وصولا إلي حكومة إسلامية واحدة

اشارة

كلمة الناشر

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الظروف العصيبة التي تمر بالعالم.. والمشكلات الكبيرة التي تعيشها الأمة الإسلامية.. والمعاناة السياسية والاجتماعية التي تقاسيها بمضض.. وفوق ذلك كله، الأزمات الروحية والأخلاقية التي يئنّ من وطأتها العالم أجمع.. والحاجة الماسة إلي نشر وبيان مفاهيم الإسلام ومبادئه الإنسانية العميقة التي تلازم الإنسان في كل شؤونه وجزئيات حياته وتتدخل مباشرةً في حلّ جميع أزماته ومشاكله في الحرية والأمن والسلام وفي كل جوانب الحياة.. والتعطش الشديد إلي إعادة الروح الإسلامية الأصيلة، وبلورة الثقافة الدينية الحيّة، وبثّ الوعي الفكري والسياسي في أبناء الإسلام كي يتمكنوا من رسم خريطة المستقبل المشرق.. كل ذلك دفع المؤسسة لأن تقوم بنشر مجموعة من المحاضرات التوجيهية القيمة التي ألقاها المرجع الديني الإمام الراحل السيد محمد الحسيني الشيرازي (أعلي الله مقامه) في ظروف وأزمنة مختلفة، حول مختلف شؤون الحياة الفردية والاجتماعية، وقد قام سماحته بتهذيبها والإضافة عليها، فقمنا بطباعتها مساهمةً منا في نشر الوعي الإسلامي، وسدّاً لبعض الفراغ العقائدي والأخلاقي لأبناء المسلمين من أجل غدٍ أفضل ومستقبل مجيد.. وذلك انطلاقاً من الوحي الإلهي القائل:

لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (). الذي هو أصل عقلائي عام يرشدنا إلي وجوب التفقه في الدين وإنذار الأمة، ووجوب رجوع الجاهل إلي العالم في معرفة أحكامه في مواقفه وشؤونه.. كما هو تطبيق عملي وسلوكي للآية الكريمة:

فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُوا الأَلْبَابِ ().

إن مؤلفات الإمام الشيرازي (أعلي الله مقامه) تتسم ب:

أولاً: التنوّع والشمولية لأهم أبعاد الإنسان والحياة، لكونها انعكاساً لشمولية الإسلام.. فقد أفاض قلمه المبارك الكتب والموسوعات الضخمة في شتي علوم الإسلام المختلفة، بدءً من موسوعة (الفقه) التي بلغت المائة والستين مجلداً، حيث

تُعدّ أكبر موسوعة علمية استدلالية فقهية في العالم الإسلامي، مروراً بعلم الحديث والتفسير والكلام والأصول والسياسة والاقتصاد والاجتماع والحقوق وسائر العلوم الحديثة الأخري.. وانتهاءً بالكتب المتوسطة والصغيرة التي تتناول مختلف المواضيع والتي تتجاوز بمجموعها ال (1300) كتاب وكراس.

ثانياً: الأصالة حيث إنها تتمحور حول القرآن الكريم والسنة المطهرة وتستلهم منهما الرؤي والأفكار.

ثالثاً: المعالجة الجذرية والعملية المستبصرة بمشاكل الأمة الإسلامية ومشاكل العالم المعاصر. رابعاً: التحدث بلغة علمية رصينة في كتاباته لذوي الاختصاص ك(الأصول) و(البيع) وغيرها، وبلغة واضحة سهلة يفهمها الجميع في كتاباته الجماهيرية، مدعومة بشواهد من واقع الحياة.

نرجو من المولي العلي القدير أن ينفع بذلك، إنه سميع مجيب.

مؤسسة المجتبي للتحقيق والنشر

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام علي نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين، واللعنة الدائمة علي أعدائهم أجمعين إلي قيام يوم الدين.

الحكومة الإسلامية الواحدة

قال سبحانه وتعالي في القرآن الحكيم: إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ().

يُستفاد من هذه الآية الكريمة ضرورة أن تكون الحكومة الإسلامية حكومةً واحدةً تعمّ جميع المسلمين وبلادهم، أما الدويلات الصغيرة فهو علي خلاف القانون الإسلامي، فإن هذه الآية جعلت المسلمين بجميع أصنافهم أمةً واحدة.

وهكذا كانت الحكومة الإسلامية واحدة في عهد رسول الله صلي الله عليه و اله والإمام أمير المؤمنين عليه السلام.

لكن الطغاة والمستعمرين فرّقوا الأمة الواحدة، وجعلوا الدولة الواحدة عدة دول ضعيفة، كما في الآية اللاحقة: وَتَقَطّعُوَاْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ ()، أي: فرقوا فيما بينهم.

وهل انتهي الأمر عند ذلك، فلا حساب ولا جزاء لما اقترفوه، من تقطيع الأمة الواحدة إلي ألوان وأشكال وأمم؟

كلا! كُلّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ فنجازيهم بما فعلوا من التقطيع والتفرقة، ومعني الرجوع إلي الله سبحانه الرجوع إلي حسابه وجزائه، تشبيه بمن يرجع إلي المحكمة بعد الذهاب عنها().

وفي مجمع

البيان: إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةًِ () أي: هذا دينكم دين واحد.. وأصل (الأمة) الجماعة التي علي مقصد واحد، فجُعلت الشريعة أمة واحدة لاجتماعهم بها علي مقصد واحد، وقيل: معناه جماعة واحدة في أنها مخلوقة مملوكة لله تعالي، أي: لا تكونوا إلاّ علي دين واحد، وقيل: معناه هؤلاء الذين تقدم ذكرهم من الأنبياء عليهم السلام فريقكم الذي يلزمكم الاقتداء بهم في حال اجتماعهم علي الحق، كما يقال: هؤلاء أمتنا، أي: فريقنا وموافقونا علي مذهبنا وَأَنَا رَبُّكُمْ الذي خلقكم فَاعْبُدُونِ ولا تشركوا بي شيئاً ().

وورد في تفسير وتأويل الآية الشريفة عن أهل البيت عليهم السلام معاني عديدة، فعن الإمام الباقر عليه السلام في قوله تعالي: إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً ()، قال: آل محمد عليهم السلام ().

وقالت الصديقة الطاهرة عليها السلام: وإمامتنا أماناً للفرقة ().

وقال أمير المؤمنين عليه السلام: وليردعكم الإسلام ووقاره، عن التباغي والتهاوي، ولتجتمع كلمتكم، والزموا دين الله الذي لايقبل من أحد غيره ().

وقال عليه السلام: اجتنبوا الفرقة ().

ما هو الطريق للحكومة الواحدة

يدور البحث في هذا الكتاب حول الطريق إلي تأسيس الحكومة الإسلامية الواحدة؛ إذ أن من الواجب علينا أن نعيد الحكومة الإسلامية الواحدة التي أسسها وأرسي دعائمها الرسولُ الأعظم صلي الله عليه و اله، فقد ذكر المؤرخون أن النبي الأعظم صلي الله عليه و اله استطاع وفي فترة قصيرة أن يوحّد بين حكومات الجزيرة العربية وأطرافها، فجعل الدولة الإسلامية دولة واحدة تضم جميع المسلمين وبلادهم.

وهكذا سار عدد من الحكام بعد رسول الله صلي الله عليه و اله علي هذا المسير نفسه، فكانت الدولة الإسلامية في الصدر الأول، وبالخصوص في أيام خلافة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام حكومة واحدة. وقد كان تحت نفوذ حكومة الإمام عليه السلام

أكثر من خمسين دولة حسب خريطة دول اليوم().

أما هذه الحدود الجغرافية الموجودة بين الدول الإسلامية فهي مصطنعة أوجدها الاستعمار شيئاً فشيئاً، حتي أصبحت اليوم سداً منيعاً تفصل بلاد المسلمين بعضها عن البعض الآخر، وجعلت الأمة الإسلامية متفرقة متشتّة؛ فتري الإنسان المسلم لا يستطيع الانتقال بين بلده الإسلامي وبلاد الإسلام الأخري إلاّ بشق الأنفس، وأحياناً قد يعرّض حياته للمخاطر والمهالك من أجل الوصول إلي دولة أخري يرغب العيش فيها ()، وإذا وصلها فإنه يعتبر أجنبياً!! وهذا خلاف لقوله تعالي: إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً ().

إذاً، من الضروري أن تتظافر الجهود لأجل إسقاط هذه الحدود المصطنعة وهذه القوانين الجائرة التي تفرق المسلمين بعضهم عن البعض الآخر، في سبيل توحيد البلاد الإسلامية كما كانت بالأمس في عهد رسول الله صلي الله عليه و اله فتكون دولة واحدة قوية تشمل الأمة الإسلامية بأجمعها من مختلف قومياتها وأعراقها وألسنتها ومذاهبها.

إنه ليس بمستحيل

وليست الحكومة الواحدة أمراً مستغرباً أو مستحيلاً، ولكن العجب والمستغرب أن البعض هكذا يفكر!.

فاليوم كم من دولةٍ كبيرة كانت سابقاً عدة دول مبعثرة فاجتمعت واتحدت، وكم من دول تسعي اليوم للتتحد في دولة واحدة قوية، فتخطط وتبرمج حتي لتوحيد عُملتها، كما يُري ذلك في دول أوروبا وغيرها.

أذكر قبل أكثر من ثلاثين سنة كان لنا بعض الدروس في المدرسة العلمية الهندية() بكربلاء المقدسة، وكان أحد الطلبة يريد الذهاب إلي الحج، فودعته وقلت له: أسألك الدعاء، وحينما تصل يدك إلي أستار الكعبة، ليكن دعاؤك أن ينصر الله المسلمين ويسهل عليهم قيام حكومة إسلامية واحدة، فضحك الطالب وباستغراب قال لي: سيدنا أنت إلي الآن تبقي تحمل أفكار قديمة وخيالية!

نعم، كان يتصور أن هذا العمل مستحيل، بينما نري أن التجارب في سبيل توحيد

الأمم تحت راية واحدة وحكومة واحدة غير نادرة ولا مستحيلة كما يزعم البعض، والشواهد علي ذلك عديدة:

فقد استطاع ماو() وهو أحد الملحدين أن يوحد الصين تحت راية الكفر ولو بنسبة، ونفوسها اليوم تزيد علي المليار نسمة () وهي اليوم دولة واحدة، فأين وجه الغرابة في ذلك؟!

وكذلك استطاع غاندي() توحيد الهنود الذين بلغوا علي اختلاف أديانهم ومذاهبهم ونفوسهم في ذلك الوقت مئات الملايين، أما اليوم فهم قرابة المليار، وهي دولة واحدة ().

فكيف لا يستطيع المسلمون توحيد كيانهم في دولة واحدة، وهم الذين يحملون كل عناصر الوحدة ومقومات الاتحاد من: العقيدة الواحدة والرب الواحد والنبي الواحد صلي الله عليه و اله والقرآن الواحد والقبلة الواحدة، وكلها تؤكد علي الوحدة والإخاء..

كما يمتلكون أيضاً تجارب عملية سابقة في تأريخهم الحافل، حيث تمتعوا بدولة واحدة في عهد رسول الله صلي الله عليه و اله وبعده.

دولة المسلمين والنصر الإلهي

إن الله سبحانه وتعالي وعد المسلمين بالنصر، فإذا وعت الشعوب وطالبت بالدولة الإسلامية العالمية الواحدة، وتوكلت علي الله في أهدافها، تحقق ذلك.

يقول تعالي: إِن تَنصُرُواْ اللهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبّتْ أَقْدَامَكُمْ () قالها للمسلمين، ولم يقلها لغير المسلمين، فأين نحن من ذلك؟!

إننا وبعون الله تعالي نريد ونطالب ونسعي لتوحيد البلاد الإسلامية، تحت ظل القوانين الإلهية العادلة، حتي تكون بلداً واحداً، فيسير المسلم من بلد إلي آخر دون أن يعترضه أحد، أو يطالب بتأشيرة أو جواز أو دفع رسوم أو ما أشبه، حتي يشعر بأن هذه الأخري بلده أيضاً، وهو بين أهله وإخوانه، ولا توضع أمامه في جميع البلاد الإسلامية حدود استعمارية، وقوانين جاهلية وضعية أخذناها من الكفار، والكفار بأنفسهم حرروا أنفسهم منها.

وهناك في الشرع الإسلامي مصاديق عديدة تركز علي الأمة الواحدة.

وقد خطب رسول الله صلي الله عليه

و اله في مسجد الخيف فقال: رحم الله امرأ سمع مقالتي فوعاها، وبلغها إلي من لم يسمعها، فرب حامل فقهٍ وليس بفقيهٍ، ورب حامل فقهٍ إلي من هو أفقه منه إلي أن قال ثلاثٌ لا يغل عليهن قلب امرئٍ مسلمٍ: إخلاص العمل لله، والنصيحة لأئمة المسلمين، واللزوم لجماعتهم؛ فإن دعوتهم محيطةٌ من ورائهم، والمسلمون إخوةٌ تكافأ دماؤهم، ويسعي بذمتهم أدناهم، فإذا أمن أحدٌ من المسلمين أحداً من المشركين لم يجب أن تخفر ذمته ().

وقال أمير المؤمنين عليه السلام: إذا أومأ أحدٌ من المسلمين، أو أشار بالأمان إلي أحدٍ من المشركين، فنزل علي ذلك فهو في أمان ().

وعن السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له: ما معني قول النبي صلي الله عليه و اله: يسعي بذمتهم أدناهم؟. قال: لو أن جيشا من المسلمين حاصروا قوما من المشركين، فأشرف رجلٌ فقال: أعطوني الأمان حتي ألقي صاحبكم وأناظره، فأعطاه أدناهم الأمان، وجب علي أفضلهم الوفاء به ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: أن علياً عليه السلام أجاز أمان عبدٍ مملوكٍ لأهل حصنٍ من الحصون؛ وقال: هو من المؤمنين ().

فالمسلمون كلهم أمة واحدة في منطق القرآن والإسلام، حيث قال الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله يوم فتح مكة:

«يا أيها الناس، إن الله قد أذهب عنكم بالإسلام نخوة الجاهلية، وتفاخرها بآبائها، وإن العربية ليست بأب والد، وإنما هو لسان ناطق، فمن تكلم به فهو عربي، ألا إنكم من آدم، وآدم من التراب، وإن أكرمكم عند الله أتقاكم ().

وفي حديث عن الإمام الباقر عليه السلام قال: كان سلمان رحمة الله عليه جالساً مع نفر من قريش في المسجد، فأقبلوا ينتسبون ويرفعون في أنسابهم حتي بلغوا سلمان،

فقال له عمر بن الخطاب: أخبرني من أنت، ومن أبوك، وما أصلك؟

فقال: أنا سلمان بن عبد الله، كنت ضالاً فهداني الله عزوجل بمحمد صلي الله عليه و اله، وكنت عائلاً فأغناني الله بمحمد صلي الله عليه و اله، وكنت مملوكاً فاعتقني الله بمحمد صلي الله عليه و اله هذا نسبي، وهذا حسبي.

قال: فخرج رسول الله صلي الله عليه و اله وسلمان (رضوان الله عليه) يكلمهم، فقال له سلمان: يا رسول الله، ما لقيت من هؤلاء؛ جلست معهم فأخذوا ينتسبون ويرفعون في أنسابهم حتي إذا بلغوا إليّ قال عمر بن الخطاب: من أنت، وما أصلك، وما حسبك؟

فقال النبي صلي الله عليه و اله فما قلت له يا سلمان؟

قال: قلت له: أنا سلمان بن عبد الله، كنت ضالاً فهداني الله عز ذكره بمحمد صلي الله عليه و اله، وكنت عائلاً فأغناني الله عز ذكره بمحمد صلي الله عليه و اله، وكنت مملوكاً فاعتقني الله عز ذكره بمحمد صلي الله عليه و اله هذا نسبي، وهذا حسبي.

فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: يا معشر قريش، إن حسب الرجل دينه، ومروءته خلقه، وأصله عقله، وقال الله عزوجل: إِنّا خَلَقْنَاكُم مّن ذَكَرٍ وَأُنْثَيَ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوَاْ إِنّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ ().

ثم قال النبي صلي الله عليه و اله لسلمان: ليس لأحد من هؤلاء عليك فضل إلاّ بتقوي الله عزوجل، وإن كان التقوي لك عليهم فأنت أفضل ().

فأين مكان القوميات والأعراق والألسن والقبليات والألوان في الإسلام؟

إن البلاد الإسلامية في نظر الإسلام كلها بلد واحد، وقانون واحد، وأمة واحدة، بلغاتهم المختلفة وقومياتهم المختلفة، وألوانهم المختلفة يعبدون إلهاً واحداً ويتبعون نبياً واحداً وقرآناً واحداً..

ولذا فان التفريق بين المسلمين وجعل

الدولة الإسلامية عدة دول متفرقة يعتبر من أشد المحرمات في الإسلام؛ إذ يكون تشتيتاً للأمة الواحدة، وتضعيفاً للشعب الإسلامي، وتسهيلاً لسيطرة الكفّار علي بلاد الإسلام وعلي نفوس المسلمين وثرواتهم، سواء كان ذلك تفريقاً بالقوميات أو تفريقاً بالأراضي أم تفريقاً بالجنسيات، وكل ذلك مرفوض في الإسلام رفضاً شديداً.

مقومات الحكومة الواحدة

قد ذكرنا في بعض كتبنا () العديد من مقومات توحيد المسلمين، وتشكيل حكومة عالمية واحدة، منها:

1. العمل الجاد لتوحيد ما يمكن من البلاد الإسلامية، برفع الحدود بينها وإتاحة الفرصة للشعبين بالسفر والإقامة والعمل وسائر الحريات من دون حاجة إلي جواز أو تأشيرة أو ما أشبه.

لتكون هذه بمثابة القدوة والنموذج من أجل توحيد كل البلاد الإسلامية، فإذا توحدت بلدان المسلمين وتقدموا وتطوروا كان ذلك أفضل دعوة عملية للعالم كله لقبول الإسلام والانضمام تحت لوائه العادل واتخاذه نظاماً شاملاً للحياة.

2. كما يلزم لتشكيل الحكومة الواحدة اتخاذ الحذر التام لكي لا يوجه أي عدو ضربته للإسلام والمسلمين، ولا يعمل علي إزالة الحكومة عن مسرح الحياة، وهذا لا يكون إلا بعد قوة المسلمين في جميع المجالات، وبعد أن يقتنع الغرب وغيره بأن الإسلام لا يشكل خطراً علي مصالحه، كما أن الدولة الإسلامية التي شكلها رسول الله صلي الله عليه و اله لم تشكل خطراً علي مصالح المشركين، بل الإسلام بقي يحافظ علي مصالح أهل مكة وسائر المشركين.

إن الإسلام ليس عدواً للغرب، بل الإسلام دين الحوار والتفاهم وحفظ المصالح ورعاية المعاهدات الدولية.

3. أما المقوم الثالث في إقامة حكومة إسلامية واحدة عالمية، فهو الاعتماد علي النفس والاكتفاء الذاتي من خلال توظيف كل القدرات والإمكانات وتوحيدها لتسير باتجاه خدمة الإسلام.

ولا يصح أن يتصور البعض أنه غير قادر علي ذلك، بل كلنا يقدر علي اتخاذ خطوات

في سبيل تشكيل الحكومة الواحدة.

كما لا يصح من قائل أن يقول: ليقم بهذا العمل فلان دون الآخرين، أو ليقم بهذه المهمة غيري.. فإنها مسؤولية الجميع.

فهل تتصورون أن زعماء الكفر يديرون أمورهم في بلادهم وحتي مخططاتهم في بلادنا، أوحاداً منفردين؟!

أبداً، فإن هذا التصور غير صحيح، فإن أغلب الأمريكيين

مثلاً عملوا مع زعمائهم ورؤسائهم الذين جاءوا إلي دفة الحكم، وأوصلوا أمريكا () إلي ما هي عليه اليوم من التطور والتقدم التقني والصناعي وما أشبه. وكذلك في سيطرتهم علي العالم.

وإن أغلب اليهود أيضاً عملوا يداً واحدة وأوجدوا الصهيونية() وتمكنوا من السيطرة علي بلاد المسلمين وغصبها.

قال الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله: كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته، فالإمام راع وهو المسئول عن رعيته، والرجل في أهله راع وهو مسئول عن رعيته، والمرأة في بيت زوجها راعية وهي مسئولة عن رعيتها، والخادم في مال سيده راع وهو مسئول عن رعيته، والرجل في مال أبيه راع وهو مسئول عن رعيته، وكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ().

إذن كلنا مسؤولون عن تشكيل الحكومة الواحدة العالمية الإسلامية، ولكل منا تأثيره في هذا المجال، ولا يجوز التخلي عن هذه المسؤولية.

رسول الله صلي الله عليه و اله وقادة الدول

تحمل رسول الله صلي الله عليه و اله أكبر المسؤولية في هذا الصدد، حتي وصفه الإمام أمير المؤمنين عليه السلام بأنه صلي الله عليه و اله طبيب دوار بطبه.

قال الإمام عليه السلام: طبيب دوار بطبه، قد أحكم مراهمه، وأحمي مواسمه، يضع ذلك حيث الحاجة إليه، من قلوب عمي، وآذان صم، وألسنة بكم، متتبع بدوائه مواضع الغفلة، ومواطن الحيرة ().

لذا علي كل مسلم أن يتأسي برسول الله صلي الله عليه و اله وويعمل وفق قدرته من أجل تحقيق الهدف.

وعلينا أن ندور بفكرتنا هذه، ونذهب

إلي كل مكان في البلدان الإسلامية وفي غيرها وننشرها وندعو لتحققها..

وليس من الضروري أن يرسلكم أحد، بل اذهبوا أنتم معتمدين علي الله وعلي أنفسكم..

ثم إن تحقق الحكومة الواحدة الإسلامية لا يكون بوعي المسلمين فقط، بل يلزم أن يعرف العالَم بأجمعه ما نريده، وأنه هذه الحكومة الواحدة لا تضر أحداً، بل تخدم البشرية جمعاء، وتكون خير مثال لفكرة اتحاد جميع حكومات العالم في دولة عالمية موحدة ().

لأن الاقتصار علي تثقيف المسلمين المتواجدين في بلاد الإسلام فقط يؤدي إلي تحجيم الحركة الإسلامية وعدم توسعها، ومن هنا فإن من الضروري نشر الوعي الإسلامي الصحيح حتي في البلاد الأجنبية أيضاً، وهذا ما فعله سيد البشرية الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله في دعوته رؤساء الدنيا والملوك إلي الإسلام لنشر معالم الإسلام في الأرض.

فمن رسائله صلي الله عليه و اله ما كتبه إلي ملك الفرس وجاء فيها: من محمد رسول الله إلي كسري بن هرمز، أما بعد فأسلم تسلم، وإلاّ فأذن بحرب من الله ورسوله، والسلام علي من اتبع الهدي ().

ورسالته صلي الله عليه و اله إلي ملك الروم التي جاء فيها:

بسمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، من محمد رسول الله عبده ورسوله، إلي هرقل عظيم الروم، وسلام عَلي مَن اتَّبَعَ الهُدي. أما بعد، فإني أدعوك بدعاية الإسلام: أسلم تسلم، أسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم اليريسين ويا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلي كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلا نَعْبُدَ إِلا اللهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ () ().

ورسالته صلي الله عليه و اله إلي النجاشي الأول وجاء فيها:

بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله،

إلي النجاشي ملك الحبشة، إني أحمد إليك الله الملك القدوس السلام المهيمن، وأشهد أن عيسي ابن مريم روح الله وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلي مَرْيَمَ () البتول الطيبة، فحملت بعيسي، وإني أدعوك إلي الله وحده لا شريك له، فإن تبعتني وتؤمن بالذي جاءني فإني رسول الله، وقد بعثت إليك ابن عمي جعفراً ومعه نفر من المسلمين وَالسَّلامُ عَلي مَنِ اتَّبَعَ الْهُدي () ().

ورسالته صلي الله عليه و اله إلي ملك الإسكندرية وجاء فيها:

بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد بن عبد الله إلي المقوقس عظيم القبط، سلام علي من أتبع الهدي، أما بعد: فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإنما عليك إثم القبط يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلي كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ () ().

ورسالته صلي الله عليه و اله إلي ملك البحرين المنذر بن ساوي، جاء

فيها:

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، من محمد رسول الله، إلي المنذر بن ساوي، سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، وأشهد أن لا إله إلا هو، وأما بعد: فإني أدعوك إلي الإسلام، فأسم تسلم، وأسلم يجعل لك الله ما تحت يديك، وأعلم أن ديني سيظهر إلي منتهي الخف والحافر ().

وكتب رسول الله صلي الله عليه و اله إلي أهل عمان:

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، من محمد رسول الله، إلي أهل عمان، سلام عليكم، أما بعد، فأقروا بشهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، وأدوا الزكاة، وخطوا المساجد كذا وكذا ().

وكتب صلي الله عليه و اله إلي هوذة بن علي ملك اليمامة:

بسم

الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله، إلي هوذة بن علي، سلام علي من أتبع الهدي، وأعلم أن ديني سيظهر إلي منتهي الخف والحافر، فأسلم تسلم، وأجعل لك ما تحت

يديك ().

ورسائله صلي الله عليه و اله إلي غير هؤلاء من الملوك ورؤساء القبائل آنذاك وقد أسلم جمع غفير منهم ومن شعوبهم.

فنحن أيضاً ينبغي لنا أن نعمل علي نشر الثقافة الإسلامية في أوساط غير المسلمين فإنه يكون سببا لدخولهم في الإسلام، كما علينا أن نعمل من أجل إرشاد المسلمين وتوعيتهم حتي تكون للإسلام والمسلمين دولة عالمية واحدة قوية.

نواة دولة الإسلام

إن السعي لإعادة الدولة الإسلامية الواحدة التي أرسي دعائمها الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله وأمير المؤمنين عليه السلام واستمر في نشر ثقافتها أئمة أهل البيت عليهم السلام يتطلب بالإضافة إلي ما سبق مقدمات عدة، نذكر أهمها:

أولاً: التنظيمات

أولاً: التنظيمات

يلزم إيجاد تنظيم في بلاد المسلمين وبلاد غيرهم حتي لو كان علي شكل لجان وهيئات، تتكون من خمسة أفراد أو أكثر، ليجري العمل علي تربيتهم وتعليمهم علوم الإسلام وأحكامه والمسائل المعاصرة الأخري، حتي تصبح تلك النخبة هي نواة للحكومة الإسلامية الواحدة التي تنمو شيئاً فشيئاً بعون الله تعالي.

قبل أربعين سنة تقريباً () دخل العراق ضابط روسي متخفياً، واتصل بشخص مسيحي() فلقنه مبادئ الشيوعية()، وكان الأخير يعمل خياطاً، وبعد أن صار شيوعياً قام بتنظيم شخص آخر من المسلمين()، وقد سعي نوري السعيد() كثيراً للقبض عليه وإعدامه، لكنه لم يتمكن من ذلك إلاّ أواخر أيام حكمه، وفي الوقت الذي وصل فيه عدد الشيوعيين في العراق إلي حوالي (500) شخص..

وهكذا بدأت الشيوعية في العراق، حتي كثر عددهم وقاموا بعد ذلك بالنزول إلي الشوارع، وأخذوا يكتبون الشعارات ويرفعون اللافتات الداعية للشيوعية الباطلة() وبعد عمل دام خمسة عشر عاماً استطاع الشيوعيون أن ينظموا الناس ويخرجوهم إلي الشوارع بتظاهرات منظمة، كما أنهم قاموا بحملة إعلامية كبيرة غرّروا من خلالها بالعديد من العراقيين وجروهم للشيوعية.

إذاً، لماذا لا نتمكن نحن من القيام بعمل مشابه في سبيل الخير والحق والفضيلة، ومن أجل إيجاد نواة الدولة الإسلامية بين الشعوب التي تشهد اندفاعاً نحو الإسلام ومبادئه الحقة، سواء في البلاد الإسلامية أم غيرها، حيث إن أعداد المسلمين في البلاد الأجنبية هائلة، ففي الهند وحدها يوجد مائة وخمسون مليون مسلم.

وفي فرنسا ما يزيد علي خمسة ملايين مسلم.

وفي ألمانيا أكثر

من هذا الرقم.

وفي الصين أكثر من مائة مليون مسلم.

وفي ميانمار أو بورما يبلغ عدد المسلمين ثمانية ملايين، ويعيشون في ظروف سيئة جداً.

وفي اليابان عدد المسلمين خمسمائة ألف تقريبا.

وفي الاتحاد السوفيتي يزيد عددهم علي سبعين مليون مسلم منهم عشرون مليون في روسيا وحدها، ونحو مليون مسلم يعيشون في العاصمة موسكو.

وفي بلغاريا يقدر عدد المسلمين بما يقرب من ثلاثة ملايين.

وفي أمريكا يقدر عددهم بعشرة ملايين مسلم، نصفهم من المسلمين السود.

وفي بريطانيا ما يقارب المليون وربما أكثر.

وفي السويد ما يقارب ثلاثمائة ألف مسلم.

وفي استراليا ما يقرب مليون مسلم.

وفي البرازيل ما يزيد علي مليوني مسلم حسب دراسة أحد المراكز الإسلامية هناك.

وفي السنغال يقدر عدد المسلمين بما يزيد علي عشرة ملايين مسلم().

إلي غيرها وغيرها.

ومن اللازم التواصل مع هؤلاء المسلمين عبر مختلف الوسائل الحديثة لإيصال صوت الإسلام إليهم وإعطائهم فكرة الحكومة الواحدة الإسلامية، فيمكن الاتصال بهم من خلال وسائل الإتصالات والمحطات الإذاعية والتلفازية، ومن خلال شبكة الإنترنت، بأن تكون هناك مواقع مخصصة لهذا الغرض بكل اللغات، وكذا عبر المجلات والجرائد والصحف والكتب والكراريس وبكثافة كبيرة، فإن نشر الكتب التي تبيّن لهم ماهية الإسلام وأهدافه الإنسانية من شأنها الوقوف أمام التيارات المعادية وهذا بدوره يكون نواة محركة لتلك الحكومة الإسلامية العالمية الموحدة.

الوعد الإلهي

وقد وعدنا الله سبحانه بالنصر.. ولكن بشرط أن يكون عملنا خالصاً لوجهه الكريم ووفقا لموازين الحياة والتقدم، قال عزوجل: إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ().

سؤال لابد منه

فلماذا يصدّق التابعون للدول الأجنبية الوعود التي أعطيت لهم، ويقبلون كلام كبارهم() حينما وعدوهم بتوحيد عمال العالم، عن طريق توحيد سكان العالم، وإقامة دولة شيوعية حيث قال لهم: يا عمّال العالم اتحدوا؟!

أما نحن المسلمون، فقد نسينا وعود الله لنا، وأصبحنا لا نثق بقدرتنا علي إيجاد الأمة الإسلامية الواحدة، مع أننا نؤمن بالله ونصلي له ونصوم ونذهب إلي المساجد ونقرأ القرآن والكتب الإسلامية، وبالرغم من أن دعوة الناس إلي الله والي الالتزام بالإسلام هي من واجبات كل مسلم!!

فهل أن الله سبحانه والعياذ بالله وحاشا لله يخلف الوعد والميعاد؟! أم لأن بعضنا أصيب بالفشل واليأس والابتعاد عن الله العظيم فأصبح لا يصدق بوعوده؟!

نسأل الله أن يوفقنا جميعا للعمل بتعاليم القرآن الكريم وتوجيهات النبي العظيم صلي الله عليه و الهوالأئمة الطاهرين (عليهم أفضل الصلاة والسلام) وأن يعيننا علي المشاركة في إقامة الحكومة الإسلامية العالمية الواحدة،كما كانت في عهد رسول الله صلي الله عليه و اله وأمير المؤمنين عليه السلام () وسيكون ذلك في المستقبل، وسوف لا يطول إن شاء الله، خصوصاً إذا عملنا بإخلاص، فإننا كلّما عملنا أكثر سنصل الهدف بمدة أقصر.

وعلينا أن نعمل بشكل جاد ومركّز في كل مكان مناسب في البلدان الإسلامية، بل حتي في غيرها من الدول الغربية، وننشئ فيها المنظمات السلمية البعيدة كل البعد عن العنف والإرهاب، لنتمكن من الوصول إلي الحكومة العالمية الواحدة، وهذا العمل ليس بالأمر المستحيل.

وفي الحديث المروي عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام دلالة علي ضرورة أن تكون الحكومة الإسلامية واحدة قوية تجمع كل

المسلمين وجميع بلادهم. قال عليه السلام:.. والزموا السواد الأعظم؛ فإن يد الله مع الجماعة، وإياكم والفرقة، فإن الشاذ من الناس للشيطان، كما أن الشاذ من الغنم للذئب ().

واليوم عند ما تفرقنا وأصبحنا عشرات الدول الضعيفة أكلتنا الذئاب والمستعمرون.

مرحلة البناء

إن حوزاتنا العلمية المباركة التي تعتبر من أفضل منابر الإسلام ومنائره، تشكلت وبقيت أمد الدهر بفضل جهود المخلصين من أبناء الإسلام وبركات العلماء في بغداد()..

والنجف الأشرف()..

وكربلاء المقدسة ()..

والحلة ()..

وأصفهان() وغيرها..

وأخيراً في مدينة قم المشرفة()، وقبل عدة عقود قام العلماء الصالحون بتأسيس هذه الحوزة المباركة، ولربما كان عدد طلابها لم يصل إلي ألف طالب، ولكن انضم إليها الآخرون شيئاً فشيئاً، حتي صارت كما نراها اليوم بهذه العظمة، وبهذا الصيت.

نقل لي العلامة الشيخ مرتضي نجل المرحوم الشيخ عبد الكريم الحائري رحمة الله عليه() مؤسس الحوزة العلمية في قم المقدسة، أن والده لم يكن يمتلك حتي الكتب التي كانت ضرورية له للتدريس والدراسة، مع أنه كان زعيم الحوزة، ومحور الدراسات فيها آنذاك، لكن مع هذا سارت الحوزة العلمية وتطورت يوما بعد يوم، وذلك لإخلاص العاملين وجهودهم.

إذاً، عندما تتوحد الإمكانات وتتظافر الجهود سوف تتحقق الحكومة الإسلامية الموحدة، أما بالنسبة إلي المذاهب، فكل مذهب حر في قوانينه بحسب سكان المنطقة، وقد ذكرت في بعض الكتب أن العمل في هذا المجال يقوم علي رأي الأكثرية(). فكل منطقة تكون الأكثرية فيها من أهل السنة يكون القانون هو رأي مذهب أهل السنة مع مراعاة حقوق الشيعة الذين يعيشون إلي جانبهم، وكل منطقة تكون فيها الأكثرية من الشيعة يكون القانون هناك علي ضوء آراء المذهب الشيعي مع مراعاة حقوق السنة أيضاً..

وهذا حق مشروع من حقوق الأكثرية ولها المطالبة بذلك.

وهذه القاعدة، أي: العمل حسب رأي الأكثرية دلت

عليها بعض الأدلة النقلية في بعض الروايات، فضلاً عن كونها أسلوباً عقلائيا يضمن حقوق الناس().

قانون الزواج والطلاق في الهند

ينقل السيد سعيد بن السيد مير حامد صاحب العبقات(): إن حكومة الهند أرادت مرة أن تضع قانوناً للزواج والطلاق، فطلبوا حينها من شاه إيران أن يدوّنه لهم، فيقول السيد: إننا كنا من المخالفين لذلك القانون الذي كان يخالف شريعتنا، ونظمنا المظاهرات ضد ذلك الإجراء، فاستدعاني (نهرو)() نفسه، وقال لي: ماذا تريدون؟

فقلت له: إن تعداد المسلمين هنا ما يقارب (120) مليون نسمة، ونحن الشيعة نزيد علي أربعين مليوناً، وأهل السنة ثمانون مليوناً، ونحن لا نعتقد بالقانون المدني الذي أصدرتموه، فهو بعيد عن الإسلام، وقد كان لنا قانون خاص قبل هذا، فقال نهرو: وأي قانون؟ فوضحت له مفردات القانون الإسلامي حول الزواج والطلاق، وكان أحد كتّابه يجلس إلي جانبه، فأمره بتدوين ما قلت ووعدني حينها أنه سيدرس الموضوع، علماً أن (نهرو) لم يكن مؤمنا بالله العظيم لأنه كان من الهندوس، وبعد شهر أصدرت الحكومة الهندية قراراً يقضي باستثناء الأربعين مليون شيعي من القانون الهندي الجديد، وثبت بذلك حقهم في العمل علي ضوء أحكام مذهبهم.

وعلي هذا الأساس فإن الحكومة الإسلامية الواحدة سوف لاتواجه مشكلة كبيرة بالنسبة إلي اختلاف المذاهب لأنها تعطي الحرية لكل مذهب بحسبه وفي مجاله.

وهذه الحكومة سوف يكون لها رئيس جمهورية ووزراء، وما أشبه، وفق قرارات يكون الدين الإسلامي هو الحكم فيها، وعند التعارض نرجع إلي قانون الأكثرية مع مراعاة حقوق الأقلية أيضاً.

إذاً، وكما قلنا: إن هذه المسألة قابلةٌ للحل، وما علينا إلاّ أن نوجد نواة للحكومة الإسلامية العالمية في كل البلاد، حتي لو كانت تلك النواة تبدأ بشاب واحد، ولا ننسي أن هذا العمل يحتاج إلي الدعم الإعلامي والتبليغ الواسع.

ثانياً: الوعي الجماهيري

ثانياً: الوعي الجماهيري

لأجل إقامة حكومة إسلامية واحدة يلزم الاهتمام الشديد بتوسيع المجال الإعلامي والتبليغي، فمثلاً، في كل

أسبوع يمكن أن تصدر نشرة حول فكرة وهدف الحكومة الإسلامية الواحدة وضرورتها، فإذا انتشرت هذه الفكرة ونمي هذا الاعتقاد بين الناس فسيكون هناك وعي جماهيري لقبول هذا الطرح.

وما لم نفعل ذلك سوف تتكرر المأساة مرة أخري، حيث تأتي فئة أو مجموعة وتستثمر هذا الشعار الذي يطمح إليه كل مسلم غيور، فينفذ مآربه الشخصية والمشبوهة رافعين شعار الإسلام زوراً وبهتاناً.

شاهد من التاريخ

إن لدراسة التأريخ والاطلاع عليه دوراً مهماً ينفع في أمور عدة، منها الاستفادة من تجارب الماضين عبر تجاوز أخطائهم واستثمار نجاحاتهم.

ومن تلك التجارب ما يرتبط بفترة ما بين الأمويين والعباسيين. فإن المسلمين تحركوا وثاروا وكانوا السبب في إسقاط الحكومة الأموية، فلماذا لم يقع الحكم في أيد أمينة تدير الشعب أفضل من سابقتها، بل استلم زمام الحكم ثلة من العباسيين الذين قاموا بنفس الجرائم التي كان يرتكبها الأمويون؟

للجواب علي ذلك نقول:

إن السبب في ذلك قلة الوعي، فإن بعض المسلمين لم يكن لديهم وعي إسلامي كامل، فتصوروا أن أبا مسلم الخراساني وأبا سلمة الخلال والمنصور والسفاح وأشباههم لو تسلموا الحكم فستمطر السماء عليهم ذهباً، حيث انخدعوا بدعواتهم الكاذبة بحبهم لآل محمد عليهم السلام والمطالبة بحقوقهم، ولم يفكروا أن الخلافة من حق الإمام المعصوم عليه السلام دون غيره وهو عليه السلام أجدر الناس بها، بل لا تحق لغيره، فكيف يسلمونها لغيره؟ ().

هذا من جهة.

ومن جهة أخري لم يفكروا أن القدرات لو تجمعت بيد شخص واحد أو حزب واحد أو عائلة واحدة لاستأثروا بها ولأسكرتهم كما أسكرت الذين من قبلهم، وقد قال الله تعالي: إِنَّ الإِنْسانَ لَيَطْغي أَنْ رَءاهُ اسْتَغْني ().

وورد في الحديث عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: من ملك استأثر ()..

هؤلاء نسوا الإمام المعصوم عليه السلام، ونسوا

مبادئ الإسلام في الحكم من الاستشارة والتعددية ومنح الحريات وعدم الاستبداد، فاغتصب الحكم مجموعة فاسدة أضاعت مكاسب الثورة علي الأمويين كلها..

ثم بعد ذلك عند ما تبين لديهم انحراف السلطة العباسية لم تقاومها الأكثرية خوفاً منها، أو رغبة وطمعاً فيها.

أليس ذلك نتيجة عدم الوعي؟!

وبدأت التصفيات والعنف الداخلي في أوساط العباسيين ومن أعانهم علي الوصول إلي الحكم، نتيجة الاستفراد والدكتاتورية والاستبداد بالحكم، حتي أن أبا مسلم الخراساني قائد الثورة ضد الأمويين لم يسلم منها، ولقد عرف أبو مسلم ذلك فقال: إن مثلي والخليفة العباسي كمثل عابد رأي عظام أسد بالية فدعا الله أن يحييه مرة أخري ولما استجاب الله دعاءه أعاده حياً قفز الأسد علي العابد ليفترسه فقال له العابد: أتفترسني وأنا طلبت من الله إحياءك؟! فأجابه الأسد: إنك كما أحييتني تستطيع بدعاء واحد أن تميتني، ولذلك فضلت قتلك قبل أن تقتلني. إن ما يعرف بمقولة (الثورة تأكل أبنائها) شيء طبيعي في حال غياب الوعي الجماهيري، وفي حال عدم توزيع القدرة، وانحصارها بفئة واحدة.

إذاً، يلزم علينا: معرفة الطريق الطبيعي المؤدي إلي إقامة حكومة إسلامية واحدة وفق الأسلوب الإلهي، وذلك يتم بتنمية الوعي لدي الجماهير، ورفض الحركات التي تؤدي إلي تكوين الأنظمة الجائرة الحاكمة في البلاد الإسلامية، والتي غالباً ما تستغل الدين ونصرة المظلومين كشعار تحصل فيه علي مبتغاها، كما يلزم أن يكون أساس الحكم مبتنيا علي نظام التعددية والاستشارة.

ثالثاً: إنشاء المؤسسات الخيرية

ثالثاً: إنشاء المؤسسات الخيرية

نشر الوعي بوحده لا يكفي، بل يلزم نشر الخدمات الإنسانية في أوساط المجتمع، حتي يتمكن المجتمع من المطالبة بحكومة واحدة عالمية.

فيلزم إنشاء مؤسسات خيرية عامة المنفعة، مثل صناديق الإعانة المادية الخيرية، وإننا جربنا هذه الطريقة، فوجدنا أن هذه الخدمة لها أهمية بالغة بين الناس.

فمثلاً في مدينة كربلاء المقدسة

حيث كان الناس يأتون بأمواتهم من أطراف وأكناف البلاد، لم يكن هناك العدد الكافي من (المغتسلات) فاجتمعنا يوماً في منزل أحد الأصدقاء، ودار الحديث بخصوص ضرورة بناء مغتسل كبير في المدينة، فقال بعض الحاضرون: إن هذا البناء يحتاج إلي أموال كثيرة، وإن ذلك ليس بالمقدور، فقلت لهم: بل هو مقدور فعليكم بجمع المال، وإن قدّم شخص عشرة فلوس مشاركة منه في هذا المشروع فاقبلوها منه.

وهكذا وبعد بذل الجهود وإبلاغ الخيرين بأهمية هذا العمل تم أخيراً إنشاء ذلك المغتسل في منطقة (باب الخان) علماً أن تكاليف المشروع والبناء بلغت في وقتها آلاف الدنانير، وهي كانت من تلك التبرعات القليلة. كما تم وبنفس الطريقة إنشاء مدرسة علمية سميت ب (السليمية)() والتي لا تزال موجودة إلي الآن، ومشاريع أخري علي هذا الغرار.

وحدث مرة وبعد انتهاء صلاة الجماعة التي كانت تقام بإمامة المرحوم والدي رحمة الله عليه() في حرم الإمام الحسين عليه السلام قام الشيخ عبد الرحيم القمي وقال: أيها الناس المؤمنون، إننا نريد أن نبني مدرسة دينية، ونريد من كل واحد منكم أن يأتي لنا بطابوقة واحدة علي الأقل، وبعد مضي شهور أنشئت المدرسة واكتملت ببركة مشاركات الناس حتي القليلة منها.

والآن لو ذهبنا إلي ألمانيا وأوجدنا هناك صندوقاً خيرياً إسلامياً، وإلي جانبه جريدة، ونشرة دورية، ومركز تثقيفي، ونعمل بشكل جاد من أجل غرس نواة للحكومة الإسلامية الواحدة، فإن ذلك سيكون نواة أولي لتمهيد الطريق ولنشر الإسلام، وعلي هذا الشكل إذا أوجدت نواة أخري في أمريكا، وأخري في بريطانيا وفرنسا وغيرها، فإن هذه النواة ستكبر بلطف الله يوماً بعد يوم، حتي تقام الحكومة الإسلامية الموحدة في بلاد المسلمين. علماً بأن إقامة المؤسسات والمنظمات في مختلف دول العالم ليست في

غاية الصعوبة، بل يمكن في خلال فترة وجيزة إنشاؤها، لو تضافرت الجهود وبذلنا في سبيلها الهمة ().

من جدّ وجد

قال أمير المؤمنين عليه السلام: إنما سراة الناس أولو الأحلام الرغيبة والهمم الشريفة وذوو النبل ().

وقال عليه السلام أيضاً: أشرف الشيم رعاية الود، وأحسن الهمم إنجاز الوعد ().

وقال عليه السلام: الشرف بالهمم العالية لا بالرمم البالية ().

وقال عليه السلام: من شرفت همته عظمت قيمته ().

ينقل أن كتب ومؤلفات أحد الأدباء والمؤلفين كان يدرس في

(58) جامعة من أشهر جامعات العالم، هذا علي الرغم من المعاناة والعوز الذي اتسمت به نشأته وبداية حياته، حتي أنه فقد بصره وهو في الثالثة من عمره، ولكنه بما أنه كان ذا همة عالية، وقرنها بالجد والاجتهاد، فكل ذلك أوصله إلي منصب وزير التربية والتعليم في مصر().

ولربما يقول القارئ وهل يمكن هذا؟!

نعم، إنه ممكن، والدليل هو وجود هذا الشخص وكثيرين من أمثاله وصلوا إلي مراتب عالية، فرغم كونه بصيراً لكنه ارتقي الدرجات السامية شيئاً فشيئاً.

وليس بعيداً أن يكون للأخرس والأصم والأعمي دور مهم في الحياة، فإنه قد قيل:

من جد وجد..

ومن لج ولج..

ومن أكثر الطرق يوشك أن يسمع الجواب().

وقال أمير المؤمنين عليه السلام: من استدام قرع الباب ولجّ ولج ().

ولدينا تجربة طويلة في هذا الباب؛ لذا لو وظفنا شبابنا وقدراتهم، واستفدنا من قدرات الآخرين في هذا الطريق لوصلنا إلي النتيجة.

لماذا أنا مسلم؟

كتب أحد المصريين كتاباً تحت عنوان: لماذا أنا مسلم؟ ذكر فيه:

إن أبا سفيان جاء مرة بجيشه لمحاربة الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله، وفي تلك الأيام دخل بعض المسلمين علي الرسول صلي الله عليه و اله يخبرونه عن جيش الأعداء فقالوا: لقد انتصرنا عليهم، حيث إن المستطلعين لمعسكر العدو وافونا بأن أبا سفيان وجيشه

باتوا البارحة جياعاً لا يملكون ما يأكلون، وهؤلاء الكفار حينما لا يجدون الأكل فإنهم سيضعفون ولا يستطيعون محاربتنا.

فقال لهم رسول الله صلي الله عليه و اله بما معناه: إن هذا العمل ليس صحيحاً حتي لو كنا معهم في حرب؛ فإن الحرب شيء والرحمة الإنسانية شيء آخر.

فأمر الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله بإرسال الطعام إلي المشركين!!

فلما رأي الكفار أن الرسول صلي الله عليه و اله أرسل لهم كل هذا، أصبحوا كما يقول القرآن: وَلَمّا سُقِطَ فَيَ أَيْدِيهِمْ () وكانت النتيجة أن نصف جيش الكفار تركوا محاربة الرسول صلي الله عليه و اله.

كما أن الإمام الحسين عليه السلام اتبع نفس الأسلوب مع الحر الرياحي (رضوان الله عليه)، وسجل لنفسه العظمة والقدسية والعفو والسماحة علي طول التاريخ، وإلي يومنا هذا يذكره آلاف الخطباء فوق المنابر بكل اعتزاز. روي الشيخ المفيد رحمة الله عليه في الإرشاد:

وجاء القوم زهاء ألف فارس مع الحُر بن يزيد التميمي حتي وقف هو وخيله مقابل الحسين عليه السلام في حَرّ الظهيرة والحسين عليه السلام وأصحابه معتمون متقلدو أسيافهم، فقال الحسين عليه السلام لفتيانه:

أسقوا القوم وأرووهم من الماء، ورشفوا الخيل ترشيفا!!.

ففعلوا، وأقبلوا يملئون القصاع والطساس من الماء، ثم يدنونها من الفرس، فإذا عب فيها ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً عزلت عنه وسقوا آخر، حتي سقوها كلها.

فقال علي بن الطعان المحاربي: كنت مع الحر يومئذ، فجئت في آخر من جاء من أصحابه، فلما رأي الحسين عليه السلام ما بي وبفرسي من العطش، قال: أنخ الراوية والراوية عندي السقاء ثم قال:

يا ابن أخي أنخ الجمل فأنخته، فقال: اشرب فجعلت كلما شربت سال الماء من السقاء فقال الحسين عليه السلام: اخنث السقاء أي: اعطفه، فلم أدر

كيف أفعل، فقام فخنثه، فشربت وسقيت فرسي().

ومن الواضح لو أن الإمام الحسين عليه السلام لم يعط لجيش الحر الماء لمات نصف جيشه عطشاً، وبالمقابل ربما كان يبقي الماء مع الحسين عليه السلام إلي ليلة عاشوراء ويوم عاشوراء، لما اشتد بالنساء والأطفال وعسكر الحسين عليه السلام العطش الشديد الذي أخذ منهم كل مأخذ، لكن الإمام عليه السلام اثبت للعالم بعمله هذا إنسانيته وعظمته وسمو رسالته.

وهذه السجايا الممدوحة والأخلاق الحسنة نجدها أيضاً في أتباع أهل البيت عليهم السلام وعلي رأسهم المراجع العظام والفقهاء الكرام، فهم تلامذة مدرسة العترة الطاهرة عليهم السلام.

إدارة السيد أبي الحسن الأصفهاني

كان السيد محسن الأمين () جاء من بلده سوريا إلي النجف الأشرف للزيارة قبل أربعين سنة تقريبا ()، وكان بعد ذلك زار مرقد الإمام الرضا عليه السلام في مشهد، ثم عاد إلي سوريا.

لكن حينما رجع أخذ يدعو إلي تقليد السيد أبي الحسن الأصفهاني () فسأله أحد الأشخاص: لماذا أخذت تدعو لتقليد السيد الأصفهاني بعد ما عدت من العراق، في حين أن هناك (فلاناً) من العلماء ولربما كان أعلم من السيد أبي الحسن الأصفهاني رحمة الله عليه؟

فقال له السيد الأمين: إن الشخص الذي تعنيه ليس له القدرة علي إدارة شؤون الشيعة.

فقال له: لماذا؟

فذكر له السيد الأمين هذه القصة، قال:

حينما وصلت إلي مدينة النجف الأشرف أرسل لي السيد

أبو الحسن الأصفهاني رحمة الله عليه في عصر ذلك اليوم رسالة يذكر فيها أنه سيزورني، وفعلاً جاء لزيارتي في الليل، ودعاني لتناول الغداء في اليوم الثاني في منزله، وأبقاني ضيفه لمدة ثلاثة أيام بلياليها، وكان يحضر إلي تلك المائدة أصدقائه أيضاً، وبعد ثلاثة أيام سألني السيد أبو الحسن عن المكان الذي أقصده في سفر القادم؟

فقلت له: أريد السفر إلي مدينة مشهد

المقدسة بعد زيارة العتبات العاليات في العراق..

فأعطاني مقداراً من المال، ثم قال لي: في أي وقت تعزم علي السفر؟

فقلت له: يوم كذا.

فقال لي: أرجو منك إذا وصلت إلي كربلاء المقدسة أن تذهب إلي منزل وكيلي فلان.

فقلت له: إن شاء الله.

فلما وصلت إلي كربلاء المقدسة صار معلوماً لدي أن السيد قد أرسل خبراً إلي وكيله، الذي استقبلني في (كراج كربلاء) واصطحبني إلي منزله، وأخبر الطلبة بأن إحدي الشخصيات الإسلامية قد قدم من سوريا ودعاهم لزيارتي..

وهكذا عندما أردت الذهاب إلي الكاظمية المشرفة أرسلوا خبراً إلي هناك، وحينما وصلت لاقيت مثل ما لاقيت من استقبال واحترام في كربلاء، واستمر الحال هكذا، في كل مدينة أمر بها حتي وصلت مشهد الإمام الرضا عليه السلام.

فانظر أيهما له القدرة والكفاءة علي الإدارة والمرجعية، هل السيد الأصفهاني الذي يهتم بي وبغيري هذا الاهتمام البالغ، أم ذلك الشخص الذي هو بعيد عن كل هذه الاهتمامات؟

وفاء السيد الأصفهاني رحمة الله عليه

ويذكر أيضاً في أحوال السيد أبي الحسن الأصفهاني أنه كان شديد الوفاء حتي لأبسط الناس. حيث يروي في أحواله أنه سافر إلي الكاظمية المقدسة في أيام قيادته للمرجعية، ليزور الإمامين الكاظمين ?، ثم سأل بعض أصدقائه قائلاً: كان هناك كاسب بسيط يجلس قرب باب الصحن الشريف قبل ثلاثين سنة، حيث كنت أشتري منه بعض الأشياء حين كنت طالباً في الحوزة، فهل هو موجود إلي الآن؟

فبادرت جماعة وتفقدته فوجدوه وقد شاخ وكبر وصار طاعناً في السن، فقيل له: إن السيد أبا الحسن الأصفهاني يريد أن يراك، فجاء الرجل ملبياً دعوة السيد، فقال السيد للرجل: هل تذكرني؟ أجاب الرجل: لا أتذكرك.

فقال السيد: أما أنا فأتذكر، وأيضاً أتذكر أنك كنت تقول لي: بأنك لا تملك داراً، وكنت

في ضيق من الإيجار، وعائلتك كبيرة، فهل الحال كذلك الآن؟

قال الرجل: كلا يا سيدنا، إن عدة من بناتي قد تزوجن، وقد خفت مسئوليتي، أما داري فلا زالت مستأجرة.

فقال له السيد: اذهب واشتر داراً، وعليّ مساعدتك. وبالفعل ذهب الرجل واشتري داراً وساعده السيد من بيت المال.

فكان السيد من صفاته الوفاء حتي بعد ثلاثين سنة، وحتي مع الكاسب البسيط، الذي كان يشتري منه بعض الحاجات في وقت ما.

نعم، إن الحركة الإسلامية العالمية، إذا أرادت بحق وإخلاص جمع كلمة المسلمين من مختلف أنحاء البلاد لإنقاذ الأمة من براثن الكفار والمستعمرين، ولتشكيل حكومة إسلامية واحدة، عليها أن تتخلق بأخلاق رسول الله صلي الله عليه و اله والأئمة الأطهار (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) ومن سار علي نهجهم من مراجعنا الكرام (أعلي الله مقامهم).

نسأل الله أن يوفقنا لهذه الأعمال الصالحة، ولجمع الناس تحت لواء الإسلام والخير والمحبة.

الحمد لله علي الإيمان، والحمد لله علي الإسلام، والحمد لله علي الإحسان، والحمد لله علي الامتنان، والحمد لله علي القرآن، والحمد لله الذي منّ علينا بمحمد صلي الله عليه و اله والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، والحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، وصلي الله علي محمد وآله الطيبين الطاهرين.

من هدي القرآن الحكيم

إقامة الحكومة الإسلامية

قال تعالي: إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ ().

وقال عز وجل: ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ للهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ ().

وقال سبحانه: قُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا له غَيْبُ السَّمَاَواتِ وَالأرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لهمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلاَ يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً ().

نشر الوعي الإسلامي

قال جل وعلا: قَدْ أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً

رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَي النُّورِ ().

وقال تعالي: هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًي وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ

يُوقِنُونَ ().

وقال عز وجل: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ().

التوكل علي الله في كل الأعمال

قال سبحانه: وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَي اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ().

وقال جل وعلا: وَكَفَي بِاللهِ وَلِيّاً وَكَفَي بِاللهِ نَصِيراً ().

وقال تعالي: فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَي اللهِ وَكَفَي بِاللهِ وَكِيلاً ().

كل مسلم مسؤول عن إقامة الدين

قال عز وجل: فَلَنَسْئَلَنَّ َ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ ().

وقال سبحانه: وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسُْؤلُونَ ().

وقال جل وعلا: فَوَرَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ().

المسلمون أمة واحدة

قال تعالي: إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ

فَاعْبُدُونِ ().

وقال عز وجل: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ().

وقال تعالي: وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ

فَاتَّقُونِ ().

من هدي السنة المطهرة

اتباع الكتاب والعترة

قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ رَسُولاً هَادِياً بِكِتَابٍ نَاطِقٍ، وَأَمْرٍ قَائِمٍ، لا يَهْلِكُ عَنْهُ إِلا هَالِكٌ، وَإِنَّ الْمُبْتَدَعَاتِ الْمُشَبَّهَاتِ هُنَّ الْمُهْلِكَاتُ إِلا مَا حَفِظَ اللهُ مِنْهَا، وَإِنَّ فِي سُلْطَانِ الله عِصْمَةً لأَمْرِكُمْ، فَأَعْطُوهُ طَاعَتَكُمْ غَيْرَ مُلَوَّمَةٍ وَلا مُسْتَكْرَهٍ بِهَا» ().

وقال عليه السلام: فَبَعَثَ اللهُ مُحَمَّداً صلي الله عليه و اله بِالْحَقِّ لِيُخْرِجَ عِبَادَهُ مِنْ عِبَادَةِ الأَوْثَانِ إِلَي عِبَادَتِهِ، وَمِنْ طَاعَةِ الشَّيْطَانِ إِلَي طَاعَتِهِ بِقُرْآنٍ قَدْ بَيَّنَهُ وَأَحْكَمَهُ ().

وقال الإمام الصادق عليه السلام: لا والله، ما فوض الله إلي أحدٍ من خلقه إلا إلي رسول الله صلي الله عليه و اله والي الأئمة، قال عز وجل: إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ () وهي جارية في الأوصياء عليهم السلام ().

نشر العلم والوعي

قال رسول الله صلي الله عليه و اله:

«من نشر علماً فله مثل أجر من

عمل به» ().

وقال صلي الله عليه و اله: أربعة تلزم كل ذي حجي وعقلٍ من أمتي.

قيل: يا رسول الله ما هنّ؟

قال: استماع العلم، وحفظه، ونشره، والعمل به ().

وكان فيما أوصي به رسول الله صلي الله عليه و اله أمير المؤمنين عليه السلام:..يا علي، ثلاث من حقائق الإيمان: الإنفاق في الإقتار، وإنصاف الناس من نفسك، وبذل العلم للمتعلم ().

المسلمون أمة واحدة

قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: «يد الله مع الجماعة، وإيّاكم والفرقة» ().

وقال عليه السلام: ولتجتمع كلمتكم ().

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: أخوف ما أخاف علي أمتي أن يكثر لهم المال فيتحاسدون ويقتتلون ().

وقال الإمام الصادق عليه السلام: إنما المؤمنون إخوة بنو أب وأم، وإذا ضرب علي رجل منهم عرق سهر له الآخرون ().

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: لا تزال أمتي بخير؛ ما تحابوا، وتهادوا، وأدّوا الأمانة، واجتنبوا الحرام، وقروا الضيف، وأقاموا الصلاة ().

وقال صلي الله عليه و اله: «لا تزال هذه الأمة تحت يد الله وفي كنفه، ما لم يداهن قراؤها أمراءها، ولم يزل علماؤها فجارها، وما لم يهن خيارها أشرارها، فإذا فعلوا ذلك رفع الله عنهم يده، ثم سلط عليهم جبابرتهم فساموهم سوء العذاب، ثم ضربهم بالفاقة والفقر» ().

وقال صلي الله عليه و اله أيضاً: «لا تزال أمتي بخير ما لم يتخاونوا، وأدّوا الأمانة وآتوا الزكاة، وإذا لم يفعلوا ذلك ابتلوا بالقحط والسنين» ().

الخلاف والفرقة

قال أمير المؤمنين عليه السلام: الخلف مثار الحروب ().

وقال عليه السلام: الأمور المنتظمة يفسدها الخلاف ().

وقال عليه السلام: عرّجوا عن طريق المنافرة، وضعوا تيجان المفاخرة ().

وقال عليه السلام: الزموا الجماعة واجتنبوا الفرقة ().

الحاشية

() سورة التوبة: 122.

() سورة

الزمر: 17-18.

() سورة الأنبياء: 92.

() سورة الأنبياء: 93.

() انظر تقريب القرآن إلي الأذهان: ج17 ص67 تفسير سورة الأنبياء.

() سورة الأنبياء: 92.

() انظر مجمع البيان: ج7 ص111 تفسير سورة الأنبياء.

() سورة الأنبياء: 92.

() بحار الأنوار: ج24 ص155 ب46 ح9.

() الاحتجاج: ج1 ص97 احتجاج فاطمة ? علي القوم …

() بحار الأنوار: ج34 ص36 ب31.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص466 ف13 الخلاف والفرقة ح10715.

() اتسعت حدود الدولة الإسلامية شيئا فشيئا فأصبحت مترامية الأطراف، وفي ظل حكومة علي أمير المؤمنين عليه السلام كانت الدولة الإسلامية كبيرة وواسعة علي جميع الأطراف، وكان امتدادها من شبه الجزيرة العربية ودول الخليج إلي العراق والشام وإلي بعض الدول في أطراف بحر قزوين، وشمال أفريقيا إلي بلاد إيران الواسعة وبلاد السند، وقد أشار ابن الأثير في كتابه (الكامل في التاريخ) إلي بعض هذا الامتداد فقال: وفرق علي عليه السلام عماله علي الأمصار، فبعث عثمان بن حنيف علي البصرة، وعمارة بن شهاب علي الكوفة، وكانت له هجرة، وعبيد الله بن العباس علي اليمن، وقيس بن سعد علي مصر، وسهل بن حنيف علي الشام. الكامل في التاريخ: ج3 ص201 ذكر أحداث سنة 36 للهجرة.

وقال في موضع آخر: وتوجه الحارث بن مرة العبدي إلي بلاد السند غازياً متطوعاً بأمر أمير المؤمنين عليه السلام.

وقال أيضاً في ذكر أحداث سنة 39 للهجرة: وفي هذه السنة ولي علي عليه السلام زياداً كرمان وفارس. الكامل في التاريخ: ج3 ص381 ذكر أحداث سنة 39 للهجرة.

() وما أكثر مصاديق هذا الكلام في الواقع الذي يعيشه المسلمون في بلاد الإسلام، حتي صار البلد المسيحي، أو الكافر يستقبل المسلم المهاجر أو اللاجيء، ويكفل له بعض الحقوق الانسانية التي لايجدها المسلم حتي في وطنه الأصلي، في

الوقت الذي يطارد ويعاقب ويسجن المسلم الذي ينتقل من بلد إسلامي إلي بلد إسلامي آخر؛ مما أدي إلي خيبة كبيرة لدي الشعوب المسلمة.

() سورة الأنبياء: 92.

() المدرسة الهندية: من المدارس المشهورة في كربلاء المقدسة، تقع في زقاق الطاق الزعفراني بالقرب من المشهد الحسيني الشريف. وقد تم تأسيسها في أواخر القرن الثالث عشر الهجري، كما تنص بذلك الوقفة الخاصة بها. وهي بناية ذات طابقين تحتوي علي (22 غرفة)، يدرس فيها مختلف العلوم كالفقه والأصول والحديث والتفسير، وفي المدرسة مكتبة عامة تعرف بالمكتبة الجعفرية.

() ماو تسي تونغ: رجل دولة صيني وأحد أبرز الوجوه السياسية التي عرفها الصينيون في القرن العشرين. ولد في شاوشان، في عام (1893م). وكان والده فلاحاً، عمل ماو في حقول الزراعة منذ نعومة أظفاره مع والده. استطاع أن يوفق بين العمل والدراسة، وبعد إكماله التعليم الثانوي التحق بالجيش الثوري مؤيداً قضية الجمهورية ورئيسها صن يات صن، ولكنه لم يبرح أن سُرّح من الجيش عام (1912م). التحق بدار المعلمين العليا وعرف في الأوساط الطلابية بنشاطه ومشاركته في العمل الطلابي الثوري، وكان قد أسس جمعية أطلق عليها اسم (جمعية المواطنين الجدد). أعتنق الماركسية، وشارك في حركة الشبيبة المناهضة للإمبريالية، وقد أثرت فيه ثلاثة مؤلفات وهي (البيان الشيوعي) لماركس و(الصراع الطبقي) و(تاريخ الاشتراكية). فتبني ماوتسي الماركسية نهائياً منهجاً له.

في عام (1921م) انعقد المؤتمر الأول للحزب الشيوعي الصيني وانتخب ماو أميناً للمؤتمر، تولي إدارة إضراب عمال المناجم في نفان يوان، وقد انتهج حزبه سياسة الانفتاح علي القوي الثورية قاطبة. ترأس اتحاد الفلاحين في عموم الصين. وبعد هزيمة ثورة (1927م) بادر ماو إلي بناء جيش ثوري واعتمد اعتماداً كبيراً علي عمال المناجم والفلاحين وبعض القوات الثائرة، نظم انتفاضة منيت

بالفشل، كلفته هذه الهزيمة علي الصعيد الشخصي إقصاءه من الحزب وتجريده من مسؤولياته كلها وفراره إلي الجبال، وهناك أسس عام (1927م) قاعدة سوفيتية ثم أنظم إليه شوته ورجاله، فبادر إلي عملية توزيع الأراضي والأسلحة علي الفلاحين جاعلاً من اتحادات الفلاحين الأداة الأولي للحكم. في عام (1935م) تسلم ماو زمام قيادة الحزب مرة أخري وترأس المكتب السياسي، في عام (1949م) أعلن قيام جمهورية الصين الشعبية وأصبح رئيساً للحكومة ورئيساً للحزب ورئيساً للجمهورية، ورفض أن يبتني المثال السوفيتي في الصين مفجراً نزاعاً بينه وبين الروس. وفي عام (1966م) أطلق ماوتسي تونغ شرارة الثورة النقابية الكبري في الصين، وأطاح بالعديد من القياديين معتمداً علي الجيش والحرس الأحمر. وأما (الكتاب الأحمر) الذي جمع أهم أراء ماو ومواقفه فقد غدا في تلك الحقبة المضطربة من تاريخ الصين كالانجيل لدي النصاري. توفي ماوتسي تونغ في بكين عام (1976م). ترك مؤلفات منها: (تحليل طبقات المجتمع الصيني) و(القضايا الاستراتيجية للحرب الثورية في الصين) و(الديمقراطية الجديدة) و(في الحرب المستمرة) و(في التناقض) و(حول التقارير العشرة الكبري). وغيرها، رشح لجائزة نوبل للآداب عام (1974م).

() حسب بعض الاحصائيات الأخيرة فإن نفوس الصين تزيد علي مليار و300 مليون نسمة.

() اسمه: موهانداس كرامشاند، زعيم وفيلسوف هندي قاوم احتلال الإنجليز لبلاده، ولد في مدينة بور بند الهندية سنة (1286ه 1869م). اشتهر بلقب (المهاتما) أي: ذو النفس الزكية، دعا إلي تحرير الهند من سيطرة الإنجليز بالطرق السلمية بعيداً عن العنف، درس القانون بجامعة لندن وعاد إلي الهند، ثم انتقل إلي جنوب افريقيا سنة

(1893م) حيث اشتغل بالمحاماة، ولم يلبث أن انصرف إلي قضية مواطنيه ضد قوانين التفرقة العنصرية، فبدأ نشاطه السياسي عام (1911م) بالمظاهرات التي نظمها ضد القوانين التعسفية التي شُرعت ضد

الآسيويين، ونجح في إلغائها، وفي عام (1914م) سافر إلي لندن لتنظيم وحدة إسعاف هندية تشارك في الحرب العالمية الأولي.

تضمنت معالم سيرة غاندي منذ عودته إلي الهند عام (1915م) فقد نادي بوحدة الجنس البشري تحت نواميس الله داعياً إلي المحبة والعدالة والإخاء بين جميع أفراد الأمة الهندية، واعتمد كثيراً علي توحيد الكلمة بإقامة الأواصر الطيبة بين الهندوس من جهة والمسلمين والمسيحيين من جهة أخري، انتهج سياسة (التسامح الطائفي) فنجح في ضم ملايين المسلمين إلي حزب المؤتمر الهندي، وذلك خلال عقده المؤتمرات الجماهيرية العديدة، ولكن هذه السياسة أثارت بعض غلاة الهندوس ودفعت أحد هؤلاء لاغتياله في عام (1948م).

ومن أبرز معالم سيرته تزعمه حركة استقلال الهند من الاحتلال الإنجليزي فقام بتنظيم حركة عدم التعاون عام (1919م) ثم حركة الإضرابات السلمية التي شملت كل الهند، وتلا ذلك تنظيم العصيان المدني ومقاطعة البضائع الأجنبية، قبض عليه مرات عدة وألقي في السجن، وفي عام (1930م) نظم المسيرة الكبري وعارض قانون احتكار الملح فسجن علي إثرها، وفي عام (1942م) قاد حملة العصيان المدني الثانية التي أدت به إلي السجن أيضاً. استحدث غاندي في نضاله ضد الاستعمار عدة أساليب أبرزها المقاومة السلبية بدون عنف، ثم سياسة عدم التعاون بالامتناع عن العمل، ثم (العصيان المدني) الذي شمل الامتناع عن دفع الضرائب، ثم مقاطعة البضائع الأجنبية بإحراقها علناً، وركز في تلبية الحاجات المعيشية عبر الاكتفاء الذاتي والعودة إلي الإنتاج الوطني، ويعتبر غاندي من أبرز دعاة السلام في القرن العشرين.

() بعض الإحصائيات الأخيرة تشير إلي أن نفوس الهند تجاوزت المليار.

() سورة محمد: 7.

() مستدرك الوسائل: ج11 ص45 ب18 ح12390.

() مستدرك الوسائل: ج11 ص45 ب18 ح12391.

() الكافي: ج5 ص30 باب إعطاء الأمان ح1.

() وسائل الشيعة: ج15 ص67

ب20 ح19998.

() تفسير نور الثقلين: ج5 ص96 تفسير سورة الحجرات ضمن ح83.

() سورة الحجرات: 13.

() الكافي: ج8 ص181 كتاب الروضة ح203.

() راجع: (الصياغة الجديدة لعالم الايمان والحرية) و(طريق النجاة) و(السبيل إلي إنهاض المسلمين) و(ممارسة التغيير) و(إلي حكومة إلف مليون مسلم) و(الفقه: الحكومة العالمية الواحدة) وغيرها.

() الولايات المتحدة الامريكية: جمهورية إتحادية في أمريكا الشمالية يحدها شمالاً كندا، وشرقاً المحيط الأطلنطي، وجنوباً المكسيك، وخليج المكسيك، وغرباً المحيط الهادي عاصمتها واشنطن تضم (51 ولاية)، وتبلغ مساحتها (9.3 مليون كم2)، والحكم فيها جمهوري دستوري ديمقراطي نيابي، يتولي السلطة التشريعية فيها مجلس النواب (الكونجرس) وأما السلطة التنفيذية فيمارسها رئيس الجمهورية، وينتخب بتصويت شعبي. لم تكن القارة الأمريكية مستكشفة حتي عام (1492م) وبدأ تدفق الأسبان والبرتغاليين علي القارة، ثم بدأ تدفق الفرنسيين والإنجليز، وكان معظمهم من المنبوذين والمضطهدين والمحكومين بجرائم في بلادهم الأصلية، فتركز النفوذ الفرنسي في الشمال، وتركز النفوذ البريطاني في الجنوب. وما أن أطل القرن الثامن عشر الميلادي حتي ابتدأ الصراع الفرنسي الأنكليزي، وبعده نشب صراع أمريكي إنكليزي، واستطاعت (13ولاية) توحيد سياساتها ضد الحكومة البريطانية وتشريعاتها الاستعمارية، وقد قادت أمريكا حرباً تحررية ضد بريطانيا انتهت بالتوقيع علي معاهدة فرساي في (11 أيلول عام 1783م) وإعلان الاستقلال، وانتخاب أول رئيس للبلاد وهو جورج واشنطن، ثم قيام إتحاد فدرالي في عام (1787م) ضم جميع الولايات المتحدة الموجودة الآن.

() الصهيونية: دعوة وحركة عنصرية إستيطانية مرتبطة نشأة وواقعاً ومصيراً بالإمبريالية الصهيونية. تطالب بتوطين اليهود وتجميعهم وإقامة دولة خاصة بهم في فلسطين بواسطة الهجرة والغزو والعنف كحلّ للمسألة اليهودية. دعا رئيس وزراء بريطانيا عام (1840م) إلي تهجير اليهود إلي فلسطين قبل اشتقاق كلمة صهيون عام (1890م)، والتي تعني جبل في أرض فلسطين.

يرجع في جذور

الصهيوينة إلي الجذر الإستيطاني الاستعماري، وفشل إندماجهم في المجتمعات التي يعيشون فيها بفقدان الأمل بتلك المجتمعات التي يعتبرونها تميز وتضطهد اليهود، وتأثر العديد من اليهود بالنزعة القومية العنصرية التوسعية التي سادت أوروبا في القرن التاسع عشر كالكاتب هيرش في كتابه (البحث عن صهيون) وموسي هس في كتابه (روما والقدس). بدأت حركة الهجرة بدعم من كبار الرأسماليين اليهود الذين يشكلون جزءً لا يتجزأ من الإمبريالية العالمية، وفي العقد الأخير من القرن التاسع عشر أعتنق صحفي يهودي في فيينا وهو تيودور هرتزل الفكرة الصهيونية علي أثر موجة من العداء لليهود في أوروبا، وكتب وقتئذ كتاباً حول المسألة اليهودية شرح فيه حلوله للمسألة، وكان الكتاب تحت عنوان (الدولة اليهودية) وذلك عام (1895م). وبعد ذلك بعامين تمكن هرتزل من عقد المؤتمر الصهيوني الأول بحضور (204 مندوب) يمثلون جمعيات صهيونية متناثرة في أرجاء مختلفة من العالم، وتمخض عن هذا المؤتمر تحديد أهداف الحركة الصهيونية فيما عرف ببرنامج (بال) وإنشاء الاداة التنظيمية لتنفيذ هذا البرنامج، وهي المنظمة الصهيونية العالمية، وقد حدد المؤتمر هدف الصهيونية، وهو: خلق وطن للشعب اليهودي في فلسطين بواسطة الهجرة، وربط يهود العالم بهذا البرنامج، والتعاون مع الدول الاستعمارية. وقد نشط الصهاينة في سبيل الحصول علي تأييد السلطان العثماني للفكرة الصهونية لأقامة وطن لهم في فلسطين إلا أن هذا الجهد لم يحقق نجاحاً يذكر إلا بعد الحرب العالمية الأولي، عندما أعلن الزواج غير المقدس بين الإمبريالية البريطانية والصهيونية عام (1917م) في وعد بلفور مع مباركة الدول الاستعمارية الأخري. والتزمت بموجبه بريطانيا المساعدة علي إقامة وطن قومي يهودي في فلسطين، وقد حاولت بريطانيا فرض البرنامج الصهيوني علي عرب فلسطين بالقوة من خلال الإنتداب، إلا أن هذا البرنامج لم يندفع

بزخم قوي إلا بعد أن تبوء هتلر والحزب النازي سدة الحكم في ألمانيا وتواطئهم مع الصهيونية لتهجير يهود ألمانيا إلي فلسطين بأعداد كبيرة، ثم نجحت في أعلان الدولة الصهيونية عام (1948م) وإجلاء المسلمين الفلسطينيين عن بلادهم.

() غوالي اللئالي: ج1ص129 ف8 ح3.

() نهج البلاغة: الخطب 108 من خطبة له عليه السلام وهي من خطب الملاحم.

() انظر كتاب (الفقه: المستقبل) للإمام المؤلف رحمة الله عليه.

() المناقب: ج1 ص79 فصل في استجابة دعواته صلي الله عليه و اله.

() سورة آل عمران: 64.

() بحار الأنوار: ج20 ص386 ب21 ضمن ح8.

() سورة النساء: 171.

() سورة طه: 47.

() بحار الأنوار: ج20 ص392 ب21 ضمن ح8.

() سورة آل عمران: 64.

() مكاتيب الرسول: ج2 ص416 باب كتابه صلي الله عليه و اله إلي المقوقس.

() مكاتيب الرسول صلي الله عليه و اله: ج2 ص354.

() مكاتيب الرسول صلي الله عليه و اله: ج2 ص339.

() مكاتيب الرسول صلي الله عليه و اله: ج2 ص343.

() حسب تأريخ التأليف.

() يسمي: فهد.

() الشيوعية: مذهب سياسي يهدف إلي القضاء علي الرأسمالية والملكية الخاصة. وتعد الشيوعية من أشد المذاهب الاشتراكية تطرفاً، وتتميز بأنها حركة ثورية تري أن تحقق إنشاء مجتمع يتساوي أفراده في الحقوق لا يكون إلا باستعمال القوة المسلحة؛ فهي لذلك تحارب الديمقراطيات وخاصة التي تشجع الرأسمالية.

يرجع ظهور الحركة الشيوعية في روسيا إلي عام (1903م) عندما انشق أتباع كارل ماركس إلي معسكرين: إصلاحي وراديكالي بزعامة لينين. فلما حاز هذا الأخير الأغلبية عرف بحزب الأغلبية التي يعبر عنها في الروسية بكلمة: بولشفيك، ومن هذا قامت العلاقة اللفظية بين البولشفية والشيوعية التي هي مذهب سياسي. تميزت سياسة لينين (ومن بعده تروتسكي) بمحاولة نشر المبادئ الشيوعية في العالم باستخدام القوة، وذلك بتشجيع الثورة

بين الطبقات العاملة في المجتمعات الرأسمالية كما وضحه ماركس في الإعلان الشيوعي لهذا تناهض الشيوعية القوميات والديانات، وتطلب من الشيوعي الولاء التام لعقيدته ولزعمائه. كما أصبحت سياسة الدول الرأسمالية لاسيما الولايات المتحدة تهدف إلي حصر الشيوعية، والعمل علي وقف تسللها وغل يديها عن اكتساب مناطق نفوذ جديدة، فأقامت الأحلاف والقواعد العسكرية علي حدود الدول الشيوعية، كما منحت الدول التي يخشي وقوعها في نطاق نفوذ الشيوعية قروضاً وإعانات لرفع مستواها الاجتماعي أو لتقوية دفاعاتها، وقد كانت الحرب الكورية والفيتنامية أمثلة لهذا الصراع العقائدي بين الرأسمالية والشيوعية.

تعرف الدول الشيوعية بالدول الاشتراكية، في حين أطلق الغرب عليها اسم دول الستار الحديدي أو الدول البلشفية أو الدول الحمراء، ومع أن اتحاد الجمهوريات السوفيتية يعتبر قاعدة العالم الشيوعي إلا أن المبادئ الشيوعية كما صورها ماركس لم توضع موضع التطبيق الكامل فيها، بل أن الساسة السوفييت بعد وفاة لينين وفي مقدمتهم ستالين اضطروا إلي الانحراف عن المبادئ الماركسية بعض الشيء، وانتهاج سياسة مرنة في معالجة التطبيقات الاقتصادية كحقوق الملكية الخاصة، ومن ثم بدأ الانشقاق العقائدي في المعسكر الشيوعي فاعتبرت الصين الشعبية (ومعها ألبانيا) أن الاتحاد السوفيتي قد تنكر للمبادئ الماركسية الأصيلة، كما سبق أن كان الانشقاق في المعسكر الشرقي بسبب الخلاف حول مدي تبعية الدول الاشتراكية لموسكو، وعلي هذا الأساس نشبت الحرب الباردة في داخل المعسكر الشيوعي بين الاتحاد السوفييتي ويوغوسلافيا.

ووصلت الشيوعية إلي البلاد الإسلامية ومنها العراق، حيث تغلغلت الأفكار الشيوعية بين أوساط بعض البسطاء من الناس عبر عملاء الاستعمار، الذين طبّلوا وزمروا كثيراً لتلك الأفكار المزيفة والشعارات الفارغة، وعلي إثر ذلك شعر الإمام الراحل رحمة الله عليه الذي كان عمره الشريف لم يتجاوز الثلاثين والكثير من العلماء بمسؤوليتهم تجاه تلك

الأفكار الفاسدة والآراء المنحرفة، فتصدوا لها عبر وسائل عديدة، موضحين أن الإسلام وحده هو القادر علي تحقيق العدالة الاجتماعية. وقد ذكر الإمام الراحل بعض تلك الأساليب التي اتبعها في مواجهة الشيوعية في كتابه (تلك الأيام) نشر مؤسسة الوعي الإسلامي، ووصف بعض ما مر علي المجتمع نتيجة ظهور تلك الأفكار. للتفصيل انظر للإمام المؤلف رحمة الله عليه: (تلك الأيام) ص126. و(الفقه: السياسة) ج106 و(مباحثات مع الشيوعيين)، و(القوميات في خمسين سنة)، و(ماركس ينهزم)، وغيرها.

() يدعي سلام عادل.

() نوري سعيد صالح السعيد، من مواليد العراق عام (1888م)، أصبح رئيساً للوزراء بين عام (1930 1958م) لأربع عشرة دورة، أحد أكبر عملاء الغرب في العالم العربي، وضع إمكانات العراق وقدراته تحت تصرف البريطانيين، وكانت سياسته مبنية علي التحالف الكامل مع الإنجليز، جعل العراق ضمن التكتلات الدولية والتبعية الاقتصادية للاستعمار، وجعل العراق سوقاً لمنتجات الدول الاستعمارية. انتحر بإطلاق النار علي نفسه عام (1958م) وقيل: قتل علي يد الجموع الغاضبة بعد انقلاب (14 تموز 1958م)، من مؤلفاته: استقلال العرب ووحدتهم.

() ومن تلك الشعارات التي رددوها: «وصّانه فهد للموت، دولتنا اشتراكية» ولا يخفي أن حملتهم الدعائية تلك كانت بتنسيق مع الاستعمار والشيوعية العالمية.

() هذه الإحصائيات بحسب مصادرها المختلفة، وربما تكون هناك أحصاءات أدق فليراجع.

() سورة محمد صلي الله عليه و اله: 7.

() وهو كارل ماركس (1818 1883م): فيلسوف اشتراكي ألماني، ولد في مدينة ترير بمنطقة الراين، من أصل يهودي، فهو حفيد الحاخام اليهودي المعروف (مردخاي ماركس)، كان أبوه محامياً ثم أعتنق المسيحية. معروف عن كارل ماركس أنه شخص أناني متقلب المزاج، حاقد ومادي. التحق ماركس بجامعتي بون وبرلين حيث درس القانون هناك. صار عضواً بالنادي الثوري الليبرالي حيث التقي بالعديد من الثوريين والرجعيين

والشعراء والعسكريين ورجال الدولة، وأكتسب شهرة محلية كمفكر وصاحب جرأة في طرح المشكلات والإجابة عنها.

اهتم بدراسة الاقتصاد والسياسة واشترك مع انجلز في تأليف كتاب (الأيدلوجية الألمانية). وفي بروكسل أتم نظريته عن المادية التاريخية، ثم انظم إلي الجمعية السرية الثورية الألمانية التي أصبحت فيما بعد العصبة الشيوعية، والتي كان يعمل علي إخراجها إلي العلن متوخياً سياسة أعدها بعناية فائقة وكان شعارها: (يا عمال العالم أتحدوا). وفي عام (1883م) مات ماركس أثر أصابته بخراج في الرئة. ترك مؤلفات منها: رأس المال، والصراع الطبقي، ومساهمة في نقد الاقتصاد السياسي، العمل المأجور والرأسمال، والمسألة اليهودية، وبيان الحزب الشيوعي وغيرها. ساعده في التنظير للمذهب الماركسي فردريك انجلز (1820 1895م) وهو صديق كارل ماركس الحميم وقد ساعده في نشر المذهب كما أنه ظل ينفق علي ماركس وعائلته حتي مات.

() للاستزادة في هذا المجال ينظر كتاب: (أول حكومة إسلامية في المدينة المنورة)، و(حكومة الرسول ? وأمير المؤمنين عليه السلام)، و(الحكومة الإسلامية في عهد أمير المؤمنين عليه السلام) وغيرها.. للامام الراحل (أعلي الله مقامه).

() نهج البلاغة، الخطب: 127 من كلام له عليه السلام يبين فيه بعض أحكام الدين …

() الحوزة العلمية في بغداد هي جزء من الحركة الثقافية والنهضة العلمية في العالم الإسلامي. شرعت حوزة بغداد وتبلور عملها منذ عهد الإمام الجواد عليه السلام، حيث نبغ فيها متكلمون وفقهاء، ثم اتسعت في عهد الدولة البويهية في القرن الرابع الهجري ومطلع القرن الخامس الهجري.

يعتبر الشيخ المفيد رحمة الله عليه المؤسس الأبرز لهذه المدرسة، وكان من أعظم الفقهاء والمتكلمين في المذهب الإمامي الجعفري؛ إذ كان له مئات الطلبة الذين كانوا يرغبون في كسب العلم، وكان علي رأس هؤلاء الطلبة السيدان الشريفان الرضي والمرتضي والشيخ الطوسي

وجملة من العلماء الأعلام. فقد نهض الشيخ المفيد بأعباء هذه المدرسة، وتمكن من مجابهة المدارس والأفكار الكلامية والحديثية الآخري، حيث كتب ردوداً علي بعض هذه المدارس منها كتاب: تصحيح الإعتقاد، ومقابس الأنوار في الرد علي أهل الأخبار.

ولمعرفة وزن المدرسة والجامعة الشيعية في بغداد فلابد أن تقف علي آثارها الكبيرة والتي أحرقها الغزو السلجوقي علي بغداد من مكتبات نفيسة تضم عشرات الآلاف من الكتب القيمة، كمكتبة الشريف المرتضي التي كانت تضم ثمانين ألف كتاب، ومكتبة أبي نصير شابور وزير الدولة البويهي، ومكتبة الشيخ الطوسي، الذي أحرق بيته وكرسيه الذي كان يحاضر عليه علم الكلام معها.

() الحوزة العلمية في النجف الأشرف: وهي الجامعة الشيعية العريقة التي تأسست علي يد شيخ الطائفة الشيخ الطوسي رحمة الله عليه، وكان هذا بعد اضمحلال الجامعة العلمية في بغداد علي يد السلاجقة، وانتقال شيخ الطائفة إلي النجف الأشرف، وقد أسسها في النصف الثاني من القرن الخامس الهجري، وكان الشيخ أول معلم لهذه الجامعة العلمية. وبعد وفاته عام (460ه) تزعم ابنه الشيخ أبو علي الحسن الطوسي رئاسة الحوزة، حيث نصب كرسي التدريس فيها ليستمر علي ما كانت عليه في زمن أبيه، وقام بعده بإدراة الحوزة ابنه الشيخ أبو نصر، وبقيت الحوزة علي إدارتها من قبل أسرة الشيخ الطوسي حتي أواخر القرن السادس الهجري. تم تتابع علي رئاسة الجامعة العلمية جملة من العلماء الأعلام كالشيخ أحمد الأردبيلي المعروف بالمقدس الاردبيلي، وقد تتلمذ عليه جملة من العلماء الأعلام كالشيخ عبد الله اليزدي صاحب الحاشية، والسيد محمد العاملي صاحب المدارك، والشيخ منصور زين الدين ابن الشهيد الثاني صاحب المعالم، وبدأ العصر الذهبي للحوزة العلمية في النجف الأشرف حينما أمر الوحيد البهبهاني أحد طلابه وهو السيد محمد

مهدي بحر العلوم بالتوجه إلي النجف الأشرف، الذي تخرج علي يديه جملة من كبار العلماء والمجتهدين، وكان أبرزهم الشيخ جعفر كاشف الغطاء بالإضافة إلي ابنيه الشيخ موسي والشيخ علي، والسيد جواد العاملي، ثم تلاهم الشيخ محمد حسن الجواهري، والشيخ الأعظم مرتضي الأنصاري وغيرهم كثير.

() الحوزة العلمية في كربلاء: وهي من أهم الجامعات العلمية في العالم الإسلامي عامة، والعراق خاصة، أسسها الفقيه المحدّث حُميد بن زياد النينوي المتوفي سنة 310ه وهو من مشايخ الشيخ الكليني وفرات الكوفي، ثم قام بزعامتها الشيخ عماد الدين محمد الطوسي المعروف بابن حمزة، الذي استطاع جمع الطلبة وعشاق العلم والفضيلة إلي هذه الجامعة من خلال طرح تحقيقاته العميقة ومهارته الرشيقة في سائر العلوم.

وفي أوائل القرن السابع الهجري وسعت هذه المدرسة فعالياتها في المدينة المقدسة، وكان هذا التوسع بزعامة آل معد الحائري، وكان من جملة هؤلاء فخار معد الحائري، وقد قام هذا العالم الكبير بتربية جملة من العلماء أمثال السيد عبد الكريم بن طاووس، وابنه جلال الدين بن فخار الموسوي الحائري. وبعد قرون من هذا الجد والمثابرة العالية وجدت الحوزة العلمية في كربلاء التآلق بعلماء كبار كان علي رأسهم ابن فهد الحلي، والسيد محمد بن فلاح الموسوي المشعشعي مؤسس الدولة الشيعية في جنوب إيران والمحقق الكركي والشيخ تقي الدين الكفعمي، والسيد نصر الله الموسوي الحائري. ثم جاء المجدد الأبرز للحوزة العلمية في كربلاء وهو الشيخ محمد باقر البهبهاني الذي نهض بالحوزة وهي الفترة الذهبية لهذه الجامعة، وتزامن هذا الأمر مع وفاة الشيخ الكبير يوسف البحراني وبذلك أخذ الوحيد البهبهاني يطرح نموذجاً عصرياً لمعالم مدرسة أهل البيت ? وقد أهتم بتربية الآلاف من الطلاب، ثم أوصلهم إلي الدرجات العلمية العالية، وكان علي رأس

هؤلاء الطلبة السيد بحر العلوم، والشيخ جعفر كاشف الغطاء، وقد أتم طريقه اثنان من العلماء في كربلاء هما السيد مهدي الشهرستاني، والسيد علي الطباطبائي، وتابع مسيرتهما السيد محمد المجاهد ثم شريف العلماء الحائري، وتبعه السيد إبراهيم الموسوي القزويني، ثم زعامة المرجع الشيخ محمد تقي الشيرازي صاحب الثورة العراقية الكبري، ثم تبعه المرجع السيد مهدي الشيرازي في زعامة الحوزة العلمية في كربلاء المقدسة، وأخيراً تزعم هذه الحوزة والمدرسة الكبيرة الامام الشيرازي الراحل(أعلي الله مقامه)، وأدام منهجها حتي وهو خارجها في الكويت وقم المقدسة.

() الحوزة العلمية في الحلة: تعد المدرسة العلمية في الحلة السيفية نسبة إلي سيف الدولة صدقة بن دبيس المزيدي الذي بناها سنة 495للهجرة أحدي أكبر المدارس العلمية للشيعة الإمامية في العراق وذلك في القرن الخامس وما بعده، وكانت إليها الهجرة، وتخرّج منها جماعة من العلماء الأعلام والمحققين العظام، وكانوا من أجلاء علماء الشيعة وفقهائها. ازدهرت الجامعة العلمية في الحلة علي يد أكبر علمائها أمثال الشيخ ابن ادريس الحلي،والعلامة المطهر الحلي، والمحقق الحلي، وتزعم هؤلاء العلماء العظام الحوزة في مدينة الحلة، وتخرج علي أيديهم المئات من العلماء والفقهاء والمجتهدين والمتكلمين، وكان مؤسس هذه الحركة والصرح العلمي الشيخ أبو عبد الله فخر الدين محمد العجلي الحلي عام 598 المعروف بابن ادريس الحلي، وهو من رؤساء المذهب ومن أرباب الفتوي. وقد كسر ابن ادريس الحلي قيود ما كان يسمي بتقليد آراء الشيخ الطوسي رحمة الله عليه فنهض بالحوزة نهضة علمية واسعة. ومن الوجوه العلمية لزعماء حوزة الحلة الشيخ أبو المظفر سديد الدين يوسف بن علي الحلي وهو والد العلامة الحلي. وازدهرت الحركة العلمية في الحلة بعد إنهيار بغداد علي يد التتر المغول وهجومها عليها وكانت مدرسة الحلة

نشطة وفعالة قبل هذا التاريخ أيضاً وقد بلغت الذروة في عهد المحقق الحلي رحمة الله عليه، حيث قدم المحقق خدمة كبيرة لمسيرة فقه الإمامية التكاملي والأصول وغيرها.

() الحوزة العلمية في أصفهان: إحدي الجامعات العلمية الشيعية في العالم الإسلامي، تأسست علي يد الشاه عباس الصفوي سنة (1038ه)، وذلك عند نقل العاصمة من قزوين إلي أصفهان فتأسست الجامعة هناك. انتقل إليها جملة من الطلاب والعلماء والفضلاء وذلك بطلب من الشاه عباس، وكان علي رأس هؤلاء العلماء الشيخ البهائي، والسيد مير باقر الداماد، والشيخ لطف الله، حيث إن حوزة أصفهان ما هي إلا تتمة لمدرسة قزوين العلمية. وكان من الوجوه العلمية التي عملت علي ازدهار حوزة أصفهان الشيخ محمد تقي المجلسي، وابنه محمد باقر المجلسي صاحب (بحار الأنوار)، والملا محمد صالح المازندراني صاحب (شرح أصول الكافي). أضمحلت حوزة أصفهان في زمن الاخباريين، وزمن الغزو الأفغاني علي أصفهان، ثم قام بتجديدها الشيخ الوحيد البهبهاني عندما بعث بعض طلابه لإعادة هذه الحوزة إلي طبيعتها، وكان من أبرزهم الشيخ محمد إبراهيم الكرباسي صاحب (الإشارات).

() قم من أشهر المدن الإيرانية القديمة وتقع جنوب العاصمة طهران، احتضن ترابها الجثمان المقدس للسيدة الجليلة فاطمة المعصومة ? أخت الإمام الرضا عليه السلام، تعد أحد أهم الحواضر العلمية والثقافية لنشر علوم أهل البيت ? في العالم، تأسست الحوزة العلمية الحديثة علي يد المرجع الكبير آية الله العظمي الشيخ عبد الكريم الحائري ? سنة (1340ه)، وقد كان مؤسّس الحوزة العلميّة الشيخ الحائري ثاقب النظر، عالي الهمّة، فعندما رأي إنشغال الناس في ايران والعراق بأمور جزئية، وإنقسامهم إلي مستبدّة ومشروطة، وتنبّأ عمّا سيجري من الويل والدمار علي الحوزات العلمية في النجف وكربلاء. خرج الشيخ من كربلاء مغادراً العراق

إلي إيران، وإلي مدينة قم، ليؤسس الحوزة العلمية هناك، فإن قم بلدة عريقة في التشيّع والولاء لأهل البيت ?، ولإحتضانها مرقد السيّدة فاطمة المعصومة ?، فبذر نواتها وإستمرّ في سقيها ورعيها، حتّي نمت وترعرعت، وأثمرت وأينعت فكانت كما أراد الله لها، رغم محاربة البهلوي الأوّل للشيخ ولحوزته العلمية الجديدة التأسيس. وقد نقل الشيخ مرتضي الحائري رحمة الله عليه نجل الشيخ المؤسّس: انّ البهلوي الأوّل لم يزل يحارب الشيخ وحوزته حتّي توفّي الشيخ المؤسّس، ولمّا توفّي لم يكفّ البهلوي عن محاربته له، ولم يستطع أن يكتم شديد حقده عليه، ولذلك منع من إقامة مجالس الفاتحة علي روحه الطيّبة إلاّ من أهل بيته في قم ولمدّة ساعتين فقط، بينما كان الشيخ مرجعاً كبيراً لكلّ الشعب في ايران. وقد استطاع الشيخ المؤسس رحمة الله عليه أن يحفظ الحوزة وكيانها من حكومة رضا خان البهلوي، بالحكمة التي أتبعها في مقابلة طغيانه، حيث كانت الحوزة تتعرض للأخطار الشرسة والأفكار المنحرفة التي كان يروج لها ذلك النظام.

أما اليوم فقد أتسعت الحركة العلمية والثقافية في قم، وأتسعت مدارسها الكبيرة حتي باتت تضم عشرات الآلاف من الطلاب من مختلف أنحاء العالم، وأصبحت مدينة قم تعج بالطلبة وبالأساتذة الكبار والمرجعيات الكبيرة، علي مختلف مشاربهم الفقهية والأصولية والتفسيرية والرجالية وغيرها من العلوم والمعارف الأخري السائدة فيها. وليست هناك أحصائية دقيقة بين أيدينا تبين عدد طلاب العلوم الدينية في مدينة قم بشكل دقيق، إلا أننا يمكن أن نقدر عددهم بأكثر من أربعين ألف طالب.

للمزيد ينظر كتاب (كيف ينبغي ان تكون قم المقدسة) و(قم المقدسة رائدة الحضارة) للإمام الراحل(أعلي الله مقامه).

() هو الشيخ عبد الكريم بن المولي محمد جعفر المهرجردي اليزدي الحائري القمي، فقيه جليل وعالم كبير

وزعيم ديني شريف، ولد سنة (1276ه). جاور مدينة سامراء بعد إكماله السطوح فحضر فيها علي أبرز علمائها، مثل السيد المجدد الشيرازي، والسيد محمد الفشاركي الأصفهاني، والميرزا محمد تقي الشيرازي وغيرهم. وسافر رحمة الله عليه إلي النجف الأشرف وكربلاء المقدسة مستمراً علي الدرس والتدريس والإفادة. وكان المرجع الكبير الميرزا محمد تقي الشيرازي رحمة الله عليه يبجله ويشير إليه ويعترف بفضله ومكانته، حتي أنه أرجع احتياطاته إليه، فلفت ذلك إليه الأنظار وأحله مكانة سامية في النفوس، وفي رجب سنة (1340ه) هبط مدينة قم المشرفة بدعوة من رجال العلم فيها فأسس الحوزة العلمية فيها، بعدما أظهر عزمه الشديد علي جعلها مركزاً علمياً له شأنه في خدمة الإسلام وإشادة دعائمه. من مؤلفاته: درر الفوائد في الأصول، الصلاة والمواريث في الفقه. توفي في ذي القعدة سنة (1355ه) وجري له تشييع عظيم ودفن في رواق حرم السيدة المعصومة فاطمة ?.

() انظر كتاب (الحكم في الإسلام) و(هكذا حكم الإسلام) و(حكم الإسلام، مبادئ قيامه، أهدافه، ماهيته) وغيرها للامام الراحل أعلي الله مقامه.

() للتفصيل انظر (الشوري في الإسلام) للإمام المؤلف رحمة الله عليه، وكتاب (شوري الفقهاء) لنجله آية الله السيد مرتضي الشيرازي ?.

() هو السيد الأمير حامد حسين ابن الأمير السيد محمد قلي الموسوي الكنتوري اللكهنوي الهندي. ولد في مدينة لكنهو عام (1246ه) ونشأ بها نشأة طيبة، وتعلم المبادئ وقرأ المقدمات وعلم الكلام علي يد والده السيد محمد قلي، ودرس الفقه والأصول علي يد السيد حسين دلدار علي النقوي، ودرس المعقول علي يد السيد مرتضي، ودرس الأدب علي يد المفتي السيد محمد عباس. كان كثير التتبع واسع الإطلاع والإحاطة بالآثار والأخبار والتراث الإسلامي. أفني عمره الشريف في البحث عن أسرار الديانة والذب عن بيضة

الإسلام وحوزة الدين الحنيف. وصف بأنه كان من أكابر المتكلمين وأعلام علماء الدين وأساطين المناظرين المجاهدين، وكان علامة نحريراً ماهراً بصناعة الكلام والجدل، محيطاً بالأخبار والآثار، واسع الإطلاع كثير التتبع دائم المطالعة، لم ير مثله في صناعة الكلام والإحاطة بالأخبار والآثار في عصره. قضي عمره في الدرس والتصنيف والتأليف والمطالعة. له خزانة كتب جليلة وحيدة في لكنهو بل في بلاد الهند، وهي أحد مفاخر هذا العلم جمع فيها ثلاثين ألف كتاب، بين مخطوط ومطبوع، من نفائس الكتب وجلائل الآثار، وقد بدأ في إعداد هذه المكتبة والده السيد محمد قلي، وهي تعتبر من أهم خزائن الكتب الشرقية. توفي رحمة الله عليه عام (1306ه) في لكهنو من بلاد الهند، ودفن بها في حسينية غفران مآب. له جملة من المؤلفات، منها: عبقات الأنوار في إمامة الأئمة الأطهار ?، وإستقصاء الأفحام وإستيفاء الانتقام في رد منتهي الكلام، والشريعة الغراء في الفقه، وأسفار الأنوار عن وقائع أفضل الأسفار، أو الرحلة المكية والسوانح السفرية في حج البيت وزيارة الأئمة ?.

() جواهر لال نهرو: زعيم سياسي ورئيس وزراء الهند سابقاً، وهو ابن الزعيم الهندي موتي لال نهرو. ولد عام (1889م) في مدينة الله آباد، وتعلم في بريطانيا وتخرج من جامعة كمبردج، وبعد أن حصل علي شهادة الحقوق عاد إلي الهند عام (1912م)، وانضم إلي حزب المؤتمر عام (1918م)، وأصبح من بطانة غاندي ومريديه، دخل السجن مرات عدة لنشاطه الوطني المعادي للاستعمار البريطاني. انتخب سكرتيراً عاماً لحزب المؤتمر عام (1928م)، أصبح الرجل الثاني بعد غاندي، ثم تولي رئاسة حزب المؤتمر عام (1942م)، وعين وزيراً للخارجية في الحكومة الوطنية المؤقتة عام

(1946م) تميزت سياسة نهرو بالنزعة الإشتراكية الديمقراطية، والدعوة إلي الإستقلال التام، والعمل علي رفع

المستوي الاقتصادي للهند، والقضاء علي حكم الأمراء والإقطاع. انتخب رئيساً للوزراء مرتين، ثم وزيراً للخارجية بعد قيام جمهورية الهند في عام (1950م)، وهو المنصب الذي شغله لحين وفاته. اتسمت سياسة نهرو بعد الاستقلال بالدعوة إلي الحياد والتعايش السلمي، فكان أحد الداعين لعقد مؤتمر باندونج عام (1955م) لدول عدم الانحياز، مع جمال عبد الناصر، وتيتو رئيس يوغسلافيا. وفي سنة (1957م) وجه نداء إلي الرئيسين السوفييتي خروشوف والأمريكي إيزنهاور لوقف إجراء التجارب الذرية، وفي عام (1959م) وقف بوجه التهديدات الصينية. له عدة مؤلفات منها (وحدة الهند) و(لمحات إلي تاريخ العالم) و(روسيا السوفيتية) و(سيرة ذاتية) توفي عام (1964م).

() كان ابتداء أمر الدعوة العباسية النقباء والأشراف في خراسان، وكان أكثرهم من العرب الساخطين علي الحكم الأموي، وكانوا من شيعة آل البيت ? وقد نادي العباسيون وأشياعهم بالرضا من آل محمد ? فتكاتفوا مع الشيعة في سبيل إسقاط الدولة الأموية، فكان محمد بن علي بن عبد الله بن العباس هو المتزعم لهذه الثورة، وقبل وفاته أوصي لأبنه إبراهيم الإمام بالقيام بمهمات الدعوة، وقام إبراهيم بالأمر فأسند مهمة الثورة في خراسان لأبي مسلم الخراساني، ونجح أبو مسلم الخراساني في إجتذاب جماهير غفيرة من الخراسانيين. ثم أنفد إلي أبي مسلم الخراساني لواء النصرة وظل السحاب، وكان أبو سلمة الخلال الكوفي الرجل الموثوق به الذي كان يدعو إلي آل محمد ? في الكوفة. فكان هذان الرجلان صاحبي الدعوة لآل محمد في خراسان والكوفة، فلما بلغ أبا مسلم الخراساني خبر موت إبراهيم الإمام، بعث برسالة إلي الإمام الصادق عليه السلام، وعبد الله بن الحسن، ومحمد بن علي بن الحسين، يدعو كل واحد منهم بالخلافة، فبدأ بالإمام الصادق عليه السلام فلما قرأ الكتاب أحرقه وقال:

هذا الجواب، فلما أقبلت الرايات كتب إلي الإمام الصادق عليه السلام وأخبره أن سبعين ألف مقاتل وصل إلينا منتظر أمرك، فقال عليه السلام: إن الجواب كما شافهتك، فكان الأمر كما ذكر.

واستولي أبو مسلم الخراساني علي خراسان والعراق، ثم تمت البيعة لأبي عباس السفاح بعد معركة الزاب التي انتصر بها أبو مسلم الخراساني علي جيوش الأمويين سنة (133ه)، وبعد النتصار الدعوة العباسية ذهبت الشعارات أدراج الرياح، ولم تكتف بهذا، بل قاموا بتصفية رجالات الثورة وقادتها، فبدأوا بأبي سلمة الخلال صاحب النفوذ السياسي في الكوفة فأغتالوه، وادعوا أن الخوارج قتلته، وكان يومذاك في عزه وقمة نفوذه، ثم قتلوا أبا مسلم الخراساني، قتله المنصور العباسي، وكان أبو مسلم يومئذ أقوي شخصية سياسية في خراسان. وأخذ العباسيون كذلك في ملاحقة الأمويين في كل مكان، فقتلوهم وصلبوهم ونبشوا قبورهم وشردوهم في البلدان جميعاً.

أما موقف الدعوة العباسية من الأئمة المعصومين ? فيوجزه قول الشاعر:

تالله ما فعلت أمية فيهم معشار ما فعلت بني العباس

() سورة العلق: 6- 7.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص347 ق4 ب2 ف7 ح7987.

() المدرسة السليمية: تأسست سنة (1250 ه) تقع في زقاق جامع الميرزا علي تقي الطباطبائي، تشتمل علي طابقين غير أن مساحتها صغيرة، وتحتوي علي ثلاث عشرة غرفة. خصص المؤسس رواتب شهرية للطلبة المتعلمين فيها، وكان أشهر المدرسين فيها الشيخ يوسف الخراساني، والسيد محمد علي البحراني. كانت تصدر فيها مجلة (الأخلاق والآداب). راجع تراث كربلاء: ص205.

() هو الميرزا مهدي بن الميرزا حبيب الله بن السيد آقا بزرك بن السيد ميرزا محمود بن السيد إسماعيل الحسيني الشيرازي، فوالد السيد الميرزا مهدي هو ابن أخ المجدد الشيرازي صاحب ثورة التنباك الشهيرة، ولد في مدينة كربلاء سنة (1304ه) وظل بها

إلي سنين شبابه الأولي، فدرس علي أساتذتها مقدمات العلوم من نحو وصرف وحساب ومنطق وسطوح الفقه والأصول، ثم سافر إلي سامراء واشتغل فيها بالبحث والتحقيق والتدريس لفترة طويلة، ثم إلي مدينة الكاظمية المشرفة، سافر بعدها إلي مدينة كربلاء المقدسة وبقي فيها فترة من الزمن مواصلاً الدرس والبحث، إلي أن انتقل إلي النجف الأشرف وأقام بها ما يقرب من عشرين عاماً.

درس الخارج علي فحول العلماء والمراجع في عصره أمثال: السيد الميرزا علي آغا نجل المجدد الشيرازي، والشيخ محمد تقي الشيرازي، والعلامة الآغا رضا الهمداني صاحب (مصباح الفقيه)، والسيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي صاحب (العروة الوثقي) وغيرهم. وكان يحضر في كربلاء المقدسة بحثاً علمياً في غاية الأهمية يسمي ببحث ال(كمباني) تحت رعاية المرحوم السيد حسين القمي رحمة الله عليه وكان البحث يضم جمعاً من أكابر ومشاهير المجتهدين في كربلاء. بعد وفاة السيد القمي سنة (1366ه) استقل بالبحث والتدريس واضطلع بمسؤولية المرجعية الدينية ورجع الناس إليه في أمر التقليد.

له مواقف سياسية شهيرة أهمها: أنه شارك في ثورة العشرين، وفي سنة (1360ه) أفتي بطرد الإنجليز من العراق، وفي نهاية الخمسينات وقف بوجه المد الشيوعي وأصدر فتوي بتكفيرهم، كما وقف بوجه المد الشيوعي في عهد حكومة عبد الكريم قاسم في العراق، وبادر رحمة الله عليه إلي استنهاض همم مراجع الدين الكبار في النجف الأشرف لاتخاذ موقف موحد قوي إزاء الخطر الإلحادي علي العراق، فالتقي بالمرجع الديني الكبير السيد محسن الحكيم رحمة الله عليه وأصدر الأخير فتواه الشهيرة بتكفير الشيوعية.

له عدة مؤلفات منها: ذخيرة العباد، وذخيرة الصلحاء، والوجيزة، وتعليقة علي العروة الوثقي، ورسالة حول فقه الرضا، وكشكول في مختلف العلوم.

توفي رحمة الله عليه في الثامن والعشرين من شهر شعبان سنة (1380ه)

وشيع جثمانه في موكب مهيب قلما شهدت كربلاء مثله، ودفن في مقبرة العالم المجاهد الشيخ الميرزا محمد تقي الشيرازي في صحن الروضة الحسينية الشريفة، وأقيمت علي روحه الطاهرة مجالس الفاتحة والتأبين بمشاركة مختلف فئات وطبقات المجتمع استمرت لعدة أشهر.

() ينظر كتاب (القطرات والذرات) للإمام الراحل (أعلي الله مقامه).

() غرر الحكم: ص377 ق5 ب4 ف1 ح8493.

() غرر الحكم: ص413 ق6 ب2 ف1 ح9424.

() غرر الحكم: ص448 ق6 ب4 ف8 ح10273.

() غرر الحكم: ص448 ق6 ب4 ف8 ح 10278.

() هو الكاتب المصري المعروف طه حسين (1889 1973م) أديب وناقد مصري كبير، لقب بعميد الأدب العربي، وُلد بالصعيد، فقد بصره طفلاً، درس في الأزهر والجامعة الأهلية وفي فرنسا، أسس جامعة الأسكندرية وتولي إدارتها عام (1943م)، عُين وزيراً للمعارف سنة (1950م)، وأسس جامعة عين شمس، له مؤلفات عديدة منها: ذكري أبي العلاء المعري، وابن خلدون، ومع المتنبي، وعلي هامش السيرة وغيرها.

() مثل مشهور.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص193 ح3758 إجابة الدعاء وموجباتها.

() سورة الأعراف: 149.

() الارشاد: ج2 ص78 باب ذكر الإمام بعد الحسن عليه السلام.

() هو السيد محسن ابن السيد عبد الكريم ابن السيد علي ابن السيد محمد الأمين المنتهي نسبه إلي الحسين ذي الدمعة ابن زيد الشهيد ابن الإمام علي بن الحسين زين العابدين?، ولد في قرية شقراء من بلاد جبل عامل سنة (1284للهجرة). عرفت العشيرة بآل الأمين نسبة إلي السيد محمد الأمين ابن السيد أبي الحسن موسي. تعلم القراءة والكتابة وهو في سن مبكر لم يتجاوز السبع سنين عند مسقط رأسه في دار الكتاتيب، ثم نزل النجف الأشرف وشرع في الدرس والتدريس، فدرس علي يد جملة من العلماء أمثال: السيد علي ابن السيد محمود الأمين، والسيد أحمد

الكربلائي، والشيخ ملا كاظم الخراساني صاحب (الكفاية)، والشيخ آغا رضا الهمداني صاحب (مصباح الفقيه)، والشيخ محمد طه نجف الذي قرأ علي يده الفقه خارجاً. له من المؤلفات كتب كثيرة منها: أعيان الشيعة: وهو من أهم مصنفاته وهو مطبوع، ونقض الوشيعة، ولواعج الأشجان، وأساس الشريعة وكشف الغامض في أحكام الفرائض، وكشف الإرتياب في اتباع محمد بن عبد الوهاب، وغيرها، لم يكن السيد الأمين مؤرخاً موضوعياً فحسب، وإنما كان أيضاً مُصلحاً من الدرجة الأولي. وكان السيد مع هذا وذاك يدعو كثيراً إلي الوحدة الإسلامية، توفي في دمشق عام (1372ه)، ودفن عند مقام السيدة زينب ?.

() هذا التاريخ بحسب توقيت التأليف، كما هو واضح.

() هو السيد أبو الحسن بن السيد محمد بن السيد عبد الحميد الموسوي الأصفهاني، شخصية فذة، ذو عبقرية نادرة، فريد دهره، ووحيد عصره، حامل لواء الشيعة، من فحول علماء عصره. كان محققاً مدققاً فقيهاً أصولياً خبيراً بتراجم الرجال وسير التأريخ، جليل القدر عظيم المنزلة، حوي صفات الكمال وخصال الخير. ولد سنة

(1284ه) في أصفهان، ورد إلي النجف الأشرف أواخر القرن الثالث عشر، وأقام في كربلاء المقدسة مدة ينهل من معين علمائها، وبعد وفاة السيد محمد كاظم اليزدي رحمة الله عليه رشح للزعامة الدينية، وبعد وفاة الشيخ أحمد كاشف الغطاء رحمة الله عليه والميرزا حسين النائيني رحمة الله عليه أصبحت له الزعامة الدينية والرئاسة الروحية بلا منازع، وسار حديثه في الأوساط، وطبقت شهرته الآفاق، حتي انيطت به القيادة الفكرية والمرجعية العامة في التقليد، فقام بأعبائها، واستقل بإدارتها، وتكفل بتسيير شؤون المعاهد العلمية وحوزات التدريس في إيران والعراق والهند وباكستان والافغان وغيرها. شارك في الحركة الدستورية في إيران كما شارك في ثورة العشرين، وعارض تنصيب فيصل الأول ملكاً

علي العراق. كان مجلس درسه ملتقي البارزين من رجال العلم والفضلاء أينما حل.

ذكر ترجمته صاحب كتاب (نقباء البشر): فقال: لم يترك السيد الأصفهاني إلاّ رسالة عملية، لكن صاحب موسوعة مؤلفي الإمامية قال: ترك عدّة مؤلفات منها: الرسالة العملية وسيلة النجاة، شرح كفاية الأصول، حاشية علي العروة الوثقي، حاشية علي تبصرة المتعلمين، منتخب الرسائل، ورسالة ترجمة المقلدين، وحاشية ذخيرة العباد ليوم المعاد، وحاشية المناسك، وحاشية منتخب الرسائل، وحاشية نجاة الصياد، وغيرها من الكتب الأخري.

توفي السيد الأصفهاني رحمة الله عليه في ذي الحجة عام (1365ه) في الكاظمية، وشيع جثمانه الطاهر تشييعاً مهيباً إلي النجف، ودفن في الصحن الغروي الشريف.

() سورة النساء: 105.

() سورة غافر: 12.

() سورة الكهف: 26.

() سورة الطلاق: 10 11.

() سورة الجاثية: 20.

() سورة سبأ: 28.

() سورة الطلاق: 3.

() سورة النساء: 45.

() سورة النساء: 81.

() سورة الأعراف: 6.

() سورة الصافات: 34.

() سورة الحجر: 9293.

() سورة الأنبياء: 92.

() سورة الحجرات: 10.

() سورة المؤمنين: 52.

() نهج البلاغة، الخطب: 169 من خطبة له عليه السلام عند مسير أصحاب الجمل إلي البصرة..

() نهج البلاغة، الخطب: 147 من خطبة له عليه السلام يبين فيها الغاية من البعثة..

() سورة النساء: 105.

() الكافي: ج1 ص268 باب التفويض إلي رسول الله صلي الله عليه و اله ح8.

() مستدرك الوسائل: ج17 ص301 ب8 ح21408.

() تحف العقول: ص57 باب ما روي عنه صلي الله عليه و اله في قصار هذه المعاني.

() الخصال: ج1 ص125 باب الثلاثة ح121.

() نهج البلاغة: الخطب 127 من كلام له عليه السلام وفيه يبين بعض أحكام الدين ويكشف للخوارج الشبهة..

() بحار الأنوار: ج34 ص36 ب31.

() تنبيه الخواطر ونزهة النواظر: ص127 باب ما جاء في الحسد.

() الكافي: ج2 ص165 باب أخوة المؤمنين

بعضهم لبعض ح1.

() وسائل الشيعة: ج15 ص254 ب23 ح20434.

() تنبيه الخواطر ونزهة النواظر: ج1 ص84 باب العتاب.

() وسائل الشيعة: ج9 ص25 ب3 ح11428.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص466 ق6 ب5 ف13 ح10712.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص466 ق6 ب5 ف13 ح10714.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص466 ق6 ب5 ف13 ح10721.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص466 ق6 ب5 ف13 ح10715.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.