (و لا كاسر لعدو شوكه) اي هيبه و عزه (و لا مغن عن اهل مصره) فلم يفدهم في دفع عدوهم (و لا مجز عن اميره) فان الامام لم يجزه بالمدح و الثناء لانه لم يفعل ما يستحق ذلك، و انما فعل العكس.

نامه 062

[صفحه 216]

(الي اهل مصر، مع مالك الاشتر) ارسله معه (لما و لاه امارتها) (اما بعد) الحمد و الصلاه (فان الله سبحانه بعث محمدا (ص)) اي ارسله (نديرا للعالمين) اي مخوفا لهم، ان لم ياخذوا بالاسلام اصولا و فروعا (و مهيمنا) اي شاهدا و حافظا (علي المرسلين) فكل زياده او نقيصه في دينهم- مما حرفه الناس- يبين الرسول ذلك حتي يرجع دين المرسلين كما جائوا به، لا كما فعلته اقوامهم من بعدهم (فلما مضي عليه السلام) الي لقائه ربه (تنازع المسلمون الامر) اي في امر الخلافه (من بعده فو الله ما كان يلقي في روعي) اي في قلبي. (و لا يخطر ببالي) اي بذهني (ان العرب تزعج) اي تزيل و تنقل (هذا الامر) اي الخلافه (من بعده) اي بعد الرسول ((ص) عن اهل بيته) الي غيرهم، و المراد

ان الموازين الظاهريه كانت تقتضي ذلك، لا ان الامام لم يكن يعرف الامر من السابق، و الا فقد كان الامام يعلم كل شي ء كما اوصاه الرسول (ص)، و انما يكني عن استبعاد المطلب ب (عدم الظن) او (عدم الالقاء في الروع) او ما اشبه. (و لا انهم منحوه) من نحاه بمعني صرفه و بعده (عني من بعده) الي غيري (فما راعني) اي خوفني و ازعجني (الا انثيال الناس) اي انصبابهم (علي فلان) يعني ابابكر (يبايعو

نه) للخلافه (فاسكت يدي) اي كففتها عن العمل في ضده خوف الفتنه (حتي راجعه الناس) اي الناس الذين رجعوا الي ورائهم بترك حكم الرسول (ص) في نصبي خليفه (رجعت عن الاسلام يدعون الي محق دين محمد (ص)) اي ابطاله، فان كل شي ء يخالف دين الاسلام محق له، اذ الاسلام كل لا يتبعض فكيف برفض هذا الركن المهم الذي هو الخلافه و الامامه. (فخيشت ان لم انصر الاسلام و اهله) بكفي عن المنازعه، و اعطاء رايي في كيفيه الفتوح و سائر المشاكل (ان اري فيه) اي في الاسلام (ثلما) اي خرقا (او هدما) بان يقلع الاسلام عن اصله (تكون المصيبه به) اي بسبب ذلك الثلم او الهدم (علي اعظم من فوت و لايتكم) و الاماره عليكم (التي هي متاع ايام قلائل) جمع قليله، و المراد بالايام ايام الدنيا، و المتاع ما يتمتع به الانسان. (يزول منها) اي من تلك الايام (ما كان) و وجد (كما يزول السراب) الذي يترائي في الصحراء و ليس له حقيقه (او كما يتقشع) و يبيد (السحاب) في الهواء فلا يبقي منه اثر (فنهضت في تلك الاحداث) انبه و ارشد و اسدد و اقوم (حتي زاح الباطل) الذي

كان يخشي منه علي الاسلام، كقيام مسيلمه و اشباه ذلك (و زهق) اي مات و بطل (و اطمئن الدين) اي ثبت و استقر (و تنهنه) اي منع ع

ن الزوال يقال نهنهته اي منعته و كففته، و تنهنه مطاوع له (و منه) اي من هذا الكتاب.

[صفحه 218]

(اني و الله لو لقيتهم) و المراد اجناد الشام في حالكوني (واحدا، و هم طلاع الارض كلها) الطلاع ملا الشي ء، اي في حالكونهم يملئون الارض (ما بليت) اي ما اهتمت بهم (و لا استوحشت) اي ما خفت (و اني من ضلالهم الذي هم فيه، و الهدي الذي انا عليه لعلي بصيره) اي اني اعرف ضلالهم، و اني علي الهدي لا اشك في ذلك (من نفسي) اي انا منشاء البصيره نفسي. (و يقين من ربي) اي من جانبه سبحانه، فانه هو المتفضل باليقين (و اني الي لقاء الله) اي الموت الذي فيه لقاء حساب الله و جزائه (لمشتاق و) الي (حسن ثوابه) اي ثوابه الحسن (لمنتظر) انتظران ياتيني (ارجع) اصله راجي، اسم فاعل من رجا يرجو (و لكنني آسي) اي احزن (ان يلي امر هذه الامه سفهائها) اي معاويه و اتباعه و السفيه هو الذي يخالف الحق، كما قال سبحانه: (سيقول السفهاء من الناس) (و فجارها) جمع فاجر، و هو المبالغ في المعصيه. (فيتخذوا مال الله دولا) جمع دوله، و هي ما يتدوال، و المراد يتصرف بعضهم و يعطيه الي الاخره، بدون وضعه في حقه، و اعطائه لمصالح المسليمن (و عباده خولا) اي عبيدا، يفعلون بهم كما يفعل السيد بعبده (و الصالحين حربا) اي محاربين (و الفاسقين حزبا) اي يجعلونهم حزبهم و طر

ف اعمالهم و مشاوراتهم، عوض الصالحين (فان منهم) اي

من هولاء السفهاء الذين سيطروا علي الامر (الذي قد شرب فيكم الحرام) كمغيره بن شعبه و عتبه ابن ابي سفيان شربا الخمر و جلدا في قصه مذكوره في التواريخ. (و جلد حدا في الاسلام) فان حد شارب الخمر ثمانون جلده (و ان منهم من لم يسلم حتي رضخت له) اي اعطيت له (علي الاسلام) اي لاجل ان يسلم (الرضائخ) اي العطايا، و هو ابوسفيان و معاويه و عمرو بن العاص، فانهم كانوا من المولفه قلوبهم الذين السلموا بعد اعطاء النبي لهم الاموال، اتقائا من شرهم علي الاسلام و المسلمين. (فلو لا ذلك) الذي احزن من سيطره هولاء السفهاء عليكم، ان توانيتم في الامر (ما اكثرت تاليبكم) اي تحريضكم ضد هولاء (و تانيبكم) اي لومكم في ميل قلوب بعضكم اليهم و عدم قيامكم ضد هم (و جمعكم) تحت لواء الحق لتبتعدوا عن هولاء (و تحريضكم) و حثكم (و لتركتكم) و شانكم (اذا ابيتم) عن الانضواء تحت لوائي (و ونيتم) اي ابطاتم عن اجابتي (الا ترون الي اطرافكم) اي اطراف بلادكم و جوانبها (قد انتقصت) قد نقصت بسبب استلاب معاويه لها (و الي امصاركم) جمع مصر، بمعني: البلده (قد افتتحت) اي: افتتحها العدو. (و الي ممالككم تزوي) اي تقبض من ناحيه ا

لعدو (و الي بلادكم تغزي) اي تغزوها الاعداء (انفروا) اي اذهبوا و سافروا (- رحمكم الله-) جمله خبريه في معني الدعاء (الي قتال عدوكم) معاويه و مرده اهل الشام. (و لا تثاقلوا الي الارض) اثاقل اي تتاقل عن الخروج كانه لاصق بالارض (فتقروا) بعمني الاقامه (بالخسف) اي بالذل و الانهضام (و تبووا) اي: ترجعوا (بالذل) اي الذله تحت نفوذ الاعداء (و يكون نصيبكم) في الدنيا و الاخره

(الاخس) اي الاقل الموجب للذله (و ان اخا للحرب الارق) اي الساهر، فان من يريد الحرب لا ينام، و هذا تحريض لهم علي ان لا يناموا علي العمل (و من نام لم ينم عنه) اي لا ينام الناس عنه، بل هم ساهرون لازالته و ابادته (و السلام).

نامه 063

[صفحه 221]

(الي ابي موسي الاشعري، و هو عامله علي الكوفه، و قد بلغه عليه السلام عنه تثبيطه الناس) اي ترغيبهم في العقود عن الحرب (علي الخروج اليه عليه السلام لما ندبهم لحرب اصحاب الجمل). (من عبدالله علي اميرالمومنين الي عبدالله بن القيس) هذا اسم ابي موسي الاشعري (اما بعد) المقدمه (فقد بلغني عنك قول هو لك و عليك) اي لنفعك و ضررك اما نفعه بالتثبيط لانه يسلم عن عواقب الجهاد و الحرب في الدنيا، و اما كونه عليه فلانه يوجب ذهاب دنياه لسخط الامام عليه و اخرته لانه خالف ولي امر المومنين باحلق و المخالف له في النار (فاذا قد رسولي) الحامل لكتابي (عليك فارفع ذيلك) اي ذيل ثوبك (و اشدد مئزرك) هو الذي يلبس مكان السراويل، و هذان كنايه عن استعداده للجهاد (و اخرج من حجرك) اي مقرك تشبيه له بثقب الحيوان (و اندب) اي ادع للجهاد (من معك) من المسلمين (فان حققت) ما امرتك (فانفذ) اي طبق الامر. (و ان تفشلت) من الفشل ضد النجاح بان لا تريد تنفيد الامر (فابعد) عن الولايه فقد عزلتك (و ايم الله) حلف بالله سبحانه فان (ايم) من الفاظ القسم (لتوتين من حيث انت) اي لابد لك من الاتيان و الخروج عن محلك (و لا تترك) في امن و سلامه (حتي يخلط زبدك

بخاثرك) قالوا ان اصل هذا المثل ان الشخص يعمل السمن فيختلط

خاثره برقيقه، فيتحير ان اوقد النار تحته حتي يصفو احترق، و ان تركه كما هو بقي كدرا، فهو متحير في امره، و هذا مثل لمن يتحير في امره فلا يدري اي العملين ياتي به. (و ذائبك بجامدك) هذا من تتمه المثل لان الخاثر هو الجامد، و الزبد هو الذائب (و حتي تعجل) اي يوتي بما يسبب تعجيلنا (في قعدتك) هي بمعني هيئه القعود و المراد ولايته، و المعني نضع واحدا مكانك، و نعزلك عن الولايه (و) حتي (تحذر من امامك كحذرك من خلفك) اي يحيط الخوف بك، من الامام و من الخلف لان المخالف للخليفه يحذر علي كل حال سواء بقي في الحكم او عزل. (و ما هي) اي ما هذه الصفه التي هي عزلك و احاطه الخوف بك (بالهويني) مونث اهون (التي ترجو) فانه كان يرجو بقائه في امارته سالما عن اخطار الحرب، اما ان يعزل و يخاف فهو صعب عليه (و لكنها) اي: هذه الصفه (الداهيه) اي المصيبه (الكبري) من مصيبات الدهر (يركب جملها) كنايه عن لزوم الاستعداد لها، كمن يستعد للدفاع و المحاربه فيركب الجمل. (و يذلل صعبها) كمن يريد معالجه الامور فيذل الصعب منها ليتسني له الوصول الي غايته (و يسهل جبلها) اي يجعل السير في الجبل لاجله سهلا (فاع

قل) من العقال بمعني الشد (عقلك) لئلا يسرح في مراتع الغي و الضلال (و املمك امرك) لئلا يفوت من يدك (و خذ نصيبك و حظك) فلا يفوتك نصيبك من الخير بلجاجك في ترك مساعده الامام عليه السلام (فان كرهت) مساعده الامام (فتنح) اي اعتزل الولايه و ابتعد عنها (الي غير رحب) اي الي مكان غير وسيع. (و لا في نجاه) بل في هلاك

الدنيا و الاخره (فبالحري) اي الجدير (لتكفين) اي نكفيك امر القتال، و لا نحتاج اليك (و انتم نائم) اي كالنائم الذي ليس نصيب (حتي لا يقال: اين فلان؟) يعني اباموسي (و الله انه) اي امر بصره (لحق مع محق) اي مع الامام لا مع اصحاب الجمل (و ما ابالي ما صنع الملحدون) الذين الحدوا و انحرفوا عن منهج الاسلام يخروجهم علي امامهم و نقضهم بيعتهم (و السلام).

نامه 064

[صفحه 224]

(الي معاويه جوابا) عن كتبه اليه عليه السلام (اما بعد) الحمد و الصلاه (فانا كنا نحن و انتم- علي ما ذكرت) يا معاويه (من الالفه و الجماعه) اي الائتلاف و الاجتماع، قبل بزوغ نور الاسلام (ففرق بيننا و بينكم امس) حين ظهور الاسلام و انبعاث الرسول (ص) (انا آمنا و) انتم (كفرتم) بالله و الرسول (و اليوم انا استقمنا) علي جاده الاسلام (و) انتم (فتنتم) اي انحرفتم الي الضلاله. (و ما اسلم مسلمكم) كمعاويه و ابي سفيان و هند (الا كرها) حيث انهم آمنوا حين الفتح خوفا من ان يهدر الرسول (ص) دمائهم، بما اقترفوا من الاجرام ضد الرسول (ص) و الاسلام (و بعد ان كان انف الاسلام) و هو اشراف الجزيره، لان فتح مكه كان من اواخر غزوات الرسول (ص) حزبا) فان اشراف العرب صاروا من حزب الرسول: (و رايت الناس يدخلون في دين الله افواجا). (و ذكرت) يا معاويه تريد تنقيصي (اني قتلت طلحه و الزبير) في واقعه الجمل (و شردت بعائشه) اي طردتها، و فرقت جمعها و ارجعتها الي المدينه (و نزلت بين المصرين) كوفه و البصره، و كانه عيب بنظر معاويه، اذ ترك الامام دار الهجره (و ذلك امر غبت عنه) اذ لم يكن معاويه

في واقعه الجمل (فلا عليك) امره (و لا العذر فيه اليك)

لو كنت مقصرا، بينماانا لم اقتل طلحه و انما قتله مروان، و لم اقتل الزبير بل قتله ابن جرموز، و احترمت عائشه حيث ارجعتها الي دارها التي جعلها الله لها بدون ان اعاقبها بجزاء فعلها، و نزولي المصرين تحفظا علي الاسلام من كيدك و كيد امثالك ممن بيتوا الشر بالاسلام. (و ذكرت انك زائري في المهاجرين و الانصار) فان معاويه هدد الامام عليه السلام في كتابه بانه يقبل عليه لمحاربته في المهاجرين و الانصار، فرده الامام اولا ليس من المهاجرين و لا من الانصار- مما اوهم كلامه عليه اللعنه بانهم منهم- و ثانيا بانه مستعد للقائه اكبر استعداد. (و قد انقطعت الهجره يوم اسر ابوك) فان الرسول (ص) قال: لا هجره بعد الفتح، و كان ابوسفيان انما جاء مع الرسول (ص) بعد الفتح حيث كان تحت لوائه في حرب حنين، فليس معاويه من المهاجرين و لا من الانصار الذين كانوا في المدينه، و المراد باسر ابيه حين وقع في ايدي المسلمين قبل ليله الفتح في قصه طويله، فقوله: (في المهاجرين و الانصار) مما يوهم انك منهم، ادعاء فارغ ليس له حقيقه (فان كان فيك عجل) اي تعجيل لملاقاتي (فاسترفه) من الرفاهيه اي نفس عنك و تعجل كما تريد (فان ان ازرك) و اراك فذلك جدير ان يكون الله انما بعثن

ي اليك للنقمه منك) اي الانتقام لاعمالك التي عملتها. (و ان تزرني) بان تاتيني (فكما قان اخو بني اسد) من شعرائهم: (مستقبلين رياح الصيف تضربهم) (بحاصب بين اغوار و جلمود) رياح الصيف شديده الحراره تحمل الغبار و الحجاره، فاذا هبت علي الانسان تضرب وجهه بالحراره و الغبار و الحجاره،

و الحاصب ريح تحمل التراب و الحصي، و اغوار جمع غور بمعني الغبار، و الجلمود الصخر، اي ان حال معاويه كحال من استقبل رياح الصيف، حين ما يلاقي الامام لما يلقاه من غبار الحرب و السيوف و الرماح. (و عندي السيف الذي اعضضته) اي جعلته يعض، و ذلك كنايه عن القتل (بجدك) يا معاويه، و هو عتبه بن ربيعه (و خالك) الوليد بن عتبه (و اخيك) حنظله (في مقام واحد) و هو يوم بدر حيث قتل جميعهم الامام عليه السلام في ذلك اليوم، و هذا اللتلويح بانك ايضا تلحق بهم اذا حاربتني. (و انك- و الله- ما علمت) اي الشخص الذي عرفته منذ السابق و (ما) موصوله (الاغلف القلب) اي الذي قلبه في غلاف فلا يعرف الحق (المقارب العقل) اي الناقص العقل فليس في عقله سعه يري البعيد و يدرك الحق (و الاولي ان يقال لك) و في شانك (انك رقيب سلما اطلعك مطلع سوء عليك لالك) و السلم طماحه الي الخلافه، و مطلع ا

لسوء الذي عليه شقائه في الدنيا و لعن الاجيال له، و في الاخره بالعذاب و النار. (لانك نشدت غير ضالتك) الضاله ما فقده الانسان من مال و نحوه، الضاله الفحص عنها و طلبها، و هذا مثل يضرب لمن طلب غير حقه (و رعيت غير سائمتك) السائمه الماشيه من الحيوان، و رعيها عباره عن اطلاقها في المرعي، و من رعي غير سائمه كان ظالما للناس باخذ بهائمهم. (و طلبت امرا) هو الولايه و الخلافه (لست من اهله و لا في معدنه) لانك ظالم طاغ، و مثله لا يصلح لاماره المسلمين (فما ابعد قولك من فعلك) فقولك اظهار ان الحق معك، و فعلك الغدر

و الختل و الخروج عن الطاعه (و قريب ما اشبهت) (ما) مصدريه، اي قريب شباهتك (من اعمام و اخوال) اي اقربائك الكفار الذين حاربوا الرسول في مختلف المناطق، و انت هكذا ترفض حكم الرسول (ص) في وصيه. (حملتهم الشقاوه) اي كونهم اشقياء النفوس (و تمني الباطل) بان يمحقوا الاسلام (علي الجحود) اي الانكار (ب) رساله (محمد (ص) فصرعوا) اي قتلوا و وقعوا في (مصارعهم) اي المحلات التي وقعوا فيها صرعي، كبدر واحد و غيرهما (حيث علمت) اماكن صرعهم (لم يدفعوا) عن انفسهم (عظيما) و هو الموت (و لم يمنعوا حريما) اي حريمهم عن الذل، و كان صرعتهم (بوقع سيوف

) وقعت عليهم (ما خلا منها الوغي) الوغي: الحرب، اي لم تخل الحروب من تلك السيوف بل انها باقيه الي هذا اليوم. (و لم تماشها) اي تلك السيوف (الهويني) اي لم ترافق تلك السيوف المساهله، و الهون، بل انما شديده علي اعداء الله (و قد اكثرت) يا معاويه من الكلام (في قتله عثمان) مطالبا مني دمه، ليتسني لك بهذه الخديعه نقض البيعه العامه، و الخروج عن الطاعه و قتله جمع قاتل (فادخل فيما دخل فيه الناس) اي طاعتي و بيعتي (ثم حاكم القوم) الذين قتلوا عثمان (الي احملك و اياهم علي كتاب الله تعالي) و ابين ان الحق لمن و علي من. (و اما تلك التي تريد) من اماره الشام، و جعلت كل ذلك عذرا و وسيله اليها (فانها خدعه الصبي عن اللبن في اول الفصال) فان الصبي يخدع فيما يفصل عن لبن امه، فان ارادته للشام مثل خدعه الصبي، في كون كليهما ضعيف لا ينتج ظاهر للناس، او المراد ان جعلك قتل عثمان وسيله خدعه، مثل

خدعه الصبي مما لا يخفي علي احد (و السلام لاهله) اي لمن يستحق السلام، لا مثل معاويه الذي يستحق الحرب.

نامه 065

[صفحه 229]

(اليه) اي الي معاويه (ايضا) (اما بعد) الحمد و الصلاه (فقد آن لك). اي صار الوقت (ان تنتفع باللمح الباصر) اي بنظر العين (من عيان الامور) اي من جهه معاينه الامور و ادراك الحقائق، يقال لارينك لمحا باصرا، اي امرا واضحا، اي قد ظهر لك الحق، فعليك ان تنتفع بن (فقد سلكت مدارج اسلافك) اي في الطريق الذي سار فيه اجدادك و اقربائك، و مدارج جمع مدرج بمعني الطريق لانه يدرج فيه (ب) سبب (ادعائك الاباطيل) اي حيث ادعيت الادعائات الباطله (و اقتحامك) اي دخولك، او ادخل الناس (غرور المين) المين الكذب الفاضح. (و الاكاذيب) اي حيث ادخلت نفسك، او ادخلت الناس، في اكاذيب توجب الغرور و الخداع (و بانتحالك) اي ادعائك لنفسك (ما قد علا عنك) اي المقام الذي هو ارفع منك (و ابتزازك) اي سلبك (لما اختزن دونك) اي منع منك و هي الاماره، و الاختزان هو جعل الشي ء في الخزينه ليمنع عن الناس و لا يتناوله كل احد (فرارا من الحق) اي و ذلك لارادتك ان تفر من الحق. (و جحودا) اي انكارا (لما هم الزم لك من لحمك و دمك) و مصداق (ما) بيعه الامام، و كونه الزم، باعتبار ان توابع البيعه يلزمه حتي بعد موته و فراقه عن جسده (مما قد و عاه سمعك) فسمعت ببيعه النا

س للامام (و ملي ء به صدرك) فعرفت ذلك حق المعرفه (فماذا بعد الحق الا الضلال)؟ اذ الانسان اذا لم يتبع الحق صار الي الضلال و الانحراف (المبين) اي الواضح من ابان بمعني ظهر.

(و) ماذا (بعد البيان الا اللبس؟) اي الخلط، فانت لا تنكر الحق لانه لم يبين لك، و انما تنكره اراده الخط و اللبس (فاحذر) يا معاويه (الشبهه) بان توقع نفسك في الاشتباه عمدا (و اشتمالها علي لبستها) اي ما اشتملت عليه الشبهه من الالتباس و عدم معرفه وجه الحق، كانه لباس علي وجه الحق (فان الفتنه طالما) اي في كثير من الاحيان (اغدفت جلابيبها) يقال اغدف الليل اذا ارسل ظلمته، و جلابيب جمع جلباب، بمعني: الثوب الاعلي الذي يغطي ما تحته، اي طالما اسدلت الفتنه اغطيه الباطل، فاخفت الحقيقه. (و اغشت الابصار ظلمتها) بمعني انها صارت غشاوه علي ابصار الناس، فلم يرون الحق من الباطل (و قد اتاني كتاب منك ذو افانين من القول) جمع فن بمعني ضروب من القول الملفق و الاحتجاج التافه (ضعفت قواها عن السلم) اي ليس لها قوه لا يجاد السلم و الصلح بين الجانبين. (و) ذو (اساطير) جمع اسطوره، بمعني: الخرافه التي لا يعرف منشاها (لم يحكها منه) من حاك بمعني نسج، اي لم ينسج تلك الاساطير من كتاب

ك (علم و لا حلم) فان كتاب العليم الحليم، يظهر منه رزاته صاحبه، بخلاف كتاب الجاهل ذي الطيش (اصبحت) يا معاويه (منها) اي من تلك الاساطير التي ذكرتها (كالخائض في الدهاس) الدهاس ارض رخوه يعسر فيها السير، فاذا خاض الانسان فيها اشكل عليه الخروج منها، فكلامك يا معاويه رخو كتلك الارض. (و الخابط في الديماس) هو المكان المظلم، و خبط في سيره بمعني: سار علي غير هدي و كما يصطدم و يلزق و يسقط السائر في الضلمه كذلك الذي يعمل بلا رشد و هدي (و ترقيت) اي ارتفعت في كلامك (الي مرقبه)

هو المكان العالي الذي يترقب الانسان فيه الاطلاع علي المنخفضات (بعيده المرام) اي بعيد عنك مقصد تلك الرقبه فلا تنالها (نازحه) اي بعيده (الاعلام) جمع علم، و هو ما ينصب في الطريق لاهتداء الماره، و كونها بعيده يستلزم ضلال الانسان قبل الوصول اليها، اذ المسافه الخاليه منها توجب عدم معرفه الانسان بالجاده. (تقصر دونها) اي دون تلك الاعلام و الوصول اليها، او دون تلك المرقبه (الانوق) هو طير فطن يحرز بيضه في مكان مخفي في القلل الصعبه مما لا تنالها الايدي، و هذا كنايه عن عدم امكان وصوله الي ما اراده (و يحاذي بها العيوق) هو نجم بعيد في المرئي يضرب ببعده المثل، يعني

ان تلك المرقبه في محاذات عيوق فلا تصل اليها يدك. (و حاش لله) اي انه سبحانه منزه من ان يجوز لك شرعا (ان تلي للمسملين بعدي صدرا او وردا) الورد الورود علي الماء، و الصدر الرجوع بعد الشرب، و هذا كنايه عن توليه اي امر منهم (او اجري لك علي احد منهم) اي من المسلمين (عقدا او عهدا) بان تكون طرف عقد احد، او طرف احد في معاهده توخذ منه، اي لا اشغلك في اقل شان من الشئون. (فمن الان فتدارك) يا معاويه (نفسك) بان تعمل عملا يوجب قربك و خلاصك (و انظر لها) اي لنفسك (فانك ان فرطت) اي قصرت (حتي ينهد اليك عباد الله) ينهد اي يتهض لحربك (ارتجت) اي اغلقت (عليك الامور) فلم تقدر علي الخروج منها (و منعت امرا) يعني التوبه و الصلح (هو منك اليوم مقبول) قبل الشروع في الحرب (و السلام) لاهل السلام.

نامه 066

[صفحه 232]

(الي عبدالله بن العباس و قد تقدم ذكره بخلاف هذه الروايه) و

لعل الامام كتب اليه مرتين بهاتين العبارتين. (اما بعد) الحمد و الصلاه (فان المرء ليفرح بالشي ء الذي لم يكن ليفوته) فان الانسان قد يفرح بما ينال من الاشياء، و الحال انه لا داعي الي الفرح، لانه كان من المقدر ان يناله، و من المعلوم ان لا فرح لما يصل الي الانسان قطعا، و انما الفرح للشي ء المحتمل (و يحزن علي الشي ء الذي لم يكن ليصيبه) بان يطلب شيئا فلا يصيبه فيحزن، و الحال انه لا حزن للشي ء المقدر عدم وصوله الي الانسان و انما الحزن لما كان المقدر اصابته ثم لم يحصل الانسان عليه لعارض خارجي و هذا الكلام مقدمه لما ياتي من كلامه عليه السلام و حاصل معني المقدمه: اي امور الدنيا لا ينبغي الحزن لفواتها و لا الفرح لمجيئها و انما هي مقدره، و انما الفرح و الحزن لاصابه الاخره او فوتها لانها محتمله (فلا يكون افضل ما نلت في نفسك) بان تظنه افضل شي ء نتله (من دنياك بلوغ لذه او شفاء غيظ) بدفع مكروه او كبت عدو (و لكن) ليكن افضل ما نلت من الدنيا (اطفاء باطل) و الاذهاب له (او احياء حق) بعد الاندراس (و ليكن سرورك بما قدمت) من الاعمال الصالحه الي آخرتك (و آسفك) و

حزنك (علي ما خلفت) بان لم تعمل حتي فات الوقت (و همك فيما بعد الموت) لتحصل علي الثواب و تنجو من العقاب.

نامه 067

[صفحه 234]

(الي قثم بن العباس و هو عامله علي مكه) (اما بعد) الحمد و الصلاه (فاقم) يابن عباس (للناس الحج) اي اهتم بشئونه و اقامه شعائره (و ذكرهم بايام الله) اي الايام التي كانت لله فيها نعمه عظيمه، او نقمه عظيمه، و التذكير بها

يوجب الخوف من العصيان و الرجاء (و اجلس لهم) اي للناس (العصرين) اي الغداه و العشي من باب التغليب و كان وجه التغليب ان العصر الزمان (فافت المستفتي) اي الذي يسئل عنك من الاحكام (و علم الجاهل) شرائع الاسلام (و ذاكر العالم) بالمباحثه و المدراسه (و لا يكن لك الي الناس سفير الا لسانك) فاذا اردت من احد شيئا فقل انت ذلك، لا ان ترسل اليه سفيرا فانه ربما زاد او نقص او عمل ما لا ترضاه. (و لا حاجب) و مانع يمنعهم عن الوصول اليك (الا وجهك) و هذا عباره اخري عن عدم جعل الحاجب اطلاقا، فاذا اراد منع احد من حاجته منعه بنفسه لا بواسطه الحاجب (و لا تحجن) اي لا تمنعن (ذا حاجه عن لقائك بها) اي بتلك الحاجه (فانها) اي تلك الحاجه- مجازا- (ان ذيدت) اي منعت (عن ابوابك في اول وردها) اي ورودها، بان لم تقضها اول مره (لم تحمد في ما بعد علي قضائها) لان سيئه المنع الاول تذهب بطراوه الا داء فيما بعد. (و انظر الي ما اج

تمع عندك من مال الله) كالزكاه و الخراج و الجزيه (فاصرفه الي من قبلك) اي من عندك من الفقراء و المحتاجين (من ذوي العيال و المجاعه) اي الجوع (مصيبابه) اي بالمال (مواقع الفاقه) اي شده الاحتياج (و الخلات) جمع خله، بمعني الحاجه فلا تصرف المال في المشكوك فقره و حاجته (و ما فضل عن ذلك فاحمله الينا) اي ارسل الزائد الينا (لنقسمه في من قبلنا) اي من عندنا. (و مر) امر من (امر) حذفت منه الهمزه تخفيفا (ان لا ياخذوا من ساكن اجرا) اي من يسكن في دورهم و بيوتهم، فان

بيوت مكه ليست كسائر البيوت حتي ياخذ المالك الاجره ممن يسكن داره (فان الله سبحانه يقول: (سواء العاكف فيه و الباد) اصله (بادي) اسم فاعل من بدا بمعني ظهر، و المراد ما ياتي من الخارج (العاكف المقيم به) من عكف بمعني: اقام (و البادي الذي يحج اليه من غير اهله) فاذا كان الجميع متساوين بالنسبه الي مكه فكيف ياخذ احدهم من الاخر اجره؟ (وفقنا الله و اياكم لمحابه) اي: مواضع محبته، و هي الاعمال الصالحه التي يحبها الله تعالي (و السلام).

نامه 068

[صفحه 236]

(الي سلمان الفارسي رحمه الله، قبل ايام خلافته) (اما بعد) الحمد و الصلاه (فانما مثل الدنيا الحيه لين مسها) اي جسمها، و استعمال المس في الجسم مجاز، يراد به ان الانسان اذ مسها احسن بلين و نعومه (قاتل سمها) و المراد بالمثال ان الدنيا ظاهرها لين لذيذ و باطنها خشن موجب لهلاك الانسان اذا تناول من ملذاتها المحرمه (فاعرض عما يعجبك فيها) بان لا تتناولها (لقله ما يصحبك منها) فان الانسان مهما بقي في الدنيا فانه قليل لسرعه زوالها (وضع عنك همومها) فلا تغتم لامر من امورها (لما ايقنت به من فراقها) و هل يغتم الانسان لشي ء يفارقه؟. (و) من (تصرف حالاتها) فتاره تعطي و تاره تاخذ فلا بقاء لها حتي يغتم الانسان لاجل شي ء فيها (و كن انس ما تكون بها) اي كن في حال شده انسك بالدنيا لاقبالها عليك (احذر ما تكون منها) اي اشد حذرا لانها تقلب الاوضاع في لمحه عين، و تبدل اللذائذ الي اضدادها في اسرع وقت (فان صاحبها) اي الذي في الدنيا (كلما اطمئن فيها الي سرور) من جهه وجدانه لشي ء يريده (اشخصته) الدنيا (عنه) اي عن

ذلك السرور (الي محذور) يحذر منه الانسان، اي اذهبت تلك المسره و جعلت مكانها المضره (او) كلما اطمئن فيها (الي ايناس) ا

ي انس بوجد ان شي ء مطلوب (ازالته) الدنيا (عنه الي ايحاش) اي ما يورث وحشه (و السلام).

نامه 069

[صفحه 237]

(الي حارث الهمداني) (و تمسك بحبل القرآن) كان القرآن حبل من اخذ به رفعه الي السماء و الجنه (و استنصحه) اي اطلب النصح منه بمطالعه احكام و ارشاداته و العمل بها (و احل حلاله) اي اجعله حلاله و لا تحرم ما احله القرآن فتوي او عملا (و حرم حرامه) فلا تقترف المحرم (و صدق بما سلف من الحق) لا ان تكذب به كما كذب اليهود بعيسي عليه السلام و النصاري بمحمد (ص) (و اعتبر ما مضي من الدنيا ما بقي منها) اي قس الباقي بالماضي فان الدنيا كلها علي نهج واحد فيكف كانت سابقاتكون فيما بعد (فان بعضها بشبه بعضا) في الاحوال، و الناس و الكيفيات. (و آخرها لاحق باولها) اذ كلها تفني حتي لا يبقي منها شي ء فيلحق الاخر بالاول في الفناء (و كلها حائل) اي زائل (مفارق) للانسان لا يبقي منه شي ء (و عظم اسم الله ان تذكره) بالحلف (الا علي حق) بان تحلف به سبحانه محقا (و اكثر ذكر الموت) اي اكثر من انك سوف تموت (و ما بعد الموت) من الحساب و الجزاء، فان ذكر هذه الامور موجب للانصراف عن الدنيا (و لا تتمن الموت الا بشرط وثيق) اي بالايمان و العمل الصالح، اما من يتمن الموت بلا استعداد له فهو سفيه، و هذا تحريض علي استعداد الموت (و احذر كل عمل يرضاه صاح

به لنفسه و يكره) ذلك العمل (لعامه المسلمين) كان يستاثر

بالخيرات فهو يرضي لنفسه ان يتناول اكثر قدر من الخير، و لا يرضي ذلك لسائر الناس، او يرضي لنفسه ان يستغيب مثلا و يكره ذلك اذا صدر من غيره بالنسبه اليه (و احذر كل عمل يعمل به في السر و يستحي منه في العلانيه) كالمنكرات التي يرتكبها الشخص خفيه فانه يستحي منها في العلانيه امام الناس. (و احذر كل عمل اذا سئل عنه صاحبه) اي صاحب ذلك العمل، هل عمل به ام لا؟ (انكره) و قال لم اعمل به، مع انه عمل به (او اعتذر منه) بان كان العمل قبيحا حتي اوجب الاعتذار (و لا تجعل عرضك) هو ما يخص الانسان من اهله و ذاته و حاشيته (غرضا لنبال القول) بان تعمل عملا يوجب ان يسبك الناس، و بال جمع نبل، بمعني السهم. (و لا تحدث الناس بكل ما سمعت به) من القصص و ما اشبه (فكفي بذلك كذبا) فان كثيرا مما يسمعه الانسان كذب، فاذا قال الانسان كل ما سمعه كان كاذبا (و لا ترد علي الناس كل ما حدثوك به) فاللازم علي القائل ان يستمع الي كلام الناس بادب و لا يردهم في حديثهم (فكفي بذلك جهلا) فان الرد بالنسبه الي ما لا يفيد رده لغو و عبث لا يصدر الا عن جاهل (و اكظم الغيظ) فلا تظهر الغضب. (و تجاوز عند المقدره) اي عن

د القدره فاذا اساء اليك انسان و قدرت علي رد اسائته و عقابه فلا تفعل (و احلم عند) موجبات (الغضب) بان لا تغضب و هذا غير كظم الغيظ (و اصفح) اي تجاوز عن المسيئين (مع الدوله) اي: عند ما تكون لك دوله و سلطه فان فعلت ذلك (تكن لك

العاقبه) المحموده. (و استصلح كل نعمه انعمها الله عليك) بشكرها و عدم اهمالها حتي تفسد و تضمحل (و لا تضيعن نعمه من نعم الله عندك) بعدم القيام بحقها (و ليس عليك اثر ما انعم الله به عليك) فان انعم بالمال، فانفق و تجمل، و ان انعم بالعلم فتعمل و تعلم، و هكذا

[صفحه 239]

(و اعلم ان افضل المومنين افضلهم تقدمه من نفسه) اي افضلهم انفاقا لنفسه في الاعمال الصالحه الموجبه لحسن العاقبه (و اهله) بان يامر اهله بالاعمال الصالحه (و ماله) بان ينفقه في سبيل الله (فانك ما تقدم من خير يبق لك ذخره) اي ذخيرته لتاخذها في الاخره. (و ما توخره) بان تتركه بدون ان تنفقه في الصالحات (يكن لغيرك خيره) اذا الوارث يتصرف فيه (و احذر صحابه) اي ان تصحب (من يفيل) اي يضعف (رايه) في الامور فانه موجب لك الوقوع في المكاره (و ينكر عمله) اي يعمل اعمالا غير مرضيه عند الناس (فان الصاحب معتبر بصاحبه) اذ الناس ينظرون الي المتصاحبين نظره واحده فيضر الصاحب و شره يسري الي الانسان. (و اسكن الامصار العظام فانها جماع المسلمين) اي مجمعهم و من المعلوم ان الانسان يتمكن من الكثره في العلم و العمل كلما كان المسلمون اكثر (و احذر منازل الغفله) التي اهلها غافلون جاهلون (و الجفاء) التي اهلها يجفون الناس لقمه آدابهم و اخلاقهم (و قله الاعوان علي طاله الله) بان كان الذين يوازرون الانسان في طاعه الله قليلين. (و اقصر رايك) و فكرك (علي ما يعنيك) مما يهمك فلا تصرفه فيما لا يعني (و اياك) اي احذر (و مقاعد الاسواق) اي القعود في

السوق (فانها محاضر الشيطان) اذ المعاملات المحرمه انما توتي فيها (و

معاريض الفتن) معاريض جمع معراض، و هو: قسم من السهم، و انما كانت الاسواق كذلك، لانها محل للمنازعات و لاثاره الشهوات بسبب النظر الي ما لا يحل. (و اكثر ان تنظر الي من فضلت عليه) في المال و الجهات الدنيويه، بان تنظر الي من دونك في المال و الجاه (فان ذلك من ابواب الشكر) فان الانسان اذا نظر اليه شكر نعم الله علي نفسه (و لا تسافر في يوم جمعه حتي تشهد الصلاه) اي صلاه وقت الظهر، و اطلاقه شامل للجمعه و الظهر، و المراد ب(تشهد) حضورها و ادئها (الا فاصلا) اي خارجا ذاهبا (في سبيل الله) اي للحرب و الجهاد للاسلام (او في امر تعذر به) كالخروج للحج اذا لم يوجد بعد ذلك رفقه، او ما اشبه مما هو عذر لدي الله سبحانه. (و اطع الله في جميع امورك فان طاعه الله فاضله علي ما سواها) اي: لها الفضل، و اي عاقل يترك ما له الفضل، لما ليس له فضل؟ (و خادع نفسك في العباده) بان تسلب من وقتك في غفله من النفس لاجل اتيان عباده الله سبحانه (و ارفق بها) اي بنفسك (و لا تقهرها) بان تكثر من العباده حتي تفرط فيها، فان ذلك موجب لكبت النشاط و عدم الاقبال و حضور القلب. (و خذ عفوها) اي وقت فراغ

النفس (و نشاطها) اي ارتياحها لان تعبد في مثل هذه الاوقات ليكون الاقبال اكثر (الا ما كان مكتوبا عليك) اي: واجبا عليك (من الفريضه فانه لابد من قضائها) اي الاتيان بها (و تعاهدها عند محلها) سواء كانت النفس نشطه ام لا (و اياك ان ينزل بك الموت و انت آبق من ربك) فان العاصي كالابق،

فكلاهما يخاف الطلب و العقوبه (في طلب الدنيا) اي انك متوجه الي الدنيا عوض التوجه الي الله سبحانه، و الاتيان بطاعته. (و اياك و مصاحبه الفساق فان الشر بالشر ملحق) فاذا التحقت بهم دل ذلك علي انك شر، لا خير فان الطيور علي اشكالها تقع (و وقرالله) اي: احترمه في التكلم و العمل (و احبب احبائه) اي المطيعين الذين يحبون الله و يحبهم (و احذر الغضب) فلا تغضب (فانه جند عظيم من جنود ابليس) فاذا غضب الانسان يعمل كل محرم، فكانه جند يسلطه علي الانسان ليغلبه فيعمل الانسان ما يشاء ابليس (و السلام).

نامه 070

[صفحه 243]

(الي سهل بن حنيف الانصاري و هو عامله علي المدينه في معني قوم من اهلها لحقوا بمعاويه) و قوله في (معني) اي ان الكتاب في هذا المقصد، و هو مصدر ميمي بمعني القصد، اي في هذا الصدد. (اما بعد) الحمد و الصلاه (فقد بلغني ان رجالا منن قبلك) اي عندك (يتسللون) اي يذهبون واحدا بعد واحد في خفاء و حذر (الي معاويه فلا تاسف علي ما يفوتك من عددهم و يذهب عنك من مددهم) اي امدادهم لك و نصرتهم اياك (فكفي) تسللهم (لهم غيا) و ضلالا اذ التحقوا بمثل معاويه. (و) كفي (لك منهم شافيا) اذ من كان هواه مع معاويه يكون كالمرض الذي اذا بقي يسري الي سائر الناس بالاضلال و الوسوسه، اما اذا ذهب فتستريح منه و لا تخاف ختله و اضلاله (فراهم) فاعل (كفي) (من الهدي و الحق و ايضاعهم) اي اسراعهم (الي العمي) في الدين (و الجهل) بالحق. (و انما هم اهل دنيا مقبلون عليها) تاركين الحق ورائهم (و مهطعون) اي مسرعون (اليها و قد عرفوا العدل

و راوه) باعينهم في جانب الامام عليه السلام (و سمعوه و وعوه) اي اشتملوا عليه بان دخل في قلوبهم (و علموا ان الناس عندنا في الحق اسوه) اي سواء فلا نفضل احدا علي احد (فهربوا الي الاثره) اي الاختصاص بالمنفعه، فان معاويه كا

ن يعطي للاقوياء اكثر من الضعفاء. (فبعدا لهم و سحقا) السحق بمعني البعد و هذا دعاء عليهم بان يبعدهم الله عن رحمته (انهم- و الله- لم ينفروا من جور (و ظلم (و لم يلحقوا بعدل) اذ لا عدل عند معاويه (و انا لنطمع في هذا الامر) اي امر الفتنه التي احدثها معاويه (ان يذلل الله لنا صعبه) كنايه عن استئصال شافه معاويه (و يسهل لنا حزنه) اي خشونته (ان شاء الله) تعالي (و السلام).

نامه 071

[صفحه 245]

(الي المنذر بن الجارود العبدي، و قد خان في بعض ما ولاه من اعماله) (اما بعد) الحمد و الصلاه (فان صلاح ابيك ما غرني منك) (ما) موصوله اي هو الشي ء الذي غرني منك فظننت انك مثل ابيك في الصلاح و لا يخفي ان اعمال الائمه كانت جاريه علي حسب الظاهر كما ان اقوالهم كانت بتلك المثابه و الا فالامام يعلم الواقع و ليس يغر (و ظننت انك تتبع هديه) اي طريقته الصالحه (و تسلك سبيله) اي تسير في المسير الذي سار فيه (فاذا انت- فيما رقي الي عنك) اي رفع الي من جانبك (لا تدع لهواك انقيادا) بل تنقاد الي الهوي في كل ما يامرك به، و هذا لنفي كل فرد، اي ليس هناك اي فرد من افراد الانقياد الا تتبعه و لا تدعه (و لا تبقي لاخرتك عتادا) العتاد هو الذخيره المعدوده لوقت الحاجه، اي لا تعمل بما

يبقي لك في آخرتك (تعمر دنياك بخراب آخرتك) فان التمتع باللذائذ المحرمه التي تعمر الدنيا- بزعم الفاعل- يوجب خراب الاخره. (و تصل عشيرتك بقيطعه دينك) اي بمال الناس و جاههم، و ذلك محرم فهو قطيعه للدين (و لئن كان ما بلغني عنك حقا لجهل اهلك) اي بعيرهم، و هو مثل يضرب للذله، لانه يحمل عليه، و ينضح به، و يحمل المتاع، فهو ذليل في ايديهم (و شسع نعلك) الشسع س

ير بين الاصبع الوسطي و التي تليها في النعل العربيه، و لا قيمه معتده له (خير منك) لانهما لا يستحقان النار و المعاد. (و من كان بصفتك) اي مثل حالك (فليس باهل ان يسد به ثغر) الثغر الحد بين بلد الدوله و بين بلاد الاعداء (او ينفذ به امر) اي يكون منفذا له (او يعلي له قدر) بان يرفع شانه (او يشرك في امانه) بان يكون امينا (او يومن علي خيانه) اي علي دفع خيانه، و في بعض النسخ (جبايه) بالجيم اي جمع جبايه (فاقبل الي حين يصل اليك كتابي هذا انشاء الله) كلمه تبرك تقال لاتمام الامر او قضاء الحاجه.

نامه 072

[صفحه 247]

(الي عبدالله بن العباس) (اما بعد) الحمد و الصلاه (فانك) يابن عباس (لست بسابق اجلك) بان تفر منه فلا يلحقك (و لا مرزوق ما ليس لك) اي لا ترزق الرزق الذي لم يقدر لك (و اعلم بان الدهر يومان: يوم لك، و يوم عليك) فلك فيها افراح و احزان، و اذا علم هذا، الانسان لا يحزن عند النقمه و لا يياس، و لا يبطر عند النعمه و لا يفرح كثيرا- فان الله لا يحب العرحين-. (و ان الدنيا دار دول) جمع دوله، بضم الدال،

فان السعاده في الدنيا تتداول من يد الي يد (فما كان منها لك اتاك علي ضعفك) و قله حيلتك (و ما كان منها عليك) و في ضررك (لم) تتمكن ان (تدفعه بقوتك) فلا تحاول شيئا لا يكون و لا تحزن و تهتم- الا بقدر عقلائي-.

نامه 073

[صفحه 248]

(الي معاويه) (اما بعد) الحمد و الصلاه (فاني علي التردد في جوابك) اي ردي لكل كتاب تكتبه، من (ترددت الي فلان) بمعني رجعت اليه مره بعد اخري (و) علي (الاستماع الي كتابك) و الاعتناء به (لموهن رابي) اي مضعف لرائي، فان الاجدر ان لا اجيبك، فان الناس اذا راوا اني اجيبك نسبوني الي ضعف الراي، و ذلك يكون بسببي، فان اوهنت رائي، و قوله: (علي التردد) خبر، لقوله (موهن) و مخطي فراستي) فان فراستي انك لا تنفع معك الكلام و الكتاب، فاذا كتبت اليك، كان الظاهر لدي الناس من ذلك اني ارجو فيك، فينسبون فراستي الي الخطاء، لكن الامام كان يكتب اليه اتماما للحجه، و اظهارا للعدل، و هذا الكلام كنايه عن عدم الفائده في هدايه معاويه، لانه غير قابل له. (و انك اذ تحاولني الامور) المحاوله المطالبه، و التماس طريق الوصول الي الغايه، و المعني اذ تطلب مني بعض غاياتك، كولايه الشام و ما اشبهها (و تراجعني السطور) اي تطلب مني ان ارجع الي جوابك بالسطور (كالمستثقل النائم) اي كالنائم نوما ثقيلا (تكذبه احلامه) اي كالنائم الذي يحلم و يري انه نال شيئا مطلوبا فاذا انتبه راي انه كان كذبا، فامانيك شبيهه بالاحلام المكذوبه التي لا اثر لها في عالم الخ

ارج. (و) مثل (المتحير القائم) اي القائم الواقف في تحيره (يبهظه مقامه) اي يثقله و يشق عليه كونه

في الحيره لانه لا يدري ماذا يصنع (لا يدري اله ما ياتي) و يفعل (ام عليه)؟ و هكذا انت كالمتحير في اعمالك (و) الحال انك (لست به) بالتحير، لانك تدري مالك و ما عليك (غير انه) اي المتحير (بك شبيه) و هذا اما من عكس التشبيه، او من باب ان المتحير اهون عاقبه من مثل معاويه الذي عاقبته و خيمه، و الاضعف يشبه بالاقوي. (و اقسم بالله انه لو لا بعض الاستبقاء) اي ابقائي لك، و عدم ارادتي لا هلالك (لوصلت اليك مني قوارع) جمع قارعه و هي المصيبه التي تنزل علي الانسان بشده، و كانها تقرعه كما يقرع الباب (تقرع العظم) اي تكسره (و تهلس اللحم) اي تذيبه و تنهكه (و اعلم ان الشيطان قد ثبطك) اي اقعدك (عن ان تراجع احسن امورك) اي من مراجعه احسن الامور لك، و هي الطاعه لولي الامر (و تاذن لمقال نصيحتك) اي، وعن ان تسمع لمقالنا في نصيحتك و ارشادك (و السلام لاهله) اي اهل السلام، اما معاويه فاهل الحرب، و لذا لا يصح السلام عليه.

نامه 074

[صفحه 250]

(كتبه بين ربيعه و اليمن) و هما قبيلتان كانت بينها منافسه و طالت الي زمن العباسيين (و نقل) هذا الكتاب (من خط هشام بن الكلبي). (هذا ما اجتمع عليه اهل اليمن) المراد اهل الحل و العقد منهم (حاضرها و باديها) اي اهل المدن منها و اهل الصحراء (و ربيعه حاضرها و باديها) اي بلا خلاف بينهم (انهم) يسيرون (علي كتاب الله) القرآن الحكيم (يدعون اليه و يامرون به و يجيبون من دعا اليه و امر به) لا يتخلفون عن الداعي، و لا يعملون بخلاف الكتاب (لا يشترون به ثمنا) اي

لا يتركون القرآن لاجل ما رجاه (و لا يرضون بدلا) بان يعدلوا الي حكم مخالف لحكم الكتاب (و انهم يد واحده) اي كاليد الواحده التي لا يمكن التفرق في عملها، بل انها اذا قبضت قبضت، و اذا تركت تركت، او المراد باليد (القوه) (علي من خالف ذلك) العمل بالكتاب. (و تركه) يكونون عليه حربا و ضدا (انصار بعضهم لبعض) في الحق (دعوتهم واحده) الي الكتاب و السنه (لا ينقضون عهد هم لمعتبه عاتب) اي عتاب احد لهم: بانهم كيف عاهدوا مع ما بينهم من العداو و الشحنائ؟ (و لا لغضب غاضب) فان غضب احدهم علي القبيله الاخري لا يسبب غضبه لنقض العهد و الرجوع الي العداوه و البغضاء (و لا) ينقضون عهده

م (لاستذلال قوم قوما) فاذا اذل احد القبيلين القبيل الاخر في كلام او عمل لا يسبب ذلك نقض عهدهم. (و لا لمسبه قوم قوما) اي سب احد القبيلين للاخر (علي ذلك) العهد الذي كتب (شاهدهم) اي حاضرهم عند المعاهده (و غائيهم، و سفيههم) اي جاهلهم (و عالمهم و حليمهم و جاهلهم) اي الذي لا حلم له، بقرينه المقابله. (ثم ان عليهم بذلك) العهد، و (ثم) لترتيب الكلام، لا لترتيب الخارج (عهد الله و ميثاقه) فالله سبحانه طرف العهد حتي يكون النقض نقضا لعهد الله، و الميثاق هو العهد الاكيد (ان عهد الله كان مسئولا) يسئل عنه يوم القيامه، هل و في به ام لا؟ (و كتب) هذا العهد (علي بن ابي طالب) و الظاهر ان (الواو) في المثل (و كتب) عطف علي المعني، اي قرره و كتبه.

نامه 075

[صفحه 252]

(الي معاويه، في اول ما بويع له، ذكره الواقدي في كتاب الجمل) و لا يخفي ان ذكر

الشريف قدس سره بعض المصادر، دون الاكثر، لان الاكثر كانت منشوره مشهوره بخلاف الاقل، اذ كانت مصارها بعيده. (من عبدالله علي اميرالمومنين الي معاويه ابن ابي سفيان، اما بعد) المقدمه او بعد الحمد و الصلاه (فقد علمت اعذاري فيكم) اقامتي علي ما يعذرني و لا يوقع اللوم علي، في امركم بني اميه، في قصه عثمان (و اعراضي عنكم) فلم اكن في جمله المحرضين علي قتل عثمان، بل اعرضت عن ذلك (حتي كان ما لابد منه) مما قدر من قتله (و لا دفع له) اذ لا يتمكن الانسان من دفع المقدور. (و الحديث طويل، و الكلام كثير) حول قصه عثمان، و لا داعي هنا الي سرده (و قد ادبر ما ادبر) اي مضي ما مضي مما صدر في الفتنه (و اقبل ما اقبل) من بيعه الناس لي (فبايع من قبلك) اي خذ البيعه لي ممن عندك من اهل الشام (و اقبل الي في وفد من اهل اصحابك) اي في جماعه من حاشيتك و خاصتك.

نامه 076

[صفحه 253]

(لعبد الله بن العباس، عند استخلافه اياه علي البصره) (سع الناس بوجهك و مجلسك و حكمك) اي اطلق وجهك، و احسن مجلسك، و اعدل في حكمك حتي تسع الناس جميعا، و لايختص شي من الثلاثه بجماعه خاصه، كما يفعله المتجبرون (و اياك و الغضب) فاحذر من الغضب (فانه طيره) اي شوم (من الشيطان) فهو الذي يسببه (و اعلم ان ما قربك الي الله) من الاعمال الصالحه (يباعدك من النار) ففي فعله سعاده و في تركه شقاء (و ما باعدك من الله يقربك من النار) ففي الاتيان به ادراك الشقوتين البعد عن رضاه سبحانه، و القرب الي النار.

نامه 077

[صفحه 254]

(لعبد الله بن العباس، لما بعثه للاحتجاج، الي الخوارج) (لا تخاصمهم) و لا تحاججهم، يابن عباس (بالقرآن) بان تستدل باياته علي احقيه الامام بالخلافه، و ان ما اتي به كان مرضات لله سبحانه (فان القرآن حمال) اي كثير الاحتمال لمعاني مختلفه (ذو وجوه) اي احتمالات، فاذا استدللت لهم ب (اطيعوا الله و اطيعوا الرسول و اولي الامر منكم) مثلا: ببيان ان الامام من اولي الامر، فاللازم اطاعته، ردوك بان ولي الامر هو الذي لا يحكم في دين الله، مثلا ف (تقول) انت معني (و يقولون) هم معني آخر حسب افكارهم و اهوائهم. (و لكن حاججهم بالسنه) الوراده عن الرسول، مثل (علي مع الحق و الحق مع علي) (فانهم لن يجدوا عنها محيصا) اي مهربا لصراحه السنه في المعاني، دون القرآن، فقد جعل فيه سبحانه (متشابهات) لامتحان الناس، كما قال (و اخر متشابهات، فاما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه، ابتغاء الفتنه، و ابتغاء تاويله).

نامه 078

[صفحه 255]

(الي ابي موسي الاشعري، جوابا في امر الحكمين) فقد كتب الاشعري الي الامام كتابا من محل قعد تهم لفصل القضيه، فاجابه الامام بهذا الجواب (ذكره سعيد بن يحيي الاموي في كتاب المغازي). (فان الناس قد تغير كثير منهم عن كثير من حظهم) اي انقلبوا عن حظوظهم الحقيقيه و هي السعاده الابديه بنصره الدين و نبذ الاهواء (فمالوا مع الدنيا) معرضين عن الاخره (و نطقوا بالهوي) لا بموازين الدين (و اني نزلت من هذا الامر) اي امر الخلافه (منزلا معجبا) اي موجبا للتعجب، كيف دخل الناس في طاعتي مختارين، ثم انقلب جمع منهم و خرجوا عن الطاعه بلا سبب؟ (اجتمع به) اي بنقص هذا الامر- و الضمير عائد الي ما

يفهم من الكلام- (اقوام اعجبتهم انفسهم) تاركين الحق ورائهم، فهم يعملون بآرائهم. (فاني اداوي منهم قرحا) اي جراحه في باطنهم، و هو النفاق (اخاف ان يكون علقا) العلق هو الدم الغليظ الجامد، و متي صار في الجرح مثل هذا الدم صعب علاجه، يعني ان الامام عليه السلام يخاف من حدوث انشقاق هائل بين المسلمين لا يمكن علاجه (و ليس رجل- فاعلم) يا اباموسي (احرص علي امه محمد (ص)) اي اكثر حرصا لسعادتهم (و) علي (الفتها) و اتحاد كلمتها (مني) جمله (فاعلم) معترضه ب

ين اسم ليس، و خبرها. (ابتغي) اي اطلب (بذلك) الحرص علي الامه (حسن الثواب) اي الثواب الحسن (و كرم الماب) اي المرجع الكريم، من آب بمعني رجع، و المراد الرجوع الي الله سبحانه (و سافي) من الوفاء (بالذي و ايت) اي وعدت و حلفت و قررت (علي نفسي) من اتباع الكتاب و السنه مهما تكلف الامر (و ان تغيرت) يا اباموسي (عن صالح ما فارقتنا عليه) اي انقلبت انت عن البراي الصالح الذي صار مقررا ان تعمل به- من الاخذ بالحذر، و الوقوف عند الحق- و (ان) وصليه، اي انا باقون علي عهدنا، و ان خنت انت في العهد، بان عزك يابن العاصي و خدعك. (فان الشقي من حرم نفع ما اوتي) اي تكون شقيا انت- اذ فارقت الصالح- اذ قد حرمت من نفع ما اعطاك الله (من العقل و التجربه) فقد عرفت الامور، و جربت الناس، فلا تخدع بابن العاصي (و اني لاعبد) اي اغضب من (عبد) كغضب، افلا و معني (ان يقول قائل بباطل) كما تقول انت او انه تاكيد لقوله (سافي) اي لا اقول الباطل. (و ان افسد امرا قد اصلحه

الله) و بينه، بان امشي في غير طريق الشرع، فان احكام الله سبحانه اصلاح للاجتماع، فمخالفتها افساد للناس (فدع) يا اباموسي (ما لا تعرف) اي لا تتكلم بما لا تعلم و لا تعمل بالشبهه (فان شرار الناس

طائرون اليك) اي آتون كالطير في السرعه، لئلا يفوتهم الامر (باقاويل السوء) جمع قول (و السلام) لاهل السلام.

نامه 079

[صفحه 257]

(لما استخلف، الي امراء الاجناد) كتب عليه السلام هذا الكتاب لما بايعه الناس بالخلافه، و انما كتبه وصيه لهم باتباع الحق و ترك الباطل. (اما بعد) الحمد و الصلاه (فانما اهلك) الله (من كان قبلكم) من الامم (انهم منعوا الناس الحق) اي حقوقهم (فاشتروه) اي فاضطر الناس لشراء الحق منه بالرشوه و العصيان، او معني فاشتروه فباعوه، بان تركوا الحق و (فاقتدوه) اي اقتدوا بالباطل و اتبعوه، و هذا مما يسبب لكم يا امراء الاجناد، ان تعملوا بالحق، و لا تجبروا الناس بالباطل، ان احببتم البقاء، و حسن الذكر، اعتبارا بالامم الهالكين.

حكمت ها

حكمت 001

[صفحه 261]

قال عليه السلام: (كن من الفتنه ابن اللبون) هو ابن الناقه اذ استكمل سنتين، و لبون كفعول وصف لامه (لا ظهر) له قوي يتحمل (فيركب) فيكون قابلا لركوب الناس (و لا) له (ضرع) و لبن (فيحلب) اي يحلبونه الناس، و المراد تجنب الفتنه، حتي لا ينتفع اهل الفتنه به، لا بنفسه، و لا بماله و ما يتعلق به.

حكمت 002

[صفحه 261]

و قال عليه السلام: (ازري بنفسه) اي حقرها (من استشعر الطمع) اي اخفي الطمع في باطنه و تخلن به اذ الناس يذلون الطامع (و رضي بالذل) اي بالذله و المهانه لدي الناس (من كشف عن ضره) بان بين للناس ضره وفاقته (و هانت عليه نفسه من امر عليها) اي علي نفسه (لسانه) بان جعله اميرا، يقول بلا رويه، فيقع في المشكله مما يوجب اتعاب جسده لتنفيذ ما وعد و الخلاص مما تكلم، و هذا كنايه عن لزوم سجن اللسان حتي لا يتكلم بما يوقع الانسان في المشكه.

حكمت 003

[صفحه 261]

و قال عليه السلام: (البخل عار) علي الانسان يعير به (و الجن منقصه) اي نقص في الرجوله (و الفقر يخرس الفطن عن حجته) فلا يقدر ان يتكلم، لانه يعلم ان الناس لا يصغون الي كلامه (و المقل) اي قليل المال (غريب في بلدته) اذ يعامل معه معامله الغرباء، فلا يعرفه الناس و لا يعرف الناس و لا يسمع له كلام و لا يتمتع بلذائذ الحياه، كالانسان الغريب في غير بلده (و العجز) اي التعاجز عن اداء الحقوق (آفه) اي بلاء علي الانسان (و الصبر شجاعه) للنفس اذ تتحمل المكاره كالشجعان الذين يتحملون شدائد الحرب و نحوها (و الزهد ثروه) اذ الزاهد كالمثري لا يحتاج الي احد، لنفرته عن الدنيا فلا يحتاج اليها (و الورع) عن محارم الله (جنه) اي وقايه للانسان عن مكاره الدنيا و الاخره.

حكمت 004

[صفحه 262]

و قال عليه السلام: (نعم القرين) اي المقارن للانسان (الرضا) فان الانسان الراضي بقسمته في فرح دائم (و العلم وراثه كريمه) فكما ان الارث يوجب غني الورثه، كذلك العلم يوجب غني الانسان، او المراد ان من ورث علما فقد ورث شيئا كريما، لانه يوجب حسن ثناء الناس له (و الاداب حلل مجدده) حلل جمع حله، و هي: الثوب الجديد فكما ان من لبس الحلل يعظم عند الناس، كذلك ذو الادب، و كلما تادب الانسان، كان كلابس حله جديده (و الفكر) في الامور (مراه صافيه) غير كدره، فكما تري المرات وجه الانسان و المواضع التي لا تصل اليها عينه، من سائر جسده كذلك الفكر، يري الانسان ما خفي عليه ابتداء.

حكمت 005

[صفحه 262]

و قال عليه السلام: (صدر العاقل صندوق سره) فلا يفتح الصندوق ليطلع الناس علي ما فيه، كما لا يفتح الغني صندوق ماله، حذرا من اطلاع الناس (و البشاشه) اي ملاقات الناس بوجه طلق (حباله الموده) اي مما توجب حب الناس للبشوش، كما تاتي الحباله- و هي الشبكه- بالصيد (و الاحتمال) للمكاره (قبر العيوب) فان الانسان اذا لم يظهر المكروه الذي وصل اليه، خفي عيبه عند الناس، كالقبر الذي يستر البدن، اما اذا ظهر المكروه عرف الناس عيبه مثلا لو لم يتحمل الفقر و اضهره، ظهر للناس انه فقره و الفقر عيب، و هكذا … (و المسالمه) مع الناس بعدم اغضابهم بقول او عمل (خباء العيوب) فان الشخص لا يظهر عيب من سالمه، و انما يظهر عيب من عاداه، فالعيب موجود لكن عليه خباء و غطاء من المسالمه (و من رضي عن نفسه) فاظهر للناس فضله، و لذا (كثر الساخط عليه) لانهم لا يرونه اهلا كما يظن

هو، و لذا يسخطونه حين يرون كبره و ريائه و ترفيع نفسه.

حكمت 006

[صفحه 263]

و قال عليه السلام: (الصدقه دواء منجح) اي يوجب نجاح الانسان في مهامه (و اعمال العباد في عاجلهم) اي في الدنيا التي هي عاجله (نصب اعينهم) اي امام عينهم (في اجلهم) اي في الاخره، فمن عمل خيرا رآه، و من عمل شرا رآه.

حكمت 007

[صفحه 263]

و قال عليه السلام: (اعجبوا) اي تعجبوا (لهذ الانسان) المراد نوع البشر (ينظر بشحم) فان العين خلقت من الشحم (و يتلكم بلحم) اي بواسطه لحم اللسان (و يسمع بعظم) اي عظم الاذن يضربه موج الهواء فيقرع عصب الصماخ، و يكون السماع من ذلك (و يتنفس من خرم) اي من شق الانف و الفم.

حكمت 008

[صفحه 264]

و قال عليه السلام: (اذا اقبلت الدنيا علي احد) بان ارتفع حظه، و قدر له العلو و المنزله (اعارته) اي اعطته بالعاريه (محاسن غيره) فالديار التي بناها الغير، و الاموال التي ادخرها الغير. و الجاه الذي كافح لاجله الغير، تعطي له (و اذا ادبرت) الدنيا (عنه) و قدر له الا نحطاط (سلبته محاسن نفسه) حتي انه يسلب ماله الذي جمعه، و يوخذ منه المنصب الذي كد و تعب لاجله، و هكذا.

حكمت 009

[صفحه 264]

و قال عليه السلام: (خالطوا الناس) اي عاشروهم (مخالطه) اي بنحو من المعاشره (ان متم معها) اي مع تلك المخالطه (بكوا عليكم) لحبهم لكم (و ان عشيتم) و بقيتم في الحياه (حنوا) اي مالوا و عطفوا (اليكم) لانكم عاشرتموهم معاشره حسنه.

حكمت 010

[صفحه 264]

و قال عليه السلام: (اذا قدرت علي عدوكم) الذي عاداك و اذاك (فاجعل العفو عنه شكرا للقدره عليه) فان القدره من نعم الله سبحانه، و كل نعمه تحتاج الي الشكر، و العفو عن العدو شكر، لانه مما ندب اليه سبحانه، فهو اطاعه له.

حكمت 011

[صفحه 265]

و قال عليه السلام (اعجز الناس من عجز عن اكتساب الاخوان) لان اكتساب الاصدقاء لا يحتاج الي ازيد من معاشره حسنه، و هي ليست بمال و لا فيها تعب فاذا عجز عنها المرء فهو اعجز الناس (و اعجز منه) اي من هذا الاعجز (من ضيع من ظفر به فهم) بان نسلك سلوكا تنفر منه صديقه.

حكمت 012

[صفحه 266]

و قال عليه السلام- في الذين اعتزلوا القتال معه-: (خذلوا الحق) فلم ينصروه (و لم ينصروا الباطل) اذ لم يلتفوا حوله، بل ابتعدوا عن الطرفين.

حكمت 013

[صفحه 265]

و قال عليه السلام: (اذا وصلت اليكم اطراف النعم) اي اوائلها فكان النعم اشياء ممتده طويله، يصل الي الانسان اولا اطرافها، كاول العلم و اول المال و اول الجاه و ما اشبه (فلا تنفروا) اي لا تبعدوا و تشردوا (اقصاها) اي اواخر النعم (بقله الشكر) فمن شكر النعمه (زيدفيها) و من كفر افلتت من يده، كما قال سبحانه: (لئن شكرتم لازيدنكم، و لئن كفرتم ان عذابي لشديد).

حكمت 014

[صفحه 265]

و قال عليه السلام: (من ضيعه الاقرب) اليه من قرابه نسب و سبب، بان تركه و لم يابه به (اتيح) اي قدر (له الابعد) فياتي الابعدون ليتولوا امره و يحفظوه و يساعدوه.

حكمت 015

[صفحه 265]

و قال عليه السلام (ما كل مفتون) اي داخل في الفتنه (يعاتب) اي يوجه اليه اللوم، لانه قد يدخل الانسان في الفتن اضطرارا لا باختيار.

حكمت 016

[صفحه 265]

و قال عليه السلام: (تذل الامور للمقادير) اي ان الامور التي ياتي بها الانسان، انما هي مطيعه للتقدير، فمثلا يتروج الانسان بتلك المرئه لانه قدر ان يتزوج بها، و التقدير معناه علم الله سبحانه بما يكون في الكون، لا ان القدر يجبر الانسان، او ان علمه عله للمعلوم (حتي يكون الحتف) اي هلاك الانسان (في التدبير) اي في الامر الذي يدبره بظن المنفعه جاهلا بانه سبب هلاكه، كان يشرب الدواء بظن انه مفيد له، و في الدواء هلاكه.

حكمت 017

[صفحه 266]

و سئل عليه السلام: عن قول الرسول (ص): (غيروا الشيب) اي الشعر الابيض في اللحيه، و تغيره بالحناء و نحوه (و لا تشبهوا باليهود) الذين يتركون لحاهم بيضا، ما معني هذا الكلام؟، فقال عليه السلام في الجواب: (انما قال (ص) ذلك والدين قل) اي قليل بقله انصاره (فاما الان و قد اتسع نطاقه) النطاق الحزام العريض، و اتساعه كنايه عن انتشاره و كثره المسلمين، كما ان الانسان يتسع نطاقه اذا سمن (و ضرب بجرانه) جران البعير مقدم عنقه، يضرب به علي الارض اذا نام و استراح، و هذا كنايه عن قوه الاسلام الباعثه لاطمينانه و عدم خوف اهله من الاعداء (ف) كل (امرء و ما اختاره) الخضاب او الترك، و هذا لا ينافي كون الافضل الخضاب، كما في الاحاديث.

حكمت 018

[صفحه 267]

و قال عليه السلام: (من جري في عنان امله) بان سار في آماله، يتمن المستقبل المشرق بدون ان يعمل له (عثر باجله) اي سقط في اجله بالموت قبل ان يبلغ شيئا مما يريد، و عنان سير اللجام تمسك به الدابه، و المراد ترك العنان، و لم ياخذه لئلا يسير امله.

حكمت 019

[صفحه 267]

و قال عليه السلام: (اقيلوا ذوي المرات عثراتهم) العثره السقطه، و اقالتها اغماض العين عينها، فاذا عمل ذو مره عملا غير لائق فاغمضوا عنه العين و لا تفضحوه (فما يعثر منهم عاثر) اي لا يسقط منهم ساقط في امر قبيح- صدفه- (الا و يد الله في يده) كنايه عن كونه سبحانه معه- جزائا لمروته السابقه- (يرفعه) حتي لا يبقي في السقطه.

حكمت 020

[صفحه 267]

و قال عليه السلام (قرنت الهيبه بالخيبه) فمن تهيب امرا خاب من اداركه (و الحياء بالحرمان) فمن افرط من الخجل في شي ء لم ينله (و الفرصه) اي التوافق بين الاسباب التي توجب وصول الانسان الي سعاده (تمر مرالسحاب) اي كما يمر السحاب في السرعه، فان الاسباب لا تهيي ء الا نادرا (فانتهزوا) اي ادركوا (فرص الخير) فاذا و انت الفرصه، اعملوا لاجل البلوغ الي السعاده.

حكمت 021

[صفحه 268]

و قال عليه السلام: (لنا حق) في الخلافه و الاماره (فان اعطيناه) فهو (والا) لفظ (ركبنا اعجاز الابل) اي تحملنا المشاق في سبيل الوصول اليه فان ركوب موخر الابل مما يصعب علي الانسان (و ان طال السري) اي السير مما يوجب اكثريه المشقه،؟ هذا ما يظهر من هذا الحكمه، لكن الشريف فشره هكذا (قال الرضي) (ره): و هذا من لطيف الكلام و فصيحه و معناه: انما ان لم نعط حقنا كنا اذلا، و ذلك ان الرديف يركب عجز البعير كالعبد و الاسير و من يجري مجرا هما) و الله العالم بمراد اوليائه.

حكمت 022

[صفحه 268]

و قال عليه السلام: (من ابطاء به عمله) بان لم يعمل عملا موصلاله الي الخير و السعاده (لم يسرع به نسبه) فان نسبه الرفيع لا يلحقه بصفوف العاملين.

حكمت 023

[صفحه 268]

و قال عليه السلام: (من كفارات الذنوب العظام) اي من الاشياء التي تكفرها و توجب محو تلك الذنوب (اغاثه الملهوف) اي المظلوم، و اغاثته رفع الظلم عنه (و التنفيس) اي التفريج (عن المكروب) الذي وصل اليه كرب وغم، بان يزيل الانسان غمه.

حكمت 024

[صفحه 268]

و قال عليه السلام: (يابن آدم اذا رايت) اي ادركت (ربك سبحانه يتابع عليك نعمه) اي يتفضل عليك بنعمه اثر نعمه (و انت تعصيه) في اوامره و نواهيه (فاحذره) اي خف منه ان يكون التتابع لاجل ان تزيد اثما، اذ عدم الشكر موجب لانقطاع النعمه، فاذا كان عدم الشكر و لم يكن انقطاع دل علي اراده الشر، كما قال سبحانه: (انما نملي لهم ليزدا و اثما).

حكمت 025

[صفحه 269]

و قال عليه السلام: (ما اضمر احد شيئا الا ظهر في فلتات لسانه) جمع فلته، بمعني ما يصدر من الانسان بدون التفات و اراده خاصه (و صفحات وجهه) فانه اذا راي مرغوبه او سمع به تهلل وجهه، و اذا كان ضد ذلك، تقطب و خطف لونه، فيظهر الامر من حركاته.

حكمت 026

[صفحه 269]

و قال عليه السلام: (امشي بدائك) اي سايره و لا تطلب له دوائا (ما مشي بك) و لم يوقعك في اذيه، و ذلك لان الادويه غالبا تسبب امراضا جديده، و لذا نقل عنه عليه السلام انه قال: (ما من دواء الا و يهيج دئا) و قد ايد ذلك الطب.

حكمت 027

[صفحه 269]

و قال عليه السلام: (افضل الزهد اخفاء الزهد) اذ الانسان كثيرا ما يظهر زهده، ليطلع الناس علي حسن عمله، و هذا مما يوجب بطلان الزهد لانه يكون ريائا و انما الزاهد الحقيقي من يعمل لله فقط، حتي اذا عرف الناس زهده، حزن و تاثر.

حكمت 028

[صفحه 269]

و قال عليه السلام: (اذا كنت في ادبار) من عمرك، لان في كل يوم يبتعد الانسان عن الدنيا بقدر يوم (و الموت في اقبال) بان اخذ يقبل اليك، لان الموت في كل يوم يتقدم الي الانسان بمقدار يوم (فما اسرع الملتقي) بينك و بين الموت.

حكمت 029

[صفحه 270]

و قال عليه السلام: احذر (الحذر الحذر) من المعاصي، و التكرار للتاكيد (فو الله لقد ستر) الله المعاصي (حتي كانه قد غفر) و الحال انه لم يغفر، و انما ستر و عن قريب يواخذ بالسيئات حيث لا مفر و لا رجوع، و هذا تحذير عن العصيان.

حكمت 030

[صفحه 270]

و سئل عليه السلام عن الايمان، فقال: (الايمان علي اربع دعائم) جمع دعامه بمعني العمود، فكما يبني سقف البيت علي العمود، كذلك بني الايمان علي الاعمده (علي الصبر) علي الطاعه (و اليقين) بالمبدء و المعاد و ما اشبه (و العدل) في الامور كلها (و الجهاد) في سبيل الله سبحانه. (و الصبر منها علي اربع شعب) جمع شعبه، بمعني: القسم: اي علي اربعه اقسام (علي الشوق) الي الجنه (و الشق) اي الخوف (و الزهد) في الدنيا (و الترقب) اي الترصد للموت (فمن اشتاق الي الجنه) و يغمها (سلا) اي ابتعد (عن الشهوات) المحرمه الموجبه للنار (و من اشفق) و خاف (من النار اجتنب المحرمات) المسببه لدخول الانسان في جهنم. (و من زهد في الدنيا) فلم يرها مقره و محله و علم قصر مدتها (استهان بالمصيبات) اي عدها هينه لانه يعلم قصر مده المصيبه و انها موجبه للاجر و الثواب (و من ارتقب الموت) و انتظره (سارع الي الخيرات) لئلا تفوته الفرصه بالموت، و كل هذه الامور لا تكون الا بالصبر و التحمل. (و اليقين منها علي اربع شعب) اي علي اربعه اقسام (علي تبصره الفطنه) الفطنه الذكاء، و تبصرتها اي التبصره الناشئه منها (و تاول الحكمه) اي الوصول الي الدقائق التي تئول و تنتهي

اليها الحكمه، و الحكمه هي معرفه وضع الاشياء مواضعه (و موعظه العبره) العبره ما يسبب اعتبار الانسان

و دركه الضار من النافع- بسبب ما يري من الاحداث و التقلبات- و موعظتها هي الوعظ الذي ياخده الانسان بسببها، فان العبره تعظ الانسان و ترشده. (و سنه الاولين) اي معرفه طريقه الاولين من الانبياء و الصالحين حتي يتبعها الانسان (فمن تبصر في الفطنه) اي في ذكائه و معرفته للامور (تبينت) اي ظهرت له (الحكمه) بان عرف مواضع الاشياء (و من تبينت له الحكمه عرف العبره) اذ العارف بمواضع الاشياء يتمكن ان يدرك مواضع الاعتبار منها (و من عرف العبره فكانما كان في الاولين) اذ هو باكتسابه منهم مواضع الخطاء و الصواب فكانه كان فيهم وراي ماذا عملوا، و ماذا نتج عملهم. (و العدل منها علي اربع شعب) اي علي اربعه اقسام (علي غائض الفهم) اي الفهم الغائص في الامور، فانه بدون الفهم لا يكون عدل، اذ الفاهم يتمكن من اقامه العدل (و غور العلم) اي العلم الذي يغور في باطن الاشياء (و زهره الحكم) اي حسن الحكم، بان يتمكن من ان يحكم علي الاشياء بالحكم الحسن المطابق للواقع (و رساخه الحلم) اي ان يكون له حلم راسخ ثابت حتي اذ اعصي عليه الفهم او التطبيق حلم حتي يصل الي

معرفه العدل في الامر، و يتمكن من تطبيقه (فمن فهم) اي كان له فهم حاد (علم غور العلم) اي باطنه و سره، اي انه يدرك عمق الاشياء. (و من علم غور العلم) و باطنه (صدر عن شرائع الحكم) شرائع: جمع شريعه، و هو المحل الذي علي الماء يرده الشارب، و صدر اي رجع ريانا بعد وروده، اي انهل شرب من منهل الحكم عن صدر عارفا بالاحكام (و من حلم لم يفرط في امره) بالزياده و النقصان

بل اخذ العدل و الوسط (و عاش في الناس حميدا) لان العادل في الامور، محمود لذي الناس. (و الجهاد منها علي اربع شعب) اي علي اربعه اقسام (علي الامر بالمعروف و النهي عن المنكر) لانها القاء النفس في التعب، و الجهاد من الجهد بمعني التعب في الامر (و الصدق في المواطن) بان يصدق الانسان في كل موطن سواء ضره الصدق او نفعه (و شنان الفاسقين) اي بغضهم و عدواتهم (فمن امر بالمعروف شد) و قوي (ظهور المومنين) لانه كلما كثر العدد اشتد الامر و قوي (و من نهي عن المنكر ارغم انوف الكافرين) اي اذلهم لانهم هم اصل المنكرات، و اصله الارغام الايصال الي الرغام اي التراب (و من صدق في المواطن) اي المواضع كلها (قضي ما عليه) اي ادي الشي ء الذي وجب عليه من صدق الحديث و صدق العمل (و من شني ء الفاسق

ين) اي عادتهم (و غضب لله) تعالي اذا راي محرما (غضب الله له) فاذا اراد احد ايذائه دفع الله عنه (و ارضاه يوم القيامه) بارساله الي الجنه التي وعدها الله المتقين.

[صفحه 273]

و قال عليه السلام: (الكفر علي اربع دعائم) اي له اربعه اعمده. كما للسقف اعمده لا يقف الا بها (علي التعمق في العقائد تعمقا غير عقلائي، كالوسوسه (و التنازع) في الحق (و الزيغ) اي الميل مع الهوي (و الشقاق) اي العناد في الحق (فمن تعمق لم ينب) اي لم يرجع (الي حق) لانه دائما يذهب وراء التدقيقات الفلسفيه و الاوهام حتي يكون ذلك ملكه له، و من صار مثل ذلك ملكه له لا يرجع الي طرق العقلاء في الفهم و الاستدلال (و من كثر نزاعه بالجهل) بان يكون كثير المجادله يعينه و

ما لا يعنيه (دام عماه عن الحق) فلا يبصره. (و من زاغ) اي مال مع الهوي (سائت عنده الحسنه) اي رآها سيئه (و حسنت عنده السيئه) بان رئاها حسنه، لانه زائغ مائل (و سكر سكر الضلاله) بان تملي من الباطل و اشتغل به فلا تستفيق الي الحق (و من شاق) اي عاند في الحق (و عرت) اي صعبت (عليه طرقه) يقال طريق و عر، اذا صعب السير فيه (و اعضل) اي اشكل (عليه امره) فلا يعرف وجه الحق (و ضاق عليه مخرجه) فلا يدري كيف يخرج من المشكلات لانه يعاند في كلشي ء، فلا يعلم وجه الخروج. (و الشك علي اربع شعب) اي علي اربعه اقسام (علي التماري) اي التجادل، لاظهاره للناس قوه جدله، لا لاحقاق الحق

(و الهول) بان يخاف الحق فلا يقبله (و التردد) في الحق بان لا يدري اي الطرفين صحيحا (و الاستسلام) بان يستسلم الانسان لكل شي ء بدون دليل و معرفه فانه يشك في الحق لانه لم ياخذ الامر عن ذليل (فمن جعل المراء ديدنا) اي جعل الجدال عاده (لم يصبح ليله) اي لا يخرج في ضلام الشك الي نهار اليقين (و من هاله ما بين يديه) من الحق (نكص علي عقبيه) اي رجع الي الجاهليه، و عقب وراء الرجل، و هذا كنايه عن الارتداد الي الجاهليه، كما يرتد الماشي بالقهقري (و من تردد في الريب) اي الشك (وطئته سنابك الشياطين) سنابك جمع سنبك، و هو طرف الحافر، اي ان الشياطين يجمعلونه فرشا لهم يمرون عليه كيفما شائوا، و هذا كنايه عن انه ليس من الدين في شي ء (و من استسلم لهلكه الدنيا و الاخره) بان لم ينظم امر نجاته بل سار غير

واع كيفما ساروا با (هلك فيهما) فلا دنيا مطمئنه له، و لا آخره حسنه. (قال الرضي (ره): و بعد هذا كلام تركنا ذكره خوف الاطاله و الخروج عن الغرض المقصود في هذا الباب) و هو ذكر الحكم و قصار الكلمات.

حكمت 031

[صفحه 275]

و قال عليه السلام (فاعل الخير خير منه) لانه مبعث الخير و علته، و عله الشي ء افضل منه بديهه (و فاعل الشر شر منه) لانه مبعث الشر و علته، و من ياتي منه الشر الشر منه.

حكمت 032

[صفحه 275]

و قال عليه السلام: (كن سمحا) اي سخيا (و لا تكن مبذرا) اي مسرفا في الاعطاء (و كن مقدرا) بان تنفق بقدر الصلاح و الحكمه (و لا تكن مقترا) اي مضيقا في الانفاق.

حكمت 033

[صفحه 275]

و قال عليه السلام: (اشرف الغني ترك المني) جمع منيه، و هي ما يتمناه الانسان لنفسه، و في ترك هذا غني للانسان اذ من يتمني الاشياء، انما يتمناها لفقر كامن فيه، فاذا تركها، كان غني النفس، و غني النفس اشرف اقسام الغني بالمال و نحوه.

حكمت 034

[صفحه 276]

و قال عليه السلام: (من اسرع الي الناس بما يكرهون) بان قال فيهم بالصفات التي لا يحبونها، كاظهار نقائصهم (قالوا فيه بما لا يعلمون) لانهم يريدون الانتقام منه بوصمه بعيوب كثيرا ما يكون بريئا منها، و لعل ما لا يعلمون، كنايه عما لا يكون فيه.

حكمت 035

[صفحه 276]

و قال عليه السلام: (من اطال الامل) بان كان رجائه في بقائه طويل (اساء العمل) اذ انه يعمل الاعمال السيئه معتمدا علي انه اذا قرب وقته ادرك و تدراك.

حكمت 036

[صفحه 276]

و قال عليه السلام- و قد لقيه عند مسيره الي الشام (لمحاربه معاويه) دهاقين الانبار (دهاقين) جمع دهقان و هو زعيم الفلاحين، معرب (ده بان) اي حافظ القريه، فترجلوا له و اشتدوا ما اشتروا بين يديه (اي نزلوا عن خيولهم و اخذوا يركضون) فقال عليه السلام: (ما هذا الذي صنعتموه)؟ من الترجل و الركض (فقالوا خلق منا) اي عاده لنا (نعظم به امرائنا) و ذلك لدلاله هذه الحركه علي انا حاضرون بخدمتكم راكضون في امركم. (فقال عليه السلام): (و الله ما ينتفع بهذا امرائكم و انكم لتشقون علي انفسكم في دنياكم) لما تلاقون من صعوبه المشي و الركض (و تشقون) بالتخفيف من الشقاوه، و الاول بالتشديد من المشقه (به في آخرتكم) اذا انه موجب لتكبر الكبراء، و اذ لال النفس، و ما اشبه من المحرمات الموجبه للعقاب (و ما اخسر المشقه ورائها العقاب)؟ اي انه اكبر اقسام المشقه خساره، لانها توجب ذهاب الدنيا و الاخره (ف) ما (اربح الدعه) اي الراحه (معها الامان من النار) لانه لم يفعل محرما يستحق به دخول النار.

حكمت 037

[صفحه 277]

و قال عليه السلام لابنه الحسن عليه السلام: (يا بني) اصله (ابني) حذف الالف للتصغير، و التصغير هنا يفيد العطف و اللطف (احفظ عني اربعا و اربعا) و حيث ان كل اربع مسلوك في سلك خاص، لم يقل ثمانيا (لا يضرك) ضررا بالغا (ما عملت معهن) من الاعمال التي ليست بمحرمه، و من المعلوم ان الاعمال المباحه ايضا فيها ضرر عدم ادراك الدرجات الرفيعه المهيات للمتقين، بالاضافه الي الحساب-. اما الاربعه الاولي ف (ان اغني الغني العقل) فانه يوجب كل خير، و لذا هو من الفضل اقسام الغني بالمال او بالجاه او بالاولاد او ما

اشبه، و من المعلوم ان العقل فسم منه اكتسابي، فهذا تحريض علي اكتساب ذلك و العمل به (و اكبر الفقر الحمق) لانه يوجب ذهاب دنيا الانسان و آخرته، و اي فقر شر من هذا؟ و الحمق باعتبار ان قسما منه اكتسابي يصح التحذير منه (و اوحش الوحشه العجب) فان من اعجب بنفسه كرهه الناس فلا يجد انيسا، فهو في وحشه الانفراد طيله حياته (و اكرم الحسب حسن الخلق) الحسب ما يكتسبه الانسان- مقابل النسب الذي ليس للانسان فيه صنيع- و من المعلوم ان حسن الخلق يحصل من خير الدنيا و الاخره ما لا يحصله غيره، و لو كان افضل الناس علما و مالا و ما اشبه (يابن

ي اياك و مصادقه الاحمق) فلا تكن صديقا له (فان يريد ان ينفعك فيضرك) لانه يعمل ما لا يليق بك لحمقه، فيكون عمله سببا لضررك (و اياك و مصادقه البخيل) فلا تكن صديقه (فانه يبعد عنك) اي يتبعد لئلا تطلبه بحاجه (احوج ما تكون اليه) اي في حاله احتياجك الشديد، لانه بخيل لا يريد ان ينفق عليك، و ما فائده مثل هذا الصديق؟. (و اياك و مصادقه الفاجر) اي الفاسق الذي كل همه شهوته (فانه يبيعك بالتافه) اي الشي ء القليل، اذ لو دار الامر بينك و بين شهوته باعك في سبيل ارضاء شهوته، و مصادقه مثل هذا الانسان غبن و خساره. (و اياك و مصادقه الكذاب فانه كالسراب) الذي يترائي للانسان في الصحراء مائا، فاذا جائه لم يجده شيئا (يقرب عليك البعيد) بكذبه (و يبعد عليك القريب) و ذلك يوجب اختلال الميزان عندك فترتب آثار البعيد علي القريب، و بالعكس، و ذلك ما يوجب خبلا و فسادا.

حكمت 038

[صفحه 279]

و

قال عليه السلام: (لا قربه بالنوافل) اي لا يقترب الانسان الي الله سبحانه بسبب النافله، و هو العمل المستحب (اذا اضرت بالفرائض) اي الواجبات، كمن لا يصلي لانه يريد الزياره المستحبه، اولا ينفق الخمس، لانه يعمر المسجد.

حكمت 039

[صفحه 279]

و قال عليه السلام: (لسان العاقل وراء قلبه) فهو يتفكر اولا و يزن الكلام، ثم يتكلم (و قلب الاحمق وراء لسانه) فهو يسرع في التكلم، ثم يفكر فيما قال هل كان صحيحا ام لا؟ (و قد روي عنه عليه السلام هذا المعني بلفظ آخر و هو قوله عليه السلام): (قلب الاحمق في فيه) فما يمر بقلبه يقوله بلسانه بلا رويه و تفكير، كان قلبه في فمه (و لسان العاقل في قلبه) فلا يتكلم بشي ء الا اذا تفكر و تروي، فكان لسانه في قلبه، اذ لا يخرج الكلام الا عن مشوره القلب و تبينه (و معناهما واحد).

حكمت 040

[صفحه 280]

و قال عليه السلام: (لبعض اصحابه، في عله اعتلها) اي في مرض اصابه (جعل الله ما كان من شكواك حطا لسيئاتك) اي جعل مرضك موجبا لغفران ذنبك (فان المرض لا اجر فيه) اذ الاجر انما يترتب علي ما عمله الانسان، و الانسان لم يعمل شيئا تياره، اذا مرض (و لكنه) اي المرض (يحط السيئات) و يزيلها (و يحتها) اي يسقطها (حت الاوراق) اي مثل اسقاط الشجره لاورقها، و هذا فضل من الله سبحانه حيث اورد علي عبده اذي، يعوض عن ذلك بحط سيئاته. (و انما الاجر في) العمل الاختياري مثل (القول باللسان) ذكرا و شكر و تلاوه و ارشادا و ما اشبه (و العمل بالايدي و الاقدام) كالجهاد في سبيل الله و الانفاق و ما اشبه (و ان الله سبحانه يدخل بصدق النيه) بان تكون نيته في اعمال الخير صادقه، لا انه قصد بها الرياء و ما اشبه (و السريره الصالحه) بان يكون قلب الانسان نظيفا عن الصفات الزديله (من يشاء من عباده الجنه) و هذا الكلام كالاستدراك لقوله (و انما

الاجر) حتي لا يتوهم ان الاجر خاص بعمل الجوارح، بل يعم عمل القلب، ايضا.

حكمت 041

[صفحه 281]

و قال عليه السلام- في ذكر خباب ابن الارت (و هو من الصحابه الاولين الذين اوذوا في سبيل الله بايدي المشركين): (يرحم الله خباب ابن الارت) دعاء بلفظ المضارع، اي اللهم ارحمه (فلقد اسلم) في مكه (راغبا) في الاسلام لا طمعا او خوفا (و هاجر) الي المدينه (طائعا) بلا كره له في مفارقه بلده (و قنع بالكفاف) اي بما يكفيه من المال، دون زياده (و رضي عن الله) سبحانه بما قسم له (و عاش مجاهدا) في سبيل الاسلام، حتي ذهب الي الاخره. (طوبي) اذ تكون حالته طيبه.

حكمت 042

[صفحه 282]

و قال عليه السلام: (لو ضربت خيشوم المومن) الخيشوم اصل الانف، و الضرب عليه اشد، لانه ادماء و ارغام (بسيفي هذا علي ان يبغضني ما ابغضني) لان المومن يريد الاخره، و حيث ان الامام قائد اليها، لا يبغضه من يريدها، و لو اوذي واهين (و لو صببت الدنيا) كنايه عن تمليكها (بجماتها) جمع جمه، و هو مجتمع الماء من الارض، و المراد بحذافيرها، جليلها و حقيرها (علي المنافق) الذي هو من اهل الدنيا، و انما جعل الدين ستارا (علي ان يحبني ما احبني) فان اهل الدنيا لا يحبون اهل الاخره فيكف بقائدهم؟. (و ذلك) اي بيان ذلك (انه قضي) اي هكذا قدر- و السبب ما ذكرناه- (فانقضي) اي ذكر (علي لسان النبي الامي (ص)) المنسوب الي ام القري، و هي مكه (انه قال: يا علي لا يبغضك مومن و لا يحبك منافق) و كلامه حق و صدق لا يمكن ان يخالف.

حكمت 043

[صفحه 282]

و قال عليه السلام: (سيئه تسوك) اي معصيه تاتيها فتندم (خير عند الله من حسنه تعجبك) اي تفرح بها و تظن انك قد اتيت بالواجب، و ذلك لان الندم علي السيئه موجب لمحوها، فلا اثم عليك من ورائها، اما الحسنه المعجبه فانها تمحق بذاتها، و تورث الاثم، لان عجب الانسان بعمله محرم.

حكمت 044

[صفحه 283]

و قال عليه السلام: (قدر الرجل) اي منزلته و مكانته (علي قدر همته) بمعالي الامور (فمن كان اعلا همه كان افضلا) (و صدقه) في العمل و الكلام (علي قدر مروئته) اي رجولته، فان النفس الشريفه لا تكذب (و شجاعته علي قدر انفته) اي رفعه نفسه، فان النفس الرفيعه لا تتمكن ان تري النقائص فتشجع لازالتها (و عفته) بان لا ينساق وراء الشهوات (علي قدر غيرته) علي نفسه ان تنحط، و علي الاعراض ان تهتك، فكلما كانت غيرته اكثر، كانت عفته اكثر.

حكمت 045

[صفحه 283]

و قال عليه السلام: (الظفر بالحزم) اي انما يظفر الانسان بمراده بحزمه، و التفاته الي الامور و ترتيبه الاشياء كما ينبغي (و الحزم باجاله الراي) بان يجيل الانسان آرائه و يحركها لكي يعرف الصواب (و الراي بتحصين الاسرار) اي انما يكون عاليا اذا اخفي الانسان اسراره، لانه يتمكن ان يستنتج منها، اما اذا فشي سره، حالت دون تنفيذ آرائه عوائق و موانع.

حكمت 046

[صفحه 283]

و قال عليه السلام: (احذروا صوله الكريم) اي هجومه، و ثوران غضبه (اذا جاع) اي اذا احتاج، فان كريم النفس، لا يتذلل، و لا يخنع، و انما يصول لاخذ حقه (و اللئيم اذا شبع) فان لئيم النفس يطغي اذا رآه استغني.

حكمت 047

[صفحه 284]

و قال عليه السلام: (قلوب الرجال وحشيه) اي كالوحش يتنفر من الانسان (فمن تالفها) بان هي اسباب التالف من الاحسان و البشاشه، و ما اشبه (اقبلت عليه) و تصادقت معه، و من لم يتالفها بقيت متنفره منه.

حكمت 048

[صفحه 284]

و قال عليه السلام: (عيبك مستور) لدي الناس لا يعرفونه و لا يظهرونه (ما اسعدك جدك) اي حظك فما دام حظ الانسان مخالف له، لا يذكر بعيب، اما اذا خالفه حظه، فان عيوبه تذكر بالالسنه، و تشهر عند الناس.

حكمت 049

[صفحه 284]

و قال عليه السلام: (اولي الناس بالعفو اقدرهم علي العقوبه) اي اكثرهم قدره علي ان يعاقب، و ذلك لان القدره نعمه من الله سبحانه و شكرها العفو عن عباده، و العفو فضيله، فاذا تفضل الله علي الانسان، يلزم ان يتفضل هو علي الناس.

حكمت 050

[صفحه 284]

و قال عليه السلام: (السخاء ما كان ابتدائا) بان تعطي الشي ء بدون ان يطلب منك (فاما) الاعطاء من (ما كان عن بعد مساله) اي بعد السئوال (فحياء) من الرد (و تذمم) اي فرار من الذم، اذا لم تعط، لا انه سخاء.

حكمت 051

[صفحه 285]

و قال عليه السلام: (لا غني كالعقل) فعلي الانسان ان يحصل القدر الكسبي من العقل، و كونه اغني الغني، لانه يورث سعاده الدنيا و الاخره (و لا فقر كالجهل) الذي يسبب الشقاء في النشاتين (و لا ميراث كالادب) فان الانسان المتصف بالاداب يسعد بادبه، اما المال الموروث فانه ينفذ (و لا ظهير كالمشاوره) فان المشوره تبين وجه الصواب و تجعل الذين استشارهم الانسان ظهرا له في عمله.

حكمت 052

[صفحه 285]

و قال عليه السلام: (الصبر صبران) اي قسمان (صبر علي ما تكره) كالصبر علي المصيبه و الصبر علي الطاعه الشاقه، كالجهاد، و بذل المال (و صبر عما تحب) بان تترك محبوبك و لذتك لاجل امراه، كان يترك النظر الي الاجنبيه.

حكمت 053

[صفحه 285]

و قال عليه السلام: (الغني في الغربه وطن) اذ المال يجمع حول الانسان الاصدقاء، و المرافق الناعمه، فكان الانسان في السفر، اذا كان ذا مال، انه في وطنه (و الفقر في الوطن غربه) فان الفقير لا صديق له و لا عيش، و لذا كان كالغريب الذي لا يجد مرافق الحياه و سعادتها.

حكمت 054

[صفحه 285]

و قال عليه السلام: (القناعه مال لا ينفد) اذ القنوع لا يحتاج الي احد، كالانسان الذي له مال كثيرا ما ذو المال فانه قد يحتاج اذا نفذ ماله، كما يتفق كثيرا (قال الرضي (ره): و قد روي هذا الكلام عن النبي (ص)).

حكمت 055

[صفحه 286]

و قال عليه السلام: (المال ماده الشهوات) لانه الفقير لا يتمكن من تنفيذ رغباته و شهواته، اما ذو المال فانه يفعل بماله ما يشتهي من تناول الاثام، و اقتراف الملذات المحرمه.

حكمت 056

[صفحه 286]

و قال عليه السلام: (من حذرك كمن بشرك) اي المحذر، بسبب وقايتك عن الاخطار، يكون نافعا لك، كمن يبشرك بامر، مما تنتفع به، فاللازم ان تفرح بالمحذر، كما تفرح بالمبشر.

حكمت 057

[صفحه 286]

و قال عليه السلام: (اللسان سبع) اي كالسبع الضاري (ان خلي عنه) و لم يقيد (عقر) اي جرح الانسان فان الانسان، ربما تكلم بكلام يكون فيه اذاه و يسبب اهانته، فاللازم ان يحفظ الانسان لسانه.

حكمت 058

[صفحه 286]

و قال عليه السلام: (المراه عقرب حلوه اللبسه) اي في لباس جميل، اذ هي تسبب وقوع الانسان في المعاصي و الاثام، مما يتضرر بها الانسان، كما يتضرر الانسان بالعقرب اذا لدغته.

حكمت 059

[صفحه 286]

و قال عليه السلام: (اذا حييت بتحيه فحي باحسن منها) اي اذا اكرمت باكرام، كما لو سلم عليك، او اهدي اليك شي ء او نحو ذلك، فرد التجيه بالاحسن (و اذا اسديت اليك يد) اي عمل معك احسان و عمل جميل (فكافئها) اي ائت بما يقابلها (بما يريي) اي يفضل (عليها) لتكون انت ارفع من المبتدء في تلك التحيه و ذلك اليد (و الفضل مع ذلك للبادي) لانه ابتدء بالاحسان، و المبتدء ليس كالمكافي، فالمبتدء بالاسائه اظلم، و المبتدء بالاحسان اكرم.

حكمت 060

[صفحه 287]

و قال عليه السلام: (الشفيع جناح الطالب) فمن طلب شيئا، و ذهب معه بشفيع الي المطلوب منه، كان كالطائر الذي يطير بجناحه، فانه اولا الجناح لما نهض الطائر، و لو لا الشفيع في كثير من الاحيان لم تقض الحاجه.

حكمت 061

[صفحه 287]

و قال عليه السلام: (اهل الدنيا كركب) جمع راكب، و هو المسافر (يسار بهم و هم نيام) جمع نائم، فان الناس لا يعرفون سيرهم نحو الاخره- فهم كالنائم الذي لا يعرف السير- و ان كان الدهر يسير بهم سيرا حثيثا نحو الاخره.

حكمت 062

[صفحه 287]

و قال عليه السلام: (فقد الاحبه) جمع حبيب (غربه) لانه الانسان الفاقد لهم كالغريب الذي لا يجد صديقا يانس به، و لا يتمكن ان يتوصل الي حوائجه بواسطه اصدقائه.

حكمت 063

[صفحه 288]

و قال عليه السلام: (فوت الحاجه) بان لا يدرك الانسان حاجته (اهون من طلبها الي غير اهلها) فان طلب الحاجه من غير الاهل صعب علي النفس، و صعوبته اكثر من صعوبه فوت الحاجه.

حكمت 064

[صفحه 288]

و قال عليه السلام: (لا تستح من اعطاء القليل) بل اعط القليل، اذا لم تتمكن اولم ترد اعطائه الكثير (فان الحرمان اقل منه) اي حرمان الطرف بعدم اعطائه اطلاقه، اقل من الاعطاء القليل، و لفظه (اقل) مجاز لطيف.

حكمت 065

[صفحه 288]

و قال عليه السلام: (العفاف زينه الفقر) فاذا كان الانسان فقيرا فزينته بين الناس ان يعف و لا يتناول اللذائذ كيف ما وجدها (و الشكر زينه الغني) فاذا استغني الانسان كانت زينته ان يشكر.

حكمت 066

[صفحه 288]

و قال عليه السلام: (اذا لم يكن ما تريد) اي لم تتمكن مما قصدت و ارادت (فلا تبل) اي لا تبال (ما كنت) في طلبه حقيرا او كبيرا، اي اذا صعب مرادك، فاعمل كل عمل لتصل اليه، و يحتمل ان يراد بهذه الحكمه النهي عن الاسف عما فات الانسان.

حكمت 067

[صفحه 288]

و قال عليه السلام: (لا تري الجاهل الا مفرطا) الافراط الزياده عن الوسط (او مفرطا) التفريط التقصير عن القصد فلو سقيت الدابه عشره ارطل كان افراطا، و لو سقيتها خمسه كان تفريطا- مثلا- و انما القصد السبعه، و الجاهل حيث لا يعلم مقدار كل شي ء، و ما ينبغي لكل امر، اما يذهب بعيدا اكثر من القصد، او يبطي ء في العمل اقل من القاعده.

حكمت 068

[صفحه 289]

و قال عليه السلام: (اذا تم العقل نقص الكلام) فان غالب كلام الانسان هذر لا فائده فيه، فاذا تم العقل و كمل ادراك الانسان الكلام النافع من غيره فيقتصر علي النافع من الكلام فقط، و يقل كلامه.

حكمت 069

[صفحه 289]

و قال عليه السلام: (الدهر) اي الزمان (يخلق الابدان) اي ينقصها و ياخذ من قواها، (و يجدد الامال) فان الانسان اذا قدم به العمر يكثر امله، كما قال الرسول (ص) (يشيب ابن آدم، و يشب فيه خصلتان: الحرص و طول الامل) (و يقرب المنيه) اي الموت (و يباعد الامنيه) اي يبعد آمال الانسان، فكلما زاد عمر الانسان، عرف ان آماله ابتعدت، اذ كانت تحتاج الي نشاط و قوه و مده، و كلها في نقص (من ظفر به) اي بالامل (نصب) اي كل شي ء من امور الدنيا يتعب الانسان (و من وفاته) امله (تعب) لادراكه.

حكمت 070

[صفحه 289]

و قال عليه السلام: (من نصب نفسه للناس اماما) اي مقتدي (فليبدء بتعليم نفسه) الاداب و الشرائع (قبل تعليم غيره) فان الناس انما يقبلون الادب من العامل، لا من القائل (و ليكن تاديبه بسيرته) اي باعماله الحسنه (قبل تاديبه بلسانه) و كلامه فان عمل الا ما معيار عمل الناس، لا كلامه اذا كان عمله مخالفا (و معلم نفسه) اي الذي يتعلم العلم (و مودبها) الذي يتادب بالاداب (احق بالاجلال من معلم الناس و مودبهم) لان العمل اصعب من الكلام، فالعامل احق بالاكرام من القائل.

حكمت 071

[صفحه 290]

و قال عليه السلام: (نفس المرء) المراد به الجنس، اي انفاسه (خطاه الي اجله) فان كل نفس خطوه، فلو قدر بقاء الانسان في الدنيا بمقدار مائه الف نفس، كان كل نفس ينقص جزئا من عمره.

حكمت 072

[صفحه 290]

و قال عليه السلام: (كل معدود منقض) من انقضي، اي فات، فان ما يعد ينقضي بكل عدد عدد يذهب و يفني منه فمثلا عمر الانسان معدود بستين سنه، فاذا ذهب سنه انقضي جزء من العمر (و كل متوقع) اي ما يتوقع و يترقب مجيئه (آت) اي ياتي لا محاله، فلابد للانسان ان يعمل للاتي، و يصرف النظر عن المنقضي.

حكمت 073

[صفحه 290]

و قال عليه السلام: (ان الامور اذا اشتبهت اعتبر اخرها باولها) فانه علي حسب الابتداء، يكون الانتهاء، فاذا لم يعلم الانسان كيف يصير، يتمكن ان يعرف ذلك من ملاحظه اوله، الذي صار، اذ الاشياء انما تجري علي و تيره واحده.

حكمت 074

[صفحه 291]

(و من خبر ضرار بن حمزه الضبابي، عند دخوله علي معاويه، و مسئلته (اي سوال معاويه) له عن اميرالمومنين عليه السلام قال: فاشهد لقد رايته في بعض مواقفه، و قد ارخي الليل سدوله (كنايه عن ظلمته، فان السدول حجب الضلام) و هو قائم في محرابه، قابض علي لحيته (و القبض علي اللحيه انما يكون لمن يريد التفكر) يتململ السليم (التململ: التحرك و سليم الملدوغ من حيه، و نحوها، سمي بذلك تفائلا، كما تسمي الصحراء بالمفازه) و يبكي بكاء الحزين و يقول: (يا دنيا يا دنيا) امثال هذا الخطاب، من غير امثال الامام عليه السلام: انما هو لاظهار الحزن او الفرح او ما اشبه، نحو (ايا شجر الخابور) اما من امثال الامام، فيحتمل ذلك، كما يحتمل ان يكون خطابا حقيقيا بان يسمع كلامهم الكون و اجزائه، علي حد قوله سبحانه: (و ان من شي ء الا يسبح بحمده) (اليك عني) اي ابتعدي (ابي تعرضت) الهمزه للاستفهام، و الباء حرف جر، و الياء للمتكلم، و هو استفهام انكار. (ام الي تشوقت) اي اشتقت، و التعرض التصدي و الطلب، و التشوق حاله نفسيه (لا حان حنيك) اي لا جاء وقت وصولك الي، و هذا دعاء عليها بعدم حصول طلبتها (هيهات) اي ابتعد الامر فلا تصل الدنيا الي (غري غيري) اي اخ

دعي غيرك حتي يلتذ بملذاتك (لا حاجه لي فيك قد طلقتك ثلاثا لارجعه فيها) فانه لا يمل للرجل اخذ المرئه

بعد اطلاق الثالث، و هذا كنايه عن انه عليه السلام ترك الدنيا تركا لا يرجع اليها ابدا (فعيشك قصير) اذ امد الدنيا ينتهي بسرعه. (و خطرك) اي عظمك و مقدارك (يسير) هين لا اهميه له (و املك حقير) اي الذي يامله الانسان من الدنيا حقير تافه (اه) كلمه ترجع (من قله الزاد) هو ما ياخذه المسافر من الطعام و نحوه لسفره. (و طول الطريق) فان طريق الانسان الي ان يصل الي الجنه يستغرق الاف السنين، و زاد العمر الذي هيئه الانسان طيله حياته بمقدار سني عمره، لو لا فضل الله سبحانه (و بعد السفر) اي امتداده باعتبار الزمان، و الطريق باعتبار المكان (و عظيم المورد) اي محل الورود علي الله سبحانه، فانه ورود علي محكمه تفحص عن طول عمر الانسان و جزئيات اعماله و نواياه.

حكمت 075

[صفحه 292]

و من كلام له عليه السلام، للسائل الشامي لما ساله: اكان مسيرنا الي الشام (لقتال معاويه) بقضاء من الله و قدر؟- بعد كلام طويل، هذا مختاره: (و يحك) كلمه تستعمل للمدح و الذم، باعتبار اختلاف الاماكن، قال له الامام ان السفر كان بقضاء الله و قدره، فاظهر الرجل الحسره، حيث انه لو كان بقضاء الله لم يكن لهم ثواب، اذ ما يفعله الله سبحانه لا يعطي بازاء فعله الثواب لعبده، فاجابه الامام بقوله: (لعلك ظننت قضائا لازما) لا يمكن التخلف عنه. (و قدرا حاتما) اي محتوما لا يمكن خلافه، و القضاء هو حكم الله علي الاشياء بان تكون بكيفيات خاصه، و القدر التقدير المجعول لكلشي ء، مثلا اذا قال المهندس يلزم ان تبني الدار، كان قضائا، و اذا عين مكانها و خصوصياتها كان قدرا، لكن بعد ذلك، بيد البناء ان شاء اطاع

و عمل و ان شاء خالف و لم يعمل، و هكذا الانسان كالبناء بالنسبه الي قضاء الله و قدره، اذ فيه اراده يتوجه بها كيف شاء. (و لو كان ذلك) القضاء و القدر (لكذلك) الذي ذكرت من اللزوم و الحتميه (لبطل الثواب و العقاب) اذ لو اجبر الانسان علي الطاعه لم يكن لعلمه ثواب، و لو اجبر علي المعصيه لم يكن لعصيانه عقاب (و سقط) اي بطل و لغي (الوعد) با

لثواب (و الوعيد) بالعقاب، فان كليهما باطلان مع الجبر (ان الله سبحانه امر عباده تخييرا) اي في حالكونهم مختارين ان شائوا عملوا و ان لم يشائوا تركوا (و نهاهم تحذيرا) لا جبرا، اي حذرهم، و قال ان فعلتم وقعتم في المحذور. (و كلف يسيرا) اي تكاليف سهله دون طاقه الانسان (و لم يكلف عسيرا) اي ليست تكاليفه عسره صعبه (و اعطي علي القليل كثيرا) ففي مقابل العمل القليل يعطي الثواب الجزيل (و لم يعص مغلوبا) اي ليس سبحانه مغلوبا في معصيه العصاصين له، بل هو الذي اعطاهم المجال، ليظهر كل انسان مالديه (و لم يطع مكرها) فليست اطاعه المطيعين له، باكراهه اياهم، بحيث سلب الاختيار منهم. (و لم يرسل الانبياء لعبا) اي لاجل اللعب و العبث، بل لغايه السعاده للانسان، و نيل الدرجات الرفيعه (و لم ينزل الكتاب) اي جنس الكتب السماويه (للعباد عبثا) و بدون غايه و فائده (و خلق السماوات و الارض و ما بينهما باطلا) بلا داع و لاغرض، بل الغرض من الكل الاطاعه، و نيل السعاده للمطيع (و ذلك) بان الكون باطل عبث (ظن الذين كفروا) بالله (فويل للذين كفروا من النار) التي يدخلونها لعقيدتهم الباطله و اعمالهم السيئه.

حكمت 076

[صفحه 294]

و

قال عليه السلام: (خذ الحكمه اني كانت) سواء عند المومن او المنافق او الكافر (فان الحكمه تكون في صدر المنافق) الذي لا يعمل بها (فتلجلج في صدره) اي تتحرك، باضطراب النفس حولها هل تقولها ام لا؟ (حتي تخرج) الحكمه من لسانه (فتسكن الي صواحبها) اي سائر الكلمات الحكميه الموجوده (في صدر المومن) اذ صدر المومن معدن الحكم و الارشادات و معني تسكن: ان المومن لا يتردد حول الحكمه، بل يعيها و يعلم انه يلزم ان يعمل بها.

حكمت 077

[صفحه 295]

و قال عليه السلام: (الحكمه ضاله المومن) اي الشي ء الذي فقده، كما يفقد الانسان ماله مثلا (فخذ الحكمه و لو من اهل النفاق) كما ياخذ الانسان ضالته اين وجدها، و لو عند المنافق، او في المزبله، او ما اشبه، و هذا تحريض لتعلم الكلمات الحكميه، و الاداب، من اي شخص كان، فالاعتبار بما يقال، لا بمن يقول.

حكمت 078

[صفحه 295]

و قال عليه السلام: (قيمه كل امرء ما يحسنه) فان بمقدار معرفه الانسان للعلوم و الاداب يكون وزنه و قيمته عند الله و عند الناس (قال الرضي (ره): و هي الكلمه التي لا تصاب لها قيمه، و لا توزن بها حكمه، و لا تقرن اليها كلمه).

حكمت 079

[صفحه 295]

و قال عليه السلام: (او صيكم بخمس) اي بنصائح خمسه (لو ضربتم اليها) اي للسفر الي تحصيل هذه النصائح (اباط الابل) جمع ابط، و ضرب الاباط كنايه عن السفر، لان الانسان اذا سافر علي الابل، و ابطي ء في السير، ضرب برجله ابطه ليسرع (لكانت) هذه الخمس (لذلك) الضرب علي الاباط (اهلا) لعظمها، حتي ينبغي للانسان ان يسافر لاجلها، و الخمس هي: (لا يرجون احد منكم الا ربه) فيرجو كل خير منه، و يرجو دفع كل شر منه، فان هذا هو التوحيد الخالص، و هذا لا ينافي رجاء غيره رجائا اليا و واسطه جعلها الله سبحانه لانجاز تلك الغايه المتوخات. (و لا يخافن الا ذنبه) بان يخصص خوفه به، لان عاقبه الذنب اشد من عاقبه كل مخوف، و معني لا يخاف، لا يخاف الخوف الكامل، و ذلك لا ينافي الخوف العقلائي من الاضرار (و لا يستحين احد منكم اذا سئل عما لا يعلم) بان سئله الناس عما لا يعلم جوابه، فلا يستحي (ان يقول: لا اعلم) فان فضيله الصدق عند الله و عند الناس تزين هذا الانسان، بخلاف ما اذا اجاب بخلاف الواقع، فانه يشينه في الدنيا و الاخره (و لا يستحين احد اذا لم يعلم الشي ان يتعلمه) فانه لا نقص في التعلم، و انما النقص في الجهل. (و عليكم) اسم فعل، بمعني (الزم

وا) (بالصبر) في الامور كلها (فان

الصبر من الايمان كالراس من الجسد) اي بهذه المنزله الشريفه (و لا خير في جسد لا راس معه) اذ هو ميت، لا ينتفع و لا ينتفع به (و لا في ايمان لا صبر معه) فان من لا يصبر عن المعصيه يفعلها و من لا يصبر علي الطاعه يتركها، و من لا يصبر عند المصيبه يجزع، و ايمان بتوبه ترك الطاعه و فعل المعصيه و الجزع المحرم، لا ياتي منه خير مطلوب.

حكمت 080

[صفحه 297]

و قال عليه السلام- لرجل افرط في الثناء عليه (بان بالغ في مدح الامام) و كان عليه السلام له متهما (بان كان الامام يظن انه منافق ليس في قلبه ما يقوله علي لسانه)-: (انا دون ما تقول) اي اقول من هذه الاوصاف و المدائح التي تذكرها، و لعله اثبت له بعض صفات الله الخاصه به، او صفه خاصه بالنبي (ص) (و فوق ما في نفسك) اذ نفسك تحط من شاني.

حكمت 081

[صفحه 297]

و قال عليه السلام: (بقيه السيف) اي الباقون بعد القتال الذين بقوا و قتل اقربائهم و انصارهم (ابقي عددا) اي احسن بقائا (و اكثر ولدا) اي و يكون اولاد هم اكثر، و ذلك لان الجماعه اذا رضوا بالذل و لم يحاربوا من يطمع فيهم، لا تكون اهميته لعددهم، و لا عنوان لولدهم، اما اذا حاربوا و بقي بعضهم، كان الباقي شرفاء مرفوعي الراس، فهم ابقي و اكي ء، عند التعداد للكرماء.

حكمت 082

[صفحه 297]

و قال عليه السلام: (من ترك قول: (لا اداري) بان لم يقل هذه الكلمه في جواب الاسئله التي توجه اليه، بل اجاب جوابا خلافا للواقع (اصيبت مقاتله) هذا كنايه عن الهلاك، اي هلك لانه قال بما لا يعلم، و مقاتل جمع مقتل، محل القتل- كالنحر- و اصيبت، اي اصاب الهلاك موضع قتله فقتله.

حكمت 083

[صفحه 298]

و قال عليه السلام: (راي الشيخ) في الامور (احب الي من جلد الغلام) اي صبره علي القتال، بل علي كلشي ء، فان الاشياء انما تعالج بالاراء ثم بالاعمال، اما العمل بدون الراي و التخطيط فحري بالفشل.. و روي: (من مشهد الغلام) اي من حضوره للمحاربه و المقاتله.

حكمت 084

[صفحه 298]

و قال عليه السلام: (عجبت لمن يقنط) من رحمه الله (و معه الاستغفار) اي فتح الله سبحانه لباب التوبه، لا يدع مكانا للقنوط.

حكمت 085

[صفحه 298]

و حكي عنه ابوجعفر محمد بن علي الباقر، عليهماالسلام: انه عليه السلام قال: (كان في الارض امانان من عذاب الله) بان كانا سببا لعدم نزول العذاب علي اهل الارض (و قد رفع احدهما) اي ذهب احد الامانين (فدونكم الاخر) اي خذوه (فتمسكوا به) و لا تتركوه (اما الامان الذي رفع ف) كان وجود (رسول (ص)، و اما الامان الباقي) الذي لم يرفع (فالاستعفار) و التوبه من الذنب. (قال الله تعالي: (و ما كان الله ليعذبهم و انت) يا رسول الله (فيهم، و ما كان الله معذبهم و هم يستغفرون) و لعل سر الاتيان ب (ليعذبهم) في الاول و (معذبهم) في الثاني، لما ذكر من انقطاع الاول، و استمرار الثاني، فان الاسم يدل علي الاستمرار (قال الرضي (ره): و هذا من محاسن الاستخراج، و لطائف الاستنباط) الذي استنبطه الامام عليه السلام من الايه الكريمه.

حكمت 086

[صفحه 299]

و قال عليه السلام: (من اصلح ما بينه و بين الله) بان عمل باوامره، و ترك نواهيه (اصلح الله ما بينه و بين الناس) بان جعله محبوبا مطاعا لديهم (و من اصلح امر آخرته) بالايمان و العمل الصالح (اصلح الله له امر دنياه) بان يكفيه مهام الدنيا (و من كان له من نفسه واعظ) بان كانت له حاله نفسيه تامره بالفضيله و الدين (كان عليه من الله حافظ) يحفظه عن الافات و المكاره.

حكمت 087

[صفحه 299]

و قال عليه السلام: (الفقيه كل الفقيه) هذا مبالغه في الفقاهه، كانه كل الفقهاء علما و فقها، اذ يعرف كل ما يعرفه الفقهاء كما قال الشاعر: لو جئته لرايت الناس في رجل و الدهر في ساعه و الارض في دار. (من لم يقنط الناس من رحمه الله) بان يقول ان ذنوبهم سبب عدم مغفره الله لهم ابدا حتي ييئسوا (و لم يويسهم من روح الله) اي لطفه و رحمته و سمي روحا، لانه يوجب السعه و الراحه. و كان الرحمه في الاخره، و الروح في الدنيا (و لم يومنهم من مكر الله) المكر لغه بمعني المعالجه خفيه للوصول الي الشي ء، و المراد بمكره الله عقابه المفاجي، و ذلك بان لا يقول لهم ان الله كريم فافعلوا ما شئتم فالفقيه الكامل هو الذي يترك الناس بين الخوف و الرجاء.

حكمت 088

[صفحه 300]

و قال عليه السلام: (اوضع العلم) اي ادناه و اخسه (ما وقف علي اللسان) بان تلكم الانسان به بدون ان يعمل (و ارفعه) اي ارفع العلم و اشرفه (ما ظهر في الجوارح) جمع جارحه، و هي الاعضاء (و الاركان) اي اركان البدن كالقلب و المخ، فاذا شغل الانسان بالعمل الصالح، و النوايا الطيبه، كان مشتملا علي اشرف العلم، و لو تكلم به فقط كان مشتملا علي ادناه

حكمت 089

[صفحه 300]

و قال عليه السلام: (ان هذه القلوب تمل) و تكسل، من الملاله (كما تمل الابدان) و تتعب من العمل (فابتغوا) اي اطلبوا (لها طرائف الحكم) اي غرائبها الموجب لانبساط القلوب، فان القلب ينشرح للامور الغريبه الطريفه.

حكمت 090

[صفحه 301]

و قال عليه السلام: (لا يقولن احدكم: (اللهم اني اعوذبك من الفتنه)) بان يطلب ان لا يبتليه الله بالفتنه، فان ذلك ما لا يكون (لانه ليس احد الا و هو مشتمل علي فتنه) اي ما يوجب الامتحان كالبدن و الحياه، و المال، و ما اشبه، فان كلها فتنه و امتحان للناس، يعرف بها ان المرء حسن او خبيث، فاذا صرفها في الطاعه كان صالحا، و ان صرفها في المعصيه كان طالحا. (و لكن من استعاذ) اي من يريد الاستعاذه (فليستعذ من مضلات الفتن) اي ما يوجب ضلاله، بان يدعو ان لا يعطيه الله ما لا يسبب طغيانه، او اولادا تسبب ارهاقه بالكفر، او ما اشبه ذلك: (فان الله سبحانه يقول: (و اعلموا انما اموالكم و اولادكم فتنه)) و يصح الاستعاذه من اصل المال و الولد؟ و (ذلك انه) سبحانه (يختبرهم) اي يمتحنهم (بالاموال و الاولاد ليتبين) اي يظهر (الساخط لرزقه) اذا كان قليلا، و الطاغي بماله اذا كان كثيرا. (و الراضي بقسمه) الذي قسمه الله سبحانه له (و ان كان) هذا الاستظهار ليس له (سبحانه) اذ هو (اعلم بهم من انفسهم)، (لكن لتظهر الافعال التي بها يمتحق الثواب و العقاب) فيكونان عن استحقاق و عمل لا بمجرد علمه سبحانه، ثم بين عليه السلام كيف يختبرهم سبحانه ليظهر نوا

ياهم بقوله- في بيان اختلاف النوايا- (لان بعضهم يحب الذكور و يكره الاناث) من الاولاد- بالنسبه الي قوله سبحانه (و اولادكم). (و بعضهم

يحب تثمير المال) اي انمائه بالربح و المثر (و يكره انثلام الحال) اي نقصه، و هذا بالنسبه الي قوله سبحانه (انما اموالكم) فلكي تظهر هذه الاقسام من المحبه الكامنه في النفوس يعطي الله المال و الاولاد، لكي يستحق المطيع الثواب و الغاصي العقاب (قال الرضي (ره)، و هذا من غريب ما سمع منه في التفسير) بهذا الاسلوب اللطيف و الشكل الطريف.

حكمت 091

[صفحه 302]

و سئل عليه السلام: عن الخير، ما هو؟ فقال عليه السلام: (ليس الخير ان يكثر مالك و ولدك) كما يزعم الناس (و لكن الخير ان يكثر علمك) بالامور (و حلمك) في المشاكل (و ان تباهي الناس) اي تزيد عليهم، لا بمعني المفاخره (بعباده ربك) تعالي (فان احسنت حمدت الله) علي ان وفقك للاحسان (و ان اسات استغفرت الله) و طلبت منه العفو و الغفران (و لا خير في الدنيا الا لرجلين) اي صنفين من الناس (رجل اذنب ذنوبا، فهو يتدراكها بالتوبه) و الانابه، فالخير في توبته عن ذنوبه السالفه (و رجل يسارع في الخيرات) اي يسرع اليها. و قال عليه السلام: (لا يقل عمل مع التقوي) لانه يقبل و ما يقبل ليس قليلا، لان المهم رضاه سبحانه، و قد رضي بدليل القبول (و كيف يقل ما يتقبل)؟ استفهام انكار، قال سبحانه: (انما يتقبل الله من المتقين).

حكمت 092

[صفحه 303]

و قال عليه السلام: (ان اولي الناس بالانبياء) بان يكون مربوطا بهم، و اقرب الناس اليهم (اعلمهم بما جائوا به) و لا يخفي ان المراد العالم العامل (ثم تلا عليه السلام): ((ان اولي الناس بابراهيم، للذين اتبعوه، و هذا النبي و الذين آمنوا)) اي من تبعه سابقا، و رسول الاسلام و المومنون، و انما كانوا هولاء اولي، لانهم علموا بما جاء به، و علموا بما اتي من الشريعه السماويه. (ثم قال عليه السلام): (ان ولي محمد (ص)) اي محبه و تابعه (من اطاع الله و ان بعدت لحمته) اي نسبه، فلحمه ليس من لحم الرسول و عشيره الرسول (ص) (و ان عدو محمد (ص) من عصي الله و ان قربت قرابته) بان كان من اقرب الناس نسبا الي الرسول (ص)، كابي لهب، فان

ميزان رجال الدين و رجال الفكر، الموالاه و المعادات الدينيه و الفكريه، لا العنصريه و الاقليميه و ما اشبه.

حكمت 093

[صفحه 304]

و قال عليه السلام- و قد سمع رجلا من الحروريه (و هم الخوارج) يتهجد (اي يصلي بالليل) و يقرا (القرآن): (نوم علي يقين) بان يكون الانسان متقينا بالاصول التي منها الامامه (خير من صلاه في شك) في شي ء من العقيده الواجبه اذ النوم يثاب عليه باعتبار كونه راحه للبدن التي امر الله بها، و الصلاه في شك لاثواب فيها، بل فيها عقاب، كما يظهر من الاحاديث.

حكمت 094

[صفحه 304]

و قال عليه السلام: (اعقلوا الخبر اذا سمعتموه عقل رعايه) بان تفهموه للعمل به و مراعاته (لا عقل روايه) بان تريدوا نقله فقط (فان رواه العلم) الذين يروونه و ينقلونه (كثير) من الناس (و رعاته قليل) اذ قل من يعمل، و ياخذ الخبر للعمل.

حكمت 095

[صفحه 304]

و سمع عليه السلام، رجلا يقول: (انا لله و انا اليه راجعون) فقال عليه السلام: (ان قولنا- انالله- اقرار علي انفسنا بالملك) اذ (اللام) للملك، نحو المال لزيد (و قولنا- و انا اليه راجعون- اقرار علي انفسنا بالهلك) اي الهلاك، لان الرجوع الي حسابه سبحانه و جزائه لا يكون الا بعد الموت و الهلاك.

حكمت 096

[صفحه 305]

و قال عليه السلام- و مدحه قوم في وجهه: (اللهم انك اعلم بي من نفسي) فان الله سبحانه يعلم من دقائق صفات الانسان و اعماله، مالا يعلمه الانسان بنفسه (و انا اعلم بنفسي منهم) اي من هولاء الماد حين، لان كل انسان يعرف نفسه خيرا من معرفه غيره له (اللهم اجعلنا خيرا مما يظنون) اي يظن هولاء المادحون (و اغفر لنا ما لا يعلمون) من الاخطاء و قد ذكرنا سابقا ان طلب الائمه للغفران، باعتبار بعض المباحات التي لا يرونها لائقا بمقامهم مع الله سبحانه.

حكمت 097

[صفحه 305]

و قال عليه السلام: (لا يستقيم قضاء الحوائج) بان يكون القضاء قضاء احسنا (الا بثلات) خصال يفعلها القاضي (باستصغارها) اي بان يعد القاضي قضائه صغيرا (لتعظم) الحاجه في عين المقضي له (و باستكتامها) فاذا قضاها، قضاها في كتمان لا ان يظهر انه قضي الحاجه الفلانيه (لتظهر) فان الفاعل اذا اخفي فعله صار عند الناس رد فعل و اكبار له، حتي انهم يظهرون فعله و يمدحونه عليه (و بتعجيلها) في القضاء (لتهنوء) اي تكون هنيئا للمقضي له، فان الابطاء يذهب بهناء القضاء.

حكمت 098

[صفحه 306]

و قال عليه السلام: (ياتي علي الناس زمان لا يقرب فيه الا الماحل) اي الساعي بالناس عند السلطه بالوشايه فالناس يقربونه خوفا و السلطان يقربه طمعا، و اصل المحل الكيد و المكر (و لا يظرف فيه) اي لا يعد ضريفا (الا الفاجر) الذي يفجر و يعصي (و لا يضعف فيه) اي لا يعد ضعيفا (الا المنصف) الذي يعدل في القول و العمل، و ذلك في كل زمان يغلب الفساد حتي تكون الرذائل مكان الفضائل (يعدون الصدقه فيه) اي في ذلك الزمان (غرما) اي غرامه ذاهبه من ايديهم بلا عوض و اجر (وصله الرحم منا) اي تفضلا علي و صلوه، لا واجبا مفروا. (و العباده استطاله علي الناس) اي تفوقا عليهم، فالعابد يجعل نفسه فوق الاخرين تفضلا عليهم، بينما ان من كثرت عبادته، كثر تواضعه حتي يظن ان كل الناس افضل منه (فعند ذلك) الزمان (يكون السطان) اي: اداره امور السلطه (بمشوره النساء) كما نري في هذا الزمان (و اماره الصبيان) لان المقاييس تضاع فيكون كل شي ء في مكانه الذي لا يليق به (و تدبير الخصيان) اي العبيد، اذ يشئغل ارباب السلطه باللهو و العب

و يقع الامر بايدي عبيدهم و خدمهم كما رايناه في زماننا.

حكمت 099

[صفحه 307]

و رئي عليه- عليه السلام- ازار خلق مرقوع (اي بال، قد رقع خرقه) فقيل له في ذلك؟ (اي قيل للامام لماذا لا تبدل ازارك بازار جديد؟) فقال عليه السلام: (يخشع له القلب) فان القلب يخضع اذا لبس الانسان ثوبا باليا (و تذل به النفس) عن الطموح و الاستعلاء (و يقتدي به المومنون) فلا يتعلقون بالدنيا و زخارفها

حكمت 100

[صفحه 307]

(ان الدنيا و الاخره عدو ان متفاوتان) يتفاوت احدهما عن الاخر (و سبيلان) اي طريقان (مختلفان) فالسالك في احد السبيلين لا يتمكن من السلوك في السبيل الاخر. (فمن احب الدنيا و تولاها) اي اتبعها (ابغض الاخره و عاداها) لان امر الاخره يضاد محبوبه (و هما بمنزله المشرق و المغرب) في البعد و الاختلاف بين جهتيهما (و) الانسان بمنزله (ماش بينهما) اي بين المشرق و المغرب (كلما قرب من واحد بعد من الاخر) (بعد) اي الي هذا الحال، او بعد ذلك (ضرتان) اي كزوجتين لرجل واحد، اللتين كل واحده منهما تعادي الاخره. و لا يخفي ان هذا انما هو بالنسبه الي الدنيا المحرمه، اما الدنيا المحلله فقد قال سبحانه في موضوعها: (و منهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنه، و في الاخره حسنه) و قال الامام عليه السلام فيما ينسب اليه: و ما احسن الدين و الدنيا اذا اجتمعا.

حكمت 101

[صفحه 308]

و عن نوف البكالي، قال: رايت اميرالمومنين عليه السلام ذات ليله، و قد خرج من فراشه، فنظر في النجوم فقال لي، يانوف: (اراقد انت ام رامق؟) اي انائم انت ام يقظ، يقال رمقه اذا لحظه. فقلت: بل رامق، قال: (يا نوف، طوبي للزاهدين في الدنيا) التاركين لها (الراغبين في الاخره) العاملين لاجلها (اولئك قوم اتخذوا الارض بساطا) في مقابل الجلوس علي الكراسي (و ترابها فراشا) اي عوض الفراش (و مائها طيبا) اي بدل الطيب. (و القرآن شعارا) اي جعلوه علامتهم اللاصقه بهم في قرائتهم له و العمل به و معرفه الناس اياهم بانهم اهل القرآن (و الدعاء دثارا) اي انهم الامر الظاهر منهم، كالدثار الذي يلبسه الانسان فوق ثيابه للدفي ء (ثم قرضوا الدنيا قرضا) اي مزقوها

كما يمزق الثوب بالمقراض (علي منهاج المسيح) اي طريقته عليه السلام في الزهد. (يا نوف: ان داود عليه السلام قام في مثل هذه الساعه من الليل، فقال انها ساعه لا يدعو فيها عبد الا استجيب له) اي استجاب الله دعائه (الا ان يكون عشارا) و هو من يتولي اخذ اعشار المال، للدوله، ظلما (او عريفا) و هو الذي يتجسس عن اخبار الناس لتعريفها للسلطه (او شرطيا) و هم اعوان الحاكم الباطل (او صاحب عرطبه) (و

هي الطنبور) (او صاحب كوبه) (و هي الطبل، و قد قيل ايضا: ان العرطبه الطبل، و الكوبه الطنبور).

حكمت 102

[صفحه 309]

و قال عليه السلام: (ان الله افترض عليكم الفرائض) اي اوجب عليكم الواجبات (فلا تضيعوها) بتركها و التهاون فيها (و حد لكم حدودا) اي بين لكم حد كل شي ء الموجب للعامل في نطاقه، السعاده، كحد النكاح و الطلاق، و الارث و القضاء و هكذا (فلا تعتدوها) بتجاوز تلك الحدود- زياده او نقصا- (و نهاكم عن اشياء) كالخمر و الميسر و ما اشبه (فلا تنتهكوها) اي لا تخرقوا نهيه باتيانها (و سكت لكم) اي لنفعكم (عن اشياء) كخصوصيات الاخره، و سوابق الكون، و ما اشبه (و لم يدعها نسيانا) لانه سبحانه منزه عن النسيان (فلا تتكلفوها) اي لا تكلفوا انفسكم التعمق فيها، فانها لا تنفع دينكم و لا دنياكم.

حكمت 103

[صفحه 310]

و قال عليه السلام: (لا يترك الناس شيئا من امر دينهم لاستصلاح دنياهم) كان يترك الصلاه لاجل الكسب (الا فتح الله عليهم ما هو اضر منه) اي ما هو اكثر ضررا من الشي ء الذي تركوا الدين لاجله، و قد شاهدنا ذلك بام العين، في هذا الزمان.

حكمت 104

[صفحه 310]

و قال عليه السلام: (رب عالم قد قتله جهله) لانه تعلم العلم لفظا، بدون ان يوثر العلم في قلبه حتي يتحرك للعمل، فجهله الواقعي سبب قتله و هلاكه الاخروي (و علمه معه لا ينفعه) كما لو علم الانسان بوجود اسد ورائه لكنه لم يفر فانه يقع فريسه له، لجهله، و انكان معه علمه.

حكمت 105

[صفحه 310]

و قال عليه السلام: (لقد علق بنياط هذا الانسان) النياط عرق معلق به القلب (بضعه) اي قطعه من اللحم (هي) اي تلك البضعه (اعجب ما فيه) اي اعجب ما في الانسان (و ذلك) هو (القلب) و تذكير (ذلك) باعتبار خبره (و له مواد من الحكمه) التي يعرفها الانسان، و كونها (مواد) باعتبار انها تمد الانسان بالعمل (و اضداد من خلافها) اي خلاف الحكمه كالتي يعمل بها السفاكون و اصحاب الرذائل نحو: (الحياء جبن) و (السخاء سرف) و الشجاعه جنون، و يحتمل ان يراد من (الاضداد) ان كل حكمه تنبت عندها رذيله، توجب صرفها عن كونها فضيله، كالشجاعه تنتهي الي التهور، و الرجاء ينتهي الي الطمع و هكذا، و هذا المعني اليق بترتب قوله، (فان سنح) بالفاء. (فان سنح) اي ظهر (له الرجاء) لشي ء (اذله الطمع) اذ الطمع موجب للذله، و التذلل لمن يطمع فيه الانسان (و ان هاج به الطمع) بان كثر و زاد (اهلكه الحرص) اوجب هلاكه الاخروي، و قد يوجب الحرص هلاك الدنيا ايضا. (و ان ملكه الياس) بان يئس من شي ء (قتله الاسف) اي التاسف، و المراد ب (قتله) ان يكثر من التاسف حتي ينهك، و احيانا بحرض و يهلك (و ان عرض له الغضب) بان غضب علي احد او علي شي ء (اشتد به الغيظ) اي زاد و قوي

في

نفسه، مقابل ان يبرد غضبه و يكظم غيظه (و ان اسعده الرضا) بان رضي حتي صار سعيدا نفسا (نسي التحفظ) اي لم يتحفظ من الزياده في الرضا حتي يخرج عن الاعتدال، بل قد يجره رضاه الي الحرام، كان يرضي عن احد فيبدل له ما لا يستحق و هكذا. (و ان ناله الخوف) اي خاف من شي ء (شغله الحذر) اي اخذ في الحذر (من ذلك المخوف) حتي لا يبقي له فراغ لسائر اعماله و واجباته (و ان اتسع له الامن) بانكان في منتهي الامن (استلبته الغره) اي سلبه الغرور و الغفله، عن اصلاح شانه، و تدارك ما ربما ياتي في المستقبل من انواع الخوف (و ان افاد) اي حصل (ما لا اطغاه الغني) و الطغيان عباره عن الخروج عن حد الاعتدال في المال بالاسراف و نحوه. (و ان اصابته مصيبه فضحه الجزع) فلا يصبر، و معني الفضيحه ظهور ما لا يحمل منه (و ان عضته الفاقه) اي الفقر، و العض هو الاخذ بالاسنان شديدا و هذا كنايه عن ايلام الفقر له (شغله البلاء) عن سائر اعماله و واجباته. (و ان جهده الجوع) اي اتعبه (قعد به الضعف) فلا يقدر علي العمل، من كثره الضعف (و ان افرط به الشبع) بان اكل كثيرا (كظته البطنه) اي كربته و المعه البنه، و هي امتلاء البطن (فكل تقصير به مضر) او المراد بالتقصير النقيصه عن الاع

تدال (و كل افراط له) و زياده عن الاعتدال (مفسد) و انما الفضيله ان يقف في الوسط، قال سبحانه: (و كذلك جعلناكم امه وسطا).

حكمت 106

[صفحه 312]

و قال عليه السلام: (نحن النمرقه الوسطي) النمرقه: الوساده، و انما شبه عليه السلام آل البيت بالنمرقه، للاستناد اليهم في امور

الدين، كما يستند الي الوساده للراحه (بها يلحق التالي) الذي قصر و لم يسر سيرا معتدلا (و اليها يرجع الغالي) الذي غلي و ذهب بعيدا، فمن قال فيهم بالالوهيه، يرجع اليهم في الحق، و من قال بانهم في الحق، و من قال بانهم دون الامه و الخلافه، يلزم ان يرجع اليهم اذا اراد الحق

حكمت 107

[صفحه 313]

و قال عليه السلام: (لا يقيم امر الله سبحانه الا من لا يصانع) اي لا يجامل في الحق بان يترك بعض الحق مجامله (و لا يضارع) اي لا يشابه المبطلين في اعماله، و لا يشبه بهم (و لا يتبع المطامع) اي الاطماع الماديه، فان الانسان اذا كان احد الثلاثه لم يتمكن من اقامه امر الله.

حكمت 108

[صفحه 313]

و قال عليه السلام- و قد توفي سهل بن حنيف الانصاري بالكوفه، بعد مرجعه (اي رجوعه) معه عليه السلام، من صفين، و كان احب الناس اليه- (لو احبني جبل لتهافت) اي تساقطت اجزائه قطعه قطعه، لان البلاء موكل بالولاء (قال السيد الرضي: معني ذلك ان المحنه تغلظ عليه، فتسرع المصائب اليه، و لا يفعل ذلك الا بالاتقياء الابرار، و المصطفين الاخيار، و هذا مثل قوله عليه السلام: (من احبنا اهل البيت، فليستعد للفقر جلبابا) و الظاهر ان المراد في تلك الازمنه، حيث كثره الاعداء، فاذا احب احد اهل البيت، ضيقوا عليه اشد التضييق مما يول امره الي الفقر، كما ذكر في التاريخ، و قال السيد: (و قد يول ذلك علي معني آخر، ليس هذا موضع ذكره) و لعل مراده: ان من احبهم فليخلص لله حبهم، فليست الدنيا تطلب عندهم، كما ذكره بعض.

حكمت 109

[صفحه 314]

و قال عليه السلام: (لا مال اعود) اي انفع (من العقل) اذ المال يفني، و العقل باق يدر بالخيرات علي الانسان (و لا وحده اوحش من العجب) لان المعجب بنفسه الناس، فيكون في وحشه دائمه (و لا عقل كالتدبير) فان تدبير الامور علي وجه الصلاح احسن نتائج العقل. (و لا كرم) اي شرافه (كالتقوي) فانها اشرف الصفات (و لا قرين) و صاحب للانسان (كحسن الخلق) اذ هذه الصفه توجب كثره الاصدقاء و راحه الانسان (و لا ميراث كالادب) اذ الادب يوجب رفعه الانسان ماديا و معنويا بخلاف الميراث الذي هو مال فقط، و المعني ان اللازم ان يودب الانسان اولاده، فانه انفع لهم من ان يخلف لهم المال بلا تاديبهم (و لا قائد) للانسان الي الخيرات (كالتوفيق) فمن وفقه الله سبحانه، قاده التوفيق الي انواع

السعاده (و لا تجاره كالعمل الصالح) لانه يورث خير الدارين، بخلاف سائر التجارات الماليه فليست هكذا. (و لا ربح كالثواب) فان الارباح الماليه منقطعه، اما الثواب فهو باق ابدي (و لا ورع كالوقوف عند الشبهه) فانه افضل انواع الورع، و ما دونه الورع عن المحرمات (و لا زهد كالزهد في الحرام) بان يتركه الانسان، اما من يزهد في اللذائد المباحه، و ياتي ببعض المحرمات، فليس زهدا

حقيقه (و لا علم كالتفكر) فان التفكر يوصل الانسان الي حقائق المعارف بخلاف العلم العادي الذي يتحصله الانسان سطحيا. (و لا عباده كاداء الفرائض) فمن يعبد الله باتيان المستحبات بدون ان ياتي بجميع الفرائض ليس عابدا حقيقه (و لا ايمان كالحياء) عن الله بترك نواهيه (و الصبر) علي الطاعه، و عن المعصيه، و عن الجزع في المصيبه (و لا حسب كالتواضع) فانه افضل انواع الاخلاق الفاضله، الموجبه لرفعه الانسان، و الحسب ما يكتسبه الانسان من الفضائل مقابل النسب. (و لا شرف كالعلم) فليس شرف المال و الجاه و ما اشبه كشرف العلم (و لا عز كالحلم) فان الحليم يحصل من العز في النشاتين ما لا يحصله غيره، فان سائر انواع العز عرضي و هذا داخل في ذات الانسان (و لا مظاهره اوثق من المشاوره) فان الانسان اذا استشار جعل الناس لنفسه ظهرا حيث انهم يحترمونه- لانه احترمهم- بالاضافه الي انه يعرف وجه الصواب، فكل اهل الصواب ظهر له.

حكمت 110

[صفحه 315]

و قال عليه السلام: (اذا استولي الصلاح علي الزمان و اهله) صلاح الزمان بسعه الخير في مرافق الحياه، و صلاح اهله بكونهم معتدلين في الاقوال و الافعال (ثم اساء رجل الظن برجل لم تظهر منه خزيه) اي فضيحه (فقد ظلم) من اساء

الظن، لان ظنه في غير موقعه (و اذا استولي الفساد علي الزمان و اهله) بان صار اكثرهم من اهل الفساد (فاحسن رجل الظن برجل) اعتباطا و بدون دليل، فاسند اليه امر لا يسند الا الي المصالح (فقد غرر) اي اوقع نفسه في الغرر و الخطر.

حكمت 111

[صفحه 316]

و قيل له عليه السلام: كيف تجدك يا اميرالمومنين؟ (اي كيف تجد نفسك) فقال عليه السلام: (كيف، يكون حال من يفني ببقائه) فان كل ساعه من البقاء، موجب لنقص ساعه من العمر، و هكذا يفني العمر تدريجا (و يسقم بصحته) اذ الصحه سبب لعدم مبالات الانسان ببدنه، و ذلك سبب للمرض (و يوتي من مامنه) في اسباب الموت كامنه في نفس الانسان و نفس الانسان محل آمن، اذ لا يمكن هناك عدو خارجي.

حكمت 112

[صفحه 316]

و قال عليه السلام: (كم من مستدرج بالاحسان اليه) يقال استدرجه الله، اي تابع نعمه عليه، و هو مقيم علي عصيانه لياخذه درجه درجه، حتي يهلكه، كما قال سبحانه: (سنستد رجهم من حيث لا يعلمون، و املي لهم ان كيدي متين) (و) كم من (مغرور) قد ظن انه لا يعاقب (ب) سبب (الستر عليه) اذ سترده الله و لم يفضحه، بما فعله من الاثام (و) كم من (مفتون) اي مخدوع (بحسن القول) من الناس (فيه) فيظن انه كما يقول الناس (و ما ابتلي الله احدا بمثل الا ملاء له) اي الامهال اذ لواد به بما ياتي من الاثام، لانتهي، لكن لو تركه و ما يفعل، اوجب ذلك تزايد الاثام و العقاب عليه.

حكمت 113

[صفحه 317]

و قال عليه السلام: (هلك في رجلان) اي صنفان من الناس (محب غال) قد غلي، و بالغ في، كالذين قالوا بالوهيه الامام عليه السلام (و مبغض قال) اي قالي، بمعني: شديد البغض، كالخوارج و النواصب و من اليهم.

حكمت 114

[صفحه 317]

و قال عليه السلام: (اضاعه الفرصه غصه) اي توجب الحزن، فانه اذا تمكن الانسان من شي ء فلم يفعله اوجب ذلك ان يحزن بعده، حيث لا يتمكن من ذلك- فان الفرص لا تبقي-.

حكمت 115

[صفحه 317]

و قال عليه السلام: (مثل الدنيا كمثل الحيه، لين مسها) اذ جسم الحيه لين غير خشن (و السم الناقع) اي القائل (في جوفها) اي باطنها فالدنيا ظاهرها لذائذ و شهوات و باطنها معاصي و آثام و حرمان عن ثواب الله سبحانه (يهوي اليها الغر) اي الغافل (الجاهل) بحقيقتها حيث لا يعلم ما في باطنها (و يحذرها ذو اللب) اي الباطن (العاقل) الذي يدرك حقائق الاشياء و عواقبها.

حكمت 116

[صفحه 318]

و قال عليه السلام: عن قريش؟ فقال: (اما بنومخزوم) و هم طائفه من قريش (فريحانه قريش) اي كانهم الرياحين في صباحه المنظر و حسن الرايحه (تحت حديث رجالهم) لحلاوته (و النكاح في نسائهم) لكمالهن (و اما بنوعبد شمس) و منهم بنواميه (فابعدها رايا) اي ينظرون الي العواقب، و لعل الاقرب ان المراد انهم ابعد رايا عن الصواب (و امنعها لما وراء ظهورها) اي يحمون الجار، و لعل الاقرب ان المراد انهم لا ينظرون الي ما ورائهم، و انما ينظرون الي العاجله. (و اما نحن) بني هاشم (فابذل لما في ايدينا) اي اسخي و اجود (و اسمح عند الموت بنفوسنا) فلا نبالي بالموت و لذا يكون الشجعان منا (و هم) اي بنوعبد شمس (اكثر) عددا (و امكر) اي اكثر مكرا و حيله (و انكر) اي اكثر نكرانا للجميل (و نحن افصح) لسانا (و انصح) اي اكثر نصيحه للناس (و اصبح) اي اجمل وجها.

حكمت 117

[صفحه 319]

و قال عليه السلام: (شتان ما بين عملين) اي ان بينهما فرقا كثيرا (عمل) في الشهوات المحرمه حيث (تذهب لذته و تبقي) علي الانسان (تبعته) و آثامه (و عمل) لله سبحانه حيث (تذهب مونته) اي صعوبته (و يبقي اجره) و ثوابه.

حكمت 118

[صفحه 319]

و تبع جنازه، فسمع رجلا يضحك، فقال: (كان الموت فيها) اي في الدنيا (علي غيرنا كتب) و لا نموت نحن، و لذا نشتغل بالضحك (و كان الحق فيها) اي في الدنيا (علي غيرنا وجب) و لذا لا نبالي بالحق (و كان الذي نري من الاموات سفر) اي مسافرون- لا انهم اموات، حتي نعتبر بهم، و نهيي ء انفسنا لهذه المنزله المخوفه (عما قليل الينا راجعون) و لذا لا نبالي بالموت و لا نتهيا له (نبوئهم) اي ندخلهم (اجدثهم) اي في قبورهم جمع جدث، بمعني القبر. (و ناكل تراثهم) اي ميراثهم، بلا مبالات و لا تفكير فيما صاروا، و في اننا عن قريب مثلهم نكون (كانا مخلدون) اي باقون الي الابد- في الدنيا- (بعد هم، ثم قد نسينا كل واعظ و واعظه) اي كل ما يوعظنا من احداث الدهر- و الاتيان بالتذكير و التانيت، للتعميم- اي كل امر موجب للعظه، و كل حادثه توجب الوعظ (و رمينا بكل جائحه) اي آفه، من مرض و فقر و شده، و مع ذلك لا نبالي-. و قال عليه السلام: (طوبي لمن ذل في نفسه) بان لم ير نفسه شيئا (و طاب كسبه) فلم يكتسب المكاسب المحرمه (و صلحت سريرته) اي باطنه، فلم ينطو علي الرذائل (و حسنت خليقته) اي طبيعه فلم تكن طبيعه ملوثه (و انفق الفضل عن ماله) اي الزائد عن مقدار حا

جته (و امسك الفضل من لسانه)

بان لم يتكلم فيما لا يعنيه. (و عزل عن الناس شره) فلم يات اليهم بشر (و وسعته) اي كفته (السنه) اي شريعه الاسلام و طريقته، فاكتفي بالعمل بها عن العمل بالبدع (و لم ينسب الي البدعه) اي لم يات بها حتي ينسب اليها (قال الرضي (ره) و من الناس من ينسب هذا الكلام الي رسول (ص)، و كذلك الذي قبله).

حكمت 119

[صفحه 320]

و قال عليه السلام: (غيره المرئه كفر) و هي بان تمانع الرجل عن الزواج بالمتعدده، و هو كفر عملي، كما ان ترك الحج كفر عملي، اذ الكفر- عقيدي، و عملي، كما تقدم- فكل انكار للاصول كفر عقيدي، و كل منع عن الفروع، و اتيان بالمعاصي كفر عملي (و غيره الرجل) بان لا يزني، و يمنع زوجته عن تعاطي المنكرات (ايمان) قد امر به الاسلام.

حكمت 120

[صفحه 321]

و قال عليه السلام: (لانسبن الاسلام نسبه) اي ابين له الاصل و الحقيقه (لم ينسبها احد قبلي) بمثل هذه النسبه (الاسلام هو التسليم) لله سبحانه فيما امر و نهي (و التسليم هو اليقين) فالتسليم بلا يقين قلبي لا يكفي (و اليقين هو التصديق) فان الانسان قد يتقين بالشي ء لكن بلا تصديق بحقيقته بل من باب الجهل المركب، و هذا ليس باسلام (و التصديق هو الاقرار) اي اقرار القلب بحقيقه الاسلام، كما يقر اللسان بالشي ء. (و الاقرار هو الاداء) اذ قد يكون اقرار بلا اعطاء، و هذا اقرار صوري، و كما ان اللسان قد يقرء بالشي ء لزيد، لكن لا يعطيه المقوله، كذلك القلب قد يقر بشي ء، و لكن لا يستعد العمل علي طبق ما اقرو اعترف (و الاداء هو العمل) اي عمل القلب و تحريكه الجوارح نحو الاطاعه، و ان شئت قلت، ان الاسلام اداء عن اقرار، و اقرار عن تصديق، و تصديق عن يقين، و يقين عن تسليم … و بعض الشراح فسر كلامه عليه السلام بشكل آخر، و الله اعلم.

حكمت 121

[صفحه 322]

و قال عليه السلام: (عجبت للبخيل يستعجل الفقر) فانه لا ينفق خوف ان يفقر، و تقتيره و عدم انفاقه فقر حاضر اذ هو مثل الفقير في عدم انفاقه و تقتيره (الذي منه هرب) فان البخيل لا ينفق هربا من الفقر، لئلا يفتقر و قد وقع فيه (و يفوته الغني الذي اياه طلب) اذ لا فائده في الغني الا الانفاق فاذا لم ينفق فانه الغني، فانه اذا ذهب اللازم ذهب الملزوم (فيعيش في الدنيا عيش الفقراء) اي مثل عيشهم (و يحاسب في الاخره حساب الاغنياء) لانه كان له مال، و المال يحاسب (و عجبت للمتكبر) كيف

يتكبر، و لا يذكر ماضيه و مستقبله و حاله؟ و هو الذي (كان بالامس) قبل ان يكون انسانا (نطفه) من المني القذر (و يكون غدا) بعد الموت (جيفه) منتنه (و هو علي كبره و نخوته) (في بين جنبيه يحمل العذره). (و عجبت لمن شك في الله) و لم يتيقن وجوده سبحانه؟ كيف يشك (و هو يري خلق الله) افلا يستدل بالاثر علي الموثر؟ فانه شي ء فطري للبشر، بل لمطلق ذي الروح (و عجبت لمن نسي الموت و هو يري الموتي) جمع ميت، افلا يعتبر بما يري، ليذكرانه غدا مثلهم؟ (و عجبت لمن انكر النشاه الاخري) اي الاخره (و هو يري النشاه الاولي) اي الدنيا، فانه كيف ينكر قدرته سبحانه علي الاعاده

، و قد راي الابتداء- الذي هو اصعب من الاعاده، في نظر الانسان-؟ (و عجبت لعامر دار الفناء) اي الدنيا (و تارك دار البقاء) اي الاخره؟ فان ما يبقي احق بالتعمير مما يفني.

حكمت 122

[صفحه 323]

و قال عليه السلام: (من قصر في العمل) فلم يعمل كما يبنغي (ابتلي بالهم) اي الحزن علي فوات نتائج العمل، قال الشاعر: اذا انت لم تزرع و ابصرت حاصدا ندمت علي التفريط من زمن البذر (و لا حاجه لله) كنايه عن عدم اعتناء الله سبحانه به (فيمن ليس لله في ماله و نفسه نصيب) بان لم ينصب بدنه للطاعه، و لا انفق ماله في سبيل الله تعالي.

حكمت 123

[صفحه 323]

و قال عليه السلام: (توقوا البرد في اوله) اي اتقوا و احذروا من البرد في اول مجيئه كاول الشتاء (و تلقوه في اخره) اي اعرضوا انفسكم للبرد- و هذا هو التلقي له- في آخره) كاول الربيع (فانه) اي البرد (يفعل في الابدان كفعله في الاشجار) و النباتات (اوله يحرق) و لذا يسقط الاوراق، كالحرق الذي لا يذر الشي ء (و آخره يورق) اي يوجب اخراج الاشجار للاوارق و هكذا يفعل بالبدن، و قد عللنا ذلك في كتاب: (مبادي الطب).

حكمت 124

[صفحه 324]

و قال عليه السلام: (عظم الخالق عندك) بان تعرف عظمته (يصغر المخلوق في عينك) اذ لا تري لهم اهميه في قبال الخالق و لذا لا تعصيه لاجلهم.

حكمت 125

[صفحه 324]

و قال عليه السلام- و قد رجع من صفين فاشرف علي القبور بظاهر الكوفه- (يا اهل الديار الموحشه) اي المورثه لوحشه الانسان و رهبته ضد الانس (و المحال) جمع محل (المقفره) من اقفر المكان اذا لم يكن به ساكن (و القبور المظلمه) فان داخل القبر مظلم لا نور فيه (يا اهل التربه) اي التراب (يا اهل الغربه) فانهم غرباء لا انيس لهم (يا اهل الوحشه) الذين لا انس لهم (انتم لنا فرط) هو المتقدم من القوم (سابق) سبقتمونا الي الاخره (و نحن لكم تبع لا حق) نموت فنلتحق بكم (اما الدوز) التي كانت لكم، جمع دار (فقد سكنت) سكنها اقوام آخرون. (و اما الازواج) اي زوجاتكم (فقد نكحت) نكحها اناس آخرون (و اما الاموال) التي كانت لكم (فقد قسمت) قسمها الوراث (هذا خبر ما عندنا) بالنسبه الي ما تخلف منكم (فما خبر من عندكم) من احوال الاخره؟ (ثم التفت عليه السلام الي اصحابه فقال): (اما لو اذن لهم في الكلام لاخبروكم ان خير الزاد التقوي) و لا يخفي ان كون اهل القبور اهل الوحشه و الغربه، و ما اشبه، يراد به بالنسبه الي ابدانهم، لا ارواح المومنين منهم- و قد سبق ذكر ذلك-.

حكمت 126

[صفحه 325]

و قال عليه السلام، و قد سمع رجلا يذم الدنيا): (ايها الذام للدنيا) لتقلب احوالها و ايذائها للناس (المغتر بغرورها) اي المخدوع بخدعتها لك (المخدوع باباطيلها) و الخدعه الهجوم علي الشخص علي حين غفله (اتغتر بالدنيا ثم تلفها) علي نحو استفهام الانكار، كيف تذم بعد ان كنت مغرورا بها؟ (انت المتجرم عليها) يقال تحرم عليه، اذا ادعي الجرم عليه (ام هي المتجرمه عليك)؟ انك انت المتجرم لانك عرفت، و قد عرفتك الدنيا عن

نقصها و مع ذلك اقدمت (متي استهوتك) الدنيا، اي ذهب بعقلك؟ و هذا استفهام انكار (ام متي غرتك) و خدعتك؟ (ابمصارع آبائك من البلي) المصارع جمع مصرع، و هو مكان السقوط، اي مكان سقوط آبائك من الغنائ؟ اليست ارائه الدنيا لمصارع آبائك كافيه في ايقاظك (ام بمضاجع امهاتك) جمع مضجع، و هو محل النوم (تحت الثري) اي تحت التراب؟ (كم عللت) اي خدمت المرضي (بكفيك)؟ اي بيدك، فلماذا لم تعتبر من حالهم (و كم مرضت بيديك)؟ التمريض كالتعليل في المعني و الفرق بينهما يسير (تبغي لهم) اي للمرضي (الشفاء) اي تطلب لهم بالادويه و الادعيه ان يشفوا (و تستوصف لهم الاطباء) اي تطلب من الاطباء وصف دائهم و دوائهم (غداه) اي في وقت (لا يغني عنهم) ا

ي لا يفيدهم (دوائك) اذ قدر لهم الموت. (و لا يجدي عليهم بكائك) فان البكاء علي المريض لا يفيده شفائا (لم ينفع احدهم اشفاقك) اي خوفك له من مرضه (و لم تسعف بطلتك) الاسعاف اعطاء المطلوب، و الطلبه، المطلوب، اي لم تقض حاجتك التي هي شفائهم (و لم تدفع) المرض (عنه بقوتك) و قدرتك (و قد مثلت لك به الدنيا نفسك) اي ان الدنيا جعلت الذي مات قبلك مثالا لك لتقيس نفسك علي ذلك المثال (و) ادتك (بمصرعه مصرعك) فكما صرع تصرع (ان الدنيا دار صدق لمن صدقها) اي اراد التعرف علي حقيقتها صدقا، فانها تكشف عن احوالها السيئه له فورا. (و دار عافيه لمن فهم عنها) اذ يعمل الانسان الفاهم لاجل العافيه من بلياتها، و هي الاثام التي توجب الهلكه (و دار غني لمن تزود منها) اي دار توجب غني الانسان في الاخره، اذا اخذ الانسان الزاد منها،

و هي العمل الصالح (و دار موعظه لمن اتعظ بها) فانها تعظ الانسان بنكباتها و تقلباتها. (مسجد احباء الله) فانهم جعلوها مسجد يسجدون لله فيما (و مصلي ملائكه الله) اذ انهم يصلون فيها، له سبحانه (و مهبط وحي الله) فان محل نزول الوحي هو الدنيا (و متجر اولياء الله) فانهم جعلوها دار تجاره يرجون الثواب فيها للاخره (اكتسبوا فيها الرحمه)

اذ جائوا باسباب الرحمه و هي الايمان و العمل الصالح (و ربحوا فيها الجنه) اذ ربح العمل الصالح دخول الجنان (فمن ذا يذمها) اي من الذي يتمكن ان يذمها ذما حقيقيا (و قد آذنت) اي اعلمت (بينها) اي بعدها و زوالها عنهم، فانهالم تخدع (و نادت بفراقها) و النداء انما هو باظهار الدنيا فراق كل احد، ممن ماتوا (و نعت نفسها و اهلها) يقال: نعا زيد محمدا، اذا اخبر بفقده، فان الدنيا بما اظهرت من احوالها، اخبرت بفناء نفسها، و فناء اهلها (فمثلت) الدنيا (لهم) اي لاهلها (ببلائها) التي فيها (البلاء) الاخروي لمن عصي و كفر (و شوقتهم بسرورها) الذي فيها (الي السرور) التي يجده الانسان في الاخره. (راحت) الدنيا (بعافيه) اي وافت الانسان وقت العشي- من الرواح مقابل البكور، و هو صحيح لا هم له (و ابتكرت) اي اصبحت (بفجيعه) اي بفاجعه نازله علي الانسان، و انما يفعل بالانسان ذلك (ترغيبا) الي الاخره (و ترهيبا) عن الدنيا (و تخويفا) للعاصين (و تحذيرا) للمغرورين (فذمها رجال غداه الندامه) اي عند ما اصبحوا نادمنين فيها علي ما فرطوا و فعلوا (و حمدها آخرون يوم القيامه) حيث وجدوا ثواب اعمالهم الصالحه (ذكرتهم) اي الذين حمدوها (الدنيا) بمصائبها و آلامها (فتذكروا

) و عرفوا (و حدثتهم) عن و خامه عاقبتها

ان تعاطوا المنكرات و آلاثام (فصدقوا) ما قالت، و لذا اجتنبوا عنهما (و وعظتهم) بان ارشدكم (فاتعظوا) و عملوا بما فهموا، و لذا حمدوها في الاخره حين راوا جزاء اعمالهم.

حكمت 127

[صفحه 328]

و قال عليه السلام: (ان لله ملكا ينادي في كل يوم) و فائده، ندائه اطلاع النبي عليه السلام بواسطه مراجع الوحي (لدوا) من ولد يلد، المخاطب البشر (للموت) اللام للعاقبه- نحو فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا، بمعني ان عاقبه الولاده موت الاولاد (و اجمعوا للفناء) فان مصير كل شي ء يجمع من مال او غيره الفناء و الاضمحلال (و ابنوا للخراب) فان كل بناء ينتهي الي الخراب.

حكمت 128

[صفحه 328]

و قال عليه السلام: (الدنيا دار ممر) يمر الانسان من بطن امه الي الاخره، من الدنيا (لا دار مقر) يستقر فيها الانسان (و الناس فيها رجلان) اي صنفان (رجل باع فيها نفسه) لشهواته، كانه اعطي نفسه للعقاب، ليلتذ بالمشتهيات المحرمه (فاوبقها) اي اهلكها (و رجل ابتاع نفسه) اي اشتراها حيث عمل بالطاعات (فاعتقها) من النار و النكال.

حكمت 129

[صفحه 329]

و قال عليه السلام: (لا يكون الصديق صديقا) حقيقه (حتي يحفظ اخاه في ثلاث) شدائد (في نكبته) اي بليته التي يبتلي بها، فيساعده فيها و لا يخذله (و غيبته) فلم يتناول عرضه، و لم ينتهز اغتيابه لنيل من ماله او ما اشبه (و وفاته) فاذا مات قام من بعده بحقوقه، من تجليله، و حل مشاكل عائلته، و ما اشبه ذلك.

حكمت 130

[صفحه 329]

و قال عليه السلام: (من اعطي اربعا) اي اعطاه الله سبحانه اربعه اشياء (لم يحرم اربعا) مرتبه علي تلك الاربع (من اعطي الدعاء) بان اجاز سبحانه في دعائه، كما في الدعاء (اذنت لي في دعائك و مستلتك) (لم يحرم الاجابه) بل يجيبه سبحانه فيما طلب (و من اعطي التوبه) بان اجيز في ان يتوب بعد العصيان (لم يحرم القبول) فان الله سبحانه يقبل التوبه (و من اعطي الاستغفار) اي اجيز له ان يطلب الغفران و الستر لذنوبه- و هذا عم من- وجه من التوبه (لم يحرم المغفره) اي الغفران و الستر فلا يفضحه سبحانه في الدارين (و من اعطي الشكر). بان اجيز له ان يشكر الله تعالي (لم يحرم الزياده) بل يزيد الله عليه نعمته من فضله (قال الرضي (ره): و تصديق ذلك كتاب الله تعالي، قال الله في الدعاء: (ادعوني استجب لكم) و قال في الاستغفار: (و من يعمل سوئا او يظلم نفسه، ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما) و قال في الشكر: (لئن شكرتم لازيدنكم) و قال في التوبه: (انما التوبه غلي الله للذين يعملون السوء بجهاله ثم يتوبون من قريب فاولئك يتوب الله عليهم، و كان الله عليما حكيما).

حكمت 131

[صفحه 330]

و قال عليه السلام: (الصلاه قربان كل تقي) اي ان المتقين يتقربون بالصلاه الي مرضات الله سبحانه (و الحج جهاد كل ضعيف) فمن ضعف عن الجهاد، و ذهب الي الحج كان في حكم الجهاد له (و لكل شي ء زكاه) اي ما يوجب تزكيته و طهارته (و زكاه البدن الصيام)، لانه يوجب طهاره البدن عن الاثام (و جهاد المراه حسن التبعل) اي معاشره الزوج معاشره حسنه، فاذا فعلت ذلك كانت كالمجاهد في سبيل

الله.

حكمت 132

[صفحه 330]

و قال عليه السلام: (استنزلوا الرزق بالصدقه) اي اطلبوا نزول الرزق باعطائه الصدقه، فانها توجب زياده الرزق. و قال عليه السلام: (من ايقن بالخلف) اي بان الله يخلف و يعوض ما انفقه (جاد بالعطيه) اذ يعلم كل عطاء يعطيه يعوض عنه.

حكمت 133

[صفحه 331]

و قال عليه السلام: (تنزل المعونه) اي ينزل العون للانسان من السماء (بقدر الموونه) اي بقدر حاجه الانسان و مصارفه.

حكمت 134

[صفحه 331]

و قال عليه السلام: (ما اعال) اي ما افتقر (من اقتصد) اي توسط في انفاقه، بعدم الاسراف و التبذير في صرف المال.

حكمت 135

[صفحه 331]

و قال عليه السلام: (قله العيال احد اليسارين) لان عدم كون الانسان في الضيق اما بكثره المال، او بان يقل من يطلب منه النفقه. و قال عليه السلام: (التودد) اي التحبب الي الناس (نصف العقل) اذ العقل يصلح دين الانسان و دنياه و اصلاح الدنيا بالتحبب الي الناس في المعاشره و المعامله و ما اشبه ذلك، و من تحبب الي الناس باخلاقه و آدابه فقد امن علي مصالحه الدنيويه. و قال عليه السلام: (الهم) و الحزن (نصف الهرم) لان الهرم يوجب ضعف البدن و ضعف النفس، و الهم ضعف للنفس.

حكمت 136

[صفحه 332]

و قال عليه السلام: (ينزل الصبر علي قدر المصيبه) فاذا كانت المصيبه عظيمه نزل علي الانسان من الله سبحانه صبر كبير، و انكانت صغيره نزل صبر بقدرها (و من ضرب يده علي فخذه عند مصيبته) اي عند ما اصابته مصيبه، و كانت الضربه جزعا و لعدم رضا بقضاء الله تعالي (حبط عمله) اي ذهب ثواب صبره، لانه لم يصبر و جزع، و الحبط هو البطلان، فلا يثاب علي صبره.

حكمت 137

[صفحه 332]

و قال عليه السلام: (كم من صائم ليس له من صيامه الا الجوع و الظماء) اي العطش، و ذلك لانه فعل ما يوجب سخط الله، كالاغتياب و نحوه، فلا يثيبه علي صيامه (و كم من قائم) ليله بالعباده (ليس له من قيامه الا السهر) و عدم نوم الليل (و العناء) اي التعب، لانه لم يخلص لله سبحانه، او اخلص و اتي، بما يبطل عمله (حبذا نوم الاكياس) اي العقلاء جمع كيس (و الفطارهم) حيث انهم يحرزون الثواب بعقلهم و اطاعتهم لله في النوم لراحه البدن، و الافطار لتجويز الله لهم التمتع بالطيبات بينما الحمقي يكون قيامهم و صيامهم و بالا عليهم، فلم يدركوا راحه الدنيا و لا الاخره.

حكمت 138

[صفحه 332]

و قال عليه السلام: (سوسوا) السياسه حفظ الشي ء بما يحفظه من الفساد (ايمانكم بالصدقه) فان التصدق يحفظ الايمان عن الفساد، اذ تسبب تقويه الايمان، فان اعطاء المال الذي هو احب شي ء الي الانسان في سبيل الله، يركز ملكه الايمان في النفس (و حصنوا) اي احفظوا، و اجعلوا الحصن الحافظ (اموالكم بالزكاه) فان اعطاء الزكاه يوجب لطف الله تعالي بحفظ مال المزكي (و ادفعوا امواج البلاء بالدعاء) فانه سبحانه يستجيب الدعاء، و يحفظ الداعي.

حكمت 139

[صفحه 333]

و من كلام له عليه السلام، لكميل بن زياد النخعي، قال كميل بن زياد (و كان معتمدا للامام، و واليا من قبله في بعض الايام) اخذ بيدي اميرالمومنين علي بن ابي طالب عليه السلام فاخرجني الي الجبان (اي الصحراء) فلما اصحر (اي دخل الصحراء) تنفس الصعداء (و هو نفس الملهوف الذي فلما اصحر (اي دخل الصحراء) تنفس الصعداء (و هو نفس الملهوف الذي يخرج من اعماق باطنه) ثم قال عليه السلام: (يا كميل بن زياد ان هذه القلوب) لمودعه في الانسان (او عيه) جمع وعاء بمعني الظرف، اي هي كالظروف لكن الظرف يحفظ الماديات، و القلب يحفظ الاخلاق و المعنويات (فخيرها او عاها) اي احسن القلوب، اكثرها حفظا للعلوم و المعارف. (فاحفظ عني ما اقول لك) و اضبطه في قلبك (الناس ثلاثه) اقسام (فعالم رباني) اي منسوب الي الرب تعالي، لانه تعلم و عمل لله سبحانه (و متعلم علي سبيل نجات) اي يتعلم العلم- و لم يصل الي مرتبه العالم- و تعلم لنجات نفسه لا للرياء و ما اشبه (و همج رعاع) المهج ذباب صغير يقع علي كل مكان، و الرعاع الاحداث الذين لا درايه لهم، اي ان القسم الثالث مثل هذا القسم (اتباع كل

ناعق) اي كل راع الي حق او باطل (يميلون مع كل ريح) اي كل اتجاه، كما تميل

الاعشاب مع مختلف الارياح (و لم يلجئوا الي ركن وثيق) فلم ياخذوا طريقه حقه يومنون به مستقبلهم. (يا كميل، العلم خير من المال) و ذلك لان (العلم يحرسك) لانه يرشد الي طريق النجات و طريق الهلاك فيتجنب الانسان طريق الهلاك (و انت تحرس المال) لان المال يحتاج الي الحافظ، و الا سرق و بدد (و المال تنقصه النفقه) اي الانفاق (و العلم يزكوا) اي يزيد و ينمو (علي الانفاق) لان الانسان اذا علم، قويت ملكه العلم في نفسه، بقائا و انتشارا، كما هو وجداني- (و صنيع المال) اي الذي تحببته بالمال، بان احبك لاجل مالك (يزول بزواله) اي زوال المال، اما صنيع العلم يبقي، لان العلم باق غير زائل. (يا كميل) بن زياد (العلم دين يدان به) اي طريقه تتخذ منهجا و مسلكا، لان العلم مرشد، كما ان الدين طريقه و مرشد للانسان (به) اي بالعلم (يكسب الانسان الطاعه) اي طاعه الناس له- و هذا هو الاقرب، بقرينه الجمله الاتيه، و يحتمل ان يراد كونه مرشدا الي طاعه الله- (في حياته) اي مادام حيا (و جيل الاحدوثه) اي الحديث عنه (بعد وفاته) فان الناس يمدحون العالم بعد موته. (و العلم حاكم و المال محكوم عليه) اذ العلم هو الذي يوجه المال كيف يصرف و كيف لا يصرف؟ (يا كميل هلك خزان

الاموال) جمع خازن، و هو الحافظ (و هم احياء) اذ ليس ذكر و لا مدح، و حياه الانسان الحقيقيه في الدنيا بذكره الجميل، و مدح الناس له (و العماء باقون ما بقي الدهر) و لو كانوا تحت التراب لانهم

مذكورون بالجميل يثني عليهم الناس (اعيانهم مفقوده) اي ذهبت اجسامهم عن الحياه (و امثالهم) اي اشباحهم و ذكرهم (في القلوب موجوده) يحبهم الناس و يثنون عليهم (ها) اسم فعل امر بمعني (خذ) او كلمه تاسف و اصلها (هاه) و ذلك ان المتفجر يتنفس بالصوت (ان ههنا لعلما جما) اي كثيرا- من قبيل ما ذكرت من فضل العلم، و تفضيله علي المال (لو اصبت له حمله) جمع حامل، اي لو وجدت لعلمي حاملين، لاظهرته و ثبتته (و اشار عليه السلام بيده الي صدره) حين قال (ههنا): (بلي) الكلام في صوره الاستثناء، لكنه (منقطع) (اصبت) اي وجدت (لقنا) هو الذي يفهم بسرعه (غير مامون عليه) اي لا آمن عليه ان يستعمل العلم في جلب الدنيا، و لذا لا اعلمه، و المراد باللقن، غالب الناس الذين لا يريدون من العلم الا طلب الدنيا (مستعملا آله الدين) الذي هو العلم، فانه وسيله الي الدين النافع في الدارين (في الدنيا) و لاجل جلبها. (و مستظهرا بنعم الله علي عباده) اي يستعين بنعمه الله- اذا اعطاه سبحا

نه- علي ايذاء الناس (و بحججه علي اوليائه) فان عرف حجه و دليلا- مما تفضل الله عليه بنعمها- استعمل ذلك الدليل للجدال مع اولياء الله تعالي (او منقادا) عطف علي (لقنا) اي اصبت للعلم منقادا طائعا (لحمله الحق) اي الحاملين له، لكن (لا بصيره له في احنائه) اي دقائقه و خفاياه و الاحناء جمع حنو، بمعني الطرف، و مثل هذا الشخص ليس قابلا لان يظهر الانسان له العلم، لانه مقلد جاف. (ينقدح الشك) اي يظهر، كما تنقدح النار من الزناد (في قلبه لاول عارض من شبهه) اي ما يعرض عليه من الشكوك و الشبهات اذ لا

مناعه علميه له تحفظه (الا) فليتنبه السامع (لا) يصلح لحمل العلم (ذا) الذي لا بصيره له (و لا ذاك) الذي يستعمل العلم لاجل الدنيا (او منهوما) عطف علي لقنا اي اصبت لحمل العلم مفرطا (باللذه) اي الشهوه الذي لهم له الا شهواته (سلس القياد للشهوه) فهو ينساق وراء شهواته و رغباته في الطعام و الملبس و الجاه و الجنس و ما اشبه (او مغرما) عطف علي لقنا، اي مولعا (بالجمع و الادخار) للمال لا هم له سواء. (ليسا) اي المفهوم و المغرم (من رعات الدين في شي ء) رعات: جمع راعي، بمعني: انهما لا يرتبطان بالدين و لا يرعيانه (اقرب شي ء شبها بها الانعام السائمه) الت

ي تسوم و ترعي، فان هم الانعام اللذه و الشهوه، و هكذا هم هذين الصنفين و هل مثليهما ممن يحفظ العلم، او يومن علي الدين؟ (كذلك يموت العلم) و يذهب عن الناس (بموت حامليه) الصالحين لحمله.

[صفحه 337]

(اللهم، بلي) ليس كل الناس كما ذكرت- من الاصناف الاربعه، غير اللائقه للعلم- (لا تخلوا الارض من قائم لله بحجه) يبين حجته علي عباده (اما ظاهرا مشهورا) يعرفه الناس و يشتهر فيما بينهم (او خائفا مغمورا) غمره الظلم حتي اخفاه، ينتظر الظهور، كما غاب موسي عليه السلام، و غاب الرسول (ص)، و غاب الامام المهدي عليه السلام (لئلا تبطل) و تضمحل (حجج الله) جمع حجه، بمعني: الدليل علي الاصول و الفروع المرشد اليها (و بيناته) جمع بينه، بمعني الحجه الواضحه (و كم ذا)؟ القائم بحجه الله، و هذا استفهام عن عدد القائمين، لبيان قلتهم (و اين اولئك)؟ الذين يقومون بالحجه، و هذا استفهام عن امكنتهم و تنبيه علي خفائهم بين الناس، لقله الراغبين فيهم، و خوفهم من

الجبابره. (اولئك) القائمون بحجه الله (- و الله- الاقلون عددا) فعددهم قليل (و الاعظمون عند الله قدرا) فان منزلتهم عنده سبحانه رفيعه (يحفظ الله بهم) اي بسببهم (حججه و بيناته) اي ادلته و احكامه (حتي يودعوها) اي يجعلون تلك الحجج بعنوان الوديعه (نظرائهم) اي امثالهم من اهل الحق (و يزرعوها) تشبيه بالزرع في الارض، الموجب للثبات فيها (قلوب اشباههم) من القائمين بحجج الله (هجم بهم العلم

علي حقيقه البصيره) اي ان العلم الواصل الي حقيقه البصيره و المعرفه هم عليهم، حتي صاروا علماء، و (هجم) كنايه عن تدفق العلم نحوهم، كما يتدفق المهاجم. (و باشروا روح اليقن) يعني ان روح اليقين الذي لا يزول و لا يحول، جاء اليهم حتي انهم باشروها و زاملوها (و استلانوا ما استعوره المترفون) المترف هو البطر بالنعمه، اي عدوا لينا سهلا، ماعده المترفون و عرا خشنا، و هو الزهد في الدنيا و اطاعه الله سبحانه. (و آنسوا بما استوحش منه الجاهلون) فان الجهال يستوحشون من الطاعه و العباده و ما اليهما، و هولاء يانسون بها (و صحبوا الدنيا بابدان ارواحها معلقه بالمحل الاعلي) فان ارواحهم تتعلق بالجنه و رضوان الله سبحانه و انكانت نفوسهم في الدنيا (اولئك) المتصفون بهذه الصفات (خلفاء الله في ارضه) الممثلون له العارفون باحكامه و ادلته (و الدعاه) جمع (داعي) (الي دينه) و شريعته (آه آه) اسم صوت يستعمل للرغبه، و للتضجر، اشتاق (شوقا الي رويتهم) ثم قال عليه السلام (انصرف) اي اذهب (يا كميل اذا شئت) الانصراف، فقد تم الكلام.

حكمت 140

[صفحه 339]

و قال عليه السلام: (المرء مخبوء) اي مستور (تحت لسانه) فاذا لم يتكلم لم يعلم باطنه و مقداره، فاذا تكلم ظهر ذلك كالشي ء المستور تحت حجاب،

اذا رفع الحجاب عرف ذات الشي ء المستور.

حكمت 141

[صفحه 339]

و قال عليه السلام: (هلك امرو لم يعرف قدره) اذ الانسان اذا لم يعرف قدره و قيمته صرف نفسه فيما لا يليق فيهلك، اما اذا عرف قدره، لم يصرف نفسه الا فيما يليق من تحصيل العلم و الاداب، و العمل بما يلزم، و هنا لك السعاده و الفوز.

حكمت 142

[صفحه 339]

و قال عليه السلام، لرجل، سئله عليه السلام ان يعظه: (لا تكن ممن يرجو الاخره بغير العمل) اي بدون العمل الصالح (و يرجي التوبه) اي يوخرها (بطول الامل) لان له املا طويلا ان يبقي في الدنيا، فيقول: اتوب ايامي الاخيره (يقول في الدنيا) اي في باب الدنيا و لذاتها (بقول الزاهدين) و انها يجب ان تترك، كما يتكلم الزاهدون حول الدنيا (و يعمل فيها بعمل الراغبين) من الانكباب علي الدنيا، و التمتع بلذاتها (ان اعطي منها لم يشبع) بل مد بصره الي ما لم يعط (و ان منع منها لم يقنع) بما عنده، بل يريد الدنيا و زيادتها (يعجز عن شكر ما اوتي) اي ما اعطاه الله سبحانه من نعيم الدنيا. (و يبتغي) اي يطلب (الزياده فيما بقي) اي بالنسبه الي باقي الدنيا، مما لم يعط (ينهي) عن المنكر (و لا ينتهي) هو بل يتعاطي المنكرات (و يامر بما لا ياتي) اي يامر الناس بالمعروف و لا ياتي هو به (يحب الصالحين و لا يعمل عملهم) كسلا و استسهالا (و يبغض المذنبين و هو احدهم) اي مذنب كاحدهم يتعاطي المحرمات و الاثام. (يكره الموت لكثره ذنوبه) التي اقترفها (و يقم علي ما يكره الموت له (ما) موصوله، اي علي الشي ء الذي يكره الموت لاجل ذلك الشي ء و هو الذنب، و الاقامه ع

لي الذنب، الاستمرار في الاتيان به (ان

سقم ظل نادما) علي ما فرط في ايام صحته (و ان صح) بان لم يكن مريضا (امن) العاقبه، في حالكونه (لاهيا) مشغولا بلهو الدنيا و لعبها (يعجب بنفسه اذا عفي) اي يتكبر، و يظن انه علي خير، في ايام صحته. (و يقنط) من رحمه الله و فرجه (اذا ابتلي) بمرض او فاقه او هم، فلا يشكر اذ اعوفي، و لا يرجو اذا ابتلي (ان اصابه بلاء دعا) الله سبحانه لكشف بليته (مضطرا) اي في حالكونه مضطرا (و ان ناله رخاء) وسعه (اعرض) عن الله (مغتوا) قد اخذه الغرور و الغفله (تغلبه نفسه علي ما يظن) فاذا ظن لذه حاضره، غلبته نفسه و امرته بتحصيلها (و لا يغلبها علي ما يستيقن) اي لا يغلب هو علي نفسه، بالطاعه و العباده، حتي يحصل ما يستقين من السعاده و الجنه. (يخاف علي غيره) الهلاك (ب)سبب انه اتي بذنب (ادني من ذنبه) كان يخاف علي غيره سرقه درهم، و هو سارق دينار (و يرجو لنفسه باكثر من عمله) بان عمل عملا قليلا و يرجو ثوابا كثيرا (ان استغني) بان صارت له ثروه و مال (بطر) هو الاغترار بالنعمه (و فتن) اي صار مفتونا مخدوعا فارتكب الاثام لاهيا. (و ان افتقر قنط) عن رحمه الله و ياس (و وهن) اي ضعف عن اداء ما عليه للهم الذي يتحمله من الفقر،

فلا يشكر عند الغني، و لا يرجو رحمته سبحانه عند الفقر (يقصر اذا عمل) فلا ياتي بالعمل علي وجهه (و يبالغ اذا سئل) فان الالحاف و لا اصرار في السئوال مكروه، لانه يوجب ازعاج المسئول عنه، و ايذائه، قال سبحانه: (لا يسئلون الناس الحافا). (ان عرضت له شهوه) محرمه (اسلف المعصيه)

اي قدمها، و ارتكبها (و سوف التوبه) اي آخرها، لانه ينساق وراء شهواته (و ان عرته) اي: عرضت عليه (محنه) اي بليه (انفرج) اي بعد (عن شرائط المله) اي شرائط مله الاسلام و طريقته، و هي الصبر عند البلاء و الثبات في الرزايا و المحن (يصف العبره) اي الموعظه الموجبه للاعتبار (و لا يعتبر) اي لا يتعظ هو بنفسه. (و يبالغ) اي يكثر (في الموعظه) للناس (و لا يتعظ) هو بنفسه، باطاعه الاوامر، و ترك النواهي (فهو بالقول مدل) من ادل علي اقرانه بمعني استعلي عليهم. (و من العمل مقل) اذ ياتي بقليل من العمل (ينافس في ما يفني) اي يباهي و يتزيد من الدنيا الفانيه (و يسامح) و يساهل (فيما يبقي) اي الاخره. فلا يعمل لها (يري الغنم) اي الغنيمه التي هي الاخره، و ما يبذله الانسان في سبيلها (مغرما) اي غرامه و ذهابا للمال بلا عوض، فاذا تصدق- مثلا- راي انه ذهب من يده بدون ان يحصل علي شي ء

بازائه. (و) يري (الغرم) اي الغرامه، و هي ما يعرفه في الشهوات و اللذات (مغنما) اي غنيمه، و الحال ان ما يصرف في الشهوات غرامه قد ذهبت يد الانسان بلا عوض، ان لم يعوض العقاب (يخشي الموت) ان ياتيه (و لا يبادر الفوت) اي لا يسرع ان يعمل قبل فوات الفرصه (يستعظم من معصيه غيره) اي يراها عظميه (ما يستقل اكثر منه من نفسه) فالاكثر من تلك المعصيه اذا صدرت من نفسه يراها قليله صغيره. (و يستكثر من طاعته ما يحقره من طاعه غيره) فاذا اطاع طاعه، راها كثيره و اذا اطاع غيره تلك الطاعه بنفسها، رآها حقيره، و كل ذلك دليل انحراف النفس، و

عجب الانسان بنفسه (فهو علي الناس طاعن) يطعن و يخدش فيهم (و لنفسه مداهن) مجامل، لا ينهاها عن المنكر، و لا يهذبها (اللهو مع الاغنياء احب اليه من الذكر مع الفقراء) لانه يري لنفسه ذله اذا جلس مع الفقراء، و لذا يكره ذلك، و بالعكس مجلس الاغنياء عنده. (يحكم علي غيره لنفسه) بان يجعل نفسه مظلوما، و غيره ظالما (و لا يحكم عليها لغيره) لانه لا ينصف و انما يري الحق دائما بجانب نفسه (و يرشد غيره) بالنصائح و العظات (و يغوي نفسه) اي يضله باتيان المنكرات (فهو يطاع) اي يطيعه الناس (و يعصي) الله سبحانه (و يستوفي) اي يطل

ب وفاء حقه من الناس (و لا يوفي) اي لا يعطي حقوقهم، او المراد بالجملتين الاعم من الله و من الناس (و يخشي الخلق في غير ربه) اي يعمل لغير الله سبحانه خشيه من الناس (و لا يخشي ربه في خلقه) فهو يضر الناس؟ و لا يخشاه سبحانه بالنسبه اليهم. (قال الرضي (ره): و لو لم يكن في هذا الكتاب، الا هذا الكلام، لكفي به موعظه ناجعه) اي نافعه (و حكمه بالغه و بصيره لمبصر، و عبره لناظر مفكر) و الله المسئول ان يوفقنا للعمل بها، بمحمد و آله الطاهرين.

حكمت 143

[صفحه 344]

و قال عليه السلام: (لكل امرء عاقبه حلوه او مره) فاللازم ان يراقب الانسان عاقبه، حتي تكون حلوه.

حكمت 144

[صفحه 344]

و قال عليه السلام: (لكل مقبل ادبار) سواء كانت الدنيا او غيرها، و ادبارها ذهابها (و ما ادبر كان لم يكن) اذ يفقده الانسان، كما كان سابقا فاقدا له.

حكمت 145

[صفحه 344]

و قال عليه السلام: (لا يعدم الصبور الظفر) اي لابد للصابر ان يظفر بمراده (و ان طال به الزمان) حتي يظفر بمطلوبه.

حكمت 146

[صفحه 344]

و قال عليه السلام: (الراضي بفعل قوم كالداخل فيه معهم) فهو شريكهم في الثواب، انكان العمل طاعه، و في العقاب انكان معصيه (و علي كل داخل في باطل اثمان) الاول (اثم العمل به) اي بذلك الباطل (و) الثاني (اثم الرضا به) فان فعل القلب المقارن للعمل يعاقب به.

حكمت 147

[صفحه 345]

و قال عليه السلام: (اعتصوا بالذمم) الذمم جمع ذمه، و هي ما يلتزمه الانسان، و المعني تحصنوا بها عن الكوارث، بان ادخلوا انفسكم في ذمه الناس (في اوتادها) جمع وتد، و هو المسمار، و المراد به الرجال اهل النجده و الوفاء، الذين كالاوتاد في الصلابه.

حكمت 148

[صفحه 345]

و قال عليه السلام: (عليكم بطاعه من لا تعذرون بجهالته) اي طاعه الله و الرسول و الائمه، فان الناس لا يعذرون بجهاله هولاء، فان الانسان لو قال جهلتهم لا يعذر، و لا يقبل عذره، و لا تجب طاعه من ليس المهم معرفته، و قيل للكلمه معني اخر، و هذا اظهر.

حكمت 149

[صفحه 345]

و قال عليه السلام: (قد بصرتم ان ابصرتم) اي كشف الله سبحانه لكم السعاده و الشقاء، انكانت لكم ابصار، فانظروها و اعملوا بها (و قد هديتم ان اهتديتم) اي ان كنتم قابلين للهدايه، فقد بين الله لكم اسبابها (و اسمعتم) اي اسمعكم سبحانه المواعظ و النصائح (ان استمعتم) اي انكانت لكم اسماع لتسمعون بها.

حكمت 150

[صفحه 346]

و قال عليه السلام: (عاتب اخاك بالاحسان اليه) اي ان اردت عتابه في امر صدر عنه و اسائه ارتكبها، فعاتبه، بان تحسن اليه، فان الاحسان آلم انواع العتاب في النفوس الرفيعه (و اردد شره بالانعام عليه) فان الانسان اذا انعم علي شخص استحي ذلك الشخص ان يفعل الشي ء بالنسبه الانسان، و هذه الكلمه من اجل الكلمات و اعظمها في نشر الموده، و رده الاعتداء.

حكمت 151

[صفحه 346]

و قال عليه السلام: (من وضع نفسه مواضع التهمه) اي في موضع يتهم فيه الانسان، كما لو دخل حانه الخمر، و لو لقضاء حاجه مشروعه (فلا يلومن من اساء به الظن) لانه بنفسه سبب آثار الشكوك، و اسائه الظنون.

حكمت 152

[صفحه 346]

و قال عليه السلام: (من ملك استاثر) اي من ملك جاها او مالا او ما اشبه، استبد به، و لم يعط الحق الذي فيه، لغيره. و قال عليه السلام: (من استبد برايه) و لم يشاور الناس (هلك) لانه يقع في المشاكل الموجبه للهلاك (و من شاور الرجال) الذين لهم راي و فكر (شاركها في عقولها)، اذ كل الانسان يبين له وجه الصواب في العمل، فيكون مشاركا لهم في نتائج آرائهم و افكارهم.

حكمت 153

[صفحه 347]

و قال عليه السلام: (من كتم سره كانت الخيره بيده) فلو شاء اظهره و لو شاء لم يظهره، اما اذا اظهره لم يكن له في كتمانه بعد.

حكمت 154

[صفحه 347]

و قال عليه السلام: (الفقر الموت الاكبر) اذ هو يوجب ذله الانسان و مهانته، طول حياته التي يعشيها في الفقر، و هذا اعظم من الموت مراره و صعوبه، و قوله عليه السلام (الفقر فخري) يعني الفقر الي الله تعالي

حكمت 155

[صفحه 347]

و قال عليه السلام: (من قضي حق من لا يقضي حقه فقد عبده) مثلا زيد لا يقضي حق خالد، فاذا قضي خالد حق زيد، كان عابدا اذا العباده هي الخضوع بلا تقرب عوض، و الاعطاء لمن لا يعطي يكون من هذا القبيل، فكان القاضي عبد، و الطرف سيده.

حكمت 156

[صفحه 347]

و قال عليه السلام: (لا طاعه لمخلوق في معصيه الخالق) اي لا يجوز للانسان ان يفعل محرما، لامر احد، و لو كان ذلك الامر ابا، او سيدا او زوجا، و محكوما بالنسبه الي الحاكام، او ما اشبه، فلا يعذر بقوله (المامور معذور).

حكمت 157

[صفحه 347]

و قال عليه السلام: (لا يعاب المرء بتاخير حقه) اي بان يوخر اخذ ماله، و يتسامح في الطلب (انما يعاب من اخذ ما ليس له) بان ياكل اموال الناس، او يفسد حقوقهم.

حكمت 158

[صفحه 348]

و قال عليه السلام: (الاعجاب) اي اعجاب الانسان بنفسه، و رويه ما عمله عظيما (يمنع الازدياد) فانه لا يري نفسه ناقصا- حين ما اعجب- ليجتهد في ازدياد فضله، بل يبقي ناقصا ذا رذيله، بخلاف المتواضع بعمله.

حكمت 159

[صفحه 348]

و قال عليه السلام: (الامر قريب) اي امر الاخره، و مجيئها (و الاصطحاب) اي الصحبه و البقاء في الدنيا (قليل) لا يطول امده.

حكمت 160

[صفحه 348]

و قال عليه السلام: (قد اضاء الصبح) اي اسفر و ظهر، و المراد بالصبح الحق (لذي غينين) اي ان له عين و بصيره.

حكمت 161

[صفحه 348]

و قال عليه السلام: (ترك الذنب اهون) اي ايسر (من طلب التوبه) اذ الترك بيد الانسان، و التوبه ليست بيده.

حكمت 162

[صفحه 348]

و قال عليه السلام: (كم من اكله منعت اكلات) كما لو اكل ما يضره، فاوجب عليه الحميه عن عده ماكل، اياما، حتي يطيب.

حكمت 163

[صفحه 348]

و قال عليه السلام: (الناس اعداء ما جهلوا) فان الجهل بالشي ء يستلزم الجهل بفائدته، يتصور الجاهل انه لا فائده في ذلك الشي ء، و هذا يستلزم عدائه.

حكمت 164

[صفحه 349]

(من استقبل وجوه الاراء) اي طلب الاراء و عرف وجوهها (عرف مواقع الخطاء) فان من عرف الصحيح عرف الخطاء، للمقابله بينهما.

حكمت 165

[صفحه 349]

و قال عليه السلام: (من احد سنان الغضب لله) اي شحذ، و (السنان) نصل الرمح، و المعني من اشتد غضبه له سبحانه (قوي علي قتل اشداء الباطل) اي قوي في قمع اهل الباطل، و انكانوا اشداء اقويا.

حكمت 166

[صفحه 349]

و قال عليه السلام: (اذا هبت امرا) من (هاب) بمعني: تخوفت من امر (فقع فيه) اي اوقع نفسك في ذلك الامر، امرء من (وقع) (فان شده توقيه اعظم مما تخاف منه) فان الخوف من الامر، اقل من الخوف للدخول فيه.

حكمت 167

[صفحه 349]

و قال عليه السلام: (آله الرئاسه سعه الصدر) فان من وسع صدره في الامور اخذا و اعطاء، و اغضائا، يقبلونه الناس سيدا و رئيسا، اما من يدقق في الامور، ينضجر منه الناس، و يفرون منه، و لا يعترفون به.

حكمت 168

[صفحه 349]

و قال عليه السلام: (ازجر المسي ء) اي ادبه (بثواب المحسن) اي باعطاء الثواب لمن احسن، فان المسي ء ينقلع عن الاسائه اذا راي ذلك.

حكمت 169

[صفحه 350]

و قال عليه السلام: (احصد الشر) اي اقلعه (من صدر غيرك) اي الحسد و الغل و العداوه، و ما اشبه، الكامنه في صدر عدوك، اقلعها (بقلعه من صدرك) فاذا نظف قلبك عنه، نظف قلبه عنك.

حكمت 170

[صفحه 350]

و قال عليه السلام: (اللجاجه تسل) من سل بمعني (نزع) (الراي) فان اللجوج يذهب بهباء رايه، فلا يتخذون رايه.

حكمت 171

[صفحه 350]

و قال عليه السلام: (الطمع رق) اي عبوديه (موبد) اي دائمي ابدي، اذ الطامع يتبع من يطمع فيه، فهو كالعبد له.

حكمت 172

[صفحه 350]

و قال عليه السلام: (ثمره التفريط الندامه) فان من فرط في امر، فلم يتداركه، ندم علي ما فرط (و ثمره الحزم السلامه) فان من كان حازما، ملتقنا للامور، عاملا بما يجب، يسلم من الافات و الشرور.

حكمت 173

[صفحه 350]

و قال عليه السلام: (لا خير في الصمت)، و السكوت (عن الحكم) بالحق، فاللازم ان يتكم الانسان بما هو حق (كما انه لا خير في القول بالجهل) بان يتكلم الانسان بما يجهل، و لا يعلم، فلكل من الكلام و السكوت موقع. (توجد هذه الحكمه بعينها في حكمه رقم 471 في صفحه 482.(

[صفحه 482]

و قال عليه السلام: (لا خير في الصمت) اي السكوت (عن الحكم) بالحق (كما انه لا خير في القول بالجهل) بان يقول الانسان ما يجهله. (توجد هذه الحكمه بعينها في حكمه رقم 182 في صفحه 350.(

حكمت 174

[صفحه 351]

و قال عليه السلام: (ما اختلفت دعوتان) بان ادعي شخص شيئا، و ادعي شخص آخر ضده (الا كانت احداهما ضلاله) اذ لا يمكن ان يتناقض الحق، كان يكون زيد في دعواه هذه مبطلا و محقا، و هكذا.

حكمت 175

[صفحه 351]

و قال عليه السلام: (ما شككت في الحق مذ اريته) بل اتبعت الحق قلبا، و عملا، و هكذا يلزم ان يكون المومن، لا يشك في الحق مهما تتقلب الاحوال و الظروف.

حكمت 176

[صفحه 351]

و قال عليه السلام: (ما كذبت) في قول (و لا كذبت) اي لم اقل قولا يستحق التكذيب، فان الصادق لا يستحق التكذيب (و لا ظللت) عن سبيل الحق (و لا ضل بي) اي لم اعمل عملا يوجب ضلال الناس و انحرافهم، و انما ضل من ضل بسبب هواه و مخالفته لي.

حكمت 177

[صفحه 351]

و قال عليه السلام: (للظالم البادي) اي الذي بدء بالظلم، مقابل من رد الاعتداء، فانه مجازا يطلق عليه الظالم لقرينه المقابله كقوله سبحانه (فمن اعتدي عليكم فاعتدوا عليه) (غدا) يوم القيامه (بكفه عضه) اي يعض باسنانه علي يده ندما، علي ما ظلم.

حكمت 178

[صفحه 352]

و قال عليه السلام: (الرحيل وشيك) اي الرواح الي الاخره، قريب.

حكمت 179

[صفحه 352]

و قال عليه السلام: (من ابدي صفحته للحق هلك) ابداء الصفحه: اظهار الوجه، و الوقوف امام شي ء، و المراد ان من قاوم الحق، كان ذلك سببا لهلاكه، اذ الحق يعلو، و لا يعلي عليه.

حكمت 180

[صفحه 352]

و قال عليه السلام: (من لم ينجه الصبر) بان لم يصبر في المكاره حتي ينجو (اهلكه الجزع) و هو اظهار ما بالنفس من الاسي.

حكمت 181

[صفحه 352]

و قال عليه السلام: (واعجباه) النداء، بمعني ياعجب احضر فهذا وقتك (اتكون الخلافه) للرسول (بالصحابه و القرابه)؟ اي ليست بهما، و انما هي تعيين من الله سبحانه، كما ان الرساله تعيين منه سبحانه. قال الرضي (ره): و روي له شعر في هذا المعني: فان كنت بالشوري ملك امورهم فكيف بهذا والمشيرون غيب و ان كنت بالقربي حججت خصيمهم فغيرك اولي بالنبي و اقرب (غيب) جمع (غائب) يريد عليه السلام، ان ابابكر لو تقدم الي الخلافه، بخجه انه اخذ آراء، الصحابه، فهذا ليس بصحيح اذا الامام و هو من اكبر الصحابه لم يكن حاضرا عند الانتخاب، و انكان ابوبكر تقدم الي الخلافه، بحجه انه من عشيره الرسول (ص)، فغيره- و يعني الامام عليه السلام به نفسه- اقرب الي الرسول (ص).

حكمت 182

[صفحه 353]

و قال عليه السلام: (انما المرء في الدنيا غرض) الغرض، ما يجعل ليرميه الرامي، فيعرف به مقدار علم الرامي في الرمي (تنتضل فيه المنايا) اي تصيبه و تثبت فيه، و المنايا جمع منيه، بمعني الموت، و الجمع باعتبار افراد الانسان (و نهب) اي منهوب (تبادره المصائب) اي ان المصائب تسرع اليه، تنهبه، بان تصيبه (و مع كل جرعه) من الماء (شرق) هو وقوف الماء في الحق، مما يوجب الشده، و هذا كنايه عن ان مع كل لذه الم. (و في كل اكله غصص) الغصه ما يقف في حلق الانسان من اللقمه، كالشرق بالنسبه الي الماء (و لا ينال العبد نعمه الا بفراق اخري) فان كان منعما بالشباب كان فاقد الحصافه الراي، و انما يتنعم بها حين فقد انشباب، و هكذا (و لا يستقبل) الانسان (يوما من عمره الا بفراق) يوم (آخر من اجله) اي من مدته اذ لا

يستقبل الانسان الغد، الا بفراق هذا اليوم، و هكذا (فنحن اعوان المنون) المنون الموت، و كوننا اعوانه، لانه بعيشنا نقترب منه، فكانا ساعدناه في اخذه لنا. (و انفسنا نصب الحتوف) جمع حتف، بمعني: الهلاك، اي ان انفسنا منصوبه في اتجاه الموت (فمن اين نرجو البقاء)؟ و الحال انا في قبال الموت. و نحن اعوانه (و هذا الليل و النهار لم يرفعا من ش

ي ء شرفا) اي لم يرفعا لشي ء شرفا و عزا (الا اسرعا الكره) اي الرجوع الي ذلك الشي ء الشريف (في هدم ما بينا و تفريق ما جمعا) فاللازم ان لا يهتم الانسان بالدنيا، و لا يغتم لها.

حكمت 183

[صفحه 354]

و قال عليه السلام: (يابن آدم ما كسبت فوق قوتك) اي اكثر من حوائجك (فانت فيه خازن لغيرك) اي تجمع و تحفظ للوارث.

حكمت 184

[صفحه 354]

و قال عليه السلام: (ان للقلوب شهوه) اي اشتهائا، كما للبدن اشتهاء الي اللذائذ (فاتوها من قبل شهوتها و اقبالها) اي اذا اردتم عملا، فاعملوا كما تشتهي القلب حتي يقبل عليه و ينجزه، مثلا شهوه القلب عباده الله بالدعاء، فادعوا، لا ان تجبروه علي الصلاه حتي يتنفر و هكذا (فان القلب اذا اكره) علي ما لا يحب (عمي) و لم يات بالعمل.

حكمت 185

[صفحه 355]

و كان عليه السلام يقول: (متي اشفي غيظي اذا غضبت) بتنفيذ الغضب و الانتقام من الطرف؟ (احين اعجز عن الانتقام) مما يوجب الانتقام زياده المشاكل (فيقال لي لو صبرت) لكان خيرا، اذ لا تقدر علي الانتقام؟ (ام حين اقدر عليه فيقال لي لو عفوت) لكان اجمل بل فان العفو افضل من الانتقام؟.

حكمت 186

[صفحه 355]

و قال عليه السلام- و قد مر بقذر علي مزبله-: (هذا ما بخل به الباخلون) اذ الاطعمه اللذيذه، تصبح اقذارا، بعد قليل … و روي في خبر آخر انه عليه السلام قال: (هذا ما كنتم تتنافسون فيه) اي تتغالبون فيه و يريد كل واحد منكم ان يكون له (بالامس).

حكمت 187

[صفحه 355]

و قال عليه السلام: (لم يذهب من مللك ما وعظك) اي صار سببا لوعظك، بان صرفه في وعظ او ارشاد، او صار ذهابه عله للتنبه.

حكمت 188

[صفحه 355]

و قال عليه السلام: (ان هذه القلوب تمل) و تكسل (كما تمل الابدان) و تتعب (فابتغوا) اي اطلبوا (لها طرائف الحكمه) اي الحكم الطريفه الظريفه التي توجب نشاطها، و دفع الكسل عنها، لتتمكنوا من الاستمرار في العمل و العباده.

حكمت 189

[صفحه 356]

و قال عليه السلام- لما سمع قول الخوارج (لاحكم الا الله)-: (كلمه حق يراد بها باطل) لقد اراد الخوارج بكلمتهم تلك ان لا يكون حاكم اطلاقا، و انما يرجع الناس بانفسهم الي الكتاب و السنه، و هذه الكلمه ظاهرها ان (الحكم الله) لا (ان الحاكم لا يكون) فالكلمه حق اذ لا يجوز حكم غير الله (و من لم يحكم بما انزل الله، فاولئك هم الكافرون) و المراد و هو ان لا يكون حاكم، باطل، اذ لا يستقيم امر الناس الا بالحاكم، و قد قصد الخوارج بهذه الكلمه الاحتجاج لخروجهم عن طاعه الخليفه.

حكمت 190

[صفحه 356]

و قال عليه السلام- في صفه الغوغاء- (و هم الناس المختلفون، يجتمعون اعتباطا لمشاهده امر حادث) (هم الذين اذا اجتمعوا غلبوا) لانهم باجتماعهم يفعلون ما يريدون (و اذا تفرقوا لم يعرفوا) لعدم اشتهار لكل واحد منهم في المجمتع، و انما هم من سواد الناس.. (و قيل: بل قال عليه السلام): (هم الذين اذا اجتمعوا ضروا) الناس باجتماعهم (و اذا تفرقوا نفعوا) (فقيل: قد عرفنا مضره اجتماعهم، فما منفعه افتراقهم)؟ فقال عليه السلام: (يرجع اصحاب المهن) جمع مهنه، بمعني العمل و الشغل (الي مهنتهم) و كسبهم (فينتفع الناس بهم كرجوع البناء الي بنائه، و النساج الي منسجه) اي محل نسجه (و الخباز الي مخبره) مصدر ميمي بمعني: محل الخبر.

حكمت 191

[صفحه 357]

و قال عليه السلام- و اتي بجان (اي انسان قد جن و اجرم) و معه غوغاء-: (لا مرحبا بوجوه لا تري الا عند كل سوئه) اي كل سوء، فان الناس لا يجتمعون الا في مناسبات سيئه، كالقتل، و الضرب، و الجنايه، و ما اشبه، و هذا غالبي كما لا يخفي.

حكمت 192

[صفحه 357]

و قال عليه السلام: (ان مع كل انسان ملكين يحفظانه) عن الكوارث و النوازل (فاذا جاء القدر) اي الذي قدر، اي يصيبه من مكروه و ما اشبه (خليا) اي ذانك الملكان (بينه) اي بين هذا الانسان (و بينه) اي بين ذلك القدر (و ان الاجل جنه حصينه) اي المده التي قدرها الله سبحانه لعمر الانسان حافظ له عن الاقدر، حتي اذا تم عمره، لم يكن له حافظ و وقايه.

حكمت 193

[صفحه 357]

و قال عليه السلام- و قد قال له طلحه و الزبير: نبايعك علي انا شركائك في هذا الامر (اي امر الخلافه)-: (لا و لكنكما شريكان) لي (في القوه و الاستعانه) بان تكونا قوه و عونا في تنفيذ اوامري (و عونان علي العجز و الاود) اي الاعوجاج ان تعينان اذا عجزت السلطه، او انحرفت، في تنفيذ الاوامر و تقويم المعوج المنحرف.

حكمت 194

[صفحه 358]

و قال عليه السلام: (ايها الناس التقوا الله) اي خافوه (الذي ان قلتم سمع) كلامكم (و ان اضمرتم) اي نويتم شيئا (علم) ما اضمرتم (و بادروا الموت) اي اسرعوا الي العمل قبل ان يدرككم الموت (الذي ان هربتم منه ادراككم) و الهروب انما هو بتوفير اسباب البقاء و اسباب الصحه و لو بالفرار من بلد الي بلد آخر (و ان اقمتم) في مكانكم (اخذكم) لانه لا يقاومه شي ء (و ان نسسيتموه ذكركم) لانه لا ينسي الانسان، مهما نسيه الانسان.

حكمت 195

[صفحه 358]

و قال عليه السلام: (لا يزهدنك في المعروف) اي لا يسبب نفرتك و ابتعادك عن العمل الخيري (من لا يشكر لك) بان احسنت اليه فلم يشكرك، فتقول لاخير في هذا العمل الذي لا يحمل الانسان عليه (فقد يشكرك عليه) اي علي المعروف (من لا يستمتع بشي ء منه) فان من الناس من اذا سمع الاحسان، مدح المحسن و ان لم يبلغه احسانه (و قد تدرك من شكر الشاكر) (اي يصيبك من شكرالذي شكرك- بدون وصول احسانك اليه- (اكثر مما اضاع الكافر) الذي احسنت اليه فلم يشكرك، هذا في الدنيا (و الله يحب المحسنين) فاحسن، حتي يحبك الله تعالي، و ان لم يشكرك الناس.

حكمت 196

[صفحه 359]

و قال عليه السلام: (كل وعاء) و ظرف (يضيق بما جعل فيه) اذا اريد ان يجعل فيه اكثر من مقداره (الا وعاء العلم) الذي هو القلب (فانه يتسع) بكثره العلم و لا يضيق.

حكمت 197

[صفحه 359]

و قال عليه السلام: (اول عوض الحليم من حلمه) اي اول ما يعطي له عوضا عن حلمه امام الجاهل (ان الناس انصاره علي الجاهل) الذي تعدي عليه، فان الناس يلومون ذلك الجاهل، و ينصرون ذلك الحليم.

حكمت 198

[صفحه 359]

و قال عليه السلام: (ان لم تكن حليما فتحلم) اي تكلف الحلم، و احمل نفسك عليه (فانه قل من تشبه بقوم) اي بجماعه ذات صفه خاصه (الا اوشك) و اقترب (ان يكون منهم) فمن تشبه بالكرماء، صار كريما، و هكذا و علي هذا فمن تشبه بالحلماء صار حليما.

حكمت 199

[صفحه 359]

و قال عليه السلام: (من حاسب نفسه ربح) لانه يعرف مقدار الضرر، فيتدارك و ذلك سبب للذبح (و من غفل عنها) اي عن نفسه، فلم يصرفها فيما ينبغي (خسر) اذ لم يدرك القيمه الواقعيه للنفس (و من خاف امن) اذ الخائف يهيي ء لنفسه اسباب الامن (و من اعتبر) بحوادث الدهر (ابصر) و عرف النجات (و من ابصر) و راي (فهم) اي يفهم و يدرك (و من فهم علم) اذ من ادرك قلبا. صار اداركه علما له اذ يجمع له الشواهد و البراهين، حتي يكون علما راسخا.

حكمت 200

[صفحه 360]

و قال عليه السلام: (لتعطفن) اي تميلن (الدنيا علينا) اهل البيت (بعد شماسها) اي امتناعها و ادبارها عنا (عطف الضروس) اي مثل عطف الناقه السيئه الخلق (علي ولدها) فانها مع ضيق خلقها تعطف علي ولدها، و قد صار ما قاله الامام عليه السلام، فها هي الدنيا تخضع امام عظمه اهل البيت عليهم السلام بعد تلك الشدائد التي لاقوها، و هكذا العاقبه للانبياء و الائمه و الصالحين (وتلا) اماما عليه السلام (عقيب ذلك الكلام)، قوله سبحانه: (و نريد ان نمن علي الذين استضعفوا في الارض، و نجعلهم ائمه و نجعلهم الوارثين)) يعني ائمه الناس و وارثين للارض.

حكمت 201

[صفحه 360]

و قال عليه السلام: (اتقو الله) اي خافوا عقابه (تقيه من شمر تجريدا) فان مريد السير السريع، يرفع ثوبه عن ساقيه- و هو التشمير- و يجردهما، لئلا يلتف برجله، فيمنعه عن سرعه السير، اي هكذا كونوا في اطاعه الله (و جد تشميرا) اي جد في تشميره و اجتهد (و كمش) اي جد في السير (في مهل) اي في مده مهلته في الدنيا، التي يتمكن من العمل فيها (و بادر) اي اسرع في الاعمال الصالحه (عن وجل) و خوف من الله سبحانه (و نظر) اي فكر (في كره الموئل) الموئل آخر السير الذي يول اليه امر الانسان- و كرته اقباله- (اذ الكر مقابل الفر) فان الانسان يرجع الي الله سبحانه، في القيامه (و عاقبه المصدر) اي عاقبه العمل الذي يصدر عنه الانسان، هل سعاده او شقائ؟ (و مغبه المرجع) المغبه بمعني العاقبه، اي نظر في عاقبه رجوعه هل الي خسرام الي ربح؟ فمن نظر كذلك، لابد و ان ينساق وراء الاعمال الصالحه.

حكمت 202

[صفحه 361]

و قال عليه السلام: (الجود حارس الاعراض) فان الانسان اذا جاد حفظ عرضه عن تناول الناس له بسوء (و الحلم فذام السفيه) الفدام ما يشده بعض الناس علي فمهم، و المراد انك اذا حلت ربطت فم السفيه فلم يتمكن ان يتكلم عليه (و العفو زكات الظفر) فاذا ظفرت بعدوك، كان سبب نماء الظفر ان تعفو عنه (و السلو) اي ان تسلو و لا تفكر في ما يفعل الغادر (عوضك ممن غدر) فاذا غدر بك غادر، فتسل و لا تفكر في غدره (و الاستشاره عين الهدايه) فانها سبب للهدايه الي الطريق الصحيح، فكانها الهدايه بعينها. (و قد خاطر) اي اوقع نفسه في الخطر (من استغني

برايه) و لم يشاور الناس فيها اذا ينبغي ان يفصل، لانه كثيرا ما يقع في الاضرار و المهالك (و الصبر يناضل) اي يدافع (الحدثان) نوائب الدهر اي يدافع الصبر عن المصائب فاذا اصابته مصيبه فصبر، ذهبت المصيبه هدرا، و لم توثر اثرا بالغا (و الجزع) عند المصيبه (من اعوان الزمان) ضد الانسان فمن جزع فكانه اعان الزمان السي ء (الشي ء) علي نفسه اذ يكون الضرر حينئذ اكثر. (و اشرف الغني ترك المني) جمع منيه، بمعني ما يتمناه الانسان، فان ترك الاماني يوجب غناء الانسان بخلاف تطلبها، فانها لا تزال تزيد و تنمو (و كم من ع

قل اسير تحت هوي امير) اذ كثير من الناس جعلوا عقولهم اسيرا تحت حكم اهوائهم يطيعون الاهواء ضد العقول (و من التوفيق) الذي يقود الانسان الي السعاده (حفظ التجربه) اي ان تتحفظ بما جريت لتسير علي نهجها في المشاكل (و الموده) مع الناس (قرابه مستفاده) اذ الصديق يعمل كما يعمل القريب، بدون ان تكون بينها رحم (و لا تامنن ملولا) اي السريع الملل و السائمه، و مثل هذا لا يومن علي عمل، اذ قد يمل فيترك عملك، و يوجب فساد امرك.

حكمت 203

[صفحه 362]

و قال عليه السلام: (عجب المرء بنفسه احد حساد عقله) فكما ان الحسود يحول بين الانسان و بين مصالحه، كذلك العجب يحسد العقل، و لا يتركه ان يعمل حسب صلاح الانسان.

حكمت 204

[صفحه 363]

و قال عليه السلام: (اغض علي القذي) اي اغمض عينك مع وجود قذي فيها (و الالم) اي اصبر علي الالم الذي يصيبك (ترض ابدا) فان الصبر سبب الرضا، و المعني ان من يوطن نفسه علي الالام يعيش راضيا دائما، بخلاف من لا يتحمل فانه يعيش ساخطا ابدا.

حكمت 205

[صفحه 363]

و قال عليه السلام: (من لان عوده كثفت اغصانه) لين العود كنايه عن الاخلاق الحسنه، و كثافه الاغصان كنايه عن كثره الاصدقاء.

حكمت 206

[صفحه 363]

و قال عليه السلام: (الخلاف) بين المتشاورين في الراي (يهدم الراي) الذي للانسان، لان المخالف يوجد الشك مما يسبب عدم تنفيذ الانسان لرايه.

حكمت 207

[صفحه 363]

و قال عليه السلام: (من نال) اي من اعطي (استطال) اي ارتفع في المجتمع و استعلي، فان الجواد مرفوع القدر لدي الناس.

حكمت 208

[صفحه 363]

و قال عليه السلام: (في تقلب الاحوال) اي تقلبات الدهر، من صحه و غني و مرض و فقر و جاه و ما اشبه (علم جواهر الرجال) اي يعلم جوهر الرجل، و هل هو حسن او قبيح، لانه اذا صبر عند البلاء، و شكر عند الرخاء، و لم يستطل عند الجاه، و لم يذل عند الفقر، و هكذا، دل علي حسن جوهره.

حكمت 209

[صفحه 364]

و قال عليه السلام: (حسد الصديق) لصديقه (من سقم الموده) اذ لو لا ان الموده بينهما مريضه ليست موده حقيقيه ما كان الحسد.

حكمت 210

[صفحه 364]

و قال عليه السلام: (اكثر مصارع العقول) اي سقوطها و عدم حكمها كما ينبغي (تحت بروق المطامع) اي الاطماع، فان الانسان اذا طمع في مال او جاه او ما اشبه، لم يتبع عقله، و ارتكب القبيح لاجل الوصول الي ذلك الذي طمع فيه.

حكمت 211

[صفحه 364]

و قال عليه السلام: (ليس من العدل القضاء علي الثقه) اي بان يهلك الانسان ثقه باحد (بالظن) الشي ء في ذلك الشخص اذ الظن لا يغني من الحق شيئا، فاذا وثق الانسان باحد، يلزم ان يبقي ثقته، حتي يتيقن بخلافها، لا بمجرد الظن بالخلاف.

حكمت 212

[صفحه 364]

و قال عليه السلام: (بئس الزاد الي المعاد) اي ما يخلفه الانسان من عمله للاخره (العدوان علي العباد) اي ظلمهم و التعدي عليهم.

حكمت 213

[صفحه 364]

و قال عليه السلام: (من اشرف اعمال الكريم) اي الرفيع نفسه (غفلته عما يعلم) بان يتغافل عن ذنب المذنبين و عيوب الناس.

حكمت 214

[صفحه 365]

و قال عليه السلام: (من كساه الحياء ثوبه) بان كان شخصا حيييا يستحي من العمل القبيح (لم يرالناس عيبه) لانه لا يظهر عيبا حتي يروه.

حكمت 215

[صفحه 365]

و قال عليه السلام: (بكثره الصمت) و السكوت (تكون الهيبه) للانسان، لدي الناس (و بالنصفه) بان يكون منصفا فيما له و عليه (يكثر المواصلون) اي المحبون للناس الذين يواصلونه (و بالافضال) اي بالانعام علي الناس (تعظم الاقدار) اي يرفع قدر الانسان عند الناس (و بالتواضع تتم النعمه) فان الله سبحانه يتم نعمته علي من تواضع لعظمته. (و باحتمال المون يجب السودد) المون جمع مونه، بمعني: حوائج الانسان من القوت و اللباس و ما اشبه، و المعني ان السياده علي الناس انما تكون باحتمال الانسان موناتهم و ما يحتاجون اليه (و بالسيره العادله) بان يعدل الانسان في اعماله و افعاله- لا يفرط و لا يفرط- (يقهر المناوي) اي المخالف، اذ لا يجد في الانسان قبيحا حتي يتخذه ممسكا (و بالحلم عن السفيه) بان تحلم عمن يوذبك سفاهه (تكثر الانصار عليه) اذ الناس انصار الحليم ضد السفيه.

حكمت 216

[صفحه 365]

و قال عليه السلام: (العجب لغفله الحساد عن سلامه الاجساد) اي يتعجب الانسان، كيف لا يحسد الحاسدون سلامه جسد الانسان، مع انه احق بالحسد من المال و الجاه الذين يحسدهما الحاسدون، و هذا تنبيه لعظم نعمه السلامه.

حكمت 217

[صفحه 366]

و قال عليه السلام: (الطامع في وثاق الذل) الوثاق: الحبل الذي يوثق و يقيد به الانسان، فان الطامع ذليل دائما، لاجل ما طمع فيه.

حكمت 218

[صفحه 366]

و سئل عن الايمان؟ فقال عليه السلام: (الايمان معرفه بالقلب) بالنسبه الي اصول الدين (و اقرار باللسان) بالشهادتين و فروعها (و عمل بالاركان) اي اركان البدن و اعضائه، من صلاه و صيام و حج و ما اشبه.

حكمت 219

[صفحه 366]

و قال عليه السلام: (من اصبح علي الدنيا حزينا) لماذا لم تاته او فاتته؟ (فقد اصبح لقضاء الله) و حكمه بالنسبه الي امور الدنيا كيف تكون (ساخطا) غاضبا، فاللازم ان لا يحزن الانسان علي الدنيا (و من اصبح يشكو مصيبه نزلت به) شكايه، لا حكايه (فقد اصبح يشكو ربه) لانه سبحانه انزل عليه المصيبع (و من اتي غنيا فتواضع له لغناه) اي لانه غني، لا لانه مسلم، او صديق، او محسن الي الناس، او ما اشبه (فقد ذهب ثلثا دينه) لانه تواضع له قلبا و جسدا، فلم يبق الا الاقرار باللسان بعظمته، فقد عظمه بمحلين من محلات الايمان، فان محل الايمان اللسان و الجنان و الاركان (و من قرء القرآن، فمات، فدخل النار فهو كان) في الدنيا (ممن يتخذ آيات الله هزوا) اي استهزائا و مسخره، و هذا لبيان اي قاري ء القرآن لا يدخل النار، الا اذا كان مستهزاء بالقرآن. (و من لهج قلبه بحب الدنيا) اي كان فكره طلب الدنيا، و ارتكز في قلبه حبها حتي انه كان دائما في فكرها (التاط) اي التصق (قلبه منها) اي من الدنيا (بثلاث) صفات (هم لا يغبه) اي لا يفارقه لما فات منها (و حرص لا يتركه) للازدياد منها (و امل لا يدركه) و الامل هو المنتهي الذي يتصوره الانسان اخير مرحلته في ال

جمع و الارخاء و ما اشبه.

حكمت 220

[صفحه 367]

و قال عليه السلام: (كفي بالقناعه ملكا) فان القنوع لا يحتاج الي شي ء كما ان المالك لا يحتاج (و) كفي (بحسن الخلق نعيما) فان من حسنت اخلاقه، كان في نعيم دائم،

حكمت 221

[صفحه 367]

(و سئل عليه السلام عن قوله تعالي: (فلنحيينه حياه طيبه)؟) ما معناها، فقال عليه السلام: (هي القناعه) و هذا من مصاديق الايه، كما لا يخفي.

حكمت 222

[صفحه 368]

و قال عليه السلام: (شاركوا الذي قد اقبل عليه الرزق) و المشاركه معه، بالمعامله، و الزواج، و المشاوره، و ما اشبه (فانه اخلق للغني) اي اجدر ان يكون سببا لثروه مشاركيه (و اجدر باقبال الحظ عليه) فاذا شاركه الانسان اقبل الحظ علي المشارك ايضا.

حكمت 223

[صفحه 368]

و قال عليه السلام- في قوله تعالي: (ان الله يامر بالعدل و الاحسان): (العدل الانصاف) بان ينصف الانسان فيما له او عليه (و الاحسان: التفضل) بان يتفضل الانسان علي سائر الناس، زياده علي استحقاقهم.

حكمت 224

[صفحه 368]

و قال عليه السلام: (من يعط باليده القصيره) اي يعين الناس و الدين و لو اعانه قليله (يعط باليد الطويله) اي يعينه الناس و يعينه الله اعانات كبيره، و كفي عليه السلام عن الامرين باليد القصيره و الطويله..

حكمت 225

[صفحه 369]

و قال عليه السلام- لابنه الحسن عليه السلام-: (لا تدعون الي مبارزه) اي بروز القرن لك لتقاتله، كما كانت العاده في الحروب، حيث يخرج الشجاع من احد الجانبين و يدعو قرنيه لمقاتلته (و ان دعيت اليها) بان دعاك القرن الي المبارزه (فاجب فان الداعي باغ) اي ظالم، لانه بادي (و الباغي مصروع) هالك، لان الله سبحانه لا ينصر الظالمين.

حكمت 226

[صفحه 369]

و قال عليه السلام: (خيار خصال النساء اي افضل صفاتهن (شرار خصال الرجال) ثم بين عليه السلام تلك الخصال بقوله: (الزهو) اي الكبر (و الجبن و البخل) فانها صفات حسنه في المرئه، و صفات سيئه في الرجل (فاذا كانت المرئه مزهوه) اي متكبره (لم تمكن) الاجنبي (من نفسها) لانها تري ذلك عارا، و منافيا لكبريائها (و اذا كانت بخليه حفظت مالها و مال بعلها) عن التلف و الاسراف (و اذا كانت جبانه فرقت) اي خافت (من كل شي ء يعرض لها) فلا يقع عرضها في الخطر، و لا يخفي ان المراد بحسن تلك الصفات فيها، حسن الحدود التي بينها الامام عليه السلام، لاحسنها مطلقا.

حكمت 227

[صفحه 370]

و قيل له عليه السلام: صف لنا العاقل؟ فقال عليه السلام: (هو الذي يضع الشي ء مواضعه) التي تبتي لذلك الشي ء.. (فقيل) له عليه السلام (فصف لنا الجاهل؟ قال عليه السلام): (قد فعلت) قال الرضي (ره): (يعني ان الجاهل هو الذي لا يضع الشي ء مواضعه فكان ترك صفته (اي صفه العاقل) صفه له (اي للجاهل) اذ كان بخلاف وصف العاقل)

حكمت 228

[صفحه 370]

و قال عليه السلام: (و الله لدنياكم هذه) اضافه الدنيا اليهم، لتكالبهم عليها (اهون في عيني من عراق خنزير) العراق ما في بطنه (في يد مجذوم) هو المصاب بمرض الجذام، و ما اقذر كرش الخنزير في يد ذي جذام؟ و هكذا كانت الدنيا لدي الامام عليه السلام.

حكمت 229

[صفحه 371]

و قال عليه السلام: (ان قوما عبدوا الله رغبه) في الثواب (فتلك) العباده (عباده التجار) لانهم يعطون الشي ء بقصد العوض (و ان قوما عبدوا الله رهبه) و خوفا من النار (فتلك عباده العبيد (فانهم يعملون لاسيادهم خوفا من عقابهم (و ان قوما عبدوا الله شكرا) لانهم عرفوا حقا عليهم فادوه (فتلك عباده الاحرار) فان الاحرار يودون الحقوق، و يقيمون باللازم عليهم عقلا.

حكمت 230

[صفحه 371]

و قال عليه السلام: (المراه شر كلها) لانها تتصف بصفات تاتي منها الشرور- و ذلك لنقصان عقلها، و غلبه عاطفتها- (و شر ما فيها انه لابد منها) فانها ركن في الخلقه، كما ان الرجل ركن آخر، و هذا تحذير عن الوقوع في حبائلها، مما يودي بالدين و الدنيا.

حكمت 231

[صفحه 371]

و قال عليه السلام: (من اطاع التواني) اي التكاسل و التعاجز (ضيع الحقوق) المفروضه عليه، لانه اذا كسل لم يقم بالحق اللازم عليه (و من اطاع الواشي) اي النمام (ضيع الصديق) لانه يوجب الفساد بينهما، و هدم الصداقه،

حكمت 232

[صفحه 372]

و قال عليه السلام: (الحجر الغصيب) اي المغصوب (في الدار رهن علي خرابها) اي موجب لخراب الدار، كما ان الرهن يعاد الي صاحبه. و لا يبقي عند المرتهن.. قال الرضي (ره): و يروي هذا الكلام عن النبي (ص)، و لا عجب ان يشتبه الكلامان، لان مستقاهما من قليب (اي كلاهما نزحا من بئر علم الا له) و مفروغمها من ذنوب (اي يفرغان من دلو واحد) هو دلو الرساله.

حكمت 233

[صفحه 372]

و قال عليه السلام: (يوم المظلوم علي الظالم) و هو يوم القيامه الذي ينتصف فيه المظلوم من الظالم (اشد من يوم الظالم علي المظلوم) و هو في الدنيا حين يظلم ظالم المظلوم، فان الانتقام اشد من الظلم.

حكمت 234

[صفحه 372]

و قال عليه السلام: (اتق الله بعض التقي و ان قل) فلا تكن مطلق السراح في معاصيه، فان التقوي القليله تجر الي التقوي الكثيره (و اجعل) بينك و بين الله سترا) و المراد عدم اظهار المعاصي امام الله سبحانه، بل التجنب عنها (و ان رق) ستر.

حكمت 235

[صفحه 373]

و قال عليه السلام: (اذا ازدحم الجواب) اي كثر الجواب المختلف علي سئوال واحد (خفي الصواب) اذ لا يعلم ان اي جواب صحيح؟

حكمت 236

[صفحه 373]

و قال عليه السلام: (ان لله في كل نعمه) يتفضل بها للعبد (حقا فمن اداه) اي ادي ذلك الحق، و هو الشكر (زاده) الله (منها) اي من تلك النعمه (و من قصر عنه) فلم يود شكرا لنعمه، لسانا و قلبا و بدنا (خاطر بزاول نعمته) اي اوقع نفسه في خطر زوالها.

حكمت 237

[صفحه 373]

و قال عليه السلام: (اذا كثرت المقدره) اي قدره الانسان علي الشي ء (قلت الشهوه) اذ النفس تستغني اذا عرفت القدره، فتقل الشهوه.

حكمت 238

[صفحه 373]

و قال عليه السلام: (احذروا نفار النعم) اي نفورها بسبب عدم شكرها (فما كل شارد) اي فار (بمردود) اي بممكن رده.

حكمت 239

[صفحه 373]

و قال عليه السلام: (الكرم اعطف من الرحم) فاذا تكرمت علي انسان كان اعطف اليك من رحمك و قرابتك.

حكمت 240

[صفحه 373]

و قال عليه السلام: (من ظن بك خيرا فصدق ظنه) بان تعمل حسب ظنه، فان ظن بك العلم، فتعلم، و ان ظن بك الاحسان، فاحسن و هكذا.

حكمت 241

[صفحه 374]

و قال عليه السلام: (افضل الاعمال ما اكرهت نفسك عليه) اذ المكروه مخالف للشهوه، و كل ما خالف الشهوه مطابق للعقل، و ما طابق العقل كان افضل.

حكمت 242

[صفحه 374]

و قال عليه السلام: (عرفت الله سبحانه بفسخ العزائم) جمع عزيمه، و هي الاراده القويه و القصد، و فسخها نقضها، فلو لا ان هناك اراده فوق اراده البشر، لم يكن ناقض لعزائم الانسان و انما كان ينفذها كما اراد (و حل العقود) جمع عقد، بمعني النيه تنعقد علي فعل امر، ثم تنفسخ، و لعل العزيمه اقوي من العقد (و نقض الهمم) جمع همه، اي اهتمام الانسان بالامر و هذا اضعف، من الاولين، فان هناك همه، و عقدا، و عزيمه.

حكمت 243

[صفحه 376]

و قال عليه السلام: (مراره الدنيا حلاوه الاخره) الصوابات التي يتحملها الانسان في الدنيا توجب له الاجر و الثواب و العكس في حلاوه الدنيا.

حكمت 244

[صفحه 374]

و قال عليه السلام: (فرض الله الايمان) به وحده لا شريك له (تطهيرا من الشرك) حتي لا يكون الانسان ملوثا بلوث الخرافه التي هي الشرك بالله (و) فرض (الصلاه تنزيها عن الكبر) اذ الصلاه توجب ذله العبد امام الرب تعالي (و الزكاه تسبيبا للرزق) فان الزكاه توجب زياده الرزق، و لذا سميت وكاتا، فانها بمعني النمو (و الصيام ابتلائا) اي امتحانا (لاخلاص الخلق) فان الصيام لا يصدر الا عن مخلص لله سبحانه اذ الانسان يتمكن من الافطار، و لو كان في وسط المجتمع، فاذا لم يفطر دل ذلك علي اخلاصه (و الحج تقربه للدين) اسببا لتقرب اهل الدين بعضهم من بعض (و الجهاد عزا للاسلام) لان رفع رايه الاسلام لا يكون الا بالجهاد. (و الامر بالمعروف مصلحه للعوام) حتي يهتدوا و لو ترك الامر بالمعروف، ترك المعروف، و ذلك يسبب الضرر لعامه الناس (و النهي عن المنكر ردعا للسفهاء) حتي يرتدعوا عن الاتيان بالمنكرات (وصله الرحم منماه) مصدر ميمي بمعني الانماء و الاكثار (للعدد) فانه الصله توجب كثره الارحام و الاقرباء، مما يزيد في قوتهم و شوكتهم (و القصاص حقنا) اي حفظا (للدماء) اذ لو قتل القاتل، لم يجرء غيره علي القتل (و اقامه الحدود اعظاما للمحارم) اي حتي يع

ظم الناس محارم الله سبحانه و لا يرتكبوها فيفسد الاجتماع. (و ترك شرب الخمر تحصينا) اي حفظا (للعقل) فان الخمر توجب ذهابه (و مجانبه السرقه) اي سرقه اموال الناس (ايجابا للعفه) حتي يكون الانسان عفيف النفس، واقفا علي العدل، غير مفرط و

لا مفرط (و ترك الزنا تحصينا) اي حفظا (للنسب) فان الزنا لو ابيح اختلطت الانساب، فلم يعلم الولد و الوالد، و الاقرباء (و ترك اللواط تكثيرا للنسل) اذ لو ابيح اللواط فر الناس من تكاليف الزواج باللواط، فيقل النسل، ان لم يعدم (و الشهاده) اي اقامه الشهود (استظهارا علي المجاحدات) اي لئلا يجحد الناس ما علموه من الحقوق فتضيع. (و ترك الكذب تشريفا) للصدق) حتي يكون الصدق الذي به قوام العالم شريفا محترما، فلا يقدم الناس علي خلافه (و السلام امانا من المخاوف) فان من يسلم يامن الناس شره، كما كانت العاده، و يحتمل ان يراد السلام مقابل الحرب (و الامانات) بان لا يخون احد في مال غيره (نظاما للامه) اذ لو لم تجب الامانه فسد النظام اذ لا يعمل احد بوظيفته و لا ياتمن بعض عن بعض في معاملاته (و الطاعه) لولي الامر (تعظيما للامامه) حتي تبقي هيبه الامامه فتتمكن من تنفيذ الاشياء و السير بصالح الامه الي الامام.

حكمت 245

[صفحه 376]

و كان عليه السلام يقول: (احلفوا الظالم- اذا اردتم يمينه) اي اردتم ان يحلف (بانه بري من حول الله و قوته) اي انه مبتعد غنهما- انكان كاذبا- (فانه اذا حلف بها كاذبا عوجل العقوبه) اي عاقبه الله سبحانه علي كذبه عاجلا (و اذا حلف بالله الذي لا اله الا هو) بان حلف بهذه اللفظه (لم يعاجل) بالعقوبه علي كذبه (لانه قد و حد الله تعالي) و ذكره سبحانه بصفه حسنه.

حكمت 246

[صفحه 377]

و قال عليه السلام: (يابن آدم كن وصي نفسك في مالك) فمهما تريد ان يعمل به في ما بعدك، فاعمل انت في حياتك ذلك العمل (و اعمل فيه ما توثر) اي ترجح (ان يعمل فيه من بعدك) فان الورثه لا يعملون غالبا، ثم ان ثواب اعطاء الانسان اكثر، من ثواب اعطاء الغير.

حكمت 247

[صفحه 377]

و قال عليه السلام: (الحده) اي ان يكون الانسان حادا سريع الغضب (ضرب من الجنون، لان صاحبها يندم) فيظهر انه حاله غير طبيعيه لا اختيار للانسان، في حالها، فاذا كشفت عرف الانسان ضررها فندم (فان لم يندم فجنوبه مستحكم) اذ ليس له افاقه، بل بقي غاضبا حادا.

حكمت 248

[صفحه 377]

و قال عليه السلام: (صحه الجسد من قله الحسد) اذ الحسد يوجب تاثر النفس، و تاثر النفس يوجب انحراف الجسد، لتاثيرها فيه.

حكمت 249

[صفحه 377]

و قال عليه السلام- لكميل بن زياد النخعي-: (يا كميل، مر اهلك ان يرحوا في كسب المكارم) الرواح، السير من بعد الظهر، و كان التخصيص بهذا الوقت، لاشتغال الانسان غالبا في الصباح بشئونه الداخليه، و كسب المكارم اتيان ما يوجب السعاده و المحمده (و يدلجوا) الادلاج: السير اول الليل (في حاجه من هو نائم) بان يقضوا حوائج الناس، و انكانوا نياما، و كانه لبيان لزوم القربه في العمل، و حب الخير، لا لان اربابها يعرفونها. (فو الذي وسع سمعه الاصوات) اي قسما بالله الذي يسمع كل صوت (مامن احد اودع قلبا سرورا) بان اسرو افرح انسانا (الا و خلق الله له من ذلك السيرور لطفا) اي عنايه خاصه منه تعالي اليه (فاذا نزلت به) اي بالذي افرح (نائبه) اي مصيبه من مصيبات الدهر (جري) ذلك اللطف (اليها) اي: يبعد ذات اللطف تلك النائبه (عنه) اي عن ذلك الانسان (كما تطرد غريبه الابل) و هي التي ليس لهذا الراعي لاباله فانه يطردها عن مرعاه و مشربه لئلا تزاحم ابله.

حكمت 250

[صفحه 378]

و قال عليه السلام: (اذا املقتم) اي اذا افتقرتم (فتاجروا الله بالصدقه) فانكم اذا تصدقتم اعطاكم الله تعالي، فاعطاء الصدقه تجاره.

حكمت 251

[صفحه 378]

و قال عليه السلام: (الوفاء لاهل الغدر) بان يفي الانسان بعهده معهم- بعد ما غدروا هم بالعهد (غدر عند الله) اذ ذلك يوجب جرئه الناس علي الغدر، و تجري الناس علي محارم الله حرام (و الغدر باهل الغدر وفاء عند الله) لانه اطاعه لاوامره سبحانه، حيث امر بمحاربه الغادرين.

حكمت 252

[صفحه 379]

و قال عليه السلام: (كم من مستدرج بالاحسان اليه) اي يريد الله بالاحسان اليه اهلاكه درجه درجه. كما قال و انما نملي لهم ليزداد وا اثما (و مغرور بالستر عليه) فحيث ستر الله عليه معاصيه خدع و ظن انه لا يعاقب (و مفتون) اي مغرور (بحسن القول فيه) بقول الناس الحسن فيه و مدحهم اياه، فيظن انه عند الله كذلك (و ما ابتلي الله سبحانه احدا بمثل الاملاء له) بان ينعم عليه بقصد ان يزيد اثما، حتي يكون عقابه شديدا.

حكمت 253

[صفحه 391]

و قال عليه السلام، لما بلغه اغاره اصحاب معاويه علي الانبار، فخرج بنفسه ماشيا، حتي اتي النخيله، فادركه الناس، و قالوا: يا اميرالمومنين، نحن نكفيكهم، فقال: (ما تكفونني انفسكم فكيف تكفونني غيركم)؟ فان انفسكم مختلفون غير مجتمعين علي راي واحد (ان كانت الرعايا) جمع رعيه (قبلي لتشكوا حيف رعاتها) اي ظلم الحكام جمع (راع) (فانني اليوم لاشكو حيف رعيتي) و ظلمهم علي بعدم الاطاعه (كانني المقود و هم القاده) فيجب ان اتبعهم في آرائهم، لا ان يتبعوني في رايي (او) انما (الموزوع) اي المحكوم (و هم الوزعه) جمع و زاع، بمعني: الحكام.. (فلما قال عليه السلام هذا القول) في كلام طويل، قد ذكرنا مختاره في جمله الخطب، تقدم اليه رجلان من اصحابه، فقال احدهما: اني لا املك الا نفسي و اخي فمر بامرك يا اميرالمومنين ننقد له، فقال عليه السلام: (و اين تقعان مما اريد)؟ اي ليست لكما منزله في الذي اريده من اتفاق الناس لمحاربه اهل الشام، و اطاعتهم جمله، فان نفرين لا ياتي منها شي ء بالنسبه الي مثل هذا الامور.

حكمت 254

[صفحه 392]

و قيل: ان الحارث بن حوت اتاه عليه السلام، فقال: اتراني اظن اصحاب الجمل كانوا علي ضلاله؟ (اي اتظنني اني اسي ء الظن بالنسبه الي اصحاب الجمل؟ و كان كلامه هذا لبيان انه يراهم علي حق) فقال عليه السلام: (يا حارث، انك نظرت تحتك و لم تنظر فوقك)، هذا كنايه عن ان رايه لم يصب اذ الناظر الي ما تحته لا يري الاشياء المحيطه، كما هي، و عن ان رايه لم يصب اذ الناظر الي ما تحته لا يري الاشياء المحيطه، كما هي، و لذا يكون حكمه خطائا، اذ صادر عن غير معرفه (فحرت) اي تحيرت، و

لم تصب الحق الذي هو خطاء اصحاب الجمل (انك لم تعرف الحق) كما يلزم (فتعرف من اتاه) اي حتي تعرف من اتي الحق، و من اعرض عنه. (و لم تعرف الباطل) حق معرفته (فتعرف من اتاه) و اتخذه (فقال الحارث: فاني اعتزل مع سعيد بن مالك و عبدالله بن عمر) حتي لا اكون معك، و لا مع اصحاب الجمل، فقال عليه السلام: (ان سعيدا و عبدالله بن عمر لم ينصرا الحق) يعني المتمثل في الامام عليه السلام و اصحابه (و لم يخذلا الباطل) اذ الاعتزال ليس خذلا للباطل، و انما مناصره الحق خذل للباطل.

حكمت 255

[صفحه 393]

و قال عليه السلام: (صاحب السلطان كراكب الاسد) اي الذي يصحب السلطان و يكون من خواصه، مثل الذي ركب الاسد (يغبط بموقعه) اي يغبط الناس و يتمنون منزلته (و هو اعلم بموضعه) من الخوف و الحذر، لانه يعلم ان تحرك حركه يسيره كان طعمه السجن و السيف و ما اشبه، كراكب الاسد الذي يتعجب الناس من الشجاعته، لكنه في خوف دائم ان يكون طعمه للاسد.

حكمت 256

[صفحه 393]

و قال عليه السلام: (احسنوا في عقب غيركم) اي في اولادهم و ذراريهم، بعد موت الاباء (تحفظوا في عقبكم) اي يحفظكم الناس في اولادكم بعد موتكم و فقدكم.

حكمت 257

[صفحه 393]

و قال عليه السلام: (ان كلام الحكماء) العارفين بالاشياء (اذا كان صوابا كان دواما) عن الاسقام الفرديه الاجتماعيه (و اذا كان خطائا كان دائما) اذ الناس يتبعونهم و يعظمون آرائهم، و لذا يوثر اثره الحسن او السي ء في الناس.

حكمت 258

[صفحه 393]

و سئله رجل: ان يعرفه الايمان؟ فقال عليه السلام: (اذا كان الغد فاتني، حتي اخبرك علي اسماع الناس) اي حضورهم حتي يستمعون و يستفيدون (فان نسيت مقالتي حفظها عليك غيرك، فان الكلام كالشارده) اي كالدابه التي تشرد (ينقفها) اي يصيبها (هذا) اي شخص، فيحفظها (و يخطئها) فلا يتمكن من اخذها (هذا) اي شخص آخر (و قد ذكرنا ما اجابه به عليه السلام، فيما تقدم من هذا الباب، و هو قوله: (الايمان علي اربع شعب).

حكمت 259

[صفحه 394]

و قال عليه السلام: (يابن آدم لا تحمل هم يومك الذي لم ياتك، علي يومك الذي قد اتاك) فلا تتحمل في هذا اليوم، هم الغد، بل تحمل في كل يوم هم نفس ذلك اليوم، و المراد بالهم الحزن و ما اشبه، لا التفكر في كيفيه العمل و ترتيب اسبابه- فانه من الحزم- (فانه ان يك) اليوم الاتي (من عمرك يات الله فيه بزرقك) فما همك له، و ان لم يكن من عمرك، فالهم عبث لا وجه له.

حكمت 260

[صفحه 394]

و قال عليه السلام: (احبب حبيبك هوناما) الهون الخفيف، اي لا يكن حبك له حبا شديدا حتي تطلعه علي كل اسرارك (عسي) اي لعله (يكون بغيضك يوما ما) فيبغضك و يوجب حبك الزائد له، كشفه لاسرارك، و ندمك لمحبته (و ابغض بغيضك هوناما) اي بغضا قليلا (عسي ان يكون حبيبك يوما ما) فتندم علي ما افرطت في بغضه، و جريت عليه من الغوائل مما لا تتمكن من علاجه، و المعني لزوم ملاحظه الانسان احتمال انقلاب كل من عدوه و صديقه الي الضد، فلا يبالغ في الحب و العداء.

حكمت 261

[صفحه 395]

و قال عليه السلام: (الناس في الدنيا عاملان) اي صنفان (عامل عمل في الدنيا للدنيا) لا للاخره (قد شغلته دنياه عن آخرته) فلا يهتم للاخره اصلا (يخشي علي من يخلفه) اي اولاده و ورثته (الفقر) من بعده، و لذا يجمع لهم حتي لا يفتقروا (و يامنه) اي الفقر، في الاخره (علي نفسه) فلا يقدم لنفسه شيئا (فيفني عمره في منفعه غيره) و لا ينتفع هو بنفسه. (و عامل عمل في الدنيا لما بعدها) و هي الاخره (فجائه الذي له) اي حصته المقدره له (من الدنيا بغير عمل) عمله لاجلها (فاحرز الحظين) حظ الدنيا، و حظ الاخره (معا) لان الله ضمن الناس ارزاقهم (و ملك الدارين جميعا) دار الدنيا و دار الاخره (فاصبح وجيها عند الله) اي ذا جاه و منزله (لا يسئل الله حاجه فيمنعه) بل يعطيه كل ما سئل.

حكمت 262

[صفحه 396]

و روي انه ذكر عند عمر بن الخطاب في ايامه، حلي الكعبه (جمع حليه، بمعني الزينه من الذهب و الفضه) و كثرته، فقال قوم لو اخذته فجهزت به جيوش المسلمين كان اعظم للاجر، و ما تصنع الكعبه بالحلي؟ فهم عمر بذلك، و سئل اميرالمومنين عليه السلام؟ فقال: (ان القرآن انزل علي النبي (ص) و الاموال اربعه) اقسام، الاول (اموال المسلمين فقسمها بين الورثه) اذا مات المورث (في الفرائض) اي في اقسام الارث. (و) الثاني (الفي ء) و هي الغنائم (فقسمه علي مستحقيه) و هم المجاهدون و من اليهم (و) الثالث (الخمس) الذي قرره الله في الغنائم و في الارباح و ما اشبه (فوضعه الله حيث وضعه) حيث قال (فان لله خمسه و للرسول و لذي القربي، و اليتامي و المساكين و ابن السبيل) (و) الرابع (الصدقات) اي

الزكاه (فجعلها الله حيث جعلها) من الاصناف الثمانيه حيث قال: (انما الصدقات للفقراء- الايه) (و كان حلي الكعبه فيها يومئذ) اي يوم كان الرسول (ص) (فتركه الله علي حاله) و لم يقرر لها مصرفا (و لم يتركه نسيانا) حتي نقرر لها مصرفا. (و لم يخف عليه مكانا) اي لم يكن مكان حلي الكعبه خافيا علي الله، حتي لم يعلم بها و لذا لا يحكم بما ينبغي حولها (فاقره) يا عمر (حيث اق

ره الله و رسوله) اذا بقياه و لم يتصرفا فيه (فقال له عمر، لولاك لا فتضحنا، و ترك الحلي بحاله).

حكمت 263

[صفحه 397]

و روي انه عليه السلام رفع اليه رجلان سرقا من مال الله: احدهما عبد من مال الله (يلزم ان يصرف في مصالح المسلمين، اذ لا مالك خاص له، الا بيت المال) و الاخر من عروض الناس (اي ان الثاني كان عبدا من عرض الناس اي متاعهم و ملكهم، و عروض جمع عرض: المتاع غير الذهب و الفضه) فقال عليه السلام: (اما هذا) العبد السارق الذي هو لله (فهو من مال الله و لا حد عليه) في هذه السرقه (مال الله اكل بعضه بعضا) فلم يتلف المال المسروق (و اما الاخر) الذي هو عبد للناس و سرق مال الله (فعليه الحد الشديد) و شدته لانه سرقه من مال الله، فهي سرقه، و المسروق مال لله تعالي (فقطع يده) اي اصابع يده.

حكمت 264

[صفحه 398]

و قال عليه السلام: (لو قد استوت قدماي) اي استقرتا (من هذه المداحض) جمع مدحض، بمعني: المزلقه، و المراد بها الفتن (لغيرت اشياء) من البدع الدارجه في الناس، اما و الشخص مشغول باخماد الفتن الكبيره، فانه لا وقت له لتغيير اشياء صغيره.

حكمت 265

[صفحه 398]

و قال عليه السلام: (اعلموا علما يقينا ان الله لم يجعل للعبد- و ان عظمت حيلته) اي تقلبه لطلب الرزق (و اشتدت طلبته) لمتاع الدنيا (و قويت مكيدته-) اي كيده في تحصيلها (اكثر مما سمي له في الذكر الحكيم) (اكثر) مفعول (لم يجعل) و الجمله بينها اعتراض، و الذكر الحكيم: ما ذكره الله سبحانه و قدره بكل احكام و اتقان، فان الانسان لا يصل اليه اكثر من نصيبه المقرر له، و لذا يكون كثره الطلب سخافه. (و لم يحل) سبحانه (بين العبد- في ضعفه و قله حيلته- و بين ان يبلغ ما سمي له في الذكر الحكيم) فياتيه نصيبه و انكان في منتهي الضعف و الوهن، لكن هذا لا ينافي السعي اللازم في طلب المعاش، و انما هو مانع عن الحرص، اذ الرزق الاتي بعد الطلب مما سمي في الذكر الحكيم (و العارف لهذا) الذي ذكرت (العامل به) بان لا يتجهد اكثر من القدر المقرر- حرصا- (اعظم الناس راحه في منفعه) اذ المنفعه و اصله اليه و هو مستريح. (و التارك له) اي لما ذكرت، بان يتعب نفسه تعبا متزايدا (الشاك فيه) اي فيما ذكرت (اعظم الناس شغلا في مضره) اذ يشتغل كثيرا، و يضر نفسه، بلا فائده (و رب منعم عليه) اي قد انعم الله عليه بانواع، لاكرامه، و انما (مستدرج بالنعمي) اي يريد

الله بهذه النعم اخذه درجه درجه، و وصوله الي

كمال طغيانه، حتي ياخذه بذنوبه (و رب مبتلي) بالفاقه و ما اشبه (مصنوع له بالبلوي) اي ان بلواه صنع من الله سبحانه ليعطيه الاجر و الثواب، فلا يظن ذو النعمه انه انما انعم عليه لكرامته، و لا ذو البليه انه انما ابتلي لمهانته (فزد ايها المستمتع) بنعم الله (في شكرك) حتي لا تكون مستدرجا (و قصر من عجلتك) في طلب الدنيا (وقف عند منتهي رزقك) الذي ياتيك فلا تتعب نفسك فيما لم يقدر لك.

حكمت 266

[صفحه 399]

و قال عليه السلام: (لا تجعلوا علمكم جهلا) بان لم تعملوا، فان غير العاقل و الجاهل سواء (و) لا تجعلوا (يقينكم شكا) فان غيرالعامل بيقينه و الشاك سواء (اذا علمتم فاعملوا) بما علمتم (و اذا تيقنتم، فاقدموا) علي حسب يقينكم.

حكمت 267

[صفحه 400]

و قال عليه السلام: (ان الطمع مورد غير مصدر) اي يرد الانسان في المهالك، و لا يصدره عنها، بل يبقي الطامع في الهلكه (و ضامن) للانسان بوصوله الي ما طمع، لكنه (غير و في) اذ ليس كل طامع يصل (و ربما شرق شارب الماء) اي دخل الماء في مجري تنفسه مما منعه، عن شرب البقيه (قبل ربه) اي قبل ان يرتوي من الماء، و هذا مثل للطامع لا يبلغ غايه ما يريد. (و كلما عظم قدر الشي ء المتنافس فيه) اي الذي يتغالب عليه الناس- كالوزاره و السياده و ما اشبه- (عظمت الرزيه) و المصيبه (لفقده) فلا تطلبوا الاشياء الكبار، لانكم تصدمون صدمه قوبه بفقدها (و الاماني) جمع امنيه، و هي التي يطلبها الانسان من انواع السعاده (تعمي اعين البصائر) جمع بصيره فلا يري الانسان خيره و شره، اذا علق الامل بشي ء، و انما يسير ورائه ليصل اليه، و انكان في ذلك اعظم الشر له (و الحظ ياتي من لا ياتيه) فاللازم ان لا ينساق الانسان وراء امانيه، و لا يتعب نفسه للامال اذ ربما اتي الحظ من لم يتعب له.

حكمت 268

[صفحه 400]

و قال عليه السلام: (اللهم اني اعوذبك من ان تحسن في لامعه العيون) اي العيون الناضره- و لمعه العين نظرتها- (علانيتي) اي ظاهري بان يكون ظاهري ظاهرا حسنا (و تقبح فيما ابطن لك) اي في باطن قلبي (سريرتي) بان يكون باطني قبيحا، في حالكوني (محافظا علي رئاء الناس) اي مرائاتهم، ليحمدوني (من نفسي بجميع) متعلق ب (رئاء) (ما انت مطلع عليه مني) اي اتحفظ علي رياء الناس بكل شي ء انت مطلع، فاعمل للناس و لا اعمل لك، مع انك مطلع علي جميع اموري (فابدي) اي

اظهر (للناس حسن ظاهري و افضي اليك) اي انهي اليك- اذ الاعمال تنتهي الي الله تعالي (بسوء عملي) اذ انت مطلع علي خفايا اموري (تقربا الي عبادك) بريائي لهم (و تباعدا) اي ابتعادا (من مرضاتك) بعدم اخلاصي لك.

حكمت 269

[صفحه 401]

و قال عليه السلام: (لا) ليس الامر هكذا (و الذي امسينامنه) اي دخلنا في المساء، من جانبه (في غبر ليله دهماء) اي في بقيه ليله سوداء، فان (غبر) بمعني البقيه (تكشر) اي تنفرج (عن يوم اغر) اي ابيض، اذ الليل ينفرج عن الصباح (ما كان كذا و كذا) هذا متعلق الحلف، و حيث لم يكن مهما، و انما المهم لفظه القسم، ليم يذكره السيد (ره).

حكمت 270

[صفحه 401]

و قال عليه السلام: (قليل تدوم عليه) من اعمال، بان تبقي مستمرا في اتيانه (ارجي من كثير مملول منه) بان يمل منه الانسان و يسام فيتركه.

حكمت 271

[صفحه 402]

و قال عليه السلام: (اذا اضرت النوافل بالفرائض) كمن يتعب من النافله، فلا يفعل الفريضه (فارفضوها) اي اتركوا النوافل لتاتوا بالفرائض.

حكمت 272

[صفحه 402]

و قال عليه السلام: (من تذكر بعد السفر) اي السفر الي الاخره (استعد) بالاعمال الصالحه الموصله الي السعاده.

حكمت 273

[صفحه 402]

و قال عليه السلام: (ليست الرويه) اي التفكر و درك الاشياء بالعقل (كالمعاينه بالابصار) اي كرويه العين، بل الاول اقوي من الثاني (فقد تكذب العيون اهلها) كما يري البعيد الكبير صغيرا كاجرام السماء، و ما اشبه ذلك (و لا يغش العقل من استنصحه) اذ الاحكام العقليه لا خلف لها، فلو قال العقل ان الكل اعظم من الجزء لا يمكن الخلف فيه، و هكذا.

حكمت 274

[صفحه 402]

و قال عليه السلام: (بينكم و بين الموعظه) اي الاتعاظ بالمواعظ (حجاب من الغره) اي الغفله، فهي مانعه عن عملكم بالمواعظ.

حكمت 275

[صفحه 402]

و قال عليه السلام: (جاهلكم مزداد) اي يزداد في الجهل، و العمل بما لا يقتضيه العلم (و عالمكم مسوف) اي يوخر العمل فلا يعمل، فكيف تكون حال مثل هذه الامه، و انما تتقدم الامه اذا كان جاهلهم ينقطع، و عالمهم يعمل.

حكمت 276

[صفحه 403]

و قال عليه السلام: (قطع العلم عذر المتعللين) اي الذين يتعللون في عدم عملهم، بانهم لم يعلموا، فقد انتشر العلم، حتي ليدركه من اراد.

حكمت 277

[صفحه 403]

و قال عليه السلام: (كل معاجل) اي عجل اليه الاجل (يسئل الانظار) بان ينظر و يمهل حتي يعمل صالحا (و كل موجل) قد اخر و اجل موته (يتعلل) اي يعتذر عن العمل (بالتسويف) و انه سوف يفعل، فكل من تعجيل الموت و تاجيله لا ينفع الانسان.

حكمت 278

[صفحه 403]

و قال عليه السلام: (ما قال الناس لشي ء (طوبي له) اي انه حسن حاله، لانه له جاها او مالا او ما شبه (الا و قد خباء) اي اخفي (له الدهر يوم سوء) حيث يري الصعوبه، لان الافراح لابد و ان تكون بعدها اخران، و بالعكس.

حكمت 279

[صفحه 404]

و سئل عليه السلام عن القدر؟ و كان السائل لم يكن قابلا للاجابه، و لذا اضرب الامام عن جوابه، و القدر هو تقدير الله سبحانه لما يجري في الكون، التي من جملتها كون بعض اشيائها تجري باختيار الانسان، كالمهندس المقدر للبناء، و انكان البناء يجري بايدي البناء و العمال. فقال عليه السلام: (طريق مظلم فلا تسلكوه) اي لا تسيروا فيه، كنايه عن دقه فهمه (و بحر عميق فلا تلجوه) اي لا تدخلوا فيه، لانه مظنه الفرق (و سر الله) اي امر من الامور الخفيه الراجعه الي الله سبحانه (فلا تتكلفوه) اي لا تتعبوا انفسكم لمعرفته.

حكمت 280

[صفحه 404]

و قال عليه السلام: (اذا ارذل الله عبدا) اي جعله رذيلا لا اعتناء بشانه (حظر عليه العلم) اي حرمه منه، فلا يوفق للتعلم.

حكمت 281

[صفحه 404]

و قال عليه السلام: (كان لي فيما مضي اخ في الله) اي: ان اخوته اخوه دينيه، لا نسبيه او ما اشبه (و كان يعظمه في عيني) اي كان عظيما لدي (صغر الدنيا في عينه) فقد كان لا يبالي بالدنيا و زخارفها (و كان خارجا من سلطان بطنه) فلا ياكل حسب شهوات نفسه (فلا يشتهي مالا يجد) من الاطعمه (و لا يكثر اذا وجد) ما يشتهيه (و كان اكثر دهره صامتا) لا يتكلم (فان قال) و تكلم (بد القائلين) اي منعهم عن القول، لحسن كلامه، فكان الكل يستمعون اليه. (و نقع غليل السامعين) اي ازال عطشهم الي المعارف، حيث فصاحه العباره، و بلاغه المعني (و كان ضعيفا) في بدنه (مستضعفا) يجده الناس ضعيفا، لعدم ايذائه لاحد (فان جاء الجد) و صار وقت العمل (فهو ليث غاب) اي اسد الغابه، و الاسد في الغابه يكون اشجع (وصل) اي حيه (واد) فان الحيه فيه اقوي من حيه البلاد و الدور (لا يدلي بحجه) اي: لا يذكر حجه علي مطلب (حتي ياتي قاضيا) اي يقضي بالفصل (و كان لا يلوم احدا علي ما يجد العذر في مثله) اي كان يحتمل ان الفاعل له عذر فيما فعل (حتي يسمع اعتذاره) فان صح اعذره، و الا لامه. (و كان لا يشكو وجعا) اي لا يذكره (الا عند برئه) من باب الحكايه، حتي لا يكون شكايه عن المص

يبه (و كان يقول ما يفعل و لا يفعل و لا يقول ما لا يفعل) اي كان من رجال الاعمال لا من

رجال الاقوال (و كان اذا غلب علي الكلام) بان لم يمهله احد، لان يتكلم (لم يغلب علي السكوت) فلا يفوقه احد في السكوت بل يظل ساكتا طويلا (و كان علي ما يسمع احرص منه علي ان يتكلم) فان في السماع الاستفاده و في الكلام الافاده (و كان اذا بدهه امر) اي ورد عليه فجئه و بغته (امر ان ينظر ايهما اقرب الي الهوي فخالفه) لان الاقرب الي ميل الانسان، ابعد عن العقل و الواقع (فعليكم) ايها الناس (بهذه الخلائق) و الصفات الحسنه (فالزموها) و اتصفوا بها (و تنافسوا فيها) اي تغالبوا بان يريد كل احد ان يعلب الاخر، ليزيد عليه في الاجر و الثواب (فان لم تستطيعوها) بان تشتملوا عليها (فاعلموا ان اخذ القليل خير من ترك الكثير) اذ ادوا لمن بعض الفضل خير من الترك الكامل، اذ لا ادراك لشي ء حينداك.

حكمت 282

[صفحه 406]

و قال عليه السلام: (لو لم يتوعد الله علي معصيته) بان اباح العصيان (لكان يجب) عقلا (ان لا يعصي شكرا لنعمه) التي انعم بها علي الانسان.

حكمت 283

[صفحه 406]

و قال عليه السلام- و قد عزي الاشعث بن قيس عن ابن له- (قد مات) (يا اشعث، ان تحزن علي ابنك فقد استحقت منك ذلك الرحم) اي كونه رحمالك، و هذا كنايه عن عدم الاسائه في التحزن علي الارحام (و ان تصبر ف) الصبر اولي اذ (في الله من كل مصيبه خلف) فيعوص الانسان عما اصابه (يا اشعث، ان صبرت جري عليك القدر) اي الذي قدر لك من المصائب و الالام (و انت ماجور) بصبرك في المصيبه. (و ان جزعت) و الجزع اظهار الشكوي و عدم الرضا بالمصائب (جري عليك القدر و انت مازور) اي مرتكب للوزر و الذنب، فمن الافضل الصبر، لان الجزع لا يسبب دفاعا، و لا اجرا (يا اشعث، ابنك سرك) حين ولدلك (و هو بلاء) لانك كنت مكلفا بتربيته (و فتنه) اي امتحان لك هل تقوم بما امر الله فيه ام لا؟ (و حزنك) موته (و هو ثواب و رحمه) اذ الله سبحانه يعطي الثواب للوالدين في فقد الاولاد.

حكمت 284

[صفحه 407]

و قال عليه السلام- علي قبر رسول (ص) ساعاته دفنه-: (ان الصبر) في المصائب (لجميل الا عنك) اذ مقتضي ما اوجب الله علي الامه من حب الرسول، ان لا يصبروا علي فراقه (و ان الجزع لقبيح الا عليك) فيحسن الجزع، لا بمعني عدم الرضا بالقضاء، بل بمعني اطهار التالم الشديد، و التاثر الكثير، (و ان المصاب بك) اي المصيبه بسبب فقدك (لجليل) عظيم (و انه) اي المصاب (قبلك و بعدك) لسائر الرزايا (لجلل) اي هين حقير.

حكمت 285

[صفحه 408]

و قال عليه السلام: (لا تصحب المائق) اي الاحمق (فانه يزين لك فعله) الصادر عن الحمق و يود ان تكون مثله) في الافعال.

حكمت 286

[صفحه 408]

و قد سئل عن مسافه ما بين المشرق و المغرب؟ فقال عليه السلام: (مسيره يوم الشمس) و هذا جواب بقدر فهم السائل، كما لا يخفي.

حكمت 287

[صفحه 408]

و قال عليه السلام: (اصدقائك ثلاثه، و اعدائك ثلاثه) اي ثلاثه اصناف (فاصدقائك) هم (صديقك) و هذا اوضح (و صديق صديقك و عدو عدوك) اذ هذان الصنفان ينفعانك بالاخره، الاول ايجابا، و الثاني سلبا (و اعدائك) هم (عدوك) و هو واضح (و عدو صديقك) لانه يضرك حيث يضر صديقك النافع لك (و صديق عدوك) لانه يضرك حيث ينصر من يضرك.

حكمت 288

[صفحه 409]

و قال عليه السلام- لرجل، رآه يسعي علي عدوله، بما فيه اضرار بنفسه- (فكان يريد ضرر عدوه، فيتضرر بنفسه): (انما انت) يا ايها الساعي (كالطاعن نفسه) اي الضارب نفسه برمح او ما اشبه (ليقتل ردفه) اي الراكب خلفه، فهو يضر نفسه، لا من خلفه.

حكمت 289

[صفحه 409]

و قال عليه السلام: (ما اكثر العبر) اي الاشياء الموجبه لعبره الانسان و اتعاضه (و اقل الاعتبار) لان الناس لا يعتبرون بها.

حكمت 290

[صفحه 409]

و قال عليه السلام: (من بالغ في الخصومه اثم) لانه يتعدي عن الحد، بالكذب و الايذاء و ما اشبه (و ما قصر فيها) بان لم يخاصم بالمقدار الذي قرره الله سبحانه، بل ترك الظالم يظلم كيف يشاء بدون ان يقف له (ظلم) لانه خلاف امر الله، بالقبض علي يد الظلالم (و لا يستطيع ان يتقي الله من خاصم) هذا لبيان صعوبه التقوي عند المخاصمه، لان الانسان اما مفرط فيها او مفرط.

حكمت 291

[صفحه 409]

و قال عليه السلام: (ما اهمن ذنب امهلت بعده حتي اصلي ركعتين) لان اقترب الي مرضاته بسبب الصلاه (و اسئل الله العافيه) اي ان يعفوني عن ذلك الذنب، و هذه الحكمه لبيان، لزوم هذا العمل بعد الذنب و انه يورث العفو و الغفران.

حكمت 292

[صفحه 410]

و سئل عليه السلام: (كيف يحاسب الله الخلق علي كثرتهم؟ (في يوم القيامه) فقال عليه السلام: (كما يرزقهم) في الدنيا (علي كثرتهم) فان الرزق و الحساب من باب واحد، فقيل له عليه السلام: كيف يحاسبهم و لا يرونه؟ فقيل له عليه السلام: كيف يحاسبهم و لا يرونه؟ فقال عليه السلام: (كما يرزقهم و لا يرونه) فان الانبياء و الائمه و الملائكه و الصالحون يتولون الحساب، كما انه سبحانه يخلق الصوت في الجو موجها الي الناس عند المحاسبه.

حكمت 293

[صفحه 410]

و قال عليه السلام: (رسولك) الي الناس في حوائجك (ترجمان عقلك) فانه يدل علي مقدار عقلك، اذ الانسان لا يرسل الا من ينتخبه و الانتخاب دال علي مقدار العقل (و كتابك ابلغ ما ينطق عنك) من الرسول، لانه لفظلك بخلاف الرسول فانه امينك.

حكمت 294

[صفحه 410]

و قال عليه السلام: (ما المبتلي الذي قد اشتد به البلاء) من مرض او فقر او خوف او محنه (باحوج الي الدعاء) لينجيه الله من بلائه (من المعافي الذي لا يامن البلاء) لان غفله هذا اشد من بلاء ذلك، فهو بحاجه الي الدعاء، ليوقظه الله سبحانه عن غفلته.

حكمت 295

[صفحه 411]

و قال عليه السلام: (الناس ابناء الدنيا) حيث ان اصلهم التراب، و نشاتهم فيها (و لا يلام الرجل، علي حب امه) و هذا لطيفه في بيان وجه حب الناس للدنيا، و السر الالفه، كما ان سر حب الام الالفه.

حكمت 296

[صفحه 411]

و قال عليه السلام: (ان المسكين رسول الله) اي ان الله سبحانه هو الذي ارسل المساكين الي الناس، ليعطوهم المال (فمن منعه) و لم يسعفه بحاجته (فقد منع الله) اذ منع الرسول، يلازم منع المرسل (و من اعطاه فقد اعطي الله) و هذا ابلغ تحريض للانفاق علي الفقراء.

حكمت 297

[صفحه 411]

و قال عليه السلام: (ما زني غيور قط) لانه غيرته تمنعه عن اقتراف مثل هذه الفعله الشنيعه.

حكمت 298

[صفحه 411]

و قال عليه السلام: (كفي بالاجل حارسا) اذ الانسان لا يموت الا في وقت موته، فوقت موته يحفظه حتي يصل اليه، كالحارس الذي يحفظه الانسان.

حكمت 299

[صفحه 411]

و قال عليه السلام: (ينام الرجل علي الثكل) اي فقد الاولاد (و لا ينام علي الحرب) اي سلب الناس لامواله، لانه يعلم في الاول، ان الامر قد انقضي و لا فائده في التفكر لارجاع الميت، اما في الثاني فانه يفكر كيف يرجع ماله، لانه يعلم بقائه (قال الرضي (ره): و معني ذلك: انه يصبر علي قتل الاولاد، و لا يصبر علي سلب الاموال.

حكمت 300

[صفحه 412]

و قال عليه السلام: (موده الاباء) اي حب بعضهم لبعض (قرابه بين الابناء) اي ان تلك الموده توجب الصله الوثيقه بين الابناء كصله القرابه، فعلي الاولاد ان يراعوها (و القرابه الي الموده احوج من الموده الي القرابه) اذ لو لا الموده بين الاقرباء لكان الهجر و قطيعه الرحم، اما الموده فتكون بين الاباعد، و لا تحتاج الي القرابه.

حكمت 301

[صفحه 412]

و قال عليه السلام: (اتقوا ظنون المومنين) اي لا تفعلوا ما يوجب سوء ظن المومنين فيكم (فان الله تعالي جعل الحق علي السنتهم) فاذا اسائوا بكم الظن دل ذلك علي انحراف في عملكم.

حكمت 302

[صفحه 412]

و قال عليه السلام: (لا يصدق ايمان عبد) بالله (حتي يكون بما في يد الله اوثق منه بما في يده) اي تكون ثقته بما عند الله من السعاده العاجله و الاجله، اشد من ثقته بما في يد نفسه، فان ذلك مقتضي معرفه الله سبحانه، و ايمان الانسان به.

حكمت 303

[صفحه 413]

و قال عليه السلام- لانس بن مالك، و قد كان بعثه الي طلحه و الزبير، لما جاء الي البصره، يذكرهما (انس) شيئا مما سمعه من رسول (ص) في معنا هما (حيث كان انس قد سمع الرسول (ص)، و هو يقول لطلحه و الزبير (انكما تحاربان عليا و انتما له ظالمان) فلوي (انس) عن ذلك فرجه اليه، فقال (انس) معتذرا عن عدم اخباره اياهما بما سمع عن الرسول) (الي انسيت ذلك الامر) (الذي قاله رسول (ص))-: (ان كنت كاذبا) بان لم تنس و انما تعتذر (فضربك الله بها) الضمير عائد الي ما يفهم من الكلام، و هي (البليه) (بيضاء لا معه) اي برصا يلمع ابيض (لا تواريها العمامه) اي لا تكون قليله، في قرب قصاص شعرك حتي تواريها و تخفيها انزال العامه علي الجبهه (قال الرضي (ره): يعني البرص فاصاب انسا، هذا الداء، فيما بعد، في وجهه، فكان لا يري الا مبرقعا).

حكمت 304

[صفحه 413]

و قال عليه السلام: (ان للقلوب اقبالا) الي العمل و الطاعه (و ادبارا) بحيث لا ترغب في العمل (فاذا اقبلت) و نشطت (فاحملوها علي النوافل) اي الامور المستحبه (و اذا ادبرت) و ملت (فاقتصروا بها علي الفرائض) و لا تجبروها علي النوافل، لتزيد ساما و ملاله.

حكمت 305

[صفحه 414]

و قال عليه السلام: (و في القرآن نباء ما قبلكم) من قصص الانبياء و الامم السابقين (و خبر ما بعدكم) من احوال القبر و القيامه و الجنه و النار (و حكم ما بينكم) من الواجب و الحرام، و فصل القضايا، و المعاملات و الميراث و ما اشبه.

حكمت 306

[صفحه 414]

و قال عليه السلام: (ردوا الحجر من حيث جاء) كنايه عن دفع الشر الي فاعله، فاذا رماكم احد بحجر، فارموه بنفس ذلك الحجر، ليقف عند حده و لا يطغي (فان الشر لا يدفعه الا الشر) تسميته شرا للمقابله، كقوله (فمن اعتدي عليكم فاعتدوا عليه).

حكمت 307

[صفحه 414]

و قال عليه السلام- لكاتبه: عبيدالله بن ابي ارفع: (الق دواتك) اي ضع فيها الليقه، و هي كالوصله فائدتها تحفظ القلم عن زوائد الحبر (و اطل) اي مد (جلفه قلمك) اي راسه الذي يكتب به، فان اطالتها توجب تدرج المداد الي الكاغذ، فلا يسيل الحبر مره واحده، و هذا في القلم الذي يعمل من القصب (و فرج بين السطور) فلا تقرب السطور بعضها الي بعض، فان التفريج يوجب حسن الخط و جماله (و قرمط) اي ضيق (بين الحروف) فان الفرجه بين حروف الجمله توجب شين الخط (فان ذلك) الذي ذكرت، اذا عملت به (اجدر بصباحه الخط) و جماله.

حكمت 308

[صفحه 415]

و قال عليه السلام: (انا يعسوب المومنين) اي قائدهم (و المال يعسوب الفجار) لانهم يتبعونه (قال الرضي (ره): و معني ذلك ان المومنين يتبعونني، و الفجار يتبعون المال، كما تتبع النحل يعسوبها، و هو رئيسها).

حكمت 309

[صفحه 415]

و قال له عليه السلام، بعض اليهود: ما دفنتم نبيكم حتي اختلفتم فيه (و انه من خليفته)؟ فقال عليه السلام: (انما اختلفتا عنه) اي الذي صدر عنه (ص) هل الوصيه بالخليفه ام لا؟ (لا فيه) لان الكل كان معترفا به (ص) (و لكنكم) اختلفتم اختلافا منكر في اصل الاصول اذ (ما جفت ارجلكم من البحر) حين خرجتم من مصر (حتي قلتم لنبيكم) موسي عليه السلام ((اجعل لنا الها كما لهم آلهه، فقال انكم قوم تجهلون)) حيث تريدون الهه مصنوعه، كما للمشركين، بدل توحيد كم لاله السماوات و الارضين!

حكمت 310

[صفحه 416]

و قال له عليه السلام: باي شي ء غلبت الاقران؟ (في الحرب) فقال عليه السلام: (ما لقيت رجلا) في الحرب عند المقاتله (الا اعانني علي نفسه) اذ انه بمجرد ما يراني يهن خوفا مني، والخوف في القرن معين الشجاع علي قتله (قال الرضي (ره): يومي بذلك الي تمكن هيبته في القلوب).

حكمت 311

[صفحه 416]

و قال عليه السلام- لابنه محمد بن الحنفيه-: (يا بني اني اخاف عليك الفقر) اي ان تفتقر (فاستعذ بالله منه) اي من الفقر (فان الفقر منقصه للدين) اي يوجب نقصه فان الفقير ربما تواضع لغير الله، او كذب، او خان، او ما اشبه، لسد خلته (مدهشه للعقل) اي يوجب دهشته و تحيره حتي لا يدري العقل ماذا يصنع؟ (داعيه للمقت) (لتا) في داعيه، للمبالغه، اي يوجب الفقر غضب الانسان، فان الفقير يتالم من كل امر و يغضب سريعا، او المراد مقت الناس له، او مقت الله اياه، اذا عمل المحرم لانجاء نفسه من ذل الفقر.

حكمت 312

[صفحه 417]

و قال عليه السلام- لسائل سئله عن معظه- (اي مشكله): (سل تفقها) اي لاجل الفهم و التعلم (و لا تسئل تعنتا) اي لاجل المجادله و الممارات- و التعنت القاء النفس في العنت اي المشقه- (فان الجاهل المتعلم شبيه بالعالم) فان كليهما في سبيل نجات (و ان العالم المتعسف) الملقي نفسه في العسف و المشقه بسبب المجادله و الرياء (شبيه بالجاهل المتعنت) لان كليهما في مشقه بدون استفاده سعاده الدنيا، او ثواب الاخره.

حكمت 313

[صفحه 417]

و قال عليه السلام- لعبد الله بن عباس، و قد اشار عليه في شي ء لم يوافق رايه عليه السلام-: (لك ان تشير علي) بما تراه صلاحا (و اري) انا هل ذلك صلاح ام لا؟ (فان عصيتك) و لم اخذ برايك (فاطعني) لا ان تترك رايي لرايك.

حكمت 314

[صفحه 418]

و روي انه عليه السلام، لما ورد الكوفه، قادما من صفين (بعد انتهاء الحرب) مربا لشباميين (حي في الكوفه) فسمع بكاء النساء علي قتلي صفين، و خرج اليه، حرب بن شر حبيل الشبامي، و كان من وجوه قومه فقال عليه السلام له: (اتغلبكم نسائكم) في البكاء قهرا عليكم و بدون رضاكم؟ (علي ما اسمع) من صوتهن (الا تنهونهن عن هذا الرنين)؟ الرنه مد الصوت في حزن او ما اشبه (و اقبل حرب، يمشي معه، و هو عليه السلام راكب، فقال عليه السلام: (ارجع فان مشي مثلك مع مثلي فتنه للوالي) اذ يوجد فيه روح الكبر، حيث ان بركابه مثل حرب الذي وجه في قومه (و مذله للمومن) الذي يمشي، لانه ينزل منزله العبيد و الخدم عند الناس.

حكمت 315

[صفحه 418]

و قال عليه السلام- و قد مر بقتلي الخوارج يوم النهروان-: (بوسا لكم) دعاء عليهم بالبوس و الفاقه من رحمه الله تعالي (لقد ضركم من غركم) و خدعكم، بان تخرجوا عن طاعه الامام (فقيل له عليه السلام: من غرهم يا اميرالمومنين؟) فقال عليه السلام: (الشيطان المضل) اي الذي يضل الانسان (و الانفس الاماره بالسوء) اي النفس التي تامر الانسان بالاعمال السيئه (غرتهم) الشيطان و الانفس (بالاماني) اي بانهم ان فعلوا العصيان وصلوا الي امنياتهم و آمالهم (و فسحت لهم بالمعاصي) اي ارتهم ان العصيان لا باس به كانه شي ء فسيح لاضيق فيه (و وعدتهم الاظهار) اي ان يظهرهم و يغلبهم علي من يقاتلهم، موسوسا في قلوبهم: قاتلوا فانكم الاعلون- قال سبحانه: (فاصبحوا ظاهرين) اي غالبين (فاقتحمت بهم النار) اي ادخلتم في جهنم.

حكمت 316

[صفحه 419]

و قال عليه السلام: (اتقوا معاصي الله في الخلوات) جمع خلوه اي اتركوا عصيانه في السر الخالي من الناس (فان الشاهد) الذي يراكم في خلواتكم (هو الحاكم) بينكم يوم القيامه، و اذا كان الحاكم لا يخفي عليه شي ء من الجريمه، لم يمكن الفرار.

حكمت 317

[صفحه 419]

و قال عليه السلام- لما بلغه قتل محمد بن ابي بكر- (علي يد معاويه عند امارته لمصر): (ان حزننا عليه) اي علي محمد (علي قدر سرورهم) اي سرور معاويه و ربعه (به) اي بقتله (الا انهم نقطوا بغيضا) اي فقدوا شخصا كانوا يبغضونه (و نقصنا حبيبا) اي شخصا كنا نحبه.

حكمت 318

[صفحه 420]

و قال عليه السلام: (العمر الدي اعذر الله فيه الي ابن آدم ستون سنه) اي ان منتهي قبول العذر هو الستون، اذ بعده تضعف القوي، و لا يتمكن الانسان ان يتدارك ما فات، غالبا، او المعني ان المعذره مقبوله الي ستين سنه، اما بعدها، فلا اذ عند ضعف القوي تكون المعصيه اشنع.

حكمت 319

[صفحه 420]

قال عليه السلام: (ما ظفر من ظفر الاثم به) اي الذي ظفر بواسطه الاثم، كان ظفره و بالا عليه، فكانه لم يظفر، اذ هذا و الظفر موجب لخساره ابديه هي دخول النار (و الغالب بالشر مغلوب) فان من غلب علي الناس بواسطه شره، مغلوب واقعا، اذ شره موجب لدخوله النار.

حكمت 320

[صفحه 420]

و قال عليه السلام: (ان الله سبحانه فرض في اموال الاغنياء اقوات الفقراء) بالخمس و الزكاه و ما اشبه (فما جاع فقير الا بما متع به غني) فان الغني اذا لم يعط حق الفقير، تصرف فيه، فمتعته انما هو بمال الفقير (و الله تعالي سائلهم عن ذلك) اي يسئل الاغنياء لماذا منعوا حق الفقرائ؟.

حكمت 321

[صفحه 421]

و قال عليه السلام: (الاستغناء عن العذر) بان لا يفعل الانسان فعلا يوجب الاعتذار (اعز من الصدق به) بان يفعل ما يوجب العذر و انكان صادقا في عذره، اذ العذر موجب لتضائل الانسان، بخلاف الذي لا ياتي بما يوجب العذر فانه في مقامه و عزه.

حكمت 322

[صفحه 421]

و قال عليه السلام: (اقل ما يلزمكم الله) اي يجب عليكم، ان تفعلوه لاجله سبحانه (ان لا تستعينوا بنعمه) عليكم (علي معاصيه) فلا تصرفوا الاعضاء و الجوارح، و الاموال، و الجاه، التي اعطاكم الله سبحانه، اياها، في العصيان و الاثم.

حكمت 323

[صفحه 421]

و قال عليه السلام: (ان الله سبحانه جعل الطاعه غنيمه الاكياس) جمع كيس، بمعني العاقل (عند تفريط العجزه) جمع عاجز، فان العقلاء يغتنمون فسحه المجال، للاتيان بالطاعه، فاذا لم يجاهد ذو المال بماله، او ذو القوه بقوته، بقي مجال الجهاد فارغا، يغتنمه الكيس، و هكذا.

حكمت 324

[صفحه 421]

و قال عليه السلام: (السلطان) المراد به الجنس و لذا جي ء له الخبر بلفظ ال(وزعه) جمعا (وزعه الله) جمع و ازع بمعني الحاكم المانع (في ارضه) فان الحاكم المسلم يمنع الناس عن الاثام و المعاصي.

حكمت 325

[صفحه 422]

و قال عليه السلام- في صفه المومن-: (المومن بشره) اي بشاشته (في وجهه) فوجهه طلق بشاش (و حزنه في قلبه) فلا يقطب وجهه عند حزن قلبه (اوسع شي ء صدرا) فلا يضيق صدره بمجرد كلمه او فعله (و اذل شي ء نفسا) لانه يري عظمه الله سبحانه فيتصاغر امام الله سبحانه (يكره الرفعه) بان يرتفع مقامه عند الناس (و يشناء السمعه) اي يبغض ان يكون له صيت عند الناس، لانه لا يريد بعمله الا الله سبحانه (طويل غمه) اي حزنه، و ذلك من جهه مستقبله اذ لا يدري ما مصيره في الاخره (بعيد همه) فانه يهتم لما بعد الموت بينما يهتم الناس لهذه الحياه فقط (كثير صمته) اي سكوته (مشغول وقته) فلا يتركه هملا بلا شغل. (شكور) لنعم الله (صبور) لبلائه (مغمور بفكرته) اي غريق في التفكر، لما يصنعه لانجاء نفسه و انجاء الناس (ضنين بخلته) اي بخيل باظهار حاجته للناس فلا يطلب منهم شيئا (سهل الخليفه) اي الطبيعه فلا عنف في اخلاقه (لين العريكه) اي النفس، لا لجاجه فيه (نفسه اصلب) في اتيان اوامر الله (من الصلد) و هو الحجر الصلب (و هو اذل من العبد) في تواضعه لله، و للناس.

حكمت 326

[صفحه 424]

و قال عليه السلام: (الغني الاكبر الياس عما في ايدي الناس) بخلاف الثروه، فان المثري ايضا محتاج الي الناس بالاكتساب و الاتجار.

حكمت 327

[صفحه 423]

و قال عليه السلام: (المسئول) اي الذي يسئل الشخص منه شيئا (حر) ان شاء اعطي و ان شاء لم يعط (حتي يعد) اذ يجب عليه الوقاء حينئذ.

حكمت 328

[صفحه 423]

و قال عليه السلام: (لو راي العبد الاجل و مصيره) اي المحل الذي يصير الانسان اليه (لابغض الامل و غروره) فانه حينذاك يعرف ان آماله و غروره، خديعه من الشيطان، و ان اللازم صرف وقته، لاخرته.

حكمت 329

[صفحه 423]

و قال عليه السلام: (لكل امرء في ماله شريكان الوارث و الحوادث) كالامراض التي توجب صرف المال، و السراق، و ما ياخذه الدوله، فالوارث ياخذ ماله بعد موته، و الحوادث تصرف ماله في حال حياته.

حكمت 330

[صفحه 423]

و قال عليه السلام: (الداعي بلا عمل) كان يدعوا الله ان يرزقه ولدا، بدون ان يتزوج، و هكذا (كالرامي بلا وتر) فان سهمه لا يصيب الهدف.

حكمت 331

[صفحه 423]

و قال عليه السلام: (العلم) اي صنفان (مطبوع) في النفس راسخ فيها (و مسموع) يسمعه الانسان، بدون رسوخ في نفسه من السابق (و لا ينفع المسموع اذا لم يكن المطبوع) اذ الانسان انما يتحرك، بما رسخ في نفسه، لا بما يسمع، و هذا تحريض علي طبع الانسان للعلوم النافعه في نفسه، حتي تظهر آثاره في الخارج.

حكمت 332

[صفحه 424]

و قال عليه السلام: (صواب الراي بالدول) اي ان الراي الصائب مقارن بدوله الانسان (يقبل) الراي الصائب (باقبالها) اي باقبال الدوله (و يذهب بذهابها) فاذا انتقلت الدوله عن احد، لم ينفعه آرائه، و لعل هذا كنايه عن تقارن الحظوظ في الاراء و الحظوظ في الخارج.

حكمت 333

[صفحه 424]

و قال عليه السلام: (العفاف زينه الفقر) فاذا كان الفقير عفيفا متوسطا في انفاذ مطالب جسده، كان ذا جمال عند الناس (و الشكر زينه الغني) فالغني اذا كان شاكرا، لسانا و قلبا و عملا، كان ذا جمال في المجتمع.

حكمت 334

[صفحه 424]

و قال عليه السلام: (يوم العدل علي الظالم) و هو يوم القيامه، الذي يعاقب الله فيه الظالمين (اشد من يوم الجور علي المظلوم) اذ الجور علي المظلوم، ليس بشده العقاب الذي يرد علي الظالم، في الاخره.

حكمت 335

[صفحه 425]

و قال عليه السلام: (الاقاويل) اي الاقوال (محفوظه) عند الله سبحانه (و السرائر) جمع سريره، بمعني الضمائر (مبلوه) اي مختبره فيبلوها الله سبحانه ليظهر ضميرها من شرها (و كل نفس بما كسبت رهينه) اي مرهونه باعمالها، فان عملت خيرا، نجت، و ان عملت شرا هلكت (و الناس منقوصون) لانه يوخذ من ابدانهم و عقولهم لدي الكبر، او المراد نقص المجموع بالموت لبعضهم (مدخولون) اي مصابون بالدخل و هو مرض العقل و القلب، بالرذائل (الا من عصم الله) اي حفظه عن الرذيله (سائلهم متعنت) اي يسئل عنتا وجد الا، لا تفهما و تعلما. (و مجيبهم متكلف) يتكلف الجواب بدون ان يكون له علم (يكاد افضلهم رايا) اي افضل الناس رايا (يرده عن فضل رايه الرضا و السخط) فاذا رضي عن احد حكم له بغير حق، و اذا سخط علي احد حكم عليه بغير حق (و يكاد اصلبهم عودا) اي اقومهم نفسا، تشبيه بالشجره الصلبه العود (تنكوه اللحظه) اي تسيل جرحه- من نكئه اذا اسال دمه- و اللحظه، اي نظره منه الي المشتهيات، و المراد به تنكئه: توجب خدشه دينه (و تستحيله الكلمه المواحده) اي تحوله عما هو عليه من الدين، كلمه واحده تقال له، او عليه، فينحو نحو الباطل.

حكمت 336

[صفحه 426]

و قال عليه السلام: (معاشر الناس) جمع معشر، بمعني: الجماعه (اتقوا الله) اي خافوه (فكم من مومل ما لا يبلغه) اي يرجوا ما لا يصل اليه (و بان) للدور و القصور (ما لا يسكنه) و لا ينتقل اليه (و جامع) للاموال (ما سوف يتركه) و لا ينتقع به (و لعله من باطل جمعه) فعليه اثمه (و من حق منعه) فلم يصرفه في المواضع المقرره في الشريعه (اصابه

حراما) اي نال ذلك المال من الحرام (و احتمل به اثاما) اي ذنوبا و معاصي (فباء) اي رجع الي الاخره (بوزره) اي مع ذنب ذلك المال المحرم (و قدم علي ربه اسفا) ياسف لما فات (لاهفا) يلهف و يحزن علي ما مضي من الدنيا بدون ان يقدم فيه عملا صالحا (قد خسر الدنيا) حيث فنت (و الاخره) حيث لم يعمل لها (ذلك هو الخسران المبين) اي الواضح.

حكمت 337

[صفحه 426]

و قال عليه السلام: (من العصمه تعذر المعاصي)، لان الانسان اذا تعذرت عليه المعصيه يعتصم، و لا يرتكب فيبقي سالما.

حكمت 338

[صفحه 426]

و قال عليه السلام: (ماء وجهك جامد) المراد بماء الوجه عز الانسان و شرفه و جاهد عند الناس (يقطره السوال) اي يوجب نزوله، و ذهاب عزك (فانظر عند من تقطره) و تصبه، هل عند انسان لا يقدرك، ام عند من يحترمك؟.

حكمت 339

[صفحه 427]

و قال عليه السلام: (الثناء باكثر من الاستحقاق ملق) اي اذا مدحت احدا باكثر من استحقاقه، فقد تملقته، و ذلك ليس مدحا، بل اعتباطا (و التقصير عن الاستحقاق) بان مدحت دون الاستحقاق (عي) اي عجز (او حسد) لمقام الممدوح، فلا تريد ان تمدحه حسدا.

حكمت 340

[صفحه 427]

و قال عليه السلام: (اشد الذنوب) اثما و عقابا (ما استهان به صاحبه) بان يعتبره هينا و سهلا.

حكمت 341

[صفحه 427]

و قال عليه السلام: (من نظر في عيب نفسه اشتغل عن عيب غيره) فلا يصيب غيره، اذ الانسان اذا عرف نفسه كاملا، اخذ في عيب الناس، و لا يعيب من هو مثل في العيب (و من رضي برزق الله لم يحزن علي ما فاته) من الدنيا، لانه راض بما قسم الله له (و من سل) اي جر من الغلاف (سيف البغي) اي الظلم علي الناس (قتل به) اي بسبب ذلك السيف، فان القاتل لابد و ان يقتل ليري عقاب قتله في دنياه قبل الاخره. (و من كابد الامور) اي قاسي الامور بدون اعداد اسبابها (عطب) اي هلك (و من اقتحم اللجج) اي دخل في لجج جمع لجه وسط البحر (غرق) و لم ينج لانه القاء للنفس في المهلكه (و من دخل مداخل السوء) اي في محلات السوء (اتهم) اي اتهمه الناس بانه من اهل السوء (و من كثر كلامه كثر خطائه) فمن الاحسن ان يقل الانسان الكلام تحفظ علي نفسه من الخطاء (و من كثر خطاه قل حيائه) اذ الحياء يذهب بتكرر الخطاء فلا يخجل من الناس اذا اخطاء. (و من قل حيائه قل ورعه) من الله، اذ الحياء يوجب الخجل منه سبحانه فلا يعصي المستحيي (و من قل ورعه مات قلبه) فان حياه القلب كونه بحيث يوثر الاثار النافعه، و الذي لم يستح من الله لا يكون هكذا (و من مات قلبه دخل النار) لعدم اتيانه ب

الاعمال الصالحه (و من نظر في عيوب الناس فانكرها) و تعجب منها (ثم رضيها) اي رضي مثل تلك العيوب لنفسه

(فذلك الاحمق بعينه) لان الاحمق لا ميزان لرضاه عن الاشياء فيرضي الشي ء هنا و لا يرضي نفس الشي ء في مكان آخر، بخلاف العاقل الذي كل شي ء له بميزان. (و القناعه مال لا ينفد) اذ مال الانسان ينفد مهما كان، اما القناعه فهي باعثه دائمه علي صيانه الانسان (و من اكثر من ذكر الموت رضي من الدنيا باليسير) لانه يزهد في الدنيا، فلا يريدها، حيث يعلم بالموت (و من علم ان كلامه من عمله قل كلامه الا فيما يعنيه) اي يقصده و يريده، و لا يهذر بالكلام، لانه يعلم ان الكلام محسوب عليه ان تكلم شرا عوقب به.

حكمت 342

[صفحه 429]

و قال عليه السلام: (للظالم من الرجال ثلاث علامات) يعرف بها انه ظالم (يظلم من فوقه) ممن تجب اطاعته (بالمعصيه) فلا يعطيع اوامره و نواهيه (و من دونه بالغلبه) اي يقهره و يتسلط عليه بلا حق (و يظاهر القوم الظلمه) جمع ظالم، اي يكون ظهيرا الهم في الظلم.

حكمت 343

[صفحه 429]

و قال عليه السلام: (عند تناهي الشده) اي وصول الشده الي نهايتها (تكون الفرجه) اي الفرج (و عند تضايق حلق البلاء) اي وصول الشده الي نهايتها (تكون الفرجه) اي الفرج (و عند تضايق حلق البلاء) كان البلاء حلقه تحيط بالانسان، فاذا تضايقت (يكون الرخاء) و السعه.

حكمت 344

[صفحه 429]

و قال عليه السلام- لبعض اصحابه-: (لا تجعلن اكثر شغلك باهلك و ولدك) بان تشتغل بهم كثيرا (فان يكن اهلك و ولدك اولياء الله) و احبائه (فان الله لا يضيع اوليائه) بل يرعاهم (و ان يكونوا اعداء الله، فما همك و شغلك باعداء الله)؟ فاللازم ان تشتغل بهم بقدر الوجب عليك، و تجعل بقيه وقتك لنفسك.

حكمت 345

[صفحه 430]

و قال عليه السلام: (اكبر العيب ان تعيب) الناس ب (ما فيك مثله) كان تعيبهم باغتيابهم، او بخلهم، و انت بخيل، و تغتاب الناس.

حكمت 346

[صفحه 430]

و هناء بحضرته عليه السلام رجل رجلا بغلام ولد له، فقال له: (ليهنئك الفارس) اي يكون هنيئا لك هذا الولد الفارس- تفاولا بان يكون شجاعا- فقال عليه السلام: (لا تقل ذلك) لانه لا معني له و لا اجر (و لكن قل: شكرت الواهب) اخبار بمعني الانشاء اي اشكر الواهب تعالي الذي وهب لك هذا الغلام (و بورك لك في الموهوب) اي ليكن الولد مباركا، اي مستمرا في الخير (و بلغ اشده) اي كما له، دعاء علي بقائه حتي يكمل (و رزقت بره) و احسانه اليك.

حكمت 347

[صفحه 430]

و بني رجل من عماله- اي ولاه الامام- بنائا فخما- اي ضخما عظيما- فقال له عليه السلام: (اطلعت الورق روسها) الورق الفضه اي الفضه الموجوده عندك اظهرت روسها، كنايه عن ظهورها بسبب هذا البناء الذي بنيت (ان البناء يصف لك الغني) اذ لو لا غناك لم تقدر علي البناء.

حكمت 348

[صفحه 431]

و قال عليه السلام: (لو سد علي رجل باب بيته، و ترك فيه، من اين كان ياتيه رزقه؟ فقال عليه السلام: (من حيث ياتيه اجله) فلو كان رزقه في الدنيا لهبي ء الله له وسيله لوصول الرزق اليه، فان باعث الاجل، هو باعث الرزق، و لا يحجه باب و جدار.

حكمت 349

[صفحه 431]

و عزي عليه السلام، قوما عن ميت مات لهم، فقال عليه السلام: (ان هذا الامر) و هو موت قريبكم (ليس لكم بدء) اذ سبق ان مات من غيركم (و لا اليكم النتهي) اذ يموت الناس بعد ميتكم (و قد كان صاحبكم هذا) الذي ملت (يسافر، فعدوه في بعض اسفاره) الان، بعد ان مات (فان قدم عليكم) و رجع من سفر الاخره، فهو (و الا) يقدم هم عليكم (قدمتم) انتم (عليه) حيث موتكم.

حكمت 350

[صفحه 431]

و قال عليه السلام: (ايها الناس، ليركم الله من النعمه وجلين) اي اللازم ان يراكم سبحانه خائفين من نعمه، من جهه احتمال ان تكون النعمه استدارجا (كما يراكم من النقمه) اي البليه (فرقين) اي خائفين فزعين ثم بين الامام سبب وجوب الخوف من النعمه بقوله: (انه من وسع عليه في ذات يده) من نعم الله سبحانه (فلم ير ذلك استدارجا) اي لم يحتمل ان يكون اعطائه تعالي، لاخذه درجه درجه الي العذاب (فقد امن مخوفا) اي ما يجب الخوف منه (و من ضيق عليه في ذات يده) اي النعمه التي انعمها الله عليه (فلم ير ذلك اختبارا) و امتحانا موجبا للثواب (فقد ضيع ما مولا) اي ضيع الثواب الذي هو مامول في مثل تلك الحاله.

حكمت 351

[صفحه 432]

و قال عليه السلام: (يا اسري الرغبه) جمع اسير، اي ايها الاسراء في ايدي رغباتكم، ترغبون كل يوم شيئا (اقصروا) اي كفرا عن رغباتكم (فان المعرج علي الدنيا) اي المعول علي الدنيا (لا يروعه منها) اي لا يفزعه من الدنيا (الا صريف انياب الحدثان) الصريف صوت الاسنان عند الاصطكاك اي اصطكاك انياب النوائب، فانها هي التي تروعه و تفزعه، و المعني لا تكونوا هكذا بل خافوا عواقب الدنيا، قبل ان تنزل بكم الاحداث (ايها الناس تولوا من انفسكم تاديبها) اي ادبوها انتم بانفسكم (و اعدلوا بها) اي اصرفوا انفسكم (عن ضراوه) اي اضرار (عاداتها) حتي لا تحتاجوا الي مودب و صارف غيركم، و الا ادبكم الزمان، و صرفكم الموت حيث لا يفيد.

حكمت 352

[صفحه 433]

و قال عليه السلام: (لا تظنن بكلمه خرجت من) لسان (احد سوئا، و) الحال (انت تجد لها في الخير محتملا) اي احتمالا فان قال كلمه لم تعلم انها سب او كلام عادي، فلا تحملها علي السب، و هكذا، و هذا من مصاديق حمل فعل المسلم علي الصحيح.

حكمت 353

[صفحه 433]

و قال عليه السلام: (اذا كانت لك الي الله سبحانه حاجه) فتريد طلبها منه تعالي (فابد بمسئله الصلاه علي رسوله (ص)) اي تطلب من الله ان يصلي علي رسوله بقولك (اللهم صل علي محمد و آل محمد) (ثم سل حاجتك) بعد الصلوات (فان الله اكرم من ان يسئل حاجتين) الصلاه علي الرسول، و حاجتك (فيقضي احدهما) و هي اصلاه (و يمنع الاخري) و هي حاجتك، كما انه لا يرد الصلاه، فلابد و ان يقضيهما.

حكمت 354

[صفحه 433]

و قال عليه السلام: (من ضن) اي بخل (بعرضه) و هو ما يهم الانسان من نفسه و اهله و ما اشبه (فليدع المراء) اي يبرك الجدال اذا الجدال يوجب غضب الطرف، فينال عرض الانسان، في حضوره او في غيبه.

حكمت 355

[صفحه 433]

و قال عليه السلام: (من الخرق) اي الحمق، ضد الرفق (المعاجله قبل الامكان) اي ان يتعجل الانسان بالشي ء قبل ان يتمكن منه (و الاناه) اي التاني (بعد الفرصه) بان يتمكن فلا يعمل، و يتاني.

حكمت 356

[صفحه 434]

و قال عليه السلام: (لا تسئل عما لا يكون) اي لا تطلب الامور البعيده (ففي الذي قد كان) و تمكن منه (لك شغل) فاشتغل به.

حكمت 357

[صفحه 434]

و قال عليه السلام: (الفكر) في الامور (مرآت صافيه) عن الكدورات فانه يري الانسان وجه الصواب (و الاعتبار) اي الاتعاظ بما جري علي السابقين (منذر) للانسان عما لا ينبغي فعله (ناصح) اي ينصح الانسان و لا يغشه و لا يكذبه (و كفي ادبا لنفسك) ان اردت التادب (تجنبك ما كرهته لغيرك) فما رايته في غيرك قبيحا، اجتنبه، فانه احسن كيفيه لتاديب النفس.

حكمت 358

[صفحه 434]

و قال عليه السلام: (العلم مقرون بالعمل) اي انهما امران مقترنان (فمن علم عمل) اذ لو لم يعمل ظهر انه لم يعلم حق العلم و انما عرف شيئا سطحيا (و العلم يهتف بالعمل) اي يناديه ان يجي ء (فان اجابه) العمل، بقي (و الا ارتحل) العلم، اي ذهب (عنه) اي عن الذي لم يعمل، كالعالم بوجود الاسد خلفه، فانه لابد و ان يغر، فان لم يغر دل علي انه لا يعلم.

حكمت 359

[صفحه 435]

و قال عليه السلام: (يا ايها الناس متاع الدنيا) اي ما تتمتع الانسان به في الدنيا (حطام) هو ما يتكسر من النبات اليابس، اي ان قيمه متاع الدنيا قيمه الحطام (موبي) اي ذو وباء مهلك (فتجنبوا مرعاه) اي اجتنبوا محل رعي هذا النبات (قلعتها) القلعه عدم سكونك للتوطن، اي عدم سكونك الي الدنيا (اخطي) اي اسعد (من طمانينتها) اي الاطمينان اليها (و بلغتها) اي مقدار ما يتبلغ به الانسان من القوت (ازكي) و احسن (من ثروتها) الكثيره (حكم) في القدر الا لهي (في مكثي) من الدنيا (بالفاقه) و الفقر. (و اعين علي من غني عنها بالراحه) اي ان الغني عن الدنيا في راحه تامه، فقد اعانه الله بالراحه و عدم التعب (و من راقه) اي اعجبه (زبرجها) اي زينه الدنيا (اعقبت) الدنيا (ناظريه كمها) الكمه: العمي، اي اعمت الدنيا عينيه عن الحق (و من استشعر الشغف بها) اي من ولع في قلبه الحب للدنيا (ملات) الدنيا (ضميره) و باطنه (اشجانا) اي احزانا، بخلاف من لا يريدها فانه خال عن الهموم. (لهن) اي اللاشجان (رقص) اي وثوب (علي سويداء قلبه) اي حبه القلب، و مركزه فله (هم يشغله) لنيل بعض الاماني (و هم يحزنه) لفوات بعض

الاماني (كذلك) حاله (حتي يوخذ بكظمه) اي مخرج ن

فسه، كنايه عن خنق الموت له (فيلقي بالفضاء) اي يطرح روحه في فضاء العدم (منقطعا ابهراه) الابهر وريد العنق، و الابهران الوريد ان، و انقطاعهما كنايه عن الهلاك (هينا علي الله فنائه) اذ لا يهدم به ركن من اركان الدين (و علي الاخوان القائه) اي طرحه في قبره، لعدم اهميه له عندهم. (و انما ينظر المومن الي الدنيا بعين الاعتبار) ليعتبر بها فيهبي نفسه للاخره (و يقتات منها) اي ياكل قوته من الدنيا (ببطن الاضطرار) اي كما ياكل المضطر، بقدر الضروره، لا بقدر الشبع (و يسمع فيها باذن المقت) اي الغضب، لان من يغضب علي شي ء يمقت حتي الاستماع اليه (و الابغاض) لها (ان قيل اثري) فلان، اي صارت له ثروه، لم يمر زمان حتي (قيل اكدي) اي افتقر، و هذا وصف لحال الدنيا و تقلبها (و ان فرح له) اي فرح الناس له (بالبقاء) حين كان حيا (حزن له بالفناء) و الموت بعد مده (هذا) حال الانسان في الدنيا (و لم ياتهم) بعد (يوم فيه يبلسون) اي يتحيرون، و هو يوم القيامه.

حكمت 360

[صفحه 437]

و قال عليه السلام: (ان الله سبحانه وضع الثواب علي طاعته) فمن اطاعه اثابه (و العقاب علي معصيته) فمن عصاه عاقبه (ذياده لعباده) اي منعا لهم عن المعاصي، من زاده بمعني طرده (و حياشه لهم الي جنته) من حاش الصيد، اذا جائه من حواليه ليسوقه الي الحباله، اي سوقا لهم الي جنته.

حكمت 361

[صفحه 437]

و قال عليه السلام- و كانه يصف زماننا هذا-: (ياتي علي الناس زمان لا يبقي فيهم من القرآن الا رسمه) اي خطه، اذ لا يعملون به (و لا من الاسلام الا اسمه) فهم مسلمون بالاسم لا بالعمل (مساجدهم يومئذ) اي في ذلك الزمان (عامره من البناء) بالجص و الاجر و ما اشبه (خراب من الهدي) اذ الهدايه فيها قليله، و هذا ليس ذما للعماره و انما للخراب (سكانها و عمارها) اي من يسكن في تلك المساجد للصلاه و ما اشبه، و من يعمرها (شر اهل الارض) لانهم يرائون باعمالهم (منهم تخرج الفتنه) لانهم يوجبون اضلال الناس بالاهمال لاحكام الله سبحانه، كالامر بالمعروف و النهي عن المنكر و ما اشبه. (و اليهم تاوي) و ترجع (الخطيئه) اي خطايا اعمال الناس، لانهم السبب في خطائهم بترك الارشاد و الامر و النهي (يردون من شذ) و ابتعد (عنها) اي عن الفتنه (فيها) اي في الفتنه، لادخالهم الناس في ضلالاتهم (و يسوقون من تاخر عنها) اي عن الفتنه (اليها) لانهم يرون انفسهم المثال الكامل للايمان، فمن لم يلحق بهم ساقوه حتي يلتحق بهم (يقول الله سبحانه في) اي بنفسي (حلفت، لابعثن) اي ارسلن (علي اولئك فتنه تترك الحليم فيها) اي في تلك الفتنه (حيران) لا يعلم كيف المخرج منها،

مع حلمه و تانيه في الادراك و الفهم (و

قد فعل) اي يفعله سبحانه قطعا (و نحن نستقيل الله) اي نطلب منه سبحانه ان يعفو عنا (عثره الغفله) اي السقوط في الغفله.

حكمت 362

[صفحه 438]

و روي انه عليه السلام- قلما اعتدل به المنبر- (اي اعتدل علي المنبر) الا قال امام الخطبه (كالحمد و الصلاه): (ايها الناس اتقوا الله) خافوا عقابه، فلا تفعلوا ما يغضبه (فما خلق امرء عبثا) اي بلا غايه و مقصد (فيلهو) و يلعب (و لا ترك) امرء (سدي) اي بلا امر و نهي و رقابه (فيلغو) اي ياتي باللغو (و ما دنياه التي تحسنت له) اي تزينت (بخلف) و عرض (من الاخره التي قبحها) اي قبح الاخره (سوء النظر عنده) فان سوء نظر الانسان الي الاخره و عدم اعتباره بها، قبح الاخره في نظر الانسان، و لذا لا يريد الموت و يفر من الاخره (و ما المغرور الذي ظفر من الدنيا باعلي همته) بان وصل الي ما يريد من نعيم الدنيا و لذائذها (كالاخر الذي ظفر من الاخره بادني سهمته) السهمه النصيب، فان افل قليل من الاخره خير من اكثر كثير من الدنيا، فاللازم علي الانسان ان يجتهد لتحصيل الاخره.

حكمت 363

[صفحه 439]

و قال عليه السلام: (لا شرف اعلي من الاسلام) فالاسلام فوق كل شرف (و لا عزاعز من التقوي) فالخوف من الله تعالي فوق كل عز (و لا معقل) اي لا ملجاء للانسان يومنه من المخاوف (احسن من الورع) و الاجتناب عن المعاصي (و لا شفيع انجح من التوبه) اذ التوبه ناجحه قطعا، و سائر الشفعاء محتملوا النجاح (و لا كنز اغني من القناعه) اذ التوبه ناجحه قطعا، و سائر الشفعاء محتملوا النجاح (و لا كنز اغني من القناعه) اذ القناعه توجب الغني الدائم بخلاف الكنز اذ كثيرا ما ينفد (و لا مال اذهب للفاقه من الرضا بالقوت) فمن رضي بقوته لم يكن فقيرا (و من اقتصر

علي بلغه الكفاف) اي علي الكفاف الذي يبلغه مقدار حاجته من العيش (فقد انتظم الراحه) اي ظفر بالراحه، يقال انتظمه بالرمح اي انفذه فيه (و تبوء) اي اتخذ المحل في (خفض الدعه) اي راحه سعه العيش. (و الرغبه) في الاشياء (مفتاح النصب) اي التعب، اذ من رغب في شي ء ثعب لاجل تحصيله (و مطيه التعب) كان التعب يركب علي الرغبه و ياتي الي الانسان الراغب (و الحرص و الكبر و الحسد دواع) اي كل واحد يدعو (الي التقحم) و الدخول (في الذنوب) و الاثام (و الشر جامع مساوي العيوب) فان الانسان ذا الشي ء يفعل كل معص

يه من الايذاء و الظلم و القطيعه و العقوق و القتل و ما اشبه، فهو يجمع جميع قبائح سائر العيوب و الموبقات، و لذا يجب علي الانسان ان يتجنب الشر بكل قواه.

حكمت 364

[صفحه 440]

و قال عليه السلام- لجابر بن عبدالله الانصاري-: (يا جابر، قوام الدين و الدنيا باربعه) اصناف من الناس، حتي لو لا هولاء لم تنتظمه امور الدين، و لا امور الدنيا، الاول (عالم مستعمل علمه) بان يعلم ثم يعمل (و) الثاني) (جاهل لا يستنكف) اي لا يتكبر (ان يتعلم) العلم (و) الثالث (جواد لا يبخل بمعروفه) بان يعين الناس و ينفق في القربات (و) الرابع (فقير لا يبيع آخرته بدنياه) بان يفعل الحرام التحصيل المال، و انما كان هولاء قوام الدارين، لان قوام الدنيا بالعلماء و اتباعهم، و الصنف الاول هم الرعيل الاول، و الاصناف الثلاثه اتباع لهم اذا عملوا بالشرائط المذكوره، و انما ذكر الجاهل لان العلماء اتباع لهم اذا عملوا بالشرائط المذكوره، و انما ذكر الجاهل لان العلماء لا يبقون فاللازم ان يكون هناك جهال يتعلمون العلم

للاجيال اللاحقه و هكذا، و هكذا قوام الدنيا فانه بالمشي في سنن الشرع، و ذلك يعرف بالعلماء، و الجهال الذين يتعلمون حتي يصبحوا بدورهم علماء. ثم المعاش بحاجه الي اغنياء منهم المال، و فقراء منهم العمل، اذ لو كان الكل فقراء لا تدار الامور المحتاجه الي المال، و لو كان الكل اغنياء لم يكن يعمل احد الاعمال السفلي، فيتوقف

النظام (فاذا ضيع العالم علمه) بان لم يعمل بمقتضاه (استنكف الجاهل ان يتعلم) لانه يري المشقه في تحصيل العلم، و عدم الفائده فيه (و اذا بخل الغني بمعروفه باع الفقير آخرته بدنياه) اذ يفعل الاعمال المحرمه كالسرقه و الخيانه لتحصيل المال، فلا تبقي للناس دنيا، و لا دين. (يا جابر، من كثرت نعم الله عليه) بالمال و الجاه و العلم و القوه و ما اشبه (كثرت حوائج الناس اليه) لان الناس محتاجون الي النعم المجتمعه عنده (فمن قام، لله، فيها) اي في النعم (بما يجب فيها) من اعطاء حقوق الله، و قضاء حوائج الناس (عرضها) اي جعل نعمه في معرض البقاء (للدوام و البقاء) قال سبحانه: (لئن شكرتم لازيدنكم) (و من لم يقم فيها بما يجب عرضها للزوال و الفناء) قال سبحانه (و لئن كفرتم ان عذابي لشديد).

حكمت 365

[صفحه 442]

و روي ابن جرير الطبري في تاريخه، عن عبدالرحمان بن ابي ليلي الفقيه- و كان ممن خرج لقتال الحجاج مع ابن الاشعث- انه قال فيما كان يحض به الناس علي الجهاد: اني سمعت عليا عليه السلام يقول، يوم لقينا اهل الشام: (ايها المومنون، انه من راي عدوانا) اي تعديا عن الحق (يعمل به) اي يعمل به الظالمون (و منكرا) في الشريعه (يدعي اليه) اي يدعو اهل الباطل اليه (فانكره بقلبه فقد سلم)

من العقاب (و بري) عن الاثم، اذا كان منتهي قدرته ذلك (و من انكره بلسانه فقد اجر) اي اعطاه الله الاجر (و هو افضل من صاحبه) لانه انكر المنكر. (و من انكره بالسيف) بان حارب فاعل المنكر- فيما اذا قدر علي ذلك- (لتكون كلمه الله هي العليا) اي يكون حكم الله سائدا في البلاد (و كلمه الظالمين) اي حكمهم المخالف لحكم الله (هي السفلي) الممحوقه (فذلك) الانسان هو (الذي اصاب سبيل الهدي) اي وصل اليه (و قام) اي استقام (علي الطريق) الموجب للوصول الي السعاده الابديه (و نور) اي ظهر (في قلبه اليقين) الحقيقي بالمبدء و المعاد.

حكمت 366

[صفحه 443]

و في كلام آخر له عليه السلام، يجري هذا المجري (في التحريص علي انكار المنكر) (فمنهم) اي من الناس (المنكر للمنكر بيده و لسانه و قلبه) فهو لا يرضي قلبا بالمنكر، و ينهي لسانا عنه، و يحاربه باليد، اذا لم ينفع اللسان (فذلك) الانسان هو (المستكمل لخصال الخير) لانه انكر بكل قواه (و منهم المنكر بلسانه و قلبه، و التارك) للانكار (بيده فذلك متمسك بخصلتين من خصال الخير) الانكار باللسان و بالقلب (و مضيع خطه) واحده، هي الانكار باليد. (و منهم المنكر بقلبه) فقط (و التارك) للانكار (بيده و لسانه) فلا يقول و لا يعمل (فذلك الذي ضيع اشرف الخصلتين) اي الخصلتين اللتين هما اشرف من الخصله الثالثه (من الثلاث) الخصال (و تمسك بواحده) فقط هي الانكار القلبي (و منهم تارك لانكار المنكر بلسانه و قلبه و يده فذلك) الانسان هو (ميت الاحياء) اذ هو كالميت في عدم الفائده في وجوده (و ما اعمال البر كلها و الجهاد في سبيل الله عند الامر بالمعروف و النهي عن المنكر

الا كنفثه) هي ما يمازج النفس من ذرات الريق (في بحر لجي) اي كثير المياه متلاطمه، و ذلك لان بهذين يبقي الدين مستمرا بينما اعمال البر كلها تترتب عليهما، و الجهاد لو لا هما يذهب هدرا.

(و ان الامر بالمعروف و النهي عن المنكر لا يقربان من اجل) فلا يزعم احد انه لو امر و نهي قتل قبل وقت اجله (و لا ينقصان من رزق) فيزعم احد انه لوامر و نهي لم ياتيه المقدار المقدر له من الرزق لانصراف الناس عنه (و افضل من ذلك كله) اي من مطلق الامر و النهي (كلمه عدل) يقولها الشخص (عند امام جائر) لصرفه عن جوره، و ارشاده الي الصراط المستقيم.

حكمت 367

[صفحه 444]

و عن ابي جحيفه، قال سمعت اميرالمومنين عليه السلام يقول (اول ما تغلبون عليه من الجهاد) فلا تتمكنون من الاتيان به لغلبه الظالمين عليكم (الجهاد بايديكم) فيمنعونكم من الحرب مع اهل الكفر و الفسق (ثم بالسنتكم فلا يدعونكم تتكلمون بالحق امرا و نهيا و ارشادا (ثم بقلوبكم) اذ يصرفونكم عن المعروف و يحثونكم عن المنكر، حتي لا تنكروا منكرا، و لا تعرفوا معروفا- كما صار في زماننا هذا- (فمن لم يعرف بقلبه معروفا و لم ينكر) بقلبه (منكرا قلب) اي نكس قلبه (فجعل اعلاه اسفله و اسفله اعلاه) كنايه عن تبدل حاله القلب الي الضد، مما لا ياتي منه الخير.

حكمت 368

[صفحه 445]

و قال عليه السلام: (ان الحق ثقيل مري ء) اي حميد العاقبه هني ء آخره (و ان الباطل خفيف وبي ء) اي وخيم العاقبه، من الوباء و هو المرض.

حكمت 369

[صفحه 445]

و قال عليه السلام: (لا تامنن علي خير هذه الامه عذاب الله) بل احتمل ان ياتي العذاب حتي علي الاخيار (لقوله تعالي: (فلا يامن مكر الله الا القوم الخاسرون)) و مكر الله: علاجه الامر، اذ من المحتمل ان ينقلب الخير شريرا بسبب فتنه مفاجئه، فيعذ به الله سبحانه (و لا تياسن لشر هذه الامه من روح الله) اي رحمته الموجبه للسعه (لقوله تعالي: (انه لا يياس من روح الله الا القوم الكافرون)) اذ ربما تهب نسيم رحمه فينقلع الشرير من شره، و يشمله عطفه و لطفه سبحانه.

حكمت 370

[صفحه 446]

و قال عليه السلام: (البخل جامع لمساوي العيوب) لانه يوجب المنع عن الزكاه و الخمس و الصدقه و الايثار و المساوات و المواسات و ما اشبه (و هو زمام يقاد به الي كل سوء) فيقطع الانسان رحمه- و يعق ابويه، و يهمل عياله، و يترك الفقير يموت جوعا، الي غير ذلك من المساوي.

حكمت 371

[صفحه 446]

و قال عليه السلام: (الرزق رزقان) اي صنفان من الرزق (رزق تطلبه) و ليس لك (و رزق يطلبك) قد قدره الله سبحانه لك (فان لم تاته) و لم تذهب اليه (اتاك) حتي يصل اليك، و اذ كان الرزق كذلك فما وجه الهم للرزق (فلا تحمل هم سنتك علي هم يومك) اذ للسنه رزق ياتي تدريجا (كفاك كل يوم علي ما فيه) قدر لك من الرزق (فان تكن السنه من عمرك فان الله تعالي سيوتيك) اي يرسل اليك (في كل غد جديد ما قسم لك) من الرزق (و ان لم تكن السنه من عمرك فما تصنع بالهم لما ليس لك)؟ و لماذا تهتم برزقه من الان؟. (و لن يسبقك الي رزقك) المقدر لك (طالب) يطلب الرزق (و لن يغلبك عليه) اي علي رزقك (غالب) بان يخرجه من قسمتك بالقوه (و لن يبطي عنك) اي لن يتاخر (ما قد قدر لك) من الرزق، و هذا كله للنهي عن الحرص و الجشع، لا للنهي عن تحصيل الرزق كما امر الله سبحانه (لا جناح عليكم ان تبتغوا فضلا من ربكم) (فانتشروا في الارض و ابتغوا من فضل الله). (قال الرضي (ره): و قد مضي هذا الكلام فيما تقدم من هذا الباب، الا انه ههنا اوضح و اشرح، فلذلك كررناه علي القاعده المقرره في اول الكتاب).

حكمت 372

[صفحه 447]

و قال عليه السلام: (رب مستقبل يوما ليس بمستدبره) اذ ينتهي عمره في ذلك اليوم فهو يستقبل ذلك اليوم، و لا يخرج عن ذلك اليوم، حتي يكون مستدبرا له، بل يموت في اثنائه (و) رب (مغبوط) يغبطه الناس علي مقامه و ماله (في اول ليله قامت بواكيه) جمع باكيه اي النساء اللاتي يبكين لموته

(في الاخره) لانه مات في وسط الليل.

حكمت 373

[صفحه 447]

و قال عليه السلام: (الكلام في وثاقك) اي مشدود بحبلك و انك ما لك له تتمكن من اطلاقه و عدم اطلاقه (ما لم تتكلم به) و لم يخرج من لسانك (فاذا تكلمت به صرت في وثاقه) لانك ملزوم به معاقب عليه انكان شرا (فاحزن) اي احفظ (لسانك كما تخزن ذهبك و ورقك) الورق: الفضه (فرب كلمه) قالها الشخص (سلب نعمه و جلبت نقمه) اي بليه و مصيبه.

حكمت 374

[صفحه 448]

و قال عليه السلام: (لا تقل ما لا تعلم) فانه كذب و منقصه (بل، لا تقل كل ما تعلم) اذ التكلم ببعض المعلومات يوجب نقصا و شنعه (فان الله فرض علي جوارحك) جمع جارحه، بمعني العضو (كلها، فرائض يحتج بها عليك يوم القيامه) فان تكلمت بما هو محرم، كالغيبه الصادقه، و التنقيص الصادق، و ما اشبه كان كلامك و بالا عليك، و موجبا لعقوبتك في الاخره.

حكمت 375

[صفحه 448]

و قال عليه السلام: (احذر ان يراك الله عند معصيته) اي في محل نهاك عنه، نحو مكان الزنا، و مكان الاغتياب، و ما اشبه (و يفقدك عند طاعته) كوقت الصلاه، و اشهر الحج في المواطن، و هكذا (فتكون من الخاسرين) الذين خسروا السعاده الابديه (و اذا قويت) اي صارت لك قوه (فاقو علي طاعه الله) اي اصرف قوتك في الطاعه (و اذا ضعف) بان تريد الضعف عن شي ء و عدم الاتيان به (فاضعف عن معصيه الله) و لا تات بها.

حكمت 376

[صفحه 449]

و قال عليه السلام: (الركون) اي الاعتماد (علي الدنيا، مع تعاين) و تشاهد (منها) من انواع التقلبات (جهل) فاذا كنت قويا، او ذا مال و جاه و نحو ذلك فلا تعتمد علي شي ء من ذلك بل كن دائم الحذر، و اعمل عمل الخائف من ذهاب كل ذلك من يدك (و التقصير في حسن العمل) بان لا تحسن عملك (اذا وثقت) و عملت (بالثواب عليه) اي علي العمل الحسن (غبن) و خساره (و الطمانينه) اي الاطمينان و الوثوق (الي كل احد قبل الاختبار) و الامتحان له (عجز) اذ ذلك يكشف عن ان الانسان عاجز عن الاختبار و الامتحان.

حكمت 377

[صفحه 449]

و قال عليه السلام: (من هو ان الدنيا علي الله انه لا يعصي) الله (الا فيها) و من المعلوم ان المحل الذي يعصي فيه الشخص، هين لا قيمه له عند ذلك الشخص (و لا ينال ما عنده) من الكرامه و الثوب (الا بتركها) اي ترك الدنيا و لذائذها.

حكمت 378

[صفحه 451]

و قال عليه السلام: (من ابطا به عمله) بان لم يقدمه عمله الي صفوف السابقين (لم يسرع به نسبه) اذ النسب الرفيع لا يجعل الانسان في رعيل الاشراف و الصالحين (في روايه اخري) (من فاته حسب نفسه) الحسب ما يحصله الانسان من الكمالات (لم ينفعه حسب آبائه) في ترفيعه و تشريفه.

حكمت 379

[صفحه 450]

و قال عليه السلام: (من طلب شيئا ناله) تماما (او) نال (بعضه) و هذا غالي، لا دائمي، كما لا يخفي.

حكمت 380

[صفحه 450]

و قال عليه السلام: (ما خير بخير بعده النار) اي ليس الشي ء الذي يوجب دخول النار خيرا، و ان سمي خيرا، و يحتمل ان يكون (ما) استفهاميه للانكار (و ما شر بشر بعده الجنه) فان التعب الذي يوجب الجنه ليس شرا، و ان سمي شرا (و كل نعيم دون الجنه) اي باستثناء نعيم الجنه (فهو محقور) ضئيل (و كل بلاء دون النار عافيه) اذ هي بالنسبه الي جميع انواع البلاء اشد و امر، حتي كان البلاء عافيه بالنسبه اليها.

حكمت 381

[صفحه 450]

و قال عليه السلام: (الا و ان من البلاء الفاقه) اي الفقر (و اشد من الفاقه) بلائا (مرض البدن و اشد من مرض البدن مرض القلب) بالرذائل كالحسد و الغل و الرياء و ما اشبه (الا و ان النعم سعه المال) و الغني (و افضل من سعه المال صحه البدن) و سلامته من الامراض (و افضل من صحه البدن تقوي القلب) لانها توجب السعاده الابديه، كما ان مرض القلب يوجب الشفاء الابدي.

حكمت 382

[صفحه 451]

و قال عليه السلام: (للمومن ثلاث ساعات) اي يقسم وقته الي ثلاثه اقسام (فساعه يناجي فيها ربه) و يعمل لاخرته (و ساعه يرم) اي يصلح (معاشه) و قوم للدنيا (و ساعه يخلي بين نفسه و بين لذتها فيما يحل) له (و يجمل) كالنزهه و المقاربه و الاجتماع مع الاصدقاء و ما اشبه (و ليس للعاقل ان يكون شاخصا) اي مسافرا (الا في ثلاث) اي في احد من هذه الثلاثه الجهات (مرمه لمعاش) اي ترميم و اصلح لمعاشه و قوته (او خطوه في معاد) اي يخطو لاجل تحصيل المعارف و العلوم الموجب لاصلاح آخرته (او لذه في غير محرم) كازدواج او نزهه او زياره صديق او ما اشبه.

حكمت 383

[صفحه 451]

و قال عليه السلام: (ازهد في الدنيا) الزهد التنفر عن الدنيا (يبصرك الله عوراتها) اي عيوبها (و لا تغفل) عن السعاده و الاخره (فلست بمغفول عنك) لان الله ليس غافلا عما يعمله الانسان.

حكمت 384

[صفحه 452]

و قال عليه السلام: (تكلموا تعرفوا) اي يعرف الناس مقاديركم بالكلام (فان المرء مخبوء) اي مستور (تحت لسانه) فاذا تكلم عرف.

حكمت 385

[صفحه 453]

و قال عليه السلام: (نعم الطيب المسك) هي التي تنفصل عن الغزال (خفيف محمله) اي حمله (عطر ريحه) اي شديد العطوره.

حكمت 386

[صفحه 453]

و قال عليه السلام: (ضع فخرك) فلا تفتخر (و احطط كبرك) فلا تتكبر (و اذكر قبرك) حين تموت و تدخل القبر ذليلا مهانا.

حكمت 387

[صفحه 452]

و قال عليه السلام: (خذ من الدنيا ما اتاك) اي لا تتكلف لاجل الدنيا، بل ما اتاك منها بنفسه، فخذه (و تول) اي اعرض (عما تولي عنك) اي لم ياتك، فلا تطلبه (فان انت لم تفعل) حسب هذه الوصيه، بل اردت طلب الدنيا (فاجمل في الطلب) اي ليكن طلب طلبا جميلا، لا قبيحا، كطلب الحريص، و الطلب الذي يوجب العقاب، و ما اشبه ذلك.

حكمت 388

[صفحه 452]

و قال عليه السلام: (رب قول انفذ من صول) اي رب كلام يوثر، اكثر من نفوذ السطوه.

حكمت 389

[صفحه 452]

و قال عليه السلام: (كل مقتصر عليه) اي كلما اقتصر الانسان عليه و قنع به، فهو (كاف) له يكفيه، و اذا لم يرد القناعه لم يكفه كل شي ء.

حكمت 390

[صفحه 453]

و قال عليه السلام: (المنيه و لا الدنيه) اي ان الموت خير من ارتكاب الاعمال الدنيئه، كالتذلل و النفاق و ما اشبه (و التقلل و لا التوسل) اي الاكتفاء بالقليل خير من التوسل الي الناس لاشباع الرغبات (و من لم يعط قاعدا) بان لم يقدر له الرزق و هو قاعد غير طالب (لم يعط قائما) في حال الطلب، اذ المفروض انه لم يقدر له (و الدهر يومان يوم لك و يوم عليك) اي يوم لنفعك، و يوم لضررك (فاذا كان لك فلا تبطر) اي لا تطغي و لا يخرجك المال و الجاه و ما اشبه عن الحق (و اذا كان عليك فاصبر) و لا تجزع، فان الصبر اجمل.

حكمت 391

[صفحه 453]

و قال عليه السلام: (ان للولد علي الوالد حقا، و ان للوالد علي الولد حقا) اذ الحقوق تتكافي ء، فكل له من الحق مثل الذي عليه (فحق الوالد علي الولد ان يطيعه في كل شي ء) يامره به (الا في معصيه الله سبحانه) اذ لا طاعه لمخلوق في معصيه الخالق (و حق الولد علي الوالد ان يحسن اسمه) فلا يسميه بالاسماء القبيحه نحو حرب، و نغل، و معاويه و مطي، و ما اشبه (و يحسن ادبه) حتي يتادب بالاداب الاسلام (و يعلمه القرآن) و شرائع الاسلام.

حكمت 392

[صفحه 454]

و قال عليه السلام: (العين حق) فان الانسان قد يصاب بالعين المشومه (و الرقي حق) و هي الادعيه التي يعود بسببها الانسان (و الحسر حق) و هو ما يتصرف في المسحور، و معني حق: انه موجود في الخارج، و ليس بوهم (و الفال حق) و هو الانتقال من شي ء الي حادث حسن يكون في المستقبل (و الطيره ليست بحق) و هي الانتقال من شي ء الي حادث سي ء يكون في المستقبل (و العدوي ليست بحق) بان يتعدي بعض النواقص كالعمي و العرج و ما اشبه، من انسان الي انسان- كما كان يزعمه اهل الجاهليه- (و الطيب نشره) اي يوجب انتشار الجسد (و العسل نشره) اي شرب العسل يوجب انتشار البدن و سمنه (و الركوب نشره) اي ركوب الخيل و ما اشبه (و النظر الي الخضره نشره) موجبه لانتشار الجسد و نشاطه.

حكمت 393

[صفحه 455]

و قال عليه السلام: (مقاربه الناس في اخلاقهم) بان لا يبتعد الانسان عن عاداتهم و سلوكهم- مما ليس بمحرم- (امن من غوائلهم) اي موجب لان يامن الانسان من اذاهم و مكرهم، فان المقاربه توجب الموده و الحب.

حكمت 394

[صفحه 455]

و قال عليه السلام- لبعض مخاطبيه، و قد تكلم بكلمه يستصغر مثله عن قول مثلها- (اي انه اصغر من ذلك الكلام قدرا): (لقد طرت شكيرا) اي و انت فرخ غير قال لطيران (و هدرت سقبا) الهدير صوت سقبا) الهدير صوت الابل، و السقب صغير الابل الذي لا يهدر. (قال الرضي (ره): و الكشير ههنا اول ما ينبت من ريش الطائر قبل ان يقوي و يستحصف- و السقب: الصغير من الابل، و لا يهدر الا بعد ان يستفحل) فكلامك ايها المتكلم كان اكبر منك، كما ان الطيران و الهدير، اكبر من ذينك الحيوانين.

حكمت 395

[صفحه 455]

و قال عليه السلام: (من اوماء الي متفاوت) اي من طلب تحصيل الاشياء البعيده، فان الايماء كنايه عن الطلب، و المتفاوت: المتباعد (خذلته الحيل) جمع حليه اي لم يحد حيله و طريقه للوصول اليها.

حكمت 396

[صفحه 456]

و قال عليه السلام- و قد سئل عن معني قولهم (لا حول و لا قوه الا بالله)؟: (انا لا نملك مع الله شيئا) اي ليس ملكنا للاشياء في عرض ملك الله لها (و لا نملك الا ما ملكنا) اي اعطانا ملكه (فمتي ملكنا ما هو الملك به منا) اذ الاشياء ملك حقيقي لله، و ملك مجازي لنا (كلفنا) بان نعمل حسب رضاه في ملكه (و متي اخذه منا وضع تكليفه عنا) اذ لا تكليف الا علي المقدور. فان الحول، بمعني القدره، و القوه قسم خاص منها، و من المعلوم ان جميع انواع القدره التي توجد عندنا انما هي من عند الله سبحانه.

حكمت 397

[صفحه 456]

و قال عليه السلام- لعمار بن ياسر، و قد سمعه يراجع المغيره بن شعبه كلاما-: (دعه) اي اتركه (يا عمار فانه لم ياخذ من الدين الاما قادم من الدنيا) اي سبب تقربه الي الدنيا (و علي عمد لبس علي نفسه) اي اوقع نفسه في الشبهه عامدا (ليجعل الشبهات عاذرا) اي موجبه لعذره (لسقطاته) اي زلاته.

حكمت 398

[صفحه 457]

و قال عليه السلام: (ما احسن تواضع الاغنياء للفقراء) اكراما من الاغنياء لهم (طلبا لما عند الله) اي لثوابه سبحانه (و احسن منه تيه الفقراء) اي تكبرهم (علي الاغنياء) بان لا يتواضعوا لغناهم (اتكالا) و اعتمادا (علي الله) سبحانه في معيشتهم، فان في هذا التيه اذ لا لنخوه الاغنياء، و تقويه للاعتماد علي الله.

حكمت 399

[صفحه 457]

و قال عليه السلام: (ما استودع الله امرئا عقلا) اي ما جعل بعنوان الوديعه في شخص عقلا (الا استنقذه به)؟ اي انقذ الله بسبب العقل، ذلك الشخص (يوما) حيث يقع في مضطرب من الامر لا يدري ماذا يصنع، فان عقله كفيل بارشاده سبيل الحق.

حكمت 400

[صفحه 457]

و قال عليه السلام: (من صارع الحق صرعه) اي من قاوم الحق، اهلكه الحق، و القاه علي الارض.

حكمت 401

[صفحه 457]

و قال عليه السلام: (القلب مصحف البصر) فان ما يراه البصر ينقش في القلب، فكانه كتاب له.

حكمت 402

[صفحه 457]

و قال عليه السلام: (التقي رئيس الاخلاق) فان الخوف من الله سبحانه بمنزله الرئيس لسائر الفضائل و الاخلاق الحسنه.

حكمت 403

[صفحه 458]

و قال عليه السلام: (لا تجعلن ذرب لسانك) اي حدته (علي من انطقك) اي لا تطل لسانك علي من عملك النطق، و المراد اما الله سبحانه او الابوان، او المعلم (و) لا (بلاغه قولك علي من سددك) اي لا تصرف بلاغتك في صد من ارشدك و دلك الطريق.

حكمت 404

[صفحه 458]

و قال عليه السلام: (كفاك ادبا لنفسك اجتناب ما تكرهه من غيرك) فاذا رايت غير متادب، فتعلم منه الادب، او ترك ما تري منه من سوء الادب مما يقبح في نظرك، فان ذلك العمل منك ايضا قبيح.

حكمت 405

[صفحه 458]

و قال عليه السلام: (من صبر صبر الاحرار) فان الانسان الحر لا يقيد بميول نفسه، و لذا يصبر عند البليه- و التقدير: فهو- (و الا) يصبر (سلاسلو الاغمار) جمع غمر، هو الجاهل الذي لم يجرب الامور، و معني سلا، انه لابد له ان يسلو بطول المده، كما يسلو الاغمار.

حكمت 406

[صفحه 458]

و في خبر آخر، انه قال عليه السلام، للاشعث بن قيس معزيا: (ان صبرت صبر الاكارم) جمع كريم، و هو شريف النفس (و الا سلوت سلو البهائم) اذ عند القضاء لا علاج سواء صبر الانسان ام جزع، لكن الصبر من فعل الكريم، و الجزع من فعل الدني ء.

حكمت 407

[صفحه 459]

و قال عليه السلام، في صفه الدنيا (تغر) الانسان و تخدعه (و تضر) بتفويت السعاده من يده (و تمر) اي تذهب (ان الله تعالي لم يرضها) اي لم يرض الدنيا (ثوابا لاوليائه) فليس ثوابهم في الدنيا (و لا عقابا لاعدائه) فليس عقابهم هنا (و ان اهل الدنيا كركب) جمع راكب، بمعني: المسافر (بيناهم حلو) و نزلوا (اذ صاح بهم سائقهم) و هم الموت (فارتحلوا) و ذهبوا.

حكمت 408

[صفحه 459]

و قال لابنه الحسن عليه السلام: (لا تخلفن ورائك شيئا من الدنيا) بان تجمع الدنيا و تذرها للورثه (فانك تخلفه لاحد رجلين) ان تخلفت شيئا (اما رجل عمل فيه) اي فيما تخلفت (بطاعه الله فسعد بما شقيت به) و الشقوه قد تكون بكون الوضع حراما، و قد تكون بمجرد ان يكون علي الانسان حسابه و ان كان الوضع حلالا (و اما رجل عمل فيه بمعصيه الله) بان صرف المال (في عصيانه سبحانه (فشقي بما جمعت له) و صرت سببا لشقوه انسان (فكنت عونا له علي معصيته) لله تعالي (و ليس احد هذين حقيقا ان توثره) و ترجحه (علي نفسك) بان لا تصرف انت، و يصرف هو.

[صفحه 460]

(قال الرضي (ره): و يروي هذا الكلام، علي وجه آخر، و هو): (اما بعد) الحمد و الصلاه (فان الذي في يدك من الدنيا) من مالها و ارضها و ما اشبه (قد كان له اهل قبلك) ممن انتقل منهم اليك (و هو صائر الي اهل بعدك) اي بعد موتك (و انما انت جامع) ما تجمع من اموال الدنيا (لاحد رجلين) فان الوارث لك احد هذين الصنفين (رجل عمل فيما جمعته بطاعه الله) كان انفق الاموال في الخيرات و القربات (فسعد بما شقيت به) اذ

الانسان اذا ترك ماله لم يستفد منه، فهو تعب و لم ينتفع (او رجل عمل فيه بمعصيه الله) بان صرفه في الحرام (فشقيت بما جمعت له) اذ جمعت مالك فيمن صرفه في الحرام. (و ليس احد هذين) الرجلين (اهلا ان توثره علي نفسك) و ترجحه بان تجمع انت لذلك، دون نفسك (و لا ان تحمل له علي ظهرك) لان ما جمعه الانسان هو المحاسب به، فكانه حمله علي ظهره، ما انتفع به غيره (فارج لمن مضي) من صاحب الاموال قبلك (رحمه الله) بان يتفضل سبحانه عليه بالرحمه و الرضوان (و لمن بقي) من وراثك الذين تريد ان تبقي لهم مالك (رزق الله) بان يرزقهم، فلا تخلف لهم اكثر من القاعده- كما هو شان اهل الدنيا-.

حكمت 409

[صفحه 461]

و قال عليه السلام- لقائل، قال بحضرته (اي في محضر الامام عليه السلام): (استغفر الله): (ثكلتك امك) هذا دعاء علي الشخص بالموت، حتي تجلس امه في عزائه (اتدري ما الاستغفار)؟ ما هو، و ما شروطه (استغفار درجه العليين) اي المربوطين بالدرجات العلي، و السعادات الرفيعه (و هو اسم واقع علي سته معان) اي علامه لسته اشياء، اذ اكملت تلك الاشياء، كان للاستغفار حقيقه، و الا فلا. (اولها الندم علي ما مضي) بان يندم الانسان علي ما اقترف من الاثام (و الثاني: العزم علي ترك العود اليه) اي الي ما مضي (ابدا) بان يعزم ان لا يعص طليه عمره (و الثالث: ان تودي الي المخلوقين حقوقهم) التي لهم عليك (حتي تلقي الله املس) مجردا من الحقوق (ليس عليك تبعه) لاحد، و التبعه ما يتبع الانسان من الحقوق و الذنوب (و الرابع: ان تعمد) اي تقصد (الي كل فريضه عليك ضيعتها) من صلاه

و صيام و ما اشبه (فتودي حقها) بان تفضيها كما امر الله تعالي. (و الخامس: ان تعمد الي اللحم الذي نبت علي السحت) اي: علي الحرام، فيما كان اكلا للاموال المحرمه كالربا و السرقه و الخمر و ما اشبه (فتذيبه بالاحزان) فان الحزن يذيب اللحم (حتي تلصق الجلد بالعظم و ينشا) اي ينبت (بينهما

لحم جديد) غير نابت علي الحرام (و السادس: ان تذيق الجسم الم الطاعه كمااذقته حلاوه المعصيه) بان تقوم في طاعه الله صلاه و صياما و سهرا و ما اشبه (فعند ذلك) اي بعد تلك الاعمال السنه (تقول: استغفر الله) فان الاستغفار حينئذ علي حقيقه.

حكمت 410

[صفحه 462]

و قال عليه السلام: (الحلم عشيره) فان الانسان الحليم يجتمع حوله الناس، فيكونون له كالعشيره التي تكتنف بالشخص و تدافع عنه.

حكمت 411

[صفحه 462]

و قال عليه السلام: (مسكين ابن آدم مكتوم الاجل) اي لا يعرف مقدار عمره، و وقت فوته (مكنون العلل) فلا يعلم العله التي تاتيه في المستقبل (محفوظ العمل) فان اساء شيئا حفظ له، ليجزي به (تولمه البقه) هي البعوض (و تقتله الشرقه (هي الماء الذي يدخل في مجري التنفس عوض مجري الطعام، و ربما قتله (و تنته العرقه) فان العرق القليل يوجب نتن جسمه و عفونته.

حكمت 412

[صفحه 463]

و روي انه عليه السلام كان جالسا في اصحابه فمرت بهم امرئه جميله فرمقها القوم بابصارهم (اي نظروا اليها) فقال عليه السلام: (ان ابصار هذه الفحول) اي الرجال (طوامح) من طمح اذا ارتفع (و ان ذلك) الطموح (سبب هبابها) اي هيجان انفس هذه الفحول، فان هباب بمعني الهيجان (فاذا نظر احدكم الي امرئه تعجبه فليلامس اهله) اي يقترب منها (فانما هي) التي اعجبته (امرئه كامرئته) التي هي له فقال رجل من الخوارج (قاتله الله- يعني الامام عليه السلام- كافرا ما افقه) (فان الخوارج كانوا يعتبرون الامام كافرا، و معني (ما افقه) انه اكثير الفقه) فوثب القوم (الذين كانوا حوالي الامام) ليقتلوه، فقال عليه السلام): (رويدا) اي اصبروا (انما هو) الذي قاله هذا الخارجي (سب بسب) سبني، فاسبه ان شئت (او عفوا عن ذنب) فلا اسبه بل اعفو عنه، اما انكم تريدون قتله، فلا.

حكمت 413

[صفحه 464]

و قال عليه السلام: (كفاك من عقلك ما اوضح لك سبل غيك) اي طرق الضلاله (من رشدك) اي من طريق الرشاد و الهدايه.

حكمت 414

[صفحه 464]

و قال عليه السلام: (افعلوا الخير) مهما قل (و لا تحقرو امنه) اي من الخير (شيئا) بان ترونه صغيرا فلا تفعلوه (فان صغيره كبير) عند الله (و قليله كثير) في الاجر و الثواب (و لا يقولن احدكم ان احدا اولي بفعل الخير مني) كما هي عاده الناس يقولون فلان يلزم ان يفعل هذا الخير (فيكون- و الله- كذلك) ان يكون اول، فان من اشار اليه الناس بالاولويه، يكون اول عملا، اذ يعمل الخير قطعا (ان للخير و الشر اهلا) اي لكل واحد منهما اهل (فمهما تركتموه منهما) اي اي شي ء تركتموه من الخير او الشر (كفاكموه اهله) اي يقوم اهله بفعله عوضا عنكم.

حكمت 415

[صفحه 464]

و قال عليه السلام: (من اصلح سريرته) اي باطنه (اصلح الله علانيته) اي ظاهره، عند الناس، حتي يروه صالحا (و من عمل لدينه كفاه الله امر دنياه) حتي لا يحتاج في معيشته الي التعب (و من احسن فيما بينه و بين الله) فلم يعص الله في خلواته (احسن الله بينه و بين الناس) حتي لا يوذنه و يحبونه.

حكمت 416

[صفحه 465]

و قال عليه السلام: (الحلم غطاء ساتر) يستر عيوب الانسان، فان الحليم لا يعمل الاعمال التي توجب ظهور عيبه (و العقل حسام) اي سيف (قاطع) اذ يقطع الحق من الباطل، و يميز بينهما (فاستر خلل خلقك) اي نواقص اخلاقك (بحلمك) فان الحليم لا يعرف الناس نواقصه، كالحسد، و البخل، و الجبن، و ما اشبه (و قاتل هواك بعقلك) حتي لا تغلبك الهوي في الامور.

حكمت 417

[صفحه 465]

و قال عليه السلام: (ان لله عبادا يختصم الله بالنعم لمنافع العباد) اي يعطيهم النعم، حتي ينفعوا العباد (فيقرها) الله (في ايديهم ما بذلوها) اي مده بذلهم للناس (فاذا منعوها) اي منعوا النعم عن العباد (نزعها منهم) اي اخذ تلك النعم من اولئك المانعين (ثم حولها الي غيرهم) ممن يبذلها للعباد و هكذا.

حكمت 418

[صفحه 465]

و قال عليه السلام: (لا ينبغي للعبد ان يثق) و يعتمد (بخصلتين) اي صفتين (العافيه) البدنيه (و الغني) الماليه، و ذلك لانك (بينا تراه معافي) في جسمه (اذ سقم) و مرض (و بينا تراه غنيا اذ افتقر) و ذهب ماله.

حكمت 419

[صفحه 466]

و قال عليه السلام: (من شكا الحاجه الي مومن فكانه شكاها الي الله) لان المومن مودب باداب الله تعالي (و من شكاها الي كافر فكانما شكا الله) لان الكافر بعيد عن الله، فاذا راي شكايه المومن، حملها علي ايمانه، و ان ايمانه هو سبب هذه النكبه.

حكمت 420

[صفحه 466]

و قال عليه السلام: (انما هو عيد لمن قبل الله صيامه و شكر قيامه) اي قبله و اثابه عليه، فان العيد الحقيقي الموجب للفرح و المسره، لمثل هذا الانسان (و كل يوم لا يعصي الله فيه فهو عيد) لان الانسان قد امن فيه من العقاب و نال فيه الثواب.

حكمت 421

[صفحه 466]

و قال عليه السلام: (ان اعظم الحسرات يوم القيامه حسره رجل كسب مالا في غير طاعه الله) بان كان كسبه من الحرام (فورثه رجل) بعد موت الرجل الكاسب، و لم يكن الوارث عالما بكيفيه المال، او كان عالما، و رده كما امر الله، كما لو سرق الاول، ورد الثاني (فانفقه في طاعه الله سبحانه فدخل) الوارث (به) اي بسبب هذا المال (الجنه) حيث اطاع بسببه (و دخل الاول به) اي بسبب هذا المال (النار) فانه يتحسر كيف صار هذا المال سببا للنار بالنسبه اليه، بينما صار لدخول الجنه بالنسبه الي وارثه.

حكمت 422

[صفحه 467]

و قال عليه السلام: (ان اخسر الناس صفقه) الصفقه كنايه عن المعامله، اذ المتعاملان يصفقان بعد التمام كنايه عن ان كلا منهما، قد غسل يده و نفضها عن ما كان يتعلق به (و اخيبهم سعيا) الخيبه عدم ادراك النتيجه بعد العمل لاجل الوصول (رجل اخلق بدنه) اي صرف عمره (في طلب ماله، و لم تساعده المقادير علي ارادته) فلم يصل الي ما امله من جمع المال (فخرج من الدنيا بحسرته) يتحسر و يحزن علي ما فات (و قدم علي الاخره بتبعته) اي بما يتبع ما جمع من الذنوب، و ما اشبه، فانه فقد دنياه و آخرته بذلك.

حكمت 423

[صفحه 467]

و قال عليه السلام: (الرزق رزقان طالب يطلب ذلك الرزق الانسان (و مطلوب) يطلبه الانسان و يسعي له (فمن طلب الدنيا طلبه الموت حتي يخرجه عنها) فقد صرف عمره في الطلب ثم مات و خرج من الدنيا التي كان طلبه لاجلها- و هذا هو الرزق المطلوب- و من طلب الاخره) و كان عمله لاجلها (طلبته الدنيا حتي يستوفي) و يكمل (رزقه منها) اي من الدنيا، و هذا هو الرزق الطالب، و هو افضل الرزقين.

حكمت 424

[صفحه 468]

و قال عليه السلام: (ان اولياء الله) اي احبائه (هم الذين نظروا الي باطن الدنيا) فعرفوا انها دار غرور و فناء (اذا نظر الناس الي ظاهرها) فخذعوا بزينتها و حياتها (و اشتغلوا باجلها) اي الاخره (اذا اشتغل الناس بعاجلها اي زينتها العاجله، بدون اشتغال بما ورائها (فاماتوا منها) اي من الدنيا (ما خشوا ان يميتهم) و ذلك هو النفس، اي اماتوا انفسهم قبل ان تميتهم النفس، باتباع الشهوات. (و تركوا منها ما علموا انه سيتركهم) فان الدنيا تترك الانسان اذا مات، فالافضل ان يتركها الانسان حتي لا يلوث بالاثام (و راوا استكثار غيرهم منها) اي من الدنيا (استقلالا) اي موجبا لقله ثوابهم و اجرهم في الاخره (و دركهم لها) اي درك الناس للدنيا و لذائذها (فوتا) لما هو اهم منها، و هو الاخره فهم (اعداء ما سالم الناس) فان الناس يسالمون الشهوات (و سلم ما عادي الناس) فان الناس يعادون الخيرات و الاعمال الصالحه، اي يتركونها و يتضجرون منها (بهم علم الكتاب) اي ان الناس انما علموا انما علموا معني القرآن بسبب هولاء الصلحاء. (و به علموا) اي عرفوا، فانهم معروفون عند الناس بانهم عارفون بالقرآن (و بهم قام الكتاب) بان

صار له كيان في المجتمع (و به قامو

ا) فانهم انما يعملون بالكتاب فهم قائمون به (لا يرون مرجوا فوق ما يرجون) فانهم يرجون رحمه الله و رضوانه، و لا شي ء فوق هذا (و لا مخوفا فوق ما يخافون) فانهم يخافون النار، و لا شي ء اكثر خوفا منها.

حكمت 425

[صفحه 469]

و قال عليه السلام: (اذكروا انقطاع اللذات) فان لذائذ الدنيا تنتهي (و بقاء التبعات) اي الاثام التي اوجبتها تلك اللذات و اذا تذكر الانسان، هذا، انقلع عن الشهوات المحرمه، و اللذات المحظره.

حكمت 426

[صفحه 469]

و قال عليه السلام: (اخبر تقله) (اخبر) امر من (خبر) باب (قتل) بمعني (علم)، و (تقله) مضارع مجزوم بعد الامر، و هائه للوقف، من (قلاه) بمعني (ابغضه) و معني الجمله اذا اعجبك ظاهر شخص، فاختبره، تبغضه، لما تري من سوء باطنه (قال الرضي (ره) و من الناس من يروي هذا للرسول (ص)، و مما يقوي انه من كلام اميرالمومنين عليه السلام ما حكاه ثعلب، عن ابن الاعرابي قال المامون: لو لا ان عليا قال (اخبر تقله) لقلت (اقله تخبر)) اي ابغض شخصا تريد فهم عيوبه، تعرف عيوبه، فان الانسان مادام يحب الشخص، لا يري عيوبه، فاذا قلاه عرف عيوبه، و قديما قالوا: (ان حب الشي ء يعمي و يصم) و (و عين الرضا عن كل عيب كليله).

حكمت 427

[صفحه 470]

و قال عليه السلام: (ما كان الله ليفتح علي عبد باب الشكر) بان يكون العبد شكورا، لانعم الله، بتوفيقه سبحانه (و يغلق عنه باب الزياده) فانه تعالي قال: (لئن شكرتم لازيدنكم) (و لا ليفتح علي عبد باب الدعاء) و الضراعه اليه في حوائجه و يغلق عنه باب الاجابه) و قد قال سبحانه: (ادعوني استجب لكم) (و لا ليفتح لعبد باب التوبه) بان يوفقه للتوبه عن المعاصي (و يغلق عنه باب المغفره) و قد قال سبحانه: (و اني لغفار لمن تاب) فاذا كان العبد شاكرا دعاء ثوابا، اعطاه الله سبحانه لوزام هذه الزياده، زياده النعم، و الاجابه، و الغفران.

حكمت 428

[صفحه 470]

وقال عليه السلام: (اولي الناس بالكرم من عرفت به الكرام) بان كان من اولادهم او قائما مقامهم، حتي كان معرفا للكرام من الناس و انما كان اولي، لانه يقبح ان يكون الانسان معرفا لقسم من الناس، و لا يكون متصفا بصفاتهم الحسنه.

حكمت 429

[صفحه 471]

و سئل عليه السلام (ايهما افضل: العدل، او الجود)؟ فقال عليه السلام: (العدل يضع الامور مواضعها) فان العدل هو العمل بالموازين المقرره، و هي تعطي كل شي ء حقه (و الجود يخرجها من جهتها) اذ هو زياده في الاعطاء- لكنه زياده ممدوحه لا مذمومه- (و العدل سائس) اي مدير للامور (عام) يشمل كل فضيله، فالعدل في العمل، و في الاكل، و في القضاء، و في الشجاعه، و هكذا (و الجود عارض) ليس من طبيعه الواقع (خاص) بشي ء مخصوص هو الاعطاء (فالعدل اشرفهما و افضلهما) اي افضل الصفتين.

حكمت 430

[صفحه 471]

و قال عليه السلام: (الناس اعداء ما جهلوا) فانهم ان اعترفوا بالجهل كان منقصه لهم، و لذا يعادون ما يسبب النقص فيهم- و قد من تفسيره-.

حكمت 431

[صفحه 471]

و قال عليه السلام: (الزهد كله بين كلمتين من القرآن) اي: في هاتين الجملتين (قال الله سبحانه: لكيلا تاسوا علي ما فاتكم) اي لا تحزنوا علي ما فاتكم من المنافع، سواء كانت حاصله و فاتت ام كانت مترقبه و لم تدركوها (و لا تفرحوا بما آتاكم) بما حصلتم عليه من امور الدنيا (و من لم ياس علي الماضي) الذي فات (و لم يفرح بالاتي) الذي جاء اليه (فقد اخذ الزهد بطرفيه) لان ذلك كاشف عن عدم اعتنائه بالدنيا، و الذي لا يعتني بالدنيا هو الزاهد حقا.

حكمت 432

[صفحه 472]

و قال عليه السلام: (الولايات مضامير الرجال) المضامير جمع مضمار، و هو المحل الذي تضمر فيه الخيل- اي يواظب علي اكله- للسباق و الرجال اذا صاروا حكاما تبين باطنهم و صفاتهم، كما يتبين في المضمار الخيل الحسن من الخيل السي ء.

حكمت 433

[صفحه 472]

و قال عليه السلام: (ما انقض النوم لعزائم اليوم) فقد يعزم الانسان علي شي ء، فاذا نام و استيقظ وجد انحلالا في عزيمته- و قد مرت هذه الكلمه عن الامام عليه السلام، في السابق-.

حكمت 434

[صفحه 472]

و قال عليه السلام: (ليس بلد باحق بك من بلد) فكل البلاد تصلح مسكنا لك، و (خير البلاد ما حملك) اي كنت فيه في راحه و سعاده، و هذا تحريض علي ان ينتخب الانسان البلد الذي فيه راحته، لا البلد الذي الفه و كان فيه آبائه و اقاربه، فان المهم الراحه كيفما وجدت.

حكمت 435

[صفحه 473]

و قال عليه السلام- و قد جائه نعي الاشتر رحمه الله- (اي خبر وفات مالك الاشتر بدسيسه معاويه، حيث قتله بالسم في العسل: (مالك، و ما مالك) هذا للتعظيم من شانه، و (مالك) الاول خبر مبتدء محذوف، اي (هو مالك) (و الله لو كان جبلا لكان فندا) (الفند)، الجبل العظيم اي لو كان مالك من جنس الجبال، لكان من هذا النوع العظيم من الجبال (و لو كان حجرا لكان صلدا) اي قويا محكما لا من الاحجار الرخوه (لا يرتقيه الحافر) اي ان الفرس لا يتمكن ان يرتقي هذا الجبل العظيم (و لا يوفي) اي لا يصل (عليه الطائر) لارتفاعه، و هذان كنايه عن عظمته و ارتفاعه، حتي انه شبيه بهذا الجبل العظيم (قال الرضي (ره): الفند: المفرد من الجبال).

حكمت 436

[صفحه 473]

و قال عليه السلام: (قليل مدوم عليه) اي عمل صالح قليل يدوم عليه الانسان (خير من كثير مملول منه) اي من عمل كثير يتركه للملاله و السامه.

حكمت 437

[صفحه 473]

و قال عليه السلام: (اذا كان في رجل حله) اي: صفه (رائقه) اي حسنه (فانتظروا اخواتها) اي اخوات تلك الصفه فيه، فاذا كان سخيا فهو شجاع عفيف غيور، و هكذا، و ذلك لان الفضائل تتلازم كما ان الرذائل تتلازم،

حكمت 438

[صفحه 474]

و قال عليه السلام- لغالب، صعصعه، ابي الفرزدق، في كلام دار بينهما-: (ما فعلت ابلك الكثيره)؟ اي اين ذهبت و لماذا لا تملكها؟ (قال) صعصعه (دغدغتها الحقوق) اي فرقتها اعطائها في حقوق الله كالزكاه، و حقوق الناس كصله الرحم و الاطعام (يا اميرالمومنين) فقال عليه السلام: (ذلك) التفريق في الحقوق (احمد سبلها) اي احسن طرق التفريق الذي يوجب الحمد و المدح لك، من الله، و من الناس.

حكمت 439

[صفحه 474]

و قال عليه السلام: (من اتجر بغير فقه) اي بدون معرفه الاحكام الشرعيه (فقد ارتطم) اي وقع (في الربا) اذ كثير من المعاملات توجب الربا، فاذا عرف الانسان الفقه، تجنب تلك المعاملات، و الا وقع فيها.

حكمت 440

[صفحه 474]

و قال عليه السلام: (من عظم صغار المصائب) اي عدها عظيمه (ابتلاه الله بكبارها) جزائا علي جزعه و عدم صبره في الصغار.

حكمت 441

[صفحه 475]

و قال عليه السلام: (من كرمت عليه نفسه هانت عليه شهواته) اذ تنفيذ الشهوات يوجب زوال الكرامه، فاذا كانت نفسه كريمه لم ينفذ شهواته.

حكمت 442

[صفحه 475]

و قال عليه السلام: (ما مزح امرء مزحه) اي مزاحا صغيرا- فكيف بالكبير- او المراد فرحه واحده (الا مج من عقله مجه) اي رمي و ابطل بعض عقله، اذ المزاح يوجب صغر الانسان.

حكمت 443

[صفحه 475]

و قال عليه السلام: (زهدك في راغب فيك) بان لا ترغب فيمن يحبك و يرغب في خلقك (نقصان حظ) اذ الانسان يتقدم بواسطه الاصدقاء (و رغبتك في زاهد فيك) بان ترغب فيمن لا يريد صداقتك (ذل نفس) اذ تذل نفسك لاجله بدون فائده.

حكمت 444

[صفحه 475]

و قال عليه السلام: (ما زال الزبير رجلا منا اهل البيت) يكون كاحدهم في الاتجاه (حتي نشاء ابنه المشئوم) اي الشوم (عبدالله) فصرفه عنا.

حكمت 445

[صفحه 476]

و قال عليه السلام: (ما لابن آدم و الفخر)؟ اي ليس لابن آدم ان يفتخر (اوله نطفه) قذره (و آخره جيفه) منتنه (و لا يرزق نفسه) فان الله سبحانه يرزقه (و لا يدفع حتفه) اي موته، فمن اوله و آخره سيئان، و في الوسط لا يملك شيئا كيف يفتخر؟.

حكمت 446

[صفحه 475]

و قال عليه السلام: (الغني و الفقر بعد العرض علي الله) فمن رضي الله عنه كان غنيا، و من سخط عليه كان فقيرا، اما الغني و الفقر في الدنيا فشي ء زائل.

حكمت 447

[صفحه 476]

و سئل عليه السلام، من اشعر الشعرائ؟ فقال عليه السلام: (ان القوم) اي الشعراء (لم يجروا في حلبه تعرف الغايه عند قصبتها) الحلبه القطعه من الخيل تجتمع للسباق، و المراد بالحلبه هنا الطريقه الواحده، و القصبه ما يجعلونه في آخر الغايه، حتي ياخذه السابق، ليعرف، بدون نزاع، انه السابق، و كان الغالب ان يكون الشي ء المجعول قصبا، و المراد ان الشعراء مختلفون لم يذهبوا مذهبا واحدا في الشعر، بل بعضهم اكثر من المدح، و بعضهم اكثر التشبيب، و هكذا (فان كان و لابد) ان ترجح بعضهم علي بعض (فالملك الضليل) لقب، او لانه كان ضالا (يريد امرء القيس)-.

حكمت 448

[صفحه 476]

و قال عليه السلام: (الا حر) اي الا يوجد شخص حر، خرج من قيد الشهوات، لا كالسائرين الذين هم عبيد شهواتهم (يدع هذه اللماظه) هي بقيه الطعام في الفم، و المراد بها هنا، الدنيا- تحقيرا لها- (لاهلها) اي يترك الدنيا، لاهل الدنيا (انه ليس لانفسكم ثمن الا الجنه فلا تبيعوها الا بها) لاكمن يبيع نفسه بالدنيا فيخسر الدنيا و الاخره.

حكمت 449

[صفحه 477]

و قال عليه السلام: (منهومان) المنهوم: المفرط في الرغبه (لا يشبعان) من مرغوبهما (طالب علم) لا يشبع من العلم (و طالب دنيا) لا يشبع منها، مهما حصل منها.

حكمت 450

[صفحه 477]

و قال عليه السلام: (الايمان ان توثر) اي ترجح (الصدق حيث يضرك) اي في مقام يضرك الصدق (علي الكذب حيث ينفعك) فان معني طلب الجنه هذا، فان في الصدق الجنه، و هي اعظم من كل منفعه دنيويه يوجب الصدق تفويتها (و ان لا يكون في حديثك فضل) و زياده (عن عملك) فلا تقول ازيد مما تعمل (و ان تتقي الله في حديث غيرك) بان تخافه سبحانه فلا تحدث عن غيرك بما لم يقله، او لم يعمله، بل تقول طبق الواقع.

حكمت 451

[صفحه 477]

و قال عليه السلام: (يغلب المقدار علي التقدير) اي ان القدر الالهي غالب علي تقدير الانسان للاشيائ0 حتي تكون الافه لي التدبير) مثلا التقدير ان يموت الانسان في يوم كذا، و يقدر الانسان لحياته شرب الدواء، و يكون تدبيره للدواء مهلكا، فالافه جائت من محل ظنه الانسان تدبيرا و تهيئه للوسائل (ضد القدر الالهي) (قال الرضي (ره)): و قد مضي هذا المعني فيما تقدم بروايه تخالف هذه الالفاظ).

حكمت 452

[صفحه 478]

و قال عليه السلام: (الحلم و الاناه تومان) الحلم حبس النفس عند الغضب، و الاناه: التاني في الامور، و التومان: هما المولودان في بطن واحد، و المراد ان هاتين الصفتين كالتوامين، كلما كانت احدا هما، كانت الاخري (ينتجهما علو الهمه) فان الانسان العالي همته لا ينظر الي القريب ليعجل او يغضب، بل ينظر الي العواقب.

حكمت 453

[صفحه 478]

و قال عليه السلام: (الغيبه) و التكلم وراء الناس بذمهم (جهد العاجز) الذي عجز عن الانتقام عن عدوه، فهو يستغيبه.

حكمت 454

[صفحه 478]

و قال عليه السلام: (رب مفتون) قد خدع (بحسن القول فيه) اي يمدح الناس له، فظن ان فيه ما يقوله الناس، و الحال ان الامر بالعكس.

حكمت 455

[صفحه 478]

و قال عليه السلام: (الدنيا خلقت لغيرها) اي للاخره (و لم تخلق لنفسها) حتي يعمل الانسان فيها لاجلها، بل اللازم ان يكون العمل للاخره.

حكمت 456

[صفحه 479]

و قال عليه السلام: (ان لبني اميه مرودا) اي مهله- هي زمان اتحاد بعضهم مع بعض- (يجرون فيه) الي غايتهم، عند اختلافهم (و لو قد اختلفوا فيما بينهم) و تشتتت كلمتهم (ثم كادتهم الضباع) جمع ضبع، و معني كادتهم، مكرت بهم، و حاربتهم (لغلبتهم) اذ ليس لاي واحد منهم قوه الدفاع في مقابل الضبع- هذا الحيوان الضعيف- فكيف في مقابل الاسود القويه.

حكمت 457

[صفحه 479]

و قال عليه السلام- في مدح الانصار- (هم و الله ربوا الاسلام كما يربي الفلو): المهر (مع غنائهم) اي كونهم اغنياء و لم يحتاجوا الي الاسلام- حسب الظاهر، احتياجا ماديا- (بايديهم السباط) يقال: رجل سبط اليدين، اي سخيهما (و السنتهم السلاط) جمع سليط، و هو الطويل الشديد.

حكمت 458

[صفحه 479]

و قال عليه السلام: (العين وكاء السه) الوكاء: الرباط، و السه، عقب الانسان، و لعل المعني ان العين رباط يربط خلف الانسان بامامه، فلا يصاب الانسان من خلفه بالعدو و ما اشبه، لان العين تراقب الخلف، كما ترافب الامام.

حكمت 459

[صفحه 480]

و قال عليه السلام- في كلام له-: (و وليهم) اي تولي امورهم (وال) المراد به الرسول (ص)، فانه تولي شئونهم (فاقام) الناس (و استقام) الامر (حتي ضرب الدين بجرانه) مقدم عنق البعير، يضرب به الارض عند الاستراحه، و هذا كنايه عن استراحه الدين و تمكنه.

حكمت 460

[صفحه 480]

و قال عليه السلام: (ياتي علي الناس زمان عضوض) اي زمان شديد (يعض الموسر فيه) اي يمسك الغني في ذلك الزمان (علي ما في يديه) امساكا شديدا كانه عض بالاسنان (و لم يومر بذلك) بان يبخل هكذا بخل (قال الله سبحانه: (و لا تنسوا الفضل بينكم) بان يتفضل بعضكم علي بعض (تنهد) اي ترتفع (فيه) اي في ذلك الزمان (الاشرار) الذين لا دين لهم (و تستذل الاخيار) اي يذلهم الناس (و يبايع المضطرون) اي يتعامل اضطرار لجبر السلطان او ما اشبه (و قد نهي رسول (ص) عن بيع المضطرين) بيع جمع (بيعه) بالكسر، بمعني هيئه البيع، و حالته.

حكمت 461

[صفحه 481]

و قال عليه السلام: (يهلك في رجلان) اي صنفان من الرجال (محب مفرط) اي يفرط في حبه، كالذين قالوا انه عليه السلام هو الله (الغلاه) (و باهت مفتر) من بهت، بمعني نسب اليه ما لم يفعل، و هو عباره عن اخري عن الافتراء، و هم كالخوارج و النواصب الذين نسبوا الي الامام ما ليس فيه (قال الرضي (ره): و هذا مثل قوله عليه السلام: هلك في رجلان محب غال و مبغض قال) (غال) من (غلي) بمعني افرط و (قال) من (قلا) بمعني بغض و عادي.

حكمت 462

[صفحه 481]

و قال عليه السلام- و سئل عن التوحيد و العدل؟-: (التوحيد ان لا تتوهمه) اي لا تصور الله بوهمك اذ كل ما دخل في الذهن فهم مخلوق، و ليس بخالق (و العدل ان لا تتهمه) بان تتهمه بعدم الحكمه في افعاله او اوامره و نواهيه.

حكمت 463

[صفحه 482]

و قال عليه السلام- في دعاء استسقي به-: (اللهم اسقنا ذلل السحاب) ذلل جمع ذليل، و هو السحاب الحامل للمطر لانه ذليل بحمل الماء (دون صعابها) جمع صعب، و هو الخال من الماء، فانه يصعد مع الهواء و ينزل كالناقه الصعبه.

حكمت 464

[صفحه 483]

و قال عليه السلام- لو غيرت شيبك يا اميرالمومنين؟- فقال عليه السلام: (الخضاب زينه و نحن قوم في مصيبه) (يريد وفات رسول (ص)) فان وفات الشخص العظيم، يوثر في اصحابه طول الحياه، فكيف بمثل الرسول (ص).

حكمت 465

[صفحه 483]

و قال عليه السلام: (ما المجاهد الشهيد في سبيل الله باعظم اجرا ممن قدر) علي الشهوه (فعف) و لم يرتكب (لكاد العفيف ان يكون ملكا من الملائكه) و ذلك لشده اخذ الانسان زمام نفسه، حتي ان الفاعل لذلك كانه ملائكه في طهاره النفس.

حكمت 466

[صفحه 483]

و قال عليه السلام: (القناعه مال لا ينفذ) اذ هي مع الانسان دائما بخلاف المال اذ يمكن ذهابه و نفاده (قال الرضي (ره): و قد روي بعضهم هذا الكلام لرسول (ص)) و من الممكن ان قاله الامام بعد ما قاله الرسول (ص)، و لذا حكي عنهما.

حكمت 467

[صفحه 483]

و قال عليه السلام- لزياد بن ابيه، و قد استخلفه لعبد الله بن العباس علي فارس و اعمالها، في كلام طويل كان بينهما، نهاه فيه عن تقدم الخراج (اي ان يريد فيه): (استعمل العدل) فاعدل في الناس (و احذر العسف) اي الظلم (و الحيف) اي الافراط في امور الناس (فان العسف) و الشده (يعود بالجلاء) اي مفارقه الوالي عن عمله، بالانعزال (و الحيف) اي الافراط (يدعو الي السيف) ينزعه المظلومون لقتال الظالم.

حكمت 468

[صفحه 484]

و قال عليه السلام: (اشد الذنوب ما استخف به صاحبه) لانه يوجب عدم المبالات بالدين و الاحكام، و هذا من اشد الاجرام.

حكمت 469

[صفحه 484]

و قال عليه السلام: (ما اخذ الله علي اهل الجهل ان يتعلموا) اي ما اوجب عليهم التعلم (حتي اخذ علي اهل العلم ان يعلموا) اي: اوجب عليهم تعليم الجهال، و هذا لبيان اشديه التكليف علي العلماء بتعليم الجهال

حكمت 470

[صفحه 484]

و قال عليه السلام: (شر الاخوان من تكلف له) اي اوقع الانسان نفسه في الكلفه و المشقه، لاجله (قال الرضي (ره)): لان التكليف مستلزم للمشقه، و هو شر لازم عن الاخ المتكلف له، فهو شر الاخوان).

حكمت 471

[صفحه 485]

و قال عليه السلام: (اذا احتشم المومن اخاه) اي خجل منه في اموره (فقد فارقه) اذ لا تبقي الاخوه مع الخجل في البين، و انما يكون الاخ من يكون موضع سر الانسان. (قال الرضي (ره)): يقال: حشمه و احشمه اذا اغضبه، و قيل، اخجله (او احتشمه) طلب ذلك له، (هو مظنه مفارفته).

كلمات غريب

كلمه غريب 001

[صفحه 383]

و في حديثه عليه السلام: (فاذا كان ذلك) اشاره الي ظهور علامات خروج الامام المهدي عليه السلام (ضرب يعسوب الدين بذنبه) اي قام و استقام و اطمئن (فيجتمعون اليه) اي الناس (كما يجتمع قزع الخريف) قال الرضي (ره): (اليعسوب السيد العظيم، المالك لامور الناس يومئذ، و القزع قطع الغيم التي لا ماء فيها).

كلمه غريب 002

[صفحه 383]

و في حديثه عليه السلام: (هذا الخطيب الشحشح) (يريد الماهر بالخطبه الماضي فيها، و كل ماضي في كلام او سير فهو شحشح، و الشحشح في غير هذا الموضع البخيل الممسك) فقد ورد انه عليه السلام راي خطيبا يخطب فقال: (ما هذا الخطيب الشحشح)؟.

كلمه غريب 003

[صفحه 384]

و في حديثه عليه السلام: (ان للخصومه قحما) (يريد بالقحم المهالك، لانها تقحم اصحابها في المهالك و المتالف (اي مواضع الهلكه و التلف) في الاكثر، و من ذلك، قحمه الاعراب) و هو ان تصيبهم السنه فتتعرق اموالهم (اي تتم و تنتهي) فذلك تقحمها فيهم (قيل فيه وجه آخر، و هو انها تقحمهم بلاد الريف، اي تحوجهم الي دخول الحضر، عند محول البدو) فقد روي انه عليه السلام و كل اخاه عقيل في خصومه، لانقاذ حقه، و قال هذه الجمله، و اتمها بقوله عليه السلام: (و ان الشيطان ليحضرها).

كلمه غريب 004

[صفحه 384]

و في حديثه عليه السلام: (اذا بلغ النساء نص الحقاق، فالعصبه اولي) (و النص منتهي الاشياء و مبلغ اقصاها) كالنص في السير، لانه اقصي ما تقدر عليه الدابه، و تقول نصصت الرجل عن الامر، اذا استقصيت مسالته عنه، لتستخرج ما عنده فيه، فنص الحقائق يريد به الادارك، لانه منتهي الصغر، و الوقت الذي يخرج منه الصغير الي حد الكبير، و هو من افصح الكنايات عن هذا الامر. (و اغرابها يقول): فاذا بلغ النساء ذلك فالعصبه اولي بالمرئه من امها اذا كانوا محرما، مثل الاخوه و الاعمام، و بترويجها ان ارادوا ذلك، و الحقاق: محاقه الام للعصبه في المرئه، و هو الجدال و الخصومه، و قول كل واحد منهما للاخر (انا احق منك بهذا) يقال منه: حاققته حقاقا، مثل جادلته جد الا، و قد قيل: ان نص الحقاق (بلوغ العقل) و هو الادراك لانه عليه السلام انما اراد منتهي الامر الذي تجب فيه الحقوق و الاحكام، و من رواه (نص الحقائق) فانما اراد جمع حقيقه، هذا معني ما ذكره ابوعبيد القاسم بن سلام. و الذي عندي: ان المراد بنص الحقائق ههنا

بلوغ المرئه الي الحد الذي يجوز فيه تزويجها و تصرفها في حقوقها تشبيها بالحقاق من الابل، و هي: جمع حقه و حق،- بكسر الحاء فيها- و هو الذي

استكمل ثلاث سنين، و دخل في الرابعه، و عند ذلك يبلغ الي الحد الذي يتمكن فيه من ركوب ظهره، و نصه في السير، و الحقائق ايضا جمع حقه، فالروايتان جميعا ترجعان الي معني واحد، و هذا اشبه بطريقه العرب من المعني المذكور)، و العصبه هم الاخوه و الاعمال و من اشبه، سموا به لانهم يتعلقون بالاب، من عصب اذا تعلق، او لانهم يتعصبون للانسان في المشاكل و الخصومات، و يتحمل في نص الحقاق، بلوغ الثدي ارتفاعه.

كلمه غريب 005

[صفحه 386]

و في حديثه عليه السلام: (ان الايمان يبدو لمظه في القلب) كانه بصيص نور (كلما ازداد الايمان ازدادت اللمظه) و اللمظه مثل النكته او نحوها من البياض، و منه قيل فرس المظ اذا كان بجحفلته (هي في الحيوان بمنزله الشفه للانسان) شي ء من البباض.

كلمه غريب 006

[صفحه 387]

و في حديثه عليه السلام: (ان الرجل اذا كان له الدين الظنون) اي المحتمل ادائه و عدمه (يجب عليه ان يزكيه لما مضي اذا قبضه) بان يخرج زكاته (فالظنون: الذي لا يعلم صاحبه ابقضيه من الذي هو عليه ام لا، فكانه الذي يظن به، فمره يرجوه، و مره لا يرجوه، و هذا من افصح الكلام، و كذلك كل امر تطلبه، و لا تدري علي اي شي ء انت منه، فهو ظنون، و علي ذلك قول الاعشي: (ما يجعل الجد الظنون الذي) (جنب صوب اللجب الماطر) (مثل الفراتي اذا ما طمي) (يقذف بالبوطي و الماهر) (و الجد البئر العاديه في الصحراء، و الظنون التي لا يعلم هل فيها ماء ام لا)، و اللجب السحاب المصوت ذو الرعد، و الفراتي الفرات، و الياء للتاكيد و البوصي ضرب من صغار السفن، و الماهر السابح، و المعز: لا يتساوي البئر المحتمل كون الماء فيها، التي لم يمر عليها السحاب الماطر ليملاها، مع نهر الفرات الممتلي، الذي لكثره مائه يقذف بالسفينه و السابح، و هذا مثل يضرب لبيان غدم استواء البخيل و الغني.

كلمه غريب 007

[صفحه 388]

و في حديثه عليه السلام: (انه شيع جيشا يغزيه) اي يجعله يحارب (فقال: (اعذبوا عن النساء ما استطعتم) (و معناه اصدفوا) اي: اعرضوا (عن ذكر النساء) و شغل القلب بهن، و امتنعوا غن المقاربه لهن، لان ذلك يفت في عضد الحميه (اي يضعب حميه الانسان و يكسرها، فلا جد له علي القتال) و يقدح في معاقد العزيمه (العزيمه النيه و معاقدها محل غقدها في القلب) و يكسر عن العدو (اي يسبب عدم تمكن الانسان من لجري و الركض) و يلفت عن الابعاد في الغزو (اي يصرف الانسان عن

ان ينظر نظره بعيده حاله الحرب (و كل من امتنع من شي ء فقد اعذب عنه و العاذب و العذوب الممتنع من الاكل و الشرب) و ذلك لان المقاربه تضعف القوه البدنيه، و القوه النفسيه، و ذلك سبب ما ذكر، و يحتمل في العباره ان يكون المراد عدم تعرض الجيش بالنساء و ايذاء هن- كما هو من وصايا الاسلام-.

كلمه غريب 008

[صفحه 389]

و في حديثه عليه السلام: (كالياسر الفالج ينتظر اول فوزه من قداحه) (الياسرون هم الذين يتضاربون بالقداح علي الجزور) الجزور الناقه المجزوره اي المنحوره، و القداح السهام، و المضاربه المقامره علي اجزاء الناقه (و الفالج القاهر و الغالب، يقال: فلج عليهم و فلجهم، و قال الراجز: (لما رايت فالجا قد فلجا) اي غالبا قد غلبا.

كلمه غريب 009

[صفحه 389]

و في حديثه عليه السلام: (كنا اذا احمر الباس) اي اشتد الحرب (اتقينا برسول (ص)) اي لذنابه حذرا من العدو، لان العدو كان يخاف من الاقتراب منه (فلم يكن احد منا اقرب الي العدو منه) لشجاعته الفائقه (ص) (و معني ذلك اذا عظم الخوف من العدو و اشتد عضاض الحرب) اي عضته للمقاتلين (فزع المسلمون الي قتال رسول (ص) بنفسه) اي طلبوا اليه (ص) ان يقاتل بنفسه (فينزل الله عليهم النصر به) اي لسببه (ص). (و يامنون مما كانوا يخافون، بمكانه) اي بسبب مكانته في الشجاعه (و قوله اذا احمر الباس: كنايه عن اشتداد الامر، و قد قيل في ذلك اقوال، احسنها: انه عليه السلام شبه حمي الحرب بالنار) حمي الحرب، اي: اشتدادها (التي تجمع الحراره و الحمره بفعلها و لونها، و مما يقوي ذلك قول رسول (ص)، و قد راي مجتلد الناس)، اي اجتلادهم و اقتتالهم (يوم حنين، و هي حرب هوازن (الان حمي الوطيس) فالوطيس مستوقد النار) اي محل ايقادها (فشبه رسول (ص)، ما استحر من جلاد القوم) اي ما اشتد من قتالهم (باحتدام النار، و شده التهابها). (انقضي هذا و رجعنا الي سنن الغرض في هذا الباب) من ذكر الحكم و الكلمات القصار.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.