مشارق انوار اليقين في اسرار المومنين

اشارة

سرشناسه: حافظ برسي ، رجب بن محمد، قرن 8؟ق.

عنوان و نام پديدآور: مشارق انوار اليقين في اسرار المومنين / تاليف الحافظ رجب البرسي .

مشخصات نشر: قم : مكتبه الحيدريه ، 1416 ق = 1375.

مشخصات ظاهري: 253 ص.

شابك: 4500 ريال

وضعيت فهرست نويسي: برون سپاري.

يادداشت: عربي .

يادداشت: چاپ قبلي : شريف الرضي ، 1373.

يادداشت: كتابنامه به صورت زيرنويس .

موضوع: علي بن ابي طالب (ع)، امام اول، 23 قبل از هجرت - 40 ق.

موضوع: علي بن ابي طالب (ع)، امام اول، 23 قبل از هجرت - 40ق -- خطبه ها

موضوع: غلاه شيعه

موضوع: امامت

موضوع: ولايت

رده بندي كنگره: BP37/34 /ح 2م 5 1375

رده بندي ديويي: 297/951

شماره كتابشناسي ملي: م 75-8085

ترجمة المصنف

بسم اللَّه الرحمن الرحيم

كتاب مشارق أنوار اليقين للحافظ رجب البرسي من الكتب التي جمعت مناقب وأسرار آل محمد صلوات المصلين عليهم ما طلع نجم، بل لنا أن نقول أنه تفرد في نقل بعض المناقب والأسرار، مما واجهتنا مشكلة في تخريج تلك المناقب.

ومؤلف هذا الكتاب من الحفاظ المشهورين بالعلم والتقوي والعرفان، وشدة ولائه لآل محمد عليهم السلام، وإبراز ما أخفوه عن بعض شيعتهم، حتي رماه من لا تحقيق له ولا اطلاع له علي جلّ روايات أهل البيت عليهم السلام بالغلو.

وسوف تعرف من كلام العلامة الخبير الأميني حقيقة الحال:

-قال العلامة الأميني [1].:

الشيخ رضي الدين رجب بن محمد بن رجب البرسي الحلي المعروف بالحافظ: من عرفاء علماء الإماميّة وفقهائها المشاركين في العلوم، علي فضله الواضح في فنّ الحديث، وتقدّمه في الأدب وقرض الشعر وإجادته، وتضلّعه في علم الحروف وأسرارها واستخراج فوائدها، وبذلك كله تجد كتبه طافحة بالتحقيق ودقّة النظر، وله في العرفان والحروف مسالك خاصّة، كما أنّ له في ولاء أئمة الدين عليهم السلام آراء ونظريات لا يرتضيها لفيفٌ من الناس، ولذلك رموه بالغلوِّ والارتفاع، غير أنّ الحقّ أنّ جميع ما يثبته المترجم لهم عليهم

السلام من الشؤون هي دون مرتبة الغلوّ وغير درجة النبوّة، وقد جاء عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام قوله: إيّاكم والغلوّ فينا، قولوا: إنّا عبيدٌ مربوبون. وقولوا في فضلنا ما شئتم [2]. وقال الإمام الصادق عليه السلام: اجعلوا لنا ربّاً نؤوب إليه وقولوا فينا ما شئتم.

وقال عليه السلام: اجعلونا مخلوقين وقولوا فينا ما شئتم فلن تبلغوا [3].

وأنّي لنا البلاغ مدية ما منحهم المولي سبحانه من فضائل ومآثر؟ وأنّي لنا الوقوف علي غاية ما شرّفهم اللَّه به من ملكات فاضلة، ونفسيّات نفيسة؛ وروحيّات قدسيّة، وخلائق كريمة، ومكارم ومحامد؟ فمن ذا الذي يبلغ معرفة الإمام؟ أو يمكنه اختياره؟ هيهات هيهات ضلّت العقول، وتاهت الحلوم، وحارت الألباب، وخسئت العيون، وتصاغرت العظماء، وتحيّرت الحكماء، وتقاصرت الحلماء، وحصرت الخطباء، وجهلت الألبّاء، وكلّت الشعراء، وعجزت الأدباء، وعييت البلغاء عن وصف شأن من شأنه، وفضيلة من فضائله، وأقرّت بالعجز والتقصير؛ وكيف يوصف بكلّه؟ أو ينعت بكنهه؟ أو يفهم شي ء من أمره؟ أو يوجد من يقوم مقامه ويغني غناه؟ لا. كيف؟ وأنّي؟ فهو بحيث النجم من يد المتناولين ووصف الواصفين، فأين الاختيار من هذا؟ وأين العقول عن هذا؟ وأين يوجد مثل هذا؟ [4].

ولذلك تجد كثيراً من علمائنا المحقّقين في المعرفة بالأسرار يثبتون لأئمة الهدي صلوات اللَّه عليهم كلَّ هاتيك الشؤون وغيرها ممّا لا يتحمّله غيرهم، وكان في علماء قم من يرمي بالغلو كلَّ من روي شيئاً من تلكم الأسرار حتي قال قائلهم: إنَّ أوّل مراتب الغلوّ نفي السهو عن النبيّ صلي الله عليه و آله و سلم. إلي أن جاء بعدهم المحقّقون وعرفوا الحقيقة فلم يقيموا لكثير من تلكم التضعيفات وزناً، وهذه بليّة مُني بها كثيرون من أهل الحقائق والعرفان ومنهم المترجم، ولم

تزل الفئتان علي طرفي نقيض، وقد تقوم الحرب بينهما علي أشدّها، والصلح خير.

وفذلكة المقام أنّ النفوس تتفاوت حسب جبلّاتها واستعداداتها في تلقّي الحقائق الراهنة، فمنها ما تبهظه المعضلات والأسرار، ومنها ما ينبسط لها فيبسط إليها ذراعاً ويمدُّ لها باعاً، وبطبع الحال أنّ الفئة الأولي لا يسعها الرضوخ لما لا يعلمون، كما أنّ الآخرين لا تبيح لهم المعرفة أن يذروا ما حقّقوه في مِدحرة البطلان، فهنالك تثور المنافرة، وتحتدم الضغائن، ونحن نقدِّر للفريقين مسعاهم لما نعلم من نواياهم الحسنة وسلوكهم جدد السبيل في طلب الحقّ ونقول:

علي المرء أن يسعي بمقدار جهده

وليس عليه أن يكون موفَّقا

ألا إنّ الناس لمعادن كمعادن الذهب والفضة [5] وقد تواتر عن أئمة أهل البيت عليهم السلام: أنّ أمرنا - أو حديثنا - صعب مستصعب لا يتحمّله إلّا نبيٌّ مرسلٌ أو ملكٌ مقرّبٌ، أو مؤمنٌ امتحن اللَّه قلبه للإيمان [6].

إذن فلا نتحرّي وقيعة في علماء الدين ولا نمسُّ كرامة العارفين، ولا ننقم من أحد عدم بلوغه إلي مرتبة من هو أرقي منه، إذ لا يكلِّف اللَّه نفساً إلّا وسعها. وقال مولانا أمير المؤمنين عليه السلام: لو جلست أُحدِّثكم ما سمعت من فم أبي القاسم صلي الله عليه و آله و سلم لخرجتم من عندي وأنتم تقولون: إنَّ علياً من أكذب الكاذبين [7].

وقال إمامنا السيّد السجّاد عليه السلام: لو علم أبو ذر ما في قلب سلمان لقتله، ولقد آخي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم بينهما فما ظنّكم بسائر الخلق [8] «وكلّاً وَعَدَ اللَّهُ الحُسْنَي، وفَضَّلَ اللَّهُ المجَاهِدِينَ عَلي القَاعِدِيْنَ أَجْرَاً عَظِيْماً».

وإلي هذا يشير سيّدنا الإمام السجّاد زين العابدين عليه السلام بقوله:

إنّي لأكتم من علمي جواهره

كيلا يري الحقَّ ذو جهلٍ فيفتتنا

وقد

تقدّم في هذا أبو حسنٍ

إلي الحسين وأوصي قبله الحسنا

فرُبَّ جوهر علمٍ لو أبوح بهِ

لقيل لي: أنت ممّن يعبد الوثنا

ولاستحلَّ رجالٌ مسلمون دمي

يرون أقبح ما يأتونه حسنا [9].

ولسيّدنا الأمين في أعيان الشيعة (205 - 193: 31) في ترجمة الرجل كلمات لا تخرج عن حدود ما ذكرناه.

وممّا نقم عليه به اعتماده علي علم الحروف والأعداد الذي لا تتمّ به برهنة ولا تقوم به حجّة، ونحن وإن وافقناه علي ذلك إلّا أنّ للمترجم له ومن حذا حذوه من العلماء كابن شهرآشوب ومن بعده عذراً في سرد هاتيك المسائل فإنّها أشبه شي ء بالجدل تجاه من ارتكن إلي أمثالها في أبواب أخري من علماء الحروف من العامّة كقول العبيدي المالكي في عمدة التحقيق ص155: قال بعض علماء الحروف: يؤخذ دوام ناموس آل الصدِّيق وقيام عزّته إلي انتهاء الدنيا من سرِّ قوله تعالي: «في ذريَّتي» فإنَّ عدّتها بالجمل الكبير ألف وأربعمائة وعشرة وهي مظنّة تمام الدنيا كما ذكره بعضهم فلا يزالون ظاهرين بالعزّة والسيادة مدّة الدنيا، وقد استنبط تلك المدّة عمدة أهل التحقيق مصطفي لطف اللَّه الرزنامجي بالديوان المصري من قوله تعالي: «لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلاً» [10]، قال ما لفظه: إذا أسقطنا مكرّرات الحروف كان الباقي (ل ا ي ب ث و ن خ ف ك ق) أحد عشر حرفاً عددهم بالجمل الكبير ألف وثلثمائة وتسعة وتسعين زدنا عليه عدد الحروف وهو أحد عشر صار المجموع وهو ألف وأربعمائة وعشرة وهو مطابق لقوله تعالي: (ذُريَّتِي».

وسمعت ختام الأعلام شيخنا الشيخ يوسف الفيشي رحمه الله يقول: قال محمّد البكري الكبير: يجلس عقبنا مع عيسي ابن مريم علي سجّادة واحدة وهذا يقوي تصحيح ذلك الاستنباط. ه.

[تهويل ليس عليه تعويل]

ونحن لا ندري ماذا يعني

سيّدنا الأمين بقوله: «وفي طبعه شذوذٌ وفي مؤلَّفاته خبطٌ وخلطٌ وشي ءٌ من المغالاة لا موجب له ولا داعي إليه وفيه شي ءٌ من الضرر وإن أمكن أن يكون له محل صحيح»؟ ليت السيِّد يوعز إلي شي ء من شذوذ طبع شاعرنا الفحل حتي لا يبقي قوله دعوي مجرّدة. وبعد اعترافه بإمكان محمل صحيح لما أتي به المترجم له فأيّ داعٍ إلي حمله علي الخبط والخلط، ونسيان حديث: ضع أمر أخيك علي أحسنه؟ وأيّ ضرر فيه علي ذلك التقدير؟ علي أنّا سبرنا غير واحد من مؤلّفات البرسي فلم نجد فيه شاهداً علي ما يقول، وستوافيك نبذٌ ممتعة من شعره الرائق في مدائح أهل البيت عليهم السلام ومراثيهم وليس فيها إلّا إشارة إلي فضائلهم المسلّمة بين الفريقين أو ثناء جميل عليهم هو دون مقامهم الأسمي، فأين يقع الارتفاع الذي رماه به بعضهم؟ وأين المغالاة التي رآها السيّد؟ والبرسي لا يحذو في كتبه إلّا حذو شعره المقبول، فأين مقيل الخبط والضرر والغلو التي حسبها سيّد الأعيان؟.

وأمّا ما نقم به عليه من اختراع الصّلوات والزيارة بقوله: «واختراع صلاة عليهم وزيارة لهم لا حاجة إليه بعدما ورد ما يغني عنه ولو سلّم أنّه في غاية الفصاحة كما يقول صاحب الرياض» فإنّه لا مانع منه إلّا ما يوهم المخترع أنّها مأثورة، وأيّ وازع من إبداء كلِّ أحد تحيّته بما يجريه اللَّه تعالي علي لسانه وهو لا يقصد ورداً ولا يريد تشريعاً؟ وقد فعله فطاحل العلماء من الفريقين ممّن هو قبل المترجم[له] وبعده، ولا تسمع اُذن الدنيا الغمز عليهم بذلك من أيّ أحد من أعلام الأُمّة.

وأمّا قول سيّدنا: «وإنَّ مؤلفاته ليس فيها كثير نفع وفي بعضها ضررٌ وللَّه في خلقه شؤون سامحه اللَّه وإيّانا»،

فإنّه من شظفة القلم صدر عن المشظف [11] (سامحه اللَّه وإيّانا.

تآليفه القيّمة:

1 - مشارق أنوار اليقين في حقايق أسرار أمير المؤمنين.

2 - مشارق الأمان ولباب حقايق الإيمان. ألَّفه سنة 813.

3 - رسالة في الصّلوات علي النبيِّ وآله المعصومين.

4 - رسالة في زيارة أمير المؤمنين طويلة. قال شيخنا صاحب الرياض: في نهاية الحسن والجزالة واللطافة والفصاحة معروفة.

5 - رسالة اللمعة من أسرار الأسماء والصفات والحروف والآيات والدعوات. فيها فوائد لا تخلو من غرابة كما قاله شيخنا صاحب الرياض.

6 - الدرّ الثمين في خمسمائة آية نزلت في مولانا أمير المؤمنين باتّفاق أكثر المفسِّرين من أهل الدين، ينقل عنه المولي محمد تقي الزنجاني في كتابه: طريق النجاة.

7 - أسرار النبيِّ وفاطمة والأئمّة عليهم السلام.

8 - لوامع أنوار التمجيد وجوامع أسرار التوحيد في أصول العقايد.

9 - تفسير سورة الاخلاص.

10 - رسالة مختصرة في التوحيد والصّلوات علي النبيِّ وآله.

11 - كتاب في مولد النبيِّ وعليِّ وفاطمة وفضائلهم.

12 - كتاب في فضائل أمير المؤمنين غير المشارق.

13 - كتاب الألفين في وصف سادة الكونين.

شعره الرائق:

أضاء بك الاُفق المشرقُ

ودان لمنطقك المنطقُ

وكنت ولا آدم كائناً

لأنّك مِن كونه أسبقُ

ولولاك لم تخلق الكائنات

ولا بان غربٌ ولا مشرقُ

وله في العترة الطاهرة وسيّدهم صلوات اللَّه عليه وعليهم قوله:

إذا رمت يوم البعث تنجو من اللظي

ويُقبل منك الدين والفرض والسننْ

فوال عليّاً والأئمة بعده

نجوم الهدي تنجو من الضيق والمحنْ

فهم عترةٌ قد فوّض اللَّه أمره

إليهم لما قد خصّهم منه بالمننْ

أئمّة حقٍّ أوجب اللَّه حقّهم

وطاعتهم فرضٌ بها الخلق تمتحنْ

نصحتك أن ترتاب فيهم فتنثني

إلي غيرهم من غيرهم في الأنام مَنْ؟

فحبُّ عليٍّ عدّةٌ لوليِّه

يلاقيه عند الموت والقبر والكفنْ

كذلك يوم البعث لم ينج قادمٌ

من النار إلّا مَنْ تولّي أبا الحسنْ

وقال السيد محسن الأمين في أعيان الشيعة

[12].:

كان حيّاً سنة 813 وتوفي قريباً من هذا التاريخ.

(والبرسي) نسبة إلي برس في الرياض بضم الباء الموحدة وسكون الراء ثم السين المهملة، قال: ويظهر من القاموس أنه بضم الباء وفتحها وكسرها. في القاموس قرية بين الكوفة والحلة وقيل برس جبل يسكن به أهله. وعن مجمع البحرين: قرية معروفة بالعراق، ذكر ذلك في ذيل قوله في الخبر أحلي من ماء برس، أي ماء الفرات لأنها واقعة علي شفيره أو هو موضع بين البلدتين المذكورتين وضبطه بكسر الباء، وكذا عن شرح المولي خليل القزويني علي الكافي. أقول: الشائع علي لسان أهل العراق اليوم بكسر الباء، والظاهر أنه اسم قرية هي اليوم خراب كانت علي ذلك الجبل، وهذا الجبل اليوم علي يمين الذاهب من النجف إلي كربلاء وأهل العراق يسمّونه برس ويضربون به المثل للشخص الذي أينما ذهبت وجدته فيقولون فلان مثل برس. وهذا الجبل لعلوّه وعدم وجود جبل سواه في تلك السهول أينما كنت تراه. وأصل الشيخ رجب من تلك القرية ثم سكن الحلّة، وليست النسبة إلي بروسا المدينة المعروفة في الأناضول لأنّ المترجم لم يرها. وفي الرياض قد يتوهّم كون النسبة إليها. وحكي عن الصدر الكبير الميرزا رفيع الدين محمد في رد شرعة التسمية للسيّد الداماد أن كتاب مشارق أنوار اليقين في كشف أسرار حقايق أمير المؤمنين عليه السلام للشيخ الفاضل رضي الدين رجب بن محمد البروسي قال: ولا شك أن البروسي نسبة إلي بلدة بروسا ا ه. وكيف كان فكونه نسبة إلي بروسا غير صواب مع إمكان كون الواو من زيادة النسّاخ.

أقوال العلماء فيه:

في مسودة الكتاب: كان فقيهاً محدِّثاً حافظاً أديباً شاعراً مصنِّفاً في الأخبار وغيرها.

وفي أمل الآمل: الشيخ رجب الحافظ البرسي كان فاضلاً شاعراً

منشئاً أديباً له كتاب مشارق أنوار اليقين في حقائق أسرار أمير المؤمنين عليه السلام وله رسائل في التوحيد وغيره وفي كتابه إفراط وربما نسب إلي الغلو.

وفي الرياض: الشيخ الحافظ رضي الدين رجب بن محمد بن رجب البرسي مولداً والحلّي محتداً الفقيه المحدّث الصوفي المعروف صاحب كتاب مشارق الأنوار المشهور وغيره، كان من متأخّري علماء الإمامية لكنّه متقدّم علي الكفعمي صاحب المصباح وكان ماهراً في أكثر العلوم وله يد طولي في علم أسرار الحروف والأعداد ونحوها كما يظهر من تتبّع مصنّفاته، وقد أبدع في كتبه حيث استخرج أسامي النبي والأئمة عليهم السلام من الآيات ونحو ذلك من غرائب الفوائد وأسرار الحروف ودقائق الألفاظ والمعميات ولم أجد له إلي الآن مشايخ من أصحابنا ولم أعلم عند من قرأ (أقول) ستعرف أنه يروي عن شاذان بن جبرئيل القمي.

وقال المجلسي في مقدّمات البحار عند تعداد الكتب التي نقل منها: وكتاب مشارق الأنوار وكتاب الألفين للحافظ رجب البرسي ولا أعتمد علي ما ينفرد بنقله لاشتمال كتابيه علي ما يوهم الخبط والخلط والارتفاع وإنّما أخرجنا منهما ما يوافق الأخبار المأخوذة من الأصول المعتبرة. وفي الرياض التأمّل في مؤلّفاته يورث ما أفاده الأستاذ المجلسي والمعاصر صاحب الأمل من الغلو والارتفاع لكن لا إلي حدّ يوجب عدم صحّة الاعتقاد [13].

2: شوال: 1420 ه حرره علي عاشور

الموافق 2000 / 1 / 10 م لبنان: شقراء

تمهيد

بسم اللَّه الرحمن الرحيم

الحمد للَّه الواجد لا من قلّة، الموجود لا من علّة، والصلاة علي المبعوث لأشرف ملّة، وآله النجوم والأهلة.

وبعد فيقول المخلوق من الماء المهين العبد الفقير المسكين المستكين المؤمن بوحدانية ربّ العالمين، المنزّه عن أقوال الظالمين، وشبه الظالمين، وضلال المشبهين، وإلحاد المبطلين، وإبطال الملحدين، الشاهد بصدق الأنبياء والمرسلين،

وعصمة الأولياء الصدّيقين، والخلفاء الصادقين، المصدّق بيوم الدين، رجب الحافظ صان اللَّه إيمانه، وأعطاه في الدارين أمانه، هذه رسالة في أصول الكتاب سمّيتها (لوامع أنوار التمجيد، وجوامع أسرار التوحيد) أودعتها ديني واعتقادي، وجعلتها زادي ليوم معادي، قدّمتها لوجوب تقديم التوحيد، علي سائر العلوم، وأتبعتها كتاباً سمّيته (مشارق أنوار اليقين، في إظهار أسرار حقائق أمير المؤمنين) فكان هذا الكتاب الشريف جامعاً لحقائق أسرار التوحيد، والنبوّة والولاية، موصلاً لمن تأمّله وأم له إلي الغاية والنهاية، واللَّه المعين والهادي.

فأقول متوكّلاً ومتوسّلاً: أشهد أن لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريك له، شهادة يوافق فيها السرّ الإعلان، والقلب اللسان، الحي القيوم، الموجود بغير أنية، المعروف بغير كيفية، سبحان اللَّه العظيم في مجده، قيوم بذاته وصفاته، غني عن جميع مخلوقاته، وحده لا شريك له بَعُد فاقترب، وظهر فاحتجب، فلا بُعده بُعد مسافة، ولا قربه قرب كثافة، قرب إلي الأسرار ببرّه ورحمته، وبعُد عن الأبصار بأشعة جلال عظمته، نأي عن العيون بشدّة جماله؛ واختفي عن العيان بكمال نوره، فظهر بغيبه، وغاب بظهوره، فهو ظاهر لا يُري، وباطن لا يُخفي، يُعرف بفطر القلوب، وهو في سواتر الغيوب، تجلّي بجمال صفاته من كل الجهات، فظهر وتجلّي بكمال ذاته عن كل الجهات، فاستتر الفرد المجرّد عن المواد والصور، فهو الرفيع في جلاله، البديع في جماله، وحده لا شريك له، وجوده وجود إيمان لا وجود عيان، دلّت عليه آياته، وشهدت بوحدانيته مصنوعاته، وأقرّت بربوبيته أرضه وسمواته، كل حادث دليل عليه، ومستند في وجوده إليه، ومشير بالعظمة والكبرياء إليه، فمفهومه ومعناه، تقدّس في عزّه وعلاه، أنه ذات واحدة لا تحدّها فكرة، ولا تحاولها كثرة، لها الجلال والإكرام، والبقاء والدوام، والملك المؤبد، والسلطان السرمد، والعزّ المنيع، والمجد

الرفيع، فالحق عزّ اسمه وجل جلاله، واحد من جميع الجهات، فرد صمد بكل العبادات، قيوم أحد بأكمل الدلالات، ربّ وتر بالذات والصفات، معبود حقّ بسائر اللغات، لا تحكيه العبارات، ولا تحويه الإشارات، فذاته الأزلية الأبدية القيومية الرحمانية، المقدّسة بالوحدة الحقيقية، المنزّهة عن الكثرة الصورية، مبدأ لسائر الموجودات، ومنبع لسائر الكمالات، موصوفة بأكرم الصفات، مسلوب عن جمال كمالها النقائص والحاجات، متعالية عن الأحياز والجهات، منزّهة عن مشابهة المحدثات، مبراة عن المقولات، فسبحان القيوم، الذي لم يزل ولا يزال، الفرد المنزّه عن الحلول والانتقال، وحده لا شريك له، كان ولم يزل كائناً، ولا سماء مبنية، ولا أرض مدحية، ولا خافق يخفق، ولا ناطق ينطق، ولا ليل داج، ولا صبح مشرق، كان اللَّه ولا شي ء معه، وهو علي ما كان لم يتكثر بخلقه أبداً، فسبحان مَنْ أيَّنَ الأين، فلا أين يحويه، وكيَّف الكيف فلا كيف يحكيه، وتعالي عن المكان والزمان، فلا وقت يباريه، وحده لا شريك له، جل عن أجل معدود، وأمد ممدود، وتعالي عن وقت محدود، الحي الحميد المحمود، قدوس، سبوح، ربّ الملائكة والروح، حي لا يموت.

فسبحانه من أزلي قديم، سبقَ العدمَ وجودُه، والأزلَ قِدمُه، والمكانَ كونُه، وعزّ عن المزاوجة اسمه، وحده لا شريك له، ليس لقدمه رسم، ولا حدٌّ، ولا لملكه قبلٌ ولا بعد، ولا لأمره دفع ولا ردّ، ولا لسلطانه ضدّ ولا ندّ، تقدّس القيوم في جلال عظمته، ودوام سلطنته، وحده لا شريك له، لا تدركه الحواس، فيوجد له شكل، ولا يشبه بالناس فيكون له مثل، امتنعت عن إدراك ذاته عيون العقول، وانقطعت دون وصف صفاته أسباب الوصول، حي قيوم، وجوده لذاته بذاته عن ذاته، لا لعلّة تقوّمه فيكون ممكناً، ولا لسبب يتقدّمه فيكون محدثاً،

ولا لكثرة تزاحمه فيكون للحوادث محلّاً، حي قبل كل حي، وحي بعد كل حي، واجب الحياة لكل حي، وحي لم يرث الحياة من حي، فهو المعبود الحق، والإله المطلق، أحدي الذات، واحدي الصفات، أزلي اللاهوت، أبدي الملكوت، سرمدي العظمة، والجلال والجبروت، حي قيوم لا يموت، لا تحكيه الشواهد، ولا تحويه المشاهد، ولا تحجبه السواتر، ولا تبلغه النواظر، لا يدركه بُعد الهمم، ولا يناله غوص الفطن، وجهه حيث توجهت، وطريقه حيث استقمت، لا تجري عليه الحركة والسكون، فكيف يجري عليه ما هو أجراه، لا إله إلّا هو اللَّه، فمن وصف اللَّه سبحانه فقد حدّه، ومن حدّه فقد عدّه، ومن عدّه فقد ثنّاه، ومن ثناه فقد أبطله، إذ ليس في الأشياء؛ وإلّا لكان محدوداً، ولا منها؛ وإلّا لكان معدوداً، فهو بعيد عنها، دانٍ إليها، قائم بها، قيوم عليها، لا يتجزي فيعد، ولا يتكثّر فيحدّ، ما وحّده من كيّفه، ولا حقيقته أصاب من مثله، ولا إيّاه عني من شبَّهه، ولا حمده من أشار إليه وتوهّمه، الحكم العدل الذي لا يتوهم ولا يتهم، شهدت العقول والنفوس، وشاهدت العيون والمحسوس: أن العالم متغيّر، وكل متغيّر جسم، وكل جسم حادث، وكل حادث له محدث، وذلك المحدث هو الخالق المقدر، والباري ء المصوّر، والجبّار المتكبّر، لافتقار الأثر إلي المؤثر، فهو الربّ القديم، العلي العظيم، الغني الكريم، الجواد الرحيم، الذي صدر العالم عنه وابتدعه، وتعالي عنه، فهو المبتدي ء الأوّل، الذي فاض عن وجود وجود كل موجود، والمبدأ الأوّل واجب لذاته، والواجب لذاته حي قيوم، والحي القيوم قديم أزلي، والقديم واجب الوجود ودائم الوجود، واحد من جميع الجهات، والواحد الحق يستحيل أن يكون جسماً، لأن الجسم يلزمه التركيب والكثرة، وكل مركّب له أوّل، وما له

أوّل محدث، والقيوم الحق مجرّد عن كل مادة، منزّه عن كل صورة، مقدّس عن كل كثرة، مبرأ عن كل وصف، لا يشمله حدّ أو يبدأ له عدّ، أو يتناوله رسم، أو يكشفه اسم، لا تحويه الأقطار، ولا تبديه الأفكار، ولا تدركه الأبصار، وكيف تدركه الأبصار وهي خلقه؟ أو كيف تحويه الأقطار وهي صنعه؟ والصنعة علي نفسها تدل، وفي مثلها تحل، فسبحانه قيوم حق، لا أوّل لوجوده، ولا نهاية لملكه وجوده، والعالم كله بالعدم مسبوق، وبالفناء ملحوق، فكلها سوي الحي القيوم محدث ومركب ومفتقر، والحق عز اسمه فرد مجرّد، لا كثرة في ذاته وصفاته، هو واحد لا ينقسم تقديراً ولا حداً، واحداً لا يقارب نظيراً ولا ضدّاً، واحداً ذاتاً ونعتاً، وكلمة وعداً، فله الوحدة اللائقة بكرم وجهه، وعز جلاله، كالإلهية المحضة، والإله المطلق هو اللَّه سبحانه، كل الكل، ومعبود الكل، وخالق الكل، والعالي علي الكل، والمتعالي عن الكل، والعلي عن الكل، والمنزّه عن الكل، والبري ء عن الكل، والعالم بالكل، والمظل علي الكل؛ والمطّلع علي الكل، والحافظ الكل، والحفيظ علي الكل، والقائم بالكل، والقيوم علي الكل.

فا0لرب الأزل القديم واحد حقاً، وصمد يبقي، وقيوم معبود صدقاً؛ فسبحان من تفرّد بالوحدانية والجلال، وتقدّس بالمجد والجمال، وتعزّز بالبقاء والكمال، وحكم علي الخليقة بالفناء والزوال، فكل شي ء هالك إلّا وجهه، فليس علي الحقيقة معبود حق إلّا اللَّه وحده لا إله إلّا اللَّه، لا إله إلّا اللَّه نفي وإثبات، والحق ثابت لم يزل ولا يزال، والضد جل عن الضدّ، عدم محض، ينفي الغير من وقع النفي والإثبات، فمعني كلمة التوحيد، وآية التجريد أنه لا إله في وجود، حي موجود، له الركوع والسجود، واحد لذاته، غني عن جميع مخلوقاته، قادر عالم، حي سميع،

بصير مريد، كاره غني، واحد منزّه عن كل نقص، طاهر من كل عيب، ذاته وصفاته، مستحق للعبادة، لا إله إلّا اللَّه اسمه، والرحمن نعته، والأحد ذاته، والواحد صفاته، واسمه اللَّه، عز عن اسم، علم لذاته المقدّسة، جامع لجلال صفات الجلال والعظمة، مانع من الشركة في الحقيقة والتسمية الرحمن، ولا شبيه [له ولا]يسمّي أحد بأسمائه، ولا شريك له في ملكه وكبريائه، ولا شبه له في عظمته وآلائه، ولا منازع له في أمره وقضائه، ولا معبود سواه في أرضه وسمائه، ربّ قديم، وملك عظيم، غني كريم، لا شريك له في الإلهية، ولا شبيه له في الماهية، جلّ عن الشبيه والمثيل، وتعالي عن التشبيه والتمثيل، عز عن ولد ينفعه، وتقدّس عن عدد يجمعه، الواحد الأحد، الذي لا يشبهه أحد، ولا يساويه أحد، له الجلال الباهر، والجبروت القاهر، والملكوت الزاهر، والسلطان الفاخر، هو الأوّل والآخر، والباطن والظاهر، الأوّل بالذات، والآخر بالصفات، والظاهر بالآيات، والباطن عن التوهمات، حارت في إدراك ملكات ملكوته مذاهب التفكير، وغارت عن الرسوخ في علمه جوامع التفسير، تاهت العقول في تيه عظمته، وهامت الأوهام في بيداء عزّته، حماها نور الأحدية، وغشاها جلال سبحات الربوبية، عن إدراك حقيقته الإلهية، فرجع الطرف خاسئاً حسيراً، والعقل مبهوتاً مبهوراً، والفكر متحيّراً مذعوراً، والوهم مذموماً مدحوراً؛ فسبحان الملك الحق المتعالي عن الجهات والأمكنة، الذي لا تأخذه نوم ولا سنة، ولا تصف جلال كمال عظمته الألسنة اللسنة، لا يحويه مكان، ولا يخلو منه مكان، ولا يصفه لسان، به كان الخلق لا بالخلق كان.

إن قلت: متي فقد سبق الكون كونه؛ أو قلت قبله فالقبل بعده؛ أو قلت أين؟ فقد تقدّم المكان وجودُه؛ أو قلت كيف؟ فقد أصحت [14] عن الوصف صفته؛ أو قلت

مم؟ فقد باين الأشياء كلّها؛ أو قلت هو، فالهاء والواو كلامه.

بالكلمة تجلّي الصانع للعقول، وبها احتجب عن العيون، فسبحان من جوده آية وجوده، وأنوار عظمته مانعة من سهوده، لم يزل، ولا يزال، أزلياً أبدياً في الغيوب، ليس فيها أحد غيره ولا معبود سواه، لا يجوز عليه التشبيه الذي يرقبه فهمك، ولا التشكيك الذي ينتجه وهمك، الجبّار الذي فتق ورتق ظلام العدم بقوّته وقهره، فأهلَّ الوجود بلا إله إلّا اللَّه، وأتقن نظام الموجودات بقدرته وأمره، فليس خالق إلّا اللَّه خالق السَّموَات، وبالعدل فطرها، وأجري فيها شمسها وقمرها، فهي دائرة بقهره، طالعة لأمره، ملأها بالأنوار، وقدّسها بالأبرار، وحرسها بالشهب الثواقب من الأغيار، وحفظها من الأود والانفطار، فهي عالم الملكوت، وقبة الجبروت، وسرادق العظمة والجلال والجبروت، سقفاً مرفوعاً، وسمكاً محفوظاً، بغير عمد يدعمها، ولا دسار يقبضها، لم يشيّدها سبحانه خوفاً من سطوة سلطان، ولا خشية من نزول حدثان، بل جعلها دليلاً للناظر، وعلماً للسائر، تدلّ آياتها علي عظمته، ورفعتها علي قدرته، وكمال لطفه وحكمته، فمن نظر في خلق السَّموَات، وتعاقب حركات السيارات، واختلاف الليل والنهار، وما تضمن ذلك من الحكمة العجيبة، والقدرة الغريبة، بل في نفسه، وتركيب جسده، شاهد في كل لحظة، وعاين في كل لمحة، شاهد حق، وناطق صدق، ينطق بأن صانعه حي قيوم قدير، ويشهد بأن موجده ربّ حكيم خبير.

سماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج، وقمر ذو إشراق، وسراج وهاج، وسحاب صاعد، وماء فجاج، وأجسام ذات أعضاء، وأحياء وأمشاج، والكل يدلّون علي الصانع القدير، فسبحان من فطر الخلائق علي عظائم المختلفات، وأنطقهم بغرائب اللغات، وقدّر لهم الأعمار والأرزاق والأقوات، فهو الخالق العليم، الذي لا يعزب عن علمه مثقال ذرة، ولا يغيب عن حفظه

مكيال قطرة، فكيف يغيب عنه ما هو أبداه، ويخفي عليه ما هو أنشأه، لأن الخالق عالم بخلقه، محيط بصنعه، ومؤلف بين عناصره، شاهد بحقائقه وسرائره، مدرك بباطنه وظاهره، فهو العالم بخفيات الغيوب، الشاهد لسرائر القلوب، فالأعضاء شهوده، والجوارح جنوده، والضمائر غيوبه، والسرائر عيانه، فلا يخفي عليه شي ء من خلقه، ولا يعزب عنه شي ء من صنعه، وكيف يغيب عنه ما هو أبداه، ويخفي عليه ما هو أنشأه، فسبحانه من قادر عليم؛ لم يزل علي الأسرار رقيباً، ومن الأرواح قريباً، وعلي الأعمال حسيباً، فهو الرقيب القريب، الشاهد الذي لا يغيب، فسبحان القيوم القدير، المتكلِّم الخبير، السميع البصير، سمعه منزّه عن الأصمخة والآذان، وبصره منزّه عن الحدقة والأجفان، وكلامه جل عن الآلات واللسان، فطر العقول فلا ضدّ حضره حين فطرها، وبرأ النفوس فلا ندّ خبره حين اختبرها، وحده لا شريك له، الروح قطرة من قطرات بحار ملكوته، والنفس شعلة من شعلات جلال جبروته، والسَّموَات السبع والأرض ومن فيهن ذرة من ذرات قدرته،وسبعون ألف عالم أثر من آثار حكمته، والعالم بأسره سرّ من أسرار صنعته، والكل شاهد بأنه هو الذي لا إله إلّا هو وحده لا شريك له في جلال كبريائه وعظمته، أهل السَّموَات يظنونه من الأرض، وأهل الأرض يظنونه في السماء، وهو الصمد الديان، المنزّه عن الأين والمين، الموجود في كل مكان، المتعالي عن الإدراك بالبصر والعين، العالي عن الحدوث والحدثان، الواحد الفاضل عن الاثنين، المعبود في كل زمان.

خلق الإنسان فقدره، وأحسن خلقه وصوّره، وشقَّ سمعه وبصره، خلقه من ماءٍ مهين نطفة، وأنشأه من الحق شرعة ومنهاجاً، وفطره علي التوحيد، وأوقد له من العقل سراجاً، وحل له رباط الضريح [15] بأنامل الفرج والاعتبار، وأخرجه من مشيمة الرحم بيد

المشية والرحمة والاقتدار، ودفع له دم الطمث في الصدر لبناً، وغذاه برزقه، وأخرجه إليه سهلاً ليناً ورباه بلطفه، وأنبته نباتاً حسناً، وجعل له سمعاً يسمع آياته، وعقلاً يفهم كلماته، ويدرك صفاته، وبصراً يري قدرته، وفؤاداً يعرف عظمته، وقلباً يعتقد توحيده، ولساناً ينشر تمجيده، وجعل جسده مدينته، والروح منه خليفته، وقلبه كعبته وبيته، الذي أطاف به ملائكته، وكرَّمه وفضَّله، وفض له سوابغ النعماء، وأمره بمعرفته، ليشكره علي عميم العطاء والنعماء، وأسكنه دار المحنة والابتلاء، وأرسل عليه الرسل ونصب له الأدلّاء، وساقه بسوط القهر إلي ميدان الفناء، وساوي بالموت بين الملوك والفقراء، ذلك لطف وعدل لنفوذ قلم القضاء، والوصول إلي دار البقاء، وإعادتهم بعد الموت لطفاً واجباً لإيصال العوض والجزاء، فسبحان من فطر الخلائق، فلم يعيَ بخلقهم حين ابتدأهم، ولم يستأنس بهم حين أوجدهم وأنشأهم، ولم يستوحش لفقدهم إذ أماتهم وأفناهم، ولم يعجزه بعثهم إذ هو أهون عليه إذا دعاهم، للمحسنات وناداهم، تبارك القوي القدير، علمه بهم قبل التكوين كعلمه بهم بعد الإيجاد والتبيين، فسبحان من ألهم، ومن له الفضل والمنن.

آمنت بذي الملك والملكوت، وأسلمت لذي العزّة والجبروت، وتوكّلت علي الحي الذي لا يموت، الربّ المنفرد بالوحدانية وعدم القرين، الحي القوي، العلي الغني عن المعين، شهدت بواجب الوجود، ومفيض الكرم والجود، بالأحدية التي لا تحد والوحدانية التي لا تعد، والصمدانية التي ليس لها قبل ولا بعد، والإلهية البسيطة التي كل لها ملك ومملوك، وعبدت من سري وفؤادي وروحي وخيالي وسوادي، بأن اللَّه هو الحق المبين وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، الرب الفرد الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد.

شهدت لربي ومولاي مصور ذاتي، ومقدّر صفاتي، الذي له نسكي وصلاتي ومحياي ومماتي،

بأنه هو الذي لا إله إلّا هو ربّ كل شي ء، وخالق كل شي ء ومعبود كل شي ء، وملك كل شي ء، ومالك كلّ شي ء وبيده ملكوت كل شي ء، القيوم الأوّل، قبل وجود كل شي ء، والحي الباقي بعد فناء كل شي ء، الواحد المسلوب عنه الشبيه والنظير، الأحد الذي لا كمثله شي ء، وهو السميع البصير، لا تدركه الأبصار، وهو يدرك الأبصار، وهو اللطيف الخبير، وأن هذه الصفات الإلهية، والمدائح الربانية، لا يستحقها أحد سواه، ولا يملكها ويستوجبها إلّا اللَّه وأنه سبحانه حكم عدل لا جور في قضيته، ولا ظلم في مشيئته وأنه تجري الأمور علي ما يقضيه لا علي ما يرتضيه، وأعتقد أنه من عرف بهذا الاعتقاد وحّده، ونزّهه عن مشاهدة المحدثات وعبده، وأعلن شكر الإله وحمده، فهو مؤمن مخلص قد شملته العناية والمنة، ووجبت له النجاة والجنة، وذلك كله بلطفه وعنايته وحوله وقوّته ومنّه وهدايته وإرشاده ودلالته.

فسبحان من ابتدأ بالفضل، وكلف بالعدل، ومدح العلم وذم الجهل، وأفاض اللطف، وأوضح السبيل، ونصب الدليل، وأرسل الرسل، وبعث الأنبياء عليهم السلام حكاماً لإظهار أمره، ونشر عدله، ونصب الأوصياء عليهم السلام أعلاماً لكمال دينه، وبيان فضله، بعثهم بالهدي ودين الحق، رسلاً مبشِّرين ومنذرين، صادقين معصومين، إليه يدعون، وعنه يقولون، وبأمره يعملون، ثم جعلنا وله الحمد من اُمّة خير الأنبياء عليهم السلام، وأطيب مخلوق من الطين والماء، وأشرف مبعوث شرفت به الأرض والسماء، الجسد المطهر، والروح المقدس المعطر، الذي تعطرت به البطحاء، البشير النذير، السراج المنير، أوّل الأنبياء بالنور، وآخرهم بالظهور، وسرهم في الأصلاب والظهور، أكرمهم شيعة، وأعظمهم شريعة، وأفصحهم كلاماً، وأرفعهم قدراً، وأشرفهم كتاباً، وأعزّهم جناباً، أشرف من تشرّفت به الأعواد والأعضاء [16] المنطق الالهي، أفصح من نطق بالضاد، النبي الكريم صلي

الله عليه و آله و سلم، والرؤوف الرحيم، الأوّل، الآخر، الباطن، الظاهر، الفاتق، الراتق، الفاتح، الخاتم، العالم، الحاكم، الشاهد، القاسم، المؤيّد، المنصور، أبي القاسم محمد بن عبداللَّه، الحميد المحمود، الصادق الأمين، العزيز المبين، المنتجب من خاص الطين، المبعوث رحمة للعالمين، صفي اللَّه وصفوته، وإمام أصفيائه يوم البعث والنشور، خاتم الأنبياء والمرسلين، وسيّد الأوّلين والآخرين، صلّي اللَّه عليه وآله الطاهرين.

آمنّا باللَّه وبمحمّد صلّي اللَّه عليه وآله، وبما دعانا إليه، واتبعنا النور الذي أُنزل معه [17]، وهدانا إليه، وصيّه الذي خُصّ بالولاء واللواء والإخاء [18]، نص النبي عليه، أخاه وأمينه، وخليفته وقائد جيشه، وحامل رايته، وسلطان رسالته، وإمام أمّته، مفديه بروحه، ومتساويه بمحنه، عضده المعاضد، وساعده المساعد يوم شدّته، سيّد الوصيّين، وإمام المتّقين، وديّان الدين، وصاحب اليمين، وعلَم المهتدين، وخليفة ربّ العالمين، وسرّ اللَّه وحجّته، وآية اللَّه وكلمته، في الأوّلين والآخرين، القائم بالحق، الإمام المبين مولانا وسيّدنا علي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليه السلام، الذي كمل بحبّه الدين، وقال بولايته أهل اليقين، ورجحت به الموازين، وبعده عترته الطاهرين، وذريّته الأكرمين، وأبناءه المعصومين، وأوصياءه المنتجبين، وأسباطه المرضيين عليهم السلام، الهداة المهديين، خلفاء النبي الكريم، وأبناء الرؤوف الرحيم، واُمناء العلي العظيم، ورثة المرسلين، وبقية النبيين، وسادة الأوّلين والآخرين، نواميس العصر، وأخيار الدهر، ذرية بعضها من بعض، واللَّه سميع عليم، وأشهد يا رب، وأعتقد أن قولك حق، ووعدك صدق، وأمرت بالبعث والنشور، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن اللَّه يبعث من في القبور، وأن الدين عند اللَّه الإسلام، جزي اللَّه محمداً صلّي اللَّه عليه وآله خير الجزاء، وحيَّي اللَّه محمّداً صلّي اللَّه عليه وآله بالسلام.

اللّهم فلك الحمد علي ما أنطقتني به من حمدك، وعلمتني من مدحك، ولك الحمد

علي ما ألهمتني من شكرك، وأرشدتني إليك من ذكرك، ولك الحمد علي أيسر ما كلفتني من طاعتك، وأوفر ما أنعمتني من نعمتك، اللهم فلك الحمد حمداً متوالياً متعالياً مترادفاً مباركاً طيباً، أبداً سرمداً مجرداً مؤبداً، باقياً لقيامك لا أمد له، حمداً يزيد علي حمد الحامدين لك، حمداً لا يندرس في الأزمان ولا ينتقص في العرفان، ولا ينقص في الميزان، حمداً يزيد ولا يبيد، ويصعد ولا ينفد، ولك الحمد يا من لا تحصي محامده ومكارمه، ومنحه، وصنائعه، وعواطفه وعوارفه، ولا تعد أياديه ومواهبه السوابغ السوايغ الدوائم، الدوائب الفوائض، الفواضل، وأياديه الجليلة الجميلة الجزيلة وكرمه الكبير الكثير وفضله الوافر الوافي، وجوده الباقي الهامر، وبره الباهر وشمسه الزاهي الزاهر.

اللهمّ أنت ربّي ورب كل شي ء، لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وإيّاك أعبد، ولذاتك وصفاتك المنزّهة أُنزّه وأُوحد، وباسمك العظيم أسبح وأقدّس، وأُهلل وأمجد، ولجلال وجهك الكريم أركع وأسجد، ولفضلك القديم وبرّك العميم أشكر وأحمد، وإلي أبواب كرمك وجودك الفياض ونعمك أسعي وأقصد، أسألك اللهم بجلال الوحدانية، والقدرة الربّانية، والمحامد الإلهية، والمدائح الرحمانية، والأنوار المحمدية، والأسرار العلوية، والعصمة الفاطمية، والعزّة الزكية، الهادية، المهدية، مقاماتك، وآياتك، وعلاماتك، وتجلياتك، لا فرق بينها وبينك، إلّا أنّهم عبادك وخلقك، أن تصلّي علي محمد وآل محمد، الذين لأجلهم ثبتت السماء، وثبتت الأرض علي الماء، واخترتهم علي العالمين، وفرضت طاعتهم علي الخلائق أجمعين، وأبقيتني علي إيمانك، والتصديق بمحمد عبدك، ورسولك، والولاية بخير الوصيين عليّ أمير المؤمنين، والتمسك بالهداة من عترته الطاهرين، سفينة النجاة وسادة الوصيين، والبراءة من أعدائهم الضالين، فإنّي رضيت بذلك يا رب العالمين، اللهم وهذا صراطك الحق، ودينك الصدق، الذي تحبّه وترضاه، وتحبّ من دانك به، وتجيب دعاه، اللّهم صلِّ علي

محمد وآل محمد، وثبتني علي هذا الدين القيّم، واجعله ثابتاً، وحازماً وناطقاً به لساني، ومؤمناً وموقناً ومصدقاً له سرّي وإعلاني، ومنقاداً وتابعاً وعاملاً به جوارحي، وأركاني، ونوراً وإقبالاً في لحدي وأكفاني، فقد تشبثت بأذيال الكرم والرجاء، وقرعت بأنامل التصديق والتوفيق أبواب الإيمان والولاء، فاجعله اللهم خالصاً لوجهك، يا ديّان العباد، وزاداً ليوم الحشر والتناد، إنّك الكريم الجواد، وأعظم من سئل فجاد، يا أرحم الراحمين.

مقدمه

الحمد للَّه المتفرّد بالأزل، والأبد، والصلاة علي أول العدد، وخاتم الأمد، محمد وآله الذين لا يقاس بهم من الخلق أحد [19] وبعد يقول الواثق بالفرد الصمد رجب الحافظ البرسي أعاذه اللَّه من الحسد، وآمنه يوم يفرّ الوالد من الولد.

اعلم أن بعض الحاسدين، الذين ليس لهم حظ في الدين، من باب كاد الحسد أن يغلب القدر، لما بسطت لهم تجويد الكتاب المجيد، فكان مطوياً عنهم أخذوا بطرفيه وأزاحوني، ولما نشرت لهم مطوي منثور الأخبار، وأبرزت إليهم بواطن الأسرار، من خدور الأفكار، حسدوني، وكذّبوني، ولاموني، وملّوني، وساموني، وسأموني؛ وكلّما وضعت لهم سرير التواضع، ومددت لمودتهم يمين الخاضع، جزموا بعامل الهجر بودّي وخفضوني، وأنكروني بعد أن عرفوني، ونكروني بعد أن عرفوني، ولا ذنب لي غير أني رويت زبد الأخبار، ووريت زند الأخيار، فذاع ندها، ونظم خيطها، وذاع شذاها، فضمخ طيباً قبل منها العليل. وبل الغليل، ولما كان أكثرها من الأمر الخفي، والسرّ المخفي، الذي يضطرب لإيراده القلب السقيم اضطراب السليم، ويطرب لسماعه الفؤاد السليم، إذ لا حظّ للمزكوم والمشموم، عند ملاحظة طيب المشروب والمشموم، فهو كما قيل:

ومن يك ذا فم مرّ مريض

يجد مرّاً به الماء الزلالا

فحمل بعض ما أوردت، جهلاً بما أردت، قوم من القردة، إلي آخرين من الحسدة، وأداها من لا يعلم إلي

من لا يفهم، والمرء عدوّ ما جهله، بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه فكانوا كما قيل:

يعرفها من كان من جنسها

وسائر الناس لها منكر

أو كما قيل:

لو كنت تعلم كل ما علم الوري

طراً لكنت صديق كل العالم

لكن جهلت فصرت تحسب كل من

يهوي بغير هواك ليس بعالم

حتي أوصلوها بلسان البغضاء، إلي الإخوان من الفقهاء، وهم أهل المذهب المذهب، والمنهاج الذي ليس لهم منهاج، لكن لا يدرك غامض المعقول بالمنقول، فكيف بما وراء العقول، ولا يلزم من معرفة علم واحد الإحاطة بسائر العلوم، وما منّا إلّا له مقام معلوم، وكل ميسر لما خلق له، ومبتهج بما فضله اللَّه وفض له، ونعم اللَّه السوابغ والسوائغ (التوابع) الشرائع الدوائم الدوائب، الفوائض الفواضل، السائرة إلي عباده، الواصلة إلي بلاده، لا تنقطع ركائبها، ولا تنقشع سحائبها، وباب الفيض مفتوح، وكل من الجواد الكريم ممنوح، وليس وصول المواهب الربّانية، والعثور علي الأسرار الإلهية، بأب وأم، بل اللَّه يختص برحمته من يشاء، وإن تقطعت من الحاسد الأحشاء، ولما أوردوها لهم بلسان يحرّفون الكلم عن مواضعه، لم يلمحوا بالنظر الباطن زواهر جواهرها من أصداف أصدقائها [20]، ولم ينهوا عيون العقول عن زيغها وإصدافها، ولم يتحلوا بها فيتزيّنوا ولم يصغوا بأسماع العقول إلي استماع «إن جاءكم فاسق بنبأ فتبيّنوا» [21] بل صدقوهم في الفتنة والريبة، وصادقوهم في استماع النميمة والغيبة، فجعلوا الكذب الشنيع، لسهام التشنيع غرضاً، «في قلوبهم مرض فزادهم اللَّه مرضاً» [22] فنسبوه - إذ لم يفهموه - إلي قول الغلاة، ولا من أسرار الهداة [23]، فكانوا كما قال أمير المؤمنين علي: لقلنا غير مأمون علي الدين، بصرت فيهم بما بصرت كما قيل:

أعادي علي ما يوجب الحب للفتي

وأهدأ والأفكار فيَّ تجول

أو كما قيل:

حاسد يعنيه حالي

وهو لا

يجري ببالي

قلبه ملآن مني

وفؤادي منه خالي

وغير ملومين في الإنكار لأنه صعب مستصعب، لا يحتمله إلّا نبي مرسل أو ملكٌ مقرّب، أو مؤمن قد امتحن اللَّه قلبه للإيمان [24]، وإذا ردَّ المنافق أسرار علي عليه السلام لبغضه، وردّها الموافق بجهله بعدما نقل أنّه صعب مستصعب فإن كان يعلمه فما هو الصعب المستصعب، وإن لم يعرفه فكيف شهد علي نفسه أنّه ليس بمؤمن ممتحن، فهلّا صمت فسلم، أو قال إن علم، فمن وجد فؤاده عند الامتحان، ورود نسمات أسرار ولي الرحمن، قد اشمأز وقشعر، ومال عن التصديق وأزور، فذاك بعيد عن الإيمان، قريب من الشيطان، لأن حبّ علي عليه السلام هو المحك بلا شك، فمن تخالجته الشكوك فيه فليسأل أُمّه عن أبيه [25]، من نقص جوهره عن العيار، فليس له مطهر إلّا النار، وإنّما دعاهم إلي الإنكار الجهل والحسد، وحب الدنيا التي حبّها رأس كل خطيئة، والميل مع النفس والهوي، ومن يتّبع الهوي فقد هوي، لأنّ هذه النفس الإنسانية هي التي تحب أن تعبد من دون اللَّه وأن لا تري الفخر والسؤدد إلّا لها، وأن تري الكلّ عبيداً لها، لأنّها سلسلة الشيطان التي بها يتدلّي إلي هذا الحرم الربّاني، وإليها الإشارة بقوله وأجريته مجري الدم منّي، ولذلك قال عليه السلام «أعدي عدوّك نفسك التي بين جنبيك» [26] وفي النقل أن اللَّه تعالي لما خلق النفس ناداها من أنا؟ فقالت النفس: فمن أنا؟ فألقاها في بحر الرجوع الباطن حتي وصلت إلي الألف المبسوط وخلصت من رذائل دعوي الأنانية الأينية ورجعت إلي نشأتها، ثم ناداها: من أنا؟ فقالت: أنت الواحد القهّار [27]، ولهذا قال: «اقتلوا أنفسكم فإنّها لا تدرك مقاماتها إلّا بالقهر» [28].

قصور الفهم عن إدراك مرتبة أميرالمؤمنين

كيف أنكروه، وما عرفوه، وبمجرّد السمع

له ردّوه، وهو لعمري غرّة فخر الأنوار، ودرّة بحر الأسرار وزبدة مخض الأسرار ومعرفة أسرار الجبّار، لأنه النهج الأسلم، والاسم الأعظم، والترياق الأكبر، والكبريت الأحمر، ولكن ذا المذاق الوثي، والصدر الشجي، لا يفرق بين الحنظل والسكر.

ولمّا كانت الموهبة من الكلم [29] المخزون أنكرتها العقول لقصورها عن ارتقاء عالي قصورها، وصعقت عند سماع نفخة صورها، فالغالي والقالي هلكا في بحر الإفراط والتفريط، والتالي والموالي وقفا عند ظاهر التشكيك والتخليط. فالقالي حجبه عن نورهم العالي ظلمة الكبر والحسد، والغالي تاه في تيه أسرارهم فضلَّ عن سبيل الرشد، والتالي قاسهم بالبشر فوقف عن أسرارهم وقعد، والعارف نظر إلي ما فضلوا به من المواهب الإلهية فعرف أنّهم سرّ الواحد الأحد، وأن ظاهرهم باطن الخلايق، وباطنهم عين الحقايق، وغيب الإله الخالق، فعلم من قوله تعالي: «وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إلَّا هُو» [30]، فهم مفاتح غيب اللَّه التي لا يعلم فضلها وسرّها إلّا اللَّه، وإن رفيع شرفهم لا تنال أيدي العقول علاه، وخفي سرّهم لا تدرك الأفهام والأوهام معناه، ولهذا قيل في الحكمة: لا تحدِّث الناس بما يسبق إلي العقول إنكاره، وإن كان عندك اعتذاره، فليس كل من أسمعته نكراً يوسعك منه عذراً، وليس كل ما يعلم يقال، ولا كل ما يقال تجد له رجال. وقال ابن عبّاس للنبي صلي الله عليه و آله و سلم: يا رسول اللَّه أأحدث بكل ما أسمع؟ فقال: نعم إلّا أن يكون حديثاً لا تبلغه العقول، فيجد السامع منه ضلالة وفتنة.

وقال رجل للصادق عليه السلام: أخبرني لماذا رفع النبي عليّاً علي كتفه؟ قال: ليعرف الناس مقامه ورفعته. فقال: زدني يابن رسول اللَّه. فقال: ليعلم الناس أنّه أحق بمقام رسول اللَّه. فقال: زدني. فقال: ليعلم

الناس أنّه إمام بعده والعلم المرفوع. فقال: زدني. فقال: هيهات واللَّه لو أخبرتك بكنه ذلك لقمت عنّي وأنت تقول إنّ جعفر بن محمد كاذب في قوله أو مجنون.

وكيف يطلع علي الأسرار غير الأبرار. وقال علي بن الحسين عليهماالسلام:

إني لأكتم من علمي جواهره

كيلا يري الحق ذو جهل فيفتتنا

وقد تقدم في هذا أبو حسن

إلي الحسين وأوصي قبله الحسنا [31].

ولا غرو فقد كان رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم يقول للملأ من قريش: قولوا لا إله إلّا اللَّه. فيقولون، ثم يقول: اشهدوا أنّي محمّد رسول اللَّه، فيشهدون، ثم يقول: صلّوا إلي هذه البنية، فيصلّون، ثم يقول: صوموا رمضان في الهواجر، فيصومون، ثم يأمرهم بإخراج الزكاة فيخرجون، ثم يقول: حجّوا واعتمروا، فيحجّون ويعتمرون، ثم يدعوهم إلي الجهاد وترك الحلائل والأولاد، فيجيبون. ثم يقول: إنّ علياً وليّكم بعدي، فيعرضون، ولا يسمعون، فيناديهم بلسان التوبيخ وهم لا يسمعون: «قُلْ هُوَ نَبَأ عَظِيمٌ أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ» [32]، ثم يتلو عليهم منادياً وهم لا يشعرون: «يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُم يُنْكِرونَهَا وَأَكْثَرُهُمْ الكَافِرون» [33].

ويؤيّد هذه القواعد: ما رواه الحسن بن محبوب عن جابر بن عبداللَّه عن أبي عبداللَّه عليه السلام أن رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم قال لعلي عليه السلام: يا علي أنت الذي احتجّ اللَّه بك علي الخلايق حين أقامهم أشباحاً في ابتدائهم وقال لهم: «ألَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟ قَالوا: بَلي». فقال: ومحمّد نبيّكم، قالوا: بلي. قال: وعلي إمامكم. قال: فأبي الخلائق جميعاً عن ولايتك والإقرار بفضلك وعتوا عنها استكباراً إلّا قليلاً منهم وهم أصحاب اليمين وهم أقل القليل، وإن في السماء الرابعة ملكاً يقول في تسبيحه: سبحان من دلَّ هذا الخلق القليل من هذا العالم الكثير، علي

هذا الفضل الجزيل [34].

ويؤيّد ذلك: ما ورد في كتاب الوحدة عن ابن عبّاس أنّه قال: مبغض علي مَنْ يخرج من قبره وفي عنقه طوق من نار، وعلي رأسه شياطين يلعنونه، حتي يرد الموقف [35].

وعنه مرفوعاً إليه من كتاب بصائر الدرجات عن رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم أنّه قال: يا علي والذي بعثني نبيّاً بالحق، واصطفاني علي سائر الخلق، إنك لو صببت الدنيا علي المنافق ما أحبّك، ولو ضربت خيشوم المؤمن ما أبغضك، فلا يحبّك إلّا مؤمن، ولا يبغضك إلّا كافر منافق [36].

وعن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس أن رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم قال: المخالف لعلي بعدي كافر ومشرك وغادر، والمحبّ له مؤمن صادق، والمبغض له منافق، والمحارب له مارق، والراد عليه زاهق، والمقتفي لأثره لاحق [37].:

بحبّ علي تزول الشكوك

ويعلو الولاء ويزكو النجار

فإما رأيت محبّاً له

فثم العلاء وثم الفخار

وإما رأيت عدواً له

ففي أصله نسب مستعار

فلا تعذلوه علي بغضه

فحيطان دار أبيه قصار

فوجب عليَّ تنزيهاً للدين عن ظن الملحدين، وشك الجاحدين، واعتذاراً إلي المؤمنين، بحكم من صنف، فقد استهدف، أن أورد في هذه الرسالة لمعة من خفي الأسرار، ومكنون الآثار، وبواطن الأخيار، وأميط عن محياها سدف الخفاء، ليبدو للطالب شهاب الاقتداء، في سماء الليلة الليلاء.

فإذا اتضحت بذلك خفايا الأسرار، وفضحت عن دررها أصداف الآثار، وبان بيان البيان، لمن ينظر «فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤمِنْ، وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُر» [38].

اسرار علم الحروف

ولمّا كان سرّ اللَّه مودعاً في خزانة علم الحروف وهو علم مخزون، في كتاب مكنون، لا يمسّه إلّا المطهرون، ولا يناله إلّا المقرّبون، لأنّه منبع أسرار الجلال، ومجمع أسماء الكمال، افتتح اللَّه به السور، وأودعه سرّ القضاء والقدر، وذلك بأن اللَّه تعالي

لما أراد إخراج الوجود من عالم العدم إلي عالم الكون، أراد العلويات والسفليات باختلاف أطوار تعاقب الأدوار وأبرزها من مكامن التقدير، إلي قضاء التصوير، عبأ فيها أسرار الحروف التي هي معيار الأقرار، ومصدار الآثار؛ لأن الباري تعالي بالكلمة تجلّي لخلقه وبها احتجب ثم أوجد طينة آدم في العمل الذي هو عبارة عن الاختراع الأوّل، من غير مثال، ولا تعديل تمثال.

ثم ركز في جبلة العماء [39] نسبة من تلك الحروف ورتّبها حتي استشرق منها في عالم الإيجاد، بلطائف العقل لإشراق الظهور، ثم نقله بعد ذاك في أطوار الهباء الذي هو عبارة عن الاختراع الثاني، ورتّب فيه رتبة من الحروف التي ركزها في جبلة العماء حتي استشرقها في عالم الإيجاد بلطايف روحه في الاختراع الثاني، ثم نقله بأطوار الذر الذي هو عبارة عن الإبداع الثاني، وأوجد فيه نسبة من الحروف التي وضعها في جبلتها الفطرية، حتي استشرق بها في عالم الإيجاد بلطايف القلب في الإبداع الثاني، فالحروف معانيها في العقل، ولطايفها في الروح، وصورها في النفس، وانتقاشها في القلب، وقوّتها الناطقة في اللسان، وسرّها المشكل في الأسماع. ولما كان المخاطب الأوّل هو المخترع الأوّل، وهو العقل النوراني، كان خطاب الحق بما فيه من معاني الحروف، ومجموع هذه الحروف في سرّ العقل كان ألفاً واحداً لأنّه بالقوّة الحقيقية مجموع الحروف، وهو الذي سمع أسرار العلوم بحقيقة هذه الحروف قبل سائر الأشياء، والعقل هو صاحب الرمز والإشارة، والحقيقة والإيماء، والإدراك. والحروف في لطيفة الروح شكل الضلعين من أضلاع المثلث المتساوي الأضلاع، ضلع قائم، وآخر مبسوط علي هذه الصورة، والقائم ضلع الألف، والمبسوط ضلع الباء، وإنّما قلنا بأن الحروف في لطيفة الروح شكل ضلعين، لأنّ فيض الأنوار البسيطة التي في

العقل بالفعل هي في الروح بالقوة فاتفقا في وجود الأسرار، وتباينا في اختلاف الأطوار، ومن حيث إن الروح تستمد من العقل، والنفس تستمد من الروح، وجميع الأنوار العلوية تستمد من نور العرش، كذلك سائر الحروف تستمد من نور الألف، ورجوع السفلي والعلوي منها إليها، وكل حرف من الحروف قائم بسرّ الألف والألف سرّ الكلمة، وملائكة النور الحاملون للعرش من ذوات هذه الحروف، والأوّل منها المتعلّق بالعقل اسمه الألف والموحدون لحضرة الجلال أربعة: العقل، والروح، والنفس، والقلب هو الموحد الرابع، وتوحيده بسر الحروف التي أوجدها الحق في جبلته، لأنّ القلب لوح النقوش الربّانية، بل هو اللوح المحفوظ بعينه. ومن هاهنا اختلفت الحروف باختلاف أوضاعها ونسبتها إلي أحوال آدم؛ فالدال يوم خلقه، وخط الجيم يوم تسويته، وخط الباء يوم نفخ الروح فيه، وخط الألف يوم السجود؛ فكان تركيب البنية الإنسانية بالحكمة الإلهية من شكل تربيعي، وتربيع طبيعي، ومن عالمي الاختراع والإبداع، فعلم أن العالم العلوي والسفلي بأجمعه داخلان تحت فلك الألف الذي هو عبارة عن الاختراع الأوّل، والعرش العظيم، والعقل النوراني، والجبروت الأعلي، وسرّ الحقيقة وحضرة القدس وسدرة المنتهي، وساير الحروف إجمالاً وتفصيلاً انبعثت عنه، وجميعها باختلاف أطوارها وتباين آثارها تستمد منه؛ وترجع إلي الرب سبحانه.

خلق الخلق بسرّ هذه الحروف، وعالم الأمر كن فيكون، وكلامه سبحانه في حضرة قدسه إنّما سُمع بهذه الحروف، وهي قائمة بذات الحق سبحانه، وأسماؤه المخزونة المكنونة مندرجة تحت سجل هذه الحروف، والألف منها أوّل المخترعات، ومنها سائر مراتب العالم، وجميع الحروف محتاجة إليه وهو غني عنها لأن سائر الأعداد لا تستغني عنه، وهو لا يحتاج إليها. ومَنْ عَرف ظاهر الألف وباطنه، وَصل إلي درجة الصدّيقين، ومرتبة المقرّبين، لأن له ظاهراً وبطوناً، فظاهره)(2):

العرش، واللوح، والقلم. وهو مركّب من (2) [40] نقط: الواحدة والواحدة والواحدة، وبحثها يأتي فيما بعد. وباطنه الأوّل (3) وهي: العقل، والروح، والنفس. وباطنه الثاني (11) وهو عدد بسائط الاسم الأعظم فإذا أخذ منه (12) [41] وهي موضوع الأسماء والأعداد بقي (99) وهي عدد الأسماء الحسني، وباطنه الثاني (71) وهو عدد اللام الفايض عنه، وهذا العدد مادّة الاسم الأعظم وحرف من ظاهر الاسم الأعظم، وباطنه الثالث (92) [42] وهو فيض اللام، وهو الميم، وعدده(90) [43] وعددان في الألف واللام، وهذا العدد ظاهر الاسم الأعظم وباطنه، الرابع إن ضرب مفرداته في نفسها (9) والفتق الفايض عنه في فتق الحروف أيضاً (9) وهي ألف ل ف ألف م م ي م، والعرش، واللوح، والقلم، مفرداتها أيضاً (9) وهي ع ر ش ل و ح ق ل م، والعقل، والنفس، والروح، أيضاً كذلك ع ق ل ن ف س روح، فألف هي الكلمة التي تجلّي فيها الجبّار بخفي الأسرار. فمن عرف ظاهره وباطنه، أدرك خفي الأسرار، ومكنون الأنوار، لأنّه حرف يستمد من قيومية الحق والكل يستمد منه.

معاني حرف الباء و النقطة

وأما الألف المبسوط وهو الباء فهي أوّل وحي نزل علي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم وأوّل صحيفة آدم ونوح وإبراهيم وسرّها، من انبساط الألف فيها سرّ القيامة بقيام طرفه، وهو سرّ الاختراع والأنوار، والأسرار الحقيقية مرتبطة بنقطة الباء، وإليها الإشارة بقول أمير المؤمنين (علي): «أنا النقطة التي تحت الباء المبسوطة» (40)، يشير إلي الألف القائم المنبسط في ذاتها، المحتجب فيها، ولذلك قال محي الدين الطائي: الباء حجاب الربوبية، ولو ارتفعت الباء لشهد الناس ربّهم تعالي(41).

معاني حرف القاف

وحرف القاف باطن القلم وسرّ الأمر. والمراد بسرّ الأمر، القدر. والقلم ببسايطه (3) أحرف وهو الكائن لأسرار القدر، وهو سر الاسم الأعظم، والقلم حرفه الأوّل القاف المحيط بالعالم ظاهراً، وبالعلم باطناً وعدده (181). فإذا أخذ منه عدد الاسم الأعظم، وهو (111) بقي (70) وهي مادة الاسم الأعظم، وحرف من حروفه، كما أن السين حرف من حروف ظاهر الاسم الأعظم، ومن علم باطن السين علم الاسم الأعظم، وحرفه الثاني: ل، والثالث: م، ومن هذه الحروف تتركّب العوالم بأسرها، وسائر الموجودات بأجمعها داخلة تحت (299) اسماً، والأسماء داخلة تحت الاسم الأعظم، والاسم الأعظم هو المائة والقاف بحسابه العددي مائة.

معاني حرف الطا

وحرف: ط طيار في جميع العالم، وسرّه في المبادي ء الأوليات، وتعححتُ (42) نشأة الاختراعيات وسرّها في العلويات والسفليات، ولها أسرار في ظهورها، فظهرت في آخر اسم لوط، فكان من سرّها تدمير قومه، كما ظهرت الهاء في أوّل اسم هود، فكان من سرّها خسف الأرض بقومه وتدميرها، وظهرتا معاً في اسم محمد صلي الله عليه و آله و سلم في قوله تعالي: «طه» وهو محمّد بلغة طي.

معاني حرف الجيم

وحرف الجيم (ج) حرف ملكوتي يتلقّي عن الباء، يشترك فيه جميع العوالم الملكوتية وهو حرف أظهره اللَّه في أوّل أسماء الجلال، والعرش قائم بجلال الجيم، والقلم يستمد منه الكرسي أيضاً في صفة الجمال قائم به، وهو المثلث الذي انبسط فيه سرّ الألف والباء، وظهر في أطوار الغضب، ومركز اللطف، فتجلّي في الجبّار والجواد، فله الجبروت والجود.

معاني حرف الكاف

وحرف: ك حرف ظهر في آخر اسم الملك، وله العزيز وهو باطن العلم وباطن الأمر وباطن العرش والكرسي، وباطن الصور السمائية والأرضية.

معاني حرف العين

وحرف: ع هو أوّل أسرار العرش، والعقل، وهو حامل أسرار العالم، لأن العرش حامل الكرسي، والقلم واللوح والأفلاك والأرضين، والعقل حامل الروح، والروح حامل النفس، والنفس حامل القلب، والقلب حامل الجسم، والقدرة حاملة للكل.

معاني حرف الثناء

وحرف: ث حرف ظهر في الوارث والباعث، وظهوره في الوارث إشارة إلي فناء الموجودات، وفي الباعث إشارة إلي القدرة علي بعثهم بعد الممات، وجمعهم بعد الشتات.

معاني حرف الزاي

وحرف الزاي حرف شريف، ظهر في العزيز، فالعزة للَّه جميعاً، ومنه وصول العز إلي سائر العالم بالترتيب، فبعض العالم يستمد لعزّه من بعض فكره، التراب يستمد من الماء، والماء من الهواء، والهواء من النار، والنار من الفلك، وهكذا ترتيب العزّة في الأكوان، وإليه الإشارة بقوله تعالي: «وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ» [44].

معاني حرف الواو

وحرف الواو، حرف من حروف العرش، سيار في أجزاء العالم، متعلّق بطرفي الخلق، والأمر كن فيكون.

تنبه

ولما كان هذا العلم الشريف، إشارات ورموزاً، أوردت منه ها هنا ما فيه إشارة وتنبيه.

علم النقط والدوائر

وأما علم النقط والدوائر، فهو من أجلّ العلوم، وغوامض الأسرار، لأن منتهي الكلام إلي الحروف، ومنتهي الحروف إلي الألف، ومنتهي الألف إلي النقطة، والنقطة عندهم عبارة عن نزول الوجود المطلق الظاهر بالباطن، ومن الابتداء بالانتهاء، يعني ظهور الهوية التي هي مبدأ الوجود التي لا عبارة لها ولا إشارة.

سر الألف

ولمّا كان الألف، قائماً بسر العقل، والعقل قائم به، وتمام الحروف في سر الألف، لكن بينهما تباين في الرتبة، فألف العقل قائم، وألف الروح مبسوط، وهذا العلم الشريف لو كشف للناس منه سرّ ما بين الألف واللام والميم التي هي جوامع الأمر الحكيم، لاضطرب كل سليم، وجهل كل عليم، كما ورد عن ابن سنان عن أبي عبداللَّه عليه السلام انّه قال: يا محمد إنَّ في سورة الأحزاب آياً محكماً، لو قدرنا أن ننطق به، لنطقنا، ولكفر الناس إذاً وجحدوا وضلّوا، ولكن كما قيل:

ومستخبر عن سر ليلي أجبته

بعمياء عن ليلي بغير يقين

يقولون خبرنا فأنت أمينها

وما أنا إن خبرتهم بأمين

سر الباء و النقطعة

وسر اللَّه مودع في كتبه، وسر الكتب في القرآن، لأنّه الجامع المانع، وفيه تبيان كل شي ء، وسر القرآن في الحروف المقطعة في أوائل السور، وعلم الحروف في لام ألف، وهو الألف المعطوف المحتوي علي سرّ الظاهر والباطن، وعلم اللام ألف في الألف، وعلم الألف في النقطة، وعلم النقطة في المعرفة الأصلية، وسرّ القرآن في الفاتحة، وسر الفاتحة في مفتاحها، وهي بسم اللَّه، وسر البسملة في الباء، وسر الباء في النقطة.

شرف الفاتحة و تعلّق الصلوات بالخمسة أصحاب الكساء

والفاتحة هي سورة الحمد، وأمّ الكتاب، وقد شرّفها اللَّه تعالي في الذكر فأفردها، وأضاف القرآن إليها فقال عزّ اسمه: «وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ» [45] فذكرها إجمالاً وإفراداً وذلك لشرفها، وهذا مثل قوله: «حَافِظُوا عَلَي الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَي» [46] أدخلها إجمالاً، وأفردها إجلالاً، والصلاة الوسطي هي صلاة المغرب ظاهراً، وفي وقت أدائها تفتح أبواب السماء، ويجب التعجيل بها لقوله صلي الله عليه و آله و سلم: «عجلوا بالمغرب». وأما في الباطن والرمز، فهي فاطمة الزهراء عليهاالسلام، لأن الصلوات الخمس بالحقيقة هم: السادة الخمسة الذين إذا لم يعرفوا ولم يذكروا، فلا صلاة؛ فالظهر رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم ومن ثم بدا النور أوّل ما خلق اللَّه نوره [47] أوّل ما خلق اللَّه اللوح [48]، أوّل ما خلق اللَّه القلم [49]، فالعقل نور محمّد صلي الله عليه و آله و سلم [50]، واللوح والقلم علي وفاطمة، وإليه الإشارة بقوله تعالي: «نُ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ» [51] وفريضة العصر أمير المؤمنين عليه السلام، والمغرب الزهراء، أمرهم اللَّه تعالي بالمحافظة علي حبّها وحبّ عترتها، فصغروا قدرها، وحقروا عظيم أمرها، لما غربت عنها شمس النبوّة، وحبّها الفرض، وتمام الفرض، وقبول الفرض، لأن النبي صلي الله

عليه و آله و سلم حصر رضاه في رضاها فقال: «واللَّه يا فاطمة لا يرضي اللَّه حتي ترضي، ولا أرضي حتّي ترضي» [52].

ومعني هذا الرمز أن فاطمة عليهاالسلام ينبوع الأسرار وشمس العصمة، ومقرّ الحكمة، لأنّها بضعة النبي صلي الله عليه و آله و سلم وحبيبة الولي، ومعدن السرّ الإلهي، فمن غضبت عليه أمّ الأبرار، فقد غضب عليه نبيّه ووليّه، ومن غضب عليه النبي والولي، فهو الشقي كل الشقي.

وصلاة العشاء الحسن عليه السلام حيث احتجب عنه نور النبي والولي، والصبح الحسين عليه السلام لأنه بذل نفسه في مرضاة اللَّه تعالي، حتي أخرج نور الحق في دجنة الباطل، ولولاه لعمّ الظلام إلي يوم القيامة.

حديث ولاية علي حصني وأنا مدينة العلم و علي بابها

ومثل هذا الباب من الحديث القدسي بقول اللَّه سبحانه «ولاية علي حصني، فمن دخل حصني، أمن عذابي» [53] فحصر الأمان من العذاب في ولاية علي، لأنّ الإقرار بالولاية يستلزم الإقرار بالنبوّة، والإقرار بالنبوّة، يستلزم الإقرار بالتوحيد، فالموالي هو القائل بالعدل، والقائل بالإمامة، والعدل مع التوحيد هو المؤمن، والمؤمن من آمن. فالموالي لعلي هو المؤمن الآمن، وإلّا فهو المنافق الراهق من غير عكس.

ومثال هذا من قول النبي صلي الله عليه و آله و سلم: «أنا مدينة العلم وعلي بابها» [54]، والمدينة لا تؤتي إلّا بالباب، فحصر أخذ العلم بعده في علي وعترته، فعلم أن كل من أخذ علمه بعد النبي صلي الله عليه و آله و سلم من غير علي وعترته عليهم السلام فهو بدعة وضلال، وفي هذا الحديث إشارة لطيفة، وذلك أن كل وحي يأتي إلي النبي صلي الله عليه و آله و سلم من حضرة الربّ العلي فإنّه لا يصل به إلّا الملك حتي يمرّ به علي الباب، ويدخل به من الباب، وإليه

الإشارة بقوله صلي الله عليه و آله و سلم: يا علي إن اللَّه أطلعني علي ما شاء من غيبه وحياً وتنزيلاً وأطلعك عليه إلهاماً [55]، وهذا إشارة إلي ما خصّ به نبيّه ليلة المعراج خطاباً، فإن ذلك خصّ به وليّه إلهاماً.

وأما قوله: إنّك تري ما أري، وتسمع ما أسمع [56]، فإنّه إشارة إلي نزول الملائكة إلي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم بالتحف الإلهية، فانّ اللَّه خص وليّه بأن يسمع بعضها ويراه، وأمر نبيّه بإيصال باقيه إليه لأنّه الخازن لأسرار النبوّة، الولي في علو مقامه، تلميذ النبي صلي الله عليه و آله و سلم ووزيره لأنّ سائر البحار داخلة تحت البحر المحيط.

سورة الحمد فيها اسم الله الأعظم

وسورة الحمد فيها اسم اللَّه الأعظم عن يقين، وعدد آياتها «7» وهي العدد الكامل، ومن العدد الكامل يظهر جذر العشرة، وهو ضرب السنة في أيام الأسبوع ومبلغه (2520) وهو عدد له نصف، وثلث، وربع، وخمس، وسدس، وسبع، وثمن، وتسع، وعشر. وعدد كلمات أمّ الكتاب مع البسملة (29) كلمة، وعدد السور المتوّجة بالحروف المقطعة (29) سورة، وعدد أيام الشهر (29) يوماً فإذا أخذ منها الألف، كانت «28» بعد منازل القمر وإذا قسّمت كان منها للأفلاك «9» وللبروج «12» وللعناصر «4» وللمواليد «3» فهذه ثمانية وعشرون بعدد حروف المعجم، وعدد حروف الفاتحة «324» وأعداد حروفها «9361» وساير أعدادها تنقسم إلي الفردانية، وتشير إليها وتنقسم بأعداد الاسم الأعظم قسمين ظاهر وباطن، فالظاهر «86» مرّة، والباطن «993» مرّة تأويلاً، وعدد بساط حروفها (942) وأعداد بسايط حروفها (18) ألفاً، والفردانية تدور معها حيث دارت.

الحروف النورانية مقطعة في سورة الحمد

وحروف المعجم (28) حرفاً كما مرّ، وعددها بالهجاء يعني بسايطها (12) حرفاً وعدد الحروف المقطعة [في] سور القرآن (12) حرفاً، وتحت هجاء بسايط الحروف اسم العزيز الفتاح «19» مرة وفي بسايطها الاسم الأعظم (66) مرة، والاسمان معاً «2» مرتين، وإذا أخذ المكرور الدني من هذه الحروف في «14» حرفاً وهي الحروف النورانية وهي مقطعة في سورة الحمد وهي هذه: ا ل ر ح ي م [57] ن ك س ه ص ق ط وأعدادها (699) ومن هذه الحروف النورانية تستخرج أسماء اللَّه الحسني، واسم اللَّه الأعظم؛ وعلم الأدوار والأسرار، صريحاً وظاهراً وباطناً جملة وأفراداً، لأن اسم اللَّه الأعظم قد يكون في حرف واحد، وقد يكون في عدد واحد، وقد يكون في حروف وفي أعداد وكلمات حسب الإرادة الإلهية والحكمة الربّانية، وهو في الحروف علي هذا المثال:

ا

ل ر ع ح ي م ن ك س ه ص ق ط

9 1 9 5 6 2 5 4 10 8 7 2 3 1

وهذه «110» وهذا رمز آخر من السر المكتوم قد أبرزته مكشوفاً، ومعرفته مدفونة علي من كان له حظ من علم الحروف وأعدادها الظاهرة والباطنة هي هذه:

ا ل ر ع ح ي م ن ك س ه ص ق ط

9 1 9 5 6 2 5 4 10 8 7 2 3 1

فهذه «99» بعدد الأسماء الحسني، وهذا الوجه الثالث من هذا السرّ وهو:

ا ل م ر ك ه ي ع ص ط س ن ح ق

1 8 5 6 9 9 7 10 5 2 2 4 3 1

وهذه «112» وهذا وجه آخر: ا ل ر ع ح ي م ن ك س ه ص ق ط «72» فإذا أخذنا من هذه الحروف صريح الاسم الأعظم، وهي «3» حروف و «3» أعداد بقي منها «11» حرفاً وهي العدد الخفي، والسرّ المخفي، ا ر ح م ن ك س ه ص ق ط وهذه «11» عدداً وهي مادة الاسم الأعظم.

حروف الاسم الأعظم

وحروف الاسم الأعظم الأكبر مع المكرّر (72) وهي هذه: ا ل م ا ل ن ه ا ل ر ا ل م ا ل ر ح م ا ل ر ح م ا ل ك ا ل م ك ه ر ع ا ع س ق ا ي ا ك ا ل ه ا ل م م ص ط س ط ه ع ل ي ا ل ن م و ا ل ر ص ه.

وأعداد هذه الحروف (264) وهذه الحروف الاسم

الأعظم وأعدادها، فإذا أراد النبي أو الإمام ألفها ودعا بها.

خواص أعداد الاسم الأعظم

وهذا العدد من أعداد الاسم الأعظم (124) ومضاعفتها (1331) وهذه تكتب لكل ألم فيشفي، أو تعلّق أو تسقي وتعلّق، فهي شفاء من كل داء، وإن أراد كتب موضعها حروفاً من العنصر الحار المطلق «ه ط»، ومن البارد اليابس المطلق «ي»، ومن الحار الرطب «ك»، ومن البارد الرطب «ل»، علي هذا المثال «111، 7، 11» والباقي علي هذا المثال.

من خواص الفاتحة

ومن خواص الفاتحة أنه من قرأها مع صوم وقطع حيوان «7» أيام في كل يوم (1511) مرّة وصلّي علي محمد وآله هذا العدد لا يطلب شيئاً إلّا وجد فيها، قد تجاسرت وأوردت في هذه الرسالة لمعة من حقائق الأسرار، تسر المؤمن التقي، وتضرّ المنافق الشقي، (وسمّيتها مشارق أنوار اليقين) في حقايق أسرار أمير المؤمنين، فجاءت كالسيف المنتضي، في كشف أسرار علي المرتضي، واللَّه ولي الإنعام والإحسان والرضي، ورتبتها علي فصول فأقول: إن أعلي مطالب الكمال، وأعلي مراتب الجلال للإنسان، العلم الذي ينال به الحياة الأبدية والسعادة السرمدية، وأجلّ العلوم ما يبحث فيها عن أجلّ المعلومات، وأجلّ العلوم ما يبحث فيه عن حقيقة الوجود والموجود.

الوجود المطلق والمقيد

الوجود قسمان: خاص، وعام، وجنس الوجود معول عليه، وفصل الإمكان والوجوب فارق بينهما ومميّز لهما فالوجود المطلق وجود الحق سبحانه الذي وجوده عين ذاته، ونفس حقيقته، فهو لم يزل، ولا يزال، أحداً أبداً. ووجود ما عداه منه وبه وعنه، فهو الوجود المقيّد، وذات الحق سبحانه غير معلومة للبشر، وإلّا لأحاط الممكن بالواجب، وهو محال، وأين التراب وربّ الأرباب، فلم يبق إلّا معرفة الوجود المقيّد، وحقيقته هي النقطة التي تبيناها وإليها معرفة العارفين، وسلوك السالكين، وهو عين اليقين، وحق اليقين، ولها اعتبارات: فهي النقطة، وهي الفيض الأوّل، وهي العقل، وهي النور الأوّل، وهي علّة الموجودات، وحقيقة الكائنات، ومصدر الحادثات، دليل ذلك من القدسيات، قوله: «كنت كنزاً مخفياً فأحببت أن أُعرف، فخلقت الخلق لأعرف» [58].

فيا عجباً ممّن كان خفاؤه ولا شي ء معه. فقوله: كنت كنزاً مخفياً، أي في سواتر الغيوب؛ إذ ليس هناك خلق يعرفه، وذاك إشارة إلي وحدة الذات، كان اللَّه ولا معه شي ء.

وقوله: «فأحببت أن أُعرف» إشارة إلي ظهور الصفات. قوله:

«فخلقت الخلق لأعرف» إشارة إلي ظهور الأفعال، وانتشار الموجودات، التي كانتا رتقاً في صحراء ففتقناهما.

قوله: «وهو الآن علي ما كان» إشارة إلي أنّه أحد أبد، لم يتكثّر بخلقه، لأنّه هو هو، فكما تجلّت ذاته المقدّسة في صفة من صفات الألوهية مدحت بها، وللأفعال وجود بين عدمين، والوجود بين العدمين في حيّز العدم إن كان من وجود فليس إلّا اللَّه وحده، ولذلك قال الحلاج: من لاحظ الأزلية والأبدية، وغمض عينيه عمّا بينهما، فقد أثبت التوحيد، ومن غمض عينه عن الأزلية والأبدية ولاحظ بينهما، فقد أتي بالعبادة، ومن أعرض عن البين والطرفين، فقد تمسّك بعروة الحقيقة.

العالم أعراض وأجسام و مدارالكل علي النقطة

والعالم أعراض وأجسام، والأجسام مركّبة من الخط والسطح خطاً ثم سطحاً ثم جسماً، ومدار الكل علي النقطة، ومرجعه إليها، والكلام أيضاً علي الحروف، والحروف علي الألف، والألف علي النقطة، وكذلك بني آدم فإنّ كثرتهم منحصرة في وحدة آدم، دليله قوله تعالي: «خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ» [59]؛ أي من صورة واحدة، ومادة واحدة، وذلك تنبيهاً للغافلين، وإيجازاً للعارفين، وكثرة آدم راجعة في بستان الوحدة إلي النقطة، وكذلك الأعداد فإنّ مرجعها إلي الواحد، ومنبعها منه.

ان سرالعدد في مبدأ المعارف

واعلم أنّ سرّ العدد في النفوس مطابق لصور الموجودات، وهو عنصر الحكمة، ومبدأ المعارف والإكسير الأوّل، والكيمياء الأكبر والعهد المأخوذ، وأوّل الابتداع، ابتدعه الربّ وجعله أصلاً لخلقه، وقبلة لعباده ووجهه، وأطلعه من سرّه المكنون، وعلمه المخزون، علي ما كان وما يكون، وهو واحد العدد، خلقه من نور جلاله، وهو الإبداع المحض، والأحد الذي ليس قبله شي ء من العدد، وهو أول موجود، والواحد المبدع والأحد، بإثبات الألف هو المبدع لأن الألف يتقدّم الحروف ففي الأحد هي الأحدية، وفي الواحد هي الوحدانية، والأحد لا حدّ له ولا يوصف بإشارة أبنية فهو الأحد المطلق والواحد الحق؛ هو الذي تنبعث منه الآحاد وهو ينبوع الأزواج والأفراد، فعلم العدد أوّل فيض العقل علي النفس، ولذلك صار مركوزاً في قوّة النفس، أول فيض العقل علي النفس والعدد لسان ينطق بالتوحيد لأنّ لفظ الواحد متقدّم علي الاثنين فالسبق للواحد، وفي تقدّم أحد الاثنين علي الآخر تأخّر الثاني، فصح بذلك التوحيد، ولهذا قيل: من عرف طبيعة العدد عرف إتقان الحكمة، وأمّا إبطال الاثنين والثلاثة فإنّ الواحد الحق لا يتجزّأ إذ لو تجزأ لانقسم، والمنقسم ليس بإله، وأما الواحد الذي فاض عن الأحد المشار إليه بالعظمة الذي هو مبدأ كل موجود

فهو العقل الأوّل، فعلم العدد الدال علي معرفة الواحد الأحد هو أصل العلوم ومبدأ المعارف، وتقدّمه علي سائر العلوم، كتقدّم العقل علي سائر الموجودات، وكما أن جميع الأشياء موجودة في العقل بالقوّة فكذلك كل العلوم موجودة في العدد، وصورتها مطابقة لصور الموجودات، فله صورة البسائط بالقوة، وصورة المركبات بالفعل، فلذلك كان علم العدد من الإشارات العقلية لأنه يقود النفس إلي علم التوحيد والإقرار بالمبدع الأوّل فهو العقل الذي نزعت منه المقولات، وهو شجرة اليقين، ومبدأ الشرع والدين، عليه ثبتت الصلاة، ومنه عرفت العبادات، وبه تعرف أدوار الزمان، وهو هلال العارفين ومبدأ كل مقال؛ أوّله مطابق لآخره، وآخره مطابق لأوّله، فأوّله الواحد الذي لا أوّل له فيعرف، وآخره الواحد الذي لا نهاية له فيوصف.

حقيقة النقطة وأنّهم الحجاب و النواب و الباب

وكذلك الأسماء الإلهية فإنّ مرجعها إلي الاسم المقدّس، فهو جامع لشملها، وشامل لجمعها، متجلّ في أحدها؛ ونهاية الحروف النقطة فتناهت الأشياء بأسرها إلي النقطة ودلّت عليها، ودلّت النقطة علي الذات، وهذه النقطة هي الفيض الأوّل الصادر عن ذي الجلال المسمّي في أفق العظمة والجمال بالعقل الفعّال، وذاك هو الحضرة المحمدية؛ فالنقطة هي نور الأنوار، وسرّ الأسرار، كما قال أهل الفلسفة: النقطة هي الأصل والجسم حجابه، والصورة حجاب الجسم، والحجاب غير الجسد الناسوتي. دليله من صريح الآيات قوله تعالي: «اللَّهُ نُورُ السَّموَات» [60]، معناه منوّر السَّموَات، فاللَّه اسم للذات والنور من صفات الذات، والحضرة المحمدية صفة اللَّه وصفوته، صفته في عالم النور، وصفوته في عالم الظهور، فهي النور الأوّل، الاسم البديع الفتاح، قوله الحق: «أوّل ما خلق اللَّه نوري» [61]، وقوله: «أنا مِنَ اللَّه والكلّ منّي». وقوله ممّا رواه أحمد بن حنبل: «كنت وعلي نوراً بين يدي الرحمن قبل أن يخلق عرشه بأربع

عشرة سنة» [62].

فمحمد وعلي حجاب الحضرة الإلهية ونوابها وخزّان أسرار الربوبية وبابها.

أمّا الحجاب فلأنّهم اسم اللَّه الأعظم والكلمة التي تجلّي فيها الرب لسائر العالم لأن بالكلمة تجلّي الصانع للعقول، وبها احتجب عن العيون، سبحان من تجلّي لخلقه بخلقه حتي عرفوه، ودلّ بأفعاله علي صفاته حتي وحّدوه، ودلّ بصفاته علي ذاته حتي عبدوه.

وأما الولاية، فلأنّهم لسان اللَّه في خلقه، نطقت فيهم كلمته، وظهرت عنهم مشيئته، فهم خاصّة اللَّه وخالصته.

وأما الباب، فلأنّهم أبواب المدينة الإلهية التي أودعها مبدعها نقوش الخلائق، وأسرار الحقائق، فهم كعبة الجلال التي تطوف بها المخلوقات، ونقطة الكمال التي ينتهي إليها الموجودات، والبيت المحرم الذي تتوجّه إليه سائر البريات لأنّهم أوّل بيت وضع للناس فهم الباب، والحجاب، والنوّاب، وأُمّ الكتاب، وفصل الخطاب، وإليهم يوم المآب، ويوم الحساب، فهم لاهوت الحجاب، ونوّاب الجبروت، وأبواب الملكوت، ووجه الحي الذي لا يموت.

معني الله نور السماوات و الأرض

وإن قلت: معني قوله: «اللَّهُ نُورُ السَّموَات وَالْأَرْضِ» [63] يعني منوّر السَّموَات والأرض، وهادي أهل السَّموَات والأرض،

قلت: نعم هم الهداة والدعاة إلي اللَّه عز وجل، والنور المشرق من حضرة الأزل ولم يزل، والاسم الفتاح الذي أخرج بنوره الوجود من العدم، فبهم بدا وبهم هدي، وبهم ختم، وهم المعاذ في المعاد للعباد عند زلّة القدم، فهم مصابيح الظُّلَم، ومفاتيح النِّعَم.

انتهاء الموجودات إلي النقطة الواحدة.و شرح قوله رأيت رجلا

فإذا استقرينا الموجودات، فإنّها تنتهي إلي النقطة الواحدة التي هي صفة الذات وعلّة الموجودات، ولها في التسمية عبارات، فهي العقل من قوله صلي الله عليه و آله و سلم: «أوّل ما خلق اللَّه العقل» [64]، وهي الحضرة المحمّدية من قوله: «أوّل ما خلق اللَّه نوري» [65] ومن حيث إنّها أوّل الموجودات صادرة عن اللَّه تعالي بغير واسطة سمّيت العقل الأوّل، ومن حيث إن الأشياء تجد منه قوّة التعقيل سمّي العقل الفعّال، ومن حيث إنَّ العقل فاض منه إلي جميع الموجودات فأدركت به حقائق الأشياء سمّي عقل الكل، فعلم بواضح البرهان أن الحضرة المحمدية هي نقطة النور وأوّل الظهور، وحقيقة الكائنات، ومبدأ الموجودات، وقطب الدائرات، فظاهرها صفة اللَّه، وباطنها غيب اللَّه، فهي ظاهر الاسم الأعظم، وصورة سائر العالم، وعليها مدار من كفر وأسلم، فروحه صلي الله عليه و آله و سلم نسخة الأحدية في اللاهوت، وجسده صورة معاني الملك والملكوت، وقلبه خزانة الحي الذي لا يموت، وذلك لأن اللَّه تعالي تكلّم في الأوّل بكلمة فصارت نوراً، ثم تكلّم بكلمة فصارت روحاً، وأدخلها ذلك النور وجعلها حجاباً فهي كلمته ونوره وروحه وحجابه، وسريانها في العالم كسريان النقطة في الحروف والأجسام، وسريان الواحد في الأعداد وسريان الألف في الكلام، وسريان الاسم المقدّس في الأسماء، فهي مبدأ الكل وحقيقة الكل،

فكل ناطق بلسان الحال والمقال، فإنّه شاهد للَّه بالوحدانية الأوّلية، ولمحمد وعلي بالأبوّة والملكية، دليله قوله صلي الله عليه و آله و سلم: «أنا وعلي أبوا هذه الاُمّة» [66]؛ وإذا كانا أبوي هذه الاُمّة دل بالتزام أن يكونا أبوي سائر الأمم لدلالة الخاص علي العام، والأعلي علي الأدني من غير عكس، فلولاهما لم يكن خلق أبداً لاختصاصه ب «لولاك لما خلقت الأفلاك» [67] فعلم أن صدور الأفعال عن الصفات، وصدور الصفات عن الذات، والصفة التي هي إمام الصفات في ظهور الموجودات، هي الحضرة المحمّدية فهي عين الوجود وشرف الموجود وهي النقطة الواحدة التي هي صفة الأحد والجمال، الصادرة عن الجلال، والنور المبتدع من سحاب العظمة المشعشع من فيض قدس الرحمة وهي عرش النور والكتاب المسطور واللوح المحفوظ وأوّل الظهور، وختم الأيام والدهور.

يؤيّد ذلك ما ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه سُئل: هل رأيت في الدنيا رجلاً؟ فقال: رأيت رجلاً وأنا إلي الآن أسأل عنه. فقلت له: من أنت؟

فقال: أنا الطين. فقلت: من أين؟

فقال: من الطين. فقلت: إلي أين؟ فقال: إلي الطين. فقلت: من أنا؟

فقال: أبو تراب. فقلت: أنا أنت. فقال: حاشاك، حاشاك، هذا من الدين في الدين، أنا أنا، وأنا أنا، أنا ذات الذوات، والذات في الذوات الذات، فقال: عرفت. فقلت نعم. فقال: فامسك.

فأقول: في حل هذا الرمز الشريف إشارة إلي خطاب عالم اللاهوت مع عالم الناسوت، وهو الروح للجسد ليبيّن للناس الفرق بين هيكل قدسه وسرّ نفسه، فقوله: رأيت رجلاً، وأنا أسأل إلي الآن عنه. وذلك لأن الروح لم تزل لها تعلّق بالجسد ونظر إليه لأنه بيت غربتها، ومسكن كربتها، ومركب سيرها، وسرير تحصيلها، والثاني أن العارف أبداً يجب عليه أن يعرف الفرق

بين مقام التراب وسرّ ربّ الأرباب، لأنّه إذا عرف نفسه عرف ربّه، لأنّه إذا عرف نفسه بالحدوث، والفقر، والمسكنة؛ عرف ربّه بالعزّة والكبرياء، والعظمة. وقوله: أنا الطين، إشارة إلي أن العارف، لم يزل في مقام الفقر والإقرار بالحدوث والعجز. وقوله: من أنا؟ لما أقر الجسد بالمعرفة، والحدوث والإمكان، والموت، والرجوع إلي عنصره ومعدنه، وتلاشيه وتحلله بعد تركيبه.

وقوله: أنت أبو تراب، يشير به إلي معنيين: خاص، وعام. فالأوّل معناه أن المراد من الأب المربّي والمرشد، والروح قيم هذا الجسد ومربيه؛ والثاني أن أبا تراب هو الماء، والمراد به: أنت أبو الأشياء ومبدأها وحقيقتها ومعناها، لأنّ الكلمة الكبري عنها برزت الموجودات، وهي سرّ سائر الكائنات.

وقوله: فقلت له: أنا أنت. يعني أنا مثلك ميّت ومركّب. فقال: حاشاك، حاشاك، أنا أنا، وأنا أنا، يعني ابن التراب والنور.

وقوله: أنا ذات الذوات، والذات في الذوات للذات، صرّح بإظهار السرّ المكنون، والكلمة المتعلّقة بطرفي «كن فيكون»، وذلك أنه اسم اللَّه الأعظم وحقيقة كل كائن وأنه ذات كل موجود لذات واجب الوجود لأنّه سرّه وكلمته وأمره ووليّه علي كلّ شي ء، وذلك أمر خصّه اللَّه به؛ لأنّه هو هو، بل إنه كلمة اللَّه وآيته وسرّه.

فبان بحل هذا المبهم كفر الغالي والقالي، وسلوك التالي والموالي، ووصول العارف العالي، فعلي سرّ اللَّه في الكل ووليه علي الكل، لأن الربّ سبحانه سلم ما أوجده بإرادته، وخلقه بقدرته ومشيئته، إلي وليّه وكلمته، فقد سلم ما صدر منه إليه لأن المولي الولي مقامه في الخلق مقام الربّ العلي وإليه الإشارة بقوله: «لا فرق بينهم وبينك إلّا انّهم عبادك وخلقك» [68].

وقوله في الدعاء: «جئت بك إليك» يعني جئت بصفاتك إلي ذاتك، وبعدلك إلي عفوك.

وقوله له: فقال: عرفت، فقلت نعم، فقال:

فامسك.

هذا إشارة إلي أن الإنسان إذا عرف أن عليّاً هو السرّ الخفي، وجب عليه الإمساك لقبول [69] العقول عن هذا الإدراك.

الصفات الآلهية و مظاهرها

وذلك لأنّ الصفات الآلهية «7» الحي وهو إمام الأئمة والعليم، والمريد والقادر والمتكلِّم والجواد والمقسط؛ ولهذه الأسماء مظاهر فمظهر ركن الحياة إسرافيل، ومظهر ركن العلم جبرئيل، ومظهر ركن الإرادة ميكائيل، ومظهر ركن القدرة عزرائيل؛ ولهذه الاُصول سبع مظاهر كوكبية تسمّي النيرات السبع، وكل كوكب منها خدم لاسم من هذه الأسماء، فمظهر تجلّي الحياة الشمس، ومظهر تجلّي العلم المشتري، ومظهر تجلّي القدرة المريخ، ومظهر تجلّي الإرادة الزهرة، ومظهر تجلّي الكلام القمر، ومظهر تجلّي الإقساط عطارد، ومظهر تجلّي الجود زحل؛ والأسماء هي المؤثرة فيما تحتها من العوالم لكن بواسطة هذه المظاهر كما تقتضيه الحكمة الأزلية من ترتيب الأسباب علي المسببات، وإليه الإشارة بقوله: «وَأَوْحَي فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا» [70].

الانبياء مظاهر أسماء الله

وكذلك الأنبياء فإنّهم مظاهر أسماء اللَّه فمن كان منهم مظهر اسم كلّي، كانت شريعته كلية؛ وجميع الأسماء ترجع إلي الاسم الجامع الذي هو اللَّه، وجميع الرسل والأنبياء ترجع إلي هذه الأسماء السبعة: آدم وإدريس وإبراهيم ويوسف وموسي وهارون وعيسي عليهم السلام ومرجع هذه السبعة إلي الاسم الجامع الواحد وهو محمّد صلي الله عليه و آله و سلم فآدم مظهر الاسم الناطق وللخالق فيه أثر تام، ومحله فلك القمر وهو بيت العزّة، وفيه جوامع الكلم الطيب.

«وإدريس» مظهر الاسم الحي وفلكه الشمس التي هي منبع الحياة الحيوانية والنباتية، ومن ثم أعطي العلم بأسرار المعادن والنبات.

«وإبراهيم» مظهر الاسم الجواد وللإله فيه أثر تام وفلكه زحل وهو أوّل من أطعم الضيف.

«ويوسف» مظهر الاسم المريد وللجميل فيه اثر عظيم وفلكه فلك الزهرة.

«وموسي» مظهر الاسم القادر وللقوي وللشديد فيه أثر، وفلكه فلك المريخ.

«وهارون» مظهر الاسم العليم والآمر والناهي وفلكه فلك المشتري.

«وعيسي» مظهر الاسم المقسط وللحكيم فيه أثر ولذلك أبرأ الأكمه والأبرص وأحيي الموتي وفلكه

فلك العطارد.

ومحمد صلي الله عليه و آله و سلم له جملة هذه الأفلاك أو الأسماء والأعداد، وهو مظهر الاسم الجامع وفلكه قاب قوسين أو أدني، وهو جامع الأسرار، ومظهر الأنوار، وجامع الكلم فهو كل الكل وجملة الجمال وخلاصة الأكوان، وخاصة الرحمن وهو كما قيل:

فما أعجز الأفكار عن كنه وصفه

وما أقصر التفسير عن كل معناه

وعدد اسم محمد صلي الله عليه و آله و سلم «132» لأنه م ح م د وفيه ميم مدغمة واسمه أمين، واشتقاق لفظ الأمين من الأمن، وعدده خطاً لا رسماً (92) وهو عدد يشير إلي اسمه م ل ك وامان ام ان وهو «92» كما قيل:

لاسم خير الرسل فضل

عند ذي الفضل متين

فهو في الخط أمان

وهو في اللفظ أمين

أسرار حروف اسم النبي صلي الله عليه و آله و سلم

من أسرار حروف اسم النبي

ومن أسرار اسمه الشريف وعدده «132» أنه يشير إلي اسمه تعالي و ا ل م ل ك وهذا العدد الشريف من الأنماط الالهية اسمان جليلان وهما ح ي ع د ل، وهذا العدد الشريف إذا قسّمت أجزاؤه فإنّه ينقسم بخمسة أقسام نصف وهو «26» وربع وهو «33» وثلث وهو «44» وسدس وهو «11» وهو عدد الاسم الأعظم باطناً، وكل عدد فوقه فإنه يؤخذ منه وراجع إليه، وهذه الأعداد مجموعها «166» فقد زادت علي الأصل «44» وهذه الزيادة له من الأسماء الأحد (ا ل ا ح د) فدل علي أنه أحد الكونين وواحدها، وأحمدها ومحمدها وأمانها وأمينها ومولاها وسيّدها، النبي الكريم، الرؤوف الرحيم، الحبيب النجيب، القريب المجيب، البشير النذير، السراج المنير، العزيز الخبير، الصادق الأمين، طه وياسين، الأوّل الآخر، الباطن الظاهر، الفاتق الراتق، الفاتح الخاتم، العالم الحاكم، الشافع الراحم، الهيكل العاصم، الشاهد القاسم، المؤيّد المنصور،

أبي القاسم فهو كما قيل:

فإن من جودك الدنيا وضرتها

ومن علومك علم اللوح والقلم

فهو الدليل المبين.

اسرار حروف اسم النبي

وأما أسرار حروفه، فأوّلها «م» وهو حرف ناري علوي صامت من حروف الدائرة وله عالمان لأنه م ي م وميمه الأول ميم الملك والآخر ميم الملكوت وعدده «40» وهذا العدد افتتاح كل مغلق ولهذا افتتح باسمه الجود والوجود، وإذا فصلت حروفه كانت «50» وإذا اُضيفت إليها عدده وهو «40» كانت «90» وهي حقايق اسم الميم ويظهر عنها بالضرب من الأسماء الإلهية (ا ل م ل ك ا ل س ي د ا ل س ل ا م انا ه و م ح م د).

الثاني من حروف اسمه (ح) وهي حرف مائي نوراني علوي ومحل الحاء الكرسي وهو الثامن لأنّ حقيقتها الثمانية وهي من حملة العرش.

الرابع من حروفه (د) وهو حرف مائي مظلم وله حقيقة الدوام وعنه ظهر اسمه الدائم وله دوام الملك والنور.

الحقيقية المحمدية هي صورة الاسم الجامع الالهي

واعلم أن لكل اسم من الأسماء الإلهية صورة باطنة في العالم تسمّي الصورة العينية، ولكل اسم من الأسماء رب هي مربوبة له، والحقيقة المحمدية هي صورة الاسم الجامع الإلهي الذي منه استمرار جميع الأشياء. تلك الحقيقة هي التي ترب صور العالم بالرب الظاهر فيها وهو رب الأرباب لأنّها هي الظاهرة في تلك المظاهر، فبصورتها الظاهرة التي هي مظهر الاسم الأعظم المتناسبة لصور العالم ترب العالم، وبباطنها ترب باطن العالم لأنه صاحب الاسم الأعظم وله الربوبية المطلقة.

فعلم بهذا الكشف التام من هو روح العالم وممن يستمد الحياة، ولذلك قال وقوله الحق: «خصصت بفاتحة الكتاب وخواتيم البقرة واُعطيت جوامع الكلم» [71]؛ وهي مصدرة بقوله: «الْحَمْدُ للَّهِِ رَبِّ الْعَالَمِينَ».

وهذا مجمع الأرواح والأجساد والعوالم فعلم من هذا الكشف الظاهر أنه هو روح العالم لأنّ الروح الظاهر يسري في الصور كضوء الشمس في جسم الهواء. فمحمّد صلي

الله عليه و آله و سلم هو سرّ الوجود ظاهراً وباطناً، فسبحان من دلَّ علي ذاته بتجليه في صفاته.

تناهي الحروف الي النقطة و هي الالف المفقودة

واعلم أن الكلام تناهي إلي الحروف، والحروف إلي النقطة، وهي الألف المفقود وينشأ عنه «28» حرفاً كما مرَّ وهي الصورة الإلهية القائمة بذات اللَّه، وهي قسمان جلال وجمال، وحروف الجلال قسم واحد وهي الحروف النارية، وحروف الجمال ثلاثة أقسام وليس في الحروف حرف إلّا وهو صادر عن الألف وهو شهادة الوجود والموجود بوحدانية الربّ المعبود، وهي محيطة بكل شي ء وهو بكل شي ء محيط كما قيل:

ففي كل شي ء له آية

تدلّ علي أنّه واحد

باطن الأسماء الالهية

ومن سر الحروف تتركب الأسماء

ومن سرّ الحروف تتركّب الأسماء، ولكل كلمة ظاهر وباطن، والظاهر لأهل التقليد، والباطن لأهل التحقيق والتجريد، لأنّ الظاهر جسم الروح وقشوره، والباطن روح الجسم ولبابه، والناس علي أربعة أقسام: قسم لهم حظّ من الظاهر والباطن، وهم الراسخون في العلم، وقسم ليس لهم حظّ في الظاهر والباطن وهم الكفّار، وقسم ليس لهم حظ في الظاهر دون الباطن وهم المحجوبون في الظلمة المقرون بالنبوّة دون الإمامة، وقسم ليس لهم حظ من الباطن دون الظاهر وهم عقلاء المجانين.

وروي ابن عباس في قوله تعالي: «وَكُلَّ شَيْ ءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً» [72] قال: معناه شرحناه شرحاً بيّناً بحساب الجمل فهم من فهم وهذا هو العلم الذي أسرّه اللَّه إلي نبيّه ليلة المعراج وجعله عند أمير المؤمنين عليه السلام في عقبه إلي آخر الدهر وهي «8» كلمات و «28» حرفاً وكل حرف منها يتضمّن اسم محمد وعلي ظاهراً وباطناً يخرجه من له وقوف علي أسرار علم الحروف وأعدادها.

معاني القرآن منحصرة في أربعة حروف و أسرار لفظة الله

وبهذه الحروف نزل القرآن، وهي ترجمان ذات الرب سبحانه، والقرآن له ظاهر وباطن، ومعانيه منحصرة في أربعة أقسام، وهي أربعة أحرف وعنها ظهر باقي الكلام وهي (ا ل ل ه) والألف واللام منه آلة التعريف، فإذا وضعت علي الأشياء عرفتها أنّها منه وله، وإذا أخذ منه الألف بقي للَّه، وللَّه كل شي ء. وإذا أخذ منه ل بقي إله وهو إله كل شي ء، وإذا اخذ منه ألف واللام بقي له وله كل شي ء، وإذا أخذ منه الألف واللامان بقي هو، وهو هو وحده لا شريك له، والعارفون يشهدون من الألف ويهيمون من اللام ويصلون من الها.

والألف من هذا الاسم إشارة إلي الهوية التي لا شي ء قبلها ولا بعدها، وله الروح واللام وسطاً، وهو إشارة إلي أن

الخلق منه وبه وإليه وعنه، وله العقل. وهو الأوّل والآخر، وذلك لأنّ الألف صورة واحدة في الخط وفي الهجاء. فالعدد إما زوج أو فرد ضرورة فهذه ثلاثة، وهي في الضرب تسعة، وهي العدد المكتوم، والثلاثة هي مواد سائر الأعداد وموضوعاتها، والتسعة هي العدد الطيار كما مرَّ المنقسم بالأفراد وفيها مجمع الأزواج والأفراد وحرفها الطاء، وهي الحرف الاكال وإذا اُعيد إلي التسعة الزوج ا لا ل ظهر الاسم الخفي والسرّ الذاتي وهو (ه و و ه و ه و) به سائر الموجودات، فظهرت الهاء الخفية وأصلها الضمة وهي الواو وإذا ضربت (11) في الهاء وهي خمسة كان العدد خمسة وخمسين فظهر اسمه تعالي م ج ي ب، ولما كان أصل الهاء الضمة وهو الواو ولها الجهات الستة وإذا ضربت الستة في (11) كان العدد(66) وهو الاسم المقدّس اللَّه جل جلاله وهو اسم الذات وصفة الصفات، وموضوع الأسماء؛ وإذا ضربت ستة وستون في ستة كان العدد ثلاثمائة وستة وتسعين، وإذا ضربت ستة وستون في إحدي عشر كان العدد سبعمائة وستة وعشرين، وإن ضربت ست وستون في خمسة كان العدد ثلثمائة وثلاثين، ومنبع الأسرار الهاء المضمومة التي هي قيوم الحروف والطبيعة الخامسة الفعالة والهاء باطن كل موجود وحقيقة كل شهود، فإذا قدح زناد الهاء بصوان الألف خرجت الطاء الاكالة، وإذا ضربت الهاء في نفسها كان العدد خمساً وعشرين، فهي لا تظهر إلّا نفسها لأنّ خمسة وعشرين خمس خمسات، وإذا ضربت خمس وعشرون في نفسها كان العدد ستمائة وخمساً وعشرين، والهاء من حروف المريخ، ومن عرف كيف النطق بها أهلك عدوّه ولكن ذاك مودع في الصدور لا في السطور، ونَطقها علي سبيل الرمز هايابيل أو هو يا هو يا

مذل يا منتقم يا فعال أنت هو.

دلالة لفظ هو

(1) اعلم أن الاسم إما مشتق، أو علم، أو إشارة؛ والاسم المشتق كلّي لا يمنع من وقوع الشركة فيه، والاسم العلم قائم مقام الإشارة فهو فرع عليها، والإشارة أصل والأصل أعظم من الفرع، فقولك: هو أشرف الأسماء كلّها يعني:

(2) أن الحق سبحانه فرد مجرّد لا يمكن نعته بصفة زايدة وإلّا لانتفت الفردانية، والإخبار عنه بعين ذاته محال، فجميع الأسماء المشتقة قاصرة عن الإنباء عن ذاته المقدّسة. وأما لفظ هو فإنه ينبي ء عن كنه حقيقته المخصوصة المبرأ عن جميع جهات الكثرة، فاسم هو لوصوله إلي كنه الصمدية أشرف الأسماء.

(3) أن الصفات المشتقة لا تعرف إلّا دالة علي الصفات، والصفات لا تعرف إلّا بالإضافة إلي المخلوقات، وأما لفظ هو فإنّه يدل عليه من حيث هو هو، وهذا الاسم يوصل إلي الحق ويقطع عن الخلق.

(4) أن الأسماء المشتقة دالّة علي الصفات، ولفظ هو دال علي الموصوف، والموصوف أشرف من الصفة، وذلك لأن ذات الباري سبحانه ما كملت بالصفات بل هي لغاية الكمال استلزمت صفات الكمال؛ فلفظ هو يوصل إلي ينبوع العزّة.

(5) أن لفظ هو مركّب من حرفين (ه و) والهاء أصل الواو فهو حرف واحد يدل علي الواحد الحق سبحانه.

(6) أن الهاء أوّل المخارج والواو آخرها فهو الأوّل والآخر، والهاء باطن المخارج وباطن الأشياء والواو ظاهر سائر المخارج فهو الأوّل والآخر والباطن والظاهر.

(7) أن هذا الحرف الذي وضع لتعريف ذات الحق غير معلوم بالحقيقة، وذات الحق أولي بالتنزيه عن الكيفية، فمنه إليك قوله هو ومنك إليه قولك هو.

مراتب حروف الجلالة

وحروف الجلالة لها أربع مراتب: الذات، والعقل، والنفس، والروح؛ ولها أربع ملائكة: جبرائيل، وميكائيل، وإسرافيل، وعزرائيل؛ وهي منزلة علي أربعة أنبياء: إبراهيم، وموسي، وعيسي عليهم السلام، ومحمّد صلي الله عليه

و آله و سلم؛ وهي تتم بأربع حقائق: الأمر، والنهي، والوعد، والوعيد؛ وهي منزلة في أربع كتب: المصحف، والتوراة، والزبور، والفرقان، فالمصحف صورة القلب، وهي الألف الأوّل، والتوراة صورة العقل، وهي اللام الاُولي، والإنجيل صورة الروح، وهي اللام الثانية، والفرقان صورة النفس وصورة الحق في عالم الظاهر والباطن، وحرفها الهاء.

تركيب ألف الغيب

واعلم أن الفيض الأوّل عن حضرة الأحدية هي النقطة الواحدة، وعنها ظهر ألف الغيب (القلب خ ل) وامتد حتي صار خطه، وهو مركب من ثلاث نقط واحدة وواحدة وواحدة، فالواحدة لها العلم والعقل وروح القدس، وحرفها الألف، ومنها تبتدي ء الموجودات وإليها تنتهي، والنقطة الواحدة وهي روح اللَّه ونفخت فيه من روحي، وحرفها الباء وهي الحجاب وهو ظاهرة النقطة الواحدة وجسدها، ولها الحكم الظاهر وحقيقتها النبوّة وعنها ظهرت الموجودات وباطنها النقطة الواحدة.

قال عليه السلام: عن الباء ظهر الوجود، وبالنقطة تبين العابد عن المعبود [73]؛ وقال حكيم: بالباء عرفه العارفون، وما من شي ء إلّا والباء مكتوبة عليه [74]، فإذا قلت «اللَّه»، فقد نطقت بسائر الأسماء، وإذا كتبت الألف فقد كتبت سائر الحروف، وإذا نطقت بالواحد فقد ضمنت سائر الأعداد، وإذا قلت النقطة فقد حصرت سائر العوالم، وإذا قلت النور فقد ضمنت الوجود من العدم، وإذا قلت نور النور فقد نطقت بالاسم الأعظم، لمن كان يدري ويفهم، إذْ لا حظّ للأصم من طيب النغم، ولا فرق عند الأكمه من الليل إذا أظلم، والصبح إذا تبسّم؛ وقال العارف هذا:

الباء ظهور الوجود والنقطة تميز العابد والمعبود

ألف الحروف هو الحروف جميعها

والفاء دائرة عليه تطوف

وقال الآخر:

يارب بالألف التي لم تعطف

وبنقطة هي سرّ كل الأحرف

وبقافها الجبل المحيط وصادها

البحر الذي بظهوره لا يختفي

ثبت عليّ هداي واتمم نوره

يا من به أصبحت عنّي مكتفي

الثالث النقطة الواحدة

وهي روح الأمر، وعنها نور أن الوجود في عالم الصور، وهي إشارة إلي ظهور الأفعال، لأن الواحد الحق سبحانه يوجد الأشياء وليس فيها وإلّا لكان محدوداً، ولا منها وإلّا لكان معدوداً، لكنه متجلّ فيها بنور جماله، متخل عنها بكمال جلاله، دانٍ إليها بكبريائه، قائم بها، قيوم عليها، لأن الأحد الحق سبحانه لا يتجزّي فيعد، ولا يتكثّر فيحدّ، فالوحدة لازمة له.

معني و واحد و وحدانية

أحد وواحد ووحدانية، فالأحد اسم الذات مع سلب تعدّد الصفات، والواحد اسم الذات مع إثبات تعدّد الصفات، والوحدانية صفة الواحد؛ والواحد صفة الأحد، صلي الأحد علي الواحد، الواحد سر لأحد الواحد، صفة الأحد الواحد نور الأحد الواحد، ظاهر الأحد الواحد أوّل العدد الأحد، باطن الواحد الأحد، معني الواحد الفائض عن حقيقة الأحد هو معني الموجودات، الأحد ذو الجلال، الواحد هو العقل الفعّال، جل الأحد الحق في أحديته التي لا تحد تعالي الواحد المطلق في وحدانيته، التي لا تعد تقدس الصمد في صمدانيته التي ليس لها قبل ولا بعد، جلّ المعبود الحق في ألوهيته التي كلها ملك ومملوك وعبد.

أول الخلق نور محمد وعلي عليهماالسلام

مظهر الواحد عن الأحد و النقطة ظاهرها النبوة و باطنها الولاية

ظهر الواحد عن الأحد، وفاض عن الواحد سائر العدد، وذاك كما ظهر الخط عن النقطة، والسطح عن الخط، والجسم عنهم، والحروف عن النقطة، والكلام عن الحروف، والمعاني عن الكلام، والكل من واحد، منه المبدأ وإليه المعاد، بدؤها منك وعودها إليك، فالنقطة الواحدة هي حقيقة الموجودات، ومبدأ الكائنات، وقطب الدائرات، وعالم الغيب والشهادة، وظاهرها النبوّة، وباطنها الولاية، وهما نور واحد في الظاهر والباطن، ولكن الولاية من النبوّة وعنها لأنهما الاسمين الأيمنين اللذين جمعا فاجتمعا، ولا يصلحان إلّا معاً، يسمّيان فيفرقان محمد وعلي، ويوصفان فيجتمعان نبي وولي، وتمامهما في تمام أحدهما، تمام الولي من النبي، لأن القمر يستمد من الشمس، فإذا كمل صار بدراً فإذا غابت الشمس كان الحكم للبدر [75].

اخبار في سبق نورهم و مناقب أخري

وإليه الإشارة بقوله تعالي: «خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ» [76] وإلي هذا المعني أشار بقوله صلي الله عليه و آله و سلم: أوّل ما خلق اللَّه نوري، ثم فتق منه نور علي، فلم نزل نتردّد في النور حتي وصلناحجاب العظمة في ثمانين ألف سنة، ثم خلق الخلايق من نورنا فنحن صنايع اللَّه، والخلق من بعد صنايع لنا أي مصنوعين لأجلنا [77].

يؤيّد ذلك (ما رواه) جابر بن عبداللَّه في تفسير قوله: «كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ» [78]، قال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم: أوّل ما خلق اللَّه نوري ابتدعه من نوره واشتقه من جلال عظمته فأقبل يطوف بالقدرة حتي وصل إلي جلال العظمة في ثمانين ألف سنة، ثم سجد للَّه تعظيماً فتفتّق منه نور علي فكان نوري محيطاً بالعظمة، ونور علي محيطاً بالقدرة، ثم خلق العرش، واللوح، والشمس، والقمر، والنجوم، وضوء النهار، وضوء الأبصار، والعقل والمعرفة، وأبصار العباد، وأسماعهم وقلوبهم، من نوري، ونوري مشتق

من نوره، فنحن الأوّلون، ونحن الآخرون، ونحن السابقون، ونحن الشافعون، ونحن كلمة اللَّه ونحن خاصة اللَّه، ونحن أحبّاء اللَّه، ونحن وجه اللَّه، ونحن أمناء اللَّه، ونحن خزنة وحي اللَّه، وسدنة غيب اللَّه، ونحن معدن التنزيل، وعندنا معني التأويل، وفي آياتنا هبط جبرائيل، ونحن مختلف أمر اللَّه، ونحن منتهي غيب اللَّه، ونحن محال قدس اللَّه، ونحن مصابيح الحكمة، ومفاتيح الرحمة، وينابيع النعمة، ونحن شرف الاُمّة، وسادة الأئمة، ونحن الولاة والهداة، والدعاة والسقاة، والحماة، وحبّنا طريق النجاة، وعين الحياة، ونحن السبيل والسلسبيل، والمنهج القويم، والصراط المستقيم، من آمن بنا آمن باللَّه، ومن ردّ علينا ردّ علي اللَّه، ومن شك فينا شك في اللَّه، ومن عرفنا عرف اللَّه، ومن تولّي عنّا تولّي عن اللَّه، ومن تبعنا أطاع اللَّه، ونحن الوسيلة إلي اللَّه، والوصلة إلي رضوان اللَّه، ولنا العصمة والخلافة والهداية، وفينا النبوّة والإمامة والولاية، ونحن معدن الحكمة وباب الرحمة، ونحن كلمة التقوي والمثل الأعلي والحجّة العظمي، والعروة الوثقي، التي من تمسّك بها نجا وتمّت البشري [79].

وعن محمد بن سنان، عن ابن عباس قال: كنّا عند رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم فأقبل علي بن أبي طالب عليه السلام فقال له النبي صلي الله عليه و آله و سلم: مرحباً بمن خلقه اللَّه قبل أبيه آدم بأربعين ألف سنة. قال: فقلنا: يا رسول اللَّه أكان الابن قبل الأب؟

فقال: نعم إنّ اللَّه خلقني وعلياً من نور واحد قبل خلق آدم بهذه المدّة ثم قسّمه نصفين، ثم خلق الأشياء من نوري ونور علي، ثم جعلنا عن يمين العرش فسبّحنا، فسبّحت الملائكة، وهلّلنا فهلّلوا وكبّرنا فكبّروا، فكل من سبّح اللَّه وكبّره فإن ذلك من تعليمي وتعليم عليّ [80].

ومن ذلك

ما رواه محمد بن علي بن بابويه مرفوعاً إلي عبداللَّه بن المبارك عن سفيان الثوري عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جدّه أمير المؤمنين عليهم السلام أنّه قال: إنّ اللَّه خلق نور محمد قبل خلق المخلوقات كلّها بأربعمائة ألف سنة وأربعة وعشرين ألف سنة، خلق منه اثني عشر حجاباً [81].

والمراد بالحجب الأئمّة فهم الكلمة التي تكلّم اللَّه بها ثم أبدي منها سائر الكلم، والنعمة التي أفاضها وأفاض منها سائر النعم والاُمة التي أخرجها وأخرج منها سائر الأمم ولسانه المعبّر عنه ويده المبسوطة بالفضل والكرم وقوامه علي عباده بالحكم والحكم.

وعن أبي حمزة الثمالي قال: دخلت حبابة الوالبية علي أبي جعفر عليه السلام فقالت: أخبرني أي شي ء كنتم في الأظلة؟ قال: كنّا نوراً بين يدي اللَّه قبل خلقه الخلق فلما خلق الخلق سبّحنا فسبّحوا، وهللنا فهللوا وكبّرنا فكبّروا، وذلك قوله تعالي: «وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَي الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً» [82] ومعناه لو استقاموا علي حبّ علي كنّا وضعنا أظلتهم في الماء الفرات، وهو حب علي «لِنَفْتِنَهُم فِيه» [83] س، يعني في حب علي، «وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ» [84] يعني عن ذكر علي عليه السلام.

وفي هذه لغات كثيرة:

(الأوّل) أن الرب هنا المولي وعلي هو المولي ومعناه من يعرض عن ذكر مولاه.

(الثاني) أن ذكر علي في القرآن.

(الثالث) أن ذكر المولي هو ذكر الرب العلي. دليل ذلك: ما رواه ابن عبّاس عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم (أنه خ ل) كان يكتب إلي شيعة علي عليه السلام إلي المختارين في الأظلة، المنتجبين في الملة، المسارعين في الطاعة، المبصرين في الكرة، سلام عليكم تحية منّا إليكم، أما بعد. فقد دعاني الكتاب إليكم لاستبصاركم من العمي، ودخولكم في باب

الهدي، فاسلكوا في سبيل السلامة، فإنّها جوامع الكرامة، إن العبد إذا دخل حفرته جاءه ملكان فسألاه عن ربّه ونبيّه ووليّه، فإن أجاب نجا، وإن أنكر هوي [85].

وعن محمد بن سنان قال: كنت عند أبي جعفر الثاني عليه السلام فذكرت اختلاف الشيعة فقال: إنّ اللَّه لم يزل فرداً في وحدانيته ثم خلق محمداً وعلياً وفاطمة فمكثوا ألف ألف دهر ثم خلق الأشياء وأشهدهما خلقها، وأجري عليهم طاعتها وجعل فيهم منه ما شاء وفوّض أمر الأشياء إليهم منّاً منه عليهم، فهم يحلّلون ما شاؤوا، ويحرّمون ما شاؤوا، ولا يفعلون إلّا ما شاء اللَّه، فهذه الديانة التي من تقدّمها غرق، ومن تأخّر عنها محق، خذها يا محمد فإنّها من مخزون العلم ومكنونه [86].

وعن أبي حمزة الثمالي قال: سمعت علي بن الحسين عليهماالسلام يقول: إن اللَّه خلق محمداً وعلياً والطيبين من نور عظمته، وأقامهم أشباحاً قبل المخلوقات؛ ثم قال: أتظن أن اللَّه لم يخلق خلقاً سواكم؟ بلي واللَّه لقد خلق اللَّه ألف ألف آدم، وألف ألف عالم، وأنت واللَّه في آخر تلك العوالم [87].

ومن ذلك ما رواه سعد بن عبداللَّه عن جابر عن أبي عبداللَّه عليه السلام أنه قال: إن للَّه مدينتين إحداهما بالمشرق والاُخري بالمغرب، عليهما سور من حديد له سبعون ألف باب، من الباب إلي الباب فرسخ علي كل باب سبعون مصراع من الذهب الأحمر، أهلها يتكلّمون بسبعين ألف لغة، كل لغة بخلاف الأخري، وأنا واللَّه أعرف لغاتهم، وأنا الحجّة عليهم [88].

الرد علي منكر الحديث المذكور و بيان ما وراء الحجاب من العوالم و مناقبهم

أنكر هذا الحديث من في قلبه مرض، فقلت: أتنكر القدرة أم النعمة أم ترد علي المؤيّدين بالعصمة؟ فإن أنكرت قدرة الرحمن، فقد ورد عن سليمان عليه السلام أن سماطه في كل يوم ملْحه سبعة أكرار

فخرجت دابّة من دواب البحر يوماً وقالت له: يا سليمان اضفني اليوم، فأمر أن يجمع لها مقدار سماطه شهراً فلمّا اجتمع ذلك علي ساحل البحر وصار كالجبل العظيم، أخرجت الحوت رأسها وابتلعته، وقالت: يا سليمان أين تمام قوتي اليوم فإنّ هذا بعض طعامي، فأعجبت سليمان، وقال لها: هل في البحر دابة مثلك؟ فقالت: ألف أمة. فقال سليمان: سبحان الملك العظيم في قدرته، ويخلق ما لا تعلمون [89].

وأما نعمته الواسعة فقد قال لداود: يا داود وعزّتي وجلالي لو أن أهل سمواتي وأرضي، أمّلوني فأعطيت كل مؤمل أمله بقدر دنياكم سبعين ضعفاً لم يكن ذاك إلّا كما يغمس أحدكم إبرة في البحر ويرفعها فكيف ينقص شي ء، أنا أعطيته.

فقل لأعمي البصيرة والعيان، أفي القدرة أم النعمة تمتريان، بل يداه مبسوطتان فبأي آلاء ربكما تكذّبان، والآلاء محمد وعلي خاصة الرحمن.

وعن أبي عبداللَّه عليه السلام أنه قال: إنّ اللَّه خلق هذا النطاق من زبرجدة خضراء، فقيل: وما النطاق؟ قال: الحجاب وللَّه خلف ذلك سبعون ألف عالم أكثر من عدد الجن والإنس والكل يدينون بحبّنا أهل البيت ويلعنون فلاناً وفلاناً [90].

وعن جابر بن عبداللَّه عن أبي جعفر عليه السلام أنّه قال: إنّ من وراء شمسكم هذه أربعين شمساً، من الشمس إلي الشمس أربعون عاماً فيها خلق لا يعلمون أن اللَّه خلق آدم ولا إبليس فقد ألهموا في كل الأوقات حبّنا وبغض أعدائنا [91].

وعن ابن عباس في تفسير قوله «رَبِّ الْعَالَمِينَ» قال: إن اللَّه عز وجل خلق ثلثمائة عالم وبضعة عشر عالم كل عالم منهم يزيدون علي ثلاثمائة وثلاثة عشر مثل آدم وما ولد آدم، وذلك معني قوله «رَبِّ الْعَالَمِينَ».

تتمة

قال: ومن ذلك من كتاب الواحدة عن الصادق عليه السلام أنّه قال:

إنّ للَّه مدينتين، إحداهما بالمشرق والأخري بالمغرب، يقال لهما جابلصا وجابلقا طول كل مدينة منهما اثنا عشر ألف فرسخ، في كل فرسخ باب يدخل في كل يوم من كل باب سبعون ألفاً ويخرج منها مثل ذلك ولا يعودون إلّا يوم القيامة لا يعلمون أنّ اللَّه خلق آدم ولا إبليس ولا شمساً ولا قمراً، هم واللَّه أطوع لنا منكم يأتونا بالفاكهة في غير أوانها موكلين بلعنة فرعون وهامان وقارون [92].

وعن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليه السلام من كتاب الواحدة قال: إن اللَّه سبحانه تفرّد في وحدانيته، ثم تكلّم بكلمة فصارت نوراً، ثم خلق من ذلك النور محمداً وعلياً وعترته، ثم تكلّم بكلمة فصارت روحاً، وأسكنها ذلك النور وأسكنه في أبداننا، فنحن روح اللَّه في ذلك وكلمته احتجب بنا عن خلقه فما زلنا في ظلة خضراء مسبّحين نسبّحه ونقدّسه حيث لا شمس ولا قمر، ولا عين تطرف، ثم خلق شيعتنا، وإنّما سمّوا شيعة لأنّهم خلقوا من شعاع نورنا [93].

ومن ذلك ما ورد في كتاب التفسير أن اللَّه خلق الأرضين السبع وجعل عرش إبليس لعنه اللَّه في الرابعة منها وفيها مسكنه ومسكن جنوده بعد أن كان خازن الجنة وكان في يده ملك السماء الرابعة، وإبلس ابن الجان، والجان هم الذين يصوغون الحلي لأهل الجنّة، والأرض السابعة علي ملك يقال له ارياكيل بين مفصل إبهامه وراحته أربعون عاماً، وهو في صورة ثور له أربعون ألف قائمة وسبعمائة ألف قرن مشتبكة إلي العرش، وهو علي صخرة من زمردة خضراء، والصخرة علي جناحي حوت، والحوت في بحر يقال له عقيوس، عمقه عمق السَّموَات والأرض، والبحر علي الثري، والثري علي الريح والريح علي الهواء، والهواء علي الظلمة، والظلمة علي جهنم

وجهنم علي الطمطام، والطمطام تحت الحوت، وما وراء ذلك لا يعلمه إلّا اللَّه، قال: وفي البر ثمانية عشر ألف عالم كأن اللَّه لم يخلق في السَّموَات والأرض غيرهم لكثرتهم وخلف البحر السابع قوم يقال لهم الروحانيون في أرض من فضة بيضاء لا تقطعها الشمس إلّا في كل أربعين يوماً.

ومن ذلك ما رواه ابن بابويه في كتاب الخصال قال: إنّ للَّه تبارك وتعالي ملائكة لو أن الملك منهم هبط إلي الأرض لما وسعته لعظم خلقته، ومنهم من بين منكبيه وشحمتي أذنيه مسيرة سبعمائة عام، ومنهم من سدّ الأفق بجناح من أجنحته، ومنهم من السَّموَات إلي حجرته ومنهم من قدمه علي غير قرار في جو الهواء الأسفل والأرضون إلي ركبتيه، ومنهم من لو أُلقي في نقرة إبهامه مياه البحار بأسرها لما وسعته، ومنهم من لو أُلقيت السفن في دموع عينه لجرت دهر الداهرين.

وسئل عليه السلام عن الحجب فقال: الحجب سبعة كل حجاب منها مسيرة سبعمائة عام ما بين كل حجاب منها سبعون ألف ملك، قوّة كل ملك منها قوّة الثقلين، ومنها نور ومنها نار، ومنها دخان ومنها ظلمة، ومنها برق ومنها رعد، ومنها ضوء ومنها عجاج، ومنها ماء ومنها أنهار، وهي حجب مختلفة كل حجاب مسيرة سبعين ألف عام، ثم سرادقات الجلال وهي ستون سرادقا، كل سرادق سبعون ألف ملك، بين كل سرادق خمسمائة عام، ثم سرادق العزّة ثم سرادق الجبروت، ثم سرادق الفخر ثم سرادق النور الأبيض، ثم سرادق الوحدانية، وهي مسيرة سبعين ألف عام، ثم الحجاب الأعلي وليست هذه الحجب مضروبة علي اللَّه ولكنّها مضروبة علي العظمة العليا من خلقه، فتبارك أحسن الخالقين [94].

ومن ذلك ما رواه ابن عباس عن أمير المؤمنين عليه السلام قال:

إنّ من وراء قاف عالماً لا يصل إليه أحد غيري وأنا المحيط بما وراءه، والعلم به كعلمي بدنياكم هذه، وأنا الحفيظ الشهيد عليها، ولو أردت أن أجوب الدنيا بأسرها، والسَّموَات السبع كالأرضين في أقل من طرفة عين لفعلت؛ لما عندي من الاسم الأعظم، وأنا الآية العظمي، والمعجز الباهر [95].

شرح فقرات من الخطبة الشقشقية و بيان منزلة الولاية

وإلي هذا السرّ إشارة من كلامه البليغ في نهج البلاغة فقال: وهو يعلم أن محلّي منها محلّ القطب من الرحي [96]، وهذه إشارة إلي انّه عليه السلام غاية الفخار ومنتهي الشرف وذروة العزّ، وقطب الوجود وعين الوجود، وصاحب الدهر ووجه الحق وجنب العلي، فهو القطب الذي دار به كل دائر وسار به كل سائر، لأنّ سريان الولي في العالم كسريان الحق في العالم لأن الولاية هي الكلمة الجارية السارية فهي لكل موجود مولاه ومعناه، لأن المولي هو الاسم الأعظم المتقبل لأفعال الربوبية والمظهر القائم بالأسرار الإلهية، والنقطة التي أُدير عليها بركار [97] النبوّة فهي حقيقة كل موجود فهي باطن الدائرة والنقطة السارية السايرة، التي بها ارتباط سائر العوالم، وإلي هذا المعني أشار ابن أبي الحديد فقال:

تقبلت أفعال الربوبية التي

عذرت بها من شك أنك مربوب

ويا علة الدنيا ومن بدء خلقها

إليه سيتلو البدء في الحشر تعقيب [98].

فهو قطب الولاية ونقطة الهداية، وخطة البداية والنهاية، يشهد بذاك أهل العناية وينكره أهل الجهالة، والعماية، وقد ضمنه أمير المؤمنين عليه السلام أيضاً في قوله: «كالجبل ينحدر عنّي السيل ولا يرقي إليَّ الطير»، وهذا رمز شريف لأنّه شبه العالم في خروجهم من كتم العدم بالسيل وشبّه ارتفاعهم في ترقيهم بالطير لأنّ الأوّل ينحدر من الأعلي إلي الأدني، والثاني يرتفع من الأدني إلي الأعلي فقوله ينحدر عنّي السيل إشارة إلي أنّه باطن النقطة

التي عنها ظهرت الموجودات ولأجلها تكوّنت الكائنات، وقوله «ولا يرقي إليَّ الطير» إشارة إلي انّه أعلي الموجودات مقاماً ولسائر البريات إماماً، ولهم في الحشر قايداً وقساماً، فهو قسيم نور الحضرة النبوية المحمدية صاحب الولاية الإلهية فهو الكلمة الربّانية ومولي سائر البرية، ولقد أحسن ابن أبي الحديد إذ فوق سهم التوفيق رامياً لهذا المرمي الدقيق عن قوس التحقيق فقال:

واللَّه لولا حيدر ما كانت

الدنيا ولا جمع البرية مجمع

وإليه في يوم المعاد حسابنا

وهو الملاذ لنا غداً والمفزع

أقول: هذا رجل من المعتزلة اعتقاده عن الإقرار بالحق ما عزله، وأنت حوشيت من الرد تزعم أنك مولي من العبيد والموالي فما لي كلّما أراك حاوي الأراك بشراك وشراك من شراك الإشراك، وبان لك باني البيّنات دراك حيث الإدراك وما أدراك فعلك علك تشيم نور الأزهار، وعشاك غشاك عظيم أنوار الأسرار؛ قال: ما غشاك فعانقت ابتكار الأفكار في هاوية هواك فأهواك فهذا يا هذا أو ذاك ورأيك ورأيك، فأنت كما قيل من لا يحرّكه الربيع وأزهاره والعود وأوتاره، فقد فسد مزاجه وامتنع علاجه.

ولا ينفع مسموع

إذا لم يك مطبوع.

احاديث في مناقبهم و فضل شيعتهم

وعن أبي عبداللَّه عليه السلام أنه قال: نحن شجرة النبوّة ومعدن الرسالة، ونحن عهد اللَّه ونحن ذمّة اللَّه، لم نزل أنواراً حول العرش نسبّح فيسبّح أهل السماء لتسبيحنا، فلمّا نزلنا إلي الأرض سبّحنا فسبّح أهل الأرض فكل علم خرج إلي أهل السَّموَات والأرض فمنّا وعنّا، وكان في قضاء اللَّه السابق أن لا يدخل النار محبّ لنا ولا يدخل الجنّة مبغض لنا لأنّ اللَّه يسأل العباد يوم القيامة عمّا عهد إليهم ولا يسألهم عمّا قضي عليهم [99].

وعن محمد بن سنان عن أبي الحسن الرضا عليه السلام انّه قال: يابن سنان إن محمداً كان أمين اللَّه

في خلقه فلمّا قبض كنّا نحن أهل بيته وخلفاؤه، وعندنا علم المنايا والبلايا وأنساب العرب، ومولد الإسلام والجفر والجامعة، وما من فئة تضلّ بآية أو تهدي بآية إلّا ونحن نعرف ناعقها وقايدها وسايقها، وإنّا لنعرف الرجل إذا رأيناه بحقيقة الإيمان أو النفاق، وإنّ شيعتنا المكتوبين بأسمائهم أخذ اللَّه علينا وعليهم العهد قبل خلق السَّموَات والأرض، يردون موردنا ويدخلون مدخلنا، ليس علي حملة الإسلام غيرنا وغيرهم إلي يوم القيامة [100].

وعنهم عليهم السلام انّهم قالوا: نحن الليالي والأيام، من لم يعرف هذه الأيام لم يعرف اللَّه حق معرفته، «فالسبت» رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم النبوّة ولا نبي بعده، «والأحد» أمير المؤمنين عليه السلام وهو أوّل من وحّد اللَّه، «والاثنين» نور الحسن والحسين، «والثلاثاء» ثلاثة أنوار: نور الزهراء وخديجة واُمّ سلمة، «والأربعاء» أربعة أنوار: الساجد، والباقر، والصادق، والكاظم، «والخميس» خمسة أنوار: الرضا، والجواد، والهادي، والعسكري، والمهدي، «والجمعة» اجتماع شيعتنا علي ولايتنا، ولعنة اللَّه علي أعدائنا [101] وعن ابن عبّاس من كتاب الأمالي قال: قال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم: شيعة علي هم الفائزون يوم القيامة، (يا علي) أنا منك وأنت منّي روحك روحي وشيعتك شيعتي، وأولياؤك أوليائي، من أحبّهم فقد أحبّني ومن أبغضهم فقد أبغضني، ومن عاداهم فقد عاداني، ياعلي شيعتك مغفور لهم علي ما كان منهم من عيوب وذنوب، وأنا الشفيع لهم غداً إذا قمت المقام المحمود فبشّرهم بذلك، ياعلي شيعتك شيعة اللَّه وأنصارك أنصار اللَّه وحزبك حزب اللَّه وحزب اللَّه هم المفلحون، ياعلي سعد من والاك وشقي من عاداك.

وعن أبي عبداللَّه عليه السلام عن أمير المؤمنين قال: قال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم: ياعلي

إنّ اللَّه وهب لك حبّ المساكين والمستضعفين في الأرض فرضيت بهم إخواناً ورضوا بك إماماً فطوبي لمن أحبّك وويلٌ لمن أبغضك، ياعلي أهل مودّتك كل حفيظ وكل ذي طمرين، لو أقسم علي اللَّه لأبرَّ قسمه، ياعلي أحباؤك كل محتقر عند الخلق عظيم عند الحق، ياعلي محبّوك جيران اللَّه في الفردوس ولا يأسفون علي ما خلفوا من الدنيا، ياعلي أنا ولي لمن واليت وعدوّ لمن عاديت، ياعلي إخوانك ذبل الشفاه تعرف الربانية في وجوههم يفرحون في ثلاث مواطن عند الموت وأنا شاهدهم، وعند المساءلة في قبورهم وأنت تلقاهم، وعند العرض الأكبر إذا دُعيَ كل أُناس بإمامهم، ياعلي بشِّر إخوانك أنّ اللَّه قد رضي عنهم، ياعلي أنت أمير المؤمنين وقائد الغرّ المحجلين، وأنت وشيعتك الصادقون المسبّحون، ولولا أنت وشيعتك ما قام للَّه دين، [ولولا]مَنْ في الأرض منكم لما نزل من السماء قطر، ياعلي لك في الجنّة كنز وأنت ذو قرنيها، وشيعتك حزب اللَّه هم الغالبون، ياعلي أنت وشيعتك القائمون بالقسط، ياعلي أنت وشيعتك القائمون علي الحوض تسقون من أحبّكم، وتمنعون من أبغضكم وأنتم الآمنون يوم الفزع الأكبر، ياعلي أنت وشيعتك تظلّون في الموقف وتنعمون في الجنان، ياعلي إنّ الجنّة مشتاقة إلي شيعتك وإنّ حملة العرش المقرّبين يستغفرون لهم ويفرحون بقدومهم، وإنّ الملائكة يخصونهم بالدعاء، ياعلي شيعتك الذين يتنافسون في الدرجات ويلقون اللَّه ولا ذنب عليهم، يا علي أعمال شيعتك تعرض عليَّ في كل جمعة فأفرح بصالح أعمالهم وأستغفر لسيئاتهم، ياعلي ذكرك وذكر شيعتك في التوراة قبل أن يخلقوا بكل خير، وكذلك الإنجيل فإنّهم يعظمون إلينا شيعتك، ياعلي ذكر شيعتك في السماء أكثر من ذكرهم في الأرض. فبشّرهم بذلك، ياعلي قل لشيعتك وأحبّائك يتنزّهون من الأعمال التي يعملها

عدوّهم فما من يوم وليلة إلّا ورحمة من اللَّه نازلة إليهم، ياعلي اشتدّ غضب اللَّه علي من أبغضك وأبغض شيعتك واستبدل بك وبهم ياعلي ويلٌ لمن استبدل بك سواك وأبغض من والاك ياعلي أقري ء شيعتك السلام وأعلمهم أنّهم إخواني، وأنّي مشتاق إليهم فليتمسكوا بحبل اللَّه وليعتصموا به ويجتهدوا في العمل، فإنّ اللَّه عز وجل راضٍ عنهم يباهي بهم الملائكة لأنّهم وفوا بما عاهدوا وأعطوك صفو المودّة من قلوبهم واختاروك علي الآباء والإخوة والأولاد، وصبروا علي المكاره فينا مع الأذي وسوء القول فيهم فكن بهم رحيماً فإنّ اللَّه سبحانه اختارهم لنا وخلقهم من طينتنا، واستودعهم سرّنا وألزم قلوبهم معرفة حقّنا، وجعلهم متحلين بحلّتنا لا يؤثرون علينا من خالفنا بالناس في غمة من الضلال، قد عموا عن الحجّة وتنكبوا عن المحجّة، يصبحون ويمسون في سخط اللَّه، وشيعتك علي منهاج الحق لا يستأنسون إلي من خالفهم، وليست الدنيا لهم ولا همهم منها أولئك مصابيح الدجي [102].

وعنه عليه السلام أنّه قال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم: أهل بيتي كسفينة نوح من ركبها نجا [103]، فلا ينجو إلّا من كان منهم ومعهم لصدق الحديث والباقون إلي النار، فشيعتنا آخذون بحجزتنا ونحن آخذون بحجزة نبيّنا، ونبيّنا آخذ بحجزة ربّنا - والحجزة: النور - من فارقنا هلك ومن تبعنا نجا، الجاحد لولايتنا كافر والجاحد لفضلنا كافر [104].

لأنّه لا فرق بين جحود الولاية وجحود الفضل، وجحود النبوّة وجحود الربوبية، فإنّ جحود كل مقام من هذه يستلزم جحود الآخر، والإقرار بكل واحد منهما يستدعي الإقرار بالآخر.

وقال عليه السلام: ولا يبغضنا مؤمن ولا يجحدنا موقن، ولا يحبّنا كافر، ومن مات علي حبّنا كان حقّاً علي اللَّه أن يبعثه معنا. نحن نور لمن

تبعنا، وهديً لمن اهتدي بنا، ومن لم يكن منّا فليس من الإسلام في شي ء، بنا فتح اللَّه، وبنا ختم اللَّه وبنا أطعمكم عشب الأرض، وبنا يمسك السَّموَات والأرض أن تزولا، وبنا ينزل غيث السماء وبنا آمنكم من الخسف في البر، ومن الغرق في البحر، وبنا ينفعكم اللَّه في حياتكم وعند موتكم وفي قبوركم وعند الصراط وعند الميزان وعند دخول الجنّة، مثلنا في كتاب اللَّه مثل المشكاة، والمشكاة في القنديل نور علي وفاطمة، يهدي اللَّه لنوره من يشاء ومن أحبّنا كان حقّاً علي اللَّه أن يبعثه، نيراً برهانه، ثابتة حجّته، فنحن النجباء، ونحن النور والضياء، ونحن أفراط الأنبياء وأولاد الأوصياء وبقية الأوصياء، وشيعتنا السعداء والشهداء، وهذا كلام فيه الشفاء [105].

ومن كتاب الأربعين ما رواه عن أنس بن مالك قال: قال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم: إذا كان يوم القيامة نادي منادٍ: يا علي يا ولي يا سيّد يا صابر يا ديّان يا والي يا هادي يا زاهد يا طيب يا طاهر مر أنت وشيعتك إلي الجنّة بغير حساب [106].

ويؤيّد ذلك «ما رواه» صاحب كتاب النخب قال: تشاجر رجلان في [خلافة] «علي» وإمامته فجاءا إلي شريك فسألاه فقال: حدّثني الأعمش عن حذيفة بن اليمان عن رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم قال: إنّ اللَّه خلق [علياً] قضيباً في الجنة من تمسّك به فهو من أهل الجنّة، فاستعظم الرجل ذلك وجاء إلي ابن دراج فأخبره فقال: لا تعجب، حدّثني الأعمش عن أبي سعيد الخدري أن رسول اللَّه قال: إنّ اللَّه خلق قضيباً في بطنان العرش لا يناله إلّا «علي» ومن تولّاه، فقال الرجل: هذا من ذاك، فمضي إلي وكيع بن الحارث

فجاء فأعلمه فقال: لا تعجب، حدّثني الأوزاعي عن أبي سعيد الخدري عن رسول اللَّه قال: أركان العرش لا ينالها إلّا «علي» وشيعته فاعترف الرجل بفضله [107] …

ومن كتاب المناقب: أن للَّه عموداً من نور يضي ء لأهل الجنّة كالشمس لأهل الدنيا لا يناله إلّا علي وشيعته [108].

وقال الصادق عليه السلام لملأ من الشيعة بعد أن سلّم عليهم: انّي واللَّه أحبّ ريحكم وأرواحكم فأعينونا بورع واجتهاد، واعلموا أن ولايتنا لا تنال إلّا بالورع فأنتم شيعة اللَّه، وأنتم أنصار اللَّه وأنتم السابقون الأوّلون والسابقون الآخرون في الدنيا إلي ولايتنا وفي الآخرة إلي الجنّة، قد ضمنا لكم الجنة بضمان اللَّه وضمان رسوله فتنافسوا في فضائل الدرجات وأنتم الطيّبون ونساؤكم الطيبات كل مؤمنة حوراء «عيناء»، وكل مؤمن صدِّيق، ولقد قال أمير المؤمنين عليه السلام لقنبر: أبشر، واستبشر، وبشّر، فلقد مات رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم وهو ساخط علي اُمّته إلّا الشيعة، ألا وإن لكل شي ء عروة وعروة الإيمان الشيعة، ألا وإنّ لكلّ شي ء دعامة ودعامة الإسلام الشيعة، ألا وإن لكل شي ء شرفاً وشرف الإسلام الشيعة، ألا وإن لكل شي ء سيّداً وسيّد المجالس مجلس الشيعة، ألا وإن لكل شي ء إماماً وإمام الأرض أرض تسكنها الشيعة، واللَّه لولا مَنْ في الأرض منكم لما أنعم اللَّه علي أهل الخلاف وما لهم في الآخرة من نصيب، وإن تعبدوا واجتهدوا ألا إن شيعتنا ينظرون بنور اللَّه ومن خالفنا ينقلب في سخط اللَّه، واللَّه إن حاجّكم وعماركم خاصّة اللَّه، وإن فقراءكم أهل الغني وإن أغنياءَكم أهل القنوع، وإن كلكم أهل دعوة اللَّه وأهل إجابته [109].

ومما وجد بخط العسكري عليه السلام أنه كتب: صعدنا ذري الحقايق بأقدام النبوّة والولاية ونحن أعلام الهدي وبحار

الندي ومصابيح الدجي، وليوث الوغي وطعان العدي، وفينا نزل السيف والقلم في العاجل، ولنا الحوض واللوي في الآجل، وأسباطنا خلفاء الدين وصفوة ربّ العالمين [110].

ومن ذلك ما وجد بخطّه عليه السلام أيضاً: أعوذ باللَّه من قوم حذفوا محكمات الكتاب، ونسوا اللَّه ربّ الأرباب، والنبي وساقي الكوثر في مواطن الحساب، ولظي والطامة الكبري ونعيم يوم المآب، فنحن السنام الأعظم، وفينا النبوّة والإمامة والكرم، ونحن منار الهدي والعروة الوثقي، والأنبياء كانوا يغترفون من أنوارنا ويقتفون آثارنا، وسيظهر اللَّه مهدينا علي الخلق والسيف المسلول لإظهار الحق، وهذا بخط الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام [111].

يؤيّد ذلك ما رواه جابر الأنصاري عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم أنّه خرج يوماً ومعه الحسن والحسين عليهماالسلام فخطب الناس ثم قال في خطبته: أيّها الناس ان هؤلاء عترة نبيّكم وأهل بيته، وذريّته وخلفاؤه، شرّفهم اللَّه بكرامته واستودعهم سرّه واستحفظهم غيبه واسترعاهم عباده، وأطلعهم علي مكنون علمه ولقّنهم كلمته، وولاّهم أمر عباده وأمرهم علي خلقه، واصطفاهم لتنزيله وأخدمهم ملائكته، وصرفهم في مملكته، وارتضاهم لسرّه، واجتباهم لكلماته واختارهم لأمره، وجعلهم أعلاماً لدينه، وجعلهم شهداء علي عباده وأُمناء في بلاده، فهم الأئمة المهدية، والعترة الزكية، والذرية النبوية، والسادة العلوية، والاُمّة الوسطي، والكلمة العليا، وسادة أهل الدنيا، والرحمة الموصولة لمن لجأ إليهم، ونجاة لمن تمسّك بهم، سعد من والاهم وشقي من عاداهم، من تلاهم أمِن من العذاب ومن تخلّف عنهم ضلَّ وخاب، إلي اللَّه يدعون، وعنه يقولون، وبأمره يعملون، وفي أبياتهم هبط التنزيل، وإليهم بعث الأمين جبرائيل [112].

فهم كما قيل:

إذا رمت يوم البعث تنجو من

اللظي

ويقبل منك الدين والفرض والسنن

فوالِ علياً والأئمة بعده

نجوم هديً تنجو من الضيق والمحن

فهم عترة قد فوّض اللَّه أمره

إليهم فلا ترتاب في غيرهم فمن [113].

أئمّة حق أوجب اللَّه حبّهم [114].

وطاعتهم فرض بها الخلق يمتحن

فحبّ علي عدة لوليه

يلاقيه عند الموت والقبر والكفن

كذلك يوم البعث لم ينج قادم

من النار إلّا من تولّي أبا الحسن

بركات آل محمد عليهم السلام علي الخلائق

[نصحتك أن ترتاب فيهم فتثني

إلي غيرهم من غيرهم في الأنام مَنْ! [115].]

بيان أصناف الخلائق وأفضلهم و أحاديث أخري في فضائلهم و الحث علي حبهم

وبيان هذا الحديث الشريف الرفيع أن اللَّه خلق ألف صنف من الخلق وكرّم آدم علي سائر من خلق، أخدمهم الملائكة وسخّر لهم السَّموَات والأرض، وفضّل الرجال منهم علي النساء، وكرّمهم بالإسلام وفضّل الإسلام علي سائر الأديان، وشرّفهم بمحمّد، وفضّله علي جميع الأنبياء والمرسلين واختار لهم عليّاً وفضّله علي جميع الوصيّين، وجعل حبّه الإيمان وكمال الدين وعين اليقين، وجعل شيعته يدخلون الجنّة بغير حساب، فمن كان رجلاً مسلماً مؤمناً موالياً لعلي وعترته فقد رزق الخير كله، ثم جعل الخلائق عشرة أجزاء منهم تسعة شياطين ومردة، وجعل واحداً منهم الإنس، وجعل الإنس مائة وعشرين صنفاً، وجعل منهم يأجوج ومأجوج تسعاً وتسعين صنفاً، وباقي الخلائق اثني عشر صنفاً، وجعل من ذلك الروم والسقالبة أحد عشر صنفاً، وجعل الحبش والزنج في المغرب والترك والبربر والكيماك [116] في المشرق، والكل كفّار وبقي أهل الإسلام صنف واحد ثم افترق هذا الصنف إلي ثلاثة وسبعين فرقة منهم اثنان وسبعون أهل البدع والضلال وفرقة واحدة في الجنة، وهي التي بقيت بعد رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم علي ما بقي عليه أهل بيته، فمن وجد نفسه من أهل النجاة من هذه الفرق فليحمد اللَّه.

وعن محمد بن سنان عن أبي عبداللَّه عليه السلام

قال: سمعته يقول: نحن جنب اللَّه ونحن صفوة اللَّه ونحن خير اللَّه ونحن مستودع مواريث الأنبياء ونحن اُمناء اللَّه، ونحن وجه اللَّه ونحن أئمة الهدي، ونحن العروة الوثقي وبنا فتح اللَّه وبنا ختم اللَّه ونحن الأوّلون، ونحن الآخرون ونحن أخيار الدهر ونواميس العصر، ونحن سادة العباد وساسة البلاد، ونحن النهج القويم والصراط المستقيم ونحن عين الوجود، وحجّة المعبود ولا يقبل اللَّه عمل عامل جهل حقّنا ونحن قناديل النبوّة، ومصابيح الرسالة ونحن نور الأنوار وكلمة الجبّار، ونحن راية الحق التي من تبعها نجا ومن تأخّر عنها هوي ونحن أئمّة الدين وقادة الغرّ المحجلين ونحن معدن النبوة وموضع الرسالة وإلينا تختلف الملائكة ونحن السراج لمن استضاء، والسبيل لمن اهتدي ونحن القادة إلي الجنة ونحن الجسور والقناطر، ونحن السنام الأعظم وبنا ينزل الغيث وبنا ينزل الرحمة، وبنا يدفع العذاب والنقمة، فمن سمع هذا الهدي فليتفقّد قلبه في حبّنا فإن وجد فيه البغض لنا والإنكار لفضلنا، فقد ضلّ عن سواء السبيل لأننا نحن عين الوجود، وحجّة المعبود وترجمان وحيه وغيبة علمه وميزان قسطه، ونحن فروع الزيتونة وربائب الكرام البررة، ونحن مصباح المشكاة التي فيها نور النور ونحن صفوة الكلمة الباقية، إلي يوم الحشر المأخوذ لها الميثاق والولاية من الذرّ [117].

ويؤيّد هذا ما ورد في الأمالي عن أبي جعفر عليه السلام قال: نزل إلي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم ملك اسمه محمود وله أربعة وعشرون ألف وجه فقال: بعثني إليك ربّ العزّة لتزوج النور بالنور فقال: من بمن؟ فقال عليّاً بفاطمة. قال: فلما ولي الملك إذا بين كتفيه مكتوب لا إله إلّا اللَّه محمد رسول اللَّه علي ولي اللَّه، فقال له النبي: منذ كم كتب هذا

بين كتفيك؟ فقال: قبل أن يخلق اللَّه آدم بثمان وعشرين ألف عام [118].

ومن كتاب الأمالي مرفوعاً إلي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم أنّه قال يوماً: ما بالُ قوم إذا ذكر إبراهيم وآل إبراهيم استبشروا، وإذا ذكر محمّد وآل محمّد اشمأزت قلوبهم، فوالذي نفس محمد بيده لو جاء أحدكم بأعمال سبعين نبيّاً، ولم يأت بولاية أهل بيتي لدخل النار صاغراً وحشر في جهنّم خاسراً، أيّها الناس نحن أصل الإيمان وتمامه ونحن وصيّة اللَّه في الأوّلين والآخرين، ونحن قسم اللَّه الذي أقسم بنا فقال: «وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ - وَطُورِ سِينِينَ - وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ» [119] ولولانا لم يخلق اللَّه خلقاً ولا جنّة ولا ناراً [120].

ومن ذلك ما رواه أبو سعيد الخدري قال: خطب أمير المؤمنين عليه السلام فقال: أيُّها الناس نحن أبواب الحكمة ومفاتيح الرحمة وسادة الأمّة وأُمناء الكتاب، وفصل الخطاب وبنا يثيب اللَّه، وبنا يعاقب، ومن أحبّنا أهل البيت عظم إحسانه، ورجح ميزانه وقبل عمله وغفر زلله، ومن أبغضنا لا ينفع إسلامه، وإنّا أهل بيت خصّنا اللَّه بالرحمة والحكمة والنبوّة والعصمة، ومنّا خاتم الأنبياء ألا وإنا راية الحق التي من تلاها سبق ومن تأخّر عنها مرق، ألا وإننا خيرة اللَّه اصطفانا علي خلقه وائتمننا علي وحيه، فنحن الهداة المهديون، ولقد علمت الكتاب، ولقد عهد إلي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم ما كان وما يكون، وأنا أخو رسول اللَّه وخازن علمه، أنا الصدِّيق الأكبر ولا يقولها غيري إلّا مفتر كذّاب وأنا الفاروق الأعظم [121].

وأنا أقول ختماً لهذا الكلام ومدحاً للسادة الكرام:

هم القوم آثار النبوّة منهم

تلوح وأنوار الإمامة تلمع

مهابط وحي اللَّه خزّان علمه

وعندهمُ سرّ المهيمن موسع

إذا جلسوا للحكم فالكل أبكم

وإن نطقوا

فالدهر أُذن ومسمع

وإن ذكروا فالكون ندٌّ ومندل

له أرج من طيبهم يتضوّع

وإن بادروا فالدهر يخفق قلبه

لسطوتهم والأسد في الغاب تجزع

وإن ذكر المعروف والجود في الوري

فبحر نداهم زاخرٌ يتدفع

أبوهم سماء المجد والأمّ شمسه

نجوم لها برج الجلالة مطلع

فيا نسباً كالشمس أبيض مشرقاً

ويا شرفاً من هامة النجم أرفع

فمن مثلهم إن عدّ في الناس مفخراً

إذا عدّ نظراً يا صاح إن كنت تسمع

ميامين قوامون عزّ نظيرهم

هداة ولاة للرسالة منبع

فلا فضل إلّا حين يذكر فضلهم

ولا علم إلّا علمهم حين يرفع

ولا عملٌ ينجي غداً غير حبّهم

إذا قام يوم البعث للخلق مجمع

ولو أن عبداً جاء في اللَّه جاهداً

بغير ولا أهل العبا ليس ينفع

فيا عترة المختار يا راية الهدي

إليكم غداً في موقفي أتطلّع

خذوا بيد البرسي عبد ولائكم

فمن غيركم يوم القيامة يشفع

فمن حاد عنكم أو تولّي سواكم

فليس له في رحمة اللَّه مطمع

عليكم سلام اللَّه يا راية الهدي فويلٌ لعبد غيرها جاء يتبع [122].

أثر حب علي وبغضه عليه السلام

ان عليا علما و إن إنكار ولاية كفر و بيان ما لمواليه و شانئيه

وعن ابن عبّاس عن رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم أن اللَّه نصب علياً علماً بينه وبين خلقه فمن عرفه كان مؤمناً ومن أنكره كان كافراً ومن جهله كان ضالّاً ومن ساواه بغيره كان مشركاً، ومن جاء بولايته كان فائزاً، ودخل الجنة آمناً ومن جاء بعداوته دخل النار صاغراً [123].

وعن سديف عن جابر بن عبداللَّه عن أبي عبداللَّه عليه السلام وعنه عن رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم من كتاب ما اتفق من الأخبار قال: قال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم: يا علي أنت صاحب حوضي ووارث علمي، وحامل لوائي ومنجز وعدي، ومفرّج همّي، ومستودع مواريث الأنبياء، وأنت أمين اللَّه في أرضه، وخليفته علي خلقه، وأنت مصباح النجاة

وطريق الهدي وإمام التقي، والحجّة علي الوري، وأنت العلم المرفوع في الدنيا والصراط المستقيم يوم القيامة [124].

وعن أبي سعيد الخدري قال: خطب رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم فقال في خطبته: أيُّها الناس من أبغضنا أهل البيت بعثه اللَّه يهودياً لا ينفعه إسلامه، وإن أدرك الدجال آمن به، وإن مات بعثه اللَّه من قبره حتي يؤمن به [125].

وفي رواية: من أبغضنا أهل البيت لم يبعثه اللَّه يهودياً ولا نصرانياً، ولكن خيراً منه.

وهذا أفصح الكلام ومعناه يكون خيراً منه اليهود والنصاري فويلٌ لمبغضهم وطوبي لمحبّهم.

أيّها الناس: إنّ ربّي عز وجل مثّل لي اُمّتي في الطين وعلّمني أسماءهم كما علّم آدم الأسماء، فمرَّ بي أصحاب الرايات فاستغفرت لشيعة علي، ألا إن أصحاب الجنة علي وشيعته [126].

ومن ذلك ما رواه ابن عباس قال: خطب رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم فقال: يا معاشر الناس، إن اللَّه أوحي إليَّ أني مقبوض وأن ابن عمّي هو أخي ووصيّي وولي اللَّه وخليفتي، والمبلِّغ عنّي وهو إمام المتّقين وقائد الغرّ المحجلين ويعسوب الدين، وإن استرشدتموه أرشدكم، وإن تبعتموه نجوتم، وإن أطعتموه فاللَّه أطعتم، وإن عصيتموه فاللَّه عصيتم، وإن بايعتموه فاللَّه بايعتم، وإن نكثتم بيعته فبيعة اللَّه نكثتم، إن اللَّه عز وجل نزَّل عليَّ القرآن وعليٌّ سفيره، فمن خالف القرآن ضلّ، ومن ابتغي علمه من غير علي زلَّ، معاشر الناس ألا إن أهل بيتي خاصّتي وقرابتي، وأولادي وذريّتي ولحمي ودمي ووديعتي وإنكم مجموعون غداً ومساءلون عن الثقلين فانظروا كيف تخلفوني فيهم، فمن آذاهم فقد آذاني، ومن ظلمهم فقد ظلمني، ومن نصرهم فقد نصرني ومن أعزّهم فقد أعزّني، ومن طلب الهُدي من غيرهم فقد كذّبني، فاتقوا اللَّه وانظروا

ما أنتم قائلون غداً فإني خصمٌ لمن كان خصمهم ومن كنت خصمه فالويل له [127].:

بني الوحي والآيات يا من مديحهم

علوت به قدراً وطبت به ذكرا

مهابط سرّ اللَّه خزّان غيبه

وأعلي الوري فخراً وأرفعهم قدرا

ركائب آمالي إليكم حثثتها

فلا أرتجي في الناس زيداً ولا عمرا

ومن ذا الذي أضحي برفع نداكم

نزيلاً وما أبدلتم عسره يسرا؟

ومن ذلك ما رواه حذيفة بن اليمان قال: رأيت رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم آخذ بيد الحسن بن علي وهو يقول: أيّها الناس هذا ابن علي فاعرفوه، فوالذي نفس محمد بيده إنّه لفي الجنّة ومحبّه في الجنّة، ومحبّ محبيه في الجنّة [128].

وعن أبي الطيب الهروي عن أبي حازم عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم لعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام: أنا حربٌ لمن حاربكم وسلمٌ لمن سالمكم، مبغضٌ لمن أبغضكم، محبٌّ لمن أحبّكم، شافعٌ لمن والاكم آخذ بيد من مال إليكم [129].

ومن ذلك من كتاب الفردوس للديلمي مرفوعاً إلي جابر بن عبداللَّه قال: قال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم: مكتوب علي باب الجنّة لا إله إلّا اللَّه محمد رسول اللَّه علي أخوه ولي اللَّه [130]، أخذت ولايته وعهده علي الذر قبل خلق السَّموَات والأرض بألفي عام، من سرَّه أن يلقي اللَّه وهو عنه راضٍ فليتولَّ علياً وعترته فهم نجبائي وأوليائي وخلفائي وأحبّائي [131].

وعن كعب بن عياض عن رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم أنّه قال: لعلي نوران نور في السماء، ونور في الأرض، فمن تمسّك بنور منهما دخل الجنّة، ومن أخطأهما دخل النار وما بعث اللَّه ولياً إلّا وقد دعاه إلي ولاية علي طايعاً أو كارهاً

[132].

ومن ذلك من كتاب اللباب مرفوعاً إلي ابن عباس قال: قال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم: ستكون بعدي فتنة مظلمة لا ينجو منها إلّا من تمسّك بالعروة الوثقي، قيل: ومن هي يا رسول اللَّه؟ قال: علي ابن أبي طالب [133].

يؤيّد ذلك ما رواه في مناقب الغزالي الشافعي مرفوعاً إلي أبي ذر قال: قال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم: من ناصب علياً الخلافة بعدي فهو كافر [134]، وهذا فلان قد ناصب علياً الخلافة وغضبه، فما تقول؟

وعن سعيد بن جبير قال: قال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم: جحود نعمة اللَّه كفر وجحود نبوّتي كفر، وجحود ولاية علي كفر، لأنّ التوحيد لا يبني إلّا علي الولاية.

وعن الأسماخ بن الخزرج قال: قال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم: يا علي لا يتقدّمك بعدي إلّا كافر، ولا يتخلّف عنك إلّا كافر، أنت نور اللَّه في عباده وحجّة اللَّه في بلاده وسيف اللَّه علي أعدائه، ووارث علوم أنبيائه، أنت كلمة اللَّه العليا وآيته الكبري، ولا يقبل اللَّه الإيمان إلّا بولايتك [135].

ومن ذلك ما رواه ابن عباس عن رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم قال: إنّ يوم القيامة يوم شديد الهول فمن أراد منكم أن يتخلّص من أهوال القيامة وشدائده فليوال وليّي، وليتّبع وصيّي وخليفتي وصاحب حوضي علي بن أبي طالب، فإنّه غداً علي الحوض يذود عنه أعداءه ويسقي منه أولياءه فمن لم يشرب لم يزل ظمآناً لم يُرْوَ أبداً ومن شرب منه لم يظمأ بعده أبداً، ألا وإن حبّ علي علامة بين الإيمان والنفاق فمن أحبّه كان مؤمناً، ومن أبغضه كان منافقاً، فمن

سرّه أن يمرّ علي الصراط كالبرق الخاطف ويدخل الجنّة بغير حساب، فليوال وليّي وخليفتي علي أهلي وأمّتي علي بن أبي طالب، فإنّه باب اللَّه والصراط المستقيم، وعلي يعسوب الدين، وقائد الغرّ المحجلين ومولي من أنا مولاه، لا يحبّه إلّا طاهر الولادة زاكي العنصر ولا يبغضه إلّا من خبث أصله وولادته، وما كلّمني ربّي ليلة المعراج إلّا قال لي: يا محمد اقرأ علياً مني السلام وعرّفه أنّه إمام أوليائي ونور من أطاعني فهنيئاً له بهذه الكرامة منّي [136].

وقال صلي الله عليه و آله و سلم: لا تستخفّوا بالفقير من شيعة علي فإنّ الرجل منهم يشفع في مثل ربيعة ومضر [137].

اشهاد النبي الامم بفضل علي إشهاد أم سلمة

وعن أبي الحمراء قال: قال لي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم يوماً: أبا الحمراء انطلق وادع لي مائة من العرب وخمسين رجلاً من العجم، وثلاثين رجلاً من القبط، وعشرين رجلاً من الحبشة.

قال: فذهبت فأتيت بهم، فقام رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم فصف العرب ثم صف العجم خلف العرب، ثم صف القبط خلف العجم ثم صف الحبشة خلف القبط، ثم حمد اللَّه وأثني عليه بمحامد لم تسمع الخلائق مثلها ثم قال: معاشر العرب والعجم والقبط والحبشة شهادة لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريك له وأنّ محمداً عبده ورسوله وأن علياً أمير المؤمنين ولي اللَّه، قالوا: نعم. قال: اللهمّ اشهد حتي قالها ثلاثة، ثم قال: يا علي آتني بدواة وبياض فأتاه بهما، فقال: اكتب «بسم اللَّه الرحمن الرحيم هذا ما أقرّت به العرب والعجم والقبط والحبشة أقرّوا بأن لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريك له وأنّ محمداً عبده ورسوله وأن علياً أمير المؤمنين ولي اللَّه» ثم ختم الصحيفة

ودفعها إلي علي بن أبي طالب [138].

ومن ذلك في كتاب الأمالي مرفوعاً إلي اُمّ سلمة قالت: كان يومي من رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم فجئت لأدخل فردّني رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم فرجعت خائفة ثم رجعت ثانية وأتيت الباب لأدخل فمنعني رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم فكبوت لوجهي خوفاً من ذلك، ثم لم ألبث أن أتيت الباب ثالثة فقلت: أأدخل يا رسول اللَّه؟ فقال: ادخلي فدخلت وعلي جاث بين يديه وهو يقول: فداك أبي واُمّي يا رسول اللَّه فإذا كان كذا وكذا فبمَ تأمرني؟ فقال: آمرك بالصبر ثم أعاد ثانية فأمره بالصبر، ثم أعاد الثالثة فقال: يا علي «يا أخي» إذا كان ذلك منهم فقم واشهر سيفك وضعه علي عاتقك واضرب به قدماً حتي تلقاني وسيفك شاهراً يقطر من دمائهم، ثم التفت إلي وقال: يا أم سلمة ما رددتك لأمر تحذرينه، ولكن كان جبرائيل عن يميني وعلي عن يساري، وكان يخبرني بالأحداث التي تكون بعدي، ويأمرني أن أخبر بذلك علياً وأُوصيه، يا أم سلمة اسمعي واشهدي هذا علي بن أبي طالب أخي في الدنيا والآخرة، يا أم سلمة اسمعي واشهدي هذا علي بن أبي طالب صاحب لوائي في الدنيا والآخرة [139].

وعن أنس بن مالك قال: قال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم: علي خليفة اللَّه ووليّه وحجّته علي جميع خلقه، طاعته مقرونة بطاعة اللَّه وطاعتي، فمن عرفه عرفني، ومن أنكره أنكرني، ثم قال: أنا وعلي وفاطمة والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين حجج اللَّه علي خلقه، أعداؤنا أعداء اللَّه وأولياؤنا أولياء اللَّه [140].

علي الإمام المبين و أنه وارث الأنبياء و الأوصياء و حديث: ألا من أحب عليا

ومن ذلك ما رواه ابن عباس قال:

لمّا نزلت هذه الآية: «وَكُلَّ شَيْ ءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ» [141] قام رجلان فقالا: يا رسول اللَّه، أهي التوراة؟ قال: لا. قالا: فهو الإنجيل؟ قال: لا. قالا: فهو القرآن؟ قال: لا. فأقبل أمير المؤمنين عليه السلام فقال: هو هذا الذي أحصي اللَّه فيه علم كل شي ء، وإن السعيد كل السعيد من أحبَّ علياً علي حياته وبعد وفاته، والشقي كل الشقي من أبغض هذا في حياته وبعد وفاته [142].

قال حذيفة بن اليمان: رأي أمير المؤمنين عليه السلام رجلاً من شيعته وقد أثر فيه السن وهو يتجلد، فقال له: كبر سنك يا رجل، فقال: في طاعتك يا أمير المؤمنين. فقال: إنّك تتجلّد. فقال: علي أعدائك. فقال: أجد فيك بقيّة، فقال: هي لك يا أمير المؤمنين [143].

وقال أمير المؤمنين عليه السلام: نحن أئمّة المسلمين وحجّة اللَّه علي العالمين، ونحن أمان لأهل السَّموَات والأرضين، ولولانا لساخت الأرض بأهلها [144].

وقال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم: إن اللَّه اختارني واصطفاني، وجعلني سيّد المسلمين واختار لي وزيراً من أهلي، وجعله سيّد الوصيّين، الحياة معه سعادة، والموت معه سعادة، أوّل من آمن بي وصدّقني اسمه في التوراة مقرون مع اسمي، وزوجته الصدِّيقة الكبري فاطمة الزهراء ابنتي، وابناه ريحانتاي من الدنيا وسيدا شباب أهل الجنّة، والأئمة من ولده حجج اللَّه علي خلقه، من تبعهم نجا من النار ومن اقتدي بهم هدي إلي الصراط المستقيم، ما وهب اللَّه محبّتهم لعبد إلّا دخل الجنّة [145].

وعن سعيد بن المسيب عن عبد الرحمن بن عروة قال: قلت: يا رسول اللَّه أرشدني إلي النجاة، فقال: إذا اختلفت الأهواء، وافترقت الآراء فعليك بعلي بن أبي طالب فانّه إمام أُمّتي وخليفتي عليهم بعدي والفاروق بين الحق والباطل

من سأله أجابه، ومن استرشده أرشده، ومن طلب الحق عنده وجده، ومن التمس الهدي لديه صادفه ومن لجأ إليه آمنه، ومن استمسك به نجاه، ومن اقتدي به هداه، يا ابن سمرة، سلم من سلم إليه ووالاه، وهلك من ردّ عليه وعاداه، يا ابن سمرة، إن علياً منّي وأنا منه، روحه روحي وطينته طينتي، وهو أخي وأنا أخوه وزوجه سيّدة نساء العالمين من الأوّلين والآخرين وأبناؤه سيدا أهل الجنة الحسن والحسين، وتسعة من ولد الحسين هم أسباط النبيين تاسعهم قائمهم يملأ الأرض عدلاً وقسطاً، كما ملئت ظلماً وجوراً [146].

وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم: إنّ اللَّه عز وجل أمرني أن أقيم علياً إماماً وحاكماً وخليفة، وأن اتخذه أخاً ووزيراً وولياً وهو صالح المؤمنين أمره أمري، وحكمه حكمي، وطاعته طاعتي، فعليكم طاعته واجتناب معصيته فإنّه صدِّيق هذه الأمّة، وفاروقها ومحدثها وهارونها ويوشعها وآصفها وشمعونها، وباب حطتها وسفينة نجاتها وطالوتها، وذو قرنيها ألا إنه محنة الوري والحجّة العظمي والعروة الوثقي، وإمام أهل الدنيا وإنه مع الحق والحق معه وإنه قسيم الجنّة فلا يدخلها عدوّ له ولا يزحزح عنها ولي له، قسيم النار فلا يدخلها ولي له، ولا يزحزح عنها عدو له، ألا إن ولاية علي ولاية اللَّه وحبّه عبادة اللَّه، واتباعه فريضة اللَّه وأولياؤه أولياء اللَّه، وحربه حرب اللَّه وسلمه سلم اللَّه [147].

وقال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم لعلي: يا علي مثَلك في أمتي كمثَل «قُلْ هُوَ اللَّه أَحَد» من قرأها مرّة فكأنما قرأ ثلث القرآن، ومن قرأها مرّتين فكأنّما قرأ ثلثي القرآن، ومن قرأها ثلاث مرّات فكأنّما ختم القرآن فمن أحبّك بلسانه فقد

كمل ثلث الإيمان، ومن أحبّك بلسانه وقلبه فقد كمل ثلثا الإيمان، ومن أحبّك بيده وقلبه ولسانه فقد كمل الإيمان، والذي بعثني بالحق نبيّاً لو أحبّك أهل الأرض كمحبّة أهل السماء لما عذّب اللَّه أحداً بالنار، يا علي بشرني جبرائيل عن ربّ العالمين فقال لي: يا محمد بشِّر أخاك علياً أنّي لا أُعذّب من تولّاه ولا أرحم من عاداه [148].

وعن سعيد بن جبير عن عائشة قالت قال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم يوماً لعلي: أنت سيّد العرب، فقلت: يا رسول اللَّه ألست سيّد العرب؟ فقال: أنا سيّد ولد آدم وعلي سيّد العرب [149]، فقلت: وما السيد؟ فقال: من فرضت طاعته كما فرضت طاعتي.

وقال لعلي عليه السلام: أنت منّي بمنزلة شيث من آدم وبمنزلة سام من نوح، وبمنزلة إسحق من إبراهيم، وبمنزلة هارون من موسي، وبمنزلة شمعون من عيسي، إلّا أنّه لا نبي بعدي، يا علي أنت وصيّي وخليفتي، ومن نازعك في الإسلام بعدي فليس من الإسلام في شي ء، وأنا خصيمه يوم القيامة، يا علي أنت أفضل أُمّتي فضلاً، وأقدمهم سلماً وأكثرهم علماً وأوفرهم حلماً [150]، وأشجعهم قلباً وأسخاهم كفّاً، وأنت الإمام بعدي، وأنت الوزير وأنت قسيم الجنّة والنار [151] تعرف الأبرار من الفجّار، وتميّز الأخيار من الأشرار والمؤمنين من الكفّار [152].

وعن ابن عباس قال: رأيت جابر بن عبداللَّه متوكئاً علي عصي يدور في سكك الأنصار ويقول: يا معاشر الأنصار أدّبوا أولادكم بحبّ علي، فمن أبي فانظروا في حال أمّه [153].

وعن ابن عبّاس قال: قال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم: يا علي من أحبّك فقد أحبّني، ومن سبّك فقد سبّني، يا علي أنت منّي وأنا منك، روحك من روحي

وطينتك من طينتي، وإنّ اللَّه سبحانه خلقني وإيّاك واصطفاني وإيّاك، واختارني للنبوّة واختارك للإمامة فمن أنكر إمامتك فقد أنكر نبوّتي، يا علي أنت وصيّي وخليفتي، أمرك أمري ونهيك نهيي، أقسم بالذي بعثني بالنبوّة وجعلني خير البرية إنّك حجّة اللَّه علي خلقه، وأمينه علي وحيه وخليفته علي عباده وأنت مولي كل مسلم وإمام كل مؤمن، وقائد كل تقي، وبولايتك صارت اُمّتي مرحومة، وبعداوتك صارت الفرقة المخالفة منها ملعونة، وإن الخلفاء بعدي اثنا عشر أنت أوّلهم وآخرهم القائم الذي يفتح اللَّه به مشارق الأرض ومغاربها كأنّي أنظر إليك وأنت واقف علي شفير جهنّم وقد تطاير شررها وعلا زفرها واشتد حرّها، وأنت آخذ بزمامها فتقول لك جهنم: أجرني ياعلي فقد أطفأ نورك لهبي، فتقول لها: قري يا جهنم خذي هذا واتركي هذا [154].

وقال صلي الله عليه و آله و سلم: من كتب فضيلة من فضائل علي لم تزل الملائكة تغفر له، ومن ذكر فضيلة من فضائله غفر اللَّه له ماتقدّم من ذنوبه وما تأخّر، ولا يتم إيمان عبد إلّا بحبّه وولايته، وإنّ الملائكة تتقرّب إلي اللَّه تعالي بمحبّته، ومن حفظ من شيعتنا أربعين حديثاً بعثه اللَّه يوم القيامة فقيهاً عالماً، وغفر له [155].

وعن سعيد بن جبير من كتاب الأمالي قال: أتيت ابن عبّاس أسأله عن علي بن أبي طالب واختلاف الناس فيه، فقال: يابن جبير جئت تسألني عن خير هذه الاُمّة بعد محمّد صلي الله عليه و آله و سلم، جئت تسألني عن رجل له ثلاثة آلاف منقبة في ليلة واحدة - وهي ليلة الفدية -، وصي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم وخليفته، وصاحب حوضه ولوائه، ثم قال: والذي اختار محمداً خاتماً لرسله، لو

كان نبت الدنيا وأشجارها أقلاماً وأهلها كتّاباً وكتبوا مناقب علي وفضائله من يوم خلق اللَّه الدنيا إلي فنائها ما كتبوا معشار ما آتاه اللَّه من الفضل [156].

وقال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم [157]: أنا سيّد النبيّين ووصيّي سيّد الوصيين، وإن اللَّه أوحي إلي آدم يا آدم إني أكرمت الأنبياء بالنبوّة، وجعلت لهم أوصياء وجعلتهم خير خلقي، فأوصِ إلي شيث ابنك. وأوصي شيث إلي سنان، وسنان إلي محلث وأوصي محلث إلي محقوق ومحقوق إلي عيثما وعيثما إلي أخنوخ، وهو إدريس وأوصي إدريس إلي ناحور، وناحور إلي نوح ونوح إلي سام، وسام إلي عابر وعابرإلي برعانا، وبرعانا إلي يافث ويافث إلي أبره وأبره إلي خفيسة، وخفيسة إلي عمران ودفعها عمران إلي إبراهيم، وإبراهيم إلي إسماعيل وإسماعيل إلي إسحاق، وأوصي إسحاق إلي يعقوب ويعقوب إلي يوسف، ويوسف إلي شريا وشريا إلي شعيب ودفعها شعيب إلي موسي، وموسي إلي يوشع بن نون ويوشع إلي داود وداود إلي سليمان، وأوصي سليمان إلي آصف بن برخيا وأوصي آصف زكريا، ودفعها زكريا إلي عيسي ابن مريم وأوصي عيسي إلي شمعون وأوصي شمعون إلي يحيي، ويحيي إلي منذر ومنذر إلي سليمة ودفعها سليمة إلي بردة ودفعها بردة إليَّ، وأنا دافعها إليك يا علي وتدفعها أنت إلي الحسن ويدفعها الحسن إلي الحسين، ويدفعها الحسين إلي أوصيائه حتي تدفع خير أهل الإرث بعدك، ولتكفرن بك الاُمّة ولتختلفنّ عليك، والثابت عليك كالثابت معي، والشاذّ عنك في النار، والنار مثوي الكافرين [158].

وإن اللَّه جعل لكل نبي عدوّاً من شياطين الإنس والجن. احتج خصم، فقال: كيف تجدد النص (كذا) عليه السلام مخالفة هذه الوصية إذ كتمها بعد هذا النص الصريح علي علي؟ فقلت له: ألست

تعلم أنت وكل مسلم أن اليهود والنصاري كتموا نصّ موسي وعيسي علي محمد صلي الله عليه و آله و سلم ونسوا اسمه الموجود في التوراة والإنجيل المذكور في صريح القرآن واستدبروه وجحدوه وكتموه ولم يلتفتوا إليه، وأن قوم موسي شهدوا علي موسي باستخلافه لهارون أخيه، ولما غاب عنهم عكفوا علي العجل وأرادوا قتل هارون، وقد صرّح القرآن بذلك، وأن اليهود جحدوا صريح النص علي محمّد صلي الله عليه و آله و سلم في كتابهم جهلاً وحبّاً للرئاسة، وهكذا ضلّ من هو دونهم طلباً للرئاسة وحسداً علي النعمة والفضيلة، أوليس قد قال النبي صلي الله عليه و آله و سلم: ستفترق هذه الأُمّة علي ثلاثة وسبعين [159] واحدة ناجية والباقون في النار، وهذا عذر واضح لعلي عليه السلام وعترته وقعودهم عن حقّهم، لأنه لا تقوي فرقة واحدة علي اثنتين وسبعين، وأين أهل النصر لهم وقد أعذر القرآن من (اقر) [160] عن أكثرهم مرائين بغير خلاف، ثم إن اللَّه سبحانه قد نصَّ علي معرفته أبلغ ممّا نصّ علي أوليائه في المشارق والمغارب من حكم هو صانعها، وآيات هو موجود بدئها، كل عاقل يشهد بوجود الصانع وقدرته، وقد كان قوم جحدوا وأنكروا وجود الصانع وما آمن بوحدانيته إلّا قليل، فعند ذلك تهذيب للبس الأمر، والثابت عليك كالثابت معي، والشاذ عنك في النار والنار مثوي للكافرين، إن اللَّه جعل لكل نبي عدوّاً [من]شياطين الإنس والجن وعدوّاً من المجرمين، فعدو آدم إبليس وعدو سليمان الشياطين، وعدوّ شيث أولاد قابيل وعدو انوش كيومرث، وعدو إدريس الضحاك وعدو نوح عوج وجهانيان، وعدو صالح افراسياب، وعدو إبراهيم نمرود بن كنعان، وعدو موسي فرعون وقارون وهامان وعوج بن بلعام، وعدو يوشع بن نون لهراسب،

وعدو داود جالوت، وعدو عيسي أشبح بن اشجان، وعدو شمعون بخت نصر، وعدو محمّد صلي الله عليه و آله و سلم أبو جهل وأبو لهب، وعدوّك يا علي تيم وعدي وبنو أمية، واللَّه عدوّ للكافرين. وإنّما حسدك علي فضلك أهل العداوة والحسد.

وقال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم: إن حبّ أهل بيتي ينفع من أحبّهم في سبع مواطن مهولة: عند الموت، وفي القبر وعند القيام من الأجداث، وعند تطاير الصحف وعند الميزان، وعند الصراط، فمن أحبّ أن يكون آمناً في هذه المواطن فليوال علياً بعدي وليتمسك بالحبل المتين علي بن أبي طالب عليه السلام وعترته من بعده، فإنّهم خلفائي وأوليائي، علمهم علمي وحلمهم حلمي، وأدبهم أدبي وحبّهم حبّي، سادة الأولياء وقادة الأتقياء، وبقية الأنبياء، حربهم حربي وعدوّهم عدوّي [161].

وقال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم لحذيفة بن اليمان: يا حذيفة إن علياً حجة اللَّه الإيمان به إيمان باللَّه، والكفر به كفر باللَّه والشرك به شرك باللَّه؛ والشك فيه شك في اللَّه والإلحاد فيه إلحاد في اللَّه والإنكار له إنكار للَّه، والإيمان به إيمان باللَّه، يهلك فيه رجلان ولا ذنب له: محبّ غال، ومبغض قال [162].

وقال صلي الله عليه و آله و سلم: خذوا بحجزة الأنزع البطين علي بن أبي طالب فهو الصدِّيق الأكبر والفاروق الأعظم، من أحبّه أحبّه اللَّه ومن أبغضه أبغضه اللَّه ومن تخلّف عنه محقه اللَّه [163].

وقال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم يوماً وقد أخذ بيدي الحسن والحسين عليهماالسلام قال: أنا رسول اللَّه وهذان الطيّبان سبطاي وريحانتاي، فمن أحبّهما وأحب أباهما واُمّهما كان معي يوم القيامة وفي درجتي، ألا وإن اللَّه خلق مائة

ألف نبي وأربعة وعشرين ألف نبي، أنا أكرمهم علي اللَّه ولا فخر، وخلق مائة ألف وصي وأربعة وعشرين ألف وصي، علي أكرمهم وأفضلهم عند اللَّه، ألا وإن اللَّه يبعث أُناساً وجوههم من نور علي كراسي من نور عليهم ثياب من نور في ظل عرش الرحمن بمنزلة الأنبياء، وليسوا أنبياء، وبمنزلة الشهداء وليسوا شهداء.

فقال رجل: أنا منهم يا رسول اللَّه؟

فقال: لا، فقال آخر: أنا منهم.

فقال: لا.

فقيل: من هم يا رسول اللَّه؟

فوضع يده الشريفة علي كتف علي وقال: هذا وشيعته، ألا إن علياً والطيبين من عترته كلمة اللَّه العليا وعروته الوثقي وأسماؤه الحسني مثلهم في اُمّتي كسفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلّف عنها غرق، ومثلهم في اُمّتي كالنجوم الزاهرة كلما غاب نجم طلع نجم إلي يوم القيامة، ألا وإن الإسلام بني علي خمس دعائم: الصلاة والزكاة، والصوم والحج، وولاية علي ابن أبي طالب عليه السلام، ولم يدخل الجنة حتي يحب اللَّه ورسوله وعلي بن أبي طالب وعترته [164].

وروي السديّ في قوله تعالي: «وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ» [165]، قال: شيعة علي يعدلون بالحق من صدَّ عنه ويهتدون بالدين القيم وهو حب علي وعترته.

وروي أيضاً قوله تعالي: «يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَي صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ» [166] قال: شيعة علي علي الصراط المستقيم وهو حب علي [167]، ويأمرون به وهو العدل.

(وروي) أحمد أن الصراط لا يجوز عليه إلّا من عرف علياً وعرفه؛ وأنّ الجنة لا يدخلها إلّا من كان في صحيفته حب علي وعترته [168].

وروي ابن عباس أن جبرئيل يجلس يوم القيامة علي باب الجنة فلا يدخلها إلّا من كان معه براءة من علي [169].

وروي في تفسيره الوكيع بن الجراح عن السدي وسفيان الثوري أن الصراط المستقيم حبّ

علي [170].

ومن كتاب الأمالي عن ابن عباس قال: قال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم لمّا عرج بي إلي السماء السابعة، ومنها إلي سدرة المنتهي ومنها إلي حجب النور ناداني ربّي جل جلاله يا محمد أنت عبدي وأنا ربك فلي فاخضع، وإيّاي فاعبد وعليَّ فتوكّل فإنّي قد رضيتك عبداً وحبيباً ورسولاً ورضيت لك علياً خليفة وباباً، وجعلته حجّتي علي عبادي وأماناً لخلقي، به يقام ديني وتحفظ حدودي وتنفذ أحكامي، ويعرف أعدائي من أوليائي وبالأئمة من ولده أرحم عبادي، وبالقائم المهدي أعمر أرضي بتسبيحي وتقديسي وتهليلي وتمجيدي، وبه أطهّر الأرض من أعدائي وبه أحيي عبادي وبلادي وبه أظهر الكنوز والذخائر وأظهره علي الأسرار والضمائر، وأنصره بأوليائي وأمده بملائكتي فهو وليّي حقاً ومهديّ عبادي صدقاً [171].

ومن كتاب المناقب مرفوعاً إلي ابن عمر قال: سألت رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم عن علي بن أبي طالب عليه السلام فقلت: يا رسول اللَّه ما منزلة علي منك؟

فغضب ثم قال: ما بال قوم يذكرون رجلاً عند اللَّه منزلته كمنزلتي ومقامه كمقامي، إلّا النبوّة، يابن عمر إن علياً منّي بمنزلة الروح من الجسد، وإن علياً مني بمنزلة النفس من النفس، وإن علياً منّي بمنزلة النور من النور، وإن علياً منّي بمنزلة الرأس من الجسد، وإن علياً مني بمنزلة الزر من القميص، يابن عمر؛ من أحبَّ علياً فقد أحبّني، ومن أحبّني فقد أحب اللَّه ومن أبغض علياً فقد أبغضني، ومن أبغضني فقد غضب اللَّه عليه ولعنه، ألا ومن أحب علياً فقد اُوتي كتابه بيمينه وحوسب حساباً يسيراً، ألا ومن أحب علياً لا يخرج من الدنيا حتي يشرب من الكوثر ويأكل من طوبي، ويري مكانه من الجنّة.

ألا

من أحب علياً هانت عليه سكرات الموت وجعل قبره روضة من رياض الجنة، ألا ومن أحب علياً أعطاه اللَّه بكل عضو من أعضائه خولاً وشفاعة ثمانين من أهل بيته، ألا ومن عرف علياً وأحبه بعث اللَّه إليه ملك الموت كما يبعث إلي الأنبياء وجنّبه أهوال منكر ونكير وفتح له في قبره مسيرة عام، وجاء يوم القيامة أبيض الوجه يُزَفّ إلي الجنة كما تُزَفّ العروس إلي بعلها، ألا ومن أحب علياً أظلّه اللَّه تحت ظل عرشه وآمنه يوم الفزع الأكبر، ألا ومن أحب علياً قبل اللَّه حسناته ودخل الجنة آمناً، ألا ومن أحبَّ علياً سمّي أمين اللَّه في أرضه، ألا ومن أحبَّ علياً وضع علي رأسه تاج الكرامة مكتوباً عليه أصحاب الجنّة هم الفائزون، وشيعة علي هم المفلحون، ألا ومن أحبَّ علياً مرَّ علي الصراط كالبرق الخاطف، ألا ومن أحبَّ علياً لاينشر له ديوان ولا ينصب له ميزان، وتفتح له أبواب الجنة الثمان، ألا ومن أحبَّ علياً ومات علي حبّه صافحته الملائكة وزارته أرواح الأنبياء، ألا ومن مات علي حب علي فأنا كفيله الجنّة، ألا وإن للَّه باباً من دخل منه نجا من النار وهو حب علي، ألا ومن أحب علياً أعطاه اللَّه بكل عرق في جسده وشعرة في بدنه مدينة في الجنة، يابن عمر، ألا وإن علياً سيّد الوصيّين وإمام المتّقين، وخليفتي علي الناس أجمعين، وأبو الغرّ الميامين، طاعته طاعتي، ومعرفته هي معرفتي، يابن عمر والذي بعثني بالحق نبياً لو كان أحدكم صف قدميه بين الركن والمقام يعبد اللَّه ألف عام، ثم ألف عام صائماً نهاره قائماً ليله، وكان له مل ء الأرض مالاً فأنفقه، وعباد اللَّه ملكاً فأعتقهم، وقُتل بعد هذا الخير الكثير شهيداً بين

الصفا والمروة، ثم لقي اللَّه يوم القيامة باغضاً لعلي لم يقبل اللَّه له عدلاً ولا صرفاً وزج بأعماله في النار وحشر مع الخاسرين [172].

صفات أميرالمؤمنين و قصيدة للمؤلف في مدح أمير المؤمنين

علي أمير المؤمنين عليه السلام فهو المنتجب بالوصية المنتخب من الطينة الزكية الحاكم بالسوية العادل في القضية، العالي البنية إمام سائر البرية، بعل فاطمة الرضية، والد العترة الزكية، ليث الحروب ومفرّج الكروب، الذي لم يفرّ من معركة قط، ولا ضرب بسيفه إلّا قط، ولا لقي كتيبة إلّا انهزمت ولم يقاتل تحت راية إلّا غلبت، ولم يفلت من بأسه بطل ولا ضرب بحسامه شجاعاً إلّا قتل، ولم يرافق سرية إلّا كان النصر معها، ولم يلق جحفلاً إلّا ولّوا مدبرين وانقلبوا صاغرين، وكانت وثبته إلي عمرو أربعين ذراعاً ورجوعه إلي خلف عشرين ذراعاً، وضرب الكافر يوم أُحد فقطعه وجواده نصفين ثم حمل علي سبعة عشر كتيبة جمعها سبعون ألفاً ففرّقها، وبدّد شملها ومزّقها، حتي تحيّر الفريقان من بأسه وتعجّبت الأملاك من حملاته، وهذه خواص إلهية وآيات ربّانية، الليث الباسل والبطل الجلاجل، والهزبر المنازل والخطب النازل، والقسورة الذي ليس له منازل، ولايته فريضة واتباعه فضيلة، ومحبّته إلي اللَّه وسيلة، ومن أحبّه في حياته وبعد وفاته كتب اللَّه له من الأمن والإيمان ما طلعت عليه الشمس وغربت. وها أنا أقول:

هي الشمس أم نور الضريح يلوح

هو المسك أم طيب الوصي يفوح

وبحر ندي أم روضة حوت الهدي

وآدم أم سر المهيمن نوح

وداود هذا أم سليمان بعده

وهارون أم موسي العصا ومسيح

وأحمد هذا المصطفي أم وصيّه

علي سماه هاشم وذبيح

سماه محيط المجد بدر دجنة

وصبح جلال في الأنام يلوح

حبيب حبيب اللَّه بل سرّ سرّه

وعين الوري بل للخلايق روح

له النص في يوم الغدير ومدحه

من اللَّه في الذكر المبين صريح

إمام إذا ما المرء جاء

بحبّه

فميزانه يوم المعاد رجيح

له شيعة مثل النجوم زواهر

إذا جاء ولت تلقي العدو طريح

عليك سلام اللَّه يا راية الهدي

سلام سليم يغتدي ويروح [173].

في قوله تعالي: «فطرة الله..» و قوله تعالي: «إن السمع و البصر»

قال سبحانه وتعالي: «فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا» [174] قال ابن عباس: هي في ثلاث كلمات لا إله إلّا اللَّه محمد رسول اللَّه علي ولي اللَّه.

وكل واحدة من هذه رباط الأخري، وهي المسؤول عنها في القبر وإليها الإشارة بقوله: «إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً» [175] فالسمع للتوحيد، والبصر للنبوّة، والفؤاد للولاية.

الدين هو الولاية

الدين عدل اللَّه والعدل قسط اللَّه، والقسط هو القسطاس المستقيم، والقسطاس هو الميزان، فالدين هو الولاية.

علي عليه السلام الميزان يوم القيامة

ان أميرالمؤمنين هو الميزان المذكور في القرآن

قال اللَّه سبحانه: «وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ» [176] قال ابن عباس: الموازين الأنبياء والأولياء [177]، والميزان يقتضي كفتين وشاهدين ضرورة فالكفة الأولي منه: لا إله إلّا اللَّه، وقسطاسه المرفوع: محمد رسول اللَّه قائماً بالقسط، والكفة الأخري: علي ولي اللَّه، وإليه الإشارة بقوله: «وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ».

قال ا لعالم عليه السلام: السماء رسول اللَّه والميزان علي [178] لأن بحبّه توزن الأعمال، وقوله: «وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ» [179] أي لا تظلموا علياً حقّه لأنه من جهل حقّه لا ميزان له.

وروي في قوله تعالي: «اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ» [180] قال: الكتاب القرآن والميزان الولاية، وقال علي بن إبراهيم [181]: الكتاب علي والميزان أيضاً علي، لأنه ما لم تكن لك الولاية فلا دين ولا كتاب، لأن الولاية بها يتم الدين وبها ينعقد اليقين، فالولاية هي ميزان العباد يوم المعاد، فإذا وضعت السَّموَات والأرض وما بينهما من الراسيات والشامخات، مقابل لا إله إلّا اللَّه فلا يلزم يقوم لها وزن، وضعت الولاية مقابلها وهي علي ولي اللَّه رجحت الميزان لأن الولاية معها التوحيد والنبوة، لأنها جزء من التوحيد وجزء من النبوة، فهي جامعة لسرّ التوحيد، والنبوة خاتمة لهما وذلك لأن لا إله إلّا اللَّه روح الإيمان وظرف الباطن محمد رسول اللَّه رسوخ الإسلام وظرف الظاهر علي ولي اللَّه ظرف الإسلام والإيمان، وروح الظاهر والباطن. فلهذا لو جاء العبد يوم القيامة وفي ميزانه الجبال الراسيات من الأعمال الصالحات، وليس فيه ولاية علي التي هي كمال الدين، ورجح الموازين لا بل كمال سائر الأديان، لأن دين محمد كمال كل دين

وختم كل شريعة للنبيّين وتصديقاً للمرسلين، وحبّ علي كمال هذا الكمال، وختم هذا الخاتم وتمام هذا المتمّم والمكمّل للكمال كمال الكمال، والكمال جمال فحبّ علي كمال كل دين، لأن اللَّه لم يبعث نبيّاً يدعو الناس إليه ويدل عباده عليه، إلّا وقد أخذ عليه ولاية علي طوعاً أو كرهاً فكل دين ليس معه حبّ علي وولايته فلا كمال له، وما لا كمال له ناقص، والناقص لا يقبل ولا يوزن ولا يعرض، لأن اللَّه لا يقبل إلّا الطيب، وإليه الإشارة بقوله: «وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ» [182] والحق هو العدل والعدل هو الولاية، لأن الحق علي فمن كملت موازينه بحب علي رجع وأفلح، وإليه الإشارة بقوله: «فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» [183] وهم أهل الولاية الذين سبقت لهم من اللَّه العناية، وإليه الإشارة بقوله: «إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ» [184] قال: الكلم الطيب: لا إله إلّا اللَّه محمد رسول اللَّه، والعمل الصالح يرفعه، قال: العمل الصالح حب علي، فكل عمل ليس معه حب علي فلا يُرفع، وما لا يرفع لا يسمع، وما لا يسمع فلا ينفع، وما لا يرفع ولا يسمع ولا ينفع، فهو وبال وضلال وهباء منثور.

يؤيّد هذه المقالة ويحقّق هذه الدلالة أن جبرائيل سيّد الملائكة، والأنبياء سادة أهل الأرض، والرسل سادة الأنبياء وكل منهم سيّد أهل زمانه، ومحمد صلي الله عليه و آله و سلم سيّد الأنبياء والمرسلين وسيّد الخلائق أجمعين لأنه الفاتح والخاتم والأول والآخر، له سؤدد التقدّم والتختم، لأنه لولاه ما خلقوا وما كانوا فلأحديته علي سائر الآحاد شرف الواحد علي سائر الأعداد، وجبرائيل خادمه والأنبياء نوّابه، لأنّهم بعثوا إلي اللَّه يدعون وبنبوّة محمد يخبرون وبفضله علي الكل يشهدون وبولاية علي يقرّون وبحبّه يدينون وعلي سلطان رسالة محمد

وحسامها وتمام أحكامها وختامها. دليله قوله: «وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَاناً نَصِيراً» [185] يعني علياً وأميراً ووزيراً، فمحمد سيّد أهل السَّموَات والأرضين، وعلي نفس هذا السيّد وروحه ولحمه ودمه، وأخوه وفتاه ومؤانسه ومؤاسيه ومفديه، وسلطان دولته وحامي ملّته وفارس مملكته، فعلي سلطان أهل السَّموَات والأرضين، وأميرهم ووليّهم ومالكهم، لأنّه أولي بهم من أنفسهم لأنه أمين اللَّه وأميره، ووليّه ووالده في الفخار علي الإنس والجنة، سيّداً لشباب أهل الجنة، فكل من سكن الجنة من الإنس والجن فالحسن والحسين سيداه، وأهل الجنة سادة الخلائق، فالحسن والحسين سادة السادات، ولا يسود أهل الآخرة إلّا من ساد أهل الدنيا، وأبوهما خير منهما بنص الحديث الذي عليه الإجماع، فأمير المؤمنين سيد سادات أهل الدنيا والآخرة، وزوجته الزهراء سيّدة النساء لأنّها بضعة النبوّة ولحمة الرسالة، وشمس الجلالة ودار العصمة، وبقيّة النبوّة، ومعدن الرحمة، ومنبع الشرف والحكمة، فهو السيد ابن السيد أخو السيد أبو السادة قرين السيادة والزيادة، فهو الولي الذي حبّه أمان وبغضه هوان، ومعرفته إيقان، وإليه الإشارة بقوله: «وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ» [186] فالرحمة محمّد صلي الله عليه و آله و سلم، والفضل علي. دليله قوله: «قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا» [187] يعني بدين محمد وولاية علي، لأن لأجلهما خلق الخلق وبهما أفاض عليه الرزق، لأن كل ما ينظره الإنسان فهو الحسن أو الإحسان، فالحسن هما والإحسان بهما، أما الحسن فدليله قوله: «أوّل ما خلق اللَّه نوري» [188] فهو النور الجاري في آحاد الموجودات، وأفرادها، وأما الاحسان فقوله: «أنا مِنَ اللَّه والكل منّي» [189] فالكل من أجله وبأجله، فهو الحسن والإحسان كما قيل:

جميع ما أنظره جماله

وكل ما خيّل لي خياله

وكل ما أنشقه نسيمه

وكل ما أسمعه مقاله

ولي فم شرفه

مديحه

ولي يد كرمها نواله

ما يعرف العشق سوي متيم

لذ له قيل الهوي وقاله

وذلك لأنه مصدر الأشياء، ومن هو مصدر الأشياء فعودها إليه ضرورة، بدؤها منك وعودها إليك، ومن هو المبدأ والمعاد فزمام الأمور منوط به، فتقها ورتقها بيدك ومن بيده الفتق والرتق له الحكم وإليه ترجعون.

ان الله فضل الحضرة المحمدية و جعل لها الإحاطة بالكل

ولما طلعت شموس الأسرار من مطالع العناية، ولمعت بوارق الأسرار من مشارق الهداية، وعرفت أن الحي القيوم جلّ اسمه فضل الحضرة المحمدية أن جعل نورها هو الفيض الأوّل، وجعل سائر الأنوار تشرق منها، وتتشعشع عنها، وجعل لها السبق الأوّل فلها السبق علي الكل، والرفعة علي الكل والإحاطة بالكل، واللَّه من ورائهم محيط، فكنت كما قيل:

تركت هوي ليلي وسعدي بمعزل

وملت إلي محبوب أوّل منزل

ونادتني الأشواك ويحك هذه

منازل من تهوي فدونك فانزل

غزلت لهم غزلاً دقيقاً فلم أجد

له ناسجاً غيري فكسرت مغزلي

أو كما قيل:

نقّل فؤادك ما استطعت من الهوي

ما الحب إلّا للحبيب الأوّل

النتيجة

فاعلم أن اللَّه سبحانه ما أنعم علي عبد بمعرفة محمد وحبّ علي فعذّبه قط، ولا حرمه عبداً فرحمه قط.

محمد و علي نور واحد

محمد وعلي نور واحد قديم، وإنّما انقسما تسمية ليمتاز النبي عن الولي كما امتاز الواحد عن الأحد، فكل أحد واحد ولا ينعكس، وكذا كل نبي ولي ولا ينعكس، فلهذا لا توزن الأعمال يوم القيامة إلّا بحب علي لأن الولاية هي الميزان كما تقدّم.

حب علي حسنة لايضر معها سيئة و بغضه سيئة لا ينفع معها حسنة

التوحيد لا يقابله شي ء قلّ أم جلّ، وكذا حبّ علي إذا كان في الميزان لا ينقصه شي ء من الذنوب قل أم جل، فإذا كان حبّه في الميزان فلا سيئة، وإذا لم يكن فلا حسنة، لأنّ الحسنات بالتحقيق حبّه، والسيئات بغضه، لأنّ حبّه حسنة لا يضرّ معها سيئة، وبغضه سيئة لا ينفع معها حسنة [190]، وإليه الإشارة بقوله: «فَأُولئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ» [191] وقوله: «وَقَدِمْنَا إِلَي مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً» [192] وليس في القيامة إلّا مؤمن وكافر ومنافق، والكافر ليست له حسنات توزن ولا للمنافق، فتعين أن ذلك للمؤمنين المذنبين وإنّما وسعه الرحمن لأن من جاء بالإيمان فكان كتابه متصل الحكم ثابتاً في دار القضاء لأن مبناه التوحيد، وشهوده النبوّة، وسجله الولاية، فوجب له الإيمان من اللَّه، المؤمن لإنصافه يوم لقائه، وأما المنافق فهو يجهد في الدنيا قد ضيّع الأصل وأكبّ علي الفرع، والفرع لا يثبت إلّا مع الأصل، ولا أصل هناك فلا فرع إذاً فهو يسعي مجداً لكنه ضايع جداً وإليه الإشارة بقوله: «الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً» [193] فإذا ورد القيامة لا يري شيئاً ممّا كان يظن أنه يلقاه، لأن المنافق لا برهان له فأعماله بالظن، والظن لا يغني من الحق شيئاً، لأن ما لا برهان له لا أصل له، وما لا أصل له لا فرع له، فلا قبول له ولا

وجود له، والمنافق لا برهان له فلا أصل له ولا فرع له، فلا إيمان له، فلا نجاة له.

ودليله ما رواه صاحب الكشاف من الحديث القدسي من الرب العلي أنه قال: لأدخلن الجنة من أطاع علياً وإن عصاني، ولأدخلن النار من عصاه وإن أطاعني [194]، وهذا رمز حسن وذلك لأن حب علي هو الإيمان الكامل، والإيمان الكامل لا تضر معه السيئات، فقوله: وإن عصاني فإنّي أغفر له إكراماً له وأدخله الجنة بإيمانه فله الجنة بالإيمان، وبحب علي العفو والغفران، وقوله: ولأدخلن النار من عصاه وإن أطاعني، وذلك لأنه إذا لم يوال علياً فلا إيمان له، فطاعته هناك مجاز لا حقيقة لأن الطاعة بالحقيقة حبّ علي المضاف إليها سائر الأعمال، فمن أحب علياً فقد أطاع اللَّه، ومن أطاع اللَّه نجا، فمن أحب علياً فقد نجا؛ فاعلم: أن حبّ علي الإيمان، وبغضه الكفر [195]، وليس هناك إلّا محب ومبغض، فمحبّه لا سيئة له فلا حساب عليه ومن لا حساب عليه فالجنة داره، ومبغضه لا إيمان له، ومن لا إيمان له لا ينظر اللَّه إليه فطاعته عين المعصية فعدوّه هالك، وإن جاء بحسنات العباد بين يديه، ووليّه ناجٍ ولو كان في الذنوب إلي شحمتي أذنيه، وأين الذنوب مع الإيمان المنير؟ أم أين من السيئات مع وجود الإكسير؟ فمبغضه من العذاب لا يقال، ومحبّه لا يوقف ولا يقال، فطوبي لأوليائه وسحقاً لأعدائه.

يؤيّد هذا ما رواه ابن عباس، قال: جاء رجل إلي رسول اللَّه فقال: يا رسول اللَّه أينفعني حبّ علي في معادي؟ فقال له النبي صلي الله عليه و آله و سلم: لا أعلم حتي أسأل جبرائيل، فنزل جبرائيل مسرعاً فقال له النبي صلي الله عليه و آله و سلم:

أينفع هذا حبّ علي؟ فقال: لا أعلم حتي أسأل إسرافيل، ثم ارتفع فسأل إسرافيل، فقال: لا أعلم حتي أُناجي ربّ العزّة، فأوحي اللَّه إلي إسرافيل قل لجبرائيل يقل لمحمد: أنت منّي حيث شئت، وأنا وعلي منك حيث أنت منّي، ومحب علي منّي حيث علي منك [196].

يؤيّد هذا ما رواه الرازي في كتابه مرفوعاً إلي ابن عباس قال: إذا كان يوم القيامة أمر اللَّه مالكاً أن يسعر النار، وأمر رضوان أن يزخرف الجنة ثم يمد الصراط، وينصب ميزان العدل تحت العرش، وينادي مناد: يا محمد قرّب أمتك إلي الحساب، ثم يمدّ علي الصراط سبع قناطر بعد كل قنطرة سبعة آلاف سنة، وعلي كل قنطرة ملائكة يتخطفون الناس فلا يمرّ علي هذه القناطر إلّا من والي علياً وأهل بيته، وعرفهم وعرفوه، ومن لم يعرفهم سقط في النار علي أمّ رأسه ولو كان معه عبادة سبعين ألف [197] عابد لأنه لا يرجح في الحشر ميزان، ولا تثبت علي الصراط قدم انسان إلّا بحب علي.

موالات علي عليه السلام وعدم ادراك كنهه

وإليه الإشارة بقوله: «يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ» [198] يعني في الدنيا وليه يغلب خصمه، وفي الآخرة يثبت قدمه، دليل ذلك ما رواه ابن عباس قال: قال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم: يا علي ما ثبت حبّك في قلب مؤمن إلّا وثبت قدمه علي الصراط حتي يدخله الجنّة [199].

انهم فيض عن الكلمة الإلهية «الغيب» و أن شيعتهم يدخلون الجنة بغير حساب و ذم الغلاة

أيّها الطائر في جو التقليد لا يأوي علي غدران الحكماء، ولا يرتع في رياض العلماء، ولا ينبت في قلبه حبّ الحب، ولا يثبت إلّا في محجبات الكتاب، إلي متي أنت بعيد عن النور؟ محجوب عن السرور، غافل عن أسرار السطور،

مكبّ علي النظر في سواد المسطور، أما أسمعك منادي الرحمن؟ «أفلا يتدبّرون القرآن أم علي قلوب أقفالها» [200]، إلي متي أنت كشارب ماء البحر كلّما ازداد شرباً ازداد عطشاً؟ ألم تعلم أن اللَّه سبحانه خلق تسع عشر ألف عالم وألف ألف عالم مبدؤها نور الحضرة المحمدية وسرّها الولاية الإلهية وختمها الخلافة المهدية والعصمة الفاطمية؟ وذلك كلّه فاض عن الكلمة الإلهية (الغيب) وهو ألف غير معطوف كما قالوا: (1111) ألف معطوف، وألف غير معطوف، وألف عنده الوقوف، وألف هو منتهي الألوف، خلقها وهو غني عن خلقها، وسلمها إلي الولي الكامل لأنه وليه الذي أقامه في الخلق مقامه، فهو الولي المطلق والمتصرّف العادل، فلا يسأل عمّا يفعل، وكيف يسأل المؤيّد بالحكمة؟ المخصوص بالعصمة، الذي يريد اللَّه ما يفعل لأن فعله الحق، والعدل، ويفعل اللَّه ما يريد، لأنه لا يريد إلّا ما يريد اللَّه، لأن قلبه مكان مشيئة اللَّه، أوجده موجد الكل قبل الكل، وأوجد لأجله الكل واختاره علي الكل، وولّاه أمر الكل وحكمه علي الكل، فهو الكلمة التامة، والحاكم يوم الطامة، وكيف لا يكون كذلك وشيعته غداً بيض الصحايف، خضر الملابس، آمنين من العذاب، يدخلون الجنة بغير حساب.

دليل ذلك ما رواه صاحب كتاب الأربعين عن أنس بن مالك قال: إذا كان يوم القيامة نادي مناد يا علي يا ولي، يا سيّد ياصدِّيق يا ديّان يا هادي، يا زاهد يا فتي يا طيب يا طاهر، مرَّ أنت وشيعتك إلي الجنة، بغير حساب.

يؤيّد ذلك ما رواه صاحب كتاب النخب قال: تشاجر رجلان في خلافة علي وإمامته فجاءا إلي شريك فسألاه، فقال لهما: حدّثني الأعمش عن حذيفة بن اليمان عن رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم أنه

قال: إنّ اللَّه خلق علياً قضيباً في الجنة من تمسّك به فهو من أهل الجنة، فاستعظم الرجل ذلك فجاء إلي ابن الدراج فأخبره، فقال: لا تعجب حدّثني الأعمش عن أبي سعيد الخدري أن رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم قال: إن اللَّه خلق قضيباً من نور في بطنان العرش لا يناله إلّا علي ومن تولاه.

فقال الرجل: هذا من ذاك نمضي إلي وكيع، فجاء فأعلمه فقال: لا تعجب، حدّثني الأعمش عن أبي سعيد الخدري عن رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم أنه قال: أركان العرش لا ينالها إلّا علي وشيعته، فاعترف الرجل بفضل علي عليه السلام [201].

ومن كتاب المناقب قال: قال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم: إن للَّه عموداً من نور يضي ء لأهل الجنّة كالشمس لأهل الدنيا لا يناله إلّا علي وشيعته [202]، وإن حلقة باب الجنة من ياقوتة حمراء طولها خمسون عاماً، صفائح من ذهب إذا نقرت طنت وقالت في طنينها: يا علي [203].

وكيف لا يكون كذلك؟ وهو الاسم الأعظم الذي به تنفعل الكائنات، الحاكم المتصرّف في سائر الموجودات، فهو الأوّل والآخر والباطن والظاهر، الأوّل بالأنوار والآخر بالأدوار، والباطن بالأسرار، الظاهر بالآثار، فهو مقام الربّ العلي في وجوب الطاعة والأمر نطقت فيه كلمته، وظهرت عنه مشيته، فهو كهو في وجوب الطاعة وامتثال الأمر والرفعة علي الموجودات، والحكم علي البريات، وليس هو هو بالذات المقدّسة المنزّهة عن الأشباه والأمثال، المتعالية عن الصورة والمثال، لا فرق بينهما وبينك إلّا أنّهم عبادك وخلقك.

يؤيّد هذا ما ورد في الحديث القدسي عن الرب العلي أنه يقول: عبدي أطعني اجعلك مثلي أنا حي لا أموت، اجعلك حيّاً لا تموت، أنا غني

لا أفتقر أجعلك غنيّاً لا تفتقر، أنا مهما أشأ يكن أجعلك مهما تشأ يكن [204].

ومنه أن للَّه عباداً أطاعوه فيما أراد فأطاعهم فيما أرادوا يقولون للشي ء كن فيكون [205].204).

وذلك لأن الكل عباد اللَّه فإذا اختار اللَّه عبداً ألبسه خلعة التفضيل، ونادي له في الممالك بالتصرّف والتبجيل، وجعل له الولاية المطلقة فصار عبداً لحضرته وخالصاً لولايته، ومولي لعباده وبريته ووالياً في مملكته، وهو المتصرّف الوالي بإذن الربّ المتعالي، ولهذا قالوا: جنبونا آلهة تعبد، واجعلوا لنا ربّاً نؤوب إليه، وقولوا فينا ما استطعتم [206] وذاك كما قيل:

جنبوهم قول الغلاة وقولوا

ما استطعتم في فضلهم أن تقولوا

فإذا عدت سماء مع الأرض

إلي فضلهم فذاك قليل

وعنهم عليهم السلام، أنّهم قالوا: كونوا لنا زيناً، ولا تكونوا علينا شيناً [207]، فانّه ليس بين اللَّه وبين أحد من خلقه قرابة. ألا من ائتم بإمام فليعمل بعمله، فما معنا براءة من النار، وليس لنا علي اللَّه من حجّة فاحذروا المعصية لنا والمغالاة فينا، فإنّ الغلاة شرّ خلق اللَّه يصغرون عظمة اللَّه ويدعون الربوبية لعباد اللَّه، واللَّه إن الغلاة شرّ من اليهود والنصاري والمجوس والذين أشركوا، وإلينا يرجع الغالي فلا نقبله لأن الغالي اعتاد ترك الصلاة والزكاة والصوم، فلا يقدر علي ترك عادته وبنا يلحق المقصر فنقبله لأنّ المقصّر إذا عرف عمل.

وعنهم عليهم السلام أنّهم قالوا: نزّهونا عن الربوبية وارفعوا عنّا حظوظ البشرية [208] - يعني الحظوظ التي تجوز عليكم - فلا يقاس بنا أحد من الناس [209]، فإنّا نحسن الأسرار الإلهية المودعة في الهياكل البشرية، والكلمة الربّانية الناطقة في الأجساد الترابية، وقولوا بعد ذاك ما استطعتم فانّ البحر لا ينزف، وعظمة اللَّه لا توصف.

فيا أيّها الواقف بين جدران التقليد، تنظر إلي الحق من بعيد، أما

بلغك أن النبي صلي الله عليه و آله و سلم حنّ الجذع اليابس إليه، وقبّل البعير قدميه، وانشق لعظمته القمر ونبع الماء الطاهر من بين يديه وانهمر، واخضر العود اليابس في يديه وأثمر، وكان يري من خلفه كما يري بين يديه إذا نظر [210]، ولا ينام قلبه لنوم عينيه [211]، ولا يؤثر في الرمل وطء قدميه، ويؤثر في الحجر، وكان يظلّه الغمام إذا سار وسفر [212]، وركب البراق فاخترق السبع الطباق في أقل من لمح البصر، الجوهر الشفاف الذي ليس له ظل كظلّ البشر [213]، وفي ذلك آيات لمن نظر واعتبر، وكان أمير المؤمنين عليه السلام مشاركاً له فيما غاب وحضر، فهو السرّ الذي لا ينكره إلّا من أبي وكفر، والولي الذي تعرض عليه أعمال البشر [214]، وإليه الإشارة بقوله: «ظاهري إمامة وباطني غيب لا يدرك» [215]، فهم في الأجساد أشباح، وفي الأشباح أرواح، وفي الأرواح أنوار، وفي الأنوار أسرار، فهم الصفوة والصفات والأصفياء، وإليه الإشارة بقوله: «لولانا ما عُرف اللَّه ولولا اللَّه ما عرفنا» [216]، كما قيل:

فلولاه وإيانا

لما كان الذي كانا

فصار الأمر مقسوماً

بإياه وإيّانا

والشبح هو الذي يري شخصه، ولا يعرف معناه.

علم آل محمد عليهم السلام للغيب

من أسرار الأئمة الهداة

وها إنا مورد في هذا الفصل شمة من أسرار الأئمة الهداة والبررة السادات، والميامين الولاة، ونطقهم بالمغيبات، وإظهارهم الكرامات وإبرازهم الخفيات، توبيخاً لأهل الجهالات، الذين أنكروا هذه الحالات، ومنعوا هذه الصفات، وزعموا أنهم من العداة.

وكيف لا يطلعون علي الغيب [217].؟

وعلمه واجب لهم من وجوه: الأوّل أن اللَّه سبحانه سطّر في اللوح المحفوظ علم ما كان وما يكون، ثم أبرز إلي كل نبي منهم ما يكون له ولأوصيائه، إلي ظهور الشريعة التي تأتي بعده حتي ختمت الرسل بفاتحهم، وختمت

الشرايع بخاتمها، فوجب أن يكون عنده علم ما سبق وما يلحق إلي يوم القيامة، لكونه خاتماً لأن كتابه الجامع المانع، ثم إنه ليلة المعراج لما وصل المقام الأسني، وكان قاب قوسين أو أدني، وعلا علي اللوح المحفوظ رفعة وعلماً، وخوطب من الأسرار الإلهية بما ليس في اللوح، فكان علم الغيب الأول والآخر عنده وله [218]، بل هو اللوح المحفوظ لأنه السابق علي الكل وجوداً، والممد للكل جوداً، فعلم ما كان وما يكون عنده وعند أوصيائه.

واحتجاج الجاهلين، ووقوف المقلّدين عند قوله «لا أعلم ما وراء هذا الجدار إلّا ما علّمني ربّي» فيه أسرار كثيرة: الأوّل أنه شهد أن علمه من اللَّه الذي اختاره واصطفاه، الثاني قوله: لا أعلم، أي لا أنطق من العلم ولو بما وراء هذا الجدار إلّا إذا أُمرت لأنه كان ينتظر الغيب إذا سئل، وهم يقولون: معلم مجنون، فكيف لو نطق به قبل أن يسأل أو قبل أن يُؤمر وادعاه وهم متهموه بالسحر والكهانة، لكان ذاك منافياً للحكمة، وكان إذا سئل صبر حتي يؤمر، ليندفع ظن الملحدين فيه.

وكيف يحجب عنهم علم الغيب؟

اشاره

وكيف يحجب عنهم علم الغيب والكرامات وهم خلفاء اللَّه علي الخلائق وأمناؤه علي الحقائق؟ وويل للمنكر والمنافق.

فمن ذلك. (الفصل الأوّل): في أسرار النبي المصطفي وبعده آله الذين اصطفي.

اسرار النبي المصطفي و بعده آله الذين اصطفي

اشاره

فمن ذلك أسرار مولده: رواه زياد بن المنذر عن ليث بن سعيد قال: قلت لكعب الأحبار وهو عند معاوية، كيف تجدون صفة مولد النبي صلي الله عليه و آله و سلم؟ وهل تجدون لعترته فضلاً؟ فالتفت إلي معاوية لينظر كيف هو فأنطقه اللَّه فقال: هات يا أبا إسحاق، فقال كعب: إنّي قرأت اثنين وسبعين كتاباً نزلت من السماء، وقرأت صحيفة دانيال ووجدت في الكل مولده ومولد عترته، وإن اسمه لمعروف، ولم يولد نبي نزلت عليه الملائكة قط ما خلا عيسي وأحمد، وما ضرب علي آدمية حجب البتّة غير مريم وآمنة، وكان علامة حمله أن نادي مناد في السماء في الليلة التي حملت به آمنة عليها السلام: أبشروا يا أهل السماء، فقد حمل الليلة بأحمد، وفي الأرض كذلك حتي في البحور، وما بقي يومئذ في الأرض دابة تدبّ ولا طائر يطير، إلّا وعلم بمولده صلي الله عليه و آله و سلم، ولقد بني في الجنة ليلة ولادته سبعون ألف قصر من ياقوت أحمر، وسبعون ألف قصر من اللؤلؤ الرطب، وسمّيت قصور الولادة، وقيل للجنة: اهتزّي وازّيني، فإن نبي أولئك قد ولد، فضحكت الجنّة يومئذ فهي ضاحكة إلي يوم القيامة، وبلغنا أن حوتاً من حيتان البحر يقال له طموسا وهي سيّدة الحيتان، لها سبعمائة ألف ذنب تمشي علي ظهور سبعمائة ألف ثور، الواحد أكبر من الدنيا، لكل ثور منها سبعمائة ألف قرن من زمرد أخضر اضطرب فرحاً لمولده، ولولا أن اللَّه تعالي ثبته لجعل عاليها سافلها، وبلغنا يومئذ أنه

ما بقي جبل إلّا لقي صاحبه بالبشارة ويقول: لا إله إلّا اللَّه، ولقد خضعت الجبال كلّها لأبي قبيس كرامة لمحمّد صلي الله عليه و آله و سلم، ولقد قدّست الأشجار أربعين يوماً بأغصانها، وأزهارها وثمارها، فرحاً بمولده، ولقد ضرب بين السماء والأرض سبعون عموداً من نور، ولقد بشّر آدم بمولده فزاد في حسنه سبعين ضعفاً، ولقد بلغني أن الكوثر اضطرب فرحاً وطما ماؤه حتي رمي ألف قصر من قصور الجنة من الدر والياقوت نثاراً لمولده، ولقد زم إبليس وسبل وألقي في الحفير أربعين يوماً، ولقد تنكست الأصنام كلّها وصاحت، وسمعوا صوتاً من الكعبة يقول:

يا قريش جاءكم البشير، جاءكم النذير، معه عمر الأبد، والرمح الأكبر، وهو خاتم الأنبياء، ونجد في الكتب أن عترته خير البشر، ولا تزال الناس في أمان من العذاب ما دامت عترته في الدنيا، فقال معاوية: يا أبا إسحاق ومن عترته؟ فقال: من ولد فاطمة، فعبس معاوية وجهه، وعضّ علي شفته، وقام من مجلسه [219].

ومن ذلك من خواص مولده صلي الله عليه و آله و سلم ما نزل في الإنجيل: يا عيسي جد في أمري ولا تهزل، واسمع وأطع يابن الطهر البتول، خلقتك من غير فحل آية للعالمين، فإيّاي فاعبد وعليَّ فتوكّل، خذ الكتاب بقوّة فبشِّر لأهل سوريا بالسريانية، تلمح من بين يديك أنّي أنا اللَّه الدائم، صدقوا النبي الأمّي صاحب الجمل، والدرع والتاج، وهي العمامة، والبغل والهراوة، وهي القضيب، الأكحل العين الصلت الجبين الواضح الخدّين الأقني الأنف المفلج الثنايا كأن عنقه إبريق فضة كأن الدهن يجري في تراقيه، أسمر اللون إذا مشي فكأنما ينقلع من صخر وينحدر من صبب، عرقه في وجهه كاللؤلؤ أو ريح المسك، لم ير قبله مثله أو بعده

مثله، نكاح النساء قليل النسل وإنّما نسله من مباركة لها بيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب، يكفلها في آخر الزمان كفل زكريا أمك لها فرخان يستشهدان، كلامه القرآن، ودينه الإسلام، وأنا السلام، طوبي لمن أدرك زمانه، وسمع كلامه [220].

ومن ذلك ما رواه ابن عباس عنه من نطقه بالغيب وإخباره بالملاحم، قال: حججنا مع رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم حجّة الوداع فجاء حتي أخذ بحلقة باب الكعبة ثم أقبل علينا بوجهه وهو كالشمس في الضحية ثم قال: ألا أخبركم بأشراط الساعة؟

فقلنا: بلي يا رسول اللَّه،

فقال: إنّ من اشراط الساعة إضاعة الصلاة، واتباع الشهوات، وتعظيم المال، وبيع الدين بالدنيا فعندها يذوب قلب المؤمن في جوفه كما يذوب الملح في الماء، ممّا يري من المنكر فلا يستطيع إنكاره، فقال سلمان: وكل هذا كائن يارسول اللَّه؟ فقال: إي والذي نفس محمد بيده، فعندها يليهم من الأمراء الجور والوزراء الفسق، والعرفاء الظلم، والاُمناء الخيانة، فعندها يكون المنكر معروفاً والمعروف منكراً، ويصدَّق الكاذب ويكذَّب الصادق، وتتأمّر النساء وتشاور الإماء وتعلو الصبيان المنابر، ويكون الفجور طرفاً، والزكاة مغرماً والغي مغنماً، ويجفو الرجل والديه ويبرّ [221] صديقه، ويطلع الكوكب المُذنَّب فعندها تشارك المرأة زوجها في التجارة، ويكون المطر قضا فإذا دخلت السوق فلا تري إلّا ذاماً لربّه، هذا يقول: لم أبع شيئاً، وهذا يقول: لم أربح شيئاً، فعندها يملكهم قوم إن تكلّموا قتلوهم، وإن سكتوا استباحوهم، يسفكون دماءهم ويملؤون قلوبهم رعباً، فلا تراهم إلّا خائفين مرعوبين، فعندها يؤتي بشي ء من المشرق وشي ء من المغرب، فالويل لضعفاء اُمّتي منهم والويل لهم من اللَّه، لا يرحمون صغيراً ولا يوقّرون كبيراً، قلوبهم قلوب الشياطين، فعندها يلتقي الرجال بالرجال،

والنساء بالنساء، ويغار علي الغلام كما يغار علي الجارية في بيت أهلها، وتشبّه الرجال بالنساء والنساء بالرجال، وتعلو الفروج السروج، فعلي أولئك من اُمّتي لعنة اللَّه، فعندها تزخرف المساجد والمصاحف، وتعلي المنابر وتكثر الصفوف، قلوب متباغضة، وألسن مختلفة، فعندها تحلي ذكور اُمّتي بالذهب، ويلبسون الحرير والديباج ويظهر الربا ويتعاملون بالرشوة، ويستعملون الغيبة، فعندها يكثر الطلاق، فلا يقام للَّه حدّ فعندها يحجّ ملوك أُمّتي للنزهة، وتحجّ أوساطهم للتجارة، وتحجّ فقراؤهم للرياء والسمعة، فعندها يتعلّمون القرآن لغير اللَّه ويتخذونه مزامير ويتفقهون للجدال، ويكثر أولاد الزنا ويعفون بالقرآن، ويتهافتون علي الدنيا، فإذا انتهكت المحارم، واكتسبت المآثم، سلّط الأشرار علي الأخيار، فهنالك يفشو الكذب، ويتهافتون في اللباس ويمطرون في غير أوان المطر، وينكرون الأمر بالمعروف في ذلك الزمان حتي يكون المؤمن أذلّ من الأمَة، وتُظهر قراؤهم فيما بينهم التلاوة والعداوة، أولئك يدعون في ملكوت السماء الأرجاس والأنجاس فهناك يخشي الغني من الفقير أن يسأله، ويسأل الناس في محافلهم فلا يضع أحد في يده شيئاً فعندها يتكلّم من لم يكن متكلِّماً فلم يلبثوا هناك إلّا قليلاً حتي تخور الأرض خورة حتي يظن كل قوم أنّها خارت في ناحيتهم، ثم يمكثون ما شاء اللَّه، ثم يمكثون في مكثهم فتلقي لهم الأرض أفلاذ أكبادها ذهباً وفضة، فيومئذ لا ينفع ذهب ولا فضّة [222].

ومن ذلك من إخباره بالغيب أنه مسح التراب عن وجه عمّار بن ياسر يوم الخندق وقال: تقتلك الفئة الباغية [223].

وقال لأبي ذر: كيف أنت إذا طردت ونفيت وأُخرجت إلي الربذة [224].؟

وقال: تبني مدينة بين دجلة ودجيل والفرات وقطر، بل تجبي إليها خزائن الأرض ويكون الخسف بها [225]، يعني بغداد.

ومن كراماته صلي الله عليه و آله و سلم أنّه لما اشتد

الأمر علي المسلمين يوم الخندق صعد صلي الله عليه و آله و سلم مسجد الفتح وصلّي ركعتين ثم قال: اللهمّ إن تهلك هذه العصابة لن تعبد بعدها في الأرض، فجاءت الملائكة فقالت: يا رسول اللَّه إن اللَّه قد أمرنا بالطاعة لك فمرنا بما شئت، فقال: زعزعوا المشركين واطردوهم، وكانوا من ورائهم، ففعلوا ذلك، فقال أبو سفيان لأصحابه: إن كنّا نقاتل أهل الأرض فلنا القدرة عليهم وإن كنّا نقاتل أهل السماء فما لنا طاقة بأهل السماء [226].

ومن ذلك من أسرار مولده صلي الله عليه و آله و سلم أن الملك سيف بن ذي يزن قال لعبد المطلب رضي الله عنه: إني أجد في الكتاب المكنون، والعلم المخزون، أنه إذا ولد بتهامة غلام بين كتفيه شامة، كانت له الإمامة، ولكم الزعامة إلي يوم القيامة، تموت اُمّه وأبوه ويكفله جدّه وعمّه، ولد في عام الفيل وتوفي أبوه وهو ابن شهرين. وماتت اُمّه وهو ابن أربع سنين، ومات عبد المطلب وهو ابن ثمان سنين، وكفله عمّه أبو طالب عليه السلام [227].

ومن كراماته صلي الله عليه و آله و سلم أن أبا ذر لما جاء إليه وأسلم علي يده قال له: ارجع إلي بلادك فإنّ ابن عمّك قد مات، وقد خلف مالاً فاحتوِ عليه والبث في بلادك إلي وقت كذا وأتني.

فرجع إلي اليمن فوجد كما أخبره رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم فاحتوي علي المال، وبقي في بلاده حتي ظهر رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم وأتي إليه.

ومن ذلك ما رواه وهب بن منبه عن ابن عباس: قال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم: لمّا عرج بي إلي السماء ناداني ربي يا

محمد، إنّي أقسمت بي وأنا واللَّه الذي لا إله إلّا أنا أني أُدخل الجنة جميع أُمّتك إلّا من أبي، فقلت: ربي ومن يأبي دخول الجنّة؟ فقال: إنّي اخترتك نبيّاً، واخترت علياً وليّاً، فمن أبي عن ولايته فقد أبي دخول الجنّة لأنّ الجنّة لا يدخلها إلّا محبّه، وهي محرّمة علي الأنبياء حتي تدخلها أنت وعلي وفاطمة وعترتهم وشيعتهم، فسجدت للَّه شكراً، ثم قال لي: يا محمد إنّ علياً هو الخليفة بعدك، وإنّ قوماً من اُمّتك يخالفونه وإن الجنّة محرّمة علي من خالفه وعاداه، فبشِّر علياً أن له هذه الكرامة منّي وأني سأخرج من صلبه أحد عشر نقيباً منهم سيّد يصلّي خلفه المسيح ابن مريم يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما مُلئت جوراً وظلماً، فقلت: ربّي متي يكون ذاك؟ فقال: إذا رفع العلم، وكثر الجهل، وكثر القراء، وقلّ العلماء، وقلّ الفقهاء، وكثر الشعراء، وكثر الجور والفساد، والتقي الرجال بالرجال، والنساء بالنساء، وصارت الأمناء خونة، وأعوانهم ظلمة، فهناك أظهر خسفاً بالمشرق وخسفاً بالمغرب، ثم يظهر الدجّال بالمشرق، ثم أخبرني ربي ما كان وما يكون من الفتن من أمية وبني العباس، ثم أمرني ربي أن أوصل ذلك كلّه إلي علي فأوصلته إليه وعن أمر اللَّه [228].

تتمة كرامات النبي

ومن ذلك من كراماته صلي الله عليه و آله و سلم ما رواه ابن عباس قال: لمّا زوّج النبي علياً بفاطمة، استدعي تميرات وفضلة من سمن عربي، وحفنة من سويق، وجعلها في قصعة كانت لهم، ثم فركه بيده الشريفة التي هي منبع البركات ومعدن الخيرات، وفياض النعمات، ورحمة أهل الأرض والسَّموَات، ثم قال: قدموا الصحاف والجفان والقصاع، فقدمت؛ فلم يزل يملأ من ذلك الهيس الجفان ويحملونها الي بيوت المهاجرين والأنصار، والقصعة تمتلي ء وتفيض حتي

اكتفي سائر الناس والقصعة علي حالها.

ومن كراماته صلي الله عليه و آله و سلم ومكاشفاته ممّا تكلّم به عند موته والناس حوله فقال: ابيضت وجوه واسودت وجوه، وسعد أقوام وشقي آخرون، سعد أصحاب الكساء الخمسة، وأنا سيّدهم ولا فخر، عترتي أهل بيتي السابقون أولئك المقرّبون، سعد من تبعهم وشايعهم، علي ديني ودين آبائي، أنجزت موعدك يا رب، واسودت وجوه أقوام يردون ظِماءً إلي نار جهنّم مرق البغل الأوّل الأعظم، والآخر والثاني حسابهم علي اللَّه، وثالث ورابع كل امري ء بما كسب رهين، وعلقت الرهون، واسودت الوجوه، وهلكت الأحزاب وقادت الأمراء بعضها بعضاً إلي النار، كتاب دارس وباب مهجور وحكم بغير علم، مبغض علي وآل علي في النار، محبّ علي وآل علي في الجنّة [229].

اسرار أميرالمؤمنين

اشاره

وفي أسرار أمير المؤمنين عليه السلام أنه لمّا ولد في البيت الحرام، وكعبة الملك العلام، خرَّ ساجداً ثم رفع رأسه الشريف فأذّن، وأقام وشهد للَّه بالوحدانية، ولمحمّد صلي الله عليه و آله و سلم بالرسالة ولنفسه بالخلافة والولاية، ثم أشار إلي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم فقال: إقرأ يا رسول اللَّه؟ فقال: نعم، فابتدأ بصحف آدم فقرأها حتي لو حضر شيث لأقرَّ أنّه أعلم بها منه، ثم تلا صحف نوح وصحف إبراهيم والتوراة والإنجيل، ثم تلا «قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ» [230] فقال له النبي: نعم. أفلحوا إذ أنت إمامهم. ثم خاطبه بما خاطب به الأنبياء الأوصياء، ثم سكت، فقال له رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم: عد إلي طفولتك فامسك [231].

ومن كراماته التي لا تحدّ وفضائله التي لا تعدّ: أن راهب اليمامة الأثرم كان يبشّر أبا طالب عليه السلام بقدوم علي عليه السلام ويقول له: سيولد

لك ولد يكون سيّد أهل زمانه، وهو الناموس الأكبر، ويكون لنبي زمانه عضداً وناصراً وصهراً ووزيراً، وإني لا أدرك أيّامه فإذا رأيته فأقرئه منّي السلام، ويوشك أنّي أراه، فلما ولد أمير المؤمنين عليه السلام مرّ أبو طالب عليه السلام عليه ليعلمه فوجده قد مات، فرجع إلي أمير المؤمنين عليه السلام فأخذه وقبّله فسلّم عليه أمير المؤمنين وقال: أبتي جئت من عند الراهب الأثرم الذي كان يبشرك بي وقصّ عليه قصة الراهب، فقال له أبو عبد مناف: صدقت ياولي اللَّه [232].

ومن ذاك ما رواه محمد بن سنان قال: بينما أمير المؤمنين عليه السلام يُجهّز أصحابه إلي قتال معاوية إذ اختصم إليه اثنان، فلغي أحدهما في الكلام فقال له: اخسأ يا كلب، فعوي الرجل لوقته وصار كلباً، فبهت من حوله، وجعل الرجل يتضرّع إلي أمير المؤمنين عليه السلام ويشير بإصبعه فنظر إليه وحرّك شفته فإذا هو بشر سوي، فقام إليه بعض أصحابه وقال مالك: أنجهّز الناس إلي قتال معاوية ولك مثل هذه القدرة؟ فقال: والذي فلق الحبّة، وبرأ النسمة، لو شئت أن أضرب برجلي هذه القصيرة بهذه الفلوات حتي أضرب بها صدر معاوية فأقلبه عن سريره لفعلت، ولكن «بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ - لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ» [233].

ومن ذلك قوله لمروان بن الحكم يوم الجمل وقد بايعه: خفت ياابن الحكم أن تري رأسك في هذه البقعة، كلا لا يكون ذلك حتي يكون من صلبك طواغيت يملكون هذه الأمة [234].

ومن ذلك كلامه في كربلاء وهو في التوجّه إلي صفّين فقال: صبراً أبا عبداللَّه بشاطي الفرات ثم بكي، وقال: هذا واللَّه مناخ القوم ومحطّ رحالهم [235].

ومن ذلك قوله بصفين وقد سمع الغوغاء يقولون: قتل معاوية، فقال: ما قتل ولا

يقتل حتي تجتمع عليه الاُمّة [236].

ومن ذلك ما رواه القاضي ابن شاذان عن أبان بن تغلب عن الصادق عليه السلام قال: كان أمير المؤمنين علي منبر الكوفة يخطب وحوله الناس فجاء ثعبان ينفخ في الناس وهم يتحاودون عنه، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: «وسِّعوا له» فأقبل حتي رقي المنبر والناس ينظرون إليه، ثم قبَّل أقدام أمير المؤمنين عليه السلام وجعل يتمرّغ عليها، ونفخ ثلاث نفخات، ثم نزل وانساب، ولم يقطع أمير المؤمنين عليه السلام خطبته، فسألوه عن ذلك فقال: هذا رجل من الجن ذكر أن ولده قتله رجل من الأنصار اسمه جابر بن سبيع عند خفان [237] من غير أن يتعرّض له بسوء وقد استوهبت دم ولده. فقام إليه رجل طوال بين الناس وقال: أنا الرجل الذي قتلت الحية في المكان المشار إليه، وإني منذ قتلتها لا أقدر أن أستقر في مكان من الصياح والصراخ فهربت إلي الجامع، وأنا منذ سبع ليال هاهنا.

فقال أمير المؤمنين عليه السلام: خذ جملك واعقره في مكان قتل الحية وامض لا بأس عليك [238].

ومن كرامته عليه السلام قوله: إنّ اللَّه أعطاني ما لم يعط أحداً من خلقه، فتحت لي السبل، وعلمت الأسباب والأنساب، وأُجري لي السحاب، ولقد نظرت في الملكوت فما غاب عنّي شي ء ممّا كان قبلي، ولا شي ء ممّا يأتي بعدي، وما من مخلوق إلّا وبين عينيه مكتوب مؤمن أو كافر نحن نعرفه، إذا رأيناه [239].

ومن ذلك قوله عليه السلام لرميلة وكان قد مرض وأبل وكان من خواصّ شيعته فقال له: وعكت يا رميلة، ثم رأيت خفاً فأتيت إلي الصلاة، قال: نعم يا سيدي، وما أدراك؟ فقال: يا رميلة ما من مؤمن ولا مؤمنة يمرض إلّا مرضنا لمرضه، ولا

حزن إلّا حزنَّا لحزنه، ولا دعا إلّا أمّنا علي دعائه، ولا سكت إلّا دعونا له، وما من مؤمن ولا مؤمنة في المشارق والمغارب إلّا ونحن معه [240].

ومن ذلك ما رواه الأصبغ بن نباتة عن زيد الشحام أن أمير المؤمنين عليه السلام جاءه نفر من المنافقين فقال له: أنت الذي تقول أن هذا الجري مسخ حرام؟ فقال: نعم، فقالوا: أرنا برهانك؟ فجاء بهم إلي الفرات، ثم نادي مناش مناش [241]، فأجابه الجري: لبيك، فقال له أمير المؤمنين: من أنت؟ فقال: ممّن عرضت ولايتك عليه فأبي فمسخ، وإن فيمن معك من يمسخ كما مسخنا ويصير كما صرنا، فقال أمير المؤمنين: بيّن قصّتك ليسمع من حضر فيعلم. فقال: نعم كنّا أربعة وعشرين قبيلة من بني إسرائيل، وكنّا قد تمرّدنا وعصينا وعرضت علينا ولايتك فأبينا، وفارقنا البلاد واستعملنا الفساد فجاءنا آت أنت واللَّه أعلم به منّا فصرخ فينا صرخة فجمعنا جمعاً واحداً، وكنّا متفرّقين في البراري فجمعنا لصرخته ثم صاح صيحة اُخري وقال: كونوا مسوخاً بقدرة اللَّه فمسخنا أجناساً مختلفة، ثم قال: أيّتها القفار كوني أنهاراً تسكنك هذه المسوخ واتصلي ببحار الأرض حتي لا يبقي ماء إلّا وفيه من هذه المسوخ كما تري [242].

اعتراض علي كلام الإمام مع المسوخ و الجواب عليه

نازع في هذا الحديث من اعترضه الشك فقال: نطق بلسان الحال أو بلسان المقال، فقلت له: أما تسمع قول اللَّه تعالي: «تُسَبِّحُ لَهُ السَّموَات السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ» [243] فجعله لمن يعقل، ثم عطف علي من لا يعقل فقال: «وَإِنْ مِنْ شَيْ ءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ»، ثم قال: «إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً» [244]، أخبر سبحانه أن كل شي ء يسبّح لربّه بلسان الحال ولسان المقال، ولكن لسان المقال منه مستور عنكم لم يلزمكم

اللَّه بمعرفته، لأن العفو هو الستر فلو كشف الستر عنه عرفتموه مثل تسبيح الحصي بكف رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم وإذا نطق الحصي الصوان بلسان المقال فلم لا ينطق الجري وهو حيوان، وقوله: «إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً»، يعني أن سائر المخلوقات غير المكلّفين يسبّحون ولا يسأمون، وأنتم مع وجوب التكليف عليكم تنسون وتسأمون، وهو مع جهلكم وسهوكم، حليم عنكم وغفور لكم.

تتمة أسرار أميرالمؤمنين

ومن ذلك ما رواه عبيد السكسكي عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: إنّ علياً عليه السلام لمّا قدم من صفين وقف علي شاطي ء الفرات، وأخرج قضيباً أخضر وضرب به الفرات، والناس ينظرون إليه فانفجرت اثنتي عشرة عيناً كل فرق كالطود العظيم ثم تكلّم بكلام لم يفهموه، فأقبلت الحيتان رافعة أصواتها بالتهليل والتكبير، وقالت: السلام عليك يا حجّة اللَّه في أرضه وعين اللَّه الناظرة في عباده خذلك قومك كما خذل هارون بن عمران قومه، فقال لأصحابه: سمعتم؟ فقالوا: نعم، فقال هذه آية لي وحجّة عليكم [245].

ومن ذلك من قضاياه الغريبات وحلّه للمشكلات، أن رجلاً حضر مجلس أبا بكر فادّعي أنه لا يخاف اللَّه ولا يرجو الجنّة ولا يخشي النار، ولا يركع ولا يسجد، ويأكل الميتة والدم ويشهد بما لم يرَ ويحبّ الفتنة، ويكره الحق ويصدّق اليهود والنصاري، وأن عنده ما ليس عند اللَّه وله ما ليس للَّه، وأنا أحمد النبي وأنا علي وأنا ربّكم، فقال له عمر: ازددت كفراً علي كفرك، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: هوّن عليك يا عمر، فانّ هذا رجل من أولياء اللَّه لا يرجو الجنة، ولكن يرجو اللَّه ولا يخاف النار، ولكن يخاف ربّه ولا يخاف اللَّه من ظلم، ولكن يخاف عدله لأنّه حكم عدل، ولا

يركع ولا يسجد في صلاة الجنازة ويأكل الجراد والسمك، ويحبّ الأهل والولد ويشهد بالجنّة والنار، ولم يرهما ويكره الموت وهو الحق، ويصدِّق اليهود والنصاري في تكذيب بعضهم بعضاً، وله ما ليس للَّه لأن له ولداً وليس للَّه ولد، وعنده ما ليس عند اللَّه، فإنّه يظلم نفسه وليس عند اللَّه ظلم، وقوله: أنا أحمد النبي، أي أنا أحمده عن تبليغه الرسالة عن ربّه، وقوله: أنا علي يعني علي في قولي وقوله، وأنا ربّكم أي لي كُم أرفعها وأضعها.

ففرح عمر وقام فقبّل رأس أمير المؤمنين عليه السلام وقال: لا بقيت بعدك يا أبا الحسن [246].

ومن ذلك أن ابن الكوا قدم إلي أمير المؤمنين وهو يخطب فقال: إنّي وطأت علي دجاجة ميتة فخرجت منها بيضة أَفَآكُلها؟ قال: لا، قال: فإن استفرختها فخرج منها فروخ فآكله؟ فقال: نعم. فقال: كيف ذاك؟ فقال: لأنّه حي خرج من ميت، وتلك ميتة خرجت من ميت [247].

أقول: وكيف لا يكون ذاك كذلك؟ وقد روي الحسن البصري أن الخضر لما التقي بموسي وكان بينهما ما كان جاء عصفور فأخذ قطرة من البحر فوضعها علي يد موسي فقال الخضر: ما هذا؟ قال: يقول ما علمنا وعلم سائر الأولين والآخرين في علم وصي النبي الأمّي إلّا كهذه القطرة في هذا البحر [248].

وروي ابن عباس عنه أنه شرح له في ليلة واحدة من حين أقبل ظلامها حتي أسفر صباحها وطفي مصباحها في شرح الباء من بسم اللَّه ولم يتعد إلي السين، وقال: لو شئت لأوقرت أربعين بعيراً من شرح بسم اللَّه [249].

نعم هذا أخو النبي ووصيّه، ونائب الحق ووليّه، وأسد اللَّه وعليه، ومختاره ورضيّه، الذي واسي النبي وساواه، وبمهجته في الملمات وقاه، وأجابه حين دعاه ولباه، وشيّد

الدين بعزمه وبناه، وكان بيت النبوة مرباه، ومبناه، وشمس الرسالة عرسه، وغصن الجلالة والنبوة ولداه، الذي نصر الرسول وحماه، وغسَّل النبي وواراه، وقام بدينه ودَينه وقضاه، وليد الحرم وربيب الكرم، وفتاه الذي أباد الشرك وأفناه.

ومن ذلك: أن رجلاً من الخوارج مرّ بأمير المؤمنين عليه السلام ومعه حوتان من الجري قد غطاهما بثوبه فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: بكم شريت أبويك من بني إسرائيل؟

فقال له الرجل: ما أكثر ادّعاءك للغيب؟ فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: أخرجهما. فأخرجهما.

فقال أمير المؤمنين عليه السلام: من أنتما؟ فقالت إحداهما: أنا أبوه، وقالت الأخري: أنا أمّه.

ومن ذلك ما رواه محمد بن سنان قال: سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول للرجل: يا مغرور إنّي أراك في الدنيا قتيلاً بجراحة من عبد أم معمر تحكم عليه جوراً فيقتلك توفيقاً يدخل بذلك الجنة علي رغم منك، وإن لك ولصاحبك الذي قمت مقامه صلباً وهتكاً تخرجان من عند رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم فتصلبان علي أغصان دوحة يابسة فتورق فيفتتن بذاك من والاك، فقال عمر: ومن يفعل ذاك يا أبا الحسن؟ فقال: قوم قد فرّقوا بين السيوف وأغمادها، ثم يؤتي بالنار التي أضرمت لإبراهيم ويأتي جرجيس ودانيال وكل نبي وصدِّيق، ثم يأتي ريح فينسفكما في اليم نسفاً [250].

ومن ذلك: أن أمير المؤمنين عليه السلام قال يوماً للحسن: يا أبا محمد ما تري عند ربي تابوتاً من نار يقول يا علي استغفر لي، لا غفر اللَّه له.

وروي في تفسير قوله تعالي: «إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ» [251]، قال: سأل رجل أمير المؤمنين عليه السلام ما معني هذه الحمير؟

فقال أمير المؤمنين عليه السلام: اللَّه أكرم من أن يخلق شيئاً ثم ينكره،

إنّما هو زريق وصاحبه في تابوت من نار في صورة حمارين إذا شهقا في النار انزعج أهل النار من شدّة صراخهما.

ومن ذلك: أن الخوارج يوم النهروان جاءهم جواسيسهم فأخبروهم أن عسكر أمير المؤمنين عليه السلام أربعة آلاف فارس فقالوا: لا ترموهم بسهم ولا تضربوهم بسيف، ولكن يروح كل واحد منكم إلي صاحبه برمحه فيقتله، فعلم أمير المؤمنين عليه السلام بذلك من الغيب، فقال لأصحابه: لا ترموهم ولا تطاعنوهم، واستلوا السيف فإذا جاء كلاً منكم غريمه فليقطع رمحه ويمشي إليه فيقتله فإنّه لا يقتل منكم عشرة، ولا يفلت منهم عشرة. فكان كما قال [252].

ومن ذلك - أي من كراماته -: ما رواه ابن عباس أن رجلاً قدم إلي أمير المؤمنين عليه السلام فاستضافه فاستدعي قرصاً من شعير يابسة وقعباً فيه ماء ثم كسر قطعة فألقاها في الماء ثم قال للرجل: تناولها فأخرجها فإذا هي فخذ طائر مشوي، ثم رمي له أخري، وقال: تناولها فأخرجها فإذا هي قطعة من الحلوي، فقال الرجل: يا مولاي تضع لي كسراً يابسة فأجدها أنواع الطعام، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: نعم هذا الظاهر وذاك الباطن وإن أمرنا هكذا [253].

ومن ذلك: قصة فضة الجارية وأنها لما جاءت إلي بيت الزهراء عليهاالسلام ولما دخلت بيت النبوّة ومعدن الرحمة ومنبع العصمة، ودار الحكمة واُمّ الأئمة، لم تجد هناك إلّا السيف والدرع والرحي، وكانت فضة بنت ملك الهند وكان عندها ذخيرة من الأكسير، فأخذت قطعة من النحاس وألانتها وجعلتها علي هيئة سمكة وألقت عليها الدواء وصبغتها ذهباً، فلما جاء أمير المؤمنين عليه السلام وضعتها بين يديه فلما رآها قال: أحسنت يا فضة لكن لو أذنبت الجسد لكان الصبغ أعلي والقيمة أغلي، فقالت: يا سيدي أتعرف

هذا العلم؟

فقال: نعم، وهذا الطفل يعرفه وأشار إلي الحسن عليه السلام فجاء وقال كما قال أمير المؤمنين عليه السلام، ثم قال لها أمير المؤمنين: نحن نعرف أعظم من هذا، ثم أومي بيده، وإذا عنق من ذهب وكنوز سائرة، فقال: ضعيها مع أخواتها، فوضعتها فسارت [254].

ومن ذلك: ما رواه عمّار بن ياسر قال: كنت مع سيدي أمير المؤمنين عليه السلام يوماً في بعض صحاري الحيرة، وإذا راهب يضرب ناقوسه، فقال لي: يا عمّار أتدري ما يقول الناقوس؟ فقلت: يا مولاي، وما تقول الخشبة؟ فقال: إنها تضرب مثلاً للدنيا وتقول:

أهل الدنيا خلوا الدنيا

مهلا مهلا رفقاً رفقا

إن المولي صمد يبقي

حقاً حقا صدقاً صدقا

يا مولانا إن الدنيا

قد أهوتنا واستغوتنا

ما من يوم يمضي منها

إلّا أوهت منا ركنا

لسنا ندري ما قدّمنا

فيها إلّا إذ قد متنا

قال عمار: فأتيت الراهب من الغد فقلت له: اضرب الناقوس.

فقال: وما تفعل به وأنت مسلم؟

فقلت: لأريك سرّه، قال: فأخذ يضرب ناقوسه، وأنا أتلو عليه ما يقول، فخرَّ ساجداً وأسلم، وقال: إنَّ عندي بخط هارون بن عمران بيده أن اللَّه يبعث في الاُميين رسولاً له وزير يعلم ما يقول الناقوس [255].

ومن ذلك ما روي من كراماته: أن فرعوناً لمّا لَحِقَ هارون بأخيه موسي دخلا عليه يوماً فأوجسا خيفة منه، فإذا فارس يقدمهما ولباسه من ذهب، وفي يده سيف من ذهب، وكان فرعون يحبّ الذهب فقال لفرعون: أجب هذين الرجلين وإلّا قتلتك، فانزعج فرعون لذاك وقال: عودا إليَّ غداً، فلما خرجا دعا البوّابين وعاقبهم، وقال: كيف دخل عليَّ هذا الفارس بغير إذن؟ فحلفا بعزّة فرعون ما دخل إلّا هذان الرجلان، وكان الفارس مثال علي الذي أيّد اللَّه به النبيّين سرّاً، وأيّد به محمداً جهراً، لأنه كلمة اللَّه الكبري التي

أظهرها اللَّه لأوليائه فيما شاء من الصور فنصرهم بها، وبتلك الكلمة يدعون اللَّه فيجيبهم وينجيهم، وإليه الإشارة في قوله: «وَنَجْعَل لَكُمَا سُلْطَاناً فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا» [256] قال ابن عباس: وكانت الآية الكبري لهما هذا الفارس والسلطان.

ومن ذلك ما رواه الرضا عليه السلام عن آبائه الطاهرين عليهم السلام أن يهودياً جاء إلي أبي بكر في ولايته وقال له: إنّ أبي قد مات وخلف كنوزاً، ولم يذكر أين هي، فإن أظهرتها كان لك ثلث وللمسلمين ثلث آخر، ولي ثلث وأدخل في دينك، فقال أبو بكر: لا يعلم الغيب إلّا اللَّه، فجاء إلي عمر فقال له مقالة أبي بكر، ثم دلّه علي علي عليه السلام فسأله فقال: رح إلي بلد اليمن واسأل عن وادي برهوت بحضرموت، فإذا حضرت الوادي فاجلس هناك إلي غروب الشمس فسيأتيك غرابان سود مناقيرها تنعب فاهتف باسم أبيك وقل له: يا فلان أنا رسول وصيّ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم إليك كلّمني فانّه يكلّمك فاسأله عن الكنوز فإنّه يدلّك علي أماكنها، فمضي اليهودي إلي اليمن واستدل علي الوادي وقعد هناك، وإذا بالغرابين قد أقبلا فنادي أباه فأجابه، وقال: ويحك ما أقدمك إلي هذا الموطن، وهو من مواطن أهل النار؟ فقال: جئت أسألك عن الكنوز، أين هي؟ فقال: في موضع كذا وفي حائط كذا. ثم قال: ويلك اتبع دين محمد تسلم فهو النجاة. ثم انصرف الغرابان، ورجع اليهودي فوجد كنزاً من ذهب وكنزاً من فضّة، فأوقر بعيراً وجاء به إلي أمير المؤمنين عليه السلام وهو يقول: أشهد أن لا إله إلّا اللَّه وأنّ محمداً رسول اللَّه وأنك وصي رسول اللَّه وأخوه وأمير المؤمنين حقّاً كما سمّيت، وهذه الهدية فاصرفها حيث

شئت فإنّك وليه في العالمين [257].

ومن ذلك ما رواه ابن عباس أن جماعة من أهل الكوفة من أكابر الشيعة سألوا أمير المؤمنين أن يريهم من عجائب أسرار اللَّه فقال لهم: إنّكم لن تقدروا أن تروا واحدة، فتكفروا، فقالوا: لاشك أنك صاحب الأسرار، فاختار منهم سبعين رجلاً وخرج بهم إلي ظاهر الكوفة ثم صلّي ركعتين وتكلّم بكلمات وقال: انظروا فإذا أشجار وأثمار حتي تبين لهم أنه الجنة، فقال أحسنهم قولاً: هذا سحر مبين، ورجعوا كفّاراً إلّا رجلين، فقال لأحدهما: أسمعت ما قال أصحابك وما هو واللَّه بسحر، وما أنا بساحر، ولكنه علم اللَّه ورسوله، فإذا رددتم عليَّ فقد رددتم علي اللَّه، ثم رجع إلي المسجد يستغفر لهم، فلمّا دعا تحول حصي المسجد درّاً وياقوتاً فرجع أحد الرجلين كافراً وثبت الآخر [258].

ومن ذلك أنه كان يقول لابن عباس: كيف أنت يابن عم إذا ظلمت العيون العين؟

فقال: يا مولاي كلّمتني بهذا مراراً ولا أعلم معناه، فقال: عين عتيق وعمر وعبد الرحمن ابن عوف، وعين عثمان وستضمّ إليها عين عائشة، وعين معاوية وعين عمرو بن العاص، وعين عبد الرحمن بن ملجم، وعين عمر بن سعد [259].

ومن ذلك قوله لدهقان فارس وقد حذّره من الركوب والمسير إلي الخوارج فقال له: اعلم أن طوالع النجوم قد نحست فسعد أصحاب النحوس ونحس أصحاب السعود، وقد بدا المريخ يقطع في برج الثور وقد اختلف في برجك كوكبان وليس الحرب لك بمكان، فقال له: أنت الذي تسيّر الجاريات وتقضي علي بالحادثات، وتنقلها مع الدقائق والساعات، فما السراري وما الذراري؟ وما قدر شعاع المدبرات؟

فقال: سأنظر في الاسطرلاب وأخبرك، فقال له: أعالم أنت بما تم البارحة في وجه الميزان؟ وأي نجم اختلف في برج السرطان؟ وأي

آفة دخلت علي الزبرقان؟

فقال: لا أعلم، فقال: أعالم أنت أن الملك البارحة انتقل من بيت إلي بيت في الصين، وانقلب برج ماجين وغارت بحيرة ساوة، وفاضت بحيرة خشرمة وقطعت باب البحر [260] من سقلبة [261]، ونكس ملك الروم بالروم وولي أخوه مكانه، وسقطت شرفات الذهب من قسطنطينية الكبري، وهبط سور كرنديب، وفقد ربان اليهود، وهاج النمل بوادي النمل، وصعد سبعون ألف عالم وولد في كل عالم سبعون ألفاً، والليلة يموت مثلهم.

فقال: لا أعلم، فقال: أعالم أنت بالشهب الحرس والأنجم والشمس، وذوات الذوايب التي تطلع مع الأنوار وتغيب مع الأسحار؟ فقال: لا أعلم، فقال: أعالم أنت بطلوع النجمين اللذين ما طلعا إلّا عن مكيدة، ولا غابا إلّا عن مصيبة، وإنهما طلعا غرباً فقتل قابيل هابيل، ولا يظهران إلّا بخراب الدنيا؟ فقال: لا أعلم، فقال: إذا كنت لا تعلم طرق الدنيا فإنّي أسألك عن قريب، أخبرني ما تحت حافر فرسي الأيمن والأيسر من المنافع والمضار، فقال: أنا في علم الأرض أقصر منّي في علم السماء، فأمر أن يحفر تحت الحافر الأيمن فخرج كنز من ذهب، ثم أمر أن يحفر تحت الحافر الأيسر فخرج أفعي فتعلّق الحكيم فصاح يا مولاي الأمان، فقال: الأمان بالإيمان، فقال: لأطيلن لك الركوع والسجود، فقال: سمعت خيراً، فقال: خيراً أُسجد للَّه وتضرّع بي إليه، ثم قال: يا سهر سقيل سوار نحن نجوم القطب، وأعلام الفلك، وإن هذا العلم لا يعلمه إلّا نحن وبيت في الهند [262].

ومن ذلك ما رواه أحمد بن عبد العزيز الجلودي قال: خطب أمير المؤمنين عليه السلام بالبصرة فقال: سلوني قبل أن تفقدوني، سلوا مَنْ عنده علم المنايا والبلايا، والأنساب في الأصلاب، وفصل الخطاب [263].

روي الصدوق في العيون بسنده عن

أبي الصلت الهروي قال: كان الرضا عليه السلام يكلِّم الناس بلغاتهم، وكان واللَّه أفصح الناس بلغاتهم وأعلمهم بكل لسان ولغة، فقلت: يا بن رسول اللَّه إنّي لأعجب من معرفتك بهذه اللغات علي اختلافها، فقال:

يا أبا الصلت أنا حجّة اللَّه، وما كان اللَّه ليتّخذ حجّة علي قوم وهو لا يعرف لغاتهم، أما بلغك قول أمير المؤمنين عليه السلام: «أوتينا فصل الخطاب [فهل فصل الخطاب] إلّا معرفة اللغات؟ أنا دابة الأرض، أنا حي لا أموت، وإذا مت يرث اللَّه الأرض ومن عليها، سلوني فإنّي لا أُسأل عمّا دون العرش إلّا أجبت [264] «، وقوله: «عمّا دون العرش» رمز له وجوه: الأوّل منها أن العرش هو العلم، والعرش عند علماء الحروف هو محمد، والعرش العرش وقوله «عما دون العرش» لا يستلزم أنه لا يعلم ما وراء ذلك، بل إن عقول البشر لا تعي القول عمّا وراء العرش، ولا تحتمله بل تعمي دونه البصائر والأبصار.

آه لو أجد له حملة! قال: فقام إليه رجل في عنقه كتاب رافعاً صوته: أيّها المدّعي ما لا تعلم، المقلّد ما لا يفهم، إنّي سائلك فأجب، قال: فوثب إليه أصحاب علي ليقتلوه، فقال لهم أمير المؤمنين عليه السلام: دعوه فإنّ حجج اللَّه لا تقوم بالبطش، ولا بالباطل تظهر براهين اللَّه، ثم التفت إلي الرجل وقال: سل بكل لسانك فإنّي مجيب إن شاء اللَّه تعالي، فقال الرجل: كم بين المشرق والمغرب؟ فقال: مسافة الهواء، وقال: وما مسافة الهواء؟ قال: دوران الفلك، قال: وما دوران الفلك؟ قال: مسيرة يوم الشمس، قال الرجل: صدقت، قال: فمتي القيامة؟ قال: عند حضور المنيّة، وبلوغ الأجل، قال: صدقت، قال: فكم عمر الدنيا؟ قال: يقال سبعة آلاف ثم لا تحديد، قال: صدقت،

قال: فأين مكة من بكة؟ فقال: مكة أكناف الحرم وبكة مكان البيت؟ قال: ولِمَ سمّيت مكة؟ قال: لأنّ اللَّه تعالي مك الأرض من تحتها أي دحاها، قال: فلِمَ سمّيت بكة؟ قال: لأنها أبكت عيون الجبّارين والمذنبين، قال: صدقت، قال: وأين كان اللَّه قبل خلق عرشه؟ فقال أمير المؤمنين: سبحان اللَّه من لا يدرك كنه صفته حملة عرشه علي قرب زمراتهم من كراسي كرامته، ولا الملائكة المقرّبون من أنوار سبحات جلاله، ويحك لا يقال لِمَ ولا كيف، ولا أين ولا متي، ولا بم ولا حيث، فقال الرجل: صدقت، قال: فكم مقدار ما لبث العرش علي الماء قبل خلق اللَّه الأرض والسماء؟ فقال: أتحسن أن تحسب؟ فقال: نعم، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: أفرأيت لو صبّ في الأرض خردل حتي سد الهواء وملأ ما بين الأرض والسماء، ثم أذن لك علي ضعفك أن تنقله حبة حبة من المشرق إلي المغرب، ثم مد لك في العمر حتي نقلته وأحصيته لكان ذلك أيسر من إحصاء ما لبث العرش علي الماء قبل خلق الأرض والسماء، وانّما وصفه لك جزاء من عشر عشير جزء من مائة ألف جزء وأستغفر اللَّه من القليل في التحديد، قال: فحرّك الرجل رأسه، وقال: أشهد أن لا إله إلّا اللَّه [وأن محمداً رسول اللَّه [265]. [.

يؤيّد هذا ما رواه الرازي في كتابه المسمّي بمفاتيح الغيب قال: قال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم: ليلة اُسري بي إلي السماء، رأيت في السماء السابعة مياديناً كميادين أرضكم هذه، ورأيت أفواجاً من الملائكة يطيرون لا يقف هؤلاء لهؤلاء، ولا هؤلاء لهؤلاء، قال: فقلت لجبرائيل عليه السلام: من هؤلاء؟ فقال: لا أعلم، فقلت: وأين يمضون؟ فقال: لا

أعلم، فقلت: سلهم، فقال: لا أقدر ولكن سلهم أنت يا حبيب اللَّه، قال: فاعترضت ملكاً منهم وقلت: ما اسمك؟ فقال: كيكائيل، فقلت: من أين أتيت؟ فقال: لا أعلم، فقلت: وأين تمضي؟ فقال: لا أعلم، فقلت: وكم لك في السير؟ فقال: لا أعلم، غير أني يا حبيب اللَّه أعلم أن اللَّه سبحانه يخلق في كل ستّة آلاف سنة كوكباً، وقد رأيت ستّة آلاف كوكباً خلقهن وأنا في السير [266].

ومن ذلك ما رواه أصحاب التواريخ أن رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم كان جالساً وعنده جني يسأله عن قضايا مشكلة فأقبل أمير المؤمنين عليه السلام فتصاغر الجني حتي صار كالعصفور ثم قال: أجرني يا رسول اللَّه، فقال: ممن؟ فقال: من هذا الفتي المقبل، فقال النبي صلي الله عليه و آله و سلم: وما ذاك؟ فقال الجني: أتيت سفينة نوح لأغرقها يوم الطوفان، فلمّا تناولتها ضربني هذا فقطع يدي، ثم أخرج يده مقطوعة فقال النبي: هو ذلك [267].

وبهذا الإسناد أن جنياً كان جالساً عند رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم فأقبل أمير المؤمنين عليه السلام فاستغاث الجنّي وقال: أجرني سليمان فأرسل إليّ نفراً من الجن فطلت عليهم فجاءني هذا الفارس فأسرني وجرحني، وهذا مكان الضربة إلي الآن لم يندمل، فنزل جبرائيل عليه السلام وقال: الحق يقرئك السلام ويقول لك: إنّي لم أبعث نبيّاً قطّ إلّا جعلت علياً معه سرّاً، وجعلته معك جهراً [268].

فيا خامد الفطنة، يا من يقول هذا التناسخ ومن أين لك علم التناسخ؟

وقدمك في طريق الحق غير راسخ، أما علمت أن اسم اللَّه الأعظم نير لك في كل تركيب، وكذا كلمة اللَّه العليا تظهر في كل صورة وتفعل كل عجيب،

وكيف تشك في قول محمد صلي الله عليه و آله و سلم إذا قال: أنا الفاتح، أنا الخاتم، وترتاب في علي، أليس هو قسيم النور الأوّل الذي يتشعشع في جسد كل مَنْ والاه، فإنّه أمل كل ولي وغاية كل صفي، ثم ظهر مع محمد صلي الله عليه و آله و سلم في هذا الجسد، كما كان معه في كل مقام.

في أسرار فاطمة الزهراء

فمن ذلك من أسرار مولدها الشريف ما رواه أصحاب التواريخ: أن خديجة لمّا حضرتها الولادة بعث اللَّه عز وجل إليها عشرين من الحور العين بطشوت وأباريق وماء من حوض الكوثر، وجاءتها مريم بنت عمران وسارة وآسية بنت مزاحم، بعثهنّ اللَّه يعنها علي أمرها، فلما وضعتها أشرقت الدنيا وامتلأت منها الأقطار بالطيب والأنوار، وفاح عطر العظمة، وامتلأت بيوت مكة بالنور، ولم يبق في شرق الأرض ولا غربها موضع إلّا أشرق نوراً، وظهر في السماء نور أزهر لم يكن قبل هذا، وقالت النسوة: خذيها يا خديجة طاهرة معصومة بنت نبي، زوجة وصي، نور وضي عنصر زكي، أم أبرار، حبيبة جبّار، صفوة أطهار، مباركة بورك فيها وفي ولدها.

ولما تناولتها خديجة قالت: أشهد أن لا إله إلّا اللَّه وأشهد أن أبي سيّد الأنبياء، وأن بَعْلِي سيّد الأوصياء، وأن ولدي سادة الأسباط.

ثم سلمت علي النسوة وسمّت كل واحدة منهن باسمها، وبشّر أهل السماء بعضهم بعضاً بولادة الزهراء، وكانت تحدث خديجة في الأحشاء وتونسها بالتسبيح والتقديس، وكان نورها وخلقها وخلالها وجمالها لا يعدو رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم [269].

ومن كراماتها علي اللَّه: أنها لما منعت حقّها أخذت بعضادة حجرة النبي وقالت: ليست ناقة صالح عند اللَّه بأعظم منّي، ثم رفعت جنب قناعها إلي السماء وهمّت أن تدعو

فارتفعت جدران المسجد عن الأرض، ونزل العذاب فجاء أمير المؤمنين عليه السلام فمسك يدها وقال: يا بقية النبوّة وشمس الرسالة، ومعدن العصمة والحكمة، إنّ أباك كان رحمة للعالمين فلا تكوني عليهم نقمة، أقسم عليك بالرؤوف الرحيم، فعادت إلي مصلّاها [270].

في أسرار الحسن بن علي

فمن ذلك: أنه لما قدم من الكوفة جاءت النسوة يعزينه في أمير المؤمنين عليه السلام، ودخلت عليه أزواج النبي صلي الله عليه و آله و سلم، فقالت عائشة: يا أبا محمد ما مثل فقد جدّك إلّا يوم فُقد أبوك، فقال لها الحسن: نسيت نبشك في بيتك ليلاً بغير قبس بحديدة، حتي ضربت الحديدة كفك فصارت جرحاً إلي الآن فأخرجت جرداً أخضر فيه ما جمعته من خيانة حتي أخذت منه أربعين ديناراً عدداً لا تعلمين لها وزناً ففرقتيها في مبغضي علي صلوات اللَّه عليه من تيم وعدي، وقد تشفيت بقتله، فقالت: قد كان ذلك [271].

ومن ذلك: أن معاوية لمّا أراد حرب علي عليه السلام وجمع أهل الشام، سمع بذلك ملك الروم فقيل له: رجلان قد خرجا يطلبان الملك، فقال: من أين؟ فقيل له: رجل بالكوفة ورجل بالشام، فقال: [فسألهم عن صفتهما، فوصفوهما له، ثم قال لخزان بيوت خزائنه: أُخرجوا إلي الأصنام، فنظر إليها فقال: الشامي ضال والكوفي هاد [272] [ثم كتب إلي معاوية أن ابعث إلي أعلم أهل بيتك، وبعث إلي أمير المؤمنين عليه السلام ابعث إلي أعلم أهل بيتك، حتي أجمع بينهما وأنظر في الانجيل مَنْ أحق بالملك منكما وأخبركما، فبعث إليه معاوية ابنه يزيد، وبعث إليه أمير المؤمنين الحسن عليه السلام، فلما دخل يزيد أخذ الرومي يده فقبّلها، ولما دخل الحسن عليه السلام قام الرومي فانحني علي قدميه فقبلهما، فجلس الحسن عليه السلام لا

يرفع بصره، فلما نظر ملك الروم إليهما أخرجهما معاً، ثم استدعي يزيد وحده، وأخرج له من خزانته 113 صنماً تماثيل الأنبياء وصورهم وقد زيّنت بكل زينة، فأخرج صنماً فعرضه علي يزيد فلم يعرفه، ثم عرض آخر فلم يعرفه، ثم سأله عن أرزاق العباد وعن أرواح المؤمنين، وأرواح الكفار، أين تجمع بعد الموت؟ فلم يعرف، فدعا الحسن بن علي عليه السلام وقال: إنّما بدأت بهذا حتي يعلم أنّك تعلم ما لا يعلم، وأن أباك يعلم [لا] أبوه وأن أباك ربّانيّ هذه الاُمّة، وقد نظرت في الإنجيل فرأيت الرسول محمداً والوزير علياً ونظرت إلي الأوصياء فرأيت أباك فيها وصي محمد، فقال للرومي: سلني عمّا بدا لك من علم التوراة، والإنجيل والفرقان، أخبرك، فدعا الأصنام، فأوّل صنم عرضه عليه علي صفة القمر فقال الحسن عليه السلام: هذه صفة آدم أبي البشر، ثم عرض عليه آخر في صفة الشمس، فقال: هذه صفة حواء أمّ البشر، ثم عرض آخر، فقال: هذا عليه صفة شيث بن آدم، وهذا أوّل من بعث وكان عمره في الدنيا 1540 سنة، ثم عرض عليه آخر فقال: هذه صفة نوح صاحب السفينة، وكان عمره في الدنيا 2500 سنة ولبث في قومه ألف سنة إلّا خمسين عاماً، ثم عرض عليه آخر، فقال: هذه صفة إبراهيم عريض الصدر طويل الجبهة، ثم عرض عليه آخر، فقال: هذه صفة موسي بن عمران وكان عمره 245 سنة وكان بينه وبين إبراهيم 500 سنة، ثم عرض عليه آخر، فقال: هذه صفة إسرائيل وهو يعقوب الحزين، ثم عرض عليه آخر، فقال: هذه صفة إسماعيل، ثم عرض عليه آخر، فقال: هذه صفة يوسف بن يعقوب، ثم عرض عليه آخر، فقال: هذه صفة داود صاحب

الجراب، ثم عرض عليه آخر فقال: هذه صفة شعيب، ثم زكريا، ثم عيسي ابن مريم روح اللَّه وكلمته، وكان عمره في الدنيا 23 سنة ثم رفعه اللَّه إليه ثم يهبط إلي الأرض بدمشق ويقتل الدجّال، ثم عرضت عليه أصنام الأوصياء، والوزراء، فأخبر بأسمائهم، ثم عرضت عليه أصنام في صفة الملوك وقال له ملك الروم: هذه أصنام لم نجد صفتها في التوراة والإنجيل، فقال الحسن عليه السلام: هذه صفة الملوك، فقال عند ذلك ملك الروم عند ذاك: أشهد لكم يا آل محمد أنكم اُوتيتم علم الأوّلين والآخرين، وعلم التوراة والإنجيل، وصحف إبراهيم وألواح موسي، وإنا نجد في الإنجيل أن أوّل فتنة هذه الاُمّة وثوب شيطانها الضليل علي ملك نبيّها واجتراؤه علي ذريته، ثم قال للحسن عليه السلام: أخبرني عن سبعة أشياء خلقها اللَّه تعالي، لم تركض في رحم، فقال الحسن عليه السلام: آدم وحواء، وكبش إبراهيم، وناقة صالح، وإبليس والحية والغراب الذي ذكر في القرآن، ثم سأله عن أرزاق الخلائق فقال الحسن عليه السلام: في السماء الرابعة تنزل بقدر وتبسيط، وسأله عن أرواح المؤمنين أين تكون؟ فقال: تجتمع عند صخرة بيت المقدس في كل ليلة جمعة وهي العرش الأدني ومنها يبسط اللَّه الأرض وإليها يطويها وإليها المحشر. ثم سأله عن أرواح الكفّار فقال: تجتمع في وادي حضرموت عند مدينة اليمن ثم يبعث اللَّه ناراً من المشرق وناراً من المغرب ويتبعها ريح شديد فيحشر الناس عند صخرة بيت المقدس فأهل الجنة عن يمينها، وأهل النار عن يسارها في تخوم الأرض السابعة، فتحشر الناس عند الصخرة، فمن وجبت له الجنة دخلها ومن وجبت له النار دخلها، وذلك قوله: فريق في الجنة وفريق في السعير.

فالتفت الملك إلي يزيد وقال:

هذا بقيّة الأنبياء وخليفة الأوصياء، ووارث الأصفياء وثاني النقباء، ورابع أصحاب الكساء، والعالم بما في الأرض والسماء، أفقياس هذا بمن طبع علي قلبه وهو من الضالين، ثم كتب إلي معاوية: مَنْ آتاه اللَّه العلم والحكمة بعد نبيّكم وحكم التوراة والإنجيل وأخبار الغيب، فالحق والخلافة له، ومَنْ نازعه فإنّه ظالم، ثم كتب إلي أمير المؤمنين عليه السلام إن الحق لك والخلافة فيك وفي ولدك إلي يوم القيامة، فقاتل من قاتلك يعذّبه اللَّه بيدك، فإنّ مَنْ عصاك وحاربك عليه لعنة اللَّه والملائكة والناس أجمعين [273].

ومن ذلك من كراماته ما روي عن مولانا الباقر عليه السلام أن جماعة من أهل الكوفة قالوا للحسن عليه السلام: يابن رسول اللَّه ما عندك من عجايب أسرار أمير المؤمنين عليه السلام الذي كان يرينا أي شي ء نريد يرينا إيّاه؟

فقال: هل تعرفون أمير المؤمنين عليه السلام؟ فقالوا: نعم، فرفع ستراً كان علي باب البيت، وقال: انظروا، فنظروا فإذا أمير المؤمنين، فقالوا: نعم، هذا أمير المؤمنين لا نشك فيه ونشهد أنك خليفة حقاً وصدقاً [274].

في أسرار الحسين بن علي

فمن ذلك أنه لمّا أراد الخروج إلي العراق قالت له أُمّ سلمة: يا بني لا تحزنّي بخروجك فإنّي سمعت رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم يقول: يقتل ولدي الحسين بالعراق، فقال لها الحسين عليه السلام: يا أمّاه إنّي مقتول لا محالة وليس من الأمر المحتوم بد وإنّي لأعرف اليوم الذي اُقتل فيه والحفرة التي أُدفن فيها، ومن يُقتل معي من أهل بيتي ومن شيعتي، وإن أردت أريتك مضجعي ومكاني، ثم أشار بيده فانخفضت الأرض حتي أراها مضجعه ومكانه [275].

ومن ذلك من كتاب الراوندي أن رجلاً جاء إلي الحسين عليه السلام فقال: أمّي توفيت ولم توصِ بشي ء

غير أنّها أمرتني أن لا أحدث في أمرها حدثاً حتي أعلمك يا مولاي، فجاء الحسين عليه السلام وأصحابه فرآها ميتة فدعا اللَّه ليحييها فإذا المرأة تتكلّم، وقالت: ادخل يا مولاي ومرني بأمرك، فدخل وجلس وقال لها: أوصي يرحمك اللَّه، فقالت: يا سيدي، إنّ لي من المال كذا وكذا وقد جعلت ثلثه إليك لتضعه حيث شئت، والثلثان لابني هذا إن علمت أنّه من مواليك، وإن كان مخالفاً فلا حظّ للمخالف في أموال المؤمنين، ثم سألته أن يتولّي أمرها وأن يصلّي عليها، ثم صارت ميّتة كما كانت [276].

في أسرار علي بن الحسين

فمن ذلك ما رواه خالد بن عبداللَّه قال: كان علي بن الحسين عليه السلام حاجّاً فجاء أصحابه فضربوا فسطاطه في ناحية فلما رآه قال: هذا مكان قوم من الجن المؤمنين وقد ضيّقتم عليه، فناداه هاتف: يابن رسول اللَّه قرّب فسطاطك منّا رحمةً لنا، وإنّ طاعتك مفروضة علينا، وهذه هديتنا إليك فاقبلها، قال جابر: فنظرنا وإذا إلي جانب الفسطاط أطباق مملوءة رطباً وعنباً، وموزاً ورمّاناً، فدعا زين العابدين عليه السلام من كان معه من أصحابه، وقال: كلوا من هدية إخوانكم المؤمنين [277].

ومن ذلك ما رواه صاحب كتاب الأربعين: أن بني مروان لمّا كثر استنقاصهم بشيعة علي ابن الحسين عليه السلام شكوا إليه حالهم فدعا الباقر عليه السلام وأخرج إليه حقاً فيه خيط أصفر وأمره أن يحرّكه تحريكاً لطيفاً فصعد السطح وحرّكه، وإذا بالأرض ترجف وبيوت المدينة تساقطت حتي هوي من المدينة ستمائة دار، وأقبل الناس هاربين إليه يقولون: أجرنا يابن رسول اللَّه، أجرنا يا ولي اللَّه، فقال: هذا دأبنا ودأبهم يستنقصون بنا ونحن نفنيهم [278].

ومن ذلك أن رجلاً سأله فقال: بماذا فُضّلنا علي أعدائنا وفيهم مَنْ هو أجمل منّا؟ فقال

له الإمام عليه السلام: أتحبّ أن تري فضلك عليهم؟ فقال: نعم، فمسح يده علي وجهه، وقال: انظر، فنظر فاضطرب، وقال: جعلت فداك ردني إلي ما كنت، فإنّي لم أرَ في المسجد إلّا دبّاً، وقرداً وكلباً، فمسح يده فعاد إلي حاله [279].

وإليه الإشارة بقوله: «أعداء عليّ مسوخ هذه الاُمّة»، وفي النقل: اقتلوا الوزغ فإنّها مسوخ بني أمية [280].

في أسرار أبي جعفر الباقر

فمن ذلك ما رواه محمد بن مسلم قال: كنت عند أبي جعفر عليه السلام إذ وقع إليه ورشانان ثم هدلا فرد عليهما فطارا، فقلت: جعلت فداك ما هذه؟ فقال: هذا طائر ظن في زوجته سوءاً فحلفت له فقال لها: لا أرضي إلّا بمولاي محمد بن علي عليه السلام، فجاءت فحلفت له بالولاية أنّها لم تخنه فصدّقها، وما من أحد يحلف بالولاية إلّا صدّق إلّا الإنسان، فإنّه حلّاف مهين [281].

ومن ذلك ما رواه ميسر قال: قمت بباب أبي جعفر فخرجت جارية جلاسية فوضعت يدي علي رأسها فناداني من أقصي الدار: ادخل لا أبا لك فلو كانت الجدران تحجب أبصارنا عنكم كما تحجب أبصاركم لكنّا نحن وإيّاكم سواء [282].

ومن ذلك ما رواه محمد بن مسلم قال: خرجت مع أبي جعفر عليه السلام إلي مكان يريده فسرنا، وإذا ذئب قد انحدر من الجبل وجاء حتي وضع يده علي قربوس السرج، وتطاول فخاطبه فقال له الإمام عليه السلام: ارجع فقد فعلت، قال: فرجع الذئب مهرولاً، فقلت: يا سيدي ما شأنه؟ فقال: ذكر أن زوجته قد عسرت عليها الولادة فسأل لها الفرج وأن يرزقه اللَّه ولداً لا يؤذي دواب شيعتنا، فقلت له: اذهب فقد فعلت، قال: ثم سرنا، وإذا قاع محدب يتوقّد حرّاً، وهناك عصافير يتطايرون، ودرن حول بغلته فرجوها، وقال: لا ولا

كرامة، قال: ثم سار إلي مقصده، فلما رجعنا من الغد وعدنا إلي القاع وإذا العصافير قد طارت ودارت حول بغلته ورفرفت، فسمعته يقول: اشربي وارتوي، قال: فنظرت، وإذا في القاع ضحضاح [283] من الماء، فقلت: يا سيدي بالأمس منعتها واليوم سقيتها؟ فقال: اعلم أن اليوم خالطتها القنابر فسقيتها، ولولا القنابر لما سقيتها، فقلت: يا سيدي، وما الفرق بين القنابر والعصافير؟

فقال: ويحك أما العصافير فإنّهم موالي الرجل [284] لأنهم منه، وأما القنابر فإنّهم موالينا أهل البيت، وإنّهم يقولون في صفيرهم: بوركتم أهل البيت عليهم السلام، وبورك شيعتكم، ولعن اللَّه أعدائكم، ثم قال: عادانا من كل شي ء حتي الطيور الفاختة ومن الأيام الأربعاء [285].

أقول: في هذا الحديث رمز حسن يشير إلي أن كلّاً يميل إلي شكله ويفرح بنظيره، وينبعث إلي طبعه، وإليه الإشارة بقوله صلي الله عليه و آله و سلم: يعرف ولد الحرام بأكله للحرام، وهذا أيضاً رمز وهو أن ولد الحرام مادته من الحرام فهو يحب ما هو منه، وعدوّهم من الرجل فهو لا يحب إلّا مادته، ومحبّهم ووليّهم طينته منهم، وهي طينة خلق منها أولاد الحلال فلا يحبّهم إلّا ولد الحلال، وليس محبّهم إلّا ولد الحلال.

ومن ذلك ما رواه إسماعيل السندي عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال: سمعته يقول لرجل من خراسان كان قدم إليه: كيف أبوك؟

فقال الرجل: بخير،

فقال: فأخوك؟

قال: خلفته صالحاً، فقال: قد هلك أبوك بعد خروجك بيومين، وأما أخوك فقتلته جاريته يوم كذا، وقد صار إلي الجنة؛ فقال الرجل: جعلت فداك، إن ابني قد خلفته وجعاً، فقال: أبشر فقد بري ء وزوّجه عمّه ابنته وصار له غلام وسمّاه علياً، وليس من شيعتنا، فقال الرجل: فما إليه من حيلة؟ فقال: كلا

قد أخذ من صلب آدم أنه من أعدائنا فلا تغرنك عبادته وخشوعه [286].

ومن ذلك ما رواه جابر بن يزيد قال: كنّا مع أبي جعفر عليه السلام في المسجد فدخل عمر بن عبد العزيز وهو غلام، وعليه ثوبان معصفران فقال أبو جعفرعليه السلام: لا تذهب الأيام حتي يملكها هذا الغلام، ويستعمل العدل جهراً والجور سرّاً فإذا مات تبكيه أهل الأرض ويلعنه أهل السماء [287].

ومن ذلك ما رواه أبو بصير قال: قال لي مولاي أبو جعفر عليه السلام: إذا رجعت إلي الكوفة يولد ولد تسمّيه عيسي، ويولد ولد وتسمّيه محمداً وهما من شيعتنا وأسماؤهما في صحيفتنا، وما يولدون إلي يوم القيامة، قال: فقلت: وشيعتكم معكم؟ قال: نعم، إذا خافوا اللَّه واتقوه وأطاعوه [288].

ومن ذلك أنه دخل المسجد يوماً فرأي شابّاً يضحك في المسجد فقال له: تضحك في المسجد وأنت بعد ثلاثة من أصحاب القبور؟ فمات الرجل في أوّل اليوم الثالث، ودفن في آخره [289].

ومن ذلك ما ورد في كتاب كشف الغمة عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له يوماً: أنتم ذرية رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم؟

قال: نعم، قلت: ورسول اللَّه وارث الأنبياء؟

قال: نعم، قلت: وأنتم ورثة رسول اللَّه؟

قال: نعم، قلت: فتقدر أن تُحيي الموتي وتبري ء الأكمه والأبرص وتخبر الناس بما يأكلون، وما يدخرون؟

قال: نعم، بأمر اللَّه، ثم قال: ادن منّي، فدنوت منه فمسح يده علي وجهي، فأبصرت السماء والأرض، ثم مسح يده علي وجهي فعدت كما كنت لا أري شيئاً [290].

في أسرار أبي عبدالله جعفر الصادق

من ذلك ما رواه محمد بن سنان أن رجلاً قدم عليه من خراسان ومعه صرر من الصدقات معدودة مختومة، وعليها أسماء أصحابها مكتوبة، فلما دخل الرجل جعل أبو

عبداللَّه يسمّي أصحاب الصرر، ويقول: أخرج صرة فلان فإن فيها كذا وكذا، ثم قال: أين صرّة المرأة التي بعثتها من غزل يدها أخرجها فقد قبلناها؟ ثم قال للرجل: أين الكيس الأزرق، وكان فيما حمل إليه كيس أزرق فيه ألف درهم، وكان الرجل قد فقده في بعض طريقه، فلمّا ذكره الإمام استحيي الرجل وقال: يا مولاي إنّي فقدته في بعض الطريق، فقال له الإمام عليه السلام: تعرفه إذا رأيته؟ فقال: نعم، فقال: يا غلام، أخرج الكيس الأزرق، فأخرجه، فلمّا رآه الرجل عرفه، فقال الإمام: إنّا احتجنا إلي ما فيه فأحضرناه قبل وصولك إلينا، فقال الرجل: يا مولاي إنّي ألتمس الجواب بوصول ما حملته إلي حضرتك، فقال له: إن الجواب كتبناه وأنت في الطريق [291].

ومن ذلك ما رواه عبداللَّه بن الكاهلي قال: قال لي الصادق عليه السلام: إذا لقيت السبع فاقرأ في وجهه آية الكرسي، وقل: عزمت عليك بعزيمة اللَّه وعزيمة رسوله، وعزيمة سليمان بن داود، وعزيمة علي أمير المؤمنين والأئمة من بعده، فإنه ينصرف عنك، قال: فخرجت مع ابن عم لي قادماً من الكوفة فعرض لنا السبع فقرأت عليه ما علّمني مولاي فطأطأ رأسه ورجع عن الطريق، فلما قدمت إلي سيدي من قبل أن أعلمه بالخبر، فقال: أتراني لم أشهدكم إن لي مع كل ولي أذن سامعة، وعين ناظرة، ولسان ناطق، ثم قال: يا عبداللَّه أنا واللَّه صرفته عنكما وعلامة ذلك أنكما كنتما علي شاطي ء النهر [292].

أقول: في هذا الحديث أسرار غريبة، الأوّل إطاعة الوحوش لهم عياناً وسماعاً، والثاني إخباره أنه لم يغب عنهم وأنه يشهد سائر أوليائه لأن الإمام مع الخلق كلّهم لم يغب عنهم، ولم يحتجبوا عنه طرفة عين، ولكن أبصارهم محجوبة عن النظر

إليه، وإن الدنيا بين يدي الإمام كالدرهم بين يدي الرجل يقلّبه كيف شاء، والثالث أنه أنكر عليه وقال: أتراني لم أشهدكم؟ حيث إنه حسب أن الحجّة لا يشهد لمحجوج عليه بعد أن يثبت أنهم عين اللَّه الناظرة في عباده، ويده المبسوطة بالفضل في بلاده، ولسانه المترجم عنه، وأن قلوب الأولياء مكان مشيئة اللَّه وخزائن أسراره وباب حكمته.

ومن ذلك ما رواه أبو بصير قال: قال أبو عبداللَّه عليه السلام: إن المعلي بن خنيس ينال درجتنا، وإن المدينة من قابل يليها داود بن عروة، ويستدعيه ويأمره أن يكتب له أسماء شيعتنا فيأبي فيقتله ويصلبه، فينال بذلك درجتنا، فلمّا ولي داود المدينة من قابل أحضر المعلّي وسأله عن الشيعة فقال: أعرفهم، فقال: اكتبهم لي وإلّا ضربت عنقك، فقال: بالقتل تهدّدني واللَّه لو كانوا تحت قدمي ما رفعتها عنهم، فأمر بضرب عنقه وصلبه، فلمّا دخل عليه الصادق عليه السلام قال: يا داود قتلت مولاي ووكيلي، وما كفاك القتل حتي صلبته، واللَّه لأدعون اللَّه عليك كما قتلته، فقال له داود: أتهدّدني بدعائك؟ ادع اللَّه لك فإذا استجاب لك فادعه عليَّ، فخرج أبو عبداللَّه عليه السلام مغضباً، فلما جن الليل اغتسل واستقبل القبلة، ثم قال: ياذا ياذي ياذوا إرم داود سهماً من سهام قهرك تبلبل به قلبه، ثم قال لغلامه: اخرج واسمع الصائح. فجاء الخبر أن داود قد هلك، فخرَّ الإمام ساجداً وقال: إنّه لقد دعوت اللَّه عليه بثلاث كلمات لو قسمت علي أهل الأرض لزلزلت بمن عليها [293].

ومن كراماته عليه السلام: أن المنصور يوماً دعاه، فركب معه إلي بعض النواحي، فجلس المنصور علي تلال هناك وإلي جانبه أبو عبداللَّه، فجاء رجل وهمّ أن يسأل المنصور ثم أعرض عنه، وسأل الصادق

عليه السلام فحثي له من رمل هناك مل ء يديه ثلاث مرّات، فقال: اذهب وأغِل، فقال له بعض حاشية المنصور: خرجت عن الملك وسألت فقيراً لا يملك شيئاً، فقال الرجل وقد عرق وجهه خجلاً ممّا أعطاه: إنّي سألت مَنْ أنا واثق بعطائه، ثم جاء بالتراب إلي بيته، فقالت له زوجته: مَنْ أعطاك هذا؟ فقال: جعفر، فقالت: وما قال؟ قال: قال لي: أغِل، فقالت: إنّه صادق، فاذهب بقليل منه إلي أهل المعرفة فإنّي أشمّ منه رايحة الغنا، فأخذ الرجل منه جزءاً ومرّ به إلي بعض اليهود فأعطاه فيما حمل منه إليه عشرة آلاف درهم، وقال له: أتيني بباقيه علي هذه القيمة [294].

ومن ذلك: أن المنصور لمّا أراد قتل أبي عبداللَّه عليه السلام استدعي قوماً من الأعاجم يقال لهم البعرعر [295] لا يفهمون ولا يعقلون، فخلع عليهم الديباج المثقل، والوشي المنسوج، وحملت إليهم الأموال، ثم استدعاهم وكانوا مائة رجل، وقال للترجمان: قل لهم: إنّ لي عدواً يدخل عليَّ الليلة فاقتلوه إذا دخل، فأخذوا أسلحتهم ووقفوا ممتثلين لأمره، فاستدعي جعفراً عليه السلام وأمره أن يدخل وحده، ثم قال للترجمان: قل لهم هذا عدوّي فقطعوه، فلمّا دخل الإمام تعاووا عوي الكلاب، ورموا أسلحتهم، وكتفوا أيديهم إلي ظهورهم، وخرّوا له سجداً، ومرغوا وجوههم علي التراب، فلمّا رأي المنصور ذاك خاف، وقال: ما جاء بك؟ قال: أنت، وما جئتك إلّا مغتسلاً محنطاً، فقال المنصور: معاذ اللَّه أن يكون ما تزعم، ارجع راشداً، فخرج جعفر عليه السلام والقوم علي وجوههم سجداً، فقال للترجمان: قل لهم: لِمَ لا قتلتم عدو الملك؟ فقالوا: نقتل وليّنا الذي يلقانا كل يوم ويدبر أمرنا كما يدبّر الرجل أمر ولده ولا نعرف ولياً سواه، فخاف المنصور من قولهم فسرّحهم

تحت الليل، ثم قتله بعد ذلك بالسمّ [296].

ومن كراماته عليه السلام أن فقيراً سأله فقال لعبده: ما عندك؟ قال: أربعمائة درهم، فقال: أعطه إياها، فأعطاه، فأخذها وولّي شاكراً، فقال لعبده: أرجعه، فقال: ياسيدي سألت فأعطيت، فماذا بعد العطاء، فقال له: قال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم: خير الصدقة ما أبقت غنيً، وإنّا لم نغنك فخذ هذا الخاتم فقد أعطيت فيه عشرة آلاف درهم، فإذا احتجت فبعه بهذه القيمة [297].

ومن ذلك من كتاب الراوندي عن أبي عبداللَّه عليه السلام أنه قال: علمنا غابر ومزبور، ونكت في القلوب، ونقر في الأسماع، وعندنا الجفر الأبيض والجفر الأحمر، ومصحف فاطمة والجامعة، فأما الغابر فعلم ما كان، وأما المزبور فعلم ما يكون، وأما النكت في القلوب فهو الإلهام، وأما النقر في الأسماع فهو حديث الملائكة، وأما الجفر الأحمر ففيه سلاح رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم، وأما الجفر الأبيض فوعاء فيه التوراة والإنجيل والزبور والكتب الأولي، وأمّا مصحف فاطمة ففيه ما يكون من الحوادث، واسم مَنْ يملك إلي يوم القيامة، وأما الجامعة ففيها جميع ما يحتاج الناس إليه حتي أرش الخدش، وعندنا صحيفة فيها اسم مَنْ ولد ومَنْ يولد، واسم أبيه وأمّه من الذر إلي يوم القيامة، ممّن هو من أعدائنا، ذلك فضل اللَّه علينا وعلي الناس [298].

ومن ذلك: ما رواه أحمد البرقي عن أبيه عن سدير الصيرفي قال: رأيت رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم في النوم وبين يديه طبق مغطي، فدنوت منه وسلّمت عليه، فكشف الطبق وإذا فيه رطب، فقلت: يا رسول اللَّه ناولني رطبة، فأكلتها، ثم طلبت أخري فناولني حتي أكلت ثمان رطبات، فطلبت أخري فقال: حسبك.

قال:

فلما استيقظت من الغد دخلت علي الصادق عليه السلام وإذا بين يديه طبق مغطي كما رأيته في المنام، فكشف عنه، وإذا فيه رطب، فقلت: جعلت فداك ناولني رطبة، فناولنيها فأكلتها، ثم سألته أخري فأعطاني، فناولني ثمان رطبات فأكلتهن، ثم سألته أخري، فقال: حسبك لو زادك جدّي صلي الله عليه و آله و سلم لزدتك [299].

في أسرار أبي الحسن موسي بن جعفر

فمن ذلك أن الرشيد لمّا حج دخل المدينة فاستأذن عليه الناس، فكان آخر من أذن له موسي بن جعفر عليهماالسلام، فلما أُدخل عليه دخل وهو يحرِّك شفتيه، فلما قرب إليه قعد الرشيد علي ركبتيه وعانقه، ثم أقبل عليه، وقال: كيف أنت يا أبا الحسن؟ كيف عيالك؟ كيف عيال أبيك؟ كيف أنتم؟ كيف حالكم؟ وهو يقول: خير، خير، فلما قام أراد الرشيد أن ينهض فأقسم عليه أبو الحسن فقعد، ثم عانقه وخرج، فلما خرج قال له المأمون: مَنْ هذا الرجل؟ قال: يابني هذا وارث علوم الأوّلين والآخرين، هذا موسي بن جعفر، فإن أردت علماً حقّاً فعند هذا [300].

ومن ذلك ما رواه أحمد البزاز قال: إن الرشيد لما أحضر موسي عليه السلام إلي بغداد فكّر في قتله، فلمّا كان قبل قتله بيومين، قال للمسيب وكان من الحرّاس عليه لكنّه كان من أوليائه، وكان الرشيد قد سلم موسي إلي السندي بن شاهك وأمره أن يقيّده بثلاثة قيود من الحديد وزنها ثلاثين رطلاً قال: فاستدعي المسيب نصف الليل وقال: إنّي ظاعن عنك في هذه الليلة إلي المدينة لأعهد إلي من بها عهداً يعمل به بعدي، فقال المسيب: يا مولاي كيف أفتح لك الأبواب والحرس قيام؟

فقال: ما عليك، ثم أشار بيده إلي القصور المشيدة والأبواب العالية، والدور المرتفعة، فصارت أرضاً، ثم قال لي: يا مسيب

كن علي هيئتك فانّي راجع إليك بعد ساعة، فقال: يا مولاي ألا أقطع لك الحديد؟ قال: فنفضه وإذا هو ملقي، قال: ثم خطا خطوة فغاب عن عيني، ثم ارتفع البنيان كما كان.

قال المسيب: فلم أزل قائماً علي قدمي حتي رأيت الأبنية والجدران قد خرّت ساجدة إلي الأرض، وإذا بسيدي قد أقبل وعاد إلي محبسه وأعاد الحديد إليه، فقلت: يا سيدي، أين قصدت؟ فقال: كل محب لنا في الأرض شرقاً وغرباً حتي الجن في البراري ومختلف الملائكة [301].

ومن ذلك ما رواه صفوان الجمال بن مهران قال: أمرني سيدي أبو عبداللَّه عليه السلام يوماً أن أقدم ناقته علي باب الدار، فجئت بها، قال: فخرج أبو الحسن موسي مسرعاً وهو ابن ست سنين فاستوي علي ظهر الناقة وأثارها وغاب عن بصري، قال: فقلت: إنّا للَّه وإنّا إليه راجعون، وما أقول لمولاي إذا خرج يريد ناقته، قال: فلمّا مضي من النهار ساعة إذا الناقة قد انقضت كأنها شهاب وهي ترفض عرقاً، فنزل عنها ودخل الدار فخرج الخادم، وقال: أعد الناقة مكانها وأجب مولاك، قال: ففعلت ما أمرني ودخلت عليه، فقال: يا صفوان إنّما أمرتك إحضار الناقة ليركبها مولاك أبو الحسن، فقلت في نفسك: كذا وكذا فهل علمت يا صفوان إلي أين بلغ عليها في هذه الساعة؟ إنّه بلغ ما بلغه ذو القرنين وجاوزه أضعافاً مضاعفة وأبلغ كل مؤمن ومؤمنة سلامي [302].

ومن ذلك ما رواه المسيب أن الرشيد لما أراد قتل موسي أرسل إلي عمّاله في الأطراف فقال: التمسوا لي قوماً لا يعرفون اللَّه أستعين بهم في مهمّ لي، فأرسلوا إليه قوماً يقال لهم العبدة، فلما قدموا عليه وكانوا خمسين رجلاً أنزلهم في بيت من بيوت داره قريب المطبخ، ثم

حمل إليهم المال والثياب والجواهر والأشربة والخدم، ثم استدعاهم وقال: مَنْ ربّكم؟ فقالوا: ما نعرف ربّاً وما سمعنا بهذه الكلمة، فخلع عليهم، ثم قال للترجمان: قل لهم إن لي عدوّاً في هذه الحجرة فادخلوا إليه فقطعوه، فدخلوا بأسلحتهم علي أبي موسي عليه السلام والرشيد ينظر ماذا يفعلون، فلمّا رأوه رموا أسلحتهم وخرّوا له سجداً فجعل موسي يمرّ يده علي رؤوسهم وهم يبكون، وهو يخاطبهم بألسنتهم، فلمّا رأي الرشيد ذلك غشي عليه وصاح بالترجمان أخرجهم، فأخرجهم يمشون القهقري إجلالاً لموسي عليه السلام، ثم ركبوا خيولهم وأخذوا الأموال ومضوا [303].

في أسرار أبي الحسن علي بن موسي

فمن ذلك أن الرضا عليه السلام لمّا قدم من خراسان توجّهت إليه الشيعة من الأطراف، وكان علي بن أبي أسباط قد توجّه إليه بهدايا وتحف فأخذت القافلة وأخذ ماله وهداياه وضرب علي فيه، فانتثرت نواجذه فرجع إلي قرية هناك ونام، فرأي الرضا عليه السلام في منامه، وهو يقول: لا تحزن إن هداياك وصلت إلينا، وأما فمك وثناياك فخذ من السعد المسحوق واحشي به فاك، فانتبه مسروراً وأخذ من السعد وحشي به فاه فرد اللَّه عليه نواجذه، قال: فلما وصل إلي الرضا عليه السلام ودخل عليه قال له: قد وجدت ما قلناه لك في السعد حقّاً فادخل هذه الخزانة فانظر، فدخل فإذا ماله وهداياه كلّاً علي حدته [304].

ومن ذلك أن رجلاً من الواقفة جمع مسايل مشكلة في طومار، وقال في نفسه: إن عرف معناه فهو ولي الأمر، فلما أتي الباب، وقف ليخف الناس من المجلس، فخرج إليه خادم وبيده رقعة فيها جواب مسألة بخط الإمام عليه السلام فقال له الخادم: أين الطومار؟ فأخرجه، فقال له: يقول لك ولي اللَّه هذا جواب ما فيه. فأخذه ومضي [305].

ومن ذلك أن

الرضا عليه السلام قال يوماً في مجلسه: لا إله إلّا اللَّه مات فلان، ثم صبر هنيهة، وقال: لا إله إلّا اللَّه غل وكفر، وحمل إلي حفرته، ثم صبر هنيهة، وقال: لا إله إلّا اللَّه وضع في قبره، وسئل عن ربّه فأجاب، ثم سئل عن نبيه فأقرّ، ثم سئل عن إمامه فأخبر، وعن العترة، فعدّهم، ثم وقف عندي فما باله وقف، وكان الرجل واقفياً [306].

ومن ذلك ما رواه الراوندي في كتابه عن إسماعيل قال: كنت عند الرضا عليه السلام فمسح يده علي الأرض فظهرت سبايك من فضة، ثم مسح يده فغابت، فقلت: أعطني واحدة منها، فقال: إنّ هذا الأمر ما آن وقته [307].

أقول: الفرق بين الشعبذة والسحر والسيمياء، والكرامات والمعجزات، الأول منها قلب العين حتي يري الإنسان شيئاً فيتخيّله ولا حقيقة له ولا يبقي، وأما المعجزات والكرامات فقلب أعيان الأشياء وتحويلها إلي حقيقة أخري باقية لا تزول إلّا إذا أراد المظهر لها زوالها.

ومن كراماته عليه السلام أن أبا نواس مدحه بأبيات فأخرج له رقعة فيها تلك الأبيات فتحير أبو نواس، وقال: واللَّه يا ولي اللَّه ما قالها أحد غيري، ولا سمعها أحد سواك، فقال: صدقت، ولكن عندي في الجفر والجامعة أنك تمدحني بها.

ومن ذلك ما رواه أبو الصلت الهروي قال: بينما أنا واقف بين يدي أبي الحسن الرضا عليه السلام إذ قال لي: سيحفر لي هاهنا قبر فتظهر صخرة لو اجتمع عليها كل معول بخراسان لم يقدروا علي قلعها، فمرهم أن يحفروا لي سبع مرّات إلي أسفل، وأن يشق لي ضريح فإنّ الماء سينبع حتي يمتلي ء اللحد وتري فيه حيتاناً صغاراً، ثم يخرج حوت كبير يلتقط الحيتان الصغار ثم يغيب، فدع يديك علي الماء وتكلّم بهذا

الكلام فإنّه ينضب لك ولا يبقي منه شي ء، ولا تفعل ذلك إلّا بحضرة المأمون، ثم قال لي: يا أبا الصلت غداً أدخل إلي هذا الفاجر، فإن خرجت مكشوف الرأس فتكلّم أكلّمك، وإن خرجت مغطّي الرأس فلا تكلّمني.

قال أبو الصلت: فلما أصبحنا من الغد لبس ثيابه، وجلس في محرابه، فجاء غلام المأمون وقال: أجب أمير المؤمنين، فلبس نعله ورداءه، وقام يمشي وأنا أتبعه، ثم دخل علي المأمون وبين يديه أطباق وفاكهة، وبيده عنقود من عنب قد أكل بعضه وبقي بعضه، فلما رآه مقبلاً وثب قايماً وعانقه وأجلسه، ثم ناوله العنقود، وقال: ياابن رسول اللَّه هل رأيت أحسن من هذا العنب؟

فقال: قد يكون في بعض الجنان أحسن منه، ثم قال له: كل منه، فقال له الرضا عليه السلام: أعفني، فقال: لابد من ذلك، ثم قال: وما يمنعك أتتهمني؟ ثم تناول العنقود منه وأكل منه، وناوله الرضا عليه السلام فأكل منه ثلاث حبّات، ثم رمي به، وقال له المأمون: إلي أين؟

فقال له الرضا عليه السلام: إلي حيث وجّهتني، ثم خرج عليه السلام مغطّي الرأس حتي دخل الدار ثم أمر أن تغلق الأبواب، ثم نام علي فراشه.

قال: فكنت واقفاً في صحن الدار باكياً حزيناً إذ دخل إليّ شاب حسن الوجه أشبه الناس بالرضا فبادرت إليه وقلت: من أين دخلت والباب مغلوق؟ فقال: الذي جاء بي من المدينة في هذا الوقت هو الذي أدخلني الدار والباب مغلق، فقلت: من أنت؟

فقال عليه السلام: أنا حجّة اللَّه يا أبا الصلت، أنا محمد بن علي، ثم مضي نحو أبيه الرضا عليه السلام فدخل، فأمرني بالدخول، فلما نظر إليه الرضا عليه السلام نهض إليه ليعتنقه، ثم سجه سجيً إلي فراشه وأكبّ عليه محمد بن

علي عليه السلام فسرَّ إليه سرّاً لا أفهمه، ورأيت علي شفة الرضا بياضاً أشدّ بياضاً من الثلج، ورأيت أبا جعفر عليه السلام يلحسه بلسانه ثم أدخل يده بين صدره وثوبه فاستخرج منه شيئاً شبه العصفور فابتلعه، ثم مضي الرضا عليه السلام فقال لي: يا أبا الصلت أيتني المغسل والماء من الخزانة، فقلت: ما في الخزانة مغسل ولا ماء، فقال: ائتمر بما آمرك به.

قال: فدخلت الخزانة وإذا فيها مغسل وماء فأتيته بها، ثم شمرت ثيابي لأعاونه، فقال: تنح فإنّ لي من يساعدني، ثم قال لي: أدخل الخزانة وأخرج السفط الذي فيه كفنه وحنوطه، فدخلت وإذا أنا بسفط لم أره من قبل ذلك فأخرجته إليه وصلّي عليه، ثم قال: ائتني بالتابوت، فقلت: أأمضي إلي النجار؟

فقال: إنّ في الخزانة تابوتاً، فدخلت وإذا تابوت لم أرَ مثله قط، فأخرجته إليه فوضعته فيه بعد أن صلّي عليه، تباعد عنه وصلّي ركعتين، وإذا بالتابوت قد ارتفع فانشق السقف وغاب التابوت.

فقلت: يا ابن رسول اللَّه الساعة يأتي المأمون ويسألنا عن الرضا فماذا نقول؟

فقال: اسكت يا أبا الصلت، سيعود، إنه ما من نبي في شرق الأرض يموت ووصيّه في غربها إلّا جمع اللَّه بين روحيهما.

فما تم الحديث حتي عاد التابوت، فقال: فاستخرج الرضا عليه السلام من التابوت ووضعه علي فراشه كأنه لم يكفن ولم يغسل، ثم قال: افتح الباب للمأمون، ففتحت الباب، وإذا أنا بالمأمون والغلمان علي الباب، فدخل باكياً حزيناً قد شق جيبه ولطم رأسه، وهو يقول: واسيداه، ثم جلس عند رأسه، وقال: خذوا في تجهيزه، وأمر بحفر القبر، فظهر جميع ما ذكر الرضا عليه السلام.

فقلت: أمرني أن أحفر له سبع مرّات، وأن أشق ضريحه، قال: فافعل، ثم ظهر الماء والحيتان، فقال

المأمون: لم يزل الرضا عليه السلام يرينا عجائبه في حياته حتي أرانا بعد وفاته.

فقال له وزيره الذي كان معه: أتدري ما أخبرك به؟

قال: لا.

قال: أخبرك أن ملككم يا بني العباس مع كثرتكم وطول مدّتكم مثل هذه الحيتان، حتي إذا انقضت دولتكم وولّت أيامكم سلّط عليكم رجلاً فأفناكم عن آخركم.

فقال له المأمون: صدقت، ثم دفن الرضا عليه السلام ومضي [308].

في أسرار أبي جعفر محمد بن علي الجواد النور المضي ء

فمن ذلك ما روي عنه أنه جي ء به إلي مسجد رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم بعد موت أبيه الرضا وهو طفل، فجاء إلي المنبر ورقي منه درجة، ثم نطق فقال: أنا محمد بن علي الرضا أنا الجواد، أنا العالم بأنساب الناس في الأصلاب، أنا أعلم بسرايركم وظواهركم، وما أنتم صائرون إليه، علم منحنا به من قبل خلق الخلق أجمعين، وبعد فناء السَّموَات والأرضين، ولولا تظاهر أهل الباطل ودولة أهل الضلال، ووثوب أهل الشك، لقلت قولاً يعجب منه الأوّلون والآخرون، ثم وضع يده الشريفة علي فيه وقال: يا محمد اصمت كما صمت آباؤك من قبل [309].

ومن ذلك ما رواه أبو جعفر الهاشمي قال: كنت عند أبي جعفر الثاني ببغداد فدخل عليه ياسر الخادم يوماً وقال: يا سيّدنا إن سيدتنا أم جعفر تستأذنك أن تصير إليها.

فقال للخادم: ارجع فإني في الأثر، ثم قام وركب البغلة وأقبل حتي قدم الباب، فخرجت أم جعفر أخت المأمون فسلّمت عليه وسألته الدخول علي أم الفضل بنت المأمون، وقالت: يا سيدي أحب أن أراك مع ابنتي في موضع واحد فتقر عيني، قال: فدخل والستور تشال بين يديه فما لبث أن خرج راجعاً وهو يقول: «فلما رأينه أكبرنه». [310].

قال: ثم جلس فخرجت أم جعفر تعثر ذيولها، فقالت: يا سيدي أنعمت

عليّ بنعمة فلم تتمّها، فقال لها: أتي أمر اللَّه فلا تستعجلوا، إنه قد حدث ما لم يحسن إعادته فارجعي إلي أُم الفضل فاستخبريها عنه، فرجعت اُمّ جعفر فأعادت عليها ما قال، فقالت: يا عمة وما أعلمه بذاك عني، ثم قالت: كيف لا أدعو علي أبي وقد زوّجني ساحراً، ثم قالت: واللَّه يا عمّة إنه لما طلع عليّ جماله حدث لي ما يحدث للنساء فضربت يدي إلي أثوابي فضممتها، فبهتت أُمّ جعفر من قولها ثم خرجت مذعورة، وقالت: يا سيدي وما حدث لها.

قال: «هو من أسرار النساء».

فقالت: ياسيدي أتعلم الغيب؟

قال: لا.

قالت: فنزل إليك الوحي؟

قال: لا.

قالت: فمن أين لك علم ما لا يعلمه إلّا اللَّه وهي؟

فقال: «وأنا أيضاً أعلمه من علم اللَّه [311].

قال: فلما رجعت اُمّ جعفر قالت له: يا سيدي وما كان إكبار النسوة؟

قال: هو ما حصل لاُمّ الفضل. فعلمت أنّه الحيض [312].

في أسرار أبي الحسن الهادي

فمن ذلك ما رواه محمد بن الحسن الحضيني [313] قال: حضر مجلس المتوكل مشعبذ [314] هندي فلعب عنده بالحقق فأعجبه، فقال له المتوكل: يا هندي الساعة يحضر مجلسنا رجل شريف فإذا حضر فالعب عنده بما يخجله، قال: فلما حضر أبو الحسن المجلس لعب الهندي فلم يلتفت إليه، فقال له: يا شريف أما يعجبك لعبي، كأنك جائع؟ ثم أشار إلي صورة مدوّرة في البساط علي شكل الرغيف وقال: يا رغيف مرَّ إلي هذا الشريف، فارتفعت الصورة فوضع أبو الحسن يده علي صورة سبع في البساط وقال: قم فخذ هذا، فصارت الصورة سبعاً، فابتلع الهندي وعاد إلي مكانه في البساط، فسقط المتوكل لوجهه، وهرب من كان قائماً [315].

ومن ذلك ما رواه محمد بن داود القمي، ومحمد الطلحي قال: حملنا مالاً من خمس ونذور، وهدايا وجواهر،

اجتمعت في قم وبلادها، وخرجنا نريد بها سيّدنا أبا الحسن الهادي عليه السلام فجاءنا رسوله في الطريق أن ارجعوا فليس هذا وقت الوصول إلينا، فرجعنا إلي قم وأحرزنا ما كان عندنا فجاءنا أمره بعد أيّام أن قد أنفذنا إليكم إبلاً غبراء فاحملوا عليها ما عندكم، وخلوا سبيلها فحملناها وأودعناها اللَّه، فلما كان من قابل قدمنا عليه، قال: انظروا إلي ما حملتم إلينا، فنظرنا فإذا المنايح كما هي [316].

في أسرار أبي محمد الحسن العسكري

فمن ذلك ما رواه علي بن عاصم الكوفي قال: دخلت علي أبي محمد العسكري عليه السلام فقال لي: يا علي بن عاصم انظر إلي ما تحت قدميك فإنّك علي بساط قد جلس عليه كثير من النبيين والمرسلين، والأئمة الراشدين.

قال: فقلت: يا سيدي لا أتنعل ما دمت في الدنيا إكراماً لهذا البساط؟

فقال: يا علي إن هذا النعل الذي في رجلك نجس ملعون [لا يقرّ بولايتنا].

قال: فقلت في نفسي: ليتني أري هذا البساط، فعلم ما في ضميري، فقال: ادن مني، فدنوت منه، فمسح يده الشريفة علي وجهي فصرت بصيراً قال: فرأيت في البساط أقداماً وصوراً.

فقال عليه السلام: هذا قدم آدم عليه السلام وموضع جلوسه، وهذا أثر هابيل، وهذا أثر شيث، وهذا أثر نوح، وهذا أثر قيدار، وهذا أثر مهلائيل، وهذا أثر دياد [317]، وهذا أثر اخنوخ، وهذا أثر إدريس، وهذا أثر توشلح [318]، وهذا أثر سام، وهذا أثر أرفخشد، وهذا أثر هود، وهذا أثر صالح، وهذا أثر لقمان، وهذا أثر إبراهيم، وهذا أثر لوط، وهذا أثر إسماعيل، وهذا أثر إلياس، وهذا أثر إسحاق، وهذا أثر يعقوب، وهذا أثر يوسف، وهذا أثر شعيب، وهذا أثر موسي، وهذا أثر يوشع بن نون، وهذا أثر طالوت، وهذا أثر داود، وهذا أثر سليمان،

وهذا أثر الخضر، وهذا أثر دانيال، وهذا أثر اليسع، وهذا أثر ذو القرنين إسكندر، وهذا أثر سابور بن أرشير [319]، وهذا أثر لؤي، وهذا أثر كلّاب، وهذا أثر قصي، وهذا أثر عدنان، وهذا أثر عبد المطلب، وهذا أثر عبداللَّه، وهذا أثر عبد مناف، وهذا أثر سيّدنا رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم، وهذا أثر أمير المؤمنين عليه السلام، وهذا أثر الأوصياء من بعده إلي المهدي عليه السلام لأنه قد وطئه وجلس عليه.

ثم قال: انظر إلي الآثار واعلم أنها آثار دين اللَّه، وأن الشاك فيهم كالشاك في اللَّه، [ومن جحدهم]كمن جحد اللَّه، ثم قال: اخفض طرفك يا علي، فرجعت محجوباً كما كنت [320].

ومن ذلك ما رواه الحسن بن حمدان عن أبي الحسن الكرخي قال: كان أبي بزازاً في الكرخ فجهّزني بقماش إلي سر من رأي فلما دخلت إليها جاءني خادم وناداني باسمي واسم أبي، وقال: أجب مولاك، فقلت: ومن مولاي حتي أُجيبه؟

فقال: ما علي الرسول إلّا البلاغ المبين! قال: فتبعته فجاء بي إلي دار عظيمة البناء لا أشكّ أنّها الجنّة، وإذا رجل جالس علي بساط أخضر ونور جلاله يغشي الأبصار فقال لي: إنّ فيما حملت من القماش حبرتين إحداهما في مكان كذا، والاُخري في مكان كذا في السفط الفلاني، وفي كل واحدة منهما رقعة مكتوب فيها ثمنها وربحها، وثمن إحداهما ثلاثة وعشرون ديناراً والربح ديناران، وثمن الأخري ثلاثة عشر ديناراً، والربح كالأولي، فاذهب فأت بهما.

قال الرجل: فرجعت فجئت بهما إليه فوضعتهما بين يديه فقال لي: اجلس فجلست لا أستطيع النظر إليه إجلالاً لهيبته، قال: فمد يده إلي طرف البساط وليس هناك شي ء فقبض قبضة، وقال: هذا ثمن حبرتيك وربحهما، قال: فخرجت وعددتُ المال

في الباب فكان المشتري والربح كما كتب أبي لا يزيد ولا ينقص [321].

في أسرار أبي صالح المهدي محمد بن الحسن

فمن ذلك ما رواه الحسن بن حمدان عن حليمة [322] بنت محمد بن علي الجواد قالت: كان مولد القائم ليلة النصف من شعبان سنة خمس و سبعين [323] واُمّه نرجس بنت ملك الروم فقالت حليمة: فلما وضعته سجد، وإذا علي عضده [324] مكتوب بالنور: جاء الحق وزهق الباطل، قال: فجئت به إلي الحسن عليه السلام فمسح يده الشريفة علي وجهه وقال: تكلّم يا حجّة اللَّه وبقية الأنبياء، وخاتم الأوصياء، وصاحب الكرة البيضاء، والمصباح من البحر العميق الشديد الضياء، تكلّم يا خليفة الأتقياء، ونور الأوصياء.

فقال: أشهد أن لا إله إلّا اللَّه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وأشهد أن علياً ولي اللَّه، ثم عدَّ الأوصياء، فقال له الحسن عليه السلام: اقرأ ما نزل علي الأنبياء، فابتدأ بصحف إبراهيم فقرأها بالسريانية، ثم قرأ كتاب نوح وإدريس، وكتاب صالح، وتوراة موسي، وإنجيل عيسي، وفرقان محمد صلّي اللَّه عليه وعليهم أجمعين، ثم قص قصص الأنبياء إلي عهده عليه السلام [325].

هذا بقيّة اللَّه في خلقه، ووجه اللَّه في عباده، ووديعته المستحفظة، وكلمته الباقية، وهذا بقية أغصان شجرة طوبي، هذا القاف، وسدرة المنتهي، هذا ريحان جنّة المأوي، هذا خليفة الأبرار، هذا بقيّة الأطهار، هذا خازن الأسرار، هذا منتهي الأدوار، هذا ابن التسمية البيضاء، والوحدانية الكبري، وحجاب اللَّه الأعظم الأعلي، هذا السبب المتصل من الأرض إلي السماء، هذا الوجه الذي يتوجّه إليه الأولياء هذا الولي الذي بيمنه رزق الوري وببقائه بقيت الدنيا، وبوجوده ثبتت الأرض والسماء، هذا الحجة من الحجج، هذا نسخة الوجود والموجود، هذا غوث المؤمنين، وخاتم الوصيين وبقية النبيين، ومستودع علم الأوّلين والآخرين، هذا خاتم الألقاب الذاتية، والأشخاص

المحمدية، والعترة الهاشمية، هذا البقيّة من النور القويم، والنبأ العظيم، والصراط المستقيم، خلفاء النبي الكريم، وأبناء الرؤوف الرحيم، وأمناء العلي العظيم، ذرية بعضها من بعض، واللَّه سميع عليم.

هم خلفاء أحمد والنقباء الحكماء

أئمة اثنا عشر أشرف من تحت السماء

تعمي العيون عنهم وهم جلاء للعماء

هذا الخليفة الوارث لأسرة النبوّة والإمامة، والخلافة والولاية، والسلطنة [326]، والعصمة والحكمة، هذا الخلف من الآيات الباهرات، والنجوم الزاهرات، الذين لهم الحكم علي الموجودات، والتصرّف في الكائنات، والاطلاع علي الغيوب، والعلم بما في الضمائر والقلوب، والإحاطة بالمخلوقات والشهادة لسائر البريات، شهد لهم بذلك الذكر المبين [327]، بأنهم سادة الأوّلين والآخرين، والولاة علي السَّموَات والأرضين، وإن الذي وصل إلي الأنبياء قطرة من بحرهم، ولمعة من نورهم، وذرّة من سرّهم، وذلك لأن الذي كان عند الأنبياء من الاسم الأعظم حرفان لا غير، وكانوا يفعلون بهما العجائب، وعند آل محمد سبعون حرفاً، وعندهم ما عند الأنبياء أيضاً مضاف إليه، فالكل منهم وعنهم، وإليه الإشارة بقوله حكاية عن موسي عليه السلام: «وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْ ءٍ» [328] ومن هنا للتبعيض، وقال حكاية عن عيسي عليه السلام: «لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ» [329]، وقال حكاية عن خاتم النبيّين: «وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْ ءٍ» [330]، وقوله: «مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْ ءٍ» [331]، فهم اللوح الحاوي لكل شي ء، والكتاب المبين الجامع لكل شي ء، لأن كل ما سطر في اللوح صار إليهم، دليله قوله: «وَكُلَّ شَيْ ءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ» [332] والإمام المبين هو اللوح المحفوظ [333] المتقدّم في الوجود علي سائر الموجودات، وسمّاه الإمام لأنه فوق الكل وإمام الكل، دليله قوله: «أوّل ما خلق اللَّه اللوح المحفوظ» [334] ونور محمد متقدّم في علم الغيب علي الكل

وعدل علي الكل، وعنه بدأ الكل ولأجله خلق الكل، فاللوح المحفوظ هو الإمام، وإليه الإشارة بقوله: «وَكُلَّ شَيْ ءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ» فالكتاب المبين هو الإمام، وإمام الحق علي، فعلي هو الكتاب المبين، وإليه الإشارة بما روي عن محمد الباقر عليه السلام أنّه لما نزلت هذه الآية قام رجلان فقالا: يا رسول اللَّه مَن الكتاب المبين أهو التوراة؟

قال: لا. قالا: فهو الإنجيل؟

قال: لا. قالا: فهو القرآن؟

قال: لا. فأقبل أمير المؤمنين عليه السلام فقال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم: هذا هو الإمام المبين الذي أحصي اللَّه فيه علم كلّ شي ء [335].

وإن كبر عليك انّه هو الكتاب المبين، فعنده علم الكتاب وإليه الإشارة بقوله: «وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ» [336] فعلي الوجهين عنده علم الغيب من غير ريب.

أقول: يؤيّد هذا ما رواه ابن عباس من كتاب المقامات قال: أنزل اللَّه علي نبيّه كتاباً من قبل أن يأتيه الموت عليه خواتيم من ذهب، فقال له: ادفعه إلي النجيب من أهلك علي بن أبي طالب عليه السلام ومُرْهُ أن يفك خاتماً منه ويعمل بما فيه، ففك منه خاتماً وعمل بما فيه، ثم دفعه إلي الحسن عليه السلام ففك خاتماً منه وعمل بما فيه ثم دفعه إلي الحسين عليه السلام ففك خاتماً منه فوجد فيه: اخرج بقومك إلي الشهادة، واشتر نفسك للَّه، ثم دفعه إلي علي ابنه عليه السلام فوجد فيه: اصمت والزم بيتك واعبد ربّك حتي يأتيك اليقين، ففعل ثم دفعه إلي محمد ابنه عليه السلام ففك خاتماً فوجد فيه: حدّث الناس وافتهم، ولا تخافنّ إلّا اللَّه فلا سبيل لأحد عليك، ففعل، ثم دفعه إلي ابنه جعفر ففك خاتماً فوجد فيه: حدّث الناس وافتهم وانشر علوم

آبائك وصدق أهل بيتك، ولا تخافنّ أحداً إلّا اللَّه هكذا حتي مضي، ثم صار إلي القائم عليه السلام [337].

يشهد بصحّة هذا الإيراد حديث اللوح الذي رواه جابر عن الزهراء عليهاالسلام وهو لوح أهداه اللَّه إلي رسوله فيه اسمه واسم الخلفاء من بعده نسخته: «بسم اللَّه الرحمن الرحيم» هذا كتاب من اللَّه العزيز الحكيم إلي محمد نبيّه وسفيره نزل به الروح الأمين من رب العالمين، عظّم يا محمد أمري، واشكر نعمائي، إنّني أنا اللَّه لا إله إلّا أنا فمن رجا غير فضلي، وخاف غير عدلي، عذّبته عذاباً أليماً، فإيّاي فاعبد، وعليّ فتوكل، إنني لم أبعث نبيّاً قط فأكملت أيّامه إلّا جعلت له وصيّاً وإني فضلتك علي الأنبياء وجعلت لك علياً وصيّاً، وكرمتك بشبليك وسبطيك حسن وحسين، وجعلت حسناً معدن وحيي بعد أبيه، وجعلت حسيناً خازن وحيي وأكرمته بالشهادة، وأعطيته مواريث الأنبياء فهو سيّد الشهداء، وجعلت كلمتي الباقية في عقبه أخرج منه تسعة أبرار هداة أطهار منهم سيّد العابدين وزين أوليائي، ثم ابنه محمد شبيه جدّه المحمود الباقر لعلمي، هلك المرتابون في جعفر، الراد عليه كالراد عليّ، حق القول منّي أن أهيج بعده فتنة عمياء، من جحد ولياً من أوليائي فقد جحد نعمتي، ومن غيّر آية من كتابي فقد افتري عليّ، ويل للجاحدين فضل موسي عبدي وحبيبي، وعلي ابنه وليي وناصري، ومن أضع عليه أعباء النبوّة يقتله عفريت مريد، حق القول منّي لأقرنّ عينه بمحمد ابنه موضع سرّي، ومعدن علمي، وأختم بالسعادة لابنه علي الشاهد علي خلقي، أخرج منه خازن علمي الحسن الداعي إلي سبيلي، وأكمل ديني بابنه زكي العالمين عليه كمال موسي، وبهاء عيسي، وصبر أيوب، يُذلّ أولياؤه في غيبته ويتهادون برؤوسهم إلي الترك والديلم، ويصبغ

الأرض بدمائهم ويكونون خائفين أولئك أوليائي حقّاً، بكم أكشف الزلازل والبلاء، «أُوْلئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وأُوْلئِكَ هُمُ المُهْتَدُون» [338].

آيات في فضل آل محمد عليهم السلام

ما نزل فيهم من آي الذكر الحكيم

فهؤلاء سادة الأنام، ومصابيح الظلام، وكعبة الاعتصام، وذروة الاحتشام، وأُمناء الملك العلّام، الذين اصطفاهم للخطاب وارتضاهم لميراث الحكمة والكتاب، وإليهم الإشارة بقوله: «ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا» [339] فهم السادة الأبرار والمصطفون الأخيار، الذين وصفهم بالطهارة والعصمة في الكتاب، فقال: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً» [340] فهم الذرية الفاخرة، وسادة الدنيا والآخرة، الذين دلّ الكتاب علي أنهم الهداة المهديون.

فقال في وصفهم ربّ العالمين: «أُوْلئِكَ الَّذِينَ هَدَي اللَّهُ فَبِهُدَاهُمْ اقْتَدِهِ» [341] ثم شهد الرسول بأنهم سفينة النجاة، فقال وقوله الحق صلي الله عليه و آله و سلم: «أهل بيتي كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تأخّر عنها ضلَّ وغوي» [342].

ثم أبان لنا ربّ الأرباب، أنهم ورثة الحكمة والكتاب، فقال: «وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ» [343]، فهم الذرية الطاهرون، والعترة المعصومون.

ثم صرح الذكر المبين أنهم ولاة يوم الدين، فقال: «إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ -ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ» [344]، فإليهم الإياب، وعليهم الحساب، يوم الحساب أنتم أعلم أن حكم يوم المعاد إليهم، وحساب العباد عليهم، فقال: «وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ» [345] فالشهيد محمد النبي، والسائق علي الولي.

ثم أبان للخلق عددهم ونبأهم فقال: «وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَي عَشَرَ نَقِيباً» [346] فمنهم السادة النقباء، والأسباط الأوصياء، ثم خصّهم بالشرف والفخار، وحصر فيهم العلم والافتخار، فقال: «وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ» [347] فآباؤهم محمد وعلي وفاطمة، وإخوانهم الحسن والحسين، وذرياتهم الخلفاء من عترة الحسين إلي آخر الدهر عليهم السلام.

ثم قال: «واجتبيناهم» فتعيّن شرفهم

وفضلهم ووجب اتباعهم، وانقطاع الكل عن مرتبتهم ونزول الخلائق عن رفعتهم.

ثم أكد ذلك وعيّنه، وأشاع فضلهم وبيّنه، وأن الإمامة لا تكون إلّا في المعصوم البري ء من السيئات، المطهَّر من الخطيئات، وأخرج من سواهم من دائرة الشرف والحكم، وأشار إلي ذلك رمزاً، فقال لنوح إذ قال: «رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي» - «إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ» [348]، ثم بيّن لعباده أنّهم أئمة الحق، وأوضح لهم أنهم الداعون إلي الصدق، وأن من تبع غيرهم ضلّ وزلّ، فقال: «أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَي الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَي فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ» [349].

ثم توعّد عباده وخوّفهم أن يتبعوا غيرهم فقال: «اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ» [350] والصدق فيهم ومنهم.

ثم أمر عباده أن يدينوه بطاعتهم، فقال: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً» [351] فجعل ولايتهم السلم والسلام.

ثم بيّن في الآيات أنه اصطفاهم علي الخلائق، وارتضاهم للغيب والحقائق، فقال: «إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَي آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَي الْعَالَمِينَ» [352].

ثم بيّن أنهم بنعم اللَّه محسودون، وعلي فضل اللَّه محسودون، فقال: «أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَي مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً» [353]، والملك العظيم هو وجوب الطاعة علي سائر العباد.

ثم أوجب علي العباد طاعتهم بالتصريح فقال: «أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ» [354] يعني الذين قرنهم بالكتاب والرسول.

ثم نهي عباده أن يتفرّقوا عنهم فقال: «وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ» [355] يعني علياً وعترته، ثم قال: «وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ- يعني غيرهم - فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ» - يعني: فتضل بكم عن سبيله، فجعلهم سبيله الهادي إليه، وطريقه الدال عليه.

ثم جعل من مال عنهم

تابعاً للشيطان، ومخالفاً للقرآن، وعاصياً للرحمن، فقال: «ولا تتبعوا الشيطان» وهي طريق أعدائهم.

ثم بيّن أن من اتبعهم نال الرضوان، وفاز بالغفران، ونجا من النيران، فقال: «وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ» [356] ومعناه قفوا عند علي وعترته فهم الباب وتمسكوا بحبّهم تأمنوا العذاب، واتبعوا سبيله فهو أم الكتاب؛ واعلموا أن علياً مولاكم يغفر لكم خطاياكم.

ثم عدد مقاماتهم في الكتاب وعينهم بالخص والنص؛ فقال: «وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ» [357] يعني رهطك المصطفين.

ثم خصّهم بجوامع الشرف والتفضيل والتطهير، وهذا هو الفضل الذي لا يجحد والشرف الذي لا يحد.

ثم باهل بهم الأعداء فجعلهم علي إثبات دينه شهداء، وعلي نبوّة نبيّه أدلاء، فقال: «فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ» [358].

ثم خصهم بالمقام الخاص، وجعلهم قنطرة الإخلاص، ونهج النجاة والخلاص، فقال: «وَآتِ ذَا الْقُرْبَي حَقَّهُ» [359] وهي خصوصية خص بها الربّ الكريم فاطمة الزهراء بضعة الرؤوف الرحيم.

ثم أوجب محبتهم علي العباد، وجعلهم الذخر يوم المعاد، فقال: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَي» [360].

ثم ذكر قصة نوح فقال: «ومَا أَسْأَلُكُمْ من أَجْر» [361] وقال، عن هود: «يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً» [362]، وقال لمحمد صلي الله عليه و آله و سلم: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَي» فلم يفرض لهم المودة إلّا لأنّهم نجوم الولاية، وشموس الهداية، لم يرتدوا عن الملة، ولم يفارقوا الكتاب والسنّة، لا بل هم الكتاب والسنّة، ففرض مودّتهم وطاعتهم، فمن أخذ بها وجب علي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم أن يحبّه لأنّه علي منهاجه، ومن لم يأخذ بها وجب علي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم أن يبغضه لأنّه

ضيّع فريضة أمره اللَّه والرسول بها، لا بل هي رأس الفرض وتمام كل سنّة وفرض، فأي شرف يعلو علي هذا المقام.

ثم إنّ اللَّه لم يبعث نبيّاً إلّا وأمره أن لا يسأل أمّته أجراً علي نبوّته، بل اللَّه يوفيه أجره، وفرض لمحمد صلي الله عليه و آله و سلم مودة أهل بيته عليهم السلام، وأمره أن يبيّن فضلهم، فمن أخذ بهذه المودّة فهو مؤمن مخلص قد وجبت له الجنة، ثم قرن ذكر محمد بذكره في الصلاة وقرن ذكرهم بذكر نبيّه فدلَّ بذاك علي رفيع شرفهم، وبيّن ذلك الصادق الأمين من قوله: اللّهمّ صلِّ علي محمد وآل محمّد صلي الله عليه و آله و سلم، كما صلّيت علي إبراهيم وآل إبراهيم انّك حميد مجيد [363].

ثم أعطاهم من الفضل ما لم يبلغ أحد وصفه، فسلم علي الأكثر من رسله، ولم يسلم علي آلِهم فقال: «سَلَامٌ عَلَي نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ» [364]، ثم قال: «سَلَامٌ عَلَي إِبْرَاهِيمَ» [365] ثم قال: «سَلَامٌ عَلَي مُوسَي وَهَارُونَ» [366]، ثم سلام علي آل محمد صلي الله عليه و آله و سلم، فقال: «سَلَامٌ عَلَي إِلْ يَاسِينَ» [367] وياسين اسم محمد بلغة طي.

ثم أنزل في كتابه ما فرق به بين الآل والأمة، فقال: «وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ للَّهِِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَي» [368] فرضي لهم ما رضي لنفسه فبدأ لنفسه ثم بدأ برسوله، ثم بآل رسوله فجعل لنفسه نصيباً، ثم للنبي ثم لآله ثم قرّبهم إليه في الطاعة فقال: «أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ» [369] فبدأ بنفسه ثم برسوله المخبر عنه ثم بالهداة المهتدين من عترته، ثم أكّد لهم الولاية فقال: «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا» [370] فجعل ولايتهم مع

ولاية الرسول مقرونة بولايته، كما جعل سهمهم مع سهم الرسول مقروناً لسهمه في القسمة «الغنيمة خ ل» فسبحان من فضلهم ورفعهم واختارهم علي العالمين.

الفرق بين الآن و الأصحاب

ثم إنه لمّا أُنزلت آية الصدقة نزّه نفسه ورسوله ونزّه أهل بيته، فقال: «إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ» [371] إلي آخر الآية، فلم يجعل له سهماً ولا لرسوله ولا لآل رسوله من الصدقات، لأنّها من أوساخ الناس، وهم مطهّرون من الأدناس، فهم الآل الذين أمر اللَّه بطاعتهم، وذوو القربي الذين أمر اللَّه بمودّتهم وصلتهم، والموالي الذين أمر اللَّه بطاعتهم ومعرفتهم، وأهل الذكر الذين أمر اللَّه بمسألتهم، ورضي لهم ما رضي لنفسه، ونزّههم عمّا نزّه عنه نفسه، وجعلهم آل الرسول خاصة فقال: «قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً رَسُولاً» [372].

فهم آل الرسول وعترته، وأهل اللَّه وخاصّته، ومعهد التنزيل ونهايته، وسدنة الوحي وخزنته، كما قال أبو الحسن الرضا عليه السلام في مشاجرته: أيحل لرسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم لو كان حيّاً أن يتزوّج إليك؟ فقال المأمون: نعم.

فقال الرضا عليه السلام: لكنّه لا يحل له أن يتزوّج إليّ.

فقال المأمون: نعم. لأنك ابنه.

وهذا هو الفرق ما بين الآل والأصحاب، لأن المأمون كان يزعم أن آل رسول اللَّه أصحابه واُمّته، فأبان لهم الإمام من آله وأصحابه.

ثم إنه قال له سبحانه في لفظ التخصيص: «وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ» [373] فلفظ الأمر هنا خاص ومعناه عام، لأنه أدخله مع الاُمّة لعموم الأمر، وميّزهم عنهم بتخصيص لفظ الأهل، فكان رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم بعد نزول هذه الآية يأتي إلي باب الزهراء عليهاالسلام فيقف هناك ويقول: الصلاة يا آل محمّد الصلاة [374].

فصل [375].

العدد 12

وهم 12 سبطاً خير أسباط المرسلين، و12 نقيباً، و12 نجماً، بعدد البروج والشهور والأيام، ولكل إمام منهم 12 حرفاً وهو سر من أسرار الولاية، وهو هذا مع التوحيد والنبوّة لا إله إلّا اللَّه 12، محمد

رسول اللَّه 12، النبي المصطفي 12، الصادق الأمين 12، علي باب الهدي 12، أمين اللَّه حقاً 12، أمير المؤمنين 12، فاطمة أمة اللَّه 12، البتول الزهراء 12، وارثة النبيين 12، الإمام الثاني 12، الحسن المجتبي 12، وارث المرسلين 12، الإمام الثالث 12، الحسين بن علي 12، خليفة النبيين 12، والد الوصيين 12، الإمام الرابع 12، الإمام السجّاد 12، علي بن الحسين 12، وارث المرسلين 12، سيّد العابدين 12، الإمام الخامس 12، الإمام الباقر 12، هو محمد بن علي 12، إمام المؤمنين 12، الإمام السادس 12، الإمام الصادق 12، هو جعفر بن محمد 12، قدوة الصدِّيقين 12، الإمام السابع 12، الإمام الكاظم 12، هو موسي بن جعفر 12، خليفة النبيين 12، الإمام الثامن 12، الإمام الرضا 12، هو علي بن موسي 12، إمام المؤمنين 12، الإمام التاسع 12، الإمام الجواد 12، هو محمد بن علي 12، نجل المنتجبين 12، الإمام العاشر 12، الإمام الهادي 12، هو علي بن محمد 12، وارث الوصيين 12، الإمام الحادي عشر 12، الحسن العسكري 12، إمام المسلمين 12، الإمام الخاتم 12، القائم المهدي 12، محمد بن الحسن 12، خليفة النبيين 12، خاتم الوصيين 12، هؤلاء العترة 12، الغرّ الميامين 12، بنو عبد المطلب 12، سادة أهل الجنة 12، محبّهم مؤمن تقي 12، في الجنة مخلد 12، عدوّهم كافر شقي 12، في النار مؤبد 12، اللهمّ صلِّ عليهم 12، بأفضل صلواتك 12، ياربّ العالمين.

الاستدلال علي ما ورد في الفصل السابق

وبرهان ما هديت إليه، ودللت عليه، أن جميع الكلام إذا رُدَّ إلي الأصل كان منحصراً في أربع كلمات، وهي: لا إله إلّا اللَّه محمد رسول اللَّه، والإسلام والإيمان مبني عليهما وكل واحدة من هذه الكلمات 12 حرفاً، والإمام

رأس الإيمان، وزمام الإسلام، فوجب أن يكون القائم بها 12 إماماً، وإليه الإشارة بقوله: «وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَي عَشَرَ نَقِيباً» [376] وقوله: «وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَي عَشْرَةَ أَسْبَاطاً أُمَماً» [377] فجعل القائم بأمره من النقباء الأولياء، والأسباط الأوصياء 12، الثالث أنه جعل مصالح العالم في الليل والنهار في 12 ساعة، الرابع أنه جعل الشمس والقمر آيتين يهتدي بهما وسيرهما بالتقدير والتسخير في 12 برجاً، وجعل شهور السنة 12 شهراً، فانظر بعين الاعتبار إلي هذه الأدوار كيف جرت بهذه الأسرار، بمشيئة الجبار، ذلك تقدير العزيز العليم.

في فضل علي و مقامه

فيا أيّها المرتاب في فضل داحي الباب، وأمّ الكتاب وحاكم يوم الحساب، وولي النعيم والعذاب، يوم المآب، مؤمن حبّه النجاة من العقاب، وعترته الهداة الأنجاب، أليس هو الرجل الذي قال في حقّه النبي صلي الله عليه و آله و سلم وقوله الحق: «من أراد أن ينظر إلي إسرافيل في رفعته، وإلي ميكائيل في درجته، وإلي جبرائيل في عظمته، وإلي آدم في هيبته، وإلي نوح في صبره ودعوته، وإلي إبراهيم في سخاوته، وإلي موسي في شجاعته، وإلي عيسي في سماحته، وإلي محمد في شرفه ومنزلته، فلينظر إلي علي بن أبي طالب عليه السلام» [378] وهذا تنبيه ورمز إلي أنه الاسم الأعظم الجاري في كل شي ء، وأنّ كل شي ء خلقه اللَّه فإنّ علياً مولاه ومعناه، لأنه كلمة واجب الوجود والنور المشرق في سماء الوجود والموجود، فكل رفعة وإن علت - فانّها تحت درجته، وكل منزلة - وإن علت - فهي دون منزلته، وتحت رتبته، فمقام الأملاك في صوامع الأفلاك، دون منزلته وتحت رتبته، ومقام ونور الكواكب والأقمار من إشراق شمس عظمته، فهو العلي العظيم، ولي العلي العظيم، فهو عماد الأولياء، ودعوة الأنبياء.

فرفعة إسرافيل، وعظمة جبرائيل،

وهيبة آدم، وكرم الخليل، وشجاعة موسي وسماحة عيسي، وحكمة داود، وملك سليمان، ذرّة من فخره وقطرة من بحره، وكيف لا يكون كذلك؟ وهو العلّة في وجودهم، وسرّ موجودهم، فلولاه ما دار فلك، ولا سبّح للَّه ملك، فالنظر إليه عبادة، والوقوف معه عبادة، والموت علي حبّه شهادة، وموالاته سعادة، وهو الذي قال في حقّه الرسول يوم خيبر: «لو لم أخف أن تقول أُمّتي فيك ما قالت النصاري في المسيح ابن مريم لقلت اليوم فيك حديثاً» [379] فلو قال لدعوه ربّاً، لكنّهم دعوه رباً، وما قال، وذاك لعظيم الخصال ولما قال الرسول ما قال، قال المنافقون: ما باله يرفع خساسة ابن عمّه يريد أن يجعله ربّاً فكفروا فيه بمقالة الرسول، والمنكر الآن لفضل ولي الرحمن لا فرق بينه وبين فلان وفلان.

القوة التي قلع بها باب خيبر

وفي ذلك اليوم لمّا جاءت صفية إلي الرسول صلي الله عليه و آله و سلم وكانت أحسن الناس وجهاً فرأي في وجهها شجة، فقال: ما هذه وأنت ابنة الملوك؟ فقالت: إنّ علياً لمّا قدم الحصن هزّ الباب فاهتزّ الحصن، وسقط من كان عليه من النظارة وارتجف بي السرير، فسقطت لوجهي فشجّني جانب السرير، فقال لها رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم: يا صفية إن علياً عظيم عند اللَّه، وإنه لما هزّ الباب اهتز الحصن واهتزّت السَّموَات السبع، والأرضون السبع، واهتز عرش الرحمن غضباً لعلي، وفي ذلك اليوم لمّا سأله عمر فقال: يا أبا الحسن لقد اقتلعت منيعاً ولك ثلاثة أيام خميصاً، فهل قلعتها بقوّة بشرية؟ فقال: ما قلعتها بقوّة بشرية، ولكن قلعتها بقوّة إلهية، ونفس بلقاء ربّها مطمئنة رضية [380].

لافتي إلا علي لا سيف إلا ذي الفقار

وفي ذلك اليوم لما شطر مرحب شطرين، وألقاه مجندلاً جاءه جبرائيل باسماً متعجّباً فقال له النبي صلي الله عليه و آله و سلم: ممَ تعجّبك؟ فقال: إنّ الملائكة تنادي في صوامع وجوامع السَّموَات: «لا فتي إلّا علي ولا سيف إلّا ذو الفقار»، وأما إعجابي فإنّي لما اُمرت أن أدمّر قوم لوط حملت مدائنهم وهي سبع مدائن من الأرض السابعة السفلي إلي الأرض السابعة العليا، علي ريشة من جناحي، ورفعتها حتي سمع حملة العرش صياح ديكهم، وبكاء أطفالهم، ووقفت بها إلي الصبح أنتظر الأمر ولم أنتقل بها، واليوم لما ضرب علي ضربته الهاشمية وكنت أُمرت أن أقبض فاضل سيفه حتي لا يشق الأرض فيصل الثور الحامل لها يشطره شطرين، فتنقلب الأرض بأهلها فكان فاضل سيفه عليَّ أثقل من مدائن لوط، هذا وإسرافيل وميكائيل قد قبضا عضده في الهواء!! [381].

أقول: استعظم الجاهل هذا الحديث، فاضل

سيف علي أثقل من مدائن لوط علي يد جبرائيل هذا وإسرافيل وميكائيل قد قبضا عضده في الهواء هو غلوّ.

فقلت: يا بعيد الفكرة وجامد الفطرة، جبرائيل وميكائيل وإسرافيل خَلْقُ اللَّه خُلقوا من شعاع نور محمد وعلي، ومحمد وعلي خُلقا من جلال ذي الجلال، فهم صفة اللَّه وكلمة اللَّه وأمر اللَّه، وخلق اللَّه، ولهذا قال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم: لو كانت البحار مداداً والغياض أقلاماً، والسَّموَات صحفاً، والجن والإنس كتّاباً، لنفد المداد وكلت الثقلان، أن يكتبوا معشار عشر فضايل إمام يوم الغدير [382]، وكيف يكتبون وأنّي يهتدون؟

ولقد شهد لهذا الحديث النبوي الكتاب الإلهي من قوله: «قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً» [383]، وأكبر كلمات اللَّه علي، وإليه الإشارة بقوله صلوات اللَّه عليه: «أنا كلمة اللَّه الكبري» [384] فله الفضل الذي لا يعدّ، والمناقب التي ليس لها حدّ، ولقد أنصف الشافعي محمد بن إدريس إذ قيل له: ما تقول في علي؟ فقال: وماذا أقول في رجل أخفي أولياؤه فضائله خوفاً، وأخفي أعداؤه فضائله حسداً، وشاع له بين ذين ما ملأ الخافقين [385]، فأحببت أن أنظم هذا الحديث شعراً فقلت:

روي فضله الحساد من عظم شأنه

وأكبر فضل راح يرويه حاسد

محبّوه أخفوا فضله خيفة العدي

وأخفاه بعضاً حاسد ومعاند

وشاعت له من بين ذين مناقب

تجل بأن تحصي وإن عدّ قاصد

إمام له في جبهة المجد أنجم

علت فعلت أن يدن هاتيك راصد

لها فوق مرفوع السماك منابر

وفي عنق الجوزاء منها قلائد

مناقب إن جلت جلت كل كربة

وطابت فطابت من شذاها المشاهد

فتي تاه فيه الخلق طرّاً فعابد

له ومقر بالولاء وجاحد

إمام مبين كل فضل له حوي

بمدحته التنزيل والذكر شاهد [386].

فكل مبالغ في

فضله إلّا الغلو فهو معتذر، وكل مطنب ومطرب في مدحه فهو مختصر، وإلي هذا المعني أشار العارف الخليعي رضي الله عنه فقال:

سارت بأنوار علمك السير

وحدثت عن جلالك السور

والواصفون المحدثون غلوا

وبالغوا في علاك واعتذروا

فضل الدفن في النجف

وكيف لا يعتذرون وأنّي يبصرون، وقد روي الأصبغ بن نباتة أن أمير المؤمنين عليه السلام كان يجلس للناس في نجف الكوفة فقال يوماً لمن حوله: من يري ما أري؟.

فقالوا: وما تري يا عين اللَّه الناظرة في عباده؟

فقال: أري بعيراً يحمل جنازة، ورجلاً يسوقه ورجلاً يقوده، وسيأتيكم بعد ثلاث، فلمّا كان اليوم الثالث قدم البعير والجنازة مشدودة عليه، والرجلان معه، فسلّما علي الجماعة، فقال لهم أمير المؤمنين عليه السلام بعد أن حيّاهم: من أنتم ومن أين أقبلتم وما هذه الجنازة ولماذا قدمتم؟.

فقالا: نحن من اليمن، وأما الميّت فأبونا، وإنه عند الموت أوصي إلينا، فقال: إذا غسلتموني، وكفنتموني، وصلّيتم عليّ فاحملوني علي بعيري هذا إلي العراق، وادفنوني بنجف الكوفة، فقال لهما أمير المؤمنين: هل سألتماه لماذا؟ فقالا: أجل قد سألناه، فقال: يدفن هناك رجل لو شفع في يوم العرض في أهل الموقف لشفع، فقام أمير المؤمنين عليه السلام وقال: صدق، أنا واللَّه ذاك الرجل [387].

ان عليا لا يعرفه إلا الله و رسوله

وكيف يعرف الناس عليّاً ويحيطون به خبراً وذلك باب قد سدّ النبي طريق الوصول إليه، فقال وقوله الحق: «ما عرفك إلّا اللَّه وأنا، وما عرفني إلّا اللَّه وأنت، وما عرف اللَّه إلّا أنا وأنت» [388].

هذا حديث صحيح والناس مع صحّته يدعون معرفة اللَّه ورسوله، وصدق الحديث يوجب كذب دعواهم، وصدق دعواهم يوجب كذب الحديث، ولكن الحديث صادق، فدعواهم في معرفة حقيقة اللَّه ورسوله كاذبة، سبحانك ما عرفناك حق معرفتك، لأنّ حقيقة معرفة اللَّه ومعرفة حقيقة اللَّه غير معلومة للبشر، وكذا معرفة حقيقة محمد وعلي عليهماالسلام، وإليه الإشارة بقوله: «ما عرف اللَّه غير اللَّه، وما وحّد اللَّه غير محمد رسول اللَّه» [389].

وكذا حقيقة محمد وعلي ما عرفها إلّا اللَّه، وهم وقليل من أوليائهم،

ممّن وصل إلي الدرجة العليا العاشرة من الإيمان. يدل علي صحّة هذه الدعوي، والشاهد ما ورد في كتاب البشائر: أن عمر دخل علي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم في مسجده يوماً وبين يديه أمير المؤمنين فقال عمر: فمالي سألته [390] … اللَّه.

قلت: أصدقكم لهجة أبو ذر، فقال: هو كما قلت، فقال عمر: فما لي سألته عنك فقال: هو في مسجده، فقلت: ومن عنده؟

فقال: رجل لا أعرفه، وهذا علي، فقال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم: صدق أبو ذر يا عمر، هذا رجل لا يعرفه إلّا اللَّه ورسوله.

الوجوه في قوله «ما عرف الله إلا أنا و أنت»

وبيان ما أشار إليه النبي وأحال عليه أن من عرف محمداً وعلياً كمعرفة اللَّه لهم، عرف اللَّه [391] كما عرفوه، لكن الأوّل ممتنع فالثاني كذلك، مثاله من القرآن: قوله سبحانه لموسي: «لَنْ تَرَانِي - وَلَكِنِ انظُرْ إِلَي الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي» [392] فعلّق الرؤية علي استقرار الجبل، واستقرار الجبل عند تجلّي نور الكبرياء محال، فرؤية الرب الكبير المتعال بعين البصر محال. علق الممتنع علي الممتنع فامتنع الثاني لامتناع الأوّل.

فمالك أيّها المرتاب كلّما وضح الدليل ازددت ضلالاً عن السبيل، وكلّما لاح ضوء الصباح وفاح أقاح الإيضاح، زدت زكاماً، وهل هذا ضلال عن الحق وشك في عين اليقين وإمام الصدق، فإذا كان المنافق إذا تليت عليه آيات علي أبي واستكبر، والموافق إذا تليت عليه آياته أنكر واستكثر، فما الفرق إذاً بين من عمي وأبصر؟ ولقد أحسن من أشار إلي هذا المقام فقال:

أمير المؤمنين أراك لما

ذكرتك عند ذي ثقة صغي لي

وإن كررت ذكرك عند نغل

تكدر سرّه وبغي قتالي

فصرت إذا شككت بأصل امرءٍ

ذكرتك بالجميل من الخصال

فها أنا قد خبرت بك البرايا

فأنت محكّ أولاد

الحلال

وليس يطيق حمل ثناك إلّا

كريم الأصل محمود الفعال [393].

وجه آخر في معني قوله: «ما عرف اللَّه إلّا أنا وأنت»، وذاك أن العظمة التي رآها رسول اللَّه ليلة المعراج واختراقه الحجب السماوية، ووصوله إلي قاب قوسين والكلام الذي خوطب به بغير واسطة، ممّا لم ينله ملك مقرّب ولا نبي مرسل، وأن ذلك كله وصل إلي أمير المؤمنين ورآه كما رآه، وإليه الإشارة بقوله: «إنك تري ما أري وتسمع ما أسمع» [394]. فما عرف اللَّه سبحانه من جميع الخلائق بهذه المعرفة إلّا هم، وكذلك ما عرف محمداً وعلياً علي ما هم عليه إلّا اللَّه الذي أوجدهم من نور عظمته، وخصّهم بسرّه وكرامته، وجعلهم في علو المقام تحت ذاته، وفوق جميع مخلوقاته؛ ومن ذا الذي يحصي عدد أوراق الأشجار، وقطرات الأمطار، وذرّات القفار، ورشحات البحار؟!

ووجه آخر في معني قوله: ما عرف اللَّه إلّا أنا وأنت، والمراد أنه ليس بيننا وبين اللَّه واسطة من المخلوقات، بل نحن أوّل المخلوقات والخلائق، وعين الحقائق، ونحن في مقامنا اللاحق سادة العبيد، وعبيد الحق.

معرفة الإمام و حظوظ الناس من تلك المعرفة و اخبار في فضل علي

وإذا عرف الناس من معني علي العلي، إنّما شاهدوا منه ليثاً جائلاً، وهزبراً صائلاً، وعضباً قاتلاً، وبليغاً قائلاً، وحاكماً بالحق قاضياً، وغيثاً هاملاً، ونوراً كاملاً، فشهدوا صورة الجسم، وموقع الاسم، ذلك مبلغهم من العلم! وما عرفوا أنه الكلمة التي بها تمّت الأمور، ودهرت الدهور، والاسم الذي هو روح كل شي ء، والهاء التي في هوية كل موجود، وباطن كل مشهود، وإن الذي خرج إلي حملة العرش من معرفة آل محمد مع قربهم من حضرة العظمة والجلال كالقطرة من البحر، وذلك لأن ذات اللَّه تعالي غير معلومة للبشر كما مرّ، فلم يبق إلّا معرفة الصفات، والناس في معرفتها قسمان: قسم حظّهم

منها الذكر لها والتقديس بها، فجعلوها في السرّ أورادهم، ومركبهم إلي مطلبهم ومرادهم، فتجلّي عليهم نور الجمال، من سبحات الجلال، فصاروا في القميص البشرية، أشخاصاً سماوية، تخضع لهم السباع، وتذلّ لهم الضباع.

وهذا سرّ [395] تلاوة الأسماء؛ وكذلك الناس في معرفة آل محمد؛ قسم عرفوا أنهم أولياء اللَّه والوسيلة إلي عفوه ورضاه، فقدموهم في حاجتهم لديه، وتوسّلوا بهم إليه؛ وقسم عرفوا أنّهم الكلمة الكبري، والآية العظمي، لأن أقرب الصفات إلي حضرة الأحدية، جمال الوحدانية؛ لأن الواحد إما أن يكون أوّل الأعداد ومنبع الآحاد، والواحد الفاضل عن الاثنين؛ وهو الذي لا يكون زوجاً ولا فرداً؛ ذلك هو الأحد الحق.. وأما الواحد الذي هو منبع الموجودات؛ فهو الواحد المطلق [396] الذي لا يحدّ ولا يعدّ؛ ولا لأمره دفع؛ ولا لسلطانه نفاد، ولا لملكه فناء؛ وهي الكلمة التي تخضع لذكرها الموجودات؛ وتنفعل بسماعها الكائنات؛ وهي مستورة بين حرفين كن فيكون. فمن تجلّي علي مرآة نفسه بوارق سرّهم الخفي؛ واسمهم العلي خرق لهم الجدران؛ وسخرت لهم الأكوان، وكان من أولياء الرحمن، وأمن العذاب والهوان.

يؤيّد هذا المدعي ما رواه طارق بن شهاب عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: يا طارق، الإمام كلمة اللَّه وحجّة اللَّه، ووجه اللَّه ونور اللَّه، وحجاب اللَّه، وآية اللَّه، يختاره اللَّه، ويجعل فيه منه ما يشاء، ويوجب له بذلك الطاعة والأمر علي جميع خلقه، فهو وليّه في سماواته وأرضه، أخذ له بذلك العهد علي جميع عباده، فمن تقدّم عليه كفر باللَّه من فوق عرشه فهو يفعل ما يشاء، وإذا شاء اللَّه شيئاً يكتب علي عضده، وتمّت كلمة ربّك صدقاً وعدلاً، فهو الصدق والعدل، ينصب له عمود من نور من الأرض إلي السماء يري فيه أعمال العباد،

ويلبس الهيبة وعلم الضمير، ويطلع علي الغيب ويعطي التصرّف علي الإطلاق، ويري ما بين الشرق والغرب فلا يخفي عليه شي ء من عالم الملك والملكوت، ويعطي منطق الطير عند ولايته. فهذا الذي يختاره اللَّه لوحيه ويرتضيه لغيبه، يؤيّده بكلمته، ويلقنه حكمته، ويجعل قلبه مكان مشيئته، وينادي له بالسلطنة ويذعن له بالإمرة، ويحكم له بالطاعة، وذلك لان الإمامة ميراث الأنبياء، ومنزلة الأصفياء، وخلافة اللَّه وخلافة رسل اللَّه، فهي عصمة وولاية، وسلطنة وهداية، لأنّها تمام الدين، ورجح الموازين، الإمام دليل للقاصدين، ومنار للمهتدين، وسبيل للسالكين، وشمس مشرقة في قلوب العارفين. ولايته سبب النجاة، وطاعته معرفة [397] للحياة، وعدة بعد الممات، وعزّ المؤمنين وشفاعة المذنبين، ونجاة المحبّين وفوز التابعين، لأنّها رأس الإسلام وكمال الإيمان، ومعرفة الحدود والأحكام، تبين الحلال من الحرام، فهي رتبة لا ينالها إلّا من اختاره اللَّه وقدّمه، وولّاه وحكمه.

فالولاية هي حفظ الثغور، وتدبير الأمور، وهي بعدد الأيام والشهور، الإمام الماء العذب علي الظمأ، والدال علي الهدي، المطهر من الذنوب، المطلع علي الغيوب، فالإمام هو الشمس الطالعة علي العباد بالأنوار، فلا تناله الأيدي والأبصار.

- وإليه الإشارة بقوله: «وَللَّهِِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ» [398] والمؤمنون علي وعترته فالعزّة للنبي وللعترة، والنبي والعترة لا يفترقان إلي آخر الدهر -.

فهم رأس دائرة الإيمان وقطب الوجود، وسماء الجود، وشرف الموجود، وضوء شمس الشرف ونور قمره، وأصل العزّ والمجد ومبدؤه ومعناه ومبناه، فالإمام هو السراج الوهاج، والسبيل والمنهاج، والماء الثجاج، والبحر العجاج، والبدر المشرق والغدير المغدق، والمنهج الواضح المسالك، والدليل إذا عمت المهالك، والسحاب الهاطل، والغيث الهامل، والبدر الكامل، والدليل الفاضل، والسماء الظليلة، والنعمة الجليلة، والبحر الذي لا ينزف، والشرف الذي لا يوصف، والعين الغزيرة، والروضة المطيرة، والزهر الأريج، والبدر البهيج، والنير اللائح

والطيب الفائح، والعمل الصالح والمتجر الرابح، والمنهج الواضح، والطيب الرفيق، والأب الشفيق، ومفزع العباد في الدواهي، والحاكم والآمر والناهي، أمير اللَّه علي الخلائق، وأمينه علي الحقائق، حجّة اللَّه علي عباده، ومحجّته في أرضه وبلاده، مطهر من الذنوب، مبرأ من العيوب، مطلع علي العيوب، ظاهره أمر لا يملك، وباطنه غيب لا يدرك، واحد دهره، وخليفة اللَّه في نهيه وأمره، لا يوجد له مثيل، ولا يقوم له بديل.

فمن ذا ينال معرفتنا، أو ينال درجتنا، أو يدرك منزلتنا. حارت الألباب والعقول، وتاهت الأفهام فيما أقول، تصاغرت العظماء وتقاصرت العلماء، وكلت الشعراء وخرست البلغاء، ولكنت الخطباء، وعجزت الشعراء، وتواضعت الأرض والسماء، عن وصف شأن الأولياء، وهل يعرف أو يوصف، أو يعلم أو يفهم، أو يدرك أو يملك، شأن من هو نقطة الكائنات، وقطب الدائرات، وسرّ الممكنات، وشعاع جلال الكبرياء، وشرف الأرض والسماء؟

جل مقام آل محمد عن وصف الواصفين، ونعت الناعتين، وأن يقاس بهم أحد من العالمين، وكيف وهم النور الأوّل، والكلمة العليا، والتسمية البيضاء، والوحدانية الكبري، التي أعرض عنها من أدبر وتولّي، وحجاب اللَّه الأعظم الأعلي، فأين الأخيار من هذا؟ وأين العقول من هذا، ومن ذا عرف، من عرف؟ أو وصف من وصف، ظنّوا أن ذلك في غير آل محمد، كذبوا وزلّت أقدامهم، واتخذوا العجل ربّاً، والشيطان حزباً، كل ذلك بغضة لبيت الصفوة ودار العصمة، وحسداً لمعدن الرسالة والحكمة، وزين لهم الشيطان أعمالهم فتباً لهم وسحقاً، كيف اختاروا إماماً جاهلاً عابداً للأصنام جباناً يوم الزحام، والإمام يجب أن يكون عالماً لا يجهل، وشجاعاً لا ينكل، لا يعلو عليه حسب، ولا يدانيه نسب، فهو في الذروة من قريش والشرف من هاشم، والبقية من إبراهيم والنهج من النبع الكريم، والنفس من

الرسول والرضي من اللَّه، والقبول عن اللَّه، فهو شرف الأشراف، والفرع من عبد مناف، عالم بالسياسة قائم بالرياسة، مفترض الطاعة، إلي يوم الساعة، أودع اللَّه قلبه سرّه، وأنطق به لسانه، فهو معصوم موفق ليس بجبان، ولا جاهل فتركوه يا طارق، واتّبعوا أهواءهم «وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُديً مِنَ اللَّهِ» [399].

والإمام يا طارق بشر ملكي وجسد سماوي، وأمر إلهي وروح قدسي، ومقام علي ونور جلي، وسرّ خفي، فهو ملكي الذات إلهي الصفات، زائد الحسنات عالم بالمغيبات، خصاً من رب العالمين، ونصاً من الصادق الأمين، وهذا كلّه لآل محمّد صلي الله عليه و آله و سلم لا يشاركهم فيه مشارك، لأنّهم معدن التنزيل، ومعني التأويل وخاصة الرب الجليل، ومهبط الأمين جبرائيل، صفات اللَّه وصفوته، وسرّه وكلمته، شجرة النبوّة، ومعدن الفتوة، عين المقالة ومنتهي الدلالة، ومحكم الرسالة، ونور الجلالة، حبيب اللَّه ووديعته، وموضع كلمة اللَّه ومفتاح حكمته، مصابيح رحمة اللَّه وينابيع نعمته، السبيل إلي اللَّه والسلسبيل، والقسطاس المستقيم، والمنهاج القويم، والذكر الحكيم، والوجه الكريم، والنور القويم، أهل التشريف والتقويم والتقديم، والتفضيل والتعظيم، خلفاء النبي الكريم، وأبناء الرؤوف الرحيم وأمناء العلي العظيم، ذرية بعضها من بعض واللَّه سميع عليم، السناء الأعظم والطريق الأقوم. من عرفهم وأخذ عنهم، فهو منهم، وإليه الإشارة بقوله: من تبعني فإنّه منّي، خلقهم اللَّه من نور عظمته، وولاهم أمر مملكته، فهم سرّ اللَّه المخزون، وأولياؤه المقرّبون، وأمره بين الكاف والنون.

لا بل هم الكاف والنون، إلي اللَّه يدعون وعنه يقولون، وبأمره يعملون، علم الأنبياء في علمهم، وسرّ الأوصياء في سرّهم، وعزّ الأولياء في عزّهم، كالقطرة في البحر، والذرة في القفر، والسَّموَات والأرض عند الإمام منهم كيده من راحته يعرف ظاهرها من باطنها، ويعلم برّها

من فاجرها، ورطبها ويابسها، لأنّ اللَّه علم نبيّه علم ما كان وما يكون، وورث ذلك السرّ المصون، الأوصياء المنتجبون، ومن أنكر ذلك فهو شقي ملعون، وكيف يفرض اللَّه علي عباده طاعة من يحجب عنه ملكوت السماء والأرض؟ وإن الكلمة من آل محمد تنصرف إلي سبعين وجهاً».

- [قال المؤلف:] وكلما ذكر في الذكر الحكيم والكلام القديم، من آية يذكر فيها العين والوجه، واليد والجنب، فالمراد منها الولي لأنه جنب اللَّه، ووجه اللَّه، يعني حق اللَّه وعلم اللَّه، وعين اللَّه ويد اللَّه، لأنّ ظاهرهم باطن الصفات الظاهرة، وباطنهم ظاهر الصفات الباطنة، فهم ظاهر الباطن وباطن الظاهر وإليه الإشارة بقوله: «إن للَّه أعيناً وأياديَ، وأنا وأنت يا علي منها» -.

«فهم الجنب العلي والوجه الرضي، والمنهل الروي، والصراط السوي، الوسيلة إلي اللَّه، والوصلة إلي عفوه ورضاه، سرّ الواحد والأحد، فلا يقاس بهم من الخلق أحد، فهم خاصة اللَّه وخالصته، وسرّ الديان وكلمته، وباب الإيمان وكعبته، وحجّة اللَّه ومحجّته، وأعلام الهدي ورايته، وفضل اللَّه ورحمته، وعين اليقين وحقيقته، وصراط الحق وعصمته، ومبدأ الوجود وغايته، وقدرة الرب ومشيئته، وأمّ الكتاب وخاتمته، وفصل الخطاب ودلالته، وخزنة الوحي وحفظته، وأمنة الذكر وترجمته، ومعدن التنزيل ونهايته، فهم الكواكب العلوية، والأنوار العلوية المشرقة من شمس العصمة الفاطمية، في سماء العظمة المحمدية، الأغصان النبوية، النابعة في الدرجة الأحمدية، الأسرار الإلهية المودعة في الهياكل البشرية، الذرية الزكية، والعترة الهاشمية، الهادية المهدية، أولئك هم خير البرية، فهم الأئمة الطاهرون والعترة المعصومون، والذرية الأكرمين والخلفاء الراشدين، والكبراء الصديقين، والأوصياء المنتجبين، والأسباط المرضيين، والهداة المهديين، والغرّ الميامين، آل طه وياسين، وحجّة اللَّه علي الأوّلين والآخرين، اسمهم مكتوب علي الأحجار، وعلي أوراق الأشجار، وعلي أجنحة الأطيار، وعلي أبواب الجنة والنار، وعلي

العرش والأفلاك، وعلي أجنحة الأملاك، وعلي حجب الجلال، وسرادقات العزّ والجمال، وباسمهم تسبّح الأطيار، وتستغفر لشيعتهم الحيتان في لجج البحار، وإن اللَّه لم يخلق خلقاً إلّا وأخذ عليه الإقرار بالوحدانية، والولاية للذرية الزكية، والبراءة من أعدائهم، وإن العرش لم يستقر حتي كتب عليه بالنور: لا إله إلّا اللَّه محمد رسول اللَّه علي ولي اللَّه» [400].

يؤيّد هذا ما رواه الخوارزمي في مناقبه مرفوعاً إلي ابن عباس قال: قال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم: «أتاني جبرائيل فنشر جناحيه، وإذا علي أحدهما مكتوب لا إله إلّا اللَّه محمد النبي، وعلي الآخر لا إله إلّا اللَّه علي الولي، وعلي أبواب الجنّة مكتوب لا إله إلّا اللَّه محمد رسول اللَّه، علي أخوه وولي اللَّه، أخذت ولايتهم علي الذر قبل خلق السَّموَات والأرض بألفي عام» [401].

ومن ذلك ما رواه أبو بكر بن الخطيب مرفوعاً إلي ابن عباس قال: «علي أبواب الجنة مكتوب لا إله إلّا اللَّه محمد رسول اللَّه، فاطمة خيرة اللَّه، الحسن والحسين صفوة اللَّه، علي محبّهم رحمة اللَّه، وعلي مبغضهم لعنة اللَّه» [402].

ومن ذلك ما رواه محمد بن يعقوب الهاشمي عن علي بن موسي الرضا، عن أبيه موسي ابن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه أمير المؤمنين، عن محمد خاتم النبيين، عن جبرائيل الأمين، عن ميكائيل، عن إسرافيل، عن اللَّه جل جلاله، أنه قال جل من قائل: أنا اللَّه الذي لا إله إلّا أنا خلقت الخلق بقدرتي، واخترت منهم أنبياء، واصطفيت من الكل محمداً صلي الله عليه و آله و سلم، وجعلته حبيباً ورضيّاً، وبعثته إلي خلقي، واصطفيت

له علياً وأيّدته به، وجعلته أميني وأميري، وخليفتي علي خلقي، ووليّي علي عبادي، يبيّن لهم كتابي ويشرفهم بحكمي وجعلته العلم الهادي من الضلالة، وبابي الذي أُوتي منه، وبيتي الذي من دخله كان آمناً من ناري، وحصني الذي من لجأ إليه حصنته من مكروه الدنيا والآخرة، ووجهي الذي من توجه إليه لم أصرف عنه وجهي، وحجّتي علي أهل سمائي وأرضي، وعلي جميع من سمّيته [403] من خلقي، فلا أقبل عمل عامل إلّا مع الإقرار بولايته مع نبوّة أحمد رسولي، ويدي المبسوطة في عبادي، فبعزّتي حلفت، وبجلالي أقسمت، أنه لا يتولَّي علياً عبد من عبادي إلّا زحزحته عن النار، وأدخلته جنّتي، ولا يعدل عن ولايته إلّا من أبغضته، وأدخلته ناري [404].

فمن زحزح عن النار - التي هي بغض علي - وأدخل الجنة - التي هي حب علي - فقد فاز - لأن النجاة من النار ودخول الجنة بالإيمان، والدرجات بالصالحات، من الأعمال، والإسلام والإيمان حب علي، لأن كمال الإسلام الإيمان، فلا إسلام حقيقي إلّا بالإيمان، بل الإسلام الحقيقي هو الإيمان، والإيمان الحقيقي حبّ علي، وإليه الإشارة بقوله: «إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ» [405] وذلك أن الإسلام هو الإيمان، والإيمان تمامه وكماله حبّ علي، فلا إيمان إلّا بحبّ علي، ولا نجاة إلّا به.

دليله أيضاً قوله: «وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ» [406]، والمراد بهذا الإسلام حب علي، لأنه أين كان الإيمان كان الإسلام من غير عكس، فكل مؤمن مسلم، وإليه الإشارة بقوله سبحانه: «قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا» [407] فالإسلام بغير الإيمان لا ينجي، لأن الأعمال بخواتيمها، وخواتيم الشرائع الإسلام، وخواتيم الإسلام الإيمان، وختم الإيمان حبّ علي، فحب علي خاتمة كل دين.

وعين كل يقين، فحبّه الجنّة، وبغضه النار، دليل ذلك ما رواه صاحب الأمالي: أن جبرائيل نزل علي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم فقال له: يا محمد السلام يقرئك السلام ويقول لك: خلقت السَّموَات السبع وما فيهنّ، والأرضين السبع وما بينهن، وما خلقت موضعاً أكرم من الركن والمقام، ولو أن عبداً عبدني هناك منذ خلقت السَّموَات والأرض، ثم لقيني يوم القيامة جاحداً لعلي حقّاً لأكببته في سقر [408].

ويؤيّد ذلك ما ورد عنه صلي الله عليه و آله و سلم: وليلة أُسري بي إلي السماء وجدت اسم علي مقروناً باسمي في أربع مواضع: الأوّل وجدت علي صخرة بيت المقدس مكتوباً لا إله إلّا أنا وحدي، محمد رسولي من خلقي أيّدته بوزيره ونصرته به. قال: فقلت: يا جبريل ومن وزيري؟ فقال: علي ابن أبي طالب. قال: لما أتيت إلي العرش وانتهيت إليه؛ وجدت مكتوباً علي قائمة لا إله إلّا أنا وحدي محمد صفوتي من خلقي أيّدته بوزيره ونصرته. فقلت: يا جبريل ومن وزيري؟ فقال: علي بن أبي طالب عليه السلام، قال: ولما انتهيت إلي سدرة المنتهي؛ وجدت عليها مكتوباً أنا اللَّه لا إله إلّا أنا وحدي محمد صفوتي من خلقي أيّدته بوزيره علي ونصرته به [409]؛ ألا وإنه قد سبق في علمي أنه مبتلي ومبتلي به؛ ممّا أتي قد نحلته ونحلته أربعة أشياء لا يفصح عن عقدها [410].

نسبة السماوات و الأرض و الأفلاك لعظمته صاحب لولاك

وأنا أقول علي فقري وإملاقي: يا آل الرسول صلوات اللَّه عليكم وسلامه منّا إليكم كلّما تسنمت بعود الورق، وسجمت دموع الورق، لقد آتاكم اللَّه من فضله ما لم يؤت أحداً من خلقه؛ طأطأ كل شريف رأسه لشرفكم وذل كل عزيز لعزّتكم؛ وأشرقت الأرض بنوركم؛ وفاز العارفون

بحبّكم؛ فأنتم ينابيع النعم؛ ومصابيح الظلم؛ ومفاتيح الكرم؛ ولولاكم لم يخرج الوجود من العدم؛ فقلت:

يا آل طه أنتم أملي

وعليكم في البعث متكلي

بولاكمُ وبطيب مدحكم

أرجو الرضا والعفو عن زللي

رجب المحدث عبد عبدكم

الحافظ البرسي لم يزل

لا يخشي في بعثه زللاً

إذ سيداه محمد وعلي

وإن الذي خرج إلي الملائكة من معرفتكم قليل من كثير؛ وكيف يعرفكم الناس مع جلالة قدركم؟ وأنتم النور الذي بهر عيون العقول؛ فحنأت [411] عن إدراك مجدكم؛ وكيف تدرك عين الشمس أبصار الخفافيش؟ ومعذور من أنكر غامض سرّكم؛ وخفي أمركم؛ وباهر نوركم؛ لأنّ الناظر في صحائف مجدكم، حجبهم النظر إلي الظاهر عن إدراك السرائر؛ وصدّهم عن المعني الشاهد زخرف الشاهد، فطوفوا بقصور المغني؛ قصوراً عن المعني فكانوا كما قيل:

خلعنا هياكلنا فجادوا بلثمها

فشاقهم المغني وفاتهم المعني

فهم كالمنجّم الذي نقل أحكام النجوم من علماء الهيئة؛ فهو يحدث الناس بما وعاه ولا يعقل ما رواه؛ ممّا يحجبه النور عنه وواراه؛ وصغره البعد في عينه وزواه؛ فإذا قيل له: إن الأرض بأسرها غائصة تحت الماء؛ وإن الخارج منها إنّما هو ربع الكرة؛ ومنه المدن والقري والأقاليم السبعة؛ والبراري والقفار؛ والبحار والجبال، والخراب والعمران؛ وإنّما المسكون جزء من هذا الربع؛ وذلك لأن مشرق الشمس الذي هو تحت سهيل، فإنّ الشمس لا تغيب هناك إلّا ستة أشهر والباقي نهار، وليس هناك نبات ولا حيوان؛ إلّا صخور محترقة من حرّ الشمس. وبعد الشمس عن الأرض هناك مائة ألف فرسخ وأربعة وعشرون ألف فرسخ، وكذا ما يقابله تحت الجدي من ناحية المغرب فإنّ الزمان هناك ليل إلّا قليل تري فيه الشمس عند صعودها في برج السرطان، وهناك لا حيوان ولا نبات وتلك هي بلاد الظلمات، وهذه الأرض أكثرها جبال وصخور وغيرهما، ثم إن

الأرض بأسرها؛ من مشرقها إلي مغربها؛ بر وبحر في ضمن فلك القمر كالخردلة في البر؛ وإن رقعة القمر بقدر مجموع الأرض 33 مرة؛ ولذلك يراه الإنسان أين كان، وإن فلك القمر بالنسبة إلي فلك الشمس الذي هو تحت السلطنة كالقطرة في البحر، ثم إن السَّموَات والأرض كالحلقة في الفلاة، وإن الفرس الجواد إذا كان في أشد الطرد فإنّه بقدر ما يضع حافره علي الأرض ويرفعه تسير الشمس خمسمائة فرسخ [412] وإن قرص الشمس بقدر مجموع الأرض 66 مرّة [413] وإن الأرض مساحة سطحها في علم الهيئة عشرون ألف ألف وثلثمائة ألف وستون ألف فرسخ، وإن كل فرسخ ثلاثة أميال، والميل أربعة آلاف ذراع، وإن النجم الذي يقال له السهي، وهو نجم خفي لا يري إلّا في الظلمة لذوي الأبصار السليمة، وإنه مع خفائه بقدر مجموع الأرض 18 مرّة [414] فهناك يدهش عند سماع هذا وينكره، ومن جهل شيئاً أنكره، وكذا من عرف أن نسبة السَّموَات والأرض والأفلاك في عظمة صاحب: لولاك، نسبة لا شي ء إلي شي ء لأن الجزء لا يقاوم الكل وإن كثر، وإن الخلق لا يقابل الخالق وإن عظم، فإن خالقه أعظم، فالنبي الذي به ولأجله تكوّنت الأشياء، ولولاه لما كانت؛ هو أعظم منها، ونسبة الشمس والقمر والنجوم إلي جلال جمال أوّل ما خلق اللَّه نوري لليل إلي الفجر، ونسبة السهي إلي نور البدر، لأنه هو النور الذي قهر غواسق العدم، وأضاءت به حنادس الظلم، وإن ما في أيدي الناس من أسرار آل محمد عليهم السلام ومعرفتهم بالنسبة إلي ما خفي عليهم، كنسبة اللَّه إلي خلقه وكيف ينسب الخلق إلي خالقهم والمماليك إلي مالكهم، وكيف يعرفون عظمة ربّهم، أو يقدرونها علي قدر عقولهم.

عظمة الولي من عظمة النبي

وعظمة

الولي من عظمة النبي صلي الله عليه و آله و سلم، وعظمة النبي من عظمة الربّ العلي، لأنّه آية اللَّه وآية النبي، وكلمة اللَّه وكلمة النبي، ونائب وحي اللَّه ووارث النبي، وبه يتم توحيد اللَّه ودين النبي، وبيان هذا الشأن العظيم أنه أخذ له العهد علي الأرواح، وجعل له الولاية المطلقة من الأزل، ولم تزل.

عالم آل محمد عليهم السلام قبل الخلق: عالم الانوار

ان الله أرسل الرسل لا تبشير بولاية علي و أنه لا إيمان إلاّ بحب علي و هو الصراط المستقيم

وإليه الإشارة بقوله: «كنت نبيّاً وآدم بين الماء والطين ولا ماء ولا طين [415]، وكان علي ولياً قبل خلق الخلائق أجمعين» [416]، ثم إنه أرسل الرسل إليه يدعون، وبمحمد يبشِّرون ويؤمنون، وبولاية علي يتمسّكون، وبه إلي اللَّه في الملمات يدعون، ثم بعث نبيّه محمداً صلي الله عليه و آله و سلم فختم به الموجود كما افتتح به الوجود، ثم خصّه بجوامع الكلم، وأنزل إليه السبع المثاني وهي سورة الحمد وجعل لوليه فيها مقاماً رفيعاً فقال: اهدنا الصراط المستقيم، والصراط المستقيم حبّ علي، فأمره أن يسأل لأمّته الهداية الي حب علي ثم إنه أمر نبيه أيضاً بالتمسك به والحث عليه فقال: «فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِي إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلي صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ» [417] وهو حب علي، ثم أكّد ذلك فقال: «فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ» [418] أي ادع الناس إلي حبّ علي لأنه يدعو إلي الإيمان أولاً، ثم إلي الفرائض لأنّ الأصل مقدّم علي الفرع، فلا فرائض إلّا بالإيمان، ولا إيمان إلّا بحب علي، لأن التوحيد لا ينعقد إلّا به، فما لم يكن الإيمان فلا فرائض، وما لم يكن حبّ علي فلا إيمان، فالإيمان والفرائض حبّ علي، فالأصل والفرع حب علي وولايته.

ان الله أخبر نبيه أن حب علي مسؤول عنه في القبر و أمره برفعه فوق كتفه

ثم أخبر نبيّه أن حب علي هو المسؤول عنه في القبر فقال: «وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ» [419] يعني يوم القيامة وفي القبر، ثم رفع نبيّه إلي المقام الأسني، وهو قاب قوسين أو أدني، فخاطبه بلسان علي ثم أمره أن يرفع علياً فوق كتفه، فقال في خطبة الفخار: أنا الواقف علي التطنجين، قال المفسِّرون: هي الدنيا والآخرة، أي أنا العالم بهما، وقيل: المشرق والمغرب، وأنا المحيط بعلم ما بينهما، وقيل: الجنة والنار، وأنا القاسم لهما، وقيل: لا بل

هو إشارة إلي ارتفاعه فوق كتف رفيع المقام، وليس فوق هذا المقام إلّا ذات الملك العلام، فأي رفعة فوق هذا؟ وأي مقام أعلي من هذا؟ لأن اللَّه رفع رسوله حتي جاوز عالم الأفلاك والأملاك، وعالم الملك والملكوت، وعالم الجبروت، ووصل إلي عالم اللاهوت 18، وأمير المؤمنين عليه السلام ارتقي علي كتفي صاحب هذا المقام.

ان الله أمر نبيه بتبليغ الولاية وإن النبوة والتوحيد متوفقان علي الولاية

ثم أمر رسوله بالتبليغ البليغ فيه، فقال: «بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ» ثم أكّد ذاك بالتهديد، فقال: «وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ» [420] لكنّك بلّغت فأنت فاعل، فقد بلّغ فما معناه؟ هذا رمز يدلّ علي شرف الولاية وأنه لا قبول للأعمال، قلت أم جلت إلّا بها، والمراد أنهم إن لم يؤمنوا بعلي فلا ينفعهم إسلامهم، فكأن الرسالة لم تبلغهم، فعلم أنه من لم يؤمن بعلي لم يؤمن بمحمد، ومن لم يؤمن بمحمد لم يؤمن باللَّه، لأنّ الإقرار بالولاية يستلزم الإقرار بالنبوّة، والإقرار بالنبوّة يستلزم الإقرار بالتوحيد، وكذا إنكار الولاية يستلزم إنكار النبوّة، وإنكار التوحيد؛ لتوقف الاثنين علي الولاية.

لولا علي عليه السلام ما خلقت الجنة

علي الكتاب الذي لاريب فيه

ثم أنزل بعد الحمد ألم، فجعل سرّ الأولين والآخرين بتضمنه في هذه الأحرف الثلاثة، وفي كل حرف منها الاسم الأعظم، وفيها معاني الاسم الأعظم ثم قال: «ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ» [421] يعني علي لا شك فيه، لأن القرآن هو الكتاب الصامت، والولي هو الكتاب الناطق، فأينما كان الكتاب الناطق كان الكتاب الصامت!! فالولي هو الكتاب، وعلي هو الولي، فعلي هو الكتاب المبين، والصراط المستقيم، فهو الكتاب وأمّ الكتاب، وفصل الخطاب وعنده علم الكتاب، وويل للمنكر والمرتاب.

ان الإيمان بالأنبياء لا ينفع إلا بحب علي ولولاه لما خلق الله الجنة

ثم رفع مقامه بين النبيين والمرسلين، إلّا من هو منه في المقام مقام الألف المعطوف من اللام، فقال: لولا علي ما خلقت جنّتي [422]، ولم يقل لولا النبيّين ما خلقت جنّتي، وذلك لأن النبيين جاؤوا بالشرائع، والشرائع فرع من الدين، والتوحيد أصله، والفرع مبني علي الأصل، والأصل مبني علي الولاية، فالأصل والفرع من الدين مبني علي حبّ علي، فحب علي هو الدين والإيمان، والجنة تنال بالايمان، والإيمان ينال بحب علي، فلولا حب علي لم يكن الإيمان، فلم تكن الجنة، فلولا علي لم يخلق اللَّه جنّته، فاعلم أن الإيمان بالنبيين والمرسلين لا ينفع إلّا بحب علي.

ان الله أحبط أعمال العباد بغير حب علي

أحبط أعمال العباد بغير حبّه، فقال: «لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ» [423] وكيف يشرك بالرحمن من هو الأمان والإيمان؟ ومعناه أنك إن ساويت بعلي أحداً من أُمّتك فجعلت له في الخلق مثلاً وشبهاً، فلا عمل لك، والخطاب له، والمراد أمّته.

ان الله جعل دخول الجنة بحبّ علي وطاعته ودخول النار ببغضه ومعصيته

ثم جعل دخول الجنّة بحبّه وطاعته، ودخول النار ببغضه ومعصيته، فقال: لأدخلن الجنّة من أطاعه وإن عصاني، ولأدخلنّ النار من عصاه وإن أطاعني، وهذا رواه صاحب الكشاف وقد مرّ ذكره.

ان عليا هو الكلمة الكبري التي لا تنفذ وفاضت عنها سائر الكلمات

ثم أبان من فضل وليّه ما لم ينكره إلّا من تولّي وكفر، فقال: «قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً» [424] والكلمة الكبري علي بن أبي طالب عليه السلام وتحتها باقي الكلمات، ثم أبان من فضله ما هو أعلي وأكبر لمن تولّي واستكبر، فقال: «وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ» [425] والكلمات كلّها حروف الكلمة الكبري وداخلة تحتها، وفائضة عنها، وهي فائضة عن ذات الحق كفيض سائر الأعداد عن الواحد، ومبدأ الكلمات عن الألف، الذي أبداه عالم الغيب وأبدي عنه سائر الحروف والكلم، فهو عليه السلام ألف الغيب، وعين الوحدانية الكبري، التي أعرض عنها من أدبر وتولّي.

ان الله أوحي إلي نبيه أن عليا معه في السر المودع في فواتح السور

ثم إنّ اللَّه سبحانه أوحي إلي نبيّه صلي الله عليه و آله و سلم أن علياً معه في السرّ المودع في فواتح السور، والاسم الأكبر الأعظم الموحي إلي الرسل من السرّ، والسرّ المكتوب علي وجه الشمس والقمر والماء والحجر، وأنه ذات الذوات، والذات في الذات، في الذات للذات، لأن أحدية الباري متنزّهة عن الأسماء والصفات، متعالية عن النعوت والإشارات، وأنه هو الاسم الذي إليه ترجع الحروف والعبارات، والكلمة المتضرّع بها إلي اللَّه سائر البريات، وأنه الغيب المخزون بين اللام والفاء والواو والهاء والكاف والنون، فقال سبحانه: «حم عسق كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَي الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ» [426] قال الصادق: «عسق» فيها سرّ علي فجعل اسمه الأعظم مرموزاً في فواتح القرآن وتحفه.

وإليه الإشارة بقوله: لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب [427]، ومعناه لا صلاة للعبد ولا صلة له بالرب، إلّا بحب علي ومعرفته.

يس اسم محمد ظاهرا و باطنا و اسم علي

ثم إن الملك العظيم الرحمن الرحيم، صرّح بهذا الشرف العظيم، في الذكر الحكيم، فقال في السورة التي هي قلب القرآن «يس»، وإنّما سمّيت قلب القرآن لأنّ باطنها محتوٍ علي سرّ محمد وعلي لمن عرف، فقال سبحانه: «يس -وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ» [428]، والياء والسين اسم محمد ظاهراً وباطناً، والياء والسين اسم علي لأن الولاية باطن النبوّة، فقال: يا حبيبي يا محمد بحق اسمك واسم علي الظاهر والباطن في الياء والسين، إنّك رسولي بالحق إلي سائر الخلق.

ان الولي هو المحيط بكل شيء

ثمّ صرّح لنا أن الولي هو المحيط بكل شي ء، فهو محيط بالعالم، واللَّه من ورائهم محيط، فقال: «وَكُلَّ شَيْ ءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ» [429] فأخبرنا سبحانه أن جميع ما جري به قلمه وخطه في اللوح المحفوظ في الغيب، أحصيناه في إمام مبين، وهو اللوح الحفيظ لما في الأرض والسماء، هو الإمام المبين وهو علي، فاللوح المحفوظ علي، وهو أعلي وأفضل من اللوح بوجوده.

(الأوّل) لأنّ اللوح وعاء الخط وظرف السطور، والإمام محيط بالسطور وأسرار السطور، فهو أفضل من اللوح.

(الثاني) لأنّ اللوح المحفوظ بوزن مفعول، والإمام المبين بوزن فعيل، وهو بمعني فاعل، فهو عالم بأسرار اللوح، واسم الفاعل أشرف من اسم المفعول.

(الثالث) أن الولي المطلق ولايته شاملة للكل، ومحيط بالكل واللوح داخل فيها فهو دال علي اللوح المحفوظ وعال عليه، وعالم بما فيه، ثم قال: علي صراط مستقيم، أي يدل ويهدي إلي الصراط المستقيم الممتحن به سائر الخلائق، وهو حب علي لأنه هو الغاية والنهاية.

الإمام عليه السلام محيط بالكون

مقام الولي في الآيات الأخيرة من سورة يس

ثم ذكر في آخر هذه السورة آية فيها اسم اللَّه الأعظم فقال: «سَلَامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ» [430]، ويخرج من تكسير حروفها السبيل [431] السلام أنا هو محمد، ثم دلّنا بعد هذا المقام العظيم لنبيّه علي مقام آخر فيها لوليه، وأنه هو كلمة الجبّار ومنبع سائر الأسرار، ومطلع فائض الأنوار، فقال: «إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ» [432]، فجعل وجوده الوجود [433]، والموجود بين حرفي الأمر وهما الكاف والنون، وباطن الكاف والنون الاسم المخزون المكنون، لمن عرف هذا السرّ المصون، وإليه الإشارة بقوله: «أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ» [434] والخلق والأمر [435] هما العين والميم [436]، وذلك لأن ظهور الأفعال عن الصفات، وتجلّي الصفات عن

الذات.

مقام الولي في الآيات الأولي من سورة الفتح

ثم إن اللَّه سبحانه بشّر رسوله بأنه قد رحم أمّته، وغفر ذنوبهم، وأكمل دينهم، وأتم نعمته عليه ونصره، وجعل هذه المقامات والكرامات والعطيات كلّها لعلي عليه السلام، ونزل ذلك في آية واحدة من كتابه سبحانه وتعالي علي رسوله وعلي أمّته، فقال: «إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً» [437] والفتح كان علي يد علي، ثم قال: «لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ» [438] قال ابن عباس: إن اللَّه حمل رسوله ذنوب من أحبّ علياً من الأوّلين والآخرين إكراماً لعلي فيحملها عنهم إكراماً لهم فغفرها اللَّه إكراماً لمحمد صلي الله عليه و آله و سلم ثم قال: «وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ» يعني بعلي، وإليه الإشارة والبشارة بقوله: «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي» [439] ثم قال: «وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً» [440] وكان النصر في سائر المواطن بأسد اللَّه الغالب وسيفه الضارب، «ويهديك صراطاً مستقيماً». فهذا علي به الفتح، وعلي يده النصر وبحبّه الغفران والآمال، فكمال الدين وتمام النعمة علي المؤمن، وبه الهداية وهو الغاية والنهاية. وقلت:

يا من به نصر الإله نبيه

والفتح كان بعضده وبعضبه

وكمال دين محمد بولائه

وتمام نعمته عليه بحبّه

وذنوب شيعته غداً مغفورة

يرضي الإله لأنّهم من حزبه

والحافظ البرسي يا مولي الوري

يرجوك في يوم المعاد لذنبه

في أن الله وصفه بأعلي مما وصف به أنبيائه

ثم إن اللَّه سبحانه وصف أنبياءه بأوصاف ووصف ولي نبيّه بأعلي منها، فقال في نوح: «إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً» [441] وقال في علي: «وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً» [442] وأين الشاكر من مشكور السعي؟ ووصف إبراهيم بالوفاء فقال: «وإبراهيم الذي وفي» [443] وقال في علي: «يُوفُونَ بِالنَّذْرِ» [444] ووصف سليمان بالملك فقال: «وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً» [445] وقال في علي: «وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً» [446] ووصف أيوب بالصبر فقال: «إِنَّا

وَجَدْنَاهُ صَابِراً» [447] وقال في علي: «وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا» [448] ووصف عيسي بالصلاة والزكاة فقال: «وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ» [449] وقال في علي: «وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً» [450] ووصف محمّداً بالعزّة فقال: «الْعِزَّةُ للَّه وَلِرَسُولِهِ» [451] وقال في علي: «وَمَا لأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَي إلَّا ابْتِغَاء وَجهِ رَبِهِ الأَعْلي وَلَسَوْفَ يَرْضَي» [452] وقال في علي: «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا» [453] ووصف الملائكة بالخوف فقال: «يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَايُؤْمَرُونَ» [454].

وقال في علي: «إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا» [455] ووصف ذاته المقدّسة بصفات الألوهية فقال: «وَهُو يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ» [456] وقال في علي: «وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَي حُبِّهِ» [457].

في أن فضائله لا تحصي

ثم أمر اللَّه نبيّه الكريم ورسوله الرؤوف الرحيم أن يرفعه إلي المقام الكريم في التشريف والتعظيم، فقال بعد أن بالغ في بليغ المقام: لو كانت السَّموَات صحفاً والبحار مدداً والغياض أقلاماً لنفد المداد وفنيت الصحف وعجز الثقلان أن يكتبوا معشار فضل علي وهذا مرّ ذكره لكن أعدناه ثانياً للحاجة إليه.

ان الأعمال لاتوزن يوم القيامة إلا بحبه

ثم دلَّ علي فضله النبي كما دلَّ عليه الربّ العلي فبيّن أن الأعمال لا توزن يوم المآل ولا يبلغ بها الآمال إلّا بحبّه فقال: لو أن أحدكم صف قدميه بين الركن والمقام، يعبد اللَّه ألف عام، ثم ألف عام صائماً نهاره قائماً ليله فكان له مل ء الأرض ذهباً فأنفقه وعباد اللَّه ملكاً فأعتقهم ثم قتل بعد هذا الخير الكثير شهيداً بين الصفا والمروة ثم لقي اللَّه يوم القيامة جاحداً لعلي حقّه لم يقبل اللَّه له صرفاً ولا عدلاً وزج بأعماله في النار. هذا أيضاً مرّ ذكره.

قوله: لو لم أخف لقلت أعظم مما قيل

ثم دلَّ سبحانه علي قرب عارفيه ومواليه من حضرة ربّه وباريه فقال في حقّه الرسول بعد بليغ المقال: «لو لم أخف لقلت» [458] وهذا كمال المبالغة وغاية الشرف لأن ما لم يقل أعظم ممّا قيل، وهذا مثل قوله سبحانه بعد أن مدح الجنّة ووصفها فقال: «فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ» [459] وإذا كانت الجنّة وهي دارة علي لا توصف فكيف يوصف صاحب الدار.

مقامه عند الملائكة المقربين ورفعته عند جبرائيل الأمين

وأما مقامه عند الملائكة المقرّبين ورفعته عند جبرائيل الأمين فإنه كان يلزم ركاب علي إذا ركب ويسير معه إذا سار ويقف إذا وقف ويكبّر إذا كبّر ويحمل إذا حمل لأنه خادمه والخادم يدين بطاعة المخدوم، وهو مع رفعته في السماء وحمله للرسائل إلي الأنبياء فإنّه فقير علي لأنه وقف ببابه سائلاً فقال: «مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً» فهذا سرّ الأسرار، وآية الجبّار، الذي ينفد عند عدّ فضائله رمل القفار، وورق الأشجار، فلأنه إمام الأبرار، ووالد السادة الأطهار، وقسيم الجنة والنار، سنان النبوّة، ولسان الفتوة، وختام الرسالة، وبيان المقالة، ينبوع الحكمة، وباب الرحمة، يعسوب الدين والحكمة، ومعدن الطهارة والعصمة، مريخ الانتقام وكيوان الرفعة والاحتشام، كاسر قناة الغواية، وسفينة النجاة والهداية وصاحب الخلافة والألوية من البداية إلي النهاية، وقلت:

يا أيّها المولي الولي ومن له

لشرف العلي ومن به أنا واثق

لا أبتغي مولي سواك ولا أري

إلّا ولاك ومن عداك فطالق

عين العلي بك أشرقت أنوارها

صار الصفي من بحر جودك دافق

يا كاف الكل ياهاء الهدي

يا فلك نوح واللواء الخافق

من قبل خلق الخلق أنت رضيتني

عبداً وما أنا عبد سوء آبق

ونقلت من صلب إلي صلب علي

صدق الولا وأنا المحبّ الصادق

كم يعذلوني في هواك تعنفاً

أنا عاشق أنا عاشق أنا عاشق

هذه شمة من أزهار أسرار إمام الأبرار ورشحة من نثار زخار منبع الأسرار،

فقل للمنكر والمرتاب والكفور: موتوا بغيظكم إن اللَّه عليم بذات الصدور.

ان من عرف مراتب الإبداع و الإختراع عرف مقام آل محمد..

انّ من عرف مراتب الإبداع و الإختراع عرف مقام آل محمد و أن المشكك يسلم لصفات إبليس عدو اللّه و جنوده و يتنكر لعلي آل محمد صلوات اللَّه عليهم أجمعين صفات الديان، وصفوة المنان، وخاصّة الرحمن وسفراء الغيب والقرآن، فليس للخلق علي عظمتهم نسبة، ولا بعظيم جلالهم معرفة، فمعرفة العامة لعلي أنّه فارس الفرسان، وقاتل الشجعان ومبيد الأقران، ومعرفة الخاصة له أفضل من فلان وفلان؛ فلذلك إذا سمعوا أسراره أنكروا واستكبروا وذهلوا وجهلوا وهم في جهلهم غير ملومين لأنهم لو عرفوا أن محمداً هو الواحد المطلق، وأن علياً هو العلي المطلق، فلهما الولاية علي الكل، والسبق علي الكل، والتصرّف في الكل، لأنّهما العلّة في وجود الكل، فلهما السيادة علي الكل، لكنّهما خاصة إله الكل، وعبدَي إله الكل، ومختارَي معبود الكل، سبحانه إله الكل، ورب الكل، وفالق الكل، ومفضل محمد وعلي علي الكل، والمستعبد بولايتهم وطاعتهم الكل، فمن عرف من مراتب الإبداع والاختراع هذا القدر وتدبّره، عرف مقام آل محمد وخبره، وإليه الإشارة بقوله: «وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَي الرَّسُولِ وَإِلي أُوْلِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُم» [460] لكنّهم ردّوه وما دروه فأنكروه وما عرفوه ومن جاءهم بشي ء منه كذّبوه وكفروه، وهذا شأن أهل الدعوي أنهم لم يزالوا منغمسين في حياض التكذيب، فيا وارد السراب دون الشراب، والقانع بالعذاب دون الغلل العذاب، هذا إبليس (لعنه اللَّه) عدوّ الرحمن وهو يجري مجري الدم في كل إنسان ويعلم خواطر القلوب ووساوس الصدور وهواجس النفوس، وإليه الإشارة بقوله: «أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ» [461]، وهو محيط بالخلائق مع جنوده، وهذه صفات الربوبية، فانظر إلي المنافق

والمرتاب والمعدم إذا ذكرت خواص إبليس قال مسلم، وإذا ذكرت خواص علي أنكر واستعظم وطعن في قائلها وتوهّم، وهو أحق بالطعن وأوصم، ثم يزعم بعد ذاك أنه آمن وأسلم، كلا والليل إذا أظلم والصبح إذا تبسّم، فيا مدّعي اليقين وهو منغمس في شكّه، ويا طالب الخلاص وهو مرتبط في شرك شكّه، هذا جامسب [462] الحكيم، قد وضع كتاب القرانات، وتحدث فيه علي المغيبات، وذكر فيه ظهور الأنبياء إلي آخر الدهر، وتاريخ هذا الكتاب 2211 سنة، وقد ذكر فيه الملوك والدول من أيام زرادشت إلي انقراض العالم، وتحدث فيه علي الغيب فما أخطأ.

لماذا يصدق سطيح إذا نطق بالمغيبات و يكذب علي و عترته

وهذا سطيح أيضاً قد نطق بالمغيبات، وذكر ملّة الإسلام قبل وصولها، وتحدّث علي حوادث الدهر إلي أيام المهدي، والكتابان مشهوران [463] يتداولهما الملوك والعلماء، ولم يخطئوا في النقل عنهم، فأما أخبار سطيح فقد رواها كعب بن الحارث، قال: إنّ ذا يزن الملك أرسل إلي سطيح لأمر لا شك فيه، فلما قدم عليه أراد أن يجرب علمه قبل حكمه، فخبأ له ديناراً تحت قدمه، ثم أذن له فدخل، فقال له الملك: ما خبأت لك يا سطيح؟

فقال سطيح: حلفت بالبيت والحرم، والحجر الأصم، والليل إذا أظلم، والصبح إذا تبسّم، وكل فصيح وأبكم، لقد خبأت لي ديناراً بين النعل والقدم.

فقال الملك: من أين علمك هذا يا سطيح؟

فقال: من قِبل أخ لي جنّي ينزل معي إذا نزلت، فقال الملك: أخبرني عمّا يكون في الدهر؟

فقال سطيح: إذا غارت الأخيار، وغازت الأشرار، وكذب بالأقدار، وحمل المال بالأوقار، وخشعت الأبصار لحامل الأوزار، وقطعت الأرحام، وظهر الطعام لمستحلي الحرام في حرمة الإسلام، واختلفت الكلمة، وغفرت الذمة، وقلّت الحرمة، وذلك منذ طلوع الكوكب، الذي يفزع العرب، وله شبه الذنب، فهناك تنقطع الأمطار،

ثم تقبل البرر «الهزبرخ» بالرايات الصفر علي البرازين البتر، حتي ينزلوا مصر، فيخرج رجل من ولد صخر، فيبدل الرايات السود بالحمر، فيبيح المحرمات، ويترك النساء بالثدايا معلقات، وهو صاحب نهب الكوفة، قرب بيضاء الساق مكشوفة، علي الطريق مردوفة، بها الخيل محفوفة، قد قتل زوجها، وكثر عجزها، واستحلّ فرجها، فعندها يظهر ابن النبي المهدي، وذلك إذا قتل المظلوم بيثرب وابن عمّه في الحرم، وظهر الخفي فوافق الوسمي، فعند ذلك يقبل المشوم بجمعه المظلوم، فيطاهي الروم ويقتل القروم، فعندها ينكسف كسوف إذا جاء الزخوف وصفّ الصفوف، ثم يخرج ملك من اليمن من صنعاء وعدن أبيض كالشطن، اسمه حسين أو حسن، فيذهب بخروجه غمر الفتن، فهناك يظهر مباركاً زكياً، وهادياً مهدياً، وسيّداً علويّاً، فيفرح الناس إذا أتاهم بمن اللَّه الذي هداهم، فيكشف بنوره الظلماء، ويظهر به الحق بعد الخفاء، ويفرّق الأموال في الناس بالسواء، ويغمد السيف فلا يسفك الدماء، ويعيش الناس في البِشر والهناء، ويغسل بماء عدله عين الدهر من القذي، ويرد الحق علي أهل القري، ويكثر في الناس الضيافة والقري، ويرفع بعدله الغواية والعمي، كأنه كان غباراً فانجلي، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً، والأيام حبّاً، وهو علم الساعة بلا امتراء [464].

هذا كلام سطيح وإخباره بالغيب في قديم الأيام، وليس بنبي ولا إمام، وأنت بالمرصاد في تكذيب أحاديث علي وعترته، تكذّب ما نطقوا به من الغيب. أليس هو القائل وقوله الحقّ: «إن بين جنبي علماً جمّاً آه لو أجد له حَملة» [465]، وقوله: لقد احتويت علي مكنون علم لو بحت به لاضطربتم اضطراب الأرشية في الطوي [466].

وليس ذلك علم الشرع، وإلّا لوجب عليه تعليمه، ولكن غامض الأسرار التي قال فيها: «ولكن أخاف أن تكفروا بي وبرسول اللَّه صلي الله عليه

و آله و سلم» [467] وقد روي أبو عبيدة الحذاء، عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: إنّ أحبّ أصحابي إليّ أمهرهم وأفقههم في الحديث، وإن أسوأهم وأكثرهم عنتاً ومقتاً الذي إذا سمع الحديث يروي إلينا وينقل عنّا لم يعقله عقله، ولم يقبله قلبه، واشمأز من سماعه وكفر به وجحده، وكفّر من رواه ودان به، فصار بذلك كافراً بنا وخارجاً عن ولايتنا [468].

في فضل الشيعة

ومن ذلك ما رواه صاحب الأمالي عن ابن عبّاس، عن رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم أنه قال: «يا علي إن اللَّه أكرمك كرامة لم يكرم بها أحداً من خلقه، زوّجك الزهراء من فوق عرشه، وأكرم محبيك بدخول الجنّة بغير حساب، وأعدَّ لشيعتك ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ووهب لك حب المساكين في الأرض، فرضيت بهم شيعة، ورضوا بك إماماً؛ فطوبي لمن أحبّك، وويلٌ لمن أبغضك. يا علي أهل مودّتك كل أم أو أب حفيظ، وكل ذي طمرين لو أقسم علي اللَّه لأبر قسمه. يا علي شيعتك تزهر لأهل السماء كما تزهر الكواكب لأهل الأرض، تفرح بهم الملائكة، وتشتاق إليهم الجنان، ويفر منهم الشيطان. يا علي محبّوك جيران اللَّه في الفردوس الأعلي. يا علي أنا ولي لمن والاك، وعدوّ لمن عاداك. يا علي حربك حربي وسلمك سلمي. يا علي بشِّر أولياءك أن اللَّه قد رضي عنهم ورضوا بك. يا علي شيعتك حزب اللَّه وخيرة اللَّه من خلقه. يا علي أنا أوّل من يُحيي وأوّل من يكسي، غداً تحيي إذا حييت، وتكسي إذا كسيت» [469].

ان الشيعة هم الفرقة المحقة الناجية

اعلم بعد ثبوت هذه الشواهد، وصدق الشاهد بهذه المشاهد، أن أهل الإسلام افترقوا علي ثلاث وسبعين فرقة، وسيأتي تفصيلها فيما بعد في مكانه؛ وأصل هذه الثلاث والسبعين ثلاثة: الأشعرية، والمعتزلة، والإمامية.

والأشعرية، والمعتزلة أنكروا الإمامة من أصول الدين، وأثبتها الإمامية الاثنا عشرية من الشيعة، لأن اللَّه اختار محمداً واختار شيعة آل محمّد صلي الله عليه و آله و سلم، وآل محمد سفينة النجاة.

فالشيعة كسفينة النجاة راكبون وراءهم، قالوا إن الإنسان لو آمن باللَّه وملائكته وكتبه ورسله، ووالي علياً وعترته، فإنّه ناجٍ بالإجماع، لأنّ خلافة الرجلين لم يأت

بها الكتاب ولا السُّنة، لكنّها بزعمهم إجماع من الناس، وما لم يأمر الكتاب ولا السُّنة باتباعه فلا يضر جهله، لكنّه لو عرف الأوّل ووالاه، ولم يعرف علياً وعاداه، فإنّه هالك بالإجماع، وإليه الإشارة بقوله: «فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي» [470]، وإليه الإشارة بقوله: «أنت مني وأنا منك» [471]، «حزبك حزبي وشيعتك شيعتي» [472]، فمن كان من علي كان من محمد عليهماالسلام، ومن كان من شيعة محمد كان من حزب اللَّه الناجي.

وممّا يعاضد هذا ما ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال لرجل من همدان وقد تعلّق بثوبه وقال: حدّثني حديثاً جامعاً أنتفع به، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: حدّثني رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم: أني أرد أنا وشيعتي الحوض، فيصدرون رواءً، ويمرّون مبيضّة وجوههم، ويرد أعداؤنا ظماءً مظمئين مسودة وجوههم، خذها إليك قصيرة من طويلة يا أخا همدان، أنت مع من أحببت، ولك ما كسبت، ألا وإن شيعتي يناديهم الملائكة يوم القيامة: من أنتم؟ فيقولون: نحن العليون، فيقال لهم: أنتم آمنون ادخلوا الجنة مع من كنتم توالون [473].

وعنه صلي الله عليه و آله و سلم أنه قال: إذا كان يوم القيامة نادي مناد: يا أهل الموقف هذا علي بن أبي طالب عليه السلام خليفة اللَّه في أرضه وحجّته علي عباده، فمن تعلّق بحبّه في الدنيا فليتعلّق به اليوم، ألا من ائتم بإمام فليتبعه اليوم وليذهب إلي حيث يذهب [474].

يؤيّد هذا قوله عليه السلام: كما تعيشون تموتون، وكما تموتون تبعثون، وكما تبعثون تحشرون [475].

والإنسان مع من أحب، وشيعة علي عاشوا علي حبّه فوجب أن يموتوا عليه، فوجب أن يبعثوا عليه. أصدق الحديث وحب علي الصراط المستقيم، والنجاة من العذاب الأليم.

فالشيعة علي

الصراط المستقيم، وهذه فرقة النجاة، وشيعة الحق أجمعوا علي أن الإمامة فرض واجب تعيينه علي اللَّه ورسوله لإجماع الناس علي الحق، وميلهم عن الباطل، مع وجود السياسة الشرعية والسياسة الإلهية؛ وحيث إن الإمام المعصوم فيهم فالإجماع فيهم، واستدلّوا بقوله صلي الله عليه و آله و سلم: «من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية» [476] فتعيّن لصدق البرهان أن الحق معهم، وأن الباطل في الطرف الآخر.

ما أثبته أهل الحق و النجاة للامام المعصوم و جنس التوحيد و فصله

لكن هؤلاء أهل الحق والنجاة لم يثبتوا للإمام إلّا أنه معصوم واجب الطاعة، وأنه أفضل من فلان وفلان، فهم في فصول التوحيد الداخلة تحت جنسه وبحضرته الجليلة والخفية لم يختلفوا، وكذا في أبحاث النبوّة وسرائرها وغامض البحث عنها، وأما في فصول الإمامة الداخلة تحت جنسها العالي وأنواعها، فإنهم ينكرون الأكثر من ذلك ويكتفون منها بما ذكر، وينسبون الباقي إلي قول الغلاة، وإليه الإشارة بقوله صلي الله عليه و آله و سلم: «ما اختلفوا في اللَّه ولا فيَّ وإنّما اختلفوا فيك يا علي».

فإذا قلت لهم: ما التوحيد وما جنسه وما فصوله وما القدر الواجب من معرفته؟ قالوا: أما الجنس من التوحيد فأن تعرف أن اللَّه تعالي موجود واجب الوجود، وإذا كان واجب الوجود فهو هو هو والذي هو لم يزل ولا يزال، وأما فصل التوحيد فالسلب والإيجاب، أما الإيجاب فأن تثبت للحي المعبود من الصفات ما يجب إثباته، وأما السلب فأن تنفي عن ذاته المقدّسة ما يجب نفيه، كل ذلك بالدليل، ومن لم يعرف من التوحيد هذا القدر فليس بموحد!

جنس النبوة و فصولها

إذا قلت لهم يوماً النبوة ما جنسها؟ وما فصولها وما الواجب من معرفتها؟ قالوا: إن النبي المرسل هو المبعوث إلي الناس كافة، المخبر عن الوحي السماوي بواسطة الملك، وأما فصولها فالعصمة وطهارة المولد، وأنه لا نبي بعده.

ان كل ما يجب اعتقاده من فصول التوحيد و نبوة محمد يجب اعتقاده في باب الإمامة

وكل ما يجب اعتقاده من فصول التوحيد ونبوّة محمد صلي الله عليه و آله و سلم يجب اعتقاده في باب الإمامة، لأنّ القول في الإمامة كالقول في التوحيد والنبوّة، لأن الإمامة جامعة للتوحيد والنبوة، فمن أنكر شيئاً ممّا يوجب عليه إثباته من باب التوحيد فليس بمؤمن، وكذا من أنكر شيئاً ممّا وجب عليه إثباته في باب الإمامة فليس بموال، لأن إنكار الجزء من الواجب كإنكار الكل، فما لنا[نأخذ] طرفاً من خصائص العصمة، وسندها عن المعصوم، الذي يجب تصديقه فيما صح نقله عنه، ثم نصدق بعضها وننكر بعضها، بغير مرجع فنصدق ما أدركته عقولنا، وننكر ما غاب عنّا معرفته.

ثم نقول لقصور أفهامنا عن إدراك ذلك، يكفينا في باب الإمامة أن نعرف أن الإمام معصوم مفترض الطاعة، فهلا كفانا هذا في باب التوحيد أن نعرف وجوب الوجود للحق سبحانه وتعالي، ولا نحتاج في باقي الصفات، وكيف لم يجز هذا في باب التوحيد؟ ويجوز في الإمامة، ونقول في الدعاء المنقول عنهم عليهم السلام «اللهمّ إني أدينك بدينهم وولايتهم والرضي بما فضلتهم به، غير منكر ولا مستكبر» [477].

والتفضيل هنا ليس هو القدر الذي به الاشتراك من النبوّة والولاية بينهم وبين من تقدّم من الأنبياء والأولياء، ولكنّه الأمر الذي لم يختص به سواهم مما بهر عيون العقول فأعماها، ورمي مقاتل الأفهام فأصماها، ثم إذا تليت علينا آيات فضلهم بما لا تناله أيدي أفهامنا أنكرنا واستكبرنا، فنحن إذاً مع تعبّدنا بأقوالهم مع تخالج الشكوك في

اعتقادها نتعبّد بما لا نعرف، أو بما لا نعتقد، والتعبّد بغير المعرفة ضلال، وبغير الاعتقاد وبال، لأن من استكبر فقد أنكر، ومن أنكر لم يرض، ومن لم يرض لم يطع، ومن لم يطع لم يوال، ومن لم يوال لا دين له، ومن لا دين له فهو كافر، فمن أنكر من لوازم الإمامة وأسرارها ما يجب علي المولي المطلق إثباته ممّا وردت به النصوص عنهم ولو حرفاً واحداً فهو كافر.

في تعريف الإمامة وبيان جنسها و فصولها

وبيان المدعي أنّا نقول في تعريف الإمامة وبيان جنسها وفصولها: الإمامة رئاسة عامة. هذا جنس يقتضي فصولاً أربعة: التقدّم، والعلم، والقدرة، والحكم؛ وإذا انتقصت هذه الفصول انتقص الجنس، فلا تعريف، إذاً فلا معرفة، فلا رياسة عامة فلا إمامة، وهي رياسة عامة، فالولي هو المتقدّم العام الحاكم المتصرّف علي الإطلاق بالنسبة إلي الخلق.

أما تقدّمه فلأن الولاية هي العلّة الغائية في كمال الأصول والفروع، والمعقول والمشروع، فلها التقدّم بالفرض والتأخّر بالحكم، لأن الولي المطلق هنا هو الإنسان الذي يلبسه اللَّه خلعة الجمال والكمال، ويجعل قلبه مكان مشيئته وعلمه، ويلبسه قباء التصرّف والحكم، فهو الأمر الإلهي في العالم البشري، فهو كالشمس المنيرة التي جعل اللَّه فيها قوّة النور والحياة، والإشراق والإحراق، فهي الضوء لأهل الدقور [478]، وإليه الإشارة بقولهم: «الحق مقاماتك وآياتك وعلاماتك، لا فرق بينها وبينك» [479].

التأنيث في الضمير راجع إلي ذواتهم التي هي صفات الحق والجمال المطلق، وقوله: «إلّا أنّهم عبادك» [480]، الضمير هنا عائد إلي أجسادهم المقدّسة، وهياكلهم المعصومة المطهّرة التي هي وعاء الأمر الإلهي، وجمال النور القدسي. وسبب الفرق والنفي موجب لثبات خواص الربوبية لهم، لأن الربّ القديم جل جلاله حكم عدل نافذ الحكم، غني عن الظلم، لا يتوهّم ولا يتهم، والولي المطلق كذلك.

وهذه الصفات

كلية، والكلي لا يمنع من وقوع الشركة، لأنه مقول علي كثيرين مختلفين بالحقائق، فاللَّه سبحانه حكمه في العدل وعدله وغناه عن الظلم لذاته من غير استفادة، والولي عدله وحكمته وعصمته خصّ من اللَّه وتأييد له بتلك القوي الإلهية والصفات الربّانية، وإليه الإشارة بقولهم: «إلّا انّهم عبادك وخلقك»، لأن هذا الاستثناء فارق بين الرب والعبد، لأن الرب المعبود سبحانه علمه وقدرته، وقدمه وغناه عن خلقه، غير مستفاد من إله آخر بل هي صفات ذاته، لأن واجب الوجود وجوب وجوده يقتضي صفات الألوهية، والإمام الولي قدرته وعلمه وحكمه وتصرفه في العالم من اللَّه اختاره، فقدمه وارتضاه فحكمه، ما اختار ولياً جاهلاً قط، فوجب له بهذه الولاية العامة التقدّم والعلم والتصرّف، والحكم والعصمة عن الخطأ والظلم.

أما التقدّم فلأن الولي حجّة اللَّه، والحجة يجب أن يكون قبل الخلق ومع الخلق وبعد الخلق، وأما العلم فلأن الولي هو العلم المحيط بالعالم، فلا يخفي عليه شي ء مما غاب وحضر إذ لو خفي عنه شي ء لجهل وهو عالم، هذا خلف.

دليله: ما رواه المفضل بن عمر عن أبي عبداللَّه عليه السلام أنه قال: يا مفضل، إن العالم منّا يعلم حتي تقلّب جناح الطير في الهواء، ومن أنكر من ذلك شيئاً فقد كفر باللَّه من فوق عرشه، وأوجب لأوليائه الجهل، وهم حلماء علماء أبرار أتقياء.

وذلك أن الولي لا يجوز أن يسأل عن شي ء وليس عنده علمه، ولا يجوز أن يسأل عن شي ء ولا يعلمه، والقرآن قد شهد له بذلك، وإليه الإشارة بقوله: «وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَي اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ» [481]، والمراد به الولي، ولفظ العموم هنا مخصّص للأولياء، وليس في العطف تباعد وتراخ، وكلّما يجري في العالم الذي أبرزه اللَّه إلي الوجود من عالم

الغيب والشهادة أخبر القرآن أن اللَّه يراه ورسوله ووليّه، ومن أصدق من اللَّه حديثاً.

وإليه الإشارة بقوله صلي الله عليه و آله و سلم: إنك تسمع ما أسمع، وتري ما أري [482]، فقوله «تسمع ما أسمع» هذا جارٍ في الأوصياء كافة، وقوله: «تري ما أري»، هذا مقام خصّ به علي عليه السلام. وإليه الإشارة بقوله: «هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ» [483]، والكتاب علي، ومنه قوله: «وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِالْحَقِّ» [484]، والكتاب الناطق هو الولي، وإليه الإشارة بقوله: «وَمَا تَعْمَلُون مِنْ عَمَلٍ إلّا كُنّا عَلَيْكُم شُهُوداً» [485]، وذلك لأنه ليس بين اللَّه وبين رسوله سرّ، وكيف وهو بالمقام الأعلي والمكان الأدني؟ وليس بينه وبين رسول اللَّه ووليّه سرّ، وهذا رمز، وحلّه أن ليس بينهم وبين اللَّه واسطة من الخلق، ولا أول في السبق، ولا أقرب إلي حضرة الحق، لأنّهم الخلق الأوّل والعالم الأعلي، والكل تحت رفعتهم، لأن الأعلي محيط بالأدني ضرورة، والولي يعلمه، فكل ما أبرزه اللَّه من الغيب وبسطه قلمه في اللوح المحفوظ فإنّ النبي والولي يعلمه، وإليه الإشارة بقوله صلي الله عليه و آله و سلم: «إن اللَّه أطلعني علي ما شاء من غيبه وحياً وتنزيلاً وأطلعك عليه إلهاماً، وإن اللَّه خلق من نور قلبك ملكاً فوكله باللوح المحفوظ، فلا يخط هناك غيب إلّا وأنت تشهده [486].

فالنبي والولي مطّلعان علي علم الغيب، لكن النبي لا ينطق به إلّا مع الأمر لأنه الرسول [487]، وإليه الإشارة بقوله: «وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَي إِلَيْكَ وَحْيُهُ» [488]، وأما الولي في النطق بالغيب مطلق العنان، وهذا الحديث يشهد للولي أنه عالم بكل العالم لأن العالم أول الموجودات وأعلاها، وفيه علم سائر الأشياء ومبدؤها ومنتهاها، وإذا كان موكلاً

باللوح وعالماً بما في اللوح، ووالياً علي اللوح، فهو عالم بما تحت اللوح ضرورة، والعالم بأجمعه تحت اللوح فهو إذاً عالم بسائر العالم؛ ودالّ علي سائر المعالم، دليل ذلك قولهم الحق: «ما منّا إمام إلّا وهو عالم بأهل زمانه» [489].

فالعلم فيهم ومنهم وعنهم، والقرآن عندهم وإليهم، ودين اللَّه الذي ارتضاه لأنبيائه ورسله وملائكته منهم وعنهم، وإليه الإشارة بقوله سبحانه شهادة لهم: «وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ» [490] والكتاب المبين هم وعندهم ومنهم وعنهم.

يؤيّد هذه المقولات البيّنات، قوله صلي الله عليه و آله و سلم: أوّل ما خلق اللَّه اللوح، ثم خلق القلم، ثم أشار إلي نهر في الجنة أن اجمد فجمد وصار مداداً، ثم قال له: اكتب.

فقال: ربّي وما أكتب؟

فقال: ما كان، وما هو كائن إلي يوم القيامة [491].

واشترط فيه البداء وهو النسخ «يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ» وصار علم اللوح إلي النبي صلي الله عليه و آله و سلم ثم إلي الأوصياء إلي آخر الدهر، وذلك لأن ما في اللوح إن كان الخلق لا يحتاجون إليه فما الفائدة في سطره؟ وإن كان محتاجاً إليه وهو محجوب عنهم فالحكمة لا تقتضي حجب الفوائد، وإن كان غير محجوب فإمّا أن يعلمه الخاص دون العام أو كلاهما معاً؟ فإن علمه الخاص فخاصة اللَّه وآل محمد، وان علمه العام فما يعلمه العام، فالخاص بعلمه أولي، وإلي هذا المعني أشار ابن أبي الحديد فقال:

علام أسرار الغيوب ومن له

خُلق الزمان ودارت الأفلاك

الجوهر النبوي لا أعماله

ملق ولا توحيده إشراك

الاستشهاد بالتطنجية علي علم الإمام

وإلي هذا المعني أشار بقوله في خطبة التطنجية: ولقد علمت ما فوق

الفردوس الأعلي وما تحت الأرض السابعة السفلي، وما بينهما وما تحت الثري، كل ذلك علم إحاطة لا علم إخبار، ولو شئتم لأخبرتكم بآبائكم أين كانوا، وأين صاروا اليوم [492].

في علم الإمام للغيب

وإيضاح هذا المشكل أن اللَّه سبحانه لما أراد أن يخلق هذا العالم خلق اللوح والقلم وكتب فيه من الغيب ما يتعلق بهذا العالم وبذلك، ورد الأثر من قوله: جف القلم بما هو كائن [493]، وقوله: فرغ اللَّه من حساب خلقه، ثم بعث إليهم من الهداة والولاة، وأوحي إلي كل نبي ورسول ما يحتاج إليه أهل زمانه من العقائد والشرائع، ممّا قضاه وقدّره ممّا يعرف منه ويعبد، حتي ختم الوجود بمحمد كما افتتح به الوجود، والفاتح الخاتم يجب أن يكون عنده علم ما كان وما يكون، لأنه منه البداية وإليه النهاية، لأن الواحد أوّل العدد ومنتهاه، فوجب أن يكون عنده علم ما كان وما يكون، ممّا كتب في اللوح وإلّا لزم العبث أو الظلم.

فجملة ما صار إلي الأنبياء وما خفي عنهم ممّا كتب في اللوح، وجري به القلم صار إلي سيّد الأوّلين والآخرين، وجميع ما صار إليه وحياً وإلهاماً ومشاهدة في المقام الأعلي والخطاب الربّاني بغير واسطة صار إلي وصيه القائم بدينه أمير المؤمنين عليه السلام، ثم إلي عترته الأبرار وخلفائه الأطهار، وقد صرّح القرآن بذاك من قوله: «وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ» [494] ودلَّ عليه قوله الحق: أعطيت ألف مفتاح من العلم يفتح كل مفتاح ألف باب، يفضي كل باب إلي ألف عهد، وصار ذلك في الأوصياء من بعدي إلي آخر الدهر [495].

فمن أنكر بعد هذا الشاهد الحق علم الغيب للإمام، وخالف بعدما وضح من البرهان المبين، فقد كذب بالقرآن، وكفر

بالرحمن، وكفي بجهنّم سعيراً.

الاستدلال بليلة القدر علي علم الإمام

يؤيّد هذا المدعي والشاهد قوله سبحانه: «إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ»، وقوله: «فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ» [496]، قال: فيها يقدر اللَّه ما يكون من الحق والباطل في تلك السنة، وله فيها المبدأ والمشية، يعني النسخ يقدم ما يشاء ويؤخّر ما يشاء، من الأعمار والأرزاق والبلايا، ثم يوحيها إلي الروح الأمين، فينزل بها إلي الرسول ثم يلتفت الرسول إلي أمير المؤمنين ثم إلي الأوصياء حتي ينتهي إلي صاحب الأمر والزمان ويشترك له فيها البداية والمشية، لأن حكمه حكم اللَّه، ومقامه مقامه، فهو مالك ومملوك، لأنّه سيد الخلق وعبد الحق، وليلة القدر باقية والحجة باقية، وأمر ليلة القدر في كل سنة ينتهي إليه، لأن ما دامت الدنيا باقية فليلة القدر باقية لا تزول، والمشية والحكم الإلهي لا يزول، والولي باق لا يزول، ووصول الغيب إليه باق لا يزول، ولا يزول، صدق القرآن ودوام حكم الرحمن، وهذا مقام الولي المطلق.

وعن محمد بن سنان عن المفضل عن أبي عبداللَّه عليه السلام أنّه قال له: يا مفضل من زعم أن الإمام من آل محمد يغرب [497] عنه شي ء من الأمر المختوم يعني ممّا كتب العلم علي اللوح، فقد كفر بما نزل علي محمد، وإنّا لنشهد أعمالكم ولا يخفي علينا شي ء من أمركم، وإن أعمالكم لتعرض علينا [498].

وإذا كانت الروح وارتاض البدن أشرقت أنوارها، وظهرت أسرارها، وأدركت عالم الغيب، ولا ينكر هذا إلّا الجاهل البليد فكيف تنكر أنت إحاطة روح الأرواح بعالم الغيب؟ وإذا قيل لك: إنّ علياً يعلم الغيب، وإذ كان الفضل بالعلم والسبق، وكان في العباد من هو أسبق، من آل محمد إلي العلم بأعمال العباد، فهو أفضل من آل محمد صلي الله عليه

و آله و سلم.

[عرض الأعمال علي آل محمد عليهم السلام [499].[

عرض الأعمال عليهم و حضورهم المؤمن عند الموت

المؤمن من الشيعة منهم مَنْ يري أن الأعمال تعرض علي النبي والولي، ومنهم مَنْ لا يري ذلك، ومنهم من يري أنّها تعرض علي الولي دون النبي، وتلك خاصة خصَّ اللَّه بها وليّه، ومنهم من يري أنه يشهدها ويعلمها، وهذا مقام التحقيق لا مقام التقليد، فنقول للمعتقد: الأعمال تعرض علي النبي والولي، ثم ترفع إلي حضرة الرب العلي، ومع عرضها فإن كان الإمام لا يعلمها إلّا بعد العرض؛ فما الفرق بين الإمام والمأموم؟ بل يكون في الرعية من هو أعلم منه، فأين الإمامة التي تعريفها أنّها رياسة عامة؟ وأين عمومها إذن؟

وإن كان يعلمها قبل العرض فما الفائدة في عرض ما يعلمه؟ وكذا القول في رفع الأعمال إلي حضرة الربوبية، فإن كان الرب لا يعلمها إلّا إذا رفعت إليه، كان العبد أعلم من الربّ وهو محال، لأن الرب سبحانه عالم بأعمال عباده، ومحيط بها وحافظ لها وقيوم عليها، ولا يخفي عليه شي ء في الأرض، ولا في السماء، فما الفائدة إذاً في عرض ما اللَّه ورسوله ووليّه أعلم به؟

والجواب عنه: أن الفائدة في عرضها علي اللَّه أن كثرة الأعوان تدلّ علي عظمة السلطان.

وأما الفائدة في عرضها علي الولي، فإن ذلك علي سبيل الطاعة والتعظيم، لأنه ما من أمر ينزل من السماء ويصعد من الأرض إلّا ويعرض علي الولي لتعلم الملائكة أن للَّه حجّة في أمره، وأنه مطاع الأمر، وأن أهل السَّموَات والأرض متعبّدون [500] بخدمته وحبّه وطاعته، وسبحان مَنْ استعبد أهل السَّموَات والأرض بولاية محمد وآل محمد عليهم السلام.

يشهد بذلك ما رواه محمد بن سنان عن الصادق عليه السلام أنه قال: إن لنا مع كل ولي أُذن

سامعة، وعين ناظرة، ولسان ناطق [501].

يؤيّد ذلك ما رواه ابن بابويه عن الصادق عليه السلام أنه قال: ما من مؤمن يموت إلّا ويحضره محمد وعلي فإذا رآهما استبشر [502].

وهذا عند أهل التحقيق من أصل العقائد، لأن المؤمن إذا مات رأي حق اليقين ووصل إلي اللَّه وحق اليقين، لأنهم أمر اللَّه الذي يحضره المؤمن عند احتضاره، فيحول بين الشيطان وبينه، فيموت علي الفطرة، وإذا مات علي الفطرة دخل الجنة.

اعترض جاهل فقال: إذا كانوا يحضرون المؤمن عند موته فإذا مات ألف مؤمن في لحظة واحدة فكيف السبيل؟

قلت له: فيجب الاعتقاد والاعتراف بحضورهم عند كل واحد واحد منهم لصدق وعدهم لشيعتهم وإعانته عند كربة الموت وتفريج همّه، وطرد الشيطان عنه، والوصية لملك الموت فيه، فلا يلتفت إلي الوهم؛ لضعف العقل السخيف والفهم ويقول: وكيف يحضر الجسم الواحد في الزمن الواحد في أمكنة متعدّدة [503]؟ وإذا اعترضك الشيطان فردّه بقوله سبحانه: «وَكَانَ اللَّهُ عَلَي كُلِّ شَيْ ءٍ مُقْتَدِراً» [504].

ان الولي يعلم بأوليائه أحياءا و أمواتا كما يعلم بأعدائه كذلك

وإذا كانوا عالمين بأوليائهم فهم عالمون بأعدائهم من غير شك؛ لدلالة الأعلي علي الأدني، لأن الولي علي الكل يجب أن يكون عالماً بالكل، وإلّا لكان رقيباً علي البعض دون البعض، والغرض عموم رياسته، فالواجب عموم علمه وإحاطته، وإلّا لم يكن رئيساً مطلقاً، وهو رئيس مطلق، هذا خلف.

وقد ورد عن أبي عبداللَّه عليه السلام أنه قال: إنّ للَّه اثني عشر ألف عالم، كل عالم أكبر من السَّموَات والأرض، وأنا الحجّة عليهم [505].

ولا يكون الحجّة حجّة علي قوم إلّا من يعلمهم ويشهدهم، وإلّا لم يكن حجة، وهو حجّة، فهو عالم برعيته، لأنه عين اللَّه الناظرة في عباده، وعين اللَّه مطّلعة علي سائر العباد، فهو في العالم كالشمس لأنّه نور الحق في الخلق، وشعاعه

مطلّ علي سائر العالم، وهو حجاب اللَّه في عالم الصور، وإليه الإشارة، يقول الرسول صلي الله عليه و آله و سلم: «علي لا يحجبه عن اللَّه حجاب» [506]، وهو السرّ والحجاب، فالإمام نور إلهي وسرّ ربّاني، وتعلّقه بهذا الجسد عارضي، دليله قوله سبحانه: «وأشرقت الأرض بنور ربّها» [507]، ونور الرب هو الإمام الذي بنوره تشرق الظلم، ويستضي ء سائر العالم.

الإمام عليه السلام مع الخلق لا يغيب عنهم

يعضد هذا التفسير ما ورد عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم أنه قال: «إنّ للشمس وجهين، وجه يلي أهل السماء، ووجه يلي أهل الأرض» [508]، فالإمام مع الخلق كلّهم لا يغيب عنهم، ولا يحجبون عنه، بل هم محجوبون عنه، وليس هو بمحجوب، لأن الدنيا عند الإمام كالدرهم في يد الإنسان يقلّبه كيف شاء.

وعنهم عليهم السلام: إن اللَّه يعطي وليّه عموداً من نور بينه وبينه يري فيه سائر أعمال العباد [509] كما يري الإنسان شخصه في المرآة من غير شك، كما رواه إسحاق بن عمّار عن أبي الحسن موسي عليه السلام أنه قال: دخل عليه رجل من خراسان فكلّمه بكلام الطير فأجابه موسي بمثل كلامه، فلما خرج الرجل قلت: يا سيدي ما سمعت مثل هذا الكلام، فقال عليه السلام: هذا كلام قوم من أهل الصين وليس كلام أهل الصين كلّه هكذا، ثم قال: أتعجب من هذا؟ قلت: نعم، قال: سأريك ما هو أعجب، إن الإمام يعلم منطق الطير ومنطق كل ذي روح، لا يخفي علي الإمام شي ء [510].

فهم صلوات اللَّه عليهم يشهدون الخلق عند الحياة وعند الممات، لأنّهم العالمون عن اللَّه بكل موجود ومفقود، كما ورد عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم أنه مرّ علي

قبر فقال: أف، أف؛ فقيل: يا رسول اللَّه ماذا؟ فقال: إنّ صاحب هذا القبر سئل عني فأمسك، فأففت عليه.

ومن ذلك ما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال لكميل بن زياد وقد مرّ معه في جبانة فأسرع السير فقال له: «خفّف الوطء يا كميل فإنّهم يسمعون صرير نعالك».

وعِلم الإمام بهم ليس ظنّ ولا تقليد، ولكنّه علم إحاطة وتحقيق [511]، فعلم اللَّه محيط بالمعلومات، وعلمهم نافذ في طبقات السَّموَات، لأنّ السَّموَات والأرض وما فيها خزانة اللَّه خلقها لأجلهم وسلّمها إليهم، فعندهم مفاتيح علمها وغيبها لا بل هم مفاتيح الغيب، وإليه الإشارة بقوله: «وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الغَيْب» [512] لأن الولي المطلق هو الذي بيده مفاتيح الولاية، بل هو مفتاح الولاية، يؤيّد ذلك قوله سبحانه: «صِرَاط اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّموَات وَمَا فِي الْأَرْضِ» [513]، وهذا صريح، قال الصادق عليه السلام: صراط اللَّه علي جعله اللَّه أمينه علي علم ما في السَّموَات وما في الأرض، فهو أميره علي الخلائق وأمينه علي الحقائق [514].

يؤيّد هذا التفسير قول أمير المؤمنين في خطبة التطنجية: «لو شئت أخبرتكم بآبائكم وأسلافكم ممّن كانوا وأين كانوا، وأين هم الآن وما صاروا إليه؟ فكم من آكل منكم لحم أخيه وشارب برأس أبيه، وهو يشتاقه ويرتجيه، هيهات إذا كشف المستور وحصل ما في الصدور، وأيم اللَّه لقد كررتم كرات وكم بين كرة وكرة من آية وآيات».

ويجب من عموم علمه عموم إحاطته لأنه وجه اللَّه الذي منه يؤتي، والسبب المتصل بين الأرض إلي السماء، وإليه الإشارة بقوله: «فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ» [515]، والشمس المنيرة التي لا يحتجب من ضوئها شي ء أبداً، والاسم الجاري الساري في كلّ شي ء، فهم إلي طرف الموجودات مولاها ومعناها، وإلي حضرة

الأحدية عبدها ووليها وخليفتها وعليها، وإليه الإشارة بقوله: «إِلَّا مَنِ ارْتَضَي مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً» [516]، قال أبو جعفر عليه السلام: «الرصد التعلّم من النبي» [517]، وقوله: من بين يديه، يعني يلقي في قلبه الإلهام ليعلم النبي أنه قد بلغ رسالات ربّه، وأحاط علي بما لديه من العلم «وَأَحْصَي كُلَّ شَيْ ءٍ عَدَداً» [518]، قال: علم ما كان وما يكون إلي يوم القيامة، حتي معرفة كل إنسان باسمه ونسبه، ومن يموت موتاً ومن يقتل قتلاً، ومن هو من أهل الجنة، ومن هو من أهل النار [519].

وإليه الإشارة بقوله: «وَكَذلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّموَات وَالْأَرْضِ» [520]، وإنما رآه بمرآة «إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً» [521] فرآه بعين الولاية، لأن النبي قد يحجب عن الملكوت لأن الوحي منه يأتيه، والولي لا يحجب عن الملكوت، فالنبي ينتظر الغيب والولي ينظر في الغيب، وليس الولي بهذا المقام أعلي من النبي بل هو في سائر المقام تلميذه، وتحت مرتبته، وفيضه عنه، وعلمه عنه، وقد يكون للولي ما ليس للنبي وإن كان من اتباعه، كقصة الخضر وموسي، وهذا إشارة إلي الإلهام، وإليه الإشارة بقوله: ولقد نظرت في ملكوت السَّموَات والأرض فما غاب عنّي شي ء ممّا كان قبلي، ولا شي ء ممّا هو كائن بعدي [522].

فذلك حق لأن الولي المطلق لو جهل شيئاً لجهل من ولاه، ولو علم شيئاً دون شي ء لاتصف بالعلم تارة وبالجهل أخري، فكان جاهلاً وهو عالم، هذا خلف؛ ولو جهل لارتفعت الولاية والعصمة، ما اتخذ اللَّه ولياً جاهلاً قط، فيلزم لو جهل عدم الولي أو كونه جاهلاً وهو محال، فيكون عالماً بالكل وهو المطلوب، وإليه الإشارة بقول ابن أبي الحديد في مدحه له عليه السلام:

وذو

المعجزات الباهرات أقلها

الظهور علي مستودعات السرائر

دليله قوله الحق: «أنا الهادي بالولاية» [523] فهو عليه السلام غيب اللَّه المكتوب، وعلمه المنصوب، وخزانة غيبه في سماواته وأرضه، ووارث أسرار نبيّه، فهو الإمام المبين الذي كلّفه اللَّه هداية الخلق، وقضي فيه كل شي ء فكل علم نزل إلي النبي صلي الله عليه و آله و سلم فهو عنده ومنه وفيه، وإليه الإشارة بقوله صلي الله عليه و آله و سلم: «أنت منّي وأنا معك سرّي وعلانيتي، وأنت روحي التي بين جنبي، لحمك لحمي، ودمك دمي، وما أفرغ جبرائيل في صدري حرفاً إلّا وقد أفرغته في جوفك» [524].

وهذا كلام عظيم يصرح لعلي بالتشريف والتعظيم، والتفضيل والتقديم، حيث هو قسيم بنعمة النبي الكريم، وشقيق نور الرؤوف الرحيم، فهو منه في النور والروح والطينة، والظاهر والباطن، ولا فرق هناك إلّا النبوّة، وهو الآيات والمقامات والكلمات التامات، والأنوار الباهرات تقصر القول عن معرفة أسرارها، وتعمي عيون الأفهام عن بوارق أنوارها، سرّ الرحمن الرحيم، وما يلقاها إلّا ذو حظٍّ عظيم، ومن أنكر أن الإمام يعلم الغيب أنكر إمامته، ومن أنكر إمامته لا يبالي محو المحكم من كتاب اللَّه أو جحد نبوّة الأنبياء، وزعم أنه ليس إله في السماء، فوجب أن يعلم الولي أهل ولايته أحياءً وأمواتاً، وإلّا لكان عالماً في وقت دون وقت وهو محال، لأن الولي هو الإنسان الكامل، فكيف يكون كاملاً ناقصاً، هذا خلف؟

الدليل علي علمه بهم عند الموت و بعده

أما علمه بهم عند الموت فدليله قوله لحارث همدان: يا حارث، قال: نعم يا مولاي، فقال: «لو قد بلغت نفسك التراقي لتراني حيث تحبّ» [525].

وهذا إشارة إلي حضوره عند الموتي. [526].

وأما علمه بهم بعد الموت فدليله قوله للأصبغ بن نباتة في نجف الكوفة: «يا أصبغ إن في هذا

الظهر أرواح كل مؤمن ومؤمنة، فلو كشف لك ما كشف لي لرأيتهم خلقاً يتحدّثون علي منابر من نور»، وذلك حق لأن الولي إذا أحاط علماً بالأحياء وجب أن يحيط علماً بالأموات، وإلّا لامتنع الأوّل لامتناع الثاني، لكن الأوّل غير ممتنع فالثاني كذلك، لأن العلم الذي أيّد به وعلم به للأحياء به علم الموتي، وإليه الإشارة بقوله: «قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ» [527]، والكتاب الحفيظ، هو الولي وعلمه عنده وذلك لأن اللوح المحفوظ فيه سطور غيب اللَّه، واللوح الحفيظ في الأرض هو المستودع لغيب اللَّه وإليه الإشارة بقوله: «بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ -فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ» [528]، والولي حافظ للذكر وعالم بتأويله وتنزيله، فاللوح المحفوظ بالحقيقة هو الولي، فمن أنكر علم الولي بأهل ولايته ومشاهدته لأعمالهم فقد كذّب القرآن وكفر بالرحمن.

الدليل علي عدم تخصيص علمه بوقت دون وقت ولا بشيء دون شيء

وكذا من خصص علمه بوقت دون وقت، وشي ء دون شي ء، فقد قضي للولي بالجهل، فيلزم من تكذيب الثاني تكذيب الأوّل، ومن تصديق الأوّل تصديق الثاني، لعدم التخصيص، فيلزمه إذاً التصديق بما كذب، والتكذيب بما صدق، ومن الأول يلزم الكفر، ومن الثاني يلزم الارتداد وفساد الاعتقاد، لكن الأول صادق، والثاني كذلك.

في أن قدرة الولي مطلقة كعلمه

وأما القدرة [529] فإنّ الولي المطلق قدرته كعلمه، وعلمه محيط، فقدرته كذلك لأن قلب الولي مكان مشية الرب العلي، ولسانه منبع حكمته، يفعل ما يريد اللَّه، ويريد ما يفعل.

في أن حكمه الولي مطلق أيضا

وأما الحكم المطلق فكما مر، لأن الولاية لها الحكم من البداية إلي النهاية، لأن الولاية علم اليقين وحق اليقين، لا ينسخ ولا يتغيّر ولا يتبدّل بتغيّر الزمان، ولا ينسخ كنسخ الشرائع والأديان، ولا يختم لأنه ختم الأكوان، ولا تسبق لأن لها السبق بالكون والمكان، فعهدها مأخوذ من الأزل ولم يزل، يتسلّمها ولي من ولي ورضي من رضي إلي يوم القيامة، لأن الرب الملك الحق المبين أخذ لها العهد علي أسماء قبل خلق الأرضين والسَّموَات، وهي الختم والكمال لكل دين، ولها الحكم عند نصب الموازين، وويل للمكذِّب بيوم الدين، وإلي هذا البرهان المبين الإشارة من قول الصادقين: سبحان من خلق السَّموَات والأرضين، وما سكن في الليل والنهار بمحمد وآل محمد صلي الله عليه و آله و سلم.

الدليل علي أن الحكم لهم في الدنيا و الآخرة

هذا كلام الحجّة، وكلام الحجّة حجّة، فقوله لمحمد وآل محمد هذا لام التمليك والتخصيص، لأن من خلق الشي ء لأجله فهو له في الدنيا والآخرة، لهم خلقت وإليهم سلمت، فدلّ بهذا الصريح أن ملك الدنيا والآخرة وحكم الدنيا والآخرة لا بل الدنيا والآخرة لهم علي غير مشارك ولا منازع، إن الكل عبيدهم وملكهم [530]، وهم سادة الكل ومواليهم، سبحان من استعبد أهل السَّموَات والأرض بولاية محمد وآل محمد.

وهذا مصرح أن الكل لهم وعبيدهم، وأن لهم السيادة والسؤدد علي جميع الخلائق، فالخلائق عبيدهم وهم عبيد اللَّه ونوّاب مملكته، وخاصة حضرته وخزنة غيبه، وقوام خلقه. وإلّا لزم كذب المعصوم أو تكذيبه، والأوّل محال والثاني كفر مثبت.

إن الدنيا والآخرة ملكهم ومليكهم، وإليه الإشارة بقوله صلي الله عليه و آله و سلم: «سبحان من يملكها محمداً وآل محمد وشيعتهم» [531]، فتساوي طرفا الحكم والملك في الدارين لديهم وإليهم لعدم الترجيح والتخصيص، فمن اعتقد أن

ملك الدنيا والآخرة لهم آمن بالخصوص الإلهية والنصوص الإمامية، ومن أنكر الطرفين كفر بالقرآن، وكذب أولياء الرحمن، ومن صدق طرفاً وكذب طرفاً بعد ثبوت الطرفين لهم لزمه من إنكار الثاني إنكار الأوّل، ومن تصديق الأوّل تصديق الثاني، لكن تكذيب الأوّل كفر فالثاني كذلك، وتصديق الأول إيمان فالثاني كذلك، وتصديق الثاني إيمان فتكذيب الأوّل كفر، فمن صدق الأول وكذب الثاني لزمه التكذيب بالصدق أو التصديق بما وجب تكذيبه، فيلزمه من ذلك الكفر بالإيمان والإيمان بالكفر.

فبان بواضح البرهان الذي لا ينقض، والحق الذي لا يدحض، أن لهم ملك الدنيا والآخرة، وحكم الدنيا والآخرة، والإنكار لذلك كفر لصدق دليله، والشك فيه شرك لوضوح سبيله، والريب فيه ارتداد لصحّة تأويله، والتصديق به نجاة لبرد مقبله، ومن كذب بما وجب تصديقه من الدين فقد كفر بوحي ربّ العالمين، وذلك لأن الكتاب والعترة حبلان متصلان، وإليه الإشارة بقوله: «خلّفت فيكم الثقلين كتاب اللَّه وعترتي أهل بيتي، إن تمسكتم بهما لن تضلّوا، أنبأني اللطيف الخبير أنّهما لن يفترقا حتي يردا علي الحوض» [532].

قوله: حتي يردا علي الحوض شريد وطريد، لأن الكتاب يعرّف الأمة فضل الأئمة ووجوب طاعتهم، والعترة تشهد للكتاب بأنه الحق، فالكتاب نُبِذَ وحُرِّف وتُرك، والعترة قُتِلوا وشُرِّدوا وطُردوا فهما صاحبان شريدان طريدان لا يأويهما أحد، ولم يسترشد بهما ضالّ حتي يردا الحوض شاكيين إلي اللَّه ورسوله، فكلّما يجب من التصديق للكتاب يجب للعترة، وفي الكتاب علم كل شي ء، وبيان كل شي ء، وكذا يجب أن يكون عند العترة لأنهم تراجمة القرآن، وسرّ غيب الرحمن، فعندهم علم كل شي ء وإلّا لما كانا حبلين متصلين، ولما قال: «كهاتين»، وقرن إحدي إصبعيه إلي الأخري، ثم بيّن أن علم القرآن عندهم وأنهم مساوين للكتاب في

الشرف والطاعة، فقال: «ولا أقول كهاتين فأفضّل هذه علي الأخري»، فمن آمن بكل الكتاب وأنكر حرفاً منه لم يكن مؤمناً لأن اللازم له في الاعتقاد تصديق الكل، أو إنكار الكل، لكن إنكار الكل كفر، وتصديق الكل إيمان.

ان من شك في العترة أو أنكر حرفاً من أقوالهم فقد أنكر الكل

وكذا القول في العترة فمن أنكر حرفاً من أقوالهم أو ردَّ حديثاً من أحاديثهم أو شك في شي ء من أمرهم أو استعظم حديثاً من سرائرهم، فقد أنكر الكل، فبان بهذه البراهين الموجبة لحق اليقين أن علياً حاكم يوم الدين، ومالك يوم الدين [533]، وولي يوم الدين، بأمر ربّ العالمين.

الولاية المطلقة والمقيدة

في أن علياً حاكم يوم الدين و مالك يوم الدين و ولي يوم الدين بأمر رب العالمين

وبيان ذلك أن الملك والتملّك والحكم والتحكّم، والولاية والتولية إما أن يكون علي الإطلاق أو بالتقيّد، فمالك يوم الدين الرحمن الرحيم مطلقاً هو اللَّه الذي لا إله إلّا هو الذي كل شي ء ملكه ومملوكه، وهو الرب الذي تفتتح الفاتحة بحمده وتعديد صفاته، وتختمها بالتضرّع إليه، وأما الحاكم في ذلك اليوم بالولاية عن أمر اللَّه ورسوله أمير المؤمنين وذلك لأن ولايته حبل ممدود وعهد مأخوذ من الأزل إلي الأبد غير محدود، فهو لما كان مالك الدنيا وأهلها، وحاكمها ووليّها، فكذا هو مالك الآخرة وحاكمها ووليها، لأن ولايته عروة لا انفصام لها، ودولة لا انقضاء لها، وإليه الإشارة بقوله: «فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَي لَا انفِصَامَ لَهَا» [534] وهو ولاية علي وحكمه لا انقطاع لها، دليله قوله سبحانه: «أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ» [535]، قال علي بن إبراهيم في تفسيره: أمير المؤمنين أحكم الحاكمين، فهنا إطلاق وتقييد، أما أمير المؤمنين عليه السلام فهو حاكم يوم الدين ومالكه وواليه، وصاحب الحساب عن أمر اللَّه وأمر رسوله، ومالك يوم الدين مطلقاً من غير تقييد ولاية، ولا إذن واللَّه رب العالمين رب الدنيا والآخرة، وإله الدنيا والآخرة، وخالق الدنيا والآخرة.

توجيه القول بأن علياً مالك يوم الدين و الحاكم يوم الدين

وهذا مثل قول المتكلِّم: اللَّه واجب الوجود حي، والإنسان حال وجوده أيضاً واجب الوجود حي، فأشركا في لفظ الوجود وامتازا بفصل الإمكان والوجوب، فالرب سبحانه حي واجب الوجود لذاته، والإنسان حي واجب الوجود لغيره، فكذا إذا قلنا علي مالك يوم الدين وحاكم يوم الدين، وأنت تعلم أنه ولي اللَّه وخليفته، والولي له الحكم فلا يحتاج العقل السليم إذن مع معرفة الحكم المقيّد إلي قرينة أخري.

(تنبيه) كما أنه إذا قيل: فلان مالك ديوان العراق وحاكم ديوان العراق علي الإطلاق، فيذهب العقل السليم إلي

أنه هو السلطان ولا يحتاج إلي قرينة أخري تميّزه بل إطلاق اللفظ يدل علي أنه هو الوزير وصاحب الدفتر، وكذا إذا قلت علي مالك يوم الدين، فلا يذهب ذهن المؤمن الموحِّد العارف باللَّه، إلي أن علياً هو اللَّه لا إله إلّا اللَّه، بل انّه ولي اللَّه، والولي وهو الوالي فله الولاية والحكم بأمر اللَّه الذي حكَّمه وولّاه، وفوّض إليه أمره وارتضاه، فيا عجباً كيف يرضاه اللَّه وأنت لا ترضاه «أَمْ يَحْسِدُونَ النَاسَ عَلي مَا أَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِه»، ثم تدّعي بعد ذلك أنك تعرفه وتتولاه، وأنت واللَّه الكاذب في دعواه، فأنت كما قيل:

«ويدّعي وصلها من ليس يعرفها

إلّا بأسمائها في ظاهر الكتب»

فأنت في أمر علي لم ترض برضي اللَّه، ومن لم يرض برضي اللَّه، فعليه لعنة اللَّه، ألم تعلم يا منكر الحق بجهله ومدّعي العرفان وليس من أهله أن الدنيا والآخرة لهم خلقت، وبهم خلقت، ومن أجلهم خلقت، وإليهم سلمت، واللَّه غني عن العالمين، وما هو بهم ولهم ولأجلهم، فهو مالكهم وملكهم من غير مشارك ولا منازع، وثبوت ذلك من قول المعصوم، ووجوب تصديق قوله واعتقاده، لأن من ردّ علي الولي فقد رد علي الرب العلي ومن رد علي العلي كفر، فمن ردَّ علي الحجّة المعصوم فقد كفر، فها قد صرح الدليل أن من أنكر ولاية علي وحكمه في الدنيا والآخرة فقد كفر، ومن أنكر أحد الطرفين فهو واقف بين جداري الكفر والإيمان، فإما أن يعتقد الطرفين فيؤمن، أو ينكر الطرفين فيكفر، كما قال أمير المؤمنين عليه السلام لرجل قال له: أنا أحبّك وأهوي فلان، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: أنت الآن أعور فإمّا أن تعمي، أو تبصر [536]؟ «فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤمِن، وَمَنْ شَاء فَلْيَكْفُر»،

وما أنت عليهم بمسيطر.

الدليل علي أن عليا هو الحاكم يوم الدين

وبيان هذا البرهان أنه تعالي أمر نبيّه يوم الدار أن يجمع بني عبد المطّلب ويدعوهم إلي اللَّه، فمن سبق منهم إلي تصديقه وأجاب دعوته وصدق رسالته، ورأي نصرته، كان له بذلك أربعة عهد من اللَّه ورسوله، ويكون أخاه وصهره، والحاكم بعده فما أجاب دعوته غير علي فبايعه ونصره وفداه، ووفي بعهد اللَّه فخاض في رضاه الحتوف، وقتل في طاعته الألوف، وكشف عن دينه الكربات، وكسر الرايات، وأخرج الناس من الظلمات، ولما قبض رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم تواثبت الضباع علي الأسد المناع، والولي المطاع، فعوت علي الهزبر الكلاب، وصار ملك أبي تراب، الذي صفي سبحانه بحد الحساب، والقرضاب، إلي … الذي لم يحمر له حسام يوم الضراب، ولا مرَّ في ملمة [537] إلّا انقلب وخاب، ولم يدع إلي كريهة فأجاب.

فوجب في عدل الكريم الوهّاب، من باب «أَوفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُم» أن يوليه يوم القيامة عوضاً عن حقّه الممنوع في الدنيا حكم يوم الحساب، وإليه الإشارة بقوله: «وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ» [538] لأن المواهب الربانية والتحف الإلهية، إما أن تكون استحقاقاً أو تفضّلاً، وكلاهما حاصلان لأمير المؤمنين عليه السلام، أما الاستحقاق فإنّ اللَّه أوجد فيه من الأسرار الإلهية، والقوي الربّانية، والخواص الملكية ما لم يوجد في غيره من البشر، حتي تاه ذو اللب في معناه وكفر، وإليه الإشارة بقوله صلي الله عليه و آله و سلم: «خُلقت أنا وعلي من جنب اللَّه ولم يخلق منه غيرنا» [539]، وجنب اللَّه معناه علم اللَّه، وحق الله له كإحياء الأموات والإخبار بالمغيبات، وتكلم أذياب الفلوات، وإغاضة ماء الفرات، ورجوع الشمس له بعد الغياب، وإظهار وإيراد المعجبات، وأما التفضّل فإنّ اللَّه

يختص برحمته من يشاء، ففوّض اللَّه إليه أمر العباد وجعله الحاكم يوم المعاد، فهو حاكم يوم الدين، ومالك يوم الدين، وولي يوم الدين، ولا ينكر هذا الحق المبين، إلّا من ليس له حظّ من الإيمان واليقين، ومن لا إيمان له كافر فوجب علي من شمّ حقائق الإيمان استنشاق نسيم أزهار هذه الأشجار، والتصديق لهذه الآثار، ومن أنكرها ولو حرفاً منها فقد عارض زكام الكفر خيشوم إيمانه فليداوه بسعوط التصديق، ولكن ذاك في حقق التحقيق، ومن أعرض عن واضح الدليل، فقد ضلّ عن سواء السبيل.

الرد علي من قال: لو قلنا أن عليا مالك يوم الدين يلزم منه أن يكون هو الرحمن الرحيم و تفسير سورة الفاتحة

اعترض معترض من أهل التقليد، وممّن هو عن إدراك التحقيق بعيد، فقال: إذا قلنا مالك يوم الدين علي، وحاكم يوم الدين علي، يلزم أن يكون الرحمن الرحيم أيضاً علياً، فقلت له: ليس الأمر كماذهب إليه وهمك، وقصر عن إدراكه فهمك، لإنّا لا ندّعي أن علياً مالك يوم الدين من هذه الآية، لأنا إذا قلنا: الحمد للَّه ربّ العالمين فإنّا نشهد أن جميع المحامد بجوامع الكلم من كل مادح وحامد، فإنّها للَّه ربّ العالمين يستحقها ويستوجبها الرحمن الرحيم، ويجري عليها عدلاً وقسطاً، مالك يوم الدين الذي طوق بإحسانه أهل سماواته وأرضه، أخرجهم بلطفه من كتم العدم، وأفاض عليهم من سحائب كرمه فوائض النعم، ووسعهم بجوده وعفوه ومَنّه، فهو مالك يوم الدين الذي كل شي ء ملكه ومملوكه، فله الملك للعباد، والعدل في المعاد، لكنّه يملك من أراد، وإن تقطّعت أكباد ذوي العناد.

وإذا قلنا إياك نعبد وإيّاك نستعين نقرّ بأن الموصوف بهذه الصفات هو المعبود الحق. فنقول: هناك «اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ» نسأل بعد الحمد لواجب الوجود، ومفيض الكرم والجود، أن يهدينا إلي حب علي لأنه الصراط المستقيم «صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ»، وهم آل محمد

صلي الله عليه و آله و سلم الذين لأجلهم خلق الكون والمكان «غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ»، وهم (أي المغضوب عليهم) أعداؤهم الذين يبدّل اللَّه صورهم عند الموت، «وَلَا الضَّالِّينَ» وهم شيعة أعدائهم.

دليل قرآني آخر علي أنه الحاكم يوم الدين

لمّا رأينا اللَّه سبحانه قد أدخل نبيّه ووليّه في صفاته، وخصّ محمداً وعلياً بعظيم آياته، فقال في وصف نبيّه الكريم: «لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ» [540] وقال في حق وليّه: «وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ» [541] فهو الحاكم الحكيم، لأن العلو هو الحكم، فهو العالي علي العباد، والحاكم يوم التناد، لأن كل حاكم عال من غير عكس، وكل حاكم يوم الدين مالك من غير عكس، فهو حاكم يوم الدين ومالك يوم الدين، بنص الكتاب المبين، لأن من حكم في شي ء ملكه، وإليه الإشارة بقوله: «أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ» [542] ومفاتيح الجنة والنار بيده فهو المالك ليومئذ والحاكم إذاً، ومن كذب هذا وأنكر سيري برهانه حين يبشّر اللَّه أكبر، والحاكم يوم البعث حيدر، ولعنة اللَّه علي من أنكر، وقوله: حكيم لأنّه قسيم الجنة والنار لأن حبّه إيمان وبغضه كفر، وهو يعرف وليّه وعدوّه فهو إذاً يقسم وليه إلي النعيم وعدوّه إلي الجحيم، من غير سؤال فهو العلي الحكيم.

الاستدلال بعلم الحروف علي أن عليا مالك يوم الدين

فأحببنا أن نكشف الستر، عن وجه هذا السرّ، ونبيّنه ليهلك من هلك عن بيّنة، ويحيي من حي عن بيّنة، فوجدناه من أسرار علم الحروف في هذه الآيات الثلاث اسم علي مرموزاً مستوراً، فالأوّل قوله: ع ل ي ح ل ي م فإن عدد حروفها 7، والسبعة حرف الزاي وعنها تظهر الأسرار، وأما أعدادها فهي 188، وأما قوله: ا ل ص ر ا ط ا ل م س ت ق ي م، فإنّ عدد حروفها 14، وأعدادها [543] (،1013) وأما قوله: م ا ل ك ي و م ا ل د ي ن وهي 12 حرفاً، وعنها يظهر

السرّ الخفيّ والأمر المخفي، من أسرار آل محمد لمن كان من أصحاب علي، وأما أعدادها وهي [544] (232)، فمن عرف أسرار الحروف عرف أن العلي الحكيم، والصراط المستقيم، ومالك يوم الدين، هو علي بن أبي طالب عليه السلام (بأمر ربّ العالمين).

اسم علي ومحمد عليهماالسلام علي كل شي ء

[اسم علي ومحمد عليهماالسلام علي كل شي ء [545] [

الاستدلال بالأخبارالحروف علي أن عليا مالك يوم الدين..

وكذا من تصفّح وجوه الآيات والدعوات، والأسماء الإلهيات، وجد اسم محمد وعلي في كل آية محكمة ظاهراً وباطناً، لمن عرف هذا السرّ ووعاه، فلا يحجبنّك الشك والريب في نفي أسرار الغيب، لأن كل عدد ينحل أفراده إلي الهوي فهو يشير إلي الهوية التي لا شي ء قبلها، ولا شي ء بعدها، ويشير بحروفه إلي الكلمة، التي هي أوّل الكلمات وروح سائر الكلمات، ولذلك ورد [546] في آيات أن القرآن ثلاثة أثلاث ثلث في مدح علي وعترته ومحبّيه، وثلث في مثالب أعدائه ومخالفيه والثلث الآخر ظاهره الشرائع والأحكام وتبيين الحلال والحرام وباطنه اسم محمد وعلي. وذلك أن القرآن له باطن وظاهر فلا تَرْتَبْ أيّها السامع عند ورود فضائل أبي تراب! أليس وجود الأشياء كلّها من الماء «وَجَعَلْنَا مِنَ المَاءِ كُلَ شَي ءٍ حَيّ»، فالماء أبو الأشياء كلّها وهو عليه السلام أبو تراب فهو سرّ الأشياء كلّها، وإليه الإشارة بقوله صلي الله عليه و آله و سلم: ليلة أسري بي إلي السماء لم أجد باباً ولا حجاباً، ولا شجرة ولا ورقة ولا ثمرة، إلّا وعليها مكتوب علي علي، وان اسم علي مكتوب علي كل شي ء [547].

يؤيّد هذا ما رواه سليم بن قيس عن رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم أنه قال: علي في السماء السابعة كالشمس في الدنيا لأهل الأرض، وفي السماء

الدنيا كالقمر في الليل لأهل الأرض، أعطي اللَّه علياً من الفضل جزءاً لو قسّم علي أهل الأرض لوسعهم، وأعطاه من العلم جزءاً لو قسّم علي أهل الأرض لوسعهم [548]، اسمه مكتوب علي كل حجاب في الجنة بشّرني به ربّي، علي محمود عند الحق، عظيم عند الملائكة، علي خاصّتي وخالصتي، وظاهري وباطني، وسرّي وعلانيتي، ومصاحبي ورفيقي وروحي وأنيسي، سألت اللَّه أن لا يقبضه قبلي، وأن يقبضه شهيداً، وإني دخلت الجنة فرأيت له حوراً أكثر من ورق الشجر، وقصوراً علي عدد البشر، علي منّي وأنا من علي، من تولّي علياً فقد تولّاني، حبّه نعمة واتباعه فضيلة، لم يمش علي وجه الأرض ماش أكرم منه بعدي، أنزل اللَّه عليه رداء الفضل والفهم، وزيّن به المحافل، وأكرم به المؤمنين ونصر به العساكر وأعزّ به الدين، وأخصب به البلاد وأعزّ به الأخيار، مثله كمثل بيت اللَّه الحرام يزار ولا يزور، ومثله كمثل القمر إذا طلع أضاءت الظلم، ومثل الشمس إذا طلعت أضاءت الحنادس، وصفه اللَّه في كتابه ومدحه في آياته وأجري منازله فهو الكريم حيّاً والشهيد ميّتاً، وإن اللَّه قال لموسي ليلة الخطاب: يابن عمران إنّي لا أقبل الصلاة إلّا ممّن تواضع لعظمتي، وألزم قلبه خوفي ومحبّتي وقطع نهاره بذكري، وعرف حق أوليائي الذين لأجلهم خلقت سماواتي وأرضي وجنّتي وناري، محمد وعترته فمن عرفهم وعرف حقّهم جعلته عند الجهل علماً وعند الظلمة نوراً، وأعطيته قبل السؤال وأجبته قبل ا لدعاء [549].

ومن ذلك ما رواه وهب بن منبه قال: إن موسي ليلة الخطاب وجد كل شجرة ومدرة في الطور ناطقة بذكر محمد ونقبائه، فقال: ربّي إنّي لم أرَ شيئاً ممّا خلقت إلّا وهو ناطق بذكر محمد ونقبائه، فقال اللَّه: يابن عمران

إني خلقتهم قبل الأنوار، وجعلتهم خزانة الأسرار، يشاهدون أنوار ملكوتي، وجعلتهم خزانة حكمتي، ومعدن رحمتي ولسان سري وكلمتي، خلقت الدنيا والآخرة لأجلهم، فقال موسي: ربي فاجعلني من أمّة محمد، فقال: يابن عمران إذا عرفت محمداً وأوصياءه وعرفت فضلهم وآمنت بهم فأنت من أمّته [550].

يؤيّد هذا ما رواه صاحب الأمالي قال: قال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم: يا علي إن اللَّه أعطي شيعتك سبع خصال: الرفق عند الموت، والأنس عند الوحشة، والنور عند الظلمة، والأمن عند الفزع، والقسط عند الميزان، والجواز علي الصراط، ودخول الجنّة قبل الأمم بأربعين عاماً [551].

وها أنا أقول بعد هذه البراهين مستمعاً للمعرض عن حق اليقين:

كم جهد تبعنا لك في الدلايل

وجمعها وأنت جهدك بأنك تنكر

لكل دليل الورد منعم صباحو نعم

ومطيب روائحو إلّا الجعل

من يشمو يروح وهو عليل

من لا تري الشمس عنبر ولا يري البدر مقلتو

ولا الصباح المشرق أيش ينفعو قنديل

فأنت في ذا اعتقادك تشرب علي

هذا الظمأ ماء البحار السبع وتنل غليل

إلي متي أي محارف في مهمة القول والجدل

شبه البهائم هائم لا بل أضلّ سبيل

هذا اعتقاد لحيدر عن طيب أصلك تنبه

والفرع لا شك دائم علي الأصول دليل

في القيل والقال تخيط وتسمع الحق تنكر

وحتي يقول العالم لك في الفضول فضيل

ايش ينفع الحج كلو والزهد والفقه في غد

لمن غدي يتنقص بصاحب التفضيل

الاصل تنكر وتنفي الفروع جهدك تثبتو

ان لم تظللك أصولك ما في الفروع مقيل

لو كنت في الفقه أحمد وفي الأصول الأشعري

وفي الحديث ابن حنبل وفي العروض خليل

وفي الطريقة شبلي وفي الحقيقة الواسطي

وكنت معروف انك معروف بالتفضيل

وفي التلاوة عاصم وفي الدراية زمخشري

وفي الرواية مجاهد تجهد تذهب بكل دليل

وكنت في الصدر الأول أبو هريرة في الأثر

هم وكنت ابن مالك قاضي القضاة جليل

وفي الصحابة

الأول نعم وفي حكمك عمر

وفي القرابة ابن أروي وجامع التنزيل

وكنت بالعلم واثق وبالعبادة معتصم

وبالرضي متوكل وحرف كل جميل

وكنت عمر الدنيا مشغول بالعلم والعمل

صائم وقائم دهرك تجهد بكل سبيل

وان لم تولي حيدر وكل فضلو

تعتقد إلي جهنم تحشر نعم بلا تطويل

هذا الحديث الصادق قد جاء عن

رب العلي إلي النبي المرسل أتي به جبريل [552].

ذكر الآيات القرآنية الدالة علي نجاة شيعة علي خاصة يوم القيامة

في خاتمة هذا الدليل من كتاب الآيات مرفوعاً إلي ابن عباس قال: قال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم: لا يعذّب اللَّه هذا الخلق إلّا بذنوب العلماء الذين يكتمون الحق من فضل علي وعترته، ألا وإنه لم يمش فوق الأرض بعد النبيين والمرسلين أفضل من شيعة علي ومحبّيه الذين يظهرون أمره وينشرون فضله، أولئك تغشاهم الرحمة وتستغفر لهم الملائكة، والويل كل الويل لمن يكتم فضائله ويكتم أمره، فما أصبرهم علي النار [553].

وذلك حق لأن الكاتم لفضل علي جهلاً هالك حيث لا يعرف إمام زمانه، والكاتم لفضله بغضاً منافق لأن طينته خبيثة، ما أبغضك إلّا منافق شقي عرضت ولايتك علي طينته فأبت فمسخت، ونودي عليها في عالم المسوخات الخبيثات للخبيثين والخبيثيون للخبيثات، فلا دين له ولا عبادة له، والمؤمن الموالي العارف بعلي عابد وإن لم يعبد، ومحسن وإن أساء، وناج وإن أذنب؛ وإليهم الإشارة: «لِيُكَفِّرُ اللَّهُ عَنْهُم أَسْوَأ الَذِي عَمِلُوا وَيُجْزِيْهِم أَجْرَهُم بِأَحْسَنَ الَذِي كانُوا يَعْمَلون» [554] هذا خاص لشيعة علي عليه السلام لأن الكافر والمنافق لا يستحقان شيئاً فلم يبق إلّا المؤمن، وليس المؤمن إلّا شيعة علي، فالمكفّر عنهم سيئاتهم بحبّ علي هم شيعته.

دليل ذلك ما رواه ميسر عن أبي عبداللَّه عليه السلام أنه قال له: ما تقول يا ميسر فيمن لم يعص اللَّه طرفة عين في أمره ونهيه لكنّه

ليس منّا ويجعل هذا الأمر في غيرنا؟ قال ميسر: فقلت وما أقول وأنا بحضرتك يا سيدي؟ فقال: هو بالنار، ثم قال: وما تقول فيمن يدين اللَّه بما تدين ويبرأ من أعدائنا لكن به من الذنوب ما بالناس إلّا أنّه يجتنب الكبائر؟

قال: قلت وما أقول يا سيدي وأنا في حضرتك؟ فقال: إنّه في الجنّة وإن اللَّه قد ذكر ذلك في آية من كتابه، فقال: «إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ» [555]، وهو حب فرعون وهامان، «نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً» [556]، وهو حبّ علي عليه السلام.

ومن ذلك قول اللَّه سبحانه: «اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَي النُّورِ» [557] إذا كانوا آمنوا فأين الظلمات؟ ومعناه يخرجهم من ظلمات الخطايا إلي نور الإيمان والولاية، وقوله: «وَالَّذِينَ كَفَرُوا» بعلي لأن الكفر بعلي كفر باللَّه، والإيمان به إيمان باللَّه، «أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ» يعني فرعون وهامان «يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَي الظُّلُمَاتِ» وإذا كانوا كفروا من أين لهم النور؟

وهذا صريح أنه الكفر بعلي وولايته يخرجهم من نور الإسلام - وهي الكلمتان الطيبتان - إلي ظلام الكفر بالولاية قال: «أُوْلئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ» شهد القرآن وأكّد أن من والي غير علي عليه السلام فمأواه النار. ثم قال: «هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ».

فالمبغض لعلي كافر وإن عبد، والمحبّ له عابد، وإن قعد، وإليه الإشارة بقوله: «حبّ علي عبادة وذكره عبادة والموت علي حبّه شهادة، وموالاته أكبر الزيادة». [558] وإليه الإشارة بقوله: «فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَي» [559] قال ابن عباس: الهدي علي بن أبي طالب عليه السلام، وقوله: «بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ» [560] يعني بعلي.

وقوله «فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ» يعني علياً.

«فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ» [561] يعني باتباعه، «وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ» يعني يوم البعث بحبّه، مثل قوله:

«بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ» يعني بعلي فهم عن ذكرهم معرضون، وإليه الإشارة بقوله: «قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ -أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ» [562]، ومنه قوله: «لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ» [563] يعني نجاتكم وهو حب علي.

دلالة خبر الطينة علي نجاة الشيعة خاصة يوم القيامة

ولذلك أصل، وهو خبر الطين الذي رواه إبراهيم عن الصادق عليه السلام في معني المزاج أنه قال: إن اللَّه لما أراد أن يخلق الخلق ولا شي ء هناك خلق أرضاً طيّبة، وأجري عليها ماءً عذباً سبعة أيام، وعرض عليها ولايتنا فقبلت، فأخذ من ذلك الماء العذب طينتنا ثم خلق من ثفل ذلك الماء طينة شيعتنا فهم منّا ولو كنّا وآباؤهم من الماء الذي نحن منه لكنّا وآباؤهم سواء، ثم خلق أرضاً سبخة وأخري عليها ماء مالح ثم عرض عليها ولايتنا فأبت فأجري عليها ذلك الماء سبعة أيام ثم خلق من ذلك الماء الطغاة والأئمة الكفار [564]، وإليه الإشارة بقوله: «وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَي النَّارِ» [565].

ثم خلق من ثفل ذلك شيعة أعدائنا، ثم مزج ثفل ذلك الطين بطينة شيعتنا، لم يشهد أعداؤنا الشهادتين ولم يصلوا ولم يصوموا فما ظهر منهم من الخيرات والحسنات فليست منهم ولا لهم، إنّما هو من مزاج طينة شيعتنا لهم، ثم مزج الماء الثاني بالماء الأوّل ثم عركه عرك الأديم ثم قبض منه قبضة وقال: وهذه الجنة ولا أبالي، ثم قبض قبضة وقال: وهذه النار ولا أبالي [566].

أقول: تمسّك أهل الأخبار بأذيال هذا الحديث ظاهر وأنكره أكثر أهل العدل لدلالة ظاهره علي الأخبار وهو حديث حسن مملوء بالعدل كيف يتكلّم وقد صرّح القرآن به، وإليه الإشارة بقوله: «فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ» [567] وقوله: «فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ» [568]، وقوله: «وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ

أَجْمَعِينَ» [569] والمراد بالقول منِّي: العلم، وذلك لأن علم اللَّه سبحانه سابق علي أفعال العباد ولاحق وكاشف فهو سبحانه يعلم قبل إيجادهم مَن المطيع ومَنْ العاصي، لأنه ليس عند اللَّه زمان ولا مكان، ثم أخذ عليهم العهد في الذرات وهو رمز رفيع ومعناه علم قبل إنشاء ذراتهم، من جبلته الانقياد للطاعة، ومن جبلته الظلم والانقياد للمعصية فما يغني النذر فصاروا في العلم قبضتين: مطيع بالقوّة، وعاص بالقوّة، ثم لما أوجدهم وكلّفهم كشف العلم السابق ما في جبلاتهم فصاروا فريقين، كما قال وقوله الحق مؤمن بالفعل وكافر، ولذلك قال: ولا أبالي، وفيه إشارة لطيفة معناها لا أبالي بعد أن فطرتهم علي التوحيد، وعرضت عليهم الإيمان في عالم الأرواح، ثم ذكرتهم العهد في ظلم الأشباح، فمنهم مَنْ أبصر فاستبصر ومنهم مَنْ أنكر فاستكبر، فلا أبالي إن نسب الجبرية الظلم إليّ وأنا العدل الحكيم، ولا أبالي يوم القيامة فريقاً في الجنة بإيمانهم وفريقاً في السعير بكفرهم وطغيانهم، وإليه الإشارة بقوله: «أَصْحَابُ اليمِينِ - وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ» [570].

ثم خلط الماءين فما يفعله شيعتنا من الفواحش والإثم فهو من طينة النواصب ومزاجهم وهو لهم وعليهم وإليهم، وما يفعله النواصب من البر والإحسان فهو من طينة المؤمن ومن مزاجه فهو لهم وإليهم لأنه ليس من شأن المنافق بر، ولا من شأن المؤمن ظلم ولا كفر، فإذا عرضت الأعمال علي اللَّه قال الحكيم العدل سبحانه ألحقوا صالحات المنافق بالمؤمن لأنّها من سجيته فهي له لأنها وفت بالعهد المأخوذ عليها، وألحقوا سيئات المؤمن بالمنافق لأنها من طينته وإليه لأنها وفت بالعصيان والإنكار.

ثم قال الصادق عليه السلام: وإن ذلك حكم إله السماء والأنبياء، وأما حكم إله السماء فذلك عقلاً وشرعاً وأصلاً وفرعاً ومزاجاً وطبعاً، أما

الأصل فلأن طينته من الأصل أقرّت بالولاية فاستقرّت، أما الفرع فلأنه عمل صالحاً في دار التكليف فطاب أصلاً وزكا فرعاً، ومن آمن وعمل صالحاً فله الجنة جزاءً وعدلاً، وإليه الإشارة بقوله: «الَّذِينَ آمَنُوا» [571] يعني يوم العهد المأخوذ «وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ» يعني في عالم التكليف كانت له جنّات الفردوس نزلاً في عالم البعث والجزاء، لأنهم وصلوا يوم المناداة بيوم الأعمال، فوصله اللَّه بيوم المجازاة وحسن المآل.

في بيان قوله في ذيل خبر الطينة «ذلك حكم إله السماء و الأنبياء»..

انّ من عرف مراتب الإبداع و الإختراع عرف مقام آل محمد و أن المشكك يسلم لصفات إبليس عدو اللّه و جنوده و يتنكر لعلي وأما الطبع فلأن كل شكل يطلب طبعه ويميل إلي جنسه، وينفر من ضدّه، وأما حكم الأنبياء فمنه قول يوسف عليه السلام: «مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ» [572] فيوم القيامة ينزع اللَّه ما كان في طينة المؤمن من الخبيث المجاور لها بالامتزاج معها من طينة النواصب من السيئات فيرد إلي النواصب لأنها له ومنه وعليه، ثم ينادي: لا ظلم اليوم وما ربّك بظلّام للعبيد، وإليه الإشارة والحكمة بقوله: «فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ» [573] ولأنه كان اللَّه قادراً أن يجعل كل جزء منها طيراً بذاته، ولكن القدرة والحكمة والعدل اقتضي وصول كل جزء منها إلي جزئه! وفي ذلك رمز دقيق وهو أن كل طبع يميل إلي طبعه..

اعترض معترض فقال: هلا طاب الخبيث من الطين بمجاورة الطيب أو خبث الطيب بمجاورة الخبيث؟ قلنا: ليس من الطبع ما ليس في الطبع لأنه يوجد في قطعة الياقوت الأحمر الشفاف نقطة ترابية لم تنتقل بالمجاورة وطول الطبخ في المعادن الجوهرية، بل بقيت علي حالها مظلمة فهي مظلمة إلي الأبد. وقد يوجد في الحجر المظلم مثل المغناطيس

نقطة تشف ضياءً ونوراً، وهي مجاورة للظلمة ولم ينتقل إليها فتصير مظلمة، فكذا ما في مزاج المؤمن من طينة المنافق وبالعكس … وإليه الإشارة بقوله: «وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْ ءٍ» [574] إنّما حملوا خطايا جوهرهم وسنخهم وما هو منهم وإليهم؛ إذ كل جزء يلحق بجزئه ساء أم حسن، «وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُم وَأَثْقَالاً مَعَ أَثْقَالِهِم» وهو هذا.

دليل حكم المزاج المذكور من القرآن و الحديث

وحكم المزاج مذكور في قوله: «وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ» [575] وهو حب فرعون وهامان إلّا اللمم، وهو المزاج من الطين «إنَّ رَبَكَ وَاسِعُ المغْفِرَة» لشيعتنا خاصة، لأن الكافر والمنافق لا نصيب لهما في المغفرة «هُوَ أَنشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ» [576] وهو الطين الممزوج «كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ» [577] وهو رجوع كل سنخ إلي سنخه ترجع الأجزاء الخبيثة من الطين السنخ، والمنكر للولاية بسيّئاته إلي سنخه المخالف وترجع الأجزاء الطيبة من الطينة المؤمنة بأعمالها الحسنة إلي معدنها من الأجساد، المؤمن الطيب للطيب والخبيث للخبيث، لأن الطيب في الخبيث مجاورة عارضة ولها اختيار، فوجب عودها إلي الأصل وكذا الخبيث حكمه أنهم اتخذوا الشياطين الخبيث والطاغوت يعني فلاناً وفلاناً أولياءً من دون اللَّه يعني دون علي، لأن ولاية علي ولاية اللَّه «وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ» [578] يعني بصلاتهم وصومهم، لأنها من غيرهم فهي لغيرهم، لأن ما ليس منهم ليس لهم. هذا آية المزاج لأن القرآن شفاء لما في الصدور وظاهره نور فوق نور.

يؤيّد هذا التفسير العظيم ما رواه السدي عن ابن عباس عن رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم أنه قال: يا علي إن اللَّه يحبّك ويحبّ من يحبّك، وإن الملائكة تستغفر لك ولشيعتك ولمحبّي شيعتك، وإذا كان يوم القيامة نادي مناد: أين محبّو علي؟ فيقوم قوم من الصالحين؟ فيقال

لهم: خذوا بيد من شئتم وادخلوا الجنة، وإن الرجل الواحد ينجي من النار ألف رجل، ثم ينادي المنادي: أين البقية من محبّي علي؟ فيقوم قوم مقتصدون، فيقال لهم: تمنّوا علي اللَّه ما شئتم؛ فيعطي كل واحد منهم ما طلب؛ ثم ينادي: أين البقية من محبّي علي؟ فيقوم قوم قد ظلموا أنفسهم، فيقال: أين مبغضو علي؟ فيقوم خلق كثير، فيقال: اجعلوا كل ألف من هؤلاء لواحد من محبّي علي فيجعل أعمال أعدائك لمحبيك فينجون من النار، وأنت الأجلّ الأكرم، وأنت العلي العظيم، محبّك محبّ اللَّه ورسوله، ومبغضك مبغض اللَّه ورسوله [579].

يتمّم هذا الدليل والتأويل ما رواه جرير عن ابن عمر، عن أبي هريرة، عن ابن عباس قال: رأيت رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم قد سجد خمس سجدات بغير ركوع، فقلت: يا رسول اللَّه ما هذا؟ فقال: جاءني جبرائيل فقال لي: يا محمد، اللَّه يحبّ علياً فسجدت، ثم رفعت رأسي فقال لي: إن اللَّه يحب الطاهرة الزكية فاطمة فسجدت، ثم رفعت رأسي فقال لي: إن اللَّه يحبّ الحسن فسجدت، ثم رفعت رأسي فقال لي: إنّ اللَّه يحبّ الحسين فسجدت، ثم رفعت رأسي فقال لي: إنّ اللَّه يحبّ من أحبّهم فسجدت [580].

جواب من قال: بين لنا عليا هو الاسم الأعظم

عارض من لا يعلم ولا يفهم، جاهل مركب ليس له حظّ من السرّ المبهم، فقال بجهله المحكم: بيِّن لنا علياً هو الاسم الأعظم، فقلت له: يا قليل الهداية وبعيد الدراية، ألم تعلم أن الولاية هي المبدأ والغاية، وهي أوّل فرض يفرضه العلي، وأوّل خلعة كمال يلبسها النبي، ثم يلبس بعدها خلعة النبوّة والرسالة، فكم يقرأ في الدعاء فيقول: إنّي أسألك باسمك الذي خلقت به كل شي ء، وكتبته علي كل شي ء [581].

تتمة الجواب السابق بأسرار الحروف

ثم أقول له مرشداً إلي الصواب: ألم تعلم أنّا إذا اعتبرنا الأسماء والصفات، فإنّا لا نجد أعظم من ثلاثة أسماء: اسم الذات، واسم الصفات، واسم هو سرّ الذات وروح الصفات، وهي الكلمة الجارية في سائر الموجودات، فهي سرّ الذات وسرّ الصفات وبها تنفعل الكائنات، فاسم اللَّه ا ل ه ا ل ه وهو اسم المقدس وهو علم علي ذات الأحد الحق، واسم الصفات للأحد الواحد وهو محمد، والاسم الذي هو روح الصفات وسرّ الذات ع ل ي، وهو نور النور، وكل واحد من هذه الثلاثة اسم أعظم، فاسم الجلالة هو الاسم المقدّس والمكرّم، واسم محمّد صلي الله عليه و آله و سلم هو ظاهر الاسم الأعظم، لأن الواحد صورة الوجود، ومنبع الموجود، وظاهر المعدود.

واسم ع ل ي ظاهر الباطن وباطن الظاهر، فهو الاسم الأعظم بالحقيقة، لأنه جامع سرّ الربوبية، وسرّ النبوّة، وسرّ الولاية، وسرّ الحكم والسلطنة، وسرّ الجبروت والعظمة، وسرّ التصرّف الإلهي. وإليه الإشارة بقوله: «وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَي فِي السَّموَات وَالْأَرْضِ» [582]، وهو علي عليه السلام؛ وبيان ذلك أنك إذا قلت: ا ل م تضمن بكل حرف منها محمد وعلي عليهماالسلام، وإذا قلت اللَّه فإنّه علم علي ذات المعبود واجب الوجود، وإذا قلت: يا

اللَّه، فالياء ناديت، والاسم ناجيت، والمعني عنيت، فهو اسم الذات المقدّسة، أو إذا أشبعت ضمة الهاء منه برزت الذات وفي طي حروفه اسم علي، فهو يشير بالمعني إلي ذات الربّ المعبود، وبالحروف إلي الكلمة التي قام بها الوجود، إذا قلت: لا إله إلّا هو، وهي حروف التنزيه والنفي والإثبات وهي عشرة.

وإليها الإشارة بقوله: «تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ» [583] ومعناها أنه لا إله في الوجود الواجب حي موجود لذاته قادر عالم مستحق للعبادة إلّا اللَّه، ثم إن أعداد حروفها يتضمّن اسم علي ظاهراً وباطناً، ومعناه: اللَّه لا إله إلّا اللَّه، علي سرّه الخفي، وأمينه الولي، ونوره المشهور في السَّموَات والأرض. [584].

ذكر الأحاديث الدالة علي الجواب السابق

وإذا قلت هو، فهو اسم يشير إلي الهوية التي لا شي ء قبلها ولا شي ء بعدها، وعلي الألوهية الحقيقية، لأنه حرف واحد يدل علي ذات واحدة لها الجلال والإكرام، والبقاء والدوام، والملك المؤبّد، والسلطان السرمد، والعزّ المنيع، والمجد الرفيع، ثم إن أعداد هذين الحرفين، هي، وفيها اسم علي تأويلاً، وذلك لأن الولي نوره متصل بالجبروت، لأنه وجه الحي الذي لا يموت، والولي ليس بينه وبين اللَّه حجاب، وهو السرّ والحجاب، فتعين أن في هذه الثلاثة الاسم الأعظم الذي هو سرّ السرّ لمن وعي ودعا، وهو غيب لا يدركه إلّا الأولياء، لأنه ظاهر التقديس، وباطن التنزيه، وسرّ التوحيد، وكلمة الرب المجيد، كلا بل هو إله الآلهة الرفيع جلاله، سرّه الخفي والجلي، ونوره الوحي، ووجهه المضي، وضياؤه البهي، وبهاؤه النبي.

دليله: ما ورد في كتب الشيعة علي أمير المؤمنين عليه السلام، أن إبليس مرَّ به يوماً فقال له أمير المؤمنين: يا أبا الحارث ما ادخرت لمعادك؟ فقال حبّك [585].

فإذا كان يوم القيامة أخرجت ما ادّخرت من أسمائك التي يعجز عن

وصفها واصف، ولك اسم مخفي عن الناس ظاهره عندي، قد رمزه اللَّه في كتابه لا يعلمه إلّا اللَّه والراسخون في العلم، فإذا أحب اللَّه عبداً كشف اللَّه عن بصيرته وعلمه إيّاه، فكان ذلك العبد بذلك السرّ غير الأمة حقيقة، وذلك الاسم هو الذي قامت به السَّموَات والأرض، المتصرّف في الأشياء كيف يشاء.

وتصديق ذلك من طريق الاعتقاد، أن اللَّه سبحانه يقول: عبادي من كانت له إليكم حاجة فسألكم بمن تحبّون أجبتم دعاه؟. ألا فاعلموا أن أحب عبادي إليّ، وأكرمهم لدي، محمد وعلي حبيبي ووليّي، فمن كانت له إليَّ حاجة فليتوسل إليَّ بهما، فإني لا أرد سؤال سائل سألني بهما، فإني لا أرد دعاءه، وكيف أرد دعاء من سألني بحبيبي وصفوتي، ووليّي وحجّتي، وروحي وكلمتي، ونوري وآيتي، وبابي ورحمتي، ووجهي ونعمتي، لا وإني خلقتهم من نور عظمتي، وجعلتهم أهل كرامتي وولايتي، فمن سألني بهم عارفاً بحقّهم ومقامهم، وجبت له منّي الإجابة؛ وكان ذلك حق علي [586].

والاسم الأعظم هو ما يجاب به الدعاء؛ فهم الاسم الأعظم والصراط الأقوم، وإليه الإشارة بقوله: «سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَي» [587]، سبّح ربك العظيم، والأعلي اسم الذات، والعظيم جامع للذات والصفات.

دليله ما ورد عنه حين رد الشمس، فقيل له: بما رجعت الشمس لك يا أمير المؤمنين؟

فقال عليه السلام: سألت اللَّه باسمه الأعظم فردّها إليّ [588].

وروي أنه قال في دعائه عند الرجوع: باسمك العزيز، باسمك العظيم، والعزيز محمد، والعظيم علي [589]، فمعني قوله: سبّح اسم ربك العظيم، معناه سبّح اسم ربك العظيم الأعلي باسمه العظيم الأعلي، لأن تقديس الصفات توحيد الذات، ومحمد وعلي في العظمة أعلي من كل موجود، لأنّهما علي الوجود، وحقيقة الموجود، وأقرب إلي الذات من سائر الصفات.

وإليه الإشارة بقوله: «فَكَانَ قَابَ

قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَي» [590]، وليس ذلك قرب المكان، لأن الرحمن جل عن المكان، بل ذلك قرب الصفات من الذات، وذاك قرب الواحد من الأحد، لأنه الكلمة العليا التي لم تسبقها كلمة في الأزل، ولم تزل، والنور الذي شعشع عنه الوجود، وانتشر من كماله كل موجود، والاسم المقدم علي سائر الصفات، لأن الأحدية تعرف بالوحدانية، فهو الاسم العلي العظيم.. وإليه الإشارة في التخصيص بقوله: «فَأَوْحَي إِلَي عَبْدِهِ مَا أَوْحَي» [591]، والمراد بالعبد هنا القرب، لأنه في المقام الخاص، فسمّاه بالاسم الخاص وكان الوحي إليه في ذلك المكان، أن علياً أمير المؤمنين، وقائد الغرّ المحجلين.

ثلاث إشارات في البسملة

وبيان الفصل، اعلم أن أسرار الكتب الإلهية، وسرّ الولاية، والهداية، والرسالة، والاسم الأكبر، وسر الغيب، في فاتحة الكتاب؛ وسرّ الفاتحة في مفتاحها، وهي بسم اللَّه الرحمن الرحيم، وفيها إشارات ثلاث:

الأولي: قوله سبحانه: «وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ» [592]، والمراد من الذكر والوحدة قوله بسم اللَّه الرحمن الرحيم، لأنها ذكر اللَّه وحده.

الثانية: أن عدد حروفها 19، وعدد اسم و ا ح د 19 فهي، محتوية من الوحدة والتوحيد والوحدانية، والواحد صفة الأحد، والواحد هو النور الأول، وهذا ذكر الذات بظاهر اسمها الأعظم.

الثالثة: قوله: بسم اللَّه، وهو إشارة إلي باطن السين، وسرّ السين الذي بين الباء والميم، الذي قال فيه أمير المؤمنين عليه السلام: «أنا باطن السين، وأنا سر السين» وهو الاسم المخزون، وهو باطن الاسم الأعظم، فإذا فتح الباب لأولي الألباب، فاستخرجوا من أسرار الكتاب اسماً جامعاً للذات والصفات، وسرّ الذات والصفات، فذلك هو الاسم الأعظم الذي تجاب [به] الدعوات، وتنفعل به الكائنات.

تأويل «بسم الله» بأعداد الحروف

ب س م ا ل ل ه، أما سر الباء فإنّها للنبوّة، والنقطة الولاية، 2 إن السين عدده 10، أو هي اسم علي، والميم وعددها 92 وهي اسم محمد قاسم اللَّه الذي به بدأ فساواهما، الألف المعطوف لا الكلمة التامّة التي ظهر بها الوجود، وفاض سرّها كل موجود، لأن عن الواحد انبسط كل معدود.

الاستدلال علي التأويل المذكور بالآيات الاولي من سورة البقرة

والدليل علي صحّة هذه المباحث والتأويل، ما رواه عمّار عن أمير المؤمنين عليه السلام في كتاب الواحدة، أنه قال: «يا عمّار باسمي تكوّنت الكائنات والأشياء، وباسمي دعا سائر الأنبياء، وأنا اللوح، وأنا القلم، وأنا العرش، وأنا الكرسي، وأنا السَّموَات السبع، وأنا الأسماء الحسني، والكلمات العليا [593]، وأين كان اسم علي كان اسم محمد من غير عكس، لدخول الولاية تحت النبوّة، كدخول الإنسان تحت الحيوان، فأين كان الإنسان كان الحيوان من غير عكس.. وإليه الإشارة بقوله في صدر القرآن الشريف العظيم وأوّل الذكر الحكيم (ا ل م)، قال: حرف من حروف الاسم الأعظم «ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ»، قال: الكتاب: علي لا شك فيه «هُديً لِلْمُتَّقِينَ»، قال: التقوي ما يحرز من النار، وما يحرز من النار إلّا حبّ علي، فحب علي هو التقوي بالحقيقة، وكل تقوي غيره فهو مجاز، لأنها لا تحرز من النار.

قوله: «الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ» [594]، قال: الغيب يوم الرجعة، ويوم القيامة، ويوم القائم، وهي أيام آل محمد.

وإليها الإشارة بقوله: «وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ» [595]، فالرجعة لهم، ويوم القيامة لهم، ويوم القائم لهم، وحكمه إليهم، ومعول المؤمنين فيه عليهم.

وقوله الذين: «يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ»، قال: الصلاة بالحقيقة حب علي، إن الصلاة هي الصلة باللَّه، ولا صلة للعبد بعفو الرب ورحمته وجواره إلّا بحب علي، فمن أقام حب علي فقد أقام الصلاة، وكل صلاة

غيرها من المكتوبة المشروعة إذا لم يكن معها الولاية فهي مجاز، لا بل ضلال ووبال، لأنه قد عبد اللَّه بغير ما أمر، فهو ضال في سلوكه، عاصٍ في طاعته، معاقب في عبادته.

قوله: «وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ»، قال: الإنفاق الواجب الذي تحيي فيه النفوس، وتنجو به الأرواح والأجساد من العذاب الأليم، وهو معرفة آل محمد، وكل إنفاق غير هذا فهو مجاز، وإن كان واجب الانفاق، وما أفعل بإنفاق يقوي به النفاق؟

قوله: «وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ»، يعني في حق علي، لأنهم إن لم يؤمنوا بما أنزل في حق علي فليس إيمانهم بغيره إيماناً، وإن قيل إيمان فهو مجاز لا ينفع.. وإليه الإشارة بقوله: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا» [596]؛ فذكر أنهم آمنوا وسمّاهم مؤمنين، ثم قال لهم: آمنوا، وهذا تنافس، وليس بتناقض، ولكن معناه: يا أيها الذين آمنوا بمحمد آمنوا بعلي حتي يتم إيمانكم.

قوله: «أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ»، يعني في حق علي.

قوله: «وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ» [597]، يعني يصدقون أن حكم الآخرة لعلي، كما أن حكم الدنيا مسلم إليه، «أُولئِكَ عَلَي هُديً مِنْ رَبِّهِمْ»، قال بهذا الدين.

«وَأُوْلئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» قال: بهذه المعرفة.

الخطبة المعروفة بالنورانية

ومن هذا الباب ما رواه سلمان، وأبو ذر، عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: مَنْ كان ظاهره في ولايتي أكثر من باطنه خفّت موازينه؛ يا سلمان لا يكمل المؤمن إيمانه حتي يعرفني بالنورانية، وإذا عرفني بذلك فهو مؤمن، امتحن اللَّه قلبه للإيمان، وشرح صدره للإسلام، وصار عارفاً بدينه مستبصراً، ومن قصر عن ذاك فهو شاك مرتاب، يا سلمان ويا جندب، إن معرفتي بالنورانية معرفة اللَّه، ومعرفة اللَّه معرفتي، وهو الدين الخالص، بقول اللَّه سبحانه: «وما أمروا إلّا لِيَعْبُدوا اللَّه مُخْلِصِينَ لَهُ الدِيْنَ» [598] وهو الإخلاص، وقوله:

«حنفاء» وهو الإقرار بنبوّة محمد صلي الله عليه و آله و سلم، وهوالدين الحنيف، وقوله: «ويقيموا الصلاة»، وهي ولايتي، فمن والاني فقد أقام الصلاة، وهو صعب مستصعب.

«ويؤتوا الزكاة»، وهو الإقرار بالأئمة، «وذلك دين القيمة» أي وذلك دين اللَّه القيم.

شهد القرآن أن الدين القيم الإخلاص بالتوحيد، والإقرار بالنبوّة والولاية، فمن جاء بهذا فقد أتي بالدين.

يا سلمان ويا جندب، المؤمن الممتحن الذي لم يرد عليه شي ء من أمرنا، إلّا شرح اللَّه صدره لقبوله، ولم يشك ولم يرتَبْ، ومن قال لِمَ وكيفَ فقد كفر، فسلموا للَّه أمره، فنحن أمر اللَّه، يا سلمان ويا جندب، إنّ اللَّه جعلني أمينه علي خلقه، وخليفته في أرضه وبلاده وعباده، وأعطاني ما لم يصفه الواصفون، ولا يعرفه العارفون، فإذا عرفتموني هكذا فأنتم مؤمنون، يا سلمان قال اللَّه تعالي: «وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ» فالصبر محمد، والصلاة ولايتي، ولذلك قال: «وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ»، ولم يقل وإنهما، ثم قال: «إِلَّا عَلَي الْخَاشِعِينَ» [599]، فاستثني أهل ولايتي الذين استبصروا بنور هدايتي، يا سلمان، نحن سرّ اللَّه الذي لا يخفي، ونوره الذي لا يطفي، ونعمته التي لا تجزي، أوّلنا محمد، وأوسطنا محمد، وآخرنا محمد، فمن عرفنا فقد استكمل الدين القيم.

يا سلمان ويا جندب، كنت ومحمداً نوراً نسبِّح قبل المسبّحات، ونشرق قبل المخلوقات، فقسم اللَّه ذلك النور نصفين: نبي مصطفي، ووصي مرتضي، فقال اللَّه عز وجل لذلك النصف: كن محمداً، وللآخر كن علياً، ولذلك قال النبي صلي الله عليه و آله و سلم: أنا من علي، وعلي منّي، ولا يؤدي عنّي إلّا أنا أو علي [600] وإليه الإشارة بقوله: «وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ» [601]، وهو إشارة إلي اتحادهما في عالم الأرواح والأنوار، ومثله قوله: «أَفَإِن مَاتَ أَوْ قُتِلَ» [602]، والمراد هنا مات أو

قُتل الوصي، لأنّهما شي ء واحد، ومعني واحد، ونور واحد، اتّحدا بالمعني والصفة، وافترقا بالجسد والتسمية، فهما شي ء واحد في عالم الأرواح «أنت روحي التي بين جنبيّ» [603]، وكذا في عالم الأجساد: «أنت منّي وأنا منك ترثني وأرثك» [604]، «أنت منّي بمنزلة الروح من الجسد».

وإليه الإشارة بقوله: «صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً» [605]، ومعناه صلّوا علي محمد، وسلّموا لعلي أمره، فجمعهما في جسد واحد جوهري، وفرّق بينهما بالتسمية والصفات في الأمر، فقال: «صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً»، فقال: صلّوا علي النبي، وسلّموا علي الوصي، ولا تنفعكم صلواتكم علي النبي بالرسالة إلّا بتسليمكم علي علي بالولاية.

يا سلمان ويا جندب، وكان محمد الناطق، وأنا الصامت، ولابد في كل زمان من صامت وناطق، فمحمد صاحب الجمع، وأنا صاحب الحشر، ومحمد المنذر، وأنا الهادي، ومحمد صاحب الجنة، وأنا صاحب الرجعة، محمد صاحب الحوض، وأنا صاحب اللواء، محمد صاحب المفاتيح، وأنا صاحب الجنة والنار، ومحمد صاحب الوحي، وأنا صاحب الإلهام، محمد صاحب الدلالات، وأنا صاحب المعجزات، محمد خاتم النبيين، وأنا خاتم الوصيين، محمد صاحب الدعوة، وأنا صاحب السيف والسطوة، محمد النبي الكريم، وأنا الصراط المستقيم، محمد الرؤوف الرحيم، وأنا العلي العظيم.

يا سلمان، قال اللَّه سبحانه: «يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلي مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ» [606]، ولا يعطي هذا الروح إلّا من فوّض إليه الأمر والقدر، وأنا أُحيي الموتي، واعلم ما في السَّموَات والأرض، وأنا الكتاب المبين، يا سلمان، محمد مقيم الحجّة، وأنا حجّة الحق علي الخلق، وبذلك الروح عرج به إلي السماء، أنا حملت نوحاً في السفينة، أنا صاحب يونس في بطن الحوت، وأنا الذي حاورت موسي في البحر، وأهلكت القرون الأولي، أعطيت علم الأنبياء والأوصياء، وفصل الخطاب، وبي تمّت نبوّة محمد، أنا

أجريت الأنهار والبحار، وفجّرت الأرض عيوناً، أنا كاب الدنيا لوجهها، أنا عذاب يوم الظلة، أنا الخضر معلِّم موسي، أنا معلم داود وسليمان، أنا ذو القرنين، أنا الذي دفعت سمكها بإذن اللَّه عز وجل، أنا دحوت أرضها، أنا عذاب يوم الظلة، أنا المنادي من مكان بعيد، أنا دابة الأرض، أنا كما يقول لي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم: أنت يا علي ذو قرنيها، وكلا طرفيها، ولك الآخرة والأولي، يا سلمان إن ميّتنا إذا مات لم يمت، ومقتولنا لم يقتل، وغائبنا إذا غاب لم يغب، ولا نلد ولا نولد في البطون، ولا يقاس بنا أحد من الناس، أنا تكلّمت علي لسان عيسي في المهد، أنا نوح، أنا إبراهيم، أنا صاحب الناقة، أنا صاحب الراجفة، أنا صاحب الزلزلة. أنا اللوح المحفوظ، إليَّ انتهي علم ما فيه، أنا أنقلب في الصور كيف شاء اللَّه، من رآهم فقد رآني، ومن رآني فقد رآهم، ونحن في الحقيقة نور اللَّه الذي لا يزول ولا يتغيّر.

يا سلمان، بنا شرف كل مبعوث، فلا تدعونا أرباباً، وقولوا فينا ما شئتم، ففينا هلك وبنا نجي. يا سلمان، من آمن بما قلت وشرحت فهو مؤمن، امتحن اللَّه قلبه للإيمان، ورضي عنه، ومن شك وارتاب فهو ناصب، وإن ادعي ولايتي فهو كاذب.

يا سلمان أنا والهداة من أهل بيتي سرّ اللَّه المكنون، وأولياؤه المقرّبون، كلّنا واحد، وسرّنا واحد، فلا تفرّقوا فينا فتهلكوا، فإنّا نظهر في كل زمان بما شاء الرحمن، فالويل كل الويل لمن أنكر ما قلت، ولا ينكره إلّا أهل الغباوة، ومن ختم علي قلبه وسمعه وجعل علي بصره غشاوة،

يا سلمان، أنا أبو كل مؤمن ومؤمنة، يا سلمان، أنا الطامة الكبري، أنا الآزفة إذا

أزفت، أنا الحاقة، أنا القارعة، أنا الغاشية، أنا الصاخة، أنا المحنة النازلة، ونحن الآيات والدلالات والحجب ووجه اللَّه، أنا كتب اسمي علي العرش فاستقر، وعلي السَّموَات فقامت، وعلي الأرض ففرشت، وعلي الريح فذرت، وعلي البرق فلمع، وعلي الوادي فهمع، وعلي النور فقطع، وعلي السحاب فدمع، وعلي الرعد فخشع، وعلي الليل فدجي وأظلم، وعلي النهار فأنار وتبسّم [607].

من خطبة له أولها (الحمد لله مدهر الدهور)

ومن ذلك ما ورد عنه في كتاب الواحدة، قال: خطب أمير المؤمنين عليه السلام، فقال: الحمد للَّه مدهر الدهور، ومالك مواضي الأمور، الذي كنّا بكينونيته، قبل خلق التمكين في التكوين أوليين أزليين لا موجودين، منه بدأنا وإليه نعود، ألا إن الدهر فينا قسمت حدوده، ولنا أخذت عهوده، وإلينا ترد شهوده، فإذا استدارت ألوف الأطوار، وتطاول الليل والنهار، فلا لعلامة العلامة دون العامة والسامة، الاسم الأضخم، العالم غير المعلم، أنا الجنب، والجانب محمد، العرش عرش اللَّه علي الخلائق، أنا باب المقام، وحجّة الخصام، ودابة الأرض، وصاحب العصر [608]، وفصل القضاء، وسفينة النجاة، لم تقم الدعائم بتخوم الأقطار، ولا أعمدة فساطيط السجاف إلّا علي كواهل أمورنا، أنا بحر العلم، ونحن حجّة الحجاب، فإذا استدار الفلك، وقيل مات أو هلك، ألا إن طرفي حبل المتين، إلي قرار الماء المعين، إلي بسيط التمكين، إلي وراء بيضاء الصين، إلي مصارع قبور الطالقانيين، إلي نجوم ياسين، وأصحاب السين من العليين العالمين، وكتم أسرار طواسين، إلي البيداء الغبراء، إلي حد هذا الثري، أنا ديّان الدين، لأركبنَّ السحاب، ولأضربنَّ الرقاب، ولأهدمنَّ إرماً حجراً حجراً، ولأجلس علي حجر لي بدمشق، ولأسومنَّ العرب سوم المنايا، فقيل متي هذا؟ فقال: إذا مت وصرت إلي التراب [609]، وسوّي عليّ اللبن وضُربت عليّ القباب [610].

خطبة له بعد انصرافه من قتل الخوارج

ومن خطبة له عليه السلام، بعد انصرافه من قتل الخوارج، فقال فيها بعد حمد اللَّه والصلوات علي محمد صلي الله عليه و آله و سلم: أنا أوّل المسلمين، أنا أوّل المؤمنين، أنا أوّل المصلّين، أنا أوّل الصائمين، أنا أوّل المجاهدين، أنا حبل اللَّه المتين، أنا سيف رسول ربّ العالمين، أنا الصدِّيق الأكبر، أنا الفاروق الأعظم، أنا باب مدينة العلم، أنا رأس الحلم، أنا

راية الهدي، أنا مفتي العدل، أنا سراج الدين، أنا أمير المؤمنين، أنا إمام المتّقين، أنا سيّد الوصيّين، أنا يعسوب الدين، أنا شهاب اللَّه الثاقب، أنا عذاب اللَّه الواصب، أنا البحر الذي لا ينزف، أنا الشرف الذي لا يوصف، أنا قاتل المشركين، أنا مبيد الكافرين، أنا غوث المؤمنين، أنا قائد الغرّ المحجلين، أنا أضراس جهنّم القاطعة، أنا رحاها الدائرة، أنا ساق أهلها إليها، أنا ملقي حطبها عليها.

أنا اسمي في الصحف عالياً، وفي التوراة برياً، وعند العرب علياً، وإن لي أسماء في القرآن عرفها من عرفها.

أنا الصادق الذي أمركم اللَّه باتباعه فقال: «وكونوا مع الصادقين» [611]، أنا صالح المؤمنين، أنا المؤذن في الدنيا والآخرة، أنا المتصدِّق راكعاً، أنا الفتي ابن الفتي أخو الفتي، أنا الممدوح ب «هَلْ أَتَي»، أنا وجه اللَّه، أنا جنب اللَّه، أنا علم اللَّه، أنا عندي علم ما كان وما يكون إلي يوم القيامة، لا يدّعي ذلك أحد ولا يدفعني عنه أحد، جعل اللَّه قلبي مضيئاً، وعملي رضياً، لقنني ربي الحكمة وغذاني بها، لم أشرك باللَّه منذ خلقت، ولم أجزع منذ حملت، قتلت صناديد العرب وفرسانها، وأفنيت ليوثها وشجعانها، أيّها الناس، سلوني عن علم مخزون وحكمة مجموعة [612].

و من خطبة تسمي الإفتخار

ومن ذلك ما ورد عنه في خطبة الافتخار، رواها الأصبغ بن نباتة قال: خطب أمير المؤمنين عليه السلام فقال في خطبته: أنا أخو رسول اللَّه ووارث علمه، ومعدن حكمه، وصاحب سرّه، وما أنزل اللَّه حرفاً في كتاب من كتبه إلّا وقد صار إليّ، وزاد لي علم ما كان وما يكون إلي يوم القيامة، أعطيت علم الأنساب والأسباب، وأعطيت ألف مفتاح يفتح كل مفتاح ألف باب، ومددت بعلم القدر، وإن ذلك يجري في الأوصياء من بعدي ما

جري الليل والنهار حتي يرث اللَّه الأرض ومن عليها، وهو خير الوارثين.

أعطِيت الصراط والميزان واللواء والكوثر، أنا المقدّم علي بني آدم يوم القيامة، أنا المحاسب للخلق، أنا منزلهم منازلهم، أنا عذاب أهل النار، ألَا كل ذلك فضل من اللَّه عليّ، ومن أنكر أن لي في الأرض كرة بعد كرة وعوداً بعد رجعة، حديثاً كما كنت قديماً، فقد ردّ علينا، ومن ردَّ علينا فقد رد علي اللَّه.

أنا صاحب الدعوات، أنا صاحب الصلوات، أنا صاحب النقمات، أنا صاحب الدلالات، أنا صاحب الآيات العجيبات، أنا عالِم أسرار البريات، أنا قرن من حديد، أنا أبداً جديد، أنا منزل الملائكة منازلها، أنا آخذ العهد علي الأرواح في الأزل، أنا المنادي لهم ألست بربّكم بأمر قيوم لم يزل.

أنا كلمة اللَّه الناطقة في خلقه، أنا آخذ العهد علي جميع الخلائق في الصلوات، أنا غوث الأرامل واليتامي، أنا باب مدينة العلم، أنا كهف الحلم، أنا دعامة اللَّه القائمة، أنا صاحب لواء الحمد، أنا صاحب الهبات بعد الهبات ولو أخبرتكم لكفرتم، أنا قاتل الجبابرة، أنا الذخيرة في الدنيا والآخرة، أنا سيّد المؤمنين، أنا علم المهتدين، أنا صاحب اليمين، أنا اليقين، أنا إمام المتّقين، أنا السابق إلي الدين، أنا حبل اللَّه المتين، أنا الذي أملأها عدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً بسيفي هذا، أنا صاحب جبريل، أنا تابع ميكائيل، أنا شجرة الهدي، أنا علم التقي، أنا حاشر الخلق إلي اللَّه بالكلمة التي بها يجمع الخلايق، أنا منشي ء [613] الأنام، أنا جامع الأحكام، أنا صاحب القضيب الأزهر والجمل الأحمر، أنا باب اليقين، أنا أمير المؤمنين، أنا صاحب الخضر، أنا صاحب البيضاء، أنا صاحب الفيحاء، أنا قاتل الأقران، أنا مبيد الشجعان، أنا صاحب القرون الأوّلين، أنا الصدِّيق الأكبر،

أنا الفاروق الأعظم، أنا المتكلِّم بالوحي، أنا صاحب النجوم، أنا مدبرها بأمر ربّي وعلم اللَّه الذي خصّني به، أنا صاحب الرايات الصفر، أنا صاحب الرايات الحمر، أنا الغائب المنتظر لأمر العظيم، أنا المعطي، أنا المبذل، أنا القابض يدي علي القبض، الواصف لنفسي، أنا الناظر لدين ربّي، أنا الحامي لابن عمّي، أنا مدرجة في الأكفان، أنا والي الرحمن، أنا صاحب الخضر وهارون، أنا صاحب موسي ويوشع بن نون، أنا صاحب الجنة، أنا صاحب القطر والمطر، أنا صاحب الزلازل والخسوف، أنا مروع الألوف، أنا قاتل الكفّار، أنا إمام الأبرار، أنا البيت المعمور، أنا السقف المرفوع، أنا البحر المسجور، أنا باطن الحرم، أنا عماد الأمم، أنا صاحب الأمر الأعظم، هل من ناطق يناطقني؟

أنا النار، ولولا أني أسمع كلام اللَّه وقول رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم لوضعت سيفي فيكم وقتلتكم عن آخركم، أنا شهر رمضان، أنا ليلة القدر، أنا أمّ الكتاب، أنا فصل الخطاب، أنا سورة الحمد، أنا صاحب الصلاة في الحضر والسفر، بل نحن الصلاة والصيام والليالي والأيام والشهور والأعوام، أنا صاحب الحشر والنحر، أنا الواضع عن أمّة محمد الوزر، أنا باب السجود، أنا العابد، أنا المخلوق، أنا الشاهد، أنا المشهود، أنا صاحب السندس الأخضر، أنا المذكور في السَّموَات والأرض، أنا الماضي مع رسول اللَّه في السَّموَات، أنا صاحب الكتاب والقوس، أنا صاحب شيث بن آدم، أنا صاحب موسي وإرم، أنا بي تضرب الأمثال، أنا السماء الخضر، أنا صاحب الدنيا الغبراء، أنا صاحب الغيث بعد القنوط.

ها أنا ذا فمن ذا مثلي، أنا صاحب الرعد الأكبر، أنا صاحب البحر الأكدر، أنا مكلِّم الشمس، أنا الصاعقة علي الأعداء، أنا غوث من أطاع من الوري واللَّه ربي

لا إله غيره، ألا وإن للباطل جولة وللحق دولة، وإني ظاعن عن قريب فارتقبوا الفتنة الأموية والدولة الكسروية، ثم تقبل دولة بني العباس بالفرج والبأس، وتبني مدينة يقال لها الزوراء بين دجلة ودجيل والفرات، ملعون من سكنها، منها تخرج طينة الجبّارين، تعلي فيها القصور، وتسبل الستور، ويتعلون بالمكر والفجور، فيتداولها بنو العباس 42 ملكاً علي عدد سني الملك، ثم الفتنة الغبراء، والقلادة الحمراء في عنقها قائم الحق، ثم أسفر عن وجهي بين أجنحة الأقاليم كالقمر المضي ء بين الكواكب، ألا وإن لخروجي علامات عشرة، أوّلها تحريف الرايات في أزقة الكوفة، وتعطيل المساجد، وانقطاع الحاج، وخسف وقذف بخراسان، وطلوع الكوكب المذنب، واقتران النجوم، وهرج ومرج وقتل ونهب، فتلك علامات عشرة، ومن العلامة إلي العلامة عجب، فإذا تمّت العلامات قام قائمنا قائم الحق.. ثم قال: معاشر الناس نزهوا ربّكم ولا تشيروا إليه، فمن حد الخالق فقد كفر بالكتاب الناطق، ثم قال: طوبي لأهل ولايتي الذين يقتلون فيَّ، ويطردون من أجلي، هم خزّان اللَّه في أرضه، لا يفزعون يوم الفزع الأكبر، أنا نور اللَّه الذي لا يطفي، أنا السرّ الذي لا يخفي [614].

يؤيّد هذا الكلام والمقام ما ورد في الأمالي عن رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم أنه قال: يا معشر قريش، كيف بكم وقد كفرتم بعدي، ثم رأيتموني في كتيبة من أصحابي أضرب وجوهكم بالسيف، أنا وعلي بن أبي طالب عليه السلام.

فنزل جبرئيل مسرعاً، وقال: قل إن شاء اللَّه [615]. [616].

و من خطبة له تسمي التطنجية

ومن خطبة له عليه السلام تسمّي التطنجية، ظاهرها أنيق، وباطنها عميق، فليحذر قارئها من سوء ظنّه، فإن فيها من تنزيه الخالق ما لا يطيقه أحد من الخلائق، خطبها أمير المؤمنين عليه السلام بين الكوفة

والمدينة، فقال: الحمد للَّه الذي فتق الأجواء وخرق الهواء، وعلق الأرجاء وأضاء الضياء، وأحيي الموتي وأمات الأحياء، أحمده حمداً سطع فأرفع، وشعشع فلمع، حمداً يتصاعد في السماء إرساله، ويذهب في الجو اعتداله، خلق السَّموَات بلا دعائم، وأقامها بغير قوائم، وزيّنها بالكواكب المضيئات، وحبس في الجو سحائب مكفهرات، وخلق البحار والجبال علي تلاطم تيار رفيق رئيق، فتق رتجاها [617] فتغطمطت أمواجها، أحمده وله الحمد، وأشهد أن لا إله إلّا هو، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، انتجبه من البحبوحة العليا، وأرسله في العرب، وابتعثه هادياً مهدياً حلاحلاً [618] طلسمياً، فأقام الدلائل، وختم الرسائل، بصّر به المسلمين، وأظهر به الدين، صلّي اللَّه عليه وآله الطاهرين.

أيّها الناس، أنيبوا إلي شيعتي، والتزموا بيعتي، وواظبوا علي الدين بحسن اليقين، وتمسّكوا بوصي نبيّكم الذي به نجاتكم، وبحبّه يوم الحشر منجاتكم، فأنا الأمل والمأمول.

أنا الواقف علي التطنجين، أنا الناظر إلي المغربين والمشرقين، رأيت رحمة اللَّه والفردوس [619] رأي العين، وهو في البحر السابع يجري في الفلك في زخاخيره النجوم والحبك، ورأيت الأرض ملتفة كالتفاف الثوب القصور، وهي في خزف من التطنج الأيمن ممّا يلي المشرق والتطنجان، خليجان من ماء كأنهما أيسار تطنجين، وأنا المتولي دائرتها، وما الفردوس؟ وما هم فيه إلّا كالخاتم في الإصبع، ولقد رأيت الشمس عند غروبها وهي كالطاير المنصرف إلي وكره، ولولا اصطكاك رأس الفردوس، واختلاط التطنجين، وصرير الفلك، يسمع من في السَّموَات والأرض رميم حميم دخولها في الماء الأسود، وهي العين الحمئة، ولقد علمت من عجائب خلق اللَّه ما لا يعلمه إلّا اللَّه، وعرفت ما كان وما يكون وما كان في الذر الأوّل مع من تقدّم من آدم الأول، ولقد كشف لي فعرفت، وعلمني ربي فتعلّمت، ألا فعوا ولا

تضجوا ولا ترتجوا فلولا خوفي عليكم أن تقولوا جن أو ارتد لأخبرتكم بماكانوا وما أنتم فيه وما تلقونه إلي يوم القيامة، علم أوعز إلي فعلمت، ولقد ستر علمه عن جميع النبيين إلّا صاحب شريعتكم هذه صلوات اللَّه عليه وآله، فعلّمني علمه، وعلمته علمي، ألا وإنّا نحن النذر الأولي، ونحن نذر الآخرة والأولي، ونذر كل زمان وأوان، وبنا هلك من هلك، وبنا نجا من نجا، فلا تستطيعوا ذلك فينا، فوالذي فلق الحبة، وبرأ النسمة، وتفرّد بالجبروت والعظمة، لقد سخرت لي الرياح والهواء والطير، وعرضت عليَّ الدنيا، فأعرضت عنها، أنا كاب الدنيا لوجهها فحني، متي يلحق بي اللواحق، لقد علمت ما فوق الفردوس الأعلي، وما تحت السابعة السفلي، وما في السَّموَات العلي، وما بينهما وما تحت الثري.

كل ذلك علم إحاطة لا علم أخبار، أقسم بربّ العرش العظيم، لو شئت أخبرتكم بآبائكم وأسلافكم أين كانوا وممّن كانوا وأين هم الآن وما صاروا إليه، فكم من آكل منكم لحم أخيه، وشارب برأس أبيه، وهو يشتاقه ويرتجيه.

هيهات هيهات، إذا كشف المستور، وحصل ما في الصدور، وعلم أين الضمير، وأيم اللَّه لقد كوزتم كوزات، وكررتم كرات، وكم بين كرة وكرة من آية وآيات، ما بين مقتول وميّت، فبعض في حواصل الطيور، وبعض في بطون الوحش، والناس ما بين ماض وزاج [620]، ورايح وغاد، ولو كشف لكم ما كان منّي في القديم الأول، وما يكون منّي في الآخرة، لرأيتم عجائب مستعظمات، وأموراً مستعجبات، وصنايع وإحاطات، أنا صاحب الخلق الأوّل قبل نوح الأول، ولو علمتم ما كان بين آدم ونوح من عجائب اصطنعتها، وأمم أهلكتها: فحق عليهم القول، فبئس ما كانوا يفعلون. أنا صاحب الطوفان الأوّل، أنا صاحب الطوفان الثاني، أنا صاحب سيل

العرم، أنا صاحب الأسرار المكنونات، أنا صاحب عاد والجنات، أنا صاحب ثمود والآيات، أنا مدمّرها، أنا مزلزلها، أنا مرجعها، أنا مهلكها، أنا مدبرها، أنا بانيها، أنا داحيها، أنا مميتها، أنا محييها، أنا الأوّل، أنا الآخر، أنا الظاهر، أنا الباطن، أنا مع الكور قبل الكور، أنا مع الدور قبل الدور، أنا مع القلم قبل القلم، أنا مع اللوح قبل اللوح، أنا صاحب الأزلية الأولية، أنا صاحب جابلقا وجابرسا، أنا صاحب الرفوف وبهرم، أنا مدبر العالم الأول حين لا سماؤكم هذه ولا غبراؤكم.

قال: فقام إليه ابن صويرمة فقال: أنت أنت يا أمير المؤمنين؟

فقال: أنا أنا لا إله إلّا اللَّه ربّي ورب الخلائق أجمعين، له الخلق والأمر، الذي دبّر الأمور بحكمته، وقامت السَّموَات والأرض بقدرته، كأني بضعيفكم يقول ألا تسمعون إلي ما يدّعيه ابن أبي طالب في نفسه، وبالأمس تكفهر عليه عساكر أهل الشام فلا يخرج إليها؟

وباعث محمد وإبراهيم! لأقتلن أهل الشام بكم قتلات وأي قتلات، وحقي وعظمتي لأقتلنّ أهل الشام بكم قتلات وأي قتلات، ولأقتلن أهل صفين بكل قتلة سبعين قتلة، ولأردنّ إلي كل مسلم حياة جديدة، ولأسلمن إليه صاحبه وقاتله، إلي أن يشفي غليل صدري منه، ولأقتلن بعمّار بن ياسر وبأويس القرني ألف قتيل أولا يقال لا وكيف وأين ومتي وأني وحتي، فكيف إذا رأيتم صاحب الشام ينشر بالمناشير، ويقطع بالمساطير، ثم لأذيقنّه أليم العقاب، ألا فابشروا، فإليّ يرد أمر الخلق غداً بأمر ربي، فلا يستعظم ما قلت، فإنا أعطينا علم المنايا والبلايا، والتأويل والتنزيل، وفصل الخطاب وعلم النوازل، والوقايع والبلايا، فلا يعزب عنّا شي ء.

كأني بهذا وأشار إلي الحسين عليه السلام قد ثار نوره بين عينيه، فأحضره لوقته بحين طويل يزلزلها ويخسفها، وثار معه المؤمنون في

كل مكان، وأيم اللَّه لو شئت سمّيتهم رجلاً رجلاً بأسمائهم وأسماء آبائهم فهم يتناسلون من أصلاب الرجال وأرحام النساء، إلي يوم الوقت المعلوم.

ثم قال: يا جابر، أنتم مع الحق ومعه تكونون، وفيه تموتون، يا جابر إذا صاح الناقوس، وكبس الكابوس، وتكلّم الجاموس، فعند ذلك عجائب وأي عجائب، إذا أنارت النار ببصري، وظهرت الراية العثمانية بوادي سوداء، واضطربت البصرة وغلب بعضهم بعضاً، وصبا كل قوم إلي قوم، وتحرّكت عساكر خراسان، وتبع شعيب بن صالح التيمي من بطن الطالقان، وبويع لسعيد السوسي بخوزستان، وعقدت الراية لعماليق كردان، وتغلبت العرب علي بلاد الأرمن والسقلاب، وأذعن هرقل بقسطنطينة لبطارقة سينان، فتوقعوا ظهور مكلم موسي من الشجرة علي الطور، فيظهر هذا ظاهر مكشوف، ومعاين موصوف، ألا وكم عجائب تركتها، ودلائل كتمتها، لا أجد لها حملة، أنا صاحب إبليس بالسجود، أنا معذِّبه وجنوده علي الكبر والغرور بأمر اللَّه، أنا رافع إدريس مكاناً علياً، أنا منطق عيسي في المهد صبياً، أنا مدين الميادين وواضع الأرض، أنا قاسمها أخماساً، فجعلت خمساً براً، وخمساً بحراً، وخمساً جبالاً، وخمساً عمّاراً، وخمساً خراباً.

أنا خرقت القلزم من الترجيم، وخرقت العقيم من الحيم، وخرقت كلّاً من كل، وخرقت بعضاً في بعض، أنا طيرثا، أنا جانبوثا، أنا البارحلون، أنا عليوثوثا، أنا المسترق علي البحار في نواليم الزخار عند البيار، حتي يخرج لي ما أعد لي فيه من الخيل والرجل، فآخذ ما أحببت، وأترك ما أردت، ثم أسلّم إلي عمّار بن ياسر اثني عشر ألف أدهم علي أدهم، منها محب للَّه ولرسوله، مع كل واحد اثني عشر كتيبة، لا يعلم عددها إلّا اللَّه، ألا فابشروا، فأنتم نعم الإخوان، ألا وإن لكم بعد حين طرفة تعلمون بها بعض البيان، وتنكشف لكم

صنايع البرهان، عند طلوع بهرام وكيوان، علي دقائق الاقتران، فعندها تتواتر الهزات والزلازل، وتقبل رايات من شاطي ء جيحون إلي بيداء بابل.

أنا مبرج الأبراج وعاقد الرياح، ومفتح الأفراج وباسط العجاج، أنا صاحب الطور، أنا ذلك النور الظاهر، أنا ذلك البرهان الباهر، وإنما كشف لموسي شقص من شقص الذر من المثقال، وكل ذلك بعلم من اللَّه ذي الجلال.

أنا صاحب جنّات الخلود، أنا مجري الأنهار أنهاراً من ماء تيار، وأنهاراً من لبن، وأنهاراً من عسل مصفّي، وأنهاراً من خمر لذّة للشاربين، أنا حجبت جهنّم وجعلتها طبقات السعير، وسقير الجير، والأخري عمقيوس أعددتها للظالمين، وأودعت ذلك كلّه وادي برهوت، وهو والفلق ورب ما خلق، يخلد فيه الجبت والطاغوت وعبيدهما، ومن كفر بذي الملك والملكوت، أنا صانع الأقاليم بأمر العليم الحكيم، أنا الكلمة التي بها تمّت الأمور ودهرت الدهور، أنا جعلت الأقاليم أرباعاً، والجزائر سبعاً، فإقليم الجنوب معدن البركات، وإقليم الشمال معدن السطوات، وإقليم الصبا معدن الزلازل وإقليم الدبور معدن الهلكات.

ألا ويل لمداينكم وأمصاركم من طغاة يظهرون فيغيرون ويبدلون إذا تمالت الشدائد من دولة الخصيان، وملكة الصبيان، والنسوان، فعند ذلك ترتج الأقطار بالدعاة إلي كل باطل، هيهات هيهات، توقعوا حلول الفرج الأعظم، وإقباله فوجاً فوجاً، إذا جعل اللَّه حصباء النجف جوهراً، وجعله تحت أقدام المؤمنين، وتبايع به للخلاف والمنافقين، ويبطل معه الياقوت الأحمر، وخالص الدر والجوهر، ألا وإن ذلك من أبين العلامات، حتي إذا انتهي ذلك صدق ضياؤه، وسطع بهاؤه، وظهر ما تريدون، وبلغتم ما تحبّون، ألا وكم إلي ذلك من عجائب جمّة، وأمور ملمة، يا أشباه الأعثام، وبهام الأنعام، كيف تكونون إذا دهمتكم رايات لبني كنام مع عثمان بن عنبسة من عراص الشام يريد بها أبويه، ويزوج بها أميه،

هيهات أن يري الحق أموي أم عدوي.

ثم بكي صلوات اللَّه عليه، وقال: واها للأمم، أما شاهدت رايات بني عتبة مع بني كنام السائرين أثلاثاً، المرتكبين جبلاً جبلاً مع خوف شديد، وبؤس عتيد، ألا وهو الوقت الذي وعدتم به، لأحملنّهم علي نجائب، تحفّهم مراكب الأفلاك، كأني بالمنافقين يقولون نص عليّ علي نفسه بالربانية، ألا فاشهدوا شهادة أسألكم بها عند الحاجة إليها، إن علياً نور مخلوق، وعبد مرزوق، ومن قال غير هذا فعليه لعنة اللَّه ولعنة اللاعنين.

ثم نزل وهو يقول: تحصنت بذي الملك والملكوت، واعتصمت بذي العزّة والجبروت، وامتنعت بذي القدرة والملكوت، من كل ما أخاف وأحذر، أيها الناس ما ذكر أحدكم هذه الكلمات عند نازلة أو شدّة إلّا وأزاحها اللَّه عنه.

فقال له جابر: وحدها يا أمير المؤمنين، فقال: نعم وأضيف إليها الثلاثة عشر اسماً، وضمّني، ثم ركب ومضي [621].

و من خطبة له يعرف فيها نفسه أولها «أنا عندي مفاتيح الغيب»

ومن خطبة له عليه السلام قال: أنا عندي مفاتيح الغيب، لا يعلمها بعد رسول اللَّه إلّا أنا، أنا ذو القرنين المذكور في الصحف الأولي، أنا صاحب خاتم سليمان، أنا ولي الحساب، أنا صاحب الصراط والموقف، قاسم الجنة والنار بأمر ربّي، أنا آدم الأوّل، أنا نوح الأوّل، أنا آية الجبّار، أنا حقيقة الأسرار، أنا مورق الأشجار، أنا مونع الثمار، أنا مفجِّر العيون، أنا مجري الأنهار، أنا خازن العلم، أنا طود الحلم، أنا أمير المؤمنين، أنا عين اليقين، أنا حجّة اللَّه في السَّموَات والأرض، أنا الراجفة، أنا الصاعقة، أنا الصيحة بالحق، أنا الساعة لمن كذّب بها، أنا ذلك الكتاب الذي لا ريب فيه، أنا الأسماء الحسني التي أمر أن يدعي بها، أنا ذلك النور الذي اقتبس منه الهدي، أنا صاحب الصور، أنا مخرج مَنْ في القبور، أنا صاحب يوم

النشور، أنا صاحب نوح ومنجيه، أنا صاحب أيوب المبتلي وشافيه، أنا أقمت السَّموَات بأمر ربّي، أنا صاحب إبراهيم، أنا سرّ الكليم.

أنا الناظر في الملكوت، أنا أمر الحي الذي لا يموت، أنا ولي الحق علي سائر الخلق، أنا الذي لا يبدل القول لديَّ، وحساب الخلق إليَّ، أنا المفوض إليَّ أمر الخلائق، أنا خليفة الإله الخالق، أنا سرّ اللَّه في بلاده، وحجّته علي عباده، أنا أمر اللَّه والروح، كما قال سبحانه: «وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي» [622].

أنا أرسيت الجبال الشامخات، وفجّرت العيون الجاريات، أنا غارس الأشجار، ومخرج الألوان والثمار، أنا مقدّر الأقوات، أنا ناشر الأموات، أنا منزل القطر، أنا منوّر الشمس والقمر والنجوم، أنا قيّم القيامة، أنا القيم الساعة، أنا الواجب له من اللَّه الطاعة، أنا سر اللَّه المخزون، أنا العالم بما كان وما يكون، أنا صلوات المؤمنين وصيامهم، أنا مولاهم وإمامهم، أنا صاحب النشر الأوّل والآخر، أنا صاحب المناقب والمفاخر، أنا صاحب الكواكب، أنا عذاب اللَّه الواصب، أنا مهلك الجبابرة الأُوَل، أنا مزيل الدُّوَل، أنا صاحب الزلازل والرجف، أنا صاحب الكسوف والخسوف، أنا مدمّر الفراعنة بسيفي هذا، أنا الذي أقامني اللَّه في الأظلة ودعاهم إلي طاعتي، فلما ظهرت أنكروا، فقال اللَّه سبحانه: «فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به»، أنا نور الأنوار، أنا حامل العرش مع الأبرار، أنا صاحب الكتب السالفة، أنا باب اللَّه الذي لا يفتح لمن كذب به ولا يذوق الجنة، أنا الذي تزدحم الملائكة علي فراشي، وتعرفني عباد أقاليم الدنيا، أنا رُدّتْ لي الشمس مرّتين، وسلّمتْ عليّ كرتين، وصلّيت مع رسول اللَّه القبلتين، وبايعت البيعتين، أنا صاحب بدر وحنين، أنا الطور، أنا الكتاب المسطور، أنا البحر المسجور، أنا البيت المعمور، أنا

الذي دعا اللَّه الخلائق إلي طاعتي، فكفرتْ، وأصرَّتْ، فَمُسِخَتْ، وأجابت أمةٌ فنجت، وأزلفت، أنا الذي بيدي مفاتيح الجنان، ومقاليد النيران، كرامة من اللَّه، أنا مع رسول اللَّه في الأرض وفي السماء، أنا المسيح حيث لا روح يتحرّك ولا نفس يتنفّس غيري، أنا صاحب القرون الأولي، أنا الصامت ومحمد الناطق، أنا جاوزت بموسي في البحر، وأغرقت فرعون وجنوده، وأنا أعلم هماهم البهائم، ومنطق الطير، أنا الذي أجوز السَّموَات السبع والأرضين السبع في طرفة عين، أنا المتكلّم علي لسان عيسي في المهد، أنا الذي يصلّي عيسي خلفي، أنا الذي أنقلب في الصور كيف شاء اللَّه، أنا مصباح الهدي، أنا مفتاح التقي، أنا الآخرة والأولي، أنا الذي أري أعمال العباد، أنا خازن السَّموَات والأرض بأمر رب العالمين، أنا القائم بالقسط، أنا ديّان الدين، أنا الذي لا تقبل الأعمال إلّا بولايتي، ولا تنفع الحسنات إلّا بحبّي، أنا العالم بمدار الفلك الدوّار، أنا صاحب مكيال وقطرات الأمطار، ورمل القفار بإذن الملك الجبّار، ألا أنا الذي أُقتل مرّتين وأحيي مرّتين وأظهر كيف شئت، أنا محصي الخلائق وإن كثروا، أنا محاسبهم بأمر ربي، أنا الذي عندي ألف كتاب من كتب الأنبياء، أنا الذي جحد ولايتي ألف أمة فمسخوا، أنا المذكور في سالف الأزمان والخارج في آخر الزمان، أنا قاصم الجبّارين في الغابرين، ومخرجهم ومعذّبهم في الآخرين، يغوث ويعوق ونسراً عذاباً شديداً، أنا المتكلّم بكل لسان، أنا الشاهد لأعمال الخلائق في المشارق والمغارب.

أنا صهر محمد، أنا المعني الذي لا يقع عليه اسم ولا شبه، أنا باب حطة، ولا حول ولا قوّة إلّا باللَّه العلي العظيم [623].

تفسير الإمام الصادق لبعض فقرات الخطبة

قال الصادق عليه السلام: الآيات السبع التي ذكرها أمير المؤمنين عليه السلام هي أسماء الأئمة من ذرية

الحسين عليه السلام وإن هذا الأمر يصير إلي من تلوي إليه أعنة الخيل من الآفاق، وهو المظهر علي الدين كله ومالك قافاتها وكافاتها ودالاتها، وهو المهدي عليه السلام.

قال: وشرح ما قاله أمير المؤمنين عليه السلام علي الاختصار قال: أنا دحوت أرضها معناه أنه وعترته تسكن الأرض، وقوله: أنا أرسيت جبالها معناه إنه وعترته الأمان من الغرق وأنهم الجبال الرواسي، وقوله: أنا فجّرت عيونها لأنّ الأئمة من عترته هم ينابيع العلم والحكم، وقوله: أينعت ثمارها إشارة إلي عترته، وقوله: أنا غرست أشجارها إشارة إلي أن الأئمة من عترته هم شجرة طوبي وسدرة المنتهي، وقوله: أنا أنشأ سحابها إشارة إلي عترته، لأنهم الغيث الهامل، وقوله: أنا أسمعت رعدها معناه أنا أنبت العلم، وقوله: أنا نوّرت برقها لأن عترته نور العباد والبلاد، وقوله: أنا البحر الزاخر معناه بالعلم، وقوله: أنا شيّدت أطوارها معناه شيدت الدين، وقوله: أنا قتلت مردة الشياطين يعني أهل الشام، وقوله: أنا أشرقت قمرها وشمسها وأجريت فلكها، المراد الأئمة فهم الشموس والأقمار وسفن النجاة، وقوله: أنا جنب اللَّه يعني حق اللَّه وعلم اللَّه، وقوله: أنا دابة الأرض، معناه أفرّق بين الحق والباطل، وقوله: وعلي يدي تقوم الساعة إشارة إلي المهدي عليه السلام يحكم في الأرض زماناً طويلاً، وإذا مات قامت الساعة، وقوله: فيَّ يرتاب المبطلون، أي: من جحد ولايتي هلك. ومن أقرَّ بها نجا. قال: وإنّما فسّر الإمام منها علي مقدار عقل السائل [624].

في أن علي هو الاسم الأعظم و قصته مع الخيبري و عمار

ومن ذلك ما رواه صاحب عيون الأخبار قال: إن أمير المؤمنين عليه السلام مرَّ في طريق فسايره خيبري فمرّ بواد قد سال فركب الخيبري مرطه وعبر علي الماء ثم نادي أميرَ المؤمنين عليه السلام: يا هذا لو عرفت كما عرفت لجريت

كما جريت، فقال له أمير المؤمنين: مكانك، ثم أومأ إلي الماء فجمد ومر عليه. فلما رأي الخيبري ذاك أكبّ علي قدميه وقال: يا فتي ما قلت حتي حولت الماء حجراً؟ فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: فما قلت أنت حتي عبرت علي الماء؟ فقال الخيبري: أنا دعوت اللَّه باسمه الأعظم، فقال أمير المؤمنين عليه السلام وما هو؟

قال: سألته باسم وصي محمد، فقال أمير المؤمنين: أنا وصي محمد، فقال الخيبري: إنه الحق. ثم أسلم. [625].

ومن ذلك ما رواه عمّار بن ياسر قال: أتيت مولاي يوماً فرأي في وجهي كآبة فقال: ما بك؟ فقلت: دين أتي مطالب به، فأشار إلي حجر ملقي وقال: خذ هذا فاقض منه دينك، فقال عمّار: إنه الحجر، فقال له أمير المؤمنين: ادع اللَّه بي يحوّله لك ذهباً. فقال عمّار: فدعوت باسمه فصار الحجر ذهباً فقال لي: خذ منه حاجتك، فقلت: وكيف تلين؟ فقال: يا ضعيف اليقين ادع اللَّه بي حتّي تلين فإن باسمي ألانَ اللَّه الحديد لداود عليه السلام، قال عمّار:

فدعوت اللَّه باسمه فلان فأخذت منه حاجتي، ثم قال: ادع اللَّه باسمي حتي يصير باقيه حجراً كما كان [626].

في الرد علي من قال: كيف صار الحجر ذهبا باسم علي

لعلَّك أيّها الشاك في دينه، المرتاب في يقينه، تقول: كيف صار الحجر ذهباً؟

أما عرفت أن القدرة في يد القادر، والمراد من الأشياء غاياتها وغاية الحجر أن يصير ذهباً، وإنّما يطلب الأمر الأعظم بالأعظم والعظيم من العظيم يرجي، وغاية الغايات ونهاية النهايات، وأعظم الأسماء وأقربها إلي حضرة الألوهية محمد وعلي، والولاية مبتدأ النبوّة ونهايتها وبها تكمل أيام دولتها، وإليه الإشارة بقوله: «إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي» [627]، لأنه لما اتخذه نبياً لم يطلب ذاك لذريته، ولما ألبسه خلعة الحلة ورفعه إلي رتبة

الرسالة لم يطلب ذاك لذريته لعلّه ينسخ الشرائع ويغيرها، فلما قال له «إنّي جاعلك للناس إماماً» طلب ذاك لذريته، لأن الإمامة لم ينلها نسخ فهي غاية الغايات لأنها ختم الدين ونقطة اليقين، فهي سر السرائر ونور النور والاسم الأعظم، فالدعاء باسم علي يحوّل التراب تبراً والأحجار جوهراً ودراً، والظلمة نوراً، وتجعل في الشجر اليابس ثمراً، ويعيد الأعمي بصيراً.

قول الله لعلي هنيئا مريئا والرد علي من أنكر ذلك

اعلم أن إسرافيل عليه السلام لقّنه اللَّه كلمة بها ينفخ في الصور فيصعق أهل السَّموَات والأرض، وهي الاسم الذي قامت به السَّموَات والأرض، ثم يناديهم بها فيقوم بها الأموات ويحيي الرفات ويجمع الشتات من العظام الدارسات وتعود بادرة كما ناداها الجبّار في الأزل فأجابت بالكلمات التامة التي لها التفريق والجمع والموت والحياة، وهي رموز مستورة في القرآن:

أما عرفت أن اللَّه بري ء عن الصورة المثلي وأنه الحيّ الكريم المتعال وأن باسمه وقدرته وأمره يوجد الأشياء ويعدمها إذا شاء، وأنه ليس هناك جوارح تفعل ولا حركات ولكنها رموز مبهمات وكلمات تامات، وإليه الإشارة بقوله: «خمرت طينة آدم بيدي» [628] أي بقدرتي، ومثله: «أن اللَّه خلق آدم علي صورته» [629] أي علي الصورة التي كان عليها من الطين لم ينتقل من العلقة إلي المضغة، بل يقول: «كن فيكون»، فلو اطلعت علي السر المصون في قوله «كن فيكون» لعرفت ما بين القلم والنون.

روي عن ابن عباس عن رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم أنه استدعي يوماً ماء وعنده أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام فشرب النبي صلي الله عليه و آله و سلم ثم ناوله الحسن فشرب، فقال له النبي: هنيئاً مريئاً يا أبا محمد، ثم ناوله الحسين، فقال له النبي: هنيئاً مريئاً يا أبا عبداللَّه، ثم

ناوله الزهراء فشربت، فقال لها النبي صلي الله عليه و آله و سلم: هنيئاً مريئاً يا أم الأبرار الطاهرين، ثم ناوله علياً فلما شرب سجد النبي صلي الله عليه و آله و سلم فلما رفع رأسه قال له بعض أزواجه: يا رسول اللَّه شربت ثم ناولت الماء للحسن، فلما شرب قلت له هنيئاً مريئاً، ثم ناولته الحسين فشرب فقلت له كذلك، ثم ناولته فاطمة فلما شربت قلت لها ما قلت للحسن وللحسين ثم ناولته علياً فلما شرب سجدت فما ذاك؟

فقال لها: إنّي لما شربت الماء قال لي جبرائيل والملائكة معه هنيئاً مريئاً يا رسول اللَّه، ولما شرب الحسن قالوا له كذلك ولما شرب الحسين وفاطمة قال جبرائيل والملائكة: هنيئاً مريئاً، فقلت كما قالوا، ولما شرب أمير المؤمنين عليه السلام قال اللَّه له: هنيئاً مريئاً يا وليّي وحجّتي علي خلقي، فسجدت للَّه شكراً علي ما أنعم عليَّ في أهل بيتي [630].

فلما وقر هذا في سمعه ووعاه لم يحمله عقله، وقال: يقول اللَّه لعلي هنيئاً مريئاً؟.

أما سمعت ما صرّح به القرآن من كلام الرحمن «فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْ ءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً» [631]، وإذا قال اللَّه لعامة خلقه هنيئاً مريئاً فكيف تستعظم قوله لوليّه وعليِّه هنيئاً مريئاً؟

ثم قلت له: أنت في اعتقادك في ولي معادك كمنافق مرَّ في طريق فوافقه مؤمن فذكر علياً فقال المؤمن: صلي اللَّه عليه، فغاظ ذاك المنافق وقال: لا يجوز الصلاة إلّا علي النبي، فقال له المؤمن: فما تقول في قوله سبحانه «هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ» [632] فهذه الصلاة علي من؟ قال: علي أمة محمد، فقال المؤمن: فكيف يجوز الصلاة علي أمة محمد ولا يجوز الصلاة علي آل محمد؟ فبهت

الذي كفر.

فانظر أيّها المؤمن كيف يستعظم المنافق سجود النبي عند تعظيم اللَّه لعلي، وإليه أشار القرآن بقوله «فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ» يعني بعلي «وَإِذَا قُرِي ءَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ» [633] والألف واللام في الذكر هنا للتخصيص، ومعناه أن كل آية تتضمن اسم محمد وعلي ظاهراً أو باطناً فإنّها أعظم ما في القرآن ذكراً، وإذا سجد هناك كان سجوده للَّه شكراً إذ عرّفه أعظم الآيات ذكراً وأعلاها عنده قدراً.

ان الله خصه بالصلاة عليه

وأما الصلاة فإنّ اللَّه قد صلّي علي المؤمنين عامة، وخص أمير المؤمنين عليه السلام وحده بصلوات فقال: «أُوْلئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ» [634]، وتفسير هذا الفضل العظيم، والمقام الكريم، ما رواه ابن عباس أن حمزة حين قتل يوم أحد وعرف بقتله أمير المؤمنين عليه السلام فقال: إنّا للَّه وإنا إليه راجعون، فنزلت «الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا للَّهِِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ- أُوْلئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ» [635] فكان هذا المقام لعلي عليه السلام.

التلازم بين ذكر الله و الصلاة علي محمد و آله

يؤيّد هذا قوله سبحانه: «وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ» [636]، قال المفسِّرون: معناه تذكر إذا ذكرت، وإذا وجب ذكر النبي وجب ذكر اللَّه، لما ورد عنه أن الصلاة عليه لا تقبل إلّا بذكر اللَّه، فالصلاة علي محمد وآل محمد لازمة لذكر اللَّه، وذكر اللَّه واجب ولازم واللازم واجب ولازم، فالصلاة علي محمد وآله واجبة علي كل حال بيّنة، وإشارة ذكر محمد وآله ذكر اللَّه لأن معرفة اللَّه وذكره بغير معرفتهم وذكرهم لا تنفع بل هو عقاب ووبال، لأن المشروط لا يتم ولا يقبل إلّا بشرطه، كالصلاة بغير وضوء، فالوضوء شرطها فهي بغير شرطها لا تنفع ولا ترفع، بل هي استهزاء ووبال، وكذا الذاكر للَّه مع إنكاره لمحمد وآله فإنه غير ذاكر فهو ملعون علي كل حال.

دليله ما رواه عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم أنه قال: لما خلق اللَّه العرش خلق سبعين ألف ملك، وقال لهم: طوفوا بعرش النور وسبّحوني واحملوا عرشي، فطافوا وسبحوا وأرادوا أن يحملوا العرش فما قدروا، فقال اللَّه لهم: طوفوا بعرش النور وصلوا علي نور جلالي محمد حبيبي واحملوا عرشي، فطافوا بعرش الجلال وصلوا علي محمد وحملوا العرش فأطاقوا حمله، فقالوا: ربنا أمرتنا بتسبيحك

وتقديسك ثم أمرتنا أن نصلّي علي نور جلالك محمد فتنقص من تسبيحك وتقديسك، فقال اللَّه لهم: يا ملائكتي إذا صلّيتم علي حبيبي محمد فقد سبحتموني وقدستموني وهللتموني [637].

يؤيّد هذا الحديث ما رواه ابن عباس عن رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم أنه قال: من صلّي عليَّ صلاة واحدة صلّي اللَّه عليه ألف صلاة في ألف صف من الملائكة ولم يبق رطب، ولا يابس إلّا وصلّي علي ذلك العبد لصلاة اللَّه عليه [638].

فما لك أيّها الهائم مع البهائم كلّما أبصرتك زاد عماك؟ وكلّما بشرتك زادت غُمّاك؟ وما لي أراك كالبوم يري الليل نهاراً لضعف بصره؟ فهلا كنت كالهدهد يري الماء من تحت الصخرة لقوة نظره، فلو كنت هدهداً اهتديت.

في أنه مجهول القدر ما عرفه أحد

ومن العجب أنّهم يسمّون علياً مجهول القدر، وهو تحت مرتبة النبي لأنه نائبه وابن عمّه ووزيره وزوج ابنته، لاختلاف العقول في عظمته. فقوم جحدوه وقوم عبدوه وقوم تبعوه، وكلّهم ما عرفوه لأن الذين عبدوه كفروا بعبادته، لأن المعبود واجب الوجود هو اللَّه خالق الخلق ولا إله إلّا هو، والذين جحدوه أيضاً ما عرفوه وكفروا بجحوده، وكيف يجحدون مولاهم ومعناهم ونهج هداهم؟ والذين تبعوه أيضاً ما عرفوه إذ لو عرفوه ما ارتابوا في فضله وأنكروه وأنزلوه عن رفيع قدره وصغروه، فهم في معرفته كسائر إلي مرام فخبته الظلام فرأي ضياء قد لاح فيممه فما أدركه حتي طلع الصباح، فهو السرّ الخفي الذي حارت في وصفه العقول ممّا يقول:

ماذا أقول وقد جلت مناقبه

عن الصفات وأضحي دونه الشرف

هذا الذي جاز عن حد القياس علاً

فتاهت الناس في معناه واختلفوا

غال وتال وقال عنده وقفوا

وكلّهم وصفوا وصفاً وما عرفوا

أو كما قيل:

هذا هو السر والمعني الخفي ومن

لولاه ما كانت الدنيا ولا

الفلك

ولا تكوّن هذا الكون من عدم

إلي الوجود وهذا المالك الملك

هذا الذي ظهرت آياته عجباً

للناس حتي لديه يسجد الملك

بعض ما وصفه به أعداؤه و إقرارهم بأن القدرة المطلقة بيده

وانظر إلي العارفين بعلي عليه السلام كيف وصفوه في حين أعداؤه قد وصفوه بأوصاف لو وصفه اليوم بها أحد من عارفيه بين أوليائه ومحبيه لكفروه، ومحقوه، وقتلوه، فمن ذلك قول أبي عبداللَّه بن الحجاج:

لو شئت مسْخَهم في دارهم مسخوا

أو شئت قلت لها يا أرض انخسفي

وإن أسماءك الحسني إذا تليت

علي مريض شفي من سقمه وكفي [639].

ومن ذاك قول الصاحب بن عباد:

إذا أنعمت روحي فمنك نعيمها

وإن شقيت يوماً فأنت رحيمها

بأسمائك الحسني أروح مهجتي

إذا فاض من قدس الجلال نسيمها

ومن ذلك قول ابن الفارض المغربي:

ولو رسم الراقي حروف اسمها علي

جبين مصاب جن أبرأه الرسم

وفوق لواء الجيش لو رقم اسمها

لأسكر من تحت اللوا ذلك الرقم

فانظر إليهم فلا لحروف الاسم يعرفون، ولا للاسم يدركون، ولا بما قال شاعرهم يشعرون، ولمن آتاه اللَّه من فضله يحسدون، وله لذاك يمقتون ويكفرون، قاتلهم اللَّه أنهم يؤفكون، ولم لادعي الناس ابن الحجاج بقوله وابن عباد كافراً ومغالياً إذ جعلا القدرة المطلقة والتصرف وتفويض الأمور إلي علي فهو كفعل اللَّه لكنه بقدرة اللَّه وكرامة اللَّه له، ولو أن عارفاً قال اليوم عند بعض أهل الدعوي، يا علي بحق قدرتك وأمرك النافذ في الأسماء وأسمائك الحسني وتفويض الأمور إليك، خذ بيدي لكان السامع لهذا القول منه أعظم شي ء عنده ثواباً قتله وتكفيره، فياللَّه من أهل الدعوي الذين لم تنجل عليهم بوارق المعني.

سبب إخفاء النبي صلي الله عليه و آله و سلم للعلم الرباني

مقارنة بين علم النبي و علم الولي و شرح قوله «لو كشف لي الغطاء»

في تأويل قول النبي صلي الله عليه و آله و سلم: «لا أعلم ما وراء هذا الجدار إلّا ما علّمني ربّي» [640]، وقول علي: «لو كشف الغطاء ما ازددت يقيناً» [641]، وقوله: «سلوني عن طرق السَّموَات [642]، سلوني عمّا دون العرش» [643]، [644].

هذا لفظه

الظاهر يوهم تفضيل الولي علي النبي عليهماالسلام، والعقل المحض عكسه لأن رتبة الولي وإن علت فهي تحت رتبة النبي، وإن تطاولت، وذلك لأن سر الأوّلين والآخرين أودع في النبي، ثم أحصر في الإمام الولي، فمنه فاض إليه وبه دلّ عليه، وسائر الأسرار إلي الوجود منهما وعنهما وهما من اللَّه وعنه، فما من غيب وصل إلي النبي بالوحي والخطاب الإلهي إلّا وقد وصل إلي الولي ظاهره وباطنه، فالنبي إليه الإنذار والتنزيل، والولي إليه الإهداء والتأويل.. وإليه الإشارة بقوله: «إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرٌ» يا محمد «وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ» [645] وهو علي.

فالنبي أمر أن ينطق من الغيب بعلم الظاهر عند الإذن من اللَّه لأنه صاحب الشرع.. وإليه الإشارة بقوله: «وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَي إِلَيْكَ وَحْيُهُ» [646] فالنبي أوتي من اللَّه العلم الظاهر والباطن، وأمر أن ينطق بنطق منه بالظاهر لا غير لئلا يتهموه بالكهانة والسحر وقد اتهم، والولي أُمر عن اللَّه وعن رسوله أن ينطق بالظاهر والباطن.. وإليه الإشارة بقوله: علّمني رسول اللَّه ألف باب من العلم ففتح اللَّه لي من كل باب ألف باب [647].

وهذا إشارة إلي علم الظاهر والباطن، فمثال النبي والولي في علم الظاهر والباطن كمثل ملك اختار من عبيده عبدين فجعل أحدهما له سفيراً والآخر نائباً ووزيراً، وخزن عندهما علم المملكة وولّاهما حكمها، ثم أمر الملك سفيره أن لا يحكم بما وصل إليه وفوّض إليه إلّا بالظاهر من حكم الأديان لئلا يتّهمه أهل المملكة بالأخذ عن الكهان، وأمره أن يوصل علم الظاهر والباطن إلي النائب الذي هو الوزير، وجعل له الحكم المطلق وذلك لأن حكم الملك والسلطان قد وصلا إليه علي الإطلاق، فهو مطلق العنان فيهما، فعلم أن قوله: لو كشف الغطاء

ما ازددت يقيناً. له معنيان، الأوّل أنه أعلي الموجودات لأنه قسيم النور الواحد الفائض عن الأحد فما فوقه إلّا ذات رب البريات، وسائر العوالم تحته من المخلوقات، وكيف يخفي الأدني علي ما هو منه؟ إلّا علي فمعناه لو كشف الغطاء وهو الحجاب عن هذا الجسد الترابي أو الغطاء من الجسم الفلكي ما ازددت يقيناً علي ما علمته في العالم النوراني من قبل خلق العرش والكرسي.

وأما معناه الثاني فهو سرّ بديع فهو يقول عليه السلام: «مَنْ عرفني من شيعتي بسرائر معرفتي»، وأنني اسم اللَّه العظيم ووجهه الكريم وحجابه في هذا الهيكل الترابي والعالم البشري، وانني في الجسد المركب آية اللَّه وكلمته في خلقه فإنه غداً إذا رآني لا يزداد في معرفتي يقيناً لأنه لم يرتَبْ فيّ من وراء الحجاب، فكيف يرتاب عند كشف الحجاب؟

وبيان هذا أن المخاطب بالقرآن النبي صلي الله عليه و آله و سلم والمراد به الأمة كذلك الولي هو الناطق والمراد به عارفيه لأن الأمة مضافة إلي النبيين، والتابعين مضافين إلي الولي، وإليه الإشارة بقوله سبحانه حكاية عن مؤمن آل فرعون: «وَمَا لِي لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ» [648] فهو المتكلّم والمراد به قومه لأنهم مضافين إليه، فقوله ما ازددت يقيناً تكلّم عليه السلام بلسان عارفيه من أوليائه أنهم لا تتخالجهم الشكوك فيه فهم كالتبر المسبوك، والنضار المحكوك، في حبه ومعرفته لا يزدادون فيه علي الحك والسبك إلّا خلاصاً ورفعة، فمن عرف مولي الأنام وولي يوم القيامة بهذا المقام، وجب عليه هجر الأنام وحبس الكلام، عن اللئام والعوام، لأن العارف بهذا المقام إن قال لا يصدّق وإن قيل له لا يستمع، فحظّه في العزلة وسلامته في الوحدة، لأن من عرف اللَّه كلّ

لسانه.

دليل آخر علي أن الحكم له يوم الدين و الرد علي المعترضين

ولما وعي سمع الدهر ما صحت قواعده ووضحت شواهده، ولاح نوره وابتسمت ثغوره، مما وقر في الآذان والأذهان، وأن علياً مالك يوم الدين وحاكم يوم الدين وولي يوم الدين، وأنه قد جاء في الأحاديث القدسية أن اللَّه يقول: عبدي خلقت الأشياء لأجلك وخلقتك لأجلي، وهبتك الدنيا بالإحسان والآخرة بالإيمان.

وإذا كانت الأشياء بأسرها خلقت لكل إنسان فما ظنّك بإنسان الإنسان ومن لأجله خلق الإنسان، وبه كان الكون والمكان، وذلك أن كل ما هو للَّه ممّا خلق وممّا أوحي فهو لمحمد، وما هو لمحمد من الفضل والمقام والشرف والاحتشام فهو لعلي إلّا المستثني. والدنيا والآخرة وما في الدنيا والآخرة لمحمد وعلي، فالقيامة بأسرها لمحمد وعلي. فللنبي منها حكم الظاهر وهو مقام الكرامة، كما قال: أنا زين القيامة والشهادة علي الخلائق، وإليه الإشارة بقوله: «وَجِئْنَا بِكَ عَلَي هَؤُلَاءِ شَهِيداً» [649] والشفاعة لأهل البوائق، وإليه الإشارة بقوله: «أعددت شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي» [650] وللولي حكم الباطن وهو وقوفه علي النار، وقوله: «هذا لك وهذا لي [651]، خذي هذا وذري هذا». فيوم القيامة ليس إلّا شفيع وحاكم وشافع وقاسم، فالإله هو اللَّه والملك المرفوع في القيامة محمد والحاكم المتصرّف عن أمر الملك والمالك هو علي، لأنه والٍ هناك عن أمر اللَّه وأمر محمد. فملك يوم الدين وحكم يوم الدين، والتصرّف في ذلك اليوم مسلم إلي خير الوصيين وأمير المؤمنين، رغماً علي كيد المنافقين وغيظ المكذّبين، فعند ذلك أقبل الناس إليَّ يزفون وبعرائس الجهل يزفون، وبي يتعرّضون وعن ودّي يعرضون، وبمقتي يعرضون ولما قلت ينكرون، وبنعمة اللَّه يكفرون، ولما صدقته آراؤهم يصدقون، ولما صعب عليهم علمه ومعرفته يطرحون، وبه يكذِّبون وبآيات اللَّه يستهزئون وهم له من طريق آخر يصدقون

ويعتقدون، وبه يتعبّدون ولا يشعرون، كلا سوف يعلمون، ثم كلا سوف يعلمون.

ذكر دليل قرآني و روائي علي أن إياب الخلق إليهم و حسابهم عليهم

وجاء أهل الشك والريب ومن ليس له حظّ من نفحات الغيب، يجادلون في اللَّه بغير الحق وجعلوا يجذبون ذيل الخلاف والاختلاف بيد الانحراف والاقتراف، ويرمقوني بأطراف الأطراف ويدعوني غالباً إذ أصبحت بما اصطبحت عالياً [652] ناظر تصحيفهم العالي بالغالي، ومن تصحيف عليه نقط الخط وقاك اللَّه من الخلط [653] وهو كما قيل:

إذا لم تكن للمرء عين سليمة

فلا غرو [654] أن يرتاب والصبح مسفر

فقلت لهم: يا معشر الإخوان من أهل الولاء والإيمان، وزبدة الأخيار، لا تسبقوا إلي التكذيب والإنكار، وانظروا في سرائر الأخبار، فرُبّ غريبة هي أقرب من قريبة، فاعتبروا هذه الكلمة بنظر المصنّف وعارضوها بالكتاب والسّنة فإن وافقت وإلّا اطرحوها، أليس شاهدها في الكتاب من قوله: «إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ- ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ» [655] وقد روي المفضل ابن عمر عن أبي عبداللَّه عليه السلام في شرح هذه الآية فإنّه قال: سألته من هم؟ فقال: يا مفضّل من تري هم؟ نحن واللَّه هم إلينا يرجعون، وعلينا يعرضون وعندنا يقفون، وعن حبّنا يُسألون.

مناقب لأمير الخلق عليه السلام

احاديث في منازلهم يوم القيامة

ومن ذلك ما رواه البرقي في كتاب الآيات عن أبي عبداللَّه عليه السلام أن رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم قال لأمير المؤمنين عليه السلام: يا علي أنت ديّان هذه الأمة والمتولي حسابها، وأنت ركن اللَّه الأعظم يوم القيامة، ألا وإن المآب إليك والحساب عليك والصراط صراطك، والميزان ميزانك والموقف موقفك [656].

يؤيّد هذا ما رواه شريح بإسناده عن نافع عن عمر بن الخطاب عن رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم أنه قال: يا علي أنت نذير أمّتي وأنت هاديها، وأنت صاحب حوضي وأنت ساقيه، وأنت يا علي ذو قرنيها وكلا طرفيها، ولك الآخرة والأولي

فأنت يوم القيامة الساقي، والحسن الذائد والحسين الآمر وعلي بن الحسين الفارض ومحمد بن علي الناشر، وجعفر بن محمد السائق، وموسي بن جعفر المحصي للمحب والمنافق، وعلي بن موسي مرتب المؤمنين، ومحمد بن علي منزل أهل الجنة منازلهم، وعلي بن محمد خطيب أهل الجنة، والحسن بن علي جامعهم حيث يأذن اللَّه لمن يشاء ويرضي [657].

يؤيّد هذا ما رواه أبو حمزة الثمالي في كتاب الأمالي عن جعفر بن محمد قال: قال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم: إذا كان يوم القيامة يؤتي بك علي عجلة من نور علي رأسك تاج من النور له أربعة أركان علي ركن ثلاثة أسطر لا إله إلّا اللَّه محمد رسول اللَّه علي ولي اللَّه، ثم يوضع لك كرسي الكرامة وتعطي مفاتيح الجنة والنار، ثم يجمع لك الأوّلون والآخرون في صعيد واحد، فيأمر بشيعتك إلي الجنّة وبأعدائك إلي النار، فأنت قسيم الجنة والنار، وأنت في ذلك اليوم أمين اللَّه [658].

ومن ذاك أن رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم قال له: يا علي إذا كان يوم القيامة جي ء بك علي نجيب من نور، وعلي رأسك تاج يكاد نوره يخطف الأبصار، فيقال لك: أدخل من أحبّك الجنّة، ومن أبغضك النار [659].

إذا شاء آل محمد عليهم السلام شاء اللَّه تعالي

قول الباقر لجابر: عليك بالبيان و المعاني

ومن ذلك: ما رواه جابر بن عبداللَّه عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: يا جابر عليك بالبيان والمعاني، قال: فقلت: وما البيان والمعاني؟

فقال عليه السلام: أمّا البيان فهو أن تعرف أن اللَّه سبحانه ليس كمثله شي ء فتعبده ولا تشرك به شيئاً، وأما المعاني فنحن معانيه ونحن جنبه وأمره وحكمه، وكلمته وعلمه وحقّه، وإذا شئنا شاء اللَّه [660]، ويريد

اللَّه ما نريده، ونحن المثاني التي أعطي اللَّه نبيّنا، ونحن وجه اللَّه الذي ينقلب في الأرض بين أظهركم، فمن عرفنا فأمامه اليقين، ومن جهلنا فأمامه سجين، ولو شئنا خرقنا الأرض وصعدنا السماء، وإنّ إلينا إياب هذا الخلق، ثم إنّ علينا حسابهم [661].

ان مالك و رضوان يأمر علي و ان الأئمة يدافعون عن شيعتهم في الدنيا و الآخرة

ومن ذلك ما رواه ابن عباس عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم أنه قال: يا علي أنت صاحب الجنان وقسيم الميزان، ألا وإنّ مالكاً ورضوان يأتيان غداً عن أمر الرحمن فيقولان لي: يا محمد هذه هبة اللَّه إليك فسلّمها إلي علي بن أبي طالب عليه السلام فأدفعها إليك.

مفاتيح لا تدفع إلّا إلي الحاكم المتصرّف.

وإليه الإشارة بقوله: «أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ» [662]. يؤيّد هذا التفسير ما رواه ابن عباس من الحديث القدسي عن الربّ العلي أنّه يقول: لولا علي ما خلقت جنّتي [663]، فله جنة النعيم، وهو المالك لها والقيم، لأن من خلق الشي ء لأجله فهو له وملكه.

يؤيّد ذلك: ما رواه المفضل بن عمر قال: قلت لأبي عبداللَّه عليه السلام: إذا كان عليٌّ يدخل الجنّة محبّه والنار عدوّه فأين مالك ورضوان إذاً؟ فقال: يا مفضل أليس الخلائق كلّهم يوم القيامة بأمر محمد؟ قلت: بلي، قال: فعلي يوم القيامة قسيم الجنّة والنار بأمر محمد، ومالك ورضوان أمرهما إليه، خذها يا مفضل فإنّها من مكنون العلم ومخزونه [664].

ومن ذلك ما ورد عن الصادق عليه السلام أنه قال: إذا كان يوم القيامة أمر شيعتنا فما كان عليهم للَّه فهو لنا، وما كان لنا فهو لهم، وما كان للناس فهو علينا [665].

وفي رواية ابن جميل «ما كان عليهم للَّه فهو لنا، وما كان للناس استوهبناه، وما كان لنا فنحن أحق من عفا عن محبيه» [666].

وفي

رواية أن رجلاً من المنافقين قال لأبي الحسن الثاني عليه السلام: إن من شيعتكم قوماً يشربون الخمر علي الطريق، فقال: الحمد للَّه الذي جعلهم علي الطريق فلا يزوغون عنه، واعترضه آخر فقال: إنّ من شيعتك من يشرب النبيذ، فقد قال: كان أصحاب رسول اللَّه يشربون، فقال الرجل: ما أعني ماء العسل؟ وإنّما أعني الخمر قال: فعرق وجهه الشريف حياءً ثم قال: اللَّه أكرم أن يجمع في قلب المؤمن بين رسيس الخمر وحبّنا أهل البيت ثم صبر هنيهة وقال: فإن فعلها المنكوب منهم فإنه يجد ربّاً رؤوفاً ونبيّاً عطوفاً وإماماً له علي الحوض عروفاً وسادة له بالشفاعة وقوفاً، وتجد أنت روحك في برهوت ملهوفاً [667].

فعُلم أن حساب شيعتهم إليهم ومعولهم في وزن الأعمال عليهم، وإليه الإشارة بقوله: «وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ» [668] قال الصادق عليه السلام: إبراهيم من شيعة علي [669]، وإن كان الأنبياء من شيعته وحساب شيعته عليه فحساب الأنبياء إليه وتعويلهم بالشهادة والتبليغ عليه، ومفاتيح الجنة والنار بيده والملائكة يومئذ ممتثلين لأمره ونهيه، بأمر خالقه ومرسله، وقد روي ابن عباس أن اللَّه يوم القيامة يولي محمداً حساب النبيين، ويولي علياً حساب الخلائق أجمعين.

ان شيعتهم يشفعون لأهاليهم يوم الدين

ومن ذلك ما رواه محمد بن سنان عن أبي بصير عن أبي عبداللَّه عليه السلام أنه قال: إن اللَّه أباح لمحمد الشفاعة في أمّته وإن الشفاعة في شيعتنا وإن لشيعتنا الشفاعة في أهاليهم [670]، وإليه الإشارة بقوله: «فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ» قال: واللَّه لتشفعن شيعتنا في أهاليهم حتي يقول شيعة أعدائنا «وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ» [671].

ان الخلائق يحتاجون يوم القيامة إلي آل محمد بن عدة وجوه و وجوب شكرهم و الويل للمكذب بهم

فما للمكذّبين بيوم الدين، لفضل علي ينكرون، ولحكمه يوم القيامة يجحدون، وعمّا نالته أذهانهم يصدقون، ولما صعب عليهم فهمه يرفضون، فويل لهم يوم يبعثون، وعلي صاحب الحوض يعرضون، وكيف يرجون؟ إنهم للعذاب ينهلون وهم للعذاب يتعرّضون، ألم يسمعهم الذكر المبين؟ «الذين يكذبون بيوم الدين» [672] يعني ينكرون يوم القيامة وإن صدقوا به، ينكرون أن علياً واليه وحاكمه ثم قال: «وما يكذب به إلّا كل معتد أثيم» [673]، أي ما يكذب بأن حكم يوم الدين مسلَّم إلي علي إلّا كل معتد أثيم، معتد بقوله أثيم في اعتقاده، فيا ويله من خبث الزاد ليوم المعاد، ألم يعلم أن الخلائق يوم القيامة يحتاجون إلي محمد وآل محمد من وجوه؟

الأول أنّهم لولاهم لما خُلقوا فلهم عليهم حق [674].

الثاني أن علّة الوجود أب للموجود فلهم علي الناس حق الأبوّة، وإليه الإشارة بقوله: أنا وعلي أبوا هذه الأمّة [675]، فمحمد وعلي أبوا سائر الخلائق ولولا وجود الأبوين لما كان ولد قط.

الثالث أنّهم الوسيلة [676] إلي اللَّه لكل مخلوق من الأزل وإلي الأبد لهم الولاء وبهم الدعاء وإن كل علم ظهر إلي الخلائق فمنهم وعنهم.

الرابع أن الأنبياء ينتظرونهم يوم القيامة إذا كذبتهم الأمم حتي يشهدوا لهم بالتبيلغ.

الخامس أن الخلائق يوم القيامة محتاجون إلي الحوض ليردوه والحوض لهم [677].

السادس أن الخلائق يوم الفزع الأكبر تزول عقولهم من هول

المطلع إلّا من أحبّهم فانّه آمِن من أهوال يوم القيامة، وإليه الإشارة بقوله: «لَا يَحْزُنُهُم الفَزَعُ الأَكْبَر» [678] وهذا خاص لشيعتهم.

السابع أن مفاتيح الجنّة والنار يوم القيامة في أيديهم [679].

الثامن أنهم غداً رجال الأعراف فلا يدخل الجنة إلّا من عرفهم وعرفوه، وإليه الإشارة بقوله: «وَعَلَي الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلّاً بِسِيَماهُمْ» [680] والمراد هنا آل محمّد عليهم السلام [681].

التاسع أن لواء الحمد بأيديهم والأنبياء يستظلّون بظلّه [682].

العاشر أنه لا يدخل الجنة إلّا من كان معه براءة بحبّهم.

الحادي عشر أن الصراط عليه ملائكة غلاظ شداد عدتهم تسعة عشر، كما قال اللَّه عز اسمه: «عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَر» [683] فلا يجوز أحد منهم إلّا من عرف الخمسة الأشباح وذريّتهم [684]، وأن حروف أسمائهم بعدد ملائكة الصراط.

الثاني عشر أن الجنّة محرّمة علي الأنبياء [685] والخلائق حتي يدخلها النبي والأوصياء من عترته وشيعتهم من خلافهم، ومن خلاف شيعتهم الأنبياء، فهم سادة الأوّلين والآخرين، فالكل لهم وإليهم وعنهم وبهم، فلذا لا يبقي يوم القيامة ملك مقرّب ولا نبي مرسل إلّا وهو محتاج إليهم، ولم يُشرَك معهم أحد إلّا شيعتهم، فالداران ملكهم والوجودان ملكهم، والعبد في نعمةسيده يتقلّب وآل محمد هم النعمة الظاهرة والباطنة، دليله قوله سبحانه: «وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً» [686] فمن سكن هذه المملكة ولم يشكر لآل محمد لم يشكر اللَّه، ومن لم يشكر اللَّه كفر، فمن لم يشكر لآل محمد عليهم السلام فقد كفر، وإليه الإشارة بقوله: «أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ» [687] وإذا وجب شكر أبوي الولادة والشهوة والطبع وجب بطريق الأولي شكر أبوي الإيجاد والهداية والعقل والشرع، فويل للمنكرين لفضلهم، الجاحدين لنعمتهم، المكذّبين بعلوّ درجتهم إذا جاؤوا إلي حوضهم غداً ليردوه، وكيف يردوه وقد أنكروا أمرهم وردوه؟

وإلي هذه

المقامة أشار ابن طاوس فقال: اشكر لمن لولاهم لما خُلقت، فهم (صلّي اللَّه عليهم) مشكاة الأنوار الإلهية، وحجاب أسرار الربوبية ولسان اللَّه الناطق في البرية، والكلمة التي ظهرت عنها المشية وصفات الذات المنزّهة عن الأينية والكيفية، فمن صلّي عليهم فقد سبّح اللَّه وقدّسه، لأن في ذكر الصفات تنزيه الذات، وهم جمال الصفات المنزّهة التي تجلّي فيها جلال الذات المقدّسة، وإليه الإشارة بقوله: بالكلمة تجلّي الصانع للعقول، وبها احتجب عن العيون:

سلام علي جيران ليلي فإنّها

أعز علي العشاق من أن تسلما

فإنّ ضياء الشمس نور جبينها

نعم وجهها الوضاح يشرق حيثما

تصحيح الدلائل السابقة بما صرح بذكره القرآن و الرد علي من أنكر ذلك و عده غلواً

وتصحيح هذه الدلايل قد صرّح بذكره القرآن فمنه قوله سبحانه: «وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ» [688] فقد دلّ الرب القديم الرحمن الرحيم سبحانه أن كل فضل فاض إلي الوجود والموجود فهو من نعمة اللَّه، وفضل آل محمد لأنّهم هم السبب في وجودها ووصولها، فما بال أهل الزمان يخالفون العقل والنقل وينكرون سرائر القرآن الناطقة بفضل آل محمد؟ ويؤولونها بحسب آرائهم، ويسمون من أظهر شيئاً من هذا مغالياً ويرفضونه ويهجرونه ولا يعرفونه، ثم يدعون بعد هذا معرفة علي ومحبّته ويزعمون أنهم من شيعته، «كلّا إنّهم عن ربّهم يومئذ لمحجوبون» لأنهم اليوم في ريبتهم يتردّدون فأنّي يبصرون.

فما آمن بعلي من أنكر حرفاً من فضله وإن بعد عن عقله العديم وخفي علي ذهنه السقيم، فليرده إلي قولهم: أمرنا صعب مستصعب [689]، وليتل هناك «لا يعلم تأويله إلّا اللَّه»، وليسلك نفسه في سلك قوله: «وَالرَاسِخُونَ فِي العِلْمِ يَقُولُونَ آمنَّا بِه كلٌ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا»، ولا يندرج في لفيف قوم قاموا في آيات اللَّه يلحدون، ولها يجحدون وعنها يصدون ومنها يصدفون، وهم يحسبون أنّهم

يحسنون فتراهم لم يقبلوا علي الحق برهاناً، ولم يصغوا لسماع قول: «وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً» [690] ولا طلع لهم في سماء التصديق نجم، ولا نجم لهم طلع، ولا أسفر لهم في دجنة التوفيق بدر، ولا بدر لهم أسفر، وكان هذا الكتاب محكاً حك شكّهم حكّاً، وأظهر مسّهم حين مسهم فجاؤوا بالباطل يكذبوني، ويلفون بالحسد في ديني إذ أخلجوا في السبق دوني.

رد علي من رد علي المؤلف

ولما كان أهل الدنيا شأنهم بعض من وصلت إليهم من اللَّه نعمة فتراهم يدلون به إلي الحكّام، ويجعلونه غرضاً لسهام الانتقام، ويتوقعون سلب دولته وذهاب نعمته، وهذا شأن الحسود ومتي يسود، وكذا أهل الدعوي الذين سمّوا أنفسهم مؤمنين وهم عن التذكرة معرضون، وللناطق بها مبغضون ومكذِّبون، فإذا استنشقوا روايح العرفان، من عبد أنعم اللَّه عليه توجّهوا إلي تكذيبه وإنكاره وإبعاده، وحذّروا الناس من اعتقاده وصدّوهم عن حبّه ووداده، ورشقوه بسهام الحسد، وسبب ذلك الجهلُ وحب الرياسة، فاعلم الآن أنه قد ثبت بما بيّناه من الدلالات، وأوضحناه من البيانات، أن عليّاً مالك يوم الدين وحاكم يوم الدين، وولي يوم الدين، منّاً من رب العالمين، وفضلاً من الصادق الأمين، فهو ولي الحسنات بنص الكتاب «هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ» [691].

ذكر الدليل العقلي الأول علي أن عليا هو الحاكم يوم الدين

هذا صحيح النقل، وأما صريح العقل فإنّ اللَّه سبحانه جلّ أن تراه العيون، وهذا اعتقاد أهل الإيمان والتحقيق والإيقان والتصديق، لأن السلطان كلّما عزّ منه الجناب عظم دونه الحجاب، فكيف جوزت علي ربّ الأرباب، أنّك تراه يوم الحساب، قد جلس لخلقه بغير حجاب، تعالي اللَّه عن ذلك وليس ربنا المعبود كذلك وإنما حسابك في بعثك ومآلك، إلي من جعله اللَّه الولي والحاكم والمالك، ومن اعتقد غير ذلك فهو [في] بعثه هالك.

الدليل 2

فالمالك في المعاد والحاكم يوم التناد، والولي علي أمر العباد هم آل محمد صلّي اللَّه عليهم الذين جعلهم اللَّه في الدنيا قوام خلقه، وخزّان سرّه وفي الآخرة ميزان عدله وولاة أمره، وذلك لأن الصفات مآلها الذات ومرجع الأفعال إلي الصفات، وآل محمد صفوة اللَّه وصفاته فالأفعال بسرّهم ظهرت، وعنهم بعثت وإليهم رجعت، «بدؤها منك وعودها إليك» فهم المنبع وإليهم المرجع، فمرجع الخلق إليهم وحسابهم عليهم.

الدليل 3

وذلك لأن الولاة قسمان: الأنبياء والأولياء، والأنبياء ليس عليهم حساب بنصّ الكتاب، دليله قوله «فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَي هَؤُلَاءِ شَهِيداً» [692] فالأنبياء شهود علي الأمم فتعيّن أن الموقف للأولياء، وإليه الإشارة بقوله: «يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ» [693]، والدفاتر بأسرها مرفوعة إلي صاحب الجمع الأكبر الذي له الولاية من البداية إلي النهاية، وذاك أمير المؤمنين بنص الكتاب المبين فهو ولي يوم الدين، وحاكم يوم الدين ومالك يوم الدين، وبأمر اللَّه فيه يدين، ويوم الدين يوم الجزاء ومقاماته اللواء، وعلي حامله، والحوض وعلي ساقيه، والميزان وعلي واليه، والصراط وهو رجال الأعراف عليه، والجنة والنار ومفاتيحها بيده وأمرها إليه، فاعلم أن يوم القيامة منوط بآل محمّد صلي الله عليه و آله و سلم فاللواء لهم والحوض لهم والوسيلة لهم، والميزان لهم والصراط لهم، والشفاعة لهم، فهم الذادة والقادة والسادة والولاة والحماة والهداة والدعاة، والمنزلة لهم، والولاية لهم، وأهل الجنة والنار لهم، وإليهم وعليهم، ووقوف الخلق في مقام «وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُون» [694] لهم، وشهادة الأنبياء علي أممهم بالتبليغ لهم وحشر الخلائق إليهم وحسابهم عليهم، وخطاب اللَّه يوم القيامة لهم والدرجة العليا لهم، ومالك ورضوان ممتثلان لأمرهم مأموران بطاعتهم، لأنّهم حجج اللَّه علي أهل السَّموَات والأرضين، وإليهم أمر

الخلائق أجمعين، منّاً من ربّ العالمين، وويلٌ للمنكرين، عند طلوع شمس اليقين.

اختصاص الولي يوم القيامة بالنظر في الصحائف

والحساب يوم القيامة عبارة عن النظر في الصحايف، وإليه الإشارة بقوله: «وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَي اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّي كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ» [695] وهي آخر آية نزلت.

والصحائف في الدنيا تعرض علي النبي والولي، وفي الآخرة يختص بحكمها الولي موهبة من الربّ العلي، فمن كبر عليه هذا العطاء، واستكبر هذه النعماء، فليمدد بسبب إلي السماء.

ان يوم القائم و يوم الرجعة و يوم القيامة حكمها لهم..

و قوله تعالي (القيا في جهنم … )و قوله (و ذكرهم بأيام اللّه)

والحساب هو تعيين أهل الجنّة إلي الجنّة وأهل النار إلي النار، وذلك في صحيفة آل محمد قد عرفوه في عالم الأجساد والأشباح، والأصلاب والأنساب، وإليهم عوده ومآبه يوم الحساب بنصّ الكتاب، دليله قوله: «أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ» [696] هكذا بلفظ التثنية، وهو أمر لمن له الحكم في ذلك اليوم، وقد أجمع المفسّرون وفيهم أبو حنيفة في مسنده رواية عن الأعمش عن أبي سعيد الخدري أنه إذا كان يوم القيامة قال اللَّه: يا محمد يا علي قفا بين الجنة والنار، وألقيا في جهنّم كلّ كفّار كذَّب بالنبوّة [697]، وعنيد عاند في الإمامة، فتعيّن أن علياً حاكم يوم الدين بأمر رب العالمين.

يؤيّد هذا قوله سبحانه: «وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ» [698] وهي يوم الرجعة ويوم القيامة، ويوم القائم، فيوم الرجعة حكمه لهم، ويوم القائم حكمه لهم، فهذه الثلاثة أيام لآل محمد صلي الله عليه و آله و سلم.

قوله تعالي (الذين يؤمنون بالغيب)

وهذا هو الإيمان بالغيب، وإليه الإشارة بقوله: «الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ» [699] ومعناه يصدِّقون بأيام آل محمد فمدح من آمن بها، فمن آمن بها آمن باللَّه، ومن لم يؤمن بها لم يؤمن باللَّه.

مناقب الكرار بلسان المختار عليهماالسلام

في بعض مناقب أميرالمؤمنين و مقاماته يوم الدين

بيان وصل: علي ناصر محمد ومعاونه، وأبوه كافل النبي ومربّيه، وهو حامل رايته في كل موطن ومساويه، وباذل نفسه دونه ومساويه ومفديه، وروحه علي جسده «أنت روحي التي بين جنبيّ» ومستودع علمه «ما أفرغ جبرائيل في صدري حرفاً إلّا وقد أمرت أن أفرغه في صدر علي» وساعده المساعد وسيفه الضارب، وأسده الغالب، أُدعوا لي فارس الحجاز «أين الكاشف عن وجهي الكربات» [700].

فهو إن شككت صنوه وأخوه «أنت منّي بمنزلة هارون من موسي» [701] وصاحب ميراثه ونسبه «أنت أنا وأنا أنت» [702]، وشقيق نفسه وصاحب دعوته «أنت منّي وأنا منك لحمك لحمي ودمك دمي ومقامك مقامي» [703] «أنت الخليفة بعدي وإمام أمّتي من والاك فقد والاني، ومن عاداك فقد عاداني» [704]، [أنت] كذلك منّي في كل مقام إلّا النبوّة وإني لا أستغني عنك في الدنيا ولا في الآخرة، وإنك في يوم القيامة تحيي إذا حييت، وتكسي إذا كسيت، وترضي إذا رضيت، وإن حساب الخلق عليك وعودهم إليك، ولك الكوثر والسلسبيل غداً وأنت الصراط السوي لمن اهتدي، ولك الشفاعة والشهادة، ولك الأعراف وأنت المعرّف، ولك الجواز علي الصراط ودخول الجنة ونزول المساكن والقصور، وأنت تُدخل أهل الجنة إليها وأنت تجيز أهل النار إليها وأنت تلقي حطبها عليها ولواء الحمد في يديك، وهو سبعون شقة كل شقة وسع ما بين الشمس إلي القمر، وآدم ومن دونه تحت لوائك والأنبياء من شيعتك يوم القيامة، ولا يدخل الجنّة إلّا من عرفته وعرفك، ولا يدخل

النار إلّا من أنكرته وأنكرك [705].

تتمة الفصل السابق

وإذا استوي أهل الجنة في الجنّة وأهل النار في النار، قيل لك: يا علي أغلق عليها أبوابها، وناد بين الجنة والنار: يا أهل الجنة خلود خلود، ويا أهل النار خلود خلود، فويل للمكذِّبين بفضلك المنكرين لأمرك.

من عرف نفسه فقد عرف ربه

يقول الرب الجليل في الإنجيل: اعرف نفسك أيّها الإنسان تعرف ربّك، ظاهرك للفناء وباطنك أنا.

وقال صاحب الشريعة: أعرفكم بربّه أعرفكم بنفسه [706].

وقال إمام الهداية: مَنْ عرف نفسه فقد عرف ربّه [707]

معرفة النفس هي معرفة حقيقة الوجود المقيد

ومعرفة النفس هو أن يعرف الإنسان مبدأه ومنتهاه، من أين وإلي أين، وذلك موقوف علي معرفة حقيقة الوجود المقيد، وهو معرفة الفيض الأوّل الذي فاض عن حضرة ذي الجلال، ثم فاض عنه الوجود والموجود بأمر واجب الوجود، ومفيض الجود والجواد الفياض، وذاك هو النقطة الواحدة التي هي مبدأ الكائنات ونهاية الموجودات، وروح الأرواح ونور الأشباح، فهي كما قيل:

قد طاشت النقطة في الدائرة

فلم تزل في ذاتها حائرة

محجوبة الإدراك عنها بها

منها لها جارحة ناظرة

سمت علي الأسماء حتي لقد

فوّضت الدنيا مع الآخرة

وهي أوّل العدد وسرّ الواحد الأحد، وذلك لأن ذات اللَّه غير معلومة للبشر فمعرفته بصفاته والنقطة الواحدة هي صفة اللَّه، والصفة تدل علي الموصوف، لأن بظهورها عرف اللَّه، وهي لألاء النور الذي شعشع عن جلال الأحدية في سيماء الحضرة المحمدية، وإليه الإشارة بقوله: «يعرفك بها من عرفك» [708] يعضد هذا القول أيضاً قولهم: لولانا ما عرف اللَّه، ولولا اللَّه ما عُرفنا [709].

فهم النور الذي أشرقت منه الأنوار، والواحد الذي ظهرت عنه الأجساد، والسرّ الذي نشأت عنه الأسرار، والعقل الذي قامت به العقول، والنفس التي صدرت عنها النفوس، واللوح الحاوي لأسرار الغيوب والكرسي الذي وسع السَّموَات والأرض، والعرش العظيم المحيط بكل شي ء، عظمة وعلماً، والعين التي ظهرت عنها كل عين، والحقيقة التي يشهدها بالبدء كل موجود كما شهدت هي بالأحدية لواجب الوجود.

فغاية عرفان العارفين الوصول إلي محمد وعلي بحقيقة معرفتهم، أو بمعرفة حقيقتهم، لكن ذلك الباب مستور بحجاب «وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً» [710]، وإليه الإشارة

بقولهم: «إن الذي خرج إلي الملائكة المقرّبين من معرفة آل محمد قليل من كثير»، فكيف إلي عالم البشرية، وعن هذا المقام عنوا بقولهم «أمرنا صعب مستصعب لا يحتمله نبي مرسل ولا ملك مقرَّب»، فمن اتصل بشعاع نورهم فقد عرف نفسه لأنه إذ قد عرف عين الوجود وحقيقة الموجود، وفردانية الرب المعبود، فمعرفة النفس هي معرفة حقيقة الوجود المقيد، وهي النقطة الواحدة التي ظاهرها وباطنها النبوة والولاية، فمن عرف النبوة والولاية بحقيقة معرفتها فقد عرف ربّه، فمن عرف محمداً وعلياً فقد عرف ربّه، وإن كان الضمير في قوله عرف نفسه عايداً إلي العارف فإنّه إذا عرف نفس الكلّ والروح المنفوخ منها في آدم فقد عرف نفسه ونفس الكل وحقيقة الوجود هم.

ان من يري عين اليقين عند الموت إنما يري محمدا و عليا و كذا في سائر مواقف القيامة

وإن كان الضمير في قوله «نفسه» راجعاً إلي اللَّه في قوله «ويحذّركم اللَّه نفسه»، فهم روح اللَّه وكلمته ونفس الوجود وحقيقته فعلي الوجهين من عرفهم فقد عرف ربّه، وكذا عند الموت إذا رأي عين اليقين فإنّه لا يري إلّا محمداً وعلياً لأن الإله الحق جل أن تراه العيون، والميت عند موته إنّما يشهد حقيقة الحال والمقام فلا يري عند الموت إلّا هم لأنه يري عين اليقين. وقال أمير المؤمنين عليه السلام: أنا عين اليقين أنا الموت المميت.

دليله ما ورد في كتاب بصائر الدرجات عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: ما من ميّت يموت في شرق الأرض وغربها محب لنا أو مبغض إلّا ويحضره أمير المؤمنين عليه السلام ورسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم فيبشّره أو يلعنه [711].

وكذا إذا نفخ في الصور وبعثر ما في القبور، وعادت النفس إلي جسدها المحشور، فإنّها لا تري إلّا محمداً وعلياً لأن الحي القيوم عزّ اسمه لا

يري بعين البصر، ولكن يري بعين البصيرة. وإليه الإشارة بقوله: «لا تراه العيون بمشاهدة العيان، ولكن تراه العقول بحقائق الإيمان» [712]، ومعناه تشهد بوجوده لأنه ظاهر لا يُري وباطن لا يخفي.

شهادة القرآن بأن الرؤية و الملاقاة غدا إنما هما مع محمد و علي

وبيان المدعي ما شهد به القرآن من قوله سبحانه: «وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ - إِلَي رَبِّهَا نَاظِرَةٌ» [713] فقال: إلي ربها، ولم يقل: إلهها، وذلك لأن الألوهية مقام خاص لا شركة فيه، والربوبية مقام عام يقع فيه الاشتراك لعمومه، ثم قال: «وَجَاءَ رَبُكَ» [714] ولم يقل: وجاء إلهك، ثم قال: «الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ» [715] ثم قال: «ارْجِعِي إِلَي رَبِّكِ» [716] فخص النظر والرؤية والتجلّي والملاقاة بالرب دون الإله لأن الرؤية والتجلّي إنّما تكون من ذي الهيئة، والمجي ء إنّما يصدق علي الأجسام والانتقال من حال إلي حال علي اللَّه محال، فالمراد من النظر والرؤية، والتجلّي هنا الرب اللغوي، ومعناه المالك والسيّد والمولي، ومحمد وعلي سادة العباد ومواليهم وملاك الدنيا والآخرة وما فيها ومن فيها، واللَّه ربهم بمعني معبودهم وهذا خاص وهو رب السَّموَات والأرض وما فيهن ومن فيهن وربّ محمد وعلي ومولاهم الذي خلقهم واجتباهم واختارهم وولاهم، فهو الرب والمولي والإله والسيد والمعبود والحميد والمحمود، وهم الموالي والسادات العابدين لا المعبودين لكنّه سبحانه استعبد أهل السَّموَات والأرض، من أطاعهم فهو عبد حر قد عتق مرّتين، ومن عصاهم فقد أَبِق - ولد زنا قد أبق الكرتين، وشاهد هذا الحق قوله الحق: «أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ» صريح في ملاقاة آل محمّد صلي الله عليه و آله و سلم غداً والرجوع إليهم.

ورود «الرب» في القرآن بمعني «السيد» و «المولي» و «الولي»

والقرآن نطق بتسمية المولي ربّاً في حكايته عن يوسف عليه السلام في قوله: «إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ» [717] وقوله: «اذكرني عند ربك» [718]، وقوله: «ارجع إلي ربك» [719]، فلو لم يكن ذاك جائزاً لامتنع علي المعصوم ذكره، وكل هذا مقام لغوي، فالسيد ومالك يوم البعث محمد وعلي مناً من اللَّه الربّ المعبود الخالق وتولية ورفعة وكرامة لأن

اللَّه سبحانه اصطفاهم وولاهم، فهم موالي أهل الدنيا والآخرة ذلك الفضل من اللَّه، وإليه الإشارة بقوله: «وَإنَّ إلي رَبِكَ المُنْتَهَي» [720] والمراد بالرب هنا الولي، والموالي هم، فهم المبدأ وإليهم المنتهي.

وإن كان المراد هنا حذف المضاف فمعناه إلي عدل ربك المنتهي، وإلي حكم ربك وإلي عفو ربك وإلي رحمة ربك، فهم عدل اللَّه ورحمته، ولطفه وأمره وحكمه، فالمرجع إليهم والحساب عليهم.

في معني قوله تعالي «إلي ربها ناظرة» و حديث اختيار الله لنبيه و وصيه و ذريته

فمحمد وعلي بالنسبة إلي حضرة الخلق موالي ومالكين وبالنسبة إلي حضرة الحق عبيداً مختارين وحججاً مقرّبين، وإليه الإشارة بقوله: «إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّموَات وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً» [721] فالخلائق إذا حضروا الموقف ووقفوا في مقام العبودية فهناك يري محمداً وآل محمد ينظرون إلي ما منَّ اللَّه به عليهم من الرفعة والكرامة والولاية العامة، والخلق ينظرون رفعتهم وقرب منزلتهم وعظيم كرامتهم، فيعولون في الشفاعة عليهم ويلجأون في وزن الأعمال إليهم، وإليه الإشارة بقوله: «وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ - إِلَي رَبِّهَا نَاظِرَةٌ» [722].

والنظر يومئذ إمّا إلي الرب صريحاً أو إلي رحمته ونعمته ولطفه وفضله، وهو حذف المضاف. فإن كان النظر إلي الرب فالوجوه هناك ناظرة إلي عظمة نبيّها ووليّها وهو مولاها في دنياها واُخراها، فهي ترقب الشفاعة من النبي والتنزيه من الولي بفضل الإله العلي، وإن كان معناه أنها ناظرة إلي رحمة ربّها وفضل ربّها، فالنعمة والرحمة والفضل أيضاً محمد وعلي، وإليه الإشارة بقوله: «وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً» [723] والظاهرة يومئذ محمد صلي الله عليه و آله و سلم لأنه زين القيامة وصاحب الوسيلة وذو الكرامة، فالوجوه يومئذ ناظرة إلي جماله وكماله وعلوّ مقامه، والنعمة الباطنة علي، والوجوه يومئذ ناظرة إلي حقيقة معناه فيرون حكمه النافذ في العباد بأمر الملك الذي يختار من عباده

من يشاء، شئت أنت أم لم تشأ.

كل إله معبود رب و ليس كل رب إله معبود

يؤيّد ذلك: ما رواه سليم بن قيس الجواد: أن فلاناً قال يوماً: ما مثل محمد في أهل بيته إلّا نخلة نبتت في كناسة. فبلغ ذلك رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم فغضب وخرج فأتي المنبر فجاءت الأنصار شاكة في السلاح، فقال: ما بال قوم يعيرونني بأهل بيتي وقرابتي إذا قلت فيهم ما جمع اللَّه فيهم من الفضل ألا وإن علياً منّي بمنزلة هارون من موسي ألا وإن اللَّه خلق خلقه وفرّقهم فرقتين. وجعلني في خيرها فرقة، ثم جعلها شعوباً وقبايل فجعلني في خيرها شعباً وقبيلة، ثم جعلهم بيوتاً فجعلني في خيرها بيتاً، أنا وأخي علي بن أبي طالب، ألَا وإنَّ اللَّه نظر إلي الأرض نظرة واختارني منها، ثم نظر إليها نظرة أخري فاختار أخي علياً وجعله وزيري وخليفتي وأميني، وولي كل مؤمن ومؤمنة بعدي، من والاه فقد والاني، ومن عاداه فقد عاداني، لا يحبّه إلّا مؤمن ولا يبغضه إلّا كافر، ولا يرتاب فيه إلّا مشرك، وهو ربّ الأرض وسكنها، وكلمة التقوي، فما بال قوم يريدون أن يطفئوا نور أخي واللَّه متمّ نوره؟

ألَا وإنَّ اللَّه اختار لي أخاً وأحد عشر سبطاً من أهل بيتي هم خيار أمّتي، مثلهم مثل النجوم في السماء، كلّما غرب نجم طلع نجم، هم قوام اللَّه علي عباده، وحجّته في أرضه وبلاده، وشهوده علي خلقه، هم مع القرآن والقرآن معهم، لا يفارقونه حتي يردا عليّ الحوض، أبوهم علي وأمّهم فاطمة، ثم الحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين، جدّهم لَخَير النبيين وأبوهم خير الوصيّين وأمّهم خير أسباط المرسلين وبيتهم خير بيوت الطاهرين، ما لقي اللَّه عبداً محبّاً لهم موحّداً لربّه لا يشرك به

شيئاً إلّا دخل الجنة، ولو كان عليه من الذنوب عدد الحصي والرمل وزبد البحر، أيها الناس عظموا أهل بيتي وحبّوهم، والتزموا بهم بعدي فهم الصراط المستقيم [724].

في قوله تعالي (فلما تجلي ربه للجبل)

عدنا إلي البحث الأوّل. وأمّا قوله «فَلَمَّا تَجَلَّي رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً» [725] والتجلّي إنّما يكون من ذي الهيئة والجسم، والرب المعبود ليس بجسم، فالمراد تجلي نور ربّه والنور الأوّل نور محمد وعلي المتجلّي من كل الجهات، واللَّه الأحد الحق المتجلّي عن كل الجهات، فبنور صفاته في الأشياء تجلّي وبجلال ذاته عن الجهات تجلّي، وإليه الإشارة بقوله: أنا مكلِّم موسي من الشجرة: أنْ يا موسي أنا ذلك النور.

ان محمدا و عليا هما أمر الله و لهما الأمر يوم القيامة

وأما قوله: «وَجَاءَ رَبُكَ» فالمجي ء والحركة والسكون إنّما تقال علي الأجسام، وخالق الأجسام ليس بجسم، وكيف يجري عليه ما هو أجراه، لا إله إلّا اللَّه، والمراد جاء أمر ربك والأمر يومئذ محمد وعلي فهم الأمر وإليهم الأمر، والسيد والمولي في اللغة بمعني واحد، وأنت تدعو بذاك مراراً ولا تعقل وتقول: يا سيدي ومولاي يا اللَّه يا محمد يا سيدي ومولاي، يا علي يا سيدي ومولاي، وقد ورد عن الحسن العسكري عليه السلام في عهده ودعائه أنه يقول: «يا من أتحفني بالإقرار بالوحدانية، وحباني بمعرفة الربوبية، وخلصني من الشك والعمي، جئت بك إليك».

فالواحد المعدود، والرب لا معدود، صفة الإله الأحد الذي لا يحدّ ولا يعدّ، فمن عرف من الحكمة هذا القدر فقد عرف مبدأه ومعاده، لأن المبدأ ظهور من الحق إلي الخلق، والمعاد عود من الخلق إلي الحق، ومن عرف المبدأ والمعاد وحقيقة الوعد والإيعاد، فقد تيقّن النجاة وعرف عين الحياة، وأمن الممات، لأن المؤمن حي في الدارين.

يتمّم هذا الإسرار قوله: «وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً» [726]، والوحي والرسول يوم القيامة مرتفع، فلم يبق إلّا التكلّم من وراء الحجاب، وأقرب الناس مقاماً من حضرة الربوبية الاسمان الأعليان الحبيب

والولي الكلمة العليا التي تكلّم بها في الأزل فصارت نوراً، والكلمة الكبري التي تكلّم بها فكانت روحاً، وأسكنها ذلك النور نور محمد وعلي فهما حجاب رب الأرباب، فالإذن إذن لهم والحكم لهم، والأمر إليهم، وإليه الإشارة بقوله: «وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ للَّهِِ» [727] يعني لولي اللَّه لأنّهما عالمان بأعمال العباد من غير سؤال وليس في الخلائق من له هذه المقامات إلّا هم، لكن الناس فيهم، كما قال اللَّه سبحانه: «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَي حَرْفٍ» [728] أي إيمانه غير متمكن في القلب لأن الحرف هو الطرف. وذاك بغير برهان ولا يقين، فإن أصابه خير يعني إن سمع ما يلائم عقله الضعيف اطمأن به وركن إليه، وإن أصابته فتنة - وهو سماع ما لم يحط به خبراً - فهناك لا يوسعك عذراً بل يبيح منك محرماً ويتهمك كفراً، وإليه الإشارة بقوله عليه السلام: لو علم أبو ذر ما في قلب سلمان لقتله. وقيل لكفّره [729]؛ لأن صدر أبي ذر ليس بوعاء لما في صدر سلمان من أسرار الإيمان وحقائق ولي الرحمن، ولذاك قال النبي صلي الله عليه و آله و سلم: أعرفكم باللَّه سلمان.

وذلك لأن مراتب الإيمان عشرة، فصاحب الإيمان لا يطلع علي الثانية وكذا كل مقام منها لا ينال ما فوقه، ولا يزدري من تحته، لأن من فوق درجته أعلي منه، وغاية الغايات منها معرفة علي بالإجماع وإنما قال: «لقتله» لأن أبا ذر كان ناقلاً للأثر الظاهر، وسلمان عارفاً بالباطن، ووعاء الظاهر لا يطيق حمل الباطن، وقد علم كل أناس مشربهم.

ان لفظ «الرب» مشترك و ليس كذلك لفظه «الإله»

قد علمت أن الرب لفظ مشترك، فتارة يأتي بالقرآن بمعني المالك والسيد، وتارة يأتي بمعني المعبود، ولا مشركة فيه، وذاك مثل قوله سبحانه: «رَبُّ السَّموَات»

[730]، و «رَبُّ َالْأَرْضِ» [731]، «رَبُّ العَالَمِينَ» [732]، فهو ربّهم وخالقهم ومالكهم ومولاهم، وأما اسم الإله إذا جاء من هذا الباب فإنه لا يكون إلّا بمعني حذف المضاف لا غير، وذلك مثل قوله: «هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ» [733]، ومعناه أمر اللَّه، وقوله: «فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا» [734] معناه أمر اللَّه من حيث لم يشعروا.

سر النجاة بالإيمان و إن المؤمن من الأزل و المنكر منكرمن الأزل

سرّ النجاة بالإيمان، ولا إيمان إلّا ببرهان، وإليه الإشارة بقوله: «هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ» [735]، وصاحب البرهان علي بيّنة من ربه، وحق اليقين لا شك بعده، وليس بعد الهدي إلّا الضلال، فالمؤمن الموقن كشارب الترياق لا يضرّه سم أبداً، والمقلّد إيمانه لعقة علي لسانه فلا يعرف الحق حتي يتبعه، ولا يقدر علي عرف الباطل فيمنعه، فهو كالمطعون كلّما ازداد علاجاً ازداد مرضاً، أو كشارب ماء البحر كلّما ازداد شرباً ازداد عطشاً، وكذلك المرتاب في فضل علي لا يصبو لحسن ما تجلّي عليه من عرايسه، ولا ترتاح نفسه لسماع نفايسه، فكلّما تليت عليه آياته، ولّي مدبراً، وصدّ مستكبراً، لأنه لم يؤمن بها من الأزل ولم يزل، فلذلك لم يؤمن بها اليوم، ولم ينقد مع القوم، وكيف يعرفها في عالم الأجسام والأشباح؟ وقد أنكرها في عالم الأرواح، فهو في عالم الأجساد ممسوخ، ومن عالم الأرواح مفسوخ، وفي سجين مرسوخ، لأن الجسد تابع للأرواح وإليه الإشارة بقوله: «وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ» [736] لأن الإيمان من ذلك اليوم.

دليله قوله: «الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ» [737] في ولاية علي الذي أخذ عليهم عهدها في الأزل وقوله: «وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ» [738] يعني يصلون حبّ اللَّه بحب محمد، وحب محمد بحب علي، وحب علي بحب فاطمة، وحب

فاطمة بحب عترتها.

«ويخشون ربّهم» في ترك الولاية «ويخافون سوء الحساب» لمن لم يؤمن بآل محمد.

دليل ذلك أن رجلاً قال لأمير المؤمنين عليه السلام: إنّي أحبّك.

فقال له: كذبت إنّ اللَّه خلق الأرواح قبل الأجساد بألفي عام ثم عرض عليّ المطيع منها والعصاة فما رأيتك يوم العرض في المحبين، فأين كنت؟ [739].

وقال أبو عبداللَّه عليه السلام: أعداؤنا مسوخ هذه الأمّة [740].

ومن أنكر فضل آل محمد عليهم السلام فهو عدوّهم، وإن كثر صومه وصلاته فإن عبادة إبليس أعظم وأكثر، فإن ذلك ضاع عند عصيانه وخلافه، ولا فرق بين عصيان الرب وعصيان الإمام.

جزاء من أنكر فضل آل محمد

ما أنكر فضل آل محمد من الأمم السالفة إلّا مسخ [741]، ولا رد فضلهم إلّا من خبث أصله ورسخ، فمن أنعم اللَّه عليه بحب علي والإقرار بفضله ووجد روحه بين جنبيه، ووجد صدره منشرحاً عند وصول أسراره إليه، ولم يجد الشكوك تنازعه، ولا يد الإنكار تمانعه، فقد طاب مولده وعنصره، وزكي محتده ومخبره، وإليه الإشارة بقول أبي عبداللَّه عليه السلام أنه قال: «لا تدعوا الناس إلي ما أنتم عليه، فواللَّه لو كتب هذا الأمر علي رجل لرأيته أسرع إليه من الطير إلي وكره، وأسبق من السيل إلي جوف الوادي».

ولذلك قال أمير المؤمنين عليه السلام: «لو ضربت خيشوم المؤمن علي أن يبغضني ما فعل، ولو صببت الدنيا علي المنافق علي أن يحبّني ما فعل، وبذلك أخذ اللَّه لي العهد في الأزل ولم يزل» [742].

ولذلك قال للرجل: فما رأيتك في المحبّين فأين كنت؟ فعليه عرضت الأرواح، وعليه تعرض الأعمال في عالم الأجسام، وعليه تعرض عند الممات، ويعلم مقامها بعد الوفاة، ويعلم ما يصير إليه الرفات، وإليه عودها عند القيام، وهو وليها في ذلك المقام، وقاسمها إلي النعيم أو

الانتقام، من فضل اللَّه رب الأنام، وولاية من ذي الجلال والإكرام.

فعليّ ولي الأشباح، وولي الأديان وولي الإيمان وولي الحياة وولي الممات، وولي الحساب وولي النعيم وولي العذاب، وولي للمكذب والمرتاب.

الذين لفضل علي ينكرون، ولما خصّه اللَّه به من الآيات يجحدون، وعن آياته يستكبرون، وفي علو مقاماته يرتابون ويستعظمون، وبها يكذبون وفيها يلحدون، أولئك في العذاب محضرون، وعن الرحمة مبعدون.

فلو أن أحدهم عمّر في الدنيا ما دارت الأفلاك وسبحت الأملاك، وحج ألف حجّة، وكان في أيامه مقبلاً علي الصيام والقيام، وكان له من الحسنات بعدد ورق الأشجار، ومن الطاعات بوزن رمل القفار، ومن المبرّات بعدد قطر الأمطار، ومن الخيرات بعدد ما في القرآن حرفاً حرفاً، وبعدد كل حرف ألفاً ألفاً، وقرأ كل كتاب نزل، وفهم كل خطاب من العلم والعمل، ورافق النبيين وصحب المرسلين، وأقام في الصافين، وقتل شهيداً بين الركن والمقام، ثم أنكر من فضل علي حرفاً، وارتاب في فضله وأخفي، لم ير في بعثه سعداً، ولم يزدد من رحمة اللَّه إلّا بعداً.

في أن الحضرة المحمدية ليس كمثلها شيء

إن ا للَّه تعالي في جلال كبريائه وعظمته ليس كمثله شي ء، وهذا من مقتضيات الربوبية، والحضرة المحمدية في كمال رفعتها وتقدّمها علي المخلوقات ليس كمثلها شي ء، لأنها الخلق الأول والولاية سرّ عظمتها في تصرفها في الكائنات، وعهدها المأخوذ علي سائر البريات من قبل برء النسمات ليس كمثله شي ء، لأنها احتوت علي سر الحضرة الإلهية وسر النبوة المحمدية التي ليس كمثلها شي ء، وسرّ من ليس كمثله شي ء ليس كمثله شي ء،

ان العارف بهذه الاسرار ليس كمثله شيء في سيره إلي الله

والعارف بهذه الأسرار، والمجتني لهذه الثمار، المقتبس لهذه الأنوار، المجتنب للتكذيب والإنكار ليس كمثله شي ء في سرّه إلي اللَّه ومعرفته بالهداة الأبرار.

من صفات الله سبحانه

سبحان الملك النور الذي تجلّي في الأشياء فظهر، وتجلّي عنها فغاب واستتر، تقدّس عن الزمان والمكان، وتعالي عن الحدوث والحدثان، تنزّه عن الحلول والانتقال والصورة والمثال، تجلّي بجماله من كل الجهات فظهر، وتجلّي بكماله عن كل الجهات فاستتر، فهو غيب ظهر، ثم غاب حين ظهر.

من حقوق أميرالمؤمنين

نبوّة وإمامة، وفي الإمامة وقع الاختلاف، وإليه الإشارة بقوله: «ما اختلفوا في اللَّه ولا فيَّ وإنّما اختلفوا فيك يا علي» [743]، فالإسلام والإيمان نعمتان مشكورة ومكفورة ظاهر وباطن، فالاختلاف وقع في الإمامة، فالعدو عن ظاهر أنوارها معرض، والولي عن خفي أسرارها متقاصر، فأعداؤه بفضله يكذبون، وأولياؤه لأسراره ينكرون، والعارفون به لسفن النجاة راكبون، وأهل التوفيق والتحقيق لرحيق حبّه ينتهلون، سكاري وهم صاحون، واسمهم العالون وهم العالون، وسكرهم أنهم عرفوا أن علياً مولي الأنام، وأن له الحق علي الرب والسلام، وعلي السيد الإمام، وعلي البيت الحرام، وعلي الشرع والأحكام، وعلي الرسل الكرام، وعلي الملائكة العظام، ومن المؤمنين في القيام وعلي الجنة ودار الانتقام، وعلي الخاص والعام.

فإن كبر عليك هذا المقام؛ فقد ورد في صحيح الأخبار عن الأئمة الأبرار، الذين حبّهم النور الأكبر أن حق المؤمن عند اللَّه أعظم من السَّموَات والأرض، ومن الكبريت الأحمر. وإذا كان هذا حق المؤمن فكيف حق أمير المؤمنين عليه السلام؟

ذكر أمثلة من حقوقه

أما حقّه علي اللَّه فأنّ بِسَاعِده وصارمه قامت قناة الدين، ودان به الناس لرب العالمين، وإليه الإشارة بقوله: «ضربة علي يوم الخندق أفضل من عبادة الثقلين» [744].

فهذه ضربة واحدة بسيفه في اللَّه قاومت أعمال الجن والإنس.

وأمّا حقّه علي الرسول فإنّه ساواه بنفسه وواساه بمهجته، وخاض دونه الغمرات وكشف عن وجهه الكربات، فهو أسده الباسل وليثه الحلاحل.

وأما حقّه علي الإسلام فإنّه به اعشوشب واديه، واخضوضر ناديه ومدّت في الآفاق أياديه، وأما حقّه علي الشرع والأحكام فبه وضحت الدلائل وحقّقت المسائل، وأقمرت الدجنات وحلّت المشكلات.

وأمّا حقه علي البيت الحرام فإن إبراهيم رفع شُرَفه وعلي رفع شَرَفه، وأين رفع الشُرَف من رفع الشَرَف. وأما حقه علي الرسل الكرام فإنّهم به كانوا يدينون وبحبّه كانوا

يشهدون، وبه دعوا عند القيام والظهور وسرّهم في الأصلاب والظهور.

وأما حقّه من المؤمنين فإنّ بحبّه تختم الأعمال وتبلغ الآمال.

وأمّا حقّه علي الملائكة المقرّبين فإنّه هو النور الذي علّمهم التسبيح وأوقد لهم في رواق القدس من الذكر المصابيح، وأمّا حقه علي جنّات النعيم ودركات الجحيم، فإنّه يحشر أهل هذه اليها ويلقي حطب هذه عليها.

وأمّا حقّه علي الخاص والعام من سائر الأنام، فإنّه لولاه لما كانوا؛ لأنّه العلّة في وجودهم، والفضل عند موجودهم.

ازدحام الملائكة لفتح الباب لعلي

يؤيّد هذا التأويل ما روي عن عائشة من كتاب المقامات قالت: كان رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم في بيتي إذ طُرق الباب، فقال لي: قومي وافتحي الباب لأبيك يا عائشة.

فقمت وفتحت له فجاء فسلّم وجلس فردّ السلام ولم يتحرّك له، فجلس قليلاً ثم طرق الباب فقال: قومي وافتحي الباب لعمر، فقمت وفتحت له فظننت أنه أفضل من أبي، فجاء فسلّم وجلس فردّ عليه ولم يتحرّك له، فجلس قليلاً فطرق الباب.

فقال: قومي وافتحي الباب لعثمان فقمت وفتحت له، فدخل وسلّم فردّ عليه ولم يتحرّك له، فجلس فطرق الباب فوثب النبي صلي الله عليه و آله و سلم وفتح الباب فإذا علي بن أبي طالب عليه السلام فدخل وأخذ بيده وأجلسه وناجاه طويلاً، ثم خرج فتبعه إلي الباب، فلمّا خرج قلت: يا رسول اللَّه دخل أبي فما قمت له، ثم جاء عمر وعثمان فلم توقرهما ولم تقم لهما، ثم جاء علي فوثبت سرّ آل محمد عليهم السلام صعب مستصعب

إليه قائماً وفتحت له الباب، فقال: يا عائشة لما جاء أبوك كان جبرائيل بالباب فهممت أن أقوم فمنعني فلما جاء علي وثبت الملائكة تختصم علي فتح الباب إليه، فقمت وأصلحت بينهم، وفتحت الباب له،

وأجلسته وقرّبته عن أمر اللَّه، فحَدِّثي بهذا الحديث عنّي، واعلمي أن من أحياه اللَّه متبعاً للنبي، عاملاً بكتاب اللَّه، موالياً لعلي، حتي يتوفاه اللَّه، لقي اللَّه ولا حساب عليه، وكان في الفردوس الأعلي مع النبيين والصدِّيقين [745].

سر آل محمد صعب مستصعب

اعلم أن سرّ آل محمد صعب مستصعب كما ذكره، فمنه ما يعلمه الملائكة والنبيون، وهو ما وصل إليهم بالوحي، ومنه ما يعلمه هم ولم يجر علي لسان مخلوق غيرهم، وهو ما وصل إليهم بغير واسطة، وهو السرّ الذي ظهرت به آثار الربوبية عنهم، فارتاب لذلك المبطلون، وفاز العارفون، فكفر به فيهم من أنكر، وفرّط من غلا فيهم وأفرط، وفاز من أبصر فتبع النمط الأوسط.

نصيب المؤمن من سر آل محمد

وأما السرّ الذي فيه للمؤمن نصيب، فهو أيضاً صعب مستصعب، وأشدّ صعوبة وإغماضاً المتشابه بالوجوه القابل للتأويل، الذي يخالف ظاهره باطنه، وأمثلته في القرآن والأحاديث والأخبار والأدعية كثير، فمن ذلك من القرآن قوله: «وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ» [746] و «يَوْمَئِذ لا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إنْسٌ وَلَا جَان»، وهذا في الظاهر تناقض لأنه أمر أن يقفوهم ويسألوهم، ثم أخبر أنهم لا يُسألون، وبيان ذلك: أن العباد لا يسألون يوم القيامة إلّا عمّا عهد اللَّه إليهم من حبّ علي، فعنه (وعنه خ ل) يسأل إذ يبعثون، وشيعة علي لا يسألون عن ذنوبهم لأنّهم وفوا بالعهد، فلا ذنب عليهم، وقوله: «لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنسٌ وَلَا جَانٌّ» [747]، هذا لفظ عام، ومعناه خاص، لأن معناه لا يسأل عن ذنبه يوم القيامة إنس ولا جان من شيعة علي، لأن اللَّه أخذ عليهم عهد الإيمان بعلي، وضمن لهم بذلك الجنّة، فإن وفوا بالعهد وجبت لهم في رحمته للوفاء بالعهد، وقد وفوا بعهدهم، فلا ذنب عليهم يُسألون عنه إذن، لأن حب علي هو الحسنات، فإذا كان في الميزان فأين السيئات، وإليه الإشارة بقوله: «إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ» [748]، وأكبر الحسنات حبّ علي، بل هو الحسنات، فإذا كان في الميزان فلا ذنب معه، وأين ظلمة الذنب مع تلألؤ نور

الرب، لأن ولاية علي هي نور الرب، وأين ظلمة الليل عند ضياء البدر المنير، أم مس السيئات عند خالص الإكسير، ومن ذلك قوله: «يَدَاهُ مَبْسُوطَتَان»، وقوله: «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَي ءٌ» [749] والتناقض لازم له في الظاهر من غير تأويل، لأن من لا مثل له من أين له يدان مبسوطتان؟ ومن له يد مبسوطة كيف يكون بلا شبه ولا مثل؟ هذا واضح لمن عرف الاستعارة اللغوية.

امثله لنصيب المؤمن من سر آل محمد

أما قوله: «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَي ءٌ»، فحق لأنّ الإله الحق لا مثل له لأنه مسلوب عنه الأضداد والأنداد، وقوله: «بل يداه مبسوطتان» فذلك أيضاً حق لأنّه أراد القدرة والرزق وعبّر عنهما باليد، لأن البسط يليق باليد والقدرة أيضاً. فلفظ اليد هنا استعارة لأن قدرته ورزقه لم يزل ولا يزال، فله الأيادي علي سائر خلقه والإنعام، وأما عند الباطن فاليدان المبسوطتان محمد وعلي، وهما النعمة والقدرة نعمة النبوّة وقدرة الولاية، ومن ذلك قوله: «وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ - إِلَي رَبِّهَا نَاظِرَةٌ» [750]، وقوله: «لَا تُدْرِكُهُ الأَبْصَار» [751]، فالذي لا تدركه الأبصار كيف تراه الوجوه؟ والذي لا تراه الوجوه، كيف لا تدركه الأبصار؟ هذا نفي وإثبات، والنفي والإثبات لا يجتمعان.

ومن ذلك قوله خطاباً لسيّد المرسلين: «لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ» [752] وقوله: «وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً» [753]، فالذي له ذنب من أين له طهارة؟ والممدوح في الطهارة بالصدر من أين له ذنب، أما قوله يطهّركم تطهيراً فحق، لأنّهم خلقوا من نور الجلال، واختصوا بالعصمة والكمال، فالمعصوم الكامل من أين له ذنب؟

أما مثل هذا في الدعوات، فمنه قول زين العابدين عليه السلام وهو سيّد من عبد وابن سيّد من عبد من الأوّلين والآخرين في دعائه: «ربي ظلمت وعصيت وتوانيت»، فإذا كان ظلوماً جهولاً كيف

يكون سيّداً معصوماً، وهو سيّد معصوم فكيف يكون ظلوماً جهولاً؟

أقول: معني قوله عليه السلام إنه يقول: ربي إن شيعتنا لما خلقوا من فاضل طينتنا، وعجنوا بماء ولايتنا، رضونا أئمة، ورضينا بهم شيعة، يصيبهم مصابنا، وتنكبهم أوصابنا ويحزنهم حزننا، ونحن أيضاً نتألّم لتألمهم، ونطلع علي أحوالهم، فهم معنا لا يفارقونا [754]، لأن مرجع العبد إلي سيده ومعوله علي مولاه، فهم يهجرون من عادانا، ويجهرون بمدح من والانا.

وصدّق ما دللت عليه ما أورده ابن طاووس في كتاب مهج الدعوات، حكاية عن خليفة اللَّه قائم آل محمد وخاتمهم ما هذا معناه، قال: ولقد سمعته سحراً بسر من رأي يدعو فيقول من خلف الحائط: اللهمّ أحي شيعتنا في دولتنا، وأبقهم في ملكنا ومملكتنا، وإن كان شيعتهم منهم وإليهم وعنايتهم مصروفة إليهم، فكأنه عليه السلام قال: اللهمّ إن شيعتنا منّا ومضافين إلينا، وإنهم قد أساءوا وقصروا وأخطأوا في العمل، رأونا صاحباً لهم رضاً منهم، قد تقبلنا عنهم ذنوبهم، وتحمّلنا خطاياهم، لأن معولهم علينا ورجوعهم إلينا، فصرنا لاختصاصهم بنا واتكالهم علينا كأنا نحن أصحاب الذنوب، إذ العبد مضاف إلي سيّده، ومعول المماليك علي مواليهم، وملاذ شيعتنا إلينا ومعولهم علينا، اللهم فاغفر لهم من الذنوب ما فعلوه اتكالاً علي حبنا، وطمعاً في ولايتنا، وتعويلاً علي شفاعتنا، ولا تفضحهم بالسيئات عند أعدائنا، وولنا أمرهم في الآخرة كما وليتنا أمرهم في الدنيا، وإن أحبطت السيئات أعمالهم فثقِّل موازينهم بولايتنا وارفع درجاتهم بمحبتنا، وهذا خيره كثير للمؤمن الموقن المصدق بأسرارهم [755].

ولو لم يكن في كتابي هذا غير هذا لكفاك أن امتلأت من درر الاعتقاد كفاك، وإلّا دراكِ، فإن الشيطان يطلع علي قلب المؤمن في كل يوم 320 مرة بالوسواس والإضلال، فجعل اللَّه شهباً من نور

الولاية رجوماً للشياطين بعدد تلك النظرات، ليمحو من قلبه ما ران الشيطان، لأن من خالجته الشكوك في قلبه، وَطِئته الشياطين بمناسمها، أيّها المنكر لفضائل علي، إلي متي تلبس من الشك المنسوج علي الجسد الممسوخ، والروح المفسوخ، وحتي متي كلما طبت ظنيت، وكلما بصرت عميت، وكلما رويت عطشت، أما رأيت ملكاً اختار عبداً من عبيده وأقامه علي سرّه وولّاه أمره، وقربه نجياً وألبسه خلعة صفاته ورفعه علي سائر مخلوقاته وسلم إليه قلم العدل ودفتر البذل، وسيف القهر وزمام الأمر، وأمره علي جميع مخلوقاته وإنه أعلم حيث يجعل رسالاته فقام بالسياسة والعدل والعصمة والبذل، يفعل ما يريد الرب، ويريد الرب ما يفعل، لأنه موضع أمره ويده الباسطة علي جميع الملائكة، لأنه يد اللَّه وجنبه، وله التصرّف المطلق، وبصره طاف في أقطار السَّموَات والأرض، لأنه عين اللَّه الناظرة في عباده وبلاده، وهو في مقام الرفعة والتأييد عبد المولي ومولي العبيد:

العقل نور وأنت معناه

والكون سرّ وأنت مبداه

والخلق في جمعهم إذا جمعوا

الكل عبد وأنت مولاه

أنت الولي الذي مناقبه

ما لعلاها في الخلق أشباه

يا آية اللَّه في العباد ويا

سر الذي لا إله إلّا هو

كفاك فخراً وعزّة وعلاً

أن الوري في علاك قد تاهوا

فقال قوم بأنه بشر

وقال قوم بأنه اللَّه

ياصاحب الحشر والحساب ومن

مولاه حكم أمر العباد ولّاه

يا قاسم النار والجنان غداً

أنت ملاذ الراجي وملجاه

كيف يخاف الولي حر لظي

وليس في النار من تولاه [756].

يا منبع الأنوار يا سرّ المهيمن في الممالك

يا قطب دائرة الوجود وعين منبعه كذلك

والعين والسرّ الذي منه تلقنت الملائك

ما لاح صبح للهدي إلّا وأسفر عن جمالك

يا ابن الأطايب والطواهر والفواطم والعواتك

أنت الأمان من الردي أنت النجاة من المهالك

أنت الصراط المستقيم قسيم جنات الأرائك

والنار مفزعها إليك وأنت مالك أمر مالك

يا من تجلّي بالجمال

فشق بردة كل حالك

صلّي عليك اللَّه من هادٍ إلي خير المسالك

والحافظ البرسي لا يخشي وأنت له هنالك [757].

وإذا كانت مناقب علي لا تحصي عدداً وفضايله لا تبلغ أمداً فالسَّموَات تضيق عن رقمها وسجلها والبحران ينفدان بمدها، والثقلان يعجزان عن إملائها والعقول تذهل أن تدركها والجبال تأبي أن تحملها لثقلها، وقد شهد بذلك الكتاب المنزل والنبي المرسل، وأنت بقصور الفهم ووفور الوهم تخالف الرب العلي والنبي الأمي بأذاك لمولاك، وقد أسمعك القرآن اللعن بالطعن وناداك فقال: «إن الذين يؤذون اللَّه ورسوله لعنهم اللَّه» [758] فمن أبغض علياً لفضله الذي آتاه اللَّه فقد آذاه، ومن آذي ولي اللَّه فعليه لعنة اللَّه وحسبه من الخزي يوم يلقاه. فيا أيّها الحائر المذبذب والجاهل المركب والعارف المعذب، مالك لا تراقب اللَّه وتتأدّب، فإلي متي تتمسّك بأذيال التكذيب، وكلما رد عليك مما لاق بذهنك الجامد، ورأيت ما يصدقه عقلك الفاسد، قلت هذا مقام الولي وما لا تناله أنامل الإدراك من طبعك العكوس ناديت عليه بلسان التكذيب والإنكار، فيا من يقف بأبواب المغني، من أين لك مشاهدة أنوار المغني ممّا هو الفرق بين العالي والغالي؟ وكيف عرفت الشيعي من الموالي؟ والمحب من التالي؟ فها أنا مورد لك من الملل والنحل، فضلاً يشفي شرابه العلل من العلل ويبين اختلاف الفرق ويؤمن من الغرق ممّا راق عذبه ورق، ويعلم به الحق من الزهق ممّا لا نصب بعده ولا رهق، وما أظنّك بعد هذا الإطراب والإطناب والإكثار والإسهاب، إلّا كارهاً للصواب وسارياً في السراب، حتي تلاقي في التراب أبا تراب.

في بيان افتراق الأمم بعد الأنبياء و أن النجاة في اتباع الآل و هم الاصحاب و لاعكس

في بيان افتراق الأمم بعد الأنبياء ممّا شهدت به السّنة والكتاب، فمن ذاك قال اللَّه سبحانه مخبراً عن قوم موسي: «وَمِنْ قَوْمِ مُوسَي أُمَّةٌ يَهْدُونَ

بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ» [759]، وقال تعالي حكاية عن النصاري: «وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً» [760]، وقال حكاية عن الأميين: «وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَي أَعْقَابِكُمْ» [761]، وقال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم: «افترقت أمّة أخي موسي علي سبعين فرقة كلّها في النار إلّا واحدة، وافترقت أمّة أخي عيسي علي إحدي وسبعين فرقة كلّها في النار إلّا واحدة، وستفترق هذه الأمّة علي ثلاث وسبعين فرقة كلّها في النار إلّا واحدة، وهي التي تبعت ما أنا عليه وأهل بيتي»، وفي رواية ما عليه وأصحابي [762].

وهذا بيان وتأكيد أنّ الناجي من تبع الآل لأن الآل هم الأصحاب، وليس الأصحاب هم الآل، فأين كان الآل كان الأصحاب من غير عكس، ولهذا يقال أهل اللَّه ولا يقال أصحاب اللَّه. فآل النبي صلي الله عليه و آله و سلم أصحابه وليس أصحابه آله، وفي الحديث: «أهل القرآن أهل اللَّه وخاصّته»، لأنّهم حَمَلة سرّه، فأين كان الأهل كانت النجاة، لأن الأهل أولي بالشرف والفضل، وأحق بالميراث، وأقرب إلي العلم، ومنهم نبع الذكر، وعنهم سمع، فالأصحاب تبع الآل لأنّهم سكان السلطنة والحكم، والأصحاب سكان التبع فكيف يقتدي بالتابع ولا يقتدي بالمتبوع؟ ألا فهم الملاذ والمنجي، ونهج الهدي وجنّة المأوي وسدرة المنتهي، والأصحاب قوم تبصروا بنور الآل فأبصروا، ثم أعماهم دخان الحسد فأنكروا، وإليه الإشارة بقوله: بينا أنا علي الحوض إذ بملأ من أصحابي يؤخذ بهم ذات اليمين وذات الشمال مسودة وجوههم، فأناديهم: أصحابي أصحابي، فيأتي النداء من خلفهم، يا محمد، إنّهم ليسوا أصحابك، إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك؛ فأقول: ألا سحقاً ألا سحقاً [763].

وأما الآل فهم

المآل، دليله قوله: «أهل بيتي كسفينة نوح من ركبها نجا»، وهذا رمز شريف، حله ومعناه أنه لا ينجو من شدائد الأهوال، وعذاب يوم المآل، إلّا من تولّاهم.

وأما قولهم عنه صلي الله عليه و آله و سلم أنه قال: «أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم» [764] إنّما عني بالأصحاب هنا أهل بيته، وإلّا لزم التناقض؛ فكيف يكونون ضالين عن الحوض مسودة وجوههم، وكيف يكونون كالنجوم يقتدي بهم؟ وإنّما قال صلي الله عليه و آله و سلم: مثل أهل بيتي في هذه الأمّة مثل نجوم السماء كلّما غاب نجم طلع نجم إلي يوم القيامة [765]،

ان أهل البيت هم النجوم لا الأصحاب

وإن كان أصحابه نجوماً فأهل بيته شموس وأقمار، ومع وجود الشمس والقمر لا يحتاج إلي النجوم، فالنجوم أهل بيته لا أصحابه. وإليه الإشارة بقوله: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً» [766] فأين كان أهل البيت كانت الطهارة وإذهاب الرجس، وأين كان إذهاب الرجس كانت العصمة، وأين كانت العصمة كانت الخلافة والحكمة، وأين كانت الحكمة كان النور والرحمة، وأين كان النور والرحمة كانت الهداية والنعمة، وأين كانت الهداية والنعمة … وأين كان الرجس كانت الظلمة، وأين كانت الظلمة كانت الضلالة والفتنة، وإليه الإشارة بقوله: إنّي تارك فيكم الثقلين: كتاب اللَّه وعترتي أهل بيتي حبلان متصلان، إن تمسكتم بهما لن تضلّوا [767].

فقد أوجب لأهل البيت من التشريف والتعظيم ما أوجب للكتاب الكريم، ودلّنا علي أن التمسّك بالكتاب والعترة نجاة، فقال: عترتي ولم يقل أصحابي، فجعل مقام الآل مقام الكتاب، وقال: «إنّ اللَّه خلق الخلق من أشجار شتي، وخلقني وعلياً من شجرة واحدة، أنا أصلها، وعلي فرعها، وفاطمة لقاحها، والعترة الميامين الهداة أغصانها، والشيعة المخلصون أوراقها» [768]، وخبر الثقلين عليه الإجماع [769].

الفرق بعد النبي

إذا تقرّر هذا، فنقول: افترقت الأمّة بعد نبيّها فرقتين: علوية، وبكرية، وزيادة المذاهب تدل علي زيادة الشبهات، لأن الحق لا يتكثّر ولا يتغيّر، ومشربه صاف لا يتكدّر.

في تعيين المحق و المبطل و ما وجدناه لعلي

ومع افتراقهم إما أن يكونا علي الحق معاً، أو علي الضلال كلّاً، أو أحدهما محق والآخر مبطل، أما كونهما علي الحق معاً فممنوع أيضاً، لأنّهما لو كانا علي الحق معاً لما اختلفا ولا افترقا، ومنشأ الخلاف أن كلاً منهما ادّعي أنّه خليفة رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم، فإن صدقا معاً لزم كذب الرسول، وإن كذبا لزم جهل الرسول، وجهله ممتنع، فتعيّن صدق أحدهما وكذب الآخر والدعوي فيه، فوجب النظر فيما يتبيّن به الصادق من الكاذب منهما، فوجدنا لعلي عليه السلام السبق إلي الدين كرّم اللَّه وجهه، ومعناه أنه لم يسجد لصنم [770]، وفي السبق إلي الإسلام: أنت أوّل القوم إسلاماً [771]، وفي العلم مرتبة: لو كشف الغطاء [772]؛ وفي الشجاعة: لا فتي إلّا علي [773]؛ وفي الزهد: أنا كابي الدنيا لوجهها [774]، وفي القرب والقرابة: أنت منّي وأنا منك [775]؛ وفي النصوص: من كنت مولاه فعلي مولاه [776].

وفي التعيين والتبيين: اللهمّ والِ من والاه وعادِ من عاداه [777]، فهو سيّد الموحدين، وفارس المسلمين، والعالم بغوامض الكتاب المبين، وقسيم نبعة سيّد المرسلين، والواجب له الخلافة بالنص المبين.

ما وجدناه للأول

وجدنا للأول قوله: أقيلوني فلست بخيركم، واللَّه ما يعلم إمامكم حين يقول أصاب أم أخطأ، وفي الشجاعة وجدناه لم يجر له حسام قط، ووجدناه في النسب تيمي، وأين تيم من هاشم، وأين مقام الدمنة من البحر، والجواهر من الصخر.

اجماع المسلمين علي أن النجاة لمن تبع عليا

ووجدنا الإجماع [778] أنه لمن تبع علياً، ومن هذا الفرق والبيان إما أن يكون الحق مع الجاهل ثم يكون هو الإمام، أو يكون الحق مع العالم الحاكم وهو علي، فيكون علي هو الإمام، فلا ينجو إلّا من تبع علياً، ورافق أولياءه وفارق أعداءه، وهذا ممّا رواه أئمّة الإسلام مثل أبي عبداللَّه البخاري في صحيحه، وأبي داود في سننه، وأبي علي الترمذي في جامعه، وأبي حامد القزويني وابن بطة في مجالسه، واتفق الجمع علي تصحيحه فصار إجماعاً [779].

افضل الأمة علي فهو خليفة النبي

وقد نقل عن شعبة بن الحجاج: أنّ هارون كان أفضل قوم موسي، وعلي من محمد كهارون من موسي، فوجب أن يكون أفضل من جميع أمّته، بهذا النص الصريح [780].

وإليه الإشارة بقوله: «وَقَالَ مُوسَي لِاَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي» [781]، فوجب أن يكون علي خليفته في أمّته، ومن نازعه مقامه فقد كفر.

فرق المسلمين و مذاهبهم

وأهل السّنة فرقتان: الأولي أصحاب الحديث وهم شعب: الداودية، والشافعية، والمالكية، والحنبلية والأشعرية. والثانية أصحاب الرأي وهم فرقة واحدة،

فرق المعتزلة

وأما المعتزلة وهم سبع فرق: الحنفية، والهذيلية، [والنظامية]، والعمرية، والجاحظية، والكعبية، والبشرية.

اصحاب المذاهب

وأمّا أصحاب المذاهب فهم: أبو حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي، وأما مالك بن أنس بن مالك فهو إمام العراق، وأهل اليمن والمغرب يميلون إلي مذهبه، وأما أحمد بن حنبل فكان يخدم الشافعي ويأخذ بزمام دابته ويقول اقتدوا بهذا الشاب، وأما أصحاب الرأي فهم أصحاب أبي حنيفة،

بعض فرق المعتزلة و أقوالهم

وأما المعتزلة فهم ينكرون خلق الجنة والنار، ويقولون إن علياً أفضل الصحابة، لكن يجوز عندهم تقدّم المفضول علي الفاضل لمصلحة يقتضيها الوقت. ومنهم الحسنية وهم أصحاب الحسن البصري، والهذيلية وهم أصحاب الهذيل، والنظامية وهم أصحاب إبراهيم بن النظام، والعمرية وهم أصحاب عمر بن غياث السلمي، والجاحظية وهم أصحاب أبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ، والكعبية وهم أصحاب أبي القاسم الكعبي، والبشرية وهم أصحاب بشر بن المعتمر.

المجبرة

وأما المجبرة فهم عشرة: الكلابية، والكرامية، والهشامية، والموالفية، والمعترية، والدارية، والمقابلية، والنهالية، والمبيضة.

الصوفية

وأما الصوفية فهم فرقتان: النورية، والخلوية.

المرجئة

وأما المرجئة فهم ست فرق: الدرامية، والعلانية، والنسبية، والصالحية، والمثمرية، والجحدرية.

الجبرية

وأما الجبرية فهم خمس فرق: الجهمية وهم أصحاب جهم بن صفوان، والبطحية وهم أصحاب إسماعيل البطحي، والبخارية وهم أصحاب حسين بن محمد البخاري، والضرارية وهم أصحاب ضرار بن عمر، والصياحية وهم أصحاب صياح بن معمر.

النواصب

وأما النواصب فهم الذين حاربوا زيد بن علي، وعندهم أن الفتي لا يكون سنياً حتي يبغض علياً.

الخوارج

وأما الخوارج فهم خمسة عشر فرقة: الأزارقة وهم أصحاب نافع بن الأزرق، والنجدات وهم أصحاب نجدة بن عامر الحنفي، والعجاردة وهم أصحاب عبد الكريم بن عجردة، واليحيائية وهم أصحاب يحيي بن الأحزم، والحازمية، وهم أصحاب عبداللَّه بن حازمة، والثعالبة وهم أصحاب ثعلب بن عدي، والجرورية وهم أصحاب عبداللَّه بن جرور، والصفرية وهم أصحاب الأصفر، والأباضية وهم أصحاب عبداللَّه بن أباض، والحفصية وهم أصحاب حفص بن أنيية، والضاحكية وهم أصحاب الضحاك بن قيس. وهؤلاء عقدوا علي لعن معاوية وعمرو بن العاص وعثمان، وعلي البراءة منهم، وبنو أمية لعنهم اللَّه دينهم الإجبار، والحجاج لعنه اللَّه لما قتل أكابر أصحاب علي عليه السلام، ورمي الكعبة بالمنجنيق، قال: هذا منه تعالي.

بعض البدع التي أدخلوها في الدين

والجبر كان دين الجاهلية وسنّتهم، فلما نزل القرآن نسخه، فلما جاء بنو أمية أعادوه وجددوه، وأعادوا إلي دين الإسلام ما كان من سنن عبدة الأصنام، كما أدخل أصحاب النبي في دينه من سنن اليهود، وذلك أن اللَّه أمر النبي عند خروجه من الدنيا أن ينهاهم عن أمور هم فاعلوها تأكيداً للحجّة عليهم.

اعراضهم عن قول آل محمد

ثم إنّهم اعتبروا في الدين قول الأوزاعي، وأبي نعيم، والمغيرة بن شعبة، وسفيان الثوري، واطرحوا قول آل محمد الذين نزل عليهم القرآن وولاهم، والحكمة فيهم وعنهم ومنهم.

تكذيبهم أمناء الوحي و عملهم برواية الخبثاء

وما كفاهم هذا الضلال حتي نسبوا من دان بدين آل محمد أنه يدين بدين اليهود، وقالوا: إنّ المذهب الذي في أيدي الشيعة مأخوذ من كتاب يهودي كان مودعاً عند جعفر الصادق عليه السلام، ثم ما كفاهم هذا الكفر والإلحاد، حتي انهم جعلوا ما نقل عن أهل اللَّه وحزبه أنه مأخوذ من كتب اليهود. وما نقل عن أبي هريرة أنه مأخوذ عن رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم، فكذبوا ما نقل عن أُمناء الوحي والتنزيل، وأولياء الرب الجليل، واعتبروا قول المغيرة بن شعبة الذي سبّ أمير المؤمنين علياً عليه السلام علي المنبر [782].

انهم يسمون الشيعة حمير اليهود

ثم ما كفي هذا الكفر حتي انهم سمّوا شيعة علي أنهم حمير اليهود، فجعلوا حزب اللَّه حمير اليهود، وقد قال النبي صلي الله عليه و آله و سلم: يا علي حزبك حزبي وحزبي حزب اللَّه [783].

الرد علي من سمي الشيعة «حمير اليهود»

فإذا قلتَ لهم: بماذا جاز لكم أن تسمّوا شيعة علي بهذا الاسم، وربّهم اللَّه، ونبيّهم محمد، وشهرهم رمضان، وقبلتهم الكعبة وحجّهم إليها، وهم قوم يخرجون الزكاة، ويصلون الأرحام، ويوالون علياً وعترته، فبماذا صاروا حميراً لليهود؟

فهلّا يقولون لا نعلم أن شيعة علي لا ذنب لهم عند المنافقين، يسمّون به حمير اليهود، غير حبّ علي الذي لو أن العبد جاء يوم القيامة وفي صحيفته أعمال النبيين والمرسلين، وليس معها حب علي فإنّ أعماله مردودة، وهل يقبل ما لا كمال له وما لا تمام إلّا الدين القيم الكامل وهو حبّ علي؟ وكذا لو كان في صحيفته جميع السيئات وختمها الولاية فإنه لا يري إلّا الحسنات، وأين ظلام السيئات عند البدر المنير، أم أين مس الخطيئات عند نور الإكسير؟

في الدفاع عن الشيعة و مناقشة «من سب أصحابي..»

فإذا قلت لهم: ما تقولون في رجل آمن باللَّه وبمحمد، وسلك سبيل الصالحات، لكنه كان يبغض علياً ويبغض من يهواه، فمآله عند بعثه يدخل الجنة أو النار؛ فهناك يقولون بل يدخل النار، لقول رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم: من عاداك فقد عاداني، اللهمّ والِ من والاه وعادِ من عاداه [784].

وإذا قلت لهم: فما تقولون في رجل آمن باللَّه ورسوله وعَبَدَه مخلصاً، لكنه لا يعرف فلاناً وفلاناً، فما تقولون فيه، مؤمن أم كافر؟ ويدخل الجنّة أم النار؟ فهناك يتحيّرون؛ فإن قالوا نعم، لزمهم الدليل عليه، ولا دليل لهم، وكيف يدخل النار بترك ما لم يعرض عليه، وإن قالوا لا، قلنا: فلِمَ سمّيتم قوماً تبعوا رجلاً حبّه يُدخل الجنّة وبغضه يدخل النار أشراراً، وسمّيتم شيعته من اليهود؟

فهناك فروا من الجهل وقالوا: لأنهم يقولون بسبّ الصحابة، ثم يقولون: قال رسول اللَّه: من سبّ أصحابي فقد سبّني [785]، فإذا قلت

لهم فهذا الحديث مخالف لاعتقادكم، أليس عندكم أنه كلّما يصدر من العبد من الأفعال فإنّها بقضاء اللَّه وقدره، واللَّه مريد لأفعال العبد، والعبد واسطة في الفعل والإرادة للَّه، فما ذنب من يسبّ إذا كان ذاك بقضاء اللَّه وقدره، وكيف يكون الزنا والكفر من العبد بإرادة اللَّه، والسبّ لا يكون بإرادة اللَّه، ثم يقول لهم: وقد رويتم أيضاً إن كان مجتهد أصاب فله أجران في اجتهاده، وإن أخطأ فله أجر [786]، فهؤلاء في اجتهادهم في السب إن أصابوا فلهم ثواب من اجتهد وأصاب، وإن أخطأوا فكذلك.

ثم نقول لهم: لقد نطق القرآن لهم بالتنزيه والفوز، وأنه لا وزر عليهم فيما وزروا فيما زعمتم أن عليهم به الوزر والكفر، وذاك إما لحكم القضاء والقدر، وإن من تسبّونه لا إثم عليهم في سبّه، وذلك في قوله تعالي حكاية عنكم يوم القيامة، وقالوا: «مَا لَنَا لَا نَرَي رِجَالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ - أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيّاً أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ» [787]، والنار ليس فيها بإجماع الكتاب والسنّة، وفحوي هذه الآية وبرهان العقل إلّا الكافر والمنافق، والجنة ليس فيها كافر ولا منافق إلّا مؤمن ومسلم، وقد شهدت هذه الآية لشيعة علي أنهم ليسوا من الكفار ولا من المنافقين، بل من المؤمنين، وإلّا لكانوا في النار، لكنّهم ليسوا فيها فهم في الجنّة، وليس في الجنّة إلّا المؤمن، فتعيّن أن شيعة علي هم المؤمنون، ولم يضرّهم سبّهم الذي سمّيتموهم به أشراراً، بل كانوا به من الأخيار، فظهر كذبكم علي النبي أنه قال: من سبَّ أصحابي فقد سبّني، وإن ثبت صدق الحديث لزم من صدقه أن أصحابه آله، كما تقدّم، فتعين أن بغض المنافقين الشيعة ليس إلّا بحبّهم لعلي، و من أبغض موالياً لعلي أبغضه

اللَّه، ولذلك قال الصادق عليه السلام: رحم اللَّه شيعتنا انهم أوذوا فينا واننا نؤذي فيهم.

مناقشة ما رووه أن النبي مات و لم يوص و أنه جعل الإختيار إلي أمته

ثم رووا عن رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم أنه مات ولم يوصِ إلي أحد، وأنه جعل الاختيار إلي أمّته، فاختاروا من أرادوا، فكذّبهم القرآن ونزّه نبيّه ممّا نسبوا إليه، فقال: «وَوَصَّي بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ» [788]، وكذّبهم فيما افتروا عليه فقال: «وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَي اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ» [789]، فأخبر سبحانه أن كل من اختار من أمره غير ما اختاره اللَّه ورسوله فليس بمؤمن، وقد اختاروا فليسوا بمؤمنين بنص الكتاب المبين.

ذكر بعض أباطيل المذاهب

وإذا جاز للناس أن يختاروا إماماً فلِمَ لا يجوز أن يختاروا نبيّاً؛

اباطيل الأشعرية

والأشعرية منعوا العدل وأنكروا، وجوّزوا علي اللَّه الظلم، والقرآن يكذّبهم، ويقول: «وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً» [790].

وجوّزوا علي اللَّه فعل القبيح وقالوا إنه مريد للخير والشر، فإذا كان مريداً لهما فلماذا بعث النبيين وصدعهم؟

وقالوا: إن صفاته زائدة علي ذاته، فلزمهم أن يعبدوا آلهة شتّي.

وقالوا: لا يجب علي اللَّه شي ء فهو يدخل الجنة من شاء ويدخل النار من شاء ولا يُسأل عمّا يفعل، ومنادي العدل يناديهم بالتكذيب، ويقول: «وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ» [791]، ويقول: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ» [792]، ويقول: «مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ» [793].

اباطيل المعتزلة و المشبهة و المجسمة

والمعتزلة قالوا بالعدل، وجوّزوا الخطأ علي النبيين، وإذا كان اللَّه حكيماً عادلاً فكيف يبعث نبيّاً جاهلاً، وأين العدل إذا ما اتخذ اللَّه ولياً جاهلاً؟

ومنعوا الإمامة وقالوا: إنّ الحسن والقبح شرعيان لا عقليان.

وقالوا: إنّ اللَّه أمر إبليس بالسجود لآدم، وأراد منه أن لا يسجد، ونهي آدم عن الشجرة، وأراد منه أكلها، فكيف يأمر بما[لا] يريد وينهي عمّا يريد؟

والمشبهة والمجسمة قالوا: الرحمن علي العرش استوي؛ وقالوا: هو جسم كالأجسام. وقالوا: هو مل ء عرشه وله أصابع لا تعد وأن قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن [794].

وقالوا: إنه لمّا أهلك قوم نوح بكي عليهم حتي رمدت عيناه.

وقالوا: إنّه يوم القيامة يضع قدمه في النار، وتقول قط قط [795].

وقالوا إنه ينزل في كل ليلة جمعة إلي سماء الدنيا، وأن له حماراً يركبه إذا نزل [796]، وإنه يُري يوم القيامة كالبدر في ليلة تمامه.

عقائدهم في الأنبياء

ثم وقعوا في الأنبياء فجوّزوا عليهم الخطأ وفعل الذنوب والغفلة [797]، ورموهم بظاهر القرآن من قوله: «وَعَصَي آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَي» [798]. وجوّزوا علي الرسل الكرام فعل الكبيرة والصغيرة قبل البعثة، وفعل الصغائر بعد البعثة، وجوّزوا علي سيّد المرسلين فعل الخطأ، وأخذوا بقوله: «وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ» [799]؛ وما علموا أن ذاك وزر الحرب لا وزر الذنب.

وقالوا إنّ جبرائيل شق صدره وأخرج منه علقة، فقالوا هذا خط الشيطان: ثم خاط صدره فبقي أثر المخيط [800].

وقالوا إن أباه مات كافراً [801]، وهو ابن سيّد المرسلين إبراهيم. ففعلوا كل ذلك لتثبت لهم إمامة الرجل،

ما رموا به النبي

وجوّزوا علي النبي حبّ السماع والرقص، وقالوا إنّه تمايل حتي سقط الرداء عن كتفه، ورووا أن الرجل دخل عليه وعنده امرأة تنشد الشعر وتضرب الدف فأمرها بالسكوت فسكتت فلما خرج أمرها بالإنشاد فأنشدت فعاد إليه فأمرها بالسكوت فسكتت فلما خرج أمرها بالإنشاد، فقالت: يا رسول اللَّه من هذا الذي تأمرني إذا دخل بالسكوت وإذا خرج بالإنشاد؟ فقال: هذا رجل يكره الباطل [802] فجعلوا نبيّهم يحبّ الباطل.

ورووا عنه إذ قال: ما ينفعني شي ء كانتفاعي بمال فلان، فكذبوا القرآن في قوله «وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَي» [803]، ورووا عنه أنّه صلّي والمرأة تفرك الجنابة من ثوبه واللَّه أمره بتطهير ثوبه، فقال: «وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ» [804]، فقالوا: المراد بالثوب القلب.

ورووا عنه أنه قال: خذوا ثلث دينكم عن … لا بل خذوا نصف دينكم [805]، ورووا عنه أنه صلّي العصر ركعتين وسها فقالوا: إنه يا رسول اللَّه قصرت الصلاة أم نسيت؟ فقال: كل ذلك لم يكن والضرورة تقضي أحد الوجهين، ثم قام فأعاد، وقال: وما أنا إلّا بشر مثلكم [806].

تتمة لما رموا به النبي

وكيف جاز في الحكمة والعدل أن يبعث في الناس نبياً جاء جاهلاً وأميناً خائناً فيكون إذاً هو المغري بالقبيح والفاعل له.

ورووا أنه أتي حايط بني النجار ففحص وبال قائماً [807]، ورووا أنه صلّي خلف الرجل وصلّي خلف الأعمي ابن مكتوم وقال: لا يخرج نبي من الدنيا حتي يصلّي خلف رجل من أمّته [808].

رد علي من زعم أن النبي صلي خلف رجال من أمته

أقول: وكيف جاز للراعي أن يقتدي برعيته وقد أمروا أن يقتدوا به؛ والعقل السليم ينكر هذا ويكفر من قال به؟

ما نسبوا إلي النبي و كذبهم علي الله و رسوله و كتابه

ثم نسبوا إليه في الكلام اللغو والهجر؟ واللَّه قد نزّهه عنه، وقال: «وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الهَوَي» [809].

ثم ما كفاهم ذاك حتي خالفوا مقالة أهل الجنة ومقالة أهل النار وكذبوا علي ربّهم ونبيهم وكتابهم؛ أما تكذيبهم للكتاب فإن اللَّه يقول: «وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً»، وهم يقولون كلّما يصدر في العالم من خير أو شر فإن اللَّه مريده وفاعله، والقرآن ينطق بتكذيبهم، فيقول: «ومن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر» [810]. والرسول يقول: إن هي إلّا أعمالكم وأنتم تجزون فيها إن خيراً فخير وإن شرّاً فشرّ [811].

ويقول[اللَّه تعالي]: «وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَي اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ» [812].

كذبهم في الآخرة

وأما كذبهم في الآخرة فإنّ اللَّه إذا قال لهم «أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ» [813].

هناك كذبوا وحلفوا وقالوا: «وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ» [814]. فكذبوا علي أنفسهم وكذبوا ربّهم،

كذبهم علي نبيهم

وأما كذبهم علي نبيّهم فإنّه قوله: نقلت من الأصلاب الطاهرة إلي الأرحام الزكية [815]، وصدّقه القرآن فقال: «وَتَقَلُبُكَ فِي السَاجِدِيْنَ» [816]، أي في أصلاب الموحدين [817]، وهم يكذبون العقل والنقل، ويقولون: ولد من كافر، ويقولون: سها ونسي، واللَّه يقول: «سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَي» [818]، نفي عنه النسيان، ولو كانت للنهي لكانت لا تنس لكنها لا تنسي.

مخالفتهم لمقالة أهل الجنة و أهل النار

وأما مخالفتهم لمقالة أهل الجنة فإنّ أهل الجنة لما قدموا إليها قالوا: «الْحَمْدُ للَّهِِ الَّذِي هَدَانَا لِهذَا» [819]، فشكروا ربّهم علي الهدي، وأهل النار لمّا وردوها «قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا» [820] فأقرّوا أن الشقاء غلب عليهم؛

مخالفتهم القدرية للعقل و النقل و القرآن و الرحمن

فالقدرية في اعتقادهم يخالفون العقل والنقل والقرآن والرحمن.

فرق العلوية

وأما العلوية ففرقها ثلاثة: الزيدية، والغلاة، والإمامية الاثنا عشرية.

فالزيدية قالوا بإمامة علي والحسن والحسين وزيد بن علي. وهم خمسة عشر فرقة: البترية، والجارودية، والصالحية، والحريزية، والصاحبية، واليعقوبية، والأبرقية، والعقبية، واليمانية، والمحمدية، والطالقانية، والعمرية، والركبية، والخشبية، والحلسفية؛ والكل منهم لا يثبتون للإمام العصمة. ويقولون: إن الإمامة مقصورة علي ولد فاطمة عليهاالسلام، ومن قام منهم داعياً إلي الكتاب والسنّة وجبت نصرته، ومنهم من يري المتعة والرجعة، والمحمدية منهم يقولون: إنّ محمد بن عبداللَّه ابن الحسن حي لم يمت، وإنّه يخرج ويغلب، وهم الجارودية؛ والعمرية يقولون: إنّ يحيي بن عمر الذي قُتل أبوه بسواد الكوفة حيّ لم يمت، وانّه يخرج ويغلب.

الصالحية

أما الصالحية فهم أصحاب الحسن بن صالح ويعرفون بالسرية، وهم يرون أن علياً أفضل الأمّة بعد نبيّها، لكنّهم لا يسبّون الشيخين، ويقولون إن علياً بايعهما بيعة صلاح، ويقولون إن علياً لو حاربهما أحلَّ دماءهما لكنّه [821] امتنع، وينكرون المتعة والرجعة.

الابرقية و الحريزية

والأبراقية هم أصحاب عباد بن أبرق الكوفي، وهم يخالفون الجارودية ولا ينكرون علي الشيخين، ولا يرون المتعة والرجعة، والحريزية وهم أصحاب حريز الحنفي الكوفي، وهم كالصالحية لكنّهم يزعمون أن علياً لو امتنع من بيعة الشيخين أحلَّ دمهما، وهؤلاء يبرأون من عثمان، ويكفّرون أصحاب علي، ويدينون مع كل داع دعا بالسيف من آل محمد صلي الله عليه و آله و سلم.

الكيسانية و الغلاة

الثاني من الشيعة الكيسانية وهم أربع فرق: المختارية، والمكرية، والإسحاقية، والحزنية.

الثالث من الشيعة الغلاة وهم تسع فرق: الواصلة، والسبأية [822]، والمفوّضة، والمجسمة، والمنصورية، والعراقية، والبراقية، واليعقوبية، والعمامية، والإسماعيلية، والداودية، واتفق الكل من هؤلاء علي إبطال الشرايع.

في بغض أقوالهم و الرد عليها

وقالت فرقة منهم: إنّ اللَّه يظهر في صورة خلقه، وينتقل من صورة إلي صورة، ولكل صورة يظهر فيها باب وحجاب، إذا عرفها الإنسان سقط عنه التكليف، وهؤلاء خالفوا العقل والنقل، أمّا العقل فإنّه يدعو العبد إلي طاعة اللَّه من حيث إنه مالك منعم أحسن أم ابتلي.

وأمّا النقل فقد قال صلي الله عليه و آله و سلم: بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة. وقالت فرقة منهم: إنّ النبي والأئمة يخلقون ويرزقون، وإليهم الموت والحياة، وإن الواجب كالصلاة، والمحرم كالخمر، أشخاص من رجال ونساء، وإذا عرفها الإنسان ظاهراً وباطناً حلّت له المحرمات، وسقطت عنه الواجبات.

فرق السبأنية

وافترقت هذه السبأية 23 فرقة: الخصيبية، والخدلجية، والنضرية، والإسحاقية، والقمية، والقتبية، والجعدية، والناووسية، والفضلية، والسرية، والطيفية، والفارسية، واليعقوبية، والعمرية، والمباركية، والميمونية.

السبأية

فالسبأية أصحاب علي بن سبأ [823]. وهو أوّل من غلا وقال: إنّ اللَّه لا يظهر إلّا في أمير المؤمنين وحده، وإن الرسل كانوا يدعون إلي علي، وإنّ الأئمة أبوابه، فمن عرف أن علياً خالقه ورازقه سقط عنه التكليف. وهذا كفر محض.

الخصيبية

والخصيبية أصحاب يزيد بن الخصيب، وعنده أن اللَّه لا يظهر إلّا في أمير المؤمنين والأئمة من بعده، وأن الرسل هو أرسلهم يحثون عباده علي طاعته، وأن الرجل هو إبليس الأبالسة، وأن ظلمة زريق قديمة مع نور علي لأن الظلمة عكس النور.

النصيرية

وأمّا النصيرية فهم أصحاب محمد بن نصير النمري، ومقالته: أن اللَّه لا يظهر إلّا في علي.

الاسحاقية و القيمة

والإسحاقية وهم أصحاب إسحاق بن أبان الأحمر، وله مع الرشيد قصص.

والقمية هم أصحاب إسماعيل القمي، وهم يقولون: إن اللَّه يظهر في كل واحد كيف شاء، وإن علياً عليه السلام والأئمة نور واحد.

القتبية

وأما القتبية فإنّهم يقولون: إنّ الباقر عليه السلام حي لم يمت وإنه يظهر متي شاء.

الفطحية

وإن الفطحية وهم أصحاب عبداللَّه بن جعفر الأفطح، وهؤلاء نسبوا الإمامة إلي الصادق عليه السلام، وادّعوا فيه اللاهوت.

الواقفة

والواقفة وقفوا عند موسي،وقالوا: هو حي لم يمت، ولم يقتل، وإنه يعود إليهم.

الفارسية

والفارسية قالوا: إنّ بين اللَّه وبين الإمام واسطة، وعلي الإمام طاعة الواسطة وعلي الناس طاعة الإمام.

اليعقوبية

واليعقوبية هم الواقفة، ودينهم انتهي إلي التناسخ.

المباركية

والمباركية وهؤلاء ينتهون إلي الصادق، ويقولون إنّ إسماعيل ابنه يحيي بعد الموت ويملأ الأرض عدلاً.

الميمونية

والميمونية أصحاب عبداللَّه بن ميمون بن مسلم بن عقيل [824].

فرق المفوضة

والفرقة المفوضة وشعبها عشرون فرقة، منهم الفواتية وهم أصحاب فوات بن الأحنف، وهؤلاء قالوا: إنّ اللَّه فوّض الخلق والأمر والموت والحياة والرزق إلي علي والأئمة من ولده [825]، وإن الذي يمر بهم من الموت فهو علي الحقيقة، وإن الملائكة تأتيهم بالأخبار، ومنهم من يقول: إن اللَّه يحلّ في هذه الصورة ويدعو بنفسه إلي نفسه.

العمرية و الدانقية

والعمرية أصحاب عمر بن الفرات وهو شيخ أهل التناسخ؛ والدانقية أصحاب الحسن بن دانق وهؤلاء عندهم: إنّ الإمام متصل باللَّه كاتصال نور الشمس بالشمس، فليس هو اللَّه ولا غيره فلا هو مباين ولا ممازج [826].

الخصيبة

والخصيبية يعتقدون أن الإمام يؤيَد بروح القدس ويوقر في اذنه،

الخمارية

والخمارية أصحاب محمد بن عمر الخماري البغدادي، وهم كالإمامية في الترتيب، إلّا أن عندهم أن الإمام في الخلق كالعين المبصرة، واللسان الناطق، والشمس المشرقة، وهو مطل علي كلّ شي ء.

أقول: عجباً لمقسم هذه الفِرَق، كيف جعل هؤلاء من الغلاة، وقد ذكر أوّلاً انّهم من الإمامية، ثم قال: إلّا ان عندهم أن الإمام كالعين المبصرة واللسان الناطق، فدلَّ علي أن هذا الرجل ليس بعارف بمرتبة الولي المطلق، وهو عين اللَّه الناظرة في عباده، ولسانه الناطق في خلقه،

واللايوبية

واللايوبية أصحاب الجالوت القمي، وعندهم أن الإمام هو الإنسان الكامل فإذا بلغ الغاية سكن اللَّه فيه وتكلّم منه.

فرق الكنانية

ومن الفرق الغالية الكنانية، وهم ثلاثة عشر فرقة: المختارية، والكيسانية، والكرامية، والمطلبية والكل أجمعوا علي أن محمد بن الحنفية هو الإمام بعد أبيه، وأن كيسان [827] هو المختار بن أبي عبيدة الثقفي، وأن هذا الاسم سمّاه به أمير المؤمنين، وهؤلاء هم أصل التناسخ.

والمسلمية أصحاب أبي مسلم الخراساني.

والكنانية أصحاب عامر بن وائل الكناني، وعندهم أن الإمام محمد ابن الحنفية، وأنه حي بجبال رضوي، وأنه يخرج في عصبة من الملائكة فيملأها عدلاً،

العوفية

والعرفية أصحاب عرف بن الأحمر،

السماعية

والسماعية أصحاب سماعة الأسدي، وكان يظهر الأعاجيب من المخاريق والنيرنجات والسيميا وغير الفرائض؛

الغمامية

والغمامية ويقولون: إنّ علياً ينزل في الغمام في كل صيف، ويقولون إن الرعد صوت علي عليه السلام. والأزورية قالوا إنّ علياً صانع العالم.

الفرقة الرابعة من الفرق المحمدية

الفرقة الرابعة من هذه الفرق المحمدية، وهم أربع فرق: المحصية، وعندهم أن اللَّه لم يظهر إلّا في شيث بن آدم، وأن محمداً هو الخالق الباري، وأن الرسل هو أرسلهم، وأن الأئمة من ولده أبوابه ليدلوا عباده علي ما شرع لهم.

البهمنية

والبهمنية قالوا: إنّ اللَّه لم يزل يظهر ويدعو الناس إليه وإلي عبادته، وكل من أظهر قدرة يعجز عنها الخلق فهو اللَّه، لأنّ القدرة لا تكون إلّا حيث القادر، وأن القدرة صفة الذات،

تتمة أقول البهمنية

والبهمنية قالوا: إنّ اللَّه لم يظهر إلّا في أمير المؤمنين عليه السلام والأئمة من بعده، وإنه أرسل الرسل عبيداً لهم، واحتجوا بقول أمير المؤمنين في خطبته: الحمد للَّه الذي هو في الأولين باطن، وفي الآخرين ظاهر، وأثبت للرسل المعجزات وللأولياء الكرامات.

النجارية

وأمّا النجارية فهم أصحاب الحسن النجّار، وهذا ظهر باليمن سنة 292 وادعي أنه الباب، فلما أجابه الناس ادعي الربوبية، وصار إليه رجل يُقال له الحسن بن الفضل الخيّاط وصار يدعو إلي النجار ويزعم أنه بابه، وأمر الناس بالحج إلي دار النجار، ففعلوا وطافوا بها أسبوعاً، وحلقوا رؤوسهم، وكان النجار والخياط يجمعون بين الرجال والنساء، ويحملون [828] بعضهم علي بعض، فإذا ولدت المرأة من أبيها وأخيها سمّوه الصفوة.

الحلاجية

والحلاجية أصحاب الحسين بن منصور الحلاج، ظهر ببغداد سنة 318 وكان أعجمياً، وادّعي أنه الباب، وظفر به الوزير علي بن عيسي، فضربه ألف عصا، وفصل أعضاءه ولم يتأوّه، وكان كلّما قطع منه عضو قال:

وحرمة الود الذي لم يكن

يطمع في إفساده الدهر

ما قدَّ لي عضو ولا مفصل

إلّا وفيه لكم ذكر

الجبابرة والحميرية

وأمّا الجبابرة والحميرية فإنّهم تلاميذ الصادق عليه السلام، وعنه أخذوا علم الكيمياء.

الخوارج: الازاقة، الاباضيون

وأمّا الخوارج وهم المارقون من الدين، وهم تسع فرق: الأزارقة وهم أصحاب نافع الأزرق، وهو الذي حرّم التقية. والأباضيون وهم أصحاب عبداللَّه بن أباض، وهم بحضرموت والمغرب والبواريخ وتل أعفر، وهم يحبون الشيخين ويسبون علياً وعثمان، وسموا خوارج لأنهم كانوا في عسكر علي يوم صفين، ثم مرقوا وخرجوا عن طاعة الإمام العادل فكفروا ولن تنفعهم عبادتهم؛

الناكثون و القاسطون

والناكثون: طلحة والزبير، والقاسطون: معاوية وعمرو ابن العاص، وهم أصحاب البغي.

الامامية الإثناء عشرية

وأما الإمامية الاثنا عشرية [829]، فإنهم أثبتوا للَّه الوحدانية، ونفوا عنه الاثنينية، ونهوا عنه المثل والمثيل، والشبه والتشبيه، وقالوا للأشعرية: «إن ربنا الذي نعبده ونؤمن به ليس هو ربكم الذي تشيرون إليه، لأن الرب مبرأ عن المثلات، منزّه عن الشبهات، متعال عن المقولات، مبرأ عن الخطأ والظلم، حكم عدل لا يتوهم ولا يتّهم، ولا يجوز عليه فعل القبيح، ولا يضيع عمل عامل، ويجب عليه وفاء العهد، ولا يجب عليه الوفاء بالوعيد، وإن الحسن والقبح عقليان لا شرعيان، وإنه تعالي مريد للطاعات، كاره للمعاصي والسيئات، وإن صفاته عين ذاته المقدسة، ذات واحدة أحدية أبدية سرمدية قيومية رحمانية لها الجلال والإكرام، فإنه لا جبر ولا تفويض، بل مرتبة بين مرتبتين، وحالة بين حالتين»، وأثبتوا أن الأنبياء معصومون صادقون، وأن اللَّه بعثهم بالهدي ودين الحق رسلاً مبشِّرين ومنذرين صادقين، لا يجوز عليهم الخطأ عمداً ولا سهواً.

عقيدة الإمامية في النبي

ثم قالوا للأشعرية: إن نبيّكم الذي تقعون فيه وتشيرون إليه بالخطأ والنقائص ليس نبيّنا الذي أمرنا باتباعه، لأن نبينا طيب المرسلين وحبيب ربّ العالمين، الكائن نبياً، وآدم بين الماء والطين سيد معصوم، طاهر المولد، زائد الشرف، عالي الفخار، سيّد أهل السَّموَات والأرض، طيب طاهر، علي زاهر معصوم، منزّه عن الذنوب والغفلة.

عقيدتهم في الإمامة

ثم أثبتوا أصلاً رابعاً وهو الإمامة، وبرهنوا أنّها لطف واجب علي اللَّه نَصْبُه وتعيينه [830]، وعلي الرسول تبيينه، لحفظ الثغور وتدبير الأمور، وسياسة العباد والبلاد، وأن معرفة الإمام الحق واجبة علي كل مكلف كوجوب معرفة النبي، وأن من مات ولم يعرف إمام زمانه مات كافراً،

نجاة الإمامية لقومها بالإمامة

وأثبتوا أن الإمامة كمال الدين، وعين اليقين، ورجح الموازين، وأنها حرز من الربوبية فلا تنسخ أبداً، فهي من الأزل ولم تزل، وأنها سفينة النجاة، وعين الحياة، وهؤلاء تمسّكوا بسلسلة العصمة وسلكوا إلي الصراط المستقيم والنهج القويم.

وذلك بأن الفرق الثلاث والسبعين أصولها ثلاثة: أشعرية وهم قالوا بالتوحيد والنبوّة والمعاد، وأنكروا العدل. والإمامية، والمعتزلة. والإمامية قائلون بذلك، لكن المعتزلة أثبتوا العدل وأنكروا الإمامة، والإمامية قالوا بمقالة الفريقين وزادوا أصلاً رابعاً، وهو ختم الأعمال، وهو الإمامة، فكانت الفرقة المتمّمة؛ فلها النجاة من ثلاثة وسبعين فرقة، لأنهم أقرّوا بالبعث والنشور، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن اللَّه يبعث من في القبور، وأن أعمال المنافقين حابطة لأنها لم تقع علي وجه الحق، فما كان منها من العبادات فهو علي غير ما أمر اللَّه، وكله زيف وشبه الشبيه، وشبيه الموقوف عليه صحة العبادات، وقبولها الطهارة، وهي فاسدة، ففسد ما هو مبني علي فساد. وثانيها النيّات، وهي غير صحيحة، وكذا صدقاتهم لأنها وقعت علي غير الحق، لأن ما في أيدي المنافقين مغصوب، ولا قبول للفاسد والمغصوب.

ثم إن المؤمن العارف يعتقد أن تبدّل السيئات للمؤمن العارف حسنات،

الامامية

وأثبتوا أن الرب المعبود واجب الوجود، منزّه عن الرؤية بعين البصر، أما بعين البصيرة فلا، وقالوا للأشاعرة: إن ربّكم الذي تدعون رؤيته يوم القيامة ليس هو ربنا الذي نعبده، لأن ربّنا الذي نعبده ليس كمثله شي ء، ومن لا مثل له لا يري، فالرب المعبود لا يري، وأن الرب المخصوص بالرؤية يوم القيامة هو الذي أنكرتم ولايته في الدنيا، فكفرتم فيه لعداوته وإنكار ولايته، لأنه هو الولي والحاكم الذي له الحكم وإليه ترجعون، وإليه الإشارة بقوله عليه السلام: أنا العابد أنا المعبود،

قول الإمامية في الأئمة

وأثبتوا أن علياً مولي الأنام، وأنه أفضل الأمّة بعد رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم حظاً ونصيباً، وأنه الأعلم والأزهد والأشجع [831] والأقرب [832]، وأنه معصوم واجب الطاعة خصاً من العلي العظيم، ونصّاً من الرؤوف الرحيم.

وأنه صلّي اللَّه عليه نصّ علي الحسن، ونص الحسن علي الحسين، والحسين نص علي علي بن الحسين من بعده، حتي انتهي إلي الخلف المشار إليه [833]، وأن كل إمام منهم أفضل أهل زمانه [834]، وأنه لا يحتاج في العلم إلي أحد، وأن أمرهم واحد ونورهم واحد، ولا يتقدّم عليهم إلّا من كفر باللَّه ورسوله، وأن معرفتهم واجبة وطاعتهم لازمة، وأن التبرؤ من أعدائهم واجب كوجوب معرفتهم، وأن فضلهم أشهر من الشمس أحياءً وأمواتاً، وأن قبورهم ومشاهدهم ملجأ القاصدين وملاذ الداعين، وأنّهم الوسيلة والذخيرة يوم الحسرة، وأن التابعين لهم هم أهل النجاة، ولهم في معرفتهم الحسنات.

قصة عالم استعظم علم الغيب للولي و صدق المنجم

ولقد رأيت في دهري عجباً رجلاً من أهل الفتوي، عالماً من أهل الدعوي، قد سئل عن أمير المؤمنين: أيعلم الغيب؟ فعظم عليه السؤال، وكبر لديه هذا المقال، وقال: لا يعلم الغيب إلّا اللَّه.

ثم رأيته بعد ذاك باعتقاد جازم، وعقل عادم، ولحية نفيشة، وعقل أخف من ريشة، قد جلس إلي جنب أفّاك أثيم، وقال له: كيف تري حالي في هذه السنة، وكيف طالعي، وهل علي نقص أم زيادة، وكيف تجد رملي علي ماذا يدل؟ فلمّا قال له حشواً من الكذب صدّقه واعتقده، فقام يصدِّق الكهّان، ويطعن في وليّ الرحمن. وجاء يكذّب الإمام المعصوم الذي برأه اللَّه من الذنوب، وأطلعه علي الغيوب، ويصدق الأفاك الأثيم في تعجيله وتأخيره.

فانظر إلي غيب الأذهان كيف يشرون الكذب بالإيمان، وتصديق قول الكهان، ويرتابون في قول سفير القرآن، ويدّعون

بعد ذلك الإيمان، وأني لهم الإيمان، وهم مرتابون في قول العلي العظيم، ويصدِّقون قول الأفاك الأثيم.

ذكر بعض مناقب الإمام والرد علي منكر بها

ومن أين للمنجم معرفة علم حجب الوصي! وهل يخدع بالفال إلّا عقول الأطفال؟ هذا ومولاهم عن ذلك قد نهاهم، وهم مع النهي البليغ للكاهن المنجم يعتقدون، ولكذبه يصدِّقون، وبإفكه يفرحون، ولما حذّرهم يحذرون، ولإمامهم يكذبون، وفي أقواله يرتابون، ولفضله ينكرون، ولمن رواه يعادون ويتّهمون، فإنّا للَّه وإنّا إليه راجعون.

ولما رويت حكاية سلمان، وأنه لما خرج عليه الأسد قال [835]: يا فارس الحجاز أدركني، فظهر إليه فارس وخلّصه منه، وقال للأسد: أنت دابته من الآن. فعاد يحمل له الحطب إلي باب المدينة امتثالاً لأمر علي عليه السلام، فلما سمعوا قالوا هذا تناسخ. وقالوا وأين كان علي هناك؟ وكيف كان قبل أن يكون؟ وأقبلوا ينكرون ما هم له مصدّقون ولا يشعرون.

فقلت لهم: أليس قد روي ابن طاووس في كتاب المقتل مثل هذا بعينه، وقال: إنّ الحسين لما سقط عن فرسه يوم الطف قالت الملائكة: ربنا يفعل هذا بالحسين وأنت بالمرصاد؟ فقال اللَّه لهم: انظروا إلي يمين العرش. فنظروا فإذا القائم قائماً يصلّي، فقال لهم: إنّي أنتقم لهذا بهذا من هؤلاء. فقالوا بلي. [836].

فقلت: وأين كان القائم هناك؟ وكيف كان قبل أن يكون؟ وأين يكونون أولئك عنده إذا ظهر؟ وكيف رويتم هذا الحديث بعينه فصدقتموه في المستقبل وكذبتموه في الماضي، وما الفرق بين الحالين؟

سبق نور أمير المؤمنين و قصة تصاغر الجني لديه

فيا أيّها التايه في تيه حيرته وارتيابه، وهو يزعم أنه مؤمن أمن من عذابه، كيف أنت وما أمنت ولا أمان إلّا بالإيمان، واللَّه يقول وقوله الحقّ: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا» [837]. فكيف يأمرهم بالإيمان وقد آمنوا؟ ومعناه يا أيّها الذين آمنوا باللَّه وبرسوله آمنوا بسرّ آل محمد وعلانيتهم، فإنّ ذلك حقيقة الإيمان وكماله، لأنّ علياً هو النور القديم المبتدع قبل الأكوان والأزمان، المسبّح

للَّه ولا فم هناك ولا لسان، أليس كان في عالم النور قبل الأزمان والدهور، أليس كان في عالم الأرواح قبل خلق الأجسام والأشباح؟ أما سمعت قصة الجني، إذ كان عند النبي صلي الله عليه و آله و سلم جالساً، فأقبل أمير المؤمنين عليه السلام فجعل الجنّي يتصاغر لديه تعظيماً له وخوفاً منه، فقال: يا رسول اللَّه إنّي كنت أطير مع المردة إلي السماء قبل خلق آدم بخمسمائة عام، فرأيت هذا في السماء فأخرجني وألقاني إلي الأرض، فهويت إلي السابعة منها، فرأيته هناك كما رأيته في السماء [838].

الرد علي منكري بعض الآثار وحديث أول مام خلق الله نوري فعصره

أيها السامع لهذه الآثار، لا تبادر إلي التكذيب والإنكار، فإن الشمس إذا أشرقت يراها أهل السماء كما يراها أهل الأرض، وينفذ ضوؤها ونورها في سائر الأقطار، وهي في مكانها من الفلك الدوّار، وليست الشمس أعظم ممّن خلقت من نوره سائر الأنوار، دليله قوله: أوّل ما خلق اللَّه نوري، ثم عصره فخلق منه أرواح الأنبياء، ثم عصره عصرة أخري فخلق منه الشمس والقمر وسائر النجوم [839].

ماذا أنكر من أنكر

فليت شعري ماذا أنكر من أنكر؟ أأنكر وجوده قبل ا لأشياء، أم أنكر قدرته علي الظهور فيما يشاء، ومن أنكر الأول فهو أعور، ومن أنكر الثاني فإما أن يعمي أو يبصر!

امثلة علي رؤية الشيء بواحد بعدة صور في عدة مواضع في آن واحد

أما تنظر إلي الماء إذا أفرغ في الأواني الزجاجية ذات الألوان كيف يتلون بألوانها للطفه وبساطته، والمادة الشفافة إذا أدنيتها إلي خط مرقوم فإنّك تقرأه منها، والقمر إذا طل علي البحر فإنك تراه في أفق السماء وفي قعر الماء،

محمد و علي الماء الذي منه كل شيء

ومحمد وعلي هما البحر اللجي، والماء الذي منه كل شي ء حي، والكلمة التي بها ظهر النور، ودهرت الدهور، وتمّت الأمور، إلي يوم النشور.

ان أمرهم صعب مستصعب و أنهم السر الخفي و ابيات لأبي نؤاس

ويكفي في هذا الباب قولهم: أمرنا صعب مستصعب لا يحمله نبي مرسل ولا ملك مقرّب [840].

وإذا كان أمرهم وسرّهم لا يحمله الملائكة المقرّبون، ولا الأنبياء والمرسلون، وسكّان الحضرة الإلهية لا يعرفون، فكيف رددتم ما لم تحيطوا به خبراً وكذبتموه؟ ألم تعلموا أنهم الشجرة الإلهية التي كل الموجودات أوراقها وألفاقها؟ والسرّ الخفي المجهول الذي لا تدركه الأفهام والعقول، وللَّه در أبي نؤاس إذ يقول:

لا تحسبني هويت الطهر حيدرة

لعلمه وعلاه في ذوي النسب

ولا شجاعته في كل معركة

ولا التلذذ في الجنات من أربي

ولا التبرأ من نار الجحيم ولا

جوته من عذاب الحشر يشفع بي

لكن عرفت هو السرّ الخفي فإن

أذعته حللوا قتلي …

صعود المولي لتطهير نفوس الملأ الأعلي

ومن ذاك ما رواه المقداد بن الأسود قال: قال لي مولاي يوماً آتني سيفي، فجئته به، فوضعه علي ركبتيه، ثم ارتفع في السماء وأنا أنظر إليه حتي غاب عن عيني، فلما قرب الظهر نزل وسيفه يقطر دماً، قلت: يا مولاي أين كنت؟

فقال: إنّ نفوساً في الملأ الأعلي اختصمت فصعدت فطهرتها. فقلت: يا مولاي وأمر الملأ الأعلي إليك؟

فقال: أنا حجّة اللَّه علي خلقه من أهل سماواته وأرضه، وما في السماء من ملك يخطو قدماً عن قدم إلّا بإذني.

رد علي من أنكر صعود الإمام علي إلي الملأ الأعلي و حديث سير البراق و سير الأئمة

أنكر هذا الحديث قوم وعارض فيه آخرون، فقالوا: كيف صعد إلي السماء وهو جسم كثيف؟

فقلت في جواب من أنكر: إنّ علياً ليس كآحاد الناس [وليسوا] كعلي، وذاك غير جائز، وأين النور من الظلام، والأرواح من الأجسام، ومن لا ينكر صعود النبي صلي الله عليه و آله و سلم لا ينكر صعود الولي، ولا فرق بينهما في عالم الأجسام، ولا في الرفعة والمقام.

أما سمعت ما رواه ابن عباس: أن النبي صلي الله عليه و آله و سلم لما جاءه جبرائيل ليلة الإسراء بالبراق عن أمر اللَّه بالركوب، فقال له النبي صلي الله عليه و آله و سلم: ما هذه؟

فقال: دابة خلقت لأجلك ولها في جنة عدن ألف سنة، فقال له النبي صلي الله عليه و آله و سلم:

وما سير هذه الدابة؟

فقال: إن شئت أن تجوب بها السَّموَات السبع والأرضين السبع فتقطع سبعين ألف عام ألف مرة كلمح البصر قدرت، وإذا كانت دابة النبي صلي الله عليه و آله و سلم لها هذه القدرة، فكيف من لأجله وبأجله خلقت كل دابة.

يؤيّد هذا ما رواه محمد بن الحسن الصفار في كتاب بصائر الدرجات، قال: إنّ رجلاً من علماء اليمن حضر مجلس

أبي عبداللَّه، فقال له: يا يمني، أفي يمنكم علماء؟ قال: نعم، قال: فما بلغ عالمكم؟ قال: يسير في ليلة واحدة سير شهرين تزجر الطير، فقال له أبو عبداللَّه: إنّ عالم المدينة أفضل، فقال اليمني: وما يفعل؟

قال: يسير في ساعة من النهار مسيرة ألف سنة حتي يقطع ألف عالم مثل عالمكم هذا [841].

رد علي من أنكر صعود المولي للملأ الأعلي و حديث حصن ذات السلاسل

يؤيّد هذا ما رواه صاحب التحف: أن علياً عليه السلام مرّ إلي حصن ذات السلاسل، فدعا سيفه ودرقته، وترك الترس تحت قدميه والسيف علي ركبتيه، ثم ارتفع في الهواء، ثم نزل علي الحائط وضرب السلاسل ضربة واحدة فقطعها، وسقطت الغرائر، وفتح الباب [842]، وهذا مثل صعود الملائكة ونزولهم. ثم نقول للمنكر: ألم تعلم أن العالم باللَّه، المعرض عمّن سواه، إن شاء ارتفع في الهواء، وإن شاء مشي علي الماء، واخترق الأجواء. فإن عظم هذا لديك فانظر:

أليس قد ارتفع إدريس وعيسي [843]؟

أليس قد شق البحر لموسي [844]؟

أليس قد ركب سليمان علي الهواء [845] وركب الخضر علي الماء؟

أليس كل الموجودات مطيعة للمولي الولي بإذن الرب العلي؟

أليس الكل دابة وهو الحاكم المتصرّف، وإلّا لم يكن مولي للكل، وهو مولي الكل، فالكل طوعه ومسخّرات بأمره.

عند آصف حرف واحد وعند أميرالمؤمنين (72) حرفا

أما بلغك وصف شق الأرض لآصف، لما دعا بحرف واحد من 82 حرفاً، وهي بأجمعها عند أمير المؤمنين عليه السلام، وبذلك نطق الذكر الحكيم. وإليه الإشارة بقوله: «قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ» [846]، وقال عن أمير المؤمنين: «وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ» [847]، لا بل هو هي وهي هو لأنه الكلمة الكبري، وإليها الإشارة بقوله: «لَقَدْ رَأَي مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَي» [848]،

تتمة

وليس هذا من باب التبعيض ولكنه مقلوب الخط، ومعناه: لقد رأي الكبري من آيات ربه، وقال لربه: من آياتنا الكبري، وقال: أنا مكلِّم موسي من الشجرة، أنا ذلك النور [849].

لما صعد النبي إلي السماء رأي علياً هناك

وأما ليلة المعراج، لما صعد النبي إلي السماء رأي علياً هناك، أو قال: رأي مثاله في السماء، أو قال: كشطت السماء فرآه ينظر إليه، وكيف يغيب عنه وهو نفسه وشقيق نوره؟ وهو النور الأعظم في السَّموَات والأرض.

ان أميرالمؤمنين هو الآية الكبري التي رأها موسي و محمد عند خطاب رب الأرباب

ثم إن اللَّه جل اسمه خاطبه في مقام القرب بلسان علي، فعلي هو الآية الكبري التي رآها موسي ومحمد عند خطاب رب الأرباب، وإليه الإشارة بقوله عليه السلام: ليس للَّه آية أكبر منّي، ولا نبأ أعظم منّي [850].

رد علي من قال: كيف يكون في الملأ الأعلي خصومة

وما الفرق بين صعوده إلي السماء، وبين نزوله تحت الأرض وشق الأرض ولمن كان يدين اللَّه بدين وبآيات أولياء اللَّه من المصدّقين، ولعلك تقول: كيف يكون في الملأ الأعلي خصومه؟ والقرآن يذكرك هذا من قوله: «مَا كَانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَي إِذْ يَخْتَصِمُونَ» [851].

الاستشهاد بقصة هارون و ماروت و فطرس

أما سمعت قصة هاروت وماروت وفطرس الملك؟ أما علمت أن الجن الطيار مسكنهم الهواء؟ وبطن الأرض مسكن المتمردين؟ فاختصمت طائفة من الجن فصعد إليهم الولي الأمين فطهرهم.

دود الخل لايدري بطيب حلاوة العسل

أقبل من لا يعلم ولا يفهم ولا حظّ له من السرّ إليهم، فهو كما قيل لداود: الخل لا يدري بطيب حلاوة العسل.

رد علي من قال: كيف يقع القتل علي الجن و هم أجسام شفافة

ويقول نزل من السماء وسيفه يقطر دماً.

ولمن قيل في السماء، وكيف يقع القتل علي الجن، وهم أجسام شفافة، ومن أين للشفاف دم؟ فقلت: يا قليل العبرة، وكثير العبرة، وقطير القطرة، ألم تمطر السماء دماً ورماداً لقتل الحسين عليه السلام [852]؟

ومن أين للسماء رماد ودم؟ بل هي آيات بيّنات. ألم يعلم أن علياً قتل الجن وأخذ عليهم العهد؟

فإذا لم يكن لهم دم ولا نفوس فكيف وقع عليهم القتل، وليس هذا مكان التأويل.

وصدق هذا المدّعي قوله سبحانه: «لَأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» [853]، وكيف يحرق النار من ليس بجسم؟ وكيف يتألّم بالعذاب من ليس له عروق ولا دم؟ وإذا كان الجن مخلوقين من النار ولا تؤثر النار فيهم فمن تري يدخل النار عوضاً عن إبليس وقد أضل الأوّلين والآخرين؟

أفٍّ لعقلك المستقيم ورأيك العديم، أما علمت أن علياً منبع الأنوار، وآية الجبّار، وصاحب الأسرار، الذي شرح لابن عباس في ليلة حتي طفي مصباحها صباحها، في شرح الباء من بسم اللَّه،

قوله لو شئت لأوقرت أربعين بعيراً

ولم يتحوّل إلي السين، وقال: لو شئت لأوقرت أربعين بعيراً من شرح بسم اللَّه الرحمن الرحيم [854].

حرب أميرالمؤمنين مع الجن و مناقب أخري

فإن كبر عليك إعراضهم، وزادت عند سماع الأسرار أمراضهم، فأنشدهم ولا تنشدهم، أماذا عليهم لو أجابوا الداعي، لكنّهم خلقوا بغير سماع.

ثم يتمم هذه الأسرار ما رواه صاحب المقامات، مرفوعاً إلي ابن عباس قال: رأيت علياً يوماً في سكك المدينة يسلك طريقاً لم يكن له منفذ، فجئت فأعلمت رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم، فقال: إنّ علياً علم الهدي والهدي طريقه، قال: فمضي علي ذاك ثلاثة أيام، فلما كان في اليوم الرابع أمرنا أن نمضي في طلبه، قال ابن عباس: فذهبت إلي الدرب الذي رأيته فيه وإذا بياض درعه في ضوء الشمس، قال: فأتيت فأعلمت رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم بقدومه، فقام إليه فلاقاه واعتنقه وحمل عنه الدرع بيده وجعل يتفقّد جسده، فقال له عمر: كأنّك يا رسول اللَّه توهم أنّه كان في الحرب، فقال له النبي صلي الله عليه و آله و سلم: يا ابن الخطاب: واللَّه لقد ولي علي أربعين ألف ملك، وقتل أربعين ألف عفريت، وأسلمت علي يده أربعون قبيلة من الجن، وإن الشجاعة عشرة أجزاء، تسعة منها في علي، وواحدة في سائر الناس، والفضل والشرف عشرة أجزاء تسعة منها في علي وواحدة في سائر الناس، وإن علياً منّي بمنزلة الذراع من اليد، وهو ذراعي من قميصي، ويدي التي أصول بها، وسيفي الذي أجالد به الأعداء، وإن المحب له مؤمن، والمخالف له كافر، والمقتفي لأثره لاحق [855].

خاتمة

في ختم هذه الرسالة وبيان هذه المقالة

اعلم أن الذي دعاني إلي كشف هذه الأسرار، وحملني علي قطف هذه الأزهار وإبراز هذه الأبكار من خدور الأفكار، وكان حقها أن تصان ولا تذاع فتهان، لأن الحرام كالحرام إظهار الخواص للعوام، أني

لما رويت من أسرار أئمة الأبرار درراً، وجلوت منها غرراً، تؤمن معرفتها من العذاب، وتدخل الجنة بغير حساب، لأنها خط ممّا خط علي خطط الجباه، ورقم رقم حبّها علي ألسنة العقول والأفواه، ولا ينشق ريّاها إلّا كل حليم أواه، وأخذ لها العهد علي النسمات في الأزل وختم فرضها علي البريات ولم يزل، فلما ندّ ندها وفاح شذاها ندّ بالأفكار ندّها ومل شداها، حتي صار المنافق يهجرها ولا ينشق ريّاها، والموافق ينكرها ولا يخاف اللَّه عقباها، وهي لهداها إلي الحق أحق أن يتّبع وعيباهي ولتناهي [856] بلسان الصدق أصدق ما يسمع، فأصبحت مع عظيم الحاجة إليها لا تحنو القلوب عليها ولا تحن الطبائع إليها، فاعجب لها كيف لا يركب نهجها وفاز في سفينة النجاة، ولا تتطلب وهي عين الحياة مع تقاطر الأيدي والمتاجر دفع طيبها وطيب عرقها، تلحظها العيون بأهداب الحقد، تلفظها الفنون بأفواه الرفض، وهي أنفس نفيس بحيث إنّها تتنافس فيه النفوس، فصارت تبعدها عن الأذهان بكذب فيها وبهتان، فكانت كما قيل:

ومن العجائب أنه لا يشتري

وقع الكساد يخان فيه ويسرق

وأقبل الحسّاد واللوام، كلّ يغض علي عين البغضاء، ويغض عن طرق اللأواء والأحناء، وليس عليَّ في مجمع الفرقان عيوب، ولا في صحيفة اللواء ذنوب، غير حبي لعلي، ونشري لصحائف أسراره، فإذا كان هذا هو الذنب، وعليه وفيه العتب، فحبذا ذنب هو أعظم الحسنات وسبيل النجاة، وعتب هو أحلي من نسمات الحياة عند ذكر الملمات، وذكر ذنب منه لا أتوب، وعيب منه لا أؤوب، بل أقول كما قال قيس عامر:

أتوب إليك يا رحمان ممّا

جنيت فقد تكاثرت الذنوب

وأما عن هوي ليلي وتركي

زيارتها فإنّي لا أتوب

وحسبك نعمة لا يقدرونها، لا توجد إلّا لمن سبقت له من اللَّه الحسني، لمعرفة

المقصد الأسني، فعلي في تحقيق الحقائق، وعلي في تدقيق الدقائق، بمعرفة إمام الخلائق، واقتدي بالإله الخالق، والنبي الصادق، والكتاب الناطق، لأن الرب العلي، والنبي الأمّي، أشدّ حبّاً لعلي وأعظم معرفة بالولي، فقل لمن أغراه هواه وأهواه: «هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَي اللَّهِ عَلَي بَصِيرَةٍ» [857]، وقل لمن أذعن في حربي: «إِنِّي عَلَي بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي» [858]، ولقد شاع عني حب ليلي، وانني كلفت بها عشقاً، وهمت بها وجداً، فعرض لي من كل شي ء حسانه، وعرضن لي حباً، وأبدين لي ودّاً، وقلن عسي أن ينقل القلب ناقل غرامك عن ليلي إلينا فما أبدي:

أبي اللَّه أن أنقاد إلّا لحبّها

وأعشقها إذا ألفيت مع غيرها أبدا

فواللَّه ما حبي لها جاز حدّه

ولكنّها في حسنها جازت الحدا

فقل للآثم والنائم عن سرّه المبني المنبتة لمن أنت أنت به [859]، أولئك الذين هداهم اللَّه فبهداهم اقتده فها أنا في حبّهم مقتد، بخاتم النبيين والكتاب المبين، إذ مدحه فيه بين الباء والسين، وأقول كما قال بعض العارفين:

لبَّيت لما دعاني ربة الحجب

وغبت عنّي نها من شدّة الطرب

تركية في بلاد الهند قد ظهرت

ووجهها في بلاد الهند لم يغب

ألوت تطل علي أبيات فارسها

إلي لوي فصار الحسن في العرب

ولست ممّن غدا في الحبّ متّهماً

وفي انتسابي إليه ينتهي نسبي

فكل صب بهاؤه وجاء ببر

هان علي حب ليلي فهو ابن أبي

فقمت أهزأ في حبّها اللوّام، ولا أخشي ملام من لام، وأقول بلسان أهل المعرفة والغرام:

يلومونني في حبّه من حسد

ولست أخشي من عدو كمد

وأشرب في الأرواح راح الولا

من قبل أن يخلق كرم الجسد

فها أنا بشنان من حبّها

في السكر العشاق حتي الأبد

فشهرت ذيل العزلة، وأخرت يدي من حب الوحدة، وأنست بالحق وذاك أحق، إذ لا خير في معرفة الخلق، أقتدي بقول سيّد النبيّين وشفيع

يوم الدين: الخير كلّه في العزلة، والخير والسلامة في الوحدة، والبركة في ترك الناس، خصوصاً أهل هذا الزمان جواسيس العيوب، اللابسين أثواب الحسد منهم علي كل حسن، الصديق الحميم والسليم الود منهم كالسليم والخل الموحد، وخل الود ودٌّ لمعاصم الغيبة وأذامم الريبة [860]، يسرون الحسنات ويظهرون السيئات، ويحبّون أن تشيع الفاحشة، فثق باللَّه وذرهم واتخذ إليه سبيلاً، «وَاصْبِر عَلي مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُم هَجْراً جَمِيلاً» [861].

وتأسيت بقول الرسول صلي الله عليه و آله و سلم: إنّ اللَّه أخذ ميثاق المؤمن أن لا يُصدق في قوله، ولا يُنتصف من عدوّه، ولا يشفي من غلبة، ومن آذي مؤمناً لم يدخل حضرة القدس.

والمؤمن هو العارف بعلي. وإليه الإشارة بقوله: أعرفكم باللَّه سلمان [862].

وكان سلمان أعرف الناس بعلي، فمن كانت معرفته بعلي أكثر كان للَّه أعرف وإليه أقرب.

فليس الإيمان إلّا معرفة علي وحبّه، لأن من عرف علياً عرف اللَّه.

وإليه الإشارة بقوله: يعرفك بها من عرفك [863]، فمن آذي مؤمناً حسداً علي ما آتاه اللَّه فحسبه قول مولاه: «أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَي مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ» [864].

ودخلت بركة دعائهم في جملة المرحومين، وصرت من شيعتهم الموحدين، بقولهم: رحم اللَّه شيعتنا إنهم أوذوا فينا ولم نؤذ فيهم، أوذيت حسداً علي ما في فضلهم، أوتيت طرباً بما أوليت:

أما والذي لدمي حلا

وخص أهيل الولا بالبلا

لئن ذقت فيه كؤوس الحمام

لما قال قلبي لساقيه: لا

فموتي حياتي وفي حبّه

يلذ افتضاحي بين الملا

مضت سنّة اللَّه في خلقه

بأن المحبّ هو المبتلي

فقمت أهجر معتذراً إلي من لامني ولحاني، وقلت له مقالة الوامق العاني، إلّا بما أولاني ربي من خصائص ديني، يكفيني بها من النار ويقيني، وحب علي وعترته فرضي وسنتي وديني، وقبلتي وعدّتي ويوم فاقتي، وبه ختم أعمالي ومقالتي

وقلت:

فرضي

ونفلي وحديثي أنتم

وكل كلي منكم وعنكم

وأنتم عند الصلاة قبلتي

إذا وقفت نحوكم أيمم

خيالكم نصب لعيني أحداً

وحبّكم في خاطري مخيم

يا ساداتي وسادتي أعتابكم

بجفن عيني لثراها ألثم

وقفاً علي حديثكم ومدحكم

جعلت عمري فاقبلوني وارحموا

منّوا علي الحافظ عند فضلكم

واستنقذوه في غد وأنعموا [865].

ثم أقول ختماً للكتاب وقطعاً للخطاب:

أيّها اللائم دعني عنك واسمع وصف حالي

أنا عبد لعلي المرتضي مولي الموالي

كلّما ازددت مديحاً فيه قالوا لا تغالي

آية اللَّه التي وصفها القول حلالي

كم إلي كم أيّها العاذل أكثرت جدالي

وإذا أبصرت في الحق يقيناً لا أبالي

يا عذولي في غرامي خلني عنك وحالي

رح إلي ما كنت ناحي واطرحني في ضلالي

إن حبّي لعلي المرتضي عين الكمال

وهو زادي في معادي ومعاذي ومآلي

وبه أكملت ديني وبه ختم مقالي

وإلي هذا الختام انتهي أمد الكلام من مشارق أنوار اليقين في حقائق أسرار أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام والتحية والإكرام.

مجموعة من شعر الشيخ رجب البرسي

نثبت في هذا الباب ما وقفنا عليه من شعر صاحب المشارق الحافظ الشيخ رجب البرسي الحلي، جمعناه من بعض المصادر التاريخية التي تناولت ترجمته، مع العلم بأن للبرسي ديواناً كان متداولاً في عصره حتي زمن قريب، ومن المحقق أن عدّة نسخ موجودة منه في كثير من المكتبات الخاصة، ولكننا لم نعثر علي نسخة واحدة منها.

وهذا القدر الذي جمعناه من شعر البرسي كاف للتعريف بأدبه، والوقوف علي أفكاره، والعلم بنوع معتقداته لمن يطلب ذلك.

ومن الملاحظ بأن جميع شعر البرسي خاص بأئمّة أهل البيت عليهم السلام، بين رثاء ومديح، بل لم نقف علي غير هذين البابين من أدبه. وهذا يدل علي مبلغ ولائه لأئمته وتمسّكه بهم ونفوذ حبّهم في أعماق قلبه وعقله.

قال الشيخ رجب البرسي يمدح الإمام علياً ويذكر محبيه ومبغضيه [866]:

أبديت يا رجب العجيب

فقيل: يا رجب المرجب

أبديت للسر المصون

المضمر الخافي المغيب

وكشفت أستاراً وأسرا

راً

عن الأشرار تحجب

حل الوري فإذا الظوا

هر فضة والبطن أسرب

إلّا قليلاً من رجال

أصلهم ذاك مهذّب

وكتبت ما بالنور منه

علي خدود الحور يكتب

فلذاك أضحي الناس قلباً

من قوي الجهل المركب

رجل يحب ومبغض

قالٍ وحزب اللَّه أغلب

وطويل أنف إن رآني

مقبلاً ولّي وقطّب

في أمه شك بلا

شك ولو صدقت لأنجب

يزورّ إن سمع الحديث

إلي أمير النحل يُنسب

وتراه إن كررت ذكر

فضائل الغرار يغضب

وقال في قصيدة طويلة يمدح آل النبي صلي الله عليه و آله و سلم ويذكر مصرع الحسين عليه السلام وما حفت به من المشاهد المفجعة والصور المؤلمة [867]:

دمع يبدده مقيم نازح

ودم يبدده مقيم نازح

العين إن أمست بدمع فجَّرت

فجَرت ينابيع هناك موانح

أظهرت مكنون الشجون فكلما

شبح الامون سجا الحرون الجامح

وعلي قد جعل الأسي تجديده

وقفاً يضاف إلي الرهيب الفادح

وشهود ذلي مع غريم صبابتي

كتبوا غرامي والسقام الشارح

أوهي اصطباري مطلق ومقيّد

غرب وقلب بالكآبة بائح

فالجفن منسجم غريق سابح

والقلب مضطرم حريق قادح

والخد خدده طليق فاتر

والوجد جدده مجدّ مازح

أصبحتُ تحفظني الهموم بنصبها

والجسم معتقل مثال لائح

حلت له حلل النحول فبرده

برد الذبول تحل فيه صفائح

وخطيب وجدي فوق منبر وحشتي

لفراقهم لهو البليغ الفاصح

ومحرم حزني وشوال العنا

والعيد عندي لاعج ونوائح

ومديد صبري في بسيط تفكري

هزج ودمعي وافر ومسارح

ساروا فمعناهم ومغناهم عفا

واليوم فيه نوائح وصوائح

درس الجديد جديدها فتنكرت

ورنا بها للخطب طرف طامح

نسج البلي منه محقق حسنه

ففناؤه ماحي الرسوم الماسح

فطفقت أندبه رهين صبابة

عدم الرفيق وغاب عنه الناصح

وأقول والزفرات تذكي جذوة

بين الضلوع لها لهيب لافح

لا غرو إن غدر الزمان بأهله

وجفا وحان وخان طرف لامح

فلقد غوي في ظلم آل محمد

وعوي عليهم منه كلب نابح

وسطا علي البازي غراب أسحم

وشنا علي الأشبال زنج ضايح

وتطاول الكلب العقور فصاول

الليث الهصور وذاك أمر فادح

وتواثبت عرج الضباع وروّعت

والسيد أضحي للأسود يكافح

آل النبي بنو الوصي ومنبع الشرف

العلي وللعلوم مفاتح

خزّان علم اللَّه مهبط وحيه

وبحار علم والأنام ضحاضح

التائبون العابدون

الحامدون

الذاكرون وجنح ليل جانح

الصائمون القائمون المطعمون

المؤثرون لهم يد ومنائح

عند الجدا سحب وفي وقد الهدي

سمت وفي يوم النزال جحاجح

هم قبلة للحاجين وكعبة

للطائفين ومشعر وبطائح

طرق الهدي سفن النجاة محبّهم

ميزانه يوم القيامة راجح

ما تبلغ الشعراء منهم في الثنا

واللَّه في السبع المثاني مادح

نسب كمنبلج الصباح ومنتمي

زاك له يعنو السماك الرامح

الجد خير المرسلين محمد الهادي

الأمين الفاتح

هو خاتم بل فاتح بل حاكم

بل شاهد بل شافع بل صافح

هو أوّل الأنوار بل هو صفوة الجبّار

والنشر الأريج الفائح

هو سيّد الكونين بل هو أشرف الثقلين

حقاً والنذير الناصح

ولاك ما خلق الزمان ولا بدت

للعالمين مساجد ومصابح

والأمّ فاطمة البتول وبضعة الهادي

الرسول لها المهيمن مانح

حورية انسية، لجلالها

وجمالها الوحي المنزّل شارح

والوالد الطهر الوصي المرتضي

علم الهداية والمنار الواضح

مولي له بغدير خم بيعة

خضعت له الأعناق وهي طوامح

القَسْوَر البتاك والفتاك والسفاك

في يوم العراك الذابح

أسد الإله وسيفه ووليّه

وشقيق أحمد والوصي الناصح

وبعضده وبعضبه وبعزمه

حقّاً علي الكفار ناح النائح

يا ناصر الإسلام يا باب الهدي

يا كاسر الأصنام فهي طوائح

ياليت عينك والحسين بكربلا

بين الطغاة عن الحريم يكافح

والعاديات صواهل وجوائل

بالشوس في بحر النجيع سوابح

والبيض والسمر اللدان بوارق

وطوارق ولوامع ولوائح

يلقي الردي بحر الندي بين العدي

حتي غدا ملقيً وليس منافح

أفديه محزوز الوريد مرمّلاً

ملقيً عليه الترب سافٍ سافح

والماء طام وهو ظام بالعرا

فرد غريب مستظام نازح

والطاهرات حواسر وثواكل

بين العدا ونوادب ونوائح

في الطف يسحبن الذيول بذلّة

والدهر سهم الدهر رام رامح

يسترن بالأردان نور محاسن

صوناً وللأعداء طرف طامح

لهفي لزينب وهي تندب ندبها

في ندبها والدمع سار سارح

تدعو: أخي يا واحدي ومؤملي

من لي إذا ما ناب دهر كالح

من لليتامي راحم؟ من للأيامي

كافل؟ من للجفاة مفاصح؟

حزني لفاطم تلطم الخدّين من

عظم المصاب لها جوي وتبارح

أجفانها مقروحة ودموعها

مسفوحة والصبر منها جامح

تهوي لتقبيل القتيل تضمّه

بفتيل معجرها الدماء نواضح

تحنو علي النحر الخضيب وتلثم الثغر

التريب لها فؤاد قارح

أسفي علي حرم النبوّة جئن مطروحاً

هنالك بالعتاب

تطارح

يندبن بدراً غاب في فلك الثري

وهزبر غابٍ غيَّبَتْهُ ضرائح

هذا أخي تدعو وهذا يا أبي

تشكو وليس لها وليٌّ ناصح

والطهر مشغول بكرب الموت من

ردِّ الجواب وللمنية شابح

ولفاطم الصغري نحيب مقرح

يذكي الجوانح للجوارح جارح

علج يعالجها لسلب حليها

فتطل في جهد العفاف تطارح

بالردن تستر وجهها وتمانع الملعون

عن نهب الردي وتكافح

تستصرخ المولي الإمام وجدّها

وفؤادها بعد المسرة نازح

يا جد قد بلغ العدي ما أملوا

فينا وسهم الجور سار سارح

يا فاطم الزهراء قومي وانظري

وجه الحسين له الصعيد مصافح

أكفانه نسج الغبار وغسله

بدم الوريد ولم تنحه نوائح

وشبوله نهب السيوف تزورها

بين الطفوف فواعل وجوارح

وعلي السنان سنان رافع رأسه

ولجسمه خيل العداة روامح

والوحش يندب وحشة لفراقه

والجن إن جن الظلام نوائح

والأرض ترجف والسماء لأجله

تبكي معاً والطير غادٍ رائح

والدهر من عظم الشجي شق الردي

أسفاً عليه وفاض جفن دالح

يا للرجال لظلم آل محمد

ولأجل ثأرهم وأين الكادح؟

يضحي الحسين بكربلاء مرمّلاً

عريان تكسوه التراب صحاصح

وعياله فيها حياري حُسَّرٌ

للذل في أشخاصهن ملامح

يسري بهم أسري إلي شر الوري

من فوق أقتاب الجمال مضابح

ويقاد زين العابدين مغللاً

بالقيد لم يشفق عليه مسامح

ما يكشف الغمام إلّا نفحة

يحيي بها الموتي نسيم نافح

نبوية علوية مهدية

يشفي برياها العليل البارح

يضحي مناديها ينادي يا لثا

رات الحسين وذاك يوم فارح

والجن والأملاك حول لوائه

والرعب يقدم والحتوف تناوح

يابن النبي صبابتي لا تنقضي

كمداً وحزني في الجوانح جانح

أبكيكم بمدامع تتري إذا

بخل السحاب لها انصباب سافح

فاستجل من مولاك عبد ولاك من

لولاك ما جادت عليه قرائح

(برسية) كملت عقود نظامها

(حلية) ولها البديع وشائح

مدت إليك يداً وأنت منيلها

يابن النبي وعن خطاها صافح

يرجو بها (رجب) القبول إذا أتي

وهو الذي بك واثق لك مادح

أنت المعاد لدي المعاد وأنت لي

إن ضاق بي رحب البلاد الفاسح

صلّي عليك اللَّه ما سكب الحيا

دمعاً وما هبّ النسيم الفائح

وقال من قصيدة في مدح الإمام عليه السلام [868]:

مولي له بغدير خم بيعة

خضعت لها الأعناق

وهي طوائح

وقال يمدح علياً ويذكر فضائله وذلك حين طاف حول قبره الشريف [869]:

هو الشمس أم نور الضريح يلوح؟

هو المسك أم طيب[الوصي] ينوح؟ [870]

وبحر ندي أم روضة حوت الهدي؟

وآدم أم سر المهيمن نوح؟

وداود هذا أم سليمان بعده؟

وهارون أم موسي العصا ومسيح؟

وأحمد هذا المصطفي أم وصيّه

علي؟ نماه هاشم وذبيح

محيط سماء المجد بدر دجنّة

وفلك جمال للأنام يلوح

حبيب حبيب اللَّه بل سرّ سرّه

وعين الوري أم للخلائق روح

له النص في (يوم الغدير) ومدحه

من اللَّه في الذكر المبين صريح

إمام إذا ما المرء جاء يحبّه

فميزانه يوم المعاد رجيح

له شيعة مثل النجوم زواهر

لها بين كل العالمين وضوح

إذا قاولت، فالحق فيما تقوله

به النور باد واللسان فصيح

وإن جاولت أو جادلت عن مرامها

تري خصمها في الأرض وهو طريح

عليك سلام اللَّه يا راية الهدي

سلام سليم يغتدي ويروح

وقال في مدح الإمام عليه السلام وبيان مناقبه [871]:

تعالي علي في الجلال فرائد

يعود وفي كفيه منه فرائد

ووارد فضل منه يصدر عزلها

تضيق بها منه اللها والأوارد

تبارك موصولاً وبورك واصلاً

له صلة في كل نفس وعائد

روي فضله الحسّاد من عظم شأنه

وأعظم فضل جاء يرويه حاسد

محبّوه أخفوا فضله خيفة العدي

وأخفاه بغضاً حاسد ومعاند

فشاع له ما بين ذين مناقب

تجل بأن تحصي إذا عد قاصد

إمام له في جبهة المجد أنجم

علت فعلت أن يدن منهم راصد

لها الفرق من فرع السماك منابر

وفي عنق الجوزاء منها قلائد

مناقب إذ جلّت جَلَت كل كربة

طابت فطابت من شذاها المشاهد

إمام يحار الفكر فيه معاند

له ومقر بالولاء وجاحد

إمام مبين كل أكرومة حوي

بمدحته التنزيل، والذكر شاهد

عليه سلام اللَّه ما ذكر اسمه

محب، وفي (البرسي) ذلك خالد

وقال في قصيدة طويلة تبلغ 156 بيتاً يمدح فيها آل البيت ويعدّد فضائلهم ويرثي الإمام الحسين وهي من رائع شعره بل من رائع الشعر العربي ورائقه في المديح [872]:

يميناً بها حادي السري

إن بدت نجد

يميناً، فللعاني العليل بها نجد

وعج، فعسي من لاعج الشوق يشفني

غريم غرام حشو أحشائه وقد

وسربي لسرب فيه سرب جآذر

أسربي من جهد العهاد بهم عهد

وسربي بليل في بليل عراصها

لأروي بريا تربة تربها ند

وقف بي أنادي وادي الأيك علني

هناك أري ذاك المساعد يا سعد

فبالربع لي من عهد جيرون جيرة

يجيرون إن جار الزمان إذا استعدوا

هم الأهل إلّا أنهم لي أهلّة

سوي أنهم قصدي وإني لهم عبد

عزيزون ربع العمر في ربع عزّهم

تقضي ولا روع عراني ولا جهد

وربعي مخضر وعيشي مخضل

ووجهي مبيض وفودي مسود

وشملي مشمول وبرد شبيبتي

قشيب وبرد العيش ما شأنه نكد

معالم كالأعلام معلمة الربي

فأنهارها تجري وأطيارها تشدو

طوت حادث الدهر منشور حسنها

كما رسمت في رسمها شمأل تغدو

وأضحت تجر الحادثات ذيولها

عليها ولا دعد هناك ولا هند

ولا غرو إن جارت ومارت صروفها

وغارت وأغرت واعتدت وغدت تشدو

فقد غدرت قدماً بآل محمد

وطاف عليهم بالطفوف لها جند

وجاشت بجيش جاش طام عرمرم

خميس لهام حام يحمومه أسد

وعمت بأشرار عن الرشد عموا

وهل يسمع الصم الدعاء إذا صدّوا

فيا أمّة قد أدبرت حين أقبلت

فرافقها نحس وفارقها سعد

أبت إذ أتت تنأي وتنهي عن النهي

وولت وألوت حين مال بها الجد

سرت وسرت بغياً وسرَّت بغيِّها

بغاً دعاها إذا عداها به الرشد

عصابة عصب أوسعت إذ سعت إلي

خطاء خطاها والشقاء به يحدو

أثاروا وثاروا ثار بدر وبدروا

لحرب بدور من سناها لهم رشد

بغت فبغت عمداً قتال عميدها

ضغون طفاة في الصدور لها حقد

وساروا يسنون العناد وقد نسوا المعاد

فهم من قوم عاد إذا عدّوا

فيا قلب الذين في يوم أقبلوا

إلي قتل مأمول هو العلم الفرد

فركن الهدي هدُّوا وقدّ العلي قدوا

وأزر الهوي شدوا ونهج التقي سدوا

كأني بمولاي الحسين ورهطه

حياري ولا عون هناك ولا عقد

بكرب البلا في كربلاء وقد رمي

بعاد وشطت دارهم وسطت جند

وقد حدقت عين الردي حين أصبحوا

عتاة عداة ليس يحصي لهم

عد

وقد أصبحوا حلاً لهم حين أصبحوا

حلولاً ولا حل لديهم ولا عقد

فنادي ونادي الموت بالخطب خاطب

وطير الفنا يشدو وحاد الردي يحدو

يسائلهم: هل تعرفوني؟ مسائلاً

وسائل دمع العين سال به الخد

فقالوا: نعم أنت الحسين ابن فاطم

وجدّك خير المرسلين إذا عدّوا

وأنت سليل المجد كهلاً ويافعاً

إليك، إذا عد العلي ينتهي المجد

فقال لهم: إذ تعلمون، فما الذي

دعاكم إلي قتلي، فما عن دمي بد

فقالوا: إذا رمت النجاة من الردي

فبايع يزيداً.. إنّ ذاك هو القصد

وإلّا فهذا الموت عب عبابه

فخض ظامياً فيه تروح ولا تغدو

فقال: ألا بعداً بما جئتم به

ومن دونه بيض وخطية ملد

فضرب لهشم الهام تتري بنظمه

ففي عقده حل وفي حلّه عقد

فهل سيد قد شيّد الفخر بيته

جذاذ الوديّ يشقي لعبد له عبد

وما عذر ليث يرهب الموت بأسه

يذل ويضحي السيد يرهبه الأسد

إذا سام منّا الدهر يوماً مذلة

فهيهات يأتي ربّنا وله الحمد

وتأبي نفوس طاهرات وسادة

مواضيهم هام الكماة لها غمد

لها الدم ورد والنفوس قنائص

لها القدم قدم والنفوس لها جند

ليوث وغي ظل الرماح مقيلها

مغاوير طعم الموت عندهم شهد

حماة عن الأشبال يوم كريهة

بدور دجي سادوا الكهول وهم مرد

إذا افتخروا في الناس عزَّ نظيرهم

ملوك علي أعتابهم يسجد المجد

أيادي عطاهم لا تطاول في الندي

وأيدي علاهم لا يطاق لها رد

مطاعيم للعافي مَطاعين في الوغي

مُطاعين إن قالوا لهم حجج لد

مفاتيح للداعي مصابيح للهدي

معاليم للساري بها يهتدي النجد

نزيلهم حرم منازلهم لقي

منازلهم أمن بهم يبلغ القصد

فضائلهم جاءت، فواضلهم جلت،

مدائحهم شَهْدُُ منائحهم لد

كرام إذا عافٍ عفي منه معهد

وضوّح من خضرائه السبط والجعد

وآملهم راج وأم لهم رجا

وحل بناديهم أحل له الرفد

زكوا في الوري أمّاً وجدّاً ووالداً

وطابوا فطاب الأم والأب والجد

بأسمائهم يستجلب البر والرضي

بذكرهم يستدفع الضر والجهد

ومال إلي فتيانه، ورجاؤه

يقول: لقد طاب الممات ألا اشتدوا

فسار لأخذ الثأر كل شمردل

إذا هاج قدح للهياج له زند

وكل كمي أريحي غشمشم

تجمع

فيه الفضل وانعدم الضد

إذا ما غدا يوم الندي أسر العدي

ولما بدا يوم الندي أطلق الوعد

ليوث نزال بل غيوث نوازل

سراة كأسد الغاب لا بل هم الأسد

إذا طلبوا راموا، وإن طلبوا رموا

وإن ضُربوا صدوا وإن ضَربوا قدوا

فوارس أسد الغيل منها فرائس

وفتيان صدق شأنها الطعن والطرد

وجوههم بيض، وخضر ربوعهم

وبيضهم حمر إذا النقع مسرد

إذا ما دعوا يوماً لدفع ملمة

غدا الموت طوعاً والقضاء هو العبد

بها كل ندب يسبق الطرف طرفه

جواد علي ظهر الجواد له أفد

كأنهم نبت الربي في سروجهم

لشدّة حزم لا بحزم لها شدوا

لباسهم نسجوا الحديد إذا بدوا

جبالاً وأقيالاً تقلهم الجرد

إذا لبسوا فوق الدروع قلوبهم

وصالوا فحَر الكر عندهم برد

يخوضون تيّار الحمام ظوامياً

وبحر المنايا بالحنايا لها مد

يرون المنايا نيلها غاية المني

إذا استشهدوا: أمر الردي عندهم شهد

إذا فللت أسيافهم في كريهة

غدا في رؤوس الدارعين لها حد

فمن أبيض يلقي الأعادي بأبيض

ومن أسمر في كفّه أسمر صلد

يذبون عن سبط النبي محمد

وقد ثار عالي النقع واصطخب الوقد

يخال بريق البيض برقاً سجاله الدماء

وأصوات الكماة لها رعد

إلي أن تداني العمر واقترب الردي

وشأن الليالي لا يدوم لها عهد

أعدوا نفوساً للفناء وما اعتدوا

فطوبي لهم نالوا البقاء بما عدوا

أحلوا جسوماً للمواضي وأحرموا

فحلوا جنان الخلد فيها لهم خلد

أمام الإمام السبط جادوا بأنفس

بها دونه جادوا وفي نصره جدّوا

شروا عندما باعوا نفوساً نفائساً

علي هجرها وصل وفي وصلها فقد

قضوا إذ قضوا حق الحسين وفارقوا

وما فرقوا بل وافقوا السعد يا سعد

فلما رأي المولي الحسين رجاله

وفتيانه صرعي وشادي الردي يشدو

غدا طالباً للموت كالليث مغضباً

يحامي عن الأشبال يشتد إن شدوا

وإن جمعوا سبعين ألفاً لقتله

فيحمل فيهم وهو بينهم فرد

إذا كرّ فروا من جريح وواقع

ذبيح ومهزوم به طوَّح الهد

ينادي: ألا يا عصبة عصت الهدي

وخانت فلم ترع الذمام ولا العهد

فبعداً لكم يا شيعة الغدر إنكم

كفرتم، فلا قلب يلين ولا ود

ولايتنا

فرض علي كل مسلم

وعصياننا كفر وطاعتنا رشد

فهل خائف يرجو النجاة بنصرنا

ويخشي إذا اشتدت سعير لها وقد

ويرنو لنحو الماء يشتاق ورده

إذا ما مضي يبغي الورود له ردوا

فيحمل فيهم حملة علوية

بها العوالي في أعالي العدي قصد

كفعل أبيه حيدر يوم خيبر

كذلك في بدر، ومن بعدها أُحد

إذا ما هوي في لبة الليث عضبه

فمن نحره بحر، ومن جزره مد

وعاد إلي أطفاله وعياله

وغرب المنايا لا يفل لها حد

يقول: عليكن السلام مودّعاً

فها قد تناهي العمر واقترب الوعد

ألا فاسمعي يا أخت إن مسّني الردي

فلا تلطمي وجهاً ولا يُخمش الخد

وإن برحت فيك الخطوب بمصرعي

وجلّ لديك الحزن والثكل والفقد

فإرضَي بما يرضي إلهك واصبري

فما ضاع أجر الصابرين ولا الوعد

وأوصيك بالسجاد خيراً فإنّه

إمام الهدي بعدي له الأمر والعهد

فضج عيال المصطفي، وتعلّقوا

به، واستغاث الأهل بالندب والولد

فقال - وكرب الموت يعلو كأنه

ركام ومن عظم الظما انقطع الجهد -:

ألا قد دنا الترحال فاللَّه حسبكم

وخير حسيب للوري الصمد الفرد

وعاد إلي حرب الطغاة مجاهداً

والبيض والخرصان في قده قد

إلي أن غدا ملقيً علي الترب عارياً

يصافح منه إذ ثوي للثري خد

وشمَّر شمْر الذيل في حزّ رأسه

ألا قُطّعت منه الأنامل والزند

فوا حزن قلبي للكريم علا علي

سنان سنان، والخيول لها وخد

تزلزلت السبع الطباق لفقده

وكادت له شم الشماريخ تنهد

وأرجف عرش اللَّه من ذاك خيفة

وضجت له الأملاك وانفجر الصلد

وناحت عليه الطير والوحش وحشة

وللجن - إذ جن الظلام - به وجد

وشمس الضحي أمست عليه عليلة

علاها اصفرار إذ تروح وإذ تغدو

فيا لك مقتولاً بكته السما دماً

وثل سرير العز، وانهدم المجد

شهيداً غريباً نازح الدار ظامياً

ذبيحاً ومن قاني الوريد له ورد

بروحي قتيلاً غسله من دمائه

سليباً ومن سافي الرياح له برد

ترض خيول الشرك بالحقد صدره

وترضخ منه الجسم في ركضها جرد

ومذ راح لما راح للأهل مهره

خلياً يخد الأرض بالوجه إذ يعدو

برزن حياري نادبات بذلّة

وقلب غدا من

فارط الحزن ينقد

فحاسرة بالردن تستر وجهها

وبرقعها وقد، ومدمعها رفد

ومن ذاهل لم تدر أين مفرها

تضيق عليها الأرض والطرق تنسد

وزينب حسري تندب الندب عندها

من الحزن أوصاب يضيق بها العد

تنادي: أخي يا واحدي وذخيرتي

وعوني وغوثي والمؤمل والقصد

ربيع اليتامي، يا حسين، وكافل

الأيامي زماناً، بعد بعدكم، البعد

أخي بعد ذاك الصون والخدر والخبا

يعالجنا علج، ويسلبنا وغد

بناتك - يابن الطهر طه - حواسر

ورحلك منهوب تقاسمه الجند

لقد خابت الآمال، وانقطع الرجا

بموتك مات العلم والدين والزهد

وأضحت ثغور الكفر تبسم فرحة

وعين العلي ينخد من سحها الخد

وصوّح نبت الفضل بعد اخضراره

وأصبح بدر التم قد ضمه اللحد

تجاذبنا أيدي العدي فضلة الردي

كأن لم يكن لنا خير الأنام لنا جدُّ

فأين حصوني والأسود الألي بهم

يصال علي ريب الزمان إذا يعدو؟

إذا غربت - يابن النبي - بدوركم

فلا طلعت شمس، ولا حلها سعد

ولا سحبت سحب ذيولاً علي الربي

ولا ضحك النوار وانبعق الرعد

وساروا بآل المصطفي وعياله

حياري ولم يخش الوعيد ولا الوعد

وتطوي المطايا الأرض سيراً إذا سرت

تجوب بعيد البيد فيها لها وخد

تؤم يزيداً نجل هند أمامها

ألا لعنت هند وما نجلت هند

فيالك من رزء عظيم مصابه

يشق الحشي منه ويلتدم الخد

أيقتل ضمآناً حسين بكربلا

ومن نحره البيض الصقال لها ورد؟

وتضحي كريمات الحسين حواسراً

يلاحظها في سيرها الحر والعبد

فليس لأخذ الثأر إلّا خليفة

هو الخلف المأمول والعلم الفرد

هو القائم المهدي والسيد الذي

إذا سار أملاك السماء له جند

يشيّد ركن الدين عند ظهوره

علواً، وركن الشرك والكفر ينهد

وغصن الهدي يضحي وريقاً ونبته

أنيقاً وداعي الحق ليس له ضد

لعل العيون الرمد تحظي بنظرة

إليه فتجلي عندها الأعين الرمد

إليك انتهي سر النبيين كلّهم

وأنت ختام الأوصياء إذا عدوا

بني الوحي يا أم الكتاب ومن لهم

مناقب لا تحصي وإن كثر العد

إليكم عروساً زفها الحزن ثاكلا

تنوح إذ الصب الحزين بها يشدو

لها عبرة في عشر عاشور أرسلت

إذا أنشدت حادي بها الدمع يحدو

رجا

(رجب) رحب المقام بها غداً

إذا ما أتي والحشر ضاق به الحشد

بذلتُ اجتهادي في مديحكم وما

مقام مديحي بعد أن مدح الحمد

ولي فيكم نظم ونثر غناؤه

فقير، وهذا جهد من لا له جهد

مصابي وصوب الدمع فيكم مجدد

وصبري وسلواني به أخلق الجهد

تذكرني - يابن النبي - غداً إذا

غدا كل مولي يستجير به العبد

فأنتم نصيب المادحين، وإنني

مدحت وفيكم في غد ينجز الوعد

إذا أصبح الراجي نزيل ربوعكم

فقد نجحت منه المطالب والقصد

فإن مال عنكم - يابني الفضل - راغب

يضل ويضحي عند من لا له عند

فيا عدتي في شدتي يوم بعثتي

بكم غلتي من علبي حرها برد

وعبدكم (البرسي) مولي فخاركم

كفاه فخاراً أنه لكم عبد

عليكم سلام اللَّه ما سكب الحيا

دموعاً علي روض وفاح لها ندُّ

وقال في الحب العرفاني [873]:

لقد شاع عني حب ليلي وإنني

كلفت بها عشقاً وهمت بها وجدا

وأصبحت أدعي سيداً بين قومها

كما أنني أصبحت فيهم لها عبدا

ألا في الوري حبها في تنكر

فذا مانح صداً وذا صاعر خدا

وذا عابس وجهاً يطول أنفه

علي كأني قد قتلت له ولدا

ولا ذنب لي في هجرهم لي وهجوهم

سوي أنني أصبحت في حبّها فردا

ولو عرفوا ما قد عرفت، ويمموا

حماها كما يممته، أعذروا حدا

وظنوا - وبعض الظن إثم - وشنعوا

بأن امتداحي جاوز الحد والعدا

فواللَّه ما وصفي لها جاز حدّه

ولكنها في الحسن قد جاوزت حدّا

وقال في حبّه لعلي عليه السلام ويذكر اختلاف الناس في شخص الإمام [874]:

يا آية اللَّه، بل يا فتنة البشر

وحجة اللَّه، بل يا منتهي القدر

يا من إليه إشارات العقول، ومن

فيه الألباء تحت العجز والخطر

هيمت أفكاري الأفكار حين رأوا

آيات شأنك في الأيام والعصر

يا أولاً آخراً نوراً ومعرفة

يا ظاهراً باطناً في العين والأثر

لك العبارة بالنطق البليغ، كما

لك الإشارة في الآيات والسور

كم خاض فيك أُناس وانتهي فغدا

معناك محتجباً عن كل مقتدر

أنت الدليل لمن

حارت بصيرته

في طي مشتبكات القول والعبر

أنت السفينة من صدق تمسكها

نجا ومن حاد عنها خاض في الشرر

فليس قبلك للأفكار ملتمس

وليس بعدك تحقيق لمعتبر

تفرّق الناس إلّا فيك وائتلفوا

فالبعض في جنة، والبعض في سقر

فالناس فيك ثلاث: فرقة رفعت

وفرقة وقعت بالجهل والقدر

وفرقة وقعت، لا النور يرفعها

ولا بصائرها فيها بذي غور

تصالح الناس إلّا فيك واختلفوا

إلّا عليك، وهذا موضع الخطر

وكم أشاروا وكم أبدوا وكم ستروا

والحق يظهر من باد ومستتر

أسماؤك الغر مثل النيرات، كما

صفاتك السبع كالأفلاك في الأكر [875]

وولدك الغر كالأبراج في فلك المعني

وأنت مثال الشمس والقمر

قوم هم الآل - آل اللَّه - من علقت

بهم يداه نجا من زلّة الخطر

شطر الأمانة معراج النجاة إلي

أوج العلو وكم في الشطر من غير

يا سرَّ كل نبي جاء مشتهراً

وسر كل نبي غير مشتهر

أُجلّ وصفك عن قدر لمشتبه

وأنت في العين مثل العين في الصور

وقال يمدح أهل البيت عليهم السلام [876]:

هم القوم آثار النبوّة فيهم

تلوح، وأنوار الإمامة تلمع

مهابط وحي اللَّه خزّان علمه

وعندهم سرّ المهيمن مودع

إذا جلسوا للحكم فالكل أبكم

وان نطقوا، فالدهر اذن ومسمع

وان ذكروا فالكون ند ومندل

له أرج من طيبهم يتضوّع

وان بارزوا

وقال يمدح النبي الكريم صلي الله عليه و آله و سلم [877]:

أضاء بك الأفق المشرق

ودان لمنطقك المنطق

وكنت، ولا آدم كائناً

لأنك من كونه أسبق

ولولاك لم تخلق الكائنات

ولا بان غرب ولا مشرق

فميمك مفتاح كل الوجود

وميمك بالمنتهي يغلق

تجليت - يا خاتم المرسلين -

بشأو من الفضل لا يلحق

فأنت لنا أوّل آخر

وباطن ظاهرك الأسبق

تعاليت عن صفة المادحين

وان أطنبوا فيك أو أغمقوا

فمعناك حول الوري دارة

علي غيب أسرارها تحدق

وروحك من ملكوت السما

تنزل بالأمر ما يخلق

ونشرك يسري علي الكائنات

فكلٌّ علي قدره يعبق

إليك قلوب جميع الأنام

تحنّ وأعناقها تعبق

وفيض أياديك في العالمين

بأنهار أسرارها يدفق

وآثار أياديك في العالمين

علي جبهات الوري تشرق

فموسي الكليم وتوراته

يدلّان عنك إذا استنطقوا

وعيسي وإنجيله بشَّرا

بأنك

«أحمدُ» من يُخْلَقُ

فيا رحمة اللَّه في العالمين

ومن كان لولاه لم يخلقوا

لأنك وجه الجلال المنير

ووجه الجمال الذي يشرق

وأنت الأمين وأنت الأمان

وأنت تُرَتِّق ما يُفْتَق

أتي (رجب) لك في عاتق

تقيل الذنوب، فهل تعتق؟

وقال في مدح علي عليه السلام وبيان فضله [878]:

يا منبع الأسرار يا سر

المهيمن في الممالك

يا قطب دائرة الوجود

وعين منبعه كذلك

والعين والسر الذي

منه تلقنت الملائك

ما لاح صبح في الدجي

إلّا وأسفر عن جمالك

يابن الأطايب والطواهر

والفواطم والعواتك

أنت الأمان من الردي

أنت النجاة من المهالك

أنت الصراط المستقيم

قسيم جنّات الأرائك

والنار مفزعها إليك

وأنت مالك أمر مالك

يا من تجلّي بالجمال

فشق بردة كل حالك

صلّي عليك اللَّه من

هادٍ إلي خير المسالك

والحافظ (البرسي) لا

يخشي، وأنت له هنالك

وقال في حب الإمام علي عليه السلام ويشير إلي عذاله علي هذا الحب [879]:

أيها اللائم دعني

واستمع من وصف حالي

أنا عبد لعلي المر

تضي مولي الموالي

كلما ازددت مديحاً

فيه قالوا: لا تغالي

وإذا أبصرت في الحق

يقيناً لا أبالي

آية اللَّه التي وصفها

القول حلالي

كم إلي كم أيها العاذل

أكثرت جدالي

يا عذولي في غرامي

خلني عنك وحالي

رح إلي من هو ناج

واطرحني وضلالي

إنّ حبي لوصي المصطفي

عين الكمال

هو زادي في معادي

ومعادي في مآلي

وبه إكمال ديني

وبه ختم مقالي

وقال يمدح أهل البيت عليهم السلام [880]:

يا آل طه أنتمُ أملي

وعليكمُ في البعث متكلي

إن ضاق بي ذنب فحكمكمُ

يوم الحساب هناك يوسع لي

بولائكم وبطيب مدحكم

أرجو الرضا والعفو عن زللي

(رجب) المحدث عبد عبدكم

والحافظ (البرسي) لم يزل

لا يختشي في الحشر حر لظي

إذ سيداه محمد وعلي

سيثقلان وزان صالحه

ويبيضان صحيفة العمل

لم ينشعب فيكون منطلقاً

من ضله للشعب ذي الضلل

وقال يؤكّد ولاءه لأهل البيت عليهم السلام [881]:

أما والذي لدمي حللا

وخص أهيل الولا بالبلا

لئن أسقَ فيه كؤوس الحمام

لما قال قلبي لساقيه: لا

فموتي حياتي، وفي حبه

يلذ افتضاحي بين الملا

فمن يسل عنه، فإن الفؤاد

تسلي وما قط آناً سلا

مضت سنة اللَّه في خلقه

بأن المحب هو المبتلي

وقال يزجي

المديح نحو الإمام علي عليه السلام [882]:

بأسمائك الحسني أروّح خاطري

إذا هب من قدس الجلال نسيمها

لئن سقمت نفسي فأنت طبيبها

وإن شقيت يوماً فمنك نعيمها

رضيت بأن ألقي القيامة خائفاً

دماء نفوس حاربتك جسومها

أبا حسن لو كان حبك مدخلي

جهنّم كان الفوز عندي جحيمها

وكيف يخاف من كان موقناً

بأنك مولاه وأنت قسيمها

فواعجباً من أمة كيف ترتجي

من اللَّه غفراناً، وأنت نعيمها؟

وواعجباً إذ أخرتك، وقدّمت

سواك بلا جرم، وأنت زعيمها

وقال يمدح أهل البيت عليهم السلام [883]:

فرضي ونفلي وحديثي أنتم

وكل كلي منكم وعنكم

وأنتم عند الصلاة قبلتي

إذا وقفت نحوكم أيمم

خيالكم نصب لعيني أبداً

وحبّكم في خاطري مخيم

يا سادتي وقادتي أعتابكم

بجفن عيني لثراها ألثم

وقفاً علي حديثكم ومدحكم

جعلت عمري فاقبلوه وارحموا

منوا علي (الحافظ) من فضلكمُ

واستنقذوه في غد وأنعموا

وقال في رثاء الإمام الحسين عليه السلام علي نهج قصيدة البردة للبوصيري [884]:

ما هاجني ذكر ذات البان والعلم

ولا السلام علي سلمي بذي سلم

ولا صبوت لصب صاب مدمعه

علي سلمي بذي سلم

ولا علي طلل يوماً أطلت به

مخاطباً لأهيل الحي والخيم

ولا تمسكت بالحادي وقلت له

(إن جئت سلما فسل عن جيرة العلم)

لكن تذكرت مولاي الحسين وقد

أضحي بكرب البلا كربلاء ظمي

ففاض صبري وفاض الدمع وابتعد

الرقاد واقترب السماء بالسقم

وهام إذ همت للعبرات من عدم

قلبي ولم أستطع مع ذاك منع دمي

لم أنسه وجيوش الكفر جائشة

والجيش في أمل والدين في ألم

تطوف بالطف فرسان الضلال به

والحق يسمع والأسماع في صمم

وللمنايا بفرسان المني عجل

والموت يسعي علي ساق بلا قدم

مسائلاً ودموع العين سائلة

وهو العليم بعلم اللوح والقلم

ما اسم هذا الثري يا قوم؟ فابتدروا

بقولهم يوصلون الكلم بالكلم

بكربلا هذه تدعي؟ فقال: أجل

آجالنا بين تلك الهضب والأكم

حطوا الرحال فحال الموت حل بنا

دون البقاء وغير اللَّه لم يدم

ياللرجال لخطب حل مخترم الآ

جال معتدياً في الأشهر الحرم

فها هنا تصبح الأكباد من ظمأ

حرّي وأجسادها تروي بفيض دم

وها هنا تصبح

الأقمار آفلة

والشمس في طفَل والبدر في ظُلم

وها هنا تملك السادات أعبدها

ظلماً ومخدومها في قبضة الخدم

وها هنا تصبح الأجساد ثاوية

علي الثري مطعماً للبوم والرخم

وها هنا بَعد بُعد الدار مدفننا

وموعد الخصم عند الواحد الحكم

وصاح بالصحب: هذا الموت فابتدروا

أسداً فرائسها الآساد في الأجم

من كل أبيض وضّاح جبينها

يغشي صلي الحرب لا يخشي من الضرم

من كل منتدب للَّه محتسب،

في اللَّه منتجب، باللَّه معتصم

وكل مصطلم الأبطال، مصطلم الآ

جال، ملتمس الآمال، مستلم

وراح ثَم جواد السبط يندبه

عالي الصهيل خلياً طالب الخيم

فمذ رأته النساء الطاهرات بدا

بكارم الأرض في خلد له وفم

فجئن والسبط ملقي بالنصال أبت

من كف مستلم أو ثغر ملتثم

والشمر ينحر منه النحر من حنَق

والأرض ترجف خوفاً من فعالهم

فتستر الوجه في كمٍّ عقيلتُه

وتنحني فوق قلب والهٍ كلِمِ

تدعو أخاها الغريب المستظام أخي

يا ليت طرف المنايا عن علاك عم

من اتكلت عليه النساء؟ ومن

أوصيت فينا؟ ومن يحنو علي الحرم

هذي سكينة قد عزت سكينتها

وهذه فاطم تبكي بفيض دم

تهوي لتقبيله والدمع منهمر

والبيت عنها بكرب الموت في غمم

فيمنع الدم والنصل الكسير به

عنها فتنصل لم تبرح ولم ترم

تضمّه نحوها شوقاً، وتلثمه

ويخضب النحر منه صدرها بدم

تقول من عظم شكواها ولوعتها

وحزنها غير منفض ومنفصم

أخي لقد كنت نوراً يستضاء به

فما لنور الهدي والدين لي ظلم

أخي لقد كنت غوثاً للأرامل يا

غوث اليتامي وبحر الجود والكرم

يا كافلي هل تري الأيتام بعدك في

أسر المذلّة والأوصاب والألم

يا واحدي يابن أمي يا حسين لقد

نال العدي ما تمنّوا من طلابهم

وبرّدوا غلل الأحقاد من ضغن

وأظهروا ما تخفّي في صدورهم

أين الشقيق وقد بان الشقيق وقد

جار الرقيق ولجّ الدهر في الأزم

مات الكفيل وغاب الليث فابتدرت

عرج الضباع علي الأشبال في نهم

وتستغيث رسول اللَّه صارخةً

ياجدّ أين الوصايا في ذوي الرحم

يا جدّنا لو رأت عيناك من حزن

للعترة الغر بعد الصون والحشم

مشردين عن الأوطان قد قهروا

ثكلي أساري

حياري ضرّجوا بدم

يسري بهن سبايا بعد عزّهم

فوق المطايا كسبي الروم والخدم

هذا بقية آل اللَّه سيّد أهل الأ

رض زين عباد اللَّه كلّهم

نجل الحسين الفتي الباقي ووارثه

والسيّد العابد السجّاد في الظلم

يساق في الأسر نحو الشام مهتضماً

بين الأعادي فمن باكٍ، ومبتسم

ابن النبي السبط وثغر يقرعه

يزيد بغضاً لخير الخلق كلّهم

أينكت الرجس ثغراً كان قبله

من حبة الطهر خير العرب والعجم؟

ويدّعي بعدها الإسلام من سفه

وكان أكفر من عادٍ ومن ارم!

يا ويله حين تأتي الطهر فاطمة

في الحشر صارخة في موقف الأمم

تأتي فيطرق أهل الجمع أجمعهم

منها حياءً ووجه الأرض في قتم

وتشتكي عن يمين العرش صارخةً

وتستغيث إلي الجبّار ذي النقم

هناك يظهر حكم اللَّه في ملأ

عصوا وخانوا فيا سحقاً لفعلهم

وفي يديها قميص للحسين غدا

مضمخاً بدم قرناً إلي قدم

أيا بني الوحي والذكر الحكيم ومن

ولاهم أملي والبرء من ألمي

حزني لكم أبداً لا ينقضي كمداً

حتي الممات ورد الروح في رمم

حتي تعود إليكم دولة وعدت

مهدية تملأ الأقطار بالنعم

فليس للدين من حام ومنتصر

إلّا الإمام الفتي الكشاف للظلم

القائم الخلف المهدي سيّدنا

الطاهر العلم ابن الطاهر العلم

بدر الغياهب تيار المواهب منصور

الكتائب حامي الحل والحرم

يابن الإمام الزكي العسكري فتي

الهادي النقي علي الطاهر الشيم

يابن الجواد ويا نجل الرضاء ويا

سليل كاظم غيظ منبع الكرم

خليفة الصادق المولي الذي ظهرت

علومه فأثارت غيهب الظلم

خليفة الباقر المولي خليفة زين العابدين

علي طيب الخيم

نجل الحسين شهيد الطف سيدنا

وحبذا مفخر يعلو علي الأمم

نجل الحسين سليل الطهر فاطمة

وابن الوصي علي كاسر الصنم

يابن النبي ويابن الطهر حيدرة

يابن البتول ويابن الحل والحرم

أنت الفخار ومعناه وصورته

ونقطة الحكم لا بل خطة الحكم

أيّامك البيض خضر فهي خاتمة

الدنيا وختم سعود الدين والأمم

متي نراك فلا ظُلْمٌ، ولا ظُلَمٌ

والدين في رغد والكفر في رغم

أقبِل فسبل الهدي والدين قد طمست

ومسّها نصب والحق في عدم

يا آل طه ومَن حبّي لهم شرف

أعدُّه في الوري من

أعظم النعم

إليكم مدحة جاءت منظمة

ميمونة صغتها من جوهر الكلم

بسيطة إن شدت أو أنشدت عطرت

بمدحكم كبساط الزهر منخرم

بكراً عروساً ثكولاً زفها حزن

علي المنابر غير الدمع لم تسم

يرجو بها (رجب) رحب المقام غداً

بعد العناء غناء غير منهدم

يا سادة الحق ما لي غيركم أمل

وحبّكم عدّتي والمدح معتصمي

ما قدْرُ مَدْحِيَ والرحمنُ مادحكم

في «هل أتي» مع نون والقلم

حاشاكم تحرموا الراجي مكارمكم

ويرجع الجار عنكم غير محترم

أو يخشي الزلة (البرسي) وهو يري

وِلاكمُ فوق ذي القربي وذي الرحم

إليكم تُحَف التسليم واصلة

ومنكمُ وبكمُ أنجو من النقم

صلّي اللَّه عليكم ما بدا نسم

وما أتت بسمات الصبح في الحرم

وقال يمدح آل محمد صلي الله عليه و آله و سلم ويخص الإمام علياً عليه السلام [885]:

إذا رمت يوم البعث تنجو من اللظي

ويُقبل منك الدين والفرض والمنن

فوال علياً والأئمة بعده

نجوم الهدي، تنجو من الضيق والمحن

فهم عترة قد فوّض اللَّه أمره

إليهم لما قد خصّهم منه بالمنن

أئمة حق أوجب اللَّه حقّهم

وطاعتهم فرض بها للَّه تمتحن

نصحتك أن ترتاب فيهم فتنثني

إلي غيرهم. من غيرهم في الأنام؟ من

فحبُّ علي عدّة لوليّه

يلاقيه عند الموت والقبر والكفن

كذلك يوم البعث لم ينج قادم

من النار إلّا من تولي أبا الحسن

وقال يمدح الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام [886]:

العقل نور وأنت معناه

والكون سرّ وأنت مبداه

والخلق في جميعهم إذا جمعوا

الكل عبد وأنت مولاه

أنت الولي الذي جلّت مناقبه

ما لعلالها في الخلق أشباه

يا آية اللَّه في العباد ويا

سرّ الذي لا إله إلّا هو

تناقض العالمون فيك، وقد

حاروا عن المهتدي، وقد تاهوا

فقال قوم: بأنه بشر

وقال قوم: بأنه اللَّه

يا صاحب الحشر والمعاد ومن

مولاه حكم العباد ولاه

يا قاسم النار والجنان غداً

أنت ملاذ الراجي ومنجاه

كيف يخاف (البرسي) حر لظي

وأنت عند الحساب غوثاه

لا يخشي النار عبد حيدرة

إذ ليس في النار مَنْ تولاه

وقال في إظهاره أسرار الأئمة عليهم

السلام [887]:

لقد أظهرت يا (حافظ)

سرّاً كان مخفيا

وأبرزت من الأنوار

نوراً كان مطويا

به قد صرت عند اللَّه

والسادات علويا

ومقبولاً ومسعوداً

ومحسوداً ومرضيا

فطب نفساً، وعش فرداً

وكن طيراً سماويا

غريباً يألف الخلوة

لا يقرب إنسيا

غدا في الناس بالخلوة

والوحدة منسيا

وإن أصبحت مرفوضاً

بسهم البغض مرميا

فلم يبغضك إلّا من

أبوه الزنج بصريا

عمانياً مرادياً

مجوسياً يهوديا

لهذا قد غدا يبغض

ذاك الطين كوفيا

وفي المولد والمحتد

(برسياً) و(حليّا)

قال مسمطاً في مدح الأئمة عليهم السلام [888]:

سركم لا تناله الفكر

وأمركم في الوري له خطر

مستصعب فك رمز خطر

ووصفكم لا يطيقه البشر

ومدحكم شرفت به السور

وجودكم للوجود علته

ونوركم للظهور آيته

وأنتم للوجود قبلته

وحبّكم للمحب كعبته

يسعي بها طائعاً ويعتمر

لولاكمُ ما استدارت الأكر

ولا استنارت شمس ولا قمر

ولا تدلي غصن ولا ثمر

ولا تندي ورق ولا خضر

ولا سري بارق ولا مطر

عندكم في الآيات مجمعنا

وأنتم في الحساب مفزعنا

وقولكم في الصراط مرجعنا

وحبّكم في النشور ينفعنا

به ذنوب المحب تغتفر

يا سادة قد زكت معارفهم

وطاب أصلاً وساد عارفهم

وخاف في بعثه مخالفهم

إن يختبر للوري صيارفهم

فأصلهم بالولاء يختبر

أنتم رجائي وحبكم أملي

عليه يوم المعاد متكلي

فكيف يخشي حر السعير ولي

وشافعاه محمد وعلي

أو يعتريه من شرّها شرر

عبدكم (الحافظ) الفقير علي

أعتاب أبوابكم يروم قلا

تخييره يا سادتي أملا

واقسموه يوم المعاد إلي

ظل ظليل نسيمه عطر

صلّي عليكم رب السماء كما

أصفاكم واصطفاكم كرما

وزاد عبداً والاكم نعما

ما غرد الطير في الغصون وما

ناح حمام وأوراق الشجر

وقال:

وإن بارزا فالدهر يخفق قلبه

لسطوتهم والأسد في الغاب تفزع

وإن ذكر المعروف والجود في الوري

فبحر نداهم زاخر يتدفع

أبوهم سماء المجد والأمّ شمسه

نجوم لها برج الجلالة مطلع

فيا نسباً كالشمس أبيض مشرقاً

ويا شرفاً من هامة النجم أرفع

فمن مثلهم إن عد في الناس مفخر

أعد نظراً يا صاح إن كنت تسمع

ميامين قوّامون عز نظيرهم

هداة ولاة للرسالة منبع

فلا فضل إلّا حين يذكر فضلهم

ولا علم إلّا علمهم حين يرفع

ولا عمل ينجي غداً غير حبّهم

إذا قام يوم البعث للخلق مجمع

ولو أن عبداً جاء

للَّه عابداً

بغير ولا أهل العبا ليس ينفع

فيا عترة المختار يا راية الهدي

إليكم غداً في موقفي أتطلّع

خذوا بيدي يا آل بيت محمد

فمن غيركم يوم القيامة يشفع [889]

تمّ الكتاب والحمد للَّه ربّ العالمين

پاورقي

[1] الغدير: 68: 7 - 33.

[2] عن الخصال لشيخنا الصدوق وسوف يأتي مع تخريجه.

[3] بصائر الدرجات للصفار وسوف يأتي.

[4] من قولنا: «فمن ذا الذي يبلغ» إلي هنا مأخوذ من حديث رواه شيخنا الكليني ثقة الإسلام في أصول الكافي 99: 1 عن الإمام الرضا صلوات اللَّه عليه (هامش الغدير).

[5] حديث ثابت عند الفريقين (هامش الغدير).

[6] بصائر الدرجات للصفار: 6، أصول الكافي: 216: 1.

[7] منح المنّة للشعراني: 14.

[8] بصائر الدرجات للصفّار: 7 آخر الباب الحادي عشر من الجزء الأوّل وأصول الكافي لثقة الإسلام الكليني: 216: 1.

[9] تفسير الآلوسي: 190: 6 وسوف يأتي مع مصادره.

[10] الإسراء: 76.

[11] المشظف كمنبر: من يعرض بالكلام علي غير القصد.

[12] أعيان الشيعة: 467 - 465: 6.

[13] أعيان الشيعة: 466: 6.

[14] كذا بالأصل.

[15] كذا بالأصل.

[16] كذا بالأصل.

[17] وفي الحديث أنه أمير المؤمنين عليه السلام راجع: تفسير نور الثقلين: 83: 2 ح300.

[18] إشارة إلي حديث المؤاخاة وحديث الغدير وحديث الراية في خيبر.

[19] كما في الروايات: راجع الاختصاص: 13، وينابيع المودة: 214 - 301: 1، وبحار الأنوار: 12: 26 وكنز العمال: 104: 12 ح34201 وقد أتينا علي طرقها في كتابنا: الولاية التكوينية: 243.

[20] كذا بالأصل.

[21] الحجرات: 6.

[22] البقرة: 10.

[23] كذا بالأصل.

[24] كما في الأحاديث، راجع بحار الأنوار: 366: 25 ح7 وبصائر الدرجات: 26 ح1 وما بعده.

[25] روي أن مبغضه ابن زنا أو حيضة، راجع إرشاد القلوب: 433: 2، وترجمة علي من تاريخ دمشق: 224: 2.

[26] بحار الأنوار: 36: 70 ح1 باب 44.

[27] مجموعة ورام: 59 باب

العتاب.

[28] بحار الأنوار: 294: 60 باب 39.

[29] الصعب المستصعب (خ. ل).

[30] الأنعام: 59.

[31] غرر البهاء الضوي: 318، وجامع الأسرار: 35 والأصول الأصيلة: 167 وفيه زيادة:

ياربّ جوهر علم لو أبوح به

لقيل لي: أنت ممن يعبد الوثنا

ولاستحلَّ رجال مسلمون دمي

يرون أقبح ما يأتونه حسنا

[32] ص: 68.

[33] النحل: 83.

[34] بحار الأنوار: 311: 26 ح77 و 25: 25 ح45.

[35] بحار الأنوار: 226: 27 ح21.

[36] بحار الأنوار: 280: 39 ح62.

[37] بحار الأنوار: 226: 27 ح22.

[38] الكهف: 29.

[39] في الأصل: العملي والمثبت عن: خ. ل.

[40] شرح دعاء السحر: 64 وجامع الأسرار: 411 - 563 ح823 - 1163 والأنوار النعمانية: 47: 1.

[41] قال بعض العارفين: ما رأيت شيئاً إلّا ورأيت الباء عليه مكتوبة. جامع الأسرار: 701، وقيل: بالباء ظهر الوجود وبالنقطة تميز العابد عن المعبود. جامع الأسرار: 563 ح1163 ونسبه لابن عربي، وشرح دعاء السحر: 64.

[42] كذا.

[43] آل عمران: 26.

[44] آل عمران: 26.

[45] الحجر: 87.

[46] البقرة: 238.

[47] كما يأتي.

[48] نظم المتناثر: 185.

[49] تاريخ ابن كثير: 39: 1.

[50] العقل الأوّل نور خاتم النبوّة. راجع نبراس الضياء: 102.

[51] القلم: 1.

[52] الصراط المستقيم: 93: 2.

[53] شواهد التنزيل: 170: 1.

[54] ينابيع المودّة: 81 - 75: 1 واُسد الغابة: 24: 4.

[55] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 197: 13.

[56] بحار الأنوار: 270: 37 ح40.

[57] في رسالة الماجد لجابر بن حيان «بول كراوس» الميم حرف ظلماني.

[58] بحار الأنوار: 199: 87 ح6.

[59] الزمر: 6.

[60] النور: 35.

[61] نظم المتناثر: 185 ح194، وأخبار الدول: 4، وبحار الأنوار: 24: 15، وينابيع المودة: 10: 1.

[62] رواه الإمام أحمد في فضائل الصحابة: 663: 2 ح1130 وفيه: قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام.

[63] النور: 35.

[64] تقدّم الحديث.

[65] تقدّم تخريجه.

[66] كمال الدين: 261: 1،

والبحار: 254: 36.

[67] الفوائد المجموعة: 326، وجامع الأسرار: 381 ح758.

[68] الإنسان الكامل: 128، والرسائل الثمانية: 88.

[69] لنبو - خ ل.

[70] فصلت: 12.

[71] الشفا بتعريف حقوق المصطفي: 170: 1 باب 3 فصل 1 بتفاوت، والفضائل لابن شاذان: 5.

[72] الاسراء: 12.

[73] جامع الأسرار: 563 ح1163 وشرح دعاء السحر: 64 وفيه تميز بدل تبيّن ونسبه إلي ابن عربي.

[74] جامع الأسرار: 701 ونسبه لبعض العارفين بلفظ: «ما رأيت شيئاً إلّا ورأيت … ».

[75] قال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم:

«يا عمر بن الخطاب أتدري من أنا؟! انا الذي خلق اللَّه أول كل شي ء

نوري، فسجد له فبقي في سجوده سبعمائة عام، فاول كل شي ء سجد له

نوري ولا فخر. يا عمر أتدري من أنا؟ أنا الذي خلق اللَّه العرش من

نوري والكرسي من نوري واللوح والقلم من نوري، والشمس والقمر

من نوري، ونور الأبصار من نوري والعقل الذي في رؤوس الخلائق من

نوري، ونور المعرفة في قلوب المؤمنين من نوري ولا فخر»

(شرح الشمائل المحمدية: 49: 1، ولوامع أنوار الكوكب الدري: 13: 1).

وفي حديث مستفيض: «كنت أول الأنبياء[الناس]في الخلق وآخرهم في البعث» (كنز العمال: 452: 11 ح 32126، والجامع الصغير: 162: 2، والطبقات الكبري: 119: 1، والفردوس بمأثور الخطاب: 282: 3 ح 4850، والوفا بأحوال المصطفي: 361، وينابيع المودة: 220: 1 و18، والخصائص الكبري: 3: 1 الباب الأول).

وقال أمير المؤمنين علي عليه السلام: «كنت وليّاً وآدم بين الماء والطين» (جامع الأسرار: 460 - 382 ح 927 - 763، والإنسان الكامل: 77، والمراقبات: 259. (.

وأخرج المسعودي وسبط ابن الجوزي بسنده إلي أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال بعد حمد اللَّه: «لما أراد اللَّه أن ينشي ء المخلوقات ويبدع الموجودات أقام الخلايق في صورة قبل

دحو الأرض ورفع السَّموَات، ثم أفاض نوراً من نور عزه فلمع قبساً من ضيائه وسطع. ثم اجتمع في تلك الصورة وفيها هيئة نبينا صلي الله عليه و آله و سلم فقال له تعالي: أنت المختار وعندك مستودع الأنوار وأنت المصطفي المنتخب الرضا المنتجب المرتضي، من أجلك أضع البطحاء وأرفع السماء وأجري الماء وأجعل الثواب والعقاب والجنة والنار، وأنصب أهل بيتك علماً للهداية، وأودع أسرارهم من سرّي بحيث لا يشكل عليهم دقيق، ولا يغيب عنهم خفي، وأجعلهم حجتي علي بريتي والمنبهين علي قدري والمطلعين علي أسرار خزائني …

ثم بيّن لآدم حقيقة ذلك النور ومكنون ذلك السر، فلما حانت أيامه أودعه شيئاً، ولم يزل ينتقل من الأصلاب الناضرة إلي الأرحام الطاهرة إلي أن وصل إلي عبد المطلب ثم إلي عبد اللَّه، ثم إلي نبيه صلي الله عليه و آله و سلم فدعا الناس ظاهراً وباطناً وندبهم سراً وعلانية واستدعي الفهوم إلي القيام بحقوق ذلك السر اللطيف وندب العقول إلي الإجابة لذلك المعني المودع في الذر قبل النسل، فمن وافقه قبس من لمحات ذلك النور واهتدي إلي السر وانتهي إلي العهد المودع في باطن الأمر وغامض العلم، ومن غمرته الغفلة وشغلته المحنة استحق البعد.

ثم لم يزل ذلك النور ينتقل فينا ويتشعشع في غرايزنا، فنحن أنوار السَّموَات والأرض وسفن النجاة، وفينا مكنون العلم وإلينا مصير الأمور وبمهدينا تقطع الحجج، فهو خاتم الأئمّة ومنقذ الأمة ومنتهي النور وغامض السر، فليهْنَ من استمسك بعروتنا وحشر علي محبتنا» (تذكرة الخواص: 122 - 121 الباب السادس - المختار من كلام علي - خطبة في مدح النبي والائمة، ومروج الذهب: 17: 1 ذكر المبدأ وشأن الخليقة، ونزهة المجالس: 96: 2 مولد النبي صلي الله عليه

و آله و سلم مختصراً)

وقال صلي الله عليه و آله و سلم: «إن اللَّه خلقني وخلق علياً وفاطمة والحسن والحسين قبل أن يخلق آدم عليه السلام حين لا سماء مبنية، ولا أرض مدحية، ولا ظلمة ولا نور، ولا شمس ولا قمر ولا جنة ولا نار».

فقال العباس: كيف كان بدء خلقكم يا رسول اللَّه؟

فقال: «يا عم لما أراد اللَّه أن يخلقنا تكلم بكلمة خلق منها نوراً، ثم تكلم بكلمة أخري فخلق منها روحاً، ثم مزج النور بالروح، فخلقني وخلق علياً وفاطمة والحسن والحسين، فكنا نسبحه حين لا تسبيح، ونقدسه حين لا تقديس، فلما أراد اللَّه تعالي أن ينشي ء خلقه فتق نوري فخلق منه العرش، فالعرش من نوري، ونوري من نور اللَّه، ونوري أفضل من العرش.

ثم فتق نور أخي علي فخلق منه الملائكة، فالملائكة من نور علي ونور علي من نور اللَّه وعلي أفضل من الملائكة. ثم فتق نور ابنتي فخلق منه السَّموَات والأرض، فالسَّموَات والأرض من نور ابنتي فاطمة، ونور ابنتي فاطمة من نور اللَّه، وابنتي فاطمة أفضل من السَّموَات والأرض.

ثم فتق نور ولدي الحسن فخلق منه الشمس والقمر فالشمس والقمر من نور ولدي الحسن ونور الحسن من نور اللَّه، والحسن أفضل من الشمس والقمر.

ثم فتق نور ولدي الحسين فخلق منه الجنة والحور العين، فالجنة والحور العين من نور ولدي الحسين، ونور ولدي الحسين من نور اللَّه، وولدي الحسين أفضل من الجنة والحور العين» (بحار الأنوار: 11 - 10: 15 باب بدء خلق النبي ح 11. (.

إلي أن قال: «فتكلم اللَّه بكلمة فخلق منها روحاً … ثم نوراً فأزهرت المشارق والمغارب فهي فاطمة» (الأنوار النعمانية: 18 - 17: 1 مع تفاوت عما في بحار الأنوار ليس

بيسير رواه عن ابن مسعود).

وعن الإمام علي عليه السلام: «ألا أني عبد اللَّه وأخو رسوله وصديقه الأول قد صدقته وآدم بين الروح والجسد، ثم إني صديقه الأول في أمتكم حقاً، فنحن الأولون ونحن الآخرون» (بحار الأنوار: 15: 15 ح 19. (.

وعن أبي جعفر عليه السلام قال: «يا جابر كان اللَّه ولا شي ء غيره، لا معلوم ولا مجهول، فأوّل ما ابتدأ من خلقه أن خلق محمداً صلي الله عليه و آله و سلم وخلقنا أهل البيت معه من نور عظمته، فأوقفنا أظلةً خضراء بين يديه حيث لا سماء ولا أرض ولا مكان ولا ليل ولا نهار ولا شمس و لا قمر» (بحار الأنوار: 23: 15 ح 41).

وعن الإمام الصادق عليه السلام: «إن اللَّه كان إذ لا كان، فخلق الكان والمكان وخلق نور الأنوار الذي نوّرت منه الأنوار، وأجري فيه من نوره الذي نوّرت منه الأنوار، وهو النور الذي خلق منه محمداً وعلياً، فلم يزالا نورين أولين إذ لا شي ء كون قبلهما» (بحار الأنوار: 24: 15 ح 46. (.

وعن أمير المؤمنين عليه السلام قال: «كان اللَّه ولا شي ء معه، فأول ما خلق نور حبيبه محمد صلي الله عليه و آله و سلم قبل خلق الماء والعرش والكرسي والسَّموَات والأرض واللوح والقلم والجنة والنار والملائكة وآدم وحواء» (بحار الأنوار: 28 - 27: 15 ح 48. (.

-أقول: ذكر المجلسي في بحاره والجزائري في الأنوار وغيرهما عدة روايات أخري في أنهم أول الخلق اقتصرنا علي ما يكفي لإقناع الناصبي فضلاً عن غيره (بحار الأنوار: 2: 15 إلي 50 ح 2 إلي 48 باب بدء خلق النبي من كتاب تاريخ نبينا صلي الله عليه و آله و سلم، وإرشاد القلوب: 405

- 404: 2 و421 - 416 - 415، والأنوار النعمانية: 22 - 18 - 17 - 15 - 14)

[76] فصلت: 9.

[77] بحار الأنوار: 58: 33 ح398.

[78] آل عمران: 110.

[79] بحار الأنوار: 22: 25 ح38.

[80] بحار الأنوار: 345: 26 ح18، والأنوار النعمانية: 22: 1.

[81] بحار الأنوار: 4: 15 ح4.

[82] الجن: 16.

[83] طه: 131.

[84] الجن: 17.

[85] بصائر الدرجات: 518 ح 9 باب 16 بتفاوت.

[86] بحار الأنوار: 25: 25 ح44.

[87] بحار الأنوار: 25: 25 ح45. و336: 57 ح24.

[88] بحار الأنوار: 326: 57 ح6 و: 41: 27 ح2.

[89] بحار الأنوار: 94: 14 ح3.

[90] بحار الأنوار: 330: 57 ح15 بتفاوت.

[91] بحار الأنوار: 45: 27 ح6 بتفاوت وتفصيل.

[92] بحار الأنوار: 336: 57 ح25 وفيه: جابلقا وجابرسا.

[93] بحار الأنوار: 23: 25 ح39 و: 291: 26 ح51 والأنوار النعمانية: 99: 2.

[94] بحار الأنوار: 39: 58 ح1.

[95] بحار الأنوار: 336: 57 ح26.

[96] في خطبته الشقشقية راجع نهج البلاغة الخطبة الثالثة.

[97] فركار خ ل.

[98] الصراط المستقيم: 169: 1 الفصل الرابع.

[99] بحار الأنوار: 24: 25 ح41.

[100] بحار الأنوار: 241: 26 ح5.

[101] بحار الأنوار: 238: 24 ح1 بتفاوت.

[102] بحار الأنوار: 48: 68 ح91 و309: 39 ح 124 بتفاوت.

[103] تقدّم الحديث.

[104] بحار الأنوار: 312: 23 ح20.

[105] بطوله في البحار: 313 - 312: 23 ح20.

[106] في الدعاء: السلام عليك يا باب اللَّه وديّان دينه. بحار الأنوار: 81: 102 ح1.

[107] بحار الأنوار: 259: 39 ح34 والحديث طويل اختصره المصنِّف.

[108] بحار الأنوار: 268: 39 ح45 باب 87.

[109] بعضه في البحار: 80: 68 ح141 وبعضه في: 134: 26 ح9.

[110] البحار: 264: 26 ح 50 وشرح الزيارة الجامعة: 55: 1.

[111] بحار الأنوار: 264: 26 ح49.

[112] بحار الأنوار: 255: 26 ح35 - 30.

[113] في

الغدير: 49: 7: إليهم لما قد خصَّهم منه بالمنن.

[114] في الغدير: حقّهم.

[115] مستدرك عن الغدير: 49: 7.

[116] في نسخة: الكتمال.

[117] بحار الأنوار: 259: 26 ح36.

[118] بحار الأنوار: 109: 43 ح22.

[119] التين: 3 - 1.

[120] كنز العمال: 431: 11 ح32025 وإرشاد القلوب: 414: 2.

[121] مناقب الخوارزمي: 72 والمعجم الكبير: 269: 6.

[122] أعيان الشيعة: 467: 6.

[123] بحار الأنوار: 324: 32 ح300.

[124] أمالي الصدوق: 306 المجلس 50، وبحار الأنوار: 100: 38 ح2.

[125] بحار الأنوار: 135: 27 ح132.

[126] بصائر الدرجات: 86 ح15 باب انه عرف ما رأي في الأظلة، وبحار الأنوار: 153: 17 ح59.

[127] بحار الأنوار: 153: 23 ح118 و: 94: 38 ح10.

[128] بحار الأنوار: 136: 27 ح134.

[129] بحار الأنوار: 286: 22 ح55، وكفاية الطالب: 330.

[130] كنز العمّال: 624: 11 ح33043.

[131] بحار الأنوار: 131: 8 ح34.

[132] البحار: 60: 11 ح69.

[133] البحار: 20: 36 ح16 و 307: 37 ح40.

[134] مناقب ابن المغازلي: 46 ح68، ومسند شمس الأخبار: 105: 1.

[135] كنز الفوائد: 185، ومائة منقبة: 79، وكفاية الطالب: 215، ومناقب ابن المغازلي: 46 ح69 وتاريخ بغداد: 102: 11.

[136] بعضه في بحار الأنوار: 19: 8 ح6.

[137] بحار الأنوار: 56: 8 ح68.

[138] بحار الأنوار: 108: 38 ح38 والحديث طويل.

[139] الحديث بطوله في بحار الأنوار والمصنّف اختصره: 221: 22 ح1.

[140] بحار الأنوار: 227: 36 ح5. والحديث طويل.

[141] يس: 12.

[142] بحار الأنوار: 427: 35 ح2، و: 143: 21 ح6.

[143] بحار الأنوار: 186: 42 ح1.

[144] أصول الكافي: 179: 1 ح12، وبصائر الدرجات: 488.

[145] بحار الأنوار: 92: 38 ح 6.

[146] بحار الأنوار: 226: 36 ح2.

[147] بحار الأنوار: 93: 38 ح7 بتفاوت ليس بيسير.

[148] بحار الأنوار: 317: 22 ح2.

[149] ذخائر العقبي: 70.

[150] كنز العمال: 114: 13 ح36370.

[151] ذخائر

العقبي: 95: 1، مناقب ابن المغازلي: 67 ح97.

[152] بحار الأنوار: 254: 37 ح1.

[153] بحار الأنوار: 7: 38 ح13.

[154] بحار الأنوار: 38: 28 ح1 بتفاوت والحديث طويل.

[155] بحار الأنوار: 92: 39 ح1 باختصار.

[156] بحار الأنوار: 7: 40 ح17 وفيه: ليلة القربة بدل الفدية مع تفاوت في بقيّة الحديث.

[157] إلي هنا الرواية في بحار الأنوار: 57: 23 ح1.

[158] بحار الأنوار: 57: 23، ح1.

[159] راجع: سنن أبي داود ح4597 كتاب السنّة، ومسند أحمد: ح16490 وفي رواية اثنين وسبعين.

[160] كذا بالأصل.

[161] بحار الأنوار: 162: 27 ح10.

[162] بحار الأنوار: 97: 38 ح14 والحديث طويل اختصره المصنِّف، ينابيع المودّة: 253: 1.

[163] بحار الأنوار: 129: 23 ح60.

[164] بحار الأنوار: 125: 23 ح53 و: 376: 68 ح22.

[165] الأعراف: 181.

[166] وورد أن حبّ آل محمد جواز علي الصراط. ضوء الشمس: 99: 1.

[167] في البحار: 363: 35 الصراط المستقيم هو علي، وفي 202: 39 جواز الصراط المستقيم حب علي.

[168] ورد أن حبّ علي براءة من النار. الفردوس: 142: 2 ح2723.

[169] مناقب الخوارزمي: 320، ومائة منقبة: 63.

[170] ورد أن أهل البيت هم الصراط المستقيم. راجع رشفة الصادي: 25.

[171] بحار الأنوار: 128: 23 ح58.

[172] بحار الأنوار: 45: 24 ح17 بتفاوت.

[173] أعيان الشيعة: 468: 6.

[174] الروم: 30.

[175] الاسراء: 36.

[176] الأنبياء: 47.

[177] في البحار 251: 7 عن الإمام الصادق عليه السلام: الموازين الأنبياء والأوصياء.

[178] بحار الأنوار: 67: 24 ح1.

[179] الرحمن: 8 - 7.

[180] الشوري: 17.

[181] تفسير القمي: 30: 1.

[182] الأعراف: 8.

[183] الأعراف: 8.

[184] فاطر: 10.

[185] الاسراء: 80.

[186] النساء: 83.

[187] يونس: 58.

[188] تقدّم تخريجه.

[189] تقدّم الحديث.

[190] بحار الأنوار: 248: 39 ح10 و 256 ح33.

[191] الفرقان: 70.

[192] الفرقان: 23.

[193] الكهف: 104.

[194] في الحديث: من أطاعه فقد أطاع اللَّه ومن عصاه فقد

عصي اللَّه. البحار: 350: 52 ح103.

[195] بحار الأنوار: 263: 26 ح48.

[196] مائة منقبة: 43، والجواهر السنية: 303.

[197] بحار الأنوار: 209: 39 ح32.

[198] إبراهيم: 27.

[199] بحار الأنوار: 77: 27 ح8 بتفاوت بسيط.

[200] محمد: 24.

[201] تقدّم الحديث.

[202] بحار الأنوار: 268: 39 ح45.

[203] بحار الأنوار: 235: 39 ح18.

[204] رواه باختصار في جامع الأسرار: 204 ح393.

[205] تقدّم الحديث مع تخريجه.

[206] بحار الأنوار: 347: 25 و283 ح 30 بتفاوت. وقريب منه في بصائر الدرجات: 241 ح5.

[207] بحار الأنوار: 286: 71 ح41.

[208] شرح الزيارة الجامعة: 201: 1 بلفظ:.. وادفعوا عنا، وورد: لا تجعلونا أرباباً وقولوا في فضلنا ما شئتم. البحار: 2: 26 ح 1.

[209] تقدّم الحديث مع تخريجه.

[210] أخبار الدول: 84 والمعجم الأوسط: 323: 3.

[211] الشفاء: 153: 2.

[212] بحار الأنوار: 129: 35 ح74.

[213] من علامات الإمامة عدم وجود الظلّ، راجع بحار الأنوار: 116: 25 ح1.

[214] بحار الأنوار: 550: 22 ح2.

[215] بحار الأنوار: 171: 25 ح38 بتفاوت.

[216] البحار: 107: 26 ح10 و: 147: 22 ح141.

[217] إن الذي يدّعي علم الغيب للإمام والنبي: لا يدّعيه علي نحو الاستقلالية، بل يدعي أن اللَّه أطلع نبيّه وأهل بيته علي الاُمور الغيبية التي لم يطلع عليها أحداً.

وإن شئت قلت: علم الغيب لذات الشخص وبلا توسط من الغير هو العلم الثابت لواجب الوجود والذي هو عين الذات، وهذا مختص باللَّه ولغيره كفر.

أمّا العلم بالغيب الذي هو بتوسط اللَّه تعالي وليس هو عين الذات، فهذا الذي علمته الأئمة ورسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم وعليه دلت الآيات والروايات:

فعن أبي عبد اللَّه الصادق عليه السلام قال: «واللَّه لقد أعطينا علم الأوّلين والآخرين».

فقال له رجل من أصحابه: «جعلت فداك أعندكم علم الغيب؟

فقال له عليه السلام: «ويحك إنّي

أعلم ما في أصلاب الرجال وأرحام النساء، ويحكم وسّعوا صدوركم ولتبصر أعينكم ولتع قلوبكم، فنحن حجّة اللَّه تعالي في خلقه ولن يسع ذلك إلّا صدر كلّ مؤمن قوي قوّته كقوّة جبل تهامة إلّا بإذن اللَّه، واللَّه لو أردت أن أحصي لكم كل حصاة عليها لأخبرتكم» (بحار الانوار: 28: 26 ح28 باب جهات علومهم عن مناقب آل أبي طالب: 374: 3).

وقال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم لعلي: «إنّ اللَّه أطلعني علي ما شاء من غيبه وحياً وتنزيلاً واطلعك عليه إلهاماً» (مشارق أنوار اليقين: 136 - 135 و25 وفي بحار الأنوار: 4: 26 ح1: «أنا صاحب اللوح المحفوظ ألهمني اللَّه علم ما فيه».

وقيل لأبي جعفر عليه السلام: إن شيعتك تدعي أنك تعلم كيل ما في دجلة. وكانا جالسين علي دجلة.

فقال له أبو جعفر عليه السلام: «يقدر اللَّه عز وجل أن يفوض علم ذلك إلي بعوضة من خلقه؟»

قال: نعم.

فقال عليه السلام: «أنا أكرم علي اللَّه من بعوضته» ثم خرج. (إثبات الوصية: 192 - 191).

وقال أمير المؤمنين عليه السلام في خطبة يصف فيها الإمام: «فهو الصدق والعدل. يطلع علي الغيب ويعطي التصرف علي الإطلاق» (بحار الأنوار: 170: 25 ح38 ومشارق أنوار اليقين: 115).

وقال الإمام الصادق عليه السلام: «يا مفضل من زعم أن الإمام من آل محمد يعزب عنه شي ء من الأمر المحتوم فقد كفر بما نزل علي محمّد، وإنّا لنشهد أعمالكم ولا يخفي علينا شي ء من أمركم، وإن أعمالكم لتعرض علينا، وإذا كانت الروح وارتاض البدن أشرقت أنوارها، وظهرت أسرارها وأدركت عالم الغيب» (مشارق أنوار اليقين: 138 (.

وقال أمير المؤمنين عليه السلام: «واللَّه لو شئت أن أخبر كل رجل منكم بمخرجه ومولجه وجميع شأنه لفعلت،

ولكن أخاف أن تكفروا في رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم، ألا وإني مفضيه إلي الخاصّة» (نهج البلاغة: 250 الخطبة 175).

وقالت عائشة للإمام الحسن عليه السلام بعد أن أخبرها بما فعلته يوم وفاة الأمير ولم يطلع عليه أحد سواها: يا ابن خبوت جدّك وأبوك في علم الغيب، فمن ذا الذي أخبرك بهذا عنّي!! (الهداية الكبري: 198 - 197، ذيل الباب الرابع).

وعندما أخبرها بخفايا ضميرها وما أخبرها به رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم من حربها الأمير عليه السلام قالت: جدّك أخبرك بذلك أم هذا من غيبك؟!

قال عليه السلام: «هذا من علم اللَّه وعلم رسوله وعلم أمير المؤمنين» (الهداية الكبري: 198 - 197، ذيل الباب الرابع).

وقال الإمام الحسن العسكري عليه السلام لمن سأله عن القائم المنتظرعجل اللَّه فرجه: «ألسنا قد قلنا لكم لا تسألونا عن علم الغيب فنخرج ما علمنا منه إليكم فيسمعه من لا يطيق استماعه فيكفر» (الهداية الكبري: 334 باب 13).

وعن الإمام زين العابدين عليه السلام: «ألا إن للعبد أربع أعين: عينان يبصر بهما أمر دينه ودنياه، وعينان يبصر بهما أمر آخرته، فإذا أراد اللَّه بعبد خيراً فتح له العينين في قلبه فأبصر بهما الغيب في أمر آخرته [وأمر آخرته]» (الخصال: 240: 1 ح90 باب الأربعة).

ورواه المتقي الهندي في كنز العمال بلفظ: «ما من عبد إلّا وفي وجهه عينان يبصر بهما أمر الدنيا، وعينان في قلبه يبصر بهما أمر الآخرة، فإذا أراد بعبد خيراً فتح عينيه اللتين في قلبه؛ فأبصر بهما ما وعده بالغيب، فآمن بالغيب علي الغيب» (كنز العمّال: 42: 2 ح3043).

وفي قصة أبي يوسف ومحمد بن الحسن صاحبي أبي حنيفة ما يؤكّد علم الإمام الكاظم عليه

السلام للغيب حيث قال أحدهما لصاحبه: جئنا لنسأله عن الفرض والسنّة وهو الآن جاء بشي ء من علم الغيب.

فسألاه: من أين أدركت أمر هذا الرجل الموكل بك أنّه يموت في هذه الليلة؟

قال الإمام عليه السلام: «من الباب الذي أخبر بعلمه رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم علي بن أبي طالب عليه السلام» (الخرايج والجرايح: 288 - 287 الباب الثامن).

وأيضاً في قصة إخبار الإمام الرضا عليه السلام ابن هذاب بما يجري عليه ما يزيل الشكّ في الباب حيث قال عليه السلام له: «إن أخبرتك أنّك ستبلي في هذه الأيام بذي رحم لك كنت مصدّقاً لي؟»

قال: لا، فإن الغيب لا يعلمه إلّا اللَّه تعالي.

قال عليه السلام: «أوليس اللَّه يقول: «عالم الغيب فلا يظهر علي غيبه أحداً إلّا من ارتضي من رسول» فرسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم عند اللَّه مرتضي، ونحن ورثة ذلك الرسول الذي أطلعه اللَّه علي ما يشاء من غيبه، فعلّمنا ما كان وما يكون إلي يوم القيامة، وإن الذي أخبرتك يا ابن هذاب لكائن إلي خمسة أيّام، فإن لم يصح ما قلت فبهذه المدّة، وإلّا فإنّي كذّاب مفترٍ، وإن صحّ فتعلم أنّك الراد علي اللَّه وعلي رسوله.

ولك دلالة أخري فتصاب ببصرك وتصير مكفوفاً فلا تبصر سهلاً ولا جبالاً وهذا كائن بعد أيام.

ولك عندي دلالة أخري أنّك ستحلف يميناً كاذبة فتضرب بالبرص».

قال محمد بن الفضل: باللَّه لقد نزل ذلك كلّه بابن هذاب (الخرايج والجرايح: 306 الباب التاسع).

-أقول: هذه رواية صريحة في علمهم للغيب لا ينكرها إلّا ناصبي.

وعن أمير المؤمنين عليه السلام في خطبة له: «والإمام يا طارق بشر ملكي وجسد سماوي، وأمر إلهي وروح قدسي، ومقام عليّ ونور جليّ وسرّ

خفيّ، فهو ملك الذات إلهي الصفات، زائد الحسنات عالم بالمغيبات؛ خصّاً من ربّ العالمين ونصّاً من الصادق الأمين» (بحار الأنوار: 172: 25 ح38 باب جامع في صفات الإمام).

وعن أبي جعفر الجواد عليه السلام لما أخبر اُمّ الفضل بنت المأمون بما فاجأها ممّا يعتري النساء عند العادة.

قالت له: لا يعلم الغيب إلّا اللَّه.

قال عليه السلام: «وأنا أعلمه من علم اللَّه تعالي» الإرشاد إلي ولاية الفقيه: 254.

-أقول: وهذه رواية أخري تنص علي علمهم للغيب فلا تغفل وأزل الشك من قلبك.

وفي خطبة لأمير المؤمنين يذكر فيها صفات الإمام جاء فيها: «ويلبس الهيبة وعلم الضمير، ويطلع علي الغيب ويعطي التصرّف علي الإطلاق» مشارق أنوار اليقين: 115.

هذا إضافة إلي روايات إخبارهم بأمور غيبية جزئية ليس هنا محل ذكرها.

وقال تعالي: «عالم الغيب فلا يظهر علي غيبه أحداً إلّا من ارتضي من رسول» الجن: 26.

قال الإمام الرضا عليه السلام لعمرو بن هذاب عندما نفي عن الأئمة عليهم السلام علم الغيب محتجاً بهذه الآية: «إن رسول اللَّه هو المرتضي عند اللَّه، ونحن ورثة ذلك الرسول الذي أطلعه اللَّه علي غيبه فعلّمنا ما كان وما يكون إلي يوم القيامة» (بحار الأنوار: 22: 12 و74: 15).

وقال أبو جعفر عليه السلام: ««إلّا من ارتضي من رسول» وكان واللَّه محمد ممن ارتضاه» (الإرشاد الي ولاية الفقيه: 257، وقريب منه في الخرايج والجرايح: 306).

وقال: «ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك - تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك» آل عمران: 44، هود: 49، يوسف: 102.

وقال: «وعلّمك ما لم تكن تعلم». النساء: 113، وهي عامة.

«وكل شي ء أحصيناه في إمام مبين» يس: 12. والإمام المبين هو أمير المؤمنين علي عليه السلام (ينابيع المودة: 77: 1 ط. اسلامبول و87 ط. النجف، وتفسير

نور الثقلين: 379: 4 مورد الآية والهداية الكبري: 98 الباب الثاني والأنوار النعمانية: 47: 1 و: 18: 2).

وقال تعالي: «وما يعزب عن ربّك من مثقال ذرّة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلّا في كتاب مبين» يونس: 61، وسبأ: 3.

وقال عز من قائل: «وكل شي ءٍ أحصيناه كتاباً» النبأ: 29. وهم الكتاب المبين (ينابيع المودة: 81: 1 ط. النجف و71: 1 ط. تركيا ومشارق أنوار اليقين: 136).

وقال تعالي: «ورحمتي وسعت كل شي ء» الأعراف: 156.

فروي عن الإمام الباقر عليه السلام في تفسيرها: «علم الإمام، ووسع علمه الذي هو من علمه كل شي ء» (نور الثقلين: 78: 2 ح 288 عن الكافي).

وقال أمير المؤمنين عليه السلام: «أنا رحمة اللَّه التي وسعت كل شي ء» (الهداية الكبري: 400).

[218] الصحيح أن زمن علمهم هو عالم الأنوار وقد فصلناه في كتاب علم آل محمد عليهم السلام وإليك مجمله:

-زمن علم آل محمد عليهم السلام

قال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم «نبئت وآدم بين الروح والجسد» «وجبت النبوّة لي وآدم بين الروح والجسد» «كنت نبيّاً وآدم بين الروح والجسد» (فضائل ابن شاذان: 34، كنز العمال: 426: 12 ح35584 و450 - 409: 11 ح 32115 و31917، والشريعة للاجري: 421 - 416 - عدّة أحاديث -، والشفاء: 166: 1، وسنن الترمذي: 585: 5، والمعجم الكبير: 353: 20، والفردوس بمأثور الخطاب: 284: 3 ح 4854).

فكونه نبيّاً ينبأ في غاية الوضوح والدلالة علي تلقيه العلوم في ذلك العالم؛ إذْ يستحيل أن اللَّه اتخذه نبياً ونبأه وهو فاقدٌ للعلم.

وعن الإمام الباقر عليه السلام: «إن اللَّه أوّل ما خلق خلق محمّداً وعترته الهداة المهديين، فكانوا أشباح نور بين يدي اللَّه».

قلت: وما الأشباح؟

قال: «ظلّ

النور أبدان نورانية بلا أرواح، وكان مؤيداً بروح واحدة هي روح القدس» (أصول الكافي: 442: 1 ح10 مولد النبي).

وعن الإمام العسكري عليه السلام: «هذا روح القدس الموكل بالأئمة عليهم السلام يوفقهم ويسددهم ويزينهم بالعلم» (الأنوار النعمانية: 18: 2).

وفي حديث عن الإمام الصادق عليه السلام قال فيه: «فلما أراد أن يخلق الخلق نشرهم بين يديه فقال لهم من ربكم؟

فكان أول من نطق رسول اللَّه وأمير المؤمنين والأئمة صلوات اللَّه عليهم، فقالوا: أنت ربنا، فحمّلهم العلم والدين، ثم قال للملائكة: هؤلاء حملة علمي وديني وأمنائي في خلقي وهم المسؤولون» (بحار الأنوار: 16: 15 باب بدء خلق النبي ح22، و: 277: 26 ح19 باب تفضيلهم علي الأنبياء، والتوحيد للصدوق: 319 باب معني: «وكان عرشه علي الماء» ح 1 باب 49 ط. قم).

وعن رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم في حديث جاء فيه: «ثم جعلنا عن يمين العرش، ثم خلق الملائكة فهللنا فهللت الملائكة، وكبّرنا فكبّرت الملائكة، وكان ذلك من تعليمي وتعليم علي، وكان ذلك في علم اللَّه السابق أن الملائكة تتعلّم منّا التسبيح والتهليل، وكل شي ء يسبِّح للَّه ويكبِّره ويهلّله بتعليمي وتعليم علي» (بحار الأنوار: 345: 26 باب فضل النبي وآله ح 18، ومشارق أنوار اليقين: 40، والأنوار النعمانية: 22: 1).

وقال صلي الله عليه و آله و سلم: «يا علي نحن أفضل (من الملائكة) خير خليقة اللَّه علي بسيط الأرض وخيرة اللَّه المقرّبين، وكيف لا نكون خيراً منهم؟ وقد سبقناهم إلي معرفة اللَّه وتوحيده؟! فبنا عرفوا اللَّه وبنا عبدوا اللَّه وبنا اهتدوا السبيل إلي معرفة اللَّه» (بحار الانوار: 350 - 349: 26 ح33).

وعن الإمام الصادق عليه السلام: «نحن شجرة النبوّة ومعدن الرسالة، ونحن عهد اللَّه

ونحن ذمّة اللَّه، لم نزل أنواراً حول العرش نسبِّح فيسبِّح أهل السماء لتسبيحنا، فلما نزلنا إلي الأرض سبّحنا فسبّح أهل الأرض؛ فكل علم خرج إلي أهل السَّموَات والأرض فمنّا وعنّا» (بحار الأنوار: 24: 25 ح41 ومشارق أنوار اليقين: 45).

وقال الإمام الصادق عليه السلام: قال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم: «إن اللَّه مثّل لي أُمّتي في الطين وعُلّمت الأسماء كما علم آدم الأسماء كلّها» (بصائر الدرجات: 85 باب أنّه عرف ما رأي في الأظلة ح7).

وفي رواية عن الإمام الباقر عليه السلام قال: قال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم: «إن ربي مثَّل لي اُمّتي في الطين وعلّمني أسماء الأنبياء - وفي نسخة الأشياء - كما علَّم آدم الأسماء كلّها فمر بي أصحاب الرايات، فاستغفرت لعلي وشيعته» (بصائر الدرجات: 86 باب أنه عرف ما رأي في الأظلة ح15).

وقال الإمام الجواد عليه السلام: «أنا محمّد بن علي الرضا أنا الجواد، أنا العالم بأنساب الناس في الأصلاب أنا أعلم بسرايركم فظواهركم، وما أنتم صائرون إليه، علم منحنا به من قبل خلق الخلق أجمعين في الهداية الكبري: علماً أورثناه اللَّه قبل الخلق أجمعين، وبعد فناء السَّموَات والأرضين، ولولا تظاهر أهل الباطل ودولة أهل الضلالة، ووثوب أهل الشكّ؛ لقلت قولاً تعجب منه الأوّلون والآخرون».

ثم وضع يده الشريفة علي فيه وقال: «يا محمّد اصمت كما صمت آباؤك من قبل».

(مشارق أنوار اليقين: 98 الفصل الحادي عشر، والهداية الكبري: 296 باب11).

وروي صاحب بستان الكرامة أن النبي صلي الله عليه و آله و سلم كان جالساً وعنده جبرائيل عليه السلام فدخل علي عليه السلام فقام له جبرائيل عليه السلام.

فقال النبي صلي الله عليه و آله و سلم: «أتقوم

لهذا الفتي؟».

فقال له عليه السلام: نعم إنّ لهُ عليّ حق التعليم.

فقال النبي صلي الله عليه و آله و سلم: كيف ذلك التعليم يا جبرائيل؟

فقال: لمّا خلقني اللَّه تعالي سألني من أنت وما اسمك ومن أنا وما اسمي؟

فتحيّرت في الجواب وبقيت ساكتاً، ثم حضر هذا الشاب في عالم الأنوار وعلّمني الجواب، فقال: «قل: أنت ربّي الجليل واسمك الجليل وأنا العبد الذليل واسمي جبرائيل».

ولهذا قمت له وعظمته. (الأنوار النعمانية: 15: 1).

وروي الصفوري قول أمير المؤمنين عليه السلام: «سلوني قبل أن تفقدوني عن علمٍ لا يعرفه جبرائيل وميكائيل» (نزهة المجالس: 129: 2 ط. التقدم العلمية بمصر 1330 ه، و144: 2 ط. بيروت المكتبة الشعبانية المصورة عن مصر الأزهرية 1346 ه).

وقد أشار محيي الدين ابن عربي في خطبة الفتوحات المكية إلي ذلك بقوله:

«الحمد للَّه الذي جعل الإنسان الكامل معلّم الملك وأدار بانقساره طبقات الفلك».

وفي حديث الإمام الصادق عليه السلام مع المفضل بعد ذكر الإمام رجعة أصحاب الكساء وشكايتهم إلي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم ما حلّ بهم قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام لفضّة: «يا فضّة لقد عرفه رسول اللَّه وعرف الحسين اليوم بهذا الفعل (ضرب فاطمة وإسقاط المحسن عليهماالسلام) ونحن في نور الأظلة أنوار عن يمين العرش» (الهداية الكبري: 408 باب 14).

هذا وروي عن رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم قوله: «في قاب قوسين علّمني اللَّه القرآن وعلّمني اللَّه علم الأولين» (لوامع أنوار الكوكب الدريّ: 118 - 117: 1).

[219] الحديث بطوله في البحار: 261: 15 ح12 مع تفاوت ببعض الألفاظ.

[220] بحار الأنوار: 284: 14 ح6، وفيه تفاوت ببعض الألفاظ مثلاً بدل الدهن الذهب.

[221] في المطبوع يئر وجاء في نسخة خطية: يبر.

[222]

بحار الأنوار: 307: 6 ح6 بتفاوت.

[223] مسند البزار: 215: 2 ح604، والمعجم الأوسط: 198: 9 ح8427، ومسند الشاسي: 342: 1، والمستدرك: 131: 3.

[224] البحار: 111: 18 ح18.

[225] البحار: 111: 18 ح18.

[226] بحار الأنوار: 248: 20 ح 17.

[227] بحار الأنوار: 188: 15 ح11 عن الكافي.

[228] بعضه في البحار: 5: 8 ح8 و: 381: 47 ح102.

[229] بحار الأنوار: 494: 22 ح40.

[230] المؤمنون: 1.

[231] بحار الأنوار: 18: 35 و 37 ح14 و37 بتفاوت والحديث طويل.

[232] في المصادر: الراهب المثرم.

[233] الأنبياء: 26، والحديث في بحار الأنوار: 385: 32 ح357.

[234] مدينة المعاجز: 39: 2.

[235] بحار الأنوار: 386: 22 ح28.

[236] بحار الأنوار عن الخرائج: 298: 41 ح27 وفيه لا يهلك.

[237] خفان موضع بالكوفة.

[238] بصائر الدرجات: 201 باب انّهم جري لهم ما جري للرسول ح4 - 3 والبحار: 172: 39 ح14.

[239] بحار الأنوار: 336: 39 ح5.

[240] بحار الأنوار: 154: 26 ح43.

[241] في البحار: هناس.

[242] بحار الأنوار: 271: 27 ح24.

[243] الاسراء: 44.

[244] الاسراء: 45 - 44.

[245] بحار الأنوار عن الخرائج: 46: 33 ح391.

[246] بحار الأنوار عن المناقب: 221: 40 ح4 والحديث طويل.

[247] شرح الأخبار للقاضي: 324: 2، ومناقب آل أبي طالب: 196: 2 وفيهما: استحضنتها.

[248] بحار الأنوار: 186: 40 ح71.

[249] تذكرة الخواص: 153، والطرائف: 205: 1 بتحقيقنا، والبحار: 186: 40 ح71.

[250] مدينة المعاجز: 44: 2، والبحار: 13: 53 بتفاوت.

[251] لقمان: 19.

[252] المعجم الأوسط: 323: 2 ومناقب الخوارزمي: 263.

[253] بحار الأنوار: 273: 41 ح29 وفيه: الحلواء.

[254] بحار الأنوار: 273: 41 ح29 بتفاوت بسيط.

[255] بحار الأنوار: 172: 40 ح54 وفيه: يفسِّر ما يقول الناقوس.

[256] القصص: 35.

[257] مدينة المعاجز: 47: 2 ح 393.

[258] مدينة المعاجز: 47: 2 ح 393.

[259] معاني الأخبار: 387 باب نوادر المعاني وفيه

بدل أسماء الرجال قوله: وأما العيون فأعداؤه رابعهم قاتله.

[260] أو الصخرة كما في نسخة أخري.

[261] في البحار: من سفينته.

[262] بحار الأنوار: 337: 37 و336: 41 ح 57.

[263] بصائر الدرجات: 201 باب انّهم جري لهم ما جري للرسول: ح4 - 3.

[264] وفي بصائر الدرجات (454 ح 12): بروح القدس علموا ما دون العرش إلي ما تحت الثري.

[265] بحار الأنوار: 231: 57 ح188 عن كتاب المختصر مع تفاوت.

[266] بحار الأنوار: 338: 57 ح29.

[267] حلية الأبرار: 15: 2، ومدينة المعاجز: 512 - 76: 3.

[268] المراقبات: 259، وجامع الأسرار: 382 ح763.

[269] يراجع المجلّد 46 من بحار الأنوار - تاريخ فاطمة عليهاالسلام.

[270] وفاة الزهراء: 63، والاحتجاج: 56 والمسترشد: 382.

[271] الهداية الكبري للخصيبي: 197.

[272] زيادة عن البحار: (234: 33 ح 517) لتقويم المعني.

[273] بحار الأنوار: 237: 33 ح517 والحديث طويل جدّاً اختصر هنا.

[274] مدينة المعاجز: 512 - 76: 3.

[275] بحار الأنوار عن الكافي: 330: 44 ح2.

[276] الخرائج والجرائح: 245 باب 4، وفرج المهموم: 227.

[277] بحار الأنوار عن دلائل الطبري: 45: 46 ح45 بتفاوت.

[278] الهداية الكبري: 228 - 227 باب 6 و: 322 باب 12، ودلائل الإمامة: 2، والبحار: 379: 25.

[279] بحار الأنوار: 49: 46 ح49.

[280] الخرائج: 823 وبحار الأنوار: 269: 27 ح19 بتفاوت.

[281] بحار الأنوار: 24: 65 ح40.

[282] بحار الأنوار: 248: 46 ح40 وفيه لا اُم لك.

[283] الضحضاح في الأصل ما رقّ من الماء علي وجه الأرض ما بلغ الكعبين «النهاية».

[284] في البحار: عمر.

[285] بحار الأنوار: 272: 27 ح25 بتفاوت.

[286] بحار الأنوار: 243: 46 ح31 بتفاوت كبير.

[287] بحار الأنوار: 251: 46 ح44 بتفاوت.

[288] بحار الأنوار: 274: 46 ح79.

[289] المصدر نفسه.

[290] بصائر الدرجات: 289 ج6 باب 3 ح1 باب انّهم يحيون الموتي. والهداية

الكبري: 243 باب 7 وبحار الأنوار: 237: 46 ح13.

[291] بحار الأنوار: 155: 47 ح218.

[292] بحار الأنوار: 95: 47 ح108.

[293] بحار الأنوار: 181: 47 ح27 وتصويب العبارة منه.

[294] بحار الأنوار: 155: 47 ح218.

[295] كذا بالأصل وهي غير موجودة في البحار مع أنه ينقله عن المشارق.

[296] بحار الأنوار: 181: 47 ح27.

[297] بحار الأنوار: 60: 47 ح116.

[298] الإرشاد للمفيد: 186: 2 كلام الصادق حول ميراث الرسول، وأصول الكافي: 238: 1.

[299] بحار الأنوار: 63: 47 ح2.

[300] بحار الأنوار: 133: 48 ح6 والحديث طويل.

[301] مدينة المعاجز: 384: 6.

[302] الهداية الكبري: 270 باب 9.

[303] بحار الأنوار: 249: 48 ح57.

[304] بحار الأنوار: 71: 49 ح95.

[305] بحار الأنوار: 71: 49 ح95.

[306] المصدر نفسه.

[307] بحار الأنوار عن الخرايج: 50: 49 ح50.

[308] بحار الأنوار: 293: 49 ح8.

[309] الهداية الكبري: 296 باب 11 وبحار الأنوار: 108: 50 ح27.

[310] يوسف: 31.

[311] روحي فداه نفي أوّلاً علم الغيب الاستقلالي ثم أثبته بتعليم اللَّه تعالي.

[312] الهداية الكبري: 197 ذيل الباب 4 والإرشاد إلي ولاية الفقيه: 254.

[313] في نسخة خطية الحمصي.

[314] كذا في الأصل يريد مشعوذ.

[315] بحار الأنوار: 211: 50 ح25.

[316] بحار الأنوار: 185: 50 ح62

[317] في البحار: ياره.

[318] في نسخة متوشلح وهو المشهور وكذا في البحار.

[319] في البحار: شابور بن أردشير.

[320] بحار الأنوار: 304: 50 ح81.

[321] بحار الأنوار: 314: 50 ح12.

[322] في نسخة خطية حكيمة.

[323] كذا في الأصل المطبوع وفي النسخة 225 فأما في كتاب دلائل الإمامة للطبري: سنة 257.

[324] في النسخة الخطية.

[325] بحار الأنوار: 27: 51 ح37.

[326] في النسخة الخطية والنقطة كما في المفهوم الذي يراه المؤلف في علم الحروف.

[327] إشارة إلي قوله تعالي: «لقد جاءكم رسول من أنفسكم، عزيز عليه ما عنتم، حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم»

هذه الآية في آخر سورة التوبة.

[328] الأعراف: 145.

[329] النحل: 39.

[330] النحل: 89.

[331] الأنعام: 38.

[332] يس: 12.

[333] راجع تفسير الميزان: 67: 17 مورد الآية.

[334] تقدّم الحديث.

[335] تقدّم الحديث وراجع: ينابيع المودّة: 77: 1 ط تركيا و: 87 النجف، وتفسير الثقلين: 379: 4.

[336] الرعد: 43.

[337] بحار الأنوار عن الكافي: 192: 36 ح1.

[338] بحار الأنوار: 198: 36 ح3 والحديث طويل: والاية 157 من سورة البقرة.

[339] فاطر: 32.

[340] الأحزاب: 33.

[341] الأنعام: 90.

[342] بحار الأنوار: 124: 23، والطرائف: 199: 1 بتحقيقنا.

[343] الحديد: 26.

[344] الغاشية: 26 - 25.

[345] ق: 21.

[346] المائدة: 12.

[347] الأنعام: 87.

[348] هود: 46.

[349] يونس: 35.

[350] التوبة: 119.

[351] البقرة: 208.

[352] آل عمران: 33.

[353] النساء: 54.

[354] النساء: 59.

[355] الأنعام: 153.

[356] النساء: 154.

[357] الشعراء: 214.

[358] آل عمران: 61.

[359] الاسراء: 26.

[360] الشوري: 23.

[361] الشعراء: 109.

[362] هود: 51.

[363] فتح الباري شرح صحيح البخاري: ح3369.

[364] الصافات: 79.

[365] الصافات: 109.

[366] الصافات: 120.

[367] التوبة: 60.

[368] الأنفال: 41.

[369] النساء: 59.

[370] المائدة: 55.

[371] التوبة: 60.

[372] الطلاق: 10.

[373] طه: 132.

[374] راجع مسند أحمد: 259: 3 ط. م و: 157: 4 ط. ب وسنن الترمذي: 352: 5 ح3206 وتفسير الطبري: 5: 22 مورد الآية.

[375] جاء في هذا الفصل كثير من علم الحروف. ومن الجدير بالذكر أن الحروف المدغمة المشدّدة تعدّ واحدة والهمزة المدرجة والألف المكتوبة والملفوظة كذلك تعد واحدة … والألف علامة للإعراب ولغير الإعراب سواء وقعت في الفاء أو العين أو اللام.

[376] المائدة: 12.

[377] الأعراف: 160.

[378] مناقب ابن المغازلي: 212 ح256، وأمالي الشجري: 133: 1 وغرر البهاء الضوي: 298 وروضة الواعظين: 128.

[379] معجم الطبراني الكبير: 320: 1 ومناقب الكوفي: 615: 2.

[380] أمالي الصدوق: 415 مجلس 77 ح10، والطرائف: 519.

[381] مدينة المعاجز: 426: 1، والبحار: 40: 21.

[382] بحار الأنوار: 75

- 73: 40، وتذكرة الخواص: 23، والطرائف: 208: 1.

[383] الكهف: 109.

[384] روي الصدوق في الأمالي 11 مجلس 3، عن النبي: «علي كلمة اللَّه العليا» وفي رواية: «الإمام كلمة اللَّه» البحار 169: 25 وفي معاني الأخبار: «أنا كلمة اللَّه التقوي».

[385] كشف اليقين: 4.

[386] أعيان الشيعة: 468: 6.

[387] بحار الأنوار: 357: 41 ح65 بتفاوت.

[388] مناقب آل أبي طالب: 267: 3، وإرشاد القلوب: 209: 2 وبحار الأنوار: 84: 39 ح15.

[389] في الحديث: يا علي ما عُرف اللَّه إلّا بي ثم بك» البحار: 148: 22.

[390] نقص بالأصل ولعله:.. سألته (أبا ذر) عن علي فقال: لا يعرفه إلّا اللَّه.

[391] في الأصل المطبوع لفظ رجل بدل اللَّه فتأمّل المعني جيّداً؟!

[392] الأعراف: 143.

[393] كان الشعر في الأصل المطبوع مشوّهاً تشويهاً عجيباً وممسوخاً عن أصله إلي حدٍّ بعيد.

[394] تقدّم الحديث.

[395] في الأصل المطبوع: أثر بدلاً «عن سر» النسخة الخطية.

[396] في النسخة المخطوطة: والأمر المتصل من الواحد إلي الأحد هو روح الحق ومعني سائر الخلق وهي الكلمة.

[397] في النسخة المخطوطة مفترضة.

[398] المنافقون: 8.

[399] القصص: 50.

[400] الحديث بطوله: في بحار الأنوار: 170: 25 ح38.

[401] بحار الأنوار: 2: 27 ح2 بتفاوت.

[402] تاريخ بغداد: 274: 1 رقم 88 ومناقب الخوارزمي: 302 ح297 ومقتل الخوارزمي: 108 - 4: 1 والطرائف: 99: 1 بتحقيقنا.

[403] في الأصل المطبوع من بينهن.

[404] بحار الأنوار: 98: 38 ح17 عن الأمالي بتفاوت.

[405] آل عمران: 19.

[406] آل عمران: 85.

[407] الحجرات: 14.

[408] بحار الأنوار: 167: 27 ح3 وفيه لولاية علي.

[409] بحار الأنوار: 2: 27 ح5.

[410] بحار الأنوار: 159: 36 ح140.

[411] كذا بالأصل.

[412] يقول علم الفلك الحديث ان الشمس ثابتة، والأرض هي المتحرّكة.

[413] قدّرت سعة الشمس في العلوم الجديدة بأكثر من الأرض مقدار مليون وثلثمائة ألف مرّة.

[414]

في القسم 15 مرة وليس في علم الفلك الآن أحكام ثابتة عن مقدار السهي حتي نضع المقارنة.

[415] كنز العمال: 426: 12 ح3558، وفضائل ابن شاذان: 34، والفردوس: 284: 3 ح4854.

[416] لفظ الحديث: «كنت ولياً وآدم بين الماء والطين» المراقبات: 259 وجامع الأسرار: 382 ح763.

[417] الزخرف: 43.

[418] هود: 112.

[419] الزخرف: 44.

[420] المائدة: 67.

[421] البقرة: 1.

[422] وفي لفظ: «لولانا لم يخلق اللَّه الجنة ولا النار ولا الأنبياء» البحار: 349: 26 ح23.

[423] الزمر: 65.

[424] الكهف: 109.

[425] لقمان: 27.

[426] الشوري: 3.

[427] صحيح مسلم: 295: 1 ح595 كتاب الصلاة.

[428] يس: 1.

[429] يس: 12.

[430] يس: 58.

[431] كذا في المطبوع ا لسابق، ولكنه جاء في النسخة الخطية «السيد».

[432] يس: 82.

[433] في النسخة الخطية وجود الجود.

[434] الأعراف: 54.

[435] في المخطوطة «في الأمر».

[436] في المخطوطة «العين في الميم».

[437] الفتح: 1.

[438] الفتح: 2.

[439] المائدة: 3.

[440] الفتح: 3.

[441] الاسراء: 3.

[442] الاسراء: 19.

[443] النجم: 37.

[444] الإنسان: 7.

[445] النساء: 54.

[446] الإنسان: 20.

[447] ص: 44.

[448] الإنسان: 12.

[449] مريم: 31.

[450] الإنسان: 26.

[451] المنافقون: 8.

[452] الليل: 19.

[453] المائدة: 55.

[454] النحل: 50.

[455] الإنسان: 10.

[456] الأنعام: 14.

[457] الإنسان: 8.

[458] وهو قوله: «لولا أني أخاف … لقلت اليوم فيك مقالة لا تمرّ بملأ إلّا أخذوا تراب نعليك» البحار: 284: 25 ح35.

[459] السجدة: 17.

[460] النساء: 83.

[461] الزخرف: 18.

[462] في المطبوع: جامبست.

[463] في المخطوط والمطبوع والكتابين مشهورين.

[464] بحار الأنوار: 162: 51 بتفاوت بسيط.

[465] تقدّم الحديث.

[466] في المصادر في الطوي البعيدة، نهج البلاغة: 52 الخطبة 5، والتذكرة الحمدونية: 91: 1 ح166.

[467] نهج البلاغة: 250 الخطبة 175.

[468] بحار الأنوار: 365: 25 ح6.

[469] فضائل الصحابة لأحمد: 663: 2 ح1131، وكنز العمال: 156: 13 ح36482 والطرائف: 108: 1.

[470] يوسف: 108.

[471] فتح الباري بشرح صحيح البخاري: 90: 7 ح3707 والطرائف: 103:

1 بتحقيقنا.

[472] بحار الأنوار: 53: 40 ح88 و: 4: 25 ح6.

[473] بحار الأنوار: 346: 37 ح3 ضمن حديث طويل.

[474] الجواهر السنية للحر العاملي: 272.

[475] عوالي اللئالي: 72: 4.

[476] غيبة النعماني: 86 - 80.

[477] بحار الأنوار: 9: 86 ح8 ولا يوجد فيه: بدينهم بل: بطاعتهم.

[478] كذا بالأصل.

[479] البحار: 393: 95، والإنسان الكامل: 128.

[480] إقبال الأعمال: 214: 3.

[481] التوبة: 105.

[482] تقدّم الحديث.

[483] الجاثية: 29.

[484] المؤمنون: 63.

[485] يونس: 61.

[486] في البحار: 4: 26 ح1: «أنا صاحب اللوح المحفوظ ألهمني اللَّه علم ما فيه».

[487] وذلك لقرب الناس في زمن النبي صلي الله عليه و آله و سلم إلي الجاهلية ولسعيه إلي تثبيت الإسلام وقواعده.

[488] ظاهر الآية نسبة العجلة إلي النبي وهو ينافي عظمته صلي الله عليه و آله و سلم وتوضيح ذلك:

أن الناس في الجاهلية الجهلاء، ولن تتحمّل نسبة العلم إلي النبي صلي الله عليه و آله و سلم بلا توسط الوحي بينه وبين اللَّه، إمّا لأنّ الأنبياء يوحي إليهم عادةً.

وإمّا لقرب عهدهم بالجاهلية وعدم معرفتهم المعرفة الحقيقية للنبي الأعظم، حتي إنّهم كانوا ينادونه من وراء الحجرات باسمه.

وهم، مع أنّه صلي الله عليه و آله و سلم أبرز لهم مسألة الوحي، كذّبوه وقالوا: هذا من عنده، أو من عند سلمان الفارسي.

فكيف لو لم يبرز لهم الوحي وجبرائيل عليه السلام!؟.

وما يشير إلي ذلك أن النبي صلي الله عليه و آله و سلم عندما كان يأتيه الوحي، كان يقول جاء جبرائيل، وذهب جبرائيل، وأخبرني جبرائيل عن اللَّه تعالي، وما شابه ذلك، وما ذاك إلّا للتأكيد أنّ هناك إلهاً وديناً وإسلاماً ورسالة من السماء.

ومن هنا نفهم الآيات والروايات التي تحدّثنا أن النبي صلي الله عليه و آله و سلم لم يكن يعطي

الجواب حتي ينزل الوحي، فهو كان يعلم الجواب، ولكن يريد أن يغرز في نفوسهم فكرة الوحي من السماء.

قال تعالي: «ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضي إليك وحيه» طه: 114.

فالنبي صلي الله عليه و آله و سلم قبل أن ينقضي الوحي من السماء عليه، كان مستعداً أن يقرأ علي الناس القرآن، بل تقدم علمه للقرآن منذ عالم الأنوار.

ونسبة العجلة للنبي صلي الله عليه و آله و سلم لم يكن المراد بها حتي أن التوقيت غير مناسب، بل لإبراز أن النبي صلي الله عليه و آله و سلم كان يعلم بالقرآن وآياته قبل أن ينزل عليه جبرائيل، وبالتالي تكون الآية دليلاً علي ما نذكره وذكرناه سابقاً أن جبرائيل كان يذكره بالقرآن تذكيراً لا يجتمع مع النسيان.

إن قيل: يحتمل في الآية أن النبي صلي الله عليه و آله و سلم كان يستعجل بالقرآن فيتلو الآية الأولي أو مطلعها قبل أن يكملها جبرائيل أو قبل أن ينتهي من السورة.

قلنا: فعل النبي الأعظم صلي الله عليه و آله و سلم هذا إما مع التفاته إلي بقية الآيات التي يكملها جبرائيل، وإما مع عدم التفاته لها.

فعلي الأول لا معني للنهي عن العجلة.

وعلي الثاني يكون النبي مفوتاً للوحي ومضيّعاً لبعض الآيات، ولا قائل به إلّا من سفه قوله.

قال الشيخ الطبرسي في الآية: لا تحرك به لسانك لتعجل قراءته بل كرّرها عليهم ليتقرر في قلوبهم فإنهم غافلون عن الأدلة، ألهاهم حبّ العاجلة فاحتاجوا إلي زيادة تنبيه وتقرير (مجمع البيان: 603: 10 مورد الآية - القيامة: 16).

وقال سيد المفسرين: ويؤول المعني إلي أنك تعجل بقراءة ما لم ينزل بعد، لأن عندك علماً في الجملة، لكن لا تكتف به واطلب من اللَّه علماً جديداً

بالصبر واستماع بقية الوحي. وهذه الآية مما يؤيد ما ورد من الروايات أن للقرآن نزولاً دفعة واحدة غير نزوله نجوماً علي النبي صلي الله عليه و آله و سلم فلولا علم ما منه بالقرآن قبل ذلك لم يكن لعجله بقراءة ما لم ينزل منه بعد معني (تفسير الميزان: 215: 14 مورد الآية - طه: 114).

وقد أبطل السيد الطباطبائي نسبة عجلة النبي صلي الله عليه و آله و سلم في القراءة قبل انتهاء جبرائيل.

(تفسير الميزان: 110: 20 مورد الآية - القيامة: 16).

-أقول: عندي أن معني الآية: أن النبي صلي الله عليه و آله و سلم كان يقرأ القرآن علي الناس أو كان يبلغ بعض أحكامه ومعانيه للناس مرة واحدة، وذلك قبل أن ينزل الوحي عليه به وقبل أن ينقضي إليه، فجاء الخطاب الإلهي ليقول: لا تعجل في تبليغ القرآن، وأبلغه للناس حتي قبل نزول جبرائيل به، أبلغهم إياه بالتأني ليفهموه ويعملوا به، ولك أن تقرأه عدة مرات علي الناس ولا داعي للعجلة والاقتصار علي المرة، فإن قلوبهم لم تلن بعد، واشكر اللَّه وقل ربّ زدني علماً لما أتاك علم القرآن قبل أن ينزل به جبرائيل.

وبذلك ننفي محذور نسبة العجلة إلي النبي صلي الله عليه و آله و سلم.

ويشير إليه ما روي عن ابن عباس ضمن حديث طويل عن رسول اللَّه قال صلي الله عليه و آله و سلم: ««ثم دني فتدلي فكان قاب قوسين أو أدني» قال: وسألني ربي فلم أستطع أن أجيبه فوضع يده بين كتفي بلا تكييف ولا تحديد، فوجدت بردها بين ثديي فأورثني علم الأولين والآخرين وعلمني علوماً شتي، فعلمٌ أخذ عليَّ كتمانه إذ علم أنه لا يقدر علي حمله أحد غيري، وعلم

خيرني فيه، وعلمني القرآن فكان جبريل عليه السلام يذكرني به، وعلم أمرني بتبليغه إليالعام والخاص من أمتي.

ولقد عاجلت جبريل عليه السلام في آية نزل بها علي، فعاتبي ربي وأنزل علي: «ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضي إليك وحيه وقل ربّ زدني علماً» (المواهب اللدنية: 382 - 381: 2 بحث الإسراء والمعراج - الربع الأخير منه، ولوامع أنوار الكوكب الدري: 118: 1 بتفاوت).

وفي الحديث الشريف «في قاب قوسين علّمني اللَّه القرآن وعلّمني اللَّه علم الأولين» (لوامع أنوار الكوكب الدري: 118 - 117: 1)

-هذا هو الهدف من التركيز علي جبرائيل، ورأينا كيف أن النبي مع نصّ القرآن أنّه «وحيٌ يوحي» نجد أن عمر ومن يدين بدينه، كيف كذّبوا النبي صلي الله عليه و آله و سلم يوم الوفاة وقالوا: إن الرجل ليهجر.

فكيف لو لم يكن التركيز علي الوحي وجبرائيل؟

[489] بحار الأنوار: 110: 48 ح15 بتفاوت.

[490] يونس: 61.

[491] بحار الأنوار: 368 - 361: 57 ح5.

[492] راجع بحار الأنوار: 268 - 259: 60.

[493] بحار الأنوار: 48: 28 ح14 بلفظ: بما فيه.

[494] النمل: 75.

[495] بحار الأنوار: 160: 27 ح9 والحديث طويل.

[496] الدخان: 4.

[497] في البحار: 175: 25 ح1: «الإمام لا يعزب عنه شي ء».

[498] راجع أمالي المفيد: 196 مجلس 23 وتفسير القمّي: 277: 1.

[499] عن علي بن موسي الرضا عليه السلام قال لمن سأله أن يدعو له: «أولست أفعل؟ واللَّه إن أعمالكم لتعرض علي في كل يوم وليلة» (أصول الكافي: 219: 1 عرض الأعمال علي النبي ح 4).

وعن أبي عبد اللَّه الصادق عليه السلام: «تعرض الأعمال علي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم كل صباح».

وفي رواية: ««اعملوا فسيري اللَّه عملكم ورسوله والمؤمنون» قال عليه السلام: هم الأئمة» (أصول

الكافي: 219: 1 عرض الأعمال علي النبي ح 1 - 2).

وأخرج البخاري في الأدب المفرد عن أبي ذر أنه قال: قال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم:

«عرضت علي أعمال أمتي - حسنها وسيئها - فوجدت محاسن أعمالهم» (الأدب المفرد: 80 ح 231 باب إماطة الأذي).

وأخرج الحارث والبزار عن رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم: «حياتي خير لكم تحدثون ونحدث لكم وموتي خير لكم تعرض علي أعمالكم» (المطالب العالية: 22: 4 ح 3853).

[500] خ ل: مستعبدون.

[501] البحار: 95: 47 ح108 و: 269: 26 ح6 والحديث طويل.

[502] سوف نفصّل ذلك عمّا قريب.

[503] الصحيح إمكان حضورهم عليهم السلام في آن واحد عند أكثر من ميت وفي أكثر من مكان:

جوز ابن العربي رؤية النبي محمد صلي الله عليه و آله و سلم بجسمه وروحه وبمثاله الآن. (الحاوي للفتاوي: 450: 2).

وقال تاج الدين السبكي لمن سأله عن رؤية القطب في أكثر من مكان: الرجل الكبير (القطب) يملأ الكون. وأنشد بعضهم:

كالشمس في كبد السماء وضوؤها

يغشي البلاد مشارقاً ومغاربا

(الحاوي للفتاوي: 454: 2).

وصرح السيوطي بإمكان رؤية الأنبياء يقظة.(الرسائل العشرة: 18، وشرح الشمائل المحمدية: 246: 2).

وقال في الذخائر المحمدية: إن رؤيا النبي صلي اللَّه عليه وسلم ممكن لعامة أهل الأرض في ليلة واحدة. (الذخائر المحمدية: 146).

وأجاب الشيخ بدر الدين الزركشي عن سؤال له في آنٍ واحد من أقطار متباعدة مع أن رؤيته صلي الله عليه و آله و سلم حق: بأنه صلي الله عليه و آله و سلم سراج ونور الشمس في هذا العالم، مثال نوره في العوالم كلها، وكما أن الشمس يراها من في المشرق والمغرب في ساعة واحدة وبصفات مختلفة، فكذلك النبي صلي الله عليه و

آله و سلم. وللَّه در القائل:

كالبدر من اي النواحي جئته

يهدي إلي عينيك نوراً ثاقبا

(المواهب اللدنية: 297: 2 خصائص رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم).

هذا، وتواتَرَ حديث: «من رآني فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل مكاني - لا يستطيع أن يتمثل بي - لا يتكون في صورتي - لا يتشبه بي» (المواهب اللدنية: 293: 2 إلي 301 ذكر خصائصه وذكر جملة من المصادر).

وفي لفظ: «من رآني في المنام فسيراني في اليقظة» (المعجم الكبير: 297: 19 ح 660 منه).

وقال العلماء في معناه: هو في الدنيا قطعاً ولو عند الموت لمن وفق لذلك. (الذخائر المحمدية: 147).

ومعلوم أنه يتفق رؤية أكثر من شخص للنبي الأعظم في وقت واحد.

وروي الإمام الرضا عليه السلام عن رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم: «من رآني في منامه فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي ولا في صورة أحد من أوصيائي» (كشف الغمة: 120: 3 فضائل الرضا، والأنوار النعمانية: 54: 4).

وقال القاضي أبو بكر ابن العربي: رؤيته صلي الله عليه و آله و سلم بصفته المعلومة إدراك علي الحقيقة، ورؤيته علي غير صفته إدراك للمثال، فإن الصواب أن الأنبياء لا تغيرهم الأرض، ويكون إدراك الذات الكريمة حقيقة، وإدراك الصفات إدراك المثال. (المواهب اللدنية: 294: 2 خصائص النبي صلي الله عليه و آله و سلم، وإرشاد الساري: 502: 14 كتاب التعبير باب من رأي النبي في المنام).

وقال القسطلاني: فإن قلت: كثيراً ما يري علي خلاف صورته المعروفة ويراه شخصان في حالة واحدة في مكانين، والجسم الواحد لا يكون إلّا في مكان واحد؟

أجيب: بأنه في صفاته لا في ذاته، فتكون ذاته عليه الصلاة والسلام مرئية، وصفاته متخيلة غير مرئية، فالإدراك

لا يشترط فيه تحديق الأبصار ولا قرب المسافة، فلا يكون المرئي مدفوناً في الأرض ولا ظاهراً عليها، وإنما يشترط كونه موجوداً. (إرشاد الساري: 503: 14 كتاب التعبير باب من رأي النبي في المنام).

ومن حال كثير من العلماء وقصصهم يُعلم إمكان رؤية النبي وأهل بيته، وكما ذكر ذلك في محله. (راجع المواهب اللدنية: 301 - 297: 2، وينابيع المودة: 554 - 551: 2، وكشف الغمة: 383 - 239: 1، وإلزام الناصب:: 340 إلي 427، ودلائل الإمامة: 273 إلي 288 و294 إلي 320 معاجز المهدي ومن رآه، وإعلام الوري: 425 - 396، وإرشاد الساري: 504 502: 14 كتاب التعبير، باب من رأي النبي في المنام).

قال الشيخ المرسي: لو حجب عني رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم طرفة عين ما عددت نفسي من المسلمين. (المواهب اللدنية: 300: 2 خصائص النبي صلي الله عليه و آله و سلم).

وبذلك يتضح إمكان رؤية آل محمد: الآن وفي كل مكان، وتقدم أنهم أحياء عند ربهم يرزقون، بلحمهم وجسدهم وروحهم.

وهذا يدلّ أن الإمام حاضر عند كل انسان لا يغيب عنه شخص من الأشخاص، لذا ورد عن رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم: «إن للشمس وجهين وجه يلي أهل السماء ووجه يلي أهل الأرض، فالإمام مع الخلق كلهم لا يغيب عنهم ولا يحجبون عنه» (بحار الأنوار: 9: 27 ح21 ومشارق أنوار اليقين: 139).

وعن الإمام الصادق عليه السلام: «الحجة قبل الخلق ومع الخلق وبعد الخلق» (كمال الدين: 221: 1 باب 22 ح 5، والإنسان الكامل: 87).

[504] الكهف: 45.

[505] تقدّم الحديث.

[506] بحار الأنوار: 96: 40 ح116.

[507] الكهف: 45.

[508] بحار الأنوار: 9: 27 ح21 وفيه يضي ء لأهل السماء - الأرض.

[509] الهداية الكبري:

240 باب 7، وبصائر الدرجات: 435 ح3 باب أنه يري ما بين المشرق والمغرب.

[510] الأنوار النعمانية: 33: 1، والهداية الكبري: 171 باب 2.

[511] فصّلناه في كتابنا علم آل محمد.

[512] الأنعام: 59.

[513] الشوري: 53.

[514] بحار الأنوار: 170: 25 ح38 بتفاوت.

[515] البقرة: 115.

[516] الجن: 28 - 27.

[517] بحار الأنوار: 89: 36: ح16 وفيه التعليم والحديث طويل.

[518] الجن: 28 - 27.

[519] وفيه رواية عن الإمام الباقر، راجع البحار: 14: 26 ح2.

[520] الأنعام: 75.

[521] البقرة: 124.

[522] بحار الأنوار: 141: 26 ح14 عن أمالي المفيد بتفاوت.

[523] بحار الأنوار: 153: 26 ح41 بتفاوت.

[524] نفحات الأزهار: 316: 4، وفي لفظ عن رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم: «معاشر الناس ما من علم إلّا علمنيه ربّي وأنا علّمته علياً» تفسير نور الثقلين: 379: 4 ومناقب ابن المغازلي: 50 ح73.

[525] بحار الأنوار: 179: 6 ح7، وبشارة المصطفي: 5 ح4 ورسائل المرتضي: 133: 3.

[526] قال الإمام الصادق عليه السلام: «إذا بلغت نفس احدكم هذه قيل له: أما ما كنت تحزن مِن هَمّ الدنيا وحزنها فقد أمِنت منه ويقال له: أمَامَك رسول اللَّه وعلي وفاطمة عليهم السلام».(بحار الأنوار: 184: 6 ح 17 باب ما يعاين المؤمن والكافر عند الموت، والكافي: 134: 3 ح 10).

وعن أمير المؤمنين علي عليه السلام قال: «قال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم: والذي نفسي بيده لا تفارق روح جسد صاحبها حتي يأكل من ثمر الجنة أو من شجر الزقوم، وحتي يري ملك الموت ويراني ويري علياً وفاطمة والحسن والحسين، فإن كان يحبنا قلت: يا ملك الموت ارفق به فإنه كان يحبني وأهل بيتي. وإن كان يبغضني ويبغض أهل بيتي قلت: يا ملك الموت شدد عليه

فإنه كان يبغضني ويبغض أهل بيتي، لا يحبنا إلّا مؤمن ولا يبغضنا إلّا منافق شقي» (أهل البيت، توفيق أبو علم: 69 - 68 الباب الثاني، وبشارة المصطفي: 6 ح 7 مع تفاوت بسيط).

وعن أسماء بنت عميس قالت: إنَّا لعند علي بن أبي طالب عليه السلام بعد ما ضربه ابن ملجم إذ شهق شهقة، ثم أغمي عليه ثم أفاق فقال: «مرحباً مرحباً الحمد للَّه الذي صدقنا وعده، وأورثنا الجنة». فقيل له: ما تري؟!

قال: «هذا رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم وأخي جعفر وعمي حمزة وأبواب السماء مفتَّحة والملائكة ينزلون يسلِّمون علي ويبشروني. وهذه فاطمة عليهاالسلام قد طاف بها وصائفها من الحور، وهذه منازلي في الجنة. لمثل هذا فليعمل العاملون» (ربيع الأبرار: 208: 4 ذيل باب الموت وما يتصل به من ذكر القبر والنعش).

وعن الفضل بن يسار عن أبي جعفر الباقر وجعفر الصادق عليهماالسلام أنهما قالا: «حرام علي روح أن تفارق جسدها حتي تري الخمسة: محمداً وعلياً وفاطمة وحسناً وحسيناً» (كشف الغمة: 40: 2 مناقب أمير المؤمنين عليه السلام).

وروي ابن أعثم رؤية معاوية عند موته لأمير المؤمنين عليه السلام قال: «ثم رحل معاوية عن ذلك المكان حتي صار إلي الشام فدخل منزله، واشتد عليه مرضه وكان في مرضه يري أشياء لا تسره،.. فكان يشرب الماء الكثير فلا يروي، وكان ربما غشي عليه اليوم واليومين، فإذا أفاق من غشوته ينادي بأعلي صوته: «مالي ومالك يا بن أبي طالب إن تعاقب فبذنوبي وإن تغفر فإنك غفور رحيم» (الفتوح لابن أعثم: 61: 2 ذكر انصراف معاوية عن مكة وما يلي به في سفره من المرض وخبر وفاته).

وعن سليم في خبر طويل فيه ندم الخليفة الأول والثاني عند

الموت جاء فيه:

فقال له عمر: يا خليفة رسول اللَّه لم تدعو بالويل والثبور.

قال أبو بكر: هذا رسول اللَّه ومعه علي بن أبي طالب يبشرانني بالنار ومعه الصحيفة التي تعاهدا عليها في الكعبة وهو يقول صلي الله عليه و آله و سلم:

«لقد وفيت بها وظاهرت علي ولي اللَّه فابشر أنت وصاحبك بالنار في أسفل السافلين» (إرشاد القلوب: 392: 2 خبر وفاة أبي بكر ومعاذ).

وعن نخلة بنت عبد اللَّه قالت: رأيت بعد أن قتل زيد بن علي وصلب بثلاثة أيام فيما يري النائم كأن نسوة من السماء نزلن عليهن ثياب حسنة حتي أحدقن بجذع زيد بن علي، ثم جعلن يندبنه وينحن عليه كما ينوح النساء في المأتم.

قالت: ونظرت إلي امرأة قد أقبلت وعليها ثوب لها أخضر يلمع منه نور ساطع حتي وقفت قريباً من أولئك النساء، ثم رفعت رأسها وقالت: «يا زيد قتلوك يا زيد صلبوك يا زيد سلبوك يا زيد إنهم لن تنالهم شفاعة جدك عليه الصلاة والسلام غداً في يوم القيامة».

قالت نخلة: فقلت لإحدي النسوة تلك: من هذه المرأة الوسيمة من النساء؟

فقالوا: هذه فاطمة بنت رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم (الفتوح لابن الأعثم: 295: 3 ذيل خبر زيد بن علي).

[527] ق: 4.

[528] البروج: 22.

[529] قد فصلنا ذلك في كتابنا الولاية التكوينية ونجمل هنا فنقول:

الولاية التكوينية قدرة يمنحها اللَّه لخاصة أوليائه الذين يتقربون من اللَّه تعالي تقرباً يصبح سبحانه وتعالي سمعهم وأبصارهم وأيديهم.

كما في حديث التقرب بالنوافل المستفيض:

«لا يزال العبد يتقرب إليّ بالنوافل حتي أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه وبصره ولسانه ويده ورجله؛ ففيّ يسمع، وبي يبصر، وبي ينطق، وبي يبطش، وبي يمشي» (جامع الأسرار: 204 ح 393، وله ألفاظ أخري (المعجم الأوسط:

163: 10 ح 9348، وكنزالعمال 770: 7 ح 21327، وأصول الكافي: 352: 2 ح7، وعلل الشرائع: 227: 1 باب 162).

قال الشيخ حسن زاده آملي: بل إن هذا الشخص، ولأن الحق يكون عينه التي يري وأذنه التي بها يسمع، وعين جوارحه وقواه الروحية والجسمية؛ فإن تصرفه الفعلي أيضاً يكون كالحدس والجذبة الروحية، حتي يصير قوله وفعله واحداً، ولا يحتاج إلي الامتداد الزماني في حركاته وانتقالاته، بل يصير محلاً لمشيئة اللَّه ومظهراً ل «إنما قولنا لشي ء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون» حيث يتّحد عندها القول والفعل (الإنسان الكامل: 173).

وقال الخواجة نصير الدين الطوسي: العارف إذا انقطع عن نفسه واتصل بالحق رأي كل قدرة مستغرقة في قدرته المتعلّقة بجميع المقدورات، وكل علم مستغرق في علمه الذي لا يعزب عنه شي ء من الموجودات، وكل إرادة مستغرقة في إرادته التي يمتنع أن يتأتي عليها شي ء من الممكنات.

بل كل وجود فهو صادر عنه فائض عن لدنه فصار الحق حينئذٍ بصره الذي به يبصر وسمعه الذي به يسمع وقدرته التي بها يفعل وعلمه الذي به يعلم ووجوده الذي به يوجد، فصار العارف حينئذٍ متخلّقاً بأخلاق اللَّه في الحقيقة (شرح الإشارات والتنبيهات: 389: 3 عن السير إلي اللَّه: 79).

وقال الإمام الخميني قدس سره:

«فإن للامام عليه السلام مقاماً محموداً ودرجة سامية وخلافة تكوينية تخضع

لولايتها وسيطرتها جميع ذرات هذا الكون، وإن من ضروريات مذهبنا

أن لأئمتنا مقاماً لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل، وبموجب ما لدينا

من الروايات والأحاديث فإن الرسول الأعظم صلي الله عليه و آله و سلم والأئمة عليهم السلام كانوا

قبل هذا العالم أنواراً؛ فجعلهم اللَّه بعرشه محدقين وجعل لهم من المنزلة

والزلفي ما لا يعلمه إلّا اللَّه» (الحكومة الاسلامية: 52).

[530] بحار الأنوار: 68:

33 ح398.

[531] تهذيب الأحكام: 98: 3، والبحار: 139: 95.

[532] قال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم: «إني تارك فيكم الثقلين خليفتين كتاب اللَّه حبل ممدود ما بين السماء إلي الأرض وعترتي أهل بيتي، وإنّهما لن يفترقا حتي يردا عليَّ الحوض» (مسند احمد: 189 - 182 - 181: 5 و367: 4 ط. م و492: 5 ح 18780 و244 - 232: 6 ح 21145 - 21068 ط. ب، وبحار الأنوار: 107: 23، وفضائل الصحابة لأحمد: 572 - 602 - 585: 2 - ح 786 - 968 - 1032 - 990.) وله ألفاظ كثيرة (مجمع الزوائد: 170: 1 ط. مصر وبغية الرائد في تحقيق مجمع الزوائد: 413 ح 784 عن ابن ثابت، ونزل الأبرار: 32 و 52 الباب الأول عن زيد وحذيفة بن أسيد، والمعجم الأوسط: 328 - 262: 4 ح 3566 - 3463 عن أبي سعيد، والفردوس: 66: 1 ح194 ط. كتب و 98 ح197 ط كتاب عن أبي سعيد، والبيان والتعريف في أسباب ورود الحديث: 370: 1 ح437 عن زيد، ومشارق الأنوار: 109 الفصل السادس من الباب الثالث، وتلخيص المتشابه: 62: 1 رقم 78 عن أبي سعيد و690: 2 ح 1150، وأخبار قزوين: 465: 3، والسنن الكبري للبيهقي: 148: 2 و: 30: 7، والمطالب العالية: 65: 4 ح 3972، وأمالي الشجري: 115 - 154 - 152 - 149 - 143: 1 و415، ومسند البزار: 89: 3 ح864، وحلية الأولياء: 64: 9، وتاريخ بغداد: 443: 8 ترجمة زيد بن الحسن القرشي، وأهل البيت في المكتبة العربية: 280، ومسند شمس الاخبار: 126: 1 أبو سعيد، والمعرفة والتاريخ: 536: 1 إلي 538 عدة، و مسند أبي

يعلي: 297: 2 ح1021، والمنتخب من مسند عبد بن حميد: 108 ح240 عن زيد بن ثابت و 114 ح265 عن زيد ابن أرقم، ومشكاة المصابيح: 1735 - 1732 - 1735: 3 ح6143 - 6131 - 6144 باب فضائل علي عن زيد وجابر، مصابيح السنة: 189 - 185: 4 ح4816 - 4815.

والمصنف لابن أبي شيبة: 371 - 313: 6 ح 32077 - 31670 و411: 7 ح 36942، وصحيح مسلم: 176: 15 ح 6178 ط. بيروت، و122: 7 ط. مصر كتاب الفضائل - فضائل علي ح 12 من بابه، وأسد الغابة 12: 2 ترجمة الإمام الحسن 7، وج 147: 3 ترجمة عبد اللَّه بن حنطب و92 ترجمة عامر بن ليلي، وتحفة الاشراف: 278: 2 ح 2615، وجلاء الافهام: 121 الفصل الرابع - معني الال، وتفسير المحرر الوجيز: 36: 1 المقدمة والطبقات الكبري 150: 2 ذكر ما قرب لرسول اللَّه من أجله، ومستدرك الصحيحين: 533 - 109: 3 كتاب معرفة الصحابة، وصحيح الترمذي 662 - 663: 5 كتاب المناقب ح 3786، و351 باب التفسير ط. مصر - دار الحديث، وخصائص النسائي: 85، والمعجم الكبير للطبراني 67 - 66 - 65: 3، والعقد الفريد 53: 4 كتاب الخطب - خطبة الرسول في حجة الوداع، والدر المنثور 60: 2 مورد آية «واعتصموا بحبل اللَّه» آل عمران 103 وج 306 - 7: 6، وتفسير الرازي 162: 8 مورد آية «واعتصموا»، وتاريخ اليعقوبي 212: 2 ذيل خلافة علي 7، وكنز العمال: 172: 1 ح 870 و379 ح 1650، و384 ح 1667 وما بعدهم - باب الاعتصام بالكتاب والسنة -، وبحار الأنوار: 373 - 338 - 331: 36، وكفاية الأثر: 261 - 163

- 137 - 128 - 91 - 87).

[533] سوف يأتي توضيحه من المصنِّف في الفصل ما بعد اللاحق. وكذلك في ما بعد لاحق اللاحق.

[534] البقرة: 256.

[535] التين: 8.

[536] بحار الأنوار: 78: 27 ح16.

[537] كذا في النسخة الخطية، في المطبوع بلفظ مسلم.

[538] هود: 3.

[539] في بحار الأنوار: «خلقنا اللَّه جزءاً من جنب اللَّه» - 192: 24 ح8.

[540] التوبة: 128.

[541] الزخرف: 4.

[542] النور: 61.

[543] كذا في المخطوط، وفي المطبوع: 1011.

[544] كذا في المطبوع أما في المخطوط فالعدد 242.

[545] قال صلي الله عليه و آله و سلم: «اسم علي علي كل حجاب في الجنة» (الانوار النعمانية: 24: 1).

وقريب منه عن الإمام الصادق عليه السلام (الأنوار النعمانية: 169: 1).

وأخرج الديلمي والطبراني وغيرهما عن جابر قال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم: «مكتوب علي باب الجنة: لا إله إلّا اللَّه، محمد رسول اللَّه، علي أخو رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم قبل أن يخلق السَّموَات والأرض بألفي عام» (مجمع الزوائد: 111: 9، وبغية الرائد تحقيق مجمع الزوائد 143 ح 14656، والمعجم الأوسط للطبراني: 234: 6 ح 5494، وكتاب الأربعين للخزاعي: 58 - 47، وجواهر المطالب: 92 - 72: 1).

وأخرجه القرشي بلفظ: «علي باب الجنة: علي ولي اللَّه، فاطمة امة اللَّه، الحسن والحسين صفوة اللَّه» (مسند شمس الأخبار: 121: 1 باب 13، وكشف اليقين: 449 ح 551).

[546] الكافي: 627: 2.

[547] الأنوار النعمانية: 169 - 24: 1 وقد فصّلنا ذلك في كتابنا الولاية التكوينية.

[548] بحار الأنوار: 37: 39 ح7.

[549] بحار الأنوار: 267: 26 ح1.

[550] بحار الأنوار عن مقتضب الأثر: 149: 51 ح24 بتفاوت بسيط.

[551] بحار الأنوار: 162: 27 ح13.

[552] هذا كما يظهر شعر عامي ممّا كان ينظمه

شعراء الشعب في عصر المؤلف البرسي، ولا نكاد نعرف أكثر ألفاظه وكيفية نطقه.

[553] الإمام علي عليه السلام للهمداني: 35.

[554] الزمر: 35.

[555] النساء: 31.

[556] النساء: 31.

[557] البقرة: 257.

[558] باختصار بشارة المصطفي: 86.

[559] طه: 123.

[560] المؤمنون: 71.

[561] البقرة: 37.

[562] ص: 68.

[563] الأنبياء: 10.

[564] بحار الأنوار: 279: 26 ح22 والحديث طويل.

[565] القصص: 41.

[566] بحار الأنوار: 279: 26 ح22 الحديث طويل.

[567] الشوري: 7.

[568] البقرة: 105.

[569] السجدة: 13.

[570] الواقعة: 27 و41.

[571] البقرة: 82.

[572] يوسف: 79.

[573] البقرة: 260.

[574] العنكبوت: 12.

[575] الشوري: 37.

[576] هود: 61.

[577] الأعراف: 29.

[578] الزخرف: 37.

[579] بحار الأنوار: 28: 42 ح7.

[580] بحار الأنوار: 59: 37 ح28 عن المناقب.

[581] بحار الأنوار: 234 - 233: 85 ح1 والحديث طويل.

[582] الروم: 27.

[583] البقرة: 196.

[584] وعلي هذا يحمل حديث النبي الأعظم صلي الله عليه و آله و سلم: «بعث علي مع كل نبي سراً وبعث معي جهراً» (شرح دعاء الجوشن: 104، وجامع الأسرار: 401 - 382 ح 804 - 763، والمراقبات: 259)..

-مبلغ أسرار علي وآله عليهم السلام

وروي بلفظ: «يا علي إن اللَّه تعالي قال لي: يا محمد بعثت علياً مع الأنبياء باطناً ومعك ظاهراً»، ثم قال صاحب كتاب القدسيات: وصرح بهذا المعني في قوله: أنت مني بمنزلة هارون من موسي ولكن لا نبي بعدي؛ ليعلموا ان باب النبوة قد ختم وباب الولاية قد فتح (الأنوار النعمانية: 30: 1).

أقول: يوجه كلام صاحب كتاب القدسيات: أن باب الولاية كان موجوداً مع كل نبي سراً، إلّا أنه لم يفتح ظاهراً، فكان الأنبياء جميعاً يستفيدون من هذا السرّ الولائي إلي أن وصل إلي النبي الأعظم صلي الله عليه و آله و سلم فظهر هذا السرّ إلي العلن.

-ويؤيد ذلك:

- ما روي عن أبي محمد العسكري عليه السلام قال:

«فنحن السنام الأعظم وفينا النبوة والولاية والكرم، ونحن منار الهدي والعروة الوثقي، والأنبياء كانوا يقتبسون من أنوارنا ويقتفون آثارنا» (بحار الأنوار: 264: 26 باب جوامع مناقبهم ح 49، ومشارق أنوار اليقين: 49)..

فهذا صريح في أن أنوار محمد وآل محمد عليهم السلام كانت مع كل نبي سرّاً، والكون ليس لمجرده بل ليستفيدوا منه، ويقتفون آثاره وآثار آل محمد التي لا يعرف تفسيرها إلّا هم، وإلّا كيف يكون للنور السرّي مع كل نبي أثراً يقتفي ويهتدي به؟!

- وما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام لمن سأله عن فضله علي الأنبياء الذين أعطوا من الفضل الواسع والعناية الإلهية قال: «واللَّه قد كنت مع إبراهيم في النار؛ وأنا الذي جعلتها برداً وسلاماً، وكنت مع نوح في السفينة فأنجيته من الغرق، وكنت مع موسي فعلّمته التوراة، وأنطقت عيسي في المهد وعلمته الإنجيل، وكنت مع يوسف في الجبّ فأنجيته من كيد أخوته، وكنت مع سليمان علي البساط وسخرت له الرياح» (الأنوار النعمانية: 31: 1).

وروي ابن الجوزي والقاضي عياض قول العباس يمدح النبي صلي الله عليه و آله و سلم:

وردت نار الخليل مكتتما

تجول فيها ولست تحترق

(الوفا بأحوال المصطفي: 28 الباب الثاني - ح 9، وينابيع المودة: 14 - 13).

يا بَرْدَ نار الخليل يا سَبَباً

لعصمة النار وهي تَحْتَرقُ

(الشفا بتعريف حقوق المصطفي: 168 - 167: 1 الباب الثالث).

- وقال القسطلاني في المواهب:

سكن الفؤاد فعش هنيئا يا جسد

هذا النعيم هو المقيم إلي الأبد

روح الوجود حياة من هو واجد

لولاه ما تمّ الوجود لمن وجد

عيسي وآدم والصدور جميعهم

هم أعين هو نورها لما ورد

لو أبصر الشيطان طلعة نوره

في وجه آدم كان أول من سجد

أو لو رأي النمرود نور جماله

عبد الجليل مع الخليل ولا عند

لكن جمال اللَّه جل فلا

يُري

إلّا بتخصيص من اللَّه الصمد

(المواهب اللدنية بالمنح المحمدية: 44: 1).

- وقال الشيخ محمد حسين الأصفهاني:

طأطأ كل الأنبياء لطاها

ذلك عِزٌّ عَزَّ أن يضاهي

تقبلت تربة آدم الصفي

بيمنه أكرم به من خلف

وسجدة الأملاك لا لغرته

بل نور ياسين بدا في غرته

به نُجّي نوح من الطوفان

بمرسلات اللطف والإحسان

(الأنوار القدسية: 20).

- وقال الصفوري: لما ألقي ابراهيم في النار كان نور محمد صلي الله عليه و آله و سلم في جنبه، وعند الذبح كان النور قد انتقل إلي إسماعيل. (نزهة المجالس: 245: 2).

- ما روي أن الإمام الصادق عليه السلام هو الذي أبطل سحر موسي عليه السلام (الاختصاص: 247.).

- ما عن الإمام الحسن العسكري عليه السلام:

«قد صعدنا ذري الحقائق بأقدام النبوة والولاية، ونورنا سبع طبقات أعلام الوري بالهداية، فنحن ليوث الوغي وغيوث الندي وطعناء العدي، فينا السيف والقلم في العاجل، ولواء الحمد والعلم في الآجل … فالكليم لبس حلّة الاصطفاء لما شاهدنا منه الوفاء، وروح القدس في جنان الصاقورة ذاق من حدائقنا الباكورة … وهذا الكتاب ذرة من جبل الرحمة وقطرة من بحر الحكمة» (المراقبات: 245).

- ما روي في معني قوله صلي الله عليه و آله و سلم «اللَّه المعطي وأنا القاسم»: جميع ما يخرج من الخزائن الإلهية دنيا وأخري إنما يخرج علي يديه (شرح الشمائل: 246: 2).

- وحديث أمير المؤمنين عليه السلام: «أنا آدم الأول أنا نوح الأول» (الإنسان الكامل: 168).

- وقال الشعراوي قلت: «وبذلك قال سيدي علي الخواص سمعته يقول: إن نوحاً عليه السلام أبقي من السفينة لوحاً علي اسم علي بن أبي طالب رفع عليه إلي السماء فلم يزل محفوظاً من الغرق حتي رفع عليه» (الفتوحات الأحمدية لسليمان الجمل: 93).

- وقال رسول البشرية صلي الله عليه و آله و

سلم: «أنا محمد النبي الأمي لا نبي بعدي، أوتيت جوامع الكلم وخواتمه، وعَلَّمْتُ خزنة النار وحملة العرش» (الشفا بتعريف حقوق المصطفي: 170: 1 الباب الثالث - الفصل الأول).

[585] بحار الأنوار: 80: 27.

[586] وسائل الشيعة: 1142: 4 و102: 7.

[587] الأعلي: 1.

[588] بصائر الدرجات: 217 ح4 - 1 باب ان عنده الاسم الأعظم.

[589] الصحيفة الصادقية: 232.

[590] النجم: 9.

[591] النجم: 10.

[592] الاسراء: 26.

[593] جامع الأسرار: 205 ح394.

[594] الآيات من أوّل سورة البقرة.

[595] إبراهيم: 5.

[596] النساء: 136.

[597] الآيات من أوّل سورة البقرة.

[598] البينة: 5، وكان في المطبوع: وما أمروا إلّا بالتوحيد.

[599] البقرة: 45.

[600] مسند أحمد: 98: 1 ط م و: 159 ح772 ط. ب وصحيح الترمذي: 632: 5 ح3712.

[601] آل عمران: 61.

[602] آل عمران: 144.

[603] تقدّم الحديث.

[604] تقدّم الحديث.

[605] الأحزاب: 56.

[606] غافر: 15.

[607] باختصار في عيون الحكم والمواعظ: 167.

[608] في البحار العصا.

[609] وهو يشير إلي حديث الرجعة.

[610] البحار: 5: 41 ح 5 بتفاوت. وقريب منه في: 55: 40 ح 90 ضمن حديث طويل عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم.

[611] الدهر: 1.

[612] نفحات الأزهار للميلاني: 213: 10.

[613] في الأصل المطبوع: منشاء.

[614] راجع بحار الأنوار: 78: 38 ح1 و: 227: 39 ح1.

[615] بحار الأنوار: 304: 32 ح268 و: 113: 37 ح 6.

[616] في البحار: قل: إن شاء اللَّه أو علي.

[617] كذا والظاهر: رتاجها وفي الزام الناصب: ولجاها.

[618] كذا بالأصل.

[619] في الأصل أفردوس.

[620] كذا بالأصل.

[621] معجم أحاديث الإمام المهدي عليه السلام: 27: 3.

[622] الاسراء: 85.

[623] بحار الأنوار: 347: 39 ح20.

[624] راجع ما ذكره المجلسي عن الإمام الباقر في تفسيرها: 350: 39.

[625] مدينة المعاجز: 430: 1.

[626] مدينة المعاجز: 431: 1.

[627] البقرة: 124.

[628] عوالي اللئالي: 98: 4.

[629] الكافي: 134: 1.

[630] بحار الأنوار:

311: 43 ح73.

[631] النساء: 4.

[632] الأحزاب: 43.

[633] الانشقاق: 21.

[634] البقرة: 157.

[635] البقرة: 157.

[636] الشرح: 4.

[637] بحار الأنوار: 258: 27 ح 8.

[638] بحار الأنوار: 259: 27 ح9.

[639] الغدير: 89: 4 و 90: 12.

[640] تقدّم الحديث.

[641] لعلّه تقدّم: وراجع شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 253: 7 الخطبة 113 والأنوار النعمانية: 26: 1، والبحار: 153: 40، وكشف الغمة: 170: 1.

[642] نهج البلاغة: 280 الخطبة 189.

[643] وفي حديث: سلوني عن علم لا يعرفه جبرائيل. نزهة المجالس: 129: 2.

[644] قد وردت روايات عن آل محمّد صلي الله عليه و آله و سلم تنص علي إخفاء العلوم الصعبة نحو ما روي عن أبي عبد اللَّه عليه السلام: «واللَّه لو أن علي أفواههم أوكية لأخبرت كل رجل منهم ما لا يستوحش إلي شي ء، ولكن فيكم الإذاعة، واللَّه بالغ أمره» (بحار الأنوار: 141: 26 ح13 باب أنه لا يحجب عنهم شي ء).

وعن الإمام الباقر عليه السلام: «لو كان لألسنتكم أوعية لحدثت كل امري ء بما له وعليه» (بحار الأنوار: 149: 26 ح34 باب أنه لا يحجب عنهم شي ء).

وقال الإمام زين العابدين عليه السلام:

إني لأكتم من علمي جواهره

كيلا يري الحق ذو جهل فيفتتنا

وقد تقدم في هذا أبو حسنٍ

إلي الحسين ووصي قبله الحسنا

ياربّ جوهر علمٍ لو أبوح به

لقيل لي: أنت ممّن يعبد الوثنا

ولاستحل رجالٌ مسلمون دمي

يرون أقبح ما يأتونه حسنا

(الأصول الأصيلة: 167، وغرر البهاء الضوي: 318، ومشارق أنوار اليقين: 17، وجامع الأسرار: 35 ح66.)

وتقدم من المصنف قول الإمام الصادق: «هيهات، واللَّه لو أخبرتك بكنه ذلك لقمت عنّي وأنت تقول إن جعفر بن محمد كاذب في قوله أو مجنون».

وقال عليه السلام: «إنّ أمرنا صعب مستصعب لا يحتمله إلّا ملكٌ مقرّب أو نبيٌّ مرسل أو عبدٌ مؤمن امتحن اللَّه

قلبه للإيمان (الأصول الأصيلة: 169).

وقال عليه السلام: «لا تذيعوا سرّنا ولا تحدِّثوا به عند غير أهله فإن المذيع سرّنا أشدّ علينا من عدوّنا» (الخرايج والجرايح: 267 باب 7).

وقد بيّن الإمام العسكري عليه السلام علّة عدم إخبارهم بالاُمور الغيبية بقوله لموسي الجوهري: «ألسنا قد قلنا لكم لا تسألونا عن علم الغيب، فنخرج ما علمنا منه إليكم، فيسمعه من لا يطيقه استماعه فيكفر» (الهداية الكبري: 334 باب 13).

والظروف التي كان يعيشها النبي صلي الله عليه و آله و سلم والقليل من الأئمّة كانت مختلفة فرسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم كان في بداية الدعوة الإسلامية وقريب عهد بالجاهلية.

وإذا أردنا أن نبرم هذا الكلام فلا بأس بنقل كلام لسماحة الشيخ محمد الحسين المظفر يصلح أن يكون جواباً عن هذا المطلب: قال بعد أن ذكر توقف الرسالة عليعلم النبي صلي الله عليه و آله و سلم بكل الأشياء: فعلم الرسول بالعالم وإحاطته بما يحدث فيه وقدرته علي تعميم الإصلاح للدَاني والقاصي والحاضر والباد؛ من أُسس تلك الرسالة العامة وقاعدة لزومية لتطبيق تلك الشريعة الشاملة.

غير أن الظروف لم تسمح لصاحب هذه الرسالة صلي الله عليه و آله و سلم أن يظهر للاُمّة تلك القوي القدسية والعلم الربّاني الفيّاض. وكيف يعلن بتلك المواهب والإسلام غضّ جديد، والناس لم تتعرّف تعاليم الإسلام الفرعية بعد؟! فكيف تقبل أن يتظاهر بتلك الموهبة العظمي وتطمئن إلي الإيمان بذلك العلم. بل ولم يكن كل قومه الذين انضووا تحت لوائه من ذوي الإيمان الراسخ، وما خضع البعض منهم للسلطة النبوية إلّا بعد اللتيا والتي وبعد الترهيب والترغيب» (علم الإمام: 10 - 9).

نعم فقد أفصح النبي صلي الله عليه و آله و سلم لخاصة أصحابه

عن كنه حقيقته وحقيقة علمه ليس هنا محل ذكرها.

[645] الرعد: 7.

[646] طه: 114.

[647] بحار الأنوار: 462: 22 ح13.

[648] يس: 22.

[649] النساء: 41.

[650] صحيح الترمذي ح2435 كتاب صفة القيامة.

[651] تقدّم الحديث.

[652] في الأصل المطبوع أصبحت غالياً.

[653] في الأصل المطبوع: فداك اللَّه عن الخلط.

[654] في الأصل المطبوع فلا ثمر وان.

[655] الغاشية: 26 - 25.

[656] بحار الأنوار عن البرقي في كتاب الآيات: 272: 24 ح54.

[657] مقتل الحسين للخوارزمي: 94: 1 الفصل السادس، ومائة منقبة: 48 المنقبة الخامسة والبحار: 270: 36.

[658] بحار الأنوار: 339: 7 ح30.

[659] بحار الأنوار: 232: 7 ح3، ولسان الميزان: 485: 2 بتفاوت.

[660] ورد في النصوص الشريفة «لا يشاؤون إلّا ما يشاء اللَّه» «نحن إذا شئنا شاء اللَّه وإذا كرهنا كره اللَّه». «فإذا شاء شئنا» (بحار الأنوار: 305: 24، و: 7: 26 باب نادر في معرفتهم، والهداية الكبري: 359).

وقال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم: قال اللَّه تعالي: «يا ابن آدم بمشيئتي كنت أنت الذي تشاء لنفسك ما تشاء، وبإرادتي كنت أنت الذي تريد لنفسك ما تريد» (بحار الأنوار: 75 - 65 - 49: 5 ح 104 - 99 -97 من كتاب العدل والمعاد).

وقال الإمام الخميني (قدس سره) في الآية: قوة العبد ظهور قوة الحق «وما رميت إذ رميت ولكن اللَّه رمي» فجميع الذوات والصفات والمشيئات والإرادات والآثار والحركات من شؤون ذاته، وظل صفة مشيئته وإرادته، وبروز نوره وتجليه وكل جنوده، ودرجات قدرته، والحق حق والخلق خلق، وهو تعالي ظاهر فيها وهي مرتبة ظهوره:

ظهور تو بمن است و وجود من از تو

ولست تظهر لولاي لم اكن لولاك

(شرح دعاء السحر: 114).

وقال قدس سره: إن سلسلة الوجود ومنازل الغيب ومراحل الشهود من تجليات قدرته تعالي

ودرجات بسط سلطنته ومالكيته، ولا ظهور لمقدرة إلّا مقدرته، ولا إرادة إلّا إرادته، بل لا وجود إلّا وجوده، فالعالم كما أنه ظلّ وجوده ومرشحة جوده، ظلُّ كمال وجوده (شرح دعاء السحر: 122 - 123).

وفي الحديث عن رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم قال:

«عن اللَّه أروي حديثي أن اللَّه يقول: يا ابن آدم بمشيئتي كنت أنت الذي تشاء لنفسك ما تشاء، وبإرادتي كنت أنت الذي تريد لنفسك ما تريد» (التوحيد للصدوق: 344 باب 55 ح 13 باب المشيئة والإرادة).

- وعن أمير المؤمنين عليه السلام في خبر طويل جاء فيه: «يا سلمان ويا جندب: أنا أحيي وأميت بإذن ربي، وأنا عالم بضمائر قلوبكم والأئمة من أولادي يعلمون ويفعلون هذا إذاأحبوا وأرادوا، لأنّا كلنا واحد أولنا محمد آخرنا محمد وأوسطنا محمد وكلنا محمد، فلا تفرقوا بيننا، ونحن إذا شئنا شاء اللَّه، وإذا كرهنا كره اللَّه، الويل كل الويل لمن انكر فضلنا وخصوصيتنا وما أعطانا اللَّه ربنا لأن من أنكر شيئاً مما أعطانا اللَّه فقد أنكر قدرة اللَّه عزوجل ومشيته فينا» (بحار الأنوار: 7 - 6: 26 باب نادر في معرفتهم بالنورانية من كتاب الإمامة ح1).

وقد فصلنا ذلك في كتاب الولاية التكوينية.

[661] بحار الأنوار: 202: 7 ح88 و: 114: 24 ح1 و 3.

[662] النور: 61.

[663] تقدّم الحديث.

[664] بحار الأنوار: 313: 27 ح9.

[665] بحار الأنوار: 313: 27 ح10.

[666] بحار الأنوار: 314: 27 ح11.

[667] بحار الأنوار: 314: 27 ح12.

[668] الصافات: 83.

[669] البحار: 152: 36 ح131.

[670] البحار: 272: 24 ح55.

[671] الشعراء: 101 - 100.

[672] المطففين: 11.

[673] المطففين: 12.

[674] كمال الدين: 254: 1، والبحار: 335: 26.

[675] تقدّم الحديث.

[676] الاحتجاج: 88: 1.

[677] ينابيع المودة: 25: 1، وجواهر العقدين: 343، وتاريخ المدينة:

38: 1.

[678] الأنبياء: 103.

[679] الكامل لابن عدي: 141: 7 رقم 2053.

[680] الأعراف: 46.

[681] ينابيع المودّة: 118: 1.

[682] فضائل الصحابة لأحمد: 661: 2، ومسند أبي يعلي: 481: 3 ح7493.

[683] المدثر: 30.

[684] مقتل الحسين للخوارزمي: 39: 1.

[685] نوادر الأصول للترمذي: 340: 1 أصل 67.

[686] لقمان: 20.

[687] لقمان: 14.

[688] التوبة: 59.

[689] الأصول الأصيلة: 169.

[690] الأنفال: 2.

[691] ص: 39.

[692] النساء: 41.

[693] الاسراء: 71.

[694] الصافات: 24.

[695] البقرة: 281.

[696] ق: 24.

[697] بحار الأنوار: 74: 36 ح27 و: 73: 24 ح58.

[698] إبراهيم: 5.

[699] البقرة: 3.

[700] بحار الأنوار: 39: 35 ح38 ضمن حديث طويل.

[701] مسند أحمد: 170: 1 ط. م و: 277 ح1466 ط. ب، والطرائف: 70: 1 ح45 وما بعده.

[702] مزار الشهيد الأول: 236.

[703] بحار الأنوار: 248: 38 ح42 ضمن حديث طويل.

[704] بحار الأنوار: 125: 23 ح53 و: 349: 26 ح23.

[705] بحار الأنوار: 139: 38 ح101 و: 214: 39 ح5 ضمن حديث طويل.

[706] روضة الواعظين: 20.

[707] بحار الأنوار: 324: 60.

[708] البحار: 393: 95.

[709] نور البراهين للجزائري: 121: 2.

[710] الاسراء: 85.

[711] يراجع الكافي: 128: 3 ح1 إلي 13 والبحار: 173: 6 ح1 إلي 56.

[712] بحار الأنوار: 406: 36 ح16.

[713] القيامة: 22.

[714] الفجر: 22.

[715] البقرة: 46.

[716] الفجر: 28.

[717] يوسف: 23.

[718] يوسف: 43.

[719] يوسف: 50.

[720] النجم: 23.

[721] مريم: 93.

[722] القيامة: 22.

[723] لقمان: 20.

[724] بحار الأنوار: 294: 36 ح124 والحديث طويل اختصره المصنّف.

[725] الأعراف: 143.

[726] الشوري: 51.

[727] الانفطار: 19.

[728] الحج: 11.

[729] بحار الأنوار: 346: 25 وأصول الكافي: 401: 1 والدر المنثور للشهيد الثاني: 47: 1، وغرر الفوائد: 419.

[730] مريم: 65.

[731] الجاثية: 36.

[732] الجاثية: 36.

[733] البقرة: 210.

[734] الحشر: 2.

[735] البقرة: 111.

[736] الأنعام: 110.

[737] الرعد: 20.

[738] الرعد: 21.

[739] نهج السعادة: 7: 409، و مناقب آل أبي طالب: 96:

2 بتفاوت.

[740] تقدّم الحديث.

[741] المسخ المتقدّم في رواية الإمام الصادق عليه السلام أعم من المسخ في الدنيا والآخرة والمراد في الآخرة ما يسمّي بتجسّد الأعمال من حشر بعض الناس علي شكل الحيوانات. والمراد في الدنيا ما جاء في بعض روايات الإمام الصادق عليه السلام من إراءة الإمام الناس لأبي بصير علي حقيقتهم قردة وخنازير.

أقول: وإنّما قلنا ذلك لما نشاهده من أعدائهم في الحياة الدنيا علي طبيعتهم الإنسانية ولما ثبت من رحمة أمّة محمّد صلي الله عليه و آله و سلم بعدم المسخ.

[742] بحار الأنوار: 296: 39 ح99.

[743] تقدّم الحديث.

[744] الفردوس: 455: 3 ح5406، والمستدرك: 32: 3.

[745] بحار الأنوار: 313: 38 ح17.

[746] الصافات: 24.

[747] الرحمن: 39.

[748] هود: 114.

[749] الشوري: 11.

[750] القيامة: 22.

[751] الأنعام: 103.

[752] الفتح: 2.

[753] الأحزاب: 33.

[754] بحار الأنوار: 302: 53.

[755] راجع بحار الأنوار: 302: 53.

[756] أعيان الشيعة: 467: 6.

[757] الغدير: 45: 7.

[758] الأحزاب: 57.

[759] الأعراف: 159.

[760] الحديد: 27.

[761] آل عمران: 144.

[762] سنن أبي داود: ح4597 كتاب السنّة، وسنن الدارمي: ح2406 كتاب السير.

[763] الحديث مجمع عليه عند أهل الإسلام، راجع: فتح الباري ح6585، وسنن ابن ماجة: ح4306، ومسند أحمد: ح7933.

[764] قال الإمام السخاوي: زعم كثير من الأئمة أنه لا أصل له. المقاصد الحسنة: 50- 49 ح 39.

وقال الحافظ العراقي في تخريج أحاديث مختصر المنهاج رقم 55: رواه الدارقطني في الفضائل وابن عبد البر في العلم من طريقه من حديث جابر وقال: إسناد لا تقوم به حجة - رواه البيهقي في المدخل من حديث ابن عمر وابن عباس بنحوه من وجه آخر مرسلاً وقال: متنه مشهور وأسانيده ضعيفة ولم يثبت في إسناد، ورواه البزار وقال: منكر لا يصح، وقال ابن حزم: مكذوب باطل (هامش المنتخب من

مسند عبد بن حميد: 251 ح 783).

وقال محقق كنوز الحقائق: 67: 1 ح 751: الحديث موضوع (ميزان الاعتدال: 412: 1 رقم 1511 ولسان الميزان 488: 2).

وقال محقق كتاب شرح مسند أبي حنيفة: 498: هذا ليس بصحيح وتفصيله في رسالة ملحقة (بنود الأنوار)

وضعفه الحافظ ابن حجر في المطالب العالية: 146: 4 ح 4194 - 4193.

وممن ضعفه الخفاجي والملا علي القاري وأحمد والمزني. أنظر: نسيم الرياض: 424: 3 والتقرير والتحبير لابن أمير الحاج: 99: 3 وجامع بيان العلم لابن عبد البر: 89: 2.

- هذا وروي الحديث بلفظ: «أهل بيتي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم» (لسان الميزان: 141: 1). وهو موافق لما روي من طرق في حديث الأمان الذي يشبه به النبي أهله بالنجوم، وأيضاً له شاهد من حديث الثقلين، ولا يلزم منه الأمر بالمتناقضات لأن أهل البيت عليهم السلام عصمهم اللَّه بآية التطهير ولم يكن بينهم اختلاف.

[765] بحار الأنوار: 44: 23 ح90.

[766] الأحزاب: 33.

[767] تقدّم الحديث مع مصادره.

[768] مناقب ابن المغازلي: 75 ح133 والفردوس: 95: 1 ح135، والطرائف: 158: 1 ح165.

[769] قد فصلنا طرق الحديث والاحتجاج به من قبل الصحابة وأهل البيت عليهم السلام في كتاب أنواع النصوص علي آل محمد صلوات اللَّه عليهم أجمعين.

[770] مناقب ابن المغازلي: 177 ح322، والطرائف: 119: 1 ح106.

[771] البحار: 303: 42 ح4 و: 268: 24 ح40.

[772] تقدّم الحديث.

[773] كنز العمال: 723: 5 ح14242 والطرائف: 131: 1 ح123.

[774] بحار الأنوار: 250: 32 ح197.

[775] تقدّم الحديث.

[776] بحار الأنوار: 180: 37.

[777] الطرائف: 174: 1 ح184.

[778] المقصود به أن الخبر الذي أشار إليه في صدر الفصل: وإني تارك فيكم الثقلين، وأصحابي كالنجوم. وإنه وجد الاجماع به لمن تبع علياً.

[779] قال جمال الدين النيسابوري في الأربعين: حديث

الغدير تواتر عن أمير المؤمنين وهو متواتر عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم (نقلاً عن حاشية إحقاق الحق: 423: 2).

وقال في الأزهار في مناقب إمام الأبرار: وقد تواتر هذا الخبر حد التواتر (هامش مناقب ابن المغازلي: 16 ح 23 ط. طهران).

وقال الحافظ الجزري بعد ذكر نص الغدير: هذا حديث حسن من هذا الوجه صحيح من وجوه كثيرة، تواتر عن أمير المؤمنين علي وهو متواتر أيضاً عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم رواه الجم الغفير عن الجم الغفير، ولا عبرة بمن حاول تضعيفه ممن لا اطلاع له في هذا العلم. (أسمي الناقب: 23 - 22 ح 2).

وقال شمس الدين الذهبي: هذا الحديث متواتر (نقلاً عن حاشية إحقاق الحق: 423: 2).

وقال السيوطي: إنه حديث متواتر (البيان والتعريف في أسباب ورود الحديث: 234: 3 ح 1576، والغدير: 300: 1 عن الأزهار المتناثرة للسيوطي).

وممن صرح بتواتره: المناوي في التيسير نقلاً عن السيوطي، وشارح المواهب اللدنية، والمناوي في الصفوة (نظم المتناثر من الحديث المتواتر: 206 ح 232).

[780] كفاية الطالب: 283 الباب السبعون.

[781] الأعراف: 142.

[782] حلية الأولياء: 95: 1، ومسند ابن المبارك: 156 ح253، وهو الذي أمر صعصعة بلعن علي فامتنع، راجع لطف التدبير: 119: 1 باب 15.

[783] بحار الأنوار: 93: 39 ح3.

[784] الطرائف: 174: 1 ح184.

[785] الغدير: 270: 10.

[786] فتح الباري: ح7352.

[787] ص: 63.

[788] البقرة: 132.

[789] الأحزاب: 36.

[790] الكهف: 49.

[791] يس: 54.

[792] النساء: 40.

[793] النساء: 147.

[794] الكافي: 353: 2.

[795] صحيح مسلم: 2187: 4 ح5084 كتاب الجنة، وأساس التقديس: 141 فصل 26.

[796] تنزيه الشريعة: 138: 1، والموضوعات: 79: 1.

[797] راجع الطرائف: 49: 2 فقد فصّل ذلك.

[798] طه: 121.

[799] الشرح: 2.

[800] رواه مسلم في كتاب الإيمان:

ح236.

[801] راجع رسائل السيوطي، رسالة نجاة آباء الرسول.

[802] إحياء علوم الدين: 278: 2 كتاب آداب السماع.

[803] الضحي: 7.

[804] المدثر: 4.

[805] وسائل الشيعة: 47: 1.

[806] فتح الباري: ح482.

[807] راجع الطرائف: 302: 2 بتحقيقنا.

[808] مسند أحمد: ح79.

[809] النجم: 3.

[810] الكهف: 29.

[811] الغدير بتفاوت: 452: 5.

[812] الأعراف: 28.

[813] الأنعام: 22.

[814] الأنعام: 23.

[815] الشفا: 83: 1 شرف نسبه.

[816] الشعراء: 219.

[817] الطبقات الكبري: 22: 1، والشفا: 15: 1، وتاريخ الخميس: 234: 1.

[818] الأعلي: 6.

[819] الأعراف: 23.

[820] المؤمنون: 116.

[821] يتفق الصالحية مع المعتزلة في القول في ان أمير المؤمنين بايع الخلفاء ورضي بإمامتهم، ولو حاربهم لحكموا بكفرهم.

[822] في الأصل المطبوع: السبابية.

[823] المشهور أنّه عبداللَّه بن سبأ.

[824] ان عبداللَّه هو ابن ميمون الفلاح، وقد زعموا أنه ادعي النسب إلي مسلم بن عقيل حين نزل علي بني عقيل بالبصرة. وزعم بعض دعاة الإسماعيلية أنه من أولاد سلمان الفارسي.

[825] بنحو الاستقلال.

[826] يتضح مراد هذه الفرقة: بالصورة تنعكس للشخص في المرآة فليست هي الشخص المقابل للمرآة، وليست هي غيره، وليست هي شيئاً مبايناً ولا ممازجاً.

[827] كيسان هو مولي محمد بن الحنفية، وليس هو المختار الثقفي.

[828] في الأصل يحكمون.

[829] راجع: أمالي الشيخ الصدوق 510 المجلس 93.

[830] راجع أمالي الشيخ الصدوق 537 المجلس 97.

[831] أجمعت الفرق الإسلامية علي صحة ما ذكره المصنف وإليك نموذجه:

- علي أفضل الصحابة

قال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم: «الصديقون ثلاثة: حبيب بن موسي النجار وهو مؤمن آل يس، وحزقيل مؤمن آل فرعون، وعلي بن أبي طالب وهو أفضلهم» (فضائل الصحابة لأحمد: 656 - 627: 2 ح 1072 و1117، والجامع الصغير: 81: 2، وتاريخ الخميس: 275: 2، وامالي الشجري: 139: 1، والفيض القدير: 238: 4 والفردوس: 421: 3 ح 3866

ومناقب ابن المغازلي: 161 ط. بيروت و246 ح 293 ط. طهران)

وقال صلي الله عليه و آله و سلم:.. ولكن يا أبا عقال فضل علي علي سائر الناس كفضل جبرئيل علي سائر الملائكة» (كفاية الطالب: 316 الباب السابع والثمانون)

وقال صلي الله عليه و آله و سلم في ذكر الصحابة: «.. وأفضلهم علي» (الكامل لابن عدي: 77: 6 ترجمة كوثر بن حكيم 1610).

وقال صلي الله عليه و آله و سلم: «خيرها وأتقاها وأفضلها وأقربها إلي الجنة أقربها مني ولا أقرب ولا أتقي إلي من علي ابن أبي طالب» (ينابيع المودة: 294: 1 عن كتاب الهمداني (مودة القربي - المودة الثالثة).

وقال صلي الله عليه و آله و سلم: «أفضل رجال العالمين في زماني هذا علي وأفضل نساء الأولين والآخرين فاطمة» (ينابيع المودة: 302: 1 عن مودة القربي المودة السابعة).

وقال صلي الله عليه و آله و سلم: «إن اللَّه عز وجل يقول: يا عبادي.. ألا فاعلموا أن أكرم الخلق عليّ وأحبهم إليّ محمد، وأفضلهم لديّ محمد وأخوه علي من بعده، والأئمة الذين هم الوسائل» (إرشاد القلوب: 424: 2).

وقال صلي الله عليه و آله و سلم: «يا علي لو أنّ أحداً عبد اللَّه حق عبادته ثم يشك فيك وأهل بيتك أنكم أفضل الناس كان في النار» (ينابيع المودة: 302: 1 عن مودة القربي - المودة السابعة).

- علي اعلم الصحابة

قال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم: «أعلم أمتي من بعدي علي بن ابي طالب» (جامع الأحاديث للسيوطي: 491: 1 ح 3414، وكنز العمال: 614: 11 ح 32977 ط.بيروت و156: 6 ط.دكن 1312، وكنوز الحقائق: 390 ط.مصر و18 ط. إسلامبول 1285).

وقال ابن عباس: قال رسول اللَّه صلي الله عليه

و آله و سلم: «علي بن ابي طالب أعلم أمتي وأقضاهم فيما اختلفوا فيه من بعدي» (قصص الأنبياء: 419، وكمال الدين: 263: 1).

وقال الحسن بن علي عليه السلام قال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم: «علي أعلم الناس باللَّه والناس» (كنز العمال: 614: 11 ح32980).

وقال المقداد: «إني لأعجب من قريش أنهم تركوا رجلاً ما أقول أن أحداً اعلم ولا أقضي منه بالعدل» (تاريخ الطبري: 297: 3 حوادث سنة 23 قصة الشوري وتاريخ اليعقوبي: 163: 2 أيام عثمان، وشرح النهج: 194: 1 خ3، والكامل في التاريخ: 223: 3 حوادث سنة 23 قصة الشوري، والعقد الفريد: 264: 4).

وقال يزيد الثقفي: لا جرم كان علي أقضاهم وأعلمهم وأفضلهم (تاريخ دمشق: 80: 63 ترجمة يزيد الثقفي كاتب الحجاج).

- علي أزهد الصحابة

قال رسول اللَّه لفاطمة عليهماالسلام: «أما تعلمين يا بنية أن من كرامة اللَّه إياك أن زوَّجك خير أمتي.. وأزهدهم في الدنيا» (كتاب سليم: 70 و93).

وعن سعد بن أبي وقاص في الرد علي من شتم أمير المؤمنينن عليه السلام: «ألم يكن أزهد الناس؟» (مستدرك الصحيحين: 499: 3 ذكر مناقب أبي إسحاق سعد بن أبي وقاص).

وقال قبيصة: «ما رأيت في الدنيا أزهد من علي بن أبي طالب» (نهج الحق: 245، وكشف اليقين: 107 ح101، ومناقب الخوارزمي: 122 ح136 فصل 10).

- علي أشجع الصحابة

قال رسول اللَّه لفاطمة عليهاالسلام:.. «فزوَّجك إياه واتخذه وصياً، فهو أشجع الناس قلباً» (ينابيع المودة: 395: 2 الباب 60 ومناقب الكوفي: 595: 2 ح1100).

وأخرج الحارث عن شداد بن الأوس عن رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم: «علي ألب أمتي وأشجعها» (المطالب العالية: 85: 4 ح 4030، وكنز العمال: 753: 11 ح 33670).

وعن الشعبي:

«كان علي أشجع الناس تقرّ العرب بذلك» (الاستيعاب: 363: 3).

[832] الصواعق المحرقة: 270، وجواهر العقدين: 380.

[833] قد فصّلنا ذلك في كتابنا النصوص علي آل محمد.

[834] قد ذكرنا كون كلّ إمام أفضل أهل زمانه في كتابنا النصوص علي آل محمّد.

[835] مدينة المعاجز: 11: 2.

[836] الكافي: 465: 1، ومعجم الإمام المهدي: 382: 3.

[837] النساء: 136.

[838] حلية الأبرار: 16: 2، ومدينة المعاجز: 445: 2.

[839] راجع البحار: 24: 15 و: 22: 25.

[840] بحار الأنوار: 184: 2 ح 6 والبصائر 22 ح 10 وفيه: لا يتحمله.

[841] دلائل الإمامة: 135 معاجز الصادق عليه السلام.

[842] البحار: 33: 42 ح11 ضمن حديث طويل.

[843] بقوله: «اني رافعك إليَّ».

[844] بقوله تعالي: «فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم» الشعراء: 63.

[845] بقوله: «ولسليمان الريح.. وسخرنا الريح».

[846] النمل: 40.

[847] الرعد: 43.

[848] النجم: 18.

[849] تقدّم الحديث.

[850] بحار الأنوار: 1: 36 ح2.

[851] ص: 69.

[852] عيون أخبار الرضا: 268: 2، والأمالي للصدوق: 189.

[853] هود: 119.

[854] تقدّم الحديث.

[855] بحار الأنوار: 226: 27 ح22.

[856] كذا بالأصل.

[857] يوسف: 108.

[858] الأنعام: 57.

[859] كذا بالأصل.

[860] كذا بالأصل.

[861] المزمل: 10.

[862] تقدّم الحديث.

[863] تقدّم الحديث.

[864] النساء: 54.

[865] أعيان الشيعة: 466: 6.

[866] شعراء الحلة: 371: 2، والغدير: 42 - 41: 7.

[867] شعراء الحلة: 736 - 382: 2 والغدير: 62 - 57: 7.

[868] شعراء الحلّة: 376: 2.

[869] شعراء الحلة: 376: 2، والمنتخب: 131، وقال الطريحي في التقدمة لها «وللَّه در بعض من قال من الرجال في مدح علي حين طاف حول قبره»، وأعيان الشيعة: 468: 6، والغدير: 33: 7.

[870] في أعيان الشيعة: أم طيب الوصي يفوح.

[871] شعراء الحلة: 377 - 276: 2، والغدير: 417، وأعيان الشيعة: 468: 6.

يشير الشاعر في هذه الأبيات إلي معني من قال في حق الإمام علي:

ما أقول في رجل أخفَتْ أولياؤه فضائله خوفاً وأخفت أعداؤه فضائله حسداً، وشاع من بين ذين ما ملأ الخافقين. البابليات: 121: 1.

[872] شعراء الحلة: 384 - 377: 2، والغدير: 57 - 49: 7.

[873] شعراء الحلة: 384: 2، والغدير: 67: 7.

[874] شعراء الحلة: 385 - 384: 2 والغدير: 44 - 42: 7 وقد خمسها ابن السبعي.

[875] الأئمة هم مواقع أسماء اللَّه أو صفاته، وأنهم - كما في الحديث - ألقي في هويتهم مثاله وإرادتهم مصادر أفعاله.

[876] البابليات: 122: 1 وقد خمس هذه القصيدة الشاعران الأخوان الشيخ محمد رضا والشيخ هادي ولداالشيخ أحمد النحوي.

[877] شعراء الحلة: 386 - 385: 2، والغدير: 40 - 38: 7 والبابليات: 119: 1.

[878] شعراء الحلة: 386: 2، والغدير: 45: 7.

[879] شعراء الحلة: 387 - 386: 2، والغدير: 40: 7؛ آخر مشارق الأنوار، وأعيان الشيعة: 466: 6، والبابليات: 120: 1.

[880] شعراء الحلة: 387: 2، والغدير: 48 - 47: 7.

[881] شعراء الحلة: 387: 2، الغدير: 66: 7.

[882] شعر الحلة: 388 - 387: 2، والغدير: 41: 7، وأعيان الشيعة: 467: 6، البابليات: 121: 1.

[883] الغدير: 66 - 62: 7، وشعراء الحلة: 2، وأعيان الشيعة: 466: 6.

[884] شعراء الحلة: 388: 2، والغدير: 47: 7، وأعيان الشيعة: 467: 6، والبابليات: 120: 1.

[885] شعراء الحلة: 392: 2، والغدير: 49: 7.

[886] شعراء الحلة: 393 - 392: 2، والغدير: 40: 7، أعيان الشيعة: 466: 6، والبابليات: 121: 1.

[887] شعراء الحلة: 293: 2، والغدير: 67 - 66: 7.

[888] شعراء الحلة: 393: 2، والغدير: 49 - 48: 7.

[889] أعيان الشيعة: 467: 6.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.