سيره الامام علي بن ابي طالب عليه السلام

اشارة

سرشناسه: طايي

1332 -

عنوان و نام پديدآور: سيره الامام علي بن ابي طالب عليه السلام نجاح الطائي.

مشخصات نشر: بيروت دارالهدي لاحياء التراث 1424ق. 2003م. 1382.

مشخصات ظاهري: 7ج. (در سه مجلد).

وضعيت فهرست نويسي: فاپا

يادداشت: عربي.

يادداشت: ج.2 و 3 و 4 در يك مجلد منتشر شده است.

يادداشت: چاپ ديگر: قم: دارالهدي لاحياءالتراث، 1383.

يادداشت: ج.1 تا 4 (چاپ سوم: 1426ق. = 2005م. = 1384).

يادداشت: كتابنامه.

موضوع: علي بن ابي طالب ع)، امام اول، 23 قبل از هجرت - 40ق. -- سرگذشتنامه

رده بندي كنگره: BP37 /ط15س9 1382

رده بندي ديويي: 297/951

شماره كتابشناسي ملي: 1149856

مقدمة

«ما لقي أحد في هذه الأمة ما لقيت..» [1] الإمام علي (عليه السلام) لم يلاقِ، عظيم في التاريخ البشري، ما لاقاه علي بن أبي طالب (عليه السلام)، من ظلم وأثرة في حياته وبعد موته.

فإذا كان قد عاني الكثير في حياته، المليئة بالمآثر والأمجاد، فإن الظلم قد استبد به، فحرم من أبسط الحقوق وهي: كتابة تاريخية، بإنصاف وصدق، بعد وفاته، ولفترة طويلة.

فبعد رحيل الإمام إلي الرفيق الأعلي، أخضعت أجيال الأمة الإسلامية، لعملية مسح دماغي، ليس لها مثيل، كي تنسي علياً (عليه السلام)، ودوره الإيجابي الفعال، في دفع حركة الإسلام التاريخية، نحو العزة والمجد.. أو لتأخذه في إطار مشوه ممسوخ!!

وحسبك، بأن عشرات من السنين، قد سخرت فيها المنابر- وهي أعظم الأجهزة التربوية والإعلامية لدي المسلمين يومذاك- في سب علي (عليه السلام) وتشويه تاريخه الفذ.. حقداً علي الإسلام، وثأراً لمشركي بدر..

فكانت «خطبة الجمعة» مثلاً في العهد الأموي، تفتتح بالنيل من الإمام (عليه السلام)، بكلمات يأبي التاريخ أن تسطر علي صفحاته [2] وكانت تسند تلك العملية قوي، وأجهزة حكم، ورواة ومحدثون مأجورون، ومؤرخون للسلاطين، و.. و.. محاولة طمس معالم تاريخ الإمام علي (عليه السلام)..

بيد أن تاريخ الإمام علي (عليه السلام)، وإن كان تعرض لذلك اللون المخجل، والطمس والتزوير،

والتجهيل، فإن أحداً، كائناً من كان، ليس بمقدوره أن يطمس معالمه الأساسية، لارتباطها العضوي بالإسلام الحنيف ومجده.. فحبل الكذب قصير.. ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله.

وهكذا، فإن الأقلام المأجورة، وتشكيلة المرتزقة، التي حاولت أن تكتب لعلي تاريخاً علي هواها، ووفقاً لمصالحها، وما تملك من خلفيات ومرامي منخفضة، قد أخطأت التقدير، وجهلت أن الحق لا يمكن أن يحجب طويلاً، وأن الزبد لابد أن يذهب جفاء …

وشعوراً منّا بالمسؤولية الشرعية في توعية الأمة، وتبصيرها بحقائق دينها ووقائع تاريخها المجيد، ونفض تراب التعمية والتضليل عن حقائق أحداث المسيرة التاريخية لهذه الأمة منذ بدايات تاريخها … شعوراً منّا بهذه المسؤولية العظيمة نضع هذه الدراسة حول سيرة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ودوره في حركة الإسلام التاريخية بين أيدي المسلمين..

وللضرورة الفنية قسمت هذه الدراسة إلي أقسام ثلاثة:

سنتناول في القسم الأول منها سيرة أميرالمؤمنين (عليه السلام)، في عهد رسول الله (صلي الله عليه وآله)، وعهد الخلفاء الذين سبقوه تاريخياً في قيادة المسلمين.

وفي القسم الثاني: ينصب البحث علي دراسة حياة الإمام (عليه السلام)، أيام توليه (خلافة) المسلمين، ومواقفه البطولية النبيلة، في مجالات السياسة، والإدارة، والاقتصاد، والاجتماع، وشؤون الحرب والسلم وأمثال ذلك.

أما القسم الثالث: فيتخصص في إبراز الملامح الأساسية لشخصية أميرالمؤمنين (عليه السلام)، من حيث علاقته بالله تعالي، وعلاقته بالناس من حوله، وعطائه العقائدي، والعلمي، والفكري، الذي أسداه للأمة الإسلامية والناس أجمعين.

والله نسأل التسديد والتأييد، والهداية والتوفيق للعمل من أجل تكريس كل الطاقات، والإمكانات المتاحة في إطار الصراع الفكري القائم، بين أمتنا الإسلامية المجاهدة، وبين خصومها الألداء، حتي تسود شريعة الإسلام العظيم.. إنه سميع مجيب.

1/ 1/ 1999 م

المؤلف

وليد البيت العتيق

بزوغ الفجر

اشاره

في يوم الجمعة، الثالث عشر من شهر رجب المبارك، وقبل بعثة محمد رسول الله (صلي الله عليه وآله) باثنتي

عشرة سنة، اشتد المخاض علي فاطمة بنت أسد، فجاء بها أبوطالب إلي الكعبة المشرفة، وأدخلها فيها ثم قال لها اجلسي.. وخرج عنها فرفعت يدي الضراعة إلي العلي الأعلي سبحانه قائلة: «ربي إني مؤمنة بك، وبما جاء من عندك من رسل وكتب وإني مصدقة بكلام جدي إبراهيم الخليل (عليه السلام) وإنه بني البيت العتيق، فبحق الذي بني هذا البيت والمولود الذي في بطني إلا ما يسرت عليّ ولادتي. [5].

ولم يمض علي فاطمة غير ساعة حتي أعلنت أنها قد ولدت ذكراً، وهو أول مولود ولد في الكعبة المشرفة ولم يولد فيها بعده سواه تعظيماً له من الله سبحانه وإجلالاً، [6] وأسرع البشير إلي أبي طالب وأهل بيته، فأقبلوا مسرعين والبشر يعلو وجوههم..

وتقدم من بينهم محمد [5] (صلي الله عليه وآله) فضمه إلي صدره وحمله إلي بيت أبي طالب، حيث كان الرسول في تلك الآونة، يعيش مع خديجة، في دارهما منذ زواجه منها.

وانقدح في ذهن أبي طالب، أن يسمي وليده «علياً» وهكذا كان..

وأقام أبوطالب وليمة، علي شرف الوليد المبارك، ونحر الكثير من الأنعام. [6].

وقد حضر وليمته جمع حاشد من الناس: قدموا التهاني، وعاشوا ساعات من البهجة، أبدوا فيها مشاعرهم الفياضة، وأحاسيسهم السامية، نحو عميدهم شيخ الأبطح، ووليده المبارك..

ومرت الأيام سريعة، والوليد المبارك يتقلب بين أحضان والديه: أبي طالب، وفاطمة، وابن عمه محمد (صلي الله عليه وآله)، الذي كان دائم التردد علي دار عمه، التي ذاق فيها دف ء المودة، وشرب من ينابيع الإخلاص والوفاء الصافية، خلال سنوات صباه وشبابه.

أجل كان محمد (صلي الله عليه وآله) يتردد كثيراً علي دار عمه، بالرغم من زواجه من خديجة، وعيشه معها في دار منفردة، وكان يشمل علياً بعواطفه، ويحوطه بعنايته، ويناغيه في يقظته، ويحمله علي صدره.. ويحرك مهده عند

نومه، إلي غير ذلك من مظاهر العناية والرعاية..

في كفالة رسول الله

وبعد مضي ست سنوات علي ولادة علي (عليه السلام) تعرضت قريش لأزمة اقتصادية خانقة، وقد كانت وطأتها شديدة علي أبي طالب، إذ كان رجلاً ذا عيال كثيرة، وكهف يلوذ به المحتاج والفقير، بحكم مركزه الاجتماعي في مكة … أيرضي المصطفي (صلي الله عليه وآله) وبنو هاشم، أن تقسوا الحياة علي عميدهم؟!

أقبل الرسول (صلي الله عليه وآله) علي عمه العباس بن عبدالمطلب، وهو أثري بني هاشم يومها، فخاطبه بقوله: « … يا عم، إن أخاك أباطالب كثير العيال، وقد أصاب الناس ما تري فانطلق بنا إلي بيته لنخفف من عياله، فتأخذ أنت رجلاً واحداً، وآخذ أنا رجلاً فنكفلهما عنه..». [7].

وحظي رأي المصطفي (صلي الله عليه وآله) بالتأييد والرضاء من لدن عمه العباس، فأسرعا إلي أبي طالب، وخاطباه بالأمر، فاستجاب لما عرضا قائلاً: «إذا تركتما لي عقيلاً وطالباً، فاصنعا ما شئتما..». [8].

فأخذ العباس جعفراً …

وأخذ رسول الله (صلي الله عليه وآله) علياً (عليه السلام)، وكان عمره يومئذ ستة أعوام، [9] و قد قال (صلي الله عليه وآله)، بعد أن اختار علياً (عليه السلام): قد اخترت من اختاره الله لي عليكم- علياً. [10].

وهكذا عاش علي (عليه السلام) منذ نعومة أظفاره في كنف محمد (صلي الله عليه وآله): نشأ تحت رعايته، وشرب من ينابيع مودته وحنانه، ورباه وفقاً لما علمه ربه تعالي، ولم يفارقه منذ ذلك التاريخ، حتي لحق الرسول (صلي الله عليه وآله) بربه الأعلي..

حصيلة الأعداد النبوي

أشار الإمام علي (عليه السلام) إلي أبعاد التربية التي حظي بها من لدن قائده الرسول (صلي الله عليه وآله)، ومداها وعمقها، وذلك في خطبته المعروفة بالقاصعة، إذ جاء فيها ما نصه: «وقد علمتم موضعي من رسول الله صلّي الله عليه وآله، بالقرابة القريبة، والمنزلة الخصيصة، وضعني في حجره وأنا ولد، يضمني إلي

صدره، ويكنفني في فراشه، ويمسني جسده، ويشمني عرفه، وكان يمضغ الشي ء ثم يلقمنيه وما وجد لي كذبه في قول، ولا خطأه في فعل.

«ولقد قرن الله به صلي الله عليه وآله، من لدن إن كان فطيماً، أعظم ملك من ملائكته، يسلك به طريق المكارم، ومحاسن أخلاق العالم، ليله ونهاره، ولقد كنت أتبعه أتباع الفصيل أثر أمه، يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علماً، ويأمرني بالاقتداء به».

«ولقد كان يجاور في كل سنة (بحراء) فأراه ولا يراه غيري، ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام، غير رسول الله (صلي الله عليه وآله) وخديجة، وأنا ثالثهما. أري نور الوحي والرسالة، وأشم ريح النبوة..». [11].

والذي يستقري هذا النص، بإمعان، يتجلي له أن علياً (عليه السلام) قد حظي برعاية الرسول (صلي الله عليه وآله) وحدبه، وإيثاره أيام طفولته، فكان يمضغ الشي ء ثم يضعه في فمه، ويضعه في حجره، ويضمه إلي صدره، ويعامله كما لو كان ولده الحبيب …

أما في صباه، وشبابه، فقد أنصب جهاد رسول الله (صلي الله عليه وآله) علي تكوين شخصيته: إذ كان يأمره بالإقتداء به، وسلوك سبيله، وفي كل يوم يرفع له من أخلاقه علماً وعليّ كان يتبع أثره، أولاً بأول، كما يصف ذلك في حديثه.

ولهذا وذاك، فإن من خطل الرأي، أن لا يعتقد إمرء أن مسألة اختيار علي (عليه السلام) من لدن الرسول (صلي الله عليه وآله) كانت هادفة ابتداء لكي يأتي صورة لرسول الله (صلي الله عليه وآله) في فكره ومواقفه وشتي ألوان سلوكه، بل حتي في مشيته. [12].

فلقد كان الإمام علي (عليه السلام) من الصفا الروحي، والاستقامة الخلقية، وفقاً لما علمه رسول الله (صلي الله عليه وآله) بحيث كانت تتكشف له الكثير من حجب المستقبل المستور، فها هو يقول: «ولقد سمعت

رنة الشيطان حين نزول الوحي عليه، صلوات الله عليه، فقلت يا رسول الله ما هذه الرنة فقال: هذا الشيطان قد آيس من عبادته، إنك تسمع ما أسمع وتري ما أري إلا أنك لست بنبي، ولكنك وزير، وإنك لعلي خير..». [13].

فإن الشوط الذي قطعه في مضمار التقرب إلي الله سبحانه، وامتثال أوامره، وتجسيد متطلبات رسالته، رشحه لأن يكون وزيراً للنبوة، وهو مقام، لا يناله إلا من قطع شوطاً بعيداً، باتجاه قمة الفضيلة والتقي، فلم يفصله عن الرسول (صلي الله عليه وآله) إلا درجة النبوة، فارتقي منصة الوزارة بحق وجدارة، وهكذا كان علي …

في كنف الوحي

وإذا كان الإمام (عليه السلام) قد عاش ستة سنوات، في أحضان والديه وإخوته، وكان لرسول الله (صلي الله عليه وآله) دور بارز في رعايته، طوال تلك السنوات الندية من عمره (عليه السلام). فإن رعاية علي وتربيته، صارت من اختصاص المصطفي (صلي الله عليه وآله) دون منازع، منذ السنة السادسة، حيث انتقل (عليه السلام) إلي داره (صلي الله عليه وآله) علي أثر الضائقة المالية التي ألمت بأبيه أبي طالب، كما ذكرنا.

ومنذ تلك السن المبكرة عاش علي (عليه السلام) مع رسول الله (صلي الله عليه وآله) في بيته قبل الدعوة، حيث قضي تحت رعايته سنوات الصبا وسنوات التفتح علي الحياة، وخلالها عاش الإمام (عليه السلام) كل التطورات التي اكتنفت حياة الرسول (صلي الله عليه وآله)..

فعلي لم يحظ بالتربية المألوفة، التي يحظي بها غالباً طفل من لدن أبيه، أو صغير من لدن أخيه الأكبر، وإنما كان إعداده وتربيته من نوع خاص، وحسبك أنه كان يتبع محمداً (صلي الله عليه وآله) حتي في ساعات اختلائه في غار حراء.. ويشهد التطور الروحي والفكري الذي كان رسول الله (صلي الله عليه وآله) يمر فيه، وها هو (عليه السلام) يستذكر تلك

الأيام الخالدة وذلك الشطر الحساس من حياته، فيقول: « … ولقد كان يجاور في كل سنة بحراء، فأراه، ولا يراه غيري» [14] - كما ألمحنا إلي ذلك- أجل كان (عليه السلام) يعيش التحول الروحي الهائل، الذي شهدته نفس المصطفي (صلي الله عليه وآله)، حتي اشرق عليه وحي السماء المبارك.

ولقد كان للمستوي الروحي والخلقي البعيد المدي الذي سمت إليه نفس علي (عليه السلام)، أن شعر بالتحول الكبير، الذي جري في عالم الغيب، من انهزام للشيطان، بعد يأسه من أن يُعبد، فور بعثة الرسالة الخاتمة … فلقد شهد علي إرهاصات النبوة التي شهدها أستاذه ومعلمه الرسول (صلي الله عليه وآله)، وعاشها كما عاشها بمل ء كيانه، حين سطع الهدي، وتلقي رسول الله (صلي الله عليه وآله) أول بيان من السماء، لتكليفه بحمل الرسالة.

(إقرَأ بِاسمِ رَبِّكَ الّذي خَلَقَ- خَلَقَ الإنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ- إقرَأ وَربُّكَ الأكرَم- الّذي عَلَّمَ بالقلم- علَّمَ الإنسَان مَا لَمْ يَعْلَمْ) (العلق.(6-1

اول المؤمنين

اشاره

حين تلقي الرسول (صلي الله عليه وآله) بيان التكليف الإلهي، بحمل الرسالة، عاد إلي بيته فأطلع علياً [15] (عليه السلام)، بأمره فاستقبله (عليه السلام) بالتصديق واليقين، كذلك فعلت خديجة الكبري، فانبثق من أجل ذلك أول نواة لمجتمع المتبقي في الأرض.

علي أن يجدر بنا، أن نعي أن علياً (عليه السلام) لم يدعه الرسول (صلي الله عليه وآله) إلي الإسلام كما دعا غيره فيما بعد، أبداً، لأن علياً (عليه السلام) كان مسلماً علي فطرة الله تعالي، لم تصبه الجاهلية بأوضاعها، ولم يتفاعل مع شي ء من سفاسفها، وكل الذي كان: أن علياً (عليه السلام) قد أطلعه الرسول القائد (صلي الله عليه وآله) علي أمر دعوته ومنهج رسالته، فأعلن تصديقه وأيقن بالرسالة الخاتمة، وبادر لتلقي توجيهاته المباركة تلقي تنفيذ وتجسيد.

ولهذا يقال (كرم الله وجهه)

فإن علياً (عليه السلام) كان

مؤهلاً- كما بينا في مطلع الحديث- لاتباع رسول الله (صلي الله عليه وآله) في دعوته، لأنه (صلي الله عليه وآله) كان قد أنشأ شخصيته، وأرسي لبناتها الأساسية.

ولا أظنني أضيف جديداً إذا قلت أن الإمام (عليه السلام) لم يفاجأ بأمر الدعوة المباركة، طالما عاش في كنف رسول الله (صلي الله عليه وآله) وتفيأ ظلاله، فالمصطفي (صلي الله عليه وآله)- كما نعلم- كان يعبد ربه تعالي وينأي عن الجاهلية في مفاهيمه وسلوكه وعلاقاته، قبل أن ينزل عليه وحي السماء، بأول سورة من القرآن الكريم. [16].

وعلي (عليه السلام) كان مطلعاً علي عبادة أخيه رسول الله (صلي الله عليه وآله) وممارساته وتحولاته الروحية والفكرية، فكان يتعبد معه، وينهج نهجه، ويسلك سبيله، في ذلك السن المبكر من عمره..

أما حين فاتحه رسول الله (صلي الله عليه وآله) بأمر الدعوة الإلهية، فقد لبي النداء بروحه ووعيه وكل جوارحه، دون أن يباغت في الأمر، وإن كان هناك جدة في المسألة فإنما هي في الكيفية التطبيقية للرسالة ودرجة المسؤولية الواجب تحملها أو تفاصيل الأحكام.. وحين بُلِّغ رسول الله (صلي الله عليه وآله) بأمر التكليف الإلهي لحمل الدعوة المباركة، بلغ كذلك، أن تنصب دعوته أولاً علي الخاصة من أهل بيته (عليهم السلام)، وقد أشار ابن هشام في سيرته لذلك بقوله: «فجعل رسول الله (صلي الله عليه وآله) يذكر ما أنعم الله عليه، وعلي العباد به، من النبوة سرّاً إلي من يطمئن إليه من أهله..». [17] ومن أجل ذلك فاتح علياً وخديجة بالدعوة-كما ذكرنا- وبعدهما زيد بن حارثة، وبقي أمرها طي الكتمان لا يعلمه غير هؤلاء، وبعض الخاصة من أهل البيت (عليهم السلام).

وقد أشار الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) في حديث له حول إسلام جده علي بن أبي طالب (عليه السلام) بقوله: « … ولقد آمن بالله تبارك وتعالي

وبرسوله (صلي الله عليه وآله) وسبق الناس كلهم إلي الإيمان بالله وبرسوله والي الصلاة ثلاث سنين». [18].

ولأسبقيته في حمل الدعوة أشار الإمام (عليه السلام) في حديث جاء فيه «.. ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول الله صلي الله عليه وآله وخديجة، وأنا ثالثهما، أري نور الوحي والرسالة، وأشم ريح النبوة..».

وبعد أن تخطت الدعوة مرحلة دعوة الخاصة من أهل البيت (عليهم السلام) جاءت مرحلة دعوة من يتوسم رسول الله (صلي الله عليه وآله) فيهم القبول لدعوته، فانخرط عدد من الناس في سلك الدعوة، كان أغلبهم من الشباب، وكانت لقاءاتهم من أجل قراءة القرآن الكريم، والتعرف علي أحكام دين الله تعالي تتم بصورة سرية..

اول الدعاة

ثم أذن الله عزوجل لرسوله (صلي الله عليه وآله) بدعوة عشيرته الأقربين من بني هاشم، ليوسع من مدار الدعوة بذلك، فقال تعالي:

(.. وَأَنذِرْ عَشيرَتَكَ الأقْرَبينَ- وَأَخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِن المُؤْمِنينَ- فَإنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إنّي بَرِي ءٌ مِمَّا تَعمَلُونَ) (الشعراء: (216-214.

فلما تلقي رسول الله (صلي الله عليه وآله) أمر ربه الأعلي بإنذار عشيرته الأقربين، أمر علياً (عليه السلام) أن يدعوهم إلي طعام عنده، فحضروا إلي دار رسول الله (صلي الله عليه وآله) وكانوا أربعين رجلاً.

وبعد أن تناولوا طعامهم، بادرهم الرسول (صلي الله عليه وآله) بقوله «.. بإبني عبدالمطلب، أن الله بعثني إلي الخلق كافة، وبعثني إليكم خاصة، فقال: «وأنذر عشيرتك الأقربين» وأنا أدعوكم إلي كلمتين خفيفتين علي اللسان، ثقيلتين في الميزان، تملكون بهما العرب والعجم، وتنقاد لكم بهما الأمم وتدخلون بهما الجنة، وتنجون بهما من النار، شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله» فمن يجيبني إلي هذا الأمر ويوازرني عليه، وعلي القيام به يكن أخي ووصيي ووزيري ووارثي وخليفتي من بعدي..». [19].

وبين تنديد أبي لهب، وتحذيره للرسول (صلي

الله عليه وآله) من الاستمرار بالدعوة من جهة، وتأييد أبي طالب له ومخاطبته الرسول (صلي الله عليه وآله) بقوله: «فامض لما أمرت به، فوالله لا أزال أحوطك وأمنعك». [20].

أقول من خلال التأييد، الذي أعلنه أبوطالب، والتنديد البليد الذي أعلنه أبولهب، وقف علي بن أبي طالب (عليه السلام) وكان أصغر الحاضرين سناً فقال: «أنا يا رسول الله أوازرك علي هذا الأمر» فأمره الرسول (صلي الله عليه وآله) بالجلوس، ولما لم يجبه أحد نهض علي ثانية والرسول (صلي الله عليه وآله) يجلسه..

وأعاد الرسول (صلي الله عليه وآله) دعوته إلي قومه، فلم يجبه أحد، وكان صوت علي (عليه السلام) وحده يلبي الدعوة، ويهدر بالمؤازرة والنصرة، فمزق صمتهم بصلابة إيمانه، وقوة يقينه، وحيث لم يجب رسول الله (صلي الله عليه وآله) أحد للمرة الثالثة.. التفت إلي مجيبه الوحيد، قائلاً: «اجلس فأنت أخي ووصيي ووزيري ووارثي وخليفتي من بعدي». [21].

فنهض القوم من مجلسهم، وهم يخاطبون أباطالب: «ليهنئك اليوم أن دخلت في دين ابن أخيك، فقد جعل ابنك أميراً عليك».

مواجهة الجاهليين

ودخلت الدعوة إلي الله مرحلة المواجهة- بعد إنذار العشيرة- وأول من قاد ردّ الفعل أبولهب وزوجته، وكانا يعترضان رسول الله (صلي الله عليه وآله) ويزرعان المشاق في طريقه، لإثنائه عن دعوته المباركة ولكن دعوة الله سبحانه مضت، تشق طريقها في المجتمع الجاهلي المتحجر ذاك، فقد انتقلت بعد إبلاغ العشيرة إلي الدعوة العامة، حيث وقف رسول الله (صلي الله عليه وآله) عند البيت الحرام، وخاطب الجموع بأنه رسول الله إليها.. [22].

وبعد الدعوة تزايد عدد المؤمنين وأغلبهم من الشباب ومن شتي قطاعات المجتمع المكي..

وكان لتزايد عدد المؤمنين برسالة الله تعالي أثر بالغ علي موقف الجاهليين، فقد سلكوا أسلوب الإرهاب للرعيل الأول من المؤمنين، فكانت كل قبيلة وكل بيت يتصدي لمن فيه من المؤمنين

بالتعذيب والاضطهاد، [23] والمؤمنون يزدادون صموداً وإيماناً بصوت الحق والهدي، الذي دوي به صوت رسول الله (صلي الله عليه وآله) فرددته النفوس الظمأي إلي الخير والانعتاق..

وبسبب التعذيب الجسدي الوحشي، الذي صب علي المؤمنين، كانت هجرة الحبشة التي قادها جعفر بن أبي طالب والذي يكبر علياً (عليه السلام) بعشر سنين، وكان لجعفر وحكمته الأثر الفعال في إفشال مخطط قريش في إثارة ملك الحبشة علي المهاجرين، لطردهم من بلاده.

ابوطالب يتصدي لأعداء الرسالة

وإذا كانت قريش قد تصدت للسابقين من المؤمنين بالعنف والاضطهاد، فإنها ليست قادرة علي التصدي لرسول الله (صلي الله عليه وآله)، قائد الدعوة ورسولها، بنفس المستوي، لعلمها أن أباطالب شيخ الأبطح، يحول دون تحقيق أي لون من ألوان التصدي والإرهاب لرسول الله (صلي الله عليه وآله).

فأبوطالب، رجل مرهوب الجانب، ذو سطوة ونفوذ، ليس في بني هاشم وحدهم، وإنما في قبائل مكة كلها.

وقد كان الرجل سند الدعوة وجدارها الشامخ، الذي تستند إليه منذ تباشير فجرها الزاهر.. وقريش، كانت تدرك ذلك تماماً.

ومن أجل ذلك، سلكت أسلوب المفاوضة، والمساومة والإغراء: تفاوض الدعوة والرسالة في شخص الرسول (صلي الله عليه وآله) مرة، وفي شخص أبي طالب مرة أخري.. فحين كانت تعرض المال والسلطان علي رسول الله (صلي الله عليه وآله)، مقابل تركه الدعوة، والتنازل عن الرسالة، فإنها كانت تفاوض أباطالب، وتحاوره بشأن دعوة الرسول (صلي الله عليه وآله)، طالبة أن يستعمل نفوذه، بالضغط عليه، لترك رسالته، وتهدده باحتدام الصراع بينه وبين قريش كلها، إذا لم يخل بينهم وبين رسول الله (صلي الله عليه وآله)، ويكف عن إسناده له.

بيد أن أباطالب، كان يعلن إصراره علي التزام جانب رسول الله (صلي الله عليه وآله)، والذود عنه، مهما غلا الثمن، وعظمت التضحيات.

ابوطالب في الحصار مع رسول الله

ولما استبد اليأس بقريش، من أن أباطالب لن يفرّط بمحمد (صلي الله عليه وآله) ودعوته، عقد زعماؤها اجتماعاً طارئاً في دار الندوة- وهي دار قصي بن كلاب التي اعتادت قريش أن تجتمع فيها للتشاور في القضايا المصيرية من حياتها. وتوصل المجتمعون إلي قرار، يقضي بحصار بني هاشم، ومن يلوذ بهم، حصاراً اقتصادياً واجتماعياً، ينصب علي عدم مبايعة بني هاشم أو الشراء منهم، أو تزويجهم، أو التزوج منهم، وقد ذيل قرار المقاطعة ذلك بأربعين توقيعاً لزعماء قريش

ودخل بنو هاشم شعب أبي طالب، بناء علي أوامر من عميدهم أبي طالب ذاته، حماية لأنفسهم من سطوة قريش، وأصبح من المتعذر عليهم الخروج إلي مكة، إلا في موسم العمرة في رجب، وموسم الحج في ذي الحجة من كل عام. وبالنظر لتفاقم الموقف بين بني هاشم وقريش، شدد أبوطالب الحراسة علي الشعب، بعد تحصينه، خشية هجوم قريشي مباغت.

واستمر الحال ببني هاشم بما فيهم رسول الله (صلي الله عليه وآله) وعلي ابن أبي طالب (عليه السلام) هكذا ثلاث سنين- وقيل أربعاً- وقد عانوا من شظف العيش، والحرمان والفاقة، وما يدمي القلب، ويحز في النفس.

ولك أن تقدر حجم ما عاني المحاصرون من ضيق، إذا علمنا أن قريشاً قد شددت عليهم الحصار بشكل كامل، فقطعت عنهم التموين، وكانت غالباً ما تضاعف أثمان البضائع، ليعجز بنو هاشم عن شرائها، بشكل أدي بهم إلي المجاعة الحقيقية، حتي أن صراخ أطفالهم وتضورهم جوعاً كان يسمع من بعيد.

وبعد أن تصرمت السنون الثلاث، بعسرها وآلامها وفاقها، أخبر رسول الله (صلي الله عليه وآله) عمه أباطالب أن صحيفة المقاطعة التي كتبتها قريش قد أتت دودة الأرضة علي ما فيها من ظلم وقطيعة فأكلتها، إلاّ عبارة «باسمك اللهم» فأسرع أبوطالب إلي قريش، قائلاً:

«.. إن ابن أخي أخبرني أن الله قد سلط علي صحيفتكم الأرضة فأكلتها، غير اسم الله، فإن كان صادقاً نزعتم عنه سوء رأيكم، وإن كان كاذباً دفعته إليكم..». [24].

قالوا: قد أنصفتنا.. ثم فتحوها، فإذا هي كما قال.. ووقع نزاع حاسم بين قريش، نتج عنه تمزيق الصحيفة، وانتهاء المقاطعة، ورفع الحصار عن بني هاشم، وقد كان لإفشال مشروع الحصار بذلك الشكل الإعجازي الجلي أثره في كسب الدعوة للمؤيدين، والأنصار في مكة..

أرأيت كم من التضحيات في سبيل رسالة الله، بذل بيت علي

(عليه السلام)؟

فإذا كان علي أول من لبي صوت الحق، وظل مجاهداً في الصف الأمامي من الجبهة الإسلامية طوال حياته، فإن أباه قد ضحي حتي بمكانته الاجتماعية التي كان يحظي بها من لدن قريش، وذاق المحن من أجل رسالة الله تعالي، حتي كان بحق الدرع الواقي للرسول (صلي الله عليه وآله)، والدعوة في حين كانت المكانة الاجتماعية: حلم الرجال، ومبتغاهم في ذلك المجتمع القبلي..

وهكذا كان جعفر بن أبي طالب، أخو علي (عليه السلام) الذي دشن حياته الإسلامية بقيادة موكب الهجرة الأولي إلي الحبشة وتوجهاً بالشهادة في غزوة مؤتة.. ففاز بلقب الطيار مع الملائكة في الجنة كما أخبر رسول الله (صلي الله عليه وآله) بذلك.. [25].

ولعظيم حب رسول الله (صلي الله عليه وآله) لجعفر، إنه حين قدم المدينة المنورة من الحبشة، وذلك يوم فتح خيبر، استقبله الرسول (صلي الله عليه وآله) وقبل ما بين عينيه، وهو يقول (صلي الله عليه وآله): «ما أدري بأيهما أنا أشد فرحاً: بقدوم جعفر؟ أم بفتح خيبر». [26].

الي دار الإسلام

.. وفي خضم الصراع العنيف، الناشب بين الدعوة الإلهية المباركة، والجاهلية الرعناء، فجع الإسلام بفقد مؤمن قريش: أبي طالب (رض) فاهتز رسول الله (صلي الله عليه وآله) للحادث الأليم، وعلم أن قريشاً ستعمل علي تصعيد حملتها علي الدعوة، وعلي شخصه الكريم بالذات..

وإذا كانت قريش تخش أباطالب، ومركزه الاجتماعي، فيما مضي، فقد صفا لها الجو بعد موته، وها هو رسول الله (صلي الله عليه وآله) يفقد سنده الشامخ، ويصاب بعده بفاجعة أخري، لا تقل في تأثيرها عليه عن الأولي، فقد توفيت زوجته الوفية خديجة، حتي دعا العام الذي فقدهما فيه «عام الحزن».

وللأهمية البالغة، التي يحتلها أبوطالب، في سير الحركة التاريخية لدعوة الله تعالي، صرح رسول الله (صلي الله عليه وآله) بقوله:

«ما زالت قريش كاعةًً

عني حتي مات أبوطالب». [27].

وصعدت قريش حملتها علي رسول الله (صلي الله عليه وآله) والسابقين من المؤمنين، فاتحة رسول الله (صلي الله عليه وآله) للبحث عن أرض غير مكة، تستقر عليها دعوة الله، فتنمو عليها شجرة الهدي، وراح يتصل بالقبائل، ويعرض أمره علي الناس في أطراف مكة … ثم زار الطائف، واتصل بزعماء قبائلها، فلم يستجب له أحد ذو أثر اجتماعي، بيد أن اليأس لم يتسرب إلي نفسه، واستمر في عرض نفسه علي الناس من خارج مكة، حتي التقي في موسم الحج بنفر من أهل يثرب، وفاتحهم بأمر الدعوة، فاستجابوا له، ولبوا دعوة الله، وعادوا يحملون كلمة الله إلي قومهم.

وفي اليوم التالي قدم منهم اثنا عشر رجلاً، فبايعوه علي الإيمان وحمل الرسالة، فأرسل لتعليمهم أحكام دين الله تعالي: مصعب ابن عمير، فمكث فيهم سنة كاملة، ويدعوهم إلي الله، ويؤدبهم بتعاليم رسالته، ويقرئهم القرآن الكريم فدخل الكثير من الناس في الإسلام، واستجابوا لنداء الدعوة المباركة..

وفي موسم الحج حضر منهم إلي مكة وفد كبير يقوده مصعب بن عمير، فالتقوا برسول الله (صلي الله عليه وآله)، وبايعوه علي النصرة أن هاجر هو إلي بلدهم..

وتنزل أمر الله تعالي يدعو المسلمين إلي الهجرة، فزحفت مواكب المهاجرين صوب الدار الجديدة مخلفين وراءهم المال والوطن وعلائق الدم والقربي.

ولئن كانت الدعوة قد أوشكت علي الدخول في مرحلة جديدة من مراحل مسيرتها العتيدة، فإن قريشاً، قد اجتمعت في دار الندوة للتشاور بشأن رسول الله (صلي الله عليه وآله) بالذات، فتوصل قادتها إلي قرار يقضي باغتيال جماعي لرسول لله (صلي الله عليه وآله) يتولاه من كل قبيلة رجل منها وأن ينفذ الاغتيال ليلاً.

وكشف جبريل (صلي الله عليه وآله) لرسول الله (صلي الله عليه وآله) أوراق الجريمة التي أجمعت قريش علي اقترافها.

(وَإذّ يمْكُرُ

بِكَ الّذينَ كَفَرُوا ليُْبتُوكَ أوْ يَقْتُلُوكَ أوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ واللهُ خَيْرُ المَاكِرينَ) (الأنفال: (30.

في فراش رسول الله

وأبلغ جبريل (عليه السلام) رسول الله (صلي الله عليه وآله) بأمر الله تعالي بالهجرة إلي المدينة المنورة.. وحين انتشر الظلام، أسرع المتآمرون لتطويق بيت الرسول (صلي الله عليه وآله) للحيلولة دون خروجه.. وعندها جاء دور علي (عليه السلام) حيث أمره رسول الله (صلي الله عليه وآله) أن ينام علي فراشه، ويلتحف ببردته، وخرج صلي الله عليه وآله من بينهم وهو يتلو قوله تعالي:

(وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ) (يس: (9.

فلم يشاهده أحد من المشركين:

وعند طلوع الفجر اقتحم المتآمرون دار رسول الله (صلي الله عليه وآله) لتنفيذ جريمتهم واتجهوا لغرفته، فوثب علي (عليه السلام) في وجوههم قائلاً: ما شأنكم؟

قالوا: أين محمد؟

قال «أجعلتموني عليه رقيباً؟ ألستم قلتم نخرجه من بلادنا فقد خرج عنكم..». [28].

فانقلبوا خاسرين وباؤوا بالفشل الذريع … ثم بدا لهم أن يبحثوا عن الرسول (صلي الله عليه وآله) ويجدوا في طلبه في الجبال والوديان، واصطحبوا لذلك أباكرز، وهو رجل شهير بعلم معرفة الأثر، وبالفعل استطاع أبوكرز أن يتابع أثر الرسول (صلي الله عليه وآله) حتي أوصل القوم غار جبل «ثور» مؤكداً لهم أن محمداً (صلي الله عليه وآله) قد وصل في نهاية شوطه إلي ذلك الغار، وإذن فلا بد أن يكون قد عرج إلي السماء أو اختفي تحت الأرض، وحيث أن الله سبحانه قد بعث عنكبوتاً فنسجت بيتاً لها علي باب الغار، فإن المتآمرين لم يخطر ببالهم أن الرسول (صلي الله عليه وآله) في داخل الغار الذي يقفون علي بابه، وهكذا صرف الله عقولهم فولوا الأدبار..

وعند حلول الليلة الثانية أسرع علي (عليه السلام) وهند بن أبي هالة إلي الغار للاتصال بالرسول

(صلي الله عليه وآله) تحت جنح الظلام [29] وتحاور رسول الله (صلي الله عليه وآله) مع علي (عليه السلام) حول مستلزمات الهجرة.. فأوصاه بأداء الأمانات إلي أهلها، وباللحوق به (صلي الله عليه وآله) بعد ذلك وأوصاه أن يحمل معه فاطمة الزهراء (صلي الله عليه وآله) ومن معها من نساء أهل البيت..

الانتظار في قبا

وبعد أيام من مسيرة الركب وصل الرسول (صلي الله عليه وآله) إلي «قبا» حيث نزل عند كلثوم بن الهدم أحد زعماء بني عمرو بن عوف [30] وهناك أقام الرسول (صلي الله عليه وآله) مسجد قبا، ومكث ينتظر قدوم علي بن أبي طالب (عليه السلام). [31].

إذ كتب إليه كتاباً يأمره بالمسير إليه، وقد حمل الكتاب أبووافد الليثي، وحيث أن علياً (عليه السلام) قد أدي ما أوصاه به رسول الله (صلي الله عليه وآله) قبل هجرته وأعاد الأمانات التي كانت لدي الرسول (صلي الله عليه وآله) إلي أهلها، فقد عجل باللحوق بأخيه رسول الله (صلي الله عليه وآله) فبادر إلي إعداد ركائب لحمل النساء فاطمة بنت رسول الله، وفاطمة بنت أسد، وفاطمة بنت حمزة وفاطمة بنت الزبير بن عبدالمطلب.

ثم أمر ضعاف المؤمنين أن يتسللوا ليلاً إلي ذي طوي وخرج هو والفواطم وأيمن وأبووافد الليثي نهاراً. [32].

ولم تمض غير أيام قليلة حتي وصل ركب علي والفواطم إلي قبا، فاستقبلهم رسول الله (صلي الله عليه وآله) وعانق علياً (صلي الله عليه وآله) وبكي رحمة به- وذلك لما ألم به من إرهاق وأذي.

وبعد مقدم علي (عليه السلام) علي رسول الله (صلي الله عليه وآله) بيومين ارتحل الرسول (صلي الله عليه وآله) وبصحبته علي (عليه السلام) ومن معه من المهاجرين إلي المدينة المنورة..

وكان الركب النبوي يستقبل استقبالاً مهيباً عند كل حي يمر به.. حتي إذا وصل الرسول (صلي الله عليه وآله) إلي

المكان الذي أقيم مسجده فيه توقفت راحلته عن المسير فنزل عنها، وأقام ضيفاً عند أيوب الأنصاري (ره).. ثم بادر إلي بناء المسجد والدور الخاصة به وبأهل بيته، وفي طليعتهم علي (عليه السلام) إذ أقيمت حجرته بجنب حجرة عائشة.

مهمات ما بعد الهجرة

اشاره

استقبلت المدينة عهداً جديداً من تاريخها بوصول رسول الله (صلي الله عليه وآله) إليها حتي أرسي (صلي الله عليه وآله) قواعد دولة القرآن، وعمل علي تحصينها لتكون مناراً يشع نور الحق إلي الآفاق فيبدد ظلام الجاهلية الحالك..

وإذا كانت الدعوة بعد الهجرة قد امتلكت دولة وفرت لها الكثير من شروط الحماية والتحصين، فإن ذلك لا يعني بحال أن مكر الأعداء وخططهم لإطفاء نور الإسلام قد انتهي بل العكس هو الذي كان، فالجاهلية بقواها المتعددة وواجهاتها الكثيرة قد أجمعت علي حرب الإسلام ودولة الإسلام، وقد دخلت فصائل كثيرة إلي الميدان لغير صالح الإسلام، بعد أن أدركت عملياً أن وجودها في خطر بعد امتلاك الإسلام الدولة التي ترعاه ويحقق أهدافه من خلالها..

وهكذا كانت مرحلة ما بعد الهجرة قد وضعت المسلمين أمام مسؤوليات أشمل ميداناً وأبعد خطراً، حيث بناء الدولة وحمايتها وبناء المجتمع وترصينه، وصد الأعداء ونشر العقيدة وغير ذلك..

والصراع بطبيعته قد تحول بدوره من صراع أفراد أو إرهاب قبائل، وأصحاب وجاهات لأفراد عزل لا يملكون غير دينهم وثقتهم بالله تعالي.. إلي صراع عسكري منظم بين قوي جمعتها المصالح والأهواء ولو آنياً لحرب الإسلام العظيم باعتباره- وبتقديرهم- الخطر الماحق لوجودهم الفكري والعملي.. وقد تفجر الصراع العسكري بشكل لم يشهد له التاريخ مثيلاً.

وحسبك أن دولة القرآن قد شهدت عبر عشر سنوات عاشها الرسول (صلي الله عليه وآله) بعد هجرته إلي المدينة عشرات من الأعمال العسكرية بين حروب دفاعية أو هجومية أو غزوات أو سرايا

أو غيرها.. قدم المسلمون خلالها الكثير من الضحايا ولاقوا صنوفاً من البلاء بيد أنهم أنهوا الوجود العملي للجاهلية العربية.. فشملت دولة الإسلام الجزيرة العربية دون منازع..

وإذا تتبعنا تلك المرحلة الدقيقة من عمر الرسالة الخاتمة لوجدنا أن دور علي بن أبي طالب (عليه السلام) فيها لم يرق إليه دور قط.. فهو في جميع حروب الإسلام مع أعدائه كان يفوز بقصب السبق لا من باب اشتراكه في الحرب أو قتاله فيها، وإنما بما قدمه من بطولة وتضحية يسبق بها سواه ومن المناسب هنا أن نذكر طرفاً من بطولته (عليه السلام):

باس في الحرب

في معركة بدر

كان عدد المسلمين يساوي ثلث جيش عدوهم وكانت العدة لدي المسلمين ليست ذات بال فعلي سبيل المثال كانوا لقلة ركائبهم يركب منهم الاثنان والثلاثة والأربعة علي بعير واحد، ولم يكن منهم فارس غير المقداد بن الأسود الكندي، وكانت أسلحة بعضهم من جريد النخل ونحوه..

حتي إذا اضطرمت نار الفتنة تقدم علي (عليه السلام) وكان يحمل لواءالرسول (صلي الله عليه وآله) [33] فخاض غمار معركة حامية غير متكافئة، كان المسلمون خلالها يستغيثون ربهم طلباً للنصر فاستجاب لهم وأمدهم بالملائكة، وقد انتهت المعركة بمقتل سبعين رجلاً من المشركين كان مقتل حوالي نصف عددهم بسيف علي [34].

و في معركة أحد

كان رسول الله (صلي الله عليه وآله) قد أعطي لواء المهاجرين لعلي (عليه السلام) ولما اشتبك الطرفان كان النصر ابتداءً للمسلمين، بيد أن حماة جبل أحد الذين أمرهم الرسول (صلي الله عليه وآله) بعدم مفارقته تركوا أماكنهم بعد فرار المشركين بدافع الطمع في الغنائم، فصعدت إحدي فرق المشركين بقيادة خالد بن الوليد الجبل فتغير الموقف لصالح المشركين فخسر المسلمون الكثير من الشهداء.. وأصيب الرسول (صلي الله عليه وآله) بجروح في وجهه الكريم وكسرت رباعيته وحيث لم يبق مع رسول الله (صلي الله عليه وآله) في ذلك الموقف الرهيب بعد فرار المسلمين غير علي (عليه السلام) وأبي دجانة وسهل بن حنيف استبسل علي (عليه السلام) كعادته في الدفاع عن رسول الله (صلي الله عليه وآله) ومجد الرسالة الإلهية، وقتل حملة اللواء من المشركين واحداً بعد الآخر، وكانوا تسعة رجال ثمانية من بني عبدالدار وتاسعهم عبدهم. [35] مما أربك العدو واضطره للفرار.

و في غزوة الأحزاب

طوقت المدينة بعشرة آلاف من المشركين بشتي فصائلهم، ونقض بنو قريظة صلحهم مع رسول الله (صلي الله عليه وآله) وانضموا إلي صفوف الغزاة، فتغير ميزان القوي لصالح العدو، وبلغ الذعر في نفوس المسلمين أيما مبلغ، فقد زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وزلزلت نفوس وظنت نفوس بالله الظنونا- كما حدثنا القرآن-. [36].

وبدأ العدو هجومه بعبور عمرو بن عبدود العامري أحد أبطال الشرك الخندق مع بعض رجاله، فهددوا المسلمين في داخل المدينة بل في داخل تحصيناتهم.. وراح بن عبدود يصول ويجول، ويتوعد المسلمين ويتفاخر عليهم ببطولته، ويستعلي وينادي:

هل من مبارز؟

فقام علي (علي) وقال: أنا له يا رسول الله.

قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): اجلس إنه عمرو!

وكرر ابن عبدود النداء وجعل يوبخ المسلمين، ويسخر بهم يقول: أين جنتكم التي تزعمون، أن من قتل منكم يدخلها، أفلا تبرزون لي

رجلاً؟

ولما لم يجبه أحد من المسلمين، كرر علي (علي) طلبه: أنا له يا رسول الله.

فقال (صلي الله عليه وآله): اجلس إنه عمرو!

فأبدي علي عدم اكتراثه بعمرو وغيره، قائلاً: وإن كان عمرو!!

فأذن رسول الله لعلي (عليه السلام) وأعطاه سيفه ذا الفقار، وألبسه درعه، وعممه بعمامته..

ثم قال (صلي الله عليه وآله) «اللهم هذا أخي وابن عمي، فلا تذرني فرداً، وأنت خير الوارثين». [37].

ومضي علي (عليه السلام) إلي الميدان، وخاطب ابن عبدودّ بقوله: يا عمرو إنك كنت عاهدت الله، أن لا يدعوك رجل من قريش إلي إحدي خلتين إلا قبلتها..

قال عمرو: أجل.

فقال علي (عليه السلام) فإني أدعوك إلي الله ورسوله (صلي الله عليه وآله) وإلي الإسلام.

فقال: لا حاجة لي بذلك.

قال له الإمام: فإني أدعوك إلي البراز.

فقال عمرو: إني أكره أن أهرق دمك، وإن أباك كان صديقاً لي..

فرد عليه الإمام (عليه السلام) قائلاً: لكني والله أحب أن أقتلك، فغضب عمرو، وبدأ الهجوم علي علي (عليه السلام) فصده الإمام برباطة جأشه المعتاد، وأرداه قتيلاً، فعلا التكبير، والتهليل في صفوف المسلمين.. [38].

ولما عاد الإمام (عليه السلام) ظافراً استقبله رسول الله (صلي الله عليه وآله) وهو يقول «لمبارزة علي بن أبي طالب لعمرو بن عبدودّ، أفضل من عمل أمتي إلي يوم القيامة». [39].

وبعد مقتل ابن عبدودّ بادر علي (عليه السلام) إلي سد الثغرة التي عبر منها عمرو ورجاله الخندق ورابط عندها [40] مزمعاً القضاء علي كل من تسول له نفسه العبور، ولولا ذلك الموقف البطولي لاقتحم جيش المشركين المدينة علي المسلمين، بذلك العدد الهائل.

وهكذا كانت بطولة علي (عليه السلام) في غزوة الأحزاب أهم عناصر النصر للمعسكر الإسلامي، وانهزام المشركين.

و في غزوة خيبر

عجز عليه القوم عن الصمود أمام اليهود، ولما بأن ضعف الجميع عن اقتحام حصون خيبر حتي تأخر فتحها أياماً قال رسول الله (صلي الله عليه وآله) «لأعطين الراية غداً

رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، كراراً غير فرار، لا يرجع حتي يفتح الله علي يديه..». [41].

ولما كان الغد أعطاها علياً فاقتحم حصون خيبر ودخلها عليهم عنوة، وقتل بطلهم مرحباً ثم فتح الحصون جميعاً..

غزوة حنين

فرّ المسلمون فلم يبق مع رسول الله (صلي الله عليه وآله) غير علي (عليه السلام). [42].

والعباس وبعض أهل البيت (عليهم السلام) فكان النصر بعد عودة المسلمين لميدان القتال.. وكان الظفر..

هذه صور يسيرة من مواقف الصمود التي سجلها الإمام علي (عليه السلام) بين يدي رسول الله (صلي الله عليه وآله) القائد في أدق الساعات وأكثرها حرجاً. [43].

ومن نافلة القول أن نعيد إلي الأذهان أن علياً (عليه السلام) قد اشترك في حروب رسول الله جميعاً غير تبوك [44] وذلك بأمر من الرسول (صلي الله عليه وآله) بذاته، وكان له في جميعها القدح المعلي، هذا عدا الغزوات التي قادها بنفسه عليه السلام.

والباحث المنصف حين يتناول حياة الإمام علي (عليه السلام) بالدراسة وفي شطرها الجهادي بالذات يقف مذهولاً أمام بطولته الفريدة وتضحياته المعطاءة، لكن البطولة بما هي بطولة ليست هي الميزة في جهاد علي (عليه السلام) وإن كان ميدانها الواسع وشمولها يبقي سمة من سمات علي ولكن الأهم فيها إنما هو الإخلاص لله تعالي والتضحية في سبيله.

فإيمان علي (عليه السلام) بالله تعالي يبقي هو الحافز والمحرك لتلك البطولات العظيمة التي سجلها تاريخ الإسلام في أنصع صفحاته بشكل لم يسجل مثلها سواه.

وحسبك في ذلك أن كثيراً من المواقف العسكرية- كما رأينا- يعترض فيها عليه القوم فضلاً عن عامتهم للهون بل والهزيمة النكراء غير أن التاريخ لم يسجل لعلي (عليه السلام) إلا الصمود والفداء والتضحية في كل موقف، صمد الناس فيه أم انهزموا، الأمر الذي لا يفسره إلا ما يتمتع به علي (عليه السلام) من صدق اليقين وعمق

الاستعانة والتوكل علي الله والعبودية له واللامبالاة بما سواه كبر ذلك أم صغر.

هذا عدا ما يتمتع به علي (عليه السلام) من علو الهمة وقوة العزيمة ورباطة الجأش وسمو النفس.

علي في منظار الإسلام

اشاره

لم يحظ رجل في الإسلام ما حظي به علي بن أبي طالب (عليه السلام) من ثناء وإجلال من لدن الرسالة الإسلامية، وحثها المتزايد لاتباعها لا علي تقديره فحسب، وإنما علي التزامه، وانتهاج سبيله.

وقد انطوي القرآن الكريم والسنة الشريفة والتاريخ الصحيح علي نصوص وروايات تنطق كلها بالثناء علي علي (عليه السلام).

فمرة تأتي كأوسمة يضعها الإسلام علي صدره فيميزه.

ومرة علي شكل أحكام وأوامر تلزم المسلمين علي التزام علي (صلي الله عليه وآله) إماماً ومنهجاً. فمن أوسمة التقدير التي نالها علي (عليه السلام) من الله تعالي ومن رسوله (صلي الله عليه وآله). نذكر ما يلي:

1- (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) (الأحزاب: (33.

وذهب المفسرون لهذه الآية أنها نزلت في رسول الله (صلي الله عليه وآله) وعلي وفاطمة الزهراء والحسن والحسين (عليهم السلام) حين دعا الرسول (صلي الله عليه وآله) بعباءة وجللهم بها، ولها نزلت الآية قالت أم سلمة زوجة الرسول (صلي الله عليه وآله): هل أنا من أهل بيتك؟

قال: لا ولكنك علي خير. [45].

2- (فَمَنْ حَاجَّك فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنْ العِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدَعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمُ وَنِسَاءَنَا وَنِساؤَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وأَنْفُسكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِل فَنَجعَلْ لَعنَةَ اللهِ عَلَي الكاذِبِينَ) (آل عمران: (61.

ذكر أهل التفسير من جميع المسلمين أنها نزلت حين خرج رسول الله (صلي الله عليه وآله) بعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام لمباهلة نصاري نجران، فلما رآه النصاري قد خرج بأهل بيته خافوا العاقبة واعتذروا عن مباهلته، فدفعوا الجزية خضوعاً منهم لسلطان دولته (صلي الله عليه وآله). [46].

3- (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلَي حُبهِ مِسكيناً

وَيَتِيماً وأَسِيراً- إنَما نُطْعِمكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلاَ شكُوراً- إنَا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قُمْطَرِيراً- فَوَقيهُم اللهُ شَرَّ ذلِكَ اليَوْمِ وَلفّيهُمْ نَضَرَةً وَسُرُوراً) (الدهر: (11-8.

وهذه بإجماع أهل التفسير نزلت في علي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام).

وكان ذلك عندما مرض الحسنان فنذر علي (عليه السلام) وفاطمة وفضة إن شفي الحسنان، فإن علياً والزهراء وفضة يصومون لله تعالي ثلاثة أيام.

وبعد شفاء الحسنين صام أهل البيت (عليهم السلام).

وعند غروب شمس اليوم الأول طرق الباب عليهم مسكين يشكو جوعه، فأعطوه ما عندهم من خبز الشعير.

وفي اليوم الثاني استطعمهم يتيم فأطعموه..

وفي ثالث أيام النذر سألهم أسير فقدموا له طعامهم وهكذا بقي أهل البيت (عليهم السلام) ثلاثة أيام لم يذوقوا فيها غير الماء، فأنزل الله فيهم هذه الآيات الكريمة إعظاماً لشأنهم وإكبارً لعملهم [47] ليكونوا القدوة وليكونوا المثال.

4- (أَجَعَلتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ باللهِ وَاليوْمِ الآخِرِ وَجَاهَد فِي سَبِيلِ اللهِ لاَ يَسْتونَ عِنْدَ اللهِ والله لا يَهْدي الْقَوْمَ الظَّالِمينَ) (التوبة: (19.

نزلت هذه الآية عندما تفاخر طلحة بن شيبة والعباس بن عبدالمطلب: إذ قال طلحة: أنا أولي الناس بالبيت لأن المفتاح بيدي!

وقال العباس: أنا أولي، أنا صاحب السقاية والقائم عليها وفي هذه الأثناء مرّ عليّ بهما وسألهما: بم يفتخران. فذكرا له مقالاً.

فقال علي (عليه السلام): أنا أوتيت منذ صغري ما لم تأتيا.

فقالا وما ذاك؟

فقال (عليه السلام): لقد صليت قبل الناس وأنا صاحب الجهاد فأنزل الله تعالي الآية المذكورة في الثناء علي ما افتخر به علي (عليه السلام). [48].

وإذا كان القرآن الكريم يثني هذا الثناء الجميل علي علي (عليه السلام) فتعال معي إلي السنة الشريفة لنقرأ شيئاً منها في هذا الصدد:

1- قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): أنا مدينة العلم وعلي بابها. [49].

2- وقال

(صلي الله عليه وآله): «أنت مني بمنزلة هارون من موسي إلا أنه لانبي بعدي». [50].

3- وقال (صلي الله عليه وآله): مخاطباً علياً (عليه السلام) «لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق». [51].

4- وقال (صلي الله عليه وآله) يوم المواخاة- بين المهاجرين والأنصار مخاطباً علياً (عليه السلام): «أنت أخي وأنا أخوك فإن ذكرك أحد فقل أنا عبدالله وأخو رسوله لا يدعيهما بعدك إلا كذاب». [52].

هذه طائفة من النصوص الخاصة بالثناء علي علي (عليه السلام) ومن شاء المزيد فليراجع فضائل الخمسة من الصحاح الستة وينابيع المودة ومسند أحمد بن حنبل وفضائل أميرالمؤمنين وأمانته من دلائل الصدق وغيرها.

أما النصوص القاضية بوجوب التزام علي (عليه السلام) إماماً وقائداً في دنيا المسلمين فنذكر منها ما يلي:

من فضائل الأمام علي

(إنّمَا وَلِيكُمُ الله وَرَسُولُه وَالّذينَ أمَنُوا الّذينَ يُقيمون الصَلوةَ ويؤتُونَ الزّكوَةَ وهُم رَاكِعُونَ) (المائدة: (65.

قال المفسرون إن الآية الكريمة نزلت في علي بن أبي طالب (عليه السلام) [53] فأكدت وجوب الالتزام به إماماً ومرجعاً فكرياً واجتماعياً وسياسياً للأمة، وقد كان سبب نزولها حين تصدق علي (عليه السلام) علي مسكين بخاتمه أثناء ركوعه، فالآية إنما نزلت بهذا الصدد وهي تؤكد في ذات الوقت إمامة علي (عليه السلام)

خطبة الغدير

وهي البيان الذي وجهه الرسول (صلي الله عليه وآله) إلي المسلمين في غدير خم في آخر حجة له لبيت الله، فعن البراء بن عازب قال:

«أقبلنا مع رسول الله صلي الله عليه (وآله) وسلم في السنة التي حج، فنزل في بعض الطريق، فآمر: الصلاة جامعة، فأخذ بيد علي فقال: «ألست أولي بالمؤمنين من أنفسهم»؟.

قالوا: بلي.

قال (صلي الله عليه وآله): ألست أولي بكل مؤمن من نفسه؟

قالوا: بلي.

قال (صلي الله عليه وآله): «فهذا ولي من أنا مولاه، اللهم وال من والاه، اللهم عاد من عاداه» [54] وفي لفظ أحمد بن حنبل أن رسول الله (صلي الله عليه وآله)

قال (من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه». [55].

وقال رسول الله (صلي الله عليه وآله) «علي مع الحق والحق مع علي لن يفترقا حتي يردا علي الحوض». [56].

وفي حديث آخر لرسول الله (صلي الله عليه وآله) يخاطب به عمار بن ياسر (ره) جاء فيه «.. وإن سلك الناس كلهم وادياً وسلك علي وادياً فأسلك وادياً سلكه علي وخلّ الناس طراً..». [57].

وقال (صلي الله عليه وآله):

«لكل نبي وصي ووارث وأن علياً وصي ووارثي». [58].

هذا غيض من فيض من النصوص الإسلامية الموثوقة المجمع علي صحتها، ووثاقتها من جميع المسلمين. [59].

علي في عهد الخلفاء..

اشاره

فاضت نفس رسول الله (صلي الله عليه وآله) في حجر علي (عليه السلام) [60] ورحل (صلي الله عليه وآله) إلي ربه الأعلي، وهو قلق علي مستقبل الرسالة والأمة، كما يجسد ذلك بقوة قوله (صلي الله عليه وآله) عند زيارته لقبور المؤمنين في البقيع في بداية مرضه الذي قضي فيه «السلام عليكم يا أهل القبور، ليهنئكم ما أصبحتم فيه، مما فيه الناس، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع أولها آخرها..». [61].

وتأكيده المستمر علي ضرورة التزام

الثقلين: كتاب الله تعالي والعترة الطاهرة. [62].

وطلبه في آخر ساعة من حياته أن يؤتي بدواة وكتف ليكتب للأمة كتاباً لن تضل بعده أبداً. [63].

إلي غير ذلك من مصاديق توجسه وقلقه (صلي الله عليه وآله) علي مستقبل المسيرة الإسلامية، بالرغم من احتياطه لتحصين الأمة وتجنيبها من الوقوع في الفتنة.

وما أن فاضت نفس رسول الله (صلي الله عليه وآله) واشتغل علي (عليه السلام) وأهل البيت بتجهيزه من أجل مواراة جسده الطاهر في مثواه الأخير، حتي عقدت الأنصار وبعض المهاجرين اجتماعاً في سقيفة بني ساعدة لتنصيب من يخلف النبي (صلي الله عليه وآله) في قيادة المسلمين.

وبعد مناقشات حادة وطويلة سادها جو من التوتر والقلق والعنف والخلاف بادر عمر بن الخطاب إلي بيعة أبي بكر بالخلافة [64] وطلب من الحاضرين ذلك، ولم يكن علي (عليه السلام) علي علم بما حدث، ولكن النبأ قد انساب إلي مسامعه من خلال الضجيج الذي أحدثه خروج القوم من السقيفة، وهم في طريق توجههم للمسجد النبوي:

وحتي تلك الساعة مازال علي وأهل البيت (عليه السلام) مشغولين بتجهيز فقيد الأمة العظيم رسول الله (صلي الله عليه وآله) إذ ظل (صلي الله عليه وآله) جثمانه الطاهر ثلاثة أيام [65] دون دفن ليتسني للمسلمين توديعه والصلاة عليه.

ولعدم قناعة الإمام (عليه السلام) بما جري ظل مؤمناً بحقه في الخلافة واعتزل الناس، وما هم فيه ستة شهور، ولم يسمع له صوت في مايسمي بحروب الردة ولا سواها. [66].

ولقد استجدت أمور وأحداث خطيرة تتهدد الإسلام وأمته بالفناء، فقد قوي أمر المتنبئين بعد وفاة رسول الله (صلي الله عليه وآله) واشتد خطرهم في الجزيرة العربية من أمثال: مسيلمة الكذاب، وطلحة ابن خويلد الأفاك وسجاح بنت الحرث الدجالة وغيرهم وصار وجودهم يشكل خطراً حقيقياً علي الدولة الإسلامية.

واشتد ساعد المنافقين وقويت شوكتهم في

داخل المدينة وكان الرومان والفرس للمسلمين بالمرصاد. [67].

هذا عدا ظهور التكتلات السياسية في المجتمع الإسلامي علي أثر بيعة السقيفة.

ولقد تعامل الإمام (عليه السلام) مع الخلافة حسب ما تحكم به المصلحة الإسلامية حفظاً للإسلام وحماية للجامعة الإسلامية من التمزق والضياع، وتحقيقاً للمصالح العليا الإسلامية التي جاهد من أجلها.

وللإمام علي (عليه السلام) كتاب جاء فيه- بهذا الصدد- ما نصه «.. فأمسكت يدي حتي رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام، يدعون إلي محق دين محمد صلي الله عليه وآله وسلم، فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله أن أري فيه ثلماً أو هدماً، تكون المصيبة به عليّ أعظم من فوت ولايتكم التي إنما هي متاع أيام قلائل، يزول منها ما كان، كما يزول السراب أو كما ينقشع السحاب، فنهضت في تلك الأحداث حتي زاح الباطل وزهق واطمأن الدين وتنهنه». [68].

بيد أن صوت علي (عليه السلام) كان يعلو عندما يستشار ويجهر عندما يستفتي، وقد تصدي- في هذا المضمار- لتوجيه الحياة الإسلامية، وفقاً لما تقتضيه رسالة الله تعالي في الحقول التشريعية والتنفيذية والقضائية.

ومن أجل ذلك فإن الباحث التاريخي في حياة الإمام (عليه السلام) لا يلبث إلا أن يلتقي مع مئات المواقف والأحداث- في خلافة أبي بكر وعمر وعثمان التي لا تجد غير علي (عليه السلام) مدبراً لها ومعالجاً وقاضياً بأمر الشريعة فيها.

والخلفاء الثلاثة لم يروا بدأ من استشارته إذا التبست عليهم الأمور، وهكذا تجده- مرة- مرشداً إلي الحكم الإسلامي الصحيح في أمر ما ومرة تجده قاضياً في شأن من شؤون الأمة، وأخري موجهاً للحاكم الوجهة التي تحقق المصلحة الإسلامية العليا.

وبمقدورنا أن نلمس دوره الرسالي ذلك إذا طرحنا بعض مفردات منهجه المتنبي أيام الخلفاء الذين سبقوه.

في خلافة أبي بكر

1- فكر أبوبكر بغزو الروم فاستشار جماعة من الصحابة فقدموا وأخروا،

ولم يقطعوا برأي، فاستشار علياً (عليه السلام) في الأمر فقال (عليه السلام) إن فعلت ظفرت.

فقال أبوبكر: بشرت بخير.وأمر الناس بالخروج بعد أن أمر عليهم خالد بن سعيد. [69].

2- أراد أبوبكر أن يقيم الحد علي شارب خمر …

فقال الرجل: إني شربتها ولا علم لي بتحريمها فأرسل إلي الإمام يسأله عن ذلك فقال (عليه السلام): «مُر نقيبين من رجال المسلمين يطوفان به علي المهاجرين والأنصار وينشدانهم هل فيهم أحد تلا عليه آية التحريم أو أخبره بذلك عن رسول الله (صلي الله عليه وآله)، فإن شهد بذلك رجلان منهم فأقم الحد عليه، وإن لم يشهد أحد بذلك، فاستتبه وخلِّ سبيله».

ففعل الخليفة ذلك، فعلم صدق الرجل فخلي سبيله. [70].

3- عن محمد المنكدر أن خالد بن الوليد كتب إلي الخليفة أبي بكر أنه وجد رجلاً في بعض ضواحي العرب، ينكح كما تنكح المرأة، وأن أبابكر جمع لذلك ناساً من أصحاب رسول الله صلي الله عليه (وآله) وسلم وكان فيهم علي بن أبي طالب أشدهم يومئذ قولاً، فقال:

إن هذا ذنب لم تعمل به أمة من الأمم إلا أمة واحدة- يعني قوم لوطج فصنع الله بها ما قد علمتم، أري أن تحرقوه بالنار، فكتب أبوبكر بذلك إلي ابن الوليد. [71].

4- قدم جاثليق النصاري يصحبه مائة من قومه فسأل أبابكر أسئلة، فدعا علياً (عليه السلام) فأجابه عنها، ونكتفي منها بسؤال واحد من أسئلة الجاثليق: -

أخبرني عن وجه الرب تبارك وتعالي!

فدعا علي (عليه السلام) بنار وحطب، وأضرمه، فلما اشتعلت قال أين وجه هذه النار؟

قال الجاثليق: هي وجه مع جميع حدودها.

فقال علي (عليه السلام): هذه النار مدبرة مصنوعة، لا يعرف وجهها وخالقها ولا يشبهها، ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فتم وجه الله لا تخفي علي ربنا خافية. [72].

5- وأرسل ملك الروم رسولاً إلي أبي بكر يسأله عن

رجل لا يرجو الجنة ولا يخاف النار، ولا يخاف الله، ولا يركع ولا يسجد ويأكل الميتة والدم، ويشهد بما لم ير ويحب الفتنة ويبغض الحق، فأخبر بذلك علياً (عليه السلام) فقال:

هذا رجل من أولياء الله: لا يرجو الجنة ولا يخاف النار، ولكن يخاف الله ولا يخاف من ظلمه، وإنما يخاف من عدله، ولا يركع ولا يسجد في صلاة الجنازة، ويأكل الجراد والسمك، ويأكل الكبد، ويحب المال والولد (إنما أموالكم وأولادكم فتنة) ويشهد بالجنة والنار وهو لم يرهما، ويكره الموت وهو حق. [73].

هذه بعض مصاديق اهتماماته بمسيرة الإسلام التاريخية في عهد أبي بكر.

في خلافة عمر بن الخطاب

1- حين أراد عمر بن الخطاب أن يغزو الروم راجع الإمام (عليه السلام) في الأمر، فنصحه الإمام بألا يقود الجيش بنفسه مبيناً علة ذلك قائلاً: «.. فابعث إليهم رجلاً مجرباً واحفز معه أهل البلاء والنصيحة، فإن أظهره الله فذاك ما تحب، وإن تكن الأخري كنت ردءاً للناس، ومثابةً للمسلمين». [74].

2- ورد إلي بيت مال المسلمين مال كثير- من البحرين- فقسمه عمر بين المسلمين، ففضل منه شي ء، فجمع عمر المهاجرين والأنصار واستفتاهم بأمره قائلاً: ما ترون في فضلٍ، فضل عندنا من هذا المال؟

قالوا: يا أميرالمؤمنين إنا شغلناك بولاية أمورنا من أهلك وتجارتك، وضيعتك، فهو لك.

فالتفت عمر إلي علي قائلاً: ما تقول أنت؟

قال الإمام (عليه السلام): قد أشاروا عليك.

قال الخليفة: فقل أنت؟

قال (عليه السلام): لِمَ تجعل بيقينك ظناً، ثم حدثه بواقعة مشابهة في عهد رسول الله (صلي الله عليه وآله).

وأخيراً أشار عليه الإمام (عليه السلام) بتوزيعه علي الفقراء، قائلاً، «أشير عليك أن لا تأخذ من هذا الفضل وأن تفضه علي فقراء المسلمين».

فقال عمر: صدقت والله. [75].

3- «عن ابن عباس قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول أن نزك هذا المال في جوف الكعبة لأخذه

وأقسمه في سبيل الله وفي سبيل الخير وعلي بن أبي طالب يسمع ما يقول، فقال عمر: ما تقول يا ابن أبي طالب بالله لئن شجعتني عليه لأفعلنّ؟

فقال علي: أتجعله فينا، وصاحبه رجل يأتي في آخر الزمان [76] فاقتنع عمر بضرورة عدم التصرف بحلي الكعبة.

4- بعث أبوعبيدة بن الجراح وبرة بن رومان الكلبي إلي عمر بن الخطاب: إن الناس قد تتابعوا في شرب الخمر بالشام، وقد ضربت أربعين ولا أراها تغني عنهم شيئاً، فاستشار عمر الناس..

فقال علي (عليه السلام): أري أن تجعلها بمنزلة حد القذف «ثمانون جلدة».

إن الرجل إذا شرب هذي، وإذا هذي افتري. فجلدها عمر بالمدينة، وكتب إلي أبي عبيدة.. فجلدها بالشام. [77].

5- وقد ورد أن عمر بن الخطاب رأي ليلة رجلاً وامرأة علي فاحشة، فلما أصبح قال للناس: أرأيتم أن إماماً رأي رجلاً وامرأة علي فاحشة. فأقام عليهما الحد ما كنتم فاعلين؟

قالوا: إنما أنت إمام.

فقال علي ابن أبي طالب: «ليس ذاك لك، إذن يقام عليك الحد، إن الله لم يأمن علي هذا الأمر أقل من أربعة شهداء» ثم إن عمر ترك الناس ما شاء الله، ثم سألهم: فقال القوم مثل مقالتهم الأولي.. وقال علي (عليه السلام) مثل مقالته.

فأخذ عمر بقول الإمام. [78].

6- عن ابن سيرين أن عمر بن الخطاب سأل الناس قائلاً: كم يتزوج المملوك؟ وقال لعلي: إياك أعني يا صاحب المعافري- رداء كان عليه-.

فقال الإمام (عليه السلام) اثنتين. [79].

7- بعد أن فتح المسلمون الشام جمع أبوعبيدة بن الجراح المسلمين واستشارهم بالمسير إلي بيت المقدس أو إلي قيسارية، فقال له معاذ بن جبل: اكتب إلي أميرالمؤمنين عمر، فحيث أمرك فامتثله، فكتب ابن الجراح إلي عمر بالأمر، فلما قرأ الكتاب، استشار المسلمين بالأمر.

فقال علي (عليه السلام): مرْ صاحبك ينزل بجيوش المسلمين إلي بيت المقدس، فإذا

فتح الله بيت المقدس، صرف وجهه إلي قيسارية، فإنها تفتح بعدها إن شاء الله تعالي، كذا أخبرنا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم.

قال عمر: صدق المصطفي صلي الله عليه (وآله) وسلم، وصدقت أنت يا أباالحسن.. ثم كتب إلي أبي عبيدة بالذي أشار به علي (عليه السلام). [80].

8- بعد انتصار المسلمين علي الفرس في خلافة عمر، شاور ابن الخطاب أصحاب رسول الله (صلي الله عليه وآله) في سواد الكوفة..

فقال بعضهم: تقسمها بيننا، ثم شاور علياً (عليه السلام) في الأمر.

فقال إن قسمتها اليوم لم يكن لمن يجي ء بعدنا شي ء، ولكن تقرها في أيديهم يعملونها، فتكون لنا ولمن بعدنا فقال عمر لعلي: وفقك الله … هذا الرأي. [81].

9- عن الطبري في تاريخه عن سعيد بن المسيب. قال: جمع عمر بن الخطاب الناس فسألهم، من أي يوم نكتب التاريخ؟..

فقال علي (عليه السلام): من يوم هاجر رسول الله صلي الله عليه وآله، وترك أرض الشرك، ففعله عمر، [82] وهكذا وجد التاريخ الهجري ليؤرخ به المسلمون.

هذه بعض ملامح دور الإمام علي (عليه السلام) الرسالي في خلافة عمر بن الخطاب.

في عهد عثمان

1- تزوج شيخ كبير بكراً فحملت، فادعي الرجل أنه لم يصل إليها، فسأل عثمان المرأة: هل افتضك الشيخ؟

قالت: لا فأمر بإقامة الحد عليها.

فقال الإمام (عليه السلام): إن للمرأة سمين: سم الحيض وسم البول، فلعل الشيخ كان ينال منها فسال ماؤه في سم الحيض، فحملت منه.

فقال الرجل: قد كنت أنزل الماء في قبلها من غير وصول إليها بالافتضاض.

فقال الإمام علي (عليه السلام): «الحمل له، والولد له، وأري عقوبته علي الإنكار له». [83].

2- عن موطأ مالك عن بعجة بن بدر الجهني: أنه أتي- عثمان- بامرأة قد ولدت لستة أشهر، فهم برجمها فقال علي (عليه السلام): إن خاصمتك بكتاب الله خصمتك، إن الله تعالي يقول: «وحمله

وفصاله ثلاثون شهراً» ثم قال «والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة».

فحولان مدة الرضاعة وستة أشهر مدة الحمل.

فقال عثمان: ردوها. [84].

خاتمة

هذه أمثلة يسيرة مما كان ينهض الإمام علي (عليه السلام) به من مسؤوليات عظيمة في عهد الخلفاء، وكان دافعه في ذلك الإخلاص للرسالة وحفظ الوحدة الإسلامية وحماية المسيرة الإسلامية من الانحراف.

ولقد تنبه الخليفة الثاني إلي أهمية ما يقوم به علي (عليه السلام) في هذا المضمار، فصرح مراراً مشيداً بذلك الفضل، ومنوهاً بأهميته في مسيرة الخلافة كقوله: «أعوذ بالله أن أعيش في قوم لست فيهم يا أباالحسن»، [85] وغير ذلك.

دعوني والتمسوا غيري

مقدمة

.. في هذا الجزء من دراستنا لحياة أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ينصب البحث علي دراسة أدق المراحل، التي عاشها الإمام (عليه السلام)، بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله):

وهي مرحلة اضطلاعه، بمسؤولية القيادة المباشرة للأمة الإسلامية، في جميع شؤونها الحياتية.

فقد اتسمت هذه المرحلة بأحداث غاية في الأهمية، علي الصعيد الفكري، والاجتماعي، والسياسي، كما سنري.

والتاريخ الإسلامي، قد شهد عبر السنوات الخمس التي قضاها علي (عليه السلام) حاكماً للمسلمين، لونين من الأحداث:

أحدهما: يتعلق بما سجله الإمام (عليه السلام) علي صفحات التاريخ الإنساني، من القيم الرفيعة، التي اتسمت بها سياسته الفاضلة، التي تبناها من أجل وضع حدود الله تعالي، وشريعته العظيمة، موضع التنفيذ، كاملة لا نقص فيها، ولا تحايل عليها، ولا تفريط، ولا أنصاف حلول، وعلي شتي الأصعدة الحياتية..

وثانيهما: ما يتعلق بردود الفعل السياسية التي قام بها بعض الناس والتي سجلها التاريخ الإسلامي.

وفي هذه الدراسة التي بين يديك- أيها القارئ العزيز- ستقرأ شطراً من سيرة أميرالمؤمنين (عليه السلام)، وهو يعيد لجهاز الدولة مسؤولياته الحقيقية، في حماية رسالة الله تعالي، وإقامة حدودها في الحياة، والعمل علي كل ما من شأنه توفير السعادة للإنسان، وبناء شخصيته وتحصينها..

وتقرأ عن علي (عليه السلام) كذلك، دوره في التصدي، سواء للذين نكثوا أو مرقوا أو قسطوا..

ومن خلال هذا الشطر من حياة الإمام

أميرالمؤمنين (عليه السلام)، ستقرأ شواهد من بنود عدالته الاجتماعية، التي جسدها في الواقع الاجتماعي، ومواقفه الإنسانية وشدة تمسكه بشريعة الله تبارك وتعالي.

والأمر الذي نسأل الله تعالي أن يوفق أمتنا الإسلامية للأخذ به، في حياتها العملية، هو الالتزام الكامل بكتاب الله تعالي وسنة رسوله الكريم صلي الله عليه وآله وسلم، كما جسدهما عملاً الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام).

الامام الخليفة

اشاره

بعد مقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان أجمعت الأمة علي بيعة الإمام علي (عليه السلام) خليفة لها، وقد اجتاحت النفوس موجة من العاطفة نحوه، ولكنه رد الأمة بقوله: «.. دعوني والتمسوا غيري». [86].

إن علياً أبي أن يكون أسيراً للعاطفة، فلعل نقمة بعض الناس علي عثمان هي التي أججت نحوه العاطفة وشدت إليه التيار، وهو يريد من الأمة إقراراً إرادياً لإمامته …

ثم أن علياً ليس ممن تغريه المناصب وتستهويه الكراسي حتي يستجيب فور إقبال الناس عليه، فإن الأمرة كلها لا تساوي لديه جناح بعوضة. بل الدنيا كلها عنده كعفطة عنز- علي حد تعبير له- والقيادة لا تساوي عنده شيئاً مذكوراً، إن لم يقم من خلالها الحق ويبطل الباطل.

ولهذا لم يستجب لضغط الجمهور في بادئ الأمر، قبل وضعهم أمام اختبار ليتأكد من مدي قدرة الناس علي تلقي مناهجه والاستجابة لخططه إذا تسلم زمام الأمر.

فبالرغم من أن العاصمة المقدسة «المدينة المنورة» قد أصرت علي اختياره علي شكل تظاهرات حقيقية وتجمعات مكثفة حتي صارت المطالبة بقيادته إجماعية ولا جماعية، فإنه (عليه السلام) بقي عند موقفه المتريث، بيد أن إصرار الأمة علي بيعته جعلته يطرح عليها شروطه لقبول الخلافة، فإن بايعته الأمة وفقاً لما يملي من شروط استجاب هو لمطلبها في استخلافه …

وحين أذاع بيانه المتضمن لشروطه «.. واعلموا أني إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم،

ولم أصغ إلي قول القائل وعتب العاتب..». [87].

سارعت الأمة مذعنة لشروطه، ومدت يد البيعة علي الطاعة إليه، فلبي مطلبها ليواجه مسؤولياته القيادة في الأمة الإسلامية علي الصعيد الفكري والعملي …

وقد كانت من أولي مهامه (عليه السلام) أن يزيل صور الانحراف التي طرأت علي الحياة الإسلامية، وأن يعود بالأمة إلي أصالة المنهج الإلهي.

ومن أجل ذلك كان لابد أن يسير وفق منهاج محدد وشامل يلزم ولاته بتطبيقه … وقد انصب منهاج حكومته علي مواجهة المشاكل في الميادين الآتية.

الميدان السياسي

لقد حدد الإمام (عليه السلام) مواصفات ولاة الأمر وموظفي الدولة الذين يرشحهم الإسلام لإدارة شؤون الأمة الإسلامية ببيان أصدره (عليه السلام) جاء فيه:

«.. أنه لا ينبغي أن يكون الوالي علي الفروج والدماء والمغانم والأحكام وإمامة المسلمين البخيل فتكون في أموالهم نهمته، ولا الجاهل فيضلهم بجهله، ولا الجافي فيقطعهم بجفائه، ولا الحائف للدول فيتخذ وماً دون قوم، ولا المرتشي في الحكم فيذهب بالحقوق، ويقف بها دون المقاطع ولا المعطل للسنة فيهلك الأمة..». [88].

في ضوء هذا التحديد الموضوعي لصفات كادر الموظفين الذين يقرهم الإسلام عمد الإمام علي (عليه السلام) إلي الاستغناء عن خدمات قسم من الولاة الذين كانوا يتولون أقاليم الدولة الإسلامية.. لأن علياً (عليه السلام) لو ساوم-كما يريد بعض المؤرخين- لتعذر علي الأجيال المسلمة التماس الصورة الحقيقية للشريعة التي أبعث الله بها رسوله العظيم صلي الله عليه وآله وسلم.

الميدان الاقتصادي

كما عمد الإمام علي (عليه السلام) إلي إصلاح الوضع السياسي والإداري كذلك فعل بالنسبة للوضع الاقتصادي فقد بادر فور تسلمه زمام الأمور مباشرة إلي إلغاء طريقة توزيع المال التي اعتمدت فيما سبق.

فقد استبدل الإمام طريقة التمييز في العطاء بطريقة المساواة في التوزيع التي مارسها رسول الله (صلي الله عليه وآله).

فألغي الإمام (عليه السلام) كل أشكال التمييز في توزيع المال علي الناس، مؤكداً أن التقوي والسابقية في الإسلام والجهاد، والصحبة للرسول (صلي الله عليه وآله) أمور لا تمنح أصحابها مراتب أو مميزات في الدنيا، وإنما لتلك المزايا ثوابها عند الله في الآخرة، ومن كان له قدم في ذلك، فالله تعالي يتولي جزاءه، أما في هذه الدنيا فإن الناس سواسية في الحقوق المالية وأمام القضاء الإسلامي وفي الواجبات والتكاليف.

وقد تضمن بيانه التالي هذه الأفكار الجليلة العادلة: «ألا وأيما رجل من المهاجرين والأنصار من أصحاب رسول الله صلي

الله عليه وآله يري أن الفضل له علي سواه لصحبته فإن الفضل النيّر غداً عند الله وثوابه وأجره علي الله..

وأيما رجل استجاب لله وللرسول فصدق ملتناً ودخل في ديننا واستقبل قبلتنا فقد استوجب حقوق الإسلام وحدوده. فأنتم عباد الله، والمال مال الله يقسم بينكم بالسوية لا فضل فيه لأحد علي أحد، وللمتقين عند الله غداً أحسن الجزاء وأفضل الثواب، لم يجعل الله الدنيا للمتقين أجراً ولا ثواباً، وما عند الله خير للأبرار..». [89].

وهكذا جسد الإمام (عليه السلام) مفهوم التسوية في العطاء بين جميع الناس الذين يتمتعون بحق المواطنة الإسلامية دون تمييز لأي سبب من الأسباب.

هذه بعض ملامح العملية الإصلاحية التي قادها الإمام علي (عليه السلام) في شتي مرافق الحياة الإسلامية، في المال والحكم والإدارة وسواها.

منهاج الإصلاح

اشاره

وضع الإمام (عليه السلام) خطته الإصلاحية الشاملة، وقد انصب جل اهتمام الإمام (عليه السلام) علي إصلاح شؤون الإدارة والاقتصاد والحكم كما قدمنا.

ومن خلال ذلك العمل الإصلاحي الكبير حظيت الأمة عبر مسيرتها الجديدة التي اختطها لها أميرالمؤمنين (عليه السلام)، بمعطيات جمة ذات مردودات عظيمة لصالح الأمة والمسيرة بشكل عام، نذكر منها ما يلي:

أولاً: استعانة الإمام (عليه السلام) بجهاز من الولاة والموظفين لإدارة دفة الحياة الإسلامية يعدّ أفراده نموذجاً في مستواهم الروحي والفكري والالتزامي: كعثمان بن حنيف، ومحمد بن أبي بكر، ومالك الأشتر وسواهم.

علي أن تلك النماذج الخيرة من الرجال، وإن كانوا في مستوي لائق في الفكر والعمل والقدرة الإدارية والقيادية، إلا أن الإمام (عليه السلام) قد زودهم بخط هادية ومناهج راشدة، يهتدون بها في حياتهم العملية، وفي علاقاتهم مع مختلف قطاعات الأمة التي يباشرون قيادتها.

فهو يلزم ولاته بالنصح لعباد الله، وإشاعة العدل بينهم ومعاملتهم باللين والحب، والتجاوز عن كل مظاهر الاستعلاء التي يعري بها المنصب غالباً والحيلولة دون تأثير

ذوي النفوذ الاجتماعي في مسيرة العدالة الإسلامية علي حساب القطاعات الاجتماعية الأخري، ونحو ذلك من مستلزمات إشاعة العدل وإقامة الحق بين الناس.

وهذه نماذج من خططه في هذا المضمار:

«.. فأخفض لهم جناحك وألن لهم جانبك وابسط لهم وجهك وآس بينهم في اللحظة والنظرة، حتي لا يطمع العظماء في حيفك لهم، ولا ييأس الضعفاء من عدلك عليهم، فإن الله تعالي يسائلكم معشر عباده عن الصغيرة من أعمالكم والكبيرة، والظاهرة والمستورة، فإن يعذب فأنتم أظلم، وأن يعف فهو أكرم..». [90].

«سع الناس بوجهك ومجلسك وحكمك، وإياك والغضب فإنه طيرة من الشياطين، واعلم إن ما قربك من الله يباعدك من النار، وما باعدك من الله يقربك من النار». [91].

هذه صورة من توجيهات الإمام (عليه السلام) التي ألزم ولاته بالعمل علي ضوئها في حياتهم العملية.

ومن نافلة القول أن نشير إلي أن الإمام (عليه السلام) بالرغم من اهتمامه بانتقاء العناصر الكفوءة والورعة فإنه كان يحرص علي الإحاطة بأساليبهم في معاملة الأمة من خلال مراكزهم القيادية باستعانته بجهاز من الرقباء والعيون ليري مدي طاعة الولاة وتنفيذهم لقواعد العدالة الإسلامية، فإذا بدا من أحدهم خطأ أو تقصير، بادر الإمام إلي تقويم سلوكه بالوسائل التربوية تارة وبالتهديد أو بالعزل إذا لزم الأمر، وهذه نماذج من وسائله تلك:

فقد بلغه أن عثمان بن حنيف (رض) واليه علي البصرة دعاه بعض شخصيات أهل البصرة إلي مأدبة، فخشي الإمام (عليه السلام) أن تستميله تلك الوسائل أو سواها فينحرف عن خط العدالة الإسلامية المرسوم فيميل في أحكامه أو يجور في قضائه ومعاملته للأمة، فكتب إليه كتاباً جاء فيه: «أما بعد، يا ابن حنيف فقد بلغني أن رجلاً من فتية أهل البصرة دعاك إلي مأدبة، فأسرعت إليها تستطاب لك الألوان، وتنقل إليك الجفان، وما ظننت

أنك تجيب إلي طعام قوم، عائلهم مجفو، وغنيهم مدعو، فانظر إلي ما تقتضمه من هذا المقضم، فما اشتبه عليك علمه، فالفظهُ وما أيقنت بطيب وجوهه، فنل منه..

ألا وإن لكل مأموم إماماً يقتدي به، ويستضي ء بنور علمه، ألا وإن إمامكم قد اكتفي من دنياه بطمريه، ومن طعمه بقرصيه، ألا وإنكم لا تقدرون علي ذلك، ولكن أعينوني بورع واجتهاد وعفة وسداد..». [92].

وقد كتب إلي مصقلة الشيباني عامله علي (أردشير خرّة) مهدداً ومتوعداً (بلغني عنك أمر أن كنت فعلته، فقد أسخطت إلهك وعصيت إمامك: إنك تقسم في ء المسلمين الذي حازته رماحهم وخيولهم، وأريقت عليه دماؤهم، فيمن اعتامك من أعراب قومك، فوالذي فلق الحبة وبرأ النسمة، لئن كان ذلك حقاً لتجدن لك عليّ هواناً، ولتخفَّنَّ عندي ميزاناً، فلا تستهن بحق ربك، ولا تطمح دنياك بمحق دينك، فتكون من الأخسرين أعمالاً». [93].

وكتب إلي أحد عماله يقول: «أما بعد فقد بلغني عنك أمر، إن كنت فعلته فقد أسخطت ربك، وعصيت إمامك، وأخزيت أمانتك، بلغني أنك جردت الأرض فأخذت ما تحت قدميك، وأكلت ما تحت يديك، فأرفع إليَّ حسابك، واعلم أن حساب الله أعظم من حساب الناس..». [94].

وكما كان الإمام (عليه السلام) يخطط للولاة ويزودهم بنصائحه الهادية، كان يرسم الخطط كذلك لقادة جيوشه، ويوضح لهم معالم الطريق، وما ينبغي عليهم فعله عند مواجهة العدو.

فكان (عليه السلام) ينهاهم عن البغي، ويأمرهم بعدم إثارة الحرب من جانبهم، وإنما ينبغي التسلح بالصبر وضبط النفس، وأن يكونوا في بداية المواجهة كما لو كانوا مدافعين فحسب، فإذا اعتدي عليهم فقد قامت الحجة لصد العدوان، فإذا قدر وانتصروا علي عدوهم فلا يباح أن تحملهم نشوة الظفر علي عدوهم إلي ملاحقة جنوده الهاربين من القتال، أو الذي لا يملك منهم سلاحاً

يدافع به عن نفسه، كما لا يجوز قتل الجرحي، أو الإساءة إلي النساء، وإن بدأن الإساءة بسب أو شتم أو نحوه.

وهذه بعض وصاياه (عليه السلام) لجيوشه:

«.. لا تقاتلوهم حتي يبدؤوكم فإنكم بحمد الله علي حجة وترككم إياهم حتي يبدؤوكم حجة أخري لكم عليهم، فإذا كانت الهزيمة بإذن الله فلا تقتلوا مدبراً ولا تصيبوا معوراً [95] ولا تجهزوا علي جريح، ولا تهيجوا النساء بأذي، وإن شتمن أعراضكم وسببن أمراءكم..». [96].

«.. ألا وإن لكم عندي ألا أحتجز دونكم سراً إلا في حرب، ولا أطوي دونكم أمراً إلا في حكم، ولا أوخر لكم حقاً عن محله، ولا أقف به دون مقطعه، وأن تكونوا عندي في الحق سواء، فإذا فعلت ذلك وجبت لله عليكم النعمة ولي عليكم الطاعة، وألا تنكصوا عن دعوة ولا تفرطوا في صلاح وأن تخوضوا الغمرات إلي الحق..». [97].

وبالنظر للأهمية البالغة التي يحتلها جهاز جباية الأموال في الدولة الإسلامية حيث تشكل الحقوق العامة في ملكية الأفراد عنصراً هاماً من عناصر الاقتصاد الإسلامي، فإن حق الجماعة في الملكيات الخاصة يوفر ضمانة كبري لمساعدة الدولة الإسلامية علي تغطية نفقاتها الكبري علي الصعيد الاجتماعي والعسكري وغيرهما من جوانب الحياة العامة.. أقول بالنظر لأهمية جهاز الجباية هذا فقد أولاه الإمام (عليه السلام) عناية فائقة لا من أجل أن يجمع أكبر نصيب من المال أبداً، وإنما من أجل أن ينخرط- ذلك الجهاز- في مسيرة العدالة الإسلامية المثلي التي جسدها الإمام (عليه السلام) في حياة الناس.. فكان الإمام حريصاً علي أن يلتزم موظفوا ذلك الجهاز بأقصي درجات العدل والفضيلة والنبل، والشعور بالمسؤولية فليست مهمتهم في نظر الإمام (عليه السلام) أن يجمعوا المال من أجل المال، وإنما ينبغي عليهم ان يلتزموا الحق في تعاملهم مع الأمة وان

يعكسوا عدالة الإسلام لمن يلتقون بهم من الناس، فلا ينبغي أن يغضبوا أحداً من الناس، ولا يسيؤوا معاملة أحد، ولا يضربوا إنساناً من أجل درهم مثلاً، ولا يجوز أن يعتدوا علي مال امرئ من المسلمين أو من غيرهم ممن يتمتع بحق التابعية للدولة الإسلامية.

كما لا يجوز أبداً أن يبيعوا كسوة إنسان أو دابته من أجل استيفاء المال، ولا يحق لأحد الجباة أن يردع أحداً أو يستوفي أكثر من حق الله في ماله، ولا ينبغي أن يستعلي علي الناس أو يبخل عليهم بالتحية أو اللطف والمرونة في معاملتهم إلي غير ذلك من وصاياه (عليه السلام).

وهذه صور من مناهجه في هذا المضمار:

«.. فإنكم خزان الرعية ووكلاء الأمة، وسفراء الأئمة ولا تحسموا أحداً عن حاجته ولا تحبسوه عن طلبته، ولا تبيعُنَّ للناس في الخراج كسوة شتاء ولا صيف ولا دابة يعتملون عليها ولا عبداً، ولا تضربنَّ أحداً سوطاً لمكان درهم ولا تمسَّنَّ مال أحد من الناس مصلٍّ ولا معاهد..». [98].

«.. انطلق علي تقوي الله وحده لا شريك له، ولا تروعَنَّ مسلماً ولا تجتازنَّ عليه كارهاً، ولا تأخذن منه أكثر من حق الله في ماله، فإذا قدمت علي الحي فأنزل بمائهم من غير أن تخالط أبياتهم، ثم امض إليهم بالسكينة والوقار حتي تقوم بينهم فتسلم عليهم، ولا تخدج [99] بالتحية لهم. ثم تقول: عباد الله، أرسلني إليكم ولي الله وخليفته لآخذ منكم حق الله في أموالكم، فهل الله في أموالكم من حق فتؤدوه إلي وليه..؟». [100].

ثانياً: تجسيد المخطط الإسلامي للعدالة الاجتماعية بأجلي صورة وأدق تفصيلاته.

إذا كانت جميع جوانب الجهاز الحكومي في الدولة الإسلامية قد تناولتها يد الإصلاح، فحققت أرقي النماذج التي يصبو إليها الإنسان، فإن الإمام (عليه السلام) قد خطا في

سبيل تحقيق أفضل صورة للعدالة الاجتماعية وفقاً للتصورات الإسلامية التفصيلية.

فقد شهد المجتمع الإسلامي بجميع قطاعاته وقواه عدالة رائدة كالتي شهدها أيام رسول الله (صلي الله عليه وآله) في منطلقاتها وأبعادها.

وفيما يلي شواهد من تلك التجربة التاريخية المشعة التي تفيأت الأمة ظلالها:

رفق وتعاهد

فقد شهدت قطاعات الأمة جميعاً صوراً من التعاهد لأمرها والرفق بها ورعاية شؤونها، والتسوية في العطاء بين جميع حملة التابعية للدولة الإسلامية التي تجسدها هذه النصوص: «المال مال الله يقسم بينكم بالسوية لا فضل لأحد علي أحد».

«وأيم الله لأنصفن المظلوم من ظالمه، ولأقودن الظالم بخزامته حتي أورده منهل الحق وإن كان كارهاً». [101].

أقول إلي جانب هذا وذاك، شهدت الأمة التي قادها أميرالمؤمنين (عليه السلام) بمختلف قطاعاتها من ألوان التدبير لشؤونها، والرعاية لأمورها، والحدب عليها ما حقق لها القوة والسعادة وهذه صور منها:

عن الحكَم قال:

«شهدت علياً، وأتي له بزقاق من عسل، فدعا اليتامي وقال: ذوقوا، والعقوا، حتي تمنيت أني يتيم، فقسمه بين الناس وبقي منه زق، فأمر أن يسقاه أهل المسجد». [102].

وعن هارون بن عنترة عن زاذان قال: انطلقت مع قنبر غلام علي (عليه السلام) فإذا هو يقول: قم يا أميرالمؤمنين فقد خبأت لك خبيئاً.

قال (عليه السلام): وما هو، ويحك!!

قال: قم معي..

فقام فانطلق به إلي بيته، وإذا بغرارة مملوءة ما جامات ذهباً وفضة، فقال: يا أميرالمؤمنين، رأيتك لا تترك شيئاً إلا قسمته فادخرت لك هذا من بيت المال.

فقال علي (عليه السلام): ويحك يا قنبر، لقد أحببت أن تدخل بيتي ناراً عظيمة ثم سلَّ سيفه، وضربها ضربات كثيرة، فانتثرت.. ثم دعا بالناس، فقال: اقسموه بالحصص، ثم قام إلي بيت المال، فقسم ما وجد فيه، ثم رأي في البيت إبراً ومسال فقال: ولتقسموا هذا..». [103].

وعن الحكَم قال: إن عليا قسم فيهم الرمّان

حتي أصاب مسجدهم سبع رمانات، وقال: أيها الناس أنه يأتينا أشياء نستكثرها إذا رأيناها، ونستقلها إذا قسمناها، وإنا قد قسمنا كل شي ء أتانا.

قال: وأتته صفائح فضة فكسرها، وقسمها بيننا.

وعن علي بن ربيعة قال: جاء ابن التياح إلي علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال: يا أميرالمؤمنين امتلأ بيت المال من صفراء وبيضاء.

فقال علي: الله أكبر، ثم قام متوكئاً علي يد ابن التياح، فدخل بيت المال وهو يقول:

هذا جناي وخياره فيه وكل جان يده إلي فيه. [104].

ثم نودي في الناس، فأعطي- علي- جميع ما في بيت المال وهو يقول: «يا بيضاء، ويا صفراء، غري غيري».

حتي لم يبق فيه درهم ولا دينار، ثم أمر بنضحه، فصلي فيه ركعتين (عليه السلام).

وكان لشدة حرص الإمام (عليه السلام) علي الأمة لرفع غائلة الفقر والظلم عنها أنه التزم السير- عبر أيام خلافته عليها- وفقاً للنهج الآتي: «.. ولو شئت لاهتديت الطريق إلي مصفي هذا العسل، ولباب هذا القمح، ونسائج هذا القز، ولكن هيهات أن يغلبني هواي، ويقودني جشعي إلي تخير الأطعمة، ولعل بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له في القرص، ولا عهد له بالشبع. أو أبيت مبطاناً، وحولي بطون غرثي، وأكباد حري؟

أأقنع من نفسي بأن يقال هذا: أميرالمؤمنين، ولا أشاركهم في مكاره الدهر أو أكون أسوة لهم في جشوبة العيش؟». [105].

رقابة دقيقة لوضع السوق

ولقد كان الإمام علي (عليه السلام) حريصاً علي تجسيد العدالة الاقتصادية في كافة مرافق الحياة الإنسانية ومن أجل ذلك فقد التزم خطة لمراقبة السوق من ناحية البيع والشراء وطبيعة ما يعرض للبيع، للحيلولة دون التطفيف في المكاييل والتلاعب بالأسعار أو الغش، فعن الإمام الباقر (عليه السلام) قال «كان أميرالمؤمنين (عليه السلام) كل بكرة يطوف في أسواق الكوفة سوقاً سوقاً، ومعه الدرة علي عاتقه، وكان لها طرفان، وكانت تسمي

السبيبة، فيقف علي سوق فينادي:

يا معشر التجار قدموا الاستخارة، وتبركوا بالسهولة، واقتربوا من المبتاعين، وتزينوا بالحلم، وتناهوا عن الكذب، واليمين، وتجافوا عن الظلم، وانصفوا المظلومين، ولا تقربوا الربا و

«أوفوا المكيال والميزان بالقسط، ولا تبخسوا الناس أشياءهم، ولا تعثوا في الأرض مفسدين». [106].

وعن أبي النوار قال:

رأيت علياً (عليه السلام) وقف علي خياط، فقال له: يا خياط صلّب الخيط، ودقق الدرز، وقارب الغرز، فإني سمعت رسول الله (صلي الله عليه وآله) يقول «يؤتي يوم القيامة بالخياط الخائن وعليه قميص ورداء مما خاطه، وخان فيه، فيفتضح علي رؤوس الأشهاد».

ثم قال: «يا خياط إياك والفضلات والسقطات فإن صاحب الثوب أحق بها..». [107].

هكذا جسد الإمام أميرالمؤمنين (عليه السلام) المخطط الإسلامي للعدالة الاجتماعية بأدق صورها، وهكذا عامل الأمة بالرفق والحب فعاش آمالها وآلامها حتي قطفت أروع ثمارات العدل في تاريخها كما كانت في عهد رسول الله (صلي الله عليه وآله) سواء بسواء.

حياته المتواضعة

تبيين الإمام علي (عليه السلام) سياسة نكران الذات لصالح الأمة وذلك بالزهد الصادق بكل ما يطمع به الطامعون من مال وملذات وزخرف، فلقد عاش أميرالمؤمنين في بيت متواضع لا يختلف عما يسكنه فقراء الأمة، وكان يأكل الشعير تطحنه امرأته أو يطحنه بيده سواء في ذلك قبل خلافته، وبعدها:

وكان يلبس أخشن لباس وأبسطه وكان مبدؤه الثابت في هذا المضمار:

«.. ألا وإن إمامكم قد اكتفي من دنياه بطمريه ومن طعمه بقرصيه»، «فوالله، ما كنزت من دنياكم تبراً، ولا ادخرت من غنائمها وفراً، ولا أعددت لبالي ثوبي طمراً، ولا حزت من أرضها شبراً، ولا أخذت منه كقوت أتان دبرة، ولهي في عيني أوهن من عفصة مقرة». [108].

وبمقدورنا أن نلمس سياسة الإمام (عليه السلام) هذه مع نفسه من خلال المصاديق التالية:

عن هارون بن عنترة عن أبيه قال:

دخلت علي علي بالخورنق، وهو

في فصل شتاء، وعليه خلق قطيفة.

فقلت: يا أميرالمؤمنين إن الله قد جعل لك ولأهلك في هذا المال نصيباً، وأنت تفعل هذا بنفسك!!

فقال (عليه السلام) والله ما أرزؤكم- أنقصكم- شيئاً، وما هي إلاّ قطيفتي التي أخرجتها من المدينة». [109].

وقد خاطبه عاصم بن زياد يوماً بقوله: (يا أميرالمؤمنين هذا أنت في خشونة ملبسك وجشوبة مأكلك!).

فأجابه علي (عليه السلام):

«ويحك إني لست كأنت. إن الله تعالي فرض علي أئمة العدل أن يقدروا أنفسهم بضعفة الناس كيلاً يتبيَّغ بالفقير فقرة». [110].

وعن سويد بن غفلة قال دخلت علي علي (عليه السلام) يوماً وليس في داره سوي حصير رث وهو جالس عليه.

فقلت: يا أميرالمؤمنين أنت ملك المسلمين والحاكم عليهم وعلي بيت المال، وتأتيك الوفود وليس في بيتك سوي هذا الحصير؟

قال (عليه السلام): يا سويد إن البيت لا يتأثث في دار النقلة وأمامنا دار المقامة، وقد نقلنا إليها متاعنا، ونحن منقلبون إليها عن قريب. [111].

وها هو علي يخرج سيفه ليبيعه في السوق كي يشتري بثمنه أزاراً، وهو أميرالمؤمنين وزعيم الأمة الإسلامية الذي تجبي إليه الأموال من جميع بقاع العالم الإسلامي.

فعن أبي رجاء قال: أخرج علي (عليه السلام) سيفاً إلي السوق فقال: «من يشتري مني هذا؟ فوالذي نفس علي بيده لو كان عندي ثمن إزار ما بعته!!!

فقلت له: أنا أبيعك إزاراً وأنسوك ثمنه إلي عطائك، فدفعت إليه إزاراً إلي عطائه، فلما قبض عطاءه دفع إليّ ثمن الإزار. [112].

إنه (عليه السلام) لا يأخذ من فيئهم شيئاً، وإن قدَّر له الخروج من بلدهم، فلا يخرج إلا بالذي جاء به من المدينة المنورة: راحلته ورحله وغلامه.

فعن بكر بن عيسي قال: كان علي (عليه السلام) يقول: «يا أهل الكوفة، إذا أنا خرجت من عندكم بغير راحلتي، ورحلي وغلامي فلان، فأنا خائن».

فكانت نفقته تأتيه من غلته بالمدينة

بينبع، وكان يطعم الناس منها الخبز واللحم، ويأكل هو الثريد بالزيت.

ولشدة حرصه (عليه السلام) علي سلوك سبيل رسول الله (صلي الله عليه وآله) في عدله وزهده أشار عقبة بن علقمة قال دخلت علي علي (عليه السلام) فإذا بين يديه لبن حامض، آذتني حموضته، وكسر يابس.

فقلت: يا أميرالمؤمنين، أتأكل مثل هذا؟

فقال لي: يا أباالجنوب، كان رسول الله يأكل أيبس من هذا، ويلبس أخشن من هذا، وأشار إلي ثيابه، فإن أنا لم آخذ بما أخذ به خفت ألاّ ألحق به. [113].

ولعظيم إيثاره للأمة علي نفسه ما رواه عبدالله بن الحسين بن الحسن (عليهم السلام) قال: أعتق علي (عليه السلام) في حياة رسول الله (صلي الله عليه وآله) ألف مملوك مما عملت يداه، وعرق جبينه.

ولقد ولي الخلافة، وأتته الأموال فما كان حلواه إلاّ التمر ولا ثيابه إلاّ الكرابيس. [114].

وعن سفيان الثوري عن عمر بن قيس قال: روّي عن علي (عليه السلام) إزار مرقوع، فعوتب في ذلك، فقال:

«يخشع له القلب، ويقتدي به المؤمن». [115].

ولقد بلغ في شدة زهده (عليه السلام) ونكرانه لذاته ابتغاء لوجه الله تعالي ما يتجلي عبر عبارته «.. والله لقد رقعت مدرعتي هذه حتي استحييت من راقعها، ولقد قيل لي: إلا تستبدل بها غيرها؟ فقلت للقائل: «ويحك أعزب، فعند الصباح يحمد القوم السري». [116].

هذه بعض بنود منهاج علي (عليه السلام) مع نفسه وهي تمثل إحدي روافد العدالة الإسلامية التي جسدها الإمام علي (عليه السلام) في دنيا الناس أسوة برسول الله (صلي الله عليه وآله).

مساواة أهل بيته بسائر الناس

أما منهاج أميرالمؤمنين (عليه السلام) الذي سلكه في أهل بيته وقرابته فلم يكن بعيداً عن منهاجه مع نفسه إلاّ من حيث الدرجة، فقد كان مبنياً علي أساس مساواتهم بالأمة في الحقوق والواجبات، بل إن الذي يتحملونه من مهام من أجل حماية الرسالة والمسيرة أكثر بكثير

مما ينالون من حقوق …

كان الإمام (عليه السلام) حريصاً علي معاملة ذويه في مسألة الحقوق كما لو كانوا من عامة الناس، فلا يفضلهم بعطاء، ولا يميزهم بحق، فلقد سلكَ معهم أسلوب التدريب والإعداد للعمل بمنهاجه معهم، بل كان يبدو شديداً مع بعضهم من أجل أن ينتهج الخط الذي رسمه الإمام (عليه السلام) لمتعلقيه وأهل قرابته.

وهاك صوراً من منهاجه ذلك:

قال مسلم صاحب الحنا:

«لما فرغ علي (عليه السلام) من أهل الجمل أتي الكوفة، ودخل بيت المال، ثم قال: يا مال غرَّ غيري، ثم قسمه بيننا، ثم جاءت ابنة للحسن أو للحسين (عليهماالسلام) فتناولت منه شيئاً، فسعي ورائها ففك يدها ونزعه منها، فقلنا: يا أميرالمؤمنين إن لها فيه حقاً، قال (عليه السلام) إذا أخذ أبوها حقه فليعطها ما شاء». [117].

وروي هارون بن سعيد قال: قال عبدالله بن جعفر بن أبي طالب لعلي (عليه السلام): يا أميرالمؤمنين، لو أمرت لي بمعونة أن نفقة، فوالله ما لي نفقة إلا أن أبيع دابتي!!

فقال الإمام (عليه السلام) لا والله، ما أجد لك شيئاً إلاّ أن تأمر عمك أن يسرق فيعطيك … [118].

وقد جاءه أخوه عقيل- وكان ضريراً- يوماً يطلب صاعاً من القمح من بيت مال المسلمين- زيادة علي حقه- وظل يكرر طلبه علي علي (عليه السلام) فما كان من الإمام أميرالمؤمنين إلا وأحمي له حديدة علي النار وأدناها منه، ففزع منها عقيل ثم وعظه (يا عقيل أتئن من حديدة أحماها أنسانها للعبة وتجرني إلي نار سجرها جبارها لغضبه، أتئن من الأذي ولا أئن من لظي..). [119].

وعن أبي صادق عن علي (عليه السلام): إنه تزوج ليلي، فجعلت له حجلة، فهتكها، وقال:

حسب آل علي ما هم فيه.

وعن الحسن بن صالح بن حي قال: - بلغني أن علياً تزوج امرأة فنجّدت- زينت- له بيتاً، فأبي

أن يدخله. [120].

وعن كلاب بن علي العامري قال:

زفت عمتي إلي علي (عليه السلام) علي حمار بأكاف تحتها قطيفة، وخلفها قفه معلقة!! [121].

هكذا كان منهاج علي (عليه السلام) مع أهل بيته وذوي قرابته لا يفرط من أجلهم بحق من حقوق المسلمين، بل يعمل كان ما من شأنه علي رفع مستواهم باتجاه مبادئه في الزهد، ونكران الذات في سبيل الله تعالي، ولصالح مجموع الأمة.

ولقد كان منهجه واضحاً كل الوضوح لا لبس فيه ولا غموض ولا يخضع لعاطفة أو مساومة أبداً «.. والله لئن أبيت علي حسك السعدان مسهداً أو أجر في الإغلال مصفداً أحب إليّ من أن ألقي الله ورسوله يوم القيامة ظالماً لبعض العباد، وغاصباً لشي ء من الحطام. وكيف أظلم أحداً لنفسٍ يسرع إلي البلي قفولها، ويطول في الثري حلولها..». [122].

وهذا السبيل الذي اختاره الإمام (عليه السلام) إنما يمثل أحد مصاديق العدل الاجتماعي الشامل الذي حرص أميرالمؤمنين (عليه السلام) علي تجسيده واقعاً حياً في دنيا الناس.

سياسة رد الفعل

اشاره

وبسبب ما ألفه رجالات قريش من أثرة وامتيازات لا حصر لها فقد كبر عليهم أن ينهج الإمام (عليه السلام) نهج التسوية في الحقوق- كما أمر الله سبحانه.

فقد أنكر الزبير بن العوام وطلحة بن عبيدالله علي الإمام (عليه السلام) سياسته تلك واعتبراها مخالفة للنهج الذي ألفه الناس.

فقال لهما الإمام (عليه السلام): ما الذي كرهتما من أمري حتي رأيتما خلافي؟

قالا: إنك جعلت حقنا في القَسْم كحق غيرنا، وسويت بيننا وبين من لا يماثلنا فيما أفاء الله علينا بأسيافنا ورماحنا وأوجفنا عليه بخيلنا ورجلنا وظهرت عليه دعوتنا، وأخذنا قسراً قهراً ممن لا يري الإسلام إلا كرهاً. [123].

فقال الإمام علي (عليه السلام) لهما: لقد نقمتما يسيراً وأرجأتما كثيراً ألا تخبراني أي شي ء كان لكما فيه حق دفعتكما عنه؟ أم أي قسم استأثرت

عليكما به؟ أم أي حق رفعه إلي حد من المسلمين ضعفت عنه أم جهلته، أم أخطأت بابه؟

والله ما كانت لي في الخلافة رغبة، ولا في الولاية أربة، ولكنكم دعوتموني إليها، وحملتموني عليها فلما أفضت إليّ نظرت إلي كتاب الله، وما وضع لنا، وأمرنا بالحكم به، فاتبعته، وما استسن النبي (صلي الله عليه وآله)، فاقتديته، فلم أحتج في ذلك إلي رأيكما، ولا رأي غيركما ولا وقع حكم جهلته فأستشيركما وأخواني من المسلمين، ولو كان ذلك لم أرغب عنكما، ولا عن غيركما.

وأما ما ذكرتما من أمر الأسوة- التسوية في العطاء- فإن ذلك أمر لم أحكم أنا فيه برأيي ولا وليته هوي مني، بل وجدت أنا وأنتما ما جاء به رسول الله (صلي الله عليه وآله) قد فرغ منه، فلم أحتج إليكما فيما قد فرغ الله من قسمه، وأمضي فيه حكمه، فليس لكما، والله، عندي ولا لغيركما في هذا عتبي، أخذ الله بقلوبنا وقلوبكم إلي الحق، وألهمنا وإياكم الصبر … رحم الله أمراً رأي حقاً فأعان عليه، أو رأي جوراً فرده، وكان عوناً بالحق علي صاحبه..». [124].

وهكذا تختلف المنطلقات والمفاهيم، ينطلق علي (عليه السلام) مما يأمر به الله تعالي ورسوله (صلي الله عليه وآله) بينما تنطلق المعارضة مما توحي به مصالحها.

وشتان بين منطلق يرمي إلي تحقيق متطلبات الرسالة ومصلحة مجموع الأمة، ومنطلق مادي لا يري غير المصلحة الذاتية.

موقف معاوية

وما أن تناقلت الأنباء أمر استخلاف الإمام علي (عليه السلام) ونهوضه بأعباء قيادة الأمة إلا وفزع معاوية بن أبي سفيان معلناً معارضته.

وفي الأثناء ورد عليه كتاب من ابن العاص يطلعه علي حقيقة الموقف في عاصمة رسول الله (صلي الله عليه وآله).

«من عمرو بن العاص إلي معاوية ابن أبي سفيان: أما بعد، ما كنت صانعاً فاصنع، إذ قشرك

ابن أبي طالب من كل ما تملكه كما تقشر عن العصا لحاها..». [125].

وها هو الإمام علي (عليه السلام) يكتب لمعاوية كتاباً يستقدمه فيه، بيد أنه لم يستجب للإمام (عليه السلام) بل ولم يرد علي كتابه. [126].

وبعد مضي ثلاثة شهور علي مقتل عثمان، وقيام الإمام علي (عليه السلام) بالأمر يشهر معاوية سلاح المطالبة بدم عثمان، متخذاً منه ذريعة للخروج علي إمام زمانه.

وقد بدأت معارضته بنشر ثوب عثمان الدامي في مسجد دمشق وشعيرات من لحيته، وقد جمد عليها الدم، وراح يستشير أهل الشام للنهوض من أجل عثمان والانتقام ممن قتله، ومن ثم أرسل رسولاً إلي الإمام (عليه السلام) حتي إذا وصل الرسول إلي المدينة المنورة جعل يسير في دروبها، وهو يحمل صحيفة مختومة مكتوباً عليها من «معاوية إلي علي» وهو عنوان يثير الدهشة لدي الناس فهو خال من كل لياقة وكياسة، كما يشير إلي أن مرسله لا يحمل إلي زعيم المسلمين أي شعور بالاحترام والتقدير.

وفض الإمام (عليه السلام) صحيفة معاوية، فوجدها بيضاء لا حرف فيها فسأل رسول معاوية: ما وراءك؟

قال بعد أن استأمن الإمام (عليه السلام): إني تركت ورائي أقواماً يقولون لا نرضي إلاّ بالقود.

قال الإمام (عليه السلام): ممن؟

قال: يقولون من خيط رقبة علي، وتركت ستين ألف شيخ يبكون تحت قميص عثمان، وهو منصوب لهم قد ألبسوه منبر مسجد دمشق، وأصابع زوجته نائلة معلقة فيه.

فقال الإمام: «أمني يطلبون دم عثمان، اللهم إني أبرأ إليك من دم عثمان..». [127].

ثم أمر الإمام (عليه السلام) رسول الشام أن يغادر بعد أن منحه الأمان.

ومنذ ذلك التاريخ بادر الإمام (عليه السلام) بتجهيز جيشه لإخماد حركة البغاة التي قادها معاوية في الشام.

خلفيات المطالبة بدم عثمان

ولنا أن نتساءل قبل أن نمضي في حديثنا قدماً، هل كانت الأطراف في كل من الشام والبصرة صادقة في ادّعاء المطالبة

بدم الخليفة الثالث؟

وللإجابة علي هذا السؤال الذي يفرض نفسه علي الكاتب والقارئ معاً في هذه المسألة: لا بد من الرجوع إلي مواقف تلك الأطراف جميعاً أيام الثورة التي تمخض عنها مقتل عثمان.

فقد كان معاوية يعلم بتفاصيل ما يجري للخليفة في المدينة، وقد استغاث به الخليفة أيام الحصار فلم يغثه بشي ء حتي أرسل معاوية جيشاً إلي المدينة بقيادة يزيد بن أسد القسري وقال له: «إذا أتيت ذا خُشُب- منطقة خارج المدينة- فأقم بها ولا تتجاوزها، ولا تقل الشاهد يري ما لا يري الغائب فإنني أنا الشاهد وأنت الغائب). [128].

فأقام القسري بجيشه في المكان الذي حدده معاوية، فلما قتل عثمان استدعي معاوية الجيش وقائده إلي الشام.

هذه بعض مواقف معاوية، من عثمان بن عفان أيام حكمه، ومن هنا شعار المطالبة بدم الخليفة القتيل من قبله كان مجرد وسيلة لاستدرار العطف وتجميع الأنصار: فدوافعه الحقيقية إنما تكمن في نقمته علي سياسة علي (عليه السلام) الإصلاحية والتي كانت تمس مصالح بعض طبقات المجتمع بشكل أو بآخر.

وقد أفصح الإمام (عليه السلام) عن موقفه إزاء مقتل الخليفة عثمان بقوله: «اللهم إني أبرأ من دم عثمان، ما نجا والله قتلة عثمان إلا أن يشاء الله، فإنه إذا أراد أمراً بلغه». [129].

ويتضح موقف الإمام (عليه السلام) كذلك من كتاب له إلي معاوية حيث جاء فيه «وقد أكثرت في قتلة عثمان، فادخل فيما دخل فيه الناس ثم حاكم القوم إليّ أحملك وإياهم علي كتاب الله، فأما تلك التي تريدها فخدعة..». [130].

موقف الأمام علي أيام الأزمة

ومن الضروري جداً أن نشير ولو بشكل مقتضب إلي موقف الإمام (عليه السلام) أيام الأزمة التي تعرضت لها الخلافة في عهد عثمان:

فحين هاج الناس في عهد عثمان حاول الإمام (عليه السلام) أن يقنع الخليفة بضرورة الإصلاح، وجري بينهما حديث

بهذا الشأن، ومما نصح به الإمام (عليه السلام) الخليفة قوله:

« … وإني أنشدك الله ألا تكون إمام هذه الأمة المقتول فإنه كان يقال: يقتل في هذه الأمة إمام يفتح عليها القتل والقتال إلي يوم القيامة، ويلبس أمورها عليها، ويبث الفتن فيها، فلا يبصرون الحق من الباطل، يموجون فيها موجاً ويمرجون فيها مرجاً، فلا تكوننّ لمروان سيّقة يسوقك حيث يشاء بعد جلال السن وتقضي العمر … ». [131].

فقال له عثمان: «كلّم الناس في أن يؤجلوني حتي أخرج إليهم من مضالمهم». [132].

فقال الإمام (عليه السلام): «ما كان بالمدينة، فلا أجل فيه، وما غاب فأجله وصول أمرك إليه». [133].

قال الخليفة: نعم ولكن أجلني فيما بالمدينة ثلاثة أيام.

فخرج الإمام إلي الناس، وأخبرهم بما وعد به الخليفة، وكتب بينهم وبين عثمان كتاباً وأشهد عليه قوماً من وجوه المهاجرين والأنصار». [134].

وحيث لم يتيسر لعثمان أن يبرّ بوعده للناس تأزم الموقف مجدداً..

وقد زاد في حراجة الموقف عثور المصريين الثوار علي بريد من عثمان إلي عامل مصر يأمره بعاقبة قادة الثائرين بالقتل [135] ومعاقبة كل متظلم بالسجن ونحو ذلك..

فحوصر الخليفة من قبل المهاجمين والطامعين في الخلافة معاً حتي قطع عنه الماء- كما قدمنا- فاستنجد بالإمام علي (عليه السلام) فأسرع لإنقاذه وأرغم طلحة وسواه، وأدخل إليه الماء. [136].

وبعد أن طال حصار الخليفة- أربعين يوماً- طلب بعض الناس من علي (عليه السلام) أن يصلي بهم، فأبي فتولي طلحة إمامة الصلاة..!

هذه بعض مواقف الإمام (عليه السلام) من أجل عثمان … وبالرغم من تلك المواقف النبيلة التي وقفها الإمام (عليه السلام) من أجل الخليفة فإنه لا يعني بحال أن الإمام (عليه السلام) كان راضياً عن سياسة الخليفة في المال والإدارة. [137].

بيد أن الإمام (عليه السلام) كان يري في قتل عثمان خطراً يتهدد الأمة بالنظر لما

يعقبه من تمزق في الصف الإسلامي، وتجرؤ من لدن المتربصين بالإسلام والمسلمين.

الأمر الذي وقع فعلاً بعد مقتل الخليفة مباشرة.

حرب البصرة

اشاره

علي الرغم من أن طلحة والزبير كانا من أشد الناقمين علي سياسة عثمان ومع أنهما سبقا الناس في البيعة للإمام علي (عليه السلام) بعد قتل عثمان، فإن الحركة الإصلاحية التي قادها الإمام (عليه السلام) في الحياة الإسلامية لم تجد هوي في نفسيهما فبدآ في العمل للخروج علي الإمام (عليه السلام) وإثارة المسلمين عليه، فكانت حصيلة ذلك فتنة كبدت الأمة خسارة فادحة.

وقد بذل الإمام (عليه السلام) جهداً كبيراً لتحاشي هذه الفتنة فلم يأل جهداً في بذل النصح لهم وتحميلهم مغبة ما سيكون إذا نشبت الحرب، وهذه نصيحته (عليه السلام) لهما:

«أما بعد يا طلحة، ويا زبير، فقد علمتما أني لم أرد الناس حتي أرادوني، ولم أبايعهم حتي أكرهوني، وأنتما أول من بادر إلي بيعتي، ولم تدخلا في هذا الأمر، بسلطان غالب، ولا لعرض حاضر، وأنت يا زبير، ففارس قريش، وأنت يا طلحة فشيخ المهاجرين، ودفعكما هذا الأمر قبل أن تدخلا فيه كان أوسع لكما من خروجكما منه بعد إقراركما، ألا وهؤلاء بنو عثمان هم أولياؤه المطالبون بدمه، وأنتما رجلان من المهاجرين، وقد أخرجتما أمكما من بيتها الذي أمرها الله تعالي أن تقر فيه، والله حسبكما..». [138].

وفي البصرة استمر الإمام (عليه السلام) يبذل نصحه من أجل حقن الدماء، فأرسل للناكثين رسولاً يدعوهم للصلح ورأب الصدع.

كما التقي بالزبير وذكره بأمور جرت لهما في عهد رسول الله (صلي الله عليه وآله) منها: ما حملك علي ما صنعت يا زبير؟

قال: حملني علي ذلك الطلب بدم عثمان!

فقال الإمام: إن أنصفت نفسك، أنت وأصحابك قتلتموه، ولكني أنشدك الله يا زبير أما تذكر، قال لك رسول الله (صلي الله عليه وآله): يا زبير

أتحب علياً، فقلت، وما يمنعني من حبه وهو ابن خالي.

فقال لك: أما أنك تخرج عليه وأنت له ظالم!

فقال الزبير: اللهم بلي، قد كان ذلك.فقال الإمام: «أنشدك الله أتذكر يوم جاء رسول الله (صلي الله عليه وآله) من عند بني عوف، وأنت معه، وهو آخذ بيدك فاستقبلته، فسلمت عليه، فضحك في وجهي، وضحكت إليه. فقلت أنت: لا يدع ابن أبي طالب زهوه، فقال (صلي الله عليه وآله) لك: مهلاً يا زبير ليس بعلي زهو، ولتخرجن عليه يوماً وأنت ظالم له؟

قال الزبير: اللهم بلي، ولكني قد نسيت ذلك، وبعد أن ذكرتنيه لأنصرفنَّ». [139].

وقد عزم الزبير علي اعتزال الناس، غير أن ابنه عبدالله وصفه بالجبن إن هو أقدم علي ذلك.

وهكذا تفجّر الموقف واندلع القتال بين المعسكرين..

الموقف الإنساني

غير أن الإمام ظل ملتزماً بالصبر والأناة وبما امتاز به من الروح الإنسانية الرفيعة، فها هو يخاطب جيشه- بعد اندلاع القتال، وبعد أن ذهبت كل محاولاته لإصلاح الموقف سدي- ملزماً أصحابه بأرفع الأخلاق التي يريد الله سبحانه من المسلم الالتزام بها في ساحة الحرب أيها الناس أنشدكم الله أن لا تقتلوا مدبراً، ولا تجهزوا علي جريح، ولا تستحلوا سبياً، ولا تأخذوا سلاحاً، ولا متاعاًً. [140] طارحاً بذلك أحكام شريعة الله تعالي في البغاة.

ثم دعا ربه الأعلي سبحانه مستجيراً من الفتنة التي فجرها الناكثون معلناً براءته منها أمام الله الكبير المتعال.

فبعد أن رفع يديه إلي السماء قال «اللهم إن طلحة والزبير أعطياني صفقة أيديهما طائعين، ثم نصبا إلي الحرب ظاهرين، اللهم، فأكفنيهما بما شئت وكيف شئت..». [141].

وقد أسفرت المعركة عن انتصار ساحق لمعسكر الإمام (عليه السلام) فأعلن الإمام العفو العام عن جميع المشتركين في حربه:

«ألا لا يجهز علي جريح، ولا يتبع مولٍ، ولا يطعن في وجه مدبر،

ومن ألقي السلاح فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن، ولا يستحلن فرج ولا مال، وانظروا ما حضر به الحرب من آنية فاقبضوه، وما كان سوي ذلك، فهو لورثته، ولا يطلبن عبد خارج من المعسكر، وما كان من دابة أو سلاح فهو لكم، وليس لكم أم ولد- الأمة استولدت ذكراً أو أنثي- والمواريث علي فريضة الله، وأي امرأة قتل زوجها، فلتعتد أربعة أشهر وعشراً.

فقال بعض أصحابه: يا أميرالمؤمنين تحل لنا دماءهم ولا تحل لنا نساؤهم؟

فقال (عليه السلام): كذلك السيرة في أهل القبلة. [142].

بيد أن بعضاً من جيشه كانوا يرغبون الحصول علي مغانم أكبر مما حدده الإمام (عليه السلام).

فقام له رجلٌ قائلاً: يا أميرالمؤمنين، والله ما قسمت بالسوية ولا عدلت في الرعية!

قال الإمام (عليه السلام): ولم؟ ويحك!!

قال: لأنك قسمت ما في المعسكر وتركت الأموال والنساء والذرية!!

فقال له الإمام موضحاً فلسفة ذلك الموقف الإنساني الذي التزمه:

يا أخا بكر: إنك امرؤ ضعيف الرأي أو ما علمت أنا لا نأخذ الصغير بذنب الكبير، وأن الأموال كانت لهم قبل الفرقة وتزوجوا علي رشد، وولدوا علي الفطرة، وإنما لكم ما حوي عسكرهم، وما كان في دورهم، فهو ميراث لذريتهم، فإن عدا علينا أحد منهم أخذناه بذنبه، وإن كفَّ لم نحمل عليه ذنب غيره.

يا أخا بكر: لقد حكمت فيهم بحكم رسول الله (صلي الله عليه وآله) في أهل مكة: قسم ما حوي العسكر، ولم يعرض لما سوي ذلك وإنما اتبعت أثره..

يا أخا بكر: أما علمت أن دار الحرب يحل ما فيها؟

وأن دار الهجرة يحرم ما فيها إلا بحق..».

هذه بعض مصاديق الموقف الإنساني الفريد الموافق لأمر الله والمطابق لشريعته الغراء الذي التزم به الإمام (عليه السلام) في معاملة المنهزمين في خصومه.. إنه موقف لا تري فيه للعاطفة والاندفاع

والتشقي أثراً.. إنه موقف جسد فيه الإمام حكم الله تعالي.

وهل غير علي (عليه السلام) جدير بتجسيد حكم شريعة الله فيما شجر بين الناس؟

وواصل الإمام (عليه السلام) خطواته الإنسانية إزاء الناكثين.

وهكذا حسم الموقف لصالح الإمام (عليه السلام) في فتنة البصرة فأبدي الإمام (عليه السلام) خلاله وبعده أنبل المشاعر وأصدقها نحو المغرر بهم محاولاً بذلك رأب الصدع وجمع الشمل وإعزاز الأمة.

حرب صفين

بعد أن تم لعلي (عليه السلام) النصر عاد بجيشه إلي الكوفة، وبعد أن عزز الجيش عزم علي التوجه إلي الشام لتصفية المعارضة التي يقودها معاوية بن أبي سفيان هناك..

وسار الإمام (عليه السلام) علي رأس جيشه، غير أن أنباء مسير الإمام (عليه السلام) نحو الشام قد بلغت الناكثين هناك، فقرروا ملاقاة الزحف الإسلامي فتلاقي الجيشان عند نهر الفرات …

وبدأ الإمام (عليه السلام) ببذل مساعيه لإصلاح الموقف بالوسائل السلمية، فأرسل وفداً ثلاثياً إلي معاوية، يدعوه إلي تقوي الله والحفاظ علي وحدة الصف والدخول في إجماع الأمة «.. اذهبوا إلي هذا الرجل- معاوية- وادعوه إلي الله تعالي، وإلي الطاعة والجماعة، لعل الله تعالي أن يهديه، ويلتئم شمل هذه الأمة». [143].

والتقي الوفد بقائد المعارضة، وأبلغوه بنوايا الإمام (عليه السلام) ووضعوه أمام الله تعالي وحذروه مغبة ما يقدم عليه، غير أن معاوية أبدي إصراراً، وقد ختم رده علي الوفد «انصرفوا عني فليس عندي إلا السيف». [144].

علي أن الموقف الأموي ذلك لم يصرف الإمام (عليه السلام) علي التسلح بالصبر والأناة ولم يثر فيه روح التعجيل بالمواجهة الصارمة حقناً للدماء، وحفاظاً علي نفوس الأمة..

بيد أن الموقف الإنساني الذي التزمه الإمام (عليه السلام) لم يزد القوي المعارضة إلاّ إصراراً، فعملوا من جانبهم علي الحيلولة دون حصول جيش الإمام (عليه السلام) علي الماء، حيث سبق أن تحرك فيلق لهم واتخذ مواقعه عند ماء الفرات ليمنع جند الإمام من

الماء..

وبالنظر لأهمية الماء في الإستراتيجية العسكرية ولعدم توفر مصدر آخر لجيش الإمام غير الفرات، فإن الإمام (عليه السلام) قد التزم الأناة أيضاً في معالجة الموقف.

فأرسل رسولاً إلي معاوية ليبلغه «أن الذي جئنا له غير الماء، ولو سبقناك إليه لم نمنعك عنه».

فرد عليهم معاوية بقوله: «لا والله ولا قطرة حتي تموت ظمأ»!!!

الأمر الذي اضطر الإمام (عليه السلام) إلي استعمال العنف في الحصول علي الماء لجيشه، حيث لا بديل للعنف..

وهكذا حرك الإمام (عليه السلام) فرقة من جيشه لإنهاء الحصار المضروب عليهم، فانهزم فيلق معاوية شر هزيمة..

وبعد أن صار الماء في نطاق نفوذ جيش الأمام (عليه السلام) أذن للباغين بالتزود منه متي شاؤوا، مجسداً بذلك بنداً من أخلاق الإسلام العظيمة في هذا المضمار.

فأعظم بعلي من محارب نبيل، وأكرم به من صاحب قلب كبير..

وحيث أن همّ الأمام (عليه السلام) أن يحقن دماء المسلمين ويصونهم من التمزق، ويدرأ التصدع عن صفهم، فقد طلب من معاوية أن ينازله إلي ميدان القتال فيتقاتلا دون الناس لكي تكون إمامة الأمة لمن يغلب «يا معاوية علام يقتتل الناس؟ أبرز إلي ودع الناس، فيكون الأمر لمن غلب». [145].

إلا أن معاوية قد رفض خوفاً من بطش الإمام (عليه السلام) وبالرغم من أن الجيش الأموي قد بدأ القتال من جانبه، فإن الإمام (عليه السلام) قد التزم بضبط النفس كذلك وحاول أن يحصر القتال في حدود المبارزة المحدودة. [146].

ولما لم تلق محاولات الإمام (عليه السلام) الرأب الصدع- الذي خلفه معاوية في صف الأمة- استجابة، تفجر الموقف بحرب واسعة النطاق استمرت أسبوعين دون هوادة.

وقد لاحت تباشير النصر لصالح معسكر الإمام (عليه السلام) وأوشكت القوي الباغية علي الانهزام، فدبروا «خدعة المصاحف» فرفعوا المصاحف علي رؤوس الرماح والسيوف.. مما نجم عن تلك الخطة الماكرة تغير جوهري في الموقف العام.

ولقد كان

لرفع المصاحف من لدن معسكر معاوية صدي عميقاً في معسكر الإمام (عليه السلام) إذ سرعان ما سارت كثرة كاثرة من جيشه مطالبة بإيقاف القتال.. فكثر اللغط بين الصفوف وآثر الآلاف ترك الحرب..

ومع أن الإمام (عليه السلام) تصدي لكشف خلفيات رفع المصاحف واستعمل كل وسائله الإقناعية في البرهنة علي كونها خدعة يراد بها عرقلة تحقيق النصر الذي بات وشيكاً لصالح جيش الإمام (عليه السلام). إلا أن المطالبين بإيقاف القتال لم يستجيبوا لنداءاته المتكررة في هذا المضمار، ولعل بعضهم استعمل لغة التهديد للإمام (عليه السلام) … [147].

واضطروه أن يبعث الأشعث بن قيس إلي معاوية للتعرف علي ما يريد من وراء رفعه للمصاحف، فعاد يحمل رغبة معاوية في التحكيم.. ثم تلي ذلك الفصل الثاني من المأساة، فاختارت الغوغاء أباموسي الأشعري لتمثيل معسكر الإمام (عليه السلام) بينما اختار معاوية ابن العاص. علي أن الإمام (عليه السلام) قد رفض فكرة تمثيل الأشعري لمعسكره باعتبار أن الأشعري كان معتزلاً للإمام (عليه السلام) ولم يكن يري في الإمام أهلاً لتولي الخلافة بعد عثمان [148] هو وآخرون ممن اعتزلوا الإمام (عليه السلام)- وكان يخذل الناس عن نصرة الإمام، مما حمل الإمام علي عزله من ولاية الكوفة.. [149].

وقد رجح الإمام (عليه السلام) أن يكون الممثل لمعسكره في التحكيم عبدالله بن عباس، غير أن الغوغاء أصروا علي اختيار أبي موسي الأشعري بالرغم من تأكيد الإمام علي ضعفه ووهن رأيه إضافة إلي مرتكزاته الفكرية وموقفه من حكومة الإمام (عليه السلام).

وها هو الإمام (عليه السلام) يخاطب المخدوعين بقوله «قد عصيتموني في أول الأمر- يشير إلي قبول التحكيم وإيقاف القتال- فلا تعصوني الآن، لا أري أن تولوا أباموسي الحكومة فإنه ضعيف عن عمرو ومكائده». [150].

إلا أنهم أصروا علي اختيار الأشعري..

ومن هنا فإن الباحث البصير لا يمكن أن يركن إلي الاعتقاد بأن

تلك الأمور قد جرت بشكل عفوي أبداً.. فإن سير الأحداث لا يدل علي ذلك.. إذ أن رفع المصاحف كان قد جري بتوقيت وتنسيق بين معاوية وحركة موالية له في جيش الإمام (عليه السلام) لابد أن يكون له اتصال معها..

فما أن ارتفعت المصاحف حتي استجاب أولئك لإيقاف القتال مستفيدين من سأم الناس من القتال، فوسعوا قاعدتهم في صفوف معسكر الإمام (عليه السلام) وفرضوا عليه التحكيم، وممثل معسكره في التحكيم فيما بعد..

وهكذا فإني لا أعتقد بحال أن لا تكون حركة التمرد في جيش الإمام (عليه السلام) بذلك الشكل الذي ذكره المؤرخون لا تعتمد علي تخطيط أموي مسبق أبداً..

وقد جاءت نتائج التحكيم- كما توقع الإمام (عليه السلام) لصالح معاوية حيث بدأ الأمر يستتب له شيئاً فشيئاً.

حرب النهروان

بعد واقعة التحكيم عاد الإمام (عليه السلام) بجيشه إلي الكوفة.. ففوجئ بخروج طائفة من جيشه يبلغ تعدادها أربعة آلاف، معلنة تمردها علي الإمام (عليه السلام) فلم تدخل معه الكوفة.. وإنما سلكت سبيلها إلي حركة وراء، فاتخذت مواقعها هناك …

ومن الجدير بالذكر أن الفئة التي خرجت علي الإمام (عليه السلام) كان قوام أغلبها من الفئات التي أرغمته علي التحكيم في حرب صفين. [151].

فعند تمرد تلك الفئة وخروجها من جيش الإمام (عليه السلام) أعلنت مبررات خروجها تحت شعار «لا حكم إلا لله، لا نرضي بأن تحكم الرجال في دين الله، قد أمضي الله حكمه في معاوية وأصحابه أن يقتلوا أو يدخلوا معنا في حكمنا عليهم، وقد كانت منّا خطيئة وزلة حين رضينا بالحكمين، وقد تبنا إلي ربنا، ورجعنا عن ذلك، فارجع- يقصدون الإمام (عليه السلام)- كما رجعنا، وإلا فنحن منك براء. [152].

بيد أن الإمام (عليه السلام) أوضح لهم حينئذ أن الخلق الإسلامي يقتضي الوفاء بالعهد- الهدنة لمدة عام- الذي أبرم بين المعسكرين قائلاً: «ويحكم،

بعد الرضا والعهد والميثاق أرجع؟»

أوليس الله يقول «وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم، ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها، وقد جعلتم الله عليكم كفيلاً، إن الله يعلم ما تفعلون». [153].

إلا أن المعارضة لم تصغ إلي توجيهات الإمام (عليه السلام) واستمروا في غيهم، وتعاظم خطرهم بعد انضمام أعداد جديدة لمعسكرهم، وراحوا يعلنون القول بشرك المنتمين إلي معسكر الإمام (عليه السلام)- بالإضافة للإمام- ورأوا استباحة دمائهم..

ولقد كان الإمام (عليه السلام) عازماً علي عدم التعرض لهم ابتداء ليمنحهم فرصة التفكير جدياً بما أقدموا عليه، عسي أن يعودوا إلي الرأي السديد، ولكي يتفرغ كلياً لاستئناف القتال مع البغاة في الشام، بعد فشل التحكيم بعد اللقاء الثاني بين الحكمين، حيث تمت خديعة عمرو بن العاص لأبي موسي الأشعري التي أدت إلي عدم تحقيق التحكيم..

غير أنهم بدأوا يشكلون خطراً حقيقياً علي دولة الإمام (عليه السلام) من الداخل.. وبدأ خطرهم يتعاظم فقتلوا بعض الأبرياء، وهددوا الآمنين، فقتلوا الصحابي الجليل عبدالله بن خباب وبقروا بطن زوجته وهي حامل مقرب دون مبرر.. وقتلوا نسوة من طي.

فلما بلغ أمرهم أميرالمؤمنين (عليه السلام) أرسل إليهم الحارث بن مرة العبدي، ليتعرف علي حقيقة الموقف، غير أنهم قتلوه كذلك. [154].

فلما علم الإمام (عليه السلام) بالأمر كرّ راجعاً من الأنبار- حيث كان قد اتخذها مركزاً لتجميع قواته المتجهة نحو الشام- وعندما اقتربت قواته منهم بذل مساعيه من أجل إصلاح الموقف دون إراقة للدماء، فبعث إليهم أن يرسلوا إليه قتلة المؤمنين عبدالله بن خباب والحارث العبدي وغيرهما وهو يكف عنهم، ولكنهم أجابوه: أنهم كلهم قتلوه..

وبعث الإمام (عليه السلام) إليهم الصحابي الجليل قيس بن سعد فوعظهم، وحذرهم مغبة موقفهم الأحمق … وأهاب بهم للرجوع عما يرون من جواز سفك دماء المسلمين وتكفيرهم دون وجه حق … [155].

وتابع الإمام (عليه السلام) موقفه الإنساني

الرشيد، فأرسل إليهم أباأيوب الأنصاري (رضي الله عنه) وبعد أن وعظهم، رفع راية ونادي: من جاء هذه الراية- ممن لم يقتل- فهو آمن، ومن انصرف إلي الكوفة أو المدائن فهو آمن لا حاجة لنا به بعد أن نصيب قتلة إخواننا. [156].

وقد نجحت المحاولة إلي حد كبير حيث تفرقوا شيئاً بعد شي ء حتي انخفض عددهم إلي أربعة آلاف إذ كان عددهم اثني عشر ألفاً.

وقد بدأ الباقون منهم الهجوم من جانبهم علي جيش الإمام (عليه السلام) فأمر أصحابه بالكف عنهم حتي يبدؤوا بالقتال. فلما بدأ الخوارج القتال، طوقتهم قوات الإمام (عليه السلام) وتحقق الظفر لراية الحق.

وهكذا قضي الإمام (عليه السلام) في حرب النهروان علي حركة الذين سبق لرسول الله (صلي الله عليه وآله) أن سماهم بالمارقين حين أشار إليهم في حديث رواه أبوسعيد الخدري قال «سمعت رسول الله (صلي الله عليه وآله) يقول يخرج في هذه الأمة قوم يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية». [157].

في ذمة الله

أنهي الإمام (عليه السلام) مقاومة المارقين، فشمر عن ساعديه لاستئناف قتال القاسطين في الشام بعد أن فشل التحكيم عند اللقاء الثاني بين الحكمين.

وقد أمر الإمام (عليه السلام) بتعبئة جيشه، وأعلن حالة الحرب لتصفية قوي المعارضة التي يقودها معاوية، وجاء إعلان الحرب من خلال خطبة لأميرالمؤمنين (عليه السلام) خطبها في الكوفة- عاصمة الدولة الإسلامية- فضمنها دعوته للجهاد.

«.. الجهاد، الجهاد عباد الله! ألا وإني معسكر في يومي هذا.. فمن أراد الرواح إلي الله، فليخرج!». [158].

ثم بادر الإمام (عليه السلام) إلي عقد ألوية الحرب، فعقد للحسين راية ولأبي أيوب الأنصاري أخري، ولقيس بن سعد ثالثة.

وبينما كان أميرالمؤمنين يواصل تعبئة قواته من أجل أن ينهي حركة المعارضة التي يقودها معاوية في بلاد الشام كان يجري في الخفاء تخطيط لئيم من أجل اغتيال الإمام (عليه السلام).

فقد كان

جماعة من الخصوم قد عقدوا اجتماعاً في مكة المكرمة، وتداولوا في أمر حركتهم، التي انتهت إلي أوخم العواقب.

فخرجوا بقرارات كان أخطرها قرار اغتيال أميرالمؤمنين (عليه السلام) وقد أوكل أمر تنفيذه للمجرم الأثيم (عبدالرحمن بن ملجم المرادي)، وفي ساعة من أحرج الساعات التي يمر بها الإسلام والمسيرة الإسلامية، وبينما كانت الأمة تتطلع إلي النصر علي عناصر المعارضة والفرقة التي يقودها معاوية بن سفيان، امتدت يد الأثيم المرادي إلي علي (عليه السلام) فضرب الإمام (عليه السلام) بسيف وهو في سجوده عند صلاة الفجر، وفي مسجد الكوفة الشريف، وذلك في صبيحة اليوم التاسع عشر من شهر رمضان المبارك عام40 هجرية.

لقد اغتيل الإمام (عليه السلام) وهو في أفضل ساعة حيث يقوم بين يدي الله في صلاة خاشعة.

وفي أشرف الأيام إذ كان يؤدي صوم شهر رمضان.

ثم هو (عليه السلام) في أعظم تكليف إسلامي حيث كان في طريقه لخوض غمر حرب جهادية، كما كان في بقعة من أشرف بقاع الله وأطهرها «مسجد الكوفة».

فطوبي لعلي (عليه السلام) وحسن مآب.

لكن جريمة قتل علي (عليه السلام) تبقي أشرس جريمة وأكثرها فظاعة ووحشية، لأنها جريمة لم تستهدف رجلاً كباقي الرجال، إنما استهدفت القيادة الإسلامية الراشدة.

واستهدفت كذلك اغتيال رسالة، وتاريخ، وحضارة، وأمة كلها تتمثل في شخص علي أميرالمؤمنين (عليه السلام).

وبهذا خسرت الأمة الإسلامية مسيرة وحضارة، وأروع فرصة وأطهرها في حياتها بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله).

ولقد بقي الإمام (عليه السلام) يعاني من علته ثلاثة أيام، عهد خلالها بالإمامة إلي ولده الحسن السبط (عليه السلام) ليمارس بعده مسؤولياته في قيادة الأمة الفكرية والاجتماعية.

وكان (عليه السلام) طوال الأيام الثلاثة- كما كان طول حياته- لهجا بذكر الله، والثناء عليه والرضا بقضائه، والتسليم لأمره، كما كان يصدر الوصية تلو الوصية، والتوجيه الحكيم إثر التوجيه، مرشداً للخير، دالاً علي المعروف، محدداً سبل

الهدي، مبيناً طريق النجاة، داعياً لإقامة حدود الله تعالي وحفظها، محذراً من الهوي والنكوص عن حمل الرسالة الإلهية.

وهذه واحدة من وصاياه بهذا الشأن- مخاطباً بها الحسن والحسين سبطي رسول الله (صلي الله عليه وآله) وأهل بيته وأجيال الأمة:

«أوصيكما، بتقوي الله، وألا تبغيا الدنيا وأن بغتكما، ولا تأسفا علي شي ء منها زوي عنكما، وقولاً بالحقّ، واعملا للأجر وكونا للظالم خصماً وللمظلوم عوناً.

أوصيكما، وجميع ولدي وأهلي ومن بلغه كتابي، بتقوي الله، ونظم أمركم، وصلاح ذات بينكم، فإني سمعت جدكما (صلي الله عليه وآله) يقول: «صلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام».

الله الله في الأيتام، فلا تغبوا أفواههم، ولا يضيعوا بحضرتكم.

الله الله في جيرانكم، فإنهم وصية نبيكم. مازال يوصي بهم، حتي ظننا أنه سيورثهم.

الله الله في القرآن، لا يسبقكم بالعمل به غيركم.

الله الله في الصلاة، فإنها عمود دينكم.

الله الله في بيت ربكم، لا تخلوه ما بقيتم، فإنه إن ترك لم تناظروا.

الله الله في الجهاد بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم في سبيل الله.

وعليكم بالتواصل التبادل، وإياكم والتدابر والتقاطع، لا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيولي عليكم شراركم، ثم تدعون فلا يستجاب لكم.

ثم قال:

يا بني عبدالمطلب، لا ألفينكم تخوضون دماء المسلمين خوضاً، تقولون: «قتل أميرالمؤمنين» ألا لا تقتلن بي إلا قاتلي.

انظروا إذا أنا مت في ضربته هذه، فاضربوه ضربة بضربة، ولا تمثلوا بالرجل، فإن سمعت رسول الله (صلي الله عليه وآله) يقول: «إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور». [159].

وهكذا كانت النهاية المؤلمة لهذا الرجل العظيم..

فلقد كانت خسارة الرسالة والأمة بفقده من أفدح الخسائر التي أصيبت بها الأمة بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله).

فبموت علي (عليه السلام) فقدت الأمة:

بطولة غدت أنشودة للزمان..

وشجاعة ما حلم التاريخ بمثلها..

وحكمة لا يعلم بعدها إلا الله..

وطهراً ما اكتسي به غير

الأنبياء..

وزهداً في الدنيا ما بلغه إلا المقربون..

وبلاغة كأنما هي رجع صدي لكتاب الله..

وفقهاً وعلماً وتضلعاً بأحكام الرسالة رشحته لأن يكون باب مدينة علم الرسول (صلي الله عليه وآله) ومرجع للأمة الإسلامية في جميع شؤونها.

فسلام علي أميرالمؤمنين يوم ولد ويوم قضي شهيداً في محرابه ويوم يبعث حياً..

والحمد لله رب العالمين

ما وجد لي كذبة في قول و لا خطلة في فعل

توطئة

اشاره

كنا قد تناولنا في القسم الأول من دراستنا هذه لحياة أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) دور رسول الله (صلي الله عليه وآله) في إعداد شخصية الإمام علي (عليه السلام) والإشراف المباشر علي تشكيل عناصرها، منذ طفولته.. حتي صارت شخصية الإمام (عليه السلام) نسخة ثانية طبق الأصل لرسول الله (صلي الله عليه وآله) فكراً وعقيدة وسلوكاً فيما عدا الرسالة ومستلزماتها..

ولقد وصف الإمام (عليه السلام) طبيعة خضوعه لذلك اللون من الإعداد الرسالي وصفاً دقيقاً بقوله «.. وقد علمتم موضعي من رسول الله (صلي الله عليه وآله) بالقرابة القريبة، والمنزلة الخصيصة، وضعني في حجره، وأنا ولد، يضمني إلي صدره، ويكنفني في فراشه، ويمسني جسده، ويشمني عرفه، وكان يمضغ الشي ء ثم يلقمنيه، وما وجد لي كذبة في قول ولا خطئة في فعل.

ولقد قرن الله به (صلي الله عليه وآله) من لدن إن كان فطمياً أعظم ملك من ملائكته، يسلك به طريق المكارم، ومحاسن أخلاق العالم: ليله ونهاره.

ولقد كنت أتبعه: اتباع الفصيل أثر أمه يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علماً، ويأمرني بالاقتداء به، ولقد كان يجاور في كل سنة بحراء، فأراه ولا يراه غيري، ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول الله صلي الله عليه وآله وخديجة، وأنا ثالثهما، أري نور الوحي، وأشم ريح النبوة.

ولقد سمعت رنة الشيطان حين نزل الوحي عليه (صلي الله عليه وآله).

فقلت: يا رسول الله ما هذه الرنة؟

فقال: «هذا الشيطان قد

أيس من عبادته، إنك تسمع ما أسمع، وتري ما أري، إلا أنك لست بنبي، ولكنك لوزير وإنك لعلي خير..». [160].

فهذا النص الكريم إضافة إلي ما حفظه لنا التاريخ من سيرة الإمام (عليه السلام) يجسد لنا بعمق وقوة المدي الذي كان الإمام (عليه السلام) قد حظي به في مضمار الإعداد الرسالي المخطط الذي خصه رسول الله (صلي الله عليه وآله) به. تهيئه له للنهوض بأعباء المرجعية الفكرية والسياسية في الأمة.

وقد بدأ ذلك الإعداد الرسالي من لدن رسول الله (صلي الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام) منذ نعومة أظفاره فهو ربيبه الذي فتح عينيه في حجره، وهيأ له من فرص التفاعل معه وسلوك نهجه في الحياة ما لم يتوفر لأحد سواه.

وبالإضافة إلي ما كان قد خص به الإمام (عليه السلام) من لدن الرسول (صلي الله عليه وآله) أيام الطفولة والصبا من رعاية وتبن وتربية، الأمر الذي ألمحنا إليه في الحلقة الأولي من هذه الدراسة فإن الإعداد الرسالي للإمام (عليه السلام) منذ الدعوة المباركة، وحتي آخر ساعة من حياة رسول الله (صلي الله عليه وآله) قد اتسع مداراً وازداد شمولاً وأصبح أكثر تركيزاً.

والشواهد من حياة رسول الله (صلي الله عليه وآله) متظاهرة في هذا المضمار: فضلاً عن حرص الإمام (عليه السلام) علي الاقتداء به بأقصي درجات الاقتداء وأصدقها وأكثرها أمانة، فإن رسول الله (صلي الله عليه وآله) كان يخصه بفكر الرسالة وحقائقها ومتطلباتها، ويمده بالمزيد من الثقافة الإلهية.

وكان (صلي الله عليه وآله) يختلي بالإمام (عليه السلام) الساعات الكثيرة آناء الليل والنهار ليعمق وعيه لمفاهيم الرسالة ومشاكل المهمة التغييرية التي بدأها رسول الله في الواقع الإنساني، وأساليب العمل من أجل إكمال ما بدأه الرسول (صلي الله عليه وآله).

روي النسائي عن عبدالله بن عمرو بن هند الجملي عن علي (عليه السلام) قال: «كنت إذا

سألت رسول الله (صلي الله عليه وآله) أعطيت، وإذا سكت ابتدأني». [161].

وعن ابن عباس عن علي (عليه السلام) قال «كان لي من النبي (صلي الله عليه وآله) مدخلان: مدخل بالليل، ومدخل بالنهار».

وعن أبي سعيد الخدري قال: كانت لعلي من رسول الله (صلي الله عليه وآله) دخلة لم تكن لأحد من الناس».

وعن عبدالله بن يحيي عن علي (عليه السلام) قال «كنت أدخل علي نبي الله (صلي الله عليه وآله) كل ليلة، فإن كان يصلي سبح، فدخلت، وإن لم يكن يصلي إذن لي فدخلت. [162].

وعن أم سلمة قالت «والذي تحلف به أم سلمة أن أقرب الناس عهدا برسول الله (صلي الله عليه وآله) علي (عليه السلام).. لما كان غدوة قبض رسول الله (صلي الله عليه وآله) فأرسل إليه رسول الله (صلي الله عليه وآله)- قالت- «وأظنه بعثه في حاجة» فجعل يقول: جاء علي؟- ثلاث مرات- فجاء قبل طلوع الفجر فلما أن جاء عرفنا أن له إليه حاجة، فخرجنا من البيت وكنا عند رسول الله يومئذ في بيت عائشة، وكنت في آخر من خرج من البيت، ثم جلست من وراء الباب، فكنت أدناهم إلي الباب، فأكب عليه علي (عليه السلام)، فكان آخر الناس به عهداً، فجعل يساره ويناجيه». [163].

ولقد كانت حصيلة ذلك الإعداد الرسالي الخاص من رسول الله (صلي الله عليه وآله) أن رشحت الرسالة الإلهية الإمام علياً (عليه السلام) لاحتلال موقع المرجعية الفكرية والسياسية للأمة الإسلامية.

وقد عبر الإسلام الحنيف عن ذلك الترشيح بشتي الوسائل التعبيرية المباشرة، مجسداً مؤهلات علي (عليه السلام) لأمامة الأمة المسلمة تارة، ومعلناً تارة أخري إسناد الإمامة له رسمياً:

فضائل علي من حديث رسول الله

وهذه بعض مؤهلات الإمام (عليه السلام) كما تطرحها النصوص الصحيحة:

1- قال رسول الله (صلي الله عليه وآله) «مثل علي فيكم كمثل الكعبة..» [164] فحيث توحد الكعبة وجهة الأمة عند ساعات الوقوف بين

يدي الله تعالي في الصلاة أو أداء شعائر الحج والعمرة، كذلك يفعل التزام علي (عليه السلام) والأخذ عنه في دنيا المسلمين.

2- والإمام (عليه السلام) هو الصراط المستقيم الذي تستلهم الأمة منه العلم الإلهي ومعارف التشريع بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله) دون سواه من الناس:

قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): «علي باب علمي ومبين لأمتي ما أرست به من بعدي، حبه إيمان، وبغضه نفاق..». [165].

وقال (صلي الله عليه وآله) «أنا مدينة العلم وعلي بابها..». [166].

3- وأن علياً كرسول الله (صلي الله عليه وآله) في إقامة العدل بين الناس فكفه ككفه (صلي الله عليه وآله) قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): «يا أبابكر كفي وكف علي في العدل سواء». [167].

4- ويصف الرسول علياً (عليه السلام) بأنه كنفسه، فقد أخرج أحمد بن حنبل في مسنده عن عبدالله بن حنطب قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله) لوفد ثقيف- حين جاؤوه- «لأسلمن أو لأبعثن إليكم رجلاً كنفسي ليضربن أعناقكم وليسبين ذراريكم، وليأخذن أموالكم- فالتفت إلي علي وأخذبيده- فقال: هو هذا، هو هذا». [168].

5- وأن الإمام (عليه السلام) أدري المسلمين قاطبة بشؤون القضاء بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله) فعن أنس بن مالك قال:

قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): «أقضي أمتي علي» [169] وهو إشارة من الرسول (صلي الله عليه وآله) إلي أن الإمام علي (عليه السلام) أقدر من سواه علي إدارة شؤون الأمة وحسم ما يشجر في حياتها العملية.

6- وقال المصطفي (صلي الله عليه وآله) «علي مع الحق والحق مع علي، ولن يفترقا حتي يردا علي الحوض يوم القيامة». [170].

7- وحيث أن علياً (عليه السلام) صنو الحق الذي هدي الله عباده إليه، فلا يفترق أحدهما عن الآخر، فقد دعا رسول الله (صلي الله عليه وآله) أمته

لسلوك منهجه والاندماج بخطة لينقذها من الزيغ، ولكي لا تتبع السبل فتضل عن سبيل الله تعالي قال (صلي الله عليه وآله): «ستكون من بعدي فتنة، فإذا كان ذلك، فالزموا علي ابن أبي طالب، إنه أول من يراني، وأول من يصافحني يوم القيامة، وهو مني في السماء العليا، وهو الفاروق بين الحق والباطل». [171].

8- وحول إيمان علي (عليه السلام) ومداه يقول رسول الله (صلي الله عليه وآله): «لو أن السماوات والأرض موضوعتان في كفة وإيمان علي في كفة لرجح إيمان علي (عليه السلام). [172].

هذه بعض مؤهلات علي (عليه السلام) كما بينها رسول الله (صلي الله عليه وآله).

نصوص الإمامة

أما النصوص التي تسند إليه أمر إمامة الأمة فكرياً وسياسياً بشكل صريح فنذكر منها.

1- آية الولاية

(إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ومن يتولَّ الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون). (المائدة: 55 ج56)

فقد ذكر المفسرون أن آية الولاية هذه قد نزلت في علي ابن أبي طالب (عليه السلام)، حيث تؤكد بلا أدني شك أنه يجب علي الأمة الإسلامية الالتزام به إماماً ومرجعاً فكرياً وسياسياً بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله).

ولقد نزلت هذه الآية الكريمة في علي (عليه السلام) كما روي ذلك جمع من الثقاة من المحدثين والمفسرين- لحد الاستفاضة- وكان سبب نزول هذه الآية الكريمة أن سائلاً دخل مسجد رسول الله (صلي الله عليه وآله) يسأل المسلمين المعونة فأشار الإمام (عليه السلام) إلي إصبعه وهو راكع فانتزع السائل خاتم الإمام من إصبعه وتصدق الإمام به وهو راكع فنزلت فيه هذه الآية. [173].

2- خطبة الغدير التي ألقاها رسول الله (صلي الله عليه وآله) في حجة الوداع بعد أدائه مراسيم الحج الأكبر.

فعن البراء بن عازب قال: أقبلنا مع رسول الله (صلي الله عليه وآله) سنته

التي حج فيها، فنزل في بعض الطريق فأمر:

الصلاة جامعة فأخذ بيد علي، فقال: «ألست أولي بالمؤمنين من أنفسهم؟»

قال: بلي.

قال (صلي الله عليه وآله): (ألست أولي بكل مؤمن من نفسه؟).

قالوا: بلي.

قال (صلي الله عليه وآله): «فهذا ولي من أنا مولاه، اللهم وال من والاه، اللهم عاد من عاداه». [174].

وفي لفظ أحمد بن حنبل أن رسول الله (صلي الله عليه وآله) قال: «من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه». [175].

3- وعن أم سلمة أم المؤمنين قالت: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): «إن الله اختار لكل نبي وصياً، وعلي وصي في عترتي وأهل بيتي وأمتي بعدي». [176].

هذه بعض النصوص الإسلامية الصحيحة التي أسندت أمر المرجعية الفكرية والسياسية لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) ولمن يريد المزيد من تتبع نصوص الإمامة مراجعة المصادر المختصة بالموضوع. [177].

شخصية علي من خلال عناصرها الأساسية

راجع القسم الأول من هذه الدراسة التي بين يديك.@ تلك النصوص التي تكشف بقوة عما لعلي (عليه السلام) من مكانة في دنيا الإسلام.

فهو: المطهر من الرجس، وهارون الأمة، والذي كفه ككف النبي المصطفي، في العدل، وهو رفيق الحق لا ينفك أحدهما من الآخر وهو باب العلم الإلهي، وفاروق الأمة [178] و … و.. الخ.

وكل هذه الأوسمة التي زين بها الإسلام صدر علي (عليه السلام) كانت ذات مداليل عملية في دنيا الواقع في حياة علي (عليه السلام).

فهذه الصفات السامية جاءت ترجمة لواقع صار إليه الإمام (عليه السلام) كثمرة للإعداد الرسولي له منذ نعومة أظفاره حتي آخر يوم من أيام المصطفي (صلي الله عليه وآله).

ولعلنا لا ندرك أهمية تلك الأوسمة التي زين بها صدر الإمام (عليه السلام) ما لم نسلط بعضاً من الضوء علي المقومات العامة لشخصيته سلام الله عليه في هذه الصفحات:

علاقة الإمام علي بالله تعالي

سبق أن أشرنا في حديثنا عن شخصية رسول الله (صلي الله عليه وآله) إلي أن علاقة المسلم بالله تبارك وتعالي، ليست محدودة في إحدي زوايا حياته أبداً، وإنما هي كما حدد الله سبحانه أبعادها لعباده من خلال شريعته التي ارتضي لهم: تجرد كامل للعزيز المتعال عزوجل بكل خلجات النفس، وبكل حركة في الحياة: في الصلاة والصيام والحج والاعتكاف، بشعائر التعبد وبالعلاقات الأسرية والاجتماعية عامة بالحكم والقضاء بالمحيا والممات وما بعد الموت. [179].

وقد جسد القرآن الكريم حجم العلاقة بين العبد وربه الأعلي بقوله تعالي: (قُل إِنّ صلاتي ونُسُكي وَمَحْيايَ وَمَمَاتي لله رَبِّ العالَمين) (الأنعام: (162.

علي أن شعائر الإسلام الكبري: كالصلاة والصوم والحج وسواها وإن كانت جزءاً من هيكل العبودية لله تعالي التي تشمل الحياة الإنسانية كلها. إلا أن هذه الشعائر تختص بسمات خاصة «توقيفية» ككيفية الأداء والوقت والعدد، فهي في هذه

المجالات محددة من قبل الله تبارك وتعالي فلا مجال فيها لتبديل أو تحوير أو نقص أو زيادة.

ثم إنها تمتاز في كونها وقفات خالصة لله سبحانه ليس فيها غايات أخري غير رضوان الله والاستجابة لأمره، ومن أجل ذلك تفقد هذه الفرائض طابعها العبادي إذا دخل إطارها رياء أو نحوه.

وهي ميزة لا تتحقق في أمور الحياة الإنسانية الأخري وإن كانت سابحة في إطار من العبودية لله تعالي.

فالزواج والنشاط الاقتصادي مثلاً ونحوهما من العقود وإن كانت شريعة الله تعالي تضعها في مسار العبودية لله، والمرء من خلالها يؤدي عبادة إذا هو التزم بأحكام الشريعة الإسلامية في تحديد وجهتها وأبعادها ومستلزماتها إلا أنها تبقي حاملة لأغراض أخري فالزواج مثلاً إن كان يحقق غاية إسلامية من ناحية تحصين الفرد المسلم عن الوقوع في المحرم، حتي أن الإسلام يعتبر عملية الزواج من لدن المسلم إحرازاً لنصف الدين- كما في الحديث الشريف- كما أن الالزام بأحكام الشريعة الخاصة في حقول التعامل بين الزوجين ونحوها يعتبر أمراً مفروضاً علي المؤمنين..

أقول إلي جانب هذه الأمور التي ترافق عملية الزواج، فإن الميل يبقي خلفية أساسية من خلفيات حمل الفرد علي تعاطيه.

وهكذا تظهر خلفيات أخري غير الخلفية العبادية في مثل هذه الأمور..

ومن هنا نري أن أمر الزواج والنشاطات الاقتصادية في مثالنا أمور توجد في كل مجتمع في الماضي والحاضر، قبل عصر التنزيل وبعده بالنظر لارتكازها علي حاجات طبيعية لدي الكائن الإنساني، ومهمة شريعة الله تعالي ترتكز علي إضفاء الصبغة الشرعية عليها بعد تهذيبها وتحديد مسارها ووضع مخطط إسلامي لصوغها وفقاً لمتطلبات الفطرة البشرية.

وبناء علي هذا التحديد لطبيعة علاقة المسلم بالله تبارك وتعالي فسنستعرض علاقة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) بالله تعالي من خلال الفرائض والسنن الإسلامية.

شواهد من عبادة أميرالمؤمنين

اشاره

كحصيلة للإعداد الرسالي الذي حظي به الإمام علي من لدن أستاذه الرسول (صلي الله عليه وآله)- الأمر الذي تناولناه في مدخل هذه الرسالة- فقد طبعت شخصية الإمام علي (عليه السلام) بشخصية المصطفي (صلي الله عليه وآله) في جميع مقوماتها: عبادةً وفكراً ومواقف.

يسلك سبيله، يقتفي سنته ويقفو أثره، ومن أجدر بتجسيد سنة الرسول (صلي الله عليه وآله) كاملة في دنيا الواقع سوي علي (عليه السلام)؟ الذي صنع رسول الله (صلي الله عليه وآله) شخصيته وشكل جميع عناصرها وطبعها بالطابع الإلهي منذ نعومة أظفاره..

وإذ نعقد هذا الفصل للحديث عن عبادة الإمام (عليه السلام) ووسائل تعلقه بالله سبحانه، فسنعرض شواهد منها، لندرك السمو الشاهق الذي بلغه الإمام (عليه السلام) في مضمار الانشداد إلي الله واستلهام سنة الرسول (صلي الله عليه وآله) المطهرة في هذا المضمار:

صلاة و ضراعة

فكثرة تعاهده لأمر الصلاة والتضرع إلي الله سبحانه تعالي يشير عروة بن الزبير في حديث له عن أبي الدرداء:

قال: «شهدت علي بن أبي طالب بشويحطات [180] النجار، وقد اعتزل عن مواليه، واختفي ممن يليه، واستتر بمغيلات [181] النخل، فافتقدته، وبعد عن مكانه، فقلت الحق بمنزله فإذا أنا بصوت حزين ونغم شجي، وهو يقول:

«إلهي كم من موبقة حملت عن مقابلتها بنقمتك، وكم من جريرة تكرمت عن كشفها بكرمك.

إلهي إن طال في عصيانك عمري، وعظم في الصحف ذنبي، فما أنا مؤمل غير غفرانك، ولا أنا براج غير رضوانك».

فشغلني الصوت، واقتفيت الأثر، فإذا هو علي بن أبي طالب (عليه السلام) بعينه، فاستترت له وأخملت الحركة، فركع ركعات في جوف الليل الغامر، ثم فرغ إلي الدعاء والبكاء، والبث والشكوي، فكان مما ناجي به الله تعالي أن قال: «إلهي أفكر في عفوك، فتهون علي خطيئتي، ثم أذكر العظيم من أخذك، فتعظم علي بليتي».

ثم قال «آه إن أنا

قرأت في الصحف سيئة أنا ناسيها، وأنت محصيها، فتقول: خذوه، فيا له من مأخوذ لاتنجيه عشيرته، ولا تنفعه قبيلته ولا يرحمه الملأ إذا أذن فيه بالنداء».

ثم قال «آه من نار تنضج الأكباد والكلي، آه من نار نزاعة للشوي، آه من لهبات لظي».

قال أبوالدرداء: ثم أمعن في البكاء، فلم أسمع له حسا، ولا حركة.

فقلت:

غلب عليه النوم لطول السهر، أوقظه لصلاة الفجر، فأتيته، فإذا هو كالخشبة الملقاة، فحركته، فلم يتحرك، وزويته فلم ينزو.

فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون مات والله علي بن أبي طالب، فأتيت منزله مبادراً أنعاه إليهم.

فقالت فاطمة (عليهاالسلام): يا أباالدرداء ما كان من شأنه ومن قصته؟

فأخبرتها الخبر.

فقالت: «هي والله- يا أباالدرداء- الغشية التي تأخذه من خشية الله»

ثم أتوه بماء فنضحوه علي وجهه، فأفاق، ونظر إلي وأنا أبكي فقال: مما بكاؤك يا أباالدرداء؟

فقلت: مما أراه تنزله بنفسك.

فقال: يا أباالدرداء، فكيف لو رأيتني، ودعي بي إلي الحساب، وأيقن أهل الجرائم بالعذاب، واحتوشتني ملائكة غلاظ وزبانية فظاظ، فوقفت بين يدي الملك الجبار، قد أسلمني الأحباء ورفضني أهل الدنيا، لكنت أشد رحمة لي بين يدي من لا تخفي عليه خافية».

فقال أبوالدرداء: «فوالله ما رأيت ذلك لأحد من أصحاب رسول الله» (صلي الله عليه وآله). [182].

هذا شاهد من شواهد تعلق الإمام (عليه السلام) بالله تعالي وشدة انشداده إليه ورهبته منه.

ويبدو أن هذا ديدن علي (عليه السلام) كما يتجلي من قول الزهراء (عليهاالسلام) لأبي الدرداء: «هي والله الغشية التي تأخذه من خشية الله».

وهذه مزينة عند التوجه إلي الله تعالي في صلاته وضراعته، الأمر الذي ألفه أهل البيت (عليهم السلام) في علي (عليه السلام).

ومن أجل ذلك لم يفزعوا حين أنبأهم أبوالدرداء بموته- كما ظن هو- بل استفسروا عما رأي، فأعلمته الصديقة (عليهاالسلام) أن ما رآه هو المألوف من

علي (عليه السلام) كل آن حين تأخذه الغشية لله تبارك وتعالي أثناء قيام الليل.

ولكثرة قيامه للعبادة ليلاً يحدثنا عبدالأعلي عن نوف البكالي..

قال: «بت ليلة عند أميرالمؤمنين (عليه السلام) فكان يصلي الليل كله، ويخرج ساعة بعد ساعة، فينظر إلي السماء، ويتلو القرآن، فمر بي بعد هدوء من الليل فقال: يا نوف أراقد أنت أم رامق؟

قلت: بل رامق أرمقك ببصري يا أميرالمؤمنين.

قال: يا نوف طوبي للزاهدين في الدنيا، الراغبين في الآخرة، أولئك الذين اتخذوا الأرض بساطاً، وترابها فراشاً، وماءها طيباً، والقرآن دثاراً، والدعاء شعاراً، وقرضوا من الدنيا تقريضاً علي منهاج عيسي بن مريم..». [183].

وهكذا كان علي (عليه السلام) في شدة تعلقه بالله، وعظيم تمسكه بمنهج الأنبياء (عليهم السلام). أنه ترجمة صادقة لعبادة محمد (صلي الله عليه وآله) وزهد المسيح (عليه السلام).

أرأيت كيف يندك وجوده علي عتبة الخضوع لله والاستكانة له وطلب رضوانه؟

وحول التزامه بقيام صلاة الليل طول عمره الشريف يروي لنا أبويعلي- في المسند- عنه (عليه السلام) قال: «ما تركت صلاة الليل منذ سمعت قول النبي صلي الله عليه وآله وسلم: صلاة الليل نور..

فقال ابن الكواء: ولا ليلة الهرير!؟

قال (عليه السلام): ولا ليلة الهرير. [184].

توجه و رهبة

ولعظيم إقباله علي الله تعالي يشير القشيري في تفسيره:

أنه كان (عليه السلام) إذا حضر وقت الصلاة تلون وتزلزل. فقيل له: ما لك؟

فيقول: جاء وقت أمانة عرضها الله تعالي علي السموات والأرض والجبال، فأبين أن يحملنها وحملها الإنسان علي ضعفه، فلا أدري أحسن إذا حملت أم لا. [185].

ولع بالصلاة

ولكثرة صلاته ما ورد عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنه قال:

كان علي بن الحسين (عليه السلام) يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة، كما كان يفعل أميرالمؤمنين (عليه السلام). [186].

وعن سليمان بن المغيرة عن أمه قالت: سألت أم سعيد سرية علي (عليه السلام) عن صلاة علي (عليه السلام) في شهر رمضان.

فقالت: رمضان وشوال سواء، يحيي الليل كله. [187].

وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: «إن علياً في آخر عمره يصلي في كل يوم وليلة ألف ركعة». [188].

عبادة الشاكرين

ولقد عظم المعبود عزوجل في نفس الإمام (عليه السلام) فصارت عبادته تعبيراً عن الحب له والشوق إليه، واستشعار أهليته للعبادة دون سواه، ومن أجل ذلك كان علي (عليه السلام) لا يعبد الله خوفاً من عذابه، ولا طمعاً في جنته ولا فيما أعده من نعيم للمتقين، وإنما سما الإمام (عليه السلام) في علاقته بالله تعالي إلي أعلي الدرجات أسوة بأستاذه الرسول (صلي الله عليه وآله).

وقد كشف الإمام (عليه السلام) عن جوهر علاقته بالله تعالي وطبيعتها بقوله:

«إلهي ما عبدتك خوفاً من عقابك ولا طمعاً في ثوابك ولكن وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك». [189].

فأعظم به من يقين، وأكرم به من إيمان!!

ولقد حدد الإمام (عليه السلام) ألوان العبادة في كلمة خالدة:

«أن قوماً عبدوا الله رغبةً، فتلك عبادة التجار، وأن قوماً عبدوا الله رهبة، فتلك عبادة العبيد، وأن قوماً عبدوا الله شكراً، فتلك عبادة الأحرار». [190].

وكانت عبادته (عليه السلام) من النوع الأخير، حيث تصدر كحصيلة للشعور بأهلية المعبود للعبادة واستحقاقه لها.

أما إيقاف العبادة علي حصول الثواب فحسب، فهي عبادة من وصفهم الإمام (عليه السلام) بالتجار، الذين يبتغون الثمن وينتظرون التعويض..

وشتان بين هدف الشاكرين، وهدف التجار في ميزان الله تعالي وحسابه.

صلاة الرسول

ولقد كانت صلاة علي (عليه السلام)- أسوة بسائر نشاطاته- كصلاة رسول الله (صلي الله عليه وآله) في كيفية الأداء والخشوع والانشداد والتعلق بالله تعالي فعن مطرف بن عبدالله قال: صليت أنا وعمران بن حصين خلف علي بن أبي طالب.. فلما انصرفنا أخذ عمران بيد فقال: لقد صلي صلاة محمد، ولقد ذكرني صلاة محمد (صلي الله عليه وآله). [191].

تعاهدوا أمر الصلاة

وإلي جانب تعاهد الإمام (عليه السلام) لأمر الصلاة فقد كان كثيراً ما يوصي أتباعه بتعاهد أمرها، وأدائها في أوقاتها وتعريفهم بأهميتها وأثرها في شخصية المسلم «تعاهدوا أمر الصلاة، وحافظوا عليها، واستكثروا منها، وتقربوا بها فإنها- كانت علي المؤمنين كتاباً موقوتاً-» ألا تسمعون إلي جواب أهل النار حين سئلوا «ما سلككم في سقر؟ قالوا: لم نك من المصلين».

وإنها لتحت الذنوب حتّ [192] الورق، وتطلقها إطلاق الربق [193] وشبهها رسول الله (صلي الله عليه وآله) بالحمة، [194] تكون علي باب الرجل، فهو يغتسل منها في اليوم والليلة خمسة مرات، فما عسي أن يبقي عليه من درن؟ [195].

وقد عرف حقها رجال من المؤمنين الذين لا تشغلهم عنها زينة متاع، ولا قرة عين من ولد ولا مال.

يقول الله سبحانه:

(رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة) (النور: (37.

«فكان يأمر بها أهله ويصبر عليها نفسه». [196].

المنهج العبادي في خطوطه الأساسية

اشاره

والي منهجه العبادي الملتزم أشار الإمام الباقر (عليه السلام) بقوله:

«.. وما ورد عليه أمران قط كلاهما لله رضي إلا أخذ بأشدهما علي بدنه». [197].

وقد ورد عن الإمام علي (عليه السلام) ذاته «.. وإنما هي نفسي أروضها بالتقوي لتأتي آمنة يوم الخوف الأكبر». [198].

وفي حديث ضرار بن ضمرة لمعاوية بن أبي سفيان حول شخصية الإمام (عليه السلام) تجسيد لهذه الحقيقة، فمما جاء في حديثه «.. كان والله صواماً بالنهار قواماً بالليل..».

توكل صادق و يقين راسخ

وحيث أن التوكل علي الله تعالي زاد المتقين، واليقين بالله شعار المؤمنين الصادقين يملأ قلوبهم بالثقة والاطمئنان والعزة والارتفاع علي جميع عقبات الحياة.

فقد كان أميرالمؤمنين (عليه السلام) قائداً لأهل اليقين بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله) ويعسوباً للمتوكلين.

وهذه سيرته تتحفنا بالعديد من الشواهد في هذا المضمار: فعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: كان لعلي (عليه السلام) غلام اسمه قنبر، وكان يحب علياً حباً شديداً، فإذا خرج علي (عليه السلام) خرج علي إثره بالسيف فرآه ذات ليلة، فقال له: يا قنبر مالك؟

قال: جئت لأمشي خلفك، فإن الناس كما تراهم يا أميرالمؤمنين فخفت عليك.

قال: ويحك أمن أهل السماء تحرسني أم من أهل الأرض؟

قال: لا بل من أهل الأرض.

قال (عليه السلام): إن أهل الأرض لا يستطيعون بي شيئاً إلا بإذن الله عزوجل فارجع. فرجع. [199].

وعن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: «إن أميرالمؤمنين جلس إلي حائط يقضي بين الناس.

فقال بعضهم: لا تقعد تحت هذا الحائط فإنه معور، فقال أميرالمؤمنين: حراس أمرأ أجله.

فلما قام أميرالمؤمنين (عليه السلام) سقط الحائط.

وكان أميرالمؤمنين (عليه السلام) مما يفعل هذا وأشباهه، وهذا اليقين». [200].

وعن سعيد بن قيس الحمداني قال «نظرت يوماً في الحرب إلي رجل عليه ثوبان، فحركت فرسي فإذا هو أميرالمؤمنين (عليه السلام).

فقلت: يا أميرالمؤمنين في مثل هذا الموضع؟

فقال: نعم يا سعيد بن قيس، إنه ليس من عبد

إلا وله من الله عزوجل حافظ وواقية، معه ملكان يحفظانه من أن يسقط من رأس جبل أو يقع في بئر، فإذا نزل القضاء خليا بينه وبين كل شي ء». [201].

هذا هو علي (عليه السلام) في قوة يقينه بالله، وشدة توكله عليه سبحانه.

مصاديق من زهد الإمام

ولقد كان الزهد معلماً بارزاً من معالم شخصية الإمام (عليه السلام)، وسمة مميزة زينه الله تعالي به فعن عمار بن ياسر (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله) لعلي. «إن الله قد زينك بزينة لم يزين العباد بزينة أحب منها، هي زينة الأبرار عند الله: الزهد في الدنيا، فجعلك لا ترزأ- تعيب- من الدنيا ولا ترزأ الدنيا منك شيئاً، ووهبك حب المساكين، فجعلك ترضي بهم أتباعاً، ويرضون بك إماماً». [202].

وقد كان من شواهد تلك الصفة التي حباه الله تعالي بها:

أن زهد الإمام (عليه السلام) عن كل لذاذات الحياة وزينتها وتوجه بكل وجوده نحو الآخرة، وعاش عيشة المساكين وأهل المتربة من رعيته.

لقد زهد الإمام (عليه السلام) بالدنيا وزخرفتها زهداً تاماً وصادقاً:

زهد في المال والسلطان، وكل ما يطمع به الطامعون.

فلقد عاش في بيت متواضع لا يختلف عما يسكنه الفقراء من الأمة، وكان يأكل الشعير تطحنه امرأته أو يطحنه بنفسه قبل خلافته وبعدها، حيث كانت تجي ء الأموال إلي خزانة الدولة التي كان يضطلع بقيادتها من شرق الأرض وغربها. وغالباً ما كان يلبس أبسط أنواع الثياب، فكان ثمن قميصه ثلاثة دراهم.

وقد بقي ملتزماً بخطه في الزهد طوال حياته، فقد رفض أن يسكن القصر الذي كان معداً له في الكوفة حرصاً منه علي التأسي بالمساكين. [203].

وهذه بعض المصاديق كما ترويها سيرته العطرة:

فعن الإمام الصادق (عليه السلام) يقول: «كان أميرالمؤمنين أشبه الناس طعمة برسول الله (صلي الله عليه وآله) يأكل الخبز والخل والزيت

ويطعم الناس الخبز واللحم». [204].

وعن الباقر (عليه السلام) قال: «ولقد ولي خمس سنين وما وضع آجرة علي آجرة ولا لبنة علي لبنة، ولا أقطع قطيعاً ولا أورث بيضاً ولا حمراً». [205].

وعن عمرو بن عبدالعزيز قال «ما علمنا أن أحداً كان في هذه الأمة بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله) أزهد من علي بن أبي طالب، ما وضع لبنة علي لبنة ولا قصبة علي قصبة». [206].

وعن الأحنف بن قيس قال: «دخلت علي معاوية، فقدم إلي من الحلو والحامض، ما كثر تعجبي منه، ثم قال: قدموا ذاك اللون، فقدموا لوناً ما أدري ما هو..!

فقلت: ما هذا؟

فقال: مصارين البط محشوة بالمخ ودهن الفستق قد ذر عليه السكر!!

قال الأحنف: فبكيت.

فقال معاوية: ما يبكيك؟

فقلت: لله در ابن أبي طالب، لقد جاد من نفسه بما لم تسمع به أنت ولا غيرك!

قال معاوية: وكيف؟

قلت: دخلت عليه ليلة عند إفطاره..

فقال لي: قم فتعش مع الحسن والحسين، ثم قام إلي الصلاة، فلما فرغ دعا بجراب مختوم بخاتمه، فأخرج منه شعيراً مطحوناً، ثم ختمه.

فقلت: يا أميرالمؤمنين لم أعهدك بخيلاً، فكيف ختمت علي هذا الشعير.

فقال: لم أختمه بخلاً، ولكن خفت أن يبسه الحسن والحسين بسمن أو أهالة!

فقلت: أحرام هو؟

قال: «لا، ولكن علي أئمة الحق أن يتأسوا بأضعف رعيتهم في الأكل واللباس، ولا يتميزون عليهم بشي ء لا يقدرون عليه ليراهم الفقير، فيرضي عن الله تعالي بما هو فيه، ويراهم الغني فيزداد شكراً وتواضعاً». [207].

وعن سويد بن غفلة قال: دخلت علي علي (عليه السلام) بالكوفة، وبين يديه رغيف من شعير، وقدح من لبن، والرغيف يابس، فشق علي ذلك.

فقلت: لجارية له يقال لها فضة: ألا ترحمين هذا الشيخ، وتنخلين له هذا الشعير.

فقالت:.. إنه عهد إلينا ألا ننخل له طعاماً قط..!

فالتفت الإمام إلي.

وقال: ما

تقول لها يا ابن غفلة، فأخبرته..

وقلت: يا أميرالمؤمنين ارفق بنفسك.

فقال لي: ويحك يا سويد؟ ما شبع رسول الله (صلي الله عليه وآله) وأهله من خبز بر ثلاثاً تباعاً حتي لقي الله، ولا نخل له طعام قط..». [208].

وعن سفيان الثوري عن عمرو بن قيس قال: روّي علي علي (عليه السلام) أزار مرقوع، فعوتب في ذلك؟

فقال: يخشع له القلب ويقتدي به المؤمن. [209].

وعن الغزالي يقول: «كان علي بن أبي طالب يمتنع من بيت المال حتي يبيع سيفه، ولا يكون له إلا قميص واحد في وقت الغسل ولا يجد غيره». [210].

هذا هو علي في شدة زهده ورغبته عن الدنيا وزخارفها، وفي عظيم اقتدائه برسول الله (صلي الله عليه وآله) وفي مواساته لأهل المتربة من أمته (صلي الله عليه وآله)، فهل حدثك التاريخ عن زعيم كعلي (عليه السلام)؟ تجبي إليه الأموال من الشرق والغرب، وعاصمته الكوفة- تقع في أخصب أرض الله وأكثرها غني يومذاك، بيد أنه يعيش أبسط عيش مواسياً لأقل الناس حظاً في العيش في هذه الحياة.. يأكل خبز الشعير دون أن يخرج نخالته.. ويكتفي بقميص واحد لا يجد غيره عند الغسل.. ويحرم علي نفسه الأكل من بيت المال.. ويرقع مدرعته حتي يستحي من راقعها. [211] مجسداً بذلك أرفع شعائر للزاهدين «.. فوالله ما كنزت من دنياكم تبراً، ولا ادخرت من غنائمها وفراً، ولا أعددت لبالي ثوب طمرا، ولا حزت من أرضها شبراً، ولا أخذت منه كقوت أتان دبرة، ولهي في عيني أوهي وأوهن من عصفه مقرة». [212].

صدقة الإمام

ولا نريد أن نذهب بعيداً في طرح الشواهد علي تعاهد الإمام علي (عليه السلام) لأمر الصدقة، قبل أن نستقي من القرآن الكريم نماذج من صدقة الإمام (عليه السلام) عطرتها آيات الله تعالي بالثناء الجميل، ورسمت أبعاد الثواب الإلهي

العظيم الذي لا يعلم مداه غير الله الذي أعده تبارك وتعالي لأميرالمؤمنين (عليه السلام):

ففي حادثة إطعام علي (عليه السلام) وأهل بيته (عليهم السلام) للمسكين واليتيم والأسير علي مدي ثلاثة أيام وإيثارهم لهم علي أنفسهم، واكتفائهم بالماء وهم في أيام صوم متتالية.. تنزلت آيات الله تعالي مسجلة أعظم مآثر علي (عليه السلام) في ضمير الوجود حيث ستبقي ترددها الآفاق والألسنة وصفحات المجد ما شاء الله تعالي.

(ويطعمون الطعام علي حبة مسكينا ويتيما وأسيرا. إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا. إنا نخاف من ربنا يوما عبوساً قمطريراً. فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا، وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا) (الإنسان: 8 ج(12.

وليس المهم في الأمر حجم ما قدمه الإمام (عليه السلام) لأولئك المحتاجين، فإن الكثير من الناس يبذلون أضعاف ذلك.

ولكن شتان بين من ينفق لوجه الله خالصاً دون شائبة، وبين من ينفق من أجل غرض دنيوي أو جاه أو ذكر يشاع بين الناس. كما أنه شتان بين من ينفق كل ما لديه وهو أحوج ما يكون إليه وبين من ينفق بعض ما لديه..

وهكذا يختلف التقويم عند الله تعالي بين ذا وذاك!

وفي حادثة تصدق علي (عليه السلام) بخاتمه علي مسكين استبدت به الحاجة، فطاف علي الناس فلم يجد من يسد خلته، فأشار إليه علي (عليه السلام) وهو يصلي في مسجد رسول الله (صلي الله عليه وآله) ومنحه خاتماً في يده.

فنزل القرآن الكريم علي رسول الله (صلي الله عليه وآله) مبينا فضل ما أقدم عليه الإمام (عليه السلام) واستعمل القرآن المناسبة لإرشاد الأمة إلي أن علياً (عليه السلام) مرجعها الفكري والعملي بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله).

(إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون، ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن

حزب الله هم الغالبون) (المائدة: 55 ج(66.

وهذه الآية الكريمة من أكثر النصوص دلالة علي أن العمل الصالح في منظور الله تبارك وتعالي إنما هو بدوافعه لا بحجم منافعه.

فليس المهم أن تعطي كثيراً، ولكن الأساس في الأمر نية العطاء فالتقييم الرباني إنما يدور مدار النية حيث تدور، فكلما اقتربت من الله تعالي وابتغيت رضوانه كان ثوابك أعظم وأجل..

ومن المناسب أن نطرح إضافة إلي ذلك مصاديق من سيرة الإمام (عليه السلام) في هذا المضمار مما روته كتب التاريخ.

فعن أبي عبدالله الصادق (عليه السلام) قال «كان أميرالمؤمنين يضرب بالمر- المسحاة- ويستخرج الأرضين، وأنه أعتق ألف مملوك من كديده». [213].

وعن أيوب بن عطية الحذاء قال: سمعت أباعبدالله (عليه السلام) يقول: «قسم نبي الله الفي ء، فأصاب علياً أرضاً، فاحتفر فيها عيناً، فخرج ماء ينبع كهيئة عنق البعير، فسماها ينبع، فجاء البشير يبشر. فقال (عليه السلام): بشر الوارث هي صدقة بتة بتلاء في حجيج بيت الله، وعابري سبيل الله لا تباع، ولا توهب ولا تورث فمن باعها أو وهبها فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ولا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً». [214].

وعن أحمد بن حنبل في الفضائل: أنه كانت غلة علي أربعين ألف دينار فجعلها صدقة». [215].

والحديث عن حرص الإمام (عليه السلام) علي تعاهد أمر الصدقة في سبيل الله تعالي يذكرنا بالنفس السخية التي يمتاز بها أميرالمؤمنين (عليه السلام).

فكثرة أدائه للصدقة وشدة بذله لها وإن كان يعكس صورة صادقة عن جود الإمام (عليه السلام) وسخائه، إلا أن سيرته العطرة تكشف إلي جانب ذلك وجهاً آخر من شخصية الإمام.

فقد كان (عليه السلام) أسخي من الغيث علي الأمة التي عايشها لا أقصد بهذا جوده بنفسه من أجل حفظ الرسالة ومسيرة الإسلام التاريخية، ذاك الذي يتجلي عبر البطولات التي أبداها (عليه السلام) في

حروب الإسلام كلها، فحديث كهذا.. يتطلب بمفرده سفراً كاملاً!، وإنما نقصد ما يتعلق بالسخاء بالمال. [216].

فلقد اعترف بجود الإمام (عليه السلام) وسخائه أشد الناس عداوة له: معاوية بن أبي سفيان الذي ما برح ينسج الأكاذيب والافتراءات لتشويه سمعة الإمام (عليه السلام) غير أنه لم يستطع أن ينكر فضيلة الجود عند علي (عليه السلام) فقد قال له يوماً مخفي ابن مخفي الضبي: جئتك من عند أبخل الناس فقال ابن أبي سفيان: ويحك كيف تقول أنه أبخل الناس، لو ملك بيتاً من تبر- ذهب- وبيتاً من تبن لأنفذ تبره قبل تبنه. [217].

ويقول الشعبي يصف الإمام (عليه السلام): كان أسخي الناس، كان علي الخلق الذي يحبه الله: السخاء والجود، ما قال لا لسائل قط. [218].

الجهاد في سبيل الله

وحياة علي أميرالمؤمنين (عليه السلام) كلها جهاد في سبيل الله تعالي في مرحلة الدعوة، وبعد قيام الدولة الإسلامية، وإذا كان قد وقي الرسول (صلي الله عليه وآله) بنفسه وفداه بوجوده وتعرض لأخطر تآمر جاهلي علي حياة رسول الله (صلي الله عليه وآله) عند مبيته علي فراشه في ليلة الهجرة المباركة، من أجل أن يصرف عنه شر عتاة الجاهلية. فإن علياً قد تحولت حياته بعد الهجرة إلي المدينة المنورة إلي حلقات متسلسلة من ذلك النوع الجهادي العظيم، فقد كان حامل لواء الزحف الإسلامي في كل غزوات أخيه رسول الله (صلي الله عليه وآله) وطليعة المجاهدين في ساحات الجهاد، وكلما حزبت الأمور وحمي الوطيس انتدبه رسول الله (صلي الله عليه وآله) لكشف زحف العدو عن حياض المسلمين..

وكانت كل مواقفه الجهادية من النوع المصيري الذي يحمي الرسالة ويكشف عنها خطر التصفية المحقق والإجهاز الخطير علي وجودها، تجلي ذلك في بدر حين صفي الكثير من رؤوس الوثنيين وملأ بها ساحة المعركة.

وفي «أحد» حين أطبق جيش الضلال علي معسكر

الإيمان وكانت الغلبة للعدو، نهض الإمام (عليه السلام) بدور عرقلة تقدمهم حيث بادر إلي تصفية حملة الألوية من بني عبدالدار واحداً تلو الآخر.

وفي غزوة الأحزاب حين بلغت القلوب الحناجر وبلغ الضيق والهلع بالمسلمين كل مبلغ نهض الإمام بالأمر وأرهب العدو وأعاد للمسلمين الثقة بالنفس حين قتل أبرز قوادهم عمرو بن ود العامري.

حيث كان قتل العامري حداً فاصلاً بين المعسكرين إذ تلاه انهزام جيش الأحزاب مع ما امتاز به من ضخامة في العدد والعدة..

وعلي (عليه السلام) هو الذي اقتحم حصون خيبر ودخل عليهم عنوة، ففتح الله علي يديه حصون اليهود الرهيبة.

وكم سطر لك من بطولات علي (عليه السلام) وصفحات جهاده المشرقة التي تشع بالمجد والعزّة والإخلاص؟ [219].

فدونك تاريخ الإسلام في عصره الأول: في عهد رسول الله (صلي الله عليه وآله) فأنعم النظر في صفحاته كي تحدثك بفضل علي (عليه السلام) علي الإسلام رسالةً، وأمةً، وتاريخاً.

علي أن الجانب العبادي في جهاد علي (عليه السلام) ليس في حجم البطولات وعدد المعارك التي خاض غمارها، فحسب وإنما في صدق النية وحجم الإخلاص الذي امتلأ به قلب علي (عليه السلام) وهو يخوض تلك الحروب ببسالة فائقة وشجاعة نادرة وصمود لا يرد.

ومن أجل ذلك كان القرآن الكريم يثني علي تلك الروح التي كان يحملها أميرالمؤمنين عبر كفاحه من أجل إعلاء كلمة الله في الأرض.

فها هو القرآن الكريم يثني علي علي (عليه السلام) يوم فدي بنفسه رسول الله (صلي الله عليه وآله) «ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله» (البقرة) 207 ويكشف بعمق عن صدق نية الإمام (عليه السلام). [220].

وها هو كتاب الله العزيز يقطع بأن جهاد علي (عليه السلام) وبطولاته وتضحياته كانت من أجل الله وإعلاء كلمته في دنيا الناس، ولا يمكن أن تقرن بأي لون من ألوان العمل الآخر. فبسبب

الثمن الباهظ الذي يتطلبه الجهاد، وبسبب الدافع الإيماني المخلص الذي لا تشوبه شائبة راحت آيات الله تعالي تحدد الموقع الرفيع الذي يحتله علي (عليه السلام) في دنيا المتقين.

(أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين) (التوبة: (109.

فعلي أثر حوار تفاخري بين طلحة بن شيبة والعباس بن عبدالمطلب، قال فيه طلحة: أنا أولي الناس بالبيت لأن المفتاح بيدي.

فقال العباس: أنا أولي، أنا صاحب السقاية والقائم عليها!

وفيما كانا يتفاخران حرَّ الإمام (عليه السلام) فافتخر عليهما بقوله: «لقد صليت قبل الناس أنا صاحب الجهاد» فنزل قول الله تعالي في ذلك كاشفاً عن المستوي العظيم الذي تبوأه علي (عليه السلام) من ناحية عمله الإسلامي: ضخامةً وإخلاصاً، [221] بعداً وجوهراً.

الاخلاق الاجتماعية

اشاره

بمقدور المتتبع أن يتخذ من وصف ضرار بن ضمرة لأميرالمؤمنين (عليه السلام) منطلقاً للدخول في عالمه الرحيب.

فقد دخل ضرار علي معاوية- أيام استكان الناس وأسلموا لمعاوية القياد- فألح علي الرجل أن يصف له علياً (عليه السلام) فتردد ضرار كثيراً، فلما مضي معاوية في إصراره قال ضرار: أما إذا لابد (فكان والله بعيد المدي، شديد القوي- يقول فصلاً، ويحكم عدلاً، يتفجر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها، يستأنس بالليل وظلمته. كان والله غزير الدمعة، كثير الفكرة، يقلب كفه ويخاطب نفسه، يعجبه من اللباس ما خشن، ومن الطعام ما جشب.

كان والله كأحدنا، يجيبنا إذا سألناه، ويبتدئنا إذا أتيناه، ويأتينا إذا دعوناه.

ونحن والله مع قربه منا، ودنوه إلينا لا نكلمه هيبة له، ولا نبتديه لعظمته، فإن تسم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم.

يعظم أهل الدين، ويحب المساكين، ولا يطمع القوي في باطله، ولا ييأس الضعيف من عدله.

فأشهد بالله لقد

رأيته في بعض مواقفه ليلة، وقد أرخي الليل سدوله، وغارت نجومه، وقد مثل قائماً في محرابه قابضاً علي لحيته يتململ تململ السليم، ويبكي بكاء الحزين، وكأني أسمعه وهو يقول:

يا دنيا غري غيري أبي تعرضت أم إلي تشوقت، هيهات، هيهات!! قد أبنتك ثلاثاً لا رجعة لي فيك، فعمرك قصير وعيشك حقير وخطرك كبير.. آه من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق». [222].

وهذا الوصف للإمام (عليه السلام) علي وجازته يكشف بعمق عن الإطار العام لشخصية الإمام (عليه السلام) في شتي ملامحها في الحقل الروحي والاجتماعي، في علاقته بربه، وعلاقته مع نفسه، وكيفية تعامله مع الناس من حوله.

وحيث قد عقدنا هذا الفصل للحديث عن الأخلاق الاجتماعية التي التزم بها (عليه السلام) في حياته العملية، فإن حديث ضرار يضع في أيدينا رأس الخيط الذي يوصلنا إلي طبيعة العلاقات الاجتماعية التي سلكها أميرالمؤمنين في حياته (كان والله كأحدنا يجيبنا إذا سألناه ويبتدئنا إذا أتيناه، ويأتينا إذا دنوناه، ونحن والله مع قربه سب ودنوه إلينا لا نكلمه هيبة له، ولا نبتديه لعظمته.. يعظم أهل الدين، ويحب المساكين، ولا يطمع القوي في باطله، ولا ييأس الضعيف من عدله..».

ويبدو أن هذا اللون من علاقة أميرالمؤمنين مع قومه إنما كان في أيام حكمه، مما يطرح بين أيدينا تصوراً ناضجاً عن عظمة أميرالمؤمنين (عليه السلام) وبلوغه القمة في مدارج الكمال والفضيلة، فمع أن الإمام (عليه السلام) كان يحتل موقع القيادة في دنيا الناس وبيده أزمة حياتهم الفكرية والاجتماعية، نراه كواحد من عامة الناس، وكأن موقعه ليس في أعلي مركز قيادي فهو يلغي الحواجز والألقاب، ويعامل الأمة كما لو كان واحداً من عامتها بقلب حان، ونفس متواضعة، وحب صادق عميق.. وهي روح لم يألفها التاريخ الإنساني منذ الآماد الموغلة في القدم

حتي اليوم في قيادة غير قيادة رسول الله (صلي الله عليه وآله) ووصية علي (عليه السلام)..

وقد وفق الإمام (عليه السلام) توفيقاً عظيماً في قيادة الواعين لأهمية قيادته في دنيا المسلمين علي الأقل.

فقد كانت قيادته مبنية علي الحب والإجلال معاً فبقدر ما كان يبذل من دف ء وده للأمة، كان أتباعه يمنحونه الكثير من الود والتعظيم..

الأمر الذي يذكرنا بسياسة رسول الله (صلي الله عليه وآله) ويطرحها واقعاً حياً في دنيا الناس، [223] فالتجربة واحدة في هذا المضمار وسواه، وإن تغير الموقع التاريخي.. ورحم الله صعصعة ابن صوحان حيث يقول في وصفه للإمام (عليه السلام) «كان فينا كأحدنا لين جانب، وشدة تواضع، وسهولة قياد، وكنا نهابه، مهابة الأسير المربوط للسياف الواقف علي رأسه» [224] وتتجلي عظمة الإمام (عليه السلام) في أخلاقه الاجتماعية من خلال المبادئ الآتية:

اشاعة العدل الاجتماعي بين الناس

اشاره

جاءت الخلافة للإمام (عليه السلام) في ظروف بالغة الخطورة والتعقيد، فذوو النفوذ من الناس قد ألفوا الاستئثار واستراحوا إليه، وليس يسيراً أبداً أن يذعنوا لأية محاولة إصلاحية تضر بمصالحهم الذاتية.

ثم إن المطامع قد تنبهت لدي الكثير من الرجال، بعد أن أصبحت الخلافة مغنماً لا مسؤولية لحماية الشريعة والأمة، ولقد كان الإمام (عليه السلام) مدركاً لحقيقة الموقف بدقائقه وخفاياه بشكل جعله يعتذر عن قبول الخلافة حين أجمعت الأمة علي بيعته بعد مقتل الخليفة عثمان قائلاً: «دعوني والتمسوا غيري فإنا مستقبلون أمراً له وجوه وألوان، لا تقوم له القلوب، ولا تثبت عليه العقول، وإن الآفاق قد أغامت والمحجة تنكرت..». [225] ولكن جماهير المدينة المنورة، وجماهير الثوار من العراق ومصر أصروا علي استخلافه عليهم، فنزل الإمام عند رغبتهم، ولكن وفقاً لشروطه الخاصة- هو «واعلموا إني إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم، ولم أصغ إلي قول القائل وعتب العاتب». [226].

ولقد كانت أولي مهام الإمام (عليه السلام)

أن يجسد العدالة الاجتماعية في دنيا الناس ويمنح المنهج الإسلامي فرصة في البناء والتغيير علي شتي الأصعدة، فقد (عليه السلام) خططه الإصلاحية، بإلغاء السياسة المالية والاجتماعية والإدارية التي كان معمولاً بها ليوفر الجو المناسب لتطبيق المخطط الإسلامي في العدالة الاجتماعية:

أ- استرجاع الأموال التي تصرف بها بنو أمية من بيت المال.

ب- واستغني عن كثير من الولاة الذين أساؤوا التصرف، وخالفوا أمر الله تعالي، وتخطوا منهجه الأقوام الذي ارتضاه لعباده..

ج- ثم بادر إلي تبني سياسة المساواة في توزيع المال والحقوق، منهياً بذلك دور الطبقية والتمييز والأثرة:

«المال مال الله، يقسم بينكم بالسوية لا فضل فيه لأحد علي أحد». [227].

«إلا لا يقولن رجال منكم غدا قد غمرتهم الدنيا فامتلكوا العقار، وفجروا الأنهار، وركبوا الخيل، واتخذوا الوصائف المرققة، إذا منعتهم ما كانوا يخوضون فيه، وأصرتهم إلي حقوقهم التي يعلمون، حرمنا ابن أبي طالب حقوقناد!». [228].

وتبني الإمام سياسة العدل الشامل: - في معاملة أفراد الأمة.- وفي منهج الحقوق.

وفي توزيع المسؤوليات.

وكان منهج الإمام (عليه السلام) في العدل لا يناظره إلا منهج رسول الله (صلي الله عليه وآله) إن لم نقل أنه منهج الرسول (صلي الله عليه وآله) بالذات.

فهلم نضع إلي منهاجه المتبني في سياسة الأمة من خلال حديثه (عليه السلام). «.. والله لئن أبيت علي حسك السعدان مسهداً، وأجر في الإغلال مصفداً، أحب إلي من أن ألقي الله ورسوله يوم القيامة ظالماً لبعض العباد، غاصباً لشي ء من الحطام.. والله لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها علي أن أعصي الله في نملة أسلبها جلب شعيرة ما فعلت، وأن دنياكم عندي لأهون من ورقة في فم جرادة تقضمها، ما لعلي، ونعيم يفني ولذة لا تبقي، نعوذ بالله من سبات العقل وقبح الزلل وبه نستعين». [229].

«الذليل عندي عزيز حتي

آخذ الحق له». [230].

«وأيم الله لأنصفن المظلوم من ظالمه، ولأقودن الظالم بخزامته حتي أورده منهل الحق وإن كان كارهاً … ». [231].

ولم تكن هذه المبادئ التي يتحدث عنها الإمام (عليه السلام) ذاته، أمنيات وأفكاراً طرحها في دنيا المبادئ والأفكار، وإنما جسدها واقعاً حياً قبل أن يطرحها فكراً..

وهي خصيصة من خصائص علي (عليه السلام) فالقول عنده يعقب العمل أو يجري من طبيعته..

ومن أجل ذلك ملأ الإمام (عليه السلام) دنيا المسلمين قسطاً وعدلاً وحقق انقلاباً في واقع المسلمين علي الصعيد الاجتماعي والاقتصادي والسياسي وفقاً لمقتضيات العدل الإلهي فأعاد بذلك أيام رسول الله (صلي الله عليه وآله) في صفائها وإشراقها وعدلها الشامل..

فحسبك أن أميرالمؤمنين (عليه السلام) كان يرتدي القميص المرقوع [232] ويبالغ في رقع مدرعته كلما تمزق جانب منها حتي يبلغ الأمر بالإمام (عليه السلام) أن يستحي من راقعها. [233].

وكان يخرج إلي السوق ليبيع سيفه كي يشتري بثمنه أزراراً [234] وهو في علو شأنه وعظمة مركزه الذي يحتل في دنيا المسلمين حيث تجبي إليه الأموال من أقاليم الدولة الإسلامية جميعها، وثروات الدولة تحت تصرفه..

وكان يأكل خبز الشعير بنخالته وكان غالب أدامه اللبن أو الملح والماء..

ولم يكن للإمام (عليه السلام) غير قميص واحد لا يجد غيره عند غسله. [235].

ومع شدة زهد الإمام (عليه السلام) في الدنيا، فقد كان حريصاً علي توفير الرفاه الاقتصادي للأمة التي اضطلع بقيادتها، فكان يقسم الذهب والفضة بين الناس، ويطعمهم اللحم والخبز [236] ويعمل كل ما في وسعه لرفع غائلة الفقر عنهم.- وكان بيت المال لا يكاد ترد إليه الأموال حتي يبادر الإمام (عليه السلام) إلي توزيعها علي الناس، لإعطاء كل ذي حق حقه.- وكان منهاجه في توزيع المال التزام أقصي درجات العدالة..

فها هو يخاطب الزبير وطلحة حينما كبر عليهما منهاج المساواة في العطاء

«.. فوالله ما أنا وأجيري هذا إلا بمنزلة واحدة». [237].

وها هو سهل بن حنيف يخاطبه: يا أمير قد أعتقت هذا الغلام، فأعطاه ثلاثة دنانير مثل ما أعطي سهل بن حنيف». [238].

ويأتيه عاصم بن ميثم- وكان الإمام (عليه السلام) يقسم أموالاً- فقال: - يا أميرالمؤمنين إني شيخ مثقل.

فقال الإمام (عليه السلام):

والله ما هي بكد يدي ولا بتراثي عن والدي، ولكنها أمانة أوعيتها. [239].

وجاءه عبدالله بن زمعة- وهو من شيعته- يطلب منه مالاً.

فقال له الإمام (عليه السلام): - إن هذا المال ليس لي ولا لك، وإنما هو في ء المسلمين وجلب أسيافم، فإن شركتهم في حربهم كان لك أسيافهم مثل حظهم، وإلا فجناة أيديهم لا تكون لغير أفواههم. [240].

ويدخل عليه عمرو بن العاص ليلة وهو في بيت المال يتولي بعض شؤون المسلمين، فأطفأ الإمام (عليه السلام) السراج وجلس في ضوء القمر، [241] فالسراج ملك الأمة، فلا يصح أن يستضي ء به ابن العاص، وهو في زيارة خاصة للإمام (عليه السلام)!

حرص فريد علي أموال الأمة، وسهر دائم علي مصلحتها وعمل دائم من أجل إسعادها وهدايتها وإصلاح شأنها.

علي أن تعاهد أمر الأمة من لدن علي (عليه السلام) ليس محصوراً في إطار المال وتوزيعه وإنما يمتد لكي يشعر الإنسان بكرامته ويعيد وعيه بحقه في الحياة الحرة الكريمة، ويعلمه أن يتمرد علي الظلم والكبت وسلب الإرادة: - «لاتكن عبد غيرك وقد جعلك الله حراً».- «أنه لا ينبغي أن يكون الوالي علي الفروج والدماء والمغانم والإحكام وإمامة المسلمين البخيل، فتكون في أموالهم نهمته، ولا الجاهل فيضلهم بجهله ولا الجافي فيقطعهم بجفائه، ولا الحائف للدول، فيتخذ قوماً دون قوم، ولا المرتشي في الحكم، فيذهب بالحقوق، ويقف بها دون المقاطع، ولا المعطل للسنة فيهلك الأمة». [242].

- فلا تكلموني بما تكلم الجبابرة، ولا تتحفظوا

مني بما يتحفظ به عند أهل البادرة، ولا تخالطوني بالمصانعة، ولا تظنوا بين استثقالاً في حق قيل لي، فإنه من استثقل الحق أن يقال له أو العدل أن يعرض عليه كان العمل بهما أثقل عليه! فلا تكفوا عن مقالة بحق أو مشورة بعدل. [243].

وتمتد ظلال العدالة في عهد أميرالمؤمنين (عليه السلام) فيرعي أسواقهم من ناحية المكاييل والمعروض من السلع وطبيعة المعاملات فيها، فيخرج كل يوم يتفقد أسواق المسلمين بنفسه فيرشد الضال، ويهدي المقصر إلي طريق الحق، ويأمر بكل معروف، وينهي عن المنكر … [244].

ولشدة حرص الإمام (عليه السلام) علي تطبيق العدالة الإسلامية بأروع صورها في دنيا الناس، وعلي شتي الأصعدة أنه وجد درعه عند رجل نصراني، فوقف معه أمام القاضي ليقاضيه في الأمر.

فقال الإمام (عليه السلام): إنها درعي، ولم أبع، ولم أهب.

فسأل القاضي الرجل النصراني: ما تقول فيما يقول أميرالمؤمنين؟

قال الرجل: ما الدرع إلا درعي وما أميرالمؤمنين عندي بكاذب.

فالتفت القاضي للإمام (عليه السلام): طالباً بينة تشهد أن له الدرع.

فضحك الإمام (عليه السلام) معلناً أنه لا يملك بينة من ذلك النوع. فقضي القاضي بأن الدرع للنصراني، فأخذها ومضي، والإمام ينظر إليه.

إلا أن الرجل عاد وهو يقول: أما أنا فأشهد أن هذه أحكام أنبياء، أميرالمؤمنين يدينني إلي قاض يقضي عليه..- الدرع- والله- درعك يا أميرالمؤمنين، وقد كنت كاذباً فيما ادّعيت. [245].

وحصيلة الأمر أن يعلن الرجل إسلامه ويخلص في الوقوف تحت راية الإمام (عليه السلام) مؤمناً مجاهداً ذائداً عن رسالة الهدي..

وبقدر ما كان الإمام (عليه السلام) حريصاً علي تجسيد روح العدالة التي صدع بها رسول الله (صلي الله عليه وآله) لإخراج الإنسان من ظلام الظلم والقهر والكبت، كان حريصاً كذلك علي إلزام ولاته وقضاته وقادة جيوشه، وجباة الأموال بالتزام العدل في معاملة الناس، وتحري الحق في

الحكم والقضاء وإعطاء الحقوق، وفي جمع المال وحتي في حالات الحرب وسواها..

وصايا للولاة

وهذه بعض وصاياه في هذا المضمار:

سع الناس بوجهك ومجلسك وحكمك، وإياك والغضب فإنه طيرة من الشيطان، واعلم أن ما قربك من الله يباعدك من النار، وما باعدك من الله يقربك من النار. [246].

«أنصف الله، وأنصف الناس من نفسك، ومن خاصة أهلك، ومن لك فيه هوي من رعيتك، فإنك إلا تفعل تظلم، ومن ظلم عباد الله كان الله خصمه دون عباده..». [247].

و من توجيهاته لجباة الأموال

«.. انطلق علي تقوي الله وحده لا شريك له، ولا تروعن مسلماً، ولا تجتازن عليه كارهاً، ولا تأخذن منه أكثر من حق الله في ماله، فإذا قدمت علي الحي، فأنزل بمائهم من غير أن تخالط أبياتهم، ثم امض- بالسكينة والوقار- حتي تقوم بينهم، فتسلم عليهم، ولا تخدع بالتحية لهم، ثم تقول:

عباد الله أرسلني إليكم ولي الله وخليفته لآخذ منكم حق الله في أموالكم، فهل لله في أموالكم من حق، فتؤدوه إلي وليه..». [248].

«إياك أن تضرب مسلماً أو يهودياً أو نصرانياً في درهم خراج، أو تبيع دابة عمل في درهم، فإنما أمرنا أن نأخذ منه العفو». [249].

و من تعليماته لجيوشه

ولقد كان (عليه السلام) يوصي جنوده في حالات الحرب بألا يبدأوا بقتال العدو، حتي يبدأهم بالحرب، ولا يقتلوا من ولي دبره عن قتالهم، ولا يقتلوا الجريح ومن عجز عن حماية نفسه أثناء الحرب، ولا يؤذوا النساء بشي ء حتي وإن بدأن بسب أو شتم. [250].

ونحو ذلك من وصاياه (عليه السلام).

أرأيت عدلاً رفيعاً كهذا العدل؟

بل هل حدثك التاريخ الإنساني عن رجل يحب الخير حتي لخصومه الذين ناصبوه العداء؟

إنه علي (عليه السلام) صاحب القلب الكبير، الذي شمل الناس بحب غامر، فبسط لهم العدل في حياتهم، وأشعرهم بحقيقة الكرامة الإنسانية ووفر لهم غطاء من الأمن والاستقرار في جو الشعور بالمساواة والحياة الحرة الكريمة.

تواضع الإمام

خلق التواضع في معاملة الناس، بقدر ما يكون عبادة إسلامية يندب الشرع الإلهي إليها، كذلك يعبر عن إحدي صيغ التعامل الفاضل بين أبناء الأمة فهو من وسائل توحيد الكلمة وجمع الشمل، وإشاعة المودة وإلغاء التفاوت الطبقي.

ولقد كان الإمام علي (عليه السلام) مثلاً أعلي في تواضعه كما كان رسول الله (صلي الله عليه وآله) من قبل.

وسيرته العطرة تطرح المزيد من الشواهد علي ذلك الخلق الإسلامي الرفيع:

فعن الإمام الصادق (عليه السلام) يقول: «كان أميرالمؤمنين يحطب ويستسقي ويكنس، وكانت فاطمة تطحن تعجن وتخبز». [251].

وكان الإمام (عليه السلام) يشتري حاجته وحاجة أسرته الكريمة من السوق بنفسه، ويحملها بيده، وهو أميرالمؤمنين، ويحظي باحتلال أرفع مركز في حياة المسلمين، ولقد كان الناس يسرعون إليه لحمل أشيائه حين يرون ذلك منه، ولكنه يأبي عليهم ويقول: رب العيال أحق بحمله. [252].

وكان (عليه السلام) يسير في الأسواق وحده، لا يصحبه حشم ولا خدم، ولا جند، فيرشد الضال، ويعين الضعيف، ويمر بالبقالين والتجار ويأمرهم بالتواضع وحسن المعاملة ويتلو عليهم قوله تعالي (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فساداً والعاقبة

للمتقين). [253].

ومن عظيم تواضعه (عليه السلام) أنه خرج يوماً علي أصحابه وهو راكب، فمشوا خلفه، فالتفت إليهم فقال: - ألكم حاجة؟ قالوا: - لا يا أميرالمؤمنين، ولكنا نحب أن نمشي معك.

فقال لهم: - «انصرفوا فإن مشي الماشي مع الراكب مفسدة للراكب ومذلة للماشي». [254].

وقد استقبله زعماء الأنبار وترجلوا وأسندوا بين يديه فقال (عليه السلام): - ما هذا الذي صنعتموه؟ قالوا: - خلق منا نعظم به أمراءنا.

فقال (عليه السلام): - «والله ما ينتفع بهذا أمراؤكم، وإنكم لتشقون به علي أنفسكم، وتشقون به في آخرتكم، وما أخسر المشقة وراءها العقاب، وما أربح الراحة معها الأمان من النار». [255].

ومن تواضعه الجمّ أكله خبز الشعير واللبن، ولبسه أبسط أنواع اللباس، وترقيعه لثوبه البالي، وبساطته في مسكنه [256] ووقوفه بين يدي القاضي مع رجل من عامة الشعب الذي يضطلع الإمام (عليه السلام) بقيادته. [257].

ومن أدبه الكامل تسليمه علي النساء [258] من قومه، ومشيه مع المرأة لقضاء شأن من شؤونها حتي وإن جلب له الأمر مشقة، فعن الإمام الباقر (عليه السلام) قال:

«رجع الإمام (عليه السلام) إلي داره في وقت القيظ، فإذا امرأة قائمة تقول:

إن زوجي ظلمني، واخافني، وتعدي علي..

فقال الإمام:

يا أمة الله اصبري حتي يبرد النهار ثم أذهب معك إن شاء الله، فقالت:

يشتد غضبه عليّ.

فطأطأ الإمام (عليه السلام) رأسه ثم رفعه وهو يقول:

لا والله أو يأخذ للمظلوم حقه غير متعتع! أين منزلك؟

ووقف الإمام (عليه السلام) علي باب المنزل فقال:

السلام عليكم، فخرج شاب.

فقال له الإمام (عليه السلام):

يا عبدالله اتق الله، فإنك قد أخفتها وأخرجتها!

فقال الفتي:

وما أنت وذاك؟ فقال أميرالمؤمنين:

آمرك بالمعروف، وأنهاك عن المنكر تستقبلني بالمنكر وتنكر لمعروف؟

فأقبل الناس يلقون التحية علي الإمام (عليه السلام):

سلام عليكم يا أميرالمؤمنين.

فأسف الشاب علي ما كان منه وهو يقول:

يا أميرالمؤمنين أقلني عثرتي، فوالله لأكونن لها أرضاً تطوّني.

فالتفت

الإمام إلي المرأة قائلاً:

يا أمة الله ادخلي منزلك ولا تلجئي زوجك إلي مثل هذا وشبهه». [259].

وكان الإمام (عليه السلام) قريباً سهلاً هيناً يلقي أبعد الناس وأقربهم بلا تصنع ولا تكلف، ولم يحط نفسه بالألقاب ولا زخرفة الملك، بل كان يتعامل مع الأمة كفرد منها، يعيش مشاكل الضعفاء، ويحب المساكين، ويتودد للفقراء، ويعظم أهل التقوي من الناس.

ولقد كان من شواهد رفقه بالأمة وتواضعه في المعاملة وسهولته، ومرونته: مقابلته لمن يلقاه بالبشر وطلاقة المحيا والابتسامة الحلوة وبشر الوجه، إلغاء منه للحواجز والرسميات بين القيادة والأمة، وإنهاء لدور الزخرفة والألقاب التي يحيط بها الأمراء والقادة أنفسهم عبر تعاملهم مع الناس.

ولاشتهارِهِ بتلك الروح الاجتماعية السمحة بين عامة الناس حاول أعداؤه أن يشوهوا تلك الميزة في الإمام (عليه السلام) ويحولوها إلي عيب ينبزونه فيه إمعاناً منهم في تشويه واقع سياسته وجميل صفاته الشخصية والاجتماعية.

فعمرو بن العاص يحدث أهل الشام عن علي (عليه السلام) فيقول: إنه ذو دعابة شديدة [260] محاولاً الانتقاص من شأن الإمام (عليه السلام) والإمعان في تغطية فضائله، والعمل علي كل ما من شأنه تضليل الناس هناك لكي يحال بينهم وبين التطلع لواقع الإمام (عليه السلام) وحقيقته.

حتي أن الإمام (عليه السلام) حين بلغه افتراء ابن العاص قال: «عجباً لابن النابغة يزعم لأهل الشام أن في دعابة وإني امرؤ تلعابة». [261].

ولقد كان معاوية بن أبي سفيان يشيع ما يشيعه ابن العاص كذلك في مناسبة وأخري.

وما يضير أميرالمؤمنين (عليه السلام) إذا عابه معاوية وابن العاص، فلقد كان (عليه السلام) يقتفي أثر رسول الله (صلي الله عليه وآله) في سماحة أخلاقه وطلاقة محياه سواء بسواء.

وكان (عليه السلام) يعمل علي الالتصاق بالناس للتعرف علي ما يعانون حتي أنه كان يمشي في الأسواق ويتابع الحركة التجارية من ناحية الوزن والأسعار ونوعية المعروض من السلع- كما ألمحنا إليه قبل

قليل.

وكان الإمام (عليه السلام) حريصاً علي متابعة تصرفات الولاة في البلدان، والقادة وجباة الأموال، ويأمرهم بالرفق والتواضع في معاملة الناس.

وما أروع روح التواضع عند علي (عليه السلام) كما يصفها ضرار ابن ضمرة في حديثه لمعاوية- الذي افتتحنا به هذا الفصل- «يعجبه من اللباس ما خشن، ومن الطعام ما جشب،.. كان والله كأحدنا يجيبنا إذا سألناه، ويبتدئنا إذا أتيناه، ويأتينا إذا دعوناه.. يعظم أهل الدين، ويحب المساكين». [262].

حلم الإمام

اشاره

ولقد كان الإمام (عليه السلام) قمة في حلمه وعفوه عمن يسي ء الأدب معه فهو لا يعرف الغضب إلا حين تنتهك للحق حرمته أو تتعدي حدود الله تعالي، أو يتعدي علي حقوق الأمة وتضر مصلحتها.

وخلق الإمام (عليه السلام) في الحلم والصفح عن المسي ء ظل هو هو لم يتغير، فعلي (عليه السلام) في صفحه وحلمه قبل خلافته، كعلي في صفحه وعفوه أيام قيادته المباشرة للأمة، علي أن عظمة الإمام (عليه السلام) تزداد قوة وجلاء حين يظل يصفح ويمعن في عفوه حتي عن أشد خصومه في وقت يمتلك القدرة علي العقاب والإرهاب والقتل.

فهو في أيام خلافته في مركز يؤهله أن يقتص من خصومه، فهو رئيس الدولة، والمطاع الأول بين أتباعه غير أنه مع هذا وذاك ظل يحمل نفس الروح من العفو والتجاوز كما كان رسول الله (صلي الله عليه وآله) سواء بسواء.

وهذه نماذج من عفوه

- أسر مالك الأشتر (رضي الله عنه) مروان بن الحكم يوم الجمل فلما مثل مروان بين يدي الإمام (عليه السلام) لم يستقبله بسوء قط، وإنما عاتبه علي موقفه الخياني اللئيم فحسب [263] ثم أطلق سراحه ومروان هو هو في حقده علي الإسلام والإمام (عليه السلام)، وهو في دسائسه ومكره، ودوره الخبيث في تأجيج الفتن في وجه الإمام (عليه السلام) أشهر من أن نذكره، فهو الذي عارض البيعة للإمام (عليه السلام) وهرب من المدينة المنورة بعد البيعة مباشرة، وهو الذي ساهم في فتنة البصرة، وألهب الناكثين وأغراهم بالتعجيل بها.. إلي غير ذلك من مواقفه الخسيسة.- ولقد عفا الإمام (عليه السلام) كذلك عن عبدالله بن الزبير [264] بعد أسره يوم الجمل، وعبدالله بن الزبير هو الذي كان يقود الفتنة في حرب الجمل.- وجي ء بموسي بن طلحة بن عبيدالله، وكان طرفاً في فتنة الجمل فلما وقف بين يدي الإمام (عليه السلام)

خلي سبيله، ولم يعنفه عن دوره في الفتنة، وإنما طلب منه أن يستغفر الله ويتوب إليه ثم قال:

اذهب حيث شئت، وما وجدت لك في عسكرنا من سلاح أو كراع فخذه، واتق الله فيما تستقبله من أمرك واجلس في بيتك. [265].

ومن عظيم عفوه ما رواه الإمام الباقر (عليه السلام) قال: «كان علي (عليه السلام) إذا أخذ أسير في حروب الشام أخذ سلاحه ودابته واستحلفه أن لا يعين عليه». [266].

أرأيت موقفاً إنسانياً كهذا الموقف؟

لقد كان الإمام (عليه السلام) مدركاً أن الذين يقاتلونه من أهل الشام إنما يقاتلونه وهم عن حقيقته غافلون، فقد أغراهم معاوية بالمال، وسد عليهم منافذ التفكير والوعي علي الحقائق بما استخدمه من وعاظ وسوء وواضعي حديث ممن باعوا ضمائرهم للانحراف صوب الجاهلية.

وبناء علي هذا الوعي العلوي لحقيقة مقاتليه ممن أغراهم معاوية وغرر بهم، فقد سبق حلم الإمام (عليه السلام) عدله في معاملتهم فلم يعاقب من اتخذ منهم أسيراً، وإنما يجرده من أداة الشر، ويضعه أمام الله والضمير كي لا يعود لقتال معسكر الحق الذي يقوده الإمام (عليه السلام).

ويذكرنا هذا الموقف الكريم بموقف معاوية وعمرو بن العاص اللذين كانا يصران علي قتل الأشراف من جيش الإمام (عليه السلام)، بيد انهما خشيا الفضيحة إذا أقدما علي ذلك بعد أن خلي الإمام (عليه السلام) عن أسراهم ابتداء فعدل معاوية وصاحبه عن موقفهما لا لطيب خلق منهما، وإنما خشية نقمة الرأي العام الإسلامي. [267].

ولم نذهب بعيداً وتلك معركة صفين تحمل أحداثها الكثير الكثير من مواقف الصفح العلوي.. فحين سبق جيش معاوية إلي ماء الفرات أصر علي منع الماء عن جيش علي (عليه السلام).. فأوفد الإمام (عليه السلام) لمعاوية وفداً كي يغير موقفه. ولكنه مضي في إصراره وموقفه اللاأخلاقي …

فاضطر الإمام (عليه السلام) لتحريك قوة من جيشه لفك الحصار.

وكانت النتيجة أن سيطر جيش الإمام (عليه السلام) علي الماء.. ولكن علياً حمله حلمه الرفيع وكرم نفسه علي بذل الماء لخصمه قائلاً لجنوده:

«خذوا من الماء حاجتكم وارجعوا إلي عسكركم. وخلوا عنهم فإن الله عزوجل قد نصركم عليهم بظلمهم وبغيهم». [268].

ولقد كان مقدراً للإمام (عليه السلام) أن يذيقهم الهزيمة الشاملة لو أنه منعهم الماء وحال بينهم وبينه، ولكنها الأخلاق الإلهية التي يتمسك بها ويجسدها حية في دنيا الناس تأبي عليه ذلك اللون من المواقف..

حتي يقع التمييز الحاسم بين منهج الهدي والصراط المستقيم في الفكر والعمل الذي يمثله علي (عليه السلام) وبين سبيل الانحراف والالتواء واللاأخلاق التي يجسدها معاوية بن أبي سفيان..

ولنا أن نعرض شواهد من حلم الإمام (عليه السلام) وعظيم صفحه في حياته الخاصة كذلك: - «دعا الإمام (عليه السلام) غلاماً له مراراً فلم يجبه، فخرج فوجده علي باب البيت فقال:

ما حملك علي ترك إجابتي؟ قال:

كسلت عن إجابتك، وأمنت عقوبتك. فقال (عليه السلام):

الحمد لله الذي جعلني ممن يأمن خلقه، أمض فأنت حرّ لوجه الله». [269] وقد خاطبه رجل من الخوارج بقوله

«.. قاتله الله كافراً ما أفقهه!».

فوثب أصحاب الإمام (عليه السلام) ليقتلوه.. فقال الإمام (عليه السلام):

رويداً إنما هو سبحانه سب أو عفو عن ذنب. [270].

وهكذا شمل الرجل بعفوه، وحال بين القوم وبين معاقبته.

هذا وفي سيرة الإمام (عليه السلام) الكثير من مثل هذه المواقف التي تعبر عن خلق إلهي كريم أطرت به شخصية علي (عليه السلام)، علي أننا لو غضضنا الطرف عن كافة مواقف الحلم التي اصطبغت بها حياة علي (عليه السلام) بالنسبة إلي المسيئين له أو أعدائه لكان في موقف الإمام (عليه السلام) من قاتله ابن ملجم المرادي أعظم شاهد علي تمتع الإمام (عليه السلام) بنمط من الأخلاق السامية لم يتمتع بها سوي الأنبياء والمقربين من البشر، فهل أنبأك التاريخ عن إنسان

عامل عدوه بنفس الروح التي عامل بها علي (عليه السلام) قاتله، لقد شدد الإمام (عليه السلام) علي أهل بيته أن يطعموا قاتله ويسقوه ويحسنوا إليه فعن الإمام الباقر (عليه السلام) وهو بصدد ذكر إحدي وصايا الإمام أميرالمؤمنين (عليه السلام) في آخر حياته يقول:

أن علي بن أبي طالب عليه السلام.. قال للحسن والحسين (عليهماالسلام): «احبسوا هذا الأسير- يعني ابن ملجم المرادي- وأطعموه واسقوه، وأحسنوا إساره فإن عشت فأنا أولي بما صنع في، إن شئت استقدت وإن شئت صالحت، وإن مت فذلك إليكم، فإن بدا لكم أن تقتلوه فلا تمثلوا به». [271].

التورع

عن البغي والتورع عن البغي أصل من أصول نفسية الإمام (عليه السلام) وخلق من أخلاقه الكريمة، وهو مظهر من مظاهر التقوي التي يمتاز بها، فهو يتحاشي البغي حتي علي أشد الناس خصومة له وللحق الذي هو عليه، وحتي إذا بغي عليه يبقي مصراً علي التزام خطه في النأي عما له صلة بأي لون من ألوان البغي..

ومن أجل ذلك كان الإمام (عليه السلام) داعية السلم الأكبر، مع كثرة الشغب والفتن التي أثارها بعض الناس في طريق مسيرته الإصلاحية: - بذل كل ما في وسعه أن يجنب الأمة المسلمة سفك الدماء وتمزق الصف، حين ألح علي الزبير وطلحة أن يعدلوا عن موقفهم، سواء من خلال المراسلة، أم الوفود أم اللقاءات الشخصية المباشرة مع الزبير وطلحة. [272].

ولقد بلغ الأمر بالإمام (عليه السلام) حين التقي الجيشان في البصرة أن يدعو الزبير فيخرج الإمام (عليه السلام) بلا سلاح، ويعانقه طويلاً! وربما بكي علي (عليه السلام) في ذلك الموقف، ثم عاتب الزبير علي خروجه لقتاله، وذكره بعلائق المودة القديمة بينهما كما ذكره بقول رسول الله (صلي الله عليه وآله) فيهما: «أنشدك الله يا زبير أما تذكر، قال لك رسول الله (صلي الله عليه وآله) يا

زبير أتحب علياً، فقلت وما يمنعني من حبه، وهو ابن خالي؟

فقال (صلي الله عليه وآله): أما أنك ستخرج عليه وأنت له ظالم.

فقال الزبير: اللهم بلي، قد كان ذلك. [273].

وحين أفلت الزمام وأصر الناكثون علي إشعال نار الحرب بقي الإمام (عليه السلام) عند موقفه الرافض للبغي والعدوان، فلنصغ إليه وهو يخاطب جنوده: «أيها الناس أنشدكم الله أن لا تقتلوا مدبراً، ولا تجهزوا علي جريح، ولا تستحلوا سبياً ولا تأخذوا سلاحاً، ولا متاعاً». [274].

وحتي بعد انتهاء المعركة بقي الإمام (عليه السلام) عند موقفه النائي عن العدوان فأعلن العفو العام عن جميع المشتركين في حربه: القيادات والقواعد علي حد سواء. [275] - وذاك الخلق العلوي تجلي في حوادث صفين من بدايتها إلي نهايتها: يقطع البغاة عن طريق الوصول إلي الماء وهو في حيويته لجيش مقاتل كبير فلا يبادر لاستعمال العنف، بل يرسل الوفود، ويبذل المحاولات لتغير الموقف بالتي هي أحسن.. لكي لا تراق للمسلمين دماء.. ولكن البغي الأموي الحاقد الذي يجسده قولهم «ولا قطرة حتي تموت ظماً». [276] حمله علي إصدار أوامره لقواته بالتحرك لكسر الحصار وهكذا كان.. وحين امتلك الماء أباحه لجيش عدوه منذ الساعة الأولي من سيطرة قواته عليه.- ومع أصحاب النهروان بذل الإمام (عليه السلام) كل مسعي لأجل إبعاد الناس عن القتال، ولكن إصرارهم علي قتال الإمام (عليه السلام) حال دون بلوغهم الصراط المستقيم فعاشوا في الأرض فساداً وقتلوا نفوساً بريئة، وأثاروا البلبلة في البلاد مما اضطر علياً (عليه السلام) إلي قتالهم، ولكن بعد محاولات عديدة أيضاً لجمع الصف، ودعوات مستمرة لإقرار السلم وإلقاء السيف. [277].

وفي وصايا الإمام (عليه السلام) لجيوشه وجباة المال والولاة مؤشرات أخري علي التزام علي (عليه السلام) لمنهاج اللابغي واللاعدوان علي أحد كائناً من كان ما ذكرنا منه طرفاً

في الصفحات الماضية في هذا البحث.- وما أعظم علياً أميرالمؤمنين (عليه السلام) وهو ينص في عهده لمالك الأشتر علي وجوب التزام الرفق بالناس، وعدم التعامل بأي لون من ألوان البغي والتعالي علي الناس، وغمط حقوقهم المفروضة في شرع الله العظيم».. وأشعر قلبك الرحمة للرعية، واللطف بهم، ولا تكونن عليهم سبعاً ضارياً تغتنم أكلهم، فإنهم صنفان: أما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق.. فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب وترضي أن يعطيك الله من عفوه وصفحه.

أنصف الله، وأنصف الناس من نفسك، ومن خاصة أهلك، ومن لك هوي فيه من رعيتك، فإنك إن لا تفعل تظلم، ومن ظلم عباد الله كان خصمه دون عباده، ومن خاصمه الله دحض حجته، وكان الله حرباً حتي ينزع، ويتوب». [278].

ولم يكن منهاج علي (عليه السلام) هذا خاصاً بأهل مصر، وإنما هو منهاجه الشامل لكل البلاد التي رفرفت راية دولته الكريمة عليها.- ولقد كان الإمام (عليه السلام) يعهد إلي ولاته في الأمصار مثل الذي عهده إلي مالك (رضي الله عنه) في وجوب إشاعة العدل، والرفق بالناس، وعدم البغي عليهم بحال من الأحوال أو معاملتهم بأي لون من ألوان الظلم..

ولقد طرحنا بعضاً من وصاياه للولاة فيما مضي من حديث.

شواهد من صبر الإمام

وقوة الإرادة والروح العالية في مواجهة مصاعب الحياة ركن أساسي في شخصية علي (عليه السلام) وقد لا نغالي إذا اعتبرناها قاعدة للكثير من مواقف الإمام (عليه السلام) في حياته العملية، مما ذكرناه أو مما لم نذكره، فشدة تعلقه بالله وكثرة عبادته، وتورعه عن البغي وزهده في الحياة الدنيا، وصفحه عمن يسي ء إليه وغيرها مؤشرات ضخمة علي تسلح الإمام (عليه السلام) بصبر لا يعرف الهزيمة ولا النكوص عن القصد بشكل جعل الإمام (عليه السلام) وكأنه الصبر صار إنساناً.

ومع

أن تلك المواقف والممارسات تمنح الدليل تلو الدليل علي حجم الصبر الذي يتمتع به الإمام (عليه السلام) فإنه من المناسب أن نذكر إلي جانب ذلك مواقف وأحداث جرت في حياة علي (عليه السلام) وقد آثر الصبر، ورباطة الجأش التي امتاز بها الإمام (عليه السلام) في طرحها في دنيا الواقع..- فحين أجمعت قريش في دار الندوة علي قتل المصطفي (صلي الله عليه وآله) من خلال عملية جماعية يتولاها من كل قبيلة شاب قوي ليذهب دم الرسول (صلي الله عليه وآله) هدراً بزعمهم دون أن تستطيع بنو هاشم- عشيرة النبي- أن تطالب بدمه..

حين أجمع رؤوس الشرك علي تدبير ذلك الجرم، أنبأ الله تعالي رسوله (صلي الله عليه وآله) بأمرهم:

(وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين) (الأنفال: (30.

وأمره تعالي بوجوب الهجرة إلي دار الإسلام «يثرب» فخرج (صلي الله عليه وآله) مهاجراً بعد أن ترك علياً (عليه السلام) في فراشه ملتحفاً ببردته فقضي الإمام (عليه السلام) ليلته في فراش رسول الله (صلي الله عليه وآله) دون أن يكترث بما حوله من مكر مبيت. فلقد كان محتملاً أن ينقض أولئك الأوغاد علي الإمام (عليه السلام) بسيوفهم دون رحمة، مدفوعين بالحقد الجاهلي الأسود البليد، دونما أقل اكتراث، ظناً منهم أنه الرسول (صلي الله عليه وآله)، والإمام (عليه السلام) كان يتوقع ذلك منهم، ولكن إرادة علي ورباطة جأشه المعروفة المستمدة من الثقة المطلقة بالله والإيمان الكامل بقدره وقضائه تعالي وقوة صبر الإمام (عليه السلام) علي مواجهة المصاعب والأحداث قد حملته علي أن يسخر بما يبيتون، حتي إذا طلع هجم القوم علي حجرة الرسول (صلي الله عليه وآله) وعلي (عليه السلام) فيها وهم يظنون أنه رسول الله (صلي الله عليه وآله).. فواجههم الإمام (عليه السلام) بصلابة

إرادته المعهودة:

ما شأنكم؟ قالوا:

أين محمد؟ قال:

أجعلتموني عليه رقيباً؟ ألستم قلتم نخرجه من بلادنا، فقد خرج عنكم!!

هكذا يخاطب الإمام (عليه السلام) المتآمرين بمنتهي الصبر والإباء والصرامة ساخراً بأولئك الأوباش.

إنه موقف شجاع تتصاغر أمامه إرادة الأبطال من الرجال!

وبتلك الإرادة بقي الإمام (عليه السلام) في مكة بعد هجرة رسول الله (صلي الله عليه وآله) يواجه مسؤولياته في تنفيذ وصايا الرسول (صلي الله عليه وآله) وأداء كافة المهمات المناطة به.- وفي يوم هجرته خرج الإمام (عليه السلام) جهاراً يقود قافلة المهاجرات من أهل البيت: فاطمة الزهراء، وفاطمة بنت أسد وسواهما، فجرت محاولة من المشركين للحيلولة دون هجرته، ولكن إرادة علي (عليه السلام) وقوة تحمله للعقبات أفشلت المحاولة، فلم يعبأ بالفرسان الثمانية الذين أرسلوا لاعتراض سبيله، فواجههم بسيفه، وأهوي به علي قائدهم بضربة قاضية، تحول الرجل بعدها إلي جثة هامدة يخور بدمه في تلك الفلاة من الأرض، ففر الباقون مخلفين قائدهم في الميدان.. [279].

وفي دار الهجرة واجه الإمام (عليه السلام) مسؤولياته العظيمة كجندي من جنود الرسالة في الرعيل الأول، فأبدي (عليه السلام) من قوة الإرادة ومضاء العزيمة والقدرة علي مواجهة المصاعب ما يعد مفخرة يعتز بها إنسان الإسلام بامتداد وجوده التاريخي، فالإمام (عليه السلام) عبر المعارك الهجومية والدفاعية- التي خاضها رسول الله (صلي الله عليه وآله) من أجل نشر الرسالة الإلهية أو حماية وجودها العملي في حياة الناس- كان قطب رحاها الخائض المقدام لغمراتها الذي لا تأخذه في الله لومة لائم من أجل إخماد طغيان الشرك والمشركين وكافة أعداء الرسالة المتربصين، فما من حرب تسعر وما من معركة تدور رحاها إلا دعي علي (عليه السلام) لإخماد فتنتها وتنكيس رايات الجاهلية فيها: في بدر، وأحد والأحزاب، وحنين، وخيبر.. و..

وفي كثير من المواقف يسود الهلع في معسكر المسلمين، ويستبد الوهن والنكوص عن

مواجهة العدو، فيعيد سيف علي (عليه السلام) الثقة للنفوس ويجدد في معسكر الإيمان روح القدرة علي المواجهة وصد العدوان..

الأمر الذي يكشف عما يتمتع به الإمام (عليه السلام) من نفس كبيرة تعلو علي كل وهن، وتسخر بكل ضعف، وترتفع فوق كل ذلة وهوان.. إنها قوة الإرادة.. ومضاء العزيمة وشدة الصبر علي المكارة مقرونة باليقين العميق بالله تعالي، والاستمداد منه والتوكل عليه دون سواه.

وقد تولي الإمام (عليه السلام) الخلافة في ظروف صعبة دقيقة علي مضض، وبعد محاولات عديدة من الرفض لها من قبله، [280] وما أن عقدت له البيعة حتي نكث قوم وقسط آخرون، ومرق غيرهم، كل ذلك من أجل أن يحال بين الإمام (عليه السلام) وبين استئناف المسيرة الإسلامية التي بدأها رسول الله (صلي الله عليه وآله).

ولقد تحمل أميرالمؤمنين (عليه السلام) ما تحمل من الآلام والمشقات في سبيل إخماد الفتن السوداء التي أثارها أصحاب المنافع الشخصية وأصحاب المصلحة من سياسة الانحراف، في طريق مسيرته الإصلاحية، فقابل كل ذلك بالصبر الجميل، وبالتسليم لقضاء الله تعالي، حتي رحل إلي ربه الأعلي شهيداً مثقلاً بالمتاعب والآلام.- وإذا تركنا تلك الأمور جانباً وألقينا نظرة علي جوانب أخري من حياة الإمام (عليه السلام) لنحدد مواقع الصبر والإرادة الصلبة لما صح أن تفوتنا مواقف الصبر التي وقفها أميرالمؤمنين (عليه السلام) حين يفارق أحبته ورفاق الدرب، وأولهم رسول الله (صلي الله عليه وآله) الذي فاضت نفسه الشريفة في حجر الإمام (عليه السلام). [281] وواراه الثري بنفسه، وعاش مأساة فراقه بكل أبعادها، وها هو يخاطب رسول الله (صلي الله عليه وآله) وهو يلي غسله وتجهيزه بكلمات حزينة تدمي القلب وتزرع الأسي: «بأبي أنت وأمي يا رسول الله! لقد انقطع بموتك ما لم ينقطع بموت غيرك من النبوة والأنباء وأخبار السماء. خصصت حتي صرت مسلياً عمن سواك؟

وعممت حتي صار الناس فيك سواء. ولولا أنك أمرت بالصبر، ونهيت عن الجزع، ولا نفدنا عليك ماء الشؤون، ولكان الداء مماطلاً، والكمد محالفاً، وقلاّ بك، ولكنه ما لا يملك رده، ولا يستطاع دفعه! بأبي أنت وأمي. أذكرنا عند ربك، واجعلنا من بالك». [282].

وإذا أعدنا إلي الأذهان ما يحظي به رسول الله (صلي الله عليه وآله) من حب وتعظيم في نفس أميرالمؤمنين (عليه السلام) لأدركنا حجم الأسي الذي صب علي الإمام (عليه السلام) بفقده (صلي الله عليه وآله)، فعلي (عليه السلام) قد حظي بتربية الرسول (صلي الله عليه وآله) ورعايته وإعداده ومصاحبته منذ الصبا حتي فارق رسول الله الدنيا.

ولقد كانت تلك التربية وتلك الأخوة بينهما مليئة بضروب الود والحنان والوفاء والإخلاص مما ليس له نظير. [283].

علي أن الإمام (عليه السلام) التزم جانب الصبر راضياً بقضاء الله المحتوم في رسول الله (صلي الله عليه وآله).- وفي خضم الأحداث المريرة التي عاشها أميرالمؤمنين (عليه السلام) في هذه الفترة، ألمت بالزهراء سيدة نساء العالمين العلة التي توفيت علي أثرها فلحقت بالراحل العظيم أبيها حيث كان الإمام (عليه السلام) طوال فترة المرض الذي عانت منه فاطمة (عليهاالسلام) يعيش ما تعاني بمل ء كيانه، فهي وديعة رسول الله (صلي الله عليه وآله) ومدرسة الإمامة التي خرجت قادة الأمة الهداة (عليهم السلام) وهي الصابرة المحتسبة وهي بعد ذلك زوجته الوفية التي عاشت معه آماله وآلامه طوال حياتها معه..

لقد رأي الإمام (عليه السلام) زهراء الإسلام، بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله): وهي تعيش مرارة الأسي ثم وهي تستسلم لفراش المرض فيشحب لونها، وتتردي أوضاعها الصحية يوماً بعد يوم، ثم يراها وهي تفارق الدنيا، فيباشر تغسيلها وتجهيزها ودفنها عليهاالسلام، ثم يقف علي شفير قبرها مودعها بعبارات تذيب القلوب الحديدية السلام عليك يا رسول الله عني، وعن ابنتك النازلة

في جوارك، والسريعة اللحاق بك! قلّ يا رسول الله عن صفيتك صبري، ورق عنها تجلدي، إلا أن في التأسي لي بعظيم فرقتك، وفادح مصيبتك، موضع تعز، فلقد وسدتك في ملحودة قبرك، وفاضت بين نحري وصدري نفسك فإنا لله وإنا إليه راجعون، فلقد استرجعت الوديعة، وأخذت الرهينة! أما حزني فسرمد وأما ليلي فمسهد إلي أن يختار الله لي دارك التي أنت بها مقيم، وستنبئك ابنتك بتضافر أمتك علي هضمها فأحفها السؤال، واستخبرها الحال، هذا ولم يطل العهد، ولم يخل منك الذكر، والسلام عليكما سلام مودع، ولا قال، ولا سئم، فإن انصرف، فلا عن ملالة، وإن أقم فلا عن سوء ظن بما وعد الله الصابرين. [284].

فالنتيجة أن الإمام (عليه السلام) استسلم لقضاء الله تعالي واستعان علي الأسي بجميل الصبر.

وكما صبر الإمام (عليه السلام) لفقد رسول الله (صلي الله عليه وآله) والصديقة الزهراء (عليهاالسلام)، تجمل بالصبر كذلك لفقد أخوة له في الله، انقطعوا إليه في الوفاء وبذلوا أرواحهم وكل ما يملكون في سبيل رسالة الله تعالي، وقد تصدوا لهدم الباطل، وواجهوا الانحراف، فاستشهدوا في ساحات الجهاد كعمار بن ياسر ومالك بن التيهان، وذي الشهادتين خزيمة بن ثابت الأنصاري ومالك الأشتر، ومحمد بن أبي بكر وسواهم.

وها هو الإمام (عليه السلام) يذكرهم قبل اغتياله بأيام في خطبة له جاء فيها (.. أين إخواني الذين ركبوا الطريق ومضوا علي الحق؟ أين عمار، وأين ابن التيهان، وأين ذو الشهادتين وأين نظراؤهم من إخوانهم الذين تعاقدوا علي المنية، وأبرد برؤوسهم إلي الفجرة.

«ثم أطال البكاء» وقال:

«أوه علي إخواني الذين تلو القرآن فأحكموه، وتدبروا الفرض فأقاموه، أحيوا السنة، وأماتوا البدعة، دعوا للجهاد فأجابوا، ووثقوا بالقائد فاتبعوه..». [285].

ومن شواهد صبر الإمام (عليه السلام) كذلك رفضه للدنيا ولذاتها وتحمله لأذي الجوع، والتقشف وزهده بالمال حتي

يبلغ به الحال أحياناً أن يشد حجر المجاعة، [286] علي بطنه، ولقد رأيت في حديثنا عن زهده وعدالته [287] ما يغنيك عن تعداد شواهد أخري من قوة تحمله وإرادته في مواجهة المشقات وعقبات الحياة.

وهكذا عاش الإمام (عليه السلام) حياة مليئة بالكدح والآلام، زاهرة بالرزايا، حافلة بالمحن، غير أنه واجهها جميعاً بقوة صبره، وعظيم إرادته التي لا تقهر.

في حقل المعرفة

إن محاولة الحديث عن دنيا المعرفة عند علي (عليه السلام) مهما أعطيت من التوفيق يستحيل عليها أن تحدد الفكر العلوي العظيم، وتحيط بأبعاد المعرفة التي طرحها الإمام (عليه السلام) في ساحة الفكر الإنساني، وحسبك أن كل مدرسة فكرية ظهرت في دنيا المسلمين، كل منها تدعي انتماءها فكرياً للإمام (عليه السلام) حتي وإن كانت مخالفة للواقع والحق، وكأن قولها بالاستمداد من علي (عليه السلام) يعطيها صفة الشرعية وحق الحياة، فالأشاعرة نسبوا أنفسهم له، والمعتزلة ادعوا الانتماء إليه، وزعمت مدرسة الرأي في الفقه انتماءها إليه، وذهب المتصوفة إلي أن أمامهم أميرالمؤمنين فيما ذهبوا، وسوي هؤلاء كثير. [288].

هذا فضلاً عن حملة مبادئه من الذين التزموا مذهب أهل البيت (عليهم السلام) الثقل الثاني بعد القرآن الكريم الذي ألزمت الشريعة بالتمسك بهما وسلوك دربهما علي لسان رسول الله (صلي الله عليه وآله) «إني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما أن تمسكتم بهما لن تضلوا أبداً وأنهما لن يفترقا حتي يردا علي الحوض». [289].

فادعاء جميع المدارس الفكرية والفقهية انتماءها للإمام (عليه السلام) وانتهالها من بحر علمه مؤشر كبير علي عظمة الإمام (عليه السلام) وعلو شأنه في دنيا الفكر الإسلامي. الأمر الذي لم يكن لأحد من المسلمين بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله) طوال التاريخ الإسلامي.

فعلي (عليه السلام) قد تنازعته كل الحركات الفكرية والفقهية التي ولدت في تاريخ المسلمين، بل قال بالانتساب

إليه أصحاب النشاطات الفكرية والثقافية والعلمية من نحويين وأهل القراءات وعلماء التفسير وأهل الحديث والفقه وسواهم علي أن الانتساب لعلي (عليه السلام) في الحقل المعرفي أو ادعاء الانتساب إليه لم يأت عفواً أبداً، وإنما هو شاهد قوي علي أن علياً (عليه السلام) لم يترك حقلاً من حقول المعرفة الصحيحة إلا ووضع أسسه وحدد معالمه وترك الباب مفتوحاً لرواد المعرفة أن ينتهلوا منه.

ولم يكن العطاء الفكري العظيم الذي أسداه الإمام (عليه السلام) للإنسان إلا حصيلة طبيعية للإعداد الخاص الذي توفر للإمام (عليه السلام) من لدن رسول الله (صلي الله عليه وآله) منذ طفولة الإمام (عليه السلام) حتي آخر ساعة من حياة الرسول (صلي الله عليه وآله). الأمر الذي تسالم المؤرخون علي حقيقة وقوعه.

ولقد أشار الإمام (عليه السلام) ذاته إلي ذلك الإعداد الذي وفره له رسول الله (صلي الله عليه وآله) وكشف عن أهميته وأبعاده في حياة الإمام (عليه السلام) بقوله «.. وقد علمتم موضعي من رسول الله صلي الله عليه وآله بالقرابة القريبة والمنزلة الخصيصة، وضعني في حجره، وأنا ولد، يضمني إلي صدره، ويكنفني في فراشه: ويمسني جسده، ويشمني عرفه، وكان يمضغ الشي ء ثم يلقمنيه، وما وجد لي كذبة في قول، ولا خطئة في فعل.. ولقد كنت أتبعه أتباع الفصيل أثر أمه، يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علماً، ويأمرني بالاقتداء به، ولقد كان يجاور في كل سنة بحراء، فأراه، ولا يراه غيري، ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول الله (صلي الله عليه وآله وخديجة، وأنا ثالثهما، أري نور الوحي والرسالة، وأشم ريح النبوة». [290].

ولاستمرارية ذلك الإعداد الخاص لعلي (عليه السلام) يشير أبوسعيد الخدري (رضي الله عنه) بقوله «كانت لعلي من رسول الله (صلي الله عليه وآله) دخلة لم تكن لأحد من الناس». [291].

وعن ابن عباس

(رضي الله عنه) عن علي (عليه السلام) قال:

«كان لي من النبي (صلي الله عليه وآله) مدخلان: مدخل بالليل ومدخل بالنهار». [292].

ولقد كان ذلك الإعداد الرسولي منصباً علي جميع جوانب شخصية الإمام (عليه السلام) من أجل تأهيله فكرياً ونفسياً لاحتلال موقع المرجعية الفكرية والسياسية للأمة الإسلامية بعد غياب رسول الله (صلي الله عليه وآله) عن مسرح الحياة..

وحيث أن حديثنا هذا يهدف إلي دراسة العطاء الفكري الثر الذي طرحه الإمام (عليه السلام) في الساحة الإنسانية فلا بد من أن نشير إلي أن رسول الله (صلي الله عليه وآله) حين أكمل بناء الجانب الفكري من شخصية الإمام (عليه السلام) وأهله لخلافته في هذا المضمار، أخذ (صلي الله عليه وآله) يبلغ الأمة بحقيقة ما وصل إليه الإمام (عليه السلام) من مستوي عظيم في ميدان المعرفة:

قال (صلي الله عليه وآله): - «أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأتيه من بابه» -. [293].

«علي باب علمي ومبين لأمتي ما أرسلت به». [294].

وعن ابن مسعود قال: كنت عند النبي (صلي الله عليه وآله) فسئل عن علم علي (عليه السلام)؟

فقال: - «قسمت الحكمة عشرة أجزاء، فأعطي علي تسعة أجزاء والناس جزءً واحداً، وهو أعلم بالعشر الباقي». [295].

وهناك أحاديث شريفة بهذا الشأن لا تكاد تحصي كثرة، وهي تهدف جميعاً إلي بيان المكانة التي يحتلها الإمام (عليه السلام) في الجانب المعرفية، وتدعو الأمة صراحة إلي وجوب أخذ معارف التشريع الإلهي عن طريقه، [296] فمنه تستمد الهدي، وهو الصراط المستقيم الموصل إلي الله تعالي بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله).

ولقد أدرك الكثير من معاصري الإمام (عليه السلام) ما يحظي به (عليه السلام) من علو شاهق في مجالات المعرفة بشتي حقولها وجوانبها، وما يتبوؤه من مقام رفيع في ركب الإسلام الخالد:

فها هو ابن عباس (رضي الله عنه) يقول: -

أعطي علي ابن أبي طالب تسعة أعشار العلم، وأنه لأعلمهم بالعشر الباقي. [297].

وعطاء بن أبي رباح يقول- حين سئل هل تعلم أحداً بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله) أعلم من علي..- لا والله ما أعلمه.

وعمر بن الخطاب يقول: - العلم ستة أسداس، لعلي من ذلك خمسة أسداس وللناس سدس، ولقد شاركنا في السدس حتي لهو أعلم به منّا. [298].

ولكم كان الخلفاء الذين سبقوه تاريخياً يرجعون إليه في مسائل القضاء والحكم والإدارة، حتي أن عمر ابن الخطاب كان يردد «لا أبقاني الله لمعضلة ليس لها أبوحسن» أو يقول «أعوذ بالله من معضلة لا علي لها».

وعائشة تقول: - علي أعلم الناس بالسنة. [299].

وغير هؤلاء كثير..

علي أن أميرالمؤمنين (عليه السلام) قد أفصح مراراً وفي مناسبات شتي عما يحمل من علم شامل غزير.

فتراه يخاطب أصحابه بأن صدره يحمل علماً عظيماً تلقاه من رسول الله (صلي الله عليه وآله) ولو وجد له حملة أمناء يتصدون لحمله وتبليغه لأودع بعض علمه لديهم: - «إن في صدري هذا لعلماً جمّاً، علمنيه رسول الله (صلي الله عليه وآله) ولو أجد له حفظة يرعونه حق رعايته ويروونه عني كما يسمعونه مني، إذاً لأودعتهم بعضه..». [300].

ثم يكشف في مناسبة أخري عن حجم ذلك العلم الذي يحمل ويبين أبعاده ومساحته:

فعن ابن نباتة قال:

لما بويع أميرالمؤمنين (عليه السلام) بالخلافة خرج إلي المسجد معتماً بعمامة رسول الله (صلي الله عليه وآله) لابساً بردته فصعد المنبر، فحمد الله وأثني عليه، ووعظ، وأنذر، ثم جلس متمكناً، وشبك بين أصابعه، ووضعها أسفل سرته ثم قال: - يا معشر الناس سلوني قبل أن تفقدوني، سلوني فإن عندي علم الأولين والآخرين، أما والله لو ثنيت لي الوسادة لحكمت بين أهل التوراة بتوراتهم، وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم، وبين أهل الزبور بزبورهم، وبين أهل

الفرقان بفرقانهم، حتي ينهي كل كتاب من هذه الكتب ويقول: يا رب إن علياً قضي بقضائك، والله إني لأعلم بالقرآن وتأويله من كل مدع علمه،.. ثم قال … سلوني قبل أن تفقدوني، فوالذي فلق الحبة وبرأ النسمة لو سألتموني عن أية آية لأخبرتكم بوقت نزولها، وفيم نزلت، وأنبأتكم بناسخها ومنسوخها، وخاصها من عامها، ومحكمها من متشابهها، ومكيها من مدنيها والله ما من فئة تضل أو تهدي إلا وأنا أعرف قائدها وسائقها وناعقها. [301].

«سلوني فوالله لا تسألوني عن شي ء إلا أخبرتكم، وسلوني عن كتاب الله، فوالله ما من آية إلا وأنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار أم في سهل أم جبل». [302].

ولو قدر أن علياً (عليه السلام) لم يتسن له أن يساهم بما ساهم به من علم جمّ- الأمر الذي سنتناول خطوطه العريضة في هذا الفصل- في المجالات الفكرية فإن نداءاته الملحة في مناسبة وأخري: سلوني قبل أن تفقدوني: آية جلية علي قدراته الفائقة في حقول المعرفة بشتي ضروبها وامتدادها.

ولو قدر كذلك أن الرسول (صلي الله عليه وآله) لم يكشف عما لعلي (عليه السلام) من سابقة في العلم وعلو شاهق في المعرفة، لكان إصرار علي (عليه السلام) علي دعوة الناس بتلقي العلوم منه شاهداً قوياً لا يرد علي ما له (عليه السلام) من علم غزير، فإن ثقته العالية بنفسه في مضمار العلم هي التي تدفعه لتكرار ذلك النداء الفريد، الذي ما حدثنا التاريخ أن رجلاً قدم عليه قبل علي (عليه السلام) خوف الفضيحة والنكوص عن الإجابة!

ولقد تنبه الكثير من أصحاب العقول إلي ما ينطوي عليه ذلك النداء العلوي: سلوني، من أهمية بالغة، فقد قال سعيد ابن المسيب:

ما كان أحد من الناس يقول سلوني غير علي بن أبي طالب». [303].

وعن ابن شبرمة يقول: (ليس لأحد

من الناس أن يقول علي المنبر سلوني إلا علي بن أبي طالب). [304].

فالنداء المذكور بكثرة إلحاحه وحرارته يحمل بين ثناياه ما حواه الإمام (عليه السلام) من علم شمولي يمد الإنسان بالغني والخير والهدي والسداد.

من أبعاد المعرفة

بمقدورنا بعد إيراد التوطئة المتعلقة بالحقل المعرفي عند أميرالمؤمنين أن نقول أن تصوراً قد تكامل لدينا حول عمق المعرفة وشمولها عند الإمام (عليه السلام) فهو وريث رسول الله (صلي الله عليه وآله) والمبين للأمة ما بعث به، ومرجعها في كل تساؤلاتها الفكرية الملحة كل ذلك حصيلة لإعداد مسبق من لدن رسول الله (صلي الله عليه وآله) أشرنا لبعض مصاديقه فيما مضي من حديث.

بقي أن نشير في هذا الفصل إلي أبعاد المعرفة التي أسداها الإمام (عليه السلام) للإنسان: المسلم منه وغير المسلم.

ففكر علي (عليه السلام) وإن كان رسالياً هادفاً إلي خدمة الرسالة الإلهية وحملتها وعاملاً علي دفع عجلة مسيرة الإسلام التاريخية إلي الأمام، فإنه يبقي منهلاً عذباً لتصيب منه الإنسانية بشتي نحلها واتجاهاتها الفكرية، وهو كفيل بهدايتها إلي الحق وإلي صراط مستقيم.

وقبل أن نطرح الخطوط العامة للجانب المعرفي عند الإمام (عليه السلام) جدير بنا أن نشير إلي أنه (عليه السلام) بالرغم مما طرحه في دنيا الفكر الإنساني من أبواب المعرفة المتعددة فإننا نظل عند قناعتنا من أن الإمام (عليه السلام) لم تسعفه الظروف الاجتماعية والسياسية علي حد سواء أن يسدي للإنسان بالكثير مما عنده من معرفة.

فإذا أهملنا الظروف السياسية التي ألمت بالإمام (عليه السلام) ومنعته من أداء مهماته علي الشكل المرجو من أجل مصلحة الرسالة والإنسان- فإن الظروف الاجتماعية لا تقل خطراً عن تلك الظروف، فالمجتمع الذي عايشه الإمام (عليه السلام) لم يكن في مستواه من ناحية الوعي قادراً علي إدراك الإمام وأهميته ودوره الرسالي الخطير في حياة الناس، ولعل أبلغ شاهد علي ذلك

ما كان يواجهه الإمام (عليه السلام) من تساؤلات فجة واعتراضات تافهة حين يدعو قومه للإفادة مما يحمل من علم جمّ تلقاه من رسول الله (صلي الله عليه وآله).

ونذكر بهذا الصدد بعض تلك المواقف التي تقطر سخفاً وبلادة: - فقد خاطب الناس مرة بقوله: سلوني قبل أن تفقدوني فوالله لا تسألوني عن فئة تضل مائة أو تهدي مائة إلا نبأتكم بناعقها، وسائقها، ولو شئت لأخبرت كل واحد منكم بمخرجه ومدخله وجميع شأنه:

فقام إليه سنان بن أنس النخعي قائلاً:

أخبرني بما في رأسي ولحيتي من طاقة شعر!! [305] - وبينما كان الإمام (عليه السلام) يوماً يحدث قومه عن بعض حوادث المستقبل كبر علي أعشي بأهله-عامر بن الحارث- ما تحدث به الإمام (عليه السلام) فقال له:

يا أميرالمؤمنين ما أشبه هذا الحديث بحديث خرافة. [306].

هذه بعض المواقف التي اتخذها البعض من الناس الذين عاصروا الإمام (عليه السلام) فأضاعوا أثمن فرصة مرت بالأمة بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله).

وبالرغم من ذلك كله فإننا ينبغي ألا نغفل ما كان ينطوي المجتمع عليه من طلاب المعرفة من أجل الوصول إلي الهدي والخير.

وكانت تلك الفئة واعية لحقيقة الإمام (عليه السلام) مؤمنة بقدرته الفائقة علي طرح شتي أنواع الفكر الإسلامي في العقائد والتشريع وفي مختلف أبواب المعرفة الضرورية لمسيرة الإنسانية.

وقد قابل أميرالمؤمنين (عليه السلام) أولي الألباب بنفس الثقة التي أولوها له، فخصهم بالكثير من ألوان الإعداد والتوجيه والتثقيف ليواصل المسيرة التي بدأها رسول الله (صلي الله عليه وآله) والتي خط الإمامة عبر التاريخ الإسلامي ابتداء بعلي (عليه السلام) وانتهاء بأبي القاسم المهدي (عليه السلام).

وقد بلغ بالإمام (عليه السلام) أن يكشف الكثير من أسرار المعرفة لأولئك المتقين الأفذاذ من الرجال. [307].

وقد تعاهد الإمام (عليه السلام) أمر إعداد الحَمَلة الحقيقيين للرسالة الإلهية من بدأ الرسول (صلي الله عليه وآله)

عملية إعدادهم أو غيرهم..

علي أن الذي توفر للإمام (عليه السلام) طرحه من آراء ومبادئ وحكم ومفاهيم في ساحة الفكر الإنساني كفيل بعضه دون جميعه لإبراز عظمة الإمام (عليه السلام) وقدراته العلمية الفائقة.

وها نحن أولاً، نطرح صوراً من المعرفة عند الإمام (عليه السلام):

صور من الفكر العقائدي

اشاره

للإمام (عليه السلام) باع طويل في طرح الصيغ المحددة للعقائد الإسلامية من خلال ما طرحه من خطب ورسائل ومواعظ ومناقشات.

والباحث فيما خلفه الإمام العظيم (عليه السلام) من ثروة فكرية يتجلي له بعمق أن أميرالمؤمنين (عليه السلام) قد أعطي للعقيدة الإسلامية ركائزها الأساسية علي وجه الخصوص الكثير من الاهتمام والعناية، وأغلق الباب بوجه أي شذوذ وانحراف وعدول عن مضامينها الحقيقية بأسلوب واضح وجلي لا يمكن صرفه أو تأويله لأي معني آخر غير ما أراده الإمام (عليه السلام). فالله تعالي وأسماؤه الحسني وصفاته ذاته وصفات أفعاله، والرسالة والنبوة والوحي، والملائكة والإمامة والقضاء والقدر، والبعث والنشور وفلسفة الدنيا والجنة والحساب وسواها من أسس العقيدة والإسلامية قد طرحها الإمام (عليه السلام) في صيغ محددة نابضة بقوة الحجة والبرهان والوضوح.

ولو قدر للأمة المسلمة بجميع فرقها أن تنهل من المنهل العذب الرقراق الذي فجره علي (عليه السلام) في دنيا الفكر الإسلامي، لاجتمعت الكلمة وتوحد الصف والهدف، وما شهدت دنيا المسلمين أي لون من ألوان الشطحات والانحرافات المضلة التي جنح إليها رهط من أتباع المدارس الفكرية عند المسلمين.

وبقدر ما تسمح به محاولتنا لدراسة الخطوط العامة لما خلفه لنا أميرالمؤمنين (عليه السلام) من ثروة فكرية سنعرض نماذج من الفكر العقائدي الذي زين الإمام (عليه السلام) بها صفحات الفكر الإنساني بشكل عام:

وحدانية الله عزوجل

«الحمد لله الذي لا يبلغ مدحته القائلون، ولا يحصي نعماءه العادون، ولا يؤدي حقه المجتهدون، الذي لا يدركه بعد الهمم، ولا يناله غوص الفطن، الذي ليس لصفته حد محدود، ولا نعت موجود، ولا وقت معدود، ولا أجل ممدود، فطر الخلائق بقدرته ونشر الرياح برحمته، ووتد بالصخور ميدان أرضه. [308].

أول الدين معرفته، وكمال معرفته التصديق به، وكمال التصديق به توحيده، وكمال توحيده الإخلاص له، وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه، لشهادة

كل صفة أنها غير الموصوف، وشهادة كل موصوف أنه غير الصفة: فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه، ومن قرنه، فقد ثناه، ومن ثناه فقد جزأه، ومن جزأه فقد جهله، ومن جهله فقد أشار إليه، ومن أشار إليه فقد حده، ومن حده فقد عده، ومن قال «فيم» فقد ضمنه، ومن قال «علام؟» فقد أخلي منه.

كائن لا عن حدث، موجود لا عن عدم.

مع كل شي ء لا بمقارنة، وغير كل شي ء لا بمزايلة، فاعل لا بمعني الحركات والآلة، بصير إذ لا منظور إليه من خلقه متوحد إذ لا سكن يستأنس به، ولا يستوحش لفقده، أنشأ الخلق إنشاء، وابتدأه ابتداء، بلا روية أجالها، ولا تجربة استفادها، ولا حركة أحدثها، ولا همامة نفس اضطرب فيها، أحال الأشياء لأوقاتها، ولأم بين مختلفاتها، وغرز غرائزها، وألزمها أشباحها، عالماً بها قبل ابتدائها، محيطاً بحدودها وانتهائها، عارفاً بقرائنها وأحنائها … ». [309].

«الأول لا شي ء قبله، والآخر لا غاية له، ولا تقع الأوهام له علي صفة، ولا تقعد القلوب منه علي كيفية، ولا تناله التجزئة والتبعيض، ولا تحيط به الأبصار والقلوب..». [310].

«لم يولد سبحانه فيكون في العز مشاركاً، ولم يلد فيكون موروثاً هالكاً، ولم يتقدمه وقت ولا زمان، ولم يتعاوره زيادة ولا نقصان، بل ظهر للعقول بما أرانا من علامات التدبير المتقن، والقضاء المبرم». [311].

«الحمد لله الكائن قبل أن يكون كرسي أو عرش أو سماء أو أرض أو جان أو أنس، لا يدرك بوهم، ولا يقدر بفهم، ولا يشغله سائل، ولا ينقصه نائل، ولا ينظر بعين، ولا يحد بأين، ولا يوصف بالأزواج ولا يخلق بعلاج، ولا يدرك بالحواس، ولا يقاس بالناس». [312].

هكذا حدد أميرالمؤمنين (عليه السلام) مفهوم وحدانية الله سبحانه وتعالي، وهكذا عرف علي (عليه السلام) الله

رب العالمين، ووصفه كما أراد الله تعالي أن يوصف به، فقد نزهه عن التشبيه والتجسيم والمكان والتجزئة والتبعيض وكل نقص، وأخرجه بوصفه عن كل صفة من صفات مخلوقاته، كما شاء الله تعالي أن يوصف، وكما علّم أولياءه أن ينعتوه.

الرسالة و النبوة

وكما حدد الإمام أبعاد التوحيد وحقيقته، أعطي (عليه السلام) التحديد الموضوعي الشامل للنبوة والرسالة مبيناً فلسفتها وأهدافها، وموضحاً أن اللطف الإلهي بالعباد اقتضي إرسال الأنبياء (عليهم السلام) إلي الناس ليأخذوا بأيديهم إلي حيث الهدي والرشاد وسبيل الحقن بعد أن تنكروا لعهد الله إليهم، وخرجوا عن مقتضي الفطرة التي فطرهم الله عليها قال (عليه السلام):

«واصطفي سبحانه من ولده- من ولد آدم- أنبياء أخذ علي الوحي ميثاقهم، وعلي تبليغ الرسالة أمانتهم، لما بدل أكثر خلقه عهد الله إليهم، فجهلوا حقه، واتخذوا الأنداد معه، واجتالتهم الشياطين عن معرفته، واقتطعتهم عن عبادته، فبعث فيهم رسله، وواتر إليهم أنبياءه، ليستأدوهم ميثاق فطرته، ويذكروهم مني نعمته، ويحتجوا عليهم بالتبليغ، ويثيروا لهم دفائن العقول، ويروهم الآيات المقدرة: من سقف فوقهم مرفوع، ومهاد تحتهم موضوع، ومعايش تحييهم، وآجال تفنيهم، وأوصا تهرمهم، وأحداث تتابع عليهم، ولم يخل الله سبحانه خلقه من نبي مرسل، أو كتاب منزل، أو حجة لازمة [313] أو محجة قائمة. رسل لاتقصر بهم قلة عددهم، ولا كثرة المكذبين لهم: من سابق سمي له من بعده، أو غابر عرفه من قبله: علي ذلك نسلت القرون، ومضت الدهور، وسلفت الآباء وخلفت الأبناء.

إلي أن بعث الله سبحانه محمداً رسول الله (صلي الله عليه وآله) لإنجاز عدته، وإتمام نبوته، مأخوذاً علي النبيين، ميثاقه، مشهورة سماته، كريماً ميلاده، وأهل الأرض يومئذ ملل متفرقة، وأهواء منتشرة، وطرائق متشتتة، بين مشبه لله بخلقه، أو ملحد في اسمه، أو مثير إلي غيره، فهداهم به

من الضلالة، وأنقذهم بمكانة من الجهالة..». [314].

«بعث الله رسله بما خصهم به من وحيه، وجعلهم حجة له علي خلقه، لئلا تجب الحجة لهم بترك الأعذار إليهم، فدعاهم بلسان الصدق إلي سبيل الحق..». [315].

«فبعث الله محمداً (صلي الله عليه وآله) بالحق ليخرج عباده من عبادة الأوثان إلي عبادته، ومن طاعة الشيطان إلي طاعته، بقرآن قد بينه وأحكمه، ليعلم العباد ربهم إذ جهلوه، وليقروا به بعد إذ جحدوه وليثبتوه بعد إذ أنكروه، فتجلي لهم سبحانه في كتابه من غير أن يكونوا رأوه بما أرآهم من قدرته، وخوفهم من سطوته وكيف محق من محق بالمثلاث، واحتصد بالنقمات..». [316].

خط الإمامة في دنيا الإسلام

ويجلي الإمام (عليه السلام) حقيقة خط الإمامة وضرورته في دنيا المسلمين ويحدد مرامي الأئمة (عليهم السلام) ويرشد الأمة المسلمة إليهم باعتبارهم الامتداد الحقيقي للرسالة، والحملة الحقيقيين لرسالة الله تعالي وهدية للعالمين بعد رسوله (صلي الله عليه وآله)، بهم يقام الحق وتحمي الشريعة ويصان الدين، وتحفظ كلمة الله تعالي.. وتبلغ الأمة الهدي والخير، وبسواهم يكون الضلال والانحراف والضياع يقول (عليه السلام): - «.. لا يقاس بآل محمد (صلي الله عليه وآله) من هذه الأمة أحد ولا يسوي بهم من جرت نعمتهم عليه أبداً: هم أساس الدين، وعماد اليقين، إليهم يفي ء الغالي، وبهم يلحق التالي، ولهم خصائص حق الولاية، وفيهم الوصية والوراثة، الآن إذ رجع الحق إلي أهله، ونقل إلي منتقله». [317].

«إن الأئمة من قريش غرسوا في هذا البطن من هاشم لا تصلح علي سواهم، ولا تصلح الولاة في غيرهم». [318].

وبعد هذا التحديد الدقيق للإمامة وللأئمة، يحذر (عليه السلام) من مغبة نكران الأئمة والتنكر لهم «.. وإنما الأئمة قوام الله علي خلقه وعرفاؤه علي عباده، ولا يدخل الجنة إلا من عرفهم وعرفوه، ولا يدخل النار إلا

من أنكرهم وأنكروه..». [319].

ويحذر من مغبة نكرانهم في مسيرة الحياة الإسلامية حيث يوضح بكل جلاء أن الحق لا يحصل بسواهم وأن الهدي لا وجود له إلا بمتابعتهم «فأين تذهبون، وأني تؤفكون، والأعلام قائمة، والآيات واضحة، والمنار منصوبة، فأين يتاه بكم، وكيف تعمهون، وبينكم عترة نبيكم، وهم أزمة الحق، وأعلام الدين، وألسنة الصدق، فأنزلوهم بأحسن منازل القرآن وردوهم وردود إليهم العطاش..». [320].

ثم يشير الإمام (عليه السلام) إلي أن خط الإمامة مصاحب لمسيرة الأمة، وأرض الله لا تخلو من حجة من آل محمد (صلي الله عليه وآله) يحمل الهدي للناس:

«إلا أن مثل آل محمد (صلي الله عليه وآله) كمثل نجوم السماء: إذ حوي نجم طلع نجم، فكأنكم قد تكاملت من الله فيكم الصنائع وأراكم ما كنتم تأملون». [321].

ونكتفي بهذه النماذج من الفكر العقائدي الذي طرحه الإمام (عليه السلام) في ساحة الفكر الإسلامي، ومن شاء الاستزادة فدونه نهج البلاغة فإنه ينبوع لا ينضب يمد المتتبع بشتي ضروب المعرفة في مضمار العقيدة وسواها.

صور من الفكر السياسي- الاجتماعي

بالرغم من قصر المدة التي قضاها أميرالمؤمنين (عليه السلام) في قيادة الأمة اجتماعياً وسياسياً فإن الفكر السياسي الذي طرحه الإمام (عليه السلام) كفيل بتغطية حاجات الإنسان عبر امتداده التاريخي علي هذه الأرض، فقد جاءت خطب الإمام (عليه السلام) ورسائله وأوامره وإرشاداته زاخرة بهذا اللون من الفكر، مجسداً أروع أطروحة وأنضجها لإدارة شؤون الحياة الإنسانية.

ففي الحقل الاقتصادي طرح الإمام (عليه السلام) نظاماً متكاملاً لعلاج المشكلة الاقتصادية، وظاهرة الانحراف عن خط العدالة الإسلامية في التوزيع، وحدد برامج واضحة تتجاوز الأخطاء المتراكمة في مسألة توزيع المال بين الناس من خلال منهاج التسوية في العطاء. ولم يلتمس الإمام (عليه السلام) المواقف الوعظية في علاج المشكلة الاقتصادية وإقرار العدالة في المجتمع فحسب وإنما سلك إلي جانب مخاطبة الضمائر والاستفادة

من رصيد الإيمان بالله فيها، سلك سبيل استخدام الضوابط القانونية في تحقيق التوازن والعيش الرغيد، وإنهاء دور الظلم في المجتمع ومن أجل ذلك استرد الأموال التي تدفقت علي جيوب فئة من الناس من غير حق، وسلك سبيل مراقبة طرق جباية الأموال، وكيفية توزيعها علي قطاعات الأمة، كما شدد علي مراقبة ولاته في الأمصار، واستحدث نظام المراقبة والتفتيش ليحيط علماً بتصرفاتهم وممارساتهم ومن هنا تجد الكثير من النصوص التي يوجه فيها الإمام (عليه السلام) والياً أو جابياً للمال باتجاه الطريقة المثلي في عمله المناط به، كما نجد نصوصاً يوبخ فيها الإمام (عليه السلام) ذلك الوالي أو يستدعيه للحساب أو يعزله عن منصبه لخيانة الأمانة التي أنيطت به. [322].

وكما وضح الإمام (عليه السلام) مناهجه القويمة المجسدة لشرع الله تعالي في المال، كذلك فعل بالنسبة للإدارة وشؤون القيادة الأخري في المجتمع، فبالرغم من كثرة النصوص التي حفظها لنا نهج البلاغة وكتب السيرة الأخري التي يحدد (عليه السلام) فيها مسؤولية الولاة والعمال علي البلدان، وما ينبغي أن يلتزموا به في حياتها العملية، يطرح الإمام (عليه السلام) المواصفات الواجب توفرها في شخصية الحاكم المسلم سواء أكان حاكماً عاماً للأمة أو حاكماً محلياً، ونكتفي هنا بذكر بعض من هديه بهذا الصدد.

«و.. وقد علمتهم أنه لا ينبغي أن يكون الوالي علي الفروج والدماء والمغانم، والأحكام، وإمامة المسلمين: البخيل فتكون في أموالهم نهمته، ولا الجاهل فيضلهم بجهله، ولا الجافي فيقطعهم بجفائه، ولا الحائف للدول فيتخذ قوماً دون قوم، ولا المرتشي في الحكم فيذهب بالحقوق ويقف بها دون المقاطع، ولا المعطل للسنة فيهلك الأمة». [323].

«من نصب نفسه للناس إماماً فليبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره، وليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه، ومعلم نفسه ومؤدبها أحق بالإجلال من معلم الناس ومؤدبهم».

[324].

«لا يقيم أمر الله سبحانه إلا من لا يصانع ولا يضارع، ولا يتبع المطامع».

وإذا شئنا الرجوع إلي أوسع نص لتحديد مواصفات الحاكم المسلم، ففي عهد الإمام (عليه السلام) إلي مالك الأشتر حين ولاه علي مصر فإن فيه غني عن طرح أي دليل آخر، حيث اشتمل العهد المذكور علي كل مستلزمات القيادة الصالحة، وما ينبغي أن تنهض به من مسؤوليات في حياة الأمة علي الصعيد الاجتماعي، والسياسي والاقتصادي، وسوي ذلك من شؤون.

كما حدد العهد بعمق واع كل ما يتطلبه المجتمع وما ينبغي للحاكم المسلم النهوض به عبر مسؤولياته القيادية كي يستجيب لطموحات الأمة التي يدير دفة حياتها. [325].

ومن المناسب أن نشير هنا إلي أن عهد الإمام (عليه السلام) إلي الأشتر قد انطوي علي أفكار اجتماعية غاية في الأهمية، فقد تناول الإمام (عليه السلام) تركيبة المجتمع، والقوي المؤثرة، والقطاعات الضرورية فيه تناول خبير ملم بها، فقد درس الإمام (عليه السلام) أهمية القطاع الزراعي وأثر التجار والقضاة والولاة والجنود في مسيرة المجتمع وبناء الحضارة، وحدد كيفية التعامل مع تلك القوي الهامة في المجتمع، وحدد مسؤوليات السلطة العليا تجاه كل واحدة من تلك القوي الفاعلة في الحياة العامة، كما ذكر القطاعات الضعيفة من أهل اليتم والشيخوخة وسواهم مما يعتبر وجودهم طبيعياً في المجتمعات، فدرس حالهم وحدد العلاج لما يعانون. [326].

وهذا وقد سبق الإمام (عليه السلام) علم الاجتماع في دراسته للمجتمع وتحديد المؤثرات فيه بزمن طويل، مما يستحق أن يحمل بجدارة لقب مؤسس علم الاجتماع والواضع للبناته الأولي، مع اختلاف علي الرؤية والمنهج.

مصنفات الإمام وأعماله العلمية

اشاره

وأميرالمؤمنين (عليه السلام) أول من صنف في دنيا المسلمين، ويحصي المؤرخون لسيرة الإمام (عليه السلام) عدداً من مؤلفات الإمام وأعماله العلمية تأتي في طليعتها.

جمع القرآن الكريم مرتباً حسب النزول

وبيّن في ذات الوقت عامه، وخاصه، ومطلقه، ومقيده ومحكمة ومتشابهة وناسخة ومنسوخة، وعزائمه ورخصه، وسننه، وآدابه. [327] كما أشار الإمام (عليه السلام) إلي أسباب النزول لآيات الكتاب العزيز، حتي لقد قال ابن سيرين: لو أصبت ذلك الكتاب لكان فيه العلم. [328].

وجمع الإمام (عليه السلام) للقرآن الكريم علي النمط المذكور إنما هو للتفسير أقرب منه للجمع الخالص، فقد أودع عمله ذلك علماً كثيراً، الأمة في مسيس الحاجة إلي مثله.

كما أن أميرالمؤمنين (عليه السلام) قد تفرغ للعمل الرسالي الكبير، بعد حادثة السقيفة وما تمخض عنها من استخلاف أبي بكر، فعكف (عليه السلام) علي إنجاز المهمة التاريخية في تدوين القرآن في مصحف واحد، ولقد روي عنه بهذا الصدد قوله: - «لما قبض رسول الله (صلي الله عليه وآله) أقسمت أن لا أضع ردائي علي ظهري حتي أجمع ما بين اللوحين، فما وضعت ردائي حتي جمعت القرآن». [329].

وبمقدور المرء أن يقدر قيمة ذلك العمل إذا وضع نصب عينيه ما يحظي به القرآن الكريم من قيمة عظمي في دنيا المسلمين من الوجهة الفكرية والتشريعية والحضارية.

مصحف فاطمة

ويبدو أن الإمام (عليه السلام) بادر- بعد إنجاز مهمة جمع القرآن إلي تأليف كتاب لفاطمة الزهراء (عليهاالسلام) صار يعرف عند أبنائها بمصحف فاطمة، وكان يتضمن مواعظ وحكماً وأمثالاً وعبراً وأخباراً وأفكاراً مستقبلية لتكون عوناً علي التخفيف من الآلام التي اكتنفت حياة الزهراء (عليهاالسلام) بعد وفاة أبيها رسول الله (صلي الله عليه وآله).

الصحيفة

وهي كتاب في الديات «وهي الأموال المفروضة في الجناية علي النفس أو الطرف أو الجرح أو نحو ذلك وتثبت الدية في موارد الخطأ المحض أو الشبيه بالعمد أو فيما لا يكون القصاص فيه أو لا يمكن..». [330].

وقد روي البخاري ومسلم من تلك الصحيفة، أوردها ابن سعد في كتابه الجامع، كما أكثر ابن حنبل الرواية عن هذه الصحيفة.

الجامعة

وهي في كتاب صحائف من الجلود، أملاه رسول الله (صلي الله عليه وآله) علي أميرالمؤمنين (عليه السلام) وقد تضمن كل ما يحتاج إليه الناس من حلال وحرام، وقد جاء الكتاب مفصلاً لما جاء في كتاب الله من أحكام وأوامر ونواه.

وقد ورث الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام) هذا الكتاب كابراً عن كابر، وكانوا يطلقون عليه تارة اسم الجامعة، وتارة الصحيفة، وأخري كتاب علي، ورابعة الصحيفة العتيقة.

ووردت عن الصادقين (عليهم السلام) عدة روايات تؤكد أهمية كتاب الجامعة، وكونه مرجعهم في أخذ التشريع الإلهي، وأنهم لا يحتاجون إلي الناس لوجود ذلك الكتاب، فعن أبي عبدالله الصادق (عليه السلام) قال: «أن عندنا ما لا نحتاج معه إلي الناس، وإن الناس ليحتاجون إلينا، وأن عندنا كتاباً أملاه رسول الله (صلي الله عليه وآله) وخطه علي (عليه السلام) صحيفة فيها كل حلال وحرام». [331].

ويقول الإمام الصادق (عليه السلام) أيضاً يصف فيه الجامعة «تلك صحيفة طولها سبعون ذراعاً في عرض الأديم مثل فخذ الفالج، فيها كل ما يحتاج الناس إليه، وليس من قضية إلا وهي فيها حتي أرض الخدش». [332].

صحيفة الفرائض

ويبدو أن هذه الصحيفة قد دون فيها الإمام (عليه السلام) قضاءه في المواريث أو غيرها من أبواب القضاء، ومن المرجح أن تكون هذه الصحيفة بعضاً من الجامعة. [333].

كتاب الجفر

«وهو لغة جلد الماعز أو البعير أو الثور»:

وقد أطلق اسم الجفر علي أحد أبواب العلم الذي دونه الإمام أميرالمؤمنين (عليه السلام) من أملاء رسول الله (صلي الله عليه وآله) علي جلد، ويبدو أن كتاب الجفر غير الجامعة من ناحية الفكر الذي يتضمنه، فالجفر كما تفيد روايات الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام) ينطوي علي حوادث المستقبل، وصحف الأنبياء السابقين والكتب المنزلة قبل القرآن الكريم. [334].

وللإمام علي (عليه السلام) تصانيف أخري وذكرها المؤرخون ككتاب زكاة النعم، وكتاب في أبواب الفقه، وكتاب في علوم القرآن وغيرها. [335].

المصنفات في تراث الإمام الفكري

وبالرغم من أن الإمام (عليه السلام) قد دون عدداً من المؤلفات العظيمة فإنه يبدو أن مؤلفاته قد انصبت علي ما قضت به الضرورة من حفظ الرسالة الإلهية وتوضيح معالمها للأجيال من خلال شرح القرآن الكريم، وتبيان بعض مقاصده، أو تحديد بعض أبواب الفقه الإسلامي، أم آراؤه وأفكاره الأخري التي تحتل مركز الريادة في الفكر الإسلامي، والتي جاءت انعكاساً للرسالة الإلهية علي صفحة ذهنه وعقله، فكانت خطباً ومناقشات وحكماُ ومواعظ وتوجيهات ونحوها من أدوات التعبير عن ماهية الرسالة، فإن الإمام (عليه السلام) لم يتصد لجمعها في تصانيف محددة ومن المؤكد أن يكون جزء كبير منها قد اندرس بيد أن بعضاً من آرائه وأفكاره قد حظي بالتدوين بعد زمن طويل من وفاة الإمام (عليه السلام) ومن المرجح أن يمثل ذلك البعض نسبة قليلة جداً من عطائه الفكري العظيم عبر عمره الشريف.

فقد جمع العلماء بعض ما خلفه الإمام (عليه السلام) من مبادئ ومفاهيم في مؤلفات عديدة نذكر منها:

1- نهج البلاغة، جمعه الشريف أبوالحسن الرضي ابن الحسين الموسوي، المتوفي سنة404 للهجرة ويشتمل الكتاب علي ما اختاره الشريف من خطب الإمام (عليه السلام) وكتبه ورسائله وحكمه ومواعظه، وقد اهتم بالكتاب المذكور جل العلماء والمفكرين ورجال الأدب

قراءة واستيعاباً وشرحاً، حتي بلغت شروحه خمسين شرحاً ومن الشراح للنهج: أبوالحسن البيهقي، والإمام فخر الدين الرازي، والقطب الراوندي، ومحمد ميثم البحراني، وعز الدين بن أبي الحديد المدائني، وغيرهم.

ولقد انطوي نهج البلاغة علي روائع في الفكر بشتي شعبه ومناحيه:

في العقائد والأخلاق ونظام الحكم وطبيعة المجتمع وعلاقة الإنسان بالله تعالي ونحو ذلك من أبواب.

وهو إلي جانب ذلك جاء آية في الأدب الإنساني الرفيع الذي عز نظيره في أدب اللغة العربية دقة وعمقاً وتصويراً.

2- مسنده الذي جمعه أبوعبدالرحمن أحمد بن شعيب النسائي المتوفي سنة303 للهجرة وأسماه مسند علي، وقد ضمنه بعض ما أثر عن الإمام (عليه السلام) من أحاديث وروايات عن رسول الله (صلي الله عليه وآله).

3- غرر الحكم ودرر الكلم، جمعه عبدالواحد بن محمد الآمدي، وهو يشتمل علي طائفة من حكم الإمام (عليه السلام) القصيرة ويقارب في حجمه نهج البلاغة.

4- مطلوب كل طالب من كلام علي بن أبي طالب جمعه أبوإسحاق الوطواط الأنصاري ويحتوي علي طائفة من حكم الإمام (عليه السلام).

5- مائة كلمة جمعها الجاحظ.

6- نثر اللآلئ جمع أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي صاحب مجمع البيان في تفسير القرآن.

7- ما اشتمل عليه كتاب صفين لنصر بن مزاحم من خطب الإمام (عليه السلام) وكتبه.

8- جنة الأسماء. شرحه الإمام أبوحامد محمد بن محمد الغزالي المتوفي سنة505 للهجرة.

9- ما أثر عنه من الأدعية والمناجاة قد طبع بعضه باسم الصحيفة العلوية. جمعها عبدالله بن صالح السماهيجي.

-10 قلائد الحكم وفرائد الكلم جمع القاضي أبي يوسف الإسفراييني، وغير ذلك من التصانيف. [336].

انباء المستقبل

والمقصود بها هنا ما تحدث به الإمام (عليه السلام) عن أمور مستقبلية وشيكة الوقوع بعد عصره، منها ما يختص بأفراد معينين، ومنها ما يتعلق بمسيرة الأمة المسلمة كمجموع.

وبطبيعة الحال إن ما طرحه الإمام (عليه السلام) من هذا القبيل كان قد تلقاه من

رسول الله (صلي الله عليه وآله) مباشرة، أو وعاه بنفسه بما أعطاه الله من طاقة روحية هائلة تمنحه القدرة علي استقراء المستقبل والاستشراف علي حوادثه وقواه المؤثرة، والجوانب الإيجابية فيه والسلبية.

ولقد رأينا في بداية هذا الفصل كيف أن الإمام (عليه السلام) يعلن علي المنبر مراراً عن قدرته علي كشف الكثير من أحداث المستقبل: «.. لا تسألوني عن شي ء فيما بينكم وبين الساعة ولا عن فئة تهدي مائة وتضل مائة إلا نبأتكم بناعقها وقائدها، وسائقها ومناخ ركابها ومحط رحالها، ومن يقتل من أهلها قتلاً ويموت موتاً..». [337].

وإذا تتبعنا الفكر المستقبلي الذي حفظته لنا سيرة أميرالمؤمنين (عليه السلام) وجدناه- بالرغم من قلته بالقياس إلي غيره من أبواب فكر الإمام (عليه السلام)- آية علي عظمة الإمام (عليه السلام) وسمو كيانه الروحي الذي أهله لمعرفة الكثير من أسرار المستقبل بما فيها من متغيرات في دنيا الأفراد والجماعات.

وهذه جملة مما حفظ لنا المؤرخون في هذا المضمار:

1- عن سويد بن غفلة أن علياً (عليه السلام) خطب ذات يوم، فقام رجل من تحت منبره، فقال: - يا أميرالمؤمنين، إني مررت بوادي القري، فوجدت خالد بن عرفطة قد مات، فاستغفر له، فقال (عليه السلام): - والله ما مات، ولا يموت حتي يقود جيش ضلالة صاحب لوائه حبيب بن حمار.

فقام رجل آخر من تحت المنبر فقال: - يا أميرالمؤمنين أنا حبيب بن حمار وإني لك شيعة ومحب، فقال: أنت حبيب بن حمار؟ قال: نعم.

فقال له ثانية: والله إنك لحبيب بن حمار؟

فقال: أي والله!

فقال (عليه السلام): أما والله إنك لحاملها ولتحملنها، ولتدخلن بها من هذا الباب، «وأشار إلي باب الفيل بمسجد الكوفة» قال ثابت الشمالي- الذي روي الحديث عن سويد بن غفلة.- فوالله ما مت حتي رأيت ابن زياد، وقد بعث عمر بن سعد

إلي (حرب) الحسين بن علي (عليه السلام) وجعل خالد بن عرفطة علي مقدمته، وحبيب بن حمار صاحب رايته فدخل بها من باب الفيل. [338].

2- عن إسماعيل بن رجاء قال:

قام أعشي باهلة- وهو غلام يومئذ حدث- إلي علي (عليه السلام) وهو يخطب ويذكر الملاحم، فقال:

يا أميرالمؤمنين، ما أشبه هذا الحديث بحديث خرافة!

فقال علي (عليه السلام): إن كنت آثماً فيما قلت يا غلام، فرماك الله بغلام ثقيف، ثم سكت، فقام رجال، فقالوا: - ومن غلام ثقيف يا أميرالمؤمنين؟ قال: - غلام يملك بلدتكم هذه لا يترك لله حرمة إلا انتهكها، يضرب عنق هذا الغلام بسيفه، فقالوا: - كم يملك يا أميرالمؤمنين؟ قال: - عشرين إن بلغها، قالوا: - فيقتل قتلاً أم يموت موتاً؟ قال: - بل يموت حتف أنفه بداء البطن، يثقب سريره لكثرة ما يخرج من جوفه.

قال إسماعيل بن رجاء- راوي الحديث- فوالله لقد رأيت بعيني أعشي باهلة، أحضر في جملة الأسري الذين أسروا من جيش عبدالرحمن بن محمد بن الأشعث بين يدي الحجاج (بن يوسف الثقفي) فقرعه، ووبخه واستنشده شعره الذي يحرض فيه عبدالرحمن علي الحرب، ثم ضرب عنقه في ذلك المجلس. [339].

3- عن شمير بن سدير الأزدي قال:

قال علي (عليه السلام) لعمرو بن الحمق الخزاعي.

«يا عمرو إنك لمقتول بعدي وإن رأسك لمنقول وهو أول رأس ينقل في الإسلام، والويل لقاتلك! أما إنك لا تنزل بقوم إلا أسلموك برمتك.

قال الأزدي- راوي الحديث- فوالله ما مضت الأيام حتي تنقل عمرو بن الحمق الخزاعي في خلافة معاوية في بعض أحياء العرب خائفاً مذعوراً، حتي نزل في قومه من بني خزاعة، فأسلموه، فقتل، وحمل رأسه من العراق إلي معاوية بالشام، وهو أول رأس حمل في الإسلام من بلد إلي بلد. [340].

4- أخبار

الإمام (عليه السلام) عن الضربة التي يضرب في رأسه فتخضب منها لحيته بسيف ابن ملجم المرادي.

5- أخباره بامتلاك معاوية لأمر المسلمين بعده.

6- أخباره عن قتل الإمام الحسين (عليه السلام) في كربلاء.

7- أخباره عن الحجاج بن يوسف الثقفي وما يكون من فعله.

8- أخباره عن حركة عبدالله بن الزبير وفشله وقتله.

9- وعن هلاك البصرة بالغرق مرة وبسيطرة الزنج عليها أخري.

10- وأخباره عن مقتل محمد صاحب النفس الزكية وأخيه إبراهيم بعد ثورتهم علي العباسيين في عهد أبي جعفر المنصور.

11- وعن قيام الدولة العلوية في المغرب، ودولة بني بويه في العراق.

12- أخباره عبدالله بن العباس عن انتقال الحكم إلي أولاده وقيام الحكم العباسي.

13- وعن خروج الإمام المهدي عجل الله فرجه وقيام دولة الإسلام المباركة. [341].

ومن نافلة القول أن نشير إلي أن نهج البلاغة ينطوي علي الكثير من النصوص التي تناول الإمام (عليه السلام) فيها الحديث عن أمور مستقبلية، وقعت بعد عصره، وأخري نعيش طرفاً منها. [342].

طرف من مواعظ الإمام

وللإمام باع طويل في طرح المواعظ البليغة التي تحمل الحجج البالغة، فتهز السامع والقارئ، وتترك أثراً عظيماً في النفس.

والموعظة عند علي (عليه السلام) تحمل مفاهيم وعطاء ثراً، تحدد للمسلم طريقة إلي الله وأساليب تفاعله مع رسالة الله تعالي ومع الناس من حوله.

وفضلاً عما حمله نهج البلاغة من مواعظ لأميرالمؤمنين (عليه السلام) فإن كتب الوعظ والإرشاد والتوجيه الإسلامي لا يكاد يخلو منها كتاب من ذكر بعض من مواعظ الإمام (عليه السلام).

ونذكر هنا طرفاً من مواعظه التي ضمنها نهج البلاغة:

«أيها الناس لا تستوحشوا في طريق الهدي لقلة أهله، فإن الناس قد اجتمعوا علي مائدة شبعها قصير، وجوعها طويل.

أيها الناس: إنما يجمع الناس الرضي والسخط، وإنما عقر ناقة ثمود رجل واحد، فعمهم الله بالعذاب لما عموه بالرضي، فقال سبحانه:

«فعقروها، فأصبحوا نادمين» فما كان إلا أن خارت أرضهم

بالخسفة خوار السكة المحماة في الأرض الخوارة.

أيها الناس، من سلك الطريق الواضح ورد الماء، ومن خالف وقع في التيه».- [343].

«أيها الناس، إنما الدنيا دار مجاز، والآخرة دار قرار، فخذوا من ممركم لمقركم، ولا تهتكوا أستاركم عند من يعلم أسراركم، وأخرجوا من الدنيا قلوبكم من قبل أن تخرج منها أبدانكم، ففيها اختبرتم، ولغيرها خلقتم. إن المرء إذا هلك قال الناس: ما ترك؟ وقالت الملائكة: ما قدم؟ لله آباؤكم: فقدموا بعضاً يكن لكم قرضاً، ولا تخلفوا كلاً فيكون فرضاً عليكم».- [344].

«أوصيكم عباد الله بتقوي الله، التي هي الزاد وبها المعاد: زاد مبلغ، ومعاد منجح، دعا إليها أسمع داع، ووعاها خير واع، فأسمع داعيها، وفاز واعيها».

عباد الله إن تقوي الله حمت أولياء الله محارمه وألزمت قلوبهم مخافته، حتي أسهرت لياليهم، وأظمأت هواجرهم فأخذوا الراحة بالنصب، والري بالظمأ، واستقربوا الأجل فبادروا العمل، وكذبوا الأمل، فلاحظوا الأجل..». [345].

قبس من حكم الإمام

ونختم هذا الفصل بإيراد إضمامة من حكم أميرالمؤمنين (عليه السلام) إتماماً للفائدة:

1- إذا أقبلت الدنيا علي أحد أعارته محاسن غيره وإذا أدبرت عنه سلبته محاسن نفسه.

2- أعجز الناس من عجز عن اكتساب الإخوان، وأعجز منه من ضيع من ظفر به منهم.

3- من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه.

4- ما أضمر أحد شيئاً إلا وظهر في فلتات لسانه وصفحات وجهه.

5- فوت الحاجة أهون من طلبها إلي غير أهلها.

6- قيمة كل امرئ ما يحسنه.

7- قال عليه السلام يصف الغوغاء: «هم الذين إذا اجتمعوا غلبوا وإذا تفرقوا لم يعرفوا».

8- عجبت لأقوام يحتمون الطعام مخافة الأذي كيف لا يحتمون الذنوب مخافة النار.

9- أربع لو ضربتم فيهن أكباد الإبل، لكان ذلك يسيراً: لا يرجون أحد إلا ربه، ولا يخافن إلا ذنبه، ولا يستحي أن يقول لا أعلم إذا

هو لم يعلم، ولا يستكبر أن يتعلم إذا لم يعلم.

10- اتقوا معاصي الله في الخلوات، فإن الشاهد هو الحاكم.

11- الثناء بأكثر من الاستحقاق ملق. [346] والتقصير عن الاستحقاق في أحسد.

12- عند تناهي الشدة تكون الفرجة، وعند تضايق حلق البلاء يكون الرخاء.

13- من أصلح ما بينه وبين الله، أصلح الله ما بينه وبين الناس، ومن أصلح أمر آخرته أصلح الله له أمر دنياه، ومن كان له من نفسه واعظ كان عليه من الله حافظ.

14- الفقيه كل الفقيه من لم يقنط الناس من رحمة الله ولم يؤيسهم من روح الله. [347] ولم يؤمنهم من مكر الله.

15- رب عالم قد قتله جهله، وعلمه معه لا ينفعه.

16- عظم الخالق عندك يصغر المخلوق في عينيك.

17- لا يكون الصديق صديقاً حتي يحفظ أخاه في ثلاث:

نكبته، وغيبته، ووفاته.

18- الناس ثلاثة: فعالم رباني، ومتعلم علي سبيل نجاة وهمج رعاع أتباع كل ناعق، يميلون مع كل ريح لم يستضيؤوا بنور العلم، ولم يلجؤوا إلي ركن وثيق.

19- الناس أعداء ما جهلوا.

20- من استبد برأيه هلك، ومن شاور الرجال شاركها في عقولها. [348].

وهكذا نصل إلي نهاية المطاف في حديثنا عن المقومات العامة لشخصية أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام).

وفقنا الله تعالي للأخذ بنهجه في الفكر والعمل أنه سميع مجيب والحمد لله رب العالمين.

پاورقي

[1] أنساب الأشراف: للبلاذري ج2 ص 177.

[2] راجع نماذج من ذلك في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج4 ص561 وما بعدها ط دار إحياء الكتب العربية 1959.

[3] كشف الغمة ج 1 فصل ذكر الإمام علي (عليه السلام).

[4] مستدرك الحاكم ج3 ص483 والكفاية للحافظ الكنجي الشافعي وشرح الخريدة الغيبية في شرح القصيدة العينية لشهاب الدين السيد محمود الألوسي ص15 ونور الأبصار للشبلنجي ص76 ومطالب السؤول ص11 لمحمد

أبي طلحة الشافعي والمناقب للأمير محمد صالح الترمذي. نقلاً عن الغدير ج6 من22 إلي38 لعبد الحسين الأميني ط3 سنة1967 بيروت.

[5] الفصول المهمة في معرفة الأئمة: لابن الصباغ المالكي: الفصل الأول ص 13.

[6] البحار ج 35 ص 18.

[7] الفصول المهمة: لابن الصباغ الفصل الأول ص14 وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ص 151.

[8] سيرة ابن هشام ج1 باب ذكر أن علي بن أبي طالب أول ذكر أسلم ص 284 و بحارالأنوار ج35 ص44 وشرح النهج ج1 ص 15.

[9] في رحاب علي: خالد محمد ص46 ط2 دار الأندلس بيروت وشرح النهج ج1 ص 151.

[10] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج1 ص15 نقلاً عن البلاذري والأصفهاني.

[11] نهج البلاغة تبويب صبحي الصالح ط1971 ص 300.

[12] علي بن أبي طالب عبدالفتاح عبدالمقصود ج1 ص 39.

[13] نهج البلاغة ص 301 (الخطبة القاصعة). تبويب د. صبحي الصالح.

[14] الخطبة القاصعة من نهج البلاغة ص301 تبويب د. صبحي الصالح.

[15] إضافة إلي كتب التاريخ التي تصرح بأن علياً أول الناس إسلاماً فهناك عدة أحاديث عن رسول الله (صلي الله عليه وآله) تجسد هذه الحقيقة. راجع المستدرك ج3 ص136 والخطيب البغدادي في تاريخه ج2 ص81 ومناقب الخوارزمي وحلية الأولياء ج1 ص66 والسيرة الحلبية ج1 ص285 وسيرة زيني دحلان في هامش الحلبية ج1 ص: 188 نقلاً عن الغدير ج3 ص242-22 ط1967: 3 بيروت.

[16] يراجع كتابنا: سيرة المصطفي (صلي الله عليه وآله) ط بيروت.

[17] ج1 ص259 مصطفي الحلبي وأولاده بمصر1936 تحقيق مصطفي السقا وجماعة.

[18] الروضة من كتاب الكافي ج 8 حديث إسلام علي (عليه السلام) وهناك أحاديث بهذا الصدد يرويها كل من النسائي وابن ماجة والحاكم والطبري في تاريخه والرياض النضرة ج2 ص158 وكتاب صفين لنصر بن مزاحم ص100 وغيرها راجع240-221 ج3 من الغدير، علي أن تلك الروايات تشير إلي أن إيمان علي

وعبادته قد سبق فيها الناس بسبع أو تسع سنين، وهي لا تخالف القول بثلاث سنين أبداً فإن المراد بأنه سبق بالتصديق بالإسلام بعد الدعوة بثلاث سنين وسبق سواه بالإيمان والتعبد مع الرسول (صلي الله عليه وآله) في مرحلة الأعداد التي أشار إليها في خطبة القاصعة بسنوات أخري.

[19] أخرج الحديث كل من: ابن إسحاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردوية، وأبي نعيم، والبيهقي في سننه وفي دلائله، والثعلبي، والطبري في تفسيرهما لسورة الشعراء من تفسيريهما الكبيرين، وأخرجه الطبري في تاريخ السيرة الحلبية ج1 ص381 والطحاوي، والضياء المقدسي في مختاره، وأحمد بن حنبل ج1 ص111 وص 159 والنسائي في خصائصه ص 6 وكنز العمال ج6 الحديث رقم 6008 والمفيد في إرشاده في مناقب علي (عليه السلام) وغير هؤلاء كثير وكلهم أوردوه بألفاظ متقاربة نقلاً عن المراجعات للسيد شرف الدين ص12 وما بعدها.

[20] صور من حياة محمد: أمين دويدار ص 140 وفقه السيرة: للغزالي ص 103-102 يراجع الهامش أعلاه.

[21] صور من حياة محمد: أمين دويدار ص 140 وفقه السيرة: للغزالي ص 103-102 يراجع هامش رقم (1) ص22 من هذا الكتاب.

[22] يراجع القسم الأول من كتاب سيرة المصطفي (صلي الله عليه وآله) ط بيروت للمؤلف.

[23] المصدر السابق- يراجع القسم الأول أيضاً.

[24] بحارالأنوار ج19 باب دخول الشعب، طبقات ابن سعد ج1 ص 192 و 173 سيرة ابن هشام ج1 ص404-399 وعيون الأخبار لابن قتيبة ج2 ص 151 تاريخ ابن كثير ج3 ص 97 و 96 و 84 السيرة الحلبية ج1 ص367-357 الكامل لابن الأثير: 2 ص..36 نقلاً عن الغدير ج7 ص 366-363.

[25] بحارالأنوار ج21 باب غزوة مؤتة، ابن سعد في طبقاته ج4 ص 23 وأسد الغابة ج1 ص 287 ابن أبي الحديد ج3 ص 407 البداية والنهاية ج4 ص 256 الاستيعاب ج1

ص 81 نقلاً عن مقاتل الطالبيين لأبي الفرج الأصبهاني باب ذكر مقتل جعفر بن أبي طالب ص10 وما بعدها ط 1970: 2.

[26] نفس المصدر السابق.

[27] تأريخ الطبري ج2 ص: 222 تأريخ ابن عساكر ج1 ص 284 مستدرك الحاكم ج2 صو 622 تأريخ ابن كثير ج3 ص: 122 «نقلاً عن الغدير ج7 ص 376 كشف الغمة في معرفة الأئمة ج1 ص 16 وغيرها.

[28] تفسير سورة الأنفال آية30 يراجع الميزان ج9 بحث روائي ص 80.

[29] أعيان الشيعة ج3 ط3 ص 155.

[30] بحارالأنوار ج9 والروضة من الكافي ج8 ص 339 للكليني ط: طهران.

[31] الفصول المهمة في معرفة الأئمة: ابن الصباغ المالكي «فصل في شي ء من شجاعته ص 28.

[32] أعيان الشيعة ج3 ط3 ص 155 «هجرته إلي المدينة».

[33] أحمد بن يحيي البلاذري في أنساب الأشراف ج2 ص91 و94 ط: 1 سنة1974 بيروت: ومستدرك الصحيحين ج3 ص: 111 وابن سعد في الطبقات ج3 ص 15.

[34] حياة أميرالمؤمنين: محمد صادق الصدر ط2 سنة1972 ص 230.

[35] تاريخ الطبري ج3 ص17 وأحمد بن حنبل في الفضائل وابن هشام في السيرة النبوية ج3 ص52 ودلائل الصدق: الشيخ محمد حسن الظفر ج2 ص357 ط قم. وحياة أميرالمؤمنين: السيد الصدر ص236 وما بعدها والإرشاد للمفيد ص 52.

[36] تراجع سورة الأحزاب: 10.

[37] السيرة النبوية: أحمد زيني دحلان ج2 ص6 و 7 «غزوة الخندق».

[38] المصدر السابق.

[39] مستدرك الصحيحين3 ص32 عن سفيان الثوري ورواه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد ج3 ص: 19 نقلاً عن فضائل الخمسة ج 1.

[40] السيرة النبوية لدحلان: 2 ص6 و7 «غزوة الخندق» أو إرشاد المفيد ص 58.

[41] أنساب الأشراف ج2 ص93 و94 عن أبي هريرة وابن عباس بلفظ متشابه: وخصائص علي بن أبي طالب للنسائي ص9 وما بعدها الطبعة الأولي1975 بيروت وفي الإصابة والاستيعاب وحلية

الأولياء ومسلم في الصحيح بألفاظ متقاربة.

[42] سيرة الرسول للسيد محسن الأمين نقلاً عن السيرة الحلبية وابن قتيبة في المعارف، وتفسير الميزان للسيد الطباطبائي ج 10 (تفسير) آية 25 من التوبة والبحث الروائي والإرشاد للمفيد «غزوة حنين» ص 81.

[43] للاستزادة يراجع كتاب الإمام علي: عبدالفتاح عبدالمقصود وأعيان الشيعة المجلد الثالث: للسيد محسن الأمين والإرشاد للشيخ المفيد وسيرة ابن هاشم والفصول المهمة في معرفة الأئمة لابن الصباغ المالكي.

[44] راجع أنساب الأشراف للبلاذري ج2 ص92 ط 1974، 1 (ومستدرك الصحيحين ج3 ص111 وابن سعد في طبقاته ج3 ص10 وابن حجر في تهذيب التهذيب ج3 ص(475 نقلاً عن فضائل الخمسة لمعرفة المزيد من المصادر ج2 ص 309.

[45] راجع صحيح مسلم في كتاب فضائل الصحابة، والحاكم في مستدرك الصحيحين ج3 ص147 والبيهقي في سنة ج2 ص149 والسيوطي في الدر المنثور في تفسير الآية، وصحيح الترمذي ج2 ص209 وابن حجر في تهذيب التهذيب ج2 ص297 وغيرهم نقلاً عن فضائل الخمسة من الصحاح الستة ج1 ص224 وما بعدها.

[46] صحيح الترمذي ج2 ص300 وأحمد بن حنبل في المسند ج1 ص185 والسيوطي في الدر المنثور في تفسير آية المباهلة والزمخشري في كشافه والفخر الرازي في تفسير الكبير وغيرهم نقلاً عن فضائل الخمسة من الصحاح الستة ص244 وما بعدها.

[47] يراجع الزمخشري في كشافة ج: 2 والواحدي في أسباب النزول: ومجمع البيان للطبرسي في تفسير سورة الدهر: والحافظ محمد بن جرير الطبري كما في الكفاية: وابن عبدربه في العقد الفريد ج: 3 ص: 47-42 والحاكم النيسابوري ذكره في مناقب فاطمة (عليهاالسلام) كما في الكفاية: وأبوإسحاق التغلبي في تفسيره «الكشف والبيان»: والألوسي في روح المعاني: والطبري في الرياض النضرة ج2 ص: 207 نقلاً عن الغدير للشيخ الأميني ج3 ص111-107.

[48] تفسير الطبري عن أنس ج10

ص: 59 وأسباب النزول للواحدي ص: 182 والقرطبي في تفسيره ج8 ص: 91 والرازي في تفسيره ج4 ص: 422 والخازن في تفسيره ج3 ص: 221 وأبوالبركات النسفي ج2 ص: 221 والدر المنثور للسيوطي ج3 ص: 218 وغيرهم مع اختلاف في التفاصيل والألفاظ.

[49] مستدرك الصحيحين ج3 ص: 126 ومناقب أحمد بن حنبل وأبوعيسي الترمذي في جامعة الصحيح: وكنز العمال ج6 ص: 401 وأسد الغابة ج4 ص: 22 والخطيب البغدادي في تاريخه ج4 ص: 348 نقلاً عن فضائل الخمسة من الصحاح الستة ج2 ص250 وما بعدها.

[50] مسند أحمد بن حنبل ج1 ص: 174 ومسند أبي داود ج2 ص28 والبخاري في باب غزوة تبوك ومسلم الترمذي وغير هؤلاء نقلاً عن المراجعات ص-133 ص 136.

[51] صحيح الترمذي ج2 ص: 229 وأحمد بن حنبل ج6 ص: 292 والنسائي ومستدرك الصحيحين ج3 ص129 وغيرهم راجع فضائل الخمسة من الصحاح الستة ج2 ص207 وغيره.

[52] صحيح ابن ماجة وصحيح الترمذي ج2 ص: 299 والنسائي في الخصائص ص3 و18 ومستدرك الصحيحين ج3 ص: 14 ومسند أحمد بن حنبل ج1 ص159 وغيرها مع اختلاف في الألفاظ يسير.

[53] تفسير البيضاوي: ومجمع البيان للطبرسي: وأبوإسحاق الثعلبي في تفسيره: والطبري في تفسيره ج6 ص: 165 والواحدي في أسباب النزول ص: 148 والخازن في تفسير ج1 ص: 496 والرازي في تفسيره ج3 ص: 431 وأبوالبركات النفسي ج1 ص: 496 والنيسابوري في تفسيره ج3 ص: 461 وابن حجر في الصواعق ص25 وغيرها نقلاً عن: أعيان الشيعة ج3 ق1 ص-130 ص134 وخلفاء الرسول الإثنا عشر ص103 وما بعدها.

[54] اللفظ لصحيح ابن ماجة ص 12.

[55] مسند ابن حنبل ج4 ص 281 فقد نص عليه قائلاً رواه ثلاثون صحابياً، وأخرجه أيضاً النسائي في خصائص علي ابن أبي طالب بعدة

طرق والترمذي والطبراني: عن زيد بن أرقم والفخر الرازي في تفسير آية «يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك» وكنز العمال ج1 ص: 48 ومستدرك الصحيحين وسواهم. نقلاً عن كتاب الغدير تأليف العلامة الأميني- أمير-5 ج 1.

[56] تاريخ البغدادي ج14 ص: 321 والهيثمي في مجمعه ج7 ص: 235 وكنز العمال ج6 ص: 157 وتفسير الرازي ج1 ص: 111 وغيرهم مع اختلاف في الألفاظ. نقلاً عن علي والوصية ص 113.

[57] تاريخ الخطيب البغدادي ج13 ص: 186 والهيثمي في مجمعه ج7 ص236 وكنز العمال ج6 ص155 مع اختلاف يسير في الألفاظ.

[58] ينابيع المودة سليمان الحنفي «باب عهد النبي لعلي وجعله وصياً» والذهبي في ميزان الاعتدال والسيوطي في اللثالي ء والديلمي في كنوز الدقائق ومناقب أحمد بن حنبل وكنز العمال ج6 ص154 والمعجم الكبير للطبراني والمحب الطبري في الذخائر وغيرهم نقلاً عن علي والوصية لنجم الدين العسكري 194.

[59] «ومن شاء المزيد فليراجع ينابيع المودة: للشيخ القندوزي الحنفي والفصول المهمة لابن الضباع المالكي وفضائل الخمسة من الصحاح الستة للفيروز أبادي ومسند أحمد بن حنبل وكتاب المراجعات للسيد عبدالحسين شرف الدين وعلي والوصية للشيخ نجم الدين العسكري وغيرها».

[60] مناقب الخوارزمي عن عائشة ومسند أحمد بن حنبل ج2 ص: 300 وذخائر العقبي للمحب الطبري ص73 وغيرها يراجع علي والوصية ص 211-206.

[61] أخرجه النسائي وأبوداود وابن ماجة وأحمد بن حنبل في مسنده.

[62] أخرجه الترمذي برقم874 من أحاديث كنز العمال ج1 ص44 ومسند ابن حنبل ج5 ص182 وص189 ومستدرك الحاكم ج3 ص148 وغيرها.

[63] أخرجه البخاري ج1 كتاب العلم ص21 ومسلم في آخر الوصايا من صحيحه ج3 ص: 259 وأحمد بن حنبل في مسنده ج1 وغيرهم.

[64] راجع صحيح البخاري ج4 ص194 وتراجع السقيفة: للشيخ محمد رضا

المظفر ونظام الحكم والإدارة في الإسلام: لمحمد مهدي شمس الدين للتفاصيل.

[65] تاريخ ابن كثير ج5 ص: 271 وتاريخ أبي الفداء ج1 صو 152 نقلاً عن الغدير ج7 ص 75.

[66] السقيفة ص160 ط 4،1973 بيروت.

[67] المراجعات: للحجة السيد شرف الدين ص302.

[68] من كتاب له إلي أهل مصر مع مالك الأشتر حين ولاه إمارتها ص451 من نهج البلاغة تبويب الدكتور صبحي الصالح ط 1، 1967 بيروت.

[69] تاريخ اليعقوبي ج2 ص-111 نقلاً عن علي والخلفاء للعسكري ص 62.

[70] مناقب آل أبي طالب ج2 ص178 وبحارالأنوار ج40 عن الكافي.

[71] كنز العمال ج3 ص 99 نقلاً عن علي والخلفاء ص 63.

[72] علي والخلفاء ص60 نقلاً عن التستري: قضاء أميرالمؤمنين ص66 ط: 1 سنة1369 ه النجف الأشرف.

[73] مناقب آل أبي طالب ج2 ص 180.

[74] نهج البلاغة تبويب د. صبحي الصالح ط1 ص 192 احفز: ادفع وسق، أهل البلاء: أهل المهارة في الحرب، مثابة: مرجع.

[75] علي والخلفاء: نجم الدين العسكري ص 83 نقلاً عن أحمد بن حنبل في المسند ج1 ص94 وكنز العمال ج4 ص39.

[76] كنز العمال ج7 ص147 وصحيح البخاري727: 19 وغيره نقلاً عن علي والخلفاء ص 87.

[77] سنن البيهقي وتاريخ الطبري وكنز العمال ج3 ص101 وشرح الموطأ للزرقاني ج4 ص25 وغيره. نقلاً عن علي الخلفاء ص90.

[78] كنز العمال ج3 ص96 والفتوحات الإسلامية ج2 ص 482 نقلاً عن علي والخلفاء ص 98.

[79] مناقب آل أبي طالب. ج2 ص 191 وعلي والخلفاء ص 102.

[80] علي والخلفاء ص133 نقلاً عن ثمرات الأوراق في المحاضرات لابن الحجة الحموي الحنفي. ج2 ص15 ط 1368.

[81] علي والخلفاء ص 239.

[82] تاريخ الطبري ج2 ص 253 وفي تاريخ اليعقوبي مثله وكنز العمال ومستدرك الحاكم والكامل لابن الأثير نقلاً عن علي والخلفاء ص 240.

[83] مناقب آل أبي طالب

ج2 ص192 وعجائب أحكام أميرالمؤمنين: محمد ابن علي القمي (ره) ص 43.

[84] المناقب ص192 وابن كثير في تفسيره ج4 ص 57 والبيهقي في سننه ج7 ص 442.

[85] الدر المنثور للسيوطي ج3 ص144 وسيرة عمر لابن الجوزي ص106 والفتوحات الإسلامية لدحلان ج2 ص486 وغيرها، نقلاً عن علي والخلفاء للشيخ نجم الدين العسكري ومناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب ج2 والغدير ج6 وج 7 وعجائب أحكام أميرالمؤمنين للمفسر الجليل محمد بن إبراهيم القمي.

[86] نهج البلاغة ص 136 تبويب الدكتور صبحي الصالح.

[87] المصدر السابق والصفحة ذاتها.

[88] نهج البلاغة رقم131 تبويب صبحي الصالح. نهمته: شهوته الشديدة وحرصه المفرط.

الحائف: الجائر، الظالم.

الدول: المال، والحائف للدول معناه الذي يظلم في توزيع الأموال فيفضل جماعة علي أخري.

المقاطع: الحدود التي حددها الله تعالي.

[89] شرح نهج البلاغة لمحمد عبده ج1 ص 269.

[90] من عهده (عليه السلام) إلي محمد بن أبي بكر حين ولاه مصر، نهج البلاغة ص383 تبويب د. صبحي الصالح. آس: ساو بينهم. حيفك لهم: ظلمك من أجلهم.

[91] وصيته إلي عبدالله بن عباس حين استخلفه علي البصرة نهج البلاغة، د. صبحي الصالح رقم76.

سع الناس: أشملهم برعايتك في كل جانب من جوانب الحياة.

طيرة: طيش وخفة.

[92] نهج البلاغة تبويب د. صبحي الصالح ص416.

مأدبة طعام: طعام دعوة أو عرس.

يستطاب لك: يطلب لك طيبها.

الألوان: أصناف الطعام.

الجفان: جمع جفنة وهي القصعة.

العائل: المحتاج.

المجفو: مطرود (من الجفاء)

قضم: أكل بطرف أسنانه.

المقضم: المأكل.

الفظه: اطرحه، لا تأكله.

الطمر: الثوب البالي.

طعمه: ما يطعمه ويفطر عليه.

قرص: رغيف خبز.

السداد: الإحتراز من الخطأ.

[93] المرجع السابق ص415 أعتمامك: اختارك وأصله أخذ العيمة: وهي خيار المال.

[94] المرجع السابق ص412 جردت الأرض: إشارة إلي الخيانة بتخريب الأراضي.

[95] المعور: الذي عجز عن حماية نفسه أثناء الحرب.

[96] نهج البلاغة، وصيته (عليه السلام) رقم14 ص 373 د. صبحي الصالح.

[97] نفس المصدر من كتاب له إلي أمراء جيشه رقم50 ص

424.

[98] نهج البلاغة من كتاب له إلي أعماله علي الخراج رقم51 تبويب د. صبحي الصالح.

[99] لا تخدج بالتحية: لا تبخل بالسلام عليهم والسؤال عن أحوالهم.

[100] نهج البلاغة كتاب لمن يستعمله علي الصدقات رقم 25.

[101] روائع نهج البلاغة: جورج جرداق ص 163، الخزامة: حلقة من شعر توضع في وترة أنف البعير يشد بها زمامه ويسهل قياده.

[102] أنساب الأشراف للبلاذري ج2 ص 136.

[103] شرح النهج تح: محمد أبوالفضل إبراهيم ط: 13978 ه ج 1 ص 198 و 199.

[104] مثل يضرب، أراد به الإمام (عليه السلام) أنه لم يصب شيئاً من مال المسلمين بل وضعه في مواضعه. تذكره. الخواص: سبط انب الجوزي ص 117.

[105] نهج البلاغة من كتاب له إلي عثمان بن حنيف رقم45 ص 418.

[106] من سورة هود: 85 راجع بحارالأنوار ج41 ص104 من آمالي الصدوق وتذكرة الخواص ص134 وأنساب الأشراف للبلاذري ج2 ص129 مع اختلاف يسير في الألفاظ.

[107] تذكرة الخواص لسبط بن الجوزي ص 125.

[108] كتابه لعثمان بن حنيف نهج البلاغة رقم النص 45، التبر: فتات الذهب والفضة قبل الصياغة. الوفر: المال الطمر: الثوب الخلق البالي. أتان دبرة: التي عقر ظهرها فقل أكلها.

[109] تذكرة الخواص لسبط بن الجوزي ص121 وعبقرية الإمام للعقاد ص16 ط بيروت 1967.

[110] نهج البلاغة تبويب د. صبحي الصالح رقم209 ص324. يتبيغ: يستبد به ألم الفقر.

[111] تذكرة الخواص ص 68.

[112] شرح في نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج2 ص 200.

[113] المرجع السابق ص 201.

[114] نفس المرجع ص 202.

[115] تذكرة الخواص ص 121.

[116] المرجع السابق ص.125 المدرعة: ثوب صوفي غليظ.

[117] أنساب الأشراف ج2 ص 132.

[118] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج2 ص 200.

[119] بحارالأنوار ج40 باب98 ومناقب آل أبي طالب ج1 في المسابقة بالزهد. حجلة: ستر يضرب للعروس في الليل.

[120] نفس المصدر.

[121] نفس المصدر. أكاف:

كساء يوضع علي ظهر الدابة، الفقه: إناء من خوض النخل.

[122] نهج البلاغة رقم النص 224.

[123] علي بن أبي طالب- نظرة عصرية جديدة: تأليف د. محمد أحمد خلف الله وعدد من الكتاب ص 32.

[124] نهج البلاغة رقم النص205 د. صبحي الصالح ط د1 بيروت 1967.

[125] الإمام علي وفضائله ص 175، دار مكتبة الحياة: بيروت.

[126] الفصول المهمة: لابن الصباغ المالكي ص50 ويراجع نص كتاب الإمام (عليه السلام) في نهج البلاغة رقم75 تبويب د. صبح الصالح «باب الكتب» ص 464.

[127] الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ص 51.

[128] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج16 ص 154 «شرح كتاب الإمام (عليه السلام) إلي معاوية رقم 37.

[129] الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ص51.

[130] شرح نهج البلاغة ج3 ص75 تحقيق محمد أبوالفضل إبراهيم.

[131] نهج البلاغة: تبويب د. صبحي الصالح ص235 رقم 164.

[132] المصدر السابق.

[133] المصدر السابق.

[134] الطبري وابن الأثير وغيرهما (نقلاً عن أحاديث أم المؤمنين عائشة ص 98).

[135] الطبري وأنساب الأشراف والمعارف لابن قيبة وسواهم «نقلاً عن المصدر السابق ص 99.

[136] تاريخ الطبري وأنساب الأشراف للبلاذري «نقلاً عن المصدر السابق ص 113.

[137] شرح نهج البلاغة ج9 ص 6-5.

[138] الفصول المهمة ص55 لابن الصباغ المالكي.

[139] الفصول المهمة في معرفة الأئمة: ابن الصباغ المالكي ص63 وتذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ص 77، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج2 ص 167.

[140] الفصول المهمة: للمالكي ص62 وتذكرة سبط ابن الجوزي.

[141] الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ص 62، وتذكرة سبط بن الجوزي.

[142] أحاديث أم المؤمنين عائشة ق1 ص181، نقلاً عن اليعقوبي وكنز العمال.

[143] الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ص 70.

[144] نفس المصدر السابق ص 71.

[145] الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي، وتذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي، بلفظ متقارب.

[146] نفس المصدر السابق.

[147] تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ص 103.

[148] راجع الفصول المهمة ص78 وتذكرة الخواص ص- 103.

[149] تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ص 74.

[150]

نفس المصدر ص 79.

[151] يوليوس فلهوزن: الخوارج والشيعة ترجمة عبدالرحمن بدوي ط 2، 1976 كويت ص 32.

[152] وقعة صفين: نصر بن مزاحم ط 2، 1382 ه ص 517.

[153] النحل: 91 راجع وقعة صفين: نصر بن مزاحم ص 517.

[154] الفصول المهمة: للمالكي ص 91.

[155] المصدر المتقدم ص 92.

[156] أعيان الشيعة ج3، ص 20 (عن الطبري) والفصول المهمة ص 93.

[157] أخرجه البخاري في صحيحه نقلاً عن الفصول المهمة ص94 أو البلاذري في أنساب الأشراف ج 2، ص376 عن علي (عليه السلام) بلفظ آخر، وخصائص النسائي ص 71.

[158] نهج البلاغة رقم الخطبة 182.

[159] نهج البلاغة: ترتيب د. صبحي الصالح، ص421 رقم 47.

[160] نهج البلاغة تبويب صبحي الصالح خطبة رقم 192 «القاصعة».

[161] خصائص الإمام علي بن أبي طالب- للنسائي ط1 بيروت1975، وأنساب الأشراف للبلاذري ج2 ص 98.

[162] نفس المصدر ص 48.

[163] نفس المصدر ص65 وأخرجه أيضاً أحمد بن حنبل في مسنده والكنجي والمحب الطبري وغيرهم نقلاً عن مقام أميرالمؤمنين ص78-77 مط الأعلمي كربلاء.

[164] جلال الدين السيوطي في تاريخ الخلفاء ج1 ص96 وابن عساكر من حديث أبي بكر وعثمان وعائشة وسواهم، وأخرج الحديث الكنجي الشافعي في الكفاية والخوارزمي في المناقب، نقلاً عن مقام أميرالمؤمنين ص7-6 مط الأعلمي- كربلاء.

[165] أخرجه أبونعيم في الحلية ورواه الديلمي في فردوس الأخبار والحمويني في الفرائد وغيرهم نقلاً عن المصدر السابق ص 7.

[166] أخرجه أحمد بن حنبل والترمذي في جامعة الصحيح نقلاً عن فتح الملك العلي بصحة حديث باب مدينة العلم علي الحافظ أحمد بن محمد الغماري ط 2، 1969.

[167] أخرجه جلال السيوطي في تاريخ الخلفاء وابن عساكر في تاريخه الكبير والمناقب للخطيب الحنفي نقلاً عن مقام أميرالمؤمنين ص 12.

[168] وأخرجه ابن حنبل في المناقب أيضاً وأخرجه كذلك أبونعيم في الحلية والترمذي وغيرهما، نقلاً عن

علي والوصية ص347-346 بألفاظ متشابهة.

[169] الرياض النضرة ج2 ص198 والكنجي الشافعي في الكفاية والفصول المهمة- لابن الصباغ المالكي وأنساب الأشراف للبلاذري نقلاً عن مقام أميرالمؤمنين ص32 ط الأعلمي.

[170] الخطيب البغدادي في تاريخه الكبير ج4 ص321 وابن قتيبة في الإمامة والسياسة وكنز العمال والزمخشري في ربيع الأبرار والحمويني في فرائد السمطين وغيرهم، نقلاً عن علي والوصية ص 113.

[171] الكنجي الشافعي في كفاية الطالب والحافظ في أمالية وغيرها، نقلاً عن علي والوصية 167.

[172] أخرجه الديلمي عن ابن عمر، يراجع كنز العمال ج6 ص165 والرياض النضرة ج2 ص226 أخرجه عن عمر بن الخطاب نقلاً عن مقام أميرالمؤمنين ص15 ط الأعلمي- كربلاء.

[173] راجع تفسير الآية في كل من: تفسير البيضاوي ومجمع البيان للطبرسي، وأبوإسحاق الثعلبي في تفسيره، والطبري في تفسيره، والواحدي في أسباب النزول، وأبوالبكرات النسفي في تفسيره، والنيسابوري في تفسيره، والشبلنجي في نور الأبصار وابن حجر في صواعقه المحرقة وغيرهم. نقلاً عن فضائل الخمسة في الصحاح الستة ج1 وأعيان الشيعة ج3 ق1 ص130 وما بعدها.

[174] لفظ صحيح ابن ماجة ص 12.

[175] مسند أحمد بن حنبل ج4 ص281 وقد نص علي أن الحديث رواه ثلاثون صحابياً. وقد أخرج الحديث غيره كالنسائي في الخصائص والطبراني عن زيد بن أرقم والفخر الرازي في تفسير آية (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك) وكنز العمال ج1 ص48 ومستدرك الصحيحين نقلاً عن كتاب الغدير ج1 للشيخ عبدالحسين الأميني.

[176] الموفق بن أحمد الحنفي في مناقبه والحمويني الشافعي في فرائد السمطين وفي مسند أحمد بن حنبل حديث الوصية يشبهه وللثعلبي في الكشف والبيان وابن المغازلي مثله نقلاً عن علي والوصية ص 235.

[177] كتاب «الغدير» للشيخ عبدالحسين الأميني و «دلائل الصدق» للشيخ محمد حسن المظفر و «وأحاق الحق» للقاضي التستري

و «عبقات الأنوار» للسيد مير حامد حسين و «المراجعات» للسيد عبدالحسين شرف الدين.. وغيرها.

[178] فاروق الأمة رواه عن رسول الله (صلي الله عليه وآله) الطبراني والبيهقي وكنز العمال وسواهم نقلاً عن المراجعات ص170.

[179] القسم الثالث من سيرة المصطفي (صلي الله عليه وآله) للمؤلف.

[180] الشوحط: شجر يتخذ منه القسي.

[181] المغيلات: النخل الوارف الظلال.

[182] بحارالأنوار ج41 ص12-11 نقلاً عن أمالي الصدوق والأنوار العلوية للشيخ جعفر النقدي ط2 ص115 ومناقب آل أبي طالب ج1 ص 389.

[183] نفس المصدر ص16 عن الخصال للصدوق ونهج البلاغة باب الحكم رقم104 مع اختلاف يسير في الألفاظ.

[184] البحار ج41 ص.17 ليلة الهرير: من ليالي صفين الحاسمة التي اشتبك الفريقان فيها طوال الليل دون هوادة.

[185] نفس المصدر ص 17.

[186] نفس المصدر ص 15.

[187] نفس المصدر السابق ص 17.

[188] نفس المصدر ص23 أشار إلي أنه عليه السلام مع تقدم سنه بقي ملتزماً بمنهجه في العبادة والإكثار في الصلاة.

[189] بحارالأنوار ج41 ص14 وتذكرة الخواص لبسط ابن الجوزي ص 144.

[190] المصدر المتقدم.

[191] أنساب الأشراف ج2 ص180 وفضائل الخمسة من الصحاح الستة ج1 نقلاً عن البخاري ومسلم والنسائي وغيرهم.

[192] حتّ الورق عن الشجر: قشره.

[193] الربق: حبل فيه عدة عري كل واحدة ربقة.

[194] الحمة: عين ماء حار يستشفي فيها من المرض.

[195] الدرن: الوسخ.

[196] نهج البلاغة تبويب صبحي الصالح ص 199.

[197] مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب المازندراني.

[198] نهج البلاغة من كتاب إلي عثمان بن حنيف رقم45 ص 416.

[199] بحارالأنوار ج41 ص1 نقلاً عن التوحيد للصدوق.

[200] نفس المصدر ص6 نقلاً عن أصول الكافي.

[201] نفس المصدر.

[202] مناقب آل أبي طالب ج2 ص94 ط1 المطبعة العلمية قم.

[203] علي وحقوق الإنسان، جورج جرداق ص75 ط 197 بيروت.

[204] بحارالأنوار ج4 ص330 عن المحاسن.

[205] مناقب ابن شهرآشوب ج51 ص 36.

[206] تذكرة الخواص ص 117.

[207] نفس

المصدر ص: 118 يبسه: يضع عليه السمن، والإهالة الشحم أو ما أذيب منه ونحوهما من أدام.

[208] تذكرة الخواص ص 120.

[209] نفس المصدر والإمام علي بن أبي طالب- محمد رضا ص 12.

[210] مناقب ابن شهرآشوب ج1 ص366 عن الإحياء للغزالي.

[211] للاستزادة من شواهد زهد الإمام (عليه السلام) راجع بحارالأنوار: 40 وتذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي، ومناقب آل أبي طالب، ابن شهرآشوب المازندراني ج1 وغيرهم.

[212] كتابة إلي عثمان بن حنيف رقم النص في نهج البلاغة45 باب الرسائل، التبر، فتات الذهب والفضة قبل الصياغة. الوفر: المال. الطمر: الثوب. الخلق البالي. إتان دبرة: التي عقر ظهرها فقل أكلها.

[213] البحار ج41 ص77 عن الكافي ج 5.

[214] نفس المصدر ص40 عن الكافي ج 7.

[215] المناقب- لابن شهرأشوب ص346 والبحار ج41: 1 ص43 عن كشف المحجة لابن طاووس.

[216] مررنا مروراً عابراً علي مواقف الإمام وبطولاته العسكرية في القسم الأول فراجع.

[217] شرح النهج ج1 ص 22.

[218] نفس المصدر.

[219] راجع الحلقة الأولي من دراستنا أميرالمؤمنين (عليه السلام) فصل بأس في الحرب.

[220] راجع تفسير الآية في الكشاف للزمخشري والواحدي في أسباب النزول وابن الأثير في أسد الغابة- يشري- يبيع.

[221] تفسير الطبري عن أنس ج10 ص59 وأسباب النزول للواحدي ص182 والقرطبي في تفسيره ج8 ص91 والرازي في تفسيره والنسفي والسيوطي وسواهم، نقلاً عن فضائل الخمسة ج1 ص 279.

[222] تذكرة الخواص ص128-127 والإمام علي بن أبي طالب- محمد رضا ص 12 تشوقت: تزينت.

[223] راجع القسم الثالث من سيرة المصطفي (صلي الله عليه وآله) للمؤلف.

[224] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج1 ص 25.

[225] نهج البلاغة ص136 تبويب صبحي الصالح. المحجة: الطريق، تنكرت: تغيرت علائمها وأصبحت مجهولة.

[226] نفس المصدر.

[227] نفس المصدر.

[228] نفس المصدر.

[229] نهج البلاغة تبويب د. صبحي الصالح رقم النص224.

حسك: شوك. السعدان: نبت ضائك ترعاه الإبل.

[230] روائع من نهج البلاغة ص 123.

[231] نهج البلاغة رقم

النص 136.

[232] تذكرة الخواص ص 125.

[233] تذكرة الخواص ص125.

[234] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج2 ص 200.

[235] المناقب للمازندراني ج2 ص97 عن أحياء العلوم للغزالي.

[236] من حديث للإمام الصادق (عليه السلام) البحار ج40 ص 330.

[237] مناقب ابن شهرأشوب ج: 1 ص 378.

[238] المصدر السابق نفسه.

[239] نفس المصدر السابق ص 377.

[240] البحار ج41 ص115 ونهج البلاغة رقم النص 232.

[241] المناقب ص 377.

[242] نهج البلاغة رقم النص 131.

[243] نهج البلاغة رقم النص 216.

[244] راجع البحار ج41 ص104 للاطلاع علي منهاجه في مراقبة حالة السوق.

[245] علي وحقوق الإنسان- جورج جرداق ط بيروت1970 ص 87.

[246] وصيته لعبد الله بن عباس حين ولاه البصرة رقم النص76 نهج البلاغة.

[247] نفس المصدر- عهد الإمام (عليه السلام) لمالك الأشتر حين ولاه مصر. طيرة: خفة وطيش.

[248] منهج البلاغة رقم النص-25 لا تخدع بالتحية: لا تبخل بها عليهم.

[249] من وصيته لصاحب الخراج علي القادسية وسواد الكوفة. انظر بحارالأنوار ج41 ص128 نقلاً عن الكافي، العفو الفاضل عن النفقة.

[250] راجع نهج البلاغة رقم النص14 وغيره.

[251] مناقب آل أبي طالب ج1 ص 372.

[252] نفس المصدر نقلاً عن فضائل ابن حنبل.

[253] المناقب ص372 وبحارالأنوار: ج41 ص 54.

[254] البحار ص55 عن المحاسن والكافي عن الصادق (عليه السلام).

[255] المناقب ص272 والبحار ج41 ص 55.

[256] للتفاصيل راجع الحلقة الثانية من هذه الدراسة وبعضاً من فصول هذه الحلقة: كزهد الإمام (عليه السلام) وإقرار العدل.

[257] بحارالأنوار ج41 ص56 وعلي وحقوق الإنسان- جرداق ص 87.

[258] الكافي ج5 باب التسليم علي النساء حديث رقم 3.

[259] مناقب آل أبي طالب ج1 ص 374.

[260] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج1 ص 25.

[261] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج1 ص 25 تلعابة: كثير المرح واللعب.

[262] المناقب ج1 ص381.

[263] المناقب ج1 ص38 ونهج البلاغة نص 73.

[264] شرح نهج البلاغة ج1 ص 22.

[265] بحارالأنوار ج41 ص50 نقلاً عن النهاية. الكراع:

جمع الخيل.

[266] المناقب ج1 ص381 عن ابن بطة والسجستاني.

[267] الإمام علي بن أبي طالب- محمد رضا ص 223.

[268] نفس المصدر ص 173.

[269] المناقب ج1 ص-379.

[270] نفس المصدر ص280 وبحارالأنوار ج41 ص 49.

[271] بحارالأنوار ج41 ص206 باب 127.

[272] تذكرة الخواص ص 76.

[273] الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ص61 وفي تذكرة الخواص رواية مشابهة وفي شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج2 ص176 مثلها.

[274] الفصول المهمة ص62 وتذكرة الخواص أيضاً.

[275] راجع القسم الثاني من هذه الدراسة.

[276] بحارالأنوار ج41 ص145 وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج1 ص 23.

[277] راجع القسم الثاني من هذا الكتاب.

[278] عهد الإمام (عليه السلام) إلي مالك الأشتر حين ولاه مصر نهج البلاغة رقم53 ص 426.

[279] الإمام علي رجل الإسلام المخلد- عبدالمجيد لطفي ص53 وأعيان الشيعة ج3 ق1 ص-156 ص 157.

[280] يراجع القسم الثاني من هذا الكتاب.

[281] مسند أحمد بن حنبل ج2 ص300 ومناقب الخوارزمي عن عائشة.

[282] نهج البلاغة من كلام له (عليه السلام) رقم 235. أنفذنا: أفنينا. ماء الشؤون: منابع الدمع.

الداء مماطلاً: مماطلاً بالشفاء.

المد محالفاً: الحزن ملازماً.

قلا: محالفة الحزن ومماطلة الشفاء قليلان لك.

[283] راجع القسم الأول من هذا الكتاب.

[284] نهج البلاغة رقم النص.201 التأسي: الاعتبار. هضم: ظلم. الفادح: المثقل. إحفاء السؤال: الاستقصاء فيه. التعزي: التصبر. القالي: المبغض. ملحودة القبر: الجهة المشقوقة. السئم: الضجر. مسهد: اشتد منه الأرق.

[285] نهج البلاغة أواخر خطبة رقم182. أبرد برؤوسهم: أرسلت رؤوسهم بالبريد إلي الطغاة للتشفي منهم. أوه: كلمة توجع.

[286] شرح النهج ج1 ص 22.

[287] في القسم الثاني والثالث من هذا الكتاب.

[288] شرح نهج البلاغة ج1 ص17 وما بعدها ط 1، 1959 ط دار إحياء الكتب العربية.

[289] روي هذا الحديث باختلاف يسير في اللفظ: مسلم في الصحيح، والحاكم في مستدرك الصحيحين وأحمد بن حنبل في: مسند والمتقي في كنز العمال، وغيرهم.

[290] نهج البلاغة الخطبة

القاصعة. رقم 192.

[291] أنساب الأشراف ج2 ص-98 البلاذري.

[292] خصائص الإمام علي بن أبي طالب للنسائي ص 49.

[293] أخرجه الترمذي في صحيحه وأحمد بن حنبل والحاكم في المستدرك والحافظ أبومحمد السمرقندي في بحر الأسانيد وابن جير في تهذيب الآثار والأربلي في كشف الغمة نقلاً عن فتح الملك العلي بصحة حديث باب مدينة العلم علي للحافظ أحمد بن محمد الصديق الفماري ط 2، 1996.

[294] أبونعيم في حلية الأولياء والديلمي في فردوس الأخبار وغيرهما نقلاً عن مقام أميرالمؤمنين ط الأعلمي ص7.

[295] أخرجه الخوارزمي وابن المغازلي الشافعي والمناقب ج2 ص 30.

[296] راجع مناقب آل أبي طالب ج1 فصل في المسابقة بالعلم، والبحار ج41 باب93 وفضائل الخمسة من الصحاح الستة وغيرها.

[297] بحارالأنوار ج40 باب93 عن النقاش في تفسيره، ومناقب آل أبي طالب ج1 فصل المسابقة في العلم.

[298] راجع فصل في عهد الخلفاء في الحلقة الأولي من دراستنا عن أميرالمؤمنين (عليه السلام).

[299] البحار ج40 باب93 عن كشف الغمة.

[300] المرجع السابق باب93 نقلاً عن الخصال.

[301] البحار ج40 باب93 ويشبهه في الإرشاد للشيخ المفيد ص 191.

[302] أعيان الشيعة ج3 ق1 ص63 عن الاستيعاب ومثلها في الإصابة والإتقان وحلية الأولياء وفي صحيح مسلم ج 6.

[303] نفس المصدر عن غرر الحكم للآمدي.

[304] نفس المصدر: عن نهج البلاغة.

[305] شرح النهج ج2 ص-286 ونفس الرواية في البحار: 40 باب93 ص192 ولكنه يروي أن الرجل كان تميم بن أسامة التميمي.

[306] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج2 ص 289.

[307] شرح نهج البلاغة ج2 ص286 وما بعدها.

[308] فطر الخلائق: ابتدعها علي غير مثال سابق.

وتد: ثبّت.

الميدان: التحرك بالتمايل.

[309] نهج البلاغة رقم الخطبة 1، لا عن حدث: لا عن إيجاد موجد.

المزايلة: المفارقة والاختلاف.

الروية: التفكير.

أجال: ردد أو أدار.

همامة: اهتمام الأمر وانشغال بال.

لأم: قرن.

غرز الغرائز: أودع فيها الطباع.

قرائن: جمع قرونة وهي النفس.

الأحناء: الجوانب.

لا تقعد

القلوب منه علي كيفية: أي ليست له كيفية فتحكم بها.

[310] نفس المصدر رقم 85.

[311] نهج البلاغة رقم182، يتعاوره: تطرأ عليه الزيادة والنقصان.

[312] نفس المصدر والخطبة.

وهم: تفكير وتوهم.

النائل: العطاء.

أين: إشارة للمكان.

[313] الميثاق: العهد.

الأنداد: الأمثال وهم المعبودون من دون الله.

اجتالتهم: أبعدتهم عن هدفهم.

واتر: جعل بين كل نبي وآخر فترة.

ليستأدوهم: ليطلبوا الأداء منهم.

وصب: تعب.

[314] نهج البلاغة رقم النص 1 «باب الخطب».

نسلت القرون: تتابعت.

المحجة: الطريق الواضحة المستقيمة.

إنجاز عدته: وعده الله تعالي بإرسال محمد (صلي الله عليه وآله).

السمات: العلامات التي بشر بها النبيون السابقون لرسول الله محمد (صلي الله عليه وآله).

ملحد في اسم الله: يخرج به عن حقيقة مسماه.

[315] نفس المصدر نص144.

[316] نفس المصدر رقم 147، تجلي: ظهر بآيات لا برؤيته المباشرة.

المثلاث: العقوبات.

[317] خطبة رقم 2 من نهج البلاغة.

الغالي: المغالي المبالغ الذي يتجاوز الحد في الإفراط.

[318] نفس المصدر رقم 144.

[319] نفس المصدر رقم 152.

[320] نهج البلاغة رقم النص87، تؤفكون: تصرفون عن الحق.

المنار: جمع منارة.

يتاه بكم: الحيرة والضلال.

تعمهون: تتحيرون.

العترة: النسل.

ردوهم وردود إليهم العطاش: هلموا إلي بحار علومهم مسرعين كإسراع الإبل العطش إلي الماء.

[321] نفس المصدر رقم100، حوي نجم: غاب.

[322] راجع الحلقة الثانية من هذا الكتاب (الفصل الأول) لملاحظة النصوص بهذا الصدد.

[323] نهج البلاغة رقم129.

النهمة: المبالغة في الحرص وشدة الشهوة.

الحائف: الظالم.

المقاطع: حدود الله.

الدول: المال.

والمراد بالحائف بالدول: الظالم في توزيع المال حيث يفضل قوماً علي قوم في العطاء.

[324] نفس المصدر رقم73 في باب المختار من كلامه (عليه السلام).

[325] يراجع عهد الإمام (عليه السلام) إلي مالك الأشتر واليه علي مصر في نهج البلاغة رقم53 في باب الكتب.

[326] نفس المصدر.

[327] المراجعات: السيد عبدالحسين شرف الدين مراجعة (110) ص 324.

[328] نفس المصدر.

[329] مناقب آل أبي طالب ج 1 «في المسابقة بالعلم» ج2 ص 41.

[330] مباني تكملة المنهاج ج2 كتاب الديات: السيد أبوالقاسم الخوئي.

[331] أصول الكافي ج1

باب ذكر الصحيفة والجفر والجامعة ومصحف فاطمة (عليهاالسلام).

[332] الأديم: الجلد.

الفالج: الجمل العظيم ذو السنامين.

والأرش: دية الجراحات.

[333] عقيدة الشيعة في الإمام الصادق: السيد حسن يوسف مكي العاملي ص 65.

[334] يراجع أصول الكافي ج1 باب ذكر الصحيفة والجفر والجامعة ومصحف فاطمة (عليهاالسلام) وعقيدة الشيعة في الإمام الصادق ص 66.

[335] أعيان الشيعة ج3 قد2 باب «مؤلفات أميرالمؤمنين (عليه السلام)».

[336] راجع أعيان الشيعة ق2 ج3 ص274 ط-3 بيروت للسيد محسن الأمين.

[337] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج2 ص: 286 والبحار ج40 ص130 عن المنهج.

[338] شرح ابن أبي الحديد لنهج البلاغة ج2 ص 287.

[339] نفس المصدر ص289، أعشي باهلة: عامر بن الحارث.

[340] نفس المصدر ص 290.

[341] دراسات في نهج البلاغة- محمد مهدي شمس الدين ط1972.2 ص186 وما بعدها. وللاستزادة يراجع فصل المغيبات من نفس الكتاب ج2 ص286 وما بعدها من شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ط1 سنة 1959.

[342] مثل خطب الملاحم رقم 187 و 158 و 150 و 138 و 128 و 101 والخطب التي تتحدث عن آخر الزمان مثل.166 و 103 و 108 الملاحم: الوقائع العظيمة.

[343] رقم النص 201 (باب الخطب).

السخط: الغضب.

ثمود: قوم نبي الله صالح (عليه السلام).

خارت: من الخوار صوت الثور، أي حين خسف الله أرضهم كان لها صوت كصوت الثور.

السكة المحماة: حديدة المحرات.

الأرض الخوارة: اللينة الهشة.

[344] نفس المصدر رقم.203 مجاز: ممر إلي الآخرة.

[345] نفس المصدر ص114، وعاها: فهمها وحفظها.

حمت: منعت، يعني التقوي منعت الأولياء من ارتكاب الجرائم.

الهواجر: الأيام الشديدة الحر ومع شدة حرارتها فقد أظمأ المتقون أنفسهم فيها صوماً.

النصب: التعب.

[346] ملق: التملق.

العي: العجز.

[347] روح الله: لطفه ورأفته.

مكر الله: أخذه للعبد بالعقاب دون شعوره.

[348] للمزيد راجع باب المختار من حكم الإمام (عليه السلام) في نهج البلاغة، وتحف العقول لابن شعبة الحراني وج19 وج20 من شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد

وغيرها.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.