الحرية الإسلامية

اشارة

اسم الكتاب: الحرية الإسلامية

المؤلف: حسيني شيرازي، محمد

تاريخ وفاة المؤلف: 1380 ش

اللغة: عربي

عدد المجلدات: 1

الناشر: دار الفردوس

مكان الطبع: بيروت لبنان

تاريخ الطبع: 1409 ق

كلمة الناشر

بسم الله الرحمن الرحيم

للحرية في الدين الإسلامي مكانتها السامية، حيث أطلقها هذا الدين الحنيف حتي في اختيار عقيدة الإسلام كما نصت علي ذلك الآية الشريفة (أنا هديناه السبيل أما شاكرا و أما كفورا) والتاريخ الإسلامي مليء بقصص الحرية الواسعة الأبواب في عهد الرسول صلي الله عليه وآله وسلم وعهد أمير المؤمنين عليه السلام غير أن استلام الطواغيت لزمام الحكم في الدولة الإسلامية وكز علي كل متنفس لهذه الحريات التي حباها الله تعالي بني البشر وظلت هذه المفردة حبيسة بين ملفات القراطيس والكتب،وأصبح الحديث عنها ضرب من الجنون في بعض العصور نظرا للنتيجة التي تؤول إليها من القمع والتشريد والقتل الاجتماعي.

وفي ظل الصحوة الإسلامية الحديثة، وتوق المسلمين لمعرفة حقيقة دينهم كان من الواجب علي العلماء أن يسلطوا الأضواء علي هذه الجوانب التي تخفي تفاصيلها عن الكثير من المسلمين،وللإمام الشيرازي (دام ظله) مؤلفات كثيرة وبحوث متعددة في الحريات الإسلامية وقواعدها مما يجعله من المراجع القلائل الذين بحثوا في هذا الموضوع وكتابه هذا (الحرية الإسلامية) يضم بحوثا في الحريات السياسية في الإسلام وقد أرفقها سماحته بمحاججةالرسول صلي الله عليه وآله وسلم مع رجال الأديان الأخري والمشركين وكذالك من مناظرات الأمام الرضا عليه السلام مع أرباب المذاهب الباطلة ليدلل بذلك علي سماحة الدين الإسلامي وسعة الحرية في نقاش الرأي علي أعلي مستويات في الإسلام والمتمثلة بالرسول الأكرم صلي الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام علي محمد

وآله الطيبين الطاهرين، ولعنة الله علي أعدائهم أجمعين تمهيد

إنهم يرمون الإسلام بما

فيهم.. ويعزون إلي أنفسهم، ما في الإسلام، عادة الذين لا يعلمون، ويقصدون من وراء هذا وذاك تشويه معالم الإسلام، وطمس مثله السامية، ومسخ قيمه الرفيعة، كي يتسني لهم تقويض قيادته الحكيمة، وبعد ذاك … يخلو لهم الجو، فيأخذون أزمة العالم، ويستبدون بسلطانه.. فتصبح لمة ممن لا يصلحون سادة البحار،وجماعة من المرابين، كبراء التجار، وزمرة من الذين لا يؤمنون بالآخرة زعماء الجو و الأقمار، وحفنة من كابتي الحريات حملة مشاعل الحرية

أغير هذا يقصدون؟ ولسوي الاستبداد والاستغلال

والسفك والنهب يطلبون؟ ثم أي عمل لهم لنجاة البشر من الويلات؟ هل الاختراع والاكتشاف

وكم أدي البشر ضرائب من ضحايا ودماء، ودموع وأعراض، وأموال وديار.. من جراء قيادتهم المنحرفة؟وهل يعادل هذا بذاك؟ مع الغض عن كون الاختراع ولائد أفكار طيبة- وليس الكلام فيها- إنما الكلام في القيادة الغاشمة، وأي ارتباط بين القيادة والاختراع

نعم استغلوا الاختراع للهدم والتقويض.. والهلاك والدمار، بعدما كان من أدوات التشييد والبناء.. والازدهار والعمران، فالاختراع والمخترع هما الأخريان يندبان حظهما العاثر، من القيادات الأثيمة، والسلطات الجائرة

لقد أوقعوا البشرية في دوامة الحروب والثورات والقلاقل والفتن.. والتطاحن والتهاتر.. وأودوا فيها نار الحقد والبغضاء، والكراهية والشحناء، حتي أصبح كل أخ عدو أخيه..! وكل إنسان ضد إنسان، بعدما أخمد الأنبياء و الأئمة والمصلحون- عبر عمر الدنيا، إلي اليوم- نيران النفوس المشتعلة، وقبحوا جماح الشهوات البهيمية، باجتهاد متواصل، وعمل دائب

فهل هذه مؤهلاتهم للقيادة؟ وهل تلك جرم الأنبياء وشرائع السماء، حتي يستحقوا بها الإقصاء عن مجالات الحياة؟ وبعد ذلك كله..!! لا يرعوون أن يملئوا الدنيا عجيجا وصياحا: بأنهم أخرجوا البشرية من الظلمات إلي النور.. ومن العبودية إلي الحرية.. ومن الظلم إلي العدالة.ومن الباطل إلي الحق!!. أهذه نورهم وحريتهم وعدلهم وحقهم؟؟؟.. وقديما قالوا:، يسمون الناس الأعمي

بصيرا.. والزنجي كافورا

وقد جنّد الغرب والشرق، توصلا إلي مطالبهم المنحرفة، وتعزيزا لمكانتهم المسروقة، أقلاما مأجورة، وألسنة مزيفة.. لتشويه معالم الإسلام، ونسبته إلي الرجعية والجمود، وتوصيمه بأنه ليس إلا عبادة وطقوسا، ومسجدا، ومنارة!! وبذلك أضلوا البشرية- وفيهم بعض المسلمين عن سواء الطريق، فأمسوا يتخبطون خبط عشواء، في متاهات الحياة المظلمة، وينسابون زحفا علي البطون في ادغال الجور والعبودية، ولا منقذ لهم إلا الرجوع إلي إرشاد الأنبياء، وهدايات السماء، وتعاليم القرآن، ودساتير السنة، وبهذا.. فقط.. يرجع إليهم الهدوء والسكينة، والرفاه والطمأنينة.. ويظلهم العدل والسلام، ويعود اليهم الإخاء والصحة والأمن

وفي هذه الرسالة عرض سريع لطرف من (الحرية الإسلامية) التي كان آبائنا يتمتع بها طيلة ثلاثة عشر قرنا حين كان القرآن دستورهم، والسنة منهاجهم، حتي سلبها الكافر المستعمر عنا منذ زهاء قرن، وأبدلها بالعبودية، بكل ما في الكلمة من معني. ولا أراني بحاجة إلي الاستشهاد بكلمات الغرب أو الشرق، وإنما المهم أن نضع صفحة من أحكام الإسلام- في هذا الشأن- أمام الأبصار، ثم القارئ يقايس بينها وبين حالته الحاضرة، حتي يدرك أية القولتين أصدق: الإسلام دين الحرية.. أم القوانين الأرضية، التي يعيش في ظلها تقوّل الحرية..؟ والله المستعان

محمد بن المهدي الحسيني الشيرازي

كر بلاء المقدسة- 1380ه

الدفاع عن الحرية

زوّد الله الإنسان بآلات وملكات.. وجعل في متناوله الكون الرحب، بما فيه من صنوف الحيوان.. وألوان الأشجار والأعشاب.. ومختلف البحار والأنهار.. وأقسام المعادن والركائز.. وجعل لكل حركة من حركاته.. وملكة من ملكاته.. حدودا معينة، لا يتعداها إلا النادر، ويبلغ الإنسان إليها إذا توفرت لديه الحريات الكافية، وساعده المجتمع والحظ، وتكاملت عنده الشرائط والمقتضيات وعند هذه المؤهلات تنمو الحياة، وتزدهر الحضارات، ويصل رقي الفرد والمجتمع إلي آخر مدي إمكانه، وبالعكس لو اختلت الشروط، وانعدمت المؤهلات..

فإن الحياة تذبل وتذهب بهجتها.. إلي أن تصل إلي مادة جوفاء، لا حس فيها ولا حراك..

لكن:.. كثيرا ما تصطدم الحريات بعضها مع بعض وذلك يسبب الفساد والخبال، وإفناء الطاقات

وإعدام المؤهلات.. شأن كل حركة وامتداد، أرأيت الطائرة المزودة بقوة الجري الهائلة؟ إنها مثال للحرية.. فلو لم تزود الطائرة بالأجهزة والآلات.. والدهون والزيوت.. لم تطر وكانت قطعة جامدة من الحديد.! ولو طارت بغير مقياس وهدي اصطدمت بالعمارات، واحترقت وهدمت الأبنية

وعلي هذا، فمن اللازم إطلاق الحريات، وتوفير شرائطها من ناحية.. وتحديدها بحدود الصلاح والحكمة، من ناحية أخري.. وهذا هو شأن القيادة الصحيحة للفرد والجماعة، وقد لاحظ الإسلام الناحيتين، ووضع الخطط العامة، للسير بالبشرية نحو التقدم والرقي، بدقة وإتقان..

ليس هذا فحسب.. بل وقف من الحريات موقف المدافع المحامي، حتي أن كل جمود وقصور- في نظر الإسلام- محظور، وكل تعدي وتجاوز حرام.. ومن أراد الزيغ والتحوير، فالإسلام له بالمرصاد.

والحرية تتوفر في المجتمع الإسلامي علي النحو الصحيح بشرطين أساسيين:

الأول شوري المراجع

حيث لولم يكن ذلك لم يكن الحكم صحيحا وان قام

به فقيه، وذلك لأن الفقهاء بمجموعهم نواب الإمام عليه السلام أو أن مجموعهم نائب نائب فكل من اختارته الأمة مرجعا للتقليد،وكان حسب الأوصاف التي قررها الله سبحانه علي لسان أوليائه المعصومين عليهم السلام، كان في ضمن الشوري أما أن يستبد فقيه بالأمر فذلك خلاف الموازين.

أرأيت لو أن الرسول صلي الله عليه وآله وسلم أرسل جماعة من أصحابه لأن يحكموا اليمن، منهم: سلمان، وحذيفة، وعمار، وحبيب، والمقدد، أليس ذلك بمعني حكمهم بمجموعهم بأكثرية الآراء؟ فلا يحق لأحدهم أن يستبد بالحكم ويعزل الآخرين بالقوة او بما أشبه القوة، كتهيئة الجو العام ضدهم حتي يعتزلوا هم بأنفسهم حذرا عن الغوغاء والهتك.

ومن الوا ضح أن قول الرسول

صلي الله عليه وآله وسلم (اللهم ارحم خلفائي) وقوله عليه السلام: (فاني قد جعلته عليكم حاكما) وما أشبه يدل علي حكومة أي فقيه اختارته الأمة مرجعا لتقليده، فأمور الصلاة، والصيام، والحج، وما اشبه، من الأعمال الفردية،أو شبه الفردية كالعائلية- تنوط بمرجع تقليده لا ربط لسائر مراجع التقليد فيها، أما الأمور العامة كالاقتصاد العام والحرب، والسلم، والسياسة العامة، والاجتماع العام بما يرتبط بكل الأمة فلا بد فيها اجتماعهم وتمشية الأمر بأكثرية الآراء

مراجع التقليد والرأي العام

مراجع التقليد والرأي العام

وهنا سؤالان:

الأول: من أين أن المعيار تقليد قطاع من الأمة حتي يكون قول ذلك الفقيه حجة في الشوري، مع أن قوله (ص): يأتون من بعدي، وقوله (ع): (من كان من الفقهاء صائنا لنفسه) إلي غير ذلك، يشمل حتي الفقيه غير المرجع

الثاني: ما هو معيار تقليد قطاع من الأمة أ وإذا كان لاحدهم مائة مليون مقلد وللأخر مليون فهل هما بمنزلة

واحدة

والجواب عن الأول: أن الأمة مخيرة في تقليد من

تتوفر فيه الشرائط، أما واقعا كما إذا كانوا متساوين أو قلنا ان مع الاختلاف في ألا علمية والأعدلية والأوعية أيضا يكون لهم الخيار في تقليد الفاضل والمفضول- كما اختاره جملة من الفقهاء في الفقه- وذلك كما هو الحال في أئمة الجماعة المتعددين، والقضاة المتعددين والشهود المتعددين، فان إطلاق أدلتها يعطي اختيار الإنسان لأن يأم بهذا أو بذاك، أو يتقاضي الي هذا أو ذاك، أو يستشهد بهذين أو بهذين إلي غير ذلك

فإذا اختار قسم كبير من الأمة زيدا وقسم عمروا وقسم زراره كان له ذلك الحق، ومعني ذلك أن الشارع صدق تقليده وجعل زمام الأمر بيده، وفي رواية علي (ع): (أن يختاروا). وبهذا تبين أن غير من اختير لا حجية في قوله بالنسبة إلي المختار لهم، فذلك مثل

أن يكون هناك قاضيان لكل واحد صلاحية القضاء

فهل لأحدهما الحق في فيصلة الأمر والحال أن المتنازعين رجعا إلي الآخر؟ وإنما لا يكون له الحق لانصراف الأدلة عنه، ولو حكم- والحال انهما راجعا غيره- هل يكون حكمه نافذا

والجواب عن الثاني: انه حيث قد عرفت ان المعيار الشرائط الشرعية من العلم، والعدالة، وانتخاب الناس وما أشبه، فاللازم أن يلاحظ هل أن ا لأمة تنتخب صاحب المليون للحكم أم لا لحق ا أمة في تبعيض التقليد بأن تقول إني أقلد زيدا في ما عدا مسألة إدارته الحكم، أقلد عمروا في هذه المسألة فقط- علي ما ذكره الفقهاء في بحث تبعيض التقليد،فإذا اختاروا صاحب المليون في الشوري كان منهم، وكانت النتيجة أنه صار صاحب عشرين مليون مثلا لتقليد

ألا تخبرني يا سيدي أهو في الخلق أم الخلق فيه؟ قال الرضا عليه السلام جل يا عمران عن ذلك، ليس هو في الخلق ولا الخلق فيه، تعالي عن ذلك، وسأعلمك ما تعرفه به ولا قوة إلا بالله، أخبرني عن المرآة أنت فيها أم هي فيك؟ فإن كان ليس واحد منكما في صاحبه فبأي شيء استدللت بها علي نفسك؟ قال عمران: بضوء بيني وبينها قال الرضا عليه السلام: هل تري من ذلك الضوء في المرآة أكثر مما شراه في عينك؟ قال: نعم، قال الرضا عليه السلام: فأرناه، فلم يحر جوابا، قال عليه السلام: فلا أري النور إلا وقد دلك و دل المرآة علي أنفسكما من غير أن يكون في واحد منكما، ولهذا أمثال كثيرة غير هذا لا يجد الجاهل فيها مقالا، ولله المثل الأعلي

أداء الصلاة.. ثم العودة إلي المناظرة

ثم التفت إلي المأمون فقال: الصلاة قد حضرت

فقال عمران: يا سيدي لا تقطع علي مسألتي

فقد رق قلبي قال الرضا عليه السلام: نصلي ونعود، فنهض ونهض المأمون فصلي الرضا (ع) داخلا، وصلي الناس خارجا خلف محمد بن جعفر، ثم خرجا فعاد الرضا،عليه السلام إلي مجلسه ودعا بعمران فقال: سل يا عمران، قال: يا سيدي ألا تخبرني عن الله عز وجل هل يوحد بحقيقة أو يوحد بوصف؟ قال الرضا (ع): إن الله المبديء الواحد الكائن الأول لم

الشأن في مكان، وبمراجعة الفقهاء يحكمون بالأكثرية ويمضي الفقهاء ذلك

حال ذلك حال الأمم المتحدة، أو جامعة الدول العربية، أو منظمة الوحدة الأفريقية أو ما أشبه ذلك- ولا مناقشة في المثال- حيث يرجع الممثلون إلي رؤساء حكوماتهم، وبعد أخذ موافقتهم يظهرون الرأي، والنتيجة إصدار الأمر بأكثرية آراء الدول

وهنا يبقي سؤال: أنه كيف يحكم القضاة المنصوبون

من قبل السلطة القضائية المستندة إلي شوري المرجعية، في مورد الاختلاف في الأحكام مثلا، في نزاع خاص، أحد الفقهاء يري أن الدار لزيد، وآخر يري أن الدار لعمرو، فهل يحكم القاضي برأي هذا أو رأي ذاك؟والجواب: إنه إذا كان القاضي مجتهدا جامعا للشرائط- كما هو الرأي المشهور في باب القضاء حيث لا يجوّزون قضاء غير المجتهد العادل الجامع للشرائط- فهو يحكم حسب رأيه، علي ما ذكرناه في الفقه، من أن الأمر كذلك حتي فيما إذا كان المتنازعان عند القاضي مجتهدين جامعي الشرائط

أما إذا لم يكن كذلك بل فاضلا عادلا، لا مجتهدا

كما هو رأي البعض، ولم نستبعده في الفقه، فان كان هناك أكثرية آراء في المسألة يعمل عليها- فيما كان المتنازعان من تقليدين و إلا فهما يأخذان برأي مرجع واحد، وهو يحكم لهما بذلك الرأي من غير محذور- وذلك لأدلة الشوري. وان لم يكن أكثرية آراء، مثلت كان شوري المراجع من ستة، وكان

نصفهم يري الحكم الذي يقتضي أن الدار أو الزوجة لزيد ونصفهم الآخر يري انهما لعمرو، فان أمكن القرعة فهي لكل أمر مشكل، والمورد من صغرياته، وإلا كان المحكم قاعدة العدل كما في الماليات أو الاحتياط كما في الفروج، ثم البحث عن مثل ذلك ليس بمهم بعد إمكان إحالة

فيصلة مثل هذه المشكلة، وان القاضي كيف يحكم في مورد الاختلاف بين المجتهدين أصحاب الشوري؟ إلي نفس شوري المراجع، فما استقر عليه رأيهم بأكثرية الآراء يعمل القضاة علي طبقه

أما كيف يمكن جمع الفقهاء المراجع في شوري ألحاكمية العامة علي الأمة، فان ذلك ممكن بسبب الرأي العام، فان للرأي العام من القوة والضغط، ما يسقط الدول ويأتي بالدول، كما رأينا كيف أسقطت حكومة بريطانيا عن الهند بعد أن تعشعشت فيها ثلاثة قرون، وأتي بالدولة

الحالية، وله أمثلة في التاريخ، حتي إن الرسول،ص

علي عظمته، لاحظ الرأي العام، حيث يروي عنه،ص

أنه قال لبعض زوجاته (لولا أن قومك حديثو عهد بالإسلام لهدمت الكعبة وجعلت لها بابين) فانه (ص) تجنب أن يكون الرأي العام ضده- علي فرض صحة هذا الحديث فيما لا يهم بقدر أهمية جمع الناس تحت راية: (لا إله إلا الله محمد رسول الله)وفي رواية أخري ينقل عنه (ص): انه بعد قصة المؤامرة ضده في ليلة العقبة قال: (لولا أن الناس يقولون أن محمدا (ص) استنصر بجماعة من بصحابه ثم لما قوي أمره

لضربت أعناقهم)وهكذا نشاهد جملة من القصص الأخري التي سجلت

الرأي العام فيها ترك المعصوم (ع) ما أراده ترجيحا للأهم

علي المهم- وهي قاعدة فقهية معروفة، جذورها في القرآن الكريم، حيث قال سبحانه: (ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة و معارج عليها يظهرون، بالإضافة إلي

أنه حكم العقل، وقد قام عليه الإجماع

مما يظهر ذلك من فتواهم بتقديم الزنا علي الموت في قصة

رفع علي (ع) الحد عن الزانية اضطرار، وفتواهم بأن المسلمون يقتلون إذا تترس بهم الكفار، وقد طرد رسول الله ص، المسلمين الذين جاؤوا إليه بعد المعاهدة مع الكفار تقديما للعهد حيث شكلوا فرقه بين مكة والمدينة في قصة مشهورة، وصلي علي ابن أبي وقام علي قبره لما كان لذلك من الأهمية في جذب أناس إلي الإسلام مع أن القاعدة العامة هي قوله سبحانه: (ولا تصل علي أحد منهم مات أبد، ولا تقم علي قبره إلي غير ذلك مما يحتاج إلي رسالة مستقلة،وكذلك سبب ضغط الرأي العام علي علي،ع فرفع يده عما أراده، في قصص مشهورة

أما قصص ضغط الرأي العام علي الحكام فهي كثيرة،

وقصة ضغط الرأي العام علي يزيد في إذنه لصعود الإمام السجاد (ع) المنبر أشهر من أن تذكر، وقد كان يعلم أنه إن صعد لا ينزل إلا بفضيحة يزيد وفضيحة آل ابي سفيان،وأنه من أهل بيت قد زقوا العلم زقا كبيرهم لا يقاس وصغيرهم جمرة لا تداس … وهكذا كان، فقد صعد (ع) المنبر ولم ينزل ألا بفضيحتهم الباقية إلي اليوم بعد اكثر من ثلاثة عشر قرنا، وبنفس الرأي العام الضاغط افرج عنهم (ع) وأذن لهم في إقامة العزاء

كما أن أحد الخلفاء كان يحب جارية له اسمها، دريرة ففوض الأمر إلي وزرائه وبني خارج البلد في محل حسن الماء والهواء يسمي (بحيرة) عمارة لنفسه ولها وذهب هو بصحبتها مستصحبا الزمارين والمغنين ومن إليهم إلي تلك العمارة، وبسبب الرأي العام الذي أوجده شاعر ضده هدم العمارة، ورجع إلي البلد، فقد انشأ الشاعر بيتين فانتشر في الأفواه انتشار النار في

الهشيم، وخاف الخليفة الفضيحة، والبيتان هما:

ترك الناس بحيرة وبني عند البحيرة

قاعد يضرب بالطبل علي حر دريرة

ثم أن الفقهاء المراجع إذا اجتمعت كلمتهم تمكنوا من

تغيير ما فسد من المسلمين كما رأينا ذلك حين اجتمعوا في قصة إيقاف الروس عند حدود إيران الحالية، و إخراج الإنكليز عن إيران حين غزوها تحت شعار امتياز التنباك، وتبديل الملكية المطلقة إلي المشروطة في قصة الآخوند الخراساني (قده)، و إخراج الإنكليز عن العراق بعد احتلالها لها في ثورة العشرين (1920 م) و إخراج الإنكليز مرة ثانية عن العراق أبان الحرب العالمية الثانية، بل ان المراجع هم الذين هيئوا الأرضية الصالحة لإسقاط البهلوي الأول والعائلة الفيصلية، في كل من إيران والعراق

21

لوضوح إن المسلمين يتعلقون بعلمائهم، فإذا اتجهو

لهدم أو بناء تبعهم المسلمون، ولذا يهتم المستعمرون والحكام في أن لا يتحد المراجع، مهما وجدوا إلي ذلك سبيلاً

وإذا اجتمعت كلمة المراجع أمكن إصلاح حال المسلمين، لا في البعد السياسي فحسب بل في كل الأبعاد وحتي قبل وصولهم إلي الحكم، فتستقيم قصة المال للحوزات العلمية، وتنتظم شؤون الحوزات ويقوي التبليغ الإسلامي في كل أقطار العالم، ويكون سدا إمام التبشير،وسائر المذاهب الباطلة، والأديان المخترعة كالبهائية، والقاديانية، والوهابية، وما إليها، ويمكن عمارة البلاد، وإنعاش العباد إلي غيرها مما لا يخفي

وإذا اجتمعت كلمة المراجع، كان الدارسون والناهضون للاجتهاد، والخطباء، والمؤلفون والمؤسسون ومن إليهم من فصائل الدينيين والعلميين كلهم من حفدة الشوري بما يعطي أفضل الثمار، فإنه بعد غياب الإمام المهدي (عجل الله تعالي فرجه الشريف) إلي حين ظهوره فوض الأمر إلي المراجع الذين هم حملة علوم المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين

ثم أنه يأتي في المقام سؤال أنه إذا اختلف شوري

الفقهاء بأكثرية الآراء أو جميعا- فرضا- مع مجلس الامة الذين

انتخبوا لادارة الأمور، حيث تكون النسبة بين المجلسين، هما النسبة بين (حاكم أعلي في الديمقراطية،وبين مجلس الامة) إذ يلزم انتخاب مجلس الامة من جهة كونهم الخبراء في إدارة البلاد، فقهيا ودنيويا، فأيهما السلطة الأعلي في نفوذ رأيه في مورد الاختلاف

والجواب. إن في المقام، احتمالات

الأول. تقدم شوري الفقهاء لأنهم منصوبون من قبل

الإمام،عليه السلام

الثاني: تقدم مجلس الامة لأنهم مورد رضي الله سبحانه لعلمهم وعدالتهم وخبر ويتهم، ورضي الأمة الذين أعطي الشارع بيدهم حق الاختيار، فمجلس الإمة في ذاته مورد تأييد الفقهاء، كما سيأتي، ومورد تأييد الأمة

الثالث: مراجعة الامة في تقديم أي المجلسين في المسألة المتنازع فيها باستفتاء عام، فأيهما قدمت الامة كان المقدم، وذلك لأن الله سبحانه حيث أعطي الصلاحية للأمة بقول علي (ع): (يختاروا) فملاكه آت في المقام، فكما في الحاكم الواحد للامة الحق في اختياره زمانا دون زمان لهم الحق في اختياره في مسألة دون مسألة، فهو كما إذا رجع

المتنازعان في قضية الي هذا القاضي وفي قضية أخري الي قاض آخر- مع فرض كون كليهما جامعآ للشرائط-. والاحتمال الثالث مع كونه أقرب الي العقل والي روح القانون أقرب الي ما ورد من جحل علي () حق ا أمة علي نفسه باعطاء المشورة، بل استشارة الرسو J() المسلمين، بالاضافة الي أنه بملاك تقديم الموكل أي وكيليه فيما اذا تنازع الوكيلان في أمر، إذ المفروض أن مجلس الشوري وا أمة كليهما وكيلان من قبل الامة، حيث لها حق الاختيارب " أن يقفدوه " و" يختاروا " من جانب، وان الامة وكلت مجلس الشوري في ادارة شؤونه الدنيوية من جانب آخر.

فهو كما اذا راجع الفرد مرجعآ في دينياته، وطبيبآ ومهندسآ وخبيرآ تجاريآ في دنيوياته- فان الموضوعات كما قرر

في الفقه، لا ترتبط بالفقيه، وانما بالانسان، فاذا قال الفقيه: ان الخمر حرام، أخذ منه، ولكن اذا قال: هذه خمر، وتحقق لدي المقلد علمآ أو بطريق آخر أنها ليست بخمر لم يكن قول الفقيه حجة عليه حتي ينرم عليه اتباع رأي الفقيه في هذا الموضوع.

Tt

اقسام الاحزاب

الحريات التي منحها الإسلام للناس تعطي الحق لهم

في تكوين الأحزاب لا بالمعني الغربي، وحيث يلزم أن تكون البلاد الإسلامية في إطار الإسلام والأحزاب الممنوح لهم في التكوين علي ثلاثة أقسام

الأول: الأحزاب الإسلامية التي تنتهي إلي المراجع حيث إن الذي يتصرف في شؤون المسلمين إنما هم المراجع المنصوبون من قبل الرسول (ص) وا لائمة،ع

فالمراجع يكونون الأحزاب الإسلامية التي يكونون

عونا لهم في تطبيق الإسلام وتقديم الامة إلي الأمام وهذه الأحزاب بمعونة شوري المراجع ينتخبون القوي الثلاث. والفرق بين الأحزاب بالمفهوم الاسلامي والمفهوم الغربي- المرفوض إسلاميا- أن: الأول يعمل حسب التطبيق الاسلامي فقط فهم يعملون تأطيرآ لا تشريعا، بينما الثاني يعمل حسب الآراء سواء طابق الشرع أم لا

فالقوي التي تصل إلي الحكم سواء المجلس، أو القضاء، أو الوزارة كلها تعمل في الإطار الإسلامي، لا غير ذلك

وهنا سؤال يفرض نفسه، وهو لو كان الإطار خاصا بالإسلام فماذا يعمل في الاحتياجات المتزايدة حسب العصر، مثلا الشوارع والمؤسسات لو تعارضت مع الوقف أو الملك الذي يأبي صاحبه إعطائه للشارع فان قدم الأول لزم رفع اليد عن قانون، الوقوف علي حسب ما وقفها أهلها لا يحل مال امرء إلا بطيب نفسه، وان فدم الثاني لزم رفع اليد عن موازين بناء المدن والمؤسسات

وهكذا أن قدم قانون المرور لزم رفع اليد عن حرية الإنسان في سياقته، وان قدم قانون الحرية لزم رفع اليد عن قانون المرور

وكذلك إن عمل بقانون

(العملات الصعبة) في الدخول والخروج إلي البلاد لزم إسقاط حرية الإنسان في كل شأنه إلا المحرم وان عمل بالثاني، لزم إلغاء الأول والجواب ليس القانون الاسلامي خاصا بالأمور الحرفية و إنما للإسلام قوانين عامة تنطبق في كل زمان ومكان حسب مقتضيات الأمر ولذا سميناه (التأطير) فهناك قانون الأهم والمهم وقانون لا ضرر إلي غير ذلك.

ففي المثال الأول، إذا انطبق القانون علي موازين الإعطاء للشارع أو للمؤسسة أو ما أيشبه كالحدائق العامة بان

كان ذلك أهم شرعا قدم علي العناوين الأولية

وفي المثالين الآخرين إذا كان في تطبيق القانون الأولي ضرر وقف لا ضرر أمام القانون الأولي

وليس ذلك بمعني الولاية الفضفاض، ولا بمعني المصالح المرسلة، إذ ولاية الفقيه معناها العمل في الإطار الاسلامي، والمصالح المرسلة عبارة أخري عن اختيار الحاكم أن يعمل ما يأتي بنظره ولو كان ذلك خلاف التشريع الاسلامي، فهي في عرض الكتاب والسنة، كما أن المعني الفضفاض- الذي لم يقل به أحد لولاية الفقيه- عبارة أخري عن المصالح المرسلة، ولا يقول بها علمائنا حيث لم يدل عليها دليل.وعلي هذا فإذا رأي شوري الفقهاء بأكثرية الآراء شيئا صوابا من باب تطبيق القانون الثانوي جعلوه منهاج البلاد ما دام الاحتياج، ولا يكون له حينئذ صبغة القانون، بل الاستثناء، ولذا يحق لهم تغييره إلي مشابه آخر،مثلا، جعلوا قانون المرور، في السير علي اليمين،أو الوقوف عند الضوء الأحمر، أو دون مائة كيلومتر في الساعة، ثم أرادوا تغييره إلي السير علي اليسار، أو الوقوف عند الضوء الأخضر، أو تطلق الحرية لدرجة السرعة، لأنه

فتح هناك طريق آخر، فلا حاجة إلي التحديد وهكذا نحو ذلك

مثلا جاء الوباء مما يخشي من موت الناس إذا شربوا الحليب فان الدولة تتلفه مع تعويض أصحابه جمعا

بين الدليلين، كما قالوا في أكل المخمصة

ومنه يعلم اشتراط الأمر في القوانين المجعولة، بنظر شوري الفقهاء، لا فقيه واحد، وكون ذلك المجعول حسب قانون ثانوي شرعي، وانه لا يتصف بالدوام بل بحالة الاستثناء فقط، وكل هذه الثلاثة تأباها المصالح المرسلة، أو ولاية الفقيه الفضفاض، إذ معني ولايته المشروعة العمل في الإطار الإسلامي قانونا أوليا أو ثانويا

الثاني: الأحزاب الوطنية التي تتكون من اجل بناء

البلاد علي شرط أن لا يخالف قانون الإسلام لا في برنامج عمله ولا في هدفه، بل يعمل في إطار شوري المرجعية (التي هي السلطة العليا في الدولة)(والمجلس المنتخب من الأمة)

الثالث: الأحزاب للاقليات كالمسيحية واليهودية ونحوهما، فانهم لهم الحق في أن يعيشوا تحت ظل الإسلام في كمال الحرية والرفاه بشرط أن لا يخرجوا عن قوانين

البلاد، كما أن كل فئة في الحكومات الديمقراطية كذلك فان الديمقراطية تعطي لهم الحق في أن يعيشوا بسلام بشرط أن لا يخرقوا قوانين البلاد

قلنا إن المراجع يكوّنون الأحزاب الإسلامية، وانما

يكون لهم ذلك من جهة حق الإنسان في الاستفادة من الحريات (غير المحرمة) كما قال سبحانه: (يضع عنهم اصرهم) فكل شيء حلال ما عدا المحرمات التي هي معدودة مذكورة في كتب الفقه والحديث

ووجه الاحتياج إلي تكوين الأحزاب الإسلامية، هو إن الحزب مدرسة تهيئة الإفراد الصالحين لإدارة البلاد سياسيا واجتماعيا واقتصاديا، وبدون التهيئة الطويلة لا يصلح إنسان إلا إذا كان معصوما- أن يأخذ بالزمام، مهما كان موثقا رأي مختلف العلوم، وحصل علي مختلف الشهادات العليا. ومن الواضح أن من أسباب تحطم العالم الثالث عامة والإسلامي منه خاصة، عدم الخبروية للقائمين بأزمّة البلاد، فالانقلابيون مهما كانوا عسكريين أو شعبيين يؤخذون من الشارع ويوضعون في الدوائر، وحيث ليست لهم الخبروية يفسدون ويفسدون، وان فرض

حسن نيتهم، وكانوا في أرقي درجات العلم والثقافة

ثم انو ثلث المجتمع في الغالب شباب من بنين وبنات وحيث أن الشاب له طاقة يريد إبدائها، كما له حاجات يريد سدها، وعليه واجبات يلزم أن يقوم بها فبدون تجميعهم في وحدات تصرف طاقاتهم في الصالح، وتعطي حاجاتهم وتوجههم نحو واجباتهم يتجهون إلي الأحزاب الشرقية و

ا لغربية

وهم قد نشروا شباكهم لاصطياد الشباب، لجعلهم أدوات هدم لبلادهم من اجل توفير حاجات الغرب والشرق وتكريس التأخير لبلاد الإسلام، بل العالم الثالث كله، كما رأينا ذلك في كل بلدان العالم الثالث، في ما يسمي بالأحزاب الوطنية، والشيوعية، والقومية، والوجودية. فإذا لم نجمعهم نحن، كان معني ذلك فسادهم افسادهم

ثم لما كانت الأحزاب الثورية في بلاد الإسلام، بل

في كل العالم الثالث، سواء من وصل منهم إلي الحكم أولم يصل أساءوا اكبر الإساءة إلي الناس، تخوف الناس من اسم الحزب، ورأوا أن معني الحزبي فرد هدام، وان الحزب الواصل إلي الحكم معناه الهدم والدمار، كما رأوا في مصر ناصر، وعراق قاسم

وانه لا بد من الحزب- بالمعني الذي ذكرناه- إذ بدون التجمع والانضمام لا يمكن للبلد أن يقف أمام التجمع الغربي الرأسمالي، والشرقي الشيوعي، حيث أن في الغرب ألف مليون منظم وان كانوا تحت حكومات، وتعدد أحزاب، وفي الشرق ألف وخمسمائة مليون منظم من الروس والصين كان اللازم علي الأحزاب الإسلامية أبلغ الاهتمام لإزالة هذا الدرن من سمعتهم، وإلا لم يحظوا بالتفاف الناس حولهم ولا يأتي منهم الهدف المنشود، بل يسببوا كثرة المشكلة بتربية أفراد يكونون إلي الهدم اقرب منهم إلي ا لبناء

إن الإنسان إذا رأي فردا من أهل بلد فلاني سرق، ثم

رأي فردا ثانيا وثالثا ورابعا كلهم يسرقون، يبادر إلي ذهنه أن أهل البلد

الفلاني كلهم سراق، إن هذه الكلية وان كانت غير صحيحة فان الجزئي لا يكون كاسبا ولا مكتسبا، إلا أن طبيعة البشر- غير العلمية- ذلك، وما هو العلاج والحال هذا؟ ولذا ليس أمام الفرد الخامس إلا أن يهتم غاية الاهتمام لإزالة هذه السمعة السيئة، و إلا طارده الناس

فعلي الذين يريدون الانخراط في الحزب الإسلامي المرجعي أن يهتموا اكبر الاهتمام لان يتصفوا بالفضيلة خلقا وعملا، لا بمعني أن يأخذوا بقدر الحق، بل بمعني أن

يتركوا حقهم لاجل سمعتهم، قال سبحانه: (ادفع بالتي هي احسن) وقال سبحانه: (خذ العفو وأمر بالعرف واعرض عن الجاهلين) وإلا فالوصول إلي الهدف سراب ليس إلا ثم إن رجال الدين إذا أرادوا أن يأخذوا بالزمام احتاج الأمر إلي الرأي العام الضاغط، حتي يتهيأ الجو، والرأي العام بحاجة إلي أربعة أمور

الأول: سلسلة كبيرة من الكتب بمئات الملايين، فان الأمور تبدأ بالوعي، وبدونه لا يتقدم شيء، صحيح إن أل إذاعة والتلفزيون والصحف لها دور اكبر من الكتب لكنها ليست تحت إمكان رجال الدين، فلا بد وان يقتنع بالممكن من الكتب التوعوية المبنية لشوري المراجع، والأحزاب الحرة، والحريات الإسلامية، والاخوة الإسلامية، والاكتفاء الذاتي، والامة الواحدة بدون حدود جغرافية بين بلاد الإسلام وغيرها من الأمور المعنية بهذا الشأن

ثم إن الوعي يحتاج إلي الحملة، والحملة هم المنظمون من أفراد الأمة، ولذا يلزم السعي إلي إشاعة روح التنظيم، وربط المنظمات بعضها ببعض في مؤتمرات، كماء السماء ينزل قطرات فتتجمع في عيون صغار ثم تتجمع تلك العيون في أنهر صغار وتتجمع تلك الأنهر في انهر كبار حتي تكون بحرا، والمؤتمرون يقومون بالإضرابات والمظاهرات

السلمية حتي يحصل الانهيار في شكل الحكومات الحاضرة ومع زوالها تبني علي أنقاضها الحكومة الإسلامية الواحدة الثاني: أخلاقيات رجال

الدين حيث أن الإخلاف من اجلب الأشياء للناس فان الأخلاقيات الرفيعة لها الحكومة علي القلوب بينما الماديات لها الحكومة علي الأبدان، والحكومة الروحية أقوي من الحكومة الجسدية، ولذا بقيت الأنبياء و الأئمة وذهبت الفراعنة والطغاة

الثالث: إعطاء رجال الدين للناس حوائجهم المعنوية والمادية، وعليه فاللازم عليهم تأسيس المؤسسات ا لا اقتصاد يه، والاجتماعية، والفكرية، وا لثقافية، وا لتر بوية، وغيرها، كالمدارس، وا لمعا هد، وا لبنوك، و

ا لمستشفيات، والمطابع، والمعامل، وغيرها حتي تثق بهم ا لأمة وتراهم المنقذين فتلتف حولهم وتطيع أوامرهم،وتأسيس المؤسسات جزء من إعطاء الحوائج- كما هو واضح

الرابع: أن يدخل رجال الدين في كل جوانب الحياة

كما كان كذلك أبان الحكم الإسلامي- فيكون هناك مهندس رجل دين وطبيب رجل دين وفيزيائي رجل دين ومخترع رجل دين، وهكذا، حتي تمتزج بعض الأمة ببعض فينظر الناس إلي رجال الدين بنظر الاحترام والإجلال وإذا كان كذلك

اتبعهم الناس تلقائيا وينفذ فيهم كلمة الإسلام التي يحملها رجال الدين

أما الاقتناع بجهة التقليد، والخطابة، والتأليف، فهو اقتناع ببعض المهمة، والنتيجة لا تأتي، إلا بكل المهمة. ثم ان من أهم ما يجب أن يعمل به العاملون لاعادة الدولة الإسلامية، والحكم الإسلامي، إعادة أخلاقيات الرسول (ص)- بالمعني الأعم للأخلاق- حيث أن ذلك هو الطريق الوحيد لاعادة حكم الإسلام، وإلا سار العاملون سيرا طويلا، وأخيرا لا يصلون إلي شيء، إن لم يصلوا إلي الأسوأ من الحالة السابقة

إن اللازم علي العاملين لاعادة حكم الإسلام إعطاء الاطمئنان الكامل للعلماء، والحكام، والأثرياء، وأعوان السلطات، انهم لو وصلوا إلي الحكم يكون شعارهم: خذ العفو واذهبوا أنتم الطلقاء فلا تؤخذ أموالهم ولا يحاكمون بما عملوا سابقا، ولا تحرمون من أي حق، بل إن شاء الناس انتخبوهم حسب الشروط الشرعية، وانما

الدولة الإسلامية تريد تطبيق نظام الإسلام عبر الأنظمة السليمة ليس إلا، كما كان يفعله الرسول، فإنه لم يصادر مال ثري، ولا قتل عالما واحدا، ونصب جملة من الرؤساء كما كانوا وبهذه الأخلاق النبوية تكون الحركة الإسلامية

قد وفرت لنفسها الحب العميق حتي من أعدائها، وقلة المقاومة، واطمئنان الناس بالعدالة الإسلامية و إحسانها قال سبحانه: (إن الله يأمر بالعدل و الإحسان) وذلك يسهل الأمر للعاملين اكثر فأكثر

أما إن كان الشعار، القتل، ونهب الأموال، والمحاكمة للحكام، وفقهاء السلطة، وتجريد الأثرياء من الأموال، و إنزال الكبار عن مناصبهم، وإدخالهم السجون والمعتقلات، فاللازم أن يطمئن الإنسان المريد للعمل أنه يسير إلي طريق مسدود، والزمان كفيل بأن يظهر سرابية أحلامه

إن الناس يلتفون حول، أطعمهم من جوع وأمنهم من خوف، و، خذ العفو وأمر بالعرف واعرض عن الجاهلين و، فبما رحمة من الله لنت لهم، و، اليوم يوم المرحمة، اليوم تحفظ الحرمة، و،اذهبوا أنتم الطلقاء، و، إنك لعلي خلق عظيم

35

الحرية المسؤولة

ليس معني الحرية الفوضي في النظام أو في القائمين بالنظام، كما وجدناها في أول الانقلابات التي حدثت في مصر والعراق وباقي البلدان، فان الناس اخذوا يعملون ما يشاءون صت الأمور الفوضوية، كما أن الحكومات الانقلابية جاءت بأناس لا خبرة لهم إطلاق، بل ولا علم لهم أحيانا إلي المراكز الحساسة في الدولة، مما سبب تبعثر الأمور والخبال والفساد غير المتصور

بل الحرية معناها إطلاق تصرف الناس في إطار المعقول فاللازم جعل إطار للحريات، وليس ذلك بمعني الكبت بل بمعني أن لا يضر الإنسان نفسه ولا غيره، فمثلا الزراعة والتجارة والحيازة والصناعة حرة، لكن اللازم أن لا يزرع الزارع الحشيش الضار، ولا يتاجر التاجر بما يوجب الغش والاحتكار والربا،الأمور الضارة، ولا يحوز الحائز حق الآخرين،

مثلا هناك مائة صياد كل صياد يصيد من البحر

عشر كيلوات من السمك لقوته وقوت عائلته عينا أو ثمنا فلا يحق لاحدهم أن يصيد حصة الآخرين، حتي يبقي أولئك بلا طعام،الاستيراد حر والتصدير حر بما لا يوجب البطالة في الأول، حيث لا يجد عمال البلد عمل بعد توفر البضاعة الأجنبية في الأسواق مما تغني عن البضاعة الوطنية، ولا العوز في الثاني حتي لا يجد أهل البلد قوتهم لان المصدر أخرجه إلي الأجانب رجاء مزيد الربح، وهكذا حال الصناعة وغيرها

والخط الفاصل بين الكبت والمسؤولية دقيق يجب أن تتظافر جهود المخلصين من علماء الإسلام الوعاة أهل الاختصاص من الدكاترة والمهندسين ونحوهم في صب الصيغة الملائمة المحددة بين (يضع عنهم اصرهم) وبين لا ضرر ولا ضرار

أما الدوائر فاللازم أن تكون وسطا بين التفريط والإفراط

فلا تضخم في الموظفين مما يفوق ضروري الاحتياج- كما هو الحال في كل بلادنا، حيث مشوا وراء الغرب والشرق من غير هدي- ولا تقصير في القدر المحتاج إليه

وحيث أن الحريات في الإسلام كثيرة جدا فالقدر

المحتاج إليه من الموظفين اقل من عشر الموظفين في الحال الحاضر، إن كثرة الموظفين أملتها علي حكام بلاد الإسلام الجهل والغرور والأنانية والتقليد، فإذا أخذ الإسلام بالزمام، وشكلت لجان من كلتا الطائفتين من المثقفين الزمنيّين والإسلاميين لا بد وان توضع الأمور في نصابها

فالأعمال تكون بيد الناس إطلاقا إلا ما خرج

فالمطارات، وا لقطارات، وا لسيارات، وا لمستشفيات والمصارف، ومعاهد العلم، وغيرها تكون بيد الناس والدولة مشرفة فقط في عدم الإجحاف إلي غير ذلك من أسباب قلة الموظفين.هذا من ناحية الكم

أما الكيف، فلا بد للموظف من العلم و الخبروية الحاصلة بالممارسة والتدرج في الرقي، مثلا من مدير الناحية الصغيرة، إلي الناحية الكبيرة إلي ما

دون المحافظة إلي المحافظة الصغيرة ثم الكبيرة، إلي الوزارة وهكذا

يضاف إليهما الأخلاق والإيمان والرقابة، بدون تدخل المحسوبية والمنسوبية،لا يقال: كيف بالخبروية والرقابة مع العلم أن

الحكومة الإسلامية التي تأتي جديدة لا تدرج فيها بعد والرقابة غير ممكنة من الأكبر من الموظف لأنه نصبه ولا ممن دونه لانه منصوب منه فلا يجرؤ علي محاسبة رئيسه!. لانه يقال: الخبروية حصلت من طول استمرار خدمة الموظف في الحركة، مما يعادل طول خدمته في التدرج، بالإضافة إلي إمكان استخدام الموظفين السابقين ذوي الماضي ا لحسن،أما الرقابة فإنها تحصل من القوي المقابلة للقوي الحاكمة، حيث فرضنا في فصل سابق لزوم الأحزاب الحرة الإسلامية، فحكومة الظل تراقب حكومة النور، وبذلك أما تتم الأمور الثلاثة: المؤهلات الذاتية، الخبروية الزمنية، والرقابة الاجتماعية

39

ا لحرية في ظل الكفاءة

منذ أن دخل المستعمرون بلادنا، وتبعهم حكامنا،

أفلس الدين وحملته، فكل المال يصرف لاجل خط المستعمر فلا مال للدين- وشعائره، ولا لحملة العلوم الدينية، بل اوقافهم تصادر، و أموالهم تسلب ويقصون عن الاقتصاد، كما يقصي الاقتصاد عنهم، وصور الأوقاف الباهتة التي تمارسها الدولة إنما هي لاجل الإغفال وكّم الأفواه

أني منذ دخلت كر بلاء وأنا صغير السن لم أر صحن الإمام الحسين (. ع) مبنيا غير محتاج إلي الترميم والتعمير، فهو دائما خراب يشتغل فيه البناءون شغلا صوريا، فإذا كان هذا حال الصحن الشريف بكثرة اوقافه في العراق وإيران وغيرهما فما حال بقية المؤسسات الدينية

وقد نقل الوالد بعد رجوعه من سفرة إيران مع السيد حسين ألقمي،لاجل إصلاح ما أفسده البهلوي الأول،

والذي منه مصادرة الأوقاف كما نقل غيره أيضا، انهم لاحظوا أوراق أوقاف المشهد المقدس للامام الرضا (ع) فرأوا أن اوقافه تنتهي إلي أفغان من جانب، والي طهران من جانب ثان، والي أقاصي الشمال من

جانب ثالث، كما أن الأوقاف كانت حتي لاجل الكلاب والقطط، وحتي لاجل إعطاء من سلب القط لحمه، بدل لحمه، وحتي لاجل خفاف الزائرين، وعلوفة دوابهم إلي غير ذلك، لكن مع ذلك فالعتبة المقدسة، بل زائريه بحاجة إلي المسعف. كما إن حكومتي إيران والعراق صادرتا أوقاف المدارس العلمية الكثيرة

واو قاف المساجد، تحت ألف اسم واسم وبنوا بذلك المخامر والمقامر والملاهي والمباغي، لأن ذلك خط المستعمر لا ما يريده المسلمون من الدين والعلم والفضيلة والتقوي والحرية

وعلي أي حال فرجال الدين في ظل هؤلاء الحكام لا يجدون حتي لقمة العيش النكدة إلا بصعوبة بالغة من أجرة قضاء الصلاة والصيام عن الأموات وصلاة الوحشة وختم القرآن ونيابة الزيارة، وهكذا حال كل من يريد العمل للإسلام و إعادة حكومته والانفلات من براثن الشرق والغرب واستعمارهم، وإنقاذ المسلمين

ولذا فاللازم أن يفكروا رجال الدين في الاقتصاد

البديل، حيث يمنعون حقهم من الخمس والزكاة- حتي بقدر قوت لا يموت- ولا نصيب لهم في الأوقاف، بل موارد الأمة من النفط وسائر المعادن، ومن الواضح ا

ن ما يجعل الأسد المزمجر ثعلبا

هو أن يكون لغيره محتاجا

والبديل الأولي أمور ثلاثة

الأول: الاهتمام لاجل مجانية الدور التي يسكنون

فيها فان أجرة الدار من اصعب ما يبتلي به رجل الدين، لأن معاشه لا يكفي حتي لنصف أكله، فهل يمكن أن يعطي منه إجارة داره

والمجانية تكون إما بدور موقوفة، كما توفر لهم مدارس موقوفة لا يحتاجون في سكناها إلي الأجرة، وذلك بتحريض أهل الخير في وقف الدور لهم فماداموا أهلهم من بعدهم - المنقطعين- يسكنونها، فذا ذهبوا عن البلد أو ماتوا وأثري أول ادهم، انتقلت الدار إلي رجل دين آخر، حالها حال ا لمد ارس

وإما بتهيئة زعماء رجال الدين، وأهالي الخير الدور المملوكة

لهم، فإذا حصل ذلك انتهوا من نصف الهم وتفرغوا للعلم والجهاد الموجب لإرجاع الحرية إلي

المسلمين، والاستقلال إلي بلاد الإسلام

الثاني: امتهان مهنة الخطابة بقدر، فان الناس حيث يحتاجون إلي الخطيب يبذلون له شيئا من المال مما يساعده في بعض معاشه، فيتفرغ للعلم والعمل

الثالث: توفير الاوليات التي تذر له بعض المعاش وتكفيه بعض المؤونة، سواء من الأمور الصناعية كماكنة الخياطة حيث توفر للعائلة مؤونة الخياطة بالأجرة، وما اشبه ذلك أو من غيرها كاقتناء بعض الدواجن والأسماك في الأحواض البيتية لمساعدتهم باللحم والصوف والجلد والبيض واللبن بمشتقاته، ولذا ورد في الأحاديث التأكيد علي ذلك، وكجعل حديقة في البيت- إن وسع البيت لها- لاجل بعض الفواكه والخضراوات، وكصنع بعض العائلة السجاد والأكسية ونحوها

وبذلك يتمكنون من امرار المعاش المتوسط حتي يشتغلوا بمهمة حفظ العلم والدين وتقديم الأمة إلي الأمام بإرجاع الحريات إليهم، وإلا، فمن لا معاش له لا معاد له، ومن لا كسب له يسقط من عين الرسول (ص) و (الفقر سواد الوجه في الدارين)، و(عجيب أن لا يخرج الفقير إلي الغني

شاهرا سيفه) إلي غير ذلك من الأحاديث الواردة عن لسان المعصومين (ع) والكلمات الحكمية التي فاه بها أصحابهم،عليه السلام

هذا من ناحية الأفراد، أما من ناحية المراجع فالظاهر انه إذا تحقق بينهم شوري، وركزوا الأموال لاجل الاستثمار، تمكنوا من توفير اكبر قدر ممكن من المال لاجل رجال الدين وشؤونهم، حتي يكون نصيب كل طالب ما يكون كفافا وعفافا، كما فعلت المسيحية ذلك من ذي قبل

علي شرط أن يكون بحيث لا تتمكن الحكومات من التدخل إطلاقا، فان حكومات بلاد الإسلام ما دام هم اتباع المستعمر ما تدخلت في شيء إلا أفسدته، وبحيث يبقي مستمرا بأن تكون كمؤسسة يشرف عليها الفقهاء جميعا

بأكثرية الآراء فإذا مات فقيه قام مكانه فقيه آخر من الدرجة الثانية وهكذا، وإلا فالأموال تكون من نصيب أفراد عاديين، ولا يرجع إلي رجال الدين وخدمة الحرثة الإسلامية شيء نعم يسهل ذلك، إذا وصل الحكم إلي شوري المراجع علي ما ألمعنا إليه في بحث سابق

ولا يتصور أن وصول شوري المراجع إلي الحكم

بعيد، بعد وضوح انهم هم المتنفذون في أعماق الأمة، وان

الحكام- وان فرض عدم كونهم عملاء الاستعمار- لا محبوبية قلبية لهم في وساط المسلمين، وانما يأخذون بالزمام لترك المراجع مكانهم الطبيعي- حسب بعض الاجتهادات

أن كلما قاله الفقهاء و الحوزات العلمية للناس أطاعوهم، فلماذا لا يقولون لهم إن اللازم انتخاب الناس لشوري المرجعية حاكما علي أنفسهم، فهل العلم الديني، أو التقوي، أو العدالة، أو ما أشبه ذلك يسبب عدم قبول الناس بهم حكاما؟ إن الأمر بالعكس فكل ذلك من أسباب قبول الناس

إن التاريخ حدّث بأن المراجع حيثما كانوا في الحلبة تمكنوا من إثبات أو إسقاط حكومات، وفي العهد القريب اسقط شوري المراجع حكومة القاجار، واثبتوا حكومة المشروطة، كما اسقطوا حكومة الإنكليز عن العراق واثبتوا حكومة وطنية، إلي غير ذلك

إن عدم إتيان الحكومة الجديدة في إيران والعراق بما

كان المترقب عنها، لم يكن إلا من جهة عدم التخطيط السليم لها، ولو فرض بقاء القائدين الخراساني والشيرازي، لكان للحكومة الجديدة شأن غير شأنها الذي انتهت إليه

إن رجال العلم الديني قالوا للناس صلوا وصوموا وحجوا وحمّسوا، وابنوا المدارس والمساجد والحسينيات و … فأطاعهم الناس، آلا يطيعونهم إذا قالوا لهم احيوا الجذور لكل ذلك حتي تكون البلاد بأيديكم وتتقدموا إلي الأمام، وقد رأيت أنا في الحرب العالمية الثانية، كيف كان

مئات الألوف من الناس- من العشائر وغيرهم- يأتون إلي النجف وكر بلاء،

لاجل أن يذهبوا إلي إخراج البريطانيين من العراق لما أفتي بذلك المراجع في ذلك اليوم وبالفعل قد أخرجوهم من (الحبانية) كما رأيت كيف أن السادة الوالد والقمي و الميلاني، ضغطوا علي البهلوي الابن في إلغاء القوانين ضد الإسلام في إيران، من إرجاع الأوقاف، واختيارية الحجاب، وإلغاء بطاقات الأرزاق، و إخراج المدارس والمعاهد و المسابح وما أشبه من الاختلاط، إلي غير ذلك.لكن المهم تجمع كلمة العلماء والتخطيط لحكومة كافة المسلمين حسب الأسلوب الإسلامي

القانون الحر

لتعلم الحكومات الديكتاتورية، سواء كانت بشكل

حزب واحد، أو بشكل مجلس شوري انتصابية، حكومة عسكرية، أو وراثية، أو انتخبها الشعب ثم قلب لهم ظهر المجن، إن قوانينها لا تطاع إلا برأس الحراب، ومن الواضح أن رأس الحراب لا يتمكن من شيء، إلا شيئاً ضعيفا كماً وكيفاً، وفي المثل، الإنسان يتمكن أن يصنع بالحراب بعض الشيء، لكنه لا يتمكن أن يصنع بها كل شيء، كما لا يتمكن أن يجلس عليها

إن القانون إذا لم يكن نابعا عن روح الناس واحترامهم العميق من جهة كونه نابعا عن دينهم ومعتقدهم، أو من جهة انهم وضعوه بملء إرادتهم واختيارهم الحر يهرب الناس منه ما وجدوا إلي ذلك سبيلا، وسياسة التجهيل والخداع والتضليل والدعاية لا تتمكن إقناع الناس باحترام القانون المزيف

47

ولذا نجد في بلاد الإسلام أن القانون أهون من النفايات، لا لان الناس لا يلتزمون بالقانون فحسب، بل نفس الموظفين يسحقون القانون لارتشاء أو واسطة، وبذلك لا تتمكن الحكومة من السير بالأمة إلي الأمام وليست لها محبوبية حتي بقدر أنملة، وها هي في هذه الأيام تملأ وسائل الإعلام باسم (الزعيم المحبوب) لكن لا قيمة له في النفوس حتي بمقدار شعرة، ويضطر أن يركب السيارة ضد الرصاص إذا أراد السير في

الشوارع، مع حماية مسلحة.فاللازم أن يكون القانون في بلاد الإسلام طبق الإسلام، وفي القانون الإسلامي حريات كثيرة لم يحلم بها حتي الغرب في أوج عظمته، وان ادعي انه العالم الحر نعم انه حر في قبال الشرق الشيوعي، أما في قبال الإسلام فلا ثم أن ما تضعه السلطة التنفيذية من شعب القانون لا بد

وان يكون مراعيا للحرية- إلي أقصي حد ممكن- وإلا لم يحظ ذلك بالاحترام أيضا، وبسقوط احترام القانون يسقط احترام الحكومة، ولا بد لها أن تنتظر السقوط هي بنفسها أيضا

ا لوعي والتنظيم

أن من أهم ما يوجب رجوع الحريات إلي البلاد الإسلامية، الوعي، والتنظيم، فالأول نور يسبب رؤية المسلمين دائهم ودوائهم، والثاني يوجب أن يكون لهذا النور حملة يحملونها إلي أقاصي بلاد الإسلام، وقد أكد الإسلام علي كليهما، وبدون أن تنظم الحوزة تحت إشراف مراجع التقليد، لا يمكن تنظيم الحوزة، وان عمل لاجل تنظيمها مرجع واحد، كما يلزم أن يكون التنظيم بالاختيار لا بالإجبار، فمن شاء مميزات التنظيم المادية والمعنوية دخل فيه ومن لم يشأ لم يدخل، أما القسر فأنه لا يدوم، وليس معني التنظيم مجرد شيء، لا أول له ولا آخر، بل معناه الاستيعاب، من الأول إلي الأخير: كمية الدرس و كيفيته المكان، الزمان، المدرسة، المعاش، العمر، بعد التخرج ماذا يكون؟ ومن أين معاشه؟ الاختصاصات، والي غير ذلك، مما يقرره شوري المرجعية بأكثرية الآراء

وما دام لم تنظم الحوزة العلمية لا يمكن التنظيم الصحيح الدقيق في الشباب الذين إذا لم ينظمهم المراجع انخرطوا في شباك الغرب والشرق، من الأحزاب الشيوعية، والقومية، والوجودية، والوطنية المرتبطة وفي أحابيل الفساد التي نشرها الكفار في كل بلاد الإسلام بواسطة عملائهم

هذا من جهة التنظيم، أما من جهة الوعي، فهل يمكن

بدون

ملايين الكتب وعشرات الألوف من المكتبات للمطالعة ودور النشر، والجرائد والمجلات والندوات، و

المد ارس، والمعاهد، و الراد يوات والتلفزيونات، في عالم يعج بالثقافة المنحرفة بما لو قيس الوعي الإسلامي بين الشباب بالوعي الشرقي والغربي بالنسبة إليهم، كان شيئا ضئيلا جدا. ولذا نشاهد أن الإسلام اهتم أول ما اهتم بالوعي، وقد تخرج عن مدرسة الرسول (ص) الشيء المدهش من حملة الوعي من الرجال والنساء، وأول مؤلف في الإسلام هو الإمام علي بن أبي طالب عليهما السلام في ما يسمي ب (كتاب علي (ع)) وأول مؤلفة في الإسلام- بمعني التسبيب- هي فاطمة الزهراء (ع)، في ما يسمي ب(مصحف فاطمة سلام الله عليها)- والمصحف في اللغة بمعني (الكتاب)- وتلاميذ الرسول (ص) يصلون إلي ربع

مليون علي ما ذكره بعض، ولا إحصاء لتلاميذ الإمام علي ع، والظاهر انهم يصلون إلي الملايين، ولا نعلم عدد تلاميذ الزهراء سلام الله عليها، حيث لم يحفظهم التاريخ الذي بأيدينا، نعم نعلم أن دارها كانت مدرسة لتعليم النساء بمعني المدرسة في ذلك اليوم، لا المدرسة المصطلحة حالا- وقد تعلم منها سلام الله عليها الرجال أيضا.وروي الكثيرون عن الإمامين الحسن والحسين (ع) وكلماتهما المنتشرة في كتب الفقه والحديث والتفسير والتاريخ شاهدة علي ذلك

أما نشر الإمام السجاد (ع) للعلم وتربيته للعلماء

فيظهر من صحفه السجادية المتعددة ورسالته في الحقوق ورواياته الكثيرة وكلماته القصار وخطبه ومناظراته، أما الصحيفة المعروفة بالسجادية فقد أودع فيها لباب العلم والحكمة، وفي البحار عن والد محمد تقي المجلسي قدس سره إن الأسانيد المرتبطة بها تزيد علي ألف ألف سند، كما إن الإمام (ع) كان يربي العبيد ويجعلهم علماء أتقياء وينشر هم في البلاد لاعطاء الأمة الوعي، وقد جمع بعضهم الأصحاب والرواة عنه (ع) فأوصلهم

إلي ثلاثمائة راو ومحدث، كما أنه نقل عن (سيد الأهل) إن عدد العبيد الذين اشتراهم السيد السجاد (ع) ورباهم ثم حررهم

لينشروا العلم والأخلاق بين الناس وصل إلي خمسين ألف والإمامان الباقر والصادق (ع) ملأوا الدنيا علما مع انهما كانا يعيشان في فترة من حياتهما في اظلم تاريخ من بني أمية وبني العباس، وإذا علمنا أن عمر بن عبد العزيز كان أوسط بني أمية بالوعي السياسي، وعلمنا انه لم يعين الإمام الباقر لأخذ الحديث منه مع انه عين عروة ابن الزبير وأبا بكر بن سليمان وعبد الله بن عبد الله وغيرهم لأخذ الحديث منهم، ظهر ما كان فيه الإمام من الضغط والإعراض من طرف الدولة الأموية ومع ذلك فالأصحاب والرواة عنه،ع علي ما أحصاه بعضهم زهاء ألف إنسان، أما الإمام الصادق (ع) فالرواة عنه أربعة آلاف علي المشهور، لكن في بعض الكتب انهم عشرون ألف إنسان

أما الإمام الكاظم (ع) فقد عاش في احلك الايام

العصر الهاروني الأسود الذي كان شهوته في السجن والتعذيب والقتل وخصوصا لابناء رسول الله (ص) ولذا سجن الإمام الكاظم (ع) مدة طويلة- كما هو مشهور- ومع ذلك فقد أنهي بعضهم تلاميذه إلي ألف تلميذ

والإمام الرضا (ع) مع الضيق الذي أورده عليه المأمون وقتله أخيرا بالسم تمكن أن ينشر العلم والحديث وقد أنهي بعضهم أصحابه وتلاميذه فكانوا زهاء تسعمائة

والإمام الجواد والإمام الهادي والإمام العسكري،ع

ملأوا الدنيا بالعلم والحكمة، وقد روي عن الإمام الجواد (ع) وحده في مجلس واحد (طويل طبعا) ثلاثون ألف مسألة وقد عد بعضهم الأصحاب والرواة عن هؤلاء المعصومين الثلاثة فكانوا زهاء تسعمائة

والإمام المهدي عليه الصلاة والسلام مع انه عاش ظاهرا أو في غيبته الصغري، في فترة مظلمة، فقد نشر العلم والفضيلة بواسطة

نوابه الأربعة المشهورين، كما قد روي عنه مباشرة أحاديث مذكورة في كتب الحديث والفقه وغيرها، وبذلك يظهر ما للوعي من أهمية كبري في إنهاض الأمة و أعادة الدولة الإسلامية الواحدة

التحلي بصفةالثبات

إن الجماعة التي تريد إرجاع الحرية إلي بلاد الإسلام

- بما يرجع إليها من قوانين الإسلام- هم سبب فشل أنفسهم، قبل أن يكون السبب غيرهم من المستعمرين والحكام المرتبطين بهم، انهم يأخذون في التنظيم، والتأسيس، وجمع الناس حول أنفسهم، وإيجاد الحماس في الناس للعمل حتي يصلوا إلي شاطئ الإسلام بإقامة الدولة الإسلامية. ثم يأخذون في نقض كل ذلك (كالتي نقضت غزلها بعد قوة انكاثآ) و فتراهم يبدلون النشاط بالكسل، وجمع الكلمة بالتفريق، والشوري بالفردية، وضرب الناس حتي يتحول حماس الناس إلي فتور، ثم الحماس المضاد ضدهم. وبذلك يصبحون جماعة من المغرورين الطعانين علي الناس المهاجمين لغيرهم، ويرون أنفسهم فوق الآخرين علما وعملا وخدمة وفهما

ومن طبيعة الناس الفرار من المثال هؤلاء، فبينما كانوا

في أول الأمر شجعانا يصبحون جبناء لأنهم يخافون علي مكتسبا تهم التي حصلوها، وبينما كانوا في أول الأمر يخدمون يصبحون يستخدمون وبينما كانوا في أول الأمر متواضعين، يصبحون متكبرين مغرورين. وبينما كانوا في أول الأمر اجتماعيين يصبحون انعزاليين إلي آخر القائمة وهذا هو سر تأخر بلاد الإسلام يوما بعد يوم بينما تتقدم

بلاد الغرب يوما بعد يوم، إن الجمود والكبر والتفرقة والاستبداد تجد سبيلها إلي العاملين منا، بينما نجد العكس في البلاد الغربية، لأنهم دائما في تنافس واستباق، ونحن - حيث الديكتاتورية والاستبداد- دائما في الفردية والتأخر والأمثلة علي ذلك كثيرة، لا أقصد ذكرها، بل كل يجد في حافظته أمثلة لذلك.قال أحد المسيحيين إن من أسرار نجاح محمد (ص) أنه من أول دعوته إلي يوم وفاته

لم يتغير إطلاقا

ا- فكان ا أصدقائه في أول الدعوة هم أصدقائه في حجرة موته

ب- وكانت شعبيته واجتماعه بالناس في آخر أيام حياته كشعبيته في أول يوم اظهر الدعوة إلي الإسلام

د- وكان بيته المتواضع وأثاثه القليل وبساطته في كافة شؤون الحياة، وابتسامته التي لم تفارق شفته، شعاره ودثاره في الفترة الزمنية الممتدة ثلاثا وعشرين سنة

55

خرق القوا نين المخالفة

الواجب علي المسلمين خرق كافة القوانين الكابتة

التي وضعها المربوطون بالمستعمرين من الحكام لاجل تقييد المسلمين، فيلزم مراعاتهم للحريات الإسلامية في كافة شؤونهم غير آبهين بالقوانين، فان العمل بالقوانين الكابتة مساعدة للظالم و إبقاء للمستعمر في بلاد الإسلام، إن الحرام فقط هو محرم في الشريعة الإسلامية، أما غير المحرم فهو محلل، وحلال محمد (ص) حلال إلي يوم القيامة، وحرام محمد (ص) حرام إلي يوم القيامة

وإذا تمكن المسلم من خرق القانون الكابت ولم يفعل ارتكب ابشع الآثام، فان الشخص لو شرب الخمر أو زني أو ترك الصلاة كانت المعصية فردية، سواء في فرد واحد أو بين اثنين أو ما أشبه، أما إذا تقيد بالقانون الكابت مع تمكنه من خرقه كاملا أو خرقا في الجملة فقد ساعد في هدم الإسلام وإذلال المسلمين، وتسليم بلادهم إلي الأجانب وعملائه

القانون يقول لا تسافر إلا بوثيقة سفر، ويقول لا تفتح

دكانا إلا برخصة، ولا تتزوج إلا بإجازة، ولا تستورد إلا بمكوس و عشور، ولا تصدر إلا برسوم، ولا تستولي علي الأرض إلا بالشراء من الدولة، ولا تحز المباحات إلا بموافقته، ولا تحج إلا حسب المقرر، وهكذا، ولا، ولا، ولا

فاللازم خلاف كل ذلك، فالإنسان حر في سفره وفي أقامته، وفي فتح محله ودكانه، وتزويجه وتزوجه، واستيراده وتصديره، واستيلائه علي الأرض وحيازته المباحات، وسفره إلي الحج أو إلي أي بلد شاء،

كما هو حر في إقامته ودرسه وطبعه كتبه وإبدائه رأيه إلي غيرها وغيرها

فلو تمكن من ضرب القانون عرض الحائط، ثم لم يفعل، أو تمكن من تنقيص القانون- مثلا أرادوا منه مائة دينار وتمكن من إعطائهم عشرة فقط- فلم يفعل فعل حراما، وهو معاقب يوم القيامة اشد من عقاب مرتكب الحرام الفردي - كما ذكرناه

أبان تسلط البهلوي علي إيران طلب من الناس أن يأخذوا الجنسية فأخذ بعضهم ولم يأخذ بعضهم، وذات مرة قام العالم الجليل الشيخ ميرزا صادق آقا التبريزي، في

مسجده علي المنبر، وقال من لم يأخذ الجنسية فليقم، فقام عدة وقعد عدة، فقال الآن سيطر الكفار علينا ولا تري بعد ذلك عزا، وجزاه البهلوي عن ذلك وعن غيره من نواهيه عن المنكر بنفيه ولم يرجع إلي بلده إلي آخر أيام حياته حيث توفي في مدينة قم المقدسة وأقبر هناك

ألم يصدق ذاك العالم الكبير؟ إن إيران تحطمت والي اليوم وصارت مسرحا للكفار وعملائهم،وهناك سؤال أنه أليس مثل ذلك فوضي؟ والجواب، فهل كانت بلاد الإسلام منذ أكثر من عشرة قرون فوضي؟ وإذا لم تكن فوضي، فهل كانت لاجل هذه القوانين؟ نعم العمل بالقانون يجوز في أشد حالات الضرورة كالضرورة إلي أكل لحم الخنزير أو اشد

ولعل الإمام الحسين (ع) لو كان في هذا الزمان لحارب الحكام الذين اخذوا بزمام بلاد الإسلام اليوم، أشد من محاربته ليزيد، إذ في أي تاريخ إن يزيد عمم الخمر والقمار، وفتح المواخير والملاهي وكبت حريات الناس بالجنسية والهوية، وطلب من الناس الرخصة والإجازة والضريبة لسفرهم و إقامتهم، وكسبهم وعملهم،وحيازتهم للأرض أو لسائر المباحات، وفرق بين العجم والعرب والترك والهند، وحدد بلاد الإسلام بالحدود الجغرافية و أحيي

القوميات التي أماتها الإسلام إلي غيرها وغيرها؟ انه

لا شك من أكابر الطغاة والمجرمين بقتله الإمام الحسين (ع) أباحته المدينة وهدمه الكعبة، لكن الكلام في أعماله قبل تلك الجرائم الهائلة، التي سببت خروج الإمام الحسين،ع، ثم ليعلم الذين يجلسون في ما يسمي بمجالس الوزراء، أو مجالس الأمة، أو مجالس قيادة الثورة، أو ما أشبه ذلك ويضعون القوانين، انهم- إن كان لهم الإيمان بالله واليوم الآخر- يرتكبون أسوأ الجرائم والآثام، ويحشرون أسوأ مما يحشر(الذين قالوا سننزل مثل ما انزل الله) لان هؤلاء يقولون نقرر أفضل مما أنزل الله

إن القانون هو الذي يستفاد من الكتاب والسنة وما عداه

فهو داخل في قوله سبحانه: (ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الكافرون)، ومن طالع القوانين التي وضعت في العراق، وفي إيران، لرأي أن أغلبها مخالفة لحكم الكتاب والسنة، لا هذا فحسب بل لحكم العقل والعقلاء أيضا

وعلي أي حال فمن الضروري علي كل مسلم أن لا

يعبأ بالقوانين الوضعية- لا الكابتة منها فحسب، مما نحن بصدده الآن- بل كل القوانين الوضعية وان يهتم لإزالتها

وبنهي الناس عن اتباعها كنهيه عن سائر المنكرات و

ا لمحرمات

لعله يأتي يوم ترجع إلي بلاد الإسلام حكومتها الواحدة تحت ظلال الكتاب والسنة، ومن الواضح أن السنة بمعناها الأعم الشامل للعترة شرح للكتاب، ولا دستور للمسلمين إلا الكتاب وشرحه الصادر من المعصومين،ع أما الفقهاء فهم الخبراء بالأحكام الشرعية ولذا صاروا خلفاء الرسول صلي الله عليه وآله وسلم- عند غيبة الإمام المهدي (عجل الله تعالي فرجه الشريف)- حيث قال (صلي الله عليه وآله وسلم):، اللهم ارحم خلفائي، قيل يا رسول الله ومن هم خلفائك؟ قال الذين يأتون من بعدي ويروون حديثي وسنتي

حرية المعارضة

لقد سمح النبي والوصي صلوات الله عليهما للمعارضة

سواء كانوا أفرادا أو جماعات أن يقوموا بدورهم

تعليما للامة في السماح للمعارضة، وان كانا هما معصومين وقد ورد في القرآن الكريم في النبي (ص): (وما ينطق عن الهوي) وقال (ص): في الوصي: (علي مع الحق والحق مع علي) وعليه فلا يحق للحاكم مهما كان أن يكبت المعارضة بل أن يسجنها أو يفرق المظاهرة بالرصاص كما هي عادة حكام بلاد الإسلام اليوم فان ذلك بالإضافة إلي كونه خلاف السيرة- علي ما عرفت- وخلاف العقل والمنطق ويوجب كراهة الناس للحاكم مما ينتهي إلي سقوطه وان تسود صفحته في التاريخ كما اسودت تواريخ بني أمية وبني العباس والعثمانيين ومن إليهم من الحكام المستبدين، واليك جملة من التواريخ والروايات الواردة في قضايا المعارضة مع النبي والوصي عليهما والهما الصلاة والسلام

خاتمة

خاتمة

ننقل في هذه الخاتمة بعض المناظرات من رسول

الله (ص) ومن الإمام الرضا (ع) حتي يعلم مدي حرية الإسلام وانه يسمح لكل المذاهب و الأديان ولا يريد إلا الإقناع والبحث والمنطق؟ وهكذا انتشر الإسلام دون ما يتهم بأنه دين السيف فالسيف عند الإسلام لاجل رد الاعتداء سواء كان اعتداء بالقتال مع المسلمين أو اعتداء علي الشعوب الضعيفة لسبب المستكبرين والطغاة واحتجاجاتهم عليهم السلام كثيرة لكنا نقتنع بهذا النموذج فقط للالماع والله الموفق والمستعان

62

احتجاج الرسول (ص)

مع رجال خمسة أديان

قال الصادق (ع) في رواية حدثني ابي الباقر، عن جدي

علي بن الحسين زين العابدين، عن أبيه الحسين سيد الشهداء، عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم أجمعين أنه اجتمع يوما عند رسول الله (ص) أهل خمسة أديان: اليهود، والنصاري، و الدهرية، والثنوية، ومشركو العرب

فقالت اليهود: نحن نقول: غزير ابن الله، وقد جئناك يا محمد لننظر ما تقول، فإن اتبعتنا فنحن أسبق إلي الصواب منك وأفضل، وإن خالفتنا خاصمناك

وقالت النصاري: نحن نقول: المسيح ابن الله اتحد

به، وقد جئناك لننظر ما تقول، فإن اتبعتنا فنحن أسبق إلي الصواب منك وأفضل، وإن خالفتنا خصمناك

وقالت الدهرية: نحن نقول: الأشياء لا بدء لها وهي دائمة، وقد جئناك لننظر ما تقول، فإن اتبعتنا فنحن أسبق

إلي الصواب منك وأفضل، وإن خالفتنا خصمناك

وقالت والثنوية: نحن نقول: إن النور والظلمة هما المدبران، وقد جئناك لننظر ما تقول: فإن اتبعتنا فنحن أسبق إلي الصواب منك وأفضل، وإن خالفتنا خصمناك

وقال مشركو العرب: نحن نقول: إن أوثاننا آلهة

جئناك لننظر ما تقول، فإن اتبعتنا فنحن أسبق إلي الصواب منك وأفضل، وان خالفتنا خصمناك

فقال رسول الله (ص): آمنت بالله وحده لا شريك

له، وكفرت بالجبت وبكل معبود سواه، ثم قال لهم: إن

الله تعالي قد بعثني كافة للناس بشيرا ونذيرا حجة علي العالمين، وسيرد كيد من يكيد دينه في نحره

احتجاجه (ص) مع اليهود

ثم قال لليهود: أجئتموني لأقبل قولكم بغير حجة

قالوا: لا، قال: فما الذي دعاكم إلي القول بأن عزيزا ابن الله؟ قالوا: لأنه أحيا لبني إسرائيل التوراة بعد ما ذهبت ولم يفعل بها هذا إلا لأنه ابنه

فقال رسول الله (ص): فكيف صار عزيز ابن الله دون

موسي وهو الذي جاءهم بالتوراة ورؤي منه من المعجزات ما قد علمتم؟ فإن كان عزيز ابن الله لما أظهر من الكرامة

بإحياء التوراة فلقد كان موسي بالبنوة أحق وأولي، ولئن كان هذا المقدار من إكرامه لتعزير يوجب أنه ابنه فأضعاف هذه الكرامة لموسي توجب له منزلة أجل من البنوة، وإن كنتم إنما تريدون بالبنوة الولادة علي سبيل ما تشاهدونه في دنياكم هذه من ولادة الأمهات الأولاد بوطي آبائهم لهن فقد كفرتم بالله وشبهتموه بخلقه، وأوجبتم فيه صفات المحدثين،ووجب عندكم أن يكون محدثا مخلوقا، وأن يكون له خالق صنعه وابتدعه، قالوا: لسنا نعني هذا، فإن هذا كفر كما ذكرت، ولكنا نعني أنه ابنه علي معني الكرامة وإن لم يكن هناك ولادة، كما يقول بعض علمائنا لمن يريد إكرامه وإبانته بالمنزلة عن غيره: يا بني: وإنه ابني؟ لا علي إثبات ولادته منه، لأنه قد يقول ذلك لمن هو أجنبي لا نسب بينه وبينه، وكذلك لصا فعل الله بعزير ما فعل كان قد اتخذه أبنا علي الكرامة لا علي الولادة؟ فقال رسول الله (ص): فهذا ما قلته لكم: إنه إن وجب علي هذا الوجه أن يكون عزير ابنه فإن هذه المنزلة لموسي أولي، وإن الله يفضح كل مبطل بإقراره ويقلب عليه حجته

واما ما احتججتم به يؤديكم إلي أكبر

مما ذكرته لكم،

لأنكم قلتم: إن عظيما من عظمائكم قد يقول لأجنبي لا نسب بينه وبينه: يا بني، وهذا ابني، لا علي طريق الولادة، فقد

تجدون أيضا هذا العظيم يقول لأجنبي آخر: هذا أخي ولآخر: هذا شيخي وأبي، ولآخر: هذا سيدي ويا سيدي علي سبيل الإكرام، وإن من زاده في الكرامة زاده في مثل هذا القول، فإذا يجوز عندكم أن يكون موسي أخا لله أو شيخا له أو آبا أو سيدا لأنه قد زاده في الإكرام مما لعزير كما أن من زاد رجلا في الإكرام قال له: يا سيدي ويا شيخي ويا عمي ويا رئيسي علي طريق الإكرام، وإن من زاده في الكرامة زاده في مثل هذا القول، أفيجوز عندكم أن يكون لموسي أخا لله، أو شيخا، أو عما أو رئيسا، أو سيدا أو أميرا؟ لأنه قد زاده في الإكرام علي من قال له: يا شيخي أو يا سيدي، أو يا عمي، أو يا أميري، أو يا رئيسي؟قال: فبهت القوم وتحيروا وقالوا. يا محمد أجلنا نتفكر فيما قلته لنا، فقال: انظروا فيه بقلوب معتقدة للإنصاف يهديكم الله

احتجاجه (ص) علي النصاري

ثم أقبل (ص) علي النصاري فقال. وأنتم قلتم: إن القديم عز وجل اتحد بالمسيح ابنه، فما الذي أردتموه بهذا القول؟ أردتم أن القديم صار محدثا لوجود هذا المحدث الذي هو عيسي؟ أو المحدث الذي هو عيسي صار قديما لوجود القديم الذي هو الله؟ أو معني قولكم: إنه اتحد به أنه

اختصّه بكرامة لم يكرم بها أحدا سواه؟ فإن أردتم أن القديم تعالي صار محدثا فقد أبطلتم، لأن القديم محال أن ينقلب فيصير محدثا، وإن أردتم أن المحدث صار قديما فقد أحلتم، لأن المحدث أيضا محال أن يصير قديما وإن أردتم أنه

اتحد به بأن اختصه واصطفاه علي سائر عباده فقد أقررتم بحدوث عيسي وبحدوث المعني الذي اتحد به من أجله، لأنه إذا كان عيسي محدثا وكان الله أتحد به بأن احدث به معني صار به أكرم الخلق عنده فقد صار عيسي وذلك المعني محدتين، وهذا خلاف ما بدأتم تقولونه، قال فقالت النصاري: يا محمد إن الله تعالي لما أظهر علي يد عيسي من الأشياء العجيبة ما أظهر فقد اتخذه ولدا علي جهة الكرامة، فقال لهم رسول الله (ص): قد سمعتم ما قلته لليهود في هذا المعني الذي ذكرتموه، ثم أعاد (ص) ذلك كله، فسكتوا إلا رجلا واحدا منهم قال له: يا محمد أو لستم تقولون: إن إبراهيم خليل الله؟ قال: قد قلنا ذلك، فقال إذا قلتم ذلك فلم منعتمونا من أن نقول: إن عيسي ابن الله

فقال رسول الله (ص): إنهما لم يشتبها، لأن قولنا

إن إبراهيم خليل الله قائما هو مشتق من الخلة أو الخلة فأما الخلة قائما معناها الفقر والفاقة، وقد كان خليلا إلي ربه فقيرا، وإليه منقطعا، وعن غيره متعففا معرضا مستغنيا،

وذلك لما أريد قذفه في النار فرمي به في المنجنيق فبعث الله تعالي جبرائيل (ع) وقال له: أدرك عبدي، فجاءه فلقيه في الهواء فقال: كلفني ما بدا لك فقد بعثني الله لنصرتك فقال بل حسبي الله ونعم الوكيل، إني لا أسأل غيره ولا حاجة لي إلا إليه؟ فسماه خليله أي فقيره ومحتاجه والمنقطع إليه عمن سواه. وإذا جعل معني ذلك من الخلة وهو أنه قد تخلل معانيه ووقف علي أسرار لم يقف عليها غيره كان معناه العالم به وبأموره، ولا يوجب ذلك تشبيه الله بخلقه، ألا ترون أنه إذا لم ينقطع إليه لم يكن

خليله؟ وإذا لم يعلم بأسراره لم يكن خليله؟ وأن من يلده الرجل وإن أهانه وأقصاه لم يخرج عن أن يكون ولده؟ لأن معني الولادة قائم؟ ثم ان وجب لأنه قال: إبراهيم خليلي أن تقيسوا أنتم فتقولوا: إن عيسي ابنه وجب أيضا أن تقولوا له ولموسي أنه ابنه، فإن ا لذي معه من المعجزات لم يكن بدون ما كان مع عيسي، فقولوا: إن موسي أيضا ابنه، وإنه يجوز أن تقولوا علي هذا المعني: إنه شيخه وسيده وعمه ورئيسه وأميره كما ذكرته لليهود. فقال بعضهم لبعض: وفي الكتب المنزلة أن عيسي قال: أذهب إلي أبي، فقال رسول الله (ص): فإن كنتم بذلك الكتاب تعملون فإن فيه: أذهب إلي أبي وأبيكم، فقولوا: إن جميع الذين خاطبهم عيسي كانوا أبناء الله كما كان عيسي ابنه من الوجه الذي كان عيسي ابنه، ثم إن ما في هذا الكتاب يبطل

عليكم هذا الذي زعمتم أن عيسي من جهة الاختصاص كان أبنا له، لأنكم قلتم: إنما قلنا: إنه ابنه لأنه اختصه بما لم يختص به غيره، وأنتم تعلمون أن الذي خص به عيسي لم يخص به هؤلاء القوم الذين قال لهم عيسي: أذهب إلي أبي وأبيكم، فبطل أن يكون الاختصاص لعيسي، لأنه قد ثبت عندكم بقول عيسي لمن لم يكن له مثل اختصاص عيسي وأنتم إنما حكيتم لفظة عيسي وتأولتموها علي غير وجهها،لأنه إذا قال: أبي وأبيكم فقد أراد غير ما ذهبتم إليه ونحلتموه، وما يدريكم لعله عني: أذهب إلي آدم أو إلي نوح إن الله يرفعني إليهم ويجمعني معهم، وآدم أبي وأبيكم وكذلك نوح، بل ما أراد غير هذا، فسكتت النصاري وقالوا: ما رأينا كاليوم مجادلا ولا مخاصما وسننظر في أمورنا

احتجاجه (ص) علي الدهرية

ثم

أقبل رسول الله (ص) علي الدهرية فقال: وأنتم فما

الذي دعاكم إلي القول بأن الأشياء لا بدء لها وهي دائمة لم تزل ولا تزال؟ فقالوا: لأنا لا نحكم إلا بما نشاهد ولم نجد للأشياء محدثا فحكمنا بأنها لم تزل، ولم نجد لها انقضاء وفناء فحكمنا بأنها لا تزال، فقال رسول الله (ص)

أفو جدتم لها قدما أم وجدتم لها بقاءً أبد الأبد؟ فإن قلتم: إنكم وجدتم ذلك أثبتتم لأنفسكم أنكم لم تزالوا علي هيئتكم وعقولكم بلا نهاية ولا تزالون كذلك، ولئن قلتم هذا دفعتم العيان وكذبّكم العالمون الذين يشاهدونكم، قالوا: بل لم نشاهد لها قدما ولا بقاءً أبد الأبد، قال رسول الله، ص، فلم صرتم بأن تحكموا بالقدم والبقاء دائما؟ لأنكم لم تشاهدوا حدوثها وانقضاءها أولي من تارك التميّز لها مثلكم، فيحكم لها بالحدوث والانقضاء والانقطاع، لأنه لم يشاهد لها قدما ولا بقاءً أبد الأبد، أو لستم تشاهدون الليل والنهار وأحدهما بعد الآخر؟ فقالوا: نعم، فقال: أفتر ونهما لم يزالا ولا يزالان؟ فقالوا: نعم، قال: أفيجوز عندكم اجتماع الليل والنهار؟ فقالوا: لا، فقال (ص): فإذا ينقطع أحدهما عن الآخر فيسبق أحدهما ويكون الثاني جاريا بعده، فقالوا: كذلك هو، فقال: قد حكمتم بحدوث ما تقدم من ليل ونهار ولم تشاهدوهما فلا تنكروا الله قدرة ثم قال (ص): أتقولون ما قبلكم من الليل والنهار متناه أم غير متناه؟ فإن قلتم: غير متناه فقد وصل إليكم آخر بلا نهاية لأوّله، وإن قلتم: إنه متناه فقد كان ولا شيء منهما، قالوا: نعم، قال لهم: أقلتم: إن العالم قديم غير محدث وأنتم عارفون بمعني ما أقررتم به وبمعني ما جحدتموه؟ قالوا: نعم، قال رسول الله،ص، فهذا الذي نشاهده من الأشياء

بعضها إلي بعض

مفتقر، لأنه لا قوام للبعض إلا بما يتصل به، كما تري البناء محتاجا بعض أجزائه إلي بعض وإلا لم يتسق ولم يستحكم، وكذلك سائر ما نري، قال: فإذا كان هذا المحتاج بعضه إلي بعض لقوته وتمامه هو القديم فأخبروني أن لو كان محدثا كيف كان يكون؟ وماذا كانت تكون صفته؟ قال: فصمتوا وعلموا أنهم لا يجدون للمحدث صفة يصفونه بها إلا وهي موجودة في هذا الذي زعموا أنه قديم، فوجموا وقالوا: سننظر في أمرنا

احتجاجه (ص) علي والثنوية

ثم أقبل رسول الله (ص) علي الثنوية الذين قالوا

النور والظلمة هما المدبران فقال: وأنتم فما الذي دعاكم إلي ما قلتموه من هذا؟ فقالوا: لأنا قد وجدنا العالم صنفين: خيرا وشرا، ووجدنا الخير ضدا للشر، فأنكرنا أن يكون فاعل واحد يفعل الشيء وضده، بل لكل واحد منهما فاعل، ألا تري أن الثلج محال أن يسخن كما أن النار محال أن تبرد فأثبتنا لذلك صانعين قديمين: ظلمة ونورا، فقال لهم رسول الله (ص): أفلستم قد وجدتم سوادا وبياضا وحمرة وصفرة وزرقة؟ وكل واحد ضد لسائرها لاستحالة اجتماع اثنين منهما في محل واحد، كما كان الحر والبرد ضدين لاستحالة اجتماعهما في محل واحد؟ قالوا: نعم قال: فهلا

أثبتتم بعدد كل لون صانعا قديما ليكون فاعل كل ضد من هذه الألوان غير فاعل الضد الآخر؟! قال: فسكتوا

ثم قال: وكيف اختلط هذا النور والظلمة وهذا من

طبعه الصعود وهذا من طبعه النزول؟ أرأيتم لو أن رجلا أخذ شرقا يمشي إليه والآخر غربا يمشي إليه أكان يجوز أن يلتقيا ما داما سائرين علي وجوهما؟ قالوا: لا، فقال: وجب أن لا يختلط النور والظلمة، لذهاب كل واحد منهما في غير جهة الآخر، فكيف حدث هذا العالم من امتزاج

ما محال أن يمتزج؟ بل هما مدبران جميعا مخلوقان، فقالوا: سننظر في أمورنا

احتجاجه (ص) علي مشركي العرب

ثم أقبل علي مشركي العرب وقال: وأنتم فلم عبدتم الأصنام من دون الله؟ فقالوا: نتقرب بذلك إلي الله تعالي فقال: أو هي سامعة مطيعة لربها، عابدة له، حتي تتقربوا بتعظيمها إلي الله؟ فقالوا: لا، قال: فأنتم الذين نحتموها بأيديكم فلأن تعبدكم هي لو كان يجوز منها العبادة أحري من أن تعبدوها إذا لم يكن أمركم بتعظيمها من هو العارف بمصالحكم و عواقبكم والحكيم فيما يكلفكم، قال: فلما قال رسول الله (ص) هذا اختلفوا فقال بعضهم: إن الله قد

حل في هياكل رجال كانوا علي هذه الصور فصوّرنا هذه الصور نعظمها لتعظيمنا تلك الصور التي حل فيها ربنا وقال آخرون منهم: إن هذه صور أقوام سلفوا كانوا مطيعين لله قبلنا، فمثلنا صورهم وعبدناها تعظيما لله. وقال آخرون منهم: إن الله لما خلق آدم وأمر الملائكة بالسجود له كنا نحن أحق بالسجود لآدم من الملائكة، ففاتنا ذلك فصورنا صورته فسجدنا له تقربا إلي الله تعالي كما تقربت الملائكة بالسجود لآدم إلي الله تعالي، وكما أمرتم بالسجود بزعمكم إلي جهة مكة ففعلتم، ثم نصبتم في ذلك البلد بأيديكم محاريب سجدتم إليها وقصدتم الكعبة لا محاريبكم، وقصدكم بالكعبة إلي الله عز وجل لا إليها. فقال رسول الله (ص): أخطأتم الطريق وضللتم، أما أنتم وهو يخاطب الذين قالوا: إن الله يحل في هياكل رجال كانوا علي هذه الصور التي صورناها، فصورنا هذه نعظمها لتعظيمنا لتلك الصور التي حل فيها ربنا- فقد وصفتم ربكم بصفة المخلوقات، أو يحل ربكم في شيء حتي يحيط به ذلك الشيء؟ فأي فرق بينه إذا وبين سائر ما يحل فيه من لونه وطعمه ورائحته

ولينه وخشونته وثقله وخفته؟ ولم صار هذا المحلول فيه محدثا وذلك قديما دون أن يكون ذلك محدثا وهذا قديما؟ وكيف يحتاج إلي المحال من لم يزل

قبل المحال وهو عز وجل كما لم يزل؟ وإذا وصفتموه بصفة المحدثات في الحلول فقد لزمكم أن تصفوه بالزوال،أما ما وصفتموه بالزوال والحدوث فصفوه بالفناء،لأن ذلك أجمع من صفات الحال والمحلول فيه،وجميع ذلك يغير الذات، فإن كان لم يتغير ذات الباري عر وجل بحلوله في شيء جاز أن لا يتغير بأن يتحرك ويسكن ويسود ويبيض ويحمر ويصفر وتحفه الصفات التي تتعاقب علي الموصوف بها حتي يكون فيه جميع صفات المحدثين،ويكون محدثا- عزّ الله تعالي عن ذلك- ثم قال رسول الله، ص،: فإذا بطل ما ظننتموه من أن الله يحل في شيء فقد فسد ما بنيتم عليه قولكم، قال. فسكت القوم وقالوا: سننظر في أمورنا

ثم أقبل علي الفريق الثاني فقال: أخبرونا عنكم

إذا عبدتم صور من كان يعبد الله فسجدتم له وصليتم فوضعتم الوجوه الكريمة علي التراب بالسجود لها فما الذي أبقيتم لرب ا لعالمين؟ أما علمتم أن من حق من يلزم تعظيمه وعبادته أن لا يساوي به عبده؟ أرأيتم ملكا أو عظيما إذا ساويتموه بعبيده في التعظيم والخشوع والخضوع أيكون في ذلك وضع من الكبير كما يكون زيادة في تعظيم الصغير؟ فقالوا: نعم، قال: أفلا تعلمون أنكم من حيث تعظمون الله بتعظيم صور عباده المطيعين له تزرون علي رب العالمين؟ قال: فسكت

القوم بعد أن قالوا: سننظر في أمورنا ثم قال رسول الله (ص) للفريق الثالث: لقد ضربتم لنا

مثلاً وشبهتمونا بأنفسكم ولا سواء، وذلك لأنا عباد الله مخلوقون مربو بون نأتمر له فيما أمرنا، وننز جر عما زجرنا، ونعبده من حيث يريده

منا، فإذا أمرنا بوجه من الوجوه أطعناه ولم نتعد إلي غيره مما لم يأمرنا ولم يأذن لنا، لأنا لا ندري لعله أراد منا الأول وهو يكره الثاني، وقد نهانا أن نتقدم بين يديه، فلما أمرنا أن نعبده بالتوجه إلي الكعبة أطعنا ثم أمرنا بعبادته بالتوجه نحوها في سائر البلدان التي نكون بها فأطعنا، فلم نخرج في شيء من ذلك عن اتباع أمره، والله عز وجل حيث أمرنا بالسجود لآدم لم يأمر بالسجود لصورته التي هي غيره فليس لكم أن تقيسوا ذلك عليه، لأنكم لا تدرون لعله يكره ما تفعلون إذ لم يأمركم به؟ ثم قال لهم رسول الله (ص): أرأيتم لو أذن لكم رجل في دخول داره يوما بعينه ألكم أن تدخلوها بعد ذلك بغير أمره؟ أو لكم أن تدخلوا دارا له أخري مثلها بغير أمره؟ أو وهب لكم رجل ثوبا من ثيابه أو عبدة من عبيده أو دابة من دوابه ألكم أن تأخذوا ذلك؟ فإن لم تأخذوه أخذتم آخر مثله قالوا: لا، لانه لم يأذن لنا في الثاني كما أذن لنا في الأول، قال: فأخبروني: الله أولي بأن لا

يتقدم علي ملكه بغير أمره أو بعض المملوكين؟ قالوا. بل الله أولي بأن لا يتصرف في ملكه بغير إذنه، قال: فلم فعلتم، ومتي أمركم أن تسجدوا لهذه الصور؟ قال: فقال القوم: سننظر في أمورنا وسكتوا

وأخيرا.. آمنوا جميعا

وقال الصادق (ع): فو الذي بعثه بالحق نبيا ما أتت علي جماعتهم إلا ثلاثة أيام حتي أتوا رسول الله،ص فأسلموا، وكانوا خمسة وعشرين رجلا من كل فرقة خمسة وقالوا: ما رأينا مثل حجتك يا محمد، نشهد أنك رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم

(قوة الإقناع في الرأي)

وقال الصادق (ع): قال

أمير المؤمنين (ع): فأنزل الله تعالي: الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون،فكان في هذه الآية ردا علي ثلاثة أصناف منهم، لما قال: (الحمد لله الذي خلق السموات والأرض) فكان رد علي الدهرية الذين قالوا: الأشياء لا بدء لها وهي دائمة، ثم قال،وجعل الظلمات والنور،فكان ردا علي الثنوية الذين قالوا: إن النور والظلمة هما المدبران، ثم قال: ثم الذين كفروا بربهم يعدلون، فكان ردا علي مشركي العرب الذين قالوا: إن

أوثاننا آلهة، ثم أنزل الله تعالي:؟(قل هو الله أحد)، إلي آخرها، فكان ردا علي من ادعي من دون الله ضدا أو ندا قال: فقال رسول الله (ص) لأصحابه: قولوا:، إياك نعبد،أي نعبد واحدا لا نقول كما قالت الدهرية: إن الأشياء لا بدء لها وهي دائمة، ولا كما قالت الثنوية الذين قالوا: إن النور والظلمة هما المدبران، ولا كما قال مشركو العرب: إن أوثاننا آلهة، فلا نشرك بك شيئا، ولا ندعي من دونك إلها كما يقول هؤلاء الكفار، ولا نقول كما قالت اليهود والنصاري: إن لك ولدا، تعاليت عن ذلك. قال: فذلك قوله وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصاري، الحديث

قادة قريش يحاججون رسول الله،ص

في رواية عن ابي محمد العسكري (ع) أنه قال: قلت

لأبي علي بن محمد (ع): هل كان رسول الله (ص) يناظر اليهود والمشركين إذا عاتبوه ويحاجهم؟ قال: بلي مرارا كثيرة: منها ما حكي الله تعالي من قولهم: وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل عليه ملك، إلي قوله: (رجلا مسحورا) (وقالوا لولا نزل هذا القرآن علي رجل من القريتين عظيم)(وقالوا لن

نؤمن لك حتي تفجر لنا من الأرض ينبوعا؟ إلي قوله:

كتابا نقرؤه، ثم قيل له في آخر ذلك: لو كنت نبيا كموسي لنزلت علينا الصاعقة في مسألتنا إليك، لأن مسألتنا أشد من مسائل قوم موسي لموسي

قال: وذلك أن رسول الله (ص) كان قاعدا ذات يوم

بمكة بفناء الكعبة إذ اجتمع جماعة من رؤساء قريش منهم.الوليد بن المغيرة المخزومي، وأبو البختري بن هشام وأبو جهل بن هشام، و العاص بن وائل السهمي، وعبد الله بن أبي أمية المخزومي وكان معهم جمع ممن يليهم كثير،ورسول الله (ص) في نفر من أصحابه يقرء عليهم كتاب الله ويؤدي إليهم عن الله أمره ونهيه، فقال المشركون بعضهم لبعض: لقد استفحل أمر محمد وعظم خطبه، فتعالوا: نبدء بتقريعه وتبكيته وتوبيخه والاحتجاج عليه وإبطال ما جاء به ليهون خطبه علي أصحابه ويصغر قدره عندهم، فلعله أن ينزعه عما هو فيه من غيه وباطله وتمرده وطغيانه، فإن انتهي وإلا عاملناه بالسيف الباتر

قال أبو جهل: فمن الذي يلي كلامه ومجادلته؟ قال

عبد الله بن أبي أمية المخزومي: أنا إلي ذلك، أفما ترضاني له قرنا حسيبا ومجادلا كفيا؟ قال أبو جهل بلي فأتوه بأجمعهم، فابتدأ عبد الله بن أبي أمية المخزومي فقال: يا محمد ادعيت دعوي عظيمة وقلت مقالا هائلا، زعمت أنك

رسول رب العالمين، وما ينبغي لرب العالمين وخالق الخلق أجمعين أن يكون مثلك رسوله! بشرا مثلنا، تأكل كما نأكل، وتمشي في الأسواق كما نمشي، فهذا ملك الروم وهذا ملك الفرس لا يبعثان رسولا إلا في مال عظيم حال، له قصور ودور و فساطيط وخيام وعبيد وخدام، ورب العالمين فوق هؤلاء كلهم وهم عبيده، ولو كنت نبيا لكان معك ملك يصدقك ونشاهده، بل لو أراد الله أن يبعث إلينا نبيا لكان إنما يبعث إلينا ملكا لا بشرا

مثلنا ما أنت يا محمد إلا مسحورا ولست بنبي

فقال رسول الله (ص): هل بقي من كلامك شيء؟ قال بلي و

أراد الله آن يبعث إلينا رسولا لبعث أجل من فيما بيننا مالا وأحسنه حالا، فهلا نزل هذا القران الذي تزعم أن الله أنزله عليك و أن بعثك به رسولا علي رجل من القريتين عظيم: إما الوليد بن المغيرة بمكة، وإما عروة بن مسعود الثقفي بالطائف، فقال رسول الله (ص): هل بقي من كلامك شيء يا عبد الله؟ فقال: بلي، لن نؤمن لك حتي تفجر لنا من الأرض ينبوعا بمكة هذه فإنها ذات أحجار وعرة و جبال، تكسح أرضها وتحفرها وتجري فيها العيون فإننا إلي ذلك محتاجون، أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتأكل منها وتطعمنا فتفجر الأنهار خلالها- خلال تلك النخيل والأعناب

تفجيرا،أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفاً، فإنك قلت لنا:، وإن يروا كسفا من السماء ساقطا يقولوا سحاب مركوم، فلعلنا نقول ذلك. ثم قال: أو تأتي بالله الملائكة قبيلا، تأتي به وبهم وهم لنا مقابلون، أو يكون لك بيت من زخرف تعطينا منه وتغنينا به فلعلنا نطغي، فإنك قلت لنا كلا إن الإنسان ليطغي أن رآه استغني، ثم قال: أو ترقي في السماء، أي تصعد في السماء، ولن نؤمن لرقييك، أي لصعودك حتي تنزل علينا كتابا نقرؤه: من الله العزيز الحكيم إلي عبد الله بن أبي أمية المخزومي ومن معه بأن آمنوا بمحمد بن عبد الله بن عبد المطلب، فإنه رسولي فصدقوه في مقاله، فإنه من عندي، ثم لا أدري يا محمد إذا فعلت هذا كله أؤمن بك أو لا أؤمن بك، بل لو رفعتنا إلي السماء وفتحت أبوابها وأدخلتناها لقلنا: إنما سكرت أبصارنا

أو سحرتنا

فقال رسول الله (ص): يا عبد الله أبقي شيء من كلامك، فقال: يا محمد أو ليس فيما أوردته عليك كفاية وبلاغ، ما بقي شيء فقل ما بدا لك وأفصح عن نفسك إن كانت لك حجة و أتنا بما سألناك

فقال رسول الله (ص): اللهم أنت السامع لكل صوت،والعالم بكل شيء، تعلم ما قاله عبادك، فأنزل الله عليه:

يا محمد (وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق) إلي قوله: (رجلا مسحورا) ثم قال الله تعالي انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا ثم قال: يا محمد:، تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصورا وأنزل عليه: يا محمد (فلعقك تارك بعض ما يوحي إليك وضائق به صدرك)الآية، وأنزل عليه: يا محمد (وقالوا لولا أنزل عليه ملك ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر)إلي قوله وللبسنا عليهم ما يلبسون، فقال له رسول الله (ص): يا عبد الله أما ما ذكرت من أني آكل الطعام كما تأكلون، وزعمت أنه لا يجوز لأجل هذه أن أكون لله رسولا؟ فإنما الأمر لله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد وهو محمود، وليس لك ولا لأحد الاعتراض عليه بلم وكيف ألا تري أن الله كيف أفقر بعضا وأغني بعضا، وأعزّ بعضا وأذل بعضا، وأصح بعضا وأسقم بعضا، وشرف بعضا ووضع بعضا، وكلهم ممن يأكل الطعام؟ ثم ليس للفقراء أن يقولوا: لتم أفقرتنا وأغنيتهم؟ ولا للوضعاء أن يقولوا: لم وضعتنا وشرّفتهم ولا للزمني والضعفاء أن يقولوا: لم أزمنتنا وأضعفتنا وصححتهم؟ ولا للأذلاء أن يقولوا: لم أذللتنا وأعززتهم؟ولا لقباح الصور أن يقولوا لم أقبحتنا وجملتهم بل إن قالوا ذلك كانوا علي ربهم

رادين، ولي في

أحكامه منازعين وبه كافرين، ولكان جوابه لهم:،أنا الملك الخافض الرافع المغني المفقر المعز المذل المصحح المسقم، وأنتم العبيد ليس لكم إلا التسليم لي والانقياد لحكمي، فإن سقمتم كنتم عبادا مؤمنين، وإن أبيتم كنتم بي كافرين وبعقوباتي من الهالكين، ثم أنزل الله عليه يا محمد: قل إنما أنا بشر مثلكم، يعني آكل الطعام، يوحي إلي، أنما إلهكم إله واحد، يعني قل لهم: أنا في. البشرية مثلكم، ولكن ربي خصني بالنبوة دونكم، كما يخص بعض البشر بالغني والصحة والجمال دون بعض من البشر، فلا تنكروا أن يخصني أيضا بالنبوة

ثم قال رسول الله (ص): وأما قولك. هذا ملك

الروم وملك الفرس لا يبعثان رسولا إلا كثير المال عظيم الحال له قصور ودور وفساطيط وخيام وعبيد وخدام ورب العالمين فوق هؤلاء كلهم فإنهم عبيده، فإن الله له التدبير والحكم، لا يفعل علي ظنك وحسبانك ولا باقتراحك، بل يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد وهو محمود، يا عبد الله إنما بعث الله نبيه ليعلم الناس دينهم ويدعوهم إلي ربهم، ويكد نفسه في ذلك آناء ليله ونهاره، فلو كان صاحب قصور يحتجب فيها وعبيد وخدم يسترونه عن الناس أليس كانت الرسالة تضيع والأمور تتباطأ؟ أو ما تري الملوك إذا احتجبوا كيف يجري الفساد والقبائح من حيث لا يعلمون به ولا

يشعرون؟ يا عبد الله إنما بعثني الله ولا مال لي ليعرفكم قدرته وقوته وأنه هو الناصر لرسوله، لا تقدرون علي قتله ولا منعه من رسالته، فهذا أبين في قدرته وفي عجزكم، وسوف يظفرني الله بكم فأوسعكم قتلا وأسرا، ثم يظفرني الله ببلادكم، ويستولي عليها المؤمنون من دونكم ودون من يوافقكم علي دينكم

ثم قال رسول الله (ص): وأما قولك: ولو كنت نبيا

لكان معك ملك

يصدقك ونشاهده، بل لو أراد أن يبعث إلينا نبيا لكان إثما يبعث لنا ملكا لا بشرا مثلنا، فالملك لا تشاهده حواسكم، لأنه من جنس هذا الهواء لا عيان منه، ولو شاهدتموه بأن يزاد في قوي أبصاركم لقلتم. ليس هذا ملكا بل هذا بشر، لأنه إثما كان يظهر لكم بصورة البشر الذي قد ألفتموه لتفهموا عنه مقالته وتعرفوا خطابه ومراده، فكيف كنتم تعلمون صدق الملك وأن ما يقوله حق؟ بل إنما بعث الله بشرا وأظهر علي يده المعجزات التي ليست في طبائع البشر الذين قد علمتم ضمائر قلوبهم، فتعلمون بعجزكم إنما جاء به أنه معجزة، وأن ذلك شهادة من الله بالصدق له ولو ظهر لكم ملك وظهر علي يده ما يعجز عنه البشر لم يكن في ذلك ما يدلكم أن ذلك ليس في طبائع سائر أجناسه من الملائكة حتي يصير ذلك معجزا، ألا ترون أن الطيور التي تطير ليس ذلك منها بمعجز لأن لها أجناسا يقع

منها مثل طيرانها، ولو أن آدميا طار كطيرانها كان ذلك معجزا، فالله عز وجل سهل عليكم الأمر، وجعله بحيث يقوم عليكم حجته، وأنتم تقترحون علم الصعب الذي لا حجة فيه

ثم قال رسول الله (ص): وأما قولك: ما أنت إلا

رجل مسحور فكيف أكون كذلك وقد تعلمون أني في صحة التمييز والعقل فوقكم؟ فهل جربتم علي منذ نشأت إلي أن استكملت أربعين سنة خزيه أو ذلة أو كذبة أو جناية أو خطأ من القول، أو سفها من الرأي؟ أتظنون أن رجلا يعتصم طول هذه المدة بحول نفسه وقوتها أو بحول الله وقوته؟وذلك ما قال الله تعالي:، انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا، إلي أن يثبتوا عليك عمي بحجة اكثر من

دعا ويهم الباطلة التي يبين عليك التحصيل بطلانها

ثم قال رسول الله (ص): وأما قولك: لولا نزل هذا

القرآن علي رجل من القريتين عظيم، الوليد بن المغيرة بمكة، أو عروة بالطائف، فإن الله ليس يستعظم مال الدنيا كما تستعظمه أنت، ولا خطر له عنده كما له عندك، بل لو كانت الدنيا عنده تعدل جناح بعوضة لما سقي كافرا به مخالفا له شربة ماء، وليس قسمة رحمة الله إليك، بل الله هو القاسم للرحمات والفاعل لما يشاء في عبيده وإمائه، وليس

هو عز وجل ممن يخاف أحدا كما تخافه أنت لماله وحاله، فعرفته بالنبوة لذلك، ولا ممن يطمع في أحد في ماله أو حاله كما تطمع فتخصه بالنبوة لذلك، ولا ممن يحب أحدا محبة الهوي كما تحب فيقدم من لا يستحق التقديم، وإنما معاملته بالعدل فلا يؤثر لأفضل مراتب الدين وخلاله إلا الأفضل في طاعته والأجد في خدمته، وكذا لا يؤخر في مراتب الدين وخلاله إلا أشدهم تباطئا عن طاعته وإذا كان هذا صفته لم ينظر إلي مال ولا إلي حال، بل هذا المال والحال من تفضله، وليس لأحد من عباده عليه ضريبة لازمة، فلا يقال له: إذا تفضلت بالمال علي عبد فلا بد أن تتفضل عليه بالنبوة أيضا لأنه ليس لأحد إكراهه علي خلاف مراده، ولا إلزامه تفضلا، لأته تفضل قبله بنعمة، ألا تري يا عبد الله كيف أغني واحدا وقبح صورته؟ وكيف حسن صورة واحد وأفقره؟ وكيف شرف واحدا وأفقره؟ وكيف أغني واحدا و وضعه؟ ثم ليس لهذا الغني أن يقول: هلا أضيف إلي يساري جمال فلان؟ ولا للجميل أن يقول: هلا أضيف إلي جمالي مال فلان؟ ولا للشريف أن يقول: هلا أضيف إلي شرفي مال فلان؟

ولا للوضيع أن يقول: هلا أضيف إلي ضعتي شرف فلان؟ ولكن الحكم لله، يقسم كيف يشاء، ويفعل كما يشاء، وهو حكيم في أفعاله، محمود في أعماله، وذلك قوله: وقالوا لولا نزل هذا القرآن علي رجل

من القريتين عظيم، قال الله تعالي: (أهم يقسمون رحمة ربك يا محمد(نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا) فأحوجنا بعضا إلي بعض: أحوج هذا إلي مال ذلك، وأحوج ذلك إلي سلعة هذا وإلي خدمته، فتري أجل الملوك وأغني الأغنياء محتاجا إلي أفقر الفقراء في ضرب من الضروب إما سلعة معه ليست معه، وإما خدمة يصلح لها لا يتهيأ لذلك الملك أن يستغني إلا به، وإما باب من العلوم والحكم هو فقير إلي أن يستفيدها من هذا الفقير الذي يحتاج إلي مال ذاك الملك الغني وذلك الملك يحتاج إلي علم هذا الفقير أو رأيه أو معرفته، ثم ليس للملك أن يقول: هلا اجتمع إلي مالي علم هذا الفقير؟ ولا للفقير أن يقول: هلا اجتمع إلي راييي وعلمي ما أتصرف فيه من فنون الحكم مال هذا الملك الغني؟ ثم قال: ف ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا، ثم قال: يا محمد قل لهم: ورحمة ربك خير مما يجمعون، أي ما يجمعه هؤلاء من أموال الدنيا

ثم قال رسول الله (ص): وأما قولك: لن نؤمن لك

حتي تفجر لنا من الأرض ينبوعا إلي آخر ما قلته، فإنك اقترحت علي محمد رسول الله أشياء: منها ما لو جاءك به لم يكن برهانا لنبوته، ورسول الله يرتفع أن يغتنم جهل الجاهلين، ويحتج عليهم بما لا حجة فيه

ومنها ما لو جاءك به كان معه هلاكك، وإثما يؤتي بالحجج والبراهين ليلزم عباد الله الإيمان بها لا ليهلكوا

بها، فإثما اقترحت هلاكك ورب العالمين أرحم بعباده وأعلم بمصالحهم من أن يهلكهم بما يقترحون

ومنها المحال! الذي لا يصح ولا يجوز كونه، ورسول

رب العالمين يعرفك ذلك ويقطع معاذيرك ويضيق عليك سبيل مخالفته، ويلجئك بحجج الله إلي تصديقه حتي لا يكون لك عند ذلك محيد ولا محيص

ومنها ما قد اعترفت علي نفسك أنك فيه معاند متمرد

لا تقبل حجة ولا تصغي إلي برهان، ومن كان كذلك فدواؤه عذاب الله النازل من سمائه أو في جحيمه أو بسيوف أوليائه. وأما قولك يا عبد الله: لن نؤمن لك حتي تفجر لنا من

الأرض ينبوعا بمكة هذه فإنها ذات حجارة وصخور وجبال،تكسح أرضها وتحفرها، وتجرفي فيها العيون فإننا إلي ذلك محتاجون، فإنك سألت هذا وأنت جاهل بدلائل الله، يا عبد الله أرأيت لو فعلت هذا كنت من أجل هذا نبيا د؟ قال. لا، قال.أرأيت الطائف التي لك فيها بساتين؟ أما كان هناك مواضع فاسدة صعبة أصلحتها وذللتها وكسحتها وأجريت فيها عيونا استنبطتها؟ قال: بلي، قال. وهل لك فيها نظراء قال: بلي، قال أفصرت بذلك أنت وهم

أنبياء؟ قال: لا، قال: فكذلك لا يصير هذا حجة لمحمد لو فعله علي نبوته، فما هو إلا كقولك: لن يؤمن لك حتي تقوم وتمشي علي الأرض، أو حتي تأكل الطعام كما يأكل الناس

وأما قولك يا عبد الله: أو تكون لك جنة من نخيل

وعنب فتأكل منها وتطعمنا وتفجر الأنهار خلالها تفجيرا، أو ليس لأصحابك ولك جنات من نخيل وعنب بالطائف تأكلون وتطعمون منها، وتفخرون الأنهار خلالها تفجيرا؟ أفصرتم أنبياء بهذا؟ قال. لا، قال: فما بال اقتراحكم علي رسول الله ص أشياء لو كانت كما تقترحون لما دلت علي صدقه، بل لو تعاطاها لدلت تعاطيها علي كذبه، لأنه

حينئذ يحتج بما لا حجة فيه، ويختدع الضعفاء عن عقولهم وأديانهم، ورسول رب العالمين يجل ويرتفع عن هذا

ثم قال رسول الله (ص): يا عبد الله وأما قولك: أو

تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا فإنك قلت:، وإن يروا كسفا من السماء ساقطا يقولوا سحاب مركوم، فإن في سقوط السماء عليكم هلاككم وموتكم، فإنما تريد بهذا من رسول الله (ص) أن يهلكك، ورسول رب العالمين أرحم بك من ذلك، لا يهلكك ولكنه يقيم عليك حجج الله، وليس حجج الله لنبيه علي حسب اقتراح عباده لأن العباد جهال بما يجوز

من الصلاح وبما لا يجوز من الفساد، وقد يختلف اقتراحهم ويتضاد حتي يستحيل وقوعه، والله لا يجري تدبيره علي ما يلزم به المحال

ثم قال رسول الله (ص): وهل رأيت يا عبد الله طبيبا

كان دواؤه للمرضي علي حسب اقتراحاتهم؟ وإنما يفعل به ما يعلم صلاحه فيه، أحبه العليل أو كرهه، فأنتم المرضي والله طبيبكم، فإن أنفذتم لدوائه شفاكم، وإن تمردتم عليه أسقمكم، وبعد فمتي رأيت يا عبد الله مدعي حق من قبل رجل أوجب عليه حاكم من حكامهم فيما مضي بينة علي دعواه علي حسب اقتراح المدعي عليه؟ إذا ما كان يثبت لأحد علي أحد دعوي ولا حق، ولا كان بين ظالم ومظلوم ولا بين صادق وكاذب

ثم قال: يا عبد الله وأما قولك: أو تأتي بالله والملائكة قبيلا يقابلوننا ونعاينهم فإن هذا من المحال الذي لا خفاء به لأن ربنا عز وجل ليس كالمخلوقين يجيء ويذهب ويتحرك ويقابل شيئا حتي يؤتي به، فقد سألتموه بهذا المحال، وإنما هذا الذي دعوت إليه صفة أصنامكم الضعيفة المنقوصة التي لا تسمع ولا تبصر ولا تعلم ولا تغني عنكم شيئا ولا عن أحد، يا

عبد الله أو ليس لك ضياع وجنات بالطائف وعقار بمكة وقوام عليها؟ قال: بلي، قال: افتشاهد جميع أحوالها بنفسك أو بسفراء بينك وبين

معامليك؟ قال بسفراء، قال: أرأيت لو قال معاملوك وأكرتك وخدمتك لسفرائك: لا نصدقكم في هذه السفارة إلا أن تأتونا بعبد الله بن أبي أمية لنشاهده فنسمع ما تقولون عنه شفاها كنت تسوغنهم هذا، أو كان يجوز لهم عندك ذلك؟ قال: لا، قال: فما الذي يجب علي سفرائك؟ أليس أن يأتوهم عنك بعلامة صحيحة تدلهم علي صدقهم يجب عليهم أن يصدقوهم؟ قال: بلي، قال: يا عبد الله أرأيت سفيرك لو أنه لما سمع منهم هذا عاد إليك وقال: قم معي فإنهم قد اقترحوا علي مجيئك معي أليس يكون لك مخالفا؟ وتقول له: إنما أنت رسول لا مشير وآمر؟ قال: بلي، قال: فكيف صرت تقترح علي رسول رب العالمين ما لا تسوغ علي أكرتك ومعامليك أن يقترحوه علي رسولك إليهم؟ وكيف أردت من رسول رب العالمين أن يستذم علي ربه بأن يأمر عليه وينهي وأنت لا تسوغ مثل هذا علي رسولك إلي أكرتك وقوّامك هذه حجة قاطعة لإبطال جميع ما ذكرته في كل ما اقترحته يا عبد الله

وأما قولك يا عبد الله: أو يكون لك بيت من زخرف-

وهو الذهب- أما بلغك أن لعظيم مصر بيوتا من زخرف قال: بلي، قال: افصار بذلك نبيا؟ قال: لا، قال. فكذلك لا توجب لمحمد لو كانت له نبوة ومحمد لا يغتنم جهلك بحجج الله

وأما قولك يا عبد الله: أو ترقي في السماء، ثم

قلت: ولن نؤمن لرقيك حتي تنزل علينا كتابا نقرؤه، يا عبد الله الصعود إلي السماء أصعب من النزول عنها، وإذا اعترفت علي نفسك أنك لا تؤمن إذا

صعدت فكذلك حكم النزول، ثم قلت: حتي تنزل علينا كتابا نقرؤه، ثم من بعد ذلك لا أدري أؤمن بك أو لا أؤمن بك، فأنت يا عبد الله تقول بأنك تعاند حجة الله عليك، فلا دواء لك إلا تأديبه علي يد أوليائه البشر، أو ملائكته الزبانية، وقد أنزل الله علي حكمة جامعة لبطلان كل ما اقترحته، فقال تعالي. (قل) يا محمد(سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا) ما ابعد ربي عن أن يفعل الأشياء علي ما تقترحه الجهال بما يجوز وبما لا يجوز (وهل كنت إلا بشرا رسولا) لا يلزمني إلا إقامة حجة الله التي أعطاني وليس لي أن آمر علي ربي ولا أنهي ولا أشير، فأكون كالرسول الذي بعثه ملك إلي قوم من مخالفيه فرجع إليه يأمره أن يفعل بهم ما اقترحوه عليه

1 لرد علي أبي جهل

فقال أبو جهل: يا محمد ههنا واحدة، ألست زعمت أن

قوم موسي احترقوا بالصاعقة لما سألوه أن يريهم الله جهرة؟ قال بلي، قال: فلو كنت نبيا لاحترقنا نحن أيضا فقد سألنا أشد مما سأل قوم موسي، لأنهم زعمت أنهم قالوا:، أرنا الله جهرة م

ونحن نقول: لن نؤمن لك حتئ تأتي بالله والملائكة قبيلا

ونعاينهم

فقال رسول الله (ص): يا أبا جهل أما علمت قصة

إبراهيم الخليل (غ) لما رفع في الملكوت؟ وذلك قول ربي وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والأرض وليكون من الموقنين) قوي الله بصره لما رفعه دون السماء حتي ابصر الأرض! ومن عليها ظاهرين ومستترين، فرأي رجلا وأمرأة علي فاحشة فدعا عليهما بالهلاك فهلكا، ثم رأي آخرين فدعا عليهما بالهلاك فهلكا ثم رأي آخرين فهم بالدعاء عليهما فأوحي الله إليه: أن يا إبراهيم اكفف دعوتك عن عبادي وإمائي، فإني أنا الغفور

الرحيم الجبار الحليم لا تضرني ذنوب عبادي وإمائي كما لا تنفعني طاعتهم، ولست أسوسهم بشفاء الغيظ كسياستك، فاكفف دعوتك عن عبادي، فإنما أنت عبد نذير، لا شريك في المملكة، ولا مهيمن علي، وعبادي معي بين خلال ثلاث. إما تابوا إلي فتبت عليهم وغفرت ذنوبهم وسترت عيوبهم؟ وإما كففت عنهم عذابي لعلمي بأنه سيخرج من أصلابهم ذريات مؤمنون، فأرفق بالآباء الكافرين، وأتأتي بالأمهات الكافرات وأرفع عنهم عذابي ليخرج ذلك المؤمن من أصلابهم، فإذا تزايلوا حق بهم عذابي وحاق بهم بلائي؟ وإن لم يكن هذأ ولا هذا فإن الذي أعددت لهم من عذابي أعظم مما تريده بهم، فإن

عذابي لعبادي علي حسب جلالي وكبريائي- يا إبراهيم فخل بيني وبين عبادي، فإني ارحم بهم منك، وخل بيني وبين عبادي فإني أنا الجبار الحليم العلام الحكيم، أدبرهم بعلمي وأنفذ فيهم قضائي وقدري

ثم قال رسول الله (ص): إن الله يا أبا جهل إثما دفع

عنك العذاب لعلمه بأنه سيخرج من صلبك ذرية طيبة: عكرمة ابنك، وسيلي من أمور المسلمين ما إن أطاع الله فيه كان عند الله جليلا، وإلا فالعذاب نازل عليك، وكذلك سائر قريش السائلين لما سألوا من هذا إنما أمهلوا لأن الله علم أن بعضهم سيؤمن بمحمد وينال به السعادة فهو لا يقتطعه عن تلك السعادة ولا يبخل بها عليه، أو من يولد منه مؤمن فهو ينظر أباه لإيصال ابنه إلي السعادة، ولولا ذلك لنزل العذاب بكافتكم

93

الإمام الرضا يحاجج علماء المذاهب الباطلة

في مؤتمر هام عقده المأمون العبا سي وجمع فيه أقطاب المعارضة الفكرية وعلماء الأديان الباطلة.. وحضر الإمام الرضا (ع).. وامتد مجلس المؤتمر إلي حين أفحم الإمام (ع) حجج الأحبار والحاخامات وغيرهم

جاء في الحديث: لما قدم علي بن موسي الرضا (عليه السلام) علي المأمون

أمر الفضل بن سهل أن يجمع له أصحاب المقالات مثل الجاثليق(1) وراس الجالوت ورؤساء الصابئين، والهربذ الأكبر، وأصحاب

(1) الجاثليق: متقدم الاساقفة. الصابئون جمع الصابيء، وهو من انتقل إلي دين آخر، وكل خارج من دين كان عليه الي آخر غيره

سمي في اللغة صابئآ، قال أبو زيد: صبأ الرجل في دينه يصبؤ صبوءآ: اذا كان صابئآ، فكان معني الصابيء التارك دينه الذي=

94

ذر هشت (1) و نسطاس ا لرومي و المتكلمين ليسمع كلامه وكلامهم. فجمعهم الفضل بن سهل ثم أعلم المأمون باجتماعهم، فقال المأمون: أدخلهم علي ففعل فرحب بهم المأمون، ثم قال لهم: إني إنما جمعتكم لخير وأحببت أن تناظروا ابن عمي هذا المدني، القادم علي فإذا كان بكرة فاغدوا علي ولا يتخفف منكم أحد، فقالوا: السمع والطاعة يا أمير المؤمنين نحن مبكرون إن شاء الله

شرع له الي دين غيره، والدين الذي فارقوه هو تركهم التوحيد الي عبادة النجوم أو تعظيمها، قال قتادة: وهم قوم معروفون ولهم مذهب ينفردون به، ومن دينهم عبادة النجوم وهم يقرون بالصانع وبالمعاد وببعض الانبياء وقال مجاهد والحسن: الصابئون بين اليهود والمجوس لا دين لهم، وقال السدي: هم طائفة من أهل الكتاب يقرأون الزبور، وقال الخليل: هم قوم دينهم شبيه بدين النصاري الا أن قبلتهم نحو مهب الجنوب حيال منتصف النهار يزعمون انهم علي دين نوح، وقال ابن زيد: هم اهل دين من الاديان كانوا بالجزيرة جزيرة الموصل يقولون: لا اله إلا الله ولم يؤمنوا برسول الذ، وقال آخرون: هم طائفة من اهل الكتاب. والفقهاء بأجمعهم يجيزون أخذ الجزية منهم، وعندنا لا يجوز ذلك لانهم ليسوا بأهل الكتاب. قاله الطبرسي في مجمع البيان. وقد كتبت انا تفصيلأ حول الصابئين في كتاب مستقل باسم

" الصابئة

في عقيدتهم وشريعتهم ".

(1) في العيون زردشت.

95

قال الحسن بن محمد النوفلي: فبينا نحن في حديث

لنا عند أبي الحسن الرضا (ع) إذ دخل علينا ياسر، وكان يتولي أمر أبي الحسن الرضا (ع) فقال له: يا سيدي إن أمير المؤمنين يقرؤك السلام وبقول: فداك أخوك، إنه اجتمع إلي أصحاب المقالات وأهل الأديان والمتكلمون من جميع الملل فرأيك في البكور علينا إن أحببت كلامهم، وإن كرهت ذلك فلا نتجشم، وإن أحببت أن نصير إليك خف ذلك علينا. فقال أبو الحسن (ع): أبلغه السلام وقل له: قد علمت ما أردت وأنا صائر إليك بكرة إن شاء الله

قال الحسن بن محمد النوفلي: فلما مضي ياسر التفت إلينا ثم قال لي: يا نوفلي أنت عراقي ورقة العراقي غير غليظة، فما عندك في جمع ابن عمك علينا أهل الشرك و.اصحاب المقالات؟ فقلت: جعلت فداك يريد الامتحان ويحب أن يعرف ما عندك، ولقد بني علي أساس غير وثيق البنيان، وبئس والله ما بني، فقال لي: وما بناؤه في هذا الباب؟ قلت: إن أصحاب الكلام والبدع خلاف العلماء وذلك أن العالم لا ينكر غير المنكر، وأصحاب المقالات والمتكلمون وأهل الشرك أصحاب إنكار ومباهتة، إن احتججت عليهم بأن الله واحد قالوا: صحح وحدانيته، وإن قلت: إن محمدا رسول الله، قالوا: أثبت رسالته، ثم

يباهتون الرجل وهو يبطل عليهم بحجته ويغالطونه حتي يترك قوله، فاحذرهم جعلت فداك، قال: فتبسم (ع) ثم قال، يا نوفلي افتخاف أن يقطعوني علي حجتي؟ قلت: لا والله ما خفت عليك قط، وإني لأرجو أن يظفرك الله بهم إن شاء الله. فقال لي: يا نوفلي أتحب أن تعلم متي يندم المأمون؟ قلت: نعم، قال: إذا سمع احتجاجي علي أهل التوراة بتوراتهم، وعلي

أهل الإنجيل بإنجيلهم، وعلي أهل الزبور بزبور هم، وعلي الصابئين بعبرانيتهم، وعلي الهرابذة بفار سيتهم، وعلي أهل الروم برميتهم، وعلي اصحاب المقالات بلغاتهم، فإذا قطعت كل صنف ودحضت حجته وترك مقالته ورجع إلي قولي علم المأمون أن الموضع الذي هو بسبيله ليس بمستحق له، فعند ذلك تكون الندامة منه، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

فلما أصبحنا أتانا الفضل بن سهل فقال له: جعلت

فداك ابن عمك ينتظرك وقد اجتمع القوم فما رأيك في إتيانه؟ فقال له الرضا (ع) تقدمني فإني سائر إلي ناحيتكم إن شاء الله، ثم توضأ (ع) وضوءه للصلاة، وشرب شربة سويق وسقانا منه، ثم خرج وخرجنا معه حتي دخلنا علي المأمون، فإذا المجلس غاص بأهله، ومحمد بن جعفر في جماعة الطالبيين والهاشميين والقواد حضور، فلما دخل

الرضا (ع) قام المأمون وقام محمد بن جعفر وجميع بني هاشم، فما زالوا وقوفا والرضا (عليه السلام) جالس مع المأمون حتي أمرهم بالجلوس فجلسوا، فلم يزل المأمون مقبلا عليه يحدثه ساعة

الرضا(ع) يفحم كبير ا لنصاري

ثم التفت إلي الجاثليق فقال: يا جاثليق هذا ابن عمي

علي بن موسي بن جعفر، وهو من ولد فاطمة بنت نبينا وابن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهما فأحسن أن تكلمه وتحاجه وتنصفه، فقال الجاثليق: يا أمير المؤمنين كيف أحاج رجلا يحتج علي بكتاب أنا منكره، ونبي لا أؤمن به؟ فقال له الرضا (ع): يا نصراني فإن احتججت عليك بإنجيلك أتقر به؟ قال الجاثليق: وهل أقدر علي دفع ما نطق به الإنجيل؟ نعم والله أقر به علي رغم أنفي، فقال له الرضا (ع): سل عما بدا لك وافهم الجواب

قال الجاثليق: ما تقول في نبوة عيسي وكتابه؟ هل

تنكر منهما شيئا؟ قال الرضا (ع):

أنا مقر بنبوة عيسي وكتابه وما بشر به أمته وأقرت به الحواريون وكافر بنبوة كل عيسي لم يقر بنبوة محمد (ص) وبكتابه ولم يبشر به أمته، قال الجاثليق: أليس إنما الإحكام بشاهدي عدل؟ قال: بلي، قال: فأقم شاهدين من غير أهل ملتك علي نبوة محمد ممن

لا تنكره النصرانية، وسلنا مثل ذلك من غير أهل ملتنا

قال الرضا (ع): الآن جئت بالنصفة يا نصراني ألا

تقبل مني العدل المقدم عند المسيح عيسي بن مريم؟ قال الجاثليق: من هذا العدل؟ سمه لي، قال: ما تقول في يوحنا الديلمي؟ قال: بخ بخ، ذكرت أحب الناس إلي المسيح، قال (ع): فأقسمت عليك هل نطق الإنجيل أن يوحنا قال: إن المسيح أخبرني بدين محمد العربي، وبشرني به أنه يكون من بعده فبشرت به الحواريين فآمنوا به؟ قال الجاثليق: قد ذكر ذلك يوحنا عن المسيح وبشر بنبوة رجل وبأهل بيته ووصيه ولم يلخص متي يكون ذلك، ولم يسم لنا القوم فنعرفهم، قال الرضا (ع): فإن جئناك بمن يقرء الإنجيل فتلا عليك ذكر محمد وأهل بيته وأمته أتؤمن به؟ قال: شديدا، قال الرضا (ع) لنسطاس الرومي: كيف حفظك للسفر الثالث من الإنجيل؟ قال: ما احفظني له ثم التفت إلي رأس الجالوت فقال: ألست تقرأ الإنجيل؟ قال: بلي لعمري فخذ علي السفر الثالث، فإن كان فيه ذكر محمد وأهل بيته وأمته فاشهدوا لي، وإن لم يكن فيه ذكره فلا تشهدوا لي، ثم قرأ (ع) السفر الثالث حتي إذا بلغ ذكر النبي (ص) وقف، ثم قال: يا نصراني إني أسألك

بحق المسيح وأمه أتعلم أني عالم بالإنجيل؟ قال: نعم، ثم تلا علينا ذكر محمد وأهل بيته وأفته، ثم قال: ما تقول يا نصراني؟ هذا قول عيسي بن

مريم، فإن كذبت ما ينطق به الإنجيل فقد كذبت موسي وعيسي عليهما السلام ومتي أنكرت هذا الذكر وجب عليك القتل، لأنك تكون قد كفرت بربك وبنبيك وبكتابك؟ قال الجاثليق: لا أنكر ما قد بان لي في الإنجيل، وأني لمقر به، قال الرضا (ع): أشهدوا علي إقراره

ثم قال: يا جاثليق سل عما بدا لك، قال الجاثليق أخبرني عن حواريي عيسي بن مريم كم كان عدتهم؟ وعن علماء الإنجيل كم كانوا؟ قال الرضا (ع): علي الخبير سقطت، أما الحواريون فكانوا اثني عشر رجلا، وكان أفضلهم وأعلمهما ألوقا، وأما علماء النصاري فكانوا ثلاثة رجال: يوحنا الأكبر بأج ويوحنا بقر قيسا ويوحنا الديلمي بزجار، وعنده كان ذكر النبي (ص)، وذكر أهل بيته وأمته وهو الذي بشر أمته عيسي وبني إسرائيل به

ثم قال له: يا نصراني والله إنا لنؤمن بعيسي الذي

آمن بمحمد (ص) وما ننقم علي عيسا كم شيئا إلا ضعفه وقلة صيامه وصلاته، قال الجاثليق، أفسدت والله علمك

وضعفت أمرك، وما كنت ظننت إلا أنك أعلم أهل الإسلام قال الرضا (ع): وكيف ذاك؟ قال الجاثليق: من قولك: إن عيسي كان ضعيفا قليل الصيام، قليل الصلاة، وما أفطر عيسي يوما قط، ولا نام بليل قط، وما زال صائم الدهر، قائم الليل؟ قال الرضا (عليه السلام): فلمن كان يصوم ويصفي؟ قال: فخرس الجاثليق وانقطع

قال الرضا (ع): يا نصراني أسألك عن مسألة، قال:

سل فإن كان عندي علمها أجبتك؟ قال الرضا (ع): ما أنكرت أن عيسي كان يحي الموتي بإذن الله عر وجل؟ قال الجاثليق: أنكرت ذلك من قبل أن من أحيا الموتي وأبرأ ألاكمه والأبرص فهو رب مستحق لأن يعبد، قال الرضا (ع): فإن اليسع قد صنع مثل ما صنع عيسي: مشي علي

الماء، وأحيا الموتي، وأبرأ ألاكمه والأبرص فلم تتخذه أمته ربا، ولم يعبده أحد من دون الله عز وجل، ولقد صنع حز قيل النبي مثل ما صنع عيسي بن مريم فأحيا خمسة وثلاثين ألف رجل من بعد موتهم بستين سنة

ثم التفت إلي رأس الجالوت فقال له: يا رأس الجالوت أتجد هؤلاء في شباب بني إسرائيل في التوراة؟ اختارهم بخت نصر من سبي بني إسرائيل حين غزا بيت المقدس ثم انصرف بهم إلي بابل فأرسله الله تعالي عز وجل

إليهم فأحياهم الله، هذا في التوراة لا يدفعه إلا كافر منكم قال رأس الجالوت: قد سمعنا به وعرفناه، قال: صدقت، ثم قال يا يهودي خذ علي هذا السفر من التوراة، فتلا،ع،علينا من التوراة آيات فأقبل اليهودي يترحج لقراءته ويتعجب ثم أقبل علي النصراني فقال: يا نصراني أفهؤلاء كانوا قبل عيسي أم عيسي كان قبلهم؟ قال: بل كانوا قبله قال الرضا (ع): لقد اجتمعت قريش إلي رسول الله،ص فسألوه أن يحي لهم موتاهم، فوجه معهم علي بن أبي طالب ع، فقال له: اذهب إلي الجبانة فناد بأسماء هؤلاء الرهط الذين يسألون عنهم بأعلي صوتك: يا فلان، ويا فلان، ويا فلان، يقول لكم محمد رسول الله: قوموا بإذن الله عر وجل، فقاموا ينفضون التراب عن رؤوسهم، فأقبلت قريش تسألهم عن أمورهم، ثم أخبروهم أن محمدا (ص) قد بعث نبيا وقالوا: وددنا إنا أدركناه فنؤمن به، ولقد أبرأ الأكمة والأبرص والمجانين، وكلمه البهائم والطير والجن والشياطين، ولم نتخذه ربا من دون الله عز وجل، ولم ننكر لأحد من هؤلاء فضلهم، فمتي اتخذتم عيسي ربا جاز لكم أن تتخذوا اليسع و الحز قيل، لأنهما قد صنعا مثل ما صنع عيسي من إحياء الموتي

وغيره، وإن قوما من بني إسرائيل

هربوا من بلادهم من الطاعون وهم ألوف حذر الموت فأماتهم الله في ساعة واحدة، فعمد أهل تلك القرية فحظروا عليهم حظيرة فلم يزالوا فيها حتي نخرت عظامهم وصاروا رميما، فمر بهم نبي من أنبياء بني إسرائيل فتعجب منهم ومن كثرة العظام البالية، فأوحي الله عر وجل إليه: أتحب أن أحييهم لك فتنذرهم؟ قال: نعم يا رب، فأوحي الله عر وجل إليه: أن نادهم، فقال: أيها العظام البالية قومي بإذن الله عز وجل، فقاموا أحياء أجمعون، ينفضون التراب عن رؤوسهم، ثم إبراهيم خليل الرحمن حين اخذ الطير فقطعهن قطعا، ثم وضع علي كل جبل منهن جزء، ثم ناداهن فأقبلن سعيا إليه؟ ثم موسي بن عمران وأصحابه السبعون الذين اختارهم صاروا معه إلي الجبل فقالوا له: إنك قد رأيت الله سبحانه، فأرناه كما رأيته، فقال لهم: إني لم أره، فقالوا: لن نؤمن لك حتي نري الله جهرة فأخذتهم الصاعقة فاحترقوا عن آخرهم، وبقي موسي وحيدا فقال: يا رب إني اخترت سبعين رجلا من بني إسرائيل فجئت بهم وأرجع وحدي فكيف يصدقني قومي بما أخبرهم به؟ فلو شئت أهلكتهم من قبل وإياي، أتهلكنا بما فعل السفهاء منا؟ فأحياهم الله عز وجل من بعد موتهم، وكل شيء ذكرته لك من هذا لا تقدر علي دفعه، لأن التوراة والإنجيل والزبور والفرقان قد نطقت به، فإن كان كل من أحيا الموتي وأبرأ الأكمة

والأبرص والمجانين يتخذ ربا من دون الله فاتخذ هؤلاء كفهم أربابا ما تقول يا يهودي؟ قال الجاثليق: القول قولك، ولا إله إلا الله

كبير اليهود يصدق حجج الرضا،ع

ثم التفت (ع) إلي رأس الجالوت فقال: يا يهودي أقبل علي أسألك بالعشر الآيات التي أنزلت علي موسي

بن عمران هل تجد في التوراة مكتوبا نبأ محمد وأمته، إذا جاءت الأمة الأخيرة أتباع راكب البعير يسبحون الرب جدا جدا تسبيحا جديدا في الكنائس الجدد فليفزع بنو إسرائيل إليهم وإلي ملكهم لتطمئن قلوبهم، فإن بأيديهم سيوفا ينتقمون بها من ألامم الكافرة في أقطار الأرض،أهكذا هو في التوراة مكتوب؟ قال رأس الجالوت: نعم أنا لنجده كذلك. ثم قال للجاثليق: يا نصراني كيف علمك بكتاب شعيا؟ قال: أعرفه حرفا حرفا، قال لهما: أتعرفان هذا من كلامه:، يا قوم إني رأيت صورة راكب الحمار لابسا جلابيب النور، ورأيت راكب البعير ضوؤه مثل ضوء القمر،؟ فقالا: قد قال ذلك شعيا

قال الرضا (ع): يا نصراني هل تعرف في الإنجيل

قول عيسي:، إني ذاهب إلي ربكم وربي والبارقليطا جاء

هو الذي يشهد لي بالحق كما شهدت له، وهو الذي يفسر لكم كل شيء، وهو الذي يبدي فضائح الأمم، وهو الذي يكسر عمود الكفر فقال الجاثليق: ما ذكرت شيئا في الإنجيل إلا ونحن مقرون به، قال: أتجد هذا في الإنجيل ثابتا يا جاثليق قال: نعم

قال الرضا (ع): يا جائليق ألا تخبرني عن الإنجيل

الأول حين افتقدتموه عند من وجدتموه؟ ومن وضع لكم هذا الإنجيل قال له: ما افتقدنا الإنجيل إلا يوما واحدا حتي وجدناه غضا طريا فأخرجه إلينا يوحنا ومتي، فقال له الرضا (ع): ما أقل معرفتك بسر الإنجيل وعلمائه؟ فإن كان هذا كما تزعم فلم اختلفتم في الإنجيل؟ وإنما وقع الاختلاف في هذا الإنجيل الذي في أيديكم اليوم، فلو كان علي العهد الأول لم تختلفوا فيه، ولكني مفيدك علم ذلك، اعلم أنه لما افتقد الإنجيل الأول اجتمعت النصاري إلي علمائهم فقالوا لهم: قتل عيسي بن مريم، وافتقدنا الإنجيل وأنتم العلماء فما عندكم؟ فقال

لهم ألوقا ومرقا بوس: إن الإنجيل في صدورنا ونحن نخرجه إليكم سفرا سفرا في كل أحد فلا تحزنوا عليه، ولا تخلوا الكنائس، فأنا سنتلوه عليكم في كل أحد سفرا سفرا حتي نجمعه كفه، فقعد ألوقا ومرقا بوس ويوحنا ومتي فوضعوا لكم هذا ألا نجيل

بعدما افتقدتم الإنجيل الأول، وإنما كان هؤلاء الأربعة تلاميذ التلاميذ الأولين، أعلمت ذلك؟ قال الجاثليق: أما هذا فلم أعلمه وقد علمته الآن، وقد بان لي من فضل علمك بالإنجيل،وسمعت أشياء مما علمته شهد قلبي أنها حق فاستزدت كثيرا من الفهم، فقال له الرضا (ع): فكيف شهادة هؤلاء عندك قال: جائزة، هؤلاء علماء الإنجيل، وكل ما شهدوا به فهو حق فقال الرضا (ع) للمأمون ومن حضره من أهل بيته ومن غيرهم: اشهدوا عليه، قالوا: قد شهدنا

ثم قال للجاثليق: بحق الابن وأمه هل تعلم أن متي

قال: (إن المسيح هو ابن داو ود بن إبراهيم بن إسحاق بن يعقوب بن يهودا بن حضرون) وقال مر قابوس في نسبة عيسي ابن مريم: (إنه كلمة الله أحلها في الجسد الآدمي فصارت إنسانا) وقال ألوقا: (إن عيسي بن مريم وأمه كانا إنسانين من لحم ودم فدخل فيهما روح القدس (ثم إنك تقول من شهادة عيسي علي نفسه: (حفا أقول لكم يا معشر الحواريين: انه لا يصعد إلي السماء إلا من نزل منها إلا راكب البعير خاتم الأنبياء فإنه يصعد إلي السماء وينزل، فما تقول في هذا القول؟ قال الجاثليق: هذا قول عيسي لا ننكره، قال الرضا (ع): فما تقول في شهادة ألوقا و مرقا بوس ومتّي علي عيسي وما نسبوه إليه؟ تال الجاثليق: كذبوا علي عيسي، قال الرضا (ع): يا قوم أليس

قد زكاهم وشهد أنهم علماء الإنجيل وقولهم

حق

فقال الجاثليق: يا عالم المسلمين أحب أن تعفيني من أمر هؤلاء، قال الرضا (عليه السلام): فإنا قد فعلنا، سل يا نصراني عما بدا لك، قال الجاثليق ليسألك غيري، فلا وحق المسيح ما ظننت أن في علماء المسلمين مثلك. فالتفت الرضا (ع) إلي رأس الجالوت فقال له: تسألني أو أسألك فقال: بل أسألك، ولست أقبل منك حجة إلا من التوراة، أو من الإنجيل، أو من زبور داود، أو بما في صحف إبراهيم وموسي، قال الرضا (ع): لا تقبل مني حجة إلا بما تنطق به التوراة علي لسان موسي بن عمران، والإنجيل علي لسان عيسي بن مريم، والزبور علي لسان داود؟ فقال رأس الجالوت: من أين تثبت نبوة محمد؟ قال الرضا،ع شهد بنبوته موسي بن عمران وعيسي بن مريم وداود خليفة الله عر وجل في الأرض فقال له: ثبت قول موسي ابن عمران، قال الرضا (ع) هل تعلم يا يهودي أن موسي ابن عمران أوصي بني إسرائيل فقال لهم: إنه سيأتيكم نبي من إخوانكم، فبه فصدقوا ومنه فاسمعوا، فهل تعلم أن لبني إسرائيل اخوة غير ولد إسماعيل، إن كنت تعرف قرابة إسرائيل من إسماعيل، والنسب الذي بينهما من قبل إبراهيم؟ فقال رأس الجالوت: هذا قول موسي لا ندفعه،

نعم إني به لعارف، قال (ع): فإنه قال وكتابكم ينطق به جاء الله بالبيان من جبل فاران، وامتلأت السماوات من تسبيح أحمد وأفته، يحمل خيله في البحر كما يحمل في البر، يأتينا بكتاب جديد بعد خراب بيت المقدس (يعني بالكتاب القرآن، أتعرف هذا وتؤمن به؟ قال رأس الجالوت قد قال ذلك حيقوق النبي ولا ننكر قوله، قال الرضا،ع، فقد قال داو ود في زبوره وأنت تقرؤه: (اللّهم ابعث مقيم السنة

بعد الفترة) فهل تعرف نبيا أقام السنة بعد الفترة غير محمد؟ قال رأس الجالوت هذا قول داو ود نعرفه ولا ننكره، ولكن عني بذلك عيسي، وأيامه هي الفترة، قال له الرضا (ع): جهلت، إن عيسي لم يخالف السنة، وكان موافقا لسنة التوراة حتي رفعه الله إليه، وفي الإنجيل مكتوب: إن ابن البرة ذاهب والبارقليطا جاء من بعده، وهو يخفف الآصار، ويفسر لكم كل شيء، ويشهد لي كما شهدت له، أنا جئتكم بالأمثال، وهو يأتيكم بالتأويل، أتؤمن بهذا في الإنجيل؟ قال: نعم، لا أنكره: فقال له الرضا،ع، يا رأس الجالوت أسألك عن نبيك موسي بن عمران، فقال سل، قال (ع): ما الحجة علي أن موسي ثبتت نبوته؟ قال اليهودي: إنه جاء بما لم يجيء به أحد من الأنبياء قبله، قال له مثل ماذا؟ قال: مثل فلق البحر، وقلبه العصا حية تسعي وضربه الحجر فانفجرت منه العيون

وإخراجه يده بيضاء للناظرين، وعلامات لا يقدر الخلق علي مثلها

قال له الرضا (ع): صدقت في أنه كانت حجته علي

نبوته أنه جاء بما لا يقدر الخلق علي مثله، أفليس كل من ادعي أنه نبي ثم جاء بما لا يقدر الخلق علي مثله وجب عليكم تصديقه؟ قال: لا، لأن موسي لم يكن له نظير لمكانه من ربه، وقربه منه، ولا يجب علينا الإقرار بنبوة من ادعاها حتي يأتي من الأعلام بمثل ما جاء به، قال الرضا ع: فكيف أقررتم الأنبياء الذين كانوا قبل موسي ولم يفلقوا البحر، ولم يفجروا من الحجر اثنتي عشرة عينا، ولم يخرجوا بأيديهم مثل إخراج موسي يده بيضاء، ولم يقلبوا العصا حية تسعي؟ قال له اليهودي: قد خبرتك أنه متي ما جاءوا علي نبوتهم من الآيات بما لا يقدر

الخلق علي مثله ولو جاءوا بما لم يجيء به موسي أو كان علي غير ما جاء به موسي وجب تصديقهم، قال: قال الرضا (ع): يا رأس الجالوت فما يمنعك من الإقرار بعيسي بن مريم وقد كان يحيي الموتي، ويبرئ الأكمة والأبرص، ويخلق من الطين كهيئة الطير ثم ينفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله؟ قال رأس الجالوت: يقال إنه فعل ذلك، ولم نشهده، قال الرضا،ع أرأيت ما جاء به موسي من الآيات شاهدته؟ أليس إنما جاءت الأخبار من ثقات اصحاب موسي أنه فعل

ذلك؟ قال: بلي، قال: فكذلك أيضا أتتكم الأخبار المتواترة بما فعل عيسي بن مريم، فكيف صدقتم بموسي ولم تصدقوا بعيسي؟ فلم يحر جوابا، قال الرضا (ع) وكذلك أمر محمد (ص) وما جاء به، و أمر كل نبي بعثه الله، ومن آياته أنه كان يتيما فقيرا راعيا أجيرا لم يتعلم كتابا ولم يختلف إلي معلم ثم جاء بالقرآن الذي فيه قصص الأنبياء وأخبارهم حرفا حرفا، وأخبار من مضي ومن بقي إلي يوم القيامة، ثم كان يخبرهم بأسرارهم وما يعملون في بيوتهم، وجاء بآيات لا تحصي، قال رأس الجالوت: لم يصح عندنا خبر عيسي ولا خبر محمد؟ ولا يجوز لنا أن نقر لهما بما لم يصح، قال الرضا (عليه السلام): فالشاهد الذي شهد لعيسي ولمحمد صلي الله عليهما شاهد زور؟ فلم يحر جوابا

الهربذ الأكبر.. لم يجد جوابا

ثم دعي الهربذ الأكبر فقال له الرضا (ع): أخبرني

عن ذر هشت الذي تزعم أنه نبي ما حجتك علي نبوته؟ قال إنه أتي بما لم يأ تنا به أحد قبله ولم نشهده ولكن الأخبار من أسلافنا وردت علينا بأنه أحل لنا ما لم يحله غيره فاتبعناه قال: أفليس إنما أتتكم الأخبار

فاتبعتموه؟ قال. بلي، قال فكذلك سائر الأمم السالفة أتتهم الأخبار بما أتي به النبيون وأتي به موسي وعيسي ومحمد صلوات الله عليهم،

فما عذركم في ترك الإقرار لهم؟ إذ كنتم إنما أقررتم بذر هشت من قبل الأخبار المتواترة بأنه جاء بما لم يجيء به غيره، فانقطع الهربذ مكانه

الإمام (ع) يبحث عن المعارض

فقال الرضا (ع): يا قوم إن كان فيكم أحد يخالف الإسلام و أراد أن يسأل فليسأل غير محتشم، فقام إليه عمران الصابئ وكان واحدا من المتكلمين فقال: يا عالم الناس لولا أنك دعوت إلي مسألتك لم أقدم عليك بالمسائل فلقد دخلت الكوفة والبصرة والشام والجزيرة ولقيت المتكلمين فلم أقع علي أحد يثبت لي واحدا ليس غيره قائما بوحدانيته، افتأ ذن لي أن أسألك؟ قال الرضا (ع): إن كان في الجماعة عمران الصابئ فأنت هو، قال: أنا هو، قال سل يا عمران وعليك بالنصفة، وإياك و الخطل والجور قال: والله يا سيدي ما أريد إلا أن تثبت لي شيئا أتعلق به فلا أجوزه، قال: سل عما بدا لك، فازدحم الناس وانضمم بعضهم إلي بعض، فقال عمران الصابئ: أخبرني عن الكائن الأول وعما خلق، قال: سألت فافهم، أما الواحد فلم يزل واحدا كائنا لا شيء معه بلا حدود ولا أعراض ولا يزال كذلك، ثم خلق خلقا مبتدعا مختلفا بأعراض

وحدود مختلفة، لا في شيء أقامه، ولا في شيء حده، ولا علي شيء حذاه ومثله له، فجعل الخلق من بعد ذلك صفوة وغير صفوة، واختلافا وائتلافا، وألوانا وذوقا وطعما، لا لحاجة كانت منه إلي ذلك، ولا لفضل منزلة لا يبلغها إلا به، ولا رأي لنفسه فيما خلق زيادة ولا نقصانا، تعقل هذا يا عمران؟ قال: نعم والله يا سيدي

قال:

وأعلم يا عمران إنه لو كان خلق ما خلق لحاجة

لم يخلق إلا من يستعين به علي حاجته، ولكان ينبغي أن يخلق أضعاف ما خلق، لأن الأعوان كلما كثروا كان صاحبهم أقوي، والحاجة يا عمران لا يسعها لأنه لم يحدث من الخلق شيئا إلا حدثت فيه حاجة أخري، ولذلك أقول: لم يخلق الخلق لحاجة، ولكن نقل بالخلق الحوائج بعضهم إلي بعض، وفضل بعضهم علي بعض بلا حاجة منه إلي من فضل، ولا نقمة منه علي من أذل فلهذا خلق

قال عمران: يا سيدي هل كان الكائن معلوما في نفسه

عند نفسه؟ قال الرضا (ع): إنما يكون المعلمة بالشيء لنفي خلافه، وليكون الشيء نفسه بما نفي عنه موجودا، ولم يكن هناك شيء يخالفه فتدعوه الحاجة إلي نفي ذلك الشيء عن نفسه بتحديد ما علم منها، أفهمت يا عمران؟ قال: نعم والله يا سيدي، فأخبرني بأي شيء علم ما علم

أبضمير أم بغير ذلك؟ قال الرضا (ع): أرأيت إذا علم بضمير هل تجد بدا من أن تجعل لذلك الضمير حدا تنتهي إليه المعرفة؟ قال عمران: لا بد من ذلك، قال الرضا،ع، فما ذلك الضمير؟ فانقطع عمران ولم يحر جوابا. قال الرضا (ع): لا بأس إن سألتك عن الضمير نفسه تعرفه بضمير آخر، فقلت: نعم أفسدت عليك قولك ودعواك، يا عمران أليس ينبغي أن تعلم أن الواحد ليس يوصف بضمير وليس يقال له أكثر من فعل وعمل وصنع؟ وليس يتوهم منه مذاهب وتجربة كمذاهب المخلوقين وتجربتهم؟ فاعقل ذلك وابن عليه ما علمت صوابا

قال عمران: يا سيدي ألا تخبرني عن حدود خلقه كيف

هي؟ وما معانيها؟ وعلي كم نوع تكون؟ قال: قد سألت فافهم، إن حدود خلقه علي ستة أنواع: ملموس وموزون ومنظور إليه

وما لا ذوق له وهو الروح، ومنها منظور إليه وليس له وزن ولا لمس ولا حس ولا لون ولا ذوق والتقدير والأعراض والصور والطول والعرض، ومنها العمل والحركات التي تصنع الأشياء وتعملها وتغيرها من حال إلي حال وتزيدها وتنقصها، فأما الأعمال والحركات فإنها تنطلق لأنه لا وقت لها اكثر من قدر ما يحتاج إليه، فإذا فرغ من الشيء انطلق بالحركة وبقي الأثر، ويجري مجري الكلام الذي يذهب ويبقي أثره

قال له عمران: يا سيدي ألا تخبرني عن الخالق إذا

كان واحدا لا شيء غيره ولا شيء معه أليس قد تغير بتغييره. قال عمران: فبأي شيء عرفناه؟ قال: بغيره. قال: فأي شيء غيره؟ قال الرضا (ع): مشيته واسمه وصفته وما أشبه ذلك، وكل ذلك محدث مخلوق مدبر، قال عمران: يا سيدي فأي شيء هو؟ قال: هو نور بمعني أنه هاد لخلقه من أهل السماء وأهل الأرض وليس لك علي أكثر من توحيدي إياه

قال عمران: يا سيدي أليس قد كان ساكتا قبل الخلق

لا ينطق ثم نطق؟ قال الرضا (ع): لا يكون السكوت إلا عن نطق قبله. والمثل في ذلك أنه لا يقال للسراج: هو ساكت لا ينطق، ولا يقال: إن السراج ليضيء فيما يريد أن يفعل بنا، لأن الضوء من السراج ليس بفعل منه ولا كون، وإنما هو ليس شيء غيره، فلما استضاء لنا قلنا: قد أضاء لنا حتي استضأنا به، فهذا تستبصر أمرك

قال عمران: يا سيدي فإن الذي كان عندي أن الكائن

قد تغير عن فعله عن حاله بخلقه الخلق، قال الرضا،ع أحلت يا عمران في قولك، إن الكائن يتغير في وجه من الوجوه حتي يصيب الذات منه ما يغيره، يا عمران هل تجد النار يغيرها تغير نفسها؟ أو

هل تجد الحرارة تحرق نفسها أو هل رأيت بصيرا قط رأي بصره؟ قال عمران: لم أر هذا

ألا تخبرني يا سيدي أهو في الخلق أم الخلق فيه؟ قال الرضا عليه السلام جل يا عمران عن ذلك، ليس هو في الخلق ولا الخلق فيه، تعالي عن ذلك، وسأعلمك ما تعرفه به ولا قوة إلا بالله، أخبرني عن المرآة أنت فيها أم هي فيك؟ فإن كان ليس واحد منكما في صاحبه فبأي شيء استدللت بها علي نفسك؟ قال عمران: بضوء بيني وبينها قال الرضا عليه السلام: هل تري من ذلك الضوء في المرآة أكثر مما شراه في عينك؟ قال: نعم، قال الرضا عليه السلام: فأرناه، فلم يحر جوابا، قال عليه السلام: فلا أري النور إلا وقد دلك و دل المرآة علي أنفسكما من غير أن يكون في واحد منكما، ولهذا أمثال كثيرة غير هذا لا يجد الجاهل فيها مقالا، ولله المثل الأعلي

أداء الصلاة.. ثم العودة إلي المناظرة

ثم التفت إلي المأمون فقال: الصلاة قد حضرت

فقال عمران: يا سيدي لا تقطع علي مسألتي فقد رق قلبي قال الرضا عليه السلام: نصلي ونعود، فنهض ونهض المأمون فصلي الرضا (ع) داخلا، وصلي الناس خارجا خلف محمد بن جعفر، ثم خرجا فعاد الرضا،عليه السلام إلي مجلسه ودعا بعمران فقال: سل يا عمران، قال: يا سيدي ألا تخبرني عن الله عز وجل هل يوحد بحقيقة أو يوحد بوصف؟ قال الرضا (ع): إن الله المبديء الواحد الكائن الأول لم

يزل واحدا لا شيء معه، فردا لا ثاني معه، لا معلوما ولا مجهولا، ولا محكما ولا متشابها، ولا مذكورا ولا منسيا، ولا شيئا يقع عليه اسم شيء من الأشياء غيره، ولا من وقت كان، ولا إلي وقت

يكون، ولا بشيء قام، ولا إلي شيء يقوم، ولا إلي شيء استند، ولا في شيء استكن وذلك كله قبل الخلق إذ لا شيء غيره، وما أوقعت عليه من الكل فهي صفات محدثة وترجمة يفهم بها من فهم، واعلم أن الإبداع والمشية والإرادة معناها واحد وأسماؤها ثلاثة وكان أول إبداعه وإرادته ومشيته الحروف التي جعلها أصلا لكل شيء، ودليلا علي كل مدرك، وفاصلا لكل مشكل، وبتلك الحروف تفريق كل شيء من اسم حق وباطل، أو فعل أو مفعول أو معني أو غير معني وعليها اجتمعت الأمور كلها، ولم يجعل للحروف في إبداعه لها معني غير أنفسها يتناهي ولا وجود لها لأنها مبدعة بالإبداع، والنور في هذا الموضع أول فعل الله الذي هو نور السماوات والأرض، والحروف هي المفعول بذلك الفعل، وهي الحروف التي عليها الكلام والعبارات كلها من الله عز وجل، علمها خلقه وهي ثلاثة وثلاثون حرفا، فمنها ثمانية وعشرون حرفا تدل علي لغات السريانية والعبرانية، ومنها خمسة أحرف متحرفة في سائر اللغات من العجم لأقاليم اللغات كلها، وهي خمسة أحرف تحرفت من الثمانية والعشرين حرفا من اللغات فصارت الحروف ثلاثة وثلاثين

حرفا، فأما الخمسة المختلفة فحجج لا يجوز ذكرها أكثر مما ذكرناه، ثم جعل الحروف بعد إحصائها وإحكام عدّتها فعلا منه كقوله عّز وجل: (كن فيكون) وكن منه صنع وما يكون به ا المصنوع فالخلق الأول من الله عز وجل الإبداع لا وزن له ولا حركة ولا سمع ولا لون ولا حس والخلق الثاني الحروف لا وزن لها ولا لون وهي مسموعة موصوفة غير منظور إليها، والخلق الثالث ما كان من الأنواع كلها محسوسا ملموسا ذا ذوق منظور إليه، والله تبارك وتعالي سابق للإبداع لأنه ليس

قبله عز وجل شيء، ولا كان معه شيء، والإبداع سابق للحروف والحروف لا تدل علي غير نفسها

قال المأمون: وكيف لا تدل علي غير نفسها؟ قال

الرضا (ع). لأن الله تبارك وتعالي لا يجمع منها شيئا لغير معني أبدا، فإذا ألف منها أحرفا أربعة أو خمسة أو ستة أو اكثر من ذلك أو أقل لم يؤلفها لغير معني، ولم يك إلا لمعني محدث لم يكن قبل ذلك شيئا

قال عمران: فكيف لنا بمعرفة ذلك؟ قال

الرضا (ع): أما المعرفة فوجه ذلك وبيانه أنك تذكر الحروف إذا لم ترد بها غير نفسها ذكرتها فردا فقلت: أب ت ث ج ح خ حتي تأتي علي آخرها، فلم تجد لها معني غير أنفسها، فإذا ألفتها وجمعت منها أحرفا وجعلت اسما وصفة لمعني ما

طلبت ووجه ما عنيت كانت دليله علي معانيها، داعية إلي الموصوف بها، أفهمته؟ قال: نعم، قال الرضا (ع): واعلم أنه لا تكون صفة لغير موصوف، ولا اسم لغير معني ولا حد لغير محدود، والصفات والأسماء كفها تدل علي الكمال والوجود، ولا تدل علي الإحاطة، كما تدل علي الحدود التي هي التربيع والتثليث و التسديس، لأن الله عز وجل تدرك معرفته بالصفات والأسماء، ولا تدرك بالتحديد بالطول والعرض والقلة والكثرة واللون والوزن وما أشبه ذلك وليس يحل بالله جل وتقدس شيء من ذلك حتي يعرفه خلقه بمعرفتهم أنفسهم بالضرورة التي ذكرنا، ولكن يدل علي الله عز وجل بصفاته، ويدرك بأسمائه، ويستدل عليه بخلقه حتي لا يحتاج في ذلك الطالب المرتاد إلي رؤية عين ولا استماع أذن ولا لمس كف ولا إحاطة بقلب، فلو كانت صفاته جل ثناؤه لا تدل عليه وأسماؤه لا تدعو إليه والمعلمة من الخلق لا تدركه لمعناه كانت

العبادة من الخلق لأسمائه وصفاته دون معناه، فلولا أن ذلك كذلك لكان المعبود الموحد غير الله، لأن صفاته وأسماءه غيره، أفهمت؟ قال: نعم يا سيدي زدني

قال الرضا (ع): إياك وقول الجهال أهل العمي والضلال الذين يزعمون أن الله جل وتقدس موجود في

الآخرة للحساب والثواب والعقاب، وليس بموجود في الدنيا للطاعة والرجاء، ولو كان في الوجود لله عر وجل نقص واهتضام لم يوجد في الآخرة أبدا، ولكن القوم تاهوا وعموا وصموا عن الحق من حيث لا يعلمون، وذلك قوله عز وجل: (ومن كان في هذه أعمي فهو في الآخرة أعمي وأضل سبيلا)يعني أعمي عن الحقائق الموجودة، وقد علم ذوو الألباب أن الاستدلال علي ما هناك لا يكون إلا بما ههنا، من أخذ علم ذلك برأيه وطلب وجوده وإدراكه عن نفسه دون غيرها لم يزدد من علم ذلك إلا بعدا، لأن الله عر وجل جعل علم ذلك خاصة عند قوم يعقلون ويعلمون ويفهمون

قال عمران: يا سيدي ألا تخبرني عن الإبداع أخلق

هو أم غير خلق؟ قال له الرضا (ع): بل خلق ساكن لا يدرك بالسكون، وإنما صار خلقا لأنه شيء محدث، والله الذي أحدثه فصار خلقا له، وإنما هو الله عز وجل وخلقه لا ثالث بينهما، ولا ثالث غيرهما، فما خلق الله عز وجل لم يعد أن يكون خلقه، وقد يكون الخلق ساكنا ومتحركا ومختلفا أو مؤتلفا ومعلوما و متشابها، وكل ما وقع عليه حد فهو خلق الله عز وجل، واعلم أن كل ما أوجدتك الحواس فهو معني مدرك للحواس، وكل حاسة تدل علي ما جعل الله عز وجل لها في إدراكها، والفهم من القلب بجميع ذلك كله. واعلم إن الواحد الذي هو قائم بغير تقدير ولا تحديد

خلق

خلقا مقدرا بتحديد وتقدير، وكان الذي خلق خلقين أثنين: التقدير والمقدر، وليس في واحد منهما لون ولا وزن ولا ذوق فجعل أحدهما يدرك بالآخر، وجعلهما مدركين بنفسهما، ولم يخلق شيئا فردا قائما بنفسه دون غيره للذي أراد من الدلالة علي نفسه وإثبات وجوده، فالله تبارك وتعالي فرد واحد لا ثاني معه يقيمه ولا يعضده ولا يكنه والخلق يمسك بعضه بعضا بإذن الله ومشيته، وإنما اختلف الناس في هذا الباب حتي تاهوا وتحيروا وطلبوا الخلاص من الظلمة بالظلمة في وصفهم الله بصفة أنفسهم فازدادوا من الحق بعدا، ولو وصفوا الله عز وجل بصفاته ووصفوا المخلوقين بصفاتهم لقالوا بالفهم واليقين ولما اختلفوا، فلما طلبوا من ذلك ما تحيروا فيه ارتبكوا فيه والله يهدي من يشاء إلي صراط مستقيم

قال عمران: يا سيدي أشهد أنه كما وصفت، ولكن

بقيت لي مسألة، قال: سل عما أردت، قال: أسألك عن الحكيم في أي شيء هو؟ وهل يحيط به شيء؟ وهل يتحول من شيء إلي شيء، أو به حاجة إلي شيء؟ قال الرضا (ع): أخبرك يا عمران فاعقل ما سألت عنه فإنه من اغمض ما يرد علي المخلوقين في مسائلهم، وليس يفهمه المتفاوت عقله العازب حلمه، ولا يعجز عن فهمه أولو العقل المنصفون، أما أول ذلك فلو كان خلق ما خلق لحاجة

منه لجاز لقائل أن يقول: يتحول إلي ما خلق لحاجته إلي ذلك، ولكنه عز وجل لم يخلق شيئا لحاجة، ولم يزل ثابتا لا في شيء ولا علي شيء إلا أن الخلق يمسك بعضه بعضا، ويدخل بعضه في بعض، ويخرج منه، والله جل وتقدس بقدرته يمسك ذلك كله، وليس يدخل في شيء ولا يخرج منه، ولا يؤوده حفظه، ولا يعجز عن إمساكه، ولا

يعرف أحد من الخلق كيف ذلك إلا الله عز وجل، ومن أطلعه عليه من رسله، وأهل سره و المستحفظين لأمره، وخزانه القائمين بشريعته، و إنما أمره كلمح بالبصر أو هو أقرب،إذا شاء شيئا فإثما يقول له: كن فيكون بمشيئته وإرادته، وليس شيء من خلقه أقرب إليه من شيء، ولا شيء أبعد منه من شيء أفهمت يا عمران؟ قال: نعم يا سيدي قد فهمت واشهد أن الله علي ما وصفته و وحدته، وأن محمدا عبده المبعوث بالهدي ودين الحق. ثم خر ساجدا نحو القبلة وأسلم،وهكذا ختام المؤتمر

قال الحسن بن محمد النوفلي فلما نظر المتكلمون إلي كلام عمران الصابئ وكان جدلا لم يقطعه عن حجته أحد قط لم يدن من الرضا (ع) أحذ منهم، ولم يسألوه عن شيء،وأمسينا، فنهض المأمون والرضا (ع) فدخلا وانصرف

الناس، وكنت مع جماعة من أصحابنا إذ بعث إلي محمد بن جعفر فأتيته فقال لي: يا نوفلي أما رأيت ما جاء به صديقك، لا والله ما ظننت أن علي بن موسي (ع) خاض في شيء من هذا قط ولا عرفناه به، إنه كان يتكلم بالمدينة أو يجتمع إليه أصحاب الكلام؟ قلت: قد كان الحاج يأتونه فيسألونه عن أشياء من حلالهم و حرامهم فيجيبهم، وربما كلم من يأتيه يحاجه

123

رجوع إلي القائمة

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.