من حياة الرسول الأعظم صلي الله عليه و آله و سلم

اشارة

السيد محمد الحسيني الشيرازي

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلي الله علي محمد وآله الطاهرين.

أما بعد، فهذا هو الجزء الأول من سلسلة (من حياة المعصومين) صلوات الله عليهم أجمعين، ويتضمن بعض الإشارات المختصرة لجوانب من حياة الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله، وقد جعله الله تعالي أسوة لنا في مختلف أمورنا الدينية والدنيوية، قال عزوجل: لقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لّمَن كَانَ يَرْجُو اللّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللّهَ كَثِيرا ().

أسأل الله تعالي التوفيق والقبول إنه سميع مجيب.

قم المقدسة

محمد الشيرازي

1 النسب الشريف

هو محمد صلي الله عليه و اله بن عبد الله، بن عبد المطلب، بن هاشم.

كنيته: أبو القاسم.

أمه: آمنة بنت وهب.

وأمها: برة بنت أسد.

وكان وهب (جد النبي من الأم) سيد بني زهرة.

خطب عبد المطلب عليه السلام آمنة عليها السلام لولده عبد الله عليه السلام وزوّجها به، وكان عبد الله في الرابعة والعشرين من العمر.

وبعد زواجه منها خرج عبد الله في تجارة له إلي الشام وكانت آمنة حاملاً بمحمد صلي الله عليه و اله، فلما عاد نزل علي أخواله بني النجار بالمدينة فمرض هناك ومات، ورسول الله صلي الله عليه و اله حمل، ويري البعض أن مرض عبد الله كان بسبب سمّ من بعض اليهود أرادوا القضاء علي عبد الله حتي لا يولد منه النبي صلي الله عليه و اله.

ثم إن آباء النبي صلي الله عليه و اله إلي آدم عليه السلام وكذلك الأمهات التي حملت نوره صلي الله عليه و اله المبارك،كلهم مؤمنون غير مشركين، قال تعالي: وَتَقَلّبَكَ فِي السّاجِدِينَ ()، فهو صلي الله عليه و اله طُهر طاهر مطهر من طُهر طاهر مطهر، علي تفصيل ذكرناه في بعض كتبنا.

2 الولادة المباركة

وُلد النبي صلي الله عليه و اله بمكة المكرمة، يوم الجمعة، عند طلوع الفجر، في اليوم السابع عشر من شهر ربيع الأول، عام الفيل، بعد شهر أو شهرين من هلاك أصحاب الفيل.

وقد أرسلت آمنة إلي عبد المطلب تبشره بمولد النبي صلي الله عليه و اله فسرّ بذلك وجاء إليها وهو يدعو الله ويشكر ما أعطاه، فقال:

الحمد لله الذي أعطاني

هذا الغلام الطيب الأردان

قد ساد في المهد علي الغلمان

أعيذه بالبيت ذي الأركان

حتي أراه مبلغ الفتيان

أعيذه من كل ذي شنآن

حتي يكون بلغة الغشيان

من حاسد مضطرب العنان

وكانت ولادته صلي الله

عليه و اله في دار عبد الله، وقد وهبها رسول الله صلي الله عليه و اله بعد ذلك لعقيل بن أبي طالب عليه السلام، فلما توفي عقيل باعها ولده،ثم جُعلت مسجداً يُصلي فيه وذلك أيام العباسيين() وهو معروف إلي الآن، وكان المسلمون يزورنه ويصلون فيه ويتبركون به، ولما سيطر الوهابيون علي مكة والمدينة قاموا بهدم آثار النبوة والرسالة، ومنعوا الناس من زيارته وهدموا بيت النبي صلي الله عليه و اله.

3 رؤيا آمنة عليها السلام

روي: أنه قالت آمنة (رضوان الله عليها): لما قربت ولادة رسول الله صلي الله عليه و اله رأيت جناح طائر أبيض قد مسح علي فؤادي فذهب الرعب عني، وأتيت بشربة بيضاء وكنت عطشي، فشربتها فأصابني نورٌ عال.

ثم رأيت نسوة كالنخل طوالاً تحدثني، وسمعت كلاماً لا يشبه كلام الآدميين، حتي رأيت كالديباج الأبيض قد ملأ بين السماء والأرض، وقائل يقول: خذوه من أعز الناس.

ورأيت رجالاً وقوفاً في الهواء بأيديهم أباريق، ورأيت مشارق الأرض ومغاربها، ورأيت علماً من سندس علي قضيب من ياقوتة، قد ضرب بين السماء والأرض في ظهر الكعبة، فخرج رسول الله صلي الله عليه و اله رافعاً إصبعه إلي السماء.

ورأيت سحابة بيضاء تنزل من السماء حتي غشيته، فسمعت نداءً: طوفوا بمحمد صلي الله عليه و اله شرق الأرض وغربها والبحار، لتعرفوه باسمه ونعته وصورته، ثم انجلت عنه الغمامة فإذا أنا به في ثوب أبيض من اللبن، وتحته حريرة خضراء، وقد قبض علي ثلاثة مفاتيح من اللؤلؤ الرطب، وقائل يقول: قبض محمد صلي الله عليه و اله علي مفاتيح النصرة والريح والنبوة.

ثم أقبلت سحابة أخري فغيبته عن وجهي أطول من المرة الأولي، وسمعت نداءً: طوفوا بمحمد صلي الله عليه و اله الشرق والغرب، وأعرضوه علي

روحاني الجن والإنس، والطير والسباع، وأعطوه صفا آدم، ورقة نوح، وخلة إبراهيم، ولسان إسماعيل، وكمال يوسف، وبشري يعقوب، وصوت داود، وزهد يحيي، وكرم عيسي عليهم السلام.

ثم انكشف عنه فإذا أنا به وبيده حريرة بيضاء، قد طويت طياً شديداً وقد قبض عليها، وقائل يقول: قد قبض محمد صلي الله عليه و اله علي الدنيا كلها، فلم يبق شيء إلاّ دخل في قبضته.

ثم إن ثلاثة نفر كأن الشمس تطلع من وجههم، في يد أحدهم إبريق فضة ونافحة مسك. وفي يد الثاني طست من زمردة خضراء لها أربع جوانب من كل جانب لؤلؤة بيضاء، وقائل يقول: هذه الدنيا فاقبض عليها يا حبيب الله. فقبض علي وسطها، وقائل يقول: اقبض الكعبة. وفي يد الثالث حريرة بيضاء مطوية فنشرها، فأخرج منها خاتماً تحار أبصار الناظرين فيه، فغسل بذلك الماء من الإبريق سبع مرات، ثم ضرب الخاتم علي كتفيه، وتفل في فيه فاستنطقه فنطق، فلم أفهم ما قال إلا أنه قال: في أمان الله وحفظه وكلائته، قد حشوت قلبك إيماناً وعلماً ويقيناً وعقلاً وشجاعةً، أنت خير البشر، طوبي لمن اتبعك، وويل لمن تخلف عنك. ثم أدخل بين أجنحتهم ساعة، وكان الفاعل به هذا رضوان، ثم انصرف وجعل يلتفت إليه ويقول: أبشر يا عزّ بعزّ الدنيا والآخرة.

ورأيت نوراً يسطع من رأسه صلي الله عليه و اله حتي بلغ السماء، ورأيت قصور الشامات كأنه شعلة نار نوراً، ورأيت حولي من القطاة أمراً عظيما قد نشرت أجنحتها().

وقالت آمنة عليها السلام: إن ابني والله سقط فاتقي الأرض بيده، ثم رفع رأسه إلي السماء فنظر إليها، ثم خرج مني نور أضاء له كل شيء وسمعت في الضوء قائلاً يقول: إنك قد ولدت سيد الناس فسميه محمدا

صلي الله عليه و اله().

4 إرهاصات الولادة

لما وُلد رسول الله صلي الله عليه و اله رميت الشياطين بالنجوم، وقالت قريش: هذا قيام الساعة الذي كنا نسمع أهل الكتب يذكرونه!

وقال عمرو بن أمية وكان من أزجر أهل الجاهلية: انظروا هذه النجوم التي يُهتدي بها ويُعرف بها أزمان الشتاء والصيف، فإن كان رمي بها فهو هلاك كل شيء، وإن كانت ثبتت ورمي بغيرها فهو أمر حدث.

وانكبت الأصنام كلها علي وجهها صبيحة ولد النبي صلي الله عليه و اله، وارتجس إيوان كسري وسقطت منه أربع عشرة شرفة، وغاضت بحيرة ساوة، وفاض وادي السماوة، وخمدت نيران فارس ولم تخمد قبل ذلك بألف عام، وانتشر في تلك الليلة نور من قبل الحجاز ثم استطار حتي بلغ المشرق.

ولم يبق سرير لملك من ملوك الدنيا إلاّ أصبح منكوساً، والملك مخرساً لايتكلم يومه ذلك، وانتزع علم الكهنة وبطل سحر السحرة، ولم تبق كاهنة في العرب إلاّ حجبت عن صاحبها.

وفي يوم مولد النبي صلي الله عليه و اله صاح إبليس (لعنه الله) في أبالسته فاجتمعوا إليه، فقالوا: ما الذي أفزعك يا سيدنا؟.

فقال لهم: ويلكم لقد أنكرت السماء والأرض منذ الليلة، لقد حدث في الأرض حدث عظيم ما حدث مثله منذ رُفع عيسي ابن مريم عليه السلام، فاخرجوا وانظروا ما هذا الحدث الذي قد حدث؟.

فافترقوا ثم اجتمعوا إليه، فقالوا: ما وجدنا شيئاً.

فقال إبليس (لعنه الله): أنا لهذا الأمر.

ثم انغمس في الدنيا فجالها حتي انتهي إلي الحرم، فوجد الحرم محفوظاً بالملائكة، فذهب ليدخل فصاحوا به فرجع، ثم صار مثل الصر وهو العصفور فدخل من قبل حري.

فقال له جبرئيل عليه السلام: وراك لعنك الله.

فقال له: حرف أسألك عنه يا جبرئيل، ما هذا الحدث الذي حدث منذ الليلة في

الأرض؟.

فقال له: وُلد محمد صلي الله عليه و اله.

فقال له: هل لي فيه نصيب؟.

قال: لا.

قال: ففي أمته؟.

قال: نعم.

قال: رضيت ().

5 أيام الرضاعة

رضع النبي صلي الله عليه و اله من أمه آمنة عليها السلام، ومن ثويبة مولاة أبي لهب بلبن ابنها مسروح أياماً، وبعد ذلك رضع من حليمة السعدية وكانت أرضعت قبله عمه حمزة عليه السلام.

وكان رسول الله صلي الله عليه و اله يكرم أمهاته الرضاعية، وكذلك تكرمهن زوجته خديجة أم المؤمنين عليها السلام.

فكان صلي الله عليه و اله يبعث إلي ثويبة من المدينة ببعض الهدايا والأموال حتي ماتت، فسأل عن ابنها مسروح فقيل: مات. فسأل عن قرابتها، فقيل: ماتوا.

وفي التاريخ: أنه جاء عشر نسوة من بني سعد يطلبن الرضاع وفيهن حليمة، فأصبن الرضاع كلهن إلاّ حليمة، وكان معها زوجها الحارث المكني أبا ذؤيب وولدها منه عبد الله، فعُرض عليها رسول الله صلي الله عليه و اله فقالت: يتيم ولا مال له وما عست أمه أن تفعل. وعندما أخذته ووضعته في حجرها درّ ثدياها حتي روي وروي أخوه، وكان أخوه لا ينام من الجوع. فبقي صلي الله عليه و اله عندها سنتين حتي فطم، فقدموا به علي أمه زائرين لها، وأخبرتها حليمة ما رأت من بركته، فردته معها، ثم ردته علي أمه وهو ابن خمس سنين ويومين.

وكم من معاجز وبركات رأت حليمة السعدية من رسول الله صلي الله عليه و اله في هذه الفترة، لا يسع المجال لذكرها().

وقدمت حليمة علي رسول الله صلي الله عليه و اله بعد ما تزوج، فبسط لها رداءه، وأعطتها خديجة عليها السلام أربعين شاة، كما وأعطتها بعيراً. وجاءت إليه يوم حنين فقام صلي الله عليه و اله إليها وبسط لها رداءه فجلست

عليه.

وجاءه وفد هوازن يوم حنين وفيهم أبو ثروان، أو أبو برقان عمه من الرضاعة، وقد سُبي منهم وغُنم، وطلبوا أن يمنّ رسول الله صلي الله عليه و اله عليهم، فخيرهم بين السبي والأموال، فقالوا: خيرتنا بين أحسابنا وأموالنا وما كنا لنعدل بالأحساب شيئاً.

فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: أما ما لي ولبني عبد المطلب فهو لكم، وسأسأل لكم الناس.

فقال المهاجرون والأنصار: ما كان لنا فهو لرسول الله صلي الله عليه و اله.

وأبي بعض المؤلفة قلوبهم من قبائل العرب وقبائلهم، فأعطاهم صلي الله عليه و اله إبلاً عوضا من ذلك.

روي: عن أبي جرول زهير وكان رئيس قومه قال: أسرنا رسول الله صلي الله عليه و اله يوم فتح خيبر، فبينا هو يميز الرجال من النساء إذ وثبتُ حتي جلست بين يدي رسول الله صلي الله عليه و اله، فأسمعته شعراً أذكره حين شب فينا ونشأ في هوازن وحين أرضعوه، فأنشأت أقول:

امنن علينا رسول الله في كرم

فإنك المرء نرجوه وننتظر

امنن علي بيضة قد عاقها قدر

مفرق شملها في دهرها غِير

أبقت لنا الحرب هتافاً علي حزن

علي قلوبهم الغماء والغمر

إن لم تداركهم نعماء تنشرها

يا أرجح الناس حلماً حين يختبر

امنن علي نسوة قد كنت ترضعها

إذ فوك يملؤه من مخضها الدرر

إذ أنت طفل صغير كنت ترضعها

وإذ يرينك ما تأتي وما تذر

يا خير من مرحت كمت الجياد به

عند الهياج إذا ما استوقد الشرر

لا تتركنا كمن شالت نعامته

واستبق منا فإنا معشر زهر

إنا لنشكر للنعماء وقد كفرت

وعندنا بعد هذا اليوم مدخر

فألبس العفو من قد كنت ترضعه

من أمهاتك إن العفو مشتهر

إنا نؤمل عفواً منك تلبسه

هادي البرية أن تعفو وتنتصر

فاعف عفا الله عما أنت راهبه

يوم القيامة إذ يهدي لك الظفر

فقال رسول الله صلي الله عليه

و اله أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لله ولكم، وقالت الأنصار: ما كان لنا فهو لله ولرسوله، فردت الأنصار ما كان في أيديها من الذراري والأموال().

وجاءوا يوم حنين بأخته صلي الله عليه و اله من الرضاعة وهي الشيماء بنت الحارث فقالت: يا رسول الله، إني أختك من الرضاعة.

فبسط صلي الله عليه و اله لها رداءه فأجلسها عليه، وقال: إن أحببتِ فعندي محببة مكرمة، وإن أحببتِ أن أعطيكِ وترجعي إلي قومكِ.

فقالت: بل تعطيني وتردني إلي قومي.

فأعطاها وأرجعها معززة.

6 كفالة عبد المطلب وأبي طالب عليهما السلام

وُلد النبي صلي الله عليه و اله يتيماً، حيث مات والده عبد الله عليه السلام وهو حمل في بطن أمه آمنة عليها السلام، فكان كافله جده عبد المطلب عليه السلام، ومن بعده عمه أبو طالب عليه السلام.

ولما صار عمر النبي صلي الله عليه و اله ست سنوات، خرج مع أمه آمنة عليها السلام إلي أخواله بني عدي بن النجار بالمدينة، ومعهما أم أيمن تحضنه، فبقيت عندهم شهراً، وفي رجوعهم إلي مكة توفيت آمنة عليها السلام بالأبواء بين المدينة ومكة ودفنت هناك.

فعادت أم أيمن بالنبي صلي الله عليه و اله إلي مكة إلي جده عبد المطلب عليه السلام وبقيت تحضنه، فكان رسول الله صلي الله عليه و اله في كفالة عبد المطلب من حين وفاة أبيه وبعد وفاة أمه لثمان سنين.

وقام عبد المطلب عليه السلام بتربيته صلي الله عليه و اله وحفظه أحسن قيام، وكان حريصاً عليه أكثر من ولده، وكان يقربه منه ويدنيه، ولا يأكل طعاماً إلاّ أحضره، وكان يحرسه ويقيه بنفسه وبأولاده، فإنه كان يعلم بأن محمداً صلي الله عليه و اله هذا هو خاتم النبيين وكان مؤمناً به.

وبعد مضي ثمان سنوات من عمر

رسول الله صلي الله عليه و اله توفي جده عبد المطلب عليه السلام وله ثمانون سنة، فلما حضرته الوفاة أوصي خير ولده وهو أبو طالب عليه السلام بحفظ رسول الله صلي الله عليه و اله وحياطته وكفالته.

وكان أبو طالب عليه السلام أنبل إخوته وأكرمهم وأعظمهم مكانة في قريش وأجلهم قدراً، وأكثرهم إيماناً بالله وخوفاً منه، فكفله أبو طالب عليه السلام خير كفالة، وقام برعاية محمد صلي الله عليه و اله ابن أخيه أحسن قيام.

كان أبو طالب عليه السلام يحب محمداً صلي الله عليه و اله أكثر من حبه لولده، وكان لا ينام إلاّ إلي جنبه، وكان عندما يخرج يُخرجه معه، وكان يخصه بالطعام، وكان أولاده يصبحون رمصاً() شعثاً ويصبح رسول الله صلي الله عليه و اله كحيلاً دهيناً. وكان كثيراً ما يخاف علي رسول الله صلي الله عليه و اله، فكان يغير مكان نومه ليلاً ويُضجع ابنه علياً عليه السلام مكانه خوفاً عليه.

وهكذا بقي أبو طالب عليه السلام يحمي رسول الله صلي الله عليه و اله من كل خطر وبلاء ومن شر الأعداء حتي بُعث محمد صلي الله عليه و اله بالنبوة وجاء بالإسلام، فكان أبو طالب عليه السلام حاميه الأول، ولولاه لقضي المشركون علي رسول الله صلي الله عليه و اله وقتلوه.

علماً بأن أبا طالب عليه السلام كان مؤمناً بالله ولم يشرك به طرفة عين، وعندما جاء النبي صلي الله عليه و اله بالإسلام أسلم، ولكنه أخفي إسلامه بأمر خاص من رسول الله صلي الله عليه و اله، وهكذا كان حمزة والعباس عليهم السلام.

روي العلامة المجلسي رحمة الله عليه في (البحار):

أنه لما توفي عبد الله بن عبد المطلب أبو النبي صلي الله عليه و

اله والنبي صلي الله عليه و اله حمل.. فلما وضعته أمه كفله جده عبد المطلب عليه السلام ثماني سنين، ثم احتضر للموت فدعا ابنه أبا طالب. فقال له: يا بني، تكفل ابن أخيك مني فأنت شيخ قومك وعاقلهم ومن أجد فيه الحجي دونهم، وهذا الغلام ما تحدثت به الكهان، وقد روينا في الأخبار أنه سيظهر من تهامة نبي كريم، وروي فيه علامات قد وجدتها فيه فأكرم مثواه واحفظه من اليهود؛ فإنهم أعداؤه. فلم يزل أبو طالب عليه السلام لقول عبد المطلب عليه السلام حافظاً ولوصيته راعياً().

7 مع بحيرا الراهب

خرج رسول الله صلي الله عليه و اله مع عمّه أبي طالب عليه السلام في تجارة إلي الشام وله تسع سنين، وقيل: اثنتا عشرة سنة، ونظر إليه بحيرا الراهب ورآي منه علائم النبوة. فقال: احفظوا به فإنه نبي!. وذلك في قصة مفصلة، رواه العلامة المجلسي رحمة الله عليه في (البحار)، قال:

إن أبا طالب عليه السلام خرج به صلي الله عليه و اله معه إلي الشام في تجارة قريش، فلما انتهي به إلي بصري وفيها راهب لم يكلّم أهل مكة إذا مروا به، ورأي علامة رسول الله صلي الله عليه و اله في الركب، فإنه رأي غمامة تظله في مسيره، ونزل صلي الله عليه و اله تحت شجرة قريبة من صومعته فتثنت أغصان الشجرة عليه والغمامة علي رأسه بحالها، فصنع الراهب لهم طعاماً فاجتمعوا عليه وتخلف محمد صلي الله عليه و اله، فلما نظر بحيرا إليهم ولم ير الصفة التي يعرف، قال: فهل تخلف منكم أحد؟.

قالوا: لا واللات والعزي إلا صبي.

فاستحضره، فلما لحظ إليه نظر إلي أشياء من جسده قد كان يعرفها من صفته، فلما تفرقوا، قال: يا غلام، أتخبرني

عن أشياء أسألك عنها؟.

قال: سل.

قال: أنشدك باللات والعزي إلاّ أخبرتني عما أسألك عنه.

وإنما أراد أن يعرف لأنه سمعهم يحلفون بهما، فذكروا أن النبي صلي الله عليه و اله قال له: لا تسألني باللات والعزي؛ فإني والله لم أبغض بغضهما شيئاً قط.

قال: فبالله إلاّ أخبرتني عما أسألك عنه.

قال: فجعل يسأله عن حاله في نومه وهيئته وأموره، فجعل رسول الله صلي الله عليه و اله يخبره، فكان يجدها موافقة لما عنده.

فقال له: اكشف عن ظهرك.

فكشف عن ظهره فرأي خاتم النبوة بين كتفيه علي الموضع الذي يجده عنده، فأخذه الأفكل وهو الرعدة واهتز الديراني.

فقال: من أبو هذا الغلام؟.

قال أبو طالب عليه السلام: هو ابني.

قال: لا والله لا يكون أبوه حياً.

قال أبو طالب: إنه ابن أخي.

قال: فما فعل أبوه؟.

قال: مات.

قال: صدقت.

قال: فارجع بابن أخيك إلي بلادك واحذر عليه اليهود، فو الله لئن رأته وعرفوا منه الذي عرفت ليبغينه شراً.

فخرج أبو طالب عليه السلام فرده إلي مكة().

وفي (الخرائج): إن أبا طالب عليه السلام سافر بمحمد صلي الله عليه و اله، فقال: فلما كنا نسير في الشمس تسير الغمامة بسيرنا وتقف بوقوفنا. فنزلنا يوماً علي راهب بأطراف الشام في صومعة يقال له: بحيرا الراهب، فلما قربنا منه نظر إلي الغمامة تسير بسيرنا علي رؤوسنا. فقال: في هذه القافلة نبي مرسل، فنزل من صومعته فأضافنا، وكشف عن كتفيه صلي الله عليه و اله فنظر إلي الشامة بين كتفيه فبكي. وقال: يا أبا طالب، لم يجب أن تخرجه معك من مكة وبعد إذ أخرجته فاحتفظ به واحذر عليه اليهود، فله شأن عظيم وليتني أدركه فأكون أول مجيب لدعوته().

قال أبو طالب عليه السلام في شعره():

أ لم ترني من بعد هم هممته

بفرقة خير الوالدين كرام

بأحمد

لما أن شددت مطيتي

برحل وقد ودعته بسلام

بكي حزناً والعيس قد قلصت بنا

وناوش بالكفين فضل زمام

ذكرت أباه ثم رقرقت عبرة

تفيض علي الخدين ذات سجام

وقلت له: رح راشداً في عمومة

مواسين في البأساء غير لئام

فلما هبطنا أرض بصري تشرفوا

لنا فوق دور ينظرون جسام

وجاء بحيرا عند ذلك حاسراً

لنا بشراب طيب وطعام

فقال: اجمعوا أصحابكم لطعامنا

كثير عليه اليوم غير حرام

فلما رآه مقبلاً نحو داره

يوقيه حر الشمس ظل غمام

حنا رأسه شبه السجود وضمه

إلي نحره والصدر أي ضمام

وأقبل رهط يطلبون الذي رأي

بحيرا من الأعلام وسط خيام

فذلك من إعلامه وبيانه

وليس نهار واضح كظلام

وقال عليه السلام في ذلك:

وما برحوا حتي رأوا من محمد

ج أحاديث تجلو غم كل فؤاد

8 الاستسقاء برسول الله صلي الله عليه و اله

قحط أهل مكة قحطاً شديداً، فاستسقي أبو طالب عليه السلام برسول الله صلي الله عليه و اله وهو صغير فأمطرت السماء ورفع عنهم القحط.

روي: أنه عندما أجدبت الأنواء، وأخلقت العواء، وإذا قريش حلق قد ارتفعت لهم ضوضاء. فقائل يقول: استجيروا باللات والعزي، وقائل يقول: بل استجيروا بمناة الثالثة الأخري!.

فقام رجل من جملتهم يقال له: ورقة بن نوفل عم خديجة بنت خويلد، فقال: إني نوفلي، بكم بقية إبراهيم وسلالة إسماعيل عليهما السلام؟.

فقالوا: كأنك عنيت أبا طالب عليه السلام.

قال: هو ذاك.

فقاموا إليه بأجمعهم، فقالوا: يا أبا طالب، قد أقحط الواد وأجدبت العباد، فقم واستسق لنا.

فقال: رويدكم دلوك الشمس، وهبوط الريح.

فلما زاغت الشمس أو كادت، وإذا أبو طالب قد خرج وحوله أغيلمة من بني عبد المطلب، وفي وسطهم غلام أيفع منهم كأنه شمس ضحي تجلت عن غمامة قتماء، فجاء حتي أسند ظهره إلي الكعبة فاستجار ولاذ بإصبعه وبصبصت الأغيلمة حوله وما في السماء قزعة، فأقبل السحاب من هاهنا وهاهنا حتي لت ولف، وأسحم وأقتم، وأرعد وأودق، وانفجر به الوادي وافعوعم.

وبذلك

قال أبو طالب عليه السلام يمدح النبي صلي الله عليه و اله:

وأبيض يستسقي الغمام بوجهه

ثمال اليتامي عصمة للأرامل

تطوف به الهلاك من آل هاشم

فهم عنده في نعمة وفواضل

وميزان صدق لا يخس شعيرة

ووزان حق وزنه غير عائل()

وعن إسحاق بن جعفر، عن أبيه عليه السلام، قال: قيل له:

إنهم يزعمون أن أبا طالب كان كافراً!

فقال عليه السلام: كذبوا، كيف يكون كافراً وهو يقول:

ألم تعلموا أنا وجدنا محمداً

نبياً كموسي خط في أول الكتب

وفي حديث آخر: كيف يكون أبو طالب عليه السلام كافراً وهو يقول:

لقد علموا أن ابننا لا مكذب

لدينا ولا يعبأ بقول الأباطل

وأبيض يستسقي الغمام بوجهه

ثمال اليتامي عصمة للأرامل ()

هذا وبعد بعثة النبي صلي الله عليه و اله بسنوات وفي المدينة المنورة، جاء أعرابي إلي النبي صلي الله عليه و اله، فقال: والله يا رسول الله لقد أتيناك وما لنا بعير يئط، ولا غنم يغط، ثم أنشأ يقول:

أتيناك يا خير البرية كلها

لترحمنا مما لقينا من الأزل

أتيناك والعذراء يدمي لبانها

وقد شغلت أم الصبي عن الطفل

وألقي بكفيه الفتي استكانة

من الجوع ضعفاً ما يمر وما يحلي

ولا شيء مما يأكل الناس عندنا

سوي الحنظل العامي والعلهز الفسل

وليس لنا إلا إليك فرارنا

وأين فرار الناس إلا إلي الرسل

فقال رسول الله صلي الله عليه و اله لأصحابه: إن هذا الأعرابي يشكو قلة المطر وقحطاً شديداً. ثم قام صلي الله عليه و اله يجر رداءه حتي صعد المنبر فحمد الله وأثني عليه، وكان مما حمد ربه أن قال:

الحمد لله الذي علا في السماء فكان عالياً، وفي الأرض قريباً دانياً، أقرب إلينا من حبل الوريد ورفع يديه إلي السماء وقال: اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً، مريئاً مريعاً، غدقاً طبقاً، عاجلاً غير رائث، نافعاً غير ضائر، تملأ به الضرع، وتنبت به الزرع،

وتحيي به الأرض بعد موتها.

فما رد صلي الله عليه و اله يديه إلي نحره حتي أحدق السحاب بالمدينة كالإكليل، والتقت السماء بأردافها، وجاء أهل البطاح يضجون: يا رسول الله، الغرق الغرق.

فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: اللهم حوالينا ولا علينا، فانجاب السحاب عن السماء، فضحك رسول الله صلي الله عليه و اله وقال: لله در أبي طالب لو كان حياً لقرت عيناه، من ينشدنا قوله.

فقام علي بن أبي طالب عليه السلام فقال: كأنك أردت يا رسول الله قوله:

وأبيض يستسقي الغمام بوجهه

ربيع اليتامي عصمة للأرامل

يلوذ به الهلاك من آل هاشم

فهم عنده في نعمة وفواضل

كذبتم وبيت الله نبزي محمداً

ولما نماصع دونه ونقاتل

ونسلمه حتي نصرع حوله

ونذهل عن أبنائنا والحلائل

فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: أجل ().

9 حلف الفضول

المعاهدات والتحالفات الإنسانية محترمة في الإسلام، وقد شهد رسول الله صلي الله عليه و اله حلف الفضول وهو صغير وذلك في دار ابن جدعان.

وكان سببه أن رجلاً من اليمن قدم مكة بمتاع فاشتراه العاص بن وائل السهمي ومطله بالثمن حتي أتعبه.

فقام الرجل بالحِجْر وناشد قريشاً ظلامته، فاجتمع بنو هاشم وبنو أسد بن عبد العزي وبنو زهرة وبنو تميم في دار ابن جدعان فتحالفوا علي نصرة المظلوم، وغمسوا أيديهم في ماء زمزم بعد أن غسلوا به أركان البيت: أن ينصروا كل مظلوم بمكة ويردوا عليه ظلامته، ويأخذوا علي يد الظالم، وينهوا عن كل منكر.

فسمي (حلف الفضول) لفضله وفضل المتحالفين، وقد ذكره رسول الله صلي الله عليه و اله فقال: شهدته وما أحب أن لي به حمر النعم ولا يزيده الإسلام إلاّ

شدة ().

وحلف الفضول هو أشرف حلف كان في العرب كلها، وأكرم عقد عقدته قريش في قديمها وحديثها قبل الإسلام.

قال

النبي صلي الله عليه و اله: لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفاً لو دعيت إلي مثله في الإسلام لأجبت ().

10 الزواج المبارك

خرج رسول الله صلي الله عليه و اله بطلب من خديجة عليها السلام إلي الشام في تجارة لها، وكان عمره الشريف خمساً وعشرين سنة، وقد أمرت خديجة غلامها ميسرة أن يكون في خدمة النبي صلي الله عليه و اله. وأرادت خديجة من هذه السفرة أن تتعرف أكثر علي محمد بن عبد الله صلي الله عليه و اله.

إن خديجة عليها السلام كانت مؤمنة بالله تعالي وذات شرف عظيم ومال كبير، وكانت تستأجر الناس في تجارتها، وكانت تعلم بأنها ستتزوج من نبي آخر الزمان حيث أخبرها بذلك بعض أولياء الله، ولذلك لم تقبل بأي شخص تقدم لخطبتها من أشراف قريش وغيرهم، فبقيت بكراً إلي أن تزوجها رسول الله صلي الله عليه و اله.

نعم، طلبت خديجة من رسول الله صلي الله عليه و اله وبكل احترام أن يشرّف الركب بحضوره ويسافر إلي الشام بصحبة مجموعة ممن عينتهم خديجة لخدمته، لا أن يكون أجيراً لها.

فخرج رسول الله صلي الله عليه و اله مع ميسرة في ركب خديجة عليها السلام، ولما رجع الركب رجعوا بربح كبير، وذلك ببركة رسول الله صلي الله عليه و اله. ونقل ميسرة لخديجة تلك الكرامات والمعاجز الكثيرة التي رآها من محمد صلي الله عليه و اله، فعرفت خديجة عليها السلام بأن محمداً صلي الله عليه و اله هو خاتم النبيين التي بُشرت من قبلُ بزواجه منها، فأرسلت إلي أعمام النبي صلي الله عليه و اله بأن يقدموا لخطبتها لرسول الله صلي الله عليه و اله، وكان ذلك بعد قدوم النبي صلي الله

عليه و اله من الشام بشهرين وأيام. وكان عمر خديجة أربعين سنة، وقيل: أقل، ورسول الله صلي الله عليه و اله في الخامس والعشرين، فتزوجها رسول الله صلي الله عليه و اله واحتفلت الملائكة بزواجهما في السماوات، وقد أرجعها الله شابة كما أرجع زليخا شابة عندما تزوجها يوسف عليه السلام بعد أن أصبح ملكا.

قال الشيخ المفيد رحمة الله عليه: كان زواجه منها في العاشر من ربيع الأول، وخديجة بنت خويلد أم المؤمنين عليها السلام لها أربعون سنة وله صلي الله عليه و اله خمس وعشرون سنة، ويستحب صيامه شكراً لله تعالي علي توفيقه بين رسوله والصالحة الرضية المرضية النقية ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: لما أراد رسول الله صلي الله عليه و اله أن يتزوج خديجة بنت خويلد، أقبل أبو طالب عليه السلام في أهل بيته ومعه نفر من قريش حتي دخل علي ورقة بن نوفل عم خديجة، فابتدأ أبو طالب عليه السلام بالكلام فقال: الحمد لرب هذا البيت الذي جعلنا من زرع إبراهيم وذرية إسماعيل عليهما السلام، وأنزلنا حرماً آمناً، وجعلنا الحكّام علي الناس، وبارك لنا في بلدنا الذي نحن فيه، ثم إن ابن أخي هذا يعني رسول الله صلي الله عليه و اله ممن لا يوزن برجل من قريش إلاّ رجح به، ولايقاس به رجل إلاّ عظم عنه، ولا عدل له في الخلق، وإن كان مقلاً في المال فإن المال رفد جار، وظل زائل، وله في خديجة عليها السلام رغبة ولها فيه رغبة، وقد جئناك لنخطبها إليك برضاها وأمرها، والمهر عليَّ في مالي الذي سألتموه عاجله وآجله، وله وربّ هذا البيت حظ عظيم، ودين شائع، ورأي كامل.

ثم سكت أبو طالب عليه

السلام وتكلّم عمها، وتلجلج وقصر عن جواب أبي طالب، وأدركه القطع والبهر، وكان رجلاً من القسيسين.

فقالت خديجة عليها السلام مبتدئة: يا عماه، إنك وإن كنت أولي بنفسي مني في الشهود فلست أولي بي من نفسي، قد زوجتك يا محمد نفسي والمهر عليَّ في مالي، فأمر عمك فلينحر ناقة فليولم بها وادخل علي أهلك.

قال أبو طالب: اشهدوا عليها بقبولها محمداً صلي الله عليه و اله وضمانها المهر في مالها.

فقال بعض قريش: يا عجباه، المهر علي النساء للرجال.

فغضب أبو طالب عليه السلام غضباً شديداً وقام علي قدميه، وكان ممن يهابه الرجال ويكره غضبه. فقال: إذا كانوا مثل ابن أخي هذا طلبت الرجال بأغلي الأثمان وأعظم المهر، وإذا كانوا أمثالكم لم يزوجوا إلا بالمهر الغالي.

ونحر أبو طالب عليه السلام ناقة ودخل رسول الله صلي الله عليه و اله بأهله ().

إن خديجة عليها السلام كانت أفضل امرأة تزوجها رسول الله صلي الله عليه و اله، علماً بأنه

لم يتزوج عليها في حياتها أبداً. ويكفي في فضل خديجة عليها السلام أن جبرئيل عليه السلام كان يقرؤها سلام الله عزوجل، روي: أن جبرئيل عليه السلام أتي النبي صلي الله عليه و اله فسأل عن خديجة فلم يجدها، فقال: إذا جاءت فأخبرها أن ربها يقرئها السلام ().

وقد وهبت خديجة عليها السلام جميع ما تملك من الأموال الكثيرة، لرسول الله صلي الله عليه و اله ليستعين بها في نشر الإسلام وحماية المسلمين، حتي ورد: (ما قام الإسلام إلاّ بمال خديجة، وسيف علي بن أبي طالب، وحماية أبي طالب)؛ ولذلك كان رسول الله صلي الله عليه و اله يري لها المكانة العظمي في حياتها وبعد وفاتها، وكان يفضلها علي جميع زوجاته. عن عائشة قالت: (ما

غرت للنبي علي امرأة من نسائه ما غرت علي خديجة لكثرة ذكره إياها وما رأيتها قط)().

وروت عن النبي صلي الله عليه و اله أنه قال: كانت عليها السلام فاضلة وكانت عاقلة إلي قوله: آمنَتْ بي إذ كفر بي الناس، وصدّقَتْني إذ كذّبني الناس، وواسَتْني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله ولدها إذ حرمني أولاد النساء ().

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: أفضل نساء الجنة أربع،خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد صلي الله عليه و اله، ومريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون ().

11 الحجر الأسود

خافت قريش علي الكعبة من الهدم، وذلك لما حصل فيها من التشققات علي أثر السيل، فقاموا بتجديد بنائها من أطهر أموالهم، فلما بلغوا موضع الحجر الأسود، اختلفوا فيما بينهم، فمن هو الذي يضع الحجر الأسود في مكانه، وينال شرف ذلك؟ لأنهم كانوا يعرفون شرف الحجر الأسود، وأنه نزل من الجنة(). فكل قبيلة أرادت ذلك لنفسها، حتي كادت أن تكون فتنة عظيمة، ثم رضوا بحكم رسول الله صلي الله عليه و اله وكان عمره آنذاك خمساً وثلاثين سنة ولم يبعث للنبوة بعدُ، فحكم صلي الله عليه و اله بأن يوضع الحجر في ثوب ويحمل كل القبائل أطرافه، ثم أخذه من الثوب ووضعه في مكانه.

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن قريشاً في الجاهلية هدموا البيت، فلما أرادوا بناءه حيل بينهم وبينه، وألقي في روعهم الرعب حتي قال قائل منهم: ليأتي كل رجل منكم بأطيب ماله، ولا تأتوا بمال اكتسبتموه من قطيعة رحم أو حرام. ففعلوا فخلي بينهم وبين بنائه فبنوه حتي انتهوا إلي موضع الحجر الأسود، فتشاجروا فيه أيهم يضع الحجر الأسود في موضعه؟ حتي كاد أن يكون بينهم

شر، فحكموا أول من يدخل من باب المسجد، فدخل رسول الله صلي الله عليه و اله، فلما أتاهم أمر بثوب فبسط ثم وضع الحجر في وسطه ثم أخذت القبائل بجوانب الثوب فرفعوه، ثم تناوله صلي الله عليه و اله فوضعه في موضعه فخصه الله به (). وفي الحديث: أنزل الله الحجر الأسود وكان أشد بياضاً من اللبن وأضوأ من الشمس، وإنما اسود لأن المشركين تمسحوا به فمن نجس المشركين اسود الحجر ().

12 غار حراء

إن النبي صلي الله عليه و اله كان يتعبد قبل البعثة علي دين الحنيفية ولم يشرك بالله طرفة عين.

روي عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: فنشأ رسول الله صلي الله عليه و اله في حجر أبي طالب عليه السلام، فبينا هو غلام يجيء بين الصفا و المروة إذ نظر إليه رجل من أهل الكتاب.

فقال: ما اسمك؟.

قال: اسمي محمد.

قال: ابن من؟.

قال: ابن عبد الله.

قال: ابن من؟.

قال: ابن عبد المطلب.

قال: فما اسم هذه؟، وأشار إلي السماء.

قال: السماء.

قال: فما اسم هذه؟، وأشار إلي الأرض.

قال: الأرض.

قال: فمن ربهما؟.

قال: الله.

قال: فهل لهما رب غير الله؟.

قال: لا ().

وكان صلي الله عليه و اله يتعبد في غار حراء ويخرج كل يوم إليه، وربما خرج إلي حراء شهراً كاملا يتنسك فيه، ثم لم يدخل بيته حتي يطوف بالكعبة.

وربما أخرج معه علي بن أبي طالب عليه السلام فيعبدان الله عزوجل في الغار.

وفي الحديث: أنه صلي الله عليه و اله كان يجاور في حراء من كل سنة شهراً، وكان يطعم في ذلك الشهر من جاءه من المساكين، فإذا قضي جواره من حراء كان أول ما يبدأ به إذا انصرف أن يأتي باب الكعبة قبل أن يدخل بيته، فيطوف بها سبعاً أو ما

شاء الله من ذلك، ثم يرجع إلي بيته، حتي جاءت السنة التي أكرمه الله فيها بالرسالة، فجاور في حراء شهر رمضان ومعه أهله خديجة وعلي بن أبي طالب وخادم لهم، فجاءه جبريل عليه السلام بالرسالة ().

13 المبعث الشريف

بُعث رسول الله صلي الله عليه و اله بالنبوة في السابع والعشرين من شهر رجب، وكان عمره الشريف أربعين سنة. حيث نزل عليه جبرائيل عليه السلام وهو في غار حراء، فقال له: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ عليهم السلام خَلَقَ الإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ عليهم السلام اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ عليهم السلام الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عليهم السلام عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ().

قال الإمام العسكري عليه السلام: إن رسول الله صلي الله عليه و اله لما ترك التجارة إلي الشام وتصدّق بكل ما رزقه الله تعالي من تلك التجارات، كان يغدو كل يوم إلي حراء يصعده وينظر من قلله إلي آثار رحمة الله، وإلي أنواع عجائب رحمته وبدائع حكمته، وينظر إلي أكناف السماء وأقطار الأرض والبحار والمفاوز والفيافي، فيعتبر بتلك الآثار ويتذكر بتلك الآيات ويعبد الله حق عبادته، فلما استكمل أربعين سنة ونظر الله عزوجل إلي قلبه فوجده أفضل القلوب، وأجلها وأطوعها، وأخشعها وأخضعها، أذن لأبواب السماء ففتحت ومحمد صلي الله عليه و اله ينظر إليها، وأذن للملائكة فنزلوا ومحمد صلي الله عليه و اله ينظر إليهم، وأمر بالرحمة فأنزلت عليه من لدن ساق العرش إلي رأس محمد صلي الله عليه و اله وغمرته، ونظر إلي جبرئيل الروح الأمين المطوق بالنور طاووس الملائكة هبط إليه وأخذ بضبعه وهزه، وقال: يا محمد اقرأ.

قال: وما أقرأ؟.

قال: يا محمد ?اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ عليهم السلام خَلَقَ الإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ عليهم السلام اقْرَأْ وَرَبُّكَ

الأَكْرَمُ عليهم السلام الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عليهم السلام عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ?()، ثم أوحي إليه ما أوحي إليه ربه عزوجل، ثم صعد إلي العلو ونزل محمد صلي الله عليه و اله من الجبل وقد غشيه من تعظيم جلال الله وورد عليه من كبير شأنه ما ركبه به الحمي والنافض..

يقول: وقد اشتد عليه ما يخافه من تكذيب قريش في خبره، ونسبتهم إياه إلي الجنون، وأنه يعتريه شياطين، وكان من أول أمره أعقل خليقة الله وأكرم براياه، وأبغض الأشياء إليه الشيطان، وأفعال المجانين وأقوالهم، فأراد الله عزوجل أن يشرح صدره ويشجع قلبه، فأنطق الجبال والصخور والمدر، وكلما وصل إلي شيء منها ناداه:

السلام عليك يا محمد، السلام عليك يا ولي الله، السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا حبيب الله، أبشر فإن الله عزوجل قد فضلك وجملك وزينك وأكرمك فوق الخلائق أجمعين من الأولين والآخرين، لا يحزنك قول قريش: إنك مجنون وعن الدين مفتون، فإن الفاضل من فضله رب العالمين، والكريم من كرمه خالق الخلق أجمعين، فلا يضيقنّ صدرك من تكذيب قريش وعتاة العرب لك، فسوف يبلغك ربك أقصي منتهي الكرامات، ويرفعك إلي أرفع الدرجات، وسوف ينعم ويفرح أولياءك بوصيك علي بن أبي طالب عليه السلام وسوف يبث علومك في العباد والبلاد بمفتاحك وباب مدينة حكمتك علي بن أبي طالب عليه السلام، وسوف يقر عينك ببنتك فاطمة عليها السلام، وسوف يخرج منها ومن علي: الحسن والحسين عليهما السلام سيدي شباب أهل الجنة، وسوف ينشر في البلاد دينك، وسوف يعظم أجور المحبين لك ولأخيك، وسوف يضع في يدك لواء الحمد فتضعه في يد أخيك علي عليه السلام فيكون تحته كل نبي وصديق وشهيد، يكون قائدهم أجمعين إلي

جنات النعيم ().

كانت بعثة النبي صلي الله عليه و اله بعد فترة من الرسل، وبعد ما أشرف الناس علي الهلاك لكثرة الخرافات وشدة الجاهلية، فقام النبي صلي الله عليه و اله برسالته ودعا العالم بأجمعه إلي التوحيد والإيمان بالله عزوجل، وترك عبادة الأصنام والأوثان التي لا تضر ولا تنفع، ودعي إلي الفضائل ومكارم الأخلاق، ونهي عن الرذائل وقباح الصفات، ودعي إلي السلم ونبذ العنف، ودعي إلي حب الآخرين وقضاء حوائجهم، ودعي إلي الكرامة والأخلاق بعد ما فشي فيهم القتل والسرقة والزنا وارتكاب الفواحش، وبعد ما كانوا يأخذون الربا ويشربون الخمر، ويطوفون بالبيت عراة رجالاً ونساءً.

قالت الصديقة فاطمة عليها السلام في خطبتها: وكنتم علي شفا حفرة من النار، مذقة الشارب، ونهزة الطامع، وقبسة العجلان، وموطئ الأقدام، تشربون الطرق، وتقتاتون القدّ، أذلة خاسئين، تخافون أن يتخطفكم الناس من حولكم، فأنقذكم الله تبارك وتعالي بمحمد صلي الله عليه و اله ().

وقالت عليها السلام: فرأي الأمم فرقاً في أديانها، عكفاً علي نيرانها، عابدة لأوثانها، منكرة لله مع عرفانها، فأنار الله بأبي محمد صلي الله عليه و اله ظُلَمها، وكشف عن القلوب بُهَمها، وجلي عن الأبصار غممها، وقام في الناس بالهداية، فأنقذهم من الغواية، وبصرهم من العماية، وهداهم إلي الدين القويم، ودعاهم إلي الطريق المستقيم ().

14 القرآن الكريم

جاء رسول الله صلي الله عليه و اله بالقرآن الكريم من الله عزوجل دستورا للحياة، وهو معجزته الخالدة والكتاب السماوي العظيم الذي لم يطرأ عليه التحريف أبداً، لازيادة ولا نقيصة، وَإِنّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ عليهم السلام لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ().

فهذا القرآن الذي هو اليوم بأيدينا وأيدي المسلمين جميعاً هو القرآن الذي نزل علي رسول الله

صلي الله عليه و اله من دون زيادة ولا نقصان، وقد جمعه رسول الله صلي الله عليه و اله بهذا الشكل في ترتيب آياته وسوره بأمر من الله عزوجل، وذلك في حياته صلي الله عليه و اله المباركة، ولم يتركه ليجمع بعدئذ كما يتصوره البعض.

أما بعض الروايات التي تقول بأن أمير المؤمنين علياً عليه السلام هو الذي جمع القرآن فالمراد جمع تفسيره وتأويله وعلومه لا أصل القرآن فإنه جمع في حياة النبي صلي الله عليه و اله.

وقد تحدي القرآن جميع البلغاء والفصحاء بالمعارضة، وأن يأتوا بالمماثلة ولو في عشر سوره أو سورة منه أو بعض السورة فقط، ولكنهم عجزوا ولم يستطيعوا معارضته، وكانوا أفصح العرب وإليهم تنتهي الفصاحة والبلاغة.

والقرآن الكريم يحتوي علي أحكام الدين، وأخبار الماضين، ومكارم الأخلاق، والأمر بالعدل، والنهي عن الظلم، وفيه تبيان كل شيء، ما يزال يُتلي علي كر الدهور ومر الأيام وهو غض طري يحير ببيانه العقول، ولا تمله الطباع مهما تكررت تلاوته وتقادم عهده.

وقد خلف رسول الله صلي الله عليه و اله القرآن أمانة بأيدي المسلمين مضافاً إلي العترة الطاهرة عليهم السلام، حيث قال في حديث الثقلين المتواتر بين الفريقين: إني تارك فيكم الثقلين، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتي يردا عليَّ الحوض ().

ولكن المسلمين تركوا القرآن والعترة، فحصل ما حصل بهم من التأخر والويلات ومختلف المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها، كما هو المشاهد اليوم.

عن السكوني، عن أبي عبد الله، عن آبائه عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلي الله عليه و اله: أيها الناس، إنكم في دار هدنة وأنتم علي ظهر سفر، والسير بكم سريع، وقد رأيتم الليل والنهار

والشمس والقمر يبليان كل جديد، ويقربان كل بعيد، ويأتيان بكل موعود، فأعدوا الجهاز لبعد المجاز قال فقام المقداد بن الأسود فقال: يا رسول الله، وما دار الهدنة؟. قال: دار بلاغ وانقطاع، فإذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم فعليكم بالقرآن؛ فإنه شافع مُشفّع، وماحل مصدق، ومن جعله أمامه قاده إلي الجنة، ومن جعله خلفه ساقه إلي النار، وهو الدليل يدل علي خير سبيل، وهو كتاب فيه تفصيل وبيان وتحصيل، وهو الفصل ليس بالهزل، وله ظهر وبطن، فظاهره حكم وباطنه علم، ظاهره أنيق وباطنه عميق، له نجوم وعلي نجومه نجوم، لا تحصي عجائبه، ولا تبلي غرائبه، فيه مصابيح الهدي ومنار الحكمة، ودليل علي المعرفة لمن عرف الصفة، فليجل جال بصره، وليبلغ الصفة نظره، ينج من عطب، ويتخلص من نشب؛ فإن التفكر حياة قلب البصير، كما يمشي المستنير في الظلمات بالنور، فعليكم بحسن التخلص، وقلة التربص ().

وعن عقبة بن عمار، قال: قال رسول الله صلي الله عليه و اله: لا يعذب الله قلباً وعي القرآن (). وعن موسي بن إسماعيل بن موسي بن جعفر عليه السلام عن أبيه عليه السلام عن آبائه عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلي الله عليه و اله: عدد درج الجنة عدد آي القرآن، فإذا دخل صاحب القرآن الجنة قيل له: ارقأ واقرأ لكل آية درجة، فلا تكون فوق حافظ القرآن درجة (). وعن النعمان بن سعد عن علي عليه السلام أن النبي صلي الله عليه و اله قال: خياركم من تعلّم القرآن وعلّمه ().

وعن أبي الجارود، قال: قال أبو جعفر عليه السلام: قال رسول الله صلي الله عليه و اله: أنا أول وافد علي العزيز الجبار يوم القيامة وكتابُه وأهلُ بيتي،

ثم أمتي، ثم أسألهم ما فعلتم بكتاب الله وبأهل بيتي ().

وعن معاذ، قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه و اله يقول: ما من رجل علّم ولده القرآن إلا توّج الله أبويه يوم القيامة تاج الملك، وكُسيا حلتين لم ير الناس

مثلهما (). وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: من أعطاه الله القرآن فرأي أن أحداً أعطي شيئاً أفضل مما أعطي فقد صغّر عظيماً وعظّم صغيراً ().

وقال صلي الله عليه و اله: أهل القرآن هم أهل الله وخاصته ().

وعن السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه و اله: إن أهل القرآن في أعلي درجة من الآدميين ما خلا النبيين والمرسلين، فلا تستضعفوا أهل القرآن حقوقهم؛ فإن لهم من الله العزيز الجبار لمكاناً علياً ().

15 هجرة الحبشة

عند ما اشتد أذي قريش للمسلمين أمرهم رسول الله صلي الله عليه و اله بالهجرة إلي الحبشة.

ذكر القمي رحمة الله عليه في تفسيره: وأما قوله: لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَاري ()، فإنه كان سبب نزولها أنه لما اشتدت قريش في أذي رسول الله صلي الله عليه و اله وأصحابه الذين آمنوا به بمكة قبل الهجرة، أمرهم رسول الله صلي الله عليه و اله أن يخرجوا إلي الحبشة، وأمر جعفر بن أبي طالب عليه السلام أن يخرج معهم. فخرج جعفر ومعه سبعون رجلاً من المسلمين حتي ركبوا البحر.

فلما بلغ قريش خروجهم بعثوا عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد إلي النجاشي ليردوهم إليهم، وكان عمرو وعمارة متعاديين.

فقالت قريش: كيف نبعث رجلين متعاديين؟.

فبرئت بنو مخزوم من جناية عمارة، وبرئت بنو سهم من جناية

عمرو بن العاص!.

فخرج عمارة وكان حسن الوجه شاباً مترفاً فأخرج عمرو بن العاص أهله معه، فلما ركبوا السفينة شربوا الخمر.

فقال عمارة لعمرو بن العاص: قل لأهلك تقبلني.

فقال عمرو: أيجوز هذا، سبحان الله!.

فسكت عمارة، فلما انتشا عمرو وكان علي صدر السفينة دفعه عمارة وألقاه في البحر، فتشبث عمرو بصدر السفينة وأدركوه فأخرجوه..

فوردوا علي النجاشي وقد كانوا حملوا إليه هدايا، فقبلها منهم.

فقال عمرو بن العاص: أيها الملك، إن قوماً منا خالفونا في ديننا وسبوا آلهتنا وصاروا إليك فردهم إلينا.

فبعث النجاشي إلي جعفر، فجاءوا به.

فقال: يا جعفر، ما يقول هؤلاء؟.

فقال جعفر: أيها الملك، وما يقولون؟.

قال يسألون: أن أردّكم إليهم.

قال: أيها الملك، سلهم أعبيد نحن لهم؟.

فقال عمرو: لا بل أحرار كرام.

قال: فسلهم أ لهم علينا ديون يطالبوننا بها؟.

قال: لا ما لنا عليكم ديون.

قال: فلكم في أعناقنا دماء تطالبوننا بها؟.

قال عمرو: لا.

قال: فما تريدون منا، آذيتمونا فخرجنا من بلادكم.

فقال عمرو بن العاص: أيها الملك، خالفونا في ديننا، وسبوا آلهتنا، وأفسدوا شبابنا، وفرقوا جماعتنا، فردّهم إلينا لنجمع أمرنا.

فقال جعفر: نعم أيها الملك، خالفناهم بأنه بعث الله فينا نبياً أمر بخلع الأنداد،وترك الاستقسام بالأزلام،وأمرنا بالصلاة والزكاة،وحرم الظلم والجور وسفك الدماء بغير حقها والزنا والربا والميتة والدم، وأمرنا بالعدل والإحسان، وإيتاء ذي القربي، وينهي عن الفحشاء والمنكر والبغي.

فقال النجاشي: بهذا بعث الله عيسي ابن مريم عليه السلام.

ثم قال النجاشي: يا جعفر، هل تحفظ مما أنزل الله علي نبيك شيئاً؟.

قال: نعم.

فقرأ عليه سورة مريم عليها السلام فلما بلغ إلي قوله: وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنا ().

فلما سمع النجاشي بهذا بكي بكاءً شديداً، وقال: هذا والله هو الحق.

فقال عمرو بن العاص: أيها الملك، إن هذا مخالفنا فرده إلينا.

فرفع

النجاشي يده فضرب بها وجه عمرو، ثم قال: اسكت، والله يا هذا لئن ذكرته بسوء لأفقدنك نفسك.

فقام عمرو بن العاص من عنده والدماء تسيل علي وجهه وهو يقول: إن كان هذا كما تقول أيها الملك فإنا لا نتعرض له.

وكانت علي رأس النجاشي وصيفة له تذب عنه، فنظرت إلي عمارة بن الوليد وكان فتي جميلاً فأحبته، فلما رجع عمرو بن العاص إلي منزله قال لعمارة: لو راسلت جارية الملك. فراسلها فأجابته.

فقال عمرو: قل لها تبعث إليك من طيب الملك شيئاً.

فقال لها، فبعثت إليه، فأخذ عمرو من ذلك الطيب، وكان الذي فعل به عمارة في قلبه حين ألقاه في البحر، فأدخل الطيب علي النجاشي.

فقال: أيها الملك، إن حرمة الملك عندنا وطاعته علينا، وما يكرمنا إذا دخلنا بلاده ونأمن فيه أن لا نغشه ولا نريبه، وإن صاحبي هذا الذي معي قد أرسل إلي حرمتك وخدعها وبعثت إليه من طيبك.

ثم وضع الطيب بين يديه، فغضب النجاشي وهمّ بقتل عمارة، ثم قال: لايجوز قتله؛ فإنهم دخلوا بلادي فأمان لهم.

فدعا النجاشي السحرة، فقال لهم: اعملوا به شيئاً أشد عليه من القتل …

ورجع عمرو إلي قريش فأخبرهم أن جعفر في أرض الحبشة في أكرم كرامة.

فلم يزل جعفر بها حتي هادن رسول الله صلي الله عليه و اله قريشاً وصالحهم وفتح خيبر فوافي بجميع من معه، ووُلد لجعفر بالحبشة من أسماء بنت عميس: عبد الله بن جعفر، ووُلد للنجاشي ابن فسماه محمداً.

وبعث النجاشي إلي رسول الله صلي الله عليه و اله بمارية القبطية أم إبراهيم، وبعث إليه بثياب وطيب وفرس، وبعث ثلاثين رجلاً من القسيسين، فقال لهم: انظروا إلي كلامه، وإلي مقعده، ومشربه ومصلاه!.

فلما وافوا المدينة دعاهم رسول الله صلي الله عليه و

اله إلي الإسلام، وقرأ عليهم القرآن: إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَي ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَي وَالِدَتِكَ إلي قوله: فَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ ()، فلما سمعوا ذلك من رسول الله صلي الله عليه و اله بكوا وآمنوا ورجعوا إلي النجاشي، فأخبروه خبر رسول الله صلي الله عليه و اله وقرءوا عليه ما قرأ عليهم، فبكي النجاشي وبكي القسيسون وأسلم النجاشي ولم يظهر للحبشة إسلامه وخافهم علي نفسه، وخرج من بلاد الحبشة إلي النبي صلي الله عليه و اله فلما عبر البحر توفي، فأنزل الله علي رسوله صلي الله عليه و اله:

لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ إلي قوله وَذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ () ().

16 عام الحزن

عام الحزن هو السنة العاشرة من البعثة والثالثة قبل الهجرة، وهو العام الذي مات فيه أبو طالب عليه السلام حامي النبي صلي الله عليه و اله وماتت أم المؤمنين خديجة بنت خويلد عليها السلام، فتتابعت علي رسول الله صلي الله عليه و اله المصائب بعد ذلك،قال رسول الله صلي الله عليه و اله: ما زالت قريش قاعدة عني حتي مات أبو طالب ().

وقد سمي رسول الله صلي الله عليه و اله ذلك العام (عام الحزن) لشدة مصابه بهما ووجده عليهما. وكان بين موت أبي طالب عليه السلام وموت خديجة عليها السلام ثلاثة أيام.

قال ابن عباس: عارض رسول الله صلي الله عليه و اله جنازة أبي طالب. فقال: وصلتك رحم وجزاك الله خيراً يا عم.

وروي أنه لما مرضت خديجة عليها السلام مرضها الذي توفيت فيه، دخل عليها رسول الله صلي الله عليه و اله فقال لها: بالكره مني ما أري منك يا خديجة، وقد يجعل الله

في الكره خيراً كثيراً.

ودفن رسول الله صلي الله عليه و اله أبا طالب وخديجة عليهما السلام بالحجون في مكة المكرمة، ونزل رسول الله صلي الله عليه و اله قبرهما وترحم عليهما.

وروي عن عبد الله بن ثعلبة بن صغير، قال: لما توفي أبو طالب وخديجة وكان بينهما شهر وخمسة أيام اجتمعت علي رسول الله صلي الله عليه و اله مصيبتان، فلزم بيته وأقل الخروج، ونالت منه قريش ما لم تكن تنال ولا تطمع.

17 رحلة الطائف

لما توفي أبو طالب عليه السلام حامي النبي صلي الله عليه و اله خرج رسول الله صلي الله عليه و اله إلي الطائف وأقام فيه شهراً وكان معه زيد بن الحارث، ثم انصرف إلي مكة ومكث فيها سنة وستة أشهر.

عن محمد بن جبير، قال: لما توفي أبو طالب تناولت قريش من رسول الله صلي الله عليه و اله فخرج إلي الطائف ومعه زيد بن حارثة وذلك في ليال بقين من شوال سنة عشر من النبوة، فأقام بها عشرة أيام وقيل: شهراً، فآذوه ورموه بالحجارة، فانصرف إلي مكة، فلما نزل نخلة صرف الله إليه النفر من الجن.

وروي: أنه لما انصرف صلي الله عليه و اله من الطائف عمد إلي ظل حبلة من عنب فجلس فيه، وقال:

اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني علي الناس، أنت أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين، وأنت ربي، إلي من تكلني، إلي بعيد يتجهمني، أو إلي عدو ملكته أمري، إن لم يكن بك عليَّ غضب فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن ينزل بي غضبك، أو يحل عليَّ سخطك، لكن لك العُتبي حتي ترضي،

ولا حول ولا قوة إلا بك ().

وعن الزهري، قال: لما توفي أبو طالب عليه السلام اشتد البلاء علي رسول الله صلي الله عليه و اله فعمد لثقيف بالطائف رجاء أن يؤوه، فوجد ثلاثة نفر منهم هم سادة وهم: إخوة عبد ياليل، ومسعود، وحبيب بنو عمرو، فعرض عليهم نفسه.

فقال أحدهم: أنا أسرق ثياب الكعبة إن كان الله بعثك بشيء قط!.

وقال الآخر: أعجز الله أن يرسل غيرك!.

وقال الآخر: والله لا أكلمك بعد مجلسك هذا أبداً، ولئن كنت رسولاً كما تقول فلأنت أعظم خطراً من أن يرد عليك الكلام، وإن كنت تكذب علي الله فما ينبغي لي أن أكلمك بعد!.

وتهزءوا به وأفشوا في قومهم ما راجعوه به، فقعدوا له صفين علي طريقه، فلما مر رسول الله صلي الله عليه و اله بين صفيهم جعلوا لا يرفع رجليه ولا يضعهما إلا رضخوهما بالحجارة حتي أدموا رجليه، فخلص منهم وهما يسيلان دماً..

فعمد صلي الله عليه و اله فجاء إلي حائط من حيطانهم فاستظل في ظل نخلة منه، وهو مكروب موجع تسيل رجلاه دماً، فإذا في الحائط عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة، فلما رآهما كره مكانهما لما يعلم من عداوتهما لله ورسوله، فلما رأياه أرسلا إليه غلاماً لهما يدعي عداس معه عنب، وهو نصراني من أهل نينوي.

فلما جاءه قال له رسول الله صلي الله عليه و اله: من أي أرض أنت؟.

قال: من أهل نينوي.

قال: من مدينة العبد الصالح يونس بن متي عليه السلام.

فقال له عداس: وما يدريك من يونس بن متي؟!.

فقال صلي الله عليه و اله: أنا رسول الله، والله تعالي أخبرني خبر يونس بن متي.

فلما أخبره بما أوحي الله إليه من شأن يونس عليه السلام خر عداس ساجداً لله

ومعظما لرسول الله صلي الله عليه و اله، وجعل يقبّل قدميه وهما تسيلان الدماء، فلما بصر عتبة وشيبة ما يصنع غلامهما سكتا، فلما أتاهما قالا: ما شأنك سجدت لمحمد وقبلت قدميه ولم نرك فعلت ذلك بأحد منا؟.

قال: هذا رجل صالح أخبرني بشيء عرفته من شأن رسول بعثه الله إلينا يدعي يونس بن متي عليه السلام.

فضحكا وقالا: لا يفتننك عن نصرانيتك؛ فإنه رجل خداع.

فرجع رسول الله صلي الله عليه و اله إلي مكة حتي إذا كان بنخلة قام في جوف الليل يصلي، فمر به نفر من أهل نصيبين من اليمن فوجدوه يصلي صلاة الغداة ويتلو القرآن فاستمعوا له().

وعن ابن مسعود: لما دخل النبي صلي الله عليه و اله الطائف رأي عتبة وشيبة جالسين علي سرير، فقالا: هو يقوم قبلنا. فلما قرب النبي صلي الله عليه و اله منهما خر السرير ووقعا علي الأرض. فقالا: عجز سحرك عن أهل مكة فأتيت الطائف().

18 بيعة العقبة الأولي والثانية

كان النبي صلي الله عليه و اله يعرض نفسه علي قبائل العرب في الموسم، فلقي رهطاً من الخزرج قدموا من يثرب (المدينة) فقال: ألا تجلسون أحدثكم؟.

قالوا: بلي. فجلسوا إليه، فدعاهم إلي الله وتلا عليهم القرآن.

فقال بعضهم لبعض: يا قوم، تعلمون والله إنه النبي الذي كان يوعدكم به اليهود، فلا يسبقنكم إليه أحد. فأجابوه وقالوا له: إنا قد تركنا قومنا، ولا قوم بينهم من العداوة والشر مثل ما بينهم، وعسي أن يجمع الله بينهم بك، فتقدم عليهم وتدعوهم إلي أمرك.

وكانوا ستة نفر، فكانت بيعة العقبة الأولي بمني، فبايعه خمسة نفر من الخزرج وواحد من الأوس في خفية من قومهم.

فلما قدموا المدينة أخبروا قومهم بالخبر، فما دار حول إلاّ وفيها حديث رسول الله صلي الله عليه و

اله.. حتي إذا كان العام المقبل أتي الموسم من الأنصار اثنا عشر رجلاً، فلقوا النبي صلي الله عليه و اله فبايعوه وهي بيعة العقبة الثانية، ثم انصرفوا، وبعث رسول الله صلي الله عليه و اله معهم مصعب بن عمير يصلي بهم، وكان بينهم بالمدينة يسمي المقرئ، فلم يبق دار في المدينة إلاّ وفيها رجال ونساء مسلمون إلاّ دار أمية بن زيد وحطمة ووائل وواقف، فإنهم أسلموا بعد بدر وأحد والخندق().

ذكر القمي رحمة الله عليه في تفسيره: قوله: وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ()، إنها نزلت بمكة قبل الهجرة، وكان سبب نزولها أنه لما أظهر رسول الله صلي الله عليه و اله الدعوة بمكة قدمت عليه الأوس والخزرج. فقال لهم رسول الله صلي الله عليه و اله: تمنعوني وتكونون لي جاراً حتي أتلو عليكم كتاب ربي وثوابكم علي الله الجنة.

فقالوا: نعم خذ لربك ولنفسك ما شئت.

فقال لهم: موعدكم العقبة في الليلة الوسطي من ليالي التشريق.

فحجوا ورجعوا إلي مني، وكان فيهم ممن قد حج بشر كثير، فلما كان اليوم الثاني من أيام التشريق، قال لهم رسول الله صلي الله عليه و اله: إذا كان الليل فاحضروا دار عبد المطلب علي العقبة، ولا تنبهوا نائماً ولينسل واحد فواحد.

فجاء سبعون رجلا من الأوس والخزرج فدخلوا الدار، فقال لهم رسول الله صلي الله عليه و اله: تمنعوني وتجيروني حتي أتلو عليكم كتاب ربي وثوابكم علي الله الجنة.

فقال سعد بن زرارة، والبراء بن مغرور [معرور]، وعبد الله بن حزام: نعم يا رسول الله، اشترط لربك ولنفسك ما شئت.

فقال: أما ما أشترط لربي فأن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأشترط لنفسي

أن تمنعوني مما تمنعون أنفسكم، وتمنعوا أهلي مما تمنعون أهاليكم وأولادكم.

فقالوا: وما لنا علي ذلك؟.

فقال: الجنة في الآخرة، وتملكون العرب، وتدين لكم العجم في الدنيا.

فقالوا: قد رضينا.

فقال: أخرجوا إليَّ منكم اثني عشر نقيباً يكونون شهداء عليكم بذلك كما أخذ موسي عليه السلام من بني إسرائيل اثني عشر نقيباً.

فأشار إليهم جبرئيل، فقال: هذا نقيب، هذا نقيب، تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس.

فمن الخزرج: سعد بن زرارة، والبراء بن مغرور، وعبد الله بن حزام، وهو أبو جابر بن عبد الله، ورافع بن مالك، وسعد بن عبادة، والمنذر بن عمر،

وعبد الله بن رواحة، وسعد بن الربيع، وعبادة بن الصامت.

ومن الأوس: أبو الهشيم بن التيهان وهو من اليمن، وأسد بن حصين، وسعد بن خثيمة.

فلما اجتمعوا وبايعوا رسول الله صلي الله عليه و اله، صاح إبليس: يا معشر قريش والعرب، هذا محمد والصباة من أهل يثرب علي جمرة العقبة يبايعونه علي حربكم.

فأسمع أهل مني وهاجت قريش، فأقبلوا بالسلاح، وسمع رسول الله صلي الله عليه و اله النداء. فقال للأنصار: تفرقوا.

فقالوا: يا رسول الله، إن أمرتنا أن نميل عليهم بأسيافنا فعلنا.

فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: لم أؤمر بذلك ولم يأذن الله لي في محاربتهم.

قالوا: أفتخرج معنا؟.

قال: أنتظر أمر الله.

فجاءت قريش علي بكرة أبيها قد أخذوا السلاح، وخرج حمزة عليه السلام وأمير المؤمنين عليه السلام ومعهما السيوف فوقفا علي العقبة، فلما نظرت قريش إليهما. قالوا: ما هذا الذي اجتمعتم له؟.

فقال حمزة: ما هاهنا أحد، والله لا يجوز هذه العقبة أحد إلا ضربته

بسيفي.

فرجعوا إلي مكة، وقالوا: لا نأمن من أن يفسد أمرنا ويدخل واحد من مشايخ قريش في دين محمد صلي الله عليه و اله، الحديث().

19 الهجرة النبوية

اجتمع المشركون في دار

الندوة، ليتآمروا علي رسول الله صلي الله عليه و اله وذلك بعد بيعة العقبة، وكان لا يدخل دار الندوة إلاّ من قد أتي عليه أربعون سنة، فدخل أربعون رجلاً من مشايخ قريش، وجاء إبليس (لعنه الله) في صورة شيخ كبير، فقال له البواب: من أنت؟.

فقال: أنا شيخ من أهل نجد، لا يعدمكم مني رأي صائب، إني حيث بلغني اجتماعكم في أمر هذا الرجل فجئت لأشير عليكم.

فقال الرجل: ادخل.

فدخل إبليس.

فلما أخذوا مجلسهم. قال أبو جهل: يا معشر قريش، إنه لم يكن أحد من العرب أعز منا، نحن أهل الله تغدو إلينا العرب في السنة مرتين ويكرموننا، ونحن في حرم الله لا يطمع فينا طامع، فلم نزل كذلك حتي نشأ فينا محمد بن عبد الله فكنا نسميه الأمين لصلاحه وسكونه وصدق لهجته حتي إذا بلغ ما بلغ وأكرمناه ادعي أنه رسول الله صلي الله عليه و اله وأن أخبار السماء تأتيه، فسفه أحلامنا، وسب آلهتنا، وأفسد شبابنا، وفرق جماعتنا، وزعم أنه من مات من أسلافنا ففي النار، فلم يرد علينا شيء أعظم من هذا، وقد رأيت فيه رأياً.

قالوا: وما رأيت؟.

قال: رأيت أن ندسّ إليه رجلاً منا ليقتله، فإن طلبت بنو هاشم بدمه أعطيناهم عشر ديات.

فقال الخبيث: هذا رأي خبيث.

قالوا: وكيف ذلك؟.

قال: لأن قاتل محمد مقتول لا محالة، فمن ذا الذي يبذل نفسه للقتل منكم؛ فإنه إذا قُتل محمد تغضب بنو هاشم وحلفاؤهم من خزاعة، وأن بني هاشم لاترضي أن يمشي قاتل محمد علي الأرض فيقع بينكم الحروب في حرمكم وتتفانوا.

فقال آخر منهم: فعندي رأي آخر.

قال: وما هو؟.

قال: نثبته في بيت ونلقي إليه قوته حتي يأتي عليه ريب المنون، فيموت كما مات زهير والنابغة وإمرؤ القيس.

فقال إبليس: هذا

أخبث من الآخر.

قال: وكيف ذلك؟.

قال: لأن بني هاشم لا ترضي بذلك، فإذا جاء موسم من مواسم العرب استغاثوا بهم واجتمعوا عليكم فأخرجوه.

قال آخر منهم: لا ولكنا نخرجه من بلادنا ونتفرغ نحن لعبادة آلهتنا.

قال إبليس: هذا أخبث من الرأيين المتقدمين.

قالوا: وكيف ذاك؟.

قال: لأنكم تعمدون إلي أصبح الناس وجهاً، وأنطق الناس لساناً، وأفصحهم لهجة فتحملونه إلي وادي العرب فيخدعهم ويسحرهم بلسانه، فلا يفجأكم إلاّ وقد ملأها عليكم خيلاً ورجلاً.

فبقوا حائرين، ثم قالوا لإبليس: فما الرأي فيه يا شيخ؟.

قال: ما فيه إلاّ رأي واحد.

قالوا: وما هو؟.

قال: يجتمع من كل بطن من بطون قريش واحد ويكون معهم من بني هاشم رجل، فيأخذون سكينة أو حديدة أو سيفاً فيدخلون عليه فيضربونه كلهم ضربة واحدة حتي يتفرق دمه في قريش كلها، فلا يستطيع بنو هاشم أن يطلبوا بدمه وقد شاركوا فيه، فإن سألوكم أن تعطوا الدية فأعطوهم ثلاث ديات.

فقالوا: نعم وعشر ديات.

ثم قالوا: الرأي رأي الشيخ النجدي.

فاجتمعوا ودخل معهم في ذلك أبو لهب عم النبي صلي الله عليه و اله، ونزل جبرئيل عليه السلام علي رسول الله صلي الله عليه و اله وأخبره أن قريشاً قد اجتمعت في دار الندوة يدبرون عليك، وأنزل عليه في ذلك: وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (). واجتمعت قريش أن يدخلوا عليه ليلاً فيقتلوه، وخرجوا إلي المسجد يصفرون ويصفقون ويطوفون بالبيت، فأنزل الله: وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاءً وَتَصْدِيَة ()، فالمكاء التصفير، والتصدية صفق اليدين.

فلما أمسي رسول الله صلي الله عليه و اله جاءت قريش ليدخلوا عليه، فقال أبو لهب:

لا أدعكم أن تدخلوا عليه بالليل؛ فإن في الدار صبياناً ونساءً ولا نأمن أن

تقع بهم يد خاطئة، فنحرسه الليلة فإذا أصبحنا دخلنا عليه، فناموا حول حجرة رسول الله صلي الله عليه و اله.

وأمر رسول الله صلي الله عليه و اله أن يفرش له، ففرش له، فقال لعلي بن أبي طالب عليه السلام: أفدني بنفسك.

قال: نعم يا رسول الله.

قال: نم علي فراشي، والتحف ببردتي.

فنام علي عليه السلام علي فراش رسول الله صلي الله عليه و اله والتحف ببردته، وجاء جبرئيل فأخذ بيد رسول الله صلي الله عليه و اله فأخرجه علي قريش وهم نيام، وهو يقرأ عليهم:

وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ ()، وقال له جبرئيل: خذ علي طريق ثور، وهو جبل علي طريق مني له سنام كسنام الثور، فدخل الغار وكان من أمره ما كان.

فلما أصبحت قريش وأتوا إلي الحجرة وقصدوا الفراش، فوثب علي عليه السلام في وجوههم، فقال: ما شأنكم؟.

قالوا له: أين محمد؟.

قال: أجعلتموني عليه رقيباً، ألستم قلتم نخرجه من بلادنا فقد خرج

عنكم.

فأقبلوا يضربون أبا لهب ويقولون: أنت تخدعنا منذ الليلة.

فتفرقوا في الجبال، وكان فيهم رجل من خزاعة يقال له: أبو كرز يقفو الآثار، فقالوا له: يا أبا كرز، اليوم اليوم.

فوقف بهم علي باب حجرة رسول الله صلي الله عليه و اله، فقال: هذه قدم محمد، والله إنها لأخت القدم التي في المقام.

وكان أبو بكر استقبل رسول الله صلي الله عليه و اله فرده معه، فقال أبو كرز: وهذه قدم ابن أبي قحافة أو أبيه ثم قال وهاهنا عبر ابن أبي قحافة. فما زال بهم حتي أوقفهم علي باب الغار، ثم قال: ما جاوزا هذا المكان، إما أن يكونا صعدا إلي السماء أو دخلا تحت الأرض.

وبعث الله العنكبوت فنسجت علي باب

الغار، وجاء فارس من الملائكة حتي وقف علي باب الغار، ثم قال: ما في الغار واحد. فتفرقوا في الشعاب وصرفهم الله عن رسوله صلي الله عليه و اله ثم أذن لنبيه في الهجرة().

20 حروب النبي صلي الله عليه و اله

حروب النبي صلي الله عليه و اله كانت دفاعية بأجمعها، ولم تكن هذه الحروب إلاّ بعد هجرة رسول الله صلي الله عليه و اله إلي المدينة واستقراره فيها وتشكيله حكومةً إسلامية قوية، عند ذلك فرض الله علي المسلمين القتال الدفاعي لمن قاتلهم، دون من لم يقاتلهم، فقال تعالي: وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ ().

فكانت حرب بدر وأحد والخندق وغيرها، علي تفصيل ذكرناه في كتاب (ولأول مرة في تاريخ العالم) () وهنا نكتفي ببعض الكلام فيها.

غزوة بدر الكبري

جاء خبر رجوع قافلة المشركين من الشام وكان يترأسها أبو سفيان، فخرج رسول الله صلي الله عليه و اله إليها مع أصحابه. وكان خروجهم يوم السبت لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر رمضان. وخرج معه الأنصار، وكانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، فلما بلغ أبا سفيان مسيره صلي الله عليه و اله أحجم عن الاقتراب من بدر وأرسل شخصا بعشرة دنانير علي أن يأتي قريشاً بمكة فيستنفرهم ويخبرهم أن محمداً قد اعترض لعيرهم في أصحابه.

فنهض المشركون مسرعين في ألف مقاتل تقريبا، وحشدوا فيمن حولهم من العرب، ولم يتخلف من بطون قريش سوي عدي بن كعب. وخرجوا من ديارهم وقالوا: أيظن محمد وأصحابه أن نكون كعير ابن الحضرمي؟. فخرجوا سراعاً وأخرجوا معهم القيان يشربون الخمور ويضربون بالدفوف.

وفلت أبو سفيان بعير قريش، ولكن المشركين أصروا علي محاربة رسول الله صلي الله عليه و اله ووقعت الحرب وأنزل الله نصره للمسلمين علي يد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب

عليه السلام وانهزم جيش الأعداء.

غزوة أحد

غزوة (أُحُد) وقعت عند جبل مشهور قرب المدينة يسمي أُحُدا، وكان ذلك في شوال من العام الثالث للهجرة. فإنّ قريشاً لما رجعوا من بدر إلي مكة منعهم أبو سفيان من البكاء والنوح علي قتلاهم، ليبقوا علي حنقهم وغيظهم ويفكروا في الثأر لقتلاهم، وقال: الدهن والنساء عليّ حرام حتي أغزو محمداً. وبقوا يستعدون للحرب.

فلما استعدت قريش لحرب رسول الله صلي الله عليه و اله كتب العباس بن عبد المطلب وهو في مكة كتاباً يخبر رسول الله صلي الله عليه و اله بخبرهم، واستأجر رجلاً من بني غفار واشترط عليه أن يقطع الطريق إلي المدينة في ثلاثة أيام ويوصل الرسالة إلي رسول الله صلي الله عليه و اله. فقدم الغفاري المدينة وكان رسول الله صلي الله عليه و اله في بعض حيطانها فقرأ الرسالة، وأمر صلي الله عليه و اله أصحابه أن يدخلوا المدينة، فأخبرهم بالخبر. وأخذ صلي الله عليه و اله يستشير أصحابه، ثم صلّي فيهم الجمعة وخطب فيهم وأمرهم بالجد والجهاد. وأخبرهم أن النصر لهم إذا صبروا وثبتوا..

وبدأت المعركة، وجعل النبي صلي الله عليه و اله علي راية المهاجرين علي بن أبي طالب عليه السلام، وعلي راية الأنصار سعد بن عبادة، وجعل عبد الله بن جبير علي باب الشعب في خمسين من الرماة، وأكد عليهم في الثبات في مكانهم وقال لهم: اتقوا الله واصبروا، إن رأيتمونا قد هزمناهم وأدخلناهم إلي مكة فلا تبرحوا من هذا المكان، وإن رأيتموهم قد هزمونا حتي أدخلونا المدينة، فلا تبرحوا والتزموا مراكزكم حتي أرسل إليكم، ولو قتلنا عن آخرنا فإنما نؤتي من موضعكم.

وكان أول من برز من المشركين طلحة بن أبي طلحة فقام أمير المؤمنين

علي عليه السلام وبرز إليه وضربه عليه السلام ضربة فمات وسقطت الراية من يده. وكان لطلحة أربعة إخوة فتقدموا فقتلهم علي عليه السلام. ثم حمل راية المشركين غرير بن عثمان فقتله علي عليه السلام، ثم حملها عبد الله بن جميلة فقتله علي عليه السلام ثم حملها أرطأة فقتله علي عليه السلام، ثم حملها صوابٌ الحبشي فقتله علي عليه السلام. ولما سقطت الراية بعد حملها التسعة لم يتجرأ أحدٌ علي حملها.

ثم كان الهجوم العام بين الفريقين، وقاتل المسلمون قتالاً شديداً، وقتلوا جماعة كثيرة من رؤساء قريش وأبطالهم، وانهزم المشركون، وكانت مع المشركين هندٌ زوجة أبي سفيان فجعلت تدور علي المشركين المنهزمين وتقدم لهم ميلاً ومكحلةً وتقول لهم: إنما أنتم نساء فاكتحلوا.

كما جعلت هند جائزة كبيرة ل (وحشي) علي أن يقتل أحد ثلاثة: محمداً صلي الله عليه و اله أو علياً عليه السلام أو حمزة عليه السلام. فقال لها وحشي: أما محمد فلا أقدر عليه، لأن أصحابه يطوفون به، وأما علي فإنه أحذر من الذئب، وأما حمزة فإني أطمع فيه لأنه إذا غضب لا يبصر بين يديه.

ولما ظهرت الغلبة للمسلمين اشتغل المسلمون باغتنام الأموال.فرأي أصحاب النبي صلي الله عليه و اله الذين يقودهم عبد الله بن جبير علي باب الشعب، (وقد أوصاهم النبي صلي الله عليه و الهكثيراً بأن يبقوا في مواضعهم، ولا يبرحوا منها لو انتصر المسلمون أو انكسروا).

رأي هؤلاء أن جماعتهم من المسلمين انتصروا، فقالوا لعبد الله: ما يقيمنا هاهنا وقد غنم أصحابنا ونحن نبقي بلا غنيمة! وأرادوا أن ينزلوا من مواضعهم، فجعل عبد الله يذكرهم بوصايا رسول الله صلي الله عليه و اله لهم، فلم يسمعوا منه، فنزلوا وأخلوا مواضعهم، ولم يبق مع عبد

الله إلا اثنا عشر رجلاً.

ورأي خالد بن الوليد ذلك وقد جعله أبو سفيان في مائتي فارس، فرجع هو وعكرمة بن أبي جهل ورجالهما، وحملوا علي عبد الله بن جبير وأصحابه فقتلوهم. ثم نزل المشركون من مواضعهم وأحاطوا برسول الله صلي الله عليه و اله ومن معه وقتلوا من المسلمين مقتلة عظيمة، وهرب أكثر المسلمين علي رؤوس الجبال، ولم يبق مع النبي صلي الله عليه و اله إلا عدد قليل وقد قرب خالد بن الوليد من النبي صلي الله عليه و اله يحاربه، وباشر النبي صلي الله عليه و اله القتال بنفسه وأصيب بجراح، وأخذ أمير المؤمنين عليه السلام يكر فيهم يميناً وشمالاً، حتي أبعدهم عن رسول الله صلي الله عليه و اله ونادي جبرئيل:

لا فتي إلا علي لا سيف إلا ذو الفقار

وكان (وحشي) قد اختبأ خلف إحدي الصخور متربصاً لحمزة عليه السلام يوازن حربته بيده، فلما مر حمزة من أمامه رماه بها فسقط حمزة عم النبي صلي الله عليه و اله شهيدا وقد مثّلت به هند.

ثم انتهت معركة أحُد بكثرة القتلي من المسلمين لأنهم خالفوا أوامر النبي صلي الله عليه و اله ونزلوا من الجبل لأجل الغنيمة. غير أنهم في النهاية عادوا بأمر رسول الله صلي الله عليه و اله وكروا علي المشركين وطاردوهم وهزموهم.

غزوة الخندق

كانت غزوة الخندق في شوال سنة خمس من الهجرة النبوية المباركة.

وذلك حيث اجتمع اليهود علي نقض العهد والميثاق الذي كان بينهم وبين رسول الله صلي الله عليه و اله واتفقوا مع كفار قريش علي محاربة النبي صلي الله عليه و اله فخرجت قريش وقائدهم أبو سفيان بن حرب، وخرجت غطفان وقائدها عيينة بن حصن في بني قرارة، والحارث بن عوف

في بني مرة، ومسعر بن دخيلة فيمن تابعه من قومه من أشجع، وتوجهوا في عشرة آلاف، وقيل: في ثمانية عشر ألف رجل، نحو المدينة.

وجمع رسول الله صلي الله عليه و اله المسلمين واستشارهم وكان سلمان الفارسي رحمة الله عليه قد أشار بحفر خندق حول المدينة ليكون بين المسلمين والكافرين حجاباً فيؤخرهم الخندق عن الهجوم السريع..

واستحسن النبي صلي الله عليه و اله والمسلمون رأيه، فأمر صلي الله عليه و اله أصحابه بحفر الخندق، وجعل علي كل عشرين أو ثلاثين خطوة قوماً من المهاجرين والأنصار يحفرونه، وقد حمل رسول الله صلي الله عليه و اله بنفسه معهم وظل يحفر حتي عرق جبينه الشريف.

ولما عرف المشركون بحفر الخندق حول المدينة تضايقوا، وأخيراً هجم خمسة من أبطالهم وعلي رأسهم (عمرو بن عبد ود) فاجتاز عمرو الخندق وأخذ يطلب البراز من المسلمين وينادي فيهم برفيع صوته: هل من مبارز؟ هل من مبارز؟

فلم يجبه أحد … إلاّ أمير المؤمنين علي عليه السلام.. فخرج علي عليه السلام إلي عمرو، ووقف النبي صلي الله عليه و اله وأصحابه ينظرون إليه، وقد دمعت عينا رسول الله صلي الله عليه و اله وأخذ يدعو لعلي عليه السلام بالنصر ويقول: برز الإيمان كله إلي الشرك

كله ().

وبدأت المعركة، وقد قَتَل علي عليه السلام عمراً، فلما رأي الكفار ذلك تفرقوا، وكفي الله المؤمنين القتال بعلي عليه السلام.

21 من أخلاق النبي صلي الله عليه و اله وآدابه

كان رسول الله صلي الله عليه و اله قمة في الأخلاق الطيبة، وقد اهتدي ببركة أخلاقه الكثير من المشركين والكافرين والمنافقين وغيرهم إلي الإسلام. حتي قال في حقه الباري عزوجل في سورة القلم: وَإِنّكَ لَعَلَيَ خُلُقٍ عَظِيمٍ ().

وقال تعالي: فَبِمَا رَحْمَةٍ مّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضّواْ

مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكّلْ عَلَي اللّهِ إِنّ اللّهَ يُحِبّ الْمُتَوَكّلِينَ ().

قال ابن شهر آشوب في (المناقب):

كان النبي صلي الله عليه و اله أحكم الناس وأحلمهم، وأشجعهم وأعدلهم، وأعطفهم وأسخاهم، لا يثبت عنده دينار ولا درهم، لا يأخذ مما آتاه الله إلا قوت عامه فقط من يسير ما يجد من التمر والشعير، ويضع سائر ذلك في سبيل الله، ثم يعود إلي قوت عامه فيؤثر منه، حتي ربما احتاج قبل انقضاء العام إن لم يأته شيء.

وكان صلي الله عليه و اله يجلس علي الأرض وينام عليها،ويخصف النعل،ويرقع الثوب، ويفتح الباب، ويحلب الشاة، ويعقل البعير، ويطحن مع الخادم إذا أعيا، ويضع طهوره بالليل بيده، ولا يجلس متكئاً، ويخدم في مهنة أهله، ويقطع اللحم، ولم يتجشأ قط، ويقبل الهدية ولو أنها جرعة لبن ويأكلها، ولا يأكل الصدقة، ولايثبت بصره في وجه أحد، يغضب لربه ولا يغضب لنفسه، وكان يعصب الحجر علي بطنه من الجوع، يأكل ما حضر ولا يرد ما وجد.

وكان صلي الله عليه و اله يلبس برداً حبرة يمنية وشملة وجبة صوف، والغليظ من القطن والكتان، وأكثر ثيابه البياض، ويلبس القميص من قبل ميامنه، وكان له ثوب للجمعة خاصة، وكان إذا لبس جديداً أعطي خلق ثيابه مسكيناً..

وكان صلي الله عليه و اله يلبس خاتم فضة في خنصره الأيمن، ويكره الريح الردية، ويستاك عند الوضوء، ويردف خلفه عبده أو غيره، ويركب ما أمكنه من فرس أو بغلة أو حمار، ويركب الحمار بلا سرج وعليه العذار، ويمشي راجلاً.

وكان صلي الله عليه و اله يشيع الجنائز، ويعود المرضي في أقصي المدينة.

وكان صلي الله عليه و اله يجالس الفقراء، ويؤاكل المساكين، ويناولهم بيده، ويكرم

أهل الفضل في أخلاقهم، ويتألف أهل الشر بالبر لهم.

وكان صلي الله عليه و اله يصل ذوي رحمه من غير أن يؤثرهم علي غيرهم إلاّ بما أمر الله، ولا يجفو علي أحد، يقبل معذرة المعتذر إليه، وكان أكثر الناس تبسماً ما لم ينزل عليه القرآن أو تجر عظة، وربما ضحك من غير قهقهة، لا يرتفع علي عبيده وإمائه في مأكل ولا في ملبس، ما شتم أحداً بشتمة، ولا لعن امرأة ولا خادماً بلعنة، ولا لاموا أحداً إلاّ قال: دعوه، لا يأتيه أحد حر أو عبد أو أمة إلاّ قام معه في حاجته، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يغفر ويصفح.

وكان صلي الله عليه و اله يبدأ من لقيه بالسلام، وإذا لقي مسلماً بدأه بالمصافحة، وكان لايقوم ولا يجلس إلاّ علي ذكر الله، وكان لا يجلس إليه أحد وهو يصلي إلاّ خفف صلاته وأقبل عليه وقال: ألك حاجة؟.

وكان صلي الله عليه و اله يجلس حيث ينتهي به المجلس، ويأمر بذلك، وكان أكثر ما يجلس مستقبل القبلة، وكان يكرم من يدخل عليه حتي ربما بسط له ثوبه، ويؤثر الداخل بالوسادة التي تحته، وكان في الرضا والغضب لا يقول إلا حقاً.

وكان صلي الله عليه و اله يأكل القثاء بالرطب والملح، وكان أحب الفواكه الرطبة إليه البطيخ والعنب، وأكثر طعامه الماء والتمر، وكان يتمجع اللبن بالتمر ويسميهما الأطيبين، وكان أحب الطعام إليه اللحم، ويأكل الثريد باللحم، وكان يحب القرع، وكان يأكل لحم الصيد ولا يصيده، وكان يأكل الخبز والسمن، وكان يحب من الشاة الذراع والكتف، ومن الصباغ الخل، ومن التمر العجوة، ومن البقول الهندباء، وكان يمزح ولا يقول إلا حقاً ().

ومما جاء في صفته صلي الله عليه و اله: أنه كان

يسأل عن أصحابه فإن كان أحدهم غائباً دعا له، وإن كان شاهداً زاره، وإن كان مريضاً عاده، وإذا لقيه الرجل فصافحه لم ينزع يده من يده حتي يكون الرجل هو الذي ينزعها، ولا يصرف وجهه عن وجهه حتي يكون الرجل هو الذي يصرفه، وإذا لقيه أحد فقام معه أو جالسه أحد لم ينصرف حتي يكون الرجل هو الذي ينصرف عنه، وما وضع أحد فمه في أذنه إلاّ استمر صاغياً حتي يفرغ من حديثه ويذهب.

وكان صلي الله عليه و اله ضحوك السن، أشد الناس خشية وخوفاً من الله، وما ضرب امرأة له ولا خادماً، يسبق حلمه غضبه، ولا تزيده شدة الجهل عليه إلاّ حلماً.

وكان صلي الله عليه و اله أحسن الناس خُلُقاً، وأرجحهم حلماً، وأعظمهم عفواً، وأجود بالخير من الريح المرسلة، وأشجع الناس قلباً، وأشدهم بأساً، وأشدهم حياءً، كان صلي الله عليه و اله أشد حياءً من العذراء في خدرها، وإذا أخذه العطاس وضع يده أو ثوبه علي فيه، يحب الفال الحسن، ويغير الاسم القبيح بالحسن.

وكان صلي الله عليه و اله يشاور أصحابه في الأمر، وهو أكثر الناس إغضاء عن العورات، إذا كره شيئاً عرف في وجهه، ولم يشافه أحداً بمكروه، حتي إذا بلغه عن أحد ما يكره لم يقل: ما بال فلان يقول أو يفعل كذا، بل ما بال أقوام.

وكان صلي الله عليه و اله أوسع الناس صدراً، ما دعاه أحد من أصحابه أو أهل بيته إلاّ قال: لبيك، وكان يخالط أصحابه ويحادثهم، ويداعب صبيانهم، ويجلسهم في حجره، يجيب دعوة الحر والعبد والأمة والمسكين، ولا يدعوه أحمر ولا أسود من الناس إلاّ أجابه. لم ير قط ماداً رجليه بين أصحابه، ولا مقدماً ركبتيه بين يدي

جليس له قط.

قال أنس: خدمت رسول الله صلي الله عليه و اله عشر سنين فما رأيته قط أدني ركبتيه من ركبة جليسه إلي أن قال وما قال لشيء صنعتُه: لِمَ صنعتَ كذا؟، ولقد شممت العطر فما شممت ريح شيء أطيب ريحاً من رسول الله صلي الله عليه و اله.

وكان صلي الله عليه و اله ينادي أصحابه بأحب أسمائهم ويكنيهم، وإذا سمع بكاء الصغير وهو يصلي خفف صلاته.

وكان صلي الله عليه و اله أكثر الناس شفقة علي خلق الله، وأرأفهم بهم، وأرحمهم بهم.

وكان صلي الله عليه و اله أوصل الناس للرحم، وأقومهم بالوفاء وحسن العهد، يأكل علي الأرض ويقول: آكل كما يأكل العبد، وأجلس كما يجلس العبد، فإنما أنا عبد. وكان صلي الله عليه و اله يلبس الغليظ، ويحب التيامن في شأنه كله، في طهوره وترجله وتنعله، يعود المساكين بين أصحابه، ويعلف ناضحه، ويقمّ البيت، ويجلس ويأكل مع الخادم، ويحمل بضاعته من السوق، لا يجمع في بطنه بين طعامين.

وكان صلي الله عليه و اله أرجح الناس عقلاً، وأفضلهم رأياً، ما سُئل شيئاً قط فقال: لا، إذا أراد أن يفعل قال: نعم، وإذا لم يرد أن يفعل سكت.

وكان صلي الله عليه و اله إذا جاء شهر رمضان أطلق كل أسير، وأعطي كل سائل.

وكان صلي الله عليه و اله أصبر الناس علي أوزار الناس، ليس بالعاجز ولا الكسلان، وما رُئي يأكل متكئاً قط. وكثيراً ما يصلي في نعليه، ويلبس القلانس اللاطئة، ويلبس القلنسوة تحت العمامة، وبدون عمامة، ويتعمم بدون قلنسوة، وكان له عمامة سوداء دخل يوم فتح مكة وهو لابسها، وكان يلبسها في العيدين ويرخيها خلفه، وروي أنها كانت تسعة أكوار، وقال بعضهم: الظاهر إنها كانت نحو عشرة

أذرع، وكانت له بردة يخطب فيها.

ومما جاء في وصفه صلي الله عليه و اله: أنه كان حسن الإصغاء إلي محدثه، لا يلوي عن أحد وجهه، ولا يكتفي بالاستماع إلي من يحدثه، بل يلتفت إليه بكل جسمه، وكان قليل الكلام، كثير الإنصات، ميالاً للجد من القول، ويضحك أحياناً حتي تبدو نواجذه.

وعن الحسن بن محمد الديلمي في (الإرشاد)، قال: «كان النبي صلي الله عليه و اله يرقع ثوبه، ويخصف نعله، ويحلب شاته، ويأكل مع العبد، ويجلس علي الأرض، ويركب الحمار ويردف، ولا يمنعه الحياء أن يحمل حاجة من السوق إلي أهله، ويصافح الغني والفقير، ولا ينزع يده من يد أحد حتي ينزعها هو، ويسلم علي من استقبله من كبير وصغير وغني وفقير، ولا يحقر ما دعي إليه ولو إلي خشف التمرة، وكان خفيف المئونة، كريم الطبيعة، جميل المعاشرة، طلق الوجه، بشاشاً من غير ضحك، محزوناً من غير عبوس، متواضعاً من غير مذلة، جواداً من غير سرف، رقيق القلب، رحيماً بكل مسلم، ولم يتجشأ من شبع قط، ولم يمد يده إلي طمع» ().

وقال أبو الدرداء: لا يزال العبد يزداد من الله بعدا ما مُشي خلفه، وكان رسول الله صلي الله عليه و اله في بعض الأوقات يمشي مع الأصحاب فيأمرهم بالتقدم ويمشي في غمارهم().

وقال أنس: كانت الوليدة من ولائد المدينة تأخذ بيد رسول الله صلي الله عليه و اله فلا ينزع منها يده حتي تذهب به حيث شاءت().

ودخل رجل علي رسول الله صلي الله عليه و اله وعليه جدري قد يقشر وعنده أصحابه يأكلون، فما جلس عند أحد إلا قام من جنبه، فأجلسه النبي صلي الله عليه و اله بجنبه().

وكان رسول الله صلي الله عليه و اله يصافح

الغني والفقير والصغير والكبير، ويسلم مبتدئاً علي كل من استقبله من صغير أو كبير، أسود أو أحمر، حر أو عبد من أهل الصلاة. ليس له حلة لمدخله وحلة لمخرجه، لا يستحيي من أن يجيب إذا دعي وإن كان أشعث أغبر، ولا يحقر ما دعي إليه وإن لم يجد إلا حشف الدقل، لايرفع غداء لعشاء ولا عشاء لغداء، هين المقولة، لين الخلقة، كريم الطبيعة، جميل المعاشرة، طلق الوجه، بساماً من غير ضحك، محزوناً من غير عبوس، شديداً من غير عنف، متواضعاً من غير مذلة، جواداً من غير سرف، رحيماً بكل ذي قربي، قريباً من كل ذمي ومسلم، رقيق القلب، دائم الإطراق، لم يبشم قط من شبع، ولا يمد يده إلي طمع» ().

وعن معلي بن خنيس عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «قال رجل للنبي صلي الله عليه و اله: يا رسول الله علمني؟. قال: اذهب ولا تغضب. فقال الرجل: قد اكتفيت

بذاك.

فمضي إلي أهله فإذا بين قومه حرب قد قاموا صفوفاً ولبسوا السلاح، فلما رأي ذلك لبس سلاحه ثم قام معهم ثم ذكر قول رسول الله صلي الله عليه و اله: لا تغضب، فرمي السلاح ثم جاء يمشي إلي القوم الذين هم عدو قومه. فقال: يا هؤلاء،

ما كانت لكم من جراحة أو قتل أو ضرب ليس فيه أثر فعلي في مالي أنا أوفيكموه.

فقال القوم: فما كان فهو لكم نحن أولي بذلك منكم.

قال: فاصطلح القوم وذهب الغضب» ().

وهكذا يصفه الأمير عليه السلام

قال أمير المؤمنين عليه السلام في وصف رسول الله صلي الله عليه و اله وهو أعرف الناس به صلي الله عليه و اله حيث قال صلي الله عليه و اله: يا علي، ما عرف الله إلا

أنا وأنت، ولا عرفني إلا الله وأنت، ولا عرفك إلا الله وأنا ().

قال عليه السلام في نهج البلاغة:

فتأس بنبيك الأطيب الأطهر صلي الله عليه و اله فإن فيه أسوة لمن تأسي، وعزاء لمن تعزي، وأحب العباد إلي الله المتأسي بنبيه، والمقتص لأثره، قضم الدنيا قضماً، ولم يعرها طرفاً، أهضم أهل الدنيا كشحاً، وأخمصهم من الدنيا بطناً، عرضت عليه الدنيا فأبي أن يقبلها، وعلم أن الله أبغض شيئاً فأبغضه، وحقر شيئاً فحقره، وصغر شيئاً فصغره، ولو لم يكن فينا إلاّ حبنا ما أبغض الله، وتعظيمنا ما صغر الله لكفي به شقاقاً لله ومحادة عن أمر الله، ولقد كان صلي الله عليه و اله يأكل علي الأرض، ويجلس جلسة العبد، ويخصف بيده نعله، ويرقع بيده ثوبه، ويركب الحمار العاري، ويردف خلفه، ويكون الستر علي باب بيته تكون فيه التصاوير فيقول: يا فلانة لإحدي أزواجه غيبيه عني؛ فإني إذا نظرت إليه ذكرت الدنيا وزخارفها، فأعرض عن الدنيا بقلبه، وأمات ذكرها من نفسه، وأحب أن تغيب زينتها عن عينه، لكيلا يتخذ منها رياشاً، ولا يعتقدها قراراً، ولا يرجو فيها مقاماً، فأخرجها من النفس، وأشخصها عن القلب، وغيبها عن البصر، وكذلك من أبغض شيئاً أبغض أن ينظر إليه وأن يذكر عنده، ولقد كان في رسول الله صلي الله عليه و اله ما يدلك علي مساوئ الدنيا وعيوبها؛ إذ جاع فيها مع خاصته، وزويت عنه زخارفها مع عظيم زلفته، فلينظر ناظر بعقله أ أكرم الله بذلك محمداً أم أهانه؟ فإن قال: أهانه، فقد كذب والله العظيم وأتي بالإفك العظيم، وإن قال: أكرمه، فليعلم أن الله قد أهان غيره؛ حيث بسط الدنيا له وزواها عن أقرب الناس منه، فإن تأسي متأسٍ بنبيه

واقتص أثره وولج مولجه، وإلا فلا يأمن الهلكة، فإن الله جعل محمداً صلي الله عليه و اله علماً للساعة، ومبشراً بالجنة،ومنذراً بالعقوبة خرج من الدنيا خميصاً، وورد الآخرة سليماً، لم يضع حجراً علي حجر حتي مضي لسبيله، وأجاب داعي ربه، فما أعظم منة الله عندنا حين أنعم علينا به سلفاً نتبعه، وقائداً نطأ عقبه. والله، لقد رقعت مدرعتي هذه حتي استحييت من راقعها، ولقد قال لي قائل: ألا تنبذها؟ فقلت: اغرب عني، فعند الصباح يحمد القوم السري ().

22 قصص عن أخلاق النبي صلي الله عليه و اله

يا أخا بني سليم

بُعث رسول الله صلي الله عليه و اله لهداية الناس لا للانتقام منهم، فكان يعفو عن مسيئهم، ويسعي في هدايتهم بالتي هي أحسن وبالحكمة والموعظة الحسنة.

عن ابن عباس، قال: خرج أعرابي من بني سليم يتبدي في البرية فإذا هو بضبّ قد نفر من بين يديه، فسعي وراءه حتي اصطاده، ثم جعله في كُمّه وأقبل يزدلف نحو النبي صلي الله عليه و اله. فلما أن وقف بإزائه ناداه: يا محمد، يا محمد، وكان من أخلاق رسول الله صلي الله عليه و اله إذا قيل له: يا محمد. قال: يا محمد، وإذا قيل له: يا أحمد. قال: يا أحمد، وإذا قيل له: يا أبا القاسم. قال: يا أبا القاسم، وإذا قيل له: يا رسول الله. قال: لبيك وسعديك، وتهلّل وجهه. فلما أن ناداه الأعرابي: يا محمد، يا محمد. قال له النبي: يا محمد، يا محمد. قال له: أنت الساحر الكذاب الذي ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء من ذي لهجة هو أكذب منك! أنت الذي تزعم أن لك في هذه الخضراء إلهاً بعث بك إلي الأسود والأبيض، واللات والعزي لولا أني أخاف أن قومي يسمونني العجول

لضربتك بسيفي هذا ضربة أقتلك بها فأسود بك الأولين والآخرين.

فوثب إليه عمر بن الخطاب ليبطش به، فقال النبي صلي الله عليه و اله: اجلس يا

با حفص فقد كاد الحليم أن يكون نبياً. ثم التفت النبي صلي الله عليه و اله إلي الأعرابي فقال له: يا أخا بني سليم، هكذا تفعل العرب يتهجمون علينا في مجالسنا يجبهوننا بالكلام الغليظ. يا أعرابي، والذي بعثني بالحق نبياً إن من ضربي في دار الدنيا هو غداً في النار يتلظي. يا أعرابي، والذي بعثني بالحق نبياً إن أهل السماء السابعة يسمونني أحمد الصادق. يا أعرابي، أسلم تسلم من النار يكون لك ما لنا وعليك ما علينا، وتكون أخانا في الإسلام.

قال: فغضب الأعرابي وقال: واللات والعزي لا أومن بك يا محمد أو يؤمن هذا الضب. ثم رمي بالضب عن كُمه، فلما أن وقع الضب علي الأرض ولي هارباً فناداه النبي صلي الله عليه و اله: أيها الضب، أقبل إليَّ. فأقبل الضب ينظر إلي النبي صلي الله عليه و اله. قال: فقال له النبي صلي الله عليه و اله: أيها الضب من أنا؟. فإذا هو ينطق بلسان فصيح ذرب غير قطع فقال: أنت محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف. فقال له النبي صلي الله عليه و اله: من تعبد؟. قال: أعبد الله عزوجل الذي فلق الحبة وبرأ النسمة، واتخذ إبراهيم خليلاً، واصطفاك يا محمد حبيباً، ثم أنشأ يقول:

ألا يا رسول الله إنك صادق

فبوركت مهدياً وبوركت هاديا

شرعت لنا دين الحنيفة بعدما

عبدنا كأمثال الحمير الطواغيا

فيا خير مدعو ويا خير مرسل

إلي الجن بعد الإنس لبيك داعيا

ونحن أناس من سليم وإننا

أتيناك نرجو أن ننال العواليا

أتيت ببرهان من الله واضح

فأصبحت فينا

صادق القول زاكيا

فبوركت في الأحوال حياً وميتاً

وبوركت مولوداً وبوركت ناشيا

قال: ثم أطبق علي فم الضب فلم يحر جواباً، فلما أن نظر الأعرابي إلي ذلك قال: وا عجباً ضب اصطدته من البرية ثم أتيت به في كمي لا يفقه ولا ينقه ولا يعقل يكلم محمداً صلي الله عليه و اله بهذا الكلام ويشهد له بهذه الشهادة أنا لا أطلب أثراً بعد عين، مد يمينك فأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، فأسلم الأعرابي وحسن إسلامه().

قد اعتقتك

عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: اُتي رسول الله صلي الله عليه و اله بأساري فقدم رجل منهم ليضرب عنقه، فقال له جبرئيل: أخر هذا، اليوم يا محمد. فرده وأخرج غيره حتي كان هو آخرهم، فدعا به ليضرب عنقه فقال له جبرئيل: يا محمد، ربك يقرئك السلام ويقول لك: إن أسيرك هذا يُطعم الطعام، ويُقري الضيف، ويصبر علي النائبة، ويحمل الحمالات.

فقال له النبي صلي الله عليه و اله: إن جبرئيل أخبرني فيك عن الله بكذا وكذا وقد أعتقتك. فقال له: وإن ربك ليحب هذا؟!.

فقال: نعم.

قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله صلي الله عليه و اله، والذي بعثك بالحق نبياً لا رددت عن مالي أحداً أبداً ().

فيك خصال يحبها الله

عن أبي عبيدة الحذاء، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: أتي النبي صلي الله عليه و اله بأساري فأمر بقتلهم خلا رجل من بينهم. فقال الرجل: بأبي أنت وأمي يا محمد، كيف أطلقت عني من بينهم؟.

فقال: أخبرني جبرئيل عن الله عزوجل أن فيك خمس خصال يحبه الله عزوجل ورسوله: الغيرة الشديدة علي حرمك، والسخاء، وحسن الخلق، وصدق اللسان، والشجاعة.

فلما سمعها الرجل أسلم

وحسن إسلامه، وقاتل مع رسول الله صلي الله عليه و اله قتالاً شديداً حتي استشهد ().

العفو عند المقدرة

وبلغ رسول الله صلي الله عليه و اله أن جمعاً من غطفان قد تجمعوا يريدون أن يصيبوا من أطراف المدينة، عليهم رجل يقال له: دعثور بن الحارث بن محارب.

فخرج صلي الله عليه و اله في أربعمائة وخمسين رجلاً ومعهم أفراس وهرب منه الأعراب فوق ذري الجبال، ونزل صلي الله عليه و اله ذا أمر وعسكر به، وأصابهم مطر كثير. فذهب رسول الله صلي الله عليه و اله لحاجة فأصابه ذلك المطر فبلّ ثوبه، وقد جعل رسول الله صلي الله عليه و اله وادي أمر بينه وبين أصحابه، ثم نزع ثيابه فنشرها لتجف وألقاها علي شجرة، ثم اضطجع تحتها والأعراب ينظرون إلي كل ما يفعل رسول الله صلي الله عليه و اله.

فقالت الأعراب لدعثور وكان سيدهم وأشجعهم: قد أمكنك محمد وقد انفرد من بين أصحابه حيث إن غوث بأصحابه لم يغث حتي تقتله. فاختار سيفاً من سيوفهم صارماً ثم أقبل مشتملاً علي السيف حتي قام علي رأس رسول الله بالسيف مشهوراً. فقال: يا محمد، من يمنعك مني اليوم؟.

قال: الله، ودفع جبرئيل في صدره فوقع السيف من يده، فأخذه رسول الله صلي الله عليه و اله وقام علي رأسه وقال: من يمنعك مني؟.

قال: لا أحد وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، والله لا أكثر عليك جمعاً أبداً. فأعطاه رسول الله صلي الله عليه و اله سيفه ثم أدبر، ثم أقبل بوجهه ثم قال: والله لأنت خير مني. قال رسول الله: أنا أحق بذلك. فأتي قومه فقيل له: أينما كنت تقول وقد أمكنك والسيف في يدك!.

قال: وقد كان والله ذلك ولكني نظرت إلي رجل أبيض طويل دفع في صدري فوقعت لظهري فعرفت أنه ملك، وشهدت أن محمداً رسول الله، والله لا أكثر عليه، وجعل يدعو قومه إلي الإسلام().

23 الشوري والاستشارة

كان رسول الله صلي الله عليه و اله يؤكد علي مبدأ الاستشارة في الأمور، وعدم الاستبداد في الرأي، كما نص علي ذلك القرآن الكريم، حيث قال تعالي: وَأَمْرُهُمْ شُورَيَ بَيْنَهُمْ ()، وقال عزوجل: وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ ().

فإن الأمور تكون بالشوري إلاّ فيما ورد فيه النص عن الله عزوجل أو المعصوم عليه السلام، حيث لا يجوز الاجتهاد في قبال النص.

وكان رسول الله صلي الله عليه و اله يطبق الاستشارة بنفسه، كما استشار في قصة الخندق، وحرب أحد، وغزوة الخندق، وحتي في اللحظات الأخيرة من حياته عندما نزل عليه ملك الموت …

في غزوة بدر

في غزوة بدر الكبري نزل رسول الله صلي الله عليه و اله بأصحابه ذفران، فأتاه الخبر عن قريش بمسيرهم ليمنعوا عيرهم، ونزل عليه جبرئيل فأخبره بأن العير قد أفلتت، وأن قريشاً قد أقبلت لقتاله. فاستشار النبي صلي الله عليه و اله أصحابه في ذلك وأخبرهم عن قريش وخروجهم إليهم. فقام المقداد بن الأسود وقال: يا رسول الله، امض لما أمرك الله فنحن معك، والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسي:

فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلاَ إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ()، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، فو الذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلي برك الغماد

وهو موضع باليمن لجالدنا معك من دونه حتي تبلغه، ولو أمرتنا أن نخوض جمر الغضا وشوك الهراس لخضناه معك. فقال له رسول الله صلي الله عليه و اله خيراً ودعا له بخير، ثم قال رسول

الله صلي الله عليه و اله: أشيروا عليَّ أيها الناس. وإنما يريد الأنصار، ثم أعادها ثانية وثالثة، ففهمت الأنصار أنه يعنيهم، فقام سعد بن معاذ الأنصاري وقال: لكأنك يا رسول الله تريدنا؟. فقال النبي صلي الله عليه و اله: أجل. فقال سعد: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، إنا قد آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق من عند الله، وأعطيناك علي ذلك عهودنا ومواثيقنا علي السمع والطاعة، فامض يا رسول الله لما أردت فنحن معك، فو الذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقي بنا عدونا غداً، إنا لصبر في الحرب صدق في اللقاء لعل الله يريك منا ما تقر به عينك، فسر علي بركة الله وصل من شئت واقطع من شئت، وخذ من أموالنا ما شئت، وما أخذت من أموالنا أحب إلينا مما تركت. فسر رسول الله صلي الله عليه و اله بقول سعد وشكره والأنصار علي ذلك.

ثم قال صلي الله عليه و اله: سيروا علي بركة الله وأبشروا فإن الله قد وعدني إحدي الطائفتين ولن يخلف الله وعده، والله لكأني أنظر إلي مصارع القوم، ثم ارتحل صلي الله عليه و اله بهم ونزل قريباً من بدر().

وورد أيضا:

ثم سار رسول الله صلي الله عليه و اله حتي نزل مياه بدر وكانت منطقة بدر واسعة جنوبها العدوة القصوي، وشمالها العدوة الدنيا، وفيها عدة آبار وعيون للماء تنزل فيها القوافل. فسبق رسول الله صلي الله عليه و اله قريشاً إلي بدر، ومنع قريشاً من السبق إليه مطر عظيم أرسله الله تعالي مما يليهم ولم يصب منه المسلمين إلا ما لبد

لهم دهس الوادي وأعانهم. ولما نزل صلي الله عليه و اله مياه بدر مما يلي المدينة أتاه الحباب بن المنذر بن عمرو بن الجموح فقال: يا رسول الله، أرأيت هذا المنزل هو منزل أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه أم هو الرأي في الحرب؟. فقال صلي الله عليه و اله في جوابه: بل هو الرأي. فقال: يا رسول الله صلي الله عليه و اله، إن هذا ليس بمنزل فانهض بنا حتي نأتي أدني ماء من القوم فننزله ونغور ما وراءه من القلب، ثم نبني عليه حوضاً فنملأه فيكون الماء في متناولنا فنشرب ونروي. فاستحسن رسول الله صلي الله عليه و اله هذا الرأي وفعله، فكان سبباً من أسباب تفوقهم علي المشركين().

في غزوة أحد

ولما علم رسول الله صلي الله عليه و اله بأن قريش قد اجتمعت لحربه في غزوة أحد، جمع أصحابه يستشيرهم في مواجهة المشركين، فقال صلي الله عليه و اله: أشيروا عليَّ، ورأي

علي رواية أن لا يخرج من المدينة. فقال بعضهم: يا رسول الله، إن مدينتنا عذراء ما فضت علينا قط، وما خرجنا إلي عدو منها قط إلاّ أصاب منا، وما دخل علينا قط إلاّ أصبناهم، يعني بذلك: عدم الخروج من المدينة. وقال بعضهم: يا رسول الله، إنا نخشي أن يظن عدونا أنا نكره الخروج إليهم جبناً عن لقائهم فيكون هذا جرأة منهم علينا. وقال حمزة: والذي أُنزل عليه الكتاب لا أطعم اليوم طعاماً حتي أُجالدهم بسيفي خارجاً من المدينة. وكان هذا رأي الأكثرية، فعزم رسول الله صلي الله عليه و اله علي الخروج، فصلي بالناس الجمعة ثم وعظهم وأمرهم بالجد والاجتهاد،وأخبر أن لهم النصر ما صبروا وأمرهم بالتهيؤ لعدوهم ففرح

الناس بذلك. ثم صلي صلي الله عليه و اله بالناس العصر وقد تحشدوا، وحضر أهل العوالي واصطف الناس ينتظرون خروجه، فلبس صلي الله عليه و اله السلاح وخرج().

في غزوة الخندق

لما خرجت قريش في حرب الأحزاب وقائدهم أبو سفيان بن حرب، وخرجت غطفان وقائدها عيينة بن حصن في بني قرارة، والحارث بن عوف في بني مرة، ومسعر بن دخيلة فيمن تابعه من قومه من أشجع، وتوجهوا في عشرة آلاف، وقيل: في ثمانية عشر ألف رجل نحو المدينة، وسمع رسول الله صلي الله عليه و اله بتجمع الأحزاب وسيرهم نحو المدينة المنورة استشار أصحابه، فكان رأيهم علي المقام في المدينة وحرب القوم إن جاءوا إليهم علي أنقابها. فأشار سلمان الفارسي بالخندق واستحسنه القوم، ونزل جبرئيل علي رسول الله صلي الله عليه و اله بصواب رأي سلمان. فخرج رسول الله صلي الله عليه و اله فحدد حفر الخندق من ناحية أُحد إلي راتج، حيث كان سائر أنحاء المدينة مشبك بالنخيل والبنيان، وخط موضع الحفر بخط علي الأرض، فضرب الخندق علي المدينة فعمل فيه رسول الله صلي الله عليه و اله ترغيباً للمسلمين في الأجر، فحفر بنفسه في موضع المهاجرين وعلي عليه السلام ينقل التراب من الحفرة حتي عرق رسول الله صلي الله عليه و اله وعيا، وقال: لا عيش إلاّ عيش الآخرة، اللهم اغفر للأنصار والمهاجرين ().

استشارة أم سلمة

عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: إن الله عزوجل أمر رسول الله صلي الله عليه و اله في النوم أن يدخل المسجد الحرام ويطوف ويحلق مع المحلقين، فأخبر أصحابه وأمرهم بالخروج فخرجوا، فلما نزل ذا الحليفة أحرموا بالعمرة وساقوا البدن، وساق رسول الله صلي الله عليه و اله ستاً

وستين بدنة وأشعرها عند إحرامه، وأحرموا من ذي الحليفة ملبين بالعمرة قد ساق من ساق منهم الهدي مشعرات مجللات وساق قصة الحديبية وصدهم المشركون وكيفية الصلح إلي أن قال عليه السلام وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: انحروا بدنكم واحلقوا رؤوسكم. فامتنعوا وقالوا: كيف ننحر ونحلق ولم نطف بالبيت ولم نسع بين الصفا والمروة. فاغتمّ رسول الله صلي الله عليه و اله من ذلك وشكا ذلك إلي أم سلمة. فقالت: يا رسول الله، انحر أنت واحلق. فنحر رسول الله صلي الله عليه و اله وحلق، فنحر القوم علي خبث يقين وشك وارتياب. فقال رسول الله صلي الله عليه و اله تعظيماً للبدن: رحم الله المحلقين. وقال قوم لم يسوقوا البدن: يا رسول الله، والمقصرين؛ لأن من لم يسق هدياً لم يجب عليه الحلق. فقال رسول الله صلي الله عليه و اله ثانياً: رحم الله المحلقين الذين لم يسوقوا الهدي. قالوا: يا رسول الله، والمقصرين. فقال: رحم الله المقصرين، الخبر().

ملكاً رسولاً أم عبداً رسولاً؟

استشار رسول الله صلي الله عليه و اله جبرئيل عندما نزل عليه ملك وهو إسرافيل حسب بعض الروايات() وقال: إن الله تعالي يخيرك أن تكون عبداً رسولاً متواضعاً أو ملكاً رسولاً؟. فنظر رسول الله صلي الله عليه و اله إلي جبرئيل وأومأ جبرئيل بيده أن تواضع.

فقال صلي الله عليه و اله: عبداً متواضعاً رسولاً ().

وحتي في اللحظات الأخيرة

في الحديث: أنه لما استأذن عزرائيل علي رسول الله صلي الله عليه و اله ودخل بيت فاطمة عليها السلام وقال: السلام عليك يا رسول الله وعلي أهل بيتك.

قال له رسول الله صلي الله عليه و اله: وعليك السلام يا ملك الموت.

قال عزرائيل: إن ربك

أرسلني إليك وهو يقرؤك السلام ويخيرك بين لقائه والرجوع إلي الدنيا.

فاستمهله رسول الله صلي الله عليه و اله حتي ينزل جبرئيل ويستشيره، فخرج ملك الموت من عنده وجاء جبرئيل فقال: السلام عليك يا أبا القاسم وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأُولَي وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَي ()، إلي آخر الحديث().

روايات الرسول صلي الله عليه و اله في الاستشارة

قال رسول الله صلي الله عليه و اله: ما تشاور قوم إلا هُدوا لأرشد أمرهم ().

وقال صلي الله عليه و اله: من أراد أمراً فشاور فيه وقضي هُدي لأرشد الأمور.

وقال صلي الله عليه و اله: من أراد أمراً فشاور فيه امرئ مسلماً وفّقهُ الله لأرشد أموره.

وقال صلي الله عليه و اله وهو يوصي أمير المؤمنين عليه السلام عند ما بعثه إلي اليمن: يا علي، ما حار من استخار، ولا ندم من استشار ().

وقال صلي الله عليه و اله: إذا كان أمراؤكم خياركم، وأغنياؤكم سمحاؤكم، وأمركم شوري بينكم، فظهر الأرض خير لكم من بطنها، وإذا كان أمراؤكم شراركم، وأغنياؤكم بخلاؤكم، ولم يكن أمركم شوري بينكم، فبطن الأرض خير لكم من ظهرها.

وقال صلي الله عليه و اله: ما شقا عبد بمشورة، ولا سعد باستغناء رأي.

وقال صلي الله عليه و اله: لا وحدة أوحش من العجب، ولا مظاهرة أوثق من

المشاورة ().

وقال صلي الله عليه و اله: ما من رجل يشاور أحداً إلا هُدي إلي الرشد ().

وقال صلي الله عليه و اله: لا يفعلن أحدكم أمراً حتي يستشير ().

وعن ابن عباس قال: لما نزلت: وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْر ()، قال رسول الله صلي الله عليه و اله: أما إن الله ورسوله لغنيان عنها ولكن جعلها الله رحمة لأمتي، فمن استشار منهم لم يعدم رشداً، ومن

تركها لم يعدم غياً.

وقال صلي الله عليه و اله: شاوروا العلماء الصالحين، فإذا عزمتم علي إمضاء ذلك فتوكلوا علي الله.

وقال صلي الله عليه و اله: آخ من الإخوان أهل التقي، واجعل مشورتك من يخاف الله تعالي.

وقال صلي الله عليه و اله: شاور المتقين، الذين يؤثرون الآخرة علي الدنيا، ويؤثرون علي أنفسهم في أموركم.

وقال صلي الله عليه و اله: الحزم أن تستشير ذا الرأي وتطيع أمره ().

وقال صلي الله عليه و اله: إذا أشار عليك العاقل الناصح فاقبل وإياك والخلاف عليهم فإن فيه الهلاك ().

وقال صلي الله عليه و اله: استرشدوا العاقل ترشدوا،ولا تعصوه فتندموا ().

وقال صلي الله عليه و اله: من استشاره أخوه المسلم فأشار عليه بغير رشد فقد خانه.

وقال صلي الله عليه و اله: من استشار أخاه فأشار عليه بأمر وهو يري الرشد غير ذلك خانه.

وقال صلي الله عليه و اله: من أشار علي أخيه بأمر يعلم أن الرشد في غيره فقد خانه.

وقال صلي الله عليه و اله: إذا استشار أحدكم أخاه فليشر عليه.

وقال صلي الله عليه و اله: المستشار مؤتمن ().

وقال صلي الله عليه و اله: المستشار مؤتمن، فإذا استشير فليشر بما هو صانع لنفسه.

وقال صلي الله عليه و اله: المستشير معان.

وقال صلي الله عليه و اله: من استشير فأشار بغير رأيه سلبه الله تعالي رأيه.

وقال صلي الله عليه و اله: من غش المسلمين في مشورة فقد برئتُ منه ().

وقال صلي الله عليه و اله: من استشاره أخوه المؤمن فلم يمحضه النصيحة سلبه الله

لبه ().

24 العلم والعلماء

كان النبي صلي الله عليه و اله يحث المسلمين علي التعليم والتعلّم، ويؤكد كثيراً علي العلم والعلماء، فرسول الإسلام صلي الله عليه و اله رسول العلم والفضيلة، والدين

الإسلامي دين العقل والمنطق، لا السيف والجبر، قال تعالي: لاَ إِكْرَاهَ فِي الدّينِ قَد تّبَيّنَ الرّشْدُ مِنَ الْغَيّ (). وقال عزوجل: لّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيّنَةٍ وَيَحْيَيَ مَنْ حَيّ عَن بَيّنَةٍ ().

وقال سبحانه: فَذَكّرْ إِنّمَا أَنتَ مُذَكّرٌ لّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ ().

فكان النبي صلي الله عليه و اله يحب العلم والعلماء ويرجح حلقات العلم علي حلقات الدعاء، ففي الحديث: خرج رسول الله صلي الله عليه و اله فإذا في المسجد مجلسان: مجلس يتفقهون ومجلس يدعون الله ويسألونه، فقال صلي الله عليه و اله: كلا المجلسين إلي خير، أما هؤلاء فيدعون الله وأما هؤلاء فيتعلمون ويفقهون الجاهل، هؤلاء أفضل، بالتعليم أُرسلتُ، ثم قعد معهم().

وقال صلي الله عليه و اله: طلب العلم فريضة علي كل مسلمة ومسلمة ().

وعن أبي ذر (رضوان الله عليه) قال: قال رسول الله صلي الله عليه و اله: يا أبا ذر، الجلوس ساعة عند مذاكرة العالم أحب إلي الله من ألف جنازة من جنازة الشهداء، والجلوس ساعة عند مذاكرة العلم أحب إلي الله من قيام ألف ليلة يصلي في كل ليلة ألف ركعة، والجلوس ساعة عند مذاكرة العلم أحب إلي الله من ألف غزوة و قراءة القرآن كله.

قال: يا رسول الله، مذاكرة العلم خير من قراءة القرآن كله؟!

فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: يا أبا ذر، الجلوس ساعة عند مذاكرة العلم أحب إليَّ من قراءة القرآن كله اثني عشر ألف مرة، عليكم بمذاكرة العلم فإن بالعلم تعرفون الحلال من الحرام، ومن خرج من بيته ليلتمس باباً من العلم كتب الله عزوجل له بكل قدم ثواب نبي من الأنبياء، وأعطاه الله بكل حرف يستمع أو يكتب مدينة في الجنة، وطالب العلم أحبه الله

وأحبه الملائكة وأحبه النبيون، ولايحب العلم إلاّ السعيد، وطوبي لطالب العلم يوم القيامة. يا أبا ذر، والجلوس ساعة عند مذاكرة العلم خير لك من عبادة سنة صيام نهارها وقيام ليلها، والنظر إلي وجه العالم خير لك من عتق ألف رقبة ().

وفي (روضة الواعظين): روي عن بعض الصحابة، قال: جاء رجل من الأنصار إلي النبي صلي الله عليه و اله فقال: يا رسول الله، إذا حضرت جنازة أو حضر مجلس عالم أيهما أحبّ إليك أن أشهد؟. فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: إن كان للجنازة من يتبعها ويدفنها فإن حضور مجلس العالم أفضل من حضور ألف جنازة، ومن عيادة ألف مريض، ومن قيام ألف ليلة، ومن صيام ألف يوم، ومن ألف درهم يتصدق بها علي المساكين، ومن ألف حجة سوي الفريضة، ومن ألف غزوة سوي الواجب تغزوها في سبيل الله بمالك ونفسك، وأين تقع هذه المشاهد من مشهد عالم، أما علمت أن الله يُطاع بالعلم ويُعبد بالعلم، وخير الدنيا والآخرة مع العلم، وشر الدنيا والآخرة مع الجهل ().

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: وأكثر مدارسة العلماء ومناظرة الحكماء في تثبيت سنن العدل علي مواضعها، وإقامتها علي ما صلح به الناس؛ فإن ذلك يحيي الحق ويميت الباطل ويُكتفي دليلاً به علي ما صلح به الناس، لأن السنة الصالحة من أسباب الحق التي تعرف بها، ودليل أهلها علي السبيل إلي طاعة الله

فيها ().

وقال النبي صلي الله عليه و اله: المؤمن إذا مات وترك ورقة واحدة عليها علم تكون تلك الورقة يوم القيامة ستراً فيما بينه وبين النار، وأعطاه الله تبارك وتعالي بكل حرف مكتوب عليها مدينة أوسع من الدنيا سبع مرات، وما من مؤمن

يقعد ساعة عند العالم إلاّ ناداه ربه عزوجل: جلست إلي حبيبي فو عزتي وجلالي لأسكنتك الجنة معه ولا أبالي ().

وقال صلي الله عليه و اله: المتقون سادة، والفقهاء قادة، والجلوس إليهم عبادة ().

وقال صلي الله عليه و اله: الأنبياء قادة، والفقهاء سادة، ومجالستهم زيادة ().

وقال صلي الله عليه و اله: مجالسة العلماء عبادة، والنظر إلي علي عليه السلام عبادة ().

وعن موسي بن جعفر عليه السلام عن آبائه عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلي الله عليه و اله:

النظر في وجه العالم حباً له عبادة ().

وعن أبي ذر رحمة الله عليه قال: سمعنا رسول الله صلي الله عليه و اله يقول: إذا جاء الموت طالب العلم وهو علي هذه الحال مات شهيداً ().

25 التعددية

النظام السياسي وكذلك الاقتصادي في الإسلام نظام تعددي تنافسي، وهو من مقومات تقدم المجتمع، وهذه التعددية الإيجابية كانت جلية بين المهاجرين والأنصار، وربما الفئات الأخري من المجتمع.

وفلسفة التعددية هي التنافس في الخير والفضيلة والتقدم.

وهذه التعددية لا تنافي الأخوة الإسلامية كما هو واضح.

روي في (غوالي اللآلي) باب السبق والرماية: (أن رسول الله صلي الله عليه و اله مر بقوم من الأنصار يترامون، فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: أنا في الحزب الذي فيه ابن الأدرع، فأمسك الحزب الآخر وقالوا: لن يغلب حزب فيه رسول الله صلي الله عليه و اله. قال: ارموا فإني أرمي معكم، فرمي مع كل واحد رشقاً، فلم يسبق بعضهم بعضاً، فلم يزالوا يترامون وأولادهم وأولاد أولادهم لا يسبق بعضهم بعضاً)().

وكم من خطبة خطبها رسول الله صلي الله عليه و اله وقال فيها: يا معشر المهاجرين والأنصار، نشير إلي بعضها: في قصة حفر الخندق: قام رسول الله صلي الله

عليه و اله إلي شفير الخندق ثم قال: يا معشر المهاجرين والأنصار أجيبوا جابراً، قال جابر: وكان في الخندق سبعمائة رجل، فخرجوا كلهم، ثم لم يمر بأحد من المهاجرين والأنصار إلا قال: أجيبوا جابرا، القصة(). وفي حرب أحد، أمر رسول الله صلي الله عليه و اله منادياً ينادي: يا معشر المهاجرين والأنصار، من كانت به جراحة فليخرج ومن لم يكن به جراحة فليقم ().

وروي العلامة المجلسي رحمة الله عليه في (البحار): في خبر عن كعب بن عجرة، أن المهاجرين والأنصار وبني هاشم اختصموا في رسول الله صلي الله عليه و اله أينا أولي به وأحب إليه؟. فقال صلي الله عليه و اله: أما أنتم يا معشر الأنصار فإنما أنا أخوكم.

فقالوا: الله أكبر، ذهبنا به ورب الكعبة.

وقال صلي الله عليه و اله: وأما أنتم معشر المهاجرين فإنما أنا منكم.

فقالوا: الله أكبر، ذهبنا به ورب الكعبة.

وقال صلي الله عليه و اله: وأما أنتم يا بني هاشم فأنتم مني وإليَّ.

يقول الراوي: فقمنا وكلنا راض مغتبط برسول الله صلي الله عليه و اله().

وعن الإمام الكاظم عليه السلام عن أبيه عليه السلام قال: لما نزلت هذه الآية: لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً هُمْ نَاسِكُوهُ () جمعهم صلي الله عليه و اله ثم قال: يا معشر المهاجرين والأنصار، إن الله تعالي يقول: لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً هُمْ نَاسِكُوهُ والمنسك هو الإمام، لكل أمة بعد نبيها حتي يدركه نبي، ألا وإن لزوم الإمام وطاعته هو الدين وهو المنسك، وهو علي بن أبي طالب عليه السلام إمامكم بعدي ().

وعن سلمان الفارسي رحمة الله عليه،قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه و اله يقول: يا معشر المهاجرين والأنصار، ألا أدلكم علي ما إن تمسكتم به

لن تضلوا بعدي أبداً. قالوا: بلي يا رسول الله. قال: هذا علي أخي ووزيري ووارثي وخليفتي إمامكم، فأحبوه لحبي وأكرموه لكرامتي؛ فإن جبرئيل أمرني أن أقول لكم ما قلت (). وعنه صلي الله عليه و اله، قال: يا معشر المهاجرين والأنصار، أحبوا علياً بحبي وأكرموه لكرامتي، والله ما قلت لكم هذا من قبلي ولكن الله أمرني بذلك ().

26 الحريات الإسلامية

لم تر البشرية من الحريات مثل ما جاء به رسول الله صلي الله عليه و اله حيث ضمن للكل حرياتهم المشروعة من دون الاعتداء علي حرية الآخرين.

وقد وصف الباري تعالي رسوله الخاتم صلي الله عليه و اله بقوله: الّذِينَ يَتّبِعُونَ الرّسُولَ النّبِيّ الأُمّيّ الّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلّ لَهُمُ الطّيّبَاتِ وَيُحَرّمُ

عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتّبَعُواْ النّورَ الّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلََئِكَ هُمُ

الْمُفْلِحُونَ ().

نماذج من الحريات الإسلامية:

حرية التجارة، حرية البيع، حرية الاشتراط في العقد، حرية القرض، حرية الرهن، حرية الضمان، حرية الحوالة، حرية الكفالة، حرية الصلح، حرية الشركة، حرية المضاربة، حرية المزارعة، حرية المساقاة، حرية الإيداع، حرية الاستعارة، حرية الإجارة، حرية الوكالة، حرية الوقف، حرية الصدقات، حرية السكني والعمري والرقبي والحبس، حرية الهبة، حرية السبق والرماية، حرية الوصية، حرية النكاح، حرية الطلاق، حرية الخلع، حرية المباراة، حرية اللعان، حرية الإقرار، حرية الجعالة، حرية الأيمان، حرية الشفعة، حرية إحياء الموات، حرية حيازة المباحات، حرية اللقطة، حرية الصيد والذباحة، الحريات العبادية، حرية الإعلام، حرية التأليف، حرية البيان، حرية النشر والتوزيع، حرية التجمع، حرية تأسيس الأحزاب والمنظمات والهيئات، حرية التعبير عن الرأي، حرية المعارضة وحقوقها، حرية الخروج بالمظاهرات السلمية، حرية الإقامة والسفر، حرية فتح

الشركات والمصانع والمعامل، حرية الكسب والتجارة، حرية البناء والعمران، الحريات السياسية، الحريات الاقتصادية، الحريات الاجتماعية، وغيرها من الحريات الكثيرة().

27 حقوق المعارضة

من أهم الحريات السياسية في الإسلام حرية المعارضة وضمان حقوقها، وهذا ما جاء به رسول الله صلي الله عليه و اله وطبقه في حكومته الإسلامية بالمدينة المنورة، فالمعارضة كانوا يتمتعون بكامل حرياتهم، ومن أمثلة ذلك قصص المنافقين في عهد النبي صلي الله عليه و اله.

روي الشيخ المفيد رحمة الله عليه في (الإرشاد) ()، قال: لما قسم رسول الله صلي الله عليه و اله غنائم حنين، أقبل رجل طويل آدم أجنأ بين عينيه أثر السجود، فسلم ولم يخص النبي صلي الله عليه و اله، ثم قال: قد رأيتك وما صنعت في هذه الغنائم.

قال رسول الله صلي الله عليه و اله: وكيف رأيت؟.

قال: لم أرك عدلت!

فغضب رسول الله صلي الله عليه و اله، وقال: ويلك، إذا لم يكن العدل عندي فعند من يكون؟!

فقال المسلمون: ألا نقتله؟.

قال: دعوه، فإنه سيكون له أتباع يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، يقتلهم الله علي يد أحب الخلق إليه من بعدي. فقتله أمير المؤمنين عليه السلام فيمن قتل يوم النهروان من الخوارج.

وروي العلامة المجلسي رحمة الله عليه في (البحار) (): إن النبي صلي الله عليه و اله خط الخندق عام الأحزاب، وقطع لكل عشرة أربعين ذراعاً، فاحتج المهاجرون والأنصار في سلمان وكان رجلاً قوياً فقال المهاجرون: سلمان منا. وقالت الأنصار: سلمان منا. فقال النبي صلي الله عليه و اله: سلمان منا أهل البيت.

قال عمرو بن عوف: كنت أنا وسلمان وحذيفة والنعمان بن مقرن المزني وستة من الأنصار في أربعين ذراعاً، فحفرنا حتي إذا كنا بجب ذي ناب أخرج الله من باطن

الخندق صخرة مروة كسرت حديدنا وشقت علينا. فقلنا: يا سلمان، إرق إلي رسول الله صلي الله عليه و اله وأخبره خبر هذه الصخرة، فإما أن نعدل عنها فإن المعدل قريب، وإما أن يأمرنا فيه بأمره؛ فإنا لا نحب أن نتجاوز خطه.

قال: فرقي سلمان إلي رسول الله صلي الله عليه و اله وهو ضارب عليه قبة تركية، فقال: يا رسول الله، خرجت صخرة بيضاء مروة من بطن الخندق فكسرت حديدنا وشقت علينا حتي ما يحيك فيها قليل ولا كثير، فمرنا فيها بأمرك فإنا لا نحب أن نتجاوز خطك.

قال: فهبط رسول الله صلي الله عليه و اله مع سلمان الخندق والتسعة علي شفة الخندق، فأخذ رسول الله صلي الله عليه و اله المعول من يد سلمان، فضربها به ضربة صدعها، وبرق منها برق أضاء ما بين لابتيها حتي لكأن مصباحاً في جوف بيت مظلم، فكبر رسول الله صلي الله عليه و اله تكبيرة فتح وكبر المسلمون، ثم ضربها رسول الله صلي الله عليه و اله ثانية فبرق منها برق أضاء ما بين لابتيها حتي لكأن مصباحاً في جوف بيت مظلم، فكبر رسول الله صلي الله عليه و اله تكبيرة فتح وكبر المسلمون، ثم ضربها رسول الله صلي الله عليه و اله ثالثة فكسرها وبرق منها برق أضاء ما بين لابتيها حتي لكأن مصباحاً في جوف بيت مظلم، فكبر رسول الله صلي الله عليه و اله تكبيرة فتح وكبر المسلمون، وأخذ بيد سلمان ورقي. فقال سلمان: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، لقد رأيت منك شيئاً ما رأيته منك قط؟!

فالتفت رسول الله صلي الله عليه و اله إلي القوم وقال: رأيتم ما يقول سلمان؟.

فقالوا: نعم.

قال صلي الله عليه

و اله: ضربت ضربتي الأولي فبرق الذي رأيتم أضاءت لي منها قصور الحيرة ومدائن كسري كأنها أنياب الكلاب فأخبرني جبرئيل أن أمتي ظاهرة عليها، ثم ضربت ضربتي الثانية فبرق الذي رأيتم أضاءت لي منها قصور الحمر من أرض الروم كأنها أنياب الكلاب فأخبرني جبرئيل أن أمتي ظاهرة عليها، ثم ضربت ضربتي الثالثة فبرق الذي رأيتم أضاءت لي منها قصور صنعاء كأنها أنياب الكلاب وأخبرني جبرئيل أن أمتي ظاهرة عليها فأبشروا.

فاستبشر المسلمون وقالوا: الحمد لله موعد صدق وعدنا النصر بعد الحصر.

فقال المنافقون: ألا تعجبون يمنيكم ويعدكم الباطل ويعلمكم أنه يبصر من يثرب قصور الحيرة ومدائن كسري وأنها تفتح لكم وأنتم إنما تحفرون الخندق من الفرق ولا تستطيعون أن تبرزوا؟!

فنزل القرآن: وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُورا ().

وقد تركهم رسول الله صلي الله عليه و اله.. وهكذا كان المنافقون يعيشون في ظل رحمة رسول الله صلي الله عليه و اله بكامل حرياتهم.

28 المرأة

كان رسول الله صلي الله عليه و اله يكرم المرأة أكبر الإكرام مما لم يسبق له مثيل في التاريخ، بعد ما كانت المرأة مهانة في الجاهلية.

ولولا الدين الإسلامي لضاعت المرأة ضياعاً كاملاً.

عن بحر السقاء قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام: «يا بحر حُسن الخُلق يُسر

ثم قال: ألا أخبرك بحديث ما هو في يدي أحد من أهل المدينة».

قلت: بلي.

قال: «بينا رسول الله صلي الله عليه و اله ذات يوم جالس في المسجد إذ جاءت جارية لبعض الأنصار وهو قائم، فأخذت بطرف ثوبه فقام لها النبي صلي الله عليه و اله فلم تقل شيئاً ولم يقل لها النبي صلي الله عليه و اله شيئاً حتي فعلت ذلك ثلاث

مرات، فقام لها النبي صلي الله عليه و اله في الرابعة وهي خلفه فأخذت هدبة من ثوبه ثم رجعت.

فقال لها الناس: فعل الله بك وفعل، حبستِ رسول الله صلي الله عليه و اله ثلاث مرات لا تقولين له شيئاً ولا هو يقول لك شيئاً ما كانت حاجتك إليه؟. قالت: إن لنا مريضاً فأرسلني أهلي لآخذ هدبة من ثوبه ليستشفي بها، فلما أردت أخذها رآني فقام فاستحييت منه أن آخذها وهو يراني وأكره أن أستأمره في أخذها فأخذتها» ().

روايات في تكريم المرأة

قال رسول الله صلي الله عليه و اله: كلما ازداد العبد إيماناً أزداد حباً للنساء ().

وقال صلي الله عليه و اله: الجنة تحت أقدام الأمهات ().

وقال صلي الله عليه و اله: تحت أقدام الأمهات روضة من رياض الجنة ().

وقال رجل لرسول الله صلي الله عليه و اله: إن والدتي بلغها الكبر، وهي عندي الآن أحملها علي ظهري، وأطعمها من كسبي، وأميط عنها الأذي بيدي، وأصرف عنها مع ذلك وجهي استحياءً منها وإعظاماً لها، فهل كافأتها؟.

قال صلي الله عليه و اله: لا؛ لأن بطنها كان لك وعاءً، وثديها كان لك سقاءً، وقدمها لك حذاءً، ويدها لك وقاءً، وحجرها لك حواءً، وكانت تصنع ذلك لك وهي تمني حياتك، وأنت تصنع هذا بها وتحب مماتها ().

وقيل: يا رسول الله، ما حق الوالد؟.

قال صلي الله عليه و اله: أن تطيعه ما عاش.

فقيل: وما حق الوالدة؟.

فقال صلي الله عليه و اله: هيهات هيهات، لو أنه عدد رمل عالج، وقطر المطر أيام الدنيا، قام بين يديها، ما عدل ذلك يوم حملته في بطنها ().

وقال صلي الله عليه و اله: من سعادة المرء الزوجة الصالحة ().

وقال صلي الله عليه و اله: لا

تحملوا النساء أثقالكم واستغنوا عنهن ما استطعتم.. ().

وقال صلي الله عليه و اله: الدنيا متاع وخير متاعها الزوجة الصالحة ().

29 اللاعنف

كان المنهج العام في سياسة رسول الله صلي الله عليه و اله هو اللاعنف، في مختلف الحالات ومع الجميع، مع المسلم والكافر، مع المؤمن والمنافق، مع الصديق والعدو.

ومن هنا كانت حروب النبي صلي الله عليه و اله كلها دفاعية، وما أقل القتلي فيها كما سبق.

قال رسول الله صلي الله عليه و اله: ولِّ أمر جنودك أفضلهم في نفسك حلماً، وأجمعهم للعلم وحسن السياسة وصالح الأخلاق، ممن يبطئ عن الغضب، ويسرع إلي العذر، ويرأف بالضعيف، ولا يلح علي القوي، ممن لا يسره العنف، ولا يقعد به الضعف ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام، قال: كان رسول الله صلي الله عليه و اله إذا بعث سرية دعا بأميرها فأجلسه إلي جنبه وأجلس أصحابه بين يديه، ثم قال: سيروا بسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلي ملة رسول الله صلي الله عليه و اله، لا تغدروا ولا تغلوا ولا تمثلوا، ولا تقطعوا شجرة إلاّ أن تضطروا إليها، ولا تقتلوا شيخاً فانياً، ولا صبياً، ولا امرأة، وأيما رجل من أدني المسلمين وأفضلهم نظر إلي أحد من المشركين فهو جار حتي يسمع كلام الله، فإذا سمع كلام الله عزوجل فإن تبعكم فأخوكم في دينكم، وإن أبي فاستعينوا بالله عليه وأبلغوه مأمنه ().

وعن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: إن النبي صلي الله عليه و اله كان إذا أراد أن يبعث أميراً علي سرية أمره بتقوي الله عزوجل في خاصة نفسه ثم في أصحابه عامة، ثم يقول: اغزوا بسم الله وفي سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله

ولاتغدروا ولا تغلوا ولا تمثلوا،ولا تقتلوا وليداً،ولا متبتلاً في شاهق،ولاتحرقوا النخل، ولا تغرقوه بالماء، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تحرقوا زرعاً؛ لأنكم لا تدرون لعلكم تحتاجون إليه، ولا تعقروا من البهائم ما يؤكل لحمه إلاّ ما لابد لكم من أكله، وإذا لقيتم عدواً من المشركين فادعوهم إلي إحدي ثلاث فإن هم أجابوكم إليها فاقبل منهم وكف عنهم: ادعوهم إلي الإسلام وكف عنهم، وادعوهم إلي الهجرة بعد الإسلام؛ فإن فعلوا فاقبل منهم وكف عنهم، وإن أبوا أن يهاجروا واختاروا ديارهم وأبوا أن يدخلوا في دار الهجرة كانوا بمنزلة أعراب المؤمنين يجري عليهم ما يجري علي أعراب المؤمنين، ولا تجري لهم في الفيء من القسمة شيئاً إلاّ أن يجاهدوا في سبيل الله، فإن أبوا هاتين فادعوهم إلي إعطاء الجزية عن يد وهم صاغرون؛ فإن أعطوا الجزية فاقبل منهم وكف عنهم، وإن أبوا فاستعن بالله عليهم وجاهدهم في الله حق جهاده ().

وعن السكوني، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام:

نهي رسول الله صلي الله عليه و اله أن يلقي السم في بلاد المشركين ().

وعن السكوني، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه): بعثني رسول الله صلي الله عليه و اله إلي اليمن وقال لي: يا علي، لا تقاتلن أحداً حتي تدعوه، وأيم الله لأن يهدي الله علي يديك رجلاً خير لك مما طلعت عليه الشمس وغربت، ولك ولاؤه يا علي ().

30 الزهد

كان رسول الله صلي الله عليه و اله زاهداً في الدنيا وزخارفها، بما للكلمة من معني.

وعن أبي عبد الله عليه السلام، قال: نزل جبرئيل علي رسول الله صلي الله عليه و اله فقال له: ربك يقرئك

السلام ويقول لك: هذه بطحاء مكة تكون لك رضراضة ذهب ولا تنقص مما ادخرت لك شيئاً. قال: فنظر رسول الله إلي البطحاء فقال: لا يا رب، ولكن أشبع يوماً فأحمدك وأجوع يوماً فأسألك ().

وعن ابن عباس، قال: إن رسول الله صلي الله عليه و اله دخل عليه عمر وهو علي حصير قد أثر في جنبيه. فقال: يا نبي الله، لو اتخذت فراشاً. فقال: ما لي وللدنيا، ما مثلي ومثل الدنيا إلاّ كراكب سار في يوم صائف فاستظل تحت شجرة ساعة من نهار ثم راح و تركها ().

وعن جعفر بن محمد عليه السلام عن آبائه عليهم السلام، قال: «لقد قبض رسول الله صلي الله عليه و اله وإن درعه لمرهونة عند يهودي من يهود المدينة بعشرين صاعاً من شعير استلفها نفقةً لأهله» ().

وفي الحديث أنه مات رسول الله صلي الله عليه و اله وعليه دَين().

وهكذا كان أمير المؤمنين والإمام الحسن والإمام الحسين عليهم السلام فإنهم استشهدوا وعليهم دَين ().

31 الرحمة المهداة

من صفات رسول الله صلي الله عليه و اله الرحمة المهداة، فكان صلي الله عليه و اله رحمةً للعالمين بأجمعهم، قال تعالي: وَمَآ أَرْسَلْنََاكَ إِلاّ رَحْمَةً لّلْعَالَمِينَ ().

عن أبان الأحمر، عن الصادق جعفر بن محمد عليه السلام، قال: جاء رجل إلي رسول الله صلي الله عليه و اله وقد بلي ثوبه، فحمل إليه اثني عشر درهماً.

فقال: يا علي، خذ هذه الدراهم فاشتر لي ثوباً ألبسه.

قال علي عليه السلام: فجئت إلي السوق فاشتريت له قميصاً باثني عشر درهماً، وجئت به إلي رسول الله صلي الله عليه و اله فنظر إليه.

فقال: يا علي، غير هذا أحب إليَّ، أتري صاحبه يقيلنا؟.

فقلت: لا أدري.

فقال: انظر.

فجئت إلي صاحبه فقلت: إن رسول الله

صلي الله عليه و اله قد كره هذا، يريد ثوباً دونه فأقلنا فيه. فرد عليَّ الدراهم وجئت به إلي رسول الله صلي الله عليه و اله، فمشي معي إلي السوق ليبتاع قميصاً، فنظر إلي جارية قاعدة علي الطريق تبكي، فقال لها رسول الله صلي الله عليه و اله: ما شأنكِ؟.

قالت: يا رسول الله، إن أهل بيتي أعطوني أربعة دراهم لأشتري لهم بها حاجة فضاعت فلا أجسر أن أرجع إليهم.

فأعطاها رسول الله صلي الله عليه و اله أربعة دراهم، وقال: ارجعي إلي أهلكِ. ومضي رسول الله صلي الله عليه و اله إلي السوق فاشتري قميصاً بأربعة دراهم ولبسه وحمد الله، وخرج فرأي رجلاً عرياناً يقول: من كساني كساه الله من ثياب الجنة. فخلع رسول الله صلي الله عليه و اله قميصه الذي اشتراه وكساه السائل، ثم رجع إلي السوق فاشتري بالأربعة التي بقيت قميصاً آخر فلبسه وحمد الله ورجع إلي منزله، وإذا الجارية قاعدة علي الطريق، فقال لها رسول الله صلي الله عليه و اله: ما لكِ لا تأتين أهلكِ؟.

قالت: يا رسول الله، إني قد أبطأت عليهم وأخاف أن يضربوني.

فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: مري بين يدي ودلّيني علي أهلكِ.

فجاء رسول الله صلي الله عليه و اله حتي وقف علي باب دارهم، ثم قال: السلام عليكم يا أهل الدار.

فلم يجيبوه، فأعاد السلام فلم يجيبوه، فأعاد السلام، فقالوا: عليك السلام يا رسول الله ورحمة الله وبركاته.

فقال لهم: ما لكم تركتم إجابتي في أول السلام والثاني؟.

قالوا: يا رسول الله، سمعنا سلامك فأحببنا أن تستكثر منه.

فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: إن هذه الجارية أبطأت عليكم فلا تؤاخذوها.

فقالوا: يا رسول الله، هي حرة لممشاك.

فقال

رسول الله صلي الله عليه و اله: الحمد لله، ما رأيت اثني عشر درهماً أعظم بركة من هذه، كسا الله بها عريانين وأعتق بها نسمة ().

وهكذا كان النبي صلي الله عليه و اله رحمةً للجميع حتي للأمة التي لم يعتنوا بها في المجتمع الجاهلي.

32 الشعائر الدينية

كان رسول الله صلي الله عليه و اله يؤكد علي الشعائر الدينية بمختلف أنواعها، من الصلاة والصيام والحج وسائر العبادات، وحتي مجالس البكاء وما أشبه، بل وحتي الشعائر الحسينية حيث أشار النبي صلي الله عليه و اله إليها وحبذها.

وهذا ما قد رواه الفريقان في كتبهم.

عن جابر قال: لما جرد رسول الله صلي الله عليه و اله حمزة عليه السلام بكي، فلما رأي أمثاله() شهق().

وعن أنس بن مالك، قال: لما رجع رسول الله صلي الله عليه و اله من اُحُد سمع نساء الأنصار يبكين، فقال: «لكن حمزة لا بواكي له»!، فبلغ ذلك نساء الأنصار فبكين لحمزة عليه السلام …، ثم قال: وهو أشهر حديث بالمدينة فإن نساء المدينة لا يندبن موتاهن حتي يندبن حمزة عليه السلام وإلي يومنا هذا().

وعن أبي هريرة، قال: خرج النبي صلي الله عليه و اله علي جنازة ومعه عمر بن الخطاب فسمع نساء يبكين فزبرهن عمر، فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: «يا عمر، دعهن فإن العين دامعة، والنفس مصابة، والعهد قريب» ().

وعن جابر بن عبد الله، قال: فقد رسول الله صلي الله عليه و اله يوم أحد حمزة حين فاء الناس من القتال، قال: فقال رجل: رأيته عند تلك الشجرة وهو يقول: أنا أسد الله وأسد رسوله، اللهم أني أبرأ إليك مما جاء به هؤلاء لأبي سفيان وأصحابه، وأعتذر إليك مما صنع هؤلاء من انهزامهم.

فسار رسول الله صلي الله عليه و اله نحوه فلما رأي جبهته بكي، ولما رأي ما مُثّل به شهق، ثم قال: «ألا كفن»، فقام رجل من الأنصار فرمي بثوب. قال جابر: فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: «سيد الشهداء عند الله تعالي يوم القيامة حمزة» ().

وعن جابر، قال: لما بلغ النبي صلي الله عليه و اله قتل حمزة بكي، فلما نظر إليه شهق. وعن جابر، قال: لما جرد رسول الله صلي الله عليه و اله حمزة بكي فلما رأي مثاله شهق().

وعن أسماء بنت يزيد، قالت: لما توفي ابن رسول الله صلي الله عليه و اله إبراهيم بكي رسول الله صلي الله عليه و اله، فقال له المعزي إما أبو بكر وإما عمر: أنت أحق من عظم الله حقه. قال رسول الله صلي الله عليه و اله: «تدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول ما يسخط الرب، لولا أنه وعد صادق وموعود جامع وأن الآخر تابع الأول لوجدنا عليك يا إبراهيم أفضل مما وجدنا وإنا بك لمحزونون» ().

وعن ابن عمر: إن رسول الله صلي الله عليه و اله مر بنساء عبد الأشهل يبكين هلكاهن يوم أحد، فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: «لكن حمزة لا بواكي له»، فجاء نساء الأنصار يبكين حمزة.

إلي غيرها من الروايات().

رسول الله صلي الله عليه و اله يبكي علي الحسين عليه السلام

عن عائشة، قالت: دخل الحسين بن علي صلي الله عليه و اله علي رسول الله صلي الله عليه و اله وهو يُوحي إليه، فنزا علي رسول الله صلي الله عليه و اله وهو منكب وهو علي ظهره. قال جبريل لرسول الله صلي الله عليه و اله: «أ تحبه

يا محمد؟».

قال: «يا جبريل، ومالي لا أحب ابني».

قال: «فإن أمتك ستقتله من بعدك». فمد جبريل عليه السلام يده فأتاه بتربة بيضاء فقال: «في هذه الأرض يقتل ابنك هذا واسمها الطف».

فلما ذهب جبريل عليه السلام من عند رسول الله صلي الله عليه و اله خرج رسول الله صلي الله عليه و اله والتزمه في يده يبكي. فقال: «يا عائشة، إن جبريل أخبرني أن ابني حسين مقتول في أرض الطف، وأن أمتي ستفتن بعدي»، ثم خرج صلي الله عليه و اله إلي أصحابه فيهم علي وأبو بكر وعمر وحذيفة وعمار وأبو ذر وهو يبكي. فقالوا: ما يبكيك يا رسول الله؟. فقال: «أخبرني جبريل عليه السلام أن ابني الحسين يُقتل بعدي بأرض الطف، وجاءني بهذه التربة وأخبرني أن فيها مضجعه» ().

وعن أم سلمة، قالت: كان رسول الله صلي الله عليه و اله جالساً ذات يوم في بيتي. قال: «لا يدخل عليَّ أحد»، فانتظرت فدخل الحسين عليه السلام فسمعت نشيج رسول الله صلي الله عليه و اله يبكي، فاطلعت فإذا حسين في حجره والنبي صلي الله عليه و اله يمسح جبينه وهو يبكي.

فقلت: والله ما علمت حين دخل.

فقال: «إن جبريل عليه السلام كان معنا في البيت، قال: أفتحبّه؟. قلت: أما في الدنيا فنعم. قال: إن أمتك ستقتل هذا بأرض يقال لها كربلاء». فتناول جبريل من تربتها فأراها النبي صلي الله عليه و اله.

فلما أحيط بحسين عليه السلام حين قُتل قال: «ما اسم هذه الأرض؟». قالوا: كربلاء. فقال: «صدق الله ورسوله كرب وبلاء» وفي رواية: «صدق رسول الله صلي الله عليه و اله أرض كرب وبلاء» ().

وعن أم سلمة، قالت: كان الحسن والحسين عليهما السلام يلعبان بين يدي رسول الله

صلي الله عليه و اله في بيتي، فنزل جبريل فقال: يا محمد، إن أمتك تقتل ابنك هذا من بعدك، وأومئ بيده إلي الحسين عليه السلام. فبكي رسول الله صلي الله عليه و اله وضمه إلي صدره ثم قال رسول الله صلي الله عليه و اله: وضعت عندكِ هذه التربة، فشمها رسول الله صلي الله عليه و اله وقال: ريح كرب وبلاء وقال: يا أم سلمة، إذا تحولت هذه التربة دماً فاعلمي أن ابني قد قتل. فجعلتها أم سلمة في قارورة ثم جعلت تنظر إليها كل يوم وتقول: إن يوماً تحولين دماً ليوم عظيم().

وقالت أم سلمة: دخل الحسين علي النبي صلي الله عليه و اله وأنا جالسة علي الباب، فتطلعت فرأيت في كف النبي صلي الله عليه و اله شيئاً يقلبه وهو نائم علي بطنه. فقلت: يا رسول الله، تطلعت فرأيتك تقلب شيئاً في كفك والصبي نائم علي بطنك ودموعك تسيل؟. فقال: «إن جبريل أتاني بالتربة التي يُقتل عليها وأخبرني أن أمتي يقتلونه» ().

وعن أم الفضل بنت الحارث، أنها دخلت علي رسول الله صلي الله عليه و اله فقالت: يا رسول الله، إني رأيت حلماً منكراً الليلة.

قال: «ما هو؟».

قالت: إنه شديد.

قال: «ما هو؟».

قالت: رأيت كأن قطعة من جسدك قطعت ووضعت في حجري.

فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: «رأيتِ خيراً، تلد فاطمة إن شاء الله غلاماً فيكون في حجرك». فولدت فاطمة الحسين عليهما السلام فكان في حجري كما قال رسول الله صلي الله عليه و اله، فدخلت يوماً إلي رسول الله صلي الله عليه و اله فوضعته في حجره ثم حانت مني التفاتة فإذا عينا رسول الله صلي الله عليه و اله تهريقان من الدموع.

قالت: فقلت: يا نبي الله، بأبي أنت وأمي مالك؟.

قال: «أتاني جبريل صلي الله عليه و اله فأخبرني أن أمتي ستقتل ابني هذا».

فقلت: هذا!!

فقال: «نعم وأتاني بتربة من تربته حمراء» ().

وعن عبد الله بن نجي عن أبيه: إنه سار مع علي صلي الله عليه و اله وكان صاحب مطهرته، فلما حاذي نينوي وهو منطلق إلي صفين فنادي علي: «اصبر أبا عبد الله، اصبر أبا عبد الله بشط الفرات». قلت: وماذا؟. قال: «دخلت علي النبي صلي الله عليه و اله ذات يوم وعيناه تفيضان. قلت: يا نبي، الله أغضبك أحد، ما شأن عينيك تفيضان؟. قال: بل قام من عندي جبريل قبل فحدثني أن الحسين عليه السلام يقتل بشط الفرات. قال: فقال: هل لك أن أشمك من تربته؟. قال: قلت: نعم، فمد يده فقبض قبضة من تراب فأعطانيها فلم أملك عيني أن فاضتا» ().

إلي غيرها مما هو كثير().

33 الصلاة

الصلاة عمود الدين، وكان رسول الله صلي الله عليه و اله كثير الصلاة والعبادة، والتضرع إلي الله عزوجل والخوف منه.

عن أبي ذر، قال: قال رسول الله صلي الله عليه و اله: يا أبا ذر، إن الله جعل قُرة عيني في الصلاة، وحبّبها إليَّ كما حبب إلي الجائع الطعام وإلي الظمآن الماء، وإن الجائع إذا أكل الطعام شبع والظمآن إذا شرب الماء روي وأنا لا أشبع من

الصلاة (). وعن أبي ذر في حديث قال: قلت: يا رسول الله، إنك أمرتني بالصلاة ما الصلاة؟. قال: الصلاة خير موضوع استُكثِر أم استُقِل ().

وعن الزهري، قال: دخلت مع علي بن الحسين عليه السلام علي عبد الملك بن مروان، قال: فاستعظم عبد الملك ما رأي من أثر السجود بين عيني علي بن الحسين عليه السلام.

فقال: يا أبا محمد، لقد بُيِّنَ عليك الاجتهاد ولقد سبق لك من الله الحسني، وأنت بضعة من رسول الله صلي الله عليه و اله قريب النسب وكيد السبب، وإنك لذو فضل عظيم علي أهل بيتِك وذوي عصرك، ولقد أوتيت من الفضل والعلم والدين والورع ما لم يؤته أحد مثلك ولا قبلك إلاّ من مضي من سلفك. وأقبل يثني عليه ويطريه، قال: فقال علي بن الحسين عليه السلام: كل ما ذكرته ووصفته من فضل الله سبحانه وتأييده وتوفيقه، فأين شكره علي ما أنعم، كان رسول الله صلي الله عليه و اله يقف في الصلاة حتي تورم قدماه، ويظمأ في الصيام حتي يعصب فوه. فقيل له: يا رسول الله، ألم يغفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟. فيقول صلي الله عليه و اله: أفلا أكون عبداً شكوراً ().

وعن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: كان رسول الله صلي الله عليه و اله عند عائشة ليلتها. فقالت: يا رسول الله، لم تتعب نفسك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟. فقال: يا عائشة، ألا أكون عبداً شكوراً قال: وكان رسول الله صلي الله عليه و اله يقوم علي أطراف أصابع رجليه فأنزل الله سبحانه وتعالي: طه مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقي () ().

وعن موسي بن جعفر عليه السلام عن أبيه عليه السلام عن آبائه عليهم السلام، عن الحسين بن علي عليه السلام قال: إن يهودياً من يهود الشام وأحبارهم كان قد قرأ التوراة والإنجيل والزبور وصحف الأنبياء عليهم السلام إلي أن قال قال له اليهودي: هذا داود بكي علي خطيئته حتي سارت الجبل معه لخوفه. قال له علي عليه السلام: لقد

كان كذلك، ومحمد صلي الله عليه و اله أعطي ما هو أفضل من هذا، إنه كان إذا قام إلي الصلاة سمع لصدره وجوفه أريز كأريز المرجل علي الأثافي من شدة البكاء وقد آمنه الله عزوجل من عقابه، فأراد أن يتخشع لربه ببكائه فيكون إماماً لمن اقتدي به، ولقد قام صلي الله عليه و اله عشر سنين علي أطراف أصابعه حتي تورمت قدماه واصفر وجهه يقوم الليل أجمع حتي عوتب في ذلك فقال الله عزوجل: طه مَا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقي () بل لتسعد به، ولقد كان يبكي حتي يغشي عليه. فقيل له: يا رسول الله، أليس الله غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟. قال: بلي، أفلا أكون عبداً شكوراً ().

34 مع العصاة والمذنبين

كان رسول الله صلي الله عليه و اله رؤوفاً بالجميع، حتي بالعصاة والمذنبين.

عن أبان، عن أبي العباس، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: أتي النبي صلي الله عليه و اله رجل. فقال: إني زنيت فطهرني. فصرف النبي صلي الله عليه و اله وجهه عنه، فأتاه من جانبه الآخر ثم قال مثل ما قال، فصرف وجهه عنه ثم جاء الثالثة. فقال له: يا رسول الله، إني زنيت وعذاب الدنيا أهون لي من عذاب الآخرة. فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: أبصاحبكم بأس يعني جُنة ؟. فقالوا: لا. فأقر علي نفسه الرابعة فأمر به رسول الله صلي الله عليه و اله أن يرجم، فحفروا له حفيرة فلما وجد مس الحجارة خرج يشتد، فلقيه الزبير فرماه بساق بعير فسقط فعقله به، فأدركه الناس فقتلوه فأخبروا رسول الله صلي الله عليه و اله بذلك. فقال: هلا تركتموه ثم قال لو استتر ثم تاب كان

خيراً له ().

ولما غزا النبي صلي الله عليه و اله يوم حنين قصد إليه شيبة بن عثمان بن أبي طلحة عن يمينه فوجد عباساً، فأتي عن يساره فوجد أبا سفيان بن الحارث، فأتي من خلفه فوقعت بينهما شواظ من نار فرجع القهقري، فرجع النبي صلي الله عليه و اله إليه وقال: يا شيب، يا شيب ادن مني، اللهم أذهب عنه الشيطان. قال: فنظرت إليه ولهو أحب إليَّ من سمعي وبصري. فقال صلي الله عليه و اله: يا شيب، قاتل الكفار. فلما انقضي القتال دخل عليه فقال صلي الله عليه و اله: الذي أراد الله بك خير مما أردته لنفسك، وحدّثه بجميع ما زوي في نفسه فأسلم().

وروي: أن سارة مولاة أبي عمرو بن ضيفي بن هشام أتت النبي صلي الله عليه و اله من مكة مسترفدة، فأمر صلي الله عليه و اله بني عبد المطلب بأسدانها، فأعطاها حاطب بن أبي بلتعة عشرة دنانير علي أن تحمل كتاباً بخبر وفود النبي صلي الله عليه و اله إلي مكة، وكان صلي الله عليه و اله أسر ذلك ليدخل عليهم بغتة()، فأخذت الكتاب وأخفته في شعرها وذهبت، فأتي جبرئيل وقص القصة علي رسول الله صلي الله عليه و اله..

فأنفذ صلي الله عليه و اله علياً والزبير ومقداد وعماراً وعمر وطلحة وأبا مرثد خلفها فأدركوها بروضة خاخ يطالبوها بالكتاب، فأنكرت وما وجدوا معها كتاباً فهموا بالرجوع.

فقال علي عليه السلام: والله ما كذبنا ولا كذبنا، وسلّ سيفه وقال: أخرجي الكتاب وإلا والله لأضربن عنقكِ.

فأخرجته من عقيصتها فأخذ أمير المؤمنين عليه السلام الكتاب وجاء إلي النبي صلي الله عليه و اله، فدعا صلي الله عليه و اله بحاطب بن أبي بلتعة وقال

له: ما حملك علي ما فعلت؟.

قال: كنت رجلاً عزيزاً في أهل مكة أي غريباً ساكناً بجوارهم فأحببت أن أتخذ عندهم بكتابي إليهم مودة ليدفعوا عن أهلي بذلك، فنزل قوله تعالي:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ () (). ثم تركه رسول الله صلي الله عليه و اله.

وروي: أن امرأة يهودية أتته بشاة مسمومة ومع النبي صلي الله عليه و اله بشر بن البراء بن عازب، فتناول النبي صلي الله عليه و اله الذراع وتناول بشر الكراع، فأما النبي صلي الله عليه و اله فلاكها ولفظها وقال: إنها مسمومة، وأما بشر فلاك المضغة وابتلعها فمات، فأرسل صلي الله عليه و اله إليها فأقرت وقال صلي الله عليه و اله: ما حملكِ علي ما فعلتِ؟.

قالت: قتلت زوجي وأشراف قومي فقلت: إن كان ملكاً قتلته، وإن كان نبياً فسيطلعه الله تبارك وتعالي علي ذلك().

وعفي عنها رسول الله صلي الله عليه و اله.

وروي: أن سارة مولاة بني هاشم وكانت مغنية نواحة بمكة، وكانت قد قدمت علي رسول الله صلي الله عليه و اله المدينة تطلب أن يصلها، وشكت إليه الحاجة وذلك بعد بدر وأحد. فقال صلي الله عليه و اله لها: أما كان لكِ في غنائكِ ونياحكِ ما يغنيكِ؟!.

قالت: يا محمد، إن قريشاً منذ قُتل من قتل منهم ببدر تركوا استماع الغناء.

فوصلها رسول الله صلي الله عليه و اله وأوقر لها بعيراً طعاماً، فرجعت إلي قريش وهي علي دينها().

35 الرضا بما قدره الله

كان رسول الله صلي الله عليه و اله قمة في الرضا بما يختار الله له، فكان يحمد الله في السراء والضراء. عن عبد الله بن أبي يعفور، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: «لم

يكن رسول الله صلي الله عليه و اله يقول لشيء قد مضي لو كان غيره» (). وعن سليمان بن خالد، عن أبي عبد الله، عن آبائه عليهم السلام، قال: ضحك رسول الله صلي الله عليه و اله ذات يوم حتي بدت نواجذه، ثم قال: ألا تسألوني مم ضحكت؟. قالوا: بلي يا رسول الله صلي الله عليه و اله. قال: عجبت للمرء المسلم أنه ليس من قضاء يقضيه الله عزوجل له إلا كان خيرا له في عاقبة أمره (). وعن علي بن عبد الله بن العباس، قال: عرض علي رسول الله صلي الله عليه و اله ما هو مفتوح علي أمته من بعده كفراً كفراً()، فسر بذلك فأنزل الله عزوجل: وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأُولي وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضي ()، قال: فأعطاه الله عزوجل ألف قصر في الجنة ترابه المسك، وفي كل قصر ما ينبغي له من الأزواج والخدم(). ودخل رسول الله صلي الله عليه و اله علي فاطمة عليها السلام وهي تبكي وتطحن بالرحي وعليها كساء من أجلة الإبل، فلما رآها بكي وقال: يا فاطمة، تجرعي مرارة الدنيا اليوم لنعيم الآخرة غداً فأنزل الله تعالي: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضي () ().

36 النبي صلي الله عليه و اله خير البشر

كان رسول الله صلي الله عليه و اله خير البشر، بل خير الكائنات بأجمعها، ولِنوره ونور عترته الطاهرة عليهم السلام خلق الله عزوجل الكون والكائنات.

عن سماعة قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: هل صام أحد من آبائك شعبان؟.

قال: خير آبائي رسول الله صلي الله عليه و اله صامه ().

وعن ابن عباس، قال: أتاه رجل يسأله عن الصيام؟. فقال: إن كنت تريد صوم داود عليه السلام فإنه كان من أعبد الناس إلي أن قال

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله:

إن أفضل الصيام صيام أخي داود عليه السلام، وكان يصوم يوماً ويفطر يوماً، وإن كنت تريد صيام سليمان عليه السلام فإنه كان يصوم من أول الشهر ثلاثة ومن وسط الشهر ثلاثة ومن آخره ثلاثة، وإن كنت تريد صوم عيسي عليه السلام فإنه كان يصوم الدهر كله لا يفطر منه شيئاً وإن كنت تريد صوم مريم عليها السلام فإنها كانت تصوم يومين وتفطر يوماً، وإن كنت تريد صوم خير البشر العربي القرشي أبي القاسم صلي الله عليه و اله فإنه كان يصوم ثلاثة أيام من كل شهر ويقول: هي صيام الدهر ().

وجاء في تفسير الإمام العسكري عليه السلام: ثم قال الله عزوجل: وإِذْ آتَيْنَا مُوسَي الْكِتَابَ والْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ () قال الإمام عليه السلام: واذكروا إذ آتينا موسي الكتاب وهو التوراة الذي أخذ علي بني إسرائيل الإيمان به والانقياد لما يوجبه، والفرقان آتيناه أيضاً فرق به ما بين الحق والباطل، وفرق ما بين المحقين والمبطلين، وذلك أنه لما أكرمهم الله تعالي بالكتاب والإيمان به والانقياد له، أوحي الله بعد ذلك إلي موسي عليه السلام: يا موسي، هذا الكتاب قد أقروا به، وقد بقي الفرقان فرق ما بين المؤمنين والكافرين والمحقين والمبطلين، فجدد عليهم العهد به فإني قد آليت علي نفسي قسماً حقاً لا أتقبل من أحد إيماناً ولا عملاً إلا مع الإيمان به.

قال موسي عليه السلام: ما هو يا رب؟.

قال الله عزوجل: يا موسي، تأخذ علي بني إسرائيل أن محمداً خير البشر وسيد المرسلين، وأن أخاه ووصيه علياً خير الوصيين، وأن أولياءه الذين يقيمهم سادة الخلق، وأن شيعته المنقادين له المسلّمين له ولأوامره ونواهيه ولخلفائه نجوم الفردوس الأعلي وملوك

جنات عدن ().

وعن أبي جعفر عليه السلام، قال: إن رسول الله صلي الله عليه و اله لما أسري به نزل جبرئيل عليه السلام بالبراق، وهو أصغر من البغل وأكبر من الحمار، مضطرب الأذنين، عيناه في حوافره، خطاه مد بصره، له جناحان يحفزانه من خلفه، عليه سرج من ياقوت فيه من كل لون، أهدب العرف الأيمن. فوقفه علي باب خديجة ودخل علي رسول الله صلي الله عليه و اله فمرح البراق، فخرج إليه جبرئيل عليه السلام فقال: اسكن، فإنما يركبك خير البشر أحب خلق الله إليه. فسكن ثم خرج رسول الله صلي الله عليه و اله فركب ليلاً وتوجه نحو بيت المقدس ().

37 تحمل الصعاب

لقد تحمل رسول الله صلي الله عليه و اله الصعاب والمشاكل والأذي في سبيل الله تعالي، حتي قال: ما أوذي نبي مثل ما أوذيت ().

وهو صلي الله عليه و اله أسوة لكل العاملين في سبيل الله، فعليهم أن يتحملوا الصعاب لكسب رضا الله تعالي.

وقد ورد في قصة الأحزاب وحفر الخندق: أن النبي صلي الله عليه و اله كان من شدة الجوع مستلقيا علي قفاه وقد شد علي بطنه حجرا.

قال جابر: فجئت إلي المسجد ورسول الله صلي الله عليه و اله مستلقي علي قفاه ورداؤه تحت رأسه وقد شد علي بطنه حجرا() فقلت: يا رسول الله إنه قد عرض لنا جبل لا تعمل المعاول فيه.

فقام صلي الله عليه و اله مسرعا حتي جاءه، ثم دعا بماء في إناء وغسل وجهه وذراعيه ومسح علي رأسه ورجليه ثم شرب ومج ذلك الماء في فيه ثم صبه علي ذلك الحجر، ثم أخذ معولا فضرب ضربة فبرقت برقة فنظرنا فيها إلي قصور الشام، ثم ضرب أخري فبرقت برقة

فنظرنا فيها إلي قصور المدائن، ثم ضرب أخري فبرقت برقة فنظرنا فيها إلي قصور اليمن، فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: أما إنه سيفتح الله عليكم هذه المواطن التي برقت فيها البرق، ثم انهال علينا الجبل كما ينهال الرمل.

فقال جابر فعلمت أن رسول الله صلي الله عليه و اله مقوي أي جائع لما رأيت علي بطنه الحجر، فقلت: يا رسول الله هل لك في الغداء؟

قال: ما عندك يا جابر؟ فقلت: عناق وصاع من شعير.

فقال: تقدم وأصلح ما عندك، الحديث().

وهكذا كان الأنبياء العظام عليهم السلام يتحملون الصعاب في سبيل الله، وكان أكثرهم تحملا هو رسول الله محمد صلي الله عليه و اله.

ورد في قصة النبي نوح عليه السلام: أنه كان الرجل من الكفار يأتي بابنه وهو صغير فيقيمه علي رأس نوح عليه السلام فيقول: يا بني إن بقيت بعدي فلا تطيعن هذا المجنون! وكانوا يثورون إلي نوح فيضربونه حتي يسيل مسامعه دما وحتي لا يعقل شيئا مما يصنع به فيحمل فيرمي في بيت أو علي باب داره مغشيا عليه، فأوحي الله تعالي إليه أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلاّ مَنْ قَدْ آمَنَ () فعندها أقبل علي الدعاء عليهم ولم يكن دعا عليهم قبل ذلك فقال رَبِّ لا تَذَرْ عَلَي

الأرْضِ … () إلي آخر السورة().

وقال الصادق جعفر بن محمد عليه السلام: لما أظهر الله تبارك وتعالي نبوة نوح عليه السلام وأيقن الشيعة أي شيعة نوح بالفرج اشتدت البلوي وعظمت الفرية إلي أن آل الأمر إلي شدة شديدة نالت الشيعة والوثوب إلي نوح بالضرب المبرح حتي مكث عليه السلام في بعض الأوقات مغشيا عليه ثلاثة أيام يجري الدم من أذنه، ثم أفاق وذلك بعد سنة ثلاثمائة

من مبعثه وهو في خلال ذلك يدعوهم ليلا ونهارا فيهربون، ويدعوهم سرا فلا يجيبون، ويدعوهم علانية فيولون، فهمّ بعد ثلاثمائة سنة بالدعاء عليهم وجلس بعد صلاة الفجر للدعاء، فهبط إليه وفد من من السماء السابعة وهو ثلاثة أملاك، فسلموا عليه ثم قالوا له: يا نبي الله لنا حاجة، قال: وما هي؟ قالوا: تؤخر الدعاء علي قومك، فإنها أول سطوة لله عزوجل في الأرض.

قال: قد أخرت الدعاء عليهم ثلاثمائة سنة أخري، وعاد إليهم فصنع ما كان يصنع ويفعلون ما كانوا يفعلون حتي إذا انقضت ثلاثمائة سنة أخري ويئس من إيمانهم جلس في وقت ضحي النهار للدعاء، فهبط عليه وفد من السماء السادسة فسلموا عليه فقالوا: خرجنا بكرة و جئناك ضحوة ثم سألوه مثل ما سأله وفد السماء السابعة فأجابهم إلي مثل ما أجاب أولئك إليه وعاد عليه السلام إلي قومه يدعوهم، فلا يزيدهم دعاؤه إلا فرارا حتي انقضت ثلاثمائة سنة تتمة تسعمائة سنة، فصارت إليه الشيعة وشكوا ما ينالهم من العامة والطواغيت وسألوا الدعاء بالفرج، فأجابهم إلي ذلك وصلي ودعا فهبط عليه جبرئيل عليه السلام فقال له: إن الله تبارك وتعالي قد أجاب دعوتك فقل للشيعة: يأكلوا التمر ويغرسوا النوي ويراعوه حتي يثمر فإذا أثمر فرجت عنهم.

فحمد الله وأثني عليه وعرّفهم ذلك، فاستبشروا، فأخبرهم نوح بما أوحي الله تعالي إليه ففعلوا ذلك وراعوه حتي أثمر، ثم صاروا بالثمر إلي نوح عليه السلام وسألوه أن ينجز لهم الوعد، فسأل الله عزوجل عن ذلك فأوحي إليه قل لهم كلوا هذا التمر واغرسوا النوي فإذا أثمرت فرجت عنكم، فلما ظنوا أن الخلف قد وقع عليهم ارتد منهم الثلث وثبت الثلثان، فأكلوا التمر وغرسوا النوي حتي إذا أثمر أتوا به

نوحا عليه السلام فأخبروه وسألوه أن ينجز لهم الوعد، فسأل الله عزوجل عن ذلك فأوحي إليه قل لهم كلوا هذا التمر واغرسوا النوي، فارتد الثلث الآخر وبقي الثلث، فأكلوا التمر وغرسوا النوي، فلما أثمر أتوا به نوحا عليه السلام ثم قالوا له: لم يبق منا إلا القليل ونحن نتخوف علي أنفسنا بتأخر الفرج أن نهلك.

فصلي نوح عليه السلام ثم قال: يا رب لم يبق من أصحابي إلا هذه العصابة وإني أخاف عليهم الهلاك أن تؤخر الفرج عنهم، فأوحي الله عزوجل إليه قد أجبت دعوتك فاصنع الفلك، فكان بين إجابة الدعاء وبين الطوفان خمسون سنة().

وعن عكرمة قال: سمعت عليا عليه السلام يقول: لما انهزم الناس يوم أحد عن رسول الله صلي الله عليه و اله لحقني من الجزع عليه ما لم يلحقني قط، ولم أملك نفسي وكنت أمامه أضرب بسيفي بين يديه، فرجعت أطلبه فلم أره فقلت: ما كان رسول الله صلي الله عليه و اله ليفر وما رأيته في القتلي وأظنه رفع من بيننا إلي السماء، فكسرت جفن سيفي وقلت في نفسي: لأقاتلن به عنه حتي اُقتل، وحملت علي القوم فأفرجوا عني وإذا أنا برسول الله صلي الله عليه و اله قد وقع علي الأرض مغشيا عليه!! فقمت علي رأسه فنظر إلي فقال: ما صنع الناس يا علي؟ فقلت: كفروا يا رسول الله وولوا الدبر من العدو وأسلموك، فنظر النبي صلي الله عليه و اله إلي كتيبة قد أقبلت إليه فقال لي رد عني يا علي هذه الكتيبة فحملت عليها أضربها بسيفي يمينا وشمالا حتي ولوا الأدبار، فقال النبي صلي الله عليه و اله: أما تسمع يا علي مديحك في السماء إن ملكا يقال له

رضوان ينادي: لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتي إلا علي.

فبكيت سرورا وحمدت الله سبحانه وتعالي علي نعمته().

38 الحث علي الزواج

كان رسول الله صلي الله عليه و اله يؤكد كثيراً علي الزواج، وأنه ضرورة اجتماعية دينية خاصة للشباب.

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: جاء رجل إلي النبي صلي الله عليه و اله فشكا إليه الحاجة، فقال: تزوّج. فتزوّج فوُسّع عليه ().

وكان المسلمون يسهلون أمر الزواج، ولم تكن هذه التعقيدات الموجودة اليوم.

وعن عكاف بن وداعة الهلالي، قال: أتيت إلي رسول الله صلي الله عليه و اله فقال لي: يا عكاف، ألك زوجة؟. قلت: لا.

قال صلي الله عليه و اله: ألك جارية؟. قلت: لا.

قال صلي الله عليه و اله: وأنت صحيح موسر؟. قلت: نعم والحمد لله.

قال صلي الله عليه و اله: فإنك إذاً من إخوان الشياطين، إما أن تكون من رهبان النصاري، وإما أن تصنع كما يصنع المسلمون وإن من سنتنا النكاح، شراركم عزابكم، وأراذل موتاكم عزابكم إلي أن قال: ويحك يا عكاف تزوّج.. تزوّج فإنك من الخاطئين. قلت: يا رسول الله، زوّجني قبل أن أقوم. فقال صلي الله عليه و اله:

زوجتك كريمة بنت كلثوم الحميري ().

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: أنكحت زيد بن حارثة زينب بنت جحش، وأنكحت المقداد ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب؛ ليعلموا أن أشرف الشرف الإسلام ().

وعن علي عليه السلام، قال: إن جماعة من الصحابة كانوا حرّموا علي أنفسهم النساء والإفطار بالنهار والنوم بالليل، فأخبرت أم سلمة رسول الله صلي الله عليه و اله فخرج إلي أصحابه. فقال: أترغبون عن النساء! إني آتي النساء وآكل بالنهار وأنام بالليل، فمن رغب عن سنتي فليس مني، وأنزل الله: لاَ تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا

أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلاَلاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ ().

الحياة الزوجية السعيدة

الحياة الزوجية السعيدة لها مقومات بيّنها رسول الله صلي الله عليه و اله، وأفضل نموذج في ذلك حياته صلي الله عليه و اله مع أم المؤمنين خديجة عليها السلام حيث كان ملؤها الإيمان والمحبة.

نشأت خديجة بنت خويلد بن أسد عليها السلام في بيت شرف ويسار. وكانت امرأة حازمة لبيبة شريفة، وهي يومئذ أوسط قريش نسباً، وأعظمهم شرفاً، وأكثرهم مالاً، وكانت ذات تجارة تبعث بها إلي الشام، تستأجر الرجال وتدفع لهم المال مضاربة بشيء تجعله منه. فلما بلغها عن رسول الله صلي الله عليه و اله من صدق حديثه وعظيم أمانته وكرم أخلاقه، بعثت إليه وعرضت عليه أن يخرج في مالها تاجراً إلي الشام وتعطيه أفضل ما كانت تعطي غيره من التجار. وبعد ذلك بعثت إلي رسول الله صلي الله عليه و اله وقالت له: يا ابن عم، إني قد رغبت فيك لقرابتك مني، وشرفك في قومك، وسطتك فيهم، وأمانتك عندهم، وحسن خلقك، وصدق حديثك، ثم عرضت عليه نفسها للزواج، وكانت أسن منه بخمس عشرة سنة علي رواية، فتزوجها رسول الله صلي الله عليه و اله قبل النبوة وقد مهرها اثنتي عشرة أوقية وكذلك كانت مهور نسائه. فولدت له القاسم وكان يكني به وعبد الله وهو الطاهر والطيب وزينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة عليها السلام. ولما بُعث رسول الله صلي الله عليه و اله دعاها إلي الإسلام فآمنت وصدقت وآزرت، فكانت أول من أسلمت من النساء.

عن محمد بن إسحاق، قال: كانت خديجة أول من آمن بالله ورسوله، وصدقت بما جاء من الله،

ووازرته علي أمره، فخفف الله بذلك عن رسول الله صلي الله عليه و اله، وكان لا يسمع شيئاً يكرهه من رد عليه وتكذيب له فيحزنه ذلك إلاّ فرج الله ذلك عن رسول الله صلي الله عليه و اله بها إذا رجع إليها، تثبته وتخفف عنه وتهون عليه أمر الناس حتي ماتت رحمها الله().

وقد ورد عن النبي صلي الله عليه و اله في فضلها وعظيم منزلتها أحاديث عديدة رواها المسلمون جميعاً. فعن عبد الله بن جعفر، قال: قال رسول الله صلي الله عليه و اله: أُمرت أن أبشر خديجة ببيت من قصب لا صخب فيه ولا نصب ().

وعن أنس بن مالك، عن النبي صلي الله عليه و اله، قال: حسبك من نساء العالمين: مريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، وآسية ابنة مزاحم امرأة فرعون ().

وعن أبي هريرة، قال: أتي جبرئيل عليه السلام النبي صلي الله عليه و اله، فقال: هذه خديجة قد أتتك معها إناء مغطي فيه أدام أو طعام أو شراب، فإذا هي أتتك فاقرأ

عليها السلام من ربها ومني، وبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه

ولا نصب ().

وقال ابن هشام: حدثني من أثق به: أن جبرئيل أتي النبي صلي الله عليه و اله فقال:

أقرئ خديجة من ربها السلام. فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: يا خديجة، هذا جبرئيل يقرئكِ من ربكِ السلام. قالت خديجة: الله السلام ومنه السلام، وعلي جبرئيل السلام ().

ولذلك كان رسول الله صلي الله عليه و اله يحبها حباً جماً، وكذلك يحبّ من يحبها ويكرم من يكرمها، فلم يتزوج عليها في حياتها إكراماً لها، وكان صلي الله عليه و اله لا يسأم من الثناء عليها

والاستغفار لها.

يروي: أن عجوزاً دخلت علي النبي صلي الله عليه و اله فألطفها، فلما خرجت سألته عنها عائشة فقال صلي الله عليه و اله: إنها كانت تأتينا زمن خديجة، وإن حسن العهد من الإيمان ().

وعن عائشة، قالت: كان رسول الله صلي الله عليه و اله إذا ذكر خديجة لم يسأم من ثناء عليها واستغفار لها، فذكرها ذات يوم فحملتني الغيرة فقلت: لقد عوضك الله من كبيرة السن. قالت: فرأيت رسول الله صلي الله عليه و اله غضب غضباً شديداً فسقطت في يدي، فقلت: اللهم إنك إن أذهبت بغضب رسولك صلي الله عليه و اله لم أعد لذكرها بسوء ما بقيت، قالت: فلما رأي رسول الله صلي الله عليه و اله ما لقيت. قال: كيف قلتِ، والله لقد آمنَتْ بي إذ كفر الناس، وآوتني إذ رفضني الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، ورزقت مني الولد حيث حرمتموه ().

روايات في الحياة الزوجية

عن ضريس الكناسي، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: إن امرأةً أتت رسول الله صلي الله عليه و اله لبعض الحاجة. فقال لها: لعلكِ من المسوفات!.

قالت: وما المسوفات يا رسول الله؟.

قال: المرأة التي يدعوها زوجها لبعض الحاجة فلا تزال تسوفه حتي ينعس زوجها فينام، فتلك التي لا تزال الملائكة تلعنها حتي يستيقظ زوجها ().

وعن النبي صلي الله عليه و اله، قال: من كان له امرأة تؤذيه لم يقبل الله صلاتها ولاحسنةً من عملها حتي تعينه وترضيه، وإن صامت الدهر وقامت، وأعتقت الرقاب، وأنفقت الأموال في سبيل الله، وكانت أول من ترد النار.

ثم قال رسول الله صلي الله عليه و اله: وعلي الرجل مثل ذلك الوزر والعذاب إذا كان لها مؤذياً ظالماً، ومن صبر علي سوء خلق

امرأته واحتسبه أعطاه الله بكل مرة يصبر عليها من الثواب مثل ما أعطي أيوب علي بلائه، وكان عليها من الوزر في كل يوم وليلة مثل رمل عالج، فإن ماتت قبل أن تعتبه وقبل أن يرضي عنها حشرت يوم القيامة منكوسةً مع المنافقين في الدرك الأسفل من النار، ومن كانت له امرأة ولم توافقه ولم تصبر علي ما رزقه الله وشقت عليه وحملته ما لم يقدر عليه، لم يقبل الله لها حسنةً تتقي بها النار وغضب الله عليها ما دامت

كذلك ().

وفي خبر المناهي: عن الصادق عليه السلام عن أبيه عليه السلام عن آبائه عليهم السلام عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، قال: نهي رسول الله صلي الله عليه و اله أن تخرج المرأة من بيتها بغير إذن زوجها؛ فإن خرجت لعنها كل ملك في السماء، وكل شيء تمر عليه من الجن والإنس حتي ترجع إلي بيتها. ونهي أن تتزين لغير زوجها؛ فإن فعلت كان حقاً علي الله عزوجل أن يحرقها بالنار. ونهي أن تتكلم المرأة عند غير زوجها وغير ذي محرم منها أكثر من خمس كلمات مما لابد لها منه ().

وعن علي بن جعفر، عن أخيه موسي بن جعفر عليه السلام، قال: سألته عن المرأة العاصية لزوجها هل لها صلاة، وما حالها؟.

قال عليه السلام: لا تزال عاصيته حتي يرضي عنها.

وسألته عن المرأة لها أن تعطي من بيت زوجها من غير إذنه؟.

قال عليه السلام: لا، إلا أن يحللها.

وسألته عن المرأة هل لها أن تخرج من بيت زوجها بغير إذنه؟.

قال عليه السلام: لا ().

وعن النبي صلي الله عليه و اله أنه قال في حجة الوداع: أيها الناس، إن النساء عندكم عوان لا يملكن لأنفسهن ضراً

ولا نفعاً، أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمات الله، فلكم عليهن حق ولهن عليكم حق، ومن حقكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم، ولا يعصينكم في معروف؛ فإذا فعلن ذلك فلهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف ولا تضربوهن ().

وجاء رجل إلي رسول الله صلي الله عليه و اله فقال: إن لي زوجة إذا دخلت تلقتني، وإذا خرجت شيعتني، وإذا رأتني مهموماً قالت لي: ما يهمك إن كنت تهتم لرزقك فقد تكفل لك به غيرك، وإن كنت تهتم بأمر آخرتك فزادك الله هماً.

فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: إن لله عمالاً وهذه من عماله، لها نصف أجر الشهيد ().

39 مع الشباب

كان رسول الله صلي الله عليه و اله كثير الاهتمام بالشباب، فعندما يري شاباً يكرمه ويحترمه ويقبل إليه، فيسأله عن اسمه وعن عمله، وهل أنه متزوج أم لا؟، ثم يقدم له نصيحة.

عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: أتي رسول الله صلي الله عليه و اله شاب من الأنصار فشكا إليه الحاجة، فقال له: تزوج. فقال الشاب: إني لأستحيي أن أعود إلي رسول الله صلي الله عليه و اله. فلحقه رجل من الأنصار، فقال: إن لي بنتاً وسيمة. فزوجها إياه، قال: فوسع الله عليه فأتي الشاب النبي صلي الله عليه و اله فأخبره. فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: يا معشر الشباب عليكم بالباه (). أي بالزواج.

وعن النبي صلي الله عليه و اله، أنه قال: يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباه فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فليدمن الصوم فإن له وجاء ().

وعن زيد بن ثابت، قال: قال لي رسول الله صلي الله عليه و اله: يا زيد، تزوجت؟.

قلت: لا. قال: تزوج تستعف مع عفتك، ولا تزوجن خمساً. قال زيد: من هنّ؟. قال: لا تزوجن شهبرة، ولا لهبرة، ولا نهبرة، ولا هيدرة، ولا لفوتاً. قال زيد: ما عرفت مما قلت شيئاً؟. قال صلي الله عليه و اله: أ لستم عرباً، أما الشهبرة فالزرقاء البذية، وأما اللهبرة فالطويلة المهزولة، وأما النهبرة فالقصيرة الدميمة، وأما الهيدرة فالعجوز المدبرة، وأما اللفوت فذات الولد من غيرك ().

40 في متناول الفقراء

كان رسول الله صلي الله عليه و اله في متناول الفقراء، ومع جميع طبقات شعبه دائماً، حتي عندما شكل الحكومة الإسلامية في المدينة وكان قائداً عاماً لها.

عن موسي بن جعفر عليه السلام قال: قال جعفر بن محمد عليه السلام عن أبيه عليه السلام عن آبائه عليهم السلام: أن رسول الله صلي الله عليه و اله كان يأتي أهل الصفة وكانوا ضيفان رسول الله صلي الله عليه و اله، كانوا هاجروا من أهاليهم وأموالهم إلي المدينة، فأسكنهم رسول الله صلي الله عليه و اله صُفة المسجد وهم أربعمائة رجل، يسلّم صلي الله عليه و اله عليهم بالغداة والعشي، فأتاهم ذات يوم فمنهم من يخصف نعله ومنهم من يرقع ثوبه ومنهم من يتفلي، وكان رسول الله صلي الله عليه و اله يرزقهم مداً مداً من تمر في كل يوم. فقام رجل منهم فقال: يا رسول الله، التمر الذي ترزقنا قد أحرق بطوننا!.

فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: أما إني لو استطعت أن أطعمكم الدنيا لأطعمتكم، ولكن من عاش منكم بعدي فسيغدي عليه بالجفان ويراح عليه بالجفان، ويغدو أحدكم في قميصة ويروح في أخري، وتنجدون بيوتكم كما تنجد الكعبة.

فقام رجل فقال: يا رسول الله، إنا إلي ذلك الزمان بالأشواق فمتي

هو؟.

قال صلي

الله عليه و اله: زمانكم هذا خير من ذلك الزمان، إنكم إن ملأتم بطونكم من الحلال توشكون أن تملئوها من الحرام ().

وعن جابر بن عبد الله، قال: غزا رسول الله صلي الله عليه و اله إحدي وعشرين غزوة بنفسه، شاهدت منها تسعة عشر وغبت عن اثنتين، فبينا أنا معه في بعض غزواته إذ أعيانا ضحي تحتي بالليل فبرك، وكان رسول الله صلي الله عليه و اله في آخرنا في آخريات الناس، فيزجي الضعيف ويردف ويدعو لهم، فانتهي إليَّ وأنا أقول: يا لهف أماه وما زال لنا ناضح سوء.

فقال صلي الله عليه و اله: من هذا؟.

فقلت: أنا جابر بأبي أنت وأمي يا رسول الله.

قال صلي الله عليه و اله: ما شأنك؟.

قلت: أعيا ناضحي.

فقال صلي الله عليه و اله: أمعك عصا؟.

فقلت: نعم.

فضربه() ثم بعثه ثم أناخه ووطئ علي ذراعه وقال: اركب.

فركبت فسايرته فجعل جملي يسبقه، فاستغفر لي تلك الليلة خمسا وعشرين مرة. فقال لي: ما ترك عبد الله من الولد؟، يعني أباه.

قلت: سبع نسوة.

قال صلي الله عليه و اله: أبوك عليه دين؟.

قلت: نعم.

قال صلي الله عليه و اله: فإذا قدمت المدينة فقاطعهم، فإن أبوا فإذا حضر جذاذ نخلكم فآذني.

وقال صلي الله عليه و اله: هل تزوجت؟.

قلت: نعم.

قال صلي الله عليه و اله: بمن؟.

قلت: بفلانة بنت فلان، بأيم كانت بالمدينة.

قال صلي الله عليه و اله: فهلا فتاة تلاعبها وتلاعبك؟.

قلت: يا رسول الله، كن عندي نسوة خرق يعني أخواته فكرهت أن آتيهن بامرأة خرقاء، فقلت: هذه أجمع لأمري.

قال صلي الله عليه و اله: أصبت ورشدت.

فقال صلي الله عليه و اله: بكم اشتريت جملك؟.

فقلت: بخمس أواق من ذهب.

قال صلي الله عليه و اله: قد أخذناه.

فلما قدم المدينة أتيته بالجمل، فقال

صلي الله عليه و اله: يا بلال، أعطه خمس أواق من ذهب يستعين به في دَين عبد الله، وزده ثلاثاً واردد عليه جمله.

قال صلي الله عليه و اله: هل قاطعت غرماء عبد الله؟.

قلت: لا يا رسول الله.

قال صلي الله عليه و اله: أ ترك وفاءً؟.

قلت: لا. قال صلي الله عليه و اله: لا عليك، إذا حضر جذاذ نخلكم فآذني.

فأذنته فجاء فدعا لنا، فجذذنا واستوفي كل غريم ما كان يطلب تمراً وفاء وبقي لنا ما كنا نجذ وأكثر.

فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: ارفعوا ولا تكيلوا، فرفعناه وأكلنا منه زماناً ().

وعن عنبسة بن مصعب، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: سمعته يقول: أُتي النبي صلي الله عليه و اله بشيء فقسّمه فلم يسع أهل الصفة جميعاً، فخص به أناساً منهم، فخاف رسول الله صلي الله عليه و اله أن يكون قد دخل قلوب لآخرين شيء، فخرج إليهم فقال: معذرة إلي الله عزوجل وإليكم يا أهل الصفة، إنا أوتينا بشيء فأردنا

أن نقسمه بينكم فلم يسعكم، فخصصت به أناساً منكم خشينا جزهم

وهلعهم ().

41 الحياء والعفة

كان رسول الله صلي الله عليه و اله في قمة الحياء والعفة.

عن أبي عبد الله عليه السلام في خطبة له خاصة يذكر فيها حال النبي صلي الله عليه و اله والأئمة عليهم السلام وصفاتهم: «فلم يمنع ربنا لحلمه وأناته وعطفه ما كان من عظيم جرمهم وقبيح أفعالهم أن انتجب لهم أحب أنبيائه إليه، وأكرمهم عليه: محمد بن عبد الله صلي الله عليه و اله، في حومة العز مولده، وفي دومة الكرم محتده، غير مشوب حسبه، ولا ممزوج نسبه ولا مجهول، عند أهل العلم صفته، بشرت به الأنبياء عليهم السلام في كتبها، ونطقت

به العلماء بنعتها، وتأملته الحكماء بوصفها، مهذب لا يداني، هاشمي لايوازي، أبطحي لايُسامي، شيمته الحياء، وطبيعته السخاء، مجبول علي أوقار النبوة وأخلاقها … » ().

وقال الإمام أمير المؤمنين A: كنت قاعداً في البقيع مع رسول الله صلي الله عليه و اله في يوم دجن ومطر، إذ مرت امرأة علي حمار فوقع يد الحمار في وهدة فسقطت المرأة، فأعرض النبي صلي الله عليه و اله بوجهه، قالوا: يا رسول الله، إنها متسرولة؟.

قال: اللهم اغفر للمتسرولات ثلاثاً يا أيها الناس، اتخذوا السراويلات فإنها من أستر ثيابكم، وحصنوا بها نساؤكم إذا خرجن ().

وعن أبي سعيد الخدري، قال: كان رسول الله صلي الله عليه و اله حيياً لا يُسأل شيئاً إلا أعطاه().

وعنه قال: كان رسول الله صلي الله عليه و اله أشد حياءً من العذراء في خدرها، وكان إذا كره شيئاً عرفناه في وجهه().

ونظر النبي صلي الله عليه و اله إلي رجل يغتسل بحيث يراه الناس. فقال: أيها الناس، إن الله يحب من عباده الحياء والستر، فأيكم اغتسل فليتوار من الناس فإن الحياء زينة الإسلام ().

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: من لا حياء له فلا إيمان له ().

وقال صلي الله عليه و اله: استحيوا من الله حق الحياء ().

وقال صلي الله عليه و اله: الحياء شعبة من الإيمان ().

وقال صلي الله عليه و اله: الإيمان عريان ولباسه التقوي وزينته الحياء ().

وقد فسروا الحياء: بانقباض النفس عن القبائح، وقالوا هو من خصائص الإنسان فلا يوجد في الحيوان كالفرس والغنم والبقر ونحوها. وقد جعله الله تعالي في الإنسان ليرتدع عما تنزع إليه نفسه من القبيح فلا يكون كالبهيمة، قالوا وهو خُلق مركب من جبن وعفة.

وقال رسول الله صلي

الله عليه و اله: ثلاث أخافهن علي أمتي من بعدي: الضلالة بعد المعرفة، ومضلات الفتن، وشهوة البطن والفرج ().

42 مخالفة الهوي

من أهم ما يوجب الفوز بسعادة الدارين مخالفة الهوي، وقد أكد رسول الله صلي الله عليه و اله علي ذلك. وكان النبي صلي الله عليه و اله أول من يخالف هواه، كما سبق في بعض أخلاقياته.

قال رسول الله صلي الله عليه و اله: جاهدوا أهواءكم تملكوا أنفسكم ().

وقال النبي صلي الله عليه و اله لأصحابه عند عودته من غزوة تبوك: مرحباً بقوم قضوا الجهاد الأصغر! وبقي عليهم الجهاد الأكبر!. قيل: يا رسول الله، وما الجهاد الأكبر؟. قال صلي الله عليه و اله: جهاد النفس ().

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: جاهدوا أنفسكم علي شهواتكم تحل قلوبكم الحكمة ().

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: أعدي عدوك نفسك التي بين جنبيك ().

وقال صلي الله عليه و اله: الكيّس من الناس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من اتبع نفسه هواها وتمني علي الله عزوجل الأماني ().

وقال صلي الله عليه و اله: ثلاث مهلكات وثلاث منجيات، فالثلاث المهلكات: شح مطاع وهوي متبع وإعجاب المرء بنفسه، الخبر ().

43 تغيير الأسماء القبيحة

كان من أخلاق رسول الله صلي الله عليه و اله أن يغير الأسماء القبيحة للأشخاص أو البلدان إلي أسماء حسنة.

فعن الحسين بن علوان، عن جعفر عليه السلام عن آبائه عليهم السلام: إن رسول الله صلي الله عليه و اله كان يغير الأسماء القبيحة في الرجال والبلدان ().

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: استحسنوا أسماءكم؛ فإنكم تدعون بها يوم القيامة، قم يا فلان بن فلان إلي نورك، وقم يا فلان بن فلان لا نور لك ().

وقد وفد علي رسول الله صلي الله عليه و اله حي من العرب، فقال: بنو من أنتم؟.

قالوا: بنو نُهم،

بضم الميم.

فقال: نهم شيطان، أنتم بنو عبد الله ().

ومن الوفود التي قدمت علي رسول الله صلي الله عليه و اله وفد طيء وفيهم زيد الخيل وعدي بن حاتم، فعرض عليهم الإسلام فأسلموا وحسن إسلامهم، وسماه رسول الله صلي الله عليه و اله زيد الخير().

وعن أبي أيوب: أن رسول الله صلي الله عليه و اله نهي أن يقال للمدينة يثرب().

وعن عبد الله بن جعفر، قال: سمي رسول الله صلي الله عليه و اله المدينة طيبة().

وعن سماك بن حرب قال: سمعت النعمان بن بشر يقول: سمعت رسول الله صلي الله عليه و اله يسمي المدينة طابة().

وقال صلي الله عليه و اله: إن الله أمرني أن أسمي المدينة طيبة.

وعن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه، قال: لما أقبلنا من غزوة تبوك قال رسول الله صلي الله عليه و اله: هذه طيبة أسكننيها ربي ().

وعن أبي حميد الساعدي، قال: خرجنا مع رسول الله صلي الله عليه و اله عام تبوك، قال: فقال: إني متعجل فمن أحب منكم أن يتعجل معي فليفعل. فخرج وخرجنا حتي إذا أوفي علي المدينة قال: هذه طابة ().

وعن جابر بن سمرة: أنهم كانوا يقولون: المدينة ويثرب. فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: إن الله سماها طابة ().

وعنه قال: كانوا يسمون المدينة بثرب، فسماها رسول الله صلي الله عليه و اله طيبة ().

وقال النبي صلي الله عليه و اله: من قال للمدينة: يثرب فليقل: أستغفر الله ثلاثاً، هي: طابة، هي طابة، هي طابة ().

وعن ابن عباس، عن رسول الله صلي الله عليه و اله، قال: لا تدعونها يثرب فإنها طيبة يعني المدينة، ومن قال: يثرب، فليستغفر الله ثلاث مرات، هي طيبة، هي طيبة،

هي طيبة.

فإن كلمة يثرب مأخوذة من الثرب بالتحريك وهو الفساد، أو من التثريب وهو المؤاخذة بالذنب، وكان صلي الله عليه و اله يحب الاسم الحسن، ولهذا أسماها طابة وطيبة. وأما تسميتها في القرآن يثرب فذلك حكاية عن قول المنافقين، حيث قال تعالي: وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مّرَضٌ مّا وَعَدَنَا اللّهُ وَرَسُولُهُ إِلاّ غُرُوراً وَإِذْ قَالَت طّآئِفَةٌ مّنْهُمْ يَأَهْلَ يَثْرِبَ لاَ مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُواْ وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مّنْهُمُ النّبِيّ يَقُولُونَ إِنّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلاّ فِرَارا ().

وفي شرح النهج:

(كان رسول الله صلي الله عليه و اله يغير بعض الأسماء، سمي أبا بكر عبد الله وكان اسمه في الجاهلية عبد الكعبة، وسمي ابن عوف عبد الرحمن وكان اسمه عبد الحارث، وسمي شعب الضلالة شعب الهدي، وسمي يثرب طيبة، وسمي بني الريبة بني الرشدة، وبني معاوية بني مرشدة.

كان سعيد بن المسيب بن حزن المخزومي أحد الفقهاء المشهورين أتي جده رسول الله صلي الله عليه و اله فقال له: ما اسمك؟. قال: حزن. قال صلي الله عليه و اله: لا بل أنت سهل. فقال: لا بل أنا حزن. عاوده فيها ثلاثاً ثم قال: لا أحب هذا الاسم، السهل يوطأ ويمتهن. فقال صلي الله عليه و اله: فأنت حزن. فكان سعيد يقول: فما زلت أعرف تلك الحزونة فينا)().

44 التعامل مع الكفار

كان رسول الله صلي الله عليه و اله نموذجاً في علاقته الطيبة مع الإنسان بما هو إنسان، فكان يحترم الجميع حتي الكفار ويسعي في هدايتهم إلي الحق بالحكمة والموعظة الحسنة؛ فإن لم يهتدوا لم يبدأهم بحرب بل يتركهم وشأنهم.

إن الإسلام قد جعل في علاقة المسلمين بغيرهم أصولاً كلها عقلية، وهي علي أتم وجه، قال تعالي: يَا أَيُّهَا

النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثي وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (). ولم يخصص الله سبحانه وتعالي هذا الحكم بالنسبة إلي المسلمين فحسب، بل يشمل المسلمين والكفار حيث قال: يا أيها الناس …

وفي حديث عن رسول الله صلي الله عليه و اله، إنه قال: من ظلم ذمياً أو معاهداً فأنا خصمه يوم القيامة، ومن كنت خصمه خاصمته ().

وقال تعالي: لاَ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَي إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ

الظَّالِمُونَ ().

وقد أراد رسول الله صلي الله عليه و اله اختلاط المسلمين بغير المسلمين ليطلع غير المسلمين علي عقائد المسلمين وحسن أخلاقهم وأعمالهم وشعائرهم حتي يرغبوا في الإسلام عقيدة وعملاً، حيث إن الإسلام جميل في كل شؤونه، فإذا رآه غير المسلم انجذب إليه، ومن مقتضيات العلاقة بينهما المخالطة وتبادلهم المصالح والمنافع وتقوية الصلات، سواء كانوا كفاراً ذميين أم محايدين أم معاهدين، وإنما المستثني من ذلك الكفار المحاربون في الجملة.

وكان الأمر في حسن العلاقات وحسن التعامل وحسن المعاشرة بين المسلمين ومختلف الكفار منذ فجر الإسلام، وقد ذكرنا في بعض كتبنا أن الأمر المشهور بأن غير الكتابي يخير بين قبول الإسلام أو المحاربة لا دليل قوي عليه، كما لا أثر له في مرحلة التطبيق الخارجي في مختلف عصور المسلمين، كما يلاحظ ذلك بالنسبة إلي حكام المسلمين الذين استولوا علي الهند وغير الهند، ومن القديم كان فيها المسلمون وغير المسلمين، الكتابيون وغير الكتابيين، من عبدة الأصنام، وعبدة النار، وعبدة الماء، وعبدة

البقر، وغير ذلك من الأديان المتعددة التي لا تمت إلي أهل الكتاب (اليهود والنصاري والمجوس) بشيء.

فمن حق غير المسلمين في حدودهم وأطُرهم أن يمارسوا شعائرهم ويظهروا عقائدهم، ولا تهدم لهم كنيسة ولا بيعة ولا صلوات ولا سائر المعابد، ولا يكسر لهم صليب أو ما يدل علي شعاراتهم ومقدساتهم، ولا يهضم لهم حق، ولا ينتقص من حقوقهم ما داموا ملتزمين بالولاء للدولة الإسلامية، محترمين لعقيدتها، غير متعاونين مع أعداء الدولة علي صفة الجواسيس وما أشبه ضد المسلمين.

ولذا نشاهد في التاريخ أن الذين دخلوا في الإسلام لم يدخلوا فيه عن سيف وإكراه، وإنما كان السيف لأجل تغيير الحاكم الظالم فقط وإنقاذ المظلومين، ولكن الناس دخلوا بأنفسهم في الإسلام رغبة، وذلك لما رأوا فيه من الحسن والواقعية والمنطق والبرهان والتسامح واللاعنف، ثم إن أخذ الجزية من غير المسلمين هو في مقابل أخذ الزكاة من المسلمين وإنما الفرق في اللفظ، فالجزية أخذ جزء من مال الكفار في مقابل الزكاة التي هي عبارة عن التزكية والتطهير للنفس والمال.

ولم يكن الإسلام يحترم الكفار فيما لهم من الحقوق فحسب، بل كان يحترمهم حتي فيما لم يكن لهم من الحقوق، كما نشاهد ذلك في قصة زيد الذي كان من أحبار اليهود، فإنه أقرض النبي صلي الله عليه و اله قرضاً كان النبي صلي الله عليه و اله قد احتاج إليه، ثم رأي زيد أن يذهب قبل ميعاد الوفاء المحدد ليطالب بدَينه. قال زيد: فأتيت الرسول صلي الله عليه و اله فأخذت بمجامع قميصه وردائه ونظرت إليه بوجه غليظ وقلت: يا محمد، ألا تقضيني دَيني فو الله ما علمتكم يا بني عبد المطلب إلاّ مطلاً. فنظر إليَّ عمر وعيناه تدوران في وجهه ثم رماني

ببصره فقال: يا عدو الله، أتقول لرسول الله صلي الله عليه و اله ما أسمع وتصنع به ما أري! فو الذي نفسي بيده لولا ما أحاذر لضربت بسيفي رأسك. ورسول الله صلي الله عليه و اله ينظر في هدوء، فقال:

يا عمر، أنا وهو كنا أحوج إلي غير هذا، أن تأمرني بحسن الأداء وتأمره بحسن الاقتضاء. اذهب يا عمر فأعطه حقه وزده عشرين صاعاً من تمر مكان ما روعته.

قال زيد: فذهب عمر فأعطاني حقي وزادني عشرين صاعاً من تمر، فقلت: ما هذه الزيادة يا عمر؟.

قال: أمرني رسول الله صلي الله عليه و اله أن أزيدك مكان ما روعتك().

فإن اليهودي كان معتدياً علي رسول الله صلي الله عليه و اله ومع ذلك لم يقابله الرسول صلي الله عليه و اله بالمثل بل قابله بالفضل. وهكذا كانت سيرة رسول الله صلي الله عليه و اله بالنسبة إلي سائر الكفار والمشركين والمنافقين.

ثم إن الإسلام شرع للمسلم أن يتزوج بالكتابية كما أحل طعامهم، قال سبحانه: الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآْخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ().

وقال تعالي: وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلهُنَا وَإِلهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ له مُسْلِمُونَ ().

وقال عزوجل: وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَي هُديً أَوْ فِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ ().

حيث تدل هذه الآيات علي غاية الحنان واللطف والعطف بما لا يجد الإنسان مثلها في أي دين ومبدأ.

وقد حرض رسول الله صلي الله عليه

و اله علي زيارة الكفار وعيادة مرضاهم وتقديم الهدايا لهم ومبادرتهم البيع والشراء وسائر المعاملات، وهكذا عمل المسلمون طول التاريخ الإسلامي مع غير المسلمين، سواء كانوا من أهل الكتاب أم غير أهل الكتاب، وقد ثبت أن النبي صلي الله عليه و اله مات ودرعه مرهونة عند يهودي في دَين علي الرسول صلي الله عليه و اله لليهودي. كما ثبت أن الرسول صلي الله عليه و اله زار ذلك اليهودي الذي كان يصبّ علي رأس الرسول صلي الله عليه و اله الرماد.

وفي حديث صفوان أن النبي صلي الله عليه و اله استعار منه أدرعاً يوم حنين، وقد كان صفوان بمثابة وزير الدفاع للكفار، ولما أراد الرسول صلي الله عليه و اله أن يذهب إلي حرب حنين طلب منه أن يعيره أربعمائة من الدروع. فقال صفوان: أغصباً يا محمد؟! فقال صلي الله عليه و اله: بل عارية مضمونة (). مع العلم أن النبي صلي الله عليه و اله كان هو المسيطر والغالب وكان يتمكن أن يأخذ الدروع.

كما أن رسول الله صلي الله عليه و اله كان يقبل الهدايا من الكفار والمشركين، وقصة قبوله للشاة المشوية المسمومة من تلك اليهودية مشهورة().

وورد أن الصديقة فاطمة الزهراء عليها السلام وبإجازة من الرسول صلي الله عليه و اله ذهبت إلي عرس أقامها اليهود لبعض بناتهم().

ومن جانب آخر ترك رسول الله صلي الله عليه و اله الكفار ولم يحاسبهم إذا ارتكبوا المحرمات في بيوتهم ولم يتظاهروا بذلك في المجتمع الإسلامي، وذلك لقانون الإلزام، حيث قال صلي الله عليه و اله: ألزموهم بما ألزموا أنفسهم ().

نعم لا يجوز للكفار إظهار المناكير؛ لأن ذلك خلاف المعايشة السلمية، فإن اللازم علي من يعيش في دولة

أن يحترم قوانينها.

وقد كان المسلمون طول التاريخ الإسلامي يعاملون غير المسلمين أحسن من معاملة أمثالهم لهم، ذكر (نورمان لينزانة) لما فتح العثمانيون القسطنطينية كان أكثر الشعب المسيحي في عشية الفتح ينفرون من أي اتفاق مع كنيسة روما الكاثوليكية أشد من نفورهم من الاتفاق مع المسلمين، فما زال الناس يرددون الكلمة المشهورة التي نطق بها رئيس في بيزنطة في ذلك الحين وهي أنه قال: (لخير لنا أن نري العمامة في مدينتنا من أن نري فيها تاج البابوية)؛ وذلك لأن تاج البابوية كان يظلمهم ويضطرهم إلي قيود كثيرة تحد من حرياتهم، بينما العمامة الإسلامية لم تكن كذلك، وإنما كانت تعطي لهم الحرية في مختلف مشاريعهم وشعائرهم. وقد تحدث عنه المقوقس عظيم القبط في مصر بعد أن قابلوا الفاتح الإسلامي فقالوا: رأينا قوماً الموت أحب إليهم من الحياة، والتواضع أحب إليهم من الرفعة، ليس لأحد منهم في الدنيا رغبة، جلوسهم علي التراب وأميرهم كواحد منهم، ما يعرف كبيرهم من صغيرهم، ولا السيد فيهم من العبد، فإذا حضرت الصلاة لم يتخلف عنها أحد، يغسلون أطرافهم بالماء ويخضعون في صلاتهم.

ولما فتح المسلمون البلاد أباحوا للمطرودين والفارين منهم أن يرجعوا إلي أوطانهم سالمين، ولهذا أحب الكفار المسلمين ودخلوا في دين الله أفواجاً، فالآية الكريمة وإن كانت في زمن رسول الله صلي الله عليه و اله وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجا () إلا أن ذلك استمر إلي اليوم حيث يدخل الكفار في دين الله أفواجاً.

وقد رأيت تقريراً يقول: إن جماعة من نساء اليهود دخلوا الإسلام حيث رأوا السماحة الإسلامية في أسلوب معاشرة الرجال للنساء، فإنه خير من أسلوب معاشرة رجال اليهود لهن.

فالحرية التي منحها رسول الله صلي الله عليه و

اله للمسلمين منحها أيضاً لغير المسلمين كل في إطاره وموازينه علي تفصيل ذكر في التاريخ والتفسير والفقه الإسلامي.

ولذا نشاهد أن الآيات القرآنية علي الأغلب تميل إلي خطاب كل طوائف البشر، مثلاً قال سبحانه: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُما رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَائَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبا ()، وهكذا في آيات أخر وأحاديث عن النبي صلي الله عليه و اله وآله الطاهرين عليهم السلام.

وفي حديث رسول الله صلي الله عليه و اله في خطبة الوداع: أيها الناس، إن ربكم واحد وإن أباكم واحد، كلكم لآدم وآدم من تراب، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، وليس لعربي علي عجمي فضل إلاّ بالتقوي، ألا فليبلغ الشاهد الغائب ().

45 لا للعصبيات

من الأسس التي سنّها رسول الله صلي الله عليه و اله هي إبعاد الناس عن العصبيات القومية واللغوية واللونية والعرقية والجغرافية الخاصة التي تسمي بالملية والوطنية بالمعني الضيق، وكذلك عن سائر العصبيات التي تنافي إنسانية الإنسان، وهذا من أهم أسس السلم والسلام في المجتمع، وارتفع بالجماعة أن يكونوا مرتبطين بعضهم ببعض أو منفصلين بعضهم عن بعض بهذه الروابط الضيقة، فالموجود البديع الذي هو أبدع موجودات الله سبحانه وتعالي أرفع وأسمي من أن يكون بعضهم يواصل بعض أو يقاطع بعض في لغة أو لون أو جغرافية أو ما أشبه ذلك مما يسبب مختلف التنازع والتدابر والتهاجر، ومما يوجب الحقد والشحناء والبغضاء وظهور العداوات والمخاصمات والتي بالآخرة تنتج انفصام عري الإنسانية الكاملة وتقويض السلام وتقضي علي روح التعاون والأخوة.

قال سبحانه: وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلي صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ

تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ().

وقال تعالي: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانا ().

وقال عزوجل: ¬ وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ().

وقال تعالي: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُما رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَائَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبا ().

لذا فالمهم في الإسلام هو الإنسان والعمل الصالح، كما قال سبحانه:

كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ().

نعم ورد النهي عن اتخاذ الكفار أولياءً وذلك نشراً للفضيلة وردعاً عن المنكرات، حيث يجب في شرع الله سبحانه أن يُتخذ الأولياء أولياءً والأعداء أعداءً، واتخاذ الأعداء أعداءً ليس لذاته، بل لقطع دابر الظالم والظالمين، والمنحرف والمنحرفين، قال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآْيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ ().

وفي آية أخري: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَاري أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ().

وفي آية ثالثة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَي الإِْيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ().

وفي آية رابعة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ

وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ ().

ومن الواضح أن معادة الأعداء إلاّ ما خرج بالدليل إنما يكون بقدر، فهو كالعملية الجراحية التي لا تكون إلا بقدر الضرورة، وإلا فالأصل ما قاله سبحانه: لاَ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ().

كما يستثني من عدم جواز الموالاة، ما كان في صورة التقية والضرورة، فإنه كما في الحديث: ليس شيء مما حرمه الله إلا وقد أحله لمن اضطر إليه ().

وقد قال سبحانه: لاَ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَي اللَّهِ الْمَصِيرُ ().

وهناك قسم ثالث بين الكافرين والمؤمنين: وهم المنافقون، فالإسلام يعاملهم معاملة حسنة، فمعاداتهم تكون بقدر، لا بقدر الكفار في الابتعاد ولا بقدر المؤمنين في الاقتراب، فقد قال سبحانه: بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّي يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَي الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَي الصَّلاَةِ قَامُوا كُسَالَي يُراءُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لاَ إِلَي هؤُلاَءِ

وَلاَ إِلَي هؤُلاَءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ له سَبِيلاً يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُبِينا ().

وفي قوله سبحانه: يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ () دلالة علي أن حكم المنافقين في الدنيا لا يختلف عن حكم المسلمين والمؤمنين، ولكن حسابهم وعقابهم يكون في الآخرة فمصيرهم جهنم وبئس المصير، إذن ليس عليهم حكم خاص إلا ما ينطبق علي سائر المسلمين في الدنيا، وإن كانوا هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله، كما في القرآن الحكيم().

وقد لاحظ الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله أن الأمر في المنافقين دائر بين أن يبقوا في صف الكفار ويحاربوا المسلمين بكل صراحة وجرأة، وبين أن يتظاهروا بالإسلام ويراعوا ما يكشف باطنهم، وإن كانوا قلباً مع الكفار.. وكان الثاني أولي.

ثم إن الإسلام لم يحكم علي المنافقين حكماً قاضياً، بل تركهم وشأنهم، وفي قصة مسجد ضرار مع أنه وصفهم الله سبحانه وتعالي بأوصاف شديدة، لم يرتب عليهم حكماً قاضياً، فلم يُقتلوا ولم يُسجنوا ولم يُغرموا …

وهذا أمر يدل عليه العقل أيضا، فإنه يري باتخاذ الأهم وترك المهم، قال سبحانه في سورة التوبة: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَاداً لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْني وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَي التَّقْوَي مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَي تَقْوَي مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَي شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي

قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ().

وأما قوله تعالي: يَا أيّهَا النّبِيّ جَاهِدِ الْكُفّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (). فإنه لا يراد بذلك جهاد المنافقين كجهاد الكفار بل للمنافقين جهاد خاص، كما أن للكفار جهاداً خاصاً، والجامع هو الجهد والاجتهاد.. نعم في الآخرة مصيرهم جهنم كما في الآية.

ثم إن الإسلام بما أنه لم يكن دين تفرقة وتشتيت، بل دين جمع شمل ووحدة كلمة وسلام وهداية، نشاهد أنه يجلل الديانات السماوية والأنبياء جميعاً فقد قال سبحانه: قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسي وَعِيسي وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ له مُسْلِمُونَ ().

وقال سبحانه: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ ().

وقال تعالي بالنسبة إلي موسي عليه السلام: إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُديً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ ().

وقال سبحانه عن النبي عيسي عليه السلام: وَآتَيْنَاهُ الإِنْجِيلَ فِيهِ هُديً وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُديً وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ ().

وقال سبحانه عن أهل الكتاب من اليهود والنصاري: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَي شَيْءٍ حَتَّي تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالإِْنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ ().

ولذلك نشاهد أن المسلمين من يومهم الأول لم يحاربوا اليهود ولا النصاري أما بالنسبة إلي النصاري فقد صالحهم النبي صلي الله عليه و اله في قصة نصاري نجران().

وأما بالنسبة إلي اليهود فقد كتب النبي صلي الله عليه و اله معهم معاهدة احترام وتعامل طيب، والتزم صلي الله عليه

و اله بها.. ولكنهم نقضوا العهد وخانوا المسلمين فحدث بين المسلمين وبين اليهود بعض المناوشات والحروب، وبمجرد أن انتهت أكرمهم الرسول صلي الله عليه و اله أي إكرام لم يعرف في التاريخ لا قبله ولا بعده مثله، حيث تزوج رسول الله صلي الله عليه و اله بنت ملكهم صفية بعد أن أسلمت بينما كانت أسيرة بيد النبي صلي الله عليه و اله وكان يتمكن أن يتصرف فيها تصرف الغزاة الفاتحين مع الأرقاء المأسورين..

وذات مرة تعرضت لها بعض نساء النبي صلي الله عليه و اله بشيء من الكلام الخشن، فسألت منها: من أبوكِ ومن عمكِ؟. ولما عرفت صفية أنها مغرضة أخذت تبكي، فلما جاءها الرسول صلي الله عليه و اله نقلت القصة، فقال لها الرسول صلي الله عليه و اله: إذا سألوكِ بعد ذلك فقولي: جدي موسي كليم الله، وعمي هارون نبي الله، وزوجي محمد رسول الله ().

أما بعض القضايا الخشنة في التعامل مع أهل الكتاب، الواردة في بعض التواريخ فقد ذكرنا في موارد متعددة أنها دس في التاريخ الإسلامي، والشواهد تدل علي أنها مدسوسة فإنه لم ير العالم دينا كدين الإسلام في العفو والتسامح واللاعنف. وحتي النصاري واليهود ليس بينهم مثل هذا التسامح الذي جعله الإسلام بالنسبة إليهم، فالعداوة بين اليهود والنصاري شديدة لأن اليهود يدينون بأن بني إسرائيل هم شعب الله المختار ويزعمون أن عيسي عليه السلام كاذب والعياذ بالله وأتباعه ضالون، بل ينسبون إلي عيسي عليه السلام وأمه الطاهرة عليها السلام بعض الموبقات الكبيرة، كما قال القرآن الحكيم: وَقَوْلِهِمْ عَلَي مَرْيَمَ بُهْتَاناً

عَظِيما ()، والمسيحيون وان كانوا يقرون بنبوة موسي عليه السلام ونزول التوراة، ولكنهم ينقمون علي اليهود أنهم يتهمون عيسي عليه السلام في

نسبه ويجحدون رسالته، كما ينقمون عليهم في قصة الصليب، كما ينقمون علي المسلمين أيضا لأن الإسلام في زعمهم دين افتراه رجل عربي. أما عداوة اليهود للمسلمين فأشد، ومع كل ذلك فالإسلام احترمهم وأكرمهم.

وقد ظهر مما سبق أن نظر اليهود والنصاري أحدهما إلي الآخر، وكذلك نظرهما للمسلمين نظر سوء وافتراء وعداء، أما نظر الإسلام إليهما فهو نظر هداية وإرشاد وتسامح وعفو وإصلاح.

قال تعالي: لاَ إِكْرَاهَ فِي الدّينِ قَد تّبَيّنَ الرّشْدُ مِنَ الْغَيّ ().

وقال سبحانه: وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ().

وقال عزوجل: وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ().

وقال تعالي: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَ لكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ

يَشاءُ ().

46 التسامح

من أهم الأسس التي أكد عليها رسول الله صلي الله عليه و اله مبدأ التسامح بمختلف صورها، وقد أخذ النبي صلي الله عليه و اله بأصل التسامح حتي مع أشد أعدائه، وحينما قدر عليهم.

وفي القرآن الحكيم آيات عديدة تدل علي التسامح بمعناه العام والشمولي.

قال سبحانه: لاَ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ().

ومن الواضح أن الآية لا تختص بأهل الكتاب، بل تشمل كل من لم يكن مسلماً.

وقال تعالي: ادْعُ إِلَي سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ().

وقال عزوجل: وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ().

وقال سبحانه: فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ ().

وقال تعالي: أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّي يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ().

وقال سبحانه: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلا ().

وقال تعالي: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَي كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا

بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ ().

وقد أمر الله سبحانه بحسن المعاملة مع الجميع وبالوفاء بالعهد مع الجميع، حيث قال: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (). ولا فرق بين عقد مع مسلم أو كافر.

وقال تعالي: وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذا عَاهَدْتُمْ وَلاَ تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلا ().

وقال سبحانه: وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُلا ()

وقال تعالي: إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَي مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ ().

وفي سيرة النبي صلي الله عليه و اله الشيء الكثير من أمثلة التسامح، وقد روي عنه صلي الله عليه و اله أنه قال: ألا من ظلم معاهداً أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة.

وقد عقد النبي صلي الله عليه و اله معاهدة مع قبيلة تغلب في السنة التاسعة من الهجرة وكان الإسلام قد قوي أشد القوة ودانت به العرب والجزيرة ومع ذلك لم يجبرهم علي الإسلام وأباح لهم البقاء علي نصرانيتهم. وصالح صلي الله عليه و اله نصاري نجران كما

سبق وتركهم أحراراً في دينهم. ووجه صلي الله عليه و اله عماله إلي اليمن لأخذ الجزية ممن أقام علي نصرانيته، وكذلك فعل النبي صلي الله عليه و اله مع النصاري واليهود جميعاً في بلاد العرب.

وكان المجوس موزعين في بقاع شتي من جزيرة العرب منهم مجوس نجران وهجر وعمان والبحرين، وهؤلاء جميعاً بقوا علي دينهم ودفعوا الجزية، ولم ينقل التاريخ أنه اضطُهد مجوسي بترك دينه أو بترك قريته، وقد فتح المسلمون بلاداً أخري وسلكوا مع أهاليها مسلك السماحة.

وتسامح رسول الله صلي الله عليه و اله كان منذ اليوم الأول،

وقد اشترطت قريش علي النبي صلي الله عليه و اله في صلح الحديبية شروطاً قاسية، وتسامح النبي صلي الله عليه و اله معهم وقبل بها، منها أن من جاء من محمد صلي الله عليه و اله إلي قريش لاترده إلي محمد، ومن جاء من قريش إلي محمد بغير إذن وليه رده محمد، وقبل النبي صلي الله عليه و اله شرطهم الجائر لحكمة رآها من توسيع الإسلام، كما شاهدناه بعد ذلك وتبرم بعضهم وما كانوا يفقهون من توقيع المعاهدة حتي جاء أول امتحان للوفاء، إذ وصل مسلم من مكة اسمه أبو جندل بن سهيل يرسف في الحديد فاراً من أذي قومه وألح علي الرسول صلي الله عليه و اله في أن يضمه إليه، لكن الرسول صلي الله عليه و اله سلمه لقريش وفاءً بعهده، وقال أبو جندل: إنهم سيعذبوني. فقال صلي الله عليه و اله: اصبر واحتسب فإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجاً ومخرجاً، إنا عقدنا بيننا وبينهم وبين القوم صلحاً وأعطيناهم علي ذلك وأعطونا عهد الله فإنا لانغدر بهم.

ثم وفد علي النبي صلي الله عليه و اله بالمدينة أبو بصير عتبة ابن أسيد فرده وقال له مثل ما قال لأبي جندل، ثم اجتمع جماعة منهم في الطريق بين مكة والمدينة وكانوا يقطعون علي وفود مكة مما اضطر أهل مكة أن يتنازلوا عن العهد ويقبلوا بالتحاقهم بالرسول صلي الله عليه و اله().

وكان من سماحة النبي صلي الله عليه و اله أن عامل أسري بدر معاملة حسنة لم يسبق لها مثيل في تاريخ الأمم، فقد كانت الأمم تعامل أسراها معاملة العدو البغيض، فتقتلهم أو تبيعهم أو تسترقهم، أو تسخرهم في أشق الأعمال، أو تعذبهم

أشد العذاب. وقد استشار رسول الله صلي الله عليه و اله في شأن أسري بدر، فأشار بعضهم عليه بقتلهم، وأشار بعضهم بفدائهم، فوافق الرسول صلي الله عليه و اله علي الفداء وجعل فداء الذين يكتبون أن يعلّم كل واحد منهم عشرة من صبيان المدينة الكتابة.

كما أنه أشار بعض الصحابة أن يمثل بسهيل بن عمر وهو أحد المحرضين علي محاربة المسلمين، بأن ينتزع ثنيتيه السفليين فلا يستطيع الخطابة، فرفض النبي صلي الله عليه و اله وقال: لا أمثل به فيمثل الله بي وإن كنت نبياً ().

ولما فتح النبي صلي الله عليه و اله مكة قال لقريش: ما تظنوني فاعل بكم؟. قالوا: خيراً، أخ كريم وابن أخ كريم.

فقال صلي الله عليه و اله: ما أقول إلاّ كما قال أخي يوسف لأخوته: لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم، اذهبوا فأنتم الطلقاء ().

كما أن الرسول صلي الله عليه و اله لم يقبل أن يقطع الماء علي يهود خيبر، مع أنه كان في قطع الماء السيطرة عليهم().

وكان من إحسانه صلي الله عليه و اله إلي أهل الكتاب أنه كان يقترض منهم مكررا، مع أن بعض الصحابة كانوا أثرياء وكلهم يتلهف علي أن يقترض الرسول صلي الله عليه و اله منه.

وإنما فعل صلي الله عليه و اله ذلك تعليماً للأمة، وتثبيتاً عملياً لما يدعو إليه من السلم والسلام والوئام حتي مع الكفار، وتدليلاً علي أن الإسلام لا يقطع علاقات المسلمين مع مواطنيهم من غير دينهم.

كما أن أمير المؤمنين علياً عليه السلام حضر مع يهودي عند شريح القاضي للتقاضي().

وقبله حضر رسول الله صلي الله عليه و اله إلي بعض قضاته مع مشرك ادعي عليه كذباً().

وقد شايع أمير المؤمنين علي عليه السلام

يهودياً كان مصاحباً له في الطريق.. ولم يعرف اليهودي علياً عليه السلام ثم لما عرفه في قصة مذكورة أسلم().

لذا نجد أن شعوب الكفار علي اختلافهم وفي البلاد المفتوحة رحبوا بالفاتحين المسلمين أشد ترحيب، وقد كتب المسيحيون في الشام إلي رئيس المسلمين كتاباً يقولون فيه: يا معشر المسلمين، أنتم أحب إلينا من الروم وإن كانوا علي ديننا، أنتم أوفي لنا وأرأف بنا وأكف عن ظلمنا وأحسن ولاية علينا، ولكنهم غلبونا علي أمرنا وعلي منازلنا، كما ذكره (فتوح الشام) للأزدي البصري.

ويذكر (فتوح البلدان) للبلاذري: إن أهل حمص أغلقوا أبواب مدينتهم حتي لا يدخلها جيش هرقل، وقالوا: إن المسلمين ولايتهم وعدلهم أحب إليهم من ظلم الرومان وتعسفهم().

وكانت في الشمال قبائل عربية دانت بالمسيحية زمناً طويلاً، فلما بدأ الإسلام يصطرع مع الروم سارع بعضهم إلي اعتناق الإسلام والانضمام إلي المسلمين مثل بني غسان وغيرهم.

وكذلك صنعت بعض القبائل العربية التي كانت موالية للفرس في العراق، فقد وفد علي قائد المسلمين بعد واقعة القادسية كثير من العرب المسيحيين المقيمين علي نهر الفرات وأسلموا، كما أسلم إخوان لهم من قبل.

وكذلك رحب القبط في مصر بالفتح الإسلامي وبالقائد الفاتح وشكروه؛ لأنه أنقذهم من الاضطهاد الديني ومن عسف الروم وتنكيلهم بمخالفيهم في المذهب وإن كان دينهما واحداً. ولما فتح المسلمون بلاد الفرس لم يلقوا من الشعب مقاومة عنيفة؛ لأن حكامها كانوا قد استبدوا بهم وأعنتوهم ولأنهم كان يناصرون ديانة زرادشت التي صارت الدين الرسمي للدولة، فقد كانت مبغوضة بالنسبة إلي كثير من الأهالي، وقد استغل كهنتها نفوذهم في اضطهاد الفرق الدينية الأخري وكانت كثيرة، كما أنهم كانوا يضطهدون المسيحيين واليهود والصابئة أيضاً، هذا بالإضافة إلي فرض الضرائب الباهضة علي مختلف الطبقات وكان الغالب يكرهون

بناتهم وأخواتهم وأمهاتهم في مسألة التزويج، فلما انتصر المسلمون عليهم تنفسوا الصعداء من جهة الدين ومن جهة الضرائب ومن جهة النكاح، ورحبوا بهم حباً للخلاص من ظلم الحكام ورغبة في إعفائهم من الخدمة العسكرية الجبرية، ولأن حكام المسلمين أعطوهم الحريات الدينية والعملية.

ولما حارب المسلمون مع أهل الشام المسيحيين وأخذوا ينتصرون، ائتمر قادة أهل الحرب من النصاري حول علاج الأمر وسألوا عن واحد واحد عن سبب تقدم المسلمين عليهم، فأجاب كل بجواب، حتي وصل الأمر إلي خادم كان يخدمهم في ذلك المجلس، ولما سألوا عنه عن سبب انتصار المسلمين عليهم مع أنهم كفار برابرة أجانب! أجاب الخادم بعد أن أخذ الأمان منهم قال: لأنهم أفضل منكم وإن كنتُ علي دينكم لكني أدع الله سبحانه وتعالي في قلبي كل يوم أن ينتصر المسلمون، ثم بين السبب قال: قد كانت لي مزرعة نعيش في المزرعة أنا وزوجتي وأولادي من البنين والبنات، ولما جئتم أنتم اغتصب هذا الضابط

وأشار إلي أحدهم ابنتي، وهذا الضابط وأشار إلي آخر زوجتي، وذاك وأشار إلي ثالث ولدي، وآخر مزرعتي، فهل تريدون مني أن انتظر انتصاركم أو أخدمكم بكل قلبي، وإن أهل الشام كلهم علي شاكلتي، أنتم تحاربونهم في أرزاقهم ومعايشهم وأولادهم وأراضيهم ومزارعهم وزوجاتهم وبناتهم، لذا يرحبون بالمسلمين ويكون ذلك سبب انتصار المسلمين عليكم، فإنهم لا يتعاملون معنا إلا بالحسني.

وهكذا كان انتصار المسلمين علي الحكام الظلمة حيث كان يرحب بهم أهل البلاد أعظم ترحيب، وهكذا تقدم المسلمون يوماً بعد يوم عندما كان يتحلون بالتسامح، ولكن بعد ما تركوا هذا التسامح رجعوا القهقري وأصبحوا متفرقين متشتتين متعصبين، هذا يكفر ذاك وذاك يكفر هذا، ويحل بعضهم دماء بعض، كما نشاهده اليوم.. حتي انفض الناس من حولهم

كما قال سبحانه: وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ().

وقد التف بعض الناس اليوم إلي جهة أخري قد يكون فيها نوع من التسامح، وهم المتحضرون الغربيون، مع الفرق الشاسع بين التسامح الإسلامي والتسامح الغربي، وبين المتحضرين الغربيين اليوم وبين المسلمين الأوائل المتسامحين، حيث إن التسامح عند المسلمين أكثر بكثير من تسامح هؤلاء الماديين، مضافاً إلي أن المسلمين كانوا يبشرون بالدنيا والآخرة، بينما المتحضرون الغربيون لا يبشرون إلاّ بالدنيا، والدنيا لا تملأ إلا جزءً واحدا من جزئي الإنسان، والإنسان بحاجة إلي الجزء الآخر المرتبط بروحه ولا يملؤه إلاّ الآخرة. وكل من الدنيا والآخرة عند المسلمين مؤيد بالعقل القطعي والبراهين الجلية والمنطق الإنساني الرفيع والفطرة السليمة، وهذا ما يفتقده الآخرون.

ثم إن التسامح الذي ذكرناه ليس في موضوع خاص، بل في كل جوانب الإسلام، وجميع أحكامه، حيث التسامح بالنسبة إلي المسلم نفسه وبالنسبة إلي أهله وعياله وجيرانه، وبالنسبة إلي سائر المسلمين، بل وغير المسلمين، بل وحتي الحيوانات. وحديث امرأة دخلت النار في هرة حبستها، وامرأة دخلت الجنة في كلب روته، مشهور().

47 تكريم الإنسان

كان رسول الله صلي الله عليه و اله يكرم الإنسان بما هو إنسان تكريماً فوق كل تكريم، مع قطع النظر عن دينه ومعتقداته. يقول سبحانه: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَي كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا ().

والسؤال هو أنه إذا كان الإنسان مكرّماً علي كثير، فهل هناك غير الكثير حيث يساوي بني آدم أو يكون أفضل منه؟.

الجواب: لا، وإنما الأكرم هو الإنسان فقط، والتعبير تعبير بلاغي قرآني حيث في كثير من الأحيان تقتضي البلاغة عدم ذكر الكلية وعدم الجزم بالأمر، ومن هنا تري كثيراً ما تستعمل كلمة (لعل) في

القرآن الحكيم مع أن الله سبحانه يعلم الواقع،قال سبحانه: وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَي هُديً أَوْ فِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ (). إن عقلاء العالم كثيراً ما يستخدمون ليت ولعل، ولا يتكلمون بالقطع واليقين وإن كانوا قاطعين متيقنين.

وفي آية أخري: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّي تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَي أَهْلِهَا ().

فالدخول في بيت الناس بلا استئذان غير جائز، وهذا تكريم للإنسان وحفظ لحقوقه.

وفي آية أخري: وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوها إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلي كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبا ().

وقال سبحانه: هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلاَماً قَالَ سَلاَمٌ ().

وهناك العديد من حقوق المسلم علي المسلم، بل بعض تلك الحقوق تشمل غير المسلم أيضاً. ومن أدلة تكريم الله الإنسان قوله تعالي: وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوا لآِدَمَ ().

ومن هنا فإن أفضل منشور لحقوق الإنسان هو ما جاء به رسول الله صلي الله عليه و اله.

روي: أن رسول الله صلي الله عليه و اله نظر إلي الكعبة، وقال: مرحباً بالبيت ما أعظمك وما أعظم حرمتك علي الله، والله للمؤمن أعظم حرمة منك؛ لأن الله حرم منك واحدة ومن المؤمن ثلاثة: ماله، ودمه، وأن يظن به ظن السوء ().

وقال صلي الله عليه و اله أيضاً: من آذي مؤمناً فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذي الله، ومن آذي الله فهو ملعون في التوراة والإنجيل والزبور والفرقان ().

وقال صلي الله عليه و اله أيضا: من آذي ذميا فقد آذاني.

وفي التاريخ أنه لما فر عدي بن حاتم، وأن خيل رسول الله صلي الله عليه و اله قد أخذوا أخته، وقدموا بها علي رسول الله صلي الله عليه و اله فمنّ عليها رسول الله صلي

الله عليه و اله وكساها وأعطاها نفقة، فخرجت مع ركب حتي قدمت الشام وأشارت علي أخيها بالقدوم، فقدم وأسلم وأكرمه رسول الله صلي الله عليه و اله وأجلسه علي وسادة رمي بها إليه بيده().

48 حق الناس

كان رسول الله صلي الله عليه و اله يؤكد علي حق الناس أكبر التأكيد، فلا يُسمح لأحد أن يتجاوز علي حق أحد أو يتصرف في نفسه أو ماله بدون إذنه.

عن معاوية بن وهب، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إنه ذكر لنا أن رجلاً من الأنصار مات وعليه ديناران ديناً، فلم يصلّ عليه النبي صلي الله عليه و اله وقال: صلوا علي صاحبكم، حتي ضمنهما عنه بعض قرابته. فقال أبو عبد الله عليه السلام: ذلك الحق ثم قال إن رسول الله صلي الله عليه و اله إنما فعل ذلك ليتّعظوا وليردّ بعضهم علي بعض ولئلا يستخفوا بالدَين ().

وعن أبي جعفر عليه السلام، قال: كل ذنب يكفره القتل في سبيل الله عزوجل إلا الدَين لا كفارة له إلا أداؤه، أو يقضي صاحبه، أو يعفو الذي له الحق ().

وقال أبو عبد الله عليه السلام: من أكل مال أخيه ظلماً ولم يرده إليه أكل جذوة من النار يوم القيامة ().

وقال عليه السلام: ليس بولي لي من أكل مال مؤمن حراما ().

وعن العالم عليه السلام: من أكل مال اليتيم درهما واحدا ظلماً من غير حق، يخلده الله في النار ().

49 حق الرعية

كان رسول الله صلي الله عليه و اله أفضل أسوة في أداء حق رعيته، فكان بإمكان كل واحد من المسلمين والمسلمات بل وحتي الكفار أن يصل إليه ويبثّ إليه همومه ومشاكله، ويطلب منه قضاء حاجته مباشرة ومن دون حاجب.

وفي الحديث أن رسول الله صلي الله عليه و اله إذا كان في صلاة فيقبل عليه أحد، خفف من صلاته وأقبل عليه وقال: ألك حاجة؟ ().

وهذا أكبر درس للحكومات والولاة ومن أشبه بأن من حقوق الناس عليهم قضاء حوائجهم والاهتمام

بهم.

عن صباح بن سيابة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه و اله:

أيما مؤمن أو مسلم مات وترك ديناً لم يكن في فساد ولا إسراف فعلي الإمام أن يقضيه، فإن لم يقضه فعليه إثم ذلك، إن الله تبارك وتعالي يقول: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ () الآية، فهو من الغارمين وله سهم عند الإمام، فإن حبسه فإثمه عليه ().

وعن حنان عن أبيه عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه و اله: لا تصلح الإمامة إلاّ لرجل فيه ثلاث خصال: ورع يحجزه عن معاصي الله، وحلم يملك به غضبه، وحسن الولاية علي من يلي حتي يكون لهم كالوالد الرحيم وفي رواية أخري حتي يكون للرعية كالأب الرحيم ().

50 حق الحيوان

لم يحُرم من رحمة رسول الله صلي الله عليه و اله حتي الحيوان، حيث ورد عنه صلي الله عليه و اله التأكيد علي حقوق الحيوان وحرمة إيذائه.

قال رسول الله صلي الله عليه و اله: «إن الله يحب الرفق ويعين عليه، فإذا ركبتم الدواب العجف فأنزلوها منازلها، فإن كانت الأرض مجدبة فانجوا عنها، وإن كانت مخصبة فأنزلوها منازلها» ().

وعن رسول الله صلي الله عليه و اله، قال: للدابة علي صاحبها خصال: يبدأ بعلفها إذا نزل، ويعرض عليها الماء إذا مر به، ولا يضرب وجهها فإنها تسبح بحمد ربها، ولا يقف علي ظهرها إلاّ في سبيل الله عزوجل، ولا يحملها فوق طاقتها، ولايكلفها من المشي إلاّ ما تطيق ().

وعن النبي صلي الله عليه و اله أنه أبصر ناقة معقولة وعليها جهازها، فقال صلي الله عليه و اله: أين صاحبها؟، مروه فليستعد غداً للخصومة ().

وقال صلي الله عليه و اله: لا

تتوركوا علي الدواب، ولا تتخذوا ظهورها مجالس ().

وقال صلي الله عليه و اله: لا تسبوا الديك؛ فإنه يوقظ للصلاة ().

وقال صلي الله عليه و اله «لا تسبوا الديك فإنه صديقي وأنا صديقه وعدوه عدوي، والذي بعثني بالحق لو يعلم بنو آدم ما في قترته لاشتروا ريشه ولحمه بالذهب والفضة وأنه يطرد مذمومة من الجن ().

وقال صلي الله عليه و اله: لا تسبوا الديك؛ فإنه يدل علي مواقيت الصلاة ().

وقال صلي الله عليه و اله: دخلت امرأة النار في هرة ربطتها فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض ().

وقال صلي الله عليه و اله: «أكثروا من الدواجن في بيوتكم تتشاغل بها الشياطين عن صبيانكم» ().

وقال صلي الله عليه و اله: الإبل عز لأهلها» ().

وعن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال: «قال رسول الله صلي الله عليه و اله لعمته: ما يمنعك من أن تتخذي في بيتك بركة!، قالت: يا رسول الله ما البركة؟ فقال: شاة تحلب، فإنه من كانت في داره شاة تحلب أو نعجة أو بقرة فبركات كلهن» ().

وقال صلي الله عليه و اله: «ما من نبي إلاّ وقد رعي الغنم» قيل: وأنت يا رسول الله؟ قال: «وأنا» ().

إلي غير ذلك من الروايات الكثيرة().

51 إكرام الوفود

كان من أخلاق رسول الله صلي الله عليه و اله وسياسته العامة إكرام الوفود وإن كانوا كفاراً، وقد توافدت عليه الوفود بكثرة في السنة التاسعة والعاشرة من الهجرة المباركة، وأكرمهم جميعاً بالمال والهدايا وبأخلاقه الطيبة.

وكان رسول الله صلي الله عليه و اله إذا قدم الوفد لبس أحسن ثيابه وأمر أصحابه بذلك().

روي أنه قدم علي رسول الله صلي الله عليه و اله عروة بن مسعود الثقفي مسلماً واستأذن رسول الله

صلي الله عليه و اله في الرجوع إلي قومه. فقال صلي الله عليه و اله: إني أخاف أن يقتلوك. فقال: إن وجدوني نائماً ما أيقظوني. فأذن له رسول الله صلي الله عليه و اله، فرجع إلي الطائف ودعاهم إلي الإسلام ونصح لهم، فعصوه وأسمعوه الأذي حتي إذا طلع الفجر قام في غرفة من داره فأذن وتشهد، فرماه رجل بسهم فقتله. وأقبل بعد قتله من وفد ثقيف بضعة عشر رجلاً هم أشراف ثقيف، فأسلموا فأكرمهم رسول الله صلي الله عليه و اله وحباهم وأمّر عليهم عثمان بن أبي العاص بن بشر، وقد كان تعلّم سوراً من القرآن().

ولما أسلمت ثقيف ضربت إلي رسول الله صلي الله عليه و اله وفود العرب فدخلوا في دين الله أفواجاً كما قال الله سبحانه، فقدم عليه صلي الله عليه و اله عطارد بن حاجب بن زرارة في أشراف من بني تميم منهم: الأقرع بن حابس، والزبرقان بن بدر، وقيس بن عاصم، وعيينة بن حصن الفزاري، وعمرو بن الأهتم. وكان الأقرع وعيينة شهدا مع رسول الله صلي الله عليه و اله فتح مكة وحنيناً والطائف، فلما قدم وفد تميم دخلا معهم فأجارهم رسول الله صلي الله عليه و اله وأحسن جوارهم().

وممن قدم عليه صلي الله عليه و اله: وفد بني عامر فيهم عامر بن الطفيل وأربد بن قيس أخو لبيد بن ربيعة لأمه، وكان عامر قد قال لأربد: إني شاغل عنك وجهه فإذا فعلته فأعله بالسيف. فلما قدموا عليه قال عامر: يا محمد خالني. فقال صلي الله عليه و اله:

لا حتي تؤمن بالله وحده قالها مرتين.

فلما أبي عليه رسول الله صلي الله عليه و اله قال: والله لأملأنها عليك خيلاً حمراً ورجالاً.

فلما ولي قال رسول الله صلي الله عليه و اله: اللهم اكفني عامر بن الطفيل.

فلما خرجوا قال عامر لأربد: أين ما كنت أمرتك به؟. قال: والله ما هممت بالذي أمرتني به إلاّ دخلت بيني وبين الرجل، أفأضربك بالسيف؟. وبعث الله علي عامر بن الطفيل في طريقه ذلك الطاعون في عنقه فقتله في بيت امرأة من سلول، وخرج أصحابه حين واروه إلي بلادهم، وأرسل الله علي أربد وعلي جمله صاعقة فأحرقتهما().

وقدم وفد محارب في حجة الوداع وهم عشرة نفر فيهم سواء بن الحارث وابنه خزيمة، ولم يكن أحد أفظ ولا أغلظ علي رسول الله صلي الله عليه و اله منهم، وكان في الوفد رجل منهم فعرفه رسول الله صلي الله عليه و اله.. فقال الرجل: الحمد لله الذي أبقاني حتي صدقت بك. فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: إن هذه القلوب بيد الله، ومسح وجه خزيمة فصارت له غرة بيضاء، وأجازهم كما يجيز الوفد وانصرفوا().

وقدم وفد بجيلة قدم جرير بن عبد الله البجلي ومعه من قومه مائة وخمسون رجلاً. فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: يطلع عليكم من هذا الفج من خير ذي يمن علي وجهه مسحة ملك. فطلع جرير علي راحلته ومعه قومه فأسلموا وبايعوا.

قال جرير: وبسط رسول الله يده فبايعني وقال: علي أن تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم شهر رمضان، وتنصح للمسلمين، وتطيع الوالي وإن كان عبداً حبشيا.

فقلت: نعم، فبايعته.

وكان رسول الله صلي الله عليه و اله يسأله عما وراءه فقال: يا رسول الله، قد أظهر الله الإسلام والأذان وهدمت القبائل أصنامهم التي تعبد. قال صلي الله عليه و اله: فما

فعل ذو الخلصة؟.

قال: هو علي حاله.

فبعثه رسول الله صلي الله عليه و اله إلي هدم ذي الخلصة وعقد له لواء. فقال: إني

لا أثبت علي الخيل. فمسح رسول الله صلي الله عليه و اله صدره وقال: اللهم اجعله هادياً مهدياً.

فخرج في قومه وهم زهاء مائتين فما أطال الغيبة حتي رجع فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: أ هدمته؟.

قال: نعم والذي بعثك بالحق وأحرقته بالنار فتركته كما يسوء أهله. فبرك رسول الله صلي الله عليه و اله علي خيل أخمس ورجالها ().

وقدم السيد والعاقب من نجران فكتب لهم رسول الله صلي الله عليه و اله كتاب صلح. علي تفصيل ذكرناه في كتاب (ولأول مرة في تاريخ العالم).

52 قصة الغدير

قام رسول الله صلي الله عليه و اله بتليغ رسالات الله بأجمعها، وكان تكميلها بولاية الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام. قال تعالي: يَا أيّهَا الرّسُولُ بَلّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رّبّكَ وَإِن لّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ

النّاسِ ().

فقد جمع رسول الله صلي الله عليه و اله الناس في غدير خم وأبلغهم أن الخليفة من بعده هو علي بن أبي طالب عليه السلام دون غيره.. ومن بعد علي: الحسن والحسين والتسعة المعصومين من ذرية الحسين عليهم السلام ونزلت الآية الكريمة: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينا ().

جاء في (تفسير القمي): قوله: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ قال: نزلت هذه الآية في علي عليه السلام وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ()، قال: نزلت هذه الآية في منصرف رسول الله صلي الله عليه و اله من حجة الوداع.. وحج رسول الله صلي

الله عليه و اله حجة الوداع لتمام عشر حجج من مقدمه المدينة. فكان من قوله بمني أن حمد الله وأثني عليه ثم قال: أيها الناس، اسمعوا قولي واعقلوه عني، فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا ثم قال: هل تعلمون أي يوم أعظم حرمة؟.

قال الناس: هذا اليوم.

قال صلي الله عليه و اله: فأي شهر؟. قال الناس: هذا.

قال صلي الله عليه و اله: وأي بلد أعظم حرمة؟. قالوا: بلدنا هذا.

قال صلي الله عليه و اله: فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا إلي يوم تلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم، ألا هل بلّغتُ أيها الناس؟.

قالوا: نعم.

قال صلي الله عليه و اله: اللهم اشهد ثم قال: ألا وكل مأثرة أو بدعة كانت في الجاهلية أو دم أو مال فهو تحت قدمي هاتين، ليس أحد أكرم من أحد إلاّ بالتقوي، ألا هل بلّغتُ؟.

قالوا: نعم.

قال صلي الله عليه و اله: اللهم اشهد ثم قال: ألا وكل رباً كان في الجاهلية فهو موضوع … ألا وكل دم كان في الجاهلية فهو موضوع وأول موضوع دم ربيعة، ألا هل بلّغتُ؟.

قالوا: نعم.

قال صلي الله عليه و اله: اللهم اشهد ثم قال: ألا وإن الشيطان قد يئس أن يعبد بأرضكم هذه، ولكنه راض بما تحتقرون من أعمالكم، ألا وإنه إذا أطيع فقد عبد. ألا أيها الناس إن المسلم أخو المسلم حقاً، لا يحل لامرئ مسلم دم امرئ مسلم وماله إلاّ ما أعطاه بطيبة نفس منه، وإني أمرت أن أقاتل الناس حتي يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلاّ بحقها وحسابهم علي الله، ألا هل بلّغتُ أيها الناس؟.

قالوا: نعم.

قال

صلي الله عليه و اله: اللهم اشهد ثم قال: أيها الناس، احفظوا قولي تنتفعوا به بعدي وافهموه تنعشوا، ألا لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض بالسيف علي الدنيا؛ فإن فعلتم ذلك ولتفعلن لتجدوني في كتيبة بين جبرئيل وميكائيل أضرب وجوهكم بالسيف ثم التفت عن يمينه فسكت ساعة ثم قال: إن شاء الله أو علي بن أبي طالب..

ثم قال: ألا وإني قد تركت فيكم أمرين، إن أخذتم بهما لن تضلوا: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي؛ فإنه قد نبأني اللطيف الخبير أنهما لن يفترقا حتي يردا عليَّ الحوض، ألا فمن اعتصم بهما فقد نجا، ومن خالفهما فقد هلك، ألا هل بلّغتُ؟. قالوا: نعم.

قال صلي الله عليه و اله: اللهم اشهد ثم قال ألا وإنه سيرد عليَّ الحوض منكم رجال فيدفعون عني، فأقول: رب أصحابي! فقال: يا محمد، إنهم أحدثوا بعدك وغيروا سنتك. فأقول: سحقاً سحقاً.

فلما كان آخر يوم من أيام التشريق أنزل الله إِذا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ والْفَتْحُ ()، فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: نعيت إليَّ نفسي. ثم نادي الصلاة جامعة في مسجد الخيف، فاجتمع الناس فحمد الله وأثني عليه ثم قال: نصر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها وبلغها من لم يسمعها، فرب حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلي من هو أفقه منه، ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم: أخلص العمل لله، والنصيحة لأئمة المسلمين، ولزم جماعتهم؛ فإن دعوتهم محيطة من ورائهم. المؤمنون إخوة تتكافأ دماؤهم يسعي بذمتهم أدناهم وهم يد علي من سواهم. أيها الناس، إني تارك فيكم الثقلين.

قالوا: يا رسول الله، وما الثقلان؟.

قال صلي الله عليه و اله: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فإنه قد نبأني اللطيف

الخبير أنهما لن يفترقا حتي يردا عليَّ الحوض كإصبعي هاتين وجمع بين سبابتيه ولا أقول كهاتين وجمع سبابته والوسطي فتفضل هذه علي هذه.

فاجتمع قوم من أصحابه وقالوا: يريد محمد أن يجعل الإمامة في أهل بيته، فخرج أربعة نفر منهم إلي مكة ودخلوا الكعبة وتعاهدوا وتعاقدوا وكتبوا فيما بينهم كتاباً: إن مات محمد أو قتل أن لا يردوا هذا الأمر في أهل بيته أبداً، فأنزل الله علي نبيه صلي الله عليه و اله في ذلك أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ عليهم السلام أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لاَ نَسْمَعُ سِرَّهُمْ ونَجْواهُمْ بَلَي ورُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ (). فخرج رسول الله صلي الله عليه و اله من مكة يريد المدينة حتي نزل منزلاً يقال له: غدير خم، وقد علم الناس مناسكهم وأوعز إليهم وصيته إذ نزلت عليه هذه الآية يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ واللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ().

فقام رسول الله صلي الله عليه و اله فقال بعد أن حمد الله وأثني عليه: أيها الناس، هل تعلمون من وليكم؟. فقالوا: نعم، الله ورسوله. ثم قال صلي الله عليه و اله: ألستم تعلمون أني أولي بكم من أنفسكم؟. قالوا: بلي. قال صلي الله عليه و اله: اللهم اشهد. فأعاد ذلك عليهم ثلاثاً كل ذلك يقول مثل قوله الأول ويقول الناس كذلك ويقول: اللهم اشهد، ثم أخذ بيد أمير المؤمنين عليه السلام فرفعها حتي بدا للناس بياض إبطيهما، ثم قال صلي الله عليه و اله: ألا من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأحب من أحبه ثم رفع رأسه إلي

السماء فقال: اللهم اشهد عليهم وأنا من الشاهدين. فاستفهمه عمر فقام من بين أصحابه فقال: يا رسول الله، هذا من الله ومن رسوله؟. فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: نعم من الله ورسوله، إنه أمير المؤمنين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين، يقعده الله يوم القيامة علي الصراط فيدخل أولياءه الجنة وأعداءه النار ().

53 العترة الطاهرة

العترة الطاهرة عليهم السلام هي الامتداد الحقيقي لرسول الله صلي الله عليه و اله وقد خلّف الرسول صلي الله عليه و اله في أمته الثقلين: كتاب الله وعترته أهل بيته (سلام الله عليهم أجمعين)، فكان رسول الله صلي الله عليه و اله في مختلف المناسبات يؤكد للمسلمين ضرورة التمسك بأهل بيته الطاهرين عليهم السلام ومتابعتهم وعدم مخالفتهم.

روي بطرق مختلفة عن أبي سعيد الخدري وعن غيره، عن النبي صلي الله عليه و اله في أيامه الأخيرة أنه قال: إني أوشك أن أدعي فأجيب، فإني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله عزوجل وعترتي، كتاب الله حبل ممدود بين السماء والأرض، وعترتي أهل بيتي، وإن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتي يردا عليَّ الحوض فانظروا بما ذا تخلفوني ().

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: «الإسلام عريان، فلباسه الحياء، وزينته الوفاء، ومروءته العمل الصالح، وعماده الورع، ولكل شيء أساس، وأساس الإسلام حبنا أهل البيت» ().

وعن رافع مولي أبي ذر، قال: رأيت أبا ذر رحمة الله عليه آخذاً بحلقة باب الكعبة ويقول: من عرفني فقد عرفني أنا جندب الغفاري، ومن لم يعرفني فأنا أبو ذر، سمعت رسول الله صلي الله عليه و اله يقول:

من قاتلني في الأولي وقاتل أهل بيتي في الثانية حشره الله مع الدجال، إنما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة

نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق، ومثل باب حطة من دخلها نجا ومن لم يدخله هلك ().

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: أنا ميزان العلم وعلي عليه السلام كفتاه، والحسن والحسين عليهما السلام حباله، وفاطمة عليها السلام علاقته، والأئمة عليهم السلام من بعدهم يزنون المحبين والمبغضين ().

وعن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله صلي الله عليه و اله: إن لكل نبي عصبة ينتمون إليها إلاّ ولد فاطمة فأنا وليهم وأنا عصبتهم، وهم عترتي خلقوا من طينتي، وويل للمكذبين بفضلهم، من أحبهم أحبه الله، ومن أبغضهم أبغضه

الله ().

وعن يزيد بن حيان، قال: انطلقت أنا وحصين بن سيرة وعمر بن مسلم إلي زيد بن أرقم، فلما جلسنا عنده قال له حصين:

لقد لقيت يا زيد خيراً كثيراً، رأيت رسول الله صلي الله عليه و اله وسمعت حديثه، وغزوت معه وصليت معه خلفه، لقد لقيت يا زيد خيراً كثيراً، حدثنا يا زيد ما سمعت من رسول الله صلي الله عليه و اله.

قال: يا ابن أخي، لقد كبرت سني وقدم عهدي ونسيت بعض الذي كنت أعي من رسول الله صلي الله عليه و اله، فما حدثتكم فاقبلوه وما لا أذكره فلا تكلفوني، ثم قال: قام رسول الله صلي الله عليه و اله فينا خطيباً بماء يدعي خُماً بين مكة والمدينة، فحمد الله وأثني عليه ووعظ وذكر، ثم قال: أما بعد، أيها الناس أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب، وإني تارك فيكم الثقلين: أولهما كتاب الله فيه النور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به فحث علي كتاب الله تعالي ورغب فيه، ثم قال وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل

بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي ().

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: إني فرطكم علي الحوض فأسألكم حين تلقوني عن الثقلين كيف خلفتموني فيهما.

فاعتل علينا لا ندري ما الثقلان حتي قام رجل من المهاجرين فقال: يا نبي الله، بأبي أنت وأمي ما الثقلان؟.

قال صلي الله عليه و اله: الأكبر منهما كتاب الله طرف بيد الله تعالي وطرف بأيديكم، فتمسكوا به ولا تزلوا ولا تضلوا. والأصغر منهما عترتي، من استقبل قبلتي، وأجاب دعوتي، فلا تقتلوهم ولا تغزوهم؛ فإني سألت اللطيف الخبير فأعطاني أن يردا عليَّ الحوض كهاتين و أشار بالمسبحة والوسطي ناصرهما ناصري، وخاذلهما خاذلي، وعدوهما عدوي، ألا وإنه لن تهلك أمة قبلكم حتي تدين بأهوائها، وتظاهر علي نبيها، وتقتل من يأمر بالقسط فيها ().

وروي الزمخشري بإسناده قال: قال النبي صلي الله عليه و اله: فاطمة بهجة قلبي، وابناها ثمرة فؤادي، وبعلها نور بصري، وأئمة من ولدها أمنائي، وحبل ممدود بيني وبين خلقه من اعتصم به نجا، ومن تخلف عنهم هلك ().

وعن أبان بن تغلب، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: قال رسول الله صلي الله عليه و اله: من أراد أن يحيا حياتي، ويموت ميتتي، ويدخل جنة عدن التي غرسها الله ربي بيده، فليتول علي بن أبي طالب وليتول وليه، وليعاد عدوه، وليسلم للأوصياء من بعده؛ فإنهم عترتي من لحمي ودمي، أعطاهم الله فهمي وعلمي، إلي الله أشكو أمر أمتي المنكرين لفضلهم، القاطعين فيهم صلتي، وأيم الله ليقتلن ابني لا أنالهم الله شفاعتي ().

وعن النبي صلي الله عليه و اله، قال: من أحب أن يتمسك بالقضيب الياقوت الأحمر الذي غرسه الله تعالي في جنة عدن فليتمسك بحب علي بن أبي طالب

وذريته الطاهرين ().

وعن النبي صلي الله عليه و اله: من أحب أن ينسئ الله له في أجله، وأن يتمتع بما خوله الله، فليخلفني في أهلي خلافة حسنة؛ فإنه من لم يخلفني فيهم بتك الله عمره، وورد عليَّ يوم القيامة مسوداً وجهه ().

وعن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلي الله عليه و اله: من دان بديني، وسلك منهاجي، واتبع سنتي، فليدن بتفضيل الأئمة من أهل بيتي علي جميع أمتي؛ فإن مثلهم في هذه الأمة مثل باب حطة في بني إسرائيل ().

وعن أمه أم سلمة (رضوان الله عليها) قالت: سمعت رسول الله صلي الله عليه و اله يقول:

علي بن أبي طالب والأئمة من ولده بعدي سادة أهل الأرض، وقادة الغر المحجلين يوم القيامة ().

54 جيش أسامة

آخر بعث بعثه رسول الله صلي الله عليه و اله إلي الشام هو جيش أسامة، حيث أمّر علي المسلمين أسامة بن زيد بن حارثة مولاه، وأمّره أن يوطئ الخيل تخوم البلقاء() والداروم() من أرض فلسطين، فتجهز الناس.. وتخلف من تخلف.

روي: أن رسول الله صلي الله عليه و اله لما أصبح يوم الخميس عقد لأسامة اللواء بيده ثم قال: أغز بسم الله في سبيل الله، فقاتل من كفر بالله.

فخرج أسامة وعسكر بالجرف، فلم يبق أحد من وجوه المهاجرين الأولين والأنصار إلاّ انتدب في تلك الغزوة فيهم: أبو بكر، وعمر بن الخطاب، وأبو عبيدة بن الجراح، وسعد بن أبي وقاص، وسعيد بن زيد، وغيرهم. فتكلم قوم وقالوا: يستعمل هذا الغلام علي المهاجرين الأولين.

فغضب رسول الله صلي الله عليه و اله غضباً شديداً فخرج وقد عصب علي رأسه عصابة، فصعد المنبر فحمد الله وأثني عليه ثم قال: أما بعد، أيها الناس فما مقالة بلغتني عن

بعضكم تأميري أسامة، ولئن طعنتم في إمارتي أسامة لقد طعنتم في أمارتي أباه من قبله، وأيم الله إنه كان للإمارة لخليقاً وإن ابنه من بعده لخليق للإمارة. ثم نزل فدخل بيته وكان ذلك يوم السبت، وثقل رسول الله صلي الله عليه و اله بأثر السم، فجعل يقول: انفذوا بعث أسامة، انفذوا بعث أسامة، أنفذوا بعث أسامة، لعن الله من تخلف عن جيش أسامة.

وقال الشيخ المفيد رحمة الله عليه في (الإرشاد):

ثم إنه صلي الله عليه و اله عقد لأسامة بن زيد بن حارثة الإمرة وندبه أن يخرج بجمهور الأمة إلي حيث أصيب أبوه من بلاد الروم، واجتمع رأيه صلي الله عليه و اله علي إخراج جماعة من متقدمي المهاجرين والأنصار في معسكره؛ حتي لا يبقي في المدينة عند وفاته صلي الله عليه و اله من يختلف في الرئاسة، ويطمع في التقدم علي الناس بالإمارة، ويستتب الأمر لمن استخلفه من بعده، ولا ينازعه في حقه منازع، فعقد له الإمرة علي ما ذكرناه. وجدّ صلي الله عليه و اله في إخراجهم، فأمر أسامة بالبروز عن المدينة بمعسكره إلي الجرف، وحث الناس علي الخروج إليه والمسير معه، وحذرهم من التلوم والإبطاء عنه ().

وقد تخلف بعض الصحابة لأسباب سياسية غير خفية علي البصير، فشملهم لعن رسول الله صلي الله عليه و اله.

55 استشهاد النبي صلي الله عليه و اله

كانت وفاة النبي صلي الله عليه و اله بل استشهاده في صبيحة يوم الاثنين أو عند زواله، لليلتين بقيتا من شهر صفر، سنة إحدي عشرة من الهجرة، وعمره الشريف آنذاك ثلاث وستون سنة. ودفن صلي الله عليه و اله يوم الثلاثاء، وقيل: يوم الأربعاء.

وقد اشتكي رسول الله صلي الله عليه و اله من مرض قبل وفاته بثلاث عشرة

ليلة تقريباً، وكان ذلك من أثر السم، قيل: إنه سم المرأة اليهودية في قصة خيبر().

وكان النبي صلي الله عليه و اله يؤكد كثيراً خلال مرضه هذا علي التمسك بأهل بيته عليهم السلام وضرورة تجهيز جيش أسامة والخروج من المدينة، ولعن من تخلف عن جيش أسامة () فأراد صلي الله عليه و اله أن يخلي المدينة من المنافقين وغيرهم، حتي تتهيأ الأجواء لتسلم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام الخلافة. ولكن بعض الصحابة تخلفوا وعصوا أمر رسول الله صلي الله عليه و اله في خروجهم، فهل كانوا علي علم بأنه صلي الله عليه و اله لا يشفي من مرضه هذا، وأنه سُقي سماً لا يبرأ منه؟!.

56 من الخطب الأخيرة

لما سمع رسول الله صلي الله عليه و اله بأن فلاناً أخذ يصلي بالمسلمين، قال: ادعوا ليَّ العباس. فدُعي فحمله هو وعلي بن أبي طالب عليه السلام فأخرجاه، فدخل المسجد واستأنف الصلاة بالمسلمين وإنه لقاعد، ثم حمل فوضع علي منبره فلم يجلس بعد ذلك علي المنبر، واجتمع له جميع أهل المدينة من المهاجرين والأنصار حتي برزت العواتق من خدورهن، فبين باكٍ وصائح وصارخ ومسترجع، والنبي صلي الله عليه و اله يخطب ساعة ويسكت ساعة، وكان مما ذكر في خطبته أن قال:

يا معشر المهاجرين والأنصار ومن حضرني في يومي هذا وفي ساعتي هذه من الجن والإنس، فليبلغ شاهدكم الغائب، ألا قد خلّفت فيكم كتاب الله فيه النور والهدي والبيان ما فرط الله فيه من شيء حجة الله لي عليكم، وخلّفت فيكم العلم الأكبر علم الدين ونور الهدي وصيي علي بن أبي طالب، ألا هو حبل الله فاعتصموا به جميعا ولا تفرقوا عنه ().

وقال صلي الله عليه و اله في

وصيته قرب وفاته: أيها الناس لا تأتوني غداً بالدنيا تزفونها زفا ويأتي أهل بيتي شعثاً غبراً مقهورين مظلومين تسيل دماؤهم، إياكم وبيعات الضلالة والشوري للجهالة، ألا و إن هذا الأمر له أصحاب وآيات قد سماهم الله في كتابه وعرّفتكم وبلّغتكم ما أرسلت به إليكم ولكني أراكم قوما تجهلون، لاترجعن بعدي كفارا مرتدين تتأولون الكتاب علي غير معرفة وتبتدعون السنة بالهوي، وكل سنة وحديث وكلام خالف القرآن فهو زور وباطل ().

57 في بيت فاطمة عليها السلام

كان رسول الله صلي الله عليه و اله في آخر أيام حياته المباركة في بيت فاطمة عليها السلام، وقد استأذن علي رسول الله صلي الله عليه و اله ملك الموت عزرائيل.

قال ابن عباس: فلما طرق الباب قالت فاطمة عليها السلام: من ذا؟.

قال: أنا غريب أتيت رسول الله صلي الله عليه و اله، فهل تأذنون لي في الدخول عليه؟.

فأجابت: امضِ رحمك الله لحاجتك، فرسول الله صلي الله عليه و اله عنك مشغول.

فمضي ثم رجع فدق الباب، وقال: غريب يستأذن علي رسول الله صلي الله عليه و اله، فهل تأذنون للغرباء؟.

فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: يا فاطمة، إن هذا مفرق الجماعات، ومنغص اللذات، هذا ملك الموت، ما استأذن والله علي أحد قبلي، ولا يستأذن علي أحد بعدي، استأذن عليَّ لكرامتي علي الله، ائذني له.

فدخل وقال: السلام عليك يا رسول الله وعلي أهل بيتك.

قال صلي الله عليه و اله: وعليك السلام يا ملك الموت.

فقال: إن ربك أرسلني إليك وهو يقرؤك السلام ويخيرك بين لقائه والرجوع إلي الدنيا.

فاستمهله صلي الله عليه و اله حتي ينزل جبرئيل ويستشيره، فخرج ملك الموت من عنده وجاء جبرئيل، فقال: السلام عليك يا أبا القاسم.

قال صلي الله عليه و اله: وعليك

السلام يا حبيبي جبرائيل.

فقال: يا رسول الله، إن ربك إليك مشتاق وما استأذن ملك الموت علي أحد قبلك ولا يستأذن علي أحد بعدك.

قال صلي الله عليه و اله: يا حبيبي جبرئيل إن ملك الموت قد خيرني عن ربي بين لقائه وبين الرجوع إلي الدنيا، فما الذي تري؟.

فقال: يا رسول الله وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأُولَي وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضي ().

قال صلي الله عليه و اله: نعم، لقاء ربي خير لي، لا تبرح يا حبيبي جبرئيل حتي ينزل ملك الموت. فنزل ملك الموت فقال له رسول الله صلي الله عليه و اله: امض لما أُمرت له.

ثم قال له رسول الله صلي الله عليه و اله: يا حبيبي جبرئيل ادن مني.

فدنا منه فكان جبرئيل عن يمينه، وميكائيل عن شماله، وملك الموت قابضاً لروحه صلي الله عليه و اله. ثم مدّ رسول الله صلي الله عليه و اله يده إلي علي عليه السلام فجذبه إليه وهو يقول:

ادن مني يا أخي فقد جاء أمر الله.

فدنا عليه السلام منه حتي أدخله تحت ثوبه الذي كان عليه ووضع فاه في أُذنه، وجعل يناجيه طويلاً حتي فارقت روحه الدنيا (صلوات الله عليه وآله) ويد أمير المؤمنين عليه السلام اليمني تحت حنكه، ففاضت نفسه فيها فرفعها عليه السلام إلي وجهه فمسحه بها.

ثم قال علي عليه السلام: أعظم الله أُجوركم في نبيكم، فقد قبضه الله إليه.

ثم مد عليه إزاره، وقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، يا لها من مصيبة خصت الأقربين وعمت المؤمنين، لما يصابوا بمثلها قط ولا عاينوا مثلها.

فارتفعت عندها الأصوات بالضجة والبكاء، فصاحت فاطمة عليها السلاموصاح المسلمون، وصاروا يضعون التراب علي رؤوسهم، وفاطمة عليها السلام تقول:

يا أبتاه إلي جبرئيل ننعاه، يا أبتاه

من ربه ما أدناه، يا أبتاه جنان الفردوس مأواه، يا أبتاه أجاب رباً دعاه.

واجتمعت نسوة بني هاشم وجعلن يذكرن النبي صلي الله عليه و اله ويبكين.

58 تجهيز النبي صلي الله عليه و اله

قام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام بتغسيل رسول الله صلي الله عليه و اله والصلاة عليه، وكفنه ودفنه في قبره الشريف حيث مزاره اليوم في المسجد النبوي الشريف.

قال الإمام علي عليه السلام: أوصي النبي صلي الله عليه و اله أن لا يغسله أحد غيري ().

وقال الشيخ المفيد رحمة الله عليه: فلما أراد أمير المؤمنين عليه السلام غسل النبي صلي الله عليه و اله استدعي الفضل بن العباس فأمره أن يناوله الماء لغسله بعد أن عصب عينيه، فشق قميصه صلي الله عليه و اله من قبل جيبه حتي بلغ به إلي سرته، وتولي غسله وتحنيطه وتكفينه، والفضل يعطيه الماء ويعينه عليه..

فلما فرغ من غسله وتجهيزه تقدم عليه السلام فصلي عليه وحده، لم يشركه معه أحد في الصلاة عليه، وكان المسلمون في المسجد يخوضون فيمن يؤمهم في الصلاة عليه، وأين يدفن، فخرج إليهم أمير المؤمنين عليه السلام وقال لهم:

إن رسول الله صلي الله عليه و اله إمامنا حياً وميتاً فيدخل عليه فوج بعد فوج منكم فيصلون عليه بغير إمام وينصرفون، وإن الله لم يقبض نبياً في مكان إلاّ وقد ارتضاه لرمسه فيه، وإني لدافنه في حجرته التي قبض فيها، فسلم القوم لذلك ورضوا به().

وكانت الحجرة هي بيت فاطمة (سلام الله عليها).

فصلي علي رسول الله صلي الله عليه و اله الرجال، ثم النساء، ثم الصبيان، لا يؤمهم أحد وكانت صلاتهم: قوله تعالي: إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلّونَ عَلَي النّبِيّ يَا أيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ صَلّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيما ().

عن أبي جعفر

محمد بن علي الباقر عليه السلام، قال:

لما فرغ أمير المؤمنين عليه السلام من تغسيل رسول الله صلي الله عليه و اله وتكفينه وتحنيطه أذن للناس وقال: ليدخل منكم عشرة عشرة ليصلوا عليه، فدخلوا وقام أمير المؤمنين عليه السلام بينه وبينهم وقال: إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَي النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيما () وكان الناس يقولون كما يقول.

قال أبو جعفر عليه السلام: وهكذا كانت الصلاة عليه صلي الله عليه و اله ().

وعن أبي مريم الأنصاري، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له: كيف كانت الصلاة علي النبي صلي الله عليه و اله؟.

قال: لما غسله أمير المؤمنين عليه السلام وكفنه سجاه، ثم أدخل عليه عشرة فداروا حوله ثم وقف أمير المؤمنين عليه السلام في وسطهم فقال: إِنَّ اللَّهَ ومَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَي النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيما ()، فيقول القوم كما يقول، حتي صلي عليه أهل المدينة وأهل العوالي ().

59 زيارة الرسول صلي الله عليه و اله

من المستحبات المؤكدة زيارة قبر رسول الله صلي الله عليه و اله وقبور الأئمة الطاهرين من أهل بيته عليهم السلام، ودل علي ذلك متواتر الروايات.

ويأتي من بعد ذلك في الاستحباب والفضل: زيارة قبور الأولياء والعلماء والصالحين، ومن ثم زيارة قبور مطلق المؤمنين؛ فإنها تذكّر بالآخرة وتشدّ الناس نحو الخير والتقوي.

عن أبي الحسن موسي عليه السلام، قال: إذا كان يوم القيامة كان علي عرش الرحمن أربعة من الأولين وأربعة من الآخرين، فأما الأربعة الذين هم من الأولين: فنوح وإبراهيم وموسي وعيسي عليهم السلام، وأما الأربعة من الآخرين: فمحمد وعلي والحسن والحسين (صلوات الله عليهم)، ثم يمد المضمار فيقعد معنا من زار قبور الأئمة عليهم السلام إلاّ أن أعلاهم درجة وأقربهم

حبوة زوار قبر ولدي علي عليه السلام ().

هذا ولا يصح الإشكال بأن رسول الله صلي الله عليه و اله قد مات فما فائدة زيارته والتوسل به إلي الله عزوجل؟، فإنه مردود بالأدلة العقلية والنقلية.

قال تعالي: وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِن لاّ تَشْعُرُونَ (). وقال سبحانه: وَلاَ تَحْسَبَنَّ الّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبّهِمْ يُرْزَقُونَ ().

مضافاً إلي خصوص ما ورد في أن النبي صلي الله عليه و اله وأهل بيته الطاهرين عليهم السلام لافرق بين حيهم وميتهم، وأنهم يسمعون الكلام ويردون السلام عند ما يزورهم الإنسان بعد مماتهم، إلي غير ذلك مما ذكرناه في الكتب العقائدية.

عن سماعة، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: ما لكم تسوءون رسول الله.

فقلت له: جعلت فداك وكيف نسوؤه؟.

قال عليه السلام: أما تعلمون أن أعمالكم تعرض عليه، فإذا رأي معصية ساءه ذلك، فلا تسوءوا رسول الله صلي الله عليه و اله ().

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: من أتاني زائراً كنت شفيعه يوم القيامة ().

وعن ابن أبي نجران قال:

سألت أبا جعفر عليه السلام () عمن زار قبر النبي صلي الله عليه و اله قاصدا؟

قال: له الجنة ().

وعن أبي بكر الحضرمي قال: قد أمرني أبو عبد الله عليه السلام أن أكثر الصلاة في مسجد رسول الله صلي الله عليه و اله ما استطعت، وقال: إنك لا تقدر عليه كلما شئت وقال لي: تأتي قبر رسول الله صلي الله عليه و اله؟

فقلت: نعم.

فقال: أما إنه يسمعك من قريب، ويبلغه عنك إذا كنت نائيا ().

وعن عامر بن عبد الله قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إني زدت جمالي دينارين أو

ثلاث علي أن يمر بي إلي المدينة، فقال: قد أحسنت، أما أيسر هذا تأتي قبر رسول الله صلي الله عليه و اله أما إنه يسمعك من قريب ويبلغه عنك من بعيد ().

وعن النبي صلي الله عليه و اله قال: من زارني في حياتي أو بعد موتي كان في جواري يوم القيامة ().

وعن علي بن أبي طالب عليه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه و اله: من زارني بعد وفاتي كان كمن زارني في حياتي وكنت له شهيدا وشافعا يوم القيامة ().

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: من زار قبري بعد موتي كان كمن هاجر إليّ في حياتي، فإن لم تستطيعوا فابعثوا إلي السلام فإنه يبلغني ().

وقال الحسين بن علي عليه السلام لرسول الله صلي الله عليه و اله: يا أبتاه ما جزاء من

زارك؟

فقال صلي الله عليه و اله: يا بني من زارني حيا أو ميتا كان حقا علي أن أزوره يوم القيامة وأخلصه من ذنوبه ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن زيارة قبر رسول الله صلي الله عليه و اله تعدل حجة مع رسول الله صلي الله عليه و اله مبرورة ().

60 من روايات النبي صلي الله عليه و اله

كلمات رسول الله صلي الله عليه و اله ورواياته الشريفة نور للبشرية جمعاء، يلزم علي المسلمين وغيرهم أن يعملوا بها، ويزّينوا بيوتهم ومحلاتهم وأسواقهم ودوائرهم وكل مرافق الحياة بها، وخاصة كلمات قصاره وهي فصل الخطاب.

قال قيس بن عاصم: وفدت علي رسول الله صلي الله عليه و اله في جماعة من بني تميم … فقلت: يا رسول الله عظنا موعظة ننتفع بها.

فقال: يا قيس إن مع العز ذلاً.. وإن مع الحياة موتاً.. وإن مع الدنيا آخرة.. وإن لكل

شيء حسيباً.. وعلي كل شيء رقيباً.. وإن لكل حسنة ثواباً.. ولكل سيئة عقاباً.. الحديث().

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: اليد العليا خير من اليد السفلي ().

وقال صلي الله عليه و اله: ما قلّ وكفي خير مما كثر وألهي.

وقال صلي الله عليه و اله: خير الزاد التقوي.

وقال صلي الله عليه و اله: رأس الحكمة مخافة الله عزوجل.

وقال صلي الله عليه و اله: خير ما ألقي في القلب اليقين.

وقال صلي الله عليه و اله: الارتياب من الكفر.

وقال صلي الله عليه و اله: السكر جمر النار.

وقال صلي الله عليه و اله: الخمر جماع الآثام.

وقال صلي الله عليه و اله: شر المكاسب كسب الربا.

وقال صلي الله عليه و اله: شر المآكل أكل مال اليتيم ظلماً.

وقال صلي الله عليه و اله: السعيد من وعظ بغيره.

وقال صلي الله عليه و اله: الشقي من شقي في بطن أمه.

وقال صلي الله عليه و اله: أربي الربا الكذب.

وقال صلي الله عليه و اله: سباب المؤمن فسوق، قتال المؤمن كفر، أكل لحمه من معصية الله عزوجل، حرمة ماله كحرمة دمه.

وقال صلي الله عليه و اله: من يكظم الغيظ يأجره الله عزوجل.

وقال صلي الله عليه و اله: من يصبر علي الرزية يعوضه الله.

وقال صلي الله عليه و اله: لا يلسع المؤمن من جُحر مرتين.

وقال صلي الله عليه و اله: لا يجني علي المرء إلاّ يده.

وقال صلي الله عليه و اله: الشديد من غلب نفسه.

وقال صلي الله عليه و اله: ليس الخبر كالمعاينة.

وقال صلي الله عليه و اله: اللهم بارك لأمتي في بكورها يوم سبتها وخميسها.

وقال صلي الله عليه و اله: المجالس بالأمانة.

وقال صلي الله عليه و اله: سيد القوم خادمهم.

وقال صلي الله عليه و

اله: لو بغي جبل علي جبل لجعله الله دكاً.

وقال صلي الله عليه و اله: ابدأ بمن تعول.

وقال صلي الله عليه و اله: المسلم مرآة لأخيه.

وقال صلي الله عليه و اله: الناس كأسنان المشط سواء.

وقال صلي الله عليه و اله: أي داء أدوي من البخل.

وقال صلي الله عليه و اله: الحياء خير كله.

وقال صلي الله عليه و اله: اليمين الفاجرة تذر الديار من أهلها بلاقع.

وقال صلي الله عليه و اله: أعجل الشر عقوبة البغي.

وقال صلي الله عليه و اله: أسرع الخير ثواباً البر.

وقال صلي الله عليه و اله: المسلمون عند شروطهم.

وقال صلي الله عليه و اله: ارحم مَن في الأرض يرحمك مَن في السماء.

وقال صلي الله عليه و اله: من قُتل دون ماله فهو شهيد.

وقال صلي الله عليه و اله: العائد في هبته كالعائد في قيئه.

وقال صلي الله عليه و اله: لا يحل للمؤمن أن يهجر أخاه المؤمن فوق ثلاث.

وقال صلي الله عليه و اله: من لا يَرحم لا يُرحم.

وقال صلي الله عليه و اله: الندم توبة.

وقال صلي الله عليه و اله: الدالّ علي الخير كفاعله.

وقال صلي الله عليه و اله: حبك للشيء يعمي ويصم.

وقال صلي الله عليه و اله: لا يشكر الله من لا يشكر الناس.

وقال صلي الله عليه و اله: لا يؤوي الضالة إلاّ الضال.

وقال صلي الله عليه و اله: اتقوا النار ولو بشق تمرة.

وقال صلي الله عليه و اله: الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف.

وقال صلي الله عليه و اله: مَطَل الغني ظلم.

وقال صلي الله عليه و اله: الناس معادن كمعادن الذهب والفضة.

وقال صلي الله عليه و اله: استنزلوا الرزق بالصدقة.

وقال صلي الله عليه و اله: ادفعوا البلاء

بالدعاء.

وقال صلي الله عليه و اله: جُبلت القلوب علي حب من أحسن إليها وبغض من أساء إليها.

وقال صلي الله عليه و اله: ما نقص مال من صدقة.

وقال صلي الله عليه و اله: لا صدقة وذو رحم محتاج.

وقال صلي الله عليه و اله: الصحة والفراغ نعمتان مكفورتان.

وقال صلي الله عليه و اله: عفو الملك أبقي للملك.

وقال صلي الله عليه و اله: هبة الرجل لزوجته تزيد في عفتها.

وقال صلي الله عليه و اله: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ().

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله:

إن أسرع الثواب علي الخير اللين، وإن أسرع الشر عقوبة البغي، وكفي بالمرء عيباً أن يبصر من الناس ما يعمي عنه من نفسه، وأن يعير الناس بما لا يستطيع تركه، وأن يؤذي جليسه بما لا يعنيه ().

وقال صلي الله عليه و اله: أنا زعيم ببيت في أعلي الجنة وبيت في وسط الجنة وبيت في رياض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً ().

وقال صلي الله عليه و اله: قال حبيبي جبرئيل: إن مثل هذا الدين كمثل شجرة ثابتة، الإيمان أصلها، والصلاة عروقها، والزكاة ماؤها، والصوم سعفها، وحسن الخلق ورقها، والكف عن المحارم ثمرها، فلا تكمل شجرة إلاّ بالثمر، كذلك الإيمان لا يكمل إلاّ بالكف عن المحارم ().

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: يا ابن آدم، لا ينسينك ذنب الناس عن ذنبك، ولا نعمة الناس عن نعمة الله عليك، ولا تقنط الناس من رحمة الله وأنت ترجوها لنفسك ().

وقال النبي صلي الله عليه و اله: ثلاث من لقي الله بهن دخل الجنة من أي باب شاء، من حسن خلقه، وخشي الله في المغيب والمحضر، وترك المراء وإن كان محقاً ().

وقال

رسول الله صلي الله عليه و اله: اتق الله حيث كنت، وخالق الناس بخلق حسن، وإذا عملت سيئة فاعمل حسنة تمحوها ().

وقال صلي الله عليه و اله: أول عنوان صحيفة المؤمن بعد موته ما يقول الناس فيه، إن خيراً فخير وإن شراً فشر، وأول تحفة المؤمن أن يغفر له ولمن تبع جنازته.

ثم قال صلي الله عليه و اله: يا فضل، لا يأتي المسجد من كل قبيلة إلاّ وافدها، ومن كل أهل بيت إلاّ نجيبها.

يا فضل، إنه لا يرجع صاحب المسجد بأقل من إحدي ثلاث: إما دعاء يدعو به يدخله الله به الجنة، وإما دعاء يدعو به ليصرف الله به عنه بلاء الدنيا، وإما أخ يستفيده في الله عزوجل.

ثم قال صلي الله عليه و اله: ما استفاد امرؤ مسلم فائدة بعد فائدة الإسلام مثل أخ يستفيده في الله عزوجل.

ثم قال: يا فضل، لا تزهدوا في فقراء شيعتنا؛ فإن الفقير منهم ليشفع يوم القيامة في مثل ربيعة ومضر.

ثم قال: يا فضل، إنما سمي المؤمن مؤمناً؛ لأنه يؤمن علي الله فيجيز الله أمانه.

ثم قال: أما سمعت الله تعالي يقول في أعدائكم إذا رأوا شفاعة الرجل منكم لصديقه يوم القيامة: فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ وَلاَ صَدِيقٍ حَمِيمٍ () ().

وعن أبي ذر رحمة الله عليه قال: قال النبي صلي الله عليه و اله: يا أ با ذر، الجلوس ساعة عند مذاكرة العلم خير لك من عبادة سنة صيام نهارها وقيام ليلها، والنظر إلي وجه العالم خير لك من عتق ألف رقبة ().

إلي غير ذلك من الروايات الكثيرة().

وهذا آخر ما أردنا بيانه في هذا الكتاب، والله الموفق للصواب.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام علي المرسلين والحمد لله رب العالمين، وصلي

الله علي محمد وآله الطيبين الطاهرين.

قم المقدسة

محمد الشيرازي

مؤلفات الإمام الشيرازي الراحل رحمة الله عليه

حول الرسول الأعظم النبي الأكرم محمد بن عبد الله صلي الله عليه و اله

• أسبوع المولد الشريف

• أول حكومة إسلامية في المدينة المنورة

• باقة عطرة في أحوال خاتم النبيين صلي الله عليه و اله

• البعثة النبويّة الشريفة

• حكومة الرسول صلي الله عليه و اله والإمام أمير المؤمنين عليه السلام

• رسول الإسلام صلي الله عليه و اله في مكة

• رسول الإسلام صلي الله عليه و اله في المدينة، الجزء 1-3

• السيرة الفواحة

• كذري كوتاه بر زندكي وزمان حضرت محمد صلي الله عليه و اله / فارسي

• محمد صلي الله عليه و اله والقرآن

• من حياة الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله

• من سيرة النبي الأكرم صلي الله عليه و اله

• المولد النبوي الشريف

• هكذا حج رسول الله صلي الله عليه و اله

• ولأول مرة في تاريخ العالم ج1و2

• ولكم في رسول الله صلي الله عليه و اله أسوة

پي نوشتها

() سورة الأحزاب: 21.

() سورة الشعراء: 219.

() قيل: إن أم هارون العباسي هي التي اشترته وجعلته مسجداً.

() المناقب: ج1 ص28-29 فصل في مولده ?.

() الأمالي للصدوق: ص286 المجلس48 ح1.

() بحار الأنوار: ج15 ص258-259 ب3 ضمن ح9.

() للتفصيل انظر للإمام المؤلف ?: ولأول مرة في تاريخ العالم ج1 ومن معاجز النبي صلي الله عليه و اله.

() الأمالي للصدوق: ص502-503 المجلس75 ح18.

() الرمص بالتحريك: وسخ يجتمع في موق العين، فإن سال فهو غمص، وإن جمد فهو رمص. انظر مجمع البحرين: ج4 ص172 مادة رمص.

() بحار الأنوار: ج35 ص129-130 ب3.

() بحار الأنوار: ج15 ص215 ب2 ح28.

() الخرائج والجرائح: ج1 ص138 فدك.

() إيمان أبي طالب، للفخار: ص289-291 ف7 ألوان من إيمان أبي طالب.

() إيمان أبي طالب، للفخار: ص313-316 ف8 استسقاء أبي

طالب بالنبي صلي الله عليه و اله.

() الكافي: ج1 ص448-449 باب مولد النبي صلي الله عليه و اله ووفاته ح29.

() الأمالي للمفيد: ص301-305 المجلس36 ح3.

() شرح نهج البلاغة: ج14 ص130 ف3 قصة غزوة بدر.

() شرح نهج البلاغة: ج15 ص203 فضل بني هاشم علي بني عبد شمس.

() الإقبال: ص598-599 ب4 فصل فيما نذكره من صوم يوم العاشر من شهر ربيع الأول.

() الكافي: ج5 ص374-375 باب خطب النكاح ح9.

() كشف الغمة: ج1 ص508 فصل في مناقب خديجة بنت خويلد.

() انظر العمدة: ص393 فصل في ذكر مناقب خديجة ? ح787.

() انظر فتح الباري، لابن حجر: ج7 ص103 باب تزويج النبي صلي الله عليه و اله خديجة وفضلها.

() قصص الأنبياء، للجزائري: ص259-260 ب12 ف5.

() قال رسول الله ?: إن الحجر الأسود من الجنة، انظر غوالي اللآلي: ج1 ص174 ف8 ح206.

() الكافي: ج4 ص217 باب ورود تبع وأصحاب الفيل البيت ح3.

() بحار الأنوار: ج11 ص195 ب3 ح48.

() الخرائج والجرائح: ج1 ص71 فصل من روايات العامة.

() شرح نهج البلاغة: ج13 ص208 ذكر حال رسول الله صلي الله عليه و اله في نشوئه.

() سورة العلق: 1-5.

() سورة العلق: 1-5.

() تفسير الإمام العسكري عليه السلام: ص156-158 تسليم الجبال والصخور والأحجار عليه صلي الله عليه و اله ح78.

() الاحتجاج: ج1 ص100 احتجاج فاطمة الزهراء ? علي القوم لما منعوها فدك.

() الاحتجاج: ج1 ص99 احتجاج فاطمة الزهراء ? علي القوم لما منعوها فدك.

() سورة 41-42.

() وسائل الشيعة: ج27 ص34 ب5 ح33144.

() الكافي: ج2 ص598-599 كتاب فضل القرآ ن ح2.

() وسائل الشيعة: ج6 ص167 ب1 ح7640.

() بحار الأنوار: ج89 ص22 ب1 ح22.

() وسائل الشيعة: ج6 ص167 ب1 ح7641.

() الكافي: ج2 ص600 كتاب فضل القرآ ن ح4.

() وسائل الشيعة:

ج6 ص168 ب1 ح7643.

() بحار الأنوار: ج89 ص13 ب1 ح3.

() وسائل الشيعة: ج6 ص168 ب1 ح7644.

() الكافي: ج2 ص603 باب فضل حامل القرآن ح1.

() سورة المائدة: 82.

() سورة مريم: 25-26.

() سورة المائدة: 110.

() سورة المائدة: 82-85.

() راجع تفسير القمي: ج1 ص176-179 الهجرة إلي الحبشة.

() بحار الأنوار: ج19 ص25 ب5 ح14.

() بحار الأنوار: ج19 ص20-22 ب5 ضمن ح11.

() بحار الأنوار: ج18 ص76-77 ب9.

() بحار الأنوار: ج19 ص18 ب5 ضمن ح9.

() المناقب: ج1 ص181 فصل في هجرته صلي الله عليه و اله.

() سورة الأنفال: 30.

() تفسير القمي: ج1 ص272-276 شوري قريش في دار الندوة.

() سورة الأنفال: 30.

() سورة الأنفال: 35.

() سوة يس: 9.

() تفسير القمي: ج1 ص272-276 شوري قريش في دار الندوة.

() سورة البقرة: 190.

() راجع كتاب ولأول مرة في تاريخ العالم، للإمام الراحل الشيرازي رحمة الله عليه: ج1 ص110 فصل في غزواته وسراياه صلي الله عليه و اله.

() بحار الأنوار: 20 ص215 باب17 غزوة الأحزاب ح2.

() سورة القلم: 4.

() سورة آل عمران: 159.

() راجع المناقب: ج1 ص145-147 فصل في آدابه ومزاحه صلي الله عليه و اله.

() إرشاد القلوب: ج1 ص115 ب32.

() بحار الأنوار: ج70 ص206 ب130.

() التواضع والخمول، ابن أبي الدنيا: ص158 باب التواضع ح122.

() بحار الأنوار: ج70 ص206 ب130.

() بحار الأنوار: ج70 ص208-209 ب130.

() الكافي: ج2 ص304 باب الغضب ح11.

() تأويل الآيات الظاهرة: ص145 سورة النساء، تأويل الآيات الظاهرة: ص227 سورة يونس.

() مكارم الأخلاق: ص9-10 المقدمة.

() بحار الأنوار: ج43 ص69-71 ب3 ح61.

() وسائل الشيعة: ج9 ص470 ب47 ح12518.

() بحار الأنوار: ج68 ص384-385 ب92 ح25.

() إعلام الوري: ص79-78 ب4.

() سورة الشوري: 38.

() سورة آل عمران: 159.

() سورة المائدة: 24.

() انظر كتاب (ولأول مرة في تاريخ العالم)،

للإمام الشيرازي رحمة الله عليه: ج1 ص120-121 النبي صلي الله عليه و اله يستشير أصحابه.

() انظر كتاب (ولأول مرة في تاريخ العالم) للإمام المؤلف رحمة الله عليه: ج1 ص124 التشاور يهدي إلي التفوق.

() انظر كتاب (ولأول مرة في تاريخ العالم): ج1 ص142-143 النبي صلي الله عليه و اله يستشير أصحابه.

() انظر كتاب ولأول مرة في تاريخ العالم: ج1 ص178 المشورة تهدي إلي الظفر.

() مستدرك الوسائل: ج9 ص312-313 ب4 ح10988.

() انظر بحار الأنوار: ج16 ص292، وتفسير القمي: ج2 ص27.

() راجع الكافي: ج2 ص122 باب التواضع ح5.

() سورة الضحي: 4 5.

() سيأتي تفصيل ذلك في نهاية هذا الكتاب تحت عنوان (في بيت فاطمة ?).

() بحار الأنوار: ج75 ص105ب19 ح4.

() وسائل الشيعة: ج8 ص78 ب5 ح10125.

() تفسير نور الثقلين: ج1 ص404 ح410 سورة آل عمران.

() مجمع البيان: ج9 ص57 سورة الشوري.

() مكارم الأخلاق: ص238 ب8 ف10.

() سورة آل عمران: 159.

() مستدرك الوسائل: ج8 ص342 ب20 ح9610.

() بحار الأنوار: ج72 ص105 ب48 ضمن ح41.

() وسائل الشيعة: ج12 ص19-20 ب9 ح15531.

() غوالي اللآلئ: ج1 ص104 ف6 ح39، وغوالي اللآلئ: ج1 ص439 ب1 المسلك الثالث ح156.

() عيون أخبار الرضا عليه السلام: ج2 ص66 ب31 ح296.

() مستدرك الوسائل: ج8 ص346 ب22 ح9621.

() سورة البقرة: 256.

() سورة الأنفال: 42.

() سورة الغاشية: 21-22.

() بحار الأنوار: ج1 ص206 ب4 ح35.

() مستدرك الوسائل: ج17 ص249 ب4 ح21250.

() جامع الأخبار: ص37 الفصل العشرون في العلم.

() روضة الواعظين: ج1 ص12 باب الكلام في ماهية العلوم وفضلها.

() دعائم الإسلام: ج1 ص357 ذكر ما يجب للأمراء وما يجب عليهم.

() وسائل الشيعة: ج27 ص95-96 ب8 ح33308.

() الأمالي للطوسي: ص225 المجلس الثامن ح392.

() الأمالي للطوسي: ص473 المجلس17 ح1032.

() بحار الأنوار: ج1 ص204

ب4 ح24.

() بحار الأنوار: ج1 ص205 ب4 ح29.

() منية المريد: ص121-122 ف6.

() منية المريد: ص121-122 ف6.

() تفسير القمي: ج2 ص178 معاجز رسول الله صلي الله عليه و اله في الخندق.

() تفسير القمي: ج1 ص124-125 مواساة رجل من الأنصار.

() بحار الأنوار: ج22 ص312 ب8 ح16.

() سورة الحج: 67.

() تأويل الآيات الظاهرة: ص345 سورة الحج وما فيها من الآيات في الأئمة الهداة.

() الأمالي للطوسي: ص223 المجلس الثامن ح386.

() بحار الأنوار: ج39 ص305 ب87 ضمن ح120.

() سورة الأعراف: 157.

() راجع موسوعة الفقه: كتاب الحريات، وكذلك كتاب (الحرية الإسلامية) وكتاب (الصياغة الجديدة) للإمام المؤلف رحمة الله عليه.

() الإرشاد: ج1 ص148 باب طرف من أخبار أمير المؤمنين عليه السلام.

() بحار الأنوار: ج20 ص188 ب17 غزوة الأحزاب.

() سورة الأحزاب: 12.

() الكافي: ج2 ص102 باب حسن الخلق ح15.

() مستدرك الوسائل: ج14 ص157 ب3 ح16365.

() مستدرك الوسائل: ج15 ص180 ب70 ح17933.

() مستدرك الوسائل: ج15 ص180 ب70 ح17933.

() مستدرك الوسائل: ج15 ص180 ب70 ح17932.

() مستدرك الوسائل: ج15 ص182 ب70 ح17937.

() وسائل الشيعة: ج20 ص41 ب9 ح24981.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص408. ق6 ب1 ف4 ح9382.

() النوادر للراوندي: ص35.

() دعائم الإسلام: ج1 ص358 ذكر ما يجب للأمراء وما يجب عليهم.

() الكافي: ج5 ص30 باب وصية رسول الله صلي الله عليه و اله وأمير المؤمنين عليه السلام في السرايا ح9.

() تهذيب الأحكام: ج6 ص139-138 ب60 ح2.

() وسائل الشيعة: ج15 ص62 ب16 ح19989.

() الكافي: ج5 ص28 باب وصية رسول الله صلي الله عليه و اله وأمير المؤمنين عليه السلام في السرايا ح4.

() مشكاة الأنوار: ص264 ف7.

() بحار الأنوار: ج16 ص239 ب9 في جمل من أحواله وأخلاقه.

() وسائل الشيعة: ج18 ص322 ب2 ح23766.

() وسائل الشيعة: ج18 ص322 ب2

ح23758.

() راجع وسائل الشيعة: ج18 ص322 ب2 ح23768وح23769.

() سورة الأنبياء: 107.

() بحار الأنوار: ج16 ص214-215 ب9 ح1

() أي ما مثل به.

() المستدرك علي الصحيحين: ج3 ص218 ح4893 طبع دار الكتب العلمية بيروت.

() المستدرك علي الصحيحين: ج1 ص537 ح1407.

() المستدرك علي الصحيحين: ج1 ص537 ح1406.

() المستدرك علي الصحيحين: ج3 ص219 ح4900.

() مجمع الزوائد: ج6 ص118 وص119 باب مقتل حمزة رضي الله عنه، طبع دار الريان للتراث القاهرة.

() مصباح الزجاجة: ج2 ص47 و48 باب ما جاء في البكاء علي الميت، طبع الدار العربية بيروت.

() وللمزيد انظر شرح معاني الآثار: ج4 ص293 طبع دار الكتب العلمية بيروت، ومسند الشاشي:

ج2 ص413 طبع المدينة المنورة، والمعجم الكبير: ج3 ص142 طبع الموصل.

() مجمع الزوائد: ج9 ص187 طبع دار الريان للتراث القاهرة.

() مجمع الزوائد: ج9 ص 187. وانظر أيضا المعجم الكبير: ج23 ص289 ح637 طبع الموصل.

() تهذيب التهذيب: ج2 ص300-301 ضمن ح615.

() مصنف ابن أبي شيبة: ج7 ص477-478 ح37366 طبع مكتبة الرشد الرياض.

() المستدرك علي الصحيحين: ج3 ص194 ح4818 طبع دار الكتب العلمية بيروت.

() الأحاديث المختارة: ج2 ص375 ح758، طبع مكة المكرمة. وانظر أيضا مصنف ابن أبي شيبة: ج7 ص477-478 ح37367.

() للمزيد انظر مسند البزار: ج3 ص101 طبع مؤسسة علوم القرآن بيروت، ومسند أبي يعلي: ج1 ص298 طبع دار المأمون للتراث دمشق. والآحاد والمثاني: ج1 ص308 طبع دار الراية الرياض. والمعجم الكبير: ج3 ص105 طبع مكتبة العلوم والحكم الموصل.

() مستدرك الوسائل: ج3 ص41 ب10 ح2968.

() مستدرك الوسائل: ج3 ص42-43 ب10 ح2971.

() مستدرك الوسائل: ج1 ص125-126 ب18 ح165.

() سورة طه: 1-2.

() الكافي: ج2 ص95 باب الشكر ح6.

() سورة طه: 1-2.

() الاحتجاج: ج1 ص219-220 احتجاجه عليه السلام علي اليهود من أحبارهم ممن قرأ الصحف

والكتب في معجزات النبي صلي الله عليه و اله وكثير من فضائله.

() الكافي: ج7 ص185 باب صفة الرجم ح6.

() بحار الأنوار: ج18 ص61 ب8 ضمن ح19.

() وذلك اجتنابا لوقوع حرب وسقوط ضحايا.

() سورة الممتحنة: 1.

() المناقب: ج2 ص143-144 فصل في المسابقة بالحزم وترك المداهنة.

() راجع قرب الإسناد: ص137-138 ما جاء في الشهادات.

() شرح نهج البلاغة: ج18 ص16 ذكر بقية الخبر عن فتح مكة.

() الكافي: ج2 ص63 باب الرضا بالقضاء ح13.

() بحار الأنوار: ج68 ص140-141 ب63 ح32.

() أي: قرية قرية.

() سورة الضحي: 4-5.

() تأويل الآيات الظاهرة: ص783 سورة الضحي.

() سورة الضحي: 5.

() تنبيه الخواطر ونزهة النواظر: ج2 ص230

() الكافي: ج4 ص90 باب صوم رسول الله صلي الله عليه و اله ح5.

() وسائل الشيعة: ج10 ص439 ب13 ح13793.

() سورة البقرة: 53.

() تفسير الإمام العسكري عليه السلام: ص252-253 نجاة بني إسرائيل لإقرارهم ولاية محمد صلي الله عليه و اله وتجديدها

ح123.

() الخرائج والجرائح: ج1 ص84 فصل من روايات الخاصة.

() المناقب: ج3 ص247 فصل في مساواته يعقوب ويوسف ?.

() من الجوع.

() بحار الأنوار: ج20 ص216-221 ب17 ح3.

() سورة هود: 36.

() سورة نوح: 26-28.

() بحار الأنوار: ج11 ص298 ب3.

() راجع كمال الدين: ج1 ص133 – 134 ب2 باب في ذكر ظهور نوح عليه السلام بالنبوة بعد ذلك ح2.

() راجع الارشاد: ج1 ص86-87 فصل في ذكر غزاة احد.

() الكافي: ج5 ص330 باب أن التزويج يزيد في الرزق ح2.

() مستدرك الوسائل: ج14 ص155-156 ب2 ح16359.

() مكارم الأخلاق: ص207 ب8 ف3.

() وسائل الشيعة: ج20 ص21 ب2 ح24921.

() كشف الغمة: ج1 ص511 فصل في مناقب خديجة بنت خويلد أم فاطمة ?.

() كشف الغمة: ج1 ص507 فصل في مناقب خديجة بنت خويلد أم فاطمة ?.

() كشف الغمة:

ج1 ص507 فصل في مناقب خديجة بنت خويلد أم فاطمة ?.

() كشف الغمة: ج1 ص508 فصل في مناقب خديجة بنت خويلد أم فاطمة ?.

() كشف الغمة: ج1 ص512 فصل في مناقب خديجة بنت خويلد أم فاطمة ?.

() كشف الغمة: ج1 ص508 فصل في مناقب خديجة بنت خويلد أم فاطمة ?.

() كشف الغمة: ج1 ص512 فصل في مناقب خديجة بنت خويلد أم فاطمة ?.

() وسائل الشيعة: ج20 ص164-165 ب83 ح25317.

() وسائل الشيعة: ج20 ص163-164 ب82 ح25315.

() مكارم الأخلاق: ص425 ب12 ف2.

() قرب الإسناد: ص101 باب ما يجب علي النساء في الصلاة.

() الخصال: ج2 ص487 الشهور اثنا عشر شهراً ح63.

() وسائل الشيعة: ج20 ص32 ب6 ح24954.

() وسائل الشيعة: ج20 ص44 ب11 ح24989.

() مكارم الأخلاق: ص197 ب8 ف1.

() وسائل الشيعة: ج20 ص35-36 ب7 ح24964.

() مستدرك الوسائل: ج12 ص56 ب63 ح13499.

() أي أشار إليه بالضرب، أو ضربه ضربا خفيفا لا يؤذي الحيوان (منه رحمة الله عليه).

() بحار الأنوار: ج16 ص233-234 ب9 في الرفق بأمته صلي الله عليه و اله.

() الكافي: ج3 ص550 باب تفضيل أهل الزكاة بعضهم علي بعض ح5.

() بحار الأنوار: ج16 ص396 ب11 ح80.

() مستدرك الوسائل: ج3 ص244 ب7 ح3490.

() مستدرك الوسائل: ج8 ص465 ب93 ح10023.

() مستدرك الوسائل: ج8 ص465 ب93 ح10024.

() مستدرك الوسائل: ج8 ص463 ب93 ح10020.

() شرح نهج البلاغة: ج19 ص47 فصل في الحياء وما قيل فيه.

() شرح نهج البلاغة: ج19 ص47.

() شرح نهج البلاغة: ج19 ص47.

() شرح نهج البلاغة: ج19 ص47.

() الكافي: ج2 ص80 باب العفة ح6.

() تنبيه الخواطر ونزهة النواظر: ج2 ص122.

() بحار الأنوار: ج67 ص65 ب45 ح7.

() تنبيه الخواطر ونزهة النواظر: ج2 ص122.

() بحار الأنوار: ج67 ص64 ب45 ح1.

() مستدرك الوسائل: ج12

ص112 ب81 ح13664.

() مستدرك الوسائل: ج12 ص113 ب81 ح13666.

() وسائل الشيعة: ج21 ص390 ب22 ح27379.

() الكافي: ج6 ص19 باب الأسماء والكني ح10.

() الفايق في غريب الحديث: ج3ص337 حرف النون النون مع الهاء.

() بحار الأنوار: ج21 ص365-366 ب35 ح1.

() تاريخ المدينة، ابن شبة النميري: ج1 ص165 ما جاء في أسماء المدينة.

() تاريخ المدينة، ابن شبة النميري: ج1 ص163 ما جاء في أسماء المدينة.

() تاريخ المدينة، ابن شبة النميري: ج1 ص165 ما جاء في أسماء المدينة.

() تاريخ المدينة، ابن شبة النميري: ج1 ص163 ما جاء في أسماء المدينة.

() تاريخ المدينة، ابن شبة النميري: ج1 ص164 ما جاء في أسماء المدينة.

() تاريخ المدينة، ابن شبة النميري: ج1 ص164 ما جاء في أسماء المدينة.

() تاريخ المدينة، ابن شبة النميري: ج1 ص164 ما جاء في أسماء المدينة.

() تاريخ المدينة، ابن شبة النميري: ج1 ص164-165 ما جاء في أسماء المدينة.

() سورة الأحزاب: 12 –13.

() شرح نهج البلاغة: ج19 ص366 طرائف حول الأسماء والكني.

() سورة الحجرات: 13.

() راجع لسان الميزان لابن حجر: ج3 ص398 ح1579.

() سورة الممتحنة: 8-9.

() راجع المستدرك للحاكم النيسابوري: ج3 ص605.

() سورة المائدة: 5.

() سورة العنكبوت: 46.

() سورة سبأ: 24.

() راجع الكافي: ج5 ص240 باب ضمان العارية والوديعة ح10.

() راجع الأمالي للصدوق: ص224 المجلس الأربعون ح2.

() راجع بحار الأنوار: ج43 ص30 ب3 ح37.

() تهذيب الأحكام: ج9 ص322 ب29 ح12.

() سورة النصر: 2.

() سورة النساء: 1.

() شرح نهج البلاغة: ج1 ص126 فصل في الكلام علي السجع.

() سورة آ ل عمران: 101-102.

() سورة آ ل عمران: 103.

() سورة آ ل عمران: 105.

() سورة النساء: 1.

() سورة آ ل عمران: 110.

() سورة آ ل عمران: 118.

() سورة المائدة: 51.

() سورة التوبة: 23.

() سورة الممتحنة: 1.

() سورة الممتحنة: 8.

()

مستدرك الوسائل: ج12 ص258 ب24 ح14051.

() سورة آ ل عمران: 28.

() سورة النساء: 138-144.

() سورة النساء: 142.

() إشارة إلي قوله تعالي: ?هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّي يُؤْفَكُونَ? سورة المنافقون: 4.

() سورة التوبة: 107-110.

() سورة التوبة: 73.

() سورة البقرة: 136.

() سورة البقرة: 285.

() سورة المائدة: 44.

() سورة المائدة: 46.

() سورة المائدة: 6.

() راجع بحار الأنوار: ج21 ص276 ب32.

() راجع تفسير القمي: ج2 ص321 الإفك علي مارية.

() سورة النساء: 156.

() سورة البقرة: 256.

() سورة العنكبوت: 46.

() سورة الكهف: 29.

() سورة القصص: 56.

() سورة الممتحنة: 8.

() سورة النحل: 125.

() سورة العنكبوت: 46.

() سورة الغاشية: 21-22.

() سورة يونس: 99.

() سورة الإسراء: 54.

() سورة آل عمران: 64.

() سورة المائدة: 1.

() سورة النحل: 91.

() سورة الإسراء: 34.

() سورة التوبة: 4.

() راجع تفسير القمي: ج2 ص309 صلح الحديبية، بحار الأنوار: ج20 ص361 ب20 ح10.

() شرح نهج البلاغة: ج14 ص172 ف3 القول فيما جري في الغنيمة والأساري بعد هزيمة قريش ورجوعها إلي مكة.

() راجع الكافي: ج4 ص225 باب أن الله عزوجل حرم مكة حين خلق السماوات والأرض ح3.

() راجع بحار الأنوار: ج21 ص30-31 ب22 ح32.

() راجع المناقب: ج2 ص105 في المسابقة بالتواضع.

() وسائل الشيعة: ج27 ص274-275 ب18 ح33759.

() راجع بحار الأنوار: ج71 ص157 ب10 ح4.

() راجع فتوح البلدان: ج1 ص162 ح367.

() سورة آل عمران: 159.

() مستدرك الوسائل: ج8 ص302 ب44 ح9502.

() سورة الإسراء: 70.

() سورة سبأ: 24.

() سورة النور: 27.

() سورة النساء: 8.

() سورة الذاريات: 24-25.

() سورة البقرة: 34، سورة الإسراء: 61، سورة الكهف: 50، سورة طه: 116.

() بحار الأنوار: ج64 ص71 ب1 الأخبار ح39.

() جامع الأخبار: ص147 ف110.

() راجع بحار الأنوار: ج21 ص366 ب35 ح1.

() الكافي: ج5 ص93 باب الدين ح2.

() الكافي:

ج5 ص94 باب الدين ح6.

() الكافي: ج2 ص333 باب الظلم ح15.

() وسائل الشيعة: ج17 ص81 ب1 ح22042.

() مستدرك الوسائل: ج13 ص192 ب58 ح15071.

() راجع المناقب: ج1 ص147 فصل في آدابه ومزاحه صلي الله عليه و اله.

() سورة التوبة: 60.

() بحار الأنوار: ج27 ص249 ب13 ح9.

() بحار الأنوار: ج27 ص250 ب13 ح10.

() الكافي: ج2 ص120 باب الرفق ح12.

() من لا يحضره الفقيه: ج2 ص286 باب حق الدابة علي صاحبها ح2465.

() بحار الأنوار: ج61 ص203 ب8 ح5.

() من لا يحضره الفقيه: ج2 ص287 باب حق الدابة علي صاحبها ح2471.

() بحار الأنوار: ج62 ص9 ب2 ح13.

() مكارم الأخلاق: ص130 ب6 ف9 فيما يتعلق بالمسكن.

() مكارم الأخلاق: ص130 ب6 ف9 فيما يتعلق بالمسكن.

() مستدرك الوسائل: ج8 ص303 ب44 ح9505.

() مستدرك الوسائل: ج8 ص285 ب27 ح9459.

() المحاسن: ج2 ص635 ب15 ح131.

() الكافي: ج6 ص545 باب الغنم ح7.

() بحار الأنوار: ج61 ص117 ب2.

() راجع كتاب (الفقه: حقوق الحيوان وأحكامه) للإمام المؤلف رحمة الله عليه.

() بحار الأنوار: ج21 ص372 ب35 ح2.

() بحار الأنوار: ج21 ص364 ب35 ح1.

() بحار الأنوار: ج21 ص364 ب35 ح1.

() بحار الأنوار: ج21 ص365 ب35 ح1.

() بحار الأنوار: ج21 ص370 ب35 ح2.

() بحار الأنوار: ج21 ص371 ب35 ح2.

() سورة المائدة: 67.

() سورة المائدة: 3.

() سورة المائدة: 67.

() سورة النصر: 1.

() سورة الزخرف: 79-80.

() سورة المائدة: 67.

() تفسير القمي: ج1 ص172-174 خطبة النبي صلي الله عليه و اله يوم الغدير.

() معاني الأخبار: ص90 باب معني الثقلين والعترة.

() المحاسن: ج1 ص286 ب46 ح427.

() بشارة المصطفي: ص88.

() تأويل الآيات الظاهرة: ص111 سورة آل عمران وما فيها من الآيات البينات في الأئمة الهداة.

() بحار الأنوار: ج23 ص104-105 ب7 ح2.

() بحار الأنوار: ج23 ص107-108

ب7 ح10.

() الطرائف: ج1 ص117 حديث الثقلين ح179.

() نهج الحق: ص396 المسألة السابعة ف2 الإجماع.

() الكافي: ج1 ص209 باب ما فرض الله عزوجل ورسوله صلي الله عليه و اله من الكون مع الأئمة ? ح5.

() الطرائف: ج1 ص118 حديث الثقلين ح182.

() بحار الأنوار: ج23 ص116 ب7 ح31.

() الأمالي للصدوق: ص74 المجلس17 ح6.

() بحار الأنوار: ج23 ص127 ب7 ح59.

() البلقاء: كورة من أعمال دمشق بين الشام ووادي القري، قصبتها عمان وفيها قري كثيرة ومزارع واسعة. راجع معجم البلدان: ج1 ص489.

() الداروم: قلعة بعد غزة للقاصد إلي مصر، الواقف فيها يري البحر إلا أن بينها وبين البحر مقدار فرسخ، خربها صلاح الدين لما ملك الساحل في سنة 584. راجع معجم البلدان: ج2 ص 424.

() الإرشاد: ج1 ص180-181.

() لما تمكن رسول الله صلي الله عليه و اله من فتح خيبر وصالح اليهود علي صالحهم عليه، أهدت له زينب بنت الحارث بن سلام بن مشكم وهي ابنة أخي مرحب شاة مصلية وقد سألت: أي عضو من الشاة أحب إلي رسول الله صلي الله عليه و اله؟. فقيل لها: الذراع، فأكثرت فيها السم وسمت سائر الشاة ثم جاءت بها، فلما وضعتها بين يديه تناول الذراع فأخذها فلاك منها مضغة وانتهش منها، ومعه بشر بن البراء بن معرور فتناول عظماً فانتهش منه. فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: ارفعوا أيديكم؛ فإن كتف هذه الشاة تخبرني أنها مسمومة. فدعاها فاعترفت، فقال: ما حملكِ علي ذلك؟. فقال: بلغت من قومي ما لم يخف عليك، فقلت: إن كان نبياً فسيخبر، وإن كان ملكاً استرحت منه. فتجاوز عنها رسول الله صلي الله عليه و اله ومات بشر بن البراء من أكلته التي أكل.

قال: ودخلت أم بشر بن البراء علي رسول الله صلي الله عليه و اله تعوده في مرضه الذي توفي فيه. فقال صلي الله عليه و اله: يا أم بشر، ما زالت أكلة خيبر التي أكلت بخيبر مع ابنكِ تعاودني، فهذا أوان قطعت أبهري. فكان المسلمون يرون أن رسول الله صلي الله عليه و اله مات شهيداً مع ما أكرمه الله به من النبوة. راجع بحار الأنوار: ج21 ص6-7 ب22.

() بحار الأنوار: ج30 ص432 ب22 الثاني التخلف عن جيش أسامة.

() بحار الأنوار: ج22 ص486 ب1 ح31.

() خصائص الأئمة: ص74.

() سورة الضحي: 4- 5.

() المناقب: ج1 ص239 فصل في وفاته صلي الله عليه و اله.

() الإرشاد: ج1 ص187.

() سورة الأحزاب: 56.

() سورة الأحزاب: 56.

() الأمالي للمفيد: ص31 المجلس4 ح5.

() سورة الأحزاب: 56.

() الكافي: ج1 ص450 باب مولد النبي صلي الله عليه و اله ووفاته ح35.

() الكافي: ج4 ص585 باب فضل زيارة أبي الحسن الرضا عليه السلام ح4.

() سورة البقرة: 154.

() سورة آل عمران: 169.

() مشكاة الأنوار: ص71-72 ب2 ف3.

() كامل الزيارات: ص12 ب2 ح1.

() أي الإمام الجواد عليه السلام.

() كامل الزيارات: ص12 ب2 ح3.

() وسائل الشيعة: ج14 ص338 – 339 ب4 ح19349.

() كامل الزيارات: ص12 ب2 ح6.

() وسائل الشيعة: ج14 ص336 ب3 ح19342.

() بحار الأنوار: ج97 ص143 ب1 ح27.

() تهذيب الأحكام: ج6 ص3 ب2 ح1.

() راجع من لا يحضره الفقيه: ج2 ص577 باب ثواب زيارة النبي صلي الله عليه و اله … ح3159.

() وسائل الشيعة: ج14 ص335 ب3 ح19341.

() راجع إرشاد القلوب: ج1 ص36 ب5.

() انظر من لا يحضره الفقيه: ج4 ص376-381 ومن ألفاظ رسول الله صلي الله عليه و اله الموجزة التي لم يسبق إليها ح5763-5832.

()

انظر من لا يحضره الفقيه: ج4 ص376-381 ومن ألفاظ رسول الله صلي الله عليه و اله الموجزة التي لم يسبق إليها ح5763-5832.

() مشكاة الأنوار: ص71-72 ب2 ف3.

() وسائل الشيعة: ج12 ص237 ب135 ح16186.

() بحار الأنوار: ج68 ص388 ب92 ح40.

() مشكاة الأنوار: ص72 ب2 ف3.

() وسائل الشيعة: ج12 ص236 ب135 ح16181.

() بحار الأنوار: ج68 ص389 ب92 ح46.

() سورة الشعراء: 100-101.

() الأمالي للطوسي: ص46-47 المجلس2 ح26 -57.

() مستدرك الوسائل: ج9 ص152-153 ب145 ح10529.

() للتفصيل انظر (موسوعة الكلمة) كلمة الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله، لآية الله الشهيد السيد حسن الشيرازي رحمة الله عليه ط دار العلوم.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.