اسم الكتاب: بين المسلمين واليهود
المؤلف: حسيني شيرازي، محمد
تاريخ وفاة المؤلف: 1380 ش
اللغة: عربي
عدد المجلدات: 1
الناشر: موسسه المجتبي
مكان الطبع: بيروت لبنان
تاريخ الطبع: 1422 ق
الطبعة: اول
بسم الله الرحمن الرحيم
وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ
وَيَخْشَ اللهَ
وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ
صدق الله العلي العظيم
سورة النور: 52
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الظروف العصيبة التي تمر بالعالم …
والمشكلات الكبيرة التي تعيشها الأمة الإسلامية..
والمعاناة السياسية والاجتماعية التي نقاسيها بمضض …
وفوق ذلك كله الأزمات الروحية والأخلاقية التي يئن من وطأتها العالم أجمع …
والحاجة الماسة إلي نشر وبيان مفاهيم الإسلام ومبادئه الإنسانية العميقة التي تلازم الإنسان في كل شؤونه وجزئيات حياته وتتدخل مباشرة في حل جميع أزماته ومشكلاته في الحرية والأمن والسلام وفي كل جوانب الحياة..
والتعطش الشديد إلي إعادة الروح الإسلامية الأصيلة إلي الحياة، وبلورة الثقافة الدينية الحيّة، وبث الوعي الفكري والسياسي في أبناء الإسلام كي يتمكنوا من رسم خريطة المستقبل المشرق بأهداب الجفون وذرف العيون ومسلات الأنامل..
كل ذلك دفع المؤسسة لأن تقوم بإعداد مجموعة من المحاضرات التوجيهية القيمة التي ألقاها سماحة المرجع الديني الأعلي آية الله العظمي السيد محمد الحسيني الشيرازي (دام ظله) في ظروف وأزمنة مختلفة، حول مختلف شؤون الحياة الفردية والاجتماعية، وقمنا بطباعتها مساهمة منا في نشر الوعي الإسلامي، وسدّاً لبعض الفراغ العقائدي والأخلاقي لأبناء المسلمين من أجل غدٍ أفضل ومستقبل مجيد..
وذلك انطلاقاً من الوحي الإلهي القائل:
?لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ?().
الذي هو أصل عقلائي عام يرشدنا إلي وجوب التفقه في الدين وانذار الأمة، ووجوب رجوع الجاهل إلي العالم في معرفة أحكامه في كل مواقفه وشؤونه..
كما هو تطبيق عملي وسلوكي للآية الكريمة:
?فَبَشِّرْ عِبَادِ ? الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُوا الأَلْبَابِ?().
ان مؤلفات سماحة آية
الله العظمي السيد محمد الحسيني الشيرازي (دام ظله) تتسم ب:
أولاً: التنوّع والشمولية لأهم أبعاد الإنسان والحياة لكونها إنعكاساً لشمولية الإسلام..
فقد أفاض قلمه المبارك الكتب والموسوعات الضخمة في شتي علوم الإسلام المختلفة، آخذاً من موسوعة الفقه التي تجاوزت حتي الآن المائة والخمسين مجلداً، حيث تعد إلي اليوم أكبر موسوعة علمية استدلالية فقهية مروراً بعلوم الحديث والتفسير والكلام والأصول والسياسة والاقتصاد والاجتماع والحقوق وسائر العلوم الحديثة الأخري.. وانتهاءً بالكتب المتوسطة والصغيرة التي تتناول مختلف المواضيع والتي قد تتجاوز بمجموعها ال(1500) مؤلفاً.
ثانياً: الأصالة حيث إنها تتمحور حول القرآن والسنة وتستلهم منهما الرؤي والأفكار.
ثالثاً: المعالجة الجذرية والعملية لمشاكل الأمة الإسلامية ومشاكل العالم المعاصر.
رابعاً: التحدث بلغة علمية رصينة في كتاباته لذوي الاختصاص ك(الأصول) و(القانون) و(البيع) وغيرها، وبلغة واضحة يفهمها الجميع في كتاباته الجماهيرية وبشواهد من مواقع الحياة.
هذا ونظراً لما نشعر به من مسؤولية كبيرة في نشر مفاهيم الإسلام الأصيلة قمنا بطبع ونشر هذه السلسلة القيمة من المحاضرات الإسلامية لسماحة المرجع (دام ظله) والتي تقارب التسعة آلاف محاضرة ألقاها سماحته في فترة زمنية قد تتجاوز الأربعة عقود من الزمن في العراق والكويت وإيران..
نرجو من المولي العلي القدير أن يوفقنا لإعداد ونشر ما يتواجد منها، وأملاً بالسعي من أجل تحصيل المفقود منها وإخراجه إلي النور، لنتمكن من إكمال سلسلة إسلامية كاملة ومختصرة تنقل إلي الأمة وجهة نظر الإسلام تجاه مختلف القضايا الاجتماعية والسياسية الحيوية بأسلوب واضح وبسيط.. إنه سميع مجيب.
مؤسسة المجتبي للتحقيق والنشر
بيروت لبنان /ص.ب: 6080/13 شوران
البريد الإلكتروني: almoj ع aba@shiacen ع er.com
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ لله ربّ العالمين والصلاة والسلام علي نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة علي أعدائهم أجمعين إلي قيام يوم الدين.
قال الله تعالي: ?وَلَنْ تَرْضَي عَنْكَ
الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَي حَتَّي تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ?().
سؤال يدور في ذهن الكثير من الناس، وهو: كيف تمكن اليهود مع قلتهم من الوقوف بوجه المسلمين وهم بهذه الكثرة، ومن السيطرة علي أراضيهم وما أشبه؟
وإذا عرضنا هذا السؤال علي القرآن الحكيم؛ نري التصريح القرآني يقتضي ويستلزم عكس الواقع الحاضر ويبين لزوم تقدم المسلمين؛ لأن القرآن بيّن حال اليهود بأنهم أذلاء وقد ضربت عليهم الذلة والمسكنة، فقال تعالي: ?وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُو بِغَضَبٍ مِنْ اللهِ ?().
قال الطبرسي (قدس سره) في تفسيره: «أي أُلزموا الذلة الزاماً لايبرح عنهم، كما يُضرب المسمار علي الشيء فيلزمه» ().
أما بالنسبة إلي المسلمين فقد عبّر القرآن الكريم عن حالهم بقوله سبحانه وتعالي: ?وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ?().
وقوله عزوجل: ?كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ للناس?().
فهم أفضل الأمم وأحقها، فان العزة لا تأتي إلا من الله سبحانه وتعالي؛ لأنّه الملك القادر، فيعز من يشاء ويذل من يشاء وبيده الملك وهو علي كل شيء قدير؛ لذلك ينبغي أن تكون العزة حالة مانعة للمؤمنين من أن يغلبهم أحد لصلابتهم وقوتهم ووحدتهم وتآخيهم، قال الله تعالي:
?أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمْ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً?().
فإن العزة من فروع الملك، والملك لله سبحانه وتعالي وحده، فالعزيز هو الذي يقهر ولا يُقهر، والعزة الدائمة الباقية لله ولرسوله وللمؤمنين، وهي العزة الحقيقية، أما عزة الكافرين فهي عابرة وغير حقيقية وإنما هي تعزز ظاهري، وذل في الباطن، قال سبحانه وتعالي: ?بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ?().
وقال الإمام الصادق ع: «إن الله فوّض إلي المؤمن الأمور كلها ولم يفوض إليه أن يكون ذليلاً، أما تسمع إلي الله جل ثناؤه وهو يقول: ?وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ?() المؤمن يكون عزيزاً لا ذليلاً»، ثم قال: «إن المؤمن أعز من الجبل يُستقل منه بالمعاول،
والمؤمن لا يستقل من دينه شيء» ().
هذا هو حال اليهود والمسلمين عند الله تعالي وفي القرآن الكريم فقد كانت اليهود أذلة طول التاريخ.
أما الواقع اليوم فيشير إلي سيطرتهم علي العديد من مجالات الحياة، فان اليهود كان عددهم (56) ألف شخص في فلسطين قبل خمسين عاماً، وقد وصل عددهم اليوم إلي أربعة ملايين نسمة، أي أن عددهم في فلسطين آخذ في التزايد حيث جمعوا اليهود من شتي بقاع الأرض وأسكنوهم في بلاد المسلمين قهراً وغصباً، وفي المقابل صارت نسبة المسلمين في فلسطين في تناقص، فكيف جري كل هذا ولماذا؟
الجواب واضح، وهو أن المسلمين قد تركوا العمل بأوامر الله، وقد جاء في الحديث القدسي أن الله تعالي بيّن لأنبيائه ? هذه الحقيقة بقوله: «إذا عصاني من خلقي من يعرفني سلطت عليه من خلقي من لا يعرفني» ().
إن المسلمين في جميع العالم غالباً لا يلتفتون إلي ما يريد الله منهم ولا يعملون بأوامره في جميع مجالات الحياة كما هو المفروض، في حين أن كلام الله والأنبياء والأئمة (عليهم أفضل الصلاة والسلام) هو واضح كوضوح الشمس بل هو سنة من سنن الكون، سواء صدّقنا هذا، أم لم نصدقه.
فبما أن المسلمين لم يعملوا بقوانين الله في التقدم في كافة مناحي الحياة تسلط عليهم اليهود منذ خمسين عاماً. وهذا إلي جانب معصية الله فانه سبب تأخر المسلمين وتفرق كلمتهم وأصبحوا أمماً متعددة وصغيرة يحارب بعضهم بعضاً، وقد قسّمها الاستعمار إلي كتل وتجمعات صغيرة وضعيفة، لا تستطيع الوقوف بوجه الدولة اليهودية الغاصبة لأرض فلسطين، فكانت هذه الحدود الجغرافية المصطنعة لكي لا يتمكن المسلمون من الوقوف بوجه المؤامرات الغربية والشرقية في أرض المسلمين، وقد شملت هذه التجزئة أغلب الدول العربية، وبالأخص دول المواجهة مع اسرائيل، أو كما تسمي
هي نفسها بذلك، وقد جاء في خطبة للإمام أمير المؤمنين ع: «… العرب اليوم وإن كانوا قليلاً، فهم كثيرون بالإسلام، عزيزون بالاجتماع» ().
فالعز للمسلمين ككل وللعرب لا يأتي إلا في طاعة الله تعالي والاجتماع تحت راية الإسلام، فعندما يطابق الواقع البشري كلام الله تعالي فسيبقي اليهود أذلاء، كما أشار تبارك وتعالي إلي ذلك في آيات عديدة من القرآن، وان ترك المسلمون سبل التقدم التي أمر بها الباري عزوجل فيتأخرون ويغلب عليهم أعداؤهم من اليهود وغيرهم.
قام الجامع الأزهر قبل مدة بإجراء إحصائية توصّل خلالها إلي أن عدد المسلمين في العالم يبلغ مليار وستمائة مليون مسلم()، في حين أن جميع يهود العالم حسب كتاب ألفه مؤخراً أحد الكتاب المصريين() تحت عنوان (حرب الخليج) هو (14) مليوناً، يعني أقل من سكان مدينة إسلامية واحدة التي يبلغ تعداد سكانها (16) مليوناً، وإن هؤلاء الأربعة عشر مليون يهودي موزعون كالآتي: أربعة ملايين يهودي في إسرائيل، وخمسة ملايين يهودي في أمريكا والبقية منتشرون في أرجاء العالم.
إن هؤلاء المسلمين الذي يبلغ عددهم ملياراً و(600) مليون، وهم أغني سكان الأرض، بما لديهم من الثروات النفطية والمعدنية والثروات المائية، كيف استطاع الإسرائيليون الذين عددهم أربعة عشر مليوناً التغلب علي عددهم الهائل هذا، وفي فترة قصيرة نسبياً من الزمن؟
إن قصة المسلمين اليوم تشبه قصة أولئك الذين كانوا في قافلة، فجاء قطاع الطرق وأخذوا منهم كل شيء، فراحوا يبكون إلي أقرب مدينة إليهم ولما سألهم الناس عن القضية قالوا نحن كنا مائة رجل فقط وكان السراق نفرين فأخذوا منا بضاعتنا.
وأما علي نطاق خاص بالدول المسلمة العربية فإن عدد المسلمين العرب يبلغ (250) مليوناً، وأمام أربعة ملايين يهودي لم يستطيعوا إنقاذ فلسطين، بل هم كل يوم
يدخلون عملية مصالحة وإذلال لأنفسهم، والسبب كله يعود إلي أننا قد خالفنا أوامر الله تعالي، وتفرقنا، فسلط الله علينا اليهود.
قال سبحانه وتعالي: ?وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً?().
ولأجل مطابقة أحوال اليهود سابقاً، أي: في زمن النبي موسي ع وأحوالهم هذا اليوم؛ نعرض بعض الآيات القرآنية ونشير إلي تفسيرها، لكي نصل إلي السبب الرئيسي في تقدمهم وتأخرنا وهو أن اليهود عملوا من أجل غلبتهم، ونحن ابتعدنا عن الاخوة والأمة الإسلامية الواحدة التي كانت من أسباب قوتنا بالأمس ففشلنا.
يقول الله تعالي في محكم كتابه الكريم:
?يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِي الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَي الْعَالَمِينَ?().
وقد تكررت الآية في سورة البقرة مرتين وهو مفيد للتأكيد أيضاً، ولكن هذا الخطاب مختص باليهود في زمن النبي موسي ع حيث فضلهم الله علي آل فرعون وغيرهم من المشركين.
قال الطبرسي رحمة الله عليه في تفسيره:
«قال ابن عباس: أراد به عالمي أهل زمانهم لأن أمتنا (الأمة الإسلامية) أفضل الأمم بالإجماع، كما أن نبينا عليه أفضل الصلاة والسلام أفضل الأنبياء، وبدليل قوله تعالي: ?كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ? ()» ().
وقد أنعم الله تعالي علي بني إسرائيل بنعم كثيرة، منها: إنزال المن والسلوي والألطاف الإلهية، وكما جاء في قوله تعالي:
?وَإِذْ قَالَ مُوسَي لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنْ الْعَالَمِينَ?().
ولكن اليهود أنكروا هذه النعمة، وقتل بعضهم البعض، وتفرقوا وارتكبوا المعاصي، فخاطبهم الله تعالي بقوله:
?ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلاء تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَي تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلاّ خِزْيٌ فِي
الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَي أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ?().
ومن بعد ذلك ضربت عليهم الذلة والمسكنة حيث تركوا أوامر الله عزوجل وقد عملوا هذه الأعمال المحرمة كلها بعد أن أخذ الله تعالي الميثاق والعهد منهم في زمن موسي ع في عدم القتل، ولكن اليهود خالفوا الأوامر الإلهية، في زمن موسي عليه السلام بقتلهم بعضهم البعض، استمرت خصلة القتل وسفك الدماء فيهم إلي يومنا الحاضر بقتلهم المسلمين وإخراجهم من ديارهم.
أما قتلهم بعضهم البعض وتهجير مواطنيهم فهذه الأعمال لم يرتكبوها في الوقت الحاضر، وكما يدل علي ذلك قانون اسرائيل؛ إذ أنه لا يمنح أي حق لأحد بقتل يهودي أبداً.
والحقيقة إن اليهود أخذوا بعض صفات الإسلام الحسنة فتقدموا بتلك النسبة، في حين أخذ بعضنا قسماً من صفاتهم السيئة، فاليهود ليس عندهم نفر واحد مشرد من وطنه، أما نظام العراق وحده فقد تسبب في تشريد ثلاثة ملايين عراقي مسلم قهراً.
وفي بعض البلاد الإسلامية يعيش المسلمون تحت نير الحكومات المستخدمة من قبل الأجنبي، والمرتمية في أحضان اليهود، وكل يوم يجري إعدام العشرات هنا وهناك في العديد من بلادنا الإسلامية العريضة، وإيداع العشرات الآخرين السجون والمعتقلات، ويتلقون أنواعاً مبتكرة من التعذيب الوحشي فيما يُشرد آخرون من بلادهم إلي مختلف البلاد.
ففي إحدي البلاد الإسلامية أصبحت المواجهة بين المسلمين والجيش حتي في داخل المساجد وفي الشوارع علناً، بعد أن عاش المسلمون هناك شتي أنواع الكبت والتهجير والاعتقال، وهكذا في غيرها من البلاد الإسلامية الأخري، وربما لا تجد بلداً مسلماً في الوقت الحاضر مستقلاً بما للكلمة من معني، ويعيش في أمان وحرية من التدخلات الاستعمارية، ومثالنا الأخير ما يجري للمسلمين في البوسنة والهرسك من مذابح وقتل جماعي وجميع الدول الإسلامية
تنظر ولا تفعل شيئاً، إذ أن المسلمين يعيشون في تشتت وتفرقة، والأطفال والشيوخ والنساء في الهرسك يقتلون لأنهم مسلمون لا غير، ويشردون من بلادهم يوماً بعد يوم، وتري اليهود يعيشون بأمان وليس لديهم شخص واحد مشرد، وهم يد واحدة علي أعدائهم رغم ضلالهم وإلحادهم.
لقد وجهت رسالة إلي عرفات قبل (15) عاماً، وكان الغرض من رسالتي إلي عرفات أن ألفت نظره إلي مسألة مهمة، فقلت له: أنكم سوف لا تنتصرون في الوقت الحاضر علي إسرائيل؛ لسببين:
السبب الأول: لاستخدامكم العنف.
السبب الثاني: لا تسمعون كلام الله.
فأما العنف فلأن الذي عندكم مما لا فائدة من ورائه، لأنكم كمن يملك سيفاً، وعدوه مجهز بأحدث العدد الحربية، وإنكم لو أردتم أن تأخذوا فلسطين بالسيف والعمليات العسكرية واغتيال الأعداء فهناك مقومات أخري يلزم توفرها، وإلاّ فلا تحصل النتيجة، هذا وإسرائيل قبل عشر سنوات كانت تصنع (60) صنفاً من السلاح، في الوقت الذي لم تكن بلاد المسلمين بأجمعها تصنع حتي (60) قطعة من السلاح، كما أن العنف الذي تتخذونه وسيلة لا يوصلكم إلي شيء، لأن العدو هو الآخر سوف يواجهكم بالعنف أيضاً، فإذا كان سلاحه أقوي ينتصر عليكم، ثم قلت له في جانب من الرسالة:
علينا أن نتخذ نفس الأسلوب الذي اتبعه رسول الله ص في فتح مكة، فالنبي استطاع أن يدخلها بسلم ودون حرب ودون أن يخسر ضحايا، والأفضل أن يكون الأسلوب في أخذ الحقوق بالطرق المنطقية وأسلوب الضغط السياسي وما أشبه مما تأثيره أكثر، بعيداً عن العنف.
الإسلام دين السّلام، وما الحرب والمقاطعة وأساليب العنف فلا تكون إلا وسائل اضطرارية تستخدم قليلاً وذلك في أشد حالات الضرورة القصوي علي خلاف الأصول الإسلامية؛ قال تعالي: ?ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً?(). ولا يخفي أن السلام غير الاستسلام وهذا الذي يحصل بين العرب واليهود نوع من الاستسلام المصحوب بالذلة والهوان والتنازل عن الحقوق.
لذا فإن تحرك الفلسطينيين الاستراتيجي والعملي علي الساحة الدولية، الخارجية أو الداخلية، يجب أن يتصف بالسلم ودقة التأثير، وهو من الأسس الحيوية التي يلزم أن تقوم عليها
النضالات للحركة السياسية في يومنا هذا، فبدونه تكون الخسائر أكثر والنتائج أقل، وهذا الأمر يحتاج إلي ضبط الأعصاب، وإلي مقدرة نفسية توجب أن يعمل الإنسان بحزم وبأخلاق عالية حتي مع الأعداء، فالقائمون بالحركة يجب أن يتحلوا بالسلام في فكرهم، وفي قولهم، وفي كتاباتهم، وفي مواجهاتهم، حتي يتمكنوا من استرداد حقوقهم المغصوبة، وحتي عملية الإضرابات والمظاهرات لابد أن تتصف باللين والمنطق وقوة التأثير؛ لأن المهم هو الهدف السامي واسترجاع الحقوق الضائعة، وليس الانتقام والحقد والبغضاء، فان السلام بمعناه الصحيح هو الضمان الأكيد لبقاء المبدأ، هذا من ناحية الأصل العملي في كل حركة، أما لو اضطرت الحركة بعد أن تستنفد كل ما لديها من أسس السلام، أن تواجه الأعداء بالمواجهة العسكرية، والجهاد في سبيل الله فلا بإشكال في ذلك بل هو من أقرب القربات إلي الباري عز وجل، ولكن مع توخي السلام المشرِّف في كل فرصة. قال سبحانه وتعالي: ?كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ?()
ثم إنه من الواجب علي الفلسطينيين في هذه الفترة الزمنية من عملهم أن يحافظوا علي روح الانتفاضة الفلسطينية ويلزم توجيه هذه الانتفاضة بحيث تكون ذات فوائد أسرع وأكثر، كالاستفادة من الإعلام والضغط الدولي والعمل الجذري المركز وما أشبه، وهذا لا يستدعي دائماً استخدام العنف كما يفعل اليهود بأبناء الشعب الفلسطيني من العنف.
والأمر الآخر للتحرك الفلسطيني بجانب السلم: هو وحدة التحرك، ووحدة الصف وعلي جميع الميادين، والإخلاص لأجل إنقاذ الوطن ونصرة أبناء الشعب الفلسطيني، دون الارتماء في حضن المستعمرين اليهود والأجانب، والذلة بالدخول في معاهدة خاسرة وباطلة.
وكذلك كانت السيرة النبوية وسيرة الأئمة الأطهار ? مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالسلام، كما ينقل لنا التاريخ من قصصهم وأعمالهم في فتح مكة، والعفو عن قريش بعد أن آذت الرسول ص كثيراً فدخلها بسلام ودون عنف، بل عفوه ? عن أبي سفيان وهند ووحشي وغيرهم، مع كونهم كانوا رموزاً للحقد والعنف والمؤامرة ضد الإسلام والمسلمين. بل حتي في حروب الرسول والأئمة ? كان السلام شعاراً لهم، بل وواقعاً، لذا تراهم نجحوا وخلّدهم التأريخ، وانتشر الإسلام بفضلهم وببركة سياستهم الرشيدة وأخلاقياتهم الفاضلة، أما غيرهم كالأمويين والعباسيين والعثمانيين؛ فقد ذهبوا حيث لا يذكرهم أحد مطلقاً إلا بسوء بسبب عنفهم، بينما قادة الاسلام الحقيقيون يذكرون بكل خير واحترام وحتي من قبل الأعداء أيضاً، ويعرفهم الناس بالسلام والعفو والصفح.
ملكنا فكان العفو منّا سجية
ولما ملكتم سال بالدم أبطح
وأحللتم قتل الأساري وإننا
غدونا عن الأسري نعفّ ونصفح
فحسبكم هذا التفاوت بيننا
وكل إناء بالذي فيه ينضح
قال سبحانه: ?فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّي يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ?().
وعن ابن فضّال قال: سمعت أبا الحسن ع يقول: «ما التقت فئتان قط إلا نصر أعظمهما عفواً» ().
وفي رواية أنه رجلاً شكي إلي رسول الله ص من
خدمه، فقال له: «أعفُ عنهم تستصلح به قلوبهم» فقال: يا رسول الله إنهم يتفاوتون في سوء الأدب، فقال: «أُعف عنهم»، ففعل().
وعن الإمام الصادق ع أنّه قال: «إنّا أهل بيت مروّتنا العفو عمن ظلمنا» ()..
وقال عليه السلام: «العفو عند المقدرة من سنن المرسلين والمتقين» ().
أما السبب الثاني: فإنكم() لم تعملوا بالقرآن، علماً إن فلسطين قد خلّصها الإسلام من أيدي الأعداء، لا العروبة، ثم أخذها اليهود من أهلها؛ لأن اليهود متحدون مع بعضهم البعض، يحترم بعضهم البعض الآخر، وهم أمة واحدة،
مع أن الاتحاد والاحترام والأمة الواحدة هي كلها من توصيات القرآن الحكيم لنا، لكننا أعرضنا عنها فخسرنا الدنيا والآخرة.
فليس المسلمون اليوم أمة واحدة كما أراد القرآن العظيم، فما نراه في الواقع الخارجي شيء آخر لايطابق كتاب الله، فهذا عراقي وذاك باكستاني والآخر إيراني وهو بنغالي و …، فصرنا سبعين أمة وحصلت بيننا التفرقة.
وعلي أي حال، أنا أرسلت رسالتي إليه، لأقول له: إنكم سوف لا تحققون شيئاً علي طريق النصر ما لم تتخذوا الإسلام والقرآن وتعاليمهما في الوحدة والأمة والاخوة والحرية واللاعنف منطلقاً لتحرككم، فإن حالكم سيكون كمن يريد أن يخطو إلي الأمام، وهو يعلم أنّه بعد خمس دقائق سوف يقع في البئر، وبالفعل سقط عرفات ومن قبله بعض الحكام في أحضان اليهود أو فخهم.
والآن قد حصل كل ذلك بعد أن لم يعملوا بما أشار عليهم الإسلام، فقد راح أُناس يعدون أنفسهم قادة لفلسطين، وهم أذلاء، لكي يقولوا للإسرائيليين: نعم للتفاوض والصلح والاستسلام، ولا يخفي أن التفاوض يجري اليوم علي قسم صغير جداً من الأرض الفلسطينية التي تسمي (بغزة وأريحا) ومساحتهما قليلة جداً بحيث لا تتسع لمليون فلسطيني في حين أن عدد الفلسطينيين اكثر من خمسة ملايين. وقد تنازلوا عن سائر الأراضي الفلسطينية للعدو الغاصب مقابل لاشيء!
أليست هذه هي الذلة بعينها؟
كان بعض اليهود في بغداد، وكانوا يحملون صفتين أشير إليهما لابين ما يتعلق بالخطر الذي يأتينا منهم، ففي السابق كان الخطر اليهودي يكمن في:
1 السيطرة علي التجارة، حيث أن اليهود أينما يحلون يأخذون مقاليد التجارة بأيديهم.
2 إشاعة الفساد الفحشاء، حيث أنهم يشيعون الفساد في البلدان التي يتواجدون فيها.
وسأذكر هنا قصتين حول الخطر اليهودي:
لقد جاءني رجل في كربلاء قبل 45 أو 46 سنة، وقال لي: إني قد ارتكبت ذنباً كبيراً فماذا أعمل؟
قلت له: إن الله يقبل التوبة من عباده ويعفو عن الكثير والله غفار للذنوب ولا حاجة لبيان نوعية الذنب.
قال: لكن ذنبي أكبر حتي من هذا المعني!
وأصر علي أن يقول الذنب.
قال: إنني ارتكبت ذنباً دون أن أعلم بأنه ذنب، فقد كنت موظفاً في دائرة البريد والبرق والهاتف، وكان راتبي آنذاك (10) دنانير وراتب عشرة دنانير كان يعد حينذاك مرتباً متوسطاً وفي أحد الأيام جاءني تاجر يهودي وقال لي: هل أنت علي استعداد إذا أعطيتك (10) دنانير شهرياً مضافاً إلي ما تستلمه علي أن تعمل لي شيئاً أنت قادر عليه؟
فقلت له: وما ذلك العمل؟
فقال: هو أن تحوّل لي كل تلغراف يأتي من خارج العراق حول الأسعار، قبل أن يطلع علي ذلك الخبر شخص غيري، علي أن أحتفظ لنفسي بهذا الخبر يوماً كاملاً!
فقلت له: لا بأس في ذلك.
ثم قال لي: ولا تنس لو جاء تلغراف فأعلمني بذلك بسرعة!
فعملت مع هذا اليهودي بهذا الاتفاق عدة سنين، ثم عرفت الآن بأن عملي كان محرماً، حيث كان يتضرر المسلمون كثيراً بسبب ارتفاع الأسعار وانخفاضها.
إن هذا التلغراف لو كان يحمل ارتفاع قيمة السكر مثلاً، فإن اليهودي كان يعرف السعر الجديد قبل غيره، ثم يخبر أصدقائه فيقوموا بشراء السكر من الأسواق، ومن
أغلب المحلات بالسعر القديم، وكنت بعد ذلك أقوم وأرسل البرقية إلي صاحبها الأصلي، فيفهم الناس أن السكر قد ارتفعت أسعاره بعد أن باعوا السكر بالسعر القديم المنخفض، ثم كان ذلك اليهودي وأصدقائه يبيعون السكر علي السعر الجديد المرتفع، وهكذا لو كان التلغراف يشير إلي انخفاض سعر السكر مثلاً فإن اليهودي كان يخبر أصدقائه اليهود حتي يبيعوا السكر بالسعر المرتفع فلا يخسرون بذلك شيئاً. والنتيجة أن اليهودي، وفي بضع سنين قد أضروا بالناس مئات الملايين من الدنانير.
والخطر الثاني، أن اليهود قد أشاعوا الفساد في البلاد ولازالوا كذلك، فهم لا يمانعون من اختلاط أبنائهم من الذكور والإناث، بل أنهم يبيحون ذلك السلوك، وهذه القصة التي يذكرها عبد الجبار أيوب في كتابه، يقول: حينما كنت مديراً لسجن الكوت، جاءت السلطات الأمنية ذات مرة بثلاثة أشخاص كانت جرائمهم حسبما يبدو خطيرة، بحيث أن الدولة قد أوصتنا أن نضعهم تحت المراقبة الشديدة، وبعد أيام دخل المديرية اثنان من تجار بغداد من اليهود، وبعد أن جلسا وتبادلا معي السلام، قالا: إن ثلاثة من الشباب قد أُدخلوا هذا السجن، وهم من العوائل المعروفة في بغداد، لذا نطلب أن تنقلهم من الكوت إلي بغداد، ونحن قد تحدثنا مع مدير سجن بغداد ولم يُبد أي مانع في ذلك. فأجبتهم بعدم الموافقة فألحوا عليّ بالأخلاق والمجاملة إلا أنني لم أوافق، وبعد أسبوع جاء اليهوديان مرة ثانية، وقالا لي: ما هو رأيك لو نقلتهم إلي بغداد، ولا تكلف نفسك سوي كتابة جملة (لا مانع لدي)، أي ثلاث كلمات لا أكثر، وسندفع لك عن كل كلمة (100) مائة دينار، يعني مبلغ (300) دينار، وكان هذا المبلغ آنذاك يعد مبلغاً كبيراً مغرياً، لكن بالرغم من إصرارهما لم
يحصلا علي موافقتي أيضاً، وفي الأسبوع الثالث، جاءا مع ثلاث بنات ومن أجمل البنات، وألحوا عليّ كثيراً بالقبول فرفضت ثم عرضوا عليّ البنات فلم أقبل، وبقيت منشغلاً بعملي دون أن أبدي لهن أي اهتمام، فخرجوا يائسين إلا أنهم حينما خرجوا قالوا لي يا فلان في المرة الأولي أتيناك بالأخلاق فلم ترضخ، وفي المرة الثانية بالمال فلم تقبل، وفي المرة الثالثة بالجنس فرفضت، والآن استعد للبلاء ولم تمض إلا أيام وإذا بي أري قد نقلت من منصبي كمدير السجن إلي مكان آخر، وبعد ذلك سمعت بنقل هؤلاء السجناء إلي بغداد.
هذان طريقان كان اليهود يستخدمونهما من أجل تمشية أعمالهم سابقاً في سبيل سيطرتهم علي البلاد والعباد، أما اليوم فقد استخدموا طريقين آخرين أيضاً، ومن المعروف في هذا العصر أن كبار تجار المواد المخدرة هم من اليهود، ومن الواضح أن المواد المخدرة هي من الأشياء الهدّامة لكيان الإنسان.
والشكل الثاني الجديد، هو الإيدز، حيث يقوم اليهود عن طريق التحلل الأخلاقي الذي يشيعونه، وعن طرق أخري بنشر مرض الإيدز الذي هو أخطر من مرض السرطان، ففي ذات مرة سمعت بموت أحد الأشخاص الذين كنت أعرفهم وعندما استفسرت عن سبب موته، قيل لي أنه أصيب بمرض الإيدز، فقلت: إنه كان مؤمناً لا يرتكب الفساد، فقيل لي: صحيح هذا، إلا أنه ذهب إلي إحدي الدول العربية وتزوج هناك من امرأة كانت مصابة بالإيدز، فانتقل إليه المرض عن طريق العدوي ثم قالوا: أنه بعد أن أصيب بالمرض شُلت يده اليسري أولاً، وبعد أن ذهب إلي الطبيب قال له: لا ينفعك أي دواء أبداً، ثم أصيبت يده اليمني بالشلل، وبعدها رجله اليسري ثم اليمني ولم يمهله المرض أكثر من شهرين، فمات بعد ذلك.
كما
أصيب شخص آخر من الشباب المتدين بهذا المرض وذلك عبر الدم، حيث احتاج جسمه الي الدم فكان الدم الذي أعطوه ملوثاً بالإيدز فمات من ذلك.
واليهود يقومون اليوم بنشر هذا المرض في العديد من البلدان الإسلامية مثل مصر، إن اليهود كانوا يستخدمون سلاحين ضد الإنسانية سابقاً، وذلك لإحكام قبضتهم علي التجارة وإشاعة الفساد، واليوم تراهم قد أضافوا إلي أسلحتهم السابقة سلاحين آخرين هما: ترويج المخدرات ونشر مرض الإيدز.
إن هذا الصلح الذي أبرموه مؤخراً مع ياسر عرفات هو أخطر من طاعون الإيدز، فإنه سيثبت كيانهم ويفسح لهم المجال للانتشار بين المسلمين ونشر مفاسدهم في البلاد الإسلامية أكثر، واليهود لا يوقفون أعمالهم الإجرامية هذه علي مكان معين، بل هم يخططون لكل العالم، لذا فإن خطرهم كبير، ومضرتهم بالغة جداً، فمن الأعمال الضرورية جداً، والتي تجب المبادرة إليها: الوقاية العاجلة من أخطار هؤلاء، وإلا فقد يأتي يوم لا سامح الله فنري أن تجارة أغلب المدن الإسلامية أصبحت تحت قبضة اليهود، وخطر ذلك علي المسلمين واضح جداً، لأنّهم لو استولوا علي تجارة السوق، فإن التاجر المسلم الذي كان يملك الملايين يصبح كالفقير فلا يتمكن من إسناد المشاريع الإسلامية ولا يدفع الحقوق الشرعية، والذي به تدار كثير من مشاريع المسلمين، وهذا يوجب عرقلة أو إيقاف تلك المشاريع الدينية، فاليوم لو التهمت النار بيت الجار، فغداً ستلتهم النار بيتنا وبيتكم وبيوت الجميع أيضاً، فنحن مكلفون بتوعية المسلمين وايقاضهم من سباتهم وذلك لقوله سبحانه وتعالي: ?إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ?().
وتنبيه المسلمين يتم عبر إيضاح هذه المواضيع والتفكير فيها، إذ علي المبلغين والمفكرين الإسلاميين كشف المخططات والمؤامرات والأساليب التي يستخدمها اليهود بين أبناء الشعب المسلم أجمع وفضحهم.
وبعد ذلك يلزم التعاون بين جميع طبقات المسلمين من أصغر مستخدم في البلاد الإسلامية إلي الحاكم المسلم نفسه، في عدم إيجاد فرصة تأثير اليهود والأعداء علي بلداننا الإسلامية؛ فكرياً وسياسياً واقتصادياً للمسلمين فإنه مضر بالمسلمين دون ريب، ولا يمكن تمييز ألاعيب اليهود إلا من خلال الوعي والاكتفاء الذاتي والوحدة الإسلامية والتعاون المستمر والعمل بقوانين الإسلام والقرآن الكريم. بحيث لا يبقي لهم أي مجال للتدخل في سوق المسلمين أو في تفكيرهم أو في عواطفهم، وإذا لم
نعمل بهذه النصائح المذكورة فسوف يأتي يوم نري فيه أنهم قد سيطروا حتي علي عقولنا والعياذ بالله.
وأيضاً يجب علينا أن نميز بين الخيّر والشرير، ولا ننقاد مع العاطفة المجردة من دون تعقل وتفكر، وعلينا أن نعرف السيئ قبل أن تصلنا اساءته، مثلما حدث لبعض الناس في العراق إذ تصوروا الخير في مثل صدام، إلي أن انكشفت بعد ذلك لهم عوراته ومساويه، ولكن لم يحصل ذلك للأسف الشديد إلا بعد أن قتل أبناء الشعب العراقي وشردهم، وبعدما وصل إجرامه صواريخه وسقطت علي المدن المقدسة.
قال الإمام أمير المؤمنين ع: «لا يؤنسنّك إلا الحق ولا يوحشنّك إلا الباطل» ().
فالإمام أمير المؤمنين ع شبه الحق والباطل، بالنور والظلام، ففي الحق الأنس وفي الباطل الوحشة، وأي مكان لا يصله النور سوف يكون ظلاماً حتماً.
نسأل الله، أن يخيب آمال اليهود لكي لا يصلوا إلي ما يطمحون إليه بتنفيذ مطامعهم وأن ينصر الإسلام والمسلمين علي أعدائهم إنه سميع مجيب.
«اللهم صل علي محمد وآله واجعلني يداً علي من ظلمني، ولساناً علي من خاصمني، وظفراً بمن عاندني، وهب لي مكراً علي من كايدني، وقدرة علي من اضطهدني، وتكذيباً لمن قصبني، وسلامة ممن توعدني، ووفقني لطاعة من سددني، ومتابعة من أرشدني» ().
اللاعنف أنجح الحلول
قال تعالي: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامنوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً?().
وقال سبحانه: ? وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ?().
وقال عز وجل: ?وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ?().
وقال تعالي: ?وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً?().
من صفات القائد العفو والصفح
قال تعالي: ?خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ?().
وقال سبحانه: ?فَاصْفَحْ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ?().
وقال عز وجل: ? فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّي يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ?().
وقال جل وعلا: ?وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَي اللهِ?().
الفُرقة وآثار السلبية
قال تعالي:
?وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ?().
وقال عز وجل: ?وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ?().
وقال سبحانه: ?إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ?().
طاعة الله شرط التقدم
قال تعالي: ?وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ?().
وقال سبحانه: ?وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ?().
وقال عز وجل: ?وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً?().
وقال عز من قائل: ?وَمَنْ يُطِعْ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقاً?().
اللاعنف أنجح الحلول
قال الإمام أمير المؤمنين ع: «لا تغضبوا ولا تغضبوا أفشوا السلام وأطيبوا الكلام» ().
وقال الإمام أمير المؤمنين ع: «من حسن كلامه كان النجح امامه» ().
قال الإمام الصادق ع: «من كان رفيقاً في أمره نال ما يريد من الناس» ().
من صفات القائد
قال أمير المؤمنين ع للاشتر لما ولاه مصر: «ولا تكونن عليهم سبعاً ضارياً تغتنم أكلهم فإنهم صنفان: إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق … فاعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب وترضي أن يعطيك الله من عفوه وصفحه..» ().
وقال الإمام الباقر ع: «إن رسول الله ص أُتي باليهودية التي سمّت الشاة للنبي ص فقال لها ما حملك علي ما صنعت؟ فقالت: قلت إن كان نبياً لم يضره وإن كان ملكاً أرحت الناس منه، قال: فعفا رسول الله ص عنها» ().
وقال رسول الله ص: «عليكم بالعفو فإن العفو لا يزيد العبد إلاّ عزاً فتعافوا يعزكم الله» ().
الفرقة وآثارها السلبية
قال رسول الله ص: «الجماعة رحمة والفُرقة عذاب» ().
وقال الإمام أمير المؤمنين ع: «وإني والله لأظن أن هؤلاء القوم
سيدالون منكم باجتماعهم علي باطلهم،وتفرقكم عن حقكم» ().
وقال الإمام أمير المؤمنين ع: «الزموا الجماعة واجتنبوا الفُرقة» ().
العز في طاعة الله وتقواه
قال رسول الله ص: «من أراد أن يكون أعز الناس فليتق الله عز وجل» ().
قال الإمام أمير المؤمنين ع: «إذا طلبت العز فاطلبه بالطاعة» ().
قال الإمام أمير المؤمنين ع: «ولا عز أعز من التقوي» ().
قال الإمام الصادق ع: «من أراد عزاً بلا عشيرة … فلينتقل عن ذل معصية الله إلي عز طاعته …» ().
() سورة التوبة: 122.
() سورة الزمر: 17-18.
() سورة البقرة: 120.
() سورة البقرة: 61.
() تفسير مجمع البيان: المجلد الأول، ص124.
() سورة المنافقون: 8.
() سورة آل عمران: 110.
() سورة النساء: 139.
() سورة ص: 2.
() سورة المنافقون: 8.
() مشكاة الأنوار: ص97 الفصل الخامس.
() الأمالي للشيخ الصدوق: ص229 المجلس 40 ح12.
() نهج البلاغة، خطبة: 146.
() وقد بلغت الإحصاءات الأخيرة لنفوس المسلمين: المليارين عام (2001م).
() الكاتب المصري هو محمد حسنين هيكل.
() سورة طه: 124.
() سورة البقرة: 47 و 122.
() سورة آل عمران: 110.
() مجمع البيان: المجلد الأول ص102.
() سورة المائدة: 20.
() سورة البقرة: 85.
() سورة البقرة: 208.
() سورة البقرة: 216.
() سورة البقرة: 109.
() الكافي: ج2 ص108 ح8.
() مستدرك الوسائل: ج9 ص7 باب95 ح10041.
() بحار الأنوار: ج71 ص414 باب 93 ح31.
() سفينة البحار: ج2 ص207 «عفف».
() السبب الثاني مما ذكره الإمام الشيرازي (دام ظله) في رسالته إلي ياسر عرفات في أوائل الثمانينات أو قبلها.
() سورة الحجرات: 10.
() غرر الحكم ودرر الكلم: ص69 ح955 الفصل الرابع عشر في الحق.
() الصحيفة السجادية: ص102 دعائه عليه السلام في مكارم الأخلاق.
() سورة البقرة: 208.
() سورة النحل: 125.
() سورة العنكبوت: 46.
() سورة النساء: 5.
() سورة الأعراف: 199.
() سورة الحجر: 85.
() سورة البقرة:
109.
() سورة الشوري: 40
() سورة الأنفال: 46.
() سورة آل عمران: 105.
() سورة القصص: 4.
() سورة النور: 52.
() سورة الفتح: 17.
() سورة الأحزاب: 71.
() سورة النساء: 69.
() تحف العقول: ص204 قصار المعاني.
() غرر الحكم ودرر الكلم: ص210 ح4058 الفصل الأول، القول واللسان.
() الكافي: ج2 ص120 ح16.
() نهج البلاغة، الكتاب: 53.
() مشكاة الأنوار: ص228 الفصل الثالث في العفو.
() مشكاة الأنوار: ص228 الفصل الثالث في العفو.
() نهج الفصاحة: ص278.
() نهج البلاغة، الخطبة: 25.
() غرر الحكم ودرر الكلم: ص466 ح10715 الفصل الثالث عشر الخلاف.
() تنبيه الخواطر ونزهة النواظر: ج2 ص117.
() غرر الحكم ودرر الكلم: ص184 ح3497 الفصل الأول في طاعة الله.
() نهج البلاغة، الحكمة: 371.
() الخصال: ص169 ح222.