مع الإمام موسي بن جعفر ع والتغيير في العراق

اشارة

السيد محمد الحسيني الشيرازي

مؤسسة المجتبي للتحقيق والنشر

كلمة الناشر

بسم الله الرحمن الرحيم

اقترنت مأساة الشيعة في العراق بمأساة أهل البيت عليهم السلام وتشابهت في العديد من فصولها، ابتداءً من عمليات الإقصاء وانتهاءً بالتهميش والتغييب عن الساحة، وما تخللهما من مطاردة وتشريد، وسجن وتعذيب، وأخيراً القتل والصلب والإعدام.

فقد بدأت مأساة الشيعة منذ اليوم الأول لرحيل الرسول الأعظم محمد صلي الله عليه و اله والتحاقه بالرفيق الأعلي، فقد وثب البعض في عملية مدبرة ومخطط لها علي منبر رسول الله صلي الله عليه و اله ونصبوا لهم حاكماً تاركين وراءهم ما أوصي به رسول الله صلي الله عليه و اله في شأن ولاية أمير المؤمنين عليه السلام، وبذلك تم إقصاء أمير المؤمنين عليه السلام عن مكانه اللائق وهو خلافة رسول الله صلي الله عليه و اله، وغصبوه حقه ونهبوا تراثه، وهم يعلمون بأنه أولي بها منهم؛ لأنه أعلمهم بكتاب الله وسنة رسوله صلي الله عليه و اله وهو الذي تم تعيينه بتصريح من الرسول صلي الله عليه و اله بأمر من الله عزوجل في يوم الغدير، ولكن أبت النفوس إلا مخالفة رسول الله صلي الله عليه و اله وما أمر الله به.

وما أن عاد الحق إلي نصابه وجاءت الأمة تطالب أمير المؤمنين عليه السلام بتولي أمرها لا تريد به بدلاً ولا تبغي عنه حولاً وتم لها ما أرادت، حتي خرج الناكثون وعدل المارقون وبغي القاسطون علي حكومة أمير المؤمنين عليه السلام يحاربونه ويقاتلون سيرته وسنته في إقامة مجتمع إسلامي عادل يسير بسنة الرسول صلي الله عليه و اله ويهتدي بهدي القرآن المجيد.

حتي إذا أغتيل أمير المؤمنين عليه السلام واستشهد في بيت من بيوت الله صائماً صابراً محتسباً، وآل الحكم

إلي معاوية بن أبي سفيان بدأت مأساة الشيعة تزداد وتأخذ ألواناً وأبعاداً جديدة. يقول الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام لبعض أصحابه: يا فلان، ما لقينا من ظلم قريش إيانا وتظاهرهم علينا، وما لقي شيعتنا ومحبونا من الناس، إن رسول الله صلي الله عليه و اله قبض وقد أخبر أنّا أولي الناس بالناس، فتمالأت علينا قريش حتي أخرجت الأمر عن معدنه، واحتجت علي الأنصار بحقنا وحجتنا، ثم تداولتها قريش واحد بعد واحد حتي رجعت إلينا، فنكثت بيعتنا ونصبت الحرب لنا إلي أن قال عليه السلام ثم لم نزل أهل البيت نُستذل ونُستضام ونُقصي، ونمُتهن ونحُرم، ونُقتل ونخاف، ولا نأمن علي دمائنا ودماء أوليائنا، ووجد الكاذبون الجاحدون لكذبهم وجحودهم موضعاً يتقربون به إلي أوليائهم وقضاة السوء وعمال السوء في كل بلدة، فحدثوهم بالأحاديث الموضوعة المكذوبة، ورووا عنا ما لم نقله وما لم نفعله ليبغضونا إلي الناس، وكان عظم ذلك وكبره زمن معاوية بعد موت الحسن عليه السلام، فقُتلت شيعتنا بكل بلدة، وقُطعت الأيدي والأرجل علي الظنة، وكان من يذكر بحبنا والانقطاع إلينا سُجن، أو نُهب ماله، أو هُدمت داره، ثم لم يزل البلاء يشتد ويزداد إلي زمان عبيد الله بن زياد قاتل الحسين عليه السلام، ثم جاء الحجاج فقتلهم كل قتلة، وأخذهم بكل ظنة وتهمة، حتي أن الرجل ليقال له: زنديق أو كافر أحب إليه من أن يقال: شيعة علي ().

واشتد الأمر علي الشيعة في العراق زمن الحجاج بن يوسف وزاد من بلائهم وتفنّن في تعذيبهم وجدّ في القضاء عليهم، وقد دأب علي نبزهم في خطبه ب (أهل الشقاق والنفاق) نكاية بهم وزيادة في السخرية منهم، ومن خطبة له في هذا المعني وقد أراد الحج

فقال:

(يا أهل الكوفة، إني أريد الحج وقد استخلفت عليكم ابني محمداً، وأوصيته بخلاف وصية رسول الله صلي الله عليه و اله في الأنصار، فإنه أمر أن يقبل من محسنهم، ويتجاوز عن مسيئهم، وإني قد أوصيته ألا يقبل من محسنكم، ولا يتجاوز عن مسيئكم، ألا وإنكم ستقولون بعدي: لا أحسن الله له الصحابة، ألا و إني معجل لكم الجواب: لا أحسن الله لكم الخلافة)().

ويذكر السيد ابن طاووس: (رأيت في الروايات: أن نساء من المسلمات بلغن من الصبر أيام الحجاج علي تقطيع الأعضاء وسفك الدماء ما لم يؤرخ مثله من الأمم الماضية والقرون الخالية)().

وأخرج الترمذي في سننه عن هاشم بن حسان قال: (أحصوا ما قتل الحجاج صبراً فبلغ مائة ألف وعشرين ألف قتيل)().

وأخرج ابن عساكر في تاريخه عن محمد بن زياد بن الأعرابي، قال: قال الهيثم بن عدي: (مات الحجاج بن يوسف وفي سجنه ثمانون ألفاً محبوسون منهم ثلاثون ألف امرأة)().

وهكذا والقائمة تطول بمأساة شيعة أهل البيت عليهم السلام في العراق وما لاقوا من قبل حكام الجور والولاة المتعسفين الذين تولوا حكمهم بالحديد والنار، إلي أن وصل الأمر إلي الحكم العثماني البغيض والذي سعي للقضاء علي الشيعة وتحديد نشاطهم حتي بلغ الأمر أن صادروا المؤسسات الشيعية والموقوفات التابعة للعتبات المقدسة كالأراضي الزراعية والبساتين والخانات والمحلات التجارية بحجة تنظيمها، وألحقوها بالموقوفات السنيّة وذلك في عام 1838م.

ومن ثم قامت الدولة العراقية الحديثة في عام 1921م والتي سارت علي نهج أسلافها في القضاء علي الشيعة وتهميشهم وإقصائهم عن المناصب والمراكز الحساسة في الدولة بل سارت بنهج طائفي مقيت، بالرغم من أن الشيعة يشكلون الأكثرية في العراق وأن السنة يشكلون الأقلية، وهذه الحقيقة الناصعة أكدتها لغة الأرقام والإحصاءات التي قامت بها

مؤسسات الإحصاء العلمية والتقارير الرسمية والوثائق ومذكرات الساسة ولجان المراقبة الدولية قديماً وحديثاً والتي أكدت علي أن الأكثرية في العراق هم الشيعة، بالإضافة إلي ما كتبه الباحثون والمؤخورن الذين زاروا العراق وكتبوا عنه()، وما أفرزته نتائج الانتخابات البرلمانية التي أجريت مؤخراً من فوز ساحق للشيعة والذي أثبت للعيان الواقع الحقيقي للعراق، والحقيقة التي طالما عمدت الأنظمة التعسفية التي حكمت العراق علي حجبها عن الأنظار، ولكن هيهات أن تحجب الشمس بغربال.

لقد بلغ مجموع الوزارات التي تشكلت في العهد الملكي 58 وزارة، كانت حصة السنة منها 54 مرة مقابل 4 مرات للشيعة، بحيث بلغت نسبة تشكيل السنة للحكومة 4ر91% ونسبة تشكيل الشيعة للحكومة 6ر8%، وكان مجموع رؤساء الوزارات قد بلغ 24 شخصاً، كان 20 شخصاً منهم من السنة و4 أشخاص من الشيعة وهم: صالح جبر ومحمد الصدر وفاضل الجمالي وعبد الوهاب مرجان. علماً بأن الحكم الملكي دام قرابة ثمانية وثلاثين سنة، حكم فيه السنة أكثر من ستة وثلاثين سنة في حين حكم الشيعة أقل من سنتين، وأن سبب تكليف الشيعة لتشكيل الوزارة لم يكن من باب إعطائهم حقوقهم، وإنما لتوريط رئيس الوزراء في قضية محرجة أو لتمرير مشروع لا يرتضيه الشعب أو لامتصاص نقمة واحتواء أزمة.

وفي العهد الجمهوري وبعد سيطرة أبناء القري علي الحكم فقد زادوا الطين بلة حيث أخذوا يتعاملون في التعيين والتوظيف لدي الحكومة علي الأسماء والمناطق فأخذت الحكومة تبعد من اسمه: (علي، حسين، جعفر، صادق، رضا، جاسم، عبد الزهراء، عبد الحسين) ومن كان من سكنة كربلاء والنجف المقدستين، وتقرب من اسمه: (عبد القادر، خالد، عمر) ومن كان من سكنة تكريت والرمادي، وبمراجعة بسيطة لكتب الأستاذ حسن العلوي مثل كتاب: (عبد الكريم قاسم رؤية بعد

العشرين، الشعية والدولة القومية، التأثيرات التركية في المشروع العربي القومي، وغيرها) تلمس هذه الحقيقة ظاهرة جلية وتكشف عن سوء وخبث سريرة الذين تولوا زمام الحكم في العراق.

ثم استمر الأمر في قتل الشيعة الأكثرية والقضاء عليهم بمختلف الأساليب اللاإنسانية مما يشهد بذلك آلاف المقابر الجماعية، إلي أن سقط النظام، وبعد ذلك استغل التكفيريون والوهابون والبعثيون الفوضي الموجودة بعد سقوط الطاغية لقتل الشيعة علي الهوية، وذلك في مختلف مناطق العراق وخاصة فيما يسمي بمثلث الموت، كما قاموا بتفجير مساجد الشيعة وحسينياتهم ومحلاتهم التجارية وحتي مستشفياتهم ومراكزهم الصحية والخدمية، بشكل يومي في بغداد وغيرها، كما أرسلوا بعض الانتحاريين لتفجير مواكب العزاء في كربلاء والكاظمية المقدستين وغيرها في يوم عاشوراء وغيره، وقاموا بالتهجير القسري للشيعة عبر التهديد بقتلهم إن لم يغادروا موطنهم خلال أيام، فتم الاستيلاء علي ممتلكاتهم وأموالهم المنقولة وغير المنقولة، وتم قتل الكثير ممن لم يغادر وطنه، وذلك في المناطق التي يتواجد فيها السنة والشيعة معاً، كما جري ذلك بالنسبة إلي شيعة تلعفر واليوسفية واللطيفية والمدائن وتكريت والرمادي وحتي شيعة سامراء

المقدسة.

إلي أن قاموا بأكبر جرائم العصر حيث تم التجاوز علي أشرف المقدسات الدينية وهي الروضة العسكرية المباركة في سامراء حيث تم تفجيرها صباح يوم الأربعاء 23 محرم 1427ه 22/2/2006م، وهي تضم الجسد الطاهر للإمام علي الهادي والإمام الحسن العسكري ? والسيدة حكيمة بنت الإمام الجواد ? والسيدة نرجس ? والدة الإمام المهدي المنتظر (عجل الله تعالي فرجه الشريف).

إلي غيرها من الجرائم البشعة التي لا يمكن إحصاؤها، من قتل وتعذيب ونهب وسرقة واعتداء علي الأعراض، وحرق الممتلكات والمقدسات وتفجير المساجد والروضات، وقتل الرموز العلمية والسياسية والثقافية والفنية والاقتصادية وغيرها … هذا غيض من فيض وما شط به القلم

فإنا لله وإنا إليه راجعون.

وسيجد القارئ في هذا الكتاب القيم (مع الإمام موسي بن جعفر عليه السلام والتغيير في العراق) أن سماحة المرجع الديني الراحل السيد محمد الحسيني الشيرازي رحمة الله عليه، اتخذ من مناسبة شهادة الإمام الكاظم عليه السلام منطلقاً ليتحدث عن مأساة الشيعة في العراق وعن هضم حقوقهم وخاصة في مسألة الحكم وما تبعه من آثار سلبية تركت بصماتها ظاهرة جلية في تاريخ العراق الحديث.

إن مؤسسة المجتبي إذ تقوم بطبع ونشر هذا السفر القيم من آثار الإمام الشيرازي الراحل رحمة الله عليه، مساهمة منها في تنوير الرأي العام وإظهار الحقائق ووضعها في متناول اليد حتي يكون الجميع علي علم ودراية بما جري ويجري علي شيعة أهل البيت عليهم السلام في العراق.

نسأل الله العلي القدير أن ينفع بهذا الكتاب المؤمنين كما نفع بغيره، وأن يمن علي الإمام الراحل رحمة الله عليه بالمغفرة والرضوان ويسكنه جنات النعيم، إنه سميع مجيب.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

مؤسسة المجتبي للتحقيق والنشر

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلي الله علي محمد وآله الطيبين الطاهرين، واللعنة علي أعدائهم أجمعين.

مظلومية أهل البيت عليهم السلام

إن أهل البيت المعصومين عليهم السلام هم أكثر من وقع عليهم الظلم بعد رسول الله صلي الله عليه و اله، قال الإمام الباقر عليه السلام: لما نزلت هذه الآية ?يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ?() قال المسلمون: يا رسول الله، ألست إمام الناس كلهم أجمعين؟.

قال: فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: أنا رسول الله إلي الناس أجمعين، ولكن سيكون من بعدي أئمة علي الناس من الله من أهل بيتي يقومون في الناس فيُكَذَّبون ويَظلمهم أئمة الكفر والضلال وأشياعهم، فمن والاهم واتبعهم وصدقهم فهو مني ومعي وسيلقاني، ألا ومن

ظلمهم وكذَّبهم فليس مني ولا معي وأنا منه بريء ().

ومن هؤلاء العترة الطاهرة المظلومة مولانا الإمام موسي بن جعفر عليه السلام حيث قضي أكثر من عشر سنوات() في سجون بني العباس المظلمة، وتحت التعذيب القاسي حتي قضي نحبه مسموماً في سجن هارون ببغداد.

وقد ورد في زيارته عليه السلام:

اللهم صلّ علي محمد وأهل بيته، وصلّ علي موسي بن جعفر وصي الأبرار، وإمام الأخيار، وعيبة الأنوار، ووارث السكينة والوقار، والحكم والآثار … المضطهد بالظُلم، والمقبور بالجور، والمعذَّّب في قعر السجون وظُلَم المطامير، ذي الساق المرضوض بحلق القيود، والجنازة المنادي عليها بذُل الاستخفاف، والوارد علي جده المصطفي وأبيه المرتضي وأمه سيدة النساء، بإرث مغصوب، وولاء مسلوب، وأمر مغلوب، ودم مطلوب، وسم مشروب. اللهم وكما صبر علي غيظ المحن، وتجرع فيك غصص الكرب، واستسلم لرضاك، وأخلص الطاعة لك، ومحض الخشوع، واستشعر الخضوع، وعادي البدعة وأهلها، ولم يلحقه في شيء من أوامرك ونواهيك لومة لائم، صلّ عليه صلاة نامية منيفة زاكية، توجب له شفاعة أمم من خلقك، وقرون من براياك … ().

والسؤال هو: لماذا جري هذا الظلم الكبير علي الإمام موسي ابن جعفر عليه السلام، مع أن الكل كانوا يعرفون ويعترفون بفضله وعلمه وزهده وتقواه وورعه، وأنه ابن رسول الله صلي الله عليه و اله مضافاً إلي كونه حجة الله علي الخلق، وأنه من أئمة المسلمين بنص رسول الله صلي الله عليه و اله وقد كان الشيعة آنذاك بكثرة في بغداد، وسائر المسلمين من غير الشيعة أيضاً كانوا يعلمون بعظيم منزلة الإمام عليه السلام، فلماذا هذه الظلامات؟.

في الجواب نقول: إن أبناء الأمة الإسلامية سكتوا علي ظلم الظلمة، وتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأخذ كل واحد منهم يفكر في مصلحته

الشخصية، مضافاً إلي أن البعض منهم تركوا عترة رسول الله صلي الله عليه و اله الذين وصي بهم النبي صلي الله عليه و اله، فاجترأ طغاة العصر علي ظلمهم وسفك دمائهم بالسيف والسم، ومنهم الإمام موسي بن جعفر عليه السلام الذي بقي مسجوناً حتي قضي نحبه مسموماً شهيداً في سجن هارون العباسي.

وهكذا الأمر بالنسبة إلي سائر الأئمة الطاهرين عليهم السلام.

وهكذا الأمر بالنسبة إلي شيعتهم المظلومين إلي يومنا هذا.

علماء السنة يعترفون بفضل الإمام عليه السلام

قال الخطيب البغدادي في كتابه (تاريخ بغداد):

(كان موسي بن جعفر عليه السلام يُدعي العبد الصالح من عبادته واجتهاده، روي أصحابنا أنه عليه السلام دخل مسجد رسول الله صلي الله عليه و اله فسجد سجدة في أول الليل، وسمع وهو يقول في سجوده: عظم الذنب عندي فليحسن العفو عندك، يا أهل التقوي، ويا أهل المغفرة، فجعل يردّدها حتّي أصبح)().

وقال محمد بن طلحة الشافعي في كتابه (مطالب السؤول):

(أبو الحسن موسي بن جعفر الكاظم عليه السلام هو الإمام الكبير القدر، العظيم الشأن، المجتهد الجاد في الاجتهاد، المشهور بالعبادة، المواظب علي الطاعات، المشهور بالكرامات، يبيت الليل ساجداً وقائماً، يقطع النهار مُتصدقاً وصائماً، ولفرط حلمه وتجاوزه عن المعتدين عليه دُعي كاظماً، كان يجازي المسيء بإحسانه، ويقابل الجاني بعفوه عنه، ولكثرة عبادته كان يسمّي بالعبد الصالح، ويعرف في العراق بباب الحوائج إلي الله، لنجح مطالب المتوسّلين إلي الله تعالي به، كراماته تحار منها العقول، وتقضي بأن له عند الله قدم صدق لا تزلّ ولا تزول.. وكان له ألقاب كثيرة: الكاظم وهو أشهرها، والصابر، والصالح، والأمين..

ثم يذكر بعض كراماته ويقول: فهذه الكرامات العالية الأقدار، الخارقة العوائد هي علي التحقيق جلّية المناقب، وزينة المزايا، وغرر الصفات، ولا يعطاها إلاّ من فاضت عليه العناية الربّانية، وأنوار

التأييد، ومرّت له أخلاف التوفيق، وأزلفته من مقام التقديس والتطهير، وما يلقّاها إلا ذو حظّ عظيم)().

وقال ابن الصباغ المالكي في (الفصول المهمة):

(الكاظم هو الإمام الكبير القدر، والأوحد الحجة الحبر، الساهر ليله قائماً، القاطع نهاره صائماً، المسمّي لفرط حلمه وتجاوزه عن المعتدين كاظماً، وهو المعروف عند أهل العراق بباب الحوائج إلي الله، وذلك لنجح قضاء حوائج المسلمين.. وكان موسي الكاظم عليه السلام أعبد أهل زمانه، وأعلمهم، وأسخاهم كفّاً، وأكرم نفساً، وكان يتفقّد فقراء المدينة ويحمل إليهم الدراهم والدنانير إلي بيوتهم والنفقات، ولا يعلمون من أيّ جهة وصلهم ذلك، ولم يعلموا بذلكَ إلاّ بعد موته عليه السلام، وكان كثيراً ما يدعو: «اللهمَّ إنّي أسْألُكَ الرحمَةَ عنْدَ الموْت، والعفْوَ عندَ الحِساب)().

وقال الرشدي الدمشقي في (الروضة الندية):

(الإمام موسي الكاظم أبو إبراهيم، كان يبيت الليل ساجداً وقائماً، ويقطع النهار متصدّقاً وصائماً، كان حليماً يتجاوز عن المعتدين عليه، وكريماً يقابل المسيء بالإحسان إليه ولذا لقّب بالكاظم، ولكثرة عبادته سمّي بالعبد الصالح، ويعرف في العراق بباب الحوائج إلي الله تعالي لنجح المتوسّلين به إليه سبحانه، عباداته مشهورة، تقضي بأن له قدم صدق عند الله لا يزول، وكراماته مشهورة تحار منها العقول)().

هارون العباسي يعترف بإمامته عليه السلام

روي الشيخ سليمان القندوزي في (ينابيع المودّة)() عن (فصل الخطاب) لخواجة بارسا البخاري، قال:

(روي المأمون، عن أبيه الرشيد، أنّه قال لبنيه في حقّ موسي الكاظم عليه السلام: هذا إمام الناس، وحجّة الله علي خلقه، وخليفته علي عباده، أنا إمام الجماعة في الظاهر والغلبة والقهر، وإنه والله أحقّ بمقام رسول الله صلي الله عليه و اله مني ومن الخلق جميعاً، والله لو نازعني في هذا الأمر لآخذنّ بالذي فيه عيناه، فإنّ الملك عقيم.

وقال الرشيد للمأمون: يا بُنيّ، هذا وارث علم النبيين، هذا

موسي بن جعفر عليه السلام إن أردت العلم الصحيح تجد عند هذا).

إلي غير ذلك مما هو كثير.

قال تعالي: ?وَجَحَدُواْ بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَآ أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ?().

الدنيا دار العمل

قال مولانا الإمام موسي بن جعفر عليه السلام: «من استوي يوماه فهو مغبون، ومن كان آخر يوميه شرهما فهو ملعون، ومن لم يعرف الزيادة في نفسه فهو في نقصان، ومن كان إلي النقصان فالموت خير له من الحياة» ().

إن الدنيا كانت وما زالت محلاً للعمل، يعني إن الله تبارك وتعالي خلق الدنيا هكذا، فكل من يعمل ويسعي فيها يتقدم، وكل من لا يعمل ولا يسعي فيها لا يتقدم بل يتأخر، وهذه هي السنة الكونية والقاعدة العامة للدنيا.

قال تعالي: ?وَقُلِ اعْمَلُوا?().

وفي آية أخري: ?إِنَّا عَامِلُونَ?().

وهذا من الضروريات والبديهيات التي يجدها الإنسان من نفسه، حيث يري مكانة العامل وتقدمه في الحياة، بخلاف الكسول والذي لا يعمل.

فكل فرد يعمل ويسعي أكثر، يكون هو المتقدم أكثر.. وكل جماعة تعمل وتسعي أكثر تكون هي المتقدمة أكثر، وكذلك كل أمة تعمل وتسعي أكثر تكون هي المتقدمة أكثر.

ولا فرق في متعلق سعي الإنسان سواء كان عملياً أم علمياً من هذه الناحية.

تقدم المسلمين الأوائل

في يوم ما كان المسلمون يعملون بجدّ فأصبحوا حينذاك سادة الدنيا، وفي يوم آخر أصبح الآخرون يعملون بجدّ فغدوا سادة الدنيا، أما المسلمون اليوم فليسوا سادة لأنهم تركوا العمل، وواقع الحال يشهد بأن سادة الدنيا الآن هم الآخرون.

والسر في ذلك هو: العمل واللاعمل، فيوم كان المسلمون يعملون أصبحوا السادة في الدنيا، ويوم أخذ الآخرون يعملون أصبحوا هم السادة في الدنيا.

السكوت القاتل

نحن نعلم جميعاً بأن الإمام موسي بن جعفر عليه السلام قد فارق الدنيا مسموماً شهيداً في سجون بني العباس، وقد كان هارون العباسي أمر شخصاً يدعي السندي بن شاهك() وكان يهودياً علي القول المشهور أن يسجن الإمام عليه السلام ويضيق عليه ويعذبه إلي أن أمره بقتل الإمام عليه السلام بالسم.

وهنا سؤال يطرح نفسه: لماذا تمكن هارون من هذا الظلم الكبير؟.

الجواب: لأن قسماً كبيراً من الناس تركوا أهل البيت عليهم السلام ولم يعملوا بوصية النبي الأعظم صلي الله عليه و اله في أهل بيته الطاهرين.

وكذلك الشيعة في بغداد، فإن بغداد كانت معروفة بالتشيع ومليئة بالشيعة، ولكن الشيعة أنفسهم كانوا متقاعسين ولا يعملون.

فلم نسمع أو نقرأ بأن الشيعة في بغداد أو غيرهم من المسلمين اجتمعوا يوماً لإنقاذ الإمام موسي بن جعفر عليه السلام، كما لم يردنا أنهم ذهبوا إلي هارون أو السندي بن شاهك ليكلموه ويضغطوا عليه لصده عن ظلم الإمام عليه السلام.

نعم، إن الظالم إنما يتسلط علي الأبرياء وعلي الأخيار بتقاعس الناس وترك العمل، فإذا ترك الناس العمل الصالح سُلطت عليهم الظلمة والأشرار ثم يدعون فلا يُستجاب لهم، كما تذكر الرواية الشريفة الواردة عن أمير المؤمنين عليه السلام ().

فقد كان الجميع آنذاك مشغولاً بكسبه وتجارته، يخرج من بيته ويذهب إلي محل عمله أو مزرعته ثم يعود

إليه، من دون أن يفكر في موضوع الإمامة وظلم الحكام وقضايا الأمة.

قصور الحكام

كان هارون العباسي يكنّ العداء للشيعة بشكل لا مثيل له، وإن لم يشتهر بعدائه كما اشتهر المتوكل بذلك، فقد كان هارون أكثر عداءً للشيعة من المتوكل.

قال شخص من النواصب يوما ً لهارون: الحمد لله لقد تم القضاء علي الشيعة وقد انتهوا. وخاصة بعد ما سُجن الإمام موسي ابن جعفر عليه السلام وقُتل بالسم!.

فأجابه هارون: لقد أخطأت، فإن في قصري هذا سبعين ألفاً من الشيعة!.

علماً بأن قصر هارون كان واسعاً جداً، إذ كانت مساحته تبلغ ثلاثة فراسخ، كما ذكره المؤرخون، علماً بأن ثلاثة فراسخ تعني: شمول القصر لمئات العمارات والبنايات السكنية والحكومية والعسكرية والقاعات والحدائق وغيرها.

لقد كان أسلوب الحكام في ذلك الزمان أن يعيشوا في قصر يشتمل علي العسكر والحرس والعلماء والقضاة والفقهاء وبيت المال وكل شيء أي أن الحكومة كانت تتواجد بأجمعها في ذلك القصر ولهذا قال هارون: في قصري هذا سبعون ألفاً من الشيعة.

فقيل له: ومن أين علمت ذلك؟.

قال: رأيت في المنام كأن القيامة قد قامت، وأن علي بن أبي طالب عليه السلام علي الحوض، فاستدعي الشيعة ليسقيهم من ماء الكوثر، فخرج سيل من الشيعة من قصري تعدادهم سبعون ألف شخص، فسقاهم علي بن أبي طالب عليه السلام.

فإذا كان في قصر هارون وحده والذي كان الإمام موسي بن جعفر عليه السلام محبوساً فيه سبعون ألفاً من الشيعة، فكم كان عددهم في بغداد.

نعم، بغداد كانت مملوءة بالشيعة، ولكنهم كانوا لا يعملون، من هنا تمكن هارون من التجاسر علي الإمام عليه السلام وحبسه وظلمه وإيذائه وقتله بالسم.

أعنّا بصوتك

ربما يقول البعض فراراً عن العمل: ما قيمتي وما أثر عملي، أنا فرد واحد لا أتمكن من التغيير والتأثير.. لا قدرة لي.. لايوجد عند المال الكافي، وما أشبه من

الأعذار.

إن هذه الكلمات كلمات غير منطقية، فكل إنسان يستطيع القيام بأعمال كثيرة وكبيرة ومؤثرة، كل بحسبه.

في قصة حنين حيث ورد ذكرها في القرآن الكريم في قوله تعالي: ?وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ?() دروس وعبر كثيرة.

فحنين اسمُ وادٍ تحيط به الجبال وهو قريب من (أوطاس) وكان به وقعة حنين، وهو موجود الآن، ومن المناسب أن يزوره الإنسان وخاصة عندما يتشرف بالحج، ليري كيف كانت معركة حنين وفرار المسلمين وموقف النبي صلي الله عليه و اله.

لقد بقي النبي صلي الله عليه و اله في يوم حنين وحيداً بعدما فرّ المسلمون عنه والقصة مشهورة مذكورة في التواريخ، حيث انهزم المسلمون بالرغم من تعدادهم البالغ اثني عشر ألف مقاتل، ولم يبق مع النبي صلي الله عليه و اله إلا العباس وأمير المؤمنين عليه السلام وتسعة من أبناء العباس وشخص آخر، يعني لم يصمد مع النبي صلي الله عليه و اله سوي اثني عشر شخصاً فقط، بينما هرب الجميع، ولما شاهد الكفار هروب المسلمين هجموا علي النبي صلي الله عليه و اله ليقتلوه وكان تعدادهم ثلاثين ألفاً، فقال الكفار: لنقض عليه الآن. ولهذا ورد اسم حنين في القرآن؛ لأن القصة مهمة جداً.

فنظر النبي صلي الله عليه و اله حوله فرأي أمير المؤمنين عليه السلام منهمكاً بالمبارزة والدفاع عن رسول الله صلي الله عليه و اله في قصة مفصلة مذكورة في محلها، كما أحاط أبناء العباس بالنبي صلي الله عليه و اله وهم عبد الله وعبيد الله والفضل وقثم و …، وكان العباس عم النبي صلي الله عليه و اله شيخاً كبيراً، فنظر إليه النبي صلي الله عليه و اله وناداه: يا عباس، أعنا بصوتك، أي: اصرخ فيهم؛ لأن العباس كان

صوته جهورياً.

وقد ورد في (مفاتيح الجنان) في زيارات أمير المؤمنين عليه السلام:

وَعَمُّكَ الْعَبّاسُ يُنادِي الْمُنْهَزِمينَ: يا أَصْحابَ سورَةِ الْبَُقَرَةِ، يا أَهْلَ بَيْعَةِ الشَّجَرَةِ ().

فأخذ العباس ينادي فيهم، فاجتمع المسلمون مرة أخري وتمكن النبي صلي الله عليه و اله من لمهم والانتصار بهم علي المشركين، والقصة مفصلة().

إن أعنا بصوتك تعتبر مسألة مهمة. فليس من الصحيح أن يقول الشخص: أنا لا أقدر علي أي شيء، فيترك العمل، ربما يمكن أن يساهم بصوته، كما أن العباس عليه السلام أخذ ينصر النبي صلي الله عليه و اله بصوته.

ومما يؤيد ما ذكرناه رواية شريفة() أفتي الفقهاء علي وفقها، وهي: إذا رأيت جنازة تمر أمامك فيستحب لك أن تبكي عليها وإن لم تكن تعرف الميت، فإن الله يثيبك علي ذلك.

نعم البكاء نوع عمل أيضاً، فإذا لم يتمكن الإنسان من تقديم أي خدمة، لا أقل يساهم ببكائه.

إذن، الدنيا دار عمل ولكل عمل أثر، فللصوت، للكلام، للكتابة، للدعاء، للبكاء، ولكل شيء أثر.

ومن هنا تكون المسؤولية الملقاة علي عواتقنا كبيرة.

وخاصة بالنسبة إلي واجباتنا تجاه أئمة أهل البيت عليهم السلام ومنهم مولانا الإمام موسي بن جعفر عليه السلام. وهذا الظلم الكبير الذي وقع علي أهل البيت عليهم السلام كان من أهم أسبابه تخاذل الناس وعدم تحملهم وأدائهم للمسؤولية. واليوم يلزم علي كل واحد منا أن يساهم في نشر علوم أهل البيت عليهم السلام في العالم.

العراق وحكومة الأكثرية

ما ذكرناه كان كالمقدمة للبحث.

والحديث حول العراق ودور الشيعة فيه.

إن الأكثرية من سكان العراق هم الشيعة، وقد قال مدير عام نفوس العراق قبل خمس وعشرين سنة: إن 80% من سكان العراق هم الشيعة، وأن 15% سنة، وأن 5% ما بين يهودي ومسيحي وصابئي وعلي اللهي ويزيدي وغيرهم.

ولكن الشيعة ليس بيدهم

أي شيء، بل هم المظلومون المستضعفون في العراق، والحكم الدكتاتوري الطائفي يفعل فيهم ما يشاء من التهجير والتشريد والسجن ومصادرة الأموال والقتل …

ومن أسباب ذلك أن الشيعة لم يعملوا.

أما السنة فقبل سبعين سنة تعلموا كيف يترأسون علي الناس، عندها طبّعوا البلد كله بطابع السنة.

والآن كما هو المشهور بين الساسة بأن صدام() وجماعته قد آلوا علي الزوال، وأن نفس الغربيين الذين جاءوا بهم يريدون تغييرهم.

وعلينا أن نعمل بكل طاقاتنا لإرجاع حقوق الشيعة في العراق، فيلزم أن تكون الإذاعة إذاعة شيعية، والأذان أذاناً شيعيا، والتلفزيون تلفزيوناً شيعياً، والمحافظون محافظين شيعة، والكتب المدرسية كتباً شيعية، والمدراء العامون شيعة، وهكذا في كل مجالات الحياة السياسية وغيرها، وهذا معناه أن يكون العراق شيعياً، وذلك لأنه الحق الطبيعي للأكثرية التي تشكل 80% من السكان.

فإن قال البعض: بأن الشيعة أقل من ذلك.

نقول، لو سلمنا بأنهم 70% من الشعب العراقي، فأيضاً هم الأكثرية ويلزم أن تكون الحكومة شيعية، حسب قانون الإسلام، وقانون الدول المسماة بالديمقراطية.

فإن الدنيا والقوانين الديمقراطية تقر بأن الرأي هو رأي الأكثرية، فإذا ما حصل خلاف في مجلس الشوري فيعمل بما تقول به الأكثرية، فالقاعدة هذه وقوانين الدنيا كذلك. وبما أن أكثرية العراق هم الشيعة فيلزم أن تكون حكومة العراق حكومة شيعية.

مسؤولية الجميع

فالكل يمكن أن يساهم في إحقاق حقوق الشيعة في العراق، أقل شيء هو صوتك ونطقك وكلامك، فإن العراق عندما يكون بأيدي السنة فإنه يعني تضييع حقوق الشيعة الأكثيرة، وخاصة مع الأسلوب الاستبدادي الطائفي الذي يواجهون به الشعب الشيعي المسلم.

فلا يقولن أحدكم: إنني الآن خرجت من العراق وسكنت في قم أو في بلدة أخري من البلاد الإسلامة وغيرها ولا أريد العودة إلي وطني. فهذا لا يكون عذراً، فإن الذي يقبع

الآن في قعر السجون أما ابن عمك أو ابن عمي، والآن يوجد مائتان وخمسون عالماً بارزاً من علماء العراق في سجون صدام.

لماذا تُحرم الأكثرية من حقوقها، ومن المسلّم الذي يعترف به الجميع أن أكثرية العراق هم الشيعة، ونحن لدينا الأرقام الواضحة الدالة علي ذلك، فإن أكثر مدن العراق يقطنها الشيعة. فالنجف الأشرف سكانها شيعة، وكربلاء المقدسة سكانها شيعة، والحلة سكانها شيعة، والبصرة سكانها شيعة، والعمارة سكانها شيعة، وهكذا أغلب سكان المدن هم الشيعة، وحتي أن سكان بغداد أكثرهم شيعة، أي أكثر من 80% منهم.

مزارات السنة في بغداد

في بغداد يوجد مزاران للسنة:

الأول: مزار إمامهم الأعظم أبي حنيفة() وهو عبارة عن مدرسة ملتصقة بقبر أبي حنيفة.

الثاني: مزار الشيخ عبد القادر الجيلاني() وهو رئيس المتصوفين، ويسمونه ب (شال الله)، وقد كتبوا علي قبره شعراً قرأته بنفسي، بأن والده من نسل الإمام الحسن عليه السلام، ووالدته من نسل الإمام الحسين عليه السلام، وأنه صحيح النسبين!.

أما وجه تسميته ب (شال الله)، فإنهم يقولون: بأن عبد القادر كان يمشي في أحد الأيام علي النهر فرأي الله والعياذ بالله قد سقط في النهر ولم يتمكن من الخروج، فمد عبد القادر يده وأخرج الله من النهر، ولهذا يقال له: شال الله.

عقيدة التجسيم عند السنة

ويأتي إعتقاد السنة بمثل هذا الكلام؛ لأنهم يعتقدون بالتجسيم، يعني أن السنة يعتقدون بأن الله جسم، له يد ورجل و … كما أن النصاري أيضاً يعتقدون بمثل هذا. فقد جاء في كتبهم المقدسة كما قرأته بنفسي بأن نبي الله يعقوب عليه السلام كان في خيمته فقصده شخص، فقال له: أ تصارعني؟. فقال: نعم. فتصارعا إلي الصباح فلم يتمكن يعقوب من إلقائه أرضاً ولا هو تمكن من إلقاء يعقوب أرضاً. وعند طلوع الفجر قال ذلك الشخص ليعقوب: دعني، فأنا أريد أن أذهب لإدارة السماوات والأرض. فقال له يعقوب: ومن أنت؟. قال: أنا الله. فتعلق به يعقوب وقال له: لن أدعك حتي تجعلني نبياً. فأعطاه النبوة()!

وسنذكر بعض الشواهد مما يدل علي اعتقاد السنة بالتجسيم:

قال النووي في شرح مسلم(): (باب إثبات رؤية المؤمنين في الآخرة لربهم.. إن مذهب أهل السنة أن رؤية الله ممكنة.. وزعمت طائفة من أهل البدع المعتزلة والخوارج وبعض المرجئة أن الله تعالي لا يراه أحد من خلقه، وأن رؤيته مستحيلة عقلاً).

وقال الشاطبي في الإعتصام(): (ومنها ردهم أهل

البدع للأحاديث التي غير موافقة لأغراضهم ومذاهبهم.. كالمنكر لعذاب القبر والصراط المستقيم والميزان ورؤية الله في الآخرة، وكذلك حديث الذباب وقتله، وأن في أحد جناحيه داء والآخر دواء!).

وحكي الذهبي في سيره() قال: (من لم يقر بأن الله تعالي يعجب ويضحك وينزل كل ليلة إلي السماء الدنيا، فيقول: من يسألني فأعطيه، فهو زنديق كافر، يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه!، ولا يصلي عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين!. قلت: لا يكفر إلا إن علم أن الرسول (ص) قاله، فإن جحد بعد ذلك فهذا معاند، نسأل الله الهدي، وإن اعترف أن هذا حق ولكن قال أخوض في معانيه فقد أحسن، وإن آمن وأول ذلك كله أو تأول بعضه، فهو طريقة معروفة).

وقال الذهبي في سيره(): قال حفص بن عبد الله: سمعت إبراهيم بن طهمان يقول: والله الذي لا إله إلا هو لقد رأي محمد ربه. وقال أبوحاتم: شيخان بخراسان مرجئان: أبوحمزة السكري وإبراهيم بن طهمان وهما ثقتان. وقال أبو زرعة: كنت عند أحمد بن حنبل فذكر إبراهيم بن طهمان وكان متكئاً من علة فجلس وقال: لا ينبغي أن يذكر الصالحون فيتكأ. وقال أحمد: كان مرجئاً شديداً علي الجهمية.

وقال الذهبي في تذكرة الحفاظ (): وقال أحمد بن سلمة: سمعت إسحاق بن راهويه يقول: جمعني وهذا المبتدع ابن أبي صالح مجلس الأمير عبد الله بن طاهر فسألني الأمير عن أخبار النزول فسردتها، فقال ابن أبي صالح: كفرت برب ينزل من سماء إلي سماء! فقلت: آمنت برب يفعل ما يشاء. هذه حكاية صحيحة رواها البيهقي في الأسماء والصفات. قال البخاري: مات ليلة نصف شعبان سنة ثمان وثلاثين ومائتين وله سبع وسبعون سنة.

وقال الدميري في حياة الحيوان(): واختلف في جواز الرؤية فأكثر

المبتدعة علي إنكار جوازها في الدنيا والآخرة، وأكثر أهل السنة والسلف علي جوازها فيهما ووقوعها في الآخرة.

إلي غيرها مما هو مذكور في كتب الكلام().

بغداد مدينة الشيعة

إن بغداد هي مدينة الشيعة، والشيعة هم سكانها، ونحن علي علم بمناطق بغداد كافة، فواحدة منها هي (الثورة)() جميع سكانها شيعة، ومنطقة أخري تدعي (الشُعلة) جميع سكانها شيعة، ومنطقة أخري تدعي (قناة الجيش) جميع سكانها شيعة، ومنطقة أخري تدعي (بغداد الجديدة) جميع سكانها شيعة، ومنطقة أخري تدعي (الكرادة الشرقية) جميع سكانها شيعة، إلي غيرها من المناطق الكثيرة. ولكن بعض المناطق القليلة في بغداد سكانها سنة مثل منطقة (الأعظمية) مع العلم بأن الكثير من سكانها شيعة أيضاً.

مع ذلك فإن السنة الأقلية في العراق وهم 15% فقط، تسلطوا علي الأكثري، وأخذوا يديرون البلاد بالظلم والجور والاستبداد وأبشع أنواع الطائفية وصورها، فيقتلون ويعذبون ويطردون العالم والجاهل، والكبير والصغير، والرجل والمرأة.

التغيير المترقب

حسب ما يبدو أن هناك تغييراً سيحصل في العراق، فيلزم علي الشيعة المطالبة الجادة بحقوقهم لأنهم الأكثرية، فإذا كانت الحكومة بيد الشيعة فمعني ذلك حرية العتبات المقدسة، والحوزات العلمية، وحرية الزيارة، وحرية العلماء، وحرية صلة الأرحام، وحرية الشعائر الحسينية وما إلي ذلك.

أما إذا لم تصبح الحكومة بأيدي الشيعة فإن أل 15% من السنة هم الذين سيتسلطون مرة أخري وتعاد المأساة من جديد.

إبعاد المراجع من العراق

إن حكومة الأقلية وهضمها لحقوق الشيعة في العراق لم تكن في زمن صدام فقط، نعم الضغوط كانت في زمنه أشد، وإلا فإن أول حكومة السنة عندما تشكلت في العراق قبل سبعين عاماً كانت حكومة فيصل()، وأول عمل قامت به هو إبعاد مراجع الشيعة إلي إيران، وكان منهم السيد أبو الحسن()..

والميرزا النائيني()..

والسيد عبد الحسين حجت..

والسيد علي الطباطبائي (رضوان الله عليهم).

وقد استأجر الشيخ عبد الكريم اليزدي رحمة الله عليه()، نفس المنزل الذي نزل فيه السيد البروجردي() فيما بعد، فجاء مراجع التقليد من العراق وسكنوا هذا البيت.

فالضغوط علي الشيعة وحوزاتها العلمية ومراجعها بدأت من أول حكومة للأقلية في العراق إلي أن وصل الأمر إلي صدام.

لا تنخدعوا

ربما يقولون: نحن إخوة ولا فرق بين الشيعي والسني، وذلك في محاولة منهم لإعطاء الحكم إلي الأقلية من جديد.

ولكن علينا أن لا ننخدع بذلك، نعم نحن لا ندعو إلي النزاع والطائفية، ولكن الأخوّة لا تعني أن الأخ يهضم حق أخيه، وخاصة ما يرتبط بحق الأكثرية.

العراق يلزم أن تحكمه الأكثرية الشيعية، وفي نفس الوقت نحن لا نقول بتضييع أي حق من حقوق الأقلية السنية، فالعراق فيه بعض المدن الصغيرة السنية كتكريت وغيرها مع وجود الشيعة فيها أيضاً بنسبة ملحوظة فليكن المحافظ ومن أشبه في هذه المدن سنياً. وهكذا بالنسبة إلي سائر أمور هذه المدن، كالتعليم والتربية والقضاء وغيرها.

وقد ذهبت أنا شخصياً إلي تكريت، وذلك عندما أبعدوا إليها أحد أصدقائنا قبل ثلاثين عاماً فذهبت لزيارته هناك، يومها لم تكن تكريت سوي قرية صغيرة، كما لم تكن شوارعها مبلطة،

ولم تصلها خدمات الماء ولا الكهرباء، كما لم تعرف خدمة الهاتف مطلقاً، وكانت أزقتها ترابية. حتي عندما ذهبت إلي هناك في منزل صديقنا، وبالرغم من نزوله في بيت

شخص قد أبعد أيضاً فقد جاءوا لنا بمدفأة نفطية مما يظهر فقرهم وفاقتهم المادية.

وهكذا يكون حال سائر القري والمدن السنية: هيت، عانة، كبيسة، جبة.

فالمعيار ?لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ?() كما في الآية الكريمة.

رعاية حقوق الأقلية

إن السنة في العراق هم الأقلية، ولكن إذا كانت الحكومة بأيدي الشيعة الأكثرية فهذا لا يعني أن تُهضم حق السنة، بل يُضمن لهم كامل حقوقهم، فترسل إلي تكريت وهيت وعانة وما أشبه محافظ وقائم مقام من السنة، وكذلك بالنسبة إلي قضاتهم وكتبهم المدرسية، وإذاعتهم وكلامهم وحرياتهم فلا مانع لدينا من ذلك. فإنا لا نريد أن نهضم حقهم.

فيلزم أن يراعي حق الأكثرية، وهذا هو قانون الإسلام، وقانون الديمقراطية اليوم، حيث تعطي الحق للأكثرية في تشكيل الحكومة.

يبقي الكلام في مسؤولية كل واحد منا تجاه هذه المسألة وهي ضرورة حكومة الأكثرية في العراق.

فما هو دورنا في هذا المجال؟.

فعلي كل واحد أن يعمل بقدر طاقته، حتي من لا يقدر إلا علي الكلام؛ عليه أن يؤدي دوره بالكلام، فإن قول رسول الله صلي الله عليه و اله لعمه العباس: أعنا بصوتك يدل علي ضرورة الاستفادة حتي من الصوت والكلام.

فلو أن شيعة بغداد في زمان الإمام موسي بن جعفر عليه السلام قاموا بواجبهم في الدفاع عن الإمام عليه السلام، وقاموا بتظاهرات وضغوط علي الحكومة الظالمة، لم يتمكن هارون من حبس الإمام موسي بن جعفر عليه السلام، وإذا ما حبسه فكان يطلق سراحه من السجن بسرعة، ولكن أحداً لم يتكلم أبداً.

شجاعة الإظهار

إن عمار بن ياسر كان أول من أظهر الإسلام علانيةً في مكة، فقد جاء إلي أصحابه وقال لهم: لم يظهر الإسلام أحد لحد الآن وبقينا مختفين في منازلنا، نحن نريد أن نذهب إلي حيث يجتمع الكفار ونظهر الإسلام علانية أمامهم. قالوا له: لو استشرت رسول الله صلي الله عليه و اله؟. فجاء إلي النبي صلي الله عليه و اله وسأله، فلم يأمره النبي صلي الله عليه و اله ولم ينهاه. فجاء

وأظهر الإسلام أمام الكفار، فأمسكوا به وأوجعوه ضرباً.

الكلام يتعلق بشجاعة الإظهار والتحدث، فعاد إلي منزله وهو خائر القوي، وبعد عدة أيام تحسنت حاله، فجاء إلي المسلمين وقال لهم: الحمد لله تحسنت حالي. ولم يكن يومها دواء ولا طبيب وكان عليه أن يتعالج بالوسائل البسيطة المتوفرة في ذلك الزمان، ثم قال لهم: أريد أن أظهر الإسلام مرة أخري أمام المشركين. فقالوا له: كأنه لم ينفعك ضربهم. قال: أريد أن أظهر الإسلام علي رغم أنف المشركين. فجاء أمامهم وأظهر إسلامه وقال: لا إله إلا الله محمد رسول الله. فأمسكوا به وأوجعوه ضرباً حتي أدموا بدنه.

نعم إن الإظهار يعتبر مسألة بحد ذاتها، وله تأثيراته الإيجابية.

والأمر بالنسبة إلي العراق وحكومة الشيعة يستدعي اهتماماً خاصاً من الجميع، وأقل ما يمكن أن يساهم الإنسان به هو لسانه، فيقول لكل من يري: إنه يلزم أن تكون حكومة العراق بأيدي الشيعة، فالحكومة حكومة الأكثرية، فإذا كانت القوانين إسلامية فالأكثرية صحيحة؛ لأن الشوري معناها الأكثرية، وإذا كانت ديمقراطية فهي تحكم بلزوم الأكثرية، فلماذا هذه الطائفية وحكومة الأقلية وظلم الأكثرية بأبشع أنواع الظلم والاستبداد؟.

محاربة الحجاب في إيران

إن للكلام أثراً بالغاً في المجتمع، سواء كان حقاً أم باطلاً.

أحد شعراء إيران ويدعي إيرج ميرزا() كان بذيء اللسان فاحشاً، له شعر في ترويج السفور والاختلاط وعدم الحجاب، يقول ما معناه:

علينا أن نحث الناس علي عدم الحجاب، فنطرح هنا وهناك فكرة السفور، وشيئاً فشيئاً يسري هذا الكلام في الناس، وبذلك ينكشف وجوه الفتيات().

وكان هذا قبل زمان البهلوي().

فعندما يطرح في المجتمع فكرة السفور، تري المؤمنين يحاربونها ويخالفونها، أما الفساق فيرحبون بها، ثم البعض يخالف والبعض يؤيد، فتتهيأ الأرضية لتلك الفكرة.

نعم، إن للكلام والشعار والكلمة تأثيراً كبيراً في المجتمع. سواء أريد بها الحق

أم الباطل. ومن هنا نري تأثير الدعايات البالغ في المجتمع.

أهمية القلم والبيان

إن للكلمة والكلام أهمية خاصة، وكذلك الكتابة، وهذا ما يؤكد عليه القرآن الكريم وسائر الكتب السماوية أيضاً.

لقد طالعت الكتب الموجودة الآن والتي يدعي بأنها سماوية، وهي التوراة والإنجيل وقد أصبحت محرّفة، وبقي القرآن فقط كما أنزله الله تعالي من غير تغيير ولا زيادة ولا نقصان وسيبقي كذلك إلي يوم القيامة كما قرأت كتاب كونفوشيوس() والذي كان حكيماً ويبلغ عدد أتباعه خمسمائة مليون شخص في العالم.

وكذلك طالعت كتاب بوذا، فالبوذيون لديهم كتاب. وكل هذه الكتب تؤكد علي أهمية القلم والبيان بشكل أو آخر.

طبعاً لا يكون التأكيد فيها بمثل ما ورد في قرآننا، حيث يحتوي علي سورة باسم (القلم) قال تعالي: ?بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ? ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ?()، وهناك سورة أخري تؤكد علي القراءة والكلمة والكلام، حيث قال تعالي في سورة العلق: ?اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ?() وهي أول آية نزلت بعد ?بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ? علي القول المشهور، و?اقرأ? يعني الكلام.

وقال سبحانه في موضع آخر من القرآن الكريم: ?كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ?()، ?وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ?().

وهكذا نجد في التوراة عبارة: (في البدء كانت الكلمة)()، يعني أن الكلام كان قبل كل شيء.

الكلمة مسؤولية الجميع

الكلمة هي أول ما يطلقها الشخص الذي يريد الخير كالذي يريد أن يبني مسجداً. كما أن الكلمة هي أول ما يطلقها الشخص الذي يريد الشر كمن يريد أن ينشر الخمور.

ومن هنا يلزم علي كل واحد منا أن يساهم علي أقل التقادير بكلمته، حيث يؤكد دائماً وفي كل مكان، علي ضرورة أن تكون الحكومة المستقبلية في العراق بيد الشيعة الأكثرية.

فلا يشترط أن يكون الإنسان ذا قوة أو مكانة أو مال أو جيش، بل الكل مسؤول عن الكلمة الحسنة. فعلينا جميعاً أن ننطق بكلمة

وكلمة، فهي سهلة يسيرة وخفيفة علي اللسان، من علي المنبر أو تحت المنبر وفي وسط المجتمع وفي البيت وفي السوق ولكل أحد.

ربما يقول أحدهم: ما فائدة الكلمة وماذا يترتب عليها؟.

فنقول: إننا نشاهد جموع السيول تتشكل من القطرات، قطرة واثنتين وثلاث وأربع وخمس قطرات وهكذا … حتي يجتمع السيل. فأنا أتكلم بألف كلمة حول هذا الموضوع مثلاً، وأنت تتكلم بمئات الكلمات، والثالث بألف وخمسمائة كلمة، والرابع بثلاثة آلاف كلمة، وهكذا يتشكل السيل.

نعم، يلزم علي الجميع وخاصة العراقيين أن يطالبوا دائماً بتشكيل الحكومة الشيعية في العراق لأنهم الأكثرية.

إدارة الأقلية إدارة ظالمة

إن العراق بلد الشيعة، وفيه كبار علماء التشيع وكبري الحوزات العلمية، مضافا إلي تلك الأضرحة الشريفة للأئمة الطاهرين عليهم السلام. والناس موالون لأهل البيت عليهم السلام حيث كانت تقام في مختلف أرجاء العراق أكبر مجالس العزاء واللطم وكذلك الاحتفالات الدينية العطرة، ولكن بعض الأقلية سيطروا علي البلاد وعلي الشعب المؤمن بالقوة والسلاح، وعرفوا كيف يديرون الناس بالكبت والإرهاب، تلك الإدارة الظالمة، ويا ليتهم كانوا يكتفون بإدارة البلاد ونهب ثرواتها، ولكنهم يضربون ويسجنون ويقتلون ويبعدون ويصادرون الأموال ويسحقون الأمة بأجمعها.

وكل هذا الظلم الذي يسمع ويري لم يكن صدام البادئ به أولاً، بل البادئ الأول هو فيصل قبل سبعين عاماً. وهذه المصائب كلها نتيجة حكم الأقلية وإبعاد الشيعة عن الحكم، فكان أول عمل قام فيصل به هو الضغط علي الحوزات العلمية وإبعاد الفقهاء والمراجع، وهكذا في الحكومات التي تلتها، وأنا أتذكر كيف كانت تتعامل مختلف الحكومات في العراق مع الشيعة حيث الظلم والاستبداد والكبت والجور.

نعش الإمام الكاظم عليه السلام

يوجد مكان في بغداد يدعي (المنطقة) إن شاء الله عند ما يزول صدام ستذهبون إلي العراق وتشاهدونها، وقد ذهبت إليها شخصياً. وكان يوم ذكري شهادة الإمام موسي بن جعفر عليه السلام، حيث يجتمع من الشيعة مليونان إلي ثلاثة ملايين، فيأتون مشياً علي الأقدام من (المنطقة) في بغداد إلي الكاظمية المقدسة وربما تكون المسافة بينهما أكثر من فرسخ، وهم يحملون النعش الرمزي للإمام موسي بن جعفر عليه السلام بكل إجلال واحترام، ولم أر مراسم مثلها تقام إلا في كربلاء وأيام عاشوراء.

وهذا نوع وفاء للإمام عليه السلام حيث لم يأت آنذاك من يشيّع جثمان الإمام فحمله أربعة حمالين!

فلماذا لم يهتم الناس بأمر الإمام عليه السلام في ذلك الوقت ولم يفعلوا شيئاً، تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ

خَلَتْ أي مضت، لَها ما

كَسَبَتْ (). ولكن ما هي مسؤوليتنا اليوم حيث يقول تعالي:

وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ ().

لا رأي لمن لا يطاع

يقول أمير المؤمنين عليه السلام: لا رأي لمن لا يطاع ().

إن العراق تحرر من الاستعمار البريطاني في ثورة العشرين() الشهيرة، وكان التحرير بقيادة المرجع الكبير الميرزا محمد تقي الشيرازي رحمة الله عليه()، وهو خال والدنا رحمة الله عليه..

وقد نقل لنا الوالد رحمة الله عليه () الكثير من قصصه، فقد كان الوالد من تلامذته.

فالشيخ الشيرازي هو الذي أنقذ العراق من أيدي الإنجليز، في حرب دموية راح ضحيتها ثمانون ألف قتيل من الجيش الإنجليزي ومائتا ألف شهيد من العراقيين، وكانت العشائر العراقية تأتمر بأمر المراجع والعلماء، فتمكنوا من تحرير العراق.

وبعد التحرير ومن أجل تشكيل الحكومة فقد اجتمع الميرزا محمد تقي الشيرازي رحمة الله عليه بالوجهاء ورؤساء العشائر وقال: الآن وقد تمكنا من تحرير العراق، فأنا لا أريد أن أكون حاكماً عليكم، بل أنا عالم أدعمكم وأحميكم، فانتخبوا واحداً منكم ليكون ملكاً علي العراق.

فقالوا: لا نقبل بأن يتأمر علينا أحدنا، وكيف يتأمر رئيس عشيرة علي عشيرة أخري، فالعراق بلد عشائري.

فقال: إذن اجعلوا الحكم دورياً والملكية دورية، يعني يحكم أحدكم سنتين والآخر سنتين.. وهكذا.

قالوا: نفس النتيجة فكيف يحكمنا منافسنا.. لا نفعل ذلك.

قال: إذن القرعة فهي لكل أمر مشكل، وهو حل عقلي وشرعي، فلنقترع ونجعل واحداً منكم ملكاً؟.

قالوا: نفس النتيجة وهي أن تظهر القرعة باسم فلان، ومعناها أن يصبح فلان حاكماً علينا.

قال: إذن شكلوا حكومة جماعية وقيادة مشتركة وهذا كلام قاله الميرزا محمد تقي الشيرازي رحمة الله عليه قبل سبعين سنة لرؤساء العراق فكم هو عددكم ولنفرض خمسين نفراً، فشكلوا مجلساً رئاسياً، وما تقرره الأكثرية يجري في العراق.

قالوا: لا نرضي بذلك، كيف نجتمع

وكيف وكيف؟.

قال: إذن هناك حل آخر فقد كان يوجد شخصية مرموقة في العراق آنذاك اسمه (فرمانفرما)، وكان من وجهاء الشيعة وكان رجلاً كبيراً ومحترماً وصاحب ثروة وأملاك كثيرة في بغداد وأملاكه موجودة إلي الآن قال الشيخ: اجعلوه رئيساً عليكم.

قالوا: لا نفعل ذلك؛ لأنه ليس من عنصرنا، وأصله من إيران.

قال الشيخ: الآن إذ لم تقبلوا أي رأي من هذه المقترحات، فاذهبوا واعملوا ما شئتم، وكما يقول أمير المؤمنين عليه السلام: لا رأي لمن لا يُطاع.

وبعد ذلك حكمت الأقلية السنية في العراق وجري ما جري من الظلم علي شيعة أهل البيت عليهم السلام إلي يومنا هذا.

نعم إن حب الدنيا رأس كل خطيئة ()، وبعضهم قرأه هكذا: حب الدينار أُس كل خطيئة ().

فعند ما يترك الناس نصيحة القادة الأتقياء الحكماء فلا تكون النتيجة إلا الخسارة في الدنيا والآخرة.

وفي تاريخ النبي الأعظم صلي الله عليه و اله نري عندما لم يعملوا بما أمر صلي الله عليه و اله به أصحابه في غزوة أحد حيث قال لهم: ابقوا هنا قَتَلنا أو قُتِلنا، غَنَمنا أو غُنِمنا ()، لكنهم لم يبقوا وجاءوا لجمع الغنائم والقصة مشهورة. عند ذلك قُتِل سبعون مسلماً من خيرة المسلمين وعلي رأسهم سيد الشهداء حمزة عليه السلام.

وهكذا كان الأمر بالنسبة إلي العراق بعد ثورة العشرين، حيث لم يسمعوا كلام القائد، وأخذوا يتنازعون فيما بينهم، حتي جاءوا بسني حكمهم، وأصبح من يومذاك الطائفية والظلم والاستبداد والجور والإرهاب مخيما علي العراقيين.

وإلا فالعراق أكثره شيعة، وأكثر مدنه شيعية، وحوزاته العلمية حوزات شيعية، وعشائره عشائر الشيعة، ومثقفوه أي: الجامعيون والأساتذة والمهندسون أكثرهم من الشيعة، و99% من الجيش العراقي من الشيعة، وأعظم التجارة بأيدي الشيعة، ولكن أربعة تعلموا كيف يديرون هؤلاء فسيطروا عليهم

وفعلوا بهم ما فعلوا من الظلم والاستبداد، والسر في ذلك أن الشيعة لم يتبعوا قائدهم بعد ثورة العشرين فابتلوا إلي هذا اليوم.

كيف نساهم في تشكيل حكومة الأكثرية؟

نحن يمكننا المساهمة في أن يكون حكم العراق بأيدي الشيعة بعد زوال صدام إن شاء الله، وأقل ذلك بالكلمة والكلام.

يقول الله تعالي في القرآن: ?وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً قَالُوا مَعْذِرَةً إِلي رَبِّكُمْ?().

فعلي كل إنسان أن يقول، حتي لو تصور بأنه لا فائدة في ذلك، فإن أقل التقادير تكون له المعذرة إلي الله عزوجل، فيوم القيامة نقول: إلهنا نحن قلنا، أنا قلت، وأنت قلت، وهو قال، وهي قالت، وهكذا الآخرون قالوا، من علي المنبر وتحت المنبر، وفي كل مكان ولكل أحد: بأنه يلزم أن تكون حكومة العراق بأيدي الشيعة.

لقد دعا نوح النبي عليه السلام الناس إلي الله تسعمائة وخمسين عاماً فلم يؤثر فيهم، قال تعالي: ?وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ?()، قال المفسرون: القليل هو سبعة أشخاص فقط خلال تسعمائة وخمسين عاماً، وأكثر ما قيل في ذلك، قالوا: آمن به ثمانون شخصاً().

فإذا ما تحدّث كل واحد منا حول حكومة الأكثرية في العراق، وانتشر ذلك في المجتمع فإنه سوف يؤثر بشكل أو آخر إن شاء الله.

أسلوب التحريض

عمرو بن العاص() كان حاكم مصر، فطرده عثمان فذهب إلي فلسطين واشتغل بأموره الشخصية وأصبح فرداً عادياً هناك.

وفي أحد الأيام جاء إلي عمرو بن العاص ابنه عبد الله، فقال له: أما علمت الخبر؟. قال: كلا، فما الذي حدث؟. قال: قتلوا عثمان. فقال عمرو بن العاص لابنه: قد كنت أُحرض عليه حتي الراعي في الصحراء().

أي إنه كان من الذين ساهم في قتل عثمان بتحريضه، فقال: كل من كنت أراه سواء كان رجلاً أم امرأة، طفلاً أم شيخاً، عالماً أم جاهلاً، كنت أتكلم معه ضد عثمان، لقد كنت أحرض عليه حتي الراعي في الصحراء.

فإن أسلوب

الكلمة والكلمة تؤثر، سواء في الحق أم الباطل.

ونحن بحمد الله نملك القلم ولنا القدرة علي البيان، فعلينا أن نؤكد في كل مكان ولكل شخص علي ضرورة أن يكون الحكم في العراق بيد الشيعة لأنهم الأكثرية.

الكلمة المؤثرة

ورد أن الإمام موسي الكاظم عليه السلام في يوم من الأيام كان يمرّ علي دار بشر() في بغداد، فسمع أصوات الغناء والطرب تخرج من تلك الدار، فخرجت جارية وبيدها قمامة البيت فرمت بها في جانب الدرب، فقال عليه السلام لها: يا جارية صاحب هذا الدار حرّ أم عبد؟.

فقالت: بل حرّ.

فقال عليه السلام: صدقتِ، لو كان عبداً لخاف من مولاه.

فلما دخلت قال مولاها وهو علي مائدة السكر: ما أبطأكِ علينا؟.

فقالت: حدثني رجل بكذا.

فأثر كلام الإمام عليه السلام في بشر وغيره تغييراً جوهرياً. فخرج بشر حافياً حتي لقي مولانا الكاظم عليه السلام فتاب علي يديه.

فنري كيف تؤثر كلمة واحدة وتغير من واقع الشخص وتهديه من الضلال إلي الهدي.

دور اللسان وأهميته

في أحد الأيام دخل علي معاوية واحد من شيعة أمير المؤمنين عليه السلام وكان سيداً في عشيرته، فشتمه معاوية، فخرج مغضباً من الباب وقال شعراً:

أيشتمني معاوية بن حرب وسيفي صارم ومعي لساني

وحولي من ذوي يمن ليوث ضراغمة تهش إلي الطعان

فخشي معاوية من لسانه، فاستدعاه وأرضاه، حيث دفع له مالاً كبيراً حتي رضي().

نعم، إن اللسان مهم جداً، وأنتم أصحاب لسان وقلم، فعليكم بشحذ الهمة أينما ذهبتم وأينما جلستم، حتي في محل الحلاقة، حيث يمكن للإنسان أن يقول للحلاق: ما هو الوضع في العراق؟. فيقول: لقد بقي هذا اللعين صدام. فيقول له: سيُزال بإذن الله تعالي، ولكن يلزم أن يكون مستقبل العراق بأيدي الشيعة وإلا إذا جاء شخص آخر بعد صدام أسمه هدام مثلاً سيعيد البلاء مرة أخري علي رؤوس الشيعة.

الناس علي دين ملوكهم

كان في النجف الأشرف أحد كبار المراجع وهو المرحوم السيد عبد الأعلي السبزواري رحمة الله عليه() وهو من أقاربنا، وقد كان محسناً بغض النظر عن علمه وتقواه، وكانت تربطنا به صداقة منذ خمسين سنة في العراق.

كان هذا السيد الجليل من الذين يساعدون الفقراء ويهتم بالجيران ويحسن إليهم، وكان يعيش عيشة الزهاد، لقد كان رجلاً واقعياً.

عندما أخرج الطغاة جمعاً كبيراً من شيعة العراق بحجة أنهم من أصول إيرانية، كان بعض جيران السيد يسألون أهله: متي يخرجونكم حتي نأخذ منزلكم؟.

لماذا أصبح الأمر هكذا؛ لأن الناس علي دين ملوكهم كما في الروايات(). وقد قال أمير المؤمنين عليه السلام: إذا تغير السلطان تغير الزمان ().

وفي الختام

إن شاء الله سيزول صدام، ولكن من الضروري أن تكون الحكومة بعده بأيدي الشيعة لأنهم الأكثرية، وعلي كل واحد منا مسؤولية بيان ذلك، فالكل يؤكد علي ضرورة هذا الأمر بكل ما يمكنه حتي بكلمة واحدة، من علي المنبر وتحت المنبر، وفي التجمعات، وعلي انفراد، سواء كان فيه فائدة أم لا، يلزم التأكيد علي ضرورة أن تكون حكومة العراق بأيدي الشيعة، يعني أن يكون رئيس الجمهورية من الشيعة، والوزراء من الشيعة، وقادة الجيش من الشيعة، والدوائر من الشيعة، والإعلام بيد الشيعة وهكذا في كل الأمور، وهذا لا يعني عدم إعطاء الأقلية حقها، بل يضمن لهم كافة حقوقهم.

إنهم يرونه بعيداً ونراه قريباً.

وصلي الله علي محمد وآله الطاهرين.

الحاشية

() شرح نهج البلاغة: ج11 ص43 ذكر بعض ما مني به آل البيت من الأذي.

() شرح نهج البلاغة: ص1 ص346 أهل العراق وخطب الحجاج فيهم.

() سعد السعود: ص136.

() سنن الترمذي: ج3 ص339 ب38 ح2319.

() تاريخ مدينة دمشق: ج12 ص185 ترجمة رقم 1217 الحجاج بن يوسف.

() للمزيد في هذا الموضوع راجع الفصل الثاني من كتاب (محنة الأكثرية في العراق) لمؤلفه ناصر حسين ناصر.

() سورة الإسراء: 71.

() الكافي: ج1 ص215 باب أن الأئمة في كتاب الله إمامان ح1.

() راجع بحار الأنوار: ج48 ص206 ب9.

() بحار الأنوار: ج99 ص16 ب2 ح10.

() تاريخ بغداد: ج13 ص27 طبعة بيروت دار الكتب العلمية.

() مطالب السؤول: ص83.

() الفصول المهمة: ص213.

() الروضة الندية: ص11 طبع مصر.

() انظر ينابيع المودة: ج3 ص165، نشر دار الأسوة ط1.

() سورة النمل: 14.

() بحار الأنوار: ج75 ص327 ب25 ح5.

() سورة التوبة: 105.

() سورة هود: 121.

() هو الجلاد وصاحب شرطة وحرس هارون العباسي، لم يتعرض المؤرخون له لوضاعته وخسة طبعه سوي ما ذكروه من

أعماله المشينة، فقد كان معروفاً بشدة عدائه ونصبه لأهل البيت عليهم السلام، وقد تولي سجن الإمام موسي بن جعفر عليه السلام في داره بأمر هارون وتقيده بثلاثة قيود من حديد يبلغ وزنها ثلاثة أرطال وحبسه في سجن ببطن سجن آخر والتي عرفت كما في زيارته عليه السلام بقعر السجون وظلم المطامير. وكان السندي يتولي تنفيذ عقوبة من يغضب عليهم هارون، فقد ضرب الفضل بن يحيي بن خالد البرمكي مائة سوط بعدما وسَّع علي الإمام الكاظم عليه السلام وأكرمه واحترمه عندما كان محبوساً عنده لما رأي منه كثرة الصلاة والصيام والخشوع، كما تولي ضرب محمد بن أبي عمير من موالي الأزد مائة وعشرين خشبة أمام هارون بسبب تشيعه، وكان محمد هذا من أوثق الناس عند الخاصة والعامة، وأشدهم نسكاً وأكثرهم ورعاً وعبادة، وقد ذكر الجاحظ أنه كان أوحد أهل زمانه في الأشياء كلها. وقد تولي هذا الناصبي اللعين قتل الإمام الكاظم عليه السلام بدس السم له في الرطب وإجباره علي أكله بأمر من هارون العباسي، فقبض عليه السلام مسموماً ببغداد في حبس السندي بن شاهك لست بقين من رجب سنة ثلاث وثمانين ومائة، وقيل: يوم الجمعة لخمس خلون من رجب سنة إحدي وثمانين ومائة، ودفن في مقابر قريش حيث مشهده المقدس الآن بالكاظمية المشرفة.

() راجع تهذيب الأحكام: ج6 ص176 ب80 ح1.

() سورة التوبة: 25.

() مفاتيح الجنان: ص369 الزيارة المخصوصة للأمير عليه السلام يوم الغدير.

() راجع تفسير القمي: ج1 ص285 غزوة حنين.

() راجع مستدرك الوسائل: ج2 ص470 ب 76ح 2489.

() ولد صدام حسين عام 1939م، في قرية العوجة جنوب تكريت التي تبعد مائة ميل شمال بغداد. كان والده يعمل فرّاشاً في السفارة البريطانية، وأما والدته صبيحة فقد

تزوّجت بأربعة أزواج، وكان صدام ينتقل معها من بيت زوج إلي بيت زوج آخر. تنامت لديه روح الانتقام، ابتدأ عمليات القتل وهو في السابعة عشر من عمره. اشترك مع بعض عناصر حزب البعث في محاولة فاشلة لاغتيال عبد الكريم قاسم عام 1959م، هرب علي أثرها إلي سوريا ومنها إلي مصر. اشترك في انقلاب 17 تموز 1968م، وبعد سنتين أصبح نائباً لمجلس قيادة الثورة ورئاسة الجمهورية في حال غياب البكر عن البلاد، ثم أصبح رئيساً للجمهورية في عام 1979م، بعد أن أقصي البكر عن الحكم ومنح نفسه رتبة مهيب ركن. هاجم إيران عام 1980م فاندلعت حرب الخليج الأولي، واستمرّت ثمان سنوات. احتل الكويت عام 1990م فاندلعت حرب الخليج الثانية، وقامت قوات الحلفاء بقيادة أمريكا بتدمير العراق، ووضع العراق تحت حصار طويل الأمد. انتفض الشعب العراقي فقمع صدام انتفاضة الشعب بوحشية لا مثيل لها، حيث قدّرت أعداد من قتلوا وأعدموا واختفوا ما يزيد علي 500 ألف عراقي وقيل مليون. قامت أمريكا وحلفاؤها بالهجوم علي العراق عام 1424ه / 2003م، فاحتلت العراق، وسقط بذلك نظام حكمه الدموي في 9/4/2003م. ألقي القبض عليه يوم الأحد 14/12/2003م، قدم إلي المحاكمة يوم الخميس 1/7/2004م، بعد تحويل السيادة إلي الحكومة العراقية، وهو الآن رهن الاعتقال ينتظر الحكم الذي سيصدر بحقه.

() النعمان بن ثابت بن زوطي بن ماه مولي تيم الله بن ثعلبة الكوفي، صاحب الرأي والقياس والفتاوي المعروفة في الفقه السني. ولد في الكوفة عام 80 ه ونشأ بها وأصله من بلاد فارس وكان جده زوطي من أهل كابل. كان يبيع الخز ويطلب العلم في صباه، ثم انقطع للتدريس والإفتاء. درس عند الإمام الصادق عليه السلام مدة سنتين، وكان يردد مفتخراً: (لولا

السنتان لهلك النعمان)، كما قرأ علي حماد بن سليمان، ثم أصبح فقيه المذهب المنسوب إليه (المذهب الحنفي). يعتبر أبو حنيفة رأس أهل الرأي لأخذه بمبدأ القياس في الفقه وقلة اعتماده علي الحديث، وكان يقول مفتخراً: (لو أدركني رسول الله وأدركته لأخذ بكثير من قولي!، وهل الدين إلا الرأي). وقد رد أبو حنيفة علي رسول الله صلي الله عليه و اله أربعمائة حديث أو أكثر، فقال له أحدهم: يا أبا محمد أتعرفها؟. قال: نعم. قلت: أخبرني بشيء منها. فقال: قال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?للفرس سهمان وللرجل سهم?. قال أبو حنيفة: أنا لا أجعل سهم بهيمة أكثر من سهم المؤمن. وقال آخر: وجدنا أبا حنيفة خالف مائتي حديث. توفي ببغداد عام 150ه ودفن بمقابر الخيزران. من تصانيفه: المسند في الحديث، المخارج في الفقه، وتنسب إليه رسالة الفقه الأكبر في الكلام، العالم والمتعلم في العقائد، النصائح رواية مقاتل، الرد علي القدرية. ذكر الخطيب في الجزء الثالث عشر من تاريخه: عن الثوري، عن حماد بن أبي سليمان: إنه كان يظهر البراءة من أبي حنيفة ويقول لأصحابه: إن سلم فلا تردوا عليه، وإن جلس فلا توسعوا له. ويروي عن الإمام مالك قوله: ما ولد في الإسلام مولود أضر علي أهل الإسلام من أبي حنيفة، وقال: كانت فتنة أبي حنيفة أضر علي هذه الأمة من فتنة إبليس.

() أبو محمد، محيي الدين عبد القادر بن موسي بن عبد الله بن جنكي دوست الحسني، المشهور ب (الجيلاني، أو الكيلاني، أو الجيلي)، مؤسس الطريقة القادرية. ولد في جيلان من توابع إيران عام 471 ه وانتقل إلي بغداد شاباً في سنة 488 ه، فاتصل بشيوخ العلم والتصوف وتفقه وسمع الحديث وقرأ

الأدب، وتصدر للتدريس والإفتاء في بغداد سنة 528 ه. غالي أصحابه وأتباعه في مناقبه فنسبوا له كرامات عديدة يأباها العقل ويرفضها، ولا يقبل بها الشرع المقدس بل يعدها من الخرافات، منها كما ذكروا: إنه لما قربت وفاته جاء عزرائيل بمكتوب ملفوف من الرب الجليل في وقت غروب الشمس وأعطاه ولده الشيخ عبد الوهاب وكان مكتوب علي ظهره: يصل هذا المكتوب من المحب إلي المحبوب. فلما رآه ولده بكي وتحسر ودخل بالمكتوب مع عزرائيل علي الشيخ، وقبل هذا بسبعة أيام كان معلوماً لدي الشيخ انتقاله إلي العالم العلوي وكان مسروراً، ودعا الله لمحبيه ومخلصيه بالمغفرة، وتعهد أن يكون لهم شفيعاً يوم القيامة، وسجد لله تعالي وجاء النداء: يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلي ربك راضية مرضية. وضج عالم الناسوت بالبكاء، وابتهج عالم الملكوت باللقاء. توفي في بغداد عام 561 ه. له كتب عديدة، منها: (الغنية لطالب طريق الحق) و(الفتح الرباني) و(فتوح الغيب) و(الفيوضات الربانية). كما ألفت حوله العديد من المؤلفات والرسائل.

() راجع العهد القديم والجديد: ج1 ص54 سفر التكوين الإصحاح: 32، الآيات: 22-30، مجمع الكنائس الشرقية، الطبعة الثانية، بيروت لبنان.

() ج2 جزء3 ص15.

() ج1 ص231.

() ج14 ص396.

() ج7 ص381.

() ج2 ص 435.

() ج2 ص72.

() قال السبحاني في بحوث في الملل والنحل ج2 ص373: وقفنا علي فتوي لعبد العزيز بن عبد الله بن باز مؤرخة 8/3/1407 مرقمة 1717/2 جواباً علي سؤال عبد الله عبد الرحمن في جواز الإقتداء والإئتمام بمن لا يعتقد بمسألة الرؤية يوم القيامة فأفتي: من ينكر رؤية الله سبحانه وتعالي في الآخرة لا يصلي خلفه وهو كافر عند أهل السنة والجماعة. واستدل لذلك بما ذكره ابن القيم في كتابه (حادي الأرواح) ذكر الطبري وغيره

أنه قيل لمالك: إن قوماً يزعمون أن الله لا يري يوم القيامة. فقال مالك: السيف السيف. وقال أبو حاتم الرازي: قال أبو صالح كاتب الليث: أملي عليَّ عبد العزيز بن سلمة الماجشون رسالة عما جحدت الجهمية فقال: لم يزل يملي لهم الشيطان حتي جحدوا قول الله تعالي: ?وجوه يومئذ ناضرة إلي ربها ناظرة? … عن أحمد بن حنبل وقيل له في رجل يحدث بحديث عن رجل عن أبي العواطف: إن الله لا يري في الآخرة. فقال: لعن الله من يحدث بهذا الحديث اليوم ثم قال: أخزي الله هذا. وقال أبو بكر المروزي: من زعم أن الله لا يري في الآخرة فقد كفر. وقال: من لم يؤمن بالرؤية فهو جهمي والجهمي كافر. وقال إبراهيم بن زياد الصائغ: سمعت أحمد بن حنبل يقول: الرؤية من كذب بها فهو زنديق، وقال: من زعم أن الله لا يري فقد كفر بالله وكذب بالقرآن ورد علي الله أمره، يستتاب فإن تاب وإلا قتل.. إلخ) انتهي.

ويشمل حكم الشيخ ابن باز هذا أم المؤمنين عائشة لأنها كذبت من زعم أن النبي صلي الله عليه و اله رأي الله تعالي واستدلت علي نفي إمكانية رؤية الله تعالي مطلقاً في الدنيا والآخرة بقوله تعالي: ?لا تدركه الأبصار?. ولا طريق أمام ابن باز إلا أن يقول بكفر عائشة، أو يكذب روايات البخاري ومسلم عنها!! وقد كان الألباني أرحم من أستاذه ابن باز فقد رفع حكم التكفير عن أمه عائشة وعن عدة فئات من المسلمين، فقال في فتاويه ص123: علماء السلف كفروا الجهمية وأعلنوا كفرهم. وأفتوا بقتل رأسهم لكنهم لا يكفرون الأباضية الذين ينكرون رؤية الله في الآخرة كذلك المعتزلة.. لكنهم يكتفون بتضليلهم دون كفرهم.. وقال

في ص 292 قال ابن تيمية: … كان أبو حنيفة والشافعي وغيرهما يقبلون شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية ويصححون الصلاة خلفهم.

() وتسمي اليوم بمدينة الصدر بعد زوال النظام الصدامي البائد.

() أبو غازي، فيصل بن الحسين بن علي الحسني الهاشمي، ملك العراق. ولد بالطائف عام 1883م، وترعرع في خيام بني عتيبة في بادية الحجاز، ثم رحل مع أبيه حين أبعد إلي الآستانة سنة 1891م وعاد معه سنة 1909م. اختير نائباً عن مدينة جدة في مجلس النواب العثماني سنة 1913م، فأخذ ينتقل بين الحجاز والآستانة. زار دمشق سنة 1916م فأقسم يمين الإخلاص لجمعية (العربية الفتاة) السرية. تولي قيادة الجيش الشمالي عندما ثار والده علي الترك سنة 1916م، ثم سمي قائداً عاماً للجيش العربي المحارب في فلسطين إلي جانب القوات البريطانية. دخل سوريا سنة 1918م بعد جلاء الترك عنها. سافر إلي باريس نائباً عن والده في مؤتمر الصلح، عاد إلي دمشق في أوائل سنة 1910م فنودي به ملكاً دستورياً علي البلاد السورية في 8/3/1920م. وعندما احتل الجيش الفرنسي سوريا رحل الملك فيصل إلي أوروبا، فأقام في إيطاليا مدة ثم غادرها إلي إنجلترة. وكانت الثورة علي الإنجليز لا تزال مشتعلة في العراق، فدعته الحكومة البريطانية لحضور مؤتمر عقدته في القاهرة سنة 1921م برئاسة ونستون تشرشل وتقرر ترشيحه لعرش العراق فانتقل إلي بغداد، فنودي به ملكاً للعراق سنة 1921م. أقام العلاقات بين العراق وبريطانيا علي أسس معاهدات (1922 - 1926 - 1927 و 1930م). زار العاصمة التركية والعاصمة البريطانية، ثم قصد سويسرا للاستجمام فتوفي بالسكتة القلبية في عاصمتها برن بفندق (بل فو) عام 1933م، ونقل جثمانه إلي بغداد فدفن فيها.

() السيد أبو الحسن بن السيد محمد بن السيد عبد الحميد

الموسوي الأصفهاني النجفي ولد سنة 1284ه في بعض قري أصفهان. قرأ المقدمات في محل ولادته ثم هاجر إلي العراق، وكان وروده إلي النجف الأشرف أواخر القرن الثالث عشر. أقام في كربلاء مدة ثم درس علي يد كل من: الميرزا حبيب الله الرشتي، والشيخ ملا محمد كاظم الآخوند الخراساني، كما درس علي يديه تلامذة كثيرون. لما توفي المرجع الكبير السيد محمد كاظم اليزدي عام 1337 اجتمع أهل الفضل والعلماء علي ترشيح السيد الأصفهاني للزعامة الدينية فتصدي للمرجعية بكل كفاءة، وبعد وفاة الشيخ أحمد كاشف الغطاء رحمة الله عليه والشيخ الميرزا حسين النائيني رحمة الله عليه تهيأ له الظهور بالمرجعية العامة. فُجع بقتل ولده الفاضل السيد حسن في الصحن الشريف سنة 1349ه وكان يصلي خلف أبيه جماعة. من مؤلفاته: وسيلة النجاة، وحاشية علي العروة الوثقي، وله شرح علي كفاية الأصول وعدة رسائل عملية. توفي رحمة الله عليه في ذي الحجة عام 1365ه في مدينة الكاظمية ونقل جثمانه إلي النجف ودفن في الصحن الغروي الشريف.

() الشيخ الميرزا محمد حسين بن شيخ الإسلام عبد الرحيم النائيني. ولد في إيران عام 1277ه أكمل المقدمات في أصفهان، هاجر إلي العراق فذهب إلي سامراء فحضر بحث المجدد الشيرازي ثم صار كاتباً ومحرراً له، ثم هاجر إلي كربلاء المقدسة ومنها إلي النجف الأشرف وأصبحت بينه وبين الشيخ محمد كاظم الخراساني رابطة قوية واختصاص وثيق وصار من أعوانه وأنصاره في مهماته الدينية والسياسية، كما صار من أعضاء مجلس الفتيا. وعند حدوث أمر النهضة وتبديل حكومة إيران الاستبدادية إلي الدستورية التي تزعمها الشيخ الخراساني وذلك عام 1324ه وقف معه الميرزا وكان يري رأيه فألف كتابه المرسوم (تنبيه الأمة وتنزيه الملة)، وبعد وفاة شيخ الشريعة شاع

صيته فرجع إليه كثير من المؤمنين في البلدان الأخري. توفي رحمة الله عليه في النجف الأشرف عام 1355ه ودفن في الحجرة الخامسة علي يسار الداخل إلي الصحن الشريف من باب السوق.

() الشيخ عبد الكريم بن المولي محمد جعفر المهرجردي اليزدي الحائري القمي، ولد في إيران سنة 1276ه. جاور مدينة سامراء بعد إكماله السطوح فحضر فيها علي أبرز علمائها، مثل السيد المجدد الشيرازي والسيد محمد الفشاركي الأصفهاني والميرزا محمد تقي الشيرازي وغيرهم. سافر إلي النجف الأشرف وكربلاء المقدسة مستمراً علي الدرس والتدريس والإفادة. وكان الميرزا محمد تقي الشيرازي يبجله ويشير إليه ويعترف بفضله ومكانته، حتي أنه أرجع احتياطاته إليه، فلفت بذلك إليه الأنظار وأحله مكانة سامية في النفوس، وفي رجب سنة 1340ه هبط مدينة قم المشرفة بدعوة من رجال العلم فيها فأسس الحوزة العلمية فيها، بعدما أظهر عزمه الشديد علي جعلها مركزاً علمياً له شأنه في خدمة الإسلام وإشادة دعائمه. توفي رحمة الله عليه في شهر ذي القعدة سنة 1355ه وجري له تشييع عظيم ودفن في رواق حرم السيدة فاطمة المعصومة عليها السلام بقم.

() السيد حسين بن السيد علي بن السيد أحمد بن السيد علي تقي بن السيد جواد الطباطبائي البروجردي، ولد عام 1292ه ثم هاجر إلي النجف الأشرف عام 1320ه. اتجهت الأنظار إليه بعد وفاة السيد أبي الحسن الأصفهاني عام 1365ه. بني مدرسة علمية كبيرة في النجف الأشرف عام 1373ه، وقد هيئ لها مكتبة كبيرة تحوي بعض الأسفار النفيسة والآثار النادرة. كما قام رحمة الله عليه بعملية تنقيح وتهذيب وتكميل لكتابي (وسائل الشيعة) للمحدث العلامة الحر العاملي رحمة الله عليه و(مستدرك الوسائل) للمحدث النوري رحمة الله عليه، فدعي عدة من العلماء والفضلاء وأبدي لهم رأيه

وقصده بتأليف كتاب جامع حاو لجميع الفوائد ووافياً بجميع المقاصد بحيث لايحتاج معه الفقيه إلي غيره، وأمرهم بتأليف هذا الكتاب وهيأ لهم الأسباب وذلل لهم الصعاب، وهداهم إلي كيفية التبويب والترتيب، وبعد الفراغ لاحظه عدة مرات وأمر بطبعه ونشره، وقد طبع كتاب الطهارة منه في حال حياته وكان رحمة الله عليه يخصه من جميع آثاره ويقول: (هذه ثمرة حياتي ونتيجة عمري). توفي رحمة الله عليه عام 1380ه في قم المقدسة ودفن في المسجد الأعظم الذي بناه بجنب روضة السيدة المعصومة عليها السلام.

() سورة البقرة: 279.

() جلال الممالك ابن غلام حسين المولود بتبريز في شهر رمضان 1291ه، والمتوفي بطهران في شهر شعبان 1344ه، له ديوان شعر جمعه بعد وفاته ولده خسرو ميرزا وطبعه ونشره في طهران.

() وأصل الشعر بالفارسية:

كم كم اين زمزمة آغاز شود بهمين زمزمه روي زنان باز شود

() رضا خان المعروف بالبهلوي الأول، ولد عام 1878م، دخل في الجيش الإيراني وأصبح ضابطاً. أطاح بالأسرة القاجارية الحاكمة، وأعلن نفسه شاهاً علي إيران عام 1925م. حكم بالظلم والجور والاستبداد، ونشر الفساد في البلاد. تنازل عن الحكم لابنه محمد رضا عام 1941م تحت ضغط أحداث الحرب العالمية الثانية، بواسطة محمد علي فروغي الذي كتب صيغة الاستقالة له بنفسه. فقال لرجاله وقادة جيشه والضباط عند توديعه في قصر مرمر: إني كبرت وضعفت، فاللازم إعطاء مسؤولية الدولة إلي فرد شاب، وهو ولي العهد وأملي منكم أن تؤازروه وتساعدوه. فخرج من طهران متوجهاً إلي أصفهان، ثم إلي كرمان، ومنها إلي بندر عباس، ثم نقل بكل ذل علي ظهر باخرة إنجليزية إلي جزيرة موريس، أحد جزر أفريقيا الجنوبية حيث تمرض فيها، ثم مات وحيداً ذليلاً عام 1944م.

() وهو عبارة عن مجموعة

من الأخلاقيات أكدت علي المحبة واللياقة والفضيلة والطاعة البنوية والولاء العائلي ونادت بالعدالة والسلام العالمي، تكلم بها كونفوشيوس إلي أتباعه، والتي أصبحت فيما ديناً وفلسفة ونهج حياة عرفت بالكونفوشيوسية، والتي ظلت ألفي عام مصدر هداية ومعرفة للشعب الصيني، وأساس البنية الاجتماعية والتربوية والإدارية التي ميزته عبر العصور. وقد تركت الكونفوشيوسية أثرها العميق في ثقافة الطاويين والبوذيين والمسيحيين الصينيين.

() سورة القلم: 1.

() سورة العلق: 1.

() سورة إبراهيم: 24.

() سورة إبراهيم: 26.

() العهد القديم والجديد: ج2 ص145 إنجيل يوحنا، الإصحاح: 1، الآية: 1، مجمع الكنائس الشرقية، بيروت لبنان.

() سورة البقرة: 134و141.

() سورة البقرة: 134و141.

() نهج البلاغة، الخطب: 27 ومن خطبة له عليه السلام وقد قالها يستنهض بها الناس حين ورد خبر غزو الأنبار بجيش معاوية فلم ينهضوا.

() يعد العراق أول بلد عربي ثار ضد الاحتلال البريطاني، فقد قامت الثورة العراقية الكبري الموسومة بثورة العشرين عام 1920م بعدما احتل البريطانيون العراق بكامله خلال أربع سنوات ما بين عام 1914م - 1918م، بعد أن مهدوا لذلك قرابة ثلاثة قرون من النشاط التجسسي والتجاري والدبلوماسي، فدخلت القوات البريطانية مدينة الفاو في السادس من تشرين الثاني عام 1914م بقيادة بيرسي كوكس، ثم احتلوا مدينتي القرنة والعمارة في الثالث من حزيران عام 1915م، ثم مدينة الناصرية في الخامس والعشرين من تموز عام 1915م، ثم مدينة بغداد في الحادي عشر من آذار عام 1917م، ثم تلتها كربلاء والموصل وأربيل عام 1918م. فتصدي لهذا الاحتلال العلماء الأعلام أمثال الميرزا محمد تقي الشيرازي ?، وشيخ الشريعة الأصفهاني ?، والشيخ مهدي الخالصي ?، والسيد محمد سعيد الحبوبي ?. فانضوي الجميع تحت راية الميرزا الشيرازي ?، فشكل في ذي القعدة 1338ه/تموز 1920م ثلاثة مجالس لإدارة الثورة، وهي:

1-

المجلس العلمي: يتولي مهمة توجيه الإرشادات الدينية فيما يخص الثورة.

2- المجلس الملي: يتولي مهمة الإشراف علي إدارة البلاد والأمن الداخلي.

3- المجلس الحربي: يتولي مهمة تنظيم الخطط الحربية وإدارة شؤون الثوار.

لقد فرض المحتل علي العراق وحدة إقليمية بصيغتها الجغرافية الحالية وعين له حاكماً عاماً هو بيرسي كوكس. وقد طبقوا في العراق النظم الإدارية والقوانين التجارية الهندية وفرضوا عليه التداول بالعملة الهندية الروبية وما إلي ذلك. وفي عام 1917م ألزموا الدوائر باستخدام التأريخ الميلادي إلي جانب التأريخ الهجري. كما جعلوا المكاتبات الإدارية باللغة الإنجليزية، واستمر هذا القانون إلي عام 1922م.

استمرت الثورة مائة وخمسين يوماً. بلغت عدد القوات الإنجليزية المرابطة في العراق 75 ألف عسكري، إضافة إلي ستة أسراب من الطائرات، وقد بلغت خسائر البريطانيين في فترة الاحتلال علي حد تقدير المستر لويد جورج في إحدي المؤتمرات التي عقدت بعد انتهاء الحرب مائة ألف ما بين قتيل وجريح، أما الخسائر المادية فقد قدرت بالملايين. وقد اعترف تشرشل بعجز الحكومة البريطانية عن ممارسة الحكم المباشر في العراق.

() آية الله العظمي الشيخ محمد تقي بن الميرزا محب علي بن أبي الحسن الميرزا محمد علي الحائري الشيرازي، زعيم الثورة العراقية المعروفة بثورة العشرين، ولد في شيراز عام 1256ه، ونشأ في كربلاء المقدسة، فقرأ فيها الأوليات ومقدمات العلوم، وحضر علي أفاضلها حتي برع وكمل. هاجر إلي سامراء المشرفة في أوائل المهاجرين، فحضر علي المجدد الكبير الشيرازي رحمة الله عليهحتي صار من أجلاء تلاميذه وأركان بحثه، وبعد وفاة أستاذه تعين للخلافة بالاستحقاق والأولوية والانتخاب، فقام بالوظائف من الإفتاء والتدريس وتربية العلماء. لم تشغله مرجعيته العظمي وأشغاله الكثيرة عن النظر في أمور الناس خاصهم وعامهم، وحسبك من أعماله الجبارة موقفه الجليل في الثورة العراقية،

وإصداره تلك الفتوي الخطيرة التي نهضت بالعراق وحررته لما كان لها من الوقع العظيم في النفوس. كان قد أفتي من قبل بحرمة انتخاب غير المسلم، فكان العراقيون طوع إرادته لا يصدرون إلا عن رأيه، وكانت اجتماعاتهم تعقد في بيته بكربلاء مرات عدة. توفي رحمة الله عليه مسموماً في الثالث عشر من ذي الحجة عام 1338ه، ودفن في الصحن الحسيني الشريف ومقبرته فيه مشهورة. من مؤلفاته: 1: حاشية المكاسب المحرمة، 2: حاشية كتاب البيع، 3: مباحث الأصول، 4: ديوان أهل البيت النبوي عليهم السلام، 5: الرسالة العملية.

() آية الله العظمي السيد مهدي بن الميرزا حبيب الله بن السيد آقا بزرگ بن السيد ميرزا محمود بن السيد إسماعيل الحسيني الشيرازي، من مشاهير الفقهاء المجتهدين ومراجع التقليد في زمانه. ولد في كربلاء المقدسة سنة 1304ه، ودرس علي أساتذتها مقدمات العلوم، ثم سافر إلي سامراء المشرفة فاشتغل فيها بالبحث والتحقيق والتدريس لفترة طويلة، ثم توجه إلي مدينة الكاظمية المقدسة وبقي فيها ما يقرب من سنتين، عاد بعدها إلي كربلاء المقدسة، وبقي فيها فترة من الزمن مواصلاً الدرس والبحث إلي أن انتقل إلي النجف الأشرف، وأقام بها ما يقرب من عشرين عاماً. درس الخارج علي أيدي كبار العلماء والمراجع في عصره أمثال: السيد الميرزا علي آغا نجل المجدد الشيرازي، والميرزا الشيخ محمد تقي الشيرازي، والعلامة الآغا رضا الهمداني صاحب (مصباح الفقيه)، والسيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي صاحب (العروة الوثقي) وغيرهم. كان رحمة الله عليه يحضر في كربلاء المقدسة بحثاً علمياً عميقاً يسمي ببحث ال (كمباني) تحت رعاية المرحوم السيد الحاج آغا حسين القمي، وكان البحث يضم جمعاً من أكابر ومشاهير المجتهدين في كربلاء المقدسة. بعد وفاة السيد القمي سنة 1366ه

استقل بالبحث والتدريس، واضطلع بمسؤولية التقليد والمرجعية الدينية، ورجع الناس إليه في أمر التقليد. وفي عهد حكومة عبد الكريم قاسم في العراق، وفي أثناء فترة تنامي المد الشيوعي، بادر إلي استنهاض همم مراجع الدين الكبار في النجف الأشرف؛ لاتخاذ موقف جماعي قوي إزاء الخطر الإلحادي علي العراق، فالتقي بالسيد محسن الحكيم رحمة الله عليه وأصدر الأخير فتواه الشهيرة بتكفير الشيوعية. توفي ? في الثامن والعشرين من شهر شعبان سنة 1380ه، وشيع جثمانه في موكب مهيب قلما شهدت كربلاء مثله، ودفن في مقبرة العالم المجاهد الشيخ الميرزا محمد تقي الشيرازي في صحن الروضة الحسينية الشريفة، وأقيمت علي روحه الطاهرة مجالس الفاتحة والتأبين بمشاركة مختلف الفئات والطبقات واستمرت لعدة أشهر. من مؤلفاته المطبوعة: 1: ذخيرة العباد، 2: الوجيزة، 3: ذخيرة الصلحاء، 3: تعليقة العروة الوثقي، 4: تعليقة الوسيلة، 5: بداية الأحكام، 6: مناسك الحج (فارسي)، 7: أعمال مكة والمدينة، 8: ديوان شعر، وقد طبع بعض أشعاره متفرقة.

() وسائل الشيعة: ج16 ص9 ب61 ح20824.

() راجع غرر الحكم ودرر الكلم: ج1 ص368 ق5 ب3 ف4 حب المال ح8313 وفيه: ?حب المال سبب الفتن وحب الرئاسة رأس المحن?.

() راجع تفسير القمي: ج1 ص112 غزوة أحد.

() سورة الأعراف: 164.

() سورة هود: 40.

() راجع تفسير مجمع البيان: ج5 ص279 سورة هود.

() أبو عبد الله، عمرو بن العاص بن وائل السهمي القرشي. أبوه العاص بن وائل أحد المستهزءين برسول الله صلي الله عليه و اله والمكاشفين له بالعداوة والأذي، وفيه وفي أصحابه نزل قوله تعالي: ?إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ? سورة الحجر: 95. وأمه فهي النابغة وكانت أمة لرجل من عنزة فسبيت فاشتراها عبد الله بن جدعان التيمي بمكة فكانت بغياً، ثم أعتقها فوقع عليها

أبو لهب بن عبد المطلب، وأمية بن خلف الجمحي، وهشام بن المغيرة المخزومي، وأبو سفيان بن حرب، والعاص بن وائل السهمي، في طهر واحد فولدت عمراً، فادعاه كلهم فحكمت أمه فيه فقالت: هو من العاص بن وائل؛وذاك لأن العاص بن وائل كان ينفق عليها كثيراً. كان عمرو في الجاهلية من الأشداء علي الإسلام، فكان ممن يؤذي رسول الله صلي الله عليه و اله بمكة ويشتمه ويضع في طريقه الحجارة ليعثر بها؛ لأن النبي صلي الله عليه و اله كان يخرج من منزله ليلاً فيطوف بالكعبة، كما كان عمرو أحد القوم الذين خرجوا إلي زينب ابنة رسول الله صلي الله عليه و اله لما خرجت مهاجرة من مكة إلي المدينة فروعوها، وقرعوا هودجها بكعوب الرماح حتي أجهضت جنيناً ميتاً من أبي العاص بن الربيع بعلها، فلما بلغ ذلك رسول الله صلي الله عليه و اله شق عليه مشقة شديدة ولعنهم. ولطالما هجا عمرو بن العاص رسول الله صلي الله عليه و اله هجاءً كثيراً، وكان يعلم هذا الهجاء صبيان مكة فينشدونه ويصيحون برسول الله صلي الله عليه و اله إذا مر بهم رافعين أصواتهم به، فلعنه رسول الله صلي الله عليه و اله بعدد ما هجاه. ولشدة عداوة عمرو بن العاص لرسول الله صلي الله عليه و اله أرسله أهل مكة إلي النجاشي ليزهده في الدين، وليطرد عن بلاده مهاجرة الحبشة، وليقتل جعفر بن أبي طالب عنده إن أمكنه قتله، فكان منه في أمر جعفر هناك ما هو مذكور ومشهور. أسلم عمرو في هدنة الحديبية. ولاه النبي صلي الله عليه و اله إمرة جيش (ذات السلاسل)، ثم استعمله علي عمان. فتح قنسرين وصالح أهل حلب ومنبج

وأنطاكية. ولاه عمر فلسطين ثم مصر فافتتحها ثم عزله عثمان. لما كانت وقعة صفين وقف عمرو مع معاوية ضد أمير المؤمنين عليه السلام، وهو الذي أشار علي معاوية بحيلة رفع المصاحف ثم التحكيم. ولاه معاوية علي مصر سنة 38 ه، وأطلق له خراجها ست سنين فجمع أموالاً طائلة. توفي بالقاهرة وأخباره كثيرة.

() راجع شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج2 ص144 اضطراب الأمر علي عثمان ثم أخبار مقتله.

() أبو نصر المروزي، بشر بن الحارث بن عبدالرحمن بن عطاء البغدادي المشهور بالحافي، وهو ابن عم المحدث علي بن خشرم. ولد في بغداد سنة 152ه وأصله من مرو. كان في بادئ أمره شاطراً وهو الذي أعيي أهله ومؤدبه خبثاً وقد تاب وتنسك، ثم ارتحل في طلب العلم، فأخذ عن: مالك وشريك وحماد بن زيد وغيرهم، وكان في أول أمره يتفتي وقد جرح، وذكروا أنه كان يلحن ولا يدري العربية، ثم اشتغل بالعبادة واعتزل الناس ولم يحدث، قال أحمد بن حنبل: لو كان بشر تزوج لتم أمره. توفي في بغداد يوم الجمعة في شهر ربيع الأول سنة 227ه، وقد عاش خمساً وسبعين سنة، وذكروا له بعض المناقب.

() راجع كتاب الغارات: ج2 ص794 التعليقة 47 تحقيق السيد جلال الدين المحدث.

() آية الله العظمي السيد عبد الأعلي السبزواري من مراجع الدين في النجف الأشرف، أصله من سبزوار بإيران، له مؤلفات عديدة منها: 1: مهذب الأحكام في بيان الحلال والحرام وهو شرح علي العروة الوثقي لفقيه الطائفة السيد محمد كاظم الطباطبائي،

2: تهذيب الأصول وهو يشتمل علي مباحث في علم الأصول، خالية من الزوائد، مشتملة علي كثير من التنبيهات والفوائد، 3: مواهب الرحمن في تفسير القرآن وهو تفسير قيم مبسط علي ضوء

تعاليم العترة الطاهرة والمأثور عنهم عليهم السلام تعرض فيه لمضمون الآية وبيان مفرداتها وما تعلق بها من بحوث دلالية وفقهية وروائية وعلمية. توفي رحمة الله عليه في 27 صفر سنة 1414ه في النجف الأشرف.

() راجع كشف الغمة: ج2 ص21 السادس في علمه وشجاعته وشرف نفسه.

() نهج البلاغة، الرسائل: 31 ومن وصية له عليه السلام للحسن بن علي عليه السلام كتبها إليه بحاضرين عند انصرافه من صفين.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.