الامام علي(ع) سيره و تاريخ‌

اشارة

سرشناسه: موسوي، اسلام
عنوان و نام پديدآور: الامام علي(ع) سيره و تاريخ/ اسلام الموسوي
مشخصات نشر: قم: مركز الرساله، ۱۴۲۲ق. = ۱۳۸۰.
مشخصات ظاهري: ص ۲۲۷
فروست: (سلسله المعارف الاسلاميه‌۲۳)
شابك: 964-319-317-9؛ 964-319-317-9
وضعيت فهرست نويسي: فهرستنويسي قبلي
يادداشت: عربي
يادداشت: كتابنامه به‌صورت زيرنويس
موضوع: علي‌بن ابي‌طالب(ع)، امام اول، ۲۳ قبل از هجرت - ق‌۴۰
موضوع: علي‌بن ابي‌طالب(ع)، امام اول، ۲۳ قبل از هجرت - ۴۰ق. -- اثبات خلافت
شناسه افزوده: مركز الرساله
رده بندي كنگره: BP۳۷/۳۵/م‌۸۸۱۶الف‌۸
رده بندي ديويي: ۲۹۷/۹۵۱
شماره كتابشناسي ملي: م‌۸۰-۳۸۱۵۸

مقدمة المركز

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين.. وصلي الله علي سيدنا محمَّد وآله الهداة الميامين الطاهرين..
وبعد:
إن دراسة سيرة أئمة أهل البيت عليهم السلام تعدّ إحدي الركائز الأساسية في البناء العقائدي والفكري والسلوكي لديننا القويم، ذلك لأنهم عدل القرآن الكريم والامتداد الرسالي لمنهج النبوة، والحارس الأمين للقيم والمفاهيم الإسلامية في وجه التشويه والتحريف والضلال.
إنها سيرة معصومة تكشف عن سلوك القدوة الحسنة بكل تجلياتها، وتربط المرء بالمفاهيم الإسلامية في أصالتها، وتفتح له آفاقاً جديدة في مجالات العلم والعمل والفكر والتربية والسلوك.
ومن هنا فإن الكتابة عنها لا تنتهي، مهما تعددت الدراسات وتنوعت أساليبها، ذلك مما يجده الباحثون من حالة التواصل مع دلالاتها التي تتسع بسعة الحياة وتستغرق كل مفرداتها، وتسير بها باتجاه حركة التكامل المطلوب علي صعيد الفرد والاُمّة.
وعلي هذه الصفحات نسير في رحلة جميلة مع سيرة وصي النبي وابن عمه وباب مدينة علمه، أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، منذ مولده الشريف في الكعبة المعظمة، حتي لقي الله مخضباً بدمه في محراب العبادة بمسجد الكوفة، شهيداً وشاهداً علي الاُمّة بعد سنواتٍ من المحنة والجهاد.
إن سيرته عليه السلام صفحة خالدة من صفحات المجد والسمو، نقرأ فيها عالم المثل العادلة ومبادئ العظمة والاستقامة والخصائص الفريدة، نقرأ سيرة رجل عاش لله، وليس فيه شيء لغيره، يغضب لغضبه، ويرضي لرضاه، ويحب فيه، ويبغض فيه،
[صفحه 6]
أعظم الناس جهاداً في سبيله وأكثرهم معرفة بشريعته وعملاً باحكامها وإحياءً لمعالمها.. فجاءت سيرته تجسيداً لرسالة الإسلام، بل كانت إسلاماً يتحرك علي الأرض.. انه الكتاب الناطق والسنة الحية.
لقد كان علي عليه السلام قمةً في كلّ شيء، ينحدر عنه السيل، ولا يرقي إليه الطير، استغني عن الكل، واحتاج الكل إليه، لكنه عاش في مجتمعٍ عزّ وجود من يفهمه فيه، فكان يقودهم إلي مبادئ الحق ومعارج الكمال، وكانوا يريدونه لدنياهم وشهواتهم ولذاتهم، قال عليه السلام: «ليس أمري وأمركم واحداً، انني اُريدكم لله، وتريدونني لأنفسكم» وكان يتفجّر علماً لم يجد له حملة، قال عليه السلام: «إن‌ها هنا لعلماً جماً لو أصبت له حملة».
ورغم هذا وذاك، فقد أضحي عليٌ عليه السلام مناراً أبدياً وراية خالدة ترفعها البشرية علي اختلاف ألوانها وأديانها، لأنه إمام الإنسانية الذي يقول: «الناس صنفان: أخ لك في الدين، ونظير لك في الخلق».
إن مسؤولية الانتماء إلي علي عليه السلام تدعونا إلي الاجتهاد في طاعة الله والتواصل علي خط العفة والورع والسداد، والاقتداء ببعض جوانب سيرته، ذلك لأن تجسيد شخصيته الموسوعية الهائلة بكل أبعادها أمرٌ دونه خرط القتاد، فهو القائل عليه السلام: «ألا وان لكل مأموم إماماً، يقتدي به، ويستضيء بنور علمه، ألا وان امامكم قد اكتفي من دنياه بطمريه، ومن طُعمه بقرصيه، ألا وأنكم لا تقدرون علي ذلك، ولكن أعينوني بورع واجتهاد وعفة وسداد».
ومن هنا فإن اصدارنا هذا تكفل بتغطية بعض مفردات تلك السيرة العطرة، باسلوب واضح يتبع المنهج العلمي الدقيق، موثقاً بالمصادر المعتبرة.
ندعو من الله العزيز أن ينفع به الأخوة المؤمنين، وهو تعالي الهادي إلي سواء السبيل.
مركز الرسالة
[صفحه 7]

المقدمة

إنه قد لا يخفي علي قارئ ما يعانيه كاتب وهو يحاول الاقتراب من مقامٍ عليٍّ، كَمَقام عليّ.. ذلك المقام الذي طالما أدهش العقول، وأذهل البصائر، وحيّر الألباب.. فليس لأحد بعد النبي الأعظم صلي الله عليه وآله وسلم من مقام يشبه مقام رجل اقترنت حياته كلها بحياة ذلك النبي العظيم، منذ ولادته وعلي امتداد أيام نشأته، ومنذ فجر الإسلام ومبعث النبي وعلي امتداد ايام دعوته وفصول جهاده وحتي لحظاته الأخيرة بل حتي توديع جثمانه الطاهر، بل بعد ذلك إلي يوم الدين إذ به قد امتد نسل النبي من ابنته الوحيدة فاطمة الزهراء عليها السلام، بل حتي في يوم الدين وبعده في مقام الخلود تقترن الشخصيتان في أعظم مقام عند الله تعالي، فلواء الحمد لخاتم النبيين محمد، وحامله علي، وحوض الكوثر تحفة الله لنبيه محمد، والساقي عليه عليّ، والمقام المحمود في الجنان لسيد الخلق محمد، وصاحبه فيه عليّ.. فمهما أفاض القلم بالمداد، ومهما أبدع الكاتب وأجاد، فإن الذي بينه وبين حقيقة مقام علي مسافات شاسعة ودنيا واسعة.. ويبقي جهد المقل في صفحات معدودات أن يستعيد العناوين الرئيسية التي تستوعبها الكتابات التقليدية عن رجل له هذا المقام الكبير.
وغاية هذا الكتاب هي الوقوف عند مثل هذه العناوين، إسهاماً في تأكيد الحق العلوي الذي لا يحجب اشراقه كل ما وضعه جبابرة التاريخ من حُجب، ولا يعلو عليه كل ما راكموه من باطل …
[صفحه 8]
تناولنا ذلك معتمدين التركيز والاختصار، مع التوثيق المناسب.
وقد جاء هذا الكتاب في ثلاثة أبواب:
تناول الباب الأول: حياة علي عليه السلام مع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في فصلين
الفصل الأول: علي عليه السلام مع الرسول قبل البعثة.
الفصل الثاني علي عليه السلام مع الرسول بعد البعثة والذي يقسم إلي مبحثين:
المبحث الأول: في مكة.
المبحث الثاني: في المدينة.
وتناول الباب الثاني: علي عليه السلام قبل تولي الخلافة، علي النحو الاتي:
مدخل في خصائصه والادلة علي امامته.
الفصل الأول: قصة السقيفة.
الفصل الثاني: مع أبي بكر وعمر وعثمان.
والباب الثالث: خلافة أمير المؤمنين عليه السلام وهو في فصلين:
الأول: تولي الخلافة وسياسته عليه السلام في الإصلاح
الثاني: علي عليه السلام في العراق.
راجين أن نكون قد وفينا بهذا الجهد المتواضع بعض الحق الذي في أعناقنا لهذا الامام الكبير، آملين الفوز بشفاعته.. والله من وراء القصد.
[صفحه 9]

علي مع رسول الله

علي مع رسول الله قبل البعثة

اشاره

وهو فصل تمهيدي نتناول فيه شخصية أمير المؤمنين عليه السلام من حيث نسبه وصفته وأسمائه وألقابه ومولده ونشأته في بيت النبي صلي الله عليه وآله وسلم.

نسبه

هو سيِّد العرب، يعسوب المؤمنين، مولي الموحّدين، أسد الله الغالب عليُّ بن أبي طالب بن عبد المطَّلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرَّة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن نضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان [1].
القرشي، الهاشمي، المكِّي، المدني.
قيل: «هو أول هاشمي ولد من أبوين قرشيين هاشميين» [2] وفي عبارة الكليني: «وهو أول هاشمي ولده هاشم مرَّتين» [3].
ولا يصحُّ ذلك، لأنَّ اُمَّه ولدت قبله طالباً وعقيلاً وجعفراً من أبوين هاشميين!!
[صفحه 10]
والصحيح أن يقال: «وأمُّه أول هاشمية ولدت هاشمياً» [4].
وهو والد ابنين هاشميين، لأبوين وجدَّين كلِّهم من بني هاشم.

كنيته: أبو الحسن

ابن عم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وأخوه، آخاه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم مرَّتين؛ فإنَّ رسول الله آخي بين المهاجرين، ثُم آخي بين المهاجرين والأنصار بعد الهجرة، وقال لعليٍّ في كلِّ واحدة منها: «أنت أخي في الدنيا والآخرة» [5].
وهو وزير رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ووصيُّه وخليفته في أُمَّته، وجامع فضائله وشمائله، ووارث علمه وحكمه، وختنه علي ابنته فاطمة الزهراء عليها السلام.
وأول خليفة من بني هاشم، هاجر الهجرتين، ماشياً حافياً، وشهد بدراً وأُحداً والخندق وبيعة الرضوان والمشاهد كلَّها، الا معركة تبوك، فقد خلَّفه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم علي المدينة، كان ذلك أحد مواضع قوله له: «أنت منِّي بمنزلة هارون من موسي إلاّ أنه لا نبي بعدي» [6] وأبلي في جميع المعارك بلاءً عظيماً، وكان اللواء في أكثر المواضع بيده.

جده وأبوه

جدّه عبدالمطَّلب، الملقَّب بشيبة الحمد؛ لشيبة كانت في رأسه [19]، وقيل: «اسمه شيبة» [20]، وكنيته: أبو البطحاء، لأنَّهم استسقوا به سقياً فكنَّوه
[صفحه 11]
به [15].. وقد بلغ من الشرف في قومه ما لم يبلغه أحد من قبل.
وكان عبدالمطَّلب جدُّ رسول الله يكفله، وعبدالمطَّلب يومئذٍ سيِّد قريش غير مدافَع، قد أعطاه الله من الشرف ما لم يعطِ أحداً، وسقاه زمزم وذا الهُدُم، وحكَّمته قريش في أموالها، وأطعم في الُمحل حتي أطعم الطير والوحوش في الجبال.
قال أبو طالب:
ونُطعمُ حتي تأكُلَ الطيرُ فضلَنا
إذا جَعَلَتْ أيدي المُفيضينَ تَرْعَدُ
وكان علي ملَّة إبراهيم الخليل؛ فرفض عبادة الأصنام ووحَّد الله عزَّوجلَّ، وسنَّ سنناً نزل القرآن بأكثرها، وجاءت السُنَّة من رسول الله بها وهي: الوفاء بالنذور، ومائة من الإبل في الديّة، والا تنكح ذات محرم، ولاتؤتي البيوت من ظهورها، وقطع يد السارق، والنهي عن قتل الموؤدة، والمباهلة، وتحريم الخمر، وتحريم الزنا، والحدُّ عليه، والقرعة، والا يطوف أحدٌ بالبيت عرياناً، وإضافة الضيف، والا ينفقوا إذا حجَّوا الا من طيِّب أموالهم، وتعظيم الأشهر الحُرم، ونفي ذوات الرايات [16].
هكذا كان مجاهراً بدينه، داعياً إلي الخلق الكريم والمبادئ السامية التي جاءت بها الاديان، وكان له في هذه الخصال دور لا يشاركه فيه أحد، حتي أنَّ قريشاً كانت تسميه إبراهيم الثاني.
[صفحه 12]
وكان يفرش له بفناء الكعبة والناس من حوله يهابونه، فلا يقرب فراشه أحد، الا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قد كان يتخطَّي رقاب عمومته، ويجلس علي فراش جدِّه، ولما حاولوا منعه قال لهم: دعوا ابني، إنَّ لابني هذا شأناً..
وتوفِّي عبدالمطَّلب ولرسول الله ثماني سنين، وكانت قد أتت علي عبدالمطَّلب مائة وعشرون سنة، وقيل: مائة وأربعون سنة [17].
وعن أمِّ أيمن قالت: أنا رأيت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يمشي تحت سريره وهو يبكي، وقيل: كان لعبدالمطَّلب يوم مات ثمانون سنة [18].
وأعظمت قريش موته، وغُسل بالماء والسدر ودُفن بالحجون، وقيل: إنَّه حُمل علي أيدي الرجال عدَّة أيَّام إعظاماً وإكراماً وإكباراً لتغييبه في التراب.
وروي عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أنَّه قال: «إنَّ الله يبعث جدِّي عبدالمطَّلب أُمَّة واحدة في هيئة الأنبياء وزيِّ الملوك» [19].
وورث أبو طالب والد عليٍّ أمير المؤمنين عليه السلام زعامة أبيه عبدالمطَّلب، وكفالته رسول الله، فكان خير كافل ومعين، وقد كان كأبيه سيِّداً شريفاً مهيباً.
قال عليُّ بن أبي طالب: «أبي ساد فقيراً، وما ساد فقيرٌ قبله» [20].
[صفحه 13]
وخرج برسول الله صلي الله عليه وآله وسلم إلي بُصري من أرض الشام وهو ابن تسع سنين، وقال: «والله لا أكِلك إلي غيري» [15].
وتولَّي العناية برسول الله والقيام بشؤونه من سنة ثمان من مولده الشريف، وحتي العاشرة من النبوَّة، وذلك اثنان وأربعون سنة، وظل يدافع عن النبي ورسالته حتي آخر نفس من حياته، وقد انعكست هذه الحقيقة وتجلَّي موقفه هذا في كثير من أشعاره، منها قوله:
ليعلم خيار الناس أنَّ محمداً
نبيٌّ كموسي والمسيح ابن مريم
وقوله:
ألم تعلموا أنَّا وجدنا محمدا
رسولاً كموسي خطَّ في أوَّل الكتبِ
وقوله في لاميَّته الشهيرة:
لقد علموا أنَّ ابننا لا مكذَّبٌ
لدينا ولا يُعنَي بقولِ الأباطلِ
فأصبح فينا أحمد في اُرومة
تُقصِّر عنه سَورَة المتطاوِلِ
حَدِبْتُ بنفسي دونه وحميتُه
ودافعت عنه بالذُّرا والكلاكلِ
فأيَّده ربُّ العباد بنصره
وأظهرَ ديناً حَقُّهُ غيرُ باطلِ [16].
وتوفِّي أبو طالب بعد وفاة خديجة بثلاثة أيَّام أي قبل هجرة الرسول من مكَّة إلي المدينة بثلاث سنين في شوال أو في ذي القعدة، وله ست وثمانون سنة، وقيل بل تسعون [17]، وسمَّي النبيُّ صلي الله عليه وآله وسلم هذا العام بعام
[صفحه 14]
الحزن، وقال صلي الله عليه وآله وسلم: «ما نالت قريش شيئاً أكرهه حتي مات أبو طالب» [18].
وقال السدي: مات أبو طالب وهو ابن بضع وثمانين سنة، ودُفن بالحجون عند عبدالمطَّلب.
ولمَّا قيل لرسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: إنَّ أبا طالب قد مات، عظُم ذلك في قلبه، واشتدَّ له جزعه، ثُمَّ دخل فمسح جبينه الأيمن أربع مرَّات، وجبينه الأيسر ثلاث مرَّات، ثُمَّ قال: «يا عم ربيّت صغيراً، وكفلت يتيماً، ونصرت كبيراً، فجزاك الله عنِّي خيراً» ومشي بين يدي سريره وجعل يعرضه ويقول: «وصلتك رحم وجُزيتَ خيراً»، وقال: «اجتمعت علي هذه الأُمَّة في هذه الأيَّام مصيبتان لا أدري بأيِّهما أنا أشدُّ جزعاً» يعني: مصيبة خديجة وأبي طالب رضي الله عنهما [19].
وسُئل الإمام السجَّاد عليه السلام عن إيمان أبي طالب، فقال: «واعجباً، إنَّ الله نهي رسوله أن يقرَّ مسلمة علي نكاح كافر؛ وقد كانت فاطمة بنت أسد من السابقات إلي الإسلام، ولم تزل تحت أبي طالب حتَّي مات» [20].
وهو من أوضح البراهين علي إيمان أبي طالب رضي الله عنه.

امه

فهي فاطمة بنت أسد بن هاشم جدُّ النبيِّ صلي الله عليه وآله وسلم بن عبد مناف بن قصي الهاشمية القرشية، وأُمُّها فاطمة بنت قيس بن هرم بن رواحة بن
[صفحه 15]
حجر بن عبد بن بغيض بن عامر بن لؤي [21] بنت عم أبي طالب.
وقال أهل السير: «هي أول هاشمية تزوّجت هاشمياً وولدت خليفة هاشمياً» [22] وهي من سابقات المؤمنات إلي الإيمان، وكانت قبل ذلك علي ملَّة إبراهيم الخليل عليه السلام، هاجرت مع رسول الله في جملة المهاجرين إلي المدينة المنوَّرة علي ساكنها السلام ماشية، حافية، و هي أوَّل امرأةٍ بايعت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بمكَّة بعد خديجة زوج الرسول..
وكان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يعاملها كما يعامل ابنٌ برَ أمَّه حتي يوم وفاتها. حيث توفِّيت في المدينة المنوَّرة سنة أربع من الهجرة، وأنَّه صلي الله عليه وآله وسلم قال: «اليوم ماتت أمِّي» [23]، وشهد جنازتها فصلَّي عليها وكفَّنها قميصه ليدرأ عنها هوامَّ القبر، ونزل في قبرها لتأمن ضغطته [24].
وروي أنها سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يقول: «يُحشر الناس يوم القيامة عراة» فقالت: واسوأتاه، فقال لها رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: «فإنِّي أسأل الله أن يبعثك كاسية» [25].
وسمعته يذكر عذاب القبر فقالت: واضعفاه، فقال: «إنِّي أسأل الله أن يكفيك ذلك» [26].
وكان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قبل ذلك يزورها ويقيل عندها في بيتها، وقال ابن عبَّاس: «وفيها نزلت (يا أيُّها النبيُّ إذا جاءك المؤمنات
[صفحه 16]
يبايعنك … ) [27]» [28] وإنَّها كانت من رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بمنزلة الام، تفضله علي أبنائها وتغدقه من حنانها وكان شاكراً لبرِّها.. وقال صلي الله عليه وآله وسلم: «إنَّها كانت أمِّي، إنها كانت لتجيع صبيانها وتُشبعني، وتشعثهم وتدهنني، وكانت أمِّي» [29].

اخوته

وله عليه السلام خمس إخوة كلُّهم من أمِّه فاطمة بنت أسد: ثلاثة ذكور وبنتان، فالذكور: طالب، وعقيل، وجعفر، وبين كلِّ واحد وآخر عشر سنين والبنتان: أم هاني، وجمانة. وفي ما يلي نذكر موجزاً عن أحوالهم:
1 طالب: وهو أكبر ولد أبي طالب، وبه كان يكنَّي، أخرجه المشركون يوم بدر لقتال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم كرهاً؛ فقال:
اللَّهمّ إمّا يغزون طالب
في منقبٍ من هذه المناقب
وليكن المغلوب غير غالب
وليكن المسلوب غير السالب
فلمَّا انهزم المشركون يوم بدر لم يوجد في القتلي، ولا في الأسري، ولارجع إلي مكَّة، ولا يُدري ما حاله، وليس له عقب [30].
2 عقيل [31]: وهو أكبر من جعفر بعشر سنين كذلك، ويكنَّي أبا يزيد.
[صفحه 17]
قال له النبيُّ صلي الله عليه وآله وسلم: «إنِّي أحبُّك حبَّين، حبَّاً لقرابتك، وحبَّاً لما كنتُ أعلم من حبِّ عمِّي إيَّاك» [32].
وكان عقيل ممَّن خرج مع المشركين إلي بدر مكرهاً، فأُسر يومئذٍ ولم يكن له مال؛ ففداه عمُّه العبَّاس. ثمَّ أتي مسلماً يوم الحديبية، وهاجر إلي النبيِّ صلي الله عليه وآله وسلم سنة ثمانٍ، وشهد غزوة مؤتة.
قال الواقدي: «أصاب عقيل يوم مؤتة خاتماً عليه تماثيل، فنفله إيَّاه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فكان في يده» [33].
وكان سريع الجواب المسكت للخصم، وله فيه أشياء حسنة يطول ذكرها، وكان أعلم قريش بالنسب، وأعلمهم بأيَّامها، ولكنَّه كان مبغَّضاً إليهم، لأنَّه كان يَعدُّ مساوئهم.
وكان علي رأس ثلاثة اعتمدهم عمر بن الخطَّاب في تثبيت أسماء العرب وأنسابهم في الديوان الذي أقامه، ويعدُّ هذا الديوان أوَّل كتاب في الأنساب يكتبه المسلمون، وقد كان عقيل رأساً فيه.
وكانت له طنفسة بساط تطرح له في مسجد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، ويجتمع الناس إليه في علم النسب وأيَّام العرب، وكان يكثر ذكر مثالب قريش، فعادوه لذلك، وقالوا فيه بالباطل، ونسبوه إلي الحمق، واختلقوا عليه أحاديث مزوَّرة.
وكان ممَّا أعانهم عليه مفارقته أخاه عليَّاً عليه السلام، ومسيره إلي معاوية
[صفحه 18]
بالشام، فقيل: «إنَّ معاوية قال له يوماً: هذا أبو يزيد، لولا علمه بأنِّي خير له من أخيه، لما أقام عندنا، فقال عقيل: أخي خير لي في ديني، وأنت خير لي في دنياي، وقد آثرت دُنياي، وأسأل الله خاتمة خيرٍ بمنِّه» [34].
وكانت زوجته فاطمة بنت عُتبة بن ربيعة خالة معاوية، وعاش عقيل إلي سنة خمسين من الهجرة وتوفِّي بعدما ذهب بصره.
ومن أولاده: يزيد، وبه كان يكنَّي، وسعيد، وأمُّهما أمُّ سعيد بنت عمرو من بني صعصعة.
وجعفر الأكبر وأبو سعيد وهو اسمه وأمُّهما أمُّ البنين كلابية.
ومسلم وهو الذي بعثه الحسين عليه السلام إلي الكوفة وبها استشهد وقبره هناك يزار.
وعبدالرحمن وعلي وجعفر وحمزة ومحمد ورملة وأم هاني وفاطمة وأم القاسم وزينب وأم النعمان وجعفر الأصغر، أولاد لأمَّهات شتَّي.
3 جعفر [35]: وهو المعروف ب (جعفر الطيَّار) فقد كان أشبه الناس برسول الله صلي الله عليه وآله وسلم خلقاً وخُلُقاً [36]، أسلم بعد إسلام أخيه عليٍّ بقليل.
وكان لجعفر من الولد عبدالله، وبه كان يُكنَّي، وله العقب من ولد جعفر، ومحمَّد وعون لا عقب لهما، وُلدوا جميعاً لجعفر بأرض الحبشة في المهاجرة إليها، وأمُّهم أسماء بنت عُميس بن معبد بن تيم.
[صفحه 19]
وقد كان من السابقين الأوَّلين إلي الإسلام.. فقد روي أنَّ أبا طالب رأي النبيَّ صلي الله عليه وآله وسلم وعليَّاً عليه السلام يصلِّيان، وعليٌّ عن يمينه، فقال لجعفر رضي الله عنه: «صِلْ جناح ابن عمِّك، وصَلِّ عن يساره» [37].
وقيل: أسلم بعد واحد وثلاثين إنساناً، وكان هو الثاني والثلاثين، قاله ابن إسحاق، وله هجرتان: هجرة إلي الحبشة، وهجرة إلي المدينة..
وكان رسول الله يسمِّيه: أبا المساكين … ولمَّا هاجر إلي الحبشة أقام بها عند النجاشي، إلي أن قدم علي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم حين فتح خيبر، فتلقَّاه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم واعتنقه، وقبَّل بين عينيه، وقال: «ما أدري بأيِّها أنا أشدُّ فرحاً؛ بقدوم جعفر، أم بفتح خيبر»؟ وأنزله رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم إلي جنب المسجد [38].
4 أمُّ هاني: قال ابن سعد: «اسمها جعدة، وقيل: فاخته، وقيل: هند، وهي التي أجارت زوجها وقوماً من المشركين يوم فتح مكة، فقال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: «قد أجرنا من أجرت».. وهاجرت إلي المدينة» [39].
5 جُمانة: تزوَّجها أبو سفيان بن الحارث بن عبدالمطَّلب، وهاجرت إلي المدينة، وتوفِّيت في حياة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم..
وذكر ابن سعد لأبي طالب ابنة أُخري وقال: اسمها ريطة وقيل: أسماء، وذكر أيضاً لأبي طالب أبناً آخر، وقال: اسمه: طليق، واسم أمِّه وعلة، والله أعلم بالصواب [40].
[صفحه 20]

وليد الكعبة

من العجائب التي أضافت صوتاً ضارباً في التاريخ وأحداثه الفريدة التي تفتح الأعين علي ما تخفيه من أسرار، أن يصطفي الله لعبد اصطفاه، حتي موضع مولده، ليجمع له مع طهارة مولده شرف المحل، محل الولادة، ويخصّه بمكرمةٍ ميَّزه بها منذ ساعة مولده عن سائر البشر.
هكذا كان مولد عليِّ بن أبي طالب سلام الله عليه، في البيت العتيق في الكعبة الشريفة.
وكان ذلك يوم الجمعة، الثالث عشر من شهر الله الأصمّ رجب، بعد عام الفيل بثلاثين سنة. [41] قبل البعثة بعشر سنين [42] حوالي عام 600 م (23 قبل الهجرة)، وقيل: «ولد سنة ثمان وعشرين من عام الفيل» [43].
ولعلّه في مثل هذا اليوم الذي وُلِد فيه أمير المؤمنين، قد وُلِد الألوف من البشر، لكنَّ ولادته مثَّلت حدثاً عجيباً تجلَّت به الأسرار، وتلبَّست بالحكمة الربَّانية.
كانت مثاراً للدهشة الأبدية، فقد وضعت فاطمة وليدها في البيت العتيق! في مكان عبادة لا ولادة، أليس ذلك بالشيء العظيم؟!
ويسجل التاريخ ذاك الفخر الذي ظهر فيه عليٌّ عليه السلام مديراً ظهره للأصنام التي كانت الكعبة الشريفة تضجُّ بها، وعن قريب سينهض هذا
[صفحه 21]
الوليد علي كتف رسول الله ليلقي بها أرضاً، تحت بطون الأقدام!!
تلك ولادة أكرمه الله بها، فشاركته أمُّه الكريمة في فخرها..
إنَّ أُمَّه فاطمة بنت أسد لمَّا ضربها الطلق، جاءت متعلِّقة بأستار الكعبة الشريفة، من شدة المخاض، مستجيرة بالله وَجِلةً، خشية أن يراها أحد من الذين اعتادوا الاجتماع في أُمسياتهم في أروقة البيت أو في داخله، فانحازت ناحية وتوارت عن العيون خلف أستار البيت، واهِنةً مرتعشة أضنتها آلام المخاض؛ فألصقت نفسها بجدار الكعبة وأخذت تقول:
«يا ربِّ، إنِّي مؤمنة بك وبما جاء من عندك من رسل وكتب، وإنِّي مصدِّقة بكلام جدِّي إبراهيم وأنَّه بني البيت العتيق، فبحقِّ الذي بني هذا البيت وبحقِّ المولود الذي في بطني الا ما يسرت عليَّ ولادتي».
قال يزيد بن قعنب: فرأيت البيت قد انشقَّ عن ظهره، ودخلت فاطمة فيه، وغابت عن أبصارنا وعاد إلي حاله، فرمنا أن ينفتح لنا قفل الباب فلم ينفتح، فعلمنا أنَّ ذلك من أمر الله تعالي، ثُمَّ خرجت في اليوم الرابع وعلي يدها أمير المؤمنين عليُّ بن أبي طالب عليه السلام [44].
وهو حديث جدير كذلك أن يخلّده الشعراء:
أنشد الحميري (ت 173 ه):
وَلدَتْهُ في حرم الإله وأمنه
والبيت حيث فناؤه والمسجد
بيضاء طاهرة الثياب كريمة
طابت وطاب وليدها والمولد
ما لُفَّ في خِرَقِ القوابِل مِثلُه
إلاّ ابن آمنةَ النبيِ محمّد
[صفحه 22]
وله أيضاً في أمير المؤمنين عليه السلام:
طبتَ كهلاً وغلاماً
ورضيعاً وجنينا
ولدي الميثاق طيناً
يوم كان الخلقُ طينا
وببطن البيت مولوداً
وفي الرمل دفينا [45].
وقال عبدالباقي العمري في عينيته الشهيرة:
أنت العليّ الذي فوق العُلي رُفعا
ببطن مكة عند البيت إذ وُضعا
وعقّب عليه أبو الثناء الآلوسي في شرحه هذه القصيدة شرح عينية عبدالباقي العمري ما نصه: «وفي كون الأمير كرّم الله وجهه ولد في البيت أمر مشهور في الدنيا، وذكر في كتب الفريقين السنة والشيعة … ولم يشتهر وضع غيره كرّم الله وجهه كما اشتهر وضعه، بل لم تتفق الكلمة عليه، وأحري بإمام الأئمّة أن يكون وضعه في ما هو قبلة للمؤمنين، سبحان من يصنع الأشياء، وهو أحكم الحاكمين» [46].

صفته

نشأ عليه السلام مكين البنيان، شاباً وكهلاً، حافظاً لتكوينه المكين حتي ناهز الستين من عمره الشريف، كان قوي البنية، ممتليء الجسم، كثير الشعر، ربعة في الرجال لا هو بالطويل ولا بالقصير، عريض المنكبين، له مشاش كمشاش السبع الضاري، يغلظ من أعضائه ما استغلظ من أعضاء الأسد ويدقُّ منها ما استدقَّ..
[صفحه 23]
هذا وتدلُّ أخباره كما تدلُّ صفاته علي قوَّة جسدية، فربَّما رفع فارساً بيده فجلد به الأرض غير جاهد، وما صارع أحداً الا وصرعه..
يتكفَّأ في مشيته علي نحو ما يقارب مشية رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، الذي جعله أُسوته وقدوته منذ أن نشأ وحتَّي مات.
وذكر بعضهم أنَّه كان آدمَ أي أسمر شديد الأدمة، عظيم العينين غليظ الساعدين أقرب إلي القصر من الطول، عريض اللحية..
ولم يصفه أحد بالخضاب، سوي سواد بن حنظلة، قال ابن سعد: والصحيح أنَّه لم يخضب، وروي أنَّه كان يصفِّر لحيته بالحنَّاء ثُمَّ ترك [47].

اسماؤه وألقابه

كثيرة أسماؤه وألقابه عليه السلام ومختلف في بعضها بين العلماء، فقال مجاهد: «إنَّ أُمُّه سمَّته عليَّاً عند ولادته.
وقال عطاء: إنَّما سمَّته أُمُّه حيدرة، بدليل قوله يوم خيبر: «أنا الذي سمَّتني أمِّي حيدرة»، فلمَّا علا علي كتفي الرسول صلي الله عليه وآله وسلم وكسَّر الأصنام سُمِّي عليَّاً من العلو والرفعة والشرف» [48].
وليس هذا بالمعتمد، فقد عُرف باسم «عليٍّ» منذ الصغر.
وعن ابن عبَّاس: «كانت أُمُّه إذا دخلت علي هُبل لتسجد له وهي حامل به علي بطنها فيتقوَّس فيمنعها من السجود فسُمِّي عليَّاً». [49] ولايصحُّ؛ لأنَّ أُمَّه فاطمة بنت أسد كانت تتعبَّد علي ملَّة إبراهيم الخليل،
[صفحه 24]
كما ذكرنا ذلك سابقاً.
وقال سبط ابن الجوزي: «وقول مجاهد أظهر؛ لأنَّه ثبت المستفيض بهِ، ولايمنعها من تسميته عليَّاً أن تسمِّيه حيدرة، لأنَّ حيدرة اسم من أسامي الأسد لغلظ عنقه وذراعه، وكذلك كان أمير المؤمنين عليه السلام، فيكون عليٌّ اسمه الأصلي، وحيدرة وصفاً له» [50].
وعنه أيضاً: «وقد سمَّاه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم «ذا القرنين» ذكر ذلك بإسناده المتَّصل إلي سلمة بن الطفيل، عن عليٍّ عليه السلام، قال: «قال لي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم إنَّ لك في الجنَّة قصراً، وإنَّك ذو قرنيها»» [51].
قال: «وهذا حديث أخرجه أحمد بن حنبل في المسند، وأخرجه أحمد أيضاً في كتاب جمع فيه فضائل أمير المؤمنين، ورواه النسائي مسنداً».
وقد عُرف عليه السلام بألقاب كثيرة، جاء كثير منها في حديث النبي صلي الله عليه وآله وسلم منها: «يعسوب المؤمنين» وأصل اليعسوب هو ملك النحل، ومنه قيل للسيِّد: يعسوب، والمؤمنون يتشبَّهون بالنحل؛ لأنَّ النحل تأكل طيباً.
ويلقَّب أيضاً: الولي، والوصي، والتقي، وقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين، وشبيه هارون، وصاحب اللوي، وخاصف النعل، وكاشف الكرب، وأبو الريحانتين، وبيضة البلد، وغيرها كثير [52].
وكنَّاه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بأبي تراب لمَّا رآه ساجداً معفِّراً وجهه في التراب، فكان ذلك من أحبِّ ألقابه إليه.
[صفحه 25]
وجاء في سبب تسميته كما نقله ابن إسحاق عن عمَّار بن ياسر أنَّه قال: كنت أنا وعلي بن أبي طالب رفيقين في غزوة العشيرة، فلمَّا نزلها رسول الله وأقام بها، رأينا ناساً من بني مدلج يعملون في عين لهم، فقال لي عليٌّ عليه السلام: «يا أبا اليقظان، هل لك في أن نأتي هؤلاء القوم لننظر كيف يعملون!» قلت: إن شئت، فجئناهم ونظرنا إلي عملهم ساعة ثُمَّ غشينا النوم، فانطلقت أنا وعليٌّ واضطجعنا في صور من النخل علي التراب اللين ونمنا، والله ما أيقظنا الا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يُحرِّكنا برجله، وقد تترَّبنا من تلك البقعة التي نمنا فيها، ففي ذلك اليوم قال الرسول لعليٍّ عليه السلام: «ما لك يا أبا تراب»! [53].
رواه أيضاً ابن جرير الطبري [54] في تاريخه، ثُمَّ ذكر سبباً آخر في هذه التسمية، خلاصته أنَّه قيل لسهل بن سعد الساعدي: إنَّ بعض أمراء المدينة يريد أن يبعث إليك لتسبَّ عليَّ بن أبي طالب علي المنبر، وتقول له: يا أبا تراب، قال: والله ما سمَّاه بذلك الا رسول الله. قلت: وكيف ذاك؟ قال: دخل عليٌّ عليه السلام علي فاطمة الزهراء، ثُمَّ خرج من الدار، وذهب إلي المسجد واضطجع في فيئه، ثُمَّ دخل رسول الله علي فاطمة وسألها عن عليٍّ عليه السلام، فقالت له: «هو ذاك مضطجع في المسجد»، فجاءه رسول الله فوجده وقد سقط رداؤه عن ظهره؛ فقال له: «اجلس أبا تراب» فوالله ما سمَّاه بذلك إلا رسول الله، وكان أحبَّ أسمائه إليه.
[صفحه 26]
وأخرجه أحمد بن حنبل من وجه آخر، قال: حدَّثنا ابن نمير، عن عبدالملك الكندي، عن أبي حازم، قال: جاء رجل إلي سهل بن سعد؛ فقال: هذا فلان يذكر علي بن أبي طالب عند المنبر، فقال: ما يقول؟ قال: يقول: أبو تراب، ويلعن أبا تراب، فغضب سهل وقال: والله ما كنَّاه به الا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وما كان اسم أحبَّ إليه منه.
وقال الزهري: والذي سبَّ عليَّاً في تلك الحالة مروان بن الحكم؛ لأنَّه كان أميراً في المدينة من قبل معاوية، وذكر ذلك الحاكم أبو عبدالله النيسابوري أيضاً [55].
ولقَّبه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أيضاً بأمير المؤمنين، حتَّي قال فيه: «سلِّموا علي عليٍّ بإمرة المؤمنين» [56].
ومن ألقابه [57] أيضاً: المرتضي، ونفس الرسول، وأخوه، وزوج البتول، وسيف الله المسلول، وأمير البررة، وقاتل الفجرة، وقسيم النار، وصاحب اللواء، وسيِّد العرب، وكشَّاف الكرب، والصدِّيق الأكبر، والهادي، والفاروق، والداعي، والشاهد، وباب المدينة أي مدينة العلم وغرَّة المهاجرين، والكرَّار غير الفرَّار، والفقَّار، وبيضة البلد.
واجتمعت في عليِّ بن أبي طالب خلاصة الصفات التي اشتهرت بها أُسرته الهاشمية من النبل والشجاعة.. وممَّا قاله القائلون عن شجاعته: إنَّه
[صفحه 27]
ما عُرف عن بطل في العالم الا كان مغلوباً حيناً، وغالباً حيناً، الا عليٌّ عليه السلام فهو الغالب أبداً ودائماً، ومن هنا كان العرب يفخرون بأنَّ قريبهم قُتل بسيف عليٍّ، ويجعلون من هذا دليلاً علي أنَّ صاحبهم بارز عليَّاً، وهو الموت الذي لابدَّ منه.
وعُرف أيضاً بالمروءة والعلم والذكاء، وقد كان يقول: «لو شئت لأوقرت سبعين بعيراً في تفسير فاتحة الكتاب». [58] وهو أعلم أصحاب رسول الله قاطبة بلا منازع، وفي هذا أحاديث كثيرة تشهد له، ووقائع كثيرة تصدّقه.

نشأته

كلُّ مولود يولد تتعاقبه وراثة الأجيال، فيأخذ من الأب والأمِّ مايكوِّن به شخصيَّته النفسية والروحية والأخلاقية، والإمام عليٌّ عليه السلام معروف النسب، فهو ابن سادة العرب، أهل المروءة والشجاعة والكرم، توارثوا السيادة وخصالها أباً عن جدٍّ، عن أبيهم إبراهيم خليل الرحمن.
كما هيَّأ الله سبحانه الأسباب لعليٍّ ليكون أكثر الناس قرباً من النبي صلي الله عليه وآله وسلم وأخصِّهم به.. بل ليكون النبيُّ أقرب إليه من أبيه وأخوته، ففي الثامنة من عمر علي عليه السلام وربما كان حوالي عام 606 م دخلت قريش أزمة شديدة طاحنة، وسنة مجدبة منهكة، شحَّت فيها موارد العيش، وكان وقعها علي أبي طالب شديداً، إذ كان ذا عيال كثير وقلَّة من المال لا يفي
[صفحه 28]
بنفقة رجل مثله، فعند ذاك قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لعمَّيه الحمزة والعبَّاس: «ألا نحمل ثقل أبي طالب، ونخفِّف عنه عياله؟»
فجاءوا إليه وسألوه أن يسلِّمهم وِلده ليكفوه أمرهم، فقال لهم: دعوا لي عقيلاً وخُذوا من شئتم، فأخذ العبَّاس طالباً، وحمزة جعفراً، وأخذ محمَّد صلي الله عليه وآله وسلم عليَّاً عليه السلام [59].
وانتقل عليٌّ عليه السلام وهو في مطلع صباه إلي كفيله محمَّد صلي الله عليه وآله وسلم، فرُبِّي في حجر النبي صلي الله عليه وآله وسلم ولم يفارقه، وكانت فاطمة بنت أسد كالأُمِّ للنبي صلي الله عليه وآله وسلم، وكذلك كانت خديجة بنت خويلد كالأُمِّ لعليٍّ عليه السلام.
فنشأ عليٌّ عليه السلام في بيت النبي صلي الله عليه وآله وسلم يرعاه وينفق عليه، فحاز بذلك من الشرف ما لم يحزه غيره.. فقد نشأ يستلهم من معلِّمه معالم الأخلاق والتربية الروحية والفكرية، وكذا دقائق الحكمة والمعرفة، حتَّي أدرك من الحقائق ما لم يدركه بعد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أحد غيره، حتي تطبّع بصفات كافله، ولم تكن فيه صفة الا وهي مشدودة بصفات معلِّمه الأول والأخير، وما من شيء أنكره قلب محمَّد صلي الله عليه وآله وسلم الا وأنكره قلب عليٍّ عليه السلام، وكان هذا قبل مبعث النبي صلي الله عليه وآله وسلم.
وأدرك التلميذ من معلِّمه العظيم حقائق الكون ونواميس الطبيعة، بل وأسرار الوجود، وأصبح المثل الأعلي في جميع شمائله وأفعاله، وتحلَّي بأعلي ذروة من ذري الكمال الروحي والأخلاقي.
[صفحه 29]
ووصف عليه السلام تلك الأيام القيِّمة مبيّنا فضلها واختصاصه بها علي من سواه، فقال:
«وقد علمتم موضعي من رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بالقرابة القريبة، والمنزلة الخصيصة، وضعني في حجره وأنا ولد، يضمُّني إلي صدره.. وكان يمضغُ الشيء ثُمَّ يُلقمنيه، وما وجد لي كذبةً في قول، ولا خطلة في فعل.. ولقد كنت أتَّبعه اتباع الفصيل أثر أمِّه، يرفع لي في كلِّ يومٍ من أخلاقه علماً، ويأمرني بالاقتداء به، ولقد كان يجاور في كلِّ سنة بحراء فأراه، ولا يراه غيري، ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وخديجة وأنا ثالثهما، أري نور الوحي والرسالة، وأشمُّ ريح النبوَّة. ولقد سمعت رنَّة الشيطان حين نزل الوحي عليه صلي الله عليه وآله وسلم فقلت: يا رسول الله ما هذه الرَّنَّة؟ فقال: هذا الشيطان قد أيِسَ من عبادَتِهِ. إنَّك تسمعُ ما أسمعُ، وتري ما أري، إلاّ أنَّكَ لَسْت بِنَبِيٍّ، ولكنَّكَ لَوزيرٌ وإنَّك لَعَلَي خيرٍ … » [60].
[صفحه 30]

علي مع الرسول بعد البعثة

بعد البعثة في مكة

اول الناس إسلاما

أجمعت الروايات علي أنَّه لم يتقدّم من عليٍّ شرك أبداً، ولم يسجد لصنم قط، وتكرَّم وجهه منذ أول وهلة، فلا طاف حول صنم ولا سجد له، فكانت نفسه خالصة لله تعالي، وكان عنواناً للشرف والاستقامة، لقد صاحبته منذ الصبا صراحة الإيمان، والثقة العالية بالنفس، والشجاعة الضرورية لكل إرادة حقة، فكان إيمانه هو الحاكم المطلق، والمسيطر الأوحد علي جميع حركاته وسكناته. فلا مجال لأن يتوهّم من عبارة أنه أول الناس اسلاماً كونه علي خلاف ذلك قبل البعثة.
والحقُّ أنَّه كان أوفر الناس حظاً، بل هو الاصطفاء بحق، حيث منَّ الله عليه بصحبة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم منذ صباه حتَّي نشأ علي يديه، لم يفارقه في سلم أو حرب، وفي حل أو سفر، إلي أن لحق رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بالرفيق الأعلي وهو علي، صدر عليٍّ..
إنّه ربيب رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم الذي كان يغذِّيه معنوياً وروحياً ويؤدّبه ويعلّمه.
ثم أسلمت السيدة خديجة أم المؤمنين فكانت، ثالثة أهل هذا البيت، إنّها أجابت وأسرعت الاجابة، فكان هؤلاء الثلاثة يعبدون الله علي هذا الدين الجديد قبل أن يعرفه بعد أحد غيرهم.
[صفحه 31]
ففي الصحيح: أنَّ النبي صلي الله عليه وآله وسلم كان يخرج إلي البيت الحرام ليصلِّي فيه، فيصحبه عليٌّ وخديجة فيصلِّيان خلفه، علي مرأي من الناس، ولم يكن علي الأرض من يصلِّي تلك الصلاة غيرهم [61].
وعن عفيف بن قيس، قال: كنتُ جالساً مع العبَّاس بن عبدالمطَّلب رضي الله عنه بمكة قبل أن يظهر أمرُ النبي صلي الله عليه وآله وسلم فجاء شاب فنظر إلي السماء حيث تحلَّقت الشمس، ثم استقبلَ الكعبة فقام يصلي، ثم جاء غلامٌ فقام عن يمينه، ثم جاءت امرأةٌ فقامت خلفهما، فركع الشاب فركع الغلام والمرأة، ثم رفع الشاب فرفعا، ثم سجد الشاب فسجدا، فقلت: يا عبَّاس، أمر عظيم، فقال العبَّاس: أمر عظيم، فقال: أتدري من هذا الشاب؟ هذا محمَّد بن عبدالله ابن أخي أتدري من هذا الغلام؟ هذا علي بن أبي طالب ابن أخي أتدري من هذه المرأة؟ هذه خديجة بنت خويلد. إنَّ ابن أخي هذا حدَّثني أنَّ ربَّه ربُّ السماوات والأرض أمره بهذا الدين الذي هو عليه، ولا والله ما علي ظهر الأرض علي هذا الدين غير هؤلاء الثلاثة، قال عفيف: ليتني كنتُ رابعاً [62].
وبقي هؤلاء الثلاثة علي هذا الدين، يتكتمون من الناس أياماً طوالاً، رجع في بعضها علي إلي أبيه بعد عودته من بعض الشعاب، حيث كان يتعبَّد مع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم:
يا بني: ما هذا الدين الذي أنت عليه؟
[صفحه 32]
أجاب: يا أبه! آمنت بالله وبرسوله وصلَّيتُ معه.
فقال أبوه: أمَّا إنَّه لا يدعونا الا إلي الخير فالزمه [63].
فكان علي أول من أسلم، هكذا أثبت سائر أهل العلم، وهذا ماتؤكّده الأحاديث النبوية الشريفة.
ففي كلام أهل العلم: قال اليعقوبي في تاريخه: «كان أول من أسلم: خديجة بنت خويلد من النساء، وعليٌّ بن أبي طالب من الرجال، ثُمَّ زيد بن حارثة، ثُمَّ أبو ذرٍّ، وقيل: أبو بكر قبل أبي ذرٍّ، ثُمَّ عمرو بن عبسة السلمي، ثُمَّ خالد بن سعيد بن العاص، ثُمَّ سعد بن أبي وقَّاص، ثُمَّ عتبة بن غزوان، ثُمَّ خبَّاب بن الأرت، ثُمَّ مصعب بن عمير» [64].
وممَّن قال بأنَّ علياً أولهم إسلاماً: ابن عبَّاس، وأنس بن مالك، وزيد ابن أرقم. رواه الترمذي ورواه الطبراني عن سلمان الفارسي رضي الله عنه، وروي عن محمَّد بن كعب القرظي، وقال بريدة: أولهم اسلاماً خديجة، ثُمَّ عليٌّ عليه السلام وحكي مثله عن أبي ذرٍّ، والمقداد وخباب، وجابر، وأبي سعيد الخدري، والحسن البصري وغيرهم [65]: أنَّ عليَّاً أول من أسلم بعد خديجة، وفضّله هؤلاء علي غيره [66].
وعن أنس بن مالك، قال: «بعُث النبي صلي الله عليه وآله وسلم يوم الأثنين، وأسلم عليٌّ
[صفحه 33]
يوم الثلاثاء» [67].
وجاء في خبر محمَّد بن المنذر، وربيع بن أبي عبدالرحمن، وأبي حازم المدني والكلبي: أوَّل من أسلم عليٌّ.
قال الكلبي: كان عمره تسع سنين، وكذا قول الحسن بن زيد بن الحسن، وقيل: إحدي عشرة سنة، وقيل غير ذلك [68].
وقال ابن اسحاق: «أول من أسلم علي وعمره إحدي عشرة سنة» [69]؟.
ومن قال: «أسلم عليٌّ وهو ابن عشر سنين» مجاهد برواية يونس عن ابن اسحاق، عن عبدالله بن أبي نجيح [70].
وقال عروة: أسلم وهو ابن ثمان، وقال المغيرة: أسلم وله أربع عشرة سنة، رواه جرير عنه [71].
وعن سعد بن أبي وقَّاص، وقد سمع رجلاً يشتم أمير المؤمنين عليه السلام فوقف عليه وقرَّره بقوله: يا هذا، علامَ تشتم عليَّ بن أبي طالب؟ ألم يكن أول من أسلم؟ ألم يكن أول من صلَّي مع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم؟ ألم يكن أعلم الناس؟ … إلي آخره [72].
[صفحه 34]
قال الشيخ المفيد: «والأخبار في كونه أول من اسلم كثيرة وشواهدها جمَّة، فمن ذلك: قول خُزيمة بن ثابت الأنصاري ذي الشهادتين؛ رحمه الله فيما أخبرني به أبو عبيدالله محمَّد بن عمران المرزباني، عن محمَّد بن العباس، قال: أنشدنا محمَّد بن يزيد النحوي، عن ابن عائشة لخزيمة بن ثابت رضي الله عنه:
ما كنت أحسب هذا الأمر منصرفاً
عن هاشم ثُمَّ منها عن أبي حسنِ
أليس أول من صلَّي لقبلتهم
وأعرف الناس بالآثار والسننِ» [73].
أما الأحاديث النبوية الشريفة فإنَّ الواحد منها يكفي هنا لقطع النزاع وردّ أيّ ادعاء في تقديم أحد علي عليّ عليه السلام في إسلامه، والحق أن معظم الذين أدعوا أسبقية أبي بكر لم يقولوا بأنه أسلم قبل علي أو خديجة أو زيد بن حارثة، بل وضعوا تصنيفاً من عند أنفسهم يجعل لأبي بكر أولوية بحسب هذا التصنيف، فقالوا: أول من أسلم من النساء خديجة، ومن الصبيان علي، ومن الموالي زيد، ومن العبيد بلال، ومن الرجال أبو بكر [74]! هذا مع أن أبا ذر علي الأقل كان قد سبق أبا بكر، وكان رابعاً.
ولنقف الآن علي بعض الأحاديث النبوية الشريفة التي قطعت كل نزاع وردّت كل ادعاء:
فمما ورد عن النبي الأعظم صلي الله عليه وآله وسلم بسند صحيح قوله: «أوَّلكم وروداً عليَّ الحوض، أوَّلكم إسلاماً عليُّ بن أبي طالب» [75].
[صفحه 35]
وعن سلمان الفارسي: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: «أول هذه الأُمَّة وروداً علي نبيِّها أولها اسلاماً عليٌّ بن أبي طالب». رواه الدَبَري عن عبدالرزاق، عن الثوري، عن قيس بن مسلم، قال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله ثقات [76].
وقال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لفاطمة الزهراء عليها السلام، كما رواه أنس: «قد زوَّجتك أعظمهم حلماً، وأقدمهم سلماً، وأكثرهم علماً». وروي نحوه جابر الجعفي وغيره [77].
وقال أبو ذر: سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يقول لعليٍّ عليه السلام: «أنت أول من آمن بي، وأنت أول من يصافحني يوم القيامة، وأنت الصدِّيق الأكبر، وأنت الفاروق تفرِّق بين الحقِّ والباطل، وأنت يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب الكافرين» [78].
وأخيراً فقد كان علي عليه السلام يصرِّح في كثير من المناسبات بذلك، فيقول عن نفسه: «أنا عبدالله وأخو رسوله، وأنا الصدِّيق الأكبر، لا يقولها بعدي إلا كاذب مفتر، ولقد صلَّيت قبل الناس سبع سنين» [79].
[صفحه 36]
ويقول عليه السلام: «أنا الصدّيق الأكبر، آمنت قبل أن يؤمن أبو بكر» [80].
وأمّا أبو بكر، فقد أخرج الطبري في تاريخه بسندٍ صحيح أنه أسلم بعد خمسين رجلاً، وهذا نصّ روايته: «حدّثنا ابن حُميد، قال حدّثنا كنانة بن جبلة، عن إبراهيم بن طَهمان، عن الحجّاج بن الحجّاج، عن قتادة، عن سالم بن أبي سالم بن أبي الجَعْد، عن محمد بن سعد، قال: قلت لأبي: أكان أبو بكر أوَّلكم إسلاماً؟ فقال: لا، ولقد أسلم قبله أكثر من خمسين» [81].

الدعوة الخاصة

علي يوم الإنذار الأول

بُعثَ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وهو يضع في حسابه أنَّ دعوته ستجابه بالرفض والتحدِّي دون أدني شكٍّ، فعرب الجاهلية تشرَّبت قلوبهم بعبادة الأوثان، ورسول الله صلي الله عليه وآله وسلم تشغله هموم التبليغ، وخاصة انَّه كان يتمنَّي أن يسارع في الاستجابة له أهله وعشيرته، وكلُّ من يتَّصل به بنسب أو سبب، لأنَّهم آله وعشيرته الذين يشكِّلون قوة مكينة، لمكانتهم المرموقة في داخل مكَّة وخارجها، فسيعود عليه إسلامهم بالنصر حتماً، فيصبح مرهوب الجانب وفي منعةٍ من الأعداء الألدَّاء، وهذه وسيلة متينة لتثبيت دعائم دعوته.
ومع كلِّ تمنِّياته تلك كان يخشي أيضاً أن يرفضوا دعوته إذا دعاهم
[صفحه 37]
لدين التوحيد، فينضمُّوا إلي غيرهم من الأعداء والمكذِّبين والمستهزئين ببعثته صلوات الله وسلامه عليه..
في تلك اللحظات الحاسمة دوّي صوت جبرئيل ليملأ أُذني النبي بالنذارة، مبلِّغاً عن الله عزَّ اسمه قوله: (وَأنذِرْ عَشِيرَتَكَ الاَقْرَبِينَ- وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ- فَإنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُون). [82] ألقاها علي عاتقه الشريف، وليس له مناصر ومعين غير نفر قليل مستخفّين بإيمانهم، وكان هذا الحدث بعد مبعثه الشريف بثلاث سنين.
قال جعفر بن عبدالله بن أبي الحكم: «لمَّا أنزل الله علي رسوله (وَأنذِرْ عَشِيرَتَكَ الاَقْرَبِين) اشتدَّ ذلك عليه وضاق به ذرعاً، فجلس في بيته كالمريض، فأتته عمَّاته يعُدنه، فقال: «ما اشتكيتُ شيئاً، ولكن الله أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين»».. [83].
بعد ذلك عزم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم امتثالاً لأوامر الله تعالي علي إنذار آله وعشيرته ودعوتهم إلي الله، فجمع بني عبدالمطلب في دار أبي طالب، وكانوا أربعين رجلاً يزيدون رجلاً أو ينقصون رجلاً وكان قد قال لعلي عليه السلام: «اصنع لي صاعاً من طعام واجعل عليه رجل شاة واملأ لنا عساً من لبن»، قال علي عليه السلام وهو ينقل هذا الحديث واصفاً قومه: «وإنَّ منهم
[صفحه 38]
من يأكل الجذعة ويشرب الفرق» [84]، وأراد عليه السلام بإعداد قليل من الطعام والشراب لجماعتهم إظهار الآية لهم في شبعهم وريِّهم ممَّا كان لا يشبع الواحد منهم ولا يرويه [85].
فقال صلي الله عليه وآله وسلم: «أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلاً تخرج من سفح هذا الجبل، أكنتم مصدقي؟» قالوا: بلي، أنت عندنا غير متهم، وما جرَّبنا عليك كذباً، فقال: «أني نذير لكم من بين يدي عذاب شديد» فقطع كلامه عمه أبو لهب، وقال: تباً لك! ألهذا جمعتنا؟! ثم عاد فجمعهم ثانية، فأعاد أبو لهب مثل قولته الاولي، فتفرّقوا، فأنزل الله تعالي عليه (تبت يدا أبي لهب وتب) [86] الي آخر السورة المباركة.
ثم جمعهم مرَّةً أُخري ليكلِّمهم، وفيهم أعمامه: أبو طالب والحمزة والعبَّاس وأبو لهب، وغيرهم من أعمامه وبني عمومته، فأحضر عليٌّ عليه السلام لهم الطعام ووضعه بين أيديهم، وكان بإمكان الرجل الواحد أن يأكله بكامله، فتهامسوا وتبادلوا النظرات الساخرة من تلك المائدة التي لا تقوم حسب العادة لأكثر من رجلين أو ثلاثة رجال، ثم مدُّوا أيديهم إليها وجعلوا يأكلون، ولا يبدو عليها النقص حتَّي شبعوا، وبقي من الطعام مايكفي لغيرهم.
فلمَّا أكلوا وشربوا قال لهم النبيُّ صلي الله عليه وآله وسلم: «يا بني عبدالمطَّلب، والله
[صفحه 39]
ما أعلم شابَّاً في العرب جاء قومه بأفضل ممَّا جئتكم به، إنِّي جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله تعالي أن أدعوكم إليه» ثمَّ عرض عليهم أصول الإسلام وقال: «فأيُّكم يؤازرني علي هذا الأمر، علي أن يكون أخي ووصيِّي، وخليفتي فيكم من بعدي»؟.
فلم يجب أحد منهم، فأعاد عليهم الحديث ثانياً وثالثاً، وفي كلِّ مرَّةٍ لايجيبه أحد غير عليٍّ عليه السلام، قال عليٌّ: والرواية عنه «فأحجم القوم عنها جميعاً، وقلت وأنا لأحدثهم سناً : أنا يا نبيَّ الله أكون وزيرك عليه، فأخذ برقبتي، ثُمَّ قال: إنَّ هذا أخي، ووصيِّي، وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا».
قال: «فقام القوم يضحكون، ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع». [87] فقال أبو لهب: خذوا علي يَدَي صاحبكم قبل أن يأخذ علي يده غيركم، فإن منعتموه قُتلتم، وإن تركتموه ذللتم.
فقال أبو طالب: يا عورة، والله لننصرنَّه ثُمَّ لنعيننَّه، يا ابن أخي إذا أردت أن تدعو إلي ربِّك فأعلمنا حتَّي نخرج معك بالسلاح [88].
ومن بين جميع الأهل والأقارب كان محمَّد صلي الله عليه وآله وسلم شديد الحزن والمرارة، فقد كان وحيداً، وكان يتمنَّي مناصرة قومه له علي قوي الشرك المدجَّجة بالمال والسلاح، لكنَّ عليَّاً عليه السلام كان قوماً له رغم صغر سنه،
[صفحه 40]
وشاءت الأقدار أن ينصر أخاه بسلاحه «فأنا حربٌ علي من حاربت»، بهذه التلبية أثمر الاصطفاء، وأُرسيت دعائم الإسلام فوق جماجم الشرك..
وهذا البيان الصريح في علي عليه السلام: «أخي، ووصي، وخليفتي من بعدي» لابد أن يجد من يبذل كل جهد للالتفاف عليه إما بالتغييب، وإما بالتكذيب، واما بالتأويل …
ذكر الشيخ محمَّد جواد مغنية في كتابه (فلسفة التوحيد والولاية) بعد أن ذكر المصادر الأساسية لهذه الواقعة : أنَّ من الذين رووا نصَّ النبيِّ صلي الله عليه وآله وسلم علي عليٍّ عليه السلام بالخلافة عندما دعا عشيرته وبلَّغهم رسالة ربِّه : محمَّد حسين هيكل في الطبعة الأولي من كتابه (حياة محمَّد)، ومحمَّد عبدالله عنان في كتابه (تاريخ الجمعيات)، ولكنَّ هيكل في الطبعة الثانية وما بعدها من الطبعات قد مسخ الحديث المذكور وحرَّف منه كلمة «خليفتي من بعدي» في مقابل خمسمائة جنيه، أخذها من جماعة ثمناً لهذا التحريف [89].
أمَّا ابن كثير فقد ذكر القصَّة بتفاصيلها ولكن بقصد تكذيبها إلي أن قال: فقال صلي الله عليه وآله وسلم: «أيُّكم يؤازرني علي هذا الأمر، علي أن يكون أخي» وكذا وكذا؟.
قال عليٌّ عليه السلام : «فأحجم القوم جميعاً، وقلت وإنِّي لأحدثهم سناً وأرمصهم عيناً، وأعظمهم بطناً، وأحمشهم ساقاً : أنا يا نبيَّ الله أكون وزيرك
[صفحه 41]
عليه، فأخذ برقبتي، فقال: إنَّ هذا أخي وكذا وكذا فاسمعوا له وأطيعوا»! [90].
ثم قال: «تفرّد به عبدالغفَّار بن القاسم أبو مريم، وهو كذَّاب شيعي، اتهمه عليُّ بن المديني بوضع الحديث وضعَّفه الباقون» [91].
ثمَّ يضيف في الصفحة ذاتها قائلاً: «ولكن روي ابن أبي حاتم في تفسيره عن أبيه، عن الحسين بن عيسي بن ميسرة الحارثي، عن عبدالله بن عبدالقدُّوس، عن الأعمش، عن المنهال بن عمرو، وعن عبدالله بن الحارث قال: قال عليٌّ عليه السلام: «لمَّا نزلت هذه الآية: (وَأنذِرْ عَشِيرَتَكَ الاَقْرَبِين) [92] قال لي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: إصنع لي شاةً بصاع من طعام، وإناء لبناً، وادعُ لي بني هاشم؛ فدعوتهم وإنَّهم يومئذٍ لأربعون غير رجل، أو أربعون ورجل» فذكر القصَّة إلي قوله: «فبدرهم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم الكلام، فقال: أيُّكم يقضي عنِّي دَيني، ويكون خليفتي في أهلي»؟
فسكتوا وسكت العبَّاس، خشية أن يحيط ذلك بماله، وسكتُّ أنا لسنِّ العبَّاس.
ثمَّ قالها مرَّةً أُخري، فسكت العبَّاس، فلمَّا رأيت ذلك، قلت: أنا يا رسول الله.
قال: أنت؟!
قال: وإنِّي يومئذٍ لأسوأهم هيئةً، وإنِّي لأعمش العينين، ضخم البطن،
[صفحه 42]
حمش الساقين!»» [93].
فلنتناول هذا الكلام من جميع وجوهه، لنعرف أين محله:
1 فأمَّا عبدالغفَّار بن القاسم أبو مريم، الذي طعن عليه، فقد وصفه ابن حجر العسقلاني، فقال: كان ذا اعتناء بالعلم وبالرجال قال وقال شعبة: لم أرَ أحفظ منه، وقال ابن عدي: سمعت ابن عقدة يثني عليأبي مريم ويطريه وتجاوز الحدَّ في مدحه، حتي قال: لو ظهر علي أبي مريم ما اجتمع الناس إلي شعبة.
أمَّا تضعيفهم له فإنَّما جاء من وصفه بالتشيُّع، قال ابن حجر [94] في ترجمته ذاتها : قال البخاري: عبدالغفَّار بن القاسم ليس بالقويِّ عندهم، حدَّثنا أحمد بن صالح حدَّثنا محمَّد بن مرزوق، حدَّثنا الحسين بن الحسن الفزاري، عن عبدالغفَّار بن القاسم، عن عَدي بن ثابت، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عبَّاس، قال حدَّثني بُريدة: قال صلي الله عليه وآله وسلم: «عليٌّ مولي من كنت مولاه»!! فمن هنا جاء طعنهم عليه.
2 وأمَّا قوله: إنَّ الحديث فيه عبدالغفَّار بن القاسم، فقد ورد الحديث من طرق أُخري ليس فيها عبدالغفَّار كما في (مسند أحمد) و(الخصائص) للنسائي، و(تاريخ الطبري) و(تاريخ دمشق) و(شواهد التنزيل) [95].
[صفحه 43]

شعب أبي طالب

اتخذت قريش شتي الأساليب لردع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وأتباعه من المسلمين، ولمَّا أنّ رأت أنّ الإسلام يفشو ويزيد، اتفقوا بعد تفكير طويل علي قتل الرسول صلي الله عليه وآله وسلم، وأجمع مَلَؤُها علي ذلك، وبلغ أبا طالب فقال:
والله لن يصلوا إليك بجمعهم
حتَّي أُغيَّب في التراب دفينا
ودعوتني وزعمت أنَّك ناصِحٌ
ولقد صدقت وكنت ثَمَّ أميناً
وعرضت ديناً قد علمتُ بأنَّه
من خير أديان البرية دينا [96].
ولمَّا علمت أنَّها لا تقدر علي قتله، وأنَّ أبا طالب لا يسلّمه، وسمعت بهذا من قول أبي طالب، كتبت الصحيفة القاطعة الظالمة التي تنصُّ علي مقاطعة بني هاشم واتباعهم وحصرهم في مكان واحد، وقطع جميع وسائل العيش عنهم، وألاّ يناكحوهم حتَّي يدفعوا إليهم محمَّداً صلي الله عليه وآله وسلم فيقتلوه، والا يموتوا جوعاً وعطشاً، وختموا علي الصحيفة بثمانين خاتماً.
وكان الذي كتبها منصور بن عكرمة بن عامر بن هاشم بن عبدمناف بن عبدالدار، فشلَّت يده [97] وقيل. وقَّعها أربعون من زعماء مكَّة، ثُمَّ علَّقوا الصحيفة في جوف الكعبة وحصروهم في شعب أبي طالب ست سنين [98]، وذلك في أول المحرم من السنة السابعة لمبعث النبي صلي الله عليه وآله وسلم وقيل: استمر نحواً
[صفحه 44]
من سنتين أو ثلاث [99]، حتَّي أنفق رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ماله وأنفق أبو طالب ماله، وأنفقت خديجة بنت خويلد مالها، وصاروا إلي حدِّ الضرِّ والفاقة، واشتدت بهم الضائقة، حتي اضطرتهم إلي أكل الأعشاب وورق الأشجار، ومع ذلك فلم يضع أبو طالب وولده علي عليه السلام وأخوه الحمزة شيئاً في حسابهم غير النبيّ محمَّد صلي الله عليه وآله وسلم ورعايته، حتَّي لا يتسلَّل أحد من المكِّيين ليلاً لاغتياله، وكانت هذه الخاطرة لا تفارق أبا طالب في الليل والنهار.
جاء في تاريخ ابن كثير [100]: أنَّ أبا طالب قد بلغ من حرصه علي حياة محمَّد صلي الله عليه وآله وسلم أنَّه كان اذا أخذ الناس مضاجعهم في جوف الليل، يأمر النبي أن يضطجع علي فراشه مع النيّام، فإذا غلبهم النوم أمر أحد بنيه أو اخوته فأضجعهم علي فراش الرسول صلي الله عليه وآله وسلم وأمر الرسول أن يضطجع علي فراشهم حرصاً منه عليه، حتَّي لو قدِّر لأحد أن يتسلَّل إلي الشعب ليلاً لاغتياله يكون ولده فداءً لابن أخيه.
وفي رواية ابن أبي الحديد أنَّه قرأ في أمالي أبي جعفر محمَّد بن حبيب: أنَّ أبا طالب كان إذا رأي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أحياناً يبكي، ويقول: إذا رأيته ذكرت أخي عبدالله، وكان عبدالله أخاه لأمِّه وأبيه.
وأضاف إلي ذلك أنَّه كثيراً ما كان يخاف عليه البيات ليلاً، فكان يقيمه ليلاً من فراشه ويضجع ابنه علياً مكانه، ومضي علي ذلك أيام الحصار وغيرها، وأحسَّ عليٌّ عليه السلام بالخطر علي حياته، ولكنَّه كان طيِّب النفس
[صفحه 45]
بالموت في سبيل محمَّد صلي الله عليه وآله وسلم.
وقال لأبيه يوماً: «يا أبت أني مقتول»، فأوصاه بالصبر، وأنشد:
أصبرن يا بني فالصبر أحجي
كلُّ حيٍّ مصيره لشعوب [101].
قدّر الله والبلاء شديد
لفداء الحبيب وابن الحبيب
إن تصبك المنون فالنبل تبري
فمصيب منها وغير مصيب
كلُّ شيءٍ وإن تملَّي بعمر
آخذ من مذاقها بنصيب [102].
وهذه الأبيات تؤكِّد إيمانه العميق برسالة محمَّد صلي الله عليه وآله وسلم واستعداده لأن يضحّي بولده في سبيلها، ولقد أجابه ولده أمير المؤمنين عليه السلام بأبيات يرويها شارح النهج عنه تحمل نفس الروح التي كان يحملها أبوه، حيث يري أنَّ وجوده وحياته متمِّمان لحياة محمَّد صلي الله عليه وآله وسلم ورسالته، لذلك لم يكن غريباً عليه أن يضحّي ويبذل حتي نفسه ليسلم محمَّد صلي الله عليه وآله وسلم لرسالته، تلك التّضحية التي لم يعرف التاريخ أروع وأجمل منها.
يقول عليه السلام:
أتأمرني بالصبر في نصر أحمد
ووالله ما قلت الذي قلت جازعا
ولكنَّني أحببت أن تري نصرتي
وتعلم أنِّي لم أزل لك طائعا
سأسعي لوجه الله في نصر أحمد
نبي الهدي المحمود طفلاً ويافعا [103].
فنزل جبريل علي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وأخبره أنَّ الله سبحانه وتعالي أرسل علي صحيفة المقاطعة دودة الأرضة أكلت ما فيها من ظلم وقطيعة
[صفحه 46]
رحم، وتركت ما فيها من أسماء الله تعالي. فقال النبيُّ صلي الله عليه وآله وسلم لعمِّه أبي طالب وكلِّ من في الشعب، حتَّي صاروا إلي الكعبة الشريفة، واجتمع الملأ من قريش من كلِّ أوب فقالوا: قد آن لك أن تذكر العهد وتدع «اللجاج في ابن أخيك»!
وقال لهم: إنَّ ابن أخي أخبرني أنَّ الله تعالي أرسل علي صحيفتكم الأرضة، فأكلت ما فيها من قطيعة رحم وظلم، وتركت اسم الله تعالي، فإن كان كاذباً سلَّمته إليكم لتقتلوه، وعلمنا أنَّكم علي حقٍّ، ونحن علي باطل، وإن كان صادقاً علمتم أنَّكم ظالمون لنا، قاطعون لأرحامنا. فقالوا: قد أنصفتنا.
وقاموا سراعاً وأحضروها وإذا الأمر كما قال أبو طالب، فبهتوا ونكسوا رؤوسهم ثُمَّ قالوا: إنَّ هذا لسحر وبهتان!!
فقويت نفس أبي طالب واشتدَّ صوته، وقال: «قد تبيَّن لكم أنَّكم أولي بالظلم والقطيعة» [104].

موامرة قريش في دار الندوة

ضاق الأمر بالنبي صلي الله عليه وآله وسلم وتراكمت عليه الأحداث بعد خروجه من محنة الحصار في شعب أبي طالب، ولم تكن سوي أيام قلائل حتي توفِّي عمُّه أبو طالب، ناصره ومعينه علي أمره، أقبلت قريش المذعورة علي إيذائه بشتَّي الأساليب بأبي أنت وأمِّي يا رسول الله فقد مات
[صفحه 47]
أبو طالب، ولم يعد بمكَّة من تهابه قريش وترعي له حرمة.. فخرج صلوات الله عليه إلي الطائف، وهذه أول رحلة قام بها من مكَّة للدعوة إلي الإسلام، فعمد إلي ثقيف يطلب منها النصر، لكنَّها رفضت أن تسمع له، ولم تكتفِ بذلك، بل أرسلت صبيانها يرشقوه بالحجارة، حتي أُدميت قدماه الشريفتان، كما أُصيب علي وزيد بن حارثة، حيث كانا معه في تلك الرحلة، وعليٌّ يتلقَّي الأحجار بيديه وصدره حتَّي أُثخن بالجراح، فكان رسول الله يقول: «ما كنت أرفع قدماً ولا أضعها الا علي حجر» [105]!
وبذلك قرَّروا الرجوع إلي مكَّة؛ فكلابها أهون من وحوش البراري! رجع يائساً من ثقيف وأحلافها، واستطاع الدخول إلي مكَّة بإجارة المطعم بن عدي له.
وحينما خافت قريش أن يقوي ساعده ويصبح له أنصاراً جدداً، وحذروا من خروجه سيّما بعد أن أذن لأصحابه بالهجرة إلي يثرب اجتمعت في دار الندوة، وتشاوروا في أمره وأعدُّوا العدَّة للقضاء عليه قبل فوات الأوان، فقالوا: ليس له اليوم أحد ينصره وقد مات عمُّه!
وكان اجتماعهم هذا قبيل شهر ربيع الأول عام 633 م، عام الهجرة، وبعد أن أعطي كلُّ واحد منهم رأيه، قال أبو جهل: أري أن نأخذ من كلِّ قبيلة فتيً نسيباً ونعطي كلَّ فتيً منهم سيفاً، ثُمَّ يضربونه ضربة رجل واحد فيقتلونه، كي لا يتحمَّل قتله فرد ولا قبيلة وحدها، بل يتفرق دمه في
[صفحه 48]
القبائل كلِّها، فلم يقدر آله وعشيرته علي حرب قومهم جميعاً، فيصعب الثأر له.. فتفرَّقوا علي ذلك بعد أن اتَّفقوا علي الليلة التي يهاجمونه فيها وهو في فراشه.
فأتي جبرائيل النبي صلي الله عليه وآله وسلم وأخبره بمكيدة قريش وأحلافها، كما تشير إلي ذلك الآية: (وَإذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أوْ يَقْتُلُوكَ أوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِين) [106].
ومكر الله في الآية يعني: أنَّه سبحانه قد فوَّت عليهم مكرهم وتخطيطهم بما أخبر به نبيَّه، وبما أمره به من الخروج في تلك الليلة، ومبيت علي عليه السلام علي فراشه ليفوّت عليهم تدبيرهم الذي أجمعوا عليه.
ولما علم عليٌّ عليه السلام بتخطيط قريش لاغتيال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بكي، ورحَّب بالمبيت في فراشه فداءً له وللإسلام وقال له: «أو تَسْلَم أنت يارسول الله إن فديتك بنفسي»؟ قال له صلي الله عليه وآله وسلم: «نعم، بذلك وعدني ربِّي» فانشرح صدره لسلامة أخيه رسول الله.
وشاءت الأقدار أن يفتح عليُّ بن أبي طالب عليه السلام صفحةً مشرقةً من بطولاته لأنَّه تلميذ الرسالة الحقَّة وربيب رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، وسليل بني هاشم، وتقدّم مطمئن النفس، رابط الجأش، متَّشحاً ببرد الرسول الحضرمي، ونام ثابت الفؤاد لا يخاف في الله لومة لائم.
وكان ذلك سبباً لنجاة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وحفظ دمه، ولولا فداء أمير المؤمنين نفسه للرسول لما تمَّ تبليغ الرسالة والصدع بأمر الله تعالي.
[صفحه 49]
فلمَّا كانت العتمة اجتمعوا علي بابه يرصدونه، وودَّع رسول الله عليَّ ابن أبي طالب عليه السلام، وأمره أن يؤدِّي ما عنده من وديعة وأمانة إلي أهلها ويلحق به.
وفي بعض الروايات: أنَّه صلي الله عليه وآله وسلم خرج فأخذ حفنةً من تراب، فجعله علي رؤوسهم، وهو يتلو هذه الآيات من (يسَ - وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ) إلي قوله: (فَهُمْ لأ يُبْصِرُون) [107] ثمَّ انصرف فلم يروه [108].
هكذا، فإنّ القوم أحاطوا بالدار، وهم من فتيان قريش الاشداء، وجعلوا يرصدونه ليتأكَّدوا من وجوده، فرأوا رجلاً قد نام في فراشه التحف ببرد له أخضر.
أمَّا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فقد خرج في الثلث الأخير من الليل من الدار، وكان قد اختبأ في مكان منها، وانطلق جنوباً إلي غار ثور، وكمن فيه ومعه أبو بكر، فأقاما فيه ثلاثاً.
ولمَّا حان الوقت الذي عيَّنوه لهجومهم علي الدار، هجموا عليها، فوثب عليٌّ عليه السلام من فراشه، ففرُّوا بين يديه حين عرفوه..
وفي بعض الروايات أنَّهم قبل هجومهم عليه جعلوا يقذفونه بالحجارة وهو ساكن لا يتحرَّك ولا يبالي بما يصيبه من الأذي، ثُمَّ هجموا عليه بسيوفهم وخالد بن الوليد في مقدمهم، فوثب علي عليه السلام من فراشه وهمزه بيده، ففرَّ خالد واستطاع علي عليه السلام أنَّ يأخذ السيف منه، فشدَّ عليهم
[صفحه 50]
وانهزموا أمامه إلي الخارج [109].
وسأل الرهط عليَّاً: أين ابن عمِّك؟
قال: «أمرتموه بالخروج فخرج عنكم» [110]، وقيل: إنَّه قال: «لا علم لي به» [111].
وأخرج اليعقوبي وابن الأثير وغيرهما: أنَّ الله عزَّ وجلَّ أوحي في تلك الليلة إلي جبرئيل وميكائيل أنِّي قضيت علي أحدكما بالموت، فأيِّكما يواسي صاحبه؟ فاختار الحياة كلاهما، فأوحي الله إليهما: هلأَ كنتما كعليِّ بن أبي طالب … آخيت بينه وبين محمَّد، وجعلت عمر أحدهما أكثر من الآخر، فاختار عليٌّ الموت وآثر محمَّداً بالبقاء وقام في مضجعه، اهبطا فاحفظاه من عدوِّه. فهبط جبرئيل وميكائيل فقعد أحدهما عند رأسه، والآخر عند رجليه يحرسانه من عدوِّه، ويصرفان عنه الحجارة، وجبريل يقول: بخ بخ لك يا ابن أبي طالب مَن مثلك يباهي الله بك ملائكة سبع سموات! [112].
ولم يشرك أمير المؤمنين عليه السلام في هذه المنقبة أحد من أهل الإسلام، ولا اختصَّ بنظير لها علي حال، وفيه نزل قوله تعالي في هذه المناسبة: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللهِ وَاللهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَاد) [113].
وعقَّب الأستاذ عبدالكريم الخطيب في كتابه (علي بن أبي طالب)
[صفحه 51]
علي تضحيته عليه السلام ومبيته علي فراش الرسول صلي الله عليه وآله وسلم ليلة تآمرت قريش علي قتله بقوله: وهذا الذي كان من عليٍّ عليه السلام ليلة الهجرة، إذا نظر إليه في مجري الأحداث التي عرضت للإمام عليٍّ عليه السلام في حياته بعد تلك الليلة، فإنَّه يرفع لعيني الناظر أمارات واضحة، وإشارات دالّة علي أنَّ هذا التدبير الذي كان في تلك الليلة لم يكن أمراً عارضاً بالإضافة إلي عليٍّ عليه السلام بل هو عن حكمة لها آثارها ومعقباتها، فلنا أن نتساءل: أكان لإلباس الرسول صلي الله عليه وآله وسلم شخصيَّته لعليٍّ عليه السلام تلك الليلة ما يوحي بأنَّ هناك جامعة، تجمع بين الرسول وعليٍّ أكثر من جامعة القرابة القريبة التي بينهما؟ وهل لنا أن نستشفَّ من ذلك، أنَّه اذا غاب شخص الرسول كان عليٌّ عليه السلام هو الشخصية المهيَّأة لأن تخلفه وتمثل شخصه وتقوم مقامه.
وأحسب أنَّنا لم نتعسَّف كثيراً حين نظرنا إلي عليٍّ عليه السلام وهو في برد الرسول صلي الله عليه وآله وسلم وفي مثوي منامه الذي اعتاد أن ينام فيه، وقلنا: هذا خليفة رسول الله والقائم مقامه.
وأضاف: إنَّ هذا الذي كان من عليٍّ عليه السلام ليلة الهجرة، في تحدِّيه لقريش هذا التحدِّي السافر، وفي استخفافه بها، وقيامه بينها ثلاثة أيام يغدو ويروح، إنَّ ذلك لا تنساه قريش لعليٍّ عليه السلام أبداً، ولولا أنَّها وجدت في قتله يومئذٍ إثارة فتنة تمزِّق وحدتها وتشتِّت شملها، دون أن يكون في ذلك ما يبلغ بها غايتها في محمَّد صلي الله عليه وآله وسلم، لقتلته وشفت ما بصدرها منه، ولكنَّها تركته وانتظرت الأيام لتسوّي حسابها معه.
ألا يبدو من هذه الموافقات، ما نستشفُّ منه أنَّ لعليِّ بن أبي طالب
[صفحه 52]
شأناً في رسالة الرسول صلي الله عليه وآله وسلم ودوراً في دعوة الإسلام، ليس لأحد غيره من صحابة الرسول؟ [114].
وأخرج الحاكم النيسابوري: أنَّ الإمام زين العابدين كان يقول: «إنَّ أول من شري نفسه ابتغاء رضوان الله عليُّ بن أبي طالب، قال علي عند مبيته علي فراش رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم:
وقيتُ بنفسي خير من وطأ الحصي
ومن طاف بالبيت العتيق وبالحجر
رسول إله خاف أن يمكروا به
فنجَّاه ذو الطول الإله من المكر
وبات رسول الله في الغار آمناً
موقي وفي حفظ الإله وفي ستر
وبتُّ أراعيهم ولم يتهمونني
وقد وطنت نفسي علي القتل والأسر» [115].

علي والركب الفاطمي إلي المدينة

بقي عليٌّ عليه السلام في مكَّة ثلاث ليال، أدَّي خلالهنّ بطل التأريخ ما عهد إليه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم من ردِّ الأمانات والودائع التي كان يحتفظ بها النبيُّ صلي الله عليه وآله وسلم لأهل مكَّة، ليلحق بعدها برسول الله..
في هذه الأثناء كان النبيُّ صلي الله عليه وآله وسلم قد وصل إلي يثرب، بعد أن قطعوا الجبال والأودية علي مقربة من المدينة علي ساكنها السلام قال النبيُّ صلي الله عليه وآله وسلم لمن معه: «من يدلنا علي الطريق إلي بني عمرو بن عوف»؟ ولمَّا بلغ منازلهم نزل ضيفاً عليهم لإحدي عشرة أو لاثنتي عشرة ليلة خلت
[صفحه 53]
من ربيع الأول، وكان قد استقبله منهم نحو من خمسمائة [116].
وكتب رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم إلي عليٍّ عليه السلام مع أبي واقد الليثي، يحثُّه بالمسير إليه بعد أداء ما أوصاه به، ولمَّا وصله الكتاب تهيَّأ للخروج، وردَّ كلَّ وديعةٍ إلي أهلها، وأمر من كان قد بقي من ضعفاء المؤمنين أن يتسلَّلوا إلي ذي طول ليلاً..
وخرج هو بالركب الفاطمي: فاطمة بنت رسول الله، وفاطمة بنت أسد بن هاشم، وفاطمة بنت الزبير بن عبدالمطَّلب، وفاطمة بنت حمزة، وأم أيمن، وأبو واقد الذي أخذ يسوق الرواحل سوقاً حثيثاً، فقال له عليٌّ: «ارفق بالنسوة يا أبا واقد» ثُمَّ جعل يسوق بهنَّ ويقول:
ليس الا الله فارفع ظنَّكا
يكفيك ربُّ الخلق ما أهمَّكا
وكان يسير ليلاً، ويكمن نهاراً وكان ماشياً غير راكب حتَّي تفطَّرت قدماه [117]، ولقد ظلَّ في رحلته تلك ليالٍ أربع عشرة [118]، يحوطهم من الاعداء ويكلؤهم من الخصماء، فلمَّا قارب ضَجَنان أدركه الطلب وكانوا ثمانية فرسان ملثمين، معهم مولي لحرب بن أُميَّة يُدعي: جناح؛ فقال عليٌّ عليه السلام لأيمن وأبي واقد: «أنيخا الإبل واعقلاها» وتقدَّم هو فأنزل النسوة
[صفحه 54]
واستقبل القوم بسيفه، فقالوا: أظننت يا غُدر أنَّك ناجٍ بالنسوة؟! ارجع بهن لا أبا لك!! فقال: «فإن لم أفعل؟!»، فقالوا: لترجعنَّ راغماً!!
ودنوا من المطايا، فحال عليٌّ عليه السلام بينهم، وأهوي له جناح بسيفه، فراغ عن ضربته، وضرب جناحاً علي عاتقه فقدَّه نصفين، حتَّي وصل السيف إلي كتف فرسه، ثُمَّ شدَّ علي أصحابه، وهو علي قدميه وأنشد:
خلُّوا سبيل الجاهد المجاهد
آليت لا أعبد الا الواحد
فتفرَّق القوم عنه، وقالوا: إحبس نفسك عنَّا يابن أبي طالب، ثُمَّ قال لهم: «إنِّي منطلق إلي أخي وابن عمِّي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، فمن سرَّه أن أفري لحمه وأُريق دمه فليدنُ منِّي» ثُمَّ أقبل علي أيمن وأبي واقد، وقال لهما: أطلقا مطاياكما، وسار الركب حتَّي نزل ضجنان، فلبث بها يوماً وليلة حتَّي لحق به نفر من المستضعفين، فلمَّا بزغ الفجر سار بهم حتَّي قدموا قباء [119].
وكان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قد مكث فيها هذه المدة، ولم يغادرها بعد إلي المدينة، فقال النبي صلي الله عليه وآله وسلم: «ادعوا لي عليَّاً»، قيل: لا يقدر أن يمشي، فأتاه النبي صلي الله عليه وآله وسلم، واعتنقه وبكي، رحمةً لما بقدميه من الورم، وتفل في يديه وأمرَّهما علي قدميه، فلم يشتكهما بعدُ حتَّي قُتل [120].
[صفحه 55]

في المدينة المنورة

المدخل

اشاره

في شهر ربيع الأول [121]، وصل النبي صلي الله عليه وآله وسلم المدينة ليباشر في وقت مبكر توطيد الأوضاع الجديدة فيها، حيث سيعيش المهاجرون الجدد مع سكان المدينة الأصليين، فكانت أولي الخطوات التي قام بها النبيُّ الأعظم صلي الله عليه وآله وسلم هي بناء المسجد، الذي عمل فيه مع سائر أصحابه، في جوٍّ مفعم بالمحبَّة والإيمان، وهناك أثني النبي صلي الله عليه وآله وسلم علي أصحابه ثناءً عامَّاً في لحمتهم وحماسهم، وفي أجواء الحماس تلك كان عمّار بن ياسر يسابق غيره في العمل والبناء، الأمر الذي شدَّ النبي صلي الله عليه وآله وسلم فكشف عن سرٍّ خطير، ينتظر عمَّاراً وينتظره عمَّار، ذلك قوله في تلك الأثناء: «ويهاً ابن سُميَّة تقتلك الفئة الباغية» [122]، هذه الكلمة التي ستكون لها دلالتها الكبيرة في مستقبل غير بعيد.

المواخاة بين المهاجرين والأنصار

من الأعمال التي قام بها رسول الله بعد بناء المسجد الشريف: المؤاخاة ولقد سبق منه صلي الله عليه وآله وسلم أن آخي بين المهاجرين بعضهم ببعض قبل الهجرة،
[صفحه 56]
وآخي بين المهاجرين والأنصار بعد الهجرة، هكذا رواه الترمذي والبغوي والحاكم [123] وفي كلِّ مرَّة كان يقول لعليٍّ عليه السلام: «أنت أخي في الدنيا والآخرة». ورواه أحمد في مسنده بنصِّ: «أنت أخي وأنا أخوك» [124].
ورواه أصحاب السير والتاريخ من أمثال: ابن اسحاق، وابن هشام، وابن سعد، وابن حجر العسقلاني، وابن حبَّان، وابن عبدالبرِّ، وابن الأثير، وابن أبي الحديد، وابن كثير، والسيوطي [125]، وغيرهم من أصحاب الجوامع [126].
جاء في سيرة ابن إسحاق، وسيرة ابن هشام: آخي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بين المهاجرين والأنصار فقال: «تآخوا في الله أخوين أخوين» ثُمَّ أخذ بيد
[صفحه 57]
عليِّ بن أبي طالب فقال: «هذا أخي» فكان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم سيِّد المرسلين وإمام المتَّقين ورسول ربِّ العالمين الذي ليس له خطير ولا نظير من العباد، وعليُّ ابن أبي طالب رضي الله عنه أخوين [127].
أمَّا ابن حجر العسقلاني فذكر حديث المؤاخاة بنصِّ: «لمَّا آخي النبي صلي الله عليه وآله وسلم بين أصحابه قال له [لعليِّ بن أبي طالب]: «أنت أخي» [128].
وعن عباد بن عبدالله، عن عليٍّ عليه السلام قال: «أنا عبدالله وأخو رسوله، وأنا الصدِّيق الأكبر لا يقولها بعدي الا كذَّاب» [129].
وعندما آخي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بينه وبين عليٍّ عليه السلام، آخي بين حمزة وزيد ابن حارثة، وبين أبي بكر وخارجة الخزرجي، وبين عمر وعتبان بن مالك الخزرجي، وبين أبي عبيدة وسعد بن معاذ، وبين الزبير وعبدالله بن مسعود، وبين عمَّار بن ياسر وحذيفة بن اليمان، وبين طلحة وكعب بن مالك، وبين أبي ذرٍّ والمنذر بن عمر الخزرجي وهكذا.
هذا أول ما عمله رسول الله بالمدينة المنوَّرة «المؤاخاة الخاصة» غير الأخوة العامة التي جعلها الإسلام بين المسلمين إخوّةً في الله عزَّ وجلَّ.
وتهدف قصة المؤاخاة إلي تمتين عُري الروابط بين المسلمين وتأكيدها، واستئصال جذور الجاهلية والتعصُّب، وهي رابطة تقوم علي أساس الإيمان بالله عزَّ وجلَّ وباليوم الآخر ووحدة الهدف والغاية.
[صفحه 58]
قبل ذلك «كان الصراع داخل المدينة متوتراً بين الأوس والخزرج، ولكنَّ الإسلام جعلهم موحَّدين أنصاراً، وبمؤاخاتهم مع المهاجرين تحقَّقت للإسلام أرضية جديدة، كان مقدَّراً لها أن تغيِّر تأريخ المدينة أولاً، وجزيرة العرب فيما بعد ثانياً» [130].
هنا عند المؤاخاة رفع النبيُّ صلي الله عليه وآله وسلم يد عليٍّ عليه السلام، قائلاً: «عليٌّ أخي».
وتستمر صلات المودَّة والإخاء بين محمَّد وعليٍّ عليه السلام من أجل إنجاح الرسالة الإسلامية، وتوفير قدر أكبر من الضمان لمستقبلها.

زواج علي من فاطمة الزهراء

اشاره

في حدود السنة الثانية من الهجرة اجتمع عليٌّ عليه السلام مع الزهراء عليها السلام في بيت الزوجية، وكان جماعة من المهاجرين قد خطبوها قبله، لكنَّ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ردَّهم ردَّاً جميلاً، فكان ينتظر بها القضاء. كما صرَّحت بذلك عدَّة روايات نأتي علي بعضها:
أخرج ابن سعد: أنَّ أبا بكر خطب فاطمة إلي النبيِّ صلي الله عليه وآله وسلم، فقال: «يا أبا بكر انتظر بها القضاء» فذكر ذلك أبو بكر لعمر، فقال له عمر: ردَّك يا أبا بكر. ثُمَّ إنَّ أبا بكر قال لعمر: أخطب فاطمة إلي النبيِّ صلي الله عليه وآله وسلم، فخطبها؛ فقال له مثل ما قال لأبي بكر: «أنتظر بها القضاء»، أو قال: «انَّها صغيرة» [131].
[صفحه 59]
بل إن الآتي من خبر زواجها عليها السلام يؤكد النصّ الأول «أنتظر بها القضاء» إذ لم يكن زواجها إلاّ بأمر من الله تعالي:
عن أنس بن مالك، قال: كنت عند النبي صلي الله عليه وآله وسلم، فغشيه الوحي، فلمّا سري عنه قال: «يا أنس، أتدري ما جاءني به جبرئيل من عند صاحب العرش؟» قال: الله ورسوله أعلم، قال: «إن الله أمرني أن أزوّج فاطمة من عليّ» [132].
وعن عبدالله بن مسعود، قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يقول: «إن الله أمرني أن أزوّج فاطمة من عليّ، ففعلت» [133].
وعن أبي أيوب الانصاري، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام: «أمرت بتزويجك من السماء» [134].
أمَّا عليُّ بن أبي طالب فهو أخو رسول الله وربيبه الذي ما قام ركن الإسلام الا بسيفه، وهو وزير الرسول ووصيُّه، فكَّر مراراً بفاطمة، لكنَّه خالي اليدين ليس لديه ما يقدِّمه مهراً لاجتماعهما الميمون، في هذه الاثناء تذكَّر صلته بالرسول صلي الله عليه وآله وسلم فتقدَّم، ولنقرأ قصته في سطور التاريخ:
قال نفر من الأنصار لعليٍّ عليه السلام: عندك فاطمة. فأتي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فسلَّم عليه، فقال: «ما حاجة ابن أبي طالب»؟
[أجاب بكلِّ ثبات]:
«ذكرت فاطمة بنت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم».
[صفحه 60]
قال: «مرحباً وأهلاً». لم يزده عليهما.
فخرج عليٌّ علي أولئك الرهط من الأنصار ينظرونه. قالوا: ما وراءك؟ قال: «ما أدري غير أنَّه قال لي: مرحباً وأهلاً».
قالوا: يكفيك من رسول الله إحداهما، أعطاك الأهل أعطاك المرحب [135].
ثمَّ إنَّ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم عرض «خطبة عليٍّ» علي فاطمة، فقال لها: «إنَّ عليَّاً يذكرك» [136]، فسكتت، فخرج يقول: «سكوتها إقرارها».
وحين وجد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم القبول من كلا الطرفين، سأل عليَّاً عليه السلام: «هل عندك شيء؟» وكان لا يملك غير سيفه ودرعه وناضحه.
فقال له رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: «فأمَّا سيفك فلا غني بك عنه، تجاهد في سبيل الله، وتقاتل به أعداء الله، وناضحك تنضح به علي نخلك وأهلك، وتحمل عليه حلَّك في سفرك، ولكنِّي رضيتُ منه بالدرع» [137].
فباعها وباع أشياء غيرها كانت عنده، فاجتمع له منها أربعمائة درهم، فكان هذا مهر فاطمة.
ولمَّا جاء عليُّ بن أبي طالب عليه السلام بالدراهم، وضعها بين يدي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، فأمره أن يجعل ثلثي الدراهم في الطيب، والثلث الآخر في المتاع، ففعل [138].
[صفحه 61]
وأرجح الأقوال أنَّ زواجهما كان بعد الهجرة، وقال اليعقوبي: بعد قدوم عليٍّ بالفواطم بشهرين [139]، وأرَّخه ابن الأثير في أحداث السنة الثانية من الهجرة في صفر، وقبل غزوة بدر [140] ووقّته آخرون في شهر ذي الحجة من السنة الثانية.. [141].
أمَّا ابن سعد في طبقاته فقال: تزوَّج عليُّ بن أبي طالب فاطمة بنت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في رجب بعد مقدم النبي صلي الله عليه وآله وسلم المدينة بخمسة أشهر، وبني بها مرجعه من بدر [142].
وجهزّت فاطمة [143] بنت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وما كان لها غير سرير من جريد النخل، وسادة من آدم حشوها ليف، ومنخل ومنشفة، ورحي للطحن، وجرّتان وقميص، وخمار لغطاء الرأس، وثوب له زغب، وعباءة قصيرة بيضاء، وجلد كبش..
أمَّا عليٌّ عليه السلام قد رشَّ أرض الدار برمل ناعم، ونصب في البيت خشبة من الحائط إلي الحائط، لتعليق الثياب، إذ لا خزانة ولا صندوق لثياب العروس.
عن عليِّ بن أبي طالب عليه السلام قال: «لقد تزوَّجت فاطمة وما لي ولها
[صفحه 62]
فراش غير جلد كبش ننام عليه بالليل، ونعلف عليه الناضح بالنهار، وما لي ولها خادم غيرها» [144].

خطبة النبي في التزويج

عن أنس بن مالك أنَّ النبيَّ، قال له: «انطلق وادع لي أبا بكر وعمر وعُثمان وطلحة والزبير، وبعدَّتهم من الأنصار»، قال فانطلقت فدعوتهم، فلمَّا أخذوا مجالسهم قال صلي الله عليه وآله وسلم: «الحمد لله المحمود بنعمته، المعبود بقدرته، المطاع لسلطانه، المهروب إليه من عذابه، النافذ أمره في أرضه وسمائه، الذي خلق الخلق بقدرته، ونيرهم بأحكامه، وأعزَّهم بدينه، وأكرمهم بنبيِّه محمَّد صلي الله عليه وآله وسلم. إنَّ الله عزَّ وجلَّ جعل المصاهرة نسباً لاحقاً، وأمراً مفترضاً، وحكماً عادلاً، وخيراً جامعاً، أوشج بها الأرحام، وألزمها الأنام. فقال الله عزَّ وجلَّ: (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً) [145]، وأمر الله يجري إلي قضائه، وقضاؤه يجري إلي قدره، ولكلِّ أجلٍ كتاب (يَمْحُوا اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَاب) [146] ثُمَّ إنَّ الله تعالي أمرني أن أُزوِّج فاطمة من عليٍّ، وأُشهدكم أنِّي زوَّجت فاطمة من عليٍّ علي أربعمائة مثقال فضة، إن رضي بذلك علي السنة القائمة والفريضة الواجبة، فجمع الله شملهما وبارك لهما وأطاب نسلهما، وجعل نسلهما مفاتيح الرحمة ومعادن الحكمة وأمن الأُمَّة، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم».
[صفحه 63]
قال أنس: وكان عليٌّ عليه السلام غائباً في حاجةٍ لرسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قد بعثه فيها.. ثُمَّ أمر لنا بطبق فيه تمر، فوضع بين أيدينا، فقال: «انتبهوا»، فبينما نحن كذلك إذ أقبل عليٌّ، فتبسَّم إليه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وقال: «يا علي! إنَّ الله أمرني أن أُزوِّجك فاطمة، وإنِّي زوَّجتكما علي أربعمائة مثقال فضَّة»، فقال عليٌّ عليه السلام: «رضيت يا رسول الله»! ثُمَّ إنَّ عليَّاً عليه السلام خرَّ ساجداً شكراً لله، فلمَّا رفع رأسه قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: «بارك الله لكما وعليكما وأسعد جدكما وأخرج منكما الكثير الطيِّب».
قال أنس: والله لقد أخرج منهما الكثير الطيِّب [147].
وتمَّ عقد القران بين عليٍّ وفاطمة، وكتب لهما أن يعيشا حياةً مفعمةً بالإيمان، وكان اجتماعهما يحمل الكثير من المعاني التي ظهر نورها في حياتهما، وامتدَّ بعدهما في الآفاق من نسلهما المبارك، سادة بني الإنسان!
ورحَّب النبيُّ الأعظم صلي الله عليه وآله وسلم بهذا الزواج الميمون وباركه وأسبغ عليه أنبل المشاعر وأقام حفلة الزفاف، ومشي خلفهما، معه حمزة وعقيل وجعفر، ونساء النبي يرتجزن فرحات مستبشرات، وهنَّ يمشين قدَّامها..
وأُدخلت فاطمة بنت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم إلي بيت عليٍّ عليه السلام يتجلَّلها الحياء، متعثِّرةً بأذيالها وقال أبوها صلوات الله وسلامه عليه: «يا عليُّ لا تحدث شيئاً حتَّي تلقاني».
فدعا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بإناء فتوضَّأ فيه، ثُمَّ أفرغه علي عليٍّ عليه السلام ثُمَّ
[صفحه 64]
قال: «اللَّهمَّ بارك فيهما، وبارك عليهما، وبارك لهما في نسلهما» [148].
وقد روي أنَّ فاطمة عليه السلام بكت تلك الليلة، فقال لها رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم مهدّئاً من روعها: «لقد زوَّجتك سيِّداً في الدنيا والآخرة، وإنَّه أوَّل أصحابي إسلاماً، وأكثرهم علماً، وأعظمهم حلماً» [149].
وحقٌّ للزهراء أن تجهش بالبكاء في هذه الليلة الفريدة من العمر، ليلة تحتاج فيها الفتاة إلي أن تكون بالقرب من أُمِّها، وعلي الرغم من أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أغدق علي ابنته بالمحبة والحنان حتَّي فاضا! ولكن لابدَّ من وجود الأمِّ في هذه الليلة الفريدة!
قالت أسماء بنت عميس: فرمقتُ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، حين اجتمعا يدعو لهما، لا يشركهما في دعائه أحد، ودعا له كما دعا لها [150].
في هذا الحديث الشريف: «لقد زوّجتك سيداً في الدنيا والآخرة … » جملة من المعاني السامية والدرجات العالية المنطوية علي دلالات كبيرة، فهو:
1) سيِّد في الدنيا والآخرة.
2) أوَّل الناس إسلاماً.
3) أكثرهم علماً.
4) أعظمهم حلماً.
[صفحه 65]
هذه الخصال التي اجتمعت في هذا الرجل «عليٍّ» الذي تنتظره غداً مسؤوليات كبيرة في حفظ الدين وصيانة الأُمَّة.

غزواته مع الرسول

اشاره

كانت هجرة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بداية عهد جديد للدعوة إلي الله عزَّ وجلَّ، وقد دخل الاسلام القسم الأعظم من أهل المدينة المنوَّرة، فيما أصرَّ بعضهم بادئ الأمر علي الشرك.
أمَّا قريش فقد بدأت بالتحرُّك السريع لإرهاب المسلمين.. وكان من الطبيعي أن لا يقف النبيُّ صلي الله عليه وآله وسلم من تلك التحدِّيات والتحرُّشات موقف المتخاذل الضعيف، فجعل يرسل السرايا لمطاردتهم، أو لقطع الطريق علي تجارتهم.. وظلَّ علي تلك الحال حتَّي أمر الله سبحانه وتعالي نبيَّه صلي الله عليه وآله وسلم بقتال المشركين، وليكون لهم بالمرصاد، فكانت حروب وغزوات كثيرة، بلغت في حياة النبيِّ صلي الله عليه وآله وسلم نحو ثمانين غزوة، وليس في كلِّها كانت تقع حروب أو مناوشات، لأنَّ الكثير منها كان عبارة عن سرايا استطلاعية يبعثها النبي صلي الله عليه وآله وسلم في أطراف المدينة أو بعض النواحي التي يحتمل تسلُّل الأعداء منها.
وكان عدد الغزوات التي خرج فيها الرسول بنفسه 27 غزوة، وقع القتال في 9 منها، وهذه الغزوات هي التي اشتهرت في تاريخ الإسلام دون سواها.
وفي كلِّ الغزوات التي خرج فيها النبي صلي الله عليه وآله وسلم كان عليٌّ عليه السلام معه، لم يفارقه في واحدة، الا في غزوة تبوك، لأمر أراده الله ورسوله، سيأتي
[صفحه 66]
تفصيله في محلِّه، وفي كلِّ تلك الغزوات كان لواء رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بيد عليٍّ عليه السلام [151].
فلنقف بإيجاز علي بعض مواقف وأدوار الإمام عليٍّ عليه السلام في الغزوات والحروب:

غزوة بدر الكبري

وهي أول معركة يحارب فيها الإمام عليٌّ عليه السلام كما أنَّ معركة بدر هي أول حروب نبيُّ الله صلي الله عليه وآله وسلم.
وبدر اسم بئر كانت لرجل يدعي بدراً، وتقع في مكان بين مكَّة والمدينة وتبعد عنها 160 كم علي التقريب [152].
وقيل: بين بدر والمدينة ثمانية بُرُد وميلان [153].
وكانت هذه الوقعة يوم الجمعة، لثلاث عشرة بقين من شهر رمضان [154]، أي في السابع عشر منه، وقيل: يوم السبت لاثنتي عشرة ليلة خلت منه علي رأس تسعة عشر شهراً من مهاجره [155]، وقيل: في التاسع عشر من شهر رمضان المبارك السنة الثانية من الهجرة [156].
وجاء في سبب هذه الغزوة: أنَّ أبا سفيان قدم من الشام بقافلة قريش، تحمل أموالاً طائلة، فخرج الرسول صلي الله عليه وآله وسلم ليقطع الطريق عليها رداً
[صفحه 67]
علي تحدِّياتها وتحرُّشاتها التي كانت تقوم بها بين الفينة والأُخري، وشاءت الأقدار أن يعرف أبو سفيان بأمر رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فغيَّر طريق القافلة ونجا بها، وأرسل إلي قريش يعلمها بالأمر..
فاستبشرت لقتال محمَّد صلي الله عليه وآله وسلم وخرجت بجيش قوامه ألف رجل علي أصحِّ التقادير وأخرجوا معهم القيان والدفوف، وبلغت النبيَّ صلي الله عليه وآله وسلم أخبارها واستعدادها للقتال، فاستشار أصحابه في الأمر وأحبَّ أن يكونوا علي بصيرة من أمرهم، فوقف عمر بن الخطَّاب يحذِّره من قريش، إذ يقول: والله إنَّها ما ذلَّت منذ عزَّت، ولا آمنت منذ كفرت، والله لا تسلِّم عزَّها أبداً ولتقاتلك، فتأهَّب لذلك أهبته وأعدَّ له عدَّته.
ووقف بعده المقداد فقال: يا رسول الله امضِ لأمر الله فنحن معك، ولا نقول لك، كما قالت بنو اسرائيل لموسي: (فَاذْهَبْ أنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلأ إنَّا هَا هُنَا قَاعِدُون)، بل نقول لك: اذهب أنت وربُّك فقاتلا إنَّا معكم مقاتلون، والذي بعثك بالحقِّ لو سرت بنا إلي برك الغماد [157] لسرنا معك، فدعا له رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم.
ومضي نبيُّ الله صلي الله عليه وآله وسلم في طريقه إلي بدر في ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، وقيل بأقل من ذلك، منهم من المهاجرين واحد وثمانون، ومن الأنصار مائتان واثنان وثلاثون رجلاً [158]، وكان معهم فرسان وسبعون بعيراً، فبعث عليَّاً عليه السلام وسعد بن أبي وقَّاص وبسبس بن عمرو يتجسَّسون له الأخبار،
[صفحه 68]
وقال: «أرجو أن تجدوا الخبر عند القليب التي تلي هذا الضريب» فاندفعوا باتجاهه فوجدوا علي القليب روايا قريش، فأسروا ثلاثة منهم، واستطاع الفرار رجل اسمه عجير فأخبر قريشاً، بخبر محمَّد صلي الله عليه وآله وسلم وأصحابه..
وقبل أن يقع القتال أنزل الله علي نبيِّه: (وَإن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا) [159] فوقف رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بين الطرفين يخاطب قريشاً بأُسلوب يلهب المشاعر: «ارجعوا، فلأن يلي هذا الأمر منِّي غيركم أحبُّ إليَّ من أن تلوه أنتم».
فأصاب كلامه مكاناً في نفس عتبة بن ربيعة، أحد قادتهم وأبطالهم، فقال لقريش: ما ردَّ هذا قومٌ قط وأفلحوا، يا معشر قريش أطيعوني اليوم واعصوني الدهر، إنَّ محمَّداً له آل وذمَّة وهو ابن عمِّكم فخلُّوه والعرب، فإن يك صادقاً فأنتم أعلي عيناً به، وإن يك كاذباً كفتكم ذؤبان العرب أمره. لكنَّ أبا جهل أبي الا القتال، ووصف موقف عتبة بالجبن والخوف، وظلَّ يلاحق عتبة حتَّي استفزَّه.
ودفع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم رايته إلي عليٍّ، وكان عمره يوم ذاك 25 سنة، وبرز عتبة وشيبة ابنا ربيعة، والوليد بن عتبة بن ربيعة، ودعوا المسلمين إلي البراز، فبرز إليهم ثلاثة من فتيان الأنصار: وهم من بني عفراء: معاذ ومعوذ وعوف [160]، فلمَّا وقفوا في مقابل عتبة وأخيه وولده، ترفَّعوا عن مقاتلتهم، وطلب عتبة من النبيِّ صلي الله عليه وآله وسلم أن يرسل له الأكفَّاء من قريش.
فالتفت نبيُّ الله صلي الله عليه وآله وسلم إلي بني عمومته، وأحبَّ أن تكون الشوكة ببني
[صفحه 69]
عمِّه وقومه وقال: «قم يا عبيدة بن الحارث، قم يا حمزة بن عبدالمطَّلب، قم يا عليَّ بن أبي طالب» فقاموا مسرعين، يهرولون بين الجيشين علي أقدامهم، بقلوب ثابتة، عامرة بالإيمان، ووقفوا أمام القوم، فقال عتبة: تكلَّموا نعرفكم، وكان عليهم البيض، فقال حمزة: أنا حمزة بن عبدالمطَّلب: أسد الله، وأسد رسوله، فقال عتبة: كُفءٌ كريم، وأنا أسد الحلفاء، من هذا معك؟ قال: عليُّ بن أبي طالب وعبيدة بن الحارث، قال: كُفآن كريمان [161].
فبرز عبيدة بن الحارث وكان عمره سبعين سنة إلي عتبة بن ربيعة وقيل شيبة [162] فضربه علي رأسه وضرب عتبة عبيدة علي ساقه فقطعها، وسقطا معاً، وحمل عليٌّ عليه السلام علي الوليد وكانا أصغر القوم سنَّاً فضربه عليُّ بن أبي طالب عليه السلام علي حبل عاتقه، فخرج السيف من أبطه، وحمل حمزة علي شيبة فتضاربا بالسيف حتي انثلما، فاعتنق كلُّ واحد صاحبه، وكان حمزة أطول من شيبة، فصاح المسلمون: يا علي، أما تري الكلب قد بهر عمَّك، فأقبل عليهما، فقال عليٌّ: «طأطأ رأسك يا عم» فأدخل حمزة رأسه في صدر شيبة، فضربه الإمام علي عنقه فقطعها، ثُمَّ كرَّ عليٌّ عليه السلام وحمزة علي عتبة فأجهزا عليه، وحملا عبيدة فألقياه بين يدي ابن عمِّه الرسول، فاستعبر وقال: «ألستُ شهيداً يا رسول الله؟» قال: «نعم».
قال: «لو رآني أبو طالب لعلم أنَّنا أحقُّ منه بقوله:
ونُسْلمه حتَّي نصرَّع حولهُ - ونذهل عن أبنائنا والحلائلِ» [163].
[صفحه 70]
ولم يلبث بعدها إلاّ يسيراً، وهو أول شهيد من المسلمين في تلك المعركة.
وبرز بعدهما حنظلة بن أبي سفيان إلي عليِّ بن أبي طالب عليه السلام، فلمَّا دنا منه ضربه عليٌّ بالسيف، فسالت عيناه، وسقط كالذبيح علي رمال بدر، ثُمَّ أقبل العاص بن سعيد بن العاص يطلب البراز، فبرز إليه عليٌّ عليه السلام وقتله.
ولمَّا رأت مخزوم كثرة القتلي من المشركين، أحاطوا بأبي جهل خوفاً عليه، وألبسوا لأمة حربه عبدالله بن المنذر، فصمد له عليٌّ عليه السلام وقتله، ثُمَّ ألبسوها الفاكه بن المغيرة، فقتله حمزة وهو يظنُّه أبا جهل، وألبسوها بعدهما حرملة بن عمرو فقتله عليٌّ عليه السلام أيضاً، وأبي أن يلبسها أحد بعدما رأوا صنيع عليٍّ وحمزة..
ثمَّ التحم الجيشان، ودار بينهما أعنف قتال، فتساقطت الرؤوس وتهاوت الأجسام.
وقَتَلَ عليٌّ عليه السلام فيمن قتله يوم ذاك نوفل بن خويلد، وكان من شياطين قريش، وكان النبي صلي الله عليه وآله وسلم قد قال فيه: «اللَّهمَّ اكفني ابن العدوية» وخرج نبيُّ الله صلي الله عليه وآله وسلم من العريش، ولم يبقَ فيه غير أبي بكر، ولم يرد له ولعمر بن الخطَّاب ذكر مع الذين اشتركوا في القتال..
واشترك النبيُّ صلي الله عليه وآله وسلم مع المسلمين، وكبرياء مشركي قريش تتهاوي تحت الأقدام، ثمَّ أخذ كفَّاً من التراب ورمي به إلي جهة المشركين قائلاً: «شاهت الوجوه، اللَّهمَّ ارعب قلوبهم» فانهزموا تاركين أمتعتهم وأسلحتهم، وانجلت المعركة عن مقتل سبعين رجلاً من مشركي قريش، وكانوا سادات قريش وأبطالها، وأُسر منهم سبعون رجلاً، وفقد المسلمون أربعة عشر شهيداً.. ستة من المهاجرين، وثمانية من الأنصار.
[صفحه 71]
وانطوت صفحة التاريخ معربة عن أول انتصار حقَّقه المسلمون علي صعيد المعارك، وتجلَّت هذه الانتصارات ببطولات بني هاشم لا سيَّما الإمام علي عليه السلام، الذي كان متعطِّشاً لحصد أشواك الشرك وإلقائها تحت الأقدام..
أحصت بعض مصادر التاريخ من قتلهم عليٌّ 35 رجلاً، ذكرتهم بعض المصادر بأسمائهم [164].
ومن كلام الإمام عليه السلام لمعاوية: «وعندي السيف الذي اعضضته بجدك وخالك وأخيك في مقام واحد» [165]!

غزوة احد

أخذ المشركون يعدُّون العدَّة للثأر، واستطاعوا أن يؤلِّفوا جيشاً كبيراً، يضمُّ ما يقارب ثلاثة آلاف مقاتل! وتبرَّع أبو سفيان بأموال طائلة لتجهيز هذا الجيش الذي قاده بنفسه، وقبل أن تخرج قريش إلي أُحد بعث العبَّاس بن عبدالمطَّلب إلي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يخبره بكيد قريش واستعدادها.
وبدأ النبيُّ صلي الله عليه وآله وسلم من ساعة وصول الرسالة يستعدُّ لملاقاة الجيش الزاحف نحوهم، وكان ذلك في شوال، في السنة التالية لمعركة بدر.
خرج الرسول صلي الله عليه وآله وسلم في ألف رجل أو يزيدون قليلاً، وكان الإمام عليُّ بن أبي طالب عليه السلام حامل لوائه، ووزَّع الرسول صلي الله عليه وآله وسلم الرايات علي وجوه المهاجرين والأنصار، ولمَّا كان بين المدينة وأُحد، عاد عبدالله بن أُبي
[صفحه 72]
رأس النفاق بثلث الجيش قائلاً: علامَ نقتل أنفسنا؟! ارجعوا أيُّها الناس، فرجع وبقيَ مع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم سبعمائة.
ومضي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بجيشه البالغ سبعمائة رجلٍ حتي بلغ أُحداً، فأعدَّ أصحابه للقتال، ووضع تخطيطاً سليماً للمعركة ليضمن لهم النصر بإذن الله، ثُم جعل أُحداً خلف ظهره، فجعل الرماة علي جبل خلف عسكر المسلمين وهم خمسون رجلاً، وأمَّر عليهم عبدالله بن جبير، وقال لهم: «احموا ظهورنا ولا تفارقوا مكانكم، فإن رأيتمونا نُقتل فلا تنصرونا، وإن رأيتمونا نغنم فلا تشاركونا، فإنَّما نؤتي من موضعكم هذا» [166].
ولمَّا التحمت المعركة تقدَّم طلحة بن أبي طلحة وكان يدعي كبش الكتيبة وصاح: من يبارز؛ فخرج إليه عليٌّ عليه السلام، وبرزا بين الصفَّين، ورسول الله صلي الله عليه وآله وسلم جالس في عريش أُعدَّ له يشرف علي المعركة ويراقب سيرها، فقال طلحة: مَنْ أنت؟ قال: «أنا عليُّ بن أبي طالب» فقال: لقد علمت أنَّه لا يجرؤ عليَّ أحدٌ غيرك، فالتحمت سيوفهم، فضرب عليٌّ عليه السلام رأس عتبة ضربة فلق فيها هامته، فبدرت عيناه وصاح صيحة لم يُسمع مثلها، وسقط اللواء من يده، ووقع يخور في دمه كالثور، وقيل: ضربه فقطع رجله، فسقط وانكشفت عورته، فناشده الله والرحم فتركه [167].
فكبَّر رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم والمسلمون، وتقدَّم بعده أخوه عُثمان بن أبي طلحة، فحمل عليه حمزة بن عبدالمطَّلب، فضربه بسيفه ضربةً كانت بها نهايته، ورجع عنه يقول: أنا ابن ساقي الحجيج.
[صفحه 73]
وأخذ اللواء بعدهما أخوهما أبو سعيد بن أبي طلحة، فحمل عليه عليٌّ عليه السلام فقتله، ثُمَّ أخذ اللواء أرطأة بن شرحبيل، فقتله عليٌّ عليه السلام أيضاً، وأخذ اللواء بعد ذلك غلام لبني عبدالدار، فقتله عليُّ بن أبي طالب عليه السلام.
وذكر المفيد في إرشاده: أنَّ أصحاب اللواء كانوا تسعة، قتلهم عليُّ بن أبي طالب عن آخرهم، وانهزم القوم [168].
وتؤكِّد أكثر الروايات أنَّه بعد أن قُتل أصحاب الألوية والتحم الجيشان، لم يتقدَّم أحد من عليٍّ عليه السلام الا بعجه بسيفه أو ضربه علي رأسه، ففلق هامته وأرداه قتيلاً، وانكشف المشركون لا يلوون علي شيء، حتي أحاط المسلمون بنسائهم، ودبَّ الرعب في قلوبهم، ولو أراد المسلمون أن يأسروا هنداً ومن معها ما وجدوا من يمنعهم من ذلك.
وإنَّ النصر الذي تهيَّأ للنبيِّ صلي الله عليه وآله وسلم في أُحد لم يتهيَّأ له في موطنٍ قطّ، وظلَّ النصر إلي جانب المسلمين، حتَّي عصوا الرسول صلي الله عليه وآله وسلم وانصرفوا إلي الغنائم.
فقد أُصيب المسلمون من قبل الرماة الذين وضعهم النبي صلي الله عليه وآله وسلم من ورائهم، ليحموا ظهورهم بالنبال إن هجم المشركون من جهة الجبل، لكن لمَّا انهزم المشركون لا يلوون علي شيء، نزل الرماة من علي الجبل، بعد أن نظروا إلي اخوانهم المسلمين ينتهبون الغنائم، وردعهم أميرهم عبدالله بن جبير، فأبوا الرجوع، ثُمَّ انطلقوا للسلب والنهب، ولم يبقَ مع ابن جبير الا عشرة رجال.
[صفحه 74]
ولمَّا رأي خالد بن الوليد أنَّ ظهر المسلمين قد خلا، كرَّ في مئتي فارس، علي من بقي مع ابن جبير فأبادهم، وقُتل ابن جبير بعد أن قاتل قتال المستميت، وتجمَّع المشركون من جديد، وأحاطوا بالمسلمين من خلفهم، وهم غافلون لنهب الغنائم، واستدارت رحاهم وحالت الريح فصارت دبوراً، وما أحسَّ المسلمون الا والعدو قد أحاط بهم واختلط بينهم، وأصبحوا كالمدهوشين، يتعرَّضون لضرب السيوف وطعن الرماح من كلِّ جانب، وأوجعوا في المسلمين قتلاً ذريعاً، واشتدَّ عليهم الأمر حتَّي قتل بعضهم بعضاً من حيث لا يقصدون.
وفرَّ المسلمون عن نبيِّ الله صلي الله عليه وآله وسلم، ولم يكن عليٌّ عليه السلام يفكِّر في تلك اللحظات الحاسمة الا برسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لا سيَّما وقد رأي المشركين يتَّجهون نحوه، وأصبح هدفهم الأول، بعد أن أصبحت المعركة لصالحهم، فأحاط به هو وجماعة من المسلمين، وقد استماتوا في الدفاع عن النبيِّ صلي الله عليه وآله وسلم، وحمزة يهذُّ الناس بسيفه هذَّاً، وعليٌّ عليه السلام يفرِّق جمعهم كالصقر الجائع حينما ينقضّ علي فريسته، فيشتِّتهم إرباً إرباً بسيفه البتَّار، وهو راجل وهم علي متون الخيل، فدفعهم عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم حتَّي انقطع سيفه.
وقاتل رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قتالاً شديداً، وقد تجمَّع عليه المشركون وحاولوا قتله بكلِّ سبيل، ورماه ابن قمئة فكسر أنفه ورباعيته السفلي، وشقَّت شفته، وأصابته ضربة في جبهته الشريفة، وسال الدم علي وجهه الشريف. وغلب عليه الضعف.
روي عكرمة قال: سمعت عليَّاً عليه السلام، يقول: «لمَّا انهزم الناس يوم أُحد
[صفحه 75]
عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لحقني من الجزع عليه ما لم أملك نفسي، وكنت أمامه أضرب بسيفي بين يديه، فرجعت أطلبه فلم أره فقلت: ما كان رسول الله ليفرَّ، وما رأيته في القتلي، فأظنُّه رُفع من بيننا، فكسَّرت جفن سيفي وقلت في نفسي: لأقاتلنَّ به عنه حتَّي أُقتل، وحملت علي القوم فأفرجوا، فإذا أنا برسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، وقد وقع علي الأرض مغشيَّاً عليه، فقمت علي رأسه، فنظر إليَّ فقال: ما صنع الناس، يا عليُّ؟ فقلت: كفروا يا رسول الله وولَّوا الدبر وأسلموك، فنظر إلي كتيبة قد أقبلت فقال صلي الله عليه وآله وسلم: ردَّ عنِّي يا عليُّ هذه الكتيبة، فحملت عليها بسيفي أضربها يميناً وشمالاً حتَّي ولَّوا الأدبار، فقال لي النبي صلي الله عليه وآله وسلم: أما تسمع مديحك في السماء، إنَّ ملكاً يقال له: رضوان ينادي: لا سيف الا ذو الفقار ولا فتي الا عليُّ، فبكيتُ سروراً وحمدت الله علي نعمه» [169].
نقل ابن الأثير: لقد أصابت عليَّاً يوم أحد ستُّ عشرة ضربة، كلُّ ضربةٍ تلزمه الأرض، فما كان يرفعه الا جبريل عليه السلام [170].
وفي هذه الوقعة قُتل حمزة بن عبدالمطَّلب، رماه وحشي وهو عبد لجبير بن مطعم بحربة، فسقط شهيداً، ومثَّلت به هند بنت عتبة بن ربيعة، وشقَّت عن كبده فأخذت منها قطعة فلاكتها، وجدعت أنفه، فجزع عليه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم جزعاً شديداً، وقال: «لن أُصاب بمثلك»..
ولمّا يئس المشركون من قتل النبيِّ صلي الله عليه وآله وسلم برغم جميع المحاولات، فترت
[صفحه 76]
همَّتهم وقفلوا راجعين، بعد أن قُتل من المسلمين ثمانية وستُّون رجلاً، ومن المشركين اثنان وعشرون رجلاً، وكفي الله المؤمنين القتال بأمير المؤمنين عليه السلام.
وقفل رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ومن معه راجعين إلي المدينة يوم السبت؛ فاستقبلته فاطمة عليها السلام ومعها إناء فيه ماء، فغسل وجهه، ولحقه الإمام وقد خضَّب الدم يده إلي كتفه ومعه ذو الفقار، فناوله فاطمة عليه السلام فقال: «خذي السيف فقد صدقني اليوم» وقال:
«أفاطمُ هاكِ السيف غير ذميم
فلستُ برعديد ولا بمليمِ
لعمري لقد أعذرت في نصر أحمدٍ
وطاعة ربٍّ بالعباد عليمِ»
فقال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: «خذيه يا فاطمة، فقد أدَّي بعلك ما عليه، وقد قتل الله بسيفه صناديد قريش» [171].

وقعة بني النضير

غزا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بني النضير في شهر ربيع الأول سنة أربع علي رأس سبعة وثلاثين شهراً من مهاجره [172] وبني النضير هم فخذٌ من جذام الا أنَّهم تهوَّدوا، ونزلوا بجبل يقال له: النضير، فسُمُّوا به.
وجاء في سبب هذه الغزوة: أنَّ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم مشي إلي كعب بن الأشرف ووجهاء بني النضير، يستقرضهم في دية الكلابيين اللذين قتلهما عمرو بن أُمية الضمري، فقالوا: نعم، نعينك علي ما أحببت، ثُمَّ خلا بعضهم
[صفحه 77]
ببعض وتآمروا علي قتله، فنزل جبرئيل عليه السلام وأخبره بما همَّ به القوم من الغدر، وأخبر رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أصحابه الخبر، وأمر المسلمين بحربهم، ونزل بهم، وكانت رايته مع عليِّ بن أبي طالب عليه السلام [173]، فتحصَّن اليهود في الحصون، وأرسل إليهم عبدالله بن أُبي وجماعة معه أن اثبتوا وتمنَّعوا، فإنَّا لن نسلمكم..
وروي أنَّ الإمام عليَّاً عليه السلام فقد في احدي ليالي حصار بني النضير، فقال رسول الله: «إنَّه في بعض شأنكم» وبعد قليل جاء عليّ ٌبرأس «عزوك» أحد أبطال بني النضير، وقد كمن له الإمام حتي خرج في نفر من يهود يطلبون غرَّة من المسلمين، وكان شجاعاً رامياً، فكمن له عليٌّ عليه السلام فقتله، وفرَّ اليهود، فأرسل نبيُّ الله صلي الله عليه وآله وسلم أبا دجانة وسهل بن حنيف، في عشرة من رجالات المسلمين، فأدركوا اليهود الفارِّين من سيف الإمام عليٍّ عليه السلام، وطرحت رؤوسهم في الآبار، وقذف الله في قلوبهم الرعب، فسألوا النبيَّ صلي الله عليه وآله وسلم أن يُجليهم ويكفَّ عن دمائهم بعد أن خذلهم ابن أُبي فبعث رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم محمَّد بن مسلمة إليهم: أن يخرجوا من بلادهم ولهم ما حملت الإبل من خُرثي متاعهم، ولايخرجون معهم بذهب ولا فضة ولا سلاح [174] وأجّلهم في الجلاء ثلاث ليال [175].
[صفحه 78]

وقعة الأحزاب

وتسمَّي أيضاً «غزوة الخندق» وكانت في ذي القعدة، سنة خمس من الهجرة [176] 627 م، وقيل: في شوال [177]، وقيل: في السنة السادسة، بعد مقدم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بالمدينة بخمسة وخمسين شهراً [178].
وكان سببها: لمَّا أجلي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بني النضير ساروا إلي خيبر، وحزَّبوا الأحزاب علي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، فقدموا علي قريش بمكَّة، وألَّبوها علي حرب رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، وقالوا: نكون معكم حتَّي نستأصله، وما كان من أمر قريش الا أن تستجيب لضالَّتها المنشودة في القضاء علي النبي صلي الله عليه وآله وسلم وأعوانه.
وتجهَّزت قريش وجمعوا أحابيشهم ومن تبعهم من العرب، فكان جميع القوم الذين وافوا الخندق، ممن ذُكر من القبائل، عشرة آلاف، وهم الأحزاب، وكانوا ثلاثة عساكر بقيادة أبي سفيان بن حرب.
فلمَّا بلغ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم خبرهم جمع المسلمين، وحثَّهم علي الجهاد والصبر والاستعداد لمقابلة الغزاة وشاورهم في الأمر، فأشار عليه سلمان الفارسي بالخندق، فأعجب ذلك المسلمين، لأنَّ عملاً من هذ النوع لابدَّ وأن يعرقل تقدُّم الغزاة، ويخفِّف من أخطار المجابهة بين الفريقين.
وأقبل المسلمون جميعاً يحفرون خندقاً حول المدينة، وجعل رسول الله
[صفحه 79]
لكلِّ عشرة أربعين ذراعاً [179]، ورسول الله صلي الله عليه وآله وسلم معهم يحفر وينقل التراب، وفرغوا من حفره في ستة أيام، وكان سائر المدينة مشبك بالبنيان، فهي كالحصن، وكان المسلمون يومئذٍ ثلاثة آلاف مقاتل.
وخرج رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لقتال قريش وأحباشها، وهنا كانت الصدمة الكبيرة علي قريش، وهي تحسب أنَّ النبي صلي الله عليه وآله وسلم وصحبه لا يثبتون لها ساعات قلائل بهذا العدد الضخم، وإذا بها تجد بينها وبين المسلمين حاجزاً لا يمكن اجتيازه الا بعد جهود شاقة، لاسيَّما وأنَّ أبطال المسلمين وقفوا بالمرصاد لكل من تحدِّثه نفسه باجتياز ذلك الحاجز، فأُذهلت بعد أن كانت مغرورة بقوتها الجبَّارة!
وأنكروا أمر الخندق، وقالوا: ما كانت العرب تعرف هذا، وأقاموا علي هذه الحال الرشق بالنبل والحجارة مدَّة خمسة أيام [180] دون قتال..
فلمَّا كان اليوم الخامس خرج عمرو بن عبد ودٍّ العامري وكان يعدّ بألف فارس وأربعة نفر من المشركين: نوفل بن عبدالله بن المغيرة المخزومي، وعكرمة بن أبي جهل، وضرار بن الخطَّاب الفهري، وهبيرة بن أبي وهب المخزومي، واقتحموا الخندق من مكان ضيِّق، وركز عمرو رمحه في الأرض وهو ابن تسعين سنة [181] وأخذ يجول، ويدعو إلي البراز ويرتجز:
[صفحه 80]
ولقد بححتُ من النداءِ
بجمعهم هل من مبارز؟
انِّي كذلك لم أزل
متسرِّعاً نحو الهزاهز
إنَّ الشجاعة في الفتي
والجود من خير الغرائز [182].
وكأنَّ هذه الكلمات نداء إلي الموت، فلم يجبه أحد من المسلمين، وفي كلِّ مرّة يكرّر فيها نداءه كان يقوم له عليُّ بن أبي طالب عليه السلام من بينهم ليبارزه، فيأمره رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بالجلوس، انتظاراً منه ليتحرَّك غيره، ولكن لم ينهض أحد؛ لمكان عمرو بن عبد ودٍّ ومن معه.
ومضي عمرو يكرِّر النداء والتحدِّي للمسلمين، فقام عليٌّ عليه السلام مرَّةً أُخري، فأجلسه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وقال له: «إنَّه عمرو»، ونادي مرَّةً أُخري، فقام عليٌّ عليه السلام، فأذن له رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم. فقال له: «ادنُ منِّي» فدنا منه، فنزع عمامته عن رأسه وعمَّمه بها وأعطاه سيفه ذا الفقار، وقال له: «امضِ لشأنك» ثُمَّ رفع يديه وقال: «اللَّهمَّ إنَّك أخذت منِّي حمزة يوم أُحد، وعبيدة يوم بدر، فاحفظ اليوم عليَّاً، ربِّ لا تذرني فرداً وأنت خير الوارثين».
وقال نبيُّ الله صلي الله عليه وآله وسلم لمَّا دنا عليٌّ عليه السلام من عمرو: «خرج الإيمان سائره إلي الكفر سائره»..
فبرز إليه عليٌّ، وهو يقول:
«لا تعجلنَّ فقد أتاك
مجيب صوتك غير عاجز
ذو نيَّةٍ وبصيرة وال
صدق منجي كلَّ فائز
[صفحه 81]
إنِّي لأرجو أن أُقيم
عليك نائحة الجنائز
من ضربة نجلاء يبقي
صيتها بعد الهزاهز»
فلمَّا انتهي إليه قال: «يا عمرو إنَّك في الجاهلية تقول: لا يدعوني أحدٌ إلي ثلاث الا قبلتها، أو واحدة منها». قال: أجل. قال: «فإنِّي أدعوك إلي شهادة أن لا إله الا الله، وأنَّ محمَّداً رسول الله، وأن تُسلم لربِّ العالمين». قال: يا ابن أخ، أخِّر هذه عنِّي. فقال له عليٌّ: «أمَّا إنَّها خيرٌ لك لو أخذتها».
ثُمَّ قال: «فها هنا أُخري» قال: ما هي؟ قال: «ترجع من حيث جئت». قال: لا تَحدَّث نساء قريش بهذا أبداً.
قال: «فها هنا أُخري». قال: ما هي؟ قال: «تنزل تقاتلني» فضحك عمرو وقال: إنَّ هذه الخصلة ما كنت أظنَّ أنَّ أحداً من العرب يرومني مثلها، إنِّي لأكره أن أقتل الرجل الكريم مثلك، وقد كان أبوك لي نديماً [183].
قال عليٌّ عليه السلام: «ولكنِّي أُحبُّ أن أقتلك، فانزل إن شئت».
فغضب عمرو ونزل فضرب وجه فرسه حتي رجع [184]، وحمل علي عليٍّ عليه السلام وضربه علي رأسه فاتَّقاها بالدرقة، فقدَّها السيف ونفذ منها إلي رأسه فشجَّه، وبقي محتفظاً بثباته، وتوالت عليه الضربات وهو يحيد عنها، ثُمَّ كرَّ عليه عليٌّ عليه السلام فضربه علي حبل عاتقه ضربةً كان دويُّها كالصاعقة،
[صفحه 82]
ارتجَّ له العسكران، فسقط يخور بدمه كالثور، وارتفعت غبرة حالت بينهما وبين الجيشين.
علي أنَّ هناك رواية أُخري [185] تذهب إلي أن الامام ضرب عمراً علي ساقيه فقطعهما جميعاً، فسقط الي الأرض، فأخذ عليٌّ عليه السلام بلحيته وذبحه، وأخذ رأسه بيده هدية إلي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، وأقبل والدماء تسيل علي وجهه من ضربة عمرو، ورأس عمرو بيده يقطر دماً، وكان وجه علي عليه السلام يتهلَّل فرحاً، فألقاها بين يدي الرسول صلي الله عليه وآله وسلم، فقام أبو بكر وعمر فقبّلا رأس عليٍّ عليه السلام، فعانقه الرسول صلي الله عليه وآله وسلم، ودعا له، فقال عمر بن الخطَّاب لعليٍّ عليه السلام: هلا استلبت درعه، فليس للعرب درع خير منها؛ فقال عليٌّ: «ضربته فاتَّقاني بسوأته فاستحييت أن أسلبه».
وعلي أيِّ حال فقد علت أصوات المسلمين بالتكبير، بعد أن أصابهم الخوف في بادئ الأمر، وانهزم الذين كانوا مع عمرو بن عبد ودٍّ، واقتحمت خيولهم الخندق، وكبا بنوفل بن عبدالله بن المغيرة فرسه، فجعلوا يرمونه بالحجارة، فقال لهم: قتلة أجمل من هذه، ينزل إليَّ بعضكم أقاتله، فنزل إليه عليٌّ عليه السلام فضربه حتَّي قتله، وبعث الله عليهم ريحاً في ليالٍ شاتية شديدة البرد، فجعلت تكفأ قدورهم وتطرح أبنيتهم، فانصرفوا هاربين لا يلوون علي شيء، حتَّي ركب أبو سفيان ناقته وهي معقوله! فلمَّا بلغ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم الله ذلك: قال: «عوجل الشيخ».
وعن النبي صلي الله عليه وآله وسلم قال في قتل عليٍّ عليه السلام لعمرو: «لضربة عليٍّ يوم الخندق أفضل من عبادة الثقلين».
[صفحه 83]
قال جابر: «فما شبهت قتل عليٍّ عمراً الا بما قصَّ الله تعالي من قصة داود وجالوت، حيث قال: (فَهَزَمُوهُم بِإذْنِ اللهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوت)» [186] [187].
نعم لقد قلبت ضربة عليٍّ عليه السلام لعمرو الوضع تماماً، بعدما كان النصر حليف قريش بقوَّتها الجبَّارة، وصدق سبحانه حيث قال: (وكَمْ مِن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً) [188].
بسيف عليٍّ عليه السلام كان النصر حليف المسلمين وهنا يسكت القلم، ولا يدري ماذا يكتب عن شجاعة ابن أبي طالب عليه السلام فقد كفي الله المؤمنين القتال به عليه السلام.
ولمَّا نُعي عمرو بن عبد ودٍّ إلي أخته عمرة، قالت: مَن قتله؟ ومن الذي اجترأ عليه؟ فقيل لها: قتله عليُّ بن أبي طالب. فقالت: لقد قتل الأبطال وبارز الأقران، وكانت ميتته علي يد كفءٍ كريم من قومه، وأنشأت تقول:
لو كان قاتل عمرو غير قاتله
لكنت أبكي عليه دائم الأبد
لكنَّ قاتله من لا يعاب به
قد كان يدعي أبوه بيضة البلد
من هاشم في ذراها وهي صاعدة
إلي السماء تميت الناس بالحسد
قوم أبي الله الا أن تكون لهم
كرامة الدين والدنيا بلا لدد
يا أم كلثوم ابكيه ولا تدعي
بكاء معولة حرّي علي ولد [189].
هكذا اكتسح عليُّ بن أبي طالب عليه السلام فرسان المعارك وشجعان الفلا..
[صفحه 84]
حتَّي لم يعد له مثيل بين أبطال العرب، يسابق الأسود، ويقطع الرؤوس، ولايخاف في الله لومة لائم، فهو الوحيد الذي بدَّد آمال الأحزاب في الخندق، وبثَّ في صفوفهم الرعب، وهنا أنزل الله تعالي علي رسوله الآية: (يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً) [190].

وقعة بني قريظة

بنو قريظة: هي فخذ من جذام اخوة النضير، ويقال: إنَّ تهوُّدهم كان في أيام عاديا أبي السموأل، ثُمَّ نزلوا بجبل يقال له: قريظة، فنُسبوا إليه، وقد قيل: إنَّ قريظة اسم جدِّهم بعقب الخندق [191].
وكانت هذه الغزوة في ذي القعدة سنة خمس [192] من الهجرة، وكان بين بني قريظة ورسول الله صلي الله عليه وآله وسلم صلح فنقضوه، ومالوا مع قريش، فوجَّه إليهم سعد بن معاذ وعبدالله بن رواحه وخوَّات بن جُبير، فذكَّرهم العهد وأساءوا الإجابة، فلمَّا انهزمت قريش يوم الخندق دعا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم عليَّاً عليه السلام، فقال له: «قدِّم راية المهاجرين إلي بني قريظة» وقال: «عزمت عليكم ألا تصلُّوا العصر الا في بني قريظة» ثُمَّ سار إليهم في المسلمين وهم ثلاثة آلاف، والخيل ستة وثلاثون فرساً، وذلك يوم الأربعاء لسبع بقين من ذي القعدة.
[صفحه 85]
وحاصر المسلمون بني قريظة شهراً أو خمساً وعشرين ليلة [193] أشدَّ الحصار.. فدنا منهم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فلقيه عليُّ بن أبي طالب عليه السلام فقال: «يارسول الله لا تدنُ»، فقال: «أحسب أنَّ القوم أساءوا القول»، فقال: «نعم يا رسول الله»، فيقال: إنَّه قال بيده كذا وكذا، فانفرج الجبل حين رأوه، وقال: «يا عبدة الطاغوت، يا وجوه القردة والخنازير، فعل الله بكم وفعل».. فحاصرهم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أياماً حتَّي نزلوا علي حكم سعد بن معاذ الأنصاري، وقد حكم انَّه تقتل مقاتلتهم، وتُسبي ذراريهم، وتجعل أموالهم للمهاجرين دون الأنصار، فقال رسول الله: «لقد حكمت بحكم الله من فوق سبعة أرقعة سماوات ».
ومن مواقف أمير المؤمنين عليه السلام وهي التي تعنينا بالبحث: انَّه ضرب أعناق رؤوساء اليهود أعداء رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، منهم: حُيي بن أخطب، وكعب بن أسد، بأمر رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم [194].

عمرة الحديبية

خرج رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم للعمرة في ذي القعدة سنة ست للهجرة [195]، ومعه ألف وأربعمئة [196] من أصحابه، وساقَ من الهدي سبعين بدنة [197]، كما ساق أصحابه أيضاً. ومعهم السيوف في أغمادها، وأعلن في أكثر أنحاء
[صفحه 86]
الجزيرة بأنَّه لا يريد حرباً ولا قتالاً، وبلغ المشركين خروجه، فأجمع رأيهم علي صدِّه عن المسجد الحرام..
فسار رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، بأصحابه حتَّي دنا من الحديبية، وهي علي تسعة أميال من مكَّة، وقد كان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم رأي في المنام أنَّه دخل البيت وحلق رأسه وأخذ المفتاح [198].
أرسلت إليه قريش مِكرز بن حفص، فأبي أن يكلِّمه، وقال: «هذا رجل فاجر»، فبعثوا إليه الحُليس بن علقمة من بني الحارث بن عبد مناة، وكان من قوم يتألَّهون، فلمَّا رأي الهدي قد أكلت أوبارها، رجع؛ فقال: يا معاشر قريش إنِّي قد رأيت ما لا يحلُّ صدُّه عن البيت..
وكان آخر من بعثوا سهيل بن عمرو ليصالحه علي أن يرجع عنهم عامه ذلك، فأقبل إلي النبي صلي الله عليه وآله وسلم فكلَّم رسول الله وأرفقه، ثُمَّ جري بينهم الصلح، فدعا رسول الله عليَّ بن أبي طالب عليه السلام فقال: «أكتب بسم الله الرحمن الرحيم» [199]، فقال سهيل: لا نعرف هذا ولكن اكتب.. باسمك اللَّهمَّ، فكتبها. وقيل: قال عليه السلام: «لولا طاعتك يا رسول الله لما محوت».
ثُمَّ قال: «اكتب: هذا ما صالح عليه محمَّد رسول الله سهيل بن عمرو» [200] ةة فقال سهيل: لو نعلم أنَّك رسول الله لم نقاتلك، ولكن اكتب اسمك واسم أبيك. فقال لعليٍّ: «امحُ رسول الله» فقال: «لا أمحوك
[صفحه 87]
أبداً» [201]، فمحاها رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، وقال له موضع رسول الله: محمَّد بن عبدالله، وقال لعليٍّ: «لتبلينَّ بمثلها» [202]، واصطلحا علي وضع الحرب عن الناس عشر سنين، وانَّه من أتي منهم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بغير إذن وليِّه ردَّه إليهم، ومن جاء قريشاً ممَّن مع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لم يردُّوه عليه، ومن أحبَّ أن يدخل في عهد رسول الله دخل.. [203].
روي ربعي بن خراش عن أمير المؤمنين عليه السلام، أنَّه قال:
«أقبل سهيل بن عمرو ورجلان أو ثلاثة معه إلي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في الحديبية، فقالوا له: إنَّه يأتيك قوم من سلفنا وعبداننا فارددهم علينا، فغضب حتَّي احمارَّ وجهه، وكان إذا غضب عليه السلام يحمارُّ وجهه، ثُمَّ قال: لتنتهنَّ يا معشر قريش، أو ليبعثن الله عليكم رجلاً امتحن الله قلبه للإيمان، يضرب رقابكم وأنتم مجفلون عن الدين. فقال أبو بكر: أنا هو يا رسول الله؟ قال: لا، قال عمر: أنا هو يا رسول الله؟ قال: لا، ولكنَّه ذلكم خاصف النعل في الحُجرة. وأنا خاصف نعل رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في الحُجرة».
ثمَّ قال عليٌّ عليه السلام: «أما انَّه قد قال صلي الله عليه وآله وسلم: من كذب عليَّ متعمَّداً فليتبوَّأ مقعده من النار» [204].
[صفحه 88]

وقعة خيبر

غزا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، خيبر في جمادي الأولي سنة سبع من مهاجره، وهي علي ثمانية بُرُد من المدينة [205]، أي أربعة ليال علي التقريب [206]، وأمر رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أصحابه بالتهيُّؤ لغزوة خيبر، وخرج معه ألف واربعمائة رجل، معهم مائتا فارس، وأعطي لواءه لعليِّ بن أبي طالب عليه السلام [207].
ومضي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، يجدُّ السير باتِّجاه خيبر، ونزل عليها ليلاً، ولم يعلم أهلها، فخرجوا عند الصباح إلي عملهم بمساحيهم، فلمَّا رأوه عادوا، وقالوا: محمَّد والخميس، يعنون الجيش، فقال النبي صلي الله عليه وآله وسلم: «الله أكبر خربت خيبر، إنَّا إذا نزلنا بساحة قوم (فساءَ صباح المنذرين)!» [208].
وقد كان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قد سلَّم أبابكر رايةالجيش، ولكنَّ أبابكر عاد بالراية دون أن يصنع شيئاً فرجع، ثُمَّ جعل القيادة لعمربن الخطَّاب بعده، قال الطبري والحاكم: فعاد يجبّن أصحابه ويجبنونه [209]، فأخبر رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فقال: «والله لأعطينَّها غداً رجلاً يحبُّ الله ورسوله، ويحبُّه الله ورسوله [210].
[صفحه 89]
يأخذها عنوةً». [211] وفي رواية أخري: «لأُعطينَّ الرآية غداً رجلاً يحب الله ورسوله، يفتح الله علي يديه ليس بفرّار» [212].
فتطاولت لذلك الأعناق ورجا كلُّ واحد أن يكون المقصود بهذا القول.
وفيها جاء عن عمر بن الخطَّاب انَّه قال: فما أحببت الإمارة قبل يومئذٍ، فتطاولت لها واستشرفت رجاء أن يدفعها إليَّ، فلمَّا كان الغد دعا عليَّاً فدفعها إليه، فقال: «قاتل ولا تلتفت، حتي يفتح الله عليك» [213].
وفي تفصيل الخبر أن علياً عليه السلام كان قد أُصيب بالرمد، فبصق رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في عينيه، ثم أعطاه الراية [214]، فما شكا وجعاً حتَّي مضي لسبيله، فنهض بالراية وعليه حلَّة حمراء [215]، إنطلق مهرولاً، فركز رايته بين حجرين أمام الحصن، فأشرف عليه رجل من يهود يخطر بسيفه، فقال له: مَن أنت؟ قال: «أنا عليُّ بن أبي طالب»، فقال اليهودي: غُلبتم يا معشر يهود، وخرج مرحب اليهودي، صاحب الحصن، وعليه مغفر يماني، قد نقبه مثل البيضة علي رأسه، وكان مزهوّاً بشجاعته وبطولاته، خرج يتبختر في
[صفحه 90]
مشيته، وهو يقول:
قد علمت خيبرُ أنِّي مرحبُ
شاكي السلاح بطلٌ مجرَّبُ
اذا الحروبُ أقبلتْ تلهَّبُ
فقال عليٌّ صلوات الله عليه وبركاته:
«أنا الذي سمَّتني أُمِّي حيدرة
أكيلكم بالسيف كيل السندرة
ليثُ بغاباتٍ شديدٌ قسورة» [216].
فاختلفا ضربتين، فبدره عليٌّ عليه السلام فضربه فقدَّ الجحفة والمغفر ورأسه، وشقَّه نصفين حتي وصل السيف إلي أضراسه، فوقع علي الأرض، وكان لضربته عليه السلام دويٌّ كدوي الصاعقة، فلمَّا رأي اليهود صنيع عليٍّ عليه السلام بفارسهم مرحب ولَّوا هاربين، وكان الفتح علي يديه عليه السلام.
قال أبو رافع مولي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: «خرجنا مع عليٍّ عليه السلام حين بعثه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، برايته إلي خيبر، فلمَّا دنا من الحصن خرج إليه أهله، فقاتلهم، فضربه يهوديٌّ فطرح ترسه من يده، فتناول عليٌّ عليه السلام باباً كان عند الحصن فتترَّس به عن نفسه، فلم يزل في يده وهو يقاتل، حتي فتح الله عليه، ثُمَّ ألقاه من يده، فلقد رأيتني في نفر سبعة، أنا ثامنهم، نجهد علي أن نقلب ذلك الباب فما نقلبه» [217].
وقيل: «إنَّ الباب كان حجارة طوله أربع أذرع في عرض ذراعين في سمك ذراع، فرمي به عليُّ بن أبي طالب عليه السلام خلفه ودخل الحصن ودخله
[صفحه 91]
المسلمون» [218].
ومهما يكن الحال فإن دلَّت هذه الروايات علي شيءٍ، فإنَّما تدلُّ علي شجاعة الإمام وقدرته الخارقة العجيبة في بدنه، مع قوة إلهيّة معنوية عالية، وعليٌّ عليه السلام نفسه يقول عن هذا الحادث: «والله ما قلعت باب الحصن بقوَّة جسدية، ولكن بقوَّة ربَّانية» [219].
وعن جابر بن عبدالله الأنصاري قال: «لمَّا قدم عليٌّ عليه السلام علي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بفتح خيبر قال له رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: «لولا أن يقول فيك طوائف من أُمَّتي ما قالت النصاري في عيسي بن مريم، لقلت فيك اليوم قولاً لا تمرُّ بملأ الا أخذوا من تراب رجليك ومن فضل طهورك فيستشفون به، ولكن حسبك أن تكون منِّي وأنا منك، ترثني وأرثك، وأنَّك منِّي بمنزلة هارون من موسي الا أنَّه لا نبيَّ بعدي، وأنَّك تؤدِّي ذمَّتي، وتقاتل علي سُنَّتي، وأنَّك في الآخرة غداً أقرب الناس منِّي، وأنَّك غداً علي الحوض خليفتي … إلي آخره».
فخرَّ عليٌّ عليه السلام ساجداً، ثُمَّ قال: «الحمد لله الذي منَّ عليَّ بالإسلام، وعلَّمني القرآن، وحبَّبني إلي خير البريَّة، خاتم النبيِّين وسيِّد المرسلين، إحساناً منه إليَّ، وفضلاً منه عليَّ».
فقال له النبي صلي الله عليه وآله وسلم عند ذلك: «لولا أنت يا عليُّ لم يُعرف المؤمنون بعدي»» [220].
[صفحه 92]

وقعة ذات السلاسل

وتسمَّي أيضاً وقعة وادي الرمل. وكان سببها أنَّ عدداً من الأعراب قد اجتمعوا لغزو المدينة في وادي الرمل علي حين غفلة من أهلها، فوفد أعرابي علي نبيِّ الله وأخبره بالأمر، وخرج أمير المؤمنين ومعه لواء النبي صلي الله عليه وآله وسلم بعد أن خرج غيره إليهم، ورجع عنهم خائباً، ثُمَّ خرج صاحبه وعاد بما عاد به الأول [221]، ثُمَّ أرسل عمرو بن العاص [222]، فعاد كما عاد صاحباه، فمضي عليه السلام نحو القوم، يكمن النهار ويسير الليل، حتي وافي القوم بسحر، وصلَّي بأصحابه صلاة الغداة، وصفَّهم صفوفاً واتَّكأ علي سيفه وانقضَّ بمن معه علي القوم علي حين غفلة منهم، وقال: «يا هؤلاء، أنا رسولُ رسولِ الله، أن تقولوا: لا إله الا الله محمَّد رسول الله، والا ضربتكم بالسيف».
فقالوا له: إرجع كما رجع صاحباك.
قال: «أنا أرجع! لا والله حتَّي تسلموا، أو لأضربنَّكم بسيفي هذا، أنا عليُّ بن أبي طالب بن عبدالمطَّلب» [223].
فاضطرب القوم، وأمعنوا بهم قتلاً وأسراً، حتَّي استسلموا له، وتمَّ الفتح علي يده.
[صفحه 93]
وعن أمُّ سلمة قالت: كان نبيُّ الله صلي الله عليه وآله وسلم قائلاً في بيتي؛ إذ انتبه فزعاً من منامه، فقلت: الله جارك، قال: «صدقت، الله جاري، ولكن هذا جبرئيل يخبرني أنَّ عليَّاً قادم». ثمَّ خرج إلي الناس فأمرهم أن يستقبلوا عليَّاً، وقام المسلمون صفَّين مع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، فلمَّا بصر به عليٌّ عليه السلام ترجَّل عن فرسه، وأقبل عليه يقبِّله. فقال له النبي صلي الله عليه وآله وسلم: «إركب، فإنَّ الله ورسوله عنك راضيان» فبكي عليٌّ عليه السلام فرحاً وانصرف إلي منزله.
ونزلت علي النبي صلي الله عليه وآله وسلم سورة العاديات لهذه المناسبة [224].

فتح مكة

كان الفتح في شهر رمضان، سنة ثمان من مهاجر رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم [225] وكان سبب هذه الوقعة: أنَّ قريشاً نقضت الوثيقة التي وقعتها مع النبي في الحديبية، وتمادت في ذلك، حتي ذهبت إلي تحريض حلفائها بني الدؤل من بني بكر علي خزاعة حلفاء النبيِّ صلي الله عليه وآله وسلم، واستطاع هؤلاء أن يتغلَّبوا علي خزاعة بمساعدة قريش، فلمَّا وصل الخبر إلي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم عزم علي أن ينصر خزاعة..
فجهّز جيشه وأكد رغبته في التكتيم علي هذا الأمر، لمداهمة قريش في مكة قبل أن تتجهز لحرب، وكان يقول: «اللَّهمَّ خُذ علي أبصارهم فلا يروني الا بغتةً»! [226]، لكن الأمر تسرّب إلي حاطب بن أبي بلتعة، فكتب كتاباً إلي أهل مكَّة يطلعهم فيه علي سرِّ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في المسير إليهم،
[صفحه 94]
وأعطي الكتاب أمرأة سوداء وأمرها أن تأخذ علي غير الطريق، فنزل بذلك الوحي.
فدعا النبي صلي الله عليه وآله وسلم علياً عليه السلام وقال: «إنَّ بعض أصحابي قد كتب إلي أهل مكَّة يخبرهم بخبرنا وقد سألت الله أن يعمّي اخبارنا عليهم، والكتاب مع امرأة سوداء قد أخذت علي غير الطريق، فخذ سيفك والحقها وانتزع الكتاب منها» وبعث معه الزبير بن العوَّام.
فمضيا علي غير الطريق، فأدركا المرأة، فسبق إليها الزبير وسألها عن الكتاب فأنكرته، وحلفت أنَّه لا شيء معها، وبكت، فقال الزبير: يا أبا الحسن، ما أري معها كتاباً. فقال أمير المؤمنين عليه السلام: «يخبرني رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أنَّ معها كتاباً ويأمرني بأخذه منها وتقول: إنَّه لا كتاب معها»!
ثمَّ اخترط السيف وقال: «أما والله لئن لم تخرجي الكتاب لأكشفنَّك ثُمَّ لأضربنّ عنقك».
فقالت له: اذا كان لابدَّ من ذلك، فأعرض يا ابن أبي طالب عنِّي بوجهك. فأعرض عنها، فكشفت قناعها فأخرجت الكتاب من عقيصتها، فأخذه أمير المؤمنين عليه السلام وصار به إلي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم [227].
ثمَّ مضي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لفتح مكَّة في عشرة آلاف مقاتل، وأعطي الراية سعد بن عبادة، وأمره أن يدخل بها مكَّة، فأخذها سعد وجعل يقول:
اليوم يوم المَلحمَه
اليوم تسبي الحُرُمَه
[صفحه 95]
فسمعها رجل من المهاجرين، فأعلم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فقال: «اليوم يوم المرحمة، اليوم تحمي الحرمة» لعليِّ بن أبي طالب: «أدركه فخذ الراية منه، وكن أنت الذي تدخل بها» [228].
ومضي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يقطع الطريق باتجاه مكَّة ودخلها عنوةً بهذا الجيش الهائل، الذي لم تعرف له مكَّة نظيراً في تاريخها من قبل، وأعلن العفو وهو علي أبواب مكَّة، وقال لهم: «اذهبوا فأنتم الطلقاء».
وأباح دم ستة رجال، ولو كانوا متعلِّقين بأستار الكعبة، وأربع نسوة، هم: عكرمة بن أبي جهل، وهبار بن الأسود، وعبدالله بن سعد بن أبي سرح، ومِقيس بن صُبابة الليثي، والحويرث بن نُقيذ، وعبدالله بن هلال بن خطل الادرمي، وهند بنت عتبة، وسارة مولاة عمرو بن هاشم، وقينتان كانتا تغنيان بهجاء رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم [229].
فمضي عليُّ بن أبي طالب عليه السلام يجدُّ في طلب أولئك الذين أهدر النبيُّ صلي الله عليه وآله وسلم دماءهم فقتل منهم اثنين هم: الحويرث بن نقيذ، وسارة.
وأجارت أمُّ هانئ بنت أبي طالب حموين لها: الحارث بن هشام، وعبدالله بن ربيعة، فأراد عليٌّ عليه السلام قتلهما. فقال رسول الله: «يا عليُّ قد أجرنا من أجارت أمُّ هانئ» [230] وتفرّق الباقون، ثم وفد بعضهم علي النبي بعد أن أخذ الأمان.
ولم يترك رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم صنماً داخل الكعبة وخارجها الا وحطَّمه
[صفحه 96]
تحت قدميه أمام قريش..
وبعث رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وهو بمكَّة خالد بن الوليد إلي بني جذيمة بن عامر، فقال لهم خالد: ضعوا السلاح. فقالوا: إنَّا لا نأخذ السلاح علي الله ولا علي رسوله ونحن مسلمون، قال: ضعوا السلاح، قالوا: إنَّا نخاف أن تأخذنا بإحنة الجاهلية، فانصرف عنهم وأذَّن القوم وصلَّوا، فلمَّا كان في السحر شنَّ عليهم الخيل فقتل منهم ما قتل وسبي الذرية.
فبلغ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فقال: «اللَّهمَّ إنِّي أبرأ إليك ممَّا صنع خالد»! وبعث عليَّ بن أبي طالب عليه السلام فأدَّي إليهم ما أخذ منهم حتَّي العقال وميلغة الكلب، وبعث معه بمال ورد من اليمن فودي القتلي، وبقيت معه منه بقية، فدفعها عليٌّ عليه السلام إليهم علي أن يحلِّلوا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ممَّا علم وممَّا لا يعلم. فقال رسول الله: «لما فعلت أحبُّ إليَّ من حمر النعم» ويومئذٍ قال لعليٍّ: «فداك أبواي» [231]، فتمَّ بذلك موادُّ الصلاح، وانقطعت أسباب الفساد.

وقعة حنين

وكانت هذه الغزوة في شوال سنة ثمان من الهجرة، وحنين وادي بينه وبين مكَّة ثلاث ليال [232].
وقد بلغ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أنَّ هوازن قد جمعت بحنين جمعاً كبيراً تريد غزو المسلمين وقتالهم، فخرج إليهم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في جيش عظيم عدَّتهم اثنا عشر ألفاً، فقال بعضهم: ما نُؤتي من قلَّة، فكره رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم
[صفحه 97]
ذلك من قولهم.
وكان لواء المهاجرين مع عليِّ بن أبي طالب عليه السلام [233]، ووزَّع بقية الرايات علي قوَّاد الجيش وزعماء القبائل.
ويروي عن جابر بن عبدالله الأنصاري، أنَّه قال: «لمَّا استقبلنا وادي حُنين، انحدرنا في وادٍ أجوف حَطُوطٍ، إنما ننحدر فيه انحداراً في عماية الصبح، وكان القوم قد سبقونا إلي الوادي، فكمنوا لنا في شعابه ومضايقه، قد أجمعوا وتهيئوا وأعدوا، فوالله ما راعنا ونحن منحطُّون الا والكتائب قد شدَّت علينا شدَّة رجل واحد، فانهزم الناس أجمعون لا يلوي أحد علي أحد.. الا أنَّه قد بقي مع النبي صلي الله عليه وآله وسلم نفر من المهاجرين والأنصار وأهل بيته» [234].
وعلي أيِّ الأحوال فلقد اتَّفق المؤرِّخون علي أنَّ عليَّاً عليه السلام وأكثر بني هاشم ثبتوا مع الرسول صلي الله عليه وآله وسلم في تلك الأزمة [235]، وعليُّ بن أبي طالب عليه السلام يذبُّ الناس بسيفه ويفرِّقهم عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم كما كانت أكثر مواقفه في الحروب التي مضت، فلم يستطع أحد أن يدنو من النبيِّ صلي الله عليه وآله وسلم الا جدله بسيفه.
وكان رجل من هوازن علي جمل أحمر بيده راية سوداء أمام الناس، فإذا أدرك رجلاً طعنه، ثُمَّ رفع رايته لمن وراءه فاتَّبعوه، فحمل عليه عليٌّ عليه السلام فقتله [236]، فكانت الهزيمة، فقال رسول الله للعبَّاس: «صِحْ
[صفحه 98]
للأنصار» وكان صيِّتاً، فنادي: يا معشر الأنصار، يا أصحاب السمُرة، ياأصحاب سورة البقرة! فأقبلوا كأنَّهم الإبل إذا حنَّت علي أولادها، يقولون: يا لبَّيك يا لبَّيك! فحملوا علي المشركين، فأشرف رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فنظر إلي قتالهم فقال: «الآن حمي الوطيس»! وهو أول من قالها، ثُمَّ قال:
«أنا النبيُّ لا كذبْ
أنا ابن عبدالمطَّلب» [237].
واقتتل الناس قتالاً شديداً.
وقال النبي صلي الله عليه وآله وسلم لبغلته دُلدُل: «البِدي دلدل» فوضعت بطنها علي الأرض، فأخذ حفنة من تراب فرمي بها في وجوههم، فكانت الهزيمة [238] وقيل: إنَّ أمير المؤمنين عليه السلام قد قتل منهم أربعين رجلاً [239]، واستشهد من المسلمين أيمن ابن أمِّ أيمن، ويزيد بن زَمعَة بن الأسود بن المطَّلب بن عبدالعُزَّي وغيرهما [240].

تبوك والاستخلاف

ثمَّ كانت غزوة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم إلي تبوك في رجب سنة تسع من مُهاجره [241].
لمَّا بلغ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أنَّ الروم قد جمعت جموعاً كثيرة بالشام؛ لغزو المسلمين في ديارهم، لم يتردَّد في مواجهة تلك الجيوش، فأمر الناس
[صفحه 99]
بالتجهُّز لغزو الروم، وأعلم الناس مقصدهم، لبعد الطريق وشدَّة الحرَّ وقوَّة العدو.. لذلك يسمي بجيش العسرة، وهي آخر غزوات الرسول.
ومضي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يسير في أصحابه، حتي قدم تبوك في ثلاثين ألفاً من الناس، والخيل عشرة آلاف. واستعمل علي المدينة علياً عليه السلام وقال له: (تقيم أو أقيم) «إنَّه لابدَّ للمدينة منِّي أو منك» [242]، «إن المدينة لا تصلح إلاّ بي أو بك» [243].
وهذه هي الغزوة الوحيدة من الغزوات التي لم يشترك فيها عليُّ بن أبي طالب عليه السلام مع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم … وكان بقاؤه عليه السلام في المدينة أمر تفرضه مصلحة الإسلام، بعدما ظهر للنبيِّ صلي الله عليه وآله وسلم من أمر المنافقين، فإنَّ بقاءهم بالمدينة يشكِّل خطراً علي الدعوة.
فأرجف المنافقون بعلي عليه السلام وقالوا: ما خلَّفه الا استثقالاً له! فلمَّا سمع عليٌّ عليه السلام ذلك أخذ سلاحه ولحق برسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، فأخبره ما قال المنافقون، فقال: «كذبوا، وإنَّما خلفتك لما ورائي، أما ترضي أن تكون منِّي بمنزلة هارون من موسي؟ الا أنَّه لا نبيَّ بعدي». [244] فقال: «قد رضيت، قد رضيت». [245] ثُمَّ رجع إلي المدينة وسار رسول الله بجيشه.
وفي رواية الشيخ المفيد ان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قال له: «ارجع يا أخي
[صفحه 100]
إلي مكانك، فإن المدينة لا تصلح إلاّ بي أو بك، فأنت خليفتي في أهلي ودار هجرتي وقومي، أما ترضي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسي، إلاّ إنّه لا نبيّ بعدي» [246].
وجاء في طبقات ابن سعد [247] انَّه قال: أخبرنا الفضل بن دُكين، قال: أخبرنا فضل بن مرزوق عن عطية، حدَّثني أبو سعيد، قال: غزا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم غزوة تبوك وخلَّف عليَّاً في أهله، فقال بعض الناس: ما منعه أن يخرج به الا أنَّه كَرِهَ صحبته، فبلغ ذلك عليَّاً فذكره للنبي صلي الله عليه وآله وسلم، فقال: «يا ابن أبي طالب، أما ترضي أن تنزل منَّي بمنزلة هارون من موسي».
وفي احدي الروايات: قال: فأدبر عليٌّ مسرعاً، كأنِّي أنظر إلي غبار قدميه يسطع.. وبلا شكٍّ لقد قال النبيُّ صلي الله عليه وآله وسلم لعليٍّ عليه السلام هذه المقالة، وقد استخلفه في المدينة وكشف عن منزلته منه، وعن منزلته بعده صلي الله عليه وآله وسلم.. أمّا لماذا راجع عليٌّ عليه السلام رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في أمر استخلافه في المدينة فالأصح والأنسب «أن يكون عليٌّ عليه السلام قد عزَّ عليه أن تفوته معركة من معارك الإسلام، لاسيما وأنَّه يتَّجه إلي عدوٍّ يفوق المسلمين بعدده وعتاده عشرات المرَّات، فكان يتمنَّي أن يبقي إلي جانبه يفديه بنفسه وروحه، كما كان يصنع في بقية المعارك، وعندما أشعر النبي صلي الله عليه وآله وسلم ذلك أجابه بتلك الكلمات التي اتَّفق عليها المؤرِّخون والمحدِّثون». [248].
[صفحه 101]
هذا، ولم يكن قوله له: «أما ترضي أن تنزل منَّي بمنزلة هارون من موسي الا انه لا نبي بعدي» مختصّاً بهذا الموقف، فقد قال له ذلك مرات عديدة سجّل التاريخ وكان هذا الحديث من أوضح الأدلة علي استخلافه من بعده علي عموم المسلمين في بحوث مفصّلة مذكورة في كتب العقائد [249].

علي يبلغ عن رسول الله

قصة تبليغ سورة براءة في السنة التاسعة للهجرة من القصص المشهورة، والمنقولة في كتب السير والحديث، نوردها كما أخرجها أحمد بن حنبل في مسنده من حديث أبي بكر: أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بعثه ببراءة إلي أهل مكة: «لا يحجّ بعد العام مشرك، ولا يطوف في البيت عريان، ولا يدخل في الجنة إلاّ نفس مسلمة، ومن كان بينه وبين رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم مدّة فأجله إلي مدّته، والله بريء من المشركين، ورسوله» قال: فسار بها ثلاثاً، ثم قال النبي لعلي: «إلحقه، فردَّ عليَّ أبا بكر، وبلّغها أنت» قال: ففعل.
فبينا أبو بكر في بعض الطريق؛ إذ سمع رغاء ناقة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم القصوي، فخرج أبو بكر فزعاً، فظنّ أنّه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، فإذا هو عليّ عليه السلام، فدفع إليه كتاب رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، وأخذها منه وسار، ورجع أبو بكر.. فلمّا قدم علي النبي صلي الله عليه وآله وسلم بكي، وقال: يا رسول الله، أحَدَثَ فيَّ شيء؟
قال: «لا، ولكن اُمرتُ أن لا يبلّغها إلاّ أنا أو رجل منّي» [250].
[صفحه 102]
وفي بعض رواياتها: «لا يبلّغ عني إلاّ أنا أو رجل مني». [251].
ولهذه القصة دلالة كبيرة نأتي عليها في محلّها.

علي في اليمن

وفي السنة العاشرة للهجرة بعثه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم إلي اليمن جامعاً لصدقات أهلها، وجزية أهل نجران وسفيراً وقاضياً.. قال عليّ عليه السلام: «ولمّا بعثني رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم الي اليمن، قلت: تبعثني وأنا رجل حديث السن، وليس لي علم بكثير من القضاء؟ قال: فضرب صدري رسولالله صلي الله عليه وآله وسلم وقال: اذهب، فإن الله عزّ وجلّ سيثبت لسانك ويهدي قلبك..» قال: «فما أعياني قضاء بين اثنين». [252].
وكان النبي صلي الله عليه وآله وسلم قد بعث قبله خالد بن الوليد في بضع مئات من الجند، قال البراء بن عازب: كنت فيمن خرج مع خالد بن الوليد، فأقمنا ستة أشهر يدعوهم إلي الإسلام فلم يجيبوه يعني قبيلة همدان ثم بعث علي بن أبي طالب، وأمره أن يقفل خالداً ومن معه، إلاّ من أحب أن يعقب مع علي فليعقب معه، فكنت فيمن عقب مع عليّ، فلما دنونا من القوم خرجوا إلينا، ثم تقدم علي فصلّي بنا ثم صفنا صفاً واحداً ثم تقدم بين أيدينا وقرأ عليهم كتاب رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، فأسلمت همدان جميعاً.
فكتب علي إلي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بإسلامهم، فلما قرأ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم
[صفحه 103]
الكتاب خرّ ساجداً، ثم رفع رأسه فقال: «السلام علي همدان، السلام علي همدان». [253].

علي في حجة الوداع

اشاره

انظر: الطبقات الكبري 2: 130، تاريخ اليعقوبي 2: 109، إعلام الوري 1: 259، ارشاد
المفيد 1: 170.
خرج رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم من المدينة متوجِّها إلي الحجِّ في السنة العاشرة من الهجرة، لخمس بقين من ذي القعدة، وهي حجَّة الإسلام، وكان ابن عبَّاس يكره أن يقال: حجَّة الوداع، ويقول «حجَّة الإسلام». [254].
وأذَّن صلي الله عليه وآله وسلم في الناس بالحجِّ، فتجهَّز الناس للخروج مع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، وحضر المدينة من ضواحيها ومن جوانبها خلق كثير.
وحجَّ عليٌّ عليه السلام من اليمن، حيث قد بعثه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في ثلاثمائة فارس، فأسلم القوم علي يديه.. ولمَّا قارب رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم مكَّة من طريق المدينة، قاربها أمير المؤمنين عليه السلام من طريق اليمن، فتقدَّم الجيش إلي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، فسرَّ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بذلك، وقال له: «بم أهللت يا عليُّ»؟ فقال: «يا رسول الله، إنَّك لم تكتب إليَّ بإهلالك، فعقدت نيتي بنيِّتك، وقلت: اللَّهمَّ اهلالاً كإهلال نبيِّك». فقال صلي الله عليه وآله وسلم: «فأنت شريكي في حجِّي ومناسكي وهديي، فأقم علي إحرامك، وعد علي جيشك وعجِّل بهم إليَّ حتَّي نجتمع بمكَّة». [255].
[صفحه 104]
ولمَّا أكملوا مناسك الحجِّ، نحر رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بيده ستِّين بدنة، وقيل: اربعاً وستِّين، وأعطي عليَّاً عليه السلام سائرها، فنحرها وأخذ من كلِّ ناقةٍ بضعة، فجمعت في قدر واحد فطبخت بالماء والملح، ثُمَّ أكل هو وعلي عليه السلام. [256].
وخطب رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بالناس، وأراهم مناسكهم وعلَّمهم حجَّهم، إلي أن قال:
«لا ترجعوا بعدي كفَّاراً مضلِّين يملك بعضكم رقاب بعض، إنِّي قد خلَّفت فيكم ما إن تمسَّكتم به لن تضلُّوا: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، ألا هل بلَّغت»؟ قالوا: نعم. قال: «اللَّهمَّ اشهد».
ثمَّ قال: «إنَّكم مسؤولون، فليبلِّغ الشاهد منكم الغائب». [257] ثمَّ ودَّعهم وقفل راجعاً إلي المدينة.

غدير خم

لمَّا قضي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم نسكه وقفل إلي المدينة، وانتهي إلي الموضع المعروف بغدير خُمٍّ نزل عليه جبريل عليه السلام وأمره أن يقيم عليَّاً عليه السلام وينصِّبه إماماً للناس؛ فقال: «ربِّ إنَّ أُمَّتي حديثو عهد بالجاهلية» فنزل عليه: إنَّها عزيمة لا رخصة منها، فنزلت الآية: (يَا أيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إلَيْكَ مِن
[صفحه 105]
رَبِّكَ وَإن لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاس). [258].
فلمّا نزل رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بغدير خُمٍّ، ونزل المسلمون حوله، أمر بدوحات فقُمِمْنَ، وكان يوماً شديد الحرِّ، حتَّي قيل: إنَّ أكثرهم ليلفُّ رداءه علي قدميه من شدَّة الرمضاء، وصعد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم علي مكان مرتفع، فردّ من سبقه، ولحقه من تخلَّف، وقام خطيباً، ثُمَّ قال: «ألست أولي بالمؤمنين من أنفسهم؟» قالوا: بلي يا رسول الله. فأخذ بيد عليٍّ فرفعها، حتَّي بان بياض ابطيه، وقال: «من كنت مولاه فهذا عليٌّ مولاه، اللَّهمَّ والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله».
وقد ورد هذا الحديث في الكثير من كتب السيرة والتاريخ وكتب الحديث ايضاً وغيرها [259] بصيغ متعدِّدة، تثبت أحقِّية الإمام عليٍّ عليه السلام بالإمامة بعد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، وهو من أشهر النصوص علي خلافته رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم.
وبعد أن نزل رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم صلَّي ركعتين، ثُمَّ زالت الشمس فأذَّن مؤذنه لصلاة الظهر، فصلَّي بالناس وجلس في خيمته، وأمر عليَّاً عليه السلام أن يجلس في خيمة له بإزائه، ثُمَّ أمر المسلمين أن يدخلوا عليه فوجاً فوجاً
[صفحه 106]
فيهنِّئوه بالإمامة، ويسلِّموا عليه بإمرة المؤمنين، ففعل الناس ذلك اليوم كلُّهم، ثُمَّ أمر أزواجه وجميع نساء المؤمنين أن يدخلن معه ويسلِّمن عليه بإمرة المؤمنين، ففعلن ذلك، وكان ممَّن أطنب في تهنئته بذلك المقام عمر بن الخطَّاب، وقال فيما قال: «بخٍ بخٍ لك يا عليُّ، أصبحت مولاي ومولي كلِّ مؤمن ومؤمنة».
وأخرج أحمد وغيره ان أبا بكر وعمر قالا له: أمسيت يبن أبي طالب مولي كل مؤمن ومؤمنة. [260].
وأنشد حسَّان بن ثابت:
يناديهم يومَ الغدير نبيُّهم
بخُمٍّ وأسمع بالنبيِّ مناديا
بأنِّي مولاكم نعمْ ووليُّكم
فقالوا ولم يبدوا هناك التعاميا
إلهك مولانا وأنتَ وليُّنا
ولاتجدن في الخلق للأمر عاصيا
فقال له قم يا عليُّ فإنَّني
رضيتك من بعدي إماماً وهاديا
فمن كنت مولاه فهذا وليُّه
فكونوا له أنصارَ صدقٍ مواليا
هناك دعا: اللَّهمَّ والِ وليَّه
وكُن للذي عادي عليَّاً معاديا [261].
إذن فحديث الغدير حديث صحيح بلغ حدَّ التواتر، جمع كثير من
[صفحه 107]
العلماء طرقه كما رأينا سابقاً لكنَّه لاقي من التأويل والكتمان ما لم يبلغه خبر قبله ولا بعده!
فصاحب (البداية والنهاية) علي سبيل المثال مع كل ما جمعه من طرق هذا الحديث ومصادره يصرّ علي اختزال دلالته إلي ردّ شكاوي نفر من الصحابة، وفدوا معه من اليمن، وكانوا علي خطأ، وهو علي الصواب، فيقول ابن كثير عن هذا الحديث: «فبيّن فيه فضل علي وبراءة عرضه ممّا كان تكلّم فيه بعض من كان معه بأرض اليمن، بسبب ما كان صدر منه إليهم» إلي قوله: «وذكر من فضل علي وامانته وعدله وقربه إليه ما أزاح به ما كان في نفوس كثيرة من الناس منه». [262].
والالتواء والتحميل واضحان جداً في ما ذهب إليه ابن كثير وغيره هنا [263]، فشكاوي هؤلاء النفر كان النبي صلي الله عليه وآله وسلم قد ردّها في محلّها وأمام شهودها، وبيّن فيها ما يمكن أن يبيّنه، وقد أوردها ابن كثير كلّها. فأمرها لا يستدعي جمع كلّ الحجيج الذين بلغوا مئة ألف أو يزيدون!! ولا يستدعي أيضاً التأخير كل هذا الوقت، منذ أول وفودهم مكة، وحتي انقضاء الحج وعودتهم من مكة صوب أوطانهم! إنه تحميل كبير لا يرتضيه ناقد له فقه بالأخبار والسيرة، لكنها مشكلة الركون لما استقر في أذهانهم، بفعل الواقع السياسي الذي جانب هذا الحديث الشريف ودلالاته الناصعة.
وأقل ما يقال في تأويل ابن كثير ومن ذهب مذهبه إنهم خلطوا، إن لم
[صفحه 108]
يكونوا عامدين فغافلين، بين قضيتين منفصلتين، قضية الشكوي الخاصة، وقضية خطبة الغدير العامة علي الملأ من المسلمين.

علي مع الرسول في ساعات الوداع

مرض النبي وبعثة أسامة

لمَّا قدم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم المدينة المنوَّرة، من حجِّ الوداع، أقام أيَّاماً وعقد لأُسامة بن زيد، علي جُلَّة من المهاجرين والأنصار منهم أبو بكر وعمر وأمره أن يقصد حيث قُتل أبوه، وقال له: «أوطئ الخيل أواخر الشام من أوائل الروم»، فتكلَّم المنافقون في إمارته، وقالوا: أمَّر غلاماً علي جلَّة المهاجرين والأنصار! فاشتكي إلي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ذلك، فغضب رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وقال: «إن تطعنوا في إمارته، فقد طعنتم في إمارة أبيه من قبل، وإنَّه لخليق للإمارة، وكان أبوه خليقاً لها». [264].
واشتدَّ برسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وجعه، فتأخَّر مسير أُسامة لمرض رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، وثقل رسول الله، ولم يشغله شدّة مرضه عن إنفاذ أمر الله، فقال: «أنفذوا جيش أُسامة»! قالها مراراً، وإنَّما فعل عليه السلام ذلك لئلا يبقي في المدينة عند وفاته من يختلف في الإمامة، ويطمع في الإمارة، فيستوسق الأمر لأهله [265].
وروي بعضهم أنه صلي الله عليه وآله وسلم لما أحس منهم التباطؤ، كان يكرر قوله:
[صفحه 109]
«أنفذوا بعثة أُسامة» ثم يقول: «لعن الله من تخلّف عنه». [266].
وقد أثبتت المصادر التاريخية أنّ في هذا الجيش أُناساً من كبار الصحابة، منهم أبو بكر وعمر [267].

الرزية كل الرزية

لم يكن موقف رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم من خلافة الإمام عليٍّ عليه السلام يوم غدير خُمٍّ آخر المواقف التي صرَّح فيها بأنَّه الوصي من بعده، بل حينما اشتدَّ به مرضه وعلم بما ستقع به أُمَّته من الاختلاف من بعده، أراد أن يصرِّح بها؛ فقال: «ائتوني بدواة وكتف أكتب لكم كتاباً لا تضُّلون بعده أبداً» ثُمَّ أُغمي عليه، وقام أحدهم ليلتمس الدواة والكتف، فقال عمر: ارجع فإنَّه يهجر أو غلبه الوجع حسبنا كتاب الله!!
فمازال يمنع منها حتي كثر التنازع؛ فغضب النبيُّ صلي الله عليه وآله وسلم وأخرجهم من عنده، فقال بعد أن عرضوا عليه الدواة والكتف : «دعوني، فالذي أنا فيه خير».
هنا كان يتوجَّع ابن عبَّاس ويقول: «يوم الخميس، وما يوم الخميس!» ثُمَّ بكي حتَّي بلَّ دمعه الحصي. فقيل له والرواية عن سعيد بن جُبير : يا ابن عبَّاس، وما يوم الخميس؟
قال: «اشتدَّ برسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وجعه، فقال: «ائتوني أكتب لكم كتاباً لا
[صفحه 110]
تضلُّون بعدي» فتنازعوا، وما ينبغي عند نبيٍّ تنازع، وقالوا: ما شأنه، أهَجَر؟ استفهموه! قال: «دعوني، فالذي أنا فيه خير»». فكان ابن عبَّاس يقول: «إنَّ الرزية كلَّ الرزية ما حال بين رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم» [268].

علي وآخر لحظات الرسول

لمَّا كثر التنازع عند رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، كما رأينا سابقاً بشأن الكتاب، وخرجوا من عنده، قال: «رُدُّوا عَلَيَّ أخي عَلِيَّ بن أبي طالب». ولمَّا حضر قال: «ادنُ منِّي» فدنا منه فضمَّه إليه، ونزع خاتمه من يده، فقال له: «خُذ هذا فضعه في يدك» ودعا بسيفه ودرعه ولامته، فدفع جميع ذلك إليه، وقال له: «اقبض هذا في حياتي» ودفع إليه بغلته وسرجها وقال: «امضِ علي اسم الله إلي منزلك» [269].
وكان عليٌّ عليه السلام لا يفارقه الا لضرورة، ولمَّا خرج لبعض شأنه قال لهم: «أُدعوا لي أخي وصاحبي» وفي رواية: «ادعو لي حبيبي» فدعوا له أبا بكر، فنظر إليه، ثم وضع رأسه، ثم قال: «ادعو لي حبيبي» فدعوا له عمر، فلما نظر إليه وضع رأسه ثم قال: «ادعو لي حبيبي» فقالت أُمُّ سلمة: أُدعوا له عليَّاً، فدُعي أمير المؤمنين عليه السلام، فلمَّا دنا منه أومأ إليه فأكبَّ
[صفحه 111]
عليه، فناجاه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم طويلاً [270] ولمَّا سُئل عن ذلك قال: «علَّمَني ألف باب من العلم، فتح لي من كلِّ باب ألف باب [271]، ووصَّاني بما أنا قائمٌ به إن شاء الله» [272].
ولمَّا قرب خروج تلك النفس الطيِّبة إلي جنان الخلد وسدرة المنتهي قال له: «ضع رأسي يا عليُّ في حجرك، فقد جاء أمر الله عزَّ وجلَّ فإذا فاضت نفسي، فتناولها بيدك وامسح بها وجهك، ثُمَّ وجِّهني إلي القبلة وتولَّ أمري، وصلِّ عليَّ أوَّل الناس، ولا تفارقني حتَّي تواريني في رمسي، واستعن بالله عزَّ وجلَّ».
ثمَّ قضي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، ويد أمير المؤمنين اليمني تحت حنكه، ففاضت نفسه، فرفعها إلي وجهه فمسحه بها، ثُمَّ وجَّهه وغمَّضه ومدَّ عليه إزاره واشتغل بالنظر في أمره..
ولمَّا أراد عليٌّ عليه السلام غسله استدعي الفضل بن العبَّاس، فأمره أن يناوله الماء، بعد أن عصَّب عينيه، فشقَّ قميصه من قبل جيبه، حتي بلغ به إلي سرَّته، وتولَّي غسله وتحنيطه وتكفينه، والفضل يناوله الماء، فلمَّا فرغ من غسله وتجهيزه تقدَّم فصلَّي عليه [273].
[صفحه 112]
هذه خاتمة ثلاثين عاماً من الجهاد مع هذا الإنسان العظيم المسجَّي اليوم بين يدي عليِّ بن أبي طالب، فكانت النهاية أن واري جسده التراب وما أصعبها من نهاية!!
أمَّا البداية فقد احتضن محمَّد بن عبدالله عليَّاً في حجره وهو وليد، وها هو عليٌّ يحتضن محمَّداً علي صدره في آخر رمق من حياته! آه فطبت حيَّا وميِّتاً..
ولنقرأ ما قاله عليُّ بن أبي طالب عليه السلام وهو يصفُ هذه الخاتمة المؤلمة: «ولقد قُبِض رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، وإنَّ رأسه لعلي صدري، ولقد سالت نفسه في كفِّي، فأمررتُها علي وجهي، ولقد وُلِّيتُ غسله صلي الله عليه وآله وسلم والملائكة أعواني، فضجَّت الدار والأفنية: ملأ يهبط، وملأ يعرج، وما فارقتْ سمعي هينمةٌ منهم، يصلُّون عليه، حتَّي واريناه ضريحه» [274].
وبعد هذه النهاية المفجعة تتساقطُ قطرات الدمع من عليٍّ عليه السلام حزناً منه علي فراق أخيه محمَّد بن عبدالله، الرسول، الأمين صلي الله عليه وآله وسلم، فيضجُّ صدره بالآلام والمحن، ويقف علي شفير قبر أخيه مطأطأ رأسه، والدمع يجري كحبَّات لؤلؤ تناثرت علي خدَّيه، وهو يقول: «بأبي أنت وأمي يا رسول الله! لقد انقطع بموتك ما لم ينقطع بموت غيرك من النبوة والأنبياء وأخبار السماء، خصَّصت حتي صرت مسلِّياً عمّن سواك، وعمَّمت حتي صار الناس فيك سواء. ولولا أنك أمرت بالصبر، ونهيت عن الجزع؛ لانفدنا عليك ماء الشؤون» [275].
[صفحه 113]

علي قبل تولي الخلافة

مدخل في خصائصه والأدلة علي إمامته

اشاره

في القرآن الكريم له أوفر نصيب، وفي حديث النبي صلي الله عليه وآله وسلم له الحظُّ الأوفر والذكر الأكثر والشأن الأكبر، وفي أيام الإسلام كلها، منذ ابتداء الإسلام، وعلي امتداد أكثر من نصف قرن من عمر الإسلام، له المناقب والمواقف والمفاخر، التي لا تعرفها هذه الأُمَّة لرجل عاش معه أوجاء بعده، بل وقبل الإسلام أيضاً، حظي بما لم يحظَ به أحدٌ من البشر.
فهو أقرب الناس إلي النبيِّ صلي الله عليه وآله وسلم وأخصُّهم به، نشأ في حجره، يتَّبعه اتِّباع الصبي لأمِّه وأبيه، يتلقي منه مكارم الأخلاق ومحاسن الآداب ومفاتح العلوم وأسرار الحياة وفلسفتها.
فإذا قال أهل العلم بالحديث كأحمد بن حنبل وغيره: «إنَّه لم يرد في الصحاح والحسان لأحد من الصحابة ما ورد لعليٍّ» [276]، فإنَّما يقرِّون حقيقة شاهدها تأريخ صدر الإسلام كلِّه، من هنا حقَّ لبعض أهل العلم القول: إنَّ
[صفحه 114]
الحديث عن مناقب عليٍّ لا يعدو أن يكون نافلة وفضولاً، تماماً كالحديث عن نور الشمس [277].
وهذا هو الذي يفسّر لنا تكاثر الكتب الصغيرة والكبيرة في فضائله ومناقبه في ألوان متعددة ومن جوانب مختلفة، اجتمع فيها لرجل واحد ما لم يجتمع لعشرات الرجال في تاريخ الإسلام، فماذا عسانا ذاكرين من ذلك كلِّه؟!
سنقصر مادة هذا الفصل علي باقة صغيرة ممَّا جاء في حقِّه، نوزِّعها علي محورين:
الأول: في ما اختصَّ به من مناقب لم يشركه فيها أحد، الا أن يكون من أهل بيته خاصةً.
الثاني: في ما دلَّ علي إمامته العظمي وخلافته المباشرة لرسول الله صلي الله عليه وآله وسلم.

خصائصه الخاصة

اشاره

لقد تفرَّد عليٌّ عليه السلام بخصائص تستحق أن يفرد فيها كتاب لعظمتها وكثرتها، وإنَّها لتؤلِّف كتاباً جيداً، لا تكرار فيه ولا تشابه.
ولقد جري، قبل عهود التصنيف، علي ألسنة الصحابة، أشياء من ذلك لم تجرِ بحقِّ غيره، فمنهم من ذكر جملة منها تذكيراً بحقِّه، وإنكاراً علي أُناس جهلوه أو تجاهلوه، ومنهم من ذكر له خصالاً يتمني لو كانت له واحدة منها، وبعض هذا الذي ورد علي ألسنة الصحابة سنجعله مدخلاً لهذا
[صفحه 115]
الفصل، لننتقل بعده إلي فضائل وخصائص مفردة:
1 تمنّي عمر بن الخطَّاب لنفسه واحدة من خصال ثلاث اجتمعن في عليٍّ عليه السلام، فقال: لقد أُعطي عليُّ بن أبي طالب ثلاث خصال، لأن تكون لي خصلة منها أحبُّ إليَّ من أن أُعطي حُمر النعم!
قيل: وما هنَّ يا أمير المؤمنين؟
قال: تزوُّجه فاطمة بنت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، وسكناه المسجد مع رسول الله، يحلُّ له فيه ما يحلُّ له، والراية يوم خيبر [278].
2 وسعد بن أبي وقَّاص يتمنَّي لنفسه واحدة من ثلاث أُخر اجتمعن في عليٍّ عليه السلام ويردُّ بها علي معاوية اللعين، وهو يراوده علي سبِّ أمير المؤمنين عليه السلام!
قال معاوية لسعد: ما يمنعك أن تسبَّ ابن أبي طالب؟
قال سعد: لا أسبُّه ما ذكرت ثلاثاً قالهنَّ له رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لأن تكون لي واحدة منهن أحبُّ إليَّ من حُمر النعم!
قال معاوية: ما هنَّ يا أبا إسحاق؟
قال: لا أسبُّه ما ذكرت حين نزل عليه الوحي؛ فأخذ عليَّاً وابنيه وفاطمة فأدخلهم تحت ثوبه، ثُمَّ قال: «ربِّ إنَّ هؤلاء أهل بيتي».
ولا أسبُّه ما ذكرت حين خلَّفه في غزوة تبوك، غزاها رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، فقال له علي: «خلَّفتني علي الصبيان والنساء!» قال: «ألا ترضي أن تكون منِّي بمنزلة هارون من موسي؟ الا أنَّه لا نبيَّ بعدي».
[صفحه 116]
ولا أسبُّه ما ذكرت يوم خيبر، قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: «لأُعطينَّ هذه الراية رجلاً يحبُّ الله ورسوله، ويفتح الله علي يديه» فتطاولنا لرسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، فقال: «أين عليٌّ»؟ قالوا: هو أرمد.
فقال: «ادعوه» فدعوه، فمسح عينيه بريقه، ثُمَّ أعطاه الراية ففتح الله عليه [279].
3 وسعد أيضاً يذكر ثلاث خصال أُخر لعليٍّ عليه السلام يتمنَّي إحداهنَّ، ويشهد منهن بفضل عليٍّ وحقِّه، رغم أنَّه قد تخلَّف عنه في حروبه..
قيل لسعد: إنَّ عليَّاً يقع فيك أنَّك تخلَّفت عنه.
فقال سعد: والله إنَّه لرأي رأيته، وأخطأ رأيي! إنَّ عليَّ بن أبي طالب أُعطي ثلاثاً لأن أكون أُعطيت إحداهنَّ أحبُّ إليَّ من الدنيا وما فيها:
لقد قال له رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يوم غدير خُمٍّ، بعد حمد الله والثناء عليه: «هل تعلمون أنِّي أولي بالمؤمنين؟» قلنا: نعم. قال: «اللَّهمَّ من كنت مولاه فعليٌّ مولاه، والِ من والاه وعادِ من عاداه».
وجيء به يوم خيبر وهو أرمد ما يبصر، فقال: «يا رسول الله إنِّي أرمد». فتفل في عينيه ودعا له فلم يرمد حتي قُتل، وفتح عليه خيبر.
وأخرج رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم عمَّه العبَّاس وغيره من المسجد، فقال له العبَّاس: تخرجنا ونحن عصبتك وعمومتك، وتسكن عليَّاً؟!
فقال: «ما أنا أخرجتكم وأسكنته، ولكنَّ الله أخرجكم وأسكنه» [280].
4 وعبدالله بن عبَّاس، في حديث أكثر جمعاً، يردُّ علي نفر ينتقصون
[صفحه 117]
من عليٍّ عليه السلام في أيَّام معاوية، فيقول: أُفٍّ، وتُفٍّ!! وقعوا في رجل له بضع عشرة فضائل ليست لأحد غيره!
ثُمَّ ينطلق ابن عبَّاس يذكر نماذج من هذه الفضائل، فيبدأ بحديث راية خيبر، ثُمَّ يقول: ثُمَّ بعث رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فلاناً بسورة التوبة، فبعث عليَّاً خلفه فأخذها منه، وقال: «لا يذهب بها الا رجل هو منِّي وأنا منه». ثُمَّ يذكر قول النبيِّ له: «أنت وليِّي في الدنيا والآخرة».. وأنَّ عليَّاً أول من آمن.. وحديث الكساء وآية التطهير.. وحديث مبيت عليٍّ في فراش النبي صلي الله عليه وآله وسلم في الهجرة.. وقوله صلي الله عليه وآله وسلم: «أما ترضي أن تكون منِّي بمنزلة هارون من موسي الا أنَّه ليس بعدي نبي، إنَّه لا ينبغي أن أذهب الا وأنت خليفتي».. وقوله صلي الله عليه وآله وسلم: «أنت وليُّ كلِّ مؤمن بعدي ومؤمنة».. وحديث سدِّ الأبواب الا باب عليٍّ، وحديث الغدير: «من كنت مولاه … » الحديث [281].
ونظائر هذا ممَّا ورد علي ألسنة الصحابة فيه عليه السلام كثير وكثير، نكتفي بهذا القدر منه، لننتقل إلي إفراد بعض خصائصه عليه السلام، ممَّا نزل فيه من القرآن الكريم، وممَّا جاء فيه في الحديث الشريف:

في القرآن الكريم

نفس رسول الله

عليٌّ أحد المدعوين في مباهلة وفد نصاري نجران، إذ قال عزَّ من قائل: (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أبْنَاءَنَا وَأبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأنْفُسَنَا وَأنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِل فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللهِ
[صفحه 118]
عَلَي الْكَاذِبِين) [282]، أولئك هم الذين اصطفاهم الله وانتخبهم رسول الله: عليٌّ وفاطمة والحسنان عليهما السلام، بهم خلَّد التأريخ حدثاً عظيماً يعدُّ من احدي معاجز حضرة الرسول الأكرم صلي الله عليه وآله وسلم.
وأجمع المفسِّرون علي أنَّ المقصود من (أنفسنا) نفس محمد صلي الله عليه وآله وسلم ونفس عليٍّ عليه السلام [283].

علي من أهل بيت رسول الله و خاصته

رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وعليٌّ وفاطمة والحسنان عليهما السلام هم المدعوون بأصحاب الكساء الخمسة، والمشار إليهم بقوله تعالي: (إنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) [284].
نزل الروح الأمين بهذه الآية المباركة، حينما جلَّل رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً عليهم السلام بكساءٍ حبري، وغشَّاهم به، ثُمَّ أخرج يديه المباركتين فألوي بهما إلي السماء، ثُمَّ قال: «اللَّهمَّ هؤلاء أهل بيتي وخاصَّتي، فأذهب عنهم الرجس وطهِّرهم تطهيرا». [285].
[صفحه 119]

القرآن الكريم يأمر بالصلاة علي آل بيت النبي

ولمَّا كان الإمام عليٌّ عليه السلام من أهل بيت محمدٍ صلي الله عليه وآله وسلم فله شأن في قوله تعالي: (إنَّ اللهَ وَمَلأئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَي النَّبِيِّ يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [286] وممَّا لاريب فيه كانت هذه «الصلاة» من الواجبات في حال التشهد؛ لما ثبت بالتواتر حينما سألوا الرسول صلي الله عليه وآله وسلم: كيف نصلِّي عليك يا رسول الله؟
فقال: «قولوا: اللَّهمَّ صلِّ علي محمدٍ وآل محمدٍ، كما صلَّيت علي إبراهيم وآل إبراهيم، وبارك علي محمدٍ وآل محمدٍ كما باركت علي إبراهيم وآل إبراهيم». [287].
وفي هذا الشأن أنشد الشافعي أبياته الشهيرة:
يا أهل بيت رسول الله حبُّكمُ
فرضٌ من الله في القرآن أنزله
كفاكمُ من عظيم الشأن أنَّكمُ
مَنْ لم يُصلِّ عليكم لا صلاة له [288].

علي يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله

تخلَّف عليٌّ عليه السلام يوم الهجرة ليبيت في فراش رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ويصرف الأعداء عنه، ويؤدِّي الأمانات إلي أهلها، حتي تكتمل رسالة الإسلام المحمَّدية، فنزل فيه قوله تعالي: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللهِ وَاللهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَاد). [289].
[صفحه 120]

علي وسورة الدهر

لم يختلف أهل التفسير علي أنَّ سورة «الانسان» أو «هل أتي» نزلت خاصَّةً في عليٍّ وأهل بيته عليهم السلام [290]، في قصَّة التصدُّق علي المسكين واليتيم والأسير، (فَوَقَاهُمُ اللهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً … إنَّ هذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُم مَشْكُوراً) [291].

في بيوت أذن الله أن ترفع

لمَّا تلي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قوله تعالي: (فِي بُيُوتٍ أذِنَ اللهُ أن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَال) [292]، قيل له: أي بيوت هذه؟!
قال عليه أفضل الصلاة وأتمُّ السلام: «بيوت الأنبياء»، ثُمَّ قيل له: هذا البيت منها إشارة إلي بيت عليٍّ وفاطمة عليها السلام فقال صلي الله عليه وآله وسلم: «نعم، من أفاضلها» [293].

بعلي كفي الله المؤمنين القتال

في استبساله يوم وقعة الأحزاب قيل: إنَّ الآية المباركة: (وَرَدَّ اللهُ
[صفحه 121]
الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَي اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَال) [294] نزلت في الإمام عليٍّ عليه السلام. حتي أنَّ ابن مسعود كان يقرأ الآية: (وَكَفَي اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَال) بعليٍّ بن أبي طالب [295].

ليس أفضل من إيمان علي وجهاده في سبيل الله

والآية الكريمة تشهد بجهاد عليٍّ وبطولاته: (أجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ لأيَسْتَوُونَ عِندَ اللهِ وَاللهُ لأيَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ - الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدَوا فِي سَبِيلِ اللهِ بِأمْوَالِهِمْ وَأنفُسِهِمْ أعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْفَائِزُون) [296]، عند تفاخر «العبَّاس وطلحة» بالسقاية وسدانة الكعبة [297].

في الحديث الشريف

اولهم إسلاما

ومَنْ أصدق من رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم إذ قال لعليٍّ: «أنت أوَّل مَنْ آمن بي، وأنت أول من يصافحني يوم القيامة، وأنت الصدِّيق الأكبر، وأنت الفاروق تفرِّق بين الحقِّ والباطل، وأنت يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب الكافرين» [298].
[صفحه 122]
وقوله صلي الله عليه وآله وسلم: «السُّبَّق ثلاثة: السابق إلي موسي: يوشع بن نون، والسابق إلي عيسي: صاحب ياسين، والسابق إلي محمَّدٍ: عليُّ بن أبي طالب» [299].
وحينما اختصَّه بمصاهرته في فاطمة سيِّدة النساء، قال لها: «لقد زوَّجتك أعظمهم حلماً، وأقدمهم سلماً، وأكثرهم علماً» [300].
لو لم تكن لعليٍّ عليه السلام سوي هذه الخصال لكفاه ذلك فخراً، وفضلاً، وعزَّاً علي غيره من العالمين!

اخو رسول الله دون غيره

من يجهل حديث المؤاخاة، وقول رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: «أنا أخوك وأنت أخي» [301]؟! فرسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لم يأخِّره حينما آخي بين المهاجرين والأنصار الا لنفسه، ليكون أخاه ووارثه، يرث منه ما ورّثت الأنبياء من قبله.. فرسول الله صلي الله عليه وآله وسلم الذي لم يكن له خطير ولا نظير من العباد وعليُّ بن أبي طالب أخوان في الدنيا والآخرة (إخْوَاناً عَلَي سُرُرٍ مُتَقابِلِين) [302].
[صفحه 123]

و احب الخلق إلي الله

ذات ليلة أُهدي لرسول الله صلي الله عليه وآله وسلم طير مشوي، فلم تطب نفسه أن يأكله لوحده، فدعا ربَّه قائلاً: «اللَّهمَّ.. ائتني بأحبِّ الخلق إليك ليأكل معي هذا الطير» كان يتمنَّي أن يأكل معه أحبُّ الخلق إلي الله عزَّ وجلَّ لتتمَّ البركة ويعمَّ الفضل، وإذا طارق يحوم حول الباب، وكان هناك من يمنعه، يرجع ويعود يطرق الباب، حتي أذن له في الثالثة أو الرابعة، وإذا به عليُّ بن أبي طالب، ولمَّا رآه رسول الله قال: «ما حبسك عنِّي»؟! قال عليه السلام: «والذي بعثك بالحقِّ نبيَّاً إنِّي لأضربُ الباب ثلاث مرَّات ويردَّني أنس» [303].
هكذا التقي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم مع أحبِّ الخلق إليه والي الله علي مائدة النور.

الا باب علي

لمّا كان لنفر من أصحاب رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أبواب شارعة في المسجد النبوي الشريف، أمرهم رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بسدِّ الأبواب الا باب عليٍّ عليه السلام فتكلَّم الناس في ذلك، فلمَّا بلغ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قولهم، قام وخطب فيهم فقال: «أمَّا بعد.. فإنِّي أُمرتُ بسدِّ هذه الأبواب الا باب عليٍّ، وقال فيه
[صفحه 124]
قائلكم، والله ما سددته ولا فتحته، ولكنِّي أُمرتُ فاتبعته» [304].
ومثله حديث «المناجاة» يوم الطائف، حيث قال الناس: لقد أطال نجواه مع ابن عمِّه! فقال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: «ما أنا انتجيته، ولكنَّ الله انتجاه» [305].

الذائد عن الحوض

إنَّه صاحب حوض رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يوم القيامة، يثبته قوله صلي الله عليه وآله وسلم: «كأنِّي أنظر إلي تدافع مناكب أُمَّتي علي الحوض، فيقول الوارد للصادر: هل شربت؟ فيقول: نعم، والله لقد شربت، ويقول بعضهم: لا والله ما شربت فيا طول عطشاه» [306].
وقال لعليٍّ عليه السلام: «والذي نبَّأ محمَّداً وأكرمه، إنَّك لذائد عن حوضي، تذود عنه رجالاً، كما يذاد البعير الصادي عن الماء، بيدك عصا من عوسج كأنِّي أنظر الي مقامك من حوضي» [307].
وفي رواية عن عليٍّ عليه السلام قال: «والذي فلق الحبَّة وبرأ النسمة، لأقمعنَّ
[صفحه 125]
بيدي هاتين عن الحوض أعداءنا، ولأوردنَّ أحبَّاءنا» [308].

و أمر أهلك بالصلأة

سورة طه: 132.
خصَّه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم دون غيره بساعة من السحر، يأتيه فيها كلَّ ليلة، يطرق الباب وذلك عند نزول الآية ويقول: «الصلاة، رحمكم الله، إنَّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهِّركم تطهيراً» [309].

علي يبلغ عن رسول الله بأمر من السماء

لمَّا بعث رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أبا بكر بتبليغ سورة براءة أميراً علي الحج.. بعث خلفه عليَّاً عليه السلام ليأخذها منه! فيعود أبو بكر ويسأل رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: أحدث فيَّ شيء، يا رسول الله؟ فيقول صلي الله عليه وآله وسلم: «لا، ولكنِّي أُمرت الا يبلِّغ عنِّي الا أنا أو رجل منِّي» [310].

كرار وليس بفرار

تقدّمت قصة خيبر، ورجوع صاحب الراية الأول، ثم الثاني يجبّن أصحابه ويجبّنونه.
وإذا برسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يقسم والرواية عن عليٍّ عليه السلام ويقول: «والذي نفسي بيده، لأُعطينَّ الراية غداً رجلاً يحبُّ الله ورسوله، ويحبُّه الله ورسوله، كراراً ليس بفرَّار، يفتح الله علي يديه، فأرسل إليَّ وأنا أرمد؛ فتفل في عينيَّ
[صفحه 126]
وقال: اللَّهمَّ اكفه أذي الحرّ والبرد، فما وجدتُ حرَّاً بعدُ ولا برداً» [311].
هذه بعض الخصائص التي ذكرها أهل المناقب والسير، في حقِّ أخي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، ووصيِّه، ووزيره، وأمينه، وخليفته من بعده علي أُمَّته فلولاه «لم تثبت الملَّة، ولا استقرت الشريعة، ولا ظهرت الدعوة،فهو عليه السلام ناصر الإسلام ووزير الداعي إليه، من قبل الله عزَّ وجلَّ، وبضمانه لنبيِّ الهدي عليه السلام النصرة، تمَّ له في النبوَّة ما أراد، وفي ذلك من الفضل ما لا توازنه الجبال فضلاً، ولا تعادله الفضائل كلُّها محلاً وقدراً» [312].

النصوص الدالة علي إمامته

اشاره

قال تعالي: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أئِمَّةً يَهْدُونَ بِأمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُون) [313].
قال المفسِّرون: إنَّ معناها لنجعلنَّ من أُمِّتك أئمةً يهدون مثل تلك الهداية، لما صبروا عليه من نصرة الدين وثبتوا عليه من اليقين. [314] فهذه الآية الكريمة وغيرها من الآيات [315] تفيد وجوب الإمام في كلِّ زمان،
[صفحه 127]
ولمَّا كان الإمام موجوداً بأمر من الله عزَّ وجلَّ فوجب علينا حقُّ طاعته ونصرته، كما قال تعالي: (يَاأيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أطِيعُوا اللهَ وَأطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الاَمْرِ مِنْكُم) [316].
وكذا السُنَّة المطهَّرة فرضت علينا معرفة الإمام والاقتداء به، قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: «من مات وليس عليه إمام فإنَّ موتته موتة جاهلية» [317]، وقوله عليه أفضل الصلاة والسلام بوجوب طاعة الإمام وموالاته: «من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية» [318].
إذن فالرسول الأكرم صلي الله عليه وآله وسلم لم يترك أُمَّته دون إمام يقود زمامها من بعده، وذلك بأمرٍ من السماء، إذ قال عزَّ من قائل: (وَإن لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَه) فما هو جواب الرسول الذي سيملأ هذا الفراغ؟ سيتَّضح ذلك من خلال الأسطر التالية التي تكشف عن حقيقة أنَّ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم كان يمارس إعداد الخليفة من بعده عملياً ونظرياً:

اسمعوا لعلي وأطيعوا

لمَّا نزل قوله تعالي: (وَأنذِرْ عَشِيرَتَكَ الاَقْرَبِين) رفع شأن عليٍّ عليه السلام علي آله وعشيرته أجمعين، وخصَّه بمنزلة لا يشركه فيها أحد، فقال عليه أفضل الصلاة والسلام بشأنه يوم الانذار: «إنَّ هذا أخي، ووصيي،
[صفحه 128]
وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا» [319].

و اولي بالناس من أنفسهم

بشأنه عليه السلام نزل قول الله عزَّ وعلا: (إنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلأةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُون) [320] حينما تصدَّق بخاتمه حال الصلاة [321].
وأثبت الآلوسي في تفسيره، من شعر حسَّان بن ثابت في هذه الحادثة، قال: فأنشد حسَّان:
أبا حسنٍ تفديك نفسي ومهجتي
وكلُّ بطيءٍ في الهدي ومسارعِ
فأنت الذي أعطيتَ إذ كنت راكعاً
زكاةً، فدتك النفس يا خير راكعِ
فأنزلَ فيك اللهُ خيرَ ولايةٍ
وبيَّنها في محكماتِ الشرائعِ
وإذ كان أمير المؤمنين عليه السلام بحكم القرآن أولي بالناس من أنفسهم، لكونه وليَّهم بالنصِّ في التبيان، وجبت طاعته علي كافتهم بجليِّ البيان، كما وجبت طاعة الله وطاعة رسوله عليه وآله السلام، بما تضمَّنه الخبر عن
[صفحه 129]
ولايتهما للخلق في هذه الآية بواضح البرهان [322].

ان عليا مولي المؤمنين

قُمَّت شجيرات الغدير، وتجمَّع الحشد الهائل من حجَّاج بيت الله الحرام، وإذا بالصمت يخطف الوجوه، فماذا عسي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أن يبلغ في حرِّ الرمضاء وساعة الظهيرة؟
وإذا بجبرئيل الأمين يكفي علي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم الأمر بما فيه إكمال الدين وإتمام النعمة علي المسلمين، بقوله تعالي: (يَا أيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إلَيْكَ مِن رَبِّكَ وَإن لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاس) [323].
ثمَّ فرض رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ولاية عليٍّ عليه السلام علي الشاهد والغائب؛ فقال: «من كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه، اللَّهمَّ والِ من والاه، وعادِ من عاداه، واخذل من خذله، وانصر من نصره»، وبعد فرض الولاية نزل قوله تعالي: (الْيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِِسْلأمَ دِيناً) [324].
فكبَّر رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وحمدالله علي إكمال الدين ورضا الربِّ برسالته وولاية عليٍّ عليه السلام من بعده، فأصبح عليُّ بن أبي طالب عليه السلام مولي كلِّ مؤمن ومؤمنة.
[صفحه 130]
وحديث الغدير هذا حديث صحيح [325]، قد بلَّغ حدَّ التواتر عند جميع المسلمين [326] كما مرَّ بنا سابقاً.

الوزارة والخلافة

في نصّ حديث المنزلة يتفرّد عليّ بمنزلة لا يشاركه في مثلها أحد من أصحاب رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، يا عليُّ: «أنت منِّي بمنزلة هارون من موسي، الا أنَّه لا نبيَّ بعدي» استثني رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم النبوَّة، وأوجب له ما دون ذلك من الخصائص، فهو الوزير بعده والخليفة علي أُمَّته.
وحديث المنزلة هذا حديث متواتر لا خلاف فيه [327].
وأنَّ القول بمنزلة هارون من موسي عليهما السلام يقتضي حصول جميع منازل هارون من موسي لأمير المؤمنين عليه السلام من النبي صلي الله عليه وآله وسلم إلاّ ما خصّه الاستثناء المنطوق به في الخبر من النبوة. وإن من منازل هارون من موسي عليهما السلام هي: الشركة في النبوَّة، والأخوة، والتقدُّم عنده في الفضل والمحبَّة والاختصاص علي جميع قومه، والخلافة له في حال غيبته علي أُمَّته، وغيرها من المنازل، فوجدنا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم استثني ما لم يرده من المنازل
[صفحه 131]
بعده بقوله: «إلا أنَّه لا نبيَّ بعدي» فدلَّ هذا الاستثناء علي أنَّ ما لم يستثنه حاصل لأمير المؤمنين عليه السلام بعده، وإذا كان من جملة المنازل الخلافة في الحياة، وثبتت بعده، فقد تبيَّن صحَّة النصِّ عليه بالإمامة [328].

لن يخرجكم من هدي ولن يدخلكم في ضلالة

وذلك من قوله صلي الله عليه وآله وسلم لأُمَّته: «من أحبَّ أن يحيا حياتي، ويموت مماتي، ويسكن جنَّة عدنٍ غرسها ربِّي، فليتولَّ عليَّ بن أبي طالب، فإنَّه لن يُخرجكم من هدي، ولن يُدخلكم في ضلالة» [329].
وفي هذا دلالة واضحة علي فرض ولاية الإمام عليٍّ عليه السلام، كما يصرِّح مرَّة أُخري عليه أفضل السلام بقوله: «يا عليُّ، أنت تبيِّن لأُمَّتي ما اختلفوا فيه من بعدي» [330].

لا، لكنه علي

عليٌّ عليه السلام هو الذي قال عنه رسول الله: «إنَّ منكم من يقاتل علي تأويل القرآن كما قاتلت علي تنزيله» فتطاولت لذلك الأعناق كلٌّ يقول: أنا هو! وفيهم أبو بكر وعمر، فيقول عليه الصلاة والسلام: «لا، لا، لكنَّه عليٌّ» [331].
[صفحه 132]

كلهم من قريش

وكان صلي الله عليه وآله وسلم يمارس تعيين الخلفاء من بعده؛ فصرَّح بأنَّهم «اثنا عشر خليفة» لكن خصَّص المنبع الأصيل لهذه الخلافة «كلُّهم من قريش»!
وهذا حديث متواتر أيضاً رواه أصحاب الصحاح والسنن وغيرهم» [332].
وقوله صلي الله عليه وآله وسلم بشأن عليٍّ عليه السلام: «إنَّه منِّي وأنا منه، وهو وليُّكم بعدي … إنَّه منِّي وأنا منه وهو وليُّكم بعدي» يكرِّرها [333]، يحدّد أنه هو أول الخلفاء الأثني عشر القرشيين.

قاتل الفجرة

قوله صلي الله عليه وآله وسلم: «عليٌّ أمير البررة، قاتل الفجرة، منصور من نصره، مخذول من خذله» [334].

حقّه لازم لنا، وفضله مبرز

من رسالة معاوية بن أبي سفيان إلي محمد بن أبي بكر، وهي الرسالة التي أشار إليها الطبري، ثُمَّ قال: كرهت ذكرها لأمور لا تحتملها العامَّة!
[صفحه 133]
قال فيها معاوية مخاطباً محمَّد بن أبي بكر: «قد كنَّا وأبوك معنا في حياة نبيِّنا نري حقَّ ابن أبي طالب لازماً لنا، وفضله مبرزاً علينا» [335].
ومن قول محمَّد بن أبي بكر في رسالته إلي معاوية، يصف فيها عليَّاً عليه السلام: «وهو وارث رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ووصيُّه، وأبو ولده، أوَّل الناس له اتِّباعاً، وأقربهم به عهداً، يخبره بسرِّه ويطلعه علي أمره» [336].

لن تضلوا بعده

إضافة إلي هذا الاجراء النظري الصريح بخلافة عليٍّ عليه السلام وولايته، أراد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أن ينفِّذ إجراءً عملياً بحقِّه عليه السلام مرّة بعد أخري قبيل رحيله.. ففي الأولي أمر بدواة وكتف ليكتب لهم كتاباً لن يضلّوا بعده، لكنَّها كانت الرزية التي أبكت ابن عبَّاس، حتي بلَّ دمعه الحصي!
قد حالوا دون كتابة الكتاب الذي سيكون آخر شهادة حقٍّ ناطقة بولاية عليٍّ عليه السلام وإذا بقول أحدهم: «حسبنا كتاب الله» لكنّ كتاب الله يقول: (مَن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أطَاعَ الله) [337]! ومن عصي الرسول فقد عصي الله..
وفي الثانية عزم صلي الله عليه وآله وسلم أن يخلي المدينة المنورة ممّن يعلم منهم الخلاف علي علي عليه السلام والمنازعة في الخلافة، فعقد الراية لأسامة وأمرهم بالانقياد
[صفحه 134]
له والامتثال لأمره، ليبلغ أمته بابلغ خطاب ان هؤلاء إنما هم جنود لهذا القائد الشاب ابن السابعة عشرة فلا ينازعوا غداً علي زعامة الأمة وإمامة المسلمين! لكنّهم تخلّفوا عنها أيضاً بعذر أو بآخر، رغم ردّه كل تلك الأعذار، وتأكيده البليغ «انفذوا بعثة اسامة» «لعن الله من تخلف عنها»!!
[صفحه 135]

قصة السقيفة

اشاره

أعقب وفاة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أمور خطيرة، جرَّت وراءها فتناً عديدة غيَّرت مسار الإسلام الذي أراده الله تعالي وأراده رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام. تمخَّضت هذه الأحداث عن تعيين الناس الخليفة، وجثمان النبيِّ العظيم لم يوارَ في التراب بعد، والإمام عليٌّ عليه السلام وبنو هاشم وجمع من المهاجرين والأنصار منهمكون بجثمان النبيِّ صلي الله عليه وآله وسلم حافِّين به يودِّعونه في آخر ساعات وجوده علي أرض المعمورة. لقد انقطع الوحي، ورحل رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، وينتظرُ أمته من بعده أمرٌ خطير..
في هذه اللحظات المؤلمة الشديدة، وبعد ساعة من انقطاع الوحي، استغلَّ عمر بن الخطَّاب فرصة الخلاف بين الأوس والخزرج ونبأ اجتماعهم في سقيفة بني ساعدة، يتداولون فيها أمر الخلافة بعد رسول الله، خوفاً علي مستقبل الأنصار، فيما لو كانت الخلافة بيد قريش! فأخذ عمر بن الخطَّاب بيد أبي بكر وانخرطا من بين الجموع الحاشدة بجثمان النبيِّ صلي الله عليه وآله وسلم، فيصحبهما أبو عبيدة إلي سقيفة بني ساعدة، ليتمَّ تنفيذ «البيعة الفلتة»! لخليفة رسول الله علي أُمَّته.
علي أي حال انضم الثلاثة إلي تجمُّع الأنصار، وبعد أن دار جدل عنيف، غلبهم المهاجرون؛ لأنَّهم «أوَّل من عبد الله في الأرض، وآمن بالله وبالرسول، وهم أولياؤه وعشيرته، وأحقُّ الناس بهذا الأمر بعده، ولاينازعهم ذلك الا ظالم.. وأنتم يا معشر الأنصار لا يُنكر فضلكم في
[صفحه 136]
الدين ولا سابقتكم العظيمة في الإسلام، رضيكم الله أنصاراً لدينه ورسوله.. فنحن الأمراء وأنتم الوزراء»! علي حدِّ تعبير أبي بكر [338].
ولمَّا عارض أحد الأنصار بذكر فضائلهم ونصرتهم للنبيِّ صلي الله عليه وآله وسلم، وعدم تسليم الأمر للمهاجرين، ردَّ عليه عمر بقوله: «هيهات لا يجتمع سيفان في غمد، والله لا ترضي العرب أن تؤمِّركم والنبيُّ من غيركم، ولا تمتنع العرب أن تولِّي أمرها من كانت النبوَّة فيهم، ولنا بذلك الحجَّة الظاهرة، من نازعنا سلطان محمَّد ونحن أولياؤه وعشيرته الا مدلٍ بباطلٍ، أو متجانفٍ لإثمٍ، أو متورِّطٍ في هلكة»!!
هذه حجَّتهم الظاهرة: قوم محمَّد صلي الله عليه وآله وسلم، أولياؤه وعشيرته لا ينازعهم علي سلطان محمَّد صلي الله عليه وآله وسلم الا ظالم، متجاهلين عليَّ بن أبي طالب عليه السلام الذي بايعوه وبايعه مئة ألف أو يزيدون في غدير خمٍّ، وبعد فهو أقرب الناس إلي النبي صلي الله عليه وآله وسلم في العلم والزهد وسائر الصفات المستلزمة للإمامة والولاية العامة وأخصُّهم به، وهو ابن عمِّه الذي نشأ في بيته، كما نشأ النبيُّ صلي الله عليه وآله وسلم في بيت أبيه أبي طالب!
فقال بشير بن سعد أحد زعماء الأنصار : «يا معشر الأنصار، إنَّا والله وإن كنَّا أولي فضيلة وسابقة في الدين، الا أنَّ محمَّداً من قريش وقومه أولي به، وأيمُ الله لا يراني الله أُنازعهم هذا الأمر أبداً».
فقال أبو بكر: هذا عمر، وهذا أبو عبيدة، فأيُّهما شئتم فبايعوا.. فأدار عمر ظهره لأبي بكر، وقال لأبي عبيدة: ابسط يدك أُبايعك، فأنت أمين
[صفحه 137]
هذه الأُمَّة!! ولمَّا امتنع أبو عبيدة، أدار عمر إلي أبي بكر، فبسط يده وصفق عليها ليكون خليفة المسلمين بعد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، فبويع أبو بكر، بايعه أبو عبيدة وبشير بن سعد الخزرجي، ثُمَّ بايعه الأوس. وتمَّت مسرحية «السقيفة» وقد مثَّل دور البطولة فيها أبو بكر وعمر!
وما أن انتصف نهار اليوم حتي تمَّت بيعة أبي بكر بهذا النحو، الذي كان مفاجأة لأكثر الناس، وأخذوا يزفُّون عبدالله بن عُثمان التيمي أبو بكر بن أبي قحافة إلي مسجد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لتكون بيعته علي نطاق أوسع!
تسرَّب نبأ السقيفة والبيعة في أرجاء المدينة المنوَّرة، علي ساكنها السلام، كلُّهم علموا بخبر البيعة، الا عليٌّ وبنو هاشم ومن معهم، حيث كانوا مع مصيبة وداع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم!
فانطلق البراء بن عازب وجاء يضرب باب بني هاشم قائلاً: يا معشر بني هاشم، قد بويع أبو بكر!
سادت لحظة هدوء، متسائلين: ما كان المسلمون يُحدثون حدثاً نغيب عنه، ونحن أولي بمحمَّد، لكنَّ العبَّاس بن عبد المطَّلب لم يستغرب هذا الفعل منهم، فقال: فعلوها وربِّ الكعبة!!
ولمَّا كان اليوم الثاني، وبعد أن واروا جثمان النبي الطاهر، انحاز مع عليِّ بن أبي طالب عليه السلام بنو هاشم جميعاً، ومعهم طائفة من المهاجرين والأنصار، اعتقاداً منهم بحقِّ عليٍّ في الخلافة [339].
[صفحه 138]
فقال الأنصار: لا نبايع الا عليَّاً، وقال الزبير: لا أغمد سيفاً حتي يُبايع علي، وانظم وانحاز في بيت عليٍّ وفاطمة عليهما السلام: المقداد بن عمرو، وخالد بن سعيد، وسلمان الفارسي، وأبو ذرٍّ الغفاري، وعمَّار بن ياسر، والبراء بن عازب، وأُبي بن كعب، وحذيفة بن اليمان، وابن التيهان، وعبادة بن الصامت [340]، كلُّهم يرفضون البيعة لابن أبي قحافة، للسبب الآنف ذكره..
إضافةً إلي ذلك فقد اعتصم جماعة من الأنصار في أحيائهم، فجاء عبدالرحمن بن عوف يعاتبهم علي تخلُّفهم عن بيعة الخليفة، ويذكر لهم حقَّه بقرابته من رسول الله، وما شابه ذلك من الحجج التي يتشبَّثون بها، من أجل إثبات حق أبي بكر بالخلافة، وأنَّه أولي بها من غيره، فردَّ عليه جماعة الأنصار: «إنَّ ممَّن سمَّيت من قريش، مَنْ إذا طلب هذا الأمر لم ينازعه فيه أحد: عليُّ بن أبي طالب»!
هذا أحد المواقف ضد الاتجاه الذي نال خلافة رسول الله بالغلبة! وموقف آخر يمكن أن نقتبس منه بعض الأقوال، كقول الفضل بن عبَّاس، الذي قام خطيباً وأجاد حيث قال: «يا معشر قريش: إنَّه ما حقَّت لكم الخلافة بالتمويه! ونحن أهلها دونكم وصاحبنا أولي بها منكم» [341]، ويقصد بصاحبنا عليَّ بن أبي طالب عليه السلام.
وأنشد عتبة بن أبي لهب، معرباً عن أولوية علي عليه السلام برسول الله صلي الله عليه وآله وسلم
[صفحه 139]
وبأمر الخلافة؛ إذ يقول:
ما كنتُ أحسبُ أنَّ الأمرَ منصرفٌ
عن هاشمٍ ثُمَّ منها عن أبي الحسنِ
عن أوَّل الناس إيماناً وسابقةً
وأعلم الناس بالقرآن والسننِ [342].
وكان المهاجرون والأنصار لا يشكُّون في عليٍّ عليه السلام [343].
وما كان من أبي بكر الا أن ينتظر عليَّاً عليه السلام وأصحابه أن يبايعوه! ولمَّا تأخَّرت بيعتهم أرسل عمر بن الخطَّاب إلي بيت عليٍّ عليه السلام، فنادي عليَّاً وأصحابه وهم في الدار فأبوا أن يخرجوا، فدعا بالحطب ليحرق البيت ومن فيه، فقيل له: إنَّ فيه فاطمة!
قال: وإن [344]!!
لكنَّهم اقتحموا بيت عليٍّ عليه السلام.. وقد ثبت عن أبي بكر قوله، حين حضرته الوفاة: «وددت أنِّي لم أكشف عن بيت فاطمة، وتركته ولو أُغلق علي حرب» [345].
أتي قنفذ رسول الخليفة الجديد عليَّ بن أبي طالب عليه السلام فقال: يدعوك خليفة رسول الله. فقال عليه السلام: «لسريع ما كذَّبتم علي رسول الله»!
فرجع فأبلغ أبا بكر قوله، فبكي أبو بكر طويلاً! فبعثه مرَّةً أُخري بتحريض من عمر، فقال: خليفة رسول الله يدعوك لتبايع، فقال عليه السلام
[صفحه 140]
بصوت مرتفع: «سبحان الله! لقد ادَّعي ما ليس له». فرجع قنفذ وأبلغه كلام عليٍّ فبكي أبو بكر طويلاً..
أمَّا عمر فتعجَّل الأمر، وأتي بيت عليٍّ مع جماعة وطرقه بشدَّة، فلمَّا سمعت فاطمة أصواتهم نادت: «يا أبتِ يا رسول الله، ماذا لقينا بعدك من ابن الخطَّاب وابن أبي قحافة»؟!
فانصرف القوم باكين لبكائها ومناجاتها أباها، الا عمر لم يتصدَّع قلبه لبكاء ابنة رسول الله وبضعته، فبقي معه جماعة، حتي أخرجوا عليَّاً عليه السلام فمضوا به إلي أبي بكر، وعرضوا عليه البيعة فأجابهم بكلِّ ثبات وعزيمة: «أنا أحقُّ بهذا الأمر منكم، لا أُبايعكم وأنتم أولي بالبيعة لي».
فقالوا: نضرب عنقك!!
فقال عليه السلام: «إذن تقتلون عبدالله وأخا رسوله»!
فقال عمر: أمَّا عبدالله فنعم، وأمَّا أخو رسوله فلا!
وأبو بكر ساكت! ثُمَّ قال عمر لأبي بكر: ألا تأمر فيه بأمرك؟!
فأجابه الخليفة: لا أُكرهه علي شيء مادامت فاطمة إلي جنبه!
فلحق عليٌّ عليه السلام بقبر رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، يصيح ويبكي وينادي: «يا ابن أمِّ إنَّ القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني» [346].
وهكذا وقع سريعاً تأويل ما أخبر به رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم عليّاً عليه السلام:
[صفحه 141]
قال الإمام علي عليه السلام: «إنَّ ممَّا عهد إليَّ النبيُّ صلي الله عليه وآله وسلم أنَّ الأُمَّة ستغدر بي بعده» [347].
وفي رواية أُخري قال عليه السلام: «بينما كنَّا نمشي أنا ورسول الله صلي الله عليه وآله وسلم آخذ بيدي.. فلمَّا خلا له الطريق اعتنقني ثُمَّ أجهش باكياً، قلت: يا رسول الله، ما يبكيك؟
قال: ضغائن في صدور أقوام، لا يبدونها لك الا من بعدي» [348].

موقف فاطمة من البيعة

لقد كان موقف عمر وأبي بكر من بضعة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في منتهي الجفاء والتحدِّي، متجاهلين مقامها الرفيع الشأن من رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لاسيَّما وأنَّهما قد سمعا قوله صلي الله عليه وآله وسلم: «إنَّ الله يغضب لغضبكِ ويرضي لرضاكِ».
ثمَّ جاء عمر وأبو بكر إليها يلتمسان رضاها فقالت لهما: «نشدتكما الله، ألم تسمعا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يقول: رضا فاطمة من رضاي، وسخط فاطمة من سخطي، فمن أحبَّ فاطمة ابنتي فقد أحبَّني، ومن أرضي فاطمة فقد أرضاني، ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني!؟» فقالا: نعم، سمعناه من رسول الله.
فقالت: «فإنِّي أُشهد الله وملائكته أنَّكما أسخطتماني، وما أرضيتماني،
[صفحه 142]
ولئن لقيتُ النبيَّ لأشكونَّكما إليه». [349] فمازالت غضبي عليهما حتي توفِّيت [350].
وعن ابن قتيبة قال: وخرج عليٌّ كرَّم الله وجهه يحمل فاطمة بنت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم علي دابَّة ليلاً في مجالس الأنصار تسألهم النصرة. فكانوا يقولون: يا بنت رسول الله، قد مضت بيعتنا لهذا الرجل، ولو أنَّ زوجك وابن عمِّك سبق إليها قبل أبي بكر ما عدلنا به.
فيقول عليٌّ كرَّم الله وجهه: «أفكنت أدعُ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في بيته لم أدفنه، وأخرج أُنازع الناس سلطانه»؟!
فقالت فاطمة: «ما صنع أبو الحسن الا ما كان ينبغي له، ولقد صنعوا ما الله حسيبهم وطالبهم» [351].
أمَّا عليٌّ عليه السلام، فقد خاصمهم بقوله: «الله الله يا معشر المهاجرين، لاتُخرجوا سلطان محمَّد عن داره وقعر بيته إلي دوركم وقعور بيوتكم، ولاتدفعوا أهله عن مقامه في الناس وحقِّه، فوالله يا معشر المهاجرين لنحنُ أحقُّ الناس به، لأنَّا أهل البيت، ونحنُ أحقُّ بهذا الأمر منكم ما كان فينا: القارئ لكتاب الله، الفقيه في دين الله، العالم بسنن رسول الله، المضطلع بأمر الرعيَّة، القاسم بينهم بالسويَّة، ووالله إنَّه لفينا، فلا تتَّبعوا الهوي فتضلُّوا عن سبيل الله، فتزدادوا من الحقِّ بعداً».
فلمَّا سمعوا منه هذا الكلام قال بشير بن سعد الأنصاري الذي أقرَّ
[صفحه 143]
بنود السقيفة : لو كان هذا الكلام سِمِعتْه الأنصارُ منك قبل بيعتها لأبي بكر ما اختلف عليك اثنان [352].
وأنشد عليه السلام معرِّضاً بأبي بكر:
فإن كنتَ بالشوري ملكتَ أمورَهم
فكيف بهذا والمشيرون غُيَّبُ
وإن كنتَ بالقُربي حججتَ خصيمهم
فغيرُك أولي بالنبيِّ وأقربُ [353].
وله عليه السلام كلام واسع وخطب عدَّة يصف فيها أمر الخلافة والتفضيل، محفوظ في كتاب نهج البلاغة، وقد اقتطفنا من احدي خطبه المعروفة بالشقشقية مقاطع منها:
«أما والله لقد تقمَّصها فلان، وانَّه ليعلم أنَّ محلِّي منها محلَّ القطب من الرَّحَا، ينحدر عنِّي السيل، ولا يرقي إليَّ الطير» …
«فيا عجباً، بينا هو يستقيلها في حياته، إذ عقدها لآخر بعد وفاته!! لشدَّ ما تشطَّرا ضرعيها.. فصبرتُ علي طول المدَّة وشدَّة المحنة.. حتي إذا مضي لسبيله جعلها في جماعة زعم أنِّي أحدُهم! فيا لله وللشوري، متي اعترض الريب فيَّ مع الأول منهم حتي صرت أُقرن إلي هذه النظائر!» [354].
ولمَّا بلغه عليه السلام احتجاج قريش بأنَّهم قوم النبيِّ وأولي الناس به، قال: «احتجَّوا بالشجرة وأضاعوا الثمرة» [355].
[صفحه 144]

علي مع أبي بكر وعمر وعثمان

في عهد أبي بكر

بيعته لأبي بكر

رأينا فيما سبق كيف وقف أمير المؤمنين عليه السلام من أحداث السقيفة، خلال الأشهر الأولي من وفاة الرسول صلي الله عليه وآله وسلم مع جماعة من المهاجرين والأنصار، موقفاً يتَّسم بالشدَّة والصلابة، محتجَّاً عليهم بالمنطق الذي احتجوا فيه علي الأنصار يوم السقيفة، إضافةً إلي أنَّه عليه السلام قد ذكَّرهم بالنصوص التي صرَّح بها رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بحقِّه، والتي لا يجهلها أحد منهم، واستطاع عليه السلام بتلك المواقف الحكيمة أن يستميل إلي جانبه عدداً من المسلمين.
ولكن ظهرت في هذه الفترة بوادر ارتداد بعض الأعراب، قال: «فأمسكتُ يدي، حتي رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام، يدعون إلي محق دين محمَّد صلي الله عليه وآله وسلم فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله، أن أري فيه ثلماً أو هدماً، تكون المصيبة به عليَّ أعظم من فوت ولايتكم، التي إنَّما هي متاعُ أيَّامٍ قلائل … » [356].
لله وللإسلام سكت وصبر علي كلَّ ما سلف من هؤلاء الذين تآمروا عليه، وأساءوا إلي بضعة رسول الله زوجته، وقنع من الدنيا أن يجمع القرآن ويحفظه، ويشتغل بتفقيه الناس والقضاء بينهم..
وبعد أن بويع لأبي بكر بالخلافة تميَّز في مجتمع المدينة ومكَّة، عن سائر الناس، فريقان:
[صفحه 145]
الفريق الأول: فريق أظهر كلَّ ما كان يخفيه من نفاق وسعي إلي إثارة الفتنة، يقابله فريق آخر لم يظهر الحقَّ بكلِّ ما يملك من قدرة..
فأمَّا الفريق الأول فهم الكائدون للإسلام، أولهم وعلي رأسهم أبو سفيان الذي قدم علي أمير المؤمنين عليه السلام يحرِّضه من مناجزة القوم الذين كانوا مع أبي بكر، فيقول له: والله لئن شئت لأملأنَّها عليه خيلاً ورَجِلاً. فردَّه عليه السلام: «والله إنَّك ما أردت بهذه الا الفتنة، وإنَّك والله طالما بغيت للإسلام شرَّاً، لا حاجة لنا في نصيحتك» [357].
ومن هذا القسم أيضاً مسلمو الفتح: الطلقاء، والمؤلَّفة قلوبهم وكان في طليعتهم: سهيل بن عمرو، والحارث بن هشام، وعكرمة بن أبي جهل، والوليد بن عقبة بن أبي معيط، سعوا في الفتنة أيضاً، يحرِّضون قريشاً علي الأنصار لهتافهم باسم عليٍّ، يريدون إلزامهم بتجديد البيعة والا فليقتلوهم!
وظهر أبو سفيان مرَّة أُخري قائلاً: يا معشر قريش، إنَّه ليس للأنصار أن يتفضَّلوا علي الناس، حتي يُقرُّوا بفضلنا عليهم.. وأيم الله لئن بطروا المعيشة، وكفروا النعمة، لنضربنّهم علي الإسلام كما ضربونا عليه!
ولم يذكر لنا التاريخ في هذه الحوادث موقفاً إيجابياً واحداً لأبي بكر أو عمر لردع الفتن!
هؤلاء هم الذين طالما كادوا للإسلام بسيوفهم عشرين عاماً أو تزيد فدخلوا الإسلام عنوةً، فلمَّا لم يجدوا بدَّاً من الكيد بأيديهم كادوه بألسنتهم.
[صفحه 146]
وما أجمل قول حسَّان بن ثابت:
تنادي سهيلٌ، وابن حربٍ وحارثٌ
وعكرمة الشاني لنا ابنُ أبي جهلِ
أولئك رهطٌ من قريشٍ تبايعوا
علي خطَّةٍ ليست من الخططِ الفضلِ
وكلُّهم ثانٍ عن الحقِّ عطفه
يقول اقتلوا الأنصار، يا بئس من فعلِ
وأعجب منهم، قابلوا ذاك منهم
كأنَّا اشتملنا من قريش علي ذحلِ [358].
أمَّا الفريق الآخر فهم المناصرون لعليٍّ عليه السلام، الداعون إلي حقِّه بالإمامة، ويلحق بهذه الطائفة المهاجرون والأنصار الذين مالوا عن مبايعة أبي بكر، حيث كانوا لا يشكُّون أنَّ الأمر صائر إلي عليٍّ عليه السلام، وكان شعارهم الذي رفعوه بأصواتهم: «لا نبايع الا عليَّاً» ومنهم: عتبة بن أبي لهب بن عبدالمطلب الذي أنشد يقول:
ما كنتُ أحسبُ أنَّ الأمرَ منصرفٌ
عن هاشمٍ، ثُمَّ منها عن أبي الحسنِ
عن أوَّل الناس إيماناً وسابقةً
وأعلمِ الناس بالقرآنِ والسُننِ
وآخر الناس عهداً بالنبيّ ومَنْ
جبريلُ عونٌ له في الغسل والكفن
ِ
مَنْ فيه ما فيهم لا يمترون به
وليس في القوم ما فيه من الحسنِ [359].
ومنهم: المقداد وعمَّار وسلمان وأبو ذرٍّ وحذيفة بن اليمان وخالد بن سعيد بن العاص وأبو أيوب الأنصاري، وسائر بني هاشم.
ولا ننسي موقف الحسن السبط من أبي بكر، حين رآه يرقي منبر رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وهو مايزال في الثامنة من عمره، يناديه: «إنزل عن منبر
[صفحه 147]
أبي، واذهب الي منبر أبيك» [360]!
ومنهم: ابن عباس في حديثه مع عمر، حين سأله عمر عن عليٍّ عليه السلام، فقال: أيزعمُ أنَّ رسول الله نصَّ عليه؟!
قال ابن عباس: نعم، وأزيدك: سألت أبي عن ذلك، فقال: صدق [361] وغيرها من المواقف التي سنأتي عليها في موضوع لاحق.
ومنهم: قيس بن سعد بن عبادة الخزرجي، إذ ذكر سعد بن عبادة عليَّاً عليه السلام، فذكر من أمره نصَّاً بوجوب ولايته، فقال له ابنه: أنت سمعت من رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يقول هذا الكلام في عليِّ بن أبي طالب، ثُمَّ تطلب الخلافة، ويقول أصحابك: منَّا أمير ومنكم أمير؟! لا كلَّمتك والله من رأسي بعد هذا كلمةً أبداً [362].
وفي ما وراء المدينة ومكة هناك قبائل من المسلمين، لم يرضوا بالبيعة لأبي بكر، فامتنعوا عن أداء الزكاة له، لا جحوداً بالزكاة، ولكن إنكاراً لزعامته [363]، فعزم أبو بكر علي مقاتلتهم بحجَّة أنَّ هذا الأمر تعطيل لفريضة الزكاة التي أوجبها الله علي المسلمين، غاضَّاً بصره عن السبب الأصلي الذي دعاهم إلي هذا الموقف الصلب، وهو اعتراضهم علي الخلافة!
فمع أحد شيوخ كندة في حضرموت، الحارث بن سراقة يقول: «نحن إنَّما أطعنا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم إذ كان حيَّاً، ولو قام رجل من أهل بيته لأطعناه،
[صفحه 148]
وأمَّا ابن أبي قحافة فلا والله، ما له في رقابنا طاعة ولا بيعة»!
ثمَّ أنشد أبياتاً، كان أوَّلها:
أطعنا رسول الله إذ كان بيننا
فيا عجباً ممَّن يطيع أبا بكرِ [364].
ومنهم: زعيم كندة الأشعث بن قيس، الذي أمر قومه بمنع الزكاة، وأن يلزموا بلادهم، ويتَّحدوا علي كلمة واحدة، «فإنِّي أعلم أنَّ العرب لا تقرُّ بطاعة بني تيم بن مرَّة، وتدع سادات البطحاء من بني هاشم إلي غيرهم..» [365].
والأنكي من ذلك كان الأمر مع مالك بن نويرة، الذي استعمله رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم علي صدقات قومه، فلمَّا نُعي له رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قام بتوزيع الصدقات علي فقراء قومه، ولم يبعثها إلي الخليفة الجديد..
وأنشد يقول:
فقلتُ خذوا أموالكم غير خائفٍ
ولا نظرٍ فيما يجيء من الغدِ
فإن قام بالدين الُمحوَّق قائمٌ
أطعنا، وقلنا الدين دينُ محمَّدِ
إذن هؤلاء لم تطمئن قلوبهم للخليفة الجديد، هذه هي مشكلتهم التي من أجلها ارتكب خالد بن الوليد أبشع مجزرة في ظلَّ الخلافة الجديدة، فضرب أعناقهم صبراً واحداً بعد الآخر وارتكب أيضاً أقبح كبيرة، إذ واقع زوجة مالك في ليلة قتله [366].
[صفحه 149]
وهناك حروب داخلية دينية وسياسية غير هذه التي ذكرناها، لابدَّ من الوقوف عليها ولو بشيء من الاختصار، تلك التي جرت مع المرتدّين حقَّاً، الذين أعلنوا ارتدادهم عن الإسلام جهرةً، ومالوا إلي أديان أُخري، وبعض رؤوساء هذه القبائل ادَّعي النبوَّة، وكان علي رأسهم: مسيلمة الكذَّاب، الذي كان علي قبيلة بني حنيفة، ادَّعي النبوَّة، قبل وفاة النبيِّ صلي الله عليه وآله وسلم، ثُمَّ الأسود العنسي بصنعاء، ثُمَّ ادَّعي النبوَّة طليحة بن خويلد الأسدي في بلاد بني أسد، في مرض النبيِّ صلي الله عليه وآله وسلم الذي توفِّي فيه.
ثمَّ ادَّعت النبوة سجاح بنت الحارث التميمية، بعد وفاة الرسول صلي الله عليه وآله وسلم، وكان رجل من أصحابها ينشد:
أمستْ نبيَّتنا أنثي نطيفُ بها
وأصبحت أنبياء الناس ذُكرانا
وانتهي أمرها أن تزوَّجها مسيلمة [367].
فكانت هذه الحروب حروب المرتدِّين الحقيقيين، أهمَّ دواعي توحيد الصفِّ في المدينة المنوَّرة، إذ كانت هذه الحروب طويلة وكثيرة، وقد اتَّفقوا كلّهم علي مقاتلتهم يداً واحدة.

ابو بكر يستشير الإمام علي في حرب الروم

في مطلع سنة 13ه عزم أبو بكر علي محاربة الروم، فشاور جماعة من أصحاب رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، فقدَّموا وأخَّروا، فاستشار عليَّ بن أبي طالب عليه السلام، فأشار عليه أن يفعل، وقال له: «إن فعلتَ ظفرت»
[صفحه 150]
فقال: «بُشِّرت بخير» [368].
لكنَّ الناس تباطؤوا عن تلبية أمر أبي بكر، فقال عمر: لو كان عرضاً قريباً وسفراً قاصداً لاتَّبعتموه!
فاختار أبو بكر خالد بن سعيد علي قيادة الجيش وعقد له اللواء، لكنَّ عمر وكعادته اعترض، بحجَّة أنَّه تباطأ في بيعته للخليفة؛ فقال: أتولِّي خالداً وقد حبس عنك بيعته، وقال لبني هاشم ما بلغك؟! فحلَّ لواءه وجعل الجيش تحت إمرة يزيد بن أبي سفيان، وشرحبيل بن حسنة، وأبي عبيدة الجرَّاح، وعمرو بن العاص، بالإضافة إلي خالد وجنده.
فحقَّق المسلمون انتصارات عظيمة ومتوالية، افتتحوا خلالها عدَّة مدن، وهذه كانت بشارة أمير المؤمنين عليه السلام.
ولكن سنري قريباً كيف كانت سياسة أبي بكر في تعيين الولاة والامراء قد حقَّقت مطامع بني أُميَّة، وفتحت أمامهم أبواب الخلافة الواسعة، حتي تربَّع أوغاد بني أُميَّة وغيرهم من الطلقاء علي رؤوس المسلمين، وجرت وراءها فتن وبحور من الدماء العظيمة!!

رجوع أبي بكر إليه في الأحكام الشرعية

ومن جملة موارد الرجوع إليه في الأحكام الشرعية والقضايا الدينيّة في عهد أبي بكر، وكما جاء الخبر به عن رجال من العامَّة والخاصَّة: أنَّ رجلاً رُفع إلي أبي بكر وقد شرب الخمر، فأراد أن يقيم عليه الحدَّ، فقال له: إنَّني شربتها ولا علمَ لي بتحريمها، لأنَّي نشأت بين قومٍ يستحلُّونها، ولم
[صفحه 151]
أعلم بتحريمها حتي الآن.. فأُرتج [369] علي أبي بكر، ولم يعلم وجه القضاء فيه، فأشار عليه بعضُ من حضره أن يستخبر أمير المؤمنين عليه السلام عن الحكم في ذلك، فأرسل إليه من سأله عنه، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: «مُرْ ثقتين من رجال المسلمين يطوفان به علي مجالس المهاجرين والأنصار، ويُناشدانهم الله هل فيهم أحدٌ تلا عليه آية التحريم أو أخبره بذلك عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم؟ فإن شهد بذلك رجلان منهم فأقم الحدَّ عليه، وإن لم يشهد عليه أحدٌ بذلك فاستتبه وخلِّ سبيله» ففعل أبو بكر ذلك، فلم يشهد عليه أحدٌ من المهاجرين والأنصار أنَّه تلا عليه آية التحريم، ولا أخبره عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بذلك، فاستتابه أبو بكر وخلأَ سبيله، وسلَّم لعليٍّ عليه السلام فيما حكم به [370].

جمع القرآن الكريم وتفسيره

إنَّ الإمام عليَّاً عليه السلام وفي مدَّة اعتزاله الطويل تفرَّغ لعدَّة مهام، كان أهمُّها وأوَّلها مهمَّة جمع القرآن الكريم، فقد ثبت تاريخياً أنَّ عليَّاً عليه السلام أخذ علي عاتقه الشريف مهمة جمع آيات الذكر الحكيم، وكان ذلك مبكِّراً جدَّاً من بعد وفاة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، فلم يخرج من بيته، الا للصلاة حتي جمعه عنده.
وكان هذا أوَّل مصحف يجمع، مرتَّباً بحسب ترتيب نزول السور القرآنية، وكتب في حواشيه أشياء من الناسخ والمنسوخ وأسباب النزول، واختصَّ به لنفسه..
[صفحه 152]
قال ابن سيرين: طلبت ذلك الكتاب، وكتبت فيه إلي المدينة، فلم أقدر عليه [371].
وكان الإمام عليٌّ عليه السلام في عهد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم من أبرز كتَّاب الوحي، ولمَّا توفِّي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أمر علياً عليه السلام يجمع القرآن الكريم في مصحفٍ واحدٍ، لذلك باشر عليه السلام بجمع القرآن وترتيبه، ولمَّا تولَّي أبو بكر الخلافة أمر من جهته بجمع القرآن الكريم، وقد أسند هذه المهمَّة إلي الصحابي زيد بن ثابت الأنصاري.
ولمَّا كان الإمام عليٌّ عليه السلام أكثر الصحابة ملازمة لرسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، واختصاصاً به، فقد كان أكثر من عُرف عنه تفسير القرآن الكريم، ألم يقل رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بشأنه: إنَّه أكثرهم علماً؟
وذكر القرطبي في تفسيره: «فأمَّا صدر المفسِّرين والمؤيَّد فيهم، فعليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه، ويتلوه عبدالله بن عبَّاس، وهو تجرَّد للأمر وكمّله، وقال ابن عبَّاس: ما أخذت من تفسير القرآن فعن عليِّ بن أبي طالب» [372].
وروي عن عليٍّ عليه السلام أنَّه قال: «سلوني، فوالله لا تسألوني عن شيءٍ إلا أخبرتكم، وسلوني عن كتاب الله، فوالله ما من آيةٍ إلا وأنا أعلم أبليل نزلت، أم بنهار، أم في سهل، أم في جبل» [373].
وفي عهد أبي بكر واجه وهو الخليفة مشكلة في معني بعض مفردات القرآن أحرجته كثيراً، فقال في التخلُّص منها قولاً عجيباً، فبلغ
[صفحه 153]
ذلك أمير المؤمنين فعجب لتوقف أبي بكر في هذه المفردة، ثُمَّ لكلامه في التخلُّص منها.
سُئل أبو بكر عن معني «الأبِّ» في قوله تعالي: (وَفَاكِهَةً وَأبّاً) [374]، فتحيَّر في معناها، فقال: أيُّ سماء تظلُّني أو أيُّ أرضٍ تقلُّني: أم كيف أصنع إن قلت في كتاب الله تعالي بما لا أعلم؟! أمَّا الفاكهة فنعرفها، وأمَّا الأبُّ فالله أعلم به!
فبلغ مقاله هذا أمير المؤمنين عليه السلام، فقال: «يا سبحان الله! أما علم أنَّ الأبَّ هو الكلأ والمرعي؟! وأمَّا قوله عزَّ اسمه: (وَفَاكِهَةً وَأبّاً) اعتدادٌ من الله سبحانه بإنعامه علي خلقه فيما غذَّاهم به وخلقه لهم ولأنعامهم، مما تحيي به أنفسهم وتقوم به أجسادهم» [375].
ونحو هذا في جوابه عليه السلام في معني الكلالة، بعد أن تحيَّر فيها أبو بكر وتردَّد في معناها [376].

قصة الاستخلاف

في اللحظات الأخيرة من عمر أبي بكر، عزم علي أن يعهد بالخلافة من بعده إلي عمر بن الخطَّاب، كذا وبكلِّ جرأة أنكر هو وأصحابه حديث الوصاية لعليٍّ عليه السلام ويوم غدير خُمٍّ، وكأنَّ خلافة المسلمين ورثٌ ورثه من أبي قحافة، وعليٌّ عليه السلام شهد كلَّ ذلك فكضم غيضه وأغمض عينيه، وهو صاحب الحقِّ الأوَّل والأخير.
[صفحه 154]
وعلي أيِّ حالٍ فقد تجاهل ابن أبي قحافة ذلك الحقَّ الذي كان حبلاً في رقابنا، وتجاهل حقَّ الأُمَّة المسلمة، وأصرّ علي استخلاف عمر، فقيل له وهو علي فراش الموت: ما كنت قائلاً لربِّك إذا ولَّيته مع غلظته؟!
وكان من قول طلحة بن عبيدالله: استخلفت علي الناس عمر وقد رأيت ما يلقي الناس منه وأنت معه، وكيف به إذا خلا بهم؟ وأنت لاقٍ ربك فسائلك عن رعيتك! [377].
وقد أغضبه كثرة تذمر الصحابة من استخلافه عمر، فقال: إنّي ولّيت أمركم خيركم في نفسي، فكلّكم ورِمَ أنفه من ذلك، يريد أن يكون الأمر له دونه، ورأيتم الدنيا قد أقبلت ولمّا تُقبِل، وهي مقبلة، حتي تتّخذوا ستور الحرير ونضائد الديباج، وتألموا الاضطجاع علي الصوف الأذريّ كما يألم أحدكم أن ينام علي حَسَك السَعدان … وأنتم أوّل ضالّ بالناس غداً، فتصدونهم عن الطريق يميناً وشمالاً … [378].
وقبل هذا وذاك استدعي عُثمان ليكتب له كتاب الوصية حتي لا يضلُّوا بعده!
روي ابن الأثير: أنَّ أبا بكر أمر عُثمان بن عفَّان ليكتب عهد عمر، فقال له: اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما عَهِد به أبو بكر بن أبي قحافة إلي المسلمين، أمَّا بعد.. ثُمَّ أُغمي عليه، فكتب عُثمان: فإنِّي قد استخلفت عليكم عمر بن الخطَّاب، ولم آلكم خيراً.
ثمَّ أفاق أبو بكر، فقال: أقرأ عليَّ. فقرأ عليه: فكبَّر أبو بكر، وقال:
[صفحه 155]
أراك خفت أن يختلف المسلمون إن متُّ في غشيتي؟! قال: نعم. قال: جزاك الله خيراً عن الإسلام وأهله.
فلمَّا كتب العهد أمر أن يُقرأ علي الناس، فجمعهم وأرسل الكتاب مع موليً له، ومعه عمر، فكان عمر يقول للناس: أنصتوا واسمعوا لخليفة رسول الله، فإنَّه لم يألكم نُصحاً! فسكت الناس [379].
بالأمس القريب ادَّعي أبو بكر أنَّ الخلافة حقٌّ من حقوق المسلمين، يولُّون من يجمع أمرهم عليه، لكنَّه اليوم أوصي لعمر بن الخطَّاب، دون أن يجمع المسلمين علي كلمة واحدة!
ولنري بعد ذلك قول الأستاذ عبدالفتاح عبد المقصود في كتابه «عليُّ بن أبي طالب» وهو يتحدَّث عن موقفه من أبي بكر، بعد أن أوصي لعمر بن الخطَّاب من بعده، قائلاً: «وكان حريَّاً بأن يفصم الغضب قلب عليٍّ عليه السلام لأنَّه إصرار علي الحيف بعد الحيف، ولكنَّه كظم وصبر، ولم يضرَّه أن يأخذ مقعده في ذيل الناس، مادام أصحاب الرسول قد بيَّتوا علي نزع سلطان محمد من آله والخروج به ثانية من عقر بيته، ولم يكن هذا بمستغرب من قريش، ولكنَّه كان عجباً غاية العجب من الشيخ، بعد أن استوت بينه وبين عليٍّ الأمور، ولم تعد خافية علي أبي بكر مكانة الشابِّ وأثره في حياة الجماعة الإسلامية، من تضحيات وبذل عند ولادة الدين ومن حكمة وفضل، ودولة الإسلام تشقُّ طريقها إلي الأمام … » [380].
وتوفِّي أبو بكر في21 22 جمادي الآخرة سنة13ه أواخر آب 634م.
[صفحه 156]

في عهد عمر بن الخطاب

اشاره

«فواعجباً، بينا هو يستقيلها في حياته، إذ عقدها لآخر بعد وفاته! لشدَّ ما تشطَّرا ضرعيها، فصيَّرها في حوزة خشناء يغلظ كلمها، ويخشن مسُّها، ويكثر العثار فيها والاعتذار منها» [381]!!
نعم عجباً، فبالأمس كان «الشيخ» يرجع إلي علي عليه السلام في شتَّي الأمور ليلتمس منه الصواب، حتي كان يقول له: «لازلت موفَّقاً يا ابن أبي طالب» وكان يستقيل الخلافة في حياته إذ كان يقول: «أقيلوني أقيلوني فلست بخيركم» فكيف والحال هذه يعقدها لعمر بعد وفاته … !
وبلا شكٍّ فأنَّ هناك سابق اتِّفاق بينهما بين الخليفة والوزير! فقد كرهوا أن تجتمع النبوَّة والخلافة في بيت واحد! هذا القول قد نطق به أحدهم بأعلي صوت وأصرح بيان!
وأخيراً وكما هو منتظر عهد أبو بكر بالخلافة من بعده إلي عمر بن الخطَّاب وكان عُثمان بن عفَّان من أشد أنصار هذا الاتِّجاه؛ لأنَّه شريك الدرب القيادي كما سيتَّضح قريباً!!
وبهذا الحال تمَّت الخلافة لعمر بن الخطَّاب، وتحقَّقت ضالَّة قريش المنشودة في إبعاد أهل بيت النبوَّة الذين ظهر منهم شعاع الإسلام.. ويا ليتهم لم ينبسوا بكلمة واحدة تدين غصبهم لحقِّ أهل بيت النبيِّ صلي الله عليه وآله وسلم، لكنَّهم وللأسف الشديد اعترفوا بكلِّ نواياهم المبيّتة..
مضي عمر بن الخطَّاب في سياسته علي نفس الخطِّ الذي مشي به
[صفحه 157]
أبوبكر، حذراً كما أوصاه صاحبه: «إحذر هؤلاء النفر من أصحاب رسول الله الذين انتفخت أوداجهم وطمحت أبصارهم» وكأنِّي أراه لا يقصد الا عليَّ بن أبي طالب!
وشدَّد عمر علي هؤلاء النفر، حسب ما أوصي إليه ابن أبي قحافة، فأوَّل ما بادر الي فعله: حبس هؤلاء الثَّلة المؤمنة في المدينة ولا يسمح لهم أيضاً أن يقاتلوا الكفَّار مع المسلمين كي لا تنتفخ أوداجهم! ويقول لمن يلتمس منه الجهاد: لقد كان لك في غزوك مع رسول الله ما يكفيك، نعم ما يكفيه من الثواب والشرف!! عجباً وألف عجب!!
نرجع القول مرَّة أُخري: قد اعترفوا بحقِّ عليٍّ عليه السلام في الخلافة، فهذا عمر بن الخطَّاب، في حوار مع ابن عبَّاس دار بينهما، يعترف بظلامة ابن أبي طالب.. وفي الحقيقة نلتمس من جواب ابن الخطَّاب علي أسئلة ابن عبَّاس تبريرات عديدة في إقصاء عليٍّ عليه السلام عن حقِّه في خلافة الرسول.
يقول عمر أمام ابن عبَّاس: «لقد كان من رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في أمره ذروٌ من قول، لا يُثبت حجَّةً ولا يقطع عذراً، ولقد كان يربعُ في أمره وقتاً ما، ولقد أراد في مرضه أن يصرِّح باسمه، فمنعتُ من ذلك..» وكذا أيضاً في حديث ابن عبادة [382].
وفي عدَّة مواضع مع ابن عبَّاس:
قال ابن عبَّاس: إنِّي لأُماشي عمر في المدينة، إذ قال لي: يا ابن عبَّاس، ما أري صاحبك الا مظلوماً.
[صفحه 158]
فقلت في نفسي: والله لا يسبقني بها. فقلت له: يا أمير المؤمنين، فاردد إليه ظلامته! فانتزع يده من يدي، ومضي يهمهم ساعةً، ثُمَّ وقف فلحقته، فقال: يا ابن عبَّاس، ما أظنُّهم منعهم عنه الا أن استصغره قومه!
فقلت في نفسي: هذه شرٌّ من الأولي، فقلت: والله، ما استصغره الله ورسوله حين أمراه أن يأخذ براءة من صاحبك [383].
وفي مرَّةٍ أُخري يقول لابن عبَّاس: أتدري ما منع الناس منكم؟
قال ابن عبَّاس: لا.
قال عمر: لكنِّي أدري.
قال ابن عبَّاس: وما هو، يا أمير المؤمنين؟
قال: كرهت قريش أن تجتمع فيكم النبوَّة والخلافة فتجخفوا جخفاً [384]، فنظرت قريش لنفسها فاختارت فأصابت!
قال ابن عبَّاس: أيُميط عنِّي أمير المؤمنين غضبه، فيسمع؟
قال: قل ما تشاء.
قال: أمَّا قولك: إنَّ قريشاً كرهت، فإنَّ الله تعالي قال لقوم: (ذلِكَ بِأنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أنزَلَ اللهُ فَأحْبَطَ أعْمَالَهُم) وأمَّا قولك: إنَّا كنَّا نجخف، فلو جخفنا بالخلافة جخفنا بالقرابة، ولكنَّا قوم أخلاقنا مشتقَّة من أخلاق رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم الذي قال فيه الله تعالي: (وَإنَّكَ لَعَلَي خُلُقٍ عَظِيم) وقال له: (وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِين).
[صفحه 159]
وأمَّا قولك: فإنَّ قريشاً اختارت، فإنَّ الله تعالي يقول: (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَة) وقد علمت يا أمير المؤمنين أنَّ الله اختار من خلقِه لذلك مَنْ اختار، فلو نظرت قريش من حيث نظر الله لها لوفِّقت وأصابت.
ثُمَّ قال: وأمير المؤمنين يعلم صاحب الحقِّ من هو، ألم تحتجَّ العرب علي العجم بحقِّ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، واحتجَّت قريش علي سائر العرب بحقِّ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم؟! فنحن أحقُّ برسول الله من سائر قريش [385].
وأمثال ذلك من الأعذار التي كان يلتمس منها ابن الخطَّاب سبباً يبرِّر موقفهم من الإمام عليٍّ عليه السلام، وهي كثيرة يطول بذكرها المقام، وقد عدَّها سبباً في إقصاء الإمام عليٍّ من الخلافة [386].
وبعد مدَّةٍ وجيزة واصل عمر حروب الفتوح، فبعث المثني بن حارثة الشيباني في مواصلة تلك الحروب في نواحي العراق، فهزمهم الفرس ففرُّوا إلي الأطراف، فوقف عمر من أمره حائراً، وأخذ يستشير الصحابة في أن يخرج هو بنفسه في مواصلة الحرب..
ولمَّا استشار عليَّاً عليه السلام نهاه عن الخروج قائلاً: «نحن علي موعدٍ من الله، والله منجزُ وعده، وناصر جنده، ومكان القيِّم بالأمر مكانُ النظَام من الخرز، يجمعه ويضمُّه، فإذا انقطع النظام تفرَّق الخرز وذهب، ثُمَّ لم يجتمع بحذافيره أبداً، والعرب اليوم، وإن كانوا قليلاً، فهم كثيرون بالإسلام،
[صفحه 160]
عزيزون بالإجتماع، فكن قُطباً، واستدر الرحا بالعرب.
إنَّك إن شخصت من هذه الأرض انتفضت عليك العرب من أطرافها وأقطارها، حتي يكون ما تدع وراءك من العورات أهمُّ إليك ممَّا بين يديك. إنَّ الأعاجم إن ينظروا إليك غداً يقولوا: هذا أصل العرب، فإذا اقتطعتموه استرحتم، فيكون ذلك أشدُّ لَكَلِبهم عليك، وطمعهم فيك» [387].
وبحقٍّ إنَّ كلَّ كلمة من كلمات هذه الخطبة تعكس لنا عظمة علم الإمام عليه السلام.. وتنمُّ عن شخصيته المجلَّلة بالكمال والحكمة والصدق، وبحقٍّ إنَّه كما قيل: «هو القرآن الناطق، وما بين الدفَّتين القرآن الصامت» فهو عليه السلام لم يأخذ الا عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فهو معلِّمه الأوَّل والأخير الذي يستقي كماله من الله عزَّ وجلَّ..
فاستبشر عمر بهذه النصيحة العظيمة وعمل بها، وكان باباً للفتوح وقنطرة لانتصارات عدَّة..
أمَّا أمير المؤمنين عليه السلام فقد قنع من الدنيا أن لا يتكلَّم الا بلسان البررة الأطهار، ليقدِّم للمسلمين، ويحافظ علي الشريعة المطهرة، ويمنع من مخالفتها قولاً أو فعلاً، في أكثر الموارد التي أوضح فيها المشكلات علي عمر وحال دون تطبيق أحكام منها علي خلاف الكتاب والسنة، بحيث لو سكت لكانت أحكاماً تتّبع، حتي قال فيه عمر: «لولا عليٌّ لهلك عمر»، «أعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو الحسن».
كذا رضي لنفسه أن يكون كغيره من الناس، متجاهلاً حقَّه، من أجل
[صفحه 161]
حفظ بيضة الإسلام، وقد ساهم الإمام عليه السلام بكلِّ ما بوسعه، وادَّي ما عليه من البلاغ، من تعليم وتفقيه، بل وقضاء أيضاً..
ومن الأمور التي أشار الإمام علي ابن الخطَّاب هو أن يدوِّن التاريخ الإسلامي، وأن يجعل أول عام في تاريخ المسلمين هو عام الهجرة، حيث لم يكن للناس تاريخ خاص يؤرِّخون فيه، فبعضهم كان يؤرِّخ بعام الفيل، وآخرون يعتمدون في تاريخهم تأريخ الدول المجاورة لهم.. ممّا سبَّب الكثير من المشاكل والخلافات، لذلك عزم ابن الخطَّاب علي أن يضع للمسلمين تاريخاً يعتمدونه في أمورهم.
ولمَّا رأي اختلاف الصحابة توجَّه إلي الإمام عليه السلام كعادته بعد أن خاف أن يتفرَّق أصحابه؛ لأنَّهم وقعوا في اختلاف شديد.. لمَّا أقبل علي عليِّ بن أبي طالب عليه السلام اتَّجه إليه يسأله، فقال عليه السلام: «نؤرِّخ بهجرة الرسول من مكَّة إلي المدينة» فأعجب ذلك الخليفة وكلُّ الصحابة، وهتف عمر يقول: «لازلت موفَّقاً يا أبا الحسن»، فأرَّخ بأهمَّ حدثٍ تاريخي عظيم، هجرة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وبداية عهد جديد في انتصارات عديدة، كما مرَّ سابقاً..
وفي هذه الفترة ظهر من الإمام عليٍّ أمور كثيرة وتعلّم الناس منه الفقه والحديث والتفسير، وكان مرجع المسلمين والمحافظ علي الاحكام وسبباً للنجاة من القتل والخلاص من الموت، فمثلاً:
روي أنَّه أُتي عمر بن الخطَّاب بحاملٍ قد زنت، فأمر برجمها، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: «هَبْ لك سبيلٌ عليها، أيُّ سبيل لك علي ما في بطنها!؟ والله تعالي يقول: (وَلأ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَي)»، فقال عمر: لا عشتُ
[صفحه 162]
لمعضلةٍ لا يكون لها أبو حسن، ثُمَّ قال: فما أصنع بها؟ قال: «احتط عليها حتي تلد، فإذا ولدت ووجدت لولدها من يكفله فأقم الحدَّ عليها» فسُرِّي بذلك عن عمر، وعوَّل في الحكم به علي أمير المؤمنين عليه السلام [388].
وتوفِّي عمر في ليلة الأربعاء، لثلاثٍ بقين من ذي الحجَّة سنة ثلاث وعشرين، طعنه أبو لؤلؤة، مولي المغيرة بن شعبة، بخنجرٍ مسموم، فمات علي أثرها) [389].

قصة الشوري

عن: سير أعلام النبلاء 2: 92 وما بعدها، الإصابة 2: 508 ترجمة الإمام عليِّ بن أبي
طالب، الكامل في التاريخ 2: 459، طبقات ابن سعد 3: 260 …
لمَّا طُعنَ عمر بن الخطاب، أُخذ ودماؤه تسيل منه، قيل له وهو واهن القوي: لو استخلفت علي الناس، يا أمير المؤمنين! فقال: إن أستخلف، فقد استخلف مَنْ هو خيرٌ منِّي، وإن أترك فقد ترك مَنْ هو خيرٌ منِّي يشير إلي الرسول صلي الله عليه وآله وسلم وأبي بكر وأراد من ذلك أن يكون الأمر للمسلمين شوري، فظهر مبدأ الشوري لأوَّل مرَّة علي لسانه في خطبته الشهيرة التي قال فيها: «فمن بايع رجلاً من غير مشورةٍ من المسلمين فلا يبايع هو ولا الذي بايعه، تغرَّة أن يُقتلا» [390].
ثُمَّ لم يلبث مليَّاً حتي نقض قوله، بقوله: «لو كان أبو عبيدة حيَّاً لولَّيته!
[صفحه 163]
لو كان معاذ بن جبل حيَّاً لولَّيته! لو كان سالم مولي أبي حذيفة حيَّاً لولَّيته»! [391] ذلك لأن تمسكه بالشوري كان له سبب مثير!!
ففي موسم الحج من تلك السنة جاء عبدالرحمن بن عوف إلي ابن عباس، فقال له: لو سمعت ما قاله أمير المؤمنين يعني عمر بن الخطاب إذ بلغه أن فلاناً «قال: لو قد مات عمر لبايعت فلاناً» فما كانت بيعة أبي بكر إلاّ فلتة.. فهمّ عمر أن يخطب الناس رداً علي هذا القول فنهيته لاجتماع الناس كلهم في الحج وقلت له: إذا عدت المدينة فقل هناك ما تريد، فإنه أبعد عن إثارة الشغب.
فلما رجعوا من الحج إلي المدينة قام عمر في خطبته المذكورة.
قال ابن حجر العسقلاني: وجدته في الأنساب للبلاذري بإسناد قوي من رواية هشام بن يوسف عن معمر عن الزهري، بالإسناد المذكور في الأصل، ولفظه قال عمر: بلغني أن الزبير قال: لو قد مات عمر لبايعنا علياً.. الحديث [392].
اختار عمر ستة من الصحابة، زعم: «أنَّ رسول الله كان راضياً عن هؤلاء الستَّة» وهم: عُثمان بن عفَّان وعليُّ بن أبي طالب، وطلحة وسعد بن أبي وقَّاص والزبير وعبدالرحمن بن عوف قال: «وقد رأيت أن أجعلها شوري بينهم ليختاروا لأنفسهم».
[صفحه 164]
واستدعي إليه أبا طلحة الأنصاري فقال له: يا أبا طلحة، إنَّ الله طالما أعزَّ بكم الإسلام، فاختر خمسين رجلاً من الأنصار حاملي سيوفكم، وخذ هؤلاء النفر بإمضاء الأمر وتعجيله، واجمعهم في بيتٍ واحد، وقم علي رؤوسهم، فإنَّ اجتمع خمسة وأبي واحد فاشدخ رأسه بالسيف، وإن اتَّفق أربعة وأبي اثنان فاضرب رؤوسهما، وإن رضي ثلاثة فانظر الثلاثة الذين فيهم عبدالرحمن بن عوف، واقتلوا الباقين إن رغبوا عمَّا اجتمع فيه الناس، وإن مضي الستَّة ولم يتَّفقوا علي أمر، فاضرب أعناق الستَّة، ودع المسلمين يختاروا لأنفسهم..
هذا هو مبدأ الشوري الذي أراده عمر، ولنري كيف تمَّ الإتِّفاق..
ولمَّا خرج عليٌّ عليه السلام والجماعة من البيت بانتظار الموعد المعيَّن، ما لبث أن جاءه عمُّه العبَّاس يسأله عمَّا جري، فقال: «عدلتْ عنَّا»! فقال: وما علمك؟
قال: «قرن بي عُثمان، وقال: كونوا مع الأكثر، فإن رضي رجلان رجلاً ورجلان رجلاً، فكونوا مع الذين فيهم عبدالرحمن، فسعد لا يخالف ابن عمِّه، وعبدالرحمن صهر عُثمان لا يختلفون، فيولِّيها أحدهما الآخر، فلو كان الآخران معي لم ينفعاني».. ومضي يقصُّ علي عمِّه أحداث الشوري وتفاصيلها، حتي ملكته الدهشة لما سمع.. فقال له العبَّاس: إحذر هؤلاء الرهط، فإنَّهم لا يبرحون يدفعوننا عن هذا الأمر حتي يقوم به غيرنا، وأيم الله لا يناله الا بشرٌ لا ينفع معه خير! فقال عليٌّ عليه السلام: «أمّا لئن بقي عُثمان لأذكِّرنَّه ما أتي، ولئن مات ليتداولُنَّها بينهم، ولئن فعلوا لتجدنِّي حيث
[صفحه 165]
يكرهون» [393].
ولمَّا اجتمعوا تكلَّم أمير المؤمنين عليه السلام، فقال: «الحمد لله الذي بعث محمَّداً منَّا نبيَّاً، وبعثه إلينا رسولاً، فنحن بيت النبوَّة، ومعدن الحكمة، وأمان أهل الأرض، ونجاة لمن طلب، لنا حقٌّ إن نُعْطَه نأخذه، وإن نُمْنَعْه نركبْ أعجاز الإبل ولو طال السُّري، لو عهد إلينا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم عهداً لأنفذنا عهده، ولو قال لنا قولاً لجادلنا عليه حتي نموت، لن يسرع أحد قبلي إلي دعوة حقٍّ وصلة رحم، لا حول ولا قوَّة الا بالله، اسمعوا كلامي وعوا منطقي، عسي أن تروا هذا الأمر بعد هذا المجمع تُنتضي فيه السيوف، وتُخان فيه العهود، حتي تكونوا جماعة، ويكون بعضكم أئمة لأهل الضلالة وشيعة لأهل الجهالة» ثُمَّ قال:
فإن تكُ جاسمٌ هلكتْ فإنِّي
بما فعلتْ بنو عبد بن ضخمِ
مطيعٌ في الهواجرِ كلَّ عيٍّ
بصيرٌ بالنَّوي من كلِّ نجمِ [394].
ومهما كان الحال، فقد جاء في سائر التواريخ أنَّ أوَّل عمل قام به طلحة أن أخرج نفسه منها، ووهب حقَّه فيها لعثمان بن عفَّان، كرهاً منه لعليِّ بن أبي طالب عليه السلام، وأدرك الزبير النوايا المبيتة من طلحة، فثارت في نفسه نزعة القرابة التي تشدُّه إلي عليٍّ عليه السلام، فقال: وأنا أُشهدكم نفسي أنِّي قد وهبت حقِّي في الخلافة لعليِّ بن أبي طالب، فوقف سعد بن أبي وقَّاص وقال: لقد وهبت حقِّي لعبد الرحمن بن عوف، «وبقي في الساحة ثلاثة كلُّ واحدٍ منهم يمثِّل اثنين» فقال عبدالرحمن لعثمان وعليٍّ عليه السلام: أيُّكما يخرج منها للآخر؟ فلمَّا
[صفحه 166]
لم يجد منهما جواباً، أخرج نفسه منها علي أن يجعلها في أفضلهما.
وعرض علي كلٍّ منهما أن يتولَّي الأمر من يؤثر الحقَّ ولا يتَّبع الهوي، ولا يخصُّ ذا رحمِ ولا يألو الأُمَّة نصحاً، فوافق كلٌّ منهما علي هذه الشروط.. لكنَّه وبعد أن أحرجه الإمام بقبول الشروط خلا عبدالرحمن بسعد بن أبي وقَّاص، فأدرك عليٌّ عليه السلام أنَّهما إنَّما يريدان مخرجاً يسهِّل لهما أن يُعطوا الخلافة لعثمان؛ فقال أمير المؤمنين لسعد: «(وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالاَرْحَام) [395]، أسألك برحم ابني هذا من رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، وبرحم عمِّي حمزة منك أن لا تكون ظهيراً لعبد الرحمن»..
ويبدو من هذا الاتِّفاق أنَّهم خرجوا بشرط جديد يُحرِج عليَّاً عليه السلام، ولا يمكن له أن يقبله، وبذلك تكون البيعة لعثمان بن عفَّان، فقال عبدالرحمن لعليٍّ عليه السلام: عليك عهد الله وميثاقه، لتعملن بكتاب الله وسُنَّة رسوله وسيرة الشيخين من بعده، قال الإمام: «أعمل بكتاب الله وسُنَّة نبيِّه وبرأيي، فيما لا نصَّ فيه من كتابٍ أو سُنَّة»، ودعا عُثمان فقال له مثل ما قال لعليٍّ عليه السلام فوافق عليها، وقال: نعمل نعمل، فرفع رأسه إلي سقف المسجد، ويده في يد عُثمان فقال: اللَّهمَّ اسمع واشهد، اللَّهمَّ إنِّي قد جعلت ما في رقبتي من ذلك في رقبة عُثمان، فبايعه، وبهذا النحو الذي شهدناه تمَّت البيعة لعثمان، وحسب التخطيط الذي أراده عمر بن الخطَّاب.
وعقّب الأُستاذ هاشم معروف الحسني علي قصَّة الشوري هذه بقوله: «أقول ذلك وأنا علي يقين بأنَّ عليَّاً لو وافقهما علي الشرط الأخير، لوضعا
[صفحه 167]
له شرطاً آخر، وهكذا حتي ينسحب منها، وتتمَّ لابن عفَّان بلا منازع».
حتماً، فهذه ليست أوَّل مؤامرة تظاهروا بها علي آل بيت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم كما قال أمير المؤمنين عليه السلام حينها: «ليس هذا أول يوم تظاهرتم فيه علينا، (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَي مَا تَصِفُون)، والله ما وليتَ عُثمان إلا ليردَّ الأمر إليك، والله كلُّ يومٍ في شأن»! فقال عبدالرحمن: يا عليُّ، لا تجعل علي نفسك حجَّةً وسبيلاً، فخرج عليٌّ عليه السلام وهو يقول: «سيبلغ الكتاب أجله»، فقال المقداد: يا عبدالرحمن، أما والله لقد تركته، وإنَّه من الذين يقضون بالحقِّ وبه يعدلون، فقال: يا مقداد، والله لقد اجتهدتُ للمسلمين. قال: إن كنتَ أردتَ الله فأثابك الله ثواب المحسنين.
ثم قال المقداد: ما رأيتُ مثل ما أتي إلي هذا أهل البيت بعد نبيِّهم، إنِّي لأعجب من قريش أنَّهم تركوا رجلاً ما أقول ولا أعلم أنَّ رجلاً أقضي بالعدل ولا أعلم منه، أما والله لو أجد أعواناً عليه!
فقال عبدالرحمن: يا مقداد، اتِّق الله، فإنِّي خائفٌ عليك الفتنة.
فقال رجل للمقداد: رحمك الله، مَن أهل هذا البيت، ومن هذا الرجل؟
قال: أهل البيت بنو عبدالمطَّلب، والرجل عليُّ بن أبي طالب.
فقال عليٌّ عليه السلام: «إنَّ الناس ينظرون إلي قريش، وقريش تنظر بينها فتقول: إن وُلِّيَ عليكم بنو هاشم لم تخرج منهم أبداً، وما كانت في غيرهم تداولتموها بينكم».
وقد شهد أبو الطفيل رضي الله عنه حادثة الشوري بما شهده وسمعه، فقال: كنت علي الباب يوم الشوري، فارتفعت الأصوات بينهم، فسمعت عليَّاً عليه السلام
[صفحه 168]
يقول: «بايع الناس لأبي بكر، وأنا والله أولي بالأمر منه وأحقُّ به منه، فسمعتُ وأطعتُ مخافة أن يرجع الناس كفَّاراً يضرب بعضهم رقاب بعضٍ بالسيف، ثُمَّ بايع الناس عمر وأنا والله أولي بالأمر منه، وأحقُّ به منه، فسمعتُ وأطعتُ مخافة أن يرجع الناس كفَّاراً يضرب بعضم رقاب بعضٍ بالسيف، ثُمَّ أنتم تريدون أن تبايعوا عُثمان! إذاً أسمع وأُطيع» [396].
ولمَّا عزموا علي البيعة لعثمان، قال الإمام عليٌّ عليه السلام: «أُنشدكم الله، أفيكم أحد آخي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بينه وبين نفسه غيري؟» قالوا: لا. قال: «أفيكم أحدٌ قال له رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: من كنتُ مولاه فهذا مولاه، غيري؟» قالوا: لا.
قال: «أفيكم أحدٌ قال له رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: أنت منِّي بمنزلة هارون من موسي غيري؟» قالوا: لا.
قال: «أفيكم من أؤتمن علي سورة براءة، وقال له رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: إنَّه لا يؤدِّي عنِّي الا أنا أو رجل منِّي، غيري؟» قالوا: لا.
قال: «ألا تعلمون أنَّ أصحاب رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فرُّوا عنه في مأقطِ الحرب في غير موطن، وما فررتُ قطُّ؟» قالوا: بلي.
قال: «ألا تعلمون أنِّي أوَّل الناس إسلاماً؟» قالوا: بلي.
قال: «فأيُّنا أقرب إلي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم نسباً؟» قالوا: أنت.
فقطع عليه عبدالرحمن بن عوف كلامه، وقال: يا عليُّ، قد أبي الناس الا عُثمان، فلا تجعلنَّ علي نفسك سبيلاً!
ثُمَّ توجَّه عبدالرحمن إلي أبي طلحة الأنصاري، فقال له: يا أبا طلحة،
[صفحه 169]
ما الذي أمرك عمر؟ قال: أن أقتل من شقَّ عصا الجماعة!
فقال عبدالرحمن لعليٍّ: بايع إذن، والا كنتَ متَّبعاً غير سبيل المؤمنين!! وأنفذنا فيك ما أُمرنا به!!
فقال عليٌّ عليه السلام كلمته الشهيرة: «لقد علمتم أنِّي أحقُّ بها من غيري، ووالله لأُسلمنَّ ما سلمت أمور المسلمين، ولم يكن فيها جورٌ الا عليَّ خاصَّةً؛ إلتماساً لأجر ذلك وفضله، وزهداً في ما تنافستموه من زخرفه وزبرجه» [397].
كان هذا آخر ما قاله الإمام عليٌّ عليه السلام يوم الشوري، فهل تسمَّي هذه شوري؟ أم غلبة بالسيف؟!
وختاماً من المناسب أن نذكر هذا المقطع من الخطبة المعروفة بالشقشقية والذي يصف فيه موقفه من هذه الشوري، فيقول: «فصبرتُ علي طول المدَّة، وشدَّة المحنة.. حتي إذا مضي لسبيله، جعلها في جماعة زَعَم أنِّي أحدهم، فيا لله وللشوري، متي اعترض الريبُ فيَّ مع الأوَّل منهم حتي صرتُ أُقرنُ إلي هذه النظائر!» [398].

في عهد عثمان

دُفن عمر وتمَّت قصَّة الشوري، وزُفَّ عُثمان كما زُفَّ صاحباه من قبل، وبايعه الناس، وتصدَّر المنبر، منبر رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، ليخطب فيهم خطبته التي سيعلن فيها تعهده بالتزام سيرة الشيخين، وسنري فيما بعد كيف أنَّه خالف ما تعهد التزامه، حتي سيرة الشيخين في عدَّة أمور، وعطَّل بعض
[صفحه 170]
الواجبات حتي أصبح عهده عهد الفتن..
ومن أهمِّ الأمور التي انتهجها عُثمان في سياسته، والتي فتحت أبواباً من الفتن واسعة:
1 أحاط نفسه بأزلام بني أُميَّة، وتربَّع علي العرش يهب أموال المسلمين لرجالات عمومته بني أُميَّة، فكانوا المقرَّبين منه، بحيث ترك مشورة كبار الصحابة، ولم يستعمل أحدهم علي أمر من أمور المسلمين واستغني برأيه ورأي مروان، والأنكي من كلِّ ذلك أنَّه ألحق الضرر والضرب وحتي الموت بكبار صحابة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، وسجن آخرين. فضرب عمَّاراً وفتق بطنه، وسيَّر أبا ذرٍّ إلي الربذة، وسيَّر عامر بن قيس من البصرة إلي الشام! وغير ذلك من الأمور الشنيعة، حتي غلب علي عهده التسلُّط والاثرة وجمع الأموال، واكتفي برأي أصحاب الحيلة والدهاء، من ذوي قرباه.
2 استبدال الولاة الذين عيَّنهم عمر، بولاة جدد من بني أُميَّة من أصحاب المطامع، وليس لأحدهم دين وازع أو سلطان رادع، ولم يكن همُّ أحدهم سوي جمع الأموال والتربُّع علي عرش الملك!
فجمع الشام كلَّه لابن عمِّه معاوية، وعبدالله بن أبي سرح المرتدُّ، الذي أمر رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بقتله ولو وجد متعلِّقاً بأستار الكعبة! علي مصر، وهو أخوه من الرضاع، وفي الكوفة أخوه لاُمِّه الوليد بن عقبة، وفي البصرة ابن عمِّه سعيد بن العاص، وولَّي ابن خاله عبدالله بن عامر علي خراسان، وفي المدينة المنوَّرة «مقرُّ الخلافة» كان مروان بن الحكم
[صفحه 171]
طريد رسول الله ولعينه وزير الخليفة ومستشاره، فهو ابن عمِّه وكاتبه.
وكلُّهم من طغمة بني أُميَّة خاصَّة من مسلمة الفتح «الطلقاء، والمؤلَّفة قلوبهم» حتي أصبحت أموال الدولة والمسلمين متاعاً خاصاً لهم، وظنُّوا أنَّ الخلافة وراثةً لهم، كما قال أبو سفيان: «يا بني أُميَّة تلقَّفوها تلقُّف الكرة، فوالذي يحلف به أبو سفيان مازلت أرجوها لكم، ولتصيرنَ إلي صبيانكم وراثةً»!
فهؤلاء هم عمال عُثمان الذين لا يريد أحدهم سوي أن يصبح جبَّاراً في الأرض أو ملكاً يُطاع أو يُسجد له!!
وقد كانت هذه المفارقات وغيرها السبّب لثورة الناس ضدّه، فسعي الأمام عليه السلام للإصلاح وإخماد الفتنة، وكم ذكّره بالله والدين، وبحقوق المسلمين، وكان مما قال له مرةً: «والله لو ظلم عامل من عمّالك حيث تغرب الشمس لكان اثمه شركاً بينه وبينك» [399].
مهَّدت إلي ظهور فتن وأزمات وكم سعي الامام عليه السلام ومن معه من الصحابة في الإصلاح ولم يستجب عثمان ومن حوله لدعوته، حتي فلت الأمر من يده، لا سيّما وأنّ بعض أكابر الصحابة كانوا يساندون الثائرين علي عثمان والمعترضين بشدة ويؤلّبون الجماهير ضده منهم عائشة التي كانت تقول: اقتلوا نعثلاً فقد كفر. وطلحة الذي كان يكاتب أهل البصرة يحرِّضهم علي النهوض لقتل عُثمان [400] وعبدالرحمن بن عوف الذي قال
[صفحه 172]
لعثمان: «لِمَ فررتَ يوم أُحد، وتخلَّفت عن بدر، وخالفت سُنَّة عمر؟» [401].
ولمَّا طالبت الجماهير المنتفضة عُثمان بعزل الولاة الفاسدين، واستبدالهم بولاةٍ صالحين، أبي ذلك، فعزل أهل الكوفة سعيد بن العاص الأموي ورشحوا أبا موسي الأشعري، لكن عثمان أقرّ سعيداً ولم يعزله، وهكذا كان الأمر في بعض الولايات الاسلامية الاخري بسبب ما لاقاه الناس من الولاة من جورٍ وفساد، وحينئذٍ عادوا وطلبوا من عثمان، أن يعزل نفسه، حينها قال عُثمان: «ما كنت لأخلع سربالاً سربلنيه الله» [402]، فجعل أمر الخلافة هبةً من الله تعالي، ولا يمكن له أن ينزعها، وليس من حقِّ الأُمَّة أيضاً أن تثور عليه وتنزع الخلافة منه!
رأي عُثمان أنَّ الأُمَّة كلَّها ضدَّه وسوف لا تتركه حتي يستجيب لارادتها، ولم يرَ ناصحاً في هذه الأيَّام الشديدة من حياته غير الإمام عليِّ بن أبي طالب عليه السلام، حينها أجتمع الناس إلي الإمام عليه السلام وبيَّنوا له فساد الأمر بيد عُثمان، فنهض الإمام عليه السلام ليكلِّم الخليفة وينصحه، فقال له: «إنَّ الناس ورائي، وقد استسفروني بينك وبينهم، ووالله ما أدري ما أقول لك! ما أعرف شيئاً تجهله، ولا أدلُّك علي أمرٍ لا تعرفه، إنَّك تعلم ما نعلم، وما سبقناك إلي شيءٍ فنُخبرك عنه، ولا خلونا بشيء فنبلِّغكه، وقد رأيتَ كما رأينا، وسمعتَ كما سمعنا، وصحبت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم كما صحبنا..
وما ابن أبي قحافة ولا ابن الخطَّاب بأولي بعمل الحقِّ منك، وأنت
[صفحه 173]
أقرب إلي أخي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وشيجة رحمٍ منهما، وقد نلتَ من صهره ما لم ينالا، فالله الله في نفسك، فإنَّك والله ما تُبصَّر من عميً، ولا تُعلَّم من جهلٍ، وإنَّ الطرق لواضحة، وإنَّ أعلام الدين لقائمة..
فاعلم أنَّ أفضل عباد الله عند الله إمامٌ عادل، هُدِي وهدي، فأقام سُنَّةً معلومة، وأمات بدعةً مجهولة، وإنَّ السنن لنيِّرةٌ لها أعلام، وإنَّ البدع لظاهرةٌ لها أعلام. وإنَّ شرَّ الناس عند الله إمامٌ جائرٌ، ضلَّ وضُلَّ به، فأمات سُنَّةً مأخوذةً، وأحيا بدعةً متروكة، وإنِّي سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يقول: يؤتي يوم القيامة بالإمام الجائر وليس معه نصير ولا عاذر، فيُلقي في نار جهنَّم فيدور فيها كما تدور الرحي، ثُمَّ يرتبط في قعرها..
وإنِّي أُنشدك الله الا تكون إمام هذه الأُمَّة المقتول! فإنَّه كان يُقال: يُقتل في هذه الأُمَّة إمام يفتح عليها القتل والقتال إلي يوم القيامة، ويلبس أمورها عليها، ويبثُّ الفتن فيها، فلا يُبصرن الحقَّ من الباطل، يموجون فيها موجاً، ويمرجون فيها مرجاً، فلا تكوننَّ لمروان سيِّقةً يسوقك حيث شاء بعد جلال السنِّ وتقضِّي العمر»!
فقال له عُثمان: «كلِّم الناس فيّ أن يؤجِّلوني حتي أخرج إليهم من مظالمهم».
فقال عليه السلام: «ما كان بالمدينة فلا أجل فيه، وما غاب فأجله وصول أمرك إليه» [403] مة.
فكلَّمهم عليٌّ، فرجع المصريون إلي مصر، ولكنَّ تأخَّر عُثمان عن
[صفحه 174]
تنفيذ ما وعدهم به، وكان الذي صرفه عن ذلك مروان بن الحكم، إذ قال لعثمان: تكلَّم وأعلِمِ الناس أنَّ أهل مصر قد رجعوا، وأنَّ ما بلغهم عن إمامهم كان باطلاً، قبل أن يجيء الناس إليك من أمصارهم، ويأتيك ما لا تستطيع دفعه! ففعل عُثمان ذلك [404].
فثارت الفتنة من جديد، وانتفضت الجموع الغاضبة، فتشبَّث عُثمان مرَّةً أُخري بعليٍّ عليه السلام بعد أن رجع المصريون وحاصروه، فقال له: «يا ابن عمِّ، إنَّ قرابتي قريبة، ولي عليك حقٌّ عظيم، وقد جاء ما تري من هؤلاء القوم، وهم مُصبِّحيَّ، ولك عند الناس قدر وهم يسمعون منك، وأُحبُّ أن تركب إليهم فتردَّهم عنِّي».
فقال له عليٌّ عليه السلام: «علي أيِّ شيءٍ أردُّهم عنك»؟
قال: «علي أن أصير إلي ما أشرت إليه ورأيته لي».
فقال عليٌّ: «إنِّي قد كلَّمتك مرَّةً بعد أُخري، فكلُّ ذلك نخرج ونقول، ثُمَّ ترجع عنه، وهذا من فعل مروان وابن عامر ومعاوية وعبدالله بن سعد، فإنَّك أطعتهم وعصيتني».
قال عُثمان: «فأنا أعصيهم وأُطيعك».
فأمر الناس، فركب معه من المهاجرين والأنصار ثلاثون رجلاً، فأتي المصريِّين فكلَّمهم، فذكر لهم ما وعد به عُثمان من العمل بالحق وإرضائهم [405].
[صفحه 175]
ولمَّا عاد الإمام عليٌّ عليه السلام من مهمَّته في تبليغ الوعود، قال لعثمان: «تكلَّم كلاماً يسمعه الناس منك، ويشهدون عليك، ويشهد الله علي ما في قلبك من النزوع والإنابة، فإنَّ البلاد قد تمخَّضت عليك، فلا آمن أن يجيء ركب آخرين من الكوفة، فتقول: يا عليُّ اركب إليهم، ولا أقدر أن أركب إليهم ولا أسمع عذراً، ويقدم ركب من البصرة، فتقول: يا عليُّ اركب إليهم، فإن لم أفعل رأيتني قد قطعت رحمك واستخففت بحقِّك».
فخرج عُثمان فخطب الناس، فقال بعد الحمد والثناء: أمَّا بعد أيُّها الناس، فوالله ما عاب من عاب منكم شيئاً أجهله، وما جئت شيئاً الا وأنا أعرفه، ولكنِّي فتنتني نفسي وكذَّبتني وضلَّ عنِّي رشدي، ولقد سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يقول: «من زلَّ فليتب، ومن أخطأ فليتب، ولا يتمادَّ في الهلكة، إنَّ من تمادي في الجور كان أبعد من الطريق»، فأنا أوَّل من اتَّعظ، واستغفر الله ممَّا فعلت وأتوب إليه، فمثلي نزع وتاب، فإذا نزلت فليأتني أشرافكم فليروني رأيهم، فوالله لئن ردَّني الحقُّ عبداً لأستنَّ بسُنَّة العبد، ولأذلَّنَّ ذلَّ العبد، ولأكوننَّ كالمرقوق، إن مُلِكَ صبر، وإن عُتِقَ شكر، وما عن الله مذهب الا إليه، فلا يعجزنَّ عنكم خياركم أن يدنوا إليَّ، لئن أبت يميني لتتابعني شمالي [406]، فوالله لأعطينَّكم الرضا، ولأُنحينَّ مروان وذويه ولا أحتجب عنكم [407].
فرقَّ الناس له، وبكوا، وبكي هو أيضاً..
[صفحه 176]
ولمَّا نزل عُثمان وعاد إلي بيته عاب عليه مروان إقراره بالخطأ، وما أعطاهم من الوعد بالإصلاح والصلاح، ولم يكن من عُثمان الا أن يركن إلي كلامه ويقول: أُخرج إلي الناس فكلِّمهم، فإنِّي أستحي أن أُكلِّمهم! وخرج مروان إلي الناس فقال لهم: ما شأنكم؟ قد اجتمعتم كأنَّكم جئتم لنهب! شاهت الوجوه! جئتم تريدون أن تنزعوا ملكنا من أيدينا! أُخرجوا عنَّا.. ارجعوا إلي منازلكم، فإنَّا والله ما نحن بمغلوبين علي ما في أيدينا [408].
ولمَّا بلغ عليَّاً عليه السلام هذا الكلام، وأنّ عُثمان أصرَّ علي سياسته التي اختطَّها مروان وغيره، ولم يستطع أن يغيِّر من موقفهم، قال: «أي عباد الله، يا للمسلمين! إنِّي إن قعدت في بيتي قال لي: تركتني وقرابتي وحقِّي، وإنِّي إن تكلَّمت فجاء ما يريد يلعب به مروان».. وقام مغضباً حتي دخل علي عُثمان فقال له: «أما رضيت من مروان ولا رضي منك، الا بتحريفك عن دينك وعن عقلك.. والله ما مروان بذي رأي في دينه ولا نفسه، وأيمُ الله إنِّي لأراه يوردك ولا يُصدرك! وما أنا بعائد بعد مقامي هذا لمعاتبتك، أذهبت شرفك، وغُلبت علي رأيك» [409].
وندم عُثمان علي فعله، فبعث إلي عليٍّ عليه السلام يستصلحه، فقال عليٌّ عليه السلام: «أخبرته إنِّي غير عائد».. أمَّا الناس فقد حاصروا عُثمان في بيته ومنعوا عنه الماء.. فاشتدَّ عليه الأمر، وضلَّ حائراً لا يلوي فعل شيء، الا أن يغلق عليه بابه وينتظر ما سيحدث!
[صفحه 177]
لكنَّ أمير المؤمنين عليه السلام أمر ولديه الحسن والحسين عليهما السلام بحمل سيفيهما والذود عن عُثمان يمنعان الناس عنه..
وذهب عليه السلام إلي طلحة وكان هو الذي قد منع الماء عن عُثمان مع جماعة حوله متناسياً كلَّ ما حدث من عُثمان، فقال له: «يا طلحة، ما هذا الأمر منك الذي وقعت فيه»؟!
قال: «يا أبا الحسن، بعد ما مسَّ الحزام الطُّبْيَين» [410].
فقدم الإمام عليه السلام بيت المال، وكسر الباب وأعطي الناس، فانصرفوا عن طلحة حتي بقي وحده! فسُرَّ عُثمان بذلك ودخلت عليه الروايا بالماء.
ونقل الطبري وابن الأثير في تاريخيهما [411]، قول عُثمان بشأن طلحة: «هذا ما أمر به طلحة بن عبدالله، اللَّهمَّ اكفني طلحة، فإنَّه حمل عليَّ هؤلاء وألَّبهم عليَّ، والله إنِّي لأرجو أن يكون منها صفراً، وإنَّ يُسفك دمه! إنَّه انتهك منِّي ما لا يحلُّ له!».
أمَّا المصريون الذين كلَّمهم عليٌّ عليه السلام ورجعوا، فبينما هم في بعض الطريق رأوا راكباً أمره مريب، فأخذوه وفتَّشوه، فإذا هو غلام عُثمان يحمل كتاباً بختم عُثمان الي عبدالله بن سعد أن يفعل بهم ويفعل! وكان مروان هو الذي زوَّر هذا الكتاب [412].
فرجعوا وشدَّدوا الحصار علي عُثمان، بعد أن خيَّروه بين ثلاث: أن
[صفحه 178]
يخلع عمَّاله الذين شكتهم الناس، أو يخلع نفسه، أو يقتلوه!
وكأنَّه اختار لنفسه القتل، حيث قال: «ما كنت لأخلع سربالاً سربلنيه الله عزَّ وجلَّ».
[صفحه 179]

خلافة أمير المؤمنين

تولي الخلافة وسياسته في الإصلاح

اشاره

قتل عُثمان، ولم يكن ثمة فرصة لتعيين من يقوم بعده بالخلافة، فلا سقيفة ولا شوري! فكان من حقِّ الجماهير، ولأوَّل مرَّة في تأريخها، أن تطلق صوتها وترجع إلي رشدها.
فنهضت الجماهير عطشي تتسابق سباق الإبل إلي الماء، جاءوا دار الإمام عليٍّ عليه السلام حيث اعتزل قبل هلاك عُثمان، ولم يخرج من بيته، يطالبون أن يخرج إليهم ليبايعوه..
حتي وصف أمير المؤمنين عليه السلام هذا السيل العارم وإصرارهم علي البيعة بقوله: «فما راعني من الناس الا وهم رسلٌ إلي كعُرف الضبع، يسألونني أن أُبايعهم، وانثالوا عليَّ حتي لقد وُطئ الحسنان، وشُقَّ عطفاي».
ومضي يصف في خطبته هذه موقفه من الخلافة: «أما والذي فلق الحبَّة وبرأ النسمة، لولا حضور الحاضر ولزوم الحجَّة بوجود الناصر، وما أخذ الله علي أولياء الأمر الا يقرُّوا علي كظَّة ظالم أو سغب مظلومٍ، لألقيت حبلها علي غاربها، ولسقيت آخرها بكأس أوَّلها، ولألفوا دنياهم أزهد عندي من عفطة عنزٍ» [413].
وتمَّت بيعته في الخلافة في يوم الجمعة الخامس والعشرين من ذي
[صفحه 180]
الحجَّة عام 35ه، وقال عليه السلام يصف ذلك الأمر: «وبسطتهم يدي فكففتها، ومددتموها فقبضتها، ثُمَّ تداككتم عليَّ تداكَّ الإبل الهيم علي حياضها يوم وردها، حتي انقطعت النعل وسقط الرداء ووُطئ الضعيف..» [414].
وعن أبي ثور كما جاء في (الإمامة والسياسة) أنَّه قال: «لمَّا كانت البيعة بعد مصرع عثمان خرجت في اثر عليٍّ عليه السلام والناس حوله يبايعونه، فدخل حائطاً من حيطان بني مازن، فألجأوه إلي نخلة وحالوا بيني وبينه، فنظرت إليهم وقد أخذت أيدي الناس ذراع الإمام، تختلف أيديهم علي يده، ثُمَّ أقبلوا به إلي المسجد الشريف، فكان أوَّل من صعد المنبر في المسجد طلحة وبايعه بيده، وكانت أصابعه شلاء، فتطيَّر منها عليٌّ عليه السلام وقال: «ما أخلقها أن تنكث»، ثُمَّ بايعه الزبير وأصحاب النبيِّ صلي الله عليه وآله وسلم وجميع من في المدينة من المسلمين» [415].
بهذه اللهفة تمَّت أوَّل بيعة علي صعيد واسع، وصعد الخليفة الأول الحق بعد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم المنبر الشريف بقبول الناس ورضاهم، لكنَّ الإمام عليَّاً عليه السلام لم يكن من أصحاب السلطة.. فلم يقبل بالخلافة الا بعد أن رأي أنْ لا مفرَّ من ذلك، وأنَّ مصلحة الإسلام والمسلمين تقتضي أن يمدَّ يده لتختلف عليه أيدي الناس المبايعة..
في هذا الجو المشحون بالفتن والحوادث بعد مقتل الخليفة وما خلَّف قتله من آثار سنمرُّ عليها لاحقاً في هذه الأجواء تمَّت البيعة للإمام عليه السلام،
[صفحه 181]
فقال ابن عبدالبر: «بويع لعليٍّ رضي الله عنه بالخلافة يوم قُتل عُثمان، فاجتمع علي بيعته المهاجرون والأنصار، وتخلَّف عن بيعته نفرٌ منهم، فلم يهجهم ولم يُكرههم..» [416].
وكان ممَّن تخلَّف عن بيعته يوم ذاك: حسَّان بن ثابت، وكعب بن مالك، وزيد بن ثابت، ومروان بن الحكم، وسعد بن أبي وقَّاص، وعبدالله بن عمر، ومعاوية ومن معه في جماعة أهل الشام وآخرون [417]، وعائشة بنت أبي بكر، زوج الرسول صلي الله عليه وآله وسلم حيث وقفت من الإمام عليٍّ أشدَّ المواقف العدائية التي سنقف عليها لاحقاً.
علي أي حال قد تمَّت البيعة المثالية، التي لم يشهد التأريخ مثلها علي جوانب صفحاته، بيعة ليس لها نظيرٌ قطُّ، اندفع كلُّ الناس يتسابقون أيُّهم يحوز الفضل قبل صاحبه.. ولم يفد معهم كلام ولا حجَّة، فكانوا مصرِّين علي بيعته حتي «وبلغ من سرور الناس بيعتهم إيَّاي أن ابتهج بها الصغير، وهَدَجَ إليها الكبير، وتحامل نحوها العليل، وحسرت إليها الكعاب..» [418] لا يرتضون له بديلاً حتي وإن أعلمهم بحقيقة الأمر وسياسته التي قد لا تُرضي الجمهور!
قد وضعهم أمام السياسة الواضحة؛ إذ قال لهم: «دعوني والتمسوا غيري، فإنَّا مستقبلون أمراً له وجوه وألوان، لا تقوم له القلوب، ولا تثبت عليه العقول.. وإنَّ الآفاق قد أغامت، والمحجَّة قد تنكَّرت..».
[صفحه 182]
وأضاف قائلاً: «واعلموا أنِّي إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم، ولم أصغِ إلي قول القائل وعتب العاتب» [419].
فاستجاب الناس طائعين إلي عرض أبواب السياسة التي سينتهجها، ووجد المسلمون أنفسهم أمام واقعٍ جديد وأحداث جديدة لا عهد لهم بها من قبل.
ذكر الشيخ المفيد خبراً عن أبي الطفيل عامر بن واثلة، قال: «جمع أمير المؤمنين عليه السلام الناس للبيعة، فجاء عبدالرحمن بن ملجم المرادي لعنه الله فردَّه مرَّتين أو ثلاثاً ثُمَّ بايعه، وقال عند بيعته له: «ما يحبس أشقاها! فوالذي نفسي بيده لتُخضبن هذه من هذا» ووضع يده علي لحيته ورأسه عليه السلام، فلمَّا أدبر ابن ملجم عنه منصرفاً قال عليه السلام متمثِّلاً:
«أشدد حيازيمك للموت
فإنَّ الموت لاقيك
ولا تجزع من الموت
إذا حلَّ بواديك
كما أضحكك الدهر
كذاك الدهر يبكيك»» [420].

سياسته الإصلاحية

لمَّا آلت إليه خلافة المسلمين انصرف منذ اليوم الأوَّل لمشروع الإصلاح، إصلاح ما نخره المتقدمون عليه وعُثمان وعمَّاله علي صعيد الاتِّجاه السياسي والاجتماعي، وحتي الثقافي، في دولة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم.
ومن جلائل خطبه ومشهوراتها، تلك التي وصف فيها حال الأُمَّة،
[صفحه 183]
حالهم الجديدة، فيصفها في يوم بيعته: «.. ألا وإنَّ بليَّتكم قد عادت كهيئتها يوم بعث الله نبيَّه صلي الله عليه وآله وسلم والذي بعثه بالحقِّ لتُبَلْبَلُنَّ بلبلةً ولتُغربلُنَّ غربلةً، ولَتُساطُنَّ سوط القدر، حتي يعود أسفلكم أعلاكم وأعلاكم أسفلكم، وليسبقَنَّ سابقون كانوا قصَّروا، وليُقصِّرنَّ سبَّاقون كانوا سبقوا..
والله ما كتمتُ وشمةً، ولا كذبت كذبةً، ولقد نُبِّئتُ بهذا المقام وهذا اليوم … حقٌّ وباطل، ولكلٍّ أهل، فلئن أمِرَ الباطل لقديماً فعل! ولئن قلَّ الحقُّ، فلربَّما ولعلَّ! ولقلَّما أدبر شيءٌ فأقبل» [421]! كما أنبأه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم.
ومرَّةً أُخري يضع النقاط الأساسية لواجبات الخلافة الجديدة: «اللَّهمَّ إنَّك تعلم أنَّه لم يكن الذي كان منَّا منافسةً في سلطان، ولا التماس شيءٍ من الحطام، ولكن لنردَّ المعالم من دينك، ونُظهر الإصلاح في بلادك، فيأمن المظلومون من عبادك، وتُقام المعطَّلة من حدودك» [422].
ردُّ المعالم الضائعة المغيَّبة من الدنيا، وردُّ الحقِّ المنتهك من عباد الله، وإقامة الحدود المعطَّلة، كأنجح وأعدل سياسة في الحكم الإسلامي، هذه هي أهمُّ أوجه السياسة في الخلافة الجديدة.
لأوَّل مرَّة سيُقام العدل ويُركل الظلم في أشدِّ حالات القتال! القتال علي التأويل كما قاتل رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم علي التنزيل: «إنَّ منكم من يقاتل علي تأويل القرآن» قال أبو بكر: أنا هو؟ وقال عمر: أنا هو؟ قال صلي الله عليه وآله وسلم: «لا، لكنَّه عليٌّ»! [423].
[صفحه 184]
هذا هو مشروع الإصلاح، حسبما اختصره الإمام في خطبته السابقة، وكان هذا إصلاح الساحة السياسة.
أمَّا التغيير الاجتماعي والديني والثقافي فتجسَّد في بيانه للناس عامَّةً، وعمَّاله خاصَّةً، بقوله: «إنَّ الله سبحانه أنزل كتاباً هادياً بيَّن فيه الخير والشرَّ، فخذوا نهج الخير تهتدوا، واصدِفوا عن سمت الشرِّ تقصدوا..
الفرائض، الفرائض! أدُّوها إلي الله، تؤدِّكم إلي الجنَّة..» ديناً.
أمَّا علي الصعيد الاجتماعي والثقافي فيمكن أن نراه واضحاً في قوله: «إنَّ الله حرَّم حراماً غير مجهول، وأحلَّ حلالاً غير مدخول، وفضَّل حُرمة المسلم علي الحُرم كلِّها، وشدَّ بالإخلاص والتوحيد حقوق المسلمين في معاقدها..».
ولعمَّاله خاصَّةً قوله: «بادروا أمر العامَّة، وخاصَّة أحدكم وهو الموت..» وقوله: «اتَّقوا الله في عباده وبلاده، فإنَّكم مسؤولون حتي عن البقاع والبهائم..» [424].
بهذا الإخلاص الرفيع والحكمة المتعالية والسياسة الحكيمة، يضعنا أمام الأمر الواقع، فقد أعاد عليه السلام إلي الأذهان الدين الحقَّ المنزَّل علي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، والذي تزيَّف في عهود من سبقه!!
أوَّلاً: باشر الإمام في تنفيذ العدل والمساواة بين الرعية..
وثانياً: مراقبة العمَّال والأُمراء. وله كتب عدَّة في هذه الأُمور، جمعها صاحب نهج البلاغة، بما يقارب 32 كتاباً، في الشؤون الإدارية والسياسية
[صفحه 185]
ووصايا إلي الأمراء والأجناد، فلا يسعنا الحديث عن كلِّ كتبه هذه!
ثالثاً: القتال علي تأويل القرآن!!

خطوات مشروعه الاصلاحي

اشاره

والآن مع خطواته في مشروع التنفيذ الإصلاحي:

الغاء التمايز الطبقي

ساد في عهد «عمر» و «عُثمان» تمايز طبقي في توزيع الثروة من بيت المال، حتي أصبح الناس قسمين، قسم في عداد الأثرياء وما فوق ذلك، وآخرون لا يرتفعون عن مستوي الفقر كثيراً! حتي تسبَّبت هذه السياسة الظالمة في استثراء تفاوت طبقي خطير..
فأعلن الإمام عليٌّ عليه السلام إلغاء التمايز الطبقي بكلِّ أسبابه، وعهد إلي التسوية بين الناس في العطاء، فالناس عنده سواسية كأسنان المشط، وانقطعت آمال الطبقة الغنية التي لم تنظر للدنيا الا في منظار مادِّي.
فقال عليه أفضل الصلاة والسلام: «ألا لا يقولنَّ رجال منكم غداً قد غمرتهم الدنيا، فاتَّخذوا العقار وفجَّروا الأنهار وركبوا الخيول الفارهة، واتَّخذوا الوصائف الروقة، فصار ذلك عليهم عاراً وشناراً، إذا ما منعتهم ما كانوا يخوضون فيه، وأصرتهم إلي حقوقهم التي يعلمون، فينتقمون ذلك ويستنكرون، ويقولون: حرمنا ابن أبي طالب حقوقنا!» [425].
ولمَّا نودي لقبض الحقوق، قال الإمام عليٌّ عليه السلام لعبيدالله بن أبي رافع
[صفحه 186]
كاتبه : «إبدأ بالمهاجرين فناديهم، وأعطِ كلَّ رجلٍ ممَّن حضر ثلاثة دنانير، ثُمَّ ثنِّ بالأنصار فافعل معهم مثل ذلك، ومن حضر من الناس كلُّهم الأحمر والأسود فاصنع به مثل ذلك»!
وتخلَّف يومذاك رجال منهم: طلحة، والزبير، وعبدالله بن عمر، وسعد بن العاص، ومروان بن الحكم، قد عزَّ عليهم أن يكونوا كغيرهم من الموالي والعبيد!
هناك خطب الإمام عليٌّ عليه السلام مرَّةً أُخري قال فيه: «هذا كتاب الله بين أظهرنا، وعهد رسول الله وسيرته فينا، لا يجهل ذلك الا جاهل عانَدَ عن الحقِّ، منكر، قال تعالي: (يَاأيُّهَا النَّاسُ إنَّا خَلَقْنَاكُم مِن ذَكَرٍ وَأُنثَي وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إنَّ أكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أتْقَاكُم)» ثُمَّ صاح بأعلي صوته «(أطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ فَإن تَوَلَّوا فَإنَّ اللهَ لأ يُحِبُّ الْكَافِرِين)! أتمنُّون علي الله ورسوله بإسلامكم؟! (بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أنْ هَدَاكُمْ لِلإِِيمَانِ إن كُنتُمْ صَادِقِين) أنا أبو الحسن، ألا إنَّ هذه الدنيا التي أصبحتم تمنُّونها وترغبون فيها، وأصبحت تُغضبكم وترضيكم، ليست بداركم ولا منزلكم الذي خُلقتم له، فلا تغرَّنكم فقد حذَّرتكموها..
فأمَّا هذا الفيء فليس لأحدٍ علي أحدٍ فيه أثرة، وقد فرغ الله من قسمته، فهو مال الله، وأنتم عباد الله المسلمون.. وهذا كتاب الله به أقررنا وله أسلمنا، وعهد نبيِّنا بين أظهرنا، فمن لم يرضَ به فليتولَّ كيف يشاء! فإنَّ العامل بطاعة الله والحاكم بحكم الله لا وحشة عليه» [426].
[صفحه 187]
وقال عليه السلام: «أتأمرونِّي أن أطلب النصر بالجور فيمن وُليِّتُ عليه! والله لاأطور به ما سَمَرَ سَميرٌ [427]، وما أمَّ نجمٌ في السماء نجماً! لو كان المال لي لسوِّيت بينهم، فكيف وإنَّما المال مال الله؟!» [428].
وكان ذلك أبلغ وأروع خطاب يهزُّ المشاعر، فهنيئاً لمن عاش في ظل النبوَّة والإمامة الحقَّة!
ثُمَّ بعث أمير المؤمنين عليه السلام الي طلحة والزبير، يعاتبهما علي ما فعلاه من الصدِّ والإكراه، فقال بعدما ذكَّرهما ببيعتهما له، وهو كاره : «ما دعاكما بعد إلي ما أري؟ ما الذي كرهتما من أمري حتي رأيتما خلافي؟!».
قالا: أعطيناك بيعتنا، علي أن لا تقضي الأُمور ولا تقطعها دوننا، وأن تستشيرنا في كلِّ أمرٍ ولا تستبدَّ بذلك علينا.. إنَّك جعلت حقَّنا كحقِّ غيرنا ما قد علمت، فأنت تقسم القَسْم وتقطع الأمر، وتُمضي الحكم بغير مشاورتنا ولا علمنا.
فقال: «فوالله ما كانت لي في الخلافة رغبة، ولكنكم دعوتموني إليها، وجعلتموني عيها فخفت أن اردّكم فتختلف الأمة، فلمّا أفضتْ إليَّ نظرتُ إلي كتاب الله وسنّة رسوله فأمضيت ما دّلاني عليه واتبعته ولم احتج في ذلك إليآرائكما فيه، ولا رأي غيركما،ولو وقع حكم ليس في كتاب الله بيانه ولافي السنّة برهانه، واحتيج إلي المشاورة فيه لشاورتكما فيه. وأما القسم والأُسوة، فإن ذلك أمر لم أحكم فيه باديء بدء، قد وجدت أنا وأنتما رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم
[صفحه 188]
يحكم بذلك، … أخذ الله بقلوبنا وقلوبكم إلي الحق وألهمنا وإياكم الصبر».
ثم قال عليه السلام: «رحم الله امرءاً رأي حقاً فأعان عليه، ورأي جوراً فردّه، وكان عوناً للحق علي من خالفه» [429].
وكان موقف عليٌّ عليه السلام من أمثال هؤلاء، هو اتباع لغة القرآن الكريم وسُنَّة الرسول العظيم، عليه أفضل الصلاة وأزكي السلام، فلم يبدل حكماً ويستبدل بآخر، غير الذي رآه أنَّه جادَّة الصواب المستقيمة، وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً!
هذه هي الثورة الاجتماعية التي أحدثها الإمام عليه السلام، والتي كانت من أشدِّ الصعوبات التي واجهها في ذاك المجتمع الشائب بأدران الآلهة والأوثان! هذه هي التسوية بين الفقراء والمساكين والأغنياء الذين طغوا بالأموال.. وسنري قريباً نتائج هذه التسوية في خروج الناكثين والقاسطين علي الخليفة الحق، تحت شعارٍ زائفٍ وحجَّةٍ داحضةٍ وهي «دم عُثمان»!
ومن مظاهر العدل والمساواة انتزاع الأموال والثروات التي تصرَّف بها عُثمان، وكأنَّها ملكٌ له لا للمسلمين، والتي أغدقها علي ذويه وخاصَّته من أزلام بني أُميَّة من هدايا ضخمة والي ما شابه ذلك.
فقام الإمام عليٌّ بانتزاعها منهم، ليعيدها إلي وضعها الطبيعي، لينتفع بها الفقراء والمساكين الذين «لاكو الصخر خبزاً»! فقال عليه السلام بهذا الموضع: «والله لو وجدتُه قد تُزوِّج به النساءُ، ومُلِكَ به الإماءُ لرددته، فإنَّ في العدل
[صفحه 189]
سَعَة، ومن ضاق عليه العدل فالجور عليه أضيق» [430].
فما كان من بني أُميَّة، الذين هالهم هذا العدل، الا أن يحرِّض بعضهم البعض الآخر، فكتب عمرو بن العاص إلي معاوية بن أبي سفيان يقول: «ما كنت صانعاً فاصنع! إذ قَشَرك ابن أبي طالب كلَّ مالٍ تملكه، كما تُقشر من العصا لحاها»!
حتي تمخَّضت هذه الأحداث عن معركتين الجمل وصفِّين، حيث لم يطيقوا عدل الإسلام الذي طبَّقه عليهم ابنُ أبي طالب عليه السلام!
وفي أصحاب الحزبين جاء قوله عليه السلام: «فلمَّا نهضتُ بالأمر نكثت طائفة ومرقت أُخري وقسط آخرون، كأنَّهم لم يسمعوا كلام الله تعالي يقول: (تِلْكَ الدَّارُ الاخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لأ يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الاَرْضِ وَلأ فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِين)» [431].

سياسته في الحكم

حيث وضع دستوراً إسلامياً شرعياً تسير عليه السياسة الجديدة فخطب الملأ قائلاً «قد جعل الله سبحانه لي عليكم حقاً بولاية أمركم، ولكم عليَّ من الحق مثل الذي عليكم..
جعل سبحانه من حقوقه حقوقاً، افترضها لبعض الناس علي بعض، فجعلها تتكافأ في وجوهها..
وأعظم ما افترض سبحانه من تلك الحقوق: حقّ الوالي علي الرعية،
[صفحه 190]
وحقُ الرعية علي الوالي، فريضةٌ فرضها الله سبحانه لكلٍّ علي كلٍّ، فجعلها نظاماً لأُلفتهم، وعزّاً لدينهم.
فليست تصلح الرعية إلاّ بصلاح الولاة، ولا تصلح الولاة إلاّ باستقامة الرعية، فإذا أدّت الرعية إلي الوالي حقه، وأدّي الوالي إليها حقّها، عزّ الحقّ بينهم، وقامت مناهج الدين، واعتدلت معالم العدل، وجرت علي أذلالها السنن، فصلُح بذلك الزمان، وطمع في بقاء الدولة، ويئست مطامع الأعداء …
وإذا غلبت الرعية واليها، وأجحف الوالي برعيته، اختلفت هنالك الكلمة، وظهرت معالم الجور وكثُر الإدغال في الدين، وتُركتْ محاجُّ السنن، فعمل بالهوي وعطّلت الأحكام وكثرت علل النفوس، فلا يستوحَش لعظيم حقٍّ عُطِّل، ولا لعظيم باطلٍ فُعل، فهنالك تذلّ الأبرار، وتعِزُّ الأشرار.
فعليكم بالتناصح في ذلك، وحسن التعاون عليه، فليس أحد وإن أشتدّ علي رضي الله حرصه، وطال في العمل اجتهاده ببالغ حقيقة ما الله أهلّه من الطاعة.. وليس أمرؤٌ وإن عظمت في الحق منزلته، وتقدّمت في الدين فضيلته بفوق أن يعان علي ما حمّله الله من حقّه، ولا امرؤٌ وإن صغّرته النفوس واقتحمته العيون بدون أن يعين علي ذلك أو يعان عليه».. [432].
وهكذا تتكامل المسؤوليات، وتتعاضد الأدوار، ويستوي الناس أمام
[صفحه 191]
الحق والعدل، ويأخذ مبداً التكافل الاجتماعي طريقه إلي الواقع.. إنها مباديء السياسة النموذجية التي تتوخي صناعة المجتمع النموذجي.

استبدال الولاة

انتخب الإمام عليٌّ عليه السلام رجالاً من الذين أُبعدوا في عهد سابقيه دون أدني سبب، جعلهم مكان الولاة الذين ضجَّت الأُمَّة من سياستهم المنحرفة، كالوليد بن أبي معيط الذي سمَّاه القرآن فاسقاً وعبدالله بن أبي سرح، الذي انتفضت عليه مصر، وعبدالله بن عامر، ومعاوية الرجل المتجبِّر!
وأمَّا البدائل، فهم: قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري، والأنصاريان الجليلان: سهل بن حنيف وعُثمان بن حنيف، بدائل عن ابن أبي سرح وابن عامر ومعاوية، علي مصر والبصرة والشام [433].
وجعل عبيدالله بن عبَّاس علي اليمن، وقثم بن عبَّاس علي مكَّة.
لكنَّ عقبة استبدال معاوية كانت هي الأشدُّ، حيث تربَّع علي العرش، يذبح شيعة الإمام عليٍّ عليه السلام ويستنُّ السنن لأهل الشام، الذين لا يعرفون من الإسلام الا ما يعرِّفهم به معاوية، فعمل علي أن لا يبقي في الشام صحابياً، فأخرج منها أبا ذرٍّ، وعبادة بن الصامت وغيرهم، لتخلو له أرض الشام فلا يعرفوا غيره!
وجاءت وصايا الإمام عليه السلام إلي الولاة، فكتب يقول لأحدهم: «واعلم أنَّ الرعيَّة طبقات، لا يصلح بعضها الا ببعض، ولا غني ببعضها عن بعض،
[صفحه 192]
فمنها جنود الله، ومنها كُتَّاب العامَّة والخاصَّة، ومنها قضاة العدل، ومنها عمَّال الإنصاف والرفق، ومنها أهل الجزية والخراج من أهل الذمَّة ومسلمة الناس، ومنها التجَّار وأهل الصناعات، ومنها الطبقة السفلي من ذوي الحاجة والمسكنة.
وكلٌّ قد سمَّي الله سهمه، ووضع علي حدِّه فريضته في كتابه أو سُنَّة نبيِّه صلي الله عليه وآله وسلم عهداً من عندنا محفوظاً:
فالجنود بإذن الله، حصون الرعيَّة، وزين الولاة، وعزُّ الدين، وسُبل الأمن، وليست تقوم الرعيَّة الا بهم، ثُمَّ لا قوام للجنود الا بما يُخرج الله لهم من الخراج..
ثُمَّ لا قِوام لهذين الصنفين الا بالصنف الثالث من القضاة والعمَّال والكتَّاب، لِما يُحكِمونَ من المعاقِد، ويجمعون من المنافع، ويؤتمنون عليه من خواصِّ الأُمور وعوامِّها.
ولا قوام لهم جميعاً الا بالتجَّار وذوي الصناعات..
ثُمَّ الطبقة السفلي من أهل الحاجة والمسكنة الذين يحقُّ رفدهم ومعونتهم، وفي الله لكُلّ سَعة، ولكلٍّ علي الوالي حقٌّ بقدر ما يُصلحه..» [434].
بلا شكٍّ لو أنَّ الإمام عليه السلام قد تولَّي خلافة المسلمين بعد الرسول صلي الله عليه وآله وسلم مباشرة؛ لظهر الإسلام للعالم بوجهه الصحيح، ولم تكن أُمور الغدر والجور والتزوير والفتن، وإلي ما شابه ذلك من الأُمور التي نعيشها اليوم، وتعيش فينا إلي آخر يوم..
[صفحه 193]
فقد ترك «الحكَّام» غير الشرعيين صوراً تحفل بالآلام والمخازي، شوَّهت الإسلام في أذهان الذين لا يعرفون عنه شيئاً الا اسمه.. لكن الذي وقع هو أنَّ خلافة الإمام عليه السلام قصيرة جدَّاً، بسبب تلك الأُمور التي أحاطت به، ولم تترك له مجال يمكِّنه من الإصلاح الشامل، وبناء دولة إسلامية ذات أُسس رصينة، كما أراد ذلك الله ورسوله..
لم يكن الإمام عليَّاً عليه السلام طالب ملك.. فهو لا يري السلطة الا وسيلةً للحقِّ والعدالة.. لذلك نراه يصرُّ علي عزل معاوية؛ لأنَّ إبقاءه ولو يوم واحد يعني إقرار الظلم والجور، وأجاب من أشار عليه بترك معاوية وشأنه بقوله: (وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً)! فهو لا يري معاوية الا ضالاً مضلأًَ، لذلك كرَّس كلَّ قوَّاته لاجتياح الظلم من أرض الشام، كما أجتاحها رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم من أرض الحجاز!
وقال الأستاذ عبدالفتاح، حول سياسة عليٍّ عليه السلام من أنصار عُثمان وولاته: «إنَّ الناظر إلي سياسة عليٍّ عليه السلام حيال ولاة عُثمان، ليعلم مدي صوابه حين أبي الا خلعهم وتولية سواهم، ممَّن يؤمنون بمبادئه ومثله، ويعلم أيضاً أنَّه كان نافذ البصيرة مؤمناً باستجابة البلاد كلِّها له، لأنَّه لم يعمل الا ما أملاه عليه شعور أهل الأمصار نحو أولئك الولاة، وها هو الزمن قد أثبت فراسته فجاءته الطاعة من كلِّ الأقاليم.
أمَّا الشام فلها وحدها شأن تنفرد به في قبضة رجل مفتون بالسلطان إقراره عليها وعدم إقراره سواء بسواء لن يسفر الا عن تمرُّد؛ لأنَّه لا يرضي بغير احتلاب السلطان الذي وقع في كفِّ غريمه القديم».
ومضي يقول: «ولعلَّه لو أثبته الإمام في حكم الشام، لوسعه أن يبدو
[صفحه 194]
في أنظار الجماهير أقوي منه في حال العزل، لأنَّه لا يستطيع أن يقول للناس: إنَّه يأبي البيعة لمن ولأَه، ولا يعتبرها الا ثمناً يشتري أمير المؤمنين صمته عن اتهامه بمقتل عُثمان» [435].

مسير الإمام إلي البصرة ووقعة الجمل

اشاره

بينما كان الإمام عليٌّ يجهِّز جيشاً إلي الشام بقيادته؛ لكسح معاوية وبطانته الفاسدة، أتاه الخبر عن طلحة والزبير وعائشة من مكَّة بما عزموا عليه، فاستعدَّ لحرب الناكثين «وسار عليٌّ من المدينة في تعبئته التي تعبَّاها لأهل الشام آخر شهر ربيع الآخر سنة ستٍّ وثلاثين» [436].
رسم الإمام في سياسته الجديدة خطوط الحكم العريضة، وكان وسامها: «لا فضل لعربي علي أعجمي»، أثارت هذه السياسة غضب المتمرِّدين علي الحكم، وكان منهم ما كان من الخروج عليه، فلمَّا أدرك طلحة والزبير برفض الإمام أن يجعل لهما ميزة علي غيرهما، فلا ينالان الا ما ينال المسكين والفقير بعطاء متساوٍ..
بعد أن أدركا كلَّ هذا سكتا علي مضضٍ، وأخذا يعملان للثورة ضدَّه، ضدَّ الحكم الجديد، فانضمَّا إلي الحزب الأُموي..
لقد كان قرار التسوية «هو السبب الخفي والحقيقي لخروج من خرج علي عليٍّ، ولنكوث من نكث بيعته، وإن تواري ذلك تحت دعوي مفتعلة اسمها دم عُثمان» [437].
[صفحه 195]
واستغلَّ هذا الجانب سخط عائشة علي الإمام عليٍّ عليه السلام ومواقفها العدائية منه.. فلمَّا كانت بمكَّة، وقد خرجت إليها قبل أن يُقتل عُثمان، فلمَّا كانت في بعض طريقها راجعةً إلي المدينة لقيها ابن أمِّ كلاب، فقالت له: ما فعل عُثمان؟
قال: قُتل!
قالت: بُعداً وسحقاً، فمن بايع الناس؟
قال: طلحة.
قالت: إيهاً ذو الإصبع.
ثمَّ لقيها آخر، فقالت: ما فعل الناس؟
قال: بايعوا عليَّاً.
قالت: والله ما كنت أُبالي أن تقع هذه علي هذه، ثُمَّ رجعت إلي مكَّة [438].
فانصرفت إلي مكَّة وهي تقول: قُتل والله عُثمان مظلوماً، والله لأطلبنَّ بدمه!
قيل لها: ولِمَ؟ والله إنَّ أوَّل من أمال حَرْفَه لأنتِ، ولقد كنتِ تقولين: اقتلوا نعثلاً فقد كفر.
قالت: إنَّهم استتابوه، ثُمَّ قتلوه، وقد قلتُ وقالوا، وقولي الأخير خيرٌ من قولي الأوَّل.
فقال لها ابن أمِّ كلاب:
[صفحه 196]
فمنكِ البداءُ ومنكِ الغِيرْ
ومنكِ الرياحُ ومنكِ المطرْ
وأنتِ أمرتِ بقتل الإمام
وقلتِ لنا: إنَّه قد كفرْ
فَهَبْنا أطعناك في قتلِه
وقاتِلُه عندنا مَنْ أمرْ
ولم يسقطِ السقفُ من فوقنا
ولم ينكسف شمسنا والقمرْ
وقد بايع الناس ذا تُدرءٍ
يزيلُ الشبا ويُقيم الصعرْ
ويلبسُ للحربِ أثوابها
وما مَنْ وفي مثلُ من قد غدرْ [439].
وقبل أن يخرج موكب عائشة ويدلو بدلوه، كان الإمام عليه السلام يقول: «أمرتُ بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين» [440]، فما مضت الأيَّام حتي قاتلهم، وهذه من جملة الآيات الدالَّة عليه، وقوله عليه السلام لطلحة والزبير لمَّا استأذناه في الخروج إلي العمرة، قال: «والله والله ما تريدان العمرة وإنَّما تريدان البصرة» [441]!
وكان من نتائج هذا التمرُّد كما سنأتي عليه معركة البصرة، أوَّل نكث لبيعة الإمام عليه السلام التي انتهت بفشل موكب عائشة وقتل طلحة والزبير وعشرات الألوف من المسلمين!
تهيَّأت عائشة للخروج إلي البصرة، وأتت أُمُّ سلمة فكلَّمتها في الخروج معهم، فردَّت عليها أُمُّ سلمة قائلةً:
أفأُذكِّرك؟
[صفحه 197]
قالت: نعم.
قالت أُمُّ سلمة: أتذكرين إذ أقبل رسول الله ونحن معه، فخلا بعليٍّ يناجيه، فأطال فأردتِ أن تهجمي عليهما، فنهيتك فعصيتيني، فهجمتِ عليهما، فما لبثت أن رجعتِ باكية، فقلتُ: ما شأنك؟ فقلت: إنِّي هجمت عليهما وهما يتناجيان، فقلتُ لعليٍّ: ليس لي من رسول الله الا يوم من تسعة أيَّام، أفما تدعني يا ابن أبي طالب ويومي! فأقبل رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم عليَّ وهو غضبان محمرُّ الوجه، فقال: «ارجعي وراءك، والله لا يبغضه أحد من أهل بيتي ولا من غيرهم من الناس الا وهو خارج من الإيمان»؟
قالت عائشة: نعم أذكر [442].
لكن لم يردعها كلام ولا رادع، فلم تنثنِ عن عزمها، ولم ترجع إلي عقلها، فتجهَّزت ومن معها إلي البصرة لتؤلِّب الناس علي الإمام عليٍّ عليه السلام فكانت أحداث معركة الجمل.
تحرَّك موكب الناكثين بقيادة عائشة وطلحة والزبير نحو البصرة، وقد حفَّ به الحاقدون علي الإمام عليٍّ عليه السلام تحت شعار: «الثأر لعثمان»، فلمَّا بلغوا «ذات عرق» لقيهم سعيد بن العاص ومروان بن الحكم وأصحابه، فقال لهم: أين تذهبون وتتركون ثأركم علي أعجاز الإبل وراءكم؟ يعني عائشة وطلحة والزبير اقتلوهم ثُمَّ ارجعوا إلي منازلكم.
[صفحه 198]
فقالوا: نسير لعلَّنا نقتل قتلة عُثمان جميعاً [443].
ومرَّ القوم ليلاً بماء يُقال له: الحوأب، فنبحتهم كلابه، فقالت عائشة: ما هذا الماء؟
قال بعضهم: ماء الحوأب.
فقالت: إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، هذا الماء الذي قال لي رسول الله: «لا تكوني التي تنبحكِ كلاب الحوأب». ثمَّ صرخت بهم: ردُّوني ردُّوني!!
فأتاها القوم بأربعين رجلاً، فأقسموا بالله أنَّه ليس بماء الحوأب! وأتي عبدالله بن الزبير، فحلف لها بالله لقد خلَّفتهِ أوَّل الليل، وأتاها ببيِّنة زور من الأعراب فشهدوا بذلك [444] فكان ذلك أوَّل شهادة زور أُقيمت في الإسلام.
وبلغوا البصرة، وعامل الإمام عليها الصحابي عُثمان بن حُنيف الأنصاري، فمنعهم من الدخول، وقاتلهم، ثُمَّ توادعوا الا يحدثوا حدثاً حتي يقدم عليٌّ عليه السلام، ثُمَّ كانت ليلة ذات ريح وظلمة، فأقبل أصحاب طلحة فقتلوا حرس عُثمان بن حنيف، ودخلوا عليه، فنتفوا لحيته وجفون عينيه ومثَّلوا به، وقالوا: لولا العهد لقتلناك، وأخذوا بيت المال [445].
[صفحه 199]
وأمّا الإمام علي فلما بلغه نبأ مسيرهم إلي البصرة، حمد الله وأثني عليه، ثُمَّ قال: «قد سارت عائشة وطلحة والزبير، كلُّ واحدٍ منهما يدَّعي الخلافة دون صاحبه، فلا يدَّعي طلحة الخلافة الا أنَّه ابن عمِّ عائشة، ولا يدَّعيها الزبير الا أنَّه صهر أبيها. والله لئن ظفرا بما يريدان ليضربنَّ الزبير عنق طلحة، وليضربنَّ طلحة عنق الزبير، يُنازع هذا علي الملك هذا.
وقد والله علمتُ أنَّها الراكبة الجمل، لا تحلُّ عقدةً ولا تسيرُ عقبةً، ولا تنزلُ منزلاً الا إلي معصيةٍ، حتي تورد نفسها ومن معها مورداً، يُقتل ثلثهم ويهرب ثلثهم ويرجعُ ثلثهم.
والله إنَّ طلحة والزبير ليعلمان أنَّهما مُخطئان وما يحملان، ولربَّما عالم قتله جهلُهُ وعلمه معه لا ينفعه. والله لينبحها كلاب الحوأب، فهل يعتبر معتبرٌ أو يتفكَّر متفكِّرٌ»!
ثمَّ قال: «قد قامت الفئة الباغية فأين المحسنون»؟ [446].
ثمَّ دعا علي طلحة والزبير أمام مسلمي الكوفة، فقال: «قد علمتم معاشر المسلمين أنَّ طلحة والزبير بايعاني طائعين راغبين، ثُمَّ استأذناني في العمرة فأذنتُ لهما، فسارا إلي البصرة فقتلا المسلمين وفعلا المنكر.
اللَّهمَّ إنَّهما قطعاني وظلماني ونكثا بيعتي وألَّبا الناس عليَّ، فاحلُل ماعقدا، ولا تُحكمْ ما أبرما، وأرهما المساءة فيما عملا» [447].
[صفحه 200]

معركة الجمل

سُمِّيت بذلك لأنَّ «قائدة الجيش» فضَّلت ركوب الجمل علي البغال والحمير، وكانت الواقعة في 4 كانون الأوَّل سنة 646م [448]، يوم الخميس لعشر خلون من جمادي الآخرة سنة 36ه [449].
وكانت الوقعة خارج البصرة، عند قصر عبيدالله بن زياد [450] وكان عسكر الإمام عشرين ألفاً، وعسكر عائشة ثلاثين ألفاً [451].
ولمَّا التقي الجمعان قال الإمام لأصحابه: «لا تبدأوا القوم بقتال، وإذا قاتلتموهم فلا تجهزوا علي جريح، وإذا هزمتموهم فلا تتَّبعوا مدبراً، ولا تكشفوا عورة، ولا تمثِّلوا بقتيل، وإذا وصلتم إلي رحال القوم فلا تهتكوا ستراً، ولا تدخلوا داراً، ولا تأخذوا من أموالهم شيئاً.. ولا تهيجوا امرأةً بأذي وإن شتمن أعراضكم، وسَبَبنَ أمراءكم وصلحاءكم» [452].
وقيل: إنَّ أوَّل قتيل كان يومئذٍ مسلم الجُهني، أمره عليٌّ عليه السلام فحمل مصحفاً، فطاف به علي القوم يدعوهم إلي كتاب الله، فقُتل [453].
ثمَّ أخذ أصحاب الجمل يرمون عسكر الإمام بالنبال، حتي قُتل منهم جماعة، فقال أصحاب الإمام: عقرتنا سهامهم، وهذه القتلي بين يديك..
[صفحه 201]
عند ذلك استرجع الإمام وقال: «اللَّهمَّ اشهد»، ثُمَّ لبس درع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وتقلَّد سيفه ورفع راية رسول الله السوداء المسمَّاة بالعقاب؛ فدفعها إلي ولده محمَّد بن الحنفية.
وتقابل الفريقان للقتال، فخرج الزبير، وخرج طلحة بين الصفَّين، فخرج إليهما عليٌّ، حتي اختلفت أعناق دوابِّهم، فقال عليٌّ عليه السلام: «لعمري قد أعددتما سلاحاً وخيلاً ورجالاً إن كنتما أعددتما عند الله عذراً، فاتَّقيا الله، ولا تكونا (كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أنكَاثاً) [454].
ألم أكن أخاكما في دينكما، تُحرِّمان دمي، وأُحرِّم دمكما، فهل من حدثٍ أحلَّ لكما دمي»؟!
قال طلحة: ألَّبت علي عُثمان.
قال عليٌّ: «(يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللهُ دِينَهُمُ الْحَقّ)، يا طلحة، تطلب بدم عُثمان؟! فلعن الله قتلة عُثمان، يا طلحة، أجئت بِعرس رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم تقاتل بها، وخبَّأتَ عرسك في البيت! أما بايعتني؟!».
قال: بايعتك والسيف علي عنقي!
فقال عليٌّ عليه السلام للزبير: «يا زبير، ما أخرجك؟ قد كنَّا نعدُّك من بني عبدالمطَّلب حتي بلغ ابنك ابن السوء [455]، ففرَّق بيننا» وذكَّره أشياء، فقال: «أتذكر يوم مررت مع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في بني غنم، فنظر إليَّ، فضحك، وضحكت إليه، فقلتَ له: لا يدع ابن أبي طالب زهوه، فقال لك: ليس به
[صفحه 202]
زهوٌ، لتقاتلنَّه وأنت ظالم له؟».
قال: اللَّهمَّ نعم، ولو ذكرت ما سرتُ مسيري هذا، والله لا أُقاتلك أبداً.
فانصرف الزبير إلي عائشة، فقال لها: ما كنتُ في موطن منذ عقلت الا وأنا أعرف فيه أمري، غير موطني هذا.
قالت: فما تريد أن تصنع؟
قال: أُريد أن أدعهم وأذهب.
قال له ابنه عبدالله: جمعت بين هذين الغارين، حتي إذا حدَّد بعضهم لبعض أردت أن تتركهم وتذهب؟! لكنَّك خشيت رايات ابن أبي طالب، وعلمت أنَّها تحملها فتيةٌ أنجاد، وأنَّ تحتها الموت الأحمر، فجبنت!
فاحفظه أي: أغضبه ذلك، وقال: إنِّي حلفتُ الا أُقاتله.
قال: كفِّر عن يمينك، وقاتله.
فأعتق غلامه (مكحولاً)، وقيل: سرجيس.
فقال عبدالرحمن بن سلمان التميميُّ:
لم أرَ كاليوم أخا إخوانِ
أعْجَبَ من مُكَفِّرِ الايمانِ
بالعتق في معصية الرحمن [456].
وقيل: إنَّه عاد ولم يقاتل الإمام عليه السلام [457].
واحتدمت المعركة بين الفريقين، وتقاتلوا قتالاً لم يشهد تاريخ البصرة
[صفحه 203]
أشدَّ منه، ثُمَّ إنَّ مروان بن الحكم رمي طلحة بسهمٍ وهو يقاتل معه ضدَّ عليٍّ عليه السلام! يرميه فيرديه ويقول: لا أطلب بثأري بعد اليوم [458].
واستمرَّ الحال في أشدِّ صراعٍ، لم يرَ سوي الغبرة وتناثر الرؤوس والأيدي، فتتهاوي أجساد المسلمين علي الأرض.
ولمَّا رأي الإمام هذا الموقف الرهيب من كلا الطرفين، وعلم أنَّ المعركة لا تنتهي أبداً مادام الجمل واقفاً علي قوائمه قال: «إرشقوا الجمل بالنبل، واعقروه والا فنيت العرب، ولايزال السيف قائماً حتي يهوي هذا البعير إلي الأرض». فقطعوا قوائمه، ثُمَّ ضربوا عجز الجمل بالسيف، فهوي إلي الأرض وعجَّ عجيجاً لم يُسمع بأشدِّ منه. فتفرَّق من كان حوله كالجراد المبثوث، وبقيت قائدة المعركة لوحدها في ميدان الحرب! وانتهت المعركة بهزيمة المتمرِّدين من أصحاب الجمل.
أمَّا الإمام عليه السلام فقد هاله موقف المسلمين منه، حتي ساقهم هذا العصيان والتمرُّد علي الحقِّ إلي مثل هذا المصير، فوقف بين قتلاه وقتلي المتمرِّدين، تحيط به هالة القلق والتمزُّق فقال: «هذه قريشٌ، جَدَعْتُ أنفي وشفيتُ نفسي، لقد تقدَّمت إليكم أُحذِّركم عضَّ السيوف، وكنتم أحداثاً لا علم لكم بما ترون، ولكنَّه الحَين [459]، وسوء المصرع، فأعوذ بالله من سوء المصرع»؟ [460].
ثمَّ أمر عليٌّ عليه السلام نفراً أن يحملوا هودج عائشة من بين القتلي، وأمر
[صفحه 204]
أخاها محمَّد بن أبي بكر أن يضرب عليها قُبَّةً، وقال: «انظر هل وصل إليها شيء من جراحة»؟ فأدخل رأسه في هودجها، فقالت: من أنت؟ قال: أبغض أهلك إليك. قالت: ابن الخثعمية؟ قال: نعم. قالت: يا بأبي، الحمد لله الذي عافاك؟! [461].
فلمَّا كان الليل أدخلها أخوها محمَّد بن أبي بكر البصرة، في دار صفية بنت الحارث، ثمَّ دخل الإمام عليه السلام البصرة فبايعه أهلها علي راياتهم حتي الجرحي والمستأمنة..
ثمَّ جهَّز عليٌّ عليه السلام عائشة بكلِّ ما ينبغي لها من مركبٍ وزادٍ ومتاعٍ وغير ذلك، وبعث معها كلَّ من نجا، ممَّن خرج معها، الا من أحبَّ المقام، واختار لها أربعين امرأةً من نساء البصرة المعروفات، وسيَّر معها أخاها محمَّد بن أبي بكر [462].
وقيل: إنَّه لمَّا أُخذ مروان بن الحكم أسيراً يوم الجمل، فتكلَّم فيه الحسن والحسين عليهما السلام فخلَّي سبيله فقالا له: «يبايعك، يا أمير المؤمنين؟» فقال: «ألم يبايعني بعد قتل عُثمان، لا حاجة لي في بيعته، أما إنَّ له إمرة كلعقة الكلب أنفه، وهو أبو الأكبش الأربعة، وستلقي الأُمَّة منه ومن ولده موتاً أحمر». فكان كما قال عليه السلام [463].
ورُبَّ سائل يسأل: ما هي الآثار التي تركتها فتنة الجمل؟
فيُجيب الأستاذ محمَّد جواد مغنية بقوله: «لولا حرب الجمل لما كانت
[صفحه 205]
حرب صفِّين والنهروان، ولا مذبحة كربلاء، ووقعة الحرّة، ولا رُميت الكعبة المكرَّمة بالمنجنيق أكثر من مرَّة، ولا كانت الحرب بين الزبيريِّين والأُمويِّين، ولا بين الأُمويِّين والعباسيِّين، ولما افترق المسلمون إلي سُنَّة وشيعة، ولما وجد بينهم جواسيس وعملاء يعملون علي التفريق والشتات، ولما صارت الخلافة الإسلامية ملكاً يتوارثها الصبيان، ويتلاعب بها الخدم والنسوان.
لقد جمعت حرب الجمل جميع الرذائل والنقائص، لأنَّها السبب لضعف المسلمين وإذلالهم، واستعبادهم وغصب بلادهم، فلقد كانت أوَّل فتنةٍ ألقت بأس المسلمين بينهم، يقتل بعضهم بعضاً، بعد أن كانوا قوَّةً علي أعدائهم، كما فسحت المجال لما تلاها من الفتن والحروب الداخلية التي أودت بكيان المسلمين ووحدتهم، ومهَّدت لحكم الترك والديلم والصليبيِّين وغيرهم. وباختصار لولا فتنة الجمل لاجتمع أهل الأرض علي الإسلام، لأنَّ رحمته تشمل الناس أجمعين (وَمَا أرْسَلْنَاكَ الا رَحْمَةً لِلْعَالَمِين) وقال النبيُّ صلي الله عليه وآله وسلم: «إنَّما أنا رحمة مهداة»» [464].

علي في طريقه إلي الشام، وحرب صفين

لمَّا انتهت فتنة الجمل استعدَّ الإمام إلي حرب معاوية، فوجد حماساً وتجاوباً من أهل الكوفة، فقد كان قسم كبير منهم قد اشتركوا معه في معركة الجمل، وهم الآن يريدون أن يضيفوا نصراً جديدا للإسلام.
ثمَّ إنَّ الإمام وقبل حرب صفِّين قد أرسل إلي معاوية السفراء والكتب
[صفحه 206]
يدعوه الي الطاعة والدخول فيما دخل المسلمون من قبله، لكنَّه لم يستجب لطلبه، بل أظهر الشدَّة والصلافة في ردِّه علي رسائل الإمام، واختار القتال علي الصلح والمسالمة.
في هذه الأثناء تجهَّز معاوية بجيشٍ ضخمٍ واتَّجه به صوب العراق، ولمَّا بلغ أمير المؤمنين خبره جهَّز جيشه، واتَّجه نحو الزحف، ليقطع عليهم الدخول إلي أرض العراق، لما في ذلك من قتل ونهب وفساد كبير.. فكان من ذلك حرب صفِّين، وبالشعار السابق نفسه: «دم عُثمان»!
فتمرَّدوا وأعدُّوا العدَّة لمحاربة إمام المتَّقين.. فهم لم يخرجوا في طلب الثأر لعثمان، بل كان خروجهم ضدَّ الإمام، وضدَّ الإسلام كلِّه، والثأر لأنفسهم، ونري ذلك واضحاً من كلام ابن العاص مع معاوية علي الشعار المزيَّف، حيث قال عمرو بن العاص لمعاوية:
واسوأتاه! إنَّ أحقَّ الناس الا يذكر عُثمان لا أنا ولا أنت!
قال معاوية: ولِمَ ويحك؟!
قال: أمَّا أنت فخذلته ومعك أهل الشام! وأمَّا أنا فتركته عياناً وهربتُ إلي فلسطين!
وقال له: أما والله، إن قاتلنا معك نطلب دم الخليفة، إنَّ في النفس ما فيها، حيث نقاتل مَنْ تعلم سابقته وفضله وقرابته، ولكنَّنا أردنا هذه الدنيا!! [465] فأيُّ مكرٍ هذا الذي رأيناه من كلامهما؟! علي مثل ذلك أعدُّوا العدَّة
[صفحه 207]
لمحاربة الخليفة الجديد، فهؤلاء هم القاسطون الذين كرهوا خلافة الإمام عليٍّ عليه السلام.
ووصل الإمام إلي صفِّين في ذي القعدة، وابتدأت الحرب في أوَّل ذي الحجَّة سنة 36ه، وحصلت الهدنة في المحرم سنة 37 ه، واستؤنف القتال في أوَّل صفر، وانتهي في 13 منه [466]، وعسكر الإمام بالنُخيلة، وعقد لواءه لغلامه قنبر.
ونزل معاوية بمن معه في وادي صفِّين، وأخذ شريعة الفرات، وجعلها في حيِّزه، وبعث عليها أبا الأعور السُّلمي يحميها ويمنعها.. وبعث أمير المؤمنين صعصعة بن صوحان إلي معاوية، يسأله أن يخلِّي بين الناس والماء، فقال معاوية لأصحابه: ما ترون؟ فبعضهم قال: امنعهم الماء، كما منعوه ابن عفَّان، اقتلهم عطشاً قتلهم الله، لكنَّ عمرو بن العاص حاول أن يقنع معاوية بأن يخلِّي بين القوم وبين الماء، فرجع صعصعة فأخبره بما كان، وأنَّ معاوية قال: سيأتيكم رأيي، فسرَّب الخيل إلي أبي الأعور ليمنعهم الماء.
ولمَّا سمع عليٌّ عليه السلام ذلك قال: «قاتلوهم علي الماء»، فأرسل كتائب من عسكره، فتقاتلوا واشتدَّ القتال، واستبسل أصحاب الإمام أشدَّ استبسالٍ، حتي خلَّوا بينهم وبين الماء، وصار في أيدي أصحاب عليٍّ عليه السلام.
فقالوا: والله لا نسقيه أهل الشام!
فأرسل عليٌّ عليه السلام إلي أصحابه أن: «خذوا من الماء حاجتكم وخلُّوا عنهم، فإنَّ الله نصركم بغيِّهم وظلمهم» [467].
[صفحه 208]
بهذا الخُلق الكريم عامل أمير المؤمنين عليه السلام أشدَّ مناوئيه..
ثمّ دعا عليّ عليه السلام جماعة من قادة جنده، فقال لهم: «ائتوا هذا الرجل وادعوه إلي الله والي الطاعة والجماعة».
ففعلوا ما أمرهم به، لكنَّ معاوية قال لهم بعد أن سمع كلامهم: انصرفوا من عندي، فليس بيني وبينكم الا السيف، وغضب القوم، وخرجوا، فأتوا عليَّاً عليه السلام فأخبروه بذلك..
واحتدم القتال بين الطرفين، فاقتتلوا يومهم كلَّه قتالاً شديداً لم يشهد له تاريخ الحروب مثيلاً، ثُمَّ تقدَّم الإمام عليٌّ عليه السلام بمن معه يتقدَّمهم عمَّار بن ياسر، ولمَّا برز لعمر بن العاص قال عمَّار: «لقد قاتلت صاحب هذه الراية مع رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ثلاث مرّات، وهذه الرابعة ما هي بأبرَّ وأنقي» [468] يعني: راية معاوية.
وقال حبَّة بن جُوَين العُرَني: قلتُ لحذيفة بن اليمان: حدِّثنا فإنَّا نخاف الفتن.
فقال: عليكم بالفئة التي فيها ابن سُميَّة، فإنَّ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، قال: «تقتله الفئة الباغية الناكبة (الناكثة) عن الطريق، وإنَّ آخر رزقه ضَياح من لبن»، وهو الممزوج بالماء من اللبن، قال حبَّة: فشهدته يوم قُتل وهو يقول: ائتوني بآخر رزقٍ لي في الدنيا، فأُتي بضياحٍ من لبن في قدح أروح له حلقة حمراء فما أخطأ حذيفة مقياس شعرة فقال:
اليوم ألقي الأحبَّة
محمَّداً وحزبه
[صفحه 209]
والله لو ضربونا حتي يبلغوا بنا سعفات هجر؛ لعلمت أنَّنا علي الحقِّ وأنَّهم علي الباطل، ثم قُتل [469] رضي الله عنه وأرضاه..
وقد تضعضع الكثيرون من أتباع ابن أبي سفيان لموقف عمَّار، لأنَّ مقولة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فيه لم تكن خافيةً علي أحدٍ من الناس: «فطوبي لعمَّار تقتله الفئة الباغية، عمَّار مع الحقِّ يدور معه كيفما دار» وهذا كلُّه من دلائل نبوَّة محمَّدٍ صلي الله عليه وآله وسلم.
وكان ذو الكلاع قد سمع عمرو بن العاص يقول: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لعمَّار بن ياسر: «تقتلك الفئة الباغية، وآخر شربةٍ تشربها ضَياح من لبن»، فكان ذو الكلاع يقول لعمرو: ما هذا ويحك يا عمرو؟ فيقول عمرو: إنَّه سيرجع إلينا.
فقُتل ذو الكلاع قبل عمَّار مع معاوية، وأُصيب عمَّار بعده مع عليٍّ عليه السلام.
فقال عمرو لمعاوية: ما أدري بقتل أيُّهما أنا أشدُّ فرحاً، بقتل عمَّار أو بقتل ذي الكلاع؟ والله لو بقي ذو الكلاع بعد قتل عمَّار لمال بعامَّة أهل الشام إلي عليٍّ [470]، فأشرق وجه معاوية لذلك!
ولمَّا قُتل عمَّار، قال عليٌّ لربيعة وهمدان: «أنتم درعي ورمحي» فانتدب له نحو من اثني عشر عليه السلام وتقدَّمهم عليٌّ علي بغلة، فحملوا معه حملة رجلٍ واحدٍ، فلم يبقَ لأهل الشام صفٌّ الا انتقض، وقتلوا كلَّ من انتهوا إليه.. حتي رأوا الظفر.
[صفحه 210]
واستمرَّ القتال ليلةً كاملة حتي الصباح. فتطاعنوا حتي تقصَّفت الرماح، وتراموا حتي نفد النبل، وكان الأشتر في الميمنة وابن عبَّاس في الميسرة وعليٌّ عليه السلام في القلب، والناس يقتتلون من كلِّ جانبٍ، حتي أصبحوا والمعركة خلف أظهرهم.

رفع المصاحف.

«كلمة حقٍّ يُراد بها باطل»
لمَّا رأي عمرو أنَّ أمر أهل العراق قد اشتدَّ وخاف الهلاك، قال لمعاوية: هل لك في أمرٍ أعرضه عليك، لا يزيدنا الا اجتماعاً، ولا يزيدهم الا فرقةً؟
قال: نعم.
قال: نرفع المصاحف، ثُمَّ نقول: هذا حكم بيننا وبينكم.
فرفعوا المصاحف بالرماح وقالوا: هذا كتاب الله عزَّ وجلَّ بيننا وبينكم، مَنْ لثغور الشام بعد أهله؟ مَنْ لثغور العراق بعد أهله؟
فلمَّا رآها الناس قالوا: نجيب إلي كتاب الله.
فقال لهم عليٌّ عليه السلام: «عباد الله امضوا علي حقِّكم وصدقكم وقتال عدوِّكم، فإنَّ معاوية وعمراً وابن أبي معيط وحبيباً وابن أبي سرح والضحَّاك ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن، أنا أعرَف بهم منكم، قد صحبتهم أطفالاً ثُمَّ رجالاً، فكانوا شرَّ أطفال وشرَّ رجال، ويحكم والله ما رفعوها الا خديعةً ووهناً ومكيدة».
فقالوا له: لا يسعنا أن نُدعي إلي كتاب الله فنأبي أن نقبله!
فقال لهم عليٌّ عليه السلام: «فإنِّي إنَّما أُقاتلهم ليدينوا لحكم الكتاب، فإنَّهم قد عصو الله فيما أمره ونسوا عهده ونبذوا كتابه».
[صفحه 211]
فقال له جماعة من المسلمين، الذين صاروا خوارج بعد ذلك: يا عليُّ، أجب إلي كتاب الله عزَّ وجلَّ إذا دُعيت إليه، والا دفعناك برمَّتك إلي القوم، أو نفعل بك ما فعلنا بابن عفَّان!
قال: «فاحفظوا عنِّي نهيي إيَّاكم، واحفظوا مقالتكم لي، فإن تطيعوا فقاتلوا، وإن تعصوني فاصنعوا ما بدا لكم» [471].
لم تكن بينهم وبين معاوية الا بضعة أمتار، فلولا وقوع هؤلاء في الفخ الذي نصبه معاوية لاستطاع الإمام عليه السلام أن يسيطر علي الموقف ويستأصل رأس الفتن، ولكنَّ مسألة التحكيم غيَّرت مجري الأُمور إلي أسوأ حال، فحالت دون تحقيق الهدف المنشود، وقُدِّر لهذه المؤامرة أن تنجح وأن تجرَّ وراءها المصائب والويلات!
ثمَّ قالوا للإمام: ابعث إلي الأشتر فليأتكَ، فرجع الأشتر مغضباً بعدما أوشك علي النصر، فأقبل إليهم الأشتر، وقال: يا أهل العراق! يا أهل الذلِّ والوهن! أحين علوتم القومَ وظنُّوا أنَّكم لهم قاهرون، رفعوا المصاحف يدعونكم إلي ما فيها، وهم والله قد تركوا ما أمر الله به فيها وسُنَّة مَنْ أُنزلت عليه؟ فأمهلوني فواقاً، فإنِّي قد أحسستُ الفتح [472].
لكنَّهم أبوا الا التحكيم!
وجعل أهل الشام عمرو بن العاص علي التحكيم، وأراد الإمام عليه السلام أن يجعل عبدالله بن عبَّاس، لكنَّهم أبوا الا أبا موسي الأشعري، ولمَّا رأي أنه لاتنفع معهم حجَّة حكَّمه علي مضض!
[صفحه 212]
وحضر عمرو بن العاص عند عليٍّ عليه السلام ليكتب القضية بحضوره، فكتبوا:
بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما تقاضا عليه أمير المؤمنين، فقال عمرو: اكتب اسمه واسم أبيه، هو أميركم وأمَّا أميرنا فلا. فقال الأحنف: لا تمحُ اسم إمارة أمير المؤمنين، فإنِّي أخاف إن محوتها أن لا ترجع إليه أبداً، فلا تمحُها وإن قتل الناس بعضهم بعضاً، فأبي ذلك عليٌّ عليه السلام ملياً من النهار.
ثُمَّ إنَّ الأشعث بن قيس قال: امحُ هذا الاسم، فمُحي، فقال عليٌّ: «الله أكبر! سُنَّة بسُنَّة، والله إنِّي لكاتب رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، يوم الحديبية فكتبتُ: محمَّد رسول الله، وقالوا: لستَ برسول الله، ولكن اكتب اسمك واسم أبيك، فأمرني رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بمحوه، فقلتُ: لا أستطيع، فقال: أرنيه، فأريته، فمحاها بيده، وقال: إنَّك ستُدعي إلي مثلها فتجيب».
فقال عمرو: سبحان الله! أتشبِّهنا بالكفَّار ونحن مؤمنون!
فقال عليٌّ عليه السلام: «يا ابن النابغة، ومتي لم تكن للفاسقين ولياً، وللمؤمنين عدوّاً؟»
فقال عمرو: والله، لا يجمع بيني وبينك مجلس بعد هذا اليوم أبداً.
فقال عليٌّ عليه السلام: «إنِّي لأرجو أن يطهِّر الله مجلسي منك ومن أشباهك».. [473].
وتمّت كتابة الكتاب بجعل كتاب الله الحاكم في كلِّ الأُمور، وما لم يجد في كتاب الله فالسُنَّة العادلة الجامعة غير المفرِّقة.. واُجِّل القضاء إلي رمضان.
[صفحه 213]
ولمَّا انتهت مسألة التحكيم، قال نفرٌ من أصحاب الإمام: كيف تُحكِّمون الرجال في دين الله؟! لا حكم الا لله، وكانوا يعترضون الإمام في خطبته بشعارهم «لا حكم الا لله» لذلك سُمُّوا بالمحكِّمة. فكانوا ما يقارب اثني عشر ألفاً.. فنزلوا في ناحية يُقال لها: «حروراء» لأجلها سُمُّوا بالحرورية..
فحاججهم الإمام عليه السلام بقوله الأوَّل قبل التحكيم، ثُمَّ قال لهم: «قد اشترطتُ علي الحكمين أن يُحييا ما أحيا القرآن، ويُميتا ما أمات القرآن، فإن حكما بحكم القرآن فليس لنا أن نخالف، وإن أبيا فنحن عن حكمهما براء».
قالوا: أتراه عدلاً تحكيم الرجال في الدماء؟
قال: «إنَّا لسنا حكَّمنا الرجال، إنَّما حكَّمنا القرآن، وهذا القرآن إنَّما هو خطٌّ مسطور بين دفَّتين لا ينطق، إنَّما يتكلَّم به الرجال» [474] ثمَّ رجعوا مع الإمام عليه السلام.
فلمَّا التقي الحكمان: أبو موسي الأشعري وعمرو بن العاص، وخُدِع أبو موسي؛ إذ مكر به عمرو، قال له: أنت صاحب رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وأسنُّ منِّي فتكلَّم، وأراد عمرو بذلك كلِّه أن يقدِّمه في خلع عليٍّ، قال له: نخلع عليَّاً ومعاوية معاً، ونجعل الأمر شوري، فيختار المسلمون لأنفسهم من أحبُّوا.
فتقدَّم أبو موسي فأعلن علي الملأ الحاضرين أنَّه قد خلع عليَّاً من الخلافة ثُمَّ تنحَّي. وأقبل عمرو فقام، وقال: إنَّ هذا قد قال ما سمعتموه
[صفحه 214]
وخلع صاحبه، وأنا أخلع صاحبه كما خلعه، وأُثبت صاحبي معاوية! [475] فدُهش أبو موسي وشتم عمرو وشتمه عمرو، وانفضَّ التحكيم عن هذه النتيجة!
والتمس المسلمون أبا موسي فهرب إلي مكَّة، ثُمَّ انصرف عمرو وأهل الشام الي معاوية فسلَّموا عليه بالخلافة.
مع هذه النتيجة عاد عليّ عليه السلام يعمل علي إعادة نظم جيشه، استعداداً لمرحلة جديدة من الحروب مع أهل الغدر، ولكن فتناً جديدة نجمت بين أصحابه ستمنع من انطلاقته صوب أهدافه..
قام يوماً خطيباً بين أصحابه، فقام إليه رجل من اُولئك «المحكمّة» فقال: لا حكم الا لله! ثُمَّ توالي عدَّة رجال يحكِّمون. فقال عليٌّ عليه السلام: «الله أكبر، كلمة حقٍّ أُريدَ بها باطل! أما إنَّ لكم عندنا ثلاثاً ما صحبتمونا: لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسمه، ولا نمنعكم الفيء مادامت أيديكم في أيدينا، ولا نقاتلكم حتي تبدأوا، وإنَّما نتّبع فيكم أمر الله».. [476].
بهذه الأخلاق النبيلة تعامل الإمام مع المارقين، ورغم ذلك فقد مضوا علي غيّهم، فاعتزلوا بقيادة عبدالرحمن بن وهب الراسبي، ثمَّ خرجوا من الكوفة.
فبايع المسلمون الإمام عليَّاً عليه السلام وقالوا: «نحن أولياء من واليت، وأعداء من عاديت» فشرط فيهم سُنَّة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، وجاء دور صاحب راية
[صفحه 215]
خثعم، ربيعة بن أبي شداد فقال له: «بايع علي كتاب الله وسُنَّة رسوله صلي الله عليه وآله وسلم»، فأبي بأن يبايع الا علي سُنَّة أبي بكر وعمر! فقال له عليٌّ عليه السلام حين ألحَّ عليه: تبايع؟ قال: لا، الا علي ما ذكرتُ لك.
فقال له الإمام: «أما والله، لكأنِّي بك قد نفرت في هذه الفتنة، وكأنِّي بحوافر خيلي قد شدخت وجهك»! قال قبيصة: فرأيته يوم النهروان قتيلاً قد وطأت الخيل وجهه وشدخت رأسه ومثَّلت به، فذكرت قول عليٍّ، وقلت: لله درُّ أبي الحسن، ما حرَّك شفتيه قط بشيءٍ الا كان كذلك! [477].
وكان همُّ الإمام عليه السلام في العود إلي محاربة معاوية، فعبَّأ جنده، لكنَّه وبعد ذلك كلِّه لم يترك «المحكِّمة» فكتب إليهم كتاباً جاء فيه: «بسم الله الرحمن الرحيم، من عبدالله عليٍّ أمير المؤمنين إلي عبدالله بن وهب الراسبي ويزيد بن الحصين ومن قبلهما: سلام عليكم، وبعد، فإنَّ الرجلين اللذين ارتضيتماهما للحكومة خالفا كتاب الله واتَّبعا هواهما بغير هديً من الله، فلمَّا لم يعملا بالسُنَّة ولم يحكما بالقرآن تبرَّأنا من حكمهما، ونحن علي أمرنا الأوَّل، فأقبلوا إليَّ رحمكم الله، فإنَّا سائرون إلي عدوِّنا وعدوِّكم لنعود لمحاربتهم، حتي يحكم الله بيننا وبينهم، وهو خير الحاكمين» [478].
وردُّوا علي هذا الخطاب الحكيم المتَّزن بخطابٍ ينمُّ عن شدَّة تعسُّفهم وردِّهم المارق، فكتبوا إليه: «. فإن شهدت علي نفسك أنَّك كفرت في ما كان من تحكيمك الحكمين، واستأنفت التوبة والإيمان، نظرنا في مسألتنا من
[صفحه 216]
الرجوع إليك، وإن تكن الأُخري فإنَّنا ننابذك علي سواء، إنَّ الله لا يهدي كيد الخائنين» [479].
فلمّا يئس منهم تحرَّك بجيشه صوب الشام، حتي بلغ منطقةً في أعالي الفرات تُدعي «عانات» فأتته أخبار فضيعة عن الخوارج، إذ أصبحوا يعترضون الناس فيقتلونهم دون أدني ذنبٍ، الا لأنَّهم لم يتبرَّأوا من عليٍّ ولم يكفِّروه لما حدث! حتي أنَّهم أقبلوا أخيراً إلي قتل عبدالله بن خباب بن الأرت الصحابي الشهير، وقتلوا معه امرأته وبقروا بطنها وهي حامل، وقتلوا عدَّة نساءٍ، وبثُّوا الرعب في الناس.
فبعث إليهم أمير المؤمنين الحارث بن مرَّة العبدي ليأتيه بخبرهم، فأخذوه فقتلوه. [480] فتمخَّضت تلك الأحداث عن معركة النهروان الشهيرة..

حرب النهروان

المعروفة بوقعة الخوارج، وحصلت الوقعة سنة 37ه.
لمَّا بلغ عليَّاً عليه السلام قتل «المحكِّمة» لعبدالله بن خباب بن الأرت واعتراضهم الناس، وقتلهم مبعوث الإمام إليهم، قال المسلمون الذين معه: يا أمير المؤمنين علامَ ندع هؤلاء وراءنا يخلفوننا في عيالنا وأموالنا؟ سر بنا إلي القوم، فإذا فرغنا منهم سرنا الي عدوِّنا من أهل الشام.
فرجع عليه السلام بجنده الذين ذعروا علي أهليهم من خطر الخوارج، والتقت
[صفحه 217]
الفئتان في النهروان، فلم يبدأهم الإمام عليه السلام بحرب، حتي دعاهم إلي الحجَّة والبرهان، فبعث إليهم ابن عبَّاس أمامه، فناظرهم بالحجَّة والمنطق السليم، لكنَّهم أصرُّوا علي العمي والطغيان! ثُمَّ تقدَّم الإمام عليه السلام، وذكَّرهم نهيه عن قبول التحكيم وإصرارهم عليه، حتي لم يبقَ لديهم حجَّة، وحتي رجع أكثرهم وتاب، وممَّن رجع يومذاك إلي رشده: عبدالله بن الكوَّا أمير الصلاة فيهم. [481] وأبي بعضهم الا القتال!!
وتعبأ الفريقان، ثمَّ جاءت الأنباء أنَّ الخوارج قد عبروا الجسر، فقال عليه السلام: «والله ما عبروا، ولا يقطعونه، وإنَّ مصارعهم لدون الجسر»، ثُمَّ ترادفت الأخبار بعبورهم وهو عليه السلام يحلف أنَّهم لن يعبروه وأنَّه «والله لا يفلتُ منهم عشرة، ولا يهلك منكم عشرة»! فكان كلُّ ذلك كما أخبر به الإمام عليٌّ عليه السلام، فأدركوهم دون النهر، فكبَّروا، فقال الإمام عليه السلام: «والله ما كذبتُ ولا كُذبت» [482].
وكان عليٌّ عليه السلام قد قال لأصحابه: كُفُّوا عنهم حتي يبدأوكم، فتنادوا: الرواح إلي الجنَّة! وحملوا علي الناس. [483] واستعرت الحرب، واستبسل أصحاب الإمام عليه السلام استبسالاً ليس له نظير، فلم ينجُ من الخوارج الا ثمانية فرُّوا هنا وهناك، ولم يُقتل من أصحاب الإمام عليه السلام غير تسعة، وقيل: سبعة [484].
[صفحه 218]
وانجلت الحرب بانجلاء الخوارج وهلاكهم، وقد روي جماعة أنَّ عليَّاً عليه السلام كان يحدِّث أصحابه قبل ظهور الخوارج، أنَّ قوماً يخرجون ويمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرميَّة، علامتهم رجل مُخدَج اليد، سمعوا ذلك منه مراراً [485].
فقال الإمام عليه السلام: «اطلبوا ذي الثُديَّة»، فقال بعضهم: ما نجده، وقال آخرون: ما هو فيهم، وهو يقول: «والله إنَّه لفيهم! والله ما كذبتُ ولا كُذبتُ» وانطلق معهم يفتِّشون عنه بين القتلي حتي عثروا عليه، ورأوه كما وصفه لهم، قال: «الله أكبر، ما كذبتُ ولا كُذبت، لولا أن تنكلوا عن العمل لأخبرتكم بما قصَّ الله علي لسان نبيِّه صلي الله عليه وآله وسلم لمن قاتلهم، مستبصراً في قتالهم، عارفاً للحقِّ الذي نحن عليه» [486].
وقال عليه السلام حين مرَّ بهم وهم صرعي: «بؤساً لكم! لقد ضرَّكم من غرَّكم»!
قالوا: يا أمير المؤمنين مَنْ غرَّهم؟
قال: «الشيطان وأنفسٌ أمَّارة بالسوء، غرَّتهم بالأماني، وزيَّنت لهم المعاصي، ونبَّأتهم أنَّهم ظاهرون» [487].
فقالوا: الحمد لله يا أمير المؤمنين الذي قطع دابرهم، فقال عليه السلام: «كلا والله، إنَّهم نطف في أصلاب الرجال، وقرارات النساء» [488]!
[صفحه 219]

قصة استشهاده

قال أنس بن مالك: مرض عليٌّ فدخلت عليه، وعنده أبو بكر وعمر، فجلست عنده، فأتاه النبيٌّ صلي الله عليه وآله وسلم فنظر في وجهه، فقال له أبو بكر وعمر: يانبيَّ الله ما نراه الا ميِّتاً. فقال: «لن يموت هذا الآن، ولن يموت حتي يُملأ غيضاً، ولن يموت الا مقتولاً» [489].
وممَّا رواه أبو زيدٍ الأحول عن الأجلح، عن أشياخ كندة، قال: سمعتهم أكثر من عشرين مرَّةً يقولون: سمعنا عليَّاً عليه السلام علي المنبر يقول: «مايمنع أشقاها أن يخضّبها من فوقها بدمٍ»؟ ويضع يده علي لحيته عليه السلام [490].
واشتهرت الرواية عن عُثمان بن المغيرة، قال: كان عليٌّ عليه السلام لمَّا دخل رمضان يتعشَّي ليلةً عند الحسن، وليلةً عن الحسين، وليلةً عند عبدالله بن جعفر، زوج زينب بنت أمير المؤمنين عليه السلام، وكان لا يزيد علي ثلاث لُقم، فقيل له في ليلةٍ من تلك الليالي في ذلك، فقال: «يأتيني أمر الله وأنا خميصٌ، إنَّما هي ليلةٌ أو ليلتان». فلم تمضِ ليلة حتي قُتل [491].

سبب قتله

أنظر قصَّة قتله عليه السلام في سير أعلام النبلاء 2: 284 وما بعدها، الكامل في
التاريخ 3: 254 258، إعلام الوري 1: 389 وما بعدها، إرشاد المفيد 1: 9، وغيرها من
كتب التاريخ والتراجم.
وكان سبب قتله أنَّ نفراً من الخوارج اجتمعوا بمكَّة، فتذاكروا أمرالناس وعابوا عمل ولاتهم، ثُمَّ ذكروا أهل النهر فترحَّموا عليهم، وقالوا: مانصنع
[صفحه 220]
بالبقاء بعدهم؟ فلو شرينا أنفسنا وقتلنا أئمة الضلالة وأرحنا منهم البلاد!
وقال عبدالرحمن بن ملجم المرادي لعنه الله : أنا أكفيكم عليَّاً، وكان من أهل مصر. وقال البرك بن عبدالله التميمي الصُريمي: أنا أكفيكم معاوية. أمَّا عمرو بن بكر التميمي، فقال: أنا أكفيكم عمرو بن العاص. وتعاهدوا علي ذلك وأخذوا سيوفهم فسمُّوها، واتَّعدوا لسبع عشرة من رمضان، وقصد كلٌّ منهم الجهة التي يريد.
فأتي ابن مُلجم الكوفة كاتماً أمره، فبينما هو هناك إذ زار أحداً من أصحابه من تيم الرباب، فصادف عندهُ قطام بنت الأخضر التيميَّة.. وكان أمير المؤمنين عليه السلام قتل أباها وأخاها بالنهروان،فلمَّا رآها أخذت قلبه فخطبها، فأجابته إلي ذلك علي أن يُصدِقها: ثلاثة آلاف وعبداً وقينةً، وقتل عليٍّ!!
فقال لها: والله، ما جاء بي الا قتل عليٍّ، فلكِ ما سألتِ!
قالت: سأطلب لك من يشدُّ ظهرك ويساعدك، وبعثت إلي رجلٍ من قومها اسمه: وردان وكلَّمته فأجابها..
وروي أنَّ الإمام عليه السلام سهر في تلك الليلة التي قُتل فيها، وكان يكثر الخروج والنظر إلي السماء، وهو يقول: «والله ما كذبتُ ولا كُذبت، وإنَّها الليلة التي وُعدتُ بها» ثُمَّ يعاود مضجعه، فلمَّا طلع الفجر شدَّ إزاره وخرج وهو يقول:
«أُشدد حيازيمك للموت
فإنَّ الموت آتيك
ولا تجزع من الموت
إذا حلَّ بواديك» [492].
[صفحه 221]
وأخذ ابن ملجم سيفه ومعه شبيب بن بَجَرة ووردان، وجلسوا مقابل السدَّة التي يخرج منها عليٌّ عليه السلام للصلاة.. فضربه ابن ملجم أشقي الآخرين لعنه الله، ليلة تسعة عشر من شهر رمضان، سنة أربعين من الهجرة، في المسجد الأعظم بالكوفة، ضربه بالسيف المسموم علي أُمِّ رأسه.
فمكث عليه السلام يوم التاسع عشر وليلة العشرين ويومها، وليلة الحادي والعشرين الي نحو الثلث من الليل ثُمَّ قضي نحبه شهيداً محتسباً صابراً وقد مُلئ قلبه غيضاً..
بتلك الضربة الشرسة التي ارتجَّ لها المسجد الأعظم، دوي صوت الإمام المظلوم بنداء: «فزت وربِّ الكعبة» لم يتلكَّأ ولم يتلعثم في تلك اللحظات التي امتُحن قلبه، وهو القائل «والله لو كُشف لي الغطاء ما ازددت يقيناً» هذا الإمام العظيم الذي طوي صفحات ماضيه القاسية بدمائه الزكية الطاهرة، أدرك في لحظاته الأخيرة أنَّه أنهي خطَّ الجهاد والمحنة، وكان أسعد المخلوقين في هذه اللحظات الأخيرة، حيث سيغادر الكفر والنفاق والغشَّ والتعسُّف.. سيترك الدنيا لمن يطلبها؛ ليلحق بأخيه وابن عمِّه ورفيق دربه في الجهاد في سبيل الله صابراً مظلوماً، فإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون..
اللَّهمَ احشرنا معهم واجعلنا من أتباعهم والمتوسِّمين خطاهم.. آمين.
وقيل: كان عمره يوم استشهد ثلاثاً وستِّين سنةً، وتولَّي غسله وتكفينه ابناه الحسن والحسين بأمره، وحملاه إلي الغريَّين من نجف الكوفة، ودفناه هناك ليلاً، وعمَّيا موضع قبره بوصيته إليهما في ذلك، لما كان يعلم
[صفحه 222]
من دولة بني أُميَّة من بعده، وإنَّهم لا ينتهون عمَّا يقدرون عليه من قبيح الأفعال ولئيم الخلال، فلم يزل قبره مخفيَّاً حتي دلَّ عليه الصادق عليه السلام في الدولة العبَّاسية، وزاره عند وروده إلي أبي جعفر وهو بالحيرة [493].
إلي هنا انتهي الكتاب، راجين أن نكون قد وفينا ببعض سيرة أمير المؤمنين وسيد الموحدين وأخي رسول رب العالمين، وصاحبه في المواطن كلها، وحامل رايته في سوح الوغي، وصاحب لوائه يوم الدين، وصهره علي بضعته البتول سيدة نساء العالمين، وأبي ريحانتيه سيدي شباب أهل الجنة، الحسن والحسين، وخليفته بالحق ومولي المؤمنين من بعده علي بن أبي طالب عليه السلام.. والوفاء ببعض ذلك ليس بالأمر اليسير.. إنه علي عليه السلام تجفّ الأقلام دون ذكر خصاله ولا تصل إلي منتهاها.. بل الاحاطة بواحدة من مفردات سيرته عليه السلام أو خصائصه تتطلب بحثاً بحجم ما كتبناه عن كل سيرته وتاريخه، ذلك أنها تفتح أمام الباحث آفاقاً رحبة في مجالات العلم والعمل والفكر والتربية والسلوك، بما يتصل بواقع الحياة في جميع مفاصلها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وعزاؤنا أنّا ذكرناه في هذا الجهد اليسير، راجين أن يكون ذلك لنا ذخراً في اليوم العسير.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين

پاورقي

[1] أسد الغابة، ابن الأثير 4: 100، البداية والنهاية، ابن كثير 7: 223.
[2] أسد الغابة 4: 100، إعلام الوري، الطبرسي 1: 306، تحقيق مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ط1: 1417ه، الإرشاد، الشيخ المفيد 1: 6، تحقيق مؤسسة آل البيت لإحياء التراث قم.
[3] الكافي، الكليني 1: 452 باب: مولد أمير المؤمنين صلوات الله عليه.
[4] البداية والنهاية 7: 223.
[5] أسد الغابة 4: 91، تهذيب الكمال في أسماء الرجال 13: 103.
[6] مسند أحمد بن حنبل 5: 64.
[7] تذكرة الخواص: 14.
[8] البداية والنهاية 7: 223.
[9] انظر تفاصيل ذكره في تذكرة الخواص: 14.
[10] تاريخ اليعقوبي، أحمد بن أبي يعقوب 2: 10 11 دار صادر.
[11] انظر تاريخ اليعقوبي 2: 13.
[12] انظر تذكرة الخواص: 18.
[13] تاريخ اليعقوبي 2: 14.
[14] تاريخ اليعقوبي 2: 14.
[15] أنظر تاريخ اليعقوبي 2: 14.
[16] أنظر: السيرة النبوية، ابن هشام 1: 229 235، دار الفكر، 1415ه.
[17] تاريخ اليعقوبي 2: 35.
[18] البداية والنهاية 3: 13.
[19] تاريخ اليعقوبي 2: 35.
[20] الصحيح من سيرة النبيِّ الأعظم 3: 238.
[21] الطبقات الكبري لابن سعد 8: 178.
[22] تذكرة الخواص: 10.
[23] تاريخ اليعقوبي 2: 14.
[24] تاريخ اليعقوبي 2: 14.
[25] تذكرة الخواص: 10.
[26] تذكرة الخواص: 10.
[27] سورة الممتحنة: 60.
[28] تذكرة الخواص: 10.
[29] تاريخ اليعقوبي: 14.
[30] أنظر تذكرة الخواص: 11.
[31] أنظر ترجمته في: أسد الغابة 4: 70 73، الطبقات الكبري 4: 31، سير اعلام النبلاء 1: 218، تهذيب التهذيب 7: 226، تذكرة الخواص: 11.
[32] تذكرة الخواص: 12.
[33] تذكرة الخواص: 11.
[34] أنظر أُسد الغابة 4: 71.
[35] أنظر في ترجمته: الطبقات الكبري 4: 25، أسد الغابة 1: 421.
[36] قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لجعفر: «أشبه خَلقُك خلقي وأشبه خُلُقك خُلقي فأنت منِّي ومن شجرتي» ذكرها ابن سعد في الطبقات الكبري 4: 26.
[37] أُسد الغابة 1: 421.
[38] أُسد الغابة 1: 421.
[39] أنظر: تذكرة الخواص 12، بتصرف.
[40] أنظر تذكرة الخواص: 13، بتصرف.
[41] أنظر إعلام الوري 1: 306، إرشاد المفيد 1: 5، عليٌّ وليد الكعبة، الأوردبادي: 3 منشورات مكتبة الرضوي، كشف الغمَّة، العلأَمة المحقِّق الأربلي 1: 5.
[42] الإصابة، ابن حجر 2: 507.
[43] كشف الغمَّة 1: 59.
[44] كشف الغمَّة 1: 60.
[45] علي وليد الكعبة، الأوردبادي: 11 ط النجف الأشرف.
[46] علي وليد الكعبة: 3.
[47] أنظر: الطبقات الكبري 3: 18 19، تذكرة الخواص: 17.
[48] تذكرة الخواص: 3 4.
[49] تذكرة الخواص: 3 4.
[50] تذكرة الخواص: 4.
[51] تذكرة الخواص: 4.
[52] نفس المصدر.
[53] سير اعلام النبلاء 1: 298.
[54] تاريخ الطبري 2: 123 بتصرف.
[55] تذكرة الخواص: 5.
[56] أنظر: ارشاد المفيد 1: 48.
[57] للمزيد أنظر: المناقب، الخوارزمي 40 43 ط مؤسسة النشر الإسلامي.
[58] مناقب ابن شهرآشوب 2: 43، ينابيع المودة، القندوزي: 65.
[59] الكامل في التاريخ 1: 582.
[60] نهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح الخطبة 192 بتصرف.
[61] المستدرك علي الصحيحين، الحاكم النيسابوري 3: 201، ح4842: 440، دار الكتب العلمية.
[62] تاريخ الطبري 2: 56 57.
[63] انظر الكامل في التاريخ 1: 583.
[64] تاريخ اليعقوبي 2: 23.
[65] انظر شذرات الذهب، ابن طولون: 48 49.
[66] أسد الغابة 4: 103.
[67] أسد الغابة 4: 102، ينابيع المودَّة 2: 68.
[68] انظر تهذيب الكمال في أسماء الرجال 13: 299 300.
[69] الكامل في التاريخ 2: 582.
[70] انظرها في أسد الغابة 4: 101.
[71] سير أعلام النبلاء (سيرة الخلفاء الراشدين): 227.
[72] مستدرك الحاكم 3: 500، وصحَّحه هو والذهبي، وحياة الصحابة 2: 514 515.
[73] الارشاد 1: 32.
[74] انظر: البداية والنهاية 7: 223.
[75] الاستيعاب،ابن عبدالبرالقرطبي3: 28، مطبوع بهامش الإصابة سنة 1328ه.ق، دارالمعارف، مصر، تاريخ بغداد، الخطيب البغدادي2: 81، نشر دار الكتاب العربي، بيروت لبنان، المستدرك علي الصحيحين 3: 136 ط سنة 1342ه الهند وصحَّحه، تهذيب الكمال في أسماء الرجال 13: 299، وعنه: أخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد باب إسلامه رضي الله عنه 9: 102.
[76] انظر أسد الغابة 4: 103.
[77] سير أعلام النبلاء (سيرة الخلفاء الراشدين): 230.
[78] إعلام الوري 1: 360.
[79] سنن بن ماجة 1: 44 و120، الخصائص، النسائي: 3، المستدرك علي الصحيحين 3: 112.
[80] ترجمة الامام علي عليه السلام من تاريخ دمشق 1: 62 و 88.
[81] تاريخ الطبري 2: 316.
[82] سورة الشعراء: 214.
[83] الكامل في التاريخ 1: 584.
[84] تاريخ اليعقوبي 2: 27.
[85] الإرشاد 1: 49.
[86] سورة المسد: 1.
[87] تاريخ الطبري 2: 217، معالم التنزيل في التفسير والتأويل، البغوي 4: 278، الكامل في التاريخ 1: 586، الترجمة من تاريخ ابن عساكر 1: 100 و137 و138 و139، شواهد التنزيل لقواعد التفضيل، الحاكم الحسكاني الحنفي تحقيق محمَّد باقر المحمودي مؤسسة الأعلمي بيروت 1: 372 373 و514 و420 و580، كنز العمَّال 13: 131 و36469.
[88] تاريخ اليعقوبي 2: 27 28.
[89] أنظر سيرة المصطفي نظرة جديدة، هاشم معروف الحسني، منشورات الشريف الرضي: 130، وكذا ذكره في كتابه سيرة الأئمة الاثني عشر 1: 157، وأضاف قائلاً: بعد أن ساوموه علي شراء ألف نسخة من الكتاب فوافق علي ذلك، ورواه في ط2 وما بعدها بدون كلمة «خليفتي من بعدي».
[90] البداية والنهاية 3: 40.
[91] نفس المصدر.
[92] الشعراء: 26.
[93] نفس المصدر.
[94] لسان الميزان، ابن حجر 4: 42 ط مؤسسة الأعلمي.
[95] اُنظر: مسند أحمد 1: 159، الخصائص: 18، تاريخ الطبري 2: 219، ترجمة الامام علي من تاريخ دمشق 1: 99 و137، شواهد التنزيل 1: 420 و 580. وراجع منهج في الانتماء المذهبي، الأستاذ صائب عبدالحميد: 80 83.
[96] تاريخ اليعقوبي 2: 31.
[97] نفس المصدر.
[98] نفس المصدر.
[99] الكامل في التأريخ 1: 604.
[100] البداية والنهاية 3: 84، بتصرف.
[101] الشعوب: المنية.
[102] شرح نهج البلاغة 14: 64 بتصرف.
[103] نفس المصدر.
[104] الكامل في التاريخ 1: 606.
[105] تاريخ اليعقوبي 2: 36.
[106] سورة الأنفال: 30.
[107] سورة يس: 1 9.
[108] الكامل في التاريخ 2: 4.
[109] أمالي الشيخ الطوسي: 467 و1031، بحار الأنوار 19: 61 62.
[110] تاريخ اليعقوبي 2: 39، الكامل في التاريخ 2: 103.
[111] الطبقات الكبري 1: 110.
[112] تاريخ اليعقوبي 2: 39، أُسد الغابة 4: 113.
[113] سورة البقرة: 207، وذكرها الرازي في تفسيره أنَّها نزلت بشأن مبيت عليٍّ عليه السلام علي فراش رسول الله.
[114] عن سيرة الأئمة الاثني عشر1: 168 169، وأيضاً: علي سلطة الحق 26 27، الامام علي1: 55 56.
[115] المستدرك علي الصحيحين 3: 5.
[116] أنظر سيرة الأئمة الاثني عشر 1: 171.
[117] تاريخ اليعقوبي 2: 41، اُسد الغابة 4: 105، الكامل في التاريخ 2: 7.
[118] أنظر: عليٌّ سلطة الحقِّ: 23.
[119] سيرة الأئمة الاثني عشر 1: 171 172.
[120] الكامل في التاريخ 2: 7.
[121] يوم الاثنين لثمان ليالٍ خلون من شهر ربيع الأول، وقيل: لليلتين منه، وقيل: آخر يوم الخميس، لاثنتي عشرة ليلة خلت منه. انظر الطبقات الكبري 1: 180، تاريخ اليعقوبي 2: 41.
[122] الطبقات الكبري 1: 185.
[123] سنن الترمذي (الجامع الصحيح) 5: 636 و3720، تحقيق أحمد محمَّد شاكر، دار إحياء التراث العربي بيروت، مصابيح السُنَّة، البغوي 4: 173 و4769، تحقيق د. يوسف عبدالرحمن المرعشلي، ومحمَّد سليم سمارة، وجمال حمدي الذهبي، دار المعرفة ط1 1407ه، المستدرك علي الصحيحين 3: 14.
[124] مسند أحمد 1: 230، دار الفكر بيروت.
[125] سيرة ابن هشام 2: 109، تحقيق طه عبدالرؤوف سعد دار الجيل بيروت 1985م، الطبقات الكبري 3: 16، تهذيب الكمال 13: 301، السيرة النبوية لابن حبَّان: 149، تصحيح الحافظ سيد عزيز بك وجماعة من العلماء مؤسسة الكتب الثقافية ط1 1407ه، الاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبدالبر النمري بهامش الإصابة 3: 35، ط1 1328ه دار إحياء التراث العربي، أُسد الغابة 2: 221، 4: 16، 29، عيون الأثر، لابن سيد الناس: 264 265، مؤسسة عزالدين للطباعة والنشر 1406ه، تاريخ الخلفاء للسيوطي: 135، دار الكتب العلمية بيروت 1408ه.
[126] جامع الأصول، ابن الأثير الجزري 9: 468 و6475، دار إحياء التراث العربي ط4 1404ه، تحقيق محمَّد حامد الفقي، مجمع الزوائد للهيثمي 9: 112، دار الكتاب العربي، ط3 1402ه، الصواعق المحرقة، ابن حجر الهيتمي: 122، تحقيق عبدالوهاب اللطيف مكتبة القاهرة، ط2 1385ه 1965م، كنز العمَّال 11 و32879.
[127] سيرة ابن هشام 2: 109، الروض الأُنف، السهيلي 4: 244، تحقيق عبدالرحمن الوكيل، دار إحياء التراث العربي مؤسسة التاريخ بيروت، ط1 1992م، عيون الأثر 1: 265.
[128] الإصابة في تمييز الصحابة، ابن حجر 2: 507، ترجمة (عليُّ بن أبي طالب).
[129] رواه النسائي في خصائصه 3: 18، والمتَّقي في كنز العمَّال 9: 394، كما رواه السيوطي في تفسير قوله عزَّ وجلَّ: «إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأمْوَالِهِمْ وَأنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ الله».
[130] عليٌّ سلطة الحقِّ: 27.
[131] الطبقات الكبري لابن سعد 8: 16، وانظر أُسد الغابة 7: 239، وفاطمة الزهراء والفاطميون، عباس محمود العقاد 20.
[132] كنز العمال 11: 606 و33929، الرياض النضرة 3: 145.
[133] المعجم الكبير، للطبراني 22: 407 و1020، مجمع الزوائد 9: 204.
[134] ابن شاهين، فضائل فاطمة عليها السلام: 50 و37.
[135] الطبقات الكبري 8: 17، وانظر أُسد الغابة 7: 239 240.
[136] الطبقات الكبري 8: 16.
[137] عليُّ بن أبي طالب سلطة الحقِّ: 27.
[138] اتحاف السائل: 44.
[139] تاريخ اليعقوبي 2: 41.
[140] الكامل في التاريخ 2: 12، تهذيب الكمال في أسماء الرجال 13: 302.
[141] الاربلي، كشف الغمة 1: 364، بحار الانوار 43: 136.
[142] الطبقات الكبري 8: 18.
[143] أنظر جهاز فاطمة في: الطبقات الكبري 8: 19، فاطمة الزهراء والفاطميون: 21، فضائل الإمام علي: 24 25.
[144] الطبقات الكبري 8: 18.
[145] سورة الفرقان: 54.
[146] سورة الرعد: 39.
[147] أنظر خطبة رسول الله في المصادر التالية: فاطمة الزهراء والفاطميون: 21 22، الإمام علي بن أبي طالب 1: 61.
[148] الطبقات الكبري 8: 17، أُسد الغابة 7: 240.
[149] أُسد الغابة 7: 239، تهذيب الكمال 13: 302، سير أعلام النبلاء (سير الخلفاء الراشدين): 230 باختلاف.
[150] تهذيب الكمال 13: 302، عن الهيثمي في مجمع الزوائد باب إسلامه 9 و101.
[151] سير اعلام النبلاء (سيرة الخلفاء الراشدين): 228.
[152] فضائل الإمام علي، محمَّد جواد مغنية: 96.
[153] طبقات ابن سعد 2: 9.
[154] أي بعد قدومه المدينة بثمانية عشر شهراً، أنظر الكامل في التاريخ 2: 14.
[155] الطبقات الكبري 2: 8.
[156] فضائل الإمام علي: 96.
[157] برك الغماد: مدينة الحبشة، تبعد عن مكَّة مسيرة خمس ليال من وراء الساحل. انظر سيرة الأئمة الاثني عشر، الجزء الأول.
[158] تاريخ اليعقوبي 2: 45، الكامل في التاريخ 2: 16.
[159] سورة الأنفال: 61.
[160] ذكر ابن الأثير في تاريخه 2: 125 عوف ومعوَّذ ابنا عفراء، وعبدالله بن رواحة، كلَّهم من الأنصار.
[161] طبقات ابن سعد 2: 12.
[162] ارشاد المفيد 1: 68.
[163] الكامل في التاريخ 2: 22.
[164] انظر إرشاد المفيد 1: 70 71.
[165] نهج البلاغة، الكتاب: 64.
[166] انظر: الطبقات الكبري 2: 30، الكامل في التاريخ 2: 47، الارشاد 1: 80 باختلاف.
[167] انظر الكامل في التاريخ 2: 47.
[168] ارشاد المفيد 1: 88.
[169] إعلام الوري 1: 378.
[170] أُسد الغابة 4: 106.
[171] إعلام الوري 1: 379.
[172] الطبقات الكبري 2: 43 44.
[173] الطبقات الكبري: 44، وابن الأثير في تاريخه 2: 174.
[174] تاريخ اليعقوبي 2: 49.
[175] إعلام الوري 1: 188.
[176] طبقات ابن سعد 2: 50.
[177] الكامل في التاريخ 2: 70.
[178] تاريخ اليعقوبي 2: 50.
[179] الكامل في التاريخ 2: 70.
[180] تاريخ اليعقوبي 2: 50.
[181] طبقات ابن سعد 2: 52.
[182] ارشاد الشيخ المفيد 1: 100.
[183] قال أبو الخير أستاذ أبن أبي الحديد: «والله ما طلب عمرو الرجوع من عليٍّ إلاّ خوفاً منه، فقد عرف قتلاه ببدر وأُحد، وعلم إن هو بارز علياً قتله عليٌّ، فاستحي أن يظهر الفشل، فأظهر هذا الإدِّعاء، وإنَّه لكاذب». أنظر فضائل الإمام علي: 113.
[184] الارشاد 1: 102، وإعلام الوري 1: 381.
[185] ارشاد القلوب 2: 218.
[186] سورة البقرة: 251.
[187] انظر إعلام الوري 1: 382.
[188] سورة البقرة: 249.
[189] ارشاد القلوب 2: 218 بتفاوت.
[190] سورة الاحزاب: 33: 9.
[191] تاريخ اليعقوبي 2: 52.
[192] طبقات ابن سعد 2: 57.
[193] الكامل في التاريخ 2: 75.
[194] انظر إعلام الوري 1: 382.
[195] الطبقات الكبري لابن سعد 2: 72.
[196] الكامل في التاريخ 2: 86.
[197] تاريخ اليعقوبي 2: 54.
[198] تاريخ اليعقوبي 2: 54.
[199] حسب رواية ابن الأثير في الكامل في تاريخ 2: 90.
[200] إعلام الوري 1: 372.
[201] ذكر في إعلام الوري 1: 372 انَّه قال: «إنَّه والله لرسول الله علي رغم أنفك»، فقال له صلي الله عليه وآله وسلم: «امحها يا علي»، فقال له: «يا رسول الله، إنَّ يدي لا تنطلق تمحو اسمك من النبوَّة».
[202] «ستدعي إلي مثلها فتجيب، وأنت علي مضض»، كذا ذكرها مسلم في صحيحه 3: 1409 و90.
[203] انظر تفاصيل ذلك في: الكامل في التاريخ 2: 90، طبقات ابن سعد 2: 74.
[204] صحيح الترمذي 5: 634 و3715، إرشاد المفيد 1: 122، مستدرك الحاكم 4: 298، إعلام الوري 2: 273، باختلاف.
[205] طبقات ابن سعد 2: 81.
[206] فضائل الإمام علي: 116.
[207] الطبقات الكبري 2: 81.
[208] انظر الكامل في التاريخ 2: 100، طبقات ابن سعد 2: 81.
[209] تاريخ الطبري 3: 93، المستدرك وتلخيصه للذهبي 3: 37.
[210] طبقات ابن سعد 2: 85، وزاد علي ذلك الذهبي في سير أعلام النبلاء (الخلفاء الراشدون): 228: «ويفتح الله علي يديه»، صحيح البخاري كتاب الفضائل 5: 87 و197 و198، صحيح مسلم كتاب الفضائل 4: 1871 و32 34، سنن الترمذي 5: 638 و3724، سنن ابن ماجة 1: 43 و117، مسند أحمد 1: 185 و 5: 358، المستدرك 3: 109، الخصائص للنسائي: 4 8، تاريخ الاسلام للذهبي المغازي: 407، الاستيعاب 3: 36.
[211] الكامل في التاريخ 2: 101.
[212] ابن هشام، السيرة البوية 3: 267 (ذكر المسير إلي خيبر).
[213] الطبقات الكبري 2: 84.
[214] الطبقات الكبري 2: 85، سير أعلام النبلاء (الخلفاء الراشدون): 228.
[215] ابن الأثير في تاريخه: 101.
[216] انظر: ابن الأثير في تاريخه 2: 101، وابن سعد في طبقاته 2: 85، مع اختلاف يسير.
[217] ابن الأثير في تاريخه 2: 102.
[218] تاريخ اليعقوبي 2: 56، وانظر: سير أعلام النبلاء (الخلفاء الراشدين): 229.
[219] ارشاد القلوب 2: 219.
[220] إعلام الوري 1: 366 367، ابن المغازلي، المناقب: 227 و285 وقطعة منه في مجمع الزوائد 9: 131، ومناقب الخوارزمي: 22.
[221] إعلام الوري 1: 382.
[222] انظر: الكامل في التاريخ 2: 110 وفيها اختلاف حيث لم يذكر من كان قبله!.
[223] الإرشاد 1: 113 116، إعلام الوري 1: 382.
[224] انظر: إعلام الوري 1: 383، إرشاد المفيد 1: 116 117.
[225] الطبقات الكبري 2: 102.
[226] الطبقات الكبري 2: 102.
[227] الارشاد 1: 57.
[228] إعلام الوري 1: 385، وانظر ابن الأثير، الكامل في التاريخ 2: 122.
[229] طبقات ابن سعد 2: 103، وانظر الكامل في التاريخ 2: 123، وفيه ثمانية رجال وأربع نسوة.
[230] تاريخ اليعقوبي 2: 59، وانظر الطبقات لابن سعد 2: 110.
[231] انظر: تاريخ اليعقوبي 2: 61، إعلام الوري 1: 386، إرشاد المفيد 1: 55.
[232] ابن سعد في طبقاته 2: 114.
[233] طبقات ابن سعد 2: 114.
[234] انظر الكامل في التاريخ 2: 136.
[235] انظر: طبقات ابن سعد 2: 115، ابن الأثير في تاريخه 2: 136، تاريخ اليعقوبي 2: 62، إعلام الوري 1: 368.
[236] ابن الأثير في تاريخه 2: 137.
[237] طبقات ابن سعد 2: 115، الكامل في التاريخ 2: 137.
[238] ابن الأثير في تاريخه 2: 137.
[239] إعلام الوري 1: 387، وروي ذلك المفيد في الارشاد 1: 144.
[240] الكامل في التاريخ 2: 139.
[241] الطبقات الكبري 2: 125.
[242] إعلام الوري 1: 243.
[243] الارشاد 1: 155.
[244] الكامل في التاريخ 2: 150، وانظر الاصابة في تمييز الصحابة 2: 507 ترجمة الامام علي، وسير أعلام النبلاء (سيرة الخلفاء الراشدين): 229، وأخرجه الترمذي 2999 و3724 وقال: صحيح غريب.
وانظر طرق الحديث عن الصحابة في تاريخ ابن عساكر ترجمة الإمام علي 1: 306 390.
[245] إعلام الوري1: 244.
[246] الارشاد 1: 156.
[247] طبقات ابن سعد 3: 17.
[248] سيرة الأئمة الاثني عشر 1: 239.
[249] راجع السيد علي الميلاني، نفحات الازهار حديث المنزلة.
[250] مسند أحمد 1: 3 و 331 و3: 212 و 283 و 4: 164 و 165.
[251] سنن الترمذي 5: 636، 3719، الخصائص للنسائي: 20، مجمع الزوائد 9: 119، تاريخ اليعقوبي 2: 76، البداية والنهاية 7: 370، تفسير الطبري 10: 46.
[252] مسند أحمد 1: 136، الارشاد 1: 194 و195 باختلاف.
[253] ابن كثير، البداية والنهاية، البيهقي، دلائل النبوة 5: 394، وقال: أخرجه البخاري مختصراً من وجه آخر، صحيح البخاري 5: 206.
[254] الطبقات الكبري 2: 131.
[255] صحيح مسلم 2: 888، ارشاد المفيد1: 171، إعلام الوري1: 259، وانظر: الكامل في التاريخ 2: 170.
[256] تاريخ اليعقوبي 2: 109، إعلام الوري 1: 260، وانظر الطبقات الكبري 2: 135.
[257] صحيح البخاري، كتاب الفتن 9: 90 ح، 26 29، صحيح مسلم 1: 81 ح، 118 120، كتاب الايمان، مسند أحمد 5: 37، 44، 49، 73، سنن الترمذي 4: 486 ح، 2193، سنن أبي داود 4: 221 ح، 4686، تاريخ اليعقوبي 2: 111، ومثله في السيرة الحلبية 3: 336 دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت 1980م.
[258] إعلام الوري 1: 261، والآية من سورة المائدة 5: 67، وقصة نزولها في علي عليه السلام في غدير خم رواها كثير من المفسرين، منهم: الواحدي، اسباب النزول: 115، السيوطي، الدر المنثور 2: 398، الشوكاني، فتح الغدير 2: 60.
[259] انظر: خصائص أمير المؤمنين، الحافظ النسائي: 21 22 مطبعة التقدُّم بالقاهرة، وقد ذكر في حديث الغدير اسانيد عديدة وطرق شتَّي وألفاظ مختلفة، بلغت تسع عشرة رواية، مسند أحمد 1: 119 من طريقين، 152، 4: 281، 370، 372، وسنن ابن ماجة 1: 43 و116، والمستدرك 3: 109 110، والبداية والنهاية 5: 208، الفصل الاخير من سنة 10 ه.
[260] مسند أحمد 4: 281، فضائل الصحابة لاحمد بن حنبل 2: 569 و1016 و610 و1042، اسد الغابة 4: 28، تفسير الرازي 12: 49 50، روح المعاني للآلوسي 6: 194، الصواعق المحرقة: 44.
[261] روي هذه الأبيات: الخوارزمي في مقتل الإمام الحسين 1: 47 الطبعة الاولي، والجويني في فرائد السمطين، من طريقين 1: 73 74، تحقيق محمَّد باقر المحمودي، مؤسَّسة المحمودي، 1978م، وابن الجوزي في تذكرة الخواص: 33، والكنجي في كفاية الطالب: 64، تحقيق هادي الأميني، دار احياء تراث أهل البيت، ط3، وإعلام الوري 1: 262 263. مع اختلاف في بعض الألفاظ.
[262] البداية والنهاية 5: 183 189.
[263] في مناقشة دعاوي ابن كثير، راجع: منهج في الانتماء المذهبي: 95 124.
[264] الكامل في التاريخ 2: 182، الطبقات الكبري 2: 146، تاريخ اليعقوبي 2: 113. وكان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قد أمّر زيد بن حارثة، أبا أسامة، في غزوة مؤتة، وفيها استشهد رضوان الله عليه.
[265] إعلام الوري 1: 263.
[266] الشهرستاني، الملل والنحل 1: 29.
[267] ابن سعد الطبقات الكبري 4: 66، ترجمة اسامة بن زيد، تهذيب تاريخ دمشق 2: 395، 3: 218، مختصر تاريخ دمشق 4: 248 و237، 5: 129 و56، تاريخ اليعقوبي 2: 77، تاريخ الخميس 2: 172.
[268] ذكرت بعدَّة صيغ في كلٍّ من: صحيح مسلم كتاب الوصية 3: 1257 و1637، مسند أحمد 1: 222، مسند أبي يعلي 4: 298 و2409 البداية والنهاية 5: 200، الطبقات الكبري 2: 188، صحيح البخاري كتاب المرضي 7: 219 و30، الكامل في التاريخ 2: 182، إعلام الوري 1: 265، تاريخ ابن خلدون 2: 485 تحقيق الأستاذ خليل شحادة وسهيل زكار، الملل والنحل المقدِّمة الرابعة: 29.
[269] إعلام الوري 1: 266 269.
[270] انظر الحديث بألفاظه المتقاربة في: ترجمة الإمام علي من تاريخ دمشق 3: 17 و1036، الرياض النضرة 3: 141، ذخائر العقبي: 73، المناقب للخوازرمي: 29.
[271] كنز العمَّال 13: 114 ح، 36372، ورواه ابن عساكر في تاريخه كما في ترجمة الإمام عليٍّ منه 2: 485 و1012، والجويني في فرائد السمطين 1: 101 و70.
[272] إعلام الوري 1: 266.
[273] إعلام الوري 1: 266 269، ارشاد المفيد 1: 187، تاريخ اليعقوبي 2: 114، الطبقات الكبري 2: 201 202 و 212 215 و 220، تهذيب الكمال 13: 298، مجمع الزوائد، باب إسلامه 103: 9.
[274] نهج البلاغة، الخطبة: 197.
[275] نهج البلاغة، الخطبة: 235.
[276] انظر: المستدرك علي الصحيحين 3: 107 108، الاستيعاب 3: 51، تاريخ الخلفاء: 133.
[277] فضائل الإمام علي: 28.
[278] المستدرك علي الصحيحين 3: 135 و 4632.
[279] المستدرك 3: 117 و4575.
[280] المستدرك 3: 126 و4601.
[281] مسند أحمد 1: 331، المستدرك 3: 143 و4652.
[282] سورة آل عمران: 61.
[283] انظر: معالم التنزيل البغوي 1: 480، الكشَّاف، الزمخشري 1: 370، أسباب النزول، الواحدي: 74 75، دار ومكتبة الهلال بيروت 1991م، صحيح مسلم 4: 1871 و32 2404، سنن الترمذي 5: 638 و3724، سير أعلام النبلاء (سيرة الخلفاء الراشدين): 230.
[284] سورة الأحزاب: 33.
[285] من مصادر حديث الكساء: تفسير الرازي 8: 80، أسباب النزول: 252، مسند أحمد 4: 107 و6: 292، 304، صحيح مسلم كتاب فضائل الصحابة 4: 1883 و2424، مصابيح السُنَّة 4: 183 و4796، المستدرك 2؛416 و3: 148، سير أعلام النبلاء 3: 283، الصواعق المحرقة، باب 11 الفصل1: 143، الخصائص: 4، شواهد التنزيل 2: 92 و637 774، أُسد الغابة 4: 29، الخصائص الكبري للسيوطي 2: 464، مجمع الزوائد 9: 167، الاحسان بترتيب صحيح ابن حبان 9: 61 و6937.
[286] سورة الأحزاب: 56.
[287] صحيح البخاري 6: 217 و291، الترمذي 5: 359 و322.
[288] الصواعق المحرقة باب 11 فصل1: 148.
[289] سورة البقرة: 207، وانظر التفسير الكبير 5: 204.
[290] أنظر: الكشَّاف 4: 670، تفسير الرازي 30: 243، فتح الباري، الشوكاني 5: 349، روح المعاني 29: 157 158، معالم التنزيل 5: 498، تفسير أبي السعود 9: 73، تفسير البيضاوي 2: 552، تفسير النسفي 3: 628، أسباب النزول: 322.
[291] سورة الإنسان: 11 و22.
[292] سورة النور: 36.
[293] الدرُّ المنثور، عند تفسير الآية، وقال: أخرجه ابن مردويه عن أنس بن مالك وبريدة، وذكره الحاكم في شواهد التنزيل: من سورة النور،567 568، والآلوسي في روح المعاني 18: 174.
[294] سورة الأحزاب: 25.
[295] أنظر: دلائل الصدق 2: 174، ما نزل من القرآن في عليٍّ، أبو نعيم: 172، تحقيق المحمودي.
[296] سورة التوبة: 19 20.
[297] أنظر أصحاب التفاسير المعتمدة كالطبري والبغوي والقرطبي وابن الجوزي والرازي والخازن، عند تفسير الآيات من سورة التوبة.
[298] إرشاد المفيد 1: 31 32، إعلام الوري 1: 360 361، مناقب ابن شهرآشوب 2: 6، أنساب الأشراف 2: 118 و74، وكذا نقله المجلسي في البحار 38: 227 و33.
[299] الصواعق المحرقة باب9 فصل 2: 29، مجمع الزوائد 9: 102، كنز العمَّال 32896: 11، الرياض النضرة 3: 110، ذخائر العقبي: 58، المناقب للخوارزمي: 20، شواهد التنزيل 2: 213 و924 931.
[300] مسند أحمد 5: 26، سير أعلام النبلاء (سير الخلفاء الراشدين): 320.
[301] سنن الترمذي 5: 636 و3720، مصابيح السُنَّة 4: 173 و4769، المستدرك 3: 14، ورواه غيرهم بنصوص أُخري انظر: مسند أحمد 1: 230، سيرة ابن هشام 2: 109، الطبقات الكبري 3: 22، السيرة النبوية ابن حبان: 149، شرح نهج البلاغة 6: 167، جامع الأصول 9: 468 و6475، كنز العمَّال 32879: 11، عيون الأثر 1: 265، الروض الأُنف 4: 244. أُسد الغابة 2: 221 و4: 16، البداية والنهاية 7: 348، تاريخ الخلفاء: 135.
[302] سورة الحجر: 47.
[303] أنظر قصَّة الطائر المشوي بالمصادر التالية: سنن الترمذي 5: 636 و3721، الخصائص للنسائي: 5، فضائل الصحابة، أحمد بن حنبل 2: 560 و945، المستدرك علي الصحيحين 3: 130 132، مصابيح السُنَّة 4: 173 و4770، أُسد الغابة 4: 30، البداية والنهاية 7: 363، جامع الأصول 9: 471، الرياض النضرة 3: 114 115، وقال الخوارزمي في مقتل الإمام الحسين: 46: أخرج ابن مردويه هذا الحديث بمائة وعشرين إسناداً، تذكرة الحفَّاظ: 1043.
[304] سنن الترمذي 5: 641 و2732، مسند أحمد 1: 331، فضائل الصحابة 2: 581 و985 فتح الباري بشرح صحيح البخاري 7: 13، المستدرك 3: 125، مجمع الزوائد 9: 114 115، الرياض النضرة 3: 158، الخصائص للنسائي: 13، الإصابة 4: 270، جامع الأصول 9: 475 و6494، البداية والنهاية 7: 374 و379، الخصائص بتخريج الأثري ح، 23 و 41.
[305] سنن الترمذي 5: 639 و3726، مصابيح السُنَّة 4: 175 و4773، جامع الأصول 6493: 9، تذكرة الخواص: 42، مناقب الخوارزمي: 82 شرح نهج البلاغة 9: 173 و21، الرياض النضرة 3: 170، البداية والنهاية 7: 369.
[306] إعلام الوري 1: 369، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 39: 216 و6.
[307] مناقب ابن شهرآشوب 2: 163، مناقب الخوارزمي: 60.
[308] مناقب ابن شهرآشوب 2: 162.
[309] تفسير القرطبي 11: 174، تفسير الرازي 22: 137، روح المعاني 16: 248، وانظر الخصائص بتخريج الأثري ح، 112 و 113 وخرَّجه النسائي وابن ماجة وابن خزيمة من وجوه.
[310] مسند أحمد 1: 3 و 331 و3: 212 و 238 و4: 164 و 165، البداية والنهاية 7: 398.
[311] خصائص النسائي: 39: 14 و159 و151، تاريخ ابن عساكر ترجمة الامام علي عليه السلام، مجمع الزوائد 9: 122، إعلام الوري 1: 364، سنن ابن ماجة 1: 43، مسند أحمد 1: 99 و133، مستدرك الحاكم 3: 37، وانظر فرائد السمطين 1: 253 و196 و261 و201.
[312] إرشاد المفيد 1: 50 51.
[313] سورة السجدة: 24.
[314] الكشَّاف 3: 516، روح المعاني 21: 138، تفسير الرازي 25: 186، تفسير النسفي 3: 45، تفسير أبي السعود 7: 87.
[315] مثل: سورة المائدة: 55 56، سورة النساء: 71.
[316] النساء: 59.
[317] ورد هذا الحديث بعدَّة صيغ، انظر: مسند أحمد 4: 96، كنز العمَّال 1: 103 و464، المستدرك علي الصحيحين 1: 117، مجمع الزوائد 5: 218، 224، الدرُّ المنثور 2: 286 عند الآية (103) من سورة آل عمران، ينابيع المودَّة: 117.
[318] صحيح مسلم كتاب الإمارة 3: 1478 و58 (1851)، جامع الأصول 4: 463 و2065.
[319] أنظر تاريخ الطبري 2: 321، الكامل في التاريخ 1: 587، السيرة الحلبية 1: 461، شرح نهج البلاغة 13: 211، 244، تفسير البغوي 4: 278، تفسير الخازن 3: 371 372.
[320] سورة المائدة: 55.
[321] انظر قصة تصدُّقه بالخاتم في تفسير الطبري 6: 186، أسباب النزول للواحدي: 114، تفسير الرازي 12: 26، تفسير أبي السعود 2: 52 دار إحياء التراث العربي، تفسير النسفي 1: 420 دار الكتاب العربي بيروت، تفسير البيضاوي 1: 272 دار الكتب العلمية، ط1 1408ه، معالم التنزيل للبغوي 2: 272، لباب النقول في أسباب النزول، السيوطي: 93 دار إحياء العلوم بيروت، ط3 1406ه، فتح القدير، الشوكاني 2: 53 دار إحياء التراث العربي، روح المعاني، الآلوسي 6: 167 169 دار إحياء التراث العربي 1405ه، فضائل الصحابة 2: 678 و1158، جامع الأصول 9: 478 و6503، الكشَّاف، الزمخشري 1: 649، ط1.
[322] إرشاد المفيد 1: 7.
[323] سورة المائدة: 67.
[324] سورة المائدة: 3.
[325] أنظر: مسند أحمد 4: 281 و 368، تاريخ اليعقوبي 2: 111 112، السيرة الحلبية 3: 336، مستدرك الحاكم 3: 148، سنن الترمذي 5: 663 و3788، صحيح مسلم كتاب فضائل الصحابة 4: 1873 و 2408 من عدَّة طرق، تهذيب الكمال 13: 302، فتح القدير 2: 60، الدرُّ المنثور 3: 117، أسباب النزول: 115، تفسير المنار، محمد رشيد رضا 6: 463، تفسير الرازي 12: 49 50، الرياض النضرة 3: 127، مناقب أمير المؤمنين، الحافظ محمد بن سليمان الكوفي القاضي 1: 119.
[326] أنظر: البداية والنهاية 5: 233.
[327] تقدَّمت مصادر هذا الحديث سابقاً، وانظر: مصنف ابن أبي شيبة فضائل عليٍّ 7: 496 و 11 15، السيرة النبوية لابن حبَّان: 149.
[328] إعلام الوري 1: 331 332 بتصرُّف.
[329] المستدرك: 2: 128، لسان الميزان 2: 34، مجمع الزوائد 9: 108 كنز العمَّال. 11: 611 و32960.
[330] المستدرك 3: 122، وقال: صحيح علي شرط الشيخين ولم يخرجاه، حلية الأولياء 1: 64، تاريخ ابن عساكر ترجمة الإمام علي 2: 486 و1014 1018، مناقب الخوارزمي: 236، كنز العمَّال 32983: 11.
[331] أنظر: مسند أحمد 3: 82، البداية والنهاية 7: 398.
[332] أنظر: صحيح البخاري الأحكام باب 51 ح، 6796، صحيح مسلم الإمارة ح، 1821 1822، مسند أحمد 1: 398، 406، سنن أبي داود ح، 4280، سنن الترمذي كتاب الفتن: 2223: 4، مصابيح السُنَّة 4: ح،4680.
[333] مسند أحمد 5: 356، خصائص النسائي: ح، 87، ومثله انظر: المستدرك 3: 134، سنن الترمذي 5: ح، 3712، المصنَّف ابن أبي شيبة: ح7 فضائل علي ح، 58، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبَّان 9: 41 ح، 6890.
[334] تفسير الرازي 12: 76، كنز العمال 32909: 11، فضائل الصحابة 2: 678 و1158.
[335] انظر اشارة الطبري: تاريخ الطبري 4: 557 أحداث سنة 36، ونص رسالته في مروج الذهب للمسعودي 3: 21، تحقيق عبدالأمير مهنا، مؤسسة الأعلمي بيروت، 1991م، وشرح نهج البلاغة 3: 188.
[336] مروج الذهب 3: 21، شرح نهج البلاغة 3: 188.
[337] سورة النساء: 4: 80.
[338] الإمامة والسياسة، ابن قتيبة 1: 14 15، مكتبة ومطبعة مصطفي بابي الحلبي مصر 1969م.
[339] صحيح مسلم الجهاد والسير 3: 1380 و52، صحيح البخاري باب غزوة خيبر 5: 288 و456، الكامل في التاريخ 2: 231.
[340] تاريخ اليعقوبي 2: 124، تاريخ أبي الفداء 2: 63، ابن أبي الحديد 2: 49، 56 و6: 11، وزاد في 1: 220 حذيفة وابن التيهان وعبادة بن الصامت، وتاريخ الطبري 3: 198، الكامل في التاريخ 2: 189، 194، تاريخ الخلفاء: 51 ولم يذكروا الأسماء.
[341] تاريخ اليعقوبي 2: 124.
[342] تاريخ اليعقوبي 2: 124.
[343] تاريخ اليعقوبي 2: 124، شرح نهج البلاغة 6: 21 وغيرها.
[344] أنظر قصَّة هذا الحدث في: الإمامة والسياسة 1: 12، شرح ابن أبي الحديد 2: 56، 6: 58، 20: 147، تاريخ أبي الفداء 2: 64، العقد الفريد 5: 12.
[345] الإمامة والسياسة 1: 24، تاريخ الطبري 3: 430.
[346] أنظر: شرح النهج 2: 56، 6: 11، الإمامة والسياسة: 12 13، تاريخ اليعقوبي مختصراً 2: 126، الفتوح ابن أعثم 1: 13، دار الكتب العلمية، ط1 1406ه.
[347] المستدرك 3: 140، ابن عساكر 3: 148 و1164 1168، تذكرة الحفَّاظ 3: 995، ابن أبي الحديد 6: 45، كنز العمَّال 32997: 11، الخصائص الكبري 2: 235.
[348] مستدرك الحاكم 139: 3، ابن أبي الحديد 4: 107، مجمع الزوائد 9: 118، كنز العمَّال. 17613 و46533.
[349] الإمامة والسياسة: 13.
[350] صحيح البخاري 5: 288 و256، صحيح مسلم 3: 138 و52.
[351] الإمامة والسياسة 1: 12 وكذا شرح النهج 2: 47.
[352] الإمامة والسياسة: 12.
[353] نهج البلاغة: 503 و190.
[354] نهج البلاغة، الخطبة الثالثة بتصرف.
[355] نهج البلاغة: الخطبة 67، وانظر: الإمامة والسياسة: 11.
[356] نهج البلاغة، الكتاب 62.
[357] تاريخ الطبري 3: 209، الكامل في التاريخ 2: 189.
[358] الموفَّقيَّات، الزبير بن بكَّار: 585.
[359] تاريخ اليعقوبي 2: 124، الموفَّقيَّات: 580.
[360] مختصر تاريخ دمشق 7: 127.
[361] شرح نهج البلاغة 12: 21.
[362] شرح نهج البلاغة 6: 44.
[363] وهؤلاء غير المرتدين الذين خرجوا من الإسلام كأتباع مسيلمة الكذاب وسجاح والاسود العنسي.
[364] انظر الفتوح، ابن أعثم 1: 58، معجم البلدان، ياقوت الحموي، «حضرموت».
[365] الفتوح 1: 59 60.
[366] الفتوح 1: 21 23، أُسد الغابة والإصابة ترجمة خالد بن نويرة، تاريخ اليعقوبي 2: 131 132، سير أعلام النبلاء (سير الخلفاء الراشدين): 43.
[367] أنظر: سيرة ابن هشام 4: 182، تاريخ الطبري 3: 146 147 و 273 274.
[368] تاريخ اليعقوبي 2: 132 133.
[369] أُرْتجَ عليه وارتُجَّ عليه: استبهم عليه.
[370] الإرشاد 1: 199 وما بعدها …
[371] انظر فهرست النديم: 42، الإتقان في علوم القرآن 1: 166، المكتبة العصرية بيروت 1988م.
[372] تفسير القرطبي 1: 27.
[373] الإتقان في علوم القرآن 4: 204.
[374] سورة عبس: 31.
[375] الإرشاد 1: 200.
[376] انظر المصدر السابق 1: 200 201.
[377] الكامل في التاريخ 2: 272 273.
[378] تاريخ الطبري 3: 430.
[379] الكامل في التاريخ 2: 273، وما بعدها.
[380] عن سيرة الأئمة الأثني عشر 1: 323.
[381] نهج البلاغة: الخطبة 3.
[382] انظر شرح نهج البلاغة 6: 44.
[383] شرح نهج البلاغة 6: 45 و 12: 46، مسند أحمد 1: 3 و 331 و3: 212 و 283، سنن الترمذي 5: 636 و3719، تاريخ اليعقوبي 2: 76، الإصابة 4: 270.
[384] جخف: تكبّر.
[385] انظر: الكامل في التاريخ 2: 458، تاريخ الطبري 5: 31، شرح ابن أبي الحديد 12: 53 54، والآيات حسب التسلسل، سورة محمَّد: 9، سورة القلم: 4، سورة الشعراء: 215، سورة القصص: 68.
[386] انظر شرح ابن أبي الحديد 12: 78 79 و 6: 45 و 12: 46.
[387] نهج البلاغة، الخطبة: 146.
[388] إرشاد المفيد 1: 204 وما بعدها.
[389] أنظر قصَّة مقتله في الكامل في التاريخ 2: 446، سير أعلام النبلاء 2: 88، وغيرها من كتب التراجم والتاريخ.
[390] صحيح البخاري 6442: 6، مسند أحمد 1: 56.
[391] الكامل في التاريخ 2: 459، طبقات ابن سعد 3: 343.
[392] مقدمة فتح الباري في شرح صحيح البخاري، 337، القسطلاني، إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري 10: 19.
[393] الكامل في التأريخ، ابن الأثير 2: 461 ط. دار الكتب العلمية.
[394] تاريخ الطبري 4: 237، الكامل في التاريخ 2: 466.
[395] سورة النساء: 1.
[396] كنز العمَّال 5: 724 و14243.
[397] شرح ابن أبي الحديد 6: 166.
[398] نهج البلاغة، الخطبة 3.
[399] شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد 9: 15.
[400] الكامل في التاريخ 3: 109.
[401] سير اعلام النبلاء (الخلفاء الراشدون): 186.
[402] تاريخ الطبري 4: 371.
[403] نهج البلاغة، الخطبة: 164.
[404] الكامل في التاريخ 3: 54، تاريخ الطبري 4: 360.
[405] الكامل في التاريخ 3: 53 54.
[406] تاريخ الطبري 4: 360 361.
[407] الكامل في التاريخ 3: 55.
[408] الكامل في التاريخ 3: 56، البداية والنهاية 7: 193.
[409] تاريخ الطبري 4: 363.
[410] الكامل في التاريخ 3: 56. وقوله «مسّ الحزام الطُّبْيَين» كناية عن المبالغة في تجاوز حدّ الشرّ والأذي، لأن الحزام إذا بلغ الطبيين فقد انتهي إلي أبعد غاياته. فالطُّبي حلمة الضرع، لسان العرب (طبي).
[411] تاريخ الطبري: 4: 379، الكامل في التاريخ 3: 167.
[412] انظر: الخلفاء الراشدون من تاريخ الاسلام للذهبي: 458.
[413] مقاطع من خطبته الشقشقية.
[414] نهج البلاغة، الخطبة: 229.
[415] الإمامة والسياسة1: 50، وانظر: الكامل في التاريخ3: 81 احداث سنة 35، البداية والنهاية 7: 227.
[416] تهذيب الكمال 13: 304.
[417] أنظر: الكامل في التاريخ 3: 82 حيث ذكر عشرة أشخاصٍ تخلفوا عن بيعة الإمام.
[418] نهج البلاغة، الخطبة: 229.
[419] نهج البلاغة، الخطبة: 92.
[420] إرشاد المفيد 1: 11. ونقله العلأَمة المجلسي في البحار 42: 192 و6.
[421] نهج البلاغة، الخطبة: 16.
[422] نهج البلاغة، الخطبة: 131.
[423] مسند أحمد 3: 83، المستدرك 3: 123.
[424] نهج البلاغة، الخطبة: 167، وذكره ابن الأثير في تاريخه 3: 84 85.
[425] شرح النهج لابن أبي الحديد 7: 37.
[426] شرح ابن أبي الحديد7: 40، والآيتان علي التوالي من سورة الحجرات 49: 13 17.
[427] أي لا اُقاربه هدي الدهر.
[428] نهج البلاغة، الخطبة: 126.
[429] شرح نهج البلاغة 7: 41 42.
[430] نهج البلاغة، الخطبة: 15.
[431] سورة القصص: 83.
[432] نهج البلاغة: الخطبة: 216، بتصرف.
[433] أنظر: الأخبار الطوال: 141.
[434] نهج البلاغة، الكتاب 53، بتصرف.
[435] بالواسطة، عن سيرة الأئمة الأثني عشر: 398.
[436] الكامل في التاريخ 3: 114.
[437] الزيدية، د. أحمد صبحي: 44، مؤسَّسة الزهراء للإعلام العربي 1984م.
[438] الامامة والسياسة 1: 52، شرح ابن أبي الحديد 6: 215 216، تاريخ اليعقوبي 2: 180، كتاب الدلائل: 97.
[439] الكامل في التاريخ 3: 100، الفتوح 1: 434، تاريخ الطبري 5: 172، الإمامة والسياسة 1: 52.
[440] إعلام الوري 1: 336، المستدرك 3: 150 و 4674 و4675، أسد الغابة 4: 124، البداية والنهاية 7: 362.
[441] إعلام الوري 1: 337 338.
[442] أنظر: ابن أبي الحديد 6: 217 218.
[443] الإمامة والسياسة 1: 63، وانظر الكامل في التاريخ 2: 102.
[444] أنظر قصَّة ماء الحوأب في: تاريخ اليعقوبي 2: 181، ابن أبي الحديد 6: 225، تاريخ ابن الأثير 2: 103، مسند أحمد 6: 52، 97، المستدرك 3: 119 120، كنز العمَّال 11 ح، 31667.
[445] أنظر: تاريخ اليعقوبي 2: 181، تاريخ ابن الأثير 2: 108، الإمامة والسياسة: 69.
[446] إرشاد المفيد 1: 246 247.
[447] إرشاد المفيد 1: 250، الطبعة الحجرية.
[448] فضائل الإمام عليٍّ: 128، عن بروكلمن في (تاريخ الشعوب الإسلامية).
[449] فضائل الإمام عليٍّ: 128، عن الواقدي والمسعودي.
[450] سير أعلام النبلاء (سيرة الخلفاء الراشدين): 254.
[451] الكامل في التاريخ 3: 241 242.
[452] الكامل في التاريخ 3: 242 243.
[453] سير أعلام النبلاء (سيرة الخلفاء الراشدين): 259.
[454] سورة النحل: 92.
[455] يريد ابنه عبدالله.
[456] تاريخ الطبري 5: 200، الكامل في التاريخ 3: 239، مستدرك الحاكم 3: 366 367.
[457] الإمامة والسياسة: 73.
[458] سير أعلام النبلاء (ترجمة الإمام عليٍّ): 255، وانظر، الكامل في التاريخ 3: 128.
[459] الحين: الهلاك.
[460] الإرشاد 1: 254.
[461] الكامل في التاريخ 2: 140.
[462] الكامل في التاريخ 2: 144.
[463] إعلام الوري 1: 340.
[464] فضائل الإمام عليٍّ: 138 139.
[465] انظر: الكامل في التاريخ 3: 163 172، تاريخ اليعقوبي 2: 184 186، شرح نهج البلاغة 2: 62 66.
[466] فضائل الإمام عليٍّ: 142.
[467] أنظر: الكامل في التاريخ 3: 167، وسير أعلام النبلاء (سيرة الخلفاء الراشدين): 267 مختصراً.
[468] الكامل في التاريخ 3: 187 وانظر سير أعلام النبلاء 2: 265.
[469] الكامل في التاريخ 3: 188.
[470] الكامل في التاريخ 3: 188.
[471] أنظر: الكامل في التاريخ 3: 192 193، وسير أعلام النبلاء 2: 264 مختصراً.
[472] الكامل في التاريخ 3: 317 318.
[473] الكامل في التاريخ (انظر تفصيل الكتاب) 3: 195، وانظر سير أعلام النبلاء 2: 281.
[474] الكامل في التاريخ 3: 203.
[475] الكامل في التاريخ 3: 208، سير أعلام النبلاء 2: 270 271.
[476] الكامل في التاريخ 3: 212 213، البداية والنهاية 7: 315 316.
[477] الإمامة والسياسة 1: 125 126، الكامل في التاريخ 3: 216 باختلافٍ يسير.
[478] الإمامة والسياسة 1: 123.
[479] الكامل في التاريخ 3: 216، الأخبار الطوال: 206.
[480] أنظر: الكامل في التاريخ 3: 219، البداية والنهاية 7: 318 319.
[481] أنظر: الكامل في التاريخ 3: 343، تاريخ اليعقوبي 2: 191 193، البداية والنهاية 7: 319 320.
[482] نهج البلاغة، الخطبة: 59، الكامل في التاريخ 3: 223.
[483] الكامل في التاريخ 3: 223.
[484] الكامل في التاريخ 3: 223 226، البداية والنهاية 7: 320.
[485] أنظر أخبار المخدج في: إعلام الوري 1: 338 339، الكامل في التاريخ 3: 222 223.
[486] أنظر قصَّة مقتل ذي الثُديَّة في: الكامل في التاريخ 3: 222 223، البداية والنهاية 7: 320، سير أعلام النبلاء (سيرة الخلفاء الراشدين): 282، وأخرج مسلم 3: 116.
[487] الكامل في التاريخ 3: 223.
[488] نهج البلاغة،الخطبة: 60.
[489] المستدرك 3: 139، إعلام الوري 1: 310، الكامل في التاريخ 3: 254 باختلافٍ يسير.
[490] الإرشاد 1: 13، وانظر الكامل في التاريخ 3: 254.
[491] الكامل في التاريخ 3: 254، الإرشاد 1: 14 17، إعلام الوري 1: 309، أُسد الغابة 4: 35.
[492] إعلام الوري 1: 311.
[493] إعلام الوري 1: 312، إرشاد المفيد 1: 10، وانظر الكامل في التاريخ 3: 258.

تعريف مرکز القائمیة باصفهان للتحریات الکمبیوتریة

جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة/41).
قالَ الإمامُ علیّ ُبنُ موسَی الرِّضا – علـَیهِ السَّلامُ: رَحِمَ اللّهُ عَبْداً أحْيَا أمْرَنَا... َ يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَ يُعَلِّمُهَا النَّاسَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا... (بَــنـادِرُ البـِحـار – فی تلخیص بحـار الأنوار، للعلاّمة فیض الاسلام، ص 159؛ عُیونُ أخبارِ الرِّضا(ع)، الشـَّیخ الصَّدوق، الباب28، ج1/ ص307).
مؤسّس مُجتمَع "القائمیّة" الثـَّقافیّ بأصبَهانَ – إیرانَ: الشهید آیة الله "الشمس آباذی" – رَحِمَهُ اللهُ – کان أحداً من جَهابـِذة هذه المدینة، الذی قدِ اشتهَرَ بشَعَفِهِ بأهل بَیت النبیّ (صلواتُ اللهِ علـَیهـِم) و لاسیَّما بحضرة الإمام علیّ بن موسَی الرِّضا (علیه السّلام) و بـِساحة صاحِب الزّمان (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرجَهُ الشَّریفَ)؛ و لهذا أسّس مع نظره و درایته، فی سَنـَةِ 1340 الهجریّة الشمسیّة (=1380 الهجریّة القمریّة)، مؤسَّسة ًو طریقة ًلم یـَنطـَفِئ مِصباحُها، بل تـُتـَّبَع بأقوَی و أحسَنِ مَوقِفٍ کلَّ یومٍ.
مرکز "القائمیّة" للتحرِّی الحاسوبیّ – بأصبَهانَ، إیرانَ – قد ابتدَأَ أنشِطتَهُ من سَنـَةِ 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریّة القمریّة) تحتَ عنایة سماحة آیة الله الحاجّ السیّد حسن الإمامیّ – دامَ عِزّهُ – و مع مساعَدَةِ جمع ٍمن خِرّیجی الحوزات العلمیّة و طلاب الجوامع، باللیل و النهار، فی مجالاتٍ شتـَّی: دینیّة، ثقافیّة و علمیّة...
الأهداف: الدّفاع عن ساحة الشیعة و تبسیط ثـَقافة الثـَّقـَلـَین (کتاب الله و اهل البیت علیهـِمُ السَّلامُ) و معارفهما، تعزیز دوافع الشـَّباب و عموم الناس إلی التـَّحَرِّی الأدَقّ للمسائل الدّینیّة، تخلیف المطالب النـّافعة – مکانَ البَلاتیثِ المبتذلة أو الرّدیئة – فی المحامیل (=الهواتف المنقولة) و الحواسیب (=الأجهزة الکمبیوتریّة)، تمهید أرضیّةٍ واسعةٍ جامعةٍ ثـَقافیّةٍ علی أساس معارف القرآن و أهل البیت –علیهم السّلام – بباعث نشر المعارف، خدمات للمحققین و الطـّلاّب، توسعة ثقافة القراءة و إغناء أوقات فراغة هُواةِ برامِج العلوم الإسلامیّة، إنالة المنابع اللازمة لتسهیل رفع الإبهام و الشـّـُبُهات المنتشرة فی الجامعة، و...
- مِنها العَدالة الاجتماعیّة: التی یُمکِن نشرها و بثـّها بالأجهزة الحدیثة متصاعدة ً، علی أنـّه یُمکِن تسریعُ إبراز المَرافِق و التسهیلاتِ – فی آکناف البلد - و نشرِ الثـَّقافةِ الاسلامیّة و الإیرانیّة – فی أنحاء العالـَم - مِن جـِهةٍ اُخرَی.
- من الأنشطة الواسعة للمرکز:
الف) طبع و نشر عشراتِ عنوانِ کتبٍ، کتیبة، نشرة شهریّة، مع إقامة مسابقات القِراءة
ب) إنتاجُ مئات أجهزةٍ تحقیقیّة و مکتبیة، قابلة للتشغیل فی الحاسوب و المحمول
ج) إنتاج المَعارض ثـّـُلاثیّةِ الأبعاد، المنظر الشامل (= بانوراما)، الرّسوم المتحرّکة و... الأماکن الدینیّة، السیاحیّة و...
د) إبداع الموقع الانترنتی "القائمیّة" www.Ghaemiyeh.com و عدّة مَواقِعَ اُخـَرَ
ه) إنتاج المُنتـَجات العرضیّة، الخـَطابات و... للعرض فی القنوات القمریّة
و) الإطلاق و الدَّعم العلمیّ لنظام إجابة الأسئلة الشرعیّة، الاخلاقیّة و الاعتقادیّة (الهاتف: 00983112350524)
ز) ترسیم النظام التلقائیّ و الیدویّ للبلوتوث، ویب کشک، و الرّسائل القصیرة SMS
ح) التعاون الفخریّ مع عشراتِ مراکزَ طبیعیّة و اعتباریّة، منها بیوت الآیات العِظام، الحوزات العلمیّة، الجوامع، الأماکن الدینیّة کمسجد جَمکرانَ و...
ط) إقامة المؤتمَرات، و تنفیذ مشروع "ما قبلَ المدرسة" الخاصّ بالأطفال و الأحداث المُشارِکین فی الجلسة
ی) إقامة دورات تعلیمیّة عمومیّة و دورات تربیة المربّـِی (حضوراً و افتراضاً) طیلة السَّنـَة
المکتب الرّئیسیّ: إیران/أصبهان/ شارع"مسجد سیّد"/ ما بینَ شارع"پنج رَمَضان" ومُفترَق"وفائی"/بنایة"القائمیّة"
تاریخ التأسیس: 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریة القمریّة)
رقم التسجیل: 2373
الهویّة الوطنیّة: 10860152026
الموقع: www.ghaemiyeh.com
البرید الالکترونی: Info@ghaemiyeh.com
المَتجَر الانترنتی: www.eslamshop.com
الهاتف: 25-2357023- (0098311)
الفاکس: 2357022 (0311)
مکتب طهرانَ 88318722 (021)
التـِّجاریّة و المَبیعات 09132000109
امور المستخدمین 2333045(0311)
ملاحَظة هامّة:
المیزانیّة الحالیّة لهذا المرکز، شـَعبیّة، تبرّعیّة، غیر حکومیّة، و غیر ربحیّة، اقتـُنِیَت باهتمام جمع من الخیّرین؛ لکنـَّها لا تـُوافِی الحجمَ المتزاید و المتـَّسِعَ للامور الدّینیّة و العلمیّة الحالیّة و مشاریع التوسعة الثـَّقافیّة؛ لهذا فقد ترجَّی هذا المرکزُ صاحِبَ هذا البیتِ (المُسمَّی بالقائمیّة) و مع ذلک، یرجو مِن جانب سماحة بقیّة الله الأعظم (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرَجَهُ الشَّریفَ) أن یُوفـِّقَ الکلَّ توفیقاً متزائداً لِإعانتهم - فی حدّ التـّمکـّن لکلّ احدٍ منهم – إیّانا فی هذا الأمر العظیم؛ إن شاءَ اللهُ تعالی؛ و اللهُ ولیّ التوفیق.