دروس من الهجرة

اشارة

اسم الكتاب: دروس من الهجرة

المؤلف: حسيني شيرازي، محمد

تاريخ وفاة المؤلف: 1380 ش

اللغة: عربي

عدد المجلدات: 1

بسم الله الرحمن الرحيم

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا

وَالَّذِينَ هاجَرُوا

وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ الله

أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ الله

وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ

صدق الله العلي العظيم

سورة البقرة: الآية 218

كلمة الناشر

بسم الله الرحمن الرحيم

قال تبارك وتعالي: ?وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلأَجْرُ الآَخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ?الذِينَ صَبَرُوا وَعَلَي رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ? ().

لقد تعرضت البشرية منذ الزمن الغابر وإلي يومنا هذا لهزات عنيفة وبلاءات شتي، كادت أن تقضي علي هذا الكائن الحي الذي هو خليفة الله في أرضه، وللأسف بسبب ظلم وانحراف وعصيان الإنسان نفسه.

ولكن الباري جل وعلا وبعنايته ولطفه منّ علي الإنسان بإرسال الرسل (صلوات الله عليهم أجمعين) مبشرين ومنذرين وموضحين طريق الحق والصواب، والخير والفضيلة. فلولا هؤلاء العظماء المصلحين وخاتمهم وسيدهم وسيد الكائنات،الرسول الأعظم محمد بن عبد الله صلي الله عليه و اله لكانت الأرض قفراء خربة مجدبة لاتستحق العناية الإلهية واللطف الرباني …

هؤلاء المصلحون وهم الأنبياء والأوصياء عليهم السلام والأولياء والمؤمنون هم الذين حفظوا للإنسانية كرامتها وجعلوا عناية السماء محيطة بها علي طول مسيرة الإنسان في هذه المعمورة … فتعرضوا لشتي أنواع الظلم والاضطهاد، من قتل وتعذيب وتهجير وتشريد علي يد الظلمة والجبابرة الذين ابتلي الأنبياء والأولياء عليهم السلام بمعاصرتهم في طوال مسيرة التاريخ البشري.

واختلفت صور ظلم هؤلاء الطواغيت لكن القاسم المشترك بينهم هو تصديهم ومحاربتهم لكل ما هو خير، والقضاء علي كل من هو مصلح ومنقذ للبشرية، حتي كادت البشرية أن تعيش ظلاماً دامساً بسبب الابتعاد عن أوامر الباري عزوجل. إلي أن بُعث أشرف الكائنات وسيدها النبي الأعظم محمد صلي الله عليه و اله فجاء بدعوته السمحاء لينقذ البشرية من

الظلمات ويستنقذها من العمي والضلال إلي نور الهداية …

فجُوبه صلي الله عليه و اله بألوان العذاب والأذي والاضطهاد بشتي أنواعه حتي قال (صلوات الله عليه وآله): «ما أوذي نبي مثلما أوذيت» (). وكان من أشد الظالمين له صلي الله عليه و اله ولأهل بيته عليهم السلام ولأصحابه زعماء قريش وجبابرتها وأعوانهم … مما أدي به صلي الله عليه و اله أن يأمر أصحابه بأن يتركوا وطنهم وأرضهم ويهاجروا الهجرة الأولي إلي الحبشة.

وهذا الرأي الحكيم الذي اتخذه رسول الله صلي الله عليه و اله كانت الغاية منه أولاً الحفاظ علي أرواح أتباعه من المسلمين من بطش طواغيت مكة وجبابرتها كأبي جهل وأمية بن خلف وأبي سفيان ومن أشبه، وثانياً يكون هؤلاء المهاجرون دعاة لنشر الفكر السماوي والمنهج الرباني، وربما يصلح مكان هجرتهم ليكون القاعدة القوية لنشر الدين الحنيف كما حدث في المدينة المنورة الأرض الطيبة التي احتضنت الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله ودعوته الكريمة، إلي غير ذلك من الفوائد…

ففائدة الهجرة كبيرة جداً لمن يستثمرها ويستغلها بحسب المقاييس والضوابط الشرعية وفيما ينفع في سبيل الأمل المنشود وهو بناء الأمة الإسلامية الواحدة غير المجزأة، وإن كان يشوبها أي الهجرة بعض المخاطر، ويحيط بها بعض الصعاب، لكن يمكن الاستفادة من دروسها وعبرها لغاية أكبر ومصلحة أشمل.

وفي هذا الكتاب يبين لنا الإمام الشيرازي (أعلي لله درجاته) كيف يمكن أن نوظف إمكانياتنا في المهجر وبلاد الغربة، عبر الاستفادة من دروس الماضي وحياة الأماجد من المسلمين، الذين هاجروا وهجّروا في سبيل الله وضحوا بكل شيء من أجل كلمة التوحيد وإعلائها في أرجاء المعمورة. ومن هؤلاء الكرام جعفر بن أبي طالب عليه السلام الذي هو من أوائل المهاجرين المسلمين إلي الحبشة،

المشهور بحنكته السياسية وأخلاقه الفاضلة وإيمانه العميق التي جعلت من ملك الحبشة أن يكون له خير عون وسند في غربته.

كما يوضح الإمام الراحل (أعلي الله درجاته) للإخوة المهجّرين والمهاجرين الخطوط العريضة في الاستفادة من الاغتراب والهجرة، كي يكونوا دعاةً لهذا الدين الحنيف، وسبباً في نشر المذهب الحق مذهب أهل البيت عليهم السلام.

وقد كان الإمام الشيرازي ? سبّاقاً في تذليل الصعاب أمام المؤمنين المهجّرين والمغتربين الذين عاش بينهم …

هذا ونظراً لما نشعر به من مسؤولية كبيرة في نشر مفاهيم الإسلام الأصيلة قمنا بطبع ونشر هذه السلسلة القيمة من المحاضرات الإسلامية لسماحة المرجع الراحل ? التي منها هذا الكتاب والتي ألقاها في فترات زمنية مختلفة في العراق والكويت وإيران تزيد علي أربعة عقود من الزمن..

نرجو من المولي العلي القدير أن يوفقنا لإعداد ونشر ما يتواجد منها، وأملاً بالسعي من أجل تحصيل المفقود منها وإخراجه إلي النور، لنتمكن من نشر سلسلة إسلامية كاملة ومختصرة تنقل للأمة وجهة نظر الإسلام تجاه مختلف القضايا الاجتماعية والسياسية الحيوية بأسلوب واضح وبسيط.. إنه سميع مجيب.

مؤسسة المجتبي للتحقيق والنشر

بيروت لبنان ص.ب: 5955 / 13

البريد الإلكتروني: almojtaba@alshirazi.com

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام علي نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين، واللعنة الدائمة علي أعدائهم أجمعين إلي قيام يوم الدين.

قال تعالي: ?قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللهِ وَاسِعَةٌ?().

وتفسير الآية المباركة هكذا: ?قُلْ? يا رسول الله?يَا عِبَادِ ? وأصله يا عبادي?الَّذِينَ آمَنُوا? فعل ماضي?اتَّقُوا? أيها الناس?رَبَّكُمْ? أي: خافوا عقابه،فلا تخالفوا أوامره، فإنه?لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا? في العقيدة والعمل ?فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ? المراد بها الجنس، فإن اتباع مناهج الله سبحانه، يوجب الغني والصحة والأمن والعلم والفضيلة

وسائر الخيرات، كما دل عليه الدليل والتجارب ?و ? إذا رأيتم أنكم لا تتمكنون من الإتيان بالطاعة في مكان فهاجروا، ف?أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةٌ? إلي حيث تتمكنون من أن تحسنوا هناك، وحيث إن الهجرة توجب أتعاباً فقال سبحانه: ?إِنَّمَا يُوَفَّي? يُعطي وافياً ?الصَّابِرُونَ? في الشدائد ?أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ? فإنه لكثرته لا يتمكن الإنسان من عده، وإن كان بقدر معلوم عند الله().

وقال تبارك وتعالي: ? إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلاَئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيراً ? إِلاَ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً ? فَأُولَئِكَ عَسَي اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللهُ عَفُوّاً غَفُوراً ? وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللهِ يَجِدْ فِي الأرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَي اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَي اللهِ وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً?().

وفي هذه الآية المباركة يتوجه الخطاب إلي طائفة أخري من القاعدين عن الهجرة الذين لم يعدهم الله الحسني، بل وعدهم العذاب لأنهم هم السبب في ظلم الكفار لهم وهضمهم حقوقهم ?إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلاَئِكَةُ? أي تقبض الملائكة أرواحهم، فإن لملك الموت أعواناً كما ورد في الروايات الشريفة، ودلت عليه هذه الآية، ?ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ? أي: في حال كونهم ظالمين لأنفسهم، لأنهم بقوا في دار الهوان حيث يسومهم الكفار العذاب ويمنعونهم من الإيمان بالله والرسول صلي الله عليه و اله، وقد كان بإمكان هؤلاء أن يهاجروا إلي دار الإيمان ويؤمنوا، ولعل الآية أعم منهم ومن المؤمنين الذين بقوا في دار الكفر ولا يتمكنون من إظهار واجبات الإسلام والعمل بما أوجبه الله سبحانه

?قَالُوا? أي: قالت الملائكة لهم عند قبض أرواحهم: ?فِيمَ كُنْتُمْ ? أي: في أي شيء كنتم من أمر دينكم، وهو استفهام تقريري توبيخي ?قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأرْضِ ? ليستضعفنا أهل الشرك في بلادنا فلا يتركوننا لأن نؤمن، أو لايتركوننا لأن نعمل بالإسلام ?قَالُوا? أي: قالت الملائكة لهم ?أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً? حتي تخرجوا من سلطنة الكفار، وتتمكنوا من الإسلام أو من العمل بشرائعه.

?فَأُولَئِك? الذين سبق وصفهم ?مَأْوَاهُمْ ? مرجعهم ومحلهم ?جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيراً? أي: أنها مصير سيئ لعذابها وأهوالها.

ثم استثني سبحانه من هؤلاء من لا يتمكن من الهجرة فإنه ليس مكلفاً، وإنما أمره إلي الله تعالي ?إِلاَ الْمُسْتَضْعَفِينَ? الذين استضعفهم الكفار في بلادهم ?مِنَ الرِّجَالِ? العجزة ?والنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ ? وهاتان الطائفتان في طبيعتهم العجز عن الفرار والهجرة ?لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً ? أي: علاجاً لأمرهم وفكاً لأنفسهم عن سلطة المشركين ?وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً ? للفرار والهجرة، ?فَأُولَئِكَ? العاجزون من المستضعفين ?عَسَي اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ? أي: لعل الله سبحانه يغفر لهم ذنبهم،ودخول عسي في مثل هذه الآية للدلالة علي كون الأمر بيد الله سبحانه،وأنه كان قادراً علي أن يأمرهم بما يحرجهم من وجوب خروجهم وإظهار دينهم وإن بلغ لهم الأمر ما بلغ.

لا يقال: إن كان المراد بالمستضعفين الكفار فكيف يعفي عن الكفر؟

لأنه يقال: الدليل العقلي والنقلي قد دل علي امتحان الضعفاء والعجزة والبله ومن إليهم في الآخرة، وذلك بخلاف الكافر المعاند الذي مصيره النار حتماً.

?وَكَانَ اللهُ عَفُوّاً? يعفو عمن يشاء ?غَفُوراً? يغفر الذنوب، ولعل الفرق بين العفو والغفران أن العفو غفران بلا ستر، والغفران عفو مع الستر، فإن عدم العقاب لا يلازم الستر.

وقد يمنع عن الهجرة خوف أن لا يجد الإنسان في محله الجديد

ما يلائم مسكنه ومكسبه، ولكنه ليس إلا توهماً؛ فإن الأرض واسعة والكسب ممكن في كل مكان ?وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللهِ? لأمره سبحانه ومن أجله ?يَجِدْ فِي الأرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً? المرغم مصدر بمعني المتحول، وأصله من الرغام وهو التراب() ?وَسَعَةً ? أي في الكسب وسائر شؤون الحياة. ?وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً? يهاجر وطنه ومحله، ويقطع عنه ?إِلَي اللهِ وَرَسُولِهِ? والهجرة إلي الله أي: إلي محل أمره، والهجرة إلي الرسول إما حقيقي كما في زمان حياته صلي الله عليه و اله، وإما مجازي كما إذا هاجر إلي بلاد الإسلام حسب أمر الرسول ?ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ? أي: يموت في طريقه ?فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَي اللهِ? لأنه خرج في سبيله وحسب أمره فأجره وثوابه عليه سبحانه ?وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً? يغفر ذنوب المهاجر ?رَحِيماً? يرحمه بإعطائه الثواب، وفي الحديث: «من فر بدينه من أرض إلي أرض وإن كان شبراً من الأرض، استوجب الجنة،وكان رفيق أبيه إبراهيم ونبيه محمد صلي الله عليه و اله» ().

وقد ورد في بعض التفاسير أن السبب في نزول هذه الآية أنه لما نزلت آيات الهجرة سمعها رجل من المسلمين كان بمكة يسمي (جندب بن ضمرة) فقال: والله ما أنا مما استثني الله، إني لأجد قوة، وإني لعالم بالطريق، وكان مريضاً شديد المرض، فقال لبنيه: والله لا أبيت بمكة حتي أخرج منها، فإني أخاف أن أموت فيها، فخرجوا يحملونه علي سرير حتي إذا بلغ التنعيم مات، فنزلت الآية().

مدرسة الهجرة

بعد ما ذكرنا بعض التوضيح للآيات الشريفة، والتي موضوعها الهجرة وما يحيط بها، نقول: إن الحياة مدرسة زاخرة بالدروس التي تمد الإنسان بمختلف أسباب التقدم والكمال، ومن هذه الدروس درس (الهجرة)()، فعلي الإنسان المسلم أن يستفيد

من هذا الدرس، ويوظّفه لصالحه ولصالح مجتمعه.

وكما أن الإنسان يواجه في الهجرة المتاعب والآلام الكثيرة من ترك الوطن والأهل والشعور بالغربة ونحو ذلك، إلا أنه في مقابل ذلك يجني فوائد عظيمة، حيث ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: «إن الله تبارك وتعالي ليحب الاغتراب في طلب الرزق» ().

وقال أمير المؤمنين عليه السلام: «ليس في الغربة عار إنما العار في الوطن الافتقار» ().

وهذا بالإضافة إلي الثواب الأخروي العظيم الذي سوف يناله نتيجة هجرته في سبيل الله تعالي، بنص القرآن الكريم، كما قال سبحانه وتعالي: ?وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ?(). فإن الذين هاجروا من ديارهم فراراً بدينهم، وإتباعاً لنبيهم، من بعد أن ظلمهم قومهم وآذوهم وبخسوهم حقوقهم، فإن الله تعالي يبوئهم في الدنيا حسنة، والتبوء الإحلال بالمكان للمقام، يقال: تبوأ منزلاً يتبوأ إذا اتخذه، وبوأه غيره تبويئاً إذا أحله غيره().

لذا فإن الهجرة تعتبر مدرسة تعلم الإنسان المهاجر الصبر والشجاعة من خلال إقدامه علي تحمل المعاناة، وكيفية التكيّف مع الظروف المحيطة به من فقر وقلة ناصر ومعين، ونحو ذلك. وفي نفس الوقت تحفظ نفس الإنسان ودينه وماله من بطش الظَلمة وطغيانهم الذين ترك بلده بسببهم مضافاً إلي ما يقوم المهاجر بتبليغ دينه في أرض المهجر.

الهجرة وتقسيماتها

للهجرة معان متعددة من أهمها:

1: الهجرة المكانية، وهو الخروج من أرض إلي أخري.

2: الهجرة من السيئات والخروج من ذل معصية الله إلي عزّ طاعته. كما قال أمير المؤمنين عليه السلام: «اهجروا الشهوات فإنها تقودكم إلي ركوب الذنوب والتهجم علي السيئات» ().

وبحثنا هنا يدور حول القسم الأول من الهجرة، أي: (الهجرة المكانية)، أما الهجرة من السيئات فهي مما لا تختص بزمان

أو مكان، وإنما تتعلق بالإنسان المؤمن مادام حياً، وأينما كل وحلّ، بل إن ذلك من مقومات شخصية المؤمن، وكما قال أمير المؤمنين عليه السلام لكميل بن زياد: «ياكميل، قل الحق علي كل حال، وواد المتقين، واهجر الفاسقين، وجانب المنافقين ولا تصاحب الخائنين» ().

من أسباب الهجرة

إن الهجرة المكانية تحصل لأسباب عديدة منها:

1. الظلم.

2. التبليغ.

3. الجهاد.

ونحو ذلك.

وللهجرة المكانية مصاديق متعددة في الخارج، وخير مصداق نستشهد به هو هجرة المسلمين إلي الحبشة، وكذلك هجرتهم الثانية إلي المدينة المنورة، ونستخلص من هاتين الهجرتين الدروس الأخلاقية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية الكثيرة، ولعل دراستها والاستفادة منها في وقتنا الحاضر تعيننا أكثر علي فهم ظروفنا الحالية وطريقة معالجتها، خصوصاً بعد أن عادت اليوم الجاهلية إلي الناس، ولكن بأسلوب جديد يكاد يكون أكثر خطورة من ذي قبل، فكثرت الضغوط علي المسلمين، ومن جميع الاتجاهات، ونشبت الحروب المدمّرة في البلاد الإسلامية، وكثر القتل والسبي والنهب في صفوف المسلمين من قبل الحكّام الظلمة وعملاء الغرب والشرق، وأنشئت السجون والمعتقلات الرهيبة، وانتشر الظلم والفساد في المنطقة،مما أدي إلي ازدياد أعداد المهاجرين والمهجّرين والمشردين من أرض الوطن الإسلامي إلي شتي بقاع العالم()، وما أحوج المسلمين اليوم إلي الدروس العظيمة التي أفرزتها هجرة رسول الله صلي الله عليه و اله والمسلمين، وأساليبهم المبتكرة في التغلب علي الأوضاع الصعبة التي عاشوها، وكيفية تعاملهم مع الأعداء الذين أحاطوا بهم.

المسلمون الأوائل وقريش

كان المسلمون في بادئ الأمر فئة قليلة مستضعفة من الناحية العددية والاقتصادية والعسكرية مقارنة بقريش وسائر الكفار؛ حيث كانت قريش تمتلك قوة اقتصادية هائلة في مكة، ولها تحالفات تجارية قوية مع أغلب القبائل العربية، وتملك أراض واسعة وسلطاناً مترامي الأطراف، تنطوي تحت لوائه قبائل عربية كبيرة ذات سطوةٍ وهيبةٍ كبيرتين مقارنة بغيرها، فضلاً عن العنجهية والتكبّر المتمثلين بجاهلية قريش.

كل هذه العوامل والأسباب جعلت قريشاً تعلن الحرب ضد الإسلام، وحاولت إخماد جذوة هذا الدين الفتي الذي تتعارض تعاليمه السمحاء مع مصالح قريش الدنيوية وجاهليتهم واستكبارهم واستبدادهم، فسارعوا إلي محاربة كل من يؤمن بهذا الدين أو يمت

له بصلة، ومارسوا بحق أتباعه شتي أنواع التعذيب الجسدي والنفسي، ابتداءً بتسخيف هذا الدين واتهام صاحبه صلي الله عليه و اله بالسحر أو الجنون، وانتهاء بترويج الإشاعات الباطلة بشرعية هذا الدين، وما إلي ذلك من أساليب العاجزين، فقال تبارك وتعالي: ?ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ ? بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ ? كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنادَوْا وَلاتَ حِينَ مَناصٍ ? وَعَجِبُوا أَنْ جاءهمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقالَ الْكافِرُونَ هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ?().

وفي هذا المعني قال أمير المؤمنين عليه السلام:

«أنا وضعت في الصغر بكلاكل العرب، وكسرت نواجم قرون ربيعة ومضر، وقد علمتم موضعي من رسول الله صلي الله عليه و اله بالقرابة القريبة، والمنزلة الخصيصة، وضعني في حجره وأنا ولد يضمني إلي صدره، ويكنفني إلي فراشه، ويمسني جسده ويشمني عرفه، وكان يمضغ الشيء ثم يلقمنيه، وما وجد لي كذبة في قول، ولا خطلة في فعل، ولقد قرن الله به صلي الله عليه و اله من لدن أن كان فطيما أعظم ملك من ملائكته يسلك به طريق المكارم، ومحاسن أخلاق العالم ليله ونهاره، ولقد كنت أتبعه اتباع الفصيل أثر أمه، يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علما، ويأمرني بالاقتداء به، ولقد كان يجاور في كل سنة بحراء فأراه ولا يراه غيري، ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول الله صلي الله عليه و اله وخديجة وأنا ثالثهما، أري نور الوحي والرسالة، وأشم ريح النبوة ولقد سمعت رنة الشيطان حين نزل الوحي عليه صلي الله عليه و اله فقلت: يا رسول الله، ما هذه الرنة؟

فقال: هذا الشيطان أيس من عبادته، إنك تسمع ما أسمع وتري ما أري إلا أنك لست بنبي. ولكنك لوزير وإنك

لعلي خير.

ولقد كنت معه صلي الله عليه و اله لما أتاه الملأ من قريش، فقالوا له: يا محمد، إنك قد ادعيت عظيما لم يدعه آباؤك ولا أحد من بيتك، ونحن نسألك أمراً إن أنت أجبتنا إليه وأريتناه علمنا أنك نبي ورسول، وإن لم تفعل علمنا أنك ساحر كذاب.

فقال صلي الله عليه و اله: وما تسألون؟

قالوا: تدعو لنا هذه الشجرة حتي تنقلع بعروقها وتقف بين يديك.

فقال صلي الله عليه و اله: إن الله علي كل شيء قدير، فإن فعل الله لكم ذلك أتؤمنون وتشهدون بالحق؟

قالوا: نعم.

قال: فإني سأريكم ما تطلبون، وإني لأعلم أنكم لا تفيئون إلي خير، وإن فيكم من يطرح في القليب، ومن يحزّب الأحزاب، ثم قال صلي الله عليه و اله: يا أيتها الشجرة، إن كنت تؤمنين بالله واليوم الآخر، وتعلمين أني رسول الله، فانقلعي بعروقك حتي تقفي بين يدي بإذن الله. فو الذي بعثه بالحق، لانقلعت بعروقها وجاءت، ولها دوي شديد وقصف كقصف أجنحة الطير حتي وقفت بين يدي رسول الله صلي الله عليه و اله مرفرفة، وألقت بغصنها الأعلي علي رسول الله صلي الله عليه و اله، وببعض أغصانها علي منكبي، وكنت عن يمينه صلي الله عليه و اله.

فلما نظر القوم إلي ذلك قالوا علواً واستكباراً: فمرها فليأتك نصفها ويبقي نصفها.

فأمرها بذلك، فأقبل إليه نصفها كأعجب إقبال وأشده دويا، فكادت تلتف برسول الله صلي الله عليه و اله.

فقالوا كفراً وعتواً: فمر هذا النصف فليرجع إلي نصفه كما كان، فأمره صلي الله عليه و اله فرجع.

فقلت أنا: لا إله إلا الله، فإني أول مؤمن بك يا رسول الله، وأول من أقر بأن الشجرة فعلت ما فعلت بأمر الله تعالي، تصديقاً بنبوتك، وإجلالاً لكلمتك.

فقال

القوم كلهم: بل ساحر كذاب، عجيب السحر خفيف فيه، وهل يصدقك في أمرك إلا مثل هذا يعنوني وإني لمن قوم لا تأخذهم في الله لومة لائم، سيماهم سيما الصديقين، وكلامهم كلام الأبرار، عمار الليل ومنار النهار، متمسكون بحبل القرآن، يحيون سنن الله وسنن رسوله، لا يستكبرون ولا يعلون ولا يغلون ولا يفسدون، قلوبهم في الجنان وأجسادهم في العمل..» ().

وهكذا كانت قريش تتهم النبي صلي الله عليه و اله بالسحر والجنون وكانوا يمارسون القتل والتعذيب بحق أتباعه، كما أعلنوا المقاطعة الاقتصادية والاجتماعية بوجههم، بحيث لم يتعاملوا معهم ببيع أو شراء أو زواج أو أي نوع من أنواع التعامل، وبالمقابل حاولوا إغراء الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله والمسلمين بالسلطة والمال للعدول عن دينهم ومعتقدهم، فاستخدموا أسلوب الترهيب والترغيب في الضغط علي المسلمين ولكن قوة الإيمان والاعتقاد هي التي حالت دون ذلك.

صحيفة قريش

صحيفة قريش

لقد عاني رسول الله صلي الله عليه و اله المصاعب الجمة في سبيل هداية قومه من قريش وغيرهم، ولاقي منهم ما لاقي من المؤامرات تلو المؤامرات، وكان من أشدها وأشرسها علي المسلمين عامة وعلي رسول الله صلي الله عليه و اله حصارهم في شعب أبي طالب عليه السلام.

فعندما أسري برسول الله صلي الله عليه و اله إلي بيت المقدس، حمله جبرئيل علي البراق فأتي به بيت المقدس وعرض عليه محاريب الأنبياء عليهم السلام وصلي بهم ورده، فمر رسول الله صلي الله عليه و اله في رجوعه بعير لقريش وإذا لهم ماء في آنية فشرب منه واكفأ ما بقي، وقد كانوا أضلوا بعيراً لهم وكانوا يطلبونه، فلما أصبح قال رسول الله صلي الله عليه و اله لقريش: «إن الله قد أسري بي إلي بيت المقدس

فأراني آيات الأنبياء ومنازلهم، وإني مررت بعير لقريش في موضع كذا وكذا وقد أضلوا بعيراً لهم، فشربت من مائهم وأهرقت باقي ذلك».

فقال أبو جهل: قد أمكنتم الفرصة منه، فسألوه كم فيها من الأساطين والقناديل؟ فقالوا: يا محمد، إن هاهنا من قد دخل بيت المقدس، فصف لنا كم أساطينه وقناديله ومحاريبه؟

فجاء جبرئيل عليه السلام فعلق صورة بيت المقدس تجاه وجهه، فجعل يخبرهم بما سألوه عنه.

فلما أخبرهم قالوا: حتي يجيء العير نسألهم عما قلت.

فقال لهم رسول الله صلي الله عليه و اله: «تصديق ذلك أن العير يطلع عليكم عند طلوع الشمس يقدمها جمل أحمر عليه عزارتان».

فلما كان من الغد أقبلوا ينظرون إلي العقبة ويقولون: هذه الشمس تطلع الساعة، فبينما هم كذلك إذ طلع عليهم العير حين طلوع القرص يقدمها جمل أحمر، فسألوهم عما قال رسول الله صلي الله عليه و اله.

قالوا: لقد كان هذا، ضل لنا بعير، في موضع كذا وكذا، ووضعنا ماء فأصبحنا وقد أريق الماء. فلم يزدهم ذلك إلا عتواً.

فاجتمعوا في دار الندوة وكتبوا بينهم صحيفة أن لا يواكلوا بني هاشم، ولا يكلموهم،ولا يبايعوهم،ولا يزوجوهم، ولايتزوجوا إليهم، ولا يحضروا معهم، حتي يدفعوه إليهم ليقتلوه، وأنهم يد واحدة علي محمد صلي الله عليه و اله ليقتلوه غيلة، أو صراحاً.

فلما بلغ ذلك أبا طالب عليه السلام جمع بني هاشم ودخل الشعب، وكانوا أربعين رجلا، فحلف لهم أبو طالب بالكعبة والحرم والركن والمقام، لئن شاكت محمداً شوكة لأثبن عليكم يا بني هاشم. وحصن الشعب، وكان يحرسه بالليل والنهار، فإذا جاء الليل يقوم بالسيف عليه ورسول الله مضطجع ثم يقيمه ويضطجعه في موضع آخر، فلا يزال الليل كله هكذا، ويوكل ولده وولد أخيه به يحرسونه بالنهار، وأصابهم الجهد، وكان

من دخل من العرب مكة لا يجسر أن يبيع من بني هاشم شيئاً، ومن باع منهم شيئا انتهبوا ماله. وكان أبو جهل، والعاص بن وائل السهمي، والنضر بن الحارث بن كلدة، وعقبة بن أبي معيط يخرجون إلي الطرقات التي تدخل مكة، فمن رأوه معه ميرة نهوه أن يبيع من بني هاشم شيئاً، ويحذرونه إن باع شيئاً منهم أن ينهبوا ماله.

وكانت خديجة لها مال كثير فأنفقته علي رسول الله صلي الله عليه و اله في الشعب.

ولم يدخل في حلف الصحيفة مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد المطلب بن عبد مناف، وقال: هذا ظلم.

وختموا الصحيفة بأربعين خاتماً ختمها كل رجل من رؤساء قريش بخاتمه وعلقوها في الكعبة، وتابعهم أبو لهب علي ذلك.

وكان رسول الله صلي الله عليه و اله يخرج في كل موسم ويدور علي قبائل العرب فيقول لهم: «تمنعون لي جانبي حتي أتلو عليكم كتاب الله ربي وثوابكم علي الله الجنة» وأبو لهب في أثره فيقول: لا تقبلوا منه فإنه ابن أخي وهو كذاب ساحر. فلم يزل هذه حاله فبقوا في الشعب أربع سنين لا يأمنون إلا من موسم إلي موسم، ولايشترون ولايبايعون إلا في الموسم.

وكان يقوم بمكة موسمان في كل سنة: موسم العمرة في رجب، وموسم الحج في ذي الحجة، فكان إذا جاء الموسم تخرج بنو هاشم من الشعب فيشترون ويبيعون ثم لا يجسر أحد منهم أن يخرج إلي الموسم الثاني، فأصابهم الجهد وجاعوا.

وبعثت قريش إلي أبي طالب: ادفع إلينا محمداً لنقتله ونملكك علينا.

فقال أبو طالب عليه السلام قصيدته الطويلة، يقول فيها:

فلما رأيت القوم لا ود فيهم

وقد قطعوا كل العري والوسائل

ألم تعلموا أن ابننا لا مكذب

لدينا ولا يعني بقول الأباطل

وأبيض يستسقي الغمام بوجهه

ثمال اليتامي

عصمة للأرامل

يطوف به الهلاك من آل هاشم

فهم عنده في نعمة وفواضل

كذبتم وبيت الله نبزي محمدا

ولما نطاعن دونه ونناضل

ونسلمه حتي نصرع دونه

ونذهل عن أبنائنا والحلائل

لعمري لقد كلفت وجدا بأحمد

وأحببته حب الحبيب المواصل

وجدت بنفسي دونه وحميته

ودافعت عنه بالذرا والكلاكل

فلا زال في الدنيا جمالا لأهلها

وشينا لمن عادي وزين المحافل

حليما رشيدا حازما غير طائش

يوالي إله الحق ليس بماحل

فأيده رب العباد بنصره

وأظهر دينا حقه غير باطل

فلما سمعوا هذه القصيدة آيسوا منه.

فلما أتي لرسول الله صلي الله عليه و اله في الشعب أربع سنين بعث الله علي صحيفتهم القاطعة دابة الأرض، فلحست جميع ما فيها من قطيعة رحم وظلم وجور وتركت اسم الله، ونزل جبرئيل عليه السلام علي رسول الله صلي الله عليه و اله فأخبره بذلك، فأخبر رسول الله صلي الله عليه و اله أبا طالب.

فقام أبو طالب عليه السلام ولبس ثيابه ثم مشي حتي دخل المسجد علي قريش وهم يجتمعون فيه، فلما بصروا به قالوا: قد ضجر أبو طالب وجاء الآن ليسلم ابن أخيه. فدنا منهم وسلم عليهم، فقاموا إليه وعظموه وقالوا: يا أبا طالب قد علمنا أنك أردت مواصلتنا والرجوع إلي جماعتنا، وأن تسلم إلينا ابن أخيك.

قال: والله ما جئت لهذا، ولكن ابن أخي أخبرني، ولم يكذبني: أن الله أخبره أنه بعث علي صحيفتكم القاطعة دابة الأرض، فلحست جميع ما فيها من قطيعة رحم وظلم وجور وتركت اسم الله، فابعثوا إلي صحيفتكم فإن كان حقا فاتقوا الله وارجعوا عما أنتم عليه من الظلم والجور وقطيعة الرحم، وإن كان باطلا دفعته إليكم، فإن شئتم قتلتموه وإن شئتم استحييتموه.

فبعثوا إلي الصحيفة فأنزلوها من الكعبة وعليها أربعون خاتماً فلما أتوا بها نظر كل رجل منهم إلي خاتمه، ثم فكوها فإذا ليس

فيها حرف واحد إلا: باسمك اللهم. فقال لهم أبو طالب: يا قوم اتقوا الله وكفوا عما أنتم عليه. فتفرق القوم ولم يتكلم أحد منهم.

ورجع أبو طالب إلي الشعب وقال في ذلك قصيدته البائية التي أولها:

ألا من لهم آخر الليل منصب

وشعب القضاء من قومك المتشعب

وقد كان في أمر الصحيفة عبرة

متي ما يخبر غائب القوم يعجب

محا الله منها كفرهم وعقوقهم

وما نقموا من ناطق الحق معرب

وأصبح ما قالوا من الأمر باطلا

ومن يختلق ما ليس بالحق يكذب

وأمسي ابن عبد الله فينا مصدقا

علي سخط من قومنا غير معتب

فلا تحسبونا مسلمين محمدا

لذي عزة منا ولا متعزب

ستمنعه منا يد هاشمية

مركبها في الناس خير مركب

وقال عند ذلك نفر من بني عبد مناف، وبني قصي، ورجال من قريش ولدتهم نساء بني هاشم منهم: مطعم بن عدي بن عامر بن لؤي، وكان شيخاً كبيراً كثير المال له أولاد، وأبو البختري ابن هشام، وزهير بن أمية المخزومي في رجال من أشرافهم: نحن براء مما في هذه الصحيفة. وقال أبو جهل: هذا أمر قضي بليل.

وخرج النبي صلي الله عليه و اله من الشعب ورهطه وخالطوا الناس، ومات أبو طالب عليه السلام بعد ذلك بشهرين وماتت خديجة ? بعد ذلك. وورد علي رسول الله صلي الله عليه و اله أمران عظيمان وجزع جزعا شديدا ().

أهداف قريش

وكانت من أهداف قريش في هذه الأعمال وغيرها النقاط التالية:

1: الضغط علي الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله والمسلمين ليتركوا هذا الدين، ويعدلوا إلي ديانة قريش، إما بالترغيب أو الترهيب، خصوصاً وأنهم كانوا أقليّة.

2: حصر المسلمين بطائفة قليلة، ليحولوا دون انتشار الإسلام بين الناس، ففرضوا الحصار الشديد علي المسلمين وحاولوا منع اختلاطهم بالناس، وخصوصاً القبائل العربية من غير قريش عند مجيئها إلي

مكة.

الفشل الذريع

إلا أن جميع هذه التدابير فشلت فشلاً ذريعاً وذلك بفضل السياسة الحكيمة لرسول الله صلي الله عليه و اله حيث استخدم أسلوب الهجرة لفك الحصار عن المسلمين، والانتشار في الأرض لإنقاذ المسلمين من الضغوطات أولاً، ولنشر الدين الإسلامي ثانياً.

مضافاً إلي الإيمان القوي الذي كان يحمله المسلمون بحيث لم تؤثر فيهم كل تلك الضغوط من قتل وسبي ومقاطعة اقتصادية واجتماعية، بل ازدادوا إيماناً بالله تعالي ورسوله يوماً بعد يوم، وتمكنوا من التأثير علي بعض الناس للدخول في الإسلام، ولذا فإنه وبالرغم من المحاصرة والمقاطعة أخذ هذا الدين بالتوسع والانتشار، فأعلنت قريش الحرب بصورة أشد وأوسع، وبدأت تزيد من ضغوطها، وأخذ القتل والتعذيب ينال كل من يعلن إسلامه، وأصبح الخطر يهدد جميع المسلمين في كل زمان ومكان، فأمر الرسول صلي الله عليه و اله المسلمين بالسفر إلي الحبشة().

لماذا الحبشة؟

ولكن لماذا اختار الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله الحبشة للهجرة الأولي دون سواها من البقاع؟

في جواب ذلك نقول:

أولاً: لأن ملك الحبشة المسمي (النجاشي)() كان ملكاً عادلاً لا يظلم عنده أحد، وهذا ما صرّح به الرسول الأكرم صلي الله عليه و اله عندما أمر المسلمين بالخروج إلي الحبشة حيث قال: «إن بها ملكاً صالحاً لا يظلم ولا يُظلم عنده أحد، فأخرجوا إليه حتي يجعل الله عزوجل للمسلمين فرجاً» ().

ثانياً: لبعد الحبشة عن مكة، وهذا يساعد في الحد من ضغوط قريش علي المسلمين.

ثالثاً: لقوة الحبشة، فالحبشة في ذلك الوقت كانت مملكة قوية لا تستطيع قريش محاربتها و الإغارة عليها.

رابعاً: لضعف النفوذ المكّي علي السلطة الحاكمة في الحبشة بخلاف بقية المناطق الأخري والتي يحظي بها المكّيون بنفوذ قوي وواسع، سواء كان تجارياً أو سياسياً أو دينياً.

لهذه الأسباب وغيرها اختار رسول

الله صلي الله عليه و اله الحبشة دون سواها.

فخرج عدد من المسلمين سراً إلي الحبشة، وقد ذكر في بعض كتب التاريخ: إن المسلمين الذين خرجوا في بادئ الأمر إلي الحبشة كانوا أحد عشر رجلاً وأربع نسوة. فخرجوا إلي البحر واستأجروا سفينة إلي أرض الحبشة بنصف دينار، وذلك في شهر رجب من السنة الخامسة من مبعث رسول الله صلي الله عليه و اله.

وكانت هذه الهجرة هي الهجرة الأولي، ثم خرج جعفر بن أبي طالب (رضوان الله عليه) من بعد ذلك، وتتابع المسلمون في الهجرة إلي الحبشة حتي وصل عددهم إلي اثنين وثمانين رجلاً من غير النساء والصبيان().

موقف قريش من الهجرة

عندما هاجر المسلمون إلي الحبشة، وسمع بذلك أهل مكة، نزل هذا الخبر كالصاعقة علي رؤوس الشرك والضلال من زعماء قريش، حيث غيّر الكثير من حساباتهم التي وضعوها للحد من انتشار هذا الدين، فمن ضمن الأهداف التي كانوا يرومونها من الضغط علي الرسول الأكرم صلي الله عليه و اله وأتباعه هي:

حصر المسلمين والحد من دعوتهم، وذلك بمنعهم من الالتقاء بأهل مكة وغير أهل مكة والحيلولة دون هجرتهم إلي المناطق المجاورة، فقد كان زعماء الشرك في مكة يعلمون أن المسلمين لو استطاعوا النفوذ إلي المناطق المجاورة، لعملوا علي كسب أهل هذه المناطق للدخول في الإسلام؛ لأن الإسلام دين الفطرة والعقل ويأمر بكل الأشياء الحسنة، وينهي عن كل الأشياء القبيحة، فقد أحل الله تبارك وتعالي الطيبات وحرم عزوجل الخبائث، ولما يتمتع به المسلمون من إيمان قوي وحنكة وذكاء، فيستطيعون بواسطة هذا كسب الناس إلي دينهم، وهذا ما حصل فعلاً، حيث إن المسلمين استطاعوا أن يُدخلوا مجموعات كبيرة من الناس إلي الدين الإسلامي وكان من ضمنهم ملك الحبشة نفسه، ولكن نظراً للعنجهية التي

كانت مسيطرة علي تفكير زعماء الشرك في مكة، والجهل المتغلغل إلي أبعد نقطة في عقولهم، ولتعارض تعاليم الإسلام مع المفاسد والأطماع غير الشرعية التي كانوا يدعون لها، فإنهم لم يرضخوا للأمر الواقع ولم يقبلوا النتيجة، بل فكروا في كل وسيلة يستطيعون بواسطتها إرجاع هؤلاء المسلمين إلي مكة، فأوصلهم جهلهم إلي إرسال مبعوثين إلي ملك الحبشة، يحملون معهم الهدايا الثمينة إليه، ليطالبوه بتسليم المسلمين إليهم، ظناً منهم أن الهدايا ستؤثر أثرها بالملك فيستجيب لطلبهم، ولكن النتيجة جاءت عكسية وليس كما يظنون.

قال تعالي: ?وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ?().

سفراء قريش إلي ملك الحبشة

جاء في التفاسير: إن سبب نزول قوله تعالي:

?لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَي?() أنّه لما اشتدت قريش في أذي رسول الله صلي الله عليه و اله وأصحابه الذين آمنوا به بمكة قبل الهجرة، أمرهم رسول الله صلي الله عليه و اله أن يخرجوا إلي الحبشة، وأمر جعفر بن أبي طالب عليه السلام أن يخرج معهم، فخرج جعفر ومعه سبعون رجلاً من المسلمين حتي ركبوا البحر، فلما بلغ قريش خروجهم بعثوا عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد إلي النجاشي ليردوهم، وكان عمرو وعمارة متعاديين، فقالت قريش: كيف نبعث رجلين متعاديين؟ فبرئت بنو مخزوم من جناية عمارة، وبرئت بنو سهم من جناية عمرو بن العاص، فخرج عمارة وكان حسن الوجه شابا مترفاً، فأخرج عمرو بن العاص أهله معه، فلما ركبوا السفينة شربوا الخمر، فقال عمارة لعمرو بن العاص: قل لأهلك تقبلني، فقال عمرو: أيجوز هذا، سبحان الله؟! فسكت عمارة فلما انتشا عمرو وكان علي صدر السفينة، دفعه عمارة وألقاه

في البحر، فتشبث عمرو بصدر السفينة وأدركوه فأخرجوه، فوردوا علي النجاشي، وقد كانوا حملوا إليه هدايا فقبلها منهم.

فقال عمرو بن العاص: أيها الملك، إن قوماً منا خالفونا في ديننا وسبوا آلهتنا وصاروا إليك فردهم إلينا، فبعث النجاشي إلي جعفر فجاؤوا به، فقال: يا جعفر، ما يقول هؤلاء؟

فقال جعفر: أيها الملك وما يقولون؟

قال: يسألون أن أردكم إليهم.

قال: أيها الملك سلهم: أعبيد نحن لهم؟

فقال عمرو: لا بل أحرار كرام.

قال: فسلهم: ألهم علينا ديون يطالبوننا بها؟

قال: لا ما لنا عليكم ديون.

قال: فلكم في أعناقنا دماء تطالبوننا بها؟

قال عمرو: لا.

قال: فما تريدون منا، آذيتمونا فخرجنا من بلادكم؟

فقال عمرو بن العاص: أيها الملك خالفونا في ديننا، وسبوا آلهتنا، وأفسدوا شبابنا، وفرقوا جماعتنا، فردهم إلينا لنجمع أمرنا.

فقال جعفر: نعم أيها الملك، خالفناهم بأنه بعث الله فينا نبياً أمر بخلع الأنداد، وترك الاستقسام بالأزلام، وأمرنا بالصلاة والزكاة، وحرم الظلم والجور، وسفك الدماء بغير حقها، والزناء والربا والميتة والدم، وأمرنا بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربي، وينهي عن الفحشاء والمنكر والبغي.

فقال النجاشي: بهذا بعث الله عيسي بن مريم عليه السلام، ثم قال النجاشي: يا جعفر هل تحفظ مما انزل الله علي نبيك شيئا؟

قال: نعم.

فقرأ عليه سورة مريم، فلما بلغ إلي قوله: ?وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً ? فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً? () فلما سمع النجاشي بهذا بكي بكاءً شديداً، وقال: هذا والله هو الحق.

فقال عمرو بن العاص: أيها الملك إن هذا مخالفنا فرده إلينا.

فرفع النجاشي يده فضرب بها وجه عمرو، ثم قال: اسكت، والله يا هذا، لأن ذكرته بسوء لأفقدنك نفسك.

فقام عمرو بن العاص من عنده والدماء تسيل علي وجهه، وهو يقول: إن كان هذا كما تقول أيها الملك فإنا لا

نتعرض له.

وكانت علي رأس النجاشي وصيفة له تذب عنه، فنظرت إلي عمارة بن الوليد وكان فتي جميلا فأحبته، فلما رجع عمرو بن العاص إلي منزله، قال لعمارة: لو راسلت جارية الملك؟ فراسلها فأجابته، فقال عمرو: قل لها تبعث إليك من طيب الملك شيئا، فقال لها فبعثت إليه، فأخذ عمرو من ذلك الطيب، وكان الذي فعل به عمارة في قلبه حين ألقاه في البحر، فأدخل الطيب علي النجاشي، فقال: أيها الملك إن حرمة الملك عندنا وطاعته علينا وما يكرمنا إذا دخلنا بلاده، ونأمن فيه، أن لا نغشه ولا نريبه، وأن صاحبي هذا الذي معي قد أرسل إلي حرمتك وخدعها، وبعثت إليه من طيبك، ثم وضع الطيب بين يديه، فغضب النجاشي وهم بقتل عمارة، ثم قال: لا يجوز قتله؛ فانهم دخلوا بلادي فأمان لهم، فدعا النجاشي السحرة فقال لهم: اعملوا به شيئا أشد عليه من القتل، فأخذوه ونفخوا في احليله الزئبق فصار مع الوحش يغدو ويروح وكان لا يأنس بالناس، فبعثت قريش بعد ذلك فكمنوا له في موضع حتي ورد الماء مع الوحش، فأخذوه، فما زال يضطرب في أيديهم ويصيح حتي مات.

ورجع عمرو إلي قريش فاخبرهم أن جعفر في أرض الحبشة في أكرم كرامة، فلم يزل بها حتي هادن رسول الله صلي الله عليه و اله قريشاً وصالحهم وفتح خيبر، فوافي بجميع من معه، وولد لجعفر بالحبشة من أسماء بنت عميس عبد الله بن جعفر، وولد للنجاشي ابن فسماه محمداً …

وبعث النجاشي ثلاثين رجلا من القسيسين، فقال لهم: انظروا إلي كلامه أي كلام رسول الله صلي الله عليه و اله وإلي مقعده ومشربه ومصلاه، فلما وافوا المدينة دعاهم رسول الله صلي الله عليه و اله إلي الإسلام

وقرأ عليهم القرآن: ? إِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَي ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلي وَالِدَتِكَ? إلي قوله تعالي ?فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلاَ سِحْرٌ مُبِينٌ? () فلما سمعوا ذلك من رسول الله صلي الله عليه و اله بكوا وآمنوا، ورجعوا إلي النجاشي فأخبروه خبر رسول الله صلي الله عليه و اله وقرءوا عليه ما قرأ عليهم، فبكي النجاشي وبكي القسيسون، وأسلم النجاشي ولم يظهر للحبشة إسلامه وخافهم علي نفسه، وخرج من بلاد الحبشة إلي النبي صلي الله عليه و اله فلما عبر البحر توفي، فأنزل الله علي رسوله ?لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ? إلي قوله تعالي ?وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ? ().

رواية أخري في قصة الهجرة ()

روي عن ابن مسعود قال: بعثنا رسول الله صلي الله عليه و اله إلي أرض النجاشي ونحن ثمانون رجلاً، ومعنا جعفر بن أبي طالب، وبعثت قريش خلفنا عمارة بن الوليد وعمرو بن العاص مع هدايا فأتوه بها، فقبلها، وسجدوا له، فقالوا: إن قوماً منا رغبوا عن ديننا وهم في أرضك.

فبعث إلينا، فقال لنا جعفر: لا يتكلم أحد منكم أنا خطيبكم اليوم، فانتهينا إلي النجاشي، فقال عمرو وعمارة: إنهم لايسجدون لك. فلما انتهينا إليه زبرنا الرهبان أن اسجدوا للملك. فقال لهم جعفر: لا نسجد إلا لله.

فقال النجاشي: وما ذاك؟

قال: إن الله بعث فينا رسوله، وهو الذي بشّر به عيسي اسمه أحمد، فأمرنا أن نعبد الله لا نشرك به شيئا، وأن نقيم الصلاة، ونؤتي الزكاة، وأمرنا بالمعروف، ونهانا عن المنكر.

فأعجب النجاشي قوله. فلما رأي ذلك عمرو قال: أصلح الله الملك، إنهم يخالفونك في ابن مريم.

فقال النجاشي لجعفر: ما يقول صاحبك في ابن مريم؟ قال: يقول فيه قول الله:

هو روح الله وكلمته، أخرجه من العذراء البتول التي لم يقربها بشر.

فتناول النجاشي عوداً من الأرض، فقال: يا معشر القسيسين والرهبان، ما يزيد هؤلاء علي ما تقولون في ابن مريم ما يزن هذا، ثم قال النجاشي لجعفر: أتقرأ شيئا مما جاء به محمد صلي الله عليه و اله؟

قال: نعم.

قال: اقرأ، وأمر الرهبان أن ينظروا في كتبهم، فقرأ جعفر: ?كهيعص?() إلي آخر قصة عيسي عليه السلام وكانوا يبكون. ثم قال النجاشي: مرحباً بكم وبمن جئتم من عنده، فأنا أشهد: أنه رسول الله، وأنه الذي بشر به عيسي بن مريم، ولولا ما أنه فيه من الملك لأتيته حتي أحمل نعليه، اذهبوا أنتم سيوم() أي آمنون وأمر لنا بطعام وكسوة، وقال: ردوا علي هذين هديتهما. وكان عمرو قصيراً، وعمارة جميلا، وشربا في البحر الخمر، فقال عمارة لعمرو: قل لامرأتك وكانت معه: تقبلني. فلم يفعل عمرو، فأخذه عمارة فرمي به في البحر، فناشده حتي خلاه فحقد عليه عمرو().

وهكذا حفظ الله تعالي المسلمين من مكر قريش ودسائسهم، كما قال سبحانه وتعالي في كتابه الكريم: ?وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ? ().

أبو طالب عليه السلام كافل النبي صلي الله عليه و اله والرسالة ()

كان لوفاة أبي طالب عليه السلام عم النبي الأكرم صلي الله عليه و اله ووالد أمير المؤمنين عليه السلام الأثر الكبير في نفس رسول الله صلي الله عليه و اله وكانت وفاته من الأسباب التي أمر الله تعالي نبيه صلي الله عليه و اله بالهجرة من مكة موطن رسول الله صلي الله عليه و اله ومولده؛ إذ كان أبو طالب عليه السلام هو السند والناصر والكافل والمحامي والمدافع عن رسول الله صلي الله عليه و اله في دعوته ورسالته.

ولا بأس هنا بالإشارة إلي بعض سيرته الإيمانية الطيبة مع رسول

الله صلي الله عليه و اله ومع الرسالة المحمدية الشريفة.

فهو أبو طالب واسمه عبد مناف، وقيل: إن اسمه عمران، وقيل: اسمه كنيته، والصحيح أن اسمه عبد مناف()، وبذلك نطقت وصية أبيه عبد المطلب حين أوصي إليه برسول الله صلي الله عليه و اله، فقد روي: أنه عندما حضرت عبد المطلب الوفاة إلي أن قال مال عبد المطلب إلي جنبه، وأقبل بوجهه علي أبي طالب؛ لأنه لم يكن في أولاد عبد المطلب أرفق منه برسول الله صلي الله عليه و اله ولا أميل منه، ثم أنشأ يقول:

أوصيك يا عبد مناف بعدي

بموحد بعد أبيه فردي

فارقه وهو ضجيع المهدي

فكنت كالأم له في الوجدي

قد كنت ألصقه الحشي والكبدي

حتي إذا خفت فراق الوحدي

أوصيك أرجي أهلنا بالرفدي

يابن الذي غيبته في اللحدي

بالكره مني ثم لا بالعمدي

وخيرة الله يشاء في العبدي

ثم قال عبد المطلب: يا أبا طالب، إنني القي إليك بعد وصيتي.

قال أبو طالب: ما هي؟

قال: يا بني، أوصيك بعدي بقرة عيني محمد صلي الله عليه و اله وأنت تعلم محله مني، ومقامه لدي، فأكرمه بأجل الكرامة، ويكون عندك ليله ونهاره ومادمت في الدنيا، الله ثم الله في حبيبه.

ثم قال لأولاده: أكرموا وجللوا محمداً صلي الله عليه و اله، وكونوا عند إعزازه وإكرامه، فسترون منه أمراً عظيما علياً، وسترون آخر أمره ما أنا أصفه لكم عند بلوغه.

فقالوا بأجمعهم: السمع والطاعة يا أبانا، نفديه بأنفسنا وأموالنا ونحن له فدية.

قال أبو طالب: قد أوصيتنا بمن هو أفضل مني ومن إخواني؟

قال: نعم، ولم يكن في أعمام النبي صلي الله عليه و اله أرفق من أبي طالب قديماً وحديثاً في أمر محمد صلي الله عليه و اله، ثم قال: إن نفسي ومالي دونه فداء، أنازع معاديه، وأنصر

مواليه، فلا يهمنك أمره.

ثم إن عبد المطلب غمض عينيه وفتحهما ونظر قريشاً وقال: يا قوم، أليس حقي عليكم واجباً؟

فقالوا بأجمعهم: نعم، حقك علي الكبير والصغير واجب، فنعم القائد ونعم السائق فينا كنت، فجزاك الله تعالي عنا خيراً، ويهون عليك سكرات الموت، وغفر لك ما سلف من ذنوبك.

فقال عبد المطلب: أوصيكم بولدي محمد بن عبد الله صلي الله عليه و اله فأحلوه محل الكرامة فيكم، وبروه ولا تجفوه، ولا تستقبلوه بما يكره.

فقالوا بأجمعهم: قد سمعنا منك وأطعناك فيه ().

وقد ورد الكثير من الروايات الدالة وبشكل قاطع علي إيمانه وكامل مساندته عليه السلام للرسول الأعظم صلي الله عليه و اله ().

وقد صرح في شعره بما يدل أشد الدلالة علي إيمانه عليه السلام برسول الله صلي الله عليه و اله ونبوته، حيث يقول():

إن ابن آمنة النبي محمدا

عندي بمثل منازل الأولاد

فأقر بنبوته كما هو واضح.

ومنها: قوله لما رأي بحيرا الراهب الغمامة علي رأس رسول الله صلي الله عليه و اله فقال فيه:

فلما رآه مقبلاً نحو داره

يوقيه حر الشمس ظل غمام

حنا رأسه شبه السجود وضمه إلي نحره و الصدر أي ضمام

إلي أن قال:

وذلك من أعلامه و بيانه

وليس نهار واضح كظلام

فافتخاره بذلك وجعله من أعلامه دليل علي إيمانه.

ومنها: قوله في رجوعه من عند بحيرا وذكر اليهود:

لما رجعوا حتي رأوا من محمد

أحاديث تجلو غم كل فؤاد

ومنها: أنه أرسل إليه عقيلاً وجاء به في شدة الحر لما شكوا منه، وقال له: إن بني عمك هؤلاء قد زعموا أنك تؤذيهم في ناديهم ومسجدهم فانته عنهم.

فقال صلي الله عليه و اله لهم: أترون هذه الشمس؟

فقالوا: نعم.

فقال: فما أنا بأقدر علي أن أدع ذلك منكم علي أن تشعلوا منها شعلة.

فقال لهم أبو طالب: والله، ما كذب

ابن أخي قط فارجعوا عنه، وهذا غاية التصديق.

ومنها: قوله في جواب ذلك في أبياته:

فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة

وأبشر وقر بذاك منك عيونا

إلي أن قال:

وعرضت ديناً قد علمت بأنه

من خير أديان البرية دينا

وقال:

ألم تعلموا أنا وجدنا محمداً

نبيا كموسي خط في أول الكتب

فقد أقر بنبوته صلي الله عليه و اله وأكد ذلك بأن شبهه بموسي عليه السلام وزاد في التأكيد بقوله: خط في أول الكتب، فاعترف بأنه قد بشر بنبوته كل نبي له كتاب، وهذا أمر لا يعترف به إلا من قد سبق له قدم في الإسلام، ثم وكد اعترافه أيضا بقوله:

وإن عليه في العباد محبة

ولا خير ممن خصه الله بالحب

فاعترف بمحبة الخلق له و بمحبة الله له وجعله خير الخلق بقوله: (ولا خير) إلي آخره، يعني لا يكون أحد خيراً ممن خصه الله بحبه بل هو خير من كل أحد.

نعم، يستدل بما مضي وبغيره مما لا يسع المجال لذكره علي إيمان أبي طالب عليه السلام وقد ذكر المحققين كثيراً من القصص والأشعار الدالة علي وبشكل قاطع علي إيمان أبي طالب عليه السلام ().

قال أمير المؤمنين عليه السلام يرثي أباه أبا طالب بعد وفاته، فقال:

أرقت لنوح آخر الليل غردا

لشيخي ينعي والرئيس المسودا

أباطالب مأوي الصعاليك ذاالندي

وذا الحلم لا خلفا ولم يك قعددا

أخا الملك خلي ثلمة سيسدها بنو هاشم أو يستباح فيمهدا

فأمست قريش يفرحون بفقده ولست أري حيا لشي ء مخلدا

أرادت أمورا زينتها حلومهم

ستوردهم يوما من الغي موردا

يرجون تكذيب النبي وقتله

وأن يفتروا بهتا عليه ومحجدا

كذبتم و بيت الله حتي نذيقكم

صدور العوالي والصفيح المهندا

ويبدو منا منظر ذو كريهة

إذا ما تسربلنا الحديد المسردا

فإما تبيدونا و إما نبيدكم

وإما تروا سلم العشيرة أرشدا

وإلا فإن الحي دون محمد

بنو هاشم خير البرية محتدا

وإن له فيكم من

الله ناصرا

ولست بلاق صاحب الله أوحدا

نبي أتي من كل وحي بخطه

فسماه ربي في الكتاب محمدا

أغر كضوء البدر صورة وجهه

جلا الغيم عنه ضوؤه فتوقدا

أمين علي ما استودع الله قبله

وإن كان قولا كان فيه مسددا()

أما كفالته ونصرته لرسول الله صلي الله عليه و اله فهو مما تواتر ذكره في الأخبار، فقد روي عن ابن عباس قال: لما نزلت ?وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ?() قال علي عليه السلام وقال ابن عباس: «كان النبي صلي الله عليه و اله يربيه، وعبق من سمته وكرمه وخلائقه ما أطاق، فقال صلي الله عليه و اله لي: يا علي، قد أمرت أن أنذر عشيرتي الأقربين فاصنع لي طعاماً واطبخ لي لحماً» قال علي عليه السلام: «فعددتهم بني هاشم بحتا فكانوا أربعين قال فصنعت الطعام، طعاماً يكفي لاثنين أو ثلاثة، قال: فقال لي المصطفي صلي الله عليه و اله: هاته.

قال: فأخذ صلي الله عليه و اله شظية من اللحم فشظاها بأسنانه، وجعلها في الجفنة.

قال: وأعددت لهم عسا من لبن، قال: ومضيت إلي القوم فأعلمتهم أنه قد دعاهم لطعام وشراب، قال: فدخلوا وأكلوا ولم يستتموا نصف الطعام حتي تضلعوا، قال: ولعهدي بالواحد منهم يأكل مثل ذلك الطعام وحده.

قال: ثم أتيت باللبن، قال: فشربوا حتي تضلعوا، قال: ولعهدي بالواحد منهم وحده يشرب مثل ذلك اللبن، قال: وما بلغوا نصف العس.

قال: ثم قام فلما أراد أن يتكلم اعترض عليه أبو لهب لعنه الله فقال: أ لهذا دعوتنا؟، ثم أتبع كلامه بكلمة ثم قال: قوموا، فقاموا وتفرفوا كلهم.

قال: فلما كان من الغد، قال لي: يا علي أصنع لي مثل ذلك الطعام والشراب، قال: فصنعته ومضيت إليهم برسالته.

قال: فأقبلوا إليه فلما أكلوا وشربوا قام رسول الله صلي الله عليه

و اله ليتكلم فاعترضه أبو لهب لعنه الله.

قال: فقال له أبو طالب عليه السلام: اسكت يا أعور، ما أنت وهذا.

قال: ثم قال أبو طالب عليه السلام: عنه لا يقومن أحد.

قال: فجلسوا، ثم قال للنبي صلي الله عليه و اله: قم يا سيدي، فتكلم بما تحب وبلغ رسالة ربك، فإنك الصادق المصدق.

قال: فقال صلي الله عليه و اله لهم: أرأيتم لو قلت لكم إن وراء هذا الجبل جيشا يريد أن يغير عليكم أكنتم تصدقوني؟

قال: فقالوا: كلهم نعم؛ إنك لأنت الأمين الصادق.

قال: فقال لهم: فوحدوا الله الجبار، واعبدوه وحده بالإخلاص، واخلعوا هذا الأنداد الأنجاس، وأقروا واشهدوا بأني رسول الله إليكم وإلي الخلق، فإني قد جئتكم بعز الدنيا الآخرة.

قال: فقاموا وانصرفوا كلهم، وكان الموعظة قد عملت فيهم» ().

ودخل أبو طالب عليه السلام علي النبي صلي الله عليه و اله فرآه كئيباً، وقد علم مقالة قريش حين طلبوا تسليم رسول الله صلي الله عليه و اله فقال: يا محمد، لا تحزن، ثم قال:

والله لن يصلوا إليك بجمعهم حتي أوسد في التراب دفينا

فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة وابشر وقر بذاك منك عيونا

ودعوتني وذكرت أنك ناصحي ولقد نصحت وكنت قبل أمينا

وذكرت دينا قد علمت بأنه

من خير أديان البرية دينا ()

وقال عليه السلام للرسول الأكرم صلي الله عليه و اله: اخرج ابن أخي فإنك المنيع كعبا والمنيع حزبا والأعلي أبا، والله لا يسلقك لسان إلا سلقته ألسن حداد، واجتذبته سيوف حداد، والله لتذللن لك العرب ذل البهم لحاضنها، ولقد كان أبي يقرأ الكتاب جميعا، ولقد قال: إن من صلبي لنبياً لوددت أني أدركت ذلك الزمان فآمنت به، فمن أدركه من ولدي فليؤمن به ().

وروي أن أبا طالب عليه السلام فقد رسول الله

صلي الله عليه و اله فظن أن بعض قريش اغتاله فقتله فبعث إلي بني هاشم، فقال: يا بني هاشم، أظن أن بعض قريش اغتال محمداً فقتله، فليأخذ كل واحد منكم حديدة صارمة وليجلس إلي جنب عظيم من عظماء قريش، فإذا قلت: أبغي محمداً قتل كل رجل منكم الرجل الذي إلي جانبه، وبلغ رسول الله صلي الله عليه و اله جمع أبي طالب وهو في بيت عند الصفا، فأتي أبا طالب وهو في المسجد، فلما رآه أبو طالب أخذ بيده ثم قال: يا معشر قريش، فقدت محمداً فظننت أن بعضكم اغتاله، فأمرت كل فتي شهد من بني هاشم أن يأخذ حديدة ويجلس كل واحد منهم إلي عظيم منكم، فإذا قلت: أبغي محمداً قتل كل واحد منهم الرجل الذي إلي جنبه، فاكشفوا عما في أيديكم يا بني هاشم، فكشف بنو هاشم عما في أيديهم فنظرت قريش إلي ذلك، فعندها هابت قريش رسول الله صلي الله عليه و اله ثم أنشأ أبو طالب يقول:

ألا أبلغ قريشا حيث حلت

وكل سرائر منها غرور

فإني و الضوابح غاديات

وما تتلو السفافرة () الشهور

لآل محمد راع حفيظ

وود الصدر مني والضمير

فلست بقاطع رحمي وولدي

ولو جرت مظالمها الجزور

أيأمر جمعهم أبناء فهر

بقتل محمد والأمر زور

فلا وأبيك لا ظفرت قريش

ولا لقيت رشادا إذ تشير

بني أخي ونوط القلب مني

وأبيض ماؤه غدق كثير

ويشرب بعده الولدان ريا

وأحمد قد تضمنه القبور

أيا ابن الأنف أنف بني قصي كأن جبينك القمر المنير

وله عليه السلام أيضاً:

فكيف يكون ذلكم قريشا

وما مني الضراعة والفتور

علي دماء بدن عاطلات

لئن هدرت بذلكم الهدور

لقام الضاربون بكل ثغر

بأيديهم مهندة تمور

وتلقوني أمام الصف قدما

أضارب حين تحزمه الأمور

أرادي مرة وأكر أخري

حذارا أن تغور به الغرور

أذودهم بأبيض مشرفي

إذا ما حاطه الأمر النكير

وجمعت الجموع أسود فهر

وكان

النقع فوقهم يثور

كأن الأفق محفوف بنار

وحول النار آساد تزير

بمعترك المنايا في مكر

تخال دماءه قدرا تفور

إذا سالت مجلجلة صدوق

كأن زهاءها رأس كبير

وشظباها محل الموت حقا

وحوض الموت فيها يستدير

هنالك أي بني يكون مني

بوادر لا يقوم لها الكثير

تدهدهت الصخور من الرواسي

إذا ما الأرض زلزلها القدير

ولا قفل بقيلهم فإني

وما حلت بكعبته النذور

وفي دون نفسك إن أرادوا

بها الدهياء أو سالت بحور

إلي أن قال:

لك الله الغداة وعهد عم

تجنبه الفواحش و الفجور

بتحفاظي ونصرة أريحي

من الأعمام معضاد يصور

وروي أنه عليه السلام قال: حدثني محمد ابن أخي وكان والله صدوقا قال قلت له: بم بعثت يا محمد؟

قال: «بصلة الأرحام وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة» ().

وفاة أبي طالب عليه السلام

توفي أبو طالب عليه السلام في آخر السنة العاشرة من مبعث الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله ثم توفيت خديجة ? بعده بثلاثة أيام، فسمي رسول الله صلي الله عليه و اله ذلك العام عام الحزن، فقال: «مازالت قريش قاعدة عني حتي مات أبو طالب» ().

ولما قبض أتي أميرُ المؤمنين عليه السلام رسولَ الله صلي الله عليه و اله، فآذنه بموته فتوجع لذلك النبي صلي الله عليه و اله وقال: «امض يا علي، فتول غسله وتكفينه وتحنيطه، فإذا رفعته علي سريره فأعلمني».

ففعل ذلك أمير المؤمنين عليه السلام فلما رفعه علي السرير اعترضه النبي صلي الله عليه و اله، فرق له، وقال: «وصلتك رحم، وجزيت خيرا، فلقد ربيت وكفلت صغيرا، وآزرت ونصرت كبيرا». ثم أقبل علي الناس، فقال: «أما والله، لأشفعن لعمي شفاعة يعجب منها أهل الثقلين» ().

وروي عن العباس بن عبد المطلب قال: قلت: يا رسول الله، ما ترجو لأبي طالب؟

قال: «كل خير أرجوه من ربي».()

نعم، هذه هي الحماية والمساندة والرعاية والحب الكبير من أبي طالب عليه السلام عم

للنبي الأكرم صلي الله عليه و اله وبموته وموت خديجة الكبري ? سمي رسول الله صلي الله عليه و اله ذلك العام بعام الحزن.

رسول الله صلي الله عليه و اله في الطائف

اشتد الضغظ علي المسلمين المتواجدين في مكة، بعد فشل مهمة الوفد الذي أرسلته قريش لإرجاع المهاجرين المسلمين من الحبشة، حيث أمعنت قريش في تعذيب المسلمين، وخصوصاً بعد وفاة أبي طالب عليه السلام عم النبي صلي الله عليه و اله.

فبوفاته فقد المسلمون ركناً أساسياً من أركان الحماية المنيعة القائمة بوجه قريش؛ إذ بعد هذه الحادثة أخذ مشركو قريش يسومون المسلمين أبشع أنواع الاضطهاد، فأخذ الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله يفكر في إيجاد وسيلة لرفع هذا الضغط عن المسلمين، فرأي صلي الله عليه و اله أن يهاجر المسلمون من مكة، فوقع اختياره في بادئ الأمر علي الطائف؛ لأنها منطقة جبلية لا تبعد عن مكة كثيراً، ومناخها معتدل صيفاً وشتاءً، وفيها خصائص اقتصادية جيدة، فكانت تنتج التمور والحبوب والرمان وغيرها من المواد، وتتاجر بها مع التجار من أهل مكة، إلي غيرها من المؤهلات التي دعت الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله لاختيارها. فصمم علي الهجرة إليها لكي يبني قاعدة للمسلمين هناك، وأخذ يدعو أهلها إلي الإسلام.

ولكن أهل الطائف لم يكن ردهم علي رسول الله صلي الله عليه و اله بأفضل من رد أهل مكة؛ وذلك لأن أهل الطائف تربطهم علاقات تجارية وعقائدية وثيقة مضافاً إلي صلة القربي مع أهل مكة، مما جعلهم علي نمط واحد من التفكير، فتركهم الرسول صلي الله عليه و اله بعد أن جاءهم ودعائهم إلي الإسلام، ولكنهم دفعوا صبيانهم وسفهاءهم لأن يتعرضوا للرسول صلي الله عليه و اله ويرموه بالحجارة.

فقد روي أن رسول الله صلي الله عليه

و اله لما مات أبو طالب عليه السلام لج المشركون في أذيته، فصار يعرض نفسه علي القبايل بالإسلام والإيمان، فلم يأت أحد من القبائل إلا صده ورده. فقال بعضهم: اعلم أنه لا يقدر أن يصلحنا وهو قد أفسد قومه، فعمد إلي ثقيف بالطائف فوجد سادتهم جلوسا، وهم ثلاثة إخوة، فعرض عليهم الإسلام وحذرهم من النار وغضب الجبار.

فقال أحدهم: أنا أسرق ثياب الكعبة إن كان الله بعثك نبياً.

وقال آخر: يا محمد، عجز الله أن يرسل غيرك؟

وقال آخر: لا تكلموه إن كان رسولاً من الله كما يزعم، هو أعظم قدراً أن يكلمنا، وإن كان كاذباً علي الله فهو أسرف بكلامه.

وجعلوا يستهزئون به، فجعل يمشي كلما وضع قدماً وضعوا له صخرة، فما فرغ من أرضهم إلا وقدماه تشخب دماً، فعمد لحائط من كرومهم، وجلس مكروبا، فقال: «اللهم، إني أشكو إليك غربتي وكربتي وهواني علي الناس، يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين، أنت رب المكروبين، اللهم إن لم يكن لك علي غضب فلا أبالي، ولكن عافيتك أوسع لي، أعوذ بك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وبك منك، لا أحصي الثناء عليك، أنت كما أثنيتَ علي نفسك، لك الحمد حتي ترضي،

ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم».

قيل: وكان في الكرم عتبة بن ربيعة وشيبة، فكره أن يأتيهما، لما يعلم من عداوتهما. فقالا لغلام لهما يقال له: عداس: خذ قطفين من العنب، وقدحا من الماء، واذهب بهما إلي ذلك الرجل، وإنه سيسألك أهدية أم صدقة، فإن قلت: صدقة لم يقبلها، بل قل له: هدية.

فمضي ووضعه بين يديه، فقال: «هدية أم صدقة؟».

فقال: هدية، فمد يده، وقال: بسم الله، وكان عداس نصرانياً، فلما سمعه عجب منه، وصار ينظره، فقال له: «يا عداس

من أين؟».

قال: من أهل نينوي.

قال: «من مدينة الرجل الصالح أخي يونس بن متي».

قال: ومن أعلمك؟

فأخبره بقصته، وبما أوحي إليه.

فقال: ومن قبله؟

فقال: «نوح، ولوط» وحكاه بالقصة.

فخر ساجدا لله، وجعل يقبل قدميه، هذا وسيداه ينظران إليه.

فقال أحدهما للآخر: سحر غلامك، فلما أتاهما قالا له: ما شأنك سجدت وقبلت يديه؟

فقال: يا أسيادي ما علي وجه الأرض أشرف ولا ألطف ولا أخير منه.

قالوا: ولم ذلك؟

قال: حدثني بأنبياء ماضية، ونبينا يونس بن متي، فقالا: يا ويلك فتنك عن دينك؟

فقال: والله إنه نبي مرسل.

قالا له: ويحك عزمت قريش علي قتله، فقال: هو والله يقتلهم ويسودهم ويشرفهم، إن تبعوه دخلوا الجنة، وخاب من لايتبعه، فقاما يريدان ضربه فركض للنبي صلي الله عليه و اله وأسلم().

وقال ابن شهر آشوب: لما توفي أبو طالب عليه السلام لم يجد النبي صلي الله عليه و اله ناصراً ونثروا علي رأسه التراب، قال: ما نال مني قريش شيئا حتي مات أبو طالب، وكان يستتر من الرمي بالحجر الذي عند باب البيت من يسار من يدخل وهو ذراع وشبر في ذراع إذا جاءه من دار أبي لهب ودار عدي بن حمران إلي أن قال لما توفي أبو طالب واشتد عليه البلاء عمد إلي ثقيف بالطائف رجاء أن يؤوه سادتها: عبد نائل ومسعود وحبيب بنو عمرو بن نمير الثقفي، فلم يقبلوه وتبعه سفهاؤهم بالأحجار ودموا رجليه، فخلص منهم واستظل في ظل حبلة منه، وقال: «اللهم إني أشكو إليك من ضعف قوتي وقلة حيلتي وناصري، وهواني علي الناس يا أرحم الراحمين» فأنفذ عتبة وشيبة ابنا ربيعة إليه بطبق عنب علي يدي غلام يدعي عداساً وكان نصرانيا، فلما مد يده وقال: «بسم الله».

فقال: إن أهل هذا البلد لا يقولونها.

فقال النبي صلي

الله عليه و اله: «من أين أنت؟».

قال: من بلدة نينوي.

فقال صلي الله عليه و اله: «من مدينة الرجل الصالح يونس بن متي».

قال: وبما تعرفه؟

قال: «أنا رسول الله، والله أخبرني خبر يونس».

فخر عداس ساجداً لرسول الله وجعل يقبل قدميه وهما يسيلان الدماء، فقال عتبة لأخيه: قد أفسد عليك غلامك، فلما انصرف عنه سئل عن مقالته فقال: والله إنه نبي صادق، فقالوا: إن هذا رجل خداع لا يفتننك عن نصرانيتك، وقالوا: لو كان محمد نبيا لشغلته النبوة عن النساء ولأمكنه جميع الآيات ولأمكنه منع الموت عن أقاربه. انتهي().

الرجوع إلي مكة

وبعد تعنت أهل الطائف ووقوفهم بوجه الرسول صلي الله عليه و اله، لم يبق أمامه إلا خياران؛ الرجوع إلي مكة، أو الذهاب إلي منطقة أخري غير الطائف ومكة، فاختار صلي الله عليه و اله الأول، وعزم علي ذلك، وذهب إلي مكة وأشرف علي الدخول إليها. ولكن دخول الرسول صلي الله عليه و اله إلي مكة ليس بالأمر الهين، خصوصاً بعدما فقد سنده القوي، عمه أبا طالب عليه السلام، فكَرِه لذلك دخول مكة وليس له مجير فيها.

في بعض الأحاديث: انه لما رجع رسول الله صلي الله عليه و اله من الطائف، وأشرف علي مكة وهو معتمر، كره أن يدخل مكة وليس له فيها مجير، فنظر إلي رجل من قريش، قد كان أسلم سراً، فقال له: «ائت الأخنس بن شريق فقل له: إن محمداً يسألك أن تجيره حتي يطوف ويسعي فإنه معتمر» فأتاه وأدي إليه ما قال رسول الله صلي الله عليه و اله فقال الأخنس: إني لست من قريش، وإنما أنا حليف فيهم، والحليف لا يجير علي الصميم إلي أن قال فرجع إلي رسول الله فأخبره، وكان رسول الله في

شعب حراء مختفياً مع زيد..().

وأخذ الرسول صلي الله عليه و اله يرسل هذا الرجل إلي بعض شخصيات مكة المعروفة لإجارته، وربما كان من أهداف الرسول صلي الله عليه و اله هو إتمام الحجة عليهم من جميع النواحي التي منها الناحية الاجتماعية والأخلاقية، إلا أن كل ذلك جوبه بالرفض والتهرب، نظراً لحقدهم وكراهتهم لدعوة النبي صلي الله عليه و اله، أو خوفاً مما ستجره عليهم من العداء والأذي من أشياع الضلال في مكة.

كل هذا، والرسول الأعظم صلي الله عليه و اله لم يهن في دعوته، بل أخذ يعرض نفسه وينشر دعوته علي أغلب الشخصيات، كما جاء في كتب الأخبار، فقد روي أنه صلي الله عليه و اله قال للرجل المسلم الذي بعثه إلي الأخنس وغيره: «اذهب إلي مطعم بن عدي، فاسأله أن يجيرني حتي أطوف وأسعي»، فجاء إليه وأخبره، فقال: أين محمد؟ فكره أن يخبره بموضعه، فقال: هو قريب، فقال: ائته، فقل له: إني قد أجرتك، فتعال وطف واسع ما شئت» ().

فأتي رسول الله صلي الله عليه و اله فطاف وسعي تحت إجارة مطعم بن عدي فلما انتهي من الطواف والسعي جاء صلي الله عليه و اله إلي مطعم وقال له: «أبا وهب! قد أجرت وأحسنت، فردّ عليّ جواري»، قال: وما عليك أن تقيم في جواري؟ قال: «أكره أن أقيم في جوار مشرك أكثر من يوم». قال مطعم: يا معشر قريش، إن محمداً قد خرج من جواري(). فخرج صلي الله عليه و اله إلي شعب مكة وواصل هناك مهامه الرسالية.

الفترة الحرجة

وبعد أن عاد الرسول صلي الله عليه و اله إلي الشعب أخذ يقلب فكره في سبيل إيجاد قاعدة انطلاق لنشر الإسلام، أو علي الأقل إيجاد حل

مؤقت في هذه الفترة الحرجة، فالناصر القوي الذي يستطيع الوقوف بوجه قريش ويصد اعتداءاتهم وهو أبو طالب عليه السلام قد فقده المسلمون، والأعداء يزدادون يوماً بعد آخر عناداً وصداً عن الدين، ومهمته في الطائف فشلت لتعنت أهلها، والحبشة أيضاً لم تعد تتمكن من احتواء المسلمين لوجود موانع صارفة للهجرة الجماعية إليها كان منها بعد الحبشة عن مكة، وإغلاق الطرق المؤدية إليها من قبل المشركين، ووجود شخصيات متنفذة في الحبشة، كبعض القساوسة والبطارقة، وهؤلاء يعلم الرسول صلي الله عليه و اله بأن مصالحهم الدنيوية وتمسكهم بعقائدهم المحرّفة، يمنع من قبولهم الإسلام، بل يحاربونه، وهذا خطر علي الإسلام الفتي، إلي غير ذلك من الأسباب. فهذه الأسباب وغيرها شغلت فكر الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله وجعلته ينظر إلي إيجاد قاعدة صلبة وأمينة يستطيع بواسطتها نشر الإسلام في أرجاء المعمورة.

بارقة الأمل

في السنة الحادية عشرة من البعثة الشريفة حصل تحول كبير في حياة المسلمين؛ إذ صادف هذا العام، وفي موسم الحج، قدوم وفد من قبيلتي الأوس والخزرج() إلي مكة، وهاتان القبيلتان بينهما عداوة قديمة أسفرت عن حروب شرسة وطويلة، وكان كل قبيلة يطمح في الحصول علي تحالف مع قريش لغرض ترجيح ميزان القوي لصالحها، وقبل أن يجروا تحالفاتهم مع زعماء قريش اتصل بهم النبي صلي الله عليه و اله، وعرض عليهم الإسلام فلم يكن ردهم سلبياً؛ وذلك لأن اليهود المقيمين في المدينة (أرض الأوس والخزرج) قد أخبروا هاتين القبيلتين بظهور نبي قريباً، كما هو موجود في كتبهم، وحين التقي الوفد بالرسول صلي الله عليه و اله أعلن فوراً إسلامه بعد أن تيقن أن هذا الشخص هو نبي مرسل من الله تعالي.

وعاد الوفد إلي المدينة يحمل أفكاراً جديدة، وأخذ

ينشرها بين الناس، وكانت هذه تعد بارقة الأمل الأولي التي بزغت في سماء الإسلام في تلك الفترة الحرجة.

روي عن علي بن إبراهيم قال: قدم أسعد بن زرارة، وذكوان ابن عبد قيس في موسم من مواسم العرب، وهما من الخزرج، وكان بين الأوس والخزرج حرب قد بغوا فيها دهورا طويلة، وكانوا لا يضعون السلاح لا بالليل ولا بالنهار، وكان آخر حرب بينهم يوم بغاث()، وكانت الأوس علي الخزرج، فخرج أسعد بن زرارة وذكوان إلي مكة في عمرة رجب يسألون الحلف علي الأوس، وكان أسعد بن زرارة صديقا لعتبة بن ربيعة، فنزل عليه فقال له: إنه كان بيننا وبين قومنا حرب وقد جئناكم نطلب الحلف عليهم. فقال عتبة: بعدت دارنا من داركم ولنا شغل لا نتفرغ لشيء. قال: وما شغلتكم وأنتم في حرمكم وأمنكم؟

قال له عتبة: خرج فينا رجل يدعي أنه رسول الله، سفه أحلامنا، وسب آلهتنا، وأفسد شباننا، وفرق جماعتنا.

فقال له أسعد: من هو منكم؟

قال: ابن عبد الله بن عبد المطلب، من أوسطنا شرفاً، وأعظمنا بيتا.

وكان أسعد وذكوان وجميع الأوس والخزرج يسمعون من اليهود الذين كانوا بينهم النظير وقريظة وقينقاع أن هذا أوان نبي يخرج بمكة يكون مهاجره بالمدينة، لنقتلنكم به يا معشر العرب.

فلما سمع ذلك أسعد وقع في قلبه ما كان سمع من اليهود، قال: فأين هو؟

قال: جالس في الحجر، وإنهم لا يخرجون من شعبهم إلا في الموسم، فلا تسمع منه ولاتكلمه؛ فإنه ساحر يسحرك بكلامه. وكان هذا في وقت محاصرة بني هاشم في الشعب.

فقال له أسعد: فكيف أصنع وأنا معتمر، لابد لي أن أطوف بالبيت؟

قال: ضع في أذنيك القطن.

فدخل أسعد المسجد وقد حشا أذنيه بالقطن، فطاف بالبيت ورسول الله صلي الله عليه و اله

جالس في الحجر مع قوم من بني هاشم، فنظر إليه نظرة فجازه، فلما كان في الشوط الثاني قال في نفسه: ما أجد أجهل مني، أيكون مثل هذا الحديث بمكة فلا نعرفه حتي أرجع إلي قومي فاخبرهم؟ ثم أخذ القطن من أذنيه ورمي به وقال لرسول الله صلي الله عليه و اله: أنعم صباحا. فرفع رسول الله صلي الله عليه و اله رأسه إليه، وقال: «قد أبد لنا الله به ما هو أحسن من هذا، تحية أهل الجنة: السلام عليكم».

فقال له أسعد: إن عهدك بهذا لقريب، إلي ما تدعو يا محمد؟

قال: «إلي شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، وأدعوكم ?أَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُمْ مِنْ إِمْلاَقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ? وَلاَ تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّي يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَي وَبِعَهْدِ اللهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون?.()

فلما سمع أسعد هذا قال له: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، يا رسول الله بأبي أنت وأمي، أنا من أهل يثرب من الخزرج، وبيننا وبين إخواننا من الأوس حبال مقطوعة، فإن وصلها الله بك فلا أجد أعزّ منك، ومعي رجل من قومي، فإن دخل في هذا الأمر رجوت أن يتمم الله لنا أمرنا فيك، والله يا رسول الله، لقد كنا نسمع من اليهود خبرك، وكانوا يبشروننا بمخرجك، ويخبروننا بصفتك، وأرجو أن تكون دارنا دار هجرتك، وعندنا مقامك، فقد أعلمنا اليهود

ذلك، فالحمد لله الذي ساقني إليك، والله ما جئت إلا لنطلب الحلف علي قومنا، وقد آتانا الله بأفضل مما أتيت له.

ثم أقبل ذكوان فقال له أسعد: هذا رسول الله الذي كانت اليهود تبشرنا به وتخبرنا بصفته، فهلم وأسلم، فأسلم ذكوان، ثم قالا: يارسول الله، ابعث معنا رجلا يعلمنا القرآن ويدعو الناس إلي أمرك.

فقال رسول الله صلي الله عليه و اله لمصعب بن عمير، وكان فتي حدثاً مترفاً بين أبويه يكرمانه ويفضلانه علي أولادهما ولم يخرج من مكة، فلما أسلم جفاه أبواه، وكان مع رسول الله صلي الله عليه و اله في الشعب حتي تغير وأصابه الجهد، فأمره رسول الله صلي الله عليه و اله بالخروج مع أسعد، وقد كان تعلم من القرآن كثيراً، فخرج هو مع أسعد إلي المدينة ومعهما مصعب بن عمير، فقدموا علي قومهم وأخبروهم بأمر رسول الله صلي الله عليه و اله وخبره، فأجاب من كل بطن الرجل والرجلان، وكان مصعب نازلاً علي أسعد بن زرارة، وكان يخرج في كل يوم ويطوف علي مجالس الخزرج يدعوهم إلي الإسلام فيجيبه الأحداث، وكان عبد الله بن أُبيّ شريفاً في الخزرج، وقد كان الأوس والخزرج اجتمعت علي أن يملكوه عليهم لشرفه وسخائه، وقد كانوا اتخذوا له إكليلاً احتاجوا في تمامه إلي واسطة كانوا يطلبونها، وذلك أنه لم يدخل مع قومه الخزرج في حرب بغاث ولم يعن علي الأوس، وقال: هذا ظلم منكم للأوس ولا أعين علي الظلم، فرضيت به الأوس والخزرج، فلما قدم أسعد كره عبد الله ما جاء به أسعد وذكوان وفتر أمره.

فقال أسعد لمصعب: إن خالي سعد بن معاذ من رؤساء الأوس، وهو رجل عاقل شريف مطاع في بني عمرو بن عوف، فإن

دخل في هذا الأمر تم لنا أمرنا، فهلم نأتي محلتهم. فجاء مصعب مع أسعد إلي محلة سعد بن معاذ فقعد علي بئر من آبارهم واجتمع إليه قوم من أحداثهم وهو يقرأ عليهم القرآن، فبلغ ذلك سعد بن معاذ، فقال لأسيد بن حضير وكان من أشرافهم: بلغني أن أبا أمامة أسعد ابن زرارة قد جاء إلي محلتنا مع هذا القرشي يفسد شباننا، فأته وانهه عن ذلك.

فجاء أسيد بن حضير، فنظر إليه أسعد فقال لمصعب: إن هذا الرجل شريف، فإن دخل في هذا الأمر رجوت أن يتم أمرنا، فأصدق الله فيه. فلما قرب أسيد منهم قال: يا أبا أمامة، يقول لك خالك: لا تأتنا في نادينا، ولا تفسد شباننا، واحذر الأوس علي نفسك.

فقال مصعب: أو تجلس فنعرض عليك أمراً، فإن أحببته دخلت فيه، وإن كرهته نحينا عنك ما تكرهه.

فجلس فقرأ عليه سورة من القرآن.

فقال: كيف تصنعون إذا دخلتم في هذا الأمر؟

قال: نغتسل ونلبس ثوبين طاهرين ونشهد الشهادتين ونصلي ركعتين. فرمي بنفسه مع ثيابه في البئر، ثم خرج وعصر ثوبه، ثم قال: اعرض عليّ، فعرض عليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فقالها، ثم صلي ركعتين، ثم قال لأسعد: يا أبا أمامة، أنا أبعث إليك الآن خالك وأحتال عليه في أن يجيئك.

فرجع أسيد إلي سعد بن معاذ، فلما نظر إليه سعد قال: اقسم أن أسيداً قد رجع إلينا بغير الوجه الذي ذهب من عندنا، فأتاهم سعد بن معاذ فقرأ عليه مصعب: ?حم ? تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ? () فلما سمعها، قال مصعب: والله، لقد رأينا الإسلام في وجهه قبل أن يتكلم، فبعث إلي منزله وأتي بثوبين طاهرين واغتسل وشهد الشهادتين وصلي ركعتين، ثم قام

وأخذ بيد مصعب وحوله إليه وقال: أظهر أمرك ولا تهابن أحدا. ثم جاء فوقف في بني عمرو بن عوف وصاح: يا بني عمرو بن عوف لايبقين رجل ولا امرأة ولا بكر ولا ذات بعل ولا شيخ ولا صبي إلا أن يخرج، فليس هذا يوم ستر ولا حجاب.

فلما اجتمعوا قال: كيف حالي عندكم؟

قالوا: أنت سيدنا والمطاع فينا، ولا نرد لك أمراً، فمرنا بما شئت.

فقال: كلام رجالكم ونسائكم وصبيانكم علي حرام حتي تشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، والحمد لله الذي أكرمنا بذلك، وهو الذي كانت اليهود تخبرنا به. فما بقي دار من دور بني عمرو بن عوف في ذلك اليوم إلا وفيها مسلم أو مسلمة، وحول مصعب بن عمير إليه وقال له: أظهر أمرك وادع الناس علانية. وشاع الإسلام بالمدينة وكثر، ودخل فيه من البطنين جميعا أشرافهم، وذلك لما كان عندهم من أخبار اليهود.

وبلغ رسول الله صلي الله عليه و اله أن الأوس والخزرج قد دخلوا في الإسلام، وكتب إليه مصعب بذلك، وكان كل من دخل في الإسلام من قريش ضربه قومه وعذبوه، فكان رسول الله صلي الله عليه و اله يأمرهم بالخروج إلي المدينة، فكانوا يتسللون رجلاً فرجلاً فيصيرون إلي المدينة فينزلهم الأوس والخزرج عليهم ويواسونهم … ().

لماذا المدينة المنورة

منذ ذلك الحين راح رسول الله صلي الله عليه و اله يخطط في سبيل إرساء قواعد الإسلام في المدينة المنورة()، بعد أن وقع اختياره عليها لتكون القاعدة الأمينة، لنشر الدين الإسلامي، وذلك لعدة أسباب منها:

أولاً: النضج الفكري الذي كان يتمتع به أهل المدينة بالمقارنة مع أهل مكة، حيث كان أهل المدينة غير منغلقين علي أنفسهم دينياً، مضافاً إلي الديانات اليهودية والمسيحية التي كانت

تبشر بنبي آخر الزمان.

ثانياً: ظهور الرغبة الصادقة عند بعض أهالي المدينة في اعتناق الإسلام علي العكس من مكة التي وقفت بوجه الإسلام بكل ما تستطيع.

ثالثاً: البعد النسبي بين مكة والمدينة، فالمدينة لا هي بعيدة جداً عن مكة بحيث يصعب الاتصال بها، ولا هي قريبة جداً بحيث تؤثر بها دسائس مكة.

رابعاً: الموقع الاستراتيجي الذي تتمتع به المدينة من الناحية الاقتصادية والعسكرية، فالمدينة تشرف علي الطرق الرئيسية، التي تمر بها التجارة من والي مكة، وبهذا الموقع اكتسبت قدرة علي فرض الحصار علي مكة بقطع تجارتها دون العكس، بالإضافة إلي أنها منطقة زراعية، وأرضها خصبة بعكس مكة، أما من الناحية العسكرية فهي محصنة من أغلب جهاتها، وواقعة بين موانع طبيعية محصنة فمن الغرب والشرق، تحيط بها أراض وعرة متكونة من الحجارة المسننة والتي يصعب علي كثير من الناس والحيوانات إجتيازها.

وأما جهاتها الأخري فتحيط بها أشجار النخيل الكثيفة بحيث تشكل مانعاً بوجه هجمات الأعداء إذا ما حاولوا الإغارة عليها، كل هذه العوامل وغيرها جعلت الرسول صلي الله عليه و اله يركز تركيزاً مباشراً علي المدينة، ويتخذها كقاعدة للانطلاق، وفعلاً تحقق طموح الرسول صلي الله عليه و اله في ذلك، وجاءت النتائج كما خطط لها.

بيعة الأنصار الأولي والثانية

بعد رجوع وفد أهل المدينة إلي أرضهم كما مر أخبروا أهلها بأنهم لم يجروا أي اتفاق مع زعماء قريش. بل التقوا بنبي الإسلام صلي الله عليه و اله الذي كانت اليهود تتوعدهم به وبايعوه، فعم الخبر جميع أهل المدينة، واستبشر بعضهم به، وفي العام الثاني أرسلوا إلي الرسول صلي الله عليه و اله وفداً يضم اثني عشر رجلاً، فواجهوا رسول الله صلي الله عليه و اله، وبايعوه في العقبة، وسميت هذه البيعة ببيعة النساء، أو

بيعة العقبة الأولي، وكانت هذه البيعة تنص علي أن لا يشركوا بالله ولا يسرقوا، قال عبادة بن الصامت: بايعنا رسول الله صلي الله عليه و اله ليلة العقبة الأولي، ونحن اثنا عشر رجلاً، أنا أحدهم، فلما انصرفوا بعث معهم مصعب بن عمير إلي المدينة يفقه أهلها ويقرئهم القرآن(). وكان ذلك في السنة الثانية عشرة للبعثة الشريفة كما جاء في بعض كتب الأخبار().

وكذلك روي أنه: في السنة الثالثة عشرة كانت بيعة العقبة الثانية، وذلك أن رسول الله صلي الله عليه و اله خرج إلي الموسم، فلقيه جماعة من الأنصار، فواعدوه عند العقبة أوسط أيام التشريق، قال كعب بن مالك: اجتمعنا في الشعب عند العقبة، ونحن سبعون رجلاً، ومعهم امرأتان من نسائهم.. فبايعنا وجعل علينا اثنا عشر نقيباً منا، تسعة من الخزرج، وثلاثة من الأوس، ثم أمر رسول الله صلي الله عليه و اله أصحابه بالخروج إلي المدينة، فخرجوا أرسالاً، وأقام هو بمكة ينتظر أن يؤذن له().

وروي: فلما قدمت الأوس والخزرج مكة، جاءهم رسول الله صلي الله عليه و اله فقال لهم: «تمنعون لي جانبي حتي أتلو عليكم كتاب ربكم وثوابكم علي الله الجنة؟».

قالوا: نعم يا رسول الله، فخذ لنفسك وربك ما شئت.

فقال: «موعدكم العقبة في الليلة الوسطي من ليالي التشريق».

فلما حجوا رجعوا إلي مني، وكان فيهم ممن قد أسلم بشر كثير، وكان أكثرهم مشركين علي دينهم وعبد الله بن أبي فيهم، فقال لهم رسول الله صلي الله عليه و اله في اليوم الثاني من أيام التشريق: «فاحضروا دار عبد المطلب علي العقبة ولا تنبهوا نائما، وليتسلل() واحد فواحد». وكان رسول الله نازلاً في دار عبد المطلب، وحمزة وعلي والعباس معه، فجاءه سبعون رجلا من الأوس والخزرج،

فدخلوا الدار، فلما اجتمعوا قال لهم رسول الله صلي الله عليه و اله: «تمنعون لي جانبي حتي أتلو عليكم كتاب ربكم وثوابكم علي الله الجنة؟»

فقال أسعد بن زرارة والبراء بن معرور وعبد الله بن حزام: نعم يا رسول الله، فاشترط لنفسك ولربك.

فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: «تمنعوني مما تمنعون أنفسكم، وتمنعون أهلي مما تمنعون أهليكم وأولادكم؟»

قالوا: فما لنا علي ذلك؟

قال: «الجنة، تملكون بها العرب في الدنيا، وتدين لكم العجم، وتكونون ملوكا».

فقالوا: قد رضينا.

فقام العباس بن نضلة وكان من الأوس فقال: يا معشر الأوس والخزرج، تعلمون علي ما تقدمون عليه؟ إنما تقدمون علي حرب الأبيض والأحمر، وعلي حرب ملوك الدنيا، فإن علمتم أنه إذا أصابتكم المصيبة في أنفسكم خذلتموه وتركتموه فلا تغروه، فإن رسول الله وإن كان قومه خالفوه فهو في عز ومنعة.

فقال له عبد الله بن حزام وأسعد بن زرارة وأبو الهيثم بن التيهان: ما لك وللكلام يا رسول الله، بل دمنا بدمك، وأنفسنا بنفسك، فاشترط لربك ولنفسك ما شئت.

فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: «أخرجوا إلي منكم اثني عشر نقيبا يكفلون عليكم بذلك، كما أخذ موسي من بني إسرائيل اثني عشر نقيباً».

فقالوا: اختر من شئت.

فأشار جبرئيل عليه السلام إليهم. فقال: «هذا نقيب، وهذا نقيب» حتي اختار تسعة من الخزرج، وهم: أسعد بن زرارة، والبراء بن معرور، وعبد الله بن حزام وهو أبو جابر بن عبد الله، ورافع بن مالك، وسعد بن عبادة، والمنذر بن عمرو، وعبد الله بن رواحة، وسعد بن الربيع، وعبادة بن الصامت. وثلاثة من الأوس، وهم: أبو الهيثم ابن التيهان وكان رجلا من اليمن حليفاً في بني عمرو بن عوف وأسيد بن حضير، وسعد بن خيثمة.

فلما اجتمعوا وبايعوا رسول الله صلي الله عليه و اله صاح بهم إبليس: يامعشر قريش والعرب، هذا محمد والصباة من الأوس والخزرج علي هذه العقبة يبايعونه علي حربكم. فأسمع أهل مني، فهاجت قريش وأقبلوا بالسلاح، وسمع رسول الله صلي الله عليه و اله النداء فقال للأنصار: «تفرقوا».

فقالوا: يا رسول الله، إن أمرتنا أن نميل عليهم بأسيافنا فعلنا.

فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: «لم أؤمر بذلك، ولم يأذن الله لي في محاربتهم».

فقالوا: يا رسول الله، فتخرج معنا؟

قال: «أنتظر أمر الله».

فجاءت قريش علي بكرة أبيها قد أخذوا السلاح، وخرج حمزة ومعه السيف فوقف علي العقبة هو وعلي بن أبي طالب عليه السلام، فلما نظروا إلي حمزة قالوا: ما هذا الذي اجتمعتم عليه؟

قال: ما اجتمعنا، وما هاهنا أحد، والله لا يجوز أحد هذه العقبة إلا ضربته بسيفي.

فرجعوا وغدوا إلي عبد الله بن أبي وقالوا له: قد بلغنا أن قومك بايعوا محمداً علي حربنا؟، فحلف لهم عبد الله أنهم لم يفعلوا ولا علم له بذلك، وأنهم لم يطلعوه علي أمرهم، فصدقوه. وتفرقت الأنصار ورجع رسول الله صلي الله عليه و اله إلي مكة().

هاتان البيعتان فتحتا صفحة جديدة للمسلمين، لنشر الدين الإسلامي في المعمورة، بعد أن كسروا الطوق الذي فرضه جبابرة قريش عليهم، وذلك بفعل إيمانهم وصبرهم وجهادهم وثقتهم بالله سبحانه وتعالي، وعلي رأس كل هذه الأشياء والمقومات تقف قيادة الرسول صلي الله عليه و اله الحكيمة، والتي تستند علي بعد النظر، ودراسة الأحداث التي تدور في فلك قريش وما يدور حولها، دراسة موضوعية وافية، ووضع البدائل المناسبة للأزمات والمعضلات التي تواجه الإسلام.

مؤامرة قتل الرسول صلي الله عليه و اله

بعد أن فشلت جميع خطط قريش للقضاء علي الإسلام، أو الحد من انتشاره، وخصوصاً بعد

الهجرة الثانية التي قام بها المسلمون إلي المدينة المنورة أحسوا بالخطر الداهم الذي سوف يعصف بهم، ولكن ما يخفف عنهم هذه الوطأة وجود النبي صلي الله عليه و اله بينهم، ففكروا كثيراً بعقولهم الناقصة، وسرح بهم خيالهم المبني علي الأطماع والتكبر، فتصوروا أنهم لو قضوا علي النبي صلي الله عليه و اله لانتهي كل شيء، ولقضي علي دعوته ناسين أو متناسين أن عملهم العدائي الذي تكرر مراراً منذ اليوم الأول لظهور الإسلام لم يثمر ولم يحقق أي إنتاج يضعف الرسالة، بفضل عناية الله ولطفه، وحنكة نبيه صلي الله عليه و اله.

ورد في بعض التفاسير أن قوله تعالي: ?وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ?()، نزل في قصة دار الندوة().

وذلك أن نفراً من قريش اجتمعوا فيها، وهي دار قصي بن كلاب، وتآمروا في أمر النبي صلي الله عليه و اله، فقال عروة بن هشام: نتربص به ريب المنون، وقال أبو البختري: أخرجوه عنكم تستريحوا من أذاه، وقال أبو جهل: ما هذا برأي، ولكن اقتلوه، بأن يجتمع عليه من كل بطن رجل فيضربوه بأسيافهم ضربة رجل واحد، فيرضي حينئذ بنو هاشم بالدية، فصوّب إبليس هذا الرأي، وكان قد جاءهم في صورة شيخ كبير من أهل نجد، وخطّأ الأولين. فاتفقوا علي هذا الرأي، وأعدوا الرجال والسلاح، وجاء جبرائيل عليه السلام فأخبر رسول الله صلي الله عليه و اله، فخرج إلي الغار، وأمر علياً عليه السلام فبات علي فراشه، فلما أصبحوا وفتشوا الفراش وجدوا علياً عليه السلام. وقد رد الله مكرهم، فقالوا: أين محمد؟ فقال: لا أدري، فاقتصوا أثره، وأرسلوا في طلبه، فلما بلغوا الجبل، ومروا بالغار رأوا علي بابه

نسج العنكبوت.

فقالوا: لو كان هاهنا لم يكن نسج العنكبوت علي بابه، فمكث فيه ثلاثاً ثم قدم المدينة().

المدينة المنورة والهجرة

ينقل لنا التاريخ بأن المدينة علي الرغم من توفر شيء من النضج الفكري فيها، وما يلازم ذلك عادة من المرونة العقيدية، مضافاً إلي بعض الإيجابيات الأخري إلا أنه كانت توجد فيها مقابل ذلك بعض السلبيات أيضاً، مثل: الصراعات الدموية الطويلة القائمة بين أهم قبيلتين فيها وهما قبيلتي (الأوس) و(الخزرج)() وكذلك بعض العادات الجاهلية المتفشية في تفكير الغالبية من أهالي المدينة مثل التعصب والثأر بأسلوبه الجاهلي، وتفشي الربا إذ كان اليهود في ذلك الوقت يمسكون بعصب الحياة في المدينة عن طريق المال والخداع، حيث كانوا يستغلون الأهالي، وينشرون الربا والفساد.. وكل واحد من هذه السلبيات كان كفيلاً بالقضاء علي الأفكار والتيارات الجديدة التي تدخل المدينة، فكيف إذا كانت هذه السلبيات مجتمعة؟ ولكن علي الرغم من ذلك كله، استطاع الإسلام أن يشق طريقه ويزرع بذرته الأولي في المدينة، ولكن هذه البذرة الطيبة كانت تحتاج إلي عناية كبيرة لكي تصبح شجرة وتعطي ثمارها.

وعلي هذا الأساس كان عمل رسول الله صلي الله عليه و اله في تلك الفترة يتمثل بمرحلتين:

المرحلة الأولي: مرحلة التثبيت والبناء.

المرحلة الثانية: مرحلة الانتشار.

مرحلة التثبيت والبناء

بدأت هذه المرحلة منذ اللحظات الأولي لقدوم النبي صلي الله عليه و اله المدينة، وشملت مجموعة من المشاريع والأعمال من أهمها:

أولاً: بناء المسجد.

من أهم ما قام به رسول الله صلي الله عليه و اله في بداية دخوله للمدينة المنورة هو بناء المسجد؛ وذلك لحاجة الناس في ذلك الوقت إلي مركز يجتمعون فيه لأداء الصلوات وتبادل الآراء، وإعداد الخطط، وتعليم وتعلّم القرآن، وكذلك حل الخصومات والمشاكل، وغيرها من الأعمال، ولهذا أمر صلي الله عليه و اله ببنائه وتشييده، فأصبح ذلك المسجد كالجامعة في مفهوم اليوم، بل أعظم وأشمل منها فالجامعة اليوم تحتوي علي

مجموعة من الكليات والأقسام فكذلك المسجد كان يحتوي علي كثير من الأقسام والفروع، جهة للقضاء وأخري للاجتماعات، وثالثة لتعليم القرآن، وهكذا.

ثانياً: المؤاخاة بين المسلمين.

لقد كانت هذه الخطوة ضرورية؛ كأحد أسباب العلاج للنعرات والعداوات والضغائن التي ألمعنا إليها آنفاً، لاسيما فيما بين الأوس والخزرج، أضف إلي ذلك الأزمات المتجددة التي خلقتها قوافل المهاجرين اللاجئين الذين كانوا بأمس الحاجة إلي المسكن والمأكل، وغيرها من الأمور. ومن هنا كان نداء الرسول صلي الله عليه و اله: «تآخوا في الله..» ().

روي عن ابن عباس وغيره قال: لما نزل قوله تعالي ?إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ اخْوَةٌ ?() آخي رسول الله بين الأشكال والأمثال، فآخي بين أبي بكر وعمر، وبين عثمان وعبد الرحمن، وبين سعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد، وبين طلحة والزبير، وبين أبي عبيدة وسعد بن معاذ، وبين مصعب بن عمير وأبي أيوب الأنصاري، وبين أبي ذر وابن مسعود، وبين سلمان وحذيفة، وبين حمزة وزيد بن حارثة، وبين أبي الدرداء وبلال، وبين جعفر الطيار ومعاذ بن جبل، وبين المقداد وعمار، وبين عايشة وحفصة، وبين زينب بنت جحش وميمونة، وبين أم سلمة وصفية، حتي آخي بين أصحابه بأجمعهم علي قدر منازلهم، ثم قال صلي الله عليه و اله: «أنت أخي وأنا أخوك يا علي».()

ولقد كانت هذه الخطوة أعظم أساس قامت عليه الأمة الإسلامية، وأحسن دواء أزيل به ما تبقي في النفوس من ضغينة وعداوة، وفي نفس الوقت كانت مفتاحاً لحل الأزمات الأخري.

ثالثاً: الصحيفة.

الصحيفة() عبارة عن نظام تدار بواسطته الأمور العامة للمسلمين وغيرهم ممن جاورهم، فالمجتمع المدني في ذلك الوقت كان خليطاً من القبائل العربية وغير العربية، وكذلك كانت تتعايش معه مجموعة من الديانات اليهودية والمسيحية..، وإن مجتمعاً كهذا لهو بحاجة إلي

نظام يدير شؤون الناس، فأوجد رسول الله صلي الله عليه و اله الصحيفة.

فقد روي عن أبي عبد الله، عن أبيه ? قال: «قرأت في كتاب لعلي عليه السلام أن رسول الله صلي الله عليه و اله كتب كتابا بين المهاجرين والأنصار ومن لحق بهم من أهل يثرب: أن كل غازية غزت بما يعقِّب بعضها بعضا بالمعروف والقسط بين المسلمين، فإنه لا يجوز حرب إلا بإذن أهلها، وإن الجار كالنفس غير مضار ولا آثم، وحرمة الجار علي الجار كحرمة أمه وأبيه، لا يسالم مؤمن دون مؤمن في قتال في سبيل الله إلا علي عدل وسواء» ().

في بادئ الأمر أراد اليهود استمالة الرسول صلي الله عليه و اله إلي جانبهم، بمعني آخر: حاولوا ضم النبي صلي الله عليه و اله تحت السيادة اليهودية بزعمهم، وذلك نظراً للنفوذ الاقتصادي القوي الذي كان اليهود يتمتعون به، ولكن رسول الله صلي الله عليه و اله بعمله هذا إعلان الصحيفة جعل اليهود وغيرهم من الأقليات تحت السيادة الإسلامية، وبعد أن وفر لهم الحماية أعطاهم كامل الحرية الدينية، سواء أرادوا البقاء علي عقيدتهم، أم الدخول في الإسلام.

وهكذا استطاع صلي الله عليه و اله أن يبني مجتمعاً متماسكاً تسوده المحبّة والأمان، وزرع لدي الإنسان المسلم شخصية فريدة من نوعها بين المجتمعات الأخري.

وبالإضافة إلي كل هذه الأعمال، ركز صلي الله عليه و اله علي سد الثغرات، وتحصين المدينة المنورة بوجه الأعداء، وكذلك حث المسلمين علي التدريب علي الرماية وصناعة السيوف والرماح والدروع.. استعداداً للدفاع في قبال مخطط المشركين لمحاربة المسلمين والقضاء عليهم.

مرحلة نشر الدين الإسلامي

بعد أن اطمأن الرسول صلي الله عليه و اله إلي الحالة العامة التي وصل إليها المسلمون من إيمان وتقوي واستعداد دائم للجهاد

في سبيل الله وما إلي ذلك، شرع في المرحلة الثانية من مهمته، وهي نشر الدين الإسلامي في أرجاء المعمورة، وهذه المرحلة هي هدف الرسالة. فالإسلام لا يقتصر علي أهل المدينة فقط، أو أهل الطائف فقط، وإنما هو دين البشرية جمعاء، وأن رسول الله صلي الله عليه و اله هو مرسل إلي الناس كافة لينقذهم من الظلمات إلي النور.

كتبه صلي الله عليه و اله إلي الملوك والحكام

قال تعالي: ?وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً?()، فإن: ?وَمَا أَرْسَلْنَاكَ? يا رسول الله صلي الله عليه و اله ?إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ? أي: للناس عامة، وكان تقديم?كَافَّةً ? لإفادة أن الغرض المسوق له الكلام هو عموم الرسالة، وإنما ?كَافَّةً? بمعني عامة؛ لأنها إذا عمتهم فقد كفتهم().

وقال صلي الله عليه و اله في الآية: «بعثت إلي الأحمر والأسود والأبيض» ().

وقال صلي الله عليه و اله: «بعثت إلي الثقلين» ().

وقد روي أنه: اتخذ رسول الله صلي الله عليه و اله الخاتم في المحرم ونقش عليه «محمد رسول الله» وكاتب الملوك في شهر ربيع الأول، ونفذت كتبه ورسله إليهم يدعوهم للإسلام. وافتتح كتبه إليهم ب «بسم الله الرحمن الرحيم» ().

ولهذا أخذ الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله يرسل الرسل إلي الملوك وزعماء القبائل يدعوهم إلي الدخول في الإسلام() وينذرهم من العدول والصد عن نداء الحق بالحكمة والموعظة الحسنة.

كتابه صلي الله عليه و اله إلي كسري ملك الفرس()

أرسل رسول الله صلي الله عليه و اله عبد الله بن حذافة بن قيس السهمي إلي كسري بن هرمز ملك الفرس ومن كان في سلطته بكتاب جاء فيه:

«بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلي كسري عظيم فارس، سلام علي من اتبع الهدي وآمن بالله ورسوله، وشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأدعوك بداعية الله عزوجل، فإني أنا رسول الله صلي الله عليه و اله إلي الناس كافة، لأنذر ?مَنْ كَانَ حَيّاً وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَي الْكَافِرِينَ?()، فأسلم تسلم، فإن أبيت فإن إثم المجوس عليك».()

فلما وصل إليه الكتاب مزقه واستخف به وقال: من هذا الذي يدعوني إلي دينه ويبدأ باسمه قبل اسمي؟ وبعث إليه بتراب، فقال صلي الله عليه و

اله: «مزق الله ملكه كما مزق كتابي، أما إنه ستمزقون ملكه، وبعث إلي بتراب، أما إنكم ستملكون أرضه» فكان كما قال صلي الله عليه و اله().

وذكر أن كسري كتب في الوقت إلي عامله باليمن (باذان) ويكني أبا مهران: أن احمل إلي هذا الذي يذكر أنه نبي، وبدأ باسمه قبل اسمي، ودعاني إلي غير ديني. فبعث إليه إلي رسول الله صلي الله عليه و اله فيروز الديلمي في جماعة مع كتاب يذكر فيه ما كتب به كسري، فأتاه فيروز بمن معه،فقال له: إن كسري أمرني أن أحملك إليه، فاستنظره ليلة.

فلما كان من الغد حضر فيروز مستحثا، فقال النبي صلي الله عليه و اله: «أخبرني ربي أنه قتل ربك البارحة، سلط الله عليه ابنه شيرويه علي سبع ساعات من الليل، فامسك حتي يأتيك الخبر». فراع ذلك فيروز وهاله.

وعاد إلي باذان فأخبره، فقال له باذان: كيف وجدت نفسك حين دخلت عليه؟ فقال: والله ما هبت أحداً كهيبة هذا الرجل. فوصل الخبر بقتله في تلك الليلة من تلك الساعة، فأسلما جميعاً().

كتابه صلي الله عليه و اله إلي قيصر() عظيم الروم

وأرسل رسول الله صلي الله عليه و اله دحية بن خليفة الكلبي إلي قيصر عظيم الروم بكتاب جاء فيه:

«بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله عبده ورسوله إلي هرقل() عظيم الروم، وسلام علي من اتبع الهدي، أما بعد، فإني أدعوك بدعاية الإسلام أسلم تسلم، أسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم اليريسين و ?يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَي كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَ نَعْبُدَ إِلاَ اللهَ وَلاَنُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ?()» ().

وقد ذكر أن هرقل بعث رجلاً من غسان وأمره أن يأتيه

بخبر محمد صلي الله عليه و اله، وقال له: احفظ لي من أمره ثلاثاً: انظر علي أي شيء تجده جالسا، ومَن علي يمينه، وإن استطعت أن تنظر إلي خاتم النبوة فافعل.

فخرج الغساني حتي أتي النبي صلي الله عليه و اله فوجده جالساً علي الأرض، ووجد علي بن أبي طالب عليه السلام عن يمينه، وجعل رجليه في ماء يفور، فقال: من هذا علي يمينه؟ قيل: ابن عمه.

فكتب ذلك ونسي الغساني الثالثة. فقال له رسول الله صلي الله عليه و اله: «تعال، فانظر إلي ما أمرك به صاحبك». فنظر إلي خاتم النبوة، فانصرف الرسول أي رسول الملك إلي هرقل. قال: ما صنعت؟

قال: وجدته جالساً علي الأرض والماء يفور تحت قدميه. ووجدت علياً ابن عمه عن يمينه، وأنسيت ما قلت لي في الخاتم، فدعاني فقال: «هلم إلي ما أمرك به صاحبك». فنظرت إلي خاتم النبوة.

فقال هرقل: هذا الذي بشّر به عيسي بن مريم، إنه يركب البعير فاتبعوه وصدقوه. ثم قال للرسول: أخرج إلي أخي فأعرض عليه، فانه شريكي في الملك. فقلت له: فما طاب نفسه عن ذهاب ملكه().

وردّ قيصر دحية بن خليفة مكرما، وأهدي إلي رسول الله صلي الله عليه و اله هدية وكتب إليه كتابا يعتذر فيه، فكتب: إلي أحمد رسول الله الذي بشّر به عيسي، من قيصر ملك الروم: إنه جاءني كتابك مع رسولك، وإني أشهد أنك رسول الله، نجدك عندنا في الإنجيل بشّرنا بك عيسي بن مريم، وإني دعوت الروم إلي أن يؤمنوا بك فأبوا، ولو أطاعوني لكان خيراً لهم، ولوددت أني عندك فأخدمك وأغسل قدميك.

وجعل كتاب رسول الله صلي الله عليه و اله في الديباج والحرير وجعله في سفط، فلما وصل كتابه إلي رسول

الله صلي الله عليه و اله قال رسول الله صلي الله عليه و اله: «يبقي ملكهم ما بقي كتابي عندهم» ().

كتابه صلي الله عليه و اله إلي المقوقس() ملك الإسكندرية

وأرسل رسول الله صلي الله عليه و اله حاطب بن أبي بلتعة إلي المقوقس ملك الإسكندرية، بكتاب وفيه:

«بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد بن عبد الله إلي المقوقس عظيم القبط()، سلام علي من اتبع الهدي، أما بعد، فإني أدعوك بدعاية الإسلام أسلم تسلم، واسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فان توليت فإنما عليك إثم القبط، و?يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَي كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَ نَعْبُدَ إِلاَ اللهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ?()» ().

وقد روي أن المقوقس قال: إني نظرت في أمر هذا النبي فوجدته لا يأمر بمزهود فيه، ولاينهي عن مرغوب فيه، ولم أجده بالساحر الضال، ولا الكاهن الكذاب، ووجدت معه آلة النبوة بإخراج الخبء والإخبار بالنجوي، وسأنظر، ثم أخذ الكتاب وجعله في حق من عاج وختم عليه ودفعه إلي جاريته.

وكان المقوقس قد دعا كاتبه الذي يكتب له بالعربية، فكتب إلي النبي صلي الله عليه و اله: بسم الله الرحمن الرحيم لمحمد بن عبد الله من المقوقس عظيم القبط: سلام عليك، أما بعد، فقد قرأت كتابك، وفهمت ما ذكرت فيه، وما تدعو إليه، وقد علمت أن نبيا قد بقي، وقد كنت أظن أنه يخرج بالشام، وقد أكرمت رسولك، وبعثت إليك بجاريتين لهما مكان في القبط عظيم، وبثياب، وأهديت إليك بغلة لتركبها، والسلام عليك().

وقال حاطب: كان المقوقس لي مكرما في الضيافة وقلة اللبث ببابه، وما أقمت عنده إلا خمسة أيام ودفع له مائة دينار وخمسة أثواب().

وقد روي أن المقوقس قال لحاطب(): القبط

لا يطاوعوني في اتباعه ولا أحب أن تعلم بمجاورتي إياك، وأنا أظن بملكي أن أفارقه، وسيظهر علي البلاد.

وبعث معه جيشا إلي أن دخل جزيرة العرب ووجد قافلة من الشام تريد المدينة فرد الجيش وارتفق بالقافلة.

كتابه صلي الله عليه و اله إلي النجاشي()

وأرسل صلي الله عليه و اله عمرو بن أمية الضميري إلي النجاشي ملك الحبشة بكتاب وفيه: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، من محمد رسول الله إلي النجاشي ملك الحبشة، إني أحمد إليك الله، الملك القدوس السلام المهيمن، وأشهد أن عيسي ابن مريم روح الله ?وكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلي مَرْيَمَ? () البتول الطيبة فحملت بعيسي، وإني أدعوك إلي الله وحده لا شريك له، فإن تبعتني وتؤمن بالذي جاءني فإني رسول الله، وقد بعثت إليك ابن عمي جعفراً و معه نفر من المسلمين، والسَّلامُ عَلي مَنِ اتَّبَعَ الْهُدي» ().

فكتب النجاشي إلي رسول الله صلي الله عليه و اله جواب كتابه صلي الله عليه و اله وفيه:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، إلي محمد رسول الله من النجاشي، سلام عليك يا نبي الله ورحمة الله وبركاته، الذي لا إله إلا هو الذي هداني إلي الإسلام. أما بعد، فقد بلغني كتابك يا رسول الله فيما ذكرت من أمر عيسي، فورب السماء والأرض، إن عيسي ما يزيد علي ما ذكرت ثفروقا() إنه كما قلت، وقد عرفنا ما بعثت به إلينا وقدم ابن عمك وأصحابك، وأشهد أنك رسول الله، وقد بايعتك وبايعت ابن عمك وأسلمت علي يديه لله رب العالمين، وقد بعثت إليك يا نبي الله، فإن شئت أن آتيك فعلت يا رسول الله، فإني أشهد أن ما تقول حق، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته. وذكر أنه بعث ابنه في ستين من الحبشة في سفينة حتي إذا توسطوا البحر غرقت

بهم السفينة فهلكوا ().

وروي أن رسول الله صلي الله عليه و اله كتب كتاباً للنجاشي فقال صلي الله عليه و اله لعلي عليه السلام: «اكتب جواباً وأوجز» فكتب: «بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد، فكأنك من الرقة علينا منا، وكأنا من الثقة بك منك؛ لأنا لا نرجو شيئا منك إلا نلناه، ولا نخاف منك أمرا إلا أمناه، وبالله التوفيق».

فقال النبي صلي الله عليه و اله: «الحمد لله الذي جعل من أهلي مثلك، وشد أزري بك» ().

كتابه صلي الله عليه و اله إلي ملك اليمامة ()

وأرسل رسول الله صلي الله عليه و اله سليط بن عمرو() إلي ملك اليمامة هوذة بن علي الحنفي() يدعوه إلي الإسلام، وجاء في رسالته:

«بسم الله الرحمن الرحيم: من محمد رسول الله إلي هوذة بن علي، سلام علي من اتبع الهدي، واعلم أن ديني سيظهر إلي منتهي الخف والحافر، فأسلم تسلم، وأجعل لك ما تحت

يديك».

فلما أتاه سليط بن عمرو أرسل إلي النبي صلي الله عليه و اله وفداً فيهم مجاعة بن مرارة والرجال بن عنفوة يقول له: إن جعل الأمر له من بعده أسلم وسار إليه ونصره، وإلا قصد حربه، فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: «لا ولا كرامة، اللهم اكفنيه» فمات بعد قليل().

وروي أن هوذة بن علي ملك اليمامة كتب إلي رسول الله صلي الله عليه و اله كتابا جاء فيه: ما أحسن ما تدعو إليه وأجمله، وأنا شاعر قومي وخطيبهم، والعرب تهاب مكاني، فاجعل لي بعض الأمر أتبعك. ثم أجاز سليطا بجائزة وكساه أثوابا من نسج هجر().

وقيل: إن هوذة أهدي إلي رسول الله صلي الله عليه و اله غلاما اسمه: كركرة ().

كتابه صلي الله عليه و اله إلي ملك عمان()

كتابه صلي الله عليه و اله إلي ملك عمان()

وكتب رسول الله صلي الله عليه و اله كتابا إلي جيفر وعبد ابني الجلندي وكانا علي ملك عمان، وفيه: «بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد عبد الله ورسوله إلي جيفر وعبد ابني الجلندي: سلام علي من اتبع الهدي، أما بعد: فإني أدعوكما بدعاية الإسلام، أسلما تسلما، فإني رسول الله إلي الناس كافةً لأنذر من كان حياً ويحق القول علي الكافرين، وإنكما إن أقررتما بالإسلام وليتكما، وإن أبيتما أن تقرا بالإسلام، فإنه زائل عنكما وخيلي تحل بساحتكما، وتظهر نبوتي علي ملككما».

وكان صلي الله عليه و اله قال عندما أرسل رسوله إلي

أهل عمان: «أما إنهم سيقبلون كتابي ويصدقوني ويسألكم ابن الجلندي هل بعث رسول الله صلي الله عليه و اله معكم بهدية، فقولوا: لا، فسيقول: لو كان رسول الله صلي الله عليه و اله بعث معكم بهدية لكانت مثل المائدة التي نزلت علي بني إسرائيل وعلي المسيح().

الخلاصة

ظهر مما سبق أن بعض هؤلاء آمن برسالة النبي صلي الله عليه و اله مثل النجاشي ملك الحبشة، وحاكم اليمامة، وحاكم عمان، وهرقل ملك الروم.

والبعض الآخر رد رداً مناسباً مثل المقوقس، حيث أرسل رسالة جوابية إلي النبي صلي الله عليه و اله ومعها هدية، فقبل النبي صلي الله عليه و اله هديته.

أما البعض الآخر فكان رده سلبياً مثل كسري ملك الفرس، حيث مزق رسالة النبي صلي الله عليه و اله وأهان رسوله، كما جاء في كتب الأخبار().

وما يهمنا هنا هو ليس تدوين الوقائع، بل الاستشهاد بها، لكي نعلم بأن الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله لم يضع يداً علي الأخري في الهجرة وينتظر الفرج، بل جاهد جهاداً لا هوادة فيه، وروّض الظروف الصعبة التي مرت به، ووظفها لصالح التبليغ الديني، وهذا هو الدرس المهم الذي نريد أن نستفيد من حديثنا عن هجرة الرسول صلي الله عليه و اله والمسلمين الأوائل وكيفية تعاملهم مع الظروف التي تواجههم في الهجرة، وتطبيقها علي حياتنا اليومية، خاصة وأن عالمنا الإسلامي اليوم ونتيجة الظروف التي أوجدها الأعداء، وبعض العوامل الأخري يعيش كثير من أبنائه في المهجر، إما مهاجرين أو مهجّرين. ونتعرف أيضاً علي طريقة مقاومة هذه الظروف لتحويل الهجرة إلي نصر نحقق فيه أهدافنا الإسلامية.

من دروس الهجرة

قال أمير المؤمنين عليه السلام: «رحم الله امرأً تفكر فاعتبر وأعتبر فأبصر» ().

وقال عليه السلام: «إن في كل شيء موعظة وعبرة لذوي اللب والاعتبار» ().

تعد الهجرة لو استفيد منها مدرسة لإعداد المجاهدين، وفي الوقت نفسه هي محل اختبار للإنسان. إن في الهجرة دروساً وعبراً كثيرة وعلي الإنسان المسلم الذي اضطرته الظروف إلي التغرب عن بلده أن يستفيد منها ويصبّها في صالح دينه ومجتمعه، ونحاول

هنا باختصار أن نذكّر ببعض الأمور، التي ينبغي علي الإنسان المسلم المهجّر، أو المهاجر العمل بها:

أولاً: التمسك بحبل الله تعالي.

قال تبارك وتعالي: ?وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً? ().

وقال الإمام الصادق عليه السلام: «أوحي الله عزوجل إلي داود: ما اعتصم بي عبد من عبادي دون أحد من خلقي عرفت ذلك من نيته، ثم تكيده السماوات والأرض ومن فيهن إلا جعلت له المخرج من بينهن، وما اعتصم عبد من عبادي بأحد من خلقي عرفت ذلك من نيته إلا قطعت أسباب السماوات والأرض من يديه وأسخت الأرض من تحته، ولم أبال بأي واد هلك» ().

علي الإنسان المسلم أن يتوجه بكل إحساسه إلي الله تعالي، ويؤمن إيماناً مطلقاً بأن الله سبحانه وتعالي بيده كل شيء، وهو عزّ وجلّ يراقب كل حركاته وسكناته، وعلي المؤمن أن يحسب هجرته وجميع أعماله في سبيل الله، ولا يخرجها من هذا الإطار.

ثانياً: الصبر.

قال تعالي: ?وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ?().

وقال أمير المؤمنين عليه السلام: «الصبر علي مضض الغصص يوجب الظفر بالفرص» ().

إن الإنسان المهاجر أو المهجر سوف يتعرض عادة إلي مضايقات ومشاكل كثيرة، سواء كان فيما يتعلق بعمله الجهادي، أو فيما يتعلق بمعيشته وما يترتب عليها. فهنا يحتاج إلي قلب صبور، يتحمل الاخفاق والعوز، لكي يتغلب علي الظروف، بل لابد له أن يخلق الظروف المناسبة، كما فعل رسول الله صلي الله عليه و اله، فعندما هاجر هو وسائر المسلمين إلي المدينة، في بادئ الأمر كانت الظروف المحيطة به صلي الله عليه و اله صعبة جداً، من الناحية الاقتصادية والاجتماعية، وكذلك من جهة العدو وقوته وغيرها من المضايقات. ولكن صبر الرسول صلي الله عليه و اله وإيمانه القوي وكذلك كان المسلمون.. غيّر كل هذه

الظروف، وروّضها لصالح الإسلام، فالصبر عامل مهم في حسم النتيجة نحو الأفضل. كما قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: «الصبر أعون شيء علي الدهر» ().

ثالثاً: اختيار المكان المناسب.

قال أمير المؤمنين عليه السلام: «ليس بلد أحق بك من بلد، خير البلاد ما حملك» ().

وقال عليه السلام: «شر الأوطان ما لم يأمن في القطان» ().

فإن الإنسان المسلم المهاجر في سبيل الله تعالي عليه أن يختار المكان المناسب لهجرته، كما فعل رسول الله صلي الله عليه و اله، فالشخص الذي يهاجر من بلد يخاف فيها علي دينه، أو عرضه، أو نفسه، أو ماله، إلي بلد آخر لا يحفظ له هذه الحقوق، فإن النتائج ربما تكون أسوأ؛ لأنه بالإضافة إلي ضياع حقوقه، فإنه سوف يبتلي بالغربة وأمثالها. بينما إذا اختار البلد المناسب فإنه ربما يعاني من الغربة ومشاكلها، إلا أنه سوف يحفظ بعض حقوقه علي الأقل، كالنفس والعرض والمال مثلاً.

كلمة أخيرة

يعيش عالمنا الإسلامي اليوم في صراعات مدمرة أثارها الأعداء بتخطيط مسبق، حتي لا يتفرغ الإنسان المؤمن لهدفه الأسمي، وهو نشر الإسلام، فأججوا الحروب هنا وهناك في عالمنا الإسلامي: في لبنان، وأفغانستان، والعراق، ومصر، والجزائر وتونس، وكشمير، وغيرها ().

وكذلك عملوا علي زرع الخلافات السياسية والدينية بين شعوبنا الإسلامية.

وكذلك نصبوا علي بلادنا الحكام العملاء الظلمة، فتسلطوا علي رقاب المسلمين، ونهبوا خيراتهم، ومارسوا بحقهم أبشع أنواع الجرائم والكبت ومصادرة الحريات والاعتقال والتعذيب، فنتج من هذا وغيره ملايين المشردين، بل الأكثر من ذلك.

إن الأعداء لم يكتفوا بتشريد هؤلاء، بل عملوا علي تشديد الخناق، وضيقوا عليهم سبل العيش بشتي أنواع المضايقات، كما فعل أعداء الإسلام بالمسلمين الأوائل، ولكن في ذلك الوقت استطاع رسول الله صلي الله عليه و اله أن يحبط جميع مخططات الأعداء،

وذلك بإيجاد الحلول المناسبة لها فتمكن صلي الله عليه و اله بذلك من حفظ المسلمين ونشر الرسالة.

لذا فاللازم علينا أن نهتدي بسيرة المصطفي صلي الله عليه و اله وأهل بيته الطاهرين عليهم السلام والمسلمين الأوائل، في كيفية التعامل مع الأعداء، ومع الظروف التي عاشوها في المهجر والاستفادة من تجاربهم التي مروا بها فنوظفها لصالح الأمة؛ حتي نتجاوز المحنة فنوفق لخدمة هذا الدين الحق.

قال تعالي: ?لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَة?().

فالرسول الأعظم صلي الله عليه و اله خطط وأعد المسلمين فكرياً وعسكرياً، في سبيل تجاوز المحن، والظفر في عمله، فباشر أولاً بتثبيت كيان المسلمين في المهجر، وإعدادهم تعبوياً ونفسياً، ومن ثم قام بنشر الدين في الآفاق، فعلينا أن نستفيد من هذا الدرس العظيم ونقوم بمراجعة تفاصيله مراجعة دقيقة، مبنية علي أساس التجارب والعبر، وبطرق علمية سليمة، وندرس جميع الظروف المحيطة بنا، سواء كان في طرفنا أو في الطرف الآخر، حتي نرزق النصر إن شاء الله تعالي.

«اللهم إني أسألك بنور وجهك المشرق الحي الباقي الكريم، وأسألك بنور وجهك القدّوس، الذي أشرقت به السماوات وانكشفت به الظلمات، وصلح عليه الأولون والآخرون، أن تصلي علي محمد وآله وأن تصلح لي شأني كله» ().

من هدي القرآن الحكيم

1. الإيمان والهجرة:

قال تعالي: ?وَالسَّابِقُونَ الأوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ?().

وقال عزوجل: ?وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلأجْرُ الآَخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ?().

وقال تعالي: ? وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللهِ يَجِدْ فِي الأرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَي اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ

أَجْرُهُ عَلَي اللهِ وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيما? ().

وقال سبحانه: ?وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللهُ رِزْقاً حَسَناً وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ?().

وقال جل وعلا: ?لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ?().

2. تعلم الصبر:

قال تعالي: ?وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ?().

وقال عزوجل: ?وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَي مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّي أَتَاهُمْ نَصْرُنَا?().

وقال سبحانه: ?وَاتَّبِعْ مَا يُوحَي إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّي يَحْكُمَ اللهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ?().

وقال جل وعلا: ?وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ?().

وقال تبارك وتعالي: ?يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاَةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَي مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأمُورِ?().

وقال عزوجل: ?وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَ بِاللَّهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ? ().

وقال جل وعلا: ?قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّي الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ? ().

3. نشر الدعوة الإسلامية:

قال تعالي: ?وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ?().

وقال عزوجل: ?فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ?().

وقال سبحانه: ?وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ?().

4. الثبات علي المبدأ:

قال جل وعلا: ?مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَي نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً?().

وقال تعالي: ?الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ?().

وقال عزوجل: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً

فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأدْبَارَ?().

من هدي السنة المطهرة

1. الإيمان والهجرة

قال رسول الله صلي الله عليه و اله: «من فرّ بدينه من أرض إلي أرض، وإن كان شبراً من الأرض، استوجب الجنة وكان رفيق إبراهيم ومحمد صلي الله عليهما وآلهما» ().

وقال الإمام الصادق عليه السلام: «إذا عصي الله في أرض أنت فيها فأخرج منها إلي غيرها» ().

وقال الإمام الباقر عليه السلام: « … ومن دخل في الإسلام طوعاً فهو مهاجر» ().

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: « … والمهاجر من هجر السيئات وترك ما حرم الله» ().

2. تعلم الصبر

قال أمير المؤمنين عليه السلام: «ثلاث من كن فيه فقد رزق خير الدنيا والآخرة هن: الرضا بالقضاء، والصبر علي البلاء، والشكر في الرخاء» ().

وقال عليه السلام: «الصبر عنوان النصر» ().

وقال عليه السلام: «بالصبر تدرك معالي الأمور» ().

وقال عليه السلام: «من صبر فنفسه وقّر، وبالثواب ظفر، ولله سبحانه أطاع» ().

وقال الإمام علي بن الحسين عليه السلام: «الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، ولا إيمان لمن لا صبر له» ().

وقال الإمام الصادق عليه السلام: «يا حفص إن من صبر صبر قليلاً، وإن من جزع جزع قليلاً ثم قال: عليك بالصبر في جميع أمورك. فان الله بعث محمداً صلي الله عليه و اله فأمره بالصبر..» ().

وقال الإمام الباقر عليه السلام: «من لا يعد الصبر لنوائب الدهر يعجز» ().

3. نشر الدعوة الإسلامية

قال رسول الله صلي الله عليه و اله في سبب تسميته بالداعي: «وأما الداعي، فإني أدعو الناس إلي دين ربي عزوجل» ().

وقال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: «فبعث الله محمداً صلي الله عليه و اله بالحق ليخرج عباده من عبادة الأوثان إلي عبادته، ومن طاعة الشيطان إلي طاعته بقرآن قد بينه وأحكمه، ليعلم العباد ربهم إذ جهلوه» ().

ومن كتاب النبي صلي الله عليه و اله إلي أهالي نجران:

«بسم إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب، من محمد رسول الله إلي أسقف نجران وأهل نجران، إن أسلمتم فإني أحمد إليكم الله إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب، أما بعد فإني أدعوكم إلي عبادة الله من عبادة العباد..» ().

وقال الإمام أبو جعفر عليه السلام في رسالته إلي بعض حكام بني أمية: «ومن ذلك ما ضيع الجهاد الذي فضله الله عزوجل علي الأعمال.. اشترط عليهم فيه حفظ الحدود، وأول ذلك الدعاء إلي طاعة الله من طاعة العباد،

والي عبادة الله من عبادة العباد..» ().

4. الثبات علي المبدأ

لما أظهر رسول الله صلي الله عليه و اله الدعوة بمكة اجتمعت قريش إلي أبي طالب عليه السلام فقالوا: يا أبا طالب إن ابن أخيك قد سفه أحلامنا.. فإن كان الذي يحمله علي ذلك العدم جمعنا له مالاً حتي يكون أغني رجل في قريش ونملكه علينا، فأخبر أبو طالب رسول الله صلي الله عليه و اله بذلك فقال: «لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري ما أردته» ().

وقال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: «وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، دعا إلي طاعته، وقاهر أعداءه جهاداً عن دينه، لا يثنيه عن ذلك اجتماع علي تكذيبه، والتماس لإطفاء نوره» ().

وقال الإمام الحسين عليه السلام: «لا والله، لا أعطيهم بيدي إعطاء الذليل، ولا أفر فرار العبيد» ().

إصدارات جديدة

? العراق ما بعد صدام

? إلي المجاهدين في العراق

? الشيعة والحكم في العراق

? إذا قام الإسلام في العراق

? محنة العراق

? وصايا إلي الكوادر العراقية

? كيف ولماذا أخرجنا من العراق

? عشت في كربلاء

? التهجير جناية العصر

? حكم الإسلام بعد نجاة العراق وأفغان

? كفاحنا

? جمع الكلمة وتعدد الأحزاب

? إحياء الشعائر

? الإصلاح

? التيار الإصلاحي

? استفتاءات حول السياسة الإسلامية

? حكم الإسلام.. مبادئ قيامه، ماهيته، أهدافه

? عاشوراء والعودة إلي الإسلام

? إلي الحوزات العلمية

? المسلم

? اللاعنف في الإسلام

? اللاعنف منهج وسلوك

? الحسين عليه السلام مصباح الهدي

? مقومات رجل الدين

? فقه العولمة

? من كرامات الأولياء

? تفسير تبيين القرآن

? كيف نزوج العازبات

? لماذا الكوارث

? الإمام زين العابدين عليه السلام قدوة الصالحين

? الوصايا الأخيرة

? الشيعة والتشيع

? الأخلاق الإسلامية

? الأقصي المبارك

? العدالة الإسلامية

? تجارب في المنبر

? البقيع الغرقد

رجوع إلي القائمة

پي نوشتها

() سورة النحل: 41 – 42.

() المناقب: ج3، ص247. فصل في مساواته يعقوب ويوسف عليهم السلام.

() سورة الزمر: 10.

() انظر تفسير تقريب القرآن إلي الأذهان: ج23 ص149 سورة الزمر.

() سورة النساء: 97100.

() انظر لسان العرب: ج12 ص245 مادة (رغم).

() تنبيه الخواطر ونزهة النواظر: ج1 ص33 باب السفر والسير والفراق والقدوم والوداع.

() انظر تفسير (تقريب القرآن إلي الأذهان): ج5 ص84 سورة النساء. وانظر بحار الأنوار: ج19 ص30 ب6.

() هجر: الهَجْرُ: ضد الوصل، هَجَره يَهْجُرُه هَجْراً وهِجْراناً: صَرَمَه، وهما يَهْتَجِرانِ ويَتَهاجَرانِ، والاسم الهِجْرَةُ.

يقال: هَجَرْتُ الشي ء هَجْراً إِذا تركته وأَغفلته، وهَجَر فلان الشِّرْك هَجْراً وهِجْراناً وهِجْرَةً حَسَنَةً. والهِجْرَةُ والهُجْرَةُ: الخروج من أَرض إِلي أَرض.

والمُهاجِرُونَ: الذين ذهبوا مع النبي صلي الله عليه و اله، مشتق منه. وتَهَجَّرَ فلان أَي: تشبه بالمهاجرين.

قال الأَزهري: وأَصل المُهاجَرَةِ عند العرب خروجُ البَدَوِيّ من باديته إِلي المُدنِ، يقال: هاجَرَ الرجلُ إِذا فعل ذلك، وكذلك

كل مُخْلٍ بِمَسْكَنِه مُنْتَقِلٍ إِلي قوم آخرين بِسُكناهُ، فقد هاجَرَ قومَه.

وسمي المهاجرون مهاجرين لأَنهم تركوا ديارهم ومساكنهم التي نشئوا بها لله، ولَحِقُوا بدار ليس لهم بها أَهل ولا مال حين هاجروا إِلي المدينة؛ فكل من فارق بلده من بَدَوِيٍّ أَو حَضَرِيٍّ، وسكن بلداً آخر، فهو مُهاجِرٌ، والاسم منه الهِجْرة.

وقال الجوهري: الهِجْرَتانِ هِجْرَةٌ إِلي الحبشة وهجرة إِلي المدينة، والمُهاجَرَةُ من أَرض إِلي أَرض: تَرْكُ الأُولي للثانية.

وإِذا أَطلق ذكر الهجرتين فإِنما يراد بهما هجرة الحبشة وهجرة المدينة.

وهَجَرَ الشي ءَ و أَهْجَرَه. تركه، وهَجَر الرجلُ هَجْراً إِذا تباعد ونَأَي. وقيل: الهَجْرُ من الهِجْرانِ، وهو ترك ما يلزمك تعاهده، وهَجَر في الصوم يَهْجُرُ هِجْراناً: اعتزل فيه النكاح. ولقيته عن هَجْرٍ أَي: بعد الحول ونحوه؛ وقيل: الهَجْر السَّنَةُ فصاعداً، وقيل: بعد ستة أَيام فصاعداً، وقيل: الهَجْرُ المَغِيب أَيّاً كان. انظر لسان العرب: ج5 ص250 مادة «هجر».

وانظر مجمع البحرين: ج3 ص514 مادة «هجر».

مادة: هجر، في قوله تعالي: ?وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً? سورة المزمل: 10، الهجر الجميل: أن يخالفهم بقلبه وهواه ويؤالفهم في الظاهر بلسانه ودعوته إلي الحق بالمداراة، وترك المكافاة.

وفي قوله تعالي: ?سَامِراً تَهْجُرُونَ? سورة المؤمنون: 67، هو من الهجر، وهو الهذيان و?تهجرون? من الهجر أيضا، وهو الإفحاش في المنطق.

وفي قوله تعالي: ?وَالَّذِينَ هَاجَرُوا? أي: تركوا بلادهم، ومنه المهاجرون؛ لأنهم هاجروا بلادهم و تركوها و صاروا إلي رسول الله صلي الله عليه و اله، وكل من هجر بلده لغرض ديني من طلب علم أو حج أو فرار إلي بلد يزداد فيه طاعة، أو زهدا في الدنيا فهي هجرة إلي الله ورسوله صلي الله عليه و اله.

أما قوله تعالي: ?مُهَاجِرٌ إِلَي رَبِّي? سورة العنكبوت: 26، أي: من كوثي، وهو من سواد الكوفة إلي حوران

من أرض الشام ثم منها إلي فلسطين، و كان معه في هجرته لوط وامرأته سارة.

وقوله تعالي: ?يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ? سورة الحشر: 9، أي: من غير بلدهم.

وفي الحديث: «لا هجرة فوق ثلاث» الهجر ضد الوصل، يعني فيما يكون بين المسلمين من عتب وموجدة أو تقصير تقع في حقوق العشرة والصحبة دون ما كان في جانب الدين، فإن هجرة الأهواء والبدع دائمة علي ممر الأوقات ما لم تظهر التوبة. انتهي.

والهجرة باقية مادام الشرك قائماً، فقد روي عن رسول الله صلي الله عليه و اله قوله: «لا تنقطع الهجرة حتي تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتي تطلع الشمس من مغربها»، وما روي من قوله صلي الله عليه و اله: «لاهجرة بعد الفتح» معناه: لاهجرة بعد الفتح فضلها كفضل الهجرة قبل الفتح، وقيل المراد لاهجرة بعد الفتح من مكة، لأنها صارت دار إسلام. انظر السرائر: ج2 ص15 أحكام الهجرة من بلاد الكفار.

() من لا يحضره الفقيه: ج3ص156 باب المعايش والمكاسب ح3571.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص365 ق5 ب3 الفصل1 ح8231.

() سورة النحل: 41.

() انظر التبيان في تفسير القرآن: ج6 ص283 سورة النحل.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص305 ق3 ب3 الفصل5 ح6972.

() بحار الأنوار: ج74 ص415 ب15 ح38.

(1) في بعض التقارير: إن اللاجئين يمثلون نسبة واحد من بين كل (255 شخصا) علي اتساع رقعة العالم إضافة إلي وجود ما يناهز (30 مليون) من النازحين داخلياً أي في نطاق حدود أوطانهم. ولا يخفي أن عدد اللاجئين المذكور أعلاه يشمل المسجلين لدي الصليب الأحمر الدولي فقط ولا يشمل ما يزيد عليه من اللاجئين أو المهجرين الذين لم يتسن لهم أو لم يستطيعوا التسجيل في مراكز الصليب الأحمر والمنظمات الأخري التابعة للأمم

المتحدة كالهلال الأحمر وما أشبه.

وأوضح التقرير أن أفريقيا تعد أكثر قارات العالم اكتظاظا باللاجئين؛ إذ يبلغ عددهم حوالي (7ر5 مليون) لاجئ إضافة إلي ما يناهز (3ر1 مليون) نازح مقابل (3ر1 مليون) لاجئ و(6ر1 مليون) نازح في أوروبا.

وجاء في التقرير أيضا: إن العالم شهد في تسعينيات القرن الماضي حالة من خيبة الأمل في الانتقال إلي مرحلة جديدة تتراجع فيها النزاعات، بل أصابته حالة من الفوضي اندلعت فيها الحروب الأهلية والصراعات الطائفية والعرقية، التي حفلت بالانتهاكات، وامتدت الصراعات المسلحة من أفريقيا وآسيا وأمريكا إلي أوروبا لتضيف أعداداً جديدة من اللاجئين والنازحين وصلت إلي أرقام مهولة.

وأشار التقرير إلي أن الصراع المسلح أصبح حاليا هو القوة المحركة وراء معظم تدفقات اللاجئين ولم تعد تحركات اللاجئين بمثابة أثر جانبي للصراع بل صارت في كثير من الأحيان عنصراً أساسياً من عناصر الحرب واستراتيجيتها، مؤكدة أنه لا تستطيع المنظمات الإنسانية وحدها حل المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تؤدي إلي النزوح.

وفي تقرير آخر ذكر أن آخر إحصائية صدرت من الأمم المتحدة تقول: أن عدد المشردين في العالم يبلغ حوالي (70) مليون و(800) ألف نسمة، ولا يخفي بأن نسبة المسلمين المشردين من هذا العدد أكثر من غيرها من الطوائف والأديان الأخري.

() سورة ص: 1 4.

() نهج البلاغة، الخطب: 192 من خطبة له عليه السلام تسمي القاصعة.

() إعلام الوري بأعلام الهدي: ص49–52 الركن الأول ب3 ف6، وانظر قصص الأنبياء للراوندي: ص325 ف6.

() الحبشة: الاسم الذي أطلقه العرب علي الإقليم الذي يطل علي البحر الأحمر ويواجه اليمن، واختلفت حدوده باختلاف العصور، وهو ما يعرف اليوم ب(أثيوبيا)، وهي دولة في أفريقيا الشرقية علي البحر الأحمر بين السودان وكينيا والصومال وجيبوتي، تبلغ مساحتها (1،221،900كم) وعدد نفوسها حوالي (53،200،000

نسمة) عاصمتها (أديس أبابا) تتبعها جزر دهلك أمام ساحل إريتريا، أنهي الحكم الإمبراطوري فيها انقلاب عسكري عام (1974م) جعل من أثيوبيا جمهورية شعبية ديمقراطية ذات حزب واحد عام (1987م). حيث حكمها الإمبراطور هيلا سلاسي منذ عام (1930م) حتي عام (1974م)، وكان قد قام بينها وبين إريتريا اتحاد فدرالي سنة (1952م) ولكن لم يلبث هيلا سلاسي أن ألغي الاتحاد وأعلن ضم إريتريا إلي الحبشة عام (1962م)، فقامت في إريتريا ثورة مسلحة للانفصال نشطت بعد سقوط هيلا سلاسي، حتي أعلنت استقلالها عن إثيوبيا عام (1993م). أخذ الإسلام ينتشر في المناطق الشرقية للحبشة ولكن ببطأ ثم أخذ يشق طريقه إلي داخل البلاد بواسطة المسلمين من الأحباش الذين أسلموا علي أيدي العرب. وتمكنت طائفة من التجار المسلمين من أهالي تكرور بالسودان من الانتشار في شتي بقاع الحبشة وهؤلاء ساعدوا إلي حد ما في نشر الإسلام. ولعل اشتغال المسيحيين في الحبشة بالخلافات المذهبية ساعد الإسلام علي التوسع والانتشار في الأراضي الحبشية.

بدأ الإسلام يخطو في الحبشة خطوات واسعة نحو الأمام ثم انكمش وتقلص في عهد الملك يوحنس وفي عهد خلفه منليك، واستمر ذلك الوضع زمناً طويلاً حتي عام (1913م) حين قام بالأمر الملك ليج اياسوا فناصر الإسلام بكل قوته وزعم أنه من سلالة الرسول صلي الله عليه و اله وليس من سلالة سليمان، وتزوج من النساء المسلمات وانتظم في سلك المسلمين، وتزيي بزيهم وتقلد السيف العربي، وكتب علي العلم بالحروف الحبشية «لا إله إلا الله محمد رسول الله». وفي أواخر عهد هذا الملك ظهرت فكرة إيجاد رابطة بين الأحباش والعرب وكانت فكرة هذا التقارب أقوي وأبرز وضوحاً بين أهالي الصومال وبين سائر القبائل الحبشية، فالصوماليون يقولون إنهم من سلالة عربية، ولقد

أخذ كثير من الأحباش يقبلون علي دراسة اللغة العربية وهم يعتبرونها لغة مقدسة. فبلغ عدد المسلمين في الحبشة اكثر من ستين في المائة.

والحبشة عبارة عن هضبة تنتشر فيها الجبال والقمم المتفرقة، خاصة غربي البلاد، يتجاوز ارتفاعها أحياناً (4000م) وأعلاها رأس داشان (4620م) تتخللها أودية عميقة وأنهر عديدة، ويفصلها عن السهل الساحلي في الشرق جدار شاهق يعيق المواصلات. ينبع النيل الأزرق من بحيرة تانا، وفي الجنوب الغربي منخفض تكثر فيه البحيرات ومنها: أبايا وستيفاني، وعلي حدود كينيا والسودان بحيرة رودولف. أنهارها كثيرة، أطولها جوبا، وأهمها النيل الأزرق. منفذها علي البحر: مصوع وعصب في إريتريا، يربطها خط حديدي بمرفأ جيبوتي. وتشتهر بزراعة الذرة والحبوب والتبغ والبن والقطن. أهم صادراتها: البن ومنتجات المواشي والسكر والملح.

انظر الموسوعة الإسلامية، حسن الأمين: ج5 ص156، الحبشة.

() اسمه أصحمة وهو بالعربية عطية، وقيل: صحمة، وإنما النجاشي اسم لكل من ملك الحبشة، كقولهم، كسري ملك الفرس أو قيصر ملك الروم، اختار الإسلام وحسن إسلامه ولما توفي نعاه النبي صلي الله عليه و اله ودعا له، وذلك لأن جبرائيل عليه السلام نعاه لرسول الله صلي الله عليه و اله في اليوم الذي مات فيه، فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: «أخرجوا فصلوا علي أخ لكم مات بغير أرضكم» قالوا: ومن؟ قال: «النجاشي». فخرج رسول الله صلي الله عليه و اله إلي البقيع وكشف له من المدينة إلي أرض الحبشة، فأبصر سرير النجاشي، وصلي عليه، فقال المنافقون: انظروا إلي هذا يصلي علي علج نصراني حبشي لم يره قط، وليس علي دينه، فأنزل الله هذه الآية: ?وإنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خاشِعِينَ للهِ لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللهِ

ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ? سورة آل عمران: 199. انظر مجمع البيان: ج2 ص480 سورة آل عمران.

() بحار الأنوار: ج18 ص412 ب4 ضمن ذكر أحوال النجاشي.

() بحار الأنوار: ج18 ص412 ب4.

() سورة الأنعام: 123.

() سورة المائدة: 82.

() سورة مريم: 25 26.

() سورة المائدة: 110.

() انظر تفسير علي بن إبراهيم القمي: ج1 ص179 سورة المائدة.

() الخرائج والجرائح: ج1 ص133 134 ب1 ح219.

() سورة مريم: 1.

() سيم: قوم سيوم أي آمنون. قال ابن الأثير: هي كلمة حبشية وتروي بفتح السين، وقيل: سيوم جمع سائم أي: تسومون في بلدي كالغنم السائمة لا يعارضكم أحد، انظر لسان العرب: ج12 ص314 مادة «سوم».

() وفي ذخائر العقبي في مناقب ذوي القربي: ص210 ب3 الفصل1، في جعفر بن أبي طالب، روي الخبر بهذا اللفظ: عن أم سلمة قالت: لما نزلنا أرض الحبشة جاورنا بها خير جار النجاشي، أمنا علي ديننا وعبدنا الله لا نؤذي، فلما بلغ ذلك قريشاً ائتمروا أن يبعثوا إلي النجاشي هدايا مما يستظرف من متاع مكة، فجمعوا له أدما كثيراً ولم يتركوا من بطارقته بطريقاً إلا أهدوا إليه هدية، ثم بعثوا بذلك عبد الله بن ربيعة المخزومي وعمرو بن العاص، وقالوا لهما: ادفعوا إلي كل بطريق هديته قبل أن تكلموا النجاشي بهداياه، ثم سلوه أن يسلمهم إليكم قبل أن يكلمهم، قال: فخرجا فقدما علي النجاشي فدفعا إلي كل بطريق هديته، وقالا: إنه قد صبا إلي بلد الملك منا غلمان سفهاء، فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينكم، وجاؤوا بدين مبتدع، وقد بعثنا إلي الملك فيهم أشراف قومهم لنردهم إليهم، فإذا كلمنا الملك فيهم فأشيروا عليه بأن يسلمهم إلينا ولا يكلمهم، فقالوا: نعم، ثم

قربا هداياهم إلي النجاشي فقبلها منهم، ثم كلماه فقالا له: أيها الملك إنه قد صبا إلي بلدك منا غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينكم، وجاؤوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنت، وقد بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم لتردهم إليهم، فهم أعلم بما عابوا عليهم.

فقالت البطارقة بطارقته: صدقوا فأسلمهم إليهم، فغضب النجاشي وقال: لاها الله إذن، لا أسلمهم إليهم، ولا أكيد قوماً جاوروني ونزلوا بلادي واختاروني علي من سواي، حتي أدعوهم فأسألهم ما يقول هؤلاء في أمرهم، فإن كان كما يقولون سلمتهم إليهما، وإن كان علي غير ذلك منعتهم منهما، وأحسنت جوارهم ما جاوروني.

قال: ثم أرسل إلي أصحاب رسول الله صلي الله عليه و اله فدعاهم، فلما أن جاءهم الرسول اجتمعوا، ثم قال بعضهم لبعض: ما تقولون للرجل إذا جئتموه؟

قالوا: نقول والله ما علمناه، وما أمرنا به نبينا صلي الله عليه و اله كائناً في ذلك ما هو كائن. فلما جاؤوه وقد دعا النجاشي أساقفته فنشروا مصاحفهم حوله، سألهم ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم ولم تدخلوا في ديني ولا دين من دين هذه الأمم؟

قالت: وكان الذي يكلمه جعفر بن أبي طالب، فقال له: أيها الملك، كنا قوماً أهل جاهلية نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيئ الجوار، يأكل القوي منا الضعيف، فكنا علي ذلك حتي بعث الله إلينا رسولاً منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلي الله عزّ وجلّ لنوحده ونعبده ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، أمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش وقول الزور وأكل مال اليتيم

وقذف المحصنة، وأمرنا أن نعبد الله لا نشرك به شيئاً، وأمر بالصلاة والزكاة والصيام، فصدقناه وآمنا به، فعبدنا الله عزوجل ولم نشرك به شيئاً، وحرمنا ما حرم علينا، وحللنا ما أحل لنا، فعدا علينا قومنا فعذبونا وفتنونا عن ديننا ليردونا إلي عبادة الأوثان، وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث، فلما نهرونا فظلمونا وشقوا علينا وحالوا بيننا وبين ديننا خرجنا إلي بلدك، واخترناك علي من سواك ورغبنا في جوارك، ورجونا أن لا نُظلم عندك أيها الملك.

قالت: فقال النجاشي: هل معك مما جاء به عن الله عزوجل شيء؟

قال: نعم.

قال: فاقرأه علي، فقرأ عليه صدراً من ?كهيعص? فبكي والله النجاشي حتي اخضل لحيته، وبكت أساقفته حتي اخضلوا مصاحفهم، ثم قال: إن هذا والذي جاء به موسي ليخرج من مشكاة واحدة، انطلقوا فوالله لا أسلمهم إليكم أبداً.

قالت: فلما خرجنا من عنده، قال عمرو بن العاص: لآتينه غداً أعيبهم عنده بما أستأصل به خضراءهم، فقال له عبد الله بن ربيعة، وكان أتقي الرجلين: لا تفعل فإن لهم أرحاماً، قال: لا والله لأخبرنه أنهم يزعمون أن عيسي بن مريم عبد.

قالت: ثم غدا عليه الغد، فقال: أيها الملك، إنهم يقولون في عيسي بن مريم قولاً عظيماً، فأرسل إليهم فاسألهم عما يقولون فيه.

قالت: فأرسل إليهم فسألهم عنه؟ قالت: ولم ينزل بنا مثلها، فاجتمع القوم فقال بعضهم لبعض: ماذا تقولون في عيسي إذا سألكم؟ قالوا: نقول والله ما قال الله عزوجل وما جاء به نبينا كائناً في ذلك ما هو كائن.

فلما دخلوا عليه قال لهم: ما تقولون في عيسي بن مريم؟

قال له جعفر بن أبي طالب: نقول فيه الذي جاء به نبينا صلي الله عليه و اله هو عبد الله وروحه ورسوله وكلمته

ألقاها إلي مريم العذراء البتول.

قال: فضرب النجاشي يده علي الأرض فأخذ منها عوداً ثم قال: ما عدا عيسي بن مريم ما قلت هذا العود، ثم قال: اذهبوا فأنتم سيوم بأرضي، ردوا عليهما هداياهم فلا حاجة لنا بها، فوالله ما أخذ الله مني الرشوة حين رد علي ملكي فآخذ الرشوة، أو ما أطاع الله الناس في فأطيعهم فيه.

قال: فخرجا من عنده مقبوحين مردوداً عليهما ما جاءا به، وأقمنا عنده بخير دار مع خير جار.

() سورة آل عمران: 54.

() قال العلامة المجلسي (رحمه الله): كان لرسول الله صلي الله عليه و اله تسعة أعمام هم بنو عبد المطلب: الحارث، والزبير، وأبو طالب، وحمزة، والغيداق، والضرار، والمقوم، وأبو لهب واسمه: عبد العزي، والعباس. ولم يعقب منهم إلا أربعة: الحارث وأبو طالب، والعباس، وأبو لهب، إلي ان قال وأما أبو طالب عم النبي صلي الله عليه و اله فكان مع أبيه عبد الله ابني أم، وأمهما فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم، واسمه عبد مناف، له أربعة أولاد ذكور: طالب، وعقيل، وجعفر، وعلي، ومن الإناث أم هاني، واسمها فاختة وجمانة، أمهم جميعاً فاطمة بنت أسد، وكان عقيل أسن من جعفر بعشر سنين، وأعقبوا إلا طالباً، وتوفي قبل أن يهاجر النبي صلي الله عليه و اله بثلاث سنين، ولم يزل رسول الله صلي الله عليه و اله ممنوعاً من الأذي بمكة موقي له حتي توفي أبو طالب، فنبت به مكة ولم يستقر له بها دعوة حتي جاءه جبرئيل عليه السلام فقال: إن الله يقرئك السلام، ويقول لك: اخرج من مكة فقد مات ناصرك.

وأما العباس فكان يكني أبا الفضل، وكانت له السقاية وزمزم، وأسلم يوم البدر، واستقبل النبي

صلي الله عليه و اله عام الفتح بالأبواء، وكان معه حين فتح وبه ختمت الهجرة، ومات بالمدينة في أيام عثمان، وقد كف بصره، وكان له من الولد تسعة ذكور، وثلاث إناث … انظر بحار الأنوار: ج22 ص260-261 ب5 ح2.

() بحار الأنوار: ج35 ص138 ب3 بيان ضمن ح84. وفي ذكر نسب أمير المؤمنين عليه السلام قالوا: علي بن أبي طالب واسم أبي طالب عبد مناف بن عبد المطلب، واسم عبد المطلب شيبة بن هاشم، واسم هاشم عمرو بن عبد مناف، واسم عبد مناف المغيرة ابن قصي، واسم قصي زيد بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. انظر العمدة: ص23 الفصل1 في نسب أمير المؤمنين عليه السلام.

() راجع بحار الأنوار: ج15 ص152- 153 ب1. وانظر الفضائل لابن شاذان: ص45 حديث مولد النبي صلي الله عليه و اله.

() قال العلامة المجلسي ?: أجمعت الشيعة علي إسلامه عليه السلام وأنه قد آمن بالنبي صلي الله عليه و اله في أول الأمر ولم يعبد صنماً قط، بل كان من أوصياء إبراهيم عليه السلام وقال الطبرسي?: قد ثبت إجماع أهل البيت عليهم السلام علي إيمان أبي طالب، وإجماعهم حجة؛ لأنهم أحد الثقلين اللذان أمر النبي صلي الله عليه و اله بالتمسك بهما. بحار الأنوار: ج35 ص138-139 ب3 بيان.

() إعلام الوري بأعلام الهدي: ص19 الركن الأول ب2.

() انظر بحار الأنوار: ج35 ص139-141 ب3 بيان.

() ديوان الإمام علي عليه السلام: ص154-155.

() سورة الشعراء: 214.

() الطرائف: ج1 ص299 300 في إيمان أبي طالب عليه السلام ح385. وفي الحديث السابق

يقول أحد العلماء: ولو لم يكن لأبي طالب إلا هذا الحديث وأنه سبب في تمكين النبي صلي الله عليه و اله من تأدية رسالته وتصريحه، بقوله: وبلّغ رسالة ربك، فإنك الصادق المصدق، لكفاه شاهداً بإيمانه وعظيم حقه علي أهل الإسلام، وجلالة أمره في الدنيا ودار المقام، وما كان لنا حاجة إلي إيراد حديث سواه. انظر بحار الأنوار: 35 ص145 ب3 بيان.

() بحار الأنوار: 35 ص147 ب3 بيان.

() الطرائف: ج1 ص302-303 في إيمان أبي طالب عليه السلام ح388.

() وفي نسخة أخري: (السفاسرة) وهي تعني أصحاب الأسفار والكتب، انظر لسان العرب: ج4 ص371 مادة (سفر).

() بحار الأنوار: 35 ص149-151 ب3 بيان.

() قصص الأنبياء، للراوندي: ص317 ف21 ب20 ضمن ح394.

() إيمان أبي طالب: ص25-26.

() الطرائف: ج1ص305 في إيمان أبي طالب عليه السلام ح394.

() حلية الأبرار: ج1 ص129 ب14 ح1.

() المناقب: ج1 ص67 فصل في ما لقيه صلي الله عليه و اله من قومه بعد موت عمه عليه السلام.

() بحار الأنوار: ج19 ص7 ب5 ح5.

() بحار الأنوار: ج19 ص7 ب5 ح5.

() بحار الأنوار: ج19 ص8 ب5 ح5.

() الأوس والخزرج قبيلتان عربيتان من الأزد وهم أبناء حارثة بن ثعلبة، ارتحلتا من اليمن إثر تصدع سد مأرب، فاستوطنوا المدينة المنورة، نصروا رسول الله صلي الله عليه و اله وآمنوا به فسموا بالأنصار في قبال المهاجرين الذين هاجروا من مكة إلي المدينة.

() يوم بغاث أو بعاث، بضم الباء: يوم معروف، كان فيه حرب بين الأوس والخزرج في الجاهلية، هو من مشاهير أيام العرب، وبعاث: اسم حصن للأوس، انظر لسان العرب: ج2 ص117 مادة «بعث».

() سورة الأنعام: 151 152.

() سورة فصلت: 1،2.

() إعلام الوري بأعلام الهدي: ص56 الركن الأول ب3 ف7.

() المدينة المنورة:

ثانية مدن الحجاز القديمة وأهم مدينة حجازية تاريخية بعد مكة المكرمة من حيث السعة والتجارة ومن حيث الحاصلات الزراعية ووفرة المياه.

والحجاز أحد أقاليم الجزيرة العربية الواقع في غرب جزيرة العرب، وهو إقليم مستطيل تحده قديماً من الشمال بادية الشام أو الأردن الحالية، ومن الغرب البحر الأحمر، ومن الشرق نجد، ومن الجنوب بلاد العسير.

وتقطع الحجاز من الشمال إلي الجنوب جبال (السراة) ويبلغ ارتفاع بعضها نحو (8000 قدم)، ويتصل بمنحدرات هذه الجبال سهل مشهور هو السهل المعروف باسم (تهامة)، وقيل: إن الحجاز هو الجبال الحاجزة بين الأرض العالية من نجد وبين الساحل الواطئ (تهامة)، والحجاز علي هذا هو الجبال الممتدة من خليج العقبة إلي عسير، وقيل: بل سمي حجازاً لأنه يحجز بين الشام واليمن والتهائم.

ويثرب (المدينة) واقعة في القسم الشمالي من الحجاز وعلي بعد (300 ميل) شمالي مكة المكرمة وفي طريق الشام للمصعد من اليمن ومكة، وعلي مسافة (130 ميلاً) عن ينبع ميناء المدينة علي البحر الأحمر، ويثرب هذه واحة خصبة التربة غزيرة المياه محصورة بين حرّتين، أو ما تسمي باللابتين، وفي أرض سبخة والحرّة هي الحجارة البركانية السوداء المنخوبة، والسبخة هي التربة المشوبة بالملح وهاتان الحرّتان اللتان تقع يثرب بينهم هما حرّة (واقم) في الشرق، وحرّة (الوبرة) في الغرب، وتكتنف الوديان الحرّتين من الشرق ومن الغرب، وتحيط بالمدينة من جهاتها الأربع.

وتقع مدينة (يثرب) بين خط العرض 524 525 شمالاً، وعلي خط الطول 39 40د شرقي غرينتش، ولجبالها ومرتفعاتها شهرة اكتسبت معظمها بعد هجرة الرسول صلي الله عليه و اله إلي المدينة وبسبب ما حدث عندها من حوادث مهمة في تاريخ الإسلام مما أضفت عليها الأحاديث الشيء الكثير من الثناء والذكر الطيب، من أهم هذه الجبال: جبل

(أُحد)، وهو واقع شمال المدينة بينه وبينها قرابة ميل واحد، وهو جبل أحمر، وعنده كانت الوقعة الفظيعة التي اشتهر بها (معركة أحد) والتي قتل فيها سبعون من خيرة أصحاب النبي صلي الله عليه و اله ومنهم كان حمزة بن عبد المطلب عم النبي صلي الله عليه و اله فأقبلت (هند) زوج أبي سفيان وأم معاوية، ومثّلت به ما لم يمثّل بأحد في غزاة، وأخرجت كبده تمضغها وتلوكها تشفياً به عليه السلام فلقبت بآكلة الأكباد؛ وهذا ما جعل لأحد بالإضافة إلي الوقعة الكبيرة شهرة واسعة. ومن أشهر جبال المدينة جبل (وَرِقان) وهو جبل أسود واقع علي يمين المتجه من المدينة إلي مكة، وجبل (رضوي) ويقع علي نحو سبع مراحل من المدينة، وهو جبل منيف ذو شعاب وأودية. وفي هذه الجبال الثلاثة وردت أحاديث مباركة عن النبي صلي الله عليه و اله منها قوله صلي الله عليه و اله: «خير الجبال أحد والأشعر وورقان» راجع معجم البلدان: ج1 ص198 باب الهمزة والشين وما يليهما، والأشعر جبل جهينة ينحدر علي ينبع من أعلاه. وهناك جبال أخري، منها (سَلْع) وجبل (عَيْر).

أما مناخ المنطقة فيختلف باختلاف الموقع من حيث الارتفاع ووفرة المياه وكثرة البساتين؛ ومع ذلك فهو علي العموم شديدة الحرارة ولا سيما مناخ المدينة نفسها.

ويثرب هو الاسم التاريخي الذي كان يطلق علي هذه المدينة قديماً والتي عرفت بعد ذلك بمدينة الرسول صلي الله عليه و اله وقيل: إن اسم يثرب هو اسم الأرض من ذلك الصقع، وقيل: بل هو اسم المدينة نفسها؛ وقد زعم آخرون أن يثرب قد سميت باسم أول من سكنها من ولد سام بن نوح، وزعم غيرهم أنها سميت باسم رجل من العمالقة، وقيل: إنما سميت

بيثرب لأن أول من سكنها عند التفرق كان يثرب بن قافية بن مهلائيل ابن ارم بن عبيل بن عوض بن ارم بن سام ابن نوح. وما من مدينة من المدن الإسلامية كان لها من الأسماء وكثرتها كمدينة يثرب، وإذا صح أن كل هذه الأسماء الواردة في كتب التاريخ هي أسماء لمدينة (يثرب) فالراجح أن كل اسم من هذه الأسماء قد أطلق عليها بناء علي صفة اتصفت بها، أو أريد أن تتصف بها، وأن معظمها قد أطلق عليها بعد هجرة الرسول صلي الله عليه و اله. فقد ورد في سلسلة من الأقوال: أن للمدينة في التوراة أحد عشر اسماً، وقيل: أربعين اسماً، وقيل: نيف وتسعين اسماً. ومن أشهر أسمائها هي: المدينة، وطيبة، وطابة، والمسكينة، والعذراء، والجابرة، والمحبة، والمحببة، والمحبورة، ويثرب، والناجية، والموفية، وأكّالة البلدان، والمباركة، والمحفوفة، والمسلمة، والمجنّة، والقدسيّة، والعاصمة، والمرزوقة، والشافية، والخيّرة، والمحبوبة، والمرحومة، وجابرة، والمختارة، والمحرمة، والقاصمة وطبابا.

وقد روي: إن النبي صلي الله عليه و اله هو الذي سمي يثرب طيبة وطابة؛ لأن المدينة كان اسمها يثرب، والثرب هو الفساد، فنهي أن تسمي به، وسماها طابة، وطيبة. وإن من خصائص (المدينة) أن من دخلها يشم رائحة الطيب، وللعطر فيها رائحة لم توجد في غيرها.

وعلي كثرة أسماء المدينة المنورة فقد اختصت بالشهرة باسم (يثرب) وباسم (المدينة) واسم (طيبة) دون الأسماء الأخري، وكان اسم يثرب هو أقدم اسم عرفت به هذه المدينة أو هذه الأرض ثم تغلب اسم (المدينة) بعد ذلك علي يثرب وطيبة فسميت بعد هجرة النبي صلي الله عليه و اله إليها ب(مدينة الرسول صلي الله عليه و اله) تمييزاً لها عن المدن الأخري، ثم اكتفي بعد ذلك باسم المدينة منفرداً وألحقت بها الصفة

فصارت تسمي بالمدينة المنورة.

وأرض المدينة تشتهر بوديان عديدة منها: وادي العقيق، والعقيق لغة الوادي، وقد قيل عن عقيق المدينة إنه عقيقان: العقيق الأكبر، والعقيق الأصغر، وهناك عقيق آخر هو أكبر من ذينك العقيقين في المدينة، وفي العقيق عدد كبير من الآبار. ومن أوديتها وادي القري، وهو أشهر أودية الحجار وأوسعها يمتد بين المدينة والشام، وقد كان مشهوراً بغزارة مياهه، وكثرة عيونه، ومنها وادي مذينيب، ويقع علي نحو سبعة أميال من (المدينة) وهو من أشهر وديان المدينة قامت عليه منازل بني النضير.

وفي المدينة عيون وآبار اشهرها: عين فدك، وهي عين فوارة، يحيط بها نخل كثير، وهي أشهر عيون يثرب، وفدك هذه واقعة في شمال المدينة، ومنها عيون الفُرْع، وعين دومة الجندل، وعين أبي نَيْزَرَ وعين البُغيَبْغَة. ومن أشهر آبارها بئر غُرس، وبئر أرما، وبئر أريس، وبئر حا، وبئر بُضاعة، وبئر رُومة، وبئر رئاب، وبئر عروة.

تحيط بالمدينة قري وضياع كان لها في أيام الجاهلية شأن كبير من حيث عمرانها وخصبها وازدهارها وحصونها ومناعتها في الحرب، وقد بقي قسم من تلك القري حتي اليوم محافظاً علي خصبه، مزهواً بنخيله وثمره، من أشهرها: العقيق، وخيبر، وقرية فدك، ووادي القري، وقرية الفُرْع، وقريبة قُبا، ودومة الجندل، وقرية ينبع، ومن أشهر قري المدينة القديمة (زبالة الزج) وقرية (المال) وهي من أقدم قري المدينة، وغير هذه قري أخري طمست آثارها ومحيت أسماؤها كقري (عُرينه) ومنازل (مزينة) وغيرها. انظر موسوعة العتبات المقدسة، لجعفر الخليلي، قسم المدينة المنورة.

() بحار الأنوار: ج19 ص24 ب5 ضمن ح11.

() المصدر السابق.

() بحار الأنوار: ج19 ص24 ب5 ضمن ح11.

() وفي نسخة (ولينسل) انظر بحار الأنوار: ج19 ص47 ب6 ضمن ح8..

() انظر إعلام الوري بأعلام الهدي: ص59- 61 ب3 ف7.

()

سورة الأنفال: 30.

() دار الندوة بمكة، أحدثها قصي بن كلاب بن مرة لما تملك مكة، وهي دار كانوا يجتمعون فيها للمشاورة، وجعلها بعد وفاته لابنه عبد الدار بن قصي، ولفظه مأخوذ من لفظ الندي والنادي والمنتدي، وهو مجلس القوم الذين يندون حوله، أي: يذهبون قريبا منه ثم يرجعون، صارت هذه الدار إلي حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد العزي بن قصي، فباعها من معاوية بمائة ألف درهم، فلامه معاوية علي ذلك وقال: بعت مكرمة آبائك وشرفهم؟!، فقال حكيم: ذهبت المكارم إلا التقوي، والله لقد اشتريتها في الجاهلية بزق خمر وقد بعتها بمائة ألف درهم وأشهدكم أن ثمنها في سبيل الله تعالي، فأينا المغبون؟ وقيل: دار الندوة أول دار بنت قريش بمكة وانتقلت بعد موت قصي إلي ولده الأكبر عبد الدار، ثم لم تزل في أيدي بنيه حتي باعها عكرمة بن عامر ابن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار من معاوية بن أبي سفيان فجعلها دار الإمارة. انظر معجم البلدان: ج2 ص423 دار الندوة.

() مجمع البيان: ج4 ص458 سورة الأنفال.

() وقد عرفت لحروبهم أيام مشهودة من أشهرها: يوم الصفينة، وهو أول يوم جرت الحرب فيه، ويوم السرارة، ويوم وفاق بني خطمة، ويوم حاطب بن قيس، ويوم حضير الكتائب، ويوم أطم بني سالم، ويوم أبتروة، ويوم البقيع، ويوم مضرس ومعبس، ويوم الدار، ويوم بعاث الاخر، ويوم فجار الأنصار. وكانوا ينتقلون في هذه المواضع التي تعرف أيامهم بها ويقتتلون قتالاً شديداً. انظر موسوعة العتبات المقدسة، لجعفر الخليلي: ص45.

() انظر الغدير: ج3 ص116، وفيه: قال محمد بن إسحاق: وآخي رسول الله بين أصحابه من المهاجرين والأنصار، فقال فيما بلغنا ونعوذ بالله أن نقول عليه ما

لم يقل: «تآخوا في الله أخوين أخوين». ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب فقال: «هذا أخي». فكان رسول الله صلي الله عليه و اله سيد المرسلين وإمام المتقين ورسول رب العالمين الذي ليس له خطير ولا نظير من العباد وعلي بن أبي طالب عليه السلام أخوين.

() سورة الحجرات: 10.

() المناقب: ج2 ص185 فصل في الأخوة.

() نظراَ لأهمية هذه الوثيقة التاريخية وتوخياً للفائدة نورد نصها هنا، ليتسني لنا الاطلاع ولو بجزء بسيط علي الحنكة السياسية والقدرة الإدارية العظيمة التي كان عليها الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله وعلي الأخص في مراحل بناء اللبنات الأولي لهذا الدين العظيم، وقد تضمنت الصحيفة ما يلي:

«بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من محمد النبي صلي الله عليه و اله بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب، ومن تبعهم فلحق بهم، وجاهد معهم، إنهم أمة واحدة من دون الناس، المهاجرون من قريش علي ربعتهم، يتعاقلون بينهم وهم يَفْدون عانيهم بالمعروف والقسط بين المؤمنين، وبنو عوف علي رِبْعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولي، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين، وبنو الحارث علي رِبْعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولي، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين، وبنو ساعدة علي ربْعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولي، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين، وبنو جشم علي رِبعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولي، وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين، وبنو النجار علي رِبعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولي، وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين، وبنو عمرو بن عوف علي رِبعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولي، وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين، وبنو النبيّت علي رِبعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولي، وكل طائفة منهم تفدي عانيها

بالمعروف والقسط بين المؤمنين، وبنو الأوس علي رِبْعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولي، وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين، وإن المؤمنين لا يتركون مُفْرَحاً المفرح المثقل بالدين بينهم أن يُعطوه بالمعروف في فداء أو عَقْل.

وأن لا يحالف مؤمن مولي مؤمن دونه، وإن المؤمنين المتقين علي من بغي منهم، أو ابتغي دسيعة ظلم، أو إثم، أو عِدوان، أو فساد بين المؤمنين، وإن أيديهم عليه جميعاً، ولو كان ولدَ أحدهم، ولا يَقْتل مؤمنٌ مؤمناً في كافر، ولا ينصر كافراً علي مؤمن، وإن ذمة الله واحدة، يُجير عليهم أدناهم، وإن المؤمنين بعضهم موالي بعض دون الناس؛ وإنه من تبعنا من يهود، فإنه له النصر والأسوة، غير مظلومين

ولا متناصر عليهم؛ وإن سِلْم المؤمنين واحدة، لا يسالم مؤمن دون مؤمن في قتال في سبيل الله، إلا علي سواء وعدل بينهم، وإن كل غازية غزت معنا يعقب بعضها بعضاً، وإن المؤمنين يبيء بعضهم علي بعض بما نال دماءهم في سبيل الله، وإن المؤمنين المتقين علي أحسن هَدْي وأقومه، وإنه لا يجبر مشرك مالاً لقريش ولا نفساً، ولا يحول دونه علي مؤمن؛ وإنه مَنْ اعتبط مؤمناً قتلاً عن بيّنة، فإنه قودٌ به إلا أن يرضي وليُّ المقتول، وإن المؤمنين عليه كافة، ولا يحل لهم إلا قيامٌ عليه.

وإنه لا يحل لمؤمن أقر بما في هذه الصحيفة، وآمن بالله واليوم الآخر، أن ينصر مُحْدِثاً ولا يؤويه؛ وإنه من نصره أو آواه، فإن عليه لعنة الله وغضبه يوم القيامة، ولا يؤخذ منه صرف ولا عدل، وإنكم مهما اختلفتم فيه من شيء، فإنه مردَّه إلي الله عزوجل، وإلي محمد صلي الله عليه و اله، وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين، وإن يهود بني

عوف أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم وللمسلمين دينهم، مواليهم وأنفسهم، إلا من ظلم وأثم، فإنه لا يوتغَ إلا نفسه، وأهل بيته، وإن ليهود بني النجّار مثل ما ليهود بني عوف، وإن ليهود بني الحارث مثل ما ليهود بني عوف، وإن ليهود بني ساعدة مثل ما ليهود بني عوف، وإن ليهود بني جشم مثل ما ليهود بني عوف، إلا من ظلم وأثم، فإنه لا يوتغ إلا نفسه وأهل بيته، وإن جفنة بطنٍ من ثعلبة كأنفسهم، وإن لبني الشُطيبة مثل ما ليهود بني عوف، وإن البر دون الإثم، وإن موالي ثعلبة كأنفسهم، وإن بطانة يهود كأنفسهم، وإنه لا يخرج منهم أحد إلا بإذن محمد صلي الله عليه و اله، وإنه لاينحجز علي ثأر جُرْح، وأنه من فتك فبنفسه [فتك]، وأهل بيته، إلا من ظلم، وإن الله علي أبرّ هذا، وإن علي اليهود نفقتهم وعلي المسلمين نفقتهم، وأن بينهم النصر علي من حارب أهل هذه الصحيفة، وأن بينهم النصح والنصيحة، والبر دون الإثم؛ وأنه لم يأثم امرؤ بحليفه، وإن النصر للمظلوم، وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين، وإن يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة، وإن الجار كالنفس غير مضار ولا آثم، وإنه لا تجار حرمة إلا بإذن أهلها، وإن ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حَدَثٍ أو اشتجار يخاف فساده، فإن مردَّه إلي الله عزوجل، وإلي محمد رسول الله صلي الله عليه و اله، وإن الله علي أتقي ما في هذه الصحيفة وأبرّه، وإنه لا تُجار قريش ولا من نصرها، وإن بينهم النصر علي من دهم يثرب، وإذا دُعوا إلي صلح يصالحونه ويلبسونه فإنهم يصالحونه ويلبسونه، وإنهم إذا دعوا إلي مثل ذلك فإنه لهم علي

المؤمنين، إلا من حارب في الدين، علي كل أُناس حصتهم من جانبهم الذي قِبلَهم، وإن يهود الأوس مواليهم وأنفسهم، علي مثل ما لأهل هذه الصحيفة مع البر المحض من أهل هذه الصحيفة، وإن البر دون الإثم، لا يكسب كاسبٌ إلا علي نفسه، وإن الله علي أصدق ما في هذه الصحيفة وأبره.

وإنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم أو آثم، وإن من خرج آمنٌ ومن قعد آمنٌ بالمدينة، إلا من ظلم وأثم، وإن الله جارٌ لمن برّ وأتقي ومحمد رسول الله صلي الله عليه و اله». انظر سيرة ابن هشام: ج2 ص348، وانظر كتاب (أول حكومة إسلامية في المدينة المنورة) للإمام الراحل (أعلي الله درجاته)، ط مركز الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله للتحقيق والنشر.

() الكافي: ج5 ص31 باب إعطاء الأمان ح5.

() سورة سبأ: 28.

() تقريب القرآن إلي الأذهان: ج22 ص81 سورة سبأ.

() المناقب: ج1 ص229 فصل في النكت والإشارات.

() المصدر السابق.

() انظر التنبيه والإشراف: ص225 ذكر السنة السادسة.

() اختلف المؤرخون في تأريخ بدء رسول الله صلي الله عليه و اله بإرسال الكتب والمراسيل إلي الملوك وغيرهم، فمنهم من قال كان ذلك في سنة ست من الهجرة في ذي القعدة، وقيل في ذي الحجة، وقيل في سنة سبع، وقيل كان ذلك بين الحديبية وبين وفاته صلي الله عليه و اله.

قال الطبري في (ج2 ص 288 ذكر الأحداث التي كانت في سنة ست من الهجرة): أنه كان في السنة السادسة، وفي (البداية والنهاية: ج4 ص298 سنة ثمان من الهجرة) وعن الواقدي قال: ولا خلاف بينهم أن بدء ذلك كان قبل فتح مكة وبعد الحديبية.

وروي العلامة المجلسي ? فقال:

قال الكازروني في (المنتقي) في حوادث السنة السادسة: فيها

اتخذ رسول الله صلي الله عليه و اله الخاتم، وذلك أنه قيل: إن الملوك لا يقرؤون كتابا إلا مختوماً. وفيها بعث رسول الله صلي الله عليه و اله ستة نفر فخرجوا مصطحبين في ذي الحجة وهم: حاطب من أبي بلتعة إلي المقوقس (ملك الإسكندرية) ودحية بن خليفة الكلبي إلي قيصر(ملك الروم)، وعبد الله بن حذافة إلي كسري (ملك فارس)، وعمرو بن أمية الضمري إلي النجاشي (ملك الحبشة) وشجاع بن وهب إلي الحارث بن أبي شمر الغساني، وسليط بن عمرو العامري إلي هوذة بن علي النخعي. انظر بحار الأنوار: ج20 ص382 ب21 ح8، وسفينة البحار: ج1 ص376 مادة «ختم».

() كِسْري وكَسْري جميعاً بفتح الكاف وكسرها: اسم مَلِكِ الفُرْس، معرّب، هو بالفارسية خُسْرَوْ أَي واسع الملك فَعَرَّبَتْه العربُ فقالت: كِسْري؛ والجمع أَكاسِرَةٌ وكَساسِرَةٌ وكُسور علي غير قياس لأَن قياسه كِسْرَوْنَ، بفتح الراء، مثل عِيسَوْنَ ومُوسَوْنَ، بفتح السين، والنسب إِليه كِسْرِيّ، ومن ملوك الفرس كسري وشيرويه ويزدجرد، وهم آخر ملوك الفرس. وقد نقل أن شيرويه قتل أباه كسري أبرويز بعد ملكه ثمانية وثلاثين سنة وأشهر، فقام شيرويه مقامه وجلس مكانه وأحسن سيرته، وأطلق أهل السجون وزوج أكثر نساء أبيه، ووضع عن الناس ربع الخراج، واستوزر برمك بن فيروز جد البرامكة، مات بعد ملكه ستة أشهر، انظر لسان العرب: ج5 ص142 مادة «كسر»، ومجمع البحرين: ج3 ص473 «كسر».

() سورة يس: 70.

() بحار الأنوار: ج20 ص389 ب21 ضمن ح8. وفي المناقب أورد الكتاب هكذا: «من محمد رسول الله إلي كسري بن هرمز، أما بعد، فاسلم تسلم، وإلا فأذن بحرب من الله ورسوله والسلام علي من اتبع الهدي»، المناقب: ج1 ص79 فصل في استجابة دعواته صلي الله عليه و اله. وروي

في بعض كتب التاريخ باختلاف يسير في اللفظ.

() المناقب: ج1 ص79 فصل في استجابة دعواته صلي الله عليه و اله.

() بحار الأنوار: ج20 ص381 ب21 ضمن ح7. وفي رواية أخري: أن كسري كتب إلي باذان وهو علي اليمن: أن ابعث إلي هذا الرجل الذي بالحجاز من عندك رجلين جلدين فليأتياني به، وقيل: كتب إلي باذان بلغني أن في أرضك رجلاً يتنبأ فاربطه وابعث به إلي، فبعث باذان قهرمانه وهو بانوبه وكان كاتبا حاسبا، وبعث معه برجل من الفرس يقال له: خرخسك، فكتب معهما إلي رسول الله صلي الله عليه و اله يأمره أن ينصرف معهما إلي كسري، وقال لبانوبه: ويلك انظر ما الرجل وكلمه وأتني بخبره، فخرجا حتي قدما المدينة علي رسول الله صلي الله عليه و اله وكلمه بانوبه، وقال: إن شاهنشاه ملك الملوك كسري كتب إلي الملك باذان يأمره أن يبعث إليك من يأتيه بك، وقد بعثني إليك لتنطلق معي، فإن فعلت كتبت فيك إلي ملك الملوك بكتاب ينفعك ويكف عنك به، وإن أبيت فهو من قد علمت، فهو مهلكك ومهلك قومك ومخرب بلادك، وكانا قد دخلا علي رسول الله صلي الله عليه و اله وقد حلقا لحاهما وأعفيا شواربهما، فكره النظر إليهما، وقال صلي الله عليه و اله: «ويلكما من أمركما بهذا؟» قالا: أمرنا بهذا ربنا، يعنيان كسري، فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: «لكن ربي أمرني بإعفاء لحيتي وقص شاربي» ثم قال لهما: «ارجعا حتي تأتياني غدا» وأتي رسول الله صلي الله عليه و اله الخبر من السماء أن الله عزوجل قد سلط علي كسري ابنه شيرويه فقتله في شهر كذا وكذا لكذا وكذا من الليل، فلما أتيا رسول

الله صلي الله عليه و اله قال لهما: «إن ربي قد قتل ربكما ليلة كذا وكذا من شهر كذا وكذا بعد ما مضي من الليل كذا وكذا، سلط عليه شيرويه فقتله». فقالا: هل تدري ما تقول، إنّا قد نقمنا منك ما هو أيسر من هذا، فنكتب بها عنك ونخبر الملك؟!.

قال صلي الله عليه و اله: «نعم أخبراه ذلك عني وقولا له: إن ديني وسلطاني سيبلغ ما بلغ ملك كسري، وينتهي إلي منتهي الخف الحافر، وقولا له: إنك إن أسلمت أعطيتك ما تحت يديك، وملكتك علي قومك». ثم أعطي خرخسك منطقة فيها ذهب وفضة كان أهداها له بعض الملوك، فخرجا من عنده حتي قدما علي باذان وأخبراه الخبر، فقال: والله ما هذا بكلام ملك، وإني لأري الرجل نبيا كما يقول، ولننظر ما قد قال، فلئن كان ما قد قال حقاً، ما فيه كلام أنه نبي مرسل، وإن لم يكن فسنري فيه رأينا، فلم يلبث باذان أن قدم عليه كتاب شيرويه: أما بعد، فإني قد قتلت كسري، ولم أقتله إلا غضبا لفارس، لما كان استحل من قتل أشرافهم، فإذا جاءك كتابي هذا فخذ لي الطاعة ممن قبلك، وأنظر الرجل الذي كان كسري كتب إليه فيه فلا تهجه حتي يأتيك أمري فيه. فلما انتهي كتاب شيرويه باذان قال: إن هذا الرجل لرسول، فأسلم وأسلمت الأبناء من فارس من كان منهم باليمن. انظر بحار الأنوار: ج20 ص389 ب21 ضمن ح8.

() قيصر كبيدر لقب هرقل ملك الروم، وبه يلقب كل من ملك الروم، انظر مجمع البحرين: ج3 ص460 «قصر».

() هرقل: كدمقس ودمشق أو: هرقل كزبرج وخندف، ملك الروم، وهو أول من ضرب الدنانير وأول من أخذ البيعة، وقيل: هرقل عظيم

الروم، ملك إحدي وثلاثين سنة، وفي ملكه توفي النبي صلي الله عليه و اله، انظر لسان العرب: ج11 ص694 مادة «هرقل».

() سورة آل عمران: 64.

() بحار الأنوار: ج20 ص 386 ب21 ضمن ح8، لعل نص كتاب رسول الله صلي الله عليه و اله الذي ورد في المتن هو أشهر النصوص، فقد اختلف المؤرخون في بعض ألفاظه، أما لفظ اليريسين فقد جاء مرة الأريسين وأخري غير ذلك، وفي لسان العرب ذكر لها عدة معاني فقال: أرس: الإِرْس: الأَصل، والأَريس: الأَكَّارُ؛ عن ثعلب. والإِرِّيس: الأَمير؛ عن كراع، حكاه في باب فِعِّيل، وعَدَلَه بإِبِّيلٍ، والأَصل عنده فيه رِئّيسٌ، علي فِعِّيل، من الرِّياسةِ. والمُؤرَّس: المُؤمَّرُ فقُلِبَ. وفي الحديث: أَن النبي صلي الله عليه و اله كتب إِلي هِرَقْلَ عظيم الروم يدعوه إِلي الإِسلام وقال في آخره: «إِن أَبَيْتَ فعليك إِثم الإِرِّيسين».

قال ابن الأَعرابي: أَرَس يأْرِسُ أَرْساً إِذا صار أَريساً، وأَرَّسَ يُؤَرِّسُ تأْريساً إِذا صار أَكَّاراً، وجمع الأَرِيس أَرِيسون، وجمع الإِرِّيسِ إِرِّيسُونٌ وأَرارِسَة وأَرارِسُ، وأَرارِسةٌ ينصرف، وأَرارِسُ لا ينصرف، وقيل: إِنما قال ذلك لأَن الأَكَّارينَ كانوا عندهم من الفُرْسِ، وهم عَبَدَة النار، فجعل عليه إِثمهم.

وقال الأَزهري: أَحسِب الأَريس والإِرِّيس بمعني الأَكَّار من كلام أَهل الشام، قال: وكان أَهل السَّواد ومن هو علي دين كِسْري أَهلَ فلاحة وإِثارة للأَرض، وكان أَهل الروم أَهلَ أَثاثٍ وصنعة، فكانوا يقولون للمجوسي: أَريسيٌّ، نسبوهم إِلي الأَريس وهو الأَكَّارُ، وكانت العرب تسميهم الفلاحين، فأَعلمهم النبي صلي الله عليه و اله أَنهم وإِن كانوا أَهل كتاب فإِن عليهم من الإِثم إِن لم يؤْمنوا بنبوته مثل إِثم المجوس وفَلاحي السَّواد الذين لا كتاب لهم، قال: ومن المجوس قوم لا يعبدون النار ويزعمون أَنهم علي دين إِبراهيم عليه السلام،

وأَنهم يعبدون اللَّه تعالي ويحرّمون الزنا وصناعتهم الحراثة ويُخْرِجون العُشر مما يزرعون غير أَنهم يأْكلون المَوْقوذة، قال: وأَحسبهم يسجدون للشمس، وكانوا يُدعَوْن الأَريسين؛ قال ابن بري: ذكر أَبو عبيدة و غيره أَن الإِرِّيسَ الأَكَّارُ فيكون المعني أَنه عبر بالأَكَّارين عن الأَتباع، ويقال: إِن الإِرِّيس كبيرهم الذي يُمْتَثَلُ أَمره ويطيعونه إِذا طلب منهم الطاعة

فيكون المعني في قول النبي صلي الله عليه و اله لهِرَقل: «فعليك إِثم الإِرِّيسين»، يريد الذين هم قادرون علي هداية قومهم ثم لم يهدوهم، وأَنت إِرِّيسُهم الذي يجيبون دعوتك ويمتثلون أَمرك، وإِذا دعوتهم إِلي أَمر أَطاعوك، فلو دعوتهم إِلي الإِسلام لأَجابوك، فعليك إِثم الإِرِّيسين الذين هم قادرون علي هداية قومهم ثم لم يهدوهم، وذلك يُسْخِط اللَّهَ ويُعظم إِثمهم. أو المعني: عليك إِثم الإريسين الذين هم داخلون في طاعتك ويجيبونك إِذا دعوتهم ثم لم تَدْعُهُم إِلي الإِسلام، ولو دعوتهم لأَجابوك، فعليك إِثمهم لأَنك سبب منعهم الإِسلام ولو أَمرتهم بالإِسلام لأَسلموا. وقال بعضهم: في رَهط هِرَقل فرقةٌ تعرف بالأَروسِيَّة فجاءَ علي النسب إِليهم، وقيل: إِنهم أَتباع عبد اللَّه بن أَريس، رجل كان في الزمن الأَول، قتلوا نبيّاً بعثه اللَّه إِليهم، وقيل: الإِرِّيسون الملوك، واحدهم إِرِّيس، وقيل: هم العَشَّارون. انظر لسان العرب: ج6 ص4 مادة «أرس».

() الخرائج والجرائح: ج1 ص104 ب1 فصل من روايات الخاصة.

() انظر تاريخ اليعقوبي: ج2 ص78 الأمراء علي السرايا والجيوش.

() المقوقس: بضم أوله وثانيه وكسر رابعه، هو جريح بن ميني، ومعني المقوقس مطول البناء، وطائر مطوق سواده في بياض، وهو لقب لكل من ملك مصر والإسكندرية كفرعون وكسري، كان المقوقس نصرانيا وملكا تابعا لملك الروم ومنصوبا من قبله، انظر لسان العرب: ج6 ص179 مادة «ققس» والقاموس المحيط: ج2 ص241 القاف.

() القبط بكسر

القاف وسكون الباء الموحدة، هم سكان مصر الأصليون الذين ظلوا محتفظين بلغتهم القومية في مختلف لهجاتها، وهم مسيحيون أبناء الكنيسة المصرية القومية، والأقباط اليوم فرعان: الأرثوذكس والكاثوليك، ولغتهم اللغة القبطية هي اللغة المصرية القديمة التي استعملها الفراعنة وهي فرع من اللغات الحامّية، تفرعت إلي لهجات أهمها الصعيدية والبحيرية والفيومية. وبلاد القبط بالديار المصرية سميت بالجبل، والأقباط نسبوا إلي قبط بن قرط بن حام بطن من حمير، وليسوا من بني إسرائيل، انظر معجم البلدان: ج4 ص306 باب القاف والباء وما يليهما.

() سورة آل عمران: 64.

() انظر بحار الأنوار: ج20 ص383 ب21 ضمن ح8، ط2 مؤسسة الوفاء بيروت لبنان. وقد ورد الكتاب بغير هذا اللفظ في بعض المصادر الأخري، وقيل بأنه كتاب ثان من رسول الله صلي الله عليه و اله للمقوقس وجاء فيه: «بسم الله الرحمن الرحيم من عند رسول الله صلي الله عليه و اله إلي صاحب مصر: أما بعد، فإن الله أرسلني رسولا، وأنزل علي كتاباً قرآناً مبيناً، وأمرني بالإعذار والإنذار ومقاتلة الكفار، حتي يدينوا بديني ويدخل الناس فيه، وقد دعوتك إلي الإقرار بوحدانيته تعالي، فإن فعلت سعدت وإن أبيت شقيت والسلام». انظر فتوح الشام: ج2 ص39.

() وروي الكتاب بصيغة أخري هي: (باسمك اللهم، من المقوقس إلي محمد: أما بعد، فقد بلغني كتابك وقرأته وفهمت ما فيه، أنت تقول: إن الله تعالي أرسلك رسولاً وفضلك تفضيلاً، وأنزل عليك قرآناً مبيناً، فكشفنا يا محمد في علمنا عن خبرك فوجدناك أقرب داع دعا إلي الله وأصدق من تكلم بالصدق، ولولا أني ملكت عظيما لكنت أول من سار إليك لعلمي أنك خاتم الأنبياء وسيد المرسلين وإمام المتقين). انظر نصب الراية، والمنتظم، وفتوح مصر للواقدي، وصبح الأعشي، وغيرها،

وراجع مكاتيب الرسول صلي الله عليه و اله: ج2 ص422 كتابه صلي الله عليه و اله إلي المقوقس.

() انظر بحار الأنوار: ج20 ص382 ب21 ح8. وروي: أنه أهدي إلي النبي صلي الله عليه و اله هدايا كثيرة، كان منها: مارية أم إبراهيم عليه السلام ابن رسول الله صلي الله عليه و اله، وجارية أخري اسمها سيرين أخت مارية، وجارية أخري اسمها قيسر أو قيس، وهي أخت مارية أيضا، وجارية أخري سوداء اسمها بريرة، وغلاما خصياً أسود اسمه مأبور، وبغلة شهباء، وهي دلدل، وحماراً أشهب يقال له: يعفور، وقيل: وألف دينار وعشرين ثوبا، وقيل: وألف مثقال ذهباً، وفرساً وهو اللزاز، وعسلا من عسل نبها (قرية من قري مصر)، وأهدي إليه مكحلة، ومربعة يوضع فيها المكحلة، وقارورة دهن، والمقص (وهو المقراض) والمسواك والمشط ومرآة، وقيل: أهدي أيضا عمائم وقباطي وطيبا وعوداً ومسكا مع ألف مثقال من ذهب مع قدح من قوارير، وخفين ساذجين أسودين، وقال بعض: إنه أرسل مع الهدايا طبيبا يداوي مرض المسلمين، وقيل: أهدي إلي رسول الله صلي الله عليه و اله أربع جوار منهن مارية أم إبراهيم ?، وأختها سيرين، وحماراً يقال له: عفير، وقيل: يعفور، وبغلة يقال لها: الدلدل، ولم يسلم، فقبل رسول الله صلي الله عليه و اله، واصطفي مارية لنفسه ووهب أختها لأحد المسلمين.

() حاطب بن أبي بلتعة بن عمرو بن عمير بن سلمة بن صعب بن سهل اللخمي حليف بني أسد بن عبد العزي، ويقال إنه حالف الزبير، وقيل: كان مولي عبيد الله بن حميد بن زهير بن الحارث بن أسد فكاتبه فأدي مكاتبته، شهد بدرا، يكني أبا عبد الله، وقيل: أبا محمد من بني خالفة بطن من لخم، وقيل:

إنه من مذحج، بعثه رسول الله صلي الله عليه و اله إلي المقوقس ثم أرسله عمر أيضا إليه، فيه نزل قوله تعالي: ?يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَ عَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ? سورة الممتحنة: 1. انظر تفسير فرات الكوفي: ص480 سورة الممتحنة ح625.

() نجش: نَجَشَ الحديثَ يَنْجُشُه نَجْشاً: أَذاعَه. و نَجَشَ الصيدَ وكلَّ شي ء مستور يَنْجُشُه نَجْشاً: استثاره واستخرجه. والنَّجاشِيّ: المستخرجُ للشي ء؛ عن أَبي عبيد، وقال الأَخفش: هو النَّجاشِيُّ والناجِشُ الذي يُثِير الصيدَ ليمُرّ علي الصيّاد. والناجِشُ: الذي يَحُوش الصيد.

والنَّجاشيّ و النِّجاشِيّ: كلمةٌ للحبَش تُسَمي بها ملوكها: قال ابن قتيبة: هو بالنَّبَطِيَّة أَصْحَمَة أَي عَطِيَّة.

الجوهري: النَّجَاشيّ، بالفتح، اسم ملك الحبشة، وورد ذكره في الحديث في غير موضع؛ قال ابن الأَثير: والياء مشددة، قال: وقيل الصواب تخفيفها. انظر لسان العرب: ج6 ص351 «نجش»

() سورة النساء: 171.

() انظر بحار الأنوار: ج20 ص391 ب21 ضمن ح8. وفي إعلام الوري بأعلام الهدي: ص45 الركن الأول ب3 ف4. ورد نص كتاب رسول الله صلي الله عليه و اله باختلاف يسير في اللفظ، وقد جاء فيه: «بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلي النجاشي الأصحمة ملك الحبشة، سلام عليك، فإني أحمد إليك الله، الملك القدوس المؤمن المهيمن، وأشهد أن عيسي ابن مريم روح الله وكلمته، ألقاها إلي مريم البتول الطيبة الحصينة فحملت بعيسي، فخلقه من روحه ونفخه كما خلق آدم بيده ونفخه، وأني أدعوك إلي الله وحده لا شريك له، والموالاة علي طاعته، وأن تتبعني وتؤمن بي وبالذي جاءني، فإني رسول الله، وقد بعثت إليكم ابن عمي جعفرا ومعه نفر من المسلمين، فإذا جاءوك فأقرهم ودع التجبر؛ فإني أدعوك وجنودك إلي الله، وقد بلّغت ونصحت، فاقبلوا،

والسلام علي من اتبع الهدي». وذكر الطبري نصاً آخر لكتابه صلي الله عليه و اله إلي النجاشي في تاريخه: ج2 ص294، باختلاف يسير في اللفظ.

() الثفروق: قمع البسرة والتمرة، وقيل: الثفروق هو ما يلزق به القمع من التمرة، وقيل: الثفاريق أقماع البسر والثفروق علاقة ما بين النواة والقمع، وقيل: الثفروق غلاف ما بين النواة والقمع، لسان العرب: ج10 ص34 مادة «ثفرق».

() بحار الأنوار: ج20 ص392 ب21 ح8، وفيه ذكر الواقدي: كتب رسول الله صلي الله عليه و اله إلي النجاشي كتابين يدعوه في أحدهما إلي الإسلام، ويتلو عليه القرآن، فأخذ كتاب رسول الله صلي الله عليه و اله فوضعه علي عينه، ونزل من سريره، ثم جلس علي الأرض تواضعا، ثم أسلم وشهد شهادته الحق، وقال: لو كنت أستطيع أن آتيه لآتينه، وكتب إلي رسول الله صلي الله عليه و اله بإجابته وتصديقه وإسلامه علي يد جعفر بن أبي طالب. وفي الكتاب الآخر يأمره أن يزوجه أم حبيبة بنت أبي سفيان، وكانت قد هاجرت إلي الحبشة مع زوجها عبد الله بن جحش الأسدي، فتنصر هناك، ومات، وأمره في الكتاب أن يبعث إليه بمن قبله من أصحابه. ففعل ذلك. وفي إعلام الوري: ص45 الركن الأول ب4 ف4 ورد رد النجاشي باختلاف يسير في اللفظ. وهذه الأخبار دالة علي أن النجاشي هو الذي كانت الهجرة إلي أرضه، وروي أنه غير ذلك. وقد وقع اختلاف في شخص النجاشي الذي كتب إليه النبي صلي الله عليه و اله سنة ست أو سبع أو في غيرها، وفي نص الكتاب الذي كتب إليه، لامجال لذكره هنا، ومن أراد الاستزادة فليراجع كتاب مكاتيب الرسول صلي الله عليه و اله لعلي حسين علي الأحمدي.

()

بحار الأنوار: ج20 ص397 ب21 ح10.

() اليمامة: منقول عن اسم طائر يقال له: اليمام واحدته يمامة، واختلف فيه، واليمامة في الإقليم الثاني، طولها من جهة المغرب إحدي وسبعون درجة وخمس وأربعون دقيقة، وعرضها من جهة الجنوب إحدي وعشرون درجة وثلاثون دقيقة، وفي كتاب العزيزي: إنها في الإقليم الثالث، وعرضها خمس وثلاثون درجة، وبين اليمامة والبحرين عشرة أيام، وهي معدودة من نجد وقاعدتها حجر، وتسمي اليمامة جوا والعروض، بفتح العين، وكان اسمها قديما جوا فسميت اليمامة باليمامة بنت سهم بن طسم، وهي التي اشتهرت بزرقاء اليمامة وكانت صاحبة بصر قوي حتي أصبحت مضرب الأمثال في قوة بصرها، وروي أن تبع أمر بقلع عينيها وصلبها علي باب جوا وأن تسمي باسمها، فسميت باسمها إلي الآن، وذلك عندما فتح الحصن الذي كانت فيه في قصة مفصلة، وقال تبع يذكر ذلك:

وسميت جوا باليمامة بعدما

تركت عيونا باليمامة هملا

نزعت بها عيني فتاة بصيرة

رغاما ولم أحفل بذلك محفلا

إلي أن قال:

فلا تدع جو ما بقيت باسمها

ولكنها تدعي اليمامة مقبلا

قالوا: وخربت اليمامة من يومئذ؛ لأن تبعا قتل أهلها وسار عنها ولم يخلف بها أحداً فلم تزل علي ذلك حتي وقت طويل. انظر معجم البلدان: ج5 ص441 باب الياء والميم وما يليهما.

() سليط بن عمرو بن شمس العامري أخو سهيل بن عمرو، أسلم قديما قبل عمرو وهاجر إلي الحبشة مع زوجته، ثم رجع إلي المدينة وشهد بدراً.

() هوذة بن علي بن ثمامة بن عمرو الحنفي، من بني حنيفة، من بكر بن وائل صاحب اليمامة، شاعر بني حنيفة وخطيبها قبيل الإسلام، كان حليفاً لكسري وحافظا لمصالحه، وهو الذي توجه كسري، وكان نصرانيا، وهو من أهل قران بضم القاف وتشديد الراء من قري اليمامة، وقيل غير ذلك.

وكان ممن يزور كسري في المهمات. ويقال له: ذو التاج، فقد روي: أنه دخل علي كسري، فأعجب به ودعا بعقد من در، فعقد علي رأسه، فسمي ذا التاج، وقيل: إنما كانت خرزات تنظم له، انظر الأعلام: ج8 ص102 «هوذة بن علي».

() بحار الأنوار: ج20 ص394 ب21 ح8.

() بحار الأنوار: ج20 ص394 ب21 ح8.

() إعلام الوري بأعلام الهدي: ص146 الركن الأول ب5 ف4.

() عمان: بضم أوله وتخفيف ثانيه وآخره نون، كورة عربية علي ساحل بحر اليمن والهند في شرقي هجر تشتمل علي بلدان كثيرة ذات نخل وزروع، إلا أن حرها يضرب به المثل، قيل: سميت بعمان بن سبأ بن يفثان بن ابراهيم خليل الرحمن لأنه بني مدينة عمان، انظر معجم البلدان: ج4 ص150 باب العين والميم وما يليهما.

() عمان: بضم أوله وتخفيف ثانيه وآخره نون، كورة عربية علي ساحل بحر اليمن والهند في شرقي هجر تشتمل علي بلدان كثيرة ذات نخل وزروع، إلا أن حرها يضرب به المثل، قيل: سميت بعمان بن سبأ بن يفثان بن ابراهيم خليل الرحمن لأنه بني مدينة عمان، انظر معجم البلدان: ج4 ص150 باب العين والميم وما يليهما.

() انظر بحار الأنوار: ج18 ص138 باب11 ح39، وج21 ص184 ب28 ح22.

() انظر أعيان الشيعة: ج10 ص243-244.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص471 ق6 ب6 الفصل1 ج 10748.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص472 ق6 ب6 الفصل1 ح10770.

() سورة آل عمران: 103.

() الكافي: ج2 ص63 باب التفويض الله تعالي ح1.

() سورة النحل: 96.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص283 ق3 ب2 الفصل7 ح6314.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص280 ق3 ب2 الفصل7 ح6224.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص 335 ق4 ب1 الفصل5 ح7720.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص

447 ق6 ب4 الفصل7 ح10256.

() يشير (أعلي الله درجاته) إلي الأحداث التي كانت جارية عام (1408 ه) تاريخ إلقائه هذه المحاضرة، حيث كانت تعصف بلبنان الحروب الداخلية ويرزخ جزء كبير منه تحت الاحتلال الصهيوني، وأفغانستان وما تعانيه من الحرب الأهلية والطائفية المدمرة بين أفراد الشعب الواحد إضافة للاحتلال السوفيتي لها، مما نجم عنه خسائر هائلة بالأرواح والأموال والطاقات، أما العراق الجريح الذي هو من الهموم الكبري للأمام الراحل ? فيعاني ومنذ عام (1968م) أي بعد انقلاب (17تموز) المشؤوم من أسوأ نظام مر علي تاريخ هذا البلد؛ حيث أدخل البلد في حربين شرستين: الأولي عندما شن النظام حربه علي جارة العراق الشرقية إيران واستمرت الحرب ما يزيد علي ثمان سنوات، تكبد خلالها الشعبين المسلمين مئات الآلاف من القتلي مضافاً إلي مئات الآلاف من الأسري والمشردين وجيش من اليتامي والأرامل، والحرب الثانية اقدامه علي احتلال دولة الكويت فسببت للعراق وللعالم الإسلامي أقسي الخسائر والمصائب

() سورة الأحزاب: 21.

() البلد الأمين: ص146 فقرة من أدعية الساعات.

() سورة التوبة: 100.

() سورة النحل: 41.

() سورة النساء: 100.

() سورة الحج: 58.

() سورة الحشر: 8.

() سورة البقرة: 177.

() سورة الأنعام: 34.

() سورة يونس: 109.

() سورة هود: 115.

() سورة لقمان: 17.

() سورة النحل: 127.

() سورة الزمر: 10.

() سورة سبأ: 28.

() سورة الحجر: 94.

() سورة التوبة: 122.

() سورة الأحزاب: 23.

() سورة آل عمران: 173.

() سورة الأنفال: 15.

() بحار الأنوار: ج19 ص31 ب6.

() بحار الأنوار: ج19 ص35 ب6.

() الكافي: ج8 ص148 ح126.

() وسائل الشيعة: ج12 ص278 ب152 ضمن ح16300.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص282 ق3 ب2 الفصل7 ح6283.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص 283 ق3 ب2 الفصل7 ح6313.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص 283 ق3 الفصل7

ح6317.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص283 ق3 الفصل7 ح6326.

() الكافي: ج2 ص89 باب الصبر ح4.

() الكافي: ج2 ص88 باب الصبر ح3.

() الكافي: ج2 ص93 باب الصبر ح24.

() بحار الأنوار: ج16 ص94 ب6 ضمن ح28.

() نهج البلاغة، الخطب: 147.

() بحار الأنوار: ج21 ص285 ب32.

() وسائل الشيعة: ج15 ص12 ب1 ح19908.

() بحار الأنوار: ج18 ص182 ب1 ح12.

() نهج البلاغة، الخطب: 190.

() إعلام الوري بأعلام الهدي: ص242 الركن الثالث ب2 ف4.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.