الثبات علي المبدأ

اشارة

اسم الكتاب: الثبات علي المبدأ

المؤلف: حسيني شيرازي، محمد

تاريخ وفاة المؤلف: 1380 ش

اللغة: عربي

عدد المجلدات: 1

الناشر: موسسه المجتبي

مكان الطبع: بيروت لبنان

تاريخ الطبع: 1422 ق

الطبعة: اول

بسم الله الرحمن الرحيم

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا

إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ

وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ

صدق الله العلي العظيم

سورة محمد: 7

كلمة الناشر

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الظروف العصيبة التي تمر بالعالم..

والمشكلات الكبيرة التي تعيشها الأمة الإسلامية..

والمعاناة السياسية والاجتماعية التي نقاسيها بمضض..

وفوق ذلك كله الأزمات الروحية والأخلاقية التي يئن من وطأتها العالم أجمع..

والحاجة الماسة إلي نشر وبيان مفاهيم الإسلام ومبادئه الإنسانية العميقة التي تلازم الإنسان في كل شؤونه وجزئيات حياته وتتدخل مباشرة في حل جميع أزماته ومشكلاته في الحرية والأمن والسلام وفي كل جوانب الحياة..

والتعطش الشديد إلي إعادة الروح الإسلامية الأصيلة إلي الحياة، وبلورة الثقافة الدينية الحيّة، وبث الوعي الفكري والسياسي في أبناء الإسلام كي يتمكنوا من رسم خريطة المستقبل المشرق بأهداب الجفون وذرف العيون ومسلات الأنامل..

كل ذلك دفع المؤسسة لأن تقوم بإعداد مجموعة من المحاضرات التوجيهية القيمة التي ألقاها سماحة المرجع الديني الأعلي آية الله العظمي السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره الشريف) في ظروف وأزمنة مختلفة، حول مختلف شؤون الحياة الفردية والاجتماعية، وقمنا بطباعتها مساهمة منا في نشر الوعي الإسلامي، وسدّاً لبعض الفراغ العقائدي والأخلاقي لأبناء المسلمين من أجل غدٍ أفضل ومستقبل مجيد..

وذلك انطلاقاً من الوحي الإلهي القائل:

?لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ?().

الذي هو أصل عقلائي عام يرشدنا إلي وجوب التفقه في الدين وانذار الأمة، ووجوب رجوع الجاهل إلي العالم في معرفة أحكامه في كل مواقفه وشؤونه..

كما هو تطبيق عملي وسلوكي للآية الكريمة:

?فَبَشِّرْ عِبَادِ ? الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُوا الأَلْبَابِ?().

إن مؤلفات سماحة آية الله العظمي

السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره الشريف) تتسم ب:

أولاً: التنوّع والشمولية لأهم أبعاد الإنسان والحياة لكونها إنعكاساً لشمولية الإسلام..

فقد أفاض قلمه المبارك الكتب والموسوعات الضخمة في شتي علوم الإسلام المختلفة، بدءاً من موسوعة الفقه التي تجاوزت حتي الآن المائة والخمسين مجلداً، حيث تعد إلي اليوم أكبر موسوعة علمية استدلالية فقهية مروراً بعلوم الحديث والتفسير والكلام والأصول والسياسة والاقتصاد والاجتماع والحقوق وسائر العلوم الحديثة الأخري.. وانتهاءً بالكتب المتوسطة والصغيرة التي تتناول مختلف المواضيع والتي قد تتجاوز بمجموعها ال(1500) مؤلفاً.

ثانياً: الأصالة حيث إنها تتمحور حول القرآن والسنة وتستلهم منهما الرؤي والأفكار.

ثالثاً: المعالجة الجذرية والعملية لمشاكل الأمة الإسلامية ومشاكل العالم المعاصر.

رابعاً: التحدث بلغة علمية رصينة في كتاباته لذوي الاختصاص ك(الأصول) و(القانون) و(البيع) وغيرها، وبلغة واضحة يفهمها الجميع في كتاباته الجماهيرية وبشواهد من مواقع الحياة.

هذا ونظراً لما نشعر به من مسؤولية كبيرة في نشر مفاهيم الإسلام الأصيلة قمنا بطبع ونشر هذه السلسلة القيمة من المحاضرات الإسلامية لسماحة المرجع الراحل والتي تقارب التسعة آلاف محاضرة ألقاها سماحته في فترة زمنية قد تتجاوز الأربعة عقود من الزمن في العراق والكويت وإيران..

نرجو من المولي العلي القدير أن يوفقنا لإعداد ونشر ما يتواجد منها، وأملاً بالسعي من أجل تحصيل المفقود منها وإخراجه إلي النور، لنتمكن من إكمال سلسلة إسلامية كاملة ومختصرة تنقل إلي الأمة وجهة نظر الإسلام تجاه مختلف القضايا الاجتماعية والسياسية الحيوية بأسلوب واضح وبسيط.. إنه سميع مجيب.

مؤسسة المجتبي للتحقيق والنشر

بيروت لبنان ص ب 6080 / 13 شوران

البريد الإلكتروني: almojtaba@alshirazi.com

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام علي نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين، واللعنة الدائمة علي أعدائهم أجمعين إلي قيام يوم الدين().

الصبر

قال تعالي: ?وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ?().

قال أمير المؤمنين

الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام: «من ركب مركب الصبر اهتدي إلي مضمار النصر» ().

إن للصبر تعاريف وتفاسير متعددة، لعل من أفضلها هو ما جاء في رواية مرفوعة إلي النبي صلي الله عليه و اله قال: «جاء جبرئيل عليه السلام إلي النبي صلي الله عليه و اله فقال: يا رسول الله، إن الله أرسلني إليك بهدية لم يعطها أحداً قبلك، قال رسول الله صلي الله عليه و اله: ما هي؟ قال: الصبر إلي قوله صلي الله عليه و اله قلت: يا جبرئيل، فما تفسير الصبر؟ قال: تصبر في الضرّاء كما تصبر في السرّاء، وفي الفاقة كما تصبر في الغني، وفي البلاء كما تصبر في العافية، فلا يشكو حاله عند المخلوق بما يصيبه من البلاء …» ().

وقال الإمام أبو عبد الله الصادق عليه السلام لحفص بن غياث:

«يا حفص، إنّ من صبر صبر قليلاً، وإنّ من جزع جزع قليلاً، ثمّ قال عليك بالصّبر في جميع أمورك؛ فإنّ اللّه عزّوجلّ بعث محمّداً صلي الله عليه و اله فأمره بالصّبر والرّفق فقال: ?وَاصْبِرْ عَلَي مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً ? وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً?() وقال: ?ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ? وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ?() فصبر حتّي نالوه بالعظائم، ورموه بها، فضاق صدره فأنزل اللّه عليه: ?وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ ? فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ?() ثمّ كذّبوه ورموه، فحزن لذلك فأنزل اللّه: ?قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللهِ يَجْحَدُونَ ? وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَي مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا

حَتَّي أَتَاهُمْ نَصْرُنَا?() فألزم النّبيّ صلي الله عليه و اله نفسه الصّبر، فتعدّوا فذكروا اللّه تبارك وتعالي وكذّبوه فقال: قد صبرت في نفسي وأهلي وعرضي ولا صبر لي علي ذكر إلهي، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: ?فَاصْبِرْ عَلَي مَا يَقُولُونَ?() فصبر في جميع أحواله، ثمّ بشّر في عترته بالأئمّة عليهم السلام ووصفوا بالصّبر فقال جلّ ثناؤه: ?وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ?() فعند ذلك قال النّبيّ صلي الله عليه و اله: الصّبر من الإيمان كالرّأس من الجسد. فشكر اللّه ذلك له فأنزل اللّه: ?وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَي عَلَي بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ?() فقال: إنّه بشري وانتقام، فأباح اللّه له قتال المشركين، فأنزل اللّه: ?فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ?()، ?وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ?() فقتلهم اللّه علي يدي رسول اللّه صلي الله عليه و اله وأحبّائه، وجعل له ثواب صبره مع ما ادّخر له في الآخرة، فمن صبر واحتسب لم يخرج من الدّنيا حتّي يقرّ اللّه له عينه في أعدائه مع ما يدّخر له في الآخرة» ().

كمال الشخصية

يدور البحث حول: الصبر والاستقامة والثبات علي المبدأ.

وهذه الثلاثة من الأعمال المهمة التي تساعد علي كمال شخصية الإنسان، ولتوضيح ذلك نحتاج إلي ذكر بعض القصص والروايات، التي ذكرت في التأريخ، عن صبر وجهاد الأنبياء والأوصياء عليهم السلام، في سبيل تبليغ رسالاتهم السماوية، وما تكبّدوه من معاناة وآلام في سبيل ذلك، قال تعالي: ?لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُولِي الألْبَابِ?()، وكذلك نستشهد ببعض الوقائع والأحداث في عصرنا الحالي، لكي تكون حافزاً لنا علي العمل في سبيل تحقيق أهدافنا، حتي لا نستسلم للأحداث مهما كانت شاقة،

وأن نسير في طريق الاستقامة بثبات وعزيمة، وأن لا يثنينا عن ذلك كثرة العراقيل والمعوقات، والله المستعان.

نوح عليه السلام وقومه

قال تعالي: ?قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً ? فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلاَ فِرَاراً ? وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً?().

أوحي الله تعالي إلي النبي نوح عليه السلام بأن يدعو قومه إلي عبادة الله تعالي، وأن يتركوا ما كانوا عليه عاكفين، من أصنام وغيرها. فنفّذ نوح عليه السلام أمر الله تعالي، وأخذ يبلّغ رسالة ربه، ولكن قومه كذبوه، بل وأكثر من ذلك، أنهم عمدوا علي إيذائه ومقاطعته عليه السلام، إلي حد أنهم إذا سمعوا صوته وهو يبلّغهم بما أُنزل إليه من ربّه ليرجعوا إلي رشدهم، وينبذوا عاداتهم وتقاليدهم المغلوطة، ويتوجهوا إلي عبادة الله تعالي، وضعوا أصابعهم في آذانهم، كي لا يسمعوا صوته عليه السلام. وكلّما رأوه وضعوا ثيابهم علي وجوههم كي لا يشاهدوه عليه السلام، إضافة إلي هذا كله كانوا يُسمعونه أقوالاً قبيحة لا تليق بمقامه الشريف. وكانوا يمارسون ضده بعض الأعمال الخشنة. ولكن مع هذا كلّه لم يدخل الجزع إلي نفسه، ولم يرضخ لهم، وأخذ يبلّغ رسالة ربه ليل نهار، ويقول المفسرون في كلمة ?لَيْلاً وَنَهَاراً? المقصود منها: هو كناية عن دوامه في تبليغ الرسالة الإلهية من غير فتور ولا توان().

وخلاصة الكلام: إن في القصة عبرةً ودرساً بليغاً ضربه لنا نوح عليه السلام فيجب علينا أن نستفيد منه في مسيرتنا الجهادية لنشر الإسلام، حتي يكون الرسالي علي أهبة الاستعداد للتضحية وتحمل العنت والمشقّات، ولو طال ذلك كثيراً كما حصل لنبي الله نوح عليه السلام، كما يتطلب منه أن لا يتوقف عن أداء مهمته، وأن لا يدع لليأس طريقاً

إلي نفسه أبداً، وأن يحافظ علي نشاطه ومساعيه بنفس الحرارة التي بدأ فيها، وإن الآية الكريمة أشارت إلي أن نوحاً عليه السلام ظل طوال (950) عاماً من العمل الدؤوب ?مَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَ قَلِيلٌ?()، حتي قال بعضهم: إن هذا العدد القليل هو سبعة أشخاص() فقط، وعن حمران عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله: ?ومَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَ قَلِيلٌ? قال: «كانوا ثمانية» ().

الاستقامة

قال تعالي: ?فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ?().

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله حيث قال له أصحابه: أسرع إليك الشيب يا رسول الله؟ قال صلي الله عليه و اله: «شيبتني هود والواقعة» ().

قال ابن عباس: ما نزل علي رسول الله صلي الله عليه و اله آية كانت أشد عليه ولا أشق من هذه الآية؛ ولذلك قال لأصحابه حين قالوا له: أسرع إليك الشيب يا رسول الله صلي الله عليه و اله؟! قال: «شيبتني هود والواقعة» ()، ويقصد عن سورة هود علي المشهور الآية: ?فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ?.

فالآية الكريمة من سورة هود احتوت علي خطابين، الأول: موجّه إلي الرسول الأكرم صلي الله عليه و اله، والثاني: موجّه إلي من تاب معه، وهذا معناه: أن الأمر موجّه إلي الرسول صلي الله عليه و اله والي من معه من المسلمين، فلا تكفي استقامة الرسول صلي الله عليه و اله حتي ينزل نصر الله تعالي؛ لأن رسول الله (صلوات الله وسلامه عليه) هو قمّة الصبر والاستقامة مؤيداً من قبل الله، وإنما الأمر يتعلق باستقامة المسلمين أيضاً.. والاستقامة هي: أداء المأمور به والانتهاء عن المنهي عنه.

هذا ما نقل عن مجمع البيان في تعريف الاستقامة (). وقيل: معني الآية الكريمة هو استقم أنت

علي الأداء وليستقيموا هم علي القبول وغيرها من المعاني()..

إذن، فالاستقامة ضرورية في كل عمل يعمله الإنسان فبالإضافة إلي الصبر والثبات نحتاج أيضاً إلي الاستقامة لكي نحظي برضا الله تعالي ورحمته، أولاً وننجح في الأعمال المطلوبة منا ثانياً.

الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله وتحمل الأذي

قال رسول الله صلي الله عليه و اله: «ما أؤذي نبي مثل ما أوذيت» ().

إن أغلب الأنبياء والأوصياء عليهم السلام، تحملوا المتاعب والمصاعب الكبيرة، في سبيل نشر الرسالة التي أمرهم الله تعالي بتبليغها إلي البشرية، ومنهم خاتم الأنبياء الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله.

والشخص المتفحص للتاريخ وخصوصاً لتاريخ قريش قبيلة الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله، وسير الحياة فيها، سوف يلاحظ صعوبة الدخول في قريش، وتغيير أفكارهم. فقريش قبيلة كبيرة لها نظامها الخاص وأسلوبها في الحياة. فالعادات الجاهلية كانت منتشرة في هذه القبيلة وغيرها من القبائل القاطنة في الجزيرة العربية. والتفاخر بالأنساب والألقاب، والسبي والقتل، وعبادة الأوثان هي السائدة، ومع كل هذا يخرج الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله وينفي كل هذه العادات والتقاليد، التي كانوا يتوارثونها أباً عن جد. بل وأكثر من ذلك، تراه يدعوهم لنبذ هذه الأعمال ويدعوهم لعبادة الله الواحد وحفظ الجوار والتآخي ونفي التعالي والتفاخر إلا بما يقرب إلي الله الواحد. فماذا تتوقع من أناس أعماهم الجهل عن رؤية الحقيقة، وجعلهم يرون بأنّ هذه الأعمال والأفعال التي يعملونها هي الصحيحة؟

فكان الرد علي النبي صلي الله عليه و اله عنيفاً، ولقد ألحقوا به أذيً عظيماً ابتداءً بتكذيبه ومحاصرته إعلامياً، إلي أن تيقنوا من عدم الجدوي من وراء ذلك، فأمروا أولادهم ونساءهم بالتعرض للنبي صلي الله عليه و اله وقذفه بالحجارة ووضع الأشواك في طريقه ومصادرة أمواله والاستهزاء به، وقالوا: إنه ساحر ومجنون().

وقالوا: إنه شاعر أو كاهن مسّه بعض آلهتنا بسوء()، وغيرها من الأساليب التي ابتدعوها لكي يشوّهوا صورة النبي العظيم صلي الله عليه و اله في نظر الناس.

ولكن جهاد النبي صلي الله عليه و اله وصبره وثباته علي مبدئه أفشل جميع مخططاتهم وكيدهم، متخطياً بذلك هذه الصعوبات. واستطاع نتيجة ذلك تغيير الكثير من قومه، حتي دخلوا في الإسلام عندما رأوا صدقه وصلابته علي مبدئه، وحرصه علي مصلحتهم، وتفانيه في احترامهم، حيث أنه صلي الله عليه و اله عندما واجهه قومه بالتكذيب والأذي، وعملوا ما عملوا لإيذائه وإيذاء أصحابه لم يجزع، بل دعا لهم ربه واستغفر لهم. ففي رواية أن الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله كان يمسح الدم عن وجهه عندما ضربه المشركون من قومه في يوم أحد علي جبهته الشريفة ويقول: «اللهم أهدِ قومي فانهم لا يعلمون» ().

وكلامنا هو: أن الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله عندما قابله قومه بالتكذيب والاستهزاء والاعتداء عليه بالضرب والمقاطعة، وغيرها من صنوف الأذي لم ينهزم أو يستسلم أمامهم، بل صبر وصابر ورابط علي مبدئه، بدون ضعف أو هوان، والنتيجة كانت ان انتشر الإسلام في بقاع واسعة من المعمورة، وأصبحت رسالته خالدة إلي يوم يبعثون، ومن تمسّك بتلك الرسالة فاز في الدنيا والآخرة.

فعلينا اليوم أن نتأسي بالنبي صلي الله عليه و اله في صبره وجهاده كما جاء في القرآن الكريم في قوله تعالي: ?لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ?(). لكي نتغلب علي الصعوبات والعراقيل التي تقف حائلاً أمام مسيرتنا الإسلامية ودعوتنا إلي الله تبارك وتعالي.

النبي صلي الله عليه و اله والثبات علي المبدأ

بعد أن رأي المشركون تأثير دعوة النبي صلي الله عليه و اله بين الناس أقدموا علي مؤامرة آلت بالنتيجة إلي الخيبة

والخسران وهي:

عقد رؤساء قبائل قريش اجتماعاً لهم في دار الندوة، وكتبوا صحيفة قرروا فيها أمراً يقضي بإلزام كل قريش بقطع علاقاتها ببني هاشم، اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً، وإن أي شخص من قريش يريد أن يقيم علاقة مع بني هاشم، فعلي قريش أن لا تسلم عليه ولا ترد عليه السلام، وأن تصادر أمواله إذا أقام تجارة مع بني هاشم، حتي يدخل في عزلة تجبره أخيراً علي الاستسلام إلي إرادة قريش.

وفي المقابل قرّر رسول الله وأبو طالب البحث عن وسيلة لخلاص بني هاشم من هذا الخطر، فقرروا أن ينزلوا في شعب أبي طالب مع مائة وعشرين فرداً من بني هاشم علي أن يخرجوا إلي هناك ليلاً، ليتخلصوا من الأذي الجسمي، والعذاب النفسي الذي تسببه مقاطعة قريش لهم، إن الأذي الذي تحمّله بنو هاشم كان بقدر لا يطاق، فمن تعب ومعاناة إلي جوع وعطش، حتي أنهم صاروا صُفر الوجوه، وقد بان الضعف علي أبدانهم، وما موت خديجة عليها السلام إلا نتيجة لما لاقته من أذي في شعب أبي طالب، عندما كانت تذهب إلي رسول الله صلي الله عليه و اله وأصحابه وتحمل لهم قليلاً من الأكل والماء، ووصلت الحالة بالرسول صلي الله عليه و اله وأصحابه أنهم كانوا يتوسدون حجر الجبال وينامون بعض الليل، حتي أن رسول الله صلي الله عليه و اله قال لهم عند قليب بدر: «بئس عشيرة الرجل كنتم لنبيكم، كذبتموني وصدقني الناس، وأخرجتموني وأواني الناس وقاتلتموني ونصرني الناس» ().

الصبر والثبات أقوي

وفي نهاية الأمر وقع اختلاف بين رؤساء قريش، فبعضهم قد عارض قطع العلاقات مع بني هاشم وطالبوا بإعادتها، مثل مطعم بن عدي()، وأبو البختري بن هشام، وزهير بن أمية المخزومي. في حين كان البعض الآخر يري

ضرورة إدامة قطع تلك الروابط مثل أبي سفيان، وأبي جهل، وأتباعهما. ولما أتي علي رسول الله وأصحابه في الشعب أربع سنين، بعث الله علي صحيفتهم النكراء دابة الأرض فلمست جميع ما فيها من قطيعة وظلم وتركت ما كان فيه ذكر لله سبحانه، وهو قولهم (باسمك اللهم)()، ونزل جبرائيل عليه السلام علي رسول الله صلي الله عليه و اله فأخبره بذلك، فأخبر رسول الله أبا طالب، وذهب بدوره إلي قريش وأخبرهم بذلك، فبعثوا إلي الصحيفة وأنزلوها من الكعبة وعليها أربعون خاتماً، فلما أتوا بها نظر كل رجل منهم إلي خاتمه، ثم فكّوها فإذا ليس فيها حرف واحد إلا (باسمك اللهم). فقال أبو طالب: يا قوم اتقوا الله وكفوا عما أنتم عليه، فتفرق القوم ولم يتكلم أحد().

وما خروج رسول الله صلي الله عليه و اله وأصحابه من الشعب منتصرين بنصر الله دون أن يعطوا أي تنازل للمشركين عن مبدئهم إلا نتيجة لتحملهم وصبرهم علي أذي قريش.

وخلاصة القول هو: إن الإنسان المؤمن الذي يريد الوصول إلي أهدافه لابد له من الثبات والصبر والتحمل، وعدم التنازل للأعداء قيد أنملة.

تشكيل الحكومة الإسلامية ()

إن نتائج الصبر والثبات علي المبدأ تحقق أغلب الطموحات والأماني، فإنّ الأمل الذي يراود أغلب المسلمين هو: تشكيل حكومة إسلامية موحدة للمسلمين تحافظ علي مصالحهم، وتصون حقوقهم وممتلكاتهم، وذلك لا يتم ولا يتحقق بدون الصبر والاستمرار علي النهج القويم الذي خطّه لنا أئمتنا عليهم السلام.

وكذلك نحتاج إلي بعض الأمور المهمة التي تعد كمقدمات لهذا الهدف، منها: توفير كادر إسلامي متخصص من العلماء من ذوي الاختصاص، تشمل حقول الاجتماع، والاقتصاد، والسياسة، وغيرها من مجالات الحياة؛ ليقوموا بمتابعة الحالة العامة للمسلمين، ودراستها دراسة مستفيضة ومحيطة بكل الجوانب، وتعيين نقاط الضعف، ونقاط القوة،

ووضع الحلول المناسبة لذلك، بمعونة وإشراف المراجع العظام. وكذلك تهيئة كادر إسلامي أوسع نطاقاً، يتكون من المبلغين والكتّاب والأساتذة كلٌّ في اختصاصه، للقيام بنقل التوصيات والتعليمات التي أقرّها الإسلام، وتطبيقها علي أرض الواقع. ومن المقدمات المهمة لذلك هي:

أولاً: الأخوّة الإسلامية.. اللازم تحقيق الأخوّة الإسلامية في نفوس المسلمين ليصبح المسلمون إخوة، تجمعهم وشائج الإسلام أينما كانوا، بحيث يصبح المسلم العربي أخاً للمسلم الفارسي، وهذا أخاً للمسلم التركي، والأخير أخاً للهندي.. وهكذا سائر المسلمين مصداقاً للآية الكريمة: ?إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ?() والحديث النبوي الشريف: «..المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحرمه، فيحق علي المسلمين الاجتهاد فيه الزمان الشديد والتواصل والتعاون عليه والمواساة لأهل الحاجة والعطف منكم، يكون علي ما أمر الله فيهم ?رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ?() متراحمين» (). فحينئذ يصبح من السهل تشكيل الحكومة الإسلامية الموحدة الجامعة لكل المسلمين.

إن النصوص الواردة في القرآن والسنة، وهي كثيرة، تبين ما بين المسلمين من أخوة عميقة، هي أخوّة الدين والإيمان، وبتطبيقها يتحقق المطلوب ونخطو خطوات كبيرة إلي الأمام().

ثانياً: نشر الحرية الإسلامية في البلاد، ورفع القيود التي تقيد الإنسان وتحد من عمله، فإن الإسلام لا يقر القيود والأغلال التي تفرض علي الإنسان فقد قال تعالي: ?وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ?()، وإنما جاء الإسلام لكي يرفع هذه القيود والأغلال التي كانت تكبله في العصور المظلمة، والتي سبقت بزوغ نجم الإسلام، وقد ذكر في بعض التفاسير() أن هذه الآية نزلت علي اليهود والنصاري تصف لنا حياتهم قبل مجيء الإسلام. فقد كانوا في كبت وضيق وعندما أتي الرسول صلي الله عليه و اله رفع عنهم هذا الكبت، وهذه الأغلال، كما يفهم من الآية التي تليها: ?قُلْ

يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً?() إن الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله مبعوث إلي كافة الناس فإذا كان يرفع الأغلال والقيود عن اليهود والنصاري فمن باب أولي يرفعها عن المسلمين. ومن هنا عرف الإسلام بأنه دين المحبة والسلام والحرية.

إذ أن من خواص الإسلام أنه يطلق الحريات المعقولة، فالسفر والإقامة والتجارة والزراعة والصناعة والبيع والاشتراء والكلام والكتابة والتجمع وغيرها، كلها مباحة لا قيود لها، إلا بعض الشرائط الطفيفة التي هي في صالح المجتمع والفرد، ولا يعلم مدي ذلك إلا بالمقايسة إلي الأنظمة والمناهج الدنيوية التي كلها كبت واستعباد واستغلال.

ثالثاً: الأمة الواحدة، قال تعالي: ?إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ?() إن القرآن والإسلام يحث المسلمين علي الوحدة ورفع الحواجز والحدود فيما بينهم؛ لأن في تفرقتهم ضعفهم وهوانهم، ويطمع الأعداء فيهم. قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: «الزموا الجماعة واجتنبوا التفرقة» ().

ففي تحقق هذه النقاط الثلاث: الأخوة الإسلامية والحرية الإسلامية والأمة الواحدة في المجتمع الإسلامي، وإزالة المخاوف التي تراود المسلمين من قيام حكومة إسلامية والتي زرعها الاستعمار في قلوب بعض المسلمين يصبح من السهل تشكيل حكومة إسلامية عالمية()، تدافع عن المسلمين وتحافظ علي مصالحهم.

مفتاح النجاح

إن الشيء المهم الذي يعدّ مفتاح النجاح والفلاح في جميع الأهداف، هو الثبات والدوام علي النهج الإسلامي القويم، وعدم الملل والكلل، لأن أي هدف مهما كان بسيطاً يحتاج إلي الصبر والاستمرار في العمل.

أضرب هنا مثلاً: الطالب سواء كان حوزوياً أم طالباً في المدارس الأكاديمية، عندما يدخل في المدرسة يتحمل البرد والجوع أحياناً، وضنك العيش، وربما يصرف أموالاً طائلة لكي يحصل علي ثمرة عمله، فالطالب الصبور المستمر في دراسته تلاحظه يتوفق غالباً، ويصل إلي هدفه، بعكس الطالب القليل الصبر،

فإنه ينهزم من أول مشكلة تصادفه، ويقطع دراسته، ويصبح فاشلاً في حياته غالباً.

وهذا المثل الذي ضربناه لكم، يعدّ مثلاً صغيراً جداً، مقارنة مع هدفنا في تشكيل الحكومة الإسلامية. أما هدفنا العظيم هذا فهو يحتم علينا الصبر الكثير وإدامة العمل مهما كانت المعوقات والمشاكل، وفي التاريخ الكثير من القضايا التي تعد درساً بليغاً في ذلك. مثلاً، أحد أصحاب النبي صلي الله عليه و اله حينما أشرف علي الموت أخذ يبكي بكاءً شديداً، فسأله أصحابه الذين اجتمعوا حوله، عن سبب بكائه؟ فقال: لأن الإنسان لابد ميت، وإني لأخشي أن يفاجئني أجلي علي فراشي، دون أن أرزق الشهادة تحت راية رسول الله صلي الله عليه و اله وهذا المعني ورد عن إمامنا الحسين عليه السلام في أبيات منسوبة له عليه السلام:

فإن تكن الدنيا تعد نفيسة

فإن ثواب الله أعلي وأنبل

وإن تكن الأبدان للموت أنشئت

فقتل امرء بالسيف في الله أفضل()

قال بعض الرواة: فوالله ما رأيت مكثوراً قط قد قُتل ولده وأهل بيته وأصحابه أربط جأشاً منه، وإن كانت الرجال لتشد عليه فيشدّ عليها بسيفه فتنكشف عنه انكشاف المعزي إذا شد فيها الذئب، ولقد كان يحمل فيهم وقد تكملوا الفا فينهزمون بين يديه كأنهم الجراد المنتشر، ثم يرجع إلي مركزه وهو يقول: «لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم» ().

فموقف إمامنا الحسين عليه السلام هذا هو درس وافٍ لتلخيص المبادئ التي تحدثنا عنها (الصبر والاستقامة والثبات علي المبدأ) وغيرها من المبادئ والعبر. فالإمام عليه السلام كان ينبوع الصبر، أيُّ إنسان قتل أهل بيته، وأصحابه وبات وحيداً فريداً، لا ناصر له ولا معين، أمام جيش جرار، مدجج بالسلاح مصمم علي قتله، فيما بقي عيالاته وحرمه بغير راع أو كفيل.. يواجه كل

ذلك أمام عينيه، فلا يتسرب إلي نفسه جزع أو اضطراب، بل يبكي لا لأجل نفسه، بل لأن كل تلك الألوف المؤلفة ستدخل النار بسبب العدوان علي حقه.. فيتقدم إليهم رابط الجأش، مشرق الوجه يعظهم، وينذرهم بغضب الله وسخطه.

ولما لم يجد تأثيراً لنصحه وتذكيره، بل وجدَ القوم يطفحون بالشر والكفر، بحيث لا يقبلون بغير رأسه بدلاً.. تقدم إليهم بلامة حربه شاهراً سيفه وهو لا يفتأ يردّد: «لا حول ولا قوة إلا بالله … نصبر علي بلائه ويوفينا أجور الصابرين» () صابراً محتسباً، لأمر الله وقضائه ثابتاً علي المبدأ الذي آمن به، مستقيماً علي دين جده المصطفي صلي الله عليه و اله، حتي ضحّي بحياته وأهل بيته وأصحابه؛ في سبيل ذلك الهدف، وفي سبيل كسب رضا الله تعالي، وفي سبيل أن يبقي الإسلام حياً في قلوب البشر، وفي زيارة الناحية نقرأ هذه المقاطع:

«.. أشهد أنك قد أقمت الصلاة، وآتيت الزكاة، وأمرت بالمعروف، ونهيت عن المنكر والعدوان، وأطعت الله وما عصيته، وتمسكت به وبحبله، فأرضيته وخشيته، وراقبته واستجبته، وسننت السنن،.. وكنت لله طائعاً ولجدك محمداً صلي الله عليه و اله تابعاً، ولقول أبيك سامعاً والي وصية أخيك مسارعاً ولعماد الدين رافعاً وللطغيان قامعاً وللطغاة مقارعاً وللأمة ناصحاً في غمرات الموت سابحاً.. وللحق ناصراً وعند البلاء صابراً وللدين كالئاً وعن حوزته مرامياً..» ().

فنسأل اله تعالي أن يجعلنا من الصابرين المحتسبين والثابتين علي الصراط المستقيم.

«اللهم بك أساور، وبك أجادل، وبك أصول، وبك انتصر، وبك أموت، وبك أحيا، أسلمت نفسي إليك وفوضت أمري إليك، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم» ().

سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام علي المرسلين والحمد لله رب العالمين.

من هدي القرآن الحكيم

جزاء الصابرين

قال تعالي: ?كَمْ مِنْ فِئَةٍ

قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ?().

وقال سبحانه: ?وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأمْوَالِ وَالأنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ إلي قوله تعالي أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ?().

وقال عزوجل: ?وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ?().

وقال جل وعلا: ?إِنَّمَا يُوَفَّي الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ?().

وقال تعالي: ?فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ?().

الاستقامة طريق النجاح

قال عزوجل: ?إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلاَئِكَةُ أَلاَ تَخَافُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ?().

وقال جل وعلا: ? إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ?().

وقال تعالي: ?وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَي الطَّرِيقَةِ لاَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً?().

الصبر في العمل وتحمل الأذي

قال سبحانه: ?وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَي مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَي اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ?().

وقال عزوجل: ?فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لأكفرّنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلاَدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ ثَوَاباً مِنْ عِنْدِ اللهِ?().

وقال جل وعلا: ?وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَي مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّي أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ?().

وقال تعالي: ?لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًي كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأمُورِ?().

الثبات علي المبدأ

وقال سبحانه: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا?().

وقال عزوجل: ?فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ?().

وقال جل وعلا: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ?().

وقال عزوجل: ?يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآَخِرَةِ?().

من هدي السنة المطهرة

جزاء الصابرين

قال رسول الله صلي الله عليه

و اله: «أربع من أعطيهن فقد أعطي خير الدنيا والآخرة: بدناً صابراً ولساناً ذاكراً وقلباً شاكراً وزوجة صالحة» ().

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله (حاكياً) عن الله تعالي: «إذا وجِّهت إلي عبد من عبيدي مصيبة في بدنه أو ماله أو ولده، ثم استقبل ذلك بصبر جميل استحييت منه أن أنصب له ميزاناً أو أنشر له ديواناً» ().

وقال الإمام السجاد عليه السلام: «الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، ولا إيمان لمن لا صبر له» ().

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: «عجبت للمؤمن وجزعه من السقم، ولو علم ماله في السقم لأحب ألا يزال سقيماً حتي يلقي ربه عزوجل» ().

وقال أبي عبد الله عليه السلام: «من إبتلي من المؤمنين ببلاء فصبر عليه كان له مثل أجر ألف شهيد» ().

الاستقامة طريق النجاح

قال رسول الله صلي الله عليه و اله: «استقم وليحسن خلقك للناس» وقال أيضاً صلي الله عليه و اله: «استقيموا ونعما ان استقمتم» ().

وقال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: «العمل العمل، ثم النهاية النهاية، والاستقامة الاستقامة، ثم الصبر الصبر، والورع الورع.. ألا وإن القدر السابق قد وقع والقضاء الماضي قد تورد() وإني متكلم بعدة () الله وحجته قال الله تعالي: ?إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلاَئِكَةُ أَلاَ تَخَافُوا وَلاَ تَحْزَنُوا?() وقد قلتم: ربنا الله فاستقيموا علي كتابه، وعلي منهاج أمره، وعلي الطريقة الصالحة من عبادته، ثم لا تمرقوا منها، ولا تبتدعوا فيها، ولا تخالفوا عنها» ().

وقال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: «من استقام فإلي الجنة، ومن زلّ فإلي النار» ().

وقال عليه السلام: «لا مسلك اسلم من الاستقامة» ().

وقال عليه السلام أيضاً: «لا سبيل أشرف من الاستقامة» ().

الصبر في العلم وتحمل الأذي

قال الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام: «إنه سيكون زمان لا يستقيم لهم الملك إلا بالقتل والجور، ولا يستقيم لهم الغني إلا بالبخل، ولا يستقيم لهم الصحبة إلا باتباع أهوائهم والاستخراج من الدين، فمن أدرك ذاك الزمان فصبر علي الفقر وهو يقدر علي الغني، وصبر علي الذل وهو يقدر علي العز، وصبر علي بغضه الناس وهو يقدر علي المحبة، أعطاه الله تعالي ثواب خمسين صديقاً» ().

ومن وصايا الإمام أمير المؤمنين عليه السلام لابنه الحسين عليه السلام أنه قال له: «يا بني أوصيك.. بالعمل في النشاط والكسل» ().

وقال الإمام أبو جعفر عليه السلام: «أحب الأعمال إلي الله تعالي ما داوم عليه العبد، وإن قل» ().

وقال الإمام أبو عبد الله عليه السلام: «اتقوا الله واصبروا فانه من لم يصبر أهلكه الجزع، وأما هلاكه في الجزع

أنه إذا جزع لم يؤجر» ().

بالصبر ينال المطلوب

قال رسول الله صلي الله عليه و اله: «واعلم أن النصر مع الصبر، والفرج مع الكرب وأن مع العسر يسراً إن مع العِسر يسرا» ().

وقال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: «من ركب مركب الصبر اهتدي إلي مضمار النصر» ().

وقال عليه السلام: «الصبر يرغم الأعداء» ().

وقال الإمام أبي عبد الله عليه السلام: «إن العبد يكون له عند ربه درجة لا يبلغها بعمله فيبتلي في جسده، أو يصاب في ماله، أو يصاب في ولده، فان هو صبر بلغه الله إياه» ().

رجوع إلي القائمة

پي نوشتها

() سورة التوبة: 122.

() سورة الزمر: 17-18.

() ألقي أصل هذا الكتاب في محاضرة للإمام الراحل (قده) بتاريخ: 8 جمادي الثاني 1400ه.

() سورة الأنفال: 46.

() كشف الغمة: ج2 ص346 ذكر الإمام التاسع أبي جعفر القانع محمد بن علي الجواد عليه السلام.

() وسائل الشيعة: ج15 ص194 ب4 ح20257.

() سورة المزمل: 10 11.

(3) سورة فصلت: 34 35.

(4) سورة الحجر: 97 98.

(5) سورة الأنعام: 33 34.

(1) سورة طه: 130، سورة ق: 39.

(2) سورة السجدة: 24.

(3) سورة الاعراف: 137.

(4) سورة التوية: 5.

(5) سورة البقرة: 191.

() وسائل الشيعة: ج15 ص261 ب25 ح20454.

() سورة يوسف: 111.

() سورة نوح: 5-7.

() راجع تفسير جامع الجوامع: المجلد4 ص748 في تفسير سورة نوح.

() سورة هود: 40.

() راجع التبيان في تفسير القرآن: المجلد5 ص485.

() تفسير العياشي: ج2 ص148 ح29 من سورة هود.

() سورة هود: 112.

() مجمع البيان: ج3 ص199 تفسير سورة هود، وراجع بحار الأنوار: ج17 ص52 ب15.

() بحار الأنوار: ج17 ص52 ب15.

() راجع مجمع البيان للطبرسي (قده): المجلد3 ص198.

() راجع تفسير تقريب القرآن إلي الأذهان: ج12 ص97 في تفسير سورة هود.

() المناقب: ج3 ص247 فصل مساواته يعقوب ويوسف عليهم السلام.

() فقال تعالي محاكاة لقولهم: ?وَعَجِبُوا

أَنْ جَاءهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ? سورة ص: 4، وقال تعالي: ?كَذَلِكَ مَا أَتَي الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَ قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ? سورة الذاريات: 52.

() قال تعالي: ?إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ ? فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلاَ مَجْنُونٍ ? أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ? الآيات: 28-30 من سورة الطور.

() إعلام الوري: ص83 ب4 في ذكر مغازي رسول الله ?، وراجع المناقب: ج1 ص48 فصل في ما لاقي ? من الكفار.

() سورة الأحزاب: 21.

() المناقب: ج1 ص60 فصل في استظهاره عليه السلام بأبي طالب عليه السلام.

() أنظر الخلاف للشيخ الطوسي: ج4 ص192 في حكم الأسير، الهامش.

() راجع المناقب: ج1 ص65 فصل في استظهاره بأبي طالب.

() راجع قصص الأنبياء للراوندي: ص329 ب20 الفصل السادس، وراجع المناقب: ج1 ص65 فصل في استظهاره ? بأبي طالب.

() للتفصيل راجع: الدولة الإسلامية (جزأين)، والسبيل إلي الوحدة الإسلامية، والسبيل إلي إنهاض المسلمين، والصياغة الجديدة، والحكومة العالمية الواحدة (مخطوط) والكثير غيرها، من مؤلفات الإمام الراحل في هذا المجال.

() سورة الحجرات: 10.

() سورة الفتح: 29.

() مجمع البيان: المجلد 5 ص132.

() راجع الكافي: ج2 ص165 باب أخوة المؤمنين بعضهم لبعض، ووسائل الشيعة: ج16 ص285 أبواب صنع المعروف.

() سورة الأعراف: 157.

() راجع مجمع البيان: ج2 ص486 تفسير سورة الأعراف، وأنظر تفسير تقريب القرآن: المجلد9 ص60 سورة الأعراف.

() سورة الأعراف: 158.

() سورة الأنبياء: 92.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص466 ب5 ف13 ح10715.

() راجع الحكومة الإسلامية الواحدة (مخطوط) للإمام الراحل (قده).

() اللهوف: ص74 المسلك الأول في الأمور المتقدمة علي القتال.

() بحار الأنوار: ج45 ص50 بقية الباب 37 سائر ما جري عليه بعد بيعة الناس

ليزيد بن معاوية.

() شرح الأخبار: ج3 ص146 مأساة الطف.

() أنظر بحار الأنوار: ج98 ص239 ب18 ح38، وج98 ص320 ب24 ح8.

() المجتني: ص23 للنجاة من الشدائد.

() سورة البقرة: 249.

() سورة البقرة: 155 و157.

() سورة البقرة: 177.

() سورة الزمر: 10.

() سورة آل عمران: 146.

() سورة فصلت: 30.

() سورة الأحقاف: 13.

() سورة الجن: 16.

() سورة إبراهيم: 12.

() سورة آل عمران: 195.

() سورة الأنعام: 34.

() سورة آل عمران: 186.

() سورة آل عمران: 200

() سورة الأنفال: 66.

() سورة محمد: 7.

() سورة إبراهيم: 27.

() مستدرك الوسائل: ج2 ص414 ب64 ح2338.

() جامع الأخبار: ص116 الفصل 71 في الصبر.

() الكافي: ج2 ص89 باب الصبر ح4.

() الدعوات: ص166 ب3 فصل في صلاة المريض ح458.

() الكافي: ج2 ص92 باب الصبر ح17.

() نهج الفصاحة: ص453 ح2626.

() تَورَّدَ: هو تفعّل كتنزّل، أي ورد شيئاً بعد شيء.

() عِدَة الله بكسر ففتح: وعده.

() سورة فصلت: 30.

() نهج البلاغة، الخطبة: 176 من خطبة له عليه السلام وفيها يعظ ويبين فضل القرآن وينهي عن البدعة.

() نهج البلاغة، الخطبة: 119 من كلام له عليه السلام وقد جمع الناس وحضهم علي الجهاد فسكتوا ملياً.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص287 ب2 الفصل 7 في الاستقامة ح6477.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص287 ب2 الفصل 7 في الاستقامة ح6476.

() جامع الأخبار: ص116 ب2 الفصل71 في الصبر.

() تحف العقول: ص88 وصيته لابنه الحسن عليه السلام.

() الكافي: ج2 ص82 باب استواء العمل والمداومة عليه ح2.

() مستدرك الوسائل: ج2 ص446 ب68 ح2424.

() من لا يحضره الفقيه: ج4 ص412 ومن ألفاظ رسول الله ? الموجزة التي لم يسبق إليها ح5900.

() كشف الغمة في معرفة الأئمة: ج2 ص346 ذكر الإمام التاسع عليه السلام.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص284 ب2 الفصل 7

جملة من فوائد الصبر ح6359.

() مستدرك الوسائل: ج2 ص66 ب2 ح1429.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.