نحو إدارة ناجحة

اشارة

المؤلف:

المرجع الديني الراحل

الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي

أعلي الله درجاته

الناشر:

مؤسسة المجتبي للتحقيق والنشر

كربلاء المقدسة

الطبعة الأولي 1427ه

كلمة الناشر

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الظروف العصيبة التي تمر بالعالم.. والمشكلات الكبيرة التي تعيشها الأمة الإسلامية.. والمعاناة السياسية والاجتماعية التي تقاسيها بمضض.. وفوق ذلك كله، الأزمات الروحية والأخلاقية التي يئنّ من وطأتها العالم أجمع.. والحاجة الماسة إلي نشر وبيان مفاهيم الإسلام ومبادئه الإنسانية العميقة التي تلازم الإنسان في كل شؤونه وجزئيات حياته وتتدخل مباشرةً في حلّ جميع أزماته ومشاكله في الحرية والأمن والسلام وفي كل جوانب الحياة.. والتعطش الشديد إلي إعادة الروح الإسلامية الأصيلة إلي الحياة، وبلورة الثقافة الدينية الحيّة، وبثّ الوعي الفكري والسياسي في أبناء الإسلام كي يتمكنوا من رسم خريطة المستقبل المشرق.. كل ذلك دفع المؤسسة لأن تقوم بنشر مجموعة من المحاضرات التوجيهية القيمة التي ألقاها المرجع الديني الإمام الراحل السيد محمد الحسيني الشيرازي (أعلي الله مقامه) في ظروف وأزمنة مختلفة، حول مختلف شؤون الحياة الفردية والاجتماعية، وقد قام سماحته ? بتهذيبها والإضافة عليها، فقمنا بطباعتها مساهمة منا في نشر الوعي الإسلامي، وسدّاً لبعض الفراغ العقائدي والأخلاقي لأبناء المسلمين من أجل غدٍ أفضل ومستقبل مجيد.. وذلك انطلاقاً من الوحي الإلهي القائل:

لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (). الذي هو أصل عقلائي عام يرشدنا إلي وجوب التفقه في الدين وإنذار الأمة، ووجوب رجوع الجاهل إلي العالم في معرفة أحكامه في مواقفه وشؤونه.. كما هو تطبيق عملي وسلوكي للآية الكريمة:

فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُوا الأَلْبَابِ ().

إن مؤلفات الإمام الشيرازي (أعلي الله مقامه) تتسم ب:

أولاً: التنوّع والشمولية لأهم أبعاد الإنسان والحياة لكونها انعكاساً لشمولية الإسلام.. فقد أفاض قلمه المبارك

الكتب والموسوعات الضخمة في شتي علوم الإسلام المختلفة، بدءً من موسوعة (الفقه) التي بلغت المائة والستين مجلداً، حيث تُعدّ أكبر موسوعة علمية استدلالية فقهية، مروراً بعلوم الحديث والتفسير والكلام والأصول والسياسة والاقتصاد والاجتماع والحقوق وسائر العلوم الحديثة الأخري.. وانتهاءً بالكتب المتوسطة والصغيرة التي تتناول مختلف المواضيع والتي تتجاوز بمجموعها ال (1300) كتاب وكراس. ثانياً: الأصالة حيث إنها تتمحور حول القرآن الكريم والسنة المطهرة وتستلهم منهما الرؤي والأفكار. ثالثاً: المعالجة الجذرية والعملية المستبصرة بمشاكل الأمة الإسلامية ومشاكل العالم المعاصر.

رابعاً: التحدث بلغة علمية رصينة في كتاباته لذوي الاختصاص ك(الأصول) و(القانون) و(البيع) وغيرها، وبلغة واضحة سهلة يفهمها الجميع في كتاباته الجماهيرية، مدعومة بشواهد من واقع الحياة.

نرجو من المولي العلي القدير أن يتقبل منا ذلك، إنه سميع مجيب.

مؤسسة المجتبي للتحقيق والنشر

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام علي نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين، واللعنة الدائمة علي أعدائهم أجمعين إلي قيام يوم الدين.

الإدارة والمداراة

قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: إن في كل شيء موعظة وعبرة لذوي اللبّ والإعتبار ().

الإدارة تنقسم إلي قسمين: إدارة ناجحة، وإدارة فاشلة، ولكل منهما أسباب، فالإدارة الناجحة لا تكون إلا بمقوماتها، من شروط ومقتضيات وعدم المانع إلي غير ذلك مما هو مذكور في محله. وإلا ستكون فاشلة.

ومن أهم مقومات الإدارة الناجحة: هي المداراة.

وقد ورد في اللغة: (مداراة الناس: المداجاة والملاينة، ومنه الحديث: رأس العقل بعد الإيمان بالله مداراة الناس () أي ملاينتهم وحسن صحبتهم واحتمالهم لئلا ينفروا عنك)().

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله في حديث آخر: رأس العقل بعد الدين التودد إلي الناس، واصطناع الخير إلي كل بر وفاجر (). وهذا مصداق من مصاديق المداراة كما لا يخفي.

إن من أهم ما يلزم

الاهتمام به من قبل الجميع: المداراة، التي هي من حُسن الإدارة، وكذلك معرفة الأسس التي سار عليها الرسول الأكرم صلي الله عليه و اله وأهل بيته الطاهرون عليهم السلام في إدارة شؤون المجتمع والتعامل مع الناس مما يُعبّر عنه بفن التعايش، وكذلك معرفة أنه كيف استطاع الرسول الأعظم صلي الله عليه و الهأن يجمع تحت راية الإسلام تلك الأقوام المتناحرة التي كانت تعاني من التفرق والتشتت والجهل والعداوة والبغضاء، وأن يضع لهم برنامجاً متكاملاً لتهذيب النفس، وأن يجعلهم رحماء بينهم، وأن يجنّد الطاقات في سبيل الخير والفضيلة، ويحقق بهؤلاء القوم النصر والغلبة علي باقي الأمم المعاصرة لهم في ذلك الزمان وفي كل الميادين؟

وعلي رغم هذه الجهود العظيمة التي بذلها الرسول

الأعظم صلي الله عليه و اله وضرورة معرفتها والتأسي بها، فإننا لم نشاهد بالمقدار الكافي كتباً وبحوثاً قد تناولت سيرة وحياة رسول الله صلي الله عليه و اله بشكل تحليلي متكامل، بحيث يستوفي تلك السيرة العظيمة العطرة المعطاء، ولا يخفي أن هذا العمل صعب للغاية، إلا أنه لو تحقق ذلك لكان عملاً كبيراً نافعاً جداً.

ونحن لا نريد التنكر لما كتب عن سيرة وتاريخ الرسول صلي الله عليه و اله في الكتب المهمة الموجودة بأيدينا وإن كانت قليلة، لكن ذلك لم يكن بشكل تفصيلي وتحليلي متكامل ولم يستوف الغرض.

لذا يلزم أن يسعي الجميع ولفائدة الأمة الإسلامية ولكل بني الإنسان، في أن تُكتب سيرة النبي وأهل بيته (عليهم أفضل الصلاة والسلام) بشكل مفصّل ومبوّب ووافٍ وبلسان العصر، وذلك بالشكل الذي يكتب فيه الفقهاء الروايات المختلفة التي تبوب في الأبواب المتعددة الفقهية، ويتناولونها بالدرس والتحليل والجمع بين المتعارضين، كما هو المشاهد من باب الطهارة إلي باب الديات.

فمثلاً، عن كيفية

الإدارة يستطيع الكاتب أن يتناول الأساليب التي اتبعها الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله أثناء إدارته لشؤون بلاد المسلمين، وكذلك في الجانب الاقتصادي والعمراني يكتب عن كيفية تعامل رسول الله صلي الله عليه و اله مع هذا الحقل المهم من حياة الناس، وكذلك عن تلك الأخلاقية التي تعامل بها النبي صلي الله عليه و اله وآله عليهم السلام في هذه الميادين، لأن المعصومين عليهم السلام كانوا في تعاملهم أسوة وقدوة ليس للمسلمين فحسب، بل لكل البشرية علي الإطلاق، ولو تم تدوين تاريخهم وأساليبهم في الحياة لأصبح لدي الانسانية منهجاً كاملاً متكاملاً وأسلوباً ناجحاً بلا شك ولا ريب، تسير عليه الأمم في الحياة الدنيا وتضمن السعادة في الحياة الأخري.

والحقيقة أن ما يقارب 90% من خصوصيات وسلوك النبي والأئمة (عليهم أفضل الصلاة والسلام) وسيرتهم الطاهرة في مجالات الحياة المختلفة غير مسجلة أو غير متوفرة بأيدينا اليوم، ولو راجعنا التاريخ واستخرجنا بعض ذلك منه متخذين من الدراسة والتحقيق العميق وسيلة إلي ذلك، لاستطعنا أن نفهم بعض تلك الحقائق الحيوية، ولاتخذناها منهجاً نموذجياً حياً نسير عليه في حياتنا.

الخطب اليومية للرسول صلي الله عليه و اله

ومما يدل علي ما ذكرناه من أن الكثير من أساليب الإدارة الناجحة لرسول الله صلي الله عليه و اله والأئمة عليهم السلام لم تصلنا، أنه ذكر في كتب التاريخ أن الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله كان يخطب بعد كل صلاة من الصلوات اليومية الواجبة، فكل يوم خمسة خطب، فكم خطبة تكون في حياته الرسالية المباركة؟ هذا بالإضافة إلي سائر خطبه صلي الله عليه و اله في مختلف المستجدات.

ولكن كم هي الخطب التي وصلتنا؟ ().

فن إدارة المعارضة

وكذلك الإمام أمير المؤمنين عليه السلام فله مناظرات عديدة مع الخوارج، وهي تبين بدورها أسلوب التعامل مع المعارضة وفن إدارة الأعداء الداخليين، وبعض هذه المناظرات والبحوث والنقاشات كان يطول أكثر من ثمان ساعات أحياناً، ولكنه لم يصلنا منها إلا الشيء القليل.

روي أن رجلاً من أصحابه قام إليه فقال: إنك نهيتنا عن الحكومة ثم أمرتنا بها، فما ندري أي الأمرين أرشد؟!

فصفق عليه السلام إحدي يديه علي الأخري، ثم قال: هذا جزاء من ترك العقدة، أما والله، لو أني حين أمرتكم بما أمرتكم به حملتكم علي المكروه الذي جعل الله فيه خيرا كثيرا، فإن استقمتم هديتكم، وإن اعوججتم قومتكم، وإن أبيتم تداركتكم لكانت الوثقي، ولكن بمن وإلي من أريد أن أداوي بكم، وأنتم دائي كناقش الشوكة بالشوكة وهو يعلم أن ضلعها معها. اللهم قد ملت أطباء هذا الداء الدوي، وكلت النزعة بأشطان الركي.

وقال عليه السلام وقد خرج إلي معسكرهم وهم مقيمون علي إنكار الحكومة بعد كلام طويل: ألم تقولوا عند رفعهم المصاحف حيلة وغيلة ومكراً وخديعة: إخواننا وأهل دعوتنا استقالونا واستراحوا إلي كتاب الله سبحانه، فالرأي القبول منهم والتنفيس عنهم؟! فقلت لكم: هذا أمر ظاهره إيمان وباطنه عدوان، وأوله رحمة وآخره

ندامة، فأقيموا علي شأنكم والزموا طريقتكم وعضوا علي الجهاد بنواجذكم، ولا تلتفتوا إلي ناعق نعق إن أجيب أضل وإن ترك ذل، فلقد كنا مع رسول الله صلي الله عليه و اله وإن القتل ليدور بين الآباء والأبناء والإخوان والقرابات، فما نزداد علي كل مصيبة وشدة إلا إيماناً ومضياً علي الحق وتسليما للأمر وصبرا علي مضض الجراح، ولكنا إنما أصبحنا نقاتل إخواننا في الإسلام علي ما دخل فيه من الزيغ والاعوجاج والشبهة والتأويل، فإذا طمعنا في خصلة يلم الله بها شعثنا ونتداني بها إلي البقية فيما بيننا رغبنا فيها وأمسكنا عما سواها.

وقال عليه السلام في التحكيم: إنا لم نحكم الرجال؛ وإنما حكمنا القرآن، وهذا القرآن إنما هو خط مسطور بين الدفتين لا ينطق بلسان ولا بد له من ترجمان، وإنما ينطق عنه الرجال، ولما أن دعانا القوم إلي أن يحكم بيننا القرآن لم نكن الفريق المتولي عن كتاب الله عز وجل وقد قال الله سبحانه: فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْ ءٍ فَرُدُّوهُ إِلَي اللهِ والرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ والْيَوْمِ الآخِرِ () فرده إلي الله أن نحكم بكتابه، ورده إلي الرسول صلي الله عليه و اله أن نأخذ بسنته، فإذا حكم بالصدق في كتاب الله فنحن أحق الناس به، وإذا حكم سنة رسوله صلي الله عليه و اله فنحن أولاهم به، وأما قولكم: لم جعلت بينك وبينهم أجلا في التحكيم؛ فإنما فعلت ذلك ليتبين الجاهل ويتثبت العالم، ولعل الله أن يصلح في هذه الهدنة أمر هذه الأمة ولا تؤخذ بأكظامها فتعجل عن تبين الحق و تنقاد لأول الغي.

وروي: أن أمير المؤمنين عليه السلام أرسل عبد الله بن العباس إلي الخوارج، وكان بمرأي منهم ومسمع، قالوا له في الجواب:

إنا نقمنا يا ابن عباس علي صاحبك خصالاً كلها مكفرة موبقة؛ تدعو إلي النار!.

أما أولها: فإنه محا اسمه من إمرة المؤمنين ثم كتب بينه وبين معاوية، فإذا لم يكن أمير المؤمنين ونحن المؤمنون لسنا نرضي بأن يكون أميرنا.

وأما الثانية: فإنه شك في نفسه حين قال للحَكَمين: انظرا، فإن كان معاوية أحق بها فأثبتاه وإن كنت أولي بها فأثبتاني، فإذا هو شك في نفسه ولم يدر أهو المحق أم معاوية فنحن فيه أشد شكاً.

والثالثة: أنه جعل الحكم إلي غيره، وقد كان عندنا أحكم الناس.

والرابعة: أنه حَكم الرجال في دين الله ولم يكن ذلك إليه.

والخامسة: أنه قسم بيننا الكراع والسلاح يوم البصرة، ومنعنا النساء والذرية.

والسادسة: أنه كان وصياً فضيع الوصية.

قال ابن عباس: قد سمعت يا أمير المؤمنين مقالة القوم، وأنت أحق بجوابهم؟

فقال عليه السلام: نعم، ثم قال: يا ابن عباس قل لهم: ألستم ترضون بحكم الله وحكم رسوله؟.

قالوا: نعم.

قال: أبدأ علي ما بدأتم به في بدء الأمر، ثم قال: كنت أكتب لرسول الله صلي الله عليه و اله الوحي والقضايا والشروط والأمان يوم صالح أبا سفيان وسهيل بن عمرو، فكتبت بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما اصطلح عليه محمد رسول الله وأبو سفيان صخر بن حرب وسهيل بن عمرو، فقال سهيل: لا نعرف الرحمن الرحيم، ولا نقرّ أنك رسول الله، ولكنا نحسب ذلك شرفا لك أن تقدم اسمك علي أسمائنا، وإن كنا أسن منك وأبي أسن من أبيك، فأمرني رسول الله صلي الله عليه و اله فقال: اكتب مكان بسم الله الرحمن الرحيم، باسمك اللهم، فمحوت ذلك وكتبت باسمك اللهم، ومحوت رسول الله وكتبت محمد بن عبد الله، فقال لي: إنك تدعي إلي مثلها فتجيب وأنت مكره،

وهكذا كتبت بيني وبين معاوية وعمرو بن العاص: هذا ما اصطلح عليه أمير المؤمنين ومعاوية وعمرو بن العاص، فقالا: لقد ظلمناك بأن أقررنا بأنك أمير المؤمنين وقاتلناك، ولكن اكتب: علي بن أبي طالب، فمحوت كما محا رسول الله صلي الله عليه و اله فإن أبيتم ذلك فقد جحدتم؟!

فقالوا: هذه لك خرجت منها!

قال: وأما قولكم: إني شككت في نفسي حيث قلت للحَكَمين: انظرا فإن كان معاوية أحق بها مني فأثبتاه؛ فإن ذلك لم يكن شكاً مني ولكن أنصفت في القول، قال الله تعالي: وإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلي هُديً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ () ولم يكن ذلك شكاً، وقد علم الله أن نبيه علي الحق.

قالوا: وهذه لك!.

قال: وأما قولكم: إني جعلت الحكم إلي غيري، وقد كنت عندكم أحكم الناس، فهذا رسول الله صلي الله عليه و اله قد جعل الحكم إلي سعد يوم بني قريظة، وقد كان من أحكم الناس، وقد قال الله تعالي: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ () فتأسيت برسول الله صلي الله عليه و اله.

قالوا: وهذه لك بحجتنا!.

قال: وأما قولكم: إني حكمت في دين الله الرجال، فما حكمت الرجال؛ وإنما حكمت كلام ربي الذي جعله الله حكماً بين أهله، وقد حكم الله الرجال في طائر، فقال: ومَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ

مِنْكُمْ () فدماء المسلمين أعظم من دم طائر.

قالوا: وهذه لك بحجتنا!.

قال: وأما قولكم: إني قسمت يوم البصرة لما ظفرني الله بأصحاب الجمل الكراع والسلاح، ومنعتكم النساء والذرية؛ فإني مننت علي أهل البصرة كما من رسول الله صلي الله عليه و اله علي أهل مكة، فإن عدوا علينا أخذناهم بذنوبهم، ولم نأخذ صغيرا

بكبير، فأيكم كان يأخذ عائشة في سهمه؟!.

قالوا: وهذه لك بحجتنا!.

قال: وأما قولكم: إني كنت وصياً فضيعت الوصية، فأنتم كفرتم وقدمتم علي وأزلتم الأمر عني، وليس علي الأوصياء الدعاء إلي أنفسهم، إنما يبعث الله الأنبياء عليهم السلام فيدعون إلي أنفسهم، وأما الوصي فمدلول عليه مستغن عن الدعاء إلي نفسه، وذلك لمن آمن بالله ورسوله، ولقد قال الله جل ذكره: وللهِ عَلَي النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً () فلو ترك الناس الحج لم يكن البيت ليكفر بتركهم إياه، ولكن كانوا يكفرون بتركهم؛ لأن الله تعالي قد نصبه لهم عَلَماً، وكذلك نصبني علماً، حيث قال رسول الله صلي الله عليه و اله: يا علي، أنت مني بمنزلة هارون من موسي، وأنت مني بمنزلة الكعبة تُؤتي ولا تأتي.

فقالوا: وهذه لك بحجتنا! فأذعنوا، فرجع بعضهم وبقي منهم أربعة آلاف لم يرجعوا ممن كانوا قعدوا عنه، فقاتلهم وقتلهم ().

علماً بأنهم هم الذين بدؤوا بالقتال ولم يبدأهم الإمام عليه السلام.

ومن هذه المناظرة يعلم مدي تلك الحريات التي كانت تتمتع بها المعارضة، وأن الإمام عليه السلام أخذ يجيب علي شبهاتهم بالحكمة والموعظة الحسنة وبشكل يوجب الإقناع.

وهذه كلها دروس في فن إدارة المعارضة. وهي بعيدة كل البعد عما نراه اليوم في حكوماتنا حيث لا يمكن للمعارضة أن تتنفس.

ومما يؤسف له أن السيرة العطرة لرسول الله صلي الله عليه و اله والإمام أمير المؤمنين عليه السلام والأئمة الطاهرين من ذريته عليهم السلام لم يصلنا بالشكل الكامل، وإن كان في ما بأيدينا ما يكفي للتأسي بهم والاقتداء بهديهم.

إن التاريخ قد نقل لنا عن المتعلمين في مدرسة الإمام الصادق عليه السلام وسائر الأئمة عليهم السلام أنهم تعلّموا ورروا عشرات الآلاف من الأحاديث، حتي قال بعضهم:

تعلّمت من جعفر الصادق عليه السلام مائة وخمسين ألف حديث().

لكننا وللأسف لم يصلنا من كل تلك الأحاديث إلا بعضها، كما أن ما جاء في كتاب (وسائل الشيعة) لا يبلغ ثلث هذا الرقم()، فإن سيرته صلي الله عليه و اله وسيرة أهل بيته عليهم السلام لم تصل إلينا كاملة، فسيرته صلي الله عليه و اله قبل البعثة لم يصلنا منها إلا القليل، من قبيل لقائه صلي الله عليه و اله مع بحيرا الراهب()..

ووضع الحجر الأسود()..

وبعض القصص والحوادث التاريخية الأخري.

قصة وضع الحجر

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن قريشاً في الجاهلية هدموا البيت، فلما أرادوا بناءه حيل بينهم وبينه وألقي في روعهم الرعب، حتي قال قائل منهم: ليأتي كل رجلٍ منكم بأطيب ماله، ولا تأتوا بمال اكتسبتموه من قطيعة رحمٍ أو حرامٍ، ففعلوا، فخلي بينهم وبين بنائه، فبنوه حتي انتهوا إلي موضع الحجر الأسود، فتشاجروا فيه أيهم يضع الحجر الأسود في موضعه، حتي كاد أن يكون بينهم شرّ، فحكموا أول من يدخل من باب المسجد، فدخل رسول الله صلي الله عليه و اله فلما أتاهم أمر بثوبٍ فبسط، ثم وضع الحجر في وسطه، ثم أخذت القبائل بجوانب الثوب فرفعوه، ثم تناوله صلي الله عليه و اله فوضعه في موضعه فخصه الله به ().

وقالوا: إنما هدمت قريش الكعبة لأن السيل كان يأتيهم من أعلي مكة فيدخلها فانصدعت، وسرق من الكعبة غزال من ذهبٍ رجلاه من جوهرٍ، وكان حائطها قصيراً، وكان ذلك قبل مبعث النبي صلي الله عليه و اله بثلاثين سنة، فأرادت قريش أن يهدموا الكعبة ويبنوها ويزيدوا في عرصتها، ثم أشفقوا من ذلك وخافوا إن وضعوا فيها المعاول أن تنزل عليهم عقوبة..

فقال الوليد بن المغيرة: دعوني أبدأ

فإن كان لله رضًا لم يصبني شيء، وإن كان غير ذلك كففنا، فصعد علي الكعبة وحرك منه حجراً فخرجت عليه حية وانكسفت الشمس.

فلما رأوا ذلك بكوا وتضرعوا، وقالوا: اللهم إنا لا نريد إلا الإصلاح، فغابت عنهم الحية، فهدموه ونحوا حجارته حوله، حتي بلغوا القواعد التي وضعها إبراهيم عليه السلام، فلما أرادوا أن يزيدوا في عرصته وحركوا القواعد التي وضعها إبراهيم عليه السلام أصابتهم زلزلة شديدة وظلمة، فكفوا عنه، وكان بنيان إبراهيم عليه السلام الطول ثلاثون ذراعاً والعرض اثنان وعشرون ذراعاً والسمك تسعة أذرعٍ، فقالت قريش: نزيد في سمكها، فبنوها، فلما بلغ البناء إلي موضع الحجر الأسود تشاجرت قريش في وضعه، فقال كل قبيلةٍ: نحن أولي به، نحن نضعه، فلما كثر بينهم تراضوا بقضاء من يدخل من باب بني شيبة، فطلع رسول الله صلي الله عليه و اله فقالوا: هذا الأمين قد جاء، فحكّموه، فبسط رداءه، وقال بعضهم: كساء طاروني كان له، ووضع الحجر فيه، ثم قال: يأتي من كل ربعٍ من قريشٍ رجل، فكانوا عتبة بن ربيعة بن عبد شمسٍ، والأسود بن المطلب من بني أسد بن عبد العزي، وأبو حذيفة بن المغيرة من بني مخزومٍ، وقيس بن عدي من بني سهمٍ، فرفعوه، ووضعه النبي صلي الله عليه و اله في موضعه().

إلي بعض القصص الأخري المختصرة جداً التي وردتنا عن الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله قبل البعثة النبوية الشريفة، ولو دوّن التاريخ خلال الأربعين سنة التي سبقت البعثة كل سيرته العطرة لكانت عشرات المجلدات.

معني الإدارة وتقسيماتها

الإدارة() هي فن ممارسة سلطة الإنسان علي أفراد جنسه أو علي الطبيعة، ولكن هذه السلطة تختلف من شخص إلي آخر، فبعض يستحقها وبعض تقمّصها، وعند البعض تكون الإدارة هي

السلطة المطلقة، فالشخص الذي يمارس الإدارة حتي وإن لم يكن مؤهلاً لها شرعا، لكنه يمتلك صلاحية كاملة في توجيه ما يريد وكيفما يريد وأينما يريد، وهذه الفكرة عادة تترسخ عند الاستبداديين ومن يدور في فلكهم.

أما الإسلاميون فلا يرون هذه الإدارة المطلقة للإنسان العادي، بل الإدارة المطلقة والولاية المطلقة تكون من خصائص الباري عزوجل وهو عادل لايظلم أحداً، وكذلك من خوّله الله تعالي لها، وهوالنبي الأعظم صلي الله عليه و اله والإمام المعصوم عليه السلام، أما الإنسان العادي فلا يحق أن يقوم بهذه السلطة المطلقة.

نعم هناك سلطة محدودة وولاية مشروطة يمارسها بعض الأشخاص الذين يخولهم النبي صلي الله عليه و اله أو الإمام المعصوم صلي الله عليه و اله أو من ينوب عنهم عليهم السلام في زمن الغيبة، من الفقهاء المراجع العدول، فهؤلاء سلطتهم الإدارية محدودة بالشرع المقدس وتكون خاضعة لولاية شوري الفقهاء المراجع في المسائل العامة.

السلطات وأقسامها

قسموا السلطة إلي ثلاثة أقسام:

أولاً: السلطة التشريعية.

وثانياً: السلطة التنفيذية.

وثالثاً: السلطة القضائية().

وهذه السلطات جميعها كانت للنبي والإمام المعصوم (عليهما أفضل الصلاة والسلام). وذلك بنصوص من القرآن والسنة الشريفة دلت علي ذلك، منها قوله تعالي: النَّبِيُّ أَوْلي بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِم (). وقوله سبحانه: إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَ رَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا (). وقوله تعالي: أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ (). إلي غيرها من النصوص الدالة علي ذلك.

أما السلطات المحدودة فليس لها الحق في التشريع، وإنما تقتصر مهمتها في السلطة التنفيذية والقضائية كما هو حال علمائنا اليوم، فمهمتهم استنباط وتنفيذ الأحكام التي أقرتها الشريعة، وكذلك القضاء بين الناس، وخصوصاً في الأمور المستحدثة حسب الرواية المشهورة: أما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلي رواة حديثنا ().

وهذه السلطات نوع من الإدارة بالمعني الأعم كما

لايخفي.

مراحل الإدارة في صدر الإسلام

ربما يمكن تقسيم الإدارة في عصر الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله إلي خمس مراحل، علماً بأن الرسول صلي الله عليه و اله قد واجه في تلك الإدارة وترسيخها الكثير من الصعوبات التي لم يواجهها أحد من القادة ولا شخص من الأنبياء عليهم السلام وذلك في سبيل نشر الإسلام، وتركيز دعائمه عبر الإدارة الناجحة في البلاد الإسلامية.

المرحلة الأولي:

من المعلوم، أن الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله بدأ بنشر رسالته الإلهية في مجتمع مكة، وكان هذا المجتمع جاهلياً بتمام معني الكلمة، حيث تكثر فيه الخرافات والعادات السلبية السيئة، ومن البديهي أن يصعب العمل الاصلاحي والتنظيمي لأي شخص في مثل هذا المجتمع، وكذلك من الصعب جداً إدارة مجتمع من هذا النوع بإدارة ناجحة في سبيل تغييرها والتركيز علي المبادئ الإسلامية الفاضلة.

وقد عمل الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله في سبيل إرساء قاعدته وخططه الإدارية الناجحة في ذلك المجتمع بحذر شديد، وبصورة محدودة، وبشكل تدريجي، وقد واجه من المشركين أكبر المشاكل، فاقتصر صلي الله عليه و اله في باديء الأمر علي إدارة من آمن من الناس، ونشر الرسالة الإسلامية بين من تقبله من المؤمنين، حيث لم يتقبل منه صلي الله عليه و اله في أول الأمر إلا أفراد معدودون كما هو المشهور في التاريخ، وكان علي رأسهم وأولهم إيماناً به صلي الله عليه و اله ابن عمه أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام وكذلك أم المؤمنين خديجة بنت خويلد عليها السلام، قال أمير المؤمنين عليه السلام: أنا عبد الله وأخو رسول الله صلي الله عليه و اله، وأنا الصديق الأكبر، لا يقولها بعدي إلا كاذب مفتر، صلّيت قبل الناس بسبع سنين

().

وعن ابن عباس قال: (أول من آمن برسول الله صلي الله عليه و اله من الرجال علي عليه السلام، ومن النساء خديجة عليها السلام).()

وتعد هذه الفترة هي المرحلة الأولي التي نشأت فيها الإدارة الإسلامية الناجحة، وكان النبي صلي الله عليه و اله في هذه الفترة يوزع الأعمال الإدارية فيما بين المؤمنين لنشر الرسالة الإسلامية وترسيخ دعائمها، واستمرت هذه الفترة من البعثة النبوية الشريفة إلي دخول النبي صلي الله عليه و اله وأصحابه شعب أبي طالب عليه السلام، ودخل في هذه الفترة مجموعة من الناس في الإسلام.

المرحلة الثانية:

أما المرحلة الثانية، فقد بدأت عند ما أرسلت الأوس والخزرج() وفودها إلي الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله لتبايعه، فأمر صلي الله عليه و اله من بين الوفود التي وفدت عليه من الأوس والخزرج اثني عشر نقيباً ليقوموا بتنظيم الأمور وإدارتها بين قومهم.

روي أن النبي صلي الله عليه و اله كان يعرض نفسه علي قبائل العرب في الموسم، فلقي رهطاً من الخزرج، فقال: ألا تجلسون أحدثكم؟.

قالوا: بلي.

فجلسوا إليه صلي الله عليه و اله فدعاهم إلي الله وتلا عليهم القرآن.

فقال بعضهم لبعض: يا قوم، تعلمون والله إنه النبي الذي كان يوعدكم به اليهود، فلا يسبقنكم إليه أحد، فأجابوه، وقالوا له: إنا قد تركنا قومنا، ولا قوم بينهم من العداوة والشر مثل ما بينهم، وعسي أن يجمع الله بينهم بك، فستقدم عليهم وتدعوهم إلي أمرك، وكانوا ستة نفر.

قال الراوي: فلما قدموا المدينة فأخبروا قومهم بالخبر، فما دار حول إلا وفيها حديث رسول الله صلي الله عليه و اله حتي إذا كان العام المقبل أتي الموسم من الأنصار اثنا عشر رجلا، فلقوا النبي صلي الله عليه و اله فبايعوه علي بيعة

النساء أن لا يشركوا بالله شيئاً ولا يسرقوا، إلي آخرها، ثم انصرفوا، وبعث معهم مصعب بن عمير يصلّي بهم، وكان بينهم بالمدينة يُسمي المقرئ، فلم يبق دار في المدينة إلا وفيها رجال ونساء مسلمون، إلا دار أمية وحطيمة ووائل وهم من الأوس، ثم عاد مصعب إلي مكة..

وخرج من الأنصار إلي الموسم مع حجاج قومهم، فاجتمعوا في الشعب عند العقبة ثلاثة وسبعون رجلاً وامرأتان في أيام التشريق بالليل، فقال صلي الله عليه و اله: أبايعكم علي الإسلام؟.

فقال له بعضهم: نريد أن تعرفنا يا رسول الله، ما لله علينا وما لك علينا وما لنا علي الله؟

فقال صلي الله عليه و اله: أما ما لله عليكم فأن تعبدوه ولا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً، وأما ما لي عليكم فتنصرونني مثل نسائكم وأبنائكم، وأن تصبروا علي عض السيف وأن يقتل خياركم.

قالوا: فإذا فعلنا ذلك ما لنا علي الله؟.

قال: أما في الدنيا فالظهور علي من عاداكم، وفي الآخرة رضوانه والجنة.

فأخذ البراء بن معرور بيده ثم قال: والذي بعثك بالحق، لنمنعك بما نمنع به أزرنا، فبايعنا يا رسول الله؛ فنحن والله أهل الحروب وأهل الحلفة ورثناها كباراً عن كبار.

فقال أبو الهيثم: إن بيننا وبين الرجال حبالاً وإنا إن قطعناها أو قطعوها فهل عسيت إن فعلنا ذلك ثم أظهرك الله أن ترجع إلي قومك وتدعنا؟

فتبسم رسول الله صلي الله عليه و اله ثم قال: بل الدم الدم، والهدم الهدم، أحارب من حاربتم وأسالم من سالمتم. ثم قال صلي الله عليه و اله:

أخرجوا إليّ منكم اثني عشر نقيبا، فاختاروا ثم قال: أبايعكم كبيعة عيسي بن مريم عليه السلام للحواريين، كفلاء علي قومهم بما فيهم، وعلي أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم.

فبايعوه علي ذلك، فصرخ

الشيطان في العقبة: يا أهل الجباجب، هل لكم في محمد والصباة معه قد اجتمعوا علي حربكم، ثم نفر الناس من مني وفشا الخبر فخرجوا في الطلب، فأدركوا سعد بن عبادة والمنذر بن عمرو، فأما المنذر فأعجز القوم وأما سعد فأخذوه وربطوه بنسع رحله، وأدخلوه مكة يضربونه فبلغ خبره إلي جبير بن مطعم والحارث بن حرب بن أمية فأتياه وخلصاه.

وكان النبي صلي الله عليه و اله لم يؤمر إلا بالدعاء والصبر علي الأذي والصفح عن الجاهل، فطالت قريش علي المسلمين، فلما كثر عتوهم أمر بالهجرة، فقال صلي الله عليه و اله: إن الله قد جعل لكم دارا وإخوانا تأمنون بها فخرجوا أرسالا حتي لم يبق مع النبي صلي الله عليه و اله إلا علي وأبو بكر فحذرت قريش خروجه، وعرفوا أنه قد أجمع لحربهم، فاجتمعوا في دار الندوة وهي دار قصي بن كلاب يتشاورون في أمره … ().

المرحلة الثالثة:

ثم بدأت المرحلة الثالثة في إدارة الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله وهي من بداية هجرة النبي صلي الله عليه و اله إلي المدينة المنورة حتي السنة الرابعة من الهجرة، وتميزت هذه الفترة بأن الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله مارس الإدارة بنفسه الشريفة، أي قاد الأمة قيادة مباشرة، وكانت أيضاً محدودة؛ وذلك لاقتصارها علي المدينة المنورة فقط.

قام رسول الله صلي الله عليه و اله في هذه الفترة بمهمات إدارية كبيرة تكشفت فيها عن عبقريته الإدارية العظيمة، وحسن تخطيطه، كان منها: قيامه صلي الله عليه و اله بالمؤاخاة بين الأنصار والمهاجرين. وكانت هذه المؤاخاة هي الثانية من نوعها، فالأولي كانت في مكة بين أصحابه، أما هذه فكانت بين المسلمين الذين هاجروا من مكة وبين المسلمين من

أهل المدينة (الأنصار) ()..

روي: أنه لما آخي النبي صلي الله عليه و اله بين عبد الرحمن وبين سعد بن الربيع قال سعد: قد علمت الأنصار أني أكثرهم مالاً، فأقاسمك مالي نصفين، ولي امرأتان فانظر أعجبهما إليك فأطلقها، فإذا انقضت عدتها تزوجتها.

وروي: أن المهاجرين أتوا النبي صلي الله عليه و اله قالوا: ما رأينا قوماً قط أبذل لكثير ولا أحسن مواساة من قليل من الأنصار، لقد قدمنا المدينة فكفونا المؤنة وأشركونا في المهنأ.

وكانت لهذه المؤاخاة نتائج طيبة، منها: زيادة أواصر المحبة والأخوة بين المهاجرين والأنصار، ومنها: تهيئة أمور السكن والمعيشة للمهاجرين عبر الاشتراك مع الأنصار، الي غير ذلك مما هو مذكور في التاريخ.

نعم هذه الفترة لم تخل من الصعوبات، حيث واجهت الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله مشاكل إدارية كثيرة، مثل: إسكان المهاجرين الذين كان يزيد عددهم يوماً بعد آخر، وكذلك إطعامهم وتوفير العمل لهم، وغيرها من الصعوبات التي اجتازها الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله بنجاح، نتيجة حسن تخطيطه وإدارته الناجحة للأمور..

معاهدة المدينة المنورة

وقد قام رسول الله صلي الله عليه و اله في السنة الأولي من الهجرة بوضع (صحيفة) لتنظيم حياة المسلمين في كافة جوانبها السياسية والإقتصادية والإجتماعية، وهذا العمل هو من الأعمال الإدارية المهمة التي قام به الرسول صلي الله عليه و اله وتعتبر اللبنة الأولي لدستور الدولة الإسلامية، فبعدما آخي رسول الله صلي الله عليه و اله بين المهاجرين والأنصار وضع هذه الصحيفة، التي توضحت فيها العلاقات فيما بين المسلمين أنفسهم، ووضّح صلي الله عليه و اله شكل العلاقة ومكانة اليهود وغير المسلمين في المدينة وما جاورها، فوادع اليهود في هذا الكتاب وأقرهم علي دينهم وأموالهم، وفق الشروط والضوابط المبينة في الصحيفة

والمتفق عليها بين الطرفين، وقد جاء فيها:

بسم الله الرحمن الرحيم

هذه كتاب من محمد النبي صلي الله عليه و اله بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم، إنهم أمة واحدة من دون الناس، والمهاجرون من قريش علي ربعتهم يتعاقلون بينهم، وهم يفدون عانيهم بالمعروف والقسط بين المؤمنين، وبنو عوف علي ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولي، وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين، وبنو ساعدة علي ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولي، وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين … وإن المؤمنين لايتركون مفرحا بينهم أن يعطوه بالمعروف في فداء أو عقل. ولايحالف مؤمن مولي مؤمن دونه، وإن المؤمنين المتقين علي من بغي منهم أو ابتغي دسيعة ظلم أو إثم أو عدوان أو فساد بين المؤمنين، وإن أيديهم عليه جميعا لو كان ولد أحدهم، ولا يقتل مؤمن مؤمنا في كافر، ولا ينصر كافر علي مؤمن، وإن ذمة الله واحدة يجير عليهم أدناهم، وإن المؤمنين بعضهم موالي بعض دون الناس، وإنه من اتبعنا من يهود فإن له النصرة والأسوة غير مظلومين ولا متناصر عليهم. وأن سلم المؤمنين واحدة. ولا يسالم مؤمن دون مؤمن في قتال في سبيل الله إلا علي سواء وعدل بينهم، وإن كل غازية غزت معنا يعقب بعضها بعضا، وإن المؤمنين يبئ بعضهم علي بعض بما نال دماءهم في سبيل الله، وإن المؤمنين المتقين علي أحسن هدي وأقومه، وإنه لا يجير مشرك مالا لقريش، ولا نفسا ولا يحول دونه علي مؤمن، وإنه من اعتبط مؤمنا قتلاً عن بينة فإنه قود به إلا أن يرضي ولي المقتول، وإن المؤمنين عليه كافة، ولايحل لهم إلا قيام عليه، وإنه لا يحل لمؤمن أقر

بما في هذه الصحيفة وآمن بالله واليوم الآخر أن ينصر محدثا، ولا يؤويه، وإنه من نصره أو آواه فإن عليه لعنة الله وغضبه يوم القيامة، ولا يؤخذ منه صرف ولا عدل، وإنكم مهما اختلفتم فيه من شيء فإن مرده إلي الله عز وجل وإلي محمد صلي الله عليه و اله، وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين، وإن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين: لليهود دينهم وللمسلمين دينهم، مواليهم وأنفسهم، إلا من ظلم وأثم فإنه لا يوتغ إلا نفسه وأهل بيته، وإن ليهود بني النجار مثل ما ليهود بني عوف، وإن ليهود بني الحرث مثل ما ليهود بني بني عوف، وإن ليهود بني ساعدة مثل ما ليهود بني عوف، وإن ليهود بني جشم مثل ما ليهود بني عوف، وإن ليهود بني الأوس مثل ما ليهود بني عوف، وإن ليهود بني ثعلبة مثل ما ليهود بني عوف، إلا من ظلم وأثم فإنه لا يوتغ إلا نفسه وأهل بيته، وإن جفنة بطن من ثعلبة كأنفسهم، وإن لبني الشطيبة مثل ما ليهود بني عوف، وإن البر دون الإثم، وإن موالي ثعلبة كأنفسهم، وإن بطانة يهود كأنفسهم، وإنه لا يخرج منهم أحد إلا بإذن محمد صلي الله عليه و اله، وإنه لاينحجز علي ثأر جرح، وإنه من فتك فبنفسه فتك وأهل بيته إلا من ظلم، وإن الله علي من أبر هذا، وإن علي اليهود نفقتهم وعلي المسلمين نفقتهم، وإن بينهم النصر علي من حارب أهل هذه الصحيفة، وإن بينهم النصح والنصيحة والبر دون الإثم، وإنه لم يأثم امرؤ بحليفه وإن النصر للمظلوم، وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين، وإن يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة، وإن

الجار كالنفس غير مضار ولا آثم، وإنه لا تجار حرمة إلا بإذن أهلها، وإنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده فإن مرده إلي الله عز وجل وإلي محمد رسول الله صلي الله عليه و اله، وإن الله علي من اتقي ما في هذه الصحيفة وأبره، وإنه لا تجار قريش ولا من نصرها، وإن بينهم النصر علي من دهم يثرب، وإذا دعوا إلي صلح يصالحونه ويلبسونه فإنهم يصالحونه ويلبسونه، وإنهم إذا دعوا إلي مثل ذلك فإنه لهم علي المؤمنين إلا من حارب في الدين، علي كل أناس حصتهم من جانبهم الذي قبلهم، وإن يهود الأوس مواليهم وأنفسهم علي مثل ما لأهل هذه الصحيفة مع البر الحسن من أهل هذه الصحيفة. وإن البر دون الإثم، لا يكسب كاسب علي نفسه، وإن الله علي من أصدق ما في هذه الصحيفة وأبره، وإنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم وآثم، وإنه من خرج آمن، ومن قعد آمن بالمدينة إلا من ظلم وأثم، وإن الله جار لمن بر واتقي ومحمد رسول الله صلي الله عليه و اله.()

المرحلة الرابعة:

ثم بدأت المرحلة الرابعة مع حلول السنة الرابعة للهجرة، واستمرت هذه المرحلة إلي السنة التي تم فيها فتح مكة. ومن المعلوم أن كل يوم كان يمر علي المسلمين كانت تزداد فيه حاجتهم إلي تنظيم أمورهم وإدارة مجتمعهم؛ وذلك لزيادتهم العددية يوماً بعد يوم، وظهور أمة الإسلام بين الأمم كمنافس شديد المراس، مما سبب كثرة الحروب عليهم وانتصاراتهم، وزيادة الأموال التي كانت تجبي من الغنائم ومن الأخماس والزكوات، الأمر الذي استوجب كثرة المؤسسات والمشاريع.

المرحلة الخامسة:

ثم بدأت المرحلة الخامسة وهي ما بعد فتح مكة إلي رحلة الرسول الأعظم صلي

الله عليه و اله وهي من أهم المراحل وأوسعها، حيث فتحت مكة وبعض المناطق المجاورة لها، وأصبحت الأراضي التي تقع تحت الإدارة الإسلامية واسعة شاسعة مترامية الأطراف، مما يتطلب توسيع نطاق الإدارة الإسلامية، ففي المرحلة الثالثة والرابعة كانت الإدارة مباشرة، أي إن النبي صلي الله عليه و اله كان يمارس ويباشر إدارة أمور المسلمين بنفسه؛ لأن الإسلام كان في بقعة جغرافية محدودة هي المدينة وحواليها فقط، أما في المرحلة الأخيرة فقد انتشر الإسلام وتوسعت البلاد الإسلامية مما تطلب من رسول الله صلي الله عليه و اله إرسال مبعوثين لإدارة كل البلاد الداخلة في الإسلام لكي يشرفوا علي إدارتها، فمثلاً أرسل الإمام أمير المؤمنين عليه السلام إلي اليمن، فقد قال أمير المؤمنين عليه السلام: بعثني رسول الله صلي الله عليه و اله إلي اليمن، فقال: يا علي لا تقاتلن أحداً حتي تدعوه، وايم الله، لأن يهدي الله علي يديك رجلاً خيرٌ لك مما طلعت عليه الشمس وغربت، ولك ولاؤه يا علي (). وأرسل آخرين إلي مناطق أخري. حيث روي أنه: في السنة العاشرة بعث رسول الله صلي الله عليه و اله أمراءه علي الصدقات، فبعث المهاجر بن أبي أمية بن المغيرة إلي صنعاء فخرج عليه العبسي وهو بها، وبعث زياد بن أسد الأنصاري إلي حضرموت علي صدقاتها، وبعث عدي بن حاتم الطائي علي صدقة طي وأسد، وبعث مالك ابن نويرة علي صدقات حنظلة، وجعل الزبرقان بن بدر وقيس بن عاصم علي صدقات زيد بن مناة بن تميم، وبعث العلاء بن الحضرمي إلي البحرين، وبعث علي بن أبي طالب عليه السلام إلي نجران ليجمع صدقاتهم وجزيتهم ففعل وعاد().

إدارة الوفود

وأخذت تتقاطر علي رسول الله صلي الله عليه و

اله مختلف الوفود، وكان الرسول صلي الله عليه و اله يتعامل معهم بأفضل ما يمكن ويديرهم بإدارة ناجحة، علي تفصيل مذكور في التاريخ() نشير إلي قسم منه.

روي العلامة المجلسي في البحار باب قدوم الوفود علي رسول الله صلي الله عليه و اله:

عن إعلام الوري قال بعد ذكر نزول براءة: ثم قدم علي رسول الله صلي الله عليه و اله عروة بن مسعود الثقفي مسلماً واستأذن رسول الله صلي الله عليه و اله في الرجوع إلي قومه! فقال صلي الله عليه و اله: إني أخاف أن يقتلوك فقال: إن وجدوني نائماً ما أيقظوني، فأذن له رسول الله صلي الله عليه و اله فرجع إلي الطائف ودعاهم إلي الإسلام ونصح لهم، فعصوه وأسمعوه الأذي حتي إذا طلع الفجر قام في غرفة من داره فأذّن وتشهد، فرماه رجل بسهم فقتله..

وأقبل بعد قتله من وفد ثقيف بضعة عشر رجلاً هم أشراف ثقيف فأسلموا، فأكرمهم رسول الله صلي الله عليه و اله وحباهم وأمر عليهم عثمان بن أبي العاص بن بشر وقد كان تعلم سوراً من القرآن..

فلما أسلمت ثقيف ضربت إلي رسول الله صلي الله عليه و اله وفود العرب، فدخلوا في دين الله أفواجا، كما قال الله سبحانه في سورة النصر() فقدم عليه صلي الله عليه و اله عطارد بن حاجب بن زرارة في أشراف من بني تميم منهم الأقرع بن حابس والزبرقان بن بدر وقيس بن عاصم وعيينة بن حصن الفزاري وعمرو بن الأهتم، وكان الأقرع وعيينة شهدا مع رسول الله صلي الله عليه و اله فتح مكة وحنينا والطائف، فلما قدم وفد تميم دخلا معهم، فأجارهم رسول الله صلي الله عليه و اله وأحسن جوارهم..

وممن قدم عليه

صلي الله عليه و اله وفد بني عامر، فيهم عامر بن الطفيل وأربد بن قيس أخو لبيد بن ربيعة لأمه، وكان عامر قد قال لأربد: إني شاغل عنك وجهه فإذا فعلته فأعله بالسيف، فلما قدموا عليه قال عامر: يا محمد خالني، فقال: لا حتي تؤمن بالله وحده، قالها مرتين، فلما أبي عليه رسول الله صلي الله عليه و اله قال: والله لأملأنها عليك خيلا حمرا ورجالا، فلما ولي قال رسول الله صلي الله عليه و اله: اللهم اكفني عامر بن الطفيل، فلما خرجوا قال عامر لأربد: أين ما كنت أمرتك به؟ قال: والله ما هممت بالذي أمرتني به إلا دخلت بيني وبين الرجل أفأضربك بالسيف!

وبعث الله علي عامر بن الطفيل في طريقه ذلك الطاعون في عنقه فقتله في بيت امرأة من سلول، وخرج أصحابه حين واروه إلي بلادهم، وأرسل الله علي أربد وعلي جمله صاعقة فأحرقتهما.

وفي كتاب أبان بن عثمان: أنهما قدما علي رسول الله صلي الله عليه و اله بعد غزوة بني النضير قال: وجعل يقول عامر عند موته: أغدة كغدة البكر وموت في بيت سلولية، قال: وكان رسول الله صلي الله عليه و اله قال في عامر وأربد: اللهم أبدلني بهما فارسي العرب، فقدم عليه زيد بن مهلهل الطائي وهو زيد الخيل وعمرو بن معديكرب.

وممن قدم علي رسول الله صلي الله عليه و اله وفد طيئ فيهم زيد الخيل وعدي بن حاتم، فعرض صلي الله عليه و اله عليهم الإسلام فأسلموا وحسن إسلامهم وسماه رسول الله صلي الله عليه و اله زيد الخير وقطع له أرضين معه وكتب له كتابا، فلما خرج زيد من عند رسول الله صلي الله عليه و اله راجعا

إلي قومه، قال رسول الله صلي الله عليه و اله: إن ينج زيد من حمي المدينة أو من أم ملدم، فلما انتهي من بلد نجد إلي ماء يقال له قردة أصابته الحمي فمات بها وعمدت امرأته إلي ما كان معه من الكتب فأحرقتها.

وذكر محمد بن إسحاق أن عدي بن حاتم فرّ، وأن خيل رسول الله صلي الله عليه و اله قد أخذوا أخته فقدموا بها علي رسول الله صلي الله عليه و اله وأنه منّ عليها وكساها وأعطاها نفقة، فخرجت مع ركب حتي قدمت الشام وأشارت علي أخيها بالقدوم، فقدم وأسلم وأكرمه رسول الله صلي الله عليه و اله وأجلسه علي وسادة رمي بها إليه بيده.

الإدارة النموذجية

وخلاصة البحث: إن الإدارة في الإسلام كانت نموذجية وواضحة المعالم منذ بزوغ فجر الإسلام علي المعمورة، نعم ربما كانت تختلف في بعض الصيغ والأساليب الإدارية من عصر لآخر؛ وإلا فالجوهر فيها واحد، وهي إدارة سماوية مبتنية علي السلم والسلام، والمحبة والإخاء، والعطف والحنان، وحفظ كرامة الإنسان.

من هنا يلزم التأسي برسول الله صلي الله عليه و اله في إدارته الناجحة حتي في مثل هذا اليوم.

لا يقال: إن الإدارة في عصر ما قبل الإسلام، وفي بداية البعثة إلي زمن طويل، وفي حكومة رسول الله صلي الله عليه و اله في المدينة المنورة والتي أدارها رسول الله صلي الله عليه و اله مباشرة، وكذلك في عصر أمير المؤمنين عليه السلام وعصور الأئمة المعصومين عليهم السلام كانت إدارة ذات أشكال بسيطة وذات مؤسسات قليلة، مقارنة بأشكالها اليوم، بعد أن دخلت في الإكتشافات العلمية، من أجهزة وحواسيب وفضائيات وما أشبه، فأصبحت تتطلب آلاف المدراء والعمال وآلاف المؤسسات الإدارية الضخمة، فكيف يمكن التأسي مع اختلاف

العصور والمتطلبات.

لأنه يقال: الأسس في الإدارة والقيم والمبادئ والخطوط العامة لم تتغير، نعم ربما تغير بعض الأساليب والأشكال والصور فقط.

أين الإدارة الإسلامية؟

إن المسلمين في هذا اليوم قد تركوا الإسلام وتمسكوا بالقوانين الوضعية من قبل الشرق والغرب، ومن أهم ما تركوه الإدارة الإسلامية والتي أثبتت نجاحها في الفترات السابقة..

فأين إدارتنا الإسلامية المميزة اليوم، ونحن نعيش عصر الحاسوب، والتحديات الكبيرة من غير المسلمين؟ هل موقعنا في القمة، كما كان أسلافنا؟ حيث كانوا يملكون إدارة تفوق كل من عاصرهم، رغم بساطة مواردهم في ذلك الزمن قياساً إلي معاصريهم من الدولتين الرومية والفارسية، أين نحن الآن؟

للأسف الشديد، نحن علي عكس ما نتمني ونطمح، وعلي عكس ما أراده الإسلام لنا من التقدم والعلو حيث ورد: الإسلام يعلو ولا يُعلي عليه (). فنحن اليوم في آخر القائمة، بعد أن كنا في رأسها؛ والسبب في ذلك يرجع إلي غياب تلك العناصر الأساسية في النجاح ومنها الأسلوب الإداري الناجح الذي أمر به القرآن الكريم وأهل البيت عليهم السلام.

عوامل نجاح الإدارة

عوامل نجاح الإدارة

إن كل مؤسسة مهما كان مجالها وشكلها، ينبغي أن توفر شرطين أساسيين فيها إلي جانب توفير جملة من الشروط الأخري؛ لكي تكون مؤسسة ناجحة، والشرطان الأساسيان هما:

العلم

أولاً: العلم، فإن الشخص المدير للمؤسسة يلزم أن يتمتع بخلفية علمية واسعة فيما يتعلق بشؤون مؤسسته وكيفية إدارتها، فمثلاً: المدرّس الذي لم يصل للمستوي العلمي المطلوب، لا يمكنه أن يدير حلقة الدرس، فتلاحظ أن تدريسه يفشل، ويدخل في إحراجات مختلفة، وكذلك السائق الذي يقود السيارة يجب أن يملك مهارة كافية في فن السياقة وعوامل الصيانة والإدامة فيها، وإلا فإدارته للسيارة فاشلة، وهكذا في سائر الأمور.

فالشخص الذي يدير مؤسسة علمية أو سياسية أو اجتماعية أو غيرها، يجب أن تتوفر عنده الخبرة الكاملة في مجال عمله وبمؤسسته، قال أمير المؤمنين عليه السلام: العلم رشد لمن عمل به ().

وقال عليه السلام: وخلق الإنسان ذا نفس ناطقة إن زكاها بالعلم والعمل فقد شابهت جواهر أوائل عللها ().

الإخلاص

ثانياً: الإخلاص في العمل، حيث يلزم توفره في شخص المدير لضمان إتقان واستمرار العمل، فقد قال أمير المؤمنين عليه السلام: خير العمل ما صحبه الاخلاص ().

وقال صلي الله عليه و اله: آفة العمل ترك الاخلاص ().

وهذان الشرطان() كل واحد منهما يكمل الآخر، ولا يمكن الإستغناء عن أحدهما؛ فالعلم بدون الإخلاص لا ينتج منه إدارة ناجحة، وكذلك الإخلاص بدون العلم. إذاً، يلزم توفر هذين الشرطين في كل إدارة، إذا أريد لها النجاح..

سائر الشروط

وأما الشروط الأخري المطلوبة في الإدارة الناجحة فهي كثيرة، أشرنا إلي بعضها في كتاب (كيف تدير الأمور)().

منها: توفر التنظيم الجيد، واستقبال الكوادر الفاعلة، والتطور الذي يواكب العصر، والعمل المنسّق فيما بين أفراد المؤسسة، والتسيق مع سائر المؤسسات، كما يلزم أن يكون هنالك ترابط اجتماعي بين أفراد المؤسسة وذلك بالأخوة والمحبة القائمة فيما بينهم، وكذلك بين الأفراد ورب العمل. وأن يكون لأفراد هذه المؤسسة ما يؤمّن لهم مستوي عيش كريم وخاصة عند تعرضهم للأزمات. كما يلزم أن تكون الإستشارية محكمة في الإدارة لا الاستبداد والفردية، وأن يكون الجميع حراً في إبداء الرأي، وكذلك في توجيه النقد البناء لما فيه مصلحة العمل. وأن يكون هناك شوري منتخبة لإدارة العمل، إلي غير ذلك من مقومات نجاح الإدارة ().

وهذا الكلام ينطبق علي كل المؤسسات، صغيرة كانت أم كبيرة، بل كلما توسعت المؤسسة، احتجنا إلي هذه العوامل أكثر، كما ينطبق بشكل أولي علي إدارة الدولة؛ لأن الدولة من أكثر المؤسسات احتياجاً للإدارة الناجحة، والدولة ما هي إلا مجموعة مؤسسات تتعاضد فيما بينها لخدمة المجتمع.

رسول الله صلي الله عليه و اله والإدارة

لو طالعنا إدارة النبي صلي الله عليه و اله والأئمة عليهم السلام والبرامج التي رسموها للمجتمع، لكي تخطو الأمة إلي الأمام وتفوز بسعادة الدنيا والآخرة، لوجدنا أن هناك ترابطاً قوياً في القوانين المعنوية والمادية في الإدارة الشرعية، فليست الإدارة الناجحة تعتمد علي الماديات فحسب ولا علي المعنويات فقط.

فتري الحالة المعنوية العالية التي تولدت بين المسلمين في عصر رسول الله صلي الله عليه و اله وهي شوقهم الشديد إلي الله عزوجل والخوف منه، وأداء الصلاة والصيام، والتزامهم بالصدق والوفاء، وغير ذلك من الفضائل الروحية، وما هذه الحالة إلا نتيجة للجهود التي بذلها الرسول صلي الله عليه و

اله والأئمة عليهم السلام في هذا الطريق.

وكذلك ما يرتبط بالماديات وإدارة الحياة المادية، فعندما جاء النبي صلي الله عليه و اله إلي المدينة رأي أن اليهود هم الذين يسيطرون علي عصب الحياة في البلاد، من اقتصاد وسلاح وغيرهما، وكانوا يستخدمونها في إثارة النزاعات والحروب والعداوات بين أهل المدينة؛ لذا شجّع الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله المسلمين في سبيل أن يكونوا هم أصحاب القرار، وهم الذين يتولون إدارة أمورهم بأنفسهم بدل أن يديرها غيرهم، فرسم صلي الله عليه و اله لهم الخطوط الكفيلة بذلك، فتمتع المسلمون بالاستقلال الاقتصادي والعسكري نتيجة الإدارة الناجحة الفذة للرسول الأعظم صلي الله عليه و اله وحسن تخطيطه.

الإدارة ونشر الوعي

قام رسول الله صلي الله عليه و اله في إدارته الناجحة بتوعية الأمة، فبذل جهوداً كبيرة في سبيل نشر الوعي بكافة أقسامه بين أفراد المجتمع، فبث الوعي الديني والسياسي والإقتصادي والصحي والثقافي وغيرها، بين أوساط ذلك المجتمع الجاهلي، الذي كانت صفة الجهل والعادات الجاهلية المقيتة منتشرة ومستمكنة منه، ولكن عبقرية الرسول صلي الله عليه و اله الإدارية أخرجت هذا المجتمع من مصاف الشعوب المتأخرة، إلي قيادة الشعوب المتطورة..

ولو راجعنا التاريخ ودققنا فيه وتأملنا في الأعمال التي قام بها الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله لنشر الوعي والثقافة بين أوساط المجتمع، وكيف تغلب علي المعوقات الكثيرة، التي كانت في طريقه، لساعدنا ذلك كثيراً في سبيل النهوض بالأمة، بعد الكساد والخمول الفكري، الذي عم بلادنا اليوم.

رفع الحواجز الوهمية

قال تبارك وتعالي: الّذِينَ يَتّبِعُونَ الرّسُولَ النّبِيَّ الاُمِّيَّ الّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلّ لَهُمُ الطّيّبَاتِ وَيُحَرّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلََئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ().

إن من أهم الأعمال والمنجزات المهمة التي قام بها رسول الله صلي الله عليه و اله في إدارته الناجحة: رفع الحواجز التي وضعتها الجاهلية التي كانت تحد من حرية الناس الطبيعية، وتقيّدهم، حيث كان الإنسان قبل الإسلام، عندما يريد أن يذهب إلي بلد آخر للتجارة أو غيرها، يجد أمامه مجموعة من الصعوبات والعراقيل، منها: تعرضه للأخطار من سلب ونهب وقتل، من خلال ما كان بين القبائل من غزو وأسر وتجاوز..

ومنها: الضرائب اللاشرعية الكثيرة، من أخذ أموال علي التجارة والقوافل حتي يؤذن للإنسان العمل بالمتاجرة، والذي يسمي بتعبير اليوم ب(الجمارك) وهو من أشد المحرمات في

الشريعة الإسلامية.

ومنها: الحواجز الجغرافية، وهي شبه الحدود المصطنعة اليوم والموجودة في عصرنا هذا بين الدول الإسلامية، ومثل هذه الحواجز كانت موجودة في عصر ما قبل الإسلام بين القبائل، ولكن بشكل مبسط، كما هو مذكور في التاريخ.

إلي غير ذلك من الأمور المعرقلة والمعطلة لحرية الإنسان.

ولكن الإسلام رفض جميع هذه القيودات حيث قال تبارك وتعالي: إِنََّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ().

بالإضافة إلي ذلك، كانت هناك حواجز ومعرقلات نفسية مخيمة علي طبيعة المجتمع الجاهلي، حيث كان التفاخر بالأنساب والألقاب والأموات هو السائد في ذلك الوقت بين الناس، فهذا من تميم، وذلك من طي، وثالث من بني عبس، وهكذا، وكان التزاوج والعلاقات الاجتماعية الأخري مبنية علي هذا الأساس، فالقبيلة التي تري نفسها قوية وكبيرة تستهين بالقبائل الأخري المجاورة لها، التي تقل عنها قوة وعدداً، ولا يمكن عادة أن تزوج إحدي بناتها أو بنيها إلي القبيلة الأقل قوة منها..

إضافة إلي الحواجز والمعرقلات النفسية الأخري..

وقد ألغي الشرع الإسلامي جميع ذلك حيث قال تعالي:

يَأَيّهَا النّاسُ إِنّا خَلَقْنَاكُم مّن ذَكَرٍ وَأُنْثَيَ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوَاْ إِنّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنّ اللهَ عَلِيمٌ

خَبِيرٌ ().

وقال الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله: إن الناس من عهد آدم إلي يومنا هذا مثل أسنان المشط، لا فضل للعربي علي العجمي، ولا للأحمر علي الأسود إلا بالتقوي ().

وقال صلي الله عليه و اله: لا حسب إلا بالتواضع، ولا كرم إلا بالتقوي، ولا عمل إلا بالنية ().

وقال صلي الله عليه و اله: حسب المرء ماله، ومروته عقله، وحلمه شرفه، وكرمه تقواه ().

فعندما بزغ نور الإسلام، ونتيجة لجهود الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله وعبقريته الإدارية، تمكن من تحطيم جميع هذه الحواجز، سواء كانت جغرافية

أم نفسية، وشيّد مكانها أواصر المحبة والتآلف والأخوة بين المسلمين جميعاً، بحيث زالت الملاكات المزيفة للتفوق والرجحان بسبب القوة والضعف، أو العُدّة والعدد، أو سواد البشرة وبياضها، أو اللغة والعرق، أو القومية والثروة، فأصبح المسلمون أخوة فيما بينهم، ولا مائز بين الناس إلا الإسلام والتقوي. وأصبح بلال الحبشي وسلمان الفارسي وأبو ذر الغفاري (رضوان الله تعالي عليهم) سواء فيما بينهم، ولا فرق بينهم إلا بالتقوي والإيمان والإرتباط بالله تعالي. كما جعل صفية اليهودية وسودة المشركة ومارية القبطية بعد إسلامهن أخوات في الإسلام.

نعم، هذه هي الإدارة الناجحة للإسلام، حيث بدّل العداوة إلي المحبة والمصالحة، وبدّل العادات التي تبعد الإنسان عن أفراد جنسه ومجتمعه بقوانين وأنظمة تقرّب بين الناس وتجعلهم يتعارفون فيما بينهم كما قال عزوجل: لتعارفوا ().

فعندما قام النبي صلي الله عليه و اله بهذه الإدارة الناجحة استطاع أن يبدل حال الناس إلي أفضل حال، وأوصل المسلمين إلي الاعتماد علي أنفسهم في كل شيء، بحيث أوصلهم إلي الاكتفاء الذاتي في أغلب جوانب الحياة الاقتصادية والعسكرية والسياسية وغيرها.

مسلمو اليوم

قال تبارك: أَلَمْ تَرَ إِلَي الّذِينَ بَدّلُواْ نِعْمَةَ اللهِ كُفْراً وَأَحَلّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ جَهَنّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ ().

إن حال أغلب المسلمين اليوم غير ما كانوا عليه في الصدر الأول، فنتيجة لابتعادهم عن نهج رسول الله صلي الله عليه و اله القويم أصبحوا فرقاً مشتتة ضعيفة متناحرة فيما بينها، وبدلاً من الاتحاد حلت التفرقة، وبدل المحبة والأخوة الإسلامية التي كانت سائدة في ذلك العصر، أصبحت العداوة والبغضاء هي السائدة بين كثير من أفراد المجتمع الإسلامي اليوم، وبدلاً من رفع الحواجز الجغرافية والحدود المصطنعة التي ألغاها الرسول صلي الله عليه و اله سنت اليوم حواجز وعراقيل أكثر تعقيداً حتي من

أيام الجاهلية الأولي، فأصبح المسلم الذي يريد أن يسافر من بلد إسلامي إلي آخر مقيداً بشروط وعراقيل كثيرة، من الجواز والتأشيرة والضريبة والإجازة وغيرها، مما يجر عليه ضياع الكثير من الوقت والمال لكي يسافر فقط، هذا إذا سمح له بعد التحقيق والتدقيق المشدد، والذي يزيد عن حده المقرر.

وكذلك الحواجز النفسية التي رفعت في زمن الرسول صلي الله عليه و اله أعيدت وبأشد مما كانت، فأصبح المسلم اليوم أجنبياً بالقياس إلي سائر المسلمين، فالمسلم العربي أصبح غريباً في البلاد الإسلامية الأخري، والمسلم الهندي أجنبياً في البلاد الإسلامية العربية وهكذا، مما حدا بهم إلي التناحر والتصارع، فمكنوا الاستعمار من أنفسهم للسيطرة عليهم، وأصبح حالهم مثل حال الناس قبل البعثة، إن لم نقل أشد؛ حيث إن سياستهم واقتصادهم وثقافتهم ووسائلهم الحربية هي اليوم بيد غيرهم، وهذا الغير هو الذي يخطط لهم ويوجههم ويجرهم إلي الحروب الداخلية أي في داخل الأمة الإسلامية للقضاء عليهم وعلي ثرواتهم، وهم لا يفكرون بجدية في سبيل نيل استقلالهم الحقيقي، وفي الاستقلال الثقافي والاقتصادي والعسكري وما أشبه، واسترداد حقوقهم الضائعة والمغتصبة، ومكانتهم الحقيقية بين الأمم، بل ينتظرون أن تتبدل أحوالهم إلي أحسن من هذا وهم قاعدون دون أن يحركوا ساكناً، إلا القليل منهم. فصاروا مصداقاً عملياً حقيقياً لقوله تعالي:

كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَي الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ وَما هُوَ بِبالِغِهِ ()، وكأن المطالب تُنال بالتمني والرغبات.

قال أمير المؤمنين عليه السلام: إن قلوب الجهال تستفزها الأطماع، وترتهنها المُني، وتستعلقها الخدائع ().

وقال عليه السلام: الأماني تخدعك، وعند الحقائق تخذلك ().

وقال أبو عبد الله عليه السلام: تجنبوا المُني؛ فإنها تذهب بهجة ما خولتم، وتستصغرون بها مواهب الله تعالي عندكم، وتعقبكم الحسرات فيما وهمتم به أنفسكم.()

إن بعض المسلمين اليوم يريدون وبدون

تقديم أي عمل أن يغرفوا السعادة من بحر الحظ، وهذا لا يكون كما هو واضح.

المطلوب لإنجاح الإدارة

قال تبارك وتعالي: ذَلِكَ بِأَنّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيّراً نّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَيَ قَوْمٍ حَتّيَ يُغَيّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنّ اللهَ سَمِيعٌ

عَلِيمٌ ().

إن علي المسلمين أن يغيروا مسيرهم الحالي، ويرجعوا إلي الطريق الذي يوصلهم نحو هدفهم، وهذا يتطلب دراسة شاملة لكل شؤون حياتهم، منذ البداية وحتي الآن، ثم إعادة تصرفاتهم وطراز تعاملهم ليتطابق مع سيرة النبي صلي الله عليه و اله والأئمة الطاهرين عليهم السلام في إدارتهم الناجحة، ليسترجعوا بذلك عزّهم الذي ضاع منهم قبل قرن تقريبا، ويعودوا مرة أخري سادات الدنيا، حينذاك يتمكنون من هداية الناس نحو الحق والحقيقة ونحو خير الدنيا والآخرة، أما إذا بقيت الأمة الإسلامية علي هذا الحال لا سامح الله فلا يمكن لها أن تحقق النصر، وستظل تتحمل المصائب والويلات يوماً بعد يوم.

حكمة الله تعالي

قال الإمام الصادق عليه السلام: أبي الله أن يجري الأشياء إلا بأسباب، فجعل لكل شيء سبباً، وجعل لكل سبب شرحاً، وجعل لكل شرح علماً، وجعل لكل علم باباً ناطقاً، عرفه من عرفه، وجهله من جهله، ذلك رسول الله صلي الله عليه و اله ونحن ().

وفي الحديث: أن النبي موسي (علي نبينا وآله وعليه السلام) كان قد مرض، وامتنع عن مراجعة الطبيب فظل مريضاً مدة، ولم يحصل علي الشفاء، ولما سأل الله تعالي في شفائه أمره بالمراجعة إلي الطبيب، فقال: يا إلهي أليس الداء منك؟ فقال له ربه: نعم.

فقال موسي عليه السلام: يا إلهي أليس الدواء منك؟

قال له الله: نعم. حينذاك قال موسي عليه السلام: يا رب، إذن لا حاجة للطبيب، وطلب من ربه أن يشفيه؟ لكن الله تعالي لم يفعل ذلك إلا بعد مراجعته الطبيب().

وذلك لأن الله عزوجل خلق الدنيا دار الأسباب والمسببات وقوانين وسنن محكمة، ولا يمكن الفرار

من هذا القانون الطبيعي، وعلي هذا الأساس لم يبق مجال لمن يقول: لماذا نري المسلمين اليوم كلما دعوا الله ليغير حالهم لم يروا من الله استجابة. إذ لابد للإنسان المسلم من توفير المقدمات لتلك الإجابة، ومن ثَم ينتظر الإستجابة، ومن تلك المقدمات: العمل، والجد، والمثابرة، والإخلاص، والنية الصادقة، وعدم ارتكاب الذنوب والمعاصي التي تحجب وتصد الدعاء، وغيرها، كما نقرأ في دعاء كميل بن زياد (رضوان الله عليه) ():

اللهم اغفر لي الذنوب التي تحبس الدعاء ().

لذا، ومن خلال ما سبق نصل إلي هذه النتيجة وهي: أن المسلمين إذا لم يوفروا لأنفسهم اليوم إدارة صحيحة فإنهم لن يعثروا علي طريق نجاتهم ونجاحهم، بل بقوا هكذا في دوامة التخلف والاستعمار.

مداراة الناس

قال النبي الأعظم صلي الله عليه و اله: أمرني ربي بمداراة الناس كما أمرني بأداء الفرائض ().

إن مداراة الناس هي من الشروط الرئيسية للإدارة الناجحة، وقد أولاها الإسلام أهتماماً كبيراً، فالإدارة كما سبق تحتاج إلي مقدمات ومقومات يحب توفرها حتي تكون إدارة جيدة رصينة ناجحة، ومن هذه المقدمات: مداراة الناس. قال الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله: مداراة الناس نصف الإيمان ().

فالشخص الذي يتعين قائداً أو مسؤولاً علي مجموعة من الناس، يجب عليه مداراة هذه المجموعة، والسهر علي خدمتهم، حتي يعد قائداً ناجحاً، قال الإمام الصادق عليه السلام: جاء جبرئيل إلي النبي صلي الله عليه و اله فقال: يا محمد، ربك يقرؤك السلام ويقول لك: دارِ خلقي ().

ولا تختص المداراة بالجماعة التي بينك وبينهم مودة، أو نوع من العلاقة الطيبة، بل حتي الأعداء عليك بمداراتهم. قال الإمام أمير المؤمنين صلي الله عليه و اله: من استصلح الأضداد بلغ المراد ().

وقال عليه السلام أيضاً: مداراة الرجال من أفضل

الأعمال ().

نسأل الله عزوجل أن يوفق الأمة وقياديها للتمسك بالإدارة الناجحة التي قام بها رسول الله صلي الله عليه و اله وعترته الطاهرة عليهم السلام..

اللهم يا من يملك التدبير، وهو علي كل شيء قدير، يا من يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وتُجن الضمير، وهو اللطيف الخبير، اللهم اجعلنا ممن نوي فعمل، ولا تجعلنا ممن شقي فكسل، ولا ممن هو علي غير عمل يتكل ().

من هدي القرآن الحكيم

أهمية الإدارة:

قال تعالي: ?كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ? ().

وقال سبحانه: ?يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوي فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ? ().

وقال عزوجل: ?ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلي شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْها وَلاتَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ? ().

وقال جل وعلا: ?وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَي الْكِتابَ فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ وَجَعَلْناهُ هُديً لِبَنِي إِسْرائِيلَ وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ? ().

التنظم سنة كونية:

قال عزوجل: ?وَمِنْ كُلِّ شَيْ ءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ

تَذَكَّرُونَ? ().

وقال تعالي: ?وَكُلُّ شَيْ ءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ? ().

وقال جل وعلا: ?وَخَلَقَ كُلَّ شَيْ ءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً? ().

وقال سبحانه: ?وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّي عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ لاَ الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلاَ اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ? ().

مداراة الناس وآثارها:

قال تعالي: ?وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلي ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّي أَتاهُمْ نَصْرُنا? ().

وقال سبحانه: ?وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ? ().

وقال عزوجل: ?وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ? ().

وقال جل وعلا: ?وَإِنَّكَ لَعَلي خُلُقٍ عَظِيمٍ? ().

التدبير أساس في كل شيء:

قال عزوجل: ?اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ثُمَّ اسْتَوي عَلَي الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ

يَجْرِي

لأَجَلٍ مُسَمًّي يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ

تُوقِنُونَ? ().

وقال سبحانه: ?وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ? ().

وقال تعالي: يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَي الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ذلِكَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْ ءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنْسانِ مِنْ طِينٍ ().

قال جل وعلا: ?قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللهُ فَقُلْ أَ فَلا تَتَّقُونَ? ().

من هدي السنة المطهرة

الإدارة منهاج عمل:

كتب الإمام أمير المؤمنين عليه السلام لمالك الأشتر ?:.. ثم انظر في أمور عمالك فاستعملهم اختباراً ولا تولهم محاباة.. وأبلغ في عواقب الأمور نظراً، ثم أسبغ عليهم الأرزاق.. ثم تفقد أعمالهم وابعث العيون من أهل الصدق والوفاء عليهم … وتفقد أمر الخراج بما يصلح أهله.

وفيه أيضاً: ثم إن للوالي خاصة وبطانة فيهم استئثار وتطاول، وقلة إنصاف في معاملة فأحسم مادة أولئك بقطع أسباب تلك الأحوال.

وفيه أيضاً: انصف الله وانصف الناس من نفسك ومن خاصة أهلك ومن لك فيه هوي … وليكن أحب الأمور إليك أوسطها في الحق وأعمها في العدل.

وفيه أيضاً: واجعل لذوي الحاجات منك قسماً تفرغ لهم فيه شخصك، وتجلس لهم مجلساً عاماً، فتتواضع فيه لله الذي خلقك.. ثم أمور من أمورك لابد لك من مباشرتها: منها إجابة عمالك بما يعيا عنه كتابك، ومنها إصدار حاجات الناس يوم ورودها عليك ()، الكتاب.

التنظيم سنة كونية:

قال الإمام أمير المؤمنين صلي الله عليه و اله: أنشأ الأرض فأمسكها من غير اشتغال، وأرساها علي غير قرار، وأقامها بغير قوائم، ورفعها بغير دعائم، وحصنها من الأود والاعوجاج،

ومنعها من التهافت والانفراج، أرسي أوتادها، وضرب أسدادها، واستفاض

عيونها ().

وقال أمير المؤمنين عليه السلام: وجبل جلاميدها ونشوز متونها وأطوادها، فأرساها في مراسيها وألزمها قراراتها، فمضت رؤوسها في الهواء، ورست أصولها في الماء، فأنهد جبالها عن سهولها، وأساخ قواعدها في متون أقطارها … وجعلها للأرض عماداً، وأرّزها فيها أوتاداً ().

وقال عليه السلام في صفة القرآن: ألا إن فيه علم ما يأتي، والحديث عن الماضي … ونظم ما بينكم ().

وفي قول الله عز وجل: ?الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِراشاً? () قال الامام السجاد عليه السلام: جعلها ملائمة لطبائعكم، موافقة لأجسادكم، لم يجعلها شديدة الحمي والحرارة فتحرقكم، ولا شديدة البرد فتجمدكم، ولا شديدة طيب الريح فتصدع هاماتكم، ولا شديدة النتن فتعطبكم … ولكنه عزوجل جعل فيها من المتانة ما تنتفعون به، وتتماسكون وتتماسك عليها أبدانكم وبنيانكم، وجعل فيها ما تنقاد به لدوركم وقبوركم … ().

مداراة الناس وآثارها:

قال رسول الله صلي الله عليه و اله: أمرني ربي بمداراة الناس كما أمرني بأداء الفرائض ().

وقال صلي الله عليه و اله: إن الأنبياء إنما فضلهم الله علي خلقه أجمعين بشدة مداراتهم لأعداء دين الله، وحسن تقيتهم لأجل إخوانهم في الله ().

وقال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: دارِ الناس تستمتع بإخائهم، وألقهم بالبشر تمت أضغانهم» ().

وفي قوله عزوجل: وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً () قال الإمام الصادق عليه السلام: أي: وقولوا للناس كلهم حُسنا مؤمنهم ومخالفهم، أما المؤمنون فيبسط لهم وجهه وبشره، وأما المخالفون فيكلمهم بالمداراة لاجتذابهم إلي الإيمان» ().

سوء التدبير سبب التدمير:

قال أمير المؤمنين عليه السلام: آفة المعاش سوء التدبير ().

وقال عليه السلام: من تأخر تدبيره تقدم تدميره ().

وقال عليه السلام: من ساء تدبيره كان هلاكه في تدبيره ().

وقال عليه السلام: يستدل علي

الأدبار بأربع: سوء التدبير، وقبيح التبذير، وقلة الاعتبار، وكثرة الاعتذار ().

الحاشية

() سورة التوبة: 122.

() سورة الزمر: 17-18.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص472 ق6 ب6 ف1 ح10770.

() وسائل الشيعة: ج12 ص202 ب121 ح16088.

() لسان العرب: ج14 ص255 مادة (دري).

() مستدرك الوسائل: ج8 ص353 ب28 ح9642.

() بذل بعض العلماء والمؤرخين جهودهم لجمع خطب النبي صلي الله عليه و اله، نذكر منهم: عبد العزيز بن يحيي الجلودي في كتاب الخطب، ذكره النجاشي في رجاله، ومنهم: أبو الحسن المدائني، والشيخ موسي الزنجاني في كتاب مدينة البلاغة في خطب النبي صلي الله عليه و اله وكتبه ووصاياه، في مجلدين، والسيد محمد سعيد بن السيد ناصر حسين الموسوي اللكهنوي في كتاب معراج البلاغة، وغيرها.

() سورة النساء: 59.

() سورة سبأ: 24.

() سورة الأحزاب: 21.

() سورة المائدة: 95.

() سورة آل عمران: 97.

() الاحتجاج: ج1 ص185، احتجاجه عليه السلام علي الخوارج لما حملوه علي التحكم، ثم أنكروا عليه ذلك ونقموا عليه أشياء، فأجابهم عليه السلام عن ذلك بالحجة، وبين لهم أن الخطأ من قبلهم بل وإليهم يعود.

() عن محمد بن مسلم قال: (ما شجر في قلبي شيء إلا سألت عنه أبا جعفر عليه السلام حتي سألته عن ثلاثين ألف حديث، وسألت أبا عبد الله عليه السلام عن ستة عشر ألف حديث) مستدرك الوسائل: ج17 ص315 ح21452.

وعن جابر قال: (عندي سبعون ألف حديث عن أبي جعفر محمد الباقر عليه السلام عن النبي صلي الله عليه و اله) بحار الأنوار: ج53 ص139.

وعن جابر قال: (حدثني أبو جعفر تسعين ألف حديث) مستدرك الوسائل: ج12 ص298 ب23 ح14134.

وأبان ابن تغلب (روي عن الصادق عليه السلام ثلاثين ألف حديث). رجال ابن داود ص10.

وابن عقدة الزيدي كان يحفظ مائة

وعشرين ألف حديث بأسانيدها ويذاكر بثلاثمائة ألف حديث. انظر رجال ابن داود ص422. رجال الطوسي: ص409. رجال العلامة الحلي: ص204.

() إن الأحاديث التي وردت في كتاب (وسائل الشيعة) هي 35868 حديثاً.

جاء في الذريعة في تعريف كتاب وسائل الشيعة: كتاب (تفصيل وسائل الشيعة إلي تحصيل مسائل الشريعة)، ويقال له: (الوسائل) تخفيفاً، هو أحد الجوامع المتأخرة الكبري للمحمدين الثلاثة، وهي: الوافي، والبحار، والوسائل. وهو تأليف العلامة المحدث الحر العاملي نزيل خراسان الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي المشغري المولود في (1033ه) والمتوفي سنة (1104ه) وهو حاو لجميع أحاديث الكتب الأربعة التي عليها المدار، وجامع لأكثر ما في كتب الإمامية من أحاديث الأحكام وعدة تلك الكتب نيف وسبعون كتابا، كافتها معتمدة عند الأصحاب، وقد فصل فهرسها وبين اعتبارها في خاتمة الكتاب، وأدرج في الخاتمة من الفوائد الرجالية ما لم يوجد في غيرها، بدأ بأحاديث مقدمة العبادات، ورتب أحاديث الأحكام علي ترتيب كتب الفقه من الطهارة إلي الديات، وكل كتاب علي أبواب … وبالجملة هو أجمع كتاب لأحاديث الأحكام وأحسن ترتيباً لها حتي من الوافي والبحار لاقتصار الوافي علي جمع خصوص ما في الكتب الأربعة علي خلاف الترتيب المأنوس فيها، واقتصار البحار علي ما عدا الكتب الأربعة مع كون جل أحاديثه في غير الأحكام، فنسبة هذا الجامع إلي سائر الجوامع المتأخرة كنسبة الكافي إلي سائر الكتب الأربعة المتقدمة، ويشبه الكافي أيضاً في طول مدة جمعه إلي عشرين سنة كما صرح به الشيخ الحر نفسه في الفهرس الذي كتبه بعد تمام الكتب (في سنة 1088ه)، وقد شرح (الوسائل) بعد المؤلف جمع من الأعلام، منهم الشيخ محمد ابن الشيخ علي ابن الشيخ عبد النبي بن محمد بن سليمان المقابي المعاصر للشيخ

يوسف البحراني. ومنهم الحاج المولي محمد رضي القزويني الشهيد في فتنة الأفغان. ومنهم الشيخ محمد بن سليمان المقابي البحراني المعاصر للشيخ عبد الله السماهيجي اسم شرحه (مجمع الأحكام). ومنهم سيد مشايخنا أبو محمد الحسن بن العلامة الهادي آل صدر الدين الموسوي طاب ثراه.. وللشيخ الحر نفسه شرح آخر علي (الوسائل) علي نحو التعليق فيه بيان اللغات، وتوضيح العبارات أو دفع الاشكالات عن متن الحديث أو سنده أو غير ذلك، كتبه بخط يده علي هوامش نسخ الوسائل التي كتبها بخطه، ومجموع ما رأيناه من نسخ الوسائل بخط المؤلف ثلاث نسخ، ولعله كتب نسخة أخري لم نشاهدها، إحداها النسخة الأصلية المسودة التي عليها شطب كثير، وإصلاحات، وتغييرات في أكثر سطورها بحيث يقطع كل أحد بأنها أول نسخة خرجت منه إلي السواد كما هو العادة في التأليفات، فلله در المؤلف وجزاه الله عن الإسلام خير جزاء المحسنين حيث أتعب في هذا التأليف نفسه بما لا يتحمله أكثر الخواص وذلك من فضل الله عليه وتوفيقه إياه يؤتيهما من يشاء من عباده، ومع هذا الجهد الكثير والأتعاب البالغة قد فاته من الأحاديث المروية عن الأئمة الهادين سلام الله عليهم ما لا يحصيه إلا الله، وقد وفق الله شيخنا العلامة النوري لجمع بعض ما وفاته من الأحاديث في جميع الأبواب في الجامع الكبير الموسوم ب(مستدرك الوسائل).

انظر الذريعة إلي تصانيف الشيعة: ج4 ص352 تحت الرقم 1550.

() راجع بحار الأنوار: ج 15 ص174 باب البشائر بمولده ونبوته صلي الله عليه و اله.

() راجع الكافي: ج4 ص215 باب ورود تبع وأصحاب الفيل البيت، وحفر عبد المطلب زمزم، وهدم قريش الكعبة وبنائهم إياها، وهدم الحجاج لها وبنائه إياها ح3.

() الكافي: ج4 ص217 باب ورود تبع

وأصحاب الفيل البيت … ح3.

() الكافي: ج4 ص217 باب ورود تبع وأصحاب الفيل البيت.. ح4.

() للتفصيل راجع مؤلفات الإمام الشيرازي الراحل (أعلي الله مقامه) في هذا المجال، وهي: (الفقه: الإدارة ج1وج2) و(تنمية القدرات الإدارية) و(كيف تدير الأمور؟).

() لقد عرّفت هذه السلطات في الوقت الحاضر ووفق القوانين الوضعية حسب ما يلي:

أولاً: السلطة التشريعية: وهي التي تملك حق سن القوانين ومناقشتها ومراقبة تنفيذها وسلامتها. وتمثل السلطة التشريعية عادةً في مجلس نيابي يشترط في أعضائه المواطنة وخلو السجل العدلي من الجناية وسلامة العقل واكتمال الأهلية، ومن أهم واجباتها منع استبداد الهيئة التنفيذية.

ثانياً: السلطة التنفيذية: وهي أحدي السلطات الثلاث التي تشمل المؤسسات والوظائف المختصة بتنفيذ القوانين الصادرة عن السلطة التشريعية، وعلي هذا الأساس تشمل رئيس الجمهورية والمجالس المحلية وموظفي الدولة كافة باستثناء القضاة. ولها أعمال تتصل بالاستقرار الداخلي والدفاع والعلاقات مع دول العالم وتنظيم مالية الدولة، وتنظيم القضاة، وتقديم الخدمات للمواطنين، وتنشيط الاقتصاد.

وثالثاً: السلطة القضائية: وهي المناط بها وظيفة تفسير القانون وتطبيقه علي الوقائع المعنية التي تعرض علي هيئاتها كالمحاكم، ولابد من توافر حسن العدالة ومعرفة القانون والاستقلال والنزاهة في القضاة، ويعتبر استقلاليتها في الأنظمة الديمقرطية مبدأ لا يجوز المساس به.

() سورة الأحزاب: 6.

() سورة المائدة: 55.

() سورة النساء: 59.

() راجع وسائل الشيعة: ج 27 ص136 باب وجوب الرجوع في القضاء والفتوي إلي رواة الحديث من الشيعة فيما رووه عن الأئمة ? من أحكام الشريعة لا فيما يقولونه برأيهم..

() تفسير مجمع البيان: ج5 ص113 تفسير سورة التوبة.

() بحار الأنوار: ج 16 ص1 ب5 ح2.

() الأوس والخزرج: قبيلتان عربيتان استوطنتا المدينة المنورة، وتعرف هاتان القبيلتان بالأنصار، تكريماً لما كان لهما من شأن هام في قيام الاسلام، وكان مهاجرتهما من جنوب

بلاد العرب لما تصدع سد مأرب في القرن الخامس الميلادي.

() بحار الأنوار: ج 19 ص25 ب5 ح15.

() راجع الغدير: ج3 ص112باب المؤاخاة بين رسول الله صلي الله عليه و اله وعلي عليه السلام.

() لقد وردت هذه الصحيفة في مصادر عديدة وبنصوص مختلفة اختلافاً يسيراً، وقد نقلنا هذا النص من كتاب النظام السياسي في الإسلام ط دار التعارف (1398ه / 1978م) لمؤلفه باقر شريف القرشي.

() الكافي: ج 5 ص28 باب وصية رسول الله صلي الله عليه و اله وأمير المؤمنين عليه السلام في السرايا ح4.

() بحار الأنوار: ج 21 ص373 ب35 ح3.

() انظر كتاب (ولأول مرة في تاريخ العالم) ج2 للإمام الشيرازي الراحل رحمة الله عليه.

() سورة النصر: 1-3.

() غوالي اللئالي: ج1 ص226.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص152 ق1 ب6 ف4 ح2811.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص231 ق3 ب2 ف1 ح4622.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص155 ق1ب6ف4 ح2904.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص155 ق1 ب6 ف4 ح2902.

() العلم والإخلاص.

() يقع الكتاب في 96 صفحة من الحجم 12 × 17، من تأليفات سماحته رحمة الله عليه في كربلاء المقدسة، ويتضمن العناوين التالية: دور الإدارة، هل الإدارة غريزة أم اكتساب، الصبر علي المكاره، السكوت، معرفة مداخل الأمور ومخارجها، مطالعة أحوال العظماء، ترجيح الأهم علي المهم، العفو، تنفيذ المدير رأيه في كبار الأمور وإيكال صغارها إلي مرؤوسيه، التفكر الدائم، التخطيط، حسن الأخلاق، التطلع علي أحوال الأشخاص بروح منطلقة متطلعة، عدم إظهار الضعف ولا القوة، الفصل بسلام، احترام النفس، عدم الانحطاط لمستوي المنحطين، أن يكون حافلا، إصلاح الخطأ، تنظيم الأوقات، تشويق الموظفين ومدحهم، السرعة بإتقان، التوسط في الفكر، عدم التبجح، النظر إلي العواقب، المراقبة علي الحاشية والحد من نشاطهم، طيب

المعاشرة، سد الخلل الصغار قبل أن تكبر، اجتناب ما يسبب نفرة الناس، جلب ثقة الناس، الأخذ بأطراف الإدارة بقوة، الاستشارة، العمل بلا استفزاز، عدم الأنانية، الحزم، قوة الدعاية، مراعاة جانب الله في كل لحظة وخطوة، نزاهة الحاشية، عدم توقع العمل من الموظفين مائة في مائة، التوسط في النظرة إلي الناس، الصمود أمام الكوارث، ترفيع مستوي الموظفين ليصلحوا للإدارة، الترفيه عن النفس، سوط التقدم، العناية بصغار الأمور علي نحو العناية بكبارها، تحويل إلي أجناس، التهرب من المشاكل بلباقة، ضبط النفس عن الانخداع.

طبع عدة مرات منها: هيئة شباب التبليغ كربلاء المقدسة 1390 ه مطبعة الغري الحديثة، النجف الأشرف. كما طبع مكرراً ضمن كتاب (الفقه: الإدارة) ج2 من الصفحة 311- 358. وقد ترجم إلي الفارسية تحت عنوان (نقش مديريت در بيشرفت ملتها) ترجمه الشيخ علي الكاظمي.

() للتفصيل انظر موسوعة الفقه: ج103-104 كتاب الإدارة / وكذلك كتاب (كيف تدير الأمور؟) للإمام الشيرازي الراحل رحمة الله عليه.

() سورة الأعراف: 157.

() سورة الأنبياء: 92.

() سورة الحجرات: 13.

() مستدرك الوسائل: ج12 ص89 ب75 ح13598.

() وسائل الشيعة: ج1 ص48 ب5 ح91.

() أمالي الطوسي: ص590 المجلس25 ح 1223.

() سورة الحجرات: 13.

() سورة إبراهيم: 28-29.

() سورة الرعد: 14.

() الكافي: ج 1 ص23 كتاب العقل والجهل ح16.

() مستدرك الوسائل: ج13 ص47 ب16 ضمن ح14703.

() الكافي: ج5 ص85 باب كراهية الكسل ح7.

() سورة الأنفال: 53.

() الكافي: ج1 ص183 باب معرفة الإمام والرد إليه ح7.

() انظر الكافي: ج8 ص88 حديث الطبيب ح52. وفيه عن أبي عبد الله عليه السلام قال:

?قال موسي عليه السلام: يا رب من أين الداء؟ قال: مني، قال: فالشفاء؟ قال: مني، قال: فما يصنع عباد بالمعالج؟ قال: يطيب بأنفسهم، فيومئذ سمي المعالج الطبيب?.

() كميل بن

زياد بن سهل بن هيثم بن سعد بن مالك بن الحرث النخعي، من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام وخواصه، شهد صفين مع أمير المؤمنين عليه السلام، وكان شريفاً مطاعاً ثقة عابداً، وهو صاحب الدعاء المعروف بدعاء كميل بن زياد، ولاّه الإمام أمير المؤمنين عليه السلام علي بلدة هيت في العراق، عدّه الشيخ في الفهرست من أصحاب الإمام علي عليه السلام والإمام الحسن عليه السلام. كان من صحابة علي عليه السلام وشيعته وخاصته، قتله الحجاج علي المذهب فيمن قتل من الشيعة، ولما ولي الحجاج (العراق) طلب كميل بن زياد فهرب منه فحرم قومه عطاءهم، فلما رأي كميل ذلك قال: أنا شيخ كبير نفد بصري، ولا ينبغي أن أحرم قومي عطاءهم فخرج فدفع بيده إلي الحجاج، فلما رآه قال له: كنت أحب أن أجد عليك سبيلاً، فقال له كميل: لا تعرض عليّ أنيابك، ولاتهدم عليّ فوالله ما بقي من عمري إلا مثل كواسر الغبار فأقض ما أنت قاض، فإن الموعد الله، وبعد القتل الحساب، ولقد أخبرني أمير المؤمنين عليه السلام أنك قاتلي، فقال له الحجاج: الحجة عليك إذاً! فقال له كميل: ذاك إذا كان القضاء إليك، قال: بلي قد كنت فيمن قتل عثمان بن عفان! إضربوا عنقه، فضُربت عنقه.

() مصباح الكفعمي: ص555 ف44 فيما يعمل في شعبان.

() وسائل الشيعة: ج12 ص200 ب121 ح16081.

() وسائل الشيعة: ج12 ص201 ب121 ح16085.

() الكافي: ج2 ص116 باب المداراة ح2.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص414 ق6 ب2 ف1 ح9436.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص445 ق6 ب4 ف4 ح10171.

() إقبال الأعمال: ص22 فصل فيما نذكره من الداء الزائد عقيب صلاة المغرب أول ليلة من شهر رمضان.

() سورة هود: 1.

() سورة ص: 26.

() سورة

الجاثية: 18.

() سورة السجدة: 23 24.

() سورة الذاريات: 49.

() سورة الرعد: 8.

() سورة الفرقان: 2.

() سورة يس: 38 40.

() سورة الأنعام: 34.

() سورة النحل: 125.

() سورة آل عمران: 159.

() سورة القلم: 4.

() سورة الرعد: 2.

() سورة الرعد: 4.

() سورة السجدة: 5 7.

() سورة يونس: 31.

() نهح البلاغة، الكتب: 53 من كتاب له عليه السلام كتبه للأشتر النخعي لما ولاّه مصر وأعمالها.

() نهج البلاغة، الخطب: 186 من خطبة له عليه السلام في التوحيد.

() نهج البلاغة، الخطب: 211 من خطبة له عليه السلام في عجيب صنعة الكون.

() نهج البلاغة، الخطب: 158 من خطبة له عليه السلام ينبه فيها علي فضل الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله وفضل القرآن.

() سورة البقرة: 22.

() كتاب التوحيد للصدوق: ص404 ب62 ح11.

() وسائل الشيعة: ج12 ص200 ب121 ح16081.

() مستدرك الوسائل: ج12 ص262 ب27 ح14063.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص445 ق6 ب4 ف4 ح10180.

() سورة البقرة: 83.

() تفسير الإمام العسكري عليه السلام: ص353 باب في أن المسكين الحقيقي مساكين الشيعة الضعفاء في مقابلة أعدائهم ح240.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص354 ق5 ب1 ف2 ح8087.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص354 ق5 ب1 ف2 ح8092.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص354 ق5 ب1 ف2 ح8094.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص354 ق5 ب1 ف2 ح8096.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.