الرأي العام وسبل توجيهه

اشارة

اسم الكتاب: الرأي العام وسبل توجيهه

المؤلف: حسيني شيرازي، محمد

تاريخ وفاة المؤلف: 1380 ش

اللغة: عربي

عدد المجلدات: 1

الناشر: موسسه المجتبي

مكان الطبع: بيروت لبنان

تاريخ الطبع: 1422 ق

الطبعة: اول

بسم الله الرحمن الرحيم

قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي

أَدْعُو إِلَي اللهِ عَلَي بَصِيرَةٍ

أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي

صدق الله العلي العظيم

سورة يوسف: 108

كلمة الناشر

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الظروف العصبية التي تمر بالعالم …

والمشكلات الكبيرة التي تعيشها الأمة الإسلامية..

والمعاناة السياسية والاجتماعية التي نقاسيها بمضمض …

وفوق ذلك كله الأزمات الروحية والأخلاقية التي يئن من وطأتها العالم أجمع …

والحاجة الماسة إلي نشر وبيان مفاهيم الإسلام ومبادئه الإنسانية العميقة التي تلازم الإنسان في كل شؤونه وجزئيات حياته وتتدخل مباشرة في حل جميع أزماته ومشكلاته في الحرية والأمن والسلام وفي كل جوانب الحياة..

والتعطش الشديد إلي إعادة الروح الإسلامية الأصيلة إلي الحياة، وبلورة الثقافة الدينية الحيّة، وبعث الوعي الفكري والسياسي في أبناء الإسلام كي يتمكنوا من رسم خريطة المستقبل المشرق بأهداب الجفون وذرف العيون ومسلات الأنامل..

كل ذلك دفع المؤسسة لأن تقوم بإعداد مجموعة من المحاضرات التوجيهية القيمة التي ألقاها سماحة المرجع الديني الأعلي آية الله العظمي السيد محمد الحسيني الشيرازي (دام ظله) في ظروف وأزمنة مختلفة، حول مختلف شؤون الحياة الفردية والاجتماعية، وقد راجعها الإمام الشيرازي وأضاف عليها فأصبحت علي شكل كتيبات، وقد قمنا بطباعتها مساهمة منا في نشر الوعي الإسلامي، وسدّاً لبعض الفراغ العقائدي والأخلاقي لأبناء المسلمين من أجل غدٍ أفضل ومستقبل مجيد..

وذلك انطلاقاً من الوحي الإلهي القائل:

?لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ?().

الذي هو أصل عقلائي عام يرشدنا إلي وجوب التفقه في الدين وانذار الأمة، ووجوب رجوع الجاهل إلي العالم في معرفة أحكامه في كل مواقفه وشؤونه..

وتطبيقاً عملياً وسلوكياً للآية الكريمة:

?فَبَشِّرْ عِبَادِ ? الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ

أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الأَلْبَابِ?().

ان مؤلفات سماحة آية الله العظمي السيد محمد الحسيني الشيرازي (دام ظله) تقسم ب:

أولاً: التنوع والشمولية لأهم أبعاد الإنسان والحياة لكونها إنعكاساً لشمولية الإسلام..

فقد أفاض قلمه المبارك الكتب والموسوعات الضخمة في شتي علوم الإسلام المختلفة، آخذاً من موسوعة الفقه التي تجاوزت حتي الآن المائة والخمسين مجلداً، حيث تعد إلي اليوم أكبر موسوعة علمية استدلالية فقهية في تاريخ الإسلام ومروراً بعلوم الحديث والتفسير والكلام والأصول والسياسة والاقتصاد والاجتماع والحقوق وسائر العلوم الحديثة الأخري.. وانتهاءً بالكتب المتوسطة والصغيرة التي تتناول مختلف المواضيع والتي قد تتجاوز بمجموعها ال(1.500) مؤلفاً.

ثانياً: الأصالة حيث إنها تتمحور حول القرآن والسنة وتستلهم منهما الرؤي والأفكار.

ثالثاً: المعالجة الجذرية والعملية لمشاكل الأمة الإسلامية ومشاكل العالم المعاصر.

رابعاً: التحدث بلغة علمية رصينة في كتاباته لذوي الاختصاص ك(الأصول) و(القانون) و(البيع) وغيرها، وبلغة واضحة يفهمها الجميع في كتاباته الجماهيرية وبشواهد من مواقع الحياة.

هذا ونظراً لما نشعر به من مسؤولية كبيرة في نشر مفاهيم الإسلام الأصيلة قمنا بطبع ونشر هذه السلسلة القيمة من المحاضرات الإسلامية لسماحة المرجع (دام ظله) والتي تقارب التسعة آلاف محاضرة ألقاها سماحته في فترة زمنية قد تتجاوز الأربعة عقود من الزمن في العراق والكويت وإيران..

نرجو من المولي العلي القدير أن يوفقنا لإعداد ونشر ما يتواجد منها، وأملاً بالسعي من أجل تحصيل المفقود منها وإخراجه إلي النور، لنتمكن من إكمال سلسلة إسلامية كاملة ومختصرة تنقل إلي الأمة وجهة نظر الإسلام تجاه مختلف القضايا الاجتماعية والسياسية الحيوية بأسلوب واضح وبسيط.. إنه سميع مجيب.

مؤسسة المجتبي للتحقيق والنشر

بيروت لبنان ص ب 6080 / 13 شوران

البريد الإلكتروني: almoj(ع)aba@shiacen(ع)er.com

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدُ لله ربّ العالمين والصلاة والسلام علي نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة

علي أعدائهم أجمعين إلي قيام يوم الدين.

الرأي العام في التاريخ

قال أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب(ع):

«إضْربوا بَعْض الرأي ببعضٍ يتولَّد منه الصّواب» ().

المتفحِّص لتاريخ الشعوب، يجد بأنّ للرأي العام تأثيراً كبيراً في مدي استقلالها وحريتها، حيث إنّ أغلب شعوب العالم مرّت بظروف قاسية، وامتحانات واختبارات كثيرة، فبعضها اجتاز هذه الاختبارات، وتخطي الصعوبات بنجاح باهر، والبعض الآخر كانت نسبة نجاحه أقلّ، وبعضها فشل فشلاً ذريعاً. وإذا راجعنا الأُمور وتحرينا الأسباب، فسوف نجد للرأي العام تأثيراً بالغاً في مثل هذه النتائج، بل هو الذي يحدد هذا التأثير أحياناً كثيرة.

فالشعب الذي يريد أن يعيش بحريّة وأمان واستقرار، يلزمه أن يوحّد آراءه، ويحدد برنامج عمله بصورة جيدة، فإذا استطاع توحيد الرأي العام، ونشر الوعي بين الأفراد، فعند ذلك يصبح الرأي العام كالسيل الجارف، الذي لا يقف أمامه شيء من أشكال القوة والظلم، بل يكتسح كثيراً من الصعوبات التي تقف أمامه بفعل التجارب.

والتاريخ يذكر لنا من هذه النماذج الشيء الكثير، فالشعب الجزائري عندما أراد الحرية حشّد الرأي العام، وقام قادة الحركات بتوعية واسعة داخل المجتمع، ووضعوا خطة منظمة للعمل، وعند ذلك قاموا بالثورة، فلم تستطع فرنسا بقوتها في ذلك الوقت أن تقف أمام الشعب، واختارت الانسحاب بعد تكبُّدها خسائر فادحة. وغاندي() أيضاً استطاع أن يوحد الرأي العام في الهند، ووقف بوجه أكبر امبراطورية في عهده، إلي أن نال الشعب الهندي استقلاله وحريته من بريطانيا العظمي، التي كانت تحكم الهند ثلاثمائة سنة.

ومن التجارب الأُخري ثورة العشرين التي قام بها الشعب العراقي بقيادة الميرزا محمد تقي الشيرازي (رحمه الله) ()، بوجه الإنكليز، والتي كانت سبباً في اخراجهم من العراق، وهنالك شواهد كثيرة علي تأثير الرأي العام في تحرير وحرية الشعوب، فلولا تكاتف الشعب

الجزائري، وتحشيد الرأي العام في البلاد، لما تمكّن الشعب الجزائري من التغلب علي الفرنسيين، وكذلك الهند والعراق وغيرها من البلدان، التي طردت الاستعمار، قالتكاتف وتوجيه الرأي العام بالشكل المطلوب سبب لها بلوغ مسعاها.وفي هذا قال أمير المؤمنين علي عليه السلام: «الشركة في الرأي تؤدي إلي الصواب» ()، وفي الطرف المقابل تجد أنّ الشعوب التي ظلَّت ترزح تحت الاستعمار، أو تسلّط حكام ظالمين عليها، أغلب هذه الحالات حصلت غالباً نتيجة لعدم تكاتف الرأي العام وتفرقته، بحيث أتاح الفرصة للاستعمار وعملائه للسيطرة علي مصير هذه الشعوب. فلو تكاتفت هذه الشعوب واتحدت لما سيطر عليهم الاستعمار، وما تسلط نظام البعث الصدامي في العراق، ولما وُجدت اسرائيل في قلب الأُمة الإسلامية، ولما تسلط الحكام المستبدين علي مقدرات المسلمين هنا وهناك.

فعلينا والحال هذه أن نستفيد من عبر وتجارب الشعوب علي مرّ التاريخ، وفيما نعيشها في الوقت الحاضر، ونعمل علي توجيه الرأي العام في منطقتنا الإسلامية وتوحيده، بنشر الوعي بين الجماهير، ونستعد لمقاومة الاستبداد والظلم ورموزهما وطردها من بلادنا، فعند ذلك لا تستطيع أيّةُ قوة الوقوف بوجهنا، وسوف نحطم جميع القيود التي فرضها علينا الاستعمار نتيجة تفرقتنا وتشتتنا لنكون مصداق الحديث الوارد عن الإمام أبو عبد الله الصادق عليه السلام: «إن المؤمنين في إيثارهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكي تداعي سائره بالسهر» ().

وهذا هو مفتاح الفلاح والنصر.

قال تعالي: ?وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ..?().

فهذه الآية الكريمة تحثّ الناس علي الاتحاد وعدم التفرقة، لأنّ في ذلك سرّ قوتهم ومنعتهم، وتنهاهم عن التنازع والاختلاف فيما بينهم، لأنّ في التنازع والاختلاف يحصل الضعف، وعند ذلك يطمع الأعداء في غزوهم والانقضاض عليهم، «وتذهب ريحكم» في بعض التفاسير: تذهب قوتكم وصولتكم، وفي تفسير

البعض الآخر تذهب دولتكم. والريح هنا كناية عن نفاذ الأمر().

وخلاصة تفسير هذه الآية الشريفة هو الحثّ علي التعاون وعدم التنازع.

قال الإمام أمير المؤمنين (ع) في احدي خطبه: «إنّ الشيطان يُسَنِّي لكم طُرقه، ويريد أن يَحُلَّ دينكم عقدة عقدة، ويُعطيكم بالجماعة الفرقة، وبالفرقة الفتنة. فاصدفوا عن نزعاته ونفثاته» ().

وقال (صلوات الله وسلامه عليه): «أين القوم الذين دُعوا إلي الإسلام فقبلوه، وقرؤوا القرآن فأحكموه وهيجوا إلي الجهاد، فَولهوا وَلَهَ اللقاح إلي أولادها..» ().

وقال عليه السلام: «فلقد كنا مع رسول الله صلي الله عليه و اله، وإن القتل ليدور علي الآباء والأبناء والإخوان والقرابات، فما نزداد علي كل مصيبة وشدةِ إلا إيماناً ومضياً علي الحق، وتسليماً للأمر، وصبراً علي مضض الجراح، ولكنا أصبحنا نقاتل إخواننا في الإسلام، علي ما دخل فيه من الزيغ والإعوجاج، والشبهة والتأويل» ().

الرأي العام وأقسامه

للرأي العام معاني عديدة أقربها:

هو موقف جماعة من الناس تجاه قضية معينة، سلباً أو إيجاباً، كانتخاب رئيس دولة، أو مجلس استشاري، أو تجاه مشكلة ما؛ كالفقر أو الاستبداد، أو حادثة ما كالكوارث الطبيعية، أو البشرية كالحروب وغيرها.

والرأي العام علي قسمين:

1 رأيٌ عام هادف وسليم «إيجابي».

2 رأي عام فوضوي «سلبي» وكلا القسمين نتاج جملة من الأسباب والمسببات، نشير إلي بعضها هنا باختصار.

الرأي العام الهادف

هذا الرأي هو نتاج عاملين مهمين: (الوعي والتنظيم)، متي ما وجدا في المجتمع كان الرأي العام في هذا المجتمع هادفاً وسليماً، فالمجتمعات الواعية المنظمة إذا أُريد رأيها في مسألة ما كانتخاب مجلس شوري، أو حتي انتخاب مدير مؤسسة مثلاً، فإن هذا الرأي يكون غالباً موفّقاً ومطابقاً لما ينبغي.

ولكن السؤال الذي يطرح هنا هو:

كيف يمكن أن نحصل علي رأي هادف وسليم؟.

لايجاد رأي عام هادف وسليم، لابد من توفر جملة من العوامل منها: إرشاد وتوجيه الناس إلي كافة الأمور التي يعيشونها، أو التي تُحيط بهم، سواء كانت دينية أو سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية، وذلك عبر العلماء والمثقفين، الذين لهم اطّلاع في هذه الأمور، فكلُّ مجتمع عبارةٌ عن خليط من الطبقات والأفكار والمعتقدات، ومهمة العالم والمثقف صياغة المجتمع صياغة جيدة، بحيث يحاول أن يرفع من مستوي الطبقات المتردية فكرياً واقتصادياً وما إلي ذلك، وفي نفس الوقت يحافظ أو يرفع من مستوي الطبقات العالية والمتوسطة، ولا يتم ذلك إلاّ بعمل جملة من الأُمور من باب المقدمة لهذا العمل، منها:

أولاً: دراسة المجتمع دراسة موضوعية، ودراسة الأفكار التي يعتنقها المجتمع، ودراسة الحالة العامة للمجتمع اقتصادية، سياسية، اجتماعية ودراسة التيارات الفكرية المعاصرة وما إلي ذلك.

ثانياً: تشجيع وتحفيز كلّ العوامل الإيجابية في المجتمع، وتقويم وتصحيح السلبيات فيه.

ثالثاً: إعداد خطة متكاملة لهذه

المهمة، متكونة من الكوادر الكفوءة، والوسائل المتطورة، وتكون الكلمة الحجر الأساسي في نجاح هذه المهمة، فالكلمة الهادفة سواءُ كانت نابعة من قلم كاتب، أو فم خطيب، أو من جهاز مرئي أو مسموع، أو عن أي طريق كان، تُعدّ مصدراً هاماً لإزالة العديد من عوامل التخلف في المجتمع، وغرس عوامل التطور والازدهار محلها ومتي ما توصلنا إلي ذلك، فيمكن حينئذ أن نحصل علي رأي عام هادف وسليم.

الإعلام والرأي العام

الإعلام في اللغة(): هو الإخبار، أمّا اصطلاحاً فله عدة تعاريف منها:

أنّه أسلوب منظم، يستخدم للتأثير علي جهة ما، في سبيل زرع أو دعم أو إزالة فكرة أو عمل ما.

وعرّفه البعض: أنّه الأُسلوب الذي يُحرّك مشاعر التفكير، ومكامن الإحساس للإنسان، ويهزّ الشعور العاطفي والنفسي، بقوة تتناسب مع قوة التأثير، وعظمة الدعوة(). ومما لا شكّ فيه أنّ للإعلام دوراً فعّالاً في صناعة الرأي العام، خصوصاً في عالمنا اليوم، حيث يحتل أهمية بالغة، ويعدّ أحد المرتكزات الأساسية في صناعة القرار والتحكم في آراء الناس وكسب عواطفهم؛ لذا نجد أغلب الدول المتطورة، وكذلك المؤسسات والمكاتب الكبيرة قد أولته أهمية كبيرة وخصصت له ميزانية ضخمة، فأهمية الإعلام في التأثير علي الرأي العام هي التي جعلت هذه الدول والمؤسسات تهتم به().

وغرض الإعلام بصورة رئيسية إمّا زرع فكرة ما في عقول الناس، أو إزالة فكرة ما من عقولهم، أو دعم وتعزيز فكرة ما موجودة أصلاً في المجتمع.

والإعلام تارة يكون هادفاً، وتارة يكون مغرضاً. فالهادف منه غالباً ما يصنع رأياً عاماً واعياً، لا يقبل الخضوع للظلم، ولا تنطلي عليه المكائد والمؤامرات، ويجعل الطريق أمام الفرد والمجتمع واضحاً وجلياً، مما يسهل عليه اختيار ما ينبغي اختياره واجتناب ما ينبغي اجتنابه.

أمّا الإعلام المغرض فغالباً ما يصنع رأياً عاماً متفككاً

ومهزوزاً، نتيجة للأفكار المشوشة وغير الصحيحة التي ينقلها، فإذا تأثر المجتمع بها، وتطبع عليها، فإنه بلا شك سوف يعمّه الجهل والتخلف، وهذا هو هدف الإعلام المغرض بصورة رئيسية صناعة مجتمع متخلف جاهل حتي يسهل له الاختراق وتسميم الأفكار.

ونتيجةً للتخلف والجهل الفكري الذي يَعُمُّ طبقة كبيرة من المجتمعات في عالم اليوم، وكذلك لاتساع نطاق الإعلام المغرض من قبل بعض المؤسسات العالمية، أصبح بمجرد سماع كلمة «إعلام» يتبادر إلي ذهن الكثيرين الجانب السلبي للإعلام ولكن في الحقيقة، كما أنّ الإعلام يعد أداة بيد الدول الاستكبارية والظلمة والمتسلطين في سبيل مصالحهم لتضليل الناس وخداعهم، فإنه كذلك يمكن أن يوظف في سبيل خدمة الناس وتوجيههم.

الإعلام الهادف

تتدخل في صناعة الإعلام الهادف والسليم عدة عوامل، منها علي سبيل الأهمية لا الحصر:

1 الفكرة السليمة.

2 الأسلوب الأمثل.

3 الوسيلة الجيدة.

ومتي ما تحققت هذه العوامل الثلاث، وكانت في المستوي المطلوب، استطاع الإعلام أن يكوّن رأياً عامّاً واعياً، ونشير هنا إلي هذه العوامل بإيجاز:

أولاً: الفكرة السليمة: كلّ عمل سليم يقوم به الإنسان يجب أن يكون وراءه فكرةٌ سليمة، حتي يكون ناجحاً ومثمراً، فالإعلام إذا أُريد أن يكون في المستوي المطلوب، فيجب أن يعبّر عن فكرة سليمة ويكون هدفه نبيلاً.

ثانياً: الأُسلوب الأمثل: قال تعالي:

?وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ … ?().

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله:

«إنّا معاشر الأنبياء أمُرنا أن نكلِّم الناس علي قدر عقولهم» ()..

فهذه الآية الشريفة، وقول الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله، حدّدت لنا الأُسس الصحيحة في كيفية التعامل مع الناس، فكما أنّ للفكرة أهمية في نجاح مهمة الإعلام، فكذلك الأُسلوب الجيد، فيجب علي مَن يتولي مهمة الإعلام أن تكون له دراية كافية في كيفية مخاطبة الناس وإقناعهم.

وإنّ هناك

الكثير ممّن يحمل أفكاراً جيدة وسليمة، ولكن أُسلوبهم في التعامل مع الآخرين لا ينسجم مع الناس، فغالباً يكون مصيرهم الفشل، وهذا من أهم الأخطار التي غزت عالمنا الإسلامي اليوم، فبعض القائمين علي مؤسسات الإعلام في عالمنا الإسلامي يحملون أفكاراً جيدة، ولكن لا يملكون الأُسلوب المناسب في التعامل، مما يقودهم إلي الفشل في مهمتهم.

ثالثاً: الوسيلة الجيدة: مرت الوسائل التي تستخدم كآلة لنشر الاعلام بمراحل مختلفة من عصر إلي آخر، ففي العصور الماضية، وإلي وقت قريب، كان يقع علي الإنسان منفرداً مهمة الإعلام، أمّا في عصرنا هذا، عصر التطور الصناعي ونتيجة للطفرة العلمية التي حققها العالم، فإنّ الأجهزة الإلكترونية الحديثة والأقمار الصناعية، وكذلك النشرات الإعلامية والصحف، ساهم كلّ ذلك في رفع مستوي الإعلام وتطوره، وقد جاء في بعض الإحصائيات() عن الصحف والصحافة بالأرقام: أنّ عدد الصحف في العالم سنة (1966م) بلغ (30) ألف صحيفة، وفي سنة (1968م) بلغت (50) ألف صحيفة، منها 8 آلاف يومية، تطبع (250) مليون نسخة.

هذا في الستينات أمّا اليوم فالتطور الإعلامي تضاعف أضعافاً كثيرة، وخصوصاً في العالم المتطور، والذي يهمّنا هنا من هذا الكلام وهذه الإحصائيات، هو جواب هذا التساؤل:

أين يقع إعلامنا الإسلامي من هذا التطور الإعلامي الكبير؟.

ولا شك أنّ إعلامنا الإسلامي تطور عما كان عليه سابقاً، وهذا شيء طبيعي نتيجة للتطور العلمي، ولكن لم يصل بعد إلي المستوي المطلوب، رغم أننا نحمل فكراً وعقيدة سليمة، وعلّمنا القرآن والسنّة باتباع الأسلوب الأمثل، ولكن رغم هذا وذاك لم نصل إلي المستوي المطلوب، نتيجة لتعثر بعض القائمين علي الإعلام، وتخبطهم وتأثرهم بالأفكار الغربية، وتخليهم عن التعاليم الإسلامية، مما قاد إلي تأخر إعلامنا عن الإعلام العالمي، وبالتالي تأثر الرأي العام في بلادنا بالأفكار التضليلية، التي تبثّها

وسائل الإعلام المعادية.

الرسول الأعظم (ص) والرأي العام

عن بكر بن كرب قال: كنا عند أبي عبد الله (ع)، فسمعناه يقول: «أما والله، عندنا ما لا نحتاج إلي الناس، وإنّ الناس ليحتاجون إلينا …» ()..

ومن الواضح أنّ رسول الله صلي الله عليه و اله، وآل بيته الأطهار عليهم أفضل الصلاة و السلام، لا يحتاجون إلي أقوال الناس وآرائهم، لأنهم معصومون مسددون بالغيب، ولكن جميع الأعمال والأقوال التي اعتمدوا بها علي الرأي العام هي من باب التعليم والتسديد للناس. وما دام النبي (ص) والمعصومون ? أنفسهم يولون أهمية للرأي العام، ولا يتجاوزونه في كثير من الأعمال، فمن الأولي أن يأخذ الإنسان العادي بالرأي العام ويعتمد عليه، ففي غزوة تبوك مثلاً، وعند رجوع الرسول الأعظم (ص) من الغزوة، كَمَن له نفر من المنافقين في العقبة ليفتكوا به صلي الله عليه و اله، فأخبره الله تعالي، عن طريق جبرئيل، بما يكنّه المنافقون له، فقبض عليهم ولم يقتلهم(). وجاء في بعض كتب الأخبار في سبب نزول قوله تعالي: ?يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ?()، قيل: نزلت في اثني عشر رجلاً وقفوا للرسول صلي الله عليه و اله في العقبة لما رجع النبي صلي الله عليه و اله من غزوة تبوك ليفتكوا به إذا علاها ومعهم رجل مسلم يخيفهم شأنه وتنكروا له في ليلة مظلمة فأخبر جبرئيل عليه السلام رسول الله صلي الله عليه و اله بما قدروا، وأمره أن يرسل إليهم من يضرب وجوه رواحلهم فضربها حتي نحاهم، فلما نزل قال: «يا حذيفة من غرفت من القوم؟» قال: لم أعرف منهم أحداً، فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: «فإنه فلان وفلان،

حتي عدهم كلهم». فقال حذيفة: ألا تبعث إليهم فتقتلهم؟ فقال صلي الله عليه و اله: «أكره أن تقول العرب لما ظفر محمد بأصحابه أقبل يقتلهم …» ().

أنظر إلي قول رسول الله صلي الله عليه و اله: «أكره أن تقول العرب …» فهنا رغم استحقاق هؤلاء المنافقين للقتل، فإنه (ص) لم يقتلهم، وذلك لعدة أسباب من ضمنها عدم إثارة الرأي العام ضد المسلمين، فعندما يقدم الرسول صلي الله عليه و اله علي قتل هؤلاء، فربما يتبادر إلي أذهان بعض الناس بأنّ رسول الله (ص) عندما ظفر واستقرّ له الأمر أعمل السيف بأصحابه، وهذا ما لا يرتضيه رسول الله صلي الله عليه و اله.

فالرسول الأعظم (ص) بعظمته وقدرته لا يعاقب هؤلاء، لأنّه قدّم الأهم وهو وحدة الصف الإسلامي علي المهم، وهو معاقبة هؤلاء المنافقين المعاندين.

أخذ البيعة لأمير المؤمنين عليه السلام

كانت الأوامر التي تنزل علي رسول الله (ص) علي قسمين بعضٌ منها فوري، والبعض الآخر غير فوري فمثلاً: كان أخذ البيعة لأمير المؤمنين (ع) بالشكل الذي تم في غدير خم أمراً يحتاج إلي تهيئة مقدمات؛ إذ كان علي الرسول (ص) أن يُمهِّد له علي مدي (23) سنة؛ لأن رسول الله (ص) كان قد خاف علي الدين من ظهور الفتنة، وانشقاق الناس؛ لذا نري أنّ رسول الله لم يتعجل بذلك وإن كان قد أعلن ولاية أمير المؤمنين (ع) منذ بدايات الدعوة الإسلامية، حتي ذلك اليوم الحساس والمصيري، حيث نزل جبرئيل علي رسول الله، وقال له: ?يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ … ?().

وكان رسول الله (ص) قبل ذلك كلما ذهب إلي مكان اصطحب معه عدداً من أصحابه ليرافقوه، ولكنه بعد

هذه الآية الشريفة ?وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ?، قال لأصحابه: لا حاجة لي بعد الآن إلي حماية، وما تأخر الرسول (ص) عن أخذ البيعة العامة للإمام أمير المؤمنين (ع)، إلا لكي يحشد آراء الناس ويهيأ نفوسهم لهذا الأمر العظيم ويضمن للإمام عليه السلام الرأي العام.

فمهّد لذلك طيلة (23) سنة.

الرأسمالية والرأي العام

أمّا المذاهب والاتجاهات التي تجعل المادة هي الشعار الرئيسي لها، فإنها تحقق الربح والمكاسب للأقلية؛ لأنّ المستفيدين فيها هم أصحاب رؤوس الأموال ومن الأقلية، أما الغالبية من الشعب فهم رعايا وأتباع، ولا تراعي حقوقهم، والتي من ضمنها الحرية في الرأي والاتجاه.

ومنها الرأسمالية التي تعتمد اعتماد كلياً علي المادة، وتجعلها هي المحرك الرئيسي لجميع قضاياها، فمن الواضح أنّ حقوق الأكثرية فيها مغتصبة ومهدورة، وربّ سائل يسأل ويقول:

إذن لماذا نلاحظ في البلدان الرأسمالية مثل أمريكا ومعظم الدول الغربية توجد فيها حرية الانتخاب وإبداء الرأي، وحرية المأكل والملبس وما إلي ذلك؟

فالجواب عليه: إنّ أصحاب القرار في هذه البلدان هم أصحاب رؤوس المال، وهم المسيطرون علي إدارة الانتخابات في بلدانهم، وغالباً ما تكون هذه الانتخابات مزيفة، حيث أنّ للمال تأثيراً بالغاً في الحصول علي المناصب والحقائب الإدارية، وأنّ أصحاب المال يجمعون حول أنفسهم جماعات كثيرة، ويسّخرون وسائل الإعلام، ويشترون أصحاب الضمائر الرخيصة؛ وبذلك يكون الحكم بيد من يريده رأسُ المال، لا بيد من يريده الشعب.

فالمجتمع الرأسمالي مقسّم إلي طبقتين طبقة غنية، وهي التي تملك كلّ شيء من سلطة و اقتصاد وإدارة وما إلي ذلك، وهي أقليّة، وطبقة أُخري مسحوقة وفقيرة، لا تملك كثيراً من مستلزمات الحياة، وليس لها رأي، وهي الأغلبية.

وقد ركزت الطبقة الغنية علي موضوع الانتخابات وصبغتها بصبغة ديمقراطية ظاهرياً، وصادرت علي أثرها حقوق الأغلبية، وانتشر الفقر والمرض في هذه

البلدان، مقابل الغني والسعادة والسيادة التي انحصرت في نفر قليل من الشعب، فأوجدت هذه السياسة المغلوطة في كثير من البلدان الرأسمالية، تطرّفاً مزرياً من الجهتين: رجل يستحوذ علي الملايين، وقد يصل مجمل أرباحه إلي المليون دولار في اليوم، وفي المقابل يوجد من يتقاضي راتباً شهرياً قدره (150) سنتاً، وكذلك يوجد في بلد الانتخابات المزيفة، بلد ناطحات السحاب والحاسوب ومركبات الفضاء، من يموت جوعاً، ومنهم من ينتحر من الفقر.

إذن الرأي العام في الدول الرأسمالية هو مجرد غطاء يستغله أصحاب الأموال لمصلحتهم عن طريق الخداع أو شراء الذمم، ولا تمثيل حقيقياً لهم في إدارة الشعب، والمراقب لمهزلة الانتخابات في معظم البلدان الرأسمالية، يجد بوضوح أنّ جميع الذين يفوزون في هذه الانتخابات هم من أصحاب المال، أو من المرتبطين بهم، وهذا أوضح دليل علي زيف هذه الانتخابات.

ومن الواضح جداً أنّ أغلب أصحاب المال في هذه البلدان، همُّهم الرئيسي هو كيفية جمع المال، وذلك بأي طريق كان، ولا يهتمون بما يريده الشعب، فمبدئهم المال أولاً وآخراً.

والرأسماليون، يؤمنون بالملكية الفردية، أي أنّ الفرد له الحرية في أي عمل يعمله لكسب المال، ما عدا بعض المحذورات القليلة جداً، فله الحقّ أن يعمل في صناعة الخمور والملاهي وغيرها، ويعدونها من الأعمال الجيدة، فبائع الخمور وبائع الفواكه عندهم سواء.

وخلاصة ما نريد ذكره هنا: أنّ الرأسمالية رغم وجود نظام الانتخاب فيها، وما شابه ذلك، ولكن أغلب هذه الأشياء هي مظاهر خارجية فقط، خالية من الواقعية.

الاشتراكية والرأي العام

أمّا بعض الاشتراكيين فيزعم أنّ الاقتصاد أساس كلّ شيء في الحياة، فإنّ الدين والسياسة، والعلاقات الاجتماعية والصناعية، وجميع جوانب الحياة الأُخري، تخضع للاقتصاد وتنقاد له، فهو البنية التحتية لكلّ شيء في الحياة، وعلي حدّ زعمهم فإنّ الإنسان مرّ بمراحل

أربع:

المرحلة الأُولي: وهي مرحلة التكوين، يسمونها مرحلة الشيوعية الأُولي، أي أنّ الإنسان في نشأته الأُولي حيث لا إنتاج، ولا أدوات إنتاج، ولا أبسط أنواع التقدم كان يعيش في العراء، ويقتات علي ثمار الغابات الطبيعية وأوراقها، فلا توجد في ذلك الوقت حكومة أو نظام أو سياسة أو رأي عام، أو غيرها من المصطلحات الموجودة عندنا اليوم، فهذه المرحلة يسمونها مرحلة الشيوعية الأُولي، فالشيوعية (حسب ادّعائهم) عدم تقييد الفرد بنظام أو حكومة أو قانون مهما كان شكله.

المرحلة الثانية: مرّ الإنسان (في نظرهم) بمرحلة ثانية يسمونها مرحلة السيد والعبد، أي إنّ الإنسان عندما اخترع بعض آلات الصيد، وطبعاً هذا الاختراع خاص بمجموعة من الناس لاجميعهم، فسيطرت هذه المجموعة علي بقية الناس بحيث أصبحوا عبيداً لها مقابل إشباع بطونهم بواسطة آلات الصيد.

المرحلة الثالثة: ثم انتقل الإنسان إلي مرحلة أخري، مرحلة الإقطاعيين، فعندما اكتشف الإنسان بعض وسائل الزراعة، وتعلَّم كيف يزرع، وسكن قرب المياه، واستحوذ هؤلاء المكتشفون لهذه الوسائل علي أُمور الناس الباقية، وقُسّم الناس علي أثر ذلك إلي طبقتين، الأُولي: طبقة الاقطاعيين، وهم المالكون لهذه الوسائل، والثانية: طبقة المزارعين وهم الطبقة المستغلَّة، وحصّن المالكون أنفسهم بكل الوسائل، لكي تبقي السلطة بأيديهم.

وفي هذه الفترة ظهرت الملكية الفردية، وعلي حدّ زعم بعض الاشتراكيين في هذه المرحلة، وبحيلة من المالكين ادعوا بأنهم أبناء الله، وخلقوا هم الآلهة، وهم يسيرون علي خطي الآلهة، وأوجدوا الدين حتي يحافظوا علي نمط الحياة في تلك الفترة.

المرحلة الرابعة: ثم مرّ الإنسان في الطور أو المرحلة الرابعة، وهي مرحلة الصناعة، حيث اكتشف الإنسان في هذه المرحلة المكائن الصناعية والآلات، وسخرّها لخدمته، وفي هذه المرحلة تنازل بعض الملاّكين عن بعض مقاطعاتهم، مقابل كسب المال الوفير، حيث رأوا أن رأس

المال لا ينمو إلاّ بإشراك أكبر عدد ممكن من الشعب، وهكذا وجدت علي حدّ زعمهم مرحلة الاشتراكية في هذه الفترة.

وكل هذا التفصيل والتحليل هو غير صحيح، وقد انتهجه بعض المغرضين، والذين حاولوا من هذا كله خداع الرأي العام في بلدانهم، وفي البلدان المحيطة بهم، لكي يجذبوها إلي مبني الشيوعية، ويصوروها بأنها هي المنقذة للشعوب، وفيها يأخذ الإنسان كامل حريته، وأخذ ماركس ولينيين وكاسترو وماو وغيرهم يُطَبِّلون لذلك.

ولكن جميع هذه التحليلات التي ذكروها غير صحيحة، وغير واردة، وذلك لأكثر من دليل:

أولاً: عدم استنادهم في ذكر هذه التحليلات إلي أدلة واقعية سوي التخيلات والأوهام.

ثانياً: فشلها في تحقيق متطلبات الشعوب، وانتشار الفقر والمجاعة في أغلب الدول الإشتراكية، وغيرها من الأدلة، والذي يريد أن يتوسع أكثر من ذلك يراجع كتابنا تحت عنوان (ماركس ينهزم)()، وكتاب (الفقه: الاقتصاد). وفيهما نثبت بأنّ الاقتصاد ليس هو المحرك الأساس لكل شيء في الحياة …

وبهذه العقلية سيطرت الشيوعية علي أغلب دولها، وعلي الدول التي تعتمد عليها، مستغلة أفراد الشعب، ومصادرة حقوقهم، تحت غطاء حمايتهم، وسوف تواجه الشيوعية عما قريب إن شاء الله تعالي فترة عصيبة، تؤدي بها إلي الاضمحلال والزوال، لأنّ الباطل مهما طال أمده، مصيره الزوال(). وإنّ الذين يضلون عن سبيل الله ويتبعون أهواءهم فإن الله تعالي يعذبهم عذاباً شديداً.

قال الله تعالي:

?إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ … ?().

العراق وتأثير الرأي العام

بعد أن بيّنا بعض الشواهد عن أهمية الرأي العام في إدارة الشعوب، فمستقبل العراق مرهون أيضاً بيد أبناءه ووحدة صفوفه وقوة رأيه، فإذا استطاع القائمون بحركات المعارضة للنظام العراقي، توحيد صفوف الشعب في الخارج والداخل، ونشر الوعي بين صفوف المجتمع عند ذلك يملكون قوة ضاربة لا تغلبها قوة أخري، سوي قوة

الله تعالي، ويستطيعون أن يكتسحوا نظام البعث ومن يسانده اكتساحاً بإذن الله تعالي.

فلو حشّد كلُّ واحد منهم مائة أو خمسين شخصاً، وهذا بدوره يحشد مائة، وهكذا لتمكنوا من إتمام المهمة بصورة جيدة.

وما تسلَّطت حكومة البعث علي رقاب الشعب العراقي، وأمثالها من الحكومات المستبدة في منطقتنا الإسلامية، إلا نتيجة عدم تكاتف وتوجيه الرأي العام، وتوحيده بوجه هذه الحكومات الظالمة، فلو كان الرأي العام موحَّداً وموجهاً في مصلحة الأمة، لم تأت هذه الحكومات وتتسلط علي مصير شعوبنا.

فعلينا والحال هذه أن نعبئ شعوبنا الإسلامية تعبئة صحيحة، مبنية علي أساس الدين الإسلامي، وعلينا أن نقرن القول مع الفعل، ويكون عملنا خالصاً لوجه الله تعالي، فقد قال أمير المؤمنين الإمام علي (ع): «أفضل العمل ما أريد به وجه الله» ().

صحيح أنّ عدوّنا يمتلك من الوسائل المدمرة الشيء الكثير، ولكن لو سكتنا عنه وانطوينا علي أنفسنا، ولم نعمل علي إزاحة الظلم، فسوف نُهزم وينتصر عدونا ويترسخ الظلم أكثر فأكثر، وأنّ الثواب يأتي علي قدر العمل ومشقته، كما قال الإمام أمير المؤمنين(ع): «ثواب العمل علي قدر المشقة فيه» (). وقال?: «خير الأمور ما أدي إلي الخلاص» () وقال?: «خير عملك ما أصلحت به يومك وشره ما استفسدت به قومك» ().

نسأل الله سبحانه وتعالي أن يوجهنا لما فيه الخير والصلاح.

«يا مَن تحلّ به عُقد المكاره، ويا مَن يُفثأ به حدُّ الشدائد، ويا مَن يلتمس منه المخرج إلي روح الفرج، ذلّت لقدرتك الصعاب، وتسببت بلطفك الأسباب، وجري بقدرتك القضاء، ومضت علي إرادتك الأشياء وهي بمشيئتك دون قولك مؤتمرة، وبإرادتك دون نهيك منزجرة، أنت المدعوّ للمهمات، وأنت المفزع في الملمّات، لايندفع منها إلا ما دفعت، ولا ينكشف منها إلاّ ما كشفت» ()..

من هدي القرآن الحكيم

في وحدة الصف

الإسلامي وتعاضده

قال عز وجل: ?إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ?().

وقال تعالي: ?فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً?().

وقال سبحانه: ?وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ?().

وقال عز من قائل: ?إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ?().

الدعوة الأمثل والأنجح أسلوباً ومنهجاً

قال تعالي: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ?().

وقال سبحانه: ?قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَي اللهِ عَلَي بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي?().

وقال تبارك تعالي: ?ادْعُ إِلَي سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ?().

وقال عزوجل: ?وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَي اللهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ?().

العمل بالمشورة وتجنب الاستبداد بالرأي

قال سبحانه: ?وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ?().

وقال عزوجل: ?وَأَمْرُهُمْ شُورَي بَيْنَهُمْ?().

زيف وبطلان المذاهب المادية

وقال سبحانه: ?قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ ? قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي?().

وقال عزوجل: ?مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاّ يَخْرُصُونَ?().

الوعي والاعتبار من صفات المؤمنين

قال تعالي: ?لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الأَلْبَابِ?().

وقال عزوجل: ?لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ?().

من هدي السنة المطهرة

في التآخي الإسلامي

قال أبو عبد الله عليه السلام: «قال رسول الله صلي الله عليه و اله: ستّ خصال من كنّ فيه كان بين يدي الله عزوجل وعن يمين الله عز وجل»، قال ابن أبي يعفور: وما هي جعلت فداك؟ قال: «يحب المرء المسلم لأخيه ما يحب لأعز أهله، ويكره المرء المسلم لأخيه ما يكره لأعزّ أهله، ويناصحه الولاية» فبكي ابن أبي يعفور وقال: كيف يناصحه الولاية؟ قال عليه السلام: «يا ابن أبي يعفور، إذا كان بتلك

المنزلة بثه همه، يهم لهمه، فرح لفرحه إن هو فرح، وحزن لحزنه إن هو حزن فان كان عنده ما يفرج عنه فرج عنه وإلا الله دعا له» ().

وقال الإمام محمد بن علي الباقر (ع): «إن الله خلق المؤمن من طينة الجنان وأجري فيهم من ريح روحه؛ فلذلك المؤمن أخو المؤمن لأبيه وأمه، فإذا أصاب تلك الأرواح في بلد من البلدان شيء حزنت عليه الأرواح لأنها منه» ().

وقال الإمام أبي عبد الله الصادق (ع): «المسلم أخو المسلم هو عينه ومرآته ودليله، لا يخونه ولا يخدعه ولا يظلمه ولا يكذّبه ولا يغتابه» ().

أبرز صفات الداعية

قال رسول الله (ص) في وصيته لأبي ذر الغفاري (رض): «يا أبا ذر: مثل الذي يدعو بغير عمل كمثل الذي يرمي بغير وتر» ().

قال الإمام الصادق (ع):

«كونوا دعاة للناس بغير ألسنتكم، ليروا منكم الورع والاجتهاد والصلاة والخير، فإن ذلك داعية» ().

الإصابة في الاستشارة

قال الرسول المصطفي صلي الله عليه و اله: «ما من رجل يشاور أحداً إلاّ هُدي إلي الرشد» ().

قال أمير المؤمنين (ع): «والاستشارة عين الهداية» ()ِ.

وعن أبي جعفر الباقر (ع): «في التوراة أربعة أسطر: من لا يستشر يندم، والفقر الموت الأكبر، وكما تدين تدان، ومن ملك استأثر» ().

وعن الإمام جعفر الصادق (ع): «لن يهلك امرء عن مشورة» ().

في الوعي والاعتبار واليقظة

قال رسول الله صلي الله عليه و اله: «لا خير في العيش إلاّ لرجلين عالم مطاع، أو مستمع واع» ().

قال أمير المؤمنين (ع): «رحم الله امرءاً تفكر فاعتبر، واعتبر فأبصر …» ().

وقال أمير المؤمنين (ع): «اليقظة نور والغفلة غرور» ().

وقال (ع) أيضاً: «من تبصر في الفطنة ثبتت له الحكمة وعرف العبرة» ().

رجوع إلي القائمة

پي نوشتها

() سورة التوبة: 122.

() سورة الزمر: 18.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص442 ح10063 الفصل الأول في المشاورة.

() موهانداس كرامشاند (1869 1948م) فيلسوف ومجاهد هندي، اشتهر بلقب (المهاتما) أي النفس الزكية، دعا إلي تحرير الهند من الانكيز بالطرق السلمية والمقاومة السلبية بعيداً عن العنف، وكان سلاحه الأقوي الاضراب عن الطعام أدت جهوده إلي استقلال الهند (1947م) اغتاله براهماني متعصب، كان غاندي من أبرز دعاة السلام المشهورين في العالم، المنجد في الاعلام، حرف (غ).

() هو الشيخ محمد تقي بن الميرزا محب علي بن أبي الحسن الميرزا محمد علي الحائري الشيرازي زعيم الثورة العراقية ولد بشيراز ونشأ في الحائر الشريف فقرأ فيه الأوليات ومقدمات العلوم وحضر علي أفاضلها حتي برع وكمل فهاجر إلي سامراء في أوائل المهاجرين، فحضر علي المجدد الشيرازي حتي صار من أجلاء تلاميذه وأركان بحثه، وبعد أن توفي أستاذه الجليل تعين للخلافة بالاستحقاق والأولوية والانتخاب فقام بالوظائف من الإفتاء والتدريس وتربية العلماء. ولم تشغله مرجعيته العظمي وأشغاله الكثيرة عن النظر في أمور الناس خاصهم وعامهم، وحسبك من أعماله الجبارة موقفه الجليل في الثورة العراقية وإصداره تلك الفتوي الخطيرة التي أقامت العراق وأقعدته لما كان لها من الوقع العظيم في النفوس. فهو? فدي استقلال العراق بنفسه وأولاده وكان أفتي من قبل بحرمة انتخاب غير المسلم. وكان العراقيون طوع إرادته لا يصدرون إلا

عن رأيه وكانت اجتماعاتهم تعقد في بيته في كربلاء المقدسة مرات عدة. توفي ? في الثالث عشر من ذي الحجة عام (1338ه) ودفن في الصحن الحسيني الشريف ومقبرته فيه مشهورة. راجع طبقات أعلام الشيعة، نقباء البشر: ج1 ص261 الرقم561.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص441 ح10061 الفصل الأول في المشاورة.

() أعلام الدين: ص440 باب ما جعل الله تعالي بين المؤمنين من الإخاء والحقوق.

() سورة الأنفال: 46.

() أنظر تفسير مجمع البيان: ج4 ص548.

() نهج البلاغة، خطبة 121.

() نهج البلاغة، الخطبة: 121.

() نهج البلاغة، الخطبة: 122.

() أنظر لسان العرب: ج12 ص416 مادة (علم).

() الشخصية الإسلامية: دراسات في الإعلام زهير الأعرجي: ص9.

() طالب الرئيس الأمريكي السابق (كارتر) الكونغرس في بلاده، عام 1977م، بزيادة المخصصات والمعونات المالية للمحطات الأمريكية الكبري، التي تبثّ برامجها إلي العالم طيلة (24) ساعة، مجلة النبراس العدد الأول: ص43، عن غسل الدماغ للدكتور فخري الدبّاغ: ص86.

() سورة آل عمران: 159.

() أمالي الشيخ الصدوق: ص418 المجلس 65 ح6.

() إحصائية اليونسكو لعام 1966 عن مجلة النبراس: ص45 العدد الأول/ غسل الدماغ/ الدكتور فخري الدبّاغ: ص21.

() بصائر الدرجات: ج3 ص142 ب12 ح1.

() أنظر الصراط المستقيم: ج3 ص44 إلحاق في المنافقين من أهل العقبة وهي عقبة أوس ويقال اسمها عقبة دقيق، أنظر الخرائج: ص504،

() سورة التوبة: 64.

() العمدة: ص341 ح664.

() سورة المائدة: 67.

() يقع هذا الكتاب في (47) صفحة، طبع دار القرآن الحكيم/ قم إيران، وقد ترجم إلي الفارسية بعنوان (ماركسيسم در آستانه سقوط).

() أُلقيت المحاضرة قبل سقوط الشيوعيّة.

() سورة ص: 26.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص155 ح2901 الفصل الرابع في العمل.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص156 ح2946 الفصل الرابع في العمل.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص156 ح2933 الفصل الرابع

في العمل.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص156 ح 2937الفصل الرابع في العمل.

() مصباح الكفعمي: ص233، دعاء للأمن من السلطان ومن البلاء وظهور الأعداء وعند تخوف الفقر، وهو من أدعية الصحيفة السجادية.

() سورة الأنبياء: 92.

() سورة النساء: 175.

() سورة التوبة: 71.

() سورة الحجرات: 10.

() سورة الأنفال: 24.

() سورة يوسف: 108.

() سورة النحل: 125.

() سورة فصلت: 33.

() سورة آل عمران: 159.

() سورة الشوري: 38.

() سورة طه: 95-96.

() سورة الزخرف: 20.

() سورة يوسف: 111.

() سورة الحاقة: 12.

() المؤمن: ص41 باب حق المؤمن علي أخيه.

() المحاسن: ص133 باب خلق المؤمن … ح10.

() الكافي: ج2 ص166 ح5.

() مكارم الأخلاق: ص465 الفصل الخامس في وصية النبي صلي الله عليه و اله لأبي ذر الغفاري (رض).

() الكافي: ج2 ص78 ح14.

() مجمع البيان في تفسير القرآن: ج5 تفسير سورة الشوري ص33.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص442 ح10066 الفصل الأول المشاورة.

() المحاسن: ص601 باب الاستشارة ح16.

() المحاسن: ص601 باب الاستشارة ح18.

() غوالي اللئالي: ج4 ص74 ح55.

() نهج البلاغة، الخطبة: 103.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص448 ح10288 الفصل التاسع.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص448 ح10296 الفصل التاسع.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.