رسالة في التحية والسلام

اشارة

اسم الكتاب: رسالة في التحية والسلام

المؤلف: حسيني شيرازي، محمد

تاريخ وفاة المؤلف: 1380 ش

اللغة: عربي

عدد المجلدات: 1

الناشر: موسسه المجتبي

مكان الطبع: بيروت لبنان

تاريخ الطبع: 1422 ق

الطبعة: اول

بسم الله الرحمن الرحيم

وإذا حييتم بتحية

فحيوا

بأحسن منها

أو ردوها

صدق الله العلي العظيم

سورة النساء: 86

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام علي سيدنا محمد وآله الطاهرين، واللعنة علي أعدائهم أجمعين إلي قيام يوم الدين.

وبعد، فهذه جملة من مسائل التحيّة جعلتها كتاباً مستقلاً..

وقد كان ابن العم السيد عبد الهادي رحمة الله عليه() جمع كتاباً في مسائل التحية من خمسمائة مسألة، لكن بعض أصدقائه أخذه منه ولم يردّه عليه.. فضاع الكتاب ولم يصلنا.

وقد فكّرت في أن أجمع جملة من المسائل في هذه الوجيزة، أسأل الله التوفيق لما يحب ويرضي وهو المستعان.

قم المقدسة

محمد الشيرازي

التحية والسلام لغة واصطلاحاً

لا يخفي أن التحيّة مشتقة من الحياة()، يقال: حييت فلاناً بمعني قلت له: (حيّاك الله)، أي أبقاك الله وعمرك عمراً صحيحاً، فإن التحية إنما تستعمل في العمر الصحيح، دون ما كان مريضاً مرضاً شديداً ().

والمراد بالسلام في كلام من فسّر التحية به:

كل ما يكون دالاً علي طلب السلامة، فيعم غيره أيضاً، فلذا لم يكن تفسير مطلق التحية السلام، فإذا قلنا لزيد: «سلام عليكم» أي أن تكون سالماً.

وأما قولنا: «السلام علي الأموات» إذ لهم في الآخرة أيضاً كما في الحياة الدنيا سلمٌ وغير سلم، فنطلب إما من الله سبحانه وتعالي أو بقصد التحية، أن يكون سالماً هناك.

قال الإمام الباقر عليه السلام: «كان رسول الله صلي الله عليه و اله إذا مر بقبور قوم من المؤمنين قال: السلام عليكم من ديار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون» ().

وعن جراح المدائني قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام كيف التسليم علي أهل القبور؟

قال عليه السلام: «السلام علي أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، رحم الله المستقدمين منكم والمستأخرين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون» ().

وفي حديث آخر قال عليه السلام: «نعم تقول: السلام علي أهل الديار من المؤمنين

والمسلمين، أنتم لنا فرط، ونحن إن شاء الله بكم لاحقون» ().

التحية العرفية

والتحية عرفاً اسم لنوع خاص من التكريم والاحترام الذي يستعمله أهل العرف عند ملاقاة بعضهم البعض، أو في رسائل يكتبونها، أو ما أشبه ذلك، فالتحية أعم من السلام.

قال سبحانه: ?تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ?().

وقال تعالي: ?تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ?().

وقد روي العلل عن وهب اليماني قال: «لما أسجد الله عزوجل الملائكة لآدم … إلي أن قال: ثم قال عزوجل لآدم: انطلق إلي هؤلاء الملأ من الملائكة فقل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فسلم عليهم، فقالوا: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، فلما رجع إلي ربه عزوجل، قال له ربه: هذه تحيتك وتحية ذريتك من بعدك فيما بينهم إلي يوم القيامة» ().

أقول: ومعني رجع إلي ربه، أي إلي المكان الخاص الذي جعله الله سبحانه وتعالي محل تشريفه، وإلا فالله ليس له مكان كما هو واضح، فهو من قبيل (بيت الله)..

وعلي أي، فهذا شاهد علي عدم انحصار مفهوم التحية بالسلام، بل أعم منه، والمنصرف منه هو الذي جعله الشارع تحية للمسلمين.

وفي بعض الروايات مرسلاً عن الصادقين ?: المراد بالتحية في الآيات المباركة: السلام().

وفي حديث الأربعمائة عن أمير المؤمنين علي (عليه الصلاة والسلام) قال: «إذا عطس أحدكم فسمتوه، قولوا: يرحمك الله، وهو يقول لكم: يغفر الله لكم ويرحمكم، وقال الله تبارك وتعالي: ?وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا?()» ().

وفي كتاب ابن شهر آشوب:

«حيّت جارية للحسن عليه السلام بطاقة ريحان، فقال لها: أنت حُرة لوجه الله، فقيل له في ذلك، فقال: أدبنا الله تعالي، فقال: ?وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا?()، وكان أحسن منها إعتاقها» ().

والظاهر أن قوله سبحانه: ?فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا? يفهم منه عرفاً الفضيلة

بالأحسن والاستحباب، فالآية محمولة علي مطلق الرجحان.

وجوب الرد

مسألة: المشهور من الفقهاء هو وجوب الرد إذا كانت التحية بلفظ السلام، لا بسائر الألفاظ، ولا في سائر أقسامها من إعطاء شيء أو تواضع رأس أو ما أشبه ذلك..

ولا فرق في ذلك بين أن يكون «السلام» مقدما أو «عليكم».

وما يشاهد في بعض الناس حيث يقولون: سلام، فيجاب سلام، إنما هو مأخوذ من الآية الشريفة حيث قال سبحانه وتعالي: ?قَالُوا سَلاماً قَالَ سَلامٌ?() ولذا نري أنه واجب، وان لم يكن مقترناً بلفظ «عليك» أو «عليكم» مقدما أو مؤخراً..

البدء بالسلام

مسألة: لا ريب ولا إشكال في استحباب البدء بالسلام، وإفشائه بين الأنام، والظاهر أن المراد بالإفشاء: بين المؤمنين، لاالأعم منهم ومن الكافرين ومن أشبههم؛ لأنه المنصرف من الأخبار الكثيرة، مثل ما رواه الكليني في كتاب العشرة من الكافي، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله قال: «قال رسول الله صلي الله عليه و اله: السلام تطوع، والرد فريضة» ().

وفي رواية أخري: «من بدأ بالكلام قبل السلام فلا تجيبوه» ()..

وقال عليه السلام: «ابدؤوا بالسلام قبل الكلام، فمن بدأ بالكلام قبل السلام فلا تجيبوه» ().

وفي رواية ثالثة قال رسول الله صلي الله عليه و اله: «أولي الناس بالله وبرسوله من بدأ بالسلام» ().

وعن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام: «كان سلمان رحمة الله عليه يقول: أفشوا سلام الله، فان سلام الله لا ينال الظالمين» ().

وفي رواية عنه عليه السلام قال: «إن الله عزوجل يحب إفشاء السلام» ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «إن الله عزوجل قال: البخيل من يبخل بالسلام» ().

وعن ابن القدّاح عنه عليه السلام قال: «إذا سلّم أحدكم فليجهر بسلامه إلي أن قال: كان علي عليه السلام يقول:

لا تغضبوا ولا تغضبوا، أفشوا السلام» ().

وعن عبد الله سنان عنه عليه السلام قال: «البادئ بالسلام أولي بالله وبرسوله» ().

وعن الحسن ابن منذر قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: «من قال: السلام عليكم فهي عشر حسنات، ومن قال: السلام عليكم ورحمة الله فهي عشرون حسنة، ومن قال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فهي ثلاثون حسنة» ().

وعن هارون ابن خارجة عنه عليه السلام قال: «من التواضع أن تسلم علي من لقيت» ().

وعن علي بن الحسين عليه السلام في جملة مما عدها من أخلاق المؤمن قال: «وإنصاف الناس وابتدائه إياهم بالسلام عليهم» ()..

إلي غير ذلك.

ثم قوله (عليه الصلاة والسلام): «فلا تجيبوه»، كما في بعض الأحاديث السابقة لا يراد به النهي التحريمي بل نوع تأديب، ولايبعد أن يكون الجواب مكروهاً.

لا تشترط القربة

مسألة: لا يشترط في المسلّم ولا في المجيب أن يقصد القربة، وإن كان ثوابه متوقفاً عليها، وفي العلماء من اشترط ذلك، بل لو قصد الرياء أو العجب أو السمعة أو ما أشبه ذلك وجب الجواب، وإن كان عمله مكروهاً أو ما أشبه.

من الذي يسلّم

مسألة: ظاهر بعض الأخبار استحباب تسليم الصغير علي الكبير، والقليل علي الكثير، والواحد علي الجماعة، والراكب علي الماشي، والقائم علي القاعد، وأصحاب الخيل علي أصحاب البغال، وهم علي أصحاب الحمير..

فعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «القليل يبدؤون الكثير بالسلام، والراكب يبدأ الماشي، وأصحاب البغال يبدؤون أصحاب الحمير، وأصحاب الخيل يبدؤون أصحاب البغال» ().

وعن جراح المدائني عنه عليه السلام قال: «يسلم الصغير علي الكبير، والمار علي القاعد، والقليل علي الكثير» ().

وعن ابن القداح عنه عليه السلام قال: «يسلم الراكب علي الماشي، والقائم علي القاعد» ().

وعن ابن بكير عن بعض أصحابه، عنه عليه السلام قال: سمعته يقول: «يسلم الراكب علي الماشي، والماشي علي القاعد، وإذا لقيت جماعة جماعةً سلّم الأقل علي الأكثر، وإذا لقي واحد جماعة سلم الواحد علي الجماعة» ().

وهذا إنما يكون علي نحو الفضل، وإلا فالعكس جائز أيضاً..

ولعل من ذلك يستفاد: تسليم راكب السيارة والدرّاجة وما أشبه علي الجالس أو الماشي.

ولا يبعد أن يكون المستحب أن يسلم الرجل علي المرأة بالنسبة إلي المحارم..

وهكذا إذا أتي شخصٌ وكان الآخر نائماً أي مستلقياً أو قاعداً سلّم عليه.

السلام علي الكافر

السلام علي الكافر

مسألة: الظاهر جواز ابتداء الكافر بالسلام، للأصل، ولقوله سبحانه وتعالي: ?لا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ?().

ولخبر ابن الحجاج، قال: قلت لأبي الحسن موسي عليه السلام: إذا احتجت إلي الطبيب وهو نصراني اسلّم عليه وأدعو له؟ قال عليه السلام: «نعم، انه لا ينفعه دعائك» ().

وخبر أبي بصير قال: سئل أبو عبد الله عليه السلام عن الرجل يكون له الحاجة إلي المجوسي أو إلي اليهودي أو إلي النصراني أن يكون عاملاً أو دهقاناً من علماء أهل أرضه، فيكتب إليه الرجل

في الحاجة العظيمة، أيبدأ بالعلج ويسلم عليه في كتابه وإنما يصنع ذلك لكي تقضي حاجته؟

قال عليه السلام: «أما أن تبدأ به فلا» ().

والظاهر إنه علي سبيل الكراهة، فإن الابتداء باسم الكافر في الكتاب كما هو المتعارف ليس محرماً.

إلي قوله عليه السلام: «ولكن تسلم عليه في كتابك فإن رسول الله صلي الله عليه و اله قد كان يكتب إلي كسري وقيصر» ().

نعم، الظاهر في السلام علي الكافر الكراهة، لما رواه غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «قال أمير المؤمنين عليه السلام: لا تبتدئوا أهل الكتاب بالتسليم، فإذا سلّموا عليكم فقولوا وعليكم» ().

وعن أبي البختري في قرب الأسناد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن رسول الله صلي الله عليه و اله قال: «لا تبتدئوا أهل الكتاب بالسلام، وإن سلموا عليكم فقولوا عليكم، ولا تصافحوهم ولا تكنوهم إلا أن تضطروا إلي ذلك» ().

إلي غير ذلك، فان قرينة (لا تصافحوهم) و(لا تكنوهم) دليل علي الكراهة في السلام أيضاً.

وليس كذلك حال سائر التحيات، كما إذا قال له: «حيّيت» أو «عمت صباحاً» أو ما أشبه ذلك.

ومن ذلك في عدم الدليل علي الحرمة يفهم حكم التواضع والتحية بالرأس أو باليد أو ما أشبه.

وأهل الكتاب أعم من اليهودية والنصرانية والمجوسية، أما غير أهل الكتاب كالهندوسي وما أشبه فمن قال بالحرمة في أهل الكتاب قال بهم بطريق أولي، لكن الظاهر عدم الحرمة أيضاً كما نستظهر.

ومما يدل علي الكراهة لا الحرمة: ما ذكره السرائر عن الأصبغ قال: سمعت علياً عليه السلام يقول: «ستة لا ينبغي أن تسلم عليهم: اليهود والنصاري …» الحديث().

ولا فرق بين أن يكون الكافر طبيباً، أو معالجاً لأمر من الأمور، أو جاراً، أو صديقاً، أو ما أشبه

ذلك، لإطلاق الأدلة في الجواز، وقوله عليه السلام: «إلا أن تضطرّوا» المراد به الاضطرار العرفي لأنه المنصرف، لا الاضطرار الدقي الحقيقي، فانه مع الاضطرار لا كراهة أيضاً.

أما لو سلّم هو فلا دليل علي كراهة جوابه، إلا أن يقال: إنّ قوله عليه السلام: «فقولوا عليكم» دليل علي الكراهة..

ولما ورد من أن رسول الله صلي الله عليه و اله كان إذا سلم عليه اليهوديّ بقوله: السام عليك، أجاب ب (عليك) فقط()..

لكن لا دلالة فيه علي الحرمة، ولا علي الكراهة أيضاً، كما لم أر من حرم ذلك أو كرّهه.

وكيف كان، فإذا قال أهل الكتاب أو لهم: (السلام) أو (سلام) أو ما أشبه مما يتعارف، بعدم ذكر (عليك) وقد قال سبحانه: ?قَالُوا سَلاماً قَالَ سَلامٌ?().. فهل تشمله الكراهة؟ إن قلنا بالملاك مع فرض ثبوتها في الأصل فنعم.

أما المرتد بشروطه الذي ثبتت ردّته، كما ذكره الفقيه الهمداني رحمة الله عليه في انه إذا كان يرجع إلي تكذيب الرسول صلي الله عليه و اله.. فالظاهر أنه مثلهم، وربما يقال: بأنه أشد منهم، لأنه ليس بأهل الكتاب مع إنكاره الضروري الراجع إلي التكذيب.. والملاك يشمله.

في الأكثر من الواحد

مسألة: الظاهر الاستحباب أيضاً في الأكثر من واحد..

ثم إن الاستحباب كفائي بمعني الرخصة لا العزيمة فيما إذا سلّم الواحد علي الجماعة، وهكذا في ردّه حيث الوجوب كفائي في الرد، فقد روي عبد الرحمن ابن الحجاج عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «إذا سلّم الرجل من الجماعة أجزأ عنهم» ().

وعن غياث عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «إذا سلّم من القوم واحدٌ أجزأ عنهم، وإذا ردّ واحدٌ أجزأ عنهم» ().

وعن أبي بكير عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «إذا مرّت الجماعة بقوم

أجزأهم أن يسلم واحد منهم، وإذا سلم علي القوم وهم جماعة اجزأهم أن يرد واحد منهم» ().

وفي رواية أخري عن زيد بن أسلم أن رسول صلي الله عليه و اله قال: «ليسلم الراكب علي الماشي، فإذا سلم من القوم واحدٌ أجزأ عنهم» ().

ولا يخفي أن التعبير بالإجزاء إشارة إلي أنّ الاكتفاء بفعل الواحد رخصة فيشرّع للباقين أيضاً السلام، وكذلك إذا أجاب واحدٌ استحب للثاني والثالث والرابع وهكذا، كما يقتضيه عموم الأدلة..

فالمراد بكون استحبابه كفائياً كفاية فعل الواحد لإقامة السنة لاالسقوط رأساً، فالمراد بالإجزاء سقوط شدّة التأكيد، أو سقوط الوجوب، لا أصل الاستحباب.

ثم إن السقوط عن الجماعة إنما هو بردّ واحد منهم لا ردّ شخصٍ خارج عنهم، بل شمول السلام له أيضاً محل إشكال، فلايجب ولا يستحب عليه الرد.

ولا فرق بين أن تكون الجماعة رجالاً، أو نساءً، أو بالاختلاط.

كما انّ الوجوب لا فرق فيه بين أن يكون رجلاً عن الرجال، وامرأة عن النساء، ورجلاً أو امرأة عن الرجال أو عن النساء.

والخنثي سواء قلنا بأنه مشكلٌ أو غير مشكل، له ذلك الحكم.

والظاهر أنه لا فرق بين أن يكون المجيب عنهم صغيراً قبل البلوغ أو كبيراً.

نعم إذا كان سكراناً أو نائماً أو هازلاً أو ما أشبه ذلك، أشكل الكفاية..

بل اللازم في بعضهم القول بالعدم.

كما انه لو كان المسلم أحد هؤلاء لا يجب جوابه.

السلام علي الصبي

مسألة: الظاهر استحباب السلام علي الصبي والصبية المميزين.

والقول بالعدم لأن النصوص خاصة للبالغين غير ظاهر.

بل قوله تعالي: ?وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا?() يشمل غير البالغ أيضاً، ولذا تعارف السلام علي الصبيان أيضاً، كما هو مروي عن رسول الله صلي الله عليه و اله().

أما الرد منه، فالكلام في موضعين.

الأول: كفايته، والظاهر الكفاية، فإذا

سلّم علي جماعة وأحدهم صبي مميز فردّ فالظاهر الكفاية، لما عرفت من الاطلاق.

الثاني: وجوب الرد عليه() فربما يقال بالعدم من جهة عدم الاحكام علي غير البالغين، لكن ربما يقال الاحتياط في وجوب الرد عليه()، وللفقهاء كلمات مختلفة لكن لم أجد قول أحدهم بالوجوب، فان قوله عليه السلام: «عمد الصبي وخطأه واحد» () مطلق وكذا قوله عليه السلام الآخر: «عمد الصبيان خطأ» ()، والاطلاق يشمل ما نحن فيه فتأمل، وقوله عليه السلام بعد ذلك في الخبر الثاني «تحمله العاقلة» ليس قرينة مخصصة بل هو فردٌ من أفراد ذلك الكلي.

وليس كذلك المجنون فلا دليل علي استحباب السلام عليه، ولا دليل علي وجوب رده، بل السقوط فيها أظهر.

وإذا شككنا في وجوب الرد علي الصبي فيما إذا سلّم علي جماعةٍ، فالقول بعدم السقوط عن غيره محتمل بل الاحتياط يقتضي ذلك كما عرفت.

نعم لا إشكال في أنّ الصبي غير المميز لا يستحق السلام عليه، ولا يكفي رده في سقوطه، ولعل قوله عليه السلام: «مروهم بالصلاة وهم أبناء السبع» () دليل علي العدم في غير المميز، وان كان ميزان التمييز وعدمه ليس السبع..

أما استحباب الحج للصغير، فذلك خارج بالدليل.

فروع عشر

فروع عشر

مسألةٌ فيها فروع:

لو قال سلام

الأول: لو قال: (سلاماً) أو (سلامٌ)، فالظاهر وجوب الجواب، لأنه تحيةٌ، فيشملها: ? وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا?()..

و(سلاماً) منصوباً بتقدير ناصب.. و(سلامٌ) مرفوعاً بتقدير خبر.

وفي الآية الكريمة كما سبق: ?قَالُوا سَلاماً قَالَ سَلامٌ?()، والقول بأنه فيها إشارة إلي (السلام عليكم) غير ظاهر، فلا يقال لادليل فيها علي أنه (سلام).

لو فرّق حروف السلام

الثاني: لو فرّق حروف السلام، كما لو قال: (سين لام ميم)، لم يجب الجواب، لعدم صدق التحية عليه عرفاً، وإن كان عرف منه قصده السلام.

لو فرّق حروف الجواب

الثالث: وكذا لو فرق حروف الجواب كذلك،لم يكن جواباً.

لو لم يتلفظ ببعض الحروف

الرابع: لو تلفظ بعض الحروف دون بعض، لم يجب الجواب، وإن كان ذلك بعدم ذكر الميم، ولا فرق بينه كونه من جهة ضيق نَفَسه أو ما أشبه، أو لا، لأنه لم يصدق عليه التحية عرفاً.

التحية بغير العربية

الخامس: لو سلم بغير العربية، كما لو قال: (درود برشما) وهي تحية فارسية، لم يجب الجواب، لأن السلام ظاهر في العربية.

السلام بصوت منخفض

السادس: لو سلّم بصوت منخفض وعلم السامع بأنّه سلم عليه، لم يبعد وجوب الجواب احتياطاً، لأن?إذا حييتم? يشمله.

لو أشار بلفظ السلام

السابع: لو أشار بلفظ السلام، لم يجب الجواب، سواء كانت الإشارة بتحريك الشفة، أو باليد، أو بالرأس، أو ما أشبه ذلك، لعدم شمول ?إذا حييتم? له، أما إشارة الأخرس فهي كاللفظ.

كتابة السلام

الثامن: لو كتب السلام، أو أشعل مصباح السيارة الظاهرة في السلام فرضاً، لم يجب الجواب.

الجواب بالإشارة

التاسع: لا يكفي الجواب بالإشارة أو الكتابة أو الكهرباء كضوء مصباح السيارة، أو ما أشبه ذلك، لأنه لا يشمله قوله: ?فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا?()، إلا في إشارة الأخرس.

لو سلم بآلة

العاشر: لو أوجد السلام بالصوت لكن بدون كونه متكلماً، كما لو أحدثه بالمسجل أو ما أشبه ذلك، لم يجب الجواب لعدم الصدق.

فورية الجواب

مسألة: المشهور، بل ادعي عليه الإجماع: وجوب الجواب فوراً، وذلك لما علم من سيرة النبي صلي الله عليه و اله والأئمة عليهم السلام بل وأصحابهم والعلماء والمؤمنين إلي هذا اليوم علي المسارعة إلي الجواب..فإنها تكشف عن لزومها.

بالإضافة إلي أن لفظ الفاء في الآية المباركة، أي قوله تعالي: ?وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا?() دالة علي التعقيب بلا مهلة..

هذا بالإضافة إلي أنه المفهوم عرفاً من كلماتهم عليهم السلام بوجوب الجواب.

ولذا لو ترك الرد فوراً، وأخّره عصي وسقط، لأن المتيقن منها الفور فيه، ومن هنا وجب في الصلاة مع أنه من كلام الآدمي.

فما قيل: من أنه لو كان المسلّم حاضراً وجب عليه الردّ حتي مع التأخير، ولو غاب وذهب وجب الذهاب ليرد عليه الجواب، غير مشفوع بالدليل، بل الظاهر أنه لو أخر الجواب حتي مضت مدة لم يصدق عليه أنه جواب لا يشمله الدليل.

ولا يضر في الفورية أن يتكلم بكلام قليل أو دعاء يسير أو ما أشبه.

ولو سلّم عليه وهو مصلٍّ، وجب جوابه فوراً، كما يقتضيه النص والإجماع، فلو لم يجب حتي

انتهت الصلاة، فإن بقي الوقت عرفاً وجب وإلا سقط الوجوب.

لو سلّم اثنان علي اثنين

مسألة: إذا سلم اثنان علي اثنين، مثلاً: إذا سلّم زيدٌ وعمرٌ علي الجالسَين هذا أو هذا، ولم يعلم الجالس أن زيداً سلّم عليه أو عمراً، وانه من سلّم علي غيره؟ وجب عليه الجواب، ولا يلزم قصد المسلِّم بعينه، لأن جواباً واجبٌ عليه فيؤديه.

لو سلّم جماعة

مسألة: لو سلم جماعة كفي جوابٌ واحدٌ للجميع بصيغة (عليكم)، أو (عليك) قاصداً كل واحدٍ علي سبيل البدل، من غير فرق بين أن يكون من سلّم مذكراً أو مؤنثاً أو بالاختلاف.

لو لم يعلم بأنه المقصود

مسألة: لو لم يعلم الجالس مع غيره بأنه المقصود وأن السلام كان موجهاً إليه أو إلي الغير، لم يجب الجواب.

لو سلّم الطفل أو المجنون..

مسألة: لو سلّم الطفل أو المجنون أو النائم أو السكران أو الكافر لم يجب الجواب، هذا بالنسبة إلي الطفل غير المميز..

أما الطفل المميز فقد سبق وجوب جوابه.

لو شك في السلام

لو لم يعلم أن المسلّم قال: «السلام» أو قال: «السام»، والسام في اللغة الموت() كما كان اليهود يقولون ذلك لرسول الله صلي الله عليه و اله() لم يجب الجواب، لأن الجواب إنما يجب إذا تحقق السلام ولم يعرف تحققه.

سلام الراديو

مسألة: لا يجب الجواب للسلام في الراديو والتلفاز والإنترنت والكتاب وما أشبه ذلك.

إسماع الجواب

مسألة: لو سلّم وأجاب، لكن المجيب لم يعلم هل أن المسلّم سمع الجواب أو لم يسمعه، لم يكف، لأن المنصرف من الجواب، الجواب الذي يسمعه المسلّم، فيجب عليه تكرار الجواب.

الإسماع التقديري

مسألة: المشهور أنه يجب علي المجيب إسماع المسلّم، تحقيقاً أو تقديراً إذا لم يكن محذور، والمحذور كما إذا كانت امرأة وكان صوتها مثيراً بالنسبة إلي الرجل السامع.

ومرادهم بالتقدير في كلامهم رفع الصوت به علي الحد المتعارف بحيث لو لم يكن مانع من السماع لسمعه، مثلاً إذا كان أصم، أو بعيداً جداً، أو كان الضوضاء، أو سلّم ومشي سريعاً بحيث لا يسمع الصوت أصلاً أو كان بحيث يحتاج إسماعه إلي المبالغة في رفع الصوت، أو نحو ذلك، كفي الجواب علي النحو المتعارف بحيث لو لم يكن محذور في هذا الجانب أو ذاك لسمعه.

ووجه الوجوب في عدم المحذور: عدم صدق التحية والرد عرفاً بدون الإسماع الموجب للجهر بالجواب علي النحو الذي ذكرناه.

ومن ذلك يعرف: أن اللازم التحقيقي إن أمكن، وإلا فالتقديري.

وفي رواية ابن القداح عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «إذا سلّم أحدكم فليجهر بسلامه، ولا يقول سلّمت فلم يردّوا عليّ، ولعلّه يكون قد سلّم ولم يسمعهم، فإذا رد أحدكم فليجهر بردّه ولا يقول المسلم سلمت فلم يردّوا عليّ، ثم قال عليه السلام: كان علي عليه السلام يقول: لاتَغضَبوا ولا تُغضِبوا، أفشوا السلام، وأطيبوا الكلام، وصلّوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام، ثم تلا عليهم قوله تعالي: ?السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ?()» ().

وعن عبد الله الفضل انه قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن معني التسليم في الصلاة؟ فقال: «التسليم علامة الأمن، وتحليل الصلاة»، قلت: وكيف ذلك جعلت فداك؟ قال: «كان الناس فيما مضي إذا سلّم عليهم

وارد أمنوا شرّه، وكانوا إذا ردّوا عليه أمن شرهم، وإذا لم يسلّم عليهم لم يأمنوه، وإذا لم يردّوا عليه لم يأمنهم، وذلك خلق في العرب …» () الخبر.

الجواب المباشر

مسألة: لا يجب أن يكون الجواب المسموع بلفظه المباشر بل يجوز إذا سمعه بالآلة مع تلفظه، كما إذا سلم هو وأجاب المجيب خلف المكبرة مثلاً.

لا يكفي العلم بالجواب

مسألة: الظاهر أنه لا يكفي العلم بالجواب إذا لم يسمع الجواب كما سبق لأن المنصرف سماع الجواب.

الاخفات المسموع

مسألة: لا يجب أن يكون الجواب بالجهر، بل يجوز بإخفات يسمعه.

إذا شك في المقصود

مسألة: إذا كان المجيب لا يعرف إنّ المسلم سلم عليه أو لم يسلم، لم يجب الجواب.

نعم إذا قال: السلام عليك يا فلان، كان كلامه قرينةٌ علي كون السلام علي فلان، فلا يصح أن يقول لم أعرف أنه سلم عليّ أو لم يسلم.

السلام باخفات

مسألة: لو انشأ السلام باخفات بحيث علم الطرف به لكنه لم يسمعه لا لمحذور، بل لإخفاته، لم يصدق عليه أنه حيّاه، فلا يجب الجواب.

السلام بالواسطة

مسألة: الظاهر عدم وجوب الجواب إذا لم يكن السلام مباشرة بل كان بواسطة إنسان آخر أو آلة أو حيوانٍ أو ما أشبه ذلك.

وذلك للانصراف..

ولا يدل علي الوجوب خبر أبي كهمس قال: قلت للصادق عليه السلام: عبد الله بن أبي يعفور يقرؤك السلام، فقال عليه السلام: وعليك وعليه السلام، إذا أتيت عبد الله فاقرأه السلام» ().

وما ورد من إبلاغ جابر رحمة الله عليه السلام للإمام الباقر عليه السلام عن رسول الله صلي الله عليه و اله وجوابه عليه السلام لسلامه صلي الله عليه و اله().

الضمائر وما أشبه

مسألة: الظاهر عدم كفاية الضمير واسم الاشارة والموصول في السلام والجواب، فيلزم أن يكون السلام صريحاً، لا بمثل هو أو هي أو الذي أو التي أو هذا أو ما أشبه ذلك إشارة إلي السلام، فيقول: (هو عليك) أو (هذا عليك).

السلام منك أو لك

مسألة: ربما يقال بعدم كفاية (السلام لك) أو (منك) أو ما أشبه ذلك، بل اللازم أن يقول (سلام عليك) أو (سلام عليكم) أو بتقدير (علي) علي ما سبق، فتأمل.

وإنما جيء ب (علي) مكان (اللام) إشارة إلي الإفاضة عليه من رأسه إلي رجله.

لو قال عليك

مسألة: لو قال المسلم: «عليك» فقط بلا لفظ السلام، لم يجب الجواب.

الجواب قبل السلام

مسألة: لم ينفع الجواب قبل السلام بقصده، فإذا قال المجيب: (عليكم السلام) في مقام الجواب قاصداً سلامه المتأخر، ثم قال المسلم: (السلام عليك) أو (عليكم) أو ما أشبه، لم يعد الجواب السابق جواباً، بل عليه أن يجيب بعد السلام.

لو قال السلام حكاية

مسألة: لو قال المسلِّم: (فلانٌ يقول: عليك السلام)، أو (يقول: عليكم السلام) أو ما أشبه ذلك، وإن كان كلامه بلفظ فلان حكايةً عن نفسه، كما إذا كان المسلِّم اسمه زيد، فقال: (زيدٌ يقول السلام عليك)، أو (يقول السلام عليكم)، فالظاهر أنه ليس بسلام يوجب الجواب، بل هو أقرب إلي الحكاية والإخبار من الإنشاء المعتبر في السلام الذي يحتاج إلي الجواب.

إعراب السلام

مسألة: لو رفع أو نصب أو جرّ أو جزم (السلام) أو (سلام) كفي أن يكون سلاماً، فيجب جوابه، سواءٌ تلفظه بتقدير صحيح أو بتقدير غير صحيح.

وكذا لو أجاب فرفع أو نصب أو جرّ أو جزم.

السلامة بدل السلام

مسألة: لو قال المسلم: «سلامة عليك» بالتاء، لم يكن سلاماً موجباً للزوم الجواب، وكذا لو أجاب بها.

لو قال ألف سلام

مسألة: لو قال: «ألف سلام عليك»، وجب الجواب، لأنه منه عرفاً، ولفظ (ألف) لا يضر به.

السلام ومتعلقاته

مسألة: لو قال: «السلام عليك من الآن إلي غد»، أو (إلي دهرٍ)، أو ما أشبه ذلك، أو قال: (السلام من البارحة إلي اليوم)، أو نحوه، وجب الجواب، والمتعلقات لا تضر بكونه تحيّة مشمولة لقوله سبحانه: ?وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا?().

الجواب بالمتعلق فقط

مسألة: لو سلّم المسلّم، فأجاب المجيب بمتعلق السلام فقط، فهل يكفي أو لا؟

احتمالان: الكفاية، لأنه جوابٌ.

وعدم الكفاية لأنه ليس صيغة واردة من الشرع، مثل ما إذا قال: «سلام عليكم»، فقال المجيب: «وعليك» أو «وعليكم» وعدم الكفاية أحوط.

السلام المحرّم

مسألة: لو حَرُمَ السلام لجهة، كأن قصد الرياء أو السمعة أو كان مقترناً بالعجب وقلنا بحرمته كذلك..

أو كان المسلم مصلياً يوجب بطلان صلاته الواجبة..

أو كان الكلام حراماً من جهةٍ خارجية كمعرفة القاتل انه هنا فيقتله..

أو كانت امرأة تخضع بالقول في السلام..

لم يبعد وجوب الرد، لصدق التحية، وعدم الخروج بذلك عن عموم الأدلة.

واحتمال أن الحرمة فيه رافعة لوجوب الجواب غير وجيه، فاحتمال انصراف السلام في حكم الرد، للسلام السائغ شرعاً غير ظاهر.

وربما قيل بأن الواجب عليه الرد بإخفات ولكنه أيضاً غير وجيه.

لو أخرّ الجواب

مسألة: لو أخر الجواب بما فات وقته فالظاهر عدم الوجوب كما سبق، ولا يكون مثل «من فاتته صلاة فليقضها كما فاتته» ()، لعدم الصدق حينئذ، ودليل القضاء لا يشمله وهو منصرف عنه..

من غير فرق بين أن يقبل المسلِّم بالقضاء أو لم يقبل.

لو سلّم وأسلم

مسألة: لو سلّم الكافر علي المسلم قبل إسلامه فأسلم فوراً، لم يستبعد وجوب جوابه علي تأمل.

لو قال سلّمت

مسألة: لو قال المسلّم: (إني سلّمت عليك)، لكن الراد لم يسمع، فاطمئنّ بسلامه وجب جوابه مع بقاء الوقت.

وكذا لو شهد اثنان بتسليمه وجب الجواب، والواحد الثقة أيضا إذا أوجب الاطمئنان.

التقية في الجواب

مسألة: لو كان الجواب خلاف التقية فالظاهر عدم وجوبه، لاوجوب الجواب خفية، لأن الدليل لا يشمله.

الرد بالعربية

مسألة: لو لم يعرف الجواب بلغة العرب، بأن كانت لغته غيرها، فالظاهر عدم الوجوب بتلك اللغة.

سلام الطائر المعلّم

مسألة: لو سلم طائر معلّم مثلاً، أو حيوان كذلك، لم يجب الجواب.

التحيات الأخري

مسألة: المشهور، بل ادعي عليه الإجماع: عدم وجوب رد غير السلام من سائر التحيات العرفية، مثل: «صبحك الله» أو «مساك الله» أو «أنعم صباحاً» أو «أمان الله عليك» أو «ادخلوها بسلام» أو نحو ذلك، لأن الروايات فسرت الآية الكريمة بالسلام.

وفي رواية محمد بن مسلم قال: دخلت علي أبي جعفر عليه السلام وهو في الصلاة، فقلت: (السلام عليك).

فقال: (السلام عليك).

قلت: كيف أصبحت؟

فسكت.

فلما انصرف قلت: أيرد السلام وهو في الصلاة؟

فقال: «نعم مثل ما قيل له» ().

فإن الإمام عليه السلام لم يجب إلا السلام مع أن «كيف أصبحت» نوع من التحية، فإن سكوت الإمام عليه السلام يكشف عن عدم وجوب رده وإلا أجاب عنه أيضاً كما أجاب عن السلام.

هذا بالإضافة إلي أن المشهور بل كاد أن يكون إجماعاً عدم وجوب رد مثل: «صبحكم الله» أو «مساكم الله» أو ما أشبه ذلك وإنما يرون الرد مستحسناً.

ثم انه إذا قال المحيّي لمن في الصلاة: «حفظك الله» أو «سلمك الله» لم يجز جوابه، فانه يعد من كلام الآدميين، وإنما يصح في غير كلام الآدميين.

ففي صحيح ابن مهزيار قال: (سألت أبا جعفر عليه السلام عن الرجل يتكلم في صلاة الفريضة بكل شيء يناجي ربه، قال: نعم) () وهذا ليس من ذلك.

وفي رواية حماد عن أبي عبد الله عليه السلام انه قال:

«كلما كلمت الله به في صلاة الفريضة فلا بأس وليس بكلام» ().

وفي رواية أخري عن أبي جعفر الثاني عليه السلام قال: «لا بأس أن يتكلم الرجل في صلاة الفريضة بكل شيء يناجي ربه عزوجل» ().

وفي رواية أخري عن الصادق عليه السلام قال: «كل ما ناجيت به ربك في الصلاة فليس

بكلام» ().

وليس المراد المناجاة التي هي خفية بل هو أعم ولو بالملاك.

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «كلما ذكرت الله عزوجل به والنبي صلي الله عليه و اله فهو من الصلاة» () إلي غير ذلك.

وذكر النبي صلي الله عليه و اله دليل علي ذكر الأئمة عليهم السلام وفاطمة الزهراء عليها السلام بالملاك، فإذا قال: «اللهم ارحم محمداً» أو «اللهم ارحم الإمام المهدي عليه السلام» أو «اللهم عجل فرجه» أو «صلّ اللهم علي فاطمة الزهراء» أو ما أشبه ذلك، لم يكن من كلام الآدميين وهو في الصلاة.

ولا يلزم فيما ذكرنا أن يكون إنشاءً بل الخبر أيضاً كذلك، مثل «لعن الله الذين حاربوا آل محمد» أو ما أشبه ذلك، بقصد الإخبار.

مطابقة الجواب

مسألة: لو قال في الجواب لواحد: «عليكما» أو قال واحداً () للاثنين، كما إذا سلّما عليه فقال لهما: «عليك» أو لجماعة كذلك، أو قال: «عليك» بالكسر للمذكر، أو بالفتح للمؤنث، أو قال «عليكن» للفرد أو الفردين، وهو يعرف المعني وقصده لم يكن تحيّة فيجب الجواب.

وكذا لو قال في الجواب: «السلام عليّ» مخاطباً الطرف،لم يكن سلاماً عليه ولا جواباً..

وكذلك لو قال: «السلام علينا».

فروع

مسألة: لو قال «أم سلام» عوض «السلام» فالظاهر أنه ليس بسلام وان كان لغة طي، كما ينقل عنهم().

مسألة: لو قال: (سلام فلان عليك)، لم يكن الجواب واجباً كما سبق سواءٌ كان فلان سلم عليه أو لم يسلم.

مسألة: لو قال: «السلام ورحمة الله عليك» وجب الجواب لأن فاصل «رحمة الله» بين (السلام) وبين (عليك) لا يضر.

مسألة: لو سلّم قائلاً: (السلام علي أخيك)، أو (علي أبيك)، أو (علي ابنك)، أو ما أشبه ذلك، لم يكن سلاماً عليه، كما لم يجب الجواب علي ذلك الغائب، أما إذا

كان حاضراً فالظاهر لزوم الجواب.

مسألة: لو قال: «لا عليك السلام» لم يجب كل ذلك، لأنه ليس بتحية واردةٍ في الشرع.

تقديم الظرف

مسألة: الظاهر صحة أن يقدم الظرف علي السلام فيقول: «عليك، أو عليكم، أو عليكما، السلام» وكذلك بالنسبة إلي المرأة يقول لها: «عليكِ السلام».

ويؤيده بالإضافة إلي أنه تحية عرفاً وسلام كذلك، ما رواه عمار الساباطي:

إنه سأل أبا عبد الله عليه السلام: عن النساء كيف يسلمن إذا دخلن علي القوم؟

قال: «المرأة تقول: عليكم السلام، والرجل يقول: السلام عليكم» ().

فإنه يدل علي صحة هذا الاستعمال بتقديم الظرف علي المظروف.

وأما الاختصاص بالمرأة، فمن جهة استحباب الفرق بين الرجل والمرأة، لا أنه لخصوصية أن لها تحية خاصة دونه، فبذلك يعرف أنه لا يقال باختصاص التحية بالتقديم.

أما ما رواه العامة عن النبي صلي الله عليه و اله انه قال لمن قال له: «عليك السلام يا رسول الله»، لا تقل: (عليك السلام) فان عليك السلام تحية الموتي ().

فهذه الرواية بالاضافة إلي أن سندها غير معتبر لا يمكن أن يقاوم الاطلاقات كما ذكر، مضافا إلي الرواية الخاصة التي نقلناها، ولذا قال بعض الفقهاء: الظاهر عدم الفرق بين تقديم الظرف أو تأخيره في صدق اسم التحية ووجوب ردها علي ما يقتضيه إطلاق الدليل، بل وكذلك إذا توسط السلام بين «عليك» و «السلام» بأن جاء ب (عليك) مرتين، مرة مقدماً ومرةً مؤخراً، فقال: «عليك السلام عليك».

بل قد عرفت ما ذكرناه سابقاً من أن «السلام» وحده كاف، مع أل أو بدونها.

الخطأ في الإعراب

مسألة: لو غلط في السلام إعراباً أو بناءً، وجب الرد، وكذا لو غلط في الرد لم يحتج إلي ردٍ ثان.

التفريق بين الأحرف

مسألة: لو فرق بفاصل بين السين واللام، أو اللام والميم، لم يجب الجواب إذا لم يصدق عليه التحية العرفية، ولو صدقت التحية تدقيقاً، لأن الكلام منصرف إلي المتعارف.

لو زعم السلام

مسألة: لو قال: «سلام عليك» جواباً بتصور أنّ فلاناً سلّم عليه ولم يكن قد سلّم عليه، لم يجب جوابه.

لو سلم بغير العربية

مسألة: لو سلّم بغير العربية، بان كانت التحية بالفارسية أو الهندية أو الأردية أو التركية أو ما أشبه ذلك، لم يجب الجواب.

ولو أجاب بغير العربية للسلام العربي لم يكن جواباً.

الخطأ في التطبيق

مسألة: لو سلّم واحدٌ فظنه اثنين، فأجاب ب «عليكما» كفي، ولو سلّم اثنان فزعم أن المسلم واحد، كفي جوابٌ واحد، فتأمل.

لو غلط في السلام

ولو قال: (السلام) غلطاً، لم يجب الجواب، بأن قال: «السام عليك» بدل (السلام عليك)، نعم إذا كان حاذفاً اللام لعدم إمكان تلفظه أو استعجاله أو ما أشبه ذلك صدق انه سلّم عليه فيجب الجواب.

ولو سلم غلطاً بالشين، فهل يجب الجواب أو لا، الاحتياط في الجواب وان كان الظاهر أنه غير لازم.

لا تجب المشافهة

مسألة: لا يجب في لزوم الجواب المشافهة، بل لو سلم خلفه أو من جانبه أو ما أشبه ذلك وجب الجواب.

الفصل بين السلام وجوابه

مسألة: لو فصل الزمان بين السلام والجواب بما لا يتعارف مما لا يوجب اتصال الجواب بالسلام، لا يجب الجواب ولا القضاء كما سبق، ولو تكلم ثم أجاب كفي إذا عدّ جواباً له.

سلام المرأة والسلام عليها

مسألة: سلام المرأة والسلام عليها، مثل سلام الرجل والسلام عليه.

والفرق في فتح الكاف وكسرها في الرجل وفي المرأة، وذلك من باب الفارق اللغوي بينهما، كما فرّق بينهما في شيء من الخلقة وفي درجات عقله وعاطفتها، وخشونته ولطافتها، جسماً وروحاً، كما ثبت ذلك علمياً، لأن وظيفتها غير وظيفته في بعض الموارد.

فهي تدير الرجل، مضافاً إلي الحمل والولادة، وليس الرجل كذلك، وليس هذا نقصاً للمرأة كما بيناه في بعض كتبنا، قال تعالي: ?مَا تَرَي فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ?().

وقال سبحانه: ?وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ?()، إلاّ في بعض الموارد الجزئية، وذلك حسب مصلحتها ومصلحته، ولمقتضي الخلقة التي خلقت وخلق، وفقاً للمشيئة الألهية الحكيمة.

وإلا فقد ذكرنا في (الفقه): إن الأصل هو تساويها مع الرجل في كل شيء إلا فيما خرج بالدليل.

وهذا ما نراه في الواقع الخارجي، حيث إنها لا تساوي الرجل في المستثنيات، ففي البلاد الشيوعية والغربية التي تدعي بعدم الفرق بينهما، لا تظهر المرأة إلي الرئاسة ولا إلي الوزارة ولا إلي مجلس

النواب أو ما أشبه إلا قليلاً جدّاً، مع انهم لا يفرقون بين الرجل وبين المرأة في شيء حسب ادعائهم، ومع أن المرأة لا تقل عدداً عن الرجل في المجتمع بل قد تزيد عليه.

أما حديث: «المرأة شرّ كلها وشرّ ما فيها أنها لابد منها» ()، فلا يبعد أن يكون اللام فيها للعهد لا للنوع والجنس، إشارةً إلي تلك المرأة التي حاربت أمير المؤمنين عليه السلام، فقد كانت شراً في منطقها لأنها كانت تجعل الحديث عن رسول الله صلي الله عليه و اله، وشرّاً في حركاتها وسكناتها لأنها كانت تحرض علي الحرب وتمارسها وتثير الفتن، إلي غير ذلك.

وإلا فقد مدح الله المرأة في كتابه العزيز قائلاً:

?فتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ?()، فإنه يشمل المرأة كما يشمل الرجل.

مضافاً إلي ما ورد من مدح حب النساء والحث عليه، كما في روايات الوسائل باب النكاح وغيره().

وكذلك حديث: ناقصات الايمان والعقول والحظوظ()، فانه إشارة للمرأة المعهودة، لا للنوع أو الجنس أو ما أشبه.

وإلا فقد سبق: ?مَا تَرَي فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ?().

وقد قال البعض: إن أمير المؤمنين عليه السلام قال هذه الكلمة بعد قصّة البصرة، وإلا فكيف يقصد الإمام علي عليه السلام بهذا الكلام نوع المرأة أو جنسها وهو القائل: «المرأة ريحانة وليست بقهرمانة» ().

مضافاً إلي ووضوح أنها ليست بناقصة.. وقد خلق الله كل شيء بالحكمة والمصلحة، فلو قلنا بنقصها كان نقصاً في خلق الله، سبحانه وتعالي عن ذلك.

ثم عدم كمال النساء في العقل في أن شهادتها علي النصف، لايكون علي إطلاقه، ولذا تسمع اعترافها بالوصية واحدةً كانت أو اثنتين أو أكثر، ومع ذلك فقد قال سبحانه: ?أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَي?().

والنقص بالإيمان لتركها الصلاة لا يكون نقصاً بالمعني الحقيقي، بل هو

تعبير مجازي، لأن الترك هناك من باب الحكمة، فإن كثرة تكاليفها أوجبت التخفيف رعاية لها أيام العادة وما أشبه.

أما الحظ في الإرث، فلأن تكليف المال علي الرجل دونها، بنتاً وأماً وزوجةً، لوجوب نفقتها علي الأب، وعلي الولد، وعلي الزوج، ولذا كانت ديتها النصف، فإنها قيمة اقتصادية لا قيمة إنسانية، وإلا فلا فرق بينها وبين الرجل في قوله تعالي: ?إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ?()..

وقد وردت آيات عديدة وروايات كثيرة تذكرهما بالتساوي، قال سبحانه: ?إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً?().

والبحث في هذا الباب طويل ليس محله هنا، وإنما أشرنا إليه في الجملة، للفرق اللغوي في السلام الذي هو موضوع هذا الكتاب، والله سبحانه المستعان.

استطراد

واستطراداً نقول:

إن الكلمة التي نسبوها إلي الإمام أمير المؤمنين عليه السلام بأنه قال: «لا تزوجوا الحسن فإنه مطلاق»، الظاهر عدم صدورها عنه عليه السلام، بل صدرت عن الراوي تقيةً منسوبة إلي الإمام عليه السلام فالكلام للناقل لهذا الحديث، وان ذكر في الكافي الشريف().

ويشهد له مضافا إلي التاريخ: عصمة الإمام الحسن عليه السلام، ثم إن أمير المؤمنين علياً عليه السلام لو لم يرد زواجه كان ينهاه بنفسه، لا أن يقول للناس: لا تزوجوه، فإن الإمام الحسن عليه السلام كان يمتثل أمر والده قطعاً..

والظاهر أن المنصور الدوانيقي هو الذي كان يتهم الإمام الحسن عليه السلام بذلك، لأن أولاد الإمام الحسن عليه السلام كانوا يحاربونه ويثورون ضد سلطانه الجائر، في قصص مشهورة في التاريخ، وكلام الراوي صدر في ذلك التاريخ نقلاً عن أمير المؤمنين علي عليه السلام كما يجده المتتبع.

إلي غير ذلك

من القرائن..

ثم من كانت زوجات الإمام الحسن عليه السلام الذين اتهم بطلاقهن فانه لا أثر لهن في كل التواريخ، وإنما تزوج الإمام الحسن عليه السلام بعدد معدود محدود كما تزوج أمير المؤمنين علي عليه السلام قبله بعدد كذلك، وهكذا كان رسول الله صلي الله عليه و اله وكان الإمام الحسين عليه السلام، وكان من المتعارف في ذلك الزمان التزوج بعدة نساء، مضافاً إلي انهم عليهم السلام كانوا يتبعون في كل أمورهم المصلحة الإلهية، قال تعالي: ?وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَي إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحَي?().

والكلام في هذا الباب طويل وانما ذكرناه تلميعاً لا تفصيلاً، والتفصيل في محله.

لو سلم علي المصلي

مسألة: لو سلّم علي المصلي بلفظ (سلام) بدون الألف واللام، أو (السلام) بدون ذكر الظرف، مقدماً أو مؤخراً، وجب رده.

وكذلك لو سلم علي غير المصلي وصدق التحية، قال سبحانه: ?قَالُوا سَلاماً قَالَ سَلامٌ?().

أما أن تكون الآية إشارة إلي تسليمهم وجوابهم تسليماً وجواباً كاملين فهو خلاف الظاهر كما سبق.

لو لم يعلم المصلي بانه المقصود

مسألة: لو كان المصلي بين جماعة أو كانت الجماعة مخفيةً له لظلام أو ما أشبه ذلك، فسلّم أحد، فلم يعلم المصلي هل سلّم عليه أو علي غيره، فالظاهر عدم وجوب الجواب عليه، لأصالة عدم توجه التكليف إليه، ولأصل البراءة، أما قول بعض بأنه يحتاط بالجواب القرآني أو بقصد الدعاء، فلم يظهر وجهه.

إذا لحن في السلام

مسألة: إذا سلم بالملحون، كما قال: «السلامٌ عليكم» بالتنوين، أو «عليكن» بالنون، فالظاهر وجوب الرد لصدق التحية..

كما يصدق القرآن علي القرآن الذي قرأه بالملحون، لحناً لايخرجه عن اسم التحية أو عن اسم القرآن أو عن اسم الدعاء، وان كان غلطاً فضيعاً في اللغة أو في الإعراب أو ما أشبه ذلك.

كما قد يُقرأ (وتجرّأت بجهلي) و(سكنت إلي قديم ذكرك) بالفتح، وهذا كله متعارف عند العوام الذين لا يعرفون الجوهر أو الإعراب أو البناء.

أما إذا لم يصدق التحية عرفاً، كما إذا قال: «سرام» بالراء أو «سلوم» بالواو أو نحوهما، وشك في وجوب الرد فالأصل عدم وجوبه، إلا أن يصدق التحية عليه من جهة تعارف عدّه سلاماً عرفاً وان لم يكن صحيحاً لغة أو إعراباً أو بناءً.

والحاصل: المعيار صدق التحية وعدم صدقه، من غير فرق في وجوب الرد بين أن يكون المسلّم خارج الصلاة علي المصلي أو خارجه علي غيره.

والظاهر أن الرد يلزم أن يكون صحيحاً لمن يعرفه ويقدر عليه حتي إذا لم يكن

السلام كذلك. فإذا قال «سرام» بالراء، وكان عرفاً تحية فرضاً، لا يجيب «عليكم الرام» بالراء.

السلام في الهاتف وما أشبه

مسألة: الظاهر وجوب رد السلام في التلفون أيضاً.

أما في التلكراف وهو مثل رد جواب الكتاب، فانه وإن أوجبه بعض تبعاً لصحيح عبد الله بن سنان المروي في الكافي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «رد جواب الكتاب واجب كوجوب رد السلام، والبادئ بالسلام أولي بالله وبرسوله» ()..

لكن المشهور لم يقولوا به، وعليه جرت العادة فلو كان رد جواب الكتاب واجباً في الشريعة لصار متعارفاً عند المتشرعة لعموم الابتلاء، ولم يكن بناؤهم علي الوجوب، ولذا كثيراً ما يكتب إليهم ولا يردون الجواب لا كتابة في الكتابة ولا لفظاً، فالخبر الشريف يحمل علي بعض مراتب الاستحباب.

وقد قال في الجواهر: إنه لا يخرج بهذا الخبر عن السيرة القطعية، فالمراد بالوجوب بحسب الظاهر تأكد طلبه علي وجه لاينبغي مخالفته لا الوجوب بمعناه المصطلح.

أقول: أما الإشكال في وجوب رد التلفون بأن الصوت يبدل إلي القوة، والقوة تبدل إلي الصوت، وذلك يسبب عدم معلومية وجوب الجواب، فإنه غير ظاهر، لأن الأدلة تشمله، فإنها تحية عرفاً والدقة في الكيفية لا تخرج الأمر من إطلاق الدليل.

لو سلم عدة مرات

مسألة: إذا سلم المسلّم عدة مرات، كما إذا قال: «السلام عليكم، السلام عليكم، السلام عليكم»، فالظاهر عدم وجوب التكرار في الجواب، وإنما يكفي الجواب الواحد.

نعم لو سلم مكرّراً، وأجاب بعد كل سلام، وجب الجواب الثاني والثالث أيضا، إذا لم يعد استهزاءً ونحوه، ولم يناف الفورية.

وإذا قصد المسلِّم بالسلام الثاني تأكيد السلام الأول لم يجب الجواب.

سلام الاستيذان ونحوه

مسألة: إن السلام المتعارف هو سلام التحية لا سلام الاستيذان أو الوداع، فإن الدليل منصرف عنهما، فلذا لم يكن متعارفاً عند المسلِّم استيذاناً أو وداعاً الجواب.

ويدل علي ذلك روايات:

مثل ما عن الصدوق رحمة الله عليه عن أمير المؤمنين عليه السلام إنه قال لرجل من بني سعد: ألا حدثك عني وعن فاطمة الزهراء عليها السلام، إنها كانت عندي فاستقت بالقربة حتي أثر في صدرها، وطحنت بالرحي حتي مجلت يداها، وكسحت البيت حتي اغبرت ثيابها، وأوقدت تحت القدر حتي ركنت ثيابها، فأصابها من ذلك ضرر شديد، فقلت لها: لو أتيت أباك فسألته خادماً يكفيك حرّ ما أنت فيه من هذا العمل.

فأتت النبي صلي الله عليه و اله فوجدت عنده حداثاً فاستحيت وانصرفت.

فعلم رسول الله صلي الله عليه و اله أنها قد جاءت لحاجة، فغدا علينا ونحن في لحافنا، فقال: السلام عليكم.

فسكتنا واستحيينا لمكاننا..

ثم قال: السلام عليكم.

فسكتنا.

ثم قال: السلام عليكم.

فخشينا إن لم نرد عليه أن ينصرف، وقد كان يفعل ذلك فيسلم ثلاثاً فان أذن له وإلا انصرف، فقلت: وعليك السلام يا رسول الله.

فدخل صلي الله عليه و اله وجلس عند رؤوسنا وقال: يا فاطمة ما كانت حاجتك أمس من محمد.

فخشيت إن لم أجبه أن يقوم فأخرجت رأسي فقلت: أنا والله أخبرك يا رسول الله، إنها استقت بالقربة حتي أثر في صدرها، وجرت بالرحي

حتي مجلت يداها، وكسحت البيت حتي اغبرت ثيابها، وأوقدت تحت القدر حتي دكنت ثيابها، فقلت لها: لو أتيت أباك فسألته خادماً يكفيك حرّ ما أنت فيه من هذا العمل.

قال صلي الله عليه و اله: أفلا أعلمكما ما هو خير لكما من الخادم، إذا أخذتما منامكما فكبرا أربعاً وثلاثين تكبيرة، وسبّحا ثلاثاً وثلاثين تسبيحة، واحمدا ثلاثاً وثلاثين تحميدة.

فأخرجت فاطمة عليها السلام رأسها وقالت: قد رضيت عن الله وعن رسوله، رضيت عن الله وعن رسوله» ().

وفي خبر آخر: إن رسول الله صلي الله عليه و اله قال للجارية: مري بين يدي ودلّيني علي أهلك، وجاء رسول الله صلي الله عليه و اله حتي وقف علي باب دارهم وقال: السلام عليكم يا أهل الدار.

فلم يجيبوه.

فأعاد عليهم السلام فلم يجيبوه.

فأعاد السلام، فقالوا: وعليك السلام يا رسول الله ورحمة الله وبركاته..

فقال: ما لكم تركتم إجابتي في أول السلام والثاني؟

قالوا: يا رسول الله سمعنا سلامك فأحببنا أن نستكثر منه» () الحديث.

وظاهر الحديث الثاني أنه أراد رسول الله صلي الله عليه و اله جوابهم في الكلام لا جوابهم في السلام.

ولا يخفي إن عدم إعطائه صلي الله عليه و اله الجارية لابنته عليها السلام ما كان زهداً فيها (صلوات الله عليها)، فإنهم كانوا أسوة ومثالاً للزهد في الدنيا، والجهاد في سبيل الله، منذ أول البعثة وإلي آخر يوم، فكانوا يقتصرون علي أقل الواجبات مهما أمكن، فكانوا يجوعون في سبيل الله، كما في قصص متعددة وردت في تاريخ رسول الله صلي الله عليه و اله وأمير المؤمنين علي عليه السلام وفاطمة عليها السلام والحسن والحسين ?، فكان همهم جميعاً تقديم الإسلام بأي وجه ممكن، ولذا تزوج رسول الله صلي الله عليه و اله بامرأة

غير بكر، وتزوج الإمام الحسن عليه السلام بالجعدة بنت الأشعث، إلي غير ذلك من القصص المتواترة في هذا الصدد..

وبهذا يجاب عمن يستشكل بأن أمير المؤمنين علياً عليه السلام كيف كان يترك فاطمة عليه السلام جائعة ثلاثة أيام، كما في بعض الأحاديث، فإن ذلك كان برضي منها عليها السلام وبولاية علي الحسنين ? بل برضاهما أيضاً، ولاهتمامه عليه السلام الشديد بتقديم الإسلام بكل وجه ممكن.

وفي الباب قصص كثيرة لو جمعت لأصبحت مجلداً.

فأدلة وجوب رد السلام منصرفة عن مثل سلام الاستيذان وما أشبه.

وهذا آخر ما أردنا إثباته في هذا الكتاب، والله الموفق للصواب وهو المستعان.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام علي المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وصلي الله علي محمد وآله الطاهرين.

قم المقدسة

محمد الشيرازي

رجوع إلي القائمة

پي نوشتها

() آية الله العظمي الميرزا عبد الهادي الشيرازي (قدس سره) (ت 1382ه) ترعرع علمياً في حوزة سامراء وكربلاء المقدسة والنجف الأشرف، ومن أساتذته: الميرزا محمد تقي الشيرازي والآخوند الخراساني وشيخ الشريعة الأصفهاني والسيد علي الشيرازي والميرزا النائيني (قدس سرهم).. آلت إليه المرجعية العليا بعد السيد أبو الحسن الأصفهاني والسيد البروجردي (قدس سرهما).

() قال سيبويه: تحية تفعلة والهاء لازمة، والمضاعف من الياء قليل، لأن الياء قد تثقل وحدها لاماً، فإذا كان قبلها ياء كان أثقل لها … وعن أبي الهيثم قال: التحية في كلام العرب ما يحيّي بعضهم بعضاً إذا تلاقوا، قال: وتحية الله التي جعلها في الدنيا والآخرة لمؤمني عباده إذا تلاقوا ودعا بعضهم لبعض بأجمع الدعاء أن يقولوا: (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته) قال الله عزوجل: ?تحيتهم يوم يلقونه سلام?، سورة الأحزاب: 44.

() للتفصيل راجع لسان العرب: ج14 ص216 مادة (حيا).

() كامل الزيارات: ص322 ب105 ح13.

() كامل الزيارات: ص321

ب105 ح11.

() كامل الزيارات: ص321 ب105 ح9.

() سورة الأحزاب: 44.

() سورة إبراهيم: 23.

() علل الشرائع: ص102 ب90 ح1.

() فقد ورد عن الصادق عليه السلام: «إن المراد بالتحية في قوله تعالي: ?وإذا حييتم بتحية? [سورة النساء: 86] السلام وغيره من البر والإحسان»، [غوالي اللئالي: ج2 ص51 ح134 المسلك الرابع].

() سورة النساء: 86.

() الخصال: ص633 علم أمير المؤمنين عليه السلام أصحابه في مجلس واحد أربعمائة.. ح1.

() سورة النساء: 86.

() مناقب آل أبي طالب: ج4 ص18 فصل في مكارم أخلاقه عليه السلام.

() سورة هود: 69.

() الكافي: ج2 ص644 ح1.

() الكافي: ج2 ص644 ح2.

() الكافي: ج2 ص644 ح2.

() الكافي: ج2 ص644 ح3.

() الكافي: ج2 ص644 ح4.

() الكافي: ج2 ص645 ح5.

() الكافي: ج2 ص645 ح6.

() الكافي: ج2 ص645 ح7.

() الكافي: ج2 ص645 ح8.

() الكافي: ج2 ص645 ح9.

() الكافي: ج2 ص646 ح12.

() الكافي: ج2 ص641 ح36.

() الكافي: ج2 ص646 ح2.

() الكافي: ج2 ص646 ح1.

() الكافي: ج2 ص647 ح4.

() الكافي: ج2 ص647 ح3.

() سورة الممتحنة: 8.

() الكافي: ج2 ص650 ح8.

() الكافي: ج2 ص651 ح1.

() الكافي: ج2 ص651 ح1.

() الكافي: ج2 ص648 ح2.

() قرب الاسناد: ص62.

() وسائل الشيعة: ج12 ص79 ب49 ح15693.

() أنظر الكافي: ج2 ص648 ح1، و ج4 ص5 ح3.

() سورة هود: 69.

() الكافي: ج2 ص647 ح2.

() الكافي: ج2 ص647 ح3.

() الكافي: ج2 ص647 ح1.

() وسائل الشيعة: ج12 ص75 ب46 ح15683.

() سورة النساء: 86.

() أنظر أمالي الشيخ الصدوق: ص71 المجلس 17 ح2.

() الظاهر أن المقصود لو سلم الصبي المميز فهل يجب الرد؟

() الظاهر أن المراد وجوب رد المسلّم عليه من قبل الصبي.

() تهذيب الأحكام: ج10 ص233 ب4 ح53.

() تهذيب الأحكام: ج10 ص233 ب4 ح54.

() بحار الأنوار: ج85 ص132 ب4 ح4.

() سورة النساء:

86.

() سورة هود: 69.

() سورة النساء: 86.

() سورة النساء: 86.

() أنظر لسان العرب: ج12 ص202 مادة (سمم).

() أنظر الكافي: ج2 ص648 ح1، وفيه قال أبو جعفر عليه السلام: «دخل يهودي علي رسول الله صلي الله عليه و اله وعائشة عنده، فقال: السام عليكم، فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: عليكم، ثم دخل آخر فقال مثل ذلك، فرد صلي الله عليه و اله عليه كما رد علي صاحبه..» الحديث.

() سورة الحشر: 23.

() الكافي: ج2 ص645 ح7.

() وسائل الشيعة: ج6 ص418 ب1 ح8322.

() وسائل الشيعة: ج19 ص67 ب1 ح24166.

() أنظر أمالي الشيخ الصدوق: ص353 المجلس 56 ح9.

() سورة النساء: 86.

() تهذيب الأحكام: ج3 ص163 ب13 ح14.

() تهذيب الأحكام: ج2 ص329 ب13 ح205.

() تهذيب الأحكام: ج2 ص326 ب13 ح193.

() تهذيب الأحكام: ج2 ص325 ب13 ح186.

() من لا يحضره الفقيه: ج1 ص316 ح936.

() من لا يحضره الفقيه: ج1 ص317 ح939.

() تهذيب الأحكام: ج2 ص316 ب13 ح149.

() أي مفرداً.

() حيث سأل احدهم رسول الله صلي الله عليه و اله: (هل من امبر امصيام في امسفر)؟ فقال صلي الله عليه و اله: (ليس من امبر امصيام في امسفر).

() من لا يحضره الفقيه: ج3 ص470 ب2 ح4637.

() أنظر سنن أبي داود: ج4 ص353 باب كراهية أن يقول عليك السلام ح5209.

() سورة الملك: 3.

() سورة البقرة: 228.

() نهج البلاغة، قصار الحكم: 314.

() سورة المؤمنون: 14.

() انظر وسائل الشيعة: ج20 ص1 ب100.

() راجع الكافي: ج5 ص322 ح1.

() سورة الملك: 3.

() الكافي: ج5 ص510 ح3.

() سورة البقرة: 282.

() سورة الحجرات: 13.

() سورة الأحزاب: 35.

() الكافي: ج6 ص56 ح4.

() سورة النجم: 3-4.

() سورة هود: 69.

() الكافي: ج2 ص670 ح2.

() من لا يحضره الفقيه: ج1

ص320 ح947.

() وسائل الشيعة: ج12 ص68 ب40 ح15663.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.