الامام علي بن ابيطالب (عليهماالسلام)

اشارة

سرشناسه: آيت اللهي، مهدي، - 1317

عنوان و نام پديدآور: الامام علي بن ابي طالب(عليه السلام)/ المولف مهدي آيت اللهي؛ المترجم كمال السيره

مشخصات نشر: قم: انصاريان، 1379.

مشخصات ظاهري: [35] ص.مصور

فروست: (مع المعصومين 2)

شابك: 964-438-244-7(دوره)؛ 964-438-244-7(دوره)؛ 964-438-246-3(ج.2)

وضعيت فهرست نويسي: فهرستنويسي قبلي

يادداشت: عنوان اصلي: آشنايي با معصومين(ع).

يادداشت: زبان: عربي.

يادداشت: عنوان ديگر: مع المعصومين (عليهم السلام): الامام علي بن ابي طالب عليه السلام.

عنوان ديگر: مع المعصومين (عليهم السلام): الامام علي بن ابي طالب عليه السلام.

عنوان ديگر: مع المعصومين عليهم السلام: الامام علي بن ابي طالب عليه السلام

موضوع: چهارده معصوم -- سرگذشتنامه -- ادبيات نوجوانان

موضوع: علي بن ابي طالب(ع)، امام اول، 23 قبل از هجرت - 4ق. -- ادبيات نوجوانان

شناسه افزوده: سير، كمال، 1336 -، مترجم

رده بندي كنگره: BP36/آ9آ5043،2.ج 1379

رده بندي ديويي:]297/951] /95

شماره كتابشناسي ملي: م 83-3844

المدخل

«ما لقي أحد في هذه الامة ما لقيت» [1] الإمام علي (ع)

لم يلق عظيم في التاريخ البشري، ما لاقاه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) من ظلم و أثرة، في2 حياته و بعد موته.

فإذا كان قد عاني الكثير في حياته المليئة بالمآو الأمجاد، فإن الظلم قد لاحقه بعد موته، فحرم من أبسط الحقوق و هي: كتابة تاريخه بإنصاف و صدق و لفترة طويلة.

فبعد رحيل الإمام إلي الرفيق الأعلي، اخضعت أجيال الامة الاسلامية، لعملية مسح دماغي، ليس لها مثيل، كي تنسي عليا (ع) و دوره الإيجابي العظيم في دفع حركة الاسلام التاريخية نحو العزة و المجد، أو لتأخذه في إطار مشوه ممسوخ.

و حسبك ان المنابرو هي أعظم الأجهزة التربوية و الاعلامية لدي المسلمين آنذاكقد سخرت لعشرات من السنين في النيل من علي (ع) و تشويه تأريخه الفذ، حقدا علي الاسلام، و انتقاما لقتلي المشركين و هزيمتهم بمعركة بدر.

فكانت خطبة الجمعة في العهد الأموي تفتتح بشتم الإمام علي (ع) بكلمات يأبي التاريخ أن تسطر علي

صفحاته [2]، و كانت تدعو و تشجع علي ذلك العمل القبيح المنافي للاسلام و للذوق: قوي و أجهزة حكم و رواة و محدثون مأجورون و مؤرخون للسلاطين، محاولين بذلك طمس معالم تاريخ الإمام علي المشرق الوضاء.

و كان من شروط التعيين في أي منصب حكومي في المركز أو في الولايات أن يكون الشخص المعين مبغضا لعلي بن أبي طالب (ع) ناصبا له العداء.ذكر ابن الأثير في حوادث عام (41 ه) ان المغيرة بن شعبة عند ما أصبح واليا علي الكوفة في زمن معاوية بن أبي سفيان عين علي بلاد الري واليا من قبله يدعي كثير ابن شهاب «و كان يكثر سب علي علي منبر الري».

أما ذكر علي (ع) بخير و الحديث عن فضائله (ع) فإنه كان يجري في غاية السرية، و من ابلغ عنه انه يتحدث بفضائله يعاقب بأقسي العقوبات و أشدها: ذكر الطبري في تأريخهضمن حديثه عن ولاية المغيرة بن شعبة علي الكوفة، أنه بلغه أن صعصعة بن صوحان كان يتحدث بفضائل علي (ع) و ينتقد سياسة عثمان بن عفان، فأرسل إليه المغيرة و قال:

«إياك أن يبلغني عنك أنك تعيب عثمان بن عفان عند أحد من الناس، و إياك أن يبلغني عنك انك تظهر شيئا من فضل علي علانية، فإنك لست بذاكر من فضل علي شيئا أجهله، بل أنا أعلم بذلك، و لكن هذا السلطانأي معاويةقد ظهر، فإن كنت ذاكرا فضله، فاذكره بينك و بين أصحابك و في منازلكم سرا، و أما علانية في المسجد، فان هذا لا يحتمله الخليفة و لا يعذرنا به» [3].

و علي الرغم من كل ذلك فقد جاءت الأحاديث النبوية الشريفة التي حفظتها السنن و الرواة خلافا لما دعا إليه خلفاء

الجور و إعلامهم، و إليكم جملة منها:

«أخرج الطبراني بسند صحيح عن ام سلمة عن رسول الله (ص) قال: من أحب عليا فقد أحبني، و من أحبني فقد أحب الله، و من أبغض عليا فقد أبغضني، و من أبغضني فقد أبغض الله.

و أخرج أحمد و الحاكم و صححه عن ام سلمة: سمعت رسول الله (ص) يقول: من سب عليا فقد سبني» [4].

و أخرج الخطيب البغدادي في تأريخه الكبير و الجويني الشافعي في فرائد السمطين بسندهما عن النبي (ص) قوله:

«علي مع الحق، و الحق مع علي، و لن يفترقا حتي يردا علي الحوض يوم القيامة» [5].

و أخرج الديلمي عن ابن عمر و المتقي الهندي و المحب الطبري بإسنادهما عن عمر ابن الخطاب عن رسول الله (ص):

«لو أن السماوات و الأرض موضوعتان في كفة، و إيمان علي في كفة لرجح إيمان علي» [6].

و أخرج الترمذي و النسائي و ابن ماجة عن حبشي بن جنادة قال: قال رسول الله (ص): «علي مني، و أنا من علي» [7].

و أخرج الترمذي عن أبي سعيد الخدري قال: «كنا نعرف المنافقين ببغضهم عليا» [8].

و أخرج البزار، و الطبراني في الأوسط عن جابر بن عبد الله، و أخرج الترمذي و الحاكم عن علي قالا: قال رسول الله (ص): «أنا مدينة العلم و علي بابها» [9].

و أخرج الطبراني و الحاكم عن ابن مسعود (رض)، و أخرجه الطبراني و الحاكم من حديث عمران بن حصين أيضا، و أخرجه ابن عساكر من حديث أبي بكر الصديق، و عثمان بن عفان، و معاذ بن جبل، و أنس، و ثوبان، و جابر بن عبد الله و عائشة، قالوا: قال رسول الله (ص): «النظر إلي علي عبادة» [10].

و أخرج الطبراني

و ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: «ما أنزل الله (يا أيها الذين آمنوا) إلا و علي أميرها و شريفها، و لقد عاتب الله أصحاب محمد في غير مكان، و ما ذكر عليا الا بخير» [11].

بيد ان تاريخ الإمام علي (ع) علي الرغم من أنه قد عرض لذلك اللون المخجل من الطمس و التزوير و التجهيل، فان أحداكائنا من كانليس بمقدوره أن يطمس معالمه الأساسية، لارتباطها العضوي بالاسلام الحنيف و مجده، فحبل الكذب قصير (و لا يحيق المكر السيئ إلا بأهله).

و هكذا فإن الأقلام المأجورة و تشكيلة المرتزقة التي حاولت أن تكتب لعلي تاريخا و سيرة علي هواها، و وفقا لمصالحها و ما تملك من خلفيات دنيئة، قد أخطأت التقدير و جهلت أن الحق لا يمكن أن يحجب طويلا، و أن الزبد يذهب جفاء.

لخص الإمام الحافظ جلال الدين السيوطي في كتابه تاريخ الخلفاء (ص 185186) سيرة الإمام علي (ع) في سطور فقال:

«أخو رسول الله (ص) بالمؤاخاة، و صهره علي فاطمة سيدة نساء العالمين رضي الله عنها، و أحد السابقين إلي الاسلام، و أحد العلماء الربانيين، و الشجعان المشهورين، و الزهاد المذكورين، و الخطباء المعروفين، و أحد من جمع القرآن و عرضه علي رسول الله (ص)، و عرض عليه أبو الأسود الدؤلي، و أبو عبد الرحمن السلمي، و عبد الرحمن ابن أبي ليلي، و هو أول خليفة من بني هاشم، و أبو السبطين، أسلم قديما، بل قال ابن عباس و أنس و زيد بن أرقم و سلمان الفارسي و جماعة: انه أول من أسلم، و نقل بعضهم الاجماع عليه.و لم يعبد الأوثان قط لصغرهأخرجه ابن سعد.

و لما هاجر (ص) إلي المدينة أمره أن يقيم بعده

بمكة أياما حتي يؤدي عنه أمانة الودائع و الوصايا التي كانت عند النبي (ص)، ثم يلحقه بأهله ففعل ذلك.

و شهد مع رسول الله (ص) بدرا و أحدا و سائر المشاهد، إلا تبوك فإن النبي (ص) استخلفه علي المدينة، و له في جميع المشاهد آثار مشهورة.

و أعطاه النبي (ص) اللواء في مواطن كثيرة، و قال سعيد بن المسيب: أصابت عليا يوم احد ست عشرة ضربة، و ثبت في الصحيحين «انه (ص) أعطاه الراية في يوم خيبر، و أخبر أن الفتح يكون علي يديه»، و أحواله في الشجاعة، و آثاره في الحروب المشهورة.

قال جابر بن عبد الله: حمل علي الباب علي ظهره يوم خيبر حتي صعد المسلمون عليه ففتحوها، و انهم جروه بعد ذلك، فلم يحمله إلا أربعون رجلا، أخرجه ابن عساكر.

و أخرج ابن إسحاق في المغازي و ابن عساكر، عن أبي رافع: أن عليا تناول بابا عند الحصنحصن خيبرفتترس به عن نفسه، فلم يزل في يده و هو يقاتل حتي فتح الله علينا، ثم ألقاه فلقد رأيتنا ثمانية نفر نجهد أن نقلب ذلك الباب، فما استطعنا أن نقلبه» [12].

و استمرارا لنهجنا في نشر الفكر الإسلامي الأصيل، و تعريف الامة المسلمة، بحقائق تاريخها المجيد، بعد نفض تراب التعمية و التضليل عن كاهلها، نقدم في هذا الكتاب دراسة حول حياة علي بن أبي طالب (ع)، و دوره الأساس في بناء حضارة الاسلام و مجده، مستمدين تفاصيل هذه الدراسة و معلوماتها من أوثق المصادر التي يعتمدها عموم المسلمين.و الله نسأل التسديد و التأييد، و الهداية و العمل من أجل تكريس كل الطاقات و الامكانات الإيمانية الصادقة لدخول معترك الصراع الفكري القائم بين الامة الاسلامية المجاهدة و بين خصومها الألداء،

من أجل أن تسود شريعة الاسلام العظيم، و ينهزم ليل الطغاة في كل أرض، إنه سميع مجيب.

بزوغ الفجر

اشاره

في يوم الجمعة، الثالث عشر من شهر رجب المبارك، و قبل بعثة محمد رسول الله (ص) باثنتي عشرة سنة تقريبا، اشتد المخاض علي فاطمة بنت أسد، فجاء بها أبو طالب إلي الكعبة المشرفة، و أدخلها فيها ثم قال لها: إجلسي … و خرج عنها، فرفعت يدي الضراعة إلي العلي الأعلي سبحانه قائلة: «ربي إني مؤمنة بك، و بما جاء من عندك من رسل و كتب، و إني مصدقة بكلام جدي إبراهيم الخليل (ع) و أنه بني البيت العتيق، فبحق الذي بني هذا البيت و المولود الذي في بطني إلا ما يسرت علي ولادتي» [13].

و لم يمض علي فاطمة غير ساعة حتي أعلنت أنها قد وضعت ذكرا، و هو أول مولود ولد في الكعبة المشرفة و لم يولد فيها بعده سواه تعظيما له من الله سبحانه و إجلالا. [14].

و أسرع البشير إلي أبي طالب و أهل بيته فأقبلوا مسرعين و البشر يعلو وجوههم، و تقدم من بينهم محمد المصطفي [15] (ص) فضمه إلي صدره و حمله إلي بيت أبي طالب، حيث كان الرسول في تلك الآونة، يعيش مع خديجة، في دارهما منذ زواجه منها.

و انقدح في ذهن أبي طالب، أن يسمي وليده «عليا» و هكذا كان.و أقام أبو طالب وليمة، علي شرف الوليد المبارك، و نحر الكثير من الأنعام [16].

و قد حضر وليمته جمع حاشد من الناس قدموا التهاني، و عاشوا ساعات من البهجة، أبدوا فيها مشاعرهم الفياضة، و أحاسيسهم السامية، نحو عميدهم شيخ الأبطح، و وليده المبارك.

و مرت الأيام سريعة، و الوليد المبارك يتقلب بين أحضان والديه: أبي

طالب، و فاطمة، و ابن عمه محمد (ص)، الذي كان دائم التردد علي دار عمه، التي ذاق فيها دف ء المودة، و شرب من ينابيع الإخلاص و الوفاء الصافية، خلال سنوات صباه و شبابه.

أجل كان النبي محمد (ص) يتردد كثيرا علي دار عمه، علي الرغم من زواجه من خديجة، و عيشه معها في دار منفردة، و كان يشمل عليا بعواطفه، و يحوطه بعنايته، و يناغيه في يقظته، و يحمله علي صدره، و يحرك مهده عند نومه، إلي غير ذلك من مظاهر العناية و الرعاية.

هذا و الجدير ذكره أن حادثة ولادة علي (ع) في جوف الكعبة يذكرها الكثير من علماء المسلمين و مؤرخيهم من أمثال: العلامة سبط ابن الجوزي الحنفي المتوفي عام (654 ه) في تذكرة الخواص، و الشيخ أبو جعفر الطوسي المتوفي عام (460 ه) في أماليه، و الشيخ المفيد المتوفي عام (413 ه) في الإرشاد، و السيد ابن طاووس المتوفي عام (664 ه) في الطرائف، و المسعودي المتوفي عام (346 ه) في إثبات الوصية و مروج الذهب، و غير هؤلاء كثيرون.

في كفالة رسول الله

و بعد أن مضت ست سنوات علي ولادة علي (ع) اصيبت قريش بأزمة اقتصادية خانقة، و قد كانت وطأتها شديدة علي أبي طالب، إذ كان رجلا ذا عيال كثيرة، و كهفايلوذ به المحتاج و الفقير، بحكم مركزه الاجتماعي في مكة، تري أيرضي المصطفي (ص) و بنو هاشم، أن تقسو الحياة علي عميدهم؟!

أقبل رسول الله (ص) علي عمه العباس بن عبد المطلب، و هو أثري بني هاشم يومها، فخاطبه بقوله: «يا عم! إن أخاك أبا طالب كثير العيال، و قد أصاب الناس ما تري فانطلق بنا إلي بيته لنخفف من عياله، فتأخذ أنت رجلا واحدا،

و آخذ أنا رجلا فنكفلهما عنه» [17].

و قوبل رأي المصطفي (ص) بالتأييد و الرضا من قبل عمه العباس، فأسرع إلي أبي طالب، و خاطباه بالأمر، فاستجاب لما عرضا قائلا: «إذا تركتما لي عقيلا و طالبا، فاصنعا ما شئتما» [18].

فأخذ العباس جعفرا.

و أخذ رسول الله (ص) عليا (ع)، و كان عمره يومئذ ستة أعوام [19] و قد قال (ص) بعد أن اختار عليا (ع): «قد اخترت من اختاره الله لي عليكم: عليا» [20].

و هكذا آن لعلي أن يعيش منذ نعومة أظفاره في كنف محمد رسول الله (ص): حيث نشأ في رعايته، و شرب من ينابيع مودته و حنانه، و رباه وفقا لما علمه ربه تعالي، و لم يفارقه منذ ذلك التاريخ، حتي لحق الرسول (ص) بالرفيق الأعلي.

حصيلة الإعداد النبوي

أشار الإمام علي (ع) إلي أبعاد التربية التي حظي بها من لدن استاذه و مربيه الرسول (ص)، و مداها و عمقها، و ذلك في خطبته المعروفة بالقاصعة، إذ جاء فيها ما نصه:

«(و قد علمتم موضعي من رسول الله (ص)، بالقرابة القريبة، و المنزلة الخصيصة، وضعني في حجره، و أنا ولد، يضمني إلي صدره، و يكنفني في فراشه، و يمسني جسده، و يشمني عرفه، و كان يمضغ الشي ء ثم يلقمنيه، و ما وجد لي كذبة في قول، و لا خطلة في فعل).

(و لقد قرن الله به (ص) من لدن أن كان فطيماأعظم ملك من ملائكته، يسلك به طريق المكارم، و محاسن أخلاق العالم، ليله و نهاره، و لقد كنت أتبعه اتباع الفصيل أثر امه، يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علما، و يأمرني بالاقتداء به).

(و لقد كان يجاور في كل سنة (بحراء)، فأراه، و لا يراه غيري، و لم يجمع

بيت واحد يومئذ في الاسلام غير رسول الله (ص) و خديجة، و أنا ثالثهما، أري نور الوحي و الرسالة، و أشم ريح النبوة)» [21].

و في صباه و شبابه، انصب جهد رسول الله (ص) علي تكوين شخصيته: إذ كان يأمره بالاقتداء به، و سلوك سبيله، و في كل يوم يرفع له من أخلاقه علما و علي كان يتبع أثره، أولا بأول، كما يصف ذلك في حديثه.

و لهذا و ذاك، فإن اختيار علي (ع) من لدن الرسول (ص) يوم أملق أبو طالبكما أسلفناكان مخططا هادفا ابتداء لكي يأتي علي (ع) صورة مجسدة لشخصية رسول الله (ص)، في فكره و مواقفه و شتي ألوان سلوكه، بل حتي في مشيته [22].

و لقد كان الإمام (ع) من الصفاء الروحي، و الاستقامة الخلقية، وفقا لما علمه رسول الله (ص)، بحيث كانت تتكشف له الكثير من حجب المستقبل المستور، فها هو يقول: «و لقد سمعت رنة الشيطان حين نزول الوحي عليه (ص) فقلت: يا رسول الله! ما هذه الرنة؟فقال: هذا الشيطان قد أيس من عبادته، إنك تسمع ما أسمع و تري ما أري إلا أنك لست بنبي، و لكنك وزير، و إنك لعلي خير» [23].

فان الشوط الذي قطعه في مضمار التقرب إلي الله سبحانه، و امتثال أوامره، و تجسيد متطلبات رسالته، رشحه لأن يكون وزيرا للنبوة، و هو مقام لا يناله إلا من قطع شوطا بعيدا باتجاه قمة الفضيلة و السمو الروحي و المعنوي، فلم يفصله عن الرسول (ص) إلا درجة النبوة، فارتقي منصة الوزارة بحق و جدارة، و هكذا كان علي.

في كنف الوحي

و إذا كان الإمام (ع) قد عاش ست سنوات في أحضان والديه و اخوته، و كان لرسول الله (ص) دور

بارز في رعايته طوال تلك السنوات الندية من عمره (ع).

فإن رعاية علي و تربيته، صارت من اختصاص المصطفي (ص) دون منازع منذ السنة السادسة، حيث انتقل (ع) إلي دار رسول الله (ص) علي إثر الضائقة المالية التي ألمت بأبيه أبي طالبكما ذكرنا.

و منذ تلك السن المبكرة عاش علي (ع) مع رسول الله (ص) في بيته قبل الدعوة، حيث قضي تحت رعايته سنوات الصبا و سنوات التفتح علي الحياة، و خلالها عايش الإمام (ع) كل التطورات التي اكتنفت حياة الرسول (ص).

و بناء علي ذلك فعلي لم يحظ بالتربية المألوفة، التي يحظي بها غالبا طفل من لدن أبيه، أو صغير من قبل أخيه الأكبر، و انما كان إعداده و تربيته من نوع خاص، و حسبك أنه كان يتبع محمدا (ص) حتي في ساعات اختلائه في غار حراء، و يشهد التطور الروحي و الفكري الذي كان رسول الله (ص) يمر فيه، و ها هو (ع) يستذكر تلك الأيام الخالدة و ذلك الشطر الحساس من حياته، فيقول: «و لقد كان يجاور كل سنة بحراء، فأراه و لا يراه غيري» [24]، أجل كان (ع) يعايش التحول الروحي الهائل الذي شهدته نفس المصطفي (ص)، حتي أشرف عليه و حي السماء المبارك لينهض بمهمة الدعوة إلي الرسالة الإلهية الخاتمة.

(اقرأ باسم ربك الذي خلق-خلق الإنسان ما علق-اقرأ و ربك الأكرم-الذي علم بالقلم-علم الإنسان ما لم يعلم). (العلق: 15)

فمن هذه الارهاصات التي شهدها قلب علي (ع) و روحه الطاهرة ما تعكسه هذه الروايات و الآثار التاريخية الدالة:

1حدث كمال الدين ميثم بن علي البحراني المتوفي عام (679 ه) في شرحه لنهج البلاغة بما يلي:

«روي في الصحاح: انه كان (ص) يجاور بحراء في كل سنة شهرا، و

كان يطعم في ذلك الشهر من جاءه من المساكين، فاذا قضي جواره انصرف إلي مكة، و طاف بها سبعا قبل أن يدخل بيته حتي جاءت السنة التي أكرمه الله فيها بالرسالة، فجاء في حراء في شهر رمضان، و معه أهله: خديجة و علي و خادم» [25].

2و عن أبي مسعود قال:

«قدمت إلي مكة فانتهيت إلي العباس بن عبد المطلب و هو يومئذ عطار جالس إلي زمزم و نحن عنده إذ أقبل رجل من باب الصفا عليه ثوبان أبيضان، عليه وفرة جعدة إلي انصاف أذنيه، أشم أقني، أدعج العينين، كث اللحية، أبلج براق الثنايا أبيض تعلوه حمرة، و علي يمينه غلام مراهق أو محتلم حسن الوجه، تقفوهم امرأة قد سترت محاسنها، فقصدوا نحو الحجر فاستلمه الرجل ثم الغلام ثم طافوا بالبيت ثم استقبلوا الحجر و قام الغلام إلي جانب الرجل و المرأة خلفهما فأتوا بأركان الصلاةمستوفاة فلما رأينا ما لا نعرفه بمكة، قلنا للعباس: إنا لا نعرف هذا الدين فيكم، فقال: أجل و الله، فسألناه عن هؤلاء فعرفنا إياهم ثم قال: و الله ما علي وجه الأرض أحد يدين بهذا الدين إلا هؤلاء الثلاثة، و روي مثله عن عفيف بن قيس» [26].

3و عن الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع) قال:

«كان علي (ع) يري مع النبي (ص) قبل الرسالة الضوء، و يسمع الصوت» [27].

إن هذا الاحساس العلوي المميز بعمق التحولات الغيبية التي تجري لرسول الله (ص) تكشف عن كيان روحي خاص لا يختص به غير الأنبياء (ع)، إلا أن ختم النبوة بمحمد (ص) اقتضي أن يكون علي (ع) وزيرا للنبوة: فقد ذكر أصحاب السنن بأسانيدهم عن النبي (ص) مخاطبا عليا (ع) ما يلي:

«أنت مني بمنزلة هارون من موسي

إلا أنه لا نبي بعدي» [28].

و قد أشرنا إلي ما ذكره علي (ع) نفسه في خطبة القاصعة حين سأل الرسول (ص) عن رنة الشيطان، حيث أجابه النبي (ص):

«إنك تسمع ما أسمع و تري ما أري إلا أنك لست بنبي، و لكنك وزير، و إنك لعلي خير» [29].

اول المؤمنين

اشاره

حين تلقي الرسول (ص) بيان التكليف الإلهي بحمل الرسالة، عاد إلي بيته فأطلع عليا [30] (ع) علي أمره، فاستقبله بالتصديق و اليقين، كذلك فعلت خديجة الكبري، فانبثق من أجل ذلك أول نواة لمجتمع المتقين في الأرض.

علي أنه يجدر بنا، أن نعي أن عليا (ع) لم يدعه الرسول (ص) إلي الاسلام كما دعا غيره فيما بعد أبدا، لأن عليا (ع) كان مسلما علي فطرة الله تعالي، لم تصبه الجاهلية بأوضارها، و لم يتفاعل مع شي ء من سفسافها و كل الذي كان: أن عليا (ع) قد أطلعه الرسول القائد (ص) علي أمر دعوته و منهج رسالته، فأعلن تصديقه و أيقن بالرسالة الخاتمة، و بادر لتلقي توجيهاته المباركة تلقي تنفيذ و تجسيد، و لهذا يقال (كرم الله وجهه).

فإن عليا (ع) كان مؤهلاكما بينا في مطلع الحديثلاتباع رسول الله (ص) في دعوته، لأنه (ص) كان قد أنشأ شخصيته، و أرسي لبناتها الأساسية.

و لا نضيف جديدا إذا قلنا إن الإمام (ع) لم يفاجأ بأمر الدعوة المباركة، طالما عاش في كنف رسول الله (ص) و تفيأ ظلاله، فالمصطفي محمد (ص) كما نعلمكان يعبد ربه تعالي و ينأي عن الجاهلية في مفاهيمه و سلوكه و علاقاته قبل أن يتنزل عليه وحي السماء، بأول سورة من القرآن الكريم.و علي (ع) كان مطلعا علي عبادة أخيه رسول الله (ص) و ممارساته و تحولاته الروحية و الفكرية، فكان

يتعبد معه، و ينهج نهجه، و يسلك سبيله في تلك السن المبكرة من عمره.

أما حين فاتحه رسول الله (ص) بأمر الدعوة الإلهية، فقد لبي النداء بروحه و وعيه و كل جوارحه، دون أن يباغت في الأمر، و إن كان هناك من جدة في المسألة، فإنما هي في الكيفية و درجة المسؤولية الواجب تحملها، أو في تفاصيل الأحكام.

و حين بلغ رسول الله (ص) بأمر التكليف الإلهي لحمل الدعوة المباركة، بلغ كذلك، أن تنصب دعوته أولا علي الخاصة من أهل بيته، و قد أشار ابن هشام في سيرته لذلك بقوله:

«فجعل رسول الله (ص) يذكر ما أنعم الله به عليه، و علي العباد به، من النبوة سرا من يطمئن إليه من أهله» [31].

و من أجل ذلك فاتح عليا و خديجة بالدعوةكما ذكرناو بعدهما زيد بن حارثة، و بقي أمر الدعوة طي الكتمان لا يعلمه غير هؤلاء، و بعض الخاصة من أهل البيت (ع).

و قد أشار الإمام علي بن الحسين (ع) في حديث له حول إسلام جده علي بن أبي طالب (ع) بقوله:

«و لقد آمن بالله تبارك و تعالي و برسوله (ص) و سبق الناس كلهم إلي الإيمان بالله و برسوله و إلي الصلاة ثلاث سنين» [32].

و لأسبقيته في حمل الدعوة أشار الإمام (ع) في حديث جاء فيه:

«و لم يجمع بيت واحد يومئذ في الاسلام غير رسول الله (ص) و خديجة، و أنا ثالثهما، أري نور الوحي و الرسالة، و أشم ريح النبوة».

و بعد أن تخطت الدعوة مرحلة دعوة الخاصة من أهل البيت جاءت مرحلة دعوة من يتوسم رسول الله (ص) فيهم القبول لدعوته، فانخرط عدد من الناس في سلك الدعوة، كان أغلبهم من الشباب، و كانت لقاءاتهم من

أجل قراءة القرآن الكريم، و التعرف إلي أحكام دين الله تعالي تتم بصورة سرية.

اول الدعاة إلي الاسلام

ثم أذن الله عز و جل لرسوله (ص) بدعوة عشيرته الأقربين من بني هاشم، ليوسع من مدار الدعوة بذلك، فقال تعالي:

(و أنذر عشيرتك الأقربين

و اخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين

فإن عصوك فقل إني بري ء مما تعملون). (الشعراء: 214216)

فلما تلقي رسول الله (ص) أمر ربه الأعلي بانذار عشيرته الأقربين، أمر عليا (ع) أن يدعوهم إلي طعام عنده، فحضروا إلي دار رسول الله (ص) و كانوا أربعين رجلا.و بعد أن تناولوا طعامهم، بادرهم الرسول (ص) بقوله:

«يا بني عبد المطلب! إن الله بعثني إلي الخلق كافة، و بعثني إليكم خاصة، فقال: (و أنذر عشيرتك الأقربين) و أنا أدعوكم إلي كلمتين خفيفتين علي اللسان، ثقيلتين في الميزان، تملكون بهما العرب و العجم، و تنقاد لكم بهما الامم، و تدخلون بهما الجنة، و تنجون بهما من النار، شهادة أن (لا إله إلا الله و أني رسول الله) فمن يجبني إلي هذا الأمر و يؤازرني عليه و علي القيام به يكن أخي و وصيي و وزيري و وارثي و خليفتي من بعدي» [33].

و بين تنديد أبي لهب و تحذيره لرسول الله (ص) من الاستمرار بالدعوة من جهة، و تأييد أبي طالب له و مخاطبته لرسول الله (ص) بقوله: فامض لما أمرت به، فو الله لا أزال أحوطك و أمنعك.

و من خلال التأييد الذي أعلنه أبو طالب، و التنديد البليد الذي أعلنه أبو لهب، وقف علي بن أبي طالب (ع) و كان أصغر الحاضرين سنا فقال: «أنا يا رسول الله أؤازرك علي هذا الأمر» فأمره رسول الله (ص) بالجلوس، و لما لم يجبه أحد نهض علي ثانية و

رسول الله (ص) يجلسه.

و أعاد رسول الله (ص) دعوته إلي قومه، فلم يجبه أحد، و كان صوت علي (ع) وحده يلبي الدعوة، و يهدر بالمؤازرة و النصرة، فمزق صمتهم بصلابة إيمانه، و قوة يقينه، و حيث لم يجب رسول الله (ص) أحد للمرة الثالثة، التفت إلي مجيبه الوحيد، قائلا: «إجلس فأنت أخي و وصيي و وزيري و وارثي و خليفتي من بعدي».

فنهض القوم من مجلسهم، و هم يخاطبون أبا طالب: «ليهنئك اليوم أن دخلت في دين ابن أخيك، فقد جعل ابنك أميرا عليك» [34].

علي طريق المواجهة

و دخلت الدعوة إلي الله مرحلة المواجهةبعد إنذار العشيرةو أول من قاد رد الفعل أبو لهب و زوجته، و كانا يعترضان رسول الله (ص) و يزرعان المشاق في طريقه، لثنيه عن دعوته المباركة، و لكن دعوة الله سبحانه مضت، تشق طريقها في المجتمع الجاهلي المتحجر ذاك، فقد انتقلت بعد إبلاغ العشيرة إلي الدعوة العامة، حيث وقف رسول الله (ص) عند البيت الحرام، و خاطب الجموع بأنه رسول الله إليها.

و بعد الدعوة العامة تزايد عدد المؤمنين و أغلبهم من الشباب و من شتي قطاعات المجتمع المكي.

و كان لتزايد عدد المؤمنين برسالة الله تعالي أثر بالغ علي موقف الجاهليين، فقد سلكوا اسلوب الإرهاب للرعيل الأول من المؤمنين، فكانت كل قبيلة و كل بيت يتصدي لمن فيه من المؤمنين بالتعذيب و الاضطهاد، و المؤمنون يزدادون ثباتا و إيمانا بصوت الحق و الهدي الذي دوي به صوت رسول الله (ص) فرددته النفوس الظمأي إلي الخير و الانعتاق.

و بسبب التعذيب الجسدي الوحشي الذي صب علي المؤمنين، كانت هجرة الحبشة التي قادها جعفر بن أبي طالب الذي يكبر أخاه عليا (ع) بعشر سنين، و كان لجعفر و

حكمته الأثر الفعال في إفشال مخطط قريش في إثارة ملك الحبشة علي المهاجرين لطردهم من بلاده.

ابو طالب يتصدي لأعداء الرسالة

و إذا كانت قريش قد تصدت للسابقين من المؤمنين بالعنف و الاضطهاد، فإنها ليست قادرة علي التصدي لرسول الله (ص)، قائد الدعوة و رسولها بنفس المستوي، لعلمها أن أبا طالب شيخ الأبطح، يحول دون تحقيق أي لون من ألوان الأذي و الارهاب لرسول الله (ص).

فأبو طالب رجل مرهوب الجانب، ذو سطوة و نفوذ، ليس في بني هاشم وحدهم و إنما في قبائل مكة كلها.

و قد كان الرجل سند الدعوة الاسلامية و جدارها الشامخ، الذي تستند إليه منذ تباشير فجرها الزاهر، و قريش كانت تدرك ذلك تماما و تعرف أبعاده.

و من أجل ذلك، سلكت اسلوب المفاوضة و المساومة و الإغراء: تفاوض الدعوة و الرسالة في شخص الرسول (ص) مرة، و في شخص أبي طالب مرة اخري، فحين كانت تعرض المال و السلطان علي رسول الله (ص) مقابل تركه للدعوة إلي الاسلام، و التنازل عن الرسالة، فانها كانت تفاوض أبا طالب، و تحاوره بشأن دعوة الرسول (ص)، طالبة أن يستعمل نفوذه، بالضغط عليه لترك رسالته، و تلوح بالتهديد تارة اخري باحتدام الصراع بينه و بين قريش كلها إذا لم يخل بينهم و بين رسول الله (ص)، و يكف عن إسناده له.

بيد أن أبا طالب، كان يعلن إصراره علي التزام جانب رسول الله (ص) و الذود عنه، مهما غلا الثمن و عظمت التضحيات.

ابو طالب مع رسول الله في الحصار

و لما استبد اليأس بقريش، عند ما تيقنوا أن أبا طالب لن يفرط بمحمد رسول الله (ص) و دعوته، عقد زعماؤها اجتماعا طارئا في دار الندوةو هي دار أسسها أيام زعامته لقريش قصي بن كلاب، و قد اعتادت قريش أن تجتمع فيها للتشاور في القضايا المصيرية من حياتهاحيث توصل المجتمعون إلي قرار، يقضي بحصار بني هاشم

و من يلوذ بهم حصارا اقتصاديا و اجتماعيا، ينصب علي عدم البيع لبني هاشم أو الشراء منهم أو تزويجهم أو التزوج منهم، و قد ذيل قرار المقاطعة ذلك بأربعين توقيعا لزعماء قريش و حلفائهم.

و دخل بنو هاشم شعب أبي طالب، بناء علي أوامر من عميدهم أبي طالب ذاته، حماية لأنفسهم من سطوة قريش، و أصبح من المتعذر عليهم الخروج إلي مكة، إلا في موسم العمرة في رجب و موسم الحج في ذي الحجة من كل عام.و بالنظر لتفاقم الموقف بين بني هاشم و قريش، شدد أبو طالب الحراسة علي الشعب بعد تحصينه، خشية هجوم قرشي مباغت.

و استمر الحال ببني هاشم، بما فيهم رسول الله (ص) و علي بن أبي طالب (ع) علي هذا الحال ثلاث سنينو قيل أربعاو قد عانوا من شظف العيش، و الحرمان و الفاقة، ما يدمي القلب، و يحز في النفس.

و لك أن تقدر حجم ما عاني المحاصرون من ضيق، إذا علمنا أن قريشا قد شددت عليهم الحصار بشكل كامل، فقطعت عنهم التموين و سدت منافذ أي دعم محتمل، و كانت غالبا ما تضاعف أثمان البضائع، ليعجز بنو هاشم عن شرائها، بشكل أدي بهم إلي المجاعة الحقيقية، حتي كان صراخ أطفالهم و تضورهم جوعا يسمع من بعيد.

و بعد أن تصرمت السنون الثلاث أو الأربع بعسرها و آلامها وفاقتها و شدتها، أخبر رسول الله (ص) عمه أبا طالب أن صحيفة المقاطعة التي كتبتها قريش قد أتت دودة الأرض علي ما فيها من ظلم و قطيعة فأكلتها، إلا عبارة (باسمك اللهم)، فأسرع أبو طالب إلي قريش، قائلا [35]: «إن ابن أخي أخبرني أن الله قد سلط علي صحيفتكم الأرضة فأكلتها، غير اسم الله، فإن

كان صادقا نزعتم عنه سوء رأيكم، و إن كان كاذبا دفعته إليكم».

قالوا: قد أنصفتنا، ثم فتحوها، فإذا هي كما قال.و وقع نزاع شديد بين زعماء قريش، نتج عنه تمزيق الصحيفة و انتهاء المقاطعة، و رفع الحصار عن بني هاشم، و قد كان لافشال مشروع الحصار بذلك الشكل الاعجازي الجلي أثره في كسب الدعوة للمؤيدين و الأنصار في مكة.

أرأيت كم من التضحيات في سبيل رسالة الله، بذل بيت علي (ع)؟

فإذا كان علي أول من لبي صوت الحق، و ظل مجاهدا في الصف الأمامي من الجبهة الاسلامية طوال حياته، فإن أباه قد ضحي حتي بمكانته الاجتماعية، التي كان يحظي بها، في مجتمع يهتم بالعناوين القبلية و الزعامة العشائرية، و قد ذاق أبو طالب المحن من أجل رسالة الله تعالي، حتي كان بحق الدرع الواقي للرسول (ص) و الدعوة، في حين كانت المكانة الاجتماعية: حلم الرجال و مبتغاهم في ذلك المجتمع القبلي المادي.

و هكذا كان جعفر بن أبي طالب، شقيق علي (ع) الذي بدأ حياته الاسلامية بقيادة موكب الهجرة الاولي إلي الحبشة، و توجها بالشهادة في غزوة مؤتة، ففاز بلقب (الطيار مع الملائكة في الجنة) كما أخبر رسول الله (ص) بذلك [36].

و لعظيم حب رسول الله (ص) لجعفر، أنه حين قدم المدينة المنورة من الحبشة، و ذلك يوم فتح خيبر، استقبله رسول الله (ص) و قبل ما بين عينيه، و هو يقول (ص): «ما أدري بأيهما أنا أشد فرحا: بقدوم جعفر؟أم بفتح خيبر؟» [37].

الي دار الإسلام

و في خضم الصراع العنيف الناشب بين الدعوة الإلهية المباركة، و الجاهلية الرعناء، فجع الاسلام بفقد مؤمن قريش: أبي طالب (رض) فاهتز رسول الله (ص) ألما للحادث المفجع، و علم أن قريشا ستعمل علي

تصعيد حملتها علي الاسلام و المسلمين، و علي شخصه الكريم بالذات.

و إذا كانت قريش تخشي أبا طالب و مركزه الاجتماعي فيما مضي، فقد خلالها الجو بعد موته، و ها هو رسول الله (ص) يفقد سنده الشامخ، و يصاب بعده بفاجعة اخري لا تقل في تأثيرها عليه عن الاولي، فقد توفيت زوجته الوفية خديجة، حتي دعا العام الذي فقدهما فيه «عام الحزن».

و للأهمية البالغة التي يحتلها أبو طالب في سيرة الحركة التاريخية لدعوة الله تعالي، صرح رسول الله (ص) بقوله:

«ما زالت قريش كاعة [38] عني حتي مات أبو طالب» [39].

و صعدت قريش بالفعل حملتها علي رسول الله (ص) و السابقين من المؤمنين، فاتجه رسول الله (ص) للبحث عن أرض غير مكة تستقر عليها دعوة الله، فتنمو عليها شجرة الهدي، و راح يتصل بالقبائل، و يعرض أمره علي الناس في أطراف مكة، ثم زار الطائف، و اتصل بزعماء قبائلها، فلم يستجب له أحد ذو أثر اجتماعي، بيد أن اليأس لم يتسرب إلي نفسه، و استمر في عرض نفسه علي الناس من خارج مكة، حتي التقي في موسم الحج بنفر من أهل يثرب، و فاتحهم بأمر الدعوة، فاستجابوا له و لبوا دعوة الله، و عادوا يحملون الكلمة الهادية إلي قومهم.

و في الموسم التالي قدم منهم اثنا عشر رجلا، فبايعوه علي الإيمان و حمل الرسالة، فأرسل لتعليمهم أحكام دين الله تعالي، مصعب بن عمير، فمكث فيهم سنة كاملة، يدعوهم إلي الله، و يؤدبهم بتعاليم رسالته، و يقرئهم القرآن الكريم فدخل الكثير من الناس في الاسلام، و استجابوا لنداء الدعوة المباركة.

و في موسم الحج حضر منهم إلي مكة و فد كبير يقوده مصعب بن عمير، فالتقوا برسول الله (ص)، و بايعوه علي

النصرة إن هو هاجر إلي بلدهم.

و تنزل أمر الله يدعو المسلمين إلي الهجرة، فزحفت مواكب المهاجرين صوب الدار الجديدة، مخلفين وراءهم المال و الوطن و علائق الدم و القربي.

و لئن كان الاسلام قد أو شك علي الدخول في محرلة جديدة من مراحل مسيرته العتيدة، فإن قريشا، قد اجتمعت في دار الندوة للتشاور بشأن رسول الله (ص) بالذات، فتوصل قادتها إلي قرار يقضي باغتيال جماعي لرسول الله (ص) يتولاه من كل قبيلة رجل منها علي أن تنفذ جريمة الاغتيال ليلا.

و كشف وحي الله تعالي لرسول الله (ص) أوراق الجريمة التي أجمعت قريش علي اقترافها:

(و إذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك و يمكرون و يمكر الله و الله خير الماكرين). (الأنفال: 30)

في فراش رسول الله

و أبلغ جبريل (ع) رسول الله (ص) بأمر الله تعالي له بالهجرة إلي يثرب فاستجاب لربه الأعلي عز و جل و تصرف بما يفوت الفرصة علي الأعداء، و حين انتشر الظلام أسرع المتآمرون لتطويق بيت رسول الله (ص) للحيلولة دون خروجه.و عندها جاء دور علي (ع) حيث أمره رسول الله (ص) أن ينام علي فراشه، و يلتحف ببردته، و خرج الرسول (ص) من بين أعداء الله و هو يتلو قوله تعالي:

(و جعلنا من بين أيديهم سدا و من خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون). (يس: 9)

فلم يشاهده أحد من المشركين.

و عند طلوع الفجر اقتحم المتآمرون دار رسول الله (ص) لتنفيذ جريمتهم و اتجهوا لغرفته، فوثب علي (ع) في وجوههم قائلا: ما شأنكم؟قالوا: أين محمد؟قال:

«أجعلتموني عليه رقيبا؟ألستم قلتم نخرجه من بلادنا فقد خرج عنكم» [40].

فانقلبوا خاسرين و باؤوا بالفشل الذريع، ثم بدا لهم أن يبحثوا عن رسول الله (ص) و يجدوا في طلبه

في الجبال و الوديان، و اصطحبوا لذلك أبا كرز، و هو رجل شهير بعلم معرفة الأثر، و بالفعل استطاع أبو كرز أن يتابع أثر رسول الله (ص) حتي أوصل القوم إلي غار جبل «ثور» مؤكدا لهم أن محمدا رسول الله (ص) قد وصل في نهاية شوطه إلي ذلك الغار، و إذن فلا بد أن يكون قد عرج إلي السماء أو اختفي تحت الأرض [41]، و حيث إن الله سبحانه قد بعث عنكبوتا فنسجت بيتا لها علي باب الغار، فإن المتآمرين لم يخطر ببالهم أن رسول الله (ص) يلوذ عن كيدهم في داخل الغار الذي يقفون علي بابه، و هكذا صرف الله عقولهم فولوا الأدبار.

و عند حلول الليلة الثانية أسرع علي (ع) و هند بن أبي هالة إلي الغار للاتصال بالرسول (ص) تحت جنح الظلام [42] و تحاور رسول الله (ص) مع علي (ع) حول مستلزمات الهجرة، فأوصاه بأداء الأمانات إلي أهلها، و باللحوق به (ص) بعد ذلك و أوصاه أن يحمل معه فاطمة الزهراء (ع) و من معها من نساء أهل البيت.

الانتظار في قبا

و بعد أيام من مسيرة الركب وصل رسول الله (ص) إلي «قبا» حيث نزل عند كلثوم بن الهدم أحد زعماء بني عمرو بن عوف [43] و هناك أقام (ص) مسجد قبا، و مكث ينتظر قدوم علي بن أبي طالب (ع) [44] إذ كتب إليه كتابا يأمره بالمسير إليه، و قد حمل الكتاب أبو واقد الليثي، و حيث إن عليا (ع) قد أدي ما أوصاه به رسول الله (ص) قبل هجرته و أعاد الأمانات التي كانت لدي رسول الله (ص) إلي أهلها، فقد عجل باللحوق بأخيه رسول الله (ص) فبادر إلي إعداد ركائب لحمل النساء:

فاطمة بنت رسول الله، و فاطمة بنت أسد، و فاطمة بنت حمزة و فاطمة بنت الزبير ابن عبد المطلب.

«ثم أمر ضعاف المؤمنين أن يتسللوا ليلا إلي (ذي طوي) و خرج هو و الفواطم و أيمن و أبو واقد الليثي نهارا» [45].

و لم تمض غير أيام قليلة حتي وصل ركب علي و الفواطم إلي قبا، فاستقبلهم رسول الله (ص) و عانق عليا (ع) و بكي رحمة به، و ذلك لما ألم به من إرهاق و أذي.

و بعد مقدم علي (ع) علي رسول الله (ص) بيومين ارتحل رسول الله (ص) و بصحبته علي (ع) و من معه من المهاجرين إلي المدينة المنورة.

و كان الركب النبوي يستقبل استقبالا مهيبا عند كل حي يمر به، حتي إذا وصل رسول الله (ص) إلي المكان الذي اقيم مسجده فيه توقفت راحلته عن المسير فنزل عنها، و أقام ضيفا عند أبي أيوب الأنصاري (ره)، ثم بادر إلي بناء المسجد و الدور الخاصة به و بأهل بيته، و في طليعتهم علي (ع) إذ اقيمت حجرته بجنب حجرة عائشة زوج النبي (ص) [46].

مهمات ما بعد الهجرة

اشاره

استقبلت المدينة عهدا جديدا من تاريخها بوصول رسول الله (ص) إليها حيث أرسي (ص) قواعد دولة القرآن، و عمل علي تحصينها لتكون منارا يشع نور الحق إلي الآفاق فيبدد ظلام الجاهلية الحالك.

و إذا كان الاسلام بعد الهجرة قد امتلك دولة، و فرت له الكثير من شروط الحماية و التحصين، فان ذلك لا يعني بحال أن مكر الأعداء و خططهم لإطفاء نور الاسلام قد انتهت بل العكس هو الذي كان، فالجاهلية بقواها المتعددة و واجهاتها الكثيرة قد أجمعت علي حرب الاسلام و دولة الاسلام، و قد دخلت فصائل كثيرة إلي الميدان لغير مصلحة

الاسلام، بعد أن أدركت عمليا أن وجودها في خطر بعد امتلاك الاسلام الدولة التي ترعاه و يحقق أهدافه من خلالها.

و هكذا كانت مرحلة ما بعد الهجرة قد وضعت المسلمين أمام مسؤوليات أشمل ميدانا و أبعد خطرا، حيث بناء الدولة و حمايتها و بناء المجتمع و تحصينه، و صد الأعداء و نشر العقيدة و غير ذلك.

و الصراع بطبيعته قد تحول بدوره من صراع أفراد أو إرهاب قبائل و أصحاب و جاهات لأفراد عزل لا يملكون غير دينهم و ثقتهم بالله تعالي، إلي صراع عسكري منظم تقوده قوي جمعتها المصالح و الأهواء و لو آنيا لحرب الاسلام العظيم باعتبارهو بتقديرهمالخطر الماحق لوجودهم الفكري و العملي، و قد تفجر الصراع العسكري بشكل لم يشهد له التاريخ مثيلا.

و حسبك أن دولة القرآن قد شهدت عبر عشر سنوات عاشها رسول الله (ص) بعد هجرته إلي المدينة عشرات من الأعمال العسكرية بين حروب دفاعية أو هجوميةأو غزوات أو سرايا أو غيرها.و قد قدم المسلمون خلالها الكثير من الضحايا و لاقوا صنوفا من البلاء، بيد أنهم أنهوا الوجود العملي للجاهلية في الجزيرة العربية، فشملتها دولة الاسلام دون منازع.

و إذا تتبعنا تلك المرحلة الدقيقة من عمر الرسالة الخاتمة لوجدنا أن دور علي بن أبي طالب (ع) فيها لم يرق إليه دور قط، فهو في جميع حروب الاسلام مع أعدائه كان يفوز بقصب السبق لا من باب اشتراكه في الحرب أو قتاله فيها فحسب، و انما بما يقدمه من بطولة و تضحية يسبق بها سواه، و من المناسب هنا أن نذكر طرفا من بطولته (ع) و بأسه في الحرب:

في معركة بدر

في معركة بدر كان عدد المسلمين يساوي ثلث جيش عدوهم و كانت العدة لدي المسلمين

ليست ذات بال، فعلي سبيل المثال كانوا لقلة ركائبهم يركب منهم الاثنان و الثلاثة و الأربعة علي بعير واحد، و لم يكن منهم فارس غير المقداد بن الأسود الكندي، و كانت أسلحة بعضهم من جريد النخل و نحوه.

حتي إذا اضطرمت نار الفتنة تقدم علي (ع) و كان يحمل لواء الرسول (ص) [47] فخاض غمار معركة حامية غير متكافئة، كان المسلمون خلالها يستغيثون ربهم طلبا للنصر فاستجاب لهم و أمدهم بالملائكة، و قد انتهت المعركة بمقتل سبعين رجلا من المشركين كان مقتل نحو نصف عددهم بسيف علي [48].

هناك رواية عن أحد الصحابة يقول: قتل علي نصف المشركين الذين قتلوا في بدر و شاركنا في النصف الثاني.

في معركة أحد

كان رسول الله (ص) قد أعطي لواء المهاجرين لعلي (ع)، و لما اشتبك الطرفان كان النصر ابتداء للمسلمين، بيد أن حماة جبل أحد الذين أمرهم الرسول (ص) بعدم مفارقته تركوا أماكنهم بعد فرار المشركين طمعا في الغنائم و المتاع، فصعدت إحدي فرق المشركين بقيادة خالد بن الوليد الجبل، فتغير الموقف لمصلحة المشركين و خسر المسلمون الكثير من الشهداء، و اصيب الرسول (ص) بجروح في وجهه الكريم و كسرت رباعيته و حيث لم يبق مع رسول الله (ص) في ذلك الموقف الرهيب بعد فرار المسلمين غير علي (ع) و أبي دجانة و سهل بن حنيف، استبسل علي (ع) كعادته في الدفاع عن رسول الله (ص) و مجد الرسالة الإلهية، و قتل حملة اللواء من المشركين واحدا بعد الآخر، و كانوا تسعة رجال، ثمانية من بني عبد الدار و تاسعهم عبدهم [49]، مما أربك العدو و اضطره للفرار.

في غزوة الأحزاب

في غزوة الأحزاب طوقت المدينة بعشرة آلاف من المشركين بشتي فصائلهم، و نقض بنو قريظة صلحهم مع رسول الله (ص) و انضموا إلي صفوف الغزاة، فتغير ميزان القوي لصالح العدو، و بلغ الذعر في نفوس المسلمين أيما مبلغ، فقد زاغت الأبصار و بلغت القلوب الحناجر و زلزلت نفوس و ظنت نفوس بالله الظنونكما حدثنا القرآن [50] .

و بدأ العدو هجومه بعبور عمرو بن عبد ود العامريأحد أبطال الشركالخندقالذي حفره المسلمونمع بعض رجاله، فهددوا المسلمين في داخل المدينة بل في داخل تحصيناتهم، و راح ابن عبد ود يصول و يجول، و يتوعد المسلمين و يتفاخر عليهم ببطولته، و يستعلي و ينادي: هل من مبارز؟فقام علي (ع) و قال: أنا له يا رسول الله.قال رسول الله (ص): اجلس إنه عمرو! و

كرر ابن عبد ود النداء و جعل يوبخ المسلمين، و يسخر بهم و يقول: أين جنتكم التي تزعمون أن من قتل منكم يدخلها، أفلا تبرزون لي رجلا؟

و لما لم يجبه أحد من المسلمين، كرر علي (ع) طلبه: أنا له يا رسول الله.فقال (ص): اجلس إنه عمرو! فأبدي علي عدم اكتراثه بعمرو و غيره، قائلا: و إن كان عمرا!! فأذن رسول الله لعلي (ع)، و أعطاه سيفه ذا الفقار، و ألبسه درعه، و عممه بعمامته.ثم قال (ص):

«اللهم هذا أخي و ابن عمي، فلا تذرني فردا، و أنت خير الوارثين» [51].

و مضي علي (ع) إلي الميدان، و خاطب ابن عبد ود بقوله: يا عمرو! إنك كنت عاهدت الله، أن لا يدعوك رجل من قريش إلي إحدي خلتين إلا قبلتها.قال عمرو: أجل.فقال علي (ع): فإني أدعوك إلي الله و إلي رسوله (ص) و إلي الاسلام.فقال: لا حاجة لي بذلك.قال له الإمام: فإني أدعوك إلي البراز.فقال عمرو: إني أكره أن اهريق دمك، و إن أباك كان صديقا لي.

فرد عليه الإمام (ع) قائلا: لكني و الله أحب أن أقتلك، فغضب عمرو، و بدأ الهجوم علي علي (ع) فصده الإمام برباطة جأشه المعتاد، و أرداه قتيلا، فعلا التكبير و التهليل في صفوف المسلمين [52].

و لما عاد الإمام (ع) ظافرا استقبله رسول الله (ص) و هو يقول:

«لمبارزة علي بن أبي طالب لعمرو بن عبد ود، أفضل من عمل امتي إلي يوم القيامة» [53].

و بعد مقتل ابن عبد ود بادر علي (ع) إلي سد الثغرة التي عبر منها عمرو و رجاله و رابط عندها [54] مزمعا القضاء علي كل من تسول له نفسه التسلل من المشركين، و لو لا ذلك الموقف البطولي لاقتحم جيش

المشركين المدينة علي المسلمين، بذلك العدد الهائل.

و هكذا كانت بطولة علي (ع) في غزوة الأحزاب أهم عناصر النصر للمعسكر الاسلامي، و انهزام المشركين.

في غزوة خيبر

عجز علية القوم عن الثبات أمام اليهود، و لما بان ضعف الجميع عن اقتحام حصون خيبر حتي تأخر فتحها أياما قال رسول الله (ص):

«لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله و رسوله و يحبه الله و رسوله، كرارا غير فرار، لا يرجع حتي يفتح الله علي يديه» [55].

و لما كان الغد أعطاها رسول الله (ص) عليا فاقتحم حصون خيبر و دخلها عليهم عنوة، و قتل بطلهم مرحبا ثم فتح الحصون جميعا.

في غزوة حنين

و في غزوة حنين فر المسلمون فلم يبق مع رسول الله (ص) غير علي [56] و العباس و بعض بني هاشم فكان النصر بعد دعوة المسلمين لميدان القتال و كان الظفر.

هذه صور يسيرة من مواقف الصمود التي سجلها الإمام علي (ع) بين يدي قائده رسول الله (ص) في أدق الساعات و أكثرها حرجا [57].

و من نافلة القول أن نعيد إلي الأذهان أن عليا (ع) قد اشترك في حروب رسول الله جميعا غير تبوك [58] و ذلك بأمر من الرسول (ص) بنفسه، و كان له في جميعها القدح المعلي، هذا عدا الغزوات التي قادها بنفسه (ع).

و الباحث المنصف حين يتناول حياة الإمام علي (ع) بالدراسة و في شطرها الجهادي بالذات يقف مذهولا أمام بطولته الفريدة و تضحياته المعطاءة، لكن البطولة بما هي بطولة ليست هي الميزة في جهاد علي (ع) و إن كان ميدانها الواسع و شمولها يبقي سمة من سماته (ع) و لكن الأهم فيها إنما هو الإخلاص لله تعالي و التضحية في سبيله.

فإيمان علي (ع) بالله تعالي يبقي هو الحافز و المحرك الوحيد لتلك البطولات العظيمة التي سجلها تاريخ الاسلام في أنصع صفحاته بشكل لم يسجل مثلها لسواه.

و حسبك في ذلك أن كثيرا من المواقف

العسكريةكما رأينايتعرض فيها علية القوم فضلا عن عامتهم للوهن بل و الهزيمة النكراء، غير أن التاريخ لم يسجل لعلي (ع) إلا الثبات و الفداء و التضحية في كل موقف، صمد الناس فيه أم انهزموا، الأمرالذي لا يفسر إلا ما يتمتع به علي (ع) من صدق اليقين و عمق الاستعانة و التوكل علي الله و العبودية له و اللا مبالاة بما سواه كبر ذلك أم صغر، إضافة إلي ما يتمتع به علي (ع) من علو الهمة و قوة العزيمة و رباطة الجأش و سمو النفس.

علي و مكانته في الرسالة الاسلامية

اشاره

لم يحظ رجل في الاسلام بما حظي به علي بن أبي طالب (ع) من ثناء و تكريم من قبل الرسالة الاسلامية، و حثها المتزايد علي تقديره و انتهاج سبيله حتي قال أحمد بن حنبل:

«ما ورد لأحد من أصحاب رسول الله (ص) من الفضائل ما ورد لعلي (رض)» [59].

و قد انطوي القرآن الكريم و السنة الشريفة و التاريخ الصحيح علي نصوص و روايات تنطق كلها بالثناء علي علي و وجوب سلوك سبيله و خطه، و هو الذي نزل في حقه من القرآن الكريم ثلاث مئة آية:

«أخرج ابن عساكر عن ابن عباس قال: نزلت في علي ثلاث مئة آية» [60].

فمرة تأتي صورة الثناء أو سمة يضعها الاسلام علي صدره فيميز عن سواه من صحابة و أتباع، و مرة علي شكل أحكام و أوامر تلزم المسلمين علي التزام علي (ع) إماما و منهجا و خطا.

فمن أو سمة التقدير التي نالها علي (ع) من الله تعالي و من رسوله (ص) ما يلي:

1 (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا). (الأحزاب: 33)

ذهب المفسرون لهذه الآية أنها نزلت في رسول الله (ص) و

علي و فاطمة الزهراء و الحسن و الحسين (ع) حين دعا الرسول (ص) بعباءة و جللهم بها، و لما نزلت الآية قالت ام سلمة زوجة الرسول (ص): هل أنا من أهل بيتك؟قال: لا، و لكنك علي خير [61]، رغم جلالة ام سلمة و علو شأنها بين نساء النبي (ص).

من هم أهل البيت؟

استعملت كلمة «أهل» في القرآن الكريم بعدة معاني منها الزوجة أو الأولاد فقط، أو الزوجة و الأولاد معا، أو الأقارب و العشيرة أو أصحاب الشي ء و الأمر.

و جاء في المعجم الوسيط في تعريفه لكلمة «أهل»:

«الأهل: الأقارب و العشيرة و الزوجة، و أهل الشي ء: أصحابه، و أهل الدار و نحوها: سكانها … الخ».

أما كلمة «بيت» التي وردت في مواضع عديدة من كتاب الله تعالي و سنة نبيه (ص) فقد حملت مدلولين اثنين فحسب:

1البيت النسبي و هو جماعة من الناس تجمعهم رابطة القربي و يمثلون جزءا من عشيرة أو قبيلة، و قد ورد هذا المعني في قوله تعالي:

(فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين).

فالبيت في منطق هذه الآية انما هو لوط النبي (ص) و ابنتاه.

2البيت المادي المعد للسكن أو العبادة، و قد وردت آيات عديدة في هذا المعني منها:

(و راودته التي هو في بيتها عن نفسه).

(في بيوت أذن الله أن ترفع و يذكر فيها اسمه). و من نافلة القول أن نذكر أن اللفظين مدار البحثالأهل و البيتليسا الوحيدين اللذين تعددت مفاهيمهما في القرآن الكريم و اللغة العربية، فهناك العديد من الكلمات ذات الألفاظ المشتركة التي تحمل معاني متعددة.

اهل البيت في آية التطهير و الأحاديث الشريفة

بعد استعراضنا السريع للمرادلغويامن كلمتي «أهل» و «بيت» أيقنا أن كلمة «أهل» علي وجه الخصوص كلمة فضفاضة عامة و مطلقة، فإذا اطلقت يتبادر إلي ذهن السامع أو القارئ أن المراد منها واحد من المداليل الآتية:

الزوجة فقطالأولاد فقطهي و هم معا العشيرة و الأرحام الحملة لملة الرجل من اسرته و غير ذلك.

و إذا اضيفت كلمة البيت للأهل يتبادر إلي الذهن:

سكان البيت من مالك حقيقي له و اسرته و من معهم من إماء و خدم أو أصحاب البيت بالتملك فقط إلي

غير ذلك، الأمر الذي ينطبق علي لفظة (أهل البيت) التي وردت ضمن آية التطهير المباركة:

(إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا). (الأحزاب: 33)

و من هنا فان الضرورة تقتضي تخصيص هذا التعميم في كلمة الأهل و تقييد إطلاقها، و ذلك يتأتي من خلال قرينة ترافق الاستعمال كأن يشير المتكلم إلي من أراد بخطابه أو يرشد السامع بالإخبار المباشر إلي من قصد من ذكره للأهل، و من المقطوع به أن رسول الله (ص) كان مدركا لطبيعة كلمة: (أهل البيت) من ناحية المرونة و الاستيعاب، و من أجل ذلك قيد إطلاقها و خصص عمومها كما سنريغير أن الاهمال المتعمد للقرينة و سنبين الأسباب أعطي فرصة لصرف الكلمة «أهل البيت» إلي جميع ما تتحمله من معان و مداليل، و قد تمخض عن إهمال القرينة قيام عدة مذاهب كل منهايزعم لنفسه سلامة الاتجاه و المرمي.

ان أهل البيت الذين خصوا بالذكر في آية التطهير هم: رسول الله و علي بن أبي طالب و فاطمة الزهراء و الحسن و الحسين (ع) دون غيرهم، فقد احصي ما ورد عنه (ص) من أحاديثبهذا الخصوصفنافت علي السبعين، روي منها أهل السنة بطرقهم ما يقرب من أربعين حديثا عن ام سلمة و عائشة و أبي سعيد الخدري و سعد و واثلة بن الأسقع و أبي الحمراء و ابن عباس و ثوبان مولي النبي و عبد الله بن جعفر و علي و الحسن بن علي (ع).

و رواها الشيعة عن علي و السجاد و الباقر و الصادق و الرضا (ع) و عن ام سلمة و أبي ذر و أبي ليلي و أبي الأسود الدؤلي و عمرو بن ميمون الأودي و سعد بن أبي وقاص

في أكثر من ثلاثين طريقا [62].

و هذه طائفة من الأحاديث النبوية المحددة للمراد من أهل البيت (ع) في آية التطهير و هي مما أجمعت عليه الامة عبر أجيالها من خلال كتب الأحاديث المعتبرة أو كتب التفسير:

أروي مسلم في صحيحه، و الحاكم في مستدركه، و البيهقي في سننه الكبري، و كل من الطبري و ابن كثير و السيوطي في تفسير الآية بتفاسيرهمو اللفظ لمسلمعن عائشة قالت:

«خرج رسول الله غداة و عليه مرط مرجل من شعر أسود، فجاء الحسن بن علي فأدخله، ثم جاء الحسين فدخل معه، ثم جاءت فاطمة فأدخلها ثم جاء علي فأدخله، ثم قال: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا)» [63] بفي تفسير آية التطهير عند ابن كثير و السيوطي، و سنن البيهقي، و تاريخ بغداد للخطيب، و مشكل الآثار للطحاوي، و اللفظ لابن كثير عن ام سلمة (رض) قالت:

«في بيتي نزلت: (إنما يريد الله … ) و في البيت فاطمة و علي و الحسن و الحسين فجللهم رسول الله بكساء كان عليه ثم قال: (هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا)» [64].

و في باب فضل فاطمة من صحيح الترمذي، و الرياض النضرة، و تهذيب التهذيب قال رسول الله (ص):

«(اللهم! هؤلاء أهل بيتي و خاصتي أذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا).

و في مسند أحمد قالت ام سلمة: فأدخلت رأسي في البيت فقلت: و أنا معكم يا رسول الله؟قال: (إنك إلي خير، إنك إلي خير)».

و في رواية الحاكم في المستدرك قالت ام سلمة:

«يا رسول الله! ما أنا من أهل البيت؟قال: (إنك إلي خير، هؤلاء أهل بيتي، اللهم أهل بيتي أحق)».

جفي تفسير السيوطي و مشكل الآثار و اللفظ للسيوطي:

«قالت

ام سلمة: نزلت هذه الآية في بيتي (إنما يريد الله … ) و في البيت سبعة جبريل و ميكال و علي و فاطمة و الحسن و الحسين (رض) و أنا علي باب البيت، قلت: يا رسول الله! ألست من أهل البيت؟قال: إنك إلي خير، إنك إلي خير، إنك من أزواج النبي» [65] ورد في الدر المنثور للسيوطي:

«أخرج الطبراني عن ام سلمة أن رسول الله (ص) قال لفاطمة: إئتيني بزوجك و ابنيه، فجاءت بهم فألقي رسول الله (ص) عليهم كساء فدكيا، ثم وضع يده عليهم ثم قال:

اللهم! إن هؤلاء أهل محمدو في لفظ آل محمدفاجعل صلواتك و بركاتك علي آل محمد كما جعلتها علي آل إبراهيم انك حميد مجيد.

قالت ام سلمة فرفعت الكساء لأدخل معهم فجذبه من يدي و قال: إنك علي خير» [66].

دفي تفسير الطبري، و ذخائر العقبي للمحب الطبري، و اللفظ للأول عن أبي سعيد الخدري قال:

«قال رسول الله (ص): نزلت هذه الآية في خمسة، في و في علي و حسن و حسين و فاطمة، (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا)» [67].

هالطبري و ابن كثير في تفسيرهما و الترمذي في صحيحه و الطحاوي في مشكل الآثارو اللفظ للطبريعن عمر بن أبي سلمة قال:

«نزلت هذه الآية علي رسول الله (ص) في بيت ام سلمة: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا) فدعا حسنا و حسينا و فاطمة فأجلسهم بين يديه و دعا عليا فأجلسه خلفه، فتجلل هو و هم بالكساء ثم قال: (هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا)» [68].

وفي صحيح الترمذي، و مسند أحمد، و مسند الطيالسي، و مستدرك الصحيحين، و أسد الغابة،

و تفاسير: الطبري و ابن كثير و السيوطي، و اللفظ للترمذي عن أنس ابن مالك قال:

«إن رسول الله (ص) كان يمر بباب فاطمة ستة أشهر كلما خرج إلي صلاة الفجر يقول: الصلاة يا أهل البيت: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا)» [69].

زالاستيعاب، و أسد الغابة، و مجمع الزوائد، و مشكل الآثار، و تفاسير الطبري و ابن كثير، و السيوطي عن أبي الحمراءو اللفظ للسيوطيقال:

«حفظت عن رسول الله ثمانية أشهر بالمدينة ليس من مرة يخرج إلي صلاة الغداة إلا أتي باب علي (رض) فوضع يده علي جنبتي الباب ثم قال: الصلاة الصلاة (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا)».و في تفسير السيوطي عن ابن عباس قال:

«شهدت رسول الله (ص) تسعة أشهر يأتي كل يوم باب علي بن أبي طالب (رض) عند وقت كل صلاة فيقول: السلام عليكم و رحمة الله و بركاته أهل البيت (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا) كل يوم خمس مرات».

2 (فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا و أبناءكم و نساءنا و نساءكم و أنفسنا و أنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله علي الكاذبين). (آل عمران: 61)

ذكر أهل التفسير من جميع المسلمين أنها نزلت حين خرج رسول الله (ص) بعلي و فاطمة و الحسن و الحسين (ع) لمباهلة نصاري نجران، فلما رآه النصاري قد خرج بأهل بيته خافوا العاقبة و اعتذروا عن مباهلته فدفعوا الجزية خضوعا منهم لسلطان دولته (ص). [70].

3 (و يطعمون الطعام علي حبه مسكينا و يتيما و أسيرا-إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء و لا شكورا-إنا نخاف

من ربنا يوما عبوسا قمطريرا-فوقاهم الله شر ذلك اليوم و لقاهم نضرة و سرورا). (الدهر: 811)

و هذه بإجماع أهل التفسير نزلت في علي و فاطمة و الحسن و الحسين (ع) كما مرت الاشارة إليها سابقا.

4 (أجعلتم سقاية الحاج و عمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله و اليوم الآخر و جاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله و الله لا يهدي القوم الظالمين). (التوبة: 19)

نزلت هذه الآية عند ما تفاخر طلحة بن شيبة و العباس بن عبد المطلب: إذ قال طلحة: أنا أولي الناس بالبيت لأن المفتاح بيدي!

و قال العباس: أنا أولي، أنا صاحب السقاية و القائم عليها.

و في هذه الأثناء مر علي (ع) بهما و سألهما: بم يفتخران.فذكرا له ما قالا.

فقال علي (ع): أنا اوتيت منذ صغري ما لم تؤتيا.

فقالا: و ما ذاك؟

فقال (ع): «لقد صليت قبل الناس و أنا صاحب الجهاد».فأنزل الله تعالي الآية المذكورة في الثناء علي ما افتخر به علي (ع). [71].

و إذا كان القرآن الكريم يثني هذا الثناء الجميل علي علي (ع) فتعال معي إلي السنة الشريفة لنقرأ شيئا منها في هذا الصدد:

1قال رسول الله (ص): «أنا مدينة العلم و علي بابها» [72].

2و قال (ص): «أنت مني بمنزلة هارون من موسي إلا أنه لا نبي بعدي» [73].

3و قال (ص) مخاطبا عليا (ع): «لا يحبك إلا مؤمن و لا يبغضك إلا منافق» [74].

4 «و أخرج الترمذي عن أبي سعيد الخدري قال: كنا نعرف المنافقين ببغضهم عليا.

و أخرج مسلم عن علي بن أبي طالب قال: و الذي فلق الحبة و برأ النسمة، إنه لعهد النبي الامي إلي: أنه لا يحبني إلا مؤمن، و لا يبغضني إلا منافق» [75].

5و قال (ص) يوم المؤاخاةبين

المهاجرين و الأنصارمخاطبا عليا (ع):

«أنت أخي و أنا أخوك فإن ذكرك أحد فقل أنا عبد الله و أخو رسوله لا يدعيهما بعدك إلا كذاب» [76].

6أخرج الحافظ ابن المغازلي في مناقبه باسناده عن عمار بن ياسر (رض) عن النبي (ص) قال: «يا علي! إن الله زينك بزينة لم يزين العباد بزينة أحب إلي الله منها: الزهد في الدنيا، و جعل الدنيا لا تنال منك شيئا» [77].

7و أخرج الحافظ ابن المغازلي باسناده عن علي بن أبي طالب (ع) عن رسول الله (ص) مخاطبا عليا (ع) : «لولاك ما عرف المؤمنون من بعدي» [78].

8و أخرج ابن المغازلي من طرقه عن النعمان بن بشير عن رسول الله (ص) قال: «إنما مثل علي في هذه الامة مثل قل هو الله أحد في القرآن» [79] هذه طائفة من النصوص الخاصة بالثناء علي علي (ع)، و الاشادة بمقامه في إطار الاسلام و من شاء المزيد فليراجع: فضائل الخمسة من الصحاح الستة، و ينابيع المودة، و مسند أحمد بن حنبل، و فضائل أمير المؤمنين و إمامته من دلائل الصدق، و مناقب علي بن أبي طالب للحافظ ابن المغازلي الشافعي و غيرها.

امام المسلمين و قائدهم

أما النصوص القاضية بوجوب التزام علي (ع) إماما و قائدا في دنيا المسلمين فنذكر منها ما يلي:

أ (إنما وليكم الله و رسوله و الذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة و يؤتون الزكاة و هم راكعون). (المائدة: 55)

قال المفسرون إن الآية الكريمة نزلت في علي بن أبي طالب (ع) [80] فأكدت وجوب الالتزام به إماما و مرجعا فكريا و اجتماعيا للأمة، و قد كان سبب نزولها حين تصدق علي (ع) علي مسكين بخاتمه أثناء ركوعه، فالآية إنما نزلت في تلك الحادثة المشهودة و هي

تؤكد في ذات الوقت إمامته (ع).

خطبة الغدير

و هي البيان الذي وجهه الرسول (ص) إلي المسلمين في غدير خم في آخر حجة له لبيت الله الحرام، فعن البراء بن عازب قال: «أقبلنا مع رسول الله (ص) في السنة التي حج، فنزل في بعض الطريق، فأمر الصلاة جماعة، فأخذ بيد علي فقال: ألست أولي بالمؤمنين من أنفسهم؟قالوا: بلي، قال (ص): ألست أولي بكل مؤمن من نفسه؟قالوا: بلي، قال (ص): (فهذا ولي من أنا مولاه، اللهم وال من والاه، اللهم عاد من عاداه)» [81].

و في لفظ أحمد بن حنبل أن رسول الله (ص) قال: «من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه و عاد من عاداه» [82].

جقال رسول الله (ص): «علي مع الحق و الحق مع علي، لن يفترقا حتي يردا علي الحوض» [83].

و في حديث آخر لرسول الله (ص) يخاطب به عمار بن ياسر (رض) جاء فيه: «و إن سلك الناس كلهم واديا و سلك علي واديا فاسلك واديا سلكه علي و خل الناس طرا» [84].

دو قال (ص): «لكل نبي وصي و وارث، و إن عليا وصيي و وارثي» [85] هذا غيض من فيض من النصوص الاسلامية الموثوقة المجمع علي صحتها، و وثاقتها من جميع المسلمين [86].

علي في عهد الخلفاء

اشاره

فاضت نفس رسول الله (ص) في حجر علي (ع) [87] و رحل (ص) إلي ربه الأعلي، و هو قلق علي مستقبل الرسالة و الامة، كما يجسد ذلك بقوة قوله (ص) عند زيارته لقبور المؤمنين في البقيع في بداية مرضه الذي قضي فيه:

«السلام عليكم يا أهل القبور! ليهنئكم ما أصبحتم فيه، مما فيه الناس، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع أولها آخرها» [88].

و تأكيده المستمر علي ضرورة التزام الثقلين: كتاب الله تعالي و العترة الطاهرة [89]،

لأجل تحصين المسيرة الاسلامية من بعده و عصمتها من الوقوع في الانحراف.

و طلبه في آخر ساعة من حياته أن يؤتي له بدواة و كتف ليكتب للامة كتابا لن تضل بعده أبدا، و لكنه حيل بينه و بين ذلك، فأوصي بأهل بيته خيرا [90].

إلي غير ذلك من مصاديق توجسه و قلقه (ص) علي مستقبل المسيرة الاسلامية، علي الرغم من احتياطه لتحصين الامة و وقايتها من الوقوع في الفتنة.

و ما أن فاضت نفس رسول الله (ص) و اشتغل علي (ع) و أهل بيت الرسول (ص) بتجهيزه من أجل مواراة جسده الطاهر في مثواه الأخير، حتي عقدت الأنصار اجتماعا لها في سقيفة بني ساعدة حضره الأوس و الخزرج معا و يبدو أن الاجتماع المذكور قد عقد بناء علي شعور الأنصار بالخوف علي مستقبلهم من قريش التي عزمت علي صرف الخلافة عمن عينه رسول الله (ص)، و هكذا كان اجتماع الأنصار اجتماع القلق علي مصالحهم بعد ما شهدت التحرك القرشي العنيف لإبعاد علي بن أبي طالب (ع) عن موقعه الطبيعي في قيادة الامة و تصدي الزعامة القرشية لرسم خريطة المستقبل الأمر الذي يقلق الأنصار كثيرا بسبب مواقفها في كسر شوكة قريش أيام النبي (ص)، و قد استثمر هذا الاجتماع من قبل قريش، فحققت هدفها المخطط بطريقة أميل إلي العنفكما يتضح من أحداث السقيفة [91] .

و بعد مناقشات حادة و طويلة سادها جو من التوتر و القلق و العنف و الخلاف بادر عمر بن الخطاب إلي بيعة أبي بكر بالخلافة [92] و طلب من الحاضرين ذلك، و لم يكن علي (ع) علي علم بما حدث، و لكن النبأ قد انساب إلي مسامعه من خلال الضجيج الذي أحدثه خروج القوم من

السقيفة، و هم في طريقهم إلي المسجد النبوي.

و حتي تلك الساعة لا زال علي و أهل البيت (ع) مشغولين بتجهيز فقيد الامة العظيم رسول الله (ص) إذ ظل جثمانه الطاهر ثلاثة أيام [93] دون دفن ليتسني للمسلمين توديعه و الصلاة عليه.

و لعدم قناعة الإمام (ع) بما جري ظل مؤمنا بحقه في الخلافة و اعتزل الناس، و ما هم فيه سته شهور، و لم يسمع له صوت في ما يسمي بحروب الردة و لا سواها [94] و لقد استجدت امور و أحداث خطيرة هددت الاسلام و امته بالفناء، فقد قوي أمر المتنبئين بعد وفاة رسول الله (ص) و اشتد خطرهم في الجزيرة العربية من أمثال: مسيلمة الكذاب، و طلحة بن خويلد الأفاك، و سجاج بنت الحرث الدجالة و غيرهم و صار وجودهم يشكل خطرا حقيقيا علي الدولة الاسلامية.

و اشتد ساعد المنافقين و قويت شوكتهم في داخل المدينة و كان الرومان و الفرس للمسلمين بالمرصاد [95].

هذا بالإضافة إلي ظهور التكتلات السياسية في المجتمع الاسلامي علي أثر بيعه السقيفة.

و لقد تعامل الإمام (ع) مع الخلافة حسب ما تحكم به المصلحة الاسلامية حفظا للاسلام و حماية للجماعة الاسلامية من التمزق و الضياع، و تحقيقا للمصالح الاسلامية العليا التي جاهد من أجلها.

و للإمام علي (ع) كتاب بهذا الصدد جاء فيه:

«فأمسكت يدي حتي رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الاسلام، يدعون إلي محق دين محمد (ص)، فخشيت إن لم أنصر الاسلام و أهله أن أري فيه ثلما أو هدما، تكون المصيبة به علي أعظم من فوت ولايتكم التي إنما هي متاع أيام قلائل، يزول منها ما كان، كما يزول السراب أو كما يتقشع السحاب، فنهضت في تلك الأحداث حتي زاح الباطل

و زهق و اطمأن الدين و تنهنه» [96].

بيد أن صوت علي (ع) كان يعلو عند ما يستشار، و يجهر عند ما يستفتي، و قد تصديفي هذا المضمارلتوجيه الحياة الاسلامية، وفقا لما تقتضيه رسالة الله تعالي في الحقول التشريعية و التنفيذية و القضائية.و من أجل ذلك فإن الباحث التاريخي في حياة الإمام (ع) لا يلبث إلا أن يلتقي مع مئات المواقف و الأحداثفي خلافة أبي بكر و عمر و عثمانالتي لا تجد غير علي (ع) مدبرا لها و معالجا و قاضيا بأمر الشريعة فيها.

و الخلفاء الثلاثة لم يروا بدا من استشارته إذا التبست عليهم الامور، و هكذا تجده مرة مرشدا إلي الحكم الاسلامي الصحيح في أمر ما، و مرة تجده قاضيا في شأن من شؤون الامة، و اخري موجها للحاكم الوجهة التي تحقق المصلحة الاسلامية العليا.

و بمقدورنا أن نلمس دوره الرسالي ذلك إذا طرحنا بعض مفردات منهجه المتبني أيام الخلفاء الذين سبقوه:

في خلافة أبي بكر

1 فكر أبو بكر بغزو الروم فاستشار جماعة من الصحابة فقدموا و أخروا، و لم يقطعوا برأي، فاستشار عليا (ع) في الأمر فقال: إن فعلت ظفرت.فقال أبو بكر: بشرت بخير.و أمر أبو بكر الناس بالخروج بعد أن أمر عليهم خالد بن سعيد [97].

2 أراد أبو بكر أن يقيم الحد علي شارب خمر.فقال الرجل: إني شربتها و لا علم لي بتحريمها، فأرسل إلي الإمام يسأله عن ذلك فقال (ع): «مر نقيبين من رجال المسلمين يطوفان به علي المهاجرين و الأنصار و ينشدانهم هل فيهم أحد تلا عليه آية التحريم أو أخبره بذلك عن رسول الله (ص)، فإن شهد بذلك رجلان منهم فأقم الحد عليه، و إن لم يشهد أحد بذلك، فاستتبه و خل سبيله». ففعل

الخليفة ذلك، فعلم صدق الرجل فخلي سبيله [98].

3 عن محمد بن المنكدر، أن خالد بن الوليد كتب إلي الخليفة أبي بكر أنه وجد رجلا في بعض ضواحي العرب، ينكح كما تنكح المرأة، و أن أبا بكر جمع لذلك ناسامن أصحاب رسول الله (ص) و كان فيهم علي بن أبي طالب أشدهم يومئذ قولا، فقال:

إن هذا ذنب لم تعمل به امة من الامم إلا امة واحدةيعني قوم لوطفصنع الله بها ما قد علمتم، أري أن تحرقوه بالنار، فكتب أبو بكر بذلك إلي ابن الوليد [99].

4 قدم جاثليق النصاري يصحبه مائة من قومه، فسأل أبا بكر أسئلة، فدعا عليا (ع) فأجابه عنها، و نكتفي منهاكنموذجبسؤال واحد من أسئلة الجاثليق: أخبرني عن وجه الرب تبارك و تعالي.

فدعا علي (ع) بنار و حطب، و أضرمه، فلما اشتعلت قال: أين وجه هذا النار؟قال الجاثليق: هي وجه من جميع حدودها.فقال علي (ع): «هذه النار مدبرة مصنوعة، لا يعرف وجهها، و خالقها لا يشبهها، و لله المشرق و المغرب فأينما تولوا فثم وجه الله لا تخفي علي ربنا خافية» [100].

5 و أرسل ملك الروم رسولا إلي أبي بكر يسأله عن رجل لا يرجو الجنة و لا يخاف النار، و لا يخاف الله، و لا يركع و لا يسجد و يأكل الميتة و الدم، و يشهد بما لم ير و يحب الفتنة و يبغض الحق، فأخبر بذلك عليا (ع) فقال:

«هذا رجل من أولياء الله: لا يرجو الجنة و لا يخاف النار، و لكن يخاف الله و لا يخاف من ظلمه، و إنما يخاف من عدله، و لا يركع و لا يسجد في صلاة الجنازة، و يأكل الجراد و السمك، و يأكل الكبد، و

يشهد بالجنة و النار و هو لم يرهما، و يحب المال و الولد (إنما أموالكم و أولادكم فتنة)، و يشهد بالجنة و النار و هو لم يرهما، و يكره الموت و هو حق» [101].

في خلافة عمر بن الخطاب

1حين أراد عمر بن الخطاب أن يغزو الروم راجع الإمام (ع) في الأمر، فنصحه الإمام بألا يقود الجيش بنفسه مبينا علية ذلك قائلا:

«فابعث إليهم رجلا مجربا و احفز معه أهل البلاء و النصيحة، فإن أظهره الله فذاك ما تحب، و إن تكن الاخري كنت ردءا للناس، و مثابة للمسلمين» [102].

2ورد إلي بيت مال المسلمين مال كثيرمن البحرينفقسمه عمر بين المسلمين، ففضل منه شي ء، فجمع عمر المهاجرين و الأنصار و استفتاهم بأمره قائلا: ما ترون في فضل فضل عندنا من هذا المال؟قالوا: يا أمير المؤمنين! إنا شغلناك بولاية امورنا من أهلك و تجارتك، وضيعتك، فهو لك.فالتفت عمر إلي علي قائلا: ما تقول أنت؟قال الإمام (ع): قد أشاروا عليك.قال الخليفة: فقل أنت، قال (ع): لم تجعل يقينك ظنا، ثم حدثه بواقعة مشابهة في عهد رسول الله (ص). و أخيرا أشار عليه الإمام (ع) بتوزيعه علي الفقراء، قائلا: «اشير عليك أن لا تأخذ من هذا الفضل و أن تفضه علي فقراء المسلمين».فقال عمر: صدقت و الله [103].

3 عن ابن عباس قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: إن ترك هذا المال في جوف الكعبة لآخذه و أقسمه في سبيل الله و في سبيل الخير، و علي بن أبي طالب يسمع ما يقول، فقال عمر: ما تقول يا ابن أبي طالب بالله لئن شجعتني عليه لأفعلن؟فقال علي: أتجعله فينا، و صاحبه رجل يأتي في آخر الزمان [104] فاقتنع عمر بضرورة عدم التصرف بحلي الكعبة.بعث أبو عبيدة

بن الجراح وبرة بن رومان الكلبي إلي عمر بن الخطاب: إن الناس قد تتابعوا في شرب الخمر بالشام، و قد ضربت أربعين، و لا أراها تغني عنهم شيئا، فاستشار عمر الناس.فقال علي (ع): أري أن تجعلها بمنزلة حد الفرية «ثمانون جلدة».إن الرجل إذا شرب هذي، و إذا هذي افتري، فجلده عمر بالمدينة، و كتب إلي أبي عبيدة، فجلده بالشام [105].

5و قد ورد أن عمر بن الخطاب رأي ليلة رجلا و امرأة علي فاحشة، فلما أصبح قال للناس: أرأيتم أن إماما رأي رجلا و امرأة علي فاحشة.فأقام عليهما الحد ما كنتم فاعلين؟قالوا: إنما أنت إمام.

فقال علي بن أبي طالب: «ليس ذلك لك، إذن يقام عليك الحد، إن الله لم يأمن علي هذا الأمر أقل من أربعة شهداء»، ثم إن عمر ترك الناس ما شاء الله، ثم سألهم: فقال القوم مثل مقالتهم الاولي، و قال علي (ع) مثل مقالته.فأخذ عمر بقول الإمام [106].

6عن ابن سيرين أن عمر بن الخطاب سأل الناس قائلا: «كم يتزوج المملوك؟و قال لعلي: إياك أعني يا صاحب المعافريرداء كان عليهفقال الإمام (ع): اثنتين» [107].

7بعد أن فتح المسلمون الشام جمع أبو عبيدة بن الجراح المسلمين و استشارهم بالمسير إلي بيت المقدس أو إلي قيسارية، فقال له معاذ بن جبل: اكتب إلي أمير المؤمنين عمر، فحيث أمرك فامتثله، فكتب ابن الجراح إلي عمر بالأمر، فلما قرأ الكتاب، استشار المسلمين بالأمر.فقال علي (ع): مر صاحبك ينزل بجيوش المسلمين إلي بيت المقدس، فإذا فتح الله بيت المقدس، صرف وجهه إلي قيسارية، فإنها تفتح بعدها إن شاء الله تعالي، كذا أخبرنا رسول الله (ص).

قال عمر: صدق المصطفي (ص)، و صدقت أنت يا أبا الحسن، ثم كتب إلي أبي

عبيدة بالذي أشار به علي (ع) [108].

8بعد انتصار المسلمين علي الفرس في خلافة عمر، شاور ابن الخطاب أصحاب رسول الله (ص) في سواد الكوفة.فقال بعضهم: تقسمها بيننا، ثم شاور عليا (ع) في الأمر.

فقال (ع): إن قسمتها اليوم لم يكن لمن يجي ء بعدنا شي ء، و لكن تقرها في أيديهم يعملونها، فتكون لنا و لمن بعدنا.فقال عمر لعلي: وفقك الله، هذا الرأي [109].

9 عن الطبري في تأريخه عن سعيد بن المسيب: قال:

جمع عمر بن الخطاب الناس فسألهم، من أي يوم نكتب التأريخ؟

فقال علي (ع): من يوم هاجر رسول الله (ص)، و ترك أرض الشرك، ففعله عمر [110].

و هكذا وجد التاريخ الهجري ليؤرخ به المسلمون.

هذه بعض ملامح دور الإمام علي (ع) الرسالي في خلافة عمر بن الخطاب.

في عهد عثمان

1-تزوج شيخ كبير بكرا فحملت، فادعي الرجل أنه لم يصل إليها، فسأل عثمان المرأة: هل افتضك الشيخ؟قالت: لا، فأمر بإقامة الحد عليها.

فقال الإمام (ع): «إن للمرأة سمين: سم الحيض و سم البول، فلعل الشيخ كان ينال منها فسال ماؤه في سم الحيض، فحملت منه.فقال الرجل: قد كنت انزل الماء في قبلها من غير وصول إليها بالإفتضاض.

قال الإمام علي (ع): الحمل له، و الولد له، و أري عقوبته علي الانكار له» [111].

2اتي إلي عثمان بامرأة قد ولدت لستة أشهر، فهم برجمها فقال علي (ع):

«إن خاصمتك بكتاب الله خصمتك، إن الله تعالي يقول: (و حمله و فصاله ثلاثون شهرا)، ثم قال: (و الوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة).

فحولين مدة الرضاع و ستة أشهر مدة الحمل».

فقال عثمان: ردوهاأي لا ترجموها [112].

خاتمة

هذه أمثلة يسيرة مما كان ينهض الإمام علي (ع) به من مسؤوليات عظيمة في عهد الخلفاء الذين سبقوه، و كان دافعه في ذلك الإخلاص للرسالة و حفظ الوحدة الاسلامية و حماية المسيرة الاسلامية من الانحراف.و لقد تنبه الخليفة الثاني إلي أهمية ما يقوم به علي (ع) في هذا المضمار، فصرح مرارا مشيدا بذلك الفضل، و منوها بأهميته في مسيرة الخلافة كقوله: «أعوذ بالله أن أعيش في قوم لست فيهم يا أبا الحسن» [113].

و قوله: «أعوذ بالله من معضلة لا علي لها» [114].

و قوله: «كاد يهلك ابن الخطاب لو لا علي بن أبي طالب» [115].

الامام الخليفة

اشاره

بعد مقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان أجمعت الامة علي بيعة الإمام علي (ع) خليفة لها، و قد اجتاحت النفوس موجة من العاطفة نحوه، و لكنه رد علي موقف الناس بقوله: «دعوني و التمسوا غيري» [116].

فإن عليا أبي أن يكون أسيرا للعاطفة، فلعل نقمة الناس علي عثمان هي التي أججت نحوه العاطفة و شدت إليه التيار، و هو يريد من الامة إقرارا إراديا لإمامته، ليس محكوما بالإنفعال الآني.

و هو ليس ممن تغريه المناصب و تستهويه الكراسي حتي يستجيب فور إقبال الناس عليه، فالإمرة كلها لا تساوي لديه جناح بعوضة، و القيادة لا تساوي عنده شيئا مذكورا، إن لم يقم من خلالها الحق و يبطل الباطل.

و لهذا لم يستجب لضغط الجمهور في بادئ الأمر، قبل وضعهم أمام اختبار ليتأكد من مدي قدرة الناس علي تلقي مناهجه و الاستجابة لخططه إذا تسلم زمام الأمر.

فعلي الرغم من أن العاصمة المقدسة «المدينة المنورة» قد أصرت علي اختياره علي شكل تظاهرات حقيقية و تجمعات مكثفة حتي صارت المطالبة بقيادته إجماعية لا جماعية، فإنه (ع) بقي عند

موقفه المتريث، علي أن اصرار الامة علي بيعته جعله يطرح عليها شروطه لقبول الخلافة، فإن بايعته الامة وفقا لما يملي من شروط استجاب هو لمطلبها في استخلافه.

و حين أذاع بيانه المتضمن لشروطه: «و اعلموا أني إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم، و لم اصغ إلي قول القائل و عتب العاتب» [117].

و سارعت الامة مذعنة لشروطه، و مدت إليه يد البيعة علي الطاعة، و لبي هو مطلبها ليواجه مسؤولياته القيادية في الامة الاسلامية علي الصعيد الفكري و العملي.

و قد كانت من اولي مهامه (ع) أن يزيل صور الانحراف المختلفة التي طرأت علي الحياة الاسلامية، و أن يعود بالامة إلي أصالة المنهج الإلهي.

و من أجل ذلك كان لا بد أن يسير وفق منهاج محدد و شامل يلزم ولاته بتطبيقه، و قد انصب منهاج حكومته علي مواجهة المشاكل في الميادين الآتية:

الميدان السياسي

حدد الإمام القائد (ع) مواصفات ولاة الأمر و موظفي الدولة الذين يرشحهم الاسلام لإدارة شؤون الامة الاسلامية ببيان أصدره (ع) جاء فيه:

«أنه لا ينبغي أن يكون الوالي علي الفروج و الدماء و المغانم و الأحكام و إمامة المسلمين البخيل، فتكون في أموالهم نهمته، و لا الجاهل فيضلهم بجهله، و لا الجافي فيقطعهم بجفائه، و لا الحائف للدول فيتخذ قوما دون قوم، و لا المرتشي في الحكم فيذهب بالحقوق، و يقف بها دون المقاطع، و لا المعطل للسنة فيهلك الامة» [118].

و علي ضوء هذا التحديد الموضوعي الواضح لصفات المسؤولين و الموظفين الذين يقرهم الاسلام عمد الإمام علي (ع) إلي الاستغناء عن خدمات قسم من الولاة و العمال الذين كانوا يتولون إدارة أقاليم الدولة الاسلامية، لأن عليا (ع) لو ساومكما يريد بعض المؤرخينلتعذر علي الأجيال المسلمة التماس الصورة الحقيقية

للشريعة التي ابتعث الله بها رسوله العظيم (ص).

فقد كان من أهداف علي أمير المؤمنين (ع) أن يوضح المعالم الأساسية لهذا الدين كما جاء بها النبي (ص)، و ينفض عنها غبار التضليل، و ركام التزييف علي أنه (ع) قد مارس العمل بالأولويات و قدم الأهم علي المهم، و قد عمل وسعه علي سد المنافذ التي ينطلق منها ظلم الناس، و تضيع من خلالها معالم العدل و رعاية الشريعة للمستضعفين من عباد الله عز و جل.

و من أجل ذلك رأينا أمير المؤمنين عليا (ع) يبادر فورا إلي عزل الولاة و العمال الذين كانوا سببا في ظلم الناس و إشاعة الباطل، و يعود بالامة إلي قاعدة المساواة في توزيع العطاء [119]، كما كان رسول الله (ص) يفعل، ثم يعلن فيما يعلن من سياساته التي تتوخي إقامة العدل: أنه سيعيد المال المغصوب من الامة إلي بيت المال، حتي و إن وجده قد تزوجت به النساء أو ملكت به الإماء.

و مع تقديم هذه الأولويات التي ترتبط بمصير عباد الله عادة و حاجاتهم للحق و العدل، يرجئ كثيرا من القرارات إلي مرحلة مناسبة تتفاعل الامة أثناءها مع تلك القرارات المرجوة [120].

إن هذا الهدف المركزي الذي كان الإمام (ع) يسعي إلي تحقيقه في دنيا المسلمين و هو: العمل علي صياغة و بلورة مبادئ الاسلام، كما جاء بها النبي (ص) في أذهان الناس و حياتهم، هو الذي جعله يرفض مختلف الضغوط الاجتماعية و السياسيةمهما كلف الثمندون مساومة أو أنصاف حلول أو رضا بالأمر الواقع.

الميدان الاقتصادي

كما عمد الإمام علي (ع) إلي اصلاح الوضع السياسي و الاداري كذلك فعل بالنسبة للوضع الاقتصادي، فقد بادر فور تسلمه زمام الامور مباشرة إلي إلغاء طريقة توزيع المال التي

اعتمدت فيما سبق.

فقد استبدل الإمام طريقة التمييز في العطاء بطريقة المساواة في التوزيع التي انتهجها رسول الله (ص).

فألغي (ع) كل أشكال التمييز في توزيع المال علي الناس، مؤكدا أن التقوي و السابقية في الإسلام و الجهاد، و الصحبة للرسول (ص)، امور لا تمنح أصحابها مراتب أو مميزات في الدنيا، و إنما لتلك المزايا ثوابها عند الله في الآخرة، و من كان له قدم في ذلك فالله تعالي يتولي جزاءه، أما في هذه الدنيا فإن الناس سواسية في الحقوق المالية و أمام القضاء الاسلامي و في الواجبات و التكاليف.

و قد تضمن بيانه التالي هذه الأفكار الجليلة العادلة:

«ألا و أيما رجل من المهاجرين و الأنصار من أصحاب رسول الله (ص) يري أن الفضل له علي سواه لصحبته فإن الفضل النير غدا عند الله و ثوابه و أجره علي الله.

و أيما رجل استجاب لله و للرسول فصدق ملتنا و دخل في ديننا و استقبل قبلتنا فقد استوجب حقوق الاسلام و حدوده.فأنتم عباد الله، و المال مال الله يقسم بينكم بالسوية، لا فضل فيه لأحد علي أحد، و للمتقين عند الله غدا أحسن الجزاء و أفضل الثواب، لم يجعل الله الدنيا للمتقين أجرا و لا ثوابا، و ما عند الله خير للأبرار.

و إذا كان غداإن شاء اللهفاغدوا علينا، فإن عندنا ما لا نقسمه فيكم، و لا يتخلفن أحد منكم، عربي و لا عجمي، كان من أهل العطاء أو لم يكن، إلا حضر إذا كان مسلما حرا» [121] و هكذا قرن الإمام علي (ع) النظرية بالتطبيق ففي بداية الأمر أمر الناس أن يأتوا إليه غدا ليوزع عليهم مالا كان في بيت مال المسلمين.

فلما صار الغد نفذ خطته علي الشكل التالي:

دعا كاتبه عبيد الله بن أبي رافع و قال له:

إبدأ بالمهاجرين فنادهم، و اعط كل رجل ممن حضر ثلاثة دنانير ثم ثن بالأنصار فافعل معهم مثل ذلك، و من حضر من الناس كلهم: الأحمر و الأسود فاصنع به مثل ذلك.

فقام سهل بن حنيف و قال: يا أمير المؤمنين! هذا غلامي بالأمس و قد أعتقته اليوم، فقال (ع): نعطيه كما نعطيك، فأعطي كل واحد منهما ثلاثة دنانير، و لم يحضر تلك القسمة العادلة طلحة و الزبير و عبد الله بن عمر، و سعيد بن العاص، و مروان بن الحكم، و رجال من قريش و غيرهم [122].

و كان ذلك أول خطوة منه (ع) للقضاء علي الفوارق الطبقية التي نشأت جراء التفضيل في العطاء و الامتيازات.

و هكذا جسد (ع) مفهوم التسوية في العطاء بين جميع الناس الذين يتمتعون بحق المواطنة الاسلامية دون تمييز بين الناس لأي سبب من الأسباب.

و هذه بعض ملامح العملية الاصلاحية التي قادها الإمام علي (ع) في شتي مرافق الحياة الاسلامية، في المال و الحكم و الادارة و سواها.

منهاج الإصلاح

اشاره

وضع الإمام (ع) خطته الاصلاحية الشاملة، و قد انصب جل اهتمامه (ع) علي اصلاح شؤون الادارة و الاقتصاد و الحكم كما قدمنا.

و من خلال ذلك العمل الاصلاحي الكبير حظيت الامة عبر مسيرتها الجديدة التي اختطها لها أمير المؤمنين (ع)، بمعطيات جمة ذات مردودات عظيمة لمصلحتها و المسيرة بشكل عام، نذكر منها ما يلي:

أولا: إستعان الإمام (ع) بجهاز من الولاة و الموظفين لإدارة دفة الحياة الاسلامية، يعد أفراده نموذجا في مستواهم الروحي و الفكري و الالتزامي: كعثمان بن حنيف، و محمد بن أبي بكر، و مالك الأشتر و سواهم.

و بهذا الاجراء الذي راعي فيه المبادئ الاسلامية و

مصلحة الامة، قضي علي مبدأ القرابة و العشيرة الذي كان سائدا أيام الخليفة عثمان و الذي أدي آخر المطاف إلي إثارة النقمة عليه و قتله.

و قد حاول المتضرون من اجراءات أمير المؤمنين (ع) التي تعكس صورة الاسلام الأصيل، حاولوا التفاوض معه، فأرسلوا إليه الوليد بن عقبة بن أبي معيط مندوبا فجاء إليه و قال:

«يا أبا الحسن! انك قد و ترتنا جميعا، و نحن أخوتك و نظراؤك من بني عبد مناف، و نحن نبايعك اليوم علي أن تضع عنا ما أصبناه من المال أيام عثمان، و أن تقتل قتلته، و إنا إن خفناك تركناك فالتحقنا بالشام …

فرد عليهم: (أما ما ذكرتم من و تري إياكم، فالحق و تركم، و أما وضعي عنكم ما أصبتم، فليس لي أن أضع حق الله عنكم و لا عن غيركم)» [123].

و هكذا كان القوم الموتورون من عدالة علي (ع) يحاولون أن يثنوا الإمام عن تنفيذ خطته الاصلاحية الكبري، خصوصا بشأن الأموال التي نهبوها أيام الخليفة عثمان، و راحوا يذكرونه بأنهم قرشيون مثله، و هددوا إن لم يستجب لمطالبهم فسيلتحقون ببلاد الشام لينضموا إلي جبهة البغاة هناك، فلم يعرهم الإمام (ع) انتباها بل فضحهم عند ما اعتلي المنبر و خطب قائلا:

«فأما هذا الفي ء فليس لأحد علي أحد فيه أثرة، و قد فرغ الله من قسمته، فهو مال الله، و أنتم عباد الله المسلمون، و هذا كتاب الله، به أقررنا و له أسلمنا، و عهد نبينا بين أظهرنا، فمن لم يرض به فليتول كيف شاء» [124].

بل إن بعضا من أصحابه (ع)، و قد أحسوا بخطر اولئك المتآمرين الذين يريدون شن حرب شعواء علي النظام الاسلامي العادل الذي يديره الإمام علي (ع)، حاولوا دفع

ذلك الشر بحل وسط برواية المؤرخ إبراهيم الثقفي الذي قال:

«إن طائفة من أصحاب علي (ع) مشوا إليه فقالوا: يا أمير المؤمنين! اعط هذه الأموال، و فضل هؤلاء الأشراف من العرب و قريش علي الموالي و العجم و من تخاف خلافه من الناس و فراره.

فقال: (أتأمروني أن أطلب النصر بالجور؟و الله لا أفعل ما طلعت شمس و ما لاح في السماء نجم، و الله لو كان ما لهم لي لواسيت بينهم، فكيف و إنما هي أموالهم؟» [125].

و هكذا ظلت مبدئية علي و صلابته في الاسلام، الاسلام الذي تلقاه من رسول الله (ص) كما أوحاه الله إليه و أمره باتباعه، و ليس اسلام المحاباة و الحلول الوسط و تفضيل جنس علي جنس أو عشيرة علي اخري، أو حر علي عبد، فهذا ليس من الاسلام بشي ء، و بعد ذلك فليغضب من يغضب، فالمهم لديه هو أن يرضي الله سبحانه و لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. «إن امرأتين أتتا عليا (ع) عند القسمة إحداهما من العرب و الاخري من الموالي، فأعطي كل واحدة خمسة و عشرين درهما و كرا من الطعام، فقالت العربية: يا أمير المؤمنين! إني امرأة من العرب، و هذه امرأة من العجم، فقال علي (ع): إني و الله لا أجد لبني إسماعيل في هذا الفي ء فضلا علي بني إسحاق» [126].

علي أن تلك النماذج الخيرة من الرجال الذين عينهم ولاة و موظفين و ان كانوا في مستوي لائق في الفكر و العمل و القدرة الادارية و القيادية، فإن الإمام علي (ع) قد زودهم بخطط هادية و مناهج راشدة، يهتدون بها في حياتهم العملية، و في علاقاتهم مع مختلف قطاعات الامة التي يباشرون قيادتها.

فهو يلزم ولاته بالنصح

لعباد الله، و إشاعة العدل بينهم و معاملتهم باللين و الحب، و التجاوز عن كل مظاهر الاستعلاء التي يغري بها المنصب غالبا، و الحيلولة دون تأثير ذوي النفوذ الاجتماعي في مسيرة العدالة الاسلامية علي حساب القطاعات الاجتماعية الاخري، و نحو ذلك من مستلزمات إشاعة العدل و إقامة الحق بين الناس.

و هذه نماذج من خططه في هذا المضمار:

«فاخفض لهم جناحك، و ألن لهم جانبك، و ابسط لهم وجهك، و آس بينهم في اللحظة و النظرة، حتي لا يطمع العظماء في حيفك لهم، و لا ييأس الضعفاء من عدلك عليهم، فإن الله تعالي يسائلكم معشر عبادة عن الصغيرة من أعمالكم و الكبيرة، و الظاهرة و المستورة، فإن يعذب فأنتم أظلم، و إن يعف فهو أكرم» [127].

«سع الناس بوجهك و مجلسك و حكمك، و إياك و الغضب فإنه طيرة من الشيطان، و اعلم أن ما قربك من الله يباعدك من النار، و ما باعدك من الله يقربك من النار» [128].

هذه مقاطع من توجيهات الإمام (ع) التي ألزم ولاته بالعمل علي ضوئها في حياتهم العملية.

و من نافلة القول أن نشير إلي أن الإمام (ع) علي الرغم من اهتمامه بانتفاء العناصر الأكفاء و الورعة فإنه كان يحرص علي الإحاطة بأساليبهم في معاملة الامة من خلال مراكزهم القيادية باستعانته بجهاز من الرقباء و العيون ليري مدي طاعة الولاة و تنفيذهم لقواعد العدالة الاسلامية، فإذا بدا من أحدهم خطأ أو تقصير، بادر الإمام إلي تقويم سلوكه بالوسائل التربوية تارة و بالتهديد أو بالعزل إذا لزم الأمر، و هذه نماذج من وسائله تلك:

فقد بلغه أن عثمان بن حنيف (رض) و اليه علي البصرة دعاه بعض شخصيات أهل البصرة إلي مأدبة، فخشي الإمام (ع)

أن تستميله تلك الوسائل أو سواها فينحرف عن خط العدالة الاسلامية المرسوم فيميل في أحكامه أو يجوز في قضائه و معاملته للامة، فكتب إليه كتابا جاء فيه:

«أما بعد، يا ابن حنيف فقد بلغني أن رجلا من فتية أهل البصرة دعاك إلي مأدبة، فأسرعت إليها، تستطاب لك الألوان، و تنقل إليك الجفان، و ما ظننت أنك تجيب إلي طعام قوم، عائلهم مجفو، و غنيهم مدعو، فانظر إلي ما تقضمه من هذا المقضم، فما اشتبه عليك علمه فالفظه، و ما أيقنت بطيب وجوهه فنل منه.

ألا و إن لكل مأموم إماما يقتدي به، و يستضي ء بنور علمه، ألا و إن إمامكم قد اكتفي من دنياه بطمريه، و من طعمه بقرصيه، ألا و إنكم لا تقدرون علي ذلك، و لكن أعينوني بورع و اجتهاد و عفة و سداد» [129] و قد كتب إلي مصقلة الشيباني عامله علي (أردشير خرة) مهددا و متوعدا:

«بلغني عنك أمر إن كنت فعلته، فقد أسخطت إلهك و عصيت إمامك: إنك تقسم في ء المسلمين الذي حازته رماحهم و خيولهم، و اريقت عليه دماؤهم، فيمن اعتامك من أعراب قومك، فو الذي فلق الحبة و برأ النسمة، لئن كان ذلك حقا لتجدن لك علي هوانا، و لتخفن عندي ميزانا، فلا تستهن بحق ربك، و لا تصلح دنياك بمحق دينك، فتكون من الأخسرين أعمالا» [130].

و كتب إلي أحد عماله يقول:

«أما بعد، فقد بلغني عنك أمر، إن كنت فعلته فقد أسخطت ربك، و عصيت إمامك، و أخزيت أمانتك: بلغني أنك جردت الأرض فأخذت ما تحت قدميك، و أكلت ما تحت يديك، فارفع إلي حسابك، و اعلم أن حساب الله أعظم من حساب الناس» [131].

و كما كان الإمام (ع) يخطط للولاة

و يزودهم بنصائحه الهادية، كان يرسم الخطط كذلك لقادة جيوشه، و يوضح لهم معالم الطريق، و ما ينبغي عليهم فعله عند مواجهة العدو.

فكان (ع) ينهاهم عن البغي، و يأمرهم بعدم إثارة الحرب من جانبهم، و يحثهم علي التسلح بالصبر و ضبط النفس، و أن يكونوا في بداية المواجهة كما لو كانوا مدافعين فحسب، فإذا اعتدي عليهم فقد قامت الحجة لصد العدوان، فإذا قدر و انتصروا علي عدوهم فلا يباح أن تحملهم نشوة الظفر علي عدوهم إلي ملاحقة جنوده الهاربين من القتال، أو الذين لا يملكون سلاحا يدافعون به عن أنفسهم كما لا يجوز قتل الجرحي، أو الإساءة إلي النساء، و إن بدان الإساءة بسب أو شتم أو نحوه.

و هذه بعض وصاياه (ع) لجيوشه:

«لا تقاتلوهم حتي يبدؤوكم فإنكم بحمد الله علي حجة و ترككم إياهم حتي يبدؤوكم حجة اخري لكم عليهم، فإذا كانت الهزيمة بإذن الله، فلا تقتلوا مدبرا و لا تصيبوا معورا و لا تجهزوا علي جريح، و لا تهيجوا النساء بأذي، و إن شتمن أعراضكم و سببن امراءكم» [132].

«ألا و إن لكم عندي ألا احتجز دونكم سرا إلا في حرب، و لا أطوي دونكم أمرا إلا في حكم، و لا اؤخر لكم حقا عن محله، و لا أقف به دون مقطعه، و أن تكونوا عندي في الحق سواء، فإذا فعلت ذلك وجبت لله عليكم النعمة ولي عليكم الطاعة، و ألا تنكصوا عن دعوة و لا تفرطوا في صلاح و أن تخوضوا الغمرات إلي الحق» [133].

و بالنظر للأهمية البالغة التي يحتلها جهاز جباية الأموال في الدولة الاسلامية حيث تشكل الحقوق العامة في ملكية الأفراد عنصرا مهما من عناصر الاقتصاد الاسلامي.

و إن حق الجماعة في الملكيات الخاصة

يوفر ضمانة كبري لمساعدة الدولة الاسلامية علي تغطية نفقاتها الضخمة علي الصعيد الاجتماعي و العسكري و غيرهما من جوانب الحياة العامة.

و بالنظر لأهمية جهاز الجباية هذا فقد أولاه الإمام (ع) عناية فائقة لا من أجل أن يجمع أكبر نصيب من المال كما يفعل حكام الجور، و إنما من أجل أن ينخرطذلك الجهازفي مسيرة العدالة الاسلامية المثلي التي جسدها الإمام (ع) في حياة الناس.

كان الإمام حريصا علي أن يلتزم موظفو ذلك الجهاز بأقصي درجات العدل و الفضيلة و النبل، و الشعور بالمسؤولية، فليست مهمتهم في نظر الإمام (ع) أن يجمعوا المال من أجل المال، و إنما ينبغي عليهم أن يلتزموا الحق في تعاملهم مع الامة و أن يعكسوا عدالة الاسلام لمن يلتقون بهم من الناس، فلا ينبغي أن يغضبوا أحدا من الناس، و لا يسيئوا معاملة أحد، و لا يضربوا انسانا من أجل درهم مثلا، و لايجوز أن يعتدوا علي مال امرئ من المسلمين أو من غيرهم ممن يتمتع بحق التابعية للدولة الاسلامية.

كما لا يجوز أبدا أن يبيعوا كسوة انسان أو دابته من أجل استيفاء المال، و لا يحق لأحد الجباة أن يردع أحدا أو يستوفي أكثر من حق الله في ماله، و لا ينبغي أن يستعلي علي الناس أو يبخل عليهم بالتحية أو اللطف و المرونة في معاملتهم إلي غير ذلك من وصاياه و خططه العظيمة البناءة.

قال و هو يوصي ولاته من حكام الأقاليم:

«فإنكم خزان الرعية و وكلاء الامة، و سفراء الائمة، و لا تحشموا أحدا عن حاجته و لا تحبسوه عن طلبته، و لا تبيعن للناس في الخراج كسوة شتاء و لا صيف و لا دابة يعتملون عليها و لا عبدا، و لا تضربن

أحدا سوطا لمكان درهم، و لا تمسن مال أحد من الناس مصل و لا معاهد» [134].

«إنطلق علي تقوي الله وحده لا شريك له، و لا تروعن مسلما، و لا تجتازن عليه كارها، و لا تأخذن منه أكثر من حق الله في ماله، فإذا قدمت علي الحي فانزل بمائهم من غير أن تخالط أبياتهم، ثم امض إليهم بالسكينة و الوقار حتي تقوم بينهم فتسلم عليهم، و لا تخدج بالتحية لهم.ثم تقول: عباد الله، أرسلني إليكم ولي الله و خليفته لآخذ منكم حق الله في أموالكم، فهل لله في أموالكم من حق فتؤدوه إلي وليه؟» [135].

ثانيا: جسد (ع) المخطط الاسلامي للعدالة الاجتماعية بأجلي صوره و أدق تفصيلاته: إذا كانت جميع جوانب الجهاز الحكومي في الدولة الاسلامية قد تناولتها يد الإصلاح، فحققت أرقي النماذج التي يصبو إليها الانسان، فإن الإمام (ع) قد خطا في سبيل تحقيق أفضل صورة للعدالة الاجتماعية وفقا للتصورات الاسلامية التفصيلية.فقد شهد المجتمع الاسلامي بجميع قطاعاته و قواه عدالة رائدة كالتي شهدها أيام رسول الله (ص) في منطلقاتها و أبعادها.

و فيما يلي شواهد من تلك التجربة التاريخية المشعة التي تفيأت الامة ظلالها و لو لوقت قصير:

رفق و تعاهد

فقد شهدت قطاعات الامة جميعا صورا من التعاهد لأمرها و الرفق بها و رعاية شؤونها، و التسوية في العطاء بين جميع حملة التابعية للدولة الاسلامية التي تجسدها هذه النصوص:

«المال مال الله يقسم بينكم بالسوية لا فضل لأحد علي أحد».

«و ايم الله لأنصفن المظلوم من ظالمه، و لأقودن الظالم بخزامته حتي أورده منهل الحق و إن كان كارها» [136].

إلي جانب هذا و ذاك، شهدت الامة التي قادها أمير المؤمنين (ع) بمختلف قطاعاتها من ألوان التدبير لشؤونها، و الرعاية لامورها، و

الحدب عليها ما حقق لها الكرامة و السعادة و الحرية، و هذه صور منها:

«عن الحكم قال: شهدت عليا، و قد اتي له بزقاق من عسل، فدعا اليتامي و قال: ذوقوا و العقوا، حتي تمنيت أني يتيم، فقسمه بين الناس و بقي منه زق، فأمر أن يسقاه أهل المسجد» [137].

و عن هارون بن عنترة عن زاذان قال:

«انطلقت مع قنبر غلام علي (ع) فاذا هو يقول: قم، يا أمير المؤمنين! فقد خبأت لك خبيئا.قال (ع): و ما هو، ويحك!! قال: قم معي.فقام فانطلق به إلي بيته، و إذا بغرارة مملوءة من جامات ذهبا و فضة.فقال: يا أمير المؤمنين! رأيتك لا تترك شيئا إلا قسمته فادخرت لك هذا من بيت المال.

فقال علي (ع): ويحك يا قنبر، لقد أحببت أن تدخل بيتي نارا عظيمة، ثم سل سيفه، و ضربها ضربات كثيرة، فانتثرت، ثم دعا بالناس، فقال: اقسموه بالحصص، ثم قام إلي بيت المال، فقسم ما وجد فيه، ثم رأي في البيت أبرا و مسال فقال: و لتقسموا هذا» [138].

و عن الحكم قال:

«إن عليا قسم فيهم الرمان حتي أصاب مسجدهم سبع رمانات، و قال: أيها الناس إنه يأتينا أشياء نستكثرها إذا رأيناها، و نستقلها إذا قسمناها، و إنا قد قسمنا كل شي ء أتانا.قال: و أتته صفائح فضة فكسرها، و قسمها بيننا».

و عن علي بن ربيعة قال:

«جاء ابن التياح إلي علي بن أبي طالب (ع) فقال: يا أمير المؤمنين! امتلأ بيت المال من صفراء و بيضاء.فقال علي (ع): الله أكبر، ثم قام متوكئا علي يد ابن التياح، فدخل بيت المال و هو يقول:

هذا جناي و خياره فيه-و كل جان يده إلي فيه» [139].

ثم نودي في الناس، فأعطي جميع ما في بيت المال

و هو يقول: (يا بيضاء! و يا صفراء! غري غيري). حتي لم يبق فيه درهم و لا دينار، ثم امر بنضحه بالماء، فصلي فيه ركعتين (ع). و كان لشدة حرص الإمام (ع) علي مصلحة الامة لرفع غائلة الفقر و الظلم عنها أنه التزم السير عبر أيام خلافته عليها وفقا للنهج الآتي:

«و لو شئت لا هتديت الطريق إلي مصفي هذا العسل، و لباب هذا القمح، و نسائج هذا القز، و لكن هيهات أن يغلبني هواي، و يقودني جشعي إلي تخير الأطعمة، و لعل بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له في القرص، و لا عهد له بالشبع، أو أبيت مبطانا، و حولي بطون غرثي، و أكباد حري؟أقنع من نفسي بأن يقال: هذا أمير المؤمنين، و لا اشاركهم في مكاره الدهر أو أكون اسوة لهم في جشوبة العيش؟» [140].

«اشتري ثوبين، و أعطي أغلاهما ثمنا لقنبر خادمه و قال: إني سمعت رسول الله (ص) يقول: ألبسوهم مما تلبسون، و أطعموهم مما تأكلون» [141].

رقابة دقيقة لوضع السوق

و لقد كان الإمام علي (ع) حريصا علي تجسيد العدالة الاقتصادية في مرافق الحياة الانسانية كافة، و من أجل ذلك فقد التزم خطة لمراقبة السوق من ناحية البيع و الشراء و طبيعة ما يعرض للبيع، للحيلولة دون التطفيف في المكاييل و التلاعب بالأسعار أو الغش، فعن الإمام الباقر (ع) قال:

«كان أمير المؤمنين (ع) كل بكرة يطوف في أسواق الكوفة سوقا سوقا، و معه الدرة علي عاتقه، و كان لها طرفان، و كانت تسمي السبيبة، فيقف عليها سوقا سوقا فينادي:

يا معشر التجار! قدموا الاستخارة، و تبركوا بالسهولة، و اقتربوا من المبتاعين، و تزينوا بالحلم، و تناهوا عن الكذب و اليمين، و تجافوا عن الظلم و أنصفوا

المظلومين، و لا تقربوا الربا (و أوفوا المكيال و الميزان بالقسط و لا تبخسوا الناس أشياءهم و لاتعثوا في الأرض مفسدين)» [142].

و عن أبي النوار قال:

«رأيت عليا (ع) وقف علي خياط، فقال له: يا خياط! صلب الخيط، و دقق الدرز، و قارب الغرز، فإني سمعت رسول الله (ص) يقول: يؤتي يوم القيامة بالخياط الخائن و عليه قميص و رداء مما خاطه، و خان فيه، فيفتضح علي رؤوس الأشهاد.ثم قال: يا خياط! إياك و الفضلات و السقطات فإن صاحب الثوب أحق بها» [143].

هكذا جسد الإمام أمير المؤمنين (ع) المخطط الاسلامي للعدالة الاجتماعية بأدق صورها، و هكذا عامل الامة بالرفق و الحب فعايش آمالها و آلامها حتي قطفت أروع ثمرات العدل في تاريخها كما كانت في عهد رسول الله (ص) سواء بسواء.

سياسته مع نفسه

تبني الإمام (ع) سياسة مع نفسه ترتكز علي الزهد الصادق بكل ما يطمع به الطامعون من مال و ملذات و زخرف، فلقد عاش أمير المؤمنين في بيت متواضع لا يختلف عما يسكنه فقراء الامة، و كان يأكل خبز الشعير، تطحنه امرأته أو يطحنه بيده سواء في ذلك قبل خلافته، و بعدها.و كان يلبس أخشن لباس و أبسطه، و كان مبدؤه الثابت في هذا المضمار.

«ألا و إن إمامكم قد اكتفي من دنياه بطمريه و من طعمه بقرصيه، فو الله ما كنزت من دنياكم تبرا، و لا ادخرت من غنائمها و فرا، و لا أعددت لبالي ثوبي طمرا، و لا حزت من أرضها شبرا، و لا أخذت منه كقوت أتان دبرة، و لهي في عيني أوهي و أهون من عفصة مقرة» [144] و بمقدورنا أن نلمس سياسة الإمام (ع) هذه مع نفسه من خلال المصاديق التالية: عن

هارون بن عنترة عن أبيه قال:

«دخلت علي علي بالخورنق، و هي في فصل شتاء، و عليه خلق قطيفة.فقلت: يا أمير المؤمنين! إن الله قد جعل لك و لأهلك في هذا المال نصيبا، و أنت تفعل هذا بنفسك!! فقال (ع): و الله ما أرزؤكمأنقصكمشيئا، و ما هي إلا قطيفتي التي أخرجتها من المدينة» [145].

و قد خاطبه عاصم بن زياد يوما بقوله: يا أمير المؤمنين! هذا أنت في خشونة ملبسك و جشوبة مأكلك، فأجابه علي (ع):

«و يحكم إني لست كأنت، إن الله تعالي فرض علي أئمة العدل أن يقدروا أنفسهم بضعفة الناس كي لا يتبيغ بالفقير فقره» [146].

و عن سويد بن غفلة قال: دخلت علي علي (ع) يوما و ليس في داره سوي حصير رث و هو جالس عليه. فقلت: يا أمير المؤمنين! أنت ملك المسلمين و الحاكم عليهم و علي بيت المال، و تأتيك الوفود و ليس في بيتك سوي هذا الحصير؟قال (ع): «يا سويد! إن اللبيب لا يتأثث في دار النقلة و أمامنا دار المقامة، قد نقلنا إليها متاعنا، و نحن منقلبون إليها عن قريب» [147].

و ها هو علي يخرج سيفه ليبيعه في السوق كي يشتري بثمنه ازارا، و هو أمير المؤمنين و زعيم الامة الاسلامية الذي تجبي إليه الأموال من أكثر بقاع العالم الاسلامي.

فعن أبي رجاء قال: أخرج علي (ع) سيفا إلي السوق فقال: «من يشتري مني هذا؟فو الذي نفس علي بيده لو كان عندي ثمن إزار ما بعته!!!

فقلت له: أنا أبيعك إزارا و أنسؤك ثمنه إلي عطائك، فدفعت إليه إزارا إلي عطائه، فلما قبض عطاءه دفع إلي ثمن الإزار» [148].

إنه (ع) لا يأخذ من فيئهم شيئا، و إن قدر له الخروج من الكوفة، فلا يخرج

إلا بالذي جاء به من المدينة المنورة: راحلته و رحله و غلامه.

فعن بكر بن عيسي قال: «كان علي (ع) يقول: (يا أهل الكوفة! إذا أنا خرجت من عندكم بغير راحلتي، و رحلي و غلامي فلان، فأنا خائن)».

فكانت نفقته تأتيه من غلته بالمدينة بينبع، و كان يطعم الناس منها الخبز و اللحم، و يأكل هو الثريد بالزيت.

و لشدة حرصه (ع) علي سلوك سبيل رسول الله (ص) في عدله و زهده، أشار عقبة بن علقمة قال:

«دخلت علي علي (ع) فإذا بين يديه لبن حامض، آذتني حموضته، و كسرخبزيابس.فقلت: يا أمير المؤمنين! أتأكل مثل هذا؟فقال لي: (يا أبا الجنوب! كان رسول الله يأكل أيبس من هذا، و يلبس أخشن من هذا، و أشار إلي ثيابه، فإن أنا لم آخذ بما أخذ به خفت ألا ألحق به)» [149].

و لعظيم إيثاره للأمة علي نفسه ما رواه عبد الله بن الحسين بن الحسن (ع) قال: أعتق علي (ع) في حياة رسول الله (ص) ألف مملوك مما عملت يداه، و عرق جبينه. «و لقد ولي الخلافة، و أتته الأموال، فما كان حلواه إلا التمر و لا ثيابه إلا الكرابيس» [150].

و عن سفيان الثوري عن عمر بن قيس قال: رئي علي علي (ع) إزار مرقوع، فعوتب في ذلك، فقال: «يخشع له القلب، و يقتدي به المؤمن» [151].

و لقد بلغ في شدة زهده (ع) ابتغاء لوجه الله تعالي ما يتجلي عبر عبارته: «و الله لقد رقعت مدرعتي هذه حتي استحييت من راقعها، و لقد قيل لي: ألا تستبدل بها غيرها؟فقلت للقائل: ويحك أعزب، فعند الصباح يحمد القوم السري» [152].

أما صدقاته التي تصدق بها أو وقفها للمساكين، فقد ذكر المؤرخ عمر بن شبة المتوفي عام

(262 ه) قائمة طويلة بها [153]، حتي انه عند ما بشر بتفجر الماء من أحد عيون ينبع، و هي أراض خصبة مليئة بالنخل و الزروع كان قد وقفها (ع) للمسلمين، أبدي سروره «ثم تصدق بها علي الفقراء و المساكين و في سبيل الله، و أبناء السبيل القريب و البعيد، في السلم و الحرب، ليوم تبيض فيه وجوه و تسود وجوه، ليصرف الله بها وجهي عن النار، و يصرف النار عن وجهي» [154].

مساواة أهل بيته بسائر الناس

أما منهاج أمير المؤمنين (ع) الذي سلكه في أهل بيته و قرابته فلم يكن بعيدا عن منهاجه مع نفسه إلا من حيث الدرجة، فقد كان مبنيا علي أساس مساواتهم بالامة في الحقوق و الواجبات، بل إن الذي يتحملونه من مهام من أجل حماية الرسالة و المسيرة الاسلامية أكثر بكثير مما ينالون من حقوق.

فقد كان الإمام (ع) حريصا علي معاملة ذويه في مسألة الحقوق كما لو كانوا من عامة الناس، فلا يفضلهم، بعطاء، و لا يميزهم بحق، و سلك معهم اسلوب التدريب و الإعداد للعمل بمنهاجه معهم، بل كان يبدو شديدا مع بعضهم من أجل أن ينتهج الخط الذي رسمه لمتعلقيه و أهل قرابته.و هاك صورا من منهاجه ذلك:

قال مسلم صاحب الحنا:

«لما فرغ علي (ع) من أهل الجمل أتي الكوفة، و دخل بيت المال، ثم قال: يا مال! غر غيري، ثم قسمه بيننا، ثم جاءت ابنة للحسن أو للحسين (ع) فتناولت منه شيئا، فسعي وراءها ففك يدها و نزعه منها، فقلنا: يا أمير المؤمنين! إن لها فيه حقا، قال (ع): إذا أخذ أبوها حقه فليعطها ما شاء» [155].

و روي هارون بن سعيد أن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب قد قال له: يا أمير

المؤمنين! لو أمرت لي بمعونة أو نفقة، فو الله ما لي نفقة إلا أن أبيع دابتي!! فقال الإمام (ع): «لا و الله ما أجد لك شيئا إلا أن تأمر عمك أن يسرق فيعطيك» [156].

و قد جاءه أخوه عقيلو كان ضريرايوما يطلب صاعا من القمح من بيت مال المسلمينزيادة علي حقهو ظل يكرر طلبه علي علي (ع)، فما كان من الإمام أمير المؤمنين إلا و أحمي له حديدة علي النار و أدناها منه، ففزع منها عقيل، ثم و عظه: «يا عقيل! أتئن من حديدة أحماها إنسانها لمدعبه، و تجرني إلي نار سجرها جبارها من غضبه، أتئن من الأذي و لا أئن من لظي؟» [157].

و عن أبي صادق عن علي (ع): أنه تزوج ليلي، فجعلت له حجلة، فهتكها، و قال: «حسب آل علي ما هم فيه» [158].

و عن الحسن بن صالح بن حي قال: «بلغني أن عليا (ع) تزوج امرأة فنجدتزينتله بيتا، فأبي أن يدخله» [159] و عن كلاب بن علي العامري قال:

«زفت عمتي إلي علي (ع) علي حمار بأكاف تحتها قطيفة، و خلفها قفة معلقة!!» [160].

هكذا كان منهاج علي (ع) مع أهل بيته و ذوي قرابته لا يفرط من أجلهم بحق من حقوق المسلمين أبدا، بل يعمل كل ما من شأنه علي رفع مستواهم باتجاه مبادئه في الزهد، و سياسته مع نفسه في سبيل الله تعالي، و لمصلحة مجموع الامة.

و لقد كان منهجه واضحا كل الوضوح لا لبس فيه و لا غموض و لا يخضع لعاطفة أو مساومة أبدا: «و الله لئن أبيت علي حسك السعدان مسهدا، أو اجر في الأغلال مصفدا، أحب إلي من أن ألقي الله و رسوله يوم القيامة ظالما لبعض العباد، و

غاصبا لشي ء من الحطام.و كيف أظلم أحدا لنفس يسرع إلي البلي قفولها، و يطول في الثري حلولها» [161].

و هذا السبيل الذي اختاره الإمام (ع) إنما يمثل أحد مصاديق العدل الاجتماعي الشامل الذي حرص أمير المؤمنين (ع) علي تجسيده واقعا حيا في دنيا الناس.

سياسة رد الفعل

اشاره

ينقل المؤرخ المعروف «الطبري» كيفية بيعة الإمام علي (ع) عن واحد من أهل المدينة شهد أحداثها فقال:

«عن أبي بشير العابدي، قال: كنت بالمدينة حين قتل عثمان (رض)، و اجتمع المهاجرون و الأنصار، فيهم طلحة و الزبير، فأتوا عليا فقالوا: يا أبا حسن! هلم نبايعك، فقال: لا حاجة لي في أمركم، أنا معكم، فمن اخترتم فقد رضيت به، فاختاروا.

فقالوا: و الله ما نختار غيرك.

قال أي أبو بشير العابدي: فاختلفوا إليه [162] بعد ما قتل عثمان (رض) مرارا، ثم أتوه في آخر ذلك، فقالوا له: انه لا يصلح الناس إلا بإمره، و قد طال الأمر.

فقال لهم: انكم قد اختلفتم إلي و أتيتم، و إني قائل لكم قولا إن قبلتموه قبلت أمركم، و إلا فلا حاجة لي فيه.

فقالوا: ما قلت من شي ء قبلناه إن شاء الله.

فجاء فصعد المنبر، فاجتمع الناس إليه، فقال: إني قد كنت كارها لأمركم، فأبيتم إلا أن أكون عليكم، ألا و إنه ليس لي أمر دونكم، ألا إن مفاتح مالكم معي، ألا و إنه ليس لي أن آخذ منه درهما دونكم، رضيتم؟قالوا: نعم، قال: اللهم اشهد عليهم.ثم بايعهم علي ذلك» [163].

كان الإمام علي (ع) يعلم أن العدالة الاسلامية التي أراد تطبيقها في حكومته ستكون ثقيلة علي نفوس المنتفعين و الوصوليين و الانتهازيين الذين استغلوا الظروف السائدة في زمن الخليفة عثمان فانتهبوا الأموال، و تمتعوا بالإمتيازات و اكتنزوا الذهب و الفضة، بسبب القرابة أو

العشيرة أو كونهم من أنصار هذا الطرف أو ذاك، لذلك حاول أن يفهم الذين بايعوه بأن نهجه في التعامل معهم سيكونكما أمر به الاسلام، و ان موافقتهم علي مبايعته يجب أن لا تتم من خلال فورة عاطفية، بل عن قناعة تامة عما هم عليه مبايعون.

و قد صح ما توقعه الإمام علي (ع) من أن تطبيقه للعدالة الاسلامية سيثير غضب رجالات قريش الذين دأبوا علي العيش برفاهية مما ينهبونه من أفواه الجياع و المحرومين، و كبر عليهم أن ينهج الإمام علي (ع) نهج المساواة في الحقوق، فلا يميز بين حر و عبد، و بين أسود و أبيض، و بين عربي و عجمي، و كان الجميع أمامه سواسية كأسنان المشط، أليس هو خليفتهم جميعا دون تمييز؟

فقد أنكر الزبير بن العوام و طلحة بن عبيد الله علي الإمام (ع) سياسته تلك و اعتبراها مخالفة للنهج الذي ألفه الناس:

فقال لهما الإمام (ع): ما الذي كرهتما من أمري حتي رأيتما خلافي؟قالا: إنك جعلت حقنا في القسم كحق غيرنا، و سويت بيننا و بين من لا يماثلنا فيما أفاء الله علينا بأسيافنا و رماحنا و أوجفنا عليه بخيلنا و رجلنا و ظهرت عليه دعوتنا، و أخذناه قسرا قهرا ممن لا يري الاسلام إلا كرها [164].

فقال الإمام (ع) لهما: «لقد نقمتما يسيرا و أرجأتما كثيرا، ألا تخبراني أي شي ء كان لكما فيه حق دفعتكما عنه؟أم أي قسم استأثرت عليكما به؟أم أي حق رفعه إلي أحد من المسلمين ضعفت عنه؟أم جهلته، أم أخطأت بابه؟

و الله ما كانت لي الخلافة رغبة، و لا في الولاية إربة، و لكنكم دعوتموني إليها، و حملتموني عليها، فلما أفضت إلي نظرت إلي كتاب الله، و ما وضع لنا،

و أمرنا بالحكم به، فاتبعته، و ما استن النبي (ص)، فاقتديته، فلم أحتج في ذلك إلي رأيكما، و لا رأي غيركما و لا وقع حكم جهلته فاستشير كما و إخواني من المسلمين، و لو كان ذلك لم أرغب عنكما، و لا عن غيركما.

و أما ما ذكرتما من أمر الاسوةالتسوية في العطاءفإن ذلك أمر لم أحكم أنا فيه برأيي، و لا وليته هوي مني، بل وجدت أنا و أنتما ما جاء به رسول الله (ص) قد فرغ منه، فلم أحتج إليكما فيما قد فرغ الله من قسمه، و أمضي فيه حكمه، فليس لكما، و الله، عندي و لا لغير كما في هذا عتبي، أخذ الله بقلوبنا و قلوبكم إلي الحق، و ألهمنا و إياكم الصبر، رحم الله رجلا رأي حقا فأعان عليه، أو رأي جورا فرده، و كان عونا بالحق علي صاحبه» [165].

و هكذا تختلف المنطلقات و المفاهيم، ينطلق علي (ع) مما يأمر به الله تعالي و رسوله (ص) بينما تنطلق «المعارضة» مما توحي به مصالحها.

و شتان بين منطلق يرمي إلي تحقيق متطلبات الرسالة و مصلحة مجموع الامة، و منطلق مادي لا يري غير المصلحة الذاتية المحدودة!

و قد جابه الإمام علي (ع) أكبر مشكلة في تاريخ خلافته، ألا و هي الولاة الذين كانوا يحكمون الأقاليم الاسلامية، الذي عينوا علي عهد عثمان بن عفان، و كان أغلبهم ظالما جائرا غير أمين علي أموال المسلمين و أرواحهم و أعراضهم، و هم يعلمون عدالة علي و شدة تمسكه بالإسلام، لذا حاولوا التفاوض معه لأجل إبقائهم في مناصبهم و امتيازاتهم، فرفض بمبدئيته المعهودة التي لا تلين كل ما جاؤوا أو حاولوه.

وصل أحد أفراد تلك الطبقة المترفة إلي منزل الإمام علي

و طلب الانفراد به، و تقدم إليه بنصيحة هي أن يبقي ولاة عثمان لمدة عام واحد في مناصبهم، فإذا بايعوه و استتب له الأمر فبإمكانه أن يقوم بعزلهم من أعمالهم إن أراد ذلك، فرد عليه الإمام انه لا يداهن في دينه و لا يساوم.

فعرض عليه المغيرة عرضا آخر هو أن يترك معاوية بن أبي سفيان حاكما في بلاد الشام، و فسر ذلك بقوله: «ان لمعاوية جرأة، و هو في أهل الشام يسمع منه» فرد الإمام علي: «لا و الله، لا أستعمل معاوية يومين أبدا» [166].

و السبب في رفض الإمام للتعامل مع اولئك الولاة و اقرارهم في أعمالهم:

1أن أغلبهم كان ظالما و قد كانت أعمال الكثيرين منهم سببا في إثارة نقمة المسلمين علي الخليفة عثمان و قتله في نهاية الأمر.

2أن منهجه الثوري الذي أراد فيه إصلاح امور الامة المتردية كان يقتضي الاعتماد علي عناصر متدينة مؤمنة بمنهجه الذي لا يعطي اعتبارا لأي شي ء سوي رضي الله سبحانه و تعالي الذي لا يرضي بظلم أحد.

3أن إقراره اولئك الولاة في أعمالهم و لو إلي حين، سوف لا يسمح له بعزلهم فيما بعد، إذ سيجعل الامة تتساءل: إذا كانوا غير لائقين فعلام أقرهم؟، و طن كانوا لائقين فلما ذا يعزلهم اليوم من مناصبهم؟

4أن الإمام (ع) إذا أقر اولئك الولاة في مناصبهم فإن أي ظلم و اعتداء أو ارتكاب محرم يصدر منهم يستحمل مسؤوليته هو لا سيما و هو يعلم حالهم، فمن حقه الشرعي أن لا يقر أحدا منهم في منصبه.

5أن إقرار الإمام علي (ع) لأي من هؤلاء الولاة الفاسقين سيعطي سابقة تاريخية و شرعية تسوغ و تجوز تعيين الولاة الفسقة أو إقرارهم في مناصبهم بحجة المصلحة الشرعية أو السياسية أو

غير ذلك.

موقف معاوية

و كما قال المغيرة بن شعبة، فقد كان معاوية بن أبي سفيان أكثر الولاة جرأة في حربه لخليفة المسلمين الشرعي الإمام علي.

فلما أن تناقلت الأنباء أمر استخلاف الإمام علي و نهوضه بأعباء قيادة الامة حتي فزع معاوية بن أبي سفيان، الذي كان يخطط منذ سنين لأن يكون هو الخليفة، إضافة إلي تمتعه بالملك الواسع الذي هو فيه، بل إن رسالة عاجلة من رفيقه عمرو ابن العاص قد وصلته تفصح عن هذا المعني عند ما كتب إليه يطلعه علي حقيقة الموقف في عاصمة رسول الله (ص):

«من عمرو بن العاص إلي معاوية بن أبي سفيان: أما بعد، ما كنت صانعا فاصنع، إذ قشرك ابن أبي طالب من كل ما تملكه كما تقشر عن العصاء لحاها» [167].

و هكذا حرض ابن العاص معاوية ضد الإمام علي و جاءه من الباب الذي يعلم حساسيته لدي معاوية، باب الملكية و السلطان عند ما قال: «قشرك ابن أبي طالب من كل ما تملكه»، ضاع الملك إذن، لذا كان لا بد لمعاوية من أن يدافع عن امتيازاته و ثرواته بأي ثمن كان، حتي لو أدي ذلك إلي إبادة المسلمين و تدمير الاسلام و إراقة الدماء في كل أنحاء الدولة الاسلامية، فالمهم هو الملك و السلطان.

حاول الإمام علي أن يقضي علي الفتنة التي بدأت تلوح في الافق بالطرق السلمية، فأرسل كتابا إلي معاوية يستقدمه فيه إلي المدينة، فلم يستجب معاوية لذلك، بل و لم يرد بجواب علي كتاب الإمام علي (ع) [168].

و بعد مضي ثلاثة شهور علي مقتل عثمان، و قيام الإمام علي (ع) بالأمر يشهر معاوية سلاح المطالبة بدم عثمان، متخذا منه ذريعة للخروج علي إمام زمانه.

و قد بدأت معارضته بنشر ثوب

عثمان الدامي في مسجد دمشق و شعيرات من لحيته، و قد جمد عليها الدم، و راح يستثير أهل الشام للنهوض من أجل عثمان و الانتقام ممن قتله، و من ثم أرسل رسولا إلي الإمام (ع) حتي إذا وصل الرسول إلي المدينةالمنورة جعل يسير في دروبها، و هو يحمل صحيفة مختومة مكتوبا عليها «من معاوية إلي علي» و هو عنوان يثير الدهشة لدي الناس فهو خال من كل لياقة و كياسة، كما يشير إلي أن مرسله لا يحمل إلي زعيم المسلمين أي شعور بالاحترام و التقدير.

و فض الإمام علي (ع) صحيفة معاوية، فوجدها بيضاء لا حرف فيها فسأل رسول معاوية: ما وراءك؟

قال بعد أن استأمن الإمام (ع): إني تركت ورائي أقواما يقولون لا نرضي إلا بالقود.

قال الإمام (ع): ممن؟قال: يقولون من خيط رقبة علي، و تركت ستين ألف شيخ يبكون تحت قميص عثمان، و هو منصوب لهم قد ألبسوه منبر مسجد دمشق، و أصابع زوجته نائلة معلقة فيه.

فقال الإمام: «أمني يطلبون دم عثمان، اللهم إني أبرأ إليك من دم عثمان» [169].

ثم أمر الإمام (ع) رسول الشام أن يغادر بعد أن منحه الأمان.

و منذ ذلك التاريخ بادر الإمام (ع) بتجهيز جيشه لإخماد حركة البغاة التي قادها معاوية في الشام.

خلفيات المطالبة بدم عثمان

و لنا أن نتساءل قبل أن نمضي في حديثنا قدما، هل كانت الأطراف في كل من الشام و البصرة صادقة في ادعاء المطالبة بدم الخليفة الثالث؟

و الإجابة علي هذا السؤال الذي يفرض نفسه علي الكاتب و القارئ معا في هذه المسألة، لا بد من الرجوع إلي مواقف تلك الأطراف جميعا أيام الثورة التي تمخض عنها مقتل عثمان.و لا بد لنا من أن نطلع علي الظروف و الأسباب التي

أججت نار الفتنة و صعدت المواقف حتي أدت إلي مقتل عثمان.

كان من أهم الأسباب التي دفعت بالمسلمين في الولايات المختلفة إلي الاعتراض و التحرك ضد السياسة القائمة أيام خلافة عثمان، هو واقع الولاة و الامراء الذين عينهم عثمان علي الولايات و الأمصار.

فالمعروف تاريخيا أن مجموعة من أبناء عمومة الخليفة عثمان أو أبناء خالاته أو أقربائه من بني امية قد التفت حوله منذ توليه الخلافة، و حققت المكاسب و الإمتيازات و امتلكت الثروات و اكتنزت الكنوز، و ارتكبت من المظالم و الموبقات و الجرائم ما جعل المسلمين يضيقون ذرعا بهم و يثورون عليهم مطالبين الخليفة بعزل اولئك الولاة الظالمين، و إبعاد طبقة الأثرياء القريشية التي أحاطت به، و اتخذت منه ستارا لتحقيق مآربها الدنيوية، و لما لم يقم بعزلهم و إبعادهمبضغط من نفس تلك البطانةانتهت الامور إلي حالة مأساوية قتلوا فيها الخليفة عثمان نفسه، فلننظر إلي قائمة بأسماء هؤلاء الولاة و نتعرف إلي سوابقهم التاريخية و سلوكياتهم و نلاحظ و شائج القرابة الأموية أو القريشية التي بتربط بينهم و تأثيرها علي السياسة القائمة و التصرف بأموال المسلمين و حقوقهم.

كان الخليفة هو: عثمان بن عفان بن أبي العاص بن امية بن عبد شمس.و كان الولاة و أمراء الأجناد و المتنفذون في خلافته هم:

1الحكم بن أبي العاص بن امية بن عبد شمس:

هو عم الخليفة عثمان، و كان أشد الناس أذي لرسول الله في الاسلام، «اطلع علي رسول الله ذات يوم و هو في بعض حجر نسائه، فعرفه (ص) و خرج إليه و قال: من عذيري من هذا الوزغ اللعين، ثم قال: و الله لا يساكنني و لا ولده.

فغربهم جميعاأي نفاهم هو و ولدهإلي الطائف، فلما توفي رسول الله،

كلم عثمان أبا بكر فيهمأي ليعيدهم إلي المدينةفأبي و قال: ما كنت لآوي طرداءرسول الله، ثم لما استخلف عمر، كلمه عثمان فيهم، فقال مثل قول أبي بكر، فلما استخلف عثمان أدخلهم المدينة» [170].

و قد كان الحكم فقيرا مملقا حتي انه عند ما دخل المدينة بعد سني النفي و الطرد، كان عليه ثوب خلق بال و هو يسوق تيسا و الناس ينظرون إليه و إلي سوء حاله و حال من معه، حتي دخل دار الخليفة عثمان، ثم خرج بعد أن كساه جبة خز و طيلسان [171].

فلما حل المساء جاء عامل صدقات المسلمين علي السوق إلي الخليفة عثمان و بيده الصدقات ليضعها في بيت المال، فقال له عثمان: إدفعها إلي الحكم هذا [172]، ثم ولاهأي الحكمعلي صدقات قبيلة قضاعة، فبلغت ثلاثمائة ألف درهم فوهبها له [173].

و كان الخليفة عثمان يحبه حبا شديدا، حتي انه عند ما توفي أقام الخليفة علي قبره فسطاطا [174] علي عادة القوم آنذاك في إظهار الحزن الشديد.

2مروان بن الحكم بن أبي العاص بن امية بن عبد شمس:

و هو ابن عم الخليفة عثمان، أرسله عثمان مع الغزو المتجه إلي أفريقيا، فلما عاد الجيش و معه الغنائم، أعطي عثمان ابن عمه مروان خمس تلك الغنائم [175]، و قد استنكر المسلمون ذلك حتي قال الشاعر أسلم الساعدي و هو يعاتب عثمان: اقسم بالله رب العبا-دما ترك الله خلقا سدي دعوت اللعين فأدنيته-خلافا لسنة من قد مضي و يعني بذلك دعوة عثمان للحكم لسكني المدينة بعد طرد رسول الله (ص) له و لولده، و يضيف:

و أعطيت مروان خمس العباد-ظلما لهم و حميت الحمي [176].

كما وهبه عثمان منطقة «فدك» قال المؤرخون:

«و أقطع مروان فدك، و هي صدقة النبي التي طلبتها

فاطمة من أبي بكر» [177].

قال ابن حجر العسقلاني: «إن مروان كان من أسباب قتل عثمان» [178].

3الحارث بن الحكم بن أبي العاص بن امية بن عبد شمس:

و هو ابن عم الخليفة و أخو مروان، قال ابن عبد ربه الأندلسي و ابن أبي الحديد:

«تصدق رسول الله (ص) بمهزور علي المسلمين، فأقطعها عثمان للحارث بن الحكم» [179]، ثم زوجه «ابنته عائشة، فأعطاه مائة ألف من بيت المال» [180].

4الوليد بن عقبة بن أبي معيط بن ذكوان بن امية بن عبد شمس:

و هو أخو عثمان لامه، و كان أبوه عقبة «أشد الناس أذي لرسول الله (ص) و عداوة له و للمسلمين، عمد إلي مكتل فجعل فيه عذرة (غائط) و جعله علي باب رسول الله، اسر ببدر فقتل صبرا» [181] أما هو فقد اشتهر انه (كان زانيا شريب خمر) [182]، و كان له نديم نصراني [183] و أعطاه دارا قريبة من المسجد، فكان يدخل المسجد إذا أراد الوصول إلي الوليد [184].

ولاه عثمان علي الكوفة بعد أن عزل عنها الصحابي سعد بن أبي وقاص، و «كان يشرب مع ندمائه و مغنياته من أول الليل إلي الصباح، فخرج منفصلا في غلائله، فصلي بهمأي صلاة الصبحأربعا، و قال: ازيدكم؟! و نقل عن المسعودي أنه قال في سجوده: إشرب و اسقني» [185].

و قد شهد مجموعة من الشهود عليه لدي عثمان بشربه الخمر و كان اسم أحدهم جندب، فأخبروا عثمان خبره و كان عبد الرحمان بن عوف حاضرا فقال: «ما له؟أجن؟قالوا: لا، و لكنه سكر، قال فأوعدهم عثمان و تهددهم، و قال لجندب: أنت رأيت أخي يشرب الخمر؟قال: معاذ الله، و لكني أشهد أني رأيته سكران يقيئها من جوفه، و أني أخذت خاتمه من يده و

هو سكران لا يعقل.

فأتي الشهود عائشة فأخبروها بما جري بينهم و بين عثمان، و أن عثمان زبرهمأي انتهرهمفنادت عائشة: «إن عثمان أبطل الحدود، و توعد الشهود» [186].

«و قد اضطر الخليفة عثمان، و تحت الضغط الجماهيري، و تحذيرات عائشة و نصيحة الإمام علي (ع) الذي استشاره عثمان في الموضع، فقال لهأي الإمام عليإن شهد عليه الشهود بمحضر منه أقم عليه الحد، فاحضر و شهد الشهود، فجلد بحضور الخليفة عثمان و الإمام علي و مجموعة من المسلمين» [187] عبد الله بن سعد بن أبي سرح العامري القرشي:

و هو ابن خالة عثمان و أخوه من الرضاعة [188]، و كان كاتبا لرسول الله (ص) فظهرت خيانته في الكتابة فطرده رسول الله (ص) فارتد عن الاسلام و لحق بأهل مكة و أخبرهم: إني كنت أصرف محمدا حيث أريد، كان يملي علي (عزيز حكيم) فأقول أو (عليم حكيم)، فأنزل الله فيه (و من أظلم ممن افتري علي الله كذبا أو قال أوحي إلي و لم يوح إليه شي ء، و من قال سأنزل مثل ما أنزل الله)، فأهدر الرسول دمه، و بعد فتح مكة استأمن له عثمان من النبي (ص) [189].

و قد أعطاه عثمان أثناء خلافته «جميع ما أفاء الله عليه من فتح أفريقية بالمغربو هي من طرابلس الغرب إلي طنجةمن غير أن يشركه فيه أحد من المسلمين» [190].

و لما أصبح عثمان خليفة، كان عمرو بن العاص واليا علي مصر، فعزله عن الخراج، و أقره علي الصلاة و الجند، و سلم الخراج إلي عبد الله بن سعد هذا، فتخاصما، فبلغ الخبر عثمان، فعزل ابن العاص و أضاف الصلاة إلي عبد الله [191].

6عبد الله بن عامر بن كريز الأموي:

و هو ابن خالة عثمان

[192] و قد ولاه البصرة و عمره خمس و عشرون سنة [193]، كماعينه أميرا علي فتوحات المشرق.

و علي أية حال فقد كان الخليفة عثمان محبا لأقاربه من بني امية و كان يسمي اعطياته لهم من بيت مال المسلمين بأنها «صلة رحم» كما اثر عنه قوله: «و الله، لو أن مفتاح الجنة بيدي، لأدخلت بني امية إليها» [194]، كما إنه «حمي المراعي حول المدينة كلها من مواشي المسلمين كلهم إلا عن بني امية» [195].

و يقول ابن أبي الحديد إنه:

«و أعطي سفيان بن حرب مائتي ألف من بيت المال، في اليوم الذي أمر فيه لمروان بن الحكم بمائة ألف من بيت المال، و قد كان زوجه ابنته ام أبان.

فجاء زيد بن أرقم صاحب بيت المال بالمفاتيح، فوضعها بين يدي عثمان و بكي، فقال عثمان: أتبكي أن وصلت رحمي؟! قال: لا، و لكن أبكي لأني أظنك أنك أخذت هذا المال عوضا عما كنت أنفقته في سبيل الله في حياة رسول الله (ص)، و الله، لو أعطيت مروان مائة درهم لكان كثيرا، فقال (عثمان): ألق المفاتيح يا ابن أرقم، فإنا سنجد غيرك!!

و أتاه أبو موسي (الأشعري) بأموال من العراق جليلة، فقسمها كلها في بني امية» [196].

و يبدو أن حبه لأقربائه من آل امية كان مشهورا حتي قبل أن يلي الخلافة، حتي أن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب لما حضرته الوفاة و سمي أهل الشوري، و ذكر أوصافهم قال عن عثمان: «و الله، لئن كان الأمر إليه ليحملن بني أبي معيطأي بني اميةعلي رقاب الناس» [197] أما معاوية بن أبي سفيان: فقد كان الشام بأسره في يده و كان يعيش متفرفا منعما هناك.

«أخرج إمام الحنابلة أحمد في مسنده (5: 347)

من طريق عبد الله بن بريدة قال: دخلت أنا و أبي علي معاوية، فأجلسنا علي الفرش، ثم اتينا بالطعام فأكلنا، ثم اتينا بالشراب، فشرب معاوية ثم ناول أبي ثم قالأي والد بريدة: ما شربته منذ حرمه رسول الله (ص)» [198].

و يبدو أن معاوية لم يكن يتحرج من شربها، بل كانت تحمل له علي الإبل و تخترق الطرقات و الأسواق، حتي مرت مجموعة من الإبل المحملة بالقرب علي الصحابي عبادة بن الصامت و كان آنذاك في الشام فسأل: ما هذه؟أزيت؟قيل: لا، بل خمر تباع لفلان [199]، فأخذ شفرة من السوق و مزق بها تلك القرب، و كان أبو هريرة إذ ذاك بالشام، فأرسل فلانأي معاويةإلي أبي هريرة يقول له: أما تمسك عنا أخاك عبادة؟أما بالغدوات فيغدو إلي السوق فيفسد علي أهل الذمة متاجرهم، و أما بالعشي فيقعد في المسجد ليس له عمل إلا شتم أعراضنا أو عيبنا، فأقبل أبو هريرة حتي دخل علي عبادة فقال له: يا عبادة! ما لك و لمعاوية؟ذره و ما حمل، فإن الله يقول: تلك امة قد خلت لها ما كسبت و لكم ما كسبتم.

قال: «يا أبا هريرة! ألم تكن معنا إذ بايعنا رسول الله (ص)، بايعناه علي السمع و الطاعة في النشاط و الكسل، و علي النفقة في العسر و اليسر، و علي الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، و علي أن نقول في الله، لا تأخذنا في الله لومة لائم» [200].

«أخرج ابن عساكر في تاريخه، و ابن سفيان في مسنده، و ابن قانع و ابن مندة، عن طريق محمد بن كعب القرظي قال: غزا عبد الرحمان بن سهل الأنصاري في زمن عثمان، و معاوية أمير علي الشام، فمرت به رواياجمع رواية

و هي القربة التي يوضع فيها الماء أو الخمر و غيرهمالمعاوية، فقام إليها برمحه، فبقرمزقكل رواية منها، فناوشه الغلمان حتي بلغ شأنه معاوية، فقال: (دعوه فإنه شيخ قد ذهب عقله، فقال عبد الرحمان: كلا و الله، ما ذهب عقلي، و لكن رسول الله (ص) نهانا أن ندخل بطوننا و أسقيتنا خمرا، و أحلف بالله، لئن بقيت حتي أري في معاوية ما سمعت من رسول الله (ص) لأبقرن بطنه أو لأموتن دونه)» [201].

و كان معاوية يكره عليا (ع) كرها عنيفا بلغ حدا أنه كان يشتم عليا علانية في مجالسه و مجالس غيره و أمر ولاته و موظفيه بشتمه علي المنابر كما هو معلوم في كتب التاريخ [202].

و يلخص ابن أبي الحديد المعتزلي ما بين علي (ع) و معاويةو هو نموذج لما بين علي و سائر القومبقوله:

«و كان معاوية علي أس الدهر مبغضا لعلي (ع)، شديد الانحراف عنه، و كيف لا يبغضه و قد قتل أخاه حنظلة يوم بدر، و خاله الوليد بن عتبة، و شرك عمه في جده و هو عتبةأو في عمه و هو شيبة، علي اختلاف الروايةو قتل من بني عمه عبد شمس نفرا كثيرا من أعيانهم و أمثالهم» [203].

كل ذلك مما سيظهر جليا علي مواقف القوم في صراعهم مع علي كما سنري، حيث إنهم لم يكونوا يبالون بما سيؤول إليه أمر عثمان.

و قد حلل سيد قطبفي كتابه العدالة الاجتماعية في الاسلامسياسة الحكم و المال أيام عثمان و ما آلت إليه من نتائج و آثار سلبية، قائلا: «لقد أدركت الخلافة عثمان و هو شيخ كبير و من ورائه مروان بن الحكم يصرف الأمر بكثير من الانحراف عن الاسلام، كما أن طبيعة عثمان الرخية و

حدبه الشديد علي أهله قد ساهم كلاهما في صدور تصرفات أنكرها الكثيرون من الصحابة من حوله، و كانت له معقبات كثيرة و آثار في الفتنة التي عاني الاسلام منها كثيرا …

و لقد كان الصحابة يرون هذه التصرفات الخطيرة العواقب فيتداعون إلي المدينة لإنقاذ تقاليد الاسلام و إنقاذ الخليفة من المحنة، و الخليفة في كبرته لا يملك أمره من مروان … » [204].

الخطوط المشتركة

اشاره

نستطيع أن نجمل الخطوط التي يشترك فيها كل من ذكرناهم ممن ولاهم الخليفة الثالث عثمان، اضافة إلي عمرو بن العاص الذي كان عثمان يستشيره أيضا، و هو ابن العاص بن وائل السهمي «و كان من المستهزئين بالنبي (ص) و هو القائل لما مات القاسم ابن النبي (ص): ان محمدا أبتر لا يعيش له ذكر، فانزل فيه قوله تعالي: (إن شانئك هو الأبتر)» [205]، يشتركون فيما يأتي:

أولا: إنهم جميعا من عائلة واحدة هي آل امية أو أنسباؤهم.

ثانيا: إنهم جميعا قد انتفعوا من حكم الخليفة عثمان.

ثالثا: إن لهم جميعا آباء أو أخوة أو أعماما كانوا من أعداء رسول الله و المستهزئين بنبوته أو أنهم كانوا كذلك و ان آباءهم كانوا إما مقتولين أو مطرودين علي يد رسول الله أو ملعونين علي لسانه.

عثمان يتشاور

دت أوضاع الولاة المذكورة، السياسية و الإدارية أيام عثمان إلي إثارة سخطالناس و تحركهم نحو المدينة للمطالبة باصطلاح الأوضاع و تعيين الولاة، و عند ما اشتد ضغط الوفود التي وردت إلي المدينة من المدن و الأمصار و هم يطالبون عثمان بالعدالة و عزل ولاة السوء و الجور، أرسل إلي معاوية بن أبي سفيان، و عبد الله بن سعد بن أبي سرح، و سعيد بن العاص، و عمرو بن العاص، و عبد الله بن عامر، ليشاورهم و قال لهم: «إنكم وزرائي و نصحائي و أهل ثقتي، و قد صنع الناس ما قد رأيتم و طلبوا إلي أن أعزل عمالي، و أن أرجع عن جميع ما يكرهون إلي ما يحبون» [206].

ارتأي عبد الله بن عامر أن يبعث عثمان بالمسلمين إلي «الجهاد»، و أن يبعدهم عنه في أقاصي الأرض حتي يكونوا أذلاء مشغولين بالقمل الذي في ملابسهم.

أما سعيد

بن العاص فأمره أن يقتل قادة القوم، فلا يبقي لأتباعهم اهمية و يتفرقون، و قد عقب عثمان علي هذا الرأي بقوله: «إن هذا الرأي لو لا ما فيه» أي أنه استحسنه إلا أنه خاف عواقبه.

بينما رأي سعيد بن العاص أن الناس أهل طمع و ان علي عثمان أن يغدق عليهم المال ليعطف قلوبهم!

و رأي معاوية أن يقوم كل عامل من عمال الخليفة بمعالجة الموقف مع الثوار الذين في بلده، و من جهته هو، فسيدبر أمر أهل الشام، و هي دعوة للقتل و الاعتقال و الإرهاب.

و تكلم عمرو بن العاص بكلام معتدل قصد منه أن ينقل إلي الناس المحتشدين في المدينة، و تكلم بكلام آخر علي نقيضه عند ما انفرد بعثمان [207].

موقف الإمام علي أيام الأزمة

حين استمر هياج الناس و هم يطالبون عثمان بعزل الولاة الظالمين حاول الإمام (ع) أن يقنع الخليفة بضرورة الاصلاح، و جرت بينهما أحاديث بهذا الشأن، و مما نصح به الإمام (ع) الخليفة قوله: «و إني انشدك الله ألا تكون إمام هذه الامة المقتول فإنه كان يقال: يقتل في هذه الامة إمام يفتح عليها القتل و القتال إلي يوم القيامة، و يلبس امورها عليها، و يبث الفتن فيها، فلا يبصرون الحق من الباطل، يموجون فيها موجا و يمرجون فيها مرجا، فلا تكونن لمروان سيقة يسوقك حيث يشاء بعد جلال السن و تقضي العمر» [208].

فقال له عثمان: «كلم الناس في أن يؤجلوني حتي أخرج إليهم من مظالمهم» [209].

فقال الإمام (ع): «ما كان بالمدينة، فلا أجل فيه، و ما غاب فأجله وصول أمرك إليه» [210].

قال الخليفة: نعم، و لكن أجلني فيما بالمدينة ثلاثة أيام.

فخرج الإمام إلي الناس، و أخبرهم بما وعد به الخليفة، و كتب بينهم و

بين عثمان كتابا و أشهد عليه قوما من وجوه المهاجرين و الأنصار [211].

و قد لعب مروان بن الحكم دورا سيئا للغاية في تفاقم غضب الثائرين، فبعد كل مرة يعلن فيها عثمان عن تفاهم مع وفود الثائرين أو يعدهم بشي ء سينفذه، يقوم مروان بخطوة تؤدي إلي تصعيد الموقف ضد عثمان، فقد وقف أمام القوم مرة و صاح: «إن شئتم حكمنا و الله بيننا و بينكم السيف» [212]، و مرة كلفه عثمان بأن يتكلم مع الناس فخرج و هم محتشدون فصاح بهم: «جئتم تريدون أن تنزعوا ملكنا من أيدينا؟أخرجوا عنا» [213] …، فذهبوا إلي الإمام علي (ع) و عرضوا عليه ما فعله مروان، فذهب الإمام إليه و نصحه بأن لا يطيع مروان و إلا فإنه سيورده إلي التهلكة، و إنهأي الإمام عليلن يعد مرة اخري إلي دار عثمان، لأنه كلما نصحه بنصيحة كان مروان يدخل عليه و يقنعه بعكس ما نصح به الإمام (ع) عثمان.

و بعد خروج الإمام، نصحت نائلة زوج عثمان، نصحته بأن يأخذ بنصيحة الإمام و ان يترك مروان، و قالت: «إنك متي أطعت مروان قتلك، و مروان ليس له عند الناس قدر و لا هيبة و لا محبة، و انما تركك الناس لمكان مروان» [214].

و قد تكررت نصيحة الإمام علي و وساطاته بين عثمان و الثوار، إلا أن مروان كان ينجح دائما في صرف عثمان عن آراء الإمام علي (ع) التي كانت في مصلحة عثمان و المسلمين، و كان عثمان كلما اشتد حصار الثوار عليه في بيته، أرسل إلي الإمام علي، حتي شكا الإمام (ع) تلك الحالة بقوله:

«يا للمسلمين! إني إن قعدت في بيتي قال (عثمان) لي: تركتني و قرابتي و حقي، و إني

إن تكلمت فجاء ما يريد، يلعب به مروان، فصار (أي عثمان) سيقة له يسوقه حيث شاء، بعد كبر السن و صحبة رسول الله (ص)» [215].

و حيث لم يتيسر لعثمان أن يبر بوعوده للناس تأزم الموقف، و تفاقمت الأزمة، فالثوار الذين جاؤوا من مصر و عادوا إلي بلادهم بعد أن تلقوا و عودا من الخليفة بأنه سيعزل عنهم و اليه هناك: عبد الله بن سعد بن أبي سرح، قد عثروا مع شخص كان يسير مسرعا علي ناقته منفردا بعيدا عنهم، عثروا بعد أن شكوا في أمره، علي رسالة موقعة من عثمان بن عفان إلي واليه علي مصر عبد الله بن سعد يأمره فيها بقتل زعماء الثائرين المصريين الذين وعدهم الخليفة بأن سيعزل عنهم الوالي عبد الله، فثارت ثائرة القوم و عادوا إلي المدينة و ثار معهم أهل المدينة [216]، و حوصر الخليفة في داره.فكتب رسائل إلي واليه علي الشام معاوية، و واليه علي البصرة عبد الله بن عامر يستنجدهما، كما بعث إلي الإمام علي (ع) ليحضر عنده «فلما جاءه قال: يا أبا حسن! انه قد كان من الناس ما قد رأيت، و كان مني ما قد علمت، و لست آمنهم علي قتلي، فارددهم عني» فقال الإمام علي: «الناس إلي عدلك أحوج منهم إلي قتلك، و إني لأري قوما لا يرضون إلا بالرضا، و قد كنت أعطيتهم في قدمتهم الاولي عهدا من الله: لترجعن عن جميع ما نقموا، فرددتهم عنك، ثم لم تف لهم بشي ء من ذلك، فلا تغرني هذه المرة من شي ء، فإني معطيهم عليك الحق، قال: نعم، فأعطهم، فو الله لأفين لهم» [217].

فلما مضت الأيام الثلاثة و هي المهلة التي طلبها عثمان للاستجابة في طلب

الثائرين بعزل العمال الظلمة، و جاؤوه بالرسالة التي عليها خاتمه يأمر فيها و اليه علي مصر بقتل زعماء الثائرين، قالوا له بالحرف الواحد: «إعزل عنا عمالك الفساق، و استعمل علينا من لا يتهم علي دمائنا و أموالنا، و اردد علينا مظالمنا.

قال عثمان: ما أراني إذا في شي ء، إن كنت أستعمل من هويتم، و أعزل من كرهتم، الأمر إذا أمركم.

قالوا: و الله لتفعلن أو لتقتلن، فانظر لنفسك أو دع.فأبي عليهم، و قال لم أكن لأخلع سربالا سربلنيه الله.فحصروه أربعين ليلة، و طلحة يصلي بالناس» [218].

و اشتد الحصار علي عثمان و منعوا عنه حتي الماء، فاستنجد بالإمام علي (ع) فأسرع إليه بنفسه و أوصل الماء إلي داره [219] رغم معارضة طلحة و سواه.

و عند ما نشب القتال بين الثوار و بعض المدافعين عن الخليفة، أرسل الإمام علي ولده الحسن ليمنع عنه، و قد دافع عنه الإمام الحسن بسيفه إلي أن اصيبأي الحسنفحمل جريحا إلي دار قريبة لعلاجه. [220].

هذه بعض مواقف الإمام (ع) قبال عثمان و مصلحة الامة، و علي الرغم من تلك المواقف النبيلة التي وقفها الإمام (ع) من أجل الخليفة فإنه لا يعني بحال أن الإمام كان راضيا عن سياسة الخليفة في المال و الإدارة [221].

بيد أن الإمام (ع) كان يري في قتل عثمان خطرا يتهدد الامة بالنظر لما يعقبه من تمزق في الصف الاسلامي، و تجرؤ من قبل المتربصين بالإسلام و المسلمين.

الأمر الذي وقع فعلا بعد مقتل الخليفة المذكور مباشرة.

أما معاوية، فقد كان يعلم بتفاصيل ما يجري للخليفة في المدينة، و عند ما استغاث به الخليفة، أرسل معاوية جيشا بقيادة يزيد القسري و أوصاه: «إذا أتيت ذا خشبمنطقة خارج المدينةفأقم بها و لا تتجاوزها، و

لا تقل الشاهد يري ما لا يري الغائب، فإني أنا الشاهد و أنت الغائب، (و قيل) انه صنع هذا عمدا ليقتل عثمان (رض) فيدعو إلي نفسه» [222].

و قد عير المسور بن مخرمة معاوية بعد مقتل عثمان فقال له في بلاطه بدمشق: «و كتب (عثمان) يستمدك بالجند، فحبستهم عنه حتي قتل و هم بالزرقاء» [223].

فلما قتل عثمان استدعي معاوية جيشه.

و قد أفصح الإمام (ع) عن موقفه ازاء مقتل الخليفة عثمان بقوله: «اللهم إني أبرأ إليك من دم عثمان، ما نجا و الله قتلة عثمان إلا أن يشاء الله، فإنه إذا أراد أمرا بلغه» [224] و يتضح موقف الإمام (ع) كذلك من كتاب له إلي معاوية حيث جاء فيه: «و قد أكثرت في قتلة عثمان، فادخل فيما دخل فيه الناس ثم حاكم القوم إلي أحملك و إياهم علي كتاب الله، فأما تلك التي تريدها فخدعة» [225].

حرب البصرة

علي الرغم من أن طلحة و الزبير كانا من أشد الناقمين علي سياسة عثمان و مع أنهما سبقا الناس في البيعة للإمام علي (ع) بعد قتل عثمان، فإن الحركة الإصلاحية التي قادها الإمام (ع) في الحياة الاسلامية لم تجد هوي في نفسيهما فبدءا في العمل للخروج علي الإمام (ع) و إثارة المسلمين عليه، فكانت حصيلة ذلك فتنة عمياء كبدت الامة خسارة فادحة، حيث أقنعا عائشة بنت أبي بكر بالخروج معهما إلي البصرة لقيادة عملية المعارضة علي علي (ع).

و ما دام القوم قد رفعوا قميص عثمان للمطالبة بدمه، فلننظر موقف القيادات التي تزعمت حركة المطالبة بدمه، كيف كان موقفها من عثمان نفسه عند ما كان حيا.

فقد رووا أن الزبير كان يقول: اقتلوا عثمان فقد بدل دينكم، فقالوا له: ان ابنك يحامي عنه

بالبابو كان ذلك أثناء الحصار الذي فرضه الثائرون علي بيت عثمانفقال الزبير: «ما أكره أن يقتل عثمان و لو بدئ با بني، إن عثمان جيفة علي الصراط غدا» [226].

و أما طلحة، فقد ذكر المؤرخ الواقدي انه لما قتل عثمان و تذاكروا أمر دفنه و المكان الذي يدفن فيه قال طلحة: «يدفن ب (دير سلع) يعني مقابر اليهود» [227].

و قال ابن أبي الحديد: «كان طلحة أشد الناس تحريضا علي عثمان، و كان الزبيردونه في ذلك و روي أن عثمان قال: و يلي علي ابن الحضرميةيعني طلحةأعطيته كذا و كذا بهارا ذهبا، و هو يروم دمي، يحرض علي نفسي، اللهم لا تمتعه به، و لقه عواقب بغيه» [228].

علي ان الإمام عليا (ع) قد طلب إلي طلحةو كان عثمان محاصرا في بيتهأن يذهب لرد الناس عنه، فقال طلحة: «لا و الله، حتي تعطيني بنو امية الحق من نفسها» [229] أي أن ينصاع بنو امية و هم أقرباء الخليفة لمطاليب المسلمين الذين طالبوا بإعادة ما نهبه بنو امية منهم بالظلم و الجور.

و أما عائشة بنت أبي بكر و زوج رسول الله (ص)، فقد كانت أشد القوم في حربها لعثمان، و نظرا لمكانتها المحترمة في النفوس، فقد كان الرواة و الركبان يتناقلون فورا ما كانت تتفوه به ضده.

فعند ما اشتد الحصار علي عثمان، كانت قد توجهت من المدينة المنورة إلي الحج، فناشدها بعض المسلمين القريبين منها أن تبقي في المدينة فلعل في وجودها ما يطفئ شيئا من الثورة القائمة ضد عثمان، و كان مروان بن الحكم علي رأس اولئك المطالبين، فردت عليه عائشة: «يا مروان! وددت و الله أنهأي عثمانفي غرارة من غرائري هذه، و أني طوقت حمله حتي ألقيه

في البحر» [230].

كما التقت و هي في طريقها إلي الحج بالصحابي الجليل عبد الله بن عباس فنهته عن نصرة عثمان قائلة: «يا ابن عباس! إن الله قد آتاك عقلا و فهما و بيانا، فإياك أن ترد الناس عن هذا الطاغية» [231] كما كان لعائشة موقف مشهور من الخليفة عثمان أطلقت علي أثره شعارها المعروف: اقتلوا نعثلا فقد كفر.

قال اليعقوبي المؤرخ: كان عثمان يخطب، إذ دلت عائشة قميص رسول الله و نادت: «يا معشر المسلمين! هذا جلباب رسول الله لم يبل، و قد أبلي عثمان سنته.فقال عثمان: رب اصرف عني كيدهن إن كيدهن عظيم» [232].

و قال المؤرخ ابن أعثم:

«لما رأت ام المؤمنين اتفاق الناس علي قتل عثمان قالت له: أي عثمان، خصصت بيت مال المسلمين لنفسك، و أطلقت أيدي بني امية علي أموال المسلمين، و وليتهم البلاد، و تركت امة محمد في ضيق و عسر، قطع الله عنك بركات السماء و حرمك خيرات الأرض، و لو لا أنك تصلي الخمس، لنحروك كما تنحر الإبل، فقرأ عليها عثمان قوله تعالي: (ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح و امرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا و قيل ادخلا النار مع الداخلين)» [233].

و بذلك كان الخليفة يعرض بعائشة، فردت هي بإطلاق شعار: «اقتلوا نعثلا فقد كفر» [234]، و تعني بنعثل الخليفة عثمان، و نعثل هي كلمة تعني الذكر من الضباع، و الشيخ الأحمق، و يهوديا كان بالمدينة [235]، و جميع تلك المعاني قارصة.

أما عمرو بن العاص، فبعد أن عزله عثمان عن ولاية مصر [236]، غضب عليه و خرج يحرض الناس ضد عثمان، و «كان من أشد الناس طعنا علي عثمان (رض)،

و قال: لقد أبغضت عثمان و حرضت عليه حتي الراعي في غنمه» [237]، و بلغ في تحريضه انه وصل إلي أرض فلسطين و بدأ بتحريض الناس علي عثمان [238].

هذا و قد كنا قد شرحنا موقف معاوية بن أبي سفيان عند ما أرسل مجموعة من الجند لنصرة عثمان، إلا أنه أمر قائدهم بالتوقف خارج المدينة، و كان الهدف من ذلك «إنه ينتظر عقبي الصراع … » [239].

إلا أن مقتل عثمان و مبايعة المسلمين للإمام علي (ع) جعل الامور تتخذ مجري آخر، حيث إن عدالة علي و تمسكه بالاسلام لا تروق لأولئك الذين اكتنزوا الكنوز و امتلكوا الضياع و بنوا القصور من أموال المسلمين، فقاموا متحدين لمقاومة عدالة الاسلام التي لن تكتفي بحرمانهم مما ألفوه من النهب، بل ستأخذ منهم حتي تلك الأموال التي نالوها بطريقة غير مشروعة، و جعل اولئك الذين تمنوا الموت لعثمان و حرضوا الناس ضده حتي أودوا بحياته، جعلهم متحدين يطالبون بدمه، حيث اتفق طلحة و الزبير و معهما ام المؤمنين عائشة و خرجوا إلي البصرة مطالبين بدم عثمان! إنها من الامور التي تدهش اللبيب حقا.

و قد بذل الإمام (ع) جهدا كبيرا لتحاشي هذه الفتنة فلم يأل جهدا في بذل النصح لهم و تحميلهم مغبة ما سيكون إذا نشبت الحرب، و هذه نصيحته (ع) لهما:

«أما بعد، يا طلحة! و يا زبير! فقد علمتما أني لم أرد الناس حتي أرادوني، و لم ابايعهم حتي أكرهوني، و أنتما أول من بادر إلي بيعتي، و لم تدخلا في هذا الأمر بسلطان غالب، و لا لعرض حاضر، و أنت يا زبير، ففارس قريش، و أنت يا طلحة فشيخ المهاجرين، و دفعكما هذا الأمر قبل أن تدخلا فيه

كان أوسع لكما من خروجكما منه، ألا و هؤلاء بنو عثمان هم أولياؤه المطالبون بدمه، و أنتما رجلان من المهاجرين، و قد أخرجتما امكما من بيتها التي أمرها الله تعالي أن تقر فيه، و الله حسبكما» [240].

و في البصرة استمر الإمام (ع) يبذل نصحه من أجل حقن الدماء، فأرسل للناكثين رسولا يدعوهم للصلح و رأب الصدع.

كما التقي بالزبير و ذكره بامور جرت لهما في عهد رسول الله (ص) منها قوله:

«ما حملك علي ما صنعت يا زبير؟قال: حملني علي ذلك الطلب ف بدم عثمان!

فقال الإمام (ع): إن أنصفت من نفسك، أنت و أصحابك قتلتموه، و لكني انشدك الله يا زبير أما تذكر، قال لك رسول الله (ص): يا زبير! أتحب عليا؟فقلت: و ما يمنعني من حبه و هو ابن خالي.فقال لك: أما أنك ستخرج عليه و أنت ظالم له.فقال الزبير: اللهم بلي، قد كان ذلك.

فقال الإمام: انشدك الله أتذكر يوم جاء رسول الله (ص) من عند بني عوف، و أنت معه، و هو آخذ بيدك فاستقبلته، فسلمت عليه، فضحك في وجهي، و ضحكت إليه.فقلت أنت: لا يدع ابن أبي طالب زهوه، فقال (ص) لك: مهلا يا زبير ليس بعلي زهوة، و لتخرجن عليه يوما و أنت ظالم له؟

فقال الزبير: اللهم بلي، و لكني قد نسيت ذلك، و بعد أن ذكر تنيه لأنصرفن» [241].

و قد عزم الزبير علي اعتزال الناس، غير أن ابنه عبد الله وصفه بالجبن إن هو أقدم علي ذلك.

و هكذا تفجر الموقف و اندلع القتال بين المعسكرين.

الموقف الانساني

اشاره

غير أن الإمام ظل ملتزما بالصبر و الأناة و بما امتاز به من الروح الانسانية الرفيعة، فها هو يخاطب جيشهبعد اندلاع القتال، و بعد أن ذهبت كل

محاولاته لاصلاح الموقف سديملزما أصحابه بأرفع الأخلاق التي يريد الله سبحانه من المسلم الالتزام بها في ساحة الحرب:

«أيها الناس! انشدكم الله أن لا تقتلوا مدبرا، و لا تجهزوا علي جريح، و لا تستحلوا سبيا، و لا تأخذوا سلاحا، و لا متاعا» [242]، موضحا بذلك أحكام شريعة الله تعالي في البغاة.

ثم دعا ربه الأعلي سبحانه مستجيرا من الفتنة التي فجرها الناكثون معلنا براءته منها أمام الله الكبير المتعالي.

فبعد أن رفع يديه إلي السماء قال: «اللهم إن طلحة و الزبير أعطياني صفقة أيديهما طائعين، ثم نصبا لي الحرب ظاهرين، اللهم: فأكفنيهما بما شئت و كيف شئت … » [243].

و حين أسفرت المعركة عن انتصار ساحق لمعسكر الإمام (ع) علي خصومه أعلن الإمام العفو العام عن جميع المشتركين في حربه:

«ألا لا يجهز علي جريح، و لا يتبع مول، و لا يطعن في وجه مدبر، و من ألقي السلاح فهو آمن، و من أغلق بابه فهو آمن، و لا يستحلن فرج و لا مال، و انظروا ما حضر به الحرب من آنية فاقبضوه، و ما كان سوي ذلك، فهو لورثته، و لا يطلبن عبد خارج من المعسكر، و ما كان من دابة أو سلاح فهو لكم، و ليس لكم ام ولدالأمة استولدت ذكرا أو انثيو المواريث علي فريضة الله، و أي امرأة قتل زوجها، فلتعتد أربعة أشهر و عشرا».فقال بعض أصحابه: يا أمير المؤمنين! تحل لنا دماؤهم و لا تحل لنا نساؤهم؟

فقال (ع): «كذلك السيرة في أهل القبلة» [244] بيد أن بعضا من جيشه كانوا يرغبون في الحصول علي مغانم أكبر مما حدده الإمام (ع). فقام له رجل قائلا: يا أمير المؤمنين! و الله ما قسمت بالسوية و لا

عدلت في الرعية.قال الإمام (ع): و لم؟ويحك! قال: لأنك قسمت ما في المعسكر و تركت الأموال و النساء و الذرية!!

فقال له الإمام (ع) موضحا فلسفة ذلك الموقف الكريم الذي التزمه:

«يا أخا بكر! إنك امرؤ ضعيف الرأي أو ما علمت أنا لا نأخذ الصغير بذنب الكبير، و أن الأموال كانت لهم قبل الفرقة و تزوجوا علي رشدة و ولدوا علي الفطرة، و إنما لكم ما حوي عسكرهم، و ما كان في دورهم، فهو ميراث لذريتهم، فإن عدا علينا أحد منهم أخذناه بذنبه، و إن كف عنا لم نحمل عليه ذنب غيره.

يا أخا بكر! لقد حكمت فيهم بحكم رسول الله (ص) في أهل مكة: قسم ما حوي العسكر، و لم يعرض لما سوي ذلك و انما اتبعت أثره.

يا أخا بكر! أما علمت أن دار الحرب يحل ما فيها؟

و أن دار الهجرة يحرم ما فيها إلا بحق» [245].

هذه بعض مصاديق الموقف الانساني الفريد الموافق لأمر الله و المطابق لشريعته الغراء الذي التزم به الإمام (ع) في معاملة المنهزمين من خصومه، إنه موقف لا تري فيه للعاطفة و الاندفاع و التشفي أثرا، إنه موقف جسد فيه الإمام حكم الله تعالي.و هل غير علي (ع) جدير بتجسيد حكم شريعة الله فيما شجر بين الناس بعد رسول الله (ص)؟! و واصل الإمام (ع) خطواته الانسانية إزاء الناكثين بعد ذلك حيث أعاد عائشة إلي المدينة المنورة معززة مكرمة رغم موقفها منه.

و هكذا جسم (ع) الموقف لمصلحة الاسلام في فتنة البصرة، فأبدي خلاله و بعده أنبل المشاعر و أصدقها نحو المغرر بهم محاولا بذلك رأب الصدع و جمع الشمل و إعزاز الامة.

الامام و حرب صفين (فتنة القاسطين)

كانت أكبر مشكلة جابهها الإمام (ع) أيام خلافته هي مشكلة الولاة

الذين كانوا يحكمون الأقاليم الاسلامية و قد عينوا من قبل.

إن الولاة يجب أن يكونوا علي مستوي عال من الورع و التقوي و الزهد و الإخلاص، حتي يكونوا قدوة للناس، و أئمة لهم نحو الهدي، و الصلاح في الوقت الذي كان أغلب الولاة المعينين سابقا يفتقدون هذه المواصفات، بل اتصف الكثير منهم بالفسق و الجور و التعدي علي أموال الناس و أرواحهم.

و كان بعض هؤلاء الولاة ممن له ماض قذر و مشؤوم حيث كانوا أشد الناس عداوة و أذي لرسول الله (ص)، و من نماذج هؤلاء: الحكم بن العاص الذي كان أشد الناس أذي لرسول الله (ص) حتي نفاه (ص) هو و ولده مروان من المدينة.

و منهم الوليد بن عقبة بن أبي معيط والي الكوفة أيام عثمان و الذي «كان زانيا شريب خمر، و كان له نديم نصراني» [246]، و صلي بالناس صلاة الصبح أربع ركعات و هو سكران، و منهم عبد الله بن سعد بن أبي سرح العامري الذي كان كاتب الرسول (ص) و خانه في كتابته، فطرده الرسول و ارتد عن الاسلام و ولاه عثمان مصر.

و منهم معاوية بن أبي سفيان والي الشام و حاكمه بأسره من قبل، و كان يعيش مترفا منعما لا يحده شرع و لا يلتزم بدين.أخرج أحمد بن حنبل في مسنده عن عبد الله بن بريدة، قال: دخلت أنا و أبي علي معاوية، فأجلسنا علي الفراش ثم اتينا بالطعام فأكلنا، ثم اتينا بالشرابالخمورفشرب معاوية ثم ناول أبي، ثم قالوالد بريدةما شربته منذ حرمه رسول الله (ص) [247].

و يبدو أن معاوية لم يكن يتحرج من شرب الخمر، حتي أنها كانت تحمل له علي الإبل تخترق الطرق و الأسواق، حتي مرت مجموعة

من الإبل المحملة بالقرب علي الصحابي عبادة بن الصامت، و كان آنذاك في الشام، فسأل: ما هذه؟أزيت؟

قيل: لا بل خمر تباع لفلانمعاوية.

فأخذ شفرة من السوق و مزق بها تلك القرب.

و كان معاوية شديد البغض لعلي (ع) لأنه قتل أخاه حنظلة من المشركين يوم بدر، و خاله الوليد بن عتبة، و نفرا كثيرا من أقاربه الذين كانوا في جيوش الكافرين من قريش، و كان ذلك أحد الدوافع الأساسية وراء عدائه للإمام علي (ع) حتي أنه أمر بشتم الإمام من علي منابر المساجد و في كل خطبة جمعة.

لذا فإن الإمام عليا (ع) لم يكن أمامه طريق و هو حامل راية الاسلام إلا تغيير هؤلاء الولاة و أمثالهم، و تعيين المؤمنين الصالحين من صحابة رسول الله (ص) و السابقين إلي الإيمان محلهم، و قد أثار ذلك هؤلاء القوم المتضررين، و وجدوا في معاوية ملجأ لهم، فانضموا إلي لوائه و أعلن معاوية تمرده علي قرار الإمام بعزله، و رفض إطاعة الخليفة الحق، و بدأ يعد العدة للوقوف بوجه إمام زمانه ثم أخذ يحشد الجنود ليزحف إلي الكوفة و يثب علي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب الذي بايعه من قبل أهل بدر و المهاجرون و الأنصار، و في طليعتهم الزبير و طلحة!!

و كان قد اعتزل الناس نفر قليل من المهاجرين و الأنصار، فأرسل إليهم معاويةيستنصرهم فخذلوه، و ردوا طلبه ردا عنيفا، فكتب إليه محمد بن مسلمة الأنصاري: «و أما أنت، فلعمري ما طلبت إلا الدنيا، و لا اتبعت إلا الهوي، فإن تنصر عثمان ميتا، فقد خذلته حيا» [248].

كان من أوائل المبايعين لمعاوية بالخلافة عمرو بن العاص الذي طالما حرض علي قتل عثمان، و إذا به يقف بين الناس في

الشام «يبكي كما تبكي المرأة، و يقول: وا عثماناه، أنعي الحياء و الدين، حتي قدم دمشق، و كان قد علم الذي يكون فعمل عليه» [249]، اتجه إلي معاوية و قال له صراحة السبب الذي يدعوه إلي الوقوف بجانبه و ترك جانب علي بن أبي طالب، قال له بعد أن ذكره بسابقة علي (ع) في الاسلام، و فضله و قرابته من رسول الله (ص): «إنما أردنا هذه الدنيا» [250].

و قد أعطاه معاوية دنياه جزاء موقفه معه.

و بعد أن تم لعلي (ع) النصر في البصرة عاد بجيشه إلي الكوفة، فعزز الجيش و عزم علي التوجه إلي الشام لتصفية المعارضة الباغية التي يقودها معاوية بن أبي سفيان هناك.

سار الإمام علي (ع) علي رأس جيشه، غير أن أنباء مسير الإمام (ع) نحو الشام قد بلغت القاسطين هناك، فقرروا ملاقاة الزحف الاسلامي فتلاقي الجيشان عند نهر الفرات في صفين.

و بدأ الإمام (ع) يبذل مساعيه لإصلاح الموقف بالوسائل السلمية، فأرسل و فدا ثلاثيا إلي معاوية، يدعوه إلي تقوي الله و الحفاظ علي وحدة الصف و الدخول في إجماع الامة «اذهبوا إلي هذا الرجلمعاويةو ادعوه إلي الله تعالي، و إلي الطاعة و الجماعة، لعل الله تعالي أن يهديه، و يلتئم شمل هذه الامة» [251] و التقي الوفد بقائد البغاة، و أبلغوه بنوايا الإمام (ع) و وضعوه أمام الله تعالي و حذروه مغبة ما يقدم عليه، غير أن معاوية أبدي إصرارا، و قد ختم رده علي الوفد: «انصرفوا عني فليس عندي إلا السيف» [252].

و علي أن الموقف الأموي ذاك لم يصرف الإمام (ع) عن التسلح بالصبر و الأناة و لم يثر فيه روح التعجيل بالمواجهة الصارمة حقنا للدماء و حفاظا علي نفوس الامة.

بيد

أن الموقف الانساني الذي التزمه الإمام (ع) لم يزد القوي الباغية إلا إصرارا، فعملوا من جانبهم علي الحيلولة دون حصول جيش الإمام (ع) علي الماء، حيث سبق أن تحرك فيلق لهم و اتخذ مواقعه عند ماء الفرات ليمنع جند الإمام من الماء.

و بالنظر لأهمية الماء في الاستراتيجية العسكرية و لعدم توفر مصدر آخر لجيش الإمام غير الفرات، فإن الإمام (ع) قد التزم الأناة أيضا في معالجة الموقف.

فأرسل رسولا إلي معاوية ليبلغه: «ان الذي جئنا له غير الماء، و لو سبقناك إليه لم نمنعك عنه».

فرد عليهم معاوية بقوله: «لا و الله و لا قطرة حتي تموت ظمأ» [253].!!

الأمر الذي اضطر الإمام (ع) إلي استعمال العنف في الحصول علي الماء لجيشه، حيث لا بديل للعنف.

و هكذا حرك الإمام (ع) فرقة من جيشه لانهاء الحصار المضروب عليهم، فانهزم فيلق معاوية شر هزيمة.

و بعد أن صار الماء في نطاق نفوذ جيش الإمام (ع) أذن للباغين بالتزود منه متي شاؤوا، مجسدا بذلك بندا من أخلاق الاسلام العظيمة في هذا المضمار.

فأعظم بعلي من محارب نبيل، و أكرم به من صاحب قلب كبير، و حيث إن هم الإمام (ع) أن يحقن دماء المسلمين و يصونهم من التمزق، و يدرأ التصدع عن صفهم، فقد طلب من معاوية أن ينازله إلي ميدان القتال فيتقاتلا دون الناس لكي تكون إمامة الامة لمن يغلب: «يا معاوية! علام يقتتل الناس؟ابرز إلي ودع الناس، فيكون الأمر لمن غلب» [254].

إلا أن معاوية قد رفض خوفا من بطش الإمام (ع)، و علي الرغم من أن الجيش الأموي قد بدأ القتال من جانبه، فإن الإمام (ع) قد التزم بضبط النفس كذلك و حاول أن يحصر القتال في حدود المبارزة المحدودة [255].

و لما

لم تلق محاولات الإمام (ع) لرأب الصدعالذي خلفه معاوية في صف الامةاستجابة، تفجر الموقف بحرب واسعة النطاق استمرت اسبوعين دون هوادة.

و قد لاحت تباشير النصر لمعسكر الإمام (ع) و أوشكت القوي الباغية علي الانهزام، فدبروا (خدعة المصاحف) فرفعوها علي رؤوس الرماح و السيوف، مما نجم عن تلك الخطة الماكرة تغير جوهري في الموقف العام.

و لقد كان لرفع المصاحف من قبل معسكر معاوية صدي في معسكر الإمام (ع) إذ سرعان ما سارت كثرة كاثرة من جيشه مطالبة بإيقاف القتال، فكثر اللغط بين الصفوف و آثر الآلاف ترك الحرب.

و مع أن الإمام (ع) تصدي لكشف خلفيات رفع المصاحف و استعمل كل وسائله الاقناعية في البرهنة علي كونها خدعة يراد بها عرقلة تحقيق النصر الذي بات و شيكا لجيش الإمام (ع)، إلا أن المطالبين بإيقاف القتال لم يستجيبوا لنداءاته المتكررة في هذا المضمار، و لعل بعضهم استعمل لغة التهديد للإمام (ع) [256].

و اضطروه أن يبعث الأشعث بن قيس إلي معاوية للتعرف إلي ما يريد من وراءرفعه للمصاحف، فعاد يحمل رغبة معاوية في التحكيم، ثم تلي ذلك الفصل الثاني من المأساة، فاختارت الغوغاء أبا موسي الأشعري لتمثيل معسكر الإمام (ع) بينما اختار معاوية ابن العاص، علي أن الإمام (ع) قد رفض فكرة تمثيل الأشعري لمعسكره باعتبار أن الأشعري كان معتزلا للإمام (ع)، و لم يكن يري في الإمام أهلا لتولي الخلافة بعد عثمان [257] هو و آخرون ممن اعتزلوا الإمام (ع) و كان يخذل الناس عن نصرة الإمام، مما حمل الإمام علي عزله من ولاية الكوفة [258].

و قد رجح الإمام (ع) أن يكون الممثل لمعسكره في التحكيم عبد الله بن عباس، غير أن الغوغاء أصروا علي اختيار أبي موسي

الأشعري علي الرغم من تأكيد الإمام علي ضعفه و وهن رأيه إضافة إلي مرتكزاته الفكرية و موقفه من حكومة الإمام (ع).

و ها هو الإمام (ع) يخاطب المخدوعين بقوله: «قد عصيتموني في أول الأمريشير إلي قبول التحكيم و إيقاف القتالفلا تعصوني الآن، لا أري أن تولوا أبا موسي الحكومة فإنه يضعف عن عمرو و مكائده» [259].

إلا أنهم أصروا علي اختيار الأشعري.

و من هنا فإن الباحث البصير لا يمكن أن يركن إلي الاعتقاد بأن تلك الامور قد جرت بشكل عفوي أبدا، فإن سير الأحداث لا يدل علي ذلك، إذ أن رفع المصاحف كان قد جري بتوقيت و تنسيق بين معاوية و حركة موالية له في جيش الامام (ع) لا بد أن يكون له اتصال معها.

فما أن ارتفعت المصاحف حتي استجاب اولئك لإيقاف القتال مستفيدين من سأم الناس من القتال، فوسعوا قاعدتهم في صفوف معسكر الإمام (ع) و فرضواعليه التحكيم، ثم فرضوا ممثل معسكره في التحكيم فيما بعد.

و هكذا فلا نعتقد بحال أن لا تكون حركة التمرد في جيش الإمام (ع) بذلك الشكل الذي ذكره المؤرخون لا تعتمد علي تخطيط أموي مسبق أبدا.

و قد جاءت نتائج التحكيمكما توقع الإمام (ع) لصالح البغاة في الشام حيث بدأ الأمر يستتب لمعاوية شيئا فشيئا.

مجريات التحكيم

اشاره

علي أثر البلبلة التي أثارتها في صفوف جيش الإمام (ع) عملية رفع المصاحف الخمسمائة من قبل الجيش الأموي، و ما نجم عنها من تصدع شديد في الجبهة العراقية التي يقودها الإمام علي (ع)، و بروز القوي المتسترة بالاستقامة في جيش الإمام (ع) و ضغطها باتجاه فرض القبول بالأمر الواقع علي الإمام (ع)، اضطر أمير المؤمنين (ع) للاستجابة لأمر التحكيم بين الجبهتين.

فاختار أهل الشام عمرو بن العاص، و فيه

ما فيه من مزايا الذكاء و المكر و الخديعة و حب الدنيا و هو (ليس من الله في شي ء) علي حد تعبير الإمام علي (ع).

أما الجبهة العراقية، فقد اختارت أبا موسي الأشعري بتأثير الأغبياء و أصحاب المصالح من جيش الإمام علي (ع) و كان أبو موسي رجلا كليل الحد قليل الذكاء فضلا عن كونه ممن اعتزل عليا (ع) في حربه لأعدائه [260].

و تشير بعض الروايات إلي أن التمزق في جيش الإمام (ع) بلغ ذروته حتي هدده بعض المتنفذين من جنده أن يفعلوا به ما فعلوا بعثمان أو يدفعوه إلي معاوية [261].

و عند اجتماع الحكمين في دومة الجندل تحاور ابن العاص و أبو موسي الأشعري في عدد من المسائل تتجه جميعا باتجاه الأنسب بولاية أمر المسلمين!! و قد ذكر ابن العاص مزايا لمعاوية بن أبي سفيان و نوه لأبي موسي إن اختار معاوية لولاية أمر الناس سيكافأ مكافأة لا نظير لها، غير أن أبا موسي فهم القصد من إيراد ابن العاص لموضوع المكافأة فرفض أبو موسي ذلك و أعلن انه لا يرتشي في دين الله و حكمه، فلما يئس ابن العاص من إقناع الأشعري بتلك الفكرة استغفله بخطوة جديدة حيث عرض عليه فكرة خلع الإمام علي (ع) و معاوية بن أبي سفيان معا، فلما استحسن أبو موسي تلك الفكرة عرض عليه ابن العاص أن يبدأ بخلع صاحبه و انه لا يستحسن أن يتقدم علي صاحب رسول الله (ص) في ذلك.

فتقدم أبو موسي و خلع عليا (ع) من ولاية أمر المسلمين كما خلع معاوية معه، اما ابن العاص، فقد أعلن موافقته علي خلع علي (ع) و تثبيت صاحبه معاوية.

و هكذا غدر عمرو بن العاص بالأشعري، فما كان

من الأشعري إلا أن قنعه بالسوط لما رأي من سوء فعله و غدره.

و هكذا استغفل أبو موسي الأشعري رغم تحذير عبد الله بن عباس له من غدر ابن العاص.

و بعد أن عاد الوفدان، سلم ابن العاص علي معاوية بالخلافة و لم يسلم عليه بمثلها قبل ذلك و كان ذلك عام (37 ه).

أما أمير المؤمنين (ع) فقد رأي أن خديعة ابن العاص، و غفلة أبي موسي الأشعري، قد سببتا انتهاء التحكيم بطريقة غير صحيحة و لا سليمة، حيث كان الخداع و عدم الجدية واضحا من ابن العاصكما رأينالذا فقد دعا الإمام علي (ع) إلي استئناف الحرب مجددا و أصدر بيانا إلي الامة جاء فيه:

«أيها الناس قد كنت أمرتكم بأمر في هذه الحكومة فخالفتموني و عصيتموني و لعمري إن المعصية تورث الندم فكنت أنا و أنتم كما قال أخو هوازن:

أمرتكم أمري بمنعرج اللوي-فلم تستبينوا الرشد إلا ضحي الغدألا إن هذين الحكمين قد نبذا كتاب الله وراء ظهورهما فأماتا ما أحيا القرآن و أحييا ما أمات، و اتبع كل واحد منهما هواه بغير هدي من الله فحكما بغير بينة و لا سنة ماضية و كلاهما لم يرشدا فبرئا من الله و رسوله و صالح المؤمنين فاستعدوا للجهاد و تأهبوا للمسير و أصبحوا في مواقفكم» [262].

إلا أن الإمام (ع) رغم اصراره علي الحرب، فقد رأي من الضروري ان يطوق فتنة الخوارج أولا.

معركة النهروان

عد واقعة التحكيم عاد الإمام (ع) بجيشه إلي الكوفة، ففوجئ بخروج طائفة من جيشه يبلغ تعدادها أربعة آلاف، معلنة تمردها علي الإمام (ع) فلم تدخل معه الكوفة، و إنما سلكت سبيلها إلي حروراء، فاتخذت مواقعها هناك.

و الجدير ذكره أن الفئة التي خرجت علي الإمام (ع) كان قوامها من

الفئات التي أرغمته علي التحكيم في حرب صفين [263].

فعند تمرد تلك الفئة و خروجها من جيش الإمام (ع) أعلنت مبررات خروجها تحت شعار: «لا حكم إلا لله، لا نرضي بأن تحكم الرجال في دين الله، قد أمضي الله حكمه في معاوية و أصحابه أن يقتلوا أو يدخلوا معنا في حكمنا عليهم، و قد كانت منا خطيئة و زلة حين رضينا بالحكمين، و قد تبنا إلي ربنا، و رجعنا عن ذلك، فارجعيقصدون الإمام (ع) كما رجعنا، و إلا فنحن منك براء» [264].

بيد أن الإمام (ع) أوضح لهم حينئذ أن الخلق الاسلامي يقتضي الوفاء بالعهدالهدنة لمدة عامالذي ابرم بين المعسكرين قائلا:

«و يحكم، بعد الرضا و العهد و الميثاق أرجع؟».أو ليس الله يقول: (و أوفوا بعهد الله إذا عاهدتم و لا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها و قد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون) [265].

إلا أن المعارضة المارقة لم تصغ إلي توجيهات الإمام (ع) و استمروا في غيهم، و تعاظم خطرهم بعد انضمام أعداد جديدة لمعسكرهم، و راحوا يعلنون القول بشرك المنتمين إلي معسكر الإمام (ع) بالإضافة للإمامو رأوا استباحة دمائهم.

و لقد كان الإمام (ع) عازما علي عدم التعرض لهم ابتداء ليمنحهم فرصة التفكير جديا بما أقدموا عليه، عسي أن يعودوا إلي الرأي السديد، و لكي يتفرغ كليا لاستئناف القتال مع البغاة في الشام، بعد فشل التحكيم بعد اللقاء الثاني بين الحكمين، حيث تمت خديعة عمرو بن العاص لأبي موسي الأشعري التي أدت إلي عدم تحقيق التحكيم.

غير أنهم بدأوا يشكلون خطرا حقيقيا علي دولة الإمام (ع) من الداخل، و بدأ خطرهم يتعاظم فقتلوا بعض الأبرياء، و هددوا الآمنين، فقتلوا الصحابي الجليل عبد الله بن خباب و

بقروا بطن زوجه و هي حامل مقرب دون مبرر، و قتلوا نسوة من طي.

فلما بلغ أمرهم أمير المؤمنين (ع) أرسل إليهم الحارث بن مرة العبدي، ليتعرف إلي حقيقة الموقف، غير أنهم قتلوه كذلك [266].

فلما علم الإمام (ع) بالأمر كر راجعا من الأنبارحيث كان قد اتخذها مركزا لتجميع قواته المتجهة نحو الشامو عند ما اقتربت قواته من المارقين بذل مساعيه من أجل اصلاح الموقف دون إراقة للدماء، فبعث إليهم أن يرسلوا إليه قتلة المؤمنين: عبد الله بن خباب و الحارث العبدي و غيرهما و هو يكف عنهم، و لكنهم أجابوه: انهم كلهم قتلوه.و بعث الإمام (ع) إليهم الصحابي الجليل قيس بن سعد فوعظهم، و حذرهم مغبة موقفهم الأحمق، و أهاب بهم للرجوع عما يرون من جواز سفك دماء المسلمين و تكفيرهم دون وجه حق [267].

و تابع الإمام (ع) موقفه الانساني الرشيد، فأرسل إليهم أبا أيوب الأنصاري (رض) و بعد أن وعظهم، رفع راية و نادي: من جاء هذه الرايةممن لم يقتلفهو آمن، و من انصرف إلي الكوفة أو المدائن فهو آمن لا حاجة لنا به بعد أن نصيب قتلة إخواننا [268].

و قد نجحت المحاولة إلي حد كبير حيث تفرقوا شيئا بعد شي ء حتي انخفض عددهم إلي أربعة آلاف إذ كان آخر عدد لهم اثني عشر ألفا.

و قد بدأ الباقون منهم بالهجوم من جانبهم علي جيش الإمام (ع) فأمر أصحابه بالكف عنهم حتي يبدأوا بالقتال.فلما بدأ الخوارج القتال، طوقتهم قوات الإمام (ع) و تحقق الظفر لراية الحق.

و هكذا قضي الإمام (ع) في حرب النهروان علي حركة الذين سبق لرسول الله (ص) أن سماهم بالمارقين حين أشار إليهم في حديث رواه أبو سعيد الخدري قال:

«سمعت رسول الله (ص)

يقول: إن قوما يخرجون، يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية» [269].

ارهاب منظم

انتهي التحكيم الذي اقترحه المخدوعون برفع المصاحف في معركة صفين، و الذين ضغطوا به علي الإمام علي (ع) لإيقاف القتال، انتهي إلي النتيجة التي ذكرناها آنفا.

و منذ ذلك الحين بدأ معاوية يتصرف و كأنه الملك الذي تنبغي إطاعته و راح يجبي أموال الزكاة و الخراج و ما إليهما له وحده بالشام علي الرغم من وجود الإمام علي (ع) خليفة للمسلمين، و اتبع معاوية في ذلك أسلوبا لا يمت إلي الاسلام بصلة، بل حتي لا يمت إلي الجاهلية بصلة أيضا، لأننا نعلم أن الجاهلية علي ما فيها من رذائل كان فيها أيضا قيم معينة لا ينبغي تجاوزها عند أهلها إطلاقها، مثل عدم الاعتداء علي النساء و الأطفال و الضعفاء، و كراهية الغدر و الخيانة، إلا أن كل ذلك أصبح مباحا في شرع معاوية بن أبي سفيان الذي أراد تثبيت ملكه بالارهاب و سفك الدماء.

غارات معاوية علي المسلمين

اشاره

إختار معاوية لتنفيذ سياسة الارهاب مجموعة من القادة ممن لا سابقة لهم في الاسلام، و ممن يحملون البغض للاسلام و هم:

بسر بن أبي أرطاة العامري

أرسله معاوية عام (40 ه) علي رأس جيش من ثلاثة آلاف مقاتل و أوصاه بوصية كشفت عن جوهر معاوية الحقيقي: حيث «وجهه إلي اليمن، و أمره أن يأخذ طريق الحجاز و المدينة و مكة حتي ينتهي إلي اليمن، و قال له:

لا تنزل علي بلد أهله علي طاعة علي إلا بسطت عليهم لسانك [270]، حتي يروا أنه لا نجاة لهم منك و انك محيط بهم، ثم اكفف عنهم و ادعهم إلي البيعة لي، فمن أبي فاقتله، و اقتل شيعة علي حيث كانوا» [271].

و قد نفذ بسر أوامر سيده معاوية بحذافيرها و زاد عليها فظائع و جرائم لينال الحظوة لديه، ف «أقبل يتتبع كل من كان له بلاء مع علي أو كان من أصحابه، و كل من أبطأ عن البيعة [بيعة معاوية] فأقبل يحرق دورهم و يخرجها و ينهب أموالهم».

و كان الذي قتل بسر في وجهه ذاهبا و راجعا ثلاثين ألفا، و حرق قوما بالنار، و قال الشاعر و هو يزيد بن مفرغ:

إلي حيث سار المرء بسر بجيشه

فقتل بسر ما استطاع و حرقا [272].

و عند ما توجه إلي حضرموت قال: «أريد أن أقتل ربع حضرموت» [273].

و يظهر أن معاوية كان يعلم تماما نفسية بسر الاجرامية فانتدبه لهذه المهمة التي تسخط الله و رسوله (ص).

ثم سار إلي اليمن و كان عليها عبيد الله بن عباس عاملا لعلي، فهرب منه إلي علي بالكوفة، و استخلف علي علي اليمن عبد الله الحارثي، فأتاه بسر فقتله، و قتل ابنه، و أخذ ابنين لعبيد الله بن عباس صغيرين هما: عبد الرحمان

و قثم فقتلهما، و كانا عند رجل من كنانة بالبادية، فلما أراد قتلهما قال له الكناني:

لم تقتل هذين و لا ذنب لهما؟فإن كنت قاتلهما فاقتلني معهما، فقتله و قتلهما بعده.

فخرجت نسوة من بني كنانة فقالت امرأة منهن: يا هذا! قتلت الرجال فعلام تقتل هذين؟و الله ما كانوا يقتلون في الجاهلية و الاسلام، و الله يا ابن أبي أرطاة، ان سلطانا لا يقوم إلا بقتل الصبي الصغير و الشيخ الكبير و نزع الرحمة و عقوق الأرحام لسلطان سوء.

و قتل بسر في مسيره ذلك جماعة من شيعة علي باليمن.

ثم ذهب إلي المدينة هاربا عند ما أرسل له الإمام علي جيشا ليقاتله و يمنعه من ذبح المسلمين، أما ام الصبيين اللذين ذبحهما بسر بن أبي أرطاة فقد رثتهما بشعر قال ابن الأثير عنه انه مشهور، حيث هامت علي وجهها بعد أن اصيبت بلوثة في عقلها و ظلت تردد هذا الشعر حتي ماتت:

يا من أحس بابني اللذين هما

كالدرتين تشظي عنهما الصدف

يا من أحس بابني اللذين هما

مخ العظام فمخي اليوم مزدهف

يا من أحس بابني اللذين هما

قلبي و سمعي، فقلبي اليوم مختطف

من ذل و الهة حيري مدلهة

علي صبيين ذلا إذا غدا السلف

نبئت بسرا و ما صدقت ما زعموا

من إفكهم و من القول الذي اقترفوا

أحني علي و دجي ابني مرهفة

من الشفار، كذاك الإثم يقترف

فلما سمع أمير المؤمنين (ع) بقتلهما جزع جزعا شديدا و دعا علي (بسر) فقال: «اللهم اسلبه دينه و عقله، فأصابه ذلك و فقد عقله فكان يهذي بالسيف و يطلبه، فيؤتي بسيف من خشب و يجعل بين يديه زق منفوخ فلا يزال يضربه و لم يزل كذلك حتي مات» [274].

سفيان بن عوف الغامدي

أمره معاوية أن يدخل العراق منحدرا مع نهر الفرات و أوصاه

أن يغير و ينهب و يحرق و يقتل قائلا: «إن هذه الغارات يا سفيان علي أهل العراق، ترهب في قلوبهم، و تجرئ كل من كان له فينا هوي منهم و يري فراقهم، و تدعو إلينا كل من كان يخاف الدوائر.

و خرب كل ما مررت به من القري، و اقتل كل من لقيت ممن ليس هو علي رأيك [275]، و أحرب الأموال، فإنه شبيه بالقتل، و هو أوجع للقلوب» [276].

ثم أمر معاوية الناس بالتوجه مع سفيان قائلا ان الخروج معه «وجه عظيم، فيه أجر عظيم» [277]، فالتحق به ستة آلاف مقاتل، و لم لا، و هم يعلمون أنهم مقبلون علي النهب و السلب و الغارة و انتهاك الأعراض؟

و عمل سفيان ما أمره به معاوية و أضاف إلي ذلك قتله و نهبه لأناس من أهل الذمة كانوا هناك، و قد أجمل الإمام علي (ع) و هو حزين القلب لما جري، وصف أعمال سفيان الغامدي في خطبة له بالكوفة تقطر ألما:

«و قتل منكم رجالا صالحين و قد بلغني أن الرجل من أعدائكم كان يدخل بيت المرأة المسلمة و المعاهدة، فينتزع خلخالها من ساقها و رعثها [278] من أذنها فلا تمتنع منه، ثم انصرفوا وافرين لم يكلم منهم رجل كلما [279]، فلو أن امرا مسلما مات من دون هذا أسفا، ما كان عندي ملوما بل كان عندي به جديرا» [280].

الضحاك بن قيس الفهري

أرسله معاوية مع ثلاثة آلاف أو أربعة آلاف مقاتل، و أوصاه بما يلي:

«سر حتي تمر بناحية الكوفة و ترتفع عنها ما استطعت، فمن وجدته من الأعراب في طاعة علي، فأغر عليه، و إن وجدت مسلحة أو خيلا فأغر عليهما.فأقبل الضحاك يأخذ الأموال و يقتل من لقي من الأعراب [281]، حتي

مر ب (الثعلبية) و هي قرية تقع علي الطريق المتجه إلي مكةفأغار خيله علي الحاج فأخذ أمتعتهم، ثم أقبل فلقي عمرو بن عميس بن مسعود الذهلي، و هو ابن أخي عبد الله بن مسعود صاحب رسول الله (ص) فقتله في طريق الحاج عند (القطقطانة) و قتل معه ناسا من أصحابه» [282].

و الغريب أن هذا السفاك كان يتباهي بأعماله تلك التي ليس فيها إلا سخط الخالق، فقد خطب علي منبر الكوفة بعد تلك الوقائع بسنين فقال مفتخرا و مخوفا أهل الكوفة:

«أما إني لصاحبكم الذي أغرت علي بلادكم، فكنت أول من غزاها في الاسلام، اعاقب من شئت و أعفو عمن شئت، لقد ذعرت المخدرات في خدورهن [283]، و إن كانت المرأة ليبكي ابنها فلا ترهبه و لا تسكته إلا بذكر اسمي [284]، أنا الضحاك بن قيس، أنا أبو أنيس، أنا قاتل عمرو بن عميس» [285].

عبد الله بن مسعدة الفزاري

بعث به مع ألف و سبعمائة رجل إلي «(تيماء) و أمره ان يصدق من مر به من أهل البوادي و يقتل من امتنع، ففعل ذلك، و بلغ مكة و المدينة و فعل ذلك، و اجتمع إليه بشر كثير من قومه» [286].

كما أرسل معاوية غارات اخري علي كل المناطق التي كان يشك بوجود ولاءفيها لعلي بن أبي طالب خليفة المسلمين، و قتل بسبب ذلك الآلاف من المسلمين من رجال و أطفال و نساء، بل و قتل الكثير حتي من أهل الذمة «المعاهدين»، و هم الذين أوصي النبي (ص) بهم و قال إنه سيكون خصما لكل من آذاهم.

أما الإمام علي (ع) فقد كان موقفه صريحا واضحا، و هو الوقوف بوجه تلك الهجمات غير الإنسانية التي كان هدف معاوية منها إرهاب المسلمين و إدخالهم في

طاعته و نهب ممتلكاتهم لتمويل الجيوش التي كان يبعث بها لقتل اولئك الأبرياء، قال في أحد رسائله جوابا علي رسالة من معاوية:

«إن رأيي جهاد المحلين حتي ألقي الله، لا يزيدني كثرة الناس معي عزة، و لا تفرقهم عني وحشة، لأني محق، و الله مع الحق، و و الله ما أكره الموت علي الحق، و ما الخير كله بعد الموت إلا لمن كان محقا» [287].

و قال في وصيته (ع) إلي أحد قادته العسكريين الذين بعث بهم للتصدي لهجمات معاوية و غاراته علي المسلمين:

«إتق الله الذي إليه تصير، و لا تحتقر مسلما و لا معاهدا، و لا تغصبن مالا و لا ولدا و لا ذرية، و إن حفيت و ترجلت، و صل الصلاة لوقتها».

أية وصية مباركة؟أن لا يحتقر الناس من مسلمين و غير مسلمين، و أن لا يغصب الأموال و الذرية، حتي لو بلغ به الأمر أن يمشي حافيا بلا نعلين، و أن يكون بلا حصان يقاتل عليه، و أخيرا أمره بالصلاة لوقتها.

و لتقارن هذا مع أوامر معاوية لقادة جيشه الذين بعث بهم و صنعوا ما قرأناه آنفا، لكي تدركوا سر الخلاف بين علي و معاوية، بين مبدئية علي (ع) الإلهية التي جعلت كل حركة من حركاته أو سكنة من سكناته في طلب رضا الله تعالي، و بين ما قام به أعداؤه من أعمال كانت في فظاعتها أبشع حتي مما كان يقع في الجاهلية الاولي.

في ذمة الله

أنهي الإمام (ع) مقاومة المارقين، فشمر عن ساعديه لاستئناف قتال القاسطين في الشام بعد أن فشل التحكيم عند اللقاء الثاني بين الحكمين.

و قد أمر الإمام (ع) بتعبئة جيشه، و أعلن حالة الحرب لتصفية، قوي القاسطين البغاة التي يقودها معاوية، و جاء إعلان

الحرب من خلال خطبة لأمير المؤمنين (ع) خطبها في الكوفةعاصمة الدولة الاسلاميةفضمنها دعوته للجهاد:

«الجهاد، الجهاد عباد الله، ألا و إني معسكر في يومي هذا، فمن أراد الرواح إلي الله فليخرج!» [288].

ثم بادر الإمام (ع) إلي عقد ألوية الحرب، فعقد للحسين راية، و لأبي أيوب الأنصاري اخري، و لقيس بن سعد ثالثة.

و بينما كان أمير المؤمنين يواصل تعبئة قواته من أجل أن ينهي حركة البغي التي يقودها معاوية في بلاد الشام، كان يجري في الحنفاء تخطيط لئيم من أجل اغتيال الإمام (ع).

فقد كان جماعة من الخصوم قد عقدوا اجتماعا في مكة المكرمة، و تداولوا في أمر حركتهم، التي انتهت إلي أو خم العواقب.

فخرجوا بقرارات كان أخطرها قرار اغتيال أمير المؤمنين (ع) و قد اوكل أمر تنفيذه للمجرم الأثيم (عبد الرحمن بن ملجم المرادي)، و في ساعة من أحرج الساعات التي يمر بها الاسلام و المسيرة الاسلامية، و بينما كانت الامة تتطلع إلي النصر علي عناصر البغي و الفرقة التي يقودها معاوية بن أبي سفيان، امتدت يد الأثيم المرادي إلي علي (ع) فضرب الإمام (ع) بسيفه و هو في سجوده عند صلاة الفجر، و في مسجد الكوفة الشريف، و ذلك في صبيحة اليوم التاسع عشر من شهر رمضان المبارك عام 40 هجرية.

لقد اغتيل الإمام (ع) و هو في أفضل ساعة قائما بين يدي الله في صلاة خاشعة، و في أشرف الأيام إذ كان يؤدي صوم شهر رمضان.

ثم هو (ع) في أعظم تكليف اسلامي حيث كان في طريقه لخوض غمار حرب جهادية، كما كان في بقعة من أشرف بقاع الله و أطهرها (مسجد الكوفة).

فطوبي لعلي و حسن مآب.

لكن جريمة قتل علي (ع) تبقي أشرس جريمة و أكثرها فظاعة و

وحشية، لأنها جريمة لم تستهدف رجلا كباقي الرجال، إنما استهدفت القيادة الاسلامية الراشدة بعد رسول الله (ص).

و استهدفت كذلك اغتيال رسالة، و تأريخ، و حضارة، و امة كلها تتمثل في شخص علي أمير المؤمنين (ع).

و بهذا خسرت الامة الاسلامية مسيرة و حضارة، و أروع فرصة و أطهرها في حياتها بعد رسول الله (ص).

و لقد بقي الإمام علي (ع) يعاني من علته ثلاثة أيام، عهد خلالها بالإمامة إلي ولده الحسن السبط (ع) ليمارس بعده مسؤولياته في قيادة الامة الفكرية و الاجتماعية.

و كان (ع) طوال الأيام الثلاثةكما كان طول حياتهلهجا بذكر الله و الثناء عليه و الرضا بقضائه، و التسليم لأمره، كما كان يصدر الوصية تلو الوصية، و التوجيه الحكيم إثر التوجيه، مرشدا للخير، دالا علي المعروف، محددا سبل الهدي، مبينا طريق النجاة، داعيا لإقامة حدود الله تعالي و حفظها، محذرا من الهوي و النكوص عن حمل الرسالة الإلهية.و هذه واحدة من وصاياه بهذا الشأن، مخاطبا بها الحسن و الحسين سبطي رسول الله (ص) و أهل بيته و أجيال الامة:

«أوصيكما بتقوي الله، و ألا تبغيا الدنيا و إن بغتكما، و لا تأسفا علي شي ء منها زوي عنكما، و قولا بالحق، و اعملا للأجر، و كونا للظالم خصما و للمظلوم عونا.

أوصيكم، و جميع ولدي و أهلي و من بلغه كتابي، بتقوي الله، و نظم أمركم، و صلاح ذات بينكم، فإني سمعت جدكما (ص) يقول: (صلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة و الصيام).

الله الله في الأيتام، فلا تغبوا أفواههم، و لا يضيعوا بحضرتكم.

الله الله في جيرانكم، فإنهم وصية نبيكم، ما زال يوصي بهم، حتي ظننا أنه سيورثهم.

الله الله في القرآن، لا يسبقكم بالعمل به غيركم.

الله الله في الصلاة،

فإنها عمود دينكم.

الله الله في بيت ربكم، لا تخلوه ما بقيتم، فإنه إن ترك لم تناظروا.

الله الله في الجهاد بأموالكم و أنفسكم و ألسنتكم في سبيل الله.

و عليكم بالتواصل و التباذل، و إياكم و التدابر و التقاطع، لا تتركوا الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر فيولي عليكم شراركم، ثم تدعون فلا يستجاب لكم.

ثم قال:

يا بني عبد المطلب! لا ألفيتكم تخوضون دماء المسلمين خوضا، تقولون: (قتل أمير المؤمنين)، ألا لاتقتلن بي إلا قاتلي.

انظروا إذا أنا مت من ضربته هذه، فاضربوه ضربة بضربة، و لا تمثلوا بالرجل، فإني سمعت رسول الله (ص) يقول: (إياكم و المثلة و لو بالكلب العقور)» [289] و هكذا كانت النهاية المؤلمة لهذا الرجل العظيم.

فلقد كانت خسارة الرسالة و الامة بفقده من أفدح الخسائر التي اصيبت بها الامة بعد رسول الله (ص).

فبموت علي (ع) فقدت الامة:

بطولة غدت انشودة للزمان.

و شجاعة ما حلم التأريخ بمثلها.

و حكمة لا يعلم بعدها إلا الله.

و طهرا ما اكتسي به غير الأنبياء.

و زهدا في الدنيا ما بلغه إلا المقربون.

و بلاغة كأنما هي رجع صدي لكتاب الله.

و فقها و علما و تضلعا في أحكام الرسالة رشحته لأن يكون باب مدينة علم الرسول (ص) و مرجعا للامة الاسلامية في جميع شؤونها.

فسلام علي أمير المؤمنين علي يوم ولد، و يوم قضي شهيدا في محرابه، و يوم يبعث حيا.

الامام علي بن أبي طالب (الإنسان)

شخصية علي من خلال عناصرها الأساسية

إذا كانت حصيلة الإعداد الإلهي المباشر لرسول الله (ص) أن صار خلقه (ص) القرآن بكل ما فيه من فضائل و قيم روحية رفيعة، تجسيدا حيا في الدنيا الواقع، فإن حصيلة الاعداد الرسالي من لدن رسول الله (ص) لعلي بن أبي طالب (ع) صيرته صورة للرسول (ص) فكرا و هديا و موقفا.

و لقد قرأنا بين

ثنايا النصوص الكريمة التي مرت بنا خلال هذه الدراسة، تلك النصوص التي تكشف بقوة ما لعلي (ع) من مكانة في دنيا الاسلام:

فهو: المطهر من الرجس، و هارون الامة، و الذي كفه ككف النبي المصطفي، في العدل، و هو رفيق الحق لا ينفك أحدهما عن الآخر، و هو باب مدينة العلم الإلهي، و فاروق الامة [290] و … و … الخ.

و كل هذه الأوسمة التي زين بها الاسلام صدر علي (ع) كانت ذات مداليل عملية في دنيا الواقع في حياة علي (ع).

فهذه الصفات السامية جاءت ترجمة لواقع صار إليه الإمام (ع) كثمرة للإعداد الرسولي له منذ نعومة أظفاره حتي آخر يوم من أيام المصطفي (ص).

و لعلنا لا ندرك أهمية تلك الأوسمة التي زين بها صدر الإمام (ع) ما لم نسلط بعضا من الضوء علي المقومات العامة لشخصيته سلام الله عليه في هذه الصفحات:

علاقة الإمام علي بالله تعالي

سبق أن أشرنا في حديثنا عن شخصية رسول الله (ص) إلي أن علاقة المسلم بالله تبارك و تعالي، ليست محدودة في إحدي زوايا حياته، و إنما هيكما حدد الله سبحانه أبعادها لعباده من خلال شريعته التي ارتضي لهمتجرد كامل للعزيز المتعالي عز و جل بكل خلجات النفس، و بكل حركة في الحياة، في الصلاة و الصيام و الحج و الاعتكاف، بشعائر التعبد و بالعلاقات الاسرية و الاجتماعية عامة.بالحكم و القضاء، بالمحيا و الممات و ما بعد الموت.

و قد جسد القرآن الكريم حجم العلاقة بين العبد و ربه الأعلي بقوله تعالي:

(قل إن صلاتي و نسكي و محياي و مماتي لله رب العالمين). (الأنعام: 162)

علي أن شعائر الاسلام الكبري: كالصلاة و الصوم و الحج و سواها و إن كانت جزءا من هيكل العبودية لله تعالي

التي تشمل الحياة الانسانية كلها، إلا أن هذه الشعائر تختص بسمات خاصة «توقيفية» ككيفية الأداء و الوقت و العدد، فهي في هذه المجالات محددة من قبل الله تبارك و تعالي، فلا مجال فيها لتبديل أو تحوير أو نقص أو زيادة.

ثم إنها تمتاز في كونها وقفات خالصة لله سبحانه ليس فيها غايات اخري غير رضوان الله و الاستجابة لأمره، و من أجل ذلك تفقد هذه الفرائض طابعها العبادي إذا دخل إطارها رياء أو نحوه.

و هي ميزة لا تتحقق في امور الحياة الانسانية الاخري و ان كانت سابحة في إطار من العبودية لله تعالي.

فالزواج و النشاط الاقتصادي مثلا و نحوهما من العقود و إن كانت شريعة الله تعالي تضعها في مسار العبودية لله، و المرء من خلالها يؤدي عبادة إذا هو التزام بأحكام الشريعة الاسلامية في تحديد و جهتها و أبعادها و مستلزماتها، إلا أنها تبقي حاملة لأغراض اخري، فالزواج مثلا و إن كان يحقق غاية اسلامية من ناحية تحصين الفرد المسلم عن الوقوع في المحرم، حتي أن الاسلام يعتبر عملية الزواج من قبل المسلم إحرازا لنصف الدين، كما في الحديث الشريف، كما أن الالتزام بأحكام الشريعة الخاصة في حقول التعامل بين الزوجين و نحوها يعتبر أمرا مفروضا علي المؤمنين.

إلي جانب هذه الامور التي ترافق عملية الزواج، فإن الميل للجنس يبقي خلفية أساسية من خلفيات حمل الفرد علي تعاطيه.

و هكذا تظهر خلفيات اخري غير الخلفية العبادية في مثل هذه الامور.

و من هنا نري أن أمر الزواج و النشاطات الاقتصادية في مثالنا، امور توجد في كل مجتمع في الماضي و الحاضر، قبل عصر التنزيل و بعده، بالنظر لارتكازها علي حاجات طبيعية لدي الكائن الانساني، و مهمة شريعة الله تعالي

ترتكز علي إضفاء الصبغة الشرعية عليها بعد تهذيبها و تحديد مسارها و وضع مخطط اسلامي لصوغها وفقا لمتطلبات الفطرة البشرية.

و بناء علي هذا التحديد لطبيعة علاقة المسلم بالله تبارك و تعالي، فسنستعرض علاقة الإمام علي بن أبي طالب (ع) بالله تعالي من خلال الفرائض و السنن الاسلامية.

شواهد من عبادة أميرالمؤمنين

كحصيلة للإعداد المميز الذي حظي به الإمام (ع) من لدن استاذه الرسول (ص)، فقد طبعت شخصية الإمام علي (ع) بشخصية المصطفي (ص) في جميع مقوماته: عبادة و فكرا و مواقف.

يسلك سبيله، يقتفي سنته و يقفوا أثره، و من أجدر بتجسيد سنة الرسول (ص) كاملة في دنيا الواقع سوي علي (ع) الذي صنع رسول الله (ص) شخصيته و شكل جميع عناصرها و طبعها بالطابع الإلهي منذ نعومة أظفاره؟

و إذا نعقد هذا الفصل للحديث عن عبادة الإمام (ع) و وسائل تعلقه بالله سبحانه، فسنعرض شواهد منها، لندرك السمو الشاهق الذي بلغه الإمام (ع) في مضمار الانشداد إلي الله و استلهام منهج الرسول (ص) المطهر في هذا المضمار:

صلاة و ضراعة

فلكثرة تعاهده لأمر الصلاة و التضرع إلي الله تعالي، يشير عروة بن الزبير في حديث له عن أبي الدرداء:

قال: «شهدت علي بن أبي طالب بشويحطات النجار [291]، و قد اعتزل عن مواليه، و اختفي ممن يليه، و استتر بمغيلات [292] النخل، فافتقدته، و بعد علي مكانه، فقلت: لحق بمنزله، فإذا أنا بصوت حزين و نغم شجي، و هو يقول: (إلهي كم من موبقة حلمت عن مقابلتها بنقمتك، و كم من جريرة تكرمت عن كشفها بكرمك.

إلهي! إن طال في عصيانك عمري، و عظم في الصحف ذنبي، فما أنا مؤمل غير غفرانك، و لا أنا براج غير رضوانك).

فشغلني الصوت، و اقتفيت الأثر، فإذا هو علي بن أبي طالب (ع) بعينه، فاستترت له و أخملت الحركة، فركع ركعات في جوف الليل الغابر، ثم فرغ إلي الدعاء و البكاء و البث و الشكوي، فكان مما ناجي به الله تعالي أن قال:

(إلهي! افكر في عفوك، فتهون علي خطيئتي، ثم أذكر العظيم من أخذك، فتعظم علي

بليتي).

ثم قال: (آه إن أنا قرأت في الصحف سيئة أنا ناسيها، و أنت محصيها، فتقول: خذوه، فيا له من مأخوذ لا تنجيه عشيرته، و لا تنفعه قبيلته و لا يرحمه الملأ إذا اذن فيه بالنداء). ثم قال: (آه من نار تنضج الأكباد و الكلي، آه من نار نزاعة للشوي، آه من لهبات لظي).

قال أبو الدرداء، ثم أمعن في البكاء، فلم أسمع له حسا، و لا حركة.

فقلت غلب عليه النوم لطول السهر، أو قظه لصلاة الفجر، فأتيته، فإذا هو كالخشبة الملقاة، فحركته، فلم يتحرك، و زويته فلم ينزو.

فقلت: إنا لله و إنا إليه راجعون، مات و الله علي بن أبي طالب، فأتيت منزله مبادرا أنعاه إليهم.

فقالت فاطمة (ع): (يا أبا الدرداء ما كان من شأنه و ما قصته؟).

فأخبرتها الخبر.

فقالت: (هي و اللهيا أبا الدرداءالغشية التي تأخذه من خشية الله).

ثم أتوه بماء فنضحوه علي وجهه، فأفاق، و نظر إلي و أنا أبكي فقال: (مما بكاؤك يا أبا الدرداء؟).

فقلت مما أراه تنزله بنفسك.

فقال: (يا أبا الدرداء! فكيف لو رأيتني، و دعي بي إلي الحساب، و أيقن أهل الجرائم بالعذاب، و احتوشتني ملائكة غلاظ و زبانية فظاظ، فوقفت بين يدي الملك الجبار، قد اسلمني الأحباء و رفضني أهل الدنيا، لكنت أشد رحمة لي بين يدي من لا تخفي عليه خافية).

فقال أبو الدرداء: فو الله ما رأيت ذلك لأحد من أصحاب رسول الله (ص)» [293].

هذا شاهد من شواهد تعلق الإمام (ع) بالله تعالي و شدة انشداده إليه و رهبته منه.

و يبدو أن هذا ديدن علي (ع) كما يتجلي من قول الزهراء (ع) لأبي الدرداء: (هي و الله الغشية التي تأخذه من خشية الله).

و هذه مزيته عند التوجه إلي الله تعالي

في صلاته و ضراعته، الأمر الذي ألفه أهل البيت في علي (ع).

و من أجل ذلك لم يفزعوا حين أنبأهم أبو الدرداء بموتهكما ظن هوبل استفسروا عما رأي، فأعلمته الصديقة (ع) أن ما رآه هو المألوف من علي (ع) كل آن حين تأخذه الغشية لله تبارك و تعالي أثناء قيام الليل.

و لكثرة قيامة للعبادة ليلا يحدثنا عبد الأعلي عن نوف البكالي قال: «بت ليلة عند أمير المؤمنين (ع) فكان يصلي الليل كله، و يخرج ساعة بعد ساعة، فينظر إلي السماء، و يتلو القرآن، فمربي بعد هدوء من الليل فقال: (يا نوف أراقد أنت أم رامق؟).

قلت: بل رامق أرمقك ببصري يا أمير المؤمنين.

قال: يا نوف! طوبي للزاهدين في الدنيا، الراغبين في الآخرة، اولئك قوم اتخذوا الأرض بساطا، و ترابها فراشا، و ماءها طيبا، و القرآن شعارا، و الدعاء دثارا، ثم قرضوا الدنيا قرضا علي منهاج المسيح)» [294].

و هكذا كان علي (ع) في شدة تعلقه بالله، و عظيم تمسكه بمنهج الأنبياء (ع)، إنه ترجمة صادقة لعبادة محمد رسول الله (ص) و زهد المسيح (ع).

أرأيت كيف يندك وجوده علي عتبة الخضوع لله و الإستكانة له و طلب رضوانه؟

و حول التزامه بقيام صلاة الليل طول عمره الشريف، يروي لنا أبو يعليفي المسندعنه (ع) قال: «(ما تركت صلاة الليل منذ سمعت قول النبي (ص): صلاة الليل نور). فقال ابن الكواء: و لا ليلة الهرير [295]!؟قال (ع): (و لا ليلة الهرير)» [296].

توجه و رهبة

و لعظيم إقباله علي الله تعالي يشير القشيري في تفسيره:

«إنه كان إذا حضر وقت الصلاة تلون و تزلزل، فقيل له: ما لك؟

فيقول: (جاء وقت أمانة عرضها الله تعالي علي السماوات و الأرض و الجبال، فأبين أن يحملنها و حملها الانسان

علي ضعفه، فلا أدري أحسن إذا حمل أم لا)» [297].

فعن سليمان بن المغيرة، عن امه، قالت: «سألت ام سعيد سرية علي (ع) عن صلاة علي (ع) في شهر رمضان، فقالت: رمضان و شوال سواء، يحيي الليل كله» [298].

عبادة الشاكرين

لقد عظم المعبود عز و جل في نفس الإمام (ع) فصارت عبادته تعبيرا عن الحب له و الشوق إليه، و استشعار أهليته للعبادة دون سواه، و من أجل ذلك كان علي (ع) لا يعبد الله خوفا من عذابه، و لا طمعا في جنته و لا فيما أعده من نعيم للمتقين، و إنما سما الإمام (ع) في علاقته بالله تعالي إلي أعلي الدرجات اسوة باستاذه الرسول (ص).

و قد كشف الإمام (ع) عن جوهر علاقته بالله تعالي و طبيعتها بقوله:

«إلهي! ما عبدتك خوفا من عقابك و لا طمعا في ثوابك، و لكن وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك» [299].

فأعظم به من يقين، و أكرم به من إيمان!!

و لقد حدد الإمام (ع) ألوان العبادة في كلمة خالدة:

«إن قوما عبدوا الله رغبة، فتلك عبادة التجار، و إن قوما عبدوا الله رهبة، فتلك عبادة العبيد، و إن قوما عبدوا الله شكرا، فتلك عبادة الأحرار» [300].

و كانت عبادته (ع) من النوع الأخير، حيث تصدر حصيلة للشعور بأهلية المعبود و استحقاقه لها.

أما إيقاف العبادة علي حصول الثواب فحسب، فهي عبادة من وصفهم الإمام (ع) بالتجار، الذين يبتغون الثمن و ينتظرون التعويض، و شتان بين هدف الشاكرين، و هدف التجار في ميزان الله تعالي و حسابه.

صلاة الرسول

و لقد كانت صلاة علي (ع) اسوة بسائر نشاطاتهكصلاة رسول الله (ص) في كيفية الأداء و الخشوع و الانشداد و التعلق بالله تعالي.فعن مطرف بن عبد الله قال: «صليت أنا و عمران بن حصين خلف علي بن أبي طالب، فلما انصرفنا أخذ عمران بيدي فقال: لقد صلي صلاة محمد، و لقد ذكرني صلاة محمد (ص)» [301].

تعاهدوا أمر الصلاة

و إلي جانب تعاهد الإمام (ع) لأمر الصلاة، فقد كان كثيرا ما يوصي أتباعه بتعاهد أمرها، و أدائها في أوقاتها و تعريفهم بأهميتها و أثرها في شخصية المسلم، فها هو يدعو المؤمنين من أصحابه:

«تعاهدوا أمر الصلاة، و حافظوا عليها، و استكثروا منها، و تقربوا بها، فإنها كانت علي المؤمنين كتابا موقوتا، ألا تسمعون إلي جواب أهل النار حين سئلوا: (ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين).

و إنها لتحت الذنوب حت الورق، و تطلقها إطلاق الربق.و شبهها رسول الله (ص) بالحمة، تكون علي باب الرجل، فهو يغتسل منها في اليوم و الليلة خمس مرات، فما عسي أن يبقي عليه من درن.

و قد عرف حقها رجال من المؤمنين الذين لا تشغلهم عنها زينة متاع، و لا قرة عين من ولد و لا مال.يقول الله سبحانه: (رجال لا تلهيهم تجارة و لا بيع عن ذكر الله و إقام الصلاة و إيتاء الزكاة … )، و كان رسول الله (ص) نصبا بالصلاة بعد التبشير له بالجنة، لقول الله سبحانه: (و أمر أهلك بالصلاة و اصطبر عليها)، فكان يأمر بها أهله و يصبر عليها نفسه» [302].

المنهج العبادي في خطوطه الأساسية

و إلي منهجه العبادي الملتزم، أشار الإمام الباقر (ع) بقوله:

«و ما ورد عليه أمران قط كلاهما لله رضي، إلا أخذ بأشدهما علي بدنه» [303].

و قد ورد عن الإمام علي (ع) ذاته: «و إنما هي نفسي اروضها بالتقوي لتأتي آمنة يوم الخوف الأكبر» [304].

و في حديث ضرار بن ضمرة لمعاوية بن أبي سفيان حول شخصية الإمام (ع)، تجسيد لهذه الحقيقة، فمما جاء في حديثه « … كان و الله صواما بالنهار قواما بالليل».

توكل صادق و يقين راسخ

و حيث إن التوكل علي الله تعالي زاد المتقين، و اليقين بالله شعار المؤمنين الصادقين، يملأ قلوبهم بالثقة و الاطمئنان و العزة و الارتفاع علي جميع عقبات الحياة.

فقد كان أمير المؤمنين (ع) قائدا لأهل اليقين بعد رسول الله (ص)، و يعسوبا للمتوكلين.

و هذه سيرته العطرة تتحفنا بالعديد من الشواهد في هذا المضمار:

فعن الإمام الصادق (ع) قال: «كان لعلي (ع) غلام اسمه قنبر، و كان يحب عليا حبا شديدا، فإذا خرج علي (ع) خرج علي أثره بالسيف، فرآه ذات ليلة، فقال: (يا قنبر ما لك؟) قال: جئت لأمشي خلفك، فإن الناس كما تراهم يا أمير المؤمنين! فخفت عليك، قال: (ويحك أمن أهل السماء تحرسني أم من أهل الأرض؟) قال: لا بل من أهل الأرض.قال (ع): (إن أهل الأرض لا يستطيعون بي شيئا إلا بإذن الله عز و جل فارجع). فرجع» [305].

و عن أبي عبد الله (ع) قال: «إن أمير المؤمنين (ع) جلس إلي حائط مائل يقضي بين الناس. فقال بعضهم: لا تقعد تحت هذا الحائط فإنه معور.فقال أمير المؤمنين: (حرس امرأ أجله). فلما قام أمير المؤمنين (ع) سقط الحائط، و كان أمير المؤمنين (ع) ممن يفعل هذا و أشباهه، و هذا اليقين» [306].

و عن

سعيد بن قيس الهمداني قال: «نظرت يوما في الحرب إلي رجل عليه ثوبان، فحركت فرسي فإذا هو أمير المؤمنين (ع). فقلت: يا أمير المؤمنين! في مثل هذا الموضع؟فقال: (نعم، يا سعيد بن قيس! إنه ليس من عبد إلا و له من الله عز و جل حافظ و واقية، معه ملكان يحفظانه من أن يسقط من رأس جبل أو يقع في بئر، فإذا نزل القضاء خليا بينه و بين كل شي ء)» [307].

هذا هو علي (ع) في قوة يقينه بالله تعالي و شدة توكله عليه سبحانه.

مصاديق من زهد الإمام

و لقد كان الزهد معلما بارزا من معالم شخصية الإمام علي (ع)، و سمة مميزة زينة الله تعالي به، فعن عمار بن ياسر (رض) قال: قال رسول الله (ص) لعلي: «إن الله قد زينك بزينة لم يزين العباد بزينة أحب منها، هي زينة الأبرار عند الله: الزهد في الدنيا، فجعلك لا ترزأتعيبمن الدنيا و لا ترزأ الدنيا منك شيئا، و وهبك حب المساكين، فجعلك ترضي بهم أتباعا، و يرضون بك إماما» [308].

و قد كان من شواهد تلك الصفة التي حباه الله تعالي بها:

أن زهد الإمام (ع) عن كل لذاذات الحياة و زينتها و توجه بكل وجوده نحو الآخرة، و عاش عيشة المساكين و أهل المتربة من رعيته.

لقد زهد الإمام (ع) بالدنيا و زخرفها زهدا تاما و صادقا:

زهد في المال و السلطان، و كل ما يطمع به الطامعون.

عاش في بيت متواضع لا يختلف عما يسكنه الفقراء من الامة، و كان يأكل خبز الشعير، تطحنه امرأته أو يطحنه بنفسه، قبل خلافته و بعدها، حيث كانت تجبي الأموال إلي خزانة الدولة التي يضطلع بقيادتها من شرق الأرض و غربها.و كان يلبس أبسط أنواع الثياب، و

ثمن قميصه ثلاثة دراهم.

و بقي ملتزما بخطه في الزهد طوال حياته، فقد رفض أن يسكن القصر الذي كان معدا له في الكوفة، حرصا منه علي التأسي بالمساكين [309].

و هذه بعض المصاديق كما ترويها سيرته العطرة:

فعن الإمام الصادق (ع) يقول: «كان أمير المؤمنين أشبه الناس طعمة برسول الله (ص)، يأكل الخبز و الخل و الزيت، و يطعم الناس الخبز و اللحم» [310].

و عن الباقر (ع) قال: «و لقد ولي خمس سنين و ما وضع آجرة علي آجرة و لا لبنة علي لبنة، و لا أقطع قطيعا و لا أورث بيضا و لا حمرا» [311].

و عن عمر بن عبد العزيز قال: «ما علمنا أن أحدا كان في هذه الامة بعد رسول الله (ص) أزهد من علي بن أبي طالب، ما وضع لبنة علي لبنة و لا قصبة علي قصبة» [312].

و عن الأحنف بن قيس قال: «دخلت علي معاوية، فقدم إلي من الحلو و الحامض، ما كثر تعجبي منه، ثم قال: قدموا ذاك اللون، فقدموا لونا ما أدري ما هو! فقلت ما هذا؟فقال: مصارين البط محشوة بالمخ و دهن الفستق قد ذر عليه السكر!!.

قال الأحنف: فبكيت.فقال معاوية: ما يبكيك؟فقلت: لله در ابن أبي طالب، لقد جاد من نفسه بما لم تسمح به أنت و لا غيرك! قال معاوية: و كيف؟

قلت: دخلت عليه ليلة عند إفطاره، فقال لي: (قم فتعش مع الحسن و الحسين)، ثم قام إلي الصلاة، فلما فرغ دعا بجراب مختوم بخاتمه، فأخرج منه شعيرا مطحونا ثم ختمه.فقلت: يا أمير المؤمنين! لم أعهدك بخيلا، فكيف ختمت علي هذا الشعير.فقال: (لم أختمه بخلا، و لكن خفت أن يبسه الحسن و الحسين بسمن أو إهالة)! فقلت أحرام هو؟قال: (لا،

و لكن علي أئمة الحق أن يتأسوا بأضعف رعيتهم حالا في الأكل و اللباس، و لا يتميزوا عليهم بشي ء لا يقدرون عليه، ليراهم الفقير، فيرضي عن الله تعالي بما هو فيه، و يراهم الغني فيزداد شكرا و تواضعا)» [313].

و عن سويد بن غفلة قال: «دخلت علي علي (ع) بالكوفة، و بين يديه رغيف من شعير، و قدح من لبن، و الرغيف يابس، فشق علي ذلك، فقلت لجارية له يقال لها فضة: ألا ترحمين هذا الشيخ، و تنخلين له هذا الشعير.فقالت إنه عهد إلينا ألا ننخل له طعاما قط.

فالتفت الإمام إلي و قال: (ما تقول لها يا ابن غفلة؟)، فأخبرته و قلت: يا أمير المؤمنين! إرفق بنفسك.فقال لي: (ويحك يا سويد؟ما شبع رسول الله (ص) و أهله من خبز بر ثلاثا حتي لقي الله، و لا نخل له طعام قط)» [314].

و عن سفيان الثوري عن عمرو بن قيس قال: «رئي علي علي (ع) إزار مرقوع، فعوتب في ذلك، فقال: (يخشع له القلب، و يقتدي به المؤمن)» [315].

و عن الغزالي يقول: «كان علي بن أبي طالب يمتنع من بيت المال حتي يبيع سيفه، و لا يكون له إلا قميص واحد في وقت الغسل و لا يجد غيره» [316].

هذا هو علي في شدة زهده و رغبته عن الدنيا و زخارفها، و في عظيم اقتدائه برسول الله (ص) و في مواساته لأهل المتربة من امته (ص)، فهل حدثك التأريخ عن زعيم كعلي (ع)؟تجبي إليه الأموال من الشرق و الغرب، و عاصمته الكوفة تقع في أخصب أرض الله و أكثرها غني يومذاك، بيد أنه يعيش مواسيا لأقل الناس حظا في العيش في هذه الحياة، يأكل خبز الشعير دون أن يخرج نخالته،

و يكتفي بقميص واحد لا يجد غيره عند الغسل، و يحرم علي نفسه الأكل من بيت المال، و يرقع مدرعته حتي يستحي من راقعها [317] مجسدا بذلك أرفع شعار للزاهدين: «فو الله ما كنزت من دنياكم تبرا، و لا ادخرت من غنائمها و فرا، و لا أعددت لبالي ثوب طمرا، و لا حزت من أرضها شبرا، و لا أخذت منه إلا كقوت أتان دبرة، و لهي في عيني أوهي و أوهن من عفصة مقرة» [318].

صدقة الإمام

و لا نريد أن نذهب بعيدا في ذكر الشواهد علي تعاهد الإمام علي (ع) لأمر الصدقة، قبل أن نستقي من القرآن الكريم نماذج من صدقة الإمام (ع) عطرتها آيات الله تعالي بالثناء الجميل، و رسمت أبعاد الثواب الإلهي العظيم، الذي لا يعلم مداه غير الله الذي أعده تبارك و تعالي لأمير المؤمنين (ع):

ففي حادثة إطعام علي (ع) و أهل بيته (ع) للمسكين و اليتيم و الأسير علي مدي ثلاثة أيام، و إيثارهم لهم علي أنفسهم، و اكتفائهم بالماء و هم في أيام صوم متتالية، تنزلت آيات الله تعالي مسجلة أعظم مآثر علي (ع) في ضمير الوجود، حيث ستبقي ترددها الآفاق و الألسنة و صفحات المجد ما شاء الله تعالي:

(و يطعمون الطعام علي حبه مسكينا و يتيما و أسيرا

إنما نطعمكم لوجه الله لانريد منكم جزاء و لا شكورا

إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا

فوقاهم الله شر ذلك اليوم و لقاهم نضرة و سرورا

و جزاهم بما صبروا جنة و حريرا). (الإنسان: 812)

و ليس المهم في الأمر حجم ما قدمه الإمام (ع) لاولئك المحتاجين، فإن الكثير من الناس يبذلون أضعاف ذلك.

و لكن شتان بين من ينفق لوجه الله خالصا دون شائبه، و بين

من ينفق من أجل غرض دنيوي أو جاه أو ذكر يشاع بين الناس.كما أنه شتنان بين من ينفق كل ما لديه و هو أحوج ما يكون إليه، و بين من ينفق بعض ما لديه.

و هكذا يختلف التقويم عند الله تعالي بين ذا و ذاك!

و في حادثة تصدق علي (ع) بخاتمه علي مسكين استبدت به الحاجة، فطاف علي الناس فلم يجد من يسد خلته، فأشار إليه علي (ع) و هو يصلي في مسجد رسول الله (ص) و وهبة خاتما في يده.

فنزل القرآن الكريم علي رسول الله (ص) مبينا فضل ما أقدم عليه الإمام (ع)، و استعمل القرآن المناسبة لإرشاد الامة إلي أن عليا (ع) مرجعها الفكري و العملي بعد رسول الله (ص):

(إنما وليكم الله و رسوله و الذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة و يؤتون الزكاة و هم راكعون-و من يتول الله و رسوله و الذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون). (المائدة: 55، 56)

و هذه الآية الكريمة من أكثر النصوص دلالة علي أن العمل الصالح في منظور الله تبارك و تعالي إنما هو بدوافعه لا بحجم منافعه.

فليس المهم أن تعطي كثيرا، و لكن الأساس في الأمر نية العطاء، فالتقويم الرباني إنما يدور مدار النية حيث تدور، فكلما اقتربت من الله تعالي و ابتغيت رضوانه كان ثوابك أعظم و أجل.

و من المناسب أن نطرح إضافة إلي ذلك، مصاديق من سيرة الإمام (ع) في هذا المضمار، مما روته كتب التاريخ:

فعن أبي عبد الله الصادق (ع) قال: «كان أمير المؤمنين يضرب بالمرالمسحاةو يستخرج الأرضين، و أنه أعتق ألف مملوك من كد يده» [319].

و عن أيوب بن عطية الحذاء قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: «قسم نبي الله الفي ء، فأصاب

عليا أرضا فاحتفر فيها عينا، فخرج ماء ينبع كهيئة عنق البعير، فسماها ينبع، فجاء البشير يبشر.فقال (ع): (بشر الوارث هي صدقة بتة بتلاء في حجيج بيت الله و عابري سبيل الله، لا تباع، و لا توهب، و لا تورث، فمن باعها أن وهبها فعليه لعنة الله و الملائكة و الناس أجمعين، و لا يقبل الله منه صرفا و لا عدلا)» [320].

و عن أحمد بن حنبل في الفضائل، أنه: «كانت غلة علي أربعين ألف دينار فجعلها صدقة» [321].

و الحديث عن حرص الإمام (ع) علي تعاهد أمر الصدقة في سبيل الله تعالي يذكرنا بالنفس السخية التي يمتاز بها أمير المؤمنين (ع).

فكثرة أدائه للصدقة و شدة بذله لها: و إن كان يعكس صورة صادقة عن جود الإمام (ع) و سخائه، إلا أن سيرته العطرة تكشف إلي جانب ذلك وجها آخر من شخصية الإمام العظيم.

فقد كان (ع) أسخي من الغيث علي الامة التي عايشها، لا نقصد بهذا جوده بنفسه من أجل حفظ الرسالة و مسيرة الاسلام التاريخية، ذاك الذي يتجلي عبر البطولات التي أبداها (ع) في حروب الاسلام كلها، فحديث كهذا، يتطلب بمفرده سفرا كاملا، و إنما نقصد ما يتعلق بالسخاء بالمال.

و قد اعترف بجود الإمام (ع) و سخائه أشد الناس عداوة له: معاوية بن أبي سفيان، الذي ما برح ينسج الأكاذيب و الافتراءات لتشويه سمعة الإمام (ع)، غير أنه لم يستطع أن ينكر فضيلة الجود عند علي (ع)، فقد قال له يوما محفن ابن أبي محفن الضبي: «جئتك من عند أبخل الناس، فقال ابن أبي سفيان: ويحك كيف تقول إنه أبخل الناس، لو ملك بيتا من تبرذهبو بيتا من تبن، لأنفد تبره قبل تبنه» [322].

و يقول الشعبي يصف الإمام

(ع): «كان أسخي الناس، كان علي الخلق الذي يحبه الله: السخاء و الجود، ما قال «لا» لسائل قط» [323].

الجهاد في سبيل الله

و حياة علي أمير المؤمنين (ع) كلها جهاد في سبيل الله تعالي في مرحلة الدعوة، و بعد قيام الدولة الاسلامية، و إذا كان قد وقي الرسول (ص) بنفسه و فداه بوجوده و تعرض لأخطر تآمر جاهلي علي حياة رسول الله (ص) عند مبيته علي فراشه في ليلة الهجرة المباركة، من أجل أن يصرف عنه شر عتاة الجاهلية.فإن عليا قد تحولت حياته بعد الهجرة إلي المدينة المنورة إلي حلقات متسلسلة من ذلك النوع الجهادي العظيم، فقد كان حامل لواء الزحف الاسلامي في كل غزوات أخيه رسول الله (ص)، و طليعة المجاهدين في ساحات الجهاد، و كلما حزبت الامور و حمي الوطيس انتدبه رسول الله (ص) لكشف زحف العدو عن حياض المسلمين.

و كانت كل مواقفه الجهادية من النوع المصيري الذي يحمي الرسالة و يكشف عنها خطر التصفية المحقق و الإجهاز الخطير علي وجودها، تجلي ذلك في بدر الكبري حين صفي الكثير من رؤوس الوثنيين و ملأبهم ساحة المعركة.

و في «احد» حين أطبق جيش الضلال علي معسكر الإيمان و كانت الغلبة للعدو، نهض الإمام (ع) بدور عرقلة تقدمهم عند ما بادر إلي تصفية حملة الأولوية من بني عبد الدار واحدا تلو الآخر.

و في غزوة الأحزاب حين بلغت القلوب الحناجر و بلغ الضيق و الهلع بالمسلمين كل مبلغ، نهض الإمام (ع) بالأمر و أرهب العدو و أعاد للمسلمين الثقة بالنفس حين قتل أبرز قوادهم عمرو بن عبد ود العامري، الذي كان قتله حدا فاصلا بين المعسكرين، إذ تلاه انهزام جيش الأحزاب مع ما امتاز به من ضخامة في العدد و العدة.

و

علي (ع) هو الذي اقتحم حصون خيبر و دخل عليهم عنوة، ففتح الله علي يديه حصون اليهود الرهيبة.

و دونك تأريخ الاسلام في عصره الأول: في عهد رسول الله (ص). فأمعن النظر في صفحاته، كي تحدثك بدور علي (ع) في خدمة هذه الرسالة، و فضله علي الامة و تأريخها.

و لم يكن الجانب المعنوي في جهاد علي (ع) مجسدا في حجم البطولات و عدد المعارك التي خاض غمارها فحسب، و إنما في صدق النية و حجم الإخلاص الذي امتلأ به قلب علي (ع) و هو يخوض تلك الحروب ببسالة فائقة و شجاعة نادرة و ثبات لا يرد.

و من أجل ذلك كان القرآن الكريم يثني علي تلك الروح التي كان يحملها أمير المؤمنين عبر كفاحه من أجل إعلاء كلمة الله في الأرض.

فها هو القرآن الكريم يثني علي علي (ع) يوم فدي بنفسه رسول الله (ص): (و من الناس من يشري [324] نفسه ابتغاء مرضاة الله). (البقرة: 207)

و يكشف بعمق عن صدق نية الإمام (ع) [325].

و ها هو كتاب الله العزيز يقطع بأن جهاد علي (ع) و بطولاته و تضحياته كانت من أجل الله و إعلاء كلمته في دنيا الناس، و لا يمكن أن تقرن بأي لون من ألوان العمل الآخر، فبسبب الثمن الباهظ الذي يتطلبه الجهاد، و بسبب الدافع الإيماني المخلص الذي لا تشوبه شائبة، راحت آيات الله تعالي تحدد الموقع الرفيع الذي يحتله علي (ع) في دنيا المتقين:

(أجعلتم سقاية الحاج و عمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله و اليوم الآخر و جاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله و الله لا يهدي القوم الظالمين). (التوبة: 19)

فعلي أثر حوار تفاخري بين طلحة بن شيبة و العباس بن عبد

المطلب قال فيه طلحة: «أنا أولي الناس بالبيت لأن المفتاح بيدي.فقال العباس: أنا أولي، أنا صاحب السقاية و القائم عليها!».

و فيما كانا يتفاخران مر الإمام (ع) فافتخر عليهما بقوله:

«لقد صليت قبل الناس، و أنا صاحب الجهاد»، فنزل قول الله تعالي في ذلك كاشفا عن المستوي العظيم الذي يتبوؤه علي (ع) من ناحية عمله الاسلامي: ضخامة و إخلاصا [326]، بعدا و جوهرا.

الاخلاق الاجتماعية

اشاره

بمقدور المتتبع أن يتخذ من وصف ضرار بن ضمرة لأمير المؤمنين (ع) منطلقا للدخول في عالمه الرحيب، حيث إن الرجل المذكور كان من أصحاب الإمام (ع) و المطلعين علي شؤونه.

فقد دخل ضرار علي معاويةأيام استكان الناس و أسلموا لمعاوية القيادفألح علي الرجل أن يصف له عليا (ع)، فتردد ضرار كثيرا، فلما مضي معاوية في إصراره، قال ضرار:

«أما إذا لا بد: فكان و الله بعيد المدي، شديد القوي، يقول فضلا، و يحكم عدلا، يتفجر العلم من جوانبه، و تنطق الحكمة من نواحيه، يستوحش من الدنيا و زهرتها، و يستأنس بالليل و ظلمته. كان و الله غزير الدمعة، كثير الفكرة، يقلب كفه و يخاطب نفسه، يعجبه من اللباس ما خشن، و من الطعام ما جشب.كان و الله كأحدنا، يجيبنا إذا سألناه، و يبتدئنا إذا أتيناه، و يأتينا إذا دعوناه.و نحن و الله مع قربه منا، و دنوه إلينا، لا نكلمه هيبة له، و لا نبتديه لعظمته، فإن تبسم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم.يعظم أهل الدين، و يحب المساكين، لا يطمع القوي في باطله، و لا ييأس الضعيف من عدله.فأشهد بالله لقد رأيته في بعض مواقفه ليلة، و قد أرخي الليل سدوله، و غارت نجومه، و قد مثل قائما في محرابه، قابضا علي لحيته، يتململ تململ السليم، و

يبكي بكاء الحزين، و كأني أسمعه و هو يقول: (يا دنيا! غري غيري، أبي تعرضت؟أم إلي تشوقت؟هيهات، هيهات!! قد أبنتك ثلاثا، لا رجعة لي فيك، فعمرك قصير و عيشك حقير و خطرك كبير، آه من قلة الزاد، و بعد السفر و وحشة الطريق)» [327] و هذا الوصف للإمام (ع) علي و جازته يكشف بعمق عن الإطار العام لشخصية الإمام (ع) في شتي ملامحها: في الحقل الروحي و الاجتماعي، في علاقته بربه، و علاقته مع نفسه، و كيفية تعامله مع الناس من حوله.

و حيث قد عقدنا هذا الفصل للحديث عن الأخلاق الاجتماعية التي التزم بها (ع) في حياته العملية، فإن حديث ضرار يضع في أيدينا رأس الخيط الذي يوصلنا إلي طبيعة العلاقات الاجتماعية التي سلكها أمير المؤمنين في حياته «كان و الله كأحدنا، يجيبنا إذا سألناه، و يبتدئنا إذا أتيناه، و يأتينا إذا دعوناه.و نحن و الله مع قربه منا و دنوه إلينا لا نكلمه هيبة له، و لا نبتديه لعظمته، يعظم أهل الدين، و يحب المساكين، لا يطمع القوي في باطله، و لا ييأس الضعيف من عدله».

و يبدو أن هذا اللون من علاقة أمير المؤمنين مع قومه إنما كان في أيام حكمه، مما يطرح بين أيدينا تصورا ناضجا عن عظمة أمير المؤمنين (ع) و بلوغه القمة في مدارج الكمال و الفضيلة، فمع أن الإمام (ع) كان يحتل موقع القيادة في دنيا الناس، و بيده أزمة حياتهم الفكرية و الاجتماعية، نراه كواحد من عامة الناس، و كأن موقعه ليس في أعلي مركز قيادي، فهو يلغي الحواجز و الألقاب، و يعامل الامة كما لو كان واحدا من عامتها، بقلب حان، و نفس متواضعة، و حب صادق عميق.و

هي روح لم يألفها التأريخ الانساني، منذ الآماد الموغلة في القدم حتي اليوم، في قيادة غير قيادة رسول الله (ص) و وصيه علي (ع).

و قد وفق الإمام (ع) توفيقا عظيما في قيادة الواعين لأهمية قيادته في الدنيا المسلمين علي الأقل.

كانت قيادته مبنية علي الحب و الاجلال معا، فبقدر ما كان يبذل من دف ء وده للامة، كان أتباعه يمنحونه الكثير من الود و التعظيم، الأمر الذي يذكرنا بسياسة رسول الله (ص) و يطرحها واقعا حيا في دنيا الناس، فالتجربة واحدة في هذا المضمار و سواه، و إن تغير الموقع التأريخي، و رحم الله صعصعة بن صوحان حيث يقول في وصفه للإمام (ع): «كان فينا كأحدنا، لين جانب، و شدة تواضع، و سهولة قياد، و كنا نهابه، مهابة الأسير المربوط للسياف الواقف علي رأسه».

و تتجلي عظمة الإمام (ع) في أخلاقه الاجتماعية من خلال المبادئ الآتية:

اشاعة العدل الاجتماعي بين الناس

جاءت الخلافة للإمام (ع) في ظروف بالغة الخطورة و التعقيد، فذووا النفوذ من الناس قد ألفوا الاستئثار و استراحوا إليه، و ليس يسيرا أبدا أن يذعنوا لأية محاولة إصلاحية تضر بمصالحهم الذاتية.

ثم إن المطامع قد تنبهت لدي الكثير من الرجال، بعد أن تحولت الخلافة مغنما لا مسؤولية لحماية الشريعة و الامة، و لقد كان الإمام (ع) مدركا لحقيقة الموقف بدقائقه و خفاياه، بشكل جعله يعتذر عن قبول الخلافة حين أجمعت الامة علي بيعته بعد مقتل الخليفة عثمان قائلا: «دعوني و التمسوا غيري، فإنا مستقبلون أمرا له وجوه و ألوان، لا تقوم له القلوب، و لا تثبت عليه العقول، و إن الافاق قد أغامت، و المحجة قد تنكرت … » [328] إلا أن جماهير المدينة المنورة، و جماهير الثوار من العراق و مصر أصروا

علي استخلافه عليهم، فنزل الإمام عند رغبتهم، و لكن وفقا لشروطه الخاصة، و هي: «و اعلموا أني إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم، و لم أصغ إلي قول القائل و عتب العاتب» [329].

و لقد كانت اولي مهام الإمام (ع) أن يجسد العدالة الاجتماعية في دنيا الناس، و يمنح المنهج الاسلامي فرصة البناء و التغيير علي شتي الأصعدة، فدشن (ع) خططه الاصلاحية، بإلغاء السياسة المالية و الاجتماعية و الإدارية التي كان معمولا بها، ليوفرالجو المناسب لتطبيق المخطط الاسلامي في العدالة الاجتماعية، فمن بنود خططه الاصلاحية:

أاسترجاع الأموال التي تصرف بها بنو امية من بيت مال المسلمين.

ب إبعاد الولاة الذين أساؤوا التصرف و خالفوا أمر الله تعالي، و تخطوا منهجه الأقوم الذي ارتضاه لعباده.

جتبني سياسة المساواة في توزيع المال و الحقوق، و إلغاء دور الطبقية و التمييز و الأثرة:

«المال مال الله، ألا و إن إعطاء المال في غير حقه تبذير و إسراف» [330].

«ألا لا يقولن رجال منكم غدا قد غمرتهم الدنيا فامتلكوا العقار، و فجروا الأنهار، و ركبوا الخيل، و اتخذوا الوصائف المرققة، إذا منعتهم ما كانوا يخوضون فيه، و أصرتهم إلي حقوقهم التي يعلمون، حرمنا ابن أبي طالب حقوقنا» [331].

و قد تبني الإمام سياسة العدل الشامل:

في معاملة أفراد الامة.

و في منهج الحقوق.

و في توزيع المسؤوليات.

و كان منهجه (ع) في العدل هو منهج الرسول (ص) ذاته.

فهلم نصغ إلي منهاجه المتبني في سياسة الامة بالعدل من خلال حديثه (ع): «و الله لأن أبيت علي حسك السعدان مسهدا، أو اجر في الأغلال مصفدا، أحب إلي من أن ألقي الله و رسوله يوم القيامة ظالما لبعض العباد، و غاصبا لشي ء من الحطام، و الله لو اعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها

علي أن أعصي الله في نملة أسلبهاجلب شعيرة ما فعلته، و إن دنياكم عندي لأهون من ورقة في فم جرادة تقضمها، ما لعلي و لنعيم يفني و لذة لا تبقي، نعوذ بالله من سبات العقل و قبح الزلل و به نستعين» [332].

«الذليل عندي عزيز حتي آخذ الحق له» [333].

«و ايم الله لأنصفن المظلوم من ظالمه، و لأقودن الظالم بخزامته حتي أورده منهل الحق و إن كان كارها» [334].

و لم تكن هذه المبادئ التي يتحدث عنها الإمام (ع) امنيات و أفكارا طرحها في دنيا المبادئ و الأفكار، و إنما جسدها واقعا حيا قبل أن يطرحها فكرا.

و هي خصيصة من خصائص علي (ع) فالقول عنده يعقب العمل أو يجري من طبيعته.

و من أجل ذلك ملأ الإمام (ع) دنيا المسلمين قسطا و عدلا و حقق انقلابا في واقعهم علي الصعيد الاجتماعي و الاقتصادي و السياسي، وفقا لمقتضيات العدل الإلهي فأعاد بذلك أيام رسول الله (ص) في صفائها و إشراقها و عدلها الشامل.

فحسبك أن أمير المؤمنين (ع) كان يرتدي القميص المرقوع [335]، و يبالغ في رقع مدرعته كلما تمزق جانب منها، حتي يبلغ الأمر به (ع) أن يستحي من راقعها [336].

و كان يخرج إلي السوق ليبيع سيفه كي يشتري بثمنه إزارا [337] و هو هو في علو شأنه، و عظمة مركزه الذي يحتله في دنيا المسلمين حيث تجبي إليه الأموال من أكثر أقاليم الدولة الاسلامية، و ثروات الدولة تحت تصرفه.و كان يأكل خبز الشعير بنخالته و غالب إدامه اللبن أو الملح و الماء.

و لم يكن للإمام (ع) غير قميص واحد لا يجد غيره عند غسله [338].

و مع شدة زهد الإمام (ع) في الدنيا، فقد كان حريصا علي توفير الرفاه

الاقتصادي للأمة التي اضطلع بقيادتها، فكان يقسم الذهب و الفضة بين الناس، و يطعمهم اللحم و الخبز [339] و يعمل كل ما في وسعه لرفع غائلة الفقر عنهم.

و كان بيت المال لا يكاد ترد إليه الأموال حتي يبادر الإمام (ع) إلي توزيعها علي الناس، لإعطاء كل ذي حق حقه.

و منهاجه في توزيع المال التزام أقصي درجات العدالة.

فها هو يخاطب الزبير و طلحة حينما كبر عليهما منهاج المساواة في العطاء:

«فو الله ما أنا و أجيري هذا إلا بمنزلة واحدة» [340].

و ها هو سهل بن حنيفعامله علي البصرةيخاطبه: «يا أمير المؤمنين! قد أعتقت هذا الغلام، فأعطاه ثلاثة دنانير مثل ما أعطي سهل بن حنيف» [341].

و يأتيه عاصم بن ميثم، و كان الإمام (ع) يقسم أموالا فقال: «يا أمير المؤمنين! إني شيخ مثقل.فقال الإمام (ع): (و الله ما هو بكد يدي و لا بتراثي عن والدي، و لكنها أمانة أوعيتها)» [342].

و جاءه عبد الله بن زمعةو هو من شيعته- يطلب منه مالا فقال له الإمام (ع): «إن هذا المال ليس لي و لا لك، و إنما في ء للمسلمين و جلب أسيافهم، فإن شركتهم في حربهم كان لك مثل حظهم، و إلا فجناة أيديهم لا تكون لغير أفواههم» [343] و يدخل عليه عمرو بن العاص ليلة و هو في بيت المال يتولي بعض شؤون المسلمين، فأطفأ الإمام (ع) السراج و جلس في ضوء القمر [344]، فالسراج ملك الامة، فلا يصح أن يستضي ء به ابن العاص، و هو في زيارة خاصة للإمام (ع)!

حرص فريد علي أموال الامة، و سهر دائم علي مصلحتها، و عمل دائب من أجل إسعادها و هدايتها و إصلاح شأنها.

علي أن تعاهد أمر الامة من لدن علي (ع)

ليس محصورا في إطار المال و توزيعه، و إنما يمتد لكي يشعر الانسان بكرامته، و يعيد وعيه بحقه في الحياة الحرة الكريمة، و يعلمه أن يتمرد علي الظلم و الكبت و سلب الإرادة:

«لا تكن عبد غيرك و قد جعلك الله و حرا».

«إنه لا ينبغي أن يكون الوالي علي الفروج و الدماء و المغانم و الأحكام و إمامة المسلمين، البخيل، فتكون في أموالهم نهمته: و لا الجاهل فيضلهم بجهله، و لا الجافي فيقطعهم بجفائه، و لا الحائف للدول، فيتخذ قوما دون قوم، و لا المرتشي في الحكم، فيذهب بالحقوق، و يقف بها دون المقاطع، و لا المعطل للسنة فيهلك الامة» [345].

«فلا تكلموني بما تكلم به الجبابرة، و لا تتحفظوا مني بما يتحفظ به عند أهل البادرة، و لا تخالطوني بالمصانعة، و لا تظنوا بي استثقالا في حق قيل لي، فإنه من استثقل الحق أن يقال له، أو العدل أن يعرض عليه كان العمل بهما أثقل عليه! فلا تكفوا عن مقالة بحق أو مشورة بعدل» [346].

و تمد ظلال العدالة في عهد أمير المؤمنين (ع) فيرعي أسواقهم من ناحية المكاييل و المعروض من السلع و طبيعة المعاملات فيها، فيخرج كل يوم يتفقد أسواق المسلمين بنفسه، فيرشد الضال، و يهدي المقصر إلي طريق الحق، و يأمر بكل معروف، و ينهي عن كل منكر [347].

و لشدة حرص الإمام (ع) علي تطبيق العدالة الاسلامية بأروع صورها أمام الناس، و علي شتي الأصعدة، أنه وجد درعه عند رجل نصراني، فوقف معه أمام القاضي ليقاضيه في الأمر.

فقال الإمام (ع): «(إنها درعي، و لم أبع، و لم أهب) فسأل القاضي الرجل النصراني: ما تقول فيما يقول أمير المؤمنين؟قال الرجل: ما الدرع إلا درعي، و ما

أمير المؤمنين عندي بكاذب، فالتفت القاضي للإمام (ع) طالبا بينة تشهد أن له الدرع.فضحك الإمام (ع) معلنا أنه لا يملك بينة من ذلك النوع، فقضي القاضي بأن الدرع للنصراني، فأخذها و مضي، و الإمام ينظر إليه.إلا أن الرجل عاد و هو يقول: أما أنا فأشهد أن هذه أحكام أنبياء، أمير المؤمنين يدينني إلي قاض يقضي عليه.الدرع و الله درعك يا أمير المؤمنين، و قد كنت كاذبا فيما ادعيت» [348].

و حصيلة الأمر أن يعلن الرجل إسلامه، و يخلص في الوقوف تحت راية الإمام (ع) مؤمنا مجاهدا ذائدا عن رسالة الهدي.

و بقدر ما كان الإمام (ع) حريصا علي تجسيد روح العدالة التي صدع بها رسول الله (ص)، لإخراج الانسان من ظلام الظلم و القهر و الكبت، كان حريصا كذلك علي إلزام ولاته و قضاته و قادة جيوشه، و جباة الأموال، بالتزام العدل في معاملة الناس، و تحري الحق في الحكم و القضاء و إعطاء الحقوق، و في جمع المال، حتي في حالات الحرب و سواها.

وصاياه للولاة

و هذه بعض وصاياه في هذا المضمار: «سع الناس بوجهك و مجلسك و حكمك، و إياك و الغضب فإنه طيرة من الشيطان و اعلم أن ما قربك من الله يباعدك من النار، و ما باعدك من الله يقربك من النار» [349].

«أنصف الله، و انصف الناس من نفسك، و من خاصة أهلك، و من لك فيه هوي من رعيتك، فإنك ألا تفعل تظلم، و من ظلم عباد الله كان الله خصمه دون عباده» [350].

و من توجيهاته لجباة الأموال

اشاره

«إنطلق علي تقوي الله وحده لا شريك له، و لا تروعن مسلما، و لا تجتازن عليه كارها، و لا تأخذن منه أكثر من حق الله في ماله، فإذا قدمت علي الحي فانزل بمائهم من غير أن تخالط أبياتهم، ثم امض إليهم بالسكينة و الوقار، حتي تقوم بينهم، فتسلم عليهم، و لا تخدج بالتحية لهم، ثم تقول:

عباد الله أرسلني إليكم ولي الله، و خليفته، لآخذ منكم حق الله في أموالكم، فهل لله في أموالكم من حق، فتؤدوه إلي وليه» [351].

«إياك أن تضرب مسلما أو يهوديا أو نصرانيا في درهم خراج، أو تبيع دابة عمل في درهم، فإنما امرنا أن نأخذ منهم العفو» [352].

و من تعليماته لجيوشه

و لقد كان (ع) يوصي جنوده في حالات الحرب بأن لا يبدؤوا بقتال العدو، حتي يبدأهم بالحرب، و لا يقتلوا من ولي دبره عن قتالهم، و لا يقتلوا الجريح و من عجزعن حماية نفسه أثناء الحرب، و لا يؤذوا النساء بشي ء حتي و إن بدأن بسب أو شتم. [353] و نحو ذلك من وصاياه(ع).

فهل نري عدلا رفيعا كهذا العدل؟

بل هل حدث التأريخ الانساني عن رجل يحب الخير حتي لخصومه الذين ناصبوه العداء؟

إنه علي (ع) صاحب القلب الكبير، الذي شمل الناس بحب غامر، فبسط لهم العدل في حياتهم، و أشعرهم بحقيقة الكرامة الانسانية، و وفر لهم غطاء من الأمن و الإستقرار في جو الشعور بالمساواة و الحياة الحرة الكريمة.

تواضع الإمام

خلق التواضع في معاملة الناس، بقدر ما يكون عبادة اسلامية يندب الشرع الإلهي إليها، كذلك يعبر عن إحدي صيغ التعامل الفاضل بين أبناء الامة، فهو من وسائل توحيد الكلمة و جمع الشمل، و إشاعة المودة و إلغاء التفاوت الطبقي.

و لقد كان الإمام علي (ع) مثلا أعلي في تواضعه، كما كان رسول الله (ص) من قبل.

و سيرته العطرة تطرح المزيد من الشواهد علي ذلك الخلق الاسلامي الرفيع:

يقول الإمام الصادق (ع): «كان أمير المؤمنين (ع) يحطب و يستسقي و يكنس، و كانت فاطمة تطحن و تعجن و تخبز» [354].

و كان الإمام (ع) يشتري حاجته و حاجة اسرته الكريمة من السوق بنفسه، و يحملها بيده، و هو أمير المؤمنين، الذي يحظي باحتلال أرفع مركز في حياة المسلمين، و لقدكان الناس يسرعون إليه لحمل أشيائه حين يرون ذلك منه، و لكنه يأبي عليهم و يقول: «رب العيال أحق بحمله» [355].

و كان (ع) يسير في الأسواق وحده، لا يصحبه حشم و لا

خدم، و لا جند، فيرشد الضال، و يعين الضعيف، و يمر بالبقالين و التجار و يأمرهم بالتواضع و حسن المعاملة و يتلو عليهم قوله تعالي: (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض و لا فسادا و العاقبة للمتقين) [356].

و من عظيم تواضعه (ع) أنه خرج يوما علي أصحابه، و هو راكب، فمشوا خلفه، فالتفت إليهم فقال:

«(ألكم حاجة؟) قالوا: لا، يا أمير المؤمنين! و لكنا نحب أن نمشي معك، فقال لهم: (إنصرفوا فإن مشي الماشي مع الراكب مفسدة للراكب و مذلة للماشي)» [357].

و قد استقبله زعماء الأنبار و ترجلوا و أسندوا بين يديه فقال (ع):

«(ما هذا الذي صنعتموه؟) قالوا: خلق منا نعظم به امراءنا.فقال (ع): (و الله ما ينتفع بهذا امراؤكم، و إنكم لتشقون به علي أنفسكم، و تشقون به في آخرتكم، و ما أخسر المشقة وراءها العقاب، و ما أربح الراحة معها الأمان من النار)» [358].

و من أدبه الكامل تسليمه علي النساء [359] من قومه، و مشيه مع المرأة لقضاء شأن من شؤونها، حتي و إن جلب له الأمر مشقة، فعن الإمام الباقر (ع) قال:

«رجع الإمام علي (ع) إلي داره في وقت القيظ، فإذا امرأة قائمة تقول: إن زوجي ظلمني، و أخافني، و تعدي علي.فقال الإمام: (يا أمة الله! اصبري حتي يبرد النهارثم أذهب معك إن شاء الله)، فقالت: يشتد غضبه علي.فطأطأ الإمام (ع) رأسه ثم رفعه و هو يقول: (لا و الله أو يؤخذ للمظلوم حقه غير متعتع! أين منزلك؟)، و وقف الإمام (ع) علي باب المنزل فقال: (السلام عليكم)، فخرج الشاب.فقال له الإمام (ع): (يا عبد الله، إتق الله، فإنك قد أخفتها و أخرجتها!) فقال الفتي: و ما أنت و

ذاك؟فقال أمير المؤمنين: (آمرك بالمعروف، و أنهاك عن المنكر، تستقبلني بالمنكر و تنكر المعروف؟) فأقبل الناس من الطرق يلقون التحية علي الإمام (ع) و يقولون: سلام عليكم يا أمير المؤمنين! فسقط في يديه، فقال: يا أمير المؤمنين! أقلني عثرتي، فو الله لأكونن لها أرضا تطأني.فالتفت الإمام إلي المرأة قائلا: (يا أمة الله! ادخلي منزلك و لا تلجئي زوجك إلي مثل هذا و شبهه)» [360].

و كان الإمام (ع) قريبا سهلا هينا يلقي أبعد الناس و أقربهم بلا تصنع و لا تكلف، و لم يحط نفسه بالألقاب و لا زخرفة الملك، بل كان يتعامل مع الامة كفرد منها، يعايش مشاكل الضعفاء، و يحب المساكين، و يتودد للفقراء، و يعظم أهل التقوي من الناس.

و لقد كان من شواهد رفقه بالامة و تواضعه في المعاملة و سهولته، و مرونته: مقابلته لمن يلقاه بطلاقة المحيا و الإبتسامة الحلوة و بشر الوجه، و إلغاء منه للحواجز و الرسميات بين القيادة و الامة، و إنهاء لدور الزخرفة و الألقاب التي يحيط بها الامراء و القادة أنفسهم عبر تعاملهم مع الناس.

و لاشتهاره بتلك الروح الاجتماعية السمحة بين عامة الناس، حاول أعداؤه أن يشوهوا تلك الميزة في الإمام (ع) و يحولوها إلي عيب ينبزونه فيه، إمعانا منهم في تشويه واقع خطه و سياسته و جميل صفاته الشخصية و الاجتماعية.

فعمرو بن العاص يحدث أهل الشام عن علي (ع) فيقول: أنه ذو دعابة شديدة، محاولا بذلك الانتقاص من شأن الإمام (ع)، و الإمعان في تغطية فضائله، و العمل علي كل ما من شأنه تضليل الناس هناك لكي يحال بينهم و بين التطلع لواقع الإمام (ع) و حقيقته.

حتي أن الإمام (ع) حين بلغه افتراء ابن العاص قال:

«عجبا لابن

النابغة! يزعم لأهل الشام أن في دعابة و إني امرؤ تلعابة» [361].

و لقد كان معاوية بن أبي سفيان يشيع ما يشيعه ابن العاص كذلك في مناسبة و اخري.

و ما يضر أمير المؤمنين (ع) إذا عابه معاوية و ابن العاص، فلقد كان (ع) يقتفي أثر رسول الله (ص) في سماحة أخلاقه و طلاقة محياه سواء بسواء.

و كان (ع) يعمل علي الالتصاق بالناس للتعرف إلي ما يعانون حتي أنه كان يمشي في الأسواق و يتابع الحركة التجارية من ناحية الوزن و الأسعار و نوعية المعروض من السلعكما ألمحنا فيما سبق.

و كان الإمام (ع) حريصا علي متابعة تصرفات الولاة في البلدان، و القادة وجباة الأموال، و يأمرهم بالرفق و التواضع في معاملة الناس.

و ما أروع روح التواضع عند علي (ع)، كما يصفها ضرار بن ضمرة في حديثه لمعاويةالذي افتتحنا به هذا الفصل: «يعجبه من اللباس ما خشن، و من الطعام ما جشب، كان و الله كأحدنا، يجيبنا إذا سألناه، و يبتدئنا إذا أتيناه، و يأتينا إذا دعوناه، يعظم أهل الدين، و يحب المساكين» [362].

حلم الإمام

و لقد كان الإمام (ع) قمة في حمله و عفوه عمن يسي ء الأدب معه، فهو لا يعرف الغضب إلا حين تنتهك للحق حرمته، أو تتعدي حدود الله تعالي، أو يتعدي علي حقوق الامة و تضر مصلحتها.

و خلق الإمام (ع) في الحلم و الصفح عن المسي ء ظل هو هو لم يتغير، فعلي (ع) في صفحه و حلمه قبل خلافته، كعلي في صفحه و عفوه أيام قيادته المباشرة للامة، علي أن عظمة الإمام (ع) تزداد قوة و جلاء حين يظل يصفح و يمعن في عفوه حتي عن أشد خصومه، في وقت يمتلك القدرة علي العقاب و الإرهاب

و القتل.

فهو في أيام خلافته في مركز يؤهله أن يقتص من خصومه، لأنه رئيس الدولة، و المطاع الأول بين أتباعه، غير أنه مع هذا و ذاك ظل يحمل نفس الروح من العفو و التجاوز، كما كان رسول الله (ص) قبله سواء بسواء.

و هذه نماذج من عفوه:

أسر مالك الأشتر (رض) مروان بن الحكم يوم الجمل، فلما مثل مروان بين يدي الإمام (ع) لم يستقبله بسوء قط، و إنما عاتبه علي موقفه الخياني اللئيم فحسب [363]، ثم أطلق سراحه، و مروان هو هو في حقده علي الاسلام و الإمام (ع)، و هو هو في دسائسه و مكره، و دوره الخبيث في تأجيج الفتن في وجه الإمام (ع) أشهر من أن تذكر، فهو الذي عارض البيعة للإمام (ع)، و هرب من المدينة المنورة بعد البيعة مباشرة، و هو الذي ساهم في فتنة البصرة، و ألهب الناكثين و أغراهم بالتعجيل بها، إلي غير ذلك من مواقفه الخسيسة.

و لقد عفا الإمام (ع) كذلك عن عبد الله بن الزبير [364]، بعد أسره يوم الجمل، و عبد الله بن الزبير هو الذي كان يقود الفتنة في حرب الجمل.

و جي ء بموسي بن طلحة بن عبيد الله، و كان طرفا في فتنة الجمل، فلما وقف بين يدي الإمام (ع) خلي سبيله، و لم يعنفه عن دوره في الفتنة، و إنما طلب منه أن يستغفر الله و يتوب إليه ثم قال: «إذهب حيث شئت، و ما وجدت لك في عسكرنا من سلاح أو كراع فخذه، و اتق الله فيما تستقبله من أمرك و اجلس في بيتك» [365].

و من عظيم عفوه ما رواه الإمام الباقر (ع) قال: «كان علي (ع) إذا أخذ أسيرا في حروب الشام

أخذ سلاحه و دابته و استحلفه أن لا يعين عليه» [366].

أرأيت موقفا إنسانيا كهذا الموقف؟

لقد كان الإمام (ع) مدركا أن الذين يقاتلونه من أهل الشام إنما يقاتلونه و هم عن حقيقته غافلون، فقد أغراهم معاوية بالمال، و سد عليه منافذ التفكير و الوعي علي الحقائق، بما استخدمه من وعاظ سوء، و واضعي حديث، ممن باعوا ضمائرهم للانحراف صوب الجاهلية.

و بناء علي هذا الوعي العلوي لحقيقة مقاتليه ممن أغراهم معاوية و غرر بهم، فقد سبق حلم الإمام (ع) عدله في معاملتهم فلم يعاقب من اتخذ منهم أسيرا، و إنما يجرده من أداة الشر، و يضعه أمام الله و الضمير، كي لا يعود لقتال معسكر الحق الذي يقوده الإمام (ع).

و يذكرنا هذا الموقف الكريم بموقف معاوية و عمرو بن العاص اللذين كانا يصران علي قتل الأشراف من جيش الإمام (ع)، بيد أنهما خشيا الفضيحة إذا أقدما علي ذلك بعد أن خلي الإمام (ع) عن أسراهم ابتداء، فعدل معاوية و صاحبه عن موقفهما، لا لطيب خلق منهما، و إنما خشية نقمة الرأي العام الاسلامي [367].

و لم نذهب بعيدا و تلك معركة صفين تحمل أحداثها الكثير الكثير من مواقف الصفح العلوي، فحين سبق جيش معاوية إلي ماء الفرات أصر علي منع الماء عن جيش علي (ع)، فأوفد الإمام (ع) لمعاوية و فدا كي يغير موقفه، و لكنه مضي في إصراره و موقفه غير الأخلاقي.

فاضطر الإمام (ع) لتحريك قوة من جيشه لفك الحصار.و كانت النتيجة أن سيطر جيش الإمام (ع) علي الماء، و لكنه (ع) حمله حلمه الرفيع و كرم نفسه علي بذل الماء لخصمه قائلا لجنوده:

«خذوا من الماء حاجتكم و ارجعوا إلي عسكركم.و خلوا عنهم فإن الله عز و جل

قد نصركم عليهم بظلمهم و بغيهم» [368].

و لقد كان مقدرا للإمام (ع) أن يذيقهم الهزيمة الشاملة لو أنه منعهم الماء، و حال بينهم و بينه، و لكنها الأخلاق الإلهية التي يتمسك بها، و يجسدها حية في دنيا الناس، تأبي عليه ذلك اللون من المواقف.لكي يقع التمييز بين منهج الهدي و الصراط المستقيم في الفكر و العمل الذي يمثله علي (ع)، و بين سبيل الانحراف و الالتواء و فقد الأخلاق التي يجسدها معاوية بن أبي سفيان.

و لنا أن نعرض شواهد من حلم الإمام (ع) و عظيم صفحه في حياته الخاصة كذلك:

«دعا الإمام (ع) غلاما له مرارا فلم يجبه، فخرج فوجده علي باب البيت فقال: (ما حملك علي ترك إجابتي؟) قال: كسلت عن إجابتك، و أمنت عقوبتك.فقال (ع): (الحمد لله الذي جعلني ممن تأمنه خلقه، امض فأنت حر لوجه الله)» [369].

و قد خاطبه رجل من الخوارج بقوله: «قاتله الله كافرا ما أفقه! فوثب أصحاب الإمام (ع) ليقتلوه، فقال الإمام (ع): (رويدا انما هو سب بسب أو عفو عن ذنب)» [370].

و هكذا شمل الرجل بعفوه، و حال بين القوم و بين معاقبته.و في سيرة الإمام (ع) الكثير من مثل هذه المواقف، التي تعبر عن خلق إلهي كريم، اطرت به شخصية علي (ع)، علي أننا لو غضضنا الطرف عن مواقف الحلم كافة التي اصطبغت بها حياة علي (ع) بالنسبة إلي المسيئين له أو أعدائه، لكان في موقف الإمام (ع) من قاتله ابن ملجم المرادي أعظم شاهد علي تمتع الإمام (ع) بنمط من الأخلاق السامية، لم يتمتع بها سوي الأنبياء و المقربين إلي الله، فهل أنبأك التأريخ عن إنسان عامل عدوه بنفس الروح التي عامل بها علي (ع) قاتله، لقد

شدد الإمام (ع) علي أهل بيته أن يطعموا قاتله و يسقوه و يحسنوا إليه، فعن الإمام الباقر (ع) و هو بصدد ذكر إحدي وصايا الإمام أمير المؤمنين (ع) في آخر حياته يقول:

«إن علي بن أبي طالب (ع)، قال للحسن و الحسين (ع): (إحبسوا هذا الأسيريعني ابن ملجم المراديو أطعموه و اسقوه، و أحسنوا أساره، فإن عشت فأنا أولي بما صنع في، إن شئت استقدت و إن شئت صالحت، و إن مت فذلك إليكم، فإن بدا لكم أن تقتلوه فلا تمثلوا به)» [371].

التورع عن البغي

و التورع عن البغي أصل من اصول نفسية الإمام (ع)، و خلق من أخلاقه الكريمة، و هو مظهر من مظاهر التقوي التي يمتاز بها، فهو يتحاشي البغي حتي علي أشد الناس خصومة له و للحق الذي هو عليه، و حتي إذا بغي عليه يبقي مصرا علي التزام خطه في النأي عما له صلة بأي لون من ألوان البغي.

و من أجل ذلك كان الإمام (ع) داعية السلم الأكبر، مع كثرة الشغب و الفتن التي أثارها النفعيون و الوصوليون في طريق مسيرته الاصلاحية:

بذل كل ما في وسعه أن يجنب الامة المسلمة سفك الدماء و تمزق الصف، حين ألح علي الزبير و طلحة أن يعدلوا عن موقفهم، سواء من خلال المراسلة، أم الوفود أم اللقاءات الشخصية المباشرة معهما [372].

و لقد بلغ الأمر بالإمام (ع) حين التقي الجيشان في البصرة أن يدعو الزبير فيخرج الإمام (ع) بغير سلاح، و يعانقه طويلا! و ربما بكي علي (ع) في ذلك الموقف، ثم عاتب الزبير علي خروجه لقتاله، و ذكره بعلائق المودة القديمة بينهما كما ذكره بقول رسول الله (ص) فيهما:

«انشدك الله يا زبير أما تذكر، قال لك رسول الله (ص):

(يا زبير أتحب عليا)، فقلت: و ما يمنعني من حبه، و هو ابن خالي؟فقال (ص): (أما إنك ستخرج عليه و أنت ظالم له). فقال الزبير. اللهم! بلي، قد كان ذلك» [373].

و حين أفلت الزمام و أصر الناكثون علي إشعال نار الحرب، بقي الإمام (ع) عند موقفه الرافض للبغي و العدوان، فلنصغ إليه و هو يخاطب جنوده:

«أيها الناس» انشدكم الله أن لا تقتلوا مدبرا، و لا تجهزوا علي جريح، و لا تستحلوا سبيا، و لا تأخذوا سلاحا و لا متاعا» [374].

و حتي بعد انتهاء المعركة بقي الإمام (ع) عند موقفه النائي عن العدوان، فأعلن العفو العام عن جميع المشتركين في حربه، القيادات و أتباعهم علي حد سواء.

و ذلك الخلق العلوي تجلي في حوادث صفين من بدايتها إلي نهايتها: يقطع البغاة عنه طريق الوصول إلي الماءو هو في حيويته لجيش مقاتل كبير مثل جيشهفلا يبادر لاستعمال العنف، بل يرسل الوفود، و يبذل المحاولات لتغيير الموقف بالتي هي أحسن، لكي لا تراق للمسلمين دماء، و لكن البغي الأموي الحاقد الذي يجسده قولهم: (و لا قطرة حتي تموت ظمأ) [375]، حمله علي إصدار أوامره لقواته بالتحرك لكسر الحصار و هكذا كان، و حين امتلك الماء أباحه لجيش عدوه منذ الساعة الاولي من سيطرة قواته عليه.

و مع أصحاب النهروان بذل الإمام (ع) كل مسعي لأجل إبعاد الناس عن القتال، و لكن إصرارهم علي قتال الإمام (ع) حال دون بلوغهم الصراط المستقيم، فعاثوا في الأرض فسادا و قتلوا نفوسا بريئة، و أثاروا البلبلة في البلاد، مما اضطر عليا (ع) إلي قتالهم، و لكن بعد محاولات عديدة منه أيضا لجمع الصف، و دعوات مستمرة لإقرار السلم و إلقاء السيف.

و في وصايا الإمام (ع)

لجيوشه وجباة المال و الولاة، مؤشرات أخري علي التزام علي (ع) لمنهاج عدم البغي و عدم العدوان علي أحد كائنا من كان، مما ذكرنا منه طرفا في الصفحات الماضية من هذا البحث.

و ما أعظم عليا أمير المؤمنين (ع) و هو ينص في عهده لمالك الأشتر علي وجوب التزام الرفق بالناس، و عدم التعامل بأي لون من ألوان البغي و التعالي علي الناس، و غمط حقوقهم المفروضة في شرع الله العظيم:

«و أشعر قلبك الرحمة للرعية، و المحبة لهم، و اللطف بهم، و لا تكونن عليهم سبعا ضاريا تغتنم أكلهم، فإنهم صنفان: إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق، فأعطهم من عفوك و صفحك مثل الذي تحب و ترضي أن يعطيك الله من عفوه و صفحه.

أنصف الله، و أنصف الناس من نفسك و من خاصة أهلك، و من لك فيه هوي من رعيتك، فإنك الا تفعل تظلم، و من ظلم عباد الله كان الله خصمه دون عباده، و من خاصمه الله أدحض حجته، و كان الله حربا حتي ينزع، أو يتوب» [376] و لم يكن منهاج علي (ع) هذا خاصا بأهل مصر، و إنما هو منهاجه الشامل لكل البلاد التي رفرفت راية دولته الكريمة عليها.

و لقد كان الإمام (ع) يعهد إلي ولاته في الأمصار مثل الذي عهده إلي مالك (رض) في وجوب إشاعة العدل، و الرفق بالناس، و عدم البغي عليهم بحال من الأحوال أو معاملتهم بأي لون من ألوان الظلم.

و لقد ذكرنا بعضا من وصاياه للولاة فيما مضي من حديث.

شواهد من صبر الإمام

و قوة الإدارة و الروح العالية في مواجهة مصاعب الحياة، ركن أساس في شخصية علي (ع)، و قد لا نغالي إذا اعتبرناها قاعدة

للكثير من مواقف الإمام (ع) في حياته العملية، مما ذكرناه أو مما لم نذكره، فشدة تعلقه بالله و كثرة عبادته، و تورعه عن البغي، و زهده في الحياة الدنيا، و صفحه عمن يسي ء إليه و كثير غيرها، مؤشرات ضخمة علي تسلح الإمام (ع) بصبر لا يعرف الهزيمة، و لا النكوص عن القصد، بشكل جعله (ع) كأنه الصبر صار إنسانا.

و مع أن تلك المواقف و الممارسات، تمنح الدليل تلو الدليل علي حجم الصبر الذي يتمتع به الإمام (ع)، فإنه من المناسب أن نذكر إلي جانب ذلك مواقف و أحداثا جرت في حياة علي (ع)، و قد واجهها بالصبر و رباطة الجأش التي لا نظير لها، نذكر منها:

1حين أجمعت قريش في دار الندوة علي قتل المصطفي (ص) من خلال عملية جماعية، يتولاها من كل قبيلة شاب قوي، ليذهب دم الرسول (ص) هدرا بزعمهم دون أن تستطيع بنو هاشمعشيرة النبيأن تطالب بدمه.

حين أجمع رؤوس الشرك علي تدبير ذلك الجرم، أنبأ الله تعالي رسوله (ص) بأمرهم: (و إذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك و يمكرون و يمكر الله و الله خير الماكرين). (الأنفال: 30)

و أمره تعالي بوجوب الهجرة إلي دار الاسلام «يثرب»، فخرج (ص) مهاجرا بعد أن ترك عليا (ع) في فراشه، ملتحفا ببردته، فقضي الإمام (ع) ليلته في فراش رسول الله (ص)، دون أن يكترث بما حوله من مكر مبيت.فلقد كان محتملا أن ينقض اولئك الأوغاد علي الإمام (ع) بسيوفهم دون رحمة، مدفوعين بالحقد الجاهلي الأسود البليد، ظنا منهم أنه رسول الله (ص)، و الإمام (ع) كان يتوقع ذلك منهم، و لكن إرادة علي و رباطة جأشه المعروفة المستمدة من الثقة المطلقة بالله و

الإيمان الكامل بقدره و قضائه تعالي، و قوة صبر الإمام (ع) علي مواجهة المصاعب و الأحداث، قد حملته علي أن يسخر بما يبيتون، حتي إذا طلع الصباح هجم القوم علي حجرة الرسول (ص) و علي (ع) فيها، و هم يظنون أنه رسول الله (ص)، فواجههم الإمام (ع) بصلابة إرادته المعهودة:

«(ما شأنكم؟) قالوا: أين محمد؟قال: (أجعلتموني عليه رقيبا؟ألستم قلتم نخرجه من بلادنا؟فقد خرج عنكم!!)».

هكذا يخاطب الإمام علي (ع) المتآمرين بمنتهي الصبر و الإباء و الصرامة، ساخرا باولئك الأوباش.

إنه موقف شجاع، تتصاغر أمامه إرادة الأبطال من الرجال!

و بتلك الإرادة بقي الإمام (ع) في مكة بعد هجرة رسول الله (ص)، يواجه مسؤولياته في تنفيذ وصايا الرسول (ص) و أداء المهمات المناطة به كافة.

2و في يوم هجرته خرج الإمام (ع) جهارا يقود قافلة المهاجرات من أهل البيت: فاطمة الزهراء، و فاطمة بنت أسد و سواهما، فجرت محاولة من المشركين للحيلولة دون هجرته، و لكن إرادة علي (ع) و قوة تحمله للعقبات أفشلت المحاولة فلم يعبأ بالفرسان الثمانية الذين ارسلوا لاعتراض سبيله، فواجههم بسيفه، و أهوي به علي قائدهم بضربة قاضية، تحول الرجل بعدها إلي جثة هامدة يخور بدمه في تلك الفلاة من الأرض، ففر الباقون مخلفين قائدهم المضرج في الميدان [377].

3و في دار الهجرة واجه الإمام (ع) مسؤولياته العظيمة جنديا من جنود الرسالة في الرعيل الأول، فأبدي (ع) من قوة الإرادة و مضاء العزيمة و القدرة علي مواجهة المصاعب، ما يعد مفخرة يعتز بها الإنسان الملسم بامتداد وجوده التأريخي، فالإمام (ع) عبر المعارك الهجومية و الدفاعيةالتي خاضها رسول الله (ص) من أجل نشر الرسالة الإلهية أو حماية وجودها العملي في حياة الناسكان قطب رحاها، الخائض المقدام لغمراتها، الذي لا تأخذه

في الله لومة لائم، من أجل إخماد طغيان الشرك و المشركين و أعداء الرسالة المتربصين كافة، فما من حرب تسعر و ما من معركة تدور رحاها إلا دعي علي (ع) لإخماد فتنتها و تنكيس رايات الجاهلية فيها: في بدر، و احد، و الأحزاب، و حنين، و خيبر … و … و … الخ.

و في كثير من المواقف يسود الهلع في معسكر المسلمين، و يستبد الوهن و النكوص عن مواجهة العدو، فيعيد سيف علي (ع) الثقة للنفوس و يجدد في معسكر الإيمان روح القدرة علي المواجهة و صد العدوان.

الأمر الذي يكشف عما يتمتع به الإمام (ع) من نفس كبيرة تعلو علي كل وهن، و تسخر من كل ضعف، و ترتفع فوق كل ذلة و هوان، إنها قوة الارادة، و مضاء العزيمة، و شدة الصبر علي المكاره، مقرونة باليقين العميق بالله تعالي، و الاستمداد منه و التوكل عليه دون سواه.

4و قد تولي الإمام (ع) الخلافة في ظروف صعبة دقيقة علي مضضو بعد محاولات عديدة من الرفض لها من قبلهو ما أن عقدت له البيعة حتي نكث قوم و قسط آخرون، و مرق غيرهم، كل ذلك من أجل أن يحال بين الإمام (ع) و بين استئناف المسيرة الاسلامية التي بدأها رسول الله (ص). و لقد تحمل أمير المؤمنين (ع) ما تحمل من الآلام و المشقات في سبيل إخماد الفتن السوداء التي أثارها أصحاب المنافع الشخصية و أصحاب المصلحة من سياسة الانحراف، في طريق مسيرته الاصلاحية، فقابل كل ذلك بالصبر الجميل، و بالتسليم لقضاء الله تعالي، حتي رحل إلي ربه الأعلي شهيدا.

5و إذا تركنا تلك الامور جانبا و ألقينا نظرة علي جوانب اخري من حياة الإمام (ع)، لنحدد مواقع

الصبر و الإرادة الصلبة، لما صح أن تفوتنا مواقف الصبر التي وقفها أمير المؤمنين (ع) حين فارق أحبته و رفاق الدرب، و أولهم رسول الله (ص) الذي فاضت نفسه الشريفة في حجره (ع) [378]، و واراه الثري بنفسه، و عايش مأساة فراقه بكل أبعادها، و ها هو يخاطب رسول الله (ص)، و هو يلي غسله و تجهيزه بكلمات خزينة تدمي القلب و تزرع الأسي: «بأبي أنت و امي يا رسول الله! لقد انقطع بموتك ما لم ينقطع بموت غيرك من النبوة و الإنباء و أخبار السماء.خصصت حتي صرت مسليا عمن سواك؟و عممت حتي صار الناس فيك سواء، و لو لا أنك أمرت بالصبر، و نهيت عن الجزع، لأنفدنا عليك ماء الشؤون، و لكان الداء مماطلا، و الكمد محالفا، و قلا لك، و لكنه ما لا يملك رده، و لا يستطاع دفعه! بأبي أنت و امي، اذكرنا عند ربك، و اجعلنا من بالك» [379].

و إذا أعدنا إلي الأذهان ما يحظي به رسول الله (ص) من حب و تعظيم في نفس أمير المؤمنين (ع)، لأدركنا حجم الأسي الذي صب علي الإمام (ع) بفقده (ص)، فعلي (ع) قد حظي بتربية الرسول (ص) و رعايته و إعداده و مصاحبته، منذ الصبا حتي فارق رسول الله (ص) الدنيا.و لقد كانت تلك التربية و تلك الأخوة بينهما مليئة بضروب الود و الحنان و الوفاء و الإخلاص مما ليس له نظير.

علي أن الإمام (ع) التزم جانب الصبر، راضيا بقضاء الله المحتوم في رسول الله (ص).

6 و في خضم الأحداث المريرة التي عايشها أمير المؤمنين (ع) في هذه الفترة، ألمت بالزهراء سيدة نساء العالمين العلة، التي توفيت علي أثرها، فلحقت بالراحل العظيم أبيها، حيث

كان الإمام (ع) طوال فترة المرض الذي عانت منه فاطمة (ع) يعايش ما تعاني بمل ء كيانه، فهي وديعة رسول الله (ص) و مدرسة الإمامة التي خرجت قادة الامة الهداة (ع)، و هي الصابرة المحتسبة، و هي بعد ذلك زوجه الوفية التي عاشت معه آماله و آلامه طوال حياتها.

لقد رأي الإمام (ع) زهراء الاسلام، بعد رسول الله (ع)، و هي تعايش مرارة الأسي، ثم و هي تستسلم لفراش المرض، فيشحب لونها، و تتردي أوضاعها الصحية يوما بعد يوم، ثم يراها و هي تفارق الدنيا، فيباشر تغسيلها و تجيزها و دفنها (ع)، ثم يقف علي شفير قبرها مودها بعبارات تذيب القلوب القاسية:

«السلام عليك يا رسول الله عني، و عن ابنتك النازلة في جوارك، و السريعة اللحاق بك! قل يا رسول الله عن صفيتك صبري، و رق عنها تجلدي، إلا أن في التأسي لي بعظيم فرقتك، و فادح مصيبتك، موضع تعز، فلقد و سدتك في ملحودة قبرك، و فاضت بين نحري و صدري نفسك (فإنا لله و إنا إليه راجعون)، فلقد استرجعت الوديعة، و اخذت الرهينة! أما حزني فسرمد، و أما ليلي فمسهد إلي أن يختار الله لي دارك التي أنت بها مقيم، و ستنبئك ابنتك بتضافر امتك علي هضمها، فأحفها السؤال، و استخبرها الحال، هذا و لم يطل العهد، و لم يخل منك الذكر، و السلام عليكما سلام مودع، لا قال، و لا سئم، فإن أنصرف فلا عن ملالة، و إن اقم فلا عن سوء ظن بما وعد الله الصابرين» [380].

و هكذا استسلم الامام (ع) لقضاء الله تعالي و استعان علي الأسي بجميل الصبر.

7و كما صبر الإمام (ع) لفقد رسول الله (ص) و الصديقة الزهراء (ع)، تجمل بالصبر

كذلك لفقد اخوة له في الله، انقطعوا إليه في الوفاء، و بذلوا أرواحهم و كل ما يملكون في سبيل رسالة الله تعالي، و قد تصدوا لهدم الباطل، و واجهوا الانحراف، فاستشهدوا في ساحات الجهاد، كعمار بن ياسر، و مالك بن التيهان، و ذي الشهادتين خزيمة بن ثابت الأنصاري، و مالك الأشتر، و محمد بن أبي بكر و سواهم.

و ها هو الإمام (ع) يذكرهم قبل اغتياله بأيام في خطبة له جاء فيها:

«(أين إخواني الذين ركبوا الطريق و مضوا علي الحق؟أين عمار؟و أين ابن التيهان؟و أين ذو الشهادتين؟و أين نظراؤهم من إخوانهم الذين تعاقدوا علي المنية، و ابرد برؤوسهم إلي الفجرة؟) ثم أطال البكاء و قال: (أوه علي إخواني الذين تلوا القرآن فأحكموه، و تدبروا الفرض فاقاموه، أحيوا السنة، و أماتوا البدعة.دعوا للجهاد فأجابوا، و وثقوا بالقائد فاتبعوه)» [381].

8و من شواهد صبر الإمام (ع) كذلك، رفضة للدنيا و لذاتها و تحمله لأذي الجوع، و التقشف، و زهده بالمال حتي يبلغ به الحال أحيانا أن يشد حجر المجاعة [382] علي بطنه، و لقد رأيت في حديثنا عن زهده و عدالته ما يغنيك عن تعداد شواهداخري من قوة تحمله و إرادته في مواجهة المشقات و عقبات الحياة.

و هكذا عاش الإمام (ع) حياة مليئة بالكدح و الآلام، زاخرة بالرزايا، حافلة بالمحن، غير أنه واجهها جميعا بقوة صبره، و عظيم إرادته التي لا تقهر.

في حقل المعرفة

إن محاولة الحديث عن دنيا المعرفة عند علي (ع) مهما اعطيت من التوفيق، يستحيل عليها أن تحد الفكر العلوي العظيم، و تحيط بأبعاد معرفته التي تميز بها (ع) و طرحها في ساحة الفكر الانساني.

و حسبك أن كل مدرسة فكرية ظهرت في دنيا المسلمين، كل منها تعلن انتماءها فكريا

للإمام (ع) حتي و إن كانت مخالفة للواقع و الحق، و كأن قولها بالاستمداد من علي (ع) يعطيها صفة الشرعية و حق الحياة، فالأشاعرة نسبوا أنفسهم له، و المعتزلة ادعوا الانتماء إليه، و زعمت مدرسة الرأي في الفقه انتماءها إليه، و ذهب المتصوفة إلي أن إمامهم أمير المؤمنين فيما ذهبوا، و سوي هؤلاء كثير [383].

هذا فضلا عن حملة مبادئه من الذين التزموا مذهب أهل البيت (ع)، الثقل الثاني بعد القرآن الكريم، اللذين ألزمت الشريعة التمسك بهما و سلوك دربهما، علي لسان رسول الله (ص) مبلغا عن الله عز و جل:

«إني مخلف فيكم الثقلين، كتاب الله و عترتي أهل بيتي، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا أبدا، و إنهما لن يفترقا حتي يردا علي الحوض» [384].

فادعاء جميع المدارس الفكرية و الفقهية انتماءها للإمام علي (ع)، و انتهالها من فيض علمه، مؤشر كبير علي عظمته (ع) و علو شأنه في دنيا الفكر الاسلامي.الأمر الذي لم يكن لأحد من المسلمين بعد رسول الله (ص) طوال التاريخ الاسلامي.فعلي (ع) قد تنازعته كل الحركات الفكرية و الفقهية التي ولدت في تاريخ المسلمين، بل قال بالانتساب إليه أصحاب النشاطات الفكرية و الثقافية و العلمية من نحويين و أهل القراءات و علماء التفسير و أهل الحديث و الفقه و سواهم، علي أن الانتساب و أهل القراءات و علماء التفسير و أهل الحديث و الفقه و سواهم، علي أن الانتساب لعلي (ع) في الحقل المعرفي أو ادعاء الانتساب إليه، لم يأت عفوا أبدا، و إنما هو شاهد قوي علي أن عليا (ع) لم يترك حقلا من حقول المعرفة الصحيحة إلا وضع اسسه و حدده معالمه، و ترك الباب مفتوحا لرواد المعرفة أن ينهلوا

منه.

و لم يكن العطاء الفكري العظيم الذي أسداه الإمام (ع) للانسان إلا حصيلة طبيعية للإعداد الخاص الذي توفر له من لدن رسول الله (ص) منذ طفولته (ع) حتي آخر ساعة من حياة الرسول (ص).

و لقد أشار الإمام (ع) نفسه إلي ذلك الإعداد الذي وفره له رسول الله (ص) و كشف عن أهمية و أبعاده في حياته (ع) بقوله:

«و قد علمتم موضعي من رسول الله (ص) بالقرابة القريبة، و المنزلة الخصيصة.وضعني في حجره، و أنا ولد، يضمني إلي صدره، و يكنفني في فراشه، و يمسني جسده، و يشمني عرفه، و كان يمضغ الشي ء ثم يلقمنيه، و ما وجد لي كذبة في قول، و لا خطلة في فعل.و لقد كنت أتبعه اتباع الفصيل أثر امه.يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علما، و يأمرني بالإقتداء به.و لقد كان يجاور في كل سنة بحراء، فأراه، و لا يراه غيري، و لم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول الله (ص) و خديجة، و أنا ثالثهما.أري نور الوحي و الرسالة.و أشم ريح النبوة» [385].

و لاستمرارية ذلك الإعداد الخاص لعلي (ع) يشير أبو سعيد الخدري (رض) بقوله: «كانت لعلي من رسول الله (ص) دخلة لم تكن لأحد من الناس» [386] و عن ابن عباس (رض) عن علي (ع) قال:

«كان لي من النبي (ص) مدخلان: مدخل بالليل، و مدخل بالنهار» [387].

و لقد كان ذلك الإعداد الرسولي منصبا علي جميع جوانب شخصية الإمام (ع) من أجل تأهيله فكريا و نفسيا لاحتلال موقع المرجعية الفكرية و السياسية للامة الاسلامية بعد غياب رسول الله (ص) عن مسرح الحياة.

و حيث إن حديثنا هذا يهدف إلي دراسة العطاء الفكري الثر الذي وهبه الإمام (ع) للانسانية،

فلا بد من الاشارة إلي أن رسول الله (ص) حين أكمل بناء الجانب الفكري من شخصية الإمام (ع) و أهله لخلافته في هذا المضمار، أخذ (ص) يبلغ الامة بحقيقة ما وصل إليه الإمام (ع) من مستوي عظيم في ميدان المعرفة:

قال (ص):

«انا مدينة العلم و علي بابها، فمن أراد العلم فليأته من بابه» [388].

«علي باب علمي و مبين لامتي ما ارسلت به» [389].

و عن ابن مسعود قال: «كنت عند النبي (ص) فسئل عن علم علي (ع)؟فقال: (قسمت الحكمة عشرة أجزاء، فاعطي علي تسعة أجزاء و الناس جزاء واحدا، و هو أعلم بالعشر الباقي)» [390].

و هناك أحاديث شريفة بهذا الشأن لا تكاد تحصي كثرة، و هي تهدف جميعا إلي بيان المكانة التي يحتلها الإمام (ع) في الجانب المعرفي، و تدعو الامة صراحة إلي وجوب أخذ معارف التشريع الإلهي عن طريقه [391]، فمنه تستمد الهدي، و هو الصراط المستقيم الموصل إلي الله تعالي بعد رسول الله (ص).

و لقد أدرك الكثير من معاصري الإمام (ع) ما يحظي به الإمام (ع) من علو شاهق في مجالات المعرفة بشتي حقولها و جوانبها، و ما يتبوؤه من مقام رفيع في مسيرة الاسلام الخالدة:

فها هو ابن عباس (رض) يقول: اعطي علي بن أبي طالب (ع) تسعة أعشار العلم، و إنه لأعلمهم بالعشر الباقي [392].

و عطاء بن أبي رباح يقول، حين سئل: هل تعلم أحدا بعد رسول الله (ص) أعلم من علي؟لا و الله ما أعلمه.

و عمر بن الخطاب يقول:

العلم ستة أسداس، لعلي من ذلك خمسة أسداس، و للناس سدس، و لقد شاركنا في السدس حتي لهو أعلم منا به.

و لكم كان الخلفاء الذين سبقوه تأريخيا يرجعون إليه في مسائل القضاء و الحكم و الادارة،

حتي أن عمر بن الخطاب كان يردد: «لا أبقاني الله لمعضلة ليس لها أبو الحسن» أو يقول: «أعوذ بالله من معضلة لا علي لها» [393].

و عائشة تقول: «علي أعلم الناس بالسنة» [394] و غيره هؤلاء كثير.

علي أن أمير المؤمنين (ع) قد أفصح مرارا و في مناسبات شتي عما يحمل من علم شامل غزير.

فتراه يخاطب أصحابه بأن صدره يحمل علما عظيما تلقاه من رسول الله (ص)، و لو وجد له حملة أمناء يتصدون لحمله و تبليغه لأودع بعض علمه لديهم:

«إن في صدري هذا لعلما جما، علمنيه رسول الله (ص) و لو أجد له حفظة يرعونه حق رعايته، و يروونه عني كما يسمعونه مني، إذا لأودعتهم بعضه» [395].

ثم يكشف في مناسبة اخري عن حجم ذلك العلم الذي يحمل، و يبين أبعاده و مساحته:

فعن ابن نباتة قال:

«لما بويع أمير المؤمنين (ع) بالخلافة خرج إلي المسجد معتما بعمامة رسول الله (ص) لابسا بردته، فصعد المنبر، فحمد الله و أثني عليه، و وعظ، و أنذر، ثم جلس متمكنا، و شبك بين أصابعه، و وضعها أسفل سرته، ثم قال: (يا معشر الناس! سلوني قبل أن تفقدوني، سلوني فإن عندي علم الأولين و الآخرين، أما و الله لو ثنيت لي الوسادة لحكمت بين أهل التوراة بتوراتهم، و بين أهل الإنجيل بإنجيلهم، و بين أهل الزبور، بزبورهم، و بين أهل الفرقان بفرقانهم، حتي ينهي كل كتاب من هذه الكتب و يقول: يا رب! إن عليا قضي بقائك، و الله إني لأعلم بالقرآن و تأويله من كل مدع علمه). ثم قال: (سلوني قبل أن تفقدوني، فو الذي فلق الحبة و برأ النسمة لو سألتموني عن آية آية لأخبرتكم بوقت نزولها، و فيم نزلت، و

أنبأتكم بناسخها من منسوخها، و خاصها من عامها، و محكمها من متشابهها، و مكيها من مدنيها، و الله ما من فئة تضل أو تهدي إلا و أنا أعرف قائدها و سائقها و ناعقها)» [396] «سلوني فو الله لا تسألوني عن شي ء إلا أخبرتكم، و سلوني عن كتاب الله، فو الله ما من آية إلا و أنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار أم في سهل أم في جبل» [397].

و لقد قدر أن عليا (ع) لم يتسن له أن يساهم بما ساهم به من علم جمالأمر الذي سنتناول خطوطه العريضة في هذا الفصلفي المجالات الفكرية، فإن نداءاته الملحة في مناسبة و اخري: (سلوني قبل أن تفقدوني) آية جلية علي قدراته الفائقة في حقول المعرفة بشتي ضروبها و امتداداتها.و لو قدر كذلك أن الرسول (ص) لم يكشف عما لعلي (ع) من سابقة في العلم و علو شاهق في المعرفة، لكان إصرار علي (ع) علي دعوة الناس لتلقي العلوم منه، شاهدا قويا لا يرد علي ما له (ع) من علم غزير، فإن ثقته العالية بنفسه في مضمار العلم هي التي تدفعه دفعا لتكرار ذلك النداء الفريد، الذي ما حدثنا التاريخ أن رجلا أقدم عليه قبل علي (ع) خوف الفضيحة و النكوص عن الإجابة!

و لقد تنبه الكثير من أصحاب العقول إلي ما ينطوي عليه ذلك النداء العلوي: (سلوني) من أهمية بالغة، فقد قال سعيد بن المسيب:

«ما كان أحد من الناس يقول: سلوني، غير علي بن أبي طالب» [398].

و عن ابن شبرمة يقول: «ليس لأحد من الناس أن يقول علي المنبر: سلوني، إلا علي بن أبي طالب» [399].

فالنداء المذكور بكثرة إلحاحه و حرارته، يحمل بين ثناياه دليلا علي ما حواه الإمام

(ع) من علم شمولي يمد الانسان بالغني و الخير و الهدي و السداد.

من أبعاد المعرفة عنده

اشاره

بمقدورنا بعد إيراد التوطئة المتعلقة بالحقل المعرفي عند أمير المؤمنين أن نقول إن تصورا قد تكامل لدينا حول عمق المعرفة و شمولها عند الإمام (ع) فهو: وريث رسول الله (ص) و المبين للامة ما بعث به، و مرجعها في كل تساؤلاتها الفكرية الملحة، كل ذلك كان حصيلة لإعداد مسبق من لدن رسول الله (ص) أشرنا لبعض مصاديقه فيما مضي من حديث.

بقي أن نشير في هذا الفصل إلي أبعاد المعرفة التي أسداها الإمام (ع) للانسان، المسلم منه و غير المسلم.

ففكر علي (ع) و إن كان رساليا هادفا إلي خدمة الرسالة الإلهية و حملتها، و عاملا علي دفع عجلة مسيرة الاسلام التاريخية إلي الأمام، فإنه يبقي منهلا عذبا تنهل منه الانسانية بشتي نحلها و اتجهاتها الفكرية، و هو كفيل بهدايتها إلي الحق و إلي صراط مستقيم.

و قبل أن نعرض الخطوط العامة للجانب المعرفي عند الإمام (ع)، جدير بنا أن نشير إلي أنه (ع) علي الرغم مما طرحه في دنيا الفكر الانساني من أبواب المعرفة المتعددة، فإنا نظل عند قناعتنا من أن الإمام (ع) لم تسعفه الظروف الاجتماعية و السياسية علي حد سواء في أن يسدي للانسان بالكثير مما عنده من معرفة.

فإذا أهملنا أثر الظروف السياسية التي ألمت بالإمام (ع) و منعته من أداء مهماته علي الشكل المرجو من أجل مصلحة الرسالة و الانسان، فإن الظروف الاجتماعية لا تقل خطرا عن تلك الظروف، فالمجتمع الذي عايشة الإمام (ع) لم يكن في مستواه من ناحية وعيه الحضاري قادرا علي إدراك الإمام و أهميته و دوره الرسالي الخطير في حياة الناس، و لعل أبلغ شاهد علي ذلك

ما كان يواجهه الإمام (ع) من تساؤلات فجة و اعتراضات تافهة حين يدعو قومه للإفادة مما يحمل من علم جم، تلقاه من رسول الله (ص).

و نذكر بهذا الصدد بعض تلك المواقف التي تقطر سخفا و بلادة، فقد خاطب الناس مرة بقوله:

«(سلوني قبل أن تفقدوني فو الله لا تسألوني عن فئة تضل مائة و تهدي مائة إلا أنبأتكم بناعقتها و سائقتها). فقام إليه سنان بن أنس النخعي قائلا: أخبرني بما في رأسي و لحيتي من طاقة شعر!!» [400].

و بينما كان الإمام (ع) يوما يحدث قومه عن بعض حوادث المستقبل كبر علي أعشي باهلةعامر بن الحارثما تحدث به الإمام (ع) فقال له:

يا أمير المؤمنين! ما أشبه هذا الحديث بحديث خرافة [401].

و علي الرغم من ذلك كله فينبغي ألا نغفل عما كان ينطوي عليه ذاك المجتمع من طلاب للمعرفة من أجل الوصول إلي الهدي و الخير.

و كانت تلك الفئة واعية لحقيقة الإمام (ع) مؤمنة بقدرته الفائقة علي طرح شتي أنواع الفكر الاسلامي في العقائد و التشريع و في مختلف أبواب المعرفة الضرورية لمسيرة الانسانية كلها.

و قد قابل أمير المؤمنين (ع) اولي الألباب بنفس الثقة التي أولوها له، فخصهم بالكثير من ألوان الإعداد و التوجيه و التثقيف ليواصل المسيرة التي بدأها رسول الله (ص) و التي يقودها خط الإمامة عبر التاريخ الاسلامي، ابتداء بعلي (ع) و انتهاء بأبي القاسم الإمام المهدي (ع). و بلغ بالإمام (ع) أن يكشف الكثير من أسرار المعرفة لاولئك المتقين الأفذاذ من الرجال [402].

كما و قد واصل الإمام (ع) أمر إعداد الحملة الحقيقيين للرسالة الإلهية ممن بدأ الرسول (ص) عملية إعدادهم أو غيرهم.

علي أن الذي توفر للإمام (ع) طرحه، من آراء و مبادئ و حكم و

مفاهيم في ساحة الفكر الانساني، كفيل بعضه دون جميعه بإبراز عظمة الإمام (ع) و قدراته العلمية الفائقة.

و ها نحن أولا، نعرض صورا من المعرفة عند الامام (ع):

صور من الفكر العقائدي

للإمام (ع) باع طويل في عرض الصيغ المحددة للعقائد الاسلامية، من خلال ما طرحه من خطب و رسائل و مواعظ و مناقشات.

و الباحث فيما خلفه الإمام العظيم (ع) من ثروة فكرية يتجلي له بعمق أن أمير المؤمنين (ع) قد أعطي للعقيدة الاسلامية و ركائزها الأساسية علي وجه الخصوص الكثير من الاهتمام و العناية، و أغلق الباب بوجه أي شذوذ و انحراف و عدول عن مضامينها الحقيقية بأسلوب واضح و جلي لا يمكن صرفه أو تأويله لأي معني آخر غير ما أراده الإمام (ع). فالله تعالي و أسماؤه الحسني و صفات ذاته و صفات أفعاله، و الرسالة و النبوة و الوحي، و الملائكة و الإمامة و القضاء و القدر، و البعث و النشور و فلسفة الدنيا و الجنة و الحساب و سواها من اسس العقيدة الاسلامية، قد طرحها الإمام (ع) في صيغ محددة نابضة بقوة الحجة و البرهان و الوضوح.

و لو قدر للامة المسلمة بجميع فرقها أن تنهل من المنهل العذب الرقراق الذي فجره علي (ع) في دنيا الفكر الاسلامي، لاجتمعت الكلمة و توحد الصف و الهدف، و ما شهدت دنيا المسلمين أي لون من ألوان الشطحات و الانحرافات المضلة التي جنح إليها رهط من أتباع المدارس الفكرية عند المسلمين.

و بقدر ما تسمح به محاولتنا لدراسة الخطوط العامة لما خلفه لنا الإمام أمير المؤمنين (ع) من ثروة فكرية سنعرض نماذج من الفكر العقائدي الذي زين الإمام (ع) به صفحات الفكر الانساني بشكل عام:

وحدانية الله

«الحمد لله الذي لا يبلغ مدحته القائلون، و لا يحصي نعماءه العادون، و لا يؤدي حقه المجتهدون، الذي لا يدركه بعد الهمم، و لا يناله غوص الفطن، الذي ليس لصفته حد محدود، و لا

نعت موجود، و لا وقت معدود، و لا أجل ممدود، فطر الخلائق بقدرته و نشر الرياح برحمته، و وتد بالصخور ميدان أرضه.

أول الدين معرفته، و كمال معرفته التصديق به، و كمال التصديق به توحيده، و كمال توحيده الإخلاص له، و كمال الإخلاص له نفي الصفات عنه، لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف، و شهادة كل موصوف أنه غير الصفة، فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه، و من قرنه فقد ثناه، و من ثناه فقد جزاه، و من جزأه فقد جهله، و من جهله فقد أشار إليه، و من أشار إليه فقد حده، و من حده فقد عده، و من قال (فيم؟) فقد ضمنه، و من قال (علام؟) فقد أخلي منه.

كائن لا عن حدث، موجود لا عن عدم.

مع كل شي ء لا بمقارنة، و غير كل شي ء لا بمزايلة، فاعل لا بمعني الحركات و الآلة، بصير إذ لا منظور إليه من خلقه، متوحد إذ لا سكن يستأنس به، و لا يستوحش لفقده.أنشأ الخلق إنشاء، و ابتدأه ابتداء، بلا روية أجالها، و لا تجربة استفادها، و لا حركة أحدثها، و لا همامة نفس اضطرب فيها، أحال الأشياء لأوقاتها، و لأم بين مختلفاتها، و غرز غرائزها، و ألزمها أشباحها، عالما بها قبل ابتدائها، محيطا بحدودها و انتهائها، عارفا بقرائنها و أحنائها» [403].

«الأول لا شي ء قلبه، و الآخر لا غاية له، لا تقع الأوهام له علي صفة، و لا تقعد القلوب منه علي كيفية، و لا تناله التجزئة و التبعيض، و لا تحيط به الأبصار و القلوب» [404].

«لم يولد سبحانه فيكون في العز مشاركا، و لم يلد فيكون موروثا هالكا، و لم يتقدمه وقت و لا زمان، و لم يتعاوره زيادة

و لا نقصان، بل ظهر للعقول بما أرانا من علامات التدبير المتقن، و القضاء المبرم» [405].

«الحمد لله الكائن قبل أن يكون كرسي أو عرش أو سماء أو أرض أو جان أو إنس، لا يدرك بوهم، و لا يقدر بفهم، و لا يشغله سائل، و لا ينقصه نائل، و لا ينظر بعين، و لا يحد بأين، و لا يوصف بالأزواج، و لا يخلق بعلاج، و لا يدرك بالحواس، و لا يقاس بالناس» [406].

هكذا حدد أمير المؤمنين (ع) مفهوم و حدانية الله سبحانه و تعالي، و هكذا عرف علي (ع) الله رب العالمين، و وصفه كما أراد الله تعالي أن يوصف به، فقد نزهه عن التشبيه و التجسيم و المكان و التجزئة و التبعيض، و كل نقص، و أخرجه بوصفه عن كل صفة من صفات مخلوقاته، كما شاء الله تعالي أن يوصف، و كما علم أولياءه أن ينعتوه.

الرسالة و النبوة

و كما حدد الإمام أبعاد التوحيد و حقيقته، أعطي (ع) التحديد الموضوعي الشامل للنبوة و الرسالة مبينا فلسفتها و أهدافها، و موضحا أن اللطف الإلهي بالعباد اقتضي إرسال الأنبياء (ع) إلي الناس، ليأخذوا بأيديهم إلي حديث الهدي و الرشاد و سبيل الحق، بعد أن تنكروا لعهد الله إليهم، و خرجوا عن مقتضي الفطرة التي فطرهم الله تعالي عليها، قال (ع):

«و اصطفي سبحانه من ولدهمن ولد آدمأنبياء أخذ علي الوحي ميثاقهم، و علي تبليغ الرسالة أمانتهم، لما بدل أكثر خلقه عهد الله إليهم، فجهلوا حقه، و اتخذوا الأنداد معه، و اجتالتهم الشياطين عن معرفته، و اقتطعتهم عن عبادته، فبعث فيهم رسله، و واتر إليهم أنبياءه، ليستأدوهم ميثاق فطرته، و يذكروهم منسي نعمته، و يحتجوا عليهم بالتبليغ، و يثيروا لهم دفائن

العقول، و يروهم آيات المقدرة: من سقف فوقهم مرفوع، و مهاد تحتهم موضوع، و معايش تحييهم، و آجال تفنيهم، و أوصاب تهرمهم، و أحداث تتابع عليهم، و لم يخل الله سبحانه خلقه من نبي مرسل، أو كتاب منزل، أو حجة لازمة أو محجة قائمة.رسل لا تقصر بهم قلة عددهم، و لا كثرة المكذبين لهم: من سابق سمي له من بعده، أو غابر عرفه من قبله: علي ذلك نسلت القرون، و مضت الدهور، و سلفت الآباء و خلفت الأبناء.

إلي أن بعث الله سبحانه محمدا رسول الله (ص) لإنجاز عدته، و إتمام نبوته، مأخوذا علي النبيين ميثاقه، مشهورة سماته، كريما ميلاده، و أهل الأرض يومئذ ملل متفرقة، و أهواء منتشرة، و طرائق متشتتة، بين مشبه لله بخلقه، أو ملحد في اسمه، أو مشير إلي غيره، فهداهم به من الضلالة، و أنقذهم بمكانه من الجهالة» [407].

«بعث الله رسوله بما خصهم به من وحيه، و جعلهم حجة له علي خلقه، لئلا تجب الحجة لهم بترك الإعذار إليهم، فدعاهم بلسان الصدق إلي سبيل الحق» [408].

«فبعث الله محمدا (ص) بالحق، ليخرج عباده من عبادة الأوثان إلي عبادته، و من طاعة الشيطان إلي طاعته، بقرآن قد بينه و أحكمه، ليعلم العباد ربهم إذ جهلوه، و ليقروا به بعد إذ جحدوه، و ليثبتوه بعد إذ أنكروه.فتجلي لهم سبحانه في كتابه من غير أن يكونوا رأوه بما أراهم من قدرته، و خوفهم من سطوته، و كيف محق من محق بالمثلات، و احتصد من احتصد بالنقمات» [409].

خط الإمامة في دنيا الاسلام

و يجلي الإمام (ع) حقيقة خط الإمامة و ضرورته في دنيا المسلمين، و يحدد مرامي الأئمة (ع) و يرشد الامة المسلمة إليهم، باعتبارهم الامتداد الحقيقي للرسالة، و الحملة

الحقيقيين لرسالة الله تعالي و هديه للعالمين بعد رسوله (ص).

بهم يقام الحق و تحمي الشريعة و يصان الدين، و تحفظ كلمة الله تعالي.و تبلغ الامة الهدي و الخير، و بسواهم يكون الضلال و الإنحراف و الضياع، يقول (ع):

«لا يقاس بآل محمد (ص) من هذه الامة أحد، و لا يسوي بهم من جرت نعمتهم عليه أبدا: هم أساس الدين، و عماد اليقين، إليهم يفي ء الغالي، و بهم يلحق التالي، و لهم خصائص حق الولاية، و فيهم الوصية و الوراثة، الآن إذ رجع الحق إلي أهله و نقل إلي منتقله» [410].

«إن الأئمة من قريش غرسوا في هذا البطن من هاشم، لا تصلح علي سواهم، و لا تصلح الولاة من غيرهم» [411].

و بعد هذا التحديد الدقيق للإمامة و للأئمة، يحذر (ع) من مغبة نكران الأئمة و التنكر لهم:

«و إنما الأئمة قوام الله علي خلقه، و عرفاؤه علي عباده، و لا يدخل الجنة إلا من عرفهم و عرفوه، و لا يدخل النار إلا من أنكرهم و أنكروه» [412].

و يحذر من مغبة نكرانهم في مسيرة الحياة الاسلامية، حيث يوضح بكل جلاء أن الحق لا يقترن بسواهم، و أن الهدي لا وجود له إلا بمتابعتهم:

«فأين تذهبون؟ و أني تؤفكون، و الأعلام قائمة، و الآيات واضحة، و المنار منصوبة، فأين يتاه بكم، و كيف تعمهون، و بينكم عترة نبيكم، و هم أزمة الحق، و أعلام الدين، و ألسنة الصدق، فأنزلوهم بأحسن منازل القرآن وردوهم ورود الهيم العطاش» [413].

ثم يشير الإمام (ع) إلي أن خط الإمامة مصاحب لمسيرة الامة، و أرض الله لا تخلو من حجة من آل محمد (ص) يحمل الهدي للناس:

«ألا إن مثل آل محمد (ص)، كمثل نجوم السماء: إذا خوي

نجم، طلع نجم، فكأنكم قد تكاملت من الله فيكم الصنائع، و أراكم ما كنتم تأملون» [414].

و نكتفي بهذه النماذج من الفكر العقائدي الذي عرضه الإمام (ع) في ساحة الفكرالاسلامي، و من شاء الاستزادة فدونه نهج البلاغة، فإنه ينبوع لا ينضب، يمد المتتبع بشتي ضروب المعرفة في مضمار العقيدة و سواها.

صور من الفكر السياسي الاجتماعي

علي الرغم من قصر المدة التي قضاها أمير المؤمنين (ع) في قيادة الامة اجتماعيا و سياسيا، فان الفكر السياسي الذي عرضه الإمام (ع) كفيل بتغطية حاجات الانسان عبر امتداده التاريخي علي هذه الأرض، فقد جاءت خطب الإمام (ع) و رسائله و أوامره و إرشاداته زاخرة بهذا اللون من الفكر، مجسدا أروع أطروحة و أنضجها لادارة شؤون الحياة الانسانية.

ففي الحقل الاقتصادي عرض الإمام (ع) نظاما متكاملا لعلاج المشكلة الاقتصادية، و ظاهرة الانحراف عن خط العدالة الاسلامية في التوزيع، و حدد برامج واضحة لتجاوز الأخطاء المتراكمة في مسألة توزيع المال بين الناس من خلال منهاج التسوية في العطاء.

و لم يلتمس الإمام (ع) المواقف الوعظية في علاج المشكلة الاقتصادية، و إقرار العدالة في المجتمع فحسب، و إنما سلك إلي جانب مخاطبة الضمائر و الاستفادة من رصيد الإيمان بالله فيها، سلك سبيل استخدام الضوابط القانونية في تحقيق التوازن و العيش الرغيد، و إنهاء دور الظلم في المجتمع، و من أجل ذلك استرد الأموال التي تدفقت علي جيوب فئة من الناس من غير حق، و سلك سبيل مراقبة طرق جباية الأموال، و كيفية توزيعها علي قطاعات الامة، كما شدد علي مراقبة ولاته في الأمصار، و استحدث نظام المراقبة و التفتيش ليحيط علما بتصرفاتهم و ممارساتهم. و من هنا تجد الكثير من النصوص التي يوجه فيها الإمام (ع) واليا أو جابيا

للمال باتجاه الطريقة المثلي في عمله المناط به، كما نجد نصوصا يوبخ فيها الإمام (ع) ذلك الوالي أو يستدعيه للحساب أو يعزله عن منصبه لخيانة الأمانة التي انيطت به.

و كما وضح الإمام (ع) مناهجه القويمة المجسدة لشرع الله تعالي في المال، كذلك فعل بالنسبة للادارة و شؤون القيادة الاخري في المجتمع، فعلي الرغم من كثرة النصوص التي حفظها لنا نهج البلاغة و كتب السيرة الاخري التي يحدد (ع) فيها مسؤولية الولاة و العمال علي البلدان، و ما ينبغي أن يلتزموا به في حياتهم العملية، يضع الإمام (ع) المواصفات الواجب توافرها في شخصية الحاكم المسلم سواء أكان حاكما عاما للامة أو حاكما محليا، و نكتفي هنا بذكر نماذج من هديه و توجيهاته بهذا الصدد:

«و قد علمتهم أنه لا ينبغي أن يكون الوالي علي الفروج و الدماء و المغانم و الأحكام و إمامة المسلمين: البخيل، فتكون في أموالهم نهمته، و لا الجاهل فيضلهم بجهله، و لا الجافي فيقطعهم بجفائه، و لا الحائف للدول فيتخذ قوما دون قوم، و لا المرتشي في الحكم فيذهب الحقوق، و يقف بها دون المقاطع، و لا المعطل للسنة فيهلك الامة» [415].

«من نصب نفسه للناس إماما، فليبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره، و ليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه، و معلم نفسه و مؤدبها أحق بالإجلال من معلم الناس و مؤدبهم» [416].

«لا يقيم أمر الله سبحانه إلا من لا يصانع و لا يضارع، و لا يتبع المطامع».

و إذا شئنا الرجوع إلي أوسع نص لتحديد مواصفات الحاكم المسلم، ففي عهد الإمام (ع) إلي مالك الأشتر حين ولاه علي مصر غني عن طرح أي دليل آخر، حيث اشتمل العهد المذكور علي كل مستلزمات القيادة الصالحة،

و ما ينبغي أن تنهض به من مسؤوليات في حياة الامة علي الصعيد الاجتماعي، و السياسي، و الاقتصادي، و سوي ذلك من شؤون.كما حدد العهد بعمق و وضوح كل ما يتطلبه المجتمع و ما ينبغي للحاكم المسلم النهوض به عبر مسؤولياته القيادية، كي يستجيب لطموحات الامة التي يدير دفة حياتها.

و من المناسب أن نشير هنا إلي أن عهد الإمام (ع) إلي واليه الأشتر قد انطوي علي أفكار اجتماعية غاية في الأهمية، فقد تناول الإمام (ع) تركيبة المجتمع، و القوي المؤثرة، و القطاعات الضرورية فيه، تناول خبير ملم بها، فقد درس الإمام (ع) أهمية القطاع الزراعي و أثر التجار و القضاة و الولاة و الجنود في مسيرة المجتمع و بناء الحضارة، و حدد كيفية التعامل مع تلك القوي المهمة في المجتمع، و حدد مسؤوليات السلطة العليا تجاه كل واحدة من تلك القوي الفاعلة في الحياة العامة، كما ذكر القطاعات الضعيفة من أهل اليتم و الشيخوخة و سواهم، مما يعتبر وجودهم طبيعيا في المجتمعات، فدرس حالهم و حدد العلاج لما يعانون [417].

هذا و قد سبق الإمام (ع) علم الاجتماع الحديث في دراسته للمجتمع و تحديد المؤثرات فيه بزمن طويل، مما يستحق أن يحمل بجدارة لقب مؤسس علم الاجتماع و الواضع للبناته الاولي، رغم الاختلاف في الرؤية و المنهج الذي يعتمده الإمام (ع).

ما دونه الإمام

اشاره

و أمير المؤمنين (ع) أول من صنف في دنيا المسلمين، و يحصي المؤرخون لسيرة الإمام (ع) عددا من أعماله الاسلامية العلمية تأتي في طليعتها:

1جمع القرآن الكريم مرتبا حسب النزول، و بين في ذات الوقت عامه، و خاصه، و مطلقه، و مقيده، و محكمه، و متشابهه، و ناسخه و منسوخه، و عزائمه، و رخصه، و سننه،

و آدابه [418] كما أشار الإمام (ع) إلي أسباب النزول لآيات الكتاب العزيز، حتي لقد قال ابن سيرين: لو أصبت ذلك الكتاب لكان فيه العلم [419].

و جمع الإمام (ع) للقرآن الكريم علي النمط المذكور إنما هو للتفسير أقرب منه للجمع الخالص، فقد أودع في عمله ذلك علما كثيرا، الامة في مسيس الحاجة إلي مثله.

كما أن أمير المؤمنين (ع) قد تفرغ للعمل الرسالي الكبير، بعد حادثة السقيفة و ما تمخض عنها من استخلاف أبي بكر، فعكف (ع) علي إنجاز المهمة التأريخية في تدوين القرآن في مصحف واحد، و لقد روي عنه بهذا الصدد قوله:

«لما قبض رسول الله (ص) أقسمت أن لا أضع ردائي عن ظهري حتي أجمع ما بين اللوحين، فما وضعت ردائي حتي جمعت القرآن» [420].

و بمقدور المرء أن يقدر قيمة ذلك العمل، إذا وضع نصب عينيه ما يحظي به القرآن الكريم من قيمة عظمي في دنيا المسلمين من الوجهة الفكرية و التشريعية و الحضارية.

2مصحف فاطمة:

و يبدو أن الإمام (ع) بادربعد إنجاز مهمة جمع القرآنإلي تأليف كتاب لفاطمة الزهراء (ع)، صار يعرف عند أبنائها بمصحف فاطمة، و كان يتضمن مواعظ و حكما و أمثالها، و عبرا و أخبارا و نوادر، لتكون عونا علي التخفيف من الآلام التي اكتنفت حياة الزهراء (ع) بعد وفاة أبيها رسول الله (ص) [421].

3الصحيفة:

و هي كتاب في الديات (و هي الأموال المفروضة في الجناية علي النفس أو الطرف أو الجرح أو نحو ذلك، و تثبت الدية في موارد الخطإ المحض أو الشبيه بالعمد أو فيما لا يكون القصاص فيه أو لا يمكن) [422].

و قد روي البخاري و مسلم من تلك الصحيفة، و أوردها ابن سعد في كتابه الجامع، كما أكثر ابن

حنبل الرواية عنها.

4الجامعة:

و هي كتاب في صحائف من الجلود، أملاه رسول الله (ص) علي أمير المؤمنين (ع) و قد تضمن كل ما يحتاج إليه الناس من حلال و حرام، و قد جاء الكتاب مفصلا لما جاء في كتاب الله من أحكام و أوامر و نواه.و قد ورث الأئمة من أهل البيت (ع) هذا الكتاب، كابرا عن كابر، و كانوا يطلقون عليه تارة اسم الجامعة، و تارة الصحيفة، و اخري كتاب علي، و رابعة الصحيفة العتيقة.

و وردت عن الصادقين (ع) عدة روايات تؤكد أهمية كتاب الجامعة، و كونه مرجعهم في أخذ التشريع الإلهي، و أنهم لا يحتاجون إلي الناس لوجود ذلك الكتاب، فعن أبي عبد الله الصادق (ع) قال:

«إن عندنا ما لا نحتاج معه إلي الناس، و إن الناس ليحتاجون إلينا، و إن عندنا كتابا أملاه رسول الله (ص) و خطه علي (ع) صحيفة فيها كل حلال و حرام» [423].

و يقول الإمام الصادق (ع) أيضا يصف فيه الجامعة:

«تلك صحيفة طولها سبعون ذراعا في عرض الأديم مثل فخذ الفالج، فيها كل ما يحتاج الناس إليه، و ليس من قضية إلا و هي فيها حتي أرش الخدش» [424].

5صحيفة الفرائض:

و يبدو أن هذه الصحيفة قد دون فيها الإمام (ع) قضاءه في المواريث و غيرها من أبواب القضاء، و من المرجح أن تكون هذه الصحيفة بعضا من «الجامعة» [425].

6كتاب الجفر:

«و هو لغة جلد الماعز أو البعير أو الثور».

و قد أطلق اسم الجفر علي أحد أبواب العلم الذي دونه الإمام أمير المؤمنين (ع) من إملاء رسول الله (ص) علي جلد، و يبدو أن كتاب الجفر غير الجامعة من ناحية المدلول الذي يتضمنه، فالجفر كما تفيد روايات الأئمة من أهل البيت (ع)

ينطوي علي حوادث المستقبل، و صحف الأنبياء السابقين و الكتب المنزلة قبل القرآن الكريم. [426].

و للإمام علي (ع) تصانيف اخري ذكرها المؤرخون ككتاب زكاة النعم، و كتاب في أبواب الفقه، و كتاب في علوم القرآن و غيرها. [427].

المصنفات في تراث الإمام الفكري

و علي الرغم من أن الإمام (ع) قد دون عددا من المؤلفات العظيمة، فإنه يبدو أن مؤلفاته قد انصبت علي ما قضت به الضرورة من حفظ الرسالة الإلهية و توضيح معالهما للأجيال، من خلال شرح القرآن الكريم، و تبيان بعض مقاصده، أو تحديد بعض أبواب الفقه الاسلامي.

أما آراؤه و أفكاره الاخري التي تحتل مركز الزيادة في الفكر الاسلامي، و التي جاءت انعكاسا للرسالة الإلهية علي صفحة ذهنه و عقله، فكانت خطبا و مناقشات و حكما و مواعظ و توجيهات و نحوها من أدوات التعبير عن ماهية الرسالة، فالإمام (ع) لم يتصد لجمعها في تصانيف محددة، و من المؤكد أن يكون جزء كبير منها قد اندرس، بيد أن بعضا من آرائه و أفكاره قد حظي بالتدوين بعد زمن طويل من وفاته (ع)، و من المرجح أن يمثل ذلك البعض نسبة جد قليلة من عطائه الفكري العظيم الذي وهبه للامة خلال عمره الشريف.

فقد جمع العلماء بعض ما خلفه الإمام (ع) من مبادئ و مفاهيم في مؤلفات عديدة نذكر منها:

1نهج البلاغة: جمعه الشريف أبو الحسن الرضي ابن الحسين الموسوي، المتوفي سنة (406 ه)، و يشتمل الكتاب علي ما اختاره الشريف من خطب الإمام (ع) و كتبه و رسائله و حكمه و مواعظه، و قد اهتم بالكتاب المذكور جل العلماء و المفكرين و رجال الأدب قراءة و استيعابا و شرحا، حتي بلغت شروحه أكثر من خمسين شرحا، و من أشهر الشراح للنهج: أبو

الحسن البيهقي، و الإمام فخر الدين الرازي، و القطب الراوندي، و محمد بن ميثم البحراني، و عز الدين بن أبي الحديد المدائني، و محمد عبده و غيرهم.

و لقد انطوي نهج البلاغة علي روائع في الفكر بشتي شعبه و مناحيه، في العقائد و الأخلاق و نظام الحكم و طبيعة المجتمع، و علاقة الانسان بالله تعالي و نحو ذلك من أبواب.

و هو إلي جانب ذلك جاء آية من الأدب الانساني الرفيع الذي عز نظيره في أدب اللغة العربية دقة و عمقا و تصويرا و جزالة ألفاظ.

2مسنده: الذي جمعه أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي المتوفي سنة (303 ه)، و أسماه مسند علي، و قد ضمنه بعض ما أثر عن الإمام (ع) من أحاديث و روايات عن رسول الله (ص).

3غرر الحكم و درر الكلم: جمعه عبد الواحد بن محمد الآمدي، و هو يشتمل علي طائفة من حكم الإمام (ع) القصيرة، و يقارب في حجمه نهج البلاغة.

4مطلوب كل طالب من كلام علي بن أبي طالب: جمعه أبو إسحاق الوطواط الأنصاري و يحتوي علي طائفة من حكم الإمام (ع).

5مائة كلمة: جمعها الجاحظ.

6نثر اللآلئ: جمع أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي، صاحب مجمع البيان في تفسير القرآن.

7ما اشتمل عليه كتاب صفين لنصر بن مزاحم من خطب الإمام (ع) و كتبه.

8جنة الأسماء: شرحه الإمام أبو حامد محمد بن محمد الغزالي المتوفي سنة (505 ه).

9ما اثر عنه من الأدعية و المناجاة و قد طبع بعضه باسم الصحيفة العلوية، جمعها عبد الله بن صالح السماهيجي.

10قلائد الحكم و فرائد الكلم: جمع القاضي أبي يوسف الاسفراييني، و غير ذلك من التصانيف. [428].

انباء المستقبل

و المقصود بها هنا ما تحدث به الإمام (ع) عن امور مستقبلية و

شيكة الوقوع بعد عصره، منها ما يختص بأفراد معينين، و منها ما يتعلق بمسيرة الامة المسلمة كمجموع.و بطبيعة الحال فإن ما طرحه الإمام (ع) من هذا القبيل كان قد تلقاه من رسول الله (ص) مباشرة، أو وعاه بنفسه بما أعطاه الله من طاقة روحية هائلة تمنحه القدرة علي استقراء المستقبل و الاستشراف علي حوادثه و قواه المؤثرة، و جوانبه الإيجابية و السلبية.

و لقد رأينا في بداية هذا الفصل كيف أن الإمام (ع) يعلن علي المنبر مرارا عن قدرته علي كشف الكثير من أحداث المستقبل:

«فو الله لا تسألونني عن فئة تضل مائة، و تهدي مائة، إلا أنبأتكم بناعقتها و سائقتها» [429].

و إذا تتبعنا الفكر المستقبلي الذي حفظته لنا سيرة أمير المؤمنين (ع) وجدناهعلي الرغم من قلته بالقياس إلي غيره من أبواب فكر الإمام (ع) آية علي عظمة الإمام (ع) و سمو كيانه الروحي الذي أهله لمعرفة الكثير من أسرار المستقبل، بما فيها من متغيرات في دنيا الأفراد و الجماعات.

و هذه جملة مما حفظ لنا المؤرخون في هذا المضمار:

1عن سويد بن غفلة، أن عليا (ع) خطب ذات يوم، فقام رجل من تحت منبره، فقال: «يا أمير المؤمنين! إني مررت بوادي القري، فوجدت خالد بن عرفطة قد مات، فاستغفر له، فقال (ع): (و الله ما مات و لا يموت حتي يقود جيش ضلالة صاحب لوائه حبيب بن حمار). فقام رجل آخر من تحت المنبر فقال: يا أمير المؤمنين! أنا حبيب بن حمار و إني لك شيعة و محب، فقال: (أنت حبيب بن حمار؟) قال: نعم.فقال له ثانية: (و الله إنك لحبيب بن حمار؟) فقال: إي و الله! فقال (ع): (أما و الله إنك لحاملها و لتحملنها، و لتدخلن

بها من هذا الباب، «و أشار إلي باب الفيل بمسجد الكوفة») قال ثابت الشمالي، الذي روي الحديث عن سويد بن غفلة: فو الله ما مت حتي رأيت ابن زياد، و قد بعث عمر بن سعد إلي (حرب) الحسين بن علي (ع) و جعل خالد بن عرفطة علي مقدمته، و حبيب بن حمار صاحب رايته فدخل بها من باب الفيل» [430].

2عن إسماعيل بن رجاء قال: «قام أعشي باهلةو هو غلام يومئذ حدثإلي علي (ع) و هو يخطب و يذكر الملاحم، فقال: يا أمير المؤمنين! ما أشبه هذا الحديث بحديث خرافة! فقال علي (ع): (إن كنت آثما فيما قلت يا غلام! فرماك الله بغلام ثقيف)، ثم سكت فقام رجال، فقالوا: و من غلام ثقيف يا أمير المؤمنين؟قال: (غلام يملك بلدتكم هذه لا يترك لله حرمة إلا انتهكها، يضرب عنق هذا الغلام بسيفه)، فقالوا: كم يملك يا أمير المؤمنين؟قال: (عشرين إن بلغها)، قالوا: فيقتل قتلا أم يموت موتا؟قال: (بل يموت حتف أنفه بداء البطن، يثقب سريره لكثرة ما يخرج من جوفه). قال إسماعيل: فو الله لقد رأيت بعيني أعشي باهلة، و قد احضر في جملة الأسري الذي اسروا من جيش عبد الرحمان بن محمد بن الأشعث بين يدي الحجاج ابن يوسف الثقفي فقرعه، و وبخه و استنشده شعره الذي يحرض فيه عبد الرحمان علي الحرب، ثم ضرب عنقه في ذلك المجلس» [431].

3عن شمير بن سدير الأزدي قال: قال علي (ع) لعمرو بن الحمق الخزاعي:

«(يا عمرو! إنك لمقتول بعدي و إن رأسك لمنقول، و هو أول رأس ينقل في الاسلام، و الويل لقاتلك! أما إنك لا تنزل بقوم إلا أسلموك برمتك).

قال الأزديراوي الحديث: فو الله ما مضت الأيام حتي تنقل

عمرو بن الحمق الخزاعي في خلافة معاوية في بعض أحياء العرب خائفا مذعورا، حتي نزل في قومه من بني خزاعة، فأسلموه، فقتل، و حمل رأسه من العراق إلي معاوية بالشام، و هو أول رأس حمل في الاسلام من بلد إلي بلد».

4إخبار الإمام (ع) عن الضربة التي يضرب في رأسه فتخضب منها لحيته بسيف ابن ملجم المرادي لعنه الله تعالي.

5إخباره بامتلاك معاوية لأمر المسلمين بعده.

6إخباره عن قتل الإمام الحسين (ع) في كربلاء.

7إخباره عن الحجاج بن يوسف الثقفي و ما يكون من فعله.

8إخباره عن حركة عبد الله بن الزبير و فشله و قتله.

9و عن هلاك البصرة بالغرق مرة، و بسيطرة الزنج عليها اخري.

10و إخباره عن مقتل محمد صاحب النفس الزكية و أخيه إبراهيم بعد ثورتهما علي العباسيين في عهد أبي جعفر المنصور.

11و عن قيام الدولة العلوية في المغرب، و دولة بني بويه في العراق.

12إخباره عبد الله بن العباس عن انتقال الحكم إلي أولاده و قيام الحكم العباسي.

13و عن خروج الإمام المهدي عجل الله فرجه و قيام دولة الاسلام المباركة. [432].

و من نافلة القول أن نشير إلي أن نهج البلاغة ينطوي علي الكثير من النصوص التي تناول الإمام (ع) فيها الحديث عن امور مستقبلية، وقعت بعد عصره، و اخري نعايش طرفا منها [433].

طرف من مواعظ الإمام

إشتدت عري البلاغة للإمام (ع)، فهو بحر لا ينزف و لا يدرك غوره، و قد سخر له الخطاب في إلقاء المواعظ البليغة التي تحمل الحجج البالغة، و تهز السامع و القارئ، و تترك أثرا عظيما في النفس.

و الموعظة عند علي (ع) تحمل مفاهيم عطاء ثرا، تحدد للمسلم طريقه إلي الله، و أساليب تفاعله مع رسالة الله تعالي و مع الناس من حوله.

و فضلا عما حمله

نهج البلاغة من مواعظ لأمير المؤمنين (ع)، فإن كتب الوعظ و الإرشاد و التوجيه الاسلامي، لا يكاد يخلو منها كتاب من ذكر طرف من مواعظه (ع).

و نذكر هنا بعضا من مواعظه التي ضمنها نهج البلاغة:

«أيها الناس! لا تستوحشوا في طريق الهدي لقلة أهله، فإن الناس قد اجتمعوا علي مائدة شبعها قصير، وجوعها طويل.

أيها الناس! إنما يجمع الناس الرضي و السخط، و إنما عقر ناقة ثمود رجل واحد، فعمهم الله بالعذاب لما عموه بالرضي، فقال سبحانه: (فعقروها، فأصبحوا نادمين) فما كان إلا أن خارت أرضهم بالخسفة خوار السكة المحماة في الأرض الخوارة.

أيها الناس! من سلك الطريق الواضح ورد الماء، و من خالف وقع في التيه» [434].

«أيها الناس! إنما الدنيا دار مجاز، و الآخرة دار قرار، فخذوا من ممركم لمقركم، و لا تهتكوا أستاركم عند من يعلم أسراركم، و أخرجوا من الدنيا قلوبكم، من قبل أن تخرج منها أبدانكم، ففيها اختبرتم، و لغيرها خلقتم.إن المرء إذا هلك قال الناس: ما ترك؟و قالت الملائكة: ما قدم؟لله آباؤكم: فقدموا بعضا يكن لكم قرضا، و لا تخلفوا كلا فيكون فرضا عليكم» [435].

«أوصيكم عباد الله، بتقوي الله، التي هي الزاد و بها المعاذ: زاد مبلغ، و معاذ منجح، دعا إليها أسمع داع، و وعاها خير واع، فأسمع داعيها، و فاز واعيها.

عباد الله إن تقوي الله حمت أولياء الله محارمه، و ألزمت قلوبهم مخافته، حتي أسهرت لياليهم، و أظمأت هواجرهم، فأخذوا الراحة بالنصب، و الري بالظمأ، و استقربوا الأجل فبادروا العمل، و كذبوا الأمل فلاحظوا الأجل» [436].

قبس من حكم الإمام

و نختم هذا الفصل بإيراد اضمامة من حكم أمير المؤمنين (ع) إتماما للفائدة:

إذا أقبلت الدنيا علي أحد أعارته محاسن غيره، و إذا أدبرت عنه سلبته

محاسن نفسه.

أعجز الناس من عجز عن اكتساب الاخوان، و أعجز منه من ضيع من ظفر به منهم.

من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه.

ما أضمر أحد شيئا إلا و ظهر في فلتات لسانه و صفحات وجهه.

فوت الحاجة أهون من طلبها إلي غير أهلها.

قيمة كل امرئ ما يحسنه.

قال (ع) يصف الغوغاء: «هم الذين إذا اجتمعوا غلبوا و إذا تفرقوا لم يعرفوا».

عجبت لأقوام يحتمون الطعام مخافة الأذي كيف لا يحتمون الذنوب مخافة النار.

أربع لو ضربتم فيهن أكباد الإبل، لكان ذلك يسيرا: لا يرجون أحد إلا ربه، و لا يخافن إلا ذنبه، و لا يستحي أن يقول لا أعلم إذا هو لم يعلم، و لا يستكبر أن يتعلم إذا لم يعلم.

إتقوا معاصي الله في الخلوات، فإن الشاهد هو الحاكم.

الثناء بأكثر من الاستحقاق ملق [437]، و التقصير عن الاستحقاق عي [438] أوحسد.

عند تناهي الشدة تكون الفرجة، و عند تضايق حلق البلاء يكون الرخاء.

من أصلح ما بينه و بين الله، أصلح الله ما بينه و بين الناس، و من أصلح أمر آخرته أصلح الله له أمر دنياه، و من كان له من نفسه واعظ كان عليه من الله حافظ.

الفقيه كل الفقيه من لم يقنط الناس من رحمة الله و لم يؤيسهم من روح الله [439] و لم يؤمنهم من مكر الله [440].

رب عالم قد قتله جهله، و علمه معه لا ينفعه.

عظم الخالق عندك يصغر المخلوق في عينيك.

لا يكون الصديق صديقا حتي يحفظ أخاه في ثلاث: نكبته، و غيبته، و وفاته.

الناس ثلاثة: فعالم رباني، و متعلم علي سبيل نجاة، و همج رعاع، أتباع كل ناعق، يميلون مع كل ريح، لم يستضيئوا بنور العلم، و لم يلجأوا إلي ركن وثيق.

الناس أعداء ما

جهلوا.

من استبد برأيه هلك، و من شاور الرجال شاركها في عقولها [441].

و بهذا نصل إلي نهاية المطاف في حديثنا عن المقومات العامة لشخصية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع).

وفقنا الله تعالي للأخذ بنهجه في الفكر و العمل، إنه سميع مجيب.

حكم و مواعظ أمير المؤمنين عهده إلي مالك الأشتر

«بسم الله الرحمن الرحيم

هذا ما أمر به عبد الله علي أمير المؤمنين، مالك بن الحارث الأشتر في عهده إليه، حين ولاه مصر: جباية خراجها، و جهاد عدوها، و استصلاح أهلها، و عمارة بلادها.

أمره بتقوي الله، و إيثار طاعته، و اتباع ما أمر به في كتابه: من فرائضه و سننه، التي لا يسعد أحد إلا باتباعها، و لا يشقي إلا مع جحودها و إضاعتها، و أن ينصر الله سبحانه بقلبه و يده و لسانه، فإنه، جل اسمه، قد تكفل بنصر من نصره، و إعزاز من أعزه.

و أمره أن يكسر نفسه من الشهوات، و يزعها [442] عند الجمحات [443]، فإن النفس أمارة بالسوء، إلا ما رحم الله.

ثم اعلم يا مالك! أني قد وجهتك إلي بلاد قد جرت عليها دول قبلك، من عدل و جور، و أن الناس ينظرون من أمورك في مثل ما كنت تنظر فيه من أمور الولاة قبلك، و يقولون فيك ما كنت تقول فيهم، و إنما يستدل علي الصالحين بما يجري الله لهم علي ألسن عباده، فليكن أحب الذخائر إليك ذخيرة العمل الصالح، فاملك هواك، و شح [444] بنفسك عما لا يحل لك، فإن الشح بالنفس الإنصاف منها فيما أحبت أو كرهت.و أشعر قلبك الرحمة للرعية، و المحبة لهم، و اللطف بهم، و لا تكونن عليهم سبعا ضاريا تغتنم أكلهم، فإنهم صنفان: إما أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق، يفرط

[445] منهم الزلل [446]، و تعرض لهم العلل، و يؤتي علي أيديهم في العمد و الخطإ، فأعطهم من عفوك و صفحك مثل الذي تحب و ترضي أن يعطيك الله من عفوه و صفحه، فإنك فوقهم، و والي الأمر عليك فوقك، و الله فوق من ولاك! و قد استكفاك أمرهم [447]، و ابتلاك بهم.و لا تنصبن نفسك لحرب الله [448] فإنه لا يد لك بنقمته [449]، و لا غني بك عن عفوه و رحمته.و لا تندمن علي عفو، و لا تبجحن [450] بعقوبة، و لا تسرعن إلي بادرة [451] وجدت منها مندوحة [452]، و لا تقولن: إني مؤمر [453] آمر فأطاع، فإن ذلك إدغال [454] في القلب، و منهكة [455] للدين، و تقرب من الغير [456] و إذا أحدث لك ما أنت فيه من سلطانك أبهة [457] أو مخيلة [458]، فانظر إلي عظم ملك الله فوقك، و قدرته منك علي ما لا تقدر عليه من نفسك، فإن ذلك يطامن [459] إليك من طماحك [460]، و يكف عنك من غربك [461]، و يفي ء [462] إليك بما عزب [463] عنك من عقلك!

إياك و مساماة [464] الله في عظمته، و التشبه به في جبروته، فإن الله يذل كل جبار، و يهين كل مختال.

أنصف الله و أنصف الناس من نفسك، و من خاصة أهلك، و من لك فيه هوي [465] من رعيتك، فإنك إلا تفعل تظلم! و من ظلم عباد الله كان الله خصمه دون عباده، و من خاصمه الله أدحض [466] حجته، و كان لله حربا [467] حتي ينزع [468] أو يتوب.و ليس شي ء أدعي إلي تغيير نعمة الله و تعجيل نقمته من إقامة علي ظلم، فإن الله سميع دعوة

المضطهدين، و هو للظالمين بالمرصاد.

و ليكن أحب الأمور إليك أوسطها في الحق، و أعمها في العدل، و أجمعها لرضي الرعية، فإن سخط العامة يجحف [469] برضي الخاصة، و إن سخط الخاصة يغتفر مع رضي العامة.و ليس أحد من الرعية أثقل علي الوالي مؤونة في الرخاء.و أقل معونة له في البلاء، و أكره للإنصاف، و أسأل بالإلحاف [470]، و أقل شكرا عند الإعطاء، و أبطأ عذرا عند المنع، و أضعف صبرا عند ملمات الدهر من أهل الخاصة. و إنما عماد الدين، و جماع [471] المسلمين، و العدة للأعداء، العامة من الأمة، فليكن صغوك [472] لهم، و ميلك معهم.

و ليكن أبعد رعيتك منك، و أشنأهم [473] عندك، أطلبهم [474] لمعائب الناس، فإن في الناس عيوبا، الوالي أحق من سترها، فلا تكشفن عما غاب عنك منها، فإنما عليك تطهير ما ظهر لك، و الله يحكم علي ما غاب عنك، فاستر العورة ما استطعت يستر الله منك ما تحب ستره من رعيتك.أطلق [475] عن الناس عقدة كل حقد، و اقطع عنك سبب كل وتر [476]، و تغاب [477] عن كل ما لا يضح [478] لك، و لا تعجلن إلي تصديق ساع، فإن الساعي [479] غاش، و إن تشبه بالناصحين.

و لا تدخلن في مشورتك بخيلا يعدل بك عن الفضل [480]، و يعدك الفقر [481]، و لا جبانا يضعفك عن الأمور، و لا حريصا يزين لك الشره [482] بالجور، فإن البخل و الجبن و الحرص غرائز شتي [483] يجمعها سوء الظن بالله.

إن شر و زرائك من كان للأشرار قبلك وزيرا، و من شركهم في الآثام فلا يكونن لك بطانة [484]، فإنهم أعوان الأثمة [485]، و إخوان الظلمة [486]، و أنت واجد

منهم خير الخلف ممن له مثل آرائهم و نفاذهم، و ليس عليه مثل آصارهم [487] و أوزارهم [488] و آثامهم، ممن لم يعاون ظالما علي ظلمه، و لا آثما علي إثمه، أولئك أخف عليك مؤونة، و أحسن لك معونة، و أحني عليك عطفا، و أقل لغيرك إلفا [489]، فاتخذ أولئك خاصة لخلواتك و حفلاتك، ثم ليكن آثرهم عندك أقولهم بمر الحق لك، و أقلهم مساعدة فيما يكون منك مما كره الله لأوليائه، واقعا ذلك من هواك حيث وقع.و الصق بأهل الورع و الصدق، ثم رضهم [490] علي ألا يطروك و لا يبجحوك [491] بباطل لم تفعله، فإن كثرة الإطراء تحدث الزهو [492]، و تدني [493] من العزة.

و لا يكونن المحسن و المسي ء عندك بمنزلة سواء، فإن في ذلك تزهيدا لأهل الإحسان في الإحسان، و تدريبا لأهل الإساءة علي الإساءة! و ألزم كلا منهم ما ألزم نفسه.و اعلم أنه ليس شي ء بأدعي إلي حسن ظن راع برعيته من إحسانه إليهم، و تخفيفه المؤونات عليهم، و ترك استكراهه إياهم علي ما ليس له قبلهم [494] فليكن منك في ذلك أمر يجتمع لك به حسن الظن برعيتك، فإن حسن الظن يقطع عنك نصبا [495] طويلا.و إن أحق من حسن ظنك به لمن حسن بلاؤك عنده، و إن أحق من ساء ظنك به لمن ساء بلاؤك عنده [496].

و لا تنقض سنة صالحة عمل بها صدور هذه الأمة، و اجتمعت بها الألفة، و صلحت عليها الرعية. و لا تحدثن سنة تضر بشي ء من ماضي تلك السنن، فيكون الأجر لمن سنها، و الوزر عليك بما نقضت منها.

و أكثر مدارسة العلماء، و مناقشة الحكماء، في تثبيت ما صلح عليه أمر بلادك، و

إقامة ما استقام به الناس قبلك.

و اعلم أن الرعية طبقات لا يصلح بعضها إلا ببعض، و لا غني ببعضها عن بعض: فمنها جنود الله، و منها كتاب العامة و الخاصة، و منها قضاة العدل، و منها عمال الإنصاف و الرفق، و منها أهل الجزية و الخراج من أهل الذمة و مسلمةالناس، و منها التجار و أهل الصناعات، و منها الطبقة السفلي من ذوي الحاجة و المسكنة، و كل قد سمي الله له سهمه [497]، و وضع علي حده فريضة في كتابه أو سنة نبيهصلي الله عليه و آله و سلمعهدا منه عندنا محفوظا.

فالجنود، بإذن الله، حصون الرعية، و زين الولاة، و عز الدين، و سبل الأمن، و ليس تقوم الرعية إلا بهم.ثم لا قوام للجنود إلا بما يخرج الله لهم من الخراج الذي يقوون به علي جهاد عدوهم، و يعتمدون عليه فيما يصلحهم، و يكون من وراء حاجتهم [498] ثم لا قوام لهذين الصنفين إلا بالصنف الثالث من القضاة و العمال و الكتاب، لما يحكمون من المعاقد [499]، و يجمعون من المنافع، و يؤتمنون عليه من خواص الأمور و عوامها.و لا قوام لهم جميعا إلا بالتجار و ذوي الصناعات، فيما يجتمعون عليه من مرافقهم [500]، و يقيمونه من أسواقهم، و يكفونهم من الترفق [501] بأيديهم ما لا يبلغه رفق غيرهم.ثم الطبقة السفلي من أهل الحاجة و المسكنة الذين يحق رفدهم [502] و معونتهم.و في الله لكل سعة، و لكل علي الوالي حق بقدر ما يصلحه، و ليس يخرج الوالي من حقيقة ما ألزمه الله من ذلك إلا بالإهتمام و الإستعانة بالله، و توطين نفسه علي لزوم الحق، و الصبر عليه فيما خف عليه أو ثقل.فول

من جنودك أنصحهم في نفسك لله و لرسوله و لإمامك، و أنقاهم جيبا [503]، و أفضلهم حلما [504]، ممن يبطئ عن الغضب، و يستريح إلي العذر، و يرأف بالضعفاء، و ينبو علي الأقوياء [505]، و ممن لا يثيره العنف، و لا يقعد به الضعف.

ثم الصق بذوي المروءات و الأحساب، و أهل البيوتات الصالحة، و السوابق الحسنة، ثم أهل النجدة و الشجاعة، و السخاء و السماحة، فإنهم جماع [506] من الكرم، و شعب [507] من العرف [508] ثم تفقد من أمورهم ما يتفقد الوالدان من ولدهما، و لا يتفاقمن [509] في نفسك شي ء قويتهم به، و لا تحقرن لطفا [510] تعاهدتهم به و إن قل، فإنه داعية لهم إلي بذل النصيحة لك، و حسن الظن بك.و لا تدع تفقد لطيف أمورهم اتكالا علي جسيمها، فإن لليسير من لطفك موضعا ينتفعون به، و للجسيم موقعا لا يستغنون عنه.

و ليكن آثر [511] رؤوس جندك من واساهم [512] في معونته، و أفضل [513] عليهم من جدته [514]، بما يسعهم و يسع من وراءهم من خلوف [515] أهليهم، حتي يكون همهم هماواحدا في جهاد العدو، فإن عطفك عليهم يعطف قلوبهم عليك، و إن أفضل قرة عين الولاة استقامة العدل في البلاد، و ظهور مودة الرعية.و إنه لا تظهر مودتهم إلا بسلامة صدورهم، و لا تصح نصيحتهم إلا بحيطتهم [516] علي ولاة الأمور، و قلة استثقال دولهم، و ترك استبطاء انقطاع مدتهم، فافسح في آمالهم، و واصل في حسن الثناء عليهم، و تعديد ما أبلي ذوو البلاء [517] منهم، فإن كثرة الذكر لحسن أفعالهم تهز الشجاع، و تحرض الناكل [518]، إن شاء الله.

ثم اعرف لكل امرئ منهم ما أبلي، و لا تضمن

بلاء [519] امرئ إلي غيره، و لا تقصرون به دون غاية بلائه، و لا يدعونك شرف امرئ إلي أن تعظم من بلائه ما كان صغيرا، و لا ضعة امرئ إلي أن تستصغر من بلائه ما كان عظيما.

و اردد إلي الله و رسوله ما يضلعك [520] من الخطوب، و يشتبه عليك من الأمور، فقد قال الله تعالي لقوم أحب إرشادهم: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله و أطيعوا الرسول و أولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شي ء فردوه إلي الله و الرسول) فالرد إلي الله: الأخذ بمحكم كتابه [521]، و الرد إلي الرسول: الأخذ بسنته الجامعة غير المفرقة.

ثم اختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك في نفسك، ممن لا تضيق به الأمور، و لا تمحكه [522] الخصوم، و لا يتمادي [523] في الزلة [524]، و لا يحصر [525] من الفي ء [526] إلي الحق إذا عرفه، و لا تشرف [527] نفسه علي طمع، و لا يكتفي بأدني فهم دون أقصاه [528]، و أوقفهم في الشبهات [529]، و آخذهم بالحجج، و أقلهم تبرما [530] بمراجعة الخصم، و أصبرهم علي تكشف الأمور، و أصرمهم [531] عند اتضاح الحكم، ممن لا يزدهيه إطراء [532]، و لا يستميله إغراء، و أولئك قليل.ثم أكثر تعاهد [533] قضائه، و افسح له في البذل [534] ما يزيل علته، و تقل معه حاجته إلي الناس، و أعطه من المنزلة لديك ما لا يطمع فيه غيره من خاصتك، ليأمن بذلك اغتيال الرجال له عندك.فانظر في ذلك نظرا بليغا، فإن هذا الدين قد كان أسيرا في أيدي الأشرار، يعمل فيه بالهوي، و تطلب به الدنيا.

ثم انظر في أمور عمالك فاستعملهم اختبارا [535]، و لا تولهم محاباة [536] و

أثرة [537]، فإنهما جماع من شعب [538] الجور و الخيانة.و توخ [539] منهم أهل التجربة و الحياء، من أهل البيوتات الصالحة، و القدم [540] في الإسلام المتقدمة، فإنهم أكرم أخلاقا، و أصح أعراضا، و أقل في المطامع إشراقا، و أبلغ في عواقب الأمور نظرا.ثم أسبغ [541] عليهم الأرزاق، فإن ذلك قوة لهم علي استصلاح أنفسهم، و غني لهم عن تناول ما تحت أيديهم، و حجة عليهم إن خالفوا أمرك أو ثلموا أمانتك [542] ثم تفقد أعمالهم، و ابعث العيون [543] من أهل الصدق و الوفاء عليهم، فإن تعاهدك في السر لأمورهم حدوة لهم [544] علي استعمال الأمانة، و الرفق بالرعية.و تحفظ من الأعوان، فإن أحد منهم بسط يده إلي خيانة اجتمعت بها عليه عندك أخبار عيونك، اكتفيت بذلك شاهدا، فبسطت عليه العقوبة في بدنه، و أخذته بما أصاب من عمله، ثم نصبته بمقام المذلة، و وسمته بالخيانة، و قلدته عار التهمة.

و تفقد أمر الخراج بما يصلح أهله، فإن في صلاحه و صلاحهم صلاحا لمن سواهم، و لا صلاح لمن سواهم إلا بهم، لأن الناس كلهم عيال علي الخراج و أهله.و ليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج، لأن ذلك لا يدرك إلا بالعمارة، و من طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد، و أهلك العباد، و لم يستقم أمره إلا قليلا.فإن شكوا ثقلا أو علة [545]، أو انقطاع شرب [546] أو بالة [547]، أو إحالة أرض [548] اغتمرها [549] غرق، أو أجحف [550] بها عطش، خففت عنهم بما ترجوا أن يصلح به أمرهم، و لا يثقلن عليك شي ء خففت به المؤونة عنهم، فإنه ذخر يعودون به عليك في عمارة بلادك، و تزيين ولايتك،

مع استجلابك حسن ثنائهم، و تبجحك [551] باستفاضة [552] العدل فيهم، معتمدا فضل قوتهم [553]، بما ذخرت [554] عندهم من إجمامك [555] لهم و الثقة منهم بما عودتهم من عدلك عليهم و رفقك بهم، فربما حدث من الأمور ما إذا عولت فيه عليهم من بعد احتملوه طيبة أنفسهم به، فإن العمران محتمل ما حملته، و إنما يؤتي خراب الأرض من إعواز [556] أهلها، و إنما يعوز أهلهالإشراف أنفس الولاة علي الجمع [557]، و سوء ظنهم بالبقاء، و قلة انتفاعهم بالعبر.

ثم انظر في حال كتابك، فول علي أمورك خيرهم، و اخصص رسائلك التي تدخل فيها مكائدك و أسرارك بأجمعهم لوجوه صالح الأخلاق ممن لا تبطره [558] الكرامة، فيجترئ بها عليك في خلاف لك بحضرة ملإ [559]، و لا تقصر به الغفلة [560] عن إيراد مكاتبات عمالك عليك، و إصدار جواباتها علي الصواب عنك، فيما يأخذ لك و يعطي منك، و لا يضعف عقدا اعتقده لك [561]، و لا يعجز عن إطلاق ما عقد عليك [562]، و لا يجهل مبلغ قدر نفسه في الأمور، فإن الجاهل بقدر نفسه يكون بقدر غيره أجهل.

ثم لا يكن اختيارك إياهم علي فراستك [563] و استنامتك [564] و حسن الظن منك، فإن الرجال يتعرضون لفراسات [565] الولاة بتصنعهم [566] و حسن خدمتهم، و ليس وراء ذلك من النصيحة و الأمانة شي ء.و لكن اختبرهم بما ولوا للصالحين قبلك، فاعمد لأحسنهم كان في العامة أثرا، و أعرفهم بالأمانة وجها، فإن ذلك دليل علي نصيحتك لله و لمن وليت أمره.و اجعل لرأس كل أمر من أمورك رأسا منهم، لا يقهره كبيرها، و لا يتشتت عليه كثيرها، و مهما كان في كتابك من عيب فتغابيت [567] عنه

ألزمته.

ثم استوص بالتجار و ذوي الصناعات، و أوص بهم خيرا: المقيم منهم و المضطرب بماله [568]، و المترفق [569] ببدنه، فإنهم مواد المنافع، و أسباب المرافق [570]، و جلابها من المباعد و المطارح [571]، في برك و بحرك، و سهلك وجبلك، و حيث لا يلتئم الناس لمواضعها [572]، و لا يجترئون عليها، فإنهم سلم [573] لا تخاف بائقته [574]، و صلح لا تخشي غائلته.و تفقد أمورهم بحضرتك و في حواشي بلادك.و اعلممع ذلكأن في كثير منهم ضيقا [575] فاحشا، و شحا [576] قبيحا، و احتكارا [577] للمنافع، و تحكما في البياعات، و ذلك باب مضرة للعامة، و عيب علي الولاة.فامنع من الاحتكار، فإن رسول اللهصلي الله عليه و آله و سلممنع منه.و ليكن البيع بيعا سمحا: بموازين عدل، و أسعار لا تجحف بالفريقين من البائع و المبتاع [578] فمن قارف [579] حكرة [580] بعد نهيك إياه فنكل به [581]، و عاقبه في غير إسراف [582].

ثم الله الله في الطبقة السفلي من الذين لا حيلة لهم، من المساكين و المحتاجين و أهل البؤسي [583] و الزمني [584]، فإن في هذه الطبقة قانعا [585] و معترا [586]، و احفظ لله ما استحفظك [587] من حقه فيهم، و اجعل لهم قسما من بيت مالك، و قسما من غلات [588] صوافي [589] الإسلام في كل بلد، فإن للأقصي منهم مثل الذي للأدني، و كل قد استرعيت حقه، فلا يشغلنك عنهم بطر [590]، فإنك لا تعذر بتضييعك التافه [591] لإحكامك الكثير المهم.فلا تشخص همك [592] عنهم، و لا تصعر خدك لهم [593]، و تفقد أمور من لا يصل إليك منهم ممن تقتحمه العيون [594]، و تحقره الرجال، ففرغ لأولئك ثقتك [595]

من أهل الخشية و التواضع.فليرفع إليك أمورهم، ثم اعمل فيهم بالإعذار إلي الله [596] يوم تلقاه، فإن هؤلاء من بين الرعية أحوج إلي الإنصاف من غيرهم، و كل فاعذر إلي الله في تأدية حقه إليه.و تعهد أهل اليتم و ذوي الرقة في السن [597] ممن لا حيلة له، و لا ينصب للمسألة نفسه، و ذلك علي الولاة ثقيل، و الحق كله ثقيل، و قد يخففه الله علي أقوام طلبوا العاقبة فصبروا أنفسهم، و وثقوا بصدق موعود الله لهم.

و اجعل لذوي الحاجات [598] منك قسما تفرغ لهم فيه شخصك، و تجلس لهم مجلسا عاما فتتواضع فيه لله الذي خلقك، و تقعد عنهم جندك و أعوانك [599] من أحراسك [600] و شرطك [601]، حتي يكلمك متكلمهم غير متتعتع [602]، فإني سمعت رسول اللهصلي الله عليه و آله و سلميقول في غير موطن [603]: «لن تقدس [604] أمةلا يؤخذ للضعيف فيها حقه من القوي غير متتعتع».ثم احتمل الخرق [605] منهم و العي [606]، و نح [607] عنهم الضيق [608] و الأنف [609] يبسط الله عليك بذلك أكناف رحمته [610]، و يوجب لك ثواب طاعته.و أعط ما أعطيت هنيئا [611]، و امنع في إجمال و إعذار [612].!

ثم أمور من أمورك لا بد لك من مباشرتها: منها إجابة عمالك بما يعيا [613] عنه كتابك، و منها إصدار حاجات الناس يوم ورودها عليك بما تحرج [614] به صدور أعوانك.و أمض لكل يوم عمله، فإن لكل يوم ما فيه.و اجعل لنفسك فيما بينك و بين الله أفضل تلك المواقيت، و أجزل [615] تلك الأقسام، و إن كانت كلها لله إذا صلحت فيها النية، و سلمت منها الرعية.

و ليكن في خاصة ما تخلص

به لله دينك: إقامة فرائضه التي هي له خاصة، فأعط الله من بدنك في ليلك و نهارك، و وف ما تقربت به إلي الله من ذلك كاملا غير مثلوم [616] و لا منقوص، بالغا من بدنك ما بلغ.و إذا قمت في صلاتك للناس، فلا تكونن منفردا و لا مضيعا [617]، فإن في الناس من به العلة و له الحاجة.و قد سألت رسول اللهصلي الله عليه و آله و سلمحين وجهني إلي اليمن كيف أصلي بهم؟فقال: «صل بهم كصلاة أضعفهم، و كن بالمؤمنين رحيما».

و أما بعد، فلا تطولن احتجابك عن رعيتك، فإن احتجاب الولاة عن الرعية شعبة من الضيق، و قلة علم بالأمور، و الإحتجاب منهم يقطع عنهم علم ما احتجبوا دونه فيصغر عندهم الكبير، و يعظم الصغير، و يقبح الحسن، و يحسن القبيح، و يشاب الحق بالباطل.و إنما الوالي بشر لا يعرف ما تواري عنه الناس به من الأمور، و ليست علي الحق سمات [618] تعرف بها ضروب الصدق من الكذب، و إنما أنت أحد رجلين: إما امرؤ سخت نفسك بالبذل [619] في الحق، ففيم احتجابك من واجب حق تعطيه، أو فعل كريم تسديه! أو مبتلي بالمنع، فما أسرع كف الناس عن مسألتك إذا أيسوا [620] من بذلك! مع أن أكثر حاجات الناس إليك مما لا مؤونة فيه عليك، من شكاة [621] مظلمة، أو طلب إنصاف في معاملة.

ثم إن للوالي خاصة و بطانة، فيهم استئثار و تطاول، و قلة إنصاف في معاملة، فاحسم [622] مادة أولئك بقطع أسباب تلك الأحوال.و لا تقطعن [623] لأحد من حاشيتك و حامتك [624] قطيعة، و لا يطمعن منك في اعتقاد [625] عقدة، تضر بمن يليها من الناس، في شرب

[626] أو عمل مشترك، يحملون مؤونته علي غيرهم، فيكون مهنا [627] ذلك لهم دونك، و عيبه عليك في الدنيا و الآخرة.

و ألزم الحق من لزمه من القريب و البعيد، و كن في ذلك صابرا محتسبا، واقعا ذلك من قرابتك و خاصتك حيث وقع، و ابتغ عاقبته بما يثقل عليك منه، فإن مغبة [628] ذلك محمودة.

و إن ظنت الرعية بك حيفا [629] فأصحر [630] لهم بعذرك، و اعدل [631] عنك ظنونهم بإصحارك، فإن في ذلك رياضة [632] منك لنفسك، و رفقا برعيتك، و إعذارا [633] تبلغ به حاجتك من تقويمهم علي الحق.

و لا تدفعن صلحا دعاك إليه عدوك و لله فيه رضي، فإن في الصلح دعة [634] لجنودك، و راحة من همومك، و أمنا لبلادك، و لكن الحذر كل الحذر من عدوك بعد صلحه، فإن العدو ربما قارب ليتغفل [635] فخذ بالحزم، و اتهم في ذلك حسن الظن.و إن عقدت بينك و بين عدوك عقدة، أو ألبسته منك ذمة [636]، فحط [637] عهدك بالوفاء، و ارع ذمتك بالأمانة، و اجعل نفسك جنة [638] دون ما أعطيت، فإنه ليس من فرائض الله شي ء الناس أشد عليه اجتماعا، مع تفرق أهوائهم، و تشتت آرائهم، من تعظيم الوفاء بالعهود.و قد لزم ذلك المشركون فيما بينهم دون المسلمين لما استوبلوا [639] من عواقب الغدر، فلا تغدرن بذمتك، و لا تخيسن بعهدك [640]، و لا تختلن [641] عدوك، فإنه لا يجترئ علي الله إلا جاهل شقي.و قد جعل الله عهده و ذمته أمنا أفضاه [642] بين العباد برحمته، و حريما [643] يسكنون إلي منعته [644]، و يستفيضون إلي جواره [645]، فلاإدغال [646] و لا مدالسة [647] و لا خداع فيه، و لا

تعقد عقدا تجوز فيه العلل [648]، و لا تعولن علي لحن قول [649] بعد التأكيد و التوثقة.و لا يدعونك ضيق أمر لزمك فيه عهد الله، إلي طلب انفساخه بغير الحق، فإن صبرك علي ضيق أمر ترجوا انفراجه و فضل عاقبته، خير من غدر تخاف تبعته، و أن تحيط بك من الله فيه طلبة [650]، لا تستقبل فيها دنياك و لا آخرتك.

إياك و الدماء و سفكها بغير حلها، فإنه ليس شي ء أدني لنقمة، و لا أعظم لتبعة، و لا أحري بزوال نعمة، و انقطاع مدة، من سفك الدماء بغير حقها.و الله سبحانه مبتدئ بالحكم بين العباد، فيما تسافكوا من الدماء يوم القيامة، فلا تقوين سلطانك بسفك دم حرام، فإن ذلك مما يضعفه و يوهنه، بل يزيله و ينقله.و لا عذر لك عند الله و لا عندي في قتل العمد، لأن فيه قود [651] البدن.و إن ابتليت بخطإ و أفرط عليك [652] سوطك أو سيفك أو يدك بالعقوبة، فإن في الوكزة [653] فما فوقها مقتلة، فلا تطمحن [654] بك نخوة سلطانك عن أن تؤدي إلي أولياء المقتول حقهم.

و إياك و الإعجاب بنفسك، و الثقة بما يعجبك منها، و حب الإطراء [655]، فإن ذلك من أوثق فرص الشيطان في نفسه ليمحق ما يكون من إحسان المحسنين.

و إياك و المن علي رعيتك بإحسانك، أو التزيد [656] فيما كان من فعلك، أو أن تعدهم فتتبع موعدك بخلفك، فإن المن يبطل الإحسان، و التزيد يذهب بنور الحق، و الخلف يوجب المقت [657] عند الله و الناس.قال الله تعالي: (كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون).

و إياك و العجلة بالأمور قبل أوانها، أو التسقط [658] فيها عند إمكانها، أو اللجاجة

فيها إذا تنكرت [659]، أو الوهن [660] عنها إذا استوضحت.فضع كل أمر موضعه، و أوقع كل أمر موقعه.

و إياك و الاستئثار [661] بما الناس فيه أسوة [662]، و التغابي [663] عما تعني به مما قد وضح للعيون، فإنه مأخوذ منك لغيرك.و عما قليل تنكشف عنك أغطية الأمور، و ينتصف منك للمظلوم.املك حمية أنفك [664]، و سورة [665] حدك [666]، و سطوة يدك، و غرب [667] لسانك، و احترس من كل ذلك بكف البادرة [668]، و تأخير السطوة، حتي يسكن غضبك فتملك الاختيار، و لن تحكم ذلك من نفسك حتي تكثر همومك بذكر المعاد إلي ربك.

و الواجب عليك أن تتذكر ما مضي لمن تقدمك من حكومة عادلة، أو سنة فاضلة، أو أثر عن نبيناصلي الله عليه و آله و سلمأو فريضة في كتاب الله، فتقتدي بما شاهدت مما عملنا به فيها، و تجتهد لنفسك في اتباع ما عهدت إليك في عهدي هذا، و استوثقت به من الحجة لنفسي عليك، لكيلا تكون لك علة عند تسرع نفسك إلي هواها.و أنا أسأل الله بسعة رحمته، و عظيم قدرته علي إعطاء كل رغبة، أن يوفقني و إياك لما فيه رضاه من الإقامة علي العذر الواضح إليه و إلي خلقه. مع حسن الثناء في العباد، و جميل الأثر في البلاد، و تمام النعمة، و تضعيف الكرامة [669]، و أن يختم لي و لك بالسعادة و الشهادة، «إنا إليه راجعون».و السلام علي رسول الله صلي الله عليه و آله الطيبين الطاهرين، و سلم تسليما كثيرا، و السلام» [670].

قصار الحكم

إشتهرت قصار حكمه (ع) شهرة واسعة بين الادباء و البلغاء حتي لقد قال الجاحظو هو الناقد البليغ و صاحب المؤلفات المعروفة في الأدب و

البلاغة:

«وددت لو أني أعطيت جميع مصنفاتي و قطعت أنسابها عني، و أخذت بدلها ثلاث كلمات منسوبة إلي علي بن أبي طالب (ع) و صارت منسوبة إلي» [671].

و قد آثرنا أن ننقل مقتطفات من نهج البلاغة من خطب و وصايا و رسائل و حكم الإمام علي (ع)، علي أن نقتطف ما تيسر من بعض المصادر الاخري:

قال (ع):

1 «ما أخذ الله تعالي علي أهل الجهل أن يتعلموا، حتي أخذ علي أهل العلم أن يعلموا» [672].

2 «إحذر من يطريك بما ليس فيك، فيوشك أن يبهتك بما ليس فيك» [673].

3 «البخل و الجبن و الحرص من أصل واحد، يجمعهن سوء الظن بالله تعالي» [674].

4 «كل شي ء يعز حين ينزر، و العلم يعز حين يغزر» [675].

5 «تجنبوا الأماني فإنها تذهب بهجة ما خولتم و تصغر مواهب الله عندكم، و تعقبكم الحسرات علي ما أوهمتم أنفسكم» [676].

6 «أوصيكم بخصال لو ضربتم إليها آباط الإبل كن أهلا لها: لا يرجون أحد إلا ربه، و لا يخافن إلا ذنبه، و لا يستحيين إذا سئل عما لا يعلم أن يقول: لا أعلم، و لا يستحيين إذا لم يعلم الشي ء، أن يتعلمه» [677].

7 «من قوي فليقو علي طاعة الله، و من ضعف فليضعف عن محارم الله» [678].

8 «إن أخيب الناس سعيا و أخسرهم صفقة رجل أتعب بدنه في آماله، و شغل بها عن معاده، فلم تساعده المقادير علي إرادته، و خرج من الدنيا بحسرته، و قدم علي آخرته بغير زاد» [679].

9 «إذا أقبلت الدنيا علي امرئ أعارته محاسن غيره، و إذا أدبرت عنه سلبته محاسن نفسه» [680].

10سمع أمير المؤمنين علي (ع) رجلا يغتاب رجلا عند ابنه الحسن (ع) فقال: «يا بني! نزه نفسك و سمعك

عنه، فإنه نظر إلي أخبث ما في وعائه فأفرغه في وعائك» [681].

11 «من بالغ في الخصومة ظلم، و من قصر فيها ظلم، و لا يستطيع أن يتقي الله من يخاصم» [682].

12 «يجب علي العاقل أن يكون عارفا بزمانه، مالكا للسانه، مقبلا علي شأنه» [683].

13 «القريب من قربته المودة و إن بعد نسبه، و البعيد من باعدته العداوة و إن قرب نسبه» [684].

14 «الفقيه كل الفقيه من لم يقنط الناس من رحمة الله، و لم يرخص لهم في معاصي الله، و لم يؤمنهم من عذاب الله، و لم يدع القرآن رغبة عنه إلي غيره، لأنه لا خير في عبادة لا علم فيها، و لا علم لا فهم معه، و لا قراءة لا تدبر فيها» [685].

15 «من أراد أن ينصف الناس من نفسه، فليحب لهم ما يحب لنفسه» [686].

16لما ضرب ابن ملجم عليا، دخل عليه الحسن و هو باك، فقال له: ما يبكيك يا بني؟قال: و ما لي لا أبكي و أنت في أول يوم من الآخرة و آخر يوم من الدنيا؟فقال: «يا بني! إحفظ أربعا و أربعا لا يضرك ما عملت معهن».

قال: و ما هن يا أبة؟

قال: «إن أغني الغني العقل، و أكبر الفقر الحمق، و أوحش الوحشة العجب، و أكرم الحسب الكرم و حسن الخلق».

قال الحسن: قلت: يا أبة، هذه الأربع، فاعطني الأربع الاخر.

قال: «إياك و مصادقة الأحمق، فإنه يريد أن ينفعك فيضرك، و إياك و مصادقة الكذاب فإنه يقرب إليك البعيد و يبعد عليك القريب، و إياك و مصادقة البخيل فإنه يقعد عنك أحوج ما تكون إليه، و إياك و مصادقة الفاجر، فإنه يبيعك بالتافه» [687].

الحافظ ابن عساكر: ترجمة الإمام علي بن أبي طالب

من تاريخ دمشق: ج 3: ص 403، نهج البلاغة: ص. 475

مختارات مما ورد له في نهج البلاغة

قال (ع):

1 «كن في الفتنة كابن اللبون [688]، لا ظهر فيركب، و لا ضرع فيحلب».

2 «أزري [689] بنفسه من استشعر [690] الطمع، و رضي بالذل من كشف عن ضره، و هانت عليه نفسه من أمر [691] عليها لسانه».

3 «خالطوا الناس مخالطة إن متم معها بكوا عليكم، و إن عشتم حنوا إليكم».

4 «إذا قدرت علي عدوك فاجعل العفو عنه شكرا للقدرة عليه».

5 «أعجز الناس من عجز عن اكتساب الإخوان، و أعجز منه من ضيع من ظفر به منهم».

6 «تذل الامور للمقادير، حتي يكون الحتف [692] في التدبير».

7و قال (ع) في الذين اعتزلوا القتال معه: «خذلوا الحق، و لم ينصروا الباطل».

8 «أقيلوا ذوي المروءات عثراتهم [693] فما يعثر منهم عاثر إلا و يد الله بيده يرفعه».

9 «من كفارات الذنوب العظام إغاثة الملهوف، و التنفيس عن المكروب».

10 «ما أضمر أحد شيئا إلا ظهر في فلتات لسانه، و صفحات وجهه». «إذا كنت في إدبار [694]، و الموت في إقبال [695]، فما أسرع الملتقي».

12 «فاعل الخير خير منه، و فاعل الشر شر منه».

13 «كن سمحا و لا تكن مبذرا، و كن مقدرا [696] و لا تكن مقترا [697].»

14 «من أسرع إلي الناس بما يكرهون، قالوا فيه بما لا يعلمون».

15 «لسان العاقل وراء قلبه، و قلب الأحمق وراء لسانه».

16 «إحذروا صولة الكريم إذا جاع، و اللئيم إذا شبع».

17 «السخاء ما كان ابتداء، فأما ما كان عن مسألة فحياء و تذمم [698].»

18 «لا غني كالعقل، و لا فقر كالجهل، و لا ميراث كالأدب، و لا ظهير كالمشاورة».

19 «الغني في الغربة وطن، و الفقر في الوطن غربة».

20 «القناعة مال لا ينفد».

21 «من

حذرك كمن بشرك».

22 «أهل الدنيا كركب يسار بهم و هم نيام».

23 «فقد الأحبة غربة».

24 «العفاف زينة الفقر، و الشكر زينة الغني».

25 «لا تري الجاهل إلا مفرطا أو مفرطا».

26 «الحكمة ضالة المؤمن، فخذ الحكمة و لو من أهل النفاق».

27 «قيمة كل امرئ ما يحسنه». «بقية السيف [699].

28- «أبقي عددا، و أكثر ولدا».

29 «من ترك قول (لا أدري) أصيبت مقاتله [700].»

30 «من أصلح ما بينه و بين الله أصلح الله ما بينه و بين الناس، و من أصلح أمر آخرته أصلح الله له أمر دنياه، و من كان له من نفسه واعظ كان عليه من الله حافظ».

31 «لا يقولن أحدكم: (اللهم! إني أعوذ بك من الفتنة) لأنه ليس أحد إلا و هو مشتمل علي فتنة، و لكن من استعاذ فليستعذ من مضلات الفتن، فإن الله سبحانه يقول: (و اعلموا أنما أموالكم و أولادكم فتنة)، و معني ذلك أنه يختبرهم بالأموال و الأولاد ليتبين الساخط لرزقه، و الراضي بقسمه، و إن كان سبحانه أعلم بهم من أنفسهم، و لكن لتظهر الأفعال التي بها يستحق الثواب و العقاب، لأن بعضهم يحب الذكور و يكره الاناث، و بعضهم يحب تثمير المال [701] و يكره انثلام الحال [702].»

32و سئل عن الخير ما هو؟فقال: «ليس الخير أن يكثر مالك و ولدك، و لكن الخير أن يكثر علمك، و أن يعظم حلمك، و أن تباهي الناس بعبادة ربك، فإن أحسنت حمدت الله، و إن أسأت استغفرت الله، و لا خير في الدنيا إلا لرجلين: رجل أذنب ذنوبا فهو يتداركها بالتوبة، و رجل يسارع في الخيرات».

33و سمع (ع) رجلا من الحرورية [703] يتهجد [704] و يقرأ فقال: «نوم علي يقين خير من صلاة في شك».

34مدحه

قوم في وجهه فقال: «اللهم! إنك أعلم بي من نفسي، و أنا أعلم بنفسي منهم، اللهم اجعلنا خيرا مما يظنون، و اغفر لنا ما لا يعلمون».

35 «رب عالم قد قتله جهله، و علمه معه لا ينفعه».

36 «هلك في رجلان: محب غال [705]، و مبغض قال [706].»

37 «لأنسبن الاسلام نسبة لم ينسبها أحد قبلي.الإسلام هو التسليم، و التسليم هو اليقين، و اليقين هو التصديق، و التصديق هو الإقرار، و الإقرار هو الأداء، و الأداء هو العمل».

38 «توقوا البرد [707] في أوله، و تلقوه [708] في آخره، فإنه يفعل في الأبدان كفعله في الأشجار، أوله يحرق و آخره يورق [709].»

39 «المرء مخبوء تحت لسانه».

40 «هلك امرؤ لم يعرف قدره».

41 «لا يعدم الصبور الظفر و إن طال به الزمان».

42 «عاتب أخاك بالإحسان إليه، و اردد شره بالإنعام عليه».

43 «من وضع نفسه مواضع التهمة فلا يلومن من أساء به الظن».

44 «من استبد برأيه هلك، و من شاور الرجال شاركها في عقولها».

45 «من كتم سره كانت الخيرة [710] بيده». «الفقر الموت الأكبر».

47 «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق».

48 «كم من أكلة منعت أكلات».

49 «الناس أعداء ما جهلوا».

50 «إذا هبت أمرا [711] فقع فيه، فإن شدة توقيه [712] أعظم مما تخاف منه».

51 «آلة الرئاسة سعة الصدر».

52 «إحصد الشر من صدر غيرك بقلعه من صدرك».

53 «ما اختلفت دعوتان إلا كانت إحداهما ضلالة».

54 «من لم ينجه الصبر أهلكه الجزع».

55 «لم يذهب من مالك ما وعظك».

56 «إن هذه القلوب تمل كما تمل الأبدان، فابتغوا لها طرائف الحكمة».

57و قال (ع) لما سمع قول الخوارج «لا حكم إلا لله»: كلمة حق يراد بها باطل.

58و قال (ع) في صفة الغوغاء [713]: «هم الذين إذا اجتمعوا غلبوا، و

إذا تفرقوا لم يعرفوا».و قيل: بل قال (ع): «هم الذين إذا اجتمعوا ضروا، و إذا تفرقوا نفعوا»، فقيل: قد عرفنا مضرة اجتماعهم، فما منفعة افتراقهم؟فقال: «يرجع أصحاب المهن إلي مهنتهم، فينتفع الناس بهم.كرجوع البناء إلي بنائه، و النساج إلي منسجه، و الخباز إلي مخبزه».

59و قال (ع)، و أتي بجان و معه غوغاء، فقال: «لا مرحبا بوجوه لا تري إلا عند كل سوأة». «كل وعاء يضيق بما جعل فيه إلا وعاء العلم، فإنه يتسع به».

61 «إن لم تكن حليما فتحلم، فإنه قل من تشبه بقوم إلا أو شك أن يكون منهم».

62 «الخلاف يهدم الرأي».

63 «في تقلب الأحوال، علم جواهر الرجال».

64 «حسد الصديق من سقم المودة [714].»

65 «أكثر مصارع العقول تحت بروق المطامع».

66 «ليس من العدل القضاء علي الثقة بالظن».

67 «من أشرف أعمال الكريم غفلته عما يعلم».

68 «بكثرة الصمت تكون الهيبة، و بالنصفة [715] يكثر المواصلون [716]، و بالإفضال تعظم الأقدار، و بالتواضع تتم النعمة، و باحتمال المؤن [717] يجب السؤدد [718]، و بالسيرة العادلة يقهر المناوئ [719]، و بالحلم عن السفيه تكثر الأنصار عليه».

69و سئل عن الإيمان فقال: «الإيمان معرفة بالقلب، و إقرار باللسان، و عمل بالأركان».

70و قال لابنه الحسن (ع): «لا تدعون إلي مبارزة [720] و إن دعيت إليها فأجب، فإن الداعي إليها باغ، و الباغي مصروع [721].»

71 «خيار خصال النساء شرار خصال الرجال: الزهو [722]، و الجبن، و البخل، فإذا كانت المرأة مزهوة [723] لم تمكن من نفسها، و إذا كانت بخيلة حفظت مالها و مال بعلها، و إذا كانت جبانة فرقت [724] من كل شي ء يعرض لها».

72و قيل له: صف لنا العاقل، فقال (ع): «هو الذي يضع الشي ء مواضعه»، فقيل: صف لنا الجاهل،

فقال: «قد فعلت».

73 «و الله لدنياكم هذه أهون في عيني من عراق [725] خنزير في يد مجذوم [726].»

74 «إن قوما عبدوا الله رغبة فتلك عبادة التجار، و إن قوما عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد، و إن قوما عبدوا الله شكرا فتلك عبادة الأحرار».

75 «يوم المظلوم علي الظالم أشد من يوم الظالم علي المظلوم».

76 «من أطاع التواني ضيع الحقوق، و من أطاع الواشي ضيع الصديق».

77 «من ظن بك خيرا فصدق ظنه».

78 «أصدقاؤك ثلاثة، و أعداؤك ثلاثة، فأصدقاؤك: صديقك، و صديق صديقك، و عدو عدوك، و أعداؤك: عدوك، و عدو صديقك، و صديق عدوك».

79 «من بالغ في الخصومة أثم، و من قصر فيها ظلم، و لا يستطيع أن يتقي الله من خاصم».

80 «أشد الذنوب ما استهان به صاحبه».

81 «لا تظنن بكلمة خرجت من أحد سوءا و أنت تجد لها في الخير محتملا». «البخل جامع لمساوئ العيوب، و هو زمام يقاد به إلي كل سوء».

83 «تكلموا تعرفوا، فإن المرء مخبوء تحت لسانه».

84 «من صارع الحق صرعه».

85 «من أصلح سريرته أصلح الله علانيته، و من عمل لدينه كفاه الله أمر دنياه، و من أحسن فيما بينه و بين الله أحسن الله ما بينه و بيسن الناس».

86 «ما المجاهد الشهيد في سبيل الله بأعظم أجرا ممن قدر فعف: يكاد العفيف أن يكون ملكا من الملائكة» [727].

پاورقي

[1] البلاذري: أنساب الأشراف: ج 2: ص 177.

[2] راجع نماذج من ذلك في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ط دار إحياء الكتب العربية بالقاهرة 1959 م: ج 4: ص 561 و ما بعدها.

[3] الطبري: تاريخ الطبري: ط دار المعارف (القاهرة): ج 5: ص 189: حوادث عام 43.

[4] جلال الدين السيوطي: تاريخ الخلفاء:

تحقيق الشيخين الشماعي الرفاعي و العثماني (بيروت) 1406 ه: ص 193.

[5] أخرجه الخطيب البغدادي: التاريخ الكبير: ج 14: ص 321، و الجويني الشافعي: فرائد السمطين: ج 1: ب 37، و ذكره الهيثمي: مجمع الزوائد: ج 9: مناقب علي: ص 134، نقلا عن الطبراني بألفاظ متقاربة.

[6] المتقي الهندي: كنز العمال: ج 6: ص 156، الطبري: الرياض النضرة: ج 2: ص 226، الخوارزمي: المناقب: ص 79.

[7] السيوطي: تاريخ الخلفاء: ط 1 (بيروت) 1986 م: ص 189، سنن الترمذي: ج 5: ص 636.

[8] السيوطي: تاريخ الخلفاء: ص 189.

[9] المصدر السابق.

[10] الهيثمي: مجمع الزوائد: ط 3 دار الكتاب العربي (بيروت): ج 9: ص 119: باب مناقب علي ابن ابي طالب، نقلا عن الطبراني.

[11] الخوارزمي: المناقب: ص 188، الهيثمي: مجمع الزوائد: ج 9: ص112.

[12] السيوطي: تاريخ الخلفاء: ص 185 186.

[13] الإربلي: كشف الغمة: ج 1: فصل ذكر الإمام علي (ع).

[14] مستدرك الحاكم: ج 3: ص 483، و الكفاية للحافظ الكنجي الشافعي، و شرح الخريدة الغيبية في شرح القصيدة العينية لشهاب الدين السيد محمود الآلوسي: ص 15، و نور الأبصار للشبلنجي: ص 76، و مطالب السؤول: ص 11: لمحمد بن طلحة الشافعي، و المناقب للأمير محمد صالح الترمذي، نقلا عن الغدير: ط 3، 1967 (بيروت): ج 6: ص 2238: عبد الحسين الأميني.

[15] ابن الصباغ المالكي: الفصول المهمة: ص 13.

[16] المجلسي: بحار الأنوار: ج 35: ص 18، نقلا عن المناقب.

[17] ابن الصباغ المالكي: الفصول المهمة: ص 14، و شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 1: ص 151.

[18] سيرة ابن هشام: ط دار إحياء التراث العربي (بيروت): ص 263، المجلسي: بحار الأنوار: ج 35: ص 44، نقلا عن كنز العمال، شرح نهج

البلاغة لابن أبي الحديد: ج 1: ص 15.

[19] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 1: ص 15.

[20] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 1: ص 15، نقلا عن البلاذري و الاصفهاني.

[21] نهج البلاغة: تبويب د.صبحي الصالح: ط 1، 1967 م: ص 300.

[22] عبد الفتاح عبد المقصود: علي بن أبي طالب: ج 1: ص 39، و الإملاق: الفقر.

[23] نهج البلاغة: الخطبة القاصعة.

[24] نهج البلاغة: الخطبة القاصعة.

[25] ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة: ج 4: ص 314.

[26] المصدر السابق: ص 315.

[27] المصدر السابق.

[28] الخوارزمي: المناقب: ص 2737، محب الدين الطبري: ذخائر العقبي: ص 63.

[29] نهج البلاغة: الخطبة القاصعة.

[30] اضافة إلي كتب التاريخ التي تصرح بأن عليا أول الناس اسلاما، كالسيوطي الذي قال: «إنه أول من أسلم، و نقل بعضهم الاجماع عليه» ص 185 من تاريخ الخلفاء، فهناك عدة أحاديث عن رسول الله (ص) تجسد هذه الحقيقة، راجع المستدرك: ج 3: ص 136، التاريخ الكبير للخطيب البغدادي: ج 2: ص 81، و مناقب الخوارزمي، و حلية الأولياء: ج 1: ص 66، و السيرة الحلبية: ج 1: ص 268، و سيرة زيني دحلان في هامش الحلبية: ج 1: ص 173.

[31] ابن هشام: السيرة النبوية: ج 1: ص 259.

[32] الكليني: الكافي: ج 8: ص 339، و هناك أحاديث بهذا الصدد يرويها كل من النسائي و ابن ماجة، و الحاكم في المستدرك: ج 3: ص 111، و محب الدين الطبري في ذخائر العقبي: ص 60، و الطبري في تاريخه، و الرياض النضرة: ج 2: ص 158، و كتاب صفين لنصر بن مزاحم: ص 100 و غيرها، راجع كتاب الغدير: ج 3: ص 221240، علي أن تلك الروايات تشير إلي

أن إيمان علي و عبادته قد سبق فيها الناس بسبع أو تسع سنين، و هي لا تخالف القول بثلاث سنين أبدا، فان المراد بأنه سبق بالتصديق بالاسلام بعد الدعوة بثلاث سنين، و سبق سواه بالإيمان و التعبد مع الرسول (ص) في مرحلة الإعداد التي أشار إليها في خطبته القاصعة بسنوات اخري.

[33] أخرج الحديث كل من: ابن إسحاق، و ابن جرير، و ابن أبي حاتم، و ابن مردويه، و أبي نعيم، و البيهقي في سننه و في دلائله، و الثعلبي، و الطبري في تفسيريهما لسورة الشعراء من تفسيريهما الكبيرين، و أخرجه الطبري في تاريخ السيرة الحلبية: ج 1: ص 381، و الطحاوي، و الضياء المقدسي في مختاره، و أحمد بن حنبل: ج 1: ص 111 و 159، و المتقي الهندي في كنز العمال: ج 13: ص 114، و المفيد في الارشاد: ص 11، و غير هؤلاء كثير، و كلهم أوردوه بألفاظ متقاربة، راجع المراجعات للسيد شرف الدين: ص 124 و ما بعدها.

[34] أخرج الحديث و ما مضي من فقراته كل من: البيهقي في سننه و دلائله، و الثعلبي و الطبري في تفسيريهما لسورة الشعراء في تفسيريهما الكبيرين، و الطبري في تأريخه: ج 2: ص 217، و ابن الأثير في الكامل في التاريخ: ج 2: ص 22، و السيرة الحلبية: ج 1: ص 381، و ابن حنبل في مسنده: ج 1: ص 111 و 159، و كنز العمال: ج 13: رقم الحديث 36371، و غير هذه المصادر بألفاظ متقاربة.

[35] المجلسي: بحار الأنوار: ج 19: ص 3، نقلا عن إعلام الوري، طبقات ابن سعد: ج 1: ص 173 و 192، سيرة ابن هشام: ج 1: ص 399404، ابن

قتيبة: عيون الأخبار: ج 2: ص 151، تاريخ ابن كثير: ج 3: ص 84 و 96 و 97، السيرة الحلبية: ج 1: ص 343، ابن الأثير: الكامل في التاريخ: ج 2: ص 36، راجع الغدير: ج 7: ص 363 366.

[36] المجلسي: بحار الأنوار: ط دار إحياء التراث العربي (بيروت): ج 21: ص 62، نقلا عن البلاذري، و ابن سعد في طبقاته: ج 4: ص 23، و ابن الأثير في أسد الغابة: ج 1: ص 287، ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة: ج 3: ص 407، البداية و النهاية: ج 4: ص 256، الاستيعاب: ج 1: ص 81، أبو الفرج الاصفهاني: مقاتل الطالبيين: ص 10.

[37] المجلسي: بحار الأنوار: ج 21: ص 63، نقلا عن مقاتل الطالبيين.

[38] كاعة: تكتم حقدها و تخشي إعلان حربها.

[39] تاريخ الطبري: ج 2: ص 222، تاريخ ابن عساكر: ج 1: ص 284، مستدرك الحاكم: ج 2: ص 622، تاريخ ابن كثير: ج 3: ص 122، راجع الغدير للشيخ الأميني: ج 7: ص 376، كشف الغمة للأربلي: ج 1: ص 162، و غيرها.

[40] تفسير سورة الأنفال: آية 30.يراجع الميزان للعلامة السيد محمد حسين الطباطبائي: ج 9: بحث روائي ص 80.

[41] الطباطبائي: الميزان: ج 9: ص 80.

[42] محسن الأمين العاملي: أعيان الشيعة: ج 1: ص 237.

[43] ابن الصباغ المالكي: الفصول المهمة: ص 52.

[44] ابن الصباغ المالكي: الفصول المهمة: ص 52.

[45] الأمين: أعيان الشيعة: ج 1: ص 238.

[46] الأمين: أعيان الشيعة: ج 1: ص 238.

[47] البلاذري: أنساب الأشراف: ج 2: ص 91 و 94، مستدرك الصحيحين: ج 3: ص 111، ابن سعد في الطبقات: ج 3: ص 152.

[48] الواقدي: المغازي: ج 1: ص 152.

[49] تاريخ

الطبري: ج 3: ص 17، أحمد بن حنبل في الفضائل، ابن هشام: السيرة النبوية: ج 3: ص 134، محمد حسن المظفر: دلائل الصدق: ج 2: ص 357، السيد الصدر: حياة أمير المؤمنين: ص 236 و ما بعدها، المفيد: الارشاد: ص 52.

[50] الأحزاب: 10.

[51] دحلان: السيرة النبوية: ج 2: ص 111: غزوة الخندق.

[52] دحلان: السيرة النبوية: ج 2: ص 112، الحاكم: مستدرك الصحيحين: ج 3: ص 32.

[53] الحاكم: مستدرك الصحيحين: ج 3: ص 32 عن سفيان الثوري، و رواه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد: ج 3: ص 19.

[54] المفيد: الارشاد: ص 58، دحلان: السيرة النبوية: ج 2: ص 112.

[55] البلاذري: أنساب الأشراف: ج 2: ص 93 و 94، عن أبي هريرة و ابن عباس بلفظ متشابه، النسائي: خصائص علي بن أبي طالب: ص 9 و ما بعدها، و في الإصابة و الإستيعاب و حلية الأولياء و مسلم في صحيحه بألفاظ متقاربة.

[56] محسن الأمين: سيرة الرسول: ج 1: ص 279، نقلا عن السيرة الحلبية و ابن قتيبة في المعارف، و تفسير الميزان للطباطبائي: ج 10: تفسير آية 25 من التوبة و البحث الروائي، المفيد: الارشاد: ص 74.

[57] للاستزادة يراجع كتاب الإمام علي لعبد الفتاح عبد المقصود، و أعيان الشيعة لمحسن الأمين: ج 1: ص 79، بألفاظ متشابهة، و الارشاد للمفيد، و سيرة ابن هشام، و الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي: ص 44 بألفاظ متشابهة.

[58] راجع أنساب الأشراف للبلاذري: ج 2: ص 92، مستدرك الصحيحين: ج 3: ص 111، ابن سعد في طبقاته: ج 3: ص 10، ابن حجر في تهذيب التهذيب: ج 3: ص 475، ابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة: ص 39، راجع كذلك فضائل الخمسة

من الصحاح الستة: ج 2: ص 309، للمزيد من المصادر.

[59] السيوطي: تاريخ الخلفاء: ج 187.

[60] السيوطي: تاريخ الخلفاء: ج 187.

[61] راجع صحيح مسلم في كتاب فضائل الصحابة، و المستدرك للحاكم: ج 3: ص 147، و البيهقي في سننه: ج 2: ص 149، الدر المنثور للسيوطي في تفسير الآية، و صحيح الترمذي: ج 2: ص 209، تهذيب التهذيب لابن حجر: ج 2: ص 297 و غيرهم، راجع فضائل الخمسة من الصحاح الستة: ج 1: ص 270 و ما بعدها.

[62] راجع الميزان في تفسير القرآن للسيد محمد حسين الطباطبائي: ج 16: ص 329: تفسير آية التطهير.

[63] مستدرك الصحيحين: ج 3: ص 147، صحيح مسلم: ص 1882: باب فضائل أهل بيت النبي، البيهقي: السنن الكبري: ج 2: ص 149، تفسير الطبري في تفسير الآية: ج 22: ص 5، تفسير ابن كثير: ج 3: ص 485، تفسير السيوطي: ج 5: ص 198.

[64] البيهقي: السنن الكبري: ج 2: ص 150، ابن كثير: ج 3: ص 483، السيوطي: ج 5: ص 198، الحاكم: المستدرك: ج 2: ص 416، الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد: ج 9: ص 126، الطحاوي: مشكل الآثار: ط حيدر آباد 1333 ه: ج 1: ص 334.

[65] السيوطي: الدر المنثور: ج 4: ص 198، الطحاوي: مشكل الآثار: ج 1: ص 233.

[66] الترمذي: ج 2: ص 308: مناقب أهل البيت، بسنده عن عمر بن أبي سلمة ربيب النبي (ص)، قال: نزلت هذه الآية علي النبي (ص): إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا في بيت ام سلمة، فدعا النبي (ص): فاطمة و حسنا و حسينا و علي خلف ظهره فجللهم بكساء، ثم قال: «اللهم هؤلاء أهل بيتي

فأذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا».قالت ام سلمة: و أنا معهم يا نبي الله؟قال: أنت علي مكانك، و أنت إلي خير و نلاحظ هنا أن مع جلالة موقع زوجة الرسول (ص) ام سلمة عنده، إلا أن في جذب الرسول (ص) الكساء من يدها و عدم ادخالها تحت الكساء، إرادة عدم شمول أهل البيت لزوجات النبي (ص) مع أن ام سلمة من أفضل زوجات النبي، و قد نص النبي (ص) علي أنها إلي خير.

و الجدير ذكره هنا ان كتب السيرة و التاريخ لم تنقل لنا أن زوجات النبي (ص) ادعين علي انهن من أهل البيت المشمولين بالآية المذكورة.

[67] الطبري: ج 22: ص 5، ذخائر العقبي: ط القاهرة 1356 ه: ص 24.

[68] الطبري: ج 22: ص 7، ابن كثير: ج 3: ص 458، صحيح الترمذي: ط القاهرة 1350 ه: ج 12: ص 85، الطحاوي: مشكل الأثار: ج 1: ص 335.

[69] مستدرك الصحيحين: ج 3: ص 158، و أسد الغابة: ج 5: ص 521، مسند أحمد: ج 3: ص 258، الطبري في تفسيره: ج 5: ص 22، ابن كثير: ج 3: ص 483، السيوطي: الدر المنثور: ج 5: ص 199، مسند الطيالسي: ج 8: ص 274، الترمذي: ج 12: ص 85، كنز العمال: ج 7: ص 103.

[70] صحيح الترمذي: ج 2: ص 300، أحمد بن حنبل في المسند: ج 1: ص 185، السيوطي: الدر المنثور: تفسير آية المباهلة، الزمخشري في كشافه، الفخر الرازي: التفسير الكبير: ج 8: ص 80، راجع فضائل الخمسة من الصحاح الستة: ج 1: ص 290، و تفسير الطبري للآية.

[71] تفسير الطبري: ج 10: ص 59، عن أنس، الواحدي: أسباب النزول: ص 182، القرطبي في

تفسيره: ج 8: ص 91، الرازي في تفسيره: ج 4: ص 422، الخازن في تفسيره: ج 2: ص 221، أبو البركات النسفي: ج 2: ص 221، السيوطي: الدر المنثور: ج 3: ص 218، القندوزي الحنفي: ينابيع المودة: ص 93، نقلا عن صحيح النسائي، و غيرهم مع اختلاف في التفاصيل و الألفاظ.

[72] مستدرك الصحيحين: ج 3: ص 126، مناقب أحمد بن حنبل و أبو عيسي الترمذي في جامعه الصحيح، كنز العمال: ج 6: ص 401، أسد الغابة: ج 4: ص 22، الخطيب البغدادي في تاريخه: ج 4: ص 348، راجع فضائل الخمسة من الصحاح الستة: ج 2: ص 250 و ما بعدها.

[73] مسند أحمد بن حنبل: ج 1: ص 174، مسند أبي داود: ج 3: ص 28، البخاري: باب غزوة تبوك، و مسلم و الترمذي: ج 5: باب مناقب علي بن أبي طالب، و غير هؤلاء، راجع المراجعات: ص 133 و 136.

[74] صحيح الترمذي: ج 5: مناقب علي بن أبي طالب، أحمد بن حنبل: ج 6: ص 292، النسائي و مستدرك الصحيحين: ج 3: ص 129 و غيرها باختلاف في الألفاظ، راجع فضائل الخمسة من الصحاح الستة: ج 2: ص 207.

[75] السيوطي: تاريخ الخلفاء: ص 170، شمس الدين الذهبي: تذكرة الحفاظ: ج 2: ص 673.

[76] صحيح ابن ماجة، و صحيح الترمذي: ج 5: باب مناقب علي بن أبي طالب، النسائي: خصائص النسائي: ص 3 و 18، الحاكم: مستدرك الصحيحين: ج 3: ص 14، مسند أحمد بن حنبل: ج 1: ص 159، و غيرها مع اختلاف يسير في الألفاظ.

[77] ابن المغازي في مناقبه: ص 106، أخرجه أبو نعيم في الحلية، و المحب الطبري في ذخائر العقبي: ص

100، أحمد بن حنبل في مسنده، الطبراني، الحافظ الهيثمي: مجمع الزوائد: ج 9: ص 132، الخوارزمي: المناقب: ص 66، ابن أبي الحديد في شرحه للنهج، و غيرهم.

[78] ابن المغازلي في مناقبه: ص70.

[79] ابن المغازلي في مناقبه: ص 70، أخرجه القندوزي الحنفي: ينابيع المودة: ص 125.

[80] تفسير البيضاوي، مجمع البيان للطبرسي، أبو إسحاق الثعلبي في تفسيره، الطبري في تفسيره: ج 6: ص 165، الواحدي في أسباب النزول: ص 148، الخازن في تفسيره: ج 1: ص 496، الرازي في تفسيره: ج 11: ص 26، أبو البركات النسفي: ج 1: ص 496، النيسابوري في تفسيره: ج 3: ص 461، ابن حجر في الصواعق: ص 25، راجع أعيان الشيعة: ط دار التعارف (بيروت): ج 1: ص 368، خلفاء الرسول الاثنا عشر: ص 103، و ما بعدها.

[81] اللفظ الصحيح ابن ماجة: ص 12.

[82] مسند ابن حنبل: ج 4: ص 281، فقد نص عليه قائلا: رواه ثلاثون صحابيا، و أخرجه أيضا النسائي في خصائص علي بن أبي طالب، ص 93، بعدة طرق، و الترمذي، و الطبراني عن زيد بن أرقم، و الفخر الرازي في تفسير آية: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك، كنز العمال: ج 1: ص 48، الحاكم: مستدرك الصحيحين: ج 3: ص 109، الهيثمي: مجمع الزوائد: ج 9: ص 103109، راجع كتاب الغدير للأميني: ج 1.

[83] الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد: ج 14: ص 321، الهيثمي: مجمع الزوائد: ج 7: ص 235، المتقي الهندي: كنز العمال: ج 6: ص 157، و غيرهم مع اختلاف في الألفاظ، راجع علي و الوصية: ص 113.

[84] الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد: ج 13: ص 186، الهيثمي: مجمع الزوائد: ج 7: ص 238،

المتقي الهندي: كنز العمال: ج 6: ص 155، الخوارزمي: المناقب: ص 57، مع اختلاف يسير في الألفاظ.

[85] ينابيع المودة: ص 79: باب عهد النبي لعلي و جعله، وصيا، الهيثمي: مجمع الزوائد: ج 9: ص 113، الذهبي في ميزان الاعتدال و السيوطي في اللآلئ، و الديلمي في كنوز الدقائق و مناقب أحمد بن حنبل، و المتقي الهندي: كنز العمال: ج 6: ص 154، المعجم الكبير للطبراني، المحب الطبري: ذخائر العقبي: ص 71، راجع علي و الوصية لنجم الدين العسكري: ص 194.

[86] من شاء المزيد فليراجع ينابيع المودة للقندوزي الحنفي، الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي، فضائل الخمسة من الصحاح الستة للفيروز آبادي، مسند أحمد بن حنبل، المراجعات لشرف الدين، علي و الوصية لنجم الدين العسكري و غيرها.

[87] الخوارزمي: المناقب، عن عائشة، مسند أحمد بن حنبل: ج 2: ص 300، المحب الطبري: ذخائر العقبي: ص 72، راجع علي و الوصية للعسكري: ص 206 211.

[88] أخرجه النسائي: سنن النسائي: ج 4: ص 93، و أبو داود، و ابن ماجة.

[89] أخرجه الترمذي برقم 874 من أحاديث كنز العمال: ج 1: ص 44، مسند بن حنبل: ج 5: ص 18 و 189، الحاكم في المستدرك: ج 3: ص 148، و غيرها.

[90] أخرجه البخاري: ج 1: ص 39: باب كتابة العلم، و مسلم في آخر الوصايا من صحيحه: ج 3: ص 259، و أحمد بن حنبل في مسنده: ج 1، و غيرهم في لسان العرب: الكتف، عظم عريض يكون في أصل كتف الحيوان من الناس و الدواب، كانوا يكتبون فيه لقلة القراطيس عندهم.

[91] يراجع تاريخ الطبري و ابن الأثير و غيرهما.

[92] راجع صحيح البخاري: ج 5: ص 8، و تراجع السقيفة للشيخ

محمد رضا المظفر، و شرح النهج لابن أبي الحديد.

[93] تاريخ ابن كثير: ج 5: ص 271، تاريخ أبي الفداء: ج 1: ص 152، راجع الغدير للأميني: ج 7: ص 75.

[94] المظفر: السقيفة: ط 4 (بيروت) 1973 م: ص 160.

[95] السيد شرف الدين: المراجعات: ص 302.

[96] من كتاب له إلي أهل مصر مع مالك الأشتر حين ولاه إمارتها: نهج البلاغة: رقم 62.

[97] تاريخ اليعقوبي: ج 2: ص 111.

[98] ابن شهر آشوب: مناقب آل أبي طالب: ج 2: ص 356.

[99] علي و الخلفاء: ص 63، كنز العمال: ج 3: ص 99.

[100] علي و الخلفاء: ص 60، التستري: قضاء أمير المؤمنين: ط مؤسسة الأعلمي (بيروت): ص 86.

[101] ابن شهر آشوب: مناقب آل أبي طالب: ج 2: ص 358.

[102] راجع نهج البلاغة.احفز: ادفع وسق، أهل البلاء: أهل المهارة في الحرب.مثابة: مرجع.

[103] نجم الدين العسكري: علي و الخلفاء: ص 83، أحمد بن حنبل في مسنده: ج 1: ص 94، كنز العمال: ج 4: ص 39 و غيرهم.

[104] المتقي الهندي: كنز العمال: ج 7: ص 147، صحيح البخاري: ج 19: ص 727، نجم الدين العسكري: علي و الخلفاء: ص 87.

[105] سنن البيهقي، تاريخ الطبري و كنز العمال: ج 3: ص 101، و شرح الموطأ للزرقاني: ج 4: ص 25، راجع علي و الخلفاء: ص90.

[106] المتقي الهندي: كنز العمال: ج 3: ص 96، الفتوحات الاسلامية: ج 2: ص 482، راجع علي و الخلفاء: ص 98.

[107] ابن شهر آشوب: مناقب آل أبي طالب: ج 2: ص 370.

[108] نجم الدين العسكري: علي و الخلفاء: ص 133.

[109] علي و الخلفاء: ص 239.

[110] تاريخ الطبري: ج 2: ص 253، و في تاريخ اليعقوبي مثله، و كنز

العمال و مستدرك الحاكم، و الكامل في التاريخ لابن الأثير، راجع علي و الخلفاء: ص 240.

[111] ابن شهر آشوب: مناقب آل أبي طالب: ج 2: ص 371، محمد بن علي القمي: عجائب أحكام أمير المؤمنين: ص 43.و السم: الثقب.

[112] ابن شهر آشوب: مناقب آل أبي طالب: ج 2: ص 371، ابن كثير في تفسيره: ج 4: ص 57، البيهقي في سننه: ج 7: ص 442.

[113] السيوطي: الدر المنثور: ج 3: ص 144، ابن الجوزي: سيرة عمر: ص 106، دحلان: الفتوحات الاسلامية: ج 2: ص 486، راجع علي و الخلفاء لنجم الدين العسكري، و مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب: ج 2: ص 361، و الغدير للأميني: ج 6 و ج 7، و عجائب أحكام أمير المؤمنين.

[114] الجويني الشافعي: فرائد السمطين: باب 65، الخوارزمي الحنفي: المناقب: ص 15.

[115] الكنجي الشافعي: كفاية الطالب: ص 96.

[116] نهج البلاغة: نص رقم 92.

[117] نهج البلاغة: نص رقم 92.

[118] نهج البلاغة: الخطبة رقم 131.نهمته: شهوته الشديدة و حرصه المفرط.الحائف: الجائر، الظالم. الدول: المال، و الحائف للدول معناه الذي يظلم في توزيع الأموال فيفضل جماعة علي اخري. المقاطع: الحدود التي حددها الله تعالي.

[119] محمد عبده: شرح نهج البلاغة: ج 8: ص 269.

[120] راجع خطبة للإمام علي (ع) حول هذا الموضوع في روضة الكافي للكليني: ج 8: ص 58 63.

[121] ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة: ط 2 دار الكتب العربية (مصر) 1385 ه: ج 7: ص 37.

[122] المصدر السابق: ص 37 و 38.

[123] ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة: ج 7: ص 38 و 39، و ثورة الحسين: ص 61.

[124] ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة: ج 7: ص 40.

[125] الثقفي

(المتوفي عام 283 ه): كتاب الغارات: ج 1: ص 75.

[126] الثقفي: الغارات: ج 1: ص 70.

[127] نهج البلاغة: باب الرسائل: رقم 26، من عهده (ع) إلي محمد بن أبي بكر حين ولاه مصر.آس بينهم: ساو بينهم.حيفك لهم: ظلمك من أجلهم.

[128] نهج البلاغة: رسالة رقم 76، وصيته إلي عبد الله بن عباس حين استخلفه علي البصرة.سع الناس: اشملهم برعايتك في كل جانب من جوانب الحياة.طيرة: طيش و خفة.

[129] نهج البلاغة: رسالة رقم 45.مأدبة طعام: طعام دعوة أو عرس.يستطاب لك: يطلب لك طيبها.الألوان: أصناف الطعام.الجفان: جمع جفنة و هي القصعة.العائل: المحتاج.المجفو: المطرود.قضم: أكل بطرف أسنانه.المقضم: المأكل.الفظه: اطرحه، لا تأكله.الطمر: الثوب البالي.طعمه: ما يطعمه و يفطر عليه.قرص: رغيف خبز.السداد: الاحتراز من الخطأ.

[130] نهج البلاغة: رسالة رقم 43.اعتامك: اختارك، و أصله أخذ العيمة و هي خيار المال.

[131] نهج البلاغة: رسالة رقم 40.جردت الأرض: إشارة إلي الخيانة بتخريب الأراضي.

[132] نهج البلاغة: وصيته (ع) رقم 14.المعور: الذي عجز عن حماية نفسه أثناء الحرب.

[133] نهج البلاغة: من كتاب له إلي امراء جيشه رقم 50.

[134] نهج البلاغة: من كتاب له إلي عماله علي الخراج رقم. 51

[135] نهج البلاغة: كتابه لمن يستعمله علي الصدقات رقم 25.لا تخدج بالتحية: لا تبخل بالسلام عليهم و السؤال عن أحوالهم.

[136] جورج جرداق: روائع نهج البلاغة: ص 163.الخزامة: حلقة من شعر توضع في وترة أنف البعير يشد بها زمامه و يسهل قياده.

[137] البلاذري: أنساب الأشراف: ج 2: ص 136.

[138] ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة: تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم: ط 1385 ه: ج 2: ص 199. مسائل و مسل: جريد النخل الرطب.

[139] مثل يضرب، أراد به الإمام (ع) أنه لم يصب شيئا من مال المسلمين بل وضعه في

موضعه.سبط ابن الجوزي: تذكرة الخواص: ص 117.

[140] نهج البلاغة: من كتاب له إلي عثمان بن حنيف رقم 45.الجشب من الطعام: هو الغليظ الخشن.

[141] الثقفي: الغارات: ج 1: ص. 106.

[142] من سورة هود: 85، راجع أمالي الصدوق، و تذكرة الخواص: ص 134، و أنساب الأشراف للبلاذري: ج 2: ص 129 مع اختلاف يسير في الألفاظ.

[143] سبط ابن الجوزي: تذكرة الخواص: ص 116.

[144] نهج البلاغة: كتابه لعثمان بن حنيف: رقم النص 45.التبر: فتات الذهب و الفضة قبل الصياغة الطمر: الثوب الخلق البالي.الوفر: المال.أتان دبرة: التي عقر ظهرها فقل أكلها.

[145] العقاد: عبقرية الإمام علي: ط بيروت 1967: ص 16، سبط ابن الجوزي: تذكرة الخواص: ص 113.

[146] نهج البلاغة: رقم 209.يتبيغ: يستبد به ألم الفقر.

[147] سبط ابن الجوزي: تذكرة الخواص: ص 115.دار المقامة: الدار الآخرة.

[148] ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة: ج 2: ص 200.

[149] المصدر السابق: ص 201.

[150] المصدر السابق: ص 202.

[151] سبط ابن الجوزي: تذكرة الخواص: ص 113.

[152] سبط ابن الجوزي: تذكرة الخواص: ص 117.المدرعة: ثوب صوفي غليظ.

[153] انظر الصفحات (219) و حتي (229) من الجزء الأول من كتاب تاريخ المدينة المنورة المطبوع بالقاهرة بتحقيق الاستاذ فهيم محمود شلتوت، و الكتاب مرجع مهم من المراجع التي اعتمد عليها المؤرخ الطبري، انظر فهرس تاريخ الطبري: ج 10: ص 348: ط دار المعارف.

[154] تاريخ المدينة المنورة: ص 220.

[155] البلاذري: أنساب الأشراف: ج 2: ص 132.

[156] ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة: ج 2: ص 200.

[157] المجلسي: بحار الأنوار: ج 40: باب 98: ص 347، نقلا عن أمالي الصدوق.

[158] المصدر السابق: ص 327، نقلا عن المناقب.حجلة: ستر يضرب للعروس في الليل.هتكها: مزقها.

[159] المصدر السابق، نقلا عن المناقب.

[160] المصدر السابق، نقلا

عن المناقب.أكاف: كساء يوضع علي ظهر الدابة.القفة: إناء من خوص النخل.

[161] نهج البلاغة: رقم النص 224.حسك السعدان: نوع من أنواع الشوك.

[162] أي ترددوا علي الإمام علي (ع) يعرضون عليه أن يقبل الخلافة.

[163] تاريخ الطبري: ج 3: باب خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب: ص 450.

[164] ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة: تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم: دار إحياء الكتب العربية (مصر): ط 2 سنة 1965 م: ج 7: ص 41.

[165] نهج البلاغة: رقم النص 205.

[166] الطبري: تاريخ الطبري: ج 3: باب خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع): ص 461.

[167] الإمام علي و فضائله: دار مكتبة الحياة (بيروت): ص 175.

[168] ابن الصباغ المالكي: الفصول المهمة: ط النجف: ص 64، نهج البلاغة: رقم 75.

[169] ابن الصباغ المالكي: الفصول المهمة: ص 67.

[170] البلاذري: أنساب الأشراف: ج 5: ص 27، ابن الأثير: أسد الغابة: ج 2: ص 34، العسقلاني: الاصابة في تمييز الصحابة: ج 1: ص 345.

[171] اليعقوبي: تاريخ اليعقوبي: ج 2: ص 164.

[172] المصدر السابق: ص 168.

[173] البلاذري: أنساب الأشراف: ج 5: ص 28.

[174] البلاذري: أنساب الأشراف: ج 5: ص 27، العسقلاني: الإصابة: ج 1: ص 345، و انظر أحاديث وردت علي رسول الله (ص) في لعنه و لعن أولاده في مستدرك الحاكم: ج 4: ص 479 481.

[175] ابن الأثير: الكامل في التاريخ: ج 3: أحداث سنة 27 ه: ص 91، ابن عبد الحكم: فتوح أفريقيا: ص 5860، البلاذري: أنساب الأشراف: ج 5: ص 25، السيوطي: تاريخ الخلفاء: ط مطبعة السعادة (مصر) سنة 1371 ه: ص 156.

[176] البلاذري: أنساب الأشراف: ج 5: ص 38.

[177] تاريخ أبي الفداء: ج 1: ص 232، العقد الفريد: ج 4:

ص 283، ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة: ج 1: ص 198، سنن أبي داود، ج 2: ص 49، سنن البيهقي: ج 6: ص 310.

[178] العسقلاني: الإصابة: دار إحياء التراث العربي: ج 3: ص 478.

[179] العقد الفريد: ج 4: ص 283، ابن أبي الحديد: نهج البلاغة: ج 1: ص 198.مهزور: وادي بني قريظة بالحجاز و كان خصبا، و قال أبو يعلي الفراء في الأحكام السلطانية: ص 201: (استقطعها مروان من عثمان فنقم بها الناس عليه).

[180] ابن أبي الحديد: نهج البلاغة: ج 1: ص 199.

[181] ابن الأثير: الكامل في التاريخ: ج 2: ص 74.

[182] أبو الفرج الاصفهاني: الأغاني: ج 5: ص 126.

[183] عمر بن شبة: تاريخ المدينة: ج 3: ص 974، أبو الفرج الاصفهاني: الأغاني: ج 5: ص 135.

[184] أبو الفرج الاصفهاني: الأغاني: ط دار الكتب المصرية: ج 5: ص 135.

[185] الزركلي: الأعلام: ط بيروت: ج 8: ص 122 في الحاشية، نقلا عن المسعودي.

[186] البلاذري: أنساب الأشراف: ج 5: ص 33، أبو الفرج الاصفهاني: الأغاني: ج 5: ص 130، بألفاظ متشابهة، و لمزيد من التفاصيل انظر الغدير: ج 8: ص 120.

[187] تاريخ المدينة المنورة: ج 3: ص 972.و قصة سكره و إقامة الحد عليه مذكورة في عشرات الكتب التاريخية، انظر هامش تاريخ المدينة: ج 3: ص 972، و الأغاني: ج 5: ص 122 و 153، و الغدير: ج 8: ص 120 و ما بعدها.

[188] الزركلي: الاعلام: ج 4: ص 89، الحاكم: مستدرك الصحيحين: ج 3: ص 100.

[189] الحاكم: مستدرك الصحيحين: ج 3: ص 100، ابن الأثير: أسد الغابة: ج 3: ص 173، و تفسير الآية في الكشاف و أنساب الأشراف للبلاذري: ج 5: ص 49.

[190] ابن

أبي الحديد: شرح نهج البلاغة: ج 1: ص 199.

[191] البلاذري: أنساب الأشراف: ج 5: ص 27.

[192] ابن الأثير: أسد الغابة: ج 3: ص 191، البلخي: البدء و التاريخ: ج 5: ص 109.

[193] الطبري: تاريخ الطبري: ج 3: ص 319: أحداث سنة 29 ه، ابن الأثير: أسد الغابة: ج 3: ص 191.

[194] ابن كثير: البداية و النهاية: ج 7: ص 171، مسند أحمد: ج 1: ص 62، و في الغدير: ج 8: ص 291 بإختلاف يسير.

[195] ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة: ج 1: ص 199.

[196] المصدر السابق.

[197] عمر بن شبة: تاريخ المدينة المنورة: ج 3: ص 881، الغدير: ج 8: ص 120.

[198] الأميني: الغدير: ج 10: ص 179.

[199] ستري في آخر الخبر أن المقصود ب (فلان) هو (معاوية).

[200] الأميني: الغدير: ج 10: ص 179، نقلا عن تاريخ ابن عساكر: ج 7: ص 211.

[201] الأميني: الغدير: ج 10: ص 181، و قال ان مصادر الخبر هي: ابن حجر: الإصابة: ج 2: ص 401، و لخصه في تهذيب التهذيب: ج 6: ص 192، و أخرجه ملخصا أبو عمرو: الإستيعاب: ج 2: ص 401، و ذكره ابن الأثير في أسد الغابة: ج 3: ص 299.

[202] انظر ذلك مفصلا في الغدير: ج 10: ص 257 271.

[203] ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة: ج 1: ص 338.أس الدهر: قدمه.

[204] سيد قطب: العدالة الاجتماعية في الاسلام: ص 214.

[205] ابن الأثير: الكامل في التاريخ: ج 2: ص 72.

[206] الطبري: ج 3: ص 373.

[207] المصدر السابق: ص 380.

[208] نهج البلاغة: رقم 164.

[209] المصدر السابق.

[210] المصدر السابق.

[211] الطبري و ابن الأثير و غيرهما، انظر كتاب ام المؤمنين عائشة للسيد مرتضي العسكري: ص 134 و135.

[212]

الطبري: تاريخ الطبري: ج 3: ص 397.

[213] ابن الأثير: ج 3: ص 165.

[214] الطبري: تاريخ الطبري: ج 3: ص 397.

[215] المصدر السابق.السيقة: ما يساق من الدواب.

[216] المصدر السابق: ص 401، تاريخ المدينة المنورة: ج 4: ص 1149.

[217] الطبري: تاريخ الطبري: ج 3: ص 403.

[218] المصدر السابق: ص 404.السربال: الثوب.أي لا أريد أن أخلع الثوب الذي ألبسني الله إياه و هو ثوب الخلافة.

[219] المصدر السابق: ص 417.

[220] عمر بن شبة: تاريخ المدينة المنورة: ج 3: ص 1131.

[221] ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة: ج 9: ص 5 و 6.

[222] تاريخ المدينة: ج 4: ص 1289، ابن أبي الحديد: ج 16: ص 154: شرح كتاب الإمام علي إلي معاوية: رقم 37.

[223] تاريخ المدينة المنورة: ج 4: ص 1289.و هي رواية تدل علي أن الجيش الذي أرسله معاوية لم يصل حتي إلي مشارف المدينة، و انه ظل قرب مدينة الزرقاء (حاليا من مدن الأردن).

[224] ابن الصباغ المالكي: الفصول المهمة: ص 67.

[225] ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة: ج 3: ص 75.

[226] المصدر السابق: ص 404، و شروح مفصلة اخري في الغدير: ج 9: ص 102 و ما بعدها.

[227] الغدير: ج 9: ص 93، و أضاف ان الطبري قد ذكر ذلك في تاريخه إلا انه لم يذكر اسم طلحة، و قال بدلا من ذلك: (قال رجل).

[228] الغدير: ج 9: ص 93.

[229] ابن الأثير: الكامل في التاريخ: ج 3: ص 183، شرح ابن أبي الحديد: ج 1: ص 168، و الغدير: ج 9: ص 91.

[230] اليعقوبي: تاريخ اليعقوبي: ج 2: ص 176، الأميني: الغدير: ج 9: ص 78، نقلا عن أنساب الأشراف للبلاذري.و المعني: انها تمنت لو تضع الخليفة عثمان

في كيس و تشد رأس ذلك الكيس و تلقيه في البحر.

[231] الغدير: ج 9: ص 78، نقلا عن البلاذري و تاريخ الطبري و شرح ابن أبي الحديد.

[232] اليعقوبي: تاريخ اليعقوبي: ج 2: ص 175.

[233] العلامة السيد مرتضي العسكري: أحاديث ام المؤمنين عائشة: ص 104، نقلا عن تاريخ ابن أعثم، و الآية هي العاشرة من سورة التحريم، انظر تفسيرها في كتب التفسير.

[234] مرتضي العسكري: أحاديث ام المؤمنين عائشة: ص 105، و قد نقل ذلك عن تاريخ الطبري و تاريخ ابن أعثم و تاريخ ابن الأثير، و النهاية لابن الأثير و شرح ابن أبي الحديد.

[235] انظر معني الكلمة في النهاية لابن الأثير و تاج العروس و لسان العرب و القاموس المحيط.

[236] تاريخ المدينة المنورة: ج 3: ص 1088، الطبري: تاريخ الطبري: ج 3: ص 392.

[237] تاريخ المدينة المنورة: ج 3: ص 1089، الطبري: ج 3: ص 393.

[238] الطبري: ج 3: ص 392، انظر الغدير: ج 9: ص 135139 فقد ذكر مصادر اخري.

[239] عبد الرحمن الشرقاوي: علي إمام المتقين: ج 1: ص 207، الغدير: ج 9: ص 149 152.

[240] ابن الصباغ المالكي: الفصول المهمة: ص 72.و المقصود ب (أخرجتما امكما) عائشة بوصفها زوجة النبي (ص) و ام المؤمنين.

[241] ابن الصباغ المالكي: الفصول المهمة: ص 79، سبط ابن الجوزي: تذكرة الخواص: ص 77، ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة: ج 2: ص 167.

[242] ابن الصباغ المالكي: الفصول المهمة: ص 79، سبط ابن الجوزي: تذكرة الخواص.

[243] المصدر السابق.

[244] العسكري: أحاديث ام المؤمنين عائشة: ص 181، نقلا عن اليعقوبي و كنز العمال.

[245] المصدر السابق: ص 182، نقلا عن و كنز العمال: هامش 260: ج 8: ص 215216، و منتخب الكنز.

[246] عمر

بن شبة: تاريخ المدينة: ج 3: ص 974.

[247] مسند أحمد بن حنبل: ج 5: ص 347.

[248] الشرقاوي: علي إمام المتقين: ج 2: ص 6.

[249] ابن الأثير: الكامل في التاريخ: ج 3: ص 274.

[250] المصدر السابق: ص 276.

[251] ابن الصباغ المالكي: الفصول المهمة: ص 87.

[252] المصدر السابق.

[253] ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة: ج 1: ص 23.

[254] ابن الصباغ المالكي: الفصول المهمة: ص 90، سبط ابن الجوزي: تذكرة الخواص، بلفظ متقارب.

[255] ابن الصباغ المالكي: الفصول المهمة: ص 88.

[256] سبط ابن الجوزي: تذكرة الخواص: ص 96.

[257] ابن الصباغ المالكي: الفصول المهمة: ص 95، سبط ابن الجوزي: تذكرة الخواص: ص 96.

[258] سبط ابن الجوزي: تذكرة الخواص: ص 96.

[259] ابن الصباغ المالكي: الفصول المهمة: ص 96.

[260] سبط ابن الجوزي: تذكرة الخواص: ص 96، محسن الأمين: أعيان الشيعة: ج 3: ص 199.

[261] سبط ابن الجوزي: تذكرة الخواص: ص 95.

[262] سبط ابن الجوزي: تذكرة الخواص: ص 103.

[263] يوليوس فلهوزن: الخوارج و الشيعة: ترجمة عبد الرحمن بدوي: ط 2، 1976 كويت: ص 32.

[264] نصر بن مزاحم: وقعة صفين: ط 2، 1382 ه: ص 517.

[265] نصر بن مزاحم: وقعة صفين: ص 517، النحل: 91.

[266] ابن الصباغ المالكي: الفصول المهمة: ص 108.

[267] المصدر السابق: ص 109.

[268] الأمين: أعيان الشيعة: ج 3: ص 20، نقلا عن الطبري، ابن الصباغ المالكي: الفصول المهمة: ص 110.

[269] ابن الأثير: الكامل في التاريخ: ج 3: ص 347: في ذكر الخوارج، و اخرجه البخاري في صحيحه، و ابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة: ص 111، و البلاذري في أنساب الأشراف: ج 2: ص 376 بلفظ آخر، و النسائي في خصائصه: ص 71.

[270] أي أن يخوفهم و يرعبهم و يهددهم لأنهم

في طاعة علي (ع).

[271] الثقفي: الغارات: ص 598.

[272] الثقفي: الغارات: ص 640 و 653، ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة: ج 2: ص 17.

[273] الثقفي: الغارات: ص 631.

[274] ذكر بعض فظائع هذا السفاك الأثيم ابن الأثير في الكامل في التاريخ: ج 3: ص 385: حوادث سنة (40 ه)، و عليه اعتمدنا في نقل النص أعلاه، و ذكر الحديث البلاذري: أنساب الأشراف: ج 2: ص 457، و قال: «و كان بسر قد غيب الغلامين أياما، طمعا في أن يأتيه أبوهما، ثم قتلهما، ذبحهما ذبحا»، و ابن أبي الحديد: ج 2: ص 13، و ذكر ذلك أيضا الثقفي في كتابه الغارات: ص 615، و انظر الأعلام للزركلي: ج 2: ص 51، و حادثة فظيعة من جرائم بسر في تاريخ ابن عساكر: ج 10: ص 13 و مكافأة له علي تلك الأعمال عينه معاوية واليا علي البصرة عام (41 ه)، حيث صعد المنبر و افتتح كلامه بشتم علي (ع)، انظر تاريخ ابن الأثير: ج 3: ص 414.

[275] ليس المهم أن يكون المقتول مسلما و بريئا، فكل من لم يؤمن بمعاوية يستحق القتل.

[276] الثقفي: الغارات: ص 466.حربه ماله: أخذه منه و تركه بلا شي ء.

[277] المصدر السابق: ص 467.

[278] الرعث: القرط.

[279] أي لم يجرح منهم رجل جرحا، كناية عن عدم وجود جيش لمقاتلتهم.

[280] الثقفي: الغارات: ص 476.

[281] أي دين هذا الذي يبيح كل تلك الجرائم؟.

[282] الثقفي: الغارات: ص 421، ابن أبي الحديد: ج 2: ص 116، و قد اختصر هذه الفظائع ابن الأثير: ج 3: ص 377، و اختصرها أيضا ابن كثير: ج 7: ص 320.

[283] و هل في هذا فخر؟المخدرة: المرأة المستورة النجبية.

[284] هكذا أصبح اسم هذا السفاح مخيفا

للأطفال، فأين هذا من الاسلام؟.

[285] ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة: ج 2: ص 121، الثقفي: الغارات: ص 437.

[286] ابن الأثير: الكامل في التاريخ: ج 3: ص 376، و انضمام قومه إليه بسبب الغنائم التي كان ينهيها من المسلمين، و معني يصدق أهل البادية أي أن يأخذ منهم الصدقات بالسيف و البطش.

[287] الثقفي: الغارات: ص 433.

[288] نهج البلاغة: خطبة رقم 182.

[289] نهج البلاغة: خطبة رقم 47.

[290] فاروق الامة رواه عن رسول الله (ص) الطبراني و البيهقي و كنز العمال و سواهم، راجع المراجعات لشرف الدين الموسوي: ص 170.

[291] شويحطات النجار: اسم مكان خارج المدينة.

[292] المغيلات: النخل الوارف الظلال.

[293] المجلسي: بحار الأنوار: ج 41: ص 11 و 12، نقلا عن أمالي الصدوق.و الأنوار العلوية للشيخ جعفر النقدي: ط 2: ص 115.و مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب المازندراني: ط 1: مطبعة العلمية (قم): ج 1: ص 389.

[294] نهج البلاغة: باب الحكم: رقم 104.و ذكره المجلسي في البحار: ج 41: ص 16، عن الخصال، باختلاف في بعض الألفاظ.

[295] ليلة الهرير: من ليالي معركة صفين الحاسمة التي اشتبك الفريقان فيها طوال الليل دون هوادة.

[296] المجلسي: بحار الأنوار: ج 41: ص 17.

[297] المصدر السابق، عن المناقب.

[298] المصدر السابق، عن المناقب.

[299] المصدر السابق: ص 14، عن نهج البلاغة.سبط ابن الجوزي: تذكرة الخواص: ص 144.

[300] المجلسي: بحار الأنوار: ج 41: ص 14، عن نهج البلاغة.

[301] أنساب الأشراف: ج 2: ص 180.و فضائل الخمسة من الصحاح الستة: ج 1، نقلا عن البخاري و مسلم و النسائي و غيرهم.

[302] نهج البلاغة: تبويب صبحي الصالح: ص 199.حت الورق عن الشجر: قشره.الربق: حبل فيه عدة عري كل واحدة ربقة.الحمة: عين ماء حار يستشفي فيها

من المرض.الدرن: الوسخ.نصبا: نصب في الأمر: جد واجتهد فيه.

[303] ابن شهر آشوب: المناقب: ط العلمية (قم): ج.

[304] نهج البلاغة: من كتاب له إلي عثمان بن حنيف عامله علي البصرة: رقم 45: ص 416.

[305] المجلسي: بحار الأنوار: ج 41: ص 1، عن التوحيد.

[306] المصدر السابق: ص 6، عن الكافي.معور: علي و شك السقوط.

[307] المصدر السابق.

[308] ابن شهر آشوب: المناقب: ط 10: ج 2: ص 94.

[309] جورج جرداق: علي و حقوق الانسان: ط 1970 (بيروت): ص 75.

[310] المجلسي: بحار الأنوار: ج 40: ص 330، عن المحاسن.

[311] ابن شهر آشوب: المناقب: ج 1: ص 36.

[312] سبط ابن الجوزي: تذكرة الخواص: ص 109.

[313] سبط ابن الجوزي: تذكرة الخواص: ص 110.يبسه: يضع عليه السمن، و الإهالة: الشحم أو ما اذيب منه و نحوهما من إدام.

[314] سبط ابن الجوزي: تذكرة الخواص: ص 112.البر: الحنطة.ثلاثا: ثلاثة أيام متتالية.

[315] سبط ابن الجوزي: تذكرة الخواص: ص 113.محمد رضا: الإمام علي بن أبي طالب: ص 12.

[316] ابن شهر آشوب: المناقب: ج 2: ص 97، عن إحياء علوم الدين للغزالي.

[317] للاستزادة من شواهد زهد الإمام (ع) راجع: بحار الأنوار: ج 40: و تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي، و مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب المازندراني: ج 1: و غيرها.

[318] كتابه إلي عثمان بن حنيف، رقم النص في نهج البلاغة 45، باب الرسائل التبر: فتات الذهب و الفضة قبل الصياغة.الوفر: المال.الطمر: الثوب الخلق البالي.أتان دبرة: التي عقر ظهرها فقل أكلها.عفصة مقرة: العفص، هي شجرة البلوط و ثمرها.و مقرة: أي مرة.

[319] المجلسي: البحار الأنوار: ج 41: ص 37، عن الكافي.

[320] المصدر السابق: ص 39، عن الكافي.

[321] ابن شهر آشوب: المناقب: ج 2: ص 346.المجلسي: بحار الأنوار: ج

41: ص 43، عن كشف المحجة.

[322] ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة: ج 1: ص 22.

[323] المصدر السابق.

[324] يشري: يبيع.

[325] راجع تفسير الآية في الكشاف للزمخشري و الواحدي في أسباب النزول و ابن الأثير في أسد الغابة.

[326] تفسير الطبري، عن أنس: ج 10: ص 59.و أسباب النزول للواحدي: ص 182.و القرطبي في تفسيره: ج 8: ص 91.و الرازي في تفسيره.و النسفي و السيوطي و سواهم.

[327] سبط ابن الجوزي: تذكرة الخواص: ص 119، محمد رضا: الإمام علي بن أبي طالب (ع): ص 12.تشوقت: تزينت.أبنتك: طلقتك.

[328] نهج البلاغة: تبويب صبحي الصالح: ص 136.المحجة: الطريق المستقيمة.تنكرت: تغيرت علائمها، و أصبحت مجهولة.

[329] المصدر السابق.

[330] نهج البلاغة: تبويب صبحي الصالح: النص رقم 126.

[331] المصدر السابق.

[332] المصدر السابق: رقم النص 224.الحسك: الشوك.السعدان: نبت شائك ترعاه الإبل.

[333] روائع من نهج البلاغة: ص 1232.

[334] نهج البلاغة: رقم النص 136.

[335] سبط ابن الجوزي: تذكرة الخواص: ص 113.

[336] المصدر السابق.

[337] ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة: ج 2: ص 220.

[338] ابن شهر آشوب: المناقب: ج 2: ص 97.

[339] المجلسي: بحار الأنوار: ج 40: ص 330، عن الإمام الصادق (ع)، نقلا عن المحاسن.

[340] ابن شهر آشوب: المناقب: ج 2: ص 111.

[341] المصدر السابق.

[342] المصدر السابق: ص. 110.

[343] المجلسي: بحار الأنوار: ج 41: ص 115، عن المناقب.نهج البلاغة: رقم النص 232.

[344] ابن شهر آشوب: المناقب: ج 2: ص 110.

[345] نهج البلاغة: رقم النص 131.

[346] المصدر السابق: رقم النص 216.البادرة: الغضب.

[347] راجع بحار الأنوار: ج 41: ص 104، للاطلاع علي منهاجه في مراقبة السوق.

[348] جورج جرداق: علي و حقوق الانسان: ص 87.

[349] وصيته لعبد الله بن عباس حين ولاه البصرة: رقم النص 76: نهج البلاغة.طيرة: خفة وطيش.

[350] نهج

البلاغة: عهد الإمام (ع) لمالك الأشتر حين ولاه مصره.

[351] نهج البلاغة: رقم النص 5: باب الرسائل.لا تخدج بالتحية: لا تبخل بها عليهم.

[352] من وصيته لصاحب الخراج علي القادسية و سواد الكوفة.انظر بحار الأنوار: ج 41: ص 128، عن الكافي.و العفو: الفاضل عن النفقة.

[353] راجع نهج البلاغة: رقم النص 14: باب الرسائل و غيره.

[354] ابن شهر آشوب: المناقب: ج 2: ص 104.

[355] المصدر السابق.

[356] المصدر السابق.

[357] المجلسي: بحار الأنوار: ج 41: ص 55، عن المحاسن.

[358] ابن شهر آشوب: المناقب: ج 2: ص 104.

[359] الكليني: الكافي: ج 5: باب التسليم علي النساء.

[360] ابن شهر آشوب: المناقب: ج 2: ص 106.

[361] ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة: ج 1: ص 25.تلعابة: كثير المرح و اللعب.

[362] ابن شهر آشوب: المناقب: ج 2: ص 103.

[363] ابن شهر آشوب: المناقب: ج 2: ص 114.نهج البلاغة: نص 73.

[364] ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة: ج 1: ص 22.

[365] المجلسي: بحار الأنوار: ج 41: ص 50، نقلا عن المناقب.الكراع: جمع الخيل.

[366] ابن شهر آشوب: المناقب: ج 2: ص 114.عن ابن بطة و السجستاني.

[367] المصدر السابق.

[368] محمد رضا: الإمام علي بن أبي طالب (ع): ص 173.

[369] ابن شهر آشوب: المناقب: ج 2: ص 113.

[370] المصدر السابق.

[371] المجلسي: بحار الأنوار: ج 42: ص 206، عن قرب الإسناد.

[372] سبط ابن الجوزي: تذكرة الخواص: ص 69.

[373] ابن الصباغ المالكي: الفصول المهمة: ص 79.و في تذكرة الخواص رواية مشابهة.ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة: ج 2: ص 176 مثلها.

[374] ابن الصباغ المالكي: الفصول المهمة: ص 79.و في تذكرة الخواص أيضا.

[375] المجلسي: بحار الأنوار: ج 41: ص 145.ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة: ج 2: ص 23.

[376] عهد الإمام

(ع) إلي مالك الأشتر حين ولاه مصر: نهج البلاغة: رقم النص 53: ص 42.

[377] عبد المجيد لطفي: الإمام علي رجل الاسلام المخلد: ص 53.

[378] مسند أحمد بن حنبل: ج 2: ص 300.و مناقب الخوارزمي عن عائشة، و للإمام علي (ع) إشارة لهذه الحقيقة في نهج البلاغة: رقم النص 201.

[379] نهج البلاغة: من كلام له (ص): رقم 235 أنفدنا: أفنينا.ماء الشؤون: منابع الدمع.الداء مماطلا: مماطلا بالشفاء.الكمد محالفا: الحزن ملازما.قلا: مماطلة الداء، و محالفة الكمد، قليلتان لك.

[380] نهج البلاغة: رقم النص. 202

التأسي: الاعتبار.الفادح: المثقل.التعزي: التصبر.ملحودة القبر: الجهة المشقوقة منه.مسهد: اشتد به الأرق.هضم: ظلم.إحفاء السؤال: الاستقصاء فيه.القالي: المبغض.السئم: الضجر.

[381] نهج البلاغة: أواخر خطبة رقم. 182

أبرد برؤوسهم: أرسلت رؤوسهم بالبريد إلي الطغاة للتشفي منهم.أوه: كلمة توجع.

[382] ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة: ج 1: ص.22

[383] ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة: ج 1: ص 7 و ما بعدها.

[384] روي هذا الحديث باختلاف يسير في اللفظ: مسلم في صحيحه، و الحاكم في مستدرك الصحيحين و أحمد في المسند، و المتقي في كنز العمال، و غيرهم.

[385] نهج البلاغة: الخطبة القاصعة: رقم النص 192.

[386] البلاذري: أنساب الأشراف: ج 2: ص 98.

[387] النسائي: خصائص الإمام علي بن أبي طالب: ص 49.

[388] أخرجه الترمذي في صحيحه و أحمد بن حنبل و الحاكم في المستدرك و الحافظ أبو محمد السمرقندي في بحر الأسانيد و ابن جرير في تهذيب الآثار و الأربلي في كشف الغمة، و يراجع فتح الملك العلي بصحة حديث باب مدينة العلم علي للحافظ أحمد بن محمد الصديق الغماري: ط 2، 1969 م.

[389] أبو نعيم: حلية الأولياء.و الديلمي: فردوس الأخبار و غيرهما، و يراجع مقام أمير المؤمنين: ط الأعلمي: ص 7.

[390] أخرجه الخوارزمي

و ابن المغازلي الشافعي، و ابن شهر آشوب: المناقب: ج 2: ص 30.

[391] راجع مناقب آل أبي طالب: ج 1: فصل في السابقة بالعلم، و بحار الأنوار: ج 41: باب 93، و فضائل الخمسة من الصحاح الستة و غيرها.

[392] المجلسي: بحار الأنوار: ج 40: ص 146، عن المناقب.

[393] طبقات ابن سعد: ج 2: قسم 2: ص 102.تهذيب التهذيب: ج 7: ص 327.أسد الغابة لابن الأثير: ج 4: ص 22.

[394] المجلسي: بحار الأنوار: ج 40: باب 93.

[395] المصدر السابق: ص 129، عن الخصال.

[396] المصدر السابق: ص 144، عن الارشاد.

[397] الأمين: أعيان الشيعة: ج 1: ص 344.و مثله في الإصابة و الإتقان و حلية الأولياء و في صحيح مسلم: ج 6.

[398] الأمين: أعيان الشيعة: ج 1: ص 344.

[399] المصدر السابق.

[400] ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة: ج 2: ص 286.و نفس الرواية في بحار الأنوار: ج 40: باب 93: ص 192.و لكنه يروي أن الرجل كان تميم بن اسامة التميمي.

[401] ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة: ج 2: ص 289.

[402] ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة: ج 2: ص 286.

[403] نهج البلاغة: خطبة رقم 1.فطر الخلائق: ابتدعها علي غير مثال سابق.وتد: ثبت.الميدان: التحرك بتمايل.لا عن حدث: لا عن إيجاد موجد.المزايلة: المفارقة و الإختلاف.الروية: التكفير.أجال: ردد أو أدار.همامة: اهتمام الأمر و انشغال بال.لأم: قرن.غرز الغرائز: أودع فيها الطباع. قرائن: جمع قرونة و هي النفس.الأحناء: الجوانب.

[404] المصدر السابق: نص رقم 85.لا تقعد القلوب منه علي كيفية: أي ليست له كيفية فيتحكم بها.

[405] المصدر السابق: رقم النص 182.يتعاوره: تطرأ عليه الزيادة و النقصان.

[406] المصدر السابق: خطبة رقم 182.و هم: تفكير و توهم.النائل: العطاء.أين: إشارة للمكان.

[407] المصدر السابق: نص رقم 1:

باب الخطب.الميثاق: العهد.الأنداد: الأمثال و هم المعبودون من دون الله تعالي.اجتالتهم: أبعدتهم عن هدفهم.واتر: جعل بين كل نبي و آخر فترة.ليستأدوهم: ليطلبوا الأداء منهم.وصب: تعب.نسلت القرون: تتابعت.إنجاز عدته: وعد الله تعالي بإرسال محمد (ص). السمات: العلامات التي بشر بها النبيون السابقون لرسول الله محمد (ص). ملحد في اسم الله: يخرج به عن حقيقة مسماه.

[408] المصدر السابق: نص رقم 144.

[409] المصدر السابق: نص رقم 147.تجلي: ظهر بآيات لا برؤيته المباشرة.المثلات: العقوبات.

[410] المصدر السابق: خطبة رقم 2.الغالي: المغالي المبالغ الذي يتجاوز الحد في الإفراط.

[411] المصدر السابق: نص رقم 144.

[412] المصدر السابق: نص رقم 152.

[413] المصدر السابق: نص رقم 87.تؤفكون: تصرفون عن الحق.الأعلام: الدلائل علي الحق.المنار: جمع منارة.يتاه بكم: الحيرة و الضلال.تعمهون: تتحيرون.العترة: النسل.ردوهم ورود الهيم العطاش: هلموا إلي بحار علومهم مسرعين كإسراع الإبل العطشي إلي الماء.

[414] المصدر السابق: نص رقم 100.خوي نجم: غاب.

[415] المصدر السابق: نص رقم 131: ص 189.النهمة: المبالغة في الحرص و شدة الشهوة.الحائف: الظالم. الدول: المال.و المراد بالحائف بالدول: الظالم في توزيع المال حيث يفضل قوما علي قوم في العطاء.المقاطع: حدود الله.

[416] المصدر السابق: رقم 73: باب المختار من كلامه (ع).

[417] يراجع عهد الإمام (ع) إلي مالك الأشتر واليه علي مصر في نهج البلاغة: رقم النص 53 في باب الكتب.

[418] شرف الدين: المراجعات: مراجعة 110.

[419] المصدر السابق.

[420] ابن شهر آشوب: المناقب: ج 2: ص 41.و في الإتقان و مناقب الخوارزمي مثله.

[421] السيد عبد الحسين شرف الدين: المراجعات: المراجعة 110، و نص قوله:

«و بعد فراغهالإمام علي (ع) من الكتاب العزيز، ألف لسيدة نساء العالمين كتابا كان يعرف عند أبنائها الطاهرين بمصحف فاطمة، يتضمن أمثالا و حكما و مواعظ و عبرا و أخبارا و نوادر توجب

لها العزاء عن سيد الأنبياء أبيها (ص).

و ذكرنا في ص 367 من هذا الكتاب، نقلا عن بصائر الدرجات أن مصحف فاطمة من إملاء رسول الله (ص) و خط علي.بحار الأنوار: ج 47: ص 271: ط. 3

و هناك روايات اخري بهذا الشأن.راجع الكافي: ج 1: ص 239 241.

[422] السيد الخوئي: تكملة المنهاج: ج 2: كتاب الديات.

[423] الكليني: الكافي: ج 1: باب ذكر الصحيفة و الجفر و الجامعة و مصحف فاطمة.

[424] الأديم: الجلد.الفالج: الجمل العظيم ذو السنامين.و الأرش: دية الجراحات.

[425] حسين العاملي: عقيدة الشيعة في الإمام الصادق: ص 65.

[426] يراجع اصول الكافي: ج 1: باب ذكر الصحيفة و الجفر و الجامعة و مصحف فاطمة (ع)، و عقيدة الشيعة في الإمام الصادق: ص 66.

[427] الأمين: أعيان الشيعة: ج 1: مؤلفات أمير المؤمنين (ع).

[428] الأمين: أعيان الشيعة: ج 1.

[429] ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة: ج 2: ص 286.

[430] المصدر السابق: ص 287.

[431] المصدر السابق: ص 289 و 290.أعشي باهلة: عامر بن الحارث.

[432] محمد مهدي شمس الدين: دراسات في نهج البلاغة: ط 2 سنة 1972 م: ص 186 و ما بعدها.و للاستزدادة يراجع فصل المغيبات من نفس الكتاب.ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة: ج 2: ص 286 و ما بعدها.

[433] مثل خطب الملاحم رقم 101، 128، 138، 150، 158، 187، و الخطب التي تتحدث عن آخر الزمان مثل 103، 108،. 166تعليقات:.

[434] نهج البلاغة: نص رقم 201: باب الخطب.السخط: الغضب.ثمود: قوم نبي الله صالح (ع) خارت: من الخوار صوت الثور، أي حين خسف الله أرضهم كان لها صوت كصوت الثور.السكة المحماة: حديدة المحراث.الأرض الخوارة: اللينة الهشة.

[435] نهج البلاغة: نص رقم 203.مجاز: ممر إلي الآخرة.

[436] نهج البلاغة: نص رقم 114.و عاها:

فهمها و حفظها.حمت: منعت، يعني التقوي منعت الأولياء من ارتكاب الجرائم.الهواجر: الأيام الشديدة الحر و مع شدة حرارتها فقد أظمأ المتقون أنفسهم فيها صوما.النصب: التعب.

[437] ملق: التملق.

[438] العي: العجز.

[439] روح الله: لطفه و رأفته.

[440] مكر الله: أخذه للعبد بالعقاب دون شعوره.

[441] للمزيد راجع نهج البلاغة: باب المختار من حكم الإمام (ع). الحراني: تحف العقول.ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة: ج 19: و ج 20، و غيرها.

[442] يزعها: يكفها.

[443] الجمحات: منازعات النفس إلي شهواتها و مآربها.

[444] شح بنفسك: ابخل بنفسك عن الوقوع في غير الحل، فليس الحرص علي النفس إيفاءها كل ما تحب، بل من الحرص أن تحمل علي ما تكره.

[445] يفرط: يسبق.

[446] الزلل: الخطأ.

[447] استكفاك: طلب منك كفاية أمرك و القيام بتدبير مصالحهم.

[448] أراد «بحرب الله» مخالفة شريعته بالظلم و الجور.

[449] لا يد لك بنقمته: أي ليس لك يد أن تدفع نقمته، أي لا طاقة بك بها.

[450] بجح به: كفرح لفظا و معني.

[451] البادرة: ما يبدر من الحدة عند الغضب في قول أو فعل.

[452] المندوحة: المتسع، أي المخلص.

[453] مؤمركمعظم: أي مسلط.

[454] الإدغال: إدخال الفساد.

[455] منهكة: مضعفة، و تقول «نهكه» أي أضعفه.و تقول: نهكه السلطانمن باب فهم: أي بالغ في عقوبته.

[456] الغيربكسر ففتح: حادثات الدهر بتبدل الدول.

[457] الأبهةبضم الهمزة و تشديد الباء المفتوحة: العظمة و الكبرياء.

[458] المخيلةبفتح فكسر: الخيلاء و العجب.

[459] يطامن الشي ء: يخفض منه.

[460] الطماحككتاب: النشوز و الجماح.

[461] الغرببفتح فسكون: الحدة.

[462] يفي ء: يرجع.

[463] عزب: غاب.

[464] المساماة: المباراة في السمو، أي العلو.

[465] من لك فيه هوي: أي لك إليه ميل خاص.

[466] أدحض: أبطل.

[467] كان حربا: أي محاربا.

[468] ينزعكيضرب: أي يقلع عن ظلمه.

[469] يجحف برضي الخاصة: يذهب برضاهم.

[470] الإلحاف: الإلحاح و الشدة في السؤال.

[471] جماع الشي ءبالكسر: جمعه،

أي جماعة الاسلام.

[472] الصغوبالكسر و الفتح: الميل.

[473] أشنؤهم: أبغضهم.

[474] الأطلب للمعائب: الأشد طلبا لها.

[475] أطلق عقدة كل حقد: احلل عقد الأحقاد من قلوب الناس بحسن السيرة معهم.

[476] الوتربالكسر: العداوة.

[477] تغاب: تغافل.

[478] يضح: يظهر، و الماضي وضح.

[479] الساعي: هو النمام بمعائب الناس.

[480] الفضل هنا: الإحسان بالبدل.

[481] يعدك الفقر: يخوفك منه لو بذلت.

[482] الشرهبالتحريك: أشد الحرص.

[483] غرائز: طبائع متفرقة.

[484] بطانة الرجلبالكسر: خاصته، و هو من بطانة الثوب خلاف ظهارته.

[485] الأثمةجمع آثم: و هو فاعل الإثم، أي الذنب.

[486] الظلمة: جمع ظالم.

[487] الآصارجمع إصر بالكسر: و هو الذنب و الإثم.

[488] الأوزارجمع وزر: و هو الذنب و الإثم أيضا.

[489] الإلفبالكسر: الألفة و المحبة.

[490] رضهم: أي عودهم علي ألا يطروك: أي يزيدوا في مدحك.

[491] لا يبجحوك: أي يفرحوك بنسبة عمل عظيم إليك و لم تكن فعلته.

[492] الزهوبالفتح: العجب.

[493] تدني: أي تقرب.و العزة هنا: الكبر.

[494] قبلهمبكسر ففتح: أي عندهم.

[495] النصببالتحريك: التعب.

[496] ساء بلاؤك عنده: البلاء هنا: الصنع مطلقا حسنا أو سيئا.

[497] سهمه: نصيبه من الحق.

[498] يكون من وراء حاجتهم: أي يكون محيطا بجميع حاجاتهم دافعا لها.

[499] المعاقد: العقود في البيع و الشراء و ما شابههما مما هو شأن القضاة.

[500] المرافق: أي المنافع التي يجتمعون لأجلها.

[501] الترفقأي التكسببأيديهم ما لا يبلغه كسب غيرهم من سائر الطبقات.

[502] رفدهم: مساعدتهم و صلتهم.

[503] جيب القميص: طوقه، و يقال «نقي الجيب»: أي طاهر الصدر و القلب.

[504] الحلم هنا: العقل.

[505] ينبو علي الأقوياء: يتجافي عنهم و يبعد.

[506] جماع من الكرم: مجموع منه.

[507] شعببضم ففتح: جمع شعبة.

[508] العرف: المعروف.

[509] تفاقم الأمر: عظم، أي لا تعد شيئا قويتهم به غاية في العظم زائدا عما يستحقون، فكل شي ء قويتهم به واجب عليك إتيانه، و هم مستحقون لنيله.

[510] لا تحقرن لطفا: أي

لا تعد شيئا من تلطفك معهم حقيرا فتتركه لحقارته، بل كل تلطفو إن قلفله موقع من قلوبهم.

[511] آثر: أي أفضل و أعلي منزلة.

[512] و اساهم: ساعدهم بمعونته لهم.

[513] أفضل عليهم: أي أفاض.

[514] الجدةبكسر ففتح: الغني.

[515] خلوف أهليهم: جمع خلفبفتح و سكونو هو من يبقي في الحي من النساء و العجزة بعد سفر الرجال.

[516] حيطةبكسر الحاء: من مصادر «حاطه» بمعني حفظه و صانه.

[517] ذوو البلاء: أهل الأعمال العظيمة.

[518] يحرض الناكل: يحث المتأخر القاعد.

[519] بلاء امرئ: صنيعه الذي أبلاه.

[520] ما يضلعك من الخطوب: ما يؤودك و يثقلك و يكاد يميلك من الامور الجسام.

[521] محكم الكتاب: نصه الصريح.

[522] تمحكه الخصوم: تجعله ما حقا لجوجا.يقال: محك الرجالكمنعإذا لج في الخصومة، و أصر علي رأيه.

[523] يتمادي: يستمر و يسترسل.

[524] الزلةبالفتح: السقطة في الخطأ.

[525] لا يحضر: لا يعيا في المنطق.

[526] الفي ء: الرجوع إلي الحق.

[527] لا تشرف نفسه: لا تطلع، و الإشراف علي الشي ء: الإطلاع عليه من فوق.

[528] أدني فهم و أقصاه: أقربه و أبعده.

[529] الشبهات: ما لا يتضح الحكم فيه بالنص، و فيها ينبغي الوقوف علي القضاء حتي يرد الحادثة إلي أصل صحيح.

[530] التبرم: الملل و الضجر.

[531] أصرمهم: أقطعهم للخصومة و أمضاهم.

[532] لا يزدهيه إطراء: لا يستخفه زيادة الثناء عليه.

[533] تعاهده: تتبعه بالإستكشاف و التعرف.

[534] إفسح له في البذل: أي أوسع له في العطاء بما يكفيه.

[535] استعملهم اختبارا: ولهم الأعمال بالامتحان.

[536] محاباة: أي اختصاصا و ميلا منك لمعاونتهم.

[537] أثرةبالتحريك: أي استبدادا بلا مشورة.

[538] فإنهما جماع من شعب الجور و الخيانة: أي يجمعان فروع الجور و الخيانة.

[539] توخ: أي اطلب و تحر أهل التجربة.

[540] القدمبالتحريك: واحدة الأقدام، أي: الخطوة السابقة.و أهلها هم الأولون.

[541] أسبغ عليه الرزق: أكمله و أوسع له فيه.

[542] ثلموا

أمانتك: نقصوا في أدائها أو خانوا.

[543] العيون: الرقباء.

[544] حدوة: أي سوق لهم و حث.

[545] إذا شكوا ثقلا أو علة: يريد المضروب من مال الخراج أو نزول علة سماوية بزرعهم أضرت بثمراته.

[546] انقطاع شرببالكسر: أي ماء تسقي في بلاد تسقي بالأنهار.

[547] انقطاع بالة: أي ما يبل الأرض من ندي و مطر فيما تسقي بالمطر.

[548] إحالة أرض: بكسر همزة إحالة: أي تحويلها البذور إلي فساد بالتعفن.

[549] اغتمرها: أي عمها من الغرق فغلبت عليها الرطوبة حتي صار البذر فيها غمقاككتف أي له رائحة خمة و فساد.

[550] أجحف العطش: أي أتلفها و ذهب بمادة الغذاء من الأرض فلم ينبت.

[551] التبجح: السرور بما يري من حسن عمله في العدل.

[552] استفاضة العدل: انتشاره.

[553] معتمدا فضل قوتهم: أي متخذا زيادة قوتهم عمادا لك تستند إليه عند الحاجة.

[554] ذخرت: وفرت.

[555] الإجماع: الترفيه و الإراحة.

[556] الإعواز: الفقر و الحاجة.

[557] إشراف أنفسهم علي الجمع: لتطلع أنفسهم إلي جمع المال، ادخارا لما بعد زمن الولاية إذا عزلوا.

[558] لا تبطره: أي لا تطغيه.

[559] جماعة من الناس تملأ البصر.

[560] لا تقصر به الغفلة: أي لا تكون غفلته موجبة لتقصيره في إطلاعك علي ما يرد من أعمالك، و لا في إصدار الأجوبة عنه علي وجه الصواب.

[561] عقدا اعتقده لك: أي معاملة عقدها لمصلحتك.

[562] لا يعجز عن إطلاق ما عقد عليك: إذا وقعت مع أحد في عقد كان ضرره عليك لا يعجز عن حل ذلك العقد.

[563] الفراسةبالكسر: قوة الظن و حسن النظر في الامور.

[564] الاستنامة: السكون و الثقة.

[565] يتعرضون لفراسات الولاة: أي يتوسلون إليها لتعرفهم.

[566] بتصنعهم: بتكليفهم إجادة الصنعة.

[567] تغابيت: أي تغافلت.

[568] المضطرب بماله: المتردد به بين البلدان.

[569] المترفق: المتكسب.

[570] المرافق: ما ينتفع به من الأدوات و الآنية.

[571] المطارح: الأماكن

البعيدة.

[572] لا يلتئم الناس لمواضعها: أي لا يمكن التئام الناس و اجتماعهم في مواضع تلك المرافق من تلك الأمكنة.

[573] إنهم سلم: أي أن التجار و الصناع مسالمون.

[574] البائقة: الداهية.

[575] الضيق: عسر المعاملة.

[576] الشح: البخل.

[577] الاحتكار: حبس المطعوم و نحوه عن الناس لا يسمحون به إلا بأثمان فاحشة.

[578] المبتاع: هنا المشتري.

[579] قارف: أي خالط.

[580] الحكرةبالضم: الاحتكار.

[581] فنكل به: أي أوقع به النكال و العذاب، عقوبة له.

[582] في غير إسراف: أي من غير أن تجاوز حد العدل.

[583] البؤسيبضم أوله: شدة الفقر.

[584] الزمني بفتح أوله: جمع زمين و هو المصاب بالزمانةبفتح الرازيأي العاهة، يريد أرباب العاهات المانعة لهم عن الاكتساب.

[585] القانع: السائل.

[586] المعتربتشديد الراء: المتعرض للعطاء بلا سؤال.

[587] استحفظك: طلب منك حفظه.

[588] غلات: ثمرات.

[589] صوافي الاسلامجمع صافية: و هي أرض الغنيمة.

[590] بطر: طغيان بالنعمة.

[591] التافه: الحقير.

[592] لا تشخص همك: أي لا تصرف اهتمامك عن ملاحظة شؤونهم.

[593] صعر خده: أماله إعجابا و كبرا.

[594] 153تقتحمه العين: تكره أن تنظر إليه احتقارا و ازدراء.

[595] فرغ لاولئك ثقتك: أي اجعل للبحث عنهم أشخاصا يتفرغون لمعرفة أحوالهم يكونون ممن تثق بهم.

[596] بالإعذار إلي الله: أي بما يقدم لك عذرا عنده.

[597] ذوو الرقة في السن: المتقدمون فيه.

[598] لذوي الحاجات: أي المتظلمين تتفرغ لهم فيه بشخصك للنظر في مظالمهم.

[599] تقعد عنهم جندك: تأمر بأن يقعد عنهم و لا يتعرض لهم جندك.

[600] الأحراسجمع حرس بالتحريك: و هو من يحرس الحاكم من وصول المكروه.

[601] الشرطبضم ففتح: طائفة من أعوان الحاكم، و هم المعروفون بالضابطة، واحدة شرطةبضم فسكون.

[602] التعتعة في الكلام: التردد فيه من عجز و عي، و المراد غير خائف تعبيرا باللازم.

[603] في غير موطن: أي في مواطن كثيرة.

[604] التقديس: التطهير، أي لا يطهر الله امة …

الخ.

[605] الخرقبالضم: العنف ضد الرفق.

[606] العيبالكسر: العجز عن النطق.

[607] نح: فعل أمر من نحي ينحي، أي أبعد عنهم.

[608] الضيق: ضيق الصدر بسوء الخلق.

[609] الأنفمحركة: الاستنكاف و الاستكبار.

[610] أكناف الرحمة: أطرافها.

[611] هنيئا: سهلا لا تخشنه باستكثاره و المن به.

[612] امنع في إجمال و إعذار: و إذا منعت فامنع بلطف و تقديم عذر.

[613] يعيا: يعجز.

[614] حرج يحرجمن باب تعب: ضاق، و الأعوان تضيق صدورهم بتعجيل الحاجات، و يحبون المماطلة في قضائها: استجلابا للمنفعة، أو إظهارا للجبروت.

[615] أجزلها: أعظمها.

[616] غير مثلوم: أي غير مخدوش بشي ء من التقصير و لا مخروق بالرياء.

[617] لا تكونن منفرا و لا مضيعا: أي لا تطل الصلاة فتكره بها الناس و لا تضيع منها شيئا بالنقص في الأركان، بل التوسط خير.

[618] سماتجمع سمة بكسر ففتح: و هي العلامة.

[619] البذل: العطاء.

[620] أيسوا: قطنوا و يئسوا.

[621] شكاةبالفتح: شكاية.

[622] فاحسم: أي اقطع مادة شرورهم عن الناس بقطع أسباب تعديهم، و إنما يكون بالأخذ علي أيديهم و منعهم من التصرف في شؤون العامة.

[623] الإقطاع: المنحة من الأرض.و القطيعة: الممنوح منها.

[624] الحامةكالطامة: الخاصة و القرابة.

[625] الاعتقاد: الامتلاك، و العقدةبالضم: الضيعة، و اعتقاد الضيعة: اقتناؤها، و إذا اقتنوا ضيعة فربما أضروا بمن يليها، أي يقرب منها من الناس.

[626] الشرببالكسر: هو النصيب في الماء.

[627] مهنأ ذلك: منفعته الهنيئة.

[628] المغبةكمحبة: العاقبة.

[629] حيفا: أي ظلما.

[630] أصحر لهم بعذرك: أي أبرز لهم، و بين عذرك فيه، و هو من الإصحار: الظهور، و أصله البروز في الصحراء.

[631] عدل الشي ء عن نفسه: نحاه عنه.

[632] رياضة: أي تعويدا لنفسك علي العدل.

[633] الإعذار: تقديم العذر أو إبداؤه.

[634] الدعةمحركة: الراحة.

[635] قارب ليتغفل: أي تقرب منك بالصلح ليلقي عليك عنه غفلة فيغدرك فيها.

[636] أصل معني الذمة وجدان مودع في جبلة

الانسان، ينبهه لرعاية حق ذوي الحقوق عليه، و يدفعه لأداء ما يجب عليه منها، ثم اطلقت علي معني العهد، و جعل العهد لباسا لمشابهته له في الرقابة من الضرر.

[637] حط عهدك: أمر من حاطه يحوطه بمعني حفظه و صانه.

[638] الجنةبالضم: الوقاية، أي حافظ علي ما أعطيت من العهد بروحك.

[639] لما استوبلوا من عواقب الغدر: أي وجدوها و بيلة، مهلكة.

[640] خاص بعهده: خانه و نقضه.

[641] الختل: الخداع.

[642] أفضاه: هنا بمعني أفشاه.

[643] الحريم: ما حرم عليك أن تمسه.

[644] المنعةبالتحريك: ما تمتنع به من القوة.

[645] يستفيضون: أي يفزعون إليه بسرعة.

[646] الإدغال: الإفساد.

[647] المدالسة: الخيانة.

[648] العللجمع علة: و هي في النقد و الكلام، بمعني ما يصرفه عن وجهه و يحوله إلي غير المراد، و ذلك يطرا علي الكلام عند إبهامه و عدم صراحته.

[649] لحن القول: ما يقبل التوجيه كالتورية و التعريض.

[650] أن تحيط بك من الله فيه طلبة: أي تأخذك بجميع أطرافك مطالبة الله إياك بحقه في الوفاء الذي غدوت به.

[651] القود: بالتحريك: القصاص، و إضافته للبدن لأنه يقع عليه.

[652] أفرط عليك سوطك: عجل بما لم تكن تريده: أردت تأديبا فأعقب قتلا.

[653] الوكزةبفتح فسكون: الضربة بجمع الكفبضم الجيم: أي قبضته، و هي المعروفة باللكمة.

[654] تطمحن بك: ترتفعن بك.

[655] الإطراء: المبالغة في الثناء.

[656] التزيدكالتقيد: إظهار الزيادة في الأعمال عن الواقع منها في معرض الافتخار.

[657] المقت: البغض و السخط.

[658] التسقط: من قولهم «تسقط في الخبر يتسقط» إذا أخذه قليلا، يريد به هنا: التهاون.

[659] اللجاجة: الإصرار علي النزاع.و تنكرت: لم يعرف وجه الصواب فيه.

[660] الوهن: الضعف.

[661] الاستئثار: تخصيص النفس بزيادة.

[662] الناس فيه اسوة: أي متساوون.

[663] التغابي: التغافل.

[664] يقال «فلان حمي الأنف»: إذا كان أبيا يأنف الضيم.

[665] السورةبفتح السين و سكون الواو: الحدة.

[666]

الحدةبالفتح: البأس.

[667] الغرببفتح فسكون: الحد تشبيها له بحد السيف و نحوه.

[668] البادرة: ما يبدو من اللسان عند الغضب من سباب و نحوه.

[669] تضعيف الكرامة: زيادة الكرامة إضعافا.

[670] نهج البلاغة: عهده إلي مالك الأشتر: رقم 53.الحراني: تحف العقول: ص 126.

[671] البيهقي: معارج نهج البلاغة: ص 10.

[672] أبو علي أحمد بن محمد بن مسكويه المتوفي عام 421 ه: الحكمة الخالدة: ص 110، نهج البلاغة: ص 559.

[673] أحمد بن محمد بن مسكويه: الحكمة الخالدة: ص 110.

[674] المصدر السابق.

[675] المصدر السابق: ص 111، العسكري المتوفي عام 395 ه: كتاب الصناعتين: ص 341.

[676] أحمد بن محمد بن مسكويه: الحكمة الخالدة: ص 111.

[677] المصدر السابق: ص 113، أمالي اليزيدي المتوفي عام 310 ه: ص 141.

[678] أحمد بن محمد بن مسكويه: الحكمة الخالدة: ص 113، و قد نقل ابن مسكويه بعد هذا قول ابن المقفع معلقا علي كلام الإمام (ع): ليجتهد البلغاء أن يزيدوا في هذا حرفا.

[679] أحمد بن محمد بن مسكويه: الحكمة الخالدة: ص 130.

[680] البيهقي: المحاسن و المساوي: ج 2: ص 62، المسعودي: مروج الذهب: ج 2: ص 422، أحمد بن محمد بن مسكويه: الحكمة الخالدة: ص 131، نهج البلاغة: ص 470.

[681] أحمد بن محمد بن مسكويه: الحكمة الخالدة: ص 133.

[682] المصدر السابق: ص 145.

[683] أمالي الزجاجي المتوفي عام 340 ه: ص 136.

[684] السيوطي: تاريخ الخلفاء: ص 206، و قد نسبت في تحف العقول للحراني: ص 206 للإمام الحسن بن علي (ع).

[685] السيوطي: تاريخ الخلفاء: ص 206، نهج البلاغة: ص 483.

[686] السيوطي: تاريخ الخلفاء: ص 207.

[687] الحافظ ابن عساكر: ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق: ج 3: ص 403، نهج البلاغة: ص 475.

[688] ابن اللبون: ابن الناقة

إذا استكمل سنتين.

[689] أزري بها: حقرها.

[690] استشعر: تبطنه و تخلق به.

[691] أمر لسانه: جعله أميرا.

[692] الحتف: الهلاك.

[693] العثرة: السقطة، و إقالة عثرته: رفعه من سقطته.و المروءة: صفة للنفس تحملها علي فعل الخير لأنه خير.

[694] كنت في إدبار: أي تركت الموت خلفك و توجهت إليه ليلحق بك.

[695] الموت في إقبال: أي توجه إليك بعد أن تركته خلفك.

[696] المقدر: المقتصد، كأنه يقدر كل شي ء بقيمته فينفق علي قدره.

[697] المقتر: المضيق في النفقة، كأنه لا يعطي إلا القتر، أي الرمقة من العيش.

[698] التذمم: الفرار من الذم، كالتأثم و التحرج.

[699] بقية السيف: هم الذين يبقون بعد الذين قتلوا في حفظ شرفهم و دفع الضيم عنهم و فضلوا الموت علي الذل، فيكون الباقون شرفاء نجداء فعددهم أبقي و ولدهم يكون أكثر.بخلاف الأذلاء، فإن مصيرهم إلي المحو و الفناء.

[700] مقاتله: مواضع قتله.

[701] تثمير المال: إنماؤه بالربح.

[702] إنثلام الحال: نقصه.

[703] الحرورية: الخوارج الذين خرجوا علي علي بحروراء.

[704] يتهجد: أي يصلي بالليل.

[705] الغالي: المتجاوز الحد في حبه بسبب غيره، أو دعوة حلول اللاهوت فيه أو نحو ذلك.

[706] القالي: المبغض الشديد البغض.

[707] توقوا البرد: أي احفظوا أنفسكم من أذاه.

[708] تلقوه: استقبلوه.

[709] آخره يورق: لأن البرد في آخره يمس الأبدان بعد تعودها عليه فيكون عليها أخف.

[710] الخيرة: الخيار.

[711] هبت أمرا: خفت منه.

[712] توقيه: الاحتراز منه.

[713] الغوغاء: أوباش الناس يجتمعون علي غير ترتيب.

[714] سقم المودة: ضعف الصداقة.

[715] النصفة: الإنصاف.

[716] المواصلون: أي المحبون.

[717] المؤن: القوت.

[718] السؤدد: الشرف.

[719] المناوئ: المخالف المعاند.

[720] المبارزة: بروز كل للآخر ليقتتلا.

[721] مصروع: مغلوب مطروح.

[722] الزهو: الكبر.

[723] مزهوة: متكبرة.

[724] فرقت: أي فزعت.

[725] العراق: هو من الحشا ما فوق السرة معترضا البطن.

[726] مجذوم: المصاب بمرض الجذام.

[727] نهج البلاغة: حكم أمير المؤمنين: ص 469 و ما

بعدها.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.