وليد الكعبة

اشارة

سرشناسه: حسيني جلالي ، محمدرضا، 1324 -، گردآورنده

عنوان و نام پديدآور: وليد الكعبه / اعداد و تقديم محمدرضا الحسيني الجلالي

مشخصات نشر: قم : المكتبه الحيدريه ، 1425ق . = 1383.

مشخصات ظاهري: ص 495

شابك: 35000ريال

وضعيت فهرست نويسي: فهرستنويسي قبلي

يادداشت: عربي .

يادداشت: كتابنامه به صورت زيرنويس

موضوع: علي بن ابي طالب (ع )، امام اول ، 23 قبل از هجرت - 40ق . -- ميلاد

موضوع: علي بن ابي طالب (ع )، امام اول ، 23 قبل از هجرت - 40ق . -- ميلاد -- شعر

موضوع: علي بن ابي طالب (ع )، امام اول ، 23 قبل از هجرت - 40ق . -- احاديث

رده بندي كنگره: BP37/3/ح 53و8

رده بندي ديويي: 297/951

شماره كتابشناسي ملي: م 83-28631

المقدمة

1- مولد علي عليه السلام:

من حديث الصحابي جابر بن عبد اللَّه الأنصاري مرفوعاً عن رسول اللَّه صلي الله عليه و آله.

2- مولد أمير المؤمنين عليه السلام ومنشؤه مع النبي صلي الله عليه و آله:

من حديث الإمام أبي جعفر الباقر، محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب.

3- خبر في مولد علي عليه السلام:

من رواية الإمام أبي عبد اللَّه الصادق،جعفر بن محمدبن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام عن آبائه.

4- علي وليد الكعبة:

تأليف العلامة الحجة الشيخ محمد علي الأردوبادي الغروي (1312- 1380 ه).

5- الولادة في الكعبة المعظمة فضيلة لعلي عليه السلام خصّه بها ربّ البيت:

بقلم الاُستاذ شاكر شبع النجفي.

6- ولادة أمير المؤمنين عليه السلام خصوصية في الزمان، وتفرّدٌ في المكان: بقلم الاُستاذ علي موسي الكعبي.

7- قراءة في كتاب «علي وليد الكعبة» للأُردوبادي:

بقلم محمد سليمان.

8- روايات مختصرة في مولد أمير المؤمنين عليه السلام:

جمعها الدكتور أحمد پاكتچي.

9- مولود جناب علي كرّم اللَّه وجهه:

ناظمي سليمان جلال الدين، قصيدة باللغة التركية.

10- مسك الختام في ما قيل في مولد الإمام عليه السلام:

مجموعة من الأقوال المنثورة، والقصائد المنظومة، جمعها السيّد محمد رضا الحسيني كان اللَّه له.

مقدمة المؤلف

الحقائق الواقعة، لا يمكن أن تزول عن واقعها مهما تركت وأهملت، أو تغافل عنها أحد أو غطيت، أو شوّهت صورتها، أو غيرت بزيادة أو نقصان، أو أخفيت لبرهة من الزمن عن الأنظار، أو غمّت لفترة عن الأفكار.

فإنّها لم تزل ثابتة في صقعها، لا تزعزعها الأراجيف، لأنّ الشي ء ما لم يجب لم يوجد، وإذا وجد فهو واجب ثابت.

وإذا كانت الحقيقة إلّا هيّة، أوجدتها الإرادة الربانية التي لابدّ أن تكون لحكمة، فإنّ تلك الحكمة تقتضي إثباتها وظهورها ولو بعد حين، وانتشارها واشتهار نبئها ولو بعد ستين.

و «مولد

علي عليه السلام في الكعبة» من تلك الحقائق الراهنة، التي حصلت بإرادة ربانيّة.

وذلك باعتراف الكلّ، سواء من أهل الشرك قبل الإسلام، ومن أسلم بعد البعثة الشريفة، ممن عاصر الواقعة العظيمة، أو سمع وشاهد من عاصرها.

وفي مقدّمة الكل: أهل الوليد وذووه الذين هم الأعرف بما حصل له، وهم المسؤولون عنه، وهم المراجع المصدّقون في معرفة شؤونه.

وفي طليعة الجميع- مَن قَرُبَ وَمن بَعُد- هو النبيّ الأكرم محمد صلي الله عليه و آله، الذي بشّر بالوليد واستبشر به وأولاه غاية اهتمامه بشأنه، قبل ولادته، وحينها، وبعدها.

فالروايات المسندة المرفوعة عن الرسول صلي الله عليه و آله في أمر ولادة علي عليه السلام في الكعبة، مأثورة مشهورة، رواها من كبار الصحابة أمثال الصحابيّ الجليل جابر بن عبد اللَّه الأنصاري رضي الله عنه (ت).

ورواها الأئمة من أهل البيت (الذين هم أدري بما في البيت) عن آبائهم عليهم السلام.

وتداول نبأ هذه الحقيقة الناصعة: الرواة، والمحدّثون، والنسابة، والمؤرخون، والاُدباء المؤلّفون.

ودخل في حلبة الإعلان عند الشعراء الموالون لعليّ وآله منذ القدم وحتي عصرنا الحاضر.

ابتهاجاً بهذه المكرمة العظيمة التي خصّ اللَّه جلّت آلاؤه بها وليد البيت مستضيفاً له في بيته الكريم، وأمام هذه الحقيقة الواقعة الثابتة، وقف ذوو الحقد منه موقف العداء واللؤم من أعداء الحق والصدق، من الفاسدين الذين لم يستضيؤوا بنور الإسلام، واستسلموا ولمّا يدخل الإيمان في قلوبهم، لأ نّهم اُشربوا حبّ الأوثان في عروقهم، تلك التي رفضها الإسلام، وكسّرها الإمام، ليطهّر منها مولده المقدّس المبارك.

فما كان منهم سوي المحاولات اليائسة، للتشويه علي تلك الحقيقة الراهنة الناصعة، حيث لم يمكنهم- قطّ- إنكارها بصراحة، خوفاً من الفضيحة، وحذراً من أن تنكشف الأقنعة المزيفة التي تسلّلوا بها إلي المناصب والمقامات العالية باسم الدين وخلافة الرسول

وسقاية الحاج وعمادة المسجد، وطبع المصحف وكتابته!

بينما هم يقتلون أهل الإيمان والدين، ويفتكون بعمار المساجد، ويحرقون المصاحف، ويمنعون السنّة ويحرقون كتبها ويحبسون رواتها.

ومن أجل ذلك، لجأوا إلي اُسلوب التزوير والجعل فافتعلوا ولادة اُخري في البيت المكرّم، زعموا أ نّها كانت قبل الإسلام، في عصر الجاهلية، ولشخص ومن اُمّ من غير ذوي الشأن والمقام، في عصر ذلك الظلم الظلام.

لبئت قصوا من قضية مولد الإمام، ويجعلوه أمراً غير ذي بال حصل لسائر العوام.

غير أن الزيف باد علي تلك المزعومة، فسريعاً ما ينكشف الغطاء، ويذهب الزبد جفاءاً، لبعد أن حقّق العلماء بطلان تلك الدعوي، علي غرابتها وانفراد راويها، وعدم وثاقته، وثبوت انحرافه عن عليّ وآله، وكون المتناقلين لها من السائرين وراء الأطماع في دوامة العبث الأموي، والأغراض الأميريّة التي ما فتئت تحرّف وتزيف ما لعليّ عليه السلام من الفضائل والأمجاد، وتفتعل مثالها لذويهم من أصحاب الجلود المنفوخة من الذين لا يملكون من الصلاح والمروءة نقيراً ولا قمطيراً.

ومع أن تلك المزعومة الموضوعة لا تعادل ولا تقابل فضلاً أن تعارض أو تدافع حديث مولد الإمام علي عليه السلام في الكعبة، ذلك الحديث المسند المجمع علي ثبوته وصحته، والذي انبري المسلمون عامّة، بكل مذاهبهم وطوائفهم، لنقله وتثبيت ذكره وروايته، كما تشرّف الاُدباء والشعراء بنثره في روائعهم ونظمه في قصائدهم.

فإنّ من المحققين من تصدّي لتلك المزعومة المقتعلة- حكاية اُم حكيم وحكيم- بالردّ والإبطال.

ونقول: يكفي لاستبعادها والكشف عن بطلانها ما احتوت عليه من ذكر «مثبرها» وثيابها التي طرحت «لقي» وموضعها الذي طهر من أدناسها.

وغير ذلك من آثار الرجس، التي تبرؤ الكعبة الشريفة- حتي عند الجاهلية- من التقرّب إليها، أو النسبة إليها.

بينما حقيقية «مولد علي عليه السلام في الكعبة» منزّه عن كلّ ذلك الحديث،

وتلك النسبة، بل ملؤه الطهر والنزاهة والطيب والحرمة والكرامة.

وأمّا ما يلوكه البعض من خبر تلك الاغلوطة فقد فنّده علماء الحديث والرجال، والمحققون في الأسانية، وأثبتوا زيفها وكذبها وأنهما من الموضوعات التي بثها بنو اُميّة.

ونحن في هذه المجموعة، حاولنا أن ندرج تحت عنوان «وليد الكعبة» كلّ ما روي، أو اُلّف، أو قيل من نثر ونظم، منذ صدر الإسلام وإلي عصرنا الحاضر، حول هذه الحقيقة الثابتة الزاهية، وهذه المكرمة الربانية التي خصّ بها ربّ البيت وليد البيت.

وقد احتوي الكتاب علي الأعمال والجهود السابقة:

منها:

مجموعة «مولد أمير المؤمنين عليه السلام نصوص مستخرجة من التراث الإسلامي»

تحقيق الدكتور أحمد پاكتچي، نشر المؤسسة العالمية لنهج البلاغة، الطبعة الاُولي، قم، 1424 ه.

أورد فيها نصوصاً لأربع كتب منسوبة إلي:

1- وهب بن وهب القرشي المعروف بأبي البختري القاضي (ت 200 ه) باسم مولد أمير المؤمنين عليه السلام.

2- مولد أمير المؤمنين عليه السلام في البيت، للشيخ الصدوق القمي، محمد بن علي بن الحسين بن بابويه (ت 381 ه).

3- مولد أمير المؤمنين علي عليه السلام، لأبي العلاء العطار الهمداني، الحسن بن أحمد بن الحسن (ت 569 ه).

4- جزء من مولد أمير المؤمنين عليه السلام، لأبي الحسن القمي، محمد بن أحمد بن علي بن شاذان (ت بعد 412 ه).

وقد اخترنا منها أفضل الروايات ونسبناها إلي أعلي رواتها كما تجد في الرسائل المرقمة (1 و 2 و 3).

وألحق الدكتور پاكتچي ملحقاً جمع فيه «روايات مختصرة في مولد أمير المؤمنين عليه السلام» أوردناه برقم (8).

ومن ذلك كتاب «عليٌّ وليد الكعبة» تأليف المحقّق الحجّة الشيخ محمّد عليّ الاُردوبادي الغروي (ت 1380 ه) أثبتناه كلّه برقم (4) معتمدين النسخة التي حقّقتها مؤسّسة «البعثة» في قم، وقد أكملنا ما حذفه الطابع، وهو مجموعة

الأشعار الفارسيّة، فأثبتناها اعتماداً علي الطبعة الأُولي للكتاب، التي قدم لها سبط المؤلّف، وطبعت بمطبعة النجف في النجف عام 1380 ه.

ومن ذلك ما قام به في الاستدراك والتعقيب علي كتاب الاُردوبادي، عدّة من الاساتذة في مقالات، وهي:

1- مقالة الاُستاذ شاكر شَبَع النجفي، المنشورة في مجلة (تراثنا).

2- مقالة الاُستاذ علي موسي الكعبي،المنشورة في مجلة (علوم الحديث).

3- مقالة الاُستاذ محمّد سليمان، المنشورة في مجلة (ميقات الحجّ).

فأوردناها بالأرقام (5 و 6 و 7).

ومن ذلك كتاب «مولود جناب علي» للشاعر التركي سليمان جلال الدين، المطبوع في تركيا عام 1308 ه، أوردناه برقم (9).

وقد جعلنا «مسك ختامه» ما وقفنا عليه من مستدركات فاتت السابقين من نصوص تاريخيّة وتصريحات أعلام النسب والأدب من منثور ومنظوم بالعربيّة والفارسيّة، وكذلك ما تأخّر تأليفه ونظمه من أعمال المعاصرين، فأوردناه برقم (10).

وليس رائدنا في هذا العمل سوي تخليد هذه الكرامة العظمي، لصاحب الإمامة الكبري أمير المؤمنين عليه السلام وتجديد ذكراها، وإبرازاً للولاء لعليّ وآله الأئمّة الأولياء، أملاً في الحشر مع مواليهم ومحبّيهم في الدنيا، وتحت لوائهم في يوم الجزاء.

والحمد للَّه أولاً وآخراً وصلّي اللَّه علي محمد وآله الأطهار.

حرّر في الرابع من ربيع الأوّل عام 1425 ه في قم المقدّسة.

وكتب

السيّدمحمّدرضاالحسينيّ الجلاليّ

كان اللَّه له

مولد أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب في البيت

ذكر هذا العنوان كتاباً للشيخ الصدوق، كلّ من:

النجاشي في رجاله، وأسند إليه.

وابن طاوس الحلّي في كتابه «اليقين» ناقلاً عنه، مصرّحاً بأنّه «نحو خمس قوائم».

ونقل عنه ابن شهر آشوب في «المناقب».

ونقل عنه مؤلّف كتاب «جامع الأخبار».

وهو متن حديثٍ أسنده الصدوق إلي جابر بن عبد اللَّه الأنصاري، مرفوعاً عن النبيّ صلي الله عليه و آله.

ونقله كلّه الفتّال النيسابوري (الشهيد 508 ه) في «روضة الواعظين».

كما أنّ لأبي العلاء الهمداني، الحسن بن أحمد بن الحسن العطار (ت 569

ه) كتاباً بعنوان «مولد علي عليه السلام» ذكره السيّد ابن طاوس الحلّي في «اليقين» مصرّحاً بأنه «أكثر عن سبع قوائم» وهو عين حديث جابر المرفوع- باختلاف في بعض العبائر.

وأورده السيد حيدر بن محمد الحسيني كمال الدين في كتابه «غررالدرر».

والشيخ سديد الدين شاذان بن جبرئيل القمي في كتابه «الفضائل».

ولخّصه الحافظ الكنجي محمد بن يوسف الشهيد (658 ه) في «كفاية الطالب».

وكلّ هؤلاء أسندوا الحديث بطرقهم.

ونقدّم هنا أتمّ نصوصه، كما ذكره ابن شاذان في «الفضائل» وهو الحديث (73) فيه:

عن جابر بن عبد اللَّه الأنصاري، قال:

سألت رسول اللَّه صلي الله عليه و آله عن ميلاد عليّ بن أبي طالب عليه السلام؟

فقال: آه، آه! سألت عجباً، يا جابر! عن خير مولود ولد (بعدي علي سنّة المسيح) [1].

إنّ اللَّه تعالي خلق [عليّاً] نوراً من نوري، وخلقني نوراً من نوره، وكلانا من نور واحد، وخلقنا من قبل أن يخلق سماء مبنيّة، وأرضاً مدحيّة، ولا كان طول ولا عرض، ولا ظلمة ولا ضياء، ولا بحر ولا هواء بخمسين ألف عام.

ثمّ إنّ اللَّه عزّ وجل سبّح نفسه فسبّحناه، وقدّس ذاته فقدّسناه، ومجّد عظمته فمجّدناه، فشكر اللَّه تعالي ذلك لنا فخلق من تسبيحي السماءَ فسمكها والأرض فبطحها، والبحار فعمّقها.

وخلق من تسبيح عليّ عليه السلام الملائكة المقرّبين إلي أن تقوم السماء السابعة فجميع ما سبّحت الملائكة فهو لعليّ عليه السلام وشيعته.

يا جابر! إنّ اللَّه عزّ وجل نقلنا فقذف بنا في صلب آدم عليه السلام، فأمّا أنا فاستقررت في جانبه الأيمن، وأمّا عليّ فاستقرّ في جانبه الأيسر.

ثمّ إنّ اللَّه عزّ وجل نقلنا من صلب آدم عليه السلام في الأصلاب الطاهرة، فما نقلني من صلب إلّا نقل علياً معي، فلم نزل كذلك حتّي أطلعنا اللَّه تعالي من ظهر

طاهر وهو ظهر عبد المطلب.

ثمّ نقلني من ظهر طاهر وهو ظهر عبد اللَّه، واستودعني خير رحم، وهي آمنة.

فلمّا ظهرتُ ارتجّت الملائكة وضجّت، وقالت: إلهنا وسيّدنا! ما بال وليّك علي عليه السلام لا نراه مع النور الأزهر؟ يعنون بذلك محمّداً صلي الله عليه و آله.

فقال اللَّه عزّ وجل: إنّي أعلم بوليّي وأشفق عليه منكم، فأطلع اللَّه عزّ وجل عليّاً من ظهر طاهر من بني هاشم.

فمن قبل أن يصير في الرحم، كان رجلٌ في ذلك الزمان، وكان زاهداً عابداً يقال له: المبرم بن زغيب الشقبان [2]، وكان من أحد العبّاد قد عبد اللَّه تعالي مأتين وسبعين سنة لم يسأل حاجة (إلّا أجابه).

إنّ اللَّه عزّ وجل أسكن في قلبه الحكمة، وألهمه بحسن طاعته لربّه، فسأل اللَّه تعالي أن يريه وليّاً له.

فبعث اللَّه تعالي أبا طالب، فلمّا بصر به المبرم قام إليه وقبّل رأسه وأجلسه بين يديه، ثمّ قال له: مَنْ أنت يرحمك اللَّه تعالي؟

فقال له: رجلٌ من تهامة.

فقال: أيّ تهامة؟

فقال: من عبد مناف، ثم قال: من هاشم.

فوثق العابد وقبّل رأسه ثانية، وقال: الحمد للَّه الذي لم يُمتني حتي أراني وليّه، ثم قال: أبشر يا هذا! فإنّ العليّ الأعلي ألهمني إلهاماً فيه بشارتك.

فقال أبو طالب: وما هو؟

قال: ولدٌ يولد من ظهرك هو وليّ اللَّه عزّ وجل، إمام المتّقين ووصيّ رسول ربّ العالمين، فإنْ أنتَ أدركت ذلك الولد، فأقرئه منّي السلام، وقل له: إنّ المبرم يقرأ عليك السلام، ويقول: أشهد أن لا إله إلّا اللَّه، وأن محمّداً رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، به تتمّ النبوّة، وبعليّ تتمّ الوصية.

قال: فبكي أبو طالب، وقال: ما اسم هذا المولود؟

قال: اسمه عليّ.

قال أبو طالب: إنّي لا أعلم حقيقة ما تقول إلّا ببرهان ودلالة

واضحة.

قال المبرم: ما تريد؟

قال: أُريد أن أعلم ما تقوله حقٌّ من ربّ العالمين، ألهمك ذلك؟!

قال: فما تريد أن أسأل لك اللَّه تعالي أن يُطعمك في مكانك هذا؟

قال أبو طالب: أُريد طعاماً من الجنّة في وقتي هذا.

قال: فدعا الراهب ربّه.

قال جابر: قال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله: فما استتمّ المبرم الدعاء حتّي اُوتي بطبق عليه فاكهة من الجنّة، وعذق رطب وعنب ورمّان.

فجاء به المبرم إلي أبي طالب فتناول منه رمّانة، فنهض من ساعته إلي فاطمة بنت أسد رضي اللَّه عنها.

فلمّا أ نّه استودعها النور ارتجّت الأرض، وتزلزلت بهم سبعة أيّام حتّي أصاب قريشاً من ذلك شدّة، ففزعوا فقالوا: مروا بآلهتكم إلي ذروة جبل أبي قبيس حتّي نسألهم يسكّنون لنا ما نزل بنا وحلّ بساحتنا.

قال: فلمّا اجتمعوا علي جبل أبي قبيس، وهو يرتجّ ارتجاجاً، ويضطرب اضطراباً، فتساقطت الآلهة علي وجهها، فلمّا نظروا إلي ذلك قالوا: لا طاقة لنا.

ثمّ صعد أبو طالب الجبل، وقال لهم: أ يّها الناس! اعلموا أنّ اللَّه تعالي عزّ وجل، قد أحدث في هذه الليلة حادثاً، وخلق فيها خلقاً، فإن لم تطيعوه وتقرّوا له بالطاعة وتشهدوا له بالإمامة المستحقّة، وإلّا لم يكن ما بكم حتّي لا يكون بتهامة سكن.

قالوا: يا أبا طالب! إنّا نقول بمقالتك.

فبكي ورفع يديه وقال: «إلهي وسيّدي! أسألك بالمحمّدية المحمودة، والعليّة العلويّة، والفاطميّة البيضاء إلّا تفضّلت علي تهامة بالرأفة والرحمة».

قال جابر: قال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله: فو اللَّه الذي خلق الحبّة، وبرأ النسمة! قد كانت العرب تكتب هذه الكلمات، فيدعون بها عند شدائدهم في الجاهلية، وهي لا تعلمها ولا تعرف حقيقتها حتّي وُلِدَ عليّ بن أبي طالب عليه السلام.

فلمّا كان في الليلة التي ولد فيها عليه

السلام أشرقت الأرض، وتضاعفت النجوم فأبصرت من ذلك عجباً، فصاح بعضهم في بعض، وقالوا: إنّه قد حدث في السماء حادثٌ ألا ترون من أشراق السماء وضياءها وتضاعف النجوم بها؟!

قال: فخرج أبو طالب، وهو يتخلّل سكك مكّة ومواقعها وأسواقها، وهو يقول لهم: أ يّها الناس! ولد الليلة في الكعبة حجّة اللَّه تعالي، ووليّ اللَّه.

فبقي الناس يسألونه عن علّة ما يرون من إشراق السماء؟

فقال لهم: أبشروا فقد ولد في هذه الليلة وليّ من أولياء اللَّه عزّ وجل يختم به جميع الخير ويذهب به جميع الشرّ، يتجنّب الشرك والشبهات.

ولم يزل يلزم هذه الألفاظ حتّي أصبح، فدخل الكعبة، وهو يقول هذه الأبيات شعراً:

يا ربّ ربّ الغسق الدجيِّ

والقمرِ المنبلجِ المُضيِّ [3].

بيّن لنا من حكمك المقضيِّ

ماذا تري لي [4] في اسم ذاالصبيِّ

قال: فسمع هاتفاً يقول:

خُصصتما بالولد الزكيِّ

والطاهر المطهّر المرضيِّ

إنّ اسمه من شامخٍ عليِّ

عليٌّ اشتقَ من العليِّ

فلمّا سمع هذا خرج من الكعبة، وغاب عن قومه أربعين صباحاً.

قال جابر: فقلت: يا رسول اللَّه! عليك السلام، أين غاب؟

قال: مضي إلي المبرم ليبشّره بمولد عليّ بن أبي طالب عليه السلام في جبل لكام [5] فإن وجده حيّاً بشّره، وإن وجده ميّتاً أنذره.

فقال جابر: يا رسول اللَّه! فكيفي يعرف قبره؟ وكيف ينذره؟

فقال: يا جابر! كتم ما تسمع، فإنّه من سرائر اللَّه تعالي المكنونة، وعلومه المخزونة، إنّ المبرم كان قد وصف لأبي طالب كهفاً في جبل اللكّام، وقال له: إنّك تجدني هناك حيّاً أو ميّتاً.

فلمّا أن مضي أبو طالب إلي ذلك الكهف ودخله فإذا هو بالمبرم ميّتاً جسده ملفوف في مدرعتين مسجّي بهما، وإذا بحيّتين إحداهما أشدّ بياضاً من القمر والاُخري أشدّ سواداً من الليل المظلم، وهما يدفعان عنه الأذي، فلمّا أبصرتا أبا طالب غابتا في الكهف.

فدخل

أبو طالب، وقال: السلام عليك يا وليّ اللَّه! ورحمة اللَّه وبركاته.

فأحيي اللَّه تعالي بقدرته المبرم، فقام قائماً وهو يمسح وجهه وهو يشهد: «أن لا إله إلّا اللَّه، وأنّ محمداً رسول اللَّه صلي الله عليه و آله وأنّ علياً وليّ اللَّه»، وهو الإمام من بعده.

ثمّ قال له المبرم: بشّرني يا أبا طالب! فقد كان قلبي متعلّقاً حتّي منّ اللَّه تعالي (عليّ بك و) بقدومك.

فقال له أبو طالب: أبشر! فإنّ علياً قد طلع إلي الأرض.

قال: فما كان علامة الليلة التي ولد فيها؟ حدّثني بأتمّ ما رأيت في تلك الليلة.

قال أبو طالب: نعم، أخبرك بما شاهدته.

لمّا مرّ من الليل الثلث أخذ فاطمة بنت أسد رضي اللَّه عنها ما يأخذ النساء عند ولادتها، فقرأت عليها الأسماء التي فيها النجاة، فسكن بإذن اللَّه تعالي، فقلت لها: أنا آتيك بنسوة من أحبّائكِ ليعينوكِ أمركِ؟

قالت: الرأي لك.

فاجتمعت النسوة عندها، فإذا أنا بهاتف يهتف من وراء البيت: أمسك عنهنّ يا أبا طالب! فإنّ وليّ اللَّه لا تمسّه إلّا يد مطهّرة.

فلم يتمّ الهاتف (كلامه) فإذا قد أتي محمّد بن عبد اللَّه ابن أخي، فطرد تلك النسوة وأخرجهنّ من البيت.

وإذا أنا بأربع نسوة فدخلن عليها وعليهنّ ثياب حرير بيض، وإذا روائحهنّ أطيب من المسك الأذفر، فقلن لها: السلام عليك يا وليّة اللَّه!

فأجابتهنّ بذلك.

فجلسنَ بين يديها، ومعهنَّ جُونة من فضة، فما كان إلّا قليلاً حتي ولد أمير المؤمنين عليه السلام.

فلمّا أن ولد أتيتهنّ، فإذا أنا به قد طلع عليه السلام فسجدَ علي الأرض، وهو يقول: «أشهد أن لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً رسول اللَّه، تختم به النبوّة، وتختم بي الوصيّة».

فأخذته إحداهنّ من الأرض ووضعته في حجرها، فلمّا حملته نظر إلي

وجهها ونادي بلسان طلق ويقول: السلام يا اُمّاه!

فقالت: وعليك السلام يا بنيّ!

فقال: كيف والدي؟

قالت: في نعم اللَّه عزّ وجل.

فلمّا أن سمعتُ ذلك لم أتمالك أن قلت: يا بنيّ! أو لستُ أباك؟!

فقال: بلي، ولكن أنا وأنتَ من صلب آدم، فهذه اُمّي حواء.

فلمّا سمعتُ ذلك غضضتُ وجهي ورأسي وغطّيته بردائي، وألقيتُ نفسي حياء منها عليهاالسلام.

ثمّ دنت اُخري ومعها جونة مملوءة من المسك، فأخذت عليّاً عليه السلام، فلمّا نظر إلي وجهها قال: السلام عليك يا اُختي!

فقالت: وعليك السلام يا أخي!

فقال: ما حال عمّي؟

قالت: بخير فهو يقرأ عليك السلام.

فقلت: يا بنيّ! مَنْ هذي، ومن عمّك؟

فقال: هذه مريم ابنة عمران، وعمّي عيسي عليه السلام.

فضمّخته بطيب كان معها من الجنّة.

ثمّ أخذته اُخري، فأدرجته في ثوب كان معها.

قال أبو طالب: لو طهّرناه كان أخفّ عليه.

وذلك أنّ العرب تطهّر مواليدها في يوم ولادتها.

فقلن: إنّه ولد طاهرٌ مطهّر، لأ نّه لا يذيقه اللَّه حرّ الحديد إلّا علي يدي رجل يبغضه اللَّه تعالي وملائكته والسماوات والأرض والجبال، وهو أشقي الأشقياء.

فقلت لهنّ: مَن هو؟

قلن: هو عبد الرحمن بن ملجم لعنه اللَّه تعالي، وهو قاتله بالكوفة سنة ثلاثين من وفاة محمد صلي الله عليه و آله.

قال أبو طالب: فأنا كنت أستمع قولهنّ.

ثمّ أخذه محمّد بن عبد اللَّه ابن أخي من يَدِهنّ ووضع يده في يده وتكلّم معه وسأله عن كلّ شي ء.

فخاطب محمّد صلي الله عليه و آله عليّاً، وخاطب عليّ محمداً بأسرار كانت بينهما.

ثمّ غابت النسوة، فلم أرهنّ، فقلت في نفسي: ليتني كنت أعرف الامرأتين الأخيرتين وكان عليّ عليه السلام أعلم بذلك، فسألته عنهنّ؟

فقال لي: يا أبت! أمّا الأُولي، فكانت اُمّي حوّاء.

وأمّا الثانية التي ضمّختني بالطيب، فكانت مريم ابنة عمران.

وأمّا التي أدرجتني في الثوب، فهي آسية.

وأمّا صاحبة

الجونة، فكانت اُمّ موسي عليه السلام.

ثمّ قال علي عليه السلام: الحق بالمبرم يا أبا طالب! وبشّره وأخبره بما رأيت، فإنّك تجده في كهف كذا، في موضع كذا وكذا.

فلمّا فرع من المناظرة مع محمّد ابن أخي ومن مناظرتي عاد إلي طفوليّته الأُولي،.

فأنبئتُك وأخبرتك، ثمّ شرحتُ لك القصّة بأسرها بما عاينتُ يا مبرم!

قال أبو طالب: فلمّا سمع المبرم ذلك منّي بكي بكاءً شديداً في ذلك، وفكّر ساعة ثمّ سكن وتمطّي، ثمّ غطّي رأسه، وقال: بل غطّني بفضل مدرعتي.

فغطّيته بفضل مدرعته، فتمدّد فإذا هو ميّت كما كان. فأقمت عنده ثلاثة أيام اُكلّمه، فلم يجبني فاستوحشتُ لذلك. فخرجت الحيتّتان، وقالتا: الْحق بوليّ اللَّه، فإنّك أحقّ بصيانته وكفالته من غيرك.

فقلت لهما: من أنتما؟

قالتا: نحن عمله الصالح، خلقنا اللَّه عزّ وجل علي الصورة التي تري، ونذبّ عنه الأذي ليلاً ونهاراً إلي يوم القيامة، فإذا قامت الساعة كانت أحدانا قائدته والاُخري سائقته، ودليله إلي الجنة.

ثمّ انصرف أبو طالب إلي مكّة.

قال جابر بن عبد اللَّه: قالي لي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله: شرحتُ لك ما سألتني، ووجب عليك له الحفظ.

فإنّ لعليّ عند اللَّه من المنزلة الجليلة، والعطايا الجزيلة ما لم يعط أحد من الملائكة المقرّبين والأنبياء المرسلين. وحبّه واجب علي كلّ مسلم، فإنّه قسيم الجنّة والنار، ولا يجوز أحدٌ علي الصراط إلّا ببراءة من أعداء عليّ عليه السلام.

تمّ الخبر، والحمد للَّه رب العالمين [6].

مولد أميرالمؤمنين و منشؤه مع النبي

جاء اسم هذا الكتاب عند النجاشي في رجاله، والطوسي في فهرسته، والخطيب البغدادي في تاريخه، وأورده المسعودي في إثبات الوصية، والكراچكي في كنز الفوائد، وابن شهر آشوب في معالمه.

والكلّ ينتهون بأسانيدهم إلي أبي البختري القرشي وهب بن وهب عن الإمام جعفر بن محمد الصادق عن أبيه أبي

جعفر عليهماالسلام.

وقد اعتمدنا في ما أوردناه علي رواية المسعودي في «انبات الوصية» من النسخة الحجرية المطبوعة في إيران.

عن أبي عبد اللَّه جعفر بن محمد عن أبيه أ نّه سُئلَ عن بدء إيمان أمير المؤمنين عليه السلام برسول اللَّه صلي الله عليه و آله؟

فقال أبو جعفر عليه السلام: إذا ذكرت الفضائل والمناقب ففي شرح إيمان أمير المؤمنين عليه السلام برسول اللَّه صلي الله عليه و آله ما تنفتح الأذهان، وتكثر الرغائب، لأن حبّ عليّ عليه السلام فرض علي المؤمنين، وغيظ علي المنافقين، فمن أحبّ عليّاً فلرسول اللَّه صلي الله عليه و آله أحبّ، ومن أمسك عنه فقد عصي اللَّه ونكب عن سبيل النجاة.

لأ نّه أوّل ذَكَرٍ آمنَ برسول اللَّه صلي الله عليه و آله، وصلّي معه، وصدّق بما جاء من اللَّه، وسارع إلي مرضاة اللَّه، ومرضاة رسول اللَّه صلي الله عليه و آله.

وصبر علي البأساء والضرّاء في كلّ شدّة وعسر.

وكان أكثر أصحابه نصحاً له، وأكثرهم وأشدّهم مواساة بنفسه وذات يده له.

وكان مما منّ اللَّه به علي أمير المؤمنين عليه السلام في دلائله، واختصّه بفضائله، ومنحه من الكرامة والحباء، وشرّفه بسوابق الزُلفي، أ نّه كان في حجر رسول اللَّه صلي الله عليه و آله قبل مبعثه، يغذوه بما يغذو به نفسه.

وكان رسول اللَّه صلي الله عليه و آله في حجر أبي طالب يغذوه ويحوطه.

وذلك أن أبا الحارث عبد المطلب بن هاشم كان يكفل الأرامل والأيتام، ويُغيث الملهوف، ويُجير المظلوم، وينظر المعسر، ويحمل الكلّ، ويُقري الضيف، ويمنع من الضيم.

وكان برسول اللَّه صلي الله عليه و آله حفيّاً في السرّ والإعلان، يتفقده في مطعمه وأغذيته، ويعدّ له قريشاً، يخضع له الأشرف، ويذلّ له عظماء الملوك، ويدين بدينه جميع أهل الملل والأديان،

وترعد لهيبته فرائص الجبّارين، ويظهر علي من خالفه وناواه، حتّي يقرنهم في الأصفاد، ويبيع ذراريهم في الأسواق، ويتّخذ أبناءهم عبيداً، وشجعانهم جنوداً، وتُحبّه قلوبهم من خيفته وتُعينه الملائكة علي نصرته، فوطبي لمن آمن به من عشيرته، وطوبي لاُمته.

فلمّا مرض مرضه الذي مات فيه وضع رسول اللَّه صلي الله عليه و آله في حِجر أبي طالب عليه السلام ووصّاه به، وقال له: يا بُنيّ، هذا فضلٌ من اللَّه عليك، ومنحةٌ وهديةٌ منّي إليك، ألهمنيه في أمرك، وهو ابن أخيك لأبيك واُمّك دون سائر إخوانك.

ثمّ أطلعه علي مكنون سرّ علمه ودلائله، وأخبره بما بشّر به عن الأنبياء والمرسلين صلّي اللَّه عليهم، وما رواه فيه أفاضل الأحبار، وعبّاد الرهبان، وأقيال العرب، وكهّان العجم.

ولم يكن لأبي طالب يومئذٍ ولدٌ، وكان فرداً وحيداً، امرأته فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف بنت عمّه وكانت تدعي سورة الفاضلة لكلّ لبد، والزائدة علي كلّ عدد.

وكانت ممنوعةً من الولد، تنذر لذلك النذور، وتتقرّب إلي الأصنام، وتستشفع بالأزلام إلي الرحمن، وتعتر العتائر، وتُضمّخُ وجوه الأصنام بذكيّ المسك وخالص العنبر تطلب الولد.

وكانت كلّما لقيت كاهناً أو حبراً عالماً من السدنة بشّرها أ نّها تتبنّي ولداً لم تلده، وتربّيه، ويأمرها إذا رزقته أن تضمّه وتكنفه، وتحفظه ولا تُبعده.

فتسألهم أن يسمّوه ويصفوه لها، فيقولون: ذاك نورٌ منير، بشيرٌ نذير، مبارك في صغره، منبي ءٌ في كبره، ويوضّح السبيل، ويختم الرسل، يبعث بالدين الفاضل، ويزهق العمل الباطل، يُظهر من أفعاله السداد، ويتبيّن باتّباعه الراد، وينهج اللَّه له الهدي، ويبيّن به التُقي.

فكانت فاطمة بنت أسد ترقب ذلك وتنتظره، فلمّا طال انتظارها، وذهل اصطبارها أنشأت تقول:

طال الترقّب للميعاد إذ عدمتْ

منّي الحوائل ولداً من عناصيري

لمّا أتيتُ إلي الكهّان بشّرني

عند السؤال عليمٌ

بالمخابيرِ

فقال يُوعدني والدمع مبتدرٌ

يا فاطم انتظري خير التباشيرِ

نوراً منيراً به الأنبياء قد شهدتْ

والكتب تنطقُ عن شرح المزامير

أَ نّي بذاك فقد طال الطلاع إلي

وجه المبارك يزهو في الدياجير

فلما مات عبد المطلب كفل أبو طالب رسول اللَّه صلي الله عليه و آله بأحسن كفالة، وحنّ عليه، ودأب في حياطته، وتمسّك به، والتحف عليه، وعطف علي جوانبه.

وكان أبو طالب محترماً معظّماً، كشّافاً للكروب، غير هذر ولا مِكثار، ولا عاق، بل برٌّ وصولٌ، جوادٌ بما يملك، سمحٌ بما يقدر، لا يُثنيه عن مبادرة الخطاب وجل، ولا يدركه لدي الخصام مللٌ.

فشغف برسول اللَّه صلي الله عليه و آله شغفاً شديداً، وولهت بحبّه فاطمة بنت أسد، وذهلت بمحبّته ودلالته التي وُعدت بها، فكانت تقول: وإله السماء، لقد قبل نذري، وشكر سعيي، وأُجيبت دعوتي، لأنزلنّ محمّداً من قلبي منزلة صميم الأحشاء، ولألهونّ برؤيته عن كلّ نظر ان يهش إليه قلب الأخيل المعني، ومن أولي بذلك ممن اُعطي مثله، وليس هذا من أمر الخلق بل هو من عند الإله العظيم.

فكانت قد جعلته صلي الله عليه و آله نصب عينها، إن غاب لحظةً لم يغب عنها مثالُه، ولم يفقد شخصه، وتذهل حتّي تُحضره، فتشتغل بتغذيته، وغسله وتنظيفه، وتلبيسه وتدهينه، وتعطيره وهصلاح شأنه، وتعاهد اوطانه بالنهار، فإذا كان بالليل اشتغلت بفرشه ونومه، وتوسيده وتمهيده، وتعوّذه وتُتَمّمُه.

قال: وكانت في دار أبي طالب نخلةٌ منعوتةٌ بكثرة الحمل، موصوفة بالرقّة وعذوبة الطعم، شهيّة المضغ، يعقب طعمها رائحإة طيّبة عطريّة كرائحة الزعفران المذاب بالعسل، كثيرة اللحا، قليلة السحا، دقيقة النوي، فكان رسول اللَّه صلي الله عليه و آله يأتي إليها كلّ غداةٍ مع أترابه، منهم أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ابن عمّه، وأبو سلمة بن عبد الأسد، ومسروح

بن ثويبة، فيلتقطون ما يتساقط تحتها من تمرها بهبوب الرياح ووقوع الطير ونقره، وكانت فاطمة بنت أسد لا تري رسول اللَّه صلي الله عليه و آله يسابق أترابه علي البسر والبلح والرطب في أوانه، وكان الغلمة يبادرون لذلك، وهو صلي الله عليه و آله يمشي بينهم، وعليه السكينة والوقار بتواضعٍ وابتسامٍ، ويتعجب من حرصهم وعجلتهم، فكان إن وجد شيئاً ساقطاً بعدهم أخذه، وإلّا انصرف بوجهٍ منبسطٍ طلقٍ، وبشرٍ حسن، فكانت فاطمة تعجب من شدّة حيائه، وطيب شأنه، ورقّة قلبه، وسرعة دمعته، وكثرة رحمته، فربما جمعت له من تمر النخلة قبل مجيئهم، فإذا أقبل صلي الله عليه و آله قدّمته إليه، فيحبّ أن يأكله معهم.

قالت فاطمة: ودخل عليَّ أترابُه يوماً وأنا مضطجعة ولم أره معهم، فقلت: أين محمدٌ؟ قالوا: مع عمّه أبي طالب وراءنا.

فسكنت نفسي قليلاً، ولقط الغلمان ما كان تحت النخلة، وجاء بعدهم محمّد، فلم ير تحتها شيئاً، فصار إليها ووقف تحتها- وكانت باسقة- فأومأ بيده إليها، فانثنت بعراجينها حتّي كادت تلحق بثمارها الأرض، فلقط منها ما أراد، ثمّ رفع يده وأومأ إليها فرجعت، وحسبني راقدةً، قالت: وكنتُ مضطجعة، فلمّا رأيت ذلك استطير في روعي، ولم أملك نفسي، فأتيتُ أبا طالب، فخلوتُ به، فقلتُ له: كان من أمر محمّد صلي الله عليه و آله كيت وكيت؟

فقال: مهلاً يا فاطمة، لا تذكري من هذا شيئاً، فإنّه حلمٌ وأضغاث.

فقلت: كلّا واللَّه، بل هو حقٌّ يقين، في يقظةٍ لا في نوم، ورأي العين لا رؤيا، وإنّي لأرجو اللَّه أن يحقّق ظنّي فيه، وأن يكون الذي بُشّرتُ بتربيته، ووُعدِتُ الفوز عند كفالته.

فكانت فاطمة لا تفارق رسول اللَّه صلي الله عليه و آله في ليل ولا نهار، ولا تغفل عنه

وعن خدمته، وتفقد مطعمه ومشربه.

فكان صلي الله عليه و آله يسمّيها «اُمّي».

وهجرت الأصنام، وقطعت القربان إليها من الذبائح في الأعياد تسأل الولد، وتسلّت برسول اللَّه صلي الله عليه و آله والتبنّي له وخدمته عن كلّ شي ء، فلمّا قطعت عادتها وجد عليها السدنةُ من ذلك، ومنعوها من الدخول علي الصنم الأعظم.

وكان رسول اللَّه صلي الله عليه و آله يحضر قريشاً في مشاهدهم كلّها غير السجود للأصنام، والذبائح للأنصاب، وفي حال شرب الخمر ووصف الشعر، وقل الزور، فإنّه كان يجتنبهم مذ كان طفلاً حتّي استكمل.

فدخل يوماً علي سادنٍ من سدنة الأصنام، فقال له: لِمَ تعتب علي اُمّي فاطمة، وتمنعها من زيارة هذه الأحجار المؤثّرة فينا الاعتبار؟

فقال له السادن: لأ نّها أتت باُمور متشابهة، وقطعت برّ الآلهة، وهي لَمن عبدها نافعة، ولمن جاء إليها شافعة، وستعلم ابنة أسد أ نّها لا ترزقها ولداً.

فقال له النبيّ صلي الله عليه و آله: آلأصنام ترزقكم الولدان؟ وتأتيكم بالغيث عند المَحل في السنوات الشداد؟

قال له السادن: نعم! أو ما علمت نحن نحمد ذلك عند الأصنام عاجلاً في الفاقة، وآجلاً مدّخراً.

والتفت إلي السدنة فقال: هذا غلام مات أبوه وجدّه واُمّه وظئره وهو طفل، فكفله من لا يعبأ به ولا يدلّه علي رشده وهو عمّه وامرأة عمّه.

فقال له النبيّ صلي الله عليه و آله: فأخبرني عن هذه الأصنام مَن خلقها، ومَن ابتدع الاُمم السالفة ورزقها؟

قال السادن: اللَّه فعل ذلك، وهو لجميع الخلق مالك.

فقال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله: فإنّ اُمّي تجعل قربانها للَّه الحيّ القائم القديم، فهو أحقّ من الأصنام.

ثم انطلق إلي فاطمة من ساعته وحدّثها بما جري بينه وبين السادن، وقال لها: قرّبي اللَّه قربانك.

فاصطفت القربان، وقالت: هذا للَّه خالصاً جعلته

ذخراً قبلته من محمّد حبيبي.

فما أصبحت من ليلتها حتّي اكتست حسناً إلي حسنها، وجمالاً إلي جمالها، فحملت، فولدت عقيلاً، ثمّ حملت، فولدت طالباً، ثمّ حملت، فولدت جعفراً، وكان وجهها في كلّ يوم يزداد نوراً وضياء لمّا حملت بأزكاهم وأطهرم وأبرّهم وأرضاهم علي، فولدته ونالها في ولادته بعض الصعوبة، فأخذ أبو طالب بيدها، وأدخلها البيت، معها القوابل فلمّا وطئت البيت ولدته.

فاحتمل وردّ إلي منزل أبيه حتّي حنّكه رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، ووضعه في حجره، وقمّطه في حضنه، قبل كلّ أحد من الناس.

ثمّ رُزِقت بعد عليّ اُم هاني، واسمها فاختة، وهي المباركة الطيبة اُخت الطاهرين من ولد أبيها أبي طالب.

وكانت فاطمة حملت بعلي عليه السلام في عشر ذي الحجة، وولدته في النصف من شهر رمضان، وحملت به أيّام الموسم، وبعد حملها بخمسة أيام كانت جالسة وقد كسيت نوراً وجمالاً، ووجهها يزهر، وجبهتها تتلألأ بين الأكارم من الفواطم من قريش.

منهنّ فاطمة بنت عمرو بن عائذ جدّة رسول اللَّه صلي الله عليه و آله لأبيه.

وفاطمة بنت زائدة بن الأصمّ أُم خديجة بنت خويلد.

وفاطمة بنت عبد اللَّه بن رزام.

وفاطمة بنت الحارث بن عكرمة.

وممن لم يحضرن ويلحقن من الفواطم اللواتي يقربن من رسول اللَّه صلي الله عليه و آله ومن عليّ عليه السلام بالنسب واللحمة فاطمة بنت نصر اُم ولد قصيّ.

فإنهنّ لَجلوس يتفاخرن بالذراري والأولاد إذ أقبل رسول اللَّه صلي الله عليه و آله وكأنّ وجهه مرآة مصقولة، والمهاة مجلوّة، ينثني كغصن ميّاد، وقد تبعه بعض الكهّان ينظر إليه نظراً شافياً، فجلس رسول اللَّه صلي الله عليه و آله إلي فاطمة اُمّ علي بين العجائز من الفواطم، وجلس الكاهن بإزائه لا يمرّ به كاهن مثله ولا حبر، ولا

قائفٌ ولا عائف إلّا هَمَسَ إليه وغمزه واستوقفه ينظرون إليه، فبعض يشير إليه بسبابته، وبعض يعضّ علي شفته.

فغاب رسول اللَّه صلي الله عليه و آله بقيامه، ودخل إلي منزله عند عمّه.

فقال الكاهن للعجائز: مَن هذا الفتي الّذي قد زها بِحُسنه علي كلّ الفتيان، والرجال والنساء؟

قلن: هذا المحبّب في قومه محمّد بن عبد اللَّه بن عبد المطلب، ذو الفضل والعُرف والسؤدد.

فقال الكاهن: يا معشر قريش، ائذنوا بالحرب بعد الهرب، من سيف النبيّ المنتجب، الويل منه العرب، وللأصنام والنصب، ثمّ نادي: يا أهل الموسم الحافل، والجمع الشامل، قرب ظهور الدين الكامل، ومبعث النبي الفاضل، ثم أنشأ يقول:

إنّي رأيتُ نبأ ما كنتُ أعرفه

حقاً تَيقّنهُ قلبي بإثباتِ

في الكتب أنزله لمّا تخيّرهُ

وكنتُ أعرفُ ما في شرح توراةِ

من فضل أحمدَ مَن كالبدر طلعتُهُ

يزهور جمالاً علي كلّ البريّاتِ

من اُمّة عصمت من كلّ محضلةٍ

وصار مجتنباً رجسَ الخساراتِ

ما زلتُ أرمقهُ من حسن بهجته

كالشمس من برجها تبدي الطليعاتِ

فإن بقيتُ إلي يوم السباق أكن

نادي قريشٍ أنادي بالرسالاتِ

كنتُ المجيب له لبيّك من كَثَبٍ

أنتَ المفضّل من خير البريّاتِ

يا خير من حملت حوّاءُ أو وضعت

من أوّل الدهر في رجع الكريراتِ

قد كنتُ أرقب هذا قبل فجوته

حتّي تلمّستهُ قبضاً براحاتِ

فاليوم أدركتُ غُنماً كنت أرقبه

من عند ربّي جبّار السماواتِ

فيالها فرحة يعتادها نجحٌ

لمّا حُبِبيتُ بتحبير التحيّاتِ

فكيفي ينزلُ مَن نال الرياحَ وَمَن

أهدي له موهبٌ من خير خيراتِ

ذاك النبيُّ الذي لا شكَّ منتجبٌ

جبريلُ يقصدهُ بالوحي تاراتِ

في كلّ يومٍ بوحي اللَّه يمنحهُ

يُنبيه عن برهناتٍ او دلالاتِ

قال: فقالت فاطمة بنت أسد: فرأيتُ حبراً منهم يسمع شعر الكاهن ودموعه تسحّ علي خديه، فتبعتهُ، فقلتُ له: أقسمتُ عليك بدينك وسفرك وكتابك؛ لتخبرنّي بالأمر علي حقيقته، فإنّ الحكيم لا يكتم من استنصحه نصيحة يقوي بها بصيرته.

فنظر الحبر إلي رسول اللَّه

صلي الله عليه و آله نظراً مستقصياً، ثمّ قاليواللَّه هذا غلامٌ هُمام، آباؤه كرام، يكفله الأعمام، دينه الإسلام، شريعته الصلاة والصيام، يظلّه الغمام، يجلي بوجهه الظلام، من كفله رشد، ومن أرضعه سعد، وهو للأنام سند، يبقي ذكره ما بقي الأبد.

ثمّ ذكر كفالة أبي طالب إيّاه، وعدّد سيرته، وخاتمة أمره وعقباه، ثمّ قال: وتكفله منكم امرأة تطلب بذلك زيادة العدد، فسيكون هذا المبارك المحمود لها في طيب الغرس أفضل ولد. فيحبوه بسرّه ونصيحته، ويهدي إليه أفضل النساء كريمته.

قالت: فقلتُ له: لقد أصبتَ فيما وصفتَ إلي حيث انتهتَ، وقلتَ الحقّ عندما شرحتَ، أنا المرأة التي أكفله، زوجة عمّه الّذي يرجوه ويؤمّله.

فقال لها: إن كنتِ صادقةً فستلدين غلاماً، رابع أربعة من أولادك، شجاعاً قمقاماً، عالماً إماماً، مطواعاً، هُماماً بدينه، قوّاماً لربّه، مصلياً صواماً، غير خرق ولا نزق، ولا أحيف ولا جنف، اسمه علي ثلاثة أحرف، يلي هذا النبيّ في جميع اُموره، ويواسيه في قليله وكثيره، يكون سيفه علي أعدائه، وبابه الّذي يؤتي منه إلي أوليائه، يقصع في جهاده الكفّار قصعاً، ويَدُعّ أهل النكث والغدر والنفاق دعاً، يفرّج عن وجه نبيه الكُربات، وتجلي به دياجر حندس الغمرات، أقربهم منه رحماً، وأمسّهم لحماً، وأسخاهم كفاً، وأنداهم يداً، يُصاهره علي أفضل كريمة، ويقيه بنفسه في أوقات شدّته، تعجب من صبره ملائكة الحجاب، إذا قهر أهل الشرك بالطعن والضرِاب، يهاب صوته [7] أطفال المهاد، وترعد من خيفته الفرائصُ يوم الجلاد، مناقبه معروفة، وفضائله مشهورة، هِزبرٌ دفّاع، شديد منّاع، مقدام كرّار، مصدق غير فرّار، أحمش الساقين، غليظ الساعدين، عريض المنكبين، رحب الذراعين شرّفه اللَّه بأمينه، واختصه لدينه، واستودعه سرّه، واستحفظه علمه، عماد دينه، ومظهر شريعته، يصول علي الملحدين، ويغيظ اللَّه به المنافقين، ينال

شيم الخيرات، ويبلغ معالي الدرجات، يجاهد بغير شك، ويؤمن من غير شرك.

له بهذا الرسول وصلة منيعة، ومنزلة رفيعة، يزوّجه ابنته، ويكون من صلبه ذريّته، يقوم بسنته، ويتولّي دفنه في حفرته، قائد جيشه، والساقي من حوضه، والمهاجر معه عن وطنه، الباذل دونه دمه.

سيصح لكِ ما ذكرتُ من دلالته إذا رُزقتيه، وتَرينَ ما قلتهُ فيه عياناً، كما صحّ لي دلائل محمّة المحمود باللَّه.

إنّ ما وصفتُه من أمرهما موجودٌ مذكورٌ في الأسفار والزبور، وصحف إبراهيم وموسي، ثمّ أنشأ يقول:

لا تعجبي من مقالي سوف تختبري

عمّا قليلٍ تَرَيْ ما قلتُ قد وضحا

أمّا النبيُّ الذي قد كنتُ أذكره

فاللَّهُ يعلم ما قولي له مزحاً

يأوي الرشاد إليه مثل ما سكنت

أُمّ إلي ولدٍ صادفت نجحا

ثمّ المؤازر والموصَي إليه إذا

تتابع الصيد من أطرافه كلحا

فأحمدُ المصطفي يُعطيه رايتَهُ

يحبوه بابنته ما هي بها منحا

بذاك أخبرنا في الكتب أوّلُنا

والجنّ تسترق الأسمات واتّضحا

فاستبشري لا تراعي إنّ حظوته

قد خصّها مهره من فضلها ربحا

قالت فاطمة: فجعلتُ اُفكّر في قوله، فلمّا كان بعد ليال رأيتُ في منامي كأنّ جبال الشام قد أقبلت تدبّ علي عراقيبها، وعليها جلابيب حديد، وهي تصيح من صدورها بصوتٍ مَهول، فأسرعت نحوها جبالُ مكّة، وأجابتها بمثل صياحها وأهول، وهي تنضح كالشرر المجمر، وجبل أبي قبيس ينتفض كالفرس المسربل بالريق المُعتر، ونصاله تسقط عن يمينه وشماله، والناس يلتقطون تلك النصول، فلقطت معهم أربعة أسياف، وبيضة حديد مذهّبة، فأوّل ما دخلت مكّة سقط منها سيف في ماء فغمز، وطار الثاني في الجوّ واستمرّ، وسقط الثالث إلي الأرض فانكسر، وبقي الرابع في يدي مسلولاً، أنابه أصول إذ صار السيف شبلاً أتبنّيه، ثمّ صار ليثاً مستأسداً، فخرج عن يدي ومرّ نحو تلك الجبار يجوب بلاطحها، ويخرق صلادمها، والناسُ منه مشفقون، ومن خوفه

حذرون، إذ أتاه محمّدٌ ابني فقبض علي رقبته، فانقاد له كالظبية الألوف.

فانتبهت وأنا مرتاعة، فاستظهرت علي الحبر والكاهن اللذين بشّراني ووعداني، وعلي سائر القافة والعافة بأن قصدتُ أبا كرز الكاهن، وكان عائفاً محذقاً، فوجدته قد نهض في حاجة له، فجلست أرقبه وكان عنده جميل كاهن بني تميم، فكرهتُ حضوره، وعملت علي انتظار قيامه وانصرافه، فنظر جميلٌ إليّ وضحك، ثم قال لي: اُقسم بالأنواء، ومظهر النعماء، وخالق الأرض والسماء، إنّك لتكرهين مثواي، وتحبين مسراي وقفاي، لتسألي أبا كرز عن الرؤيا، فينبؤك بالأنباء.

فقلتُ له: إن كنت صادقاً فيما قلت من الهتف حين زجرت، فنبئني بما استظهرت.

فأنشأ يقول:

رأيت أجبالاً تؤمُّ أجبالاً

وكلّها لابسة سربالا

مسرعة قد تبتغي القتالا

أخذت منها أربعاً طوالا

ينثر من جلبابه نِصالا

أخذت منها أربعاً طوالا

وبيضة تشتعل اشتعالا

فواحد في ثج ماء غالا

ثانٍ في جوّها قد صالا

بذي طواف طارحين زالا

وثالث قد صادف اختلالا

من كسره فنصره مختالا

ورابع قد خلتِهِ هلالا

مقتدح الزندين لا مفتالا

ولّت به صائلة إيغالا

حتي استحال بعدها انتقالا

أدرك في خلقته الأشبالا

ثم استوي مستأسداً صوّالا

يخطف من سرعته الرجالا

فانسل في قيعانها انسلالا

يخرق منها الصلد والإيغالا

والناس يرهبون منه الحالا

حتي أتي ابن عمه إرسالا

فتلّه يعنفه إتلالا

كظبية ما منعت عقالا

ثم انتبهت تحسبين خالا

قالت فاطمة: فقلتُ: صدقتَ واللَّه، يا جميل، وبررت في قولك، هكذا رأيتُ مما رأيتُ في الكري، فنبئني بتأويله.

فأنشأ يقول:

أمّا النصول فهي صيد أربعُ

ذكورُ أولادٍ حكتها الأسبعُ

والبيضة الوقداء بنتٌ تتبعُ

كريمةٌ غرّاء لا تروع

فصاحب الماء غريبٌ مفتقد

في لُجّةٍ ترمي شظاها الزَبَد

والطائر الأجنح ذو الغرب الزغب

تقتله في الحرب عُبّاد الصلب

والثالث المكسور ميتٌ قد دفن

ينزلُ عقباً بعده طول الزمَن

والرابع الصائل كالليث المرح

يَرْفُ في عِراصها ويقترح

فذاك للخلق إمامٌ منتصح

إذا بغاه كافر جَهراً ذُبح

وإن لقاه بطل عنه جنح

حتّي تراهم من صياصيهم بطح

فاستشعري البُشري فرؤياك تَصِح

قالت فاطمة: فما أن زلت

مفكّرة في ذلك وتتابع حملي وولادتي لأولادي، فلما كان في الشهر الّذي ولدت فيه عليّاً رأيتُ في منامي كأنّ عموداً حديداً انتزع من اُمّ رأسي، ثمّ شعّ في الهواء حتّي بلغ عنان السماء، ثمّ ردّ إليّ، فمكث ساعة، فانتزع من قدمي.

فقلتُ: ما هذا؟ فقيل: هذا قاتل أهل الكفر، وصاحب ميثاق النصر، بأسه شديد، تجزع من خيفته الجنود، وهو معونة اللَّه لنبيّه، ومؤيّده به علي أعدائه، بحبّه فاز الفائزون، وسعد السعداء، وهو ممثل في السماء المرفوعة، والأرض الموضوعة، والجبال المنصوبة، والبحار الزاخرة، والنجوم الزاهرة، والشموس الضاحية، والملائكة المسبّحة.

ثمّ هتف بي هاتفٌ يقول:

جال الصباح لدي البطحاء إذ شملت

سوداً بذي خدم فرش المراقيل

من دلج هام جراثيم جحاجحة

من كلّ مدرّع بالحلم رعبيل

من الجهاضم إذ فاقت قماقمها

دون السحاب علي جنح الأثاكيل

يا أهل مكّة لا تشقي جدودكم

وأبشروا ليس صدق القيل كالقيل

فقد أتت سودُ بالميمون فانتحجوا

واجفوا الشكوك وأضغاث الأباطيل

من خازن النور في أبناء مسكنه

من صلب آدم في نكب الضماحيل

إنّا لنعرفه في الكتب متّصلاً

بشرح ذي جدل بالحقّ حصليل

قال: فُولِدَ عليٌّ عليه السلام ولرسول اللَّه صلي الله عليه و آله ثلاثون سنة.

فأحبّه رسول اللَّه صلي الله عليه و آله حبّاً شديداً، وقال لفاطمة: يا اُمَّه! اجعلي مهد عليٍّ بجنب فراشي.

وكان صلي الله عليه و آله يلي تربيته، ويوجرده اللبن في ساعة رضاعه، ويحرّك مهده عند نومه، ويناغيه في يقظته، ويحمله علي صدره تارةً، وعلي عاتقه اُخري، ويتكتّفه، ويقول: «هذا أخي، ووليّي، وناصري، وصفيّي، ووصيّي، وذخيرتي، وكهفي، وصهري، وزوج كريمتي، وأميني علي وصيّتي».

وكان يحمله ويطوف به جبال مكّة وشعابها، وأوديتها وفجاجها، فلما تزوّج خديجة بنت خويلد علمت بوجده بعلي ّعليه السلام، فكانت تستزيره، وتزيّنه بفاخر الثياب والجوهر، وترسل معه ولائدها، فيقلن: هذا أخو محمّد، وأحبّ

الخلق إليه، وقرّة عين خديجة، ومن ينزل السكينة عليه.

وكانت ألطاف خديجة وهداياها إلي منزل أبي طالب متّصلة، حتّي أصابت قريشاً أزمة شديدة، وسنة معصوصية.

وكان أبو طالب رجلاً جواداً معطاءاً سمحاً، فقلّ ماله، وكثر عياله، وأجحفت السِنَةُ بحاله، فدعا رسول اللَّه صلي الله عليه و آله عمّه العباس- وكان أيسر بني هاشم في وقته وزمانه- فقال له: يا عمّ إنّ أخاك كثير العيال، متضعضع الحال، وقد أصاب الناس ما تري من هذه الأزمة، وذوو الأرحام أحقّ بالرِفد، وأولي من حمل عنهم الكلّ، فانطلق بنا إليه لنحمل من كلَّه، ونخفّف من عيلته، يأخذ كلّ واحدٍ منّا واحداً من بنيه يسهل عليه بذلك بعض ما هو فيه.

فقال له العبّاس: نِعم ما رأيتَ يابن أخ، وعلي الصواب أتيتَ، هذا واللَّه التيقظ علي الكرم، والعطف علي الرحم.

فمضيا إلي أبي طالب، فأجملا مخاطبته، وقالا له: إنّ لك سوابق محمودة، ومناقب غير مجحودة، وأنت صنو الآباء الأنجاد، وقد جمع لك العرف في قرن، فهو إليك منقاد، ولسنا نبلغ صفاتك، وقد أضلت هذه السنة الغبراء، وعيالك كثير، ولابدّ أن نخفّف عنك بعضهم حتّي ينكشف ما فيه الناس من هذا القمطرير.

فقال أبو طالب: إذا تركتما لي عقيلاً وطالباً فشأنكما الأصاغر.

فأخذ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله عليّاً، وأخذ العباس جعفراً عليه السلام.

فتولّي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله منذ ذلك الوقت تربية أمير المؤمنين عليه السلام، وتغذيته وتعليمه بنفسه، وكان يصلّي معه قبل أن تظهر نوبته بسنتين.

مولد عليّ

روي الشيخ الطوسي في «أماليه» هذا الجزء كلّه، بسنده إلي ابن شاذان مسنداً عن الصادق عليه السلام وعن الصحابة.

وهي أحاديث موزّعة في مصادر عديدة كمناقب ابن شهر آشوب، وكتب «معاني الأخبار» و «علل الشرائع» و

«الأمالي» للصدوق، و «روضة الواعظين» للفتال النيسابوري، و «بشارة المصطفي» لشيعة المرتضي، للطبري.

والنصّ المعتمد هنا بكامله، هو ما أورده الشيخ الطوسي في أماليه، في المجلس (42):

ابن شاذان بالأسانيد:

عن الزهري، عن عائشة.

وعن أنس بن مالك، عن العباس بن عبد المطلب.

وعن أبي عبد اللَّه جعفر بن محمد عليهماالسلام، عن آبائه عليهم السلام.

كان العبّاس بن عبد المطلب، ويزيد بن قعنب جالسين ما بين فريق بني هاشم إلي فريق عبد العزّي بإزاء بيت اللَّه الحرام، إذ أتتْ فاطمة بنت أسد بن هاشم اُمّ أمير المؤمنين عليه السلام، وكانت حاملةً بأمير المؤمنين عليه السلام لتسعة أشهر، وكان يوم التمام.

قال: فوقفت بإزاء البيت الحرام، وقد أخذها الطلق، فرمت بطرفها نحو السماء، وقالت: أي ربّ إنّي مؤمنةٌ بك، وبما جاء به من عندك الرسل، وبكلّ نبيّ من أنبيائك، وبكلّ كتاب أنزلت، وانّي مصدّقة بكلام جدّي إبراهيم الخليل، وأ نّه بني بيتك العتيق، فأسألك بحقّ هذا البيت ومَن بناه، وبهذا المولود الذي في أحشائي الّذي يكلّمني ويؤنسني بحديثه، وأنا موقنة أ نّه إحدي آياتك ودلائلك لمّا يسّرت عليّ ولادتي.

قال العبّاس بن عبد المطلب ويزيد بن قعنب: لمّا تكلّمت فاطمة بنت أسد، ودعت بهذا الدعاء، رأينا البيت قد انفتح من ظهره، ودخلت فاطمة فيه، وغابت من أبصارنا، ثمّ عادت الفتحة، والتزقت بإذن اللَّه تعالي.

فرمنا أن نفتح الباب ليصل إليها بعض نسائنا، فلم ينفتح الباب، فعلمنا أنّ ذلك من أمر اللَّه تعالي.

وبقيت فاطمةٌ في البيت ثلاثة أيام به.

قال: وأهل مكّة يتحدّثون بذلك في أفواه السكك، وتتحدّث المخدرات في خدورهنّ.

قال: فلمّا كان بعد ثلاثة أيام انفتح البيت من الموضع الذي كانت دخلت فيه، فخرجت فاطمةٌ وعليّ علي يديها، ثمّ قالت: معاشر الناس إنّ اللَّه عزّ وجل اختارني

من خلقه، وفضّلني علي المختارات ممّن مضي قبلي.

وقد اختار اللَّه آسية بنت مزاحم، فإنّها عبدت اللَّه سرّاً في موضعٍ لا يحبّ أن يعبد اللَّه فيه إلّا اضطراراً.

ومريم بنت عمران حيث اختارها اللَّه، ويسّرت عليها ولادة عيسي، فهزّت الجذع اليابس من النخلة في فلاةٍ من الأرض حتّي تساقط عليها رطبّاً جنياً.

وإن اللَّه تعالي اختارني وفضّلني عليهما، وعلي كلّ مَن مضي قبلي من نساء العالمين، لأ نّي ولدتُ في بيته العتيق، وبقيتُ فيه ثلاثة أيام، آكل من ثمار الجنة وأوراقها.

فلما أردتُ أن أخرجَ وولدي علي يدي هتف بي هاتفٌ وقال:

يا فاطمة، سمّيهِ عليّاً، فأنا العليُّ الأعلي، وإنّي خلقته من قدرتي، وعزّ جلالي، وقسط عدلي، واشتققتُ اسمه من اسمي، وأدّبته بأدبي، وفوّضت إليه أمري، ووقّفته علي غامض علمي، ووُلِدَ في بيتي، وهو أول مَن يؤذّن فوق بيتي، ويكسر الأصنام، ويرميها علي وجهها، ويعظّمني، ويمجّدني، ويهلّلني، وهو الإمام بعد حبيبي ونبيّي، وخيرتي من خلقتي محمّد رسولي، ووصيّه، فطوبي لمن أحبّه ونصره، والويل لمن عصاه وخذله، وجحد حقّه.

قال: فلمّا رآه أبو طالب سرّه، وقال علي: السلام عليك يا أبه، ورحمة اللَّه وبركاته.

قال: ثم دخل رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، فلمّا دخل اهتزّ له أمير المؤمنين، وضحك في وجهه، وقال: السلام عليك يا رسول اللَّه، ورحمة اللَّه وبركاته.

قال: ثمّ تنحنحَ بإذن اللَّه تعالي وقال: «بسم اللَّه الرحمن الرحيم، قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ، الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ» [8] - إلي آخر الآيات-.

فقال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله: قد أفلحوا بك، وقرأ تمام الآيات إلي قوله: «أُوْلَئِكَ هُمْ الْوَارِثُونَ، الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ».

فقال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله: «أنت واللَّه أميرهم، تميرهم من علومك فيمتارون،

وأنت واللَّه دليلهم وبك يهتدون».

ثمّ قال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله لفاطمة: «اذهبي إلي عمّه حمزة، فبشّريه به».

فقالت: فإذا خرجتُ أنا فمن يروّيه؟

قال: «أنا اُروّيه».

فقالت فاطمة: أنتَ تروّيه؟

قال: نعم.

فوضع رسول اللَّه صلي الله عليه و آله لسانه في فيه، فانفجرتْ منه اثنتا عشرة عيناً.

قال: فسمّي ذلك اليوم «يوم التروية».

فلمّا أن رجعتْ فاطمة بنت أسد رأتْ نوراً قد ارتفع من عليٍّ إلي عنان السماء.

قال: ثمّ شدّتْه وقمّطتْه بقماطٍ، فبتر القماط.

قال: فأخذت فاطمة قماطاً جيّداً، فشدّته به، فبتر القماط، ثمّ جعلته قماطين، فبترهما، فجعلته ثلاثة فبترها، فجعلت أربعة أقمطة من رِقّ مصر لصلابته، فبترها، فجعلته خمسة أقمط ديباج لصلابته، فبترها كلّها، فجعلته ستّةً من ديباج وواحداً من الأدم، فتمطّي فيها، فقطعها كلّها بإذن اللَّه.

ثمّ قال بعد ذلك: يا اُمّه، لا تشدّي يدي، فإنّي أحتاج إلي أن اُبصبص لربي بإصبعي.

قال: فقال أبو طالب عند ذلك: إنه سيكون له شأن ونبأ.

فلمّا كان من غدٍ دخل رسول اللَّه صلي الله عليه و آله علي فاطمة، فلما بصر عليّ عليه السلام برسول اللَّه صلي الله عليه و آله ضحك في وجهه، وأشار إليه أن خُذني إليك، واسقني ممّا سقيتني بالأمس.

قال: فأخذه رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، فقالت فاطمة: عرفه وربّ الكعبة.

قال: فلكلام فاطمة سمّي ذلك اليوم يوم عرفة (تعني أن أمير المؤمنين عليه السلام عرف رسول اللَّه صلي الله عليه و آله).

فلمّا كان اليوم الثالث، وكان العاشر من ذي الحجة، أذّن أبو طالب في الناس أذاناً جامعاً، وقال: هَلمّوا إلي وليمة ابني علي.

قال: ونحر ثلاثمائة من الإبل، وألف رأس من البقر والغنم، واتخذ وليمةً عظيمةً.

وقال: معاشر الناس ألا مَن أراد من طعام عليٍّ ولدي فهلُمّوا، وطوفوا بالبيت سبعاً،

وادخلوا وسلّموا علي ولدي عليٍّ، فإنّ اللَّه شرّفه.

ولفعل أبي طالب شرّف يوم النحر.

علي وليد الكعبة

اشاره

هذا الكتاب معروف، وقد طبع عام (1380 ه) في النجف، وصوّر من تلك الطبعة أكثر من مرّة، وطبع عام (1412 ه) بتحقيق قسم الدراسات في مؤسسة البعثة- قم.

ومؤلّف الكتاب كذلك معروف بعلمه وفضله، وبأدبه وعبقريته في نظم الشعر، كما هو معرف بالأخلاق الكريمة، والزهد والعفّة والتواضع، والسخاء العلميّ، حيث كان يقدّم مجهوداته القيّمة للآخرين ليتمتّعوا بطباعتها بأسمائهم، كما أ نّه كان يقدّم خدماته للكتّاب والمؤلّفين بمراجعة أعمالهم وتنقيحها وتهذيبها، وبالأخصّ من الناحية الأدبية والإنشائية.

ونقدّم هنا نصّ الكتاب معتمدين الطبعة المحقّقة مع إكمالها بما حذف منها من النصوص الفارسية شعراً ونثراً، وقد أكملنا ذلك بالاعتماد علي الطبعة الاُولي المطبوعة في النجف عام (1380 ه) بتقديم سبط المؤلف مهدي الشيرازي.

حديث المولد الشريف و تواتره

اشاره

إنّ المنقّب في التأريخ والحديث جِدَّ عليم بأنّ هذه الفضيلة من الحقائق التي تطابق علي إثباتها الرواة، وتطامنت [49] النفوسُ علي اختلاف نزاعاتها علي الإخبات [50] بها، حيث لا يجد الباحث قَطُّ غَميزةً [51] في إسنادها، ولا طعناً في أصلها، ولا منتدحاً [44] للكلام علي اعتبارها، وتضافر النقل لها، وتواتر الأسانيد إليها، وإن وَجَدَ حولها صَخباً من شذّاذ الناس وطأه بأخمص حجاه [45]، وأهواه إلي هُوّة البطلان السحيقة.

قال الحافظ أَبو عبد اللَّه، محمّد بن عبد اللَّه، الحاكم النّيسابوري، المتوفي سنة (405 ه) في (المستدرك) في باب مناقب حكيم بن حزام [46]، عن مصعب بن عبد اللَّه: أنّ اُمّ حكيم [47] ولدته في الكعبة، ضربها المخاض وهي في جوفها: ولم يُولَد قبله ولا بعده في الكعبة أحدٌ [48].

قال الحاكم: وَهَمَ مصعب في الحرف الأخير، وقد تواترت الأخبار أنّ فاطمة بنت أسد ولدت أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب- كرّم اللَّه وجهه- في جوف الكعبة.

والحاكم مَن أذعن الكلّ بثقته

وحفظه وضبطه، وتقدّمه في العلم والحديث والرجال، والمعاجمُ طافحةٌ بإطرائه والثناء عليه، والكتبُ مفعمةٌ بالاحتجاج به، والركون إليه، وتآليفه شاهدةٌ بنبوغه وتضلّعه، فناهيك به حاكماً بتواتر الحديث.

وقد وافقه علي ذلك النصّ من أفذاذ علماء أهل السنة: شاه ولي اللَّه أحمد بن عبد الرحيم المحدّث الدهلوي [49] والد عبد العزيز الدهلوي: مصنّف (التحفة الاثنا عشريّة) في الردّ علي الشيعة، قال في كتابه (إزالة الخفاء):

«قد تواتر الأخبار أنّ فاطمة بنت أسد ولدت أمير المؤمنين علياً في جوف الكعبة، فإنّه وُلِدَ يوم الجمعة، الثالث عشر من شهر رجب، بعد عام الفيل بثلاثين سنة، في الكعبة، ولم يُولد فيها أحدٌ سواه قبله ولا بعده» [50].

والحاكم في النقل السابق عنه، وإن لم يذكر وقت الولادة، ولا شهرها ولا سنتها، لكن حمل إلينا ذلك عنه الحافظ أبو عبد اللَّه محمد بن يوسف بن محمد القرشي الكنجيّ الشافعيّ، المتوفي سنة (658 ه) في كتابه (كفاية الطالب) الذي ذكره الچلبيّ في (كشف الظنون) ونقل عن ابن الصبّاغ المالكيّ في (فصوله المهمّة) واحتجّ به ابن حَجَر.

قال: «أخبرنا الحافظ أبو عبد اللَّه، محمّد بن محمود النّجار، بقراءتي عليه ببغداد، قلت له: قرأتُ علي الصفّار بنيسابور: أخبرتني عمّتي عائشة، أخبرنا ابن الشيرازيّ، أخبرنا الحاكم أبو عبد اللَّه، محمّد بن عبد اللَّه الحافظ النّيشابوريّ، قال:

وُلِدَ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب بمكّة في بيت اللَّه الحرام، ليلة الجمعة، لثلاث عشرة ليلة خلت من رجب، سنة ثلاثين من عام الفيل، ولم يولد قبله ولا بعده مولودٌ في بيت اللَّه الحرام سواه، إكراماً له بذلك، وإجلالاً لمحلّه في التعظيم» [51].

وقال شهاب الدين، أبو الثناء، السيّد محمود الآلوسي المفسّر في (شرح عينية عبد الباقي أفندي العمري عند قول الناظم:

أنتَ العليُّ

الذي فوقَ العُلا رُفعا

بِبَطْنِ مكّةَ عند البيت إذْ وُضِعا

«وفي كون الأمير- كرّم اللَّه وجهه- وُلِدَ في البيت، أمرٌ مشهورٌ في الدنيا، وذُكِرَ في كتب الفريقين السنّة والشيعة- إلي قوله-:

ولم يشتهر وضعُ غيره- كرّم اللَّه وجهه- كما اشتهر وضعه، بل لم تتّفق الكلمة عليه.

وما أحري بإمام الأئمّة أن يكون وضعه فيما هو قِبْلَة للمؤمنين.

وسبحان من يضع الأشياء في مواضعها وهو أحكم الحاكمين» [44].

وإنّ اشتهار الحديث في الدنيا وتداوله في كتب الفريقين لا يعدوه أن يكون متواتراً علي الأقلّ، وهو لا يريد الشهرة والتداول في جيله فحسب، فهو لا يجديه في تبجّحه بتلك المأثرة الكريمة بقوله: وما أحري … وقوله: وسبحان..ظ وجزمه بذلك لو كانت الشهرة منقطعاً أوّلها، فلا محالة أ نّه يريد ذلك في كلّ جيلٍ، وهو الذي لا يبارحه التواتر علي الأقلّ.

وأنت تري أ نّه في كلامه هذا لم يأبه بمولد حكيم بن حزام، وأوعز إليه بالوهن بقوله: «ولم يشتهر».

كما أنّ الحاكم مع رواية ولادة حكيم في (المستدرك) نفاها في كلامه الأخير الذي أثبته عنه الحافظ الكنجيّ بقوله: ولم يولد …

ولو كان يُقيم وزناً لتلك الرواية لما ساغ له ذلك الجزم النهائيّ.

وممّا يؤكّد ما قاله أبو الثناء كلمةٌ ثمينةٌ للعلّامة الشريف السيّد حيدر بن عليّ الحسيني العُبيدلي الآملي، المعاصر لفخر الدين ابن آية اللَّه العلّامة الحليّ قدس سره، في كتابه (الكشكول فيما جري علي آل الرسول) قال:

«واحتجّ آل رسول اللَّه صلي الله عليه و آله وجماعةٌ من الأصحاب الذين ثبتوا علي دين رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، وعلي عهده في ولاية عليّ عليه السلام بعدّة من الفضائل جعلوها مسنداً لهم عند المفاضلة» [45] وعدّ فضائل جمّة مسلّمة عند الفريقين.

والرابعة عشر منها: ولادته في

الكعبة.

وقال في أُخريات الكتاب: «خاتمة أذكر فيها شيئاً من مناقب أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام وكراماته التي اختصّه اللَّه بها علي أبناء جنسه [46] لا يفتقر ناقلها إلي كتاب، ولا يحتاج الخصم فيها إلي جواب، وأرجو أن تكون حجّة للمؤالف علي المخالف، وللمستقيم علي المتجانف» [47] ثمّ ذكر كرامات كثيرة من المتسالم عليها.

وثانيها: «أ نّه وُلِدَ في الكعبة، بالحرم الشريف، فكان شرفَ مكّة وأصلَ بكَّة [48]، لامتيازه بولادته في ذلك المقام المنيف، فلم يسبقه أحدٌ، ولا يلحقه أحدٌ بهذه الكرامة، ولا بلغ أحدٌ بلغ من السيادة والنباهة عامّة، وهو بالأصالة صاحب الإمامة الإبراهيميّة» [49].

وأنت تعلم أنّ آل محمد صلي الله عليه و آله وتبعهم من الصحابة والتابعين لم يحتّجوا بتلكم الفضائل، ولا جعلوها مستنداً لهم في الحجاج علي أمرٍ أصليّ في المذهب، إلّا وعلموا أ نّها جمعاء- ومنها حديث الولادة- مسلّمةٌ عند خصومهم، كما هي ثابتة لديهم.

فبينَ من شهد الموقف من الصحابة، ومن رواه عمّن حضره، وكذلك التابعين.

ثمّ إنّ الكرامات المذكورة إنّما صارت بحيث لا يحتاج صاحبها إلي كتابٍ، كما ذكره السيّد الشريف، لتداولها في أيّ كتابٍ يحسبه الخصم حجّةً عليه، ويراه الموالي معتمداً عنده، ومثل هذا لا يُلجي ء صاحبه إلي إسناد أو ذكر كتاب.

ولذلك كان السيّد يرجو أن تكون حجّةً علي المخالف والمتجانف.

وهذا نفس ما مرّ عن أبي الثناء الآلوسيّ من إطّراد الحديث في كتب الفريقين، واشتهاره في الدنيا.

وقد قلنا: إنّه لا ينفك عن التواتر.

ولذلك قال العلّامة السيّد هاشم التوبليّ البحرانيّ في (غاية المرام): «إنّ رواية أمير المؤمنين عليه السلام وُلِدَ في الكعبة بلغت حدّ التواتر، معلومةٌ في كتب العامّة والخاصّة» [50].

وبمقربة من هذا القول ما قاله العالم البارع السيّد محمّد

الهاديّ بن اللوحي الموسويّ الحسيني في كتابه (أُصول العقائد وجامع الفوائد). قال: «كان مولده عليه السلام في جوف الكعبة علي ما روته الشيعة وأهل السنّة، ولم يشرّف المولي سبحانه أحداً من الأنبياء والأوصياء بهذا الشرف، فهو مخصوص به سلام اللَّه عليه» [51] مترجماً من الفارسية وملخّصاً.

فهو يريد أنّ الحديث ممّا تصافقت الأيدي علي نقله، وتطامنت النفوس علي روايته، وأصفقت الجماهير من الفريقين علي إثباته، وذلك الذي نريد إثباته، وبه يثبت التواتر.

ولقد قال بعض العلماء في مؤلّف له: «إنّ حديث الولادة في البيت نقله جلّ أصحاب التأريخ.

والمشهور ما بين الخاصّة والعامّة: أ نّه وُلِدَ بين العمودين علي البَلاطة الحمراء».

وفي كتاب آخر لبعض الأعلام: «وخبر ولادته هناك- يعني في البيت- مشهورٌ، والكتب به مملوءةٌ، وروايته متواترةٌ عند الفريقين».

وفي علمائنا من لا يأبه بغير المتواتر، حيثما تعمل فيه العلماء بالآحاد، ولذلك رفضوا أخباراً كثيرة لأ نّها لم تخرج مخرج التواتر.

ومن أُولئك من أثبت حديث المولد المبارك جازماً به من غير شكٍّ فيه، ولا إردافٍ له بنقدٍ في متنه، أو ردّ لإسناده، وما ذلك إلّا لأ نّهم اعتقدوا فيه ما اعتقده غيرهم ممّن وقفت علي كلماتهم من التواتر.

فمنهم: أمين الإسلام شيخ المفسّرين، الفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسي صاحب (مجمع البيان)، المتوفّي سنة (548 ه) في كتابه (إعلام الوري) فقد أثبت تأريخ الولادة كما عرفته من اليوم والشهر والسنة، وأ نّها بمكّة في البيت الحرام، وقال: «ولم يُولد في بيت اللَّه تعالي مولودٌ سواه لا قبله ولا بعده، وهذه فضيلةٌ خصّه اللَّه تعالي بها إجلالاً لمحلّه ومنزلته، وإعلاءً لقدره» [44].

وأنت تعلم أنّ الإمام الطبرسيّ لم يكُ بالذي يشذُّ هاهنا عمّا أسّسه للعلم والعمل في باب أخبار الآحاد، وجري عليه

في غير مورد من خصوص هذا الكتاب، من ردّ أحاديث أخرجت مخرجها، ولا كان يثبت في كتابٍ أ لّفه في الإمامة وبيان الحجّة عليها ومواقف أصحابها من الفضيلة والشرف إلّا ما تعترف به الاُمّة علي بكرة أبيها، وترويها في أجيالها وأدوارها.

ومن اُولئك: علم الهدي، ذو المجدين، الشريف المرتضي، المتوفي سنة (436 ه) في شرح القصيدة المذهّبة للسيد الحميري، قال:

«ورُوِيَ: أ نّها- يعني فاطمة بنت أسد- ولدته في الكعبة، ولا نظير له في هذه الفضيلة» [45].

ليس قصده من إيرادها بلفظ «رُويَ» إسنادها إلي رواية مجهولة، وإنّما جري فيها علي ديدنه في هذا الكتاب من سرد الحقائق الراهنة، مقطوعةً عن الأسانيد لشهرتها، وتاضفر النقل لها، وتداولها في الكتب لفتاً للأنظار إليها، وإشادة بذكرها علي نحو الاختصار، وعلي ذمّة الباحث إخراجها من مظانّها.

ولذلك تراه يقول بعد الرواية غير متلكّي ء ولا مُتَلعثِم: «ولا نظير له … » كجازمٍ بحقيقتها، مؤمنٍ بصحّتها وتواترها، وإلّا لَلَفظها كما هو دأبه في غير واحد من الأحاديث.

ولم يشذّ عنه أخوه الشريف الرضيّ، المتوفّي سنة (406 ه) في (خصائص الأئمّة) قال: «وُلِدَ [46] في البيت الحرام، لثلاث عشرة ليلة خلت من رجبٍ، بعد عام الفيل بثلاثين سنة، واُمّه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف، وهو أوّل هاشميّ في الإسلام ولد من هاشمٍ مرّتين، ولا نعلم مولوداً في الكعبة غيره» [47].

ومن عرف الشريف ونفسيته العالية، وأخذه الحذر عمّا يمسّ شرفه وكرامة نفسه في القول والعمل، يعلم أ نّه لم يتلفّظ بهذه الكلمة، إلّا بعد أن وجدها حقيقةً ناصعة، يذعن بها نُقّاد فنّ الحديث، وناهيك به خطراً لها واعتباراً.

ولقد حذا حذوَ الشريفين شيخُ الطائفة، الإمامُ المقدّمُ أبو جعفر، محمّد بن الحسن الطوسي، المتوفّي سنة (460

ه) في كتابه (التهذيب) الذي هو ثالث الكتب الأربعة المعوّل عليها عند الشيعة جمعاء، قال في كتاب المزار من (التهذيب): «ولد بمكّة في البيت الحرام يوم الجمعة» [48].

وذكر التأريخ كما ذكره الشريف الرضيّ.

وروي في (مصباح المتهجّد) تأريخ شهر الولادة ومحلّها، كذلك عن ابن عيّاش: «قبل النبوّة باثنتي عشرة سنة» [49].

وعن عتّاب بن اُسيد: «وللنبيّ ثمانٍ وعشرون سنةً، وقبل نبوّته باثني عشر عاماً، يوم الجمعة» [50].

ومن اُولئك العلماء الذين لم يُقيموا لأخبار الآحاد وزناً، شيخُ الشيعة واُستاذ علمائها، رئيس الأُمّة، الشيخ المفيد، أبو عبد اللَّه، محمّد بن محمّد بن النعمان، المتوفي سنة (413 ه) قال في (الإرشاد): «ولد بمكّة في البيت الحرام يوم الجمعة».

وتاريخ الشهر والسنة كما عرفت.

ثمّ قال: «ولم يولد قبلَه ولا بعدَه مولودٌ في بيت اللَّه سواه، إكراماً من اللَّه جلّ اسمه له بذلك، وإجلالاً لمحلّه في التعظيم» [51].

وذكره في (المقنعة) أيضاً [44].

وفي (مسار الشيعة) له، أرسل ولادته عليه السلام في البيت إرسال المسلّم، وذكر التاريخ، غير أ نّه اختار فيه أ نّها في الثالث والعشرين من رجب قال: «وهو يوم مسرّة لأهل الإيمان» [45].

والشيخ المفيد مَن عَرَفته الاُمّة بالنقد والتمحيص، وأ نّه كيف كان يردّ الأخبار لأدني علّةٍ في أسانيدها أو متونها، ويتردّد في مفادها.

يعرف ذلك كلّه مَن سَبَرَ كتبه ورسائله ومسائله.

أو هل تراه- مع ذلك- يعدل عن خطّته القويمة، فيرمي القول علي عواهنه [46] بذكر الواهيات علي سبيل الجزم بها، لا سيّما في كتاب (الإرشاد) الذي قصد فيه إعلاء ذكر آل محمد صلي الله عليه و آله والتنويه بفضلهم وإمامتهم وتقدّمهم فيهما.

فهل يذكر فيه إلّا ما هو مسلّم بين الفريقين، أو الملأ الشيعي علي الأقل؟!

وتبع الشيخ الأجلّ معاصره النّسابة، نجم الدين، الشريف أبو

الحسن، عليّ بن أبي الغنائم محمّد، ويعرف بابن الصوفي، ابن عليّ بن محمد بن محمد بن أحمد بن علي بن محمّد الصوفي بن يحيي بن عبد اللَّه بن محمد بن عمر بن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام، المنتقل من البصرة إلي الموصل سنة (423 ه) والموجود بعد سنة (441 ه)، قال في (المَجدي): «وَوَلَدَت- يعني فاطمة بنت أسد- علياً عليه السلام في الكعبة، وما وُلِدَ قبلَهُ أحدٌ فيها» [47].

والنسّابة العمري هذا- ذكر رضيّ الدين السيّد ابن طاوس في (الإقبال)- أ نّه أفضل علماء الأنساب في زمانه، وهو يروي عن الشيخ الصدوق، ويروي عنه غير واحد.

وكتاب (المَجدي) له معوّلٌ عليه لدي كافّة الأصحاب، وسكن إليه عامّة النسّابين، فما يرويه فيه حجّة في مفاده.

روي شيخنا المفيد، ورشيخنا الشهيد في مزاريهما، والسيد ابن طاوس في (مصباح الزائر) في لفظ الزيارة الذي علّمه الإمام الصادقُ عليه السلام محمّد بن مسلم الثقةَ الجليل، لأمير المؤمنين عليه السلام، في يوم مولد النبيّ صلي الله عليه و آله في السابع عشر من ربيع الأوّل ما نصّه: «السلام عليك يا مَن وُلِدَ في الكعبة، وزوّج في السماء بسيّدة النساء … ».

ثمّ قال بعد سرد فضائل جمّة له عليه السلام: «السلام علي المخصوص بالطاهرة التقيّة ابنة المختار، المولود في البيت ذي الأستار … » [48].

وفي زيارة لأمير المؤمنين عليه السلام اُخري مطلقة، ذكرها السيّد ابن طاوس في (مصباح الزائر) أوّلها بعد التكبيرات الأربع والثلاثين: «سلامُ اللَّه وسلامُ ملائكته المقرّبين، وأنبيائه المرسلين، وعباده المخلصين»، ما لفظه: «السلام علي المولود في الكعبة، المزوّج في السماء» [49].

لقد علم النياقد الباحثون أنّ المغزي من إنشاء ألفاظ الزيارات المخصوصة منها والمطلقة، وتلاوتها في المشاهد المقدّسة، حيث

المحاشد والمجتمعات العامّة، ليس إلّا الإشارة بذكر أئمّة الدين، والتنويه بفضائلهم، والتذكير بمزاياهم، وإشهار أمرهم، وإحياء ذكرهم.

وإنّما أنهوها إلي الشيعة لتتلوها آناء الليل وأطراف النهار في المواسم، وبين زَرافات المترادفين إلي مراقد أئمّة الدين عليهم السلام، فيقف مَن يتلوها أو يسمعها علي مقامهم الرفيع، ومحلّهم من الشرف، ومتبوّءهم من الخطر، فتُخبتَ قلبوهم، وتثلج صدورهم، ويلفت النائي عنهم إلي ما حووه من المجد المؤثّل [50]، والكرامة علي اللَّه، والزّلفة منه، فتكون فيها دعايةٌ إلي ولائهم، واحتجاجٌ لإمامتهم، وإصحار [51] بتقدّمهم للأمر، وهداية إليهم، وإرشاد إلي سلوك خطّتهم.

فهل يكون ذلك كلّه إلّا بسرد ما هو المشهور الدائر بين حَمَلَة الحديث المقبول لدي الأُمّة جمعاء، المطّرد عند أهل السير والأثريين.

ولو عداه ذلك لكان غميزةً في أئمّة الهدي بالتعليم بالسّفاسف، وفي شيعتهم بالتبجّح بالواهيات، وفي المذهب بابتنائه علي شفا جُرفٍ هارٍ.

وممّا يقرّب من هذا نظمُ السيّد الحميري، المتوفّي سنة (179 ه) كما نصّ به القاضيّ التستريّ في (المجالس) ذلك، علي ما جاء في (المناقب) لابن شهر آشوب، وابن الفتّال الشهيد في (روضة الواعظين) قال:

وَلَدَتهُ في حرم الإله وأمنهِ

والبيت حيثُ فناؤه والمسجدُ

بيضاءُ طاهرةُ الثياب كريمةٌ

طابَتْ وطابَ وليدُها والمولدُ

في ليلةٍ غابَت نحوسُ نُجومها

وبَدَتْ مع القمرِ المنيرِ الأسْعُدُ

ما لُفّ في خِرَقِ القوابلِ مثلُهُ

إلّا ابنُ آمنةَ النبيِّ محمّدُ [44].

وله:

طِبْتَ كَهْلاً وغُلاماً

ورَضيعاً وجَنينا

ولدي المِياقِ طِيناً

يومَ كانَ الخَلْقُ طِينا

وببَطْنِ البيتِ ومولُو

داً وفي الرَمْلِ دَفينا

كنتَ مأمُوناً وَجيهاً

عندَ ذي العرش مَكينا

في حِجابِ النُور طُهْراً [45].

طَيّباً للطاهِرينا

عندَ ساق العَرْش مَعْ ط

-ه تؤمُّ الساجِدينا [46].

فلم يكن التنويهُ بمثل هذه المأثرة الجليلة في القرن الثاني من مثل السيّد الحميريّ الذي كان يسيرُ بشعره الركبانُ، إلّا بعد ما نالتْ من الشهرة والثبوت حظوةً وافيةً، فإنّه في جهاده ونضاله مع أعداء أهل

بيت الوحي بحجاجه المتواصل، ونظمه البديع، لم يكن بالذي يفضحُ نفسه، ولا الذي كان يصبو إلي ولائهم بالتشبّث بالواهيات، أو ما لا تعرفه الناس، أو لا تعترف به.

فما كان يُصْحِرُ به يجبُ في شريعة المناظرة أن يكون حقيقةً ثابتةً لدي مناوئيه في الانضواء إلي عترة الوحي وسُلالة النبوّة، وهم السواد الأعظم يومذاك، ملأوا الفضاء صخباً وطنيناً في الانحياز عن أُولئك الأئمّة، وكانوا ينكرون ما يسعهم إنكاره من فضائلهم غير ما تضافر به النقلُ، وتواترت الأسانيدُ في نقله.

فلم يدع بقوّته لهم مُنتدَحاً لدحضه، وما كانت الشيعة يومئذٍ تحتجّ عليهم إلّا بما هذا سبيله.

ولذلك إنّا نعدّ نظم السيّد الحميريّ هذا أثبت لمفاده من أسانيده متساندة.

وسيوافيك أنّ حديث الولادة هذا كان كما وصفناه في القرون الأُولي، وإن لم يَعُد أن يكون كذلك فيما بعدها وإلي العصر الحاضر.

وممّن نظّم القصّة محمد بن منصور السّرخسي كما في (مناقب ابن شهر آشوب)، وفي شرح نهج البلاغة الموسوم ب (منهاج البراعة) للعلّامة الكبير الحاج ميرزا حبيب الخوئي، قال:

ولدتْهُ منجبةٌ وكان وِلادُها

في جوف كعبة أفضل الأكنان [47].

وسقاه ريقتَهُ النبيُّ ويالها

من شربةٍ تُغني عن الألبانِ

حتّي ترعرعَ سَيّداً سَنَداً رِضاً

أسداً شديدَ القلب غيرَ جَبان

عَبَدَ الإلهَ مع النبيّ وإنّهُ

قد كانَ بعدُ يُعَدّ في الصبيانِ [48].

وهذا أحدُ الشعراء القدماء من مادحي أهل البيت النبويّ الطاهر قبل القرن السادس.

والقول في نظمه هذه المنقبة الجليلةَ يقربُ ممّا أسمعناكه في شعر السيّد الحميري.

فإنّ صاحب الحجّة لا يستهين الغَميزة فيما يقول، مهما بلغ من الخلاعة وعدم الاكتراث، ورمي القول علي عواهنه في المعاني الشعريّة، فإذا كان شعره قصصياً يربو بنفسه عن القذف والرمي بالإفك، فهو لم يَصُغ تلك المدحةَ في قالب الشعر حتّي حسبها كما هيَ كذلك، متضافرةَ الإسناد، موصولة الطُرُقِ،

في كلّ جيل، عند المؤالفِ والمخالف.

ويقرُب من هذا ما جاء في دالّيةٍ كبري علويةٍ، كلّها مديحٌ واحتجاجٌ، لشاعر أهل البيت عليهم السلام، الفاضل البارع علاءِ الدين، الشيخ عليّ الشفهيني، المتوفّي في حدود السبعمائة بالحلّة ودُفن بها، قال:

أمْ هَلْ تري العالَمينَ بأسرهم

بَشَراً سِواه ببيت مكّةَ يُولَدُ؟

في ليلةٍ جبريلُ جاءَ بها مع ال

مَلَك [49] المقدّس حولَه يتعبّدُ

فلقد علا شَرَفاً بذاك كما بِهِ

شَرَفاً علا كلَّ [50].

وإنّك تراه كيف يترسّل في سرد الفضيلة كما يترسل الإنسان في أيّ حكم ثابت، ويجدّ في القضاء كما يفعله العالم بالقضيّة المحيط بأطرافها وشؤونها، وقد دحر عنها أيّ وصمةٍ تعتريها، أو شائنةٍ تضرب علي يده عند الحكم، وتصرف قلبه عن الإخبات بها.

وهل يكون ذلك مع آحاد الأخبار التي لا يعرفها إلّا رواتها؟!

وممّا يدرأ عن الحديث إسفافه إلي صفّ الآحاد ما قاله العلّامة الأكبر ثقة الإسلام النوريّ رواية الأخبار ونيقد السِيَر وعَلَم الإحاطة في (اللؤلؤ والمرجان): «إنّ هذه الفضيلة الباهرة جاءت في أخبار غير محصورة، ومنصوصٌ بها في كلمات العلماء، وفي ضمن الخطب والأشعار في جميع الأعصار، وهي من خصائص الإمام عليه السلام لم يشاركه فيها نبيّ أو وصيّ، ولا يبعد كونها من ضروريات مذهب الإمامية، ولم تزل الشيعة تفتخر بها» [51].

ومهما حملنا قوله أ نّها «جاءت في أخبار غير محصورة» علي المبالغة، فإنّ أقلّ مراتبه أن تكون متواترة.

أضف إليها نصوص العلماء والخطباء والشعراء التي أوعزوا إليها، فإنّها لا تقلّ عن أن يكون كلّ منها رواية، فهي معاضدة لذلك التواتر.

أو أنّ منها ينشأ تواتر آخر، بضميمة تواصلها في كلّ العصور كما صرّح به.

وعلي العلّات فإنّ الجميع لا يعدو أن يكون متواتراً، ولمكانها من التحق لم تزل الشيعة تفتخر بها، واحتمل أن تكون من ضروريات

مذهبهم.

حديث الولادة الشريفة مشهور بين الامّة

إنّ أيسر ما يسع الباحث إثباته هو شهرةُ هذه النبأ العظيم.

بنصوص أئمّة الحديث بذلك، من ناحية.

وبتداول ذكره في الكتب، من ناحية اُخري.

وبالتسالم علي روايته واطّراد أسانيده، من جهة ثالثة.

ولها شواهد أُخري لعلّك تقف عليها في غضون هذه الرسالة إن شاء اللَّه.

قال العلّامة المجدّد للمذهب في القرن الثاني عشر شيخنا المجلسيّ، المتوفّي سنة (1110 ه) في (جلاء العيون): «إنّ ولادته عليه السلام في البيت، يوم الجمعة الثالث عشر من رجب، سنة ثلاثين من عام الفيل، مشهورةٌ بين المحدّثين والمؤرّخين من الخاصّة والعامّة» [52].

وفي (تحفة السلاطين) للمولي محمود بن محمّد عليّ بن محمّد باقر: «إنّ حديث ولادته عليه السلام في البيت يوم انشقّ جداره لفاطمة بنت أسد فدخلته مشهور، كالشمس في رائعة النهار» [53].

ثمّ ذكر شيئاً من أحاديث الباب.

وفي (تحفة المجالس) تأليف السلطان محمد بن تاج الدين حسن: «إنّ الأقرب إلي الصواب أ نّه عليه السلام ولد في الكعبة».

وفي الباب أخبار كثيرة ذكر بعضها، ثمّ قال: «وفي الأخبار أ نّه لم يكن شرف الولادة في البيت لأيّ أحد قبله ولا بعده» [54].

وقد عرفت في إثبات تواتر الحديث عن بعض العلماء أ نّه نقله جلّ أصحاب التاريخ، والمشهور بين العامّة والخاصّة أ نّه ولد بين العمودين علي البلاطة الحمراء.

هذه كلمات ثمينة من مهرة الفنّ، لا سيّما الكلمة الاُولي التي جاء بها إمام من أئمّة الفقه والحديث، وأحد مجدّدي المذهب في القرون الإسلامية ألا وهو العلّامة الأكبر محمّد باقر المجلسيّ قدس سره أوّل الغائصين في بحار الأخبار، وأولاهم وأبصرهم بالأحاديث والسير، وهو يقول بمل ء فَمِهِ: «إنّ الحديث مشهورٌ بين العامّة والخاصّة من المحدّثين والمؤرّخين» [55].

أفلا تحدوك هذه الشهرة الطائلة بين الاُمّة جمعاء إلي الإخبات به، علي حين أنّ

شهرةً كهذه لا يبارحها التواتر في الأسانيد.

وإليك ما قاله أحد أسباط هذا الإمام النَيْقَد من أوتاد العلم وعمد المذهب، ألا وهو: أبو الحسن بن المولي محمد الطاهر بن الشيخ عبد الحميد بن الشيخ موسي بن عليّ بن محمد بن الشيخ معتوق بن عبد الحميد العامليّ النباطيّ الأصبهانيّ، المتوفّي في عُشْرِ الأربعين بعد سنة (1100 ه) في كتابه القيّم (ضياء العالمين) عند بحثه عن مولد الإمام عليه السلام، قال: «إنّ الولادة في البيت كانت مشهورةً في الصدر الأوّل، بحيث لم يمكن إنكارها، مع أ نّهم- يعني أهل الخلاف- أنكروها أيضاً أخيراً» [56].

و (ضياء العالمين) أثبتُ كتابٍ في الإمامة، ومن أبسط ما أُ لّف فيها، وهو في الطراز الأوّل بين لِداته [57]، ومن عليةِ كتب الإمامية، لم يثبت مصنّفه فيه إلّا الحجج الدامغة لتكون مفحمةً للخصم.

فهذه الخطّة هي بمفردها كافيةٌ في أن لا يذكر فيه مؤلّفه إلّا الحقائق الناصعة، لو قطعنا النظر عن عظمة صاحبه التي دون مداها منقطع الوصف والبيان.

ولقد سلك هذا المسلك بإيراد الحديث مرسلاً له إرسال المسلّم في كتب معقودة للحجاج وإيراد المسلّمات فيها جماعة، منهم:

جمال الملّة والدين، آية اللَّه في العالمين، عَلَم الشيعة ومرجعها الفذ، أبو منصور، الحسن بن يوسف بن عليّ بن المطهّر، العلّامة الحلّي قدس سره المتوفّي سنة (726 ه) في كتاب (كشف الحقّ) و (كشف اليقين).

فذكر فيهما محلّ الولادة الميمونة وهي الكعبة، ويومها وهو الجمعة، في الثالث عشر من رجب سنة ثلاثين من عام الفيل، مع النصّ بأ نّه لم يولد أحدٌ سواه فيها قبله ولا بعده.

وأردف ذلك في الأوّل بفضائل جمّة يأتي ذكرها إن شاء اللَّه، وذكر أ نّه كان عمر النبيّ صلي الله عليه و آله عندئذ ثلاثين

سنة [58].

وكذلك الوزير السعيد، بهاء الدين، أبو الحسن، عليّ بن عيسي الأربليّ، المتوفّي سنة (692 ه) في (كشف الغمّة) الذي فرغ منه سنة (687 ه) فقد وافق العلّامة في يوم المولد وشهره وسنته، وقال: «ولم يولد في البيت أحدٌ سواه قبله ولا بعده، وهي فضيلةٌ خصّه اللَّه بها إجلالاً له وإعلاءً لرُتبته، وإظهاراً لتكرُمته».

وروي في سنة الولادة أ نّها سنة ثمان وعشرين من عام الفيل، قال: «والأوّل عندنا أصحّ» [59].

ومثله الشيخ الثقة الثبت أبو عليّ، محمد بن الحسن بن عليّ بن أحمد، الحافظ الواعظ الفارسيّ الشهيد النّيسابوري، ويعرف ب (ابن الفتّال) من علماء المائة السادسة، ويروي عن شيخ الطائفة أبي جعفر الطوسيّ، في كتابه (روضة الواعظين) فذكر الولادة موافقاً للأربلي في جميع الخصوصيات [60].

ومنهم الحافظ الثقة رشيد الدين محمّد بن عليّ بن شهر آشوب السّرويّ المازندرانيّ، المتوفّي سنة (588 ه) فإنّه قال في (مناقبه) بعد أن روي أحاديث في مولد الإمام عليه السلام: «فالولد الطاهر من الطاهر ولد في الموضع الطاهر، فأين توجد هذه الكرامة يولد فيها مولودٌ سواه، فالمولودُ فيها يكون في غاية الشرف.

وليس المولود في سيّد الأيام يوم الجمعة، في الشهر الحرام، في البيت الحرام سوي أمير المؤمنين عليه السلام» [61].

ومن أُولئك العلماء الأعاظم شمس الدين، أبو الحسين، يحيي بن الحسن بن الحسين بن عليّ بن محمّد الأسدي الحلّي الرّبعي المعروف ب (ابن بطريق)، المتوفّي سنة (600 ه) في شعبان في كتابه (العمدة) فقد جزم فيه بولادته عليه السلام في البيت يوم الجمعة في الثالث عشر من رجب سنة ثلاثين من عام الفيل.

قال: «ولم يولد قبلَه ولا بعدَه مولودٌ في بيت اللَّه سواه» [62].

ومنهم العلّامة الشيخ عليّ بن محمّد بن يونس البياضيّ العاملي،

في كتابه (الصراط المستقيم) ذلك الكتاب الضخم الفخم الحافل بالحجج النيرّة، قال بعد تمام القول عن أمير المؤمنين عليه السلام وإمامته ومناقبه: «تتمّة: لمّا انتهت بي الحال إلي هذا المقال، أحببتُ أن أُنوّر كتابي بتواريخ هذه الأقيال [63]، ومناصع مواليدهم [64]، ومواضع قبورهم، فاخترت ما ارتجزه السيّد الحسيب النسيب، ذو المجد السديد، السيّد حسين بن شمس الحسيني» وذكر الاُرجوزة ومنها في تاريخ عليه السلام:

ومولدُ الوصيّ أيضاً في الحرم

بكعبة اللَّه العليّ ذي الكرم

من بعد عامِ الفيلِ في الحساب

عشر وعشرين بلا ارتيابِ [65].

والبياضيّ من علماء القرن التاسع، وصاحب الاُرجوزة من معاصريه.

ومنهم العلّامة عماد الدين، الحسن بن عليّ بن محمّد بن الحسن، الطبرسيّ الآمليّ صاحب (الكامل البهائي) و (أسرار الإمامة) وغيرهما، من علماء القرن السابع في كتابه (تحفة الأبرار) فذكر ولادته عليه السلام في جوف الكعبة، محدّدةً بتاريخ اليوم والاُسبوع والشهر والسنة، كما فصّله ابن بطريق.

ونفي أن يكون في البيت مولودٌ سواه من غير ترديد، وذلك أنّ فاطمة بنت أسد قصدت الطواف بالبيت ففاجأها الطَلقُ، ولم يسعها الرجعة، ويمَّمت الكعبة، ففتح لها بابها بأمر من ربّ الدار، حتّي دخلتها فأرتج البابُ، ووُلِدَ هنالك، طاهراً مطهّراً، فمكثت فيها ثلاثة أيام ثمّ خرجت إلي بيتها [66].

وقال القاضيّ السعيد الشهيد سنة (1019 ه) السيّد نور اللَّه الحسيني المرعشيّ التّستري، حين طفق يُنازل ويُناضل القاضي روزبهان [67] في الحقيقة البارزة في كتابه (إحقاق الحق): «إنّ الفضيلة والكرامة في أنّ باب الكعبة كان مقفلاً، ولمّا ظهر آثار وضع الحمل علي فاطمة بنت أسد- رضي اللَّه عنها- عند الطواف خارج الكعبة انفتح لها الباب بإذن اللَّه تعالي، وهتف بها هاتف بالدخول.

وعلي تقدير صحّة تولّد حكيم بن حزام قبل الإسلام في وسط بيت اللَّه الحرام

فإنّما كان بحسب الاتفاق كما يتّفق بسقوط الطفل من المرأة، والعجل من البقرة في الطريق وغيره.

وعلي أنّ الكلام في تشرّف الكعبة بولادته فيها، لا في تشرّفه بولادته في الكعبة».

ثم أنشد قول العارف لطف اللَّه النيشابوري الفارسي:

طواف خانه كعبه از آن شد بر همه واجب

كه آنجا در وجود آمد علي بن ابي طالب

فهذه الكتب الثمينة المبنية علي الحجاج والنضال لا سيّما كتب العلّامة، والقاضي التستريّ وابن بطريق، لم يتوخّ مؤلّفوها سرد الوقائع التاريخية من أينما حصلت، وإنّما قصدوا فيها إلزام الخصوم بالحجج النيّرة، فهل يمكنهم إذن أن يسترسلوا بإيراد ما توسّع بنقله القالة من دون تثبّت؟

لا، ولكن شريعة الحقّ والدين تلزمهم بإثبات الشائع الذائع المتلقّي عند الفريقين بالقبول، المشهور نقله، الثابت إسناده بحيث لا يدع للمتعنّت وليجةً إلي إنكاره، وإلّا لعاد ما يذكره ثلماً في بيانه، وفتّاً في عضد برهانه.

فمن الواجب إذن أن يكون هذا الجواب ممّا يخضع له الخصم ولا يتقاعس عن الإخبات به الأولياء، لمكان شهرة النقل له.

وما ذكره القاضيّ في ولادة حكيم بن حزام أصفق فيه معه البحّاثة عبد الرحمن الصفوري الشافعي في (نزهة المجالس) قال: «ورأيت في (الفصول المهمة في معرفة أحوال الأئمة) بمكّة شرّفها اللَّه تعالي لأبي الحسن المالكي: أنّ علياً رضي الله عنه ولدته اُمّه بجوف الكعبة شرّفها اللَّه، وهي فضيلةٌ خصّه اللَّه تعالي بها، ذلك أنّ فاطمة بنت أسد رضي اللَّه عنها أصابها شدّة الطلق، فأدخلها أبو طالب الكعبة، فطلقت طلقةً فولدته يوم الجمعة في رجب سنة ثلاثين من عام الفيل، بعد تزوّج النبيّ صلي الله عليه و آله خديجة بثلاث سنين، وأمّا حكيم بن حزام [68] فولدته اُمّه في الكعبة، إتفاقاً لا قصداً» [69].

هذا علي تقدير صحّة النقل

بذلك، فهو أمرٌ اتفاقيٌّ تقع أمثاله لكثير ممّن لا أهميّة له في دين أو دنياً، ولا أثر له إلّا تلويث المحلّ بمخاضٍ يجب إزالته، إن كان من المحالّ المحترمة كالكعبة وشبهها.

وأين هو من قصّة أمير المؤمنين علي عليه السلام التي هي من الاُمور القصدية من المهيمن الأعلي جلّت عظمته.

روي الوزير السعيد الأربليّ في (كشف الغمة) عن كتاب (بشارة المصطفي) مرفوعاً إلي يزيد بن قَعنَب، قال:

كنتُ جالساً مع العبّاس بن عبد المطلب رضي الله عنه وفريق من بني عبد العزي، بإزاء بيت اللَّه الحرام، إذ أقبلت فاطمة بنت أسد اُمّ أمير المؤمنين عليه السلام، وكانت حاملاً به لتسعة أشهر، وقد أخذها الطلقُ فقالت: يا ربّ، إنّي مؤمنةٌ بك وبما جاء من عندك من رسلٍ وكتبٍ، وإنّي مصدّقة بكلام جدّي إبراهيم الخليل، وأ نّه بني البيت العتيق، فبحقّ الذي بني هذا البيت، وبحقّ المولود الذي في بطني إلّا ما يسرت عَلَيَّ ولادتي.

قال يزيد بن قَعْنَب: فرأيتُ البيت قد انشقّ عن ظهره، ودخلت فاطمة فيه وغابت عن أبصارنا، وعادَ إلي حاله، والتزقَ الحائط، فرُمْنا أن ينفتح لنا قفلُ الباب فلم ينفتح، فعلمنا أنّ ذلك من أمر اللَّه عزّ وجل، ثمّ خرجت في اليوم الرابع وعلي يدها أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام.

ثمّ قالت: إنّي فُضّلتُ علي من تقدّمني من النساء، لأنّ آسية بنت مزاحم عبدت اللَّه سرّاً في موضع لا يُحبُّ اللَّه أن يعبدَ فيه إلّا اضطراراً.

وأنّ مريم بنت عمران هزّت النخلة اليابسة بيدها حتّي أكلت منها رُطباً جنيّاً.

وإنّي دخلت بيت اللَّه الحرام، فأكلت من ثمار الجنّة وأرزاقها، فلمّا أردت أن أخرج هتف بي هاتف وقال: «يا فاطمة سمّيه عليّاً فهو عليٌّ، واللَّه العليّ الأعلي يقول:

شققتُ اسمه من اسمي، وأدّبته بأدبي، وأوقفته علي غامض علمي، وهو الذي يكسّر الأصنام في بيتي، وهو الذي يؤذّن فوق ظهر بيتي، ويقدّسني ويمجّدني، فطوبي لمن أحبّه وأطاعه، وويلٌ لمن أبغضه وعصاه».

قال: فولدت علياً ولرسول اللَّه صلي الله عليه و آله ثلاثون سنة، وأحبّه رسول اللَّه صلي الله عليه و آله حبّاً شديداً، وقال لها: «اجعلي مهده بقرب فراشي».

وكان صلي الله عليه و آله يلي أكثر تربيته، وكان يطهّر عليّاً في وقت غسله، ويوجره [70] اللبنَ عند شربه، ويحرّك مهده عند نومه، ويُناغيه في يقظته، ويحمله علي صدره ورقبته، ويقول: «هذا أخي، ووليّ، وناصري، وصفيّي، وذخري، وكهفي، وصهري، ووصيّي، وزوج كريمتي، وأميني علي وصيّتي، وخليفتي».

وكان رسول اللَّه صلي الله عليه و آله يحمله دائماً ويطوف به جبال مكّة وشعابها وأوديتها وفجاجها.

صلّي اللَّه علي الحامل والمحمول وآلهما [71].

ورواه ابن الفتّال في (روضة الواعظين) عن يزيد بن قَعنب مثله- إلي قوله-: وويلٌ لمن أبغضه وعصاه [72].

وفي (كشف اليقين) لآية اللَّه العلّامة الحلّي، و (كشف الحقّ) عن (بشارة المصطفي) عن يزيد بن قَعْنَب، مثله- إلي قوله-: وأوديتها [73].

وفي (الإرشاد) لأبي محمد الحسن بن أبي الحسن محمّد الديلمي عن البشارة أيضاً مثله [74].

وروي مختصراً منه الأمير محمّد صالح بن عبد اللَّه الحسينيّ الترمذي، الآتي ذكره، في (مناقبه) عن يزيد بن قَعنَب [75].

ورواه رئيس المحدّثين الشيخ الصدوق أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسي بن بابويه القمّي، المتوفّي سنة (381 ه) في (الأمالي) و (علل الشرائع) و (معاني الأخبار) عن عليّ بن أحمد بن موسي الدّقاق رضي الله عنه، عن محمّد بن جعفر الأسدي، عن موسي بن عمران، عن الحسين بن يزيد، عن محمّد بن سنان، عن المفضّل

بن عمر، عن ثابت بن دينار، وعن سعيد بن جبير، قال: قال يزيد بن قَعنَب … وذكر الحديث مثله.

وفي نسخته بعض التغيير أوعزنا إلي المهم منه في محلّه، وأنهاه إلي قوله: وويلٌ لمن أبغضه وعصاه … [76].

ورواه شيخ الطائفة أبو جعفر الطوسي في (أماليه) عن أبي الحسن محمّد بن أحمد بن الحسن بن شاذان، عن أحمد بن محمّد بن أيّوب، عن عمر بن الحسن القاضي، عن عبد اللَّه بن محمد، عن أبي حبيبة، عن سفيان بن عيينة، عن الزّهري، عن عائشة.

وعن محمّد بن أحمد بن شاذان، عن سهل بن أحمد، عن أحمد بن عمر الربيعي، عن زكريا بن يحيي، عن أبي داود، عن شعبة، عن قَتادة، عن أنس بن مالك، عن العباس بن عبد المطلب.

قال الشيخ: وحدّثني إبراهيم بن عليّ، بإسناده عن أبي عبد اللَّه جعفر بن محمّد عليهماالسلام، عن آبائه عليهم السلام قال:

كان العبّاس بن عبد المطلب ويزيد بن قَعنَب جالسين ما بين فريق بني هاشم إلي فريق عبد العزي بإزاء بيت اللَّه الحرام، إذ أتت فاطمة بنت أسد بن هاشم أُمّ أمير المؤمنين عليه السلام، وكانت حاملةً بأمير المؤمنين عليه السلام لتسعة أشهر، وكان يوم التمام.

قال: فوقفت بإزاء البيت الحرام، وقد أخذها الطلق، فرمت بطرفها نحو السماء، وقالت:

أي ربّ، إنّي مؤمنة بك وبما جاء به من عندك الرسول، وبكلّ نبي من أنبيائك، وبكلّ كتاب أنزلت، وإنّي مصدّقةٌ بكلام جدّي إبراهيم الخليل، وأ نّه بني البيت العتيق فأسألك بحقّ هذا البيت ومَن بناه، وبهذا المولود الذي في أحشائي، الذي يكلّمني ويؤنسني بحديثه، وأنا موقنةٌ أ نّه إحدي آياتك ودلائلك، لمّا يسّرت عليّ ولادتي.

قال العبّاس بن عبد المطلب، ويزيد بن قَعنَب: لمّا تكلّمت فاطمة بنت

أسد ودعت بهذا الدعاء، رأينا البيت قد انفتحَ من ظهره، ودخلت فاطمة فيه وغابت عن أبصارنا، ثمّ عادت الفتحة والتزقت بإذن اللَّه تعالي، فرُمنا أن نفتحَ الباب ليصل إليها بعض نسائنا فلم ينفتح الباب، فعلمنا أنّ ذلك أمرٌ من اللَّه تعالي، وبقيت فاطمة في البيت ثلاثة أيام.

قال: وأهل مكّة يتحدّثون بذلك في أفواه السكك، وتتحدّث المخدرات في خدورهنّ.

قال: فلمّا كان بعد ثلاثة أيام انفتحَ البيتُ من الموضع الذي كانت دخلت فيه فخرجت فاطمة وعليّ علي يديها، ثمّ قالت: معاشر الناس، إنّ اللَّه عزّ وجل اختارني من خلقه، وفضّلني علي المختارات ممّن مضي قبلي.

وقد اختار اللَّه آسية بنت مزاحم، فإنّها عبدت اللَّه سرّاً في موضع لا يحبّ أن يعبد اللَّه فيه إلّا اضطراراً.

ومريم بنت عمران حيث هانت ويسّرت عليها ولادة عيسي، فهزّت الجذع اليابس من النخلة في فلاة من الأرض حتّي تساقط عليها رطبّاً جنياً.

وإن اللَّه تعالي اختارني وفضّلني عليهما، وعلي كلّ مَن مضي قبلي من نساء العالمين، لأ نّي ولدتُ في بيته العتيق، وبقيتُ فيه ثلاثة أيام، آكلُ من ثمار الجنة وأوراقها.

فلما أردتُ أن أخرج وولدي علي يدي هَتَفَ بي هاتفٌ وقال:

يا فاطمة، سمّيه عليّاً، فأنا العليُّ الأعلي، وإنّي خلقتهُ من قدرتي وعزّتي وجلالي، وقسط عدلي، واشتققتُ اسمه من اسمي، وأدّبته بأدبي، وفوّضت إليه أمري، ووقّفته علي غامض علمي، ووُلِدَ في بيتي، وهو أوّل مَن يؤذّن فوق بيتي، ويكسّر الأصنام، ويرميها علي وجهها، ويعظّمني ويمجّدني ويهلّلني، وهو الإمام بعد حبيبي ونبيّي وخيرتي من خلقتي محمّد رسولي، ووصيّه، فطوبي لمن أحبّه ونصره، والويلُ لمن عصاه وخذله، وجحد حقّه.

قال: فلمّا رآه أبو طالب سُرّ، وقال علي عليه السلام: «السلام عليك يا أبه، ورحمة اللَّه وبركاته».

قال: ثم دخل

رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، فلمّا دخل اهتزّ له أمير المؤمنين عليه السلام، وضحك في وجهه، وقال: «السلام عليك يا رسول اللَّه، ورحمة اللَّه وبركاته».

قال: ثمّ تنحنحَ بإذن اللَّه تعالي وقال: «بسم اللَّه الرحمن الرحيم، قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ، الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ» [77] «- إلي آخر الآيات-.

فقال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله: «قد أفلحوا بك، وقرأ تمام الآيات إلي قوله: «أُوْلَئِكَ هُمْ الْوَارِثُونَ، الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ» [78] «.

فقال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله: أنت- واللَّه- أميرهم، تميرهم من علمك فيمتارون، وأنت- واللَّه- دليلُهم، وبك يهتدون.

ثمّ قال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله لفاطمة: اذهبي إلي عمّه حمزة، فبشّريه به.

فقالت: فإذا خرجت أنا فمن يرويه؟

قال: أنا اُرويه.

فقالت فاطمة: أنت ترويه؟

قال: نعم، فوضع رسول اللَّه صلي الله عليه و آله لسانه في فيه، فانفجرت منه اثنتا عشرة عيناً.

قال: فلمّا رجعت فاطمة بنت أسد رأت نوراً قد ارتفع من عليّ إلي عنان السماء.

قال: ثمّ شدّته وقمّطته بقماط فَبَتَرَ القماط، قال: فأخذت فاطمة قماطاً جيّداً، فشدّته به، فبتر القماط، ثمّ جعلته قماطين فبترهما، فجعلته ثلاثة فبترها، فجعلت أربعة أقمطة من رِقّ مصر لصلابته فبترها، فجعلته خمسة أقمط ديباج لصلابته فبترها كلّها، فجعلته ستّةً من ديباج وواحداً من الأدم، فتمطّي فيها فقطعها كلّها بإذن اللَّه.

ثمّ قال بعد ذلك: «يا اُمّه، لا تشدّي يدي، فإنّي أحتاج إلي أن اُبصبص [79] لربي بإصبعي».

قال: فقال أبو طالب عند ذلك: إنه سيكون له شأنٌ ونبأ.

فلمّا كان من غدٍ دخل رسول اللَّه صلي الله عليه و آله علي فاطمة فلمّا بصر عليّ عليه السلام برسول اللَّه صلي الله عليه و آله سلّم عليه، وضحك في

وجهه، وأشار إليه أن خُذني إليك واسقني ممّا سقيتني بالأمس.

قال: فأخذه رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، فقالت فاطمة: عرفه وربّ الكعبة، إلي أن قال: فلمّا كان اليوم الثالث- وكان العاشر من ذي الحجة- أذّن أبو طالب في الناس أذاناً جامعاً، وقال: هَلمّوا إلي وليمة ابني علي.

قال: ونحر ثلاثمائة من الإبل، وألف رأس من البقر والغنم، واتخذ وليمةً عظيمةً، وقال: معاشر الناس ألا مَن أراد من طعام عليٍّ ولدي فهلُمّوا وطوفوا بالبيت سبعاً، وادخلوا وسلّموا علي ولدي عليٍّ، فإنّ اللَّه شرّفه.

ولفعل أبي طالب شرّف يوم النحر [80].

وفي (المناقب) لابن شهر آشوب: وفي رواية شُعبة، عن قَتَادة، عن أنس، عن العباس بن عبد المطلب.

وفي رواية الحسن بن محبوب، عن الصادق عليه السلام، والحديث مختصر.

أ نّه انفتح البيت من ظهره، ودخلت فاطمة فيه، ثمّ عادت الفتحة والتصقت، وبقيت فيه ثلاثة أيام، فأكلت من ثمار الجنّة، فلمّا خرجت، قال: عليّ عليه السلام: «عليك السلام يا أبه، ورحمة اللَّه وبركاته». ثم تنحنح وقال: «بسم اللَّه الرحمن الرحيم، قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ»» الآيات.

فقال رسول اللَّه: قد أفلحوا بك، أنتَ- واللَّه- أميرهم، تُميرهم من علمك فيمتارون، وأنتَ- واللَّه- دليلهم، وبك- واللَّه- يهتدون.ووضع رسول اللَّه صلي الله عليه و آله لسانه في فيه فانفجرت منه اثنتا عشرة عيناً.

قال: فسمّي ذلك اليوم: يوم التروية.

فلمّا كان من غده وبصر عليّ برسول اللَّه سلّم عليه، وضحك في وجهه، وجعل يُشير إليه، فأخذه رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، فقالت فاطمة: «عَرَفَه».

فسمّي ذلك اليوم: عرفة.

فلمّا كان اليوم الثالث- وكان اليوم العاشر من ذي الحجة- أذّن أبو طالب في الناس أذاناً جامعاً، وقال: هلمّوا إلي وليمة ابني عليٍّ.

ونحر ثلاثمائة من الإبل، وألف رأس من البقر والغنم،

واتخذ وليمةً، وقال: «هلمّوا وطوفوا بالبيت سبعاً، وادخلوا وسلّموا علي عليّ ولدي».

ففعل الناس من ذلك، وجرت به السنّة [81].

ولابن شهر آشوب في (المناقب) رواية اُخري لهذا الحديث:

عن يزيد بن قَعنب، وجابر الأنصاري: أ نّه كان راهبٌ يقال له: المثرم بن دعيب، قد عبد اللَّه مائة وتسعين سنة، ولم يسأله حاجة، فسأل ربّه أن يريه وليّاً له، فبعث اللَّه تعالي بأبي طالب إليه، فسأله عن مكانه وقبيلته، فلمّا أجابه وثب إليه وقبّل رأسه، وقال: الحمد للَّه الذي لم يُمتني حتي أراني وليّه.

ثم قال: أبشر يا هذا! إنّ اللَّه ألهمني أنّ ولداً يخرج من صلبك هو ولي اللَّه، اسمه عليّ، فإنّ أدركته فأقرأه منّي السلام.

فقال: ما برهانه؟

قال: ما تريد؟

قال: طعام من الجنّة في وقتي هذا.

فدعا الراهب بذلك فما استتمّ دعاءه [82] حتي اُوتي بطبق عليه من فاكهة الجنّة رطب وعنب ورمّان، فتناول رمّانة، فتحوّلت ماءً في صلبه، فجامع فاطمة، فحملت بعليّ، وارتجّت الأرض، وزلزلت بهم أياماً، وعلت قريش الأصنام إلي ذروة أبي قبيس [83] فجعل يرتجّ ارتجاجاً، حتّي تدكدكت بهم صمّ الصخور، وتناثرت وتساقطت الآلهة علي وجوهها.

فصعد أبو طالب الجبل وقال: أ يّها الناس، إنّ اللَّه قد أحديث في هذه الليلة حادثة، وخلق فيها خلقاً، إن لم تطيعوه وتقرّوا بولايته وتشهدوا بإمامته لم يسكن ما بكم. فأقرّوا به.

فرفع يده، وقال: إلهي وسيدي أسألك بالمحديّة المحمودة، وبالعلويّة العالية، وبالفاطمية البيضاء، إلّا تفضّلت علي تهامة بالرأفة والرحمة.

فكانت العرب تدعو بها في شدائدها في الجاهلية وهي لا تعلمها.

فلمّا قربت ولادته أتت فاطمة إلي بيت اللَّه اللَّه وقالت: ربّ إني مؤمنة بك، وبما جاء من عندك من رسل وكتب، مصدّقة بكلام جدّي إبراهيم، فبحقّ الذي بني هذا البيت، وبحقّ المولود الذي في

بطني لمّا يسرّت عليّ ولادتي.

فانفتح البيت، ودخلت فيه، فإذا هي بحوّاء، ومريم، وآسية، واُمّ موسي وغيرهنّ، فصنعنَ مثل ما صنعن برسول اللَّه صلي الله عليه و آله وقت ولادته.

فلمّا وُلِدَ سَجَدَ علي الأرض يقول: «أشهد أن لا إله إلّا اللَّه، وأشهد أنّ محمّداً رسول اللَّه، وأشهد أنّ علياً وصيّ محمد رسول اللَّه، بمحمّد يختم اللَّه النبوّة، وبي تتمّ الوصيّة وأنا أمير المؤمنين».

ثمّ سلّم علي النساء، وسأل عن أحوالهنّ، وأشرقت النسماء بضيائها.

فخرج أبو طالب يقول: أبشروا، فقد ظهر وليّ اللَّه يختم به الوصيين، وهو وصيّ نبيّ ربّ العالمين.

ثمّ أخذ علياً فسلّم عليٌّ عليه، فسأله عن النسوة، فذكر له.

ثم قال: «فالحق بالمثرم، وخبّره بما رأيت فإنه في كهف كذا من جبل لُكام» [84].

فخرج، حتّي أتاه فوجد ميّتاً جسداً ملفوفاً بمدرعة، مسجّي، فإذا هناك حيّتان، فلمّا بصرتا به غابتا [85] في الكهف.

فدخل أبو طالب، فقال: السلام عليك يا وليّ اللَّه ورحمة اللَّه وبركاته.

فأحيا اللَّه المثرم، فقام يمسح وجهه، ويقول: أشهد أن لا إله إلّا اللَّه، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله، وأنّ علياً ولي اللَّه والإمام بعد نبيّ اللَّه.

فقال أبو طالب: أبشر، فإنّ علياً قد طلع إلي الأرض.

فسأل عن ولادته فقصّ عليه القصّة، فبكي المثرم ثمّ سجد شكراً، ثمّ تمطّي فقال: غطّني بمدرعتي.

فغطّاه، فإذا هو ميّت كما كان، فأقام أبو طالب ثلاثاً، وخرجت الحيّتان، وقالتا: السلام عليك يا أبا طالب، الحق بولي اللَّه، فإنّك أحقّ بصيانته وحفظه من غيرك.

فقال: مَن أنتما؟

قالتا: نحن عمله، نذبّ عنه الأذي إلي أن تقوم الساعة، فحينئذٍ يكون أحدنا سائقه، والآخر قائده إلي الجنّة.

فانصرف أبو طالب [86].

وحديث الراهب رواه ابن الفتّال في (روضة الواعظين) علي وجهٍ هو أبسط من هذا [87].

ورواه غيره أيضاً [88].

ولقد وجدت

تفصيل هذه الجمل في بعض مؤلفات أصحابنا رضوان اللَّه عليهم المخصوص بذكر المولد العلويّ الشريف، اقتطف منه ما يلي، ففيه بعد ذكر تفاصيل من مقدّمات الولادة:

قالت فاطمة بنت أسد: لمّا تتابعت عليّ الشهور، وقرب أوان خروج ولدي، ما كنت أمرُّ بِحَجَرٍ ولا مَدَر ولا شَجَرٍ إلّا ويقول لي: «هنيئاً لك يا فاطمة بما خصّك اللَّه من الفضل والكرامة بحملك بالإمام الكريم».

وكنت أسمع منه، وهو يقول في بطني: «لا إله إلّا اللَّه، محمّد رسول اللَّه، به تختم النبوّة، وبي تختم الولاية».

قال الراوي: فلمّا مضي من الليل ثلثه أتي فاطمة أمر اللَّه، وسمعت قائلاً يقول: يا فاطمة، عليك بالبيت الحرام.

وخرجت فاطمة، وأتت إلي البيت الحرام، ووقفت بإزائه وقد أخذها الطلق، فرمقت بطرفها إلي السماء، وقالت:

يا ربّ، إنّي مؤمنة بك، وبكل كتاب أنزلته، وبكلّ رسول أرسلته، وبكلّ ما جاء به عبدك ورسولك محمّد صلي الله عليه و آله، وإنّي مؤمنة بك وبجميع أنبيائك ورسلك، ومصدّقة بكلامك وكلام جدّي إبراهيم الخليل عليه السلام، وقد بني بيتك العتيق.

وأسألك بحقّ أنبيائك المرسلين وملائكتك المقرّبين، وبحقّ هذا الجنين الذي في أحشائي، الذي يؤنسني تسبيحه وتقديسه وتهليله وتكبيره، وإنّي موقنة أ نّه أحد أوليائك، إلّا ما يسرّت عليّ ولادتي.

فلمّا انتهي كلامها انشقّ البيت وتساقطت الأنوار، وزجّها جبرئيل داخل الكعبة، وغابت عن الأبصار، وعادت الفتحة كما كانت أوّلاً بإذن اللَّه تعالي.

قال أبو طالب: فأشفقنا عليها من ذلك، وأردنا أن نفتح الباب لتصل إليها بعض نسائنا، فلم نستطع أن نفتح الباب، فعلمنا أنّ هذا الأمر من اللَّه سبحانه وتعالي.

قالت فاطمة: وجلستُ علي الرّخامة الحمراء ساعة، وإذا أنا قد وضعت ولدي عليّ بن أبي طالب، ولم أجد وجعاً، ولا ألماً.

فلمّا وضعته خرّ ساجداً للَّه، ورفع يديه

إلي السماء يتضرّع إلي ربّه، فبينما أنا أنظر إليه وإلي ابتهاله إلي ربّه وأنا متعجبة منه، إذا أنا بخمس نساء كأ نّهن الأقمار، قد دخلنَ عليَّ، وعليهنّ ثيابٌ من الحرير والإستبرق، ويفوح طيبهنّ كالمسك الأذفر [89]، فقلنّ لي: «السلام عليك يا بنت أسد» ثمّ جلسنَ بين يديَّ ومع إحداهنّ جُونة [90] من فضّةٍ.

ثمّ التفت إليهنّ ولدي وسلّم عليهنّ وحياههنّ بأحسن التحيّات، وقال: أشهد ألا إله إلّا اللَّه، وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّداً رسول اللَّه، به تُختم النبوّة، وبي تختم الولاية.

فتعجّبت النسوة منه، ثمّ أخذنه واحدةٌ واحدةٌ وقبّلنه، ودار بينه وبينهنّ من السلام والتحيّة والكلام ما لا يعدو أن يكون كرامة أو شبه إرهاص.

وهنّ: حواء، ومريم، وهي صاحبة الجُونة، فطيّبته بها من طيب الجنّة، وآسية إمرأة فرعون بنت مزاحم، وسارة زوجة إبراهيم صلّي اللَّه عليه، واُمّ موسي عليه السلام.

وكشفنَ عن سرّته فإذا هي مقطوعة.

قالت فاطمة: ثمّ خرجت النسوة عنّي، ثمّ دخل عليّ مشايخ خمسة، فجعل ولدي يهشّ [91] ويضحك، كأ نّه ابن سنة، ثمّ قالوا: السلام عليك يا وليّ اللَّه، وخليفة رسول اللَّه.

فقال: «وعليكم السلام ورحمة اللَّه وبركاته» ثمّ سلّم علي واحدٍ واحدٍ منهم.

وهم أنبياء اللَّه: آدم، ونوح، وإبراهيم الخليل، وموسي، وعيسي.

فأخذوه وقبّلوه، وأطروه واحداً بعد واحد، ثمّ خرجوا، ولم أعلم من أين خرجوا.

قالت فاطمة: فبينما أنا كذلك إذ أنا بخفقان أجنحة الملائكة، وإذا بسحابة بيضاء قد نزلت علي ولدي وطارت به.

وسمعت قائلاً يقول: طُوفوا بعليّ بن أبي طالب بمشارق الأرض ومغاربها، وبرّها وبحرها، وجبالها وسمائها، وأعطوه أحكام النبيّين، وعلوم الوصيّين، وجميع أخلاق النبيّين والمرسلين، والأوصياء والصدّيقين، وافعلوا به مثل ما فعلوا بأخيه سيّد الأوّلين والآخرين، واعرضوه علي جميع الأنبياء والمرسلين، وعلي الملائكة المقرّبين،

وأهل السماوات والأرضين [92] فإنّه ولي ربّ العالمين.

قالت فاطمة: وكان بين غيبته ورجوعه أقلّ من نصف ساعة، فجعلت أنظر إليه، وإذا بسحابة أُخري قد نزلت عليه، وطارت به كالمرّة الأُولي.

وسمعت قائلاً يقول: طوفوا بعليّ بن أبي طالب علي جميع ما خلق اللَّه، وأعطوه أحكام العلم والحلم، والورع والزهد، والتقي والسخاء، والبهاء والضياء، والتواضع والخشوع، والرقّة والهيبة، والمروة والكرم، والمودّة والشفاعة، والشجاعة والصيانة، والديانة والقناعة، والفصاحة والعفاف، والإنصاف والعرف، وجميع أخلاق النبييّن.

قالت فاطمة: فبينما أنا حائرةٌ وإذا بولدي بين يديّ.

ثمّ أ نّهم لفوّه في حريرة بيضاء من حرير الجنّة، وقالوا: احفظيه عن أعين الناظرين، فإنّه ولي ربّ العالمين، واعلمي أ نّه لا يدخل الجنّة إلّا من تولّاه وصدّق بإمامته وولايته، فطوبي لمن تبعه، وويلٌ لمن حاد عنه، فمَثُلُه كمثل سفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلّف عنها غرق وهوي.

ثمّ تكلموا في أُذنه بكلام لم أفهمه، ثمّ قبّلوه وخرجوا، ولم أعلم من أين خرجوا.

قالت فاطمة: ثمّ بقيتُ في الكعبة ثلاثة أيام بلياليها، آكل من ثمار الجنة، ثمّ إنّ الجدار انشقّ كأوّل مرّة، وخرجتُ من البيت الحرام وولدي في حضني، ووجهه كالقمر الزاهر، وهو يهشّ ويضحك.

ثمّ إنّها أخبرت أبا طالب ورسول اللَّه صلي الله عليه و آله بما جري عليها، وما اختصّت به، هي وولدها من الفضيلة الباهرة، فتعجّب الناس.

فقالت فاطمة: معاشرَ الناس، إنّ اللَّه قد اختارني علي المختارات، وفضّلني علي من مضي.

وقد اختار آسية بنت مزاحم لأ نّها عبدت اللَّه في مكان لا يحبّ فيه العبادة إلّا اضطراراً.

واختار مريم ابنة عمران ويسّر عليها ولادتها بعيسي، ثمّ هزّت جذع النخلة في فلاة من الأرض، فتساقط عليها رطباً جنيّا.

واختارني اللَّه وفضّلني علي كلّ من مضي من نساء العالمين، لأ

نّي وَلَدْتُ في بيت اللَّه الحرام، وبقيتُ فيه ثلاثة أيام بلياليها، آكل من ثمار الجنّة، فلمّا أردت الخروج من الكعبة هتف بي هاتف أسمع صوته ولا أري شخصه:

يا فاطمة سمّي ولدك عليّاً [93] فإنّ العليّ الأعلي أمرني أن أقول لك ذلك؛ واللَّه يقول: أنا المحمود وحبيبي محمّد، وأنا العلي ووليّي عليّ، وقد شققتُ اسمهما من اسمي، وأدّبتهما بأدبي، ووقفتهما علي علمي، وهما الصفوة من الأخيار، وقد خلقتُ نورهما من نوري، وعزّتي وجلالي، إنّي شققتُ اسم وليّي من اسمي، وولد في بيتي، وهو أوّل من يؤمن بي ويصدّق برسولي، ويقدّسني ويهلّلني ويكبّرني، وهو خليفة نبيّي ووزيره ووصيّه، والقائم بالقسط من بعده، وزوج ابنته وأبو سبطيه، فجنّتي لمن يحبّه، وناري لمن يبغضه ويخالفه ويجحد ولايته.

قال أبو طالب: فلمّا رأيته ورآني، قال لي: «السلام عليك يا أبه، ورحمة اللَّه وبركاته».

فقلت: وعليك السلام يا بنيّ ورحمة اللَّه وبركاته.

ثمّ إنّ أبا طالب قبّل ولده وضمّه إليه وناوله أُمّه، فدخل عليها رسول اللَّه صلي الله عليه و آله وفرح فرحاً شديداً بالمولود، وفرح المولود بمقدمه وقال: «السلام عليك يا رسول اللَّه، ورحمة اللَّه وبركاته».

وطَفِقَ يهشّ ويضحك كأ نّه ابن سنة، وقال: «خذني إليك».

فأخذه رسول اللَّه صلي الله عليه و آله وقبّله، وحمد اللَّه به، فناوله اُمّه.

ثمّ إنّه عليه السلام تنحنحَ وأذّن، وقرأ صحف آدم وشيث ونوح وإبراهيم والتوراة والإنجيل، ثمّ قال:

«أعوذ باللَّه السميع العليم من الشيطان الرجيم، «بسم اللَّه الرحمن الرحيم، قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ، الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ، إِلَّا عَلَي أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ، فَمَنْ ابْتَغَي وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ

لِاَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ عَلَي صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ، أُوْلَئِكَ هُمْ الْوَارِثُونَ، الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ» [94].

فقال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله: «قد أفلحوا بك يا عليّ، أنت- واللَّه- أميرهم، ومن علمك يمتارون، وأنت- واللَّه- وليّهم وبك يهتدون، وأنت- واللَّه- وصيّي، ووزيري، وصنوي [95]، وناصر ديني، وقاضي ديني، وزوج ابنتي، وأبو سبطيّ، وخليفتي علي أُمّتي، فطوبي لمن اتّبعك ووالك، والويل لمن عصاك وعاداك، فو اللَّه ما يتولّاك إلّا السعيد، ولا يبغضك إلّا الشقي العنيد».

وقال أبو طالب: يا فاطمة، امضي إلي أعمامه وبشّريهم به.

قالت: فَمن يرويه من بعدي؟

فأخذه النبيّ صلي الله عليه و آله وقال: «أنا أُرويه».

فوضع لسانه في فيه، ولم يزل عليٌّ يمصّه حتّي انفجرت منه اثنتا عشرة عيناً من العلم.

وجاء عمّه حمزة والعباس، فأخذاه وأثنيا عليه.

ثمّ أرادت فاطمة أن تقمّطه بقماط من صوف، فلمّا شدّته بَتَره، فقمّطته بقماطين آخرين، فبترهما.

ثمّ أخذت قماطين من ديباج واستبرق وأديم، فَبترهما جميعاً.

فقال: «يا اُمّ، لا تشدّي يدي اليمني، فإني أحتاج إلي مصافحة الملائكة، واستحي أن تكون يدي مشدودة في القماط، فإذا جاء الملائكة يصافحونني أقطعه وأصافحهم».

فسرَّ أبو طالب بذلك سروراً عظيماً، وحمد اللَّه تعالي عليه.

ومن غدٍ أقبل رسول اللَّه صلي الله عليه و آله إلي بيت عمّه أبي طالب، فلمّا رآه أمير المؤمنين عليه السلام هَشّ إليه وضحك سروراً به، وأشار إليه أن: خذني إليك واسقني مثل ما سقيتني بالأمس.

فأخذه رسول اللَّه صلي الله عليه و آله وقبّله، وأثني عليه، ثمّ وضع لسانه في فيه فمصّه حتّي اكتفي.

وعمل أبو طالب وليمةً عظيمةً نحر فيها ثلاثمائة من الإبل، وألفاً من البقر، وألفين من الغنم، وأمر مناديه أن يُنادي في الناس عامة، حتّي لم يبق منهم أحدٌ

إلّا وحضرها.

فقال أبو طالب: مَن أراد أن يأكل من وليمة ولدي فليطُف بالبيت سبعاً، ثمّ امضوا إلي ما رزقكم اللَّه وكلوا واشربوا حيث شئتم [96].

والحديث طويل انتخبنا منه بقدر الحاجة.

ومجمل هذا الحديث نظّمه العلّامة المتبحّر الشيخ محمد بن الحسن، الحرُّ العاملي، صاحب (الوسائل) وغيرها، المتوفّي سنة (1104 ه) في اُرجوزةٍ له في تواريخ المعصومين عليهم السلام، قال:

مولدُهُ بمكّة قد عُرفا

في داخل الكعبة زيدتْ شرفا

وذاك في ثالث عشر من رجبْ

فقدرُه علا وحقّه وَجَب

وقيل: في السابع من شعبانا

مطلعَ ذاك البدر حينَ بانا

علي رُخامةٍ هناك حمرا

معروفةٍ زادت بذاك قدرا

فيا لها مزيّةٌ علّيه

تخفضُ كلَّ رُتبةٍ عليّه

ما نالها قطُّ نبيٌّ مرسلُ

ولا وصيٌّ آخِرٌ وأوّلُ

أما سمعتَ قصّة ابن قَعْنَبِ

ينطقُ عن مقصودنا بالعجبِ

وإنّه محقّقٌ مشهورُ

يُثبته المدقّقُ النحريرُ

قال: جلستُ مع اُناسٍ شتّي

في المسجد الحرام يوماً حتّي

مرّت بنا فاطمةٌ بنتُ أسد

حاملةً بالمرتضي ذاك الأسد

فجاءها الطلقُ فطافت سبعا

ثمّ دَعَت أكرم ربّ يدعي

قالت: إلهي، إنّني آمنتُ بك

حقّاً وصدّقتُ جميع كتبك

وما علي الخليل جدّي اُنزلا

وما به كلُّ رسولٍ أُرسلا

ثمّ دَعَت خالقَها بما سنح

فسهّلَ اللَّهُ العسيرَ وانفتح

بابٌ لها تجاهَ باب الكعبة

وذاك مستجارُ أهل الرَهبة

ودخلت فيه فعادَ مثل ما

كانَ وما ذاك مشيد محكما

هذا وقُفلُ الباب لم يفتح لنا

من بعد جُهدٍ وعلاجٍ وعنا

فقلتُ: إنّ ذاك أمرُ اللَّهِ

فلم أكن بذكرهِ باللاهي

فمكثت ثلاثةً أيّاما

وخرجت وأعلنت كلاما

إنّي فضّلتُ علي النساء

دخلتُ بيتَ رافعِ السماءِ

ثمّ أكلتُ من ثمار الجنّهْ

ورزقُها فهو عليّ جنّه

وعندما وضعتُه ورُمْتُ أنّ

أخرجَ نادي هاتفٌ لي بالعلن

سمّي الذي وضعته عليّا

فلن يزالَ قدرُه عليّا

لقد شققتُ اسماً له من اسمي

أطلعتُه علي خفيِّ علمي

ادّبْتُهُ بأدبي إكراماً

وهو الذي يكسّر الأصناما

في بيتي الشريف إذ يؤذّنُ

من فوقه وبالأذان يُعلنُ

طوبي لمن أحبّه ووالي

ومن أطاعه يجازي فضلا

ويلٌ لمن أبغضهُ ومَن عصي

وذاك بعضُ ما به قد خُصّصا [97].

وحديث البلاطة الحمراء قد سبق

الإيعاز إليه في مبحث تواتر الحديث.

وذكر العالم الضليع ميرزا جبّار ابن المولي زين العابدين الشكوئي، المتوفّي قبل سنة (1330 ه) في كتابه (مصباح الحرمين) في الفصل الثاني والثلاثين، في وداع الكعبة أُموراً.

منها: «الصلاة بين الاسطوانتين علي الرّخامة الحمراء، وهي علي رواية بعض العلماء محلّ ولادة أمير المؤمنين عليه السلام كما مرّ في فصل المستجار … » [98].

والفصل المشار إليه هو الفصل الثامن عشر [99]، وذكر فيه حديث يزيد بن قَعنَب، فالإحالة في أصل ولادة البيت لا خُصوص حديث الرّخامة الذي أسند حديثه إلي بعض العلماء.

وكان هذا الرجل من ثقات عصره المتورّعين، والوالد [100] العلّامة قدس سره كان يمدحه ويثق به، ويخبت بقوله وفعله، ولم يزل موصوفاً بحسن السيرة وأداء حقّ وظيفته الروحية حتّي قضي نحبه سعيداً طيباً.

وقال الشيخ أحمد بن الحسن الحرّ، نزيل مشهد الرضا عليه السلام، أخو صاحب الوسائل في (الدر المسلوك في أحوال الأنبياء والأوصياء والملوك) في الفصل الرابع، في ذكر أمير المؤمنين عليّ عليه السلام، ما لفظه:

«أمّا اسمه فعليٌّ.

كنيته: أبو الحسن.

لقبه: المرتضي.

ولادته: الكعبة في البيت، علي الحجر.

يوم ولادته: الجمعة.

شهر ولادته: ثلاث عشر برجب، وقيل نصف شهر رمضان.

سنة ولادته: ثلاثون من عام الفيل.

ملك وقت ولادته: شهريار [101].

اسم اُمّه: فاطمة بنت أسد» [102].

نبا الولادة والمحدّثون

لا نريد من المحدّثين السّذّج، الذين لم يعرفوا إلّا أساطير في خلال الكتب، أو قول بسيط مثل (حدّثني فلان) وهو لا يري سعة العلم إلّا بالتوسّع في النقل، فيحشد من ذلك صفوفاً، ويسرد من وَرَطات القالة أُلوفاً، من غير ما تفقّه في مغزي الحديث، ولا تبصّرٍ في مؤدّاه، ثمّ إذا طوي الدهر أيّامه تناقلت رواة الجيل الثاني أخباره من دون وقوف علي قصّته، وإنّما غرّتهم فخفخة الرجل، ومحاباة نظرائه من أرباب

المعاجم، بأ نّه (حافظ، روي مائة ألف أو تزيد) إلي غيرها من ألفاظ الثناء الباطل.

إنّما نقصدُ هاهنا أئمّة الحديث، ومهرة فنّه النياقد، الذين لا يروقهم رمي القول علي عواهنه، فلا يؤمنون بالمنقول إلّا بعد التفرّغ من أمر إسناده، والتثبّت فيه، والتروّي في متنه، حذار مخالفته لمعقولٍ، أو مصادمته لشي ء من الاُصول.

فنريد من المحدّث ذلك الحَبر الناقد الضليع في العلم، الذي ضرب فراغاً من أويقاته للتبصّر في هذا الفن، والإحاطة به من أطرافه بما هو من أشرف العلوم وأهمّ الفرائض علي العلماء الباحثين.

فهو محدّثٌ حينَ يقف علي هذا النغز، كما أ نّه فقيهٌ متي طَفِقَ يردّ الفرع علي الأصل، ومفسّرٌ حين يتحرّي مغازي آي الكتاب الكريم واكتشاف مخبّآتها، وهو فنّي إذا عطف النظر علي أيّ من العلوم.

إذا عرفتَ القصد من هذا العنوان، فإنّك جدّ عظيم بدخول كثيرٍ ممن ذكرناهم من رواة الحديث أو الناصّين بمفاده، كعلم الهدي السيّد المرتضي، وأخيه السيّد الرضيّ، وشيخ الطائفة الطوسيّ، وقبلهم رئيس المحدّثين الصدوق، وبعدهم رشيد الدين ابن شهر آشوب، وابن الفتّال الشهيد، وآية اللَّه العلّامة الحلّي، وابن بطريق، إلي غير هؤلاء من الكثيرين الأول، ممن سلفت الإشارة إليهم، وإلي اُناس آخرين من علماء أهل السنة كالحاكم وغيره، كما سلف ذكرهم.

لكننا نذكر هنا أفذاذاً لم نذكرهم هنالك، أو لخصوصية فيهم لم تذكر فيما مرّ، وبهذا الفصل وغيره من فصول هذه الرسالة تعرف مقيل ما هَوِسَ به ابنُ أبي الحديد في «شرح النهج» في الحقيقة من أنّ حديث الولادة مزعمة كثيرٍ من الشيعة «والمحدّثون لا يعترفون بذلك، ويزعمون أنّ المولود في البيت حكيم بن حزام» [103].

وقد مرّت بك كلمة الحاكم النيسابوري في الولادتين، وهو أحد أئمّة المحدّثين، وغيره من محدّثي أهل السنّة

والشيعة، وإلي الملتقي هاهنا.

ففي (المجموع الرائق) تأليف السيّد الأجل، في اُخرياته، عند ذكر (المائة منقبة) المخصوصة بأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام، وذلك مما رواه الشيخ السعيد أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه- قدّس اللَّه ارواحهم-، يوم الغدير من سنة إحدي وستّين وثلاثمائة، يرفعه إلي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، ممّا خصّ اللَّه به أمير المؤمنين علياً عليه السلام:

[المنقبة الأُولي]: «أنّ اللَّه تعالي خلقه من نور عظمته». إلي قوله:

[الثامنة]: «أ نّه ولد في الكعبة».

[التاسعة]: «أ نّه لمّا ولد في الكعبة ظهر نوره من عِناسن السماء إلي ظهر الكعبة، وسقطت الأص نام التي كانت علي الكعبة علي وجوهها، وصاح إبليس، وقال: ويلٌ للأصنام وعبدتها مِن هذا المولود» [104].

وقال العلّامة أبو الفتح محمّد بن عليّ بن عثمان الكراچكي الفقيه المحدّث المتكلّم الثقة، المتوفّي سنة (449 ه) من تلمذة شيخنا المفيد في (كنز الفوائد) بعد أن ذكر أحاديث في مقدّمة الولادة من خبر الكاهن، ورؤيا فاطمة بنت أسد، وتعبير الكاهن لها ما لفظه:

«وفي الحديث أ نّها- يعني فاطمة بنت أسد- دخلت الكعبة علي ما جرت به عادتها، فصادفَ دخولها وقت ولادتها، فولدت أمير المؤمنين عليه السلام داخلها» [105].

والمتّبع من هذا الحديث ما هو الجامع بينه وبين أحاديث الباب وأقواله من أصل الولادة في البيت، وأمّا كيفية الدخول فيها فالمعتمد عليه ما أسلفنا لك نبأه من أ نّها كانت أمراً من أمر اللَّه، وعنايةً من عنده خاصّةً بأمير المؤمنين عليه السلام، خارجةً عن مجاري الطبيعة ومقتضيات الصدف.

ولذلك انشقّ البيت لفاطمة، ثمّ لمّا دخلته ارتأبت الصدعةُ ولم ينفتح قُفل الباب بالرغم من جهدهم الأكيد في فتحه.

وأكلت هي من ثمار الجنّة في جوف البيت، وكان

من أمر الولادة ما عرفت.

فخرجت من البيت متبجّحةً بما منحها اللَّه سبحانه.

وهذا هو المناسب لما عرفته من إطباق كلمات العلماء والأئمة، من أنّ ذلك فضيلةٌ اختصّ اللَّهُ بها أمير المؤمنين عليه السلام.

وأيّ فضيلةٍ في الوقوع صدفة، ولا عن قصدٍ كما يقع كثيراً لأفراد من الناس والحيوان من الولادة في محالٍّ شريفةٍ علي مجاري العادة، ولا يعدّ شرفاً وفضيلة لهم، كما لم تعدّ الولادة في البيت فضيلةٍ لحكيم بن حزام علي تقدير صحّة الرواية.

فإنّ مَن أخبتَ بها لم يذكر فيها ما ذكره في أمير المؤمنين عليه السلام من أ نّها فضيلةٌ اختصّه اللَّه بها، ولا قال كقولهم فيه من أ نّه لم يسبقه إلي مثلها أحدٌ، ولا يلحقه فيها أحدٌ، وما هو إلّا لما ذكرناه.

وفي كتاب (الأربعين) للشيخ أبي الفوارس، أو أبي عبد اللَّه محمد بن مسلم بن أبي الفوارس الرازيّ عن السيّد الأجلّ الأوحد جمال الدين عزّ الإسلام فخر العشيرة شرف الدين أبي محمد، إبراهيم بن عليّ بن محمد العلوي الحسني [106] الموسوي بكازرون في التاسع عشر من شهر رجب، عن الشيخ العارف، شهريار بن تاج الدين الفارسيّ، عن القاضي أبي القاسم، أحمد بن ظاهر النوري [107]، عن الشيخ الإمام شرف العارفين أبي المختار، الحسن بن عبد الوهاب، عن أبي التحف [108] عليّ بن إبراهيم المصريّ، عن الأشعث بن محمد بن مرّة، عن المثنّي بن سعيد بن الأصيل البغداديّ العطّار، عن عبد المنعم بن الطيّب القدوري، عن العلاء بن وَهب، عن الوزير محمّد بن ساليق، عن أبي جرير، عن أبي الفتح المغازليّ، عن أبي جعفر ميثم التمّار رضي الله عنه [109]، قال:

كنت بين يدي مولاي أمير المؤمنين عليه السلام بالكوفة وجماعة من أصحاب رسول اللَّه

صلي الله عليه و آله حافّون به، كأنّهم الكواكب اللامعة في السماء الصاحية، إذ دخل علينا من الباب رجلٌ طويلٌ، عليه قَباءُ خزّ أدكن، معتمٌّ بعمامة أنجمية صفراء، متلقّد بسيفين، فنزلَ من غير سلام، ولم ينطق بكلام، فتطاول إليه الناسُ بالأعناق، ونظروا إليه بالآماق، ووقف عليه الناس من جميع الآفاق، وأمير المؤمنين عليه السلام لا يرفعُ رأسه، فلمّا هدأ من الناس الحواسّ، فسح عن لسانه كأ نّه حُسامٌ صقيلٌ جُذِبَ من غِمده، وقال:

«أيّكم المجتبي في الشّجاعة، والمعمّم بالبراعة، والمدرّع بالقناعة؟

أيّكم المولود في الحرم، والعالي في الشِيم، والموصول بالكرم؟» [110].

ورواه الشيخ أسعد بن إبراهيم بن الحسن بن عليّ بن عليّ الحلّي، أو الجبلي، في (أربعينه) الذي يروي أحاديثه عن مشايخه من العامّة في مجلس واحد سنة (610 ه).

وذكر شيخنا العلّامة بحّاثة العصر الحاضر في الذريعة [111]: أ نّه من علماء الحلّة من الإمامية.

فذكر فيه الحديث الأوّل بإسناده إلي أبي جعفر ميثم التمّار مثله، غير أنّ بينهما اختلافاً في بعض الحروف.

وفيه أ نّه قال:

«أيكم الإمام الأروع الأورع، البطين الأنزع، المولود في الحرم، العالي الهمم، الكريم الشيم؟

أيكم حيدر أبو تراب، قالع الباب، وهازم الأحزاب، الذي فتح له- حين سدّت الأبواب- باب، والذي نصب للعبّاس الميزاب؟» [112].

ورواه مؤلف كتاب (الروضة في الفضائل) المطبوع مع (علل الشرائع) و (معاني الأخبار) للشيخ الصدوق بالإسناد يرفعه إلي أبي جعفر ميثم التمّار، لكن روايته توافق الرواية الأُولي لأبي الفوارس في حروفها.

ففيهما أ نّه لمّا فرغ من وصفه الكثير، قال أمير المؤمنين عليه السلام:

«أنا، يا أبا سعد بن الفضل بن الربيع بن مدركة بن نجبة بن الصلت بن الحارث بن الأشعث بن السمعمع! سل عمّا بدا لك» [113].

وفي رواية أسعد: أ نّه أشار بعض

الحاضرين إلي أمير المؤمنين عليه السلام، وقال: «هذا مرادك».

وذكر الجميع القصّة التي جاء الرجل لأجلها من القتل الواقع عندهم.

وذكروا المعجزة الباهرة للإمام صلوات اللَّه عليه بإحيائه الشابّ المقتول، بإذن اللَّه تعالي، وإخباره بقاتله وغير ذلك.

وفي الأربعين لأسعد أنّ هذا حديث رواه عامّة محدّثي الكوفة [114].

وفي كتاب (عيون المعجزات) للشيخ حسين بن عبد الوهاب المعاصر لسيّدنا المرتضي علم الهدي، عن أبي التّحف عليّ بن محمد بن إبراهيم المصري عليهم السلام عن الأشعث بن مرّة، عن المثنّي بن سعيد، عن هلال بن كيسان الكوفي الجزار، عن الطلب الفواجريّ، عن عبد اللَّه بن سلمة الصحي [115]، عن شقادة بن الأصيد العطّار البغدادي، عن عبد المنعم بن الطيّب القدوري، عن العلاء بن وَهب بن [116] قيس، عن الوزير أبي محمد بن سايلويه رضي الله عنه، فإنّه كان من أصحاب أمير المؤمنين العارفين، ورحم جماعتهم [117]، عن أبي جرير، عن أبي الفتح المغازلي- رحمهما اللَّه-، عن أبي جعفر ميثم التمّار [118]، آنس اللَّه به قلوب العارفين، قال:

«كنتُ بين يدي مولاي أمير النحل- جلّت معالمه، وثبتت كلمته- بالكوفة، وجماعة من وجوه العرب حافّون به كأ نّهم الكواكب اللامعة في السماء الصاحية» [119].

وأنت تري أنّ الرجل يعدّ مناقب أمير المؤمنين عليه السلام الخاصّة به، الشهيرة بين القاصي والداني، ومنها كونه مولوداً في الحرم، المراد به البيت خصوصاً، وإلّا لما كانت خاصّة له، لأنّ المولودين في حدود الحرم وبين شعاب مكّة وهضابها كثيرون ولا فخر لأحد فيه، فإنّ الولد لابد وأن يولد في مساكن الأبوين شريفاً كان المحل أو غير شريف، نعم إذا جاوزت الولادة في المحال الشريفة حدود العادة عدّت فضيلةً، كولادة مولانا أمير المؤمنين عليه السلام في البيت الذي هو محلّ

العبادة لا الولادة، مع ما اكتنفته من الخوارق للعادات المشروحة في هذه الرسالة.

كانت هذه المصارحة من الرجل بمشهدٍ ممّن لاث [120] بالإمام عليه السلام كان هو الذي أصحر بانطباق هاتيك الأوصاف الكريمة علي نفسه المقدّسة، وناهيك به شاهداً ومشهوداً له.

أو تري أ نّه عليه السلام لو كان يعتقد خلاف ما وصفه به الرجل كان يسكت عنه ويغضّ الطرف عن إفكه؟

لاها اللَّه!

ومَن عرف سيرته وخشونته في ذات اللَّه، وتهالكه في دحر الباطل، وإدحاض معرّة البهت والزور، علمَ مكانة هذه الفضيلة من الثبوت بعد تصديقه لها، فلقد كان عليه السلام بما اكتنفته من الفضائل التي لا تحصي في غنيً عن أيّ فخفخة بالئتة ومجد كاذب.

ثمّ انثيال [121] عامّة محدّثي الكوفة علي نقل الحديث من غير نكيرٍ بينهم، مع حداثة عهدهم بالقصّة، وتمكّنهم من تمييز الصدق فيه مِن المين [122]، دليلٌ واضح علي شهرته بينهم علي العهد العلويّ وقبله وبعده، وإصفاقهم علي تصديقه والإخبات به.

وروي الوزير الأربليّ في (كشف الغمة) عن (مناقب) الفقيه ابن المغازليّ المالكي، مرفوعاً إلي عليّ بن الحسين عليهماالسلام، قال:

«كنّا زوار الحسين عليه السلام وهناك نساء كثيرة، إذ أقبلت منهنّ امرأة، فقلتُ لها: مَن أنتِ رحمك اللَّه؟

قالت: أنا زيدة بنت قُريبة بن العجلان من بني ساعدة.

فقلت لها: فهل عندك من شي ء تحدّثينا به؟

فقالت: إي واللَّه! حدّثتني اُمّ عمارة بنت عُبادة بن نضلة بن مالك بن العجلان الساعدي، أ نّها كانت ذات يوم في نساء من العرب، إذ أقبل أبو طالب كئيباً حزيناً، فقلتُ له: ما شأنك؟

فقال: إنّ فاطمة بنت أسد في شدّة من المخاض، وأخذ بيدها وجاء بها إلي الكعبة، وقال: اجلسي علي اسم اللَّه، فطلقت طلقة واحدة، فولدت غلاماً مسروراً نظيفاً منظّفاً لم أرَ

كحُسن وجهه، وسمّاه عليّاً، وحمله النبيّ صلي الله عليه و آله حتّي أدّاه إلي منزلها».

قال عليّ بن الحسين عليهماالسلام: «فو اللَّه ما سمعت بشي ء قطّ، إلّا وهذا أحسن منه» [123].

ورواه ابن الصبّاغ المالكيّ في (الفصول المهمة) عن ابن المغازلي، عن الإمام السجّاد عليه السلام [124].

ورواه شمس الدين، أبو الحسين، يحيي بن الحسن بن الحسين بن عليّ بن محمّد ابن البطريق الحلّي، من علماء القرن السادس، بإسناده عن ابن المغازلي، عن أبي طاهر محمّد بن عليّ بن محمّد البيّع [125]، عن أبي عبد ام بن خالد الكاتب، عن أحمد بن جعفر بن محمّد بن سَلم الختّلي، عن عمر بن أحمد بن روح الساجي، عن أبي طاهر يحيي بن الحسن العلوي، عن محمّد بن سعيد الدارمي، عن موسي بن جعفر، عن أبيه، عن محمّد بن عليّ، عن أبيه علي بن الحسين عليهم السلام، وذكر الحديث، وفي بعض حروفه اختلاف [126].

ولا منافاة بين ما قد يتوهّمه غير المتأمل في مغازل الكلام، من قولها في هذا الحديث: «فجاء بها إلي الكعبة» وبين ما هو مذكور في حديث يزيد بن قَعنب: من أنّ دخول فاطمة البيت لم يكن بمجي ء أبي طالب بها، وأ نّه كان من خوارق العادات، لانشقاق الجدار من وراء الكعبة، والتئام الفتحة بعد دخولها، وعدم انفتاح رتاج [127] الباب بالرغم من معالجة القوم من فتحه، وأ نّها أكلت فيها من ثمار الجنّة، وهتف بها الهاتف لمّا أرادت الخروج.

وفي رواية اُخري: أ نّه نزلت نسوة من السماء لِيَلينَ من أمرها ما تلي النساء من النساء.

إنّ هذه الرواية لم تتعهد بسرد تفاصيل القصّة بحذافيرها، وإنّما أرادت الرواية لها إشارة إجمالية إلي مولد الإمام عليه السلام، والتذكير بفضله الباهر يوم

ميلاده.

فمن المحتمل أن يكون ما شاهده فريق من بني هاشم، وفريق من بني عبد العزي من أمر فاطمة بنت أسد المذكور في خبر ابن قَعنب، ودعائها، ودخولها البيت، كان بعد ما جاء بها أبو طالب- سلام اللَّه عليه-، أهمله ابن قَعنب كما أهملت هذه الرواية أشياء اُخري من حديثه، للاختصار.

وليس في حديث ابن قعنب أيّ صراحة في أنّ أبا طالب لم يأت بها هلي فِناء البت، ولا في هذا الحديث نصّ بأ نّه هو الذي باشر إدخالها البيت، وإنّما هو ظهور متضائل.

فلا تنافي بين النقلين حتّي ينتهزه المريض قلبه فرصةً لقلب الحقائق.

وروي أبو عبد اللَّه محمّد بن يوسف بن محمّد القرشي الشافعي الكنجيّ الحافظ، المتوفّي سنة (658 ه) في (كفاية الطالب) في الباب السابع من الأبواب الاثني عشر، التي ذكرها في اُخريات الكتاب بعد تمام الأبواب المائة، قال:

أخبرنا الشيخ المقري ء أبو إسحاق إبراهيم بن يوسف بن بركة الكتبي، في مسجده بمدينة الموصل، ومولده في سنة (554 ه) قال: أخبرنا أبو العلاء الحسن بن أحمد بن الحسن العطّار الهمداني إجازة عامّة، إن لم تكن خاصّة، أخبرنا أحمد بن محمّد بن إسماعيل الفارسي، حدّثنا فاروق الخطابي، حدّثنا الحجّاج بن المنهال، عن الحسن بن مروان بن عمران الغنوي، عن شاذان بن العلاء، حدّثنا عبد العزيز بن عبد الصمد، عن مسلم بن خالد المكّي المعروف بالزنجي، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد اللَّه، قال: سألت رسول اللَّه صلي الله عليه و آله عن ميلاد عليّ بن أبي طالب.

فقال: «لقد سألتني عن خير مولود ولد في شبه المسيح عليه السلام، إنّ اللَّه تبارك وتعالي خلق عليّاً من نوري، وخلقني من نوره، وكلانا من نور واحد، ثمّ إنّ اللَّه عزّ

وجل نقلنا من صلب آدم إلي أصلاب طاهرة، وإلي أرحاك زكيّة، فما نقلت من صلب إلّا ونقل عليّ معي، فلم نزل كذلك حتّي استودعني خير رحم وهي آمنة، واستودع عليّاً خير رحم وهي فاطمة بنت أسد.

وكان في زماننا رجلٌ زاهدٌ عابد يقال له: المبرم بن دعيب بن الشقبان، قد عبد اللَّه مائتين وسبعين سنة، لم يسأل اللَّه حاجة، فبعث اللَّه إليه أبا طالب، فلمّا أبصره المبرم قام إليه وقبّل رأسه وأجلسه بين يديه، ثمّ قال له: مَن أنت؟

فقال: رجل من تهامة.

فقال: من أيّ تهامة؟

قال: من بني هاشم.

فوثب العابد فقبّل رأسه مرّة ثانية، ثمّ قال: ا هذا، إنّ العلي الأعلي ألهمني إلهاماً!

قال أبو طالب: ما هو؟

قال: ولدٌ يولد من ظهرك، وهو وليُّ اللَّه عزّ وجل.

فلمّا كانت الليلة التي وُلِدَ فيها علي عليه السلام أشرقت الأرض، فخرج أبو طالب وهو يقول: أيّها الناس ولد في الكعبة وليّ اللَّه عزّ وجل.

فلمّا أصبح دخل الكعبة وهو يقول:

يا ربّ هذا الغسقُ الدجيُّ

والقمرُ المبلَّجُ المضيُّ

بيّن لنا مِن أمرك الخفيِّ

ماذا تري في اسم ذا الصبيِّ؟

قال: فسمع صوت هاتف وهو يقول:

يا أهل بيت المصطفي النبيِّ

خُصِصتم بالولد الزكيِّ

إنّ اسمه من شامخ عليٍّ

عليّ اشتقّ من العليّ» [128].

قال الحافظ الكنجيّ: قلت: هذا حديث اختصرته، ما كتبناه إلّا من هذا الوجه، تفرّد به مسلم بن خالد الزّنجي، وهو شيخ الشافعي، وتفرّد به عن الزّنجي عبد العزيز بن عبد الصمد، وهو معروف عندنا، والزّنجي لقب لمسلم، وسمّي بذلك لحسنه وحُمرة وجهه وجماله [129].

وقال العالم الضليع المولي، محمّد رضا بن محمّد مؤمن، المدرّس الإمامي، في الجدول السابع من كتابه (جنّات الخلود): إنّه عليه السلام ولد في ضحي الجمعة، اعتري اُمّه الألم، ولم تكن تحتمل الطلق في وقتها، فدخلت البيت

للاستشفاء، فاُوصد بابه من قبل نفسه، وكلّما عالج أبو طالب وإخوته أن يفتحوه لم يُفتح، وانشقّ سقف البيت، ونزلت حواء ومريم وسارة وآسية تصحبهنّ الملائكة والحور، ومعهنّ الطّست والإبريق وحرير من حرير الجنّة، فقمن بواجب الولادة، حتّي إذا ولد الإمام عليه السلام سجد وتلا قوله تعالي: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ» [130].

ولا يناقض هذا ما عرفته من انشقاق جدار البيت لدخولها، فإنّ أقصي ما في هذا الحديث إهمال كيفية الدخول.

فمن الجائز أن تكون علي الصفة التي وصفها في الأحاديث الاُخر، ومحاولة القوم لفتح الباب، لأ نّه كان أيسر لهم من إعادة الفتحة بعد التائامها، لا لأ نّها دخلت منه.

علي أ نّها كانت من الاُمور الإلهية التي لا تتأتّي لغيره سبحانه، وما كان من الهيّن الهدم العادي لإخراجها مع وجود الباب، والقوم لمّا عمدوا إلي الباب ورأوا تعاصيه علي تماديهم في فتحه، عرفوا أنّ شِروي [131] التئام الفتحة أمرٌ غيبيّ لا يتسنّي لهم معالجته، فتركوه لحاله.

حديث الولادة والنسّابون

عرف الباحثون أنّ في أمثال هذه المسألة من أظهر ما تنتهي إلي النسّابة أخباره، وأ نّها من الحقائق التي لا تعزب عنها حيطتهم، فهم ذوو خبرة في هذا الباب، ونصوصهم فيها إحدي الحجج القويمة علي إثباتها، ونحن إذا رفعنا إليهم الأمر وجدناهم حكماً عدلاً، ولهم فيه قضاءٌ فصل.

لقد مرّ عليك قول النسّابة العمريّ في (المَجدي): «وولدت- يعني فاطمة بنت أسد- علياً عليه السلام في الكعبة، وما وُلِدَ قبلَهُ أحدٌ فيها» [132].

وفي (عمدة الطالب) تأليف جمال الدين، أحمد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن مهنا بن عِنَبَة الأصغر الداوديّ الحسني النسّابة، المتوفّي سنة (828 ه) ذكر محل الولادة، وهي: الكعبة، ويومها وهو: الجمعة، وشهرها وهو: الثالث عشر من رجب، وعامها وهي:

سنة ثلاثين من عام الفيل.

ونفي أن يكون أحدٌ ولد في البيت سواه قبله وبعده إكراماً له من اللَّه عزّ وجل [133].

وقال العلّامة السيّد محمد بن أحمد بن عميد الدين عليّ الحسيني النجفي النسّابة في (المشجّر الكشّاف لاُصول السادة الأشراف): وُلِدَ عليه السلام بمكّة في البيت الحرام، وذكر اليوم والشهر والعام، كما عرفته عن الداوديّ، قال: «ولم يولد قبله ولا بعده مولودٌ في بيت اللَّه الحرام سواه» [134].

وفي (مناهل الضرب في أنساب العرب) تأليف النّسابة أبي عبد اللَّه، جعفر بن محمد بن جعفر بن الراضي، أخي المحقّق الأوحد السيّد محسن بن المرتضي الحسينيّ الأعرجيّ الكاظميّ، شِروي ما نصّ به النسّابة العميدي، عدا اختلاف في اللفظ يسير [135].

وفي (اُرجوزة في مواليد الأئمة عليهم السلام ووفياتهم) للعلّامة أبي صالح، محمد المهديّ بن بهاء الدين محمّد الملقّب بالصالح بن الشيخ معتوق بن عبد الحميد، الفتونيّ العامليّ النباطيّ النجفيّ النسّابة، المتوفّي سنة (183 ه) صاحب (حديقة النسب) قال:

مولدُه الجمعةُ يومَ السابعِ

في شهر شَعبان ببيت الصانعِ

وقد خلت منه ثلاثون سنه

من مولد النبيّ فاعلم سُنَنَه

حديث الولادة والمؤرّخون

والسابر زُبُر التاريخ يجد هذا الحديث من أثبت ما تعرّض له مولّفوها، وقد أثبتوه مخبتين به، مُذعنين بحقيقته، ومنهم من نصّ بصحّته عندهم جميعاً.

ففي (روضة الصفا) للمؤرّخ الضليع الشهير، محمّد خاوند شاه: «كانت ولادته عليه السلام- في رواية- يوم الجمعة، في الثالث عشر من رجب، سنة ثلاثين من عام الفيل.

وقيل: إنّها سنة ثمان وعشرون من العام المذكور.

وكان ميلاده عليه السلام في جوف الكعبة، فإنّ اُمّه كانت تطوف بالبيت، أو أنّ المشيئة الإلهية أجاءتها إلي فنائه، وكانت في أوان الطلق، فكانت ولادته فيها، ولم تتح هذه السعادة لأيّ أحدٍ منذ بدء الخليقة إلي الغاية.

وإنّ لصحّة هذا الخبر بين

المؤرخين المتحفّظين عن الفضائل صيتٌ لا تشوبه شبهةٌ، وتجاوز عن أن يصحبه الشكّ والترديد» [136].

انتهي مترجماً من الفارسي وملخّصاً.

والممعن في كلمة هذا المؤرخ البارع في فنّه، الواقف علي المختلف فيه والمتّفق عليه، يري حقيقة ما نحن بصدده من ثبوت هذه الفضيلة عند نقلة السير، وتلقيهم إياها بالقبول حيث يقول بمل ء فمه: «إنّ صيت صحّتها قد تجاوز عن أن يشك فيه أو تحوم حولها الشبهات».

وقد عرفت في غضون هذه الرسالة كثيراً ممّا يشبهه، أو يربو عليه، أو يقاربه.

والرجل مع ذلك يصافق من تقدّمه علي أ نّها ممّا اختصّ بها أمير المؤمنين عليه السلام ولا يشاركه فيها أيّ أحدٍ.

ولا ريب في ذلك، غير أنّ أعداء آل البيت النبويّ افتعلوا حديث حكيم بن حزام فتّاً في عَضُد هذه الفضيلة.

لكن المنقّبين من الفريقين لم يأبهوا به، وبذلك تعرف قيمة ما هملج به القاضي روزبهان [137] من أنّ ذلك مشهور بين الشيعة ولم يصحّحه علماء التاريخ، بل عند أهل التواريخ أنّ حكيم بن حزام ولد في الكعبة ولم يولد فيه غيره … إلي آخره.

وستجد نصوص التاريخ بذلك، وعرفت ردّ الحاكم النّيسابوري من حصر ولادة البيت بحكيم، وذكر تواتر النقل بولادة أمير المؤمنين عليه السلام فيه.

ومرّ أيضاً رواية أساطين أهل السنّة، ولذلك ما يتلوه.

وإنّك تجد شيخ المؤرّخين الثبت الحجّة عند الفريقين أبا الحسن، عليّ بن الحسين بن عليّ، الهُذلي المسعوديّ، المتوفي سنة (333 ه) أو سنة (345 ه) في (مروج الذهب) عند ذكر خلافة أمير المؤمنين عليه السلام، مثبتاً هذه الحقيقة، جازماً بها من غير ترديد، قال: «وكان مولده في الكعبة» [138].

وهذا الكتاب من أوثق المصادر التاريخية رضيً، واحتجّ به الموافق والمخالف، وقد راعي فيه جانب التقيّة بما يسعه، بتأليفه علي

نسق كتب أهل السنّة وما يرتضونه من رواياتهم، حتّي حسبه بعض- من لم يرد من كتبه غيره، ولم يستكنه حياته الطيّبة، ولم يلفت نظره إلي غير يسير من الإشارات بل النصوص في نفس هذا الكتاب- أ نّه منهم.

فهل من السائغ إذن: أن يذكر في كتاب هذا شأنه غيرَ الثابت المتسالم عليه عند الاُمّة جمعاء، لا سيّما في مثل المقام الذي يكثر فيه بطبع الحال وَرَطات القالة؟

وفي كتاب (إثبات الوصية) للمسعوديّ أيضاً:

«وروي أنّ فاطمة بنت أسد كانت تطوف بالبيت، فجاءها المخاض وهي في الطواف، فلمّا اشتد بها دخلت الكعبة، فولدته في جوف البيت علي مثال ولادة آمنة النبيّ صلي الله عليه و آله، وما ولد في الكعبة قبله ولا بعده غيره» [139].

و (إثبات الوصيّة) من أنفس كتب الإمامية.

وليس من الجائز أن يحتجّ ويتبجّح فيه بما لا يقرّ به الخصم، ولا تذعن به اُمّته، ثمّ يقول بكل صراحة: «وما ولد … » وبمشهد منه ومسمع ما تحذلقوا [140] به من أمر حكيم بن حزام، غير أنّ المؤرخ لا يقيم له وزناً.

وذكر حمد اللَّه المستوفي في (تاريخ گزيده): «أنّ مولده عليه السلام كان سنة ثلاثين من عام الفيل، الموافقة لسنة اثنتا عشرة بعد اتسع مائة الإسكندرية، لثمان سنين مضين من ملوكية أبرويز [141]، وكان في الكعبة حيث كانت اُمّه في الطواف، فبان عليها أثر الطلق، فأشارت إلي البيت ووضعته في جوفه» [142].

انتهي مترجماً من الفارسيّة وملخّصاً.

وفي التاريخ الإسكندري اختلاف بين ما يقوله هذا المؤرّخ، وبين محمّد بن طلحة الشافعيّ في (مطالب السؤول)، قال: «إنّه عليه السلام ولد ليلة الأحد الثالث والعشرين من رجب، سنة تسعمائة وعشر من التاريخ الفارسيّ المضاف إلي إسكندر.

وكان ملك الفرس يومئذ مستمراً، وكان ملكهم

أبرويز بن هرمز.

وقيل: ولد في الكعبة، البيت الحرام» [143].

ومخالفات الرجل للمشهور غير محصورة بهذا كما تراه في قوله: «ليلة الأحد» وقوله: «الثالث والعشرين».

إذن فلا نأبه بخلافه هذا، كما لم نأبه بغيره.

ولا نكترث بإسناد ولادة البيت إلي القيل، بعد ما عرفناه عن الحاكم من تواترها، وعن الآلوسي من اشتهارها في الدنيا والنصوص المتعاضدة بما يشبه ذلك.

وجزم من جزم به من أئمّة الفن وحَمَلة الآثار.

والرجل صاحب رياضة وتصوّف، وليس تضلعه في العلم والحديث كغيرهما ممّا نسب إليه.

وعلي أيّ، فلا يقلّ ما ذكره عن أن يكون إحدي الروايات في الباب ومن مؤكّداته.

وفي (مرآة الكائنات) تأليف المؤرخ البّحاثة نشانجيّ زاده، محمّد بن أحمد بن محمد بن رمضان: «أ نّه عليه السلام ولد، ولرسول اللَّه صلي الله عليه و آله ثلاثون سنة، كانت اُمّه فاطمة زائرة البيت، فولدته فيه لحكمة اللَّه سبحانه فيه، ولم يرزق هذا غيره، وغير حكيم بن حزام» [144].

انتهي مترجماً من التركية.

ولقد عرفت أنّ مولد حكيم فيه من الصدف الاتفاقية لا عن قصد، فليست فيه فضيلة تعدّ، وإنّما الفضيلة في مولد سيّدنا أمير المؤمنين عليه السلام علي التفصيل الذي أسلفناه، وهو الذي عرفه هذا المؤرّخ نفسه حيث عدّ ذلك من حكم اللَّه سبحانه.

وفي (سِيَر الخلفاء) للمعاصر عبد الحميد خان الدهلوي، عن غير واحد من المؤرخين، أ نّه «ولد في مكّة المكرّمة يوم الجمعة في الثالث عشر من رجب، سنة ثلاثين من عام الفيل، ولم يتولّد أحدٌ قبله في حصار البيت».

قال: «وإنّه وإن كان رابع الخلفاء، ولكنّه صاحب أثر واقتداد علي عهد كلّ من الخلفاء، وكان يمدّ أبا بكر بآرائه، وكان من أكبر أنصار عمر بن الخطاب، وكذلك بعده مع عثمان» [145].

انتهي مترجماً من الهندية، وملخّصاً.

وفي (تاريخ قم)

تأليف العالم المؤرّخ، الحسن بن محمّد بن الحسن القمي، الذي أ لّفه للصاحب بن عباد سنة (378 ه) وفي ترجمته إلي الفارسية للفاضل الجليل، الحسن بن عليّ بن الحسن بن عبد الملك القمي، الذي ترجمه بأمر الوزير فخر الدين بن شمس الدين سنة (865 ه) وطبع في طهران سنة (1313 ش) المطابقة لسنة (1353 ه) القمرية.

ففي الفصل الأوّل من الباب الثالث: «إنّ ولادة أمير المؤمنين في الكعبة يوم الخميس ثامن ربيع الأول، سنة ثلاثين من عام الفيل.

وفي رواية: سنة ثمان وعشرين منه» [146].

وما ذكره من تاريخ الاسبوع والشهر غريب، وإنّما قصدنا في نقله ما يوافق غيره من المؤرّخين من النصّ بولادة الكعبة.

والرجل من عظماء المؤرّخين والمحدّثين القدماء، يحتجّ بقوله ويعوّل عليه وعلي كتابه.

ولا ينافيه ترجيحنا رواية غيره من العظماء فيما وقعت المخالفة بينهما لمرجّحات خارجية، لكنّ موضوع رسالتنا هذه ممّا لم يختلف فيه الأوّل والآخر.

فقال البحاثة السيّد عليّ جلال الدين الحسيني الكاتب المؤرّخ المعاصر المصريّ في كتابه (الحسين عليه السلام): «أ نّه عليه السلام ولد بمكّة في البيت الحرام، يوم الجمعة الثالث عشر من رجب، سنة ثلاثين من عام الفيل.

قال الشيخ المفيد: ولم يولد قبله ولا بعده مولودٌ في بيت اللَّه تعالي سواه.

وقال عبد الباقي أفندي الموصليّ العمريّ:

أنتَ العليُّ الذي فوقَ العُلا رُفعا

ببطنِ مكّةَ عندَ البيتِ إذ وُضِعا» [147].

وفي (تاريخ نگارستان) لأحمد بن محمد بن عبد الغفار الغفاريّ القزويني من مؤرّخي القرن العاشر.

وموضوع الكتاب تأريخ ملوك الإسلام إلي سنة (949 ه) وهو مذكور في (كشف الظنون) للچلبي، و (الذريعة) لشيخنا البحاثة الحجة الشيخ آقا بزرك الرازي، وطبع سنة (1245 ه).

ففيه: أ نّه ولد في جوف الكعبة [148].

وذكر التاريخ موافقاً للسيد علي جلال الدين في السنة

والشهر والاسبوع.

وفي (روضة الصفا ناصري) للبحاثة المؤرّخ الشهير رضا قلي خان هدايت: «أنّ من المحقَّق: لمّا عادت فاطمة بنت أسد صدفاً لذلك الجوهر الملوكي، ظهرت لها من إمارات السّعود ما أخبتت بعظمة الحمل الذي كان في بطنها.

ولقد بشّر به أبا طالب مثرم بن دعيب بن سقيام، من رُهبان المسيحيين الإلهيين، وكان يسكن جبل لكام من جبال الشام، الذي كان معبداً للمرتاضين، ولقد عمّر مائة وتسعين عاماً.

ولمّا انتهت أيام حملها قصدت الكعبة يوماً، فانشقّ لها الجدار، ودخلته فالتأمت الفتحة.

وتعجّب العباس بن عبد المطلب، ويزيد بن قَعنب، وبقية الحضور، وتعذّر عليهم فتحُ الباب والدخول عليها.

حتّي خرجت هي في اليوم الرابع وابنها علي يَدها، وهي مباهيةٌ به.

فوافي أبو طالب ودخل معها البيت، ووجدَ لوحاً فيه هذان البيتان:

خُصِصتما بالولد الزكيِّ

والطاهر المطهّر المنتجبِ المرضيِّ

إنّ اسمه من شامخٍ عليِّ

عليٌّ اشتقَ من العليِّ

يقال: إنّ هذا اللوح كان معلّقاً بمكّة، حتّي أخذه عبد الملك.

وكانت الولادة الميمونة يوم الجمعة، لثالث عشر من رجب، قبل البعثة بعشرة أعوام، وقبل الهجرة بثماني وعشرين سنة [149].

وكان عمرُ النبيّ صلي الله عليه و آله ثمانية وعشرين عاماً.

فوُلِدَ وَليُّ اللَّه سلام اللَّه عليه في البيت علي الرّخامة الحمراء.

وذكر الفنّيون بالفلكيات والنجوم أنّ ساعة الميلاد كانت في طالع العقرب، والزُّهرة والقمر في بيت الطالع، وكان المرّيخ وزحل في الحوت، وعطارد والشمس والمشتري في السُّنبلة.

وبما أنّ المرخي وزحل في الخامس والعشرين الذي هو منسوب للأولاد، كان ولده سلام اللَّه عليهم بين مقتول بالسيف الذي منسوبٌ إلي المريخ، وآخر مستشهد بالسُّم الذي هو منسوب إلي زحل.

ويوجد نظير هذه الأحكام في كتاب (جاماسب) الحكيم الفارسيّ» [150].

مترجماً من الفارسيّة وملخّصاً.

وفي (بستان السياحة) للمؤرّخ المنقّب الحاج، زين العابدين بن إسكندر الشرواني، بعد ذكر ولادته عليه

السلام من غير ترديد في العام الثلاثين من واقعة الفيل في جوف الكعبة، وعن بعضهم أ نّه في الثالث عشر من رجب:

«إنّ من المتّفق عليه: أنّ غيره- صلوات اللَّه عليه- لم يُولد هناك» [151].

وذكر بيتاً فارسياً، هذا نصّه:

شد او درّ و بيت الحرامش صَدَف

كسي را ميسّر نشد اين شَرَف

وفي (روضة الشهداء) للمولي حسين الكاشفي عن (بشارة المصطفي) وذكر حديث يزيد بن قَعنب مختصراً، كما مرّ.

ثمّ نقل عن الإمام أبي داود البناكتي أ نّه «لم يولد أحدٌ قبلَه ولا بعدَه في البيت» [152].

والعلويّة المباركة، تلك القصيدة التاريخية المُربيَة علي الخمسة آلاف بيت في حياة أمير المؤمنين عليّ عليه السلام للصحافي الشهير عبد المسيح الأنطاكي صاحب مجلّة (العمران) المصريّة [153].

في رَحبة الكعبة الزهرا قد انبثقت

أنوارُ طفلٍ وضاءت في مَغانيها

واستبشرَ الناسُ في زاهي ولادته

قالوا: السُّعودُ له لابدَّ لاقيها

قالوا ابنُ مَن؟ فأُجيبوا: إنّه ولدٌ

من نسل هاشمِ من أسمي ذَراريها

هنّوا أبا طالبِ الجّواد والدَهُ

والأُمَّ فاطمة هُبُّوا نُهنّيها

إنّ الرضيعَ الذي شام [154] الضياء ببي

-تِ اللَّه عزّتُهُ لا عزَّ يَحكيها

أ مّا الوليدُ فلاقي الأرض مُبتسماً

فما رغا رَهَباً ما كان خاشيها

إلي النساءَ التي حولَيه قد نظرت

عيناهُ نظرةَ مُستجلٍ خوافيها

وهنَّ أعجبنَ بالمولُود شِمْنَ بهِ

شِبلاً ببنيَتِهِ سُبحان بانيها

وقلنَ فاطمُ قد جاءت بِحَيدرةٍ

يذبُّ عن قومه العُدوي ويَحميها

فَراقَ فاطمةٌ والطفلُ بينَ يَدي

-ها قولةٌ سمعتها من جواريها

واستبشرت ثمّ قالت: ولدي أسدٌ

فباسمه صِرتُ أُسْميهِ بخافيها

ثمّ أبو طالبٍ وافي حليلته

وطفلها وانثني صَفواً يحاليها

وهمَّ بالطفل يستجلي ملامحَه الز

هرا فالفي المعالي كُوّنت فيها

وقالت الأُمُّ: يا بشري بِحَيدرةٍ

بُشري أبا طالبٍ وافيتُ أُسديها

أجابَها: بل عليٌّ إنّني لأرا

هُ بالغاً ذِروة العَليا وراقيها

اللَّهُ أكبرُ من تلك الفَراسة بال

-مولود والوالد المفضالِ رائيها

قد حقّقتها الليالي بالوليدِ فأمر

-سي بينَ أهل العُلا والمجد عاليها

وعام مولده العام الذي بدأت

بشائرُ الوحي تأتي

من أعالهيا

فيه الحجارةُ والأشجار قد هتفت

للمُصطفي وهو رائيها وصاغيها

وإذ دري المصطفي فيه ولادةَ مو

لانا العَليّ غدا بالبُشر يُطريها

وباتَ مُستبشراً بالطفلِ قال به

لنا من النِعَمِ الزَهراء ضافيها

علّق الناظم المؤرّخ علي هذا المورد من قصيدته بقوله:

«كانت ولادة سيّدنا ومولانا أمير المؤمنين في العام الثلاثين لولادة المصطفي- عليهما وعلي آلهما الصلاة والسلام علي ما حقّق المحقّقون، فتكون ولادته الشريفة حول سنة ستة مائة وواحد مسيحيّة، ومن بشائر سعده- عليه صلوات اللَّه- أ نّه وُلِدَ في الكعبة كرّمها اللَّه، ولدته اُمّه فيها، فاستبشر بذلك أبوه وعمومته.

وعند ولادته الشريفة دعته اُمّه: «حيدرة» ومعني هذه الكلمة: «الأسد» فكأ نّها أرادت أن تسمّيه باسم أبيها، فلمّا وقعَ نظرُ أبيه أبي طالب عليه توسّم بملامحه العلاء، ودعاه «علياً».

وقد صدّقت الأيام فراسته، فكان عليه صلوات اللَّه «عليّاً» في الدنيا والآخرة.

وعام ولد سيّدنا أمير المؤمنين- عليه صلوات اللَّه- هو العام المبارك الذي بدي ء فيه برسول اللَّه صلي الله عليه و آله فأخذ يسمعُ الهُتاف من الأحجار والأشجار، ومن السماء، وكشف عن بصره فشاهد أنواراً وأشخاصاً.

وفي هذا العام ابتدأ بالتبتّل والانقطاع والعزلة في جبل حِراء.

وكان رسول اللَّه صلي الله عليه و آله يتيمّنُ بذلك العام، وبولادة سيّدنا عليّ- عليهما وعلي آلهما الصلاة والسلام- وكان يسمّيه: «سنة الخير، وسنة البركة».

وقال المصطفي صلي الله عليه و آله لأهله عندما بلغته بشري ولادة المرتضي: «لقد وُلِدَ لنا الليلة مولودٌ، يفتحُ اللَّه علينا به أبواباً كثيرةً من النعمة والرحمة».

وكان قوله هذا أوّل نُبوّته، فإنّ المرتضي- عليه صلوات اللَّه- كان ناصره، والحامي عنه، وكاشف الغمّاء عن وجهه، وبسيفه ثبت الإسلامُ، ورسخت دعائمُه وتمهّدت قواعدُه» [155].

وفي الرسالة الموضوعة لتأريخ مواليد أئمّة الدين عليهم السلام ووفياتهم، تأليف العلّامة الأوحد السيد محمّد الطباطبائي، جدّ

آية اللَّه بحر العلوم: أ نّه عليه السلام «وُلِدَ بمكّة في جوف الكعبة، ولم يولد قبله ولا بعده أحدٌ فيه سواه، إكراماً له من اللَّه جلّ اسمه بذلك، في يوم الجمعة الثالث عشر من شهر بجب الأصم، علي ما نقله جلّ أهل التاريخ بل كلّهم … ».

وفي الجدول الذي عمله السيّد الأجلّ أبو جعفر، محمّد بن أمير الحاج الحسينيّ في شرح قصيدة الأمير أبي فراس الحمداني، تعيين يوم ولادته بالجمعة، وشهرها بالثالث عشر من رجب، وعامها بالثلاثين من واقعة الفيل، ومحلّها بالكعبة [156].

وقال الكفعميّ في جنّته المعروف ب (المصباح) الذي أ لّفه سنة (895 ه) عند ذكر شهر رجب: «وفي ثالث عَشَر، يوم الجمعة، وُلِدَ عليّ بن أبي طالب عليه السلام في الكعبة، قبل النبوّة باثنتي عشرة سنة، وللنبيّ صلي الله عليه و آله ثمانٍ وعشرون سنة» [157].

وفي الجدول الذي عقده شيخ الإسلام، ميرزا حسن الزنوزيّ نزيل (خُوي) علي العهد الدنيلي، لمواليد الأئمة عليهم السلام ووفياتهم في كتابه (بحر العلوم): «أنّ ولادته عليه السلام الكعبة».

وعرفت في باب إثبات شهرة الحديث نقله عن كتاب (الدر المسلوك في أحوال الأنبياء والأوصياء والملوك) للشيخ أحمد بن الحسن الحرّ العاملي، فراجع [158].

ووجدناه مرسلاً إرسال المسلّم في كتاب (حياة عليّ بن أبي طالب عليه السلام) لبعض خريجي كلية باريس.

وفي (تجارب السلف في تواريخ الخلفاء ووزرائهم) تأليف هندو شاه بن عبد اللَّه الصاحبيّ النخجواني، الذي فرغ منه سنة (724 ه): «أنّ علياً عليه السلام ولد في الكعبة، وكان المصطفي صلي الله عليه و آله ابن ثلاثين، ولمّا ولد عليّ عليه السلام سمّته اُمّه (حيدرة) وحيدرة اسم الأسد، وسمّاه النبيّ صلي الله عليه و آله عليّاً، وكنّاه بأبي تراب» [159].

مترجماً عن الفارسية.

وقال

الحلبيّ في سيرته (إنسان العيون): «إنّه عليه السلام وُلِدَ في الكعبة، وعمره- يعني عمر النبيّ صلي الله عليه و آله- ثلاثون سنة».

ثمّ قال: «وقيل: الذي وُلِدَ في الكعبة حكيم بن حزام، قال بعضهم: لا مانع من ولادة كلهيما في الكعبة.

لكن في (النور) حكيم بن حزام ولد في الكعبة، ولا يعرف ذلك لغيره، وأ مّا ما روي أنّ علياً عليه السلام ولد فيها، فضعيف عند العلماء» [160].

وأنت تجد من سياق العبارة أنّ المعتمد عند الرجل هو ولادة الإمام عليه السلام في الكعبة، ولذل ذكرها أوّلاً مرسلاً إيّاها إرسال المسلّم، ثمّ عزا ولادة حكيم بن حزام فيها إلي القيل إيعازاً إلي وهنه.

ولذلك أردفه بجواب البعض عنه.

لكنّه وجد لصاحب (النور) كلمةً لم يرقه الإغضاء عنها بما هو مؤرّخ أخذ علي عاتقه إثبات المقول في كلّ باب، وإذ لم يجد جواباً عنها لغيره لم يشفعها به.

واكتفي هو بما ذكرناه من اعتماده علي حديث الولادة عن أن يردّ كلمة الرجل، لأ نّه مؤرّخ لا مُنقّب.

وأمّا صاحب (النور) فيكفيك في تفنيد مزعمته ما تقف عليه في هذه الرسالة من نصوص علماء أهل السنة في ذلك، ورواياتهم.

وقد عرفت نصّ الحاكم والمحدّث الدهلويّ بتواتر حديثه، وقول الآلوسيّ: «إنّه أمرٌ مشهورٌ في الدنيا».

وأيّ عالم يردّ المتواتر، أو يعدوه أمرٌ مشهورٌ ثبوتُه في الدنيا فيضعّفه حتّي يقول الرجل بمل ء فيه: «إنّه ضعيف عند العلماء».

وإن تعجب فعجبٌ إثباته ولادة حكيم التي لم يستقم إسنادها، ولا اعترف بها مخالفوه وأُمم من موافقيه.

وعلي فرض وقوعها فقد ذكرنا في غير مورد من هذه الرسالة وذكر الصفوريّ الشافعيّ: أ نّها من الصدف التي تثبت فضيلةً ولا تخرق عادةً.

ثمّ تضعيفه ولادة أمير المؤمنين التي أخبت بها أئمّةُ الحديث، وأثبتها نَقَلَةُ التاريخ،

وطفحت بها كتبُ الأنساب، ونظّمتها الشعراءُ، وقال بها العلماءُ، وفيهم مَن ينفي أن يكون لغيره- صلوات اللَّه عليه- مولد في البيت؟

فقد مرّ عن الحاكم قوله: «ولم يولَد قبله ولا بعده مولودٌ في بيت اللَّه الحرام سواه»، هذا مع روايته حديث حكيم بن حزام.

لكنّه بما هو محدّث أخذ علي عاتقه إثبات المرويّات.

والإخبات بمفاده أمرٌ آخر تكشف عن عدمه كلمته هذه.

ويأتي عن البدخشيّ قوله: «ولم يولَد في البيت أحدٌ سواه، قبله ولا بعده، وهي فضيلةٌ خصّه اللَّه بها».

ثمّ ذكر عن بعضهم رواية قصّة حكيم، فقال: «واللَّه أعلم» مُشعراً بوهنه.

وعرفت عن أبي داود البناكتي أنه: «لم يحظَ أحدٌ قبلَ الإمام عليه السلام ولا بعده بشرف الولادة في البيت» [161].

ويشبه هذه كلّها كلمة ابن الصبّاغ المالكيّ السابقة: «ولم يولَد في البيت الحرام قبله أحدٌ سواه، وهي فضيلةٌ خصّه اللَّهُ تعالي بها إجلالاً له، وإعلاءً لمرتبته، وإظهار لتكرمُتَه».

وبمطلع الأكمة منك قول الدهلوي في (سِيَر الخلفاء) أ نّه: «لم يتولّد أحدٌ قبله في حصار البيت».

ولعلّ قيد ذاكرتك كلمة أبي الثناء الآلوسيّ في أوليات هذه الرسالة: «ولم يشتهر وضعُ غيره كرّم اللَّه وجهه، كما اشتهر وضعه».

يوعز إلي وهن ذلك الحديث، وانحياز الشهرة عنه.

وقبيله قول المحدّث الدهلويّ في (إزالة الخفاء): «ولم يولد فيها أحدٌ سواه قبله ولا بعده».

إلي غير هؤلاء من مهرة الفنّ، وأئمّة النقل، وأصفقَ معهم علماء الشيعة كافّة.

وقد أوقفناكَ علي كلمات زُرافات منهم.

فلو كان يقام لولادة حكيم في البيت وزنٌ عندَ هؤلاء لما أطلقوا القول بمل ء الأفواه أنّ تلك خاصّة لأمير المؤمنين عليه السلام لا يشاركه فيها أحدٌ، مع وقوفهم علي أمر حكيم، وفيهم من أورده في كتابه لكنّه غير آبِهٍ به.

ويقربُ من هذه الهملجة ما جاء به الديار بكري في

(تاريخ الخميس) قال: «وُلِدَ بمكّة بعدَ عام الفيل بسبع سنين، ويقال: كانت ولادته في داخل الكعبة، ولم يثبت» [162].

وليت شعري، بماذا تثبت الحقائقُ التاريخية؟

أبالوحي؟ أم بأخبار الأنبياء؟ وهتاف الكتب السماوية؟

أم أنّ المرجع فيها الرجل والرجلان من النَقَلة والرواة؟

وهل التزم الديار بكريّ في كتابه بأكثر من هذا؟

فما بال هذه الحقيقة التي هَتَفَت بها المئاتُ والأُلوفُ، وأثبتتها طبقاتُ الناس جيلاً بعد جيل، لم تثبت عنده؟

وثبتت لديه هَفوات التاريخ، التي لو أحصيتها لخرجت عن وضع الرسالة؟

ثمّ ما بال الديار بكري يعتمد علي شواهد النبوّة كلّما نقل عنه، ولا يرتضيه في خصوص المقام؟

ثمّ ما باله يغضّ الطرفَ عن غلطه الشائن من أنّ ولادته عليه السلام كانت بعدَ عام الفيل بسبع سنين، لكنّه يردّ حديث ولادة البيت بعدم الثبوت؟

أنا أدري لماذا؟

وأنت تدري.

وقبلنا الديار بكريّ يدري.

حديث الولادة والشعراء

عرفت أنّ الحديث الشريف بلغَ من الشهرة والثبوت بحيثُ لا يسعُ أيَّ مُعنت إنكاره.

ولذلك احتجّ به فريقٌ كبيرٌ من المحقّقين في كتب الإمامة، وأرسله إرسال المسلّمات جموعٌ من نياقد فنّ الحديث في باب الفضائل، وتبجّحَ به زرافاتٌ من حَمَلةِ العلم ونقّاده في مؤلّفاتهم.

وهنالك لفيفٌ لا يستهان بعدّتهم، ولا يغمزُ في شي ئ من تثبّتهم وضبطهم من صيارفة القول، وصاغة القريض، وزُبناء الشعر، بين عالمٍ ضليعٍ، وأديبٍ بارعٍ، وشاعرٍ مبدعٍ، تصدّوا لإثبات هذه الفضيلة فيما أفرغوه في بوتقة النظم، أو حاكوه علي نول الحقيقة.

فسار ذكرها مع الرُّكبان، وانتشر نشرها مع مهبّ الريح، كما مرّ عن الحميريّ، والسّرخسي، والشفهينيّ، والحرّ العاملي، والأفنوني، وغيرهم.

وإليك ذكر آخرين منهم، وهم كما وصفناه لك من المكانة الراسية من العلم والأدب:

قال العلّامة الكبير الورع الشيخ، حسين نجف، المتوفي (1252 ه) من قصيدة ع لويّة مثبّتة في ديوانه المخطوط:

جعلَ اللَّهُ بيتَه لعليٍّ

مَوْلِداً يا لَه

عُلاً لا يضاهي

لم يشاركهُ في الوِلادة فيهِ

سيّدُ الرسل لا ولا أنبياها

علمَ اللَّهُ شوقَها لعليٍّ

علمه بالذي بهِ مَن هَواها

إذ تمنّت لقاءَهُ وتمنّي

فأراها حبيبَهُ ورآها

ما ادّعي مدّعٍ لذلكَ كلّا

مَن تري في الوري يرومُ ادّعاها؟

فاكتست مكّةٌ بذاك افتخاراً

وكذا المشعران بعدَ مِناها

بل بهِ الأرضُ قد علت إذ حوتْهُ

فغدت أرضُها مَطافَ سماها

أو ما تنظرُ الكواكبُ ليلاً

ونهاراً تطوفُ حولَ حِماها؟

وإلي الحشر في الطواف عليهِ

وبذاكَ الطواف دامَ بقاها [163].

وللمولي محمّد مسيح المعروف ب (مسيحا) الفَسويّ الشيرازيّ، المتوفي سنة (1127 ه) من قصيدة يمدح بها أمير المؤمنين عليه السلام:

ما كان ربّاً ولكن ليسَ من بشرٍ

وليسَ يشغلُهُ شأنٌ عن الشانِ

هو الذي كان بيتُ اللَّه مَوْلِدُهُ

فطهّرَ البيتَ من أرجاس أوثانِ

هو الذي من رسول اللَّه كانَ لَهُ

مقامُ هارونَ من موسي بن عمرانِ

هو الذي صار عرشُ الربّ ذا شَنَفٍ [164].

إذ صارَ قُرطيه ابناهُ الكريمانِ [165].

وهو من أعاظم علماء الشيعة، جمع المعقول والمنقول، من تلمذة المحقّق الخوانساري، ترجمه وأثني عليه الشيخ عليّ الحزين في (تذكرته) والميرزا محمد عليّ الهندي في (نجوم السماء) والعلّامة الأميني المعاصر في (الغدير في الكتاب والسنّة والأدب).

وللعلّامة المدرّس السيّد نصر اللَّه الحائري الشهيد سنة (1154 ه) من قصيدة علوية ما نصّه:

مَن شُرِّفَ البيتُ بميلادهِ

وحِجرُهُ والحَجَرُ الأنورُ

وقد صفا عيشُ الصفافيه وال

-مَرْوة أضحت بالهنا تحظرُ [166].

والرجل من أعاظم علماء الشيعة، له في المعاجم تراجم ضافية الذيول، وثناء بليغ، وتجد ترجمته المبسوطة في كتابه (شهداء الفضيلة) للعلّامة المعاصر الأميني.

وقال حامل لواء الفضيلة والشرف الشريف الرضيّ، محمد بن فلاح الكاظمي في قصيدته الكراكرية المربية علي أربعمائة بيت، المقرَّظة من ثمانية عشر رجلاً من علماء عصره وأُدبائه، نظماً ونثراً:

ولدتهُ فاطمةٌ ببيت اللَّه يا

طُوبي لطاهرةٍ أنت بِمُطهَّرِ

ونشا بِحِجْرِ المصطفي طفلاً فأد

دَبَهُ بآدابِ العليِّ الأكبرِ

لولاهُ ما طافَ الحجيجُ به وذا

ك الهَدي

لولا سيفُهُ لم يُنْحَرِ

قد كان أوّل طائفٍ فيهِ ومُع

تَكِفٍ بهِ ومحلّقٍ ومُقَصِّرِ

عقمت فلم تلد الحرائرُ مِثْلَهُ

بل قد عَقَمْنَ فلم يَلِدنَ كقَنْبَرِ

وقال الشاعر المفلق ميرزا عباس الدامغاني المتخلص (بنشاط) الهزارجريبي الدامغاني، المتوفي سنة (1262 ه):

اي زاده تو در ميان كعبه

از مادر پاك جان كعبه

اي كعبه شَرف گرفته از تو

نه تو شَرف از ميان كعبه

اي بنده خانه زاد ايزد

وي خاجه بندگان كعبه

اي قدوه خاندان طه

اي نخبه دودمان كعبه

اي از شَرف ولادتِ تو

طوقي كه بر آستان كعبه

وقال البارع المفضال الشيخ حسين بن محمّد بن علي بن محمد التقيّ بن بهاء الدين الفتوني الهمداني الآملي الحائري في اُرجوزته المسماة ب (الدوحة المهديّة) في تواريخ أئمة الهدي عليهم السلام، وفرغ منها سنة (1278 ه) وعن خطّه نقلتُ:

وفي ضُحي الجمعة قد تولّدا

مُطهّراً مُكرّماً مُسدّداً

وكن ذا في كعبة الرحمنِ

لسبعةٍ خلونَ من شعبانِ

وقد روي أنّ الإمامَ المنتَجب

مولدُه ثالث عشرٍ من رجَب

وقيل في الثامن منه وُلِدا

وذا ضعيفٌ لم يكن معتمدا

وقد رووا في رمضان مولدُه

في نصفه وكان يروي سندُه

مولدُه بعد ثلاثين سنه

من مولد النبيّ يقفو سُننه

وللعلّامة السيد محمد تقي القزويني، من علماء عصر شيخ الطائفة الإمام الأنصاري من (اُرجوزة) له، قوله:

بعدَ النبيّ سيّدِ الموالي

بنصّه هو العَليُّ العالي

هو الذي مولده البيتُ وفي

حِجر النبيّ المصطفي قد اصطُفي

ولسيد فلاسفة الاسلام السيّد محمد باقر بن محمد الحسيني الاسترآبادي الشهير (بالداماد) المتوفي سنة (1041 ه) أبيات فارسية، ضمنها قصة الميلاد الشريف بكل صراحة، منها قوله:

در مرحله عليّ نه چون است و نه چند

در خانه حقّ زاده بجانش سوگند

بي فرزندي كه خانه زادي دارد

شك نيست كه باشدش بجاي فرزند

وله قدس سره:

در كعبه (قُل تَعالَوا) از مام كه زاد؟

از بازوي (باب حِطّه) خيبر كه گشاد؟

بر ناقه (لا يؤدّي عنّي) كه نشست؟

بر دوش

نبي پاي گرامي كه نهاد؟

وقال الشاعر الفارسي المفلق محمد اليزدي الملقّب في شعره (بجيحون) والمتوفي حدود سنة (1318 ه):

از كنز نهائي كنون كعبه مشرّف

كز اوست عيان سرّ (فأحببَتُ أن أعرف)

زين كنز خفي طنز جلي زد بفلك أرض

كش خاك بشد پاك چو افلاك مشرّف

ذرّات بكرّات چو أفواج كه از حاج

بستند و گشادند بي طوف حرم صَف

عقل آمد و (لبيّك) زنان حلقه بدر زد

تا چون بود احباب ورا باز مكلّف

شاهِ همه او بود چون او پرده بر افكند

هر ذرّه برش بنده صفت گشت موقّف

وقال الشاعر الفارسي المجيد المولي رضا ابن المولي محمد الرضتي الملقب في شعره (بمحزون) في مثنويٍّ له:

باز خواهم درفشاني سر كنم

ياد از شير خدا حيدر كُنم

چون خداوند رحيمش ياد شد

كعبه يكجا مطلع الأنوار شد

از كريم لا يزالي شد كرم

مادرش آورد بيرون از حرم

در بغل آن كعبه مقصود را

برد سوي خانه آن مولود را

وقال الحاج محمد خان الفارسي الملقب في شعره (بدشتي) من اُمراء العهد النصاري، المتولد سنة (1246 ه) في ديوانه المطبوع، من بائية علوية سمّاها «فصل الخطاب»:

كعبه مي بايد كه مُحرِم آيد اندر اين حرم

با سر و پاي برهنه گشته عريان از ثياب

صاحب اين خانه در آن خانه خود خانه خدا است

كان بنا از بهر مولودش خدا كرد انتخاب

ولعلّامة فِهر ونابغة مُضَر الحجة الظاهرة والآية الباهرد الحاج ميرزا إسماعيل، ابن عمّ الإمام المجدّد الشيرازي الأمير السيّد رضي قدّست أسرارهم، المتوفّي سنة (1305 ه) موشّحةٌ في مولد الإمام عليه السلام، يروقني إيرادها هاهنا، وهي من القصائد السائرة، قال:

رغدَ العيشُ فزدهُ رَغدا

بسلافٍ منك تُشفي سَقَمي

طرَ الصبُّ علي وصل الحبيب

وهَنا العيشُ علي بُعد الرقيب

وفني من أكؤس الراح النصيب

واسقنيها توأماً لا مفردا

فالهَنَا كلّ الهَنا في التوأمِ

آتني الصَهباء ناراً

ذائبه

كلّلتها قَبستاتٌ لاهبه

واسقنيها والندامي قاطبه

فلعمري إنّها ريّ الصدا

لفؤادٍ بالتصابي مُضرَمِ

ما اُحَيلي الراح من كفّ المِلاح

هي روحٌ هي روحٌ هي راح

فأدِرها في غُدوٍّ ورواح

كذُكاء تتجلّي صَرْخَدا [167].

رصّعتها حببٌ كالأنجمِ

حبّذا آناء أُنسٍ أقبلت

أدركت نفسي بها ما أمّلت

وضعت اُمّ العُلا ما حملت

طاب أصلاً وتعالي مَحتدا

مالكاً ثقل ولاء الاُممِ

آنست نفسي من الكعبة نور

مثلما آنسَ موسي نارَ طور

يوم غشّي الملأ الأعلي سرور

قرعَ السمعَ نداءُ كَنِدا

شاطي ء الوادي طُوي من حَرَمِ

وَلَدَت شمسُ الضحي بدرَ التمام

فانجلت عنّا دياجيرُ الظلام

نادِ يا بُشراكمُ هذا غلام

وجههُ فِلْقَةُ بدرٍ يُهتدي

بِسَنا أنواره في الظلمِ

كُشف السترُ عن الحقِّ المبين

وتجلّي وجهُ ربِّ العالمين

وبدا مصباحُ مشكاة اليقين

وبدت مشرقةً شمسُ الهدي

فانجلي ليلُ الظلام [168] المظلمِ

نُسخ التأبيد من نفي تري

فأرانا وجهه ربُّ الوري

ليتَ موسي كان فينا فيري

ما تمنّاهُ بطورٍ مُجهَدا

فانثني عنه بِكَفّي مُعدمِ

هل درت اُمُّ العُلا ما وضعت

أم درت ثديُ الهدي ما أرضعت؟

أم درت كفُّ النُّهي ما رفعت

أم دري ربُّ الحِجَا ما ولدا؟

جلَّ معناهُ فلمّا يُعلمِ

سيّدٌ فاقَ عُلاً كلَّ الأنام

كان إذ لا كائنٌ وهوَ إمام

شرَّفَ اللَّهُ به البيتَ الحرام

حينَ أضحي لعُلاهُ مَولِدا

فوطا تربتَهُ بالقدمِ

إن يكن يُجعلُ للَّهِ البنون

وتعالي اللَّهُ عمّا يصفُون

فوليدُ البيت أحري أن يكون

لوليّ البيتِ حقّاً وَلَدا

لا عُزَيرٌ لا ولا ابنُ مريم

هو بعدَ المصطفي خيرُ الوري

من ذُري العرش إلي تحت الثَّري

قد كست علياؤُه اُمَّ القُري

عزّةً تحمي حماها أبدا

حيثُ لا يدنوهُ من لم يُحرِم

سبقَ الكونَ جميعاً في الوجود

وطوي عالَمَ غيبٍ وشُهود

كلّما في الكون من يُمناه جُود

إذ هُوَ الكائنُ للَّه يدا

ويدُ اللَّه مدرُّ الأنعمُ

سيّدٌ حازت به الفضلَ مُضَر

بِفخارٍ قد سما كلّ البَشَر

وجههُ في فلك العَليا قَمَر

فبه لا بالنجومِ يُهتدي

نحو مغناه لنيل المَغنَم

هو بَدْرٌ وذراريه بُدُور

عقمت عن مثلهم اُمُّ الدُهور

كعبةُ الوفّادِ في كلّ الشُهور

فازَ من نحوَ فَناها وَفَدا

بمطافٍ منه أم مستَلَم

ورثوا العَلياءَ قِدماً من قُصَي

ونزارٍ

ثمَّ فِهرٍ ولُؤَي

لا يباري حَيُّهم قَطُّ بِحَي

وهُمُ أزكي البرايا مَحتدا

وإليهم كلُّ فَخرٍ ينتمي

أيّها المُرجَي لقاهُ في الممات

كلُّ مَوتٍ فيه لُقياك حَياة

ليتَما عجّلَ بي ما هُو آت

علّني ألقي حَياتي في الرّدي

فائزاً منه بأوفي النِعَمِ [169].

وقال علّامة المجاهدين سيّدنا الحجّة الحاج السيد المصطفي بن الحسين الكاشاني النجفي، دفين الكاظمية، المتوفي سنة (1336 ه) المترجم في (نقباء البشر) و (العذب النمير) وغيرهما، من قصيدة علويّة:

أنتَ شرّفتَ زمزماً والمصلّي

بل وركنَ الحطيم والمستجارا

حازت الكعبة التي خارها الل

-هُ بِميلادك السعيدِ فَخارا

ولباقعة [170] الفضل والأدب، ميرزا محمد تقي التبريزي الشهير بحجّة الإسلام والملقّب في شعره (بنيّر) صاحب كتاب (صحيفة الأبرار) وغيره، المتوفّي سنة (1312 ه) من لامية علويّة:

سر حنانيك في البلاد وباحث

عن بُطون الكرام جيلاً فجيلا

فانظرن هل تري لتيمِ بن مرّ

أو عديٍّ يا سعدُ فيها محلّا

لا ومَن شقّ جانبَ البيت حتّي

دخلت فيه اُمّهُ وهي حُبلي

فتخلّت عن أسجحٍ هاشميٍّ

بُوركت حامِلاً وبُورك حَملا

وسما غارب النبيّ فنحّي

عنهُ أصنامَهم وحَسبُكَ نُبلاً [171].

وفي الصفحة 196 من الديوان المذكور:

اي آنكه حريم كعبه كاشانه تو است

بطحا صَدَفِ گوهر يكدانه تو است

گر مولد تو بكعبه آمد چه عجب

اي نجل خليل خانه خود خانه اوست

وإلي قوله: «لا ومن شق … » ألمحتُ بقولي من رائية علويّة عند تعداد معاجزه صلوات اللَّه عليه:

من البيت الحرام شَقَقتَ حملاً

لاُمّك يومَ مولدكَ الجدارا

فحلَّت فاطمٌ منهُ مَقاماً

لصِنو محمّد تَخِذَتهُ دارا [172].

وإلي معني شعره الفارسي السابق أُوعز بقولي من مقطوعة في أهل البيت عليهم السلام:

وليس ولادهُ في البيت بِدعاً

فإبراهيمُ شادَ له دِعامَهُ

وهذا البيتُ بيتُ أبيهِ قدماً

وفاطمةٌ به وضعت غُلامَه

ولنابغة طبرستان الشيخ محمد الصالح، المتولّد سنة (1297 ه) صاحب المؤلفات الجمّة في المعقول والمنقول، وديوانه العربيّ والفارسيّ، من علويّة:

بالبيتِ قد وضعتهُ فاطمةٌ

رفعاً له قد شُرِّفت وضعا

للَّهِ أُمٌّ أرضعت

أسداً

رضعَ النبيّ علومَه رضعا

تاللَّهِ لو كُشِفَ الغِطاء رأت

نوراً ومُلتقماً لها ضرعا

وقال المولي اهلي الشيرازي المتوفّي سنة (942 ه) بشيراز، من علوية تحتوي (136) بيتاً، منها قوله:

كاشف علم اللَّه آن گيتي نماي (لو كُشِف)

ديده را از هر دو كون از ديده (علم اليقين)

كعبه زان شد سجده گاه انبياء واولياء

كامد آنجا در وجود آن كعبه ارباب دين

وقال المولي كاتبي المترجم في (مجالس المؤمنين) للقاضي التستري قدس سره، من علوية مستهلها:

بچشمِ عقلِ اقاليمِ سبعه گنجِ زر است

ولي چه از مگري اژدهاي هفت سر است

ومنها:

زبالِ او طيران يافت جعفر طيّار

كه همچو طايرِ قدسش هزار زير پر است

بدامن (حَجَر الأسود) است مولدِ او

چه جوهر است ندانم؟ كه مولدش حَجَر است

ولسراج الدين، محمد بن الحسن بن عيش القرشيّ التيميّ العدويّ الأموي اليماني الدرشن خاني، ويعرف بالشيخ (فدا حسين) الهندي، من قصيدته العلوية البالغة (1411) بيتاً، المسماة (بالنفحة القدسية):

ولِدت في البيتِ والأيّام مظلمةٌ

والجوُّ منكدرُ الآفاقِ من ضَلَلِ

فكنتَ كالشمسِ في إبّان مطلعها

بقائم اليوم زادَ الشمس في طَفَل [173].

وفي موضع آخر منها في تقريب: أن (أندر) إله الهنود مصحّف (حيدر)، وأ نّه المذكور في (الويدات واليرانات) قال:

فكلّ ذاك صفات (الأندر) عندهم

وكلّ ذاك صفاتٌ للوصيّ عليّ

قتلتَ من قبل ثُعباناً بمهدك إذ

وُلِدتَ في عُقر بيت الواحد الجَلَلِ [174].

وقال الفاضل الأديب الشيخ محمود عباس العامليّ، في قصيدته العلوية الكبيرة المسماة ب (الدرر السنيّة) المطبوعة المخمّسة:

فو حقِّ آيات الكتاب المنزَلِ

ومكوّن الأكوانِ ذي المجدِ العَلي

وبحقّ هادينا النبيّ المرسَل

ما حازَ كلَّ المكرمات سوي عَليّ

وسواهُ لا عينٌ لديه ولا أثر

مَن مثلهُ في بيت بارئه وُلِد

ذو خصلةٍ قد خُصّ فيها مُذ وُجِد

أمعِن بها- يا صاحِ- فكراً واعتمد

وانظر لها النَظَرُ الصحيحَ ولا تَحِد

من واضح المنهاج وقيت الضرر

وقال باقعة العلم والأدب العلّا السيد رضا ابن

العلامة الحجة السيد محمد الهندي النجفي، المتوفي سنة (1362 ه):

لما دعاك اللَّهُ قدماً لأن

تولَدَ في البيتِ فلبّيته

شكرتَه [175] بينَ قريشٍ بأن

طهّرتَ من أصنامهم بَيته [176].

وهناك بيت فارسي قديم استشهد به كثير من العلماء والمؤرّخين، ومن ذلك ما وجدته في مقالٍ كتبه بعض علمائنا جواباً عمّا كتبه إليه بعض أهل السنة.

قال بعد الحمد ما لفظه: «والصلاة والسلام علي أشرف الأنام الذي حملَ علياً عليه السلام لكسر الأصنام في بيت اللَّه الحرام، الذي شُرِّفَ لكونه مولداً له عليه السلام:

طوافِ خانه كعبه از آن شُد بر همه واجب

كه آنجا در وجود آمد عليُّ بن أبي طالب» [177].

وذكره المؤرّخ الحاج زين العابدين الشرواني في (بستان السياحة) والقاضي الشهيد السعيد نور اللَّه التستري، في (إحقاق الحق) وغيرهما إلي العارف، لطف اللَّه النيسابوري، وذكره أيضاً صاحب (مناقب المعصومين).

وللمولي الروحيّ العارف الشهير صاحب (المثنويّ) المتوفّي سنة (672 ه) من قصيدة يذكر فيها الأئمة عليهم السلام:

اي شحنه دشتِ نجف از تو نجف ديده شَرَف

تو درّي و كعبه صَدَف ستان ملامت ميكشد

ويلمح إليه قول الجامي عبد الرحمان المتوفّي سنة (898 ه):

بسوي كعبه رود شيخ و من بسوي نجف

بحقّ كعبه كه آنجا مراست حقّ بطرف

تفاوتي كه ميان من است و او اينست

كه مَن بسوي گُهر رفتم او بسويِ صَدَف

وللعلّامة المعاصر السيد عليّ نقي النقويّ الهندي اللكهنوي، موشحة ميلادية يهني ء بها آية اللَّه السيد ميرزا عليّ آقا الشيرازي قدس سره، بعد صرح الإمام عليه السلام، وذكر مولده الشريف، نزين بها صفحات هذه الرسالة:

مَن بدا فازدهرَ البيتُ الحرام

وزَهَت منهُ ليالي رَجَب؟

طَرِبَ الكونُ لِبشرٍ وهَنَا

إذ بدا الفخرُ بنورٍ وَسَنا

وأتي الوحيُ يُنادي مُعلِنا

قد أتاكُم حجّةُ اللَّه الإمام

وأبو الغُرِّ الهداةِ النّجبِ

خصّهُ الرحمنُ بالفضل الصراح

ومزايا أشرقَت غُرّاً وضاح

وسما منزلُهُ هامَ الضراح

فغدا

مولدُهُ خيرَ مقام

طأطأت فيه رؤوسُ الشُهُبِ

إنّهُ أوّلُ بيتٍ وُضِعَا

للوري طُراً فأضحَوا خُضَّعا

وعلي الحاضِرِ والبادي معا

حجَّةٌ أصبحَ فرضاً ولزام

طاعةٌ تتبعُ أقصي القُرَبِ

وهو في القبلةِ في كلّ صلاة

وملاذ تُرتَجي فيه النجاة

وقد استخلَصَهُ اللَّهُ حماة

فلئن يأتِ إليه مستهام

في مُلِم داعياً يَستَجب

تلكمُ فاطمةٌ بنتُ أسد

أمّت البيت بكَربٍ وكَمَد

ودعت خالقَها الباري الصمد

بحشاً فيه من الوَجدِ الضرام

قد علتهُ قبساتُ اللّهبِ

نادت اللهمَّ ربّ العالمين

قاضيَ الحاجاتِ للمستصرخين

كاشفَ الُضّرِ مجيب السائلين

إنّني جئتُك من دون الأنام

أبتغي عندك كشف الكربِ

بينما كانت تُناجي ربَّها

وإلي الرحمان تشكُو كَربَها

وإذا بالبِشرِ غشّي قلبها

من جدار البيتِ إذ لاحَ ابتسام

عن سنا ثغرٍ له ذي شَنَبِ [178].

فُتِقَ الزَهرُ أم انشقَّ القمر

أم عمود الصُبح بالليل انفجر!

أم أضاءَ البرقُ فالكون ازدهر

أم بدا في الأُفق خَرقٌ والتئام

فغدا برهانُ معراجِ النبيّ

أم أشارد البيتُ بالكفِّ ادخُلي

واطمئنّي بالإلهِ المُفضِل

فهنا يُولَدُ ذو العَليا علي

مَن بهِ يحظي حطيمي والمقام

وينال الركنُ أعلي الرُتَبِ

دخلت فاطمُ فارتدَّ الجدار

مثلما كانَ ولم يكشف سِتار

إذ تجلّي النورُ وانجابَ الشرار

عن سَنا بدرٍ به يَجلُوا الظلام

والوري تنجو بهِ من عطَبِ

وُلِدَ الطاهرُ ذاك ابنُ جَلا

مَن سما العَرشَ جلالاً وعُلا

فلهُ الأملاكُ تَعنُو ذُلَلا

وبهِ قد بَشَّرَ الرُسلُ العظام

قومهم فيما خلا من حقب

عَرِفَ اللَّه ولا أرضٌ ولا

رُفِعَت سَبعُ طباقٍ ظُلَلا

فلذا خَرَّ سُجوداً وتَلا

كلَّ ما جاء إلي الرُسلِ الكرام

قبله من صُحُفٍ أو كُتُبِ

إن يكُ البيتُ مطافاً للأنام

فعليٌّ قد رَقي أعلي سنام

إذ بهِ يطَّوَفُ البيت الحرام

وسعي الركنُ إليه لاستلام

فغدا يَهُو بهِ من طَرَبِ

لم يكن في البيتِ مَولُودٌ سِواه

إذ تَعالي عن مَثيلٍ في عُلاه

أُوتيَ العلمَ بتَعليمِ الإله

فغداهُ دَرَّةُ قبلَ الفِطام

يرتوي منهُ بأَهنا مَشرَبِ

صَغُرَ الكونُ علي سُؤددَهِ

وانتمي الوَحيُ إلي مَحتِدِهِ

بَشِّرَ الشيعةَ في مَولِدِهِ

واقصدِ العلّامةَ الحَبر الهُمام [179].

منبعَ العلمِ مَناطَ الأدبِ

آيةَ اللَّهِ عليَّ المرتضي

لم يزل للدين سَيفاً مُنتضي

حُكمُهُ جارٍ وعدلٌ ما قضي

يُرشِدُ الناسَ إلي دارِ السلام

كلّهم من عَجَمٍ

أو عَرَبٍ

سيّدَ الأُسرةِ والنَّدبَ الشريف

لَم يزل حاميةَ الدينِ الحَنيف

جاهداً في نصرةِ الدينِ المُنيف

شيَّدَ العلمَ علي أقوي دِعام

وهدي الناسَ لِنَهجِ المذَهبِ

إنّ للوُفّادِ في مغني حِماه

بيتَ قدسٍ يقصدُ النائي فَناه

ابتغاءً فيهِ مَرضاةَ الإله

طالِباً في قُربِهِ أقصي مقام

بفؤادِ المُرتَجي المرتقب

عليمَ الأحكامِ قاموسُ الحِكَم

لم يزل غيثُ هداهُ مُنسَجِم

وبهِ شَملُ المعالي مُنتَظِم

دامَ في الكونِ إلي يوم القيام

بهنا بِشْرٍ وعَيشٍ مُخصِبِ [180].

ونشفع هذه القصيدة بثانية للسيّد العلّامة المذكور، ميلادية أيضاً، باري بها قصيدة (إيليا أبي ماضي) الإلحادية المقفاة ب (لست أدري)، قال:

طَرِبَ الكونُ من البشرِ وقد عمَّ السُرور

وغدا القُمريُّ يَشدُو في ابتسامٍ للزهُور

وتهانَت ساجِعاتٍ في ذُري الأيكِ الطُيور

لِمَ ذا البِشرُ وما هذي التهاني؟

لستُ أدري

تلعبُ الريحُ وفيها الدَوح [181] قامَت راقصات

وبها الأوراقُ تَزهُو بالأكفِّ الصافِقات

ضارباً سَجعَ هَزارِ [182] الغصن أوتارَ الحياةِ

مِمَّ هذي الدوحُ أضحَت راقصات؟

لستُ أدري

قد كَسي وَجهَ الثَّري من سُندُسٍ وشيُ الربيع

فتهادي مائساً في حُلَلِ الخَصبِ المَريع

وغَدا يَختالُ بالأرياشِ والشأن البَديع

قائلاً: هَل أحَدٌ يُوجدُ مثلي؟

لستُ أدري

والنسيمُ الغَضُّ قد يَهمِسُ في سَمعٍ الأُقاح

فتري باسمةَ الثغرِ نَشاطاً وارتياح

وهزيزُ الغُصنِ يُبدي شأنَ زَهوٍ ومَراح

ما الذي قالَت؟ فردّت بابتسامٍ

لستُ أدري

طَبَّقَ الأرضَ لهيباً نارُ مُحمّزرّ الشَقيق

فغدا البلبلُ مُرتاعَ الحشا خَوفَ الحَريق

صارِخاً هَل لِنَجاتي عن لَظاها من طَريق؟

هذهِ النارُ أتَتني كيفَ أُطفِي؟

لستُ أدري

أشرقَت طلعةُ نُورٍ عَمَّتِ الكونَ ضِياءا

لا أري بَدراً علي الأُفقِ ولم أُبصِر ذُكاءا

وتَفَحَّصتُ فلم أُدرِك هُناك الكَهرُباءا

فَبِماذا ضاءَ هذا الكونُ نُوراً؟

لستُ أدري

كانَ هذا الرَوضُ قبلَ اليوم رَهناً للذُّبول

ساحِباتٍ فوقَها الأرواحُ قِدماً للذّيُول

تَعصِفُ النَكباء فيها دونَ أنفاسِ البَليل

كيفَ عادَ اليومَ يَزهُو في شذاهُ؟

لستُ أدري

قُمتُ استَكشِفُ عنه سائلاً هذا وذاك؟

فرأيتُ الكُلَّ مثلي في اضطِرابٍ وارتباك

وإذا الآراء طُرّاً في اصطدامٍ واصطكاك

وأخيراً عمّها العَجزُ فقالت:

لستُ أدري

وإذا نبّهني عاطفةُ الحُبِّ الدَفين

وتظنَّنتُ وظَنُّ الألمعي عينُ اليقين

أ نّهُ م ميلادُ مولانا أمير المؤمنين

فدع

الجاهلَ والقَولَ بأ نّي

لستُ أدري

لم يكن في كعبة الرحمنِ مولودٌ سواه

إذ تعالي البرايا عن مَثيلٍ في عُلاه

وتولّي ذِكرَهُ في محكم الذِكْرِ الإله

أيقول الغِرُّ فيهِ بعدَ هذا:

لستُ أدري

أقبلت فاطمةٌ حاملةً خَيرَ جَنين

جاءَ مخلوقاً بِنُورِ القُدسِ لا الماءِ المَهين

وتردّي منظر اللّاهوتِ بينَ العالَمين

كيف قد اُودعَ في جَنبٍ وصَدرِا

لستُ أدري

أقبلت تدعُو وقد جاءَ بها داءُ المَخاض

نَحوَ جِذعِ النَخلِ من ألطاف ذي اللُّطفِ المُفاض

فدعَت خالقها الباري بأحشاءٍ مِراض

كيفَ ضجّت؟ كيفَ عجّت؟ كيفَ ناحَت؟

لستُ أدري

لستُ أدري غيرَ أنَّ البيتَ قد رَدَّ الجواب

بابتسامٍ في جدار البيت أضحي منهُ باب

دخلت فانجابَ فيه القشر عن مَحض اللُّباب

إنّما أدري بهذا، غيرَ هذا

لستُ أدري

كيفَ أدري وهو سرٌّ فيهِ قد حارَ العُقول

حادثٌ في اليوم لكن لم يزل أصلَ الاُصول

مظهرٌ للَّهِ لكن لا اتّحادٌ لا حُلُول

غايةُ الإدراكِ أن أدري بأ نّي

لستُ أدري

وُلِدَ الطُّهرُ عليٌّ مَن تسامي في عُلاه

فاهتدي فيه فريقٌ وفريقٌ فيهِ تاه

ضلَّ أقوامٌ فظنّوا أ نّه حقّاً إله

أم جُنونُ العِشقِ هذا لا يُجازي؟

لستُ أدري [183].

ولشيخنا الأُستاذ علم الهداية والحجّة والآية، الحاج الشيخ محمد الحسين، الأصفهاني المتوفّي سنة (1361 ه) قصيدة ميلادية فارسيّة، علي طريقة الترجيع والبند المصطلح والمطرّد في الشعر الفارسي، تكاد تكون في حدّ الإعجاز من البلاغة، أذكرها علي طولها.

گوهري را از صَدف آورده طبعم در كنار

يا كه از خاك نجف تابنده درّي آبدار

برد از حدّ عدم تا (قاب قوسين) وجود

رَفرَفِ طبع مرا يك غمزه زاندُلدُل سوار

شاهدِ بَزمِ ولايت شاه اقليم شُهود

شمعِ ايوانِ هدايت نَيِّرِ گيتي مدار

صورتِ زيباي او يا طلعتِ (اللَّهُ نُور)

معني والاي او يا سِرّ (لَم تَمسَسهُ نار)

خَطِّ دلجويش طِرازِ مُصحفِ كَونُ ومكان

خالِ هِندُويَش مدارِ گردشِ ليلُ ونهار

پرتوي از نورِ رُويَش طُورِ سينايِ كليم

بنده درگاهِ گويش صَد سُليمان اقتدار

مشرقِ صُبحِ اَزل خوشيدِ عشق

(لم يَزَل)

چرخِ تا شام اَبد در زيرِ حُكمش بي قرار

دَر بَرَش پير خِرَد چون كودكي آموز گير

بَر دَرَش (عَقلِ مجرّد) همچو پيري خاكسار

شاهبازِ اوجِ او اذدني بهنگام عُروج

يكه تازِ عرصه ايجاد گاه گيرُ و دار

گوش جان بُگشا وبشنو از امين كردگار

(لا فتي إلّا عليّ لا سيف إلّا ذو الفقار)

باز جان مي پرورد ساز پيامِ آشنا

يا كه از طورِ غَري مي آيد آواز (أنا)

ميدمد صبحِ ازل از كوي عشقِ (لَمَ يَزَل)

يا فُروزان شمعِ رُويِ شاهدِ بَزمِ (دَنا)

جلوه شمعِ طريقت چشمها را خيره كرد

يا (سنا بَرقِ) حقيقت ميزند كُوسِ فَنا

كعبه را تاجِ شرف تا اوج او ادني رسيد

يافت چون از مولدِ ميمون او (أقصي المني)

قبله اهلِ يقين شد خطّه بيت الحرام

روضه خلد برين شد ساحَت خِيفُ و مِني

بيتِ معمور ار شَود ويران از اين حَسَرت رواست

يا بيفتد گنبدِ دَوّار (مِن أعلي البنا)

از پيِ تعظيم خَم شُد گوئيا پشتِ فلك

فرش را عرشِ مُعلّي گفت تبريكُ وهنا

(يا وليدَ البيتِ) غوغاي نصاري دَر مسيح

گرچه مي زيبد ترا لكن (تعالي ربُّنا)

(مفتقر) گر ميكند با يك زبان مدحتگري

ميكند روح الأمين با صد نوا مدحُ وثنا

گوش جان بُگشا وبشنو از امين كردگار

(لا فتي إلّا عليّ لا سيف إلّا ذو الفقار)

كعبه چون كوي سَبَق از سينه سينا گرفت

پايه بَرتر از فرازِ گنبدِ مينا گرفت

خانه بي سالارُ و صاحب بود تا ميلاد شاه

سَر بِكيوان زد چه (ربّ البيت) در وي جا گرفت

تا زِبُرجِ كعبه خُورشيدِ حقيقت جلوه كرد

چرخ چارم سوخت از حسرت دل از دُنيا گرفت

كعبه شد چون با مقام (لي مع اللَّه) قرين

از شرافت همسري با بزم او ادني گرفت

خاك بَسحا زِين عنايت آنچنان شُد سَر بلند

رونقِ عزُّ و شرف از مسجدِ اقصي گرفت

كعبه شد تا مركز طاوسِ

كلزار ازل

تا ابد زاغ و زغن يكسر ره صحرا گرفت

خلوتِ حقّ شد زِهَر ديوُ ودَدِ ناپاك پاك

در پناهِ اسمِ اعظم منزلُ ومأوي گرفت

خيرَ مقدَم اي هُمايون طالع برج شَرَف

مُلكِ هستي زيبُ وفرزان طلعتِ غرّا گرفت

نغمه دستان نباشد در خور اين داستان

شور جبريل امين در عالم بالا گرفت

گوش جان بُگشا وبشنو از امين كردگار

(لا فتي إلّا عليّ لا سيف إلّا ذو الفقار)

گوهري شد در درون كعبه بيرون از صَدف

كرد (بيت اللَّه) را با آن شَرَف (بيتَ الشَرَف)

گوهري سنگين بها رخشان شد از (بيت الحرام)

كز ثُريّا تا ثري را كرد كمتر از خَزَف

كعبه شد از مقدمِ اوقافِ عنقاء قِدَم

شاهبازان طريقت در كنارش صَف بِصَف

سينه سينا مگر از هيبتش شد چاك چاك

يا شنيد از رأفتش موسي نداي (لا تَخَف)

زاشتياقش يوسفِ صدّيق در زندان غم

در فراقش پير كنعان نغمه سازُ واَسف

خلعتِ خِلَّت شد ارزاني بر اندام خليل

كرد بنياد حرم چون بهر آن (نِعمَ الخَلَف)

كعبه را شد همسري با تُربت پاكِ غري

مبدأ اندر كعبه بود و منتهي اندر نَجف

آسمان زد كوسِ شادي دَر محيطِ (كُن فكان)

زُهره ساز نغمه تبريك زد بي چنگ و دَف

هر دو گيتي را بشادي كرد فردوسِ برين

نغمه روح الأمين با يك جهان شوق و شَغَف

گوش جان بُگشا وبشنو از امين كردگار

(لا فتي إلّا عليّ لا سيف إلّا ذو الفقار)

آفتاب عالمِ لاهوت از برجِ قَدم

كرد گيتي را چه صبح روشن از سَر تا قَدَم

كعبه شد مِشكاةِ مصباحِ جَمالِ (لَم يَزَل)

بيت (ربّ البيت) را گرديد مَجلاي أتَم

كوكبِ درّي دَرِي بگشود از فيضِ وجود

كز فروغش نيست جز نامِ دروغي از عَدَم

قدرت در درونِ كعبه نقشي را نگاشت

پايه اش را برد برتَر از سَرِ لَوحُ وقَلَم

كعبه گوئي كنز مخفي بود و

گوهر زاي شد

زين شرافت تا ابد گرديد در عالم عَلَم

مكه شد (اُمُّ القري) از مولدِ (اُمُّ الكتاب)

قبه عرش برين زَد بوسه بر خاك عَدَم

شاه اقليم (سَلُوني) تا قَدَم در كعبه زد

قبله حاجات گشت و مستجارُ و ملتزم

از مروّت داد عنواني صفا و مروه را

وز فتوّت آبروئي يافت زمزم نيز هَم

منطقِ تقرير ميگويد (لَقَد كَلَّ اللسان)

خامه تحرير مينالد (لَقَد جَفَّ القلم)

گوش جان بُگشا وبشنو از امين كردگار

(لا فتي إلّا عليّ لا سيف إلّا ذو الفقار)

گلشن خُلد برين شد عرصه بيت الحرام

تا خرامان گشت در وي تازه سَروي خوشخرام

نو نهالي معتدل از بوستان (فاستقم)

شاخه طوبي بري از روضه (دار السلام)

قامتي در استقامت چون (صراط مستقيم)

سَرو آزادي بقامت همچو ميزاني تمام

قَدُّ و بالاي دل آرامش بغايت دِلستان

عالَم از حسنِ نظامَش در كمالِ انتاظم

شمعِ بَزمِ كبريائي گاه قد افراختن

نخله طور تجلّاي الهي در كلام

نقطه بائيه بود و در تجلّي شد ألف

مصحفِ كونين را داد افتتاحُ واختتام

ت اقيامت وصف آن قامت نگنجد در بيان

ليك ميدانم قيامت ميكند از وي قيام

زان ميان حاشا اگر حديثي در ميان

سرّ (خاص الخاص) كي باشد روا در بزمِ عام

وصفِ آن بالا نباشد كار هر بي پا و سَر

من كجا و مدحت آن سرور والا مقام

گوش جان بُگشا وبشنو از امين كردگار

(لا فتي إلّا عليّ لا سيف إلّا ذو الفقار)

تا دَرخشان شد درونِ كعبه آن وجه حَسن

(ثمّ وجهُ اللَّه) روشن شد برون شد شكُّ و ظن

چونكه بودش خلوتِ (غيب الغيوبي) جايگاه

ديد (بيت اللَّه) را نيكو مثالي از وَطَن

كعبه شد طورِ حقيقت سينه سينا شكافت

پور عمران كو كه تا باز آيدش آواز (لن)

در محيط كعبه چندان موج زد درياي عشق

كز نهيبش گشت نُه فُلكِ فَلَك لنگر فِكَن

سِرِّ

وَحدَت از جبينش آنچنان شد آشكار

كَز دَرُ و ديوارِ بيتِ اللَّه فراري شُد وَثَن

نقشِ باطل چيست با آن صورتِ يزدان پَرست

با وجود اسم اعظم كي بماند اهرِمَن

تا عَلَم زد بَر فرازِ كعبه شاهِ مُلك و عشق

عالم توحيد را يكباه روح آمد به تَن

شهريار (لا فَتي) تا زد قَدَم در آن سَرا

حسنِ ايّام جواني يافت اين دهر كُهَن

تيشه بَر سَر كوفت از ناقابلي فرهادوار

مفتقر هر چند مي گويد بشير بي سخن

گوش جان بُگشا وبشنو از امين كردگار

(لا فتي إلّا عليّ لا سيف إلّا ذو الفقار)

كعبه تا آن نقطه بائيه را در بر گرفت

در جهان گوي سَبَق از چار دَفتر بر گرفت

در محيط كعبه شد تا نقطه وحدت مدار

عالم ايجاد را آن نقطه سر تا سر گرفت

نامه هستي شد از طغراي نامش نامور

طلعت زيبا از آن ديباچه دفتر گرفت

تا كه زير پاي او را از دلُ و جان بوسه داد

آنچه را در وَهم نايد كعبه بالاتر گرفت

از قدوم روح قدسي از شغف پرواز كرد

شاهباز سدّ رَه را در زير بالُ و پر گرفت

شد حرم (دار الأمان) در رقص آمد آسمان

تا كه (شعري) بوسه از خاكِ رَهِ مَشعَر گرفت

چشمه خاور فروغي ديد از آن ماهِ جبين

نار طور از شعله نور جمالس در گرفت

عقل فعّال از دبستان جمالس بهره يافت

چون خداوند سخنَ جابر سَرِ منبر گرفت

شَهسواري آمد اندر عرصه ميدان رَزم

كز سران عالم إمكان سَر و افسر گرفت

گوش جان بُگشا وبشنو از امين كردگار

(لا فتي إلّا عليّ لا سيف إلّا ذو الفقار)

كعبه كوي حقيقت قبله اهل وصول

مستجار عُلوي و سُفلي و ارواح و عقول

نسخه اسماء و سَر لَوح حُروفِ عاليات

مصدرِ افعال و اول صادرِ و اصلُ الاُصول

آنكه بودش (قاب قوسين)

اولين قوس صعود

كعبه اش گاه قتنزّل آخرين قوسِ نُزول

در رواقِ عرّتش اشراقيان را راه نيست

در حريم خلوتش عقل است ممنوع از دخول

ريزه خوارِ خوانِ او ميكال با حفظ ادب

حامل فرمان او جبريل با شرطِ قبول

قطره از قلزم جودش محيطي بي كران

عكسي از نور جمالش آفتابي بي اُفول

حاكم ارض و سما بي شبهه اندر رتق و فَتق

واجبِ ممكن نما بي اتّحاد و بي حلول

خاتمِ درِّ ولايت فاتح اقليم عشق

هر كه اين معني نمي داند ظَلوم است و جَهُول

دست (هو) ادراك كوتاه است از دامان او

پس چه گويم من (تعالي شأنه عمّا نقول)

گوش جان بُگشا وبشنو از امين كردگار

(لا فتي إلّا عليّ لا سيف إلّا ذو الفقار)

شد سَمَندِ يكّه تاز طبع را زاتُو دوتا

چون قزدَم زد دَر مديح شَهسوار (لا فتي)

خامه مشكينِ مَن چون مي نگارد اين رقم

خون خورَد از رَشكُ و حسرت نافه مشكِ ختا

گر بگيرم باج از تاجِ كيان نبوَد عَجَب

چون سرايم نغمه از تاجدار (هَل اتي)

اي سروش غيب پيغامي ز كوي يار من

جان بِلَب آمد ز حسرت هستي (حتّي متي)

عمر بگذشت و نديدم روي خوبي اي دريغ

زندگاني رفت بر باد فنا (وا حسرتا)

روز من از شب سيه تر كو جهان افروز من

صبحم از شام غريبان تيره تر (وا غربتا)

در حضيض جهل افتادم زاوج معرفت

وز ميان شهر دانش در كنارِ رُوستا

عشق گُفتا دَست زَن دَر دامنِ شيرِ خدا

تا رهائي از نهنگ طبع چُون پُور (متي)

آنكه در اقليم وَحدَت فرد بي مانند بود

وآنكه اندر عرصه ميدان نبودش هيچ تا

گوش جان بُگشا وبشنو از امين كردگار

(لا فتي إلّا عليّ لا سيف إلّا ذو الفقار)

وللسيّد عباس الحسيني الملقّب (بالجوهري) وتخلّصه الشعري (ذاكر) في (ديوانه) المطبوع سنة (1335 ه) المسمّي (خزائن الأشعار) في الخزينة

الأُولي المسمّاة (جواهر الأسرار)، الصفحة 6:

ز پشت پرده تا بي پرده يار من نمايان شد

ز سرم روي او خورشيد اندر پرده پنهان شد

ولادت يافت اندر كعبه آن مولود مسعودي

كه ذات پاكِ او مرآت ذاتِ پاكِ يزدان شد

تجلّي كرد تا نور رُخَش اندر حريم حَق

حَرَم حرمت گرفت و قبله گاهِ اهل ايمان شد

همان نوريكه موسي ديد اندر وادي ايمَن

مگر بار دِگر در كعبه باز آن نور تابان شود

همانا كعبه آمد در شَرَف بالاتر از وادي

كه آنجا نورِ او اينجا وجودِ او درخشان شد

وللخطيب المِصقع، الشاعر المفلق، الشيخ محمد عليّ بن الخطيب الأديب الشاعر الشيخ يعقوب الحلّي النجفيّ، من مقصورته العلوية المطبوعة:

له بِبَطن البيتِ خيرُ مولدِ

نالَ بهِ البيتُ فَخاراً وعُلا

هناك سمّتهُ (عليّاً) اُمّهُ

حيثُ مِنَ العَليّ وافاها النّدا

ثمّ تولّي أمرَهُ الهادي وكَم

أرضعهُ لسانَهُ حتّي اغتذي

يحملُهُ طِفلاً علي عاتِقِهِ

يطوفُ فيهِ بشعابِ اُمّ القُري

كَم قامَ بالليلِ الطويلِ ساهِراً

يهزُّ فيه مهدَهُ طولَ الدُجي

يأويهِ ليلاً ونهاراً عندَهُ

حتّي نشا في حِجرِ طه وارتبي

ربّاه طفلاً واصطفاه يافعاً

لنصره إذ يستجير في حِرا

مستعدياً فيه علي من ساءهُ

أيّام قد عزّ المحامي والحمي

يُبدي إليه من خفايا سرّه

حتي حَوي من العُلومِ ما حوي

وقال الشريف الفاضل المرحوم ميرزا ابو القاسم الحسيني الشيرازي وقد أبدع في نظمه:

اي وحدتِ و كثرت همه از روي تو پيدا

از ذرّه و بيضا همه بر روي تو شيدا

عشقِ رُخِ تو از سَرِ هر ذرّه هويدا

يك قطره زِعِمِ تو صَد قَلزم صيدا

اي عنصر خاكي كه به روح مجرّد

آن كعبه و آن كوفه كه بس خلق شتابند

بر طوف حرم شان صفِ املاك بيايند

از مولد و از مرقد تو مدح نمايند

از حلم چو تو گوهر يكتاي نزايند

زان است كه عالم ز تو گرديده مشيّد

مولود تو در كعبه چو بشگفت

علم زد

گوئي كه خداوند در آن بقعه قدم زد

بر نقشه اصنام جهان نقشِ عَدَم زد

بر صفحه نرواني اسلام رَقَم زد

تأييد جهان كرد چُو خود بود مؤيّد

وللفاضل حامل لواء العلم والأدب الاُستاذ الشيخ جعفر النقدي، المتوفّي سنة (1372 ه) قصائد علوية، نظم في غير واحدٍ منها هذه الفضيلة الباهرة، فمن بائية له، قوله:

لاتعجبوا إذ أتي في البيت مولدُهُ

فليسَ ذلكَ من عَلياهُ بالعجبِ

لأنّ فوقَ الثَّري من أجلهِ رُفع ال

-بَيتُ العتيقُ وفيهِ خُصّ بالرُّتبِ

ومن رائية له، قوله:

زهرت بهِ أكنافُ مكّةَ مُذ غدا

ميلادهُ في البَيتِ ذي الأستارِ

ما البيتُ شرّفهُ ولكن شَرّفُ ال

-بيتَ الحرامَ بساطِعِ الأنوارِ

ومن يائية له، قوله:

مَن خصّ مولدهُ في بيتِهِ شرفاً

للبَيتِ يومَ أقامَ البيتَ بانيهِ

لذاكَ قبلةَ مَن صلّي لخالقِهِ

غدا ومقصدَ مَن لِلحجِّ يأتيهِ

واقتصصتُ أثرَ القوم بنظم هذه الأبيات، وخمّسها النطاسيُّ المحنَّكُ، الميرزا محمد بن الطيب الحاذق الميرزا صادق بن شيخ الأواسيّ الميرزا باقر بن الورع التقي الصالح المتطبّب الميرزا خليل الرازيّ النجفيّ، وإليك الأصل والتخميس:

قد كَلَّ عن فضل الوصيّ المنطقُ

مُذ ضاقَ فيه غَربُها والمشرقُ

ولذاكَ أعجب إذ يقول محقّقُ

(سَبَقَ الكرامَ فها هم لم يَلحَقوا)

(في حَلبَةِ العَلياء شَأوَ كُمَيتِهِ) [184].

فَمَن الكرامُ؟ بجنبِ بَحرٍ زاخر

طفحت بهِ أمواجُهُ بمفاخرِ

ضاعَ القياسُ لناظمٍ ولناثر

(إذ خصّهُ المولي بفضلٍ باهر)

(فيه يميزُ حيُّهُ مِن مَيتِهِ)

ولدتهُ فاطمةٌ بكعبته ومُذ

ولدتهُ ظنّ به المغُالي يومَ شَذ

جَلّ الإلهُ عن الشريك غَداة إذ

(لَم يتّخِذ وَلَداً وما إن يتّخذ)

(إلّا وكانَ ولادُهُ في بيتهِ)

ما كانَ ابنٌ مثلَ ما قد ظنّهُ

نَفَرٌ، بلي عبدٌ يحاول مَنّهُ

يدعو إلي توحيدِهِ لكنّه

(في البيتِ مولدُهُ يُحقّقُ أ نّهُ)

(دونَ الأنام ذُبالةٌ [185] في زَيتِهِ) [186].

وقال العلّامة البارع السيد مير عليّ ابن السيد عباس ابن السيد راضي ابو طبيخ النجفي، من قصيدة يخاطب بها أمير المؤمنين عليه السلام، ويعاتبه علي المصائب الواردة:

أَلَم

تَكُ للَّهِ أمضي حذسام؟

أَلَم تَكُ في بيتهِ تُولَدُ؟

ينوّهُ باسمكَ منهُ المقام

ويعنو لكَ الحَجَرُ الأسودُ

ولولاكَ لم يُهدَ هذا الأنام

ولولاكَ لم يَستقِم مَعبَدُ

تدورُ بكَ الحربُ دَورَ الرَّحي

فتثبُتُ كالقُطُبِ الماثلِ

وقال العلّامة الكبير السيد محسن الأمين العاملي، من مقصورة علوية له:

لكَ يا أمير المؤمنين مناقبٌ

ظهرت ظهور الشمس في وقتِ الضُحي

مشهورةٌ لا يُستاطع جحودها

فالناسُ مُذعنةٌ بها حتّي العدي

نَصُّ الغدير كفاكَ فضلاً إنّهُ

لكَ في الرقاب جميعها عقدُ الولا

هيَ من فضائلك العظيم الشأن إح

-داها إلي أمثالها الفضلُ انتهي

يكفيك ما قد جاء في التطهيرِ أو

في (قُل تعالَوا) أو أتي في (هل أتي) [187].

وقال الشيخ عليّ الملقّب بالشيخ الرئيس الخراساني المتوفّي في حدود سنة (1320 ه) في منظومته الموسومة (بتنبيه الخاطر في أحوال المسافر) [188] عند ذكر الإمام عليه السلام:

شاهي كه به خلق پيشوا بود

نَفسِ نبي و رُخِ خدا بود

مرآتِ حقيقتِ نهان او است

سِرِّ همه مخفيُّ و عيان او است

دَر خانه كعبه زاد است

ما نازِ طوافِ او مراد است

وقال الشاعر الطائر الصيت، ميرزا محمد علي التبريز، الملقّب في شعره (بصائب) المعاصر للشاه سليمان الصفوي عليهم السلام، الذي هبط (عبّاس آباد) من أعمال (اصفهان)، وسافر إلي الهند، ثم عرج عليها، من قصيدة يمدح بها الكعبة، ويذكر مزاياها، مستهلّها:

اي سوادِ عنبرين قامت سوداي زمين

مغزِ خاك از نكهتِ مشكين لباست يافته چين

إلي أن يقول في التخلّص إلي مدح الإمام عليه السلام:

هيچ تعريفي تر از اين به نميدانم كه شد

در تو پيدا گوهر پاكِ أمير المؤمنين

ذكره في (الخزانة العامرة) [189] نابغة الهند غلام علي آزاد الحسيني الواسطي البلگرامي، المولود سنة (1116 ه).

فذكر أ نّه نظم أيضاً قصيدة يمدح بها البيت الحرام، ويتخلّص إلي مدح الإمام عليه السلام مستهلّها:

مرحبا اي كعبه اشرف چه والا گوهري

قيمتي داري كه قربان تو گردد

مشتري

إلي أن قال في التخلّص:

مطلع خورشيد خوانم مَن تو را الحق بجا است

از تو سر زد آفتاب سروري

شاه مردان صفدر يزدان كه دست تيغ او

كرد حك از صفحه ايام نقش كافري

نور سيماي هدي يعني علي المرتضي

افتخار دوره آدم زِروشن گوهري

وذكر القصيدة برمّتها في الصفحة: 293- 292.

لكنّه بدل هذا التخلّص بعدما وقف علي تخلّص الصائب، وما في القصيدتين من توارد الخاطرين، حذار أن يقذف بالسرقة بقوله:

بر تو واجب شكر مولائي كه دستِ قدرتش

بر زمين افكند از بالا إله آذري

وقلتُ في مولد مولانا أمير المؤمنين عليه السلام، مادحاً ومهنئّاً بها آية اللَّه العظمي السيّد ميرزا علي آقا الشيرازي، نذكر منها قدر الحاجة:

لقد شُرِّف البيتُ في مولدٍ

زهت بِسَناهُ عِراصُ النجف

بنفس الرسولِ وزوجِ البتول

وأصلِ العُقولِ ومعني الشَرف

وبابِ مدينةِ علمِ النبيّ

وصارمِ دعوتِهِ والخَلَف

وجاءَ مطهّرُ بيتِ الإلهِ

فعن مجدهِ كلَّ رِجسِ قَذَف

أزاحَ عن البيتِ أوثانَهم

وأزهقَ مَن عَن هُداهُ صَدَف

وكانَ الخليلُ له رافعاً

قواعدَهُ فلهُ ما رَصَف

فليسَ من البِدعِ أن أُسدَلَت

علي شبلهِ منهُ تلك السَّجَف [190].

وقال الشعر المسيحيّ بولس سلامة، في ملحمته التاريخية الكبري المسمّاة ب (عيد الغدير) أبياتاً ضمّنها ولادة الإمام عليه السلام في الكعبة:

سمعَ الليلُ في الظلام المديدِ

همسةً مثل أ نّةِ المفؤود [191].

من خفيّ الآلامِ والكبتِ فيها

ومن البشر والرجاء السعيد

حرّة لزّها المخاضُ فلاذت

بستاِ البيتِ العتيقِ الوَطيدِ

كعبة اللَّه في الشدائد تُرجي

فهي جسرُ العبيد للمعبودِ

لا نساءٌ ولا قوابلُ حَفَّت

بابنة المجدِ والعُلا والجُود

يذر الفقر أشرف الناس فرداً

والغنيّ الخليع غير فريدِ

أينما سارَ واَكبَتهُ جِباهٌ

وظهورٌ مخلوقةٌ للسُجودِ

صبرت فاطمٌ علي الضَيمِ حتّي

لهثَ الليلُ لهثةَ المكدودِ

وإذا نجمةٌ من الاُفق خفّت

تطعنُ الليلَ بالشُعاع الحَديد

وتدانَت من الحطيمِ وقَرَّت

وتدلّت تدلّيَ العُنقودِ

تسكبُ الضوءَ في الأثيرِ دَفيقاً

فعلي الأرضِ وابلٌ من سُعودِ

واستفاقَ الحَمامُ يسجعُ سَجعاً

فتهشُّ الأركانُ للتَغريدِ

بَسَمَ المسجدُ الحرامُ حُبوراً

وتنادت حجارُهُ للنشيدِ

كانَ فجرانِ ذلكَ اليومَ

فَجرٌ

لنهارٍ وآخَرٌ للوَليدِ

هالَت الاُمُّ صرخةٌ جالَ فيها

بعضُ شي ءٍ من هَمهَمات الأُسودِ

دَعَتِ الشبلَ حَيدراً وتمنَّت

واكبَّت علي الرَجاء المَديدِ

أسَداً سمّت ابنها كأبيها

لِبدَةُ الجَدّ أُهديت للحفيدِ

بَل (عليّاً) ندعوُهُ قالَ أبوهُ

فاستفزَّ السَماءَ للتأكيدِ

ذلك اسمٌ تناقلته الفيافي

ورواهُ الجُلمُودُ للجُلمودِ

يهرمُ الدَهرُ وهو كالصُبح باقٍ

كلّ يومٍ يأتي بِفَجَرٍ جَديدِ [192].

حديث الولادة مجمع عليه

لعلّ الباحث لا يعروه الشكُّ في ذلك، بعدما وقف علي عناوين هذه الرسالة في إثبات الحديث، وما سلف النصّ به من علماء الفريقين.

كقول الآلوسيّ فيه «إنّه أمر مشهور في الدنيا» وذكر في كتب الفريقين السنّة والشيعة.

وما سبق عند السيد حيدر الآملي من عدّه في المناقب المتسالم عليها، التي لا يفتقر ناقلها إلي كتاب.

وما عرفته عن ابن اللوحيّ من إسناد روايته إلي الفريقين، وهصفاقهم علي نقله.

وما سلف عن العلّامة النوري قدس سره أنّ تلك الفضيلة لا يبعد كونها من ضروريات مذهب الإمامية، وأ نّها جاء في أخبار غير محصورة، ومنصوص بها في كلمات العلماء، وفي ضمن الخطب والأشعار في جميع الأعصار.

إلي غير هذه من كلمات كثيرة تؤدّي ذلك المؤدّي.

علي أنّ البحث لا يعدمنا النصّ الصريح بذلك.

قال العلّامة السيد هاشم البحراني، المتوفّي سنة (1107 ه) في (مدينة المعاجز): «قال محمّد بن علي بن شهر آشوب في (مناقبه): أجمعت الشيعة علي أ نّه عليه السلام ولد في الكعبة» [193].

والظاهر أنّ النقل عن كتاب (المناقب) نفسه الذي لم نقف عليه، لا منتخبه المعروف المطبوع المشهور بمناقب ابن شهر آشوب، وهو لابن جبر [194]، فلا تذهب المذاهب بالقاري ء.

وفي (مناقب المعصومين عليهم السلام) عن (المناقب) أ نّه إجماع أهل البيت عليهم السلام [195].

ورأيت في موسوعة لبعض الفضلاء المتأخّرين، أنّ ولادته فيها هو الأشهر بل عليها الإجماع، وإلي الآن لم يولد فيها غيره.

ولنا أن نثبت إجماع الشيعة علي ذلك

طوراً، واتفاقها مع أهل السنّة تارةً.

أمّا اتفاق الشيعة:

فلا يعزب الجزم به أيّ باحث منقّب، وقف علي كلماتهم، وسبر أخبارهم، واطّلع علي تواريخهم.

وقد عرفت في تضاعيف هذه الرسالة طرفاً من أحاديث الباب وكلمات العلماء وقد أرسلوا فيها حديث الولادة إرسال المسلّم، نافين عنه أيّ شبهة وارتجاف.

وهناك جموع آخرين نوقفك علي بعض عبائرهم أو مضامينها:

فمنهم العلّامة الأوحد قطب الدين محمّد ابن الشيخ عليّ الشريف اللاهيجي، تلميذ المحقّق الداماد المترجم في (أمل الآمل) [196] في كتابه القيّم الفخم (محبوب القلوب).

فقد نصّ- كما عرفته من علماء اُمّته قبله وبعده- بولادة الإمام عليه السلام داخل الكعبة، يوم الجمعة في الثالث عشر من رجب، قبل الهجرة بثلاث وعشرين عاماً.

قال: «ولم يُولد في البيت الحرام قبله أحدٌ سواه، وهي فضيلةٌ خصّه اللَّه تعالي بها، إجلالاً له وإعلاءً لمرتبته وإظهاراً لكرامته».

ويقربُ منه ما ذكره البارع الجليل السيد عباس بن عليّ بن نور الدين الموسوي الحسيني المكّي في رحلته المسماة ب (نزهة الجليس ومنية الأديب الأنيس) [197].

وما قاله العالم الناقد المتبحّر السيد نعمة اللَّه الموسوي الجزائري، المتوفي سنة (1112 ه) في (الأنوار النعمانية) ناهيك به ناقداً للأخبار، متبصراً فيها [198].

ومنهم نظام الدين، محمد بن الحسين التفرشيّ الساوجي، تلميذ الشيخ بهاء الدين العاملي، ومتمّم (جامعه العبّاسي) بعده بأمر الملك السعيد الشاه عباس الصفوي.

قال في الباب السابع من تكملة (الجامع) المذكورة: «إنّ ولادته عليه السلام في جوف الكعبة».

وكذلك أرسله إرسال المسلّم شيخنا الفقيه الأوحد الشيخ خضر بن شلال آل خدام العفكاوي النجفي، المتوفي سنة (1255 ه) في مزاره المسمّي ب (أبواب الجنان وبشائر الرضوان).

قال: «ومولده الشريف في الكعبة الحرام بعد عام الفيل بثلاثين سنة».

ومثله في الجزم بذلك العلّامة المشارك في العلوم الحاج المولي الشريف الشيرواني، نزيل

تبريز، من تلمذة سيّد الرياض، وهو من ثقات علمائنا، في كتابه (الشهاب الثاقب).

فقال: «إنه ولد في مكّة ببيت اللَّه الحرام»، قال: «ولم يولد فيه قطّ سواه، ولا قبله ولا بعده».

وعيّن التأريخ بليلة السبت لثلاث وعشرين من رجب، قال: «وقيل: يوم الجمعة» [199].

ومنهم المحقّق الحكيم العارف الأخلاقي الفقيه المحدّث الشاعر المولي محمّد ابن المرتضي المدعو بالمحسن الفيض الكاشاني، المتوفّي سنة (1091 ه) فقد أثبت ذلك في كتابه (تقويم المحسنين) في حوادث شهر رجب: «أنّ في ثالث عشرة يوم الجمعة علي الأشهر ولد عليّ بن أبي طالب عليه السلام في الكعبة، قبل النبوّة باثنتي عشرة سنة، وللنبيّ صلي الله عليه و آله يومئذ ثمان وعشرون سنة» [200].

وماثله في ذكر الفضيلة بصفة الجزم بها الشيخ ابو محمّد الحسن بن أبي الحسن محمّد الديلمي في (إرشاده) وكذلك في تأريخ الاُسبوع والشهر، وذكر أ نّها كانت سنة ثلاثين من عام الفيل، ونفي أن يكون قبله عليه السلام أو بعده أحدٌ في البيت، وأ نّها إحدي فضائله الجمّة المخصوصة به [201].

ومثله العلّامة الأوحد، الجامع للمعقول والمنقول، الحاج السيد ميرزا حبيب اللَّه ابن محمّد بن هاشم الموسوي الخوئي في شرح نهج البلاغة، المسمّي (منهاج البراعة).

قال: «وقد خصّه اللَّه بهذه الفضيل علي سائر الأنام، ولم يولد في البيت أحدٌ قبله ولا بعده، وفي ذلك يقول أبوه أبو طالب عليه السلام:

أنتَ الذي فرضَ الإله ولاءَهُ

ونطقتَ حقّاً بالجوابِ الصائبِ

أنتَ الذي رفعَ الإله محلّهُ

وعَلا عُلاك علي الشهابِ الثاقبِ

وولدتَ في البيت الحرام وخصّكَ

الباري بكلّ مكارمٍ ومواهبِ [202]  [203].

ومنهم العلّامة الفقيه السيّد حيدر الحسني الحسيني الكاظمي، المتوفّي سنة (1265 ه) قال في كتابه (عمدة الزائر): « … وأ نّه ولد بمكّة في البيت الحرام، يوم الجمعة لثلاث

عشر ليلة خلت من رجب، بعد عام الفيل بثلاثين سنة، وهو المشهور.

والأقوي عندي ما رواه الشيخ في الصحيح عن الصادق عليه السلام قال: كانت ولادته يوم الأحد، لسبع خلون من شعبان، وكان بين مولده ومولد رسول اللَّه صلي الله عليه و آله ثلاثون سنة، ولم يولد قبله ولا بعده في بيت اللَّه الحرام سواهُ، إكراماً له وتعظيماً له من اللَّه تعالي بذلك وإجلالاً لمحلّه» [204].

وقال سيّد الفقهاء، الآية الباهرة، السيد مهدي القزويني قدس سره، المتوفّي سنة (1300 ه) في (فلك النجاة): «ولد يوم الجمعة، ثالث عشر رجب، وروي سابع شعبان، والأول أشهر، بعد مولد رسول اللَّه صلي الله عليه و آله بثلاثين سنة، في الكعبة البيت الحرام، هو أوّل من أسلم يوم مبعث النبي صلي الله عليه و آله وهو ابن عشر سنين، وأوّل من صدّق به» [205].

وفي (عدّة الرجال) للعلّامة المحقّق السيد محسن الأعرجي: «ولد أمير المؤمنين عليه السلام بعد عام الفيل ومولد النبي بثلاثين سنة، في أيّام هِرَقل، يوم الجمعة في رجب، وقيل في شعبان في البيت الحرام، ولم يولَد في البيت أحدٌ قبله ولا بعده» [206].

ثمّ ذكر حديث يزيد بن قَعنب كما مرّ عن الصدوق.

وهذا العالم البّحاثة النيقد وجد خلافاً في شهر الولادة فأوعز إليه، لكنّه لم يجد في حديث البيت أيّ ترديد، فلم ينبس عنه ببنتِ شَفَةٍ، ولو كان مثله يجد شيئاً لما آثر تركه، وهو ذلك الصريح الشديد في البحث.

والشيخ عبد النبي الجزائري في (حاوي الأقوال) والشيخ أبو علي الرجالي في (منتهي المقال) وإن نقلا هذه الحقيقة الراهنة عمّن قبلهما من العلماء، وقد أثبتنا في هذه الرسالة مقاله، لكن العبرة في المقام بإخبات الرجلين- وهما من أعلام علماء الدين- بها

وبخوعهما لصحّتها.

ومنهم البحر الخضمّ علّامة العصور السيّد عليّ خان المدني الشيرازي، المتوفي سنة (1210 ه) في (الحدائق الندية في شرح الفوائد الصمدية).

فقد نقل عن (الفصول المهمة) عبارته الآتية مكتفياً بها، مذعناً بحقيقتها وحقّيتها [207].

وهناك من مؤلّفي العصور الأخيرة العالم النيقد المولي عليّ أصغر البروجردي، الذي أطلق القول الصراح في كتاب (عقائد الشيعة): بأنّ «مولده عليه السلام في وسط البيت، ضحي الجمعة، بعد ثلاثين عاماً من ولادة النبيّ الأعظم» [208].

ولغيره كتاب آخر في المعارف الإلهية أحسنَ فيه وفي مبحث الإمامة، لم يشكّ بأنّ مولد الإمام عليه السلام في الكعبة، بعد عام الفيل بثلاثين عاماً في الثالث عشر من رجب يوم الجمعة.

قال: «ولم يولد فيها أحد سواه، لا قبله ولا بعده».

إلي هنا نكتفي من نماذج هذا الفصل بما ذكرناه، علي أنّ جميع ما وقفت عليه تحت عناوين هذه الرسالة شروي هذه النقول، فيمكننا في هذا الموقف الاحتجاج بكلّ ذلك، ولعلّها جمعاء كقطرٍ من بحرٍ، بالنسبة إلي ما يجده السابر لكتب علمائنا.

وأ مّا إصفاق علماء أهل السنّة ومحدّثيهم وعرفائهم معنا في إثبات هذه المأثرة الفاضلة، فمن أجلي الحقائق وأثبتها.

لقد أسمعناك كلمة الحاكم في (المستدرك) وحكمه بتواتر النقل به.

ثمّ نقل الحافظ الكنجيّ الشافعيّ عنه ذلك بصفة اُخري.

وحكم آخر بالتواتر عن المحدّث الدهلويّ.

وكلام الآلوسي بما يوافقهم ونصّه ب «أنّ ذلك مشهور في الدنيا».

وما عن الصفوريّ الشافعي في ذلك.

وعن (تاريخ گزيده) لحمد اللَّه المستوفي.

وعن (مطالب السؤول) لابن طلحة الشافعي.

وعن (مرآة الكائنات) لنشانجيّ زاده.

و (سير الخلفاء) للدهلويّ المعاصر.

وكتاب (الحسين) للسيد علي جلال الدين الحسيني.

وعن عبد الباقي أفندي العمري في قصيدته.

وعن المولي الروميّ.

ومعين الدين الجشتيّ.

وعبد الرحمن الجامي في شعرهم.

والأمير محمد صالح الترمذي في (مناقبه).

بل ذكر العلّامة الشيخ أبو الحسن الشريف العامليّ في (الفوائد

الغروية والدرر النجفية) أ نّه «روي حديث الولادة أكثر العامّة، وأ نّه يوم الجمعة، ولم يولد فيها أحد غيره».

وإليك أسماء آخرين منهم لم يمتاروا في صحّة الخبر، فسردوه خاضعين لأميره:

قال نور الدين عليّ بن محمد بن الصبّاغ المكّي المالكي، المتوفي سنة (855 ه) في (الفصول المهمة): «ولد عليّ عليه السلام بمكة المشرفّة، بداخل البيت الحرام، يوم الجمعة الثالث عشر من شهر اللَّه الأصمّ رجب الفرد، سنة ثلاثين من عام الفيل، قبل الهجرد بثلاث وعشرين سنة، وقيل: بخمس وعشرين سنة.

وقبل المبعث باثني عشرة سنة، وقيل: بعشر سنين.

ولم يولد في البيت الحرام قبله أحدٌ سواه، وهي فضيلة خصّهُ اللَّه تعالي بها إجلالاً له وإعلاء لمرتبته، وإظهاراً لتكرمته» [209].

كما عرفت نقلها كذلك عن العلامة السيد علي خان المدني في (الحدائق الندية) قبيل هذا [210].

والسيد مؤمن بن الحسن بن مؤمن الشَّبلنجي الشافعي في (نور الأبصار) قال: «ولم يولد في البيت الحرام قبله أحد سواه، قاله ابن الصباغ» [211].

ونقل عن (الفصول) هذه مع نسبتها إلي مؤلّفها غيرُ واحد من أثبات أهل السنّة غير هؤلاء، كالسّمهودي في (جواهر العقدين) وبرهان الدين الحلبيّ في (إنسان العيون) [212].

وقال شمس الدين أبو المظفر يوسف بن قزأُوغلي الشهير بسبط ابن الجوزي في (تذكرة خواصّ الاُمّة): «روي أنّ فاطمة بنت أسد كانت تطوف بالبيت وهي حامل بعليّ عليه السلام فضربها الطَلقُ، ففُتِحَ لها باب الكعبة، فدخلت فوضعته فيها.

وكذا حكيم بن حزام ولدته اُمه فيها.

قلت: وقد أخرج لنا أبو نعيم الحافظ حديثاً طويلاً في فضلها.

إلّا أ نّهم قالوا: في إسناده رَوح بن صلاح، ضعّفه ابن عَديّ فلذلك لم نذكره [213]  [214].

عرفت أنّ ولادة حكيم فيها، علي تقدير صحّتها، من جملة الصدف والإتفاقات غير القصدية، فليس فيها

فضل ما غير تلويث البيت بالمخاض، ويجب تطهيره.

وأين هذه من ولادة أمير المؤمنين عليه السلام الذي فُتح لاُمّه الباب- كما في عبارة السبط نفسه- ولم يُفتح لغيرها، بالرغم من جهدهم في ذلك، كما سبق في أحاديث كثيرة.

أو انشقّ لها جدار البيت فدخلته- كما في أحاديث الشيعة- ولا يعدو ذلك أن يكون الأمر إلهيّاً قصد به التنويه بِشَرَف المولود المبارك الذي شرَّف البيت بولادته فيه.

وقوله: «فيما رواه ابو نعيم من الرواية المحكوم عليها بالضعف».

فسياق العبارة يعطي أ نّها في فضل فاطمة بنت أسد فحسب، غير متضمّنة لحديث الميلاد الشريف، فلا يهمنا إذن ضعيفةً كانت هي أو قوية.

وإن كانت تتضمن شيئاً من ذلك فهو غير ضائر لنا، فإنّ مستند السبط في أمر الولادة غيرها، ولو كان مأخوذاً منها لتركه كما تركها لضعفها، فإنّ الضعف إن كان مسقطاً لجميع الرواية عن الاعتبار وموجباً للتحرّج عن إيرادها، فليس للاستناد إلي بعضها مبررٌ يرتضيه عالمٌ يترفّع عن التعويل علي الأخبار الضعيفة.

فليس في نقله الحديث «يروي» بصيغة المجهول أيّ هيعاز إلي الوهن فيه، بعد ما عرفت حال الرجل في خصوص المقام، وهو المعهود منه في غير مورد من هذا الكتاب من إرداف الحديث بنقده، أو تصحيحه، أو حذفه رأساً لضعفه.

وإنّما جاء به كذلك لتكثّر طرقه الموجب للإطناب إذا تصدّي لسردها، ولشهرته المغني عن ذكر الأسانيد.

وإنّما الغرض الإشارة إلي إحدي المسلمات بأوجز بيان.

ومثله من علمائنا ما وقع في عبارة السيد رضي الدين ابن طاوس، المتوفّي سنة (664 ه) في (الإقبال).

قال: «روي أنّ يوم ثالث عشر رجب كان مولد مولانا عليّ بن أبي طالب عليه السلام في الكعبة قبل النبوة باثنتي عشر سنة» [215].

فالمسند فيه إلي تلك الرواية هو يوم الولادة ثالث عشر

رجب الذي وقع الخلاف فيه، لا محلّها المجمع عليه، الذي تضافرت الروايات به وتواترت الأسانيد.

وما كان مثل السّيد ابن طاوس بالذي يخفي عليه جليّة الحال في المقامين، وهو نابغة العلم وبحاثة الحديث، ورواية السير.

وقال أحمد بن منصور الكازروني في (مفتاح الفتوح): «ولدت فاطمة عليّاً عليه السلام في الكعبة.

ونقل عنها أ نّها كانت إذا أرادت أن تسجد لصنم وعليّ في بطنها لم يمكّنها، ولذا يقال عند ذكر اسمه: «كرّم اللَّه وجهه» أي كرّم اللَّه وجهه عن أن يسجد لصنم».

أنا لا أُحاول تصديق الرجل في كل ما يقول غير ما أتيت به من كلامه شاهداً لموضوع الرسالة، فإنّي لا اُصافقه علي أنّ فاطمة كانت تسجد للصنم، وإن كان ابنها أكبر وازع عن عبادة الأوثان.

ولو كانت اُجوّز لها تلكم الاُسطورة، لما عداني اليقين بما ذكره من أمر جنينها.

لكنّي اعتقد أنّ كون الإمام سلام اللَّه عليه في بطنها حملاً، وتقدير كونها حاملاً له عليه السلام من اللَّه سبحانه منذ الأزل، كان عاصماً لها عن عبادة الأصنام كبرهان الربّ (العصمة) المانع يوسف عن الزنا.

وهذا هو الذي نعتقده في آباء النبيّ والأئمة عليهم وعليه السلام واُمهاتهم، فهم مبرّءون عمّا يصمهم في دين أو دنيا.

ولهذا البحث مقالٌ ضافٍ لا يسعه المقام، وإنّما المراد هنا فذلكة [216] المقام من أ نّا لا نقيم لهاتيك الرواية الساقطة وزناً، وإن وافق راويها في إخراجها ابن حجر في (الصواعق).

ولقد أُسرَّ ناقلها حَسوا في ارتغاء يزيد وقيعة في اُمّ الإمام، كما تحامل علي أبيه المقدّس، فحكم بكفره لأمر دبِّرَ بليل، فصبّها في قالب الفضيلة له وتلقّاها الغير في غير ما رويّة.

وأسند عبد الرحمن الجاميّ في (شواهد النبوّة) [217] حديث ولادة الكعبة إلي بعضهم.

غير أ نّه خلط الحابل

بالنابل، وجاء بعثرات لا تقال.

فحدّد عام المولد الشريف بالسابعة من عام الفيل، عن الضدّ من ضرورة التاريخ والحديث، وعلم النسب، المثبتة أ نّه في الثلاثين، وشذّ من أرّخه بالثامن والعشرين منه.

ثمّ ذكر علي ذلك: أ نّه كان عند بعثة النبي صلي الله عليه و آله ابن خمسة عشر عاماً.

وعليه يجب أن تكون البعثة في الثاني عشر من عام الفيل، أو أن يكون الإمام عندها إبن ثلاثة وثلاثين عاماً.

وكلاهما مخالف للضرورة والإجماع.

وعلي العلّات، فالغرض من نقل ما ذكره الرجل هو ما عزاه إلي البعض من حديث الولادة نفسه، فلا يقصر أن يكون إحدي روايات الباب.

وللجامي رباعية في حديث الولادة، والشعراء تلمح إلي هذه الفضيلة بما يكاد أن يبلغ مبلغ الصراحة.

وقال الشيخ عبد الحقّ بن سيف الدين المحدّث الدهلوي في (مدارج النبوة) ما ترجمته: «قالوا: إنّه سمّته- يعني الإمام عليه السلام- اُمّهُ فاطمة بنت أسد (حيدرة) موافقة لاسم أبيها أسد، فإنّ حيدرة اسم للأسد، ولمّا جاء أبو طالب كره ذلك، فسمّاه (عليّاً).

وسمّاه رسول اللَّه صلي الله عليه و آله بالصديق كذا في (الرياض النضرة) [218]: وكنّاه بأبي الريحانتين.

ولقّبه ب (بيضة البلد) و (الأمين) و (الشريف) و (الهادي) و (المهتدي) و (ذي الاُذن الواعية) و (يعسوب الاُمة).

وقالوا: إنّ ولادته كانت في جوف الكعبة» [219].

مترجماً من الفارسية.

ولا منافاة بين ما ذكره من أنّ أبا طالب عليه السلام سمّاه عليّاً، وبين ما مرّ من أنّ التسمية كانت من عند اللَّه سبحانه، وأُنهيت إلي أبي طالب بطريق غير عادي.

وقد علمت أن شيخ الأبطح لما بلغه الأمر الإلهي سمّاه (عليّاً) فهي في الظاهر منسوبة إليه.

وأمّا تسرّع فاطمة بالتسمية فلا تصحّ عندي.

والأمير محمد صالح بن عبد اللَّه الكشفيّ التّرمذي الأكبر آبادي، بعد أن

ذكر حديث يزيد بن قَعنب السابق ذكره بأسانيد متكرّرة مرسلة له إرسال المسلّم في كتابه (المناقب) نقل عن أبي داود البناكتي أ نّه «لم يحظَ أحدٌ قبلَ الإمام عليه السلام ولا بعده بشرف الولادة في البيت» [220].

مترجماً من الفارسية.

وفي (روائح المصطفي) لصدر الدين أحمد البردوانيّ من متأخري علماء القوم: «كانت ولادته عليه السلام في جوف الكعبة بعد عام الفيل بثلاثين سنة، يوم الجمعة في الثالث عشر من رجب» [221].

مترجماً من الفارسية.

وفي كتاب (آئينه تصوّف) لشاه محمد حسن الجشتيّ: «أ نّه عليه السلام ولد في الكعبة في الثامن عشر من رجب، سنة ثلاثين من عام الفيل عند الضحي قبل مبعث البي صلي الله عليه و آله بستّ سنين وستّة أيام» [222].

مترجماً من الهندية.

وفيه من الغرائب تعيينه يوم الولادة بالثامن عشر من رجب، وأغرب منه تحديده الوقت بما قبل البعثة بستّ سنين وستّة أيام.

فإنّ من المتسالم عليه أنّ مولده صلي الله عليه و آله في عام الفيل، وأنّ بعثته علي رأس الأربعين من عمره الشريف، فيجب أن تكون ولادة الإمام عليه السلام، وهي بعد الثلاثين من عام الفيل قبل المبعث بعشر سنين.

وفي (مفتاح النجا في مناقب آل العبا) لميرزا محمّد بن رستم معتمد خان الحارثيّ البدخشيّ، بعد تحديد شهر الولادة ويومها من الاسبوع وسنتها بالجمعة في الثالث عشر من رجب سنة ثلاثين من عام الفيل، وأ نّها بمكّة في البيت الحرام: «وسمّته اُمّه حيدرة، وسمّاه النبيّ صلي الله عليه و آله عليّاً، فرضي أبواه بذلك، ولم يولد في البيت الحرام أحدٌ سواه، قبله ولا بعده، وهي فضيلة خصّه اللَّه بها».

وفي (كفاية الطالب لمناقب علي بن أبي طالب) للعلّامة الشيخ محمد حبيب اللَّه الشنقيطي المدرّس بالأهزر- بعد التزامه

فيه بشدّة التحرّز من أحاديث الروافض المكذوبة، فيما زعمه، لأنّ الإمام عليه السلام في غنيً عنها لكثرة ما ثبت في السنّة من أحاديث فضائله-.

وأرسل إرسال المسلّم: أنّ من مناقبه- كرّم اللَّه وجهه-، أ نّه ولد في داخل الكعبة، ولم يعرف ذلك لأحدٍ غيره، إلّا حكيم بن حزام رضي الله عنه.

ففي (شرح الشفا) للشيخ عليّ القاري، بعد أن قال في حكيم بن حزام: «ولا يعرف أحدٌ ولد في الكعبة غيره علي الأشهر» ما نصّه: «وفي (مستدرك الحاكم) أنّ عليّ بن أبي طالب- كرّم اللَّه وجهه- أيضاً ولد في داخل الكعبة» [223].

ليت القاري ء لم يسحب ذيل أمانته علي كلمة الحاكم الموجودة في (المستدرك) التي أسلفنا إثباتها عند إثبات تواتر هذا الحديث.

وليته ذكر قوله: «تواترت الأخبار أنّ فاطمة بنت أسد ولدت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في جوف الكعبة».

ليت! وهل ينفع شيئاً ليتُ [224]؟ عذرته.

فهو حين رمي القول علي عواهنه في ولادة حكيم بن حزام بإسناده إلي الأشهر- المستخرج من علبة مخيلته- لم يكن يسعه المصارحة بأنّ خلافه ممّا تواترت به الأخبار.

فلا أقل من التكافؤ بأن يكون كلّ منهما مشهوراً، فكان الأحفظ لسمعته والأستر لَمينِه [225]، أن يمسخ كلمة الإمام الحاكم إلي رأيت، وكان من المحتمل القريب أن لا يناقشه أحدٌ الحساب.

لكن الحقيقة لابدّ وأن تبرز نفسها.

الولادة في الكعبة المعظّمة فضيلة لعلي خصه بها رب البيت

اشاره

الحمد للَّه رب العالمين، والصلاة والسلام علي محمّد وآله الطيّبين الطاهرين، وصحبه الأخيار المنتجبين.

أمّا بعد:

فقد حالفني الحظّ في مطالعة كتاب «عليٌّ وليد الكعبة» لسماحة الشيخ الحجّة الميرزا محمّد علي الغروي الاُردوبادي تغمّده اللَّه برحمته، وسبرت غوره بقدر ما وسعني ذلك، فامتلأت نفسي إعجاباً وإكباراً له، ووجدتني مندفعاً لتسجيل كلمة تُعرب عن مبلغ ارتياحي وابتهاجي بهذا الأثر القيّم ومكانته.

ولم يَعْرُني شكٌّ

في أ نّه نفحة من نفحات أمير المؤمنين عليه السلام منحها المؤلف فاستأثر بها، مطلقاً العنان لسعة باعه وقوّة بيانه المفعم بعناصر التجويد والإبداع، موقفاً الابحث علي جليّة حديث الولادة الميمونة، مظهراً في أثناء ذلك مبلغ عنائه في جمع موادّه.

ولشدّة ما استهواني موضوع الكتاب بدأت أجمع استدراكات له، تتميماً وتعضيداً، والذي حداني إلي ذلك ثقتي بأ نّه قدس سره لو أمدَّ اللَّه في عمره لصنع مثل ما صنعت، وبارك لي فيما كتبت، خاصّة أ نّي اقتفيت في هذا التتميم أثره، وسلكت منهجه.

وقد تجمّعت لديّ نصوصٌ كثيرة من مخطوط الكتب ومطبوعها، قديمها وحديثها، نادرها ونفيسها، ممّا كان الوصول إليه والحصول عليه في زمان الحجّة المؤلّف أمراً عسيراً، ومجموع ذلك يغني لإثبات صحّة الحديث، والكشف عن اتّفاق أهل العلم والفضل عليه.

ولكن الّذين «يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَي مَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ» لم تُطاوعهم نفوسهم لقبول فضائل الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، وهذه أوّلها بما فيها من دلالات عميقة، فحاولا تشويهها بشتّي الأساليب، تمريراً لسياسة معاوية في التصدّي لفضائل الإمام عليّ عليه السلام، تلك السياسة التي دبّرها وعمّمها في مرسوم سلطاني يقول فيه:

برئت الذمّة ممّن روي شيئاً في فضل أبي تراب وأهل بيته [226].

ثمّ كتب إلي عمّاله في جميع الآفاق:

إذا جاءكم كتابي هذا فادعوا الناس إلي الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الأوّلين، ولا تتركوا خبراً يرويه أحدٌ من المسلمين في أبي تراب، إلّا وتأتوني بمناقض له في الصحابة، فإنّ هذا أحبُّ إليّ وأقرُّ لعيني، وأدحضُ لحجّة أبي تراب وشيعته [227].

قال الراوي: فَرُويَت أخبارٌ كثيرة في مناقب الصحابة مفتعلة لا حقيقة لها! فظهر حديثٌ كثيرٌ موضوع، وبهتان منتشر! [228].

وبهذه لجرأة والصلافة ملأوا كتبهم بالأكاذيب الكثيرة، والفضائل المجعولة، والأحاديث الموضوعة.

وحيث لم

يطالوا إنكار فضيلة المولد الشريف للإمام علي عليه السلام لوضوحه واشتهاره، بل تواتره والاتّفاق عليه، عمدوا إلي وضع أُسلوب آخر لإخفاء أثرها، وهو ادّعاء مثل ذلك لشخص آخر هو الصحابي حكيم بن حزام، وروّجوا لهذه المزعومة حسب الإمكانات التي هيّأتها لهم السلطة وأعوانها.

وهذه ليست أوّل خصوصية يحاولون سلبها عليّاً عليه السلام، بل هناك غيرها كثير، منها:

الحديث المتواتر المتّفق علي صحّته: «أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها».

وضعوا قباله حديثاً واهياً هو: «أنا مدينة العلم، وأبو بكر أساسها، وعمر حيطانها، وعثمان سقفها، وعليٌّ بابها» [229].

وحديثاً آخر، أشدُّ وهناً، وأظهر وضعاً، هو: «أنا مدينة العلم، وعليٌّ بابها، ومعاوية حلقتها» [230].

ومنها الحديث المتواتر الثابت الآخر: «عليٌّ منّي بمنزلة هارون من موسي».

وضعوا قباله حديثاً يشهد متنه وسياقه بوضعه، فضلاً عن سنده، هو: «أبو بكر وعمر منّي بمنزلة هارون من موسي» [231].

ومنا الحديث المتواتر الصحيح الآخر: «لأُعطينّ الراية غداً رجلاً يحبّ اللَّه ورسوله، ويحبّه اللَّه ورسوله … ».

وضعوا قباله حديثاً مثيراً للضحك والسخرية والاستغراب، هو: «لأُعطينّ هذا الكتاب رجلاً يحبّ اللَّه ورسوله، ويحبّه اللَّه ورسوله! قم يا عثمان بن أبي العاص. فقام عثمان بن أبي العاص، فدفعه إليه» [232].

ويكشف عن هذا التلاعب المكشوف، ويبيّن أ نّه كان أمراً معروفاً ومألوفاً، قول الزهري في الحديث الصحيح الذي رواه أحمد بن حنبل في «فضائل الصحابة» قال:

حدّثنا عبد الرزاق، قال: أنا معمرّ، قال: سألتُ الزهري: مَن كان كاتب الكتاب يوم الحديبيّة؟

فضحك وقال: هو عليٌّ، ولو سألت هؤلاء- يعني بني اُمية- قالوا: عثمان [233].

واستعراض باقي الأمثلة يخرجنا عن موضوع البحث الرئيسي، وإنّما أردنا التدليل علي منهج أُولئك في سلب الخصوصية، وجروتهم علي وضع الأحاديث الواهية قبال الأحاديث السليمة.

هذا رغم ميل بعض العلماء إلي أنّ ولادة حكيم

بن حزام في الكعبة ليست فضيلة ولا مكرمة، وإنّما كانت اتّفاقاً ولم تكن قصداً، كما ارتأي ذلك الصفوري وغيره [234].

وأغرق بعضهم نزعاً في الضلال، ورمي القول علي عواهنه، متحدّياً ما أثبته مهرة الفنّ وأئمّة النقل، وأخبت كبار العلماء والمؤرّخين بصحّته، ولم يكترث بأسانيده المتضافرة، وطرقه المتّصلة المعتمدة عند كلّ مؤالف ومخالف، فقال:

«إنّ حكيم بن حزام وُلِدَ في جوف الكعبة، ولا يُعرَف ذلك لغيره، وأ مّا ما روي أنّ عليّاً وُلِدَ فيها فضعيفٌ عند العلماء» [235].

وقد أجاد الحجّة الأُردوبادي في الردّ عليه، وتفنيد مزاعمه، فراجع أواخر باب «حديث الولادة والمؤرّخون».

ولكن نجد رغم ذلك أنّ محاولتهم فيما يخّص فضيلة المولد الشريف في الكعبة المعظّمة باءت بالفشل [236]، فلو رجعنا إلي مصادر الحديث لوجدنا خلالها- مع إثبات تلك الفضيلة للإمام علي عليه السلام- علي اليقين والجزم- أنّ من المؤلّفين والعلماء والرواة مَن أعلن أنّ هذه الفضيلة مختصّة بالإمام عليه السلام لم يشركه فيها أحد قبله ولا بعده، مصرّحين بذلك بعبارات شتّي تدلّ علي حصر هذه الفضيلة للإمام عليه السلام بضرس قاطع.

وإليك نصوصها:

«لم يولد قبله ولا بعده مولود في بيت اللَّه الحرام سواه، إكراماً له بذلك وإجلالاً لمحلّه في التعظيم».

رواها الحافظ أبو عبد اللَّه محمد بن يوسف القرشي الكنجي الشافعي (ت 658 ه) عن الحاكم أبي عبد اللَّه النيشابوري (405- 321 ه) [237].

وقالها أيضاً:

- الشيخ أبو عبد اللَّه محمد بن محمد بن النعمان البغدادي، الشيخ المفيد (ت 413 ه) [238].

- الحافظ يحيي بن الحسن الأسدي الحلّي، المعروف بابن البطريق (533-600 ه) [239].

- الشيخ الثبت أبو علي محمّد بن الحسن الواعظ الشهيد النيسابوري، المعروف بابن الفتّال، من علماء القرن السادس [240].

- الشيخ الوزير بهاء الدين أبو الحسن علي بن عيسي

الأربلي (ت 693 ه) [241].

- الإمام جمال الدين أبو منصور الحسن بن يوسف بن المطهّر الحلّي (648-726 ه) [242].

- السيّد المحدّث جلال الدين عبد اللَّه بن شرفشاه الحسيني، المتوفّي نيف وثمانمائة من الهجرة [243].

- الشيخ المحدّث الحسن بن أبي الحسن الديلمي، من أعلام القرن الثامن الهجري [244].

- الشيخ المؤرّخ النسّابة جمال الدين أحمد بن علي الحسني، المعروف بابن عنبة (ت 828 ه) [245].

- العلامة المحدّث السيّد وليّ اللَّه بن نعمة اللَّه الحسيني الرضوي، من أعلام القرن التاسع الهجري [246].

- العالم اللغوي الشيخ فخر الدين الطريحي (979-1087 ه) [247].

- العلّامة محمود بن محمد بن علي الشيخاني القادري الشافعي المدني، من أعلام القرن الحادي عشر [248].

«ولد بمكّة في البيت الحرام، ولم يولد قطّ في بيت اللَّه تعالي مولود سواه، لا قبله ولا بعده، وهذه فضيلة خصّه اللَّه تعالي بها، إجلالاً لمحلّه ومنزلته، وإعلاءً لقدره».

قالها:

- أمين الإسلام الشيخ المفسّر أبو عليّ الفضل بن الحسن الطبرسي (ت 548 ه) [249].

- الحافظ محمّد بن معتمد خان البدخشاني الحارثي، من أكابر علماء العامّة في القرن الثاني عشر [250].

«ولد بداخل البيت الحرام، ولم يولد في البيت الحرام قبله أحدٌ سواه، وهي فضيلة خصّه اللَّه تعالي بها إجلالاً له، وإعلاءً لمرتبته، وإظهاراً لتكرمته».

قالها:

- الحافظ نور الدين عليّ بن محمد بن الصبّاغ المكّي المالكي (784-855 ه) [251].

وحكاها عنه:

- الفقيه المؤرّخ نور الدين علي بن عبد اللَّه الشافعي السمهودي (844-911 ه) في «جواهر العقدين في فضل الشرفين العلم الجليّ والنسب العليّ».

- الشيخ علي بن برهان الدين الحلبي (975-1044 ه) في «إنسان العيون» [252].

- الشيخ مؤمن بن حسن مؤمن الشبلنجي، من علماء القرن الثالث عشر [253].

«ولد في البيت الحرام، ولا نعلم مولوداً في الكعبة غيره».

قالها: نقيب

الطالبيين الأديب الفقيه أبو الحسن محمّد بن الحسين الموسوي، المعروف بالشريف الرضي (359-406 ه) [254].

«ولدته- اُمّه- في الكعبة، ولا نظير له في هذه الفضيلة».

قالها: علم الهدي ذو المجدين علي بن الحسين الموسوي، المعروف بالشريف المرتضي (355-436 ه) [255].

«لم يولد في الكعبة إلّا عليّ».

قالها:

- الحافظ الفقيه محمّد بن علي القفّال الشاشي الشافعي (ت 365 ه) [256].

- شيخ الإسلام الحافظ المحدّث إبراهيم بن محمّد الجويني الشافعي (644-730 ه) [257].

«ولدت- فاطمة بنت أسد- علياً عليه السلام في الكعبة، وما ولد قبله أحدٌ فيها».

نصّ علي ذلك السيّد الشريف النسّابة نجم الدين أبو الحسن علي بن محمد العلوي العمري، من علماء القرن الخامس الهجري [258].

«لقد وُلِدَ عليه السلام في بيت اللَّه الحرام، ولم يولد فيه أحدٌ غيره قط».

قالها: الشيخ الفقيه أبو الحسين سعيد بن هبة اللَّه، المعروف بقطب الدين الراوندي (ت 573 ه) [259].

«مولده عليه السلام في الكعبة المعظّمة، ولم يولد بها سواه».

قالها: العلّامة عمر بن محمد بن عبد الواحد [260].

« … فالولد الطاهر، من النسل الطاهر، وُلِدَ في الموضع الطاهر، فأين توجد هذه الكرامة لغيره؟!

فأشرف البقاع: الحرم، وأشرف الحرم: المسجد، وأشرف بقاع المسجد: الكعبة، ولم يولد فيه مولودٌ سواه.

فالمولود فيه يكون في غاية الشرف، فليس المولود في سيّد الأيّام (يوم الجمعة) في الشهر الحرام، في البيت الحرام سوي أمير المؤمنين عليه السلام».

قالها: الحافظ المؤرّخ أبو عبد اللَّه محمّد بن علي بن شهر آشوب السروي المازندراني (ت 588 ه) بعد أن ذكر عدّة أحاديث في ولادة عليّ عليه السلام في الكعبة [261].

«وُلِدَ في الكعبة بالحرم الشريف، فكان شرف مكّة وأصل بكّة لامتيازه بولادته في ذلك المقام المنيف، فلم يسبقه أحد ولا يلحقه أحد بهذه الكرامة».

قالها: المحدّث الجليل السيّد حيدر بن

علي الحسيني الآملي من علماء القرن الثامن الهجري [262].

«كانت ولادته بالكعبة المشرّفة، وهو أوّل مَن وُلِدَ بها، بل لم يُعْلَم أنّ غيره وُلِدَ بها».

قالها: العلّامة صفي الدين أحمد بن الفضل بن محمّد باكثير الحضرمي الشافعي، من أعلام القرن الحادي عشر [263].

«وُلِدَ عليه السلام بمكّة داخل الكعبة علي الرخامة الحمراء، ولم ينقل ولادة أحدٍ قبله ولا بعده في الكعبة، وذلك فضل اللَّه يؤتيه من يشاء».

قالها كلٌّ من:

- العالم المحدّث الفقيه السيّد تاج الدين بن علي بن أحمد الحسيني العاملي، من علماء القرن الحادي عشر [264].

- العالم الفاضل محمّد بن رضا القمي، من علماء القرن الحادي عشر [265].

«ولادة معدن الكرامة في جوف الكعبة، ولم يولد أحدٌ فيها غيره، وقد خصّه اللَّه تعالي بهذه الفضيلة، وشرّف الكعبة بهذا الشرف».

قالها العلّامة الفاضل محمّد مبين بن محبّ اللَّه بن أحمد اللكهنوي الأنصاري الحنفي (ت 1225 ه) [266].

«ولداته في مكّة المكرّمة في جوف بيت اللَّه الحرام، ولم يولد أحدٌ غيره في هذا المكان المقدّس».

قالها العلّامة الشيخ محمد صديق خان الحسيني البخاري القنوجي (1248-1307 ه) [267].

«كانت ولادته عليه السلام في جوف الكعبة، ولم تتح هذه السعادة لأيّ أحدٍ منذ بدء الخليقة إلي الغاية، وإنّ لصحّة هذا الخبر بين المؤرّخين المتحفّظين علي الفضائل صيتٌ لا تشوبه شبهة، وتجاوز عن أن يصحبه الشكّ والترديد».

قالها المؤرّخ الشهير محمد بن خاوند شاه بن محمود (ت 903 ه) [268].

«من المتّفق عليه أنّ غيره صلوات اللَّه عليه لم يولد هناك».

قالها المؤرّخ العالم زين العابدين الشيرواني، من علماء القرن الثاني عشر [269].

امّا الشعراء، و خاصّة العلماء منهم

فقد زيّنوا شعرهم بقصائدهم في بيان فضائله ومناقبه عليه السلام المرويّة بالطريق الصحيحة المصحّحة المتواترة، تخليداً لذاكره، وأداءً لبعض حقّه، وأثبتوا فيها خصوصية ولادته في الكعبة المعظّمة،

ومنهم:

العالم الأديب ابو الحسن علاء الدين عليّ بن الحسين الشفهيني الحلّي، من العلماء الشعراء في القرن الثامن الهجري، يقول في قصيدة داليّة طويلة:

أم هل تري في العالمين بأسرهم

بَشَراً سواه ببيتِ مكّة يولَدُ؟

في ليلةٍ جبريل جاءَ بها مع

الملأ المقدَّسِ حَولَهُ يتَعبَّدُ

فلقد سَما مجداً عليُّ كما عَلا

شَرَفاً به دون البقاع المسجدُ [270].

ومنهم العالم المتكلّم المحدّث الفقيه المولي محمد طاهر بن محمد حسين القمي، صاحب المؤلّفات القيّمة النافعة، المتوفّي سنة (1098 ه)، في لاميّته البديعة التي مطلعها:

سلامةُ القَلبِ نحَّتني عن الزَّلَلِ

وشُعلَةُ العِلمِ دلَّتني علي العَمَلِ

إلي أن يقول:

طوبي لهُ كانَ بيتُ اللَّهِ مولدُهُ

كمثل مولدهِ ما كانَ للرُّسُلِ [271].

ومنهم الفقيه المحدّث الشيخ محمد بن الحسن الحرّ العاملي (1033-1104 ه) صاحبُ «وسائل الشيعة» قال في أُرجوزة له في تواريخ المعصومين عليهم السلام:

مولدُهُ بمكّة قد عُرفا

في داخلِ الكعبة زيدت شرفا

علي رُخامةٍ هناك حمرا

معروفة زادَت بذاكَ قدرا

فيا لها مزيّة عليّة

تخفضُ كلَّ رُتبةٍ عليّة

ما نالها قط نبيٌّ مرسلُ

ولا وصيّ آخرٌ وأوّلُ

ثمّ شرع بنظم حديث يزيد بن قعنب المشهور [272].

ومنهم الشيخ الفقيه حسين نجف التبريزي النجفي (1159-1251 ه)، حيث يقول في قصيدته الهائية:

جَعَلَ اللَّهُ بيتهُ لعليّ

مولداً يا لَهُ عُلا لا يُضاهي

لم يشاركهُ في الولادةِ فيه

سيّد الرسلِ لا ولا أنبياها [273].

ومنهم العلامة السيد علي نقي النقوي الهندي اللكهنوي في موشّحة ميلاديّة طويلة، منها قوله:

لم يكن في البيتِ مولودٌ سواه

إذ تعالي عن مثيلٍ في عُلاه

أُوتي العلم بتعليم الإله

فغذاه درّه قبل الفطام

يرتوي منه بأهني مشرب [274].

ومنهم آية اللَّه السيد محسن الأمين (1284-1371 ه) صاحب الموسوعة القيّمة «أعيان الشيعة»، حيث ذكر في أول باب سيرة أمير المؤمنين عليه السلام، فصل في مولده، من موسوعته الآنفة الذكر:

وُلِدتَ ببيتِ اللَّهِ وهيَ فضيلةٌ

خُصصتَ بها إذ فيك أمثالُها كُثرُ [275].

وله أيضاً من مقصورة:

وولدتَ في

البيتِ الحرام ولم يكن

هذا لغيرك مَن يكون ومَن مضي [276].

ومنهم السيد حسن بن محمود الأمين (1299-1368 ه).

في قصيدة بائية طويلة:

ولدت في البيت بيت اللَّه فارتفعت

أركانهُ بكَ فوق السَّبعة الحُجُب

وتلك منزلةٌ لم يؤتها بشرٌ

بلي ومرتبةٌ طالت علي الرُّتب [277].

ومنهم الفاضل الأديب الشيخ محمود عباس العاملي في قصيدته العلويّة المسماة ب (الدرر السنيّة):

من مثلهُ في بيتِ بارئه ولد؟

ذي خصلةٍ قد خصَّ فيها مذ وجد

أمعن بها يا صاح فكراً واعتمد

وانظر لها النظر الصحيح ولا تحد

من واضح المنهاج وقيت الضرر [278].

والشعر في خصوصية ولادة عليّ عليه السلام في الكعبة كثير، التقطتُ منه نا ما هو أروع إلي السمع وأوقع في القلب.

حديث ام حكيم المزعوم

اشاره

بعد هذه المقدمة لابدّ من خوض غمار حديث ولادة حكيم في الكعبة، هذه المزعمة الزائفة، والرواية المجعولة، وإخضاعها لشي ء من البحث والتحقيق والتمحيص، لكشف زيفها وبيان وضعها، إذ فيها الكثير ممّا يوجب الشكّ والريب في سلامتها وصحّتها، وبراءة ساحة رواتها.

وأوّل من نُسبت إليه وحكيت عنه، وأقدمهم:

هشام بن محمد بن السائب الكلبي، النسّابة المعروف، صاحب التآليف التي نيّفت علي المائة والخمسين، والمتوفّي سنة أربع أو ستّ ومائتين، وقيل: الأول أصحّ.

والكلبي ممّن تكالب بعض علماء الجرح والتعديل من العامّة علي تضعيفه وترك ما رواه، وعدم الاحتجاج به.

قال الدار قطني وغيره: متروك الحديث [279].

وقال يحيي بن معين: غير ثقة [280].

وقال السمعاني: «يروي العجائب والأخبار التي لا اُصول لها … أخباره في الاُغلوطات أشهر من أن يحتاج إلي الإغراق في وصفها» [281].

وهذه الاتهامات ضدّ الكلبي ليس لها وزن عندنا، لأ نّها ناشئة عن تعصّب طائفي، ومنقوضة بما يخالفها من آراء حسنة في الرجل تدلُّ علي خبرته وأمانته.

إلّا أ نّا نشكّك في صحّة نسبة ذلك القول هليه، وفي صدق الحكاية عنه.

والمتّهم في التقوّل

عليه هو روايته السكّري، فقد نسب إلي الكلبي أ نّه قال في «جمهرة النسب»:

«وحكيم بن حزام بن خويلد عاش عشرين ومائة سنة، وكانت اُمّه ولدته في الكعبة» [282].

وكتاب الجمهرة من أشهر كتبه، عدّه كبار المؤرّخين من مصنّفاته، وذكروا أنّ محمّد بن سعد كاتب الواقدي ومصنّف كتاب «الطبقات» الكبير وراه عنه مع سائر مصنّفاته.

ولكنّ النسخة التي بأيدينا من كتاب الجمهرة هي برواية أبي سعيد الحسن بن الحسين السكري (212-275 ه) عن أبي جعفر محمّد بن حبيب بن اُميّة البغدادي (ت 245 ه) عن الكلبي.

وهذا خلاف ما أثبته المؤرّخون كالنديم والحموي وغيرهما [283].

وكان لهذا الاختلاف أثرٌ كبير، ودور مؤثّر في متن الكتاب الأصلي.

فقد عمد السكّري إلي دسّ بعض آرائه وأقواله ومرويّاته في متن الجمهرة، مصدرّاً بعضها ب «قال أبو سعيد»، هاملاً البعض الآخر، كما قام بتحريف بعض الجمل والكلمات، أو تبديلها بما يتلاءم وآراءه الفكرية والمذهبيّة.

وكان هذا ديدن السكّري في ما يرويه من مصنّفات غيره، وهكذا صنع بكتاب «المحبّر» لاُستاذه وشيخه أبي جعفر محمّد بن حبيب.

وقد تنبّه لهذا الأمر محقّقاً كتابي الجمهرة والمحبّر.

قال الدكتور ناجي حسن محقّق الجمهرة في مقدّمة التحقيق:

«لقد وصلتنا جمهرة النسب لابن الكلبي برواية أبي سعيد السكّري، عن محمد بن حبيب، عن ابن الكلبي، ومع ذلك ظهرت فيها إضافات واضحة، وزيادات، وتعليقات بيّنة، لم ترد في أصل الجمهرة، بل أضافها الرواة والنسّاخ.

ولا يستبعد أن يكون أبو سعيد السكّري هو نفسه الذي قام بهذا العمل، حين وجد لديه فيضاً من الأخبار ذات الصلة بالأنساب» [284].

بعد هذا كلّه فليس من المستبعد، ولا المستحيل، أن تكون جملة «وكانت اُمّه ولدته في جوف الكعبة» في ذيل كلمة الكلبي المتقدّمة من تلك الإضافات، والزيادات، والتعليقات البيّنة، المحسوبة «فيضاً من

الأخبار ذات الصلة بالأنساب».

فإن كانت هذه الزيادة مبهمة بعض الشي ء أو مشكّك في أ نّها من الجمهرة، فهي واضحة، مكشوفة، جليّة في المحبّر.

ففي فصل الندماء من قريش:

«وكان الحارث بن هشام بن المغيرة نديماً لحكيم بن حزام بن خويلد بن أسد- وحكيم هذا ولد في الكعبة، وذلك أنّ اُمّه دخلت الكعبة وهي حاملٌ به، فضربها المخاض فيها، فولدته هناك- أسلما جميعاً» [285].

فالعبارة التي بين شارحتين قد أحدثت فاصلة بين صدر الكلام وذيله، إذ المراد بقوله «أسلما جميعاً»: الحارث وحكيم، كما يدلُّ عليه قوله المتقدّم في أول الفصل المذكور: «وكان حمزة بن عبد المطلب نديماً لعبد اللَّه بن السائب المخزومي، أسلما جميعاً» [286].

علي أنّ هذا الفصل هو في الندماء من قريش، وليس في ذكر أحوالهم وأحوال اُمّهاتهم وتاريخ ولاداتهم وكيفيّتها.

أضف إلي هذا أنّ عناوين الفصول والأبواب في المحبر انتخبت بدقة لتتلاءم مع محتوياتها، كما يلاحظ بشكل جليّ أ نّها خالية من الحشو وذكر الاُمور الرعية، اللهم إلّا في بعض الموارد التي هي من إضافات السكري.

ففي فصل أسلاف رسول اللَّه صلي الله عليه و آله:

«وسالفه صلي الله عليه و آله: سعيد بن الأخنس- قال أبو سعيد السكّري: سعيد هذا هو الذي قال النبي صلي الله عليه و آله: أبعده اللَّه، فإنّه كان يبغض قريشاً- بن شريق ابن وهب … » [287].

وما أشبه قوله «سعيد هذا» بقوله «حكيم هذا».

وما أشبه الفاصلة بين «بن الأخنس … بن شريق» بالفاصلة الحاديثة في الفقرة موضع البحث، وكلّ ما في الأمر تصديرها ب «قال أبو سعيد السكّري» هنا، وتركها سائبة مهملة هناك.

لم يكتفِ السكّري بهذا، بل أضاف في بعض الموارد جملاً وروايات تتماشي مع اعتقاداته المذهبيّة.

أذكر منها ما في أواسط فصل «ذكر سرايا

رسول اللَّه صلي الله عليه و آله وجيوشه».

«وفيها غزوة عمرو بن العاص السهمي علي ذات السلاسل، ومعه أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجرّاح في جيشه، وكان استمدّ، فأمدّه النبي صلي الله عليه و آله بجيش فيهم أبو بكر وعمر، ورئيس الجيش أبو عبيد بن الجراح.

قال أبو سعيد: فشكا أبو بكر وعمر- رحمهما اللَّه- إلي النبي صلي الله عليه و آله عمرو ابن العاص، فقال لهما: لا يتأمّر عليكما أحدٌ بعدي. وهذا توكيد لخلافة أبي بكر وعمر- رحمهما اللَّه-» [288].

ولست في صدد الخوض في بحوث الخلافة والإمامة، ومن هو أحقُّ بها من غيره، أو الولوج في مدي صحّة حديث «لا يتأمر عليكما أحد بعدي» وعدمه، فهذا أمر أشبعه علماؤنا بحثاً وتفصيلاً، ولكن أوردت هذا المثال لبيان تلاعب السكّري في متون الكتب، وهدفه من ذلك وغايته.

يقول محقّق كتاب المحبّر في كلمة الختام:

«وأظنّ أ نّه- أي ابن حبيب- كان يميل إلي الشيعية، فإنّه لا يذكر أبداً اُمّ المؤمنين عائشة، وسيّدنا أبا بكر الصدّيق، وسيّدنا عمر إلّا بكلمة (عليهم السلام) مع أ نّه دائماً يذكر أُم المؤمنين خديجة وسيّدنا عليّاً بكلمة (قدس سره) رضي اللَّه عنهم أجمعين.

وأيضاً قد أثبت جميع ما يعاب به الرجل في سيّدنا عمر، مثل أ نّه كان أحول [289].

أو كان قد ضرب، قبل أن يسلم، جاريته ضرباً مبرّحاً علي قبولها الإسلام، ربّنا لا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا!

فمن أجل ذلك، فيما أحسب، أنّ راويه أبا سعيد السكّري يضيف أحياناً إلي متن الكتاب ما يؤيّد رأي أهل السنة والجماعة في أمر الخلافة» [290].

وقد تحامل كثيراً علي ابن حبيب لوصفه عمر بأ نّه أحول، وهو أمرٌ خلقي وليس عيباً كما ادعي.

أو إثباته لبعض الحقائق التاريخية

الثابتة المرويّة في جلِّ كتب السيرة والتاريخ كضرب عمر جاريته لأ نّها سلكت طريق الحقّ وأسلمت.

حتّي أ نّه عدّها من الغِل جهلاً وتعصّباً!

ويا ليته أمعن في مسألة تلاعب السكّري المكشوف بمتن المحبّر، وإضافاته الواضحة إليه، حتّي يراها عين اليقين، لكنّه تساهل كثيراً وقال «فيما أحسب» فكان من الذين ارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يتردّدون.

فإن قيل: لا يهمّ عدم ذكر الكلبي وابن حبيب لخبر ولادة حكيم بن حزام في الكعبة، في أصل كتابيهما، وأ نّها مما أضافه السكّري فيما بعد باعتباره الراوي الأول لهما، وثبوت نسبة هذه الزيادات إليه؛ لأ نّنا نروي عن أئمة الجرح والتعديل عندنا توثيقه.

فقد قال فيه الخطيب البغدادي: كان ثقة ديّناً صادقاً [291].

وقال ياقوت الحموي: الرواية الثقة المكثر [292].

فما زاده السكّري في متن الكتابين نعدّه صحيحاً مقبولاً.

قيل لهم: إنّ ما أثبتناه من التلاعب السافر للسكّري في نصوص الكتب ومتونها، ينافي إطلاقكم صفة «ثقة» عليه، لأنّ الوثاقة هي الأمانة، والثقة: الأمين، يقال: وثقتُ بفلان أثقُ ثقةً إذا ائتمنته [293].

وقد بيّنا أ نّه لم يكن أميناً في رواية الكتابين، لخيانته للأمانة العلمية المتّبعة في الاحتفاظ بالنصوص علي ما هي عليه ونقضه قواعد الرواية، ففتح بذلك باباً للتلاعب المعلن بالكتب والآثار، لم يغلق إلي عصرنا هذا.

علي أ نّا لو سلّمنا أ نّه كان ثقة كما تدّعون، فروايته هذه مردودة لأكثر من سبب.

منها: الإرسال:

والذي عليه جلّ العلماء وأجلّتهم أ نّه ضعيف، مردود، لا يحتجّ به.

قال النووي في التقريب: «ثمّ المرسل حديث ضعيف عند جماهير المحدّثين، وكثير من الفقهاء وأصحاب الاُصول» [294] ظ

وقال مسلم في مقدّمة صحيحه: «والمرسل من الروايات في أصل قونا وقول أهل العلم بالأخبار ليس بحجّة» [295].

وقال ابن الصلاح في مقدمته: «ثمّ اعلم أنّ

حكم المرسل حكم الحديث الضعيف، إلّا أن يصحّ مخرجه بمجيئه من وجه آخر» [296].

وقال النووي: «ودليلنا في ردّ العمل به أ نّه إذا كانت رواية المجهول المسمّي لا تقبل لجهالة حاله، فرواية المرسل أولي، لأنّ المرويّ عنه محذوف، مجهول العين والحال».

وقال ابن أبي حاتم في كتاب المراسيل: «سمعتُ أبي وأبا زرعة يقولان: لا يُحتجَّ بالمراسيل، ولا تقوم الحجّة إلّا بالأسانيد الصحاح المتّصلة» [297].

أمّا معني المرسل فهو أن يكون في طريق الخبر راوٍ ملتبس العين، إمّا بأن لا يذكر، أو أن يذكر علي نحو الإبهام [298].

وعرّفه أبو العباس القرطبي، من ائمة المالكية قائلاً: «المرسل عند الاُصوليين والفقهاء عبارة عن الخبر الذي يكون في سنده انقطاع، بأن يُحدِّث واحد منهم عمّن لم يلقه، ولا أخذ عنه» [299].

وروايد السكّري، حتّي لو فرضنا أ نّها رواية الكلبي وابن حبيب، هي من المراسيل، وليست من المسند الذي هو عند أهل الحديث ما اتّصل إسناده من راويه إلي منتهاه [300].

والمعروف أنّ الكلبي وابن حبيب والسكّري وغيرهم ممّن سيأتي ذكرهم قد عاشوا ونبغوا في القرن الثالث للهجرة وما بعده، فَمن الذي حدّثهم بولادة حكيم في الكعبة، مع أ نّها كانت قبل الإسلام بستّين سنة، كما أرّخ ذلك بعض المؤرّخين؟ [301].

ومنها: الشذوذ ومخالفة المشهور.

والحديث الشاذّ هو الحديث الذي يتفرّد به ثقة من الثقات وليس للحديث أصلٌ متابع لذلك الثقة [302].

روي احلاكم أبو عبد اللَّه النيسابوري وغيره بإسنادهم إلي يونس بن عبد الأعلي قال: قال لي الشافعي: ليس الشاذّ من الحديث أن يروي الثقة ما لا يرويه غيره، هذا ليس بشاذّ؛ إنّما الشاذّ أن يروي الثقة حديثاً يخالف فيه الناس، هذا الشاذّ من الحديث [303].

زاد ابن الصلاح في مقدّمته: «فخرج من ذلك أنّ الشاذّ

المردود قسمان:

أحدهما: الحديث المنفرد المخالف.

والثاني: الفرد الذي ليس في راويه من الثقة والضبط ما وقع جابراً لما يوجبه التفرّد والشذوذ من النكارة والضعف» [304].

ونحو هذا التقسيم قسّم ابن الصلاح الحديث المنكر [305].

وقد أمر أحمد بن حنبل ابنه أن يحذف حديث «يهلك اُمّتي هذا الحيّ من قريش» لمخالفته المشهور.

قال عبد اللَّه بن أحمد بن حنبل: «قال أبي في مرضه الذي مات فيه: اضرب علي هذا الحديث، فإنّه خلاف الأحاديث عن النبيّ صلي الله عليه و آله».

تعقّبه الحافظ أبو موسي المديني في كتاب «خصائص المسند» قائلاً: «وهذا مع ثقة رجال إسناده، حين شذّ لفظه عن الأحاديث المشاهير أمر بالضرب عليه» [306].

ونقل ابن الجوزي عن بعضهم أ نّه قال: «إذا رأيت الحديث يباين المعقول، أو يخالف المنقول، أو يناقض الاُصول، فاعلم أ نّه موضوع» [307].

ولا شبهة في أنّ ما تفرّدت به هذه الآحاد من زعمهم أنّ ولادة حكيم كانت في الكعبة هو خبر شاذّ، منكر، موضوع، خالفوا فيه المنقول، وناقضوا الاُصول، إذ لم يتتوفّر فيهم وفي خبرهم ما يدفع شذوذه ونكارته ووضعه.

وقد مرّ عليك قول شهاب الدين الآلوسي وغيره من الأعلام أنّ حديث ولادة عليّ عليه السلام في الكعبة «أمرٌ مشهور في الدنيا، ولم يشتهر وضع غيره- كرّم اللَّه وجهه- كما اشتهر وضعه، بل لم تتّفق الكلمة عليه».

والتأكيد عليه في مصادر الحديث المعتبرة، وكلمات مَهرة الفنّ، وحملة العلم، وأهل السير، وأصحاب التاريخ، وصاغة الشعر، لا يدع مجالاً لشي ء إلّا الإذعان بأ نّه الصحيح الشائع الذائع المستفيض، السائر ذكره مع الركبان، الدائر بين الناس، المقبول عند الاُمّة، المشهور بين القاصي والداني، شهرة لازمها تواتر الأسانيد التي لم يخل سند منها من محدّث ثقة، وناقد خبير، وعالم باحث، ومؤرّخ ثبت،

وإمام من أئمّة الفريقين وأساطينهم، لا يستهان بعددهم، لا يطعن في روايتهم، ولا يغمز في شي ء من أمانتهم، كابن إسحاق المطّلبي، وابن زكرة الأزدي، والقفّال الشاشي، والشيخ ابن بابويه الصدوق، والشيخ المفيد، والحاكم النيسابوري، والشريف الرضي، والسيد المرتضي علم الهدي، والكراجكي، وشيخ الطائفة الطوسي، وابن أبي الغنائم العمري النسّابة، وابن أبي الفوارس، وابن المغازلي، وعماد الدين الطبري، وسبط ابن الجوزي، والحافظ الكنجي، والسيد ابن طاوس، وشيخ الإسلام الجويني، وابن الصبّاغ المالكي، و … و …

فلا شكّ إذن في أ نّه من الأحاديث «المشهورة التي يعرفها أهل العلم، وقلّما يخفي ذلك عليهم، وهو المشهور الذي يستوي في معرفتها الخاصّ والعام» [308].

و روي ولادة حكيم في الكعبة

الزبير بن بكّار (172-256 ه) في كتابه «جمهرة نسب قريش»، قال: «حدّثني مصعب بن عثمان، قال: دخلت اُمّ حكيم بن حزام الكعبة مع نسوة من قريش، وهي حامل متمٌّ بحكيم بن حزام، فضربها المخاض في الكعبة، فأُتيت بنطع حيث أعجلها الولاد، فولدت حكيم بن حزام في الكعبة علي النطع» [309].

وليست هذه الرواية بأحسن حالاً من سابقتيها، ففيها:

أولاً: الزبير، وهو ضعيف عند بعضهم، قال عنه الحافظ أحمد بن علي السليماني في كتاب الضعفاء: منكر الحديث [310].

وذكره في عِداد من يضع الحديث، وقال مرّة: منكر الحديث [311].

واعتذر عنه ابن حجر العسقلاني بأنّ السليماني «لعلّه استنكر إكثاره عن الضعفاء، مثل محمّد بن الحسن بن زبالة، وعمر بن أبي بكر المؤملي، وعامر بن صالح الزبيري وغيرهم، فإنّ في كتاب النسب عن هؤلاء أشياء كثيرة منكرة» [312].

وثانياً: رغم البحث الجادّ فيما وقع بيدي من معاجم رجالية لم أعثر علي مدح أو توثيق لمصعب بن عثمان، هذا الذي روي هذه الحادثة، سوي نسبه وهو: مصعب بن عثمان بن عروة بن الزبير

بن العوام [313]، فلا أقلّ من أنّ حاله مجهول، إن لم يكن من اُولئك الضعفاء الّذين أكثر ابن بكّار في الروايد عنهم في الجمهرة أشياء منكرة كثيرة، خاصّة أ نّه كان الواسطة بين عامر بن صالح وبينه.

وشيخه هذا- عامر- كان كذّاباً، ليس بثقة، عامة حديثه مسروع، يروي الموضوعات، لا يحلُّ كتبُ حديثه إلّا علي التعجّب، ولعلّه ورّث تلميذه شيئاً من ذلك [314].

ثالثاً: أنّ مصعب بن عثمان هذا لم يذكر سنداً لهذه الرواية، ولا صرّح باسم من حكاها له، ولا أشار إلي المصدر الذي استقاها منه، وأقلُّ ما يمكننا القول إنّها كسابقيتها مرسلة، منكرة، شاذّة، ضعيفة.

ومن العجب أنّ بعض المولّفين أوردوا رواية الزبير هذه في مؤلّفاتهم يرسلونها إرسال المسلّمات، ويوردونها مستدلّين بها محتجّين، وكأ نّها من الأحاديث المسندة الصحيحة المتواترة الثابتة التي لا تقبل الجدل، ولا تخضع للنقاش!

فقد أخرجها عن الزبير:

جمال الدين أبو الفرج ابن الجوزي (510-597 ه) في كتابه «صفة الصفوة» [315].

جمال الدين أبو الحجّاج يوسف المزّي (654-742 ه) في كتابه «تهذيب الكمال» [316].

شمس الدين محمّد بن أحمد الذهبي (673-748 ه) في كتابه «سير أعلام النبلاء» [317].

شهاب الدين ابن حجر العسقلاني (773-852 ه) في كتابه «الإصابة» [318].

وقد تعوّدنا من إولاء الأربعة- خصوصاً- محاولاتهم الدائبة للتستّر علي فضائل عليّ وأهل بيته عليهم السلام وكتمانها، وتضعيفها مهما كثرت طرقها وتواتر أسانيدها، وأفرطوا في ذلك حتّي اشتهروا به.

كما تعوّدنا منهم الإخبات بصحّة الفضائل الموضوعة، والكرامات المختلقة، والأحاديث الضعيفة الواهية المرويّة في من كان علي رأيهم، ويذهب مذهبهم، ويوافق هواهم وزيغ قلوبهم «أَفَرَأَيْتَ مَنْ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهَُ عَلَي عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَي سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَي بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ».

ورواها الحاكم أبو عبد

اللَّه النيسابوري (321-405 ه) في «المستدرك» بطريقين:

الأول: «سمعتُ أبا الفضل الحسن بن يعقوب، يقول: سمعت أبا أحمد محمّد ابن عبد الوهاب، يقول: سمعت عليّ بن عثّام العامري، يقول:

ولد حكيم بن حزام في جوف الكعبة، دخلت اُمّه الكعبة فمخضت فيها، فولدت في البيت» [319].

وابن عثّام هذا هو أبو الحسن الكلابي الكوفي، توفّي سنة (228 ه)، وتحرّف اسمه في مطبوعة المستدرك إلي: غنام.

قال عنه الحاكم في تاريخه: «أديب فقيه … أكثر ما اُخذ عنه الحكايات، والزهديّات، والتفسير، والجرح والتعديل» [320].

وروايته المتقدّمة التي لا تقوم بها الحجّة عند أهل العلم بالحديث، تدخل في باب الحكايات، وهو أنسب باب لها ولمثيلاتها من المرسلات الواهية والأحاديث المختلقة.

ولعلّ الذهبي قد تنبّه إلي ما فيها من الوهن والضعف فحذفها من مختصره ولم ينبس عنها ببنت شَفَةٍ، ولو صحّت بوجهٍ من الوجوه لم يحذفها، إذ استنفد ما لديه من حقد وعلم مقلوب في تجريح وتضعيف وتقبيح وسبّ لوراة مناقب عليّ وأهل بيته عليه السلام.

الثاني: «أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد بن بالويه، ثنا إبراهيم بن إسحاق الحربي، ثنا مصعب بن عبد اللَّه، فذكر نسب حكيم بن حزام وزاد فيه:

واُمّه فاختة بنت زهير بن أسد بن عبد العزّي، وكانت وَلَدت حكيماً في الكعبة، وهي حامل، فضربها المخاض وهي في جوف الكعبة، فولدت فيها، فحملت في نطع وغسل ما كان تحتها من الثياب عند حوض زمزم، ولم يولد قبله ولا بعده في الكعبة أحد!

قال الحاكم: وَهَمَ مصعب في الحرف الأخير، فقد تواتر الأخبار أنّ فاطمة بنت أسد ولدت أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب كرّم اللَّه وجهه في جوف الكعبة» [321].

ويا ليت شعري هل أصاب في الحرف الأول، كي ينبّه الحاكم إلي وهمه في الأخير؟!

أم

حسب أنّ هذه المزعمة المرسلة والمقطوعة السند قد وصلت إليه ب «الأسانيد المنقولة إلينا بنقل العدل عن العدل، وهي كارمة من اللَّه لهذه الأُمّة خصّهم بها دون سائر الاُمم»؟ [322].

ومَن هولاء العدول الّذين أهمل الزبيري ذكرهم؟

ونقل الذهبي هذه السفسطة في تلخيصه، مؤيّداً- علي غير عادته- رأي الحاكم في وهم مصعب الزبيري.

وقد تكلّم الحجّة الاُوردبادي علي رواية مصعب هذه في عدّة موارد، ونبّه إلي بعض ما فيها من نقاط الضعف، فراجع [323].

ورواها أبو الوليد محمّد بن عبد اللَّه بن أحمد الأزرقي في «أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار» قال:

حدّثني محمد بن يحيي، حدّثنا عبد العزيز بن عمران، عن عبد اللَّه بن أبي سليمان، عن أبيه أنّ فاختة ابنة زهير بن الحارث بن أسد بن عبد العزّي- وهي اُمّ حكيم بن حزام- دخلت الكعبة وهي حامل، فأدركها المخاض فيها، فولدت حكيماً في الكعبة، فحملت في نطعٍ واُخذ ما تحت مثبرها [324]، فغُسل عند حوض زمزم، واُخذت ثيابها التي ولدت فيها فجُعلت لقيً [325] [326].

وللباحث أن يتساءل عن الأزرقيّ هذا:

- مَن هو؟

- ما قيمة أخباره وأحاديثه عند علماء الحديث وأئمة الجرح والتعديل؟

- مَن هؤلاء الرجال الذين روي عنهم هذا الحديث؟

الأزرقيّ، هو محمّد بن عبد اللَّه بن أحمد بن محمد بن الوليد بن عقبة بن الأزرق الغسّاني المكّي، عرّفه ابن النديم بأ نّه «أحد الاخبارييّن وأصحاب السّير، وله من الكتب كتاب مكّة وأخبارها وجبالها وأوديتها، كتابٌ كبيرٌ» [327].

هذا هو كلُّ ما ذكر عنه، وليس فيه تصريح يستفاد منه حسن الرجل أو وثاقته، ويبدو أنّ ابن النديم قد تفرّد بترجمته، حيث أهملها علماء الرجال والمتخصّصون الأقدمون، وإنّما ذكروه ضمناً في ترجمة جدّه أحمد- المتوفي سنة (212 ه) أو (217

ه) أو (222 ه) المعدود في مشايخ البخاري، وأبي حاتم محمد بن إدريس الرازي، ومحمّد بن سعد كاتب الواقدي.

فقال المزّي في تهذيب الكمال: أحمد بن محمّد … جدُّ أبي الوليد محمّد بن عبد اللَّه الأزرقي صاحب تاريخ مكّة [328].

ثمّ عدّ الرواة عنه ومنهم: ابن ابنه أبو الوليد محمّد بن عبد اللَّه الأزراقي [329].

وذكره وكتابه هذا شمس الدين السخاوي (المتوفّي سنة 902 ه) في «الإعلان بالتوبيخ لمن ذمّ التاريخ» وقال: كان في المائة الثالثة [330].

ولعلّه استنتج ذلك من كتاب الأزرقي نفسه، حيث أرّخ فيه لحادثة وقعت في سنة عشرين ومائتين [331]، أو من معرفته بطبقة جدّه وعصره.

في النتيجة يتبيّن لناأنّه ليس في المصادر التي ترجمت للأزرقي، أو ذكرته، ما يشجّع، أو يساعد، علي قبول أخباره عموماً، وحديثه الشاذّ هذا خصوصاً.

أمّا شيخه الحافظ أبو عبد اللَّه محمد بن يحيي بن أبي عمر العدني، فقد ذكره عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي في كتابه «الجرح والتعديل» وقال:

سألت أبي عنه فقال: كان رجلاً صالحاً، وكانت به غفلة، رأيت عنده حديثاً موضوعاً [332].

وقال البخاري: مات بمكّة لإحدي عشرة بقيت من ذي الحجّة سنة ثلاث وأربعين ومائتين [333].

والملاحظ أنّ جلّ روايته في «أخبار مكة» عن شيخيه:

محمد بن عمر الواقدي المتّفق علي ضعفه وترك حديثه [334].

وعبد العزيز بن عمران.

وهو: عبد العزيز بن عمران بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني الأعرج، المعروف بابن أبي ثابت.

قال عبد اللَّه بن أحمد بن حنبل: سألت أبي عن عبد العزيز بن عمران فقال: ما كتبُ عنه شيئاً.

وقال البخاري: لا يكتب حديثه، منكر الحديث.

وقال النسائي: متروك الحديث.

وقال يحيي بن معين: ليس بثقة، إنّما كان صاحب شعر.

وقال عليّ بن الحسين بن حبّان: وجدتُ في كتاب

أخي بخطِّ يده: أبو زكريا ابن أبي ثابت الأعرج المديني قد رأيته هاهنا ببغداد، كان يشتم الناس ويطعن في أحسابهم، ليس حديثه بشي ء.

وقال أبوحاتم الرازي: متروك الحديث، ضعيف الحديث، منكرالحديث جدّاً.

وقال محمّد بن يحيي الذهلي النيسابوري: عليّ بدنة إن حدّثتُ عن عبد العزيز ابن عمران حديثاً.

وقال ابن حبّان: يروي المناكير عن المشاهير.

وقال الرازي: امتنع أبو زرعة من قراءة حديثه؛ وتَرَكَ الرواية عنه [335].

إنّ اتّفاق هؤلاء الأعلام علي ضعف عبد العزيز بن عمران وترك حديثه، واشتهاره بالكذب، ورواية المناكير، وسوء الخلق و …، أغناني عن اللجوء إلي التدقيق والبحث في بقيّة السند.

إنّ مصنّفاً مجهول الحال كالأزرقي وراوٍ كالأعرج، لا يصحّة الاعتماد عليهما في إثبات حادثة شاذّة كهذه، وسندٌ هذا مبدؤه ومنتهاه محكوم عليه بالإهمال والإعراض التامّين، ولا يصحّ للباحث الجادّ أن يستند إليه بأيّ وجه، وفق ما قرّره علماء الدراية.

قال الحافظ يحيي بن سعيد القطّان- الذي وصفه الذهبي بأمير المؤمنين في الحديث [336] -: «لا تنظروا إلي الحديث، ولكن اُنظروا إلي الإسناد، فإن صحّ الإسنادُ، وإلّا فلا تغترّوا بالحديث إذا لم يصحّ الإسناد» [337].

وقال الحافظ عبد اللَّه بن المبارك: «ليس جَودَةُ الحديث قرب الإسناد، جَودَةُ الحديث صحَّةُ الرجال» [338].

وقد عرفت فيما تقدّم أنّ رواية الأزرقي هذه لم تصحّ إسناداً ولا رجالاً علي أقلّ تقدير.

تشكّل الروايات والنصوص المتقدّمة المصدر الرئيسي والمرجع الأساسي المهمّ لهذه المزعمة الواهية.

والقاسم المشترك بينها جميعاً هوالإرسال والشذوذ ومخالفة ماهو مشهور، والنكارة والتحريف، والتلاعب في بعض مصادرهاوضعف بعض رواتها.

وعلّة واحدة من هذه العلل يسقط الاعتماد عليها، ويوجب نبذها جانباً، فكيفي بها مجتمعة؟

وتبيّن من خلال البحث في تواريخ رواتها: أنّهاظهرت في القرن الثالث الهجري، وأنّهاممّا تعمّد وضعه وتدرّج نحته في الأزمنة المتأخّرة، وما أكثرها.

يقول يحيي بن معين مشرياً إلي كثرتها: «كتبنا عن

الكذّابين، وسجّرنا به التنور، وأخرجنا به خبزاً نضيجاً» [339].

والعجب أنّ أكثر هذه الأحاديث وجلّها قد وضعها «أهل الخير والزهد»!

قال يحيي بن سعيد القطّان: «لم نرَ الصالحين في شي ء أكذبَ منهم في الحديث» [340].

وقال: «لم نزر أهل الخير في شي ء أكذب منهم في الحديث» [341].

وقال: «ما رأيت الكذب في أحدٍ أكثر منه فيمن ينسب إلي الخير والزهد» [342].

من أجل هذا- وغيره- ينبغي لنا ألّا نمنح هذا التاريخ ثقتنا واعتمادنا، بل يجب غربلته وأزالة شوائبه بإخضاع نصوصه وأخباره لدراسة علميد، حيادية، مستوعبة وشاملة لجميع جوانبه، مع الاهتمام بكلّ صغيرة وكبيرة، فلا فائدة من تصنيف الأخبار إلي تافهٍ وقيّم، إلّا بعد البحث والدراسة، فالتافهُ ما أثبت التحقيق تفاهته وزيفه وضعف قواعده وتضعضع دعائمه، والقيّمُ ما أثبت التمحيص أصالته، وظهرت بارهينه، ولاحت دلائله، وصمد عند النقد.

وفي الختام احمدُ اللَّه سبحانه لما خصّني به من لطف القيام بهذا العمل المتواضع، آملاً أن يروق أهل الفضل والتحقيق، متوكّلاً علي الفرد الصمد، متوسّلاً بحجزة وليد الكعبة، مستمدّاً العون من ساحة قدسه.

«الْحَمْدُ للَّهَِِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ»، «وَسَلَامٌ عَلَي عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَي»، «أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ».

ولادة أميرالمؤمنين خصوصية في الزمان و تفرد في المكان

اشاره

بينما كان العالم يغرق في ظلام الجاهلية الجهلاء التي غطّت كلّ أفنائه بالوثنية والشرك، بدأ الرسول الأعظم صلي الله عليه و آله يري آثار فضل ربّه وإكرامه، ويسمع الهتاف من السماء قبل أن يظهر له أمين الوحي جبرئيل، فكان لا يمرّ بحجرٍ ولا شجرٍ إلّا سلّم عليه، وكُشف له عن بصره، فشاهد أنواراً قدسية وأشخاصاً نورانيين، وبانت عليه علامات وصفات، وظهرت فيه آيات بيّنات استدلّ بها بُحيرا الراهب علي نبوّته، وهو في طريقه إلي الشام، يصحب

عمّه شيخ البطحاء أبا طالب عليه السلام في قافلته.

وما أن رأي النبيّ الأكرم صلي الله عليه و آله تباشير الخير والرحمة، وانقطع إلي عبادة ربّه وهو في ربيعه الثلاثين، شاءت الإرادة الربانيّة أن يُولد وصيّ النبيّ وصاحب سرّه وابن عمّه أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام في الكعبة المعظّمة.

وعامُ مولدهِ العامُ الذي بَدَأتْ

بشائرُ الوحي تأتي من أعاليها

فيه الحجارةُ والأشجارُ قد هتفتْ

للمصطفي وهو رائيها وصاغيها

وإذ دَرَي المصطفي فيهِ ولادة مو

لانا العليّ غدا بالبشر يُطريها

وباتَ مستبشراً بالطفل قال بهِ

لنا من النعم الزهراء ضافيها [343].

وكانت تلك الولادة المباركة من خصائص أمير المؤمنين، التي لم يحز فضلها أحد قبلَه ولا بعدَه، علي مدي التاريخ البشري، لأ نّها نالت شرف الاصطفاء في خصوصية الزمان، وتفرّدها في شرف المكان.

فقد شاءت إرادة الربّ سبحانه أن يطلّ أمير المؤمنين عليه السلام علي الدنيا في وقت إرهاصات النبوّة، ليتربّي في حجر ابن عمّه النبيّ الأكرم صلي الله عليه و آله دون أن تنجّسه الجاهلية بأنجاسها، أو تلبسه من مدلهمّات ثيابها، وأن يحرز قصب السبق إلي الإسلام مكرّماً وجهه عن الشرك وعبادة الأصنام.

لقد تضاعف ابتهاج النبيّ الأعظم صلي الله عليه و آله بولادة أمير المؤمنين عليه السلام وتمّت بالوليد مسرّته، فكان يلي تربيته، ويراعيه في نومه ويقظته، ويحمله علي صدره وعاتقه، ويحبوه بألطافه وتحفه، ويقول: «هذا أخي وناصري، وصفيّي ووصيّي، وذخيرتي وكهفي» وكان يحمله ويطوف به جبال مكّة وشعابها، وأوديتها وفجاجها [344].

وهكذا حصل الوصيّ علي شرف التربية النبويّة منذ نعومة أظفاره بعيداً عن أباطيل الجاهليّة، مقتدياً بمكارم أخلاق معلّمه العظيم صلي الله عليه و آله، ومتأثّراً بعظمة نفسه وطهره ونقاء ضميره وحسن سيرته وسلوكه، وأشار عليه السلام إلي آثار تلك التربية الربانيّة بقوله:

«قَدْ

عَلِمْتُمْ مَوْضِعِي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه و آله بِالْقَرَابَةِ الْقَرِيبَةِ وَالْمَنْزِلَةِ الْخَصِيصَةِ، وَضَعَنِي فِي حِجْرِهِ وَأَنَا وَلَيدٌ، يَضُمُّنِي إِلَي صَدْرِهِ، وَيَكْنُفُنِي فِي فِرَاشِهِ، وَيُمِسُّنِي جَسَدَهُ، وَيُشِمُّنِي عَرْفَهُ، وَكَانَ يَمْضَغُ الشَّيْ ءَ ثُمَّ يُلْقِمُنِيهِ، وَلَقَدْ قَرَنَ اللَّهُ بِهِ صلي الله عليه و آله مِنْ لَدُنْ أَنْ كَانَ فَطِيماً أَعْظَمَ مَلَكٍ مِنْ مَلَائِكَتِهِ، يَسْلُكُ بِهِ طَرِيقَ الْمَكَارِمِ وَ مَحَاسِنَ أَخْلَاقِ الْعَالَمِ لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ، وَلَقَدْ كُنْتُ أَتَّبِعُهُ اتِّبَاعَ الْفَصِيلِ أَثَرَ أُمِّهِ، يَرْفَعُ لِي فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَخْلَاقِهِ عَلَماً، وَيَأْمُرُنِي بِالِاقْتِدَاءِ بِهِ … » [345].

وكان من مظاهر شرف الاصطفاء، هو انتقال وليد الكعبة منذ كان عمره ستّ سنين إلي بيت النبيّ صلي الله عليه و آله.

ذكر أحمد بن يحيي البلاذري وعليّ بن الحسين الأصفهانيّ: أنّ قريشاً أصابتها أزمة وقحط، فقال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله لعمّيه حمزة والعباس: «ألا نحمل ثَقَل أبي طالب في هذا المَحل».

فجاءوا إليه، وسألوه أن يدفع إليهم ولده ليكفوه أمرهم.

فقال: دعوا لي عقيلاً، وخذوا من شئتم.

فأخذ العبّاس طالباً، وأخذ حمزة جعفراً، وأخذ محمّد صلي الله عليه و آله عليّاًّ عليه السلام، وقال لهم: «قد أخذت- من اختاره اللَّه لي عليكم- عليّاً» [346].

فشاءت العناية الربانيّة أن يعيش أمير المؤمنين عليه السلام مع محمّد الصادق الأمين صلي الله عليه و آله يتأدّب علي يديه، ويتعلّم خصال نفسه الزكية.

فكان من ثمار تلك العناية الإلهيّة والتربية النبويّة أن صارت شخصيّة وصيّ النبيّ المصطفي صلي الله عليه و آله اختصاراً لشخصيّة المربّي عليه السلام، ونسخة ناطقة بشمائله وسيرته وعبادته وعلمه وشجاعته وكرمه وزهده وصبره، وأن ينال الذروة العليا من مبادي ء الاستقامة والشرف والعظمة والسيادة، وأن يتحلّي بخصائص فريدة ومناقب فذّة ومزايا عجيبة.

ومن بين تلك الخصائص الفريدة

والمناقب الفذّة شرف السبق إلي الإسلام والتقدّم إلي الإيمان، وهو شرف عظيم لا يضاهي، وفضل كبير لا يداني.

فليس في حياة عليّ عليه السلام يومٌ للشرك أو الوثنيّة، بل،وُلِدَ في الإسلام دفعة واحدة وإلي الأبد، فكان مثار دهشة أبديّة، أن يولد عليّ عليه السلام مسلماً في زمن الجاهليّة.

حينما بلغ الوليد العاشرة كان الوحي قد أمر الرسول صلي الله عليه و آله بالدعوة، فكان عليّ عليه السلام ربيب الوحي وغرسة النبوّة، يري نور الوحي والرسالة، ويشمّ ريح النبوة، ويسبق الناس إلي الإيمان بالواحد الأحد والتصديق بالنبيّ الخاتم صلي الله عليه و آله، والتقدّم إلي محراب الصلاة مع ابن عمّه المبعوث رحمة إلي العالمين.

قال أمير المؤمنين عليه السلام في خطبته القاصعة: «وَلَقَدْ كَانَ يُجَاوِرُ فِي كُلِّ سَنَةٍ بِحِرَاءَ، فَأَرَاهُ وَلَا يَرَاهُ غَيْرِي، وَلَمْ يَجْمَعْ بَيْتٌ وَاحِدٌ يَوْمَئِذٍ فِي الْإِسْلَامِ غَيْرَ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه و آله وَخَدِيجَةَ، وَأَنَا ثَالِثُهُمَا، أَرَي نُورَ الْوَحْيِ وَالرِّسَالَةِ، وَأَشُمُّ رِيحَ النُّبُوَّةِ، وَلَقَدْ سَمِعْتُ رَنَّةَ الشَّيْطَانِ حِينَ نَزَلَ الْوَحْيُ عَلَيْهِ صلي الله عليه و آله فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا هَذِهِ الرَّنَّةُ؟ فَقَالَ: هَذَا الشَّيْطَانُ قَدْ أَيِسَ مِنْ عِبَادَتِهِ، إِنَّكَ تَسْمَعُ مَا أَسْمَعُ، وَتَرَي مَا أَرَي، إِلَّا أَنَّكَ لَسْتَ بِنَبِيٍّ، وَلَكِنَّكَ لَوَزِيرٌ، وَإِنَّكَ لَعَلَي خَيْرٍ … » [347].

وقال عليه السلام: «أنا عبد اللَّه وأخو رسول اللَّه، وأنا الصدّيق الأكبر، لا يقولها بعدي إلّا كاذب، صلّيت قبل الناس بسبع سنين قبل أن يعبده أحدٌ من هذه الاُمّة» [348].

هذه إذن هي خصوصية الزمان الذي وُلِدَ فيه أمير المؤمنين عليه السلام وتربّي وعاش فتوّته.

أمّا تفرّده بفضل المكان، فقد وُلِدَ عليه السلام في الكعبة المعظّمة- ببيت اللَّه الذي رفع قواعده أبوه إبراهيم عليه السلام- بطريقة إعجازية متلبّسة بالأسرار بما

اشتملت عليه من انشقاق جدار البيت، ودخول فاطمة بنت أسد اُمّ أمير المؤمنين عليه السلام في جوف الكعبة، ومن ثمّ التآم موضع الشقّ، وبقائها في البيت ثلاثة أيّام تأكل من طعام الجنّة، وطلوع الوليد شاخصاً بوجهه إلي السماء، مستقبلاً الأرض بكفّيه، ناطقاً باسم اللَّه، مديراً ظهره للأصنام.

ومعلوم أنّ البيت الحرام الذي جعله اللَّه سبحانه للناس قياماً هو موضع للعبادة لا دار للولادة، فولادة أمير المؤمنين عليه السلام فيه بما يكتنفها من ظواهر إعجازية خارجة عن المألوف وعن موارد المصادفة، دليل علي أنّ تلك الولادة كانت اصطفاءً تتجلّي فيه آثار المشيئة الربّانية وتحفّه الإرادة الإلهية، وتلك هي خصوصيّة المكان التي تفرّد بها وليد الكعبة بمقتضي عناية اللَّه بوليّه، وتفضّله علي وصيّ نبيّه صلي الله عليه و آله: «وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهَُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ» [349].

وليس عبثاً أن تتجلّي مشيئة الخالق في ولادة وصيّ النبيّ الخاتم صلي الله عليه و آله في بيته العتيق، مادام ثمّة تقارنٌ وتواصلٌ وتعاطٍ بين البيت والوصيّ في جهات عديدة:

منها: الاصطفاء الإلهيّ:

فقد جاء في الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام: «أنّ اللَّه اختار من كلّ شي ء شيئاً، واختار من الأرض موضع الكعبة» [350].

وجاء عن الرسول صلي الله عليه و آله أ نّه قال لابنته فاطمة عليهاالسلام: «إنّ اللَّه اطّلع علي أهل الدنيا فاختار من الخلائق أباك فبعثه نبيّاً، ثم اطّلع ثانية فاختار من الخلائق عليّاً، فأوحي إليّ فزوّجتكِ إياه، واتخذته وصيّاً ووزيراً» [351].

ومنها: الفضل والخلافة:

فالكعبة أكرم البيوت علي وجه الأرض، وأوّل بيتٍ شرّفه اللَّه وعظّمه وجعله مثابة للعبادة في الأرض علي نمط الضُّراح- أو البيت المعمور- الذي هو مثابةٌ لعبادة سكّان السماء.

وقد جعل اللَّه سبحانه الكعبة نسخةً من البيت المعمور

مضارعةً له في المكان والمنزلة.

وكذلك وليد الكعبة هو أوّل قدوة مُثلي للبشر بعد النبيّ صلي الله عليه و آله في مسيرهم نحو مدارج الكمال في العلم والمعرفة ومكارم الأخلاق.

وهو من النبيّ صلي الله عليه و آله بمنزلة هارون من موسي إلّا أ نّه لا نبيّ بعده صلي الله عليه و آله.

والنبيّ صلي الله عليه و آله دار الحكمة وعليّ عليه السلام بابها.

وهو صلي الله عليه و آله مدينة العلم وعليّ عليه السلام بابها.

وعلي عليه السلام عيبة الأسرار الإلهيّة وخازن المآثر النبويّة، وأعلم الناس بالكتاب العظيم، وأعلمهم بسنّة النبيّ الكريم صلي الله عليه و آله.

ومنها: القصد والاختبار:

فالبيت الحرام جعله اللَّه تعالي محلّ اختبار وامتحان للخلق، فقد أمر اللَّه سبحانه الخلق: «أَنْ يَثْنُوا أَعْطَافَهُمْ نَحْوَهُ، فَصَارَ مَثَابَةً لِمُنْتَجَعِ أَسْفَارِهِمْ، وَغَايَةً لِمُلْقَي رِحَالِهِمْ، تَهْوِي إِلَيْهِ ثِمَارُ الْأَفْئِدَةِ مِنْ مَفَاوِزِ قِفَارٍ سَحِيقَةٍ، وَمَهَاوِي فِجَاجٍ عَمِيقَةٍ، وَجَزَائِرِ بِحَارٍ مُنْقَطِعَةٍ، حَتَّي يَهُزُّوا مَنَاكِبَهُمْ ذُلُلاً يُهَلِّلُونَ لِلَّهِ حَوْلَهُ، وَيَرْمُلُونَ عَلَي أَقْدَامِهِمْ شُعْثاً غُبْراً لَهُ، قَدْ نَبَذُوا السَّرَابِيلَ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ، وَشَوَّهُوا بِإِعْفَاءِ الشُّعُورِ مَحَاسِنَ خَلْقِهِمُ، ابْتِلاءً عَظِيماً، وَامْتِحَاناً شَدِيداً، وَاخْتِبَاراً مُبِيناً، وَتَمْحِيصاً بَلِيغاً، جَعَلَهُ اللَّهُ سَبَباً لِرَحْمَتِهِ، وَوُصْلَةً إِلَي جَنَّتِهِ» [352].

وعن الإمام الصادق عليه السلام: «هذا بيت استعبد اللَّه به خلقه، ليختبر طاعتهم في إتيانه، فحثّهم علي تعظيمه وزيارته، وجعله محلَّ أنبيائه، وقبلةً للمصلّين إليه، فهو شعبة من رضوانه، وطريق يؤدّي إلي غفرانه» [353].

وأمير المؤمنين عليه السلام مَثَله مثل الكعبة، يقصده الناس ولا يقصد أحداً، ويسألونه ولا يسأل أحداً، ويمتارون منه العلم ولا يمتار من أحد.

قال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله: «يا عليّ أنتَ بمنزلة الكعبة تؤتي ولا تأتي» [354].

وهو قبلة أفئدة المؤمنين الذين أُمروا بالتوجّه إليه والتمسّك بولايته، والاعتقاد بفرض

طاعته ومودّته بعد رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، باعتباره وصيّاً ووليّاً، وقائداً رساليّاً.

وحبّ عليّ عليه السلام طريق يؤدّي إلي الغفران، لأ نّه أحبّ الخلق إلي اللَّه تعالي وإلي رسوله صلي الله عليه و آله.

ومن هنا كان محلّ ابتلاء واختبار، فحبّه علامة الإيمان، وبغضه علامة الكفر والنفاق، فلا يحبّه إلّا مؤمن، ولا يبغضه إلّا منافق.

ومنها: مظاهر العبادة والخضوع:

ففي البيت تتجلّي مظاهر العبادة والخضوع للواحد القهّار، وتلك المظاهر تتجلّي في وليد البيت عليه السلام، قال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله: «مثل عليّ فيكم كمثل الكعبة؛ النظر إليها عبادة، والحجّ إليها فريضة» [355].

وقال عليه السلام: «النظر إلي عليّ عبادة» [356] وقال صلي الله عليه و آله: «ذِكرُ عليّ عبادة» [357].

أمّا التواصل والتعاطي بين البيت ووليده:

فإنّ الوليد لم ينل شرف المكان وحسب، بل إنّ المكان تشرّف به، لأ نّه وُلِدَ في بيت اللَّه الذي دنّسه الكفار والمشركون بأوثانهم وأصنامهم.

وُلِدَ وهو مديرٌ ظهره لها، مكرّماً وجهه عن النظر إليها.

فكانت خيبة الأصنام البلهاء بميلاد القادم الجديد.

ففي خارج البيت العتيق كانت الإرادة الإلهية تهيّي ء للناس رسولاً كريماً يتحدّي عالم الأوثان.

وفي داخل البيت كانت الإرادة الإلهيّة قد هيّأت للمصطفي خليلاً أدار ظهره للأصنام منذ اللحظة الأُولي للولادة [358].

وهكذا كانت بعثة النبيّ الكريم صلي الله عليه و آله وولادة الوصيّ عليه السلام إيذاناً بتطهير البيت العتيق من الأصنام، ونشر مبادي ء التوحيد في اُمّ القري وما حولها.

قال السيّد شهاب الدين محمود الآلوسي (ت 1270 ه) في (سرح الخريدة الغيبيّة في شرح القصيدة العينية) لعبد الباقي أفندي العمري (ص: 75 (عند قول الناظم مخاطباً أمير المؤمنين عليه السلام:

وأنتَ أنتَ الذي حطّت له قَدَم

في موضعٍ يدَهُ الرحمنُ قَد وَضعا

قيل: أحبّ عليه الصلاة والسلام-

يعني علياً عليه السلام- أن يكافئ الكعبة حيث وُلِدَ في بطنها بوضع الصنم عن ظهرها.

فإنها- كما ورد في بعض الآثار- كانت تشتكي إلي اللَّه تعالي عبادة الأصنام حولها وتقول: «أي ربّ حتي متي تُعبَد هذه الأصنام حولي؟» واللَّه تعالي يعِدُها بتطهيرها من ذلك [359].

وكان ثمّة موعد بين الكعبة ووليدها في تطهيرها من مظاهر الشرك والرجس، فكان اللقاء بينهما في يوم الفتح المبين، وبحضور ابن عمّه النبيّ المصطفي صلي الله عليه و آله، قال عليه السلام: «انطلق بي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله حتي أتي بي الكعبة.

فقال لي: اجلس.

فجلستُ إلي جنب الكعبة، فصعد رسول اللَّه صلي الله عليه و آله بمنكبي، ثمّ قال لي: انهض، فنهضت.

فلمّا رأي ضعفي تحته قال لي: اجلس، فنزلت وجلست.

ثمّ قال لي: يا عليّ «اصعد علي منكبي» فصعدت علي منكبيه، ثمّ نهض بي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله فلمّا نهض بي خُيّل إليّ لو شئت نلتُ أُفُقَ السماء، فصعدتُ فوق الكعبة، وتنحّي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله فقال لي: ألقِ صَنَمَهم الأكبر، صنمَ قُريش، وكان من نُحاس مؤتدّاً بأوتادٍ من حديد إلي الأرض.

فقال لي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله: عالجه.

ورسول اللَّه صلي الله عليه و آله يقول لي: إيهٍ إيهٍ، «جاءَ الحقُّ وزَهَقَ الباطلُ إنّ الباطِلَ كانَ زَهُوقاً».

فلم أزل أُعالجه حتّي استمكنتُ منه.

فقال: اقذفه، فقذفتُهُ فتكسّر، وتردّيت من فوق الكعبة … » [360].

وكان ذلك خاتمة مظاهر الشرك والرجس في البيت المقدّس، وأوّل مظاهر التطهير في عهد الإسلام علي يد الوصيّ المرتضي (صلوات اللَّه عليه).

وهو بمنزلة سجدة شكرٍ من أمير المؤمنين عليه السلام لربّه الكريم حيث حباهُ أن يولد في بيته المعظّم، وقد أشار العلّامة

السيّد رضا الهندي إلي هذا المعني بقوله:

لمّا دعاك اللَّه قدماً لأنْ

تولدَ في البيت فلبّيتهُ

شكرتَهُ بينَ قريشٍ بأنْ

طهّرتَ من أصنامهم بَيتَهُ

اوهام الشكّ و أرقام اليقين

اشاره

لا ريب أنّ ولادة أمير المؤمنين عليه السلام في الكعبة المشرّفة تعتبر منقبةً عظيمةً وفضيلةً باهرةً اختصّ بها دون سواه، لما فيها من الدلالة علي أ نّه عليه السلام محلّ عناية اللَّه سبحانه منذ يوم ولادته، لأ نّه قد طهّره اللَّه سبحانه بأن جعل مولده في أعظم بيوت عبادته.

وذلك من تجليات الاصطفاء الذي شاءته الإرادة الإلهية.

ومن هنا فقد أبي أعداء فضله العميم وحسّاد مجده الأثيل أن يُنصتوا إلي صوت الحقّ الصادر من أعماق التاريخ علي لسان المؤرّخين والمحدّثين الذين قالوا بتواتره، وكونه محلّ اتّفاق بين المسلمين.

فحاولوا أن يُثيروا الشكوك حول هذه الفضيلة لصرف الأنظار عنها، وذلك في اتجاهين:

الأوّل: يثبت هذه الفضيلة لأمير المؤمنين عليه السلام لكنّه ينكر تفرّده بها.

الثاني: ينكر هذه الفضيلة ولا يُثبتها لأمير المؤمنين عليه السلام.

امّا أصحاب الاتجاه الأوّل

فيرون أنّ أوّل من وُلِدَ في الكعبة هو حكيم بن حزام، ولا ينكرون ولادة أمير المؤمنين عليه السلام فيها.

قال الفاكهي في (أخبار مكة): أوّل مَن وُلِدَ في الكعبة حكيم بن حزام [361].

وقال في موضع آخر: أوّل مَن وُلِدَ في الكعبة من بني هاشم من المهاجرين عليُّ بن أبي طالب [362].

وغير الفاكهي آخرون أثبتوا هذه الفضيلة لأمير المؤمنين عليه السلام وأشركوا معه حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد العزّي القرشي الأسدي، ابن أخي خديجة اُمّ المؤمنين- رضي اللَّه عنها- قيل: إنّه وُلِدَ في الكعبة قبل عام الفيل باثنتي عشرة سنة، أو بثلاث عشرة سنة، ومات سنة خمسين، أو أربع وخمسين.

وقيل: عاش في الجاهلية ستين سنة، وعاش في الإسلام ستّين سنة [363].

ومستند أصحاب هذا الاتجاه ثلاثُ روايات:

الاُولي: رواها الزبير بن بكّار (ت 256 ه) في (جمهرة نسب قريش) [364]، ونقلها عنه أبو الفرج ابن الجوزي (ت 597

ه) في (صفة الصفوة) [365]، وفي (المنتظم) [366]، والمزّي (ت 742 ه) في (تهذيب الكمال) [367]، والذهبي (ت 748 ه) في (سير أعلام النبلاء) [368]، وابن حجر (ت 852 ه) في (الإصابة) [369] وغيرهم.

والثانية: رواها الحاكم النيسابوري (ت 405 ه) في (المستدرك) [370].

والثالثة: رواها الأزرقي (ت 223 ه) في (أخبار مكة) [371].

وقد استقصي زميلنا الفاضل شاكر شبع، في مقال له بعنوان (الولادة في الكعبة المعظّمة فضيلة لعليّ عليه السلام خصّه بها ربّ البيت) [372] المصادر الرئيسية لهذه الروايات وفق تسلسلها التاريخي، وأخضعها للبحث والتحقيق، وخرج بنتائج باهرة.

أهمّها: أنّ تلك الروايات جميعاً مرسلة، ورواتها ضعفاء، ومخالفة للمشهور، وتعرّضت بعض مصادرها للتحريف والتلاعب، ممّا يسقط الاعتماد عليها.

فلا نعيد الكلام حول تقييم هذه الروايات هنا.

ولكن نذكّر أنّ الإرسال في هذه الروايات ينبئ عن أ نّها قد تكون وليدة الفترة الأموية التي اجتهد حكّامها- وعلي رأسهم معاوية- بكلّ حيلة في (إطفاء نور أمير المؤمنين عليه السلام، والتحريض عليه، ووضع المعايب والمثالب له، ولعنوه علي جميع المنابر، وتوعّدوا مادحيه، بل حبسوهم وقتلوهم، ومنعوا من رواية حديث يتضمّن له فضيلة، أو يرفع له ذكراً، حتي حظروا أن يسمّي أحد باسمه) [373].

والرواية تناسب الاُسلوب الذي ابتدعه معاوية في التغطية علي فضائل أمير المؤمنين عليه السلام المتواترة والمتّفق عليها، بنسبتها إلي غيره، إنكاراً لتفرّده بها.

وقد كتب معاوية ذلك في كتابٍ عمّمه إلي جميع الآفاق، جاء فيه: (إذا جاءكم كتابي هذا، فادعوا الناس إلي الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الأولين، ولا تتركوا خبراً يرويه أحدٌ من المسلمين في أبي تراب؛ إلّا وتأتوني بمناقضٍ له في الصحابة، فإنّ هذا أحبّ إليّ، وأقرّ لعيني، وأدحض لحجّة أبي تراب وشيعته).

قال الراوي: فرويت أخبارٌ كثيرة في مناقب الصحابة

مفتَعلة، لا حقيقةَ لها، فظهر حديثٌ كثيرٌ موضوعٌ، وبهتان منتشر [374].

ولكن ما زاد ذلك أمير المؤمنين عليه السلام إلّا رفعة وسموّاً (وكان كالمسك كلّما ستر انتشر عرفه، وكلّما كتم تضوّع نشره، وكالشمس لا تستر بالراح، وكضوء النهار إن حُجبت عنه عينٌ واحدة أدركته عيون كثيرة) [375].

وعلي تقدير صحّة الرواية بولادة حكيم بن حزام في الكعبة المشرّفة.

فقد يكون ذلك لمحض المصادفة والاتفاق.

وقد صرّح بذلك عبد الرحمن الصفوري الشافعي (ت 894 ه) في (نزهة المجالس) [376] حيث قال: وأمّا حكيم بن حزام فولدته اُمّه في الكعبة اتّفاقاً لا قصداً [377].

ويدلّ علي ذلك أيضاً ما جاء في رواية ولادة اُم حكيم من لفظ: (أعجلها الولاد) و (ولدت علي النطع) كما جاء في رواية مصعب بن عثمان التي يقول فيها: دخلت اُمّ حكيم بن حزام الكعبة مع نسوةٍ من قريش، وهي حامل متمّ بحكيم بن حزام، فضربها المخاض في الكعبة، فأُتيت بنطعٍ حيثُ أُعجلها الولاد، فولدت حكيم بن حزام في الكعبة علي النطع [378].

ولو تهيّأت أُمّ حكيم للولادة لما جعلت ثيابها لَقيً، كما جاء في رواية عبداللَّه بن أبي سليمان عن أبيه، قال: إنّ فاختة ابنة زهير بن الحارث بن أسد بن عبد العزّي- وهي اُمّ حكيم بن حزام- دخلت الكعبة وهي حامل، فأدركها المخاض فيها، فولدت حكيماً في الكعبة، فحملت في نطع، واُخذ ما تحت مَثبرها [379] فغُسل عند حوض زمزم، واُخذت ثيابها التي ولدت فيها، فجُعلت لقيً [380].

وعليه فإنّ ولادة حكيم بن حزام لا يترتّب عليها أدني فضل أو مكرمة سوي طهارة المكان الذي وُلِدَ فيه وشرفِهِ.

بينما اكتسبت ولادة أمير المؤمنين عليه السلام أهميّتها بشرف الاصطفاء الإلهي والمشيئة الربّانية لا بخصوص فضل المكان وحسب.

فإذا كان حكيم بن

حزام قد سبق بفضل المكان بمحض المصادفة والاتّفاق، فإنّ أمير المؤمنين عليه السلام قد تفرّد بشرف المكان وبكيفية الولادة علي وفق الإرادة الإلهية والعناية الربانية.

الاتجاه الثاني

إنّ أصحاب هذا الاتّجاه قد أمعنوا في إنكار هذه الفضيلة علي الرغم من كونها من الحقائق الناصعة والمسلّمة تاريخيّاً.

فادّعوا أ نّه لم يولد قبل حكيم بن حزام ولا بعده أحدٌ في الكعبة المعظّمة.

وأنّ القول بولادة علي بن أبي طالب عليه السلام هو مزعمة كثير من الشيعة، وأنّه ضعيف عند العلماء، ولا يعترف به المحدّثون، ولم يثبت عند بعضهم، وفي ما يلي بعض أقوالهم:

1- روي الحاكم في (المستدرك) بالإسناد عن مصعب بن عبد اللَّه في نسب حكيم بن حزام، قال: واُمّه فاختة بنت زهير بن أسد بن عبد العزّي، وكانت ولدت حكيماً في الكعبة، وهي حامل، فضربها المخاض وهي في جوف الكعبة، فولدت فيها، فحملت في نطع، وغسل ما كان تحتها من الثياب عند حوض زمزم، ولم يولد قبلَه ولا بعدَه في الكعبة أحد.

وكلام مصعب الأخيرينطوي علي إنكار ولادة أمير المؤمنين عليه السلام في الكعبة.

وقد ردّه الحاكم في ذيل الرواية بقوله: وهم مصعب في الحرف الأخير، فقد تواترت الأخبار أنّ فاطمة بنت أسد ولدت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرّم اللَّه وجهه في جوف الكعبة [381].

2- ذكر الشيخ علي بن برهان الدين الحلبي الشافعي (ت 1044 ه) في سيرته (إنسان العيون) [382]، أنّ أمير المؤمنين عليه السلام وُلِدَ في الكعبة، وعمره- يعني عمر النبيّ صلي الله عليه و آله- ثلاثون سنة.

ثمّ قال: وقيل: الذي وُلِدَفي الكعبة حكيم بن حزام.

وقال بعضهم: لا مانع من ولادة كليهما في الكعبة.

لكن في (النور): حكيم بن حزام وُلِدَ في الكعبة، ولا يعرف ذلك لغيره، وأمّا ما روي

أنّ علياً عليه السلام وُلِدَ فيها، فضعيف عند العلماء [383].

3- ذكر ابن أبي الحديد في (شرح نهج البلاغة) أنّ حديث الولادة مزعمة كثير من الشيعة، والمحدّثون لا يعترفون بذلك، ويزعمون أنّ المولود في البيت حكيم بن حزام [384].

4- قال الديار بكري في (تاريخ الخميس) [385]: وُلِدَ [عليٌّ عليه السلام] بمكّة بعد عام الفيل بسبع سنين.

ويقال: كانت ولادته في داخل الكعبة، ولم يثبت [386].

ولم يقل أحدٌ بأنّ أمير المؤمنين عليه السلام وُلِدَ بعد عام الفيل بسبع سنين، فكيف ثبت ذلك عند الديار بكري؟ ولم تثبت ولادة أمير المؤمنين عليه السلام في الكعبة مع كثرة القائلين بذلك؟

ارقام اليقين

اشاره

إنّ ما ذكره أصحاب الاتّجاه الثاني معارض:

بإجماع أهل البيت عليهم السلام وعلماء الطائفة.

واعتراف كثير من المحدّثين والمحققّين العامة.

وتصريح كثير من النسّابة والمؤرّخين والشعراء في إثبات هذه الفضيلة لأمير المؤمنين عليه السلام علي الجزم واليقين.

وقد أجاد الشيخ الحجّة محمّد علي الاُردوبادي (ت 1380 ه) في كتابه (عليّ عليه السلام وليد الكعبة) في تحقيق هذه المسألة، وكونها معتمدة عند العلماء، وثابتة عند المؤرّخين والنسابة، ومتواترة مشهورة بين الاُمّة.

وفي ما يلي نذكر أرقام اليقين التي تدفع أوهام الشكّ وإثارات أصحاب الاتّجاه الثاني.

الولادة المعظمة في حديث أهل البيت

نقل عن أهل البيت عليهم السلام الكثير من الأخبار والروايات التي تحدّثوا فيها عن طبيعة تلك الولادة ومحلّها وملابساتها.

وقد حكي السيّد هاشم البحراني (ت 1107 ه) تواتر حديث الولادة في الكعبة، حيث قال: رواية أنّ أمير المؤمنين عليه السلام وُلِدَ في الكعبة، بلغت حدّ التواتر، وهي معلومة في كتب العامّة والخاصّة [387].

وفي ما يلي نذكر بعض رواياتهم عليهم السلام:

1- روي ابن الفتّال، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي حمزة الثمالي، قال: سمعت عليّ بن الحسين عليه السلام يقول: «إنّ فاطمة بنت أسد ضربها الطلق؛ وهي في الطواف، فدخلت الكعبة، فولدت أمير المؤمنين عليه السلام فيها» [388].

2- وروي ابن المغازليّ الشافعيّ بالإسناد، عن الإمام موسي بن جعفر عليه السلام، عن أبيه، عن محمّد بن عليّ، عن أبيه عليّ بن الحسين عليهم السلام قال: «كنتُ جالساً مع أبي؛ ونحن زائرون قبر جدّنا صلي الله عليه و آله وهناك نسوانٌ كثيرة، إذ أقبلت امرأة منهنّ، فقلتُ لها: مَن أنتِ يرحمك اللَّه؟

قالت: أنا زيدة بنت قريبة بن العجلان من بني ساعدة.

فقلت لها: فهل عندك شي ء تحدّثينا؟

فقالت: إي واللَّه، حدّثتني أُمّي اُمّ عمارة بنت عبادة بن نضلة بن مالك بن العجلان

الساعدي، أ نّها كانت ذات يوم في نساء من العرب، إذ أقبل أبو طالب كئيباً حزيناً فقلت له: ما شأنك، يا أبا طالب؟

قال: إنّ فاطمة بنت أسد في شدّة المخاض، ثمّ وضع يديه علي وجهه، فبينما هو كذلك إذ أقبل محمّد صلي الله عليه و آله، فقال له: ما شأنك يا عمّ؟

فقال: إنّ فاطمة بنت أسد تشتكي المخاض.

فأخذ بيده وجاء وهي معه، فجاء بها إلي الكعبة، فأجلسها في الكعبة، ثمّ قال: اجلسي علي اسم اللَّه.

فطلقت طلقة، فولدت غلاماً مسروراً نظيفاً منظّفاً، لم ارَ كحسن وجهه، فسمّاه أبو طالب عليّاً [389]، وحمله النبيّ صلي الله عليه و آله حتي أدّاه إلي منزلها».

قال عليّ بن الحسين عليه السلام: «فو اللَّه ما سمعتُ بشي ء قطُّ إلّا وهذا أحسن منه» [390].

3- وروي الشيخ الطوسي في أماليه بعدّة أسانيد، منها عن أبي عبد اللَّه جعفر ابن محمّد عليه السلام، عن آبائه عليهم السلام- في حديث طويل- قال: «كان العباس بن عبد المطلب ويزيد بن قعنب جالسين ما بين فريق بني هاشم إلي فريق عبد العزّي، بإزاء بيت اللَّه الحرام، إذ أتت فاطمة بنت أسد بن هاشم أُم أمير المؤمنين عليه السلام وكانت حاملة بأمير المؤمنين عليه السلام لتسعة أشهر، وكان يوم التمام.

قال: فوقفت بإزاء البيت الحرام وقد أخذها الطلق، فرمت بطرفها نحو السماء، وقالت: «أي ربّ، إنّي مؤمنة بك وبما جاء به من عندك من رُسُلٍ وكُتُبٍ، وإنّي مصدّقةٌ بكلام جدّي إبراهيم الخليل، وأ نّه بني بيتك العتيق.

فأسألك بحقّ هذا البيت ومَن بناه، وبهذا المولود الذي في أحشائي، الذي يكلّمني ويؤنسني بحديثه، وأنا موقنةٌ أ نّه إحدي آياتك ودلائلك، لمّا يسّرتَ عليَّ ولادتي … ».

قال العبّاس بن عبد المطلب ويزيد

بن قَعنَب: لمّا تكلّمت فاطمة بنت أسد ودعت بهذا الدعاء، رأينا البيت قد انفتحَ من ظهره، ودخلت فاطمة فيه، وغابت عن أبصارنا، ثمّ عادت الفتحة والتزقت بإذن اللَّه.

فرُمنا أن نفتحَ الباب لتصل إليها بعض نسائنا فلم ينفتح الباب.

فعلمنا أنّ ذلك أمرٌ من أمر اللَّه تعالي، وبقيت فاطمة في البيت ثلاثة أيام.

قال: وأهل مكّة يتحدّثون بذلك في أفواه السكك، وتتحدّث المخدرات في خدورهنّ، فلمّا كان بعد ثلاثة أيام انفتحَ البيتُ من الموضع الذي كانت دخلت فيه، فخرجت فاطمة وعليٌّ عليه السلام علي يديها … » الحديث [391].

4- وروي ابن شهرآشوب، عن أبي عبداللَّه الصادق عليه السلام أ نّه قال: «انفتح البيت من ظهره، ودخلت فاطمة فيه، ثمّ عادت الفتحة والتصقت، وبقيت فيه ثلاثة أيّام، فأكلتْ من ثمارالجنّة … » الحديث [392].

وواضح أنّ بعض هذه الروايات قد اقتصر علي الإشارة الإجمالية لمولده عليه السلام والتذكير بفضله، بينما توسّعت بعضها بسرد التفاصيل بحذافيرها، ومنها بيان كيفيّة دخول فاطمة بنت أسد البيت ودعائها وبقائها في البيت وأكلها من ثمار الجنة.

5- ولم يقتصر ذكر الولادة علي الروايات وحسب، بل جاء في الأدعية والزيارات المأثورة عن أهل البيت عليهم السلام التصريح بولادة أمير المؤمنين عليه السلام في الكعبة المعظّمة.

ففي زيارة أمير المؤمنين عليه السلام في يوم مولد النبيّ صلي الله عليه و آله في (17 ربيع الأول) التي رواها محمّد بن مسلم الثقفي، عن جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام: «السلام عليك يا مَن شرّفت به مكّة، السلام عليك يا مَن وُلِدَ في الكعبة، وزوّج في السماء بسيّدة النساء … السلام علي المخصوص بالطاهرة التقيّة ابنة المختار، المولود في البيت ذي الأستار» [393].

وفي زيارة اُخري لأمير المؤمنين عليه السلام رواها ابن طاوس:

«السلام علي المولود في الكعبة، المزوّج في السماء … » [394].

حديث الولادة عن الصحابة والتابعين

وجاء حديث ولادة أمير المؤمنين عليه السلام في الكعبة المشرّفة علي لسان بعض الصحابة والتابعين، ومنهم:

1- جابر بن عبد اللَّه الأنصاري رضي الله عنه، روي حديثه الكنجي في (كفاية الطالب) [395] وابن شهر آشوب في (مناقب آل أبي طالب) [396] وابن شاذان في (الفضائل) [397].

2- العبّاس بن عبد المطلب رضي الله عنه، روي حديثه الشيخ الطوسي في (الأمالي) [398] ورواه ابن شهر آشوب في (المناقب) [399] عن أنس بن مالك، عن العباس بن عبد المطلب.

3- عائشة، روي حديثها الشيخ الطوسي في (الأمالي) [400].

4- عتاب بن اُسيد، روي حديث الشيخ الطوسي في (مصباح المتهجّد) [401] والعلّامة المجلسي في (البحار) [402].

5- ميثم التمّار، روي حديث الشيخ أبو الفوارس الرازي في (أربعينه) [403] مسنداً [404]، والطبري في (نوادر المعجزات) [405] وابن شاذان في (الفضائل) [406]، والشيخ حسين بن عبد الوهّاب المعاصر للسيّد الشريف المرتضي، في (عيون المعجزات) [407].

6- يزيد بن قعنب، روي حديثه ابن شهر آشوب في (المناقب) [408]، وابن الفتّال في (روضة الواعظين) [409].

وروي الحديث مسنداً عن سعيد بن جبير، عن يزيد بن قعنب، الشيخ الصدوق في (علل الشرائع) [410] و (معاني الأخبار) [411] و (الأمالي) [412]، وعماد الدين الطبري في (بشارة المصطفي) [413]، والإربلي في (كشف الغمّة) [414]، والديلمي في (إرشاد القلوب) [415]، والعلّامة الحلّي في (كشف اليقين) [416] و (نهج الحقّ) [417].

اجماع أعلام الطائفة

أجمع أعلام الإمامية، وفيهم المحدّثون والمؤرّخون والنسّابة القدامي والمحدثون، وبكلمات شتّي مؤدّاها أنّ أمير المؤمنين عليه السلام وُلِدَ في الكعبة يوم الجمعة الثلاثين بعد عام الفيل، ولم يولد قبلَه ولا بعدَه مولود في بيت اللَّه تعالي سواه، وتلك فضيلة مختصّة به، لم يشركه فيها أحد قبلَه ولا بعدَه، إعلاءً لقدره وفضله، وإجلالاً لمحلّه

من التعظيم عند ربّه.

وفي ما يلي نذكر بعضهم مرتّبين حسب التسلسل التاريخي، مع الإشارة إلي مراجع أقوالهم:

1- السيّد أبو الحسن محمّد بن الحسين الموسوي المعروف بالشريف الرضيّ، المتوفّي سنة (406 ه) في كتاب (خصائص الأئمّة عليهم السلام: 39).

2- الشيخ أبو عبد اللَّه محمّد بن محمّد بن النعمان البغدادي، المعروف بالشيخ المفيد (ت 413 ه) في (المقنعة: 461) و (الإرشاد 5: 1).

3- السيّد علم الهدي علي بن الحسين الموسوي المعروف بالشريف المرتضي (ت 436 ه) في (شرح القصيدة البائية المذهّبة للسيد الحميري: 51، طبعة مصر) في سنة (1313 ه) [418].

4- العلّامة المحدّث أبو الفتح محمّد بن علي الكراجكي (ت 449 ه) في (كنز الفوائد 255: 1).

5- شيخ الطائفة أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (ت 460 ه)، في كتاب المزار من (التهذيب 19: 1). و (الأمالي 1411/706).

6- أمين الإسلام الشيخ المفسّر أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي في (إعلام الوري: 153 (و (تاج المواليد: 12 (.

7- الشيخ الفقيه أبو الحسين سعيد بن عبد اللَّه بن الحسين بن هبة اللَّه، المعروف بالقطب الراوندي (ت 573 ه) في (الخرائج والجرائح 888: 2).

8- الحافظ رشيد الدين أبو عبد اللَّه محمّد بن علي بن شهر آشوب السروي المازندراني (ت 588 ه) في (مناقب آل أبي طالب 175: 2).

9- الشيخ أبو علي محمّد بن الحسن الواعظ الشهيد النيسابوري، المعروف بابن الفتّال، من أعلام القرن السادس في (روضة الواعظين: 76 (.

10- الحافظ شمس الدين أبو الحسن يحيي بن الحسن الأسدي الحلّي الربعي، المعروف بابن البطريق (ت 600 ه) في (عمدة صحاح الأخبار: 24).

11- السيّد رضيّ الدين عليّ بن موسي بن طاوس الحلّي (ت 664 ه) في (إقبال الأعمال: 655).

12- الشيخ الوزير بهاء

الدين أبو الحسن عليّ بن عيسي الأربليّ (ت 693 ه) في (كشف الغمّة 59: 1).

13- العلّامة جمال الدين أبو منصور الحسن بن يوسف بن المطهّر الحليّ (ت 726 ه) في (نهج الحقّ وكشف الصدق: 232) و (كشف اليقين: 17).

14- الشيخ المحدّث أبو محمّد الحسن بن أبي الحسن الديلميّ، من أعلام القرن الثامن في (إرشاد القلوب: 211 (.

15- السيّد حيدر بن عليّ الحسيني العبيدلي الآملي، من أعلام القرن الثامن في (الكشكول في ما جري علي آل الرسول: 86 و 189 (.

16- الشيخ عليّ بن محمّد بن يونس البياضيّ (ت 877 ه) في (الصراط المستقيم 215: 2).

17- الشيخ تقي الدين إبراهيم بن عليّ العاملي الكفعمي (ت نحو 900 ه) في (المصباح: 512).

النسّابة والمؤرّخون

ذكر كثير من النسّابة والمؤرّخين أنّ أمير المؤمنين عليه السلام وُلِدَ في الكعبة المعظّمة، وهم أعلم الناس بمواقع الولادة والأنساب، ومنهم:

1- أبو الحسن علي بن الحسين بن علي الهذلي المسعودي (ت 333 أو 345 ه) في (مروج الذهب 349: 2).

وقال في (إثبات الوصية): روي أنّ فاطمة بنت أسد كانت تطوف بالبيت، فجاءها المخاض وهي في الطواف، فلمّا اشتدّ بها دخلت الكعبة، فولدته في جوف الكعبة علي مثال ولادة آمنة النبيّ صلي الله عليه و آله [419]، وما وُلِدَ في الكعبة قبلَه ولا بعدَه غيره [420].

2- وذكر ذلك المؤرخ الحسن بن محمّد بن الحسن القمي في (تاريخ قم: 191 (الذي أ لّفه سنة (378 ه) وقدّمه إلي الصاحب بن عباد، وترجمه إلي الفارسية الشيخ الحسن بن عليّ بن الحسن القمّي سنة (865 ه) [421].

3- السيّد الشريف النسّابة نجم الدين أبو الحسن علي بن محمّد العلوي العُمَري، المعروف بابن الصوفي، من أعلام القرن الخامس الهجري، قال في

(المجدي): ولدت فاطمة بنت أسد عليّاً عليه السلام في الكعبة، وما وُلِدَ قبله أحد فيها [422].

4- الشيخ المؤرّخ النسّابة جمال الدين أحمد بن علي بن الحسين الحسيني، المعروف بابن عِنَبة (ت 828 ه) قال في (عمدة الطالب) في معرض حديثه عن ولادة عليّ عليه السلام: وُلِدَ بمكّة في بيت اللَّه الحرام يوم الجمعة الثالث عشر من رجب سنة ثلاثين من عام الفيل، ولم يولد قبلَه ولا بعدَه مولود في بيت اللَّه الحرام سواه إكراماً له وتعظيماً من اللَّه تعالي، وإجلالاً لمحلّه من التعظيم [423].

5- وذكر ذلك أيضاً السيّد محمّد بن أحمد بن عميد الدين علي الحسيني في (المشجّر الكشّاف للسادة الأشراف: 230، طبعة مصر) [424].

6- وذكره أيضاً محمّد بن عبد الغفّار الغفاري القزويني في (تاريخ نگارستان: 10 (طبعة سنة (1245 ه) وتاريخ تأليف الكتاب سنة (949 ه) [425].

7- وفي أُرجوزة في مواليد الأئمة عليهم السلام ووفياتهم للعلّامة أبي صالح محمّد المهدي بن بهاء الدين محمّد الملقّب بالصالح بن الشيخ معتوق بن عبد الحميد الفتوني العاملي النباطي النجفي النسابة، المتوفّي سنة (1183 ه) صاحب (حديقة النسب) قال:

مولدُه الجمعةُ يومَ السابعِ

في شهر شَعبان ببيت الصانعِ

وقد خلت منه ثلاثون سنه

من مولد النبيّ فاعلم سُنَنَه [426].

الكتب المؤلفة في المولد العظيم

لقد أثبتنا قائمة أوسع لهذه المؤلّفات في ملاحق هذا الكتاب.

ولم تقتصر جهود العلماء علي تسجيل هذه الحادثة في ثنايا كتبهم، بل أفردوها بالتأليف في كتب خاصّة بها، منها:

1- مولد أمير المؤمنين وخبره مع رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، للقاضي أبي البختري وهب بن وهب بن كثير بن عبد اللَّه بن زمعة بن الأسود بن المطلّب القرشي المدني البغدادي قاضيها، المتوفّي سنة (200 ه).

2- ترجم له ابن النديم في (الفهرست: 113 (والخطيب

في (تاريخ بغداد 451: 13 (، وكتابه هذا ذكره النجاشي في فهرسته برقم 1155، وذكره الطوسي في فهرسته برقم 778 بهذا الاسم، ورواه عنه بإسناده إليه عن الصادق عليه السلام.

وذكره الخطيب في (تاريخ بغداد 419: 7 (في ترجمة الحسن بن محمّد العلويّ، باسم كتاب (مولد علي بن أبي طالب ومنشؤه وبدء إيمانه وتزويجه فاطمة)، وذكره ابن شهر آشوب في (معالم العلماء برقم 859) [427].

2- مولد أمير المؤمنين عليه السلام، للشيخ أبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسي بن بابويه القمي الصدوق، المتوفّي (381 ه)، ينقل عنه السيّد ابن طاوس في كتاب (اليقين) في الباب 43. [428].

والذي في (اليقين) لابن طاوس ورد الكتاب بعنوان (مولد مولانا عليّ عليه السلام بالبيت) [429].

3- مولد أمير المؤمنين عليه السلام، للحافظ أبي العلاء الحسن بن أحمد بن الحسن ابن أحمد بن محمّد العطار الهمداني المقرئ، صدر الحفاظ وشيخ همدان وإمام العراقين (ت 569 ه)، نقل عنه السيّد ابن طاوس في (اليقين: 485، الباب 194. [430].

4- علي عليه السلام وليد الكعبة، للشيخ الفاضل والأديب الحجّة الميرزا محمّد علي ابن ميرزا أبي القاسم الاُردوبادي النجفي (ت 1380 ه).

طبع في النجف سنة وفاة المؤلّف مع مقدّمة لسبطه السيّد مهدي الشيرازي، ثمّ أُعيد طبعه في طهران.

وطبع بتحقيق قسم الدراسات الإسلامية- مؤسسّة البعثة سنة (1412 ه).

وترجم الكتاب إلي الفارسية، وطبعت ترجمته.

وهو كتاب فريد في بابه، عزيز في وجود نظائره، غزير في مادّته، ضمّنه مؤلّفه بحثاً استدلالياً لبيان حديث الولادة الميمونة.

5- مولود كعبه، بلغة الأُردو، للسيد علي نقي اللكهنوي، طبع سنة (1351 ه) [431].

حديث الولادة علي لسان أعلام العامة

صرّح الكثير من أعلام العامّة بولادة أمير المؤمنين عليه السلام في الكعبة المشرفة، وقال بعضهم بتواتر ذلك وشهرته في الدنيا

كالحاكم النيسابوري والدهلوي والآلوسي وغيرهم، واعترف بعضهم بكون ذلك فضيلةً خصّه اللَّه بها، ولم يولد قبلَه ولا بعدَه في البيت سواه كالجويني والقفال وابن الصبّاغ وغيرهم، وفي ما يلي نذكر أقوالهم بحسب ترتيب وفياتهم:

1- الحافظ الفقيه محمّد بن علي القفال الشاشي الشافعي (ت 365 ه) قال في كتابه (فضائل أمير المؤمنين عليه السلام): لم يولد في الكعبة إلّا عليٌّ عليه السلام [432].

2- الحاكم أبو عبد اللَّه محمّد بن عبد اللَّه الحافظ النيسابوري (ت 405 ه) قال في (المستدرك): قد تواترت الأخبار أنّ فاطمة بنت أسد ولدت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرّم اللَّه وجهه في جوف الكعبة [433].

وروي الحافظ أبو عبد اللَّه محمّد بن يوسف الكنجيّ الشافعيّ (ت 658 ه) عن الحافظ أبي عبد اللَّه محمّد بن محمود النجّار مسنداً عن الحاكم النيسابوري أ نّه قال: وُلِدَ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب بمكّة في بيت اللَّه الحرام، ليلة الجمعة لثلاث عشرة ليلة خلت من رجب سنة ثلاثين من عام الفيل، ولم يولد قبلَه ولا بعدَه مولودٌ في بيت اللَّه الحرام سواه، إكراماً له بذلك، وإجلالاً لمحلّه في التعظيم [434].

3- محمّد بن طلحة الشافعي (ت 652 ه) في كتابه (مطالب السؤول: 11). قال: وُلِدَ علي عليه السلام في الكعبة، البيت الحرام [435].

4- شمس الدين أبو المظفّر يوسف بن قِزأوغلي علي الشهير بسبط ابن الجوزي (ت 654 ه) قال في (تذكرة الخواص): روي أنّ فاطمة بنت أسد كانت تطوف بالبيت وهي حامل بعلي عليه السلام، فضربها الطلق، ففتح لها باب الكعبة، فدخلت فوضعته فيها [436].

5- الحافظ أبو عبد اللَّه محمّد بن يوسف الكنجي الشافعي (ت 658 ه) نقل في كتابه (كفاية الطالب) قول الحاكم النيسابوري

وقد تقدّم.

ونقل حديثاً طويلاً في ولادة أمير المؤمنين عليه السلام في الكعبة [437].

6- الحافظ المحدّث إبراهيم بن محمّد الجويني الشافعي (ت 730 ه) قال في (الفرائد): لم يولد في الكعبة إلّا علي عليه السلام [438].

7- الحافظ نور الدين علي بن محمّد بن الصباغ المكي المالكي (ت 855 ه) قال في (الفصول المهمّة): وُلِدَ عليّ عليه السلام بمكّة المشرّفة بداخل البيت الحرام في يوم الجمعة الثالث عشر من شهر اللَّه الأصمّ رجب الفرد، سنة ثلاثين من عام الفيل، ولم يولد في البيت الحرام قبله أحدٌ سواه، وهي فضيلة خصّه اللَّه تعالي بها إجلالاً له، وإعلاءً لمرتبته، وإظهاراً لتكرمته [439].

وحكي ذلك عنه الفقيه المؤرّخ نور الدين علي بن عبد اللَّه الشافعي السمهودي (ت 911 ه) في (جواهر العقدين)، والشيخ عليّ بن برهان الدين الحلبيّ (ت 1044 ه) في (إنسان العيون: 165(، [440] والشيخ مؤمن ابن حسن مؤمن الشبلنجيّ، من أعلام القرن الثالث عشر في (نور الأبصار) [441].

8- عبد الرحمن الصفوريّ الشافعيّ (ت 894 ه) قال في (نزهة المجالس 204: 2، طبعة القاهرة): رأيت في (الفصول المهمّة في معرفة أحوال الأئمة) لأبي الحسن المالكي بمكّة شرّفها اللَّه، أنّ علياً رضي الله عنه ولدته اُمّه بجوف الكعبة شرّفها اللَّه، وهي فضيلة خصّه اللَّه تعالي بها، ذلك أنّ فاطمة بنت أسد رضي اللَّه عنها أصابها شدّة الطلق، فأدخلها أبو طالب الكعبة، فطلقت طلقة، فولدته يوم الجمعة في رجب سنة ثلاثين من عام الفيل، بعد تزوّج النبيّ صلي الله عليه و آله خديجة بثلاث سنين.

وأمّا حكيم بن حزام فولدته اُمّه في الكعبة اتّفاقاً لا قصداً [442].

9- الشيخ عليّ بن برهان الدين الحلبي الشافعي (ت 1044 ه) في سيرته (إنسان العيون: 165)

قال: إنّه عليه السلام وُلِدَ في الكعبة، وعمره- يعني عمر النبيّ صلي الله عليه و آله- ثلاثون سنة [443].

10- العلّامة محمود بن محمّد بن علي الشيخاني القادري الشافعي المدني، من أعلام القرن الحادي عشر في (الصراط السوي: 152، مخطوطة المكتبة الناصرية في لكهنو بالهند).

قال: لم يولد قبلَه ولا بعدَه مولودٌ في بيت اللَّه الحرام سواه إكراماً له بذلك وإجلالاً لمحلّه في التعظيم [444].

11- العلّامة صفي الدين أحمد بن الفضل بن محمّد باكثير الحضرمي الشافعي، من أعلام القرن الحادي عشر، قال في (وسيلة المآل): وكانت ولادته- يعني أمير المؤمنين عليه السلام- بالكعبة المشرّفة، وهو أوّل من وُلِدَ بها، بل لم يعلم أنّ غيره وُلِدَ بها [445].

12- المحدّث وليّ اللَّه، أحمد بن عبد الرحيم الدهلوي، الشهير بشاه ولي اللَّه (ت 1179 ه) والد عبد العزيز الدهلوي. قال في كتابه (إزالة الخفاء 251: 2، طبعة الهند): تواترت الأخبار أنّ فاطمة بنت أسد ولدت أمير المؤمنين علياً عليه السلام في جوف الكعبة، وأ نّه وُلِدَ في يوم الجمعة ثالث عشر من شهر رجب بعد عام الفيل بثلاثين سنة في الكعبة، ولم يولد فيها أحد سواه قبلَه ولا بعدَه [446].

13- العلامة محمّد مبين بن محب اللَّه بن أحمد اللكهنوي الأنصاري الحنفي (ت 1225 ه) قال في (وسيلة النجاة: 60، طبعة كلشن فيض، لكهنو- الهند): ولادة معدن الكرامة- يريد أمير المؤمنين عليه السلام- في جوف الكعبة، ولم يولد أحدٌ فيها غيره، وقد خصّه اللَّه تعالي بهذه الفضيلة، وشرّف الكعبة بهذا الشرف [447].

14- شهاب الدين أبو الثناء السيّد محمود الآلوسي (ت 1270 ه) في (سرح الخريدة الغيبية في شرح القصيدة العينية: 15).

والقصيدة العينية لعبد الباقي العمري، قال أبو الثناء عند قول الناظم:

أنتَ

العليُّ الذي فوقَ العُلا رُفعا

بِبَطْنِ مكّةَ عند البيت إذْ وُضِعا

في كون الأمير كرّم اللَّه وجهه وُلِدَ في البيت أمرٌ مشهور في الدنيا، وذكر في كتب الفريقين السنّة والشيعة.

إلي أن قال: ولم يشتهر وضع غيره كرّم اللَّه وجهه كما اشتهر وضعه، بل لم تتفّق الكلمة عليه، وما أحري بإمام الأئمة أن يكون وضعه في ما هو قبلةٌ للمؤمنين، وسبحان من يضع الأشياء في مواضعها وهو أحكم الحاكمين [448].

15- الشيخ محمّد صديق خان الحسيني البخاري القنوجي (ت 1307 ه) قال في (تكريم المؤمنين بتقويم مناقب الخلفاء الراشدين: 99، طبعة الهند) سنة (1307 ه) عند ذكره ولادة أمير المؤمنين عليه السلام: ولادته في مكّة المكرّمة في جوف بيت اللَّه الحرام، ولم يولد أحدٌ غيره في هذا المكان المقدس [449].

من وحي الولادة في الشعر العربي

نظم كثير من الشعراء هذه المأثرة الجليلة وصاغوها في قالب الشعر منذ القرن الثاني وإلي اليوم، وفي ما يلي مختارات من الشعر الذي يثبت خصوصية ولادة أمير المؤمنين عليه السلام في الكعبة:

1- السيّد الحميري المتوفي سنة (179 ه) قال في ميلاد أمير المؤمنين عليه السلام:

وَلَدَتهُ في حرم الإله وأمنهِ

والبيت حيثُ فناؤه والمسجدُ

بيضاءُ طاهرةُ الثياب كريمةٌ

طابَتْ وطابَ وليدُها والمولدُ

في ليلةٍ غابَت نحوسُ نُجومها

وبَدَتْ مع القمرِ المنيرِ الأسْعُدُ

ما لُفّ في خِرَقِ القوابلِ مثلُهُ

إلّا ابنُ آمنةَ النبيّ محمّد [450].

وله:

طِبْتَ كَهْلاً وغُلاماً

ورَضيعاً وجَنينا

ولدي المِيثاقِ طِيناً

يومَ كانَ الخَلْقُ طِينا

وببَطْنِ البيتِ مولُو

داً وفي الرَمْلِ دَفينا

كنتَ مأمُوناً وَجيهاً

عندَ ذي العرش مَكينا

2- محمّد بن منصور السرخسي.

قال في ميلاده عليه السلام:

ولدتْهُ منجبةٌ وكان وِلادُها

في جوف كعبة أفضل الأكنانِ

وسقاه ريقتَهُ النبيّ ويالها

من شربةٍ تُغني عن الألبانِ

حتّي ترعرعَ سَيّداً سَنَداً رِضاً

أسداً شديدَ القلب غيرَ جَبان

عَبَدَ الإلهَ مع النبيّ وإنّهُ

قد كانَ بعدُ يُعَدّ في الصبيانِ [451].

3- أبو الحسن علاء الدين الشيخ

علي بن الحسين الحلّي، المعروف بابن الشفهية، المتوفّي نحو سنة (700 ه).

قال في غديريّة طويلة:

أم هل تري في العالمين بأسرهم

بَشَراً سواه ببيتِ مكّة يولَدُ

في ليلةٍ جبريل جاءَ بها مع ال

-ملأ المقدَّسِ حَولَهُ يتَعبَّدُ

فلقد سَما مجداً عليٌّ كما عَلا

شَرَفاً به دون البقاع المسجدُ [452].

4- السيّد عبد العزيز محمّد بن الحسن الحسيني السريجي الأوالي، المتوفّي نحو سنة (750 ه).

قال من قصيدة في مدح أمير المؤمنين عليه السلام:

ولي بودّ أمير النحل حيدرةٍ

شغلٌ عن اللهو والإطرابِ ألهاني

هاتِ الحديثَ سميري عن مناقبهِ

ودَع حديثَ رُبي نجدٍ ونعمانِ

مَن غيرُه بَطَنَ العلمَ الخفيَّ ومَن

سواهُ قال اسألوني قبلَ فقداني

مَن كان في حرم الرحمن مولدُهُ

وحاطَهُ اللَّه من بأسٍ وعُدوانِ [453].

5- السيّد حسين بن شمس الحسيني المعاصر للشيخ علي بن محمّد بن يونس البياضي، المتوفي سنة (877 ه).

قال من اُرجوزة في تواريخ الأئمة المعصومين عليهم السلام:

ومولدُ الوصيّ أيضاً في الحرمْ

بكعبة اللَّه العليّ ذي الكرمْ

من بعد عامِ الفيلِ في الحسابِ

عشر وعشرين بلا ارتيابِ [454].

6- المولي محمّد طاهر بن محمّد حسين القمي، المتوفي سنة (1098 ه) قال من قصيدة في مدح أمير المؤمنين عليه السلام:

قد ردّت الشمسُ للمولي أبي حسنٍ

روحي فدا المرتضي ذي المعجز الجَللِ

طوبي له كان بيتُ اللَّه مولدُهُ

كمثلِ مولدِهِ ما كان للرُسُلِ [455].

7- المحدّث الشيخ محمّد بن الحسن الحرّ العاملي، المتوفّي سنة (1104 ه).

قال من اُرجوزة له في تواريخ المعصومين عليهم السلام:

مولدُهُ بمكّة قد عُرفا

في داخل الكعبة زيدتْ شرفا

وذاك في ثالث عشرٍ من رجبْ

فقدرُه علا وحقّه وَجَب

علي رُخامةٍ هناك حَمرا

معروفةٍ زادت بذاك قدرا

فيالها مزيّةٌ عليّه

تخفضُ كلَّ رُتبةٍ عليّه

ما نالها قطُّ نبيٌّ مرسلُ

ولا وصيٌّ آخِرٌ وأوّلُ

أما سمعتَ قصّة ابن قَعْنَبِ

ينطقُ عن مقصودنا بالعجبِ

وإنّه محقّقٌ مشهورُ

يُثبته المدقّقُ النحريرُ

طوبي لِمَن أحبّهُ ووالي

ومَن أطاعه يُجازي فضلا

ويلٌ لمن أبغضهُ ومَن عصي

وذاك

بعضُ ما به قد خُصّصا [456].

8- المولي محمّد مسيح المعروف بمسيحا الفسوي الشيرازي، المتوفّي سنة (1127 ه).

قال في قصيدة في مدح أمير المؤمنين عليه السلام:

هو الذي كان بيتُ اللَّه مَوْلِدُهُ

فطهّرَ البيتَ من أرجاس أوثانِ

هو الذي مِن رسول اللَّه كانَ لَهُ

مقامُ هارونَ من موسي بن عمرانِ [457].

9- السيّد نصر اللَّه الحائري، الشهيد سنة (1154 ه).

قال من قصيدة علوية:

مَن شُرِّفَ البيتُ بميلادهِ

وحِجرُهُ والحَجَرُ الأنورُ

وقد صفا عيشُ الصفا فيه وال

-مَرْوةُ أضحت بالهنا تخطُرُ [458].

10- الشيخ حسين نجف التبريزي النجفي، المتوفّي سنة (1252 ه).

قال من قصيدته العلوية الكبيرة:

جعلَ اللَّهُ بيتَه لعليٍّ

مَوْلِداً يا لَه عُلاً لا يضاهي

لم يشاركهُ في الوِلادة فيهِ

سيّدُ الرسل لا ولا أنبياها

علمَ اللَّهُ شوقَها لعليٍّ

علمه بالذي بهِ مَن هَواها

ما ادّعي مدّعٍ لذلكَ كلّا

مَن تري في الوري يرومُ ادّعاها؟

فاكتست مكّةٌ بذاك افتخاراً

وكذا المشعران بعدَ مِناها

بل بهِ الأرضُ قد علت إذ حوتْهُ

فغدت أرضُها مَطافَ سماها [459].

11- الشيخ صالح بن درويش التميمي الكاظمي (ت 1261 ه).

قال في همزيته التي عارض بها همزية البوصيري:

غايةُ المدحِ في عُلاكَ ابتداءُ

ليت شعري ما تصنعُ الشُعراءُ

لم تَلِد هاشميةٌ هاشمياً

كعليٍّ وكُلّهم نُجباءُ

وضعتهُ ببطنِ أوّل بيتٍ

ذاك بَيتٌ بفخره الاكتفاءُ [460].

12- الشيخ حسين بن محمّد بن علي الفتوني الهمداني، من أعلام القرن الثالث عشر.

قال في اُرجوزته المسمّاة بالدوحة المهدية، التي فرغ منها سنة (1278 ه):

وفي ضُحي الجمعة قد تولّدا

مُطهّراً مُكرّماً مُسدّداً

وكان ذا في كعبة الرحمنِ

لسبعةٍ خلونَ من شعبانِ

وقد رُوي أنّ الإمامَ المنتَجب

مولدُه ثالث عشرٍ من رَجَب

مولدُهُ بعد ثلاثين سنه

من مولد النبيّ يقفو سُننه [461].

13- الشيخ محمّد الصالح، المولد سنة (1297 ه).

قال من قصيدة علوية:

بالبيتِ قد وضعتهُ فاطمةٌ

رفعاً له قد شُرِّفت وضعا

للَّهِ أُمٌّ أرضعت أسداً

رضعَ النبيّ علومَه رضعا

تاللَّهِ لو كُشِفَ الغِطاءُ رأت

نوراً ومُلتقماً لها ضَرعا [462].

14- الميرزا إسماعيل الشيرازي،

المتوفّي سنة (1305 ه).

قال في موشّحته بمناسبة المولد المقدّس:

حبّذا آناء أُنسٍ أقبلت

أدركت نفسي بها ما أمّلت

وضعت اُمّ العُلا ما حملت

طاب أصلاً وتعالي مَحتدا

مالكاً ثقل ولاء الاُممِ

آنست نفسي من الكعبة نور

مثلما آنسَ موسي نارَ طور

يوم غشّي الملأ الأعلي سرور

قرعَ السمعَ نداءُ كَنِدا

شاطي ء الوادي طُوي من حَرَمِ

وَلَدَت شمسُ الضحي بدرَ التمام

فانجلت عنّا دياجيرُ الظلام

نادِ يا بُشراكمُ هذا غلام

وجههُ فِلْقَةُ بدرٍ يُهتدي

بِسَنا أنواره في الظلمِ

هذهِ فاطمةٌ بنتُ اسد

أقبلت تحملُ لاهوتَ الأبد

فاسجدوا ذُلاًّ له في مَن سَجَد

فلَهُ الأملاك خَرّت سُجّدا

إذ تجلّي نورُهُ في آدمِ

سيّدٌ فاقَ عُلاً كلَّ الأنام

كان إذ لا كائنٌ وهوَ إمام

شرَّفَ اللَّهُ به البيتَ الحرام

حينَ أضحي لعُلاهُ مَولِدا

فوطا تربتَهُ بالقدمِ [463].

14- السيّد مصطفي بن الحسين الكاشاني النجفي، المتوفّي سنة (1336 ه).

قال من قصيدة يمدح بها أمير المؤمنين عليه السلام:

أنتَ شرّفتَ زمزماً والمصلّي

بل وركنَ الحطيم والمستجارا

حازت الكعبةُ التي خارها الل

-هُ بِميلادك السعيدِ فَخارا [464].

15- عبد المسيح الأنطاكي، المتوفّي سنة (1341 ه).

قال في قصيدته العلوية التي تربو علي خمسة آلاف بيت:

في رَحبة الكعبة الزهرا قد انبثقت

أنوارُ طفلٍ وضاءت في مَغانيها

واستبشرَ الناسُ في زاهي ولادته

قالوا السُّعودُ له لابدَّ لاقيها

قالوا ابنُ مَن؟ فأُجيبوا إنّه ولدٌ

من نسل هاشمَ من أسمي ذَراريها

هنّوا أبا طالبِ الجوّاد والدَهُ

والأُمَّ فاطمة هُبُّوا نُهنّيها

إنّ الرضيعَ الذي شامَ الضياءُ بِبَي

-تِ اللَّه عِزّتُهُ لا عزَّ يَحكيها

أمّا الوليدُ فلاقي الأرض مُبتسماً

فما رغا رَهَباً ما كان خاشيها [465].

17- السيّد رضا الهندي، المتوفّي سنة (1362 ه).

قال في مدح أمير المؤمنين عليه السلام:

لمّا دعاك اللَّهُ قِدْماً لأنْ

تولَدَ في البيتِ فلبّيتَهُ

شكرتَهُ بينَ قريشٍ بِأَنْ

طهّرتَ من أصنامهم بَيتَهُ [466].

18- السيّد حسن بن محمود الأمين، المتوفّي سنة (1368 ه).

قال من قصيدة بائية طويلة:

ولدتَ في البيتِ بيتِ اللَّه فارتفعتْ

أركانُهُ بكَ فوقَ السَّبعةِ الحُجُبِ

وتلكَ منزلةٌ لم يؤتها بشرٌ

بلي ومرتبةٌ

طالتْ علي الرُّتبِ [467].

19- السيّد محسن الأمين العاملي، المتوفّي سنة (1371 ه).

قال في مقصورته العلوية:

لكَ يا أمير المؤمنين مناقبٌ

ظهرت ظهورَ الشمس في وقتِ الضُحي

مشهورةٌ لا يُستطاع جُحودها

فالناسُ مُذعِنةٌ بها حتّي العِدي

نَصُّ الغديرِ كفاكَ فَضلاً إنّهُ

لكَ في الرقاب جميعها عَقدُ الولا

هيَ من فضائلكَ العظيمِ الشأن إح

-داها إلي أمثالها الفضلُ انتهي

وولدتَ في البيتِ الحرام ولم يكن

هذا لغيركَ مَن يكونُ ومَن مضي

يكفيك ما قد جاء في التطهيرِ أو

في (قُل تعالَوا) أو أتي في (هل أتي) [468].

وله أيضاً:

وُلِدتَ ببيتِ اللَّهِ وهيَ فضيلةٌ

خُصصتَ بها إذ فيك أمثالُها كُثرُ [469].

20- الاُستاذ جعفر النقدي، المتوفّي سنة (1372 ه).

قال في قصيدةٍ يمدح بها أمير المؤمنين عليه السلام:

لا تعجبوا إذ أتي في البيت مولدُهُ

فليسَ ذلكَ من عَلياهُ بالعجبِ

لأنّ فوقَ الثَّري من أجلهِ رُفع ال

-بَيتُ العتيقُ وفيهِ خُصّ بالرُّتبِ

وله أيضاً:

زهرت بهِ أكنافُ مكّةَ مُذْ غدا

ميلادهُ في البَيتِ ذي الأستارِ

ما البيتُ شرّفهُ ولكن شُرِّفَ ال

-بيتُ الحرامُ بساطِعِ الأنوارِ

وله أيضاً:

مَن خصّ مولدهُ في بيتِهِ شَرَفاً

للبَيتِ يومَ أقامَ البيتَ بانيهِ

لذاكَ قبلةَ مَن صلّي لخالقِهِ

غدا ومقصدَ مَن لِلحجِّ يأتيهِ [470].

20- السيّد علي نقوي النقوي اللكهنوي الهندي، المتوفّي سنة (1408 ه).

قال في موشّحة بمناسبة ميلاد أمير المؤمنين عليه السلام:

مَن بدا فازدهَرَ البيتُ الحرامْ

وزَهَت منهُ ليالي رَجَبِ

طَرِبَ الكونُ لِبشرٍ وهَنَا

إذ بدا الفخرُ بنورٍ وَسَنا

وأتي الوحيُ يُنادي مُعلِنا

قد أتاكُم حجّةُ اللَّه الإمامْ

وأبو الغُرِّ الهداةِ النُجُبِ

خصّهُ الرحمنُ بالفضل الصراحْ

ومزايا أشرقَت غُرّاً وضاحْ

وسَما منزلُهُ هامَ الضراحْ

فغدا مولدُهُ خيرَ مقامْ

طأطأت فيه رؤوسُ الشُهُبِ

إنّهُ أوّلُ بيتٍ وُضِعَا

للوري طُراً فأضحَوا خُضَّعا

وعلي الحاضِرِ والبادي معا

حجَّةً أصبحَ فرضاً ولزامْ

طاعةٌ تتبعُ أقصي القُرَبِ

وهو في القبلةِ في كلّ صلاةْ

وملاذ تُرتَجي فيه النجاةْ

وقد استخلَصَهُ اللَّهُ حماةْ

فلئن يأتِ إليه مستهامْ

في مُلِمٍ داعياً يُستَجَبِ

تلكمُ فاطمةٌ بنتُ أسدْ

أمّتِ البيتَ بكَربٍ وكَمَدْ

ودعت خالقَها الباري الصمدْ

بحشيً فيهِ

من الوَجدِ الضُرامْ

قد علّتهُ قبساتُ اللَّهبِ

نادَتِ اللهمَّ ربَّ العالمينْ

قاضيَ الحاجاتِ للمستصرخينْ

كاشفَ الُضّرِ مجيب السائلينْ

إنّني جئتُك من دونِ الأنامْ

أبتغي عندك كشف الكُرَبِ

بينما كانت تُناجي ربَّها

وإلي الرحمان تشكُو كَربَها

وإذا بالبِشرِ غشّي قلبها

من جدار البيتِ إذ لاحَ ابتسامْ

عن سنا ثغرٍ له ذي شَنَبِ [471].

دخلت فاطمُ فارتدَّ الجدارْ

مثلما كانَ ولم يكشف سِتارْ

إذ تجلّي النورُ وانجابَ الشرارْ

عن سَنا بدرٍ به يَجلُو الظلامْ

والوري تنجو بهِ من عطَبِ

لم يكن في البيتِ مَولُودٌ سِواهْ

إذ تَعالي عن مَثيلٍ في عُلاهْ

أُوتيَ العلمَ بتَعليمِ الإلهْ

فغذاهُ دَرَّهُ قبلَ الفِطامْ

يرتوي منهُ بأَهنا مَشرَبِ [472].

وله من قصيدة اُخري ميلادية يباري بها قصيدة إيليا أبي ماضي:

طَرِبَ الكونُ من البشرِ وقد عمَّ السُرور

وغدا القُمريُّ يَشدُو في ابتسامٍ للزهُور

وتهانَت ساجِعاتٍ في ذُري الأيكِ الطُيور

لِمَ ذا البِشرُ؟ وما هذي التهاني؟

لستُ أدري

أشرقَت طلعةُ نُورٍ عَمَّتِ الكونَ ضِياءا

لا أري بَدراً علي الأُفقِ ولم أُبصِر ذُكاءا

وتَفَحَّصتُ فلم أُدرِك هُناك الكَهرُباءا

فَبِماذا ضاءَ هذا الكونُ نُوراً؟

لستُ أدري

قُمتُ استَكشِفُ عنه سائلاً هذا وذاك؟

فرأيتُ الكُلَّ مثلي في اضطِرابٍ وارتباك

وإذا الآراء طُرّاً في اصطدامٍ واصطكاك

وأخيراً عمّها العَجزُ فقالت:

لستُ أدري

وإذا نبّهني عاطفةُ الحُبِّ الدَفين

وتظنَّيتُ وظَنُّ الألمعي عينُ اليقين

أ نّهُ ميلادُ مولانا أمير المؤمنين

فدع الجاهلَ والقَولَ بأ نّي

لستُ أدري

لم يكن في كعبة الرحمنِ مولودٌ سواه

إذ تعالي في البرايا عن مَثيلٍ في عُلاه

وتولّي ذِكرَهُ في محكم الذِكْرِ الإله

أيقول الغِرُّ فيهِ بعدَ هذا:

لستُ أدري [473].

21- الشيخ محمّد علي الأُردوبادي، المتوفّي سنة (1380 ه).

قال من قصيدة في مدح أمير المؤمنين عليه السلام:

لقد شُرِّف البيتُ في مولدٍ

زهت بِسَناهُ عِراصُ النجفْ

بنفس الرسولِ وزوجِ البتول

وأصلِ العُقولِ ومعني الشَرفْ

وبابِ مدينةِ علمِ النبيّ

وصارمِ دعوتِهِ والخَلَفْ

وجاءَ مطهّرُ بيتِ الإلهِ

فعن مجدهِ كلَّ رِجسِ قَذَفْ

أزاحَ عن البيتِ أوثانَهم

وأزهقَ مَن عَن هُداهُ صَدَفْ

وكانَ الخليلُ له رافعاً

قواعدَهُ فلهُ ما رَصَفْ

فليسَ من البِدعِ أن أُسدَلَت

علي شِبلهِ منهُ

تلك السُجُفْ [474].

وله أيضاً:

سَبَقَ الكرامَ فهاهم لم يَلحَقوا

في حَلبَةِ العَلياء شَأوَ كُمَيتِهِ

إذ خصّهُ المولي بفضلٍ باهر

فيه يميزُ حيُّهُ مِن مَيتِهِ

لَم يتّخِذ وَلَداً وما إن يتّخذ

إلّا وكانَ ولادُهُ في بيتهِ

في البيتِ مولدُهُ يُحقّقُ أ نّهُ

دونَ الأنام ذُبالةٌ في زَيتِهِ [475].

وله أيضاً:

وليس ولادهُ في البيت بِدعاً

فإبراهيمُ شادَ له دِعامَهُ

وهذا البيتُ بيتُ أبيهِ قدماً

وفاطمةٌ به وضعت غُلامَه [476].

22- الشاعر المسيحي بولس سلامة.

قال في ملحمته التاريخية الكبري المسمّاة (عيد الغدير):

سمعَ الليلُ في الظلام المديدِ

همسةً مثل أ نّةِ المفؤودِ

من خفيّ الآلامِ والكبتِ فيها

ومن البشرِ والرجاء السعيدِ

حُرّة لزّها المخاضُ فلاذت

بستارِ البيتِ العتيقِ الوَطيدِ

كعبة اللَّه في الشدائد تُرجي

فهي جسرُ العبيد للمعبودِ

صبرت فاطمٌ علي الضَيمِ حتّي

لهثَ الليلُ لهثةَ المكدودِ

وإذا نجمةٌ من الاُفق خفّت

تطعنُ الليلَ بالشُعاع الحَديدِ

وتدانَت من الحطيمِ وقَرَّت

وتدلّت تدلّيَ العُنقودِ

تسكبُ الضوءَ في الأثيرِ دَفيقاً

فعلي الأرضِ وابلٌ من سُعودِ

كانَ فجرانِ ذلكَ اليومَ فَجرٌ

لنهارٍ وآخَرٌ للوَليدِ [477].

وبعد عرض كلّ هذه الأرقام تبيّن لنا اتّفاق علماء المسلمين بمن فيهم المحدّثون والمؤرخون المتقدّمون والمتأخّرون علي ولادة أمير المؤمنين عليه السلام في البيت العتيق.

وليس ذلك من مزاعم الشيعة وحدهم، ولا هو ضعيف عند العلماء والمحدّثين، علي ما ذكره أصحاب الاتّجاه الثاني في ما قدّمناه.

وآخر دعوانا أن الحمد للَّه ربّ العالمين

قراءة في كتاب «علي وليد الكعبة» للأردوبادي

المؤلف

الميرزا محمّد عليّ بن الميرزا أبو القاسم بن محمّد تقي بن محمّد قاسم الأُردوبادي التبريزي النجفي.

أُردوباد المدينة التي استمدّ لقبه منها تقع علي الحدود بين أذربيجان والقفقاز قرب نهر أرس.

ولادته كانت في تبريز في 21 رجب سنة (1312 ه) وبعد ثلاث سنوات من ولادته، اصطحبه والده في رحلته إلي النجف الأشرف حيث المرقد الطاهر للإمام عليّ عليه السلام وحيث الحوزة العلميّة المباركة وكان ذاك سنة (1315 ه) فراح يعاهده تربية وتعليماً: «كان والده عالماً فقهياً تقيّاً ورعاً،

خشناً في ذات اللَّه، أحد مراجع التقليد في آذربيجان وقَفقاسيا، وتوفّي عليهم السلام سنة (1333 ه)» [478].

درس عند جمع من العلماء الكبار فقد حضر في الفقه والاُصول علي والده وشيخ الشريعة الأصفهاني وأخذ عن الأخير علمَي الحديث والرجال، كما درس عند الميرزا عليّ ابن الحجّة الشيرازي. ودرس الفلسفة عند الشيخ محمّد حسين الأصفهاني وحظي بدراسة كلّ من علمي الكلام والتفسير علي يد الشيخ محمّد جواد البلاغي، ودامت دروسه هذه عند الأساتذة المذكورين لأكثر من عشرين سنة، كانت حصيلتها- وهو صاحب الذكاء الحادّ والاستعداد والنبوغ- أن شهد له بالاجتهاد كلّ من اُستاذه الشيرازي والنائيني والشيخ عبد الكريم الحائري والشيخ محمّد رضا- أبي المجد- الأصفهاني والسيّد حسن الصدر والشيخ محمّد باقر البيرجندي وغيرهم. ونال بعد ذلك مكانة عظيمة في الحوزات العلمية وبين علمائها وأساتذتها، واستجازَ في رواية الحديث أكثر من ستين عالماً من أجلّاء علماء العراق وإيران وسوريا ولبنان وغيرها. وله إجازات متعدّدة ضمّنها طرقاً للحديث وفوائد رجالية وتراجم المشايخ.

له مؤلّفات وآثار قاربت العشرين مؤلّفاً في تفسير القرآن والاُصول وله تقريرات معتبرة لمشايخه، ومنها الدرة الغروية والتحفة العلوية تناول فيها طرق حديث الغدير؛ ومنظومة في واقعة الطف.

كانت وفاته في النجف ليلة الأحد 10 صفر سنة (1380 ه) ودُفن في الصحن الشريف [479].

كتابه هذا: «فريدٌ في بابه، عزيز في وجود نظائره، غزير في مادته، ضمّنه المؤلف بحثاً استدلالياً معتمداً في ذلك علي ما ساقته كتب الفريقين المعتبرة بالأسانيد الصحيحة التي تضمّ بين مبتداها إلي منتهاها شيوخ المحدّثين وثقات الرواة والنسابين الأثبات والمؤرّخين الأعلام ومهرة الفن وصاغة القريض والمحقّقين الخبراء والشعراء المبدعين … ».

كلّ هؤلاء راحوا يثبتون هذه الكرامة وهذا الشرف لتضاف بهذه الفضيلة منقبة اُخري إلي مناقب سيدنا

وإمامنا علي بن أبي طالب وهي أوّل منقبة رافقت ولادته الميمونة. فرح بها المحبّون لهذا البيت الهاشمي العريق في قيمه وشيمه والتزامه والذي يعدّ أرقي البيوت القرشية والعربية وأجلّها وأسماها في وقت أثارت هذه المكرمة ضغائن الآخرين وأعداء الدين فراحوا يبذلون جهودهم لتقويض هذا الخبر وإماتة هذا الذكر بتضعيف رواته.

وقد بوّب الأُردوبادي كتابه هذا تبويباً جميلاً بعناوين هي الأُخري دقيقة. فعدد صفحاته 137 مع كلمة الناشر وترجمة حياة المؤلف، أما فصوله فهي:

حديث المولد الشريف وتواتره.

حديث الولادة الشريفة مشهور بين الاُمّة.

نبأ الولادة والمحدّثون.

حديث الولادة والنسابون.

حديث الولادة والمؤرّخون.

حديث الولادة والشعراء.

حديث الولادة مجمع عليه.

ثمّ تأتي الفهارس العامة «الآيات القرانية، والأعلام، والأشعار والأرجاز ثمّ فهرس الموضوعات».

وكان جميلاً اطراءُ الشيخ العلّامة الأميني صاحب كتاب الغدير: «شيخنا الأُردوبادي أ لّف في الموضوع كتاباً فخماً، وقد أَغرق نزعاً في التحقيق ولم يبقِ في القوس منزعاً» [480].

المقدمة

إنّ فضائل علي عليه السلام ومناقبه وصفاته التي تميّز بها ولدت معه ورافقته حتي استشهاده، من ولادته في جوف الكعبة وهي أعظم بيت من بيوت اللَّه سبحانه وتعالي، وكانت هذه الولادة «إيذاناً بعهد جديد للكعبة وللعبادة فيها» كما يقول عباس محمود العقاد [481]، حتي استشهاده في محراب صلاته في بيت آخر من بيوت اللَّه في مسجد الكوفة، وهي ولادة ثانية له، ولكن هذه المرّة حيث جوار اللَّه سبحانه وتعالي وحيث الحياة الأبدية التي فيها الخلود وحيث الأنبياء والصدّيقون.

الولادة في هذه البقعة المباركة المقدّسة تعدّ أولي مناقبه عليه السلام التي كرّمها اللَّه فيها، والتي لم تنجُ من كيد أعدائه وحقدهم وحسدهم، فراحت جهودهم تتضافر وأقلامهم المأجورة تنشط لتكيد كيدها لهذه الفضيلة، وبما أ نّهم لا يستطيعون نكرانها بالمرّة لشهرتها وتواترها، اختلقوا ولادة اُخري؛ ولادة حكيم بن حزام

في الكعبة، ليصلوا من خلال ذلك إلي أنّ ولادة عليّ لا تعدّ منقبةً يفخر بها أحبّاؤه وأولياؤه، وهي ليست كرامة له، فقد وُلِدَ غيره داخل الكعبة، فلماذا لا نعدّها كرامة أيضاً؟ وعلي فرض أ نّها كرامة له فلم يتفرّد بها؛ لأنّ حكيماً ولد هو الآخر في الكعبة، وبالتالي توهين هذه المنقبة.

وحكيم هذا هو ابن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد العزّي بن قصي بن كلاب بن مرّة [482]، فهو ابن أخٍ لخديجة بنت خويلد (أُم المؤمنين رضوان اللَّه عليها) ويلتقي بمصعب بن ثابت بن عبد اللَّه بن الزبير المتوفي سنة ست وثلاثين ومائتين الذي كان من رواة ولادته في الكعبة إلّا أ نّه تفرّد بإضافة منه (ولم يولد قبلَه ولا بعدَه في الكعبة أحد) لمآرب في نفسه، يلتقي به في جدّهم خويلد بن أسد بن عبد العزي بن قصي بن كلاب بن مرّة.

علماً بأنّ هذه الإضافة لم أجدها عند غيره ممّن رووا ولادة حكيم في الكعبة وكلّهم كانوا في القرن الثالث للهجرة، فهي قصّة ولدت متأخّرة جدّاً ومقطوعة الإسناد وتعاني من ضعف رواتها وشذوذها.

ولم تكن ولادة حكيم معروفة قبل هذه الرواية بل لم تذكر أبداً في المصادر التأريخية ولا الروائية، كما أنّ حكيماً نفسه لم يذكر أنّ ولادته كانت في الكعبة، لا في جاهليته ولا في إسلامه، وهو شرف عظيم كانوا يفتخرون به في الجاهلية ويتمنّونه، فكيف سكت حزام عن ذكر ذلك ولم يشر إليه ولو إشارة بسيطة؟ ولم يكن صاحب مناقب كثيرة حتّي يترك ذكرها كما لم يكن زاهداً فمنعه زهده عن ذكرها. كما لم يذكرها مَن حوله وهو من وجهاء قريش في الجاهلية والإسلام ومن علمائها بالنسب، كما كان جواداً كريماً، وهو

بالتالي ليس نكرة حتي يُنسي خبر ولادته في بقعة مباركة، وكان إذا سئل عن ولادته فلم يزد في إجابته عن: ولدتُ قبل قدوم أصحاب الفيل بثلاث عشرة سنة، وذلك قبل مولد رسول اللَّه صلي الله عليه و آله بخمس سنين [483].

وكان إسلامه يوم الفتح وقيل: يوم اُحد، وكان من المؤلفة قلوبهم، أعطاه النبيّ صلي الله عليه و آله من غنائم حنين مائة بعير، عاش مائة وعشرين سنة؛ ستّين في الجاهلية وستّين في الإسلام، وتوفي في المدينة سنة أربع وخمسين وقيل سنة ثمان وخمسين [484].

الروايات

اشاره

رواه مصعب بن عثمان الذي لم أجد له ترجمة تذكر في تاريخ دمشق ولا في غيره اللّهم إلّا ما ذكره صاحب التبيين في أنساب القرشيين مكتفياً باسمه: مصعب بن عثمان بن عروة بن الزبير وبأ نّه كان عالماً بأخبار قريش [485].

فلا أقلّ من أن حاله مجهول، إن لم يكن من اُولئك الضعفاء الذين أكثر ابن بكار من الرواية عنهم في الجمهرة أشياء منكرة كثيرة خاصّة أنه كان واسطةً بين ابن بكّار وبين عامر بن صالح وعامر هذا هو المعروف بالكذب وأ نّه ليس ثقة كما أنّ عامّة حديثه مسروق وبالتالي فقد يكون مصعب قد تأثّر بأُستاذه عامر، يروي الموضوعات [486].

هذا وأنّ الزبير بن بكار المتوفّي سنة (256 ه) صاحب جمهرة نسب قريش متّهم هو الآخر بالضعف وبأ نّه منكر الحديث ويضعه وهو ما يذكره صاحب كتاب الضعفاء الحافظ أحمد بن علي السليماني [487].

وقال في (ميزان الاعتدال 66: 2 (: لا يلتفت إلي قوله. وإن ردّه ابن حجر في التهذيب بقوله: هذا جرح مردود، فلعلّه استنكر إكثاره عن الضعفاء مثل محمّد بن الحسن بن زبالة وعمر بن أبي بكر المؤملي وعامر بن

صالح الزبيري وغيرهم، فإن في كتاب «النسب» عن هؤلاء أشياءً كثيرةً منكرةً [488].

فسواءاً كان الزبير ضعيفاً بنفسه أو ينقل عن هؤلاء الضعفاء في كتابه. فهو بالتالي يفقد الثقة به وبكتابه ولا يعتمد علي ما فيه إلّا بعد تمحيص دقيق وجهد كبير.

فإذا عرفنا حال مصعب بن عثمان وصاحب كتاب جمهرة نسب قريش فالرواية بعد ذلك لا يمكن أن تكون محلّ اعتماد.

أمّا روايته فكما نقلها أيضاً صاحب تاريخ دمشق هي: أخبرنا أبو غالب بن الحسن وأخوه أبو عبد اللَّه يحيي، قالا: أنبأنا أبو جعفر بن المسلمة، أنبأنا أبو طالب المخلّص، أنبأنا أحمد بن سليمان الطوسي، أنبأنا الزبير بن بكّار، حدّثني مصعب بن عثمان، قال: دخلت اُمّ حكيم بن حزام الكعبة مع نسوة من قريش وهي حامل متمّ بحكيم بن حزام، فضربها المخاض في الكعبة فأُتيت بنطع حيث أعجلها الولاد، فولدت حكيم بن حزام في الكعبة علي النطع (قطعة من الجلد) وكان حكيم بن حزام من سادات قريش ووجوهها في الجاهلية [489].

روايتا المستدرك

الرواية الاُولي: سمعت أبا الفضل الحسن بن يعقوب يقول: سمعت أبا أحمد محمّد بن عبد الوهّاب يقول: سمعت علي بن غنام العامري يقول: ولد حكيم بن حزام في جوف الكعبة، دخلت اُمّه الكعبة فمخضت فيها فولدت في البيت [490].

الرواية الثانية: أخبرنا أبو بكر بن أحمد بن بالعرية، ثنا إبراهيم بن إسحاق الحربي، ثنا مصعب بن عبد اللَّه فذكر نسب حكيم بن حزام وزاد فيه: واُمّه فاختة بنت زهير بن أسد بن عبد العزي، وكانت ولدت حكيماً في الكعبة وهي حامل فضربها المخاض وهي في جوف الكعبة، فولدت فيها فحملت في نطع وغسل ما كان تحتها من الثياب عند حوض زمزم ولم يولد قبلَه ولا بعدَه في

الكعبة أحد.

هذه العبارة الأخيرة لم ترد في الروايتين السابقتين فهي إضافة منه، وليس هذا غريباً عليه ولم يكن هذا منه بلا قصد ولا هدف فهو يعرف جيّداً ماذا يقصد بهذا النفي «ولم يولد قبلَه ولا بعدَه في الكعبة أحد»، وكيف يعذر وهو يعرف جيّداً تواتر خبر ولادة علي عليه السلام في الكعبة ولم يكن جاهلاً به أو غافلاً عنه. وإنّما هي «شنشنة أعرفها من أخزم» حقّاً إنّه حقد موروث وبغض مستحكم ضد عليّ عليه السلام توارثته هذه العائلة من يوم الناكثين، يقول الإمام علي عليه السلام: «وما زال الزبير منّا حتي ولد له عبد اللَّه ابنه».

فأراد أن ينفي هذه الكرامة لعليّ عليه السلام ولم يرض بأن تبقي الرواية «ولادة حكيم» كما رواها غيره وإن كانت أيضاً لا تخلو من الضعف والإرسال، فأضاف عليها ما سوّلت له نفسه.

وبعد ذكر الحاكم النيسابوري لها قال: وهَمَ مصعب في الحرف الأخير.

أقول: وقد عرفت حال الرواية وما تعانيه من ضعف وانقطاع.

وقد يفهم من قول الحاكم هذا: «وهم» أنّ مصعباً أصاب في كلامه الأول حول ولادة حكيم في الكعبة، إلّا أنّ هذا نفاه الحاكم في كلام آخر له في كفاية الطالب للكنجي الشافعي.

ثمّ راح يعزّز بشكل قاطع ردّه هذا بقوله: فقد تواترت الأخبار أنّ فاطمة بنت أسد ولدت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرّم اللَّه وجهه في جوف الكعبة [491].

علماً بأنّ حكيم بن حزام- وكما قلنا- لم يكن شخصاً مجهولاً في الجاهلية وغير معروف في الإسلام مع هذا لم يذكر هذه الفضيلة لنفسه يوماً ولم تُذكر عنه بل ولم يذكرها أحدٌ له علي الإطلاق حتّي رواها كلّ من مصعب بن عثمان بن عروة بن الزبير ومصعب بن عبد اللَّه، بعد

أكثر من 200 سنة أي في القرن الثالث الهجري.

إنّ أوّل كتاب ذكرت فيه ولادة حكيم هو (جمهرة النسب) لابن الكلبي، والكلبي وإن ورد فيه أ نّه متروك الحديث، وأ نّه غير ثقة وأ نّه يروي العجائب والأخبار التي لا اُصول لها [492].

إلّا أ نّه ورد فيه مدح كثير، وأن مبعث ما ذكر من مطاعن واتّهامات أنّ الرجل كان شيعيّاً لا غير.

وأمّا كتابه جمهرة النسب فقد تعرّض لإضافات كثيرة يعود سببها إلي أنّ أبا سعيد السكّري راوي الكتاب لم ينجُ من الاتّهام بأ نّه كان وراءها. فالدكتور ناجي حسن الذي يذكر في مقدّمة تحقيقه لجمهرة النسب: «لقد وصلتنا جمهرة النسب لابن الكلبي برواية أبي سعيد السكري عن محمّد بن حبيب عن ابن الكلبي، ومع ذلك ظهرت فيه إضافات واضحة وزيادات وتعليقات بيّنة لم ترد في أصل الجمهرة بل أضافها الرواة والنسّاخ. ولا يستبعد أن يكون أبو سعيد السكري هو نفسه الذي قام بهذا العمل حين وجد لديه فيضاً من الأخبار ذات الصلة بالأنساب» [493].

أمّا الرواية الاُخري التي يذكرها النيسابوري فهي عن علي بن عثام العامري كما هو اسمه في سير أعلام النبلاء ويبدو أ نّه حرّف من عثام إلي غنام عند النيسابوري. ولو كانت روايته هذه محل اعتماد لما تغاضي عنها الذهبي في سيره وهو المعروف بموقفه المضاد لمن يذكر مناقب لعليّ عليه السلام. وهذا يكفي في أ نّها من الضعف والهزال ما جعل الذهبي يتجاهلها.

وهناك رواية شاذة ذكرها الأزرقي في أخبار مكّة: حدّثني محمّد بن يحيي، حدّثنا عبد العزيز بن عمران، عن عبد اللَّه بن أبي سليمان عن أبيه أنّ فاختة بنت زهير بن الحارث بن أسد بن عبد العزي- وهي اُمّ حكيم بن حزام-

دخلت الكعبة وهي حامل، فأدركها المخاض فيها، فولدت حكيماً في الكعبة، فحملت في نطع وأُخذ ما تحت مثبرها (موضع الولادة) فغسل عند حوض زمزم، وأخذت ثيابها التي ولدت فيها فجعلت لقيً [494].

فأوّلاً: أنّ محمّد بن يحيي كما في كتاب الجرح والتعديل للرازي قال: سألت أبي عنه فقال: كان رجلاً صالحاً وكانت به غفلة، رأيت عنده حديثاً موضوعاً. توفي سنة (243 ه) [495].

أ مّا: عبد العزيز بن عمران فيقول عنه البخاري: إنّه لا يكتب حديثه، منكر الحديث، وقال عنه النسائي: متروك الحديث، وقال عنه الرازي: متروك الحديث، ضعيف الحديث، منكر الحديث جدّاً، وقال محمّد بن يحيي الذهلي النيسابوري: عليّ بدنة إن حدّثت عن عبد العزيز بن عمران حديثاً [496].

هذا مضافاً إلي أن الأزرقي في نفسه محل كلام حيث لم أعثر علي شي ء يدلّ علي توثيقه وأمامك حياته في كتابه أخبار مكّة.

والمتحصّل من هذا المختصر ومن غيره أنّ رواية ولادة حكيم إن لم نقل بسقوطها فهي غير معتبرة عند كثير من المحدّثين والمؤرّخين، بل نفاها جمع منهم بنفيهم ولادة غير أمير المؤمنين عليه السلام كما سنري في مضامين هذا الكتاب [497].

فصول الكتاب

حديث المولد الشريف وتواتره

اشاره

يفتتح المؤلّف حديثه في هذا الباب بمقدّمة قصيرة جميلة تنمّ علي قدرة عجيبة في اختيار الألفاظ ودقّتها علي المراد.

يقول فيها: «إنّ المنقب في التاريخ والحديث جدّ عليم بأنّ هذه الفضيلة من الحقائق التي تطابق علي إثباتها الرواة، وتطامنت النفوس علي اختلاف نزعاتها علي الإخبات بها حيث لا يجد الباحث قطّ غميزَة في إسنادها، ولا طعناً في أصلها، ولا مُنتدحاً للكلام علي اعتبارها، وتضافر النقل لها وتواترت الأسانيد إليها، وإن وجدَ حولها صَخباً من شذّاذ الناس وطأه بأخمص حجاه، وأهواه إلي هوة البطلان السحيقة».

بعد هذه المقدّمة راح

ينقل الرواية التي تحكي ولادةً اُخري غير ولادة علي عليه السلام داخل الكعبة. ولادة حكيم بن حزام، التي يرويها مصعب بن عبداللَّه، والتي ما إن يصل النيسابوري إلي الفقرة الثانية فيها « … ولم يولد قبلَه ولا بعدَه في الكعبة أحد» وهي من زيادة هذا الراوي حتّي قال: «وهَم مصعب في الحرف الأخير وقد تواترت الأخبار أنّ فاطمة بنت أسد ولدت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب- كرّم اللَّه وجهه- في جوف الكعبة» [498].

من هذا يتضح أنّ الحاكم وإن لم يناقش الفقرة الأُولي من الرواية (ولادة حكيم في الكعبة) بل سكت عنها مكتفياً بأ نّه وصف مصعباً بالتوهّم إلّا أ نّه نفاها في كلامٍ آتٍ له أثبته الحافظ الكنجي.

أقول: إنّه لم يكن متوهّماً بل يقول ما يعني ويعني ما يقول، إنّه كان قاصداً لمآرب في نفسه كما ذكرنا ذلك في المقدّمة.

ومع هذا فإنّ الشيخ الاُردوبادي راح ينقل الإطراء علي الحاكم: والحاكم من أذعن الكلّ بثقته وحفظه وضبطه وتقدّمه في العلم والحديث والرجال والمعاجم طافحة بإطرائه والثناء عليه، والكتب مفعمة بالاحتجاج به والركون إليه، وتآليفه شاهدة بِنُبُوغه وتضلّعه، فناهيك به حاكماً بتواتر الحديث، أي حديث ولادة أمير المؤمنين عليه السلام في جوف الكعبة.

ثمّ نقل نصوصاً اُخري توافق ما ذكره الحاكم في مستدركه، ومن هذه النصوص:

نصٌّ لشاه ولي اللَّه أحمد بن عبد الرحيم المحدّث الدهلوي وهو والد عبد العزيز الدهلوي مصنّف (التحفة الاثنا عشرية) في الردّ علي الشيعة: «قد تواترت الأخبار أنّ فاطمة بنت أسد ولدت أمير المؤمنين علياً في جوف الكعبة، فإنّه وُلِدَ في يوم الجمعة الثالث عشر من شهر رجب بعد عام الفيل بثلاثين سنة في الكعبة ولم يولد فيها أحد سواه قبلَه ولا بعدَه».

هذا

النصّ ورد في كتاب (إزالة الخفاء 251: 2، ط. الهند

ويتضمّن أمرين مهمّين:

تواتر الأخبار بالولادة.

نفيه لأيّة ولادة اُخري غير ولادة أمير المؤمنين عليه السلام.

وأمّا الحافظ الكنجي الشافعي (ت 658 ه) فقد حمل إلينا في كتابه (كفاية الطالب) الذي ذكره الچلبي في كشف الظنون ونقل عنه ابن الصباغ المالكي في فصوله المهمّة واحتجّ به ابن حجر قال:

«أخبرنا الحافظ أبو عبد اللَّه محمّد بن محمود النجار بقراءتي عليه ببغداد، قلت له: قرأت علي الصفار بنيسابور: أخبرتني عمّتي عائشة، أخبرنا ابن الشيرازي، أخبرنا الحاكم أبو عبد اللَّه محمّد بن عبد اللَّه الحافظ النيسابوري قال: «ولد أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب بمكّة في بيت اللَّه الحرام، ليلة الجمعة، لثلاث عشرة ليلة خلت من رجب، سنة ثلاثين من عام الفيل، ولم يولد قبلَه ولا بعدَه مولود في بيت اللَّه الحرام سواه، إكراماً له بذلك، وإجلالاً لمحلّه في التعظيم» [499].

وهو أيضاً نصّ من الحاكم لا ريب فيه علي أنّ الولادة تمّت في الكعبة وفيه نفي لأيّة ولادة اُخري مزعومة كولادة حكيم.

لشهاب الدين أبي الثناء السيّد محمود الآلوسي المفسّر ورد في شرحه لعينية العمري حينما قرأ:

أنتَ العليُّ الذي فوقَ العُلا رُفعا

بِبَطْنِ مكّةَ عند البيت إذْ وُضِعا

قال: «وفي كون الأمير- كرّم اللَّه وجهه- وُلِدَ في البيت، أمر مشهور في الدنيا، وذكر في كتب الفريقين السنّة والشيعة … إلي قوله: ولم يشتهر وضع غيره- كرّم اللَّه وجهه- كما اشتهر وضعه، بل لم تتّفق الكلمة عليه.

وما أحري بإمام الأئمّة أن يكون وضعه فيما هو قبلة للمؤمنين، وسبحان من يضع الأشياء في مواضعها وهو أحكم الحاكمين» [500].

أقول: وحينما وصل إلي بيت آخر من قصيدة العمري نفسها:

وأنت أنت الذي حطّت له قَدَمٌ

في موضعٍ يدَهُ الرحمنُ قَد وَضعا

وقيل:

أحبّ عليه الصلاة والسلام- يعني علياً عليه السلام- أن يكافئ الكعبة حيث ولد في بطنها بوضع الصنم عن ظهرها، فإنها كما ورد في بعض الآثار كانت تشتكي إلي اللَّه تعالي عبادة الأصنام حولها وتقول: أي ربّ حتي متي تعبد هذه الأصنام حولي؟ واللَّه تعالي يعدها بتطهيرها من ذلك، وإلي هذا المعني أشار العلّامة السيّد رضا الهندي بقوله:

لما دعاك اللَّهُ قِدماً لأنْ

تولَدَ في البيتِ فلبّيتهُ

شكرتَه بين قريشٍ بأنْ

طهّرتَ من أصنامهم بَيتهُ [501].

وبعد ذلك راح المؤلّف ينقل أقوالاً اُخري لعلماء من الشيعة منهم العلّامة السيّد الحسيني الآملي صاحب كتاب (الكشكول فيما جري علي آل الرسول): «أ نّه وُلِدَ في الكعبة بالحرم الشريف فلم يسبقه أحد، ولا يلحقه أحد بهذه الكرامة … » [502].

ومنهم العلامّة السيّد هاشم البحراني في (غاية المرام) قال: «أنّ الروايات التي فيها أنّ أمير المؤمنين عليه السلام وُلِدَ في الكعبة بلغت حدّ التواتر، وهي معلومة في كتب العامّة والخاصّة» [503].

ومنهم السيّد محمّد الهادي الحسيني في كتابه (أُصول العقائد وجامع الفوائد) حيث قال: «كان مولده عليه السلام في جوف الكعبة علي ما روته الشيعة وأهل السنة» [504].

فهو يريد- والكلام للمؤلّف- أنّ الحديث ممّا تصافقت الأيدي علي نقله، وتطامنت النفوس علي روايته، وأصفقت الجماهير من الفريقين علي إثباته، وذلك الذي نريد إثباته، وبه يثبت التواتر.

خبر الولادة عند من لا يعمل إلّا بالخبر المتواتر

وبعد كلّ ذلك انتقل المؤلف إلي أنّ هناك بعضاً من العلماء لا يأبه في عمله إلّا بالخبر المتواتر في وقت يعمل فيه جمعٌ منهم بالآحاد.

ومن اُولئك: الشيخ الطبرسي صاحب تفسير مجمع البيان (ت 548 ه) حيث قال في كتابه (إعلام الوري):

«لم يولد قط في بيت اللَّه تعالي مولود سواه لا قبلَه ولا بعدَه، وهذه فضيلة خصّه اللَّه تعالي بها إجلالاً لمحلّه

ومنزلته وإعلاءً لقدرته» [505].

ومن اُولئك: الشريف المرتضي (ت 436 ه) وهو يشرح القصيدة المذهبة للسيّد الحميري، قال:

«وروي أ نّها- يعني فاطمة بنت أسد- ولدته في الكعبة، ولا نظير له في هذه الفضيلة» [506].

وهنا يقول المؤلف:

وليس قصده من إيرادها بلفظ «روي» إسنادها إلي رواية مجهولة، وإنّما جري فيها علي ديدنه في هذا الكتاب من سرد الحقائق الراهنة مقطوعة عن الأسانيد لشهرتها وتضافر النقل لها وتداولها في الكتب لفتاً للأنظار إليها وإشادة بذكرها علي نحو الاختصار، وعلي ذمّة الباحث إخراجها من مظانّها، ولذلك تراه يقول بعد الرواية غير متلكي ء ولا متلعثم: «ولا نظير له … » كجازمٍ بحقيقتها، مؤمن بصحّتها وتواترها، وإلّا لَلَفَظَها كما هو دأبه في غير واحد من الأحاديث.

والشريف الرضيّ، (ت 406 ه) في كتابه (خصائص الأئمّة) حيث قال: «ولد عليه السلام بمكة في البيت الحرام لثلاث عشرة ليلة خلت من رجب بعد عام الفيل بثلاثين سنة، واُمّه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف، وهو أوّل هاشميّ في الإسلام وُلِدَ من هاشم مرّتين، ولا نعلم مولوداً في الكعبة غيره» [507].

كما حذا حذوهما شيخ الطائفة الطوسي، (ت 460 ه) في (التهذيب) ثالث الكتب الأربعة المعوّل عليها عند الشيعة حيث قال: «ولد بمكّة في البيت الحرام يوم الجمعة … » [508].

وروي في (مصباح المتهجّد) تأريخ شهر الولادة ومحلّها [509].

ومنهم أيضاً الشيخ المفيد، (ت 413 ه) قال في (الإرشاد): «ولد بمكّة في البيت الحرام يوم الجمعة، ولم يولد قبلَه ولا بعدَه مولود في بيت اللَّه سواه، إكراماً له من اللَّه جلّ اسمه له بذلك، وإجلالاً لمحلّه في التعظيم» [510] كما روي في مزاره وشاركه في هذا كلّ من الشهيد في مزاره وابن طاوس في مصباح الزائر

ما علّمه الإمام الصادق عليه السلام لمحمّد بن مسلم حين زيارته أمير المؤمنين عليه السلام: «السلام عليك يا من وُلِدَ في الكعبة أو السلام علي المولود في الكعبة» [511].

والشيخ المفيد- والقول للمؤلّف- من عرفته الاُمّة بالنقد والتمحيص وأ نّه كيف كان يردّ الأخبار لأدني علّة في أسانيدها أو متونها أو يتردّد في مفادها، يعرف ذلك كلّه من سبر كتبه ورسائله ومسائله، أو هل تراه مع ذلك يعدل عن خطته القويمة فيرمي القول علي عواهنه بذكر الواهيات علي سبيل الجزم بها لا سيّما في كتاب (الإرشاد) الذي قصد فيه إعلاء ذكر آل محمّد صلي الله عليه و آله والتنويه بفضلهم وإمامتهم وتقدّمهم فيها، فهل يذكر فيه إلّا ما هو مسلّم بين الفريقين أو الملأ الشيعي علي الأقلّ؟!

وتبع الشيخ المفيد معاصره النسّابة ابن الصوفي [512].

مع السيّد الحميري:

وقد أوشك هذا الفصل علي نهايته، ارتأي الشيخ أن يقتطع شيئاً ممّا نظمه السيّد الحميري (ت 179 ه) فيما يخصّ ولادة الإمام عليه السلام في الكعبة:

ولدته في حرم الإله وأمنهِ

والبيت حيثُ فناؤه والمسجدُ

بيضاءُ طاهرةُ الثياب كريمةٌ

طابَتْ وطابَ وليدُها والمولدُ

وله أبيات اُخري منها:

طِبت كَهلاً وغُلاماً

ورَضيعاً وجَنينا

وببَطْنِ البيتِ مولُو

داً وفي الرَمْلِ دَفينا [513].

وقد عدّ المؤلّف نظم السيّد الحميري هذا أثبت لمفاده من أسانيد متساندة. والسبب في هذا- كما يقول المؤلّف-: هو أنّ السيّد الحميري الذي كان يسير بشعره الركبان في القرن الثاني، والذي راح ينافح الآخرين من أعداء أهل بيت الوحي عليهم السلام وحتّي تكون حجّته قويّة لابدّ له من أن يحاججهم لا بالواهيات ولا بما لا يعرفه الناس أو لا يعترفون به.

وممّا نظمه كلّ من السرخسي:

ولدتْهُ منجبةٌ وكان وِلادُها

في جوف كعبة أفضل الأكنان

والشفهيني:

أم هل تري في العالمين بأسرهم

بَشَراً سواه ببيتِ مكّة يولَدُ؟

ويختم

هذا الفصل بقول ثقة الإسلام النوري: «إنّ هذه الفضيلة الباهرة جاءت في أخبار غير محصورة، ومنصوص بها في كلمات العلماء وفي ضمن الخطب والأشعار … ».

وهنا يقول المؤلّف: ومهما حملنا قوله إنّها: «جاءت في أخبار غير محصورة» علي المبالغة، فإن أقل مراتبه أن تكون متواترة.

حديث الولادة الشريفة مشهور بين الامّة

تحت هذا العنوان كتب سماحته:

إنّ أيسر ما يسع الباحث إثباته هو شهرةُ هذه النبأ العظيم بنصوص أئمّة الحديث بذلك من ناحية، وبتداول ذكره في الكتب من ناحية اُخري، وبالتسالم علي روايته واطراد أسانيده من جهة ثالثة. ولها شواهد أُخري لعلّك تقف عليها في غضون هذه الرسالة إن شاء اللَّه.

ثمّ راح يذكر أقوال كبار علماء الحديث، نكتفي بأسمائهم وكتبهم وبعض أقوالهم، لننتقل بعد ذلك إلي روايات الولادة المباركة للإمام علي عليه السلام:

العلّامة المجلسي في جلاء العيون: «إنّ ولادته عليه السلام في البيت، يوم الجمعة الثالث عشر من رجب، سنة ثلاثين من عام الفيل، مشهورة بين المحدّثين والمؤرّخين من الخاصة والعامة» [514].

المولي محمود بن محمّد باقر في تحفة السلاطين: «إنّ حديث ولادته عليه السلام في البيت يوم انشقّ جداره لفاطمة بنت أسد فدخلته، مشهور كالشمس في رائعة النهار» [515].

السلطان محمّد بن تاج الدين في تحفة المجالس: «إنّ القريب إلي الصواب أ نّه عليه السلام وُلِدَ في الكعبة» وذكر بعض أخبارها. ثمّ قال: «وفي الأخبار أ نّه لم يكن شرف الولادة في البيت لأي أحد قبلَه ولا بعدَه» [516].

الشيخ العاملي الأصبهاني (ت 1100 ه) في ضياء العالمين: «إنّ الولادة في البيت كانت مشهورة في الصدر الأول، بحيث لم يكن إنكارها مع أ نّهم- يعني أهل الخلاف- أنكروها أيضاً أخيراً» [517].

هذا، وإنّ هذه الشهرة في الأخبار لا يبارحها التواتر في الأسانيد.

وانظر العلّامة الحلّي (ت

726 ه) في كشف الحق وكشف اليقين [518].

والاربلي (ت 692 ه) في كشف الغمّة حيث قال: «ولم يولد في البيت أحد سواه قبلَه ولا بعدَه، وهي فضيلة خصّه اللَّه بها إجلالاً له وإعلاءً لرتبته وإظهاراً لتكرمته» [519].

ومثله الشيخ ابن الفتّال النيسابوري في روضة الواعظين.

والحافظ ابن شهر آشوب المازندراني (ت 588 ه) في مناقبه وبعد أن روي أحاديث الولادة [520].

العلّامة العاملي في الصراط المستقيم ذاكراً اُرجوزة السيّد الحسيني:

ومولدُ الوصيّ أيضاً في الحرم

بكعبة اللَّه العليّ ذي الكرم [521].

العلّامة الطبرسي الآملي في تحفة الأبرار [522].

القاضي السعيد الشهيد سنة (1019 ه) التستري حين طفق ينازل ويناضل القاضي روزبهان من علماء المعقول والمنقول، حنفي الفروع أشعري الاُصول، في إحقاق الحق حيث قال: «إنّ الفضيلة والكرامة في أنّ باب الكعبة كان مقفلاً، ولمّا ظهر آثار وضع الحمل علي فاطمة بنت أسد- رضي اللَّه عنها- عند الطواف خارج الكعبة انفتح لها الباب بإذن اللَّه تعالي، وهتف بها هاتف بالدخول.

كما عقّب التستري علي مسألة ولادة حكيم قائلاً: «وعلي تقدير صحّة تولّد حكيم بن حزام قبل الإسلام في وسط بيت اللَّه الحرام فإنّما كان بحسب الاتفاق كما يتّفق بسقوط الطفل من المرأة، والعجل من البقرة في الطريق وغيره، علي أنّ الكلام في تشرّف الكعبة بولادته فيها، لا في تشرّفه بولادته في الكعبة» [523].

أبو الحسن المالكي في (الفصول المهمة في معرفة أحوال الأئمة) يذهب المذهب نفسه في ولادة حكيم: فبعد أن يذكر ولادة عليّ في جوف الكعبة قال: «وأ مّا حكيم بن حزام فولدته اُمّه في الكعبة اتفاقاً لا قصداً».

وقد أصفق في هذا الكلام معه البحّاثة عبد الرحمن الصفوري الشافعي في نزهة المجالس [524].

بعد هذا فإنّ كتباً كهذه «المتينة المبنية علي الحجاج والنضال لا سيما

كتب العلّامة والقاضي التستري وابن البطريق لم يتوخّ مؤرخوها- والكلام ما زال للشيخ المؤلف- سرد الوقائع التاريخية من أينما حصلت، وإنّما قصدوا فيها إلزام الخصوم بالحجج النيّرة، فهل يمكنهم إذن أن يسترسلوا بإيراد ما توسّع بنقله القالة من دون تثبّت؟

لا، ولكن شريعة الحقّ والدين تلزمهم بإثبات الشائع الذائع المتلقّي عند الفريقين بالقبول المشهور نقله، الثابت إسناده بحيث لا يدع للمتعنت وليجةً إلي إنكاره، وإلّا لعاد ما يذكره ثلماً في بيانه، وفتّاً في عضد برهانه، فمن الواجب إذن أن يكون هذا الجواب ممّا يخضع له الخصم ولا يتقاعس عن الإخبات به الأولياء لمكان شهرة النقل له».

روايات الولادة المباركة

وهنا راح الشيخ المؤلّف يذكر بعض روايات الباب، نذكر بعضها ونكتفي بمصادر الاُخري.

روي الوزير السعيد الإربلي في (كشف الغمّة) عن كتاب (بشارة المصطفي) مرفوعاً إلي يزيد بن قَعنب، قال:

كنتُ جالساً مع العبّاس بن عبد المطلب رضي الله عنه وفريق من بني عبد العزي بإزاء بيت اللَّه الحرام، إذ أقبلت فاطمة بنت أسد اُمّ أمير المؤمنين عليه السلام، وكانت حاملاً به لتسعة أشهر، وقد أخذها الطلقُ فقالت: يا ربّ، إنّي مؤمنةٌ بك وبما جاء من عندك من رسل وكتب، وإنّي مصدّقة بكلام جدّي إبراهيم الخليل، وأ نّه بني البيت العتيق، فبحقّ الذي بني هذا البيت، وبحقّ المولود الذي في بطني إلّا ما يسرت عليَّ ولادتي.

قال يزيد بن قَعْنَب: فرأيتُ البيت قد انشقّ عن ظهره، ودخلت فاطمة فيه وغابت عن أبصارنا، وعادَ إلي حاله، والتزقَ الحائط، فرُمْنا أن ينفتح لنا قفلُ الباب فلم ينفتح، فعلمنا أنّ ذلك من أمر اللَّه عزّ وجل، ثمّ خرجت في اليوم الرابع وعلي يدها أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام [525].

ورواها ابن الفتّال في (روضة

الواعظين) وفي (كشف اليقين) للعلّامة الحلّي، و (كشف الحق) عن (بشارة المصطفي) وفي (الإرشاد) لأبي محمّد الحسن الديلمي عن البشارة أيضاً مثله [526].

وروي مختصراً منه محمّد صالح الترمذي في مناقبه [527] ورواه مع بعض التغيير الشيخ الصدوق (ت 381 ه) في (الأمالي) و (علل الشرائع) و (معاني الأخبار) [528].

ورواه الشيخ الطوسي في (أماليه) عن أبي الحسن محمّد بن أحمد بن الحسن ابن شاذان، عن أحمد بن محمّد بن أيّوب، عن عمر بن الحسن القاضي، عن عبد اللَّه بن محمّد، عن أبي حبيبة، عن سفيان بن عيينة، عن الزُهْري، عن عائشة.

وعن محمّد بن أحمد بن شاذان، عن سهل بن أحمد، عن أحمد بن عمر الربيعي، عن زكريا بن يحيي، عن أبي داود، عن شعبة، عن قتادة، عن أنس ابن مالك، عن العباس بن عبد المطلب.

قال الشيخ: وحدّثني إبراهيم بن عليّ، بإسناده عن أبي عبد اللَّه جعفر بن محمّد عليهماالسلام، عن آبائه عليهم السلام قال:

كان العبّاس بن عبد المطلب ويزيد بن قَعنَب جالسين ما بين فريق بني هاشم إلي فريق عبد العزّي، بإزاء بيت اللَّه الحرام، إذ أتت فاطمة بنت أسد بن هاشم اُمّ أمير المؤمنين عليه السلام، وكانت حاملة بأمير المؤمنين عليه السلام لتسعة أشهر، وكان يوم التمام.

قال: فوقفت بإزاء البيت الحرام وقد أخذها الطلق، فرمت بطرفها نحو السماء.

رأينا البيت قد انفتح من ظهره، ودخلت فاطمة فيه وغابت عن أبصارنا.

وبقيت فاطمة في البيت ثلاثة أيّام.

قال: وأهل مكّة يتحدّثون بذلك في أفواه السكك، وتتحدّث المخدرات في خدورهنّ.

قال: فلمّا كان بعد ثلاثة أيام انفتح البيت من الموضع الذي كانت دخلت فيه، فخرجت فاطمةٌ وعليّ علي يديها.

وفي (المناقب) لابن شهر آشوب روايتان: رواية شعبة، عن قتادة، عن أنس، عن

العباس بن عبد المطلب؛ و رواية الحسن بن محبوب، عن الصادق عليه السلام، والحديث مختصر: أ نّه انفتح البيت من ظهره، ودخلت فاطمة فيه، ثمّ عادت الفتحة والتصقت، وبقيت فيه ثلاثة أيّام.

عن يزيد بن قعنب؛ وجابر الأنصاري: وهو المعروف بحديث الراهب المثرم بن دعيب: فلمّا قربت ولادته أتت فاطمة إلي بيت اللَّه وقالت: ربّ إنّي مؤمنة بك، فانفتح البيت ودخلت فيه فإذا هي بحوّاء، ومريم، وآسية، واُمّ موسي، وغيرهنّ، فصنعن مثل ما صنعن برسول اللَّه صلي الله عليه و آله وقت ولادته.

وحديث الراهب رواه ابن الفتّال في (روضة الواعظين) علي وجه هو أبسط من هاتين الروايتين المفصّلتين [529] كما ذكره غيره [530].

وفي هذه المصادر وفي غيرها روايات مفصّلة أيضاً حول الولادة المباركة [531].

وقد نظم مضامينها صاحب الوسائل الحرّ العاملي (ت 1104 ه) اُرجوزةً نذكر بيتين منها:

مولدُهُ بمكّة قد عُرفا

في داخل الكعبة زيدتْ شرفا

علي رُخامة هناك حمرا

معروفة زادت بذاك قدرا [532].

والمشهور بين الخاصّة والعامة أ نّه وُلِدَ بين العمودين علي البلاطة الحمراء.

وذكر العالم الشكوئي (ت 1330 ه) في كتابه (مصباح الحرمين) في وداع الكعبة اُموراً، منها «الصلاة بين الاسطوانتين علي الرّخامة الحمراء، وهي علي رواية بعض العلماء محل ولادة أمير المؤمنين عليه السلام كما مرّ في فصل المستجار … » [533].

وقال الشيخ أحمد بن الحسن الحرّ في (الدرّ المسلوك في أحوال الأنبياء والأوصياء والملوك) في الفصل الرابع، في ذكر أمير المؤمنين علي عليه السلام: ولادته في الكعبة في البيت علي الحجر.

إذن فحديث ولادته عليه السلام أمر مشهور وروايته متواترة عند الفريقين.

نبا الولادة والمحدّثون

اشاره

حتّي يصل سماحة الشيخ إلي المراد من المحدّثين راح يميّز بين المحدّثين الذين يصفهم بأ نّهم سذّج، لم يجيدوا إلّا نقل الأساطير أو قول بسيط

مثل: «حدّثني فلان» فيحشد أساطير وأقوالاً بعيداً عن التفقّه في مغزي الحديث والتبصّر في مؤداه …

يميّز بين هذا النوع من الذين يطلق عليهم أ نّهم المحدّثون وبين نوع آخر اُولئك هم أئمّة الحديث ومهرة فنّه النياقد، الذين- كما يعبّر الشيخ عنهم- لا يروقهم رمي القول علي عواهنه، فلا يؤمنون بالمنقول إلّا بعد التفرّغ من أمر إسناده والتثبّت فيه والتروّي في متنه، حذار مخالفته لمعقول أو مصادمته لشي ء من الاُصول، وبالتالي فإنّ هذا المحدّث هو الحبر الناقد الضليع في العلم الذي ضرب فراغاً في أوقاته للتبصّر في هذا الفنّ، والإحاطة به من أطرافه. فهو محدّث وهو فقيه وهو مفسّر حين يتحرّي مغازي آي الكتاب الكريم واكتشاف مخبآتها وهو فنيّ إذا عطف النظر علي أيٍّ من العلوم.

وهذا هو المحدّث الذي يقصده سماحته ويريده وذكر لهذا مصاديق كالسيّد المرتضي والسيّد الرضيّ والشيخ الطوسي، وقبلهم الصدوق وبعدهم ابن شهر آشوب وابن الفتّال والعلّامة الحلّي وابن البطريق، ومن أهل السنّة كالحاكم وغيره.

وقفة قصيرة مع ابن أبي الحديد

يقول ابن أبي الحديد في شرح النهج: واختلف في مولد علي عليه السلام أين كان؟ فكثير من الشيعة يزعمون أ نّه وُلِدَ في الكعبة، والمحدّثون لا يعترفون بذلك، ويزعمون أنّ المولود في الكعبة حكيم بن حزام [534].

كيف يصحّ هذا والحاكم النيسابوري من أئمّة الحديث يقول: « … وقد تواترت الأخبار أنّ فاطمة بنت أسد ولدت أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب- كرّم اللَّه وجهه- في جوف الكعبة».

وما قاله المحدّث الدهلوي بتواتره، وقول الآلوسي: «إنّه أمرٌ مشهورٌ في الدنيا» وغيرهم من المحدّثين كما أسلفنا وكما هو آتٍ؟!

اللهمّ إلّا أن يقصد ابن أبي الحديد بالمحدّثين اُولئك الذين وصفهم الشيخ بالسذّج. لا مهرة الحديث وأئمّته.

وهذا العلّامة المحدّث أبو الفتح الكراجكي قال

في (كنز الفوائد) بعد أن ذكر أحاديث في مقدّمة الولادة من خبر الكاهن ورؤيا فاطمة بنت أسد وتعبير الكاهن لها ما لفظه: «وفي الحديث أ نّها- يعني فاطمة بنت أسد- دخلت الكعبة علي ما جرت به عادتها، فصادف دخولها وقت ولادتها فولدت أمير المؤمنين عليه السلام داخلها» [535].

وممّن يذكر خبر الولادة المباركة كلّ من الشيخ أبو الفوارس في كتاب (الأربعين) والرواية التي يذكرها بسندها الطويل المضطرب إلي ميثم التمّار وفيها عدّة مناقب للإمام منها الولادة في الحرم [536].

والفقيه ابن المغازلي المالكي في مناقبه الذي يذكر حديث الولادة مرفوعاً إلي علي بن الحسين عليهماالسلام.

وأبو عبد اللَّه الشافعي الكنجي الحافظ (ت 658 ه) في كفاية الطالب الذي ذكر رواية الولادة لعليّ عليه السلام بسندها عن جابر بن عبد اللَّه [537].

حديث الولادة والنسّابون

انظراً للأهميّة الكبيرة التي يمتاز بها النسّابون في معرفة فنّهم «النسب وأخباره» نري شيخنا قد أفرد لهم باباً خاصّاً في هذه المسألة مبيّناً مدي أهمية خبرتهم ووظيفتهم في هذا الموضوع، متعرّضاً لبعض أقوالهم في خصوص ولادة الإمام علي عليه السلام. فنصوصهم فيها من الحجج القويمة علي إثباتها، ولهم قضاء فصل فيها وحكم عدل.

ومن هؤلاء النسّابة:

العمري في (المجدي): وولدت- يعني فاطمة بنت أسد- عليّاً عليه السلام في الكعبة، وما وُلِدَ قبله أحد فيها [538].

جمال الدين الداودي الحسني (ت 828 ه) في (عمدة الطالب): ذكر أنّ الولادة كانت في الكعبة، ونفي أن يكون أحد وُلِدَ في البيت سواه قبله وبعده، إكراماً له من اللَّه عزّ وجل [539].

العلامة السيّد محمّد الحسيني النجفي في (المشجّر الكشاف لأُصول السادة الأشراف): وُلِدَ علي بمكّة ثمّ قال: «ولم يولد قبلَه ولا بعدَه مولود في بيت اللَّه الحرام سواه».

ومثلهم النسّابة أبو عبد اللَّه الراضي صاحب

(مناهل الضرب في أنساب العرب).

وهناك اُرجوزة للنسّابة أبي صالح النباطيّ النجفي (ت 1183 ه):

مولدُه الجمعةُ يومَ السابعِ

في شهر شَعبان ببيت الصانعِ

حديث الولادة والمؤرّخون

اشاره

إن السابر زُبر التأريخ وحوادثه يجد هذا الحديث- والكلام للشيخ- من أثبت ما تعرّض له مؤلّفوها، وقد أثبتوه مخبتين به، مذعنين بحقيقته، ومنهم من نصّ بصحّته عندهم جميعاً.

وقد اختار الشيخ من هؤلاء المؤرّخين جمعاً وصفهم بالبراعة في فنّهم وقدرتهم علي الوقوف علي المختلف فيه والمتّفق عليه. وإن تعرّضت بحوث هذا الكتاب لمثل أقوال هؤلاء المؤرّخين أو بما يربو عليها أو يقاربها، ومع هذا نقرأ لبعضهم:

المؤرّخ محمّد خاوند شاه في (روضة الصفا)، قال: «كانت ولادته عليه السلام في رواية يوم الجمعة في الثالث عشر من رجب سنة ثلاثين من عام الفيل، وكان ميلاده عليه السلام في جوف الكعبة، فإنّ اُمّه كانت تطوف بالبيت، أو أنّ المشيئة الإلهية أجاءتها إلي فنائه، وكانت في أوّل الطلق، فكانت ولادته فيها، ولم تتح هذه السعادة لأيّ أحد منذ بدء الخليقة إلي الغاية. وإن لصحّة هذا الخبر بين المؤرّخين المتحفّظين علي الفضائل صيتاً لا تشوبه شبهة، وتجاوز عن أن يصحبه الشكّ والترديد» [540].

والرجل مع ذلك- كما يقول الشيخ- يصافق مَن تقدّمه علي أ نّها ممّا اختصّ بها أمير المؤمنين عليه السلام ولا يشاركه فيها أيّ أحد.

ولا ريب في ذلك غير أنّ أعداء آل البيت النبوي افتعلوا حديث حكيم بن حزام فتّاً في عضد هذه الفضيلة، لكن المنقّبين من الفريقين لم يأبهوا به، وبذلك تعرف قيمة ما هملج به القاضي روزبهان من أنّ ذلك مشهور بين الشيعة ولم يصحّحه علماء التاريخ، بل عند أهل التواريخ أنّ حكيم بن حزام ولد في الكعبة ولم يولد فيه غيره … إلي آخره.

وستجد نصوص التاريخ

بذلك، وعرفت ردّ الحاكم النيسابوري علي من حصر ولادة البيت بحكيم، وذكر تواتر النقل بولادة أمير المؤمنين عليه السلام فيه.

ومرّ أيضاً رواية أساطين أهل السنّة، ولذلك ما يتلوه:

المسعودي وهو الحجّة عند الفريقين يقول في (مروج الذهب) عند ذكر خلافة أمير المؤمنين عليه السلام مثبتاً هذه الحقيقة، جازماً بها من غير ترديد، قال: «وكان مولده في الكعبة» [541].

وقد احتجّ بكتابه هذا الموافق والمخالف وهو من المصادر الموثوقة وقد راعي فيه- والقول للمولف- جانب التقيّة بما يسعه، بتأليفه علي نسق كتب أهل السنّة وما يرتضونه من رواياتهم، حتّي حسبه بعض من لم يرَ من كتبه غيره أ نّه منهم.

فهل من السائغ إذن أن يذكر في كتاب هذا شأنه غير الثابت المتسالم عليه عند الاُمّة جمعاء، لا سيّما في مثل المقام الذي يكثر فيه بطبع الحال ورطات القالة؟

وذكر في كتابه الآخر (إثبات الوصية):

«وروي أنّ فاطمة بنت أسد كانت تطوف بالبيت، فجاءها المخاض وهي في الطواف، فلمّا اشتدّ بها دخلت الكعبة، فولدته في جوف البيت، وما وُلِدَ في الكعبة قبلَه ولا بعدَه غيره» [542].

و (إثبات الوصيّة) من أنفس كتب الإمامية، وليس من الجائز أن يحتجّ ويتبجّح فيه بما لا يقرّ به الخصم، ولا تذعن به اُمّته، ثمّ يقول بكلّ صراحة: «وما ولد … » وبمشهد منه ومسمع ما تحذلقوا به من أمر حكيم بن حزام!! غير أنّ المؤرّخ لا يقيم له وزناً.

وذكر حمد اللَّه المستوفي (ت 750 ه) في (تاريخ گزيده): «أنّ مولده عليه السلام كان سنة ثلاثين من عام الفيل، وكان في الكعبة حيث كانت اُمّه في الطواف فبان عليها أثر الطَلق، فأشارت إلي البيت ووضعته في جوفه» [543].

محمّد بن طلحة الشافعي في (مطالب السؤول) وقيل: «ولد في

الكعبة، البيت الحرام» [544].

ولا نكترث بإسناد ولادة البيت إلي القيل، بعد قول الحاكم بتواترها، وقول الآلوسي باشتهارها في الدنيا.

المؤرّخ نشانجيّ في (مرآة الكائنات): «أ نّه عليه السلام وُلِدَ ولرسول اللَّه صلي الله عليه و آله ثلاثون سنة، كانت اُمّه فاطمة زائرة البيت فولدته فيه لحكمة للَّه سبحانه فيه، ولم يرزق هذا غيره وغير حكيم بن حزام». [545] حيث عدّ ولادته عليه السلام من حكم اللَّه سبحانه.

عبد الحميد خان الدهلوي في (سير الخلفاء) نقل عن غير واحد من المؤرّخين، أ نّه «ولد في مكّة المكرّمة، ولم يتولّد أحد قبله في حصار البيت … » [546].

المؤرّخ والمحدّث القمي في (تاريخ قم) سنة (378 ه): «إنّ ولادة أمير المؤمنين عليه السلام في الكعبة … » [547].

وقال السيّد علي جلال الحسيني المؤرّخ المصريّ في كتابه (الحسين عليه السلام): «أ نّه [الإمام عليّ عليه السلام] وُلِدَ بمكّة في البيت الحرام، يوم الجمعة الثالث عشر من رجب، سنة ثلاثين من عام الفيل … » [548].

أحمد الغفاري القزويني من مؤرّخي القرن العاشر ذكر في (تاريخ نگارستان) أ نّه عليه السلام وُلِدَ في جوف الكعبة [549].

المؤرّخ الشروانيّ ذكر أ نّه عليه السلام وُلِدَ في جوف الكعبة وأنّ غيره لم يولد هناك [550].

الكاشفي ذكر حديث بن قعنب في (روضة الشهداء) عن (بشارة المصطفي).

الإمام البناكتي أ نّه «لم يولد أحد قبلَه ولا بعدَه في البيت». [551].

عبد المسيح الأنطاكي صاحب مجلّة (العمران) المصرية، ونحن نقتبس طاقة من خمسة آلاف بيت نظمها في حياة أمير المؤمنين عليه السلام:

في رَحبة الكعبة الزهرا قد انبثقت

أنوارُ طفل وضاءت في مَغانيها

واستبشرَ الناسُ في زاهي ولادته

قالوا: السُّعودُ له لابدَّ لاقيها

قالوا ابنُ مَن؟ فأُجيبوا إنّه ولدٌ

من نسل هاشم من أسمي ذَراريها

هنّوا أبا طالبِ

الجوّاد والدَهُ

والأُمَّ فاطمةٌ هُبُّوا نُهنّيها

إنّ الرضيعَ الذي شام [552] الضياء ببي

-تِ اللَّه عزّتُهُ لا عزَّ يَحكيها

أ مّا الوليدُ فلاقي الأرض مُبتسماً

فما رغا رَهَباً ما كان خاشيها

وعام مولده العام الذي بدأت

بشائرُ الوحي تأتي من أعاليها

فيه الحجارةُ والأشجار قد هتفت

للمُصطفي وهو رائيها وصاغيها

وإذ دري المصطفي فيه ولادةَ مو

لانا العَليّ غدا بالبُشر يُطريها

وباتَ مُستبشراً بالطفلِ قال به

لنا من النِعَمِ الزَهراء ضافيها

ثمّ راح الأنطاكي يقول: «كانت ولادة سيّدنا ومولانا أمير المؤمنين في العام الثلاثين لولادة المصطفي- عليهما وعلي آلهما الصلاة والسلام- علي ما حقّق المحقّقون، فتكون ولادته الشريفة حول سنة ستة مائة وواحد مسيحيّة، ومن بشائر سعده- عليه صلوات اللَّه- أ نّه وُلِدَ في الكعبة كرّمها اللَّه، ولدته اُمّه فيها فاستبشر بذلك أبوه وعمومته.

وعند ولادته الشريفة- والكلام ما زال للناظم الأنطاكي- دعته اُمّه: حيدرة، ومعني هذه الكلمة: الأسد، فكأ نّها أرادت أن تسمّيه باسم أبيها، فلمّا وقعَ نظرُ أبيه أبي طالب عليه توسّم بملامحه العلاء، ودعاه عليّاً. وقد صدّقت الأيّام فراسته، فكان عليه صلوات اللَّه عليّاً في الدنيا والآخرة.

وعام وُلِدَ سيّدنا أمير المؤمنين- عليه صلوات اللَّه- هو العام المبارك الذي بدي ء فيه برسول اللَّه صلي الله عليه و آله فأخذ يسمعُ الهُتاف من الأحجار والأشجار ومن السماء، وكشف عن بصره فشاهد أنواراً وأشخاصاً. وفي هذا العام ابتدأ بالتبتّل والانقطاع والعزلة في جبل حِراء، وكان رسول اللَّه صلي الله عليه و آله يتيمّنُ بذلك العام وبولادة سيّدنا عليّ- عليهما وعلي آلهما الصلاة والسلام- وكان يسمّيه: سنة الخير، وسنة البركة. وقال المصطفي صلي الله عليه و آله لأهله عندما بلغته بشري ولادة المرتضي: «لقد وُلِدَ لنا الليلة مولودٌ، يفتحُ اللَّه علينا به أبواباً كثيرةً من النعمة والرحمة». وكان قوله هذا أوّل

نُبوّته، فإنّ المرتضي- عليه صلوات اللَّه- كان ناصره، والحامي عنه، وكاشف الغمّاء عن وجهه، وبسيفه ثبت الإسلامُ، ورسخت دعائمُه وتمهّدت قواعدُه». [553] وقد ضمّن قصيدته كلّ ذلك وغيره من حياة الإمام عليه السلام.

العلّامة السيّد محمّد الطباطبائي في الرسالة الموضوعة لتأريخ مواليد أئمّة الدين عليهم السلام ووفياتهم: أ نّه عليه السلام «ولد بمكّة في جوف الكعبة، ولم يولد قبلَه ولا بعدَه أحد فيه سواه، إكراماً له من اللَّه جلّ اسمه بذلك … ».

السيّد أبو جعفر الحسيني في شرح قصيدة أبي فراس الحمداني، تعيين يوم ولادته بالجمعة … ومحلّها بالكعبة [554].

قال الكفعمي في (المصباح): « … وُلِدَ عليّ بن أبي طالب عليه السلام في الكعبة … » [555].

شيخ الإسلام الزنوزيّ في (بحر العلوم): «أنّ محلّ ولادته عليه السلام الكعبة».

النخجوانيّ في (تجارب السلف في تواريخ الخلفاء ووزرائهم)، فرغ منه سنة (724 ه): «أنّ علياً عليه السلام وُلِدَ في الكعبة، وسمّاه النبيّ صلي الله عليه و آله علياً، وكنّاه بأبي تراب» [556].

قال الحلبيّ في سيرته (إنسان العيون): «إنّه عليه السلام وُلِدَ في الكعبة … ».

ثمّ قال: «وقيل، الذي وُلِدَ في الكعبة حكيم بن حزام، قال بعضهم: لا مانع من ولادة كليهما في الكعبة، لكن في (النور) حكيم بن حزام ولد في الكعبة، ولا يعرف ذلك لغيره، وأ مّا ما روي أنّ عليّاً عليه السلام ولد فيها، فضعيف عند العلماء» [557].

وأنت تجد من سياق العبارة- وهذا القول للشيخ- أنّ المعتمد عند الرجل هو ولادة الإمام عليه السلام في الكعبة، ولذلك ذكرها أوّلاً مرسلاً إيّاها إرسال المسلّم، ثمّ عزا ولادة حكيم بن حزام فيها إلي القيل إيعازاً إلي وهنه، ولذلك أردفه بجواب البعض عنه، لكنّه وجد لصاحب (النور) كلمة لم يرقه

الإغضاء عنها بما هو مؤرّخ، أخذ علي عاتقه إثبات المقول في كلّ باب، وإذ لم يجد جواباً عنها لغيره لم يشفعها به، واكتفي هو بما ذكرناه من اعتماده علي حديث الولادة عن أن يردّ كلمة الرجل، لأ نّه مؤرّخ لا مُنقّب.

وقفة مع صاحب كتاب النور

ويكفينا تفنيداً لقول صاحب النور نصوص علماء أهل السنّة في ذلك، ورواياتهم، كنصّ الحاكم والمحدّث الدهلويّ بتواتر حديثه، وقول الآلوسيّ: «إنّه أمر مشهور في الدنيا».

ثمّ واصل شيخنا كلامه: وأيّ عالم يردّ المتواتر، أو يعدوه أمر مشهور ثبوته في الدنيا فيضعّفه حتّي يقول الرجل بمل ء فيه: «إنّه ضعيف عند العلماء»؟

وإن تعجب فعجب إثباته ولادة حكيم التي لم يستقم إسنادها، ولا اعترف بها مخالفوه واُمم من موافقيه، وعلي فرض وقوعها فقد ذكرنا في غير مورد من هذه الرسالة وذكر الصفوريّ الشافعيّ: «أ نّها من الصدف التي لا تثبت فضيلة ولا تخرق عادة».

ثمّ تضعيفه ولادة أمير المؤمنين التي أخبت بها أئمّة الحديث، وأثبتها نقلة التاريخ، وطفحت بها كتب الأنساب، ونظمتها الشعراء، وقال بها العلماء، وفيهم من ينفي أن يكون لغيره- صلوات اللَّه عليه- مولد في البيت، وهو ما ورد عن الحاكم: «ولم يولد قبلَه ولا بعدَه مولود في بيت اللَّه الحرام سواه». وما عن البدخشيّ قوله: «ولم يولد في البيت أحد سواه، قبلَه ولا بعدَه، وهي فضيلة خصّه اللَّه بها». وقد مرّ ما عن أبي داود البناكتي. وكلمة ابن الصبّاغ المالكيّ السابقة: «ولم يولد في البيت الحرام قبلَه أحد سواه، وهي فضيلة خصّه اللَّه تعالي بها إجلالاً له، وإعلاءً لمرتبته، وإظهاراً لتكرمته». وقول الدهلوي في (سير الخلفاء): أ نّه «لم يتولّد أحد قبله في حصار البيت». والآلوسيّ في أوليّات هذه الرسالة: «ولم يشتهر وضعُ غيره كرّم اللَّه

وجهه،كما اشتهر وضعه» يوعزإلي وهن حديث حكيم، وانحياز الشهرة عنه. وقول الدهلويّ في (إزالة الخفاء): «ولم يولد فيها أحدٌ سواه قبلَه ولا بعدَه».

هذه كلمات بعض مهرة الفنّ وأئمّة النقل، وهنا يقول الشيخ: فلو كان يُقام لولادة حكيم في البيت وزن عند هؤلاء لما أطلقوا القول بمل ء الأفواه أنّ تلك خاصّة لأمير المؤمنين عليه السلام لا يشاركه فيها أحد، مع وقوفهم علي أمر حكيم، وفيهم من أورد خبر ولادة حكيم في كتابه لكنّه غير آبهٍ به.

وقفة مع الدياربكري

ويقرب من هذه الهملجة ما جاء به الديار بكري في (تاريخ الخميس) قال: «ولد بمكّة بعد عام الفيل بسبع سنين، ويقال: كانت ولادته في داخل الكعبة ولم يثبت» [558] ولم يترك الشيخ المؤلّف هذا العزم دون جواب فيقول:

وليت شعري بماذا تثبت الحقائق التاريخية؟ أبالوحي، أم بأخبار الأنبياء، وهتاف الكتب السماوية، أم أنّ المرجع فيها الرجل والرجلان من النَقَلَة والرواة؟ وهل التزم الدياربكري في كتابه بأكثر من هذا؟ فما بال هذه الحقيقة التي هَتفت بها المئات والاُلوف، وأثبتتها طبقات الناس جيلاً بعد جيل لم تثبت عنده، وثبتت لديه هَفوات التاريخ، التي لو أحصيتها لخرجت عن وضع الرسالة؟

ثمّ ما بال الدياربكري يعتمد علي (شواهد النبوّة) كلّما نقل عنه، ولا يرتضيه في خصوص المقام؟

ثمّ ما باله يغضّ الطرف عن غلطه الشائن من أنّ ولادته عليه السلام كانت بعد عام الفيل بسبع سنين، لكنّه يردّ حديث ولادة البيت بعدم الثبوت؟

أنا أدري لماذا، وأنت تدري، وقبلنا الديار بكري يدري.

حديث الولادة والشعراء

وللشعر والشعراء قصب السبق في إثبات هذه الفضيلة للإمام عليه السلام وقد بلغت من الشهرة حتي لم تدع مجالاً لإنكارها أو التشكيك فيها.

وهنا يبدأ المؤلّف هذا الفصل وقبل أن يذكر القصيدة وقائلها، بمقدّمة جميلة جدّاً لا يسعنا تجاوزها أو اختصارها فهو يقول:

عرفت أن الحديث بلغ من الشهرة والثبوت بحيث لا يسع أيّ مُعنت إنكاره؛ ولذلك احتجّ به فريق كبير من المحقّقين في كتب الإمامة، وأرسله إرسال المسلّمات جموع من نياقد فنّ الحديث في باب الفضائل، وتبجّح به زُرافات من حملة العلم ونقّاده في مؤلّفاتهم، وهنالك لفيف لا يستهان بعدّتهم، ولا يغمز في شي ء من تثبّتهم وضبطهم من صيارفة القول، وصاغة القريض، وزبناء الشعر، بين عالم ضليع، وأديب بارع، وشاعر مبدع، تصدّوا

لإثبات هذه الفضيلة في ما أفرغوه في بوتقة النظم، أو حاكوه علي نول الحقيقة، فسار ذكرها مع الركبان وانتشر نشرها مع مهبّ الريح، كما مرّ عن الحميري والسرخسي والشفهيني والحرّ العاملي والافتوني وغيرهم.

ثمّ أخذ يذكر آخرين إتماماً لما ذكره سابقاً.

حديث الولادة مجمع عليه

بهذا العنوان صدّر الباحث الفصل الأخير من كتابه القيم هذا، بعد أن أثبت في فصوله السابقة حديث الولادة عند الفريقين وأنه حديث مشهور عندهم حيث أعاد قول الآلوسي «إنّه أمر مشهور في الدنيا»، وأنّه «من المناقب المتسالم عليها التي لا يفتقر ناقلها إلي كتاب» كما ذكر ذلك السيّد حيدر الآملي، وأنّ روايته مسندة عند الفريقين مصفقين علي نقله وهو ما عرفناه عن ابن اللوحيّ. وأنّ العلّامة النوري ترقّي أكثر مصرّحاً بأنّ تلك الفضيلة لا يبعد كونها من ضروريّات مذهب الإماميّة، وأنها جاءت في أخبار غير محصورة وفي كلمات العلماء وفي الخطب والأشعار في جميع الأعصار، وهو إجماع الشيعة عليه كما نقل ذلك صاحب «مدينة المعاجز» عمّا ذكره ابن شهر آشوب في مناقبه، وفي مناقب المعصومين أنه إجماع أهل البيت عليهم السلام.

ثمّ ذكر أقوال بعض علماء الشيعة حيث أرسلوا ولادته عليه السلام في الكعبة إرسال المسلّمات نافين عنه أيّة شبهة وارتجاف، ومنهم العلّامة قطب الدين اللاهجي في كتابه (محبوب القلوب) فبعد أن نصّ علي أنّ ولادته عليه السلام تمّت داخل الكعبة يوم الجمعة في الثالث عشر من رجب قبل الهجرة بثلاثة وعشرين عاماً. قال: «ولم يولد في البيت الحرام قبله أحد سواه» مبيّناً أ نّها «فضيلة خصّة اللَّه تعالي بها إجلالاً له وإعلاءً لمرتبته وإظهاراً لكرامته».

ويقرب من هذا أقوال كلّ من السيّد عباس الموسوي المكّي في رحلته (نزهة الجليس ومنية الأديب الأنيس) والسيّد نعمة اللَّه الموسوي الجزائري

(ت 1112 ه) في (الأنوار النعمانيّة) ونظام الدين الساوجي في تكملة الجامع العبّاسي لبهاء الدين العاملي ناصّاً أنّ «ولادته في جوف الكعبة».

وفي مزار «أبواب الجنان وبشائر الرضوان» أرسله إرسال المسلم الشيخ خضر العفكاوي النجفي (ت 1255 ه).

ومن ذلك ما ذهب إليه العلّامة الشريف الشيرواني في كتابه «الشهاب الثاقب» قائلاً: «إنّه وُلِدَ في مكّة ببيت اللَّه الحرام» معقباً ذلك بقوله: «ولم يولد فيه قطّ سواه لا قبلَه ولا بعدَه» مخالفاً بذلك غيره من أنّ ولادته يوم 13 رجب ناسباً ولادته يوم الجمعة إلي القيل.

وفي «تقويم المحسنين» أثبت الفيض الكاشاني (ت 1091 ه) في حوادث رجب: وُلِدَ علي بن أبي طالب عليه السلام في الكعبة قبل النبوّة باثنتي عشرة سنة وللنبيّ صلي الله عليه و آله يومئذ ثمان وعشرون سنة. وقد ماثله في ذلك الشيخ أبو محمّد الديلمي في (إرشاده) ذاكراً أ نّها من فضائله عليه السلام الجمّة المخصوصة به.

وقد ماثلهم في ذلك أيضاً صاحب (منهاج البراعة) في شرح نهج البلاغة السيّد حبيب اللَّه الموسوي الخوئي بقوله: «وقد خصّه اللَّه بهذه الفضيلة علي سائر الأنام، ولم يولد في البيت أحد قبلَه ولا بعدَه … ».

ونهج منهجهم أيضاً العلّامة السيّد حيدر الكاظمي (ت 1265 ه) في كتابه (عمدة الزائر)، ناقلاً رواية ذكرها الشيخ في الصحيح عن الإمام الصادق عليه السلام: كانت ولادته يوم الأحد لسبع خلون من شعبان، وكان بين مولده ومولد رسول اللَّه صلي الله عليه و آله ثلاثون سنة، ولم يولد قبلَه ولا بعدَه في بيت اللَّه الحرام سواه إكراماً له وتعظيماً له من اللَّه تعالي بذلك وإجلالاً لمحلّه.

ويقول السيّد مهدي القزويني (ت 1300 ه) في (فلك النجاة): «ولد يوم الجمعة ثالث عشر رجب، وروي سابع

شعبان، والأوّل أشهر بعد مولد رسول اللَّه صلي الله عليه و آله بثلاثين سنة، في الكعبة البيت الحرام … ».

وأمّا السيّد محسن الأعرجي فقد نسب ولادته في شعبان إلي القيل ذاكراً حديث يزيد بن قعنَب الذي ذكره الصدوق.

وهنا يقول شيخنا عن السيّد الأعرجي: «وهذا العالم البحاثة النيقد وجد خلافاً في شهر الولادة فأوعز إليه، لكنّه لم يجد في حديث البيت أي ترديد، فلم ينبس عنه ببنت شفّة، ولو كان مثله يجد شيئاً لما آثر تركه؛ وهو ذلك الصريح الشديد في البحث».

وهكذا كلّ من الشيخين عبد النبيّ الجزائري في (حاوي الأقوال) والشيخ أبو علي الرجالي في (منتهي المقال) وهما من أعلام الدين وقد أخبتا بها ولصحتها.

وفي الحدائق الندية في شرح الفوائد الصمدية للسيد علي خان المدني الشيرازي (ت 1210 ه)، قد أذعن بحقيقة وحقيّة ما نقله عن (الفصول المهمة) لنور الدين علي الصبّاغ المكّي المالكي (ت 855 ه)، «ولد عليّ عليه السلام بمكة المشرّفة بداخل البيت الحرام، ولم يولد في البيت الحرام قبله أحد سواه وهي فضيلة خصّه اللَّه تعالي بها إجلالاً له وإعلاءً لمرتبته وإظهاراً لتكرمته».

وفي عقائد الشيعة لعلي أصغر البروجردي الذي ذكر فيه بأنّ مولده عليه السلام في وسط البيت ضحي الجمعة بعد ثلاثين عاماً من ولادة النبيّ الأعظم.

بعد هذا كلّه يعلن المؤلّف عن اكتفائه بهذه النماذج قائلاً: ولعلّها جمعاء كقطر من بحر بالنسبة إلي ما يجده السابر لكتب علمائنا.

علماء أهل السنّة

اشاره

ثمّ راح يعلن إصفاق علماء أهل السنّة ومحدّثيهم وعرفائهم معنا في إثبات هذه المأثرة الفاضلة، وعدّ هذا من أجلي الحقائق وأثبتها.

فكلام الحاكم في مستدركه وحكمه بتواتر النقل به، وما نقله الحافظ الكنجي الشافعي عنه ذلك وما حكم بتواتره المحدّث الدهلوي وقد وافقهم الآلوسي بما

نصّه ب «أنّ ذلك مشهور في الدنيا» ومثله ما ورد عن الصفوري الشافعي وفي «تاريخ گزيده» لحمد اللَّه المستوفي، و (مطالب السؤول) لابن طلحة الشافعي و (مرآة الكائنات) لنشانجي زاده و (سير الخلفاء) للدهلوي المعاصر وكتاب (الحسين) للسيد علي جلال الحسيني، وعبد الباقي أفندي العمري والمولي الرومي، ومعين الدين الجشتي وعبد الرحمن الجامي في شعرهم والأمير محمّد صالح الترمذي في مناقبه.

ثمّ بعد كلّ هذا أخذ شيخنا أيضاً ينقل بعض أسماء العامّة ممّن لم يمتاروا في صحّة خبر الولادة بل فسّروه خاضعين لأمره كما يصفهم بذلك شيخنا، فنور الدين الصبّاغ المكي المالكي (ت 855 ه) في (الفصول المهمّة) قال صريحاً: «ولد علي عليه السلام بمكّة المشرّفة بداخل البيت الحرام، يوم الجمعة الثالث عشر من شهر اللَّه الأصمّ رجب الفرد، سنة ثلاثين من عام الفيل قبل الهجرة بثلاث وعشرين سنة، ولم يولد في البيت الحرام قبله أحد سواه، وهي فضيلة خصّه اللَّه تعالي بها إجلالاً له وإعلاءً لمرتبته وإظهاراً لتكرمته» [559].

وقد نقل هذه العبارة كلّ من الصفوري الشافعي في (نزهة المجالس) [560] والسيّد علي خان المدني في (الحدائق الندية) [561] والشبلنجي الشافعي في (نور الأبصار) والسمهودي في (جواهر العقدين) وبرهان الدين الحلبي في (إنسان العيون)، وما ذكره السبط ابن الجوزي في (تذكرة خواصّ الاُمّة) هو: «روي أنّ فاطمة بنت أسد كانت تطوف بالبيت وهي حامل بعليّ عليه السلام فضربها الطلق، ففتح لها باب الكعبة، فدخلت فوضعته فيها، وكذا حكيم بن حزام ولدته اُمّه فيها».

وهنا راح يفرّق بين الولادة المزعومة لحكيم بن حزام داخل الكعبة وبين ولادة عليّ عليه السلام داخل الكعبة فيقول:

إن ولادة حكيم فيها، علي تقدير صحّتها- والكلام للمؤلّف- من جملة الصدف والاتّفاقات غير القصديّة، فليس

فيها فضل ما غير تلويث البيت بالمخاض، ويجب تطهيره. وأين هذه من ولادة أمير المؤمنين عليه السلام الذي فُتح لاُمّه الباب، كما في عبارة السبط نفسه (ففتح لها باب الكعبة فدخلت فيها)، ولم يُفتح لغيرها بالرغم من جهدهم في ذلك كما سبق في أحاديث كثيرة، أو انشقّ لها جدار البيت فدخلته كما في أحاديث الشيعة، ولا يعدو ذلك أن يكون الأمر إلهيّاً قصد به التنويه بشرف المولود المبارك الذي شرَّف البيت بولادته فيه!

وهناك حديث طويل أخرجه أبو نعيم الحافظ يبدو أ نّه في فضل فاطمة بنت أسد أو في فضل ولادة علي داخل الكعبة إلّا أ نّهم قالوا: «في إسناده رَوح بن صلاح ضعّفه ابن عديّ فلذلك لم نذكره».

وروح هذا في الوقت الذي ضعّفه ابن عدي فإنّ ابن حبّان ذكره في الثقات كما أنّ الحاكم قال عنه: ثقة مأمون [562].

كما أنّ نقل ابن الجوزي حديث الولادة المباركة لعليّ عليه السلام داخل الكعبة بصيغة المجهول «روي» لم يكن به- والكلام للشيخ- أيّ إيعاز إلي الوهن فيه بعدما عرفنا أنّ المعهود من ابن الجوزي في غير مورد من هذا الكتاب من إرداف الحديث بنقده أو تعميمه أو حذفه رأساً لضعفه، وإنّما جاء به كذلك لتكثر طرقه الموجب للإطناب إذا تصدّي لسردها، ولشهرته المغني عن ذكر الأسانيد، وإنّما الغرض الإشارة إلي إحدي المسلّمات بأوجز بيان.

ومثل السبط ابن الجوزي مثل السيّد ابن طاوس (ت 664 ه) في كتابه «الإقبال» حيث كان يذكر رواية ولادة الإمام عليه السلام في الكعبة بصيغة المبني للمجهول فكان يقول: روي أن يوم ثالث عشر رجب كان مولد مولانا علي بن أبي طالب عليه السلام في الكعبة قبل النبوّة باثنتي عشرة سنة [563].

والمتحصل من ذلك

كلّه أنّ الولادة محل إجماعهم وتأريخها محل خلافهم.

وقفة المؤلف مع الكازروني

قال أحمد بن منصور الكازروني في (مفتاح الفتوح): ولدت فاطمة عليّاً عليه السلام في الكعبة، ونقل عنها أ نّها كانت إذا أرادت أن تسجد لصنم وعليّ في بطنها لم يمكّنها؛ ولذا يقال عند ذكر اسمه: «كرّم اللَّه وجهه، أي كرّم اللَّه وجهه عن أن يسجد لصنم».

وهنا يقول الشيخ: أنا لا أُحاول تصديق الرجل في كل ما يقول غير ما أتيت به من كلامه شاهداً لموضوع الرسالة، فإنّي لا اُصافقه علي أنّ فاطمة كانت تسجد للصنم، وإن كان ابنها أكبر وازع عن عبادة الأوثان، ولو كنت اُجوّز لها تلكم الاُسطورة، لما عداني اليقين بما ذكره من أمر جنينها. لكنّي اعتقد أنّ كون الإمام سلام اللَّه عليه في بطنها حملاً، وتقدير كونها حاملاً له عليه السلام من اللَّه سبحانه منذ الأزل، كان عاصماً لها عن عبادة الأصنام كبرهان الربّ (العصمة) المانع يوسف عن الزنا، وهذا هو الذي نعتقده في آباء النبيّ والأئمة عليهم وعليه السلام واُمهاتهم، فهم مبرّؤون عمّا يصمهم في دين أو دنيا.

ثمّ قال: إنّا لا نقيم لهاتيك الرواية الساقطة وزناً، وإن وافق راويها في إخراجها ابن حجر في (الصواعق) ولقد أُسرَّ ناقلها حَسواً في ارتغاء يزيد وقيعة في اُمّ الإمام كما تحامل علي أبيه المقدّس فحكم بكفره لأمر دبِّر بليل، فصبّها في قالب الفضيلة له وتلقّاها الغير في غير ما رويّة، انتهي.

أما عبد الرحمن الجامي في (شواهد النبوّة) [564] فقد أسند حديث ولادة الإمام علي عليه السلام إلي بعضهم. وإن خلط الحابل بالنابل- كما يقول عنه المؤلف- وجاء بعثرات لا تقال حول تاريخ الولادة مخالفة للضرورة والإجماع، إلّا أنّ المهمّ في كلامه هو إسناد حديث الولادة.

وما قاله

الشيخ عبد الحق بن سيف الدين المحدّث الدهلوي في (مدارج النبوّة)، وقالوا: «إنّ ولادته كانت في جوف الكعبة» [565].

وأمّا حديث الولادة الذي رواه يزيد بن قعنب فقد ذكره الأمير محمّد صالح الكشفي الترمذي الأكبر آبادي في كتابه (المناقب) بأسانيد متكرّرة، وقد أرسله إرسال المسلّم في كتابه المذكور، ونقل أيضاً في كتابه هذا قول أبي داود البناكتي: «لم يحظ أحد قبل الإمام عليه السلام ولا بعده بشرف الولادة في البيت» [566].

وصدر الدين أحمد البردواني وهو من متأخّري علماء السنّة في (روائح المصطفي) قال: «كانت ولادته عليه السلام في جوف الكعبة … » [567].

وشاه محمّد حسن الجشني في كتاب (آئينه تصوّف) قال: إنّه عليه السلام وُلِدَ في الكعبة.

وميرزا محمّد بن رستم البدخشي قال في (مفتاح النجا في مناقب آل العبا): … ولم يولد في البيت الحرام أحد سواه، قبلَه ولا بعدَه، وهي فضيلة خصّه اللَّه بها.

وأمّا العلّامة الشيخ الشنقيطي المدرّس بالأزهر في (كفاية الطالب لمناقب عليّ بن أبي طالب) وهو شديد التحرّز من أحاديث الروافض المكذوبة كما يزعم؛ لأن الإمام عليه السلام في غني عنها كما يري الشنقيطي لكثرة ما ثبت في السنة من أحاديث فضائله، أرسله إرسال المسلّم أن من مناقبه- كرّم اللَّه وجهه- أ نّه ولد في داخل الكعبة، ولم يعرف ذلك لأحد غيره إلّا حكيم بن حزام رضي الله عنه.

وقد أوضحنا القول في هذه الولادة الأخيرة المزعومة في المقدّمة وفي متون هذا الكتاب فلا نعيد.

وقفة أخيرة

ويفرد المؤلّف ختام فصله الأخير من كتابه القيّم، بمناقشة مختصرة لما قاله الشيخ علي القاري في (شرح الشفا) بعد أن قال في حكيم بن حزام: «ولا يعرف أحد وُلِدَ في الكعبة غيره علي الأشهر» ما نصّه: «وفي (مستدرك الحاكم)

أنّ علي بن أبي طالب- كرّم اللَّه وجهه- أيضاً وُلِدَ في داخل الكعبة» [568].

فيقول الشيخ المؤلف بعد ذكره لما قاله القاري:

ليت القاري لم يسحب ذيل أمانته علي كلمة الحاكم الموجودة في (المستدرك) وليته ذكر قوله: تواترت الأخبار أنّ فاطمة بنت أسد ولدت أمير المؤمنين في جوف الكعبة.

ثمّ واصل الشيخ ردّه بقوله: ليت! وهل ينفع شيئاً ليتُ؟ عذرته، فهو حين رمي القول علي عواهنه في ولادة حكيم بن حزام بإسناده إلي الأشهر المستخرج من علبة مخيلته لم يكن يسعه المصارحة بأنّ خلافه ممّا تواترت به الأخبار، فلا أقلّ من التكافؤ بأن يكون كلّ منهما مشهوراً. فكان الأحفظ لسمعته والأستر لِمَيْنِهِ: أن يمسخ كلمة الإمام الحاكم إلي رأيت، وكان من المحتمل القريب أن لا يناقشه أحد الحساب، لكن الحقيقة لابدّ وأن تبرز نفسها.

روايات مختصرة في مولد أميرالمؤمنين في الكعبة

المتن المختصر رواية صاحب ألقاب الرسول وعترته

عن الصادق عليه السلام إنّ فاطمة ابنة أسد قالت: لمّا حملت بعليّ رآني رسول اللَّه صلي الله عليه و آله بعد أربعة أشهر، فقال: إنّ معكِ حملاً يا اُمّاه؟ قلت: نعم، قال: إنْ ولدتيه ذكراً فهبيهِ لي أشدُد به أزري، وأشركه في أمري.

فسمعه أبو طالب، فقال: عزيزي أنا غلامك، وفاطمة جاريتك، إنْ ولدت ذكراً أو اُنثي فهو لك.

فلمّا تمّت شهوري طفت بالبيت ثلاثاً، فضربني الطلق فاستقبلني محمّد وقال: مالي أري وجهك متغيّراً؟ قلت: ضربني الطلق.

قال: فرغت من الطواف؟ قلت: لا. قال: طوفي فإن أتي عليك أمر لاتطيقينه فادخلي الكعبة، فهي ستر اللَّه.

فلمّا كنت في السابعة، وعلاني ما لا اُطيقه دخلت الكعبة، فلمّا توسّطتها بإزاء الرُخامة الحمراء ولدت عليّاً ساجداً للَّه، فسمعته يقول: سبحانك سبحانك، ورأيتُ نوراً من عليّ قد ارتفع إلي السماء، وبقيت ثلاثة أيّام في بيت اللَّه، آكل من ثمار الجنّة، وسمعت هاتفاً يقول:

يا فاطمة سمّيه عليّاً، فهو عليّ وأنا العليّ الأعلي، وهو الإمام بعد حبيبي محمّد رسول اللَّه، وهو وليّي اشتققت اسمه من اسمي.

قالت: فلمّا رآه النبيّ صلي الله عليه و آله قال: الحمد للَّه الذي أتمّ لي الوعد، وأنجز لي الموعود، وقال: سمّيه عليّاً، فوضع النبيّ لسانه في فيه، فلم يزل يمصّه، ونادي أبو طالب:

يا ربّ يا ذا الغسق الدجيِّ

والقمرِ المنبلجِ المُضيِّ

بيّن لنا من حكمك المقضيِّ

ماذاتري لي في اسم ذا الصبيِّ [569].

فلمّا أصبح إذا هو بلوح أخضر فيه مكتوب:

خُصصتما بالولد الزكيِّ

والطاهر المنتجَب الرَضيِّ

فإسمُه من شامخٍ عليِّ

عليٌّ اشتقَّ من العليِّ [570].

فعلّق أبو طالب اللوحَ علي الكعبة، فلم يزل معلّقاً عليها إلي أيّام هشام بن عبدالملك [571].

المتن المختصر رواية محمّد بن همام الإسكافي مرفوعا

إنّه لمّا وُلِدَ عليٌّ عليه السلام أخذ أبو طالب بيد فاطمة وعليٌّ علي صدره، وخرج إلي الأبطح ونادي:

يا ربّ يا ذا الغسق الدجيِّ

والقمرِ المنبلجِ المُضيِّ

بيّن لنا من حكمك المقضيِّ

ماذا تري لي في اسم ذا الصبيِّ؟

قال: فجاء شي ء يدبّ علي الأرض كالسحاب حتي حصل في صدر أبي طالب، فضمّه مع عليّ إلي صدره.

فلمّا أصبح إذا هو بلوح أخضر فيه مكتوب:

خُصصتما بالولد الزكيِّ

والطاهر المنتجَب الرَضيِّ

فإسمُه من شامخٍ عليِّ

عليٌّ اشتقَّ من العليِّ

قال: فعلّقوا اللوح في الكعبة، وما زال هناك حتّي أخذه هشام بن عبدالملك.

فأجمع أهل البيت أنّه في الزاوية اليمني من ناحية البيت [572].

مختصر متن رواية القاضي أبي عمرو ابن السمّاك

إنّ فاطمة بنت أسد رأت النبيّ صلي الله عليه و آله يأكل تمراً له رائحة تزداد علي كلّ الأطائب من المسك والعنبر، من نخلة لا شماريخ لها، فقالت: ناولني أنلْ منها، قال صلي الله عليه و آله: لا تصلح إلّا أن تشهدي معي «أن لا إله إلّا اللَّه، وأنّي محمّد رسول اللَّه» فشهدت الشهادتين، فناولها، فأكلتْ، فازدادتْ رغبتها، وطلبتْ اُخري لأبي طالب، فعاهدها أن لا تعطيه إلّا بعد الشهادتين، فلمّا جنّ عليها الليل اشتمّ أبو طالب نَسَماً ما اشتمّ مثله قطّ، فأظهرتْ ما معها، فالتمسه منها، فأبتْ عليه إلّا أن يشهد الشهادتين، فلم يملك نفسه أن شهد الشهادتين، غير أنّه سألها أن تكتم عليه لئلّا تعيّره قريش، فعاهدته علي ذلك، فأعطته ما معها وآوي إلي زوجته، فعلقتْ بعليٍّ في تلك الليلة، ولمّا حملت بعليٍّ ازداد حسنها، فكان يتكلّم في بطنها، فكانت في الكعبة، فتكلّم عليٌّ مع جعفر، فغشي عليه، فأُلقيت الأصنام خرّت علي وجوهها، فمسحت علي بطنها وقالت: يا قرّة العين سجدتْك الأصنامُ داخلاً فكيف شأنك خارجاً؟.

وذكرت لأبي طالب ذلك، فقال: هو الذي قال

لي أسدٌ في طريق الطائف [573].

الرواية عن عتّاب بن أسيد الأموي من أصحاب النبي

المتوفّي سنة (22 ه) أو (23 ه)

قال العلّامة المجلسي نقلاً عن «مصباح المتهجّد» للشيخ الطوسي: أنّه روي عن عتاب بن أُسيد أنّه قال:

ولد أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب بمكّة في بيت اللَّه الحرام، يوم الجمعة لثلاث عشرة ليلة خلت من رجب، وللنبيّ صلي الله عليه و آله ثمان وعشرون سنة، قبل النبوّة باثنتي عشرة سنة [574].

هذا الكلام نقل في النسخة المطبوعة من «مصباح المتهجّد» بلا نسبة إلي عتاب بن اُسيد أو شخص آخر [575] ولعلّ المجلسي عثر عليه في نسخة أخري.

الرواية عن الإمام زين العابدين عليّ بن الحسين

المتوفّي سنة (95 ه)

قال الشيخ الفتّال النيسابوري: روي محمّدبن الفضيل الدَوْرَقي، عن أبي حمزةالثمالي، قال سمعتُ عليّ بن الحسين عليهماالسلام يقول: إنّ فاطمة بنت أسد ضربهاالطلقُ وهي في الطواف، فدخلت الكعبة، فولدت أميرالمؤمنين عليه السلام فيها.

وظاهر عبارة الفتّال أنّ في طريق هذه الرواية «عمر بن عثمان» [576].

الرواية عن موسي بن يسار، عمّ ابن إسحاق صاحب السيرة

(المتوفّي تخميناً في أوائل القرن الثاني)

قال الشيخ الفتّال النيسابوري في «روضة الواعظين» قال عمر بن عثمان، عن سلمة بن الفضل، قال حدّثنا محمّد بن إسحاق، عن عمّه موسي بن يسار [577] أن عليّ بن أبي طالب عليه السلام وُلِدَ في الكعبة [578].

فقلت: إلهي وسيدي فبماذا نالوا هذه الدرجة؟

قال: بكتمانهم الإيمان، وإظهارهم الكفر، وصبرهم علي ذلك حتّي ماتوا عليه، سلام اللَّه عليهم أجمعين.

وابن شهر آشوب في المناقب: إنّه رقد أبو طالب في الحِجْر، فرأي في منامه كأنّ باباً انفتح عليه من السماء، فنزل منه نور، فشمله، فانتبه لذلك، فأتي راهب الجحفة، فقصَّ عليه، فأنشأ الراهب يقول:

أبشرْ أبا طالب عن قليلِ

بالولد الحلاحلِ النبيلِ

يآل قريشٍ فاسمعوا تأويلي

هذان نوران علي سبيلِ

كمثل موسي وأخيه السؤل

فرجع أبو طالب إلي الكعبة، وطاف حولها، وأنشد:

أطوفُ للإله حول البيتِ

أدعوك بالرغبة محيي الميتِ

بأن تريني السبط قبل الموتِ

أغرّ نوراً يا عظيم الصوتِ

منصلتاً بقتل أهل الجبتِ

وكلّ مَن دان بيوم السبتِ

ثمّ عاد إلي الحجر، فرقد فيه، فرأي في منامه كأ نّه اُلبس إكليلاً من ياقوتٍ، وسِربالاً من عبقر،وكأنّ قائلاً يقول: ياأباطالب، قرّت عيناك، وظفرت يداك، وحسنت رؤياك، فاُتي لك بالولد، ومالك البلد، وعظيم التلد، علي رغم الحسد.

فانتبه فرحاً، فطاف حول الكعبة قائلاً:

أدعوك ربّ البيت والطوافِ

والولد المحبُوّ بالعفافِ

تعينني بالمنن اللطافِ

دعاء عبدٍ بالذنوب وافِ

وسيّد السادات والأشرافِ

ثمّ عاد إلي الحِجر، فرأي في منامه عبد مناف يقول: ما يثنيك عن ابنة اسد، في كلام له.

فلما انتبه تزوّج بها، وطاف بالكعبة قائلاً:

قد

صدقت رؤياك بالتعبيرِ

ولست بالمرتاب في الاُمورِ

أدعوك ربِّ البيت والنذورِ

دعاء عبدٍ مخلصٍ فقيرِ

فأعطني يا خالقي سروري

بالولد الحلاحل المذكورِ

يكون للمبعوثِ كالوزيرِ

يا لهما يا لهما من نورِ

قد طلعا من هاشم البدورِ

في فلكٍ عالٍ علي البحورِ

فيطحن الأرض علي الكرورِ

طحن الرحي للحَبّ بالتدويرِ

إنّ قريشاً بات بالتكبيرِ

منهوكة بالغيّ والثبورِ

ومالها من موئل مُجيرِ

من سيفه المنتقم المُبيرِ

وصفوة الناموس في السفيرِ

حسامه الخاطف للكَفورِ [579].

مولود جناب عليّ

توحيد باري تعالي جلّ شأنه

وجودك اولمسه يا رب موجود

وجوده كلمز ايدي بونجه مشهود

سنك وارليغنه اشيا مظاهر

بواشيا وارليغني ايتدي ظاهر

كتوردك ادمي يوقدن وجوده

سزاوار ايلدك رسم سجوده

بو صورتله ايدوب حقنده تكريم

قلندي درس اسما صكره تعليم

ويروب هر فردينه بر قابليت

كيمي نور مجسم كيمي ظلمت

دوشوردك فرقه يه بونجه عبادي

ينه سن سك عمومك هپ مرادي

تجلي صورتيدر اختلافات

كوريله كندي فعليله مجازات

ازلدن ايلمش سك بويله فرمان

بونك غيري ظهوره وارمي امكان

يرادان كائناتي سنسك الحق

كه ذاتكدر همان فعّال مطلق

مناجات بدركاه قاضي الحاجات

بر شبانكه كه ايروب لطف خداوند عليم

اولدي بيدار او دم ناطقه طبع اليم

اولدي جسمم نه عجب طور تجلاي صفا

باشلدي عرض مناجاته كوكل مثل كليم

ديدي اي خالق بيچون عظيم الشانم

نه وجود ايله ايده م شانكه لايق تعظيم

ذره در ذاتكه نسبتله بتون عالملر

داخلم بنده ولي ذره اولورمي تقسيم

بي وجودم اوقدر كنديمي كندم كوره مم

ويره مز ظله وجود دركي قدر عقل سليم

وارلغم بللو ايدن معصيتمدر انجق

كورينان جسم خجالتده همان بويله جسيم

كيمه بهتان ايده يم عالمه معصوم كلدم

همده اولمش ايدم انواع نعمله تكريم

كچدي صافيت ايله وقت صباوت صكره

ايتدي قانون طبيعت نيجه حسلر تفهيم

عقل وفكرم او قدر كوريه ايدي كلفتسز

خير وشر صورتنه قابل نقل وترسيم

بني برقوت محسوسه ايدردي اجبار

بيله مزدم سببك فكر يده ايتسم تعميم

اختيارم قو مادي در بدر اولدم شويله

كو نيكون زائل ايدي صفوت ايله حال قديم

متأذي ايدم اوّل رتبه انك مكرندن

كوره مزدم ديه جك درديمي بر يار صميم

نه بيلور دم ديمه سه با كه اگر دوست سداد

مگر اوّل ملعنتك نامي ايمش نفس لئيم

اويله اولدم كه انك تربيت مكري ايله

بكا حال اولمشيدي منكر اولان حال ذميم

جمله افعالمي آلقشلر ايدر كن حتي

ضرر مدن قجنور اولدي او شيطان رجيم

مدد اي مغفرتي قهرينه غالب اللَّه

جرمم اقرار ايده رك لطفكه اولدم تسليم

قطع اميد ايده مم مرحمتكدن حاشا

ايلر ايمانمي ايات كريمه ك تحكيم

شرمله

دفتر اعمالمه ايتدم اجمال

جبقدي بر مرتبه يه فذلكه شوم و خبم

چكه مز ثقلت عصيانمي ميزان حساب

ايتسه اجز اسني بيك پارچه يه طرح وتقسيم

كچمكه يولمي ويرر بونجه ذنوبمله صراط

طوغريدره غريرلره بن ايسه معيوب وسقيم

سير ايدن امتعه معيصتم محشرده

حيرتندن اونودر كندولرين اهل قويم

بن ته يوزله اوله يم راغب جنت زيرا

اولدي ابراري مكافاته محل دار نعيم

كورديكي انده بني فرط غضبدن دوزخ

ارتيرر شدتني نفرت ايدر اهل جحيم

عجزيله در كهكه وضع جيين ايتدي جلال

الأمان مرحمتي واسع اولان رب عليم

نورايله نار مياننده قالو رسمده نه غم

سائل باب رضايم مدد اي رب رحيم

نعت شريف جناب نبوي

مرحبا اي نور تكوين سوايه ابتدا

فيض حبك عالم امكانه ويردي انتها

مرحبا محبوب بي همتاي ذات كبريا

سيد الكونين سردار گروه انبيا

(دلده جانم دين و ايمانم محمّد مصطفي)

سنسك اول نور صفا بخشاي بزم كن فكان

صورتك خير البشر در سيرتك سر نهان

اي اولان صدر برك عشق كلستان لامكان

نشئه بويكله گلدي عالمه پيغمبران

(دلده جانم دين و ايمانم محمّد مصطفي)

اعتلاي قدرينك برهاني معراج كزين

فرش راجك زلف حور و خادمك روح الأمين

با صمدي بو سلم منهاجه پاي مرسلين

ذاتنك مشتاقيدر هپ اوّلين و آخرين

(دلده جانم دين و ايمانم محمّد مصطفي)

امتك اولمق تمينسن ايدردي اصفيا

مسجد اقصاده ارواحي ايدوب هب اقتدا

ايتدي بيعت امريتي اجرا بووجه اوزره قضا

امتكدر دير ايسم پيغمبران اولماز خطا

(دلده جانم دين و ايمانم محمّد مصطفي)

حب عشكقدر شها عشاقه نعمتدن مراد

فيض قربكدر شها مشتاقه جنتدن مراد

علّت غائيّه ايجادسك خير العباد

چو قميدر نطقه حضور نده كلو رايسه جماد

(دلده جانم دين و ايمانم محمّد مصطفي)

امتثالاً امره شق اولمش ايكن سطح قمر

كورديلر بوحالتي منكر قالوب اهل شرر

اشته صم ويكمنك احكامي كوستردي اثر

بارك اللَّه امتك اولديغمز دولت يتر

(دلده جانم دين و ايمانم محمّد مصطفي)

ثور ديدار ندن الدي فيض و پرتو آفتاب

انتشارندن

منوردر نجوم نه قباب

ويردي بو جمليله ترتيب مواليده سحاب

گلدي زينت عالمه اشيابي قيلدي فيضياب

(دلده جانم دين و ايمانم محمّد مصطفي)

چار يارك عالم دينه جهات معتبر

اول هماماندر بوهيأته بروج اثنا عشر

قبه اسلامه اصحاب هدي نجم ظفر

جمله اكوانه ذاتك آفتاب فيض اثر

(دلده جانم دين و ايمانم محمّد مصطفي)

معصيتدن يوق بنمچون ذاتنه راه وصول

واراميدم لطف و احسانك بني ايتمز ملول

امتمدندر ديو ايلر ايسن عفو و قبول

ايلرم اولدمده عشاقه سلامتله دخول

(دلده جانم دين و ايمانم محمّد مصطفي)

اي نبي الرحمه رحم ايت چونكه كارمدر گناه

اولسه ده مويم سفيد امّا كه رويم پك سياه

يا رسول اللَّه جلاله شمدي گلدي انتباه

بارگاهك بن كبي عاصيلره اولمش پناه

(دلده جانم دين و ايمانم محمّد مصطفي)

در اوصاف جليله چهار يار با صفا

اصدقاي جار يار با صفا

بوذر مقداد و سلمان مرتضي

بري يار صدق ممدوح الشيم

بريسي صاحب جلال وهم كرم

بري منا اهل بيتين از عجم

بريسيدر منبع جود وكرم

هر بري سر چشمه ماء الحيات

عارف سرّ بطون بيّنات

هر بريدر رهبر فوز و نجات

واقف راز خفاياي نكات

هر بري منظور نزد مجتبي

هر بري ممدوح محبوب خدا

مستشار بزم خاصّ احمدي

بولديلر بزمنده فيض سرمدي

چوق شرف سانح اولوب مدح و ثنا

حقلرنده هم بيورمشلر دعا

كيم بيورنجه حبيب ذو الجلال

چون حيات معنوي يه انتقال

هر بري در خادم دين مبين

معركه اراي صفّ جاهدين

هر بربدر حارس شرع رصين

حافظ احكام قرآن متين

قيلديلر دين او غرينه باشلر فدا

ايتديلر جان ايله خدمتلر ادا

جوشه گلدي منبع ارباب دين

هب غزايه دوشدي في اللَّه مسلمين

سيل كبي اقدي صنوف جاهدين

قالدي بحر حيرت ايچره عاندين

رايت اسلام پر فيض و ظفر

هيبت انداز عيون اهل شر

موج اوروب دهشت ايله مانند برق

تيترر اولدي باغيان غرب و شرق

باقمديلر عزت نفسه همان

چون غزا ايله كچردي هر زمان

چارسويه قيلديلر اعلان دين

عدله تابع اولدي طوعاً منكرين

هم عدالتده او رتبه

اعتنا

هم جلادتله ايدرلردي غزا

هر اموري اهله توديع ايتديلر

عالم اسلامي توسيع ايتديلر

اولديلر (نصر من اللهه) قرين

چار اساس اوزره قورلدي قصر دين

اويله محكم هم رصين و استوار

كيم خللدن عاري تا يوم القرار

چار اركاندر بو قصر منجلي

يعني بو بكر و عمر عثمان علي

طاق لاهوت پايه سي اولدي همين

سيد الكونين فخر المرسلين

هر بري صاحب لدن كرسي مقام

هر بري محراب عشقه بر امام

روحلري راضي اوله بزدن همين

رضوان اللَّه عليهم اجمعين

در حق عالي حضرت امامين

روضه فيض حرمكاه محمّددن حصول

يعني ايكي غنچه جانپاره ذات بتول

بري نسرين صفا نور دو چشم عاشقان

كيم حسن بن علي سر لوحه عالم شمول

بري صد برك و فا محض شفاي درد دل

هم حسين بن علي ديباجه صحف فحول

نيرين بر شرف طاق جهان معرفت

پرتو انداز عيون و مسلك اراي وصول

الامان سبطين احمد قرة العين علي

فخر امت ذي كرم ارايش قلب ملول

دركه والا كزك قطميريدر كمتر جلال

اولميه رأفت نكاه فيض واحساندن ذهول

ديباجه منظومه مولد جناب امام علي

حمد بي پايان اوله اول خالقه

ايلدي الطافنه پر لاحقه

اولمامش بر كيمسه حالا خامه ران

مرتضي مولوديني ايتسون عيان

ايتدي بو امر مهم ياده خطور

عجزم اولدي مايع رسم سطور

ايلدم حقه بو وجهله نياز

وير بكا يا رب بو يوزدن امتياز

گلدي شوقه خامه بي اقتدار

نظم مولود علي يه اجتسار

بو غنيمتدر اولرمي هيچ فدا

ايليه بو خدمتي خامه م ادا

كيتمامش بو وادي يه فكر سلف

حصه مه قالمش ازلدن بو شرف

عجزمه باقمز چون عطاسنده مجيب

ايلمش بن قولنه بخش و نصيب

لطف ايدوب توفيقني اول ذو الكرم

شرميله الدم اله كاغد وقلم

ايتمدم ترتيبنه صرف شعور

ضبط ايدوب فكره نه ايتديسه ظهور

اختصاري ايلدم چون التزام

قويمدم بو مبحثه فضله كلام

كلشن عرفانه قيلدم يادگار

طاغيدر البت جهانه روزگار

قارئين و سامعين اولسون بكام

ايده بزم اهلي صلاته اهتمام

ايليان بو احقري خيريله ياد

دو جهانده اوله لر مسرور و شاد

كيم ديلرسه اوله راضي مصطفي

ايلسون جاندن علي يه التجا

سلّموا صلّوا علي خير الوري

هم باسرار عليّ المرتضي

الهي

اي ساقي كوثر امان

صف بسته عشقه امام

لطف ايله بر جام صفا

ايله نبي مست مدام

اي اهل دردك رهبري

قيلمه ملول بو كمتري

بن امت پيغمبري

اي حيدر عالي مقام

كوكلم خرابدر نافله

الماز نبي بر قافله

رحم ايت جلال غافله

محتاج سكا خاص و عوام

مقدمه مولد لطيف

راسم لوح حكمساز قضا

ناشر امر و نواهي ء رضا

نامنه ايتدي قسم رب الحرم

حق كلامنده بيوردي و القلم

لفظة اللهي يازوب زيب مقام

حمد ايدوب قيل عزمنه سوق كلام

(فاذكرو اللَّه) امرينه ايت انقياد

يمن ذكر ايله اولور هريول كشاد

اول اللَّه نامني ياد ايده لم

سمت مقصوده او يلودن كيده لم

صدقيله اللَّه ديسه بركز لسان

قالميه وزرو و بالندن نشان

كير مامشكن صورته كون و مكان

وار ايدي اولخالق هفت اسمان

ابتدا و انتها يوقدر اكا

ظاهر و باطن انكله رونما

ذات پاككدن ديكر يوقدر وجود

ذاتيدر انجق سزاوار سجود

اولمسه توفيق رب مستعان

كيم اولردي ره رو امن و امان

عشقكه يانسون بوتن پروانه سي

المسون دللر انك بيكانه سي

آشنايه اشياني قيل خراب

گلشن توحيده دل قيلسون شتاب

استر ايسه ك نشنه فيض بقا

مرتضي يه ايله جاندن اقتدا

سلّموا صلّوا علي بدر الهدي

هم بسر حضرت شير خدا

نعت شريف جناب نبويّ

اي نبيّ محترم محبوب اللَّه احد

وي شفيع محتشم مبعوث اللَّه الصمد

اوليا و اتقيا هپ بابكك محتاجيدر

سنسك اول قدرت رس احيا و احاي جسد

بن نصل ره برده وصلت اولم بوحال ايله

وارايكن كوكلم كو زنده يا رسول اللَّه رمد

هم غبار روضه كي كمل ايتمكه يوقدر وجود

جسم زارم قابل تعمير دكلدر المدد

بر نظر قيل يا رسول اللَّه بولم تازه حيات

دل اويا نسون عشقه دوشسون اولميه يول سد و بند

امت عاصيه دن بر ابتلا كشدر جلال

رأفت ايله اولمسون دوچار خسران ابد

مبحث مولد عليّ

اي محب صادق آل عبا

وي اولان كوكلنده اخلاص وفا

مرتضي مولديني دكله عيان

خامه م ايتسون وقعه يي شرح و بيان

هاشمي كلزارينك خوش لاله سي

هم سعادت ماهنك بر هاله سي

يعني ام پاك شاه اوليا

حيدر كرّار عليّ المرتضي

فاطمه بنت الاسد اولكامله

چون ابو طالبدن اولدي حامله

گلدي اوّل پاكيزه يه بشقه شرف

حامل در يتيم اولدي صدف

كجدده ايكن هفته و ايام ماه

گلدي اوّل دل داره يه چون انتباه

كوردي حملندن چوق اثار عجيب

چون ظهوره گلدي احوال غريب

سال فيل اوتوزينه يتدي همان

يگرمي اوچ ييل هجرته واردي زمان

سوق ايدوب حق قدردن اعلانه آني

اون او چنجي رجبك جمعه كوني

اولمشيدي مدت حملي تمام

اولدي اول كون عازم بيت الحرام

انده ايكن حامل شير نره

اضطرابندن او توردي بر يره

فطرت ذاتيه سي پاك و طهور

كيم تجلّي ء ازل ايتدي ظهور

كيمسه يه واقع دكل كن بو شرف

طوغدي بيت ايچره همان خيرالخلف

بصدي بغرينه اودم نوزدايني

هم اسد تسميه قيلدي آديني

استر ايسن مصطفي يه انتساب

قيل رضاي مرتضي يي اكتساب

سلّموا صلّوا علي خير الوري

هم باسرار علي المرتضي

در ستايش حضرت امام عليّ

نخل والا ميوه عزّ و شرافتدر علي

صلب پاك و مبدأ سر سيادتدر علي

زوج زهرا نور عين احمد اُم المؤمنين

فرق امتده ولايتله سعادتدر علي

قافله سالار معنا منهج فيض وصال

ره روان عشقه مصباح رشادتدر علي

ذاتنه فرط توجهدن بيور مشدر رسول

ذكر نامي امته محض عبادتدر در علي

آستان فيض احسانك كداسيدر جلال

منبع جود و عطا لطف و سخاوتدر علي

در بيان وقوعات اخيره

آلدي مولودك كتوردي دارينه

حيرت الوبردي بتون جيراننه

كيم ابو طالب كوروب اولدي بكام

كورمامش چون اوغلونه بكزر غلام

مادري ايتدي اكا يابو الولد

والدم آديني قويدم بن اسد

سويلدي اولدمده نوزاد ولي

بنده قويدم اوغلومك ادين علي

كلديلر هپ اقربا وآشنا

قيلديلر تبريك نوزادي ادا

بيت ايچنده مقدميني خير فال

ايتديلر بو بحثه دائر قيل و قال

قيلمدي رغبت برين ثدياننه

رد اولور دست ايله واران ياننه

ايلدي تشريف محمّد مصطفي

الدي نوزاذي قوجاغه پر وفا

ديدي اكا مرحبا خير الولد

مرحبا بن فاطمه بنت الأسد

مرحبا اي نور پاك نو ظهور

مرحبا اي ساقيِ جام طهور

مرحبا اي سلسله ساز علا

مرحبا اي پايه آراي ولا

كورمدي امثالني چشم سلف

بويله عالي منزلت خير الخلف

وضعني ايتدي بووجه او زره عيان

ذات پاك مصطفي معجز بيان

مادري طفلك شكايت ايلدي

كيمسه دن سود اممه ديكن سويلدي

ويردي اغزينه دوداغك مصطفي

شوقله امدي دوداغك اولا

حاضرون بوحاله حيران قالديلر

فلك فكري بحر بهته صالديلر

ديدي پنچه زن اولور حيدر دراول

بو تجليده بولنمز بشقه قول

مصطفي دن الدي حيدر نامني

هم دوداغك امدي بولدي كامني

بيل كه بعثتدنده اون ييل اقدمي

واقع اولمشدي علينك مقدمي

كسب قرب استر ايسن پيغمبره

التجا ايت ازدل و جان حيدره

سلّموا صلّوا علي خير البشر

هم باسرار علي عالي گهر

بر عليل دردمندم ياعلي سندن مدد

بر ذيل مستمندم ياعلي سندن مدد

بر طرفدن نفس كمراه بر طرفدن درد وغم

رشته الامه بندم ياعلي سندن مدد

كچدي غفلتله زمانم المدم بر ذوق جام

ظلم ايدوب كنديمه كندم ياعلي سندن مدد

اويله سر

مست هوايم باكه يوق بندن خبر

اويله پابند كمندم ياعلي سندن مدد

كرجه مجرمدر جلال اما نه غمدروار ايكن

سن كبي شاهم افندم ياعلي سندن مدد

در بيان احوال و اوصاف جليله حضرت امام

كلبرو اي عاشق پرتاب دل

درد ايله هر دم علو خيزاب دل

دكله بو منظومه سوزش نوا

اوله سوداي سقيمه خوش دوا

كرچه بي پاياندر وصف ولي

ميمنت افزاي اوصاف علي

انتساب عزميله اولدم خامه ران

يوقسه حدممي ايده م عين بيان

استانك بلرم صح و مسا

بر عليل در يوزه در دست كدا

ايده لم بحثمزي بويله كشاد

لطف احمدله علي يه استناد

والديني ايتديلر عمري تمام

اون ياشنده قالمشيدي اول همام

اولدي محمي ء جناب مصطفي

پرور شياب حرمدي مرتضي

هاشميدر ايكي باشدن اول نسيب

اندن اول يوق ايدي بويله حسيب

ايليوب جلب توجهله رضا

اولدي داماد رسول كبريا

محرم حجله كه ذات بتول

سر و سره بولدي بويزدن وصول

كيم قرآن ايتدي قمر ايله اسد

اولدي معناده اوچيده بر جسد

(جسمك جسمي) بيور مشدي رسول

ايله عرفان ايله برمزه وصول

نخل گلزار تجليدن ظهور

ايتدي ايكي غنجه صديرك نور

بو ايكي غنچه جهان آرا همين

اولديلر دستار زيب مؤمنين

بو حديث ترجمه سي واضح جلي

شهر علمم قاپوسي اولدي علي

كور نه ايمش پايه قدر إمام

اكلا نولدي حكمت سر كلام

صلب پاكندن الي يوم القيام

چون سيادت ايليه جكدر دوام

چوق احاديث شريفه سانحه

حقلرنده هم دعا هم مادحه

وارد اولمش حيدره ايتمك نظر

كيم عبادتدر ديو اشبو اثر

بن كيمه مولا ايسم همده علي

اولدي مولاسي انك بو منجلي

كيم علي يه حب ايدر باكه ايدر

باكه محبت ايسه حقه كيدر

بغض ايدنلره بيور مشدر رسول

لعنت ايله ياد اولنه اول فضول

وارد اولمش بر حديثنده دخي

ايكي عالمده علي باكه اخي

كيم علي يي فرق ايدر بندن همان

نبي فرق ايتمش اولورلر بي گمان

نبي فرق ايدن ايدر اللّهي فرق

امّته اولدي علي هم تاج فرق

مادحي بويله حبيب اللَّه اوله

اويله ذاتك وصفنه كيم سوز بوله

كور علي در شاه مردان خدا

كيم علي در رهبر راه هدي

كيم

علي اولدي وليلر سروري

انقياي امّتك هم رهبري

مرتضي اثرينه لازم اقتدا

كعبه عرفانه اولدر رهنما

بولانق افكاره ايتمز التفات

مستقيمانه كيدن بولور نجات

كيم كتاب وسنته سالك اولور

التفات حضرته لايق اولور

صورت معقوله ده قيل اتباع

ايله اوهام وخيالاته وداع

جمله مزدن راضي اولسون مرتضي

او رضادن راضي احمد له خدا

سلّموا صلّوا علي خير الأنام

همده روح مرتضي يه بر دوام

در بيان مسلك صحيح

دكله كل اي ايليان دعواي عشق

دل اوي اولمق كرك مأواي عشق

يوقسه عشق نامن الآن سرده هوا

هم مضل هم رهزن و هم بيدوا

هيچ ايدرمي عشق تقليدي قبول

روضه عرفانه ايتديرسون دخول

اولا شرع شريفه انتساب

لابد اولمش كه اوله قرب اكتساب

باب الابواب اولدي چون شرع منير

اولميان داخل اولورمي مستنير

شرعله ايتمك كرك كسب صلاح

فتح اوله صكره اكا باب فلاح

رفرف عشق اوله اول جانه دليل

اچيلور منهاج پر فيض خليل

كر عقايد اولمسه وفق كتاب

سد اولور مطلق اكا راه صواب

منصفانه حصر ايدوب فكر جلي

راضيمي اللَّه محمّد له علي

كسب ايدن بو وجهله حسن خصال

اوله مظهر كيم تجلّي وصال

حفظ شرع اللَّه ايچون اول نامدار

ايلدي بونجه غزايي اختيار

اتقاسن درك ايدوب اولمه عنيد

ايتديلر شاهي صلاة ايچره شهيد

كرمحب حيدر ايسه ك بي ريا

اثرينه ايله سلوكه اعتنا

امري طوت ايله نواهيدن حذر

چكميه سك صكره خسران و كدر

عاقله لا يقميدر فكر سقيم

مصطفي اثري طور ركن مستقيم

جاهد دين مبين اولدي علي

ماحي كفر متين اولدي علي

مظهر سر محمّد در علي

هم توجهدار احمد در علي

ايله نفسكله جهاد اكبري

بوله سن فيض رضاي حيدري

بو رضا عين رضاي مصطفي

هم رضاي ذات پاك كبريا

سلّموا صلّوا علي فخر الأنام

هم عليّ و آل و اصحابه تمام

دعا و خاتمه

ربنا بخش ايت بزي پيغمبره

ال و اصحابيله ذات حيدره

او قونان قرآن مولود و صلاة

همده تهليل ايله اخلاص بينات

عاجزانه ايلرز عرض حضور

هم قبول ايله ادله عفو قصور

اجري اولسون روضه پاك رسول

ال و اولاديله اصحابه وصول

هم اوله ارواح جمله مؤمنين

فضلك ايله عفو وغفرانه قرين

باعث مجلس اولان اباد اوله

سامعين و قارئين دلشاد اوله

ربّنا عفوايت بزم عصيانمز

عاجزز بز چوق درر طغيانمز

ربّنا قويمه بزي بزه همان

لطف و احسانك دريغ ايتمه امان

شاهمز سلطان حميد بن مجيد

عمر و اقبالي اوله يا رب مزيد

صحّت و توفيق و نصرتله مدام

سلطنتله ايله يا رب مستدام

دشمني وارايسه

اولسون ربنا

قهر و نكبت هم مذلتله فنا

عسكر اسلام منصور اللوا

همده حجاج كرام ذو صفا

عافيتله ايده لر حسن ادا

خدمت مفروضه يي وفق رضا

بن سليمان جلاله قيل عطا

فيض عشقك ايله توفيق و رضا

قيل عنايت قوللرينه يا معين

رحمة اللَّه عليهم اجمعين

باب والاي سر عسكري مكتوبجيسي اديب شهير و شاعر روشن ضمير عطوفتلو احمد مختار افندي حضرتلرينك تقريض كونه انشاد بيوردقلري دل رباي ارباب عرفان اولان منظومه بليغه در.

بارك اللَّه اي مقدس خامه مير جلال

بر اثر قيلدك كه عبرتكاه دهره يادكار

شير يزدانك تجلي ء وجود پاكنه

صانكه بر مرآت معنا در عيان و آشكار

بويله بر نظم بديعك حكمت تقديريني

قادر اولماز وصفنه «مختار» عديم الاختيار

مكتوبي ء سر عسكري

أحمد مختار

خواجه دبستان عرفان و مرشد مشكل كشاي سالكان، اعاظم رجال قادريه دن انزواگزين صفا و مرد ميدان صدق و وفا، اسكداري رشادتلو، شيخ عثمان شمس افندي، حضرتلرينك، چكيده خامه بلاغت كستريلري اولان نشيده رعنا در.

حبّذا اهل سخن مير سليمان جلال

يازدي برنو اثر منقبه عال العال

يعني سلطان ولايت كه علي حيدر در

نظم ايدوب انك ايچون مولد سنجيده مقال

دخي حقنده شر فسانح اولان آثاري

مسلك نظمه چكوب ايلدي مانند نوال

بر سليمان يازوب مولد پاك نبوي

بر سليمان دخي مولد سر نامه آل

«شمس» تحسين ايدوب آثاريني قيلدم تقريض

ايليه سعيني مشكور خداي متعال

مسك الختام بما قيل في مولد الإمام

مع النثر

اشاره

قال الشيخ زين الدين، علي بن يوسف بن جبر (ق 7 ه) في كتابه «نهج الإيمان» بعنوان: مساواة الإمام عليه السلام مع عيسي عليه السلام، ما نصّه:

[حصلت] ولادة عليٍّ مكاناً قصيّاً، وولادة عليّ في جوف الكعبة [580].

وقال السيّد تاج الدين بن علي بن أحمد الحسيني العاملي في فصل الإمام الأول عليه السلام:

مولده عليه السلام بمكة، داخل الكعبة، علي الرّخامة الحمراء، ولم ينقل ولادة أحد قبلَه ولا بعدَه في الكعبة، يوم الجمعة، ثالث

عشر رجب، بعد عام الفيل بثلاثين سنة، في ملك شهريار.

وكان رسول اللَّه صلي الله عليه و آله يحمله علي كتفه ويدور به شعب مكة صلوات اللَّه علي الحامل والمحمول.

أسماؤه كثيرة أشهرها عليّ عليه السلام.

وروي أنّ اُمه وضعته في غيبة أبيه فسمّته أسداً، علي اسم أبيها، فلمّا حضر أبو طالب سمّاه عليّاً، ومن أسمائه: حيدر [581].

وقال الميرزا محمّد بن محمّد رضا القمي المشهدي، في المقالة الثالثة في أحوال أمير المؤمنين عليه السلام، نحو ذلك بالضبط [582].

وقال البُستي في «المراتب»:

وأمّا الفضل الثالث: وهو أنّ المرءَ يشرّفُ بولادته في بيت كبير:

فقد علمنا أنّه في الصحيح من الرواية عند جميع أهل البيت: أنّ فاطمة بنت أسد قالت: لمّا قرب ولادي بعليّ عليه السلام كانت العادة في نساء بني هاشم أن يدخلن البيت ويمسحن بطونهنّ بحيطانه فيخفّ عليهنّ الوضع، فخرجتُ مع جنيني وقضيتُ حاجتي من البيت، فلمّا أردت أن أخرج؛ وإذا أنا بعليٍّ كأنّه عمود من حديد، لم (كلمة غير مقروءة) وولد من ساعته، في زاوية الأيمن من ناحية البيت [583].

وقال الإمام الناطق بالحقّ السيّد أبو طالب، يحيي بن الحسين بن هارون الهاروني الحسني (340-424 ه) من أئمّة الزيديّة، في «الإفادة في تاريخ الأئمة السادة» ما نصّه:

واُمّه: فاطمة بنت أسد بن هاشم.

فهو يلتقي مع رسول اللَّه صلي الله عليه و آله من قبل الأب في عبد المطلب، ومن قبل الاُم في هاشم، وهي أول هاشميّةٍ وَلَدَت لهاشميّ.

وولدته صلوات اللَّه عليه في الكعبة، لأ نّها لمّا ضربها الطلق واشتدّ بها؛ لجأت إليها، اعتصاماً ببركتها، فولدته عليه السلام فيها [584].

قال الشهيد حُميد بن أحمد المحلّي (ت 652 ه) المؤرّخ الزيديّ في «الحدائق الورديّة» [585] في ذكر أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه

السلام:

واسمه عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم.

اُمّه عليهاالسلام فاطمة ابنة أسد بن هاشم بن عبد مناف بن قصي.

وهي أول هاشميّة ولدت لهاشميّ.

فهو شريك النبيّ صلي الله عليه و آله في نسبه الشريف وقسيمه في جوهره الغالي المنيف، كما قال الشاعر:

إنّ عليّ بن أبي طالب

جدّا رسول اللَّه جدّاهُ

أبو عليٍّ وأبو المصطفي

من طينةٍ طهّرها اللَّهُ

ولدته اُمّه في الكعبة. وذلك أنّها لمّا اشتكت المخاض التجأت إلي الكعبة تبرّكاً بها فطلقت طلقة فولدته عليه السلام.

فحصل له هذا الشرف العظيم بولادته في أشرف بقعة في الأرض.

ثمّ حمله رسول اللَّه صلي الله عليه و آله إلي منزلها، وكان قد سار مع عمّه أبي طالب حين دخل الكعبة، وأجلس أبو طالب فاطمة ابنة أسد رحمها اللَّه في الكعبة.

وقال محمّد بن الناصر بن محمّد بن الناصر أحمد بن المطهّر الحسنيّ الزيديّ المتوفّي (908 ه) في «نهاية السؤل في مناقب وصيّ الرسول» ما نصّه [586]:

ووُلِدَ عليّ بن أبي طالب كرّم اللَّه وجهه، في الكعبة المعظّمة [587] هذا قول الشيعة، والمحدّثون لا يعترفون بذلك! ويزعمون أنّ المولود في الكعبة حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد العزّي!!.

وقالت الشيعة: لم يُولَد قبلَه مولودٌ في الكعبة؛ إكراماً من اللَّه تعالي له، وإجلالاً لمحلّه في التعظيم.

وكان ميلاده عليه السلام ليلة الجمعة لثلاث عشرة خلت من رجب سنة ثلاثين من عام الفيل، ذكر هذا الكنجي رحمه اللَّه تعالي في «كفاية الطالب».

وقال المفيد محمّد بن محمّد بن النُعمان في «الإرشاد»: إنّه عليه السلام وُلِدَ يوم الجمعة ثالث وعشرين شهر رجب سنة ثلاثين من عام الفيل.

وذكر بعض الإماميّة في مؤلَّفٍ له: أنّه ولد يوم الأحد تاسع عشر شهر رجب سنة ثماني وتسعمائة اسكندريّة.

وكان مولده عليه السلام في سابع

أيلول من شهور الروم، قال الصاحب إسماعيل بن عبّاد نفعه اللَّه بصالح عمله:

يا مغفل التاريخ من جهله

وليس معلومٌ كمجهولِ

إنّ عليّ بن أبي طالبٍ

وُلِدَ في سابعِ أيلولِ

وقال الحاكم رحمه اللَّه في «السفينة»:

قالت فاطمةُ بنتُ أسد: لمّا أخذني الطلقُ؛ قمتُ وأتيتُ المسجد وطفتُ بالبيت، فاستقبلني محمّدٌ رسولُ اللَّه صلي الله عليه و آله فقال: ياأمّاه ما لي أري وجهك متغيّراً؟ قلتُ: أخذني الطلقُ.

قال: ادخلي الكعبة، فهي ستر اللَّه!.

فدخلتُ فولدتُ عليّاً فحملتُه إلي منزلي وجعلتُه في المهد الذي رُبِّيَ فيه رسولُ اللَّه صلي الله عليه و آله وأتيتُه لأرضعه؛ فخمش في وجهي فسمّيتُه «حيدرة» وأتاه أبوه فسمّاه «زيداً» ونحن كذلك إذ أتي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله فاستقبلته جاريتنا برّة وقالت: أقرّ اللَّه عينك بمولودك الذي ولد.

فقال: وما هو؟ فقالت: ذَكَرٌ، فقال صلي الله عليه و آله: «الحمد للَّه الذي أتمّ لي الوعد، وجعله لي سنداً وأخاً وعضداً»، ما سمّيتموه؟

قالت: أمّه سمّته [588] «حيدرة» و سمّاه أبوه «زيداً».

فقال صلي الله عليه و آله: لا تسمّوهُ بذلك، وسمّوه «عليّاً».

وعن فاطمة بنت أسد قالت: بينا أنا أسوقُ هَدياً إلي هُبَل إذ استقبلني محمّد- وهو يومئذٍ غلام- فقال: ما هذا؟ ياأمّاه؟ قلت: هديٌ لهُبَل.

قال: إنّي مُعلمّك شيئاً فهل تكتمينه؟ قالت: بلي.

قال: اذهبي بهذا القربان، وقولي: «كفرتُ بهُبل وآمنتُ باللَّه وحدَه لاشريك له وقرّبتُ القربان لربّ السماوات والأرض».

فقلتُ: أعملُ برأيك لما أعرف من صدقك.

ففعلتُ، فلمّا كان بعد شهر، نظر إليّ فقال: يا أمّاه! ما لي أراكِ حائلة اللون؟ فقلت: أما علمتَ أنّي حامل؟

فقال محمّد لأبي طالب: إنْ كانتْ أنثي فزوّجنيها.

قال أبو طالب: إنْ كان ذكراً فهو لك عبدٌ، وإن كانت أنثي فهي لك أمة.

فلمّا وضعتُه جعلتُه في غشاوةٍ، فقال أبو طالب:

لا تفتحوه حتّي يجيي ء محمّد فيأخذ حقّه، فجاء محمّد ففتح الغشاوة وأخرج منها غلاماً حسناً، فغسله بيده وسمّاه «عليّاً» وبزق في فيه، وأصلح أمره، ثمّ ألقمه لسانَه فما زالَ عليٌّ يمُصه حتّي نام، فلمّا كان من الغد طلبنا له ظئراً فأبي أن يقبل ثدياً فألمه لسانه فنام، وكذلك كان ما شاء اللَّه.

وعن محمّد بن عليّ، في الخبر الطويل: لمّا ولدت فاطمة بنت أسد علّياً وسمّاه رسول اللَّه صلي الله عليه و آله «عليّاً» قالت: ثمّ قصد المهد وقال: يا أمّاه! عليّ بماء وطستٍ، فأتيتُ بالماء والطست، فأخذ عليّاً من المهد، ثمّ قال: اسكبي الماء علي يدي، فجعلت أسكب الماء علي يديه وهو يغسل عليّاً، وعليّ يتقلب في الطست بين يدي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله فبكي رسولُ اللَّه، قلت: حبيبي ممّ بكاءك؟ قال: وكيف لا أبكي!؟ وكانت نفسي إذا انقطعت مدّتي وبلغ أجلي، وهذا الغلام يغسّلني، يا أمّاه ويواريني في حفرتي.

وقال الحاكم رحمه اللَّه تعالي في «السفينة»:

روي عن فاطمة بنت أسد قالت: لمّا حملتُ بعليّ هتفَ بي هاتفٌ: «يا فاطمة! إذا ولدتِ فسمّيهِ عليّاً، فهو العليّ وأنا الأعلي، حلقتُه بقدرتي وشققتُ اسمَه من اسمي».

وفي خبر محمّد بن عليّ، عن فاطمة بنت أسد: لمّا دخل رسول اللَّه صلي الله عليه و آله وقال: «لا تسمّوه بذلك وسمّوه عليّاً» قالت فاطمة: فذكرتُ الهاتفَ وقولَه: «إذا ولدتِ فسمّيهِ عليّاً».

وروي: أنّه لمّا ولد عليّ خرج به أبو طالب إلي الأبطح، ثمّ نادي بأعلي صوته، وأنشأ يقول:

يا ربَّ هذا الغسقِ الدجيِّ

والقمرِ المنبلجِ المُضيِّ

ماذاتري في إِسم ذا الصبيِّ

أبِنْ لنا من حكمك المقضيِّ

فهتف هاتف:

خاطبتنا في الولد الزكيِّ

الطاهرِ المنتجب المضيِّ

عليٌّ اشتقَّ من العليِّ [589].

وفي «البروج في أسماء أمير المؤمنين عليه السلام» [590] تأليف

الهادي بن الوزيرمن علماء الزيديّة، في عنوان (عليّ) في حرف العين: أورد عن كفاية الطالب للكنجي حديث أبي طالب والراهب.

وقال شرف الدين أبو محمّد، عمر بن محمّد بن عبد الواحد الموصلي في كتابه «النعيم المقيم لعترة النبأ العظيم» الذي أ لّفه عام (646 ه):

مولده عليه السلام في الكعبة المعظّمة- ولم يولد بها سواه- في طلقة واحدة.

ولما نزل الأرض رؤي عليها ساجداً، قائلاً: «لا إله إلّا اللَّه، محمّد رسول اللَّه، عليّ وليّ اللَّه- أو- وصيّ اللَّه».

أشرقت لولادته الأرض وفتحت أبواب السماء، وسمع في الهواء:

خُصصتكم بالولد الزكيِّ

والطاهر المطهّر المرضيِّ

إنّ اسمه من شامخٍ عليِّ

عليٌّ اشتقَّ من العليِّ

ولد مسروراً، نظيفاً، لم يُر كحسنه. فسمّاه والدهُ (عليّاً).

واسم أبي طالب: عبد مناف، وذو الكفل.

وحمله النبيّ صلي الله عليه و آله إلي منزله [591].

وقال الزَرَنْدي الحنفي المولود في المدينة المنورة عام (693 ه) والمتوفّي عام (750 ه) في شيراز، قال في السمط الأوّل، القسم الثاني في مناقب أمير المؤمنين عليه السلام من كتابه «نظم درر السمطين»:

وأُمّه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف، وهي أوّل هاشميّة ولدت لهاشميّ.

روي أنّه لمّا ضربها المخاض، أدخلها أبو طالب الكعبةَ، بعدَ العشاء، فولدتْ فيها عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه [592].

وقد التزم في مقدّمة كتابه بقوله: وأثبتُ ما كان مشهوراً مذكوراً في الكتب المعتمدة [593].

وقال الزرندي- أيضاً- في كتابه «معارج الوصول» ما نصّه:

وأُمّه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف بن قصيّ، وهي أوّل هاشميّة ولدتْ لهاشميّ، فهاشم ولده مرّتين.

ولد كرّم اللَّه وجهه، في جوف الكعبة، يوم الجمعة الثالث عشر من رجب، قبل الهجرة بثلاث وعشرين سنة علي المشهور، وقيل: لخمسٍ وعشرين، وقيل: أقلّ من ذلك [594].

وفي «مناقب الثلاثة»: وُلِدَ عليّ رضي الله

عنه بمكّة المشرّفة داخل البيت الحرام، في يوم الجمعة الثالث عشر من شهر اللَّه الأصبّ، سنة ثلاثين من عام الفيل قبل الهجرة بثلاث وعشرين سنة، ولم يولد في البيت قبلَه أحد، وهي فضيلة خصّه اللَّه بها إجلالاً له وإعلاءً لمرتبته وإظهاراً لمكرمته، وكان عليٌّ هاشمياً من هاشميّين.

ومن كتاب «المناقب» لأبي المعالي الفقيه المالكي، روي خبراً يرفعه إلي عليّ بن الحسين أنّه قال: كنّا عند الحسين، في بعض الأيّام؛ وإذا بنسوة مجتمعات، فاقبلت امرأة منهنّ علينا، فقلنا: من أنتِ يرحمك اللَّه؟

قالت: أنا زبدة ابنة العجلان من بني ساعدة.

فقلت لها: هل عندك من شي ء تحدّثينا به؟

قالت: إي واللَّه، حدّثتنا اُم عمارة بنت عبادة بن نضلة بن مالك بن العجلان الساعدي أنّها كانت ذات يومٍ في نساء من العرب، إذ أقبل أبو طالب كئيباً حزيناً، فقلت له: ما شأنك؟

قال: إنّ فاطمة بنت أسد في شدّة من الطلق.

ثمّ إنّه أخذ بيدها وجاء بها إلي الكعبة، فدخل بها، وقال: اجلسي علي اسم اللَّه، فطلقت طلقة واحدة فولدت غلاماً نظيفاً منظفاً لم أر أحسن منه وجهاً فسمّاه أبو طالب «عليّاً» وقال:

سمّيتُه بعليٍّ كي يدوم لهُ

زّ العُلُوّ وفخرُ العِزِّ أدومُهُ

وجاء النبيّ صلي الله عليه و آله فحمله معه إلي منزل اُمّه.

قال عليّ بن الحسين: فواللَّه، ما سمعتُ شيئاً حسناً قطّ إلّا وهذا من أحسنه.

وكان مولد عليّ رضي الله عنه بعد أن دخل رسول اللَّه صلي الله عليه و آله بخديجة بثلاث سنين، وكان عمر النبيّ صلي الله عليه و آله يوم ولادة عليّ ثماني وعشرين سنة، واللَّه سبحانه وتعالي أعلم [595].

وقال السيّد الميرزا صالح الحسيني الشهير بالقزويني المتوفي سنة (1304 ه):

هو أمير المؤمنين، وسيّد الوصيين، وإمام المتقين، عليّ بن أبي طالب- واسمه

عبد مناف- بن عبد المطلب- واسمه شيبة الحمد- وبه يتّصل نسبه بنسب النبيّ صلي الله عليه و آله.

واُمّه فاطمة بنت أسد بن هاشم، وهي أوّل هاشميّة ولدت هاشميّاً، وعليٌّ أصغر بنيها.

ولد بمكّة، يوم الجمعة، لثلاث عشرة ليلة خلت من رجب، وقيل ليلة الأحد في الثالث والعشرين منه، سنة ثلاثين من عام الفيل، في البيت الحرام، ولم يولد فيه أحدٌ قبلَه ولا بعدَه.

ثمّ ذكر حديث جابر، وحديث يزيد بن قعنب مفصّلاً [596].

وقال السيّد جعفر الأعرجيّ في «مناهل الضَرَبِ»:

وكان مولد عليّ عليه السلام ببطن الكعبة، في يوم الجمعة ثالث عشر شهر رجب سنة ثلاثين من عام الفيل.

ولم يولد أحدٌ قبلَه ولا بعدَه، في الكعبة.

وعلّق في الهامش بقوله:

وحيث أنّ مولد أمير المؤمنين عليه السلام كان في الكعبة، وكانت هذه من مناقبه التي لم يسبقه إليها من الأوّلين سابقٌ، ولا يلحقه إليها من المتأخّرين لاحقٌ، حسده المكابر الفاسق والفاجر المنافق، فذكر في كتابه نفياً لهذه المنقبة أسماء بعض رجالات قريش أنّهم وُلدوا في الكعبة!.

وكلّ أحدٍ يعرف كذبه، وقد أبدي بذلك للناس نصبه، كما صرّحنا به في كتاب «جواهر المقال في فضائل الآل» «منه عفي عنه» [597].

وقال عبّاس محمود العقّاد:

ولد عليٌّ في داخل الكعبة، وكرّم اللَّه وجهه عن السجود لأصنامها، فكأنّما كان ميلاده إيذاناً بعهد جديد للكعبة وللعبادة فيها.

وكاد عليٌّ أن يولد مسلماً، بل لقد وُلِدَ مسلماً علي التحقيق إذا نحن نظرنا إلي ميلاد العقيدة والروح، لأنّه فتح عينيه علي الإسلام، ولم يعرف قطّ عبادة الأصنام [598].

وقال عبد الفتّاح عبد المقصود:

أجل لقد واجه أبو طالب دُنياه فقيراً، ومات عبد المطّلب عنه وهو بعدُ في نحو من السنّ لم يكن كدحه قد أفاء عليه من الخير ما يشتهيه، ولم يورّثه أيضاً

سيادة القوم لأ نّه أوصي لآخَرَ من بنيه هو الزبير. فلئن أقبلت الدنيا علي هذا الفقير فَحَبَتْهُ بمكرمة هي آية المكرمات؛ فقد كان هذا من القدر غاية المرتجي عند ذي رجاء.

فإذا تمّ لأبي طالب الفقير المعسر بعضُ أمره في جوار كعبة الحرم، فإنّ أمره هذا لجليلٌ في عيون القوم؛ لأ نّه اكتسبَ أبلغَ شرف بأشرف جوار في أقدس دار، فكيف لو تمّ له أمره ذاك بغير سابق ترتيب منه؟!، بل بصدفة هي عند اُولئك الناس منّةٌ منّ اللَّه وحظوةٌ أراد أن يشرّف بها ابن عبد المطّلب، كما لم يشرّف بمثلها قبلَه أو بعدَه من الرجال كثير ولا قليل.

تلك ليلة فذّة في الليالي، أضاء نجمها علي الدنيا مرّةً، ثمّ لم يقدر بعدها لضوئه أن يبزغ ثانيةً كمثل بزوغه؛ لأنّ مثيلاتها لا تعود.

ولكن ضياءً أشدّ لمعاناً من نور النجم توهّجَ، ثمّ سطعَ، ثمّ فاضَ بنوره علي الآفاق:

سيرة كوجه الشمس رفاقة الإشراق.

سيرة إن فاتها أن تنفرد وحدَها بالمبني الساحر، فقليلٌ سواها ضمّ ما كان لها من معني قاهر، بل أقلّ القليل، بل الأندر منه.

ولو أ نّك استطعت أن تتخلّل من شباك الزمن وتنفض خيوطها عنك، وسبحت عائداً إلي الماضي؛ لرأيت ابنة أسدٍ- فاطمة- تجول بالبيت الحرام تلتمس البركة، لأ نّها سيّدة تجمّعت فيها مزايا آلها الكرام، وامتلأ- كمثلهم- قلبها طُهراً، ثمّ لرأيتها تأتي الكعبة فتطوف بها مرّةً فمرّاتٍ متمسّحةً بأستارها آونةً، مقبّلتها اُخري. ولكنّك لا تلبث حتّي تشهدها وقد أوشك أن يصيبها إعياءٌ تكاد أن تنوء به، وتنكر هي- بادئ الأمر- ما تحسّه، ثمّ تمضي متجلّدةً تستحثّ نفسها وتستنهضها. ولكنّها رغم هذا لا تقوي، ولا تستطيع أن تقوّم عودها. وإذا هي تتشبّث أصابعها بأستار الكعبة؛ تستعين بها وقد

أخذت تحسّ شيئاً غاب عن ذهنها، وتقف مجهودةً لا يستقرّ بها موطي ءُ القدمين، كمن علي طرف كثيبٍ رخوٍ من الرمال، وتجيل في ما حولها عيناً حائرةً لعلّها تبصر زوجها أبا طالب يسعي هنا أو هناك؛ فتجد لديه عوناً علي ما تلقي، ولكنّها لا تراهُ لأنّ ما حضرها في هذه اللحظة غاب عن حسابه.

ثمّ لعلّك تتبعها؛ وقد خشيت هي أن تلقفها الأبصار المتطلّعة ممّن حضر من اُناس كان دأبهم الاجتماع في أروقة البيت وفي أفنائه، فإذا رأيتها قد انحازت ناحيةً، ودلفتْ إلي أستار الكعبة فتوارتْ خلفها عن عيون القوم؛ فكفاك ما شهدتَ.

وقفْ منها علي ملقط السمع دون مرمي العين؛ لأ نّها شاءت أن تتّخذ من الستر المقدّس ردءاً.

واسمع بعد هذا حسيساً خافتاً يأتيك من لدنها، وأنيناً يحكمه الجلد واصطناع الاحتمال، وصرخات مكتومةً تكاد أن تضلّها الأذن كأ نّها تأتي من مهويً سحيقٍ بعيد القرار.

ثمّ اسمع نبرة بكاءٍ تخالط هذه الصرخات، لها غير جرسها وغير رنّتها، رقيقةٌ رنّانةٌ في غير حدّة، كأ نّها شدو طائرٍ تفتّحت عيناه علي شعاع فجرٍ أسفر أو أوشك علي إسفار.

وقد يأخذك العجب، وتملكك الدهشة، ولكنّه عجبٌ قصيرٌ أجله، ودهشةٌ لن يطول بك مداها ما دامت فاطمة قد بدت ثانيةً لناظريك، واهنةً وأشدّ ضعفاً ممّا رأيتها من قبل، كسا وجهها الشحوبُ ومشت في أوصالها رجفةُ الإعياء، وقد احتملتْ- مدّثراً بستر الكعبة الشريف- وليدَها بين صدرها وكفّيها.

تلك ولادةٌ لم تكن قبلَ طفلها هذا لوليدٍ، ولم يحزْ فخرها بعدَه وليدٌ أكرمه بها اللَّه، وأكرم اُمّه وأباه، فكان تكريماً لفرعي هاشم الذي انحدر منه الطفل عن فاطمة وعن أبي طالب حفيدي الأصل الثابت الكريم.

وأقبل القوم- حين انتبهوا- يستبقون إلي السيّدة، يعاونونها: ويأخذون بيدها، ويملأون الأبصار بطلعة

ذلك الذي كان بيتُ اللَّه مولدَه، وسترُ الكعبة ثوبَه، كأ نّما أوسع له في الشرف باجتماعه في كلا المولد والمَحْتِد.

وهم لو استطاعوا أن يسبقوا زمانهم، كما تأخّرتَ أنتَ لرأوه أيضاً يجتمع له نفس هذا الشرف حين يقبل عليه الموت فيلقاه في بيت اللَّه يهمّ أن يقوم بالصلاة.

أمّا فاطمة: فقد أحبّتْ أن تحييَ في وليدها اسمَ أبيها، فدعتْهُ بمعناه، وإن لم تدعه بلفظه، وقالت لزوجها وهي تحاوره:

«هو حيدرةٌ».

وأمّا أبو طالب فقد كان أكثر توفيقاً حين اختار، رأي وليده قد علا شرفاً بمكان مولده كما علا من قبل بأصله الرفيع فقال:

«بل عليٌّ».

وبدأت عند هذا حياةُ الرجل الذي ساير أخطر الأحداث في هذه الدنيا، وعاشر أطهر الخلق وسيّد النبيّين، واحتمل نصيبه من عب ءٍ كبيرٍ ألقاه اللَّه علي مختاره الأمين، الذي خصّه بوحيه ورسالته الإلهيّة لهداية العالم.

وعاش عليٌّ عمره لغيره من المثل ومن الرجال، فكان في صباه القريب المفتدي، وفي شبابه الصديق المقتدي بالنبيّ الكريم، وبين هذا وذاك من أطوار العمر وما جاء في أعقابها من فترات، التزم غايات الكمال في الفعال والخلال.

فلمّا انطوي بعض أجله، ومضي من الدنيا وعن هاديه، كان المعقب له وقد ذهب العقب. وأجلّ من أخذ عنه فأجاد، وركب جادته فما حاد [599].

قال الاُستاذ روكس بن زائد العزيزي:

ولادة الإمام عليّ في البيت الحرام، بمكّة المكرمة، يوم الجمعة، ثالث عشر رجب الحرام، بعد عام الفيل بثلاثين عاماً، سمع استهلال عليّ، فدعي «حيدرة».

لأبٍ نبيل هو شيخ البطحاء.

ولأُم شريفة هي فاطمة بنت أسد بن هاشم.

فكان أوّل هاشميّ وُلِدَ بين هاشميّين.

فكانت اُمّ الإمام عليّ للرسول بمنزلة الاُمّ، لأ نّه ربّي في حجرها وهو ابن ثماني سنين، وكان شاكراً لبرّها ويسمّيها «اُمّي».

كانت ولادته في البيت الحرام إيذاناً بأن الأصنام قد

هزمت إلي الأبد [600].

قال الدكتور محمّد بيومي مهران، الاُستاذ بكلية الآداب جامعة القاهرة وكلية الشريعة جامعة اُمّ القري بمكّة المكرّمة:

مولد الإمام عليّ ونشأته:

ولد الإمام عليٌّ في الكعبة الشريفة بمكّة المكرمة حوالي عام (600 م) (23 قبل الهجرة).

وهو عليّ بن أبي طالب بن عبد المطّلب بن هاشم، ابن عمّ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله وأخوه، وصهره، وأبو سبطيه الحسن والحسين.

والإمام عليّ رضي الله عنه أوّل هاشميّ يولد من هاشميّين، فقد كان بنو هاشم قد تعوّدوا أن يصهروا إلي اُسر اُخري عن قريش قبل أن يتزوّج أبو طالب من بنت عمّه فاطمة بنت أسد، والتي روتْ، أنّه: «بينما محمّد يأكل معي ومع عمّه أبي طالب يوماً، إذ نظر إليّ وقال:

«يا اُمّ، مالي أراك حالكة اللون؟».

ثمّ قال لأبي طالب: «إن كانت حاملاً اُنثي فزوّجنيها».

قال أبو طالب: إن كان ذكراً فهو لك عبدٌ، وإن كانت اُنثي فهي لك جاريةٌ وزوجةٌ».

فلمّا وضعتْه في الكعبة، جعلتْه في غشاوة، فقال أبو طالب: لا تفتحوها حتي يجي ء محمّدٌ، فيأخذ حقّه.

فجاء محمّدٌ، ففتح الغشاوة فأخرج منها غلاماً حسناً، فشاله بيده وسمّاه «عليّاً» وأصلح أمره، ثمّ إنّه لقمه لسانه فما زال يمصّه حتي نام [601].

وقال الشيخ حسين الفقيه، في عنوان «مميّزات عليّ بن أبي طالب المسلّمة في التاريخ»:

1- وُلِدَ في الكعبة، ولم يولد أحدٌ سواه، لا قبلَه ولا بعدَه، وهي إحدي المزايا التي سجّلها له التاريخ والأدب.

34- وأخيراً فهو شهيدُ رمضان، وشهيدُ المحراب، وشهيدُ الصلاة، خرج من الدنيا من المسجد، كما دخلها في مسجد، فارقها من أطهر مكان، كما وفد إليها في أطهر مكان.

فبِبَيتِ اللَّه كان الابْتداءْ

وبِبَيتِ اللَّه كان الانْتهاءْ

يا وليداً موضعَ البدي ءِ حكي

مجدَه الشامخَ بينَ العُظماءْ [602].

وقال السيّد محمّد علي المكّي- وهو

يتحدّث عن ذكريات شهر رمضان-:

وفي هذا الشهر المبارك حدث اغتيال أفضل خلق اللَّه بعد رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، وهو الإمام عليّ عليه السلام.

ويصادف حادث اغتياله، ووفاته لياليَ القدر من هذا الشهر.

وإذا كان شهر رمضان من أفضل الشهور والأزمنة، فإنّ مسجد الكوفة من أقدس البقاع والأمكنة، لأنّه أحد المساجد الأربعة التي تشدّ إليها الرحال.

فعليٌّ عليه السلام قد جمع اللَّه له في شهادته- بالإضافة إلي فضائله- فضيلةَ الزمان وفضيلةَ المكان، ليتمّ له التفرّدُ بالفضائل كلّها والمناقب جميعها.

كما أنّ اللَّه سبحانه وتعالي جمع له في ولادته فضيلةَ الزمان والمكان.

حيث وُلِدَ في أشرف بقعةٍ من بقاع الأرض، وهو بيتُ اللَّه الحرام «الكعبة» وفي شهر اللَّه الحرام وهو شهر رجب الفرد.

وكان ميلاده عليه السلام يومَ الجمعة الثالث عشر من الشهر، لثلاثين سنة مضت علي عام الفيل، وكان أوّل هاشميٍّ وُلِدَ من هاشميّين.

ولم يولد قبلَه ولا بعدَه في بيت اللَّه الحرام بمكّة المكرّمة، أحدٌ سواه.

وهذه فضيلةٌ مختصّةٌ به عليه السلام ذكرها علماء أهل السنّة والشيعة في كتبهم.

فبقي في الكعبة ثلاثة أيّام ضيفاً علي اللَّه، لأنّ الضيف يبقي عند صاحب البيت وفي ضيافته ثلاثة أيّام، وكذلك كان الإمام عليه السلام.

وشهر رجب، كشهر رمضان، من حيث الفضائل والمفاخر، وفيه حوادث لم تقع في غيره من الشهور، جعلت منه شهراً عظيماً يضاهي شهر رمضان المبارك، وهو من الأشهر الحُرُم التي كانت مقدّسةً في الجاهلية وقدّسها الإسلام.

فأحري بالإمام عليه السلام الذي هو مجمع الفضائل والمناقب أن يُولَدَ في شهر هو مجمع الفضائل والمناقب، ويقتلَ في شهر هو- أيضاً- مجمع الفضائل والمناقب.

فسلامٌ علي أبي الحسن عليه السلام يوم وُلِدَ في بيت اللَّه، ويوم استشهد في بيت اللَّه، وفي شهر اللَّه، ويوم يبعث حيّاً

[603].

وقالت إسلام الموسوي:

وليد الكعبة [604]:

من العجائب التي أضافت صوتاً ضارباً في التاريخ وأحداثه الفريدة التي تفتح الأعين علي ما تخفيه من أسرار، أن يصطفي اللَّه لعبدٍ اصطفاه، حتّي موضع مولده، ليجمع له- مع طهارة مولده- شرف المحلّ، محلّ الولادة، ويخصّه بمكرمةٍ ميّزه بها منذ ساعة مولده عن سائر البشر.

هكذا كان مولد عليّ بن أبي طالب سلام اللَّه عليه، في البيت العتيق في الكعبة الشريفة.

وكان ذلك يوم الجمعة، الثالث عشر من شهر اللَّه الأصمّ رجب، بعد عام الفيل بثلاثين سنة [605] قبل البعثة بعشر سنين [606] حوالي عام (600 م) 23 قبل الهجرة، وقيل: «ولد سنة ثمان وعشرين من عام الفيل» [607].

ولعلّه في مثل هذا اليوم الذي وُلِدَ فيه أمير المؤمنين قد وُلدَ الاُلوف من البشر، لكنّ ولادته مثّلت حَدَثاً عجيباً تجلّت به الأسرار، وتلبّست بالحكمة الربّانية.

كانت مثاراً للدهشة الأبديّة، فقد وضعت فاطمة وليدها في البيت العتيق! في مكان عبادةٍ لا ولادة، أليس ذلك بالشي ء العظيم؟!

ويسجّل التاريخ ذاك الفخر الذي ظهر فيه عليٌّ عليه السلام مديراً ظهره للأصنام التي كانت الكعبة الشريفة تضجُّ بها، وعن قريب سينهض هذا الوليد علي كتف رسول اللَّه ليلقي بها أرضاً، تحت بطون الأقدام!!

تلك ولادةٌ أكرمه اللَّه بها، فشاركته اُمُّه الكريمة في فخرها.

إنّ اُمّه فاطمة بنت أسد لمّا ضربها الطلق، جاءت متعلّقةً بأستار الكعبة الشريفة، من شدّة المخاض، مستجيرةً باللَّه وَجلةً، خشية أن يراها أحدٌ من الذين اعتادوا الاجتماع في اُمسياتهم في أُروقة البيت أو في داخله، فانحازت ناحيةً وتوارت عن العيون خلف أستار البيت، واهنةً مرتعشة أضنتها آلام المخاض؛ فألصقت نفسها بجدار الكعبة وأخذت تقول:

«يا ربّ، إنّي مؤمنةٌ بك وبما جاء من عندك من رسلٍ وكتبٍ، وإنّي مصدّقةٌ بكلام جدّي إبراهيم،

وأ نّه بني البيت العتيق، فبحقّ الذي بني هذا البيت وبحقّ المولود الذي في بطني إلّا ما يسرت عَلَيَّ ولادتي».

قال يزيد بن قعنب: فرأيتُ البيت قد انشقّ عن ظهره، ودخلتْ فاطمة فيه، وغابتْ عن أبصارنا وعادَ إلي حاله، فرمْنا أن ينفتح لنا قفلُ الباب فلم ينفتحْ، فعلمنا أنّ ذلك من أمر اللَّه عزّ وجل، ثمّ خرجتْ في اليوم الرابع وعلي يدها أمير المؤمنين عليُّ بن أبي طالب عليه السلام [608].

وهو حديث جدير كذلك أن يخلّده الشعراء:

أنشد الحميري (ت 173 ه):

وَلَدَتهُ في حرم الإله وأمنهِ

والبيت حيثُ فناؤه والمسجدُ

بيضاءُ طاهرةُ الثياب كريمةٌ

طابَتْ وطابَ وليدُها والمولدُ

ما لُفّ في خِرَقِ القوابلِ مثلُهُ

إلّا ابنُ آمنةَ النبيُّ محمّدُ

وله أيضاً في أمير المؤمنين عليه السلام:

طِبْتَ كَهْلاً وغُلاماً

ورَضيعاً وجَنينا

ولدي المِيثاقِ طِيناً

يومَ كانَ الخَلْقُ طِينا

وببَطْنِ البيتِ مولُوداً

وفي الرَمْلِ دَفينا [609].

وقال عبد الباقي العمري في عينيّته الشهيرة:

أنتَ العليُّ الذي فوقَ العُلا رُفعا

بِبَطْنِ مكّةَ عند البيت إذْ وُضِعا

وعقّب عليه أبو الثناء الآلوسي في شرحه هذه القصيدة- شرح عينية عبد الباقي العمري- ما نصّه:

«وفي كون الأمير كرّم اللَّه وجهه وُلِدَ في البيت أمرٌ مشهورٌ في الدنيا، وذُكِرَ في كتب الفريقين السنّة والشيعة، ولم يشتهر وضعُ غيره كرّم اللَّه وجهه كما اشتهر وضعه، بل لم تتّفق الكلمة عليه، وما أحري بإمام الأئمّة أن يكون وضعه فيما هو قِبْلَة للمؤمنين، سبحان من يضع الأشياء مواضعها، وهو أحكم الحاكمين» [610].

وقال مير سيد محمّد حسن مدرس اصفهاني (ت 1331 ه):

ولادت حضرت امير و حكايات عجيبه آن

ولادت با سعادت مولي المتّقين أمير المؤمنين عليّ- عليه الصلاة والسلام- بنابر معروف در ميان فرقه ناجيه، در سال سي ام از عام الفيل واقع شده، و به همين تاريخ تصريح نموده است در اصول كافي كليني رازي «طاب مرقده» - كه

از اولين كتب معتبره است- و آن سال فرّخ حال مقارن بود با سال سي از ولادت حضرت رسول صلي الله عليه و آله چه آن حضرت در سال عام الفيل، بعد از پنجاه و پنج روز از هلاك اصحاب فيل، به عالم دنيا قدم گذارد و عالم را به نور قدوم خود منوّر نمود، و موافقت مي كند اين تاريخ، با روايتي كه نقل شده از حضرت صادق عليه السلام كه فاطمه بنت اسد- كه مادر حضرت امير عليه السلام بود- آمد نزد شوهر خود، ابو طالب، كه سرور كند و بشارت دهد او را، به ولادت حضرت محمّد صلي الله عليه و آله ابو طالب به او گفت: صبر كن يك سبت، تا من بشارت دهم تو را، به مولودي از تو، كه مثل و مانند همين مولود باشد در اوصاف و اخلاق، مگر در پيغمبري.

و سبت، سي سال است، و ميان ولادت رسول صلي الله عليه و آله، وامير عليه السلام، سي سال فاصله شد.

و همانطور كه قبل از ظهور جلوات محمّدي صلي الله عليه و آله بشائر بسيار، بر ولادت او بود- كه علماء تاريخ، در كتب مبسوطه، نوشته اند- هم چنين قبل از طلوع خورشيد علويّ، بشارت داده شد ابو طالب؛ چنانكه جابر انصاري گفت:

راهبي بود- نامش مثرم بن دعيب [611] - كه يكصد و نود سال خداي تعالي را عبادت نمود و سؤالي از خدا در اين مدّت نكرد، پس از خدا خواست كه دوست خود را به او بنماياند، پس حضرت ابو طالب را خداي سبحان فرستاد به سوي آن راهب، و راهب از آن حضرت پرسيد از وطن و

قبيله او، و چون شناخت او را، برخاست سر و صورت ابو طالب را بوسيد و گفت: الحمد للَّه كه خدا مرا از دنيا نبرد تا دوست خود را به من نمود و شناسانيد. اي ابو طالب! بشارت باد ترا، كه حق تعالي مرا الهام نمود كه بيرون مي آورد از صلب تو پسري كه او وليّ اللَّه و نام نامي اش، عليّ عليه السلام باشد، و اگر تو او را دريافتي از من به او سلام رسان.

ابو طالب فرمود: هر چيزي را برهان و دليل لازم باشد تا به آن اذعان و تصديق توان نمود، برهان اين امري كه به آن إخبار مي كني، چه باشد؟

فرمود: چه مي خواهي؟

ابو طالب فرمود: طعامي مي خواهم در همين ساعت، در حضور ماها موجود شود!

پس راهب دست به دعا برداشت؛ هنوز دعاي او تمام نشده بود، طبقي نزد آنها، از سه قسم فواكه بهشتي- كه رطب و انگور و انار باشد- موجود شد. ابو طالب، يك دانه از انار برداشت و ميل نمود؛ پس، در صلب او قرار گرفت، پس چون به مكّه برگشت، زوجه او، به عليّ عليه السلام حامله شد و ايامي پس از قرار گرفتن نطفه او در رحم مادرش فاطمه، زلزله اي، در زمين شد كه اهالي مكّه- وعبده اصنام- متوسّل به بتها شدند و حال آنكه در موقع زلزله، از شدت حركت زمين بتها، به رو در مي افتاد و كوه ها، از هم متلاشي مي شد و بر روي زمين مي ريخت؛ تا آنكه شبي كه امر زلزله، شديدتر گرديد، در آن شب كار بر اهل مكّه بسيار سخت و اموري كه به نظر آنها در تخفيف زلزله مي رسيد- از بردن

بت ها به بالاي كوه و غيره- به هيچ وجه، مؤثر واقع نشد ناچار دست توسّل به دامن سيّد قريش- حضرت ابو طالب- زدند و آن حضرت رفت بالاي كوه و فرياد نمود: ايها الناس! بدانيد كه خداوند عليّ اعلي را- در اين شب- مخلوقي است، كه پا در عرصه زمين مي گذارد كه اگر اطاعت او را نيت نكنيد و اقرار به امامت و ولايت او ننمائيد، اين زلزله دست بردار نيست تا زمين را زير و زبر كند.

تمامي اهالي، اقرار بر امامت و ولايت آن حضرت نمودند؛ پس ابو طالب، دستهاي خود را بلند نمود و گفت:

«إلهي وسيدي أسألك بالمحمديّة المحمودة، وبالعلويّة العالية، وبالفاطمية البيضاء، إلّا تفضّلت علي تهامة بالرأفة والرحمة» [612].

پس، آن زلزله تسكين يافت و عرب را در جاهليت، عادت بر اين جاري شد كه در شدايد عمومي يا خصوصي، به همين نهج دعا مي كردند و خدا دعاي آنها را مستجاب مي فرمود، ولي مصداق و مفهوم آن را نمي دانستند.

بالجمله، چون امر مخاض فاطمه، نزديك شد، آمد در مسجد الحرام- نزد خانه خدا- و گفت: «اي پروردگار من! ايمان دارم به تو و تصديق مي نمايم به آنچه تو فرستاده اي به سوي خلق، از پيامبران و كتاب هايي كه نازل فرموده اي، و تصديق نمودم به كلام جدّم ابراهيم، خليل الرحمن، خدايا! بحقّ آن كسي كه بنا كرد اين خانه را و بحقّ اين مولودي كه در شكم من است، امر ولادت او را بر من آسان كن».

پس در باز شد و فاطمه داخل خانه شد. فاطمه گفت: ديدم چهار تن از زنان عظيمة الشأن: حواء، مريم، آسيه و مادر موسي، وغير آنها، از زنان بهشتي، پس

به نحوي كه در موقع ولادت رسول اللَّه صلي الله عليه و آله رفتار نمودند، در اين مورد هم بجا آوردند. چون متولد شد سجده براي خداي تعالي بجاي آورد و گفت در سجده خود، شهادتين را و پاره اي از كلمات در امر ولادت خود. پس سر از سجده برداشته و سلام كرد بر زنان عاليات و احوال پرسي از آنها نمود و آسمان به نور جبين مبين او نوراني شد.

پس يافت طفل خود را پاكيزه و ناف بريده. پس مادر او را برداشت و از خانه كعبه، بيرون آمد.

وَلَدَتهُ في حرم الإله وأمنهِ

والبيت حيثُ فناؤه والمسجدُ

بيضاءُ طاهرةُ الثياب كريمةٌ

طابَتْ وطابَ وليدُها والمولدُ

في ليلةٍ غابَت نحوسُ نُجومها

وبَدَتْ مع القمرِ المنيرِ الأسْعُدُ

ما لُفّ في خِرَقِ القوابلِ مثلُهُ

إلّا ابنُ آمنةَ النبيّ محمّدُ

صبوحي:

امروز گرفت خانه كعبه شرفْ

از مولد شير حقّ شهنشاه نجفْ

جز ذات محمّدي نيامد بوجودْ

يكتا گهري چه ذات حيدر ز صدفْ

رباعيّة لكاتبه:

در خانه حقّ، علي چو آمد به وجودْ

صدْ گونه شرفْ بر شرفِ كعبه فزودْ

تبريكْ فرستاد خدايش به درودْ

كز خلقت خانه ام همين بُدْ مقصودْ

جوهرة:

اشرف بقاع حرم خداست، و اشرف امكنه حرم- كه مكّه باشد- مسجد الحرام است، و اشرف قطعات مسجد كعبه است، و تواريخ و سير اتّفاق دارند كه در آن اشرف امكنه زمين، مولودي تولّد نشد جز اشرف الخلق امير المؤمنين عليه السلام.

ونيز از حيث زمان: پس بهترين روزها و سيّد الأيّام روز جمعه، و بهترين ماهها ماه رجب است- كه اوّل اشهر حرم است- و بهترين ساعات بين الطلوعين است، كه در اين ساعت، در چنين روز، در چنين ماه، بهترين خلق بعد از پيامبر صلي الله عليه و آله كه عليّ مرتضي عليه

السلام است، قدم به عرصه زمين گذارد.

صبوحي:

برداشت سپيده دمْ حجابْ از طرفي

بگرفتْ نگار حقّ نقابْ از طرفي

گر نيستْ قيامت از چه رو گشته عيانْ

ماهْ از طرفي و آفتابْ از طرفي

و أعجب از همه آنكه وقتي كه حضرت مريم عليهاالسلام در موقع مخاض و وضع حمل مأمور شد به خروج از بيت المقدس- يا بيت اللّحم- به اين كه محلّ عبادت بايد مطهّر و پاك از هر آلايشي باشد، پس منافات دارد با ولادت.

و براي وضع حمل فاطمه بنت اسد باز و منفتح مي گردد باب بيت اللَّه الأعظم الكعبة، و لم ينفتح قبلَ ذلك ولا بعدَه لأحدٍ غيرها.

و از اين جا عقل عقلاء حكم مي كند به اين كه بين الموضعين بون بعيد. ومولود در خانه كعبه پليدي در ظاهر نداشته، و همچنان باطناً طيّب و طاهر و پاكيزه از هر آلايشي بود، و نيز در ظاهر هم طيّب و پاكيزه و طاهر بود كه منافاتي با طهارت آن موضع مقدّس نداشته و موجب تنجيس و آلودگي آن نبوده.

الحميري:

طِبْتَ كَهْلاً وغُلاماً

ورَضيعاً وجَنينا

ولدي المِيثاقِ طِيناً

يومَ كانَ الخَلْقُ طِينا

كنتَ مأمُوناً وَجيهاً

عندَ ذي العرش مَكينا

في حِجابِ النُور حيّا

طَيّباً للطاهِرينا

پس، فرزند طيّب طاهر، از نسل طاهر متولّد شد، و در موضع طاهر، و اين خود كرامتي است ظاهر، كجا اين كرامت براي كسي يافت مي شود؟

بالجمله؛ مادرش بعد از سه روز فرزند را برداشت از خانه كعبه بيرون آمد. اصنام قريش مقابل او بِروي در افتادند، و اين امر وقتي كه در شكم مادر بود اتفاق افتاد.

چنانكه وقتي مادر او به او حامله بود آمد در مسجد الحرام و اصنام برو در افتادند، مادرش دست بر شكم ماليد و گفت: «يا قرّة

العين! سجدتك الأصنام داخلاً، فكيف شأنك خارجاً؟» [613] يعني اي نور چشم! سجده مي كنند بت ها تو را در وقتي كه داخل شكم من هستي، آيا چگونه خواهد شد شأن تو در موقعي كه متولّد شوي؟

شعر:

وقد روي عن امّهِ فاطمهْ

ذات التقي والفضل بين النسا

بأ نّها كانت تري اصنامهم

نصباً علي الكعبة او بين الصفا

فربّما رامت سجوداً كالذي

كانت مراراً من قريش قد تري

وهي به حاملة فيغتدي

منتصباً يمنعها ممّا تشا

چون چشم طفل به پدرش ابو طالب افتاد، سلام بر پدر كرد. پس ابو طالب از حال زنان پرسيد؛ طفل به زبان فصيح جواب داد؛ پس فرمود: اي پدر! برو بسوي مثرم بن دعيب [راهب مشار إليه] وخبر ده به او آنچه ديدي، به درستي كه او در مغاره فلاني كوه لكام [614] است.

ابو طالب رفت به سوي كوه؛ وقتي رسيد ديد راهب از دنيا رفته و بدنش پيچيده افتاده و دو مار دو طرف او مواظبت و محافظت بدن او را مي نمودند، به مجردي كه ابو طالب وارد كهف شد، آن دو مار غايب شدند.

ابو طالب سلام بر مثرم كرد به اين عبارت: «السلام عليك يا وليّ اللَّه و رحمة اللَّه و بركاته».

و از اين مطلب معلوم مي شود كه سلام بر اموات اولياء اللَّه قبل از بعثت امري شايع بوده است؛ زيرا كه اموات اولياء خدا- به نظر ماها- امواتند ولي در حقيقت، زندگانند: «بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ - فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهَُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ» [615].

و اگر چه مورد آيه شريفه مقتولين و شهداء في سبيل اللَّه است، ليكن به تحقيق پيوسته است كه مقام

اولياء و شهداء يكي است- از جهة رفعت- چنانكه ادّله و براهيني- در مقام خود- بر آن اقامه شد، و شايد در اين رساله- به مناسبتي- به آن ها، اشاره شود.

مجملاً، چون ابو طالب سلام نمود؛ خدا مثرم را زنده كرد، برخاست دست بر سر و صورت خود ماليد و گفت: «أشهد أن لا إله إلّا اللَّه، و أشهد أنّ محمّداً عبده و رسوله و أنّ عليّاً وليّ اللَّه و الإمام بعده أو بعد نبيّ اللَّه».

ابو طالب گفت: بشارت باد ترا! كه آفتاب روي عليّ عليه السلام طلوع كرد به زمين.

پس پرسيد از ولادت او، و ابو طالب قصّه را بيان كرد. مثرم گريان شد از شوق و سجده شكر كرد و دست و پاي را كشيد و گفت: مرا بپوشان!

او را پوشانيد و نگاه كرد ديد گويا سالهاست مرده است! پس سه روز ابو طالب به مراسم او قيام نمود. روز سيّم ديد آن دو مار پيدا شدند و سلام بر ابو طالب كردند- به لسان فصيح- و گفتند: اي ابو طالب! ملحق شو به وليّ خدا عليه السلام كه تو اولويّت داري به حفظ و نگاهداري او.

فرمود: شماها كيستيد؟

گفتند: ماهاعمل اين عابد هستيم كه خداوند ما را به اين صورت مصوّر و مجسّم فرمود كه بدن او را از اذيت ها محفوظ داريم تا قيام قيامت، و روز قيامت يكي سايق و ديگري قائد او باشيم به سوي بهشت برين.

پس ابو طالب برگشت به مكّه و عليّ عليه السلام را به سينه گرفت و دست فاطمه را گرفت و آمدند به ابطح وندا كرد:

يا ربّ هذا الغسق الدجيِّ

والقمرِ المنبلجِ المُضيِّ

بيّن لنا من حكمك المقضيِّ

ماذا تري

في اسم ذا الصبيِّ [616].

يعني: اي خالق تاريكي شب و ماه روشني دهنده! از درگاه خود اسم اين طفل را معيّن و مبيّن فرما!

ناگهان ابر سفيدي به زمين آمد و عليّ عليه السلام را به سينه ابو طالب چسبانيد و لوح سبزي ديدند، آن را برداشتند بر آن لوح نوشته شده بود:

خُصِصتما بالولد الزكيِّ

والطاهرِ المطهّرِ المرضيِّ

فاسمُه من شامخٍ عليِّ

عليٌّ اشتقَّ من العليِّ [617].

يعني: عنايت شد به شماها پسر پاكيزه و پاكي، انتخاب شده و پسنديده شد؛ پس اسم او از جانب خداي بزرگ و عليّ: نام «عليّ عليه السلام» است كه مشتقّ از نام بزرگ خداست.

پس فرمود ابو طالب كه لوح سبز را بر كعبه آويختند، و به آنجا آويخته بود تا زمان سلطنت هشام بن عبدالملك- از بني اميّه- كه به مكّه آمد و آن لوح را برداشت و به خزانه خود در شام برد.

شعر لأبي الفضل الأسكافي:

نطقتْ دلائلُه بفضل صفاتِهِ

بين القبائل وهو طفلٌ يرضعُ

مجملاً، نام مباركش عليّ عليه السلام:

«هو المثلُ الأعلي» كفاكَ باسمِهِ

عليّ علا في الاسمِ والبأسِ والحسبْ

لكاتبه:

خالق او كرد مشتقّ نامِ وي از نامِ خود

پس خدا را نامِ عالي باشد و او را عليّ

ابن حماد:

سلامٌ علي احمدَ المرسلِ

سلامٌ علي الفاضلِ المفضلِ

سلامٌ علي مَن علا في العُلي

فسمّاه ربّ عليٌّ عليْ

وذكر المسعودي في كتاب «مروج الذهب»: ولم يكن في عهد النبيّ صلي الله عليه و آله إلي وقتنا هذا من خلافة المتّقي مَنْ اسمُه «عليٌّ» غيره، وعليّ بن المعتضد [618].

مع الشعر

اشاره

للشيخ صالح بن دَرْويْش الزينيّ التميمي الكاظميّ (1188-1261 ه):

همزيّة التميميّ

غايَةُ المَدْحِ فِي عُلاكَ ابْتِداءُ

لَيْتَ شِعْرِيْ ما تَصْنَعُ الشُعَراءُ؟

يا أَخَاالمُصْطَفَي وَخَيْرَ ابْنِ عَمٍّ

وَأمِيْرٍ إِنْ عُدَّتِ الاُمَراءُ

ما نَرَي ما اسْتَطالَ إلّا تَناهَي

وَمَعالِيْكَ مالَهُنَّ انْتِهاءُ

فَلَكٌ دائِرٌ إذا غَابَ جُزْءٌ

مِنْ نواحِيْهِ أَشْرَقَتْ أَجْزاءُ

أَوْ كَبَدْرٍ ما يَعْتِرَيْهِ خَفاءٌ

مِنْ غَمامٍ إِلّا عَراهُ انْجِلاءُ

يَحْذَرُ البَحْرُ صَوْلَةَ الجَزْرِ لكِنْ

غَارَةُ المَدِّ غارَةٌ شَعْوَاءُ

رُبّما رَمْلُ عالِجٍ يَوْمَ يُحْصَي [619].

لَمْ يَضِقْ فِي رِمالِهِ الإحْصاءُ

وَتَضِيْقُ الأَرْقامُ عَنْ مُعْجِزاتٍ [620].

لَكَ يامَنْ إِلَيْهِ رُدّتْ ذُكاءُ [621].

يا صِراطَاًإِلي الهُدَيمُسْتَقِيماً

وَبِهِ جاءَ لِلِصُدُوْرِ الشِفاءُ [622].

بُنِيَ الدِيْنُ فَاسْتَقامَ وَلَوْلا

ضَرْبُ ماضِيْكَ مَا اسْتقامَ الِبناءُ

أَنْتَ لِلْحَقِّ سُلَّمٌ مالِراقٍ

يَتَأَتَّي بِغَيْرِهِ الإِرْتِقاءُ

أَنْتَ هارُوْنُ وَالكَلِيْمُ مَحَلّاً

مِنْ نَبِيٍّ سَمَتْ بِهِ الأَنْبِياءُ [623].

أَنْتَ ثانِي ذَوِي الكِسا وَلَعَمْرِيْ

أَشْرَفُ الخَلْقِ مَنْ حَواهُ الكِساءُ

وَلَقَدْ كُنْتَ وَالسَماءُ دُخَانٌ

مابِها فَرْقَدٌ وَلا جَوْزاءُ

فِي دُجَي بَحْرِ قُدْرَةٍ بَيْنَ بُرْدَيْ

صَدَفٍ فِيْهِ لِلْوُجُوْدِ الضِياءُ

لَا الخَلا يَوْمَذاكَ فِيْهِ [624] خَلاءٌ

فَيُسَمَّي وَلَا المَلاءُ مَلاءُ

قالَ زُوْرَاً مَنْ قالَ: ذلِكَ زُوْرٌ

وَافْتَرَي مَنْ يَقُوْلُ: ذَاكَ افْتِراءُ

آيَةٌ فِي القَدِيْمِ صُنْعُ قَدِيْمٍ

قَاهِرٍ قَادِرٍ عَلَي ما [625] يَشاءُ

نَبَأٌ- وَالعَظِيْمُ قالَ- عَظِيْمٌ

وَيْلَ قَوْمٍ لَمْ تُغْنِها الأَنْباءُ [626].

لَمْ تَكُنْ فِي العُمْوْمِ مِنْ عالَمِ الذَرْ

رِ وَتَنْهَي عن العُمُوْمِ النُهاءُ

مَعْدِنُ الناسِ كُلِّها الأَرْضُ لكِنْ

أَنْتَ مِنْ جَوْهَرٍ وَهُمْ حَصْباءُ

شَبَهُ الشِكْلِ لَيْسَ يَقْضِي التَساوِي

إِنَّما فِي الحَقائِقِ الإِسْتَواءُ

لَا تُفِيْدُ الثَرَي حُرُوْفُ الثُرَيَّا

رِفْعَةً أَوْ يَعُمُّهُ اسْتِعْلاءُ [627].

شَمِلَ الرُوْحَ مِنْ نَسِيْمِكَ رَوْحٌ

حِيْنَ مِنْ رَبِّهِ أَتاهُ النِداءُ

قائِلاً: «مَنْ أَنا» فَرَوَّي قَلِيْلاً

وَهُوَ لَوْلاكَ فاتَهُ الإِهْتِداءُ

لَكَ إِسْمٌ رَآهُ خَيْرُ البَرايا

مُذْ تَدَلَّي وَضَمَّهُ الإِسْراءُ

خُطَّ مَعْ إِسْمِهِ عَلَي العَرْشِ قِدْمَاً

فِي زَمانٍ لَمْ تُعْرَضِ الأَسْماءُ

ثُمَّ لاحَ الصَباحُ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ

وَبَدا سِرُّها وَبانَ الخَفاءُ

وَبَرَا اللَّهُ آدَمَاً مِنْ تُرابٍ

ثُمَّ كانَتْ مِنْ آدَمٍ حَوَّاءُ [628].

شَرَّفَ اللَّهُ فِيْكَ صُلْبَاً فَصُلْبَاً

أَزْكياءً نَمَتْهمُ أَزْكِياءُ

فَكَأَنَّ الأَصْلابَ كانَتْ بُرُوْجَاً

وَمِنَ الشَمْسِ عَمَّهُنَّ البَهاءُ

لَمْ تَلِدْ هاشِمِيَّةٌ هاشِمِيَّاً

كَعَلِيٍّ وَكُلُّهُمْ نُجَباءُ

وَضَعَتْهُ بِبَطْنِ أَوَّلِ بَيْتٍ

ذاكَ بَيْتٌ بِفَخْرِهِ

الإِكْتِفاءُ

أُمِرَ الناسُ بِالمَوَدَّةَ لكِنْ

مِنْهُمُ أَحَسَنُوا وَمِنْهُمْ أَساءُوا

يَابْنِ عَمِّ النَبِيِّ لَيْسَ وِدادِيْ

بِوِدادٍ يَكُونُ فِيْهِ الرِياءُ

فَالوَرَي فِيْكَ بَيْنَ غالٍ وَقالٍ

وَمُوالٍ وَذُو الصَوابِ الوِلاءُ

وَوِلائِي إِنْ بُحْتُ فِيْهِ بِشَيْ ءٍ

فِبِنَفْسِيْ تَخَلَّفَتْ أَشْياءُ

أَتَّقِي مُلْحِدَاً وَأَخْشَي عَدُوَّاً

يَتمارَي وَمَذْهَبِي الإِتِّقاءُ

وَفِرارَاً لِنِسْبَةٍ لِغُلُوٍّ

إِنَّمَا الكُفْرُ وَالغُلُوُّ سَواءُ

ذا مَبِيْتِ الفِراشِ يَوْمَ قُرَيْشٌ

كَفَراشٍ وَأَنْتَ فِيْهِ ضِياءُ

فَكَأَنِّي أَرَي الصَنادِيْدَ مِنْهُمْ

وَبِأَيْدِيْهِمُ سُيُوْفٌ ظِماءُ

صادِياتٌ إِلي دَمٍ هُوَ لِلْمَا

ءِ طَهُوْرٌ لَوْ غَيَّرَتْهُ الدِماءُ

دَمِ مَنْ سَادَ فِي الأَنامِ جَمِيْعَاً

وَلَدَيْهِ أَحْرارُها أَدْعِياءُ

قَصُرَتْ مُذْ رَأَوْكَ مَنِهُمْ خُطاهُمْ

وَلَدَيْهِمْ قَد اسْتَبانَ الخَطاءُ

شَكَرَ اللَّهُ مِنْكَ سَعْيَاً عَظِيَْماً

قَصُرَتْ عَنْ بُلُوْغِهِ الأَتْقِياءُ

عَمِيَتْ أَعْيُنٌ عَنِ الرُشْدِ مِنْهُمْ

وَبِذاتِ الفِقارِ زالَ العَماءُ

يَسْتَغِيْثُوْنَ فِي يَغُوْثٍ إِلي أَنْ

مِنْكَ قَدْ حَلَّ فِي يَغُوْثَ القَضاءُ

لَكَ طَوْلٌ عَلَي قُرَيْشٍ بِيَوْمٍ

فِيْهِ طُوْلٌ وَرِيْحُهُ نَكْباءُ

كَمْ رِجالٍ أطْلَقْتَهُمْ بَعْدَ أَسْرٍ

أشْنَعَ الأَسْرِ إِنَّهُمْ طُلَقاءُ

يَرْدَعُ الخَصْمَ شاهِدانِ: حُنَيْنٌ

بَعْدَ بَدْرٍ، لَوْ قالَ: هَذا ادِّعاءُ

إِنَّ يَوْمَ النَفِيْرِ والعِيْرِ يَوْمٌ

هَوَ فِي الدَهْرِ رايَةٌ وَلِواءُ

سَلْ وَلِيْدَاً وَعُتْبَةً ما دَعاهُمْ

لِفِناءٍ عَدا عَلَيْهِ الفَناءُ

لا تَسَلْ شَيْبَةً فَقَدْ أَسْكَرَتْهُ

نَشْوَةٌ كَرْمُها القَنا وَالظُباءُ

قَدْ دَعَوا لِلنِزالِ أَنْصارَ صِدْقٍ

زانَ فِيْهِمْ عِفافُهُمْ وَالحَياءُ

بَرَزَ الأَوْسُ فِيْهِمُ فَأَجابُوا

- لا حَياءً-: لِتَبْرُزِ الأَكْفاءُ

ثُمَّ أَسْكَنْتَهُمْ بِقَعْرِ قَلِيْبٍ

بَعْدَما عَنْهُمُ يَضِيْقُ الفَضاءُ

وَحُنَيْنٌ وَقَدْ شَكَتْ ثِقْلَ حَمْلٍ

مُذْ وَطاها حُسامُكَ الغَيْراءُ

حَلَّ فِي بَطْنِها مِنَ الشِرْكِ رَهْطٌ

حارَبُوا المُصْطَفَي وَبِالإِثْمِ باءُوا

لَيْسَ إلّا مَخاضُها يَوْمَ حَشْرٍ

يَوْمَ لَمْ تَعْرِفِ المخاضَ النِساءُ

أُحُدٌ قَدْ أَرَتْكَ أَثْبَتَ مِنْهُمْ

يَوْمَ ضاقَتْ مِنَ القَنَا البَيْداءُ

يَوْمَ حاصَتْ لُيُوْثُ قَحْطانَ رُعْبَاً

وَبَلاءُ الأصْحابِ ذاكَ البَلاءُ

وَخَبَتْ جَمْرَةٌ لِعَبْدِ مُنافٍ

صَحَّ مِنْ حَرِّها الهُدَي وَالسَناءُ

لَسْتُ أَنْسَي إِذا نَسِيْتُ الرَزايا

كَبِدَاً فَلْذُهُ لِهِنْدٍ غِذاءُ

كَمْ شَرَقْتُمْ لاِلِ حرْبٍ بِحَرْبٍ

وَإِلي اللَّهِ تَرْجِعُ الخُصَماءُ

لَيْسَ خَطْبَاً بَلْ كانَ أَعْظَمَ خَطْبٍ

كَسْرُ سِنٍّ لَها النُفُوْسُ فِداءُ

فَرَّ مَنْ فَرَّ وَالمُنادِي يُنادِي

إثْرَ مَنْ لا بِسَمْعِهِمْ إِصْغاءُ

كُلُّ هذا وَأَنْتَ تَبْرِي نُفُوسَاً

هُمْ لِمَنْ حَلَّ فِي الصَفا رُؤَساءُ

وَلِصَبْرٍ صَبَرْتَهُ وَلِعِبْ ءٍ

قَدْ تَحَمَّلْتَهُ أَتاكَ النِداءُ

لا فَتَي فِي الأَنامِ إلّا عَلِيٌّ

وَكَذا السَيْفُ عَمَّهُ

اسْتِثْناءُ

ثُمَّ فِي فَتْحِ خَيْبَرٍ نِلْتَ فَخْرَاً

شاهِدُ الفَخْرِ رايَةٌ بَيْضاءُ

أُعْطِيَتْ ذا بَسالَةٍ قَدْ حَباهُ ال

-لهُ يَمِيْنَاً ما فَوْقَ هذا العَطاءُ

فَسَقَي مَرْحَبَاً بِكَأْسِ ابْنِ وُدٍّ

مُسْكِرَاً عَنْهُ تَقْصُرُ الصَهْباءُ

وَدَحا بابَ خَيْبَرٍ بِيَمِيْنٍ

هِيَ لِلدِيْنِ عِصْمَةٌ وَوِقاءُ

قالَ لَمَّا شَكَتْ مَواضِيْهِ سُغْبَاً

تِلْكَ أُمُّ القُرَي وَفِيْهَا القِراءُ

جاءَ نَصْرُ الإِلهِ فِي ذلِكَ اليَوْمِ

وَبِالفَتْحِ تَمَّتِ النَعْماءُ

وَحَدِيْثُ الغَدِيْرِ فِيْهِ بَلاغٌ

فِي مَعانِيْهِ حارَتِ الآراءُ

هَبَطَ الرُوْحُ مُسْتَقِلّاً بِأَمْرٍ

مِنْ مَلِيْكٍ آلآؤُهُ الآلاءُ

بِهَجِيْرٍ مِنَ الفَلا وَهَجِيْرٍ

مُحْرِقٍ مِنْهُ تَفْزَعُ الحَرْباءُ

قالَ: «بَلِّغْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ فِي مَنْ

تَشْكُرُ الأَرْضُ فَضْلَهُ وَالسَماءُ»

فَأَناخَ الرِكابَ بَيْنَ بِطاحٍ [629].

لَمْ يَحُمْ حَوْلَها الكَلا وَالماءُ

ثُمَّ نادَي أَكْرِمْ بِهِ مِنْ مُنادٍ

حانَ فَرْضٌ وَلِلْفُرُوْضِ أَداءُ

فَاسْتَدارُوا مِنْ حَوْلِهِ كَنُجُوْمٍ

حَوْلَ بَدْرٍ تُجْلَي بِهِ الظَلْماءُ

فَبَدا مِنْهُ ما بَدا فِيْكَ مَدْحٌ

فُتِحَتْ مِنْهُ فِتْنَةٌ صَمَّاءُ

هُوَ حُكْمٌ لكِنَّهُ غَيْرُ ماضٍ

رُبَّ حُكْمٍ قَدْ خانَهُ الإمْضاءُ

إِنّما المُصْطَفَي مَدِيْنَةُ عِلْمٍ

بابُها أَنْتَ وَالوَرَي شُهَداءُ

أَنَتْ فَصْلُ الخِطابِ حِيْنَ القَضايا

عَلَمٌ فِيْكَ تَقْتَدِي العُلماءُ

وَفَصِيْحٌ كُلُّ الأَنامِ لَدَيْهِ

بَعْدَ طه فَصِيْحُهمُ فَأْفاءُ

لَيْسَ إِلّاكَ لِلْبَلاغَةِ نَهْجٌ [630].

وَعَلَي النَهْجِ تَسْلُكُ البُلَغاءُ

ثُمَّ لَمَّا هُنالِكَ انْقَطَعَ الوَحْ

-يُ وَ فِي الخافِقَيْنِ قامَ العَزاءُ

وَبَكَتْ فاطِمٌ [631] لِفَقْدِ أَبِي الكُلْ

-لِ فَأَشْجَي القُلُوْبَ ذاكَ البُكاءُ

مُذْ تَرَدَّيْتَ لِلخِلافَةِ أَوْرَي

نارَهُمْ فِي القُلُوبِ ذاكَ الرَداءُ

يَوْمَ غُصَّتْ فَيْحاؤُهُمْ بِخَمِيْسٍ

زالَ فِيْهِ عَنِ القُلُوْبِ الصَداءُ

أَصْبَحَتْ ضُبَّةٌ كَأَصْحابِ نَخْلٍ

حانَ فِيْها عِنْدَ اللِقَاءِ البَقاءُ

وَأُبِيْحَتْ أَرْواحُهُمْ ودِماهُمْ

وَأُصِيْبَتْ أَمْوالُهُمْ وَالنِساءُ

وَبِصِفِّيْنَ وَقْعَةٌ ما عَلِمْنا

أَنْتَجَ الحَرْبُ مِثْلَها وَالوَغَاءُ

يَوْمَ وافَتْ كَتائِبُ الشامِ تَتْرَي

حِمْيَرٌ وَالسَكاسِكُ السُفَهاءُ

قادَهُمْ ذُو الكِلاعِ فِي يَوْمِ بَدْرٍ

مِثْلَما قادَ ذَا الكِلاعِ البِغَاءُ

لِخَمِيْسٍ فِي قَلْبِهِ أَسَدُ اللّ

-هِ وخَيْلٍ مِنْ فَوْقِها أصْفِياءُ

رُكَّعٌ سُجَّدٌ إِذا جَنَّ لَيْلٌ

حُلَفاءٌ مَعَ الوَغَي أَصْدِقَاءُ

عالَجُوا الشام بِالقَنا لِسَقامٍ

حَلَّ فِيْهِ وَالداءُ ذاكَ الداءُ

إِنْ تَسَلْ عَنْ مَصاحِفٍ رَفَعُوْها

هُوَ مَكْرٌ عَنِ الكِفاحِ وِقاءُ

شُبُهاتٌ كَفَي بِها قَتْلُ عَمّا

رَ بَيانَاً، لَوْ أَنَّهُمْ عُقَلاءُ

قَدْ تَجَرَّعْتَ صابَها لا لِشَوْقٍ

حَرَّكَتْهُ البَيْضاءُ وَالصَفْراءُ

يَوْمَ طَلَّقْتَها فَسامَتْكَ لَدْغَاً

وَهِيَ أَفْعَي يَعِزُّ فِيْها الرُقاءُ

قَلَّدَتْ كَلْبَ

مُلْجِمٍ سَيْفَ غَدْرٍ

قَدْ سَقَتْهُ زُعافَها الرَقْشاءُ

ما عَرَا الدِيْنَ مِثْلَ يَوْمِكَ خَطْبٌ

مُدْلَهِمٌّ وَنَكْبَةٌ دَهْياءُ

ثُمَّ كَرَّ البَلا وَأَيُّ بَلاءٍ

مُسْتَطِيْلٍ أَتَتْ بِهِ كَرْبَلاءُ

يَوْمَ باتَ [632] السَماءُ تَبْكِي عَلَيْهِمْ

بِدِماءٍ وَهَلْ يُفِيْدُ البُكاءُ

أَيُّهَا الراكِبُ المُهَجَّرُ يَحْدُوْ

يَعْمُلاتٍ مامَسَّهَا الإِنْضاءُ

يَمِّمِ الرَكْبَ لِلْغَرِيِّ فَِفِيْهِ

بَحْرُ جُوْدٍ وَروْضَةٌ غَنَّاءُ

ثُمَّ قُمْ فِي مَقامِ مَنْ مَسَّهُ الضُرْ

رُ وَغاداهُ كُلَّ يَوْمٍ عَناءُ

وَأَزِلْ عَبْرةً كَصَوْبِ سَحابٍ

هَطَلَتْ عَنْهُ دَيْمَةٌ وَطْفاءُ

وَالْتَثِمْ تَرْبَهُ وَقُلْ: يا غِياثِي

وَرَجائِي إِنْ خابَ مِنِّي الرَجاءُ

إِنْ أَتَتْكُمْ هَدِيَّةٌ مِثْلُ قَدْرِي

فَبِمِقْدارِكُمْ سَيَأْتِي الجَزاءُ [633].

للعلّامة المرحوم السيّد مهدي نجل العلّامة السيّد هادي الحسينيّ الشهير بالقزويني المتوفّي سنة (1366 ه) [634].

يا لائميَّ تجنّبا التفنيدا

فلقد تجنّبت الحسان الخُودا

وصحوتُ من سُكر الشباب ولهوه

لمّا رأيتُ صفاءه تنكيدا

ما شفّ قلبي حبّ هيفاء الدُمي

شغفاً ولا رمتُ المِلاح الغِيدا

أبداً ولا أوقفتُ صحبي باكياً

من رسم ربعٍ بالياً وجديدا

كلا ولا أصغيتُ سمعي مطرباً

لحنين قمريّ شدا تغريدا

لكنّني أصبحتُ مشغوف الحشا

في حبّ آل محمّدٍ معمودا

المطعمين إذا الشمال تناوحت

في بردها والهاشمين ثريدا

والمانعين لما وراء ظهورهم

والطيّبين سُلالة وجدودا

قومٌ أتي نصّ الكتاب بحبّهم

فولاهم قد قارن التوحيدا

فلقد عقدتُ ولاي فيهم معلناً

بولاء حيدرةٍ فكنتُ سعيدا

صنوُ النبيّ وصهرُه ووصيُّهُ

نصّاً بفرض ولائه مشهودا

هو علّة الإيجاد لولا شخصُه

وعُلاهُ ما كان الوجود وُجودا

قد كان للروح الأمين معلمّاً

لمّا تردّد حائراً ترديدا

هو ذلك الشيخُ الذي في صف

-حة العرش استبانَ لآدمٍ مرصودا

هو جوهرُ النور الذي قد شاقه

موسي بِسِينا فانثني رعديدا

ومذ انجلي بصرُ الخليل وشاهد ال

-ملكوتَ كان بحزبه معدودا

كم سرّ قدسٍ غامضٍ فيه انطوي

فلذاك فيه استيقنوا المعبودا

هو واجبٌ هو ممكنٌ هو اوّلٌ

هو آخرٌ قد حيّر الموجودا

يا جامع الأضداد في أوصافِهِ

جلّت صفاتُك مبدءاً ومعيدا

ما لُمْتُ من يدعوك أوّل صادرٍ

عنه صدور الكائنات وجودا

لم يفرض اللَّهُ الحجيجَ لبيتِهِ

لولم تكن في بيتِهِ مولودا

للأنبيا في السرّ كنتَ معاضِداً

ومع النبيّ محمّدٍ مشهودا

فلقتلِ جالوت وهتك جنودِهِ

طالوتُ باسمك قد دعا داودا

ولكم نصرتَ

محمّداً بمواطنٍ

فيها يعاف الوالد المولودا

من قَدَّ (عُتبةَ) و (ابنَ ودّ) و (مَرْحباً)

و (العبدرين) و (شيبة) و (وليدا)

ومن استهان قريش في بطحائها

وملكتهم وهم الملوك عبيدا

من ذلّل العرب التي لولاه ما

ذلّت وما ألوت لملكٍ جيدا

من أبهر الأملاك في حملاته

ولمن تمدّح جبرئيل نشيدا

(لا سيفَ إلّا ذو الفِقار ولا فتي

إلّا عليٌّ) حيث صاد الصيدا

ومن اغتدي في فتح خيبر مقدِما

وسواه كان الناكص الرعديدا

ولكم كفي اللَّه القتالَ بسيفه اس

إسلام يوم (الخندق) المشهودا

أردي بها عمروَ بن ودّ بضربةٍ

قد شيّدت دين الهدي تشييدا

أسني من القمرين كان وإنّما

عميت عيون معانديه جحودا

نفسي الفداء له إماماً صابراً

فقضي جميع حياته مجهودا

في طاعة الرحمن أفني عمره

بلْ لم يزلْ في ذاته مكدودا

لم يلقَ من بعد النبيّ محمّدٍ

إلّا الأذي والظلم والتنكيدا

حتّي إذا انبعث الشقيّ وقد حكي

بعظيم جرأته شقيّ ثمودا

وافاهُ في المحراب صبحاً ساجداً

ولكم أطال إلي الإله سجودا

فاستلّ مرهفه وهدَّ بحدّهِ

حِصناً علي دين الهدي محدودا

فأصاب طلعتَه الشريفةَ خاضِبا

منها كريمتَه دماً خنديدا

فهوي صريعاً في المصلّي قائلاً

قد فُزْتُ واللَّهِ العظيمِ سعيدا

أرداه والإيمان في محرابِهِ

وأصاب من دين النبيّ وريدا

في ليلة القدرِ التي قد شرّفتْ

أخبي بها مصباحَها الموقودا

تتنزّل الأملاكُ فيها كلُّهم

وعليهِ كان سلامُها تعديدا

جاءتْ تشيّعُ جسمه وتعودُ في

النفس الزكيّة للإله صعودا

يا ليلةً نادي الأمين بفجرها

قُتِلَ الوصيّ أخُ النبيّ شهيدا

قد هدّمتْ واللَّهِ أركانُ الهُدي

والعلم أمسي بابُهُ مسدودا

والصومُ من حزنٍ عليه وجوبُه

من حيث كان بشهرِهِ مفقودا

وأمضّ ما يشجي النبيّ وقوعُه

وله المدامعُ خدّدت أخدودا

فرحُ ابنِ آكلة الكُبود بِقتلِه

بشراً وأعلن في دمشق العيدا

ذهب الذي أمسي شجيً في حلقِهِ

وقذيً بعينيهِ فبات رغيدا

لهفي لآل محمّدٍ من بعدِهِ

مدّوا إلي سيف الضلال الجيدا

(فأبو محمّد) بعدَه في دفنِهِ

نحّوهُ عن قبر النبيّ طريدا

عافوهُ وهو إمامُهم واستبدلوا

حنقاً معاويةً به ويزيدا

دسّوا له السُمّ النقيع بزادِهِ

غدراً فغادرَ قلبه مقدودا

وقضي الحسينُ لُقيً بعرصة كربلا

ونساؤُهُ حسري تجوبُ البيدا

يتلُو علي رأس

المثقّف رأسُه

القرآنَ والتهليلَ والتمجيدا

ما هكذا أوصي النبيُّ بِآلِهِ

يا أُمّةً لا تعرفُ التسديدا

في مدح أميرالمؤمنين

وقال الحجّة السيّد محمّد عليّ خير الدين الهندي الحائري [635].

(1313-1394 ه):

ما عنَّ لي بارقٌ إلّا وذكّرني

عهدَ الغريِّ بذاك المُلتقي الحَسَنِ

فَبنيتُ أنشدُ والأشواقُ تقلقني

مَن لي بعاصفِ شملالٍ يبلّغني

أرض الغريّ فيلقيني وينساني

ذاك الغريُّ الذي قد حلّ ساحَته

أخو النبيّ الذي نرجو شفاعتهُ

واللَّهِ ما خابَ راجٍ ساقَ حاجَته

إلي الذي فرضَ الرحمانُ طاعَتهُ

علي البريّة من جنٍّ وإنسان

موليً إليه العُلا ألقي مفاتِحَهُ [636].

حتّي حوي المجدَ غاديهِ ورائحهُ

فهل يُبالي بِرِجْسٍ كان قادِحَهُ

عليٌّ المرتضي الحاوي مدائحه

أسفارُ توراة بل آيات قرآنِ

عليَّ للَّهِ نذرٌ من أخي ذممِ

إن يُنجني اللَّهُ من كربي ومن سَقَمي

أسعي علي الرأسِ حتّي ذلك الحرمِ

لا أستعين بشملالٍ ولا قدمِ

من تُربِ ساحته طوبي لأجفاني

قد كلّ في وصفه الزاكي تفكّرُنا

وحارَ في شأنه السامي تصوّرُنا

وازداد في قدره العالي تحيّرُنا

تنزّه الربُّ عن مثلٍ يخبّرُنا

بأ نّه ورسولُ اللَّه سيّانِ

أقامهُ اللَّهُ تأييداً لدعوتهِ

نوراً تنوّرتِ الدُنيا بجلوتهِ

قال المحبُّ مثالاً عن مروّتهِ

كأنّ رحمته في طيّ سطوتهِ

آرام وجرة في استاد خفّانِ

قد خاره اللَّهُ بعد المصطفي كرما

علي العباد لكي يهدي به اُمما

أكرمْ بهِ هادياً أنعمْ بهِ عَلما

عمّ الوري كَرماً فاقَ الذُري شَمما

روّي الثري عَنَماً من نَحرِ فرسانِ

لولاهُ ما أسلمتْ عربٌ ولا عجمُ

ولا تطهّرَ من أصنامه الحَرَمُ

أمست علي سيفه تثني الظبا الخذمُ

فالدينُ منتظِمٌ والشملُ ملتئِمُ

والكفرُ منهدِمٌ من سيفه القاني

سيفٌ بهِ أعينُ الكفّارِ لم تَنَمِ

وشِرعةُ المصطفي لولاهُ لم تُقمِ

تراهُ عندَ حلولِ البأسِ والنقَمِ

كالبرق في بَسَمٍ والنارِ في ضَرَمِ

والماء في سَجَمٍ من نحر أفنانِ

للَّهِ صمصامةٌ جبريلُ أنزلها

وقبلَ ذلك عزرائيل أصقلها

كأ نّما وهيَ نارُ اللَّه عجّلها

فقارها وهي في غمدٍ تجلّلها

آيُ الوعيد حواها جلدُ قرآنِ

موليً لهُ الأمرُ في الإيجاد والعدمِ

وحكمُهُ نافذٌ في اللوحِ والقلمِ

إمامُ صدقٍ فَمَن والاهُ لم يُضَمِ

قد اقتدي برسولِ اللَّه في ظُلَمِ

والناسُ طرّاً

عكوفٌ عند أوثانِ

تَعساً لأمّة سوءٍ اُمّة ضجرتْ

ذاك الإمام وفي إنكاره ابتدرتْ

ضلّت نَعَم عن طريق الحقّ إذْ كفرتْ

تعساً لها كيفَ ضلّتْ بعد ما ظهرتْ

لها بوارق آياتٍ وبرهانِ

ألم يكنْ والدُ السبطينِ أفضلَهُمْ

شأناً وأعدلهمْ حُكماً وأَفصَلهُمْ

إذْ خالفوا ربّهم فيه ومرسلَهُمْ

وهلْ اُريدَ سواهُ حينَ قالَ لَهُمْ

هذا عليٌّ فَمن والاهُ والاني

كمْ آيةٍ في كتاب اللَّه محكمةِ

في فضلهِ ونصوص غير مبهمةِ

فهلْ أتي واحدٌ منهم بمكرُمةِ

هلْ ردّت الشمسُ يوماً لابن حنتمةِ

أمْ هلْ هوي كوكبٌ في بيت عثمانِ

قُلْ نبّؤنيَ مَنْ مِنهم بصارمِهِ

قدْ هَدَّم الشركَ ضرْباً من دعائمِهِ

وأ يّهُمْ مَنْ غُمرنا في مراحمِهِ

هلْ جادَ يوماً أبو بكرٍ بخاتَمِهِ

مُناجياً بين تحريمٍ وأركانِ

ويلٌ علي عصبةٍ للغيِّ لازمةٍ

وفي مراعي الشقا والجهل سائمةٍ

عادوه من أجل دنياً غير دائمِةٍ

لولاهُ لم يجدوا كُفواً لفاطمةٍ

لولاهُ لم يفهموا أسرارَ قرآنِ

لولاهُ كان جميعُ الناسِ في ظُلَمِ

لولاهُ لمْ يأتِ موجودٌ من العدمِ

لولاهُ ما شاعَ دينُ اللَّه في الاُمَمِ

لولاهُ كان رسولُ اللَّهِ ذا عُقُمِ

لولاهُ ما اتّقدت مشكاةُ إيمانِ

في ذاتِهِ [637] تاهت الأفهامُ والفِكَرُ

ما بينَ من كفروا غالِين [638] أو سَتَروا

قالوا: إلهٌ وقالوا: إنّه بَشرُ

لولاهُ ما خُلِقَتْ شمسٌ ولا قَمَرُ

لولاهُ لم يقترنْ بالأوّل الثاني

فاقَ الوري كلّهم شأناً ومرتبةً

وكَم حوي فوقَهم فضلاً ومنقبةً

فهاكُموها من الآلاف واحدةً

هلْ في فراشِ رسولِ اللَّه باتَ فَتيً

سواهُ إذْ حُفّ من نصلٍ بِنيرانِ

مديحُهُ جاءَ مل ءَ الصُحفِ والزُبرِ

وفضلُهُ شاعَ في الآياتِ والسُورِ

فجلّ معناهُ عن إدراك ذي نَظَرِ

ما كان ربّاً ولكنْ ليس من بَشَرِ

وليسَ يُشغلُه شأنٌ عن الشانِ

هو العليُّ الذي لو جئت [639] مشهدَهُ

رأيتَ أعلي من الأفلاك مرقَدَهُ

هو الذي ربُّه بالرُوح أيّدهُ

هو الذي كان بيتُ اللَّه مولِدهُ

فطهَّرَ البيتَ من أرجاس أوثانِ

هو الإمامُ الذي ذُو العرش فَضَّلَهُ

وبالمعاجز والآيات خَوَّلهُ

هو الذي خَدَمَ الأملاكُ منزلَهُ

هو الذي من رسول اللَّه كانَ لَهُ

مقامُ هارونَ من موسي بن عمرانِ

سادُ النبيّين من تالٍ

ومن سَلَفِ

فلم يُدانُوه في عِزٍّ وفي شَرَفِ

هو الذي حُبّهُ من أعظم الترفِ

هو الذي صارَ عرشُ اللَّه ذا شَنَفِ

إذْ صار قُرطَيهِ إبناهُ الكريمانِ

أكفّهُ سمحتْ ناهيك [640] ما سمحتْ

آلاء فاضتْ بها الأكوانُ ما برحتْ

فالبحرُ لم يكُ إلّا بعض ما رشحتْ

أقدامهُ مسحتْ ظهراً به مسحتْ

يدُ الإله بتبريدٍ وإحسانِ

يا مَنْ لرفعتهِ الأملاكُ قد خضعتْ

ومَن إلي بابه الحاجاتُ قد رُفِعَتْ

يا جامعاً لمزايا قطُّ ما اجتمعتْ

يا واضعاً قدميه حيثُما وُضِعَتْ

يدُ الإله عليهِ عزَّ من شانِ

ذُو ساعدٍ قدْ تولّي النفعَ والضَررا

لو شاءَ لم يُبقِ من أعدائه أَثَرا

وراحةٍ بنداها أخجلَ المَطَرا

عمَّت شآبِيبُهُ الآفاق إن شَجَرا

سقتهُ فهو مَعَ الطوبي بصنوانِ

ما البحرُ إذْ يقذفُ الأمواجَ هائلةً

وما الغمامةُ إذ تنهلّ هاطلةً

كسيّدٍ يُسبِلُ الآلاءَ واصلةً

تفيضُ راحتُه للناس معجلةً

عقد اللّالي بلا مهلٍ كنيسانِ

مُنوّلٌ لم يخبْ بالردّ آملُهُ

كلّا ولم تنقطعْ يوماً نوائلُهُ

نَعَمْ هو البحرُ والإحسانُ ساحِلُهُ

رَحْبُ الأكُفِّ إذا فاضتْ أنامِلُهُ

لو لم يقلْ حسبُ، ثنّي يومَ طوفانِ

إذا أتاهُ منيبٌ عن جرائمهِ

أجدي عليهِ وأغضي عن مآثمهِ

لكنّه إنْ تجلّي في ملاحمهِ

ما تستقرُّ الرواسي تحتَ صارِمهِ

كالطورِ تندكّ من أسٍّ وبنيانِ

وصيّةٌ من رسول اللَّه متبَعةٌ

في ضمنها حِكَمُ للَّهِ مودَعَةٌ

قد قيّدتْهُ فكانتْ لِلعِدي سَعَةٌ

لولا الوصيّةُ فالشيخانِ أربعَةٌ

يومَ السقيفةِ بل عثمانُ إثنانِ

نَعَمْ تقلّبت الدُنيا بسادَتِها

لِعُصبةِ قد أقامتْ في عنادَتِها

باعتْ هُداها وغابتْ عن سعادَتِها

فيا عجيباً من الدُنيا وعادَتِها

أن لا تساعد غيرَ الوغدِ والدانِي

مَن ربّهُ قبلَ خلقِ الناسِ عَيَّنَهُ

ومن رِقابِ رُؤُوسِ الكُفرِ مَكَّنَهُ

وفَضلَهُ في جميع الكُتبِ بَيَّنةُ

مَن كان نَصُّ رسول اللَّه عَيَّنَهُ

لإمْرةِ الشرعِ تَبليغاً بِإِعلانِ

أوحي الجليلُ إليهِ بَلّغِ الاُمَمَا

إنّي نَصَبتُ عليّاً بينَهمْ عَلَما

فقالَ: يا ربِّ أخشي منهم بَرَما

فقال: بلّغْ وإلّا فادْرِ أ نّكَ ما

بَلَّغْتَ حَقَّ رِسالاتي وتِبياني

رأي الأوامرَ مِن باريهِ قد غَلُظَتْ

فقامَ مِن فوقِ أحداجٍ لَهُ نُصِبَتْ

وبلّغَ الوحيَّ والأملاكُ قدْ شهدتْ

بينَ الجماهيرِ في بَيداءَ قد مُلئَتْ

بكلّ مَن كانَ

من أعقابِ عدنانِ

أَمْسَتْ ولايتهُ إذْ ذاكَ واجِبَةً

وحيثُ كانتْ علي الأعْداءِ نائِبَةً

أَخْفَتْ من المَكْرِ في الأحشاءِ شائِبةً

وقال صحبُ رسولِ اللَّه قاطبةً:

بَخٍ لِذاكَ وكان الأوّلُ الثانِي

مَن أظهرَ اللَّهُ في معناهُ قدرَتَهُ

فاعجبْ إذا أمِنَ الأعداءُ سَوْرَتَهُ

لمّا أضاعُوهُ أُفديهِ وعترتَهُ

مِن بعدِ ما شدَّدَ الرحمنُ إمرَتَهُ

علي الرسول بإحكامٍ وإتقانِ

كان الرسولُ ولمْ يبرحْ ملقّنَهُمْ

ولايةَ المرتضي كيما يوطِّنهُمْ

حتّي قضي والقضا أفضي ليفْتِنَهُمْ

تقدّمتْهُ أُناسٌ ليس عيَّنَهُمْ

نصُّ الإلهِ ولا منطوقُ بُرهانِ

كَمْ شيّدوا هيكلاً وانهدّ هيكلُهُمْ

ومثّلوا فَهْلَلاً وانبثّ فهللهُمْ

فقدّموا نَعْثَلاً إذْ ماتَ نَهْشَلُهُمْ

حتّي إذا جدّثَ الأجداثَ نَعْثَلُهُمْ

بينَ اليهودِ بتحقيرٍ وخِذلانِ

وحينَ عادَ إليهَ الأمرُ مُنتَهِيا

وقرّ فوقَ سريرِ الملكِ مُستَوِيا

قامتْ حُميراءُ بالأجنادِ وهيَ هِيا

من بعد ذاكَ ابنُ هندٍ قامَ مدّعِيا

مُمَوِّهاً أمرهُ من ثارِ عُثمانِ

مَن في ولايتهِ كَمْ آيةٍ نزلَتْ

ومن صنائعِهِ في الناس كمْ جملتْ

بنصرِهِ غِيَرُ الأيّام قد بخلتْ

مَن اُمّهُ جهلتْ ممّن بِهِ حملتْ

أهل الخلافة بين الإنسان والجان

يا دهرَ شؤمٍ مضي ما كان أبخلَهُ!

علي الأكارم بَلْ ما كان أجهلَهُ!

ما أقبحَ الدهرَ إنْ شخصٌ تأمّلَهُ

لا أضحك اللَّه سنّ الدهرِ إنّ لهُ

قواعداً عدلت عن كلّ ميزانِ

مع الإمام أميرالمؤمنين وليد البيت

أنشئت في رجب 1365 ه، من ديوان (مع النبيّ وآله) لآية اللَّه السيّد محمّد جمال

الهاشمي (1332-1397 ه)، الجزء الأوّل، 1406 ه، قم.

وقال السيّد محمّد جمال الهاشمي (1332-1397 ه) بعنوان:

يحتفل التاريخُ باليوم الأغرّ

يا شعرُ أبدعْ في المعاني أو فَذَرْ

هذا مجالٌ يعثرُ الفكرُ بِهِ

ويخفقُ القلبُ ويحسرُ النظرْ

صفْ كلّما تشاءُ واتركْ صورةً

علّقها بالعرش باري ءُ الصورْ

ماذا تقولُ في هيولي نقطةٍ

تضيقُ في عالمها دُنيا الفِكرْ

إنْ قلت هذا بشرٌ، قال الحِجا

استغفرُ الوجدان، ما هذا بشرْ

أو قلت فيه ملكٌ أجابني

هل ملكٌ يحكيه عيناً وأثرْ

حارتْ به الشعوبُ، شعبٌ منكرٌ

لهُ وشعبٌ فيهِ غالي فكفرْ

هذا مقامٌ يقفُ العقلُ بهِ

مردّداً بينَ الورودُ والصدرْ

قدّمتُ قلبي لكم في يومهِ

والعقل أزويهِ لأيّام اُخرْ

يا قلبُ هذا مسرحُ الحبِّ فنلْ

جائزةَ

الخُلد بدورك الأغرّ

واختصر الحديثَ فيه إنّما

رسالةُ الشوق حديثٌ مختصرْ

وسائِلِ الكعبةَ عن وَليدها

مَنْ شرّفَ البيتَ وقدّسَ الحجرْ

واسترقِ السمعَ بِنادي مضرٍ

فالخبرُ الموثوقُ في نادي مضرْ

وانظرْ أبا طالب في مجلسهِ

يمتلكُ القلبَ ويملأُ النظرْ

وحولَهُ مِن هاشمٍ عصابةٌ

يُنمي لها المجدُ ويُنسبُ الخطرْ

تصغي إلي أسمارِهِ مُرتاحةً

في الليلةِ القمراءِ ما أحلي السمرْ

قد سَحَرَ الأسماعَ في حديثِهِ

فلمْ تفُقْ حتّي تجاوزَ السحرْ

لا غروَ إنْ أسكرَهُ منطقُهُ

فمنطقُ الشاعرِ شهدٌ وسكرْ

يدورُ في الحديثِ حولَ حادثٍ

قد حيّرَ البدوَ وأذهلَ الحضرْ

في البيتِ حيثُ الطيرُ لا يعبُرُهُ

قدساً وحيثُ الوحشُ لايَرعي الحذرْ

قد وضعتْ فاطمةٌ وليدَها

منزَّهاً من كلّ رجسٍ وكدرْ

وأقبلتْ بِهِ إلينا باسِماً

وقبلَه لمْ نَرَ بسمةَ القمرْ

إنّي أري لابنيَ شأناً تنطوي

فيهِ شؤونُ غيرِهِ إذا انتشرْ

سيُدهِشُ التأريخَ في أعمالهِ

ويملأُ الدُنيا عظاتٍ وعبرْ

يهني أبو طالب فيهِ إنّه

معجزةُ الدهر وآيةُ القدرْ

لولاهُ ما قامَ لدينِ أحمدٍ

ركنٌ وما انهدَّ الضلالُ واندثرْ

لا غروَ إمّا احتفلَ الإسلامُ في

ميلادِهِ فإنّهُ ذكري الظفرْ

ويا وليدَ البيتِ هذي نفحةٌ

فاضَ بِها القلبُ سُرُوراً وانهمرْ

جئتُ بها مبتكراً طريقةً

في المدح فامنحني عطاءً مبتكرْ

وانظرْ لدُنيا الدينِ والعلمِ فقدْ

أمستْ تُعالجُ الخُطوبَ والغيرْ

وانصرْ رِجالاً جاهدوا دونَ الحِمي

وهاجموا الخطبَ وقاوموا الخطرْ

مولايَ واغفرْ لي إذا ما زلّ بي

شعري فزلّاتُ الأديبِ تغتفرْ

وقال بعنوان:

سيزدهم رجب

ألقيت (في رجب 1361 ه) في الحفل الكبير الذي أقامته لجنة إزاحة الستار عن الشباك

الفضّي الجديد لحرم أمير المؤمنين عليه السلام في الصحن الشريف.

يومٌ عنتْ لجلالهِ الأيّامُ

الدينُ يفخرُ فيهِ والإسلامُ

يومٌ بهِ وُلِدَ الوَصِيُّ فهلهلتْ

منّا القلوبُ وغنت الأحلامُ

وسما بهِ البيتُ الحرامُ جلالةً

وتنكسّتْ ذُلاًّ لهُ الأصنامُ

وتلألأ القرآنُ في إعجازِهِ

وزهتْ به الآياتُ والأحكامُ

ومشي النبيُّ ووجهُهُ مُتهلّلٌ

بالبشرياتِ وثغرُهُ بَسّامُ

يتلو بِهِ الآياتِ وهيَ نشائدٌ

فيهِ تسامي الوحيُ والإلهامُ

الحقُّ أشرقَ فجرُهُ من بعدِما

غطّي عليهِ من الضلالِ ظلامُ

والدينُ أينعَ حقلُهُ وتمايلتْ

أغصانُهُ وانشقّتِ الأكمامُ

ومضي يجدُّ بنشرِ كلّ فضيلةٍ

في اُمةٍ لعبتْ بها الآثامُ

ويبلّغ الأعوام دعوته التي

سارتْ علي أضوائها الأعوامُ

ويوحدّ

الأقوام في دستورهِ

وكم انمحتْ بخصامها الأقوامُ

ساوي الأنامَ بعدلِهِ فتحررتْ

بإخائها الأقوالُ والأقلامُ

فإذا السلامُ علي الأنامِ مرفرفٌ

وإذا القلوبُ علي الصفاء حيامُ

وُلِدَ الوصيُّ ومَن بحدّ حسامِهِ

للدينِ والإسلامِ قامَ دِعامُ

سلْ عنهُ بدراً، خيبراً أُحُداً وقلْ

مَنْ خاضَ فيك الموتَ وهو زُؤامُ

يا ليلةَ الغارِ التي تأريخُها

نورٌ تشعُّ بقدسِهِ الأيّامُ

باللَّهِ مَنْ فادي النبيَّ بنفسِهِ

وحلا لَهُ تحتَ السيوفِ نِيامُ

عرفَ الهدايةَ في نبوّةِ أحمدٍ

حقاً فآمَنَ فيهِ وهو غلامُ

وسري يُميطُ عن الحقائق حجبَها

والناسُ قد غمرتْهم الأوهامُ

في الحقّ لم تأخذْهُ لومةُ لائمٍ

أبداً ولا الإكبارُ والإفخامُ

يقضي كما شاءَ الإلهُ فلم يفدْ

في ما أفادَ النقضُ والإبرامُ

غذّتهُ أخلافُ النبوّةِ دَرَّها

فنما ولمْ يعرضْ عليهِ فِطامُ

حتّي غدا بابَ العلوم وحولَهُ

للوفدِ قامتْ ضجّةٌ وزحامُ

وسمتْ بِهِ للَّهِ ذاتٌ لم يكنْ

لسوي الهدي يوماً لَهُ استسلامُ

ذاتٌ مقدّسةٌ تحارُ بكنهِها

مِنّا العقولُ وتقصرُ الأفهامُ

هنّيتَ يا رجبَ الأصبَّ بِمولِدٍ

طهرتْ به الأصلابُ والأرحامُ

حفلتْ لِمقدمِهِ الملائكُ وازدهتْ

فيهِ الجنانُ ورفّت الأنسامُ

وعلي الطبيعةِ روعةٌ سحريّةٌ

تزهو بها الآكامُ والآجامُ

دُنيا الهدي احتفلتْ بِهِ وتفايضتْ

من أُفقها الأنوارُ والأنغامُ

والكعبةُ الغرّاءُ شعشعَ بيتُها

وزها بها حجرٌ وطاب مقامُ

وسما بهِ وادي السلامِ ولألأتْ

منهُ السهولُ وشعت الآكامُ

وعليهِ من حَرَمِ الولايةِ حُرمةٌ

ولهُ من القبرِ الشريفِ وِسامُ

حَرَمٌ تطوفُ به الملائكُ خشّعاً

فلها قعودٌ حولَهُ وقيامُ

مشت الملوكُ إليه خاشعةً وقد

عنت الوجوهُ وذلّ منها الهامُ

تسعي لتقبيلِ الضريحِ ونحوَهُ

تتسابقُ الألحاظُ والأقدامُ

أضريحُ قدسٍ ذاكَ أمْ هو هالةٌ

للنور فيها ينجلي الإظلامُ

قد زخرفتْهُ يدُ الصناع بريشةٍ

فتّانةٍ يعيي بها الرسّامُ

واستودعتْهُ الهندُ سحرَ فُنونِها

يبدو بها الإبداعُ والإحكامُ

جاءتْ لتكتسبَ الخُلودَ بنصبِهِ

قومٌ لهمْ في المكرُماتِ مقامُ

تبدي الولاءَ إلي الإمامِ بِهِ وقدْ

كرمتْ وحقّ لِمِثلها الأكرامُ

لَكَ يا أميرَالمؤمنين قصيدةٌ

رقَّ الشعورُ بها وراقَ نظامُ

وعواطفٌ علويّةٌ قد هاجها

منّي هيامٌ بالولا وغرامُ

هذا العراقُ بِهِ تباشر شعبُهُ

طَرَباً ترفُّ باُفقهِ الأعلامُ

وقال:

ميلاد الإمام

ألقيت في رجب 1376 ه.

عيدٌ ويومُكَ للعواطفِ عيدُ

فيهِ لكلّ قريحةٍ تغريدُ

يومٌ أبانكَ للوجودِ كأنّما

فيهِ أُفيضَ علي الوجودِ وجودُ

ما كنتَ

إلّا الفجرَ فاجاً اُمةً

مرتْ عوالمها ليالٍ سودُ

بكَ يبتدي التأريخُ تاريخُ السما

وإليك موكبُهُ السعيدُ يعودُ

البيتُ بيتُ اللَّه جلّ جلالُهُ

لا ما بنتْهُ قضاعةٌ وزَبيدُ

هو مقصدُ الأرواحِ حينَ عُروجها

للحقّ يحدو ركبَها التجريدُ

يسعي له التسبيحُ وهو مطأطي ءٌ

ذُلاً ويلثمُ ساحَه التحميدُ

هو رمزُ معنيً لا يحيطُ بكنهِهِ

لفظٌ أشار لاُفقهِ التوحيدُ

بيتٌ يطوفُ بِهِ الخلودُ مدلَّها

فَلَهُ ركوعٌ حولَهُ وسجودُ

اللَّهُ قدّسَ ساحتيهِ فما حوي

إلّا الجلالَ فضاؤُهُ الممدودُ

غفلتْ فهامتْ مريمٌ مطرودةً

منهُ وضاعَ مقامُها المحمودُ

ووُلِدْتَ فيهِ فأيّ سِرٍّ كامِنٌ

بِكَ قد تقدّسَ سِرّهُ المولودُ

بَشَرٌ بأفْقِ اللَّه يبزغُ نجمُهُ

فشعاعُهُ من نُورِهِ موقودُ

سُبحانَ مجدِكَ يَنتمي لأواصِرٍ

باللَّهِ حبلُ نِظامها مشدودُ

لا غروَ إنْ عبدتْكَ منهمْ فرقةٌ

فجمالُ وجهِكَ للهوي معبودُ

مولايَ هَبْ لي من رحيقِكَ جُرعةً

يقوي بها تفكيري المكدودُ

فالحادثاتُ وما أمضَّ هُجومَها

أبلتْ قواي فعالَمي مهدودُ

ويكادُ لولا أنّ لطفَكَ عاصِمي

ينحلُّ حفلُ جهادي المحشودُ

فإذا نظرتَ إلي حياتي رحمةً

سعدتْ وأمرعَ حقلُها المخضودُ

ورجعتُ يصحبُني النجاحُ بموكبٍ

في جانبيّ لواؤُه معقودُ

وقال بعنوان:

ولد الوصيّ

من قصائد الجهاد المقدّس، في ميلاد الإمام عليه السلام ألقيت في رجب 1378 ه في

الحفل التأريخي العظيم الذي أقامته كربلاء بمناسبة الدفاع عن الإيمان.

تبقي وتفني حولَكَ الآثارُ

مجداً بِهِ تتفاخرُ الأحرارُ

بِكَ يَرفعُ الحقُّ المضامُ لواءَهُ

ويرفُّ باسمِكَ للجهادِ شعارُ

ولأنتَ للنهضاتِ فجرٌ تنمحي

بشعاعِهِ الآثامُ والأوزارُ

عبّدتَ للتاريخِ نَهْجاً لاحِباً

يجري بِهِ الأيمانُ والإيثارُ

وأريتَهُ كيفَ العقيدةُ إنْ طغتْ

وهت الخطوبُ وهانَت الأخطارُ

فردٌ يُناضلُ دولةً وسلاحُهُ

في وجهِها إيمانُهُ القهّارُ

كيفَ الإباءُ إذا تشظّي جمرُهُ

منهُ تطايرَ للخلود شرارُ

كيفَ الشهادة تغتدي اُمثولةً

بجلالِها تستشهدُ الأعصارُ

تحيي أبا الأبرارِ إنّك جنةٌ

في ظِلها تتنعمُ الأبرارُ

وفدتْ يسوقُ بها الولاءُ مواكبٌ

لَكَ ملؤُها الإعظامُ والإكبارُ

في ليلةٍ تحكي النهارَ وضاءةً

وترقّ في أطرافها الأسمارُ

وتقدّمتْ بالتهنياتِ بمحفلٍ

بهرَ العيونَ جمالُهُ السحّارُ

حفلٌ اُقيمَ علي اسمِ أكرمِ مولدٍ

فيهِ ازدهي فهرٌ وطال نزارُ

في البيت أشرق فجرُهُ فتلألأتْ

فيهِ المناسكُ فهي منهُ تنارُ

وُلِدَ الوصيُّ أخو النبيِّ وصهرُهُ

ولسانُهُ وحسامُهُ البتّارُ

وأبو النُجوم الغُرّ مَنْ لِسمائِهِمْ

تُنمي الشموسُ

وتُنسبُ الأقمارُ

وفتي المواقِفِ ماجَ منها خيبرٌ

نوراً ورفّ علي حُنَيْن الغارُ

مَنْ في مناقبِهِ وغُرّ صفاتِهِ

تتجاوبُ الأبرارُ والأشرارُ

اللَّهُ قد صلّي عليهِ فما تري

تضفي عليه بحمدِها الأشعارُ

فاهنأْ أبا الشهداءِ في عيدٍ بِهِ

لأبيكَ طالَ علي الخُلودِ مَنارُ

وقد احتفي الإسلامُ باسمِكَ

ناشراً لَكَ صفحةً ماجتْ بها الأنوارُ

فلكربلاءَ مكانةٌ قدسيّةٌ

بِكَ لاتزاحمُ مجدَها الأمصارُ

ها هُمْ بَنُوكَ بَنُو المفاخِرِ يزدهي

بِهِمُ النديّ ويعمرُ المضمارُ

الكابحون السيلَ في عزمٍ لَهُ

خَشَعَ الأبيُّ وأذعنَ التيّارُ

والمؤمنون الصادقون بموقِفٍ

ينهارُ فيهِ الفارسُ المغوارُ

وقفوا وبركانُ الحوادثِ ثائرٌ

هزّ الزمانَ دويُّهُ الهدّارُ

اللَّهُ يشكرُ سعيَها فلقد حمي

حرمَ الحسينِ جهادُها الجبّارُ

وقال بعنوان:

يا ابا النهج

ألقيت في الحفل التاريخي الجهادي في كربلاء في السنة الثالثة في ميلاد أمير

المؤمنين عليه السلام أنشئت في جمادي الآخرة 1380 ه.

بِكَ مجدي طاولَ النجمَ ارتقاءا

وبنجواكَ اغتدت أرضي سماءا

يا شهيدَ الحقّ في واقعةٍ

هزّت الحقّ كياناً وبناءا

دعوةٌ منك بها اجتزتَ الأولي

ملكوا الدنيا فخاراً وعلاءا

فسعي نحوَكَ عمري فادياً

لَكَ دُنياهُ وإنْ قلّتْ فداءا

أنتَ قد شرّفتني في موقفٍ

جاوزَ الشمسَ سُموّاً وسناءا

موقفُ الإسلام في ملحمةٍ

جهّز الإلحادُ فيهِ العُملاءا

وأعادت كربلا تاريخَها

وأزادته ائتلاقاً واعتلاءا

الحسينُ السبطُ يرعي سيرَها

وهي ترعاهُ جهاداً وابتلاءا

صدّت التيّارَ في فورتِهِ

فتلاشي ضغطُه الطاغي هباءا

شكر اللَّهُ لها المسعي الذي

خلّد الإيمان فيها كربلاءا

يا أبا السبطين عذراً إنْ كبتْ

عاطفاتي فيكَ مدحاً وثناءا

ما يخطُّ الفنُّ من اُفقٍ نأي

عن مراميهِ غموضاً وانجلاءا

عيدُك الأكبرُ لا يبلغُهُ

منطقُ الشعرِ وإنْ جلّ أداءا

إنّ ميلادَكَ فجرٌ شمسُهُ

تسكرُ الأكوان سحراً ورواءا

ظهرَ الحقّ بِهِ وافتضحتْ

زعقاتُ تدّعي الحقّ امتراءا

أيُ ميلادٍ قد امتازَ علي

غيرِهِ معنيً ومجليً وصفاءا

أَبِبَيْتِ اللَّهِ في ناموسِهِ

حيثُ يزدادُ بِهِ السِرُّ خَفاءا

يتجلّي المرتضي في هيكلٍ

يخشعُ العقلُ لِمعناهُ احتذاءا

إنّها منزلةُ للقربِ ما

حازها في اللَّهِ إلّاهُ ارتقاءا

فجديرٌ وهو في ميلادِهِ

معجزٌ قد بلبلَ العقلَ انتشاءا

أنْ تُغالي فيهِ أقوامٌ رأتْ

فيهِ ما في غيرِهِ لا يُترائي

يا أبا النَهْجِ الذي آياتُهُ

تغمرُ الكونَ جلالاً وبهاءا

منكَ يا مولايَ أرجو قَبَساً

يرشدُ الفكرَ

إذا زلّ التواءا

أنا والموقفُ يستدعي قويً

تصدعُ الباطلَ وَعياً ودهاءا

أتحدّي سَوْرة الشرِّ وقدْ

عصفتْ فينا عُتُوّاً ودهاءا

لي من الإيمان أقوي طاقةٍ

تدحرُ الأحداثَ عزماً ومضاءا

بيد أنّي أقتدي فيكَ لكيْ

ابلغُ المرمي اقتداءاً واهتداءا

كنتَ تبني كلّ ما يهدمُهُ

معولُ البغي انتقاداً وازدراءا

وكذا صمّمت ترميمَ الذي

هدّهُ الجهلُ اجتراءاً واعتداءا

سأُداري النش ءَ في أحلامِهِ

واُجاريهِ اندفاعاً وانطواءا

قاصد مقصده في طرقٍ

تأمن السيرَ أماماً ووراءا

فهو إنْ حاولَ دُنياً حرّةً

من خرافات بها ضاقَ فضاءا

فلقدْ حرّرتُ نفسي حينما

كشفَ الإيمانُ عن عيني الغطاءا

أيّها النشؤُ الذي موكبه

يسبقُ التأريخَ وعياً وذكاءا

خفّف السيرَ فقدْ جُنّ بِهِ

سائقُ الركبِ نداءاً وحداءا

أنتَ تبغي غايةً يضبطُها

رائدُ العقلِ ابتداءاً وانتهاءا

فعلي مقياسِهِ تنشئهُ

عالماً يندي رفاهاً ورخاءا

يهبُ الإنسانَ ما يطلبُهُ

من حياةٍ يتوخّاها اشتهاءا

فإلي الإسلامِ يا نشؤُ ففي

ضلّهِ قد حقّقَ اللَّهُ الرجاءا

في ضلال العقلِ والوجدانِ قدْ

غرس التشريع فامتدّ نماءا

ربط الإنسان باللَّه لكي

يضبط الحرص اعتداءاً واجتراءا

فالذي يؤمنُ بالغيبِ لهُ

كان عن إجرامه الغيبُ وقاءا

وانبري للنفسِ كي يصلحَها

إذْ شفاها كانَ للجهلِ شفاءا

فهي في البيتِ وفي السوقِ لها

أثرٌ لم يخفَ هدماً وبناءا

فإذا ما صلحتْ ساد الهنا

وإذا ما فسدتْ عمّتْ شقاءا

إنّهُ يُصلحها في حكمةٍ

حيّرتْ فيما أرتأتْهُ الحكماءا

يربطُ الإنسانَ بالإنسانِ في

نظمٍ تنبضُ صفحاً وإخاءا

وإذا الحبُّ فشا في اُمةٍ

طفحتْ أيّامُهُ البيضُ هناءا

عالج الأدواء حتّي برئتْ

فيه أجواء بها ضاقتْ عياءا

يصرعُ الفقرَ بتوزيعٍ بِهِ

يضخمُ الربح ويثري الفقراءا

فزكاةُ المالِ لو طبّقْتَهُ

فاضت الأسواقُ نفعاً وثراءا

ولما نامَ غنيٌّ خائِفاً

من فقيرٍ ضجّ جوعاً وعراءا

ولما أصبحَ (رأسُ المالِ) في

عاصفٍ ثارَ علي الدنيا بلاءا

اقتصادٌ نفعُهُ مُشتركٌ

شاطَرَ المعوزُ فيهِ الأثرياءا

يمنحُ العامل ما يأمُلُهُ

وذوي المعملِ ما يكفي ارتواءا

وتري الفلّاحَ والملّاكَ في

شركةِ الأرضِ كما شاءا سواءا

ولمن أقعدهُ الدهرُ تري

ملجأ فيه له يأوي التجاءا

فجميعُ الناس في أرباح ما

تنتجُ الأسواقُ صاروا شركاءا

إنّما الإسلام في أحكامه

يلحظ الواقعَ أخذاً وعطاءا

يا أبا السبطين يا مَنْ ذكرُهُ

يهبُ الروحَ نشاطاً وفتاءا

إنّما يومك قد ألهبني

فتفجّرتُ احتفالاً واحتفاءا

وإلي

مغناك وجّهتُ المُني

لتري في جوّهِ اُفقاً مضاءا

نحنُ في دُنياً بها ضاعَ الهُدي

واختفي الواقعُ كذباً ورياءا

هاجمتْنَا بالمبادي زمرةٌ

تحسبُ الإيمان بيعاً وشراءا

غرّرتْ سُذّاجَنا فانبعثتْ

تهدمُ التاريخَ جهلاً وغباءا

وغزتْ أفكارنا في منطقٍ

فوضويٍّ يلهبُ الحقد اصطلاءا

فإذا الإخوانُ اعداءٌ بِلا

سببٍ ينتجُ حقداً وجفاءا

وإذا في كلّ قطرٍ حادثٌ

راحَ يشجي المخلصين الاُمناءا

وإذا في كلّ بيتٍ ساحةٌ

ترتوي منهُ دموعاً ودماءا

أيّها الشعبُ الذي تعزي إلي

مجدِهِ دُنيا الحضارات انتماءا

كم غزا أرضكَ باغٍ فرأي

فيك صخراً يصدمُ البغي إباءا

إنّ هذي غزوةٌ مفجعةٌ

من بغيٍّ تعرض الداء دواءا

فتيقّظْ إنّها بارعةٌ

في استلاب الروحِ مدحاً وهجاءا

وإذا الروحُ انطوتْ عنك فلا

ترتجي من بعدِ ما تفني بقاءا

فتمسّكْ بعليٍّ إنّهُ

يعصمُ اللاجي إذا صحّ ولاءا

وخذ الإسلامَ نهجاً ما خَبَا

نورُهُ الزاهي ولا يخبُو انطفاءا

واجعل القرآنَ دُستوراً بِهِ

يهتدي العدلُ نظاماً وقضاءا

كلّ حكمٍ شذّ عن منهاجِهِ

عادَ بالخزي علي القاضي وباءا

فشعاعُ الشمس لا يُنكرُ مِن

أعمشٍ لا يبصرُ النورَ عشاءا

وكلامُ اللَّهِ لا ينقصُ مِن

قاصرٍ طاوَلَ مَرماهُ ادّعاءا

فتمسّكْ فيهِ واتركْ غيرَهُ

فالهدي عن غيرِهِ كانَ براءا

ها هوَ الوضعُ الذي آفاقُهُ

كادَ أنْ يغمرَها النورُ انجلاءا

إذْ مشي التاريخُ بالاُمّةِ في

موكبٍ قد رفعَ الدين لواءا

فستمحي نظمٌ قد خالفتْ

صبغةَ الإسلامِ لوناً وطلاءا

وستنهارُ الأساطيرُ التي

خدّرَ الإلحادُ فيها البسطاءا

فتقدّمْ أيّها الشعبُ إلي

غايةٍ قد رامها الدينُ اقتضاءا

ثمّ هنّي كربلا في حفلها

فبِهِ نالتْ مقاماً قد تنائي

الامام أميرالمؤمنين المثل الأعلي للقيم الإسلامية والإنسانيّة

ألقاها في الاحتفال العالميّ بمولد الإمام عليه السلام في كربلاء المقدّسة 13 رجب

1381هونشرت في سلسلة «عبرٌ من حياة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام» العدد (4)

التي تصدّرها مؤسسة القلم الإسلامي في السويد.

وللشاعر السيّد محمّد الحيدري الكاظمي بعنوان:

اللَّهُ يشهدُ والملائكُ تعلمُ

أنّا بغير الحقّ لا نتكلّمُ

ندعو إلي الإسلام وهو طريقُنا

نحوَ السعادة والسبيلُ الأقومُ

ندعو إليه صراحةً لا نلتوي

فيما نقولُ ولا بهِ نتكتّمُ

ندعو بكلّ وسيلةٍ وذريعةٍ

وهُدي النبي وآله نترسَّمُ

الدينُ غايتُنا وما من غايةٍ

أسمي من الدينِ الحنيفِ وأعظمُ

والحقّ رائدُنا بكلِّ صغيرةٍ

وكبيرةٍ وبحبلهِ

نستعصمُ

وعلي هُدَي العُلماء نبني مجدَنا ال

-سامي ومن آرائهم نتعلّمُ

نبني كما كانت أوائلنا تب

-ني وترسم مثلما رَسَمُوا [641].

هذا سبيلُ اللَّه خَطّ حدودَه

من قبلُ قائِدُنا الرسولُ الأعظمُ

الدينُ دستورُ الحياة بحكمِهِ

نلقي المني وبظلّهِ نتنَّعَّمُ

وبه ننالُ سيادةً وسعادةً

وبه يُفيقُ الراقدون النُوَّمُ

يهبُ العقولَ بصيرةً ويُضي ء في

هذي الحياة كما تُضي ءُ الأنجمُ

ويفيضُ روحاً للشعوب وقوّةً

ويدكّ أركانُ الضلال ويهدمُ

ويشيعُ قانونَ العدالة حيثُ لا

يَبقي فقيرٌ في الحياة ومُعدِمُ

وبحكمه شَبَحُ الحروب وظِلُّها

يَفني ولا أقطابهم تتحكّمُ

يقضي علي اُسس الجريمة بيننا

حتّي يزول من الوجود المجرِمُ

أحكامُهُ الغرّاءُ تخلقُ اُمّةً

لا تستكينُ وقوّةً لا تفصمُ

دينٌ تشرّعهُ السماءُ لِأرضنا

ويسنّ منهجُهُ الأجلُّ الأَكرَمُ

لابدّ أنْ يبقي قويّاً راسخاً

تتهدّم الدنْيا ولا يتهدّمُ

الدينُ ينبوعُ الحياة وإنّه

متدفّقٌ بالمعجزات ومفعَمُ

أحكامُه لا تنتهي ونظامُه

لا يضمحلُّ وحدُّهُ لا يُثلمُ

وهباتُه لا تنقضي وضياؤُهُ

لا ينمحي وجيوشُه لا تُهزَمُ

اللَّهُ أكبرُ إنَّ دينَ محمّدٍ

يعلُو علي مَرِّ العُصور ويَعظمُ

هو زاحِفٌ نحوَ الخلودِ شعارُه

بينَ الشُعوب تجدُّدٌ وتقدُّمُ

نصرته أقوامٌ كرامٌ أخلصوا

نيّاتِهم وعلي المَنيّةِ أقدَمُوا

ضَحُّوا بأنفسهم لنُصرةِ دينهم

واللَّهُ ينصرُ من يشاءُ ويَرحمُ

لم يُثنهم بأسُ العدوّ لأنّهم

عَزَموا علي محو العدوّ وصمّموا

«لا يسلم الشرفُ الرفيع من الأذي

حتّي يُراق علي جوانبه الدمُ» [642].

دينٌ بناهُ محمّدٌ ووزيرُه

وصفيُّه ووصيُّه المتقدِّمُ [643].

بحر المعارف والعلوم ومنبعُ ال

-أحكام والسرّ الخفيُّ الملهمُ

رجلٌ تحاربه العقولُ لأنّه

فوقَ العقول وكنُهه لا يُفهمُ

رجلُ الفصاحة والسماحة والتُّقي

والفارسُ البطلُ الهَزبرُ الضيَغمُ [644].

مَلأالقلوبَ مهابةً ومحبّةً

وبه تشرّفت الحطيمُ وزمزم

هو في قلوب المؤمنين معظّمٌ

وعلي ميع المسلمين مقدَّمُ

ملأَ الوجودَ فضائلاً لم يُحصها

قلمٌ علي مرّ العصور ولا فَمُ

وحياتُه المُثلي تفيضُ جلالةً

والناسُ من نَفحاتها تَستلهمُ

والثائرونَ علي هُداه مَشَوا إلي

أهدافهم إن أنجدوا أو أتهموا

والمصلحونَ تتبّعوا آثارَهُ

وهُداه في كلّ الاُمور ترسّموا

وكذلك العلماءُ والحكماءُ من

آرائه أخذوا ومنه تعلّموا

ماذا أقولُ بمدحِه وثنائِه

وعليه قد أثني الكتابُ المحكمُ

يامن يُحاول أن يُحيط بكنههِ

أقْصِرْ فأيَّ متاهةٍ تتقحّمُ

أتُراك تُدرِكُ سرَّه أو أمرَهُ

هيهاتَ إنّك خاطي ءٌ متوهّمُ

ياسيّد الحكماء إنّي

حائرٌ

ماذا أقولُ وأيّ شي ءٍ أنظِمُ

كانت حياتُك كلّها أُعجوبةً

وفمُ الزمان بذكرها يترنّمُ

وأريَ العقولَ تحومُ حولك خُشّعاً

كالبحرِ تقصُدُه الطيورُ الحُوَّمُ

تدعو إلي نهجٍ قويمٍ مُشرِقٍ

في عالمٍ فيه الظلامُ مُخيِّمُ

بالعدل والإنصافِ تقضي بينَهم

وعلي كتاب اللَّه فيهم تحكُمُ

وتُكافحُ القومَ الطغاةَ لأنّهم

قد أفسدُوا بين العبادِ وأجرَمُوا

وتقيمُ حقّ اللَّهِ دُونَ هَوادَةٍ

لم يُثْنِ عزمَك مغنمٌ أو مَغْرمُ

وزهدتَ في الدنيا وزينتَها ولمْ

يغرْرك فيها مشربٌ أو مطعمُ

إنّي لأقسمُ بالنبيِّ وآلهِ

وبحقّ كلِّ مقدّسٍ أنا أُقسمُ

لو أنّ كلّ العالَمين تمسّكُوا

بهُداك لم تُخلَق هناك جهنّمُ [645].

ولدتك فاطمةٌ ووجهك مُشرِقٌ

نوراً وثغرُك ضاحكٌ متبسّمُ

ولدتك في البيت الحرام وإنّه

لأجلّ بيتٍ في الوجود وأكرمُ

وضعتك معجزةً كعيسي حينما

وضعته من قبلُ البتولةُ مريمُ

وأتتك أملاكُ السماء فواحدٌ

يلقاكَ بِالبُشري وآخَرُ يَلْثمُ

ونشأتَ في كَنَفِ النبيّ وإنّه

متفائلٌ متطلّعٌ متوسّمُ

غَذّاك من أخلاقه وسقاك من

أفكاره وأراكَ ما لا تعلمُ

لاذتْ بك الضعفاءُ هذا مُعدِمٌ

يشكو وذلك بائسٌ يسترحمُ

واسيتَهم ورَعيتَ كلَّ شؤونهم

وسواك في لذّاته يتَنعَّمُ

خدعتْهم الدُنيا وأنتَ لَفَظْتَها

لفظَ النَوّاةِ كأنّما هي عَلْقَمُ

وسموتَ فيها لن يروقَكَ منصبٌ

وعلوتَ فيها لم يغُرُّكَ درهمُ

حتّي قضيتَ وأنت أنقي صفحةً

للمجد تكتب بالدِّما وتُرَقِّمُ

الآية الكبريَ التي لا تنمحي

والعروة الوثقي التي لا تُفصَمُ

آيات مجدك لا تُعَدُّ وإنّما

يَشدوا بهنّ الشاعِرُ المترنّمُ

ياسيّد الأحرار ياكهف الوري

إنّي بحبّك مُغْرَمٌ ومتيّمُ

آمنت أنّك لِلفضائل صورةٌ

ولكلِّ أخلاق النبيّ مُجسِّمُ

ومُوَطِّدٌ لبنائّه ومشيِّدٌ

ومكمِّلٌ لكفاحِه ومتمِّمُ

ولأنتَ في كلِّ الشعوب مكرَّمٌ

ولأنتَ في كلّ العصور مُعظّمُ

أشكو إليك مفاسداً قد أحدقتْ

فينا وضاقَ بها الفضاءُ الأعظمُ

أشكو الذين تجبّروا وتكبّروا

وعن الحقيقة والهداية قد عَمُوا

أشكو الذين تهتّكُوا وتحلّلوا

وتجاهَروا بالخَمْرِ وهو مُحَرّمُ

أشكو ذوي الإلحاد بينَ شبابنا

وبناتنا وهو البلاءُ المُبرَمُ

أشكو الذي خلَع الحياءَ ولم يَصُنْ

أعراضَه ويُظَنُّ أن لا يَندمُ

أشكو الذي يسعي لهدم عقيدةٍ

كُبري تُنيرُ سبيلَنا وتُقوّمُ

أشكو الذي يدعُو بكلّ صلافةٍ

للكُفر لا يخشي ولا يتأثّمُ

أشكو الذي يقضي جميعَ حياتهِ

بالفسق ثمّ يقول إنّي مُسلمُ

أشكو إليك وأنتَ أدري بالذي

أشكو وأنت بكلّ شي ءٍ

أعلمُ

عفواً إذا شطَّ اللسانُ وضجّ بالشْ

-شَكوي فإنّي شاعرٌ متألّمُ

إنْ لامَنِي بعضُ الرجال فإنّني

لم أستمعْ ماذا يقولُ اللوّمُ

المسلمونَ أراهم في مَعزلٍ

عن دينهم وهو السبيلُ الأقومُ

وأري شبابَ المسلمين أصابَهم

ضَعفُ العقيدة وهوَ داءٌ مؤلمُ

وأريَ الدخيلَ من المبادي ء قد غزا

أفكارنا وبوحيهِ نتكلّمُ

وأري بلادَ المسلمين كأنّها

نَهْبٌ بأيدي الطامعين مقسَّمُ

لكنّما ظهرتْ هُناك بشائرٌ

ودلائلٌ وطلائعٌ تتقدّمُ

وتحرّرتْ بعضُ الشعوب ولم يَعُدْ

للأجنبيّ بِها يدٌ تتحكّمُ

الشعبُ آمَنَ أنّ دينَ محمّدٍ

نعمَ الضِماد لجُرحهِ والبَلْسمُ

والشعبُ آمن أنّه إنْ لم يَسِرْ

بهُدي عقيدتِه يَضِلّ ويأثمُ

والشعبُ آمن أنّه إنْ قلّد ال

-أعداء في أفكاره لا يَسلمُ

واللَّهُ ينصرُ من يؤيّدُ دينَه

واللَّهُ يفعلُ ما يشاءُ ويحكمُ

وإلي جميع المسلمين تحيّتي

وعلي أمير المؤمنين اُسلّمُ

وليد البيت في ذكر مولد الإمام عليّ بن أبي طالب

نشرت هذه القصيدة في كرّاس (من وحي ذكري أهل البيت عليهم السلام): 13، الحلقة

الثانية، (1376 ه- 1975 م).

للشاعر السيّد مرتضي الوهّاب الحائري:

ركبُ الوجود شدا بعذبِ حُدائِهِ

ونفي العذار وشلّ برد حيائهِ

وتناسقتْ أنغامهُ وتتابعتْ

تنسابُ كالأنوارِ في أجوائهِ

والدوحُ عادَ إلي التصابي وانبري

ماءُ الحياة يسيلُ من أعضائهِ

طربَ العنادلُ والقماري غرّدتْ

فوقَ الغصونِ اللّدنِ في أفنائهِ

واخضرّ روضُ العيشِ بعدَ ذُبُولِهِ

فاخضرّت الأحلامُ في أنحائهِ

وتناشدَ العشّاقُ ألحانَ الهوي

وفنون موسيقاهُ في أصدائهِ

ومواكبُ النورِ استطالتْ في الفضا

فسمتْ من البطحا إلي جوزائهِ

فاسمعْ صفيفَ الغُصنِ حيثُ تحيله

طلق النسيم ومرتقي ورقائهِ

لاحتْ تباشير الصباح نديّة

بالطلّ فاستنشق شذا صهبائهِ

والبيت شعّ بركنه ومقامه

وسري بزمزمه السنا وصفائهِ

واستبشرتْ عرفاته شوقاً إلي

النبأ العظيم يمور في أبهائهِ

خرجتْ بكنز اللَّه حيري اُمّه

حيث اقتضي التكوين من إبدائه ر

حملتْه فانتبذتْ به البيتَ الذي

خصّتْ لوضع وليدها بلوائهِ

فأجاءَ (فاطمة) المخاضُ وقد جلا

في الأرض (سيف اللَّه) من عليائهِ

وأتي (عليٌّ) ساجداً وجبينهُ

أثرُ السجودِ يلوحُ في سيمائهِ

وُلِدَ الذي نسفَ التماثيلَ التي

نصبتْ ببيتِ اللَّهِ في أفنائهِ

وُلِدَ الذي دَكَّ العُروشَ وكانَ في

الهيجا ملوكُ الأرضِ من اُسرائهِ

وُلِدَ الذي خضعتْ لقائمِ سيفهِ

أسدُ الشّري والوحشُ في بيدائهِ

وُلِدَ الذي بوجودِهِ نُشِرَ الهدي

والدّينُ تمّ بأرضِهِ وسمائهِ

يلقي الكتائبَ

والخيولَ بصرخةٍ

فتفرُّ ناكصةً لرعبِ نِدائهِ

ما إنْ أتاهُ القرمُ إلّا وانبري الن

ّاعون قبلَ نِزاله لِرِثائهِ

فيكادُ إذْ يومي بذات فِقارِهِ

يأتي علي الجرّارِ في إيمائهِ

تبدي الفوارسُ في الوغي سوآتِها

خوفَ القضا من بطشهِ ومضائهِ

سَلْ بُسرَ وابنَ العاصِ لمّا أضحكا

الجيشينِ في صِفِّينَ عندَ لقائهِ

فأشاحَ عن مرأي الرذيلةِ وجهَهُ

لِعُلوّ هِمّتهِ وفرطِ حَيائهِ

وكذاكَ عن (مروانَ) حينَ أجارَهُ

الحَسَنانِ عَفَّ وكانَ من عُتقائهِ

ما شادَ صرحَ الدينِ إلّا سيفُهُ

فتحمّلَ الصدماتِ في إعلائهِ

تركوهُ حينَ البأسِ في بأسائِهِ

وتنافسوا للغنمِ في سرّائهِ

مستدركاً زيغَ البصائرِ مُؤثِراً

للدينِ صبراً في أذي زهرائه ر

للَّهِ صبرُ أبي الأئمّةِ قادراً

عمّا جني الإسلامُ من طُلَقائهِ

هُوَ مِن رسولِ اللَّهِ حيثُ أقامَهُ

هارونُ من موسي علي استثنائهِ

بِعُلي نُبُوّتهِ ونبلِ خصالِهِ

وسموِّ مَحْتِدِهِ وحسنِ روائهِ

زفّتْ كريمةُ أحمدٍ سكناً لهُ

واستأثرتْ منهُ بطيبِ حِبائهِ

لولاهُ لمْ يغشَ البتولةَ صاحبٌ

كُفْؤاً لها بينَ الوري ببنائهِ

ربحَ التجارةَ حيثُ تاجرَ ربَّهُ

بالمكرماتِ وكانَ من عُملائهِ

نادي (سَلُوني قبلَ أَنْ … ) مُتحدّياً

مَنْ يدّعي الإعجازَ من عُلمائهِ

هُوَ في غنيً عن مدح ما قد صيغَ مِن

أصحابِهِ بالمدحِ من أعدائهِ

ما جاءَ لفظُ (المؤمنين) بذكرِهِ

إلّا وخُصَّ (المُرتضي) بِنِدائهِ

شُرِّفتَ ياحرمَ الحجازِ مُخلّداً

شرفَ الوِلادة في سما بَطحائهِ

عجباً لأحناءِ القِماطِ تضمُّ مَنْ

قد ضاقَ رحبُ الكونِ عن إيفائهِ

نفسُ النبيّ وصهرُهُ ووصيُّهُ

وأبُو الهُداةِ الغُرُّ من أبنائهِ

هلْ كانَ (أنفُسُنا) سواهُ مقصداً

أمْ هلْ عداهُ المُصطفي بإخائهِ

الصدقُ والإعجازُ والإيثارُ في

إيمانِهِ وبَيانِهِ وبَلائهِ

والرعدُ والغيثُ المروّي والسَنا

مِن صوتِهِ وسَخائِهِ وبَهائهِ

قد طلّقَ الدُنيا ثلاثاً زاهداً

فيها ولمْ يغترْ بطولِ بقائهِ

في اللَّهِ أَنفقَ مالَهُ لمْ يُبقِ مِن

صفرائِهِ عَرَضاً ومِن بيضائهِ

أصفي العبادةَ والمحبّةَ والتُقي

للَّهِ فاستوفي جزا إصفائهِ

أولاهُ تقسيمَ الجحيمِ وجنّةِ ال

-فِردوسِ ربُّ العرشِ من آلائهِ

يَسقي المُوالي سائغاً من حوضِهِ

ويذودُ مَنْ عاداهُ مِن إروائهِ

لمْ ينجُ مِن نارِ الجحيمِ أَخُو تُقيً

بسوي مودّتِهِ وصدقِ وِلائهِ

طوبي لِمَنْ جاءَ الإلهَ بحبّهِ

والويلُ للآتي غداً بِعِدائهِ

سَنَّ الفصاحةَ والبيانَ بِنطقهِ

وبني لعلمِ النحوِ اُسَّ بِنائهِ

للغربِ بانتْ معجزاتُ بيانِهِ

واحتارَ فيه الصّيدُ

من بُلَغائهِ

نهجُ البلاغةِ توأمُ القرآنِ في

آياتِهِ قد صِيغَ من إِيحائهِ

فعني بهِ المستشرقونَ وأيّدوا

إعجازَهُ وخُلُودَهُ بِبقائهِ

هُوَ توأمُ الفتحِ المبينِ إذا غزا

والنصرُ مقرونٌ بذيلِ لِوائهِ

القابضُ الأرواحِ في حَمَلاتِهِ

والباسطُ الإرشادَ في إفتائهِ

المقبرُ الإلحادَ في أحيائِهِ

والباعثُ الإيمانَ في إِحيائهِ

الراكعُ السجّادُ في محرابِهِ

والفالقُ الهاماتِ في هَيْجائِهِ [646].

في مولد أميرالمؤمنين

للشاعر الشيخ العلّامة عبد العظيم الربيعي [647] بعنوان:

يهتزُّ بيتُ اللَّه بالأركانِ

طرباً بمقدمِ خيرة النسوانِ

هذي عقيلةُ هاشمٍ من شبلهِ

أسدٍ حصانٌ بنتُ خيرِ حصانِ

حملتْ أميرَ المؤمنين فأصبحتْ

في قدرها تسمو علي كيوانِ

يتلو كتابَ اللَّهِ وهو ببطنِها

إذْ بطنُها للعرشِ كالبُطنانِ

فتلا بها البيت الحرام صحيفةً

لكنّما التقديرُ للعنوانِ

قالت إلهي إنَّ قلبي مؤمنٌ

بكَ يا عطوفُ حقيقةَ الإيمانِ

سهّلْ عليّ بحقّ سرّكَ مودعاً

بضمائري فاعتزّ فيه كياني

البابُ سُدَّ بوجهها بيمين ذي

كفرٍ هوي في الشركِ للأوثانِ

لو يفتحُ اللَّهُ الرِتاجَ لها غدتْ

تعزي الفضيلة للإله الثاني [648].

فلذلكَ انشقّ البناءُ لها، وهلْ

يعصي بناءُ البيت أمرَ الباني

وكذلك التأَمَ البناءُ كأصلِهِ

والغيبُ تشهدُ صنعهُ العينانِ

فتخالُ بيتَ اللَّه ساعةَ سدِّهِ

بعدَ انفتاحِ البيتِ كالقرآنِ

عبثاً يحاولُ فتحَ بابٍ سيّدُ ال

بطحا بمولدِ قالعِ البيبانِ

العالَمُ العُلويُّ هيّأَ جندَهُ

مستبشراً بصنيعةِ الرحمانِ

وانظرْ إلي الملكوتِ لا تلقي بِهِ

إذْ ذاكَ غيرَ بشائرٍ وتهاني

أمّا السماءُ فقد تضاعَفَ نورُها

وكذاكَ ضوءُ نُجومِها النُوراني

وكذاك يُظهرُ ذُو الجلال سُرُورَهُ

في الخلق جلّ جلاله السبحاني

لو لم تكنْ حوريّةٌ في جنّة ال

فردوسِ لم تطعمْ ثمارَ جنانِ

هبطتْ لها حوّاءُ تزجي مريم ال

-عذراء تقفو إثرَها امرأتانِ

ألستُّ آسيةٌ واُمُّ ربيبِها

وحبيبِها موسي فتي عمرانِ

وعلي الرخامةِ تمَّ مولدُ حيدرٍ

في البيتِ ربَّةِ أحمر الألوانِ

واذكرْ لهُ مذ خرَّ في محرابِهِ

صَبَغَ الرُخامَ بفيضِ هامٍ قاني

وُلِدَ ابنُ فاطمة الفخارِ مطهّراً

عفَّ المآزرِ طاهرَ الأردانِ

ما بينَ أحضانِ الحرائرِ خيرِ مَنْ

خلقَ الإلهُ مفاخرِ النسوانِ

حوّاءُ أتحفها السلامَ تحيةً

إنّ السلام تحيّةُ الرضوانِ

وتشهّدَ الهادي شهاداتِ الهدي

والدين وهي ثلاثةٌ لا اثنانِ

هذي الفضيلة لم ينلْها قبلَهُ

أو بعدَهُ في الوضعِ من إنسانِ

بقيتْ ثلاثاً اُمّهُ في

الكعبةِ ال

غرّا وقرّتْ بابنها العينانِ

وهنالكَ انفتحَ البِنا لِخروجِها

فدخولُها وخروجُها سيّانِ

سمّتْهُ حيدرةً لِما وجدتْ بِهِ

(أثرَ الشجاعةِ ساطع البرهانِ)

لا تُوثقيهِ بِستّةٍ أو سبعةٍ

قمطاً ولو في قوّةِ الأشطانِ

قطعَ القيودَ يقولُ كفّي إنّني

حُرٌّ وما قيدُ الوري من شاني

هذا ولكن قيّدتْهُ وصيّةٌ

بنجادِ ماضيهِ فتي الفتيانِ

حملتْ وصيَّ محمّدٍ بِذِراعها

حملَ الذِراع الشمسَ ذات الشانِ

فليهنَ والدَهُ وعُذراً لو قضي

يوم البشارة ميتة الجذلانِ

لا سيّما لمّا دعاهُ ذُو العلي

وأمدّهُ بنواله الربّاني

إنّي العَليُّ فسمِّهِ باسمي لكي

يعلُو فيعلمُ قدرَهُ الثقلانِ

لو لم تلدْهُ فتاةُ هاشمَ لم تجدْ

لمحمّدٍ في الناسِ من أقرانِ

جاءتْ إليهِ بهِ فألفتْ توأمي

مجدٍ وطرفي حلبةٍ وعنانِ

عرفَ النبيّ وصيّهُ فاهتزّ مِن

بشرِ اللقاءِ كلاهما للثاني

إنْ كانَ بالإنجيلِ أصبحَ ناطقاً

عيسي فحيدرُ قاري ءُ الفرقانِ

لو لم يكنْ للمؤمنينَ أميرَهُمْ

ما اختارَ سورتَهُمْ من القرآنِ

قد أفلحوا بكَ في شهادة أحمدٍ

فتميرُهُمْ بالعلمِ والعرفانِ

ولذاكَ غذّاهُ إلي حيث ارتوي

إبهامهُ بالعلمِ لا الألبانِ

وأقامَ يتّبعُ النبيَّ كظلّهِ

فهما لإنسانِ الهدي جَفنانِ

ماذا تري بغذيّ دَرِّ محمّدٍ

ونجيّهِ في السرِّ والإعلانِ

أتراهُ لا يرقي إلي أوجِ العُلي

هلْ قريةٌ من بعدِ عبّادانِ

ما آيةٌ نزلتْ ولا علمٌ أتي

إلّا وكانا فيه كالميزانِ

حتّي إذا صدعَ النبيُّ بأمرِهِ

ودعا العشيرةَ مِن بني عدنانِ

لم يستجبْ إلّا أبو حسنٍ فقدْ

لبّي النّدا قبلَ الصّدا بزمانِ

ولذاكَ كانَ وزيرَهُ وأخاً لَهُ

وخليفةً لخليفةِ الدّيانِ

فهما لدَوحةِ دينهِ جذرانِ

وهما لبابِ الرُّشدِ مصراعانِ

مَضيا يشقّانِ الطريقَ كلاهما

لم يحفلا بتجمهُرِ العُدوانِ

فالدّينُ منحصرٌ ببيتٍ واحدٍ

يحوي خديجة عندها العَلمانِ

أمّا الصلاةُ فإنّها في مكّةٍ

قامتْ بهمْ وقيامُها صفّانِ

حتّي إذا رحلتْ إلي دار الجزا

خفراً لأكرم ناصرٍ معوانِ [649].

هجر النبيُ بلادَهُ وببردِهِ ال

تحفَ الوصيُّ الليثُ ثبتَ جنانِ

لو كانَ أوجسَ خيفةً منهمْ لما

ذاقتْ كريً في ليلهِ العينانِ

وأداةُ مكرٍ في العِدا بثباتِهِ

باهي الإلهُ ملائكَ الرحمنِ

وهُنا أتي دورُ الحُروبِ وإنّما

هُوَ مِن رَحاها القُطبُ في الميدانِ

وبراية الإسلامِ خَفَّ مجاهداً

من عُمرهِ لم يُنْهِ عقداً ثاني

لم تخلُ منهُ غزوةٌ وسَلِ العِدا

مَنْ كانَ

ثَمَّ مجدّلَ الشجعانِ

لم يعترضْ إلّا وقطّ وما علا

إلّا وقدّ القرنَ دونَ توانِ

سَلْ عنهُ بَدراً في البرازِ وإنّه

لمبرّزٌ لمّا التقي الجمعانِ

ولقدْ أطاحَ شباه في أُحُدٍ بمَنْ

حملوا لواءَ الشركِ والطغيانِ

نصرَ النبيّ بِهِ ومذْ أغراهمُ

طمعٌ فباءَ الجيشُ بالخذلانِ

سَلْ مَنْ دعا جبريلُ ثمّةَ باسمِهِ

في حيث تسمعُ صوتَهُ الثقلانِ

(لا سيفَ إلّا ذُو الفِقارِ ولا فَتي

إلّا عليٌّ) فارسُ الفرسانِ

عجبتْ ملائكةُ السماءِ لصبرِهِ

ولردّهِ لكتائبِ العدوانِ

وتكشّفَ الأحزابُ رُعباً مذْ بري

ساقَ ابنَ وَدٍّ مفرد الأقرانِ

ولمرحَبٍ قسمَ الوصيُّ بسيفهِ

فلذاكَ أصبحَ قاسمَ النيرانِ

وببطشِ حيدرَ تَمَّ نصرُ المصطفي

بحنينَ بعدَ تطاحُنٍ وطِعانِ

وتزوّجَ الزهرا فضاعَفَ مجدهُ

أعظمْ بهِ صِهراً بخيرِ قِرانِ

مَنْ مثلُهُ شرفاً أنافَ وفرعهُ

سبطا النبيّ المصطفي الحَسَنانِ

هيهاتَ يُحصي فضلَهُ إلّا الذي

في بيتَهَ وَلَدْتُه خيرُ حصانِ

وببيتِهِ الثاني بيثربَ قد غدا

لأخيهِ أحمدَ ثانيَ السكّانِ

عينانِ أبصرتا الضيا بفنائِهِ

قد أغمضا مذْ فيه أصبح فاني

وعلي الهدي والفوز عند مليكه

سهرتْ له في بيتهِ العَينانِ

الفوزُ أدركَهُ لديْهِ موحّدٌ

وإليهِ عادَ ورأسُهُ نِصفانِ

ناداني يومك للقريض

للشاعر أبو أمل الربيعيّ [650] بعنوان:

يا مَن بهِ تتفاخرُ العلياءُ

وبنورهِ تتبدّدُ الظلماءُ

وبنشرهِ تتعطّرُ الأرجاءُ

وبذكرهِ تستدفَعُ الضرّاءُ

يا مَن به تستأنسُ الحوباءُ

وبحبه لذوي السقام شفاءُ

وبيوم مولدهِ السعيدِ استبشرتْ

شوقاً لهُ الحوراءُ والعيناءُ

بدرٌ بطلعتهِ الجميلةِ قد جلا

ما خلّفتهُ الليلةُ الليلاءُ

يومٌ لأهل الأرضِ فيهِ مباهجٌ

وبهِ لسكّانِ السماءِ هناءُ

فالمؤمنونَ قد اهتدوا بأميرهمْ

وبيومهِ قدْ بشّرَ العظماءُ

ما أنجبتْ مثلَ الأميرِ كريمةٌ

أو شئتَ قلْ: ما أنجبتْ حوّاءُ

ولدتهُ في بيت ٍيحجُّ لهُ الملا

وبهِ لداعٍ لا يردُّ دعاءُ

ورثَ الشجاعةَ والفضيلةَ والإبا

ممّن تدينُ لبأْسِهِ البطحاءُ

شبلٌ تقلّدَ ذا الفِقار مبكّراً

ولهُ إذا حَمِيَ الوطيسُ بلاءُ

حتّي إذا بلغَ الأشدَّ فإنّما

ذلّتْ لهُ الفُرسانُ والهيجاءُ

وعلي الحقيقة إنْ أردتَ دليلَها

والقولُ من دونِ الدليلِ هباءُ

صِفِّينَ سَلْها فالحقيقةُ عندها

لا من (جهينة) تؤخذ الأنباءُ

ما كان صارمُهُ يسلُّ بجحفلٍ

إلّا علتْ وجهَ الثري أشلاءُ

وسَل الخوارجَ فالإجابةُ عندهمْ

(والفضلُ ما شهدتْ بهِ الأعداءُ)

فالنهروانُ كغيرها انتَكَستْ بها

للمارقينَ الرايةُ السوداءُ

وسَلِ التي جاءَتْ

لحربِ وليّها

وبجيشِها قد غصّتِ البيداءُ

حتّي إذا ندحرتْ كتائبُ جيشِها

وتفرّقَ القرباءُ والبعداءُ

ندمتْ ولكنْ لا يزالُ يلومُها

لفعالِها الآباءُ والأبناءُ

ناهيكَ عن بدرٍ ومصطلقٍ وخي

-برَ والنضيرِ وكمْ لها أصداءُ

هذا أميرُالمؤمنينَ فإنّهُ

ليثُ الشري إنْ هاجتِ الهيجاءُ

مَنْ مثلُهُ فادي الرسولَ بروحِهِ

إذْ طاردتهُ عصابةٌ رعناءُ

لمّا دعاهُ لكي يحلّ فراشَهُ

فبغيرِهِ لا تدفعُ البرحاءُ

فاجابَ يا ابن العمِّ دونَكَ مهجةٌ

ما رابَها فيما طلبتَ مراءُ

إذْ ذاكَ في جوفِ الظلامِ وقد دَهتْ

بيتَ النبيّ مصيبةٌ دهياءُ

وتجمّعَ الأعداءُ حولَ رواقهِ

وسيوفُهُمْ لدمِ النبيّ ظِماءُ

حتّي إذا ما الليلُ أطبقَ صمتُهُ

والمرءُ كحّلَ جفنهُ الإغفاءُ

شدّوا عليهِ تسوقُهمْ أحقادُهمْ

إنّ الحقودَ مصيرُهُ الإفناءُ

فتراجعوا إذْ لم ينالوا المصطفي

وقد اعترتْهُمْ ذِلّةٌ وشِقاءُ

قالوا اقصدوهُ فهذهِ آثارُهُ

فوقَ النقا لم تُمحها الغبراءُ

حتّي إذا بلغوا ب (ثورَ) مغارةً

رأوا الحمامةَ حيثُ خاب رجاءُ

أمّا خيوطُ العنكبوت فإنّها

دلّتْ علي أنّ الوصيدَ خلاءُ

كادوا وكيدُ اللَّهِ خيّبَ سعيَهُمْ

كيما تسودُ الشرعةُ الغرّاءُ

هذا أميرُالمؤمنينَ وقلبُهُ

لجميعِ آياتِ الكتابِ وعاءُ

هُوَ صاحبُ الخصلِ التي لم يستطعْ

في أنْ يقومَ بِعدِّها الشُعراءُ

هُوَ صاحبُ النهجِ الذي لم يستطعْ

في أنْ يجي ءَ بِمثلهِ الفُصحاءُ

ما قامَ دينُ اللَّهِ لولا سيفُهُ

ولَما ارتقي للمسلمينَ بِناءُ

لولاهُ مِن هولِ المصيبةِ ما نجا

ذُو النونِ أو بقيتْ لهُ أشلاءُ

ذا النون خُذْ أهلَ الكساءِ وسيلةً

فبحبّهِمْ تستدفعُ البلواءُ

لولا أميرُالمؤمنينَ لما شُفِي

أيّوبُ حينَ بِهِ استطالَ الداءُ

ولَما رَسا نوحُ النبيّ وقومُهُ

والفلكُ إذْ غمرَ الجبالَ الماءُ

هذا عليٌّ كالنجومِ خصالُهُ

لمْ يحوِها مِن دونِهِ الخُلفاءُ

ومِن الغرابةِ ما سمعتُ لبعضهمْ

أنّ الصحابةَ كلَّهمْ لَسَواءُ

أيصيرُ مَنْ ردّتْ إليه ذُكاء [651].

مثلَ الذي آباؤهُ طُلقاءُ

هذا أميرُالمؤمنينَ ومَنْ لَهُ

ولنورِهِ تتصاغرُ الجوزاءُ

أوصي بهِ كلّ الأنام محمّدٌ

يومَ الغديرِ لتكملَ الآلاءُ

إذْ صاحَ بالجمعِ الغفيرِ مُنادياً

(هذا عليٌّ دونَهُ العَلياءُ)

هذا إمامُ المسلمينَ خليفتي

وبنوهُ فيكمْ بعدَهُ خُلفاءُ

يا ربّ والِ مَنْ يُوالي حيدراً

وابغضْ إلهي مَن لهُ أعداءُ

مولايَ حبُّكَ للنفوسِ سعادةٌ

ولكلّ داءٍ حيثُ كانَ دواءُ

إذْ أنّ حبّكَ للسعادةِ مصدرٌ

ومنَ المصادرِ تؤخذُ الأشياءُ

ناداني يومُكَ للقريضِ

كشاعرٍ

في شعره التمجيد والإطراءُ

فأتيتُ أغترفُ القصائدَ ثرّةً

وقد اعترتني دهشةٌ وحياءُ

فمتي صفاتُكَ عدّها الشعراءُ؟

ومتي أحاطَ ببعضها الخطباءُ؟

في مدح أميرالمؤمنين عليّ

نظمت بقم المقدسة في مناسبة مولده الشريف.

لشيخ محمّد جواد الجنابي النجفي،

أمامَ وصفِ عليٍّ يخرسُ الأدبُ

ومِن محيط عليٍّ تنهلُ السُحُبُ

يُفيض في الأرض للأجيالِ منهلُهُ

فما المهارقُ؟ ماالأوراق؟ ماالكتبُ؟

لهُ عباقرةُ التاريخِ مرجعهمْ

والتابعونَ إلي التدوينِ قد وثبوا

فلم يلمّوا بشي ءٍ من خصائصِهِ

ولازموا الصمتَ مذْ أضناهُمُ التعبُ

لم يفهموا غيرَ أنّ المرتضي بطلٌ

وهُوَ الذي بحلول الضيقِ يُنتدبُ

للدينِ والحكمِ بِالقرآنِ مصدرُهُ

وكلّ علمٍ لَهُ قد راح ينتسبُ

والحقُّ والصدقُ والأقدامُ شهرتُهُ

وهُوَ ابنُ آدم لكن للجميعِ أبُ

وحكمُهُ فيهِ للحكّامِ تربيةٌ

وسيفُهُ فيهِ دوماً تكشفُ الكُربُ

قلْ لي بربّكَ هلْ نقوي لمدحِ فتيً

علي السماء سمتْ مِن قبرِهِ الرُتَبُ

يا فرحةَ الليلةِ الليلاءِ من رَجَبٍ

في كلّ عامٍ يوافينا بها رَجَبُ

علي ضريحكَ مذْ نذري مدامعَنا

ويضحكُ الدرُّ والياقوتُ والذَهَبُ

أرض الغريّ علتْ هامُ الضراحِ عُليً

بل استطالتْ وأمستْ دونَها الشُهُبُ

قبرٌ بِهِ تسألُ الأملاكُ خالقَها

ماالمالُ،ماالجاهُ، ماالأبناءُ،ماالتربُ؟

تهوي الملوكُ علي أبوابِ حضرتِهِ

ومن تباعَدَ عنها نالَهُ العطبُ

وقد فدي بحسينٍ بيتَ بارئِهِ

كما بذا راحَ إبراهيم يقتربُ

قد أصبحَ البيتُ مهداً لابنِ فاطمةٍ

ولم ينلْ شأوهُ آباءُهُ النُجُبُ

أدني إلي البيتِ مَنْ بِالبيتِ مولِدُهُ

وإنْ علاهُ بيومِ الفتحِ لا عجبُ

لقد علا متنَ طه شبلُ فاطمةٍ

لنيل أجرٍ من الرحمن مرتقبُ

يا مَنْ شربتَ بكأسِ الطين مكتفياً

ودّ المُلوكُ بهِ لو أنّهم شربوا

يا قالعَ البابِ يا مردي أشاوِسِهِمْ

مَن ناوأوكَ أهلْ يدرون مَن غصبوا؟

وأنّ مَن آزَرَ الهادي بدعوتِهِ

غيرُ الذين لِمَنْ عاداه قد صحبوا

حرّاسُكَ اللَّهُ والأملاكُ كلُّهُمُ

يا مَن بِهِ تفخرُ الأجيالُ والحقبُ

كمْ حاوَلَ العِلْجُ نيلَ الانتساب لكمْ

وقد أبي اللَّهُ والتأريخُ والنَسَبُ

يا نعمةً لم يؤدّي شكر منعمها

وفت بها فارس مذ خانها العربُ

هذا ضريحُكَ يهفو المؤمنون لهُ

فأينَ آل أبي سفيانَ قد ذهبوا؟

أمثل قبرك نارُ الحقد تقصفُهُ

وفوقَ بابِكَ جهراً يشعلُ الحطبُ؟

تاللَّهِ ما ازدادَ مَن في الذلِّ أرهقنا

وإنْ تعاظَمَ ما

مِنّا قد ارتكبوا

علي الذي أسقطَ الزهراءَ محسنَها

لمّا علي منبر الكرّار قد وثبوا

وكفُّ بغيٍ بها الزهراءُ قد ضربتْ

بها لقبركَ يا كرّار قد ضربوا

تلوحُ لي فاطمٌ والعبدُ يضربُها

وإرثُها بيدِ الأعداء منتهَبُ

يا قلبَ فاطمةٍ مذْ بتَّ ملتهِباً

لَكَ القلوبُ بنارِ الوجدِ تلتهِبُ

وإنّ ناراً علي باب الهدي استعرتْ

أضْحَتْ لها اليومَ كفّ البَعْثِ تحتطِبُ

إنْ نسكب الدمعَ مِن أجفانِنا عَلَقاً

ولمْ نجدْ مَن لِحَربِ البعثِ ينتدِبُ

ولمْ نفُزْ بقتال البعثِ ثانيةً

وللشهادة لمْ يسرعْ بِنا القتبُ

فلنرفعنّ إلي المهديِّ صرخَتَنا

هذا أوانُ تقاضي الثار يا غَضَبُ

الامام عليّ وليد الكعبة وربيب النبوّة

نفحات من فضائل أمير المؤمنين عليه السلام، ديوان للمهندسة كوثر شاهين، سوريا-

دمشق.

للمهندسة السوريّة السيّدة كوثر شاهين، بعنوان:

صلّوا علي (طه) النبيّ وآلهِ

خير الصلاة بها ومن قرآنهِ

فاتلوا من الآياتِ ما قد أنزلتْ

في ذكر خيرِ الأوصياءِ عليِّهِ

لثلاث عشرة قد مضين بجمعةٍ

شقّ الجدار لكعبةٍ وإذا بهِ

(حواءُ) تسجدُ للإلهِ و (مريمٌ)

مع (اُمّ موسي) يضرّعنِ بإسمهِ

وتردُ (آسيةُ) السلامَ عليكمُ

هذا الوصيّ مضمّخٌ بعطورهِ

فلفَفنَهُ وحملنَهُ من سجدةٍ

بشهادتين تلاهما وبختمهِ

باسم النبيّ محمّدٍ برسالةٍ

ووصايةٍ وإمارةٍ جمعتُ بهِ

نطق السلام علي الحضور فأشرقتْ

سبعُ السموات العلا بضيائهِ

وغدا أبوهُ مهلّلاً لولادةٍ

ومبشّراً بولايةٍ لرسولهِ

قال السلام عليكَ يا مَن بوركتْ

منك الدُنا بوصايةٍ لنبيّهِ

ردّ السلام وقد تلألأ وجههُ

من نورِ ربّ العرشِ فهُوَ بهديهِ

قد قال: يا أبتاهُ إلحق (مثرماً)

في كهف (لكّامٍ) وضمنَ رحابهِ

مسجيً فبلّغهُ السلامَ لموعدٍ

قولاً كريماً رحمةً من ربّهِ

بلّغ، فقامَ أبوه يسعي مؤمناً

قال السلام عليك من عليائهِ

واللَّهُ أحياء (مثرماً) متشهّداً

(للَّهِ) ثمّ (نبيّهِ) ووصيّهِ

وبكي واتبعَ ساجداً شكراً لمَنْ

خلَقَ الدُنا واختارَ بعثَ نبيّهِ

وتلا،تمطّي ثمّ أردف موهناً

ردَّ الغطاءَ عليّ من جنباتِهِ

فإذا هُوَ قد عادَ ميتاً مثلَما

قبلَ النداء وعليه فضلُ غطائهِ

فأقامَ عبدُ مناف أيّاماً بِها

مرّتْ ثلاثٌ من غداة وصولهِ

وبعيدَها والليلُ أبلجَ فجرُهُ

جاءته تسعي حيّتانِ لِعِندهِ

عُدْ للوليّ أبا الإمامِ فإنّهُ

يدعوكَ فارجعْ إنّنا أولي بهِ

مَنْ أنتُما؟ نحنُ الفِعال نذبُّ عن

-هُ لحينِ أن يأتي غداً

بحسابهِ

وبقدرة اللَّهِ العليِّ بخطوةٍ

طويتْ مسافاتٌ وإذْ في بابهِ

جاءتهُ (فاطمةٌ) وقد ضحكتْ بها

عينانِ إثرَ كلامِهِ وخطابهِ

نادتهُ (حيدرة) فقال لها اعلمي

سمّاهُ ربُّ البيتِ من عليائهِ

ومن العلا شاءَ الإلهُ ولايةً

ووصايةً تسمو بقربِ نبيّهِ

قال السلام عليكَ يا أبتاهُ مِن

ربّ كريمٍ رحمةً بعبادهِ

وأتمّ بسملَةً وحمداً قارئاً

(المؤمنونَ) بسورةٍ لرسولهِ

ردّ النبيّ وقد تهلّلَ باسماً

بكَ أفلحوا واللَّهِ جئتَ بهديهِ

ولصدرِهِ ضمّ الإمامَ محبّةً

ولسانهُ في فيهِ من تحنانهِ

وإذ الغداة أتاه هلّلَ ضاحكاً

في التسعِ من ذي حجّةٍ بكتابهِ

سمّوا به (عرفات) يوم وقوفهمْ

و (النحر) يتلو في وليمةِ ذكرهِ

واطّوفوا بالبيت سبعاً وادخلوا

ألقوا السلام علي (العليّ) لشأنهِ

فجرَتْ بذاك كسنّةٍ معمولةٍ

من يومها وروي الرواةِ بحقّهِ

في اللوح جاء من السماء مسمّياً

في الكعبة الغرّاء نسج حروفهِ

لكرامة المولود في طهرٍ بَدَتْ

كالشمس لآلاءُ الضياء بوجههِ

أنعمْ بيومٍ للفضائل جامعٍ

في جمعةٍ طهرتْ به وبذكرهِ

ولدتهُ في حرمِ الإله طهورةٌ

مَن قد دعاها (أحمدٌ) بحروفهِ

اُماهُ إذْ كانتْ كخير اُمومةٍ

أعطتهُ حبّاً واليتيمُ بحبّهِ

مدّ الإمام مباركاً متعهّداً

صنو النبيّ وباب علم علومهِ

ولها أيضاً، بعنوان:

ذكري استشهاد أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب

لا سيفَ إلّا ذُو الفِقار ولا فتي

إلّا عليُّ المرتضي للمرسَلِ

روحي ونفسي تفتديهِ ومقلتي

لأبي ترابٍ سيدي ومؤمّلي

مَنْ شادَ في البطحاء دينَ محمّدٍ

مَنْ زلزلَ الأصنامَ عند الهيكلِ

مَنْ فاطمٌ ولدتْهُ داخلَ كعبةٍ

لا قبلَهُ أحدٌ ولا بعداً يلي

مَنْ رُدّت الشمسُ التي في خدرها

غابتْ إليه لأجل فرض تبتّلِ

مَنْ كانت الزهراءُ زوجه في السما

قبلاً وفي الأرض ابتغاء الأفضلِ

مَنْ منهُ أبناءُ النبيّ تعاقبوا

طُهراً ونُوراً عصمةً من أمثلِ

هُوَ خاصفُ النعلِ الذي في حبّهِ

حبّ النبيّ وبغضُه للمقتلِ

وهُوَ الكريمُ هُوَ الغفورُ تعفّفاً

وهُوَ الأمينُ وبابُ علم الموئلِ

وهُوَ القسيمُ هُوَ الشفيعُ شفاعةً

بالمؤمنين ومَن كنور ينجلي

وهُوَ الوصيّ هُوَ الوليّ ببيعة

عند الغدير وكلّ من لم يفعلِ

يغدو بكفرٍ سادراً متلبّساً

بين الحطام عن الرسول بمعزلِ

والُوْهُ- قال محمّدٌ- كي تفلحوا

يوم القيامة بالولاية من علي

هُوَ خاتمٌ للأوصياء وإنّني

قد جئتُ خاتم أنبياءٍ للعلي

حينَ اجتباهُ إذ اصطفاه لاُمّهِ

سمّاه

في السبع العلا كي تنجلي

سُجُفُ الظلامِ بنورِ طلعةِ وجههِ

وبحدّ سيفهِ نصرُ فتحٍ مقبلِ

يا سيدي يا مَنْ إليك تبتّلي

في عتم ليلٍ إذ غدا وتوكّلي

فاسمعْ ندائي أستجير بِعَدلِكُمْ

مِن ظلمِ دهرٍ كَلْكَلٍ متوغّلِ

قد جئتُ أبغي بابكمْ فلعلّني

منكمْ أفوزُ ببعض علمٍ يعتلي

حرفي إليكمْ سيدي فبمدحكمْ

نورُ الصراط يمدّ في العلياء لي

يا مَن بخاتمهِ الكريمِ تصدقتْ

منه اليدانِ وفي الركوعِ الأفضلِ

ناداهُ جبريلُ المَلاكُ بوقعةٍ

والنقعُ في الهيجاء ليس بمنجلِ

لا سيفَ إلّا ذُو الفِقار ولا فتي

إلّا عليّ للنبيّ المرسَلِ

يا أوّلاً يا آخِراً يا ظاهِراً

يا باطِناً إنّي إليك توسّلي

من باب حكمتك التي من غيرِها

أمسي يتيماً ضائعاً في الأحبُلِ

أسبغْ بفضلك إنّني لا أرتجي

إلّا موالاتي بقلب للولي

هُوَ سيّد الكونينِ باب مدينةٍ

للعلم في نصّ الكتابِ المنزَلِ

وبراءةٌ تعطي يداه ونفسه

وبنفحِ طوبي عند قاعٍ مُمْحِلِ

وهُوَ الذي حملَ اللواءَ مجاهداً

في نشر دين اللَّه يضربُ من علي

حتّي الملائكة الذين تنزّلوا

يومَ الجهاد بهمْ من النور العلي

في شبه وجهِهِ يضربون كأنّهمْ

في كفّهم سيفُ الإمام المنجلي

والعرشُ زُيّنَ باسمهِ فحروفُهُ

صيغتْ من اللَّه العليّ المعتلي

يا سيّد البطحاء بعدَ محمّدٍ

في محكم التنزيل للمتوسّلِ

يأتيكَ حبّاً قارئاً من آيةٍ

فيها السلام لكلّ داءٍ معضلِ

قد جئتُ بابك سيّدي متوسّلاً

في خير شهرٍ أستميح تأمّلي

أتلو كتابَ اللَّه نور هدايةٍ

وتجيشُ نفسي بالعيون الهُمّلِ

في الثلث من رمضان تبكي أدمعي

ويهيمُ قلبي خاشعاً للمرسلِ

في بيت ربّ البيت جاءَ مكبّراً

للَّهِ يسجدُ في رحاب الأمثلِ

وغدا شهيد البيت عندَ سُجُودِهِ

وبحرمةِ المحرابِ فاسمعْ واعقلِ

قول الرسول مخاطباً لوليّهِ

صلّي الإلهُ عليهما فتوسّلي

عندَ الغريّ أجوزُ كلّ مسافةٍ

في ركعةٍ للَّهِ أسجدُ للعلي

بتقربّي لأبي ترابٍ ألتجي

عندَ القيامة بالقسيمِ الأعدلِ

صلّوا وزيدوا بالصلاة محبّةً

للعترة الأطهارِ في النصّ الجلي

وقال بعضهم:

وتدورُ حُبلي والجنينُ يقودُها

ليشقّ إجلالاً لذاكَ جِدارُهُ

وضعتْكَ بالبيتِ العتيقِ تطوفُهُ

قطب الوجود ليستقيم مدارُهُ

وقال آخر:

كالدرّ وُلِدْتَ ياتمامِ الشرفِ

في الكعبة واتّخذتْها كالصَدَفِ

واستقبلت الوجوهُ شطرَ الكعبة

والكعبةُ وجهُها تجاهَ النَجَفِ [652].

وفي الديوان الفارسي للشاعرالتركي محمّد

الفضولي يقول في قصيدة مطلعها:

ماييم درد پرور دنياي بيوفا

با درد كرده خوشده مستغني از دوا

إلي أن يقول ما نصّه:

شاهنشه سرير ولايت وليّ حق

سلطان دين إمام مبين شاه اوليا

اصل تمييز شرع نبي از طريق كفر

وجه تفوّق نبي ما بر انبيا

از ذات پاك او صدف كعبه پر گهر

وز فيض خاك او شرف ارض بر سما

از نسخه كرامت عامش سياهه ايست

شرح شب مبارك معراج مصطفا

وز لاله زار حرمت آبش حديقه

خاك بخون سرشته صحراي كربلا

ريگ نجف زپرتو ميل مزار تو

در چشم مردمان مكرم است چو توتيا

إلي أن يقول ما نصّه:

روزي مباد اين كه براي توقّعي

از من بغير آل علي سرزند ثنا

در عمر خويش غير ثناي عليّ وآل

از هرجه كرده ايم بيان توبه ربّنا [653].

وقرأت هذا البيت بالفارسية، علي جدار الرواق الكبير الموصل للداخل من ايوان الذهب إلي البابين الذهبيّين للحضرة المقدّسة العلويّة:

در كعبه شد پديد و بمحراب شد شهيد

نازم بحسن مطلع و حسنِ ختامِ او

فترجمته إلي العربيّة نظماً:

في كعبة القدس شاء اللَّهُ مولدَهُ

أكرمْ بِهِ مَطلعاً يختارُهُ اللَّهُ

حُسنُ الخِتام لَهُ المِحرابُ مشهدُهُ

وأصبح النجفُ الميمونُ مَثواهُ [654].

و مما قلتُ:

ولدتْ فاطمةٌ بنتُ أسدْ

شبلَها حيدرَ في بيتِ الصَمَدْ

أَعْلَنَ النُقّادُ بالإجماعِ أنْ

لمْ يكنْ فيهِ لَهُ كُفْوَاً أَحَدْ

للمولي محمّد طاهر القمي بالفارسيّة:

دليل رفعت شأن عليّ اگر خواهي

به اين كلام دمي گوش خويشتن مي دار

چو خواست مادرش از بهر زادنش جائي

درون خانه خاصش بداد جا جبّار

پس آن مطهّره با احترام داخل شد

در آن مقام مقدّس بزاد مريم وار

برون چو خواست كه آيد پس از چهارم روز

ندا شنيد كه نامش برو عليّ بگذار

فداي نام چنين زاده اي بود جانم

چنين امام گزينيد يا اُولي الأبصار [655].

وقال آخر:

اي آنكه حريم كعبه كاشانه تواست

بطحا صَدَف درّ گرانمايه تو است

گر مولد تو بكعبه آيد چه عجب

اي

نسل خليل خانه خدا خانه تو است

وقال آخر:

بهركس نگردد ميسّرْ سعادتْ

بكعبهْ ولادتْ بمسجدْ شهادتْ [656].

وقال الشيخ محمّد حسن المولوي القندهاري الخراساني، مضمّناً مطلع «الغديرية العصماء» للشيخ الملّا علي الخوئي النجفي بن علي رضا (1292-1350 ه.) [657] يقول في مقطع منه:

علي اي مخزن سرِّ معبودْ

رونق افزايِ گلستانِ وجودْ

كعبه از قوسِ نزولتْ مسعودْ

مسجدِ كوفه ترا قوسِ صعودْ

خالقتْ چون درِ هستي بگشودْ

عشق بازي به تو بودش مقصودْ

غرض از عشق و محبّت اين بودْ

تا گشايد به جهان سفره جودْ

من چه گويم به مديحِ حيدرْ

عاجز از مدحِ علي جنّ و بشرْ

(ها عليٌّ بَشَرٌ كيفَ بَشَرْ

رَبُّهُ فِيهِ تَجَلّي وَظَهَرْ) [658].

پاورقي

[1] ما بين القوسين هنا وفي ما يلي، مما جاء في بعض نسخ المصدر.

[2] في بعض النسخ: «المثرم بن زغيب الشيقبان» هنا وفي ما يلي.

[3] في ب: «المبلّج المضيّ»، و ت، و ض: «المبتلج المضيّ». وبَلَجَ بُلوجاً، وأبلج، وتبلّج، وانبلج، وابتلج الصبح: أشرق وأضاء. المنجد: 47، (بلج).

[4] في ألف، وب: «ماذا يري»، و ض: «ما تري لي».

[5] اللكّام: بالضمّ وتشديد الكاف، ويروي بتخفيفها، هو الجبل المشرف علي أنطاكيّة، وبلاد ابن ليون والمصيّصة وطرسوس وتلك الثغور. معجم البلدان 22: 5، (اللكّام).

[6] مصادر هذا الحديث:

الفضائل (لابن شاذان): 129- 139، الحديث الأول.

وعنه وعن الروضة، مستدرك الوسائل 266: 2، الحديث 1929 و 322، الحديث 2089 و 342، الحديث 2141، قطعات منه.

وعنه وعن كتاب غرر الدرر للسيد حيدر الحسيني، بحار الأنوار 99: 35، الحديث 33.

جامع الأخبار: 15، السطر 13، عن عليّ بن الحسين بن موسي بن بابويه الصدوق القمي.

روضة الواعظين: 88، السطر 16، بتفاوت يسير.

عنه إثبات الهداة 483: 2، الحديث 295، باختصار.

وعنه وعن الفضائل، وجامع الأخبار، بحار الأنوار 35: 10، الحديث 10، اليقين: 191، السطر 6 وأيضاً 485،

السطر 8 … باختصار. عنه بحار الأنوار 125: 38، الحديث 72.

مدينة المعاجز 367: 2، الحديث 610، عن كتاب أبي مخنف.

كفاية الطالب: 405، السطر 16، بإسناده إلي جابر بن عبد اللَّه … باختصار. عنه إحقاق الحق 488: 7، السطر 5.

كشف الغمة 60: 1، السطر 1، باختصار.

المناقب لابن شهر آشوب 172: 2، السطر 22 و 174، السطر 21، قطعتان منه.

ينابيع المودة 47: 1، الحديث 8 و 9، قطعة من صدر الحديث.

[7] ك: تهاب صولته.

[8] سورة المؤمنون: 2- 1.

[9] تطامنت: من أطمان، أي سكنت. القاموس المحيط- طمن- 247: 4.

[10] الإخبات: الخضوع والتسليم. مجمع البحرين- خبت- 199: 2.

[11] الغميزة: العيب. المعجم الوسيط- غمز- 662: 2.

[12] المنتدح: المتسع. الصحاح- ندح- 910: 2.

[13] الحجا: العقل. الصحاح- حجا- 2309: 6.

[14] حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد العزي القرشي الأسدي، أبو خالد المكي، وعمّته خديجة زوج النبيّ صلي الله عليه و آله، قيل: ولد قبل عام الفيل بثلاث عشرة سنة. ومات سنة خمسين، وقيل غير ذلك. جمهرة أنساب العرب: 121، وتهذيب الكمال 170: 7 /1454 ولو راجعنا المصادر التي روت ولادة حكيم في الكعبة للفت انتباهنا فيها اُمور، منها الإرسال وانقطاع السند الذي لم يخلُ من ضعيف أو منكر الحديث، كمصعب بن عبد اللَّه، ولمتابعة هذه الاُمور راجع الكتاب التالي في هذه المجموعة، بقلم الاُستاذ شكر شبع النجفي.

[15] هي بنت زهير، وقد تصحّفت لفظة بنت في بعض المصادر من ابن، فقالوا: اُم حكيم بنت حزام، والصواب أ نّها اُم حكيم بن حزام، وذكر أنّها اُسرت يوم بدر، ثم أسلمت وبايعت. الإصابة 444: 4 /1229، واُسد الغابة 577: 4.

[16] المستدرك 483: 3.

[17] أبو عبد العزيز، ولي اللَّه بن مولوي عبد الرحيم،

الدهلوي الهندي الحنفي، المتوفي سنة (1179 ه)، له تصانيف عديدة. هدية العارفين 500: 6، ومعجم المؤلفين 292: 4.

[18] إزالة الخفاء 2512: 2، ط. الهند.

[19] كفاية الطالب: 407.

وانظر كشف الظنون 1497: 2، والفصول المهمة: 30، ونور الأبصار: 156، ومسار الشيعة: 88.

[20] شرح الخريدة الغيبة في شرح القصيدة العينية: 15. علي ما في الغدير 22: 6.

[21] الكشكول: 86.

[22] في الأصل: علي أنّ جنسها.

[23] الكشكول: 189.

[24] في المصدر زيادة: وبناء عكّة.

[25] الكشكول: 189، الكرامة الثانية.

[26] غاية المرام: 13.

[27] أُصول العقائد: 165.

[28] اعلام الوري: 153، وانظر تاج المواليد: 12.

[29] شرح القصيدة المذهّبة: 51.

[30] في الخصائص: ولد عليه السلام بمكّة.

[31] خصائص الأئمّة: 39.

[32] التهذيب 19: 6.

[33] مصباح المتهجّد: 741.

[34] مصباح المتهجّد: 754.

[35] الإرشاد: 9.

[36] المقنعة: 72.

[37] مسار الشيعة: 35.

[38] ألقي الكلام علي عواهنه: لم يتدبره. لسان العرب- عهن- 297: 13.

[39] المجدي: 11.

[40] في بحار الأنوار 374: 100 عن المزارين، والإقبال: 608، ومصباح الزائر: 106، والمزار الكبير (لابن المشهدي): 267 و 271 (مخطوط).

[41] مصباح الزائر: 106، وبحار الأنوار 301: 100-302 عنه.

[42] تأثّل لشي ء: تأصّل وتعظّنم. القاموس المحيط- أثل- 337: 3.

[43] أصحر بالأمر: أظهره. أساس البلاغة- صحر-: 249.

[44] مناقب ابن شهر آشوب 175: 2، وروضة الواعظين: 81، وأعيان الشيعة 324: 1.

[45] في المناقب: حياً.

[46] مناقب ابن شهر آشوب 176: 2.

[47] الأكنان: جمع كِنّ وهو ما كنّ وستر من الحر والبرد. مجمع البحرين- كنن- 302: 6.

[48] مناقب ابن شهر آشوب 175: 2، ومنهاج البراعة 218: 1.

[49] في الغدير: مع الملأ.

[50] في الغدير:

فلقد سما مجداً عليٌّ كما علا

شرفاً به دون البقاع المسجدُ **زيرنويس=أخرج القصيدة كاملة في الغدير 360: 6 عن عدّة نسخ خطيّة.

[51] اللؤلؤ والمرجان: 163. فارسي.

[52] جلاء العيون 232: 1. فارسي.

[53] تحفة السلاطين،

الجزء الثاني. فارسي.

[54] تحفة المجالس: 64. فارسي.

[55] جلاء العيون: 232.

[56] ضياء العاملين ج 2 (مخطوط).

[57] أي مثيلاته. اُنظر الألفاظ الكتابية: 158.

[58] نهج الحقّ وكشف الصدق: 232، وكشف اليقين: 5.

[59] كشف الغمّة 59: 1.

[60] روضة الواعظين: 76.

[61] مناقب ابن شهر آشوب 175: 2.

[62] العمدة: 34.

[63] جمع قَيل، وهو الملك النافذ القول والأمر. لسان العرب- قول- 576: 11.

[64] أثبتناه من المصدر، وفي الاصل ومناصه ومواليد.

[65] الصراط المستقيم 215: 2.

[66] تحفة الأبرار: الباب الرابع الفصل الثاني.

نجد سرد هذه الحقائق مشفوعاً بالتقرير في ترجمة هذه- التحفة- إلي العربية للشيخ عليّ بن يوسف بن منصور، النجفيّ صاحب (مختصر تأويل الآيات الباهرة في فضائل العترة الطاهرة) من علماء القرن العاشر، ونسبة الكتاب إليه مذكورة في (الذريعة إلي مصنّفات الشيعة) 405: 3، وفي حرف الميم منها، وفي كتاب (إحياء الداثر في مآثر القرن العاشر). هامش المطبوع.

[67] فضل اللَّه بن روزبهان بن فضل اللَّه الخنجي الإصفهاني، المعروف بباشا، كان من أعاظم علماء المعقول والمنقول، حنفي الفروع أشعري الاُصول، متعصّباً لأهل مذهبه وطريقته، متصلباً في عداوة أولياء اللَّه وأحبّته. الضوء اللامع 171: 6، وروضات الجنات 17: 6 /553.

[68] في نزهة المجالس: عمرو بن حزم، والصحيح ما أثبتناه. اُنظر: جمهرة أنساب العرب: 121 و تهذيب الكمال 170: 7 /1454، والإصابة 32: 2 /1695، وتهذيب التهذيب 446: 2/ 775، والمستدرك 483: 3.

[69] نزهة المجالس 204: 2، والفصول المهمة: 30.

[70] أوجره اللبن: جعله في وسط حلقه. لسان العرب- وجر- 279: 5.

[71] كشف الغمة 60: 1، وبشارة المصطفي: 7.

[72] روضة الواعظين: 76.

[73] كشف اليقين: 5، ونهج الحق وكشف الصدق: 233.

[74] إرشاد القلوب: 211.

[75] مناقب مرتضوي: 87، ط. بومباي، (1321 ه).

[76] الأمالي 114: 9، وعلل الشرائع 135: 1 /3،

ومعاني الأخبار 62: 10.

[77] سورة المؤمنون: 2- 1.

[78] سورة المؤمنون: 11- 10.

[79] البصبصة: هي أن ترفع سبابتيك إلي السماء وتحركّهما وتدعو. مجمع البحرين- بصبص- 164: 4.

[80] أمالي الطوسي 317: 2.

[81] مناقب ابن شهر آشوب 174: 2.

[82] في المصدر: كلامه.

[83] أبو قبيس: هو اسم جبل مشرف علي مكّة. معجم البلدان 80: 1.

[84] لكام: الجبل المشرف علي أنطاكية وبلاد ابن ليون والمصّيصة وطرسوس. معجم البلدان 22: 5، وفي المصدر: إكام.

[85] في المدر: غربتا.

[86] مناقب ابن شهر آشوب 172: 2.

[87] روضة الواعظين: 81- 77.

[88] الفضائل (لشاذان بن جبرئيل): 54، وجامع الأخبار: 15.

[89] المسك الأذفر: أي طيب الريح. لسان العرب- ذفر- 306: 4.

[90] الجونة: بالضم، ظرف للطيب. مجمع البحرين- جون- 230: 6.

[91] هشَّ لهذا الأمر هشاشة: إذا فرح به واستبشر. النهاية 264: 5.

[92] إذا كانت المعلولات بأسرها حاضرة عند علّتها الفاعلية، وإن كانت بعنوان ما به الوجود ولو بمرتبة هي أدني من حضورها عندها بعنوان ما منه الوجود، فهي كلّ حين مشاهدة لها، ومن الأوّليات ثبوت ذلك بالمعني الأوّل من العلّية لأمير المؤمنين عليه السلام، لوجوه من العقل والسمع لا يسع المقام سردها، فالمراد عرض ولائه عليهم، أو شخصيته البارزة بذلك الجثمان المقدس الذي عرفوه بالعلّية ووجوب الولاء منذ الأزل، ومن الممكن أن يكون عرضه علي أرواح أهل الأرضين لتقوم الفطرة الإلهية وتتميم الاستعداد التام ليحيي من حيّ عن بينّة ويهلك من هلك عن بينة.

أو علي الأولياء والصديقين منهم ممّن لهم الأهميّة في تنظيم المجتمع الديني من الأبدال والأوتاد. (هامش مطبوع).

[93] لا منافاة بين هذه الرواية والاُخري الدالّة علي أنّ أبا طالب طلب اسمه عليه السلام من اللَّه سبحانه بقوله: يا ربّ الغسق الدجي … وجوابه من قبله تعالي:

خصصتما بالولد الزكي.

وسيأتي تفصيلها- إن شاء اللَّه- لجواز اجتماع الأمرين: الهتاف بفاطمة، وتحرّي أبي طالب لحق اليقين في أمر مولوده الذي علم أ نّه من آيات ربّه الكبري. من هامش المطبوع.

[94] سورة المؤمنون: 11- 1.

[95] الصنو: المثل. مجمع البحرين- صنا- 269: 1.

[96] علل الشرائع: 135: 3، ومعاني الأخبار: 10: 62، وأمالي الصدوق: 9: 114، وأمالي الطوسي 317: 2. انظر مناقب ابن شهر آشوب 172: 2، وروضة الواعظين: 77.

[97] منظومة في تواريخ المعصومين عليهم السلام، مخطوطة.

[98] مصباح الحرمين: 194.

[99] مصباح الحرمين: 115- 114.

[100] والد المؤلّف هو: الشيخ الميرزا أبو القاسم بن محمد تقي الأُردوبادي التبريزي الغرويّ (1274-1333 ه) هاجر إلي كربلاء، والنجف والكاظمية، وأخذ من أعلامها، وأُجيز بالاجتهاد منهم، كان عالماً فقيهاً، تقياً ورعاً، من مراجع التقليد، وله مؤلفات ترجمه صاحب الذريعة والأعيان. لاحظ: السبيل الجدد إلي حلقات السند لولده، المطبوع في مجلة علوم الحديث، العدد 2، ص 194.

[101] شهريار بن كسري ابرويز بن هرمز، وكان لكسري ابرويز ثمانية عشر ولداً، وكان أكبرهم شهريار، وكانت شيرين قد تبنّته، وكان هلاك ملك كسري علي يد يزدجرد ابن شهريار. الكامل في التاريخ 493: 1 و 28: 3 و 123.

[102] الدر المسلوك، مخطوط.

[103] شرح نهج البلاغة 14: 1.

[104] المجموع الرائق: 154، مخطوط.

[105] كنز الفوائد 255: 1.

[106] في اليقين: الحسيني.

[107] في اليقين: أبو القاسم أحمد بن طاهر السوري.

[108] في اليقين: أبو النجيب، والظاهر صحّة ما في الأصل، كما في رياض العلماء 123: 2-129، حيث قال في ترجمة الحسن بن عبد الوهاب أ نّه يروي عن أبي التحف عليّ بن محمّد بن إبراهيم بن الحسن الطيب المصري الذي هو من مشائخ المرتضي والرضي، وهو يروي عن جماعة كالأشعث بن مرّة وغيره.

[109] السند

لا يخلو من اضطراب ولكن تركناه علي علّاته مع الإشارة إليه، لعدم تعرض الكتب الرجالية المتوفرة لدينا هليه.

[110] الأربعون حديثاً، مخطوط، ورواه في نوادر المعجزات: 10، واليقين: 73، وفضائل ابن شاذان، الحديث الأول.

[111] الذريعة إلي تصانيف الشيعة 411: 1.

[112] الأربعون حديثاً: 9، مخطوط.

[113] الروضة: 143.

[114] الأربعون حديثاً: 17، مخطوط.

[115] في المصدر: القبحي، كذا.

[116] في المصدر: عن.

[117] يعني أ نّه كان من شيعته صلوات اللَّه عليه، لا أ نّه من أصحابه المعاصرين له، وقوله: «ورحم جماعتهم» معطوف علي قوله: رضي اللَّه عنه والضمير عائد إلي المؤمنين العارفين شيعته عليه السلام من هامش المطبوع وفي المصدر: وروي جماعتهم.

[118] إنّما أعدنا الإسناد مرة ثانية للاختلاف بين النسختين، والتصحيف في إحداهما. من هامش المطبوع.

[119] عيون المعجزات: 25.

[120] الالتياث: الاختلاط والالتفاف. الصحاح- لوث- 291: 1.

[121] انثاليأي تتابع واجتمع. انظر لسان العرب- ثول- 95: 11.

[122] المين: الكذب. لسان العرب- مين- 425: 13.

[123] كشف الغمّة 59: 1، ومناقب ابن المغازلي: 3: 6.

[124] الفصول المهمّة: 30.

[125] هو أبو طاهر محمّد بن علي بن محمد بن عبد اللَّه البغدادي، البيّع: بيع السمك، ولد سنة خمس وثمانين وثلاثمائة، ومات سنة خمسين وأربع مائة، ودفن في مقبرةالشونيزي. انظر تاريخ بغداد 106: 3.

[126] العمدة: 8: 27.

[127] الرتاج: القفل. مجمع البحرين- رتج- 302: 2.

[128] وردت هذه الأبيات في ألقاب الرسول وعترته: 220، وينابيع المودّة: 255.

[129] كفاية الطالب: 405.

[130] جنّات الخلود: 17، فارسي. سورة الإسراء: 81.

[131] الشّروي: المثل، يقال: ما له شروي أي ما له مثل. مجمع البحرين- شرا- 245: 1.

[132] المجدي: 11. ونقله بنصّه في معالم الطالبيين في شرح كتاب (سرّ الأنساب العلوية) لأبي نصر البخاري: 69، شرح الدكتور عبد الجواد الكليدار آل طعمة (ت 1379 ه)، طبع

المكتبة المرعشية- قم، 1422 ه.

[133] عمدة الطالب: 58.

[134] المشجر الكشاف: 230.

[135] مناهل الضرب (للأعرجي): 84، (1274-1332 ه)، طبعة مكتبة السيد المرعشي- قم، 1419 ه. ولاحظ نصّ كلامه في (مسك الختام في ولادة الإمام علي عليه السلام) في هذه المجموعة.

[136] روضة الصفا، الجزء الثاني.

[137] تقدّمت ترجمته: 39.

[138] مروج الذهب 349: 2.

[139] إثبات الوصية: 111، وقد مضي نصّ ما أثبته من الحديث في الصفحة: … من هذه المجموعة.

[140] حذلق: ادعي أكثر ممّا عنده. تاج العروس- حذلق- 311: 6.

[141] كسري أبرويز بن هرمز بن انوشروان، بُعث رسول اللَّه صلي الله عليه و آله لعشرين سنة مضت من ملكه. انظر الكامل في التاريخ 491: 1-496 و 46: 2.

[142] تاريخ گزيده (فارسي): 192.

[143] مطالب السؤول: 11.

[144] مرآة الكائنات 383: 1.

[145] سير الخلفاء 2: 8.

[146] تاريخ قم: 191.

[147] كتاب الحسين عليه السلام 16: 1، وإرشاد المفيد: 9، وشرح عينية عبد الباقي (للألوسي): 15.

[148] تاريخ نگارستان: 10. وانظر بشأنه كشف الظنون 1976: 2، والذريعة 308: 24.

[149] الظاهر بثلاث وعشرين سنة.

[150] روضة الصفا، الجزء العاشر، وكتاب جاماسب: 51.

[151] بستان السياحة: 540، ط. 2.

[152] روضة الشهداء: 146.

[153] مجلّة العمران: 62- 61.

[154] شام: تطلع. انظر لسان العرب- شيم- 329: 12.

[155] القصيدة العلوية: 61، وهذه القصيدة تشتمل علي 5595 بيتاً، انظر الذريعة 120: 17، والأعلام (للزركلي) 297: 4.

[156] شرح الشافية: 15.

[157] مصباح الكفعمي: 512.

[158] تقدّم في الصفحة: …

[159] تجارب السلف: 37، ط. طهران، سنة (1313 ش).

[160] إنسان العيون 165: 1.

[161] تقدم في الصفحة: …

[162] تاريخ الخميس 307: 2.

[163] ديوانه المخطوط.

[164] الشَّنف الذي يلبس في أعلي الأُذن، والذي في أسفلها القُرط. لسان العرب- شنف- 183: 9.

[165] وردت هذه الأبيات في الغدير 29: 6 و 370: 11.

[166] توجد

في ديوانه المخطوط.

[167] صرخد: موضع ينسب إليه الشراب لسان العرب- صرد- 251: 3.

[168] في الغدير: الضلال.

[169] وردت هذه القصيدة في الغدير 29: 6-32.

[170] الباقعة: الذكي العارف الذي لا يفوته شي ء. أقرب الموارد- بقع- 54: 1.

[171] الديوان: 20.

[172] الديوان: 196.

[173] النفحة القدسية: 68.

[174] النفحة القدسية: 178.

[175] في الديوان: جزيته.

[176] ديوانه: 25.

[177] ترجمته: صار الطواف حول الكعبة واجباً علي الجميع، لأن علي بن أبي طالب وُجدَ هناك.

[178] الشنب: الرقة ولاعذوبة. الصحاح- شنب- 158: 1.

[179] هو سيّدنا علّامة الهاشميين، آية اللَّه في العالمين، السيد ميرزا علي آقا الخلف الصالح السيّد الطائفة الإمام المجدد الحاج السيد ميرزا محمد حسين الشيرازي نزيل سامراء، المتوفّي سنة (1312 ه) ولد سيّدنا الممدوح سنة (1286 ه) وتوفي سنة (1355 ه) وكان أحد زعماء الدين، والأوحدي من فقهاء المسلمين، خلف أباه في علمه وخلائقه وهديه وهداه وفضائله كلّها.

[180] أورده هذه القصيدة في الغدير 33: 6-35، وشعراء الغري 436: 6-438.

[181] الدوح جمع دوحة: وهي الشجرة العظيمة المتسعة. لسان العرب- دوح- 436: 2.

[182] الهزار: العندليب. حيارة الحيوان 405: 2.

[183] أورد هذه القصيدة في الغدير 35: 6-37، وشعراء الغري 438: 6-441.

[184] الشأو: الأمد والغاية والهمّة. المعجم الوسيط- شأو- 470: 1. والكميت من اخييل ما كان لونه بين الأسود والأحمر. المعجم الوسيط- كميت- 797: 2.

[185] الذُّبالة: الفتيلة التي تُسرج. لسان العرب- ذبل- 256: 11.

[186] علّق المؤلف وكتب الفاضل المخمّس إلينا في ذيل نظمه هذين البيتين:

خمّستُ أبياتَكَ لكنّني

معترفٌ أ نّي لكم داعيه

إنّي تطفّلتُ عليها وقد

تشفع لي أخلاقك الساميه

فكتبتُ تحتهما هذين البيتين:

كسوتَ أبياتي جَمالاً بهِ

تَرفُلُ في أبرادهِ الضافيه

وحقّ أنّ أغدو له شاكراً

ما خلدت آثاره الباقيه.

[187] ديوانه 71: 1، والآيتان من سورة آل عمران: 61، والإنسان: 1.

[188] ص: 4.

[189] ص: 291.

[190]

السَجفُ والسِجفُ: الستر. الصحاح- سجف- 1371: 4.

[191] في الغدير: المفقود.

[192] وردت هذه الأبيات في الغدير 37: 6-38.

[193] مدينة المعاجز: 7.

[194] الثابت عند المتخصّصين أنّ المطبوع هو «مناقب آل أبي طالب» لابن شهر آشوب، وأنّ منتخبه الموسوم ب (نخب المناقب) لأبي عبد اللَّه الحسين بن جبر، ما يزال مخطوطاً، وموجوداً في بعض المكتبات. اُنظر الذريعة 22.

[195] في الذريعة 334: 22 مناقب المعصومين (للشيخ عبد الخالق بن عبد الرحيم اليزدي) المتوفي سنة (1268 ه).

[196] أمل الآمل 285: 2 /849.

[197] نزهة الجليس 103: 1.

[198] الأنوار النعمانية 370: 1.

[199] الشهاب الثاقب: فصل 2.

[200] تقويم المحسنين: 17.

[201] إرشاد القلوب: 211.

[202] علّق المولّف: أنا لا يروقني إثبات هذه الأبيات لشيخ الاُمة وأب الأئمة عليهم وعليه السلام، فإنّ شعره أفحل من أن تعدّ هذه في عداده، والعبرة هنا بكلام هذا السيّد الجليل لا الشعر المنقول، ولا بأس بأن تكون لبعض الشعراء.

[203] منهاج البراعة 216: 1.

[204] عمدة الزائر: 54.

[205] فلك النجاة: 326.

[206] عدّة الرجال … : …

[207] الحدائق الندية: 10، والفصول المهمة: 30.

[208] عقائد الشيعة: 31.

[209] الفصول المهمة: 30.

[210] الحدائق الندية: 10.

[211] نور الأبصار: 156.

[212] إنسان العيون: 165.

[213] قال العسقلاني في لسان الميزان 465: 2: رَوح بن صلاح المصري، ضعّفه ابن عدي، وقد ذكره ابن حبّان في الثقات، وقال الحاكم: ثقة مأمون. انتهي.

وقد أخرج المتقي الهندي في كنز العمال 636: 13 حديثاً في فضلها عليهاالسلام عن أبي نعيم الحافظ في المعرفة والديلمي، وقال: سنده حسن.

[214] تذكرة الخواص: 10.

[215] الإقبال: 655.

[216] الفذلكة: مجمل ما فُصل وخلاصته. المعجم الوسيط- فذلك- 678: 2.

[217] شواهد النبوة: 198، ط. المطبعة الحيدرية- بومباي- سنة (1288 ه).

[218] انظر الرياض النضرة 104: 3 و 107.

[219] مدارج النبوة 531: 2، ط. لول

كشور، 1914 م.

[220] مناقب مرتضوي: 87، ط. بومباي، سنة (1321 ه).

[221] روائح المصطفي: 10، ط. كانبور، سنة (1302 ه).

[222] آئينه تصوف: 9، ط. لامپور، سنة (1311 ه).

[223] كفاية الطالب: 25 و 37، وشرح الشفا 151: 1، طبع الآستانة، والمستدرك 483: 3.

[224] مأخوذ من بيت لرؤية من العجّاج، عجزه: ليت شباباً بوعَ فاشتريت.

[225] المين: الكذب. لسان العرب- مين- 425: 13.

[226] شرح نهج البلاغة (لابن أبي الحديد) 44: 11 عن كتاب «الأحداث» لأبي الحسن علي بن محمد المدائني.

[227] المصدر السابق 46: 11.

[228] المصدر السابق.

[229] راجع الغدير 197: 7-199.

[230] راجع الغدير 197: 7-199.

[231] راجع الغدير 94: 10.

[232] المعجم الأوسط (للطبراني) 438: 1، الحديث 788، عنه مجمع الزوائد 371: 9.

[233] فضائل الصحابة 591: 2، الحديث 1002، طبعة مكة.

[234] نزهة المجالس 204: 2.

[235] انظر إنسان العيون 227: 1.

[236] قال الحافظ شهاب الدين ابن حجر العسقلاني في الإصابة 296: 4: «كلّما أرادوا- يعني بني اُمية- إخمادها وهدّدوا مَن حدَّثَ بمناقبه لا تزداد إلّا انتشاراً».

[237] كفاية الطالب: 407.

[238] الإرشاد: 9.

[239] عمدة عيون صحاح الأخبار: 24.

[240] روضة الواعظين: 76.

[241] كشف الغمّة 59: 1.

[242] نهج الحقّ وكشف الصدق: 232.

[243] منهج الشيعة في فضائل وصيّ خاتم الشريعة: 7، ونسخة مكتبة آية اللَّه الگلپايگاني المؤرّخة (1265 ه).

[244] إرشاد القلوب: 211.

[245] عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب: 58.

[246] كنز المطالب وبحر المناقب: 41، ونسخة المدرسة الفيضية المؤرخّة (989 ه).

[247] جامع المقال: 187.

[248] الصراط السويّ: 152، ونسخة المكتبة الناصرية في لكهنو بالهند، والتي يظهر أ نّها بخطّ المؤلف.

[249] إعلام الوري: 153، وتاج المواليد: 12.

[250] مفتاح النجا في مناقب آل العبا، نزل الأبرار بما صحّ من مناقب أهل البيت الأطهار: 115.

[251] الفصول المهمّة: 30.

[252] عنهما عليٌّ وليد الكعبة: 119.

[253]

نور الأبصار في مناقب آل بيت النبيّ المختار: 156.

[254] خصائص الأئمة: 4.

[255] شرح قصيدة السيد الحميري المذهّبة: 51، طبعة مصر، سنة (1313 ه).

[256] فضائل أمير المؤمنين: مخطوط، عنه إحقاق الحقّ 489: 7.

[257] فرائد السمطين 425: 1.

[258] المجدي في أنساب الطالبيين: 11.

[259] الخرائج والجرائح 888: 2.

[260] النعيم المقيم لعترة النبأ العظيم: 16، ومخطوطة مكتبة آيا صوفيا- تركيا، وانظر بشأنه إيضاح المكنون 661: 2، أهل البيت عليهم السلام في المكتبة العربيّة.

[261] مناقب آل أبي طالب 175: 2.

[262] الكشكول فيما جري علي آل الرسول: 189.

[263] وسيلة المآل: 282، ونسخة مكتبة آية اللَّه المرعشي النجفي العامة، المؤرخّة (1280 ه).

[264] التتمّة في تواريخ الأئمة، الفصل الثالث، مخطوط.

[265] كشف الغمة: 422، نسخة المولف المخطوطة المحفوظة في مكتبة مجلس الشوري، برقم 2000.

[266] وسيلة النجاة: 60، طبعة گلشن فيض- لكهنو.

[267] تكريم المؤمنين بتقويم مناقب الخلفاء الراشدين: 99، طبعة الهند، سنة (1307 ه).

[268] روضة الصفا في آداب زيارة المصطفي، الجزء الثاني.

[269] بستان السياحة: 543، الطبعة الثانية.

[270] تجد القصيدة كاملة في الغيدر 356: 6-364.

[271] الغدير 320: 11.

[272] عليّ وليد الكعبة: 36.

[273] نقلها الشيخ الأُوردوبادي في عليّ وليد الكعبة: 69 عن ديوان الشيخ المخطوط.

[274] تجدها كاملة في عليّ وليد الكعبة: 88- 85، والغدير 33: 6-35.

[275] أعيان الشيعة 323: 1.

[276] عليٌّ وليد الكعبة: 108.

[277] أعيان الشيعة 285: 5، ودائرة المعارف الشيعية 153: 1.

[278] علي وليد الكعبة: 83.

[279] سير أعلام النبلاء 101: 10، ولسان الميزان 196: 6.

[280] سير أعلام النبلاء 101: 10، ولسان الميزان 196: 6.

[281] الأنساب 86: 5.

[282] جمهرة النسب 353: 1.

[283] الفهرست: 143، ومعجم الاُدباء 291: 19 ظ.

[284] جمهرة النسب: 10.

[285] المحبّر: 176.

[286] المصدر نفسه: 174.

[287] المصدر نفسه: 105.

[288] المصدر نفسه: 122- 121.

[289] اُنظر المحبّر: 303.

[290]

المصدر نفسه: 509.

[291] تاريخ بغداد 296: 7.

[292] معجم الاُدباء 94: 8.

[293] اُنظر الصحاح 1562: 4، ولسان العرب 371: 10.

[294] التقريب: 66.

[295] صحيح مسلم 30: 1.

[296] مقدمة ابن الصلاح: 136.

[297] المراسيل: 15.

[298] جامع التحصيل في أحكام المراسيل: 26.

[299] المصدر نفسه.

[300] مقدمة ابن الصلاح: 119.

[301] تاريخ البخاري الكبير 11: 3، رقم 42.

[302] معرفة علوم الحديث: 119.

[303] المصدر السابق، ومقدّمة ابن الصلاح: 173.

[304] مقدّمة ابن الصلاح: 179.

[305] مقدمة ابن الصلاح: 874.

[306] مسند أحمد 301: 2، وفتح الملك العليّ: 126.

[307] فتح الملك العليّ: 122.

[308] معرفد علوم الحديث: 93.

[309] جمهرة نسب قريش 353: 1.

[310] سير أعلام النبلاء 314: 12، وتهذيب التهذيب 313: 3.

[311] ميزان الاعتدال 66: 2.

[312] تهذيب التهذيب 313: 3.

[313] التبيين في أنساب القرشيّين: 266.

[314] اُنظر تهذيب الكمال 46: 14، وسير أعلام النبلاء 429: 4.

[315] ج 725: 1.

[316] ج 173: 7.

[317] ج 46: 3.

[318] ج 32: 2.

[319] ج 482: 3.

[320] انظر سير أعلام النبلاء 570: 10.

[321] المستدرك 483: 3.

[322] المستدرك 2: 1.

[323] عليّ وليد الكعبة: 3- 1 و 125.

[324] المثبرُ: الموضع الذي تلد فيه المرأة من الأرض. الصحاح 604: 2 (ثبر).

[325] اللقي، بالفتح: الشي ء الملقي لهوانه. الصحاح 2484: 6 (لقي).

[326] أخبار مكّة 174: 1.

[327] الفهرست: 162.

[328] تهذيب الكمال 480: 1.

[329] تهذيب الكمال 481: 1.

[330] الإعلان بالتوبيخ: 132.

[331] أخبار مكّة 103: 2.

وانظر بشأنه كشف الظنون 306: 1 و 1684: 2، وهدية العارفين 11: 2، ومعجم المؤلفين 198: 10، والأعلام للزركلي 222: 6، وفيها اختلاف كثير في تحديد عصره.

[332] الجرح والتعديل 124: 8، وتذكرة الحفّاظ 501: 2، وسير أعلام النبلاء 96: 12.

[333] التاريخ الكبير 265: 1، والتاريخ الصغير 348: 2.

[334] أُنظر أخبار مكّة (موارد كثيرة)، والجرح والتعديل 454: 9، وسير أعلام

النبلاء 20: 8.

[335] راجع التاريخ الكبير 29: 6، والتاريخ الصغير 234: 2، والجرح والتعديل 390: 5-391، وتاريخ بغداد 441: 10، وتهذيب التهذيب 351: 6، وميزان الاعتدال 632: 2، وغيرها.

[336] سير أعلام النبلاء 175: 9.

[337] تهذيب الكمال 165: 1، وسير أعلام النبلاء 188: 9.

[338] تهذيب الكمال 166: 1.

[339] تاريخ بغداد 184: 14، وسير أعلام النبلاء 83: 11 عن تاريخ الابّار.

[340] صحيح مسلم 17: 1، وتاريخ بغداد 98: 2.

[341] صحيح مسلم 18: 1.

[342] اللآلي ء المصنوعة..وفتح الملك العلي: 92.

[343] الأبيات من القصيدة العلويّة للشاعر عبد المسيح الأنطاكي، راجع عليٌّ وليد الكعبة (للاُردوباديّ): 80.

[344] إثبات الوصية (للمسعودي): 121، وكنز الفوائد (للكراجكي) 255: 1.

[345] نهج البلاغة (تحقيق صبحي الصالح): 300، خ 192.

[346] شرح نهج البلاغة (لابن أبي الحديد) 15: 1.

[347] نهج البلاغة (تحقيق صبحي الصالح): 301، خ 192.

[348] المستدرك علي الصحيحين (للحاكم) 111: 3-112.

[349] سورة البقرة: 105.

[350] من لا يحضره الفقيه (للصدوق) 157: 2 /679.

[351] مناقب علي بن أبي طالب عليه السلام (لابن المغازلي): 151، ومناقب علي بن أبي طالب عليه السلام (للخوارزمي): 206، وكنز العمال (للمتقي الهندي) 604: 11 /32923.

[352] نهج البلاغة (تحقيق صبحي الصالح): 192/293.

[353] الكافي (للكليني) 198: 4 /1.

[354] أُسد الغابة (لابن الأثير) 31: 4.

[355] ترجمة علي عليه السلام من تاريخ دمشق (لابن عساكر) 406: 2 والمناقب (لابن المغازلي): 107/106.

[356] المستدرك (للحاكم)142: 3، وحلية الأولياء (لأبي نعيم) 182: 2، والرياض النضرة (للمحب الطبري) 197: 3، والمناقب (لابن المغازلي): 244 / 211- 206 وما بعده، وكنز العمال (للمتقي الهندي) 601: 11 /32895، وانظر كتاب «الإفادة بطرق حديث: النظر إلي عليّ عبادة» تأليف السيّد عبد العزيز بن الصدّيق الحسني الغماري المغربي (1338-1418 ه) المنشور في العدد الثالث من مجلة «علوم الحديث»

الصادرة من كليّة علوم الحديث في طهران، السنة الثانية، 1419 ه، في الصفحات (239-305).

[357] وسيلة المتعبّدين (للملّا) 168: 5 / قسم 2، والمناقب (لابن المغازلي): 243 / 206، وفردوس الأخبار (للديلمي) 244: 2 /3151، وكنز العمال (للمتقي الهندي) 601: 11 /32894.

[358] علي بن أبي طالب سلطة الحق (لعزيز السيّد جاسم): 15.

[359] الغدير (للأميني) 22: 6-23.

[360] المستدرك (للحاكم) 367: 2، ومسند أحمد 84: 1 و 151، وتاريخ بغداد (للخطيب البغدادي) 303: 13، والمناقب (لابن المغازلي): 240 / 202، ومجمع الزوائد (للهيثمي) 23: 6، وعلل الشرائع (للصدوق) 173: 1 /1، ومعاني الأخبار (للصدوق): 1/350.

[361] أخبار مكة (للفاكهي) 236: 3.

[362] أخبار مكة (للفاكهي) 226: 3.

[363] راجع ترجمته في جمهرة أنساب العرب (لابن حزم): 121، وتهذيب الكمال (للمزيّ) 170: 7 /1454، والمنتظم (لابن الجوزي)268: 5 /374، والإصابة (لابن حجر) 32: 2 /1695، وتهذيب التهذيب (لابن حجر) 446: 2 /775، والتاريخ الكبير (للبخاري) 11: 3 /42.

[364] جمهرة نسب قريش 353: 1.

[365] صفة الصفوة 725: 1.

[366] المنتظم 269: 5 /374.

[367] تهذيب الكمال 173: 7.

[368] سير أعلام النبلاء 46: 3.

[369] الإصابة 32: 2.

[370] المستدرك علي الصحيحين 482: 3.

[371] أخبار مكّة 174: 1.

[372] في مجلّة (تراثنا) العدد 26: 7-42، وقد طبعت في هذه المجموعة، برقم (5).

[373] شرح نهج البلاغة (لابن أبي الحديد) 17: 1.

[374] شرح نهج البلاغة (لابن أبي الحديد) 46: 11.

[375] شرح نهج البلاغة (لابن أبي الحديد) 17: 1.

[376] نزهة المجالس 204: 2، القاهرة.

[377] عليّ وليد الكعبة (للأُردوبادي): 40.

[378] جمهرة نسب قريش (لابن بكار) 353: 1.

[379] المثبر: الموضع الذي تلد فيه المرأة.

[380] أخبار مكة (للأزرقي) 174: 1.

[381] المستدرك (للحاكم) 483: 3.

[382] إنسان العيون 165: 1.

[383] عليٌّ وليد الكعبة (للاُردوبادي): 83.

[384] شرح نهج

البلاغة (لابن أبي الحديد) 14: 1.

[385] تاريخ الخميس 307: 2.

[386] عليٌّ وليد الكعبة (للاُردوبادي): 85.

[387] غاية المرام (للبحراني): 13.

[388] روضة الواعظين (لابن الفتّال): 81، وبحار الأنوار 17 / 23: 35.

[389] وجاء في بعض الروايات أنّ الذي سماه هو النبيّ صلي الله عليه و آله، وروي أيضاً أنّ أبا طالب سمع هاتفاً يقول له: سمّه علياً.

[390] مناقب عليّ بن أبي طالب عليه السلام (لابن المغازلي): 3/6، والفصول المهمّة (لابن الصباغ): 30، وكشف الغمّة (للأربلي) 59: 1، وعمدة عيون صحاح الأخبار (لابن البطريق): 8/27.

[391] الأمالي (للشيخ الطوسي): 1511 706، وبحار الأنوار (للمجلسي) 36: 35 /37.

[392] المناقب (لابن شهر آشوب) 174: 2، وبحار الأنوار (للمجلسي) 18: 35.

[393] إقبال الأعمال (لابن طاوس): 608-610، والمزار (للشهيد الأوّل): 91-95، وبحار الأنوار 374: 100-375.

[394] مصباح الزائر (لابن طاوس): 146، وبحار الأنوار (للمجلسي) 302: 100 /22.

[395] كفاية الطالب: 405-406.

[396] مناقب آل أبي طالب 172: 2-173.

[397] الفضائل: 56- 54.

[398] الأمالي: 1511/706.

[399] المناقب 74: 2.

[400] الأمالي: 1511/706.

[401] مصباح المتهجّد: 819.

[402] بحار الأنوار 7: 35 /7.

[403] أربعينه: 9، مخطوط.

[404] راجع علي عليه السلام وليد الكعبة (للاُردوبادي): 61-62.

[405] نوادر المعجزات: 32-33 /12.

[406] الفضائل: 2.

[407] عيون المعجزات: 25- 24.

[408] المناقب 172: 2-173.

[409] روضة الواعظين: 81- 76.

[410] علل الشرائع 135: 1 /3.

[411] معاني الأخبار: 10/62.

[412] الأمالي: 206/194.

[413] بشارة المصطفي: 9- 7.

[414] كشف الغمّة 60: 1.

[415] إرشاد القلوب: 211.

[416] كشف اليقين: 17.

[417] نهج الحق: 233.

[418] الغدير (للأميني) 24: 6، وعلي عليه السلام وليد الكعبة (للاُردوبادي): 26-27.

[419] أي من حيث الكيفية، فقد وُلِدَ عليه السلام مستقبلاً الأرض بكفّيه رافعاً رأسه إلي السماء، ذاكراً اسم اللَّه.

[420] إثبات الوصية (للمسعودي): 111.

[421] الغدير (للأميني) 24: 6.

[422] المجدي في أنساب الطالبيين (للعمري): 11.

[423] عمدة الطالب

في أنساب آل أبي طالب: 58.

[424] الغدير (للأميني) 25: 6 /20.

[425] الغدير (للأميني) 25: 6 /22.

[426] عليٌّ وليد الكعبة (للاُردوبادي): 72.

[427] أهل البيت في المكتبة العربية (للطباطبائي): 802/637، والذريعة (لآقا بزرك) 274: 23.

[428] الذريعة (لآقا بزرك) 274: 23.

[429] راجع كتابخانه ابن طاوس (لاتان كلبرك): 425.

[430] أهل البيت في المكتبة العربية (للطباطبائي): 801/636، وكتابخانه ابن طاوس (لاتان كلبرك): 332، ومجلّة تراثنا العدد 84: 25.

[431] الذريعة (لآقا بزرك) 277: 23.

[432] إحقاق الحق (للشهيد التستري) 489: 7.

[433] المستدرك (للحاكم) 483: 3.

[434] كفاية الطالب (للكنجي): 407.

[435] عليٌّ وليد الكعبة (للاُردوبادي): 76.

[436] تذكرة الخواص (لسبط ابن الجوزي): 10.

[437] راجع كفاية الطالب (للكنجي): 405.

[438] فرائد السمطين (للجويني) 425: 1.

[439] الفصول المهمة (لابن الصباغ): 30.

[440] عليٌّ وليد الكعبة (للأُردوبادي): 114.

[441] نور الأبصار (للشبلنجي): 85.

[442] عليٌّ وليد الكعبة (للأُردوبادي): 40.

[443] عليٌّ وليد الكعبة (للأُردوبادي): 82-83.

[444] مجلة تراثنا العدد 16: 26.

[445] وسيلة المآل (لابن باكثير): 282، مخطوطة المكتبة المرعشية، مكتوبة سنة (1280 ه).

[446] الغدير (للأميني) 22: 6، وعليٌّ وليد الكعبة (للأُردوبادي): 22.

[447] مجلّة تراثنا، العدد 21: 26.

[448] الغدير (للأميني) 22: 6، وعلي عليه السلام وليد الكعبة (للأُردوبادي): 23.

[449] مجلة تراثنا، العدد 21: 26.

[450] المناقب (لابن شهر آشوب) 175: 2، وروضة الواعظين (لابن الفتّال): 81.

[451] المناقب لابن شهر آشوب 175: 2.

[452] الغدير (للأميني) 360: 6.

[453] الغدير (للأميني) 20: 6-21.

[454] الصراط المستقيم (للبياضي) 215: 2.

[455] الغدير (للأميني) 320: 11.

[456] علي عليه السلام وليد الكعبة (للأُردوبادي): 55-56.

[457] الغدير (للأميني) 370: 11، وعلي عليه السلام وليد الكعبة (للأُردوبادي): 88.

[458] علي عليه السلام وليد الكعبة (للأُردوبادي): 88.

[459] الغدير (للأميني) 29: 6.

[460] أعيان الشيعة 63: 36، الطبعة الثانية، عام (1380 ه) ومجلة «علوم الحديث» العدد الثامن ص.

[461] علي عليه السلام

وليد الكعبة (للأُردوبادي): 89.

[462] الغدير (للأميني) 94: 6.

[463] الغدير (للأميني) 29: 6-32.

[464] علي عليه السلام وليد الكعبة (للأُردوبادي): 93.

[465] علي عليه السلام وليد الكعبة (للأُردوبادي): 79-80.

[466] ديوان السيّد رضا الهندي: 25.

[467] أعيان الشيعة 285: 5.

[468] علي عليه السلام وليد الكعبة (للأُردوبادي): 104-105.

[469] أعيان الشيعة 323: 1.

[470] علي عليه السلام وليد الكعبة: 103.

[471] الشَّنب: جمال الثغر وصفاء الأسنان.

[472] الغدير (للأميني) 33: 6-35، وشعراء الغري (للخاقاني) 436: 6-438.

[473] الغدير للأميني 35: 6-37، وشعراء الغري (للخاقاني) 438: 6-441.

[474] علي عليه السلام وليد الكعبة (للأُردوبادي): 105.

[475] الغدير (للأميني) 33: 6.

[476] عليّ عليه السلام وليد الكعبة (للأُردوبادي): 94.

[477] الغدير (للأميني) 37: 6-38، وعليّ عليه السلام وليد الكعبة (للأُردوبادي): 106- 105.

[478] اُنظر أعيان الشيعة 410: 2.

[479] لاحظ ترجمته المفصّلة وترجمة مشايخه في كتابه «السبيل الجدد إلي حلقات السند» المطبوع في مجلّة «علوم الحديث» العدد الثاني.

[480] كتاب الغدير 37: 6.

[481] المجموعة الكاملة 35: 2.

[482] تاريخ دمشق 93: 15.

[483] تاريخ دمشق 98: 15.

[484] تاريخ دمشق 95: 15.

[485] التبيين في أنساب القرشيين: 266.

[486] تهذيب الكمال 46: 14، وسير أعلام النبلاء 429: 4.

[487] اُنظر سير أعلام النبلاء 314: 12، وتهذيب التهذيب 313: 3، وميزان الاعتدال 66: 2.

[488] انظرها في سير أعلام النبلاء 314: 12.

[489] تاريخ دمشق 98: 15.

[490] المستدرك 549: 3 /6041 /1639.

[491] المستدرك 550: 3 /6044 /1642.

[492] اُنظر سير أعلام النبلاء والأنساب وجمهرة النسب.

[493] مقدّمة جمهرة النسب.

[494] أخبار مكة (للأزرقي) 174: 1.

[495] تذكرة الحفّاظ 501: 2، والجرح والتعديل 124/8، وسير أعلام النبلاء 96: 12.

[496] التاريخ الكبير 29: 6، والتاريخ الصغير 234: 2، والجرح والتعديل 390: 5، وتاريخ بغداد 441: 10، وتهذيب التهذيب 351: 6، وميزان الاعتدال 632: 2.

[497] من المصادر التي اعتمدتها في هذه

المقدمة المختصرة مقالة قيّمة ونافعة للأُستاذ شاكر شبع (الولادة في الكعبة المعظّمة) نشرت في مجلة تراثنا العدد 26، وطبعت في هذه المجموعة برقم (5).

[498] المستدرك 483: 3.

[499] كفاية الطالب: 407، وانظر الغدير (للشيخ الأميني) 22: 6.

[500] الغدير (للشيخ الأميني) 22: 6.

[501] انظر الغدير 22: 6-23.

[502] الكشكول: 189.

[503] غاية المرام: 13.

[504] اُصول العقائد: 165 مترجماً من الفارسية وملخصاً.

[505] اعلام الوري: 153.

[506] شرح القصيدة المذهبة: 51.

[507] خصائص الأئمة: 39.

[508] التهذيب 19: 6 كتاب المزار.

[509] مصباح المتهجد: 741 و 754.

[510] الإرشاد: 90، والمقنعة: 72، ومسار الشيعة: 35.

[511] انظر الإقبال: 608، ومصباح الزائر: 106، والمزار الكبير: 267، والبحار 374: 100.

[512] انظر المجدي: 11.

[513] انظر المناقب (لابن شهر آشوب) 175: 2-176، وروضة الواعظين: 81، وأعيان الشيعة 324: 1.

[514] جلاء العيون 232: 1، فارسي.

[515] تحفة السلاطين: 2، فارسي.

[516] تحفة المجالس: 64، فارسي.

[517] ضياء العالمين: 2.

[518] نهج الحق وكشف الصدق: 232، وكشف اليقين: 5.

[519] كشف الغمّة 59: 1.

[520] مناقب ابن شهر آشوب 175: 2.

[521] الصراط المستقيم 215: 2.

[522] تحفة الأبرار، ب 4، ف 2.

[523] انظر إحقاق الحقّ.

[524] الفصول المهمة: 30، وأيضاً نزهة المجالس 204: 2.

[525] كشف الغمّة 60: 1، وبشارةالمصطفي: 7.

[526] إرشاد القلوب: 211.

[527] مناقب مرتضوي: 87، ط. بومباي، 1321 ه.

[528] الأمالي 9: 114، وعلل الشرائع 3: 1 و 135، ومعاني الأخبار 10: 62.

[529] روضة الواعظين: 81- 77.

[530] الفضائل (لشاذان بن جبرئيل): 54، وجامع الأخبار: 15.

[531] علل الشرائع 135: 3، ومعاني الأخبار 62: 10، وأمالي الصدوق 114: 9، وأمالي الطوسي 317: 2، ومناقب ابن شهر آشوب 172: 2، وروضة الواعظين: 77.

[532] منظومة في تواريخ المعصومين عليهم السلام، مخطوطة.

[533] مصباح الحرمين: 194.

[534] شرح نهج البلاغة 14: 1.

[535] كنز الفوائد 255: 1.

[536] الأربعون حديثاً،

مخطوط، ونوادر المعجزات: 10، واليقين: 73، وفضائل ابن شاذان: 2.

[537] كفاية الطالب: 405.

[538] المجدي: 11.

[539] عمدة الطالب: 58.

[540] روضة الصفا، مترجماً من الفارسية وملخصاً.

[541] مروج الذهب 349: 2.

[542] إثبات الوصية: 111.

[543] تاريخ گزيده (فارسي): 192 مترجماً وملخصاً.

[544] مطالب السؤول: 11.

[545] مرآة الكائنات 383: 1.

[546] سير الخلفاء: 208 مترجماً من الهندية وملخّصاً.

[547] تاريخ قم: 191.

[548] كتاب الحسين عليه السلام 16: 1.

[549] تاريخ نگارستان: 10، وانظر بشأنه كشف الظنون 1976: 2، والذريعة 308: 24.

[550] روضة الصفا الجزء العاشر مترجماً من الفارسية وملخّصاً كتاب جاماسب: 51.

[551] روضة الشهداء: 146.

[552] شام: تطلع، انظر «لسان العرب- شيم- 329: 12. «

[553] القصيدة العلوية: 61، وهذه القصيدة تشتمل علي 5595 بيتاً، وانظر الذريعة 120: 17، والأعلام (للزركلي) 297: 4.

[554] شرح الشافية: 15.

[555] مصباح الكفعمي: 512.

[556] تجارب السلف: 37، ط. طهران، سنة 1313 ش، مترجماً من الفارسية.

[557] إنسان العيون 165: 1.

[558] تاريخ الخميس 307: 2.

[559] انظر الفصول المهمة: 30.

[560] نزهة المجالس 204: 2.

[561] الحدائق الندية: 10.

[562] انظر العسقلاني في لسان الميزان 465: 2.

[563] الإقبال: 655.

[564] شواهد النبوّة: 198.

[565] مدارج النبوّة 531: 2 مترجماً من الفارسية.

[566] مناقب مرتضوي: 87، ط. بومباي، سنة 1321 ه، مترجماً من الفارسية.

[567] روائح المصطفي: 10، ط. كابنور، سنة 1302 ه، مترجماً من الفارسية.

[568] كفاية الطالب: 25 و 37، وشرح الشفا 151: 1، والمستدرك 483: 3.

[569] في بعض النسخ:

يا ربّ ربّ الغسق الدجيّ

والفلق المنبلج الوضيّ

ماذا تُريني في اسم ذا الصبيّ

أبِنْ لنا عن حكمك المقضيّ.

[570] في بعض النسخ:

عليٌّ اشتقَّ من العليِّ

ثمّ اسمه من الشامخ العلويِّ.

[571] ألقاب الرسول وعترته عليهم السلام: 17، ضمن المجموعة النفيسة، المتن الرابع، الطبعة الحجرية- قم، 1396 ه.

[572] المناقب (لابن شهر آشوب) 174: 3، المطبعة العلمية- قم، بلا

تاريخ.

[573] المناقب (لابن شهر آشوب) 172: 2، المطبعة العلمية- قم، بلا تاريخ.

[574] بحار الأنوار (للمجلسي) 35: 7، الطبعة الحديثة.

[575] مصباح المتهجد (للطوسي): 741، الطبعة الحجرية، إيران.

[576] روضة الواعظين (للفتال) 81: 1، النجف، 1386 ه.

[577] في ضبط روضة الواعظين «عن عمّه ووسي بن شبار» لكن الأظهر والأصح ما ضبطناه.

[578] نفس المصدر 81: 1.

[579] المناقب (لابن شهر آشوب) 254: 2، المطبعة العلمية- قم.

[580] نهج الإيمان، تحقيق السيّد أحمد الحسيني، نشر مجتمع امام هادي عليه السلام- مشهد، الطبعة الاُولي، 1418 ه.

[581] اليتيمة في تواريخ الأئمة، المطبوع باسم «التتمة» غلطاً، تحقيق مؤسسة البعثة- قم، 1412 ه.

[582] كاشف الغمّة في تاريخ الأئمّة عليهم السلام، تحقيق قسم الكلام والفلسفة في مجمع البحوث الإسلامية- مشهد، 1419 ه.

[583] المراتب (ص 59(تحقيق محمّد رضا الأنصاري القميّ، انتشارات دليل- قم، الطبعة الاُولي، 1424 ه.

[584] الإفادة في تاريخ الأئمة الزيدية [كذا المطبوع]: 35، حقّقه وعلّق عليه محمّد يحيي سالم عزّان، دار الحكمة اليمانية- اليمن، صعدة الطبعة الاُولي، 1417 ه.

[585] اعتمدنا مصوّرة مورّخة (1074 ه) مسموعة علي سعد الدين المسوري في (1077 ه) وكتبها وسمعها في صنعاء كاتبها السيّد محمّد بن عبد اللَّه بن الحسين الهدوي.

[586] ص (18-19) من النسخة المصوّرة عن نسخة الجامع الكبير بصنعاء، لاحظ: أعلام المؤلّفين الزيديّة: ص 1004 رقم 1075.

[587] علّق في هامش المصدر المخطوط ما نصّه: وذلك أنّها لمّا اشتكت المخاض التجأت إلي الكعبة تبرّكاً بها فطلفت طلقةً فولدته عليه السلام فحصل له هذا الشرف العظيم بولادته في أشرف بقعة في الأرض ثمّ حمله رسول اللَّه صلي الله عليه و آله إلي منزلها، وكان قد سار مع عمّه أبي طالب حين دخل الكعبة وأجلس فاطمة بنت أسد رحمها اللَّه في الكعبة.

[588] في النسخة: «سمّيته»

فلاحظ.

[589] الي هنا انتهي ما في «نهاية السؤل» لمحمد بن الناصر الزيدي.

[590] اعتمدنا علي النسخة التي يعمل في تحقيقها الشيخ محمّد الإسلامي.

[591] النعيم المقيم، تحقيق سامي الغريري، دار الكتاب الإسلامي- قم، الطبعة الاُولي، 1423 ه.

[592] نظم درر السمطين في فضائل المصطفي والمرتضي والبتول والسبطين (رض) لسيف جمال الدين، محمّد بن يوسف بن الحسن، الحنفي المدني الزرندي (ت 750 ه) حققه محمّد هادي الأميني، طبع النجف، أعادته مكتبة نينوي- طهران.

[593] نظم درر السمطين: 1-32.

[594] معارج الوصول تحقيق السيّد علي أشرف وعبد الرحيم المبارك، طبع الآستانة الرضويّة، مشهد ط1422 1 ه.

[595] مناقب الثلاثة: (ص 9(من طبعة المكتبة اليوسفية بشارع محمّد علي بمصر، دون تاريخ، وقد جاء في الصفحة الأُولي، طبعت هذه النسخة طبق الأصل المنقولة من المكتبة الغربية بمكة المكرمة. وهي طبعة حروفية في (160) بقطع الربع، جاء في آخرها:

تمّ طبع هذه المناقب الشريفة علي ذمّة ملتزمها يوسف حسين عبد اللَّه، كان اللَّه له وغفر له ولوالديه ولمن دعا لهم بخير، آمين، وذلك سنة (1352) من الهجرة الشريفة.

أقول: وقد اعتمد الشيخ الأميني في الغدير (26: 1) علي هذا الكتاب، فنقل عنه حديث الغدير من كتاب «الموجز في فضل الخلفاء الأربعة» لأبي الفتوح أسعد بن أبي الفضائل بن خلف.

ثمّ إنّ السيّد عبد العزيز الطباطبائيّ ذكر في كتاب (أهل البيت في المكتبة العربية) برقم 724: مناقب أمير المؤمنين وولديه الحسن والحسين عليهماالسلام مرتّب علي مقدّمة وثلاثة أبواب، طبع بمصر طبعة حجريّة سنة (1280 ه) ذكر في فهرس المكتبة (الكتبخانة) الخديوية في 159: 5، وهو الفهرس القديم لدار الكتب المصريّة.

وعلّق الطباطبائي: لعلّه المذكور في: منتخب (مختصر) كفاية الطالب.

ثمّ قال برقم (756): منتخب (مختصر) كفاية الطالب أو مناقب الثلاثة.

الأصل للحافظ الكنجي،

فخر الدين محمّد بن يوسف المتوفّي سنة (654 ه) والمنتخب منه لبعض (العامّة) المتأخّرين.

طبع في تركيا باسم (مناقب أمير المؤمنين سيّدنا علي بن أبي طالب كرّم اللَّه وجهه ونجليه الحسن والحسين) طبعه مصطفي الزركلي الدمشقي في إسلامبول سنة (1280 ه) طبع في بومباي سنة (1290 ه) طبعة حجرية باسم (مناقب سيدنا الإمام علي بن أبي طالب كرّم اللَّه وجهه).

وطبع أيضاً في القاهرة، مصر، سنة (1352 ه) طبعة حروفية، باسم (المناقب [كذا] الثلاثة للفارس الكرّار سيف اللَّه الغالب أمير المؤمنين الإمام عليّ بن أبي طالب كرّم اللَّه وجهه ونجليه الإمامين الكريمين سيّدنا الحسن والحسين رضي اللَّه عنهم).

وذكره الطباطبائي برقم 617: كفاية الطالب (مختصر) لبعض العامة، وذكر طبعته في الهند ومصر.

[596] مقتل أمير المؤمنين الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام: (ص58- 57(، حقّقه وقدّم له وعلّق عليه جودت كاظم القزويني، لكنّ المحقّق علّق بقوله: حذفنا!!! ثلاث صفحات من النسخة المخطوطة، في ما يخصّ قصّة (المثرم) لعدم تناسبها مع المقام!، وإن شئت فراجعها في كتاب (روضة الواعظين: 77 (.

[597] مناهل الضرب: 84، وقد ذكره الشيخ الاُردوبادي، إلّا أنّه لم ينقل نصّ كلامه في المتن، وذكرناه بطوله للوقوف علي نصّه، ولما في تعليقته من التصريح، والإحالة إلي كتابه الآخر.

[598] عبقرية الإمام، المجموعة الكاملة (للعقاد) 35: 2، طبع بيروت، 1974 م.

[599] الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام (لعبد الفتاح عبد المقصود).

[600] الإمام عليّ أسد الإسلام وقدّيسه، دار الكتاب العربي- بيروت، الطبعة الثانية، 1399 ه.

[601] الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، الطبعة الثانية- إصفهان، 1419 ه.

[602] الإمام علي اللغز المحير: 81 و 89، مطبعة شريعت- قم، 1422 ه.

[603] هدية رمضان: 37- 33، الطبعة الثانية (1979 م- 1399 ه)،

الكويت.

[604] من كتاب «الامام علي عليه السلام سيرة وتاريخ»: 22- 20 بقلم إسلام الموسوي من اصدارات مركز الرسالة، سلسلة المعارف الإسلامية، رقم 23، الطبعة الأُولي- قم، 1424 ه.

[605] اُنظر إعلام الوري 306: 1، وإرشاد المفيد 5: 1، وعليٌّ وليد الكعبة (للأُردوبادي): 3، منشورات مكتبة الرضوي، وكشف الغمّة (للعلامة المحقق الأربلي) 5: 1.

[606] الإصابة (لابن حجر) 507: 2.

[607] كشف الغمّة 59: 1.

[608] كشف الغمّة 60: 1.

[609] عليٌّ وليد الكعبة (للأُردوبادي): 11، ط. النجف الأشرف.

[610] عليٌّ وليد الكعبة: 3.

[611] بحار الأنوار 10: 35.

[612] بحار الأنوار 12: 35.

[613] ر. ك. بحار الأنوار 17: 35.

[614] و كوه لكام- بنابر آنچه فيروزآبادي در قاموسش ذكر كرده- كوهي است در حوالي شيراز و شمالاً ممتدّ مي شود به جيحون و مشغفره [وجنوباً] منتهي مي شود به مكه مشرفه- شرفها اللَّه- [منه قدس سره].

[615] آل عمران: 170- 169.

[616] ر. ك. بحار الأنوار 18: 35.

[617] ر.ك بحار الأنوار 18: 35.

[618] منتخبي از رساله (السحابة البيضاء) در فضائل مولي الموحدين أمير المؤمنين علي عليه السلام، تأليف مير سيد محمّد حسن مدرس اصفهاني (ت 1331 ه)، تحقيق علي كرباسي زاده اصفهاني، چاپ بهار- اصفهان، 1377 ش.

[619] في الأعيان والمعادن والأنوار: ربّما عالجٌ من الرمْل يُحْصي.

[620] في طبعة بغداد والأنوار: خارِقاتٍ.

[621] هذا البيت لم يرد في الأعيان.

[622] في طبعة بغداد: شفاءُ.

[623] الأبيات (12-20) لم ترد في الأعيان.

[624] في غير المطبوعة ببغداد: فيها.

[625] في طبع بغداد والأنوار: من.

[626] المطبوع في الباقيات: الأنبياءُ.

[627] الأبيات (23-29) ليست في الأعيان.

[628] إلي هُنا ينتهي المطبوع في بغداد والأنوار وكذا المخمّس في عمل الشاعر عبدالباقي العمري والغزوات، وباقي القصيدة منقول من الأعيان فقط.

[629] في الأعيان: البطاح.

[630] كان في الأعيان: للفصاحة.

[631] المطبوع في الأعيان: فاطمة.

[632] في

الأعيان: باتت.

[633] طبعت هذه الهمزيّة بإعداد السيّد محمد رضا الحسيني الجلالي، في مجلّة «علوم الحديث» العدد الثامن.

[634] مما ألحقه محقق «مقتل أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام»: 112- 110، تأليف السيّد الميرزا صالح الحسيني القزويني (ت 1304 ه) تحقيق جودت كاظم القزويني، وعلّق عليه بقوله: نقلاً عن كتابنا الكبير «دليل الرجال- في ترجمات العلماء والاُدباء»، المخطوط.

[635] من ديوانه (ديَم النَيسان) من نسخة المرحوم السيّد محمّد علي الطبسي.

[636] كتب الشاعر هذا البيت (لمّا أفاض علي الدنيا منائحه) ثم شطب عليه.

[637] كتب هنا أيضاً: ظلّت الآراء.

[638] كتب هنا أيضاً: فيه ومن.

[639] كتب هنا أيضاً: زرت.

[640] وكتب أيضاً: في الجود.

[641] اقتباس من الشعر المنسوب إلي سيّدنا عبدالمطّلب جدّ الرسول صلي الله عليه و آله.

[642] هذا البيت من ميمية عصماء للسيّد حيدر الحلّي رحمه الله.

[643] المراد من الوزير الإمام عليّ عليه السلام لدلالة حديث المنزلة.

[644] من أسماء الأسد إشارة إلي شجاعته وبسالته عليه السلام.

[645] إشارة إلي حديث مشهور لو اجتمع الناس علي حبّ عليّ عليه السلام لما خلق اللَّه النار.

[646] ديوان السيّد مرتضي الوهاب، انتشارات المكتبة الحيدرية- قم، 1422 ه.

[647] ديوان الربيعي (للشاعر الشيخ عبد العظيم الربيعي): 50-46، (1323-1399ه).

[648] أي الأصنام بزعم المشركين لأن الذي سد الباب من بني عبد الدار عبدها، والرتاج: الباب العظيم.

[649] المراد به: أبو طالب.

[650] قلائد الانشاد: 167- 154، جمع وإعداد معين الخياط النجفي، ط. المكتبة الحيدرية- قم، 1416 ه.

[651] ذكاء: من اسماء الشمس.

[652] من محفوظات الشيخ حسن أخوان.

[653] ديوان فارسي فضولي، به اهتمام حسيبه مازي اوغلو،كنگره بزرگداشت حكيم محمد فضولي- تهران 1374ش.

[654] شقاشق، من نظم السيّد محمّد رضا الحسيني الجلالي، في رجب (1422 ه).

[655] مجله (پاسدار اسلام) القمية، سال پنجم، شماره

52، الصفحة 8.

[656] من محفوظات الشيخ حسن أخوان.

[657] نقباء البشر (للطهراني) 1491: 4، وشعراء الغري 419: 6.

[658] داستانهاي شگفت (للشهيد دستغيب الشيرازي): 317، رقم 145، وهو موجود في ديوان الشاعر باسم (غبار نجف) المخطوط.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.