الغدير و المعارضون

اشارة

سرشناسه: عاملي، جعفرمرتضي، - 1944

عنوان و نام پديدآور: الغدير و المعارضون/ جعفرمرتضي العاملي

مشخصات نشر: بيروت: دار السيره، 1417ق. = 1996م. = 1375.

مشخصات ظاهري: ص 128

شابك: بها: 3500ريال؛ بها: 3500ريال

وضعيت فهرست نويسي: فهرستنويسي قبلي

يادداشت: كتابنامه: ص. 122 - 113؛ همچنين به صورت زيرنويس

موضوع: غدير خم

موضوع: علي بن ابي طالب(ع)، امام اول، 23 قبل از هجرت - 40ق. -- اثبات خلافت

رده بندي كنگره: BP223/5/ع 2غ 4

رده بندي ديويي: 297/452

شماره كتابشناسي ملي: م 75-9246

مقدمة الطبعة الثانية

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام علي أشرف الخلق محمد وآله الطاهرين..

وبعد..

فإن بحث «الغدير والمعارضون» قد عالج بعض ما يرتبط بقضية الغدير، بطريقة موجزة، ولكنه ولا شك قد سلط الضوء علي أمر قلما تعرض له الباحثون والدارسون لقضايا التاريخ والإمامة.

هذا الأمر الذي كان من الضروري إيضاح ولفت الأنظار إليه، ليحتل موقعه المناسب في التصور العام لحقيقة ما جري بالنسبة لأخطر قضية في تاريخ الإسلام وأشدها حساسية.

وقد ظهر من خلال هذا البحث: أن إيضاح الواقع التاريخي، ومعرفة كل الظروف والأحداث التي أحاطت بهذا الأمر من شأنها أن تحل الكثير من العقد، وتزيل الشبهات التي حاول المغرضون أن يثيروها حول طبيعة هذا الأمر، وغاياته، وظروفه التي نشأ فيها.

علي أننا لا نظلم أحداً إذا قلنا: إنه ليس من حق أي كان أن يشك في هذه القضية، أعني قضية النص علي أمير المؤمنين بالإمامة بعد رسول الله صلي الله عليه وآله، فإنها من الأمور الثابتة، التي لا يجوز لأي عاقل أو منصف أن يرتاب فيها. وذلك لصراحة النصوص القرآنية، والتواتر القاطع لكل عذر، مع صراحة الدلالة للنصوص النبوية المثبتة لإمامة علي [عليه السلام].

[صفحه 6]

فمحاولة إثارة الشبهات في الدلالة القرآنية، بادعاء أنها ظاهرة، وليست نصاً، أو التشكيك في سند أو دلالة النصوص

النبوية لا ينبغي الوقوف عندها، والإلتفات إليها. وعلي الإنسان أن ينصف نفسه ويحترم ضمييره ووجدانه، وإنسانيته. ففي ذلك رضا الله سبحانه، وهو ولينا وهو الهادي إلي سواء السبيل.

جعفر مرتضي العاملي

9 / 2 / 1417 ه ق.

[صفحه 7]

تقديم

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

والحمد لله، والصلاة والسلام علي محمد وآله الطاهرين. واللعنة علي أعدائهم أجمعين إلي يوم قيام الدين.

وبعد..

فإن القضية التي عرفت في تاريخ الإسلام ب «قضية الغدير» تعتبر من أهم القضايا الإسلامية، وأشدها خطورة وحساسية. وذلك لأنها تمثل المحور والأساس الذي يتم علي أساسه تحديد الاتجاه العام للإنسان المسلم، ويرتسم خط مسيره إلي مصيره، إن من الناحية العقائدية، أو الفكرية، أو في نطاق التشريع، أو في مجال الارتباط الشعوري والعاطفي.

[صفحه 8]

وعلي أساس ذلك كله يكون رسم العلاقات في كل ما ومن يحيط به وتتحدّد المنطلقات، وتتكون الارتباطات، وتتشكل العوامل والمؤثرات.

ولأجل ذلك، فإن البحث في هذه القضية، وإيضاح ما لها من أبعاد، ودلالات، والتعرف علي ما اكتنفها من ظروف وملابسات، يصبح بالغ الأهمية لكل مسلم يؤمن بربه، يرجو ثوابه، ويخاف سخطه وعقابه، في يوم تتقلب فيه القلوب والأبصار.

وقد جاء هذا البحث المقتضب، الذي بين يدي القاريء الكريم والذي نشر في سنة 1410 ه. ق، في مجلة «تراثنا» التي تصدر في قم المشرفة ليوضح جانباً مما يُعتقد أنه لم ينل قسطاً كافياً من العناية من قبل الباحثين والمحققين، أو هكذا خيِّل لكاتبه علي الأقل.

[صفحه 9]

وغني عن القول هنا: أن نظرة عابرة يلقيها القارئ علي هذا البحث سوف تجعله مقتنعاً: بأنه قد كان بالإمكان إثراؤه بالنصوص والمصادر بصورة أوسع وأتم، وأوفي مما هو عليه الآن.

إذ إن ما ورد فيه من نصوص ومصادر ما هو إلا غيض من فيض، وقطرة من

بحر، وكله يؤيد بعضه بعضاً، ويشد بعضه أزر البعض الآخر.

ولكن كثرة الصوارف، واعتمادنا علي نباهة القارئ الكريم، وإيثارنا أن نكتفي بتقديم النموذج والمثال قد شجعنا علي الإقتصار علي هذا القدر من النصوص والمصادر..

فإلي القارئ الكريم عذري، وله خالص حبي وشكري.

ومن الله نستمد العون والقوة. وهو ولينا، وهو الهادي إلي سبيل الرشاد والسداد.

جعفر مرتضي العاملي

[صفحه 13]

الغدير والامامة

ليتضح ما نرمي إليه

إن من المناسب قبل أن ندخل في الموضوع الذي هو محط النظر أن نشير إلي تفسير تاريخي مقتضب لمصطلح شائع ومعروف هو مصطلح:

حديث الغدير

فنقول:

إن كلمة «حديث الغدير» تتضمن إشارة إلي حادثة تاريخية وقعت في السنة الأخيرة من حياة الرسول الأكرم [صلي الله عليه وآله]. وبالذات في الأشهر الأخيرة منها. حيث إنه صلي الله عليه وآله قد حج حجته المعروفة

[صفحه 14]

ب «حجة الوداع» وهي الحجة الوحيدة له صلي الله عليه وآله فلما قضي مناسكه، انصرف راجعاً إلي المدينة، ومعه جموع غفيرة تعد بعشرات الألوف من المسلمين، فلما بلغ موضعاً يقال له: «غدير خم»: في منطقة الجحفة، التي هي بمثابة مفترق، تتشعب منه طرق المصريين، والمدنيين، والعراقيين، وبلاد الشام.

نزل جبرائيل عليه في ذلك الموضع، في يوم الخميس، في الثامن عشر من ذي الحجة بقوله تعالي: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ [1]، حيث أمره الله سبحانه أن يقيم علياً إماماً للأمة، ويبلغهم أمر الله سبحانه فيه.

فأمر الرسول [صلي الله عليه وآله] برد من تقدم من الناس، وحبس من تأخر منهم. ثم صلي بهم الظهر، وبعدها قام بهم خطيباً علي أقتاب الإبل، وذلك في حر الهاجرة. وأعلن، وهو آخذ بضبع علي [عليه السلام]: أن علياً أمير المؤمنين، ووليهم، كولاية رسول الله [صلي الله عليه وآله] لهم. حيث قال:

«من كنت مولاه فعلي مولاه «قاله ثلاث أو أربع مرات» اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وأحب من أحبه، وأبغض من أبغضه، وانصر من نصره، واخذل من خذله..».

[صفحه 15]

فنزلت الآية الكريمة: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا [2].

ثم طفق القوم من الصحابة يهنئون أمير المؤمنين [عليه السلام]، وفي مقدمتهم الشيخان: أبو بكر،

وعمر، وغيرهما من المعروفين من صحابة رسول الله [صلي الله عليه وآله] [3].

هذه صورة موجزة عن هذه القضية ذكرناها توطئة، وتمهيداً للبحث الذي هو محط نظرنا، فإلي ما يلي من مطالب وصفحات.

توطئة وتمهيد

قال الله سبحانه وتعالي في كتابه الكريم: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ [4].

نزلت هذه الآية الشريفة في حجة الوداع، لتؤكد علي لزوم تبليغ النبي [صلي الله عليه وآله] ما أمر به من أمر الإمامة. وولاية علي [عليه الصلاة والسلام] علي الناس. كما ذكرته المصادر

[صفحه 16]

الكثيرة والروايات الموثوقة.. ولسنا هنا بصدد الحديث عن ذلك.

وقد يري البعض: أن هذه الآية قد تضمنت تهديداً للرسول نفسه، بالعذاب والعقاب إن لم يبلِّغ ما أنزل إليه من ربه، وفي بعض الروايات: أنه [صلي الله عليه وآله] قد ذكر ذلك في خطبته للناس يوم الغدير، وستأتي بعض تلك الروايات إن شاء الله تعالي.

ولكننا نقول:

إن التهديد الحقيقي موجه لفئات من الناس كان يخشاها الرسول، كما صرح هو نفسه [صلي الله عليه وآله] بذلك ولم يكن النبي [صلي الله عليه وآله] ممتنعاً عن الإبلاغ، ولكنه كان ممنوعاً منه، فالتهديد له إن كان فإنما هو من باب: «إياك أعني، واسمعي يا جارة».

وهذا بالذات، ما نريد توضيحه في هذا البحث، بالمقدار الذي يسمح لنا به المجال، والوقت فنقول:

الغدير والإمامة

إن من يراجع كتب الحديث والتاريخ، يجدها طافحة بالنصوص والآثار االثابتة، والصحيحة، الدالة علي إمامة علي أمير المؤمنين [عليه الصلاة والسلام]، ولسوف لا يبقي لديه أدني شك في أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم لم يأل جهداً، ولم يدخر وسعاً في تأكيد

[صفحه 17]

هذا الأمر، وتثبيته، وقطع دابر مختلف التعلُّلات والمعاذير فيه، في كل زمان ومكان، وفي مختلف الظروف والأحوال، علي مر العصور والدهور.

وقد استخدم في سبيل تحقيق هذا الهدف مختلف الطرق والأساليب التعبيرية، وشتي المضامين البيانية:

فعلاً وقولاً، تصريحاً، وتلويحاً، إثباتاً ونفياً، وترغيباً وترهيباً، إلي غير ذلك مما يكاد لا يمكن حصره، في تنوعه، وفي مناسباته.

وقد توجت جميع تلك الجهود المضنية، والمتواصلة باحتفال جماهيري عام نصب فيه النبي صلي الله عليه وآله رسمياً علياً [عليه السلام] في آخر حجة حجها [صلي الله عليه وآله]. وأخذ البيعة له فعلاً من عشرات الألوف من المسلمين، الذين يرون نبيهم للمرة الأخيرة.

وقد كان ذلك في منطقة يقال لها «غدير خم» واشتهرت هذه الحادثة باسم هذا المكان. وهي أشهر من أن تذكر. وقد ذكرنا موجزاً عنها في أول هذا البحث.

ولسنا هنا بصدد البحث عن وقائع ما جري، واستعراض جزئياته، ولا نريد توثيقه بالمصادر والأسانيد، ولا البحث في دلالاته ومراميه المختلفة. فقد كفانا مؤونة ذلك العلماء الأبرار،

[صفحه 18]

جزاهم الله خير جزاء وأوفاه [5].

وإنما هدفنا هو الإلماح إلي حدث سبقه بفترة وجيزة، وهو ما حصل تحديداً في نفس حجة الوداع التي هي حجته الوحيدة، والتي نصب فيها النبي [صلي الله عليه وآله] علياً إماماً للأمة، وهو في طريق عودته منها إلي المدينة.

وذلك لأن التعرف علي هذا الحدث الذي سبق قضية الغدير لسوف يمكننا من أن نستوضح جانباً من المغزي العميق الذي يكمن في قوله تعالي: وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [6] ولكننا قبل ذلك، لا بد لنا من إثارة بعض النقاط المفيدة في هذا المجال فنقول:

الحدث الخالد

إن من طبيعة الزمن في حركته نحو المستقبل، وابتعاده عن قضايا الماضي، هو أن يؤثر في التقليل من أهمية الأحداث الكبيرة، التي يمر بها، وتمر به، ويساهم في أفولها شيئاً فشيئاً، حتي تصبح علي حد الشبح البعيد البعيد، ثم قد ينتهي بها الأمر

[صفحه 19]

إلي أن تختفي عن مسرح الذكر والذاكرة، حتي كأن شيئاً

لم يكن.

ولا تحتاج كبريات الحوادث في قطعها لشوط كبير في هذا الاتجاه إلي أكثر من بضعة عقود من الزمن، مشحونة بالتغيرات والمفاجآت.

وحتي لو احتفظت بعض معالمها لسبب أو لآخر بشيء من الوضوح، ونالت قسطاً من الاهتمام، فلا يرجع ذلك إلي أن لها دوراً يذكر في حياة الإنسان وفي حركته، وإنما قد يرجع لأنها أصبحت تاريخاً مجيداً، يبعث الزهو والخيلاء لدي بعض الناس، الذين يرون في ذلك شيئاً يشبه القيمة، أو يعطيهم بعضاً من الاعتبار والمجد بنظرهم، وربما يكون ثمة أسباب أخري أيضاً.

ولكن قضية الغدير، رغم مرور الدهور والأحقاب، وبعد ألف وأربع مائة سنة زاخرة بالتقلبات العجيبة، وبالقضايا الغريبة، ومشحونة بالحروب والكوارث، وبالعجيب من القضايا والحوادث.

ورغم المحاولات الجادة، والمتتابعة للتعتيم عليها، وإرهاقها بالتعليلات والتعللات غير المعقولة، باردة كانت أو ساخنة، بهدف حرفها عن خطها القويم، وعن الاتجاه الصحيح والسليم.

وكذلك رغم ما عاناه ويعانيه المهتمون بها من اضطهاد

[صفحه 20]

وغربة، وتشريد ومحنة، وما يصب علي رؤوسهم من بلايا ومصائب، وكوارث ونوائب.

نعم، رغم ذلك كله وسواه، فإن هذه الحادثة بما تمثله من قضية كبري للإيمان وللإنسان، قد بقيت ولسوف تبقي القضية الأكثر حساسية وأهمية، لأنها الأكثر صلة بالإيمان وبالإنسان، والأعمق تأثيراً في حياة هذا الكائن، وفي بنية شخصيته من الداخل، وعلي علاقاته بكل من وما يحيط به، أو يمت إليه بأدني صلة أو رابطة من الخارج.

وهي كذلك القضية الأكثر مساساً وارتباطاً بمستقبل هذا الإنسان، وبمصيره، إنْ في الدنيا، وإنْ في الآخرة.

وهذا بالذات هو السر في احتفاظ هذه القضية بكل حيويتها، وحساسيتها بالنسبة إليه، علي مر الدهور، وتعاقب العصور، ولسوف تبقي كذلك كما سيتضح فيما يأتي.

مفتاح الحل

وإذا كان الأمر كذلك فلا يبقي مجال للإصغاء لما قد يثيره البعض، من أنه:

سواء أكان الحق في ذلك لعلي [عليه السلام]، وقد اغتُصِبَ منه، وأقصي عن منصب هو له، أم لم يكن الأمر كذلك، فإن هذه القضية قد تجاوزتها الأحداث، وأصبحت تاريخاً يحكيه

[صفحه 21]

البعض، وينساه آخرون، كأي حدث تاريخي آخر.

فلم يعد الوقوف عندها والاهتمام بها مجدياً، ولا مفيداً، إن لم نقل: إن فيه ما يوجب الفرقة، ويرسخ التباعد، بما يثيره من كوامن وضغائن.

نعم.. لا مجال لهذا القول؛ فإن قضية الغدير، لا تزال ولسوف تبقي هي القضية الأساسية والرئيسة بالنسبة للمسلمين بل للناس جميعاً، وهي المفتاح للباب الذي لا بد من الدخول منه لحل المشاكل المستعصية الكبري، وبعث الإسلام العزيز من جديد، وبناء قوته، وبث الحياة والحيوية في أبنائه.

وبدون ذلك، فإن علي الجميع أن يستعدوا لمواجهة المزيد من المصائب، وأن يقبلوا شاؤوا أم أبوا باستمرار حالة الضعف والتقهقر، بل وانهيار بناء الإسلام الشامخ.

خلافة أم إمامة

وما ذلك إلا لأن القضية لا تقتصر علي أن تكون مجرد قضية خلافة وحكم وسلطة في الحياة الدنيا، ولا هي قضية: أن يحكم هذا، أو يحكم ذاك، لسنوات معدودة، وينتهي الأمر.. وإن كان ربما يقال: إن الذين تصدوا للحكم، واستأثروا به لأنفسهم قد قصدوا ذلك.

ولكننا نجد شواهد كثيرة قد لا تساعد علي هذا الفهم الساذج للأمور.

[صفحه 22]

وإنما هو يتجاوزه لما هو أهم وأخطر، وأدهي وأعظم، فقد عمل الحكام الأمويون علي تكريس مفهوم الإمامة والخلافة الإلهية في كل شخصية تصدت للحكم. وذلك في نطاق تقديم العديد من الضوابط والمعايير، المستندة إلي مبررات ذات طابع عقائدي في ظاهره، يتم علي أساسها اضطهاد الفكر والاعتقاد المخالف، والتخلص من رجالاته بطريقة أو بأخري.

وقد سرت تلك المفاهيم المخترعة في الناس، وأصبحت أمراً واقعاً، لا مفر منه ولا مهرب، ولا ملجأ منه

ولا منجي. وتفرقت الفرق، وتحزبت الأحزاب، رغم أن غير الشيعة من أرباب الفرق والمذاهب الإسلامية يدَّعون شيئاً، ويمارسون شيئاً آخر، فهم يعتقدون بالخلفاء أكثر مما يعتقده الشيعة في أئمتهم، ويمارسون ذلك عملاً، ولكنهم ينكرون ذلك، ولا يعترفون به قولاً، بل هم ينكرون علي الشيعة اعتقادهم في أئمتهم ما هو أخف من ذلك وأيسر.

دور الإمامة في بناء الإنسان والحياة

وليس من الغريب القول بأن معرفة قضية الإمامة وتحديد الموقف منها هو الذي يحدد مسار الإنسان واتجاهه في هذه الحياة. وعلي أساس هذا التحديد، والمعرفة والاعتراف يتحدد مصيره، ويرسم مستقبله، وبذلك تقوم حياته، فيكون سعيداً أو شقياً، في خط الإسلام

[صفحه 23]

وهداه، أو في متاهات الجاهلية وظلماتها، كما أشير إليه في الحديث الشريف: «من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية» أو ما بمعناه [7].

فعلي أساس الاعتقاد بالإمامة وطريقة التعامل معها يجسد الإنسان علي صعيد الواقع، والعمل، مفهوم الأسوة والقدوة، الذي هو حالة طبيعية، يقوم عليها من حيث يشعر أو لا يشعر بناء وجوده وتكوين شخصيته، منذ طفولته.

كما أن لذلك تأثيره الكبير في تكوينه النفسي، والروحي، والتربوي، وفي حصوله علي خصائصه الإنسانية، وفي حفاظه علي ما لديه منها.

وعلي أساس هذا الاعتقاد، وذلك الموقف أيضاً يختار أهدافه، ويختار السبل التي يري أنها توصله إليها.

[صفحه 24]

والإمامة هي التي تبين له الحق من الباطل، والحسن من القبيح، والضار من النافع.

وعلي أساس الالتزام بخطها يرتبط بهذا الإنسان أو بذاك، ويتعاون معه، ويتكامل، أو لا يفعل ذلك.

كما أنها هي التي تقدم للإنسان المعايير والنظم، والمنطلقات التي لا بد أن يلتزم بها، وينطلق منها، ويتعامل ويتخذ المواقف إحجاماً أو إقداماً علي أساسها.

أضف إلي ذلك: أنها تتدخل في حياته الخاصة، وفي ثقافته، وفي أسلوبه وفي كيفية تفكيره.

ومن الإمام يأخذ

معالم الدين، وتفسير القرآن، وخصائص العقائد، ودقائق المعارف. وهذا بالذات هو السر في اختلاف الناس في ذلك كله، واختلفوا في تحديد من يأخذون عنه دينهم، وفي من يتخذونه أسوة وقدوة.

إذن.. فموضوع الغدير، ونصب الإمام للناس، وتعريفهم به، لا يمكن أن يكون علي حد تنصيب خليفة، أو حاكم، أو ما إلي ذلك، بل الأمر أكبر وأخطر من ذلك.. كما أنه ليس حدثاً عابراً فرضته بعض الظروف، لا يلبث أن ينتهي ويتلاشي تبعاً لتلاشي وانتهاء الظروف التي فرضته أو أوجدته، وليصبح في جملة ما يحتضنه التاريخ من أحداث كبيرة، وصغيرة، لا يختلف عنها

[صفحه 25]

في شيء، ولا أثر له في الحياة الحاضرة إلا بمقدار ما يبعثه من زهو، واعتزاز، أو يتركه من مرارة وألم علي مستوي المشاعر والانفعالات لا أكثر.

بل أمر الإمامة، يمس في الصميم حقيقة هذا الإنسان، ومصيره ومستقبله، ودنياه وآخرته، ويؤثر في مختلف جهات وجوده وحياته.

ومعني ذلك هو أنه لا بد من حسم الموقف في هذا الأمر، ليكون الإنسان علي بصيرة من أمره، فلا يموت ميتة جاهلية. كما تقدم عن الرسول الأعظم [صلي الله عليه وآله].

واشتراط الحديث الشريف تحصيل معرفة الإمام في النجاة من الهلكة، وذلك في صيغة عامة تشمل كل إنسان، حتي ولو لم يكن يعتنق الإسلام، حيث قال: «من مات ولم يعرف إمام زمانه..»، ولم يقل: إذا مات المسلم ولم يعرف.. الخ..

ان هذا الاشتراط يوضح لنا

أن تجاهل قضية الإمامة، وعدم حسم الأمر في موضوع الأسوة والقدوة يساوي رفضها، وإبعادها عن محيط الحياة والإنسان في كونه يوجب الميتة الجاهلية، ويترك آثاره السلبية المهلكة والمبيدة، علي مجمل حياة هذا الكائن وعلي مستقبله ومصيره، في الدنيا والآخرة.

ومما يدل علي ذلك، ويثبته ويؤكده: أنه تعالي قد اعتبر

[صفحه 26]

عدم إبلاغ أمر الإمامة

إلي الناس، يساوي عدم إبلاغ الرسالة نفسها من الأساس، وذلك يعني: أنه لا يمكن التسامح فيها ولا المحاباة، كما أنه لا مجال لإبعادها وتعطيلها، لأن ذلك يعني إبعاد الدين وتعطيله، ومنعه من أن يكون هو سيد الموقف، وصاحب القرار في حياة الإنسان، وفي مجمل مواقفه وفي مستقبله.

فما بلغت رسالته

وبعد أن عرفنا: أن القضية ليست قضية شخص، وإنما هي قضية الرسالة، أن تكون، أو لا تكون، حتي لقد قال تعالي، مخاطباً نبيه [صلي الله عليه وآله]، في مجال الحث علي حسم أمر الإمامة وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ [8] بعد أن عرفنا ذلك. فإن المنع من إبلاغ الرسالة والإمامة معناه حرمان الإنسان من الهداية الإلهية، ومن الرعاية الربانية، وليس هناك جريمة أعظم ولا أخطر من ذلك.

ومن هنا، كان لا بد من إلقاء نظرة علي ما كانت عليه الحال في زمن الرسول الأكرم [صلي الله عليه وآله]، فيما يرتبط بهذه النقطة بالذات، لنتعرف علي أولئك الناس الذين حاولوا منع الرسول الأكرم [صلي الله عليه وآله] من إبلاغ أمر الإمامة إلي الناس، وزعزعة أركان هذا الأمر الخطير، والعبث بمستقبل الإنسان، وبكل حياته، ووجوده.. وتلك هي الجريمة الأكبر والأضر، والأخطر والأشر.. فإلي الفصل التالي لنتعرف فيه علي بعض ما جري في هذا الإتجاه..

[صفحه 29]

الموتورون، الحاقدون

المعارضون

إننا إذا رجعنا إلي القرآن الكريم، فسنجد أنه قد أفصح لنا عن وجود فئات من الناس، كانت تقف في وجه الرسول [صلي الله عليه وآله] مباشرة، وتمنعه من بيان أمر الإمامة وإقامة الحجة فيها، حتي احتاج [صلي الله عليه وآله] إلي طلب العصمة من الله سبحانه، ليتمكن من مواجهة هؤلاء، وكبح جماحهم.

فمن هم هؤلاء الأشرار الأفَّاكون، والعتاة المجرمون؟!. الذين يجترؤون علي مقام النبوة الأقدس، ويقفون في وجه إبلاغ أوامر الله، وأحكامه.

الجواب:

إن كتب التاريخ والحديث، والسيرة زاخرة بالشواهد

[صفحه 30]

والدلائل القاطعة، والبراهين الساطعة، التي تكشف لنا القناع عن وجه هؤلاء، وتظهر مدي تصميمهم علي رفض هذا الأمر، ومحاربته، وطمسه ومنابذته، بكل ما أوتوا من حول وقوة..

ونحن في مقام التعريف بهم، والدلالة عليهم نبادر إلي

القول: إنهم للأسف قوم رسول الله [صلي الله عليه وآله]، وقريش، بالذات.. قريش، التي حاربت الإسلام في بدء ظهوره، وحاربته وهو غض طري العود، ثم حاربته بعد أن ضرب بجرانه، وعملت علي زعزعة أركانه، حينما أرادت حرمانه من العنصر الضروري والأهم للحياة وللاستمرار، والبقاء.. وأعني به عنصر الإمامة والقيادة. والنصوص التالية خير شاهد علي سياسات قريش هذه. فلنقرأها بتمعن، وصبر، وأناة.

النصوص الصريحة

قال عثمان بن عفان لابن عباس: «لقد علمت: أن الأمر لكم، ولكن قومكم دفعوكم عنه».

ثم تذكر الرواية له كلاماً آخر، وجواب ابن عباس له، فكان مما قال:

«فأما صرف قومنا عنا الأمر، فعن حسد قد والله عرفته،

[صفحه 31]

وبغي والله علمته بيننا وبين قومنا» [25].

وحين ظهرت نتائج الشوري التي عينها عمر بن الخطاب، قال رجل من بني مخزوم لعمار: «ما أنت وتأمير قريش لأنفسها»؟!

ثم تستمر الرواية إلي أن تذكر:

أن المقداد قال: «تالله، ما رأيت مثل ما أتي إلي أهل هذا البيت. وا عجبا لقريش، لقد تركت رجلاً، ما أقول، ولا أعلم أحداً أقضي بالعدل.. الخ..» [26].

وخطب أبو الهيثم بن التيهان بين يدي أمير المؤمنين علي [عليه السلام]، فقال:

«إن حسد قريش إياك علي وجهين:

أما خيارهم فتمنوا أن يكونوا مثلك منافسة في الملأ، وارتفاع الدرجة.

وأما شرارهم فحسدوك حسداً أنغَل القلوب، وأحبط الأعمال.

وذلك أنهم رأوا عليك نعمة قدَّمك إليها الحظ، وأخَّرهم عنها الحرمان، فلم يرضوا

[صفحه 32]

أن يلحقوك حتي طلبوا أن يسبقوك. فبعدت والله عليهم الغاية، وأسقط المضمار.

فلما تقدمتهم بالسبق، وعجزوا عن اللحاق بك بلغوا منك ما رأيت، وكنت والله أحق فريش بشكر قريش» [19].

وعمرو بن عثمان بن عفان أيضاً قال:

«ما سمعت كاليوم إن بقي من بني عبد المطلب علي وجه الأرض أحد بعد قتل الخليفة عثمان إلي أن قال

: فيا ذلاه، أن يكون حسن وسائر بني عبد المطلب قتلة عثمان أحياء يمشون علي مناكب الأرض..» [20].

إنهم يقولون هذا مع أنهم يعلمون: أن الحسن [عليه السلام] كان يدافع عن عثمان وهو محاصر في داره.

وعن علي بن الحسين [عليه السلام]، أنه قال:

«ما بمكة والمدينة عشرون رجلاً يحبنا» [21].

ودخل العباس علي رسول الله [صلي الله عليه وآله]، فقال: «يا رسول الله. إنا لنخرج فنري قريشاً تُحَدِّث؛

[صفحه 33]

فإذا رأونا سكتوا».

فغضب رسول الله [صلي الله عليه وآله]، ودرّ عرق بين عينيه [22].

وسئل الإمام السجاد [عليه السلام] وابن عباس أيضاً:

ما أشد بغض قريش لأبيك؟!.

قال: «لأنه أورد أولهم النار، وألزم آخرهم العار» [23].

وعن ابن عباس: قال عثمان لعلي [عليه السلام]:

«ما ذنبي إذا لم يحبك قريش، وقد قتلت منهم سبعين رجلاً، كأن وجوههم سيوف الذهب» [24].

[صفحه 34]

وقريب منه ما روي أن ابن عمر، قد قاله لعلي أمير المؤمنينعليه السلام أيضاً [25].

وروي أن العباس قال لرسول الله [صلي الله عليه وآله]:

«إن قريشاً، جلسوا، فتذاكروا أحسابهم، فجعلوا مثلك مثل نخلة في كبوة من الأرض، فقال [صلي الله عليه وآله].. الخ.

وحسب نص آخر: أن ناساً من الأنصار جاؤوا إلي النبي [صلي الله عليه وآله] فقالوا: إنا لنسمع من قومك، حتي يقول القائل منهم:

«إنما مثل محمد مثل نخلة» [26].

أي أن النبي فقط هو الإنسان المقبول في بني هاشم، وهو كنخلة. وهم بمثابة المزبلة التي نبتت تلك النخلة فيها.

ويقولون أيضاً: قد كان هوي قريش كافة ما عدا بني هاشم في عثمان [19].

وقال المقداد: وا عجباً لقريش، ودفعهم هذا الأمر عن أهل بيت نبيهم [20].

وقال الثقفي: كانت قريش كلها علي خلافه مع بني

[صفحه 35]

أمية [21].

وبعد بيعة عثمان تكلم عمار، فذكر: أن قريشاً هي التي صرفت هذا الأمر

عن أهل البيت [عليهم السلام]، ثم قال المقداد لعبد الرحمن بن عوف:

«يا عبد الرحمن، اعجب من قريش، إنما تطوُّلهم علي الناس بفضل أهل هذا البيت، قد اجتمعوا علي نزع سلطان رسول الله [صلي الله عليه وآله] بعده من أيديهم. أما وأيم الله يا عبد الرحمن، لو أجد علي قريش أنصاراً لقاتلتهم كقتالي إياهم مع النبي [عليه الصلاة والسلام] يوم بدر» [22].

«وبعد أن بايع الناس علياً [عليه السلام] قام أبو الهيثم، وعمار، وأبو أيوب، وسهل بن حنيف، وجماعة معهم، فدخلوا علي علي [عليه السلام]، فقالوا: يا أمير المؤمنين، انظر في أمرك، وعاتب قومك هذا الحي من قريش، فانهم قد نقضوا عهدك، واخلفوا وعدك، ودعونا في السر إلي رفضك» [23].

كما أن البراء بن عازب قد ذكر: أنه حين توفي رسول الله [صلي الله عليه وآله] تخوف أن تتمالأ قريش علي

[صفحه 36]

إخراج هذا الأمر عن بني هاشم [24].

وروي: أن النبي [صلي الله عليه وآله] قد قال لعلي [عليه السلام]:

«إن الأمة ستغدر بك بعدي» [25].

كما أنه [صلي الله عليه وآله] قد أخبر أمير المؤمنين، بأن في صدور أقوام ضغائن، لا يبدونها له إلا بعده.

وفي بعض المصادر: أن ذلك كان منه [صلي الله عليه وآله] حين حضرته الوفاة [26].

الخليفة الثاني يتحدث أيضا

قال عمر لابن عباس، وهو يتحدث عن سبب صرف الأمر عن

[صفحه 37]

علي [عليه السلام]:

«والله، ما فعلنا الذي فعلنا معه عن عداوة، ولكن استصغرناه، وخشينا أن لا يجتمع عليه العرب، وقريش؛ لما قد وترها» [27].

وقال لابن عباس أيضاً:

«كرهت قريش أن تجمع لكم النبوة والخلافة، فتجفخوا الناس جفخاً [28]، فنظرت قريش لأنفسها، فاختارت، ووفقت، فأصابت» [29].

وفي موقف آخر قال الخليفة له: «استصغر العرب سنه».

كما أنه قد صرح أيضاً بأن قومه قد أبَوْه [30].

وفي

مناسبة أخري قال له:

«لا، ورب هذه البنية، لا

[صفحه 38]

تجتمع عليه قريش أبداً» [31].

وقال أيضاً لابن عباس:

«إن علياً لأحق الناس بها، ولكن قريشاً لا تحتمله..» [32].

قريش في كلمات علي

وإذا رجعنا إلي كلمات أمير المؤمنين [عليه الصلاة والسلام] نفسه، فإننا نجده يحمل قريشاً مسؤولية كل المصائب والرزايا والبلايا التي واجهها هو وكل المخلصين بعد وفاة النبي [صلي الله عليه وآله] ولا سيما فيما يرتبط بأمر الخلافة، وما نشأ عن ذلك من تمزق، في جسم الأمة، وتوزع في أهوائها. ثم ما كان من تقاتل وتناحر، وانحراف عن خط الإسلام وعن مفاهيمه وأحكامه؟ وإلي يوم يبعثون ونذكر من كلماته [عليه السلام] هنا، ما يلي:

قال [عليه السلام]: «اللهم أخز قريشاً، فإنها منعتني

[صفحه 39]

حقي، وغصبتني أمري» [33].

وعنه [عليه السلام]: «فجزي قريشاً عني الجوازي، فإنهم ظلموني حقي، واغتصبوني سلطان ابن أمي» [34].

وفي نهج البلاغة وغيره قال [عليه السلام]: «اللهم إني أستعديك علي قريش ومن أعانهم، فإنهم قطعوا رحمي، وصغروا عظيم منزلتي، وأجمعوا علي منازعتي أمراً هو لي، ثم قالوا: ألا في الحق أن تأخذه، وفي الحق أن تتركه».

وزاد في نص آخر: «فاصبر كمداً، أو فمت متأسفاً حنقاً، وأيم الله لو استطاعوا أن يدفعوا قرابتي كما قطعوا سنتي لفعلوا، ولكن لم يجدوا إلي ذلك سبيلاً» [35].

وفي خطبة له [عليه السلام]، يذكر فيها فتنة بني أمية، ثم ما يفعله المهدي [عليه السلام] بهم، يقول:

[صفحه 40]

«فعند ذلك تود قريش بالدنيا وما فيها، لو يرونني مقاماً واحداً، ولو قدر جزر جزور، لأقبل منهم ما أطلب اليوم بعضه، فلا يعطونيه» [36].

وعنه [عليه السلام]: حتي لقد قالت قريش: «إن ابن أبي طالب رجل شجاع، ولكن لا علم له بالحرب» [37].

وقال عليه السلام: «إني لأعلم ما في أنفسهم، إن الناس ينظرون

إلي قريش، وقريش تنظر في صلاح شأنها، فتقول: إن وُليَّ الأمر بنو هاشم لم يخرج منهم أبداً. وما كان في غيرهم فهو متداول في بطون قريش» [38].

وقال [عليه السلام]: «إن العرب كرهت أمر محمد [صلي الله عليه وآله]، وحسدته علي ما آتاه الله من فضله، واستطالت أيامه، حتي قذفت زوجته، ونفرت به ناقته، مع عظيم إحسانه إليها، وجسيم مننه عندها، وأجمعت مذ كان حياً علي صرف الأمر عن أهل بيته بعد موته.

[صفحه 41]

ولولا أن قريشاً جعلت اسمه ذريعة إلي الرياسة، وسُلّماً إلي العز والإمرة، لما عَبَدَت الله بعد موته يوماً واحداً، ولارتدت في حافرتها، وعاد قارحها جذعاً، وبازلها بكراً [39].

ثم فتح الله عليها الفتوح؛ فأثرت بعد الفاقة، وتمولت بعد الجهد والمخمصة، فحسن في عيونها من الإسلام ما كان سمجاً، وثبت في قلوب كثير منها من الدين ما كان مضطرباً، وقالت: لولا أنه حق لما كان كذا.

ثم نسبت تلك الفتوح إلي آراء ولاتها، وحسن تدبير الأمراء القائمين بها، فتأكد عند الناس نباهة قوم، وخمول آخرين، فكنا نحن ممن خمل ذكره، وخبت ناره، وانقطع صوته وصيته، حتي أكل الدهر علينا وشرب..» [40].

وفي نص آخر عنه [عليه السلام] أنه قال: «فلما رق أمرنا طمعت رعيان البهم من قريش فينا» [41].

وعنه [عليه السلام]: «يا بني عبد المطلب، إن قومكم عادوكم بعد وفاة النبي، كعداوتهم النبي في حياته، وإن يطع

[صفحه 42]

قومكم لا تؤمرَّوا أبداً» [42].

وعنه صلوات الله وسلامه عليه: «ما رأيت منذ بعث الله محمداً رخاء، لقد أخافتني قريش صغيراً، وأنصبتني كبيراً، حتي قبض الله رسوله، فكانت الطامة الكبري» [43].

وقال له رجل يوم صفين: «لم دفعكم قومكم عن هذا الأمر، وكنتم أعلم الناس بالكتاب والسنة؟!».

فقال [عليه السلام]: «فإنها كانت أثرة

شحت عليها نفوس قوم، وسخت عنها نفوس آخرين» [44].

كما أنه [عليه السلام] قد أجاب علي رسالة من أخيه عقيل: «فإن قريشاً قد اجتمعت علي حرب أخيك اجتماعها علي حرب رسول الله [صلي الله عليه وآله] قبل اليوم، وجهلوا حقي، وجحدوا فضلي، ونصبوا لي الحرب، وجدوا في إطفاء نور الله، اللهم فاجز قريشاً عني بفعالها، فقد قطعت رحمي، وظاهرت علي..».

وفي بعض المصادر ذكر [العرب] بدل

[صفحه 43]

قريش [45].

وأما بالنسبة لمعاوية الخليفة الأموي، فقد أخبر [عليه السلام]: أنه لو استطاع لم يترك من بني هاشم نافخ ضرمة [46].

وبعد.. فإن الامام الحسن [عليه السلام] قد ذكر في خطبة له أن قريشاً هي المسؤولة عن موضوع إبعاد أهل البيت [عليهم السلام] عن الخلافة، فراجع [47].

بعض ما قاله المعتزلي هنا

هذا.. وقد أكد المعتزلي هذه الحقيقة في مواضع من شرحه لنهج البلاغة. ونحن نذكر هنا فقرات من كلامه، ونحيل من أراد المزيد علي ذلك الكتاب، فنقول:

قال المعتزلي: «إن قريشاً اجتمعت علي حربه منذ بويع،

[صفحه 44]

بغضاً له وحسداً، وحقداً عليه؛ فأصفقوا كلهم يداً واحدة علي شقاقه وحربه، كما كانت في ابتداء الإسلام مع رسول الله [صلي الله عليه وآله]، لم تخرم حاله من حاله أبداً» [48].

وقال: «إنه رأي من بغض الناس له، وانحرافهم عنه، وميلهم عليه، وثوران الأحقاد التي كانت في أنفسهم، واحتدام النيران التي كانت في قلوبهم، وتذكروا الترات التي وترهم فيما قبل بها، والدماء التي سفكها منهم، وأراقها.

إلي أن قال:

وانحراف قوم آخرين عنه للحسد الذي كان عندهم له في حياة رسول الله [صلي الله عليه وآله]، لشدة اختصاصه له، وتعظيمه إياه، وما قال فيه فأكثر من النصوص الدالة علي رفعة شأنه، وعلو مكانه، وما اختص به من مصاهرته وأخوّته، ونحو ذلك من أحواله.

وتنكّر قوم

آخرين له، لنسبتهم إليه العجب والتيه كما زعموا واحتقاره العرب، واستصغاره الناس، كما عددوه عليه، وإن كانوا عندنا كاذبين، ولكنه قول قيل، وأمر ذكر..» [49].

وقال: «فقد رأيت انتقاض العرب عليه من أقطارها، حين بويع بالخلافة، بعد وفاة رسول الله [صلي الله عليه وآله] بخمس

[صفحه 45]

وعشرين سنة، وفي دون هذه المدة تُنسي الأحقاد، وتموت الترات، وتبرد الأكباد الحامية، وتسلوا القلوب الواجدة، ويعدم قرن من الناس، ويوجد قرن، ولا يبقي من أرباب تلك الشحناء والبغضاء إلا الأقل».

«فكانت حاله بعد هذه المدة الطويلة مع قريش كأنها حاله لو أفضت الخلافة إليه يوم وفاة ابن عمه [صلي الله عليه وآله] من إظهار ما في النفوس، وهيجان ما في القلوب، حتي إن الأخلاف من قريش، والأحداث والفتيان، الذين لم يشهدوا وقائعه وفتكاته في أسلافهم وآبائهم، فعلوا به ما لو كانت الأسلاف أحياء لقصرت عن فعله، وتقاعست من بلوغ شأوه» [50].

وقال: «اجتهدت قريش كلها، من مبدأ الأمر في إخمال ذكره، وستر فضائله، وتغطية خصائصه، حتي مُحي فضله ومرتبته من صدور الإسلام» [51].

وقال: «إن قريشاً كلها كانت تبغضه أشد البغض..

إلي أن قال:

«ولست ألوم العرب، ولا سيما قريشاً في بغضها له، وانحرافها عنه، فإنه وترها، وسفك دماءها، وكشف القناع في

[صفحه 46]

منابذته. ونفوس العرب وأكبادها كما تعلم!» [52].

هذا وقد أشار إلي بغض قريش ومنابذتها له في مواضع عديدة أخري من كتابه، فليراجعها من أراد [53].

واستقصاء النصوص الدالة علي هذا الأمر غير متيسر، بل هو متعذر، بسبب كثرته وتنوعه، وتفرقه في المصادر التي تعد بالمئات.

وبعد ما تقدم:

فإن الوقت قد حان للوقوف علي حقيقة موقف قريش، ومن تابعها، مما جري في قضية [الغدير]، والظرف الذي كان يواجهه الرسول الأعظم [صلي الله عليه وآله] مع هؤلاء، في

هذه المناسبة بالذات، فإلي الفصل التالي.

[صفحه 49]

الرسول الأكرم يعرفهم

الرسول والمتآمرون

ونحن إذا رجعنا إلي كلمات الرسول الأعظم [صلي الله عليه وآله]، المنقولة لنا بصور متعددة، وفي موارد مختلفة، فإننا نجد، أنه [صلي الله عليه وآله] كان يؤكد علي معرفته بنوايا المتآمرين من قومه قريش تجاه أهل بيته عموماً، وأمير المؤمنين علي [عليه السلام] بصورة خاصة، وقد تقدم عنه [صلي الله عليه وآله] بعض من ذلك، وما تركناه أكثر من أن يحاط به بسهولة، لكثرته، وتنوعه.

ويكفي أن نذكر هنا: أن تأخيره صلي الله عليه وآله إبلاغ ما أنزل إليه في شأن الإمامة والولاية، قد كان بسبب المعارضة الكبيرة التي يجدها لدي قريش، التي كانت لا تتورع عن اتهام شخص الرسول [صلي الله

[صفحه 50]

عليه وآله[، والطعن في نزاهته، وفي خلوص عمله ونيته.

وقد صرحت طائفة من النصوص المتقدمة بأن قريشاً كانت رائدة هذا الاتجاه، وهي التي تتصدي وتتحدي، وإليك نموذجاً أخر من تصريحات الرسول [صلي الله عليه وآله] الدالة علي معرفته بهؤلاء المتآمرين، ووقوفه علي حقيقة نواياهم في خصوص هذا الأمر. وبالنسبة لقضية الغدير بالذات.

امثلة وشواهد

1 قال الطبرسي: «قد اشتهرت الروايات عن أبي جعفر، وأبي عبدالله [عليهما السلام]: أن الله أوحي إلي نبيه [صلي الله عليه وآله]: أن يستخلف علياً [عليه السلام]؛ فكان يخاف أن يشق ذلك علي جماعة من أصحابه؛ فأنزل الله هذه الآية تشجيعاً له علي القيام بما أمره الله بأدائه..» [54].

والمراد ب «هذه الآية» قوله تعالي: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ.. [55].

2 عنه [صلي الله عليه وآله]: أنه لما أُمر بإبلاغ أمر الإمامة قال:

«إن قومي قريبو عهد بالجاهلية، وفيهم تنافس وفخر، وما منهم رجل إلا وقد وتره وليّهم، وإني أخاف، فأنزل

[صفحه 51]

الله: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ..» [56].

3 عن ابن عباس إنّه

[صلي الله عليه وآله] قال في غدير خم:

«إن الله أرسلني إليكم برسالة، وإني ضقت بها ذرعاً، مخافة أن تتهموني، وتكذبوني، حتي عاتبني ربي بوعيد أنزله علي بعد وعيد..» [57].

4 عن الحسن أيضاً:

«إن الله بعثني برسالة؛ فضقت بها ذرعاً، وعرفت: أن الناس مكذبي، فوعدني لأبلغنّ أوليعذبني، فأنزل الله: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ..» [58].

5 عن ابن عباس، وجابر الأنصاري، قالا: أمر الله تعالي محمداً [صلي الله عليه وآله]: أن ينصب علياً للناس، فيخبرهم بولايته، فتخوف النبي [صلي الله عليه وآله] أن يقولوا: حابي ابن عمه، وأن يطعنوا في ذلك فأوحي الله: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ.. [59].

[صفحه 52]

6 عن جابر بن عبد الله: أن رسول الله [صلي الله عليه وآله] نزل بخم، فتنحي الناس عنه، ونزل معه علي بن أبي طالب؛ فشقّ علي النبي تأخر الناس؛ فأمر علياً فجمعهم؛ فلمّا اجتمعوا قام فيهم، متوسداً [يد] علي بن أبي طالب، فحمد الله، وأثني عليه، ثم قال:

«أيها الناس، إنه قد كرهت تخلفكم عني حتي خُيّل إلي: أنه ليس شجرة أبغض إليكم من شجرة تليني..» [60].

7 ويقول نص آخر: إنه لما أمر [صلي الله عليه وآله] بنصب علي [عليه السلام]:

«خشي رسول الله [صلي الله عليه وآله] من قومه، وأهل النفاق، والشقاق: أن يتفرقوا ويرجعوا جاهلية، لِما عرف من عداوتهم، ولِما تنطوي عليه أنفسهم لعلي [عليه السلام] من العدواة والبغضاء، وسأل جبرائيل أن يسأل ربّه العصمة من الناس».

ثم تذكر الرواية:

«أنه انتظر ذلك حتي بلغ مسجد الخيف. فجاءه جبرائيل، فأمره بذلك مرة أخري، ولم يأته بالعصمة، ثم جاء مرة أخري في كراع الغميم موضع بين مكة والمدينة وأمره

[صفحه 53]

بذلك، ولكنه لم يأته بالعصمة.

ثم

لما بلغ غدير خم جاءه بالعصمة».

فخطب [صلي الله عليه وآله] الناس، فأخبرهم:

«أن جبرائيل هبط إليه ثلاث مرات يأمره عن الله تعالي، بنصب علي [عليه السلام] إماماً ووليّاً للناس»..

إلي أن قال:

«وسألت جبرائيل: ان يستعفي لي عن تبليغ ذلك إليكم أيها الناس لعلمي بقلة المتقين، وكثرة المنافقين، وإدغال الآثمين، وختل المستهزئين بالإسلام، الذين وصفهم الله في كتابه بأنهم: يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ [61]، وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ [62] وكثرة أذاهم لي في غير مرّة، حتي سمّوني أُذناً، وزعموا: أنّي كذلك لكثرة ملازمته إيّاي، وإقبالي عليه، حتي أنزل الله عز وجل في ذلك قرآناً: وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ [63].

إلي أن قال:

ولو شئت أن أسميهم بأسمائهم لسميت، وأن أومي إليهم بأعيانهم لأومأت، وأن أدل عليهم لفعلت. ولكني والله في أمورهم تكرّمت» [64].

8 عن مجاهد، قال: «لما نزلت: بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ

[صفحه 54]

مِن رَّبِّكَ … قال:

«يا رب، إنما أنا واحد كيف أصنع، يجتمع عليّ الناس؟ فنزلت وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ» [65].

9 قال ابن رستم الطبري:

«فلما قضي حجّه، وصار بغدير خم، وذلك يوم الثامن عشر من ذي الحجة، أمره الله عز وجل بإظهار أمر علي؛ فكأنه أمسك لما عرف من كراهة الناس لذلك، إشفاقاً علي الدين، وخوفاً من ارتداد القوم؛ فأنزل الله يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ.. [66].

10 وفي حديث مناشدة علي [عليه السلام] للناس بحديث الغدير، أيّام عثمان، شهد ابن أرقم، والبراء بن عازب، وأبو ذر، والمقداد، أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم قال، وهو قائم علي المنبر، وعلي [عليه السلام] إلي جنبه:

«أيها الناس، إن الله عز وجل أمرني أن أنصب لكم إمامكم، والقائم فيكم بعدي، ووصيي، وخليفتي،

والذي فرض الله عز وجل علي المؤمنين في كتابه طاعته، فقرب [67] بطاعته طاعتي، وأمركم بولايته، وإني راجعت ربّي خشية طعن

[صفحه 55]

أهل النفاق، وتكذيبهم، فأوعدني لأبلغها، أو ليعذبني» [68].

وعند سليم بن قيس:

«إن الله عز وجل أرسلني برسالة ضاق بها صدري، وظننت الناس يكذبوني، وأوعدني..» [69].

11 وعن ابن عباس: لما أمر النبي [صلي الله عليه وآله] أن يقوم بعلي ابن أبي طالب المقام الذي قام به؛ فانطلق النبي [صلي الله عليه وآله] إلي مكة، فقال:

«رأيت الناس حديثي عهد بكفر بجاهلية ومتي أفعل هذا به، يقولوا، صنع هذا بابن عمّه. ثم مضي حتي قضي حجة الوداع» [70].

وعن زيد بن علي، قال: لما جاء جبرائيل بأمر الولاية ضاق النبي [صلي الله عليه وآله] بذلك ذرعاً، وقال:

«قومي حديثو عهد بجاهليّة، فنزلت الآية» [71].

[صفحه 56]

12 وروي: أنه [صلي الله عليه وآله] لما انتهي إلي غدير خم: «نزل عليه جبرائيل، وأمره أن يقيم علياً، وينصبه إماماً للناس.

فقال: إن أمتي حديثو عهد بالجاهلية.

فنزل عليه: إنها عزيمة لا رخصة فيها، ونزلت الآية: وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ.. [72].

13 وجاء في رواية عن الإمام الباقر [عليه السلام]: أنه حين نزلت آية إكمال الدين بولاية علي [عليه السلام]:

«قال عند ذلك رسول الله: إن أمتي حديثو عهد بالجاهلية، ومتي أخبرتهم بهذا في ابن عمي، يقول قائل، ويقول قائل. فقلت في نفسي من غير أن ينطلق لساني، فأتتني عزيمة من الله بتلةً أوعدني: إن لم أبلغِّ أن يعذبني. فنزلت: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ [73]

وفي بعض الروايات:

أنه [صلي الله عليه وآله] إنما أخر نصبه [عليه السلام] فَرَقاً من الناس، أو لمكان الناس [74].

[صفحه 57]

ممن الخوف يا تري

14 عن الحسن: «ضاق بها ذرعاً،

وكان يهاب قريشاً. فأزال الله بهذه الآية تلك الهيبة» [75].

يريد: أن الرسول [صلي الله عليه وآله] ضاق ذرعاً وخاف قريشاً بالنسبة لبلاغ أمر الإمامة، فأزال الله خوفه بآية: وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ.

المتآمرون:

هذا غيض من فيض مما يدل علي دور المتآمرين من قريش، ومن يدور في فلكها في صرف الأمر عن أمير المؤمنين علي [عليه السلام]، وتصميمهم علي ذلك، لأسباب أشير إلي بعضها في ما نقلناه سابقاً من كلمات ونصوص.

وفي مقدمة هذه الأسباب حرص قريش علي الوصول إلي السلطة، وحقدها علي أمير المؤمنين [عليه السلام] لما قد وترها في سبيل الله والدين.

وكل ما تقدم يوضح لنا السر فيما صدر من هؤلاء الحاقدين من صخب وضجيج، حينما أراد الرسول [صلي الله عليه وآله] في مني وعرفات: أن يبلغ الناس أمر الإمامة، ودورها،

[صفحه 58]

وأهميتها، وعدد الأئمة، وأنهم اثنا عشر إماماً، وغير ذلك.

فإنهم تخوفوا من أن يكون قد أراد تنصيب علي [عليه السلام] إماماً للناس بعده. فكان التصدي منهم. الذي انتهي بالتهديد الإلهي. فاضطر المتآمرون إلي السكوت في الظاهر علي مضض، ولكنهم ظلوا في الباطن يمكرون، ويتآمرون، وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ [76].

فإلي توضيح ذلك فيما يلي من صفحات، وما تحويه من مطالب.

[صفحه 61]

الموقف الفضيحة

الصخب والغضب

لقد ذكرت الروايات الصحيحة: أن رسول الله [صلي الله عليه وآله]، قد خطب الناس في حجة الوداع؛ في عرفة، فلما أراد أن يتحدث في أمر الإمامة وذكر حديث الثقلين [77]، ثم ذكر عدد الأئمة، وأنهم اثنا عشر، واجهته فئات من الناس بالضجيج والفوضي، إلي حد أنه لم يتمكن من إيصال كلامه إلي الناس.

وقد صرح بعدم التمكن من سماع كلامه كل من: أنس، وعبدالملك بن عمير، وعمر بن الخطاب، وأبي جحيفة، وجابر بن سمرة [78]

ولكن رواية هذا الأخير، كانت أكثر وضوحاً.

[صفحه 62]

ويبدو أنه قد روي ذلك مرات عديدة، فرويت عنه بأكثر من طريق. فنحن نختار بعض نصوصها ولاسيما ما ورد منها في الصحاح والكتب المعتبرة، فنقول:

1 في مسند أحمد؛ حدّثنا عبدالله، حدثني أبو الربيع الزهراني، سليمان بن داود، وعبيدالله بن عمر القواريري، ومحمد بن أبي بكر المقدمي، قالوا: حدثنا حماد بن زيد، حدثنا مجالد بن سعيد، عن الشعبي، عن جابر بن سمرة، قال: خطبنا رسول الله [صلي الله عليه وآله] بعرفات وقال المقدمي في حديثه: سمعت رسول الله [صلي الله عليه وآله] يخطب بمني.

وهذا لفظ حديث أبي الربيع: فسمعته يقول: لن يزال هذا الأمر عزيزاً ظاهراً، حتي يملك اثنا عشر كلهم ثم لغط القوم، وتكلموا فلم أفهم قوله بعد [كلّهم]؛ فقلت لأبي: يا أبتاه، ما بعد كلّهم؟.

قال: «كلّهم من قريش»..

وحسب نص النعماني: «فتكلم الناس، فلم أفهم فقلت لأبي..» [79].

[صفحه 63]

2 عن الشعبي، عن جابر بن سمرة، قال: قال رسول الله [صلي الله عليه وآله]: «لا يزال هذا الدين عزيزاً منيعاً، يُنصرون علي من ناواهم عليه إلي اثني عشر خليفة.

قال: «فجعل الناس يقومون ويقعدون».

زاد الطوسي: «وتكلم بكلمة لم أفهمها، فقلت لأبي، أو لأخي».. [80].

وفي حديث آخر عن جابر بن سمرة صرّح فيه: «أن ذلك قد كان في حجة الوداع» [81].

ومن المعلوم: أن النبي صلي الله عليه وآله لم يحج إلا هذه الحجَّة.. [82] 3 عن جابر بن سمرة، قال: «خطبنا رسول الله [صلي الله عليه وآله] بعرفات؛ فقال: لا يزال هذا الأمر عزيزاً منيعاً، ظاهراً علي من ناواه حتي يملك اثنا عشر، كلهم قال: فلم أفهم ما بعد قال: فقلت لأبي: ما قال بعد كلّهم؟ قال: «كلّهم من قريش» [83].

وعن أبي داود وغيره

وإن لم يصرّح بأن ذلك كان في عرفات زاد قوله: كلّهم تجتمع عليه الأمة، فسمعت كلاماً من النبي [صلي الله عليه وآله] لم أفهمه، فقلت

[صفحه 64]

لأبي.. [84].

وفي لفظ آخر: «كلهم يعمل بالهدي ودين الحق» [85].

وفي بعض الروايات:

ثم أخفي صوته، فقلت لأبي: ما الذي أخفي صوته؟

قال: قال: «كلهم من بني هاشم» [86].

4 وذكر في نص آخر: أن ذلك كان في حجة الوداع، وقال:

ثم خفي عليّ قول رسول الله [صلي الله عليه وآله]، وكان أبي أقرب إلي راحلة رسول الله [صلي الله عليه وآله] مني؛ فقلت: يا أبتاه، ما الذي خفي عليّ من قول رسول الله [صلي الله عليه وآله]؟!

[صفحه 65]

قال: يقول «كلهم من قريش».

قال: فأشهد علي أبي إفهام أبي إيّاي: قال: «كلهم من قريش» [87].

5 وبعد أن ذكرت رواية أخري عنه حديث أن الأئمة اثنا عشر قال: ثم تكلم بكلمة لم أفهمها، وضج الناس؛ فقلت لأبي: ما قال؟ [88].

6 ولفظ مسلم عن جابر بن سمرة، قال: انطلقت إلي رسول الله [صلي الله عليه وآله]، ومعي أبي؛ فسمعته يقول: لا يزال هذا الدين عزيزاً منيعاً إلي اثني عشر خليفة؛ فقال كلمة صمّنيها الناس.

فقلت لأبي: ما قال؟

قال: «كلهم من قريش».

وعند أحمد وغيره

فقلت لأبي أو لإبني : ما الكلمة التي أصمّنيها الناس؟!. قال: «كلهم من قريش» [89].

[صفحه 66]

7 وعن جابر بن سمرة قال: كنت عند النبي [صلي الله عليه وآله]، فقال: يلي هذا الأمر اثنا عشر، فصرخ الناس؛ فلم أسمع ما قال، فقلت لأبي وكان أقرب إلي رسول الله [صلي الله عليه وآله] مني فقلت: ما قال رسول الله؟

فقال: قال: «كلّهم من قريش، وكلهم لا يُري مثله» [90].

8 ولفظ أبي داود: فكبر الناس، وضجوا، ثم قال كلمة خفية.. [91].

ولفظ أبي عوانة

فضج الناس. وقد قال النبي [صلي الله عليه وآله] كلمة خفيت عليّ.. [92].

وعلي كل حال.. فإن حديث الاثني عشر خليفة بعده [صلي الله عليه وآله]، والذي قال فيه [صلي الله عليه

[صفحه 67]

وآله[كلمة لم يسمعها جابر، وغيره ممن كان حاضراً، وروي الحديث.. أو لم يفهمها، أو خفض بها صوته، أو خفيت عليه، أو نحو ذلك إن هذا الحديث مذكور في كثير من المصادر والمراجع، فليراجعها طالبها [93].

الفات النظر إلي أمرين

اشاره

وقبل أن نواصل الحديث، فيما نريد التأكيد عليه، فإننا نلفت النظر إلي أمرين.

المكان

فقد اختلفت الروايات حول المكان الذي أورد فيه

[صفحه 68]

النبي [صلي الله عليه وآله] هذه الخطبة. فذكرت طائفة من الروايات: أن ذلك قد كان في حجة الوداع، في عرفات.

ورواية واحدة تردد فيها الرواي بين عرفات ومني.

وهناك طائفة من الروايات عبّرت ب «المسجد» [94].

وسكتت روايات أخري عن التحديد. مع أنها جميعاً قد تحدثت عن حدوث فوضي وضجيج، لم يستطع معه الراوي أن يسمع بقية كلام الرسول الأكرم [صلي الله عليه وآله]؛ وتوجد روايات أشارت إلي عدم فهم الرواي، ولكنها لم تشر إلي الضجيج.

فهل كرر النبي [صلي الله عليه وآله] ذلك في المواضع المختلفة فكان يواجه بالضجيج والفوضي؟! ويكون المقصود بالمسجد، هو المسجد الموجود في مني، أو عرفة؟! إن لم يكن ذكر مني اشتباهاً من الراوي. أم أنه موقف واحد، اشتبه أمره علي الرواة والمؤرخين؟!

[صفحه 69]

أم أن ثمة يداً تحاول التلاعب والتشويش بهدف طمس الحقيقة، وإثارة الشبهات حول موضوع هام وحساس جداً. ألا وهو موضوع الإمامة بعد رسول الله [صلي الله عليه وآله].

قد يمكن ترجيح احتمال تعدد المواقف، التي أظهرت إصرار فئات الناس علي موقف التحدي، والخلاف. وذلك بسبب تعدد الناقلين، وتعدد الخصوصيات والحالات المنقولة.

وقد صرحوا بأنه صلي الله عليه وآله قد خطب في حجته تلك: خمس خطب. واحدة في مكة، وأخري في عرفات، والثالثة يوم النحر بمني، ثم يوم النفر بمني، ثم يوم النفر الأول.

وحتي إن كان موقفاً واحداً، فإن الذي نرجحه هو أن يكون ذلك في عرفات..

كلهم من قريش

قد ذكرت الروايات أنه [صلي الله عليه وآله] قد قال: «كلهم من قريش»..

والسؤال هو:

هل قال رسول الله صلي الله عليه وآله ذلك حقاً؟!

وإذا كان قد قاله، فما هو السبب في ذلك؟

ألا يعتبر ذلك نوعاً من التخفيف من لهجة رفض

المنطق القبلي؟

أضف إلي ذلك: أن ما تقدم من حقيقة الموقف الظالم لقريش، ومن هم علي رأيها، وخططهم التي تستهدف تقويض حاكمية خط الإمامة، قد يشجع علي استبعاد صدور كلمة «كلهم من قريش» منه صلي الله عليه وآله.. وترجيح أن تكون العبارة التي لم يسمعها جابر بن سمرة، وأنس، وعمر بن الخطاب، وعبد الملك بن عمير، وأبو جحيفة، بسبب ما أثاره المغرضون من ضجيج، هي عبارة: «كلهم من بني هاشم». كما ورد في بعض النصوص [95].

وهي الرواية التي استقر بها القندوزي الحنفي، علي

[صفحه 70]

أساس: أنهم «لا يحسّنون خلافة بني هاشم» [96].

غير أننا نقول: إننا نرجح أن يكون [صلي الله عليه وآله] قد قال الكلمتين معاً، أي أنه [صلي الله عليه وآله] قال: «كلهم من قريش، كلهم من بني هاشم». ويكون ذكر الفقرة الأولي توطئة، وتمهيداً لذكر الثانية؛ ولكن قريشاً قد عرفت ما يرمي إليه صلي الله عليه وآله، خصوصاً بعد أن ذكر لهم حديث الثقلين، فثارت ثائرتها هي وأنصارها، وعجوا وضجوا، وقاموا وقعدوا..!!

وإلا.. فإن قريشاً، ومن يدور في فلكها لم يكن يغضبهم قوله [صلي الله عليه وآله]: «كلهم من قريش» بل ذلك يسرهم، ويفرحهم، لأنه هو الأمر الذي ما فتئوا يسعون إليه، بكل ما أوتوا من قوة وحول، ويخططون ويتآمرون، ويعادون، ويحالفون من أجله، وعلي أساسه، فلماذا الهياج والضجيج، ولماذا الصخب والعجيج، لو كان الأمر هو ذلك؟!.

الموقف، الفضحية

ولا نشك في أن طائفة الأخيار، والمتقين الأبرار من صحابة النبي [صلي الله عليه وآله] كانت تلتزم بأوامره [صلي الله عليه وآله]، وتنتهي بنواهيه، وتسلم له [صلي الله عليه وآله] في كل ما يحكم ويقضي به.

[صفحه 71]

ولكن هؤلاء كانوا فئة قليلة إذا قيست بالفئة الأخري، المتمثلة بأصحاب الأهواء، وطلاب

اللبانات، وذوي الطموحات، ممن لم يسلموا، ولكنهم غلبوا علي أمرهم، فاستسلموا، وأصبح كثير منهم يتظاهر بالورع، والدين والتقوي، والطاعة والتسليم لله، ولرسوله، متخذاً ذلك ذريعة للوصول إلي مآربه، وتحقيق أهدافه.

أما هؤلاء، الذين كانوا يظهرون خلاف ما يبطنون، ويسرون غير ما يعلنون، فقد كان لا بد من كشف زيفهم وإظهار خداعهم بصورة أو بأخري.

وقد رأينا:

كيف أن هؤلاء الذين كانوا يتبركون بفضل وضوء رسول الله [صلي الله عليه وآله]، وحتي ببصاقه، ونخامته، ويدّعون الحرص علي امتثال أوامر الله سبحانه بتوقيره، وبعدم رفع أصواتهم فوق صوته [97]، وبالتأدّب معه، وبأن

[صفحه 72]

لا يقدموا بين يدي الله ورسوله و.. و..

لقد رأينا أن هؤلاء بمجرد إحساسهم بأنه [صلي الله عليه وآله] يريد الحديث عن الأئمة الاثني عشر، وبيان مواصفاتهم ويتجه نحو تحديدهم بصورة أدق، وأوفي وأتم كيف ثارت ثائرتهم. وأن خشيتهم من إعلان إمامة من لا يرضون إمامته، وخلافة من يرون أنه قد وترهم، وأباد خضراءهم في مواقفه المشهورة، دفاعاً عن الحق والدين ألا وهو علي أمير المؤمنين [عليه السلام]، قد أظهر حقدهم، فعلا ضجيجهم، وزاد صخبهم، والتعبيرات التي وردت في الروايات واصفة حالهم، هي مثل:

«ثم لغط القوم وتكلموا».

أو: «وضج الناس».

أو: «فقال كلمة أصمّينها الناس».

أو: «فصرخ الناس، فلم أسمع ما قال».

أو: «فكبر الناس، وضجوا».

أو: «فجعل الناس يقومون، ويقعدون».

نعم، لقد كان هذا هو موقفهم من الرسول، وهؤلاء هم الذين يدعي البعض لهم مقام العصمة عن كل ذنب، ويمنحهم وسام الاجتهاد في الشريعة والدين!!.

[صفحه 73]

التدبير النبوي

وتوضيحاً لما جري نقول:

لقد حج النبي صلي الله عليه وآله، في تلك السنة، فاجتمع إليه مئة وعشرون ألفاً، أو تسعون ألفاً، أو سبعون ألفاً.. ليحجوا معه، وقيل غير ذلك.. [98].

وكان معظم هؤلاء الناس قد أسلموا، أو أرسلوا وفوداً

إلي المدينة ليعلموه بإسلامهم بعد فتح مكة أي في سنة تسع سنة الوفود وسنة عشر، وأما المسلمون من عدا هؤلاء، وأهل المدينة أنفسهم، فكانوا قلة قليلة جداً، حتي إن النبي صلي الله عليه وآله، قال لهم في سنة ست: «اكتبوا لي كل من تلفظ بالإسلام» فكتب له حذيفة ألفاً وخمس مئة رجل.. [99].

وفي رواية أخري: «ونحن ما بين الست مئة إلي السبع مئة».. [100] ولا شك أن فيهم صحيح الإيمان، وفيهم المدخول والمنافق قال تعالي: وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الأعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَي النِّفَاقِ [101].

ومن الواضح: أن الذين تلفظوا بالإسلام كانوا منتشرين في المدينة وحولها، وفي الحبشة أيضاً، وفي غير ذلك من المناطق.

وقد فرض الإسلام وجوده، وهيبته تلك السنين التي كانت زاخرة بالتحديات، وسمع به القاصي والداني..

وكان المهاجرون في المدينة، فريقان:

أحدهما: الأنصار، وهم أهل المدينة أنفسهم.

والآخر: القرشيون المهاجرون من مكة بصورة عامة .

[صفحه 74]

وكان المهاجرون يدبرون لإبعاد أمر الخلافة بعد رسول الله صلي الله عليه وآله عن الإمام علي عليه السلام، وقد تعاهدوا وتعاقدوا علي ذلك..

وكان المراقب لتصرفاتهم في مختلف الموارد يدرك مدي انحرافهم عن الإمام علي عليه السلام، وأنهم تكتل واضح المرامي والأهداف، ظاهر التباين والاختلاف، لا مجال لأن يفكر بالإنصياع للتوجيهات النبوية، ولا حتي للقرارات الإلهية فيما يرتبط بالإمام علي عليه السلام، في مختلف الظروف والأحوال..

وقد حج منهم مع رسول الله بضع عشرات، قد لا يصلون إلي المئات.. ولكن ثقلهم الحقيقي كان في مكة، التي أظهرت في السنة الثامنة من الهجرة، الاستسلام للإسلام، بالإضافة إلي ما حولها من البلاد والعباد، الذين يخضعون لنفوذها، ويلتقون في مصالحهم معها..

ولأجل ذلك وجد المهاجرون الطامحون، في قريش، وفي مكة وما والاها، عضداً قوياً، وسنداً لهم،

شجعهم علي مواجهة رسول الله صلي الله عليه وآله، بهذه الحدة والشدة التي سلفت الإشارة إليها..

وبعد أن فعلوا فعلتهم الشنيعة تلك، وظنوا أنهم قد ربحوا معركتهم ضد رسول الله صلي الله عليه وآله، بمنعهم إياه من الإعلان علي الحجيج تنصيب علي في مقام الإمامة.

كان التخطيط النبوي الحكيم يقضي، بأن يخرج النبي صلي الله عليه وآله من مكة فور انتهاء مراسم الحج مباشرة، ومن دون تفويت ساعة، بل دقيقة واحدة من الوقت، فنفر في اليوم الثالث عشر من مني بعد الزوال.. [102] وبعد أن طاف بالبيت خرج من مكة.. [103].

لأن أي تعلل، أو تأخر، سوف يكون معناه أن يخرج أشتات من الناس إلي بلادهم ولا يتمكن النبي صلي الله عليه وآله، من إيصال ما يريد إيصاله إليهم.

وقد قطع صلي الله عليه وآله المسافة ما بين مكة والجحفة، حيث يوجد غدير خم، وهي عشرات الكيلومترات، فقطعها في أربعة أيام فقط، ثم نصب علياً هناك إماماً للأمة، وبايعه حتي أشد الناس اعتراضاً علي رسول الله، ولم يجرؤا علي التفوه ببنت شفة إلا همساً..

لأنهم وجدوا أنفسهم أفراداً قليلين، لا يتجاوزون بضع عشرات من الناس بين عشرات الألوف، فإن حماتهم، وهم مكة وما ولاها، قد بقيت وراء ظهورهم، وأما اليمن، فقد أسلمت طائفة من أهلها قبل أيام يسيرة علي يد الإمام علي عليه السلام، الذي لحق برسول الله صلي الله عليه وآله في مكة.. مع بعض من أسلم علي يديه..

ظهور الأحقاد والمصارحة المرة:

[صفحه 75]

وقد تقدمت كلمات أمير المؤمنين [عليه الصلاة والسلام] التي صرح فيها بأن العرب كرهت أمر محمد [صلي الله عليه وآله]، وحسدته علي ما آتاه الله من فضله، واستطالت أيامه، حتي قذفت زوجته، ونفرت به ناقته.

ولولا أن قريشاً

جعلت اسمه ذريعة للرياسة، وسلماً إلي العز والإمرة، لما عبدت الله بعد موته يوماً واحداً.

وعلي هذا، فإن من الطبيعي جداً: بعد أن جري ما جري منهم معه [صلي الله عليه وآله] في مني وعرفات وبعد أن تأكد لديهم إصرار النبي [صلي الله عليه وآله] علي جعل الأمر في أهل بيته، ولعلي [عليه السلام] علي وجه الخصوص، أن يظهر الحقد والبغض علي وجوههم، وفي حركاتهم وتصرفاتهم، وعلي مجمل مواقفهم. وصاروا يعاملون رسول الله [صلي الله عليه وآله] معاملة غريبة، وبصورة بعيدة حتي عن روح المجاملة الظاهرية.

وقد واجههم رسول الله [صلي الله عليه وآله] بهذه الحقيقة، وصارحهم بها، في تلك اللحظات بالذات. ويتضح ذلك من النص المتقدم في الفصل السابق والذي يقول:

[صفحه 76]

عن جابر بن عبدالله: أن رسول الله [صلي الله عليه وآله] نزل بخم فتنحي الناس عنه، ونزل معه علي بن أبي طالب، فشق علي النبي تأخر الناس، فأمر علياً، فجمعهم، فلما اجتمعوا قام فيهم متوسداً [يد] علي بن أبي طالب، فحمد الله، وأثني عليه.. ثم قال:

«أيها الناس، إنه قد كَرِهْتُ تخلفكم عني، حتي خُيِّلَ إلي: أنه ليس شجرة أبغض إليكم من شجرة تليني» [104].

وروي ابن حبان بسند صحيح علي شرط البخاري كما رواه آخرون بأسانيد بعضها صحيح أيضاً:

إنه حين رجوع رسول الله [صلي الله عليه وآله] من مكة، حتي إذا بلغ الكديد أو [قدير]، جعل ناس من أصحابه يستأذنون، فجعل [صلي الله عليه وآله] يأذن لهم.

فقال رسول الله [صلي الله عليه وآله]:

«ما بال شق الشجرة التي تلي رسول الله أبغض إليكم من الشق الآخر؟».

قال: فلم نر من القوم إلا باكياً.

قال: يقول أبو بكر: «إن الذي يستأذنك بعد هذا لسفيه في نفسي الخ..» [105].

[صفحه 79]

الغدير في ظل التهديدات الإلهية

قريش وخلافة بني هاشم

قد

عرفنا في الفصل السابق: أن قريشاً، ومن هم علي رأيها هم الذين كانوا يخططون لصرف الأمر عن بني هاشم، وبالذات عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب [عليه الصلاة والسلام]، ويتصدون لملاحقته ومتابعته في جميع تفاصيله وجزئياته.

وقد رأوا: أن رسول الله [صلي الله عليه وآله] كان في مختلف المواقع والمواضع لا يزال يهتف باسمه، ويؤكد علي إمامته، ولم يكن في مصلحتهم أن يعلن بذلك أمام تلك الجموع الغفيرة، التي جاءت للحج من جميع الأقطار والأمصار، ولأجل ذلك فقد بادروا إلي التشويش والإخلال بالنظام. قريش بالذات هي التي قصدت النبي [صلي الله عليه وآله]

[صفحه 80]

في منزله بعد هذا الموقف مباشرة لتستوضح منه ماذا يكون بعد هؤلاء الأئمة.

فكان الجواب: ثم يكون الهرج. وفي نص آخر: [الفرج]، كما رواه الخزاز [106].

والظاهر: أن هذا هو الصحيح..

وقد رأي النبي [صلي الله عليه وآله]: أن مجرد التلميح لهذا الأمر، قد دفعهم إلي هذا المستوي من الإسفاف والإسراف في التحدي لإرادة الله سبحانه. ولشخص النبي [صلي الله عليه وآله]، دون أن يمنعهم من ذلك شرف المكان، ولا خصوصية الزمان، ولا قداسة المتكلم، وشأنه وكرامته.

فكيف لو أنه [صلي الله عليه وآله] صرح بذلك وجهر باسمه [عليه الصلاة والسلام]، فقد يصدر منهم ما هو أمر وأدهي، وأشر وأقبح، وأشد خطراً علي الإسلام، وعلي مستقبله بصورة عامة.

وقد فضح الله بذلك أمر هؤلاء المتظاهرين بغير حقيقتهم، أمام فئات من الناس، جاءت للحج من كل حدب وصوب، وسيرجعون بذكريات مرة عن هؤلاء الناس ليحدثوا بها أهلهم، وأصدقاءهم، وزوارهم.. في زمان كان الرجوع من سفر كهذا، والنجاة من أخطاره ومشقاته، بمثابة ولادة جديدة..

التدخل الإلهي

ثم جاء التهديد الإلهي لهم، فحسم الموقف، وأبرم الأمر، وظهر لهم أنهم عاجزون عن الوقوف

في وجه إرادة الله، القاضية بلزوم إقامة الحجة علي الناس كافة، بالأسلوب الذي يريده الله ويرتضيه. وأدركوا: أن استمرارهم في المواجهة السافرة قد يؤدي

[صفحه 81]

بهم إلي حرب حقيقية، مع الله ورسوله، وبصورة علنية ومكشوفة.

فلم يكن لهم بد من الرضوخ، والانصياع، لا سيما بعد أن أفهمهم الله سبحانه: أنه يعتبر عدم إبلاغ هذا الأمر بمثابة عدم إبلاغ أصل الدين، وأساس الرسالة، وأن معارضتهم لهذا الإبلاغ، تجعلهم في جملة أهل الكفر، المحاربين، الذين يحتاج الرسول إلي العصمة الإلهية منهم.

وهذه الأمور الثلاثة قد تضمنتها الآية الكريمة التي حددت السياسة الإلهية تجاههم:

وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ والله يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ الله لا يَهْدِي القَوْمَ الكَافِرِينَ [107].

والتركيز علي هذه الأمور الثلاثة معناه: أن القرار الإلهي هو أنه تعالي سوف يعتبر عدم تبليغ هذا الأمر للناس بصورة علنية أنه عودة إلي نقطة الصفر، وخوض حروب في مستوي بدر، وأحد والخندق، وسواها من الحروب التي خاضها المسلمون ضد المشركين، من أجل تثبيت أساس الدين وإبلاغه.

ومن الواضح لهم:

أن ذلك سوف ينتهي بهزيمتهم وفضيحتهم، وضياع كل الفرص، وتلاشي جميع الآمال في حصولهم علي امتياز يذكر، أو بدونه، حيث تكون الكارثة بانتظارهم، حيث البلاء المبرم، والهلاك والفناء المحتّم.

فآثروا الرضوخ مؤقتاً إلي الأمر الواقع، والانحناء أمام العاصفة، في سياسة غادرة وماكرة.. ولزمتهم الحجة، بالبيعة التي أخذت منهم له [عليه السلام] في يوم الغدير. وقامت الحجة بذلك علي الأمة بأسرها أيضاً.

[صفحه 82]

ولم يكن المطلوب أكثر من ذلك. وكان ذلك قبل استشهاده صلي الله عليه وآله بسبعين يوماً..

سياسة الفضائح

ولكن ذلك لم يكن ليمنعهم من ادعاء التوبة عما صدر، والندم علي ما بدر منهم، وادعاء أن النبي صلي الله عليه وآله قد رضي عليهم وسامحهم، وأنه قد

استجدت أمور دعت النبي إلي العدول عن ذلك كله، وأنه صرف النظر عن تولي الإمام علي عليه السلام للأمور بعده.. لأنه رأي أن العرب لن ترضي بهذا الأمر، لأن علياً عليه السلام قد وترها، وقتل رجالها.. أو لغير ذلك من أسباب..

1 فكانت قضية تجهيز جيش أسامة، وظهور عدم انصياعهم لأوامر النبي صلي الله عليه وآله في المسير مع ذلك الجيش، حتي إنه صلي الله عليه وآله قد لعن من تخلف عن جيش أسامة..

كانت هذه القضية هي الدليل الآخر علي أنهم لا يزالون علي سياساتهم تجاه النبي صلي الله عليه وآله، وأنهم لا يزالون بصدد عصيان أوامره، رغم شدة غضبه صلي الله عليه وآله، منهم، ولعنه لهم..

وقد يعتذرون عن ذلك بأن حبهم للنبي صلي الله عليه وآله، وخوفهم من أن يحدث له أمر في غيبتهم، هو الذي دعاهم إلي هذا العصيان، فليس هو عصيان عن سوء نية، بل هو يدل علي أنهم في غاية درجات الحسن والصلاح..

ثم إنهم قد يقولون للناس وقد قالوا ذلك بالفعل : إن لعن النبي لهم هو من أسباب زيادة درجات الصلاح فيهم، حيث رروا عنه صلي الله عليه وآله زوراً وبهتاناً، أنه قال:

[صفحه 83]

«والله إني بشر، أرضي وأغضب، كما يغضب البشر، اللهم من سببته، أو لعنته، فاجعل ذلك زكاة له ورحمة».. [108].

2 فجاءت قضية صلاة أبي بكر بالناس، في مرض موته صلي الله عليه وآله، وعزل النبي صلي الله عليه وآله له عنها، لتفسد عليهم أي ادعاء لأن يكون أهلاً لما هو أدني من مقام إمامة الأمة، وخلافة النبوة، فإن عدم أهليته حتي للإمامة في الصلاة، فضلاً عن التي لا تحتاج إلا إلي تصحيح القراءة والعدالة، يكشف عن عدم صلاحيته لمقام

الإمامة الذي يحتاج إلي العلم، وإلي العدالة، وإلي الشجاعة، وإلي غير ذلك من صفات..

ولكن قد يعتذرون عن ذلك بالتشكيك في اشتراط العدالة، ويروون عن النبي صلي الله عليه وآله زوراً وبهتاناً أيضاً أنه قال: «صلوا خلف كل بر وفاجر».. ثم يفتي فقهاؤهم بذلك، أو يدّعون أن النبي هو الذي صلي خلف أبي بكر، كما صلي بزعمهم الفاسد ورأيهم الكاسد خلف عمرو بن العاص.. ويدّعون.. ويدّعون..

3 فجاءت قضية كتابة النبي صلي الله عليه وآله الكتاب الذي لن يضلوا بعده أبداً، لتظهر كيف أنهم لا يتورعون حتي عن اتهام النبي صلي الله عليه وآله في عقله، حتي ليقول قائلهم: «إن النبي ليهجر»!! أو قال كلمة معناها: «غلبه الوجع».

وكان القائل لذلك هو عمر بن الخطاب بالذات.

رغم أنه صلي الله عليه وآله ما قال لهم: أريد أن أعين الخليفة بعدي، بل قال: «أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعدي أبداً».. فواجهوه بهذا الأمر العظيم، فكيف لو زاد علي ذلك ما هو أوضح وأصرح؟!

ألا يحتمل أن يبادروا حتي إلي قتله؟!

[صفحه 84]

ثم إنهم قد يعتذرون عن ذلك أيضاً بأن عمر بن الخطاب قد ندم وتاب، وقد يدعون أنه اعتذر إلي النبي صلي الله عليه وآله وأنه صلي الله عليه وآله قد صفح عنه وسامحه.

بل لقد قالوا: إن ما صنعه عمر، من منع النبي صلي الله عليه وآله من كتب الكتاب كان هو الأصح والأصلح، وأنه لو كتب ذلك الكتاب لاختلف المسلمون، ولكانت المصيبة أعظم.

4 فجاء ما جري علي السيدة الزهراء عليه السلام ليؤكد إصرارهم علي مناوأة النبي صلي الله عليه وآله في أهدافه، وعلي أنهم لا يتورعون حتي عن الاعتداء علي البنت الوحيدة لرسول الله صلي الله عليه وآله.. إلي حد إسقاط

الجنين وكسر الضلع، والضرب إلي حد التسبب باستشهادها.. وذلك بعد أن جمعوا الألوف من المقاتلين خصوصاً من قبيلة بني أسلم. التي كانت تعيش بالقرب من المدينة أعرابيتها، وقد قال تعالي: وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الأعْرَابِ مُنَافِقُونَ [109].

وقد يقولون للناس أيضاً: لعن الله الشيطان لقد كانت ساعة غضب وعجلة، ولم نكن نحب أن نسيء إلي بنت رسول الله صلي الله عليه وآله.. وقد ندمنا أعظم الندم علي ما صدر وبدر منا رغم أن لنا، أسوة برسول الله صلي الله عليه وآله، فإنه إذا كان النبي قد بدر منه حين الغضب ما لا يناسب مقامه، فكيف يمكن تنزيه غيره صلي الله عليه وآله عن مثل ذلك..

وهذا معناه: أن ما صدر منهم لا يعني بالضرورة أنهم لا يصلحون لمقام الإمامة والخلافة، خصوصاً وأن ما صدر منهم تجاه السيدة الزهراء إنما كان في ساعات حرجة، فيه الكثير من الانفعال والتوتر، وقد كانوا بزعمهم يسعون فيها إلي حفظ الإسلام، قبل انتشار الأمر، وفساد التدبير..

5 فجاءت قضية فدك لتبين أن هؤلاء غير صادقين فيما يدعونه، وأنهم يفقدون أدني المواصفات لمقام خلافة النبوة فهم:

غير مأمونين علي دماء الناس، كما أظهره فعلهم بالسيدة الزهراء عليه السلام.

[صفحه 85]

وغير مأمونين علي أعراضهم كما أوضحه هتكهم لحرمة بيتها وهي التي تقول: خير للمرأة أن لا تري رجلاً ولا يراها رجل.

وغير مأمونين علي أموال الناس كما أوضحه ما صنعوه في فدك..

فإذا كانوا لا يحفظون أموال ودماء وعرض رسول الله، فهل يحفظون دماء وأعراض وأموال الضعفاء من الناس العاديين؟!

وإذا كانوا يجهلون حكم الإرث، فقد علمتهم إياه السيدة الزهراء عليها السلام.

وبعد التعليم، والتذكير فإن الإصرار يدل علي فقدانهم لأدني درجات الأمانة والعدل.

فهل يمكنهم بعد ذلك كله ادعاء أنهم يريدون إقامة

العدل، وحفظ الدماء، والأعراض، والأموال، وتعليم الناس دينهم، وتربيتهم، وبث فضائل الأخلاق فيهم، وغير ذلك..

وعلي كل حال، فإن النتيجة هي أن هؤلاء القوم قد أصروا علي صرف هذا الأمر عن الإمام علي عليه السلام، ونكثوا بيعته، وأجبروا الناس علي البيعة لهم..

[صفحه 86]

وقد توسلوا للوصول إلي أهدافهم بقوة السلاح، حيث جهزوا ألوفاً من المقاتلين من قبيلة بني أسلم، وعرضوا علي الناس البيعة وأهانوهم، من أجل ذلك، وسحبوهم إلي البيعة من بيوتهم، سحباً وحملوهم عليها قهراً، وجبراً، كما صرحت به النصوص التاريخية.

بل إنهم صاروا يبحثون عن الناس في بيوتهم، ويخرجونهم منها بالقوة، وكان هناك من يدلهم علي البيوت التي اختبأ فيها أفراد لا يريدون البيعة لأبي بكر..

وبعد، فإنه إن كان هناك أفراد يحبون نصرة الإمام علي عليه السلام، فكيف يصلون إليه، بعد أن تضايقت سكك المدينة ببني أسلم؟! وأخذوا عليهم أقطار الأرض، وآفاق السماء؟!!

وقد كان ذلك بعد وفاة النبي [صلي الله عليه وآله]، وإحساسهم بالأمن، وبالقوة.

فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَي نَفْسِهِ [110].

وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ [111].

[صفحه 87]

تذكير ضروري: الورع والتقوي

وقد يدور بخلد بعض الناس السؤال التالي: إنه كيف يمكن أن نصدق أن يقدم عشرات الألوف من الصحابة علي مخالفة ما رسمه النبي [صلي الله عليه وآله] لهم في أمر الخلافة والإمامة. وهم أصحابه الذين رباهم علي الورع والتقوي، وقد مدحهم الله عز وجل في كتابه العزيز، وذكر فضلهم، وهم الذين ضحوا في سبيل هذا الدين، وجاهدوا فيه بأمواله وأنفسهم!!

ونقول في الجواب:

إن ما يذكرونه حول الصحابة أمر مبالغ فيه. وذلك لأن

[صفحه 88]

الصحابة الذين حجوا مع النبي [صلي الله عليه وآله] قبيل وفاته، وإن كانوا يعدون بعشرات الألوف.

ولكن لم يكن هؤلاء جميعاً من سكان

المدينة، ولا عاشوا مع النبي [صلي الله عليه وآله] فترات طويلة، تسمح له بتربيتهم وتزكيتهم، وتعليمهم وتعريفهم علي أحكام الإسلام، ومفاهيمه.

بل كان أكثرهم من بلاد أخري بعيدة عن المدينة أو قريبة منها وقد فازوا برؤية النبي [صلي الله عليه وآله] هذه المرة، وقد يكون بعضهم قد رآه قبلها أو بعدها بصورة عابرة أيضاً، وقد لا يكون رآه.

ولعل معظمهم بل ذلك هو المؤكد قد أسلم بعد فتح مكة، وفي عام الوفود، سنة تسع من الهجرة: فلم يعرف من الإسلام إلا اسمه، ومن الدين إلا رسمه، مما هو في حدود بعض الطقوس الظاهرية والقليلة.

وقد تفرق هؤلاء بعد واقعة الغدير مباشرة، وذهب كل منهم إلي أهله وبلاده.

ولم يبق مع رسول الله بعد حادثة الغدير، الا أقل القليل، ربما بضعة مئات من الناس، ممن كان يسكن المدينة.

[صفحه 89]

وربما كان فيهم العديد من الخدم والعبيد، والأتباع، بالإضافة إلي المنافقين والذين مردوا علي النفاق، ممن أخبر الله عن وجودهم، وأنهم كانوا ممن حولهم الأعراب ومن أهل المدينة، ولم يكن رسول الله [صلي الله عليه وآله] يعلمهم بصورة تفصيلية، وكان الله سبحانه هو الذي يعلمهم.. [112].

قال تعالي: وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَي النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ [113].

هذا إلي جانب فئات من الناس، من أهل المدينة نفسها، كانوا لا يملكون درجة كافية من الوعي للدين، وأحكامه ومفاهيمه، وسياساته، بل كانوا مشغولين بزراعاتهم، وبأنفسهم، وملذاتهم، وتجاراتهم، فإذا رأوا تجارة أو لهواً، انفضوا إليها، وتركوا النبي [صلي الله عليه وآله] قائماً.

وقد تعرض كثير من الناس منهم لتهديدات النبي [صلي الله عليه وآله] بحرق بيوتهم، لأنهم كانوا يقاطعون صلاة الجماعة التي كان يقيمها رسول الله [صلي الله عليه وآله] بالذات،

كما أنه قد كان ثمة جماعة اتخذت لنفسها مسجداً تجتمع فيه، وتركت الحضور في جماعة المسلمين، وهو ما عرف بمسجد الضرار، وقد هدمه [صلي الله عليه وآله]، كما هو معروف.

وتكون النتيجة هي أن من كان في ساحة الصراع والعمل السياسي في المدينة، هم أهل الطموحات، وأصحاب النفوذ من قريش،

[صفحه 90]

صاحبة الطول والحول في المنطقة العربية بأسرها. بالإضافة إلي أفراد معدودين من غير قريش أيضاً.

فكان هؤلاء هم الذين يدبرون الأمور، ويوجهونها بالإتجاه الذي يصب في مصلحتهم، ويؤكد هيمنتهم، ويحركون الجماهير بأساليب متنوعة، اتقنوا الاستفادة منها بما لديهم من خبرات سياسية طويلة.

فكانوا يستفيدون من نقاط الضعف الكثيرة لدي السذَّج والبسطاء، أو لدي غيرهم ممن لم يستحكم الإيمان في قلوبهم بعد، ممن كانت تسيِّرهم الروح القبلية، وتهيمن علي عقلياتهم وروحياتهم المفاهيم والرواسب الجاهلية.

وكان أولئك الذين وترهم الإسلام أو قضي علي الإمتيازات التي لا يستحقونها، وقد استأثروا بها لأنفسهم ظلماً وعلوا كانوا يسارعون إلي الاستجابة إلي أي عمل يتوافق مع أحقادهم، وينسجم مع مشاعرهم وأحاسيسهم الثائرة ضد كل ما هو حق وخير، ودين وإسلام.

وهذا هو ما عبر عنه رسول الله [صلي الله عليه وآله] حينما ذكر: أن تأخيره إبلاغ أمر الإمامة بسبب أنه كان يخشي قومه، لأنهم قريبو عهد بجاهلية، بغيضة ومقيتة، لا يزال كثيرون منهم يعيشون بعض مفاهيمها، وتهيمن عليهم بعض أعرافها.

[صفحه 91]

وهكذا يتضح:

أن الأخيار الواعين من الصحابة، كانوا قلة قليلة. وحتي لو كثر عددهم، فإن الآخرين هم الذين كانوا يقودون التيار، بما تهيأ لهم من عوامل وظروف، في المدينة التي كانت بمثابة قرية صغيرة، لا يصل عدد سكانها إلي بضعة ألوف من الناس، قد عرفنا بعض حالاتهم، فكان أن تمكنوا من صرف أمر الخلافة بعد رسول الله

[صلي الله عليه وآله] عن أصحابها الشرعيين، إلي غيرهم، حسبما هو مذكور ومسطور في كتب الحديث والتاريخ.

خلاصة وبيان

وبعد ما تقدم، فإنه يصبح واضحاً أن الرسول الأكرم [صلي الله عليه وآله] كان يواجه عاصفة من التحدي، والإصرار علي إفشال الخطط الإلهية، بأي ثمن كان، وبأي وسيلة كانت!

وأن التدخل الإلهي، والتهديد القرآني إنما هو موجه إلي العناصر التي أثارت تلك العاصفة، لإفهامهم: أن إصرارهم علي التحدي، يوازي في خطورته وفي زيف نتائجه، وقوفهم في وجه الدعوة الإلهية من الأساس، وقد حَسَم هذا التدخل الموقف، ولجم التيار، لاسيما بعد أن صرح القرآن بكفر من يتصدي، ويتحدي، وتعهد بالحماية والعصمة له [صلي الله عليه وآله]:

وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ [114].

[صفحه 92]

وإذا كان الله سبحانه هو الذي سيتصدي لكل معاند وجاحد، فمن الواضح: أنه ليس بمقدور أحد أن يقف في وجه الإرادة الإلهية، فما عليهم إلا أن ينسحبوا من ساحة التحدي، من أجل أن يقيم الله حجته، ويبلغ الرسول [صلي الله عليه وآله] دينه ورسالته.

وليبوؤوا بإثم المكر والبغي، وليحملوا وزر النكث والخيانة.. والله لا يهدي كيد الخائنين.

[صفحه 96]

في حدود الزمان والمكان

دراسة الحدث في حدود الزمان والمكان

اشاره

ونحن في نطاق فهمنا لموقف النبي [صلي الله عليه وآله] في حجة الوداع في مني وعرفات، ومنع قريش له من نصب علي [عليه السلام] إماماً للأمة، نسجل النقاط التالية:

يوم عبادة

إن يوم عرفة هو يوم عبادة ودعاء وابتهال، وانقطاع إلي الله، سبحانه، ويكون فيه كل واحد من الناس منشغلاً بنفسه، وبمناجاة ربه، لا يتوقع في موقفه ذاك أي نشاط سياسي عام، ولا يخطر ذلك له علي بال.

فإذا رأي أن النبي الأكرم [صلي الله عليه وآله] يبادر إلي عمل من هذا القبيل، فلا بد وأن يشعر: أن هناك أمراً بالغ

[صفحه 97]

الخطورة، وفائق الأهمية، فينشدّ لسماع ذلك الأمر والتعرف عليه، ويلاحق جزئياته بدقة ووعي، وبانتباه فائق.

لماذا في موسم الحج

وإذا كان موسم الحج هو المناسبة التي يجتمع فيها الناس من مختلف البلاد، علي اختلاف طبقاتهم، وأجناسهم، وأهوائهم، فإن أي حدث متميز يرونه ويشاهدونه فيه لسوف تنتشر أخباره بواسطتهم علي أوسع نطاق، فكيف إذا كان هذا الحدث يحمل في طياته الكثير من المفاجآت، والعديد من عناصر الإثارة، وفيه من الأهمية ما يرتقي به إلي مستوي الأحداث المصيرية للدعوة الإسلامية بأسرها.

وجود الرسول أيضا

كما أن وجود الرسول [صلي الله عليه وآله] في موسم الحج، لسوف يضفي علي هذه المناسبة المزيد من البهجة، والارتياح، ولسوف يعطي لها معني روحياً أكثر عمقاً، وأكثر شفافية وسيشعرون بحساسية زائدة تجاه أي قول وفعل يصدر من جهته [صلي الله عليه وآله]، وسيكون الدافع لديهم قوياَ لينقلوا للناس مشاهداتهم، وذكرياتهم في سفرهم الفريد ذاك.

كما أن الناس الذين يعيشون في مناطق بعيدة عنه [صلي الله عليه وآله]، ويشتاقون إليه، لسوف يلذ لهم سماع تلك الأخبار، وتتبعها بشغف، وبدقة وبانتباه زائد؛ ليعرفوا كل ما صدر

[صفحه 98]

من نبيهم، من: قول، وفعل، وتوجيه، وسلوك، وأمر، ونهي وتحذير، وترغيب وما إلي ذلك.

الذكريات الغالية

وكل من رافق النبي [صلي الله عليه وآله] في هذا السفر العبادي، لسوف يحتفظ في ذاكرته بذكريات عزيزة وغالية علي قلبه، تبقي حية غضة في روحه وفي وجدانه، علي مدي الأيام والشهور، والأعوام والدهور، ما دام أن هذه هي آخر مرة يري فيها رسول الله [صلي الله عليه وآله]، أعظم وأكرم، وأغلي رجل وجد، ويوجد علي وجه الأرض.

وحين تتخذ العلاقة بالحدث بعداً عاطفياً، يلامس مشاعر الإنسان، وأحاسسيه، فإنها تصبح أكثر رسوخاً وحيوية، وأبعد أثراً في مجال الالتزام والموقف.

الناس أمام مسؤولياتهم

وقد عرفنا أنه [صلي الله عليه وآله] قد اختار الزمان، ليكون يوم العبادة والانقطاع إلي الله سبحانه ويوم عرفة والمكان، وهو نفس جبل عرفات.

ثم اختار الخصوصيات والحالات ذات الطابع الخاص، ككونها آخر حجة للناس معه، حيث قد أخبر الناس: أن الأجل قد أصبح قريباً.

ثم اختار أسلوب الخطاب الجماهيري، لا خطاب الأفراد

[صفحه 99]

والأشخاص، كما هو الحال في المناسبات العادية..

وكل ذلك وسواه، يوضح لنا: أنه [صلي الله عليه وآله] قد أراد أن يضع الأمة أمام مسؤولياتها، ليفهمها: أن تنفيذ هذا الأمر يقع علي عاتقها؛ ليس للأفراد أن يعتذروا بأن هذا أمر لا يعنيهم، ولا يقع في دائرة واجباتهم، كما أنهم لا يمكنهم دعوي الجهل بأبعاده وملابساته، بل الجميع مطالبون بهذا الواجب، ومسؤولون عنه، وليس خاصاً بفئة من الناس، لا يتعداها إلي غيرها، وبذلك تكون الحجة قد قامت علي الجميع، ولم يبق عذر لمعتذر، ولا حيلة لمتطلب حيلة.

احتكار القرار

وهذه الطريقة في العمل قد أخرجت القضية عن احتكار جماعة بعينها، قد يروق لها أن تدَّعي: أنها وحدها صاحبة الحل والعقد في هذه المسألة أخرجها عن ذلك لتصبح قضية الأمة بأسرها، ومن مسؤولياتها التي لا بد وأن تطالِب، وتطالَب بها، فليس لقريش بعد هذا، ولا لغيرها: أن تحتكر القرار في أمر الإمامة والخلافة، كما قد حصل ذلك بالفعل.

ولنا أن نعتبر هذا من أهم إنجازات هذا الموقف، وهو ضربة موفقة في مجال التخطيط لمستقبل الرسالة، وتركيز الفهم الصحيح لمفهوم الإمامة لدي جميع الأجيال، وعلي مر العصور. وقد كان لا بد لهذه القضية من أن تخرج من يد أناس يريدون

[صفحه 100]

أن يمارسوا الإقطاعية السياسية والدينية، علي أسس ومفاهيم جاهلية، دونما أثارة من علم، ولا دليل من هدي، وإنما من منطلق الأهواء الشيطانية،

والأطماع الرخيصة، والأحقاد المقيتة والبغيضة.

تساقط الأقنعة

ولعل الإنجاز الأهم هنا هو: أنه [صلي الله عليه وآله] قد استطاع أن يكشف زيف المزيفين، وخداع الماكرين، ويعريهم أمام الناس، حتي عرفهم كل أحد، وبأسلوب يستطيع الناس جميعاً علي اختلاف مستوياتهم، وحالاتهم، ودرجاتهم في الفكر، وفي الوعي، وفي السن، وفي الموقع، وفي غير ذلك من أمور، أن يدركوه ويفهموه..

فقد رأي الجميع: أن هؤلاء الذين يدَّعون: أنهم يوقرون رسول الله ويتبركون بفضل وضوئه، وببصاقه، وحتي بنخامته، وأنهم يعملون بالتوجيهات الإلهية التي تقول:

لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [115].

لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ [116].

[صفحه 101]

مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا [117].

أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ [118].

وغير ذلك من آيات تنظم تعاملهم، وتضع الحدود، وترسم معالم السلوك معه [صلي الله عليه وآله]، مما يكون الفسق والخروج عن الدين، في تجاهله، وفي تعديه.

هذا إلي جانب اعترافهم بما له [صلي الله عليه وآله] من فضل عليهم، وأياد لديهم، فإنه هو الذي أخرجهم بفضل الله: من الظلمات إلي النور، ومن الضلال إلي الهدي، وأبدلهم الذل بالعز، والشقاء بالسعادة، والنار بالجنان.

مع أنهم يدعون:

أنهم قد جاؤوا مع هذا الرسول الأكرم والأعظم، في هذا الزمان الشريف، إلي هذا المكان المقدس عرفات لِعبادة الله سبحانه، وطلب رضاه، معلنين بالتوبة، وبالندم علي ما فرطوا في جنب الله، منيبين إليه سبحانه، ليس لهم في حطام الدنيا، وزخارفها، مطلب ولا مأرب.

ولكن مع ذلك كله: فقد رأي الجميع بأم أعينهم: كيف أن حركة بسيطة منه [صلي الله عليه وآله] قد أظهرتهم علي حقيقتهم، وكشفت خفيّ مكرهم، وخادع زيفهم، ورأي كل أحد

[صفحه 102]

كيف أنهم: قد تحولوا إلي وحوش كاسرة، ضد نبيهم بالذات، وظهر كيف أنهم

لا يوقرون رسول الله [صلي الله عليه وآله]، ويرفعون أصواتهم فوق صوته، ويجهرون له بالقول أكثر من جهر بعضهم لبعضهم، ويعصون أوامره، كل ذلك رغبة في الدنيا، وزهداً في الآخرة، وطلباً لحظ الشيطان، وعزوفاً عن الكرامة الإلهية، وزهداً برضي الرحمن.

وعلي هذه فقس ما سواها

وإذا كان هؤلاء لا يتورعون عن معاملة نبيهم بهذا الأسلوب الوقح والقبيح، فهل تراهم يوقرون من هو دونه، في ظروف وحالات لا تصل إلي حالاتهم معه [صلي الله عليه وآله]، ولا تدانيها؟!.

وماذا عسي أن يكون موقفهم ممن طفحت قلوبهم بالحقد عليه، ولهم قِبَلَهُ ترات وثارات الذين قتلهم علي الشرك من أسلافهم، وهو الإمام علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه.

وهكذا.. فإنه يكون [صلي الله عليه وآله] قد أفقدهم، وأفقد مؤيديهم كل حجة، وحرمهم من كل عذر، سوي البغي والإصرار علي الباطل، والجحود للحق؛ فقد ظهر ما كان خفياً، وأسفر الصبح لذي عينين، ولم يعد يمكن الإحالة، علي المجهول، بدعوي: أنه يمكن أن يكون قد ظهر لهم ما خفي علينا.

[صفحه 103]

أو أنهم وهم الأتقياء الأبرار لا يمكن أن يخالفوا رسول الله [صلي الله عليه وآله]، ولا أن يبطلوا تدبيره، ويخونوا عهده، وهو لماّ يُدفن.

أو أن من غير المعقول: أن تصدر الخيانة من أكثر الصحابة؟! أو أن يسكتوا بأجمعهم عليها.

وما إلي ذلك من أساليب، يمارسها البعض لخداع السذج والبسطاء، ومن لا علم لهم بواقع أولئك الناس، ولا بمواقفهم.

فإن كل هذه الدعاوي قد سقطت، وجميع تلكم الأعذار قد ظهر زيفها وبطلانها، فمن شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر.

القرار الإلهي الثابت

والذي ساهم في قطع كل عذر، وبوار كل حجة: أن النبي صلي الله عليه وآله، قد تابع طريقته الحكيمة في فضح أمرهم، بما تقدمت الإشارة إليه، في قضية تجهيز جيش أسامة، وعزل أبي بكر عن الصلاة، وطلب كتابة الكتاب، فيما عُرف برزية يوم الخميس، حيث قال عمر بن الخطاب: إن النبي ليهجر..

وكل ذلك قد كان منه في الأيام الأخيرة من حياته [صلي الله عليه وآله]، بحيث لم يبق مجال لدعوي

الإنابة والتوبة، أو الندم علي ما صدر منهم، ولا لدعوي تبدل الأوضاع والأحوال، والظروف والمقتضيات، ولا لدعوي تبدل القرار الإلهي النبوي.

التهديد والتآمر

هذا.. وقد تقدم: أن هؤلاء أنفسهم حينما رأوا جدية التهديد الإلهي، قد سكتوا حينما قام النبي [صلي الله عليه وآله] ليعلن إمامة علي [عليه السلام]

[صفحه 104]

في غدير خم؛ فلم نجد منهم أية بادرة خلاف، إلا فيما ندر من همسات عابرة، لا تكاد تسمع.

وقد بادر هؤلاء أنفسهم إلي البيعة له [عليه السلام].. وإن كانوا قد أسروا وبيتوا ما لا يرضاه الله ورسوله، من القول والفعل، والنية والتخطيط. الذي ظهرت نتائجه بعد وفاة النبي [صلي الله عليه وآله]، وهو [صلي الله عليه وآله] لما يدفن، بل وقبل ذلك، حينما تصدي بعضهم لمنع النبي الأكرم [صلي الله عليه وآله] من كتابة الكتاب بالوصية لعلي [عليه السلام]، حينما كان النبي [صلي الله عليه وآله] علي فراش المرض، في ما عرف برزية يوم الخميس! وقال قائلهم: إن النبي ليهجر! أو: غلبه الوجع! [119].

وقد أخذوا هذا الأمر من صاحبه الشرعي بقوة السلاح، بعد أن ارتكبوا جرائم وعظائم، وانتهكوا لله حرمات.. فإنا لله وإنا إليه راجعون..

[صفحه 105]

الخير في ما وقع

وأخيراً.. فإن ما جري في عرفة، ومني، وإظهار هؤلاء الناس علي حقيقتهم، وما تبع ذلك من فوائد وعوائد أشير إليها، قد كان ضرورياً ولازماً، للحفاظ علي مستقبل الدعوة، وبقائها، فقد عرفت الأمة الوفي والتقي، من المتآمر والغادر، والمؤمن الخالص، من غير الخالص، وفي ذلك النفع الكثير والخير العميم. فَعَسَي أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا [120] وصدق الله ورسوله، وخاب من افتري.. فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَي نَفْسِهِ [121].

والحمد لله والصلاة والسلام علي محمد وآله الطاهرين.

[صفحه 106]

كلمة أخيرة

وإنني في نهاية هذا البحث أشكر القارئ الكريم علي حسن متابعته لي، وأود أن أذكره بأن هذا البحث ما هو إلا خطوة أولي علي طريق الكشف عن الحقيقة، وعن الظروف التي أحاطت بهذه القضية الحساسة جداً.

ويبقي المجال مفتوحاً أمام الباحثين والمحققين ليتحفونا بالمزيد من ثمار جهودهم، التي من شأنها أن تعرفنا علي المزيد مما شاءت له السياسات الظالمة أن ينكتم وينستر، أو أن يتلاشي، وينعدم ويندثر.

مع التأكيد علي أن هذا البحث لا يغني عن المراجعة إلي ما كتبه علماؤنا الأبرار رضوان الله تعالي عليهم في مجال استخراج نصوص هذا الحدث من مئات المصادر الموثوقة لدي أهل السنة، فضلاً عما ورد منها في كتب الشيعة، ثم في مجال استنطاق

[صفحه 107]

الحدث في إشاراته ودلالاته، وفيما يرتبط بظروفه وحالاته، ثم في بواعثه وغاياته. فإنهم رضوان الله تعالي عليهم، قد بذلوا من جهدهم الغاية، وأتوا بما فيه مقنع وكفاية، لمن أراد الرشد والهداية.

وفقنا الله للسير علي هدي الإسلام القويم، ونسأله تعالي أن يقينا شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، وأن يأخذ بيدنا في سبيل الخير والصلاح، والنجاح والفلاح، إنه خير مأمول، وأكرم مسؤول.

قم المشرفة ذو الحجة، سنة 1410 ه. ق.

جعفر مرتضي الحسيني

العاملي

پاورقي

[1] الآية 67 من سورة المائدة.

[2] الآية 3 من سورة المائدة.

[3] راجع: الغدير للعلامة الأميني ج1 ص 9 12 وغيرها من الصفحات.

[4] الآية 67 من سورة المائدة.

[5] راجع: كتاب الغدير للعلامة الأميني، وكتاب دلائل الصدق، والمراجعات، وغير ذلك.

[6] الآية 67 من سورة المائدة.

[7] راجع: الغدير ج1، ص 390 عن التفتازاني في شرح المقاصد ج2، ص 275، وكنز الكراجكيي، ص151، والمناقب لابن شهر آشوب ج3 ص217، ومجمع الزوائد ج5، ص 224 و 225 و 219 و 218، ومسند أحمد ج 4، ص 96، والبحار ج 23، ص92 و 88 و 89 وفي هوامشه عن الإختصاص: 269، وعن إكمال الدين، ص 230 و231، وعن عيون أخبار الرضا عليه السلام، ص 219، ومنتخب الأثر، ص15 عن الجمع بين الصحيحين والحاكم.

[8] الآية 67 من سورة المائدة.

[9] قاموس الرجال ج6، ص 37، وشرح النهج للمعتزلي ج9، ص 9، والموفقيات: ص 606.

[10] قاموس الرجال ج6، ص 384 385، وشرح النهج للمعتزلي ج12، ص 266 و ج9 ص 57 / 58، وفي كلمات المقداد رحمه الله عبارات أخري صريحة في ذلك، فلتراجع.

[11] الأوائل ج 1، ص 316 317.

[12] الإحتجاج ج1 ص 403، والبحار ج44، ص 71.

[13] شرح النهج للمعتزلي ج4، ص104، والبحار ج46، ص 143 وعن الطبعة الحجرية ج 8، ص 676 و 730، وراجع: الغارات ج2، ص 573.

[14] مسند أحمد ج 4، ص 164 وج1، ص 207 ص 208، وراجع ص 210، وسنن ابن ماجة ج1، ص50، وحياة الصحابة ج2، ص 487 و 488، ونزل الأبرار: ص 34 35، وراجع: تاريخ المدينة ج2، ص 239 و 640، ومستدرك الحاكم ج3، ص 333، وتلخيصه للذهبي، = = بهامش نفس الصفحة، ومنحة

المعبود ج2، ص 147 ومجمع الزوائد ج9 ص 269 والجامع الصحيح للترمذي ج5 ص 652، وصححه، وأسد الغابة ج3، ص110، وكنز العمال ج 13، ص90 و 88 89 و83،وج 16، ص 254 و 135 و 128 عن عدد من المصادر ونقله بعض الأعلام عن الكامل لابن عدي ج6، ص 1885، وعن المصنف لابن أبي شيبة ج12، ص108، وعن المعرفة والتاريخ ج1، ص 497 و 499. والبحار ج8، ص 151 الطبعة الحجرية.

[15] نثر الدر للآبي ج1، ص 304 والمناقب لابن شهر آشوب ج3، ص 220 والبحار الطبعة الحجرية ج8، ص 151.

[16] معرفة الصحابة لأبي نعيم الورق 22 مخطوط في مكتبة طوب قبوسراي رقم 1 ص497 /أ، والجمل ص 99 وشرح النهج للمعتزلي ج9، ص 23.

[17] المناقب لابن شهر آشوب ج3، ص 220.

[18] راجع مسند أحمد ج4، ص 166، ولسان العرب ج 15، ص 213، والبحار ج 36 ص 288 و 294، والنهاية في اللغة ج4، ص 146.وفي الكامل لابن عدي ج2، ص 665: أن القائل هو أبو سفيان وفي البحار ج36، ص 278 و 294: أن القائل هو عمر بن الخطاب. والكبا: الكناسة، والتراب الذي يكنس.

[19] شرح النهج للمعتزلي ج9، ص 52.

[20] تاريخ االيعقوبي ج2، ص 163.

[21] الغارات ج2، ص 570، وراجع 554.

[22] مروج الذهب ج2، ص 343.

[23] شرح النهج لابن أبي الحديد، المعتزلي ج2، ص 39 40.

[24] شرح النهج لابن أبي الحديد المعتزلي ج2، ص 51.

[25] نزل الأبرار، ص261، وتاريخ بغداد ج11، ص 216، ومستدرك الحاكم ج3، ص 142، وتلخيصه للذهبي، بهامش نفس الصفحة، وعن كنز العمال ج6، ص 73، والبحار، طبعة حجرية، ج8، ص 629.

[26] راجع المصادر التالية: تذكرة الخواص، ص45 46، وكفاية الطالب،

ص272، وفرائد السمطين ج1 ص 152، والبحارج28، ص 53 54 وكتاب سليم بن قيس، ص22، ومجمع الزوائد ج9، ص 118 عن البزار والطبراني وأبي يعلي، والمناقب للخوارزمي ص26 وتاريخ بغداد ج 12 ص 398 ومقتل الحسين للخوارزمي: ج1، ص 36، وترجمة الإمام علي بن أبي طالب [عليه السلام] من تاريخ دمشق، بتحقيق المحمودي ج2، ص 322 325، ونور الأبصار: 79، وميزان الاعتدال ج3، ص 355 وشرح النهج للمعتزلي ج4، ص 107، وكنز العمال ج15، ص 156 عن ابن النجار وأبي الشيخ والمستدرك والبزار وابن الجوزي والخطيب وأبي يعلي، وكفاية الأثر: ص124 و 158.

[27] الغدير ج1، ص 389 عن محاضرات الراغب، والبحار ج 8، ص 209 الطبعة الحجرية.

[28] الجفخ: التكبر.

[29] قاموس الرجال ج6، ص 33 و403، وقال: رواه الطبري في أحوال عمر، والمسترشد في إمامة علي [عليه السلام]، ص 167 وشرح النهج للمعتزلي ج12، ص 53،وراجع ص 9 وعبرفيه ب «قومكم» وفيه: «إنهم ينظرون إليه نظر الثور إلي جازره»، وراجع ج2، ص 58 والإيضاح: ص 199.

[30] راجع: شرح النهج للمعتزلي ج12، ص46 وراجع ج 2، ص 58 و 81، وفي هامشه عن الرياض النضرة ج2، ص173، وراجع: بهج الصباغة ج4، ص361، وقاموس الرجال ج 7، ص 201 وج6، ص 35 عن الموفقيات..

[31] وكشف الغمة ج2، ص 49، وقاموس الرجال ج 6، ص 398 وج 7، ص 188، وبهج الصباغة ج6، ص 244 وج 4 ص 381، ونقل عن البحار، طبع كمباني، ج8، ص213 و266 و292، وعن ناسخ التواريخ [الجزء المتعلق بالخلفاء]، ص72/80.

[32] تاريخ اليعقوبي ج2، ص 158، وقاموس الرجال ج6، ص 36 عنه.

[33] شرح النهج، للمعتزلي ج9، ص 306.

[34] شرح النهج، للمعتزلي ج9، ص 306.

[35] راجع

نهج البلاغة ج2، ص 227، والمسترشد في إمامة علي [عليه السلام]، ص 80 وشرح النهج للمعتزلي ج4، ص 104 و ج6 ص 96، راجع: البحار الطبعة الحجرية ج8، ص 730 و 672 والغارات ج2، ص 570.

[36] نهج البلاغة ج1 ص 184.

[37] الأغاني ج15، ص 45، ونهج البلاغة ج1 ص 66.

[38] راجع: قاموس الرجال ج6، ص 384 و 385، وشرج النهج للمعتزلي ج12، ص 266 ج9، ص 57 و 58.

[39] البازل من الإبل: الذي فطر نابه.

[40] شرح النهج للمعتزلي ج20، ص 298 و 299.

[41] الأمالي، للشيخ المفيد، ص 324.

[42] شرح النهج للمعتزلي ج9، ص 54، ونقل ذلك أيضاً عن مروج الذهب ج3، ص 12.

[43] شرح النهج، للمعتزلي ج5، ص 108.

[44] شرح النهج، للمعتزلي ج5، ص 108.

[45] راجع الإمامة والسياسة ج1، ص 56، وراجع المصادر التالية: الغارات ج2، ص 431، وشرح النهج، للمعتزلي ج 2، ص 119 وراجع ج16، ص 148 152 وأنساب الأشراف ج2، ص 75 بتحقيق المحمودي، والأغاني ج 15، ص 46، ونهج البلاغة ج3، ص 68، والدرجات الرفيعة: ص 156، وعن البحار طبعة حجرية ج8، ص 621 و 673، وراجع أيضاً نهج السعادة ج5، ص 302، وراجع: جمهرة رسائل العرب ج 1، ص 595. والعبارات في المصادر متفاوتة فليلاحظ ذلك.

[46] تفسير العياشي ج2، ص 81، والبحار ج 32، ص 592، وعيون الأخبار لابن قتيبة ج 1، ص 181.

[47] راجع: شرح النهج للمعتزلي ج 16 ص 24 و 33.

[48] شرح النهج ج 16، ص 151.

[49] شرح النهج ج11، ص 112 و 113.

[50] شرح النهج ج 11، ص 114.

[51] شرح النهج ج18، ص 18.

[52] شرح النهج ج 14، ص 299.

[53] راجع شرح النهج ج9، ص 28

و29 و52 وج4، ص 74 104.

[54] مجمع البيان ج3 ص223.

[55] الآية 67 من سورة المائدة.

[56] شواهد التنزيل ج1، ص 191.

[57] شواهد التنزيل ج1 ص193.

[58] شواهد التنزيل ج1 ص193.

[59] الدر المنثور ج2، ص 193 وص 298 عن أبي الشيخ.

[60] راجع: مجمع البيان ج3، ص 223، وتفسير العياشي ج1، ص 331، وتفسير البرهان ج1، ص 489، وشواهد التنزيل ج1، ص192، والغدير ج1، ص 219 و223 و377 عن المجمع، وعن روح المعاني ج2، ص 348.

[61] الآية 11 من سورة الفتح.

[62] الآية 15 من سورة النور.

[63] الآية 61 من سورة التوبة.

[64] راجع: مناقب علي بن أبي طالب: لابن المغازلي: ص 25 والعمدة: لابن البطريق ص 107، والغدير ج 1، ص 22 عنه وعن الثعلبي في تفسيره، كما في ضياء العالمين.

[65] الاحتجاج ج1، ص، 69 و 70 و 73 و 74، وراجع: روضة الواعظين: ص90 و 92 والبرهان ج1، ص 437 438 والغدير ج1، ص 215 216 عن كتاب «الولاية» للطبري.

[66] الدر المنثور ج 2، ص 298 عن ابن أبي حاتم، وعبد بن حميد وابن جرير».

[67] المسترشد في إمامة علي [عليه السلام]: ص 94 95.

[68] لعل الصحيح: فقَرَنَ.

[69] فرائد السمطين ج1، ص 315 و 316، والغدير ج1، ص 165 166 عنه، وإكمال الدين ج1، ص 277 وراجع البرهان ج1، ص445 و 444 وسليم بن قيس: 149، وثمة بعض الاختلاف في التعبير.

[70] سليم بن قيس: ص 148، والبرهان ج1، ص 444 و 445، والغدير ج1، ص 196 عن سليم بن قيس.

[71] الغدير ج1، ص 51 52 و 217 و 378، عن كنز العمال ج6، ص 153 عن المحاملي في أماليه، وعن شمس الأخبار ص 38، عن أمالي المرشد بالله، وراجع كشف

الغمة ج1، ص 318 وغير ذلك.

[72] إعلام الوري: ص 132».

[73] البرهان في تفسير القرآن ج1، ص 488، والكافي ج 1، ص 230».

[74] تفسير العياشي ج1، ص 332 والبرهان [تفسير] ج1، ص 489.

[75] مجمع البيان ج3، ص 223.

[76] الآية 30 من سورة الأنفال.

[77] راجع: حديث الثقلين، للوشنوي: ص 13 وما ذكره من مصادر..

[78] راجع: كفاية الأثر، للخزاز، وراجع أيضاً: إحقاق الحق [الملحقات] ج13 وغير ذلك.

[79] مسند أحمد ج5، ص 99، والغيبة للنعماني ص 122 و 124.

[80] مسند أحمد ج5، ص 99، والغيبة للطوسي ص 88 و 89، واعلام الوري: 384، والبحار ج 63، ص 236، منتخب الأثر ص 20.

[81] مسند أحمد ج5، ص 99.

[82] راجع: السيرة الحلبية ج3 ص289 مطبعة مصطفي محمد بمصر سنة 1391 ه والسيرة النبوية لدحلان (بهامش السيرة الحلبية أيضاً ج3 ص2).

[83] مسند أحمد ج5، ص 93 وفي ص 96 في موضعين.

[84] سنن أبي داود ج4، ص 106، ومسند أبي عوانة ج4، ص 400، وتاريخ الخلفاء: ص 10 و11، وراجع: فتح الباري ج13، ص 181 وكرر عبارة «كلهم تجتمع عليه الأمة» في ص 182 و183 و 184، وذكرها أيضاً في الصواعق المحرقة: ص 18 وفي إرشاد الساري ج 10، ص 273، وينابيع المودة ص 444 وراجع: الغيبة للطوسي ص 88، و الغيبة للنعماني ص 121 و122 و123 و124.

[85] الخصال ج2، ص 474، والبحار36، ص 240 عنه وعن عيون أخبار الرضا [عليه السلام].

[86] ينابيع المودة ص 445 عن كتاب: مودة القربي، للسيد علي الهمداني، المودة العاشرة.

[87] مسند أحمد ج5، ص 90.

[88] مسند أحمد ج 5، ص 93.

[89] صحيح مسلم ج6، ص 4، وإحقاق الحق [الملحقات] ج13، ص 1 عنه، مسند أحمد ج5 ص 98

و 101، والبحار ج36، ص 235، والخصال ج2، ص 470 و 472، والعمدة لابن البطريق: ص 421، وراجع: النهاية في اللغة ج3، ص 54، ولسان العرب ج12، ص343 ونقل عن كتاب: القرب في محبة العرب ص 129.

[90] أبواب الاثني عشر، وإكمال الدين ج1، ص 272 273، والبحار ج36، ص 239.

[91] سنن أبي داود ج4، ص 106، وفتح الباري ج 13، ص 181، وإرشاد الساري ج 10، ص 237.

[92] مسند أبي عوانة ج 4، ص 394.

[93] راجع المصادر التالية: صحيح مسلم ج6، ص 3 بعدة طرق، ومسند أحمد ج5، ص 93 و 92 و 94 و 90 و 95 و96 و 97 و 98 و 89 و 99 و 100 و 101 و 106 و 107 و 108، ومسند أبي عوانة ج4، ص 394، وحلية الأولياء ج4، ص 333، واعلام الوري: 382، والعمدة لابن البطريق ص 416 422، وإكمال الدين ج 1 ص 272 و273، والخصال ج2، ص 469 و 475 وفتح الباري ج13، ص 181 185 والغيبة للنعماني ص 119 125 وصحيح البخاري ج4، ص 159 وينابيع المودة ص 444 446 وتاريخ بغداد ج2، ص 126 وج14، ص 353 ومستدرك الحاكم ج3، ص 618 وتلخيصه للذهبي]مطبوع بهامش المستدرك] نفس الصفحة، ومنتخب الأثر ص 10 23 عن مصادر كثيرة، والجامع الصحيح ج4، ص 501 وسنن أبي داود ج4، ص 116 وكفاية الأثر ص 49 إلي آخر الكتاب، والبحار ج36، ص 231 إلي آخر الفصل، وإحقاق الحق [الملحقات] ج 13، ص 1 50 عن مصادر كثيرة..

[94] راجع بالنسبة لخصوص هذه الطائفة من الروايات الخصال ج2، ص 469 و472، كفاية الأثر: ص 50، ومسند أبي عوانة ج4، ص

398، وإكمال الدين ج1، ص 272، وحلية الأولياء ج4، ص 333 والبحار ج 36، ص 234، ومنتخب الأثر: ص 19.

[95] ينابيع المودة: ص 445 عن مودة القربي، وراجع: منتخب الأثر: ص 14 وهامش ص 15 عنه.

[96] ينابيع المودة: ص 446.

[97] راجع سورة الحجرات: الآية 1 و2.

وقد ورد أنّ هذه الأيات نزلت حينما حصل اختلاف فيما بين أبي بكر وبين عمر حول تأمير بعض الأشخاص من قبل النبي، فأصر أحدهما علي شخص وأصر الآخر علي آخر، حتي ارتفعت أصواتهما.

راجع: الدر المنثور ج6، ص 83 84 عن البخاري وابن المنذر وابن مردويه، وأسباب النزول ص 218، وصحيح البخاري ج3، ص 122، والجامع الصحيح ج5، ص387، وتفسير القرآن العظيم ج4، ص 205 206، ولباب التأويل ج4، ص 164، وفتح القدير ج5، ص 61، والجامع لأحكام القرآن ج16، ص 300 301 وغرائب القرآن [مطبوع بهامش جامع البيان] ج 26، ص 72.

[98] راجع السيرة النبوية لأحمد دحلان باب حجة الوداع.

[99] الإحتجاج ج1 ص200 والبحار ج28 ص202 والصراط المستقيم ج2 ص82 عن كتاب أبطال الاختيار، بسنده عن أبان بن عثمان، عن الإمام الصادق عليه السلام.

[100] راجع ذلك في كتاب: السوق في ظل الدولة الإسلامية ص68.

[101] الآية 101 من سورة التوبة.

[102] السيرة الحلبية ط سنة 1391 ه ج3 ص306.

[103] المصدر السابق ج3 ص307.

[104] راجع: مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي ص 25 والعمدة لابن البطريق ص 107 والغدير ج 1 ص 22 عنه وعن الثعلبي في تفسيره، كما في ضياء العالمين.

[105] الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان ج1، ص 444 ومسند أحمد ج4، ص 16 ومسند الطيالسي ص 182 ومجمع الزوائد ج10، ص 408 وقال: رواه الطبراني، والبزاز بأسانيد رجال بعضها

عند الطبراني والبزاز رجال الصحيح، وكشف الأستار عن مسند البزار ج4، ص 206 وقال في هامش [الإحسان]: إنه في الطبراني برقم: 4556 و4559 و4557 و4558 و4560.

[106] راجع: كفاية الأثر ص52، ويقارن ذلك مع ما في إحقاق الحق [الملحقات] وغيبة النعماني وغيرهما. فإنهم صرحوا بان قريشاً هي التي أتته.

[107] الآية 67 من سورة المائدة.

[108] راجع: الصحيح من سيرة النبي الأعظم ج 6 ص 70.

[109] الآية 101 من سورة التوبة.

[110] الآية 10 من سورة الفتح.

[111] الآية 13 من سورة العنكبوت.

[112] الظاهر: أنه لا يعلمهم في مقام الظاهر، وفقاً لوسائل العلم العادية، أما بعلم الشاهدية، فإنه كان صلي الله عليه وآله يري أعمال الخلائق …

[113] الآية 101 من سورة التوبة.

[114] الآية 67 من سورة المائدة.

[115] الآية 1 من سورة الحجرات.

[116] الآية 2 من سورة الحجرات.

[117] الآية 7 من سورة الحشر.

[118] الآية 59 من سورة النساء.

[119] الإيضاح: ص 359، وتذكرة الخواص: ص 62، وسر العالمين: 21، وصحيح البخاري ج3، ص 60 وج4، ص5 و 173 وج 1، ص 21 22 وج 2، ص 115، والمصنف للصنعاني ج6، ص 57 وج 10، ص 361، وراجع ج 5، ص 438، والإرشاد للمفيد ص 107 والبحار ج 22، ص 498 وراجع: الغيبة للنعماني ص 81 82 وعمدة القاري ج 14، ص 298 وفتح الباري ج 8، ص 101 و 102 والبداية والنهاية ج5، ص 227، والبدء والتاريخ ج5 ص 59، والملل والنحل ج1، ص 22، والطبقات الكبري ج2، ص 244، وتاريخ الأمم والملوك ج 3، ص 192 193، والكامل في التاريخ ج 2، ص 320، وأنساب الأشراف ج1، ص 562، وشرح النهج للمعتزلي ج6، ص 51، وتاريخ الخميس ج2، ص 164، وصحيح

مسلم ج ص75، ومسند أحمد ج 1، ص 324 وص 325 وص 355 والسيرة الحلبية ج3، ص 344، ونهج الحق: ص 273، والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج2 قسم2، ص 62. وراجع: حق اليقين ج1، ص 181 182 ودلائل الصدق ج3 قسم1، ص 63 70، والصراط المستقيم ج3 ص 3 و 6، والمراجعات: 353، والنص والاجتهاد: 149 163.

[120] الآية 19 من سورة النساء.

[121] الآية 10 من سورة الفتح.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.