محنة الأكثرية في العراق

اشارة

صفحات من ملف الطائفية السياسية
ناصر حسين ناصر
الطبعة الأولي
1426 ه 2005م
منشورات
دار المصطفي للطباعة والنشر
بيروت لبنان
محنة الأكثرية في العراق
صفحات من ملف الطائفية السياسية

كلمة الناشر

بسم الله الرحمن الرحيم
تميز العراق عن غيره من البلدان بميزات جعلته فريداً بين بلدان العالم اليوم، فقد حباه الله تعالي بموقع جغرافي فريد في قلب العالم تقريباً، فهو يصل الشرق بالغرب ويربط بين ثلاث من قارات العالم: آسيا وأفريقيا وأوروبا. كما يحتل مركز القلب من العالم الإسلامي، بالإضافة إلي تمتعه بالأراضي الخصبة التي يخترقها نهرا دجلة والفرات، وأما من الناحية الاقتصادية فإن العراق يختزن في أراضيه ثروة معدنية هائلة من النفط والكبريت والغاز الطبيعي والفحم الحجري وغيرها.
ولقد سكن العراق شعب تنوعت أعراقه وقومياته وأديانه ومذاهبه، فتري فيه العربي والكردي والفارسي والتركي والهندي والشركسي وغيرهم، كما تري فيه المسلم والمسيحي واليهودي والصابئي واليزيدي وغيرهم، وهذا من عوامل القوة لا الضعف حيث تري أناسا تختلف أجناسهم وقومياتهم وأديانهم يعيشون في بلد واحد متحابين متآخين دون أن تحدث بينهم مشاكل تعكر عليهم صفو الحياة.
ولهذا فقد كان العراق مهداً لأقدم الحضارات في العالم، وأكثرها تطوراً ونتاجاً علي طول التاريخ، كما كان العراق مهبط الأنبياء عليهم السلام ومستقر الأئمة والأولياء ومرقد الأئمة المعصومين الأطهار عليهم السلام ومركزاً تنتشر فيه مختلف المقدسات الدينية لمختلف الأديان والطوائف.
لكن مما يؤسف له أن العراق كان ولا يزال مسرحاً دائماً للحروب والقتال
لا بين أهله، وإنما كانت الدول العظمي تجعل من العراق ساحة لحل مشاكلها فيما بينها، فتشعل الحرب وتجري فصولها في العراق، فيكون العراق وأهله مادة هذه الحرب. فما كان يدور بين الدولة العثمانية والدولة الفارسية من معارك وحروب، خير دليل ساطع علي ذلك.
كما توالت علي حكم العراق أنظمة جائرة أقامت سياستها علي الكبت والإرهاب والقمع والبطش والتشريد والتفرقة والطائفية وغيرها، حيث طبعت حياة العراق والعراقيين بالدم والقتل مما كدرت عليهم صفو عيشهم، وأصبح الفرد العراقي يوسم بالعنف والإرهاب من قبل بقية الشعوب.
وكان أشد الأنظمة شراسة وطغيانا هو نظام العفالقة المقبور، فمنذ نزوهم علي سدة الحكم عبر الانقلاب العسكري المشؤوم في 17 تموز 1968م الذي أحكمت خطته وصاغت فصوله دوائر المخابرات الغربية ساد العراق جو مفعم بالإرهاب والكبت وتغيرت صورته التي كان يشع منها الإيمان والعلم ودماثة الخلق.
وما أن قام كيان العراق الحديث بعدما أنفصل عن الدولة العثمانية في أعقاب الحرب العالمية الأولي إلا ووقع في مطب الحكم البريطاني المباشر وغير المباشر، في ظل ملكية استبدادية وطائفية، ثم جمهورية الأقلية المستبدة، حتي ظهرت ملامح سياسة رسمت أبعاداً مأساوية في تاريخه، وهذه الملامح هي التي توضح حقيقة الأزمة والأسباب التي أدت إليها.
فلقد قامت سياسة الأقلية علي ما يلي:
1: قمع الأكثرية الشيعية وحرمانها من حقوقها ومصالحها.
2: محاربة معتقدات الأكثرية ومنعها من ممارسة طقوسها الدينية وحقوقها الإنسانية.
3: قتل الرجال والنساء والأطفال دون وازع من ضمير، والمقابر الجماعية التي تم كشفها بعد زوال النظام المقبور أكبر شاهد علي ذلك.
4: مطاردة العلماء وقتلهم وتشريدهم ونفيهم عن الوطن، مع أنهم هم الذين حرروا العراق من سيطرة الأعداء وطردوا الأجنبي المحتل من البلاد، وذلك في ثورة العشرين الخالدة بقيادة الميرزا محمد تقي الشيرازي رحمة الله عليه.
5: ممارسة سياسة التجهيل في صفوف الأكثرية بحرمان أبنائها من مواصلة تعليمهم.
6: حرمان الأكثرية من تسنم المناصب في الدولة والجيش.
7: القيام بحروب مفتعلة مع دول الجوار وزج أبناء الأكثرية في محرقتها إرضاءًا لنزوات الحكام وتحقيقاً لمصالح المستعمرين.
فيلزم علي العراقيين جميعاً المساهمة في بناء الحكومة المستقبلية علي أسس العدالة والإنسانية والمساواة، عن طريق الانتخابات الحرة النزيهة.
فلقد ولي العهد الذي تتحكم فيه الطائفية لتصادر حقوق الأكثرية وتتجاهل وجودها. فلم يعد هذا الأمر مقبولاً مطلقا.
كما ينبغي علي العراقيين أن يعوا خطورة وقوع الحكومة بيد مجموعة من الأشخاص بلا انتخابات أو تصويت أو شوري، فتتكرر المأساة السابقة بشكل جديد مع فارق تغيير العناوين والأسماء.
وهذا الكتاب الذي بين يديك خطوة توعوية في طريق رفع الظلم والحيف الذي لحق بالأكثرية من هذا الشعب لسنين متمادية نتيجة تعسف الأنظمة الجائرة التي توالت علي العراق ضاربة بكل الأعراف والقيم الإنسانية والإسلامية عرض الجدار.
الناشر

الإهداء

إلي الغياري الشرفاء من هذا الوطن..
إلي أصحاب الضمائر الحرة والواعية التي يؤرقها مصير هذا الشعب النبيل..
إلي كل عراقي جعل الحق والإنسانية ومصير الدين والأمة نصب عينيه..
وإلي كل الأحرار الذين خضبوا تربة بلد المقدسات بدمائهم القانية..
أقدم هذا المجهود المتواضع.

المقدمة

بسم الله الحمن الرحيم
الحمد لله بجميع محامده كلها، علي جميع نعمه كلها، والصلاة والسلام علي البشير النذير، والسراج المنير، الحبيب المصطفي محمد صلي الله عليه و اله وعلي آله الأطهار، المصطفيين الأبرار، وعلي المنتجبين من أصحابه الأخيار.
وبعد: إن العراق سنام العروبة، ومفخرة الإسلام بما يضم من مقدسات، وتاريخ، وحضارة، وموقعية استراتيجية.
وكان هذا الوطن الغالي الجريح يئن تحت وطأة أنظمة قاسية لا تعرف للرحمة والإنسانية معني، ولا يزال إلي اليوم يرزح تحت آثار الطغيان والأمراض الخبيثة التي جذرتها الحكومات البائدة في قلب الكيان السياسي العراقي.
كان في مقدمتها داء الطائفية السياسية العضال، الذي أغرق العراق في أوحال المحن، والعنصرية، والظلم، والتشنجات، وحمامات الدم، والفقر، ومختلف أنواع التخلف.
عزيزي القارئ: نحن في كتابة وإعداد الكتاب الماثل بين يديك اعتمدنا نهجاً قام علي ما يلي:
1: الحق الإنساني هو الملاك الشرعي والقانوني للجميع، فالأقليات والأكثرية يتساوون في هذا الحق.. وقد تكون أكثرية اليوم أقلية بعد عقود من الزمان، وأقلية العهود البائدة أكثرية اليوم، المهم أن الحق الإنساني لكل مواطن هو الملاك المعتمد..
وهذا ما تؤكده النصوص الأخلاقية الإسلامية مثل: المسلم أخو المسلم أحب أم كره و إنما المؤمنون إخوة و المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص، يشد بعضه بعضاً فسواء كان المسلم من هذا المذهب أم من ذاك، يلزم أن ينال كامل حقوقه ضمن دائرة (الأكثرية) أو دائرة (الأقلية).
2: العلاقات بين الأكثرية والأقلية تحكمها قاعدة (الإنصاف) و(الاحترام المتبادل) و(الحوار العلمي) و(مصلحة الدين والأمة والوطن).
فنحن في الوقت الذي ننادي بإنصاف الأكثرية المضطهدة تاريخياً في العراق، نثور للأقلية الكردية، أو السنية العربية فيما لو تعرضت لأي نوع من الاضطهاد ومصادرة الحقوق.. ونحن مع (المظلوم) من أية جهة كان ومن أي بلد حتي لو لم يكن مسلماً، وفتاوي ومواقف فقهائنا العظام في مساندة ثوار ليبيا، والعثمانيين حين اعتدي عليهم البريطانيون والقضية الفلسطينية، وغيرها شواهد علي ما نقول.. فتاريخنا يزخر بالبطولات والمواقف الوطنية والإسلامية المشرقة.. فلا نرضي أن يضطهد أي إنسان من أي مذهب إسلامي، أو ديانة غير إسلامية، قال أمير المؤمنين علي عليه السلام: الناس صنفان: إما أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق، وقال صلي الله عليه و اله: من آذي ذمياً فقد آذاني!.
3: إن المسؤولية تأخذ بأعناق الجميع، فالكل مسئول، والعراق الجديد لاتقوم له قائمة لو لم يستأصل جذور الطائفية السياسية، وأن مستقبل هذا الشعب والوطن لا يكون أفضل من ذي قبل إن لم يُتحرر من التمييز الطائفي والعرقي، فالكل مسئول: علماء، أساتذة، سياسيون، حاكمون، محكومون، سنة، شيعة، وغيرهم..
وإن من أهم الأسباب التي أودت بالعراق هي: الطائفية السياسية المتجذرة في أرض وأوصال هذا الوطن..
4: إن الديمقراطية، والتعددية، والفيدرالية، والحريات، وما شابه ذلك لاتعالج برأينا أزمة الطائفية السياسية لعمق جذورها واستحكامها، وأن الذي يعالجها هو ما ذكر في طي هذا الكتاب من الاعتراف الصريح والجريء بهذا الداء العضال، والاتفاق بين كل الجهات علي حله، وقد ذكرنا مقترحاتنا في هذا المجال..
ونحن في الوقت الذي نثمن جهود كل المخلصين، والمجاهدين للحق والعدالة وفي كل العراق نؤكد أننا كتبنا ما كتبناه ضمن دائرة الأمة الواحدة، والوطن الواحد، والهم المشترك، والنظر إلي الجميع نظرة الأخوة والاحترام، فلا يُحملن أحد كلمة من كلماتنا علي محمل التنقيص والعياذ بالله للرأي الآخر أو الطرف الآخر، أو تجريح عواطفه، وبخس حقه، ونحن نربأ بأنفسنا من ذلك وأعلي من هذا المستوي.
وكل ما ورد في هذا الكتاب من إشكالات ومآخذ إنما تخص الحكومات الطائفية حصراً لا أبناء الأقليات الملتزمة بمبادئها.
وربما اعتمدت مع تصرف علي كتابات بعض المحققين في الموارد التي رأيت الآخرين قد أشبعوا البحث دون تأسيس جديد، بل أكدت ما أسسوه مع تشذيب وإضافة.
وإن من وجد ملاحظة علمية علي ما ورد فيه يُشكر إن أوصلها إلينا؛ لنتداركها في المستقبل وأحب أخواني من أهدي إليَّ عيوبي.
والله الموفق، وهو من وراء القصد.
المؤلف

الفصل الأول

الفصل الأول

تمهيد

التشيع في مرحلة التأسيس:
بما أن هذه البحوث تتمحور حول الأكثرية الشيعية في العراق، ارتأينا إيراد هذا التمهيد حول تأسيس التشيع تاريخياً لضرورة معرفة هذه الحقيقة لمن يبحث عنها.. فالسؤال المطروح:

من أين نبع التشيع

يزعم البعض بأن أصل التشيع نبع من بلاد فارس، قال بذلك بعض المتعصبين وبعض مستشرقي المسيحيين، أمثال المستشرق بروكلمان في كتابه (تاريخ الشعوب)، والمستشرق دوزي عن تاريخ المذاهب الإسلامية، وهذا القول يخالف الواقع، كما إن التاريخ يفنده()، إذ لا دليل يدل علي قولهم، بل ورد عن رسول الله صلي الله عليه و اله في الحديث المروي عند الفريقين: يا علي، أنت وشيعتك الفائزون. فكان أتباع الإمام علي عليه السلام يعرفون بهذا الاسم منذ أيام رسول الله صلي الله عليه و اله، والرسول صلي الله عليه و اله هو أول من أطلق عليهم هذا الاسم. ولكن بعض المتعصبين زعم بأن التشيع نشأ من موالاة بعض الفرس للإمام أمير المؤمنين عليه السلام في حروبه عليه السلام زمن خلافته().
وكان مما يساعد هذه الأقوال تلك الأوضاع السياسية الظالمة، وأولئك الملوك والحكام غير الشرعيين ممن سعوا لإبعاد الناس عن أهل البيت عليهم السلام.
وهناك أدلة وروايات عديدة وردت عن النبي صلي الله عليه و اله تصرح بلفظ الشيعة، مما يدل علي كون لفظ (الشيعة) من الألفاظ القديمة التي استعملها النبي الأكرم صلي الله عليه و اله فيمن يتبع أمير المؤمنين عليه السلام.
فعن ابن عباس قال: سألت رسول الله صلي الله عليه و اله عن قول الله عز وجل:
?وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ?()؟ فقال: قال لي جبرئيل عليه السلام: ذلك علي وشيعته هم السابقون إلي الجنة، المقربون من الله بكرامته لهم ().
وعن أبي حمزة الثمالي، عن علي بن الحسين عليه السلام قال: قال سلمان الفارسي ?: كنت ذات يوم جالساً عند رسول الله صلي الله عليه و اله إذ أقبل علي بن أبي طالب عليه السلام فقال صلي الله عليه و اله له: ألا أبشرك يا علي؟ قال: بلي يا رسول الله، قال صلي الله عليه و اله: هذا حبيبي جبرئيل يخبرني عن الله جل جلاله أنه قد أعطي محبيك وشيعتك سبع خصال … (). الحديث. إذن تسمية أنصار وأتباع الإمام أمير المؤمنين ? وأهل بيته عليهم السلام بالشيعة وردت عن رسول الله صلي الله عليه و اله قبل تصدي الإمام أمير المؤمنين عليه السلام للخلافة والقيادة. والنصوص كثيرة ومتواترة في ذلك، وقد نقلها أبناء العامة أيضاً.
وهذه الروايات تبطل جميع الادعاءات القائلة بخلاف ذلك.
فمهما حاول البعض من مزوري الحقائق التاريخية إرجاع الشيعة إلي فئة أو جهة أخري فالحقيقة تبقي كما هي، فهي المدرسة السائرة علي درب الإسلام ونور القرآن والتعاليم المحمدية السمحاء، ولا يستطيع أحد إخفاء وستر هذه الحقيقة الواضحة إلا إذا استطاع إخفاء ضوء الشمس في الضحي.
إن المتفحص لأقوال الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله الباحث عن الحقيقة يجد أن التشيع هو الإسلام الكامل الذي أمر به الله عز وجل، حيث أكمل سبحانه وتعالي دينه بولاية الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام حين أنزل الآية المباركة:
?الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ
دِيناً?()، وذلك في حجة الوداع عند غدير خم بعد ما نصب الرسول صلي الله عليه و اله بأمر من الله، علي بن أبي طالب عليه السلام خليفة من بعده().
نعم، ولد التشيع في اليوم الأول لهتاف الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله في شعاب مكة وجبالها: لا إله إلا الله، فإن هذه الكلمة تعني الإسلام الكامل، وهو مشروط بالولاية لأمير المؤمنين عليه السلام والنصوص كثيرة في هذا المعني.
فالتشيع تأسس في زمن الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله، وأطلق الرسول صلي الله عليه و اله هذا الاسم علي أتباع أمير المؤمنين عليه السلام في حياته الشريفة.

العراق يعتنق التشيع

إن مما لا شك فيه هو أن العراق كان يعرف تاريخياً بأنه منتم إلي التشيع.
وقد دخل أمير المؤمنين عليً عليه السلام البصرة بعد حرب الجمل، وأقام فيها حوالي أربعة أشهر، فلمست في شخصيته الواقعية والإخلاص العميق وهو عليه السلام باب مدينة علم الرسول صلي الله عليه و اله، وقال صلي الله عليه و اله فيه: أعلمكم علي، أقضاكم
علي ()، ووجدوا أنه رمزً للتقي والإخلاص، وألقي عليهم الكثير من المواعظ التربوية، ثم حين أراد الرحيل عنها قال: دخلت بلادكم بأشمالي هذه، ورحلتي وراحلتي‌ها هي، فإن أنا خرجت من بلادكم بغير ما دخلت فإنني من الخائنين ()، فتحولت البصرة إلي علوية، وأسست فيها مساجد وجوامع عديدة، قال ابن بطوطة في كتابه (رحلة ابن بطوطة): إن فيها أحد عشر جامعاً سمي باسم جامع الإمام علي عليه السلام.
فالعراق تحول إلي التشيع منذ ذلك العهد، قال أحمد أمين في كتابه ضحي الإسلام: ج3 ص278 الطبعة الثالثة ما نصه: بعد قتل علي عليه السلام ظل العراق وخاصة الكوفة شيعي النزعة.
وأما انتشار التشيع في العراق فيعود إلي ما قبل الخلافة الظاهرية للإمام أمير المؤمنين عليه السلام بسنوات عديدة، كان منها زمن عمر بن الخطاب، حيث انتشر التشيع بصورة واضحة في هذه الفترة، وذلك عندما رجعت جيوش المسلمين إلي بلدانها، وسكن الكثير من هذه الجيوش في الكوفة والبصرة، وقد أتاح ذلك الفرصة لهم في التعرف علي أمير المؤمنين عليه السلام ومعرفة فضله عند الله عزوجل وعند نبيه الكريم صلي الله عليه و اله، فهناك أخذوا في إرساء قواعد التشيع في العراق وخصوصاً في ولاية عمار بن ياسر علي الكوفة، وسلمان الفارسي علي المدائن.
ولكن كان الأمر المهم والأساسي في انتشار التشيع هو ما حدث في زمن خلافة الإمام عليه السلام وتوليه عليه السلام أمور المسلمين حين اتخذ الكوفة عاصمة له، وهذا ساعد كثيراً علي انتشار التشيع في الكوفة، وسائر أنحاء العراق.
وخصوصاً بعد إقامته عليه السلام في البصرة أربعة أشهر وتعرف أهل البصرة علي حقيقة شخصيته وعدالة قضيته.
ولقد مر التشيع بعد استشهاد الإمام أمير المؤمنين عليه السلام بفترات مختلفة من حيث الصعوبة والسهولة، فتارة كانت عصيبة جداً علي جميع المنتمين إليه، وتارة كانت هذه الحدة خفيفة، حيث كان بعض الحكام لا يظهرون عداءاً شديداً لأهل البيت عليهم السلام بسبب ضعفهم أو وعي الجماهير وكان أحسن فترات التشيع هو عند استلام بعض الشيعة مقاليد الأمور في العراق حيث توفرت الحريات الواسعة لهم ورفعت الضغوط عنهم. فنستطيع أن نقسم الفترات التي مرت علي الشيعة في العراق إلي ثلاث فترات:
أولاً: الفترة الصعبة، وهي التي كان الأمويون والعباسيون حكامها.
ثانياً: الفترة الهادئة، حيث كانت معاملة الحكام لينة مع الشيعة للضعف الذي اعتري الحكام، وإلا فكانوا يعاملون بنفس المعاملة القاسية التي عاملهم بها من سبقهم من الحكام.
وتبلورت هذه الفترة في ثلاثة أدوار:
1: مرحلة انتقال الحكم من الأمويين إلي العباسيين، حيث أتيحت الفرصة للإمام الصادق عليه السلام في العمل الإسلامي، وتأسيس الجامعة العلمية، ونشر معارف رسول الله صلي الله عليه و اله وأهل البيت عليهم السلام، وحيث كان عليه السلام يجلس علي المنبر للتدريس في جامع الكوفة، وأربعة آلاف طالب علم تحت منبره.
2: عهد (المأمون) حيث نصب الإمام الرضا عليه السلام ولياً للعهد.
3: عهد (المنتصر لدين الله).
ثالثاً: الفترة السهلة الكاملة، حيث انطلاق حركة التشيع، إذ لم توجد ضغوطات علي أتباع أهل البيت عليهم السلام، وفيها كانت مقاليد الحكم بيد الشيعة، كما في عهد البوهيين مثلا.

التأسيس والانتشار في بغداد:

قلنا بأن التشيع انتشر في العراق، وكان مركزه الكوفة، ولكن عندما تسلم الحكم، المنصور الدوانيقي وهو الحاكم العباسي الثاني، نقل مركز الخلافة من الكوفة إلي الهاشمية()، ومن ثم إلي بغداد. وقد صاحب هذا الانتقال انتقال الكثير من الشيعة إلي بغداد، وكان بعضهم يعمل في حكومة المنصور متخفياً، ويبدأ بالعمل الجاد لنشر التشيع()، وقد شجعهم علي ذلك وجود الإمام جعفر الصادق عليه السلام في بغداد في ذلك الحين، ولذا أخذ التشيع ينتشر في بغداد انتشاراً واسعاً، وخصوصاً في منطقة الكرخ، رغم الشدة والمضايقات التي استخدمها المنصور مع الإمام جعفر الصادق عليه السلام، وجميع أتباع أهل البيت عليهم السلام.

المد والجزر

ومن الثابت أن أي فكرة أو عقيدة عندما ترتدي حلة الوجود، وتظهر علي سطح المجتمع، عادة يبرز معها تياران: تيار مساند وتيار مضاد، ومن عوامل تقدم أو تقهقر هذه الفكرة أو العقيدة وجود هذين التيارين. فتارة تلاحظ أن مبدأً ينتشر انتشاراً واسعاً في أوساط الناس، ومن العوامل المؤثرة في ذلك قوة التيار المساند له، مع إضافة عوامل أخري، وتارة يفشل المبدأ، ومن العوامل المؤثرة في ذلك قوة التيار المضاد، مع إضافة عوامل أخري().
ولم يخرج التشيع عن هذه القاعدة منذ نشأته الأولي في زمن الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله حيث كان التيار المساند والمساعد هو الحاكم، وذلك في زمن حكم أمير المؤمنين عليه السلام، وفي عصر الحكومات الشيعية التي حكمت في بعض مراحل التاريخ الإسلامي وهذا الأمر ساعد علي انتشار التشيع وكثرة أنصاره وقوة سلطانهم، مما أدي إلي انتشار العمل الإسلامي الشيعي ونشر علوم أهل البيت عليهم السلام ومدرستهم، وذلك لما كان الشيعة يتمتعون بشيء من الحرية.
كما ظهر التيار المخالف حيث ما تسلمت زمام الحكم حكومات مناهضة ومعادية لمذهب أهل البيت عليهم السلام، ففي هذه الحالة كان التشيع ينحسر، ويُقتَّل الكثير من أنصاره وأتباعه، ويُحد من انتشاره، وذلك لقوة التيار المضاد.
كذلك ظهر هذان علي الشيعة في العراق علي وجه الخصوص، فحينما كانت تتسلم الحكم حكومات شيعية، أو حكومات لا تحمل العداء لهذا المذهب الحق كان التشيع يتقدم وينتشر في العراق، ويمتد سلطانه ويترسخ، خاصة وأن التشيع يحمل من الأحكام والآراء المنطقية القوية الموافقة للفطرة ما يفحم الخصوم بحيث يعجزون عن مواجهته. أما إذا كان العكس، كما إذا كان الحكم قد تسلّمه المعادون لأهل البيت عليهم السلام ومن شايعهم فينحسر الانتشار، وفي بعض الأحيان يتوقف. فخلاصة الكلام هو أن التشيع في الأقاليم العراقية قد تراوح معدل انتشاره من حين إلي آخر، وكانت الأرجحية في أكثر العصور للأكثرية المتمثلة بمذهب أهل البيت عليهم السلام.

العراقيون يحملون لواء أهل البيت عليهم السلام في العالم

وبعد الاستقواء في العراق حمل العراقيون لواء الدعوة إلي مذهب أهل البيت عليهم السلام في مختلف أقطار الأرض، ومن العراق انتشرت مدرسة أهل البيت عليهم السلام في كل مكان وعلي الخصوص في إيران، حيث استطاع العلامة الحلي رحمة الله عليه من تحويل إيران إلي التشيع.
وفي العصر الحديث حيث هاجر الملايين من العراقيين من وطنهم واستقروا في مختلف بقاع الأرض وانطلقوا في تأسيس المراكز والمؤسسات، وإحياء المناسبات الإسلامية عبر المهرجانات والندوات، فعلي سبيل المثال: في موسم رمضان المبارك ومحرم الحرام، تري العراقيين المهاجرين يقيمون آلاف المجالس والمحافل القرآنية والثقافية في العشرات من بلاد العالم، ففي سوريا علي سبيل المثال هناك حوالي أربعة وأربعين مؤسسة، تفرعت عن الحوزة العلمية الزينبية التي أسسها الشهيد السيد حسن الشيرازي رحمة الله عليه، فهو ابن العراق.. وابن ثورة العشرين، وبذل دمه في سبيل قضية العراق.. وكذا غيره من العلماء والمفكرين والأدباء و …، فالعراقي يحمل رسالته إلي أية رقعة استوطن فيها …
فإن المؤسسات التي انطلقت من العراق والعراقيين كثيرة، وعلي سبيل المثال لا الحصر: مؤسسة الإمام الخوئي رحمة الله عليه في المملكة المتحدة، ومؤسسة الزهراء عليها السلام في كندا، ومؤسسة الإمام الصادق عليه السلام في الولايات المتحدة الأمريكية، ومؤسسة الإمام الشيرازي رحمة الله عليه العالمية في أمريكا أيضا، وغيرها كثير.

العروبة المتجذرة

لقد كانت مبادئ التشيع مناهج وعقائد اعتنقها العراقيون قبل عهد أمير المؤمنين علي عليه السلام، كما كانت العروبة قوميتهم ولغتهم التي ينتمون إليها ويعتزون بها منذ ذلك الحين، وهذه حقيقة تاريخية وواقعة لا غبار عليها ولا يشك فيها أحد.
يقول الأستاذ (حسن العلوي) وهو يحلل ويؤرخ لثورة العشرين الإسلامية التحررية العظيمة:
لم تكن العروبة شعاراً سياسياً عند الثوار يستهدف كسب الشارع إلي حركتهم، ولم تكن وسيلة لامتطاء ظهور السلطة، في وقت كانت سلطة الاحتلال هدفاً لنيران الجيش العربي والقبائل العربية؛ وإنما كانت إحساساً فطرياً، وانتماءا لواقع تاريخي وجغرافي، وتعبيراً نزيهاً عن الانتساب للأمة.
لكنها رغم هذه الفطرية، فقد تحاشت الوقوع في الفخ العربي الذي سقطت فيه الحركة القومية، أثناء صراعها ضد الدولة العثمانية علي الرغم من تمسك فقهاء وزعماء الثورة العراقية بعلاقات طيبة مع قائد الثورة العربية المتحالفة مع الإنكليز، إن فرزاً كان قد استقر بين: عروبة تحالف الإنكليز في الحجاز، وعروبة تحارب الإنكليز في الفرات.
إن خطاب الفقهاء والزعماء كان عربياً خالصاً يختزله شعارهم الداعي لتأسيس (دولة عربية، والعمل من أجل الجامعة العربية أي الوحدة العربية). وعلي مستوي الاستعمالات الدارجة بين أوساط الثوار لم يكن الهدف القومي مصطنعاً، ولم يعرف زعماء الثورة هذه اللغة، فلم يكن عبد الواحد الحاج سكر موغلاً في الفكر القومي حين يطالب بفتح (المخابرات) أي الاتصالات مع الأقطار العربية المجاورة؛ لتبادل الصحف والمطبوعات والزيارات، ولم يكن علوان الياسري يتنطع بكلمة العرب وإنما ترسل علي لسانه بعفوية، فهو لا يعرف اسما للشعب وللناس وللقبيلة التي تقاتل معه سوي اسم العرب حين يخاطب حاكم الشامية في المفاوضات التي جرت بينهم يوم 29 شوال 1338، وقد سجلها الشيخ محمد باقر الشبيبي في مذكراته قائلاً: لقد جبلنا نحن العرب علي العز، وأنتم مخطئون إذا كانت في نيتكم إذلالنا. إن الاستبداد البريطاني سحق مقدسات العرب، إن العرب لا يوافقون بالاحتلال، وسيري الإنكليز إن شاء الله عزة العرب وأنفتهم.
ولم يكن الشعراء الوطنيون وهم أتباع الفقهاء الناطقون باسم الثورة يعرفون المزايدة علي العروبة حين تبدأ قصائدهم بمخاطبة بني يعرب، فقد كانوا لا يفهمون اسماً للشعب وللقبائل الثائرة وللناس غير هذا، إن عرضاً سريعا لأبيات من قصائد هؤلاء الشعراء في الثورة يكشف تلك العفوية التي يفهم بها الثوار عروبتهم.
يقول محمد حسن أبو المحاسن:
ومالي إلا مجد قومي غاية
ومالي إلا صالح القوم صالح
يقول أحمد الصافي النجفي:
أيها العرب للحفيظة هبوا
قد تداعت من مجدكم أركان
واجعلوها شعاركم فوق جرد
أيها العرب الطعان، الطعان!
يقول حسين كمال الدين:
محال علي يعرب أن تنام
علي الضيم من دون ما كافل
فما أمة بلغت عزها
ونالته باللاعب الهازل
يقول محمد مهدي البصير:
وغلي الدم العربي فيَّ فواجبي
تضميخ مجدي بالدم المهراق
يقول كاظم السوداني:
بني العرب خلوا السلم قد بانت الحرب
وأنتم بها أولي وأجدر يا عرب
يقول عبد الكريم العلاف:
ونحن ملكنا الأرض من عهد يعرب
ونحن فرضنا الحق بين الملا فرضا
يقول الشيخ عبد الحسين الحويزي:
أيا أبناء يعرب لا تشقوا
عصي الإسلام بينكم انشقاقا
وقد مضت الإشارة إلي أن الفقيه العالم المجاهد الشيخ محمد جواد الجزائري قد صنف طرفي الصراع صنفين في قصيدته التي كتبها في السجن:
جحفل أعدائنا الإنكليز
وشعب بني يعرب
وكان علوان الياسري، وعبد الواحد سكر، وعبد المحسن أبو طبيخ، وشعلان أبو الجون، وسواهم يرددون البيت التالي:
ومن مات دون الحق والحق واضح
إذا لم ينل فخراً فقد ربح العذرا
ولهذا البيت قصة طريفة، فقد أرسل علماء كربلاء الشاعر السيد محمد الباقر لإبلاغ زعماء الفرات الأوسط بتطور الأوضاع هناك. وإذا وصل الباقر إلي الشامية، وجد زعماءها يستعدون لجولة من المفاوضات مع الحاكم البريطاني هناك، ولم يكن الباقر مدعواً إلي تلك الجلسة. فتظاهر أمام تلميذه السيد عبد الحميد نجل السيد علوان الياسري أنه يحسن اللغة الإنكليزية، ثم أنشد له نشيداً ادعي أنه مترجم عنها، فما أن انتهي من قراءة النشيد حتي رأي الشاب الياسري يبكي، فعرض عليه أن في إمكانه المشاركة في تخليص بلاده من البريطانيين بأن يرجو أباه السيد علوان أن يحضر هو ومحمد الباقر مجلس الزعماء، فرضخ السيد علوان الياسري لذلك واصطحب ابنه برفقة السيد الباقر إلي المجلس، وحيث التأم الحاضرون رقي السيد الباقر المنبر الذي كان منصوباً في المضيف بدون سابقة ولا استئذان وابتدأ ينشد هذه القصيدة:
بني يعرب لا تأمنوا للعدا مكراً
خذوا حذركم منهم فقد أخذوا الحذرا
يريدون منكم بالوعود مكيدة
ويبغون إن حانت بكم فرصة غدرا
فلا يخدعنكم لينهم وتذكروا
أضاليلهم في الهند والكذب في مصرا
إلي أن أكمل الشاعر قصيدته، وقد هيمن السكوت علي الجميع بمن فيهم البريطانيون، وهنا استثارت حمية الحاضرين فخرج حاكم لواء الشامية من الاجتماع وتحالف زعماء الخزاعل للاشتراك في الثورة التي اندلعت بعد يومين من هذه الحادثة.

الشيعة ليسوا طائفة في العراق

وما دام الشيعة هم الأكثرية فلا يصح التعبير عنهم بالطائفة، ولا بتعيين مواقع السكن.. يقول الأستاذ حسن العلوي تحت عنوان: (جغرافية الشيعة) في كتابه: (الشيعة والدولة القومية):
وليس للشيعة في العراق تقاليد سكن خاصة، ولا مواقع سكن خاصة، لأنهم ليسوا طائفة علي الرغم من أن المعلومات المبرمجة للتصدير خارج العراق، تتحدث عنهم كما تتحدث عن الأقليات الدينية ذات الطقوس والأعراف الغريبة.
لا يجوز الحديث عن الشيعة في العراق كطائفة، وليس ادعي إلي الضرر والإساءة مثل وصفهم بالطائفة، إلا إذا جاز أن نسمي الأسبان في أسبانيا الطائفة الكاثوليكية، والإنكليز في بريطانيا الطائفة البروتستانتية، وإذا كان الباحثون والصحفيون يواجهون صعوبات في الحصول علي الإحصاءات السكانية وفقاً للتوزيع المذهبي والقومي في العراق؛ لأن الدول تتعامل مع هذه الإحصاءات كأسرار ممتازة، فإن الجغرافية البشرية للعراق لا تخضع لهذا النوع من الأسرار، والشيعة في العراق كما هم في غيره لا يعيشون خارج دائرة التحضر، وهذه هي النقطة الوحيدة التي يمكن إدراجها في جغرافيا الطوائف.
فلا نظن والكلام لا زال للأستاذ العلوي أن بين القبائل البدو الرحل قبيلة شيعية، فإذا تشيعت القبائل البدوية استقرت ومارست عملها الزراعي وما إليه من مهن.
والشيعة لا يوجدون إلا حيث يوجد الماء والزرع، ففي الخليج لم ينتشر التشيع إلا في البحرين، وفي الجزيرة العربية كانت المناطق ذات الغلة الزراعية هي مناطق شيعية: كالقطيف والطائف والإحساء، وفي اليمن استقر الشيعة في الشمال، بينما يخلو الجنوب المقفر من القبائل الشيعية.
هذه الرؤية قد لا تكون إحدي الحقائق العلمية النهائية، لكنها جديرة بالمتابعة والبحث، وأن القبائل العربية التي اتجهت إلي الكوفة واستقرت هناك كانت أولي القبائل الشيعية، ثم انتشر نطاق الشيعة رويداً رويداً، حتي أقصي نقطة في الفاو جنوباً، وحيث تمتد الصحراء وراء البر من جهة الفاو يتوقف انتشار الشيعة. أما القبائل السنية التي نزحت إلي العراق من مواطنها في البادية الجنوبية فقد كانت بعد توطنها تعتنق المذهب الشيعي.
ذكر مؤرخو تلك الفترة معظم القبائل المعروفة التي اعتنقت التشيع آنذاك يستعملون لفظة ترفضت من الرافضة() ومنها الخزاعل منذ (150) سنة، وزبيد منذ (60) سنة، وكعب منذ (100) سنة، وربيعة منذ (70) سنة.
أما القبائل الأخري المعروفة أمثال: ألبو محمد، بني عمير، الخزرج، شمر، طوجة، الدفافعة، بني لام، آل أقرع، البدير، عفك، الجبور، والشليحات، فإنها اعتنقت المذهب الشيعي أيضاً، ولكن لا يعرف علي وجه التدقيق كما يقول عبد الله النفيسي التاريخ الذي تم فيه اعتناقهم هذا المذهب.
وقد عزا المؤرخون في القرن التاسع عشر هذه الظاهرة (اعتناق القبائل النازحة للمذهب الشيعي) إلي نشاط الدعاة والوعاظ الشيعة، الذين كانوا يغادرون الأماكن المقدسة مثل: النجف وكربلاء وسامراء للتبليغ والإرشاد بينهما.
يقول ابن سند البصري عند كلامه عن قبيلة زبيد: إنها كانت أصلاً قبيلة سنية، غير أنها أصبحت قبيلة شيعية بفضل نشاط الدعاة الذين عملوا بين ظهرانيهم، ويقولون: إنه بعث بالتماس إلي الباب العالي في اسطنبول يطلب فيه وضع حد لهذا النشاط التبليغي والإرشادي.
إننا نعتقد بوجود أسباب أخري لتشيع القبائل العربية منها: موجة الهجرة التي لابد أن تكون قد حدثت بعد قرار السلطان سليم الأول إبادة جميع المنتسبين للمذهب الشيعي، المقيمين داخل الدولة العثمانية قبل احتلال البلاد العربية عام 1517 باتجاه القبائل العربية، حيث يفعل العرف العشائري المسمي بالدخالة فعله في إفساح المجال لقبول القادمين إلي العشائر من المدن أو العشائر الأخري، بغض النظر عن هويتهم وأسباب لجوئهم إليها، وقد حدث مثل هذه الموجات كما نعتقد بعد مذابح السلطان، وهي المذابح التي كانت تتكرر بين فترة وأخري.

لمحات عن الحكومات الموالية لأهل البيت عليهم السلام في العراق

لمحات عن الحكومات الموالية لأهل البيت عليهم السلام في العراق

في فترات متفاوتة ومتباعدة من تاريخ هذا الوطن، تسنمت سلطات شيعية سدة الحكم علي شكل ولايات تابعة للخلافة أو مستقلة، كولاية عمار بن ياسر في الكوفة، وسلمان في المدائن، والمختار الثقفي وغيرهم، فضلا عن حكومة أمير المؤمنين علي عليه السلام التي لا زالت البشرية كلها تفتخر بمآثرها وعدالتها وإنسانيتها النموذجية..
وأثبتنا هنا لمحة سريعة عن الحكومات والرموز السياسية التي بذلت جهودا لا يستهان بها لخدمة هذا الوطن الغالي، وكانت تعتنق مبادئ أهل البيت عليهم السلام.

1- الدولة البويهية

بزغ نجم آل بويه في فارس() في القرن الرابع الهجري، حيث استولت الدولة البويهية بعد ذلك علي مقاليد الحكم في بغداد، وبما أن الدولة كانت دولة شيعية فقد أسست المدارس الدينية، ونشرت علوم أهل البيت عليهم السلام، وتم فيها تدريس أغلب العلوم الدينية، فدأب علماء الشيعة في ذلك الوقت علي نشر العلوم في جميع بقاع العالم، وخصوصاً المناطق المجاورة لبغداد، مثل الحلة والنجف الأشرف وكربلاء المقدسة، وغيرها من المناطق العراقية، وقد برز الكثير من العلماء الشيعة إبان ذلك العصر، مثل: الشيخ المفيد()، والشريفين: الرضي() والمرتضي()، والشيخ الطوسي()?.
وكانت حلقات الدرس تنتقل فيما بينهم، وبعد أيام البويهيين حدثت فتنة كبيرة في بغداد، وانتقل علي أثرها شيخ الطائفة الطوسي رحمة الله عليه بحوزته العلمية من بغداد إلي النجف الأشرف عام 448 ه، إذ لم تعد بغداد ترضي بمقام المرجعية الدينية فيها، وكما لم تعد صالحة أيضاً لاحتضان الحوزة العلمية بين ظهرانيها، فأضحت النجف الأشرف بعدها عاصمة ومركزاً لعلوم أهل البيت عليهم السلام، ومقاماً ومستقراً لكبار علماء الشيعة ومراجعهم العظام (رضوان الله تعالي عليهم).
وهكذا انقلبت الأحوال من حال إلي حال، حتي مجيء هولاكو() وغزوه بغداد، وإحداثه الدمار الشديد فيها، إلا أن مذهب أهل البيت عليهم السلام بقي ثابتاً صامداً رغم تلك الهزاهز والابتلاءات العظيمة، بل كان سبباً لإسلام المغول، ومنعهم من الاستمرار في التدمير، فحينما استتب الأمر لهولاكو، وفرض سيطرته علي بغداد تنفس أتباع مذهب أهل البيت عليهم السلام الصعداء نتيجة لدخول بعض حكام المغول الإسلام ببركة جهود العلماء الكبار أمثال: الخواجة نصير الطوسي()، والعلامة()، وابنه()? وغيرهم، وإعلان إتباعهم لمذهب أهل البيت عليهم السلام، ومن هؤلاء الحكام: نيقولاوس بن أرغون وسمي بمحمد
خدا بندة()، وكذلك ابنه أبو سعيد بهادر خان، وبعضهم أسلم، ولكن لم يصرح بالتشيع، مثل غازان المسمي محمود() وهو أخو محمد خدا بندة، وبين من لم يطل عهده ليعلم حاله مثل: تكوادر بن هولاكو المسمي بأحمد.

2- الدولة الجلائرية

جلائر: هي سلالة مغولية أنشأها (حسن بزرك) علي أنقاض الإيلخانية، حكمت العراق من740 إلي 813 ه عاصمتها بغداد، أشهر سلاطينها أويس وابنه أحمد، حكمت هذه الدولة العراق بعد رحيل المغول، وهي دولة شيعية بحتة، ولها بصمات واضحة في نشر التشيع، وكان زعيم هذه الدولة (حسن الجلائري) وهو من أمراء المغول وإن لم يكن مغولي الأصل، وقد استمر في حكم العراق فترة من الزمن، وجاء بعده ولده وحكم العراق، وتعاقبت علي حكم العراق مجموعة من أفراد هذه العائلة، وفي عام 767 ه بني أحد أولاد حسن الجلائري الحرم الحسيني القائم اليوم.

3- الدولة الصفوية ()

لقد سجل التاريخ لهذه الدولة خدمات جليلة في انتشار مذهب أهل البيت عليهم السلام في العراق وإيران وجميع المناطق المجاورة، وهي دولة علوية شيعية حكمت العراق عام 910 ه، وأول من استولي علي حكم العراق من الصفويين هو (الشاه إسماعيل الأول)، وقد دارت بينه وبين العثمانيين معارك ضارية، وذلك لطمع العثمانيين في السيطرة علي العراق، فانتصر العثمانيون علي الدولة الصفوية عام 941 ه أيام (الشاه طهماسب الأول)، ثم عاد الصفويون وحكموا العراق ثانية عام 1032 ه وكان ذلك علي يد (الشاه عباس الأول)، ثم عاد العراق تحت السيطرة العثمانية في عام 1045 ه، وحكم مراد خان الرابع العراق بعد الصلح الذي تم بين الدولة الصفوية والدولة العثمانية، وشرط الصفويون علي الدولة العثمانية بموجب هذا الصلح: أن تحكم الدولة العثمانية العراق دون التعرض للشيعة والعتبات المقدسة، ولكن بعدما استقر الحكم للدولة العثمانية نكثت عهدها، فحاربت التشيع في جميع أرجاء العراق، وذلك بتحريض من بعض الحاقدين علي مذهب أهل البيت عليهم السلام.

4- الدولة الحمدانية

توالت علي إدارة الموصل إمارتان شيعيتان، إحداهما إمارة آل حمدان، وكان أميرهم أبا الهيجاء عبد الله بن حمدان، والد سيف الدولة وناصر الدولة، واستمر أمراء هذه الإمارة في إدارة الموصل إلي فترة طويلة حتي انقضت هذه الإمارة، وقتل آخر أمرائها (عدة الدولة غضنفر) في عام 369 ه، والحمدانيون: أسرة عربية، تولت الموصل والجزيرة في زمن العباسيين ثم استقلوا فبسطوا سيادتهم علي شمال سوريا 317394 ه، أسسها حمدان بن حمدون شيخ قبيلة تغلب في ماردين 892م، وسع حدود الإمارة ابنه عبد الله وحفيده سيف الدولة أمير حلب، انقرضت هذه الإمارة بموت سعيد الدولة بن سعد الدولة بن سيف الدولة.

5 دولة آل المسيب

تلت الدولة الحمدانية حكومة شيعية ثانية، هي إمارة آل المسيب، التي استولت علي الموصل فأقرهم بها (بهاء الدولة البويهي)، وقد كانوا من أمراء نصيبين، واستمرت إمارتهم إلي القرن الخامس الهجري، إلي أن جاء صلاح الدين الأيوبي، ومن بعده سلالته حيث ضربوا هذه الإمارة، وشنوا عليها الغارات الكثيرة، ومن ثم أعقبهم بالعداء الطائفي السلطان العثماني سليم الثاني، الذي أذاق أهل الموصل في عهده أنواع البلايا والمصائب الطائفية.
وسار علي نهجه السلطان مراد الرابع، فقضوا علي هذه الإمارة، وظل كثير من أهل الموصل علي مذهبهم، ولكن علي تكتم شديد خوفاً من مطاردة وقتل السلطان لهم، واليوم يعرف البعض من الموصليين آباراً في الموصل ملئت من قتلي الشيعة، وآخرين ردم عليهم البناء().

لقطات مشرقة عن رموز الحكم الشيعة في العراق

أمير المؤمنين عليه السلام:

أولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام سيد الشيعة وإمامها، وزير رسول الله صلي الله عليه و اله، فقد كان معني الوزارة مستجمعاً فيه لأنها من المؤازرة وهي المعاونة، فإنه لم يزل مؤازراً له صلي الله عليه و اله من مبدأ رسالته إلي حين وفاته، أول من أسلم معه، وبات علي فراشه ليلة الهجرة، وأدي أمانته، وحامي عنه ونصره في جميع حروبه، وقضي دينه وأنجز عداته ووصاياه، وقال فيه رسول الله صلي الله عليه و اله:
أنت مني بمنزلة هارون من موسي إلا أنه لا نبي بعدي ()، وقال موسي عليه السلام: ?وَاجْعَلْ لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي?()، وآخي رسول الله صلي الله عليه و اله بين نفسه وبين علي عليه السلام لما آخي بين أصحابه شداً لأواصر هذه الوزارة، وقال: علي مني بمنزلة رأسي من بدني ()، منبهاً علي هذه الوزارة، وفي ذلك يقول أبو تمام:
أخوه إذا عد الفخار وصهره
فما مثله أخ وما مثله صهر
وشد به أزر النبي محمد
كما شد من موسي بهارونه الأزر()
وقال الصفي الحلي:
أنت سر النبي والصهر وابن ال
عم والصنو والأخ المستجاد
لو رأي مثلك النبي لآخا
ه وإلا فأخطأ الانتقاد

عبد الله بن عباس

ومنهم عبد الله بن العباس أمير البصرة في خلافة علي عليه السلام، وإخوته عبيد الله، وقثم أميرا مكة واليمن في خلافته، وفيهم يقول أبو فراس الحمداني:
أينكر الحبر عبد الله نعمته
أبوكم أم عبيد الله أم قثم
وأول وزير لأول خليفة من بني العباس أبو سلمة الخلال حفص بن سليمان الهمداني الكوفي الملقب وزير آل محمد، كان وزير السفاح ثم لما علم أنه يدعو إلي آل علي قتله غيلة، فقال فيه الشاعر:
إن الوزير وزير آل محمد
أودي فمن يشناك عاد وزيرا

عبد الله بن النجاشي

ومنهم: أبو بجير الأسدي البصري عبد الله بن النجاشي، وكان من أعاظم الأمراء في عهد المنصور، وخبره مذكور في ترجمة المنقول عن تلخيص أخبار شعراء الشيعة للمرزباني، وكان شديد التصلب في تشيعة (المائة الثانية).

محمد بن الأشعث

وزير الرشيد، له خبر في القبض علي الإمام موسي بن جعفر عليه السلام يدل علي تشيعه (المائه الثانية).

علي بن يقطين

من وزراء الرشيد، كان من خيار الشيعة (المائة الثانية).

يعقوب بن داوود

وزير المهدي العباسي، في الفخري: قال الصولي: كان يعقوب بن داوود يتشيع 186ه.

أبو الفضل الاسكافي

جعفر بن محمود وزر للمعتز والمهتدي، في الفخري: كانوا ينسبونه إلي التشيع (المائة الثالثة).

طاهر بن الحسين الخزاعي

أمير خراسان في عهد المأمون وفاتح بغداد، وهذا معني قول دعبل الخزاعي:
أ و ما رأي بالأمس رأس محمد
أ يسومني المأمون خطة عاجز
قتلت أخاك وشرفتك بمقعد
إني من القوم الذين أكفهم
في نسمة السحر(): كان متشيعاً، ذكر أن الحسن بن سهل أراد أن يندبه لحرب أبي السرايا فرفعت إليه رقعة فيها:
وأفضل كيدك الرأي الرصين
قناع الشك يكشفه اليقين
بحبهم وطاعتهم يدين
أ تبعث طاهراً لقتال قوم
فرجع عن إرساله وأرسل هرثمة بن أعين 207 ه.

عبيد الله بن عبد الله بن طاهر

وحفيده أبو أحمد، في تاريخ بغداد() للخطيب: ولي بغداد وخراسان، وحدث عن أبي الصلت الهروي، وفي نسمة السحر(): كان جده متشيعاً كحفيده المذكور 200 ه.

أبو الحسن علي بن الفرات

تولي الوزارة للمقتدر ثلاث دفعات، في الفخري: لما جرت فتنة ابن المعتز ثم استظهر المقتدر عليه استوزر ابن الفرات، فسكن الفتنة ودبر الدولة في يوم واحد، وأحضرت إليه رقاع لجماعة أرباب الدولة تتضمن ميلهم إلي ابن المعتز، فأمر بإحراقهم ولم ينظر فيها لئلا يتغير عليهم ويتغيروا عليه، وبنو الفرات كلهم شيعة. قتل 313 ه.
وأبو الفضل جعفر بن الفرات وزر للمقتدر (المائة الرابعة).
وابنه أبو الفتح الفضل بن جعفر بن الفرات وزر للراضي (المائة الرابعة).
وبنو بويه ملوك العراق وفارس وكفاهم مفخرة عضد الدولة.
والوزير المهلبي الحسن بن هارون وزير معز الدولة بن بويه 352 ه.

أبو الفضل محمد بن الحسين بن العميد

وزير ركن الدولة علي بن الحسن ابن بويه والد عضد الدولة، قرأ علي أحمد بن إسماعيل سمكة أحد علماء الشيعة كما في فهرست الشيخ()، وقرأ عليه الصاحب بن عباد 359 ه.
وابنه أبو الفتح، ولي الوزارة له بعد أبيه ثم قتل 366 ه.

الصاحب إسماعيل بن عباد

كافي الكفاة، ولي الوزارة ثماني عشرة سنة وشهراً لمؤيد الدولة وأخيه فخر الدولة ابني ركن الدولة بن بويه، وقيل فيه:
موصلة الإسناد بالإسناد
ورث الوزارة كابراً عن كابر
رته وإسماعيل عن عباد
يروي عن العباس عباد وزا

أبو العلاء بن بطة

وزير عضد الدولة البويهي، عن الشيخ عبد الجليل الرازي: إنه كان شيعياً صحيح الاعتقاد، (أواخر المائة الرابعة).
وأحمد بن إبراهيم الضبي وزير فخر الدولة بن بويه 399 ه.

أبو علي الحسن بن أستاذ هرمز

عميد الجيوش، وزير بهاء الدولة الدليمي، صنف السيد مرتضي الانتصار بطلب منه 409 ه.

الوزير المغربي

أبو القاسم الحسين بن علي المعروف بالوزير المغربي، من ولد بلاس بن بهرام جور، ذكره النجاشي() في مؤلفي الإمامية، قال ابن خلكان(): كان وزير العبيدي ثم كتب لمعتمد الدولة قراوش أمير بني عقيل بالموصل، ثم وزر للملك شرف الدولة البويهي في بغداد، ثم وزر لأحمد بن مروان سلطان ديار بكر حتي مات وحمل بوصية منه إلي مشهد أمير المؤمنين عليه السلام فدفن فيه 418 ه.

أبو سعد أو سعيد منصور بن الحسين الآبي

صاحب نثر الدرر، في معجم البلدان(): ولي أعمالاً جليلة، وصحب الصاحب بن عباد، ثم وزر لمجد الدولة رستم بن فخر الدولة بن ركن الدولة، وكان من جلة الوزراء 422 ه.

الخواجة نظام الملك:

أبو علي حسن بن علي بن إسحق الطوسي، وزير السلطان ألب أرسلان السلجوقي، قتل 485 ه.

عميد الملك

أبو نصر الكندري محمد بن منصور بن محمد وزير طغرلبك السلجوقي، عن تاريخ ابن كثير الشامي(): إنه نص علي تشيعه.
وسعد الملك وزير السلطان محمد السلجوقي.
وتاج الملك أبو الغنائم القمي وزير السلطان ملكشاه السلجوقي.
وشرف الدين أبوطاهر بن سعد القمي وزر لملكشاه أيضاً.
وأبو نصر أحمد الكاتب الكاشي وزير السلطان محمود بن محمد بن ملكشاه السلجوقي.
وابنه فخر الدين طاهر، وزير السلطان ألب أرسلان بن طغرل بن محمد بن ملكشاه.
وابنه معين الدين بن فخر الدين وزر لألب أرسلان أيضاً.
وآل جوين، منهم الصاحب الأعظم شمس الدين محمد الجويني الملقب بصاحب الديوان، وزر للسلطان محمد خوارزم شاه وللسلطان جلال الدين.
والصاحب المعظم الأمير الرشيد بهاء الدين محمد بن صاحب الديوان، صنف الشيخ ميثم البحراني شرح نهج البلاغة باسمه، وصنف الحسن بن علي الطبرسي الكامل البهائي في التاريخ باسمه.
وأخوه الصاحب شرف الدين هارون بن صاحب الديوان، قام مقام أخيه في الوزارة.
وأبو الحسن بن محمد بن فطير الكاتب الوزير المشهور، عن ابن كثير الشامي في تاريخه() أنه قال: كان وزير العراق، وكان ينسب إلي التشيع، وهذا كثير في أهل تلك البلاد.
وأبو شجاع ظهير الدين محمد بن الحسين الهمداني، وزر للمقتدي العباسي، وفي الفخري: طلب جلال الدولة ملكشاه من المقتدي عزله، فعزله وفاته 513 ه، الكامل 488 ه.
وبنو حمدان: أمراء حلب والموصل والعواصم، منهم:
سيف الدولة علي بن حمدان، وابنه سعد الدولة، وابن عمه أبو فراس الشاعر المعروف، وأخوه ناصر الدولة، وغيرهم.
وبنو مزيد: أمراء الحلة، منهم:
الأمير سيف الدولة صدقة بن دبيس الأسدي صاحب الحلة السيفية المنسوبة إليه، وابنه دبيس 529 ه، وأخوه بدران بن صدقة.
وأنو شروان بن خالد بن محمد القاشاني وزير المسترشد العباسي، عن ابن كثير الشامي(): النص علي تشيعه 532 ه.
وأبو المعالي هبة الله بن محمد بن المطلب، وزر للمستظهر العباسي، في الفخري: كان من علماء الوزراء وأفاضلهم وأخيارهم، وعن جامع التواريخ النص علي تشيعه، وأنه لذلك لم يرض بوزارته محمد ملكشاه، فكتب إلي الخليفة: كيف يكون وزير خلفية الوقت رافضياً، وكرر الكتابة فعزل، فتوسل إلي السلطان محمد بن ملكشاه فاشترط أن لا يخرج عن مذهب أهل السنة والجماعة في وزارته، وكتب إلي المستظهر، فأعاده (أوائل المائة السادسة).
ويحيي بن سعيد بن هبة الله الشيباني البغدادي 594 ه.
ومؤيد الدين محمد بن عبد الكريم القمي، في الفخري: وزر للناصر، ثم للظاهر، ثم للمستنصر، كان بصيراً بأمور الملك، خبيراً بأدوات الرياسة، جلداً علي ممارسة الأمور الديوانية 629 ه.
ومؤيد الدين أبو طالب محمد بن أحمد العلقمي الأسدي وزير المستعصم آخر خلفاء بني العباس.
والخواجة نصير الدين محمد بن الحسن الطوسي، من أعاظم علماء المعقول والمنقول وزير الدولة المغولية 673 ه، الذي كافح المغول بحركة فكرية واسعة ضدهم وتمكن من النفوذ إلي أعماق حركتهم وتغيير منظومتهم الفكرية باعتناقهم الإسلام.
والأمير نعمة الله الحلي من العلماء، كان شريكاً في الصدارة في سلطنة الشاه طهماسب الصفوي 940 ه.

من المدن المركزية الشيعية في العراق

الكاظمية

أو بلد الكاظمين ?، بلد كبير كثير الخيرات، وهي التي كان يقال لها: مقابر قريش، وباب التبن، ولما دفن بها الإمامان موسي بن جعفر الكاظم، وحفيده محمد بن علي الجواد ? صارت حضرتهما مزاراً، وسكن الناس في جوارهما حتي صارت بلدة كبيرة، وجميع أهلها شيعة، وخرج منها كثير من أعاظم العلماء.

كربلاء المقدسة

مدينة كبيرة كثيرة الخيرات، فيها مدفن السبط الشهيد ريحانة رسول الله صلي الله عليه و اله الحسين بن علي عليه السلام، أهلها كلهم شيعة، وتضم حوزة علمية عظيمة تخرج منها آلاف العلماء والأدباء والمفكرين، أسسها حميد بن زياد النينوي الدهقان حوالي عام 300 ه أو قبله، وتوفي عام 310ه، كما ذكر في (أعيان الشيعة) مادة دهقان.

كرخ بغداد

قال ياقوت في معجم البلدان(): كانت الكرخ أولاً في وسط بغداد والمحال حولها، فأما الآن فهي محلة وحدها مفردة في وسط الخراب، وحولها محال إلا أنها غير مختلطة بها، وأهل الكرخ كلهم شيعة إمامية.

الكوفة

وشهرتها تغني عن وصفها، وهي معدن الشيعة ومحبي أهل البيت عليهم السلام، اشتهرت بذلك قديماً وحديثاً.
وتكلم رجل علي الصادق جعفر بن محمد عليه السلام فقال له آخر: لو تكلمت بهذا في الكوفة لأخذتك النعال من كل جانب، ولما ظهرت دولة بني العباس بالكوفة بني السفاح الهاشمية، ثم انتقل عنها المنصور لقربها من الكوفة؛ لكون هوي أهلها هوي أهل البيت عليهم السلام.
وفي معجم البلدان() عند ذكر خراسان: أن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس لما أرسل دعاته نهاهم عن بلدان منها الكوفة، وقال: إن هناك شيعة علي وولده، وأمرهم بقصد خراسان.
وعن أمير المؤمنين عليه السلام: هذه مدينتنا ومحلنا ومقر شيعتنا ()، وفي نهج البلاغة() عند ذكر الكوفة: وإني لأعلم أنه ما أراد بك جبار سوءاً إلا ابتلاه الله بشاغل، ورماه بقاتل.
قال قطب الدين محمد بن الحسين الكيدري في شرح النهج(): فمن الجبابرة الذين ابتلاهم بشاغل: زياد، وقد جمع الناس في المسجد ليلعن علياً عليه السلام فخرج الحاجب، وقال: انصرفوا فإن الأمير مشغول، وقد أصابه الفالج في هذه الساعة، وابنه عبيد الله أصابه الجذام، والحجاج تولدت الحيات في بطنه حتي هلك، وعمر بن هبيرة وابنه يوسف أصابهما البرص، وخالد القسري حبس فطولب حتي مات جوعاً، وأما الذين رماهم الله بقاتل: فعبيد الله بن زياد، ومصعب بن الزبير، وأبو السرايا وغيرهم قتلوا جميعاً، ويزيد بن المهلب قتل علي أسوء حال.
وعن الصادق عليه السلام أنه قال في الكوفة:
تربة تحبنا ونحبها ().
وعنه عليه السلام: اللهم ارم من رماها، وعاد من عاداها ()، وعنه عليه السلام: أما أنه ليس من بلد من البلدان أكثر محباً لنا من أهل الكوفة ().
وعن ابن كثير() أنه قال في بيان أحوال جعفر بن فطيرا وزير العراق: وكان ينسب إلي التشيع، وهذا كثير في أهل تلك البلاد. وقال المؤرخون: إنه لما ولي زياد العراق، وتتبع الشيعة لم يكن أشد بلاء من أهل الكوفة لكثرة من بها من الشيعة، ثم إن الكوفة ضعفت بعد انتقال الخلافة إلي بغداد، ثم خرجت واليوم فيها كثير من العمران وجميع أهلها شيعة.

الحلة

وتسمي الحلة الفيحاء والسيفية والمزيدية، والسيفية نسبة إلي الأمير سيف الدولة صدقة بن دبيس المزيدي الذي بناها، والمزيدية نسبة إلي بني مزيد قبيلته، وموقعها بين بغداد والكوفة، ولها جانبان والفرات بينهما، وكان سيف الدولة هذا من الشيعة، وتشيع أهل الحلة مشهور معروف من قديم الزمان، وكانت دار العلم للشيعة في القرن الخامس وما بعده وإليها الهجرة، وخرج منها جماعة من أجلاء علماء الشيعة وفقهائهم وأدبائهم.
ثم انتقل الدرس منها إلي كربلاء والنجف في الأعصر الأخيرة، ثم انحصر في النجف، وكانت النجف دار العلم قبل الحلة، وبغداد قبل النجف، وكانت الحلة متصرفية في دولة العثمانيين، ثم جعلت قائمقامية ونقلت المتصرفية إلي الناصرية في عهدهم.
قال ياقوت(): الحلة بالكسر ثم التشديد، وهو في اللغة القوم النزول وفيهم كثرة، والحلة علم لعدة مواضع أشهرها حلة بني مزيد مدينة كبيرة بين الكوفة وبغداد، كانت تسمي الجامعين أول من عمرها ونزلها سيف الدولة صدقة بن منصور بن دبيس بن علي بن مزيد الأسدي، وكانت منازل آباءه الدور من النيل، فلما قوي أمره واشتد أزره وكثرت أمواله لاشتغال الملوك السلجوقية بالحروب بينهم انتقل إلي الجامعين موضع في غربي الفرات ليبعد عن الطالب، وذلك في المحرم سنة 495ه وكانت أجمة تأوي إليها السباع، فنزل بها أهله وعساكره، وبني بها المنازل الجليلة والدور الفاخرة وكذلك أصحابه، فصارت ملجأ وقصدها التجار فصارت أفخر بلاد العراق وأحسنها مدة حياته، فلما قتل بقيت علي عماراتها، فهي اليوم قصبة تلك الكورة.
وقال ابن الأثير(): في سنة 195ه بني سيف الدولة صدقة بن مزيد الحلة بالجامعين وسكنها، وإنما كان يسكن هو وآباءه قبله في البيوت العربية. وكان قد شق جدولاً صغيراً من الفرات من عند بلد المسيب إلي الكوفة ليسقي أهل النجف إذ لا ماء لهم للشرب وكان أغنياؤهم يجلبون الماء من الكفل، وفقراؤهم يشربون ماء الآبار المالح وذلك بنفقة امرأة من الشيعة هندية مثرية فنسب النهر إليها فقيل نهر الهندية، وكان أوله ما يدير الرحي، فما زال يكبر لرخاوة الأرض حتي صار بقدر النهر الذي يذهب إلي الحلة، وصار يقال له: شط الهندية وللآخر: شط الحلة.
وقسم شط الهندية إلي أقسام أحدهما يمر بالكوفة، والباقي يسقي مزارع وأراضي كثيرة كلها عرف بالهندية، وحدثت عليه قري وبلدان كثيرة مثل طويريج وغيرها، ثم جعل شط الهندية يزيد وشط الحلة ينقص حتي كاد يتحول الفرات كله إلي شط الهندية، وجعل شط الحلة ييبس في الصيف الذي هو وقت الحاجة إلي السقي، وانقطعت منه زراعة الأرز، واقتصر أهله علي زرع بعض الشعير ونحوه، وكاد ييبس نخله فجلا أكثر أهله عنه، وكادت الحلة تخرب فاهتمت لذلك الدولة العثمانية، وانقطع عن خزينتها قسم كبير من الخراج لخراب المزارع، فأرسلت المهندسين والبنائين، وحشرت الأهلين سد عند بلد المسيب، وجلبت الأحجار في السفن في الفرات من الأرض الحديثة.
واجتهدت في السد بالأحجار والنورة حتي تم السد، وجري الماء إلي الحلة وعاد من نزح منها إليها، فلما زاد الشط أيام الربيع نسف ذلك السد، وعاد إلي أصله فاجتهدت في سده ثانياً بما هو أحكم وأتقن من الأول، فوضعت في جانبيه الأخشاب العظيمة المجلوبة من الهند، كصواري المراكب وأغرقت بينها السفن بما فيها من الأحجار وألقت الصخور العظيمة حتي تم السد، وجعلت له منافذ للماء، وعلمت وليمة للأمراء والعساكر، وجلسوا علي السد يأكلون، فبينما هم كذلك إذ إنتسف السد بهم وما خلص من وقع إلا بالجهد.
فلما عجزت عن سده استدعت مهندس الري الإنكليزي بمصر، فحضر وبقي يدرس ذلك نحو سنتين حتي ظنت به الظنون، وبعدها حفر حفراً في اليابسة قريباً من الشط حتي وصل إلي الماء، ثم نزحه بالآلات الرافعة وبني هناك سداً في اليابسة، وجعل لتلك المنافذ أبواباً من الحديد ترفع بالآلات متي أريد وتنزل، ثم حفر أمام ذلك السد ووراءه حتي وصل إلي الشط وأجري فيه الماء، فاستقام ومشت فوقه سكة الحديد بعد الاحتلال الإنكليزي، وكان الإنكليز عالمين بأنهم سيحتلون العراق فأوصوه بإحكام الصنعة، ودفعت الدولة العثمانية الخرج وأخذه الإنكليز غنيمة باردة، إذ لم تطل المدة علي عمارة هذا السد، حتي وقعت الحرب العامة واحتل الإنكليز العراق، وتشيع أهل الحلة مشهور معروف.

سامراء

ويقال سر من رأي، ولعل سامراء مخفف منها، بناها المعتصم سنة 221ه وسكنها بجنوده لما ضاقت بهم بغداد، فصارت مدينة عظيمة ولم تزل في تناقص حتي أصبحت قرية، وكثرت فيها الشيعة لما توطنها الإمام الميرزا الشيرازي السيد محمد حسن وصارت إليها الرحلة من الآفاق، وكانت فيها في عصره مدرسة عظمي للشيعة في العلوم الدينية، وبعد وفاته سنة 1312ه تناقص عدد
الشيعة فيها، واليوم فيها الكثير من الشيعة وجماعة من العلماء وطلاب العلوم الدينية.

الخالص

في معجم البلدان(): اسم كورة عظيمة من شرقي بغداد إلي سور بغداد، وأهل الخالص اليوم كلهم أو جلهم شيعة.

البصرة

مدينة بالعراق مصرها عتبة بن غزوان، وكان في زمن أمير المؤمنين علي عليه السلام أكثر أهلها عثمانية، وقد حاربه أهلها في واقعة الجمل، وخطبهم بعد فتحها فتغير أهلها كثيراً، واليوم جل أهل البصرة شيعة إمامية مخلصون في ولاء أهل البيت عليهم السلام.

بغداد

ويقال بغذاذ وبغدان، وتسمي دار السلام.
فأما الزوراء فهي مدينة المنصور خاصة.
قيل: اسمها فارسي تفسيره (بستان رجل) فباغ البستان وداد اسم رجل، أو (أعطي بستاناً) فباغ البستان وداد أعطي، وقيل: أهدي لكسري غلام شرقي يعبد الأصنام فاقطعه مكانه فقال: بغ داد أي الصنم أعطاني، بناها المنصور العباسي لما ترك مدينة الهاشمية التي أحدثها قرب الكوفة، يغلب عليها التشيع لآل أبي طالب.
ولبغداد جانبان: غربي ويسمي الكرخ أيضاً لمحلة مخصوصة منه، وفيه مدينة المنصور، وهي أول ما بني في بغداد، وشرقي ويسمي الرصافة ويفصل بينهما دجلة. والشرقي أول من بني به المهدي بن المنصور.
والشرقي له جانبان: غربي وهو المعروف اليوم بباب المعظم، وشرقي وهو المعروف اليوم ب (باب الشرجي) والجيم مقلوبة عن القاف، وباب الشيخ الواقع علي طريق سلمان، قال ياقوت(): بغداد أم الدنيا وسيدة البلاد.
والتشيع في بغداد قديم من حين إنشائها، فإن التشيع كان قد انتشر في أقطار الأرض، وكانت محلة الكرخ في عهد العباسيين كلها شيعة، وكثر التشيع في بغداد في عصر البويهيين، واليوم نحو نصف أهل بغداد شيعة.

الموصل

يفتح الميم بوزن منزل، مدينة عظيمة من مدن العراق علي طرف دجلة، في مجالس المؤمنين():
إن أهلها في أكثر الأزمنة شيعة خصوصاً أيام سلطنة آل حمدان، وإلي الآن فيها محلة أهلها شيعة، وفي أيام علاء الدولة الرقاشي الذي كان حاكم دزفول من قبل الشاه عباس جرت منافرة بينه وبين الشاه، وذهب إلي السلطان سليمان العثماني فولاه الموصل، وكان في كل سنة يحصل نزاع أيام عاشوراء بين السنة والشيعة، فاتهم علاء الدولة تلك السنة بمساعدته الشيعة لمشاركة المذهب، فعزله السلطان وولاه بعض ديار العراق، والي الآن يوجد في الموصل وجهاتها كثير من الشيعة.

النجف الأشرف

أو الغري مشهد مولانا أمير المؤمنين عليه السلام كان ولا يزال مقر الشيعة وصار دار العلم منذ أكثر من ألف عام().

الفصل الثاني دورات الإحصاء السكاني

الفصل الثاني دورات الإحصاء السكاني

? الإحصاءات لغة الواقع الملموس والأرقام بيان للحقائق الناصعة
? مؤسسات الإحصاء العلمية أجمعت علي الأكثرية الشيعية في العراق

تقديرات أولية

ورد في كتاب (الأكثرية الشيعية في العراق):
لقد كان العراق يعرف بأنه بلد شيعي، وكذلك اليوم، فهو بلد شيعي تسكنه الأكثرية الشيعية. وإليك التقسيم الآتي:
أولاً: مناطق العتبات المقدسة باستثناء سامراء.
1: النجف الأشرف.
2: كربلاء المقدسة.
3: الكاظمية.
إن الأغلبية السكانية لهذه المناطق هم من الشيعة، وإذا وجد فيها البعض من المذاهب الأخري أو الأديان فهو نادر أو قليل جداً خاصة في كربلاء والنجف.
ثانياً: المناطق الجنوبية:
1: البصرة.
2: العمارة.
3: الناصرية.
فهذه المناطق كسابقاتها من مناطق العتبات المقدسة نسبة الشيعة فيها حوالي 9ر99 %.
ثالثاً: بغداد، والتي تعتبر عاصمة الدولة العراقية في الوقت الحاضر، والأغلبية فيها للمذهب الشيعي، وتشكل الشيعة فيها 75% تقريباً.
وفي بعض المناطق من العاصمة تشكل الشيعة 9ر99 % من سكانها، مثل: مدينة الكاظمية، والثورة، والكرخ، والبياع، وغيرها.
رابعاً: بعض المحافظات الوسطي، مثل: الكوت والحلة والديوانية يمثل الشيعة فيها 99% من نسبة السكان تقريباً، والبعض الآخر مثل السماوة، يشكل الشيعة 90 %، أما محافظة ديالي فنسبة الشيعة فيها 85 %، أما الرمادي وتكريت فالأغلبية فيها سنية، ويوجد الشيعة أيضاً في هاتين المحافظتين بأعداد واضحة.
خامساً: المحافظات الشمالية، أربيل والسليمانية ودهوك، والأغلبية فيها للمذهب السني، وأيضا يوجد الشيعة فيها بأعداد كبيرة.
أما في كركوك والموصل فالشيعة فيها حوالي 40% تقريباً.
ولكن ورغم هذه النسبة، وما يمثله الشيعة من أكثرية في سكان العراق، إلا أنهم خارج المناصب العليا في الدولة، وأصبحت المناصب والحقائب الوزارية وزمام القوة هي بيد الأقلية، رغم أن القوانين والأنظمة وحتي الوضعية منها تعطي الحق لمن يمثل الأكثرية في إدارة شؤون البلاد، مع مراعاة حقوق الأقلية وعدم ظلمهم.

نسبة الأكثرية في القرن الماضي:

وورد في كتاب (جولة في ربوع الشرق الأدني) المطبوع بمصر، الطبعة الثانية عام 1354ه / 1936م لمؤلفه السائح المصري محمد ثابت، وهو المدرس الأول للعلوم الاجتماعية بمدرسة القبة الثانوية بمصر، قال حول نسب الشعب العراقي بعد زيارته للعراق وأن الأغلبية هم من الشيعة …: أما الحكومة فتعاضد السنيين لأنهم أكثر ثقافة (!) من جهة؛ ولأن الإنجليز أميل إلي معاضدة الأقليات من جهة أخري، لذلك تري أن أكثر المتصرفين والوزراء من السنيين، وأضاف في الهامش: كان العراق دون ثلاثة ملايين، منهم مليون وربع من الشيعة، ومليون من السنيين، وربع مليون من الأكراد، والباقي يهود ومسيحيون ويزيديون وصائبة …
وأصل كلامه صحيح لا نقاش فيه، وعلق العلامة الحجة السيد محسن الأمين رحمة الله عليه، وهو الخبير المتضلع في مثل هذه الأمور بقوله: وأقول: إن الشيعة في العراق يشكلون سبعين في المائة، والباقي من السنيين وبقيه الطوائف، والأكراد سنيون فلا وجه لمقابلتهم بهم … ().
وإنما ذكر رحمة الله عليه الأكراد واعتبرهم سنيين باعتبار أغلبيتهم، وإلا فإن الأكراد الفيليين كلهم شيعة، ونسبتهم كبيرة في الوسط الكردي.. فالشيعة تاريخياً كانوا علي طول الخط هم الأكثرية الشاخصة والواضحة في العراق، وهم الشريحة المضطهدة والمغلوبة علي أمرها والمصادرة حقوقها دوماً..
و الاعتراف من الأستاذ المصري له قيمته، وهو رجل سني جاء إلي العراق ليري بعينه ما فيه من حقائق ليؤلف كتابه المذكور..
وهو في كتابه (جولة في ربوع الشرق الأدني) يحاول تسجيل مآخذه علي الشيعة، ومع ذلك يعترف بأكثريتهم في العراق، وبطائفية الحكومة القائمة آنئذ وإسناد الإنجليز لها، منذ قيام الدولة العراقية الحديثة.

وثيقة تاريخية ل (المس بيل) تعترف بالأكثرية

كنت مشغولة في الأسبوع الماضي حول قانون الانتخابات الذي عرض يوم الاثنين علي مجلس الوزراء، وقد عارض المجلس تمثيل العشائر لأن ذلك يعني كما أخبرني عبد المجيد الشاوي بحق بأن أكثرية العشائر شيعية، مما يعني أن الشيعة سيسيطرون علي المجلس، ولهذا لم تسمح الدولة العثمانية بتمثيل الشيعة مطلقاً سواء كانوا من العشائر أم من أبناء المدن، وفي اليوم الثاني زارني ساسون أفندي وداوود يوسفاني وابدا ذلك. المس بيل
رسالة في 18 كانون الأول سنة 1920 النص الإنكليزي: ج2 ص579.

بعد تأسيس الدولة العراقية الحديثة

يقول الأستاذ حسن العلوي: أما بعد تأسيس الدولة العراقية، فالشيعة العرب يشكلون الأغلبية المطلقة، بينما لم تكن نسبة السنة في العراق تصل إلي 19%، وهنا يكمن السبب في اختيار الإنكليز زعيم السنة في العراق لإدارة الحكومة دون دعوة أحد من الشيعة، فضلاً عن الموقف الصارم الذي اتخذه الشيعة من الاحتلال البريطاني، وتحريم فقهاءهم الاشتراك في أية حكومة عراقية خاضعة لإدارة البريطانيين.
وكان البريطانيون علي صواب في انحيازهم لمذهب الأقلية التي ستبقي دائماً بحاجة إلي سند خارجي يحميها من سيطرة الأغلبية، وهو الموضع المثالي لسياسة ترمي إلي إبقاء العراق تحت الهيمنة الاستعمارية. وقد ثبت نجاح هذه السياسة رغم أن الضحية فيها من معظم العراقيين.
إن تمحور السلطة في الأقلية.. عشيرة.. أقلية مذهبية.. حزب.. أقلية عنصرية.. عائلة.. يجعل اللجوء إلي الاستبداد، ليس أمراً مفروغاً منه، بل موضوعياً أيضاً؛ ذلك أن اعتماد تمثيل برلماني صحيح من شأنه أن ينقل السلطة ذاتياً إلي أصحاب الأغلبية. ولهذا لا يمكن لحاكم الأقلية أن يفكر بانتهاج أسلوب ديمقراطي ينتهي بانتزاع السلطة من بين مخالبه. إن الاستبداد حصيلة طبيعية لحكم الأقلية، وليس هو صفة خاصة بمذهب ديني أو بقومية معينة().

تقرير الكاتب الروسي كوتلوف

ويؤكد الكاتب الروسي ل. ن. كوتلوف في كتابه (ثورة العشرين الوطنية التحررية في العراق) الذي ألفه العام 1958، أن الشيعة يشكلون الأغلبية في العراق().

تقرير مركز ابن خلدون – القاهرة

وبالرغم من أن معظم الأرقام تشير إلي أن نفوس الشيعة العرب يتراوح ما بين 60 و65 بالمائة من سكان العراق، وبعض الأرقام تزيد من هذا المعدل أو تنقص منه، إلا أن مركز ابن خلدون في القاهرة يشير في تقرير له عام 1999 إلي أن الشيعة يمثلون 52 بالمائة من سكان العراق.

تقرير لجنة مراقبة الشرق الوسط لحقوق الإنسان

وجاء في تقرير أصدرته (لجنة مراقبة الشرق الأوسط لحقوق الإنسان) ومقرها نيويورك - وهي منظمة حقوقية غير حكومية - في تقريرها الدولي العام 1991، أن الشيعة يشكلون نسبة 50 إلي 55 بالمائة من نفوس العراق البالغ 16 مليون نسمة حسب تقديرات عام 1986، فيما يبلغ السنة العرب 20 بالمائة، والأكراد بين 15 إلي 20 بالمائة من السكان حسب تقدير المؤرخة فيب مار().

تقرير الموسوعة البريطانية

وتقدرهم الموسوعة البريطانية بنحو 53 بالمائة، إذ جاء فيها تحت عنوان: (الدين في العراق) أن: أكثر من 80 بالمائة من العراقيين يتكلمون العربية وهي اللغة الرسمية، وتقريباً 15 بالمائة يتكلمون الكردية، والبقية هي للغات الأقليات كالتركية والتركمانية والآشورية. كما أن 53 بالمائة من شعب العراق هم من الشيعة، وحوالي 42 بالمائة من السنة، والشيعة هم عرب مع قلة من التركمان، بينما السنة هم من العرب والترك والتركمان والكرد ().
لكن الواقع يؤكد أن الشيعة يتشكلون من أربع قوميات علي الأقل: فالأكراد الفيليون كلهم شيعة، ويبلغ عددهم اليوم حوالي ثلاثة ملايين. و(الشبك) شيعة أيضا، وهؤلاء لو أضيفوا إلي 53% لبلغت نسبة الشيعة حوالي 65%.

تقرير المؤرخ فيكتور بيرار

ويذهب المؤرخ الفرنسي فيكتور بيرار الذي عاش في القرن التاسع عشر
(1864-1931)، وزار العراق وكتب في العام 1907 حول رحلته كتاباً بعنوان (السلطان، الإسلام والقوي: القسطنطينية مكة بغداد)، يذهب إلي تأكيد حقيقة كون الشيعة في العراق يشكلون الغالبية السكانية، وذلك قبل أن تجري بريطانيا أي إحصاء سكاني في العراق، حيث لم يكن العراق قد وقع بعد تحت الاحتلال البريطاني، ما يعطي انطباعاً عاماً أن المسألة كانت واضحة للعيان، وهذا ما نلحظه من خلال جولة بيرار في العراق، وهو في الطريق من القسطنطينية إلي مكة حيث كتب يقول: وكذلك في العراق ورغم استبداد الخليفة السني، فإن أربعة أخماس السكان ما زالوا يبجلون الأئمة الاثني عشر ().

تقرير روبرت فيسك وغربيين آخرين

وتكاد نسبة ال 60 وال 65 هي الأكثر وروداً في التقارير الدولية، فقد أشار إليها الكاتب البريطاني روبرت فيسك في مقالة له في صحيفة الاندبندت يوم
3/1/2004، حيث كتب يقول:
ويتوقع الشيعة الذين يشكلون 60 بالمائة من السكان، الحصول علي قوة مؤثرة في الانتخابات العامة التي ستجري هذا العام.
كما ورد نسبة 60 بالمائة في صحيفة الفاينانشال تايمز البريطانية ليوم
20/1/2004، وهي تعلق علي التظاهرات التي عمت بغداد قبل يوم يطالب فيها سكان بغداد بإجراء انتخابات عامة، وكذلك في النشرة الخبرية المقروءة لإذاعة إل بي بي سي البريطانية المنشورة في شبكة الإنترنت ليوم 21/1/2004، وهي تعلق علي الحدث نفسه. وفي خطاب للرئيس الأمريكي جورج بوش الثاني أذيع من محطة (أي بي أس) الأمريكية خلال انعقاد مؤتمر المعارضة العراقية في لندن نهاية العام 2002، أشار إلي أن نفوس الشيعة بين 60 إلي 67 بالمائة، وفي تقرير إخباري من بغداد ذكرت الصحافية الأمريكية لورا كينغ: إن شيعة العرب يشكلون نسبة 60 بالمائة ().
والملاحظ في تقديرات الرئيس الأميركي بوش أنها اعتمدت علي أرقام بثتها من قبل وزارة الخارجية الأميركية بالاعتماد علي تقارير خاصة بها، ففي تقرير لوزارة الخارجية الأمريكية عن حقوق الإنسان في العراق للعام 2001 تحت عنوان: (الإساءات الخطيرة لحقوق الإنسان في العراق مستمرة)، جاءت فيه إشارة إلي:..السكان الشيعة العراقيون الذين يقدر عددهم ب 65 بالمائة من مجمل سكان العراق الذين يبلغ عددهم 22 مليوناً. وفي السنة التالية أصدرت شعبة الديمقراطية والحقوق الإنسانية والعمل التابعة لوزارة الخارجية الأمريكية تقريرها السنوي في 7/10/2002 عن الحرية الدينية في أرجاء العالم المختلفة، وفيما يخص العراق جاء فيه: الشيعة العرب هم أكبر مجموعة دينية، و طالما تعرض الشيعة العرب الذين يشكلون الأغلبية الدينية بين السكان للتمييز ضدهم اقتصادياً، وسياسياً، واجتماعياً.

82% من البغداديين شيعة

وإذا كان الشيعة العرب يمثلون نحو 80 بالمائة من عرب العراق بتخريج الأكراد والتركمان كما يذهب إلي ذلك الوزير العراقي في العهد الملكي السيد عبد الكريم الأزري() فإن باحثاً آخر يعتقد أن بغداد وحدها تضم أكثر من هذا الرقم، يقول سعيد السامرائي: إن معظم المناطق المختلطة مسكونة من أغلبية شيعية واضحة سيما العاصمة بغداد، التي تشير آخر الإحصائيات التي أجراها فريق عمل أمريكي وبناء علي إحصائيات الحكومة العراقية وبمساعدة موظفيه، وذلك في منتصف الثمانينيات إلي أن نسبة الشيعة فيها هي 82 بالمائة ().
والسامرائي فيما ذكر إنما يشير إلي التقرير الذي قدمه الفريق الأمريكي العام 1988، بعد أن أجري دراسة ميدانية للتركيبة السكانية العراقية بالتعاون مع السلطات المحلية في العراق، حيث أجري: دراسة ميدانية لمنطقة السليمانية في كردستان العراق (1985-1986)، ولمدينة بغداد (1986-1988)، ثم وسع وقبل نهاية الحرب العراقية الإيرانية دراسته لتشمل: الموصل، كركوك، أربيل، الحلة، كربلاء، الكوت، الناصرية، العمارة، بعقوبة، الرمادي، والبصرة ().
وجاء في التقرير الأمريكي أن: عدد نفوس العراق في حزيران يونيو 1987 يساوي 000ر644ر18 نسمة. ونفوس بغداد يساوي 2ر4 مليون نسمة موزعون كما يلي:
82 بالمائة منهم من المسلمين العرب الشيعة، و18 بالمائة من سكان بغداد من المسلمين السنة، ونسبة من المسيحيين والأكراد. ونسب مجمل مناطق العراق الإحصائية ما يلي: العرب الشيعة 72 بالمائة، العرب السنة 8 بالمائة، الكرد السنة 18بالمائة، التركمان (مختلط) أقل من 2 بالمائة، البقية أقل من 1 بالمائة ().
والنسبة السكانية في بغداد ذهب إليها تقرير شعبة الديمقراطية والحقوق الإنسانية والعمل التابعة لوزارة الخارجية الأمريكية بخصوص الحريات الدينية الصادر في 7/10/2002، والذي جاء فيه: ورغم أن الشيعة ينتشرون أكثر ما ينتشرون في الجنوب، إلا أنهم يشكلون الغالبية أيضاً في بغداد، ولهم جاليات في معظم أنحاء البلاد. أما السنة فيشكلون أغلبية السكان في وسط البلاد وفي
الشمال.
ويقول فاروق عباس عن بغداد: يسكنها خليط سكاني من كل القوميات والأديان والمذاهب، وتعتبر منطقة مختلطة، ولكن الغالبية فيها من العرب المسلمين، وعدد نفوس الولاية يقدر بخمسة ملايين نسمة ().
ويسود الاعتقاد أن الرقم أكبر من هذا إذا ما نظرنا إلي أحياء كبيرة تحولت بمرور الزمن إلي مدن كبيرة مثل مدينة الصدر رحمة الله عليه التي تضم الملايين من العراقيين غالبيتهم العظمي من العرب الشيعة، أوصل البعض أعدادهم إلي ثلاثة ملايين().

الواقع الديموغرافي

لقد بات من الواضح والمؤكد الذي لا يختلف فيه أي منصف، أن الواقع الديموغرافي يؤكد نسب الأكثرية الشيعية في العراق منذ العهود البائدة، وبانت هذه الحقيقة للقاصي والداني.. وبإلقاء نظرة علي إحصائيات القرن الميلادي المنصرم وما قبله، وتصريحات أهل الخبرة بالشأن العراقي تتضح هذه الحقيقة كالشمس.. ويحاول البعض عن علم أو جهل بواقع الخريطة السكانية العراقية، أن يقلب الحقائق الديموغرافية في العراق انطلاقاً من مواقف مسبقة لا تتوافق مع الواقع الاجتماعي والسياسي للعراق، ولا تنسجم مع تطورات الحياة، فليس من الإنصاف أن تُحمّل الأغلبية رأيها علي الأقلية تحت مدعي الديمقراطية، وليس من العدل أن تفرض الأقلية رأيها علي جمهور الأكثرية تحت مدعي الحكم للأقوي، فلا المنطق الأول راجح، والمنطق الثاني يحمل معه معاول هدمه، إن استطاع أن يتغلب في جولة سيخسر في جولات، وربما بمنطق الحكم للأقوي نفسه!
ومن الأمور التي أجمع عليها الباحثون المحققون: إن العراق يتوزع بين أكثرية عربية شيعية، وأقلية عربية سنية وأقلية كردية سنية وشيعية، وأقلية تركمانية شيعية وسنية، وأقليات أخري كالمسيحيين والصابئة وغيرهم، وأهمية هذه المسألة تظهر في الانتخابات، حيث أنها لا تتعلق بحجم الدائرة الانتخابية من حيث المساحة التي تقوم عليها هذه الدائرة، بل بقدر حجم الواقع السكاني فيها، فالانتخابات معيارها الأول صوت الناخب وعدد الناخبين، وليس حبات رمل الأرض، وهذا المعيار علي سبيل المثال نجده أحد مطالب أهالي سامراء بعد انهيار النظام السابق، حيث يطالب الأهالي فيها بالاستقلال إدارياً عن مدينة تكريت، ونقلها إدارياً إلي مصاف لواء.
وكانت تكريت وهي مسقط رأس الرئيس العراقي السابق، قد حولت في عهده إلي محافظة بعد أن ضم إليها عدداً من الأقضية، ومنها مدينة سامراء التي هي أكبر حجماً من مدينة تكريت.

إحصاء عام 1919

لقد جرت في العراق إحصاءات عديدة.. وأول إحصاء سكاني جري في العام 1919 تحت الاحتلال البريطاني، احتسب الإحصاء البريطاني الذي أجري العام 1919 عدد الشيعة بنحو 000ر500ر1 نسمة من مجموع 000ر850ر2 نسمة، أي بنحو 53 بالمائة من السكان. وفي العام 1936 بلغ عددهم 533ر612ر1 نسمة من مجموع قدره 077ر857ر2 نسمة، أي زهاء 56 بالمائة وإلي جانبهم نسبة ضئيلة من الإيرانيين والهنود والأكراد ().
وينقل الدكتور عبد الله النفيسي بعد أن يقرر في الصفحة 9 و167 من كتابه (دور الشيعة في تطور العراق السياسي الحديث) أن نصف أهل العراق من الشيعة إن لم نقل غالبيتهم، وتذكر إحصائية العام 1919 بشيء من التفصيل إذ: بحسب إحصاء السكان الذي قام به الإنكليز في سنة 1919 تبين أن عدد الشيعة بلغ 015ر493ر1 وعدد السنّة 285ر992، وعدد اليهود 488ر86، والنصاري 692ر78، والطوائف الأخري 302ر42 ().
ويلاحظ الزيادة السكانية ما بين الإحصاءين (1919-1936) مع ميل الكفة لصالح الأغلبية الشيعية في العراق.

إحصائية عام 1920

أما إحصائية الحصري عام 1920م فقد ذكرت تفاصيل عن التعداد السكاني في الألوية العراقية مستمدة في الأصل من الإحصائيات البريطانية، بعد إضافة (100) ألف نسمة بإدخال السليمانية للتعداد، واحتساب نسبة الزيادة السكانية خلال عام وعلي الشكل التالي:
388000 لواء بغداد
380000 لواء الديوانية
376000 لواء الموصل
320000 لواء المنتفك
280000 لواء البصرة
201000 لواء أربيل
186000 لواء الحلة
175000 لواء الدليم
164000 لواء ديالي
158000 لواء كركوك
153000 لواء العمارة
72000 لواء السليمانية
65000 لواء كربلاء
تكشف هذه الإحصائية() بعض التزوير الذي مارسته الدولة القومية، والعاملون في المشروع القومي العربي، ومن ضمنهم ساطع الحصري نفسه الذي أودع في منهاج الدراسة معلومات منافية لهذه الإحصائية التي نشرها في مذكراته الصادرة عام 1967م، وكانت مناهج الدراسة العراقية تشير إلي أن ثاني مدينة بعد بغداد في التعداد السكاني هي الموصل ثم البصرة، وينقطع الكلام عن التعداد السكاني حتي لتبدو المدن الأخري بتعداد ضئيل لا يستحق الإشارة.
من المحتمل أن عدداً من القراء سيفاجأ أن تكون الديوانية ثاني أكبر المدن في العراق بعد بغداد التي يزيد قليلاً عدد نفوسها عنها، بينما تهمل هذه المدينة ذات القبائل العربية لأسباب مذهبية، ولا تمثل في السلطة، ولا يأتي عليها ذكر إلا عرضاً.

إحصاء عام 1929

عدد نفوس الشيعة في العراق وفقاً للإحصاء السكاني الذي أجرته الإدارة البريطانية عام 1929م فقد بلغ مليون و492 ألف نسمة، والسنة العرب والأكراد 992 ألف، واليهود 86 ألف، والنصاري 87 ألف، والطوائف الأخري 42 ألف، ويلاحظ أن السليمانية لم تدخل في هذا التعداد؛ لأنها لم تدخل في الخارطة العراقية وفقاً لمعاهدة سيفر وكانت نفوسها آنذاك 72 ألف نسمة.
يلاحظ أن الإنكليز وضعوا الأكراد مع السنة العرب مقابل الشيعة العرب، وبفرز الأكراد عن العرب السنة تكون النسب علي الشكل التالي:
55% العرب الشيعة
19% العرب السنة
18% الأكراد السنة
8% اليهود والمسيحيون والطوائف الأخري
ومنذ ظهور هذه الإحصائية حتي يومنا هذا، مازالت المصادر الرسمية في العراق تستخدم حصة الشيعة لزيادة حصة العرب في مواجهة حصة الأكراد السكانية، وتستخدم حصة الأكراد في مواجهة حصة الشيعة. وبشكل عام فإن التوزيع السكاني للسلطة يتعامل مع كل من الشيعة العرب، والسنة الأكراد بنسبة لا تزيد عن 35% في أفضل الحالات في مجلس الوزراء.

إحصائية عام 1947

في العراق عموماً تستخدم حصة الشيعة لزيادة حصة العرب في مواجهة حصة الأكراد السكانية، وتستخدم حصة الأكراد في مواجهة حصة الشيعة، وبشكل عام فإن التوزيع السكاني للسلطة يتعامل مع كل من الشيعة العرب والسنة الأكراد بنسبة لا تزيد عن 35% في أفضل الحالات في مجلس الوزراء.
من المفيد أن نشير إلي جدول التوزيع السكاني للعراق مستمد من الإحصاءات الرسمية التي أجرتها الحكومة العراقية عام 1947 ونشره الأستاذ حنا بطاطو علي الشكل التالي():
51.4% 2344000 الشيعة العرب
19.7% 900000 السنة العرب
18.4% 840000 السنة الأكراد
1.2% 52000 الشيعة الإيرانيون
1.1% 50000 السنة التركمان
0.9% 42000 الشيعة التركمان
0.6% 30000 الشيعة الأكراد (الفيلية)
3.1% 149000 المسيحيون
2.6% 117000 اليهود
0.8% 33000 اليزيدية والشبك
0.2% 7000 الصابئة
إن هذه الإحصائية تكرس عروبة العراق التي ستبدو هشة وضعيفة، وسيصبح العرب بدون الشيعة أقلية صغيرة لا تتجاوز 18 %.
كان المفروض في الدولة أن تجعل من ارتفاع نسبة السكان في مناطق الفرات الأوسط والجنوب؛ سبباً للتفاخر بأصالة الشعب والإسلام في العراق، وصلته العضوية التي لا تنفصم بالجذور الأولي للعروبة والإسلام، رغم قساوة الأنظمة التركية والمغولية والفارسية التي حكمت العراق.

الأصالة الشيعية العربية

إن زيادة عدد السكان الشيعة يعني زيادة فعلية في التعداد العربي، فإذا ذكرنا أن نفوس سكان الكاظمية قد بلغ في إحصاء عام 1947، مائة و(15) ألف و(760) نسمة؟، فهذا يعني بشكل طبيعي وفرة عربية تدعو للارتياح. وليس لأحد أن يشير إلي الفرس فيها بعد أن خصص الإحصاء السكاني نفسه للجالية الإيرانية في العراق استمارة مستقلة ظهر فيها أن تعدادهم بلغ (52) ألف نسمة. وليس من مصلحة الدولة إن كانت وطنية تتوسع أن في ترحيل السكان من العروبة إلي العجمة، ولا نظن أن دولة ما تجرأت غير العراق علي مثل هذا الترحيل.
ذلك أننا لو أخذنا بفارسية المدن الشيعية، وجعلنا الكاظمية مثلاً لها، فإننا سنفقد أعداداً من السكان العرب لا يقل كثيراً عن عدد سكان مدينة الموصل في ذلك الإحصاء.
لكن تياراً واسعاً في المشروع القومي العنصري في العراق يسعي منذ قيام ثورة العشرين عام 1920 حتي يومنا هذا إلي سلخ الشيعة من العروبة ووضعهم في صف الفرس، ولقد أكد الطائفيون في السلطة حكما مفاده: إن كل شيعي هو إيراني، ولا يصدر هذا الحكم علي الشيعة إلا من منطلق طائفي محض، إذ يستثني من صفة الفارسية الإيراني إذا كان سنياً، وامتد ذلك إلي الخليج فالبستكي والعوضي والهولي وكلهم من سنة سواحل إيران يعتبرون عرباً أقحاحاً، بينما تسحب العروبة عن عوائل عربية شيعية في الكويت والبحرين والإمارات، وكان قرار التهجير في العراق قد استثني حامل التبعية الإيرانية إذا كان مسيحياً.
هذا هو القانون العام (كل شيعي إيراني) الذي استحدث أول مرة علي لسان السيد مزاحم الباجه جي، في خطابه الذي ودع فيه الكولونيل ولسن وكيل المندوب السامي البريطاني بعد أن أجهز عسكرياً علي ثورة العشرين.
في الصين الشعبية سئل السفير العراقي في بكين الدكتور عيسي سلمان التكريتي من هم الأكثر في العراق … السنة أم الشيعة؟ فأجاب الدكتور عيسي: إن العجم أكثر من العرب في العراق، لكن إذا اجتمع الأكراد والعرب فسيكونون أكثر من العجم فسأله فلسطيني كان موجوداً أثناء الحديث: هل يعني أن الشيعة في العراق عجم؟ قال السفير: نعم. وكرر السائل: لكنهم موجودون في الحزب بكثرة علي ما أعلم، وأنتم في حرب مع الإيرانيين، فكيف ينسجم هذا مع ذاك؟ قال الدكتور عيسي سلمان: إن القيادة تأخذ الاحتياطات اللازمة وتعرف كيف تتصرف مع الشيعة في الحزب والدولة فلا تقلق.
إن ما يقوله الدكتور عيسي سلمان، وهو من المختصين بالآثار المعروفين بالاعتدال ليس وجهة نظر شخصية بل هو تعبير عن تيار عام في المشروع القومي الرسمي يتكرر علي لسان المتحدثين في المجالس الخاصة، ويصدر إلي الصحفيين والدبلوماسيين العرب في اللقاءات الثنائية.
إن الدكتور عيسي سلمان في غمرة الانصياع والرضوخ لقوة هذا التيار نسي أنه في حالة الأخذ بهذا الرأي فسنكون أمام المعادلة التالية:
55% الشيعة وهم فرس (جدلاً)
18.5 % الأكراد وهم غير عرب
8% الأقليات الدينية وهي غير عربية
وما بقي من النسبة الكاملة أي 18.5 %، هي نسبة العرب في العراق. وفي هذه الحالة سيكون علي العراق أن يتخلي عن كونه بلداً عربياً، وسيكون لإيران الفارسية حق المطالبة به لكون 55% من سكانه إيرانيين، وعلي امتداد الحدود الإيرانية، قريباً من شط العرب وحتي حدود لواء كربلاء مع الرمادي، وهي المناطق التي توصف بالفارسية. وبنفس المنطق سيكون للأكراد الحق في مناصفة الحكم باعتبارهم يشكلون النسبة المتقاربة جداً مع السكان العرب.
وسيبقي من المدن العربية للعراق بعد إخراج المدن (الإيرانية)! الموصل والرمادي والنواحي والقري النازلة مع دجلة حتي حدود سامراء مع (بلد والدجيلة) وهما (إيرانيتان أيضاً).
في هذه الحالة أيضاً ستبدو كردستان العراق، أكبر من العراق العربي، ومن حق الأكراد إذا اتفقوا مع الأقليات الدينية، وهي تعيش في مناطقهم أن يشكلوا حكومة أغلبية في العراق، دون الحاجة لتمثيل العرب في السلطة، إذعاناً للمنطق الديمقراطي البرلماني، واستناداً إلي الباب الثالث من الدستور المؤقت السابق الذي يعطي الحقوق المتساوية لجميع السكان.
هذه الصورة التي يسعي إليها القائلون بإيرانية الشيعة العراقيين هل استطاع أعتي الشعوبيين في التاريخ صياغتها؟ وهل تمكنت محاولات تجزئة العراق وتقسيمه أن تنجز شكلاً مرعباً، كالشكل الذي توحيه صورة العراق، حين يصبح الشيعة فيه إيرانيين، لقد شعر بعض المثقفين بخطورة ما سينجم عن هذا الطرح، فبدءوا ينشرون كتابات(لتعريب) بعض الشيعة، وقد جري التعامل مع هذه الكتابات، كما لو كانت كشفاً علمياً وأخلاقياً.. إن بعض الشيعة عرب. وبهذا ظهر مصطلح (عروبة الشيعة) عند بعض المثقفين الشيعة أنفسهم. أما العاملون في المشروع القومي السلطوي فقد بدوا وكأنهم متفضلون للغاية، حيت استثنوا بعض الشيعة وأخرجوهم من الدائرة الإيرانية إلي الدائرة العربية وسط ابتهاج يغمر قلوب البعض المستثني، والذي راح يشيد بالمنصفين والمثقفين الذين يبحثون في عروبة الشيعة. وباعتقادنا فإن الحديث عن عروبة الشيعة العراقيين، هو آخر مراحل السير في قافلة الاتهام، وأكثرها إيغالاً في إيذاء الأغلبية العربية، لاسيما أن بعضاً من الذين يساهمون بعملية (تعريب الشيعة) يحتاجون إلي الكثير من الإسناد التاريخي لإثبات عروبتهم.
وليس رد فعل لذلك الشعار القائل: بأن الشيعة العراقيين إيرانيون، إذا ما قررنا الحقيقة التالية:
إن عروبة العراق شيعية، وأنه عربي بقدر ما هو شيعي، وأن (الجهود) ينبغي أن تنصرف ليس لإثبات عروبة الشيعة، وإنما لإثبات عروبة العراق بلا شيعة، وسيصل الذين يكافحون منذ سبعين عاماً لإثبات عروبة العراق من خلال فارسية الشيعة إلي هذه النتيجة بسرعة. فقد تشيعت العروبة منذ أن جعل علي بن أبي طالب الكوفة مقراً لخلافته، ولم يحدث أن تعربت الشيعة، أما الشيعة الإيرانيون فإنهم سيظلون كذلك.
إن خطر تعجيم التشيع الذي يستهدف أساسا التقليل من أهمية الأغلبية العربية المحرومة من حق التمثيل في السلطة، لا يقتصر علي تعجيم جغرافيا العراق البشرية والطبيعية، بل يتجاوزه إلي تعجيم التراث العربي وعلوم الإسلام العربية حيث الريادة العلمية للمبدعين والمفكرين العرب الشيعة تكاد أن تسيطر علي مدارس النحو واللغة والصرف والتفسير والتاريخ وعلم الكلام فضلاً عن مدارس الشعر. إن صورة الحضارة العربية ستبدو مقلوبة قومياً حين نأخذ بمشروع تعجيم التشيع ونسرف في البحث والاستقصاء وترسيم مذاهب المفكرين العرب.

الشيعة العرب: نجوم لامعة في الإبداع

إن الجدول التالي عينة متواضعة توضح مدي الخسارة التي ستلحق بالتاريخ حين يسلخ الأعلام التالية أسماؤهم من أصالتهم العربية والإسلامية لكونهم يأخذون بمذهب التشيع:
مؤسس علم النحو أبو الأسود الدؤلي
مؤسس علم اللغة والعروض الخليل بن أحمد الفراهيدي
مؤسس علم الصرف أبو مسلم الفراء
من مؤسسي علم التفسير وعلوم أخري جابر بن عبد الله الأنصاري
كذلك سعيد بن المسيب
من مؤسسي علم السير هشام بن الكلبي
المؤرخ المعروف أحمد بن يعقوب اليعقوبي
كذلك المسعودي صاحب مروج الذهب
ومن الشعراء:
النابغة الجعدي، ولبيد بن أبي ربيعة، وكعب بن زهير، والفرزدق، والكميت، وكثير عزة، وقيس بن ذريح، ودعبل الخزاعي، وأبو تمام، وأبو فراس الحمداني، وابن هاني الأندلسي، والبديع الهمذاني، فضلاً عن المتنبي، والمعري وأمرهما معروف. ومن مؤرخي الأدب صاحب الأغاني أبو الفرج الأصبهاني().

إحصاء عام 1947

أما بموجب إحصاء العام 1947 فإن التكوين العرقي والديني والمذهبي، سجل نسبة 4ر51 بالمائة من السكان للشيعة العرب، إلي جانب 9ر6 بالمائة من الشيعة الأكراد والتركمان، و2ر1 بالمائة من الشيعة الإيرانيين.
فيما كان السنة العرب يشكلون نسبة 7ر19 بالمائة من العراقيين، والسنة الأكراد نسبة 4ر18 بالمائة، والسنة التركمان نسبة 1ر1 بالمائة من العراقيين، إضافة إلي أقليات أخري من مسيحيين ويهود ويزيديين وشبك وصابئة().
لكن النسب التي نشرت العام 1951 يطرأ عليها تغيير غير مفهوم بالمقارنة إلي إحصاء العام 1957، وهو تغيير أقل ما يقال عنه: إنه غير طبيعي.
فمن غير المعقول أن تنخفض نسبة الأكراد إلي 7ر12 بالمائة، وتقل نسبة الشيعة العرب إلي 9ر44 بالمائة، فيما ترتفع نسبة السنة العرب إلي 6ر28 بالمائة قياساً مع السنة الأكراد، وذلك خلال أربع سنوات، خصوصاً وأن معظم الأرقام تسجل تقارباً في نسبة السنة الأكراد مع السنة العرب، وبعضها تزيد من نسبة السنة الأكراد علي السنة العرب.
وإذا نزلنا عند هذه الأرقام فإن الشيعة العرب ما زالوا يشكلون غالبية سكان العراق، ووفق هذه النسب شكل التركمان نسبة 3ر4 بالمائة والفرس 3ر3 بالمائة، واليهود 3ر0 بالمائة، والمسيحيون 4ر6 بالمائة، والصابئون 3ر0 بالمائة، واليزيديون والشبك 1ر0 بالمائة من نفوس العراقيين().

إحصاء عام 1957

ويعتبر الباحث حامد الحمداني أن إحصاء العام 1957 هو أدق إحصاء للتركيبة السكانية للعراق، إذ يقول: وبالرجوع إلي الإحصاء العام للسكان العام 1957، والذي يعتبر أدق إحصاء جري حتي ذلك التاريخ، ظهر أن تعداد نفوس العراق كان آنذاك ستة ملايين ونصف المليون نسمة موزعة كما يلي:
1- القومية العربية، وقد بلغ مجموع نفوسها 262ر018ر5 نسمة، أي ما يعادل 80 بالمائة من السكان.
2- القومية الكردية، وقد بلغ مجموع نفوسها 774ر042ر1 نسمة، أي ما يعادل 16 بالمائة من السكان.
3- القومية التركمانية، وقد بلغ مجموع نفوسها 806ر136 نسمة، أي ما يعادل 2 بالمائة من السكان.
4- القومية الآشورية، وقد بلغ مجموع نفوسها 000ر100 نسمة، أي ما يعادل 5ر1 بالمائة من السكان.
هذا ما يخص التوزيع القومي للسكان، أما بالنسبة لتوزيع الأديان فهي كما يلي:
1- المسلمون: وقد بلغ تعدادهم 493ر057ر6 نسمة (أي أغلبية السكان).
2- المسيحيون: وقد بلغ تعدادهم 202ر206 نسمة.
3- أقلية يهودية: وكانت تقدر بعشرات الآلاف العام 1947، غير أن الدولة أسقطت عنهم الجنسية العراقية العام 1948، وتم تسفيرهم إلي إسرائيل، ولم يبقَ منهم سوي 4906 نسمة.
4- أقلية يزيدية في منطقة الشيخان، وسنجار وبعض القري التابعة للواء [محافظة] الموصل.
5- أقلية صابئة يسكن أغلبها لوائي العمارة وبغداد.
أما التوزيع الطائفي في العراق فهو علي الوجه التالي:
1- المسلمون الشيعة: ويمثلون 50 بالمائة من سكان العراق، ويسكنون المناطق الوسطي والجنوبية.
2- المسلمون السنة: ويمثلون 35 بالمائة من سكان العراق، ويسكنون المنطقة الشمالية، وبغداد، والأنبار.
3- المسيحيون، واليزيدية، والصابئة، واليهود: ويمثلون 15 بالمائة من سكان العراق، علماً أن المسيحيين ينتمون إلي طوائف عدة منهم: الكاثوليك، والبروتستنت، والأرثدوكس، والكلدان().

إحصاء عام 1997م

في أحدث إحصاء رسمي للسكان أجري العام 1997، حسب وصف التقرير السنوي الذي أصدرته وزارة الخارجية الأمريكية في 7/10/2002 حول الحريات الدينية في العالم، فإن التقرير يضيف وفق إحصاء العام 1997: إن أفضل التقديرات تقول إن 97 بالمائة من سكان العراق البالغ عددهم 22 مليون نسمة مسلمون. ويشكل الشيعة وغالبيتهم من العرب، وإن كان بينهم أيضاً تركمان وأكراد وشبك وفرس ما بين ستين وخمسة وستين بالمائة من السكان. أما السنة فيشكلون ما بين 30 و37 بالمائة من السكان حوالي 18-20 بالمائة منهم من الأكراد، و12-15 بالمائة من العرب، والبقية من التركمان السنة. أما حوالي ثلاثة بالمائة المتبقية من مجموع عدد السكان فمسيحيون: (آشوريون وكلدانيون وكاثوليك وأرمن)، ويزيديون ومندائيون، بالإضافة إلي عدد ضئيل من اليهود.
ومن قبل أشار تقرير وزارة الخارحية الأمريكية حول حقوق الإنسان في العراق، الذي نشر في 4/3/2002 إلي أن: السكان الشيعة العراقيين الذين يقدر عددهم ب 65 بالمائة من مجمل سكان العراق الذين يبلغ عددهم 22
مليوناً.

همسة في أذن المشكك

هنالك قاعدة عقلائية تحولت إلي أساس معتمد في الحوزات العلمية، ومقولة شهيرة يرددها الأساتذة في كل مناسبة للاحتجاج والحوار.. تقول: نحن أبناء الدليل أينما مال نميل وهي تأكيد لقوله تعالي: قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ().
هذا هو ديدن رسالات السماء والأصل الذي اعتمده رسول الله صلي الله عليه و اله وأهل بيته الطاهرون عليهم السلام، فالحوار العلمي القائم علي الدليل العقلي أو النقلي هو الأصل المعتمد ().
أما أن يأتي كاتب أو خطيب ويدلي بدلوه في موضوع معقد وعلمي دون توثيق ومستمسك، أو يذكر مستمسكاً دون معرفة المستمسكات المضادة، فهذا ما لا يرتضيه أي إنسان مهما كانت ثقافته متدنية.
لقد نشر أخيراً مقال حول نسبة الشيعة في العراق، وهو يدعي خلاف إجماع كل المؤرخين والباحثين، ودون أن يسند حديثه إلي أية وثيقة أو مستمسك معتبر.. ويخلص من بحثه إلي أن نسبة الشيعة في العراق 42% فقط.
وهذا تزوير لحقيقة صارخة وتكذيب لواقع قائم.. فيدعي الكاتب مثلاً: إن نسبة مذهب الأقلية في مدينة كربلاء المقدسة هي 5% من مجموع (000ر740) سبعمائة وأربعين ألفاً، فيكون تعدادهم (000ر37) نسمة..
وبعد التحقيق من قبلنا وطرح هذا السؤال علي (مدير دائرة الإحصاء في كربلاء) أجاب: إن في كربلاء ليس إلا أربعة عوائل منهم فقط!!
وحين ذهبنا إلي المسجد الجامع لهم في يوم الجمعة، رأينا أن عدد المصلين أقل من مائة نسمة!! وكثير منهم من أطراف المدينة، وبعضهم من المدن الأخري من الذين وظفهم النظام الطائفي البائد، وسحبهم من محافظاتهم وأسكنهم في كربلاء.
فأين الثلاثة والأربعون ألفاً؟؟
والجدير بالذكر إن نفوس محافظة كربلاء حسب تقدير الحكومة المؤقتة هو ثمانمائة ألف، لذلك طلب من أهلها انتخاب (16) عضواً (لكل خمسين ألف نسمة عضو واحد) للمجلس الاستشاري الموقت، والتقرير السابق قال رجماً بالغيب أن المحافظة نفوسها (000ر740) فقط.
ولقد أشتهر في أوساط الناس في كربلاء: إن نفوسها حوالي المليون..
وما قيل في كربلاء يقال حول المدن الأخري، ومنها (الحلة) التي ادعي الكاتب أن 35% من أهلها هم من مذهب الأقلية.. وقد التقينا بالعديد من أصحاب الشهادات والمثقفين من أهل الخبرة الثقاة وسألناهم عن ذلك فكذبوه..
علي كل حال رسالتنا إلي المشككين في الأكثرية أن يتحروا الحقيقة أكثر وبشكل أدق.
وإن حقيقة ثابتة في التاريخ أجلي وآكد وأثبت من حقيقة الأكثرية الشيعية في العراق، قد لا نجدها وقد أقرت بإجماع العراقيين وغيرهم.
وأخيراً نحن واثقون من هذه الحقيقة، وتؤكد كل الإحصاءات دون استثناء علي رغم اختلاف النسب فيها..
وعلي فرض التشكيك في الأكثرية فإننا نطالب بالحقوق الإنسانية والسياسية العادلة للأقلية سنة وشيعة أو غيرهما..
كما نطالب بالحقوق الثابتة العادلة للأكثرية سنة أو شيعة أو غيرهما..
?إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ
وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِالله? ()..
فالكل أخوة ومتساوو الحقوق من أي مذهب كانوا، وإلي أية شريحة انتموا.

الفصل الثالث بحوث في هوية الطائفية

الفصل الثالث بحوث في هوية الطائفية

? الطائفية مزقت صفوف الشعب، وأغرقت البلاد في المحن
وعبدت الطريق لدخول القوي الأجنبية
? طائفية حكام العراق الملكي والجمهوري أقيمت علي تحالفات استعمارية
وأسس سياسية وعسكرية محكمة لمواجهة أكثرية جماهير الشعب

هوية الطائفية

يتشعب الحديث عن الطائفية ومقوماتها وطبيعتها وآثارها في العراق، إلي العديد من الأصول والفروع.. ونحن نحاول أن نختزل بحوثه خلال الصفحات القادمة بإذن الله تعالي.

أولا: ثقافة احتكار السلطة

إن من أعراض تخلف الأمم كل الأمم هو سيطرة فئة بعينها علي نظام الحكم، فتمسك بأزمته وكأنها المالك الحقيقي لرقبة الوطن والشعب، وتفلسف لنفسها هذه الملكية وتكون ثقافة فئوية معينة، ولا تسمح لأي أحد أو جهة أن يطرح المبدأ الإنساني العام القائل بأن (الوطن للجميع) وهذه الفئة التسلطية تتجلي في شريحة سياسية من أقلية طائفية أو قومية أو عشائرية أو غيرها، وتقنع نفسها وأتباعها في مناطقها وطوائفها وأحزابها بأن السلطة ملك لها حصرا، ثم تربي أبناءها وأجيالها علي روح التسلط الاحتكاري، وأن الحكم من اختصاصاتها وليس لأحد أي حق فيه مطلقا، بل لو فكر بالتطاول وراودته نفسه للوصول إلي السلطة حتي عبر الطرق المشروعة فإن عقابه الموت.
مثل هذه الظاهرة هي من أشد الأمراض الفتاكة التي يصاب بها الشعب ويكون سببا في تأخره.
هذا ما نعانيه في العراق، وهو مرض نفسي قبل أن يكون تفكيرا منحرفا، فبعض أقليات الطائفية السياسية التي حكمت هذا الوطن.. كانت تتمتع بهذه العقلية المنحرفة والنفسية المريضة، فتري العراق كله ملكا لها، وكما قال حاكم أموي من ذي قبل: (السواد بستان لقريش) والذي يعني بعبارة أخري: إن الوطن ليس للجميع وإنما لهذه الفئة فقط، ولا حق لغيرها في الحكم وقيادة الجيش وتسلم الحقائب الوزارية وما أشبه.
إن العراق ليس ملكا للأقلية، وليس من الحتميات العقلية أن الحكم لها إلي الأبد.. كفاه سير نزولي وانحطاط إلي درك الإرهاب والظلم.
وكذلك ليس للأكثرية لوحدها، بل هو لجميع مواطنيه من كل طوائفه ومذاهبه وقومياته علي قدم المساواة والعدالة الإنسانية.
فيلزم مكافحة ثقافة الاستبداد وعقلية التمذهب السياسي والاقتصادي المتطرف والذي تعرج به مقولة (السواد أي العراق بستان لقريش) فليس لغيرهم حق فيه..
ولقد صرح أحد رموز الطائفية قبل حين في إحدي الفضائيات بأن العراق لا يستقيم له أمر إلا إذا عاد إلي سابق عهده وخضع لسلطة الأقلية، وأكد ذلك مستدلا بتاريخه الطائفي العريق، وإرادة بعض الدول المحيطة به، المؤيدة لحكم الطائفية السياسية، وهذا بعينه هو ما نعنيه من ثقافة احتكار السلطة، وهو في الحقيقة معناه العودة إلي الاستبداد وضرب ثوابت الديمقراطية والعدالة الإنسانية والإسلامية عرض الجدار.

ثانيا: ملامح النظام الطائفي

لعل أبرز ملامح النظام الطائفي تتلخص فيما يلي:
1- إن النظام الطائفي ظهر قديماً في العراق، واتخذ شكله المعروف منذ قرون خلت، ثم جاء الإنكليز وأقاموه علي أسس سياسية وعسكرية حديثة في مواجهة ثورة العشرين. فالنظام الطائفي الذي قام عليه الحكم الملكي البائد، ومن ثم نظام البعث يمثل تركة سوداء خلفها النفوذ العثماني والبريطاني في العراق، وهذه حقيقة شديدة الوضوح عند كل الأجيال في العراق.
2- إن النظام الطائفي أداة للقهر والسيطرة السياسية أوجده حكم الاستبداد المطلق، والقهر السياسي والعنصري القومي والديني في العهد العثماني، وهو لم يظهر في التاريخ إلا كوسيلة بيد المحتلين والطغاة، لشق صفوف المحكومين والحيلولة دون اتحادهم ضد العدو المشترك، فعندما نتكلم عن النظام الطائفي لا نقصد العداء بين المنتسبين للأديان المختلفة، ولا تفضيل الأفراد لهذه الجماعة المذهبية أو تلك، ولا ممارسة شعائر دينية معينة. فتلك قضايا تتعلق بالأفراد أكثر مما تتعلق بتكوين أنظمة الحكم السياسية، ولهم حقهم الإنساني وحريتهم فيها، إنما نعني بالنظام الطائفي: نظاماً معيناً للحكم يقوم علي هيمنة أقلية دينية أو طائفية علي السلطة السياسية، واحتكارها للامتيازات الاقتصادية، والمكانة الاجتماعية المتأتية من السيطرة علي مقاليد السلطة.
3- وغالبا ما تكون سلطة الأقلية الطائفية بحاجة إلي دعم خارجي، كقوة احتلال أو نفوذ استعماري بحكم كونها مهدده داخلياً فتلتمس المساندة الخارجية، الأمر الذي يوفر الأسس لقيام مصلحة مشتركة بين القوة الخارجية وبين الأقلية الحاكمة، لكبت المحكومين والاستئثار بالسلطة السياسية والثروات الاقتصادية. لذلك يقترن النظام الطائفي في أكثر الأحيان بالاحتلال الأجنبي والهيمنة الخارجية، حتي إذا كان المحتلون لا يشاركون الحكام المحليين المعتقد الديني أو المذهبي. فالاشتراك في الدين والمعتقد بينهما ليس ضرورياً لقيام نظام طائفي، والمثال علي ذلك تبني الاستعمار البريطاني الطائفة اليهودية، واختلاقها فكرة الوطن القومي لليهود رغم الاختلاف الديني بينهما. وبطبيعة الحال فإن الانتماء الديني أو المذهبي المشترك يعزز من الترابط ويوفر أرضية واسعة لاستغلال الطائفية لأغراض التوسع السلطوي الاستعماري، كما يظهر من تبني الإدارة الفرنسية للأقلية المارونية، وادعاء القيصرية الروسية فيما سبق بحماية الأرثوذكس في فلسطين.
4- من جانب آخر فإن فوائد النظام الطائفي للمحتلين لا تقتصر علي ربط الأقلية الحاكمة بهم، بل يشجع أيضاً علي خلق الطائفية المعاكسة بين المحكومين، الذين يجدون أنفسهم يضطهدون بسبب انتماءاتهم الدينية والمذهبية إضافة إلي أسباب أخري. ولذلك تُثار النقمة الطائفية ويتسع الانقسام بين الشعب، وتتكتل كل طائفة حول من يدعي حمايتها والذب عنها، فيتعذر توحيد الجماهير في حركة موحدة ضد المحتلين والحاكمين، ويتهيأ لهؤلاء تعزيز قبضتهم علي البلاد. ثم إن مثل هذا الوضع يوفر للمحتلين فرصة للظهور بمظهر حكم محايد يتوسط بين الطوائف المتصارعة، كما جري في الهند والعراق وفلسطين وقبرص وغيرها من البلدان.
5- ويؤدي النظام الطائفي من ناحية أخري إلي إضعاف مقاومة المحكومين، رغم أنه يدفعهم للتكتل ضد الطوائف الأخري. إذ أن الالتفاف السياسي في هذه الحالة لا يكون وفق أسس مبدئية تتجاوز الحدود الطائفية التي تجمع المستغَلين ضد المستغِلين، وتوحد المحكومين علي اختلاف مذاهبهم ضد الحاكمين، وإنما يجد أكثر المسحوقين أنفسهم مضطرين للالتفاف حول شعارات ومؤسسات لا تمت إلي مصالح الأمة بصلة.
6- وفي هذه الظروف نري أن موقف التجاهل وإغماض العيون تجاه مرض الطائفية السياسية، إنما هو موقف يتهاون بمستقبل البلاد، ويفرط بمصير العراق الجديد، سيما وأن بلادنا تتعرض اليوم لأفدح الأخطار الإرهابية والاستعمارية والطائفية؛ لذلك نري من الواجب مواجهة حقيقة النظام الطائفي، وكشف الستار عن مقوماته الاجتماعية، وأصوله التاريخية، وارتباطه بالأطماع الأجنبية عبر العصور. إن هذه التوعية شرط ضروري لتحقيق وحدة وطنية، وقيام حركة شعبية موحدة في وجه الأخطار المحدقة، والأطماع الدولية لتمزيق بلادنا، ومن أجل تقويض النظام الطائفي وإرساء أسس مجتمع متآخي متحرر، يتساوي فيه جميع المواطنين من مختلف القوميات والأديان
والطوائف().

ثالثا: الطائفية الشاذة في العراق

إن الطائفية في العراق تختلف عن الطائفية في لبنان أو أي بلد عربي أو إسلامي أو غير إسلامي آخر، حيث لا تتصل الطائفية العراقية بمصدر ديني أو فقهي، فلم يجر الخلاف حول مواصفات الحاكم المسلم الجائر والحاكم الكافر العادل، ولا في مسألة الشوري والتعيين، ولم يختلفوا علي العدد المطلوب من أهل الحل والعقد لإتمام البيعة، ولم يتحدث أحد منهم عن الإمامة، وما إذا كانت من أصول الاعتقاد كما يقول الشيعة، أو من فروعه كما يري أهل السنة.
لم يختلفوا حول إرث المرأة في المذهب، ولا علي التكتف أو الإسبال عند الصلاة، ولا حول مسح الرأس، وغسل الرجلين عند الوضوء.
لم يجر الخلاف علي ذلك؛ لأن الطائفيين العراقيين علمانيون لا علاقة لهم بالدين، ويتداول العراقيون في المنفي، شريطاً مسجلاً في جلسة علي مائدة قمار في لندن، كان المتحدثون فيها ثملين للغاية، وقد ظهر واضحاً صوت الأستاذ محمود الدرة العسكري والسياسي الكبير وهو يهاجم الشيعة بعنف، ويعتبرهم خارجين عن تعاليم الإسلام الحنيف، ويهاجم زملاء له من السياسيين الشيعة. وكان بعض الحاضرين شيعة.
وفي هذه النقطة بالذات تبدو الغرابة والشذوذ، إذ المعروف أن الطائفية كما هي في البلاد الإسلامية تقوم علي أساس ديني، وحيث ينتفي الدين من وجدان الإنسان لم تعد ثمة علاقة له بالمذهب.
ومن الملفت للانتباه أن الطائفية العراقية تنمو في جزء من الوسط العلماني. فهي تبدو واضحة الملامح في الوسط القومي، وتتضاءل قوة الطائفية وعنفوانها وتضمحل في الوسط الإسلامي السني منه والشيعي.
وبشكل عام يمكن القول: إن الطائفية العراقية سياسية شبه محضة ذات علاقة بالسلطة، وأنها لم تحدث بين المواطنين بالدرجة الأولي، ولا بين مدينة ومدينة، ومحلة ومحلة، كما هي الحال في بلدان أخري، إنما بين الناس والسلطة التي التزمت بمذهب حاكم هو غير المذهب المحكوم. ومع أن جوانب من الطائفية العراقية ذات أصول تاريخية، فإنها في الأعم طائفية حديثة.
وللطائفية العراقية وجود قوي، لكن الإعلان عنها ظل بعيداً عن التناول، فالعيوب الكبري لا تمارس في المجتمع علانية، إلا أن الحكومات البائدة مارستها بأبشع صورها ومع ذلك كانت تنكرها أشد إنكار، وإذا اعترفت بها قالت: إنها من بقايا العثمانيين، أو إنها سياسة استعمارية كان يغذيها الاستعمار البريطاني، وقد قضي عليها بتضامن الشعب العراقي.
إن كلاماً من هذا القبيل لا يعكس صورة حقيقية للنظام السياسي العراقي. وقد يكون المتحدث الذي ينفي وجود الطائفية مشبعاً بالروح الطائفية أكثر من سواه، وهو يعلم تماماً أن الطائفية مستقرة في العراق، قبل أن يستقر فيه المندوب السامي البريطاني بعدة قرون. وقد يكون صحيحاً أن المسلمين استعانوا بالاستعمار لتحقيق أهدافهم الطائفية، كما استعان الاستعمار بالطائفيين لتحقيق أهدافه. وقد يكون عبد الرحمن النقيب ورجال السلطة العراقية، هم المثال الصارخ علي استعانتهم بالإنكليز واستعانة الإنكليز بهم.
إن نفي وجود الطائفية يأتي بشكل خاص علي ألسنة السياسيين في السلطة العراقية، وأتباع التمذهب القومي منذ سبعين عاماً رغم هشاشة موقفهم. فهم إذ ينفون الطائفية، فإنهم لا يستطيعون تبرير السبب الذي يجعل القومي العربي الشيعي بعيداً عن أن يكون رئيساً لأركان الجيش مثلاً. وإذا كان السبب عدم وجود ضابط قومي شيعي في رتبه تساعده علي ارتقاء هذا المنصب، فمن الممكن السؤال عن السبب في ذلك. أليس هو متصلاً بالقبول في الكلية العسكرية وكلية الأركان، والسقف المحدد لتوقف رتبه الضابط القومي الشيعي؟
وإذ ينفي هؤلاء أي وجود للطائفية، لا يتوانون عن إرسال من يمثلهم من المذهب الحاكم في الإدارة المحلية والمحاكم والإعلام والشرطة ومناهج التربية في مناطق الشيعة. وإذ يجري ذلك علناً، يمنع الحديث العلني عما يجري أمام الأنظار.
وإذا لم يكن بين القوميين الشيعة ضابط يصلح لأن يكون رئيساً للأركان، ألم يكن بين الشيعة من يصلح أن يكون صاحب جريدة يومية. وإذا لم يكن بين القوميين الشيعة من يصلح أن يكون مديراً للشرطة، بسبب التضييق علي قبولهم في كلية الشرطة أو ترقيات المتخرجين منهم فيها، ألم يكن بينهم من يصلح أن يكون رئيساً للجامعة أو عميداً لكلية؟
إننا لا نتحدث من الحرص علي أن يكون مسئول شيعي في مواقع كهذه، بقدر ما نسعي إلي كشف تلك التقاليد المتخلفة، والموروثات المسيطرة علي الدولة الطائفية والأضرار التي ألحقت بعموم الشعب في العراق.
وفي هذه الظروف نري أن موقف التجاهل وإغماض العيون إزاء النظام الطائفي هو موقف يتهاون بمستقبل البلاد ويفرط بمصيرها، سيما وأن بلادنا تتعرض اليوم لأفدح الأخطار والدسائس الدولية. لذلك نري من الواجب مواجهة حقيقة الطائفية، وكشف الستار عن مقوماتها الاجتماعية، وأصولها التاريخية وارتباطها بالأطماع الأجنبية عبر العصور ().

رابعا: طبيعة الطائفيين في كلا الفريقين

إن طائفية كل من الشيعي والسني تختلف جذرياً فيما بينهما، ويمكن تلخيصها فيما يلي:
1: الطائفية الشيعية إن صح التعبير، وهو غير صحيح() ذات طابع نظري، فهي تتحدث عن أفضلية الإمام علي (عليه الصلاة والسلام) في الخلافة، وتؤكد علي قضية النص والتعيين. فيما لا يعني الطائفي السني بشيء من ذلك. إنه لا يعيش في التاريخ كالطائفي الشيعي، ولا يتحدث عن حق عمر في الخلافة أو حق علي، وإنما يبحث عن حق قريبه في أن يحتل المركز المعين والوظيفة
المعينة.
2: إن الطائفية الشيعية معتقد والسنية فعل. والشيعية تعيش في التاريخ والسنية تعيش في الحاضر. ولهذا يلتصق الطائفي الشيعي بالكتب ويلتصق السني بالحياة. ولهذا لم يستطع الطائفيون الشيعة أن يمسكوا الخيوط الرئيسية للصراع لانشغالهم بالتاريخ وتركهم الحاضر. ولما كانوا غير قادرين علي تصحيح الحدث التاريخي، فقد أوغلوا بالبحث عن الأدلة النقلية والبراهين العقلية، مما جعلهم في عالم النظريات بينما يعيش الطائفي السني في واقعية حية.
3: تنتشر الطائفية الشيعية بين البسطاء من الناس، أما إذا تثقف الشيعي انسلخ تماماً عن أية شائبة طائفية. وقد يلازمه الشعور بالحياء الطائفي إلي مستوي الشعور بالذنب.
أما الطائفية السنية فتكاد تنعدم في الوسط الشعبي وبين البسطاء، حتي إذا دخل السني مراكز السلطة وارتقت مداركه أمسك بمعني الطائفية الجديد، وتحمس لها وأصبح من جنودها العمليين وليس من دعاتها، وهذا فرق أيضاً بين الاثنين، فالطائفي الشيعي داعية والطائفي السني جندي يمارس معركته دون حديث.
4: ويحدث المأزق الكبير في دوائر الدولة والأحزاب والمؤسسات العسكرية حيث يلتقي المتعلمون من الطائفتين.. الشيعي الذي انسلخ عن طائفيته بسبب تعلمه، والسني الذي اتصل بالطائفية بسبب صلته بالسلطة، وهنا تبدو الفروق مكشوفة في ممارسة كل منهما لعمله في الدولة. إن الشيعي لا يفكر في أن يحجز وظيفة لشيعي آخر، وقد لا يفهم معادلة كهذه علي الأغلب. أما السني فإنه متحفز ومهيأ للعب دور كامل مستمد من طائفية الدولة.
قد يضاف سبب آخر، فبعض الشيعة ممن ينتبهون إلي فعل الطرف الآخر في مؤسسات الدولة، قد يحاولون فعل شيء مماثل، لكنهم سيصطدمون بتقاليد الدولة وبالاضطهاد الرسمي، أو أنهم يقعون فريسة الخوف من أن يتهموا بالطائفية.
إن العلماني الشيعي قد يتقبل أية تهمة سوي هذه. قد يتفاخر بخروجه علي الإسلام وبإلحاده وارتكاب المعاصي، لكنه عند التهمة الطائفية يقف مذعوراً وقد يتحول إلي الضد لإثبات الضد، في الوقت الذي يمارس الطائفي السني دوره تحت مظلة الدولة وتقاليدها الإدارية وأعرافها الجارية بهدوء وثقة وبنوع من الحق العرفي الطائفي!
5: إن الطائفية الشيعية قد توجد وحدة مشاعر عاطفية تتراكم من تاريخ الفاجعة الأولي، وتمر علي تاريخ الاضطهاد الذي تعرض له الشيعة. بينما أوجدت الطائفية السنية وحدة مصالح وغنائم.
إن هؤلاء يتشاركون في العزاء وهؤلاء يتشاركون في السلطة. وعن هذا الفرق صارت كلمة الطائفية تطلق رسمياً علي الشيعي فقط حيثما وردت، إلا إذا جاء فيها تخصيص أو إشارة إلي السلطة وهو أمر نادراً ما يحصل.
6: يمتاز المذهب الشيعي بكثرة الطقوس: كإقامة المآتم، والمآدب الحسينية، والحزن في محرم، والاحتفال بميلاد الرسول صلي الله عليه و اله ووفيات الأئمة عليهم السلام ومواليدهم.
ظاهرة كثرة الطقوس استثمرتها مؤسسة الحكم الطائفي لتتسلل منها إلي اتهام الشيعة بالطائفية، وقد أخذ كثير من الناس بهذا المفهوم حتي بعض الشيعة العلمانيين الذين ما لبثوا يعدون هذه الطقوس نوعاً من أنواع الطائفية، فضلاً عن المثقفين السنة وعامتهم.
يقول الشاعر الراحل مصطفي جمال الدين: إن كامل الجادرجي دعاه إلي لقاء عام 1965 فشكا الجادرجي لشاعرنا طائفية الشيعة، ولما استفسر منه مصطفي جمال الدين عن تفاصيل ذلك، أشار الجادرجي إلي المآتم الحسينية وزيارة أضرحة الأئمة، وأضاف أن السنة ليسوا طائفيين، وضرب علي ذلك مثلاً: إن ولده رفعت سأله أثناء مرورهما من أمام ضريح الإمام أبي حنيفة من هو هذا؟ فقال له: إمام من الأئمة وكفي. ولم يسأل ابنه بعد أكثر من ذلك. بينما ينغمر الشيعة بتاريخ أئمتهم وتفاصيل حياتهم.
لكن يجب أن لا ننسي أن الطقوس الحسينية هذه لا تخلو من تشهير بمعظم الشخصيات الظالمة في التاريخ الإسلامي، والشكوي من الظالمين حق من حقوق المظلومين. وإذا كانت الطائفية هي أن تُسلب حقوق الآخرين، فأي حق ستسلبه الشكوي من الظلم؟
7: نجحت هذه الحملة أي اعتبار الشيعي طائفياً، حتي أدخلت في روع الشيعي المذعور الخائف الذي تطارده التهمة، فينصرف بوعي أو بغير وعي ليمارس دور الضد لإثبات الضد. وقد يمارس قدراً صغيراً أو كبيراًَ من التمييز الطائفي ضد الشيعة.
8: إن وضع الشيعي في السلطة وفي جميع الفترات هش دائماً، مهما بدا للناس أنه قوي، وأن العراقي في المفهوم الرسمي يظل طائفياً إذا لم يشترك في حملة اضطهاد الشيعة، وهذا يجعل شيعة السلطة في مأزق فلا هم محسوبون علي السلطة، ولا هم محسوبون علي الشيعة.
9: إن الشيعة في السلطة لا يمثلون التشيع ولا الشيعة. فالعلمانيون منهم والمتدينون يعبرون عن فلسفة النظام السياسية، ويشتركون في تنفيذ برامج الدولة. ومن ضمنها برامج اضطهاد الشيعة. وباستثناء حالات محدودة في العهد الملكي انتقد فيها مسئولون شيعة سياسة التميز الطائفي: كالشيخ محمد رضا الشبيبي، والسيد عبد المهدي، وعبد الكريم الأزري، وعدد من السياسيين في مجلس النواب وفي الصحافة، فإن تجاوز الحقوق الأساسية للشيعة في التمثيل السياسي، أو في التنمية الاجتماعية والقومية، تمر في مجالس الوزراء ومجالس القيادة مع وجود العضو الشيعي فيها دون صعوبات.
10: ويقضي الشيعي عادة في وزارته، أو في رئاسة دائرة معينة فترة أقل مما يقضيها زميل في المذهب الحاكم. ولا تتاح له علي الأغلب فرصة العودة بعد تركه المسئولية. بينما قد تتاح الفرصة لزميله عدداً من المرات. ويعاني شيعة السلطة من مراقبة غير منظورة في الجهاز الحكومي رغم أنهم جزء من السلطة لتسجيل ما يمكن العثور عليه من سلبيات.
11: ولا ننكر أن أعداداً ليست قليلة من شيعة السلطة يشعرون في أعماقهم بالاضطهاد، ويحاولون في مناسبات معينة أن ينفسوا عن مكبوتاتهم في حديث يتناول بعض ما يجري من تمييز في مؤسساتهم، لكنهم يسارعون فوراً إلي تقمص شخصية أخري حالما يطل عليهم شبح من المذهب الحاكم مهما كان هزيلاً. وقد أصبح سلوك كهذا يستعمل لكسب ود المعارضة والسلطة في وقت واحد.

خامسا: من الذي يقوم بالتمييز الطائفي؟

إن التمييز الطائفي وليس الانتماء المذهبي هو الذي يجعل المرء طائفياً. حيث أن التمييز جور وظلم، والانتماء حق مشروع.
وواضح أن الذي ينهض بمهمة التمييز ينبغي أن يكون بمركز القوة، أي أنه يمتلك امتيازات عامة قابلة للتوزيع فيتصرف في توزيعها بطريقة متحيزة.
وطبيعي أن السلطة هي أكبر الامتيازات. وأن الدولة باعتبارها مؤسسة المؤسسات، هي القوة الأساسية التي تملك القدرة والحق في صناعة القانون والمراكز، ولها حق توزيع الأراضي ومنح الامتيازات للناس.
ومعروف أن السلطة في العراق طائفية، وهذا يعني وجود مذهب حاكم ومذهب محكوم. الأول يملك الدولة المؤسسة الجيش القانون الخزينة المركز، والآخر لا يملك إلا ما يعطيه المذهب الحاكم.
هنا هل يوصف المذهب المحكوم بكونه طائفياً؟ من المحتمل أن يكون كذلك. ولكن ما هي حدود تأثيراته الطائفية وانعكاساتها علي الدولة والمجتمع؟
بكلمة أوضح حين يكون الشيعي طائفياً، فما هي الأدوات التي يمتلكها لممارسة التمييز الطائفي ضد المذهب الآخر.
هل يمتلك حق تعيين الوزراء والسفراء والمحافظين؟
هل يمتلك حق توزيع الأراضي والبساتين؟
هل يمتلك صلاحية وضع المناهج والبرامج التعليمية؟
هل يمتلك حق تشكيل المحاكم وتعيين الحكام؟
هل يمتلك حق تأسيس الجيش وتحريك قواته؟
هل يمتلك حق إصدار الصحف، والموافقة علي نشر المطبوعات التي يمارس بها أو من خلالها الدعوة الطائفية؟
وحين يكون الشيعي وزيراً، هل يستطيع أن يتصرف بحرية في حركته، أي أن يكون ممثلاً للشيعة لا ممثلاً لسياسة الدولة؟
وحين كان صالح جبر رئيساً للوزراء أول رئيس وزراء شيعي هل حاول أن يغير شيئاً من صيغة طائفية الدولة؟ أم اكتفي بإلحاق شيعي واحد فقط في وزارته ليمارس كل منهما دوره في منظومة الأفكار الملكية.
وهل أقدم ناجي طالب رئيس الوزراء الشيعي الوحيد في العهد الجمهوري علي خطوة ذات صلة بأبناء المذهب الذي ينتمي إليه؟ هل أسند مثلاً لأحد أبناء مسقط رأسه (الناصرية) وظيفة مهمة في مجلس الوزراء؟
وحين لا يكون شيء من هذا قد حدث فإن الصفة الطائفية ستسقط حتماً عن المذهب المحكوم. حتي حين يكون أحد أبنائه علي رأس السلطة. إذ ما كررنا التأكيد علي أن التمييز الطائفي وليس الانتماء المذهبي هو الذي يجعل المرء طائفياً.
إن التمييز الطائفي أعلي مراحل التمييز في المجتمع البشري. وهو في درجة أوطأ من التمييز العنصري رغم قسوة الأخير وبشاعته؛ ذلك أن التمييز العنصري يشترط لحصوله وجود عنصرين أو نوعين أو لونين من البشر. أبيض وأسود، آري وسامي، أوربي وأفريقي، وقد يجد دعاة العنصرية في اللون واختلاف المنشأ واختلاف مصالح العرقين سبباً للتمييز والاضطهاد، بينما يحصل التمييز الطائفي داخل النوع الواحد واللون الواحد، فهو لا يجري بين عربي وغير عربي، ولا بين مسلم وغير مسلم، ولا بين عراقي وغير عراقي.
لكن تطوراً دخل إلي التمييز الطائفي لتبريره بجعل العرب الشيعة فرساً أو إيرانيين، ليتسني إيجاد ركيزة كالتي يعتمدها التمييز العنصري. وفي هذه الحالة سنكون أمام تمييز مركب، ضد الشيعة العرب. وكان رائد هذا التطور المفكر القومي ساطع الحصري في الفترة التي عمل فيها مسئولاً عن التربية والتعليم مطلع تأسيس الحكم الملكي وحتي عام 1941.
هذا التطور كان نقلة كبيرة لإضفاء طابع قومي علي التمييز الطائفي. فالعراق يعاني ليس من مشكلة داخلية بين مذهب حاكم ومذهب محكوم، ولا بين يمين ويسار، بل بين حكم عربي وفئات إيرانية شعوبية تعرقل النمو القومي، وتطبيق برامج السلطة القومية.
وجري تصدير هذا الانطباع إلي الإعلام العربي وإلي مسئولين عرب.
في تمذهب السلطة أخرج الشيعة من حق التمثيل الكامل في السلطة. وفي التهجير أخرج الشيعة من حق المواطنة، وكان التبرير الرسمي لهذه العملية أنهم لم يكونوا من أصول عربية بحتة، وأن سجلاتهم في دوائر الأحوال المدنية تشير إلي كونهم من التبعية الإيرانية. رغم أن أحداً لا يجهل بأن سياسة التمييز العنصري والطائفي، وعمليات زج الفقراء العراقيين إلي حروب التوسع التركي، قد ألجأت الكثير من الناس آنذاك في محاولة لحماية عوائلهم من الجور والاضطهاد، والسوق التعسفي إلي القتال، الادعاء بأنهم من تبعية إيرانية. وكانت إيران تشجع القبائل العربية علي التجنس بالجنسية الإيرانية إلي الحد الذي جعل الحكومة العراقية بعد تأسيسها تناشد سلطات طهران بالتوقف عن عمليات التجنيس.
ولم يكن هؤلاء الذين أرادوا الإفلات من التمييز الطائفي والعنصري التركي، يتصورون أنهم سيقعون بعد قرن أو قرنين من الزمان ضحايا التمييز الطائفي الذي مارسته سلطة قومية ترتكز في خطابها السياسي حسب الظاهر علي مفهوم إنساني يستبعد وقوعها في الوحل الفاشي.
إن التهجير ممارسة قاسية لأسلوب التمييز سواء كان طائفياً أم عنصرياً.
وإذا كان التمييز العنصري يستهدف استغلال الطاقات الإنتاجية للأغلبية الملونة؛ فإن التمييز الطائفي في العراق تجاوز هذه المرحلة إلي تدمير الثروة القومية، لمعاقبة مدن وأقاليم تنتمي إلي غير النوع الطائفي للمذهب الحاكم. فيلحق الضرر أجزاء من الطبيعة بسبب تعمد إهمال العناية بها.
قد تجف الأنهار، وتموت الأشجار، وقد تظل الثروة القومية مخبوءة
في داخل الأرض؛ مادام المستفيد منها المباشر في الدولة طائفة لا تعترف بها الدولة.
والمثال علي ذلك قصة نهر الغراف.
فقد كانت الدلائل تشير إلي أن نهر الغراف في طريقه إلي الجفاف. والغراف كما يصفه عبد الرزاق حسني سرة العراق عظيم البركة، تعيش حوله قبائل شيعية عربية انقطعت إلي الزراعة منذ عهد قديم. حتي إذا أخذ بالجفاف بدأت جموع الفلاحين تنزح عنه وقد بكاه الشعراء. وشن الصحفيون الوطنيون حملة لإنقاذه مما دفع الملك فيصل الأول في أواخر أيامه إلي رفع شعار: لا مشروع قبل الغراف. وكان ما حدث للغراف بمثابة كارثة وطنية. ولم يكن الحل مجهولاً أو عسيراً فبناء ناظم علي صدره، وسد أمام فتحته كان سيساعد علي تغذيته بالمياه طيلة أيام السنة. وقد اتجهت النية إلي إقامة هذا المشروع فأخذ رستم حيدر يعد العدة لوضع المشروع في مناقصة دولية. حتي إذا خطا خطوة في الاتجاه الصحيح احتج وزير المالية نصرت الفارسي علي محاولة رستم حيدر، فقال: إن تسليح الجيش العراقي أهم من مشروع الغراف في نظره.
وقد أيده وزير الداخلية ناجي شوكت، ووزير الخارجية نوري سعيد. وانتصر وزير المعارف صالح جبر، والوزير الكردي جمال بابان لرستم حيدر. وهكذا أُفشل المشروع الوطني بدوافع طائفية وبريطانية محضة ().

سادسا: أسس البناء الطائفي

لقد أسس المستعمرون وأذنابهم أسساً متينة للسياسة الطائفية المحكمة في العراق الملكي والجمهوري، ولعل تلك الأسس تتلخص فيما يلي:
1- العمالة: التبعية السياسية للمعسكر الغربي ولبريطانيا بشكل خاص. وقد التزمت به الحكومات العراقية المتعاقبة التزاماً يدعو للدهشة، وقتل بسبب محاولات الخروج عليه قادة عسكريون، ومواطنون بسطاء وزعماء وطنيون.
2- القمع: حيث أن السلطة أنيطت للأقلية، وحيث أن اتجاهاتها كانت لصالح الارتباط العضوي بالستراتيجية الغربية، وبالمصالح البريطانية بوجه خاص، كان حدوث ردود فعل شعبية أمراً مفروغاً منه، مما فرض علي السلطة استخدام نظام صارم من الاستبداد والقمع المستمر ضد الرأي الآخر والتعبيرات الحرة.
3- القومية: الحكومة ليست للإسلاميين وأمثالهم، ولا حق للأكراد وأمثالهم فيها أيضا، وإنما هي حكومة قومية منذ عهد النقيب حتي يومنا هذا.
4- الطائفية: تمذهب الدولة، ركن أساسي من أركان السلطة القومية في العراق، وهو علي شذوذه وغرابته أصبح (حقاً ثابتاً). فالسلطة للعرب وليس للأكراد، وللسنة العرب وليس الشيعة العرب.
5- الجيش: يعتبر الجيش الأساس الذي لا تستغني عنه السلطة السياسية، لا للغرض التقليدي لتأسيس الجيوش، وهو الدفاع عن البلاد بل لتثبيت وإسناد حكم الأقلية وصراعاتها الداخلية. وأن مسلسل الأحداث السياسية التي أدت إلي انتفاضات ومواجهات مع السلطة لهي ابرز شاهد علي تأسيس الجيش لصالح الأقلية الطائفية المتسلطة.

القمع + البهتان + إسقاط الهوية:

لقد مورست أساليب بعيدة كل البعد عن الإنسانية وعن أوليات القيم الإسلامية والوطنية، لغرض تثبيت أركان الطائفية السلطوية، فكما لجأت حكومة الأقلية إلي حماية خارجية وإلي قمع داخلي، واتخاذ الاستبداد وسيلة لتثبيت حكمها، فأن أتباعها واصلوا البحث فيما يمكن أن يقدم لها مبررات الاستحواذ علي شؤون البلاد. وقد كان طعن الأغلبية الشيعية بالشعوبية، وبالتهمة الفارسية، واحدة من الوسائل غير النبيلة لإضعاف مركز الأغلبية، فتقمع أصواتها بالاستبداد، وتطعن أصولها بالفارسية، كي تظل قابعة خانعة لقدرها المحتوم راضية بالمواطنة الثالثة.
وهكذا تم الانتقال إلي أدني ما يمكن أن تصل إليه علاقة دولة بمواطنيها.
ففي الدولة الطائفية أقصي العرب الشيعة من التمثيل في السلطة، وفي التهمة الثانية سحبت الهوية القومية والوطنية عن الأغلبية العربية، وأصبح ممكناً وميسوراً ومتوقعاً في أي وقت، ومتي شاء أي مسئول في الدولة القومية هذه، ترحيل من يشاء من المواطنين الشيعة عن العراق، واستباحة بيوتهم والاستيلاء علي ممتلكاتهم باعتبارهم إيرانيين. وقد أنيطت مهمة كهذه إلي مثقفين قوميين، والي مؤسسات ثقافية، ودور نشر مدعومة برساميل ضخمة، ما انفكت تبحث وتنقب في دفاتر الشعراء والمفكرين القدماء والمعاصرين لعلها تعثر علي بيت من الشعر في الهجاء القومي، أو في هجاء شخصية عربية لأي سبب، لتجعل منها مادة لكتاب يبدأ وينتهي بالدوران حول الشيعة.
ولقد عثر بديع شريف العاني، وعبد العزيز الدوري، وعبد الله سلوم السامرائي علي شيء من هذا، وقد تناسي هؤلاء أن ثوابت كوكس النقيب، وتمذهب الدولة القومية قد طعن قبائل عربية في القرن العشرين، بطريقة لم يستطع أن يتوصل إليها أبو نؤاس في طعن القبائل العربية قبل ثلاثة عشر قرناً. الفرق أن أبا نؤاس حارب بني أسد وبني تميم ببيتين من الشعر. بينما حارب رجال الدولة القومية في العراق، ومنهم هؤلاء الكتّاب بني أسد وبني تميم وبني حجيم وآل فتلة والظوالم والخزاعل بإسقاط الجنسية العربية وبحرمانهم من هويتهم القومية.
وتصطبغ العلاقة بين السلطة الطائفية والناس، بالتوتر الدائم وسوء الظن وعدم الثقة والخوف المتبادل().

العلاج الكاذب والانتهاكات الصارخة:

لقد حاول مشرعو الدستور العراقي الصادر عام 1925 معالجة مشكلة الطائفية والعنصرية نظرياً، فخصصوا لها المادة السادسة من بين (123) مادة تضمنها القانون الأساسي لإظهار مدي اهتمام الدولة بالنظر إلي جميع المواطنين نظرة متساوية. ونصت هذه المادة علي أن لا فرق بين العراقيين في الحقوق أمام القانون، وإن اختلفوا في القومية والدين واللغة.
ولم يكن لهذه المادة أن تكبح الممارسات العملية التي تغفل تمثيل ومشاركة الأغلبية الشيعية، مما دفع زعماء بارزين، وعلماء دين إلي الاحتجاج المتواصل في مذكرات مرفوعة إلي الملك، أو رئيس الوزراء تطالبهم باحترام الدستور، وتطبيق المادة السادسة منه.
ومن الممكن القول أن مذكرة أو حديثاً يدور حول الحقوق الدستورية كان لابد أن يذكر المسئولين في السلطة بالمادة السادسة هذه. فكانت وهي تسعي لحقوق متساوية بين المواطنين، مثالاً يستند إليه السياسيون للدلالة علي انتهاك مبدأ الحقوق المتساوية.
وقد عالج الدستور المؤقت الصادر في 16 تموز 1970 مسالة الحقوق والواجبات العامة، وضمان المساواة التامة بين العراقيين وحريتهم الشخصية، وحرمة منازلهم، وحرية ممارساتهم للطقوس الدينية، والتعبير عن حرية الرأي، والبحث والصحافة والطباعة والنشر، وحق الاجتماع والتعليم والرعاية الصحية.
ولا يعني ذلك بأي حال، أن الدولة التزمت بفقرة من هذه الفقرات الدستورية. إن أنظمة الحكم المطبقة عملياً في مختلف البلدان، لا تعكس عموماً الطراز السياسي المضمن في الدساتير.
والدولة العراقية نموذج حي لتناقض أساليب الحكم مع نصوص الدستور.
وما زلنا نعتقد أن ثوابت الدولة القومية لاسيما طائفية الدولة، وارتباط سياستها بالمخارج وردود فعلها علي العراقيين، قد جعل ممارسات هذه الدولة واحدة لا تستثني منها حكومة ولا وزارة، وهذه نماذج خاطفة وسريعة للانتهاكات والخروق:
ممارسة التعذيب ضد المعارضين، خلافاً للمادة الخامسة للإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
القبض والحجز والنفي التعسفي، خلافاً للمادة التاسعة.
منع مواطنين من السفر لأسباب سياسية، خلافاً للفقرة الثانية من المادة (13).
نزع الجنسية العراقية عن أشخاص لأسباب سياسية، خلافاً للمادة
(15) بفقرتيها.
منع حرية الرأي والتعبير، خلافاً للمادة (19).
منع قيام الجمعيات الحرة، خلافاً للفقرة الأولي من المادة (20).
حرمان المواطن من إدارة الشؤون العامة لبلاده، إما مباشرة أو بواسطة ممثلين يختارون اختياراً حراً، خلافاً للمادة (21).
حرمان العراقيين من الانتخابات النزيهة، خلافاً للفقرة الثالثة من المادة
(21).
الحرمان من التنظيم النقابي الحر، خلافاً للمادة (23).
لم تكن الضمانات الاجتماعية كافية، ولم يكن التأمين الاجتماعي قائماً في حالات كثيرة، خلافاً للمادة (25).
وبهذا تكون الدولة العراقية قد خالفت معظم إن لم تكن جميع المواد الأساسية التي جاء بها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والتي تضمنها الدستور العراقي الدائم والدساتير المؤقتة.
فقد أصدرت السلطة ما بين عامي 1931 1958 (27) مرسوما لتحديد حرية الفكر، أو لإسقاط الجنسية، أو لفرض عقوبات إضافية علي أصحاب الرأي الآخر. كانت حصة نوري السعيد منها (15) مرسوماً، ورشيد عالي الكيلاني (7) مراسيم، والمدفعي (4) مراسيم، ولياسين الهاشمي مرسوم واحد.
ولو أخذنا بنظر الاعتبار المدة التي قضاها كل منهم في السلطة لوجدنا أن حصة الكيلاني ربما كانت ستزيد علي حصة السعيد، وللمزيد راجع هذه المراسيم في كتاب جرجيس فتح الله، العراق في عهد قاسم السويد 1989.
إن تمذهب الدولة هو الذي خلق وضعاً غير طبيعي وغير دستوري كهذا. ومع أن تمذهب الدولة جاء تعبيراً يتطابق مع الستراتيجية البريطانية لخلق بؤرة توتر دائمة في العراق، فإنه جاء أيضاً في فورة رد فعل وسيطرة روح انتقامية علي مشاعر الإداريين والعسكريين البريطانيين الذين هالهم حجم الخسائر التي ألحقها بهم مسلحو الفرات الأوسط. فكانوا يريدون وبأية وسيلة إقصاء المشتركين في الأعمال الحربية ومناطق الثورة بشكل عام عن أي تمثيل أو دور في السلطة الجديدة.
وقد آن للجماعات الوطنية والإسلامية المختلفة سنة وشيعة والتي تسعي إلي حياة دستورية طبيعية في العراق، أن تعيد النظر في ثوابت كوكس – النقيب وعلي رأسها تمذهب الدولة وطائفيتها().

سابعا: الجيش والطائفية

إن مهمة الجيوش التقليدية في العالم أجمع هو حفظ الثغور من الأعداء الخارجين، وتبقي بعيدة عن التدخل في السياسة.. إلا أن جيش العراق الملكي أسس لغرض آخر، واستخدم لقمع الحركات السياسية والانتفاضات الشعبية، ودعم السياسة الاستعمارية في العراق.
لقد حقق تأسيس الجيش العراقي لبريطانيا ليس فقط أنها لم تعد طرفاً عسكرياً في قمع تحركات الوطنيين والعراقيين، فحسب وإنما هو المهم اختزالاً هائلاً في النفقات العسكرية التي أرهقت دافعي الضريبة البريطانيين، فانخفضت النفقات البريطانية في العراق من (80) مليون باوند إسترليني في السنة المالية 19191920 إلي أقل من (8) ملايين في السنة المالية 19221923 التي أعقبت تأسيس الجيش.
وأبدي الجيش العراقي في استباحة الرميثة عام 1936 ضروباً من التنكيل لم تشهدها الرميثة من الجيش البريطاني عام 1920، فقد هوجمت بالطائرات الحربية، وعومل الثوار بأشد ما عرف من القسوة، وقتل كثير رمياً بالرصاص دون محاكمة. وكانت قوات الجيش تهاجم مناطق الفرات الأوسط، وتعقد محاكمات صورية، وتصدر وتنفذ أحكام الإعدام الفوري.
يقول عبد الرزاق الحسني: إن مدير الشرطة العام (هاشم العلوي) أخبره أن الجيش قبض علي ثلاثين ثائراً فاعتبرهم أسري حرب، وأمر بكر صدقي برميهم بالرصاص فوراً، وتولت بلدية الديوانية دفنهم().
وعلي طريقة جيش الاحتلال، أحرق الجيش العراقي معظم القري الشيعية في الفرات الأوسط، أثناء ثورات الرميثة الأولي والثانية وسوق الشيوخ، واعتبر الفلاحون أعداء حقيقيين في مواجهة جيش لا ينتسب بآصرة إلي هؤلاء الناس. ولم يتمرد إلا القليل من منتسبي الجيش علي أوامر بإبادة الفلاحين في الفرات الأوسط. فكوفئ ضباط الجيش براتب شهر إضافي علي جهودهم هذه، وحين اعترض أحد أعضاء مجلس الأعيان (ناجي السويدي) علي إكراميات الضباط، رد العسكري بقوله:
كم كنت أود لو يشترك فخامة صاحب الاعتراض في رحلة واحدة من تلك الرحلات ليري كيف كان الضابط يحمل المدفع علي كتفه ويسير مسارات شاسعة.
إن العسكري نسي أن يحدثنا إلي أين كان يسير هذا الضابط بمدفعه؟
وإذا كان مبرراً للعسكري ولرجل السلطة الطائفي أن يمجد الجيش العراقي، فلا نجد ما يبرر للمثقفين العراقيين أن يثنوا علي الجيش كمتدخل بالسياسة وكجهة انقلاب.
فيقول الرصافي مرحباً بسيطرة الجيش علي السلطة عام 1941:
وتطربي بالحمد منك الألسنا
اليوم قري يا مواطن أعيناً
إذ قام فيك علي البلاد مهيمنا
فلقد وفاك الجيش حقك سابغاً
ويقول الجواهري في انقلاب تموز عام 1958:
وبأنك الأمل المرجي والمني
جيش العراق ولم أزل بك مؤمناً
ونقول: حين تصبح القوة العسكرية الغاشمة، وهيمنتها علي البلاد نعمة سابغة وأمل مرجي، فلا يعني ذلك سوي أن المثقف العراقي يحتاج إلي الكثير الكثير لكي يعي دوره في الحياة().

طائفية الكلية العسكرية:

إنه لأمر غريب ومثير أن يحرم أبناء الوطن من أوليات حقوقهم العلمية والإنسانية، فالجامعات والمعاهد العلمية إنما هي لكل أبناء الوطن في كل أرجاء العالم.. إلا في العراق الذي تدار فيه كل المؤسسات في داخل إطار الطائفية اللا إنساني، والكلية العسكرية نموذجاً.. ولكن سيكون أمراً عادياً ومنطقياً في ظروف طائفية الدولة، وحصر السلطة ومراكزها الأساسية بيد المذهب الحاكم، أن يشكل الجيش السياج الحقيقي لهذه السلطة، وعدم إفلاتها إلي الأغلبية حتي في الانقلابات الداخلية، وتغير الحكام والحكومات. والجيش يعتمد بالدرجة الأولي علي ضباطه، والضباط يأتون إلي الجيش عن طريق الكلية العسكرية، وبهذا تقوم الكلية العسكرية في نظام الدولة الطائفية بدور مجلس العموم البريطاني، والكونغرس الأمريكي، والجمعية الوطنية الفرنسية، التي ترشح أو تسقط رجال السلطة التنفيذية. وإن طلاب الكلية العسكرية هم الناخبون المبكرون الذين سيعتمد عليهم، وعلي أصوات بنادقهم رجل السياسة في السلطة المذهبية.
إن خطأً ترتكبه لجنة خاصة بمقابلة المتقدمين إلي الكلية العسكرية، بقبول طالب ما قد يقود إلي كارثة من وجهة نظر السلطة الطائفية.
يقول طبيب عراقي هو السيد نايف شنين، عضو لجنة الفحص الطبي الخاصة بالمتقدمين إلي الكلية العسكرية سابقاً، وأحد أعضاء حزب البعث:
إن فحصاً طبياً دقيقاً يتعرض له الطلاب المتقدمون إلي الكلية بدنياً وعقلياً، لكن عدد من الطلاب المتقدمين يخفقون في اجتياز فحص الأذن والجنجرة حيث أنيطت المهمة بطبيب خاص، يحتفظ كما يبدو بمعلومات مؤشرة إزاء أسماء الطلاب الشيعة، فيجري استبعادهم من القبول بهذه الطريقة. وأنا بما أتحمل من أمانة كطبيب، أؤكد أن حالات متكررة وفي كل عام كان الطلاب الشيعة يتعرضون لها، ولم تكن نتائج الفحص صحيحة ().
لقد أثير موضوع التمييز الطائفي في القبول بالكلية العسكرية في مجلس النواب العراقي عام 1945. ووعد وزير الدفاع أن مثل هذا التمييز لن يحدث في المستقبل!!؟
ويواجه الضباط الشيعة علي ندرتهم مشكلات كثيرة في الترقيات، وفي توزيعهم علي وحدات الجيش، وفي تنسيبهم إلي المناطق العسكرية.
يقول ضابط عراقي سابق هو السيد عدنان عيدان: إن الفصيل الذي كان ينتمي إليه في الكلية العسكرية كان يتكون من 36 طالباً، موزعين علي الشكل التالي: 16 من الموصل، 14 من مناطق أخري، 6 شيعة. وأنه قد نسب بعد تخرجه إلي العمل في كردستان، وأحيل إلي التقاعد فيما بعد لكونه من المذهب المحكوم.
كان يستخدم ضباط الدولة الطائفية ضد جنودهم وأغلبيتهم الساحقة من جمهور الشيعة أنماطاً من السلوك الذي تمارسه أجهزة الشرطة السرية مع المدنيين المعتقلين في أقبية المخافر، فضلاً عن الممارسة التقليدية التي تنبعث من شعور الضابط العراقي بالسمو والتعاظم أمام الجنود بشكل خاص والمجتمع المدني بشكل عام.
ولا يتوانون عن استغلال وتوظيف قوانين الخدمة العسكرية، والانضباط العسكري، وإطاعة الأوامر لأغراض الخدمة الشخصية، وتشغيل الجنود خدماً في منازلهم، وحراساً شخصيين لأطفالهم.
وتتعامل ربة البيت العسكري مع الجندي في منزلها، بالطريقة المعتادة التي يتعامل بها زوجها الضابط مع جنوده في المعسكر، وبالطريقة التي يتعامل بها المترفون من الطبقة الحاكمة مع خدمهم. فقد يحدث الانسلاخ الطبقي عند هؤلاء الفقراء المتوجهين إلي الكلية العسكرية منذ اللحظة التي يضعون فيها الرتب علي أكتافهم. ويصبح من العسير إلا في القليل النادر مشاهدة شيء من الانسجام بين الضابط ومجتمعه الطبقي القديم.
وكان قانون العقوبات العسكري يوفر لمعظم الضباط الكثير من شعور المتعة بالتعذيب، إذ تقضي إحدي مواد هذا القانون بعقوبة الجلد، وكان الجلد عقاباً مصادقاً عليه في الجيش العثماني، ولدي القوات التي تخضع لوزارة المستعمرات البريطانية.
يصف الدكتور سندرسن باشا (طبيب العائلة المالكة) إحدي عمليات الجلد التي تفرض علي الجنود: تمت عملية الجلد بالسوط وسط ساحة مثلثة الشكل محاطة بالقوات، شدت ذراعا الجندي المجلود وساقاه إلي إطار خشبي ثقيل أشبه بالحرف الإنكليزي (x)، وراحت الضربات تهوي علي ظهره العاري بدقة وببطء، حتي تجاوزت الاثنتي عشرة ضربة بمقدار، وإلي أن تهرش جلده، وامتزج بعضه ببعض، وتهاوي ساقطاً علي الأرض، تم إطلاق سراحه
بعد أن حضر الطبيب العسكري، وأعيد إلي المعسكر في إحدي سيارات
الإسعاف ().
فإلي أين ستقود علاقة من هذا النوع كلاً من الشعب إزاء سلطته، والجنود إزاء سلطتهم().

ثامنا: مقتطفات من (إعلان شيعة العراق)

لقد تحرك جمع من العلماء والمفكرين والسياسيين نحو مكافحة الطائفية السياسية، وأصدروا بيانا موضوعيا، ارتأينا أن نقتطف منه قبسات مشرقة، جاء فيه:
إن أبرز مظاهر الطائفيين الحقيقيين في العراق هو إنكار وجود الطائفية، في الوقت الذي يمارسونها كل يوم.
نعم، العنوان من شأنه أن يستفز أولئك الطائفيين، الذين ظنوا أن طول الممارسة الطائفية وقسوتها في العراق من شأنها أن تزرع الخوف في نفوس الشيعة، وتدفعهم إلي الاحتماء خلف انتماءات سياسية أو عقائدية، وهي انتماءات لم تفلح في حمايتهم من التمييز الطائفي، ففي كل التيارات الفكرية السائدة في الساحة العراقية يمارس التمييز الطائفي بمختلف الصيغ والأشكال. وتلك حقيقة ميدانية لا يمكن إنكارها، وهي من الثوابت الواضحة في تاريخ العراق.

الولاء للوطن وليس للطائفية

ويثير البعض مشكلة الانتماء، إذ يرون في طرح الانتماء المذهبي تقديماً للولاء للطائفة علي الولاء للوطن. والواقع أن الإعلان حين يدعو إلي إلغاء الطائفية السياسية، إنما يسعي إلي تكريس الولاء للوطن، ففي ظل السياسة الطائفية التي تمارس في العراق يكون الولاء للطائفية بديلاً من الولاء للوطن أو مقدماً عليه. فكما أن إحساس العراقي الكردي أو التركماني بانتمائه القومي لا يؤثر علي ولائه للوطن؛ فإن إحساس العراقي الشيعي بشيعيته لا يضعف من هذا الولاء، فالوطن هو الإطار الواسع الذي يجمع كل المكونات القومية والمذهبية. والانتماء إليه والمساهمة في بنائه والدفاع عنه هو القاسم الذي يوحد الجميع. لقد عملت السياسة الطائفية والعنصرية التي مورست في العراق علي تقسيم العراقيين إلي مواطنين من درجات مختلفة، حيث عومل الشيعة علي أنهم مواطنون من الدرجة الثانية. وفي ذلك تجريح للمنظومة الوطنية العراقية، وتجاوز للقيم الوطنية الصحيحة.

الشيعة اكبر ضحايا النظام

لقد مارست السلطات في العراق، خصوصا النظام البعثي، نهجاً طائفياً، امتد إلي مناهج التعليم ومؤسسات الدولة، خصوصاً المؤسسة العسكرية وميادين الاقتصاد المختلفة، أدي إلي تهميش دور الشيعة في الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية في العراق.
لقد مارس النظام إساءات متعمدة ومتواصلة للتراث الثقافي والديني للشيعة، وعمل علي التشكيك بعروبة المواطن الشيعي وعراقيته، والطعن في قيمته الأخلاقية.
ويكفي أن نشير إلي أن أكثر من مائتي ألف شيعي قتلوا علي يد النظام خلال أحداث انتفاضة 1991، حسب تقرير فان دير شتول المقرر العام لحقوق الإنسان في العراق، المكلف من جانب الأمم المتحدة، إضافة إلي قتل المئات من علماء الدين الشيعة، وحرق المكتبات، وضرب أضرحة أئمة الشيعة بالصواريخ والأسلحة الثقيلة.
لقد تكشف الوجه الطائفي للنظام في شكل صارخ خلال الانتفاضة، حين رفعت قوات النظام شعار: (لا شيعة بعد اليوم)، والذي يعني عزم النظام علي استئصال الشيعة، وتغيير التركيبة السكانية للعراق.
إننا عندما نتحدث عن ظلامة الشيعي، فإننا نتحدث عن ظلامة العراقي تماماً، كما هي الحال عند الحديث عن مظلومية أي مواطن عراقي آخر، ولا يعني ذلك أبداً التقليل من الظلم الذي تتعرض له بقية الفئات العراقية.

الطائفية في العراق قانون غير مكتوب

إن أبرز مظاهر الطائفية في العراق، هو إنكار الطائفيين وجودها في الواقع العراقي، مع أنها من أبرز المظاهر السياسية والاجتماعية في هذا الواقع. فرغم عدم وجود قانون مكتوب بتقنين الطائفية إلا أنها المادة الثابتة في القوانين العراقية. ويكفي المنصف أن يلقي نظرة علي المؤسسة العسكرية العراقية ليكتشف دون عناء سياسة التمييز الطائفي التي تمارس فيها. فالمراتب العليا في الجيش العرقي تشهد استبعاداً واضحاً للشيعة حيث لا يشكلون أكثر من 5 في المائة من مجموع قيادات الجيش، والأمر ذاته ينطبق علي مؤسسات الدولة الأخري، إذ يشكل الشيعة أقلية في المواقع القيادية في تلك المؤسسات. ولعل الوزارة العراقية نموذج صارخ في هذا المجال، فرغم أن حزب البعث الحاكم حزب علماني، ويشكل الشيعة فيه الأكثرية العددية، إلا أن الحقائب الوزارية التي تعهد إليهم لا تشكل إلا نسبة ضئيلة لا تذكر، والقضية ذاتها تنطبق علي المواقع القيادية في حزب البعث العراقي.

من هم الشيعة؟

في معرض تعريفه للشيعي أشار (إعلان شيعة العراق)، إلي أن المقصود بالشيعي: كل فرد له ولاء أو انتماء إلي مذهب أهل البيت عليهم السلام. فالشيعي: هو كل من ينتمي إلي المذهب الجعفري بالولادة أو بالاختيار، فالشيعة ليسوا عرقاً أو جنساً أو قومية، إنما الكيان الشيعي يتشكل من فئات اجتماعية متنوعة عانت من الاضطهاد الطائفي علي مدي قرون طويلة. وهذا التعريف ينطلق من الواقع العملي، وليس من منطلقات فكرية عقائدية.
فالانتماء إلي الشيعة بهذا المعني لا يرتبط بإيمان الشخص، أو التزامه بتفاصيل المذهب الجعفري، وإنما يعود إلي انحدار الشخص أسرياً، أو قبلياً، أو تاريخياً إلي الشيعة، وهو أمر يجعله مادة للاضطهاد الطائفي الذي مارسته الأنظمة في العراق.
ونعيد مرة أخري إلي الأذهان ما ورد في نص الإعلان، من أن هذا التعريف هو تعريف واقعي عملي، وليس تعريفاً فكرياً عقائدياً نظرياً. وكان الدافع وراء اعتمادنا هذا التعريف القاموسي، هو محاولة استيعاب الدائرة الشيعية بكل انتماءاتها السياسية والفكرية والثقافية.

الديموقراطية وحدها لا تكفي

يري البعض أن الديموقراطية وحدها هي الحل الشامل لمشكلة الإنسان العراقي، وبذلك فإن معالجة المشكلة الطائفية تندرج في شكل طبيعي ضمن حلول النهج الديموقراطي، وعليه فهؤلاء يرون أنه لا حاجة إلي تسليط الضوء علي المشكلة الطائفية، والبحث عن السبل الكفيلة بمكافحتها.
فنقول: شكلت الديموقراطية أحد الأسس الثلاثة التي طرحها الإعلان في رؤيته لمستقبل العراق إذ جاء فيه: يطرح هذا الإعلان نظرة الشيعة لمستقبل العراق، والتغييرات الأساسية التي يجب اعتمادها من أجل تحقيق العدل والمساواة، وهو يري بأن العراق من أجل أن يعيش مستقبله الذي يتطلع إليه شعبه، فإنه لابد من اعتماد الأسس التالية:
1- الديموقراطية.
2- اللامركزية.
3- إلغاء سياسة التمييز الطائفي.
وهذه الأسس الثلاثة تشكل أعمدة لمستقبل الوضع السياسي في العراق من وجهة نظرنا، ولا يمكن الاستغناء عن أحدها، فهي مترابطة ومتكاملة، فغياب أحدها يؤثر سلباً علي العناصر الأخري. فالديموقراطية لا يمكنها معالجة مشكلات العراق دون تزامنها مع إلغاء السياسة الطائفية المتجذرة في الواقع السياسي العراقي. كما أن عدم التناسق والتساوي في مكونات المجتمع العراقي قومياً ومذهبياً، بحاجة إلي اعتماد سياسة لامركزية، تحول دون أن تؤدي الممارسة الديموقراطية إلي فرض الغالبية علي بقية المكونات. كما أن اللامركزية مقدمة ضرورية لبناء مؤسسات المجتمع المدني.

النظام وراء إثارة المخاوف الطائفية

وأثار البعض أن النظام الحاكم هو الذي سيستفيد من هذا الطرح، بدعوي استنفار السنة وتأليبهم ضد الشيعة، مما يجعلهم يوفرون حماية قوية للنظام.
والحقيقة أن نظام صدام عمل دوماً علي إثارة المخاوف الطائفية، وتوظيفها لحماية نظامه. ففي ذروة المواجهة بين الشعب العراقي والسلطة، سعي النظام لتصوير تلك المواجهة علي أنها صراع شيعي سني. غير أن وعي العراقيين بطبيعة النظام فوت عليه هذه الفرصة، وخلال أحداث انتفاضة 1991 سعي النظام إلي إثارة السنة وتخويفهم من المنتفضين، ورفعت قواته شعار: (لا شيعة بعد اليوم) السيئ الصيت، غير أنه لم تسجل حادثة واحدة لمقتل سني في المناطق الشيعية التي سيطر عليها الثوار.

الطائفية حقيقة كبري أمام العالم كله

لقد أصبحت مشكلة الأكثرية الشيعية الناجمة عن الاضطهاد الطائفي، حقيقة كبري أمام العالم بأسره، ولم تعد شأناً عراقياً أو محلياً خاصاً، فدول العالم ومنظماته مثل: منظمة مراقبة حقوق الإنسان، ومنظمة العفو الدولية، والمقرر الخاص فان دير شتول، تعترف بوجود مشكلة طائفية حادة في العراق. وعبرت الدول المعنية بالشأن العراقي عن اهتمامها بهذه المشكلة، وإدراكها لمعاناة الأكثرية الشيعية، وما تعرضوا ويتعرضون له من اضطهاد طائفي واضح علي يد سلطات الحكم، مثل: تقارير البرلمان البريطاني، ووزارة الخارجية الأمريكية، والبرلمان الأوروبي.
إن الواقع السياسي في العراق، والتفهم الدولي لأزمة الطائفية، يستدعيان العمل علي صياغة الرأي الوطني العراقي حول مشكلة الشيعة العراقيين، وضرورة تثبيت حقوقهم الحيوية المتفق عليها من قبل كافة أطرافهم وفئاتهم السياسية والاجتماعية والدينية والثقافية.

الشيعة والحكومة العراقية الحديثة

كانت تجربة تشكيل الحكومة العراقية عام 1920م، بمثابة الصدمة الكبري لشيعة العراق، والفاصل التاريخي في حياتهم السياسية، فقد تم تصميم نظام الحكم وفق منهج طائفي متعمد، استبعد الأكثرية الشيعية ورجالاتها من مواقع الدولة المتقدمة، وأمتد هذا المنهج ليكون الفقرة الثابتة غير المدونة في الدستور العراقي، لكنها مقروءة ومستوعبة عند كل ساسة العراق الملكيين والجمهوريين علي حد سواء.
فمع أن تاريخ العراق الحديث وتأسيس الحكم الوطني، قد تم بجهود أساسية من الشيعة، حيث كان لهم الدور الأكبر فيه، وفي تفجير الثورة العراقية الكبري عام 1920م، فقد استبعدوا من الحكم، وتم إعطاؤهم دوراً بسيطاً لا يتناسب مع حجم الدور الذي لعبوه في الحياة السياسية، وقيادتهم للنضال الوطني ضد الاحتلال. وكان ذلك بداية لسياسة طائفية فرضت علي العراق وصارت هي الأساس المتوارث عبر الحكومات الملكية والجمهورية.

هدف السلطات من الطائفية:

واجه الاحتلال البريطاني تماسكاً اجتماعياً متيناً بين السنة والشيعة، حيث كانت كلمة العراقيين واحدة في رفض الاحتلال، والمطالبة بحكومة وطنية مستقلة، وأخذ التلاحم الشعبي شكله السياسي المعارض في رفض المشاريع والطروحات التي تقدمت بها إدارة الاحتلال، وتصاعد المد الوطني الموحد ليعلن معارضته في ثورة العشرين الخالدة التي قادها علماء الشيعة ورجالاتهم، والتي جعلت بريطانيا تسارع في تشكيل حكومة عراقية علي أساس طائفي، بهدف تفتيت الوحدة الاجتماعية، وتغليب مصلحة طائفة معينة علي المصلحة الوطنية، وأصبحت هذه السياسة الطائفية منهجاً سارت عليه الحكومات التي تعاقبت علي حكم العراق.
لقد سعت السلطات البريطانية منذ البداية إلي إقناع السنة، بأن الحكم والمناصب المتقدمة في الدولة بمرافقها المدنية والعسكرية، هي حق لهم وحدهم، وأن أية مشاركة للشيعة ستكون علي حساب السنة، وبذلك نجحت السلطات في العهدين الملكي والجمهوري في إضعاف التماسك الوطني أولاً، وإضعاف دور الأكثرية الشيعية ثانياً. وعملت علي محاصرة وطنية الشيعة بتهمة الطائفية رغم أنهم ضحايا الطائفية. في حين أضفت علي الطائفية السياسية لبوس الوطنية.
إن مقولة: (أنا صاحب البلاد، فما شأنكم أنتم)، التي قالها عبد الرحمن النقيب أول رئيس وزراء عراقي ضد ممثلي الشعب الرافضين لمعاهدة الانتداب، وكان أغلبهم من الشيعة، كانت هي التعبير الدقيق لتوجه سياسي أخذ مساره في الحكم العراقي. وصار رفض الوجود الشيعي في الدولة، هو الخط العام لسياسات الحكم، فالأقلية السنية يجب أن تحكم وتمسك بعوامل القوة المدنية والعسكرية والاجتماعية، فيما تبقي الأغلبية الشيعية محاصرة معزولة، وبذلك يتحقق التوازن في العراق وفق نظرة السلطات، إذ أريد للتفوق السكاني أن يضعف بالتمييز والاضطهاد الطائفي.
وعلي هذا النهج كانت تصمم السياسة العراقية، فحورب شيعة العراق وامتهنوا وأبعدوا من المناصب الحساسة، وفرض عليهم حصار صارم، ووجهت ضدهم حملات إعلامية عنيفة استهدفت تحطيمهم نفسياً.. مقابل تثقيف طائفي لأبناء السنة بخطورة الحالة الشيعية علي وجودهم ومواقعهم، وكيانهم السياسي والاجتماعي.
وقد تمادت السلطات مع مرور الزمن في ممارسة الاضطهاد ضد الشيعة، حيث كان كل حاكم جديد يجد أمامه غضباً شيعياً متراكماً، فيسعي إلي إضعاف الوجود الشيعي وتقليص كيانه أكثر فأكثر، في محاولة لقمع الغضب والحيلولة دون انفجاره، لكن ذلك كان يقود نحو الانفجار المؤكد.
وكان من مظاهر تصاعد موجة الاضطهاد الطائفي ضد الأكثرية الشيعية، أن النظام الحاكم، عمد إلي محاربة كل مظهر شيعي في البلاد ضمن مخطط تعسفي يريد القضاء علي الشيعة ومؤسساتهم وممارساتهم الدينية، فأغلق المدارس والكليات الشيعية مثل:
كلية الفقه في النجف، وكلية أصول الدين في بغداد، وألغي مشروع جامعة الكوفة..
وقام بحملات تهجير لتجار الشيعة لإضعافهم اقتصادياً، وحارب الحوزات العلمية، ومنع المراسم الحسينية، وصادر الكتب، وهدم المكتبات، وأغلق المؤسسات الشيعية في سياسة يعرفها الجميع، أدت إلي دفع العراق إلي أزمة خطيرة ما يزال الشعب العراقي عموماً، والشيعة خصوصاً يعانون من ويلاتها ومحنها.

الطائفية السياسية

رغم طول الفترة الزمنية التي اعتمدت فيها سياسة التمييز الطائفي، إلا أن العراق لم يشهد حالة الاضطهاد الطائفي الاجتماعي، بمعني أن الشيعة لم يتعرضوا لاضطهاد اجتماعي من قبل الطائفة السنية، إنما وقع الاضطهاد عليهم من قبل نظام الحكم الطائفي، وهذه مسألة يجب التوقف عندها وتأملها بشكل دقيق، لأن ما وصل إليه العراق من أزمات كان نتيجة سياسة التمييز الطائفي للأنظمة الحاكمة. ولا بد من إعطاء هذه المسألة الأولوية في كل مشروع يهدف إلي تخطيط مستقبل العراق السياسي، فهي الضمان لعدم تكرار مأساة الأمس في عراق الغد.
فمن الضروري جداً التمييز بين الحالة المذهبية كمظهر فكري واجتماعي في الواقع العراقي، وبين سياسة التفرقة الطائفية، إذ أن العراق يعاني من مشكلة النظام الطائفي وليس من الحالة الطائفية، فليست هناك مشكلة اجتماعية بين السنة والشيعة، والعراق هو نموذج متقدم للانسجام الوطني بين فئاته وقومياته وطوائفه، وعاش السنة والشيعة، في انسجام وتوافق يندر أن نجد له نموذجاً في البلدان الأخري. ولقد كان النضال الوطني من أجل الاستقلال مشتركاً بين السنة والشيعة، بدءاً من علماء الدين من الفريقين، وانتهاءا بالقواعد الشعبية. وكانت الأحزاب السياسية الوطنية تضم السنة والشيعة، ولم يكن هناك أي حس طائفي في قضايا العراق المصيرية، وقد واجهت سلطات الاحتلال مشكلة الوحدة الوطنية والتلاحم الاجتماعي الكبير الذي ساد الساحة العراقية قبل تشكيل الحكم العراقي الحديث.
وكان هدف الشيعة تحقيق الاستقلال العراقي وبناء الدولة الجديدة علي أسس وطنية ترفض كل مظهر يخل بالاستقلال ويتجاوز إرادة الشعب. ولعل مطالبتهم بملوكية أحد أنجال الشريف حسين هو الدليل الأكبر والوثيقة التاريخية الأوضح علي تجاوزهم العقدة الطائفية، وتقديم الاستقلال الوطني فوق كل اعتبار. وكان بمقدورهم أن يطالبوا بملك عربي شيعي وهم آنذاك القوة الاجتماعية والسياسية الأولي في ساحة المعارضة. بل أن ملوكية فيصل بن حسين ما كانت لتتم لولا موافقة مراجع الدين الشيعة وزعمائهم.
إن أزمة العراق السياسية لم تنجم عن طائفية اجتماعية، ولا من عقدة شيعية تجاه السنة، ولا العكس، إنما نشأت من النظام السياسي الحاكم الذي أعتمد النهج الطائفي كأساس لإدارة السلطة، وصار اضطهاد السلطة للشيعة ممارسة سائدة في الحياة السياسية العراقية، أفرزت الكثير من الأزمات والتعقيدات التي أوقعت العراق في الدكتاتورية وغيبت عنه كل مظاهر الديمقراطية والحرية.
وعلي هذا فإن الخروج بالعراق من أزماته السياسية، ورسم معالم مستقبله السياسي لا يتم إلا بإبعاد المشكلة الطائفية من نظام الحكم القادم، والتعامل علي أساس وطني كامل في تصميم السلطة، بعيداً عن التقسيمات والنسب الطائفية.

التمايز المذهبي والتمييز الطائفي

من القضايا الأساسية التي يجب تحديدها بدقة، قضية التمايز المذهبي وتفريقه عن التمييز الطائفي، فهناك خلط متعمد من قبل السلطات، تحاول توظيف التمايز المذهبي في سياسة التمييز الطائفي التي تعتمدها.
إن التمايز المذهبي حقيقة شاخصة في المجتمع العراقي لها جذورها التاريخية القديمة التي تعود إلي صدر الإسلام، فالمجتمع العراقي المسلم متوزع بين السنة والشيعة وليس في ذلك ضير، فقد عاش أبناء المذهبين حقباً تاريخية طويلة دون أن تكون بينهما أزمة طائفية. وعليه فإن التمايز المذهبي لا يشكل أزمة اجتماعية أو فكرية أو سياسية في الواقع العراقي، ومن حق كل فرد أن ينتمي إلي المذهب الذي يؤمن به، وأن يعتز بهذا الانتماء.
لكن المشكلة تكمن في التمييز الطائفي، وهي الثغرة التي مرقت منها أنظمة الحكم نحو تفتيت الوحدة الوطنية، وصاغت مناهجها علي أساس التمييز الطائفي، أسفر عن حرمان الأكثرية الشيعية حقوقها السياسية والمدنية، إذ اعتبرتهم السلطات مواطنين من الدرجة الثانية، وأصبحت الشيعية تهمة أو سبباً كافياً لإبعاد المواطن الشيعي عن المناصب المهمة مهما بلغ من درجات الكفاءة، بغض النظر عن متبنياته الفكرية والسياسية، بات يكفي أنه ولد من أبوين شيعيين ليواجه الاضطهاد ويدفع ثمن التفرقة الطائفية طوال حياته.
إن إبعاد الشيعة عن السلطة والمراكز الحساسة، حقيقة واضحة لا يمكن التغطية عليها، وأن الاضطهاد الطائفي الذي تعرضوا له من قبل أنظمة الحكم مظهر بارز في الحياة السياسية العراقية، ومن أجل صنع عراق جديد لا بد أن نفهم ماذا يريد الشيعة، ولا بد من رفع الظلم عنهم وإعطائهم حقوقهم السياسية والمدنية والدستورية التي حرموا منها طوال الفترات التاريخية الماضية.
إن ضمان الحقوق السياسية والمدنية يستدعي الأخذ بنظر الاعتبار ضرورة تشريع قوانين محددة لمعالجة التمييز الطائفي، وإزالة كافة مظاهر التفرقة الطائفية في العراق، بما في ذلك استحداث هيئات رسمية خاصة لمراقبة ظاهرة التمييز وسير التشريعات بهذا الخصوص.
إن الشعور بالانتماء إلي مذهب معين يجمع أبناءه تراث وتأريخ واحد وتربطهم عوامل مشتركة وعادات وشعائر متشابهة مسألة طبيعية. ويحق لكل إنسان أن يعلن انتماءه المذهبي وينظم حياتهُ الروحية كما يري، ولكن ينبغي أن لا يؤدي ذلك إلي طائفية سياسية أي أن لا يكون العمل السياسي علي أساس طائفي.

شيعة العراق والوحدة الوطنية

أثبتت تجارب التاريخ العراقي في مختلف حقبه الماضية، أن شيعة العراق لم تكن لديهم أية نزعة لتشكيل كيان سياسي خاص بهم، بل أعطت الممارسة السياسية للشيعة أدلة واضحة علي تمسكهم بوحدة التراب العراقي، وكانوا دوما حريصين علي الوحدة الوطنية. وهذا ما يمكن اكتشافه من طبيعة نضالهم الوطني، لاسيما منذ الحرب العالمية الأولي والفترات التالية لها وهي فترة تشكيل الدولة العراقية بحدودها الرسمية الحالية. حيث خلا تاريخ النضال الشيعي بمختلف اتجاهاته وتياراته الإسلامية وغير الإسلامية من النزعة الانفصالية، بل أكد الشيعة علي وحدة الوطن والشعب وهذا ما تثبته الوثائق وأحداث التاريخ.
فالشيعي العراقي يعتز بوطنيته، فالاتجاه العام لدي الشيعة كان يميل إلي تبني أهداف الثورة العربية التي رفع لواءها الشريف حسين في الحجاز، وطالب بملوكية أحد أنجاله، مما كان له الأثر الكبير في حصول فيصل بن الشريف حسين علي عرش العراق.
هذا الموقف التاريخي للشيعة لم يقابل بإحسان ومعروف من قبل الحكومات العراقية، فقد تنكرت الأنظمة الحاكمة لدورهم الرائد في الحفاظ علي الوحدة الوطنية، وفي تشكيل كيان الدولة العراقية، وفي النضال من أجل عراق دستوري مستقل.
إن أقدم الحركات والأحزاب الشيعية في العراق كانت واضحة في أهدافها وبرامجها السياسية، فهي تسعي إلي تحقيق الاستقلال وتشكيل دولة دستورية تمتد من شمال ولاية الموصل إلي جنوب ولاية البصرة. وكانت عبارة (حكومة عربية إسلامية) التي كتبها علماء الشيعة ورجالاتهم في استفتاء 1919م، هي الوثيقة التي لا تقبل التحريف والجدل والتأويل علي تمسك شيعة العراق بالحكم العربي المسلم، وقطع الطريق أمام أي طرح سياسي يتجاوز الاستقلال الوطني.
وقد ظل هذا الموقف الشيعي ثابتاً في الفترات التالية رغم الاضطهاد والتمييز الطائفي الذي مارسته السلطات الحاكمة، والذي نال رواد الاتجاه الوطني مثل الشيخ مهدي الخالصي الذي نفته حكومة عبد المحسن السعدون إلي خارج العراق مع أنه ساهم في كسب التأييد الشيعي للحكم الوطني، وكان إبعاده بتأثير طائفية السلطة ومحاولة التخلص من زعيم وطني طالب بالاستقلال الكامل وبالدستور الوطني النزيه.
لم تؤثر النزعة الطائفية علي توجهات شيعة العراق، وظلوا متمسكين بالوحدة الوطنية إلي أبعد الحدود، وللإنصاف كانوا هم أكثر من ضحي لاستقلال العراق ووحدته، وأكثر من خسر وتضرر، وكأن السلطات تكفلت بالانتقام منهم نيابة عن المحتل الأجنبي.
وحينما وصلت الأوضاع إلي أزمتها المتفجرة الحالية، لم يطرح شيعة العراق شعار الانفصال أو فكرة مشابهة علي الإطلاق، بل أجمعت الفصائل الشيعية الفاعلة في المعارضة العراقية حتي اليوم علي وحدة العراق الوطنية وضرورة الحفاظ عليها كهدف استراتيجي ثابت.
إن وحدة العراق بحدوده الرسمية الحالية ووحدة شعبه بكل فئاته وقومياته وأقلياته، مطلب شيعي وخط ثابت يتمسك به شيعة العراق، وهو ما يمكن ملاحظته في كافة سياقات الخطاب الشيعي مهما اختلفت مصادره.
إن شيعة العراق أثبتوا تاريخياً أنهم يضحون بحقوقهم من أجل المصلحة الوطنية، وأن مطالبتهم بحقوقهم السياسية والمدنية ورفضهم للسياسة الطائفية هو نهج وطني مخلص، من شأنه أن يعزز الوحدة الوطنية، وهو أمر يجب أن يأخذه في الاعتبار كل عراقي مخلص ويضعه في قمة الأولويات والثوابت الخاصة بمستقبل العراق.

الفصل الرابع من أرشيف الطائفية

الفصل الرابع من أرشيف الطائفية

? أكثر من ثمانين عاما من عمر الوزارات العراقية للأقلية
وأقل من أربع سنوات للأكثرية!
? اكتشاف 238 مقبرة جماعية أغلبها في مناطق الأكثرية الشيعية
وبعضها في المناطق الكردية!
والحبل علي الجرار …

آلاف القضايا الطائفية

تاريخ العراق السياسي يزدحم بآلاف الأحداث والأرقام والقضايا الطائفية التي لا حصر لها..
ولقد جمعنا منها صورا مختلفة ومنوعة وهي ليست إلا غيض من فيض.

مسلسل المعاناة في العهدين الأموي والعباسي

لقد مر التشيع بعد استشهاد أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام بفترة عسيرة جداً، وذلك أيام حكم معاوية بن أبي سفيان، حيث وصل الخال فيها إلي محاولات اجتثاث التشيع، وذلك بقتل جميع من ينتسب إلي الإمام أمير المؤمنين عليه السلام أو يواليه أو يتبع طريقته.
وبما أن حكم معاوية كان يتركز في الشام، فقد أرسل إلي العراق وخصوصاً الكوفة لأنها كانت مركز التشيع في ذلك الوقت بعض الحكام الظلمة مثل زياد بن أبيه والمغيرة بن شعبة وأمثالهما، فساسوا أهل العراق بالظلم، وقتلوا عدداً كبيراً من الشيعة في العراق().
وكاد معاوية أن يقضي علي الشيعة في العراق، لولا منهج أهل البيت عليهم السلام حيث أوصوا إلي شيعتهم باستخدام أسلوب التقية (أي التكتم في الاعتقاد والعمل)، وفي هذه الفترة أصبح الشيعي محل اضطهاد من قبل أغلب حكام بني أمية، ولكن هذه الحالة لم تدم، ففي آخر عهد بني أمية ضعف سلطانهم، وأخذ الشيعة يعملون بصورة أوسع، ورفع عنهم الضغط بعض الشيء.
وعند مجيء حكام بني العباس إلي السلطة سمحوا للشيعة في البداية بالعمل بمذهبهم ونشر علومهم؛ وذلك لأن بني العباس لم يصلوا إلي الحكم إلا بشعار أخذ الثأر من بني أمية للإمام الحسين عليه السلام وآل علي عليه السلام.

نهاية الحكم الأموي

إن فترة نهاية حكم بني أمية وبداية مجيء حكم بني العباس تمكن الشيعة فيها من العمل بنطاق واسع من أجل نشر التشيع، وقاموا بإنشاء المدارس العلمية في العراق والحجاز وغيرهما لتدريس العلوم الدينية بجميع أنواعها، من فقه، وأصول، وعلم الكلام، وتفسير، وحديث وغيرها، وذلك علي منهج أهل البيت عليهم السلام، وقد ضمت حلقاتها آلاف الطلبة، وكل هذا كان مقارناً لزمن الإمام الباقر والإمام الصادق ?.
ولكن ذلك لم يدم طويلاً، إذ أحس بنو العباس بخطر العلويين علي عروشهم الظالمة، لأنهم كانوا يريدون الحكم من أجل الدنيا بينما أراد العلويون وعلي رأسهم الأئمة من أهل البيت عليهم السلام إقامة حكم الله في الأرض، ولم يكن يتماشي هذا مع رغبتهم الدنيوية والمادية، فعندما حارب بنو العباس العلويين وأشياعهم، وجميع من ينتمي إليهم، بشتي الوسائل والطرق، حتي فاق ظلمهم ظلم بني أمية حتي قال أحد الشعراء:
معشار ما فعلت بنو العباس
تالله ما فعلت أمية فيهم
إلي أن خفت حدة الظلم والمطاردة للشيعة في عهد المأمون نسبياً، حيث فرض منصب ولاية العهد علي الإمام الرضا عليه السلام، وذلك بمؤامرة من المأمون نفسه في قضية تاريخية مشهورة()، ولكن لم تستمر هذه الفترة طويلاً، إذ عندما استشهد الإمام الرضا عليه السلام عاد الظلم والمجاهرة بالعداء لكل من ينتمي إلي آل محمد عليهم السلام وشيعتهم، وتجسد الظلم في زمن المتوكل العباسي بأبشع وأفظع صورة()، واستمرت الحالة علي هذا المنوال حتي أخذ الحكام يقتلون الشيعي ويبيحون دمه وماله وجميع ممتلكاته.
وأهون فترة مر بها الشيعة في حكم بني العباس هي فترة تولي (المستنصر لدين الله) الحكم، واستفاد الشيعة من هذه الحرية التي كانت في زمنه فأخذوا في نشر التشيع، ولكن هذا الوضع لم يدم طويلاً، فعند وفاته عاد الظلم والقتل بحق أتباع مذهب أهل البيت عليهم السلام. وهكذا كانت الأحوال تتقلب من حال إلي حال.

الدولة العثمانية والضغط الطائفي

بعد ما سيطرت الدولة العثمانية() علي مقاليد الحكم، تغير حال الشيعة في العراق عما كانوا عليه في زمن الدولة الصفوية، فلقد عاد الظلم والاضطهاد، وأصبح كل من ينتمي إلي مذهب أهل البيت عليهم السلام ويعرف بأنه من شيعة أمير المؤمنين عليه السلام معرضاً للقتل والتشريد، وشتي أصناف التعذيب الأخري.
وكان المذهب الرسمي في الدولة العثمانية هو المذهب الحنفي، ولم يكتفوا في جعله فوق المذاهب بأسرها، بل عمدوا إلي ضرب كل المذاهب الأخري وخصوصا المذهب الشيعي. وسعوا إلي نشر المذهب الحنفي بأسلوب الترغيب والترهيب في جميع أرجاء العراق، حيث كانوا ينشرونه بصورة سرية في المناطق الجنوبية من العراق وفي العتبات المقدسة، والتي كان كل سكانها من الشيعة إلا ما ندر، كما قاموا بنشر مذهبهم وبصورة علنية في شمال العراق، وبعض المناطق التي يكثر فيها السنة.
ونتيجة لمقاومة الشيعة الشديدة، وقوة نفوذهم وتأثيرهم أجبر بعض الأمراء الأتراك علي مسالمة الشيعة، فقد أجروا بعض التعديلات والتعميرات في العتبات المقدسة، وزارها بعض ولاتهم. ومن الجدير بالذكر هنا أن بعض المؤرخين قال: إن الشيعة لاقوا من المتعصبين العرب الذين كانوا تحت حكم الدولة العثمانية الحاقدين علي التشيع، وعلي مذهب أهل البيت عليهم السلام أكثر مما لاقوه من حكام الأتراك أنفسهم، وقد أثبت التاريخ حينما رحل الترك عن العراق فإن الأوضاع المأساوية ظلت علي ما هي عليه إن لم نقل أنها تفاقمت().

نظرة إلي واقع العراق المعاصر

إن العراق عاش تجربتين قاسيتين بعد نيله الاستقلال، والتجربتان هما:
أولاً: الحكم الملكي، الذي بدأ بالملك فيصل الأول()، الذي عملت بريطانيا علي رسم صورة حكمه وتنصيبه، لإخماد نار الثورة العراقية الكبري عام 1920م التي قادها المرجع الأعلي الميرزا محمد تقي الشيرازي رحمة الله عليه()، وكانت تجربة فيصل فاشلة للغاية، والتاريخ يشهد بذلك.
ثانياً: الحكم العسكري والجمهوري: المتمثل ب (عبد الكريم قاسم)() الذي أطاح بالحكم الملكي الذي كان (نوري سعيد)() أحد أكبر رموزه.
و(عبد السلام عارف)().
ثم من بعده (عبد الرحمن عارف)()، إلي حكم (أحمد حسن البكر)() المشئوم، ثم حكم صدام() وهو الأشأم من بينهم.
والمتتبع أحوال هؤلاء الحكام والمسئولين والأوضاع التي كانت في عهودهم، يدرك جيداً مدي فشل هذه الحكومات، ولم يكن هذا الفشل إلا تخطيطاً من جهة الاستعمار فلم يكن باللاشعور بل كان مدروساً ومخططاً له لتأخير المسلمين والسيطرة علي ثروات العراق.
وكان تخلي بعض الناس عن مسؤولياتهم في الماضي، وتخلي بعض آخر عن حقوقه، وإهمال الجانب السياسي مضافاً إلي عوامل أخري أدت مجتمعة بمجيء بصدام علي رأس حكومة العراق، ولو تكررت هذه الأمور مجدداً فلعلها ستأتي بشخص هو أسوء من صدام، لا قدر الله ذلك.
إن الشيعة في العراق يمثلون الأكثرية من الشعب، فحسب بعض الإحصاءات إنهم يشكلون 85 % من نفوس الشعب العراقي، وحسب قانون الشرع والعقل، بل وحتي ما يسمي بالقوانين الديمقراطية فإن حق الحكم يعطي للأكثرية، مع حفظ حق الأقلية، إلا أن هذه المعادلة لم توجد في العراق، ولا تريدها بعد الدول الغربية، لمصالح وأغراض خاصة، لذا ينبغي لنا أن نلتفت إلي هذه القضية، ونعي الخطط المرسومة من قبل الغرب لندفعها، ونعمل جاهدين لإيجاد حكومة الأكثرية().

الحق المذهبي مشروع ومتفق عليه

إن من الخطأ الجسيم اعتبار المطالبة بالحقوق المذهبية ضرباً من الإثارة الطائفية، فمن الأمور التي تتطلب تفكيكاً وحواراً هو حقوق الأقليات والمذهبيات المختلفة في المجتمع الواحد، فالبعض يعتبر أن الوطنية معناها: إلغاء الأقلية أو تنازلها عن حقوقها باسم المصلحة العامة، وهو ما سنراه واضحا في المطلب السني في المجتمعات ذات الأكثرية السنية لنظرائهم الشيعة بأن يتنازلوا عن حقوقهم باسم الإجماع الوطني والوحدة الإسلامية، أو مطالبة الشيعة لنظرائهم السنة في المجتمعات ذات الأكثرية الشيعية بالأمر ذاته.
لعل السؤال الأبلغ هو كيف يمكن تحقيق أعلي معدلات الانسجام والهدوء، والتوازن في أي مجتمع من المجتمعات؟ وهل يكون ذلك بتقليل التنوعات في المجتمع، والعمل لاحقاً علي إلغائها؟ ليتحول المجتمع بكل أطيافه إلي مجتمع يتعبد بمذهب واحد، ثم نحصر الاختلاف بين المدارس الاجتهادية في المذهب الواحد، لنحول المجتمع بجميع أفراده إلي أشخاص يتعبدون علي المذهب الرسمي الذي تتبناه الدولة؟
هل هذا هو طريق الوحدة والانسجام في المجتمع؟ ماذا إذن لو أردنا أن نحقق الوحدة علي مستوي الدول الإسلامية؟ هل علينا أن نسير قدماً في اتجاه تنميط شعوب هذه الدول بنمط واحد، لتكون جميع دولنا إسلامية حسب رؤيا فقهية واحدة؟
إذا قبلنا ذلك نظرياً وهو غير مقبول فهل يمكن أن تذوب الشعوب والقبائل التي خلقها الله هكذا مثل الشمع في قالب واحد؟ وهل يبقي أي معني للمجتمع وللتعارف وللتفكير أو الإبداع؟ وهل يمكن القفز علي الطبيعة الإنسانية المجبولة علي الاختلاف والتنوع؟
وإذا عرفنا بأن صهر المجتمعات في قالب واحد هو عمل مستحيل وبعيد عن الواقع، فلابد من الاعتراف أيضاً بأن لكل طائفة الحق بأن تجد ذاتها حاضرة غير ملغية، أو مغيبة بسبب اختلاف فكري أو عقائدي، وأنها تمتلك الحق كاملاً في التعريف بنفسها، والتبشير بقيمها وثقافتها التي تؤمن وتتميز بها، وفي ذات الوقت هي مطالبة بإظهار المشتركات الإنسانية والوطنية بينها وبين نظرائها في الساحة، إسهاماً في دفع مبدأ التعايش بين المختلفين إلي ساحة الضوء والفعل.
ولا تكون حينها مطالبة طائفة بأن يكون لها مساجدها ومؤسساتها وحضورها الإعلامي ومشاركتها السياسية ضرباً من الطائفية، بل تتمثل الطائفية عبر إلغاء الآخرين بحجة أن الآخر لا يمثل أكثرية في المجتمع، المخيف أن تبرير الأكثرية والأقلية قد يكون مدخلاً لا يتوقف عند الرغبة في إلغاء الآخر وقمع صوته، بل يتعداه إلي شرعنة إلغاء وجود الآخر واغتياله، وهو تشريع ابتكره الجمهرة من علماء البلاط لتسويغ قتل الإمام الحسين والتمثيل به، وسبي نسائه وذريته، لسلب ضمير الأمة ورأيها الحر تضعيفاً لتماسك المجتمع وتوهيناً لوحدته().

صور من الطائفية في العراق

1: البرلمانات المزورة

مجالس البرلمان مؤسسات تمثل رأي الشعوب، وهي المسئولة عن تقويم كل معوج في البلاد، إلا أنها في العراق إنما مثلت إرادة سلطة الأقلية الطائفية الخاضعة للمندوب السامي البريطاني في العهود الملكية، وللقوي الاستعمارية والأقلية الطائفية في العهد الجمهوري. وسنورد هنا بحثاً موثقاً كتبه الأستاذ حسن العلوي تحت عنوان: (تمذهب البرلمان) مع قليل من التصرف، ثم بحثاً مماثلاً عن طائفية الوزارات العراقية في عهود الدولة العراقية العصرية، كتبه تحت عنوان: (تمذهب الوزارات) من كتابه الوثائقي: (الشيعة والدولة القومية في العراق) ص 194 وما بعدها.
في التأكيد علي واحدة من النتائج المرتبطة جدلياً بتمذهب الدولة القومية في العراق، استحالة قيام نظام برلماني سليم ونزيه، قد ينتهي بانتقال السلطة إلي الأغلبية السكانية، ولما كانت الأغلبية العراقية شيعية؛ فإن الانتخابات الحرة ستأتي بهذه الأغلبية إلي البرلمان. ولما كانت المادة السادسة والستون من الدستور قد نصت علي صلاحية مجلس النواب في منح أو سحب الثقة بالوزارة، أصبح ممكنا إحداث تغيير أساس في السلطة لصالح الشيعة. وهو أمر يتعارض مع ما يمكن أ ن نسميه بالحق المذهبي الموروث من وزارة كوكس النقيب، ومن مبدأ تمذهب الدولة ذاته. ولهذا حالت السلطة دون إجراء انتخابات حرة في العراق طيلة الدورات الستة عشرة ما بين عامي 1925 1958.
جاء في مذكرات عبد الكريم الأزري النائب والوزير السابق: (في صبيحة يوم من أيام تشرين الأول سنة 1943 اتصل بي قريبي السيد حسين النقيب الرفيعي بالهاتف قائلاً لي: أهنئك من صميم القلب. فسألته: علي ماذا تهنئني؟ أجابني: علي فوزك في الانتخابات النيابية! فقد ذكرت الإذاعة الصباحية اسمك بين الفائزين في الانتخابات النيابية عن لواء العمارة. قلت له: هل أنت تمزح؟ قال: لا، والله لا أمزح. وقد تبين أن ما أنبأني به السيد الرفيعي كان صحيحاً، وأنني قد انتخبت نائباً عن لواء العمارة وأنا لا أدري، فلم أراجع أحداً ولم أرشح نفسي. وهكذا نمت ليلتي وأصبحت في الصباح نائباً عن لواء العمارة ().
وكان الشاعر الجواهري قد أشار إلي تجربة مماثلة له مع النيابة عام 1948 قائلاً:
أصبحت عن أمرٍ بليل نائبا
وبأن أروح ضحيً وزيراً مثلما
وتقول جريدة الأهالي: (لقد سلكت الحكومات العراقية تجاه مجلس الأمة مسلكاً يظهر منه أن مجلس الأمة مسئول أمام الحكومة ولا عكس، إذ تري الحكومات المختلفة تتحكم بالمجلس وتحله عندما تريد) ().
ولم تسقط أو تشكل وزارة واحدة من الوزارات العراقية الثماني والخمسين تحت قبة البرلمان. وهو أمر طبيعي ما دام النواب يعينون من قبل الحكومة، ولا يجري انتخابهم من قبل الناخبين.
إن تعيين النواب مفيد للدولة الطائفية في توفير أغلبية مذهبية في البرلمان أسوة بما هو حاصل في قيادات الجيش ومجلس الوزراء. وهذا يعني أن الدولة أنجزت تمذهب ا لسلطة التشريعية عن طريق تعيين نواب من المذهب الحاكم ممثلين عن المناطق الشيعية.
من جانب آخر فإن قانون الانتخاب قد نص علي حصص للمسلمين، وحصص الأقليات الدينية كالمسيحيين واليهود. فاستحوذ المذهب الحكومي علي حصص المسلمين، وأقصي المذهب المحكوم في بعض الألوية. وقد نشأ عن ذلك أن يمثل لواء بغداد تسعة نواب مسلمين جميعهم من السنة، واثنان من اليهود، ونائب مسيحي دون وجود مسلم شيعي (الدورة الثالثة).

2: نواب مزورون

وقد يزيد عدد النواب غير المسلمين الذين يمثلون البصرة علي عدد النواب الشيعة، بعد أن يسيطر المسلمون السنة علي مقاعد اللواء، فيخصص واحد أو اثنان منها للشيعة، مقابل اثنين لليهود والمسيحيين، (سكان البصرة 90% من الشيعة).
وقد تصل درجة الاستحواذ الطائفي حدودها القصوي، فلا يرشح نائب شيعي عن لواء شيعي كلواء الكوت الذي يمثله كل من: أحمد حالت، وحامد الوادي، وعبد الغفور البدري، ويحيي الآلوسي، وجميعهم سنة من بغداد (الدورة الخامسة). ولم يرشح نائب شيعي طيلة الدورات الست عشرة عن لواء ديالي الذي يشكل الشيعة فيه ثلثي السكان، عدا ثلاث دورات رشح فيها أحد الشيوخ الشيعة الساكنين في ديالي، ويفرض علي ألوية العمارة والديوانية والحلة، وهي مناطق شيعية عدد من النواب السنة يبلغ ثلثي عدد نواب الألوية المذكورة.
وإذا كان منطق الانتخابات في النظم البرلمانية يعتمد علي اختيار الناس من يمثلهم من أبناء مدينتهم، ففي العراق يُسأل النائب عن المدينة التي يفضل أن يكون نائباً عنها.
وتتغير المنطقة الانتخابية من دورة إلي أخري، فيكون النائب مرة ممثلاً عن الكوت، وثانية عن الحلة، وثالثة عن ديالي، وهو لم يزل مقيماً في مسكنه بشارع طه في الأعظمية ببغداد، أو في أحد قصور العيواضية التي يسكنها الساسة من أعضاء السلطة الطائفية.

3: ديمقراطية علي الطريقة الطائفية

إن تغييراً طفيفاً حدث في الدورة الحادية عشرة عام 1947، فقد سمح أن ترتفع نسبة الشيعة في المجلس إلي 40%، بعد أن كانت تتراوح بين (27و35%)، ومثل بغداد سبعة نواب شيعة من أصل عشرين نائباً مسلماً. وأصبح عدد النواب الشيعة في البصرة مساوياً لعدد نواب السنة، وبقيت المناطق الأخري كما هي.
وأثار هذا التطور الأستاذ كامل الجادرجي، فقدم مذكرة سريعة للغاية بتاريخ 5/8/1947 إلي أعضاء الهيئة الإدارية للحزب الوطني الديمقراطي، انتقد فيها تغيير الحصص ووصف تلك الدورة بأنها طائفية().
واعتبر زيادة عدد النواب الشيعة إلي النسبة الجديدة: بمثابة رشوة لاستدراج الشباب الشيعة إلي جانب المشاريع الحكومية. وهو تحليل صائب ودقيق، لكنه يضيف: إن من شأن هذه الخطة أن تثير ردود فعل لدي الطوائف الأخري.
ومعني هذا أن الأستاذ الجادرجي أصبح ينظر إلي تلك الدورة الانتخابية، وإلي مجلس النواب المنبثق عنها، إنها دورة شيعية ومجلس شيعي. (الأمر الذي سيستفز الطوائف الأخري التي أصبحت مغبونة. مع أن التطور الطفيف لم يرفع نسبة الشيعة في المجلس إلي نسبتهم السكانية. وما زال الفرق بين النسبتين يقارب أل 50%، وكان مازال النواب السنة يمثلون المناطق الشيعية المحضة، ومنهم الأستاذ الجادرجي الذي كان ممثلاً للواء الحلة.
إن الوطنيين الذين أشغلوا المعارضة الدستورية بجدارة وإخلاص، معنيون قبل غيرهم بنقد ظاهرة طائفية الدولة، والبرلمان بشكل خاص، من وجهة نظر ديمقراطية ودستورية باعتبار أن الطائفية، وحصر السلطة بالأقلية، يتعارض جملة وتفصيلاً مع النظام البرلماني السليم لما فيه من تزييف لإرادة الناخبين. إن الأكثرية الشيعية لم تكن أساساً معنية بمن سيكون ممثلها في هياكل نيابية هشة، كانت أداة بيد الحكومة لإضفاء الشرعية علي مشاريع سياسية واجتماعية بعيدة عن أن تمثل الحدود الدنيا من مصالح تلك الأغلبية.
وفي هذا المكان، كما في غيره، سنؤكد مرة أخري علي أن السلطة المتمذهبة، رغم أنها طائفية مناوئة للشيعة، فإنها ليست سلطة سنية، بمعني أن الذي يدفعها لموقف العداء ضد الأغلبية، ليس هو محض دفاع، أو حرص علي مصالح مذهبية سنية، بقدر ما هو استحواذ أناني وشخصي علي امتيازات الدولة، والتمتع بالثراء والوجاهة والنفوذ.
ومن الغريب أن يغفل الوطنيون المخلصون، موضوعاً خطيراً ومعادياً لأبسط طموح مشروع في إقامة حكم عادل سليم، كموضوع طائفية الدولة والبرلمان والمؤسسات الأخري.
وعلي أية حال فقد تعاملت الدولة بالازدراء والاستخفاف والاستهانة المقصودة مع الأغلبية الشيعية، كشريحة اجتماعية قاصرة تحتاج إلي وصاية خارجية فيستقدم لها سيد يأتيها من خارجها، ممثلاً لها في البرلمان، أو متصرفاً أو محافظاً أو مديراً للتربية أو مديراً للشرطة.

4: طائفية الوزارات

كان مجلس الوزراء أول حقل للتجربة المذهبية التي انتهت بتمذهب مؤسسات الدولة الأخري. ولأسباب تتعلق بحركة الجهاد وثورات الشيعة ضد الإنكليز وكونهم يمثلون الأكثرية، استقر رأي السياسة البريطانية علي أن يشكل وزارة الاحتلال الأولي أحد المتعاونين مع الإدارة البريطانية، وقد رغب بيرسي كوكس أن يتألف مجلس الوزراء من تسعة أعضاء. وحين انتبه بيرسي كوكس إلي ضرورة تطعيم وزارته بشخصية شيعية، وجد صعوبة في الحصول علي من يمثل الشيعة، بسبب تحريم علماء الشيعة عمل المسلم بإمرة ولي أمر غير مسلم. ولكون عبد الرحمن النقيب الذي اختير لرئاسة الوزارة، كان متعصباً ضد الشيعة. غير أنهم في النهاية عينوا وزيراً شيعياً واحداً.
لقد تحدد شكل الوزارة العراقية. فرئيس الوزارة ووزارة الداخلية والدفاع ومعظم الوزراء الأساسيين من السنة العرب. ويعطي للسنة الأكراد مقعد في وزارة ثانوية. وقد يزيد إلي مقعدين كما خصص للشيعة المقعد الأخير في كعب قائمة التشكيل الوزاري. والغريب أن السلطة وجدت الكثير من الشيعة الذين يرضون الجلوس في كعب القائمة الوزارية. فكانت الإرادة الملكية تصدر بالتشكيل الوزاري. فيكون اسم الوزير الشيعي آخر الأسماء وزيراً للمعا رف قبل سحب الوزارة هذه من الشيعة ودفعهم إلي وزارة التجارة أو أية وزارة ثانوية. (يشار إلي أنه قد سُمح لعناصر من الشيعة أن تستلم وزارات أساسية ولمرات وفترات محدودة، بعد مرور 25 عاماً علي تأسيس الدولة).
وفيما يلي قائمة بأسماء رؤساء الوزارات وعدد المرات التي تولوا فيها رئاسة الوزارة منذ تأسيس الدولة العراقية حتي يومنا هذا:
المذهب عدد المرات التي تولي فيها رئاسة الوزارة الدراسة رؤساء الوزراء
سني 3 لم يدرس أية دراسة نظامية عبد الرحمن النقيب
سني 4 عسكري عبد المحسن السعدون
سني 4 عسكري جعفر العسكري
سني 2 عسكري ياسين الهاشمي
سني 3 حقوقي توفيق السويدي
سني 1 حقوقي ناجي السويدي
سني 14 عسكري نوري السعيد
سني 1 خريج كلية ملكية شاهان ناجي شوكت
سني 4 حقوقي رشيد عالي الكيلاني
سني 7 عسكري جميل المدفعي
سني 3 عسكري علي جودت الأيوبي
سني 1 خريج كلية ملكية شاهان حكمت سليمان
سني 1 عسكري طه الهاشمي
سني 2 حقوقي حمدي الباجه جي
سني 2 مهندس أرشد العمري
شيعي 1 حقوقي صالح جبر
شيعي 1 دراسة دينية محمد الصدر
سني 1 حقوقي مزاحم الباجه جي
سني 1 حقوقي مصطفي العمري
سني 1 عسكري نور الدين محمود
شيعي 2 دكتوراه
في التربية فاضل الجمالي
شيعي 1 حقوقي عبد الوهاب مرجان
سني 1 حقوقي أحمد مختار بابان
سني 1 عسكري عبد الكريم قاسم
سني 2 عسكري أحمد حسن البكر
سني 3 عسكري طاهر يحيي
سني 2 أستاذ قانون عبد الرحمن البزاز
شيعي 1 عسكري ناجي طالب
سني 1 عسكري عارف الكبيسي
سني 1 حقوقي صدام حسين
من مجموع مدة (68) عاماً أشغل رئاسة الوزراء فيها خمسة رجال شيعة لمدة أقل من ثلاث سنوات أي بنسبة 48ر4%.
ومن بين 59 وزارة ملكية، ألف الوزارة خمس مرات رؤساء وزراء شيعة أي بنسبة 47ر8%.
أما في العهد الجمهوري ما بين عامي (1958 1988)، فقد أشغل رئاسة الوزراء رجل شيعي مرة واحدة ولمدة عشرة شهور خلال ثلاثين عاماً أي بنسبة
7ر2%.
ويلاحظ أيضاً أن رجلاً شيعياً شكل وزارة لأول مرة بعد أكثر من ربع قرن علي تأسيس الدولة هو صالح جبر عام 1947. وأن سببا ما كان غير طبيعي أو مقصوداً لمهمة خاصة أو مأزق سياسي يدور دائما حول تكليف هؤلاء الشيعة الخمسة الذين شكلوا رئاسة الوزارة في تاريخ العراق الحديث.
ففي المرة الأولي كان واضحاً أن السياسة البريطانية تبحث عن رأس حربة لعقد معاهدة جديدة بدلاً من معاهدة 1930 مع العراق، فأنيطت المهمة إلي صالح جبر الذي تزعم الوفد العراقي لإعداد نصوص المعاهدة مع الجانب البريطاني، يشاركه قطبان بارزان هما: توفيق السويدي، ونوري السعيد، بالإضافة إلي محمد فاضل الجمالي. فانتفض الشعب العراقي رافضاً سياسة المعاهدات، وحدثت الوثبة في كانون الثاني عام 1948 والتي قتل فيها علي جسر الشهداء عدد من الوطنيين رافضي المعاهدة. فسقطت الوزارة ومعاهدة بورتسموث في وقت واحد. ولم يعد صالح جبر إلي رئاسة الوزارة مرة ثانية مع أن شركاءه شكلوا عدداً من الوزارات بعد ذلك.
واختير الثاني وهو السيد محمد الصدر لرئاسة الوزارة لكونه الشخصية التي ستلقي علي عاتقها مهمة تهدئة الشارع وامتصاص ردود فعل وثبة عام 1948، حتي إذا تم ذلك ترك الوزارة بعد أربعة شهور ونصف الشهر. ولم يكن تكليف محمد فاضل الجمالي برئاسة الوزارة يخرج عن سبب مماثل. فقد اقتضت السياسة بعد تتويج الملك فيصل الثاني عام 1953 إشعار الرأي العام العراقي، بأن تغييراً سيطرأ في استبدال الحرس القديم، بعناصر مثقفة جديدة. وكان الجمالي أول رئيس وزراء عراقي يحمل شهادة علمية عالية، وكان متوقعاً أن يكون الأستاذ عبد الرحمن البزاز أحد مساعديه. وقد استمرت وزارته في الحكم خمسة أشهر وعشرة أيام. وكان قد أشرك فيها عدداً من المثقفين وشخصيات من المعارضة ونهج فيها نهجا ليبرالياً.
وشكل الجمالي وزارة ثانية استمرت (45) يوماً. وفي عام 1957 الذي عرف بعام الصراع الحاد بين القوي الطامحة للتغيير، والقوي المحافظة ذات الميول الغربية بزعامة نوري السعيد، اتجهت السياسة العراقية إلي إبعاد نوري السعيد عن الخط الأول، وإحلال شخصيات معتدلة كعلي جودت الأيوبي، وعبد الوهاب مرجان الذي كلف بتشكيل وزارة في منتصف الشهر الأخير من العام المذكور، وهو من العناصر القومية المحافظة التي أريد لها أن تمتص إلي صالح السياسة العراقية، مجموعات الشباب والمثقفين، أو تحييدهم علي الأقل. واستمرت وزارة مرجان شهرين ونصف الشهر.
أما الوزارة اليتيمة في العهد الجمهوري والتي شكلها ناجي طالب في 6 آب 1966 فقد جاءت في أعقاب صراع شديد بين العسكريين والمدنيين من جهة، وبين رئيس الوزراء عبد الرحمن البزاز من جهة أخري. وقد انتهت بتشكيل ناجي طالب وزارة جديدة خلفاً للبزاز، حتي إذا مرت الأزمة، ترك ناجي طالب الوزارة بعد أن ساند المطالب السورية في زيادة عائداتها من مرور النفط العراقي. ولا شك أن موقفاً كهذا سيبدو محرجاً لشركات النفط. ثم واجه ضغوطاً طائفية من العسكريين النافذين فاضطر إلي الاستقالة وقد أسدل الستار باستقالته علي أول وآخر وزارة جمهورية يتزعمها عربي شيعي في العراق عرف بأنه من زعماء الحركة القومية في هذا الوطن!؟ ().

5: الملك فيصل والأكثرية المضطهدة

يعترف الملك فيصل في الفقرة الثالثة من المذكرة التي وجهها إلي عدد من السياسيين العراقيين بأن العراق مملكة تحكمها حكومة عربية سنية مؤسسة علي أنقاض الحكم العثماني، وهذه الحكومة تحكم قسماً كردياً، وأكثرية شيعية منتسبة عنصرياً إلي نفس الحكومة. إلا أن الاضطهادات كانت تلحقهم من جراء الحكم التركي الذي لم يمكنهم من الاشتراك في الحكم وعدم التمرن عليه، والذي فتح خندقاً عميقاً بين الشعب العربي المنقسم إلي هذين المذهبين ().
وتعلو نبرة الملك أكثر، ويتقمص دور ناقل الكفر لإيصال شكوي الناس إلي مسامع هؤلاء السياسيين أخشي أن أتهم بالمبالغة، ولكنه من واجبي أن لا أدع شيئاً يخامرني، خاصة لعلمي بأنه سوف لا يقرأ هذا إلا نفر قليل، ممن يعلمون وجائبهم ومسؤولياتهم. ولا أرغب أن أبرر موقف الأكثرية الجاهلة من الشيعة، وأنقل ما سمعته ألوف المرات، وسمعه غيري من الذين يلقون في أذهان أولئك المساكين البسطاء من الأقوال التي تهيجهم، وتثير ضغائنهم، أن الضرائب علي الشيعي، والموت علي الشيعي، والمناصب للسني، ما الذي هو للشيعي؟ حتي أيامه الدينية لا اعتبار لها، ويضربون الأمثلة علي ذلك، مما لا لزوم
لذكرها.
ويقر الملك فيصل دون مواربة بوجود تمييز واضح في تعامل الأوقاف مع الشيعة وأن رجال الدين من الشيعة ليس لهم أي ارتباط مع الحكومة، وهم في الوقت الحاضر أجانب عنها، خاصة حيث يرون أن رجال الدين السنيين يتمتعون بأموال هم محرومون منها، والحسد خاصة في الطبقة الدينية معلوم، فعلينا ما دمنا غير قادرين علي تقسيم الأوقاف فيما بينهم، أن نفتكر في إيجاد أوقاف خاصة، ومن رأيي أن ذلك ممكن بالطريقة التي كنت تشبثت بها، غير أن الظروف حالت بيني وبين تحقيقها.
أما الحل الذي يطرحه الملك فيصل لمعالجة مشكلات الانقسام، وعدم التجانس في الشعب العراقي فيبدأ.. بتزييد قوة الجيش عدداً بحيث يصبح قادراً علي إخماد أي قيام مسلح ينشب في آن واحد علي الأقل في منطقتين متباعدتين.
وكان الملك فيصل قد توفي بعد مرور ستة شهور علي كتابة هذه المذكرة. وتحولت وصيته المذكرة من التزام الحكمة والتدبر في مواجهة الواقع المذهبي والعنصري للشعب العراقي، إلي مجازر دموية شملت مناطق: بارزان، وسنجار، والدغارة، وعفك، وسوق الشيوخ، والرميثة، والمشخاب، كان المشرفون عليها هم الساسة الذين خصهم الملك بمذكرته، كياسين الهاشمي، ورشيد عالي الكيلاني، وجعفر العسكري، وجميل المدفعي، وحكمت سليمان. فاقتراح الملك بتقوية الجيش كان لهذا الغرض، لا لرد هجمات أعداء خارجيين بل لقمع الشعب ليس إلا.

6: نسبة المقاعد الوزارية في عهد الملك فيصل

إن الدولة العراقية الحديثة التي بنيت علي تضحيات أبطال الحركات الشيعية وجماجم شهدائهم قد أسست منذ أول دولة ووزارة علي أسس طائفية، ولمعرفة هذه الحقيقة يمكن النظر إلي نسبة المقاعد الوزارية التي أشغلتها الأكثرية المجاهدة، والواقع أن الشيعة قد أشغلوا طيلة حكم فيصل (19211932) عشرين مقعداً وزارياً من بين (113) مقعداً أشغله زملاؤهم السنة. وكانت النسبة المئوية لمشاركة الشيعة 7ر17%، وقد يكون مبعث هذا الاعتقاد أن هذه النسبة قد انخفضت بعد وفاة فيصل إلي أقل من 16%، وكان معروفاً أن علماء الشيعة قد تعرضوا لأول وأوسع عملية نفي في عهد الملك فيصل!!
واليوم وبعد مرور أكثر من ثمانين سنة علي تأسيس الدولة العراقية الحديثة، أي منذ عام 1920 وحتي سقوط أخر حكومة في 9/4/2003، تعاقبت علي العراق أنظمة سياسية مختلفة ملكية وجمهورية، مدنية وعسكرية، برلمانية صورية ودكتاتورية، وكان المشترك بينها أمر واحد هو حكم الأقلية المذهبية، فمثلاً في العهد الملكي شُكلت 58 وزارة احتوت علي 575 مقعداً وزارياً تناوب علي شغلها 166 وزيراً، وترأس هذه الحكومات 54 مرة من إخواننا السنة، بينما لم يتول الشيعة رئاسة الوزارة إلا أربع مرات، حيث تناوب 24 شخصاً علي الرئاسة كان أربعة منهم فقط من الشيعة وهم: السيد محمد الصدر، وصالح جبر، وفاضل الجمالي، وعبد الوهاب مرجان. وكانت مدة بقاء الحكومات السنية أكثر من 36 سنة في العهد الملكي، ولم تتجاوز فترة حكم الشيعة العامين.
أما بالنسبة لمقعد الوزير فمن 575 مقعداً وزارياً شغل الشيعة 159 مقعداً فقط، وفي العهد الجمهوري تم تشكيل ثلاث وزارات جميعها يرأسها سني في عهد عبد الكريم قاسم، و11 وزارة في عهد الأخوين عارف لم يترأس الشيعة منها سوي واحدة، وفي عهد الحكم البعثي أصبحت الحكومات شكلية، والحكم فردي خالص كان نصيب أحمد حسن البكر منه 11 سنة، وصدام حسين 24 سنة، وكلاهما من قرية واحدة في تكريت.
لم يكن حال السلطة التشريعية في السنوات الماضية بأحسن حالاً من التنفيذية؛ لأن الأولي كانت مخولة بموجب المادة السادسة والستون من الدستور العراقي الصادر في 1925 بسحب الثقة من الحكومة، ولذلك لم تكن هناك انتخابات حرة في عموم العراق، وكان أعضاء البرلمان يتم تعينهم من قبل الحكومة، ويفرضون علي المناطق حيث ينقل المؤرخ الحسني، نقلاً عن مذكرات السيد توفيق السويدي في معرض وصفة لانتخابات الدورة الأولي للمجلس النيابي: استمرت عملية الانتخابات واستمر الضجيج والتشاحن خلالها حتي انتهت بانتخاب مرشحين كان يتفق علي تعيينهم الملك ووزير الداخلية ومن ورائه المستشار البريطاني ورئيس الوزراء. وكانت قائمة الترشيح هذه تبقي مكتوبة حتي يوم الانتخابات إذ تبلغ بالتليفون إلي المتصرفين، ويطلب منهم أن يبذلوا جهدهم لإنجاحها ().

7: عبد المحسن السعدون ومرسوم الجلد وقمع المظاهرات

لقد نجحت بريطانيا والعاملون في المشروع الطائفي التقليدي الذي حدد ساطع الحصري أفكاره وسلوكه من جعل الإشارة إلي الشيخ الشيرازي، أو الشيخ مهدي الخالصي، أو الشيخ محمد جواد الجزائري، أو الشيخ جواد الجواهري، أو الشيخ كاشف الغطاء، أو السيد عبد الرزاق الحلو، والسيد محمد سعيد الحبوبي، والسيد مهدي الحيدري، والسيد عيسي كمال الدين، والسيد بحر العلوم فقهاء الحركة الاستقلالية تهمة تطارد صاحبها، وتلصق به الطائفية والشعوبية، في الوقت الذي ينتصب تمثال عبد المحسن السعدون في قلب بغداد، وهو الذي بادر إلي طرد ونفي فقهاء الحركة الاستقلالية، إلي خارج العراق.
وما بين عامي 1933-1958 أصدرت السلطات 37 مرسوما وقانونا لمعاقبة العاملين في خطوط المعارضة، ومن بينها قانون إسقاط الجنسية ومرسوم النفي والطرد من العمل، وكان رئيس الوزراء عبد المحسن السعدون قد انفرد بإصدار مرسوم الجلد الذي ينص علي جلد طلبة المدارس غير الراشدين 25 جلدة لكل من خرج في مظاهرة احتجاج، وقد شرع مرسوم الجلد لمعاقبة المتظاهرين ضد زيارة الداعية الصهيوني (الفردموند) إلي العراق عام
1928م!().

8: إبقاء الشعب في ظلام الجهل

وكان من ثوابت السياسة الطائفية إبقاء أغلبية الشعب في حالة الجهل بعيداً عن التعليم والتثقيف.. وهذه شهادات من كبار رموز الدولة الملكية الطائفية:
يتحدث الكولونيل ويلسن وكيل المندوب السامي البريطاني عن اجتماع عقده مع ثلاثة من الوطنيين في صيف عام 1920 ممن كان يظن أنه سيستدرجهم إلي العمل في حقل آخر قائلاً: إن اجتماعاً سرياً عقد مع ثلاثة ممن كانوا علي اتصال وثيق بالزعماء الوطنيين، فذكرتهم بالأقلية الكردية والعنصر الشيعي القوي في الفرات كان محدثي الثلاثة من السنة فأجابوا بأن هذين الفريقين هم فلاحون جهال يمكن إبقاؤهم في مكانهم بسهولة.
وكان الملك فيصل قد اعتاد أن يصف الأكثرية الشيعية بالجهل فيقول في مذكراته الشهيرة: العراق مملكة تحكمها حكومة عربية سنية، مؤسسة علي أنقاض الحكم العثماني، وهذه الحكومة تحكم قسماً كردياً أكثريته جاهلة، وأكثرية شيعية جاهلة تنتسب عنصرياً إلي نفس الحكومة.
يقول ناجي شوكت رئيس وزراء سابق، في جوابه علي مذكرة الملك فيصل تلك: وأخال أن ما تقوله الأكثرية الجاهلة من الشيعة حول عدم مشاركتها في الحكم هو غير صحيح.
إن بعض الملاحظات يمكن أن تدرج في مناقشة هذه التسمية:
الأولي: إذا صح هذا الوصف علي الشيعة، فإنه يشكل إدانة واضحة ليست للشيعة الجهال، وإنما للدولة التي تترك الأغلبية منها في حالة الجهل هذه. وكان مطلوباً أن تعالج قضية جهل الأغلبية بزيادة الكفاءة الكمية والنوعية للتعليم، وإخضاع توزيع المدارس لمبدأ ديمقراطي يراعي الكثافة السكانية من جهة، ونسبة انتشار الجهل من جهة ثانية. وكلاهما يعني أن يخصص قدر من الاهتمام بمناطق الأغلبية هذه. لكن ذلك لم يحصل، إذ كانت سياسة التمييز التربوي تحرم هذه الأكثرية من حق التعليم، والتمتع بفرص متكافئة في البعثات العلمية.
الثانية: من المعتقد إن استخدام تعبير الأكثرية الشيعية الجاهلة، كان يقصد به التقليل من الأهمية النوعية للأكثرية؛ لتبرير طائفية الدولة، والرد علي من يرفع عقيرته من هذه الأغلبية بالمطالبة في التمثيل السياسي، والاشتراك في إدارة الدولة.
إن تعبير الأكثرية الشيعية الجاهلة يعني: إن رجال المؤسسة التركية الذين اتفقت معهم الإدارة البريطانية لتولي شؤون العراق،لم يستحوذوا علي السلطة عن طريق اتفاق أو صفقة، وإنما عن كفاءة وجدارة ودراية يفتقر إليها الشيعة. ويؤيد الأستاذ كامل الجادرجي هذه النظرية قائلاً: إن الإنكليز لم يجدوا عند احتلالهم العراق بين الشيعة من المتعلمين من يصلح لإدارة الشؤون المحلية، وتمشية الإدارة ومعاونة الحكام السياسيين.
الثالثة: لم تكن الأغلبية الشيعية وحدها ذات مستوي تعليمي هابط. وقد يفهم من هذا التركيز علي الأغلبية الجاهلة بأن الأقلية السنية في العراق كانت في بحبوحة علمية وثقافية بالدرجة التي يتحدث عنها الأستاذ الجادرجي حين يقول: إن المشكلة التي جابهت فيصل هي انعدام العناصر الكفوءة من بين الشيعة، التي يمكن أن تتولي المناصب الحكومية؛ بالنظر لابتعاد الشيعة عن جهاز الدولة في العهد العثماني، وبعدهم عن التعليم الحديث اللازم لإدارة جهاز الدولة.
إن الرد علي هذه النظرية لا يحتاج إلي جهد كثير. فالتعليم الحديث في العراق لم يكن معروفاً في الفترة التي يدور الحديث عنها. ولم يكن أحد في مجلس الوزراء الذي شكله فيصل سوي ساسون حسقيل وزير المالية قد تلقي تعليماً حديثاً. وكان ثلاثة علي الأقل من أعضاء المجلس يجهلون القراءة والكتابة. ولم يكن مجلس النواب في وضع علمي أفضل، استنادا إلي جدول نشره ناجي شوكت حتي نهاية عهد فيصل:
الأميون وأشباههم المجلس الذي تم انتخابه أيام الوزارة
73 % وزارة نوري السعيد عام 1930
50 % وزارة ناجي شوكت عام 1932
60 % وزارة ياسين الهاشمي عام 1935
ولم يكن في المدارس الحكومية الرشدية التي تعادل الدراسة المتوسطة أكثر من 360 طالباً في جميع أنحاء العراق قبل الحرب العالمية الأولي موزعين علي عشرة مدارس، عدا المدارس الملحقة بجوامع بغداد والتي تديرها الأوقاف الحكومية، والمعنية بالتعليم التقليدي اليسير المعلومات().
ارتفاع المستوي التعليمي الشيعي
من جهة أخري لا يبدو الادعاء بانعدام الكفاءة بين الشيعة الذين يصلحون لإدارة الدولة، وتركيز صفة الجهل علي الأغلبية الشيعية صحيحاً، إذا ما اعتبرنا المراكز الدينية في النجف وكربلاء والكاظمية مراكز علمية في الوقت نفسه، حيث ينتشر التعليم في تلك المدن ذات الكثافة السكانية العالية كواجب ديني لا يتأخر عنه إلا قلة من الناس، حتي بلغ أعداد الدارسين في النجف في القرن التاسع عشر نحواً من عشرة آلاف طالب. وكانت المدن المقدسة تضم في مطلع تأسيس الدولة العراقية (57) مدرسة لتعليم الصغار. وتلزم العائلة المتعلم منها أو العالم بتدريس أبنائها دون الحاجة إلي المدرسة.
يصف الدكتور علي جواد الطاهر طريقة التعليم في النجف، وهو يتحدث عن محمد مهدي الجواهري قائلاً: ولكن لابد للولد من أن يتعلم علوم قومه ويستمر في التعليم. وليست مواد التعليم غريبة، فبيته مدرسة والمجالس التي يرتادها بصحبة والده مدرسة، وبلدته كلها مدرسة للقراءة والكتابة كما للفقه والأصول، كما للغة والبلاغة.. أما الشعر فتحصيل حاصل.. فمذ يسمع الكلمات الأولي يسمع معها وقبلها الشعر والشعراء والأدب والأدباء.. فهذه مكتبة.. وهذه كتب، وهذه دواوين …
إن التثقيف عن طريق العائلة أو نظام المدرسة العائلية قد عوّض أبناء الشيعة المحرومين من فرص التعليم الرسمي، وجعلهم يعتمدون علي التثقيف الذاتي رغم أن السلطة لا تعترف بهذا النوع من الثقافة.

9: الطائفيون والتراث التليد

إن مما لاشك فيه أن تراث كل أمة يعتبر من ثرواتها التاريخية، والعراق الذي يزخر بالتراث الثمين والغالي، أصبحت مدنه التراثية ضحية من ضحايا الطائفية، وفي السطور التالية صورة عن الظلم الطائفي في هذا المجال.. جاء في كتاب (الشيعة والدولة القومية في العراق) ما نصه مع شيء من التغيير والتصرف:
فمع نقص الوعي بأهمية التراث العربي الإسلامي، يدخل عامل آخر هو كون جغرافيا الحواضر العربية القديمة بالإجماع شيعية، كالبصرة والكوفة والكاظمية والنجف وكربلاء، أو أنها مركز ديني للشيعة كسامراء، وقد أثر هذا وذاك علي إهمال وإغفال وتجاهل حواضر أغنت الفكر العربي والإنساني بعلوم اللغة والتاريخ والفلسفة والجبر والهندسة، حيث ازدهرت مدرستا البصرة والكوفة، واستقلت كل منهما بمذهب في النحو واللغة والبلاغة. وكان ممكناً لأي عراقي ومسلم أن يجعل من مدن التراث سبباً من أعظم أسباب الفخر؛ لكن جهل الطائفيين بآداب لغتهم وتراثهم، وانسحاقهم تحت ضغط مشاعر التطيف، صيّر نظرتهم إلي هذه المدن مشحونة بروح العداء، وصيّر أهل هذه المدن غرباء عن الدولة. ولم يقف الأمر عند هذه الحافات الخطرة، بل تجاوزها إلي اعتبار مدن التراث العربي الإسلامي كالكوفة وكربلاء والنجف والكاظمية مدناً فارسية. ويعامل القادمون منها إلي دوائر السفر والجنسية في العاصمة بأشكال من أساليب التمييز، وعرقلة إنجاز المعاملات الخاصة بهم، وإسماعهم كلاماً يطعن في عروبتهم وأصولهم. (ملاحظة ملفتة اعتادت السلطة القومية أن تصطفي لهذه الدوائر ضباط شرطة مسئولين وموظفين من الغلاة المتدربين علي الأعمال الطائفية. والمعروف أن طائفية الشرطة سار علي نسق طائفية الجيش، إذ يمنع أو يعرقل قبول العراقيين من جغرافيا التشيع في كلية الشرطة وفروعها. فأصبحت قيادة الشرطة من المذهب الحاكم، بينما استوعبت القاعدة فقراء الشيعة للعمل كشرطة بصفة أفراد عاديين. وقد مرت تسعة عقود منذ أن أنشأت كلية الشرطة دون أن ترتفع نسبة الطلاب الشيعة فيها إلي 10%)().
مواصفات مدن التراث الحضارية
إن مدن التراث الست المذكورة تشترك في ثلاث مواصفات حضارية: كونها مراكز للإشعاع الفكري، ومراكز للجذب السياحي، ومراكز آثارية تتلمس فيها عبقرية المعمارية الإسلامية، فضلاً عن دورها السياسي واشتراكها في الدفاع عن الأرض العربية والإسلامية في طرابلس الغرب والجزائر وفلسطين والعراق.
لكن قصر نظر يمليه التعصب الطائفي، وشهوة غير محدودة للسلطة، وإبقائها في دائرة التمذهب الطائفي، يجعلان رجل السلطة والضالعين معه يتصرفون مع تراث البصرة والكوفة والنجف وكربلاء والكاظمية وسامراء، ومع أصحاب هذا التراث بطريقة تضر مباشرة بمصالح الدولة والشعب الأساسية.
فقد أهملت البصرة التي مصّرها المسلمون عام 14 للهجرة، والتي كانت موطن الفرزدق والخليل بن أحمد الفراهيدي والجاحظ. فلم تدخل مناهج الدراسة ولم يلق عليها قليل من الضوء التاريخي والحضاري.
ولم تحظ البصرة بمشروع ثقافي يتناسب وأهميتها في الحضارة الإسلامية. وإنما حدث العكس تماما ففي خطة وضعتها وزارة الثقافة والإعلام عام 1969 ارتئي أن تتحول البصرة إلي مدينة سياحية لجلب أموال السياح، فأجيزت دور للهو ونواد للقمار، وأقيمت ساحة لسباق الخيل.

10: تمثال السعدون

من الشخصيات التي يرد اسمها في التاريخ (عبد المحسن السعدون)()، وقد تسلّم منصب رئاسة الوزراء في العراق، وكان يتمتع آنذاك بقدرة تامة في تنفيذ أوامره، وكان عميلاً معروفاً لبريطانيا، وقد استفادت منه كثيراً في تمرير مؤامراتها علي العراق. وأول ما قام به هو إبعاد عدد من علماء العراق وبعض مراجعهم، ومنهم المرحوم السيد أبو الحسن الأصفهاني رحمة الله عليه إلي إيران، لكن نصبه التذكاري لا يزال منتصبا في بغداد، وإن أكثر الناس لا يسألون من هو هذا الشخص؟ وماذا كان؟ وكيف بقي تمثاله قائماً في بغداد إلي الآن؟ ولماذا سمي شارع باسمه في العاصمة؟
ولا يدرون أنّ هذا التمثال هو لذلك الشخص الذي أبعد قادة التحرير من المراجع العظام، وزعماء الشعب العراقي المجاهدين، من العراق إلي إيران، والشيء العجيب أن الحكومات الملكية تأتي ثم الشيوعيون والقوميون والبعثيون، وهذا التمثال موجود من دون أن تتعرض له الحكومات، وذلك لأن كلّ هذه الحكومات التي جاءت إلي السلطة كانت وما زالت تعمل ضد الشعب، وهدفها قمع الأكثرية قيادات وجماهير وسحق حقوقها.

11: مدرسة الإمام الصادق عليه السلام

يقول الإمام الشيرازي الراحل رحمة الله عليه في كتابه (الأكثرية الشيعية في العراق): في أيام الحكم الملكي في العراق قرّرنا أن نؤسس مدرسة باسم (مدرسة الإمام الصادق عليه السلام)، ونظراً لأن السلطة كانت بيد الأقلية ونسبتها 12% من الشعب، فإن الحكومة رفضت أن تمنحنا الإجازة، لأنها تعدّ ذلك تقوية للشيعة، وقال أحد المسئولين: يجب أن تغيروا اسم هذه المدرسة إلي اسم آخر، إلاّ أننا بذلنا السعي الحثيث ولمدة ستة أشهر فاستطعنا أن نبقي اسم المدرسة (مدرسة الإمام الصادق عليه السلام). أما لو كانت المدرسة تحمل اسماً لغير أئمة أهل البيت عليهم السلام، أو لا يرمز إلي مذهبهم ولا يرتبط به، لكانت الإجازة تمنح بفترة قليلة وبلا أتعاب!!

12: مسجد المتقين

يقول رحمة الله عليه أيضا في نفس المصدر: وذات مرة قمنا بتأسيس مسجد بين منطقة الحر الرياحي وكربلاء باسم (مسجد المتقين)، وبينما كنت ذاهباً يوماً لزيارة المرقد المطهّر للإمام الحسين عليه السلام جاءني شخص وأنا في طريقي إلي حرم الإمام عليه السلام وقال لي: إن البلدية قطعت التيار الكهربائي عن مسجد المتقين، بسبب عدم تسديد فاتورة الكهرباء والبالغة ثمانية دنانير، وطلب مني تسديد هذا المبلغ.
فقلت له: اذهب وقل لذلك الشخص الذي قطع الكهرباء عن المسجد: كيف يصحّ أن تبنوا مسجداً للسنّة في كربلاء بمبلغ 250 ألف دينار!. في حين أن كربلاء ليس فيها سنّة ليصلوا بهذا المسجد، لكن من أجل ثمانية دنانير تقطعون التيار الكهربائي عن مسجد شيعي، يستفيد منه كثير من المصلين!!، ألا يعبّر هذا عن مدي الطائفية الحكومية!!.

13: مؤلف كتاب ليالي بيشاور

نقل لي والكلام لسماحة الإمام الشيرازي الراحل رحمة الله عليه السيد سلطان الواعظين وهومن العلماء المجاهدين صاحب كتاب (ليالي بيشاور) أثناء زيارته لكربلاء، فقال: في زمن عبد الكريم قاسم، كنت قد ذهبت إلي حمام في الكاظمية، حيث كنت وقتها مريضاً جدّاً، وأثناء ما كنت في الحمام كان عدة من الرجال يستحمون أيضاً، وفجأة قام جنودٌ من قبل السلطة بمداهمة الحمام وألقوا القبض علينا ونقلونا في سيارة مغلقة إلي وزارة الدفاع، وكان الهواء حينها بارداً جداً، وهناك وضعونا في مرآب قذر، فوجدنا هناك الآلاف من الذين اعتبروهم إيرانيين، قد وضعوا في حالة يرثي لها، وحينما حل وقت الظهر حيث كنا جياعاً جداً، جاءوا لنا بالرز والمرق، إلاّ أنهم وضعوه في عربات تدفع بالأيدي، تستخدم لنقل الطابوق والتراب عادة، وقالوا لنا: تحركوا مجموعات مجموعات، كل مجموعة تقف علي عربة وتتناول الطعام، استهانةً بنا. كان الوضع يجري هكذا في العراق، وكان رئيس الدولة هو عبد الكريم قاسم، ثم شاهدنا بأعيننا ذلك المغفل الذي رسم صورة الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله وفي وسطها صورة عبد الكريم قاسم وإلي يساره صورة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، وهو يربط سيفاً علي محزم عبد الكريم قاسم، وكانت الصورتان معلقتين علي باب الدخول لحرم الإمام أبي عبد الله الحسين عليه السلام بأمر من الحكومة!!.

14: محاربة الزوار

يذكر العلامة الشيخ جعفر الرشتي رحمة الله عليه أنه قبل ثمانين سنة في زمان لم تكن آنذاك (الجنسية) متعارفة بين الناس التي جاء بها الاستعمار لبلادنا كان هناك جسر علي طريق بغداد قبل الوصول إلي مدينة كربلاء المقدسة بفرسخ واحد، وكذلك كان علي طريق (كربلاء النجف) مكان يدعي ب (خان الهندي)، وهو يبعد عن كربلاء فرسخاً واحداً، يقول الشيخ الرشتي: وكان الزوّار في ذلك الزمان لكثرتهم ينامون علي امتداد جانبي هذا الطريق، أي من الجسر الأبيض حتي كربلاء، ومن كربلاء حتي خان الهندي في الطرف الآخر من المدينة. فانظر كم كان عدد الزائرين آنذاك؟ وهنا نتساءل: أين ذهبت تلك الأعداد الكبيرة من الزوار؟ والجواب: لما أحكمت الحكومات الطائفية المتعصبة قبضتها علي الشيعة، قامت بمنع وقمع كل هذه الجموع من الزائرين، فمنعتهم من زيارة إمامهم أبي عبد الله الحسين عليه السلام وسائر الأئمة الأطهار عليهم السلام، وذلك إما باستخدامهم القوة والبطش، أو بإدخال الأفكار المنحرفة إلي عقول بعض السذّج لكي يصرفوهم عن أئمتهم، إذ أخذوا يروّجون بأن هذه الأعمال والشعائر هي من الخرافات، وتقف حائلاً أمام التقدم والحضارة (المستوردة) وغيرها من الدعاوي الباطلة().

15: إبادة ملايين النخيل

لو وقفت في مدينة عبادان الحدودية، ونظرت إلي الجانب الآخر لنهر شط العرب، لشاهدت مئات الألوف من النخيل واقفة بلا رؤوس، فهذا الحوض الممتد من الفاو إلي القرنة ولمسافة أكثر من 150 كيلومترا، حيث توجد أكبر غابات النخيل في العالم، ويقدر عددها أكثر من (30) ثلاثين مليون نخلة، وتحيي تحت ظلالها ملايين من أشجار الفواكه المتنوعة، تحولت هذه النخيل والأشجار إلي هامات هامدة، ونقلت النخيل الجيدة إلي مزارع أفراد السلطة الطائفية في تكريت، وسامراء، والدور، والراشدية.. وصارت مناطق الشيعة هنا عبارة عن أرض جرداء لا حياة فيها.

16: تشريد حوالي نصف مليون!!

وإذا صعدت شمالاً حيث أهوار الجنوب التي مساحتها (41) ألف كيلومترً مربعً أي أكبر من مساحة لبنان وتعتبر ثامن بيئة مائية في العالم، لما تحتويه من ثروة طبيعية وحيوانية نادرة، ومناظر خلابة حيث غابات القصب والبردي، وملايين الطيور المتنوعة والأسماك، بالإضافة إلي كونها مصدر رزق وحياة لأكثر من نصف مليون شيعي يقطنون فيها منذ أكثر من خمسة آلاف عام، تحولت هذه البيئة بين عشية وضحاها إلي صحراء قاحلة لا أثر للحياة فيها، حيث تم تحويل روافدها المائية شمال مدينة بغداد، وأنُشئت هناك بحيرات واسعة تمتد علي سواحلها القصور والفيلات الجميلة، وصارت منتجعات خاصة للعائلة الحاكمة، وعناصر السلطة المنتمين إلي طائفة محددة علي حساب الشيعة، وتم قتل وسجن وتشريد أكثر من نصف مليون إنسان شيعي ساكن في منطقة الأهوار، وتدمير بيئتهم بالكامل.

17: النهب الفظيع لثروات الجنوب العراقي!!

وإذا وقفت في هذه المنطقة ذات الأهوار سابقاً، والصحراء القاحلة حالياً، وتلفتَ يميناً وشمالاًً لشاهدت أكبر حقول العالم النفطية في الرميلة، والقرنة، والعمارة، والناصرية، ومجنون الذي دفعت شركة توتال الفرنسية قبل عقدين لشرائه لوحده (600) ستمائة مليار دولار تضخ وبكل قوة الذهب الأسود (النفط)، وبطريقة الرمل التي حذرت منها كل المنظمات العلمية ذات العلاقة بهذا الشأن، وخاصة منظمة الأوبك؛ لأن الضخ بهذه الطريقة تعني إنتاج كميات كبيرة من النفط علي حساب عمر البئر وقدرة إنتاجه مستقبلاً، وهذا ليس مهماً بنظر السلطة الطائفية في بغداد، فالمهم إنتاج أكبر قدر ممكن للحصول علي المال الشيعي وقتلهم به.
وامتدت أنابيب النفط آلاف الكيلومترات، لتنقل ثروات الشيعة إلي حيث تبني قصور التكارتة وغيرهم من طائفة معينة، حيث الحياة الفارهة الجميلة، واللعب بالأموال كما يلعب الأطفال بالماء أو التراب المباحيَن، ويضخ الذهب الأسود الشيعي إلي دول عربية مجاورة، وروسيا وغيرها، لشراء مواقفهم السياسية أو بالأحري ضمائرهم في الدفاع عن جلادي الشعب العراقي.
هذه الثروة ترسل إلي تلك الدول لتتقدم وتتطور في الحياة نحو الأفضل، أو تعطي كهبات إلي وسائل الإعلام الأجنبية من: محطات فضائية، وكُتّاب، وأحزاب، وجمعيات، لتقاتل بشراسة بوسائلها الخبرية وغيرها للمحافظة علي أكلة أكباد العراقيين، أما أصحاب الثروة الحقيقية (الشيعة) فهم يعيشون حياة القرون الوسطي بكل ما تحتويه الكلمة من معني، حيث البؤس والفقر والحرمان المقترن بالدم والدموع بشكل متعمد من قبل السلطة المركزية في بغداد التي تتلذذ بقتلهم.

18: وحولوا الجنان إلي صحاري قاحلة

وإذا توجهت شمالاً في المناطق الشيعية الأخري، لوجدت تلك الأرضي الزراعية الواسعة والكثيفة سابقاً، صارت أرضاً قاحلة تكسوها الأملاح، والأنهار جافة لا يوجد فيها إلا الماء القليل في فصل الشتاء فقط. وصدقت صحيفة عكاظ السعودية في مخاطبتها لحكام بغداد: حولنا الصحاري إلي جنان، وحولتم الجنان إلي صحاري قاحلة، فاخجلوا واخسئوا.

19: ضرائب علي زيارة العتبات المقدسة

وعند زيارتك للعتبات المقدسة في النجف وكربلاء، ستشاهد ملايين الزوار من شيعة العالم يتوافدون بشوق للتبرك بزيارة مراقد أئمتهم عليهم السلام، وكل واحد منهم يدفع مئات الدولارات كرسم وضريبة الزيارة للسلطة المركزية الطائفية في بغداد، وعلي سبيل المثال يبلغ عدد الزوار الإيرانيين فقط سبعة آلاف زائر أسبوعياً، يدفع كل فرد ضريبة إلي الحكومة البعثية مقدارها (500) خمسمائة دولار، وهي ثروة تقدر بعشرات الملايين من الدولارات سنوياً وإذا زاد هذا العدد وأضيف إليه زوار سائر الدول فالعائدات تبلغ المليار، إنها عوائد هائلة دون أي عطاء، أو خدمات للزوار من الحكم الطائفي، بل العكس هو الصحيح حيث المراقبة، وتقييد حركتهم، وإحصاء أنفاسهم. أما الشيعة كبشر يشكلون حالياً
80% من سكان العراق بعد انعتاق الأكراد من القهر البعثي وتمتعهم بحريتهم ويعيش العراق علي ثرواتهم النفطية وفق برنامج (النفط مقابل الغذاء)، وتاريخهم المجيد في مقاومة الاحتلال البريطاني في الحرب العالمية الأولي، وتفجيرهم لثورة العشرين التي أعطت العراق الاستقلال في العصر الحديث، إضافة إلي عروبتهم الأصلية فقبائلهم وأنسابهم ضاربة في بطون التاريخ، مع عطائهم العلمي الغزير للإسلام والعروبة والوطن، فبالرغم من كل هذه المزايا وغيرها، تعتبرهم السلطة الطائفية في بغداد مجرد قطعان من مخلوقات غير مؤهلة لا تستحق الحياة، فيعاملون كالعبيد، بل أصبح قتلهم يومياً ولمجرد الهواية في كثير من الأحيان.

20: القتل والإبادة المفرطة

وقتل من الشيعة في الحروب الخارجية العدوانية مع كل من إيران والكويت أكثر من مليون، واستشهد منهم في انتفاضة شعبان 1991 أكثر من ربع مليون، وأعدم أكثر من نصف مليون في الزنزانات الرهيبة، ولا زالت دماؤهم تجري أنهاراً. فدمائهم رخيصة وأموالهم وثرواتهم منهوبة، وكل شيء يعبر عن وجدانهم وله علاقة بدينهم فهو ممنوع عنهم، حتي ممارسة شعائرهم وطقوسهم خلال عشرة أيام في السنة محرمة عليهم.
وفوق هذا وذاك إذا شعرت السلطة المركزية في بغداد بأنهم ليسوا كما يجب في طاعتهم اعتبرتهم أجانب، ويتم تسفيرهم أو يبقوا تحت التهديد بالطرد من البلاد عند الضرورة، فهم أمام خيارات محددة: أما أن يهربوا خارج العراق كما هرب الخمسة ملايين عراقي قبلهم وأغلبهم من الشيعة، ليحل محلهم وفق مخطط مدروس الأربعة ملايين فلسطيني في المستقبل القريب، أو مواطنو الدول العربية الأخري باسم الأخوة العربية أو الاعتقال والزج بهم في السجون وانتظار الموت السريع أو البطيء، أو يكون الشيعي جندياً ضمن تشكيلات السلطة المتعددة والغير منتهية: الجيش، الأمن، الشرطة، الحرس الخاص، الأمن الخاص، فدائيو صدام، أشبال صدام، الحرس الجمهوري، الجيش الشعبي، قوات الطوارئ، جيش القدس … إلخ، ولديه واجب واحد محدد وهو: مراقبة وقتل الإنسان الشيعي().

21: العهد العارفي: المراكز العليا للطائفيين فقط!!

حرم شيعة العراق من التوظيف في المراكز العليا والحساسة في الجيش والوزارات، فعلي سبيل المثال لم نلحظْ أن تسلم شيعي وزارة الداخلية أو وزارة الدفاع وحتي رئاسة أركان الجيش، لم يكن من الشيعة من تقلد هذا المنصب إلا في فترات محدودة جداً، وفي هذا الصدد يقول العقيد الركن أحمد الزيدي: من أهم المعضلات والآفات التي تنخر في روح وعزيمة القوات المسلحة العراقية وركائزها الأساسية: الطائفية، فهي تمارس في الجيش بصورة تكاد تكون علنية، ولا يحتاج إلي جهد كبير لمعرفة المدي الذي وصل إليه التمييز الطائفي داخل القوات المسلحة، فلقد ظلت القيادات الرئيسية داخل القوات المسلحة دوماً بعيدة عن أيدي الضباط الشيعة في كل العهود، كرئاسة أركان الجيش، وقيادات الفرق، والألوية الرئيسية، والمناصب الهامة في وزارة الدفاع إلا نادراً.
وعلي الرغم من أن نسبة الشيعة داخل القوات المسلحة، وخاصة في الوحدات الفعالة تصل أحيانا إلي 85 % فإن نسبة الضباط لا تتعدي 20 %. وفي مسح للدورتين 44 و45 من الكلية العسكرية في عهد الأخوين عارف، كانت الخارطة الاجتماعية للدورتين كما يلي: 20 % من التلاميذ الشيعة من مختلف المحافظات، 45 % من الموصل، 15 % من الرمادي، 10 % من بغداد من مناطق السنة، 10 % أكراد ومسيحيين ويزيديين وتركمان، ولم يكن ذلك يتناسب مع حجم أبناء الطائفة الشيعية التي تشكل في مجموعها أكثر من 60 % من سكان العراق، وفي مسح للدورتين 57 و58 في حكم حزب البعث العراقي، كانت النسبة مقاربة إلي النسبة التي كان يتم القبول علي ضوئها في عهد الأخوين عارف.
لقد بدأ عبد السلام عارف رئاسته بإقصاء الشيعة في الجناح المؤيد له بعد أن تم إقصاء الجناح اليساري. وفي تلك الفترة كان المجلس لقيادة الثورة الذي تشكل يوم 8 شباط يتألف من (18) عضواً، عشرة منهم عسكريون وجميعهم سنة، وثمانية مدنيين خمسة منهم شيعة وثلاثة سنة. ومعني هذا أن السنة في مجلس القيادة كانوا (13) والشيعة خمسة، إلا أن عبد السلام عارف والعسكريين في القيادة ومنهم أحمد حسن البكر وطاهر يحيي ورشيد مصلح نظروا إلي هذه النسبة بعدم الرضا.

22: البهتان الطائفي

وفي (18) تشرين الثاني وفي البيان الأول لحركة عبد السلام عارف أشير إلي هؤلاء بكلمة الشعوبيين، وهو الوصف الذي يستخدمه الطائفيون في الحركة القومية للشخصيات الشيعية. وإن طوراً خطيراً وجديداً من أطوار طائفية الدولة سيبدأ مع انتقال العمل الطائفي ضد الأغلبية الشيعية من السرية والتكتم إلي الإعلان الصارخ وعلي لسان عبد السلام عارف نفسه، فقد عادت مؤسسات الدولة إلي التعامل مع المواطنين العراقيين علي ضوء انتماءاتهم المذهبية، وأخضع المبعوثون إلي الخارج إلي فحص مذهبي، وأغلقت أمام الطلاب الشيعة أبواب الكلية العسكرية من جديد. ولم يسمح إلا للقليل من الضباط الشيعة العبور إلي كلية الأركان. وحصرت المراكز المؤثرة في الدولة بغلاة الطائفية الذين حصروا بدورهم فرص العمل ودرجات الوظيفة، بطائفة دون أخري وبقرية دون أخري، واستخدمت بشكل موسع لفظة الشعوبية لوصف المواطنين الشيعة.

23: طائفية شاملة لكل المجالات

وكان ضباط الشرطة أقسي في ملاحقة البعثيين الشيعة منهم البعثيين السنة، وهو الأمر الذي حدث نفسه للشيوعيين بعد انقلاب 14 رمضان. فقد واجه الشيعة منهم في مراكز التحقيق، وفي المحاكم الخاصة صنوفاً من التعذيب أقسي كثيراً مما واجهه رفاقهم المنحدرون من عوائل سنية. وفي قوائم الفصل والطرد من الوظيفة كان واضحاً أن الاستثناءات مع الشيعة لم تكن بحجم استثناءات رفاقهم السنة في الحالتين.
وكانت قوائم الإعدام قد خصت الشيوعيين الشيعة بشكل خاص، ولم يعدم شيوعي واحد من أصول سنية إلا بعد انتفاضة معسكر الرشيد تموز 1963. مما قد يكون محسوبا علي هامش الصراع علي السلطة.
من جانب آخر أحدثت سياسة التمييز الطائفي انعطافاً أساسياً في اتجاهات الجيل نحو دراسة الفروع العلمية البحتة كالهندسة والطب والعلوم والفيزياء، آملين أن تكون السلطة بدافع الحاجة القصوي لهذه الاختصاصات مضطرة إلي تعيينهم في أجهزة الدولة، وقد ظهر في إحصائية مودعة بوزارة التخطيط أواخر السبعينات أن 80% من حملة الشهادات العليا في الفروع العلمية كانوا من أبناء الشيعة، ولم تكن هذه الإجراءات نهاية الحدود التي كانت ستتوقف عند مشارفها السلطة الطائفية في طورها الجمهوري. فقد ظهر جلياً أن السياسة الجديدة ما بعد عام 1963، كانت تنظر إلي ما أنجزته السلطة الطائفية في طورها الملكي، ولم يكن في أي قطاع حكومي ثمة مجال أو فسحة متروكة لأبناء المذهب المحكوم، مما يعني أن المرحلة الجديدة في طائفية الدولة ستشمل قطاعات غير حكومية. ولعل ذلك هو الذي حصل بالفعل في طائفية التجارة، وطائفية النقابات وطائفية الصحافة وأخيراً طائفية المعارضة.

24: المركب العنصري.. الطائفية الإقليمية

ضمن سياق التمييز الطائفي ضد شعب العراق تحرك الحكام الجمهوريون في نفس الوقت في إطار إقليمي ضيق مما جعل التمييز الطائفي لديهم تمييزاً عنصرياً مركباً سحق خلاله أوليات حقوق الشعب الإنسانية، وهذه قائمة تنطق بهذه الحقيقة مقتبسة من كتاب: (الشيعة والدولة القومية في العراق) ص254:
جدول تأقلم الدولة 19631990
المدينة المنصب الاسم
عانة رئيس جمهورية عبد السلام عارف
عانة رئيس جمهورية عبد الرحمن عارف
تكريت رئيس جمهورية أحمد حسن البكر
تكريت رئيس جمهورية صدام حسين
تكريت رئيس وزراء طاهر يحيي
عانة رئيس وزراء عبد الرحمن البزاز
كبيسة رئيس وزراء عارف الكبيسي
الرمادي رئيس وزراء عبد الرزاق النايف
راوة نائب رئيس وزراء عبد الغني الراوي
راوة وزير عبد الهادي الراوي
راوة وزير محمد عمار الراوي
راوة وزير مسارع الراوي
راوة وزير إبراهيم خليل حسين
راوة وزير فريد فتيان
راوة وزير عبد الرحمن حبيب
راوة وزير ناجح الراوي
راوة وزير سعد عبد الباقي
الدور وزير عزت الدوري
الدور وزير محمد محجوب
حديثة وزير أنور عبد القادر
حديثة وزير مرتضي الحديثي
حديثة وزير نوري فيصل
حديثة وزير حكمت عمر
كبيسة وزير خالد عبد عثمان
الرمادي وزير سعدون غيدان
هيت وزير إبراهيم عبد الرحمن
الفلوجة وزير إبراهيم العبد الله
الفلوجة وزير عبد المجيد الجميلي
الرمادي وزير محمد عايش
الرمادي وزير سعدي عريم
الرمادي وزير عبد اللطيف الدراجي
الرمادي وزير عبد الستار علي الحسين
الرمادي رئيس ديوان رئاسة الجمهورية طارق حمد العبد الله
الرمادي وزير شفيق الدراجي
سامراء وزير شامل السامرائي
سامراء وزير عبد الخالق السامرائي
سامراء وزير عبد الله سلوم
سامراء وزير عبد الله فاضل
سامراء رئيس ديوان رئاسة الجمهورية أحمد السامرائي
سامراء وزير صبحي السامرائي
عانة رئيس ديوان رئاسة الجمهورية بديع شريف
عانة وزير عزيز شريف
عانة وزير عامر عبد الله
عانة وزير عبد المجيد سعيد
عانة وزير خضر عبد الغفور
عانة وزير فخري قدوري
عانة وزير شفيق الكمالي
عانة وزير تايه عبد الكريم
عانة وزير طاهر توفيق
عانة وزير عبد الغني عبد الغفور
عانة وزير رياض إبراهيم حسين
عانة وزير كامل مولود عبد
عانة وكيل وزارة الداخلية حامد العاني
عانة وزير عزت مصطفي
عانة وزير كريم شنتاف
تكريت وزير صلاح عمر
تكريت وزير عدنان خير الله
تكريت وزير حسين كامل
تكريت وزير كامل الياسين
تكريت وزير عبد الفتاح الياسين
تكريت وكيل وزارة الخارجية عبد الملك الياسين
تكريت قيادي برهان الدين عبد الرحمن
تكريت وزير رشيد مصلح
تكريت وزير ذياب العلكاوي
تكريت وزير غالب مولود مخلص
تكريت عضو مجلس قيادة الثورة حردان عبد الغفار
تكريت عضو مجلس قيادة الثورة حماد شهاب
هذا واقع سلطات العراق: طائفية + إقليمية + عمالة + إرهاب = حكم عراقي قومي!!
وما قيل في رئاسة الجمهوريات والوزارات يقال في المحافظين لكل مدن الشيعة والأكراد ويقال في رؤساء الجامعات وقادة الجيش ورؤساء الأقسام وغيرهم من المسئولين.

25: ملاحظة إقليمية!

حين كانت السلطة الطائفية الإقليمية تستبعد لأمر ما مسئولاً عن منصب كانت تستبدل به غيره من نفس قريته (وإقليمه) فحين أبعد عزت مصطفي العاني عن وزارته تم تصعيد أربعة عانيين مكانه في أربع وزارات وحين أعدم عبد الخالق السامرائي للخلافات الداخلية تم تصعيد ثلاثة بدلاً عنه كما تم تعويض مرتضي الحديثي بنوري فيصل الحديثي وحكمت الحديثي!!. نعم، هكذا كانت الروح الإقليمية تحدو المسئولين في العراق الجريح المستباح!.

26: طائفية البكر

وكذلك بالنسبة لأحمد حسن البكر رئيس الجمهورية العراقية بعد انقلاب 17 تموز 1968، الذي لم يحد عن النهج الطائفي المترسخ في إدارة حكم العراق، لخدمة المصالح الغربية وإرضاءً لتركيا العضو الفعال في حلف الناتو. لكنه كان يمارس طائفيته بشكل مخفي، ويتستر عليها علي العكس من سلفه عبد السلام، ويروي العقيد الركن أحمد الزيدي عن طائفية البكر عشرات الأمثلة في كتابه (البناء المعنوي للقوات المسلحة العراقية)، ومنها باختصار: ذات مرة وفي أحد شوارع بغداد أنقذ أحد الضباط امرأة من سائق تاكسي يحاول اغتصابها، فسمع البكر بهذه القصة فأرسل علي الضابط الشهم كي يثني عليه ويكرمه علي عمله هذا، وبالفعل أحضر الضابط أمامه، سأله البكر: ما اسمك؟ أجابه الضابط: سيدي اسمي علي. سأله من أي المحافظات أنت؟ أجابه الضابط: بأنه من إحدي المحافظات التي يقطنها أهل السنة. فقال البكر: اعتقدت بأنك شيعي عندما قلت لي بأن اسمك علي، ولكنني عرفت بأنك لست منهم صدق حدسي، فهؤلاء يقصد الشيعة لا يمكن أن يقوموا بعمل شريف كهذا أبداً؛ لأنهم لم يتربوا علي الشرف والكرامة. هكذا رؤساء حكموا العراق وبهكذا رؤية متوترة عاملوا الأكثرية من الشعب.

27: التفتيش الطائفي في القوات المسلحة

وفي ظل انقلابيي 17 تموز وصل التمييز الطائفي، وخاصة في القوات المسلحة لدرجة إضافة فقرة جديدة للاستمارة السرية التي يجب علي الضابط أن يملأها كل ستة أشهر، وهي الانتماء المذهبي، أي أن يكتب الضابط هل هو شيعي أم سني؟ بينما كانت الاستمارات من قبل تقتصر علي حقل الديانة والقومية فقط.

28: الحقد الطائفي علي الأهوار

إن الحقائق علي أرض الواقع تكشف لنا أبعاد الخطة الخبيثة التي خطط لها النظام، للقضاء علي الحياة في الأهوار التي يعود تاريخها إلي أكثر من خمسة آلاف سنة، وانطلقت منها أولي الحضارات في العالم، حضارة سومر، وتعتبر الأهوار من المناطق المحمية في العالم بموجب القرارات الدولية بشأن حماية البيئة، وكانت الأهوار غنية بالحياة وتحتوي علي قدر كبير من الثروة السمكية التي كانت مصدر الرزق الرئيسي لسكان الأهوار، وفيها من الحيوانات والطيور النادرة في العالم، وكانت الأهوار تغطي أكثر من مائة ألف كيلومتر مربع، أما الآن لم تبق منها إلا ما يقدر ب 1500 كيلومتر مربع فقط، فلم يكترث النظام البائد لا بالنداءات من المنظمات الدولية، ولا لحياة مئات الألوف من أبناء الأهوار الذين حرمهم من أبسط حقوق العيش، فالهاجس الأمني والحقد الطائفي هما اللذان كانا المهيمنين علي التدابير التي شرع النظام بتطبيقها، فكانت النتيجة هجرة السكان من المنطقة هائمين علي وجوهم أمام خيارين كلاهما مرّ: إما إلي إيران كلاجئين، والعيش علي المعونات التي تقدمها الدولة المضيفة، أو العيش في المجمعات القسرية التي شيدها النظام ذات النظام الصارم، والتي هي أشبه بالمعتقلات الكبيرة والشبيهة بتلك التي أنشاها سابقاً لسكان القري والأرياف الكردية، بغية إفراغ الريف الكردي من ساكنيه بعد عمليات الأنفال السيئة الصيت.

29: التحكم حتي بمياه الشرب

وصف تقرير أعدته رسالة العراق هذه السياسة: تتعرض أرياف الجنوب إلي كارثة بسبب من السياسة الإروائية للدكتاتورية ذات الأهداف الأمنية البغيضة، والرامية إلي إفراغ الريف من ساكنيه، وصل حد التحكم حتي بمياه الشرب. ومن خلال التقرير المعد بعناية فائقة نلمح أيضا السياسة الطائفية تبرز بشكلها القبيح، حيث عمد النظام لإنشاء السدود الضخمة التي تستوعب عشرات المليارات من الأمتار المكعبة كسد بادوش (سد صدام حسين) قرب ناحية فايدة التابعة لمحافظة الموصل، وسد الثرثار المعروف والمربوط بقناة مع سد سامراء، والسد العظيم شمال بعقوبة. والعارف بجغرافية العراق يدرك أهمية مواضع هذه السدود ومواقعها، والعشرات غيرها، والغاية التي أنشئت من أجلها في تلك المناطق المختارة بعناية فائقة.

30: سياسة الإرواء الطائفية

وحسب الدراسات والتقارير عن مستقبل البشرية، تشير بأن منطقة الشرق الأوسط علي جدول المناطق التي ستعاني من التصحر، وقلة الماء في المستقبل المنظور، وخاصة بعد إتمام مشروع الغاب التركي في عام 2005 الذي سيتحكم بنسب المياه المتدفقة من دجلة والفرات إلي سورية والعراق، لكن الإجراءات التي باشر النظام باتخاذها لمواجهة المشكلة المائية المقبلة، لم يتخذ فيها جانب الحرص علي مستقبل أبناء العراق بشكل عادل، وجاءت إجراءاته مكملة للنهج الطائفي الذي يقطع فيه الأشواط تلو الأخري بسرعة جنونية، تجعل المراقب للشأن العراقي يقف حائراً مشدوه الفكر لما يخبئه هذا النظام لمستقبل العراق وشيعته، فسياسته الإروائية ليست نزيهة بالمرة، وغير عادلة في توزيع المياه بالتساوي علي مناطق العراق، من خلال تلك السدود التي ستضر بالدرجة الأولي أبناء الطائفة الشيعية في الجنوب.

31: مصادرات لأوقاف الشيعة

ليس خافياًَ علي أي فرد من العراقيين ما مارسته السلطات الطائفية البائدة من مصادرات، واغتصاب طائفي لأوقاف الشيعة، وحرمانهم من أبسط امتيازاتها.. وفيما يلي لقطات عاجلة عن الممارسات الطائفية في الأوقاف:
1: استولت وزارة الأوقاف علي أوقاف الشيعة البكداشية في الحلة.
2: وتسيطر الأوقاف وعلي هذا النحو الطائفي علي واردات الأئمة السنة والشيعة، لكنها تحرم المؤسسات الشيعية من هذه الواردات. إذ المعروف أن أجور الماء والكهرباء والخدمات الأخري للجامع الشيعي تدفع من تبرعات المصلين. وتدفع الأوقاف أجور هذه الخدمات إذا كان الجامع سُنياً. وتستولي الأوقاف بين الحين والآخر علي مساجد شيعية عنوة (استيلائها علي مساجد البصام، وجامع السهلاني في البصرة الذي بُني من تبرعات المصلين) خلافاً للفقه الإسلامي الذي ينص علي عدم جواز التصرف في الوقف إلا حسب ما وقفه الواقف.
3: ويحرم العراقيون المسلمون إذا كانوا شيعة من واردات الأوقاف العامة في سبيل الله، وقد أخفقت مقترحات قدمها علماء الإسلام الشيعة من أجل وحدة المسلمين والمساواة بينهم، أن تكون الأوقاف العامة مشتركاً بين المسلمين شيعة وسنة. وأن تعطي أوقاف أئمة الشيعة للشيعة، وأوقاف أئمة السنة للسنة.
4: وتستولي الأوقاف الحكومية علي رسوم المقابر الشيعية، إلا أنها أي الأوقاف غير مسئولة عن الخدمات التي تحتاجها هذه المقابر.
5: لا تُشمل العوائل الشيعية الفقيرة ببرامج الإسكان والدور التي تقيمها الأوقاف.
6: وتتدني ممارسة التمييز الطائفي في هذه المؤسسة الدينية الحكومية إلي حد حرمان اليتيم العراقي إذا كان شيعياً من حق الدخول إلي مدرسة الميتم الإسلامي التي تديرها الأوقاف.
7: تبني الدولة جوامع في المدن الشيعية، وترسل موظفاً دينياً سنياً يسمي إمام الجامع، فيظل مسجد الدولة فارغاً من المصلين، وقد أخفقت نداءات علماء الشيعة ودعواتهم لأن تبني الدولة الجامع وتترك للمسلمين حرية الصلاة خلف إمامهم، كل علي مذهبه كما هي الحال في الكنائس المسيحية التي تساهم الدولة أيضاً ببنائها.

32: محنة كلية الفقه في النجف الأشرف

ونشير إلي مظهر آخر من مظاهر التمييز الطائفي في المؤسسات الدينية مما جري لكلية الفقه في النجف:
أُجيزت هذه الكلية في أعقاب ثورة 14 تموز وكان وزير المعارف هديب الحاج حمود علي أن تقبل خريجي الثانوية أو طلاب الدراسات الدينية الخاصة. حيث تزدهر في النجف وكربلاء والكاظمية منذ ألف عام.
وقد قبلت الدورات الأولي علي هذا الأساس، حتي انقلاب 8 شباط عام 1963 وإسقاط ثورة 14 تموز، وعودة الدولة إلي سياسة التمييز الطائفي، إذ أُلغيت الفقرة الخاصة بالدراسات الدينية، في محاولة واضحة لاستئصال الشريان الرئيسي الذي تتغذي منه هذه الكلية.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، فقد استكملت حلقة اضطهاد هذه المؤسسة بعد عودة البعث للحكم عام 1968م، إذ جرت مصادرة كلية الفقه، وإلحاقها بالجامعة المستنصرية، وإخضاعها لبرامج التعليم الحزبي الذي يشرف عليه بعثيون غير مسلمين عادة، فانتدبت النجف وفداً لمقابلة وزير التعليم، وعرض الوفد أن تتم مساواة كلية الفقه في النجف مع كلية الإمام الأعظم التي بقيت تتغذي من خريجي المعاهد الدينية التابعة للأوقاف، وشهادتها غير معادلة للثانوية. فلماذا لا يقبل خريجو المدارس الدينية في النجف وكربلاء في كلية الفقه أسوة بزملائهم طلاب المعاهد السنية، والدراسة في النجف وكربلاء كما هو معروف أرقي وأقدم وأشمل في علوم العربية والإسلام.
وعد الوزير أعضاء الوفد أنه خلال أيام سيسعي لتوحيد الحالة. فصدر قرار عن رئيس الجمهورية أحمد حسن البكر بمعادلة الدراسة الدينية في المعاهد السنية بالشهادة الثانوية! وقبول 60% من طلابها في كلية الفقه! وإبقاء طلاب المعاهد الإسلامية الشيعية علي حالتهم، وحرمانهم من حق الدراسة في كلية الفقه!
لقد أراد الوفد أن يتساوي معهد شيعي مع معهد سني في الشروط، فصدر القرار بجعل 60% من طلاب المعهد الشيعي سُنة بعد ترقية شهادتهم إلي مستوي الثانوية!!

33: الطائفية تجهز علي جامعة الكوفة

وتعرضت الكوفة التي ينسب إليها الخط الكوفي، والنحو الكوفي إلي إهمال مقصود. ولم تبذل أية جهود لمنحها أي دور في الحياة العلمية والسياسية. ولم يأت علي ذكرها كاتب، ولم يقف عند مدارسها مفكر.
ولقد فكر نخبة من العلماء المفكرين بإحياء الدور الريادي العلمي للكوفة أواخر الستينات، وبدأت الخطوة الأولي وبرعاية المرجع الأعلي الإمام السيد محسن الحكيم رحمة الله عليه بتشكيل الهيئة التحضيرية لمشروع علمي ضخم تعهد بتمويله المجتمع، وأشارت مستويات التبرع إلي أن الحصيلة ستكون كافية لإقامة أضخم جامعة في الوطن العربي، تلحق بها مساكن الأساتذة، وقري للبحث العلمي ومشاريع إنتاجية؛ لكي تعود الكوفة مرة ثانية عاصمة من عواصم العالم العربي. كما كانت إحدي مراكز الثورة في التاريخ، منذ أن أقام فيها الإمام علي عليه السلام بعد واقعة الجمل إلي أن أعدم فيها قادة ثورة النجف عام 1918، وقصفت الطائرات البريطانية مسجدها الكبير، وقتلت عدداً من المصلين الذين كانوا يستعدون لهجوم علي قوات الاحتلال في ثورة العشرين.
إن السلطة القومية الطائفية بدلاً من أن ترعي مشروعاً علمياً وثقافياً واسعاً كهذا لجأت إلي إصدار قرار عشوائي باعتقال معظم أعضاء الهيئة التأسيسية للمشروع، ومصادرة الأموال التي تبرع بها المواطنون لإقامة جامعة الكوفة.
ومن المثير للاستفزاز أن تقدم السلطة القومية في شباط من عام 1956 علي هدم منارة مسجد الكوفة التي بنيت في منتصف القرن الثاني الهجري. كما هدمت مدخل المسجد بريازته العربية النادرة، دون أن تقدم سبباً (معقولاً) لذلك.
كما اتفقت الأوقاف والآثار العامة علي هدم منارة العبد إحدي مآذن ضريح الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء والتي بناها مرجان مشيد جامع مرجان في بغداد عام 1575 ميلادية. وقد ظلت هذه المأذنة قائمة في مؤخرة الحائر المقدس وسط الجانب الشرقي من الصحن، حتي هدمت عن جهل وضلال عام 1937. وكانت مأذنة متينة البنيان يبلغ قطر قاعدتها حوالي 20 متراً، وترتفع إلي ما يناهز الأربعين متراً. كما كانت مزينة بالفسيفساء النادر والقاشان البديع.

34: نهب عوائد الزيارات الدينية

من جانب آخر فإن العتبات المقدسة وبغض النظر عن قيمتها الدينية، يمكن أن تستخدم في الجذب السياحي حيث صارت السياحة صناعة العصر، وإنعاش اقتصاد البلد دون وقوع المجتمع العراقي بمشكلات المدن السياحية، ودون الحاجة إلي سباق للخيل، أو دور للبغاء، ونواد للقمار، وحانات للمخمورين. فالسائح إلي المدن الإسلامية المقدسة ناسك متعبد يأتيها خاشعاً ويغادرها باكياً.
وإذا كان معروفاً أن ما لا يقل عن مليوني زائر كان يمكن أن يتوجه سنوياً إلي هذه المدن، لو أفسح في المجال لكان عائد العراق في الحد الأدني يزيد علي مليار دولار سنوياً. وكان المفروض بالدولة أن تنهض ببناء مطار علي الأقل في مدينة كربلاء للنقل المباشر بين هذه المدينة ومدن العالم. وأن تعطي سمات الدخول لهذه الزيارة دون تعقيد أو روتين. ولو حدث ذلك لكانت المدن العراقية المقدسة في وضع اقتصادي تستطيع معه أن تردم المستنقع التاريخي الذي يحيط بكربلاء، وأن توقف الرمال الهائجة علي النجف، وأن تبني في سامراء جامعة، وفي الكوفة جامعة، والعراق في كل ذلك هو البلد المزار والقبلة المقصودة.

35: مصادرة حقوق الإنسان ومعاقبة قادة التحرير

إن واقع العراق السياسي والإنساني واقع لا يصدق إلا لمن يشهده رأي العين.. وهو واقع يختلف عن واقع كل دول العالم، فالعراقيين عرفوا منذ عهد النقيب حتي يومنا هذا أنماطاً من المراسيم والإجراءات التي تنزع عن العراقي جنسيته العراقية.
ففي العهد الملكي وحده أصدرت الدولة (37) مرسوماً لمعاقبة أصحاب الرأي الآخر. وانتهت الدولة مؤخراً من مخالفة جميع بنود الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. ودخل العراقيون إلي مهاجرهم أشتاتاً، وشرد نصف مليون إنسان، مطرودين وراء الحدود، بعد أن انتزعت وثائقهم وأموالهم، وحجز أبناؤهم في معسكرات صحراوية، وهاجر من البلاد أكثر من أربعة ملايين مضطرين مقهورين، وحيث يحتفل المغاربة والليبيون والمصريون والشاميون بقادة الجهاد في أقطارهم، تعتم السلطة العراقية والعاملون في المشروع القومي الطائفي علي أسماء قادة الجهاد العراقيين، وزعماء ثورة العشرين، وترتفع درجة العداء إلي مستوي التصفية الجسدية لأعداد من أبناء وأحفاد قادة الجهاد وثورة العشرين، فقد قُتل أو أُعدم الكثير منهم:
* المفكر الإسلامي المجاهد الشهيد آية الله السيد حسن الشيرازي عالم ديني من بيت ومدرسة قائد ثورة العشرين، المرجع محمد تقي الشيرازي.
* المهندس الأستاذ علاء الشهرستاني، من أحفاد هبة الدين الشهرستاني.
* الأستاذ محمد حسين الشهرستاني عالم نووي كذلك، وقد حاولوا إعدامه لكنه أفلت بأعجوبة بعد سجنه عشر سنوات في زنزانة.
* عزيز بن جعفر أبو التمن.
* راهي بن عبد الواحد الحاج سكر.
* عبد الحميد بن علوان الياسري.
* أسعد بن محمد رضا الشبيبي.
* علاء الحيدري، حفيد قائد حركة الجهاد مهدي الحيدري.
* (17) ابناً وحفيداً للإمام السيد محسن الحكيم.
* ومعروف أن أسرة زعيم الحركة الاستقلالية الشيخ مهدي الخالصي عاشت سنين طويلة في المنفي.
* السيد آية الله محمد صادق القزويني الشاهد الأخير من فقهاء التأسيس الوطني سجن في بغداد منذ يوم 8/4/1980، وقد أحرقت مكتبته، وصودر منزله، وبقي خبره مجهولاً حتي سقوط النظام البعثي المقبور.

36: الشيعة وقود المعارضة وضحايا السلطة

كل الحركات والأحزاب السياسية في العراق (باستثناء الأكراد) تعتمد علي قواعد شعبية من الأكثرية الشيعية.. فأكثر أتعاب وتضحيات مرحلة النضال السلبي يتحملها الشيعة، وما أن تحقق المعارضة نصراً سياسياً معيناً أو تصل إلي السلطة.. تري أن جمهور المناضلين وكوادرهم قد أقصوا بطريقة أو بأخري عن مراكز السلطة.. هذا هو ديدن أغلب الحركات والرموز السياسية العراقية..
يقول الأستاذ حنا بطاطو وهو باحث محايد في كتاب الطبقات القديمة: ص92:
إن الشيعة الذين كانوا يمثلون 54% تقريباً من قيادة الحزب في الفترة ما بين 1952 1963،لم يعودوا يمثلون إلا أقل من 6% ما بين 19681970. ولم يدخل بعثي شيعي واحد مجلس قيادة الثورة العراقي ما بين 19681977.
ويقول الأستاذ غسان سلامة وهو باحث محايد أيضاً: إن الحلقة الصغري من قمة الحكم في العراق منذ عام 1968 ليست شيعية علي الإطلاق، ولم يتمثل الشيعة يوماً في أجهزة السلطة العراقية لا الحقيقة منها ولا الشكلية بنسبة تعادل نسبتهم من السكان ().

37: نموذج طائفي في ظل الديمقراطية

يجدر هنا إثبات ما ورد في بعض الصحف حول بعض القرارات الصادرة من (وزارة التعليم العالي) في ظل نظام جديد تعددي تعقد عليه الآمال لاستئصال جذور الطائفية السياسية، فقد جاء في مانشيت الخبر ما نصه تعيين أحد عشر ملحقاً ثقافياً بينهم مقاول! ونقل ثمانية وعشرين أستاذاً جامعياً لأنهم شيعة!!، وتفصيل الخبر هكذا:
كشف أستاذ جامعي رفض الإعلان عن اسمه: إن وزير التعليم العالي السابق وقع قبل ساعات من مغادرته مبني الوزارة علي (11) أمر إداري سري للغاية، تضمنت تعيين ملحقين ثقافيين في عدد من دول العالم خلافاً لكل القيم والضوابط المهنية والعلمية.
وبحسب المعلومات التي أكدها الأستاذ الجامعي ل (البينة): إن وزير التعليم العالي السابق أصدر أوامر سرية عين بموجبها مجموعة من أقاربه وأصدقائه الأعزاء بمناصب ملحقين ثقافيين، علماً أن هؤلاء يعيشون لحظة صدور الأوامر الإدارية خارج العراق، ولم يتشرفوا لحد الآن بزيارة الوطن، كما أن أغلبهم غير منتسب أصلاً للوزارة، وليس محسوباً علي ملاكها الوظيفي، ناهيك عن عدم علاقة هؤلاء ب (صنعة) الثقافة العراقية.
وشر البلية ما يضحك أن أحد هؤلاء يعمل مقاولاً، وأن تعيينه بمنصب ملحق ثقافي قد تم إرضاء لعيون زوجته التي تشغل منصب مدير عام في الوزارة المبجلة!.. من جانب آخر أتضح أن الوزير الراحل أصدر أمراً إدارياً بنقل (28) من حملة شهادة الدكتوراه إلي خارج الوزارة لأنهم من الشيعة!! بالإضافة إلي قيامه بإصدار أمر خاص إلي سكرتيره الشخصي منع بموجبه دخول شخصيات شيعية إلي الوزارة. تري ماذا يفعل لو بقي وزيراً بعد خمس سنوات؟! ().
وليس لنا تعليق علي الخبر سوي أن القوانين الديمقراطية وحدها لا تكفي لمكافحة الطائفية السياسية، بل لابد من تعيين حق كل جهة من الأكثرية والأقليات الكبيرة والصغيرة.
وذكرت الصحف أيضاً: إن وزير الداخلية العراقي وقبل أن يترك منصبه للحكومة المؤقتة قد أحال علي التقاعد ثلاثة عشر مسئولاً شيعيا في الوزارة، وعين بدلهم مسئولين من الأقلية التي ينتمي إليها..
أهكذا تدار أمور وزاراتنا في العراق الجديد؟!.

38: الطائفية الدموية

لم تنحصر الطائفية في إطار مصادرة الحقوق.. بل تعدتها في مراحل عديدة إلي مصادرة الأرواح أيضا.
فالمقابر الجماعية التي فاق عدد ما عثروا عليها المائتين.. والتي انتشرت في مدن وحواضر الأكثرية الشيعية، صورة واضحة من الطائفية الدموية.
وحوالي خمسة ملايين وثمانمائة ألف حالة إعدام وقتل وثائقها محفوظة في مقر (منظمة حقوق الإنسان العراقي) وغيره في بغداد وغيرها، هي صورة أخري عن تلك الطائفية الدموية، وكلها أو أكثر من 90% منها من أبناء الأكثرية المظلومة.
وكذلك ما جري علي أكثر من ثلاثة آلاف وخمسمائة شاب حيث قطعت أذنهم، وأسماؤهم محفوظة في ملفات خاصة لدي المنظمة المذكورة.
والأنكي والأشد إيلاماً هو ما يعانيه العراق الجديد يوميا من حمامات الدم ضد الأكثرية، كالانفجارات المفجعة في يوم عاشوراء بكربلاء والكاظمية عام 1425ه، وكاغتيال رموز الأكثرية من أمثال الشهيد آية الله السيد محمد باقر الحكيم، والأستاذ عز الدين سليم، والدكتورة عقيلة الهاشمي، ومحاولات الاغتيال المتكررة للدكتور أحمد الجلبي، وسماحة السيد حسين الشامي رئيس ديوان الوقف الشيعي، وفضيلة الشيخ جلال الدين الصغير إمام جامع براثا في بغداد، واغتيال العلامة الشيخ حسين الحارثي، واغتيال حوالي 37 أستاذ جامعي وعالم متخصص في مختلف العلوم، حسب ما ورد في تقرير وزير التعليم العالي والبحث العلمي الدكتور طاهر البكاء لقناة العربية في مقابلة خاصة..
وهذه صورة أخري عن الطائفية الدموية المفجعة التي يعاني منها أبناء الأكثرية.
كما أن استمرار عمليات القتل والتهجير للشيعة في مناطق اليوسفية واللطيفية والاسكندرية والحصوة وغيرها، صورة أخري عن هذه الطائفية الإرهابية المخالفة لكل نداءات العقل ومواثيق حقوق الإنسان وأحكام كل الشرائع المقدسة لا سيما الكتاب العزيز والسنة الشريفة..
ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون().

39: إضطهاد الأكراد الفيليين

قدر البعض عدد الأكراد الفيليين في العراق بثلاثة ملايين نسمة، وكلهم شيعة علي الإطلاق، وقد سجل هؤلاء دوراً فاعلا في خدمة العراق وشعبه المسلم.
تعد مأساة الكرد الفيليين مأساة مضاعفة لأنهم كرد وشيعة، وهي ترتبط إلي حد كبير بمأساة العرب من شيعة العراق وترجع إلي جذور تاريخية حيث الصراع السياسي الطويل الذي دار بين الدولتين العثمانية التركية والصفوية الإيرانية، والذي أدي إلي منح أبناء العراق حرية المفاضلة بين التبعية الإيرانية والتبعية التركية، فكان أن اختار قسم من الشعب العراقي التبعية العثمانية وقسم منهم التبعية الإيرانية، ثم جاء نظام الصدامي البائد ليسقط عن الأكراد الفيليين الجنسية العراقية بحجة التبعية الإيرانية مستفيدا من هذه الورقة في صراعه مع إيران.
يقول المطلعون علي هذا الملف إن من أبشع ما أقدم عليه النظام العراقي في تعامله مع الكرد الفيليين هو محاولة مسخ هذه الشريحة الكبيرة من الشعب العراقي الكردي وإنهاء وجودها القومي وترحيلهم من بغداد وسائر المدن العربية العراقية الأخري عن طريق البطش بمئات الآلاف من أبنائها، ولا سيما في السبعينات والثمانينات بتهجيرهم قسرا إلي إيران، وما رافق ذلك من عمليات سبي وقتل لرجالهم ونسائهم وأطفالهم، مما لم يشهد له التاريخ مثيلا ولم يوجد له في العصر شبيها.
كما قام هذا النظام باعتقال وحجز الألوف من الشباب الفيليين وزجهم في سجونه المرعبة، فلا يعرف أحد من ذويهم أو من المنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان عن مصيرهم شيئا حتي الآن.
وقد اتخذ النظام الصدامي من مفهوم التبعية الإيرانية ذريعة لتهجير هؤلاء الكرد الفيليين جماعيا وبالقوة الغاشمة من مناطق سكناهم في بغداد والمدن والقري العراقية الأخري وإلقائهم علي الحدود العراقية الإيرانية قبل وأثناء الحرب بين البلدين 1980-1988، متجاهلا بذلك الحقائق التاريخية التي تؤكد علي أنهم عراقيون، فإن البريطانيبن قاموا بنصب دولة في العراق علي شعب عريق متعدد القوميات والأصول والأديان واللغات حيث تنازعت عليه الأمبراطوريتان الفارسية والتركية العثمانية مئات السنين وتبادلتا التحكم بمصيره عدة مرات في حين ظلت الحياة الروحية والثقافية لأكبر نسبة من سكانه من أهل الشيعة عربا وكردا فيليين مرتبطة بجارتهم إيران. وكان ذلك هو واقع الحال في عموم العراق قبل تأسيس الدولة العراقية وصدور أول قانون للجنسية عام 1924، إذ كان معظم سكان العراق قبل تأسيس الدولة إما من التبعة العثمانية أو التبعة الإيرانية، ولأسباب تتعلق مباشرة بتلكؤ الدولة الإيرانية في مسألة الاعتراف بالدولة العراقية نص قانون الجنسية العراقية علي اعتبار السكان المقيمين ضمن حدود الدولة عراقيين إذا كانوا من رعايا الدولة العثمانية، ووضع القانون المذكور عراقيل في قبول سكان المناطق الجنوبية، ولا سيما القريبة من الحدود الشرقية للدولة كمواطنين عراقيين، وشمل ذلك أفراد القبائل العربية والكردية الفيلية علي حد سواء.
ماذا صنع النظام العراقي بالكرد الفيليين؟
تكشف العديد من الوثائق عن القرار الذي أصدره النظام الصدامي البائد بتسفير أو طرد العراقيين من أصحاب التبعية الإيرانية وقد جري تنفيذ هذا القرار الجائر بصورة بالغة التعسف مما أدي إلي العديد من الكوارث الإنسانية التي شملت اقتلاع أكثر من مائتي ألف من الأكراد الفيليين وأضعافهم من الشعية العرب النفي من بلادهم ومسقط رأسهم ووطنهم بعد مصادرة أموالهم المنقولة وغير المنقولة وإتلاف مستندات انتمائهم لوطنهم.
وقد أشار هؤلاء الضحايا وشهود العيان إضافة إلي ما وثقه عدد من الباحثين والمنظمات القانونية والإنسانية إلي إجبارهم علي السير علي حقول الألغام أيام الحرب العراقية الإيرانية لتنفجر بهم لأغراض تمهيد الطريق للوحدات العسكرية في جبهة الحرب مما أدي إلي اختفاء آثار الآلاف من هؤلاء المساكين.
كما يقال إن الدوائر الاستخبارية استخدمت عددا منهم كمادة حية في تجاربها العسكرية الكيماوية والبيولوجية، كما تعرض الآلاف من الكرد الفيليين إلي صنوف التعذيب البشع في سجون صدام الرهيبة.

40: قرارات الترحيل القسري:

أصدر وزير الداخلية العراقي في عام 1980 قرارا ينص علي تسفير من وصفهم بالإيرانيين الموجودين في القطر ممن حرموهم من الجنسية العراقية، وكذلك من قدم لمعاملة التجنس ولكن لم يبت أمره، وكان المقصود بهم العراقيين من التبعية الإيرانية، كما نص القرار علي الاحتفاظ بشبابهم الذين تتراوح أعمارهم من 18 – 28 سنة، كما أكد القرار علي فتح النار علي كل من يحاول العودة من المسفرين إلي وطنه الأراضي العراقية والذين جري إلقائهم وبطريقة غير إنسانية علي قرب الحدود الإيرانية وفي أوضاع بالغة السوء بعد أن نهبت أموالهم وممتلكاتهم وجري أسر شبابهم من بنين وبنات وأخذهم كرهائن ثم قاموا بإعدامهم جميعا.
وكان من مصاديق الطائفية التي مارسها صدام هو إجبار الرجال علي تطليق زوجاتهم من التبعية الإيرانية مقابل مبلغ قدره 4000 دينار إذا كان الشخص عسكريا، و2500 دينار إذا كان مدنيا، وذلك عند طلاق زوجته أو تسفيرها إلي خارج القطر، وقد اشترط النظام من أجل منح المبلغ ثبوت حالة الطلاق أو التسفير بتأييد من الجهات الرسمية المختصة وإجراء عقد زواج جديد من عراقية، كما ألزم الشخص الذي استفاد من قرار مجلس قيادة الثورة أعلاه بعدم الزواج ثانية من إيرانية وفي حالة زواجه يسترد منه كامل المبلغ().

الفصل الخامس لكل سؤال جواب

الفصل الخامس لكل سؤال جواب

العلم خزائن، ومفاتيحه السؤال فاسألوا رحمكم الله، فإنه تؤجر بها أربعة:
السائل والمتكلم والمستمع والمحب لهم
رسول الله صلي الله عليه و اله ()
مفتاح العلم السؤال الإمام الباقر عليه السلام()

لو فقد المرشح الكفوء

س1: لو فقدنا المرشح الجامع لشروط الكفاءة فما العمل؟
الجواب: أولاً: ليس من المعقول أن تكون أمة كبيرة تضم بين جنبيها الملايين من النفوس، من ضمنهم الآلاف من السياسيين والجامعيين والمثقفين، كيف يمكن أن نقبل أنها عقمت عن إنجاب رجال أكفاء قادرين علي قيادتها إلي بر ألامان؟
ثانياً: لو حدث ذلك وافتقدت الأمة رمزاً كفوءاً معني ذلك أنها تعاني من أزمة حضارية، ويلزم أن تناضل في سبيل رفع المستوي العام والخاص، كي لا تظل فريسة الجهل والتخلف والاستبداد، ومع ارتفاع المستويات تبرز الكفاءات إلي السطح.
ثالثاً: وعلي فرض وقوع ذلك وحدوث الفراغ، فيقوم ظرف اضطراري خاص، وللاضطرار حكم محدد بوقت وحيثيات خاصة، كجواز أكل لحم الخنزير والميتة في ظروف المجاعة، فيجوز تجاوز القواعد إلي الحل الاضطراري، معناه: جواز انتخاب مرشح الأقلية لظرف اضطراري مؤقت، ووفق شروط وضوابط اضطرارية خاصة، ومع قبول القيادة الدينية والمرجعية بذلك.

الحكم الشرعي في انتخاب مرشح الأقلية

س2: هل يجوز من الناحية الشرعية انتخاب مرشح الأقلية؟
الجواب: يختلف الأمر باختلاف المعايير التي ثبتت عليها الأقلية والأكثرية، فاللون والقوم والعشيرة والوجاهة الاجتماعية وما إلي ذلك ليس لها أي تأثير في الواقع الإداري والاجتماعي، وليس هناك ضير أن يتقدم مرشح الأقلية علي مرشح الأكثرية، قال تعالي: ?إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ الله أَتْقَاكُمْ?()، وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: أيها الناس إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم وآدم من تراب، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، وليس لعربي علي أعجمي فضل إلا بالتقوي ().
لكن الحكم الشرعي يختلف فيما إذا كان المعيار دينياً، فالأقلية المسيحية لايجوز أن تحكم الأكثرية المسلمة، والميزان المذهبي خاضع للميزان الديني، فالمذاهب الإسلامية وإن كانت متفقة في الأصول غالباً: فربهم واحد، ودينهم واحد، وكلهم يؤمنون بالأصول الواردة في الكتاب العزيز، إلا أن هذه المذاهب تختلف فيما بينها اختلافاً كبيراً، في مدارسها العقائدية وأحكامها الفقهية، وهذا الاختلاف يترك آثاراً كبيرة في ميول الإنسان ومواقفه ومنظومته الفكرية، فعلي سبيل المثال: لو اختلف اثنان (زوج وزوجة) في قضية ما وراجعا قاضياً يختلف معهما مذهبيا.. فقد يصدر حكماً مخالفاً لمذهبهما فلا يرتضيان حكمه ويبطل قضاءه، ووجوده كعدمه عندهما، إلا إذا أكرها عليه، والمكره معذور. ومثال آخر: فإن الشيعي يعتبر التكتف في الصلاة وقول آمين مبطلاً لها ومخالفة لسنة رسول الله صلي الله عليه و اله، والسني يعتقد خلاف ذلك.
وهذا الخلاف الفقهي يترك أثراً كبيراً في الأحكام السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فالمنتمي إلي مذهب يرفض الخضوع أحياناً وهذا ما يؤكد عليه فقهه ومذهبه لمن ينتمي لمذهب آخر.
فنحن نشترط في القاضي الذي نرجع إليه لفصل الخصومات، والفقيه الذي يفتي، وإمام الجماعة، والوالي الذي يدير الشؤون العامة، أن يكون من مذهب ومدرسة أهل البيت عليهم السلام دون غيرها، وهذا ينسحب علي الشؤون السياسية أيضاً، فلا يمكن أن ننتخب من لا ينتمي إلي هذه المدرسة لمبررات منطقية ومقبولة.

في مواجهة الإرهاب

س3: لو أن عناصر متشددة وشاذة رفضت مرشح الأكثرية وهددت بالإرهاب.. فما العمل؟
الجواب: الإرهاب اليوم أصبح ظاهرة لهذا العصر البائس، الذي طغت فيه لغة القوة والتعسف ومصادرة الحقوق، فلو أن عناصر إرهابية منتمية إلي الأكثرية أو الأقلية هددت خط الأكثرية والواقع الديمقراطي الذي تنشده، فيلزم:
1- دراسة جذور هذه الظاهرة اقتصادياً وثقافياً وتنظيمياً.. ومكافحة تلك الجذور بالطرق السلمية والعقلانية، فالفقر ومصادرة الحقوق، والتهميش ومنطق المعاقبة، والغرور المؤدي إلي استصغار الآخرين، وغير ذلك من الأساليب الفجة، هي من الأسباب المؤدية إلي الإرهاب. أما الحوار والمنطق، والاحترام المتبادل يسد علي العمليات الإرهابية طريقها.
2- يلزم التثقيف العام لنبذ كل أنواع العنف وأساليبه ومراحله، كما يلزم التثقيف العام أمنياً.. فالشعب هو الأقدر علي مكافحة الظواهر السلبية في الأمة.
3- وعلي كل الأحوال يلزم مكافحة الإرهاب لا الرضوخ له.. فالعدل والحقوق الديمقراطية المشروعة، هي الكفيلة بإنقاذ الوضع المتردي لا الإرهاب الذي يشنه بعض الشاذين من الشعب أو الدخلاء عليه.

دعم القوي الخارجية للأقلية

س4: ما العمل في مواجهة الدعم الأجنبي للأقلية؟
الجواب: إن من طبيعة الأقلية تاريخياً في كل بلاد العالم أن تستند إلي قوي أجنبية من خارج الوطن.. ولا علاج لذلك إلا وعي الشعب لمواجهة هذه الظاهرة، ورفض خط ومرشح الأقلية الذي يريد تجاوز الأكثرية وفرض نفسه.
ويلزم التحرك من قبل خط الأكثرية وقواه المختلفة للتفاوض والتحالف والحوار مع القوي التي تستند إليها الأقلية، ومحاولة الوصول إلي حل سلمي وإقناعها بأن مرشح الأكثرية هو الضمان لأمن المنطقة وللشعب ومجاوريه وحلفاءه.

مرشح الأقلية الأكفأ

س5: قد يكون مرشح الأقلية أكفأ واعقل واثقف من مرشح الأكثرية في العمل؟
الجواب: سوف لن ترشح الأكثرية عنصراً واحداً أو اثنين، إنها هي الأوسع شعبية في الوطن وتمتلك من الأكفاء الكثير، فلِمَ نسد الطريق أمام من يريد ترشيح نفسه من الأكثرية أو الأقلية، فهل الأمة عقيمة فلا تمتلك الرجال الأكفاء؟ أم أن الأجواء الخانقة تسد الطريق أمام من يريد ترشيح نفسه؟
فمرشح الأقلية مهما بلغت كفاءته، فإن في الأكثرية رجال إن لم يكونوا أكفاء منه، فهم ليسوا بأقل منه، هذا أولاً.
وثانياً: إن مرشح الأقلية لا يمثل الشعب وإنما يستند إلي قوي خارجية، فمهما كانت كفاءته فإنه يعجز عن إدارة دولة ديمقراطية حرة.
ولا يمكن القياس بين مرشح كفوء لجهة وغير كفوء من جهة أخري.. بل القياس يكون بين كفوءين من جهتين لا غير، فماذا نقول: في مرشح كفوء لكنه مسيحي يريد أن يحكم بلداً مسلماً، وماذا نعمل وما هو الموقف السليم إذن؟
فاللازم إعداد مرشح كفوء للأكثرية مهما كلف الثمن، وعدم تقديم مرشح الأقلية لأن ذلك سحق لثوابت الديمقراطية المشروعة والعدالة..

انتخاب مرشح الأقلية

س6: فلو انتخبت الأكثرية مرشح الأقلية، فما العمل؟
الجواب: إن ذلك مخالفة صريحة لأحكام الشوري والديمقراطية، ولكن يلزم هذا المرشح أن يعمل كما لو كان من الأكثرية، ولا يمارس أي تمييز طائفي وعنصري.
وعلي الشعب ومؤسساته الدستورية مراقبته ورصد كل تحركاته ومواقفه، ومجابهته بالحقيقة الساطعة فيما لو حاد عن الحق والديمقراطية شبراً واحداً.

التصدع الداخلي

س7: قد يكون موقف الأكثرية متصدعا داخلياً، ومع هذا الواقع يتقدم مرشح الأقلية، فما العمل؟
الجواب: حدث ميدانياً ما يؤكد ذلك.. ففي منطقة يقيم فيها 60% من الأكثرية و40% من الأقلية فاز فيها مرشح الأقلية، لتشتت موقف الأكثرية وتوزعه إلي ثلاث جهات، بينما الأقلية اتفقت علي انتخاب شخص واحد، وتكرر هذا المورد مرات كثيرة، وليس له حل إلا رص الصفوف وتوحيد الكلمة، قال تعالي: ?وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ?()، وتوحيد الصف مسؤولية الجميع لاسيما القيادة السياسية والدينية، وهذا واجب أكيد، وبدونه سيدين التاريخ أهل الحل والعقد المتصدين لإدارة الأمور اليوم.
صمت القيادات
س8: ما هي مسؤولية الأمة فيما لو لزمت القيادات المرجعية والسياسية جانب الصمت وتقدم مرشح الأقلية؟
الجواب: علي كل مواطن مسلماً كان أو غير مسلم، شيعياً كان أو سنياً، من الأقلية أو الأكثرية، أن يتحمل مسؤوليته الوطنية والتي يدعو إليها كل ضمير حر بالدفاع عن الحقوق والعدالة والتي تدعو إليها نصوص الشريعة الإسلامية الطاهرة.
قال تعالي: ?وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ?().
وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: من لم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم ().
وقال صلي الله عليه و اله: كلكم راع وكل مسئول عن رعيته ().
فلو أن عالماً أو مرجعاً دينياً، أو حزباً سياسياً، أو شخصية لامعة، لم تتحمل مسؤوليتها، أو لم تقتنع بذلك، أو قصرت عن أدائها؛ فإن ذلك لايستدعي تخلي الأمة عن مسؤوليتها مطلقاً، ولا يعتبر ذلك مبرراً لفتح الطريق لحكومة الأقلية في أي بلد من البلاد، والواقع إن الكلمة الأخيرة هي للأمة، وأن مرجعيتها تعجز عن مخالفة مسيرة الأمة الواعية والمتحملة لمسؤوليتها التاريخية.

ارتكاب الخطأ

س9: هل من الممكن أن تخطا الأكثرية وتقع في فخ الأقلية وتنتخب مرشحها، أو تنخدع به مثلاً؟ فما العمل حينئذٍ؟
الجواب: من الممكن أن يستغفل شعب غير واع، أو يخدع بشعارات براقة، ويرتكب خطأً في حق نفسه.. والحل:
أولاً: أن ينصف المنتخب حق الأكثرية التي انتخبته، ولا يمارس بشأنها العنصرية والتمييز بل يخدمها ويفي بوعوده معها.
ثانياً: أن تراقبه المؤسسات الدستورية والشعب كله، ويحاسبه ويكشف أخطاءه، ولا يخضع لقراراته المغايرة لمسيرة الأكثرية وحقوقها الإنسانية.
ثالثاً: أن يسحب الشعب صوته وتأييده فيما لو طغي وأمعن في طغيانه، ويحذر مستقبلاً من تكرار هذا الخطأ الكبير الذي يهوي به إلي مهاوي
الاستبداد.

ادعاء غير مبرهن

س10: لو ادعت الأقلية بأنها أكثرية، فما الواجب علينا كتيار إسلامي وديمقراطي يريد لكل ذي حق حقه؟
الجواب: من حق كل إنسان أن يدعي ما شاء إذا كان مقتنعاً بدعواه.. لكن اللازم إثبات دعواه بالأدلة المنطقية القاطعة..
ادعي الأستاذ محسن عبد الحميد حين تصدي لرئاسة مجلس الحكم الانتقالي: بأن المسلمين السنة أكثر من المسلمين الشيعة في العراق!.
وقال البعض(): (إن محافظة الرمادي تحوي علي 32% من مجموع أراضي العراق)، ولا إشكال علي هذا الكلام، إلا أن نسب الأكثرية والأقلية منوطة بالنفوس لا بمساحات الأرض.
ولو كانت النسب بالمساحات لكان لنا كلام آخر، ونحن نؤكد في كل الأحوال علي قاعدة: (لكل ذي حق حقه) سواء الأقلية أو الأكثرية.
أما بالنسبة لدعوي الأكثرية السنية في العراق فهي تشبه دعوي الأكثرية الشيعية في مصر والسعودية، فحقائق التاريخ ودورات الإحصاء المتكررة في العراق هي التي تضع الحد الفاصل لدعوي الأكثرية الشيعية القطعية.
واليوم، يلزم أن يجري في العراق الجديد مشروع إحصاء جديد قائم علي أساس الأمانة العلمية والوطنية، وترسم الخطط وفقه، فينقطع الكلام حول أي من المذاهب الإسلامية يمثل الأكثر ومن يمثل الأقل، ثم توضع القوانين العادلة وفق ذلك، ويعيش الشعب كله في جو من الأخوة والوئام.

صعود مرشح الأقلية

س11: قد ينتخب السياسيون الممثلون للأكثرية مرشح الأقلية.. فما العمل؟
الجواب: إن (حق الأكثرية) حق لجميع المنتمين إليها، وليس لأي أحد كائناً من كان التنازل عن هذا الحق المشروع.
فلو أن أحزاب الأكثرية ورموزها السياسية واجهت ظروفاً معينة وتنازلت عن حق الأكثرية؛ فإن ذلك لا يعني أن تسير الجماهير مع هؤلاء السياسيين المتنازلين، وكذا القيادات الدينية والعشائرية وغيرها..
وهذا ما حدثت للأسف في ظروف معينة في العراق.. إلا أن ذلك لا يهز ثوابت الديمقراطية والعدالة، وليس مبرراً لمصادرة حق معين، قال صلي الله عليه و اله:
ولا يتوي (يضيع) حق امرؤ مسلم ().

تيار الملكية

س12: لو أن تيار الملكية نمي‌وكسب شرائح كبيرة من الشعب، وهو ينتمي إلي مذهب الأقلية، فما العمل؟
الجواب: الواقع أن الملكية لو ارتضاها شعب معين واقتنع بها()، يلزم أن تكون نابعة من صميمه. فالملكية التي أسست في العراق وحكمته لعقود عديدة من الزمن، قد استوردت من خارج الوطن، ولم تمثل أكثرية شعب العراق، وقد وقع رجالنا في خطأ استراتيجي دون قصد، أدي ذلك الخطأ إلي سيطرة الأقلية حوالي ثمانين عاماً، فالجمهوريات أسست علي تلك الملكية البائدة، أما اليوم فإن قر القرار الشعبي الواقعي علي ذلك، فيلزم تأسيس ملكية جديدة من صميم الشعب فكراً ومذهباً وتاريخاً ونضالاً، وبغير ذلك نتجاوز علي ثوابت الديمقراطية والعدالة، كما لو فرضنا ملكية شيعية في بلد مثل السعودية حيث الأكثرية السنية، فهل يصح هذا؟

المرشح غير الملتزم

س13: قد يكون مرشح الأكثرية نمي‌وتربي في حزب إلحادي أو مدرسة كافرة.. أو أنه لم يلتزم بالثوابت الدينية.. فماذا نصنع؟
الجواب: إن كان ملحدا ينكر الأصول فلا أحد من المسلمين يرتضي حكومته ويحرم انتخابه. أما لو كان فاسقاً بارتكاب بعض المحرمات الشرعية فالأمر مختلف تماماً..
لذا يلزم انتخاب مسلم ملتزم بأحكام الله الشرعية: كالصلاة والصيام وغيرها.
أما إذا لم يلتزم بهذه الفرائض الفردية والواجبة فاللازم رعاية الظروف الموضوعية؛ فإن وجد غيره فبها وان لم يوجد فيلزم أن يكون ملتزماً بالقوانين الشرعية العامة في حقوق الإنسان والإدارة، ورعاية شؤون الأمة، وعدم الجهر بالفسوق مثل شرب الخمر وما شابه، وإن لم يكن ملتزماً بهذه الأحكام أيضاً فلايجوز انتخابه، وليس كفؤاً لقيادة شعب مسلم.

الحجة الشرعية

س14: ما الدليل علي أن إتباع الأكثرية في الانتخابات واجب من الناحية الشرعية؟
الجواب: لثبوت أدلة (الشوري) في الإسلام، فقوله تعالي: ?وَأَمْرُهُمْ شُورَي بَيْنَهُمْ?()، يلازمه أخذ رأي الآخرين والتزام أكثرية الآراء، وإلا فإن لم نلتزم الشوري فقد خالفنا النص، وإن التزمنا رأي الأقلية فقد خالفنا مبدءاً
عقلائياً().
طبعاً ذلك يخص الموضوعات لا الأحكام الشرعية، فلا يجوز العمل بالأكثرية فيما لو قررت إلغاء الصلاة أو الحج أو ما شابه؛ لأنها أحكام وليست موضوعات()، ففي انتخاب مرشح الأكثرية معناه: المشورة مع جماهير الشعب والأخذ برأي أكثره الذي رشح شخصية معينة لتنوب عنه في إدارة شؤونها شريطة رعاية حقوق الأقلية كاملة غير منقوصة، فالآية الكريمة ظاهرة في لزوم تقدم رأي الأكثرية المتمثل في تقديم مرشحها إلي سدة الحكم.

تداخل المعايير

س15: قد تتداخل المعايير في تشخيص الأقلية عن الأكثرية، فما هو الحل؟
الجواب: نعم يقع ذلك حين تتداخل المعايير المختلفة، مثلاً تداخل المعيار القومي مع الديني والمذهبي، مثلاً: يشترك الكردي السني مع العربي السني في مذهبه ويختلف معه في قوميته، وكذا الكردي الشيعي (الفيلي) يشترك مع جمهور الشيعة العرب والتركمان في مذهبه، ويختلف معه في قوميته..
وحل هذه المعضلة مناقشة الموضوع جذرياً، فالمعيار الموحد يعالج المعضلة، فإما أن يكون المعيار قومياً علمانيا أو مذهبياً إسلاميا (وهذا هو الصحيح)، ولايمكن التهاون بكليهما، فيلزم دراسة الموضوع من زاوية أهمية المعيار واستراتيجيته ثم البناء عليه في تشخيص الأكثرية والأقلية، كما يلزم حل هذا الموضوع قانونياً..
وفي العراق إننا نري أن اكبر الدوافع التي يجتمع أو يختلف عليها معظم الشعب هو المعيار المذهبي؛ لأن الانتماء إلي المذهب يعني وحدة التاريخ والجغرافيا، ويعني أيضا التأثير علي سن القوانين وفق قواعد المذهب، ويعني.. نصب المسؤولين في مناصبهم ويعني غير ذلك.. فالانتماء المذهبي هو الأصل ثم القومية والعشيرة واللون وغيرها.. فشعب العراق يقسم هكذا: أكثرية شيعية بمن فيهم من الأكراد والتركمان، وأقلية سنية كبيرة بمن فيهم الأكراد والتركمان أيضاً، وأقليات صغيرة: صابئة ويزيدية ومسيحيون ويهود..
ثم تتقاسم القوميات في داخل الإطار المذهبي حقوقها بالعدالة وفق أطر تنظيمية قانونية وحسب أنظمة الشوري والديمقراطية.
ويمتاز المعيار الديني والمذهبي عن القومية بأنه:
أولاً: اختياري وديمقراطي بمعني أن كل إنسان له أن يمارس حريته كاملة، وينتمي إلي دين ومدرسة ومذهب معين، بينما القومية واللون وما شابه معايير قسرية مفروضة علي الإنسان شاء أم أبي.
ثانياً: إن المعيار الديني عبارة عن مجموعة من القيم الإنسانية والروحية ومبادئ سامية، بينما القومية ليست إلا لغة وموقع جغرافي، والقيم تسمو دائماً علي اللغات والألوان والعنصريات.
ثالثاً: إن الدين والمذهب يتصلان بواقع الإنسان في حياته الدنيا وآخرته، بينما المعايير الأخري كالقوم واللون يتصلان بدنيا الإنسان دون آخرته، وهذه نقطة هامة للغاية مبتنية علي عقائد الإنسان المسلم التي من أساسها الإيمان باليوم الآخر، وتخلق في داخل الإنسان دوافع كبيرة للتقدم الحضاري.
رابعاً: إن في الدين والمذهب حيوية وروح عالية تدفع بالإنسان للتقدم نحو الأمام، فمذهب الإنسان يدفع بصاحبه إلي التضحية والجهاد والنهوض من أجل التقدم الحضاري، بينما القومية واللون وما شابه ليس فيها طاقة الدفع هذه. وإن كان لها شيء من ذلك فالدين مشترك فيها أيضا.
خامساً: إن الدين والمذهب بوتقة لصهر كل الألوان والأجناس والأقوام والشرائح ئتحت راية واحدة، واعتبار من هو خارج عن هذا الإطار أخاً
الناس صنفان: إما أخ لك في الدين، وإما نظير لك في الخلق ()، فالمذهب جامع وموحد للأمة،
وفي التجربة الإسلامية الأولي خير شاهد علي ذلك حيث انصهر الأسود (بلال) والأبيض (صهيب) والعربي والفارسي وغيرهم في بوتقة وحدوية جامعة.
سادساً: ومن الناحية الشرعية لا يجوز الحكم وفق القومية: الناس كأسنان المشط سواء ()، لا فضل لعربي علي عجمي، ولا لعجمي علي عربي، ولا لأحمر علي أسود، ولا لأسود علي أحمر إلا بالتقوي () كما قال رسول الله صلي الله عليه و اله.
فقومية الإنسان ليست معياراً للحكم عليه، بل الكفاءة هي الأصل أي: التقوي والعلم والجهاد، وهذه معايير إنسانية سامية يقوم عليها إسلامنا الحنيف، ووفقها يُقدم أو يُؤخر الإنسان، لا وفق قوميته ودمه وعنصره.

حقوق الأقلية دستورياً

س16: الأقليات تتمتع بكامل حقوقها الإنسانية المقررة في الشريعة (وهي أوسع مما تقرره مواثيق حقوق الإنسان)، ولكن هل للأقلية الحق الدستوري في السيادة علي الأكثرية والاستحواذ علي منصب رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء وغيرهما من مفاصل الحكم؟
الجواب: يلزم حسم الموضوع دستورياً كما أنه محسوم شرعياً، فليس للأقلية دستورياً إشغال ما هو خاص بالأكثرية، وهذا نظير ما لو رشح شيعي للحكم في السعودية التي تسكنها أكثرية سنية، فإن هذا المرشح غير مرشح شرعا وقانونا من أول الأمر، وليس له حق قانوني ودستوري في ذلك إلا في حالتين هما: أن تنمو الأقلية ديمغرافياً وتصبح أكثرية، أو أن يعتنق هذا المرشح مذهب الأكثرية قلباً وقالباً.
نعم، للأقلية حق الترشيح لعضوية البرلمان والمجالس البلدية وما شابه ذلك، التي لزم فيها تمثيل الأقلية، أما رئاسة البلاد فمن حق الأكثرية حصراً.

ما هو المعيار؟

س17: ما هو معيار الأقلية والأكثرية؟
الجواب: المعيار هو الذي يقرره الدين وعقيدة أمة معينة.
نعم، من الممكن أن ينتخب الأكثر من شعب معين معيارا آخر كالقومية مثلاً، إلا أن ذلك يعتبر مخالفاً لموازين الشريعة.
وبناءا علي ذلك: فليس لأحد طريق للانتماء إلي الأكثرية إلا بالانتماء إلي دين ومذهب الأكثرية ليس إلا.
وإذا كان في بلد أفريقي أقلية بيضاء اللون، فالرأي لأكثرية الشعب إن ارتضي حكومة البيض، وكذا في بلد أبيض لو تقدم مرشح أسود اللون، فالرأي الفاصل لصناديق الاقتراع، وليس في ذلك أية غضاضة من الناحية الشرعية.

الأكثرية المبعثرة

إن الأكثرية تكسب اعتباراً في النفوس، وتتحول إلي قوة ضاربة وفاعلة في الساحة فيما لو تشكلت وانصهرت في بوتقة واحدة، فتتحول إلي قوة في مقابل الأقليات، أما لو تبعثرت فينطبق عليها قوله تعالي: ?وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ?()، أي: تضعف شوكتكم.
فالأقليات حتي لو كانت صغيرة ولا تقاس في نسبتها وحجمها إلي الأكثرية، كما لو كانت تمثل واحداً في المائة؛ فإن هذا الأخير مع رص صفوفه وتشكله في وحدة منظمة صلبة وموجهة تكون أقدر وأقوي من الجسد الكبير الموزع إلي أشلاء حتي لو كانت نسبته أقل من واحد في المائة؛ ذلك لأن الاتحاد قوة والتبعثر ضعف، وهذه المسألة عقلية اتفق عليها كل عقلاء العالم، يقول الشاعر:
وإذا افترقن تكسرت آحادا
إن العصي إذا اجتمعن تصلبت
وكنموذج صارخ وعميق في واقع الأمة الإسلامية هو قيام الكيان الصهيوني في قلب الأمة العربية والإسلامية، فهو كيان قوامه 10 ملايين يهودي في العالم 4 منهم في إسرائيل، تحدي هذا الكيان ولا زال كل الأمة الإسلامية البالغ تعدادها حوالي الملياري نسمة، لسبب بسيط وواضح وهام هو تشتت مواقف وطاقات الأمة الإسلامية، وتوحد الكيان الصهيوني (نسبياً) في مقابل أمتنا مما جعله يستأسد ويتحدي، ويرتكب الجرائم، ويطغي أكثر فأكثر.

الأقلية الموحدة في الانتخابات

تظهر قوة الأقلية الموحدة وضعف الأكثرية المبعثرة واضحةً حين تتشتت أصوات الأكثرية في مرشحين أو أكثر، بينما الأقلية الموحدة توجه كل أصواتها إلي مرشح واحد، فثلاثون في المائة من الأقلية تنتخب مرشحاً واحداً، بينما السبعون الباقون وهم الأكثر ينتخبون ثلاثة مرشحين، فكل منهم ينال ثلاثة وعشرين وثلثاً في المائة من الأصوات، فيفوز مرشح الأقلية بثلاثين في المائة من الأصوات، وهذا مصداق جلي لقوله تعالي: ?وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ?().

بين مرشح الأقلية والأكثرية

س18: قد ينبري من يُشكل علي مرشح الأكثرية بالقياس إلي مرشح الأقلية، فيخرج بسؤال يقول: أحياناً يكون مرشح الأقلية كفوءاً وأفضل من مرشح الأكثرية، فعلي الأكثرية أن ترحب به وتنتخبه، أليس هذا هو الصحيح؟
الجواب: كلا، ليس صحيحاً، إنها مخالفة كبيرة؛ ذلك لأن الصالح من الأقلية يقاس بالصالح من الأكثرية لا بالطالح منها، فاللازم إن فقدت الأكثرية كفوءاً يمثلها أن تسعي لترميم النقص وسد الثغرة لا بالتنازل عن الديمقراطية كنظام ودستور واللجوء إلي الاستبداد بتقديم مرشح الأقلية الذي لا يمثل جماهير الشعب العريضة.

الأقلية المدعومة أجنبياً

وغالباً ما تنبري قوي من خارج حدود بلد معين لإسناد أقلية في داخله لترتفع إلي سدة الحكم، فتنفذ بذلك مؤامرة كبيرة ضد قواعد الديمقراطية، وجر البلاد إلي حضيض الاستبداد، وعلي مثل هذا درجت كل الأقليات المستبدة، حيث أن الأقلية لا تحظي علي دعم شعبي داخلي، فتقدم علي التنسيق مع القوي الأجنبية..
وواقعنا في العراق الجديد يقف أمام مفترق طريقين: ديمقراطية مشروعة تحظي بدعم جماهير الأغلبية والمرجعية الدينية، وتضمن للأقليات حقوقها عامة كافية ووافية، أو سلوك طريق مناقض لذلك حكم الأقلية المعتمدة علي قوي من خارج الوطن، فتعيش البلاد في دوامة استبداد، وتتفجر الأزمات يوما بعد آخر!.
أما أن نتخيل أن الأقلية تنصف الأكثرية وتعطيها حقوقها فهذه مغالطة؛ لأن الأقلية التي صادرت حق الأكثرية في الحكم، وهو الحق السياسي المشروع يسهل عليها ازدراد الحقوق الأخري بمنتهي السهولة، وبإلقاء نظرة تأمل علي واقع حكومات الأقلية في العراق تتضح الصورة، وينكشف الواقع الذي لم يخف نفسه يوماً!.

لا إثارة في نظام الأكثرية

س19: وهل أن نظام الأكثرية يثير الأقليات فتهب للإرهاب، ومصادرة الأمن والطمأنينة من البلاد، وعرقلة حركة الدولة والشعب؟
الجواب: لو أن الديمقراطية والعدالة حكمت بلداً فإن الأمن يفرض نفسه.. فلماذا الإرهاب والمقاومة اللا مشروعة حينئذ؟؟ ولتحقيق أي هدف؟؟ هل لإيصال الأقلية إلي الحكم؟؟ هل هذا مطلب منطقي ومشروع؟ وجدلاً لو وقعنا في المحذور، واصطدمنا بدوامة عمليات الإرهاب وسلسلة مؤامرات سياسية، وحملات إعلام استبدادية منظمة، فالواقع أن ذلك لا يعني مصادرة الديمقراطية، وشن حرب عليها، ومبايعة الأقلية للحكم علي رقاب الأكثرية خلافاً للأعراف والقوانين والشريعة، فيلزم مكافحة الظلم والإرهاب ودفع ضريبة تأسيس النظام الديمقراطي مهما غلي الثمن، فالصحيح إذن حكم الأكثرية وتحمل العراقيل والمتاعب ومكافحة المؤامرات..

المرجعية الدينية

س20: وهل المرجعية الدينية في العراق أو غيره هي المسئولة عن النضال لنيل الأكثرية حقوقها؟ بمعني أن غيرها من القواعد الشعبية، والحركات السياسية، والنخبة المثقفة، لا تتحمل أية مسؤولية؟
الجواب: الواقع أن مما لا شك فيه هو أن المرجعية الدينية تتحمل المسؤولية الكبري في الدفاع عن الإسلام، وحقوق الشعب بأكمله، والفقهاء إنما هم حصون الأمة وسور الإسلام.
نعم حصون الأمة بمعني: أنهم يمنعون لحوق أي ضير بها علي مختلف الصعد، فهم أمان شعبهم وقواعدهم من النزاعات والأزمات، وهم الحصن المنيع الذي يقي الأمة من كل سوء، وهم سور الإسلام يحفظونه من البدع، ومن كل ما قد يسيء إليه.
فالمرجعية الدينية مسئولة أولاً وبالذات عن الدفاع عن حقوق الأكثرية المنتمية إليها، والملتزمة بتعاليمها وإرشاداتها..

شوري الفقهاء لنيل الحقوق

وإن اجتماع كلمة المرجعية الدينية العليا سواء كانت داخل الوطن أم خارجه، وسواء كانت واسعة الشعبية وحائزة علي أكثرية المقلدين أم لا؟ فإن اجتماع مراجع الدين الكبار في (مجلس شوري للتنسيق) يوحد جهودهم ويصدرون منه بقرارات وفق أكثرية الآراء. إن هذا الاجتماع هو الأقدر علي قيادة الساحة الإسلامية والسياسية، وأن مسلك (المرجع الأوحد) يتسبب في انفصال قطاعات من الشعب عن قراره، بينما الشوري توحدها حيث إن الرأي واحد للأكثرية يصدر من مجلس واحد للمرجعية().
ومن جهة أخري تقطع الذرائع أمام أي فرد أو جهة في المجتمع، لو أرادت التمرد علي قرار المجلس بذريعة أن المرجعية ممزقة غير موحدة الرأي والقرار.. كما هو الحال اليوم، وكما نراه أحيانا في هلال شهر شوال وثبوت العيد أو عدم ثبوته.
فالمرجعية الدينية هي الأقدر علي تهيئة الأرضية لنيل الأكثرية حقوقها السياسية، واجتماع رموزها مطلب كل الجماهير أو أكثريتها..

كلكم راع

نعم الكل مسئولون.. فلو حدث خلل أو تشتت في القرار المرجعي، أو واجه الشعب فراغا سياسياً، فلا يدري ما رأي المرجع الديني حول الأكثرية أو أي أمر آخر. إن هذه الثغرة لا تعني أن الأمة غير مسئولة فإن حق الأكثرية حق عام يشترك فيه كل فرد في الشعب ينتمي إلي جبهة هذه الأكثرية، وليس لأحد التنازل عن هذا الحق، كما ليس له التواني عن الجهاد لنيل هذا الحق، فالكل مسئولون والكل ملزمون باتخاذ موقف واضح، والدفاع عنه والتضحية في سبيله بالغالي والنفيس. قال رسول الله صلي الله عليه و اله: من أصبح لا يهتم بأمور المسلمين فليس منهم … ().
أما تبريرات بعض الأفراد فمرفوضة بالكامل حيث يقول: ماذا يؤثر موقفي؟ ولم لا يتصدي الآخرون؟ وغير ذلك، فالمسؤولية آخذة بأعناق الكل سواء أدت المرجعية والرموز والحركات مسؤوليتها أم لم تؤد..
فكل فرد من الشعب يملك صوته.. وهذا الصوت لو وقف مع الأكثرية فإنه مارس حقه الديمقراطي والشرعي، أما لو أهمل أو ساند الأقلية فقد وقف مع الاستبداد والظلم.

التوافقية

س21: وماذا عن التوافقية؟
الجواب: التوافقية ثمرة حوار وتفاهم، وهي ثمرة طيبة وايجابية لظروف استثنائية، حيث الأجواء السياسية لا تتحمل الديمقراطية الشفافة، فتكون سلسلة الاجتماعات المتقدمة لغرض التوافق علي مبادئ معينة توافق الثوابت الديمقراطية ومبادئ العدالة.. أما إذا خالفتها فهو أمر يؤدي إلي هضم الحقوق..
فالتوافقية السلبية المخالفة لثوابت العدالة، تكون كمن يتفق مع الدائن للتنازل عن دينه، أو التوافق مع طفل لمصادرة ماله مقابل قطعة حلوي أو هدية مغرية.. فالتوافق لنيل الحقوق العادلة مطلوب، وخلافه مرفوض جملة وتفصيلاً..
ففي بلد تعيش فيه الأكثرية من دين أو مذهب معين، تؤسس فيه صيغة توافقية لمصادرة حق الأكثرية في رئاسة الجمهورية أو رئاسة الوزراء أو كليهما، فهذا ظلم وتوافق مع من لا يمثل أكثرية الشعب وغير شرعي.. فالأكثرية حق لكل من ينتسب إليها، وليس لأحد أن يتنازل عنها أو يتفق خلافاً لمبادئها وثوابتها..
وأما ما حدث في وطننا حيث وقع التنافس بين عضوين من الأقلية()، مع عدم ترشيح ولا عضو واحد من الأكثرية، فهذا توافق مخالف للعدالة، ولا يصح ما يقال: من أن الظروف الاستثنائية والقاسية التي تمر بالعراق الجريح هي التي أفرزت هذه التوافقية، إنها مرفوضة في كل الأحوال.. والإشكال هنا علي الصيغة التوافقية وليس علي المرشحين المتنافسين.

المحاصصة العادلة

س22: وهل المحاصصة أمر منطقي ومقبول؟
الجواب: المحاصصة بمعني أن ينال كل ذي حق حقه، وهذه عين العدالة ويطلق عليها (المحاصصة العادلة)، وقد تكون المحاصصة غير عادلة بحيث ينال البعض من حقوق الآخرين، ويحرم صاحب الحق من حقه كاملاً أو نسبياً وهذه محاصصة جائرة، فكل شريكين أو أكثر في مشروع اقتصادي أو سياسي ينالان حقهما حسب القواعد والأصول، فلو أن شريكا أرصد عشرة ملايين والآخر خمسة ملايين، فمن الواضح أن الأول ينال ضعف النسبة من الأرباح، وهذه محاصصة عقلائية وعادلة، فيما لو كانت جهوده وإدارته ومساهماته الأخري تعادل ضعف شريكه أيضاً.
وفي السياسة كذلك، فلو أن الأكراد في العراق وهم داخل إطار قوميتهم أكثرية سنية وأقلية شيعية يشكلون نسبة 18 % من عموم نسبة الشعب العراقي، فيكون حقهم الطبيعي 18 % من نسبة الوزارات، ونسبة المالية، ونسبة أعضاء الجمعية الوطنية، وأقل من ذلك هضم لحقهم وأكثر منه هضم لحق غيرهم.
وكذلك السنة العرب، والشيعة الذين هم الأكثرية 65 % مثلا، فحين اشترك الشيعة في مجلس الحكم الانتقالي 13 عضو من أصل 25 أي 52 %، فهذا إجحاف سياسي بحقهم، وجري هذا الإجحاف في تعيين الوزراء أيضاً، هذه محاصصة جائرة مخالفة لقوله تعالي: ?وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ?()، وقول رسول الله صلي الله عليه و اله: لئلا يتوي حق امرؤ مسلم () أي لايضيع، وكذا في الهيئة الاستشارية حيث أعطي الشيعة 40% فقط.
فالمحاصصة العادلة مطلوبة وليس فيها غضاضة، بل هي تقسيم منطقي لحصص كل جماعة من شرائح هذا الوطن، وبدون هذه المحاصصة العادلة تقع حصراً محاصصة جائرة غير معلنة، تحبك خيوطها خلف الكواليس، وتسحق خلالها حقوق الآخرين تحدياً للديمقراطية، ولأحكام الشريعة الإسلامية والقوانين الدولية، وهذا ما أثبته تاريخ العراق الملكي والجمهوري الحديث، وتسير الأمور عليه في مرحلة الحكومة الموقتة، ويتسبب في إشعال الاضطرابات وزعزعة الاستقرار، وإيقاع البلاد في دوامة الظلم وإراقة الدماء.

تكون الأكثرية والأقلية

س23: كيف تتكون الأكثرية والأقلية؟
الجواب: الأكثرية والأقلية تتكونان بناءً علي أسس عرقية، أو مناطقية، أو عقائدية، أو لونية، تتكون علي أساسها علاقات اجتماعية واقتصادية وسياسية، ويندفع الفرد إلي بني جلدته أكثر مما ينسجم مع غيرهم، ويكون لكل جماعة عاداتها وتقاليدها وعقائدها، فتحدد لها ملامح تختلف عن ملامح الجماعات الأخري.
فالذي ينتمي تكوينياً إلي لون معين فهو إلي مشاركيه في اللون أميل، ويحب أصحابه ويضحي في سبيلهم، ولا يقدم أحداً أو جماعة عليهم، وما قيل في اللون يقال في الخصائص والمميزات الأخري.. وأهمها هو (المعتقد) حيث أنه يؤثر علي السلوك والمواقف والقرارات، وخصوصاً لو كان لها تاريخ عريق، فالمسلم مثلاً: له تاريخ حافل، وأخلاق خاصة، وعلاقات ومواقف، ومميزات وخصائص، تختلف كثيراً عن خصائص المسيحي واليهودي والوثني وعابد البقر واليزيدي وغيرهم..
وكذا المذاهب المنضوية تحت دين واحد، فإنها تؤثر علي عادات وثقافات وتقاليد أبنائها.. وفي عالم اليوم ووفق أسس عقلائية ثابتة لا يجوز تحكيم فرد من أقلية دينية، أو عرقية، أو دينية، أو مذهبية علي فرد من أكثريتها، وكشاهد علي ذلك فإن حكومة البيض في مختلف البلاد الأفريقية السوداء أمر استبدادي مرفوض، أو حكومة رجل مسلم في بلد مسيحي مثل فرنسا وبريطانيا أمر مرفوض هو الآخر، ومن ينتمي إلي أقلية مذهبية كالسني في بلد أكثريته زيدية كاليمن، أو رجل شيعي في بلد أكثريته سنية مثل السعودية أمر مرفوض، كل الشعوب ترفضه، وقواعد الديمقراطية والعدالة تقتضي احترام رأي الأغلبية التي تنتمي إلي دين أو مذهب معين، وتلزمنا بعدم فرض فرد من الأقلية عليهم.
ومثال آخر: إيران أكثريتها شيعية، هل يرضي أحد من داخلها أو خارجها أن يحكمها رجل ينتمي إلي غير مذهبها، وهل يصح ذلك عقلائياً ودولياً؟ طبعاً لا..
لذلك فإن دستورها نص: علي أن يكون الحاكم مسلماً اثنا عشرياً، ولم يعترض أحد علي ذلك حتي الأقلية السنية في الداخل والخارج.
وكذا السعودية والكويت وكل البلاد في العالم حيث تحكمها الأكثرية، فالولايات المتحدة الأمريكية ديانتها مسيحية ومذهبها العام هو الكاثوليك فنص الدستور علي ذلك بالنسبة لرئيس الجمهورية، والآن نحن أمام معادلات جديدة في العراق، فهل يصح أن ينتخب أو ينصب مرشح الأقلية علي الأكثرية.. وهل هذه ديمقراطية وعدالة؟!.

الضوابط الديمقراطية أولاً

س24: جاء في جريدة البيان الصادرة عن حزب الدعوة الإسلامية في عددها (92) الصادر في 17ربيع الثاني 1425 ه / 5 حزيران 2004م، وتحت عنوان: (ماذا ينتظر الشعب من الحكومة المؤقتة) ما نصه: فإننا إذن إذا ما رأينا خطوات تسير باتجاه تحقيق حكومات الوطن والشعب، لا يهمنا من يقود سفينة الوطن إلي مرفأ الأمان علي شاطئ الأهداف الوطنية، أنحن أم غيرنا، ولو أن الاستبعاد لا يخدم القضية الوطنية، إلا إننا نلتزم بتجاوز هذه المسألة إذا ما رأينا سلامة المسار ولو علي النحو الأعم … هل هذا صحيح؟
الجواب: إن هذه العبارات لا شك أنها تنم عن روح وطنية، إلا أنها تعتبر صحيحة ومقبولة فيما لو خضعت لضوابط الديمقراطية والعدالة، حيث إن الخطوات التي تسير باتجاه تحقيق طموحات الوطن والشعب يلزم أن لا تكون بعيدة عن من ينفذ هذه الخطوات، هل إنه يمثل أكثرية الشعب أم إحدي أقلياته؟
فإن تحقيق خطوات إيجابية بقيادة الأقلية فهذا انتهاك للديمقراطية، وإن كانت الخطوات إيجابية ذلك لأن نظام سلطة الأقلية يعني تجاوز الأكثرية الشعبية، وهذا ظلم، واستبداد، والاستبداد منبع كل فساد.
فالخطوات الوطنية ضمن منظومة الاستبداد تنتج ثماراً وطنية وقتية، لكنها مجهولة العواقب ذلك لأن هذه الخطوات تحكم الأقلية، وبتحكم الأقلية تنهار الديمقراطية، وبانهيار الديمقراطية تنحرف المسيرة الوطنية، وقد تصل إلي عواقب وخيمة وتجر الويلات إلي الشعب كما حدث في العقود الماضية، فإذن من غير الصحيح القول: إننا لا يهمنا من يقود سفينة الوطن إلي مرفأ الأمان، حيث هذا القائد إن لم يمثل الأكثرية؛ فإن وطنيته تؤسس قواعد العودة إلي عهود الاستبداد، أما إذا كان المقصود أن هذا القائد لسفينة الوطن إنما هو ممثل للأغلبية، فلا يهمنا أن يكون هو الممثل لها أو واحد آخر غيره من منافسيه الممثلين للأكثرية أيضاً، فالكلام صحيح ولا شبهة فيه..
فالضوابط الديمقراطية أولاً، وليس من حق أحد من الأمة التنازل عنها.

مع مرشح الأقلية بعد انتخابه

س25: قد يقع ما يلزم عدم وقوعه، فما العمل فيما لو ارتقي مرشح الأقلية إلي سدة الحكم؟
الجواب: في الواقع يلزم سن مادة في دستور العراق لمنع ذلك، أما لو وقع ذلك خلافا للدستور ولرأي الأكثرية ف:
1: يلزم أن ترصد المؤسسات الدستورية قرارات وخطوات حكومة الأقلية؛ لتمنع أي خطوة ضد مصلحة الأكثرية. والمؤسسات الدستورية الممثلة في: الأحزاب الحرة، والصحافة، والجمعية الوطنية، و.. هي المحامي الأمين والقدير لحفظ قواعد الديمقراطية وحقوق أكثرية الشعب.
2: ويلزم وزارة حقوق الإنسان أن تتحلي باليقظة والحذر؛ لئلا يصدر أي قرار من حكومة الأقلية قد يؤثر علي مصلحة وكيان الأكثرية من الشعب، ويلزم أن يكون لها آليات في حماية الوضع الديمقراطي، وضمان حقوق الأكثرية وكل الأقليات.
3: ويلزم أن تحفظ حقوق المواطنة للجميع، ولا سيما حقوق الأكثرية في حصتها من الحقائب الوزارية، ومن المالية، والثقافة، والتربية والتعليم، والأوقاف، والإعلام، فلا يفرض عليها ثقافة الأقلية في المدارس والجامعات والإعلام، ولا يصادر أوقافها، ولا يفرض عليها قضاة من الأقلية، كما يلزم أن يكون مدراء المؤسسات والمحافظون من أكثرية كل محافظة، لا أن يفرض من أقليتها محافظ، أو يصدر إليها محافظ من غير حدود محافظتها!
4: ويلزم أن تحاسب الجمعية الوطنية المسئولين الأقليين الذين يحكمون الأكثرية، وبدون المحاسبة تتكرر الأخطاء وتصدر قرارات ضد الأكثرية، كما كان ديدن الحكومات الملكية والجمهورية البائدة.

تهمة الطائفية

س26: من يعمل لإرجاع الحقوق إلي نصابها يتهم بالطائفية، وهي تهمة مشينة فماذا نعمل؟
الجواب: إن العكس هو الصحيح، فالذي يواجه العاملين من أجل إحقاق الحق هو الطائفي، وهو الذي يعمل لتثبيت أركان الاستبداد في الوطن، وهذه تهمة قديمة تشهر سيفاً في وجه المطالبين بحق الأكثرية، والمفروض أن لا تنال من عزيمة العاملين، فالرسول الأكرم صلي الله عليه و اله رمي بالسحر، والجنون، والضلال، والكذب. والإمام الحسين عليه السلام أتهم بأنه خارجي ومارق من الدين، وصدرت ضده فتوي من قاضي الكوفة تحدياً لجده الأعظم صلي الله عليه و اله القائل: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة.
والتهمة من أسلحة الطغاة ضد المجاهدين علي طول التاريخ..
والذين يتهمون العاملين للديمقراطية والعدالة بالطائفية، هم عناصر شاذة من الأقلية وعليهم أن يثبتوا براءتهم من الطائفية أولاً ثم يتهموا الآخرين، وليست هذه التهمة إلا للحفاظ علي كياناتهم الطائفية، التي هي أشهر من نار علي علم، وأوضح من أن تخفي علي أبسط إنسان عاش في العراق في أي عهد من العهود البائدة.

التحالفات الدولية

س27: قد تبرم الأقلية اتفاقات وتحالفات دولية ومحلية للارتقاء إلي سدة الحكم، فما العمل في مواجهة هذا التخطيط؟
ج: فعلاً أبرمت اتفاقات ومورست ضغوط ونفذت خطط في هذا الصعيد.
وواقع الحال أن ذلك يعني تجاوز أهم ثوابت العدالة والديمقراطية، ومواثيق حقوق الإنسان وضرب الآية الكريمة: ?وَأَمْرُهُمْ شُورَي بَيْنَهُمْ?() عرض الجدار، ولا علاج له إلا التخطيط والعمل الدبلوماسي والإعلامي المركز لإثبات أن الأكثرية في العراق لا تريد غير السلام والأمن، وهي ملتزمة بقواعد حسن الجوار ومواثيق الأمم المتحدة، وأنها لا تهدد مصلحة أية جهة محلية أو دولية، وإنما هدفها النهوض بشعبها وخدمة وطنها، وإقامة دولة عاقلة وديمقراطية في العراق.
إن الأجواء السياسية والإعلامية المحيطة بالأكثرية قد شوهت سمعتها وصورتها، وكأنها بؤرة للتوترات وأنها مصدر كثير من المشاكل، ويلزم علي كل العاملين الجهاد السلمي السياسي والإعلامي لإثبات خلاف ذلك، وإلا فإن شبح حكم الأكثرية في العراق يرعب بعض محاور القوي المحلية والدولية، فكما تحركت الأقلية يجب علي الأكثرية أداء نفس الدور إيجابياً، وبدونه لا يمكن استرجاع الحق السياسي المشروع لهذه الأكثرية المظلومة.

ضمان حقوق الأقليات

س28: إن لم تستطع الأكثرية في العراق أو غيره من المحافظة علي حقوقها فكيف يضمن حقوق الأقليات من طغيان الأكثرية المحتمل؟
الجواب: من الطبيعي أن يرد احتمال (ديكتاتورية الأكثرية) إن لم يواجه عبر وسائل وقائية وعلاجية عديدة، فيلزم:
1: مكافحة ثقافة الاستبداد القومي والطائفي في الأمة، وإحلال ثقافة التعايش والمحبة محلها، ونحن كإسلاميين مبدئيين نري أن الناس سواسية كأسنان المشط كما قال رسول الله صلي الله عليه و اله، ?إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ?() كما جاء في التنزيل، وقال علي عليه السلام: الناس صنفان: إما أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق، فالجميع أخوة لأب وأم هما: آدم وحواء ?، فيحرم علي الإنسان المسلم أن يضطهد أخاه الإنسان مسلماً كان أم غير مسلم، قال رسول الله صلي الله عليه و اله: من آذي ذمياً فقد آذاني.
مثل هذه الثقافة الإنسانية علاج جذري لكل أنواع الظلم السياسي والاجتماعي.
2: إن الحريات السياسية والإعلامية سد أمام الحكومات من التمادي في الظلم، فالتعددية السياسية تخلق التنافس السياسي، والحاكم المنتخب من أكثرية الأمة يحذر من فقدان رصيده الشعبي والسياسي إن ارتكب ما يخالف القانون.. فهو يعجز مما يصبو إليه من الظلم، ثم إن الإعلام الحر السليم حارس لحقوق المواطنين من الأقليات وغيرها، ويقعد بالمرصاد من الحاكم وأعوانه.
3: ويلزم علي أعضاء الجمعية الوطنية المنتخبة من أكثرية الجماهير وأقلياتها أن تراقب الرئيس، ورئيس وزرائه، والوزراء، والمسئولين، فكل من يرتكب أدني خطأ مقصوداً كان أو غير مقصود ضد أي فرد من المواطنين.. يلزم أن يحاسب علي خطأه، ويتعهد بعدم العودة إلي مثله، وإلا فسيخضع لإجراءات قانونية جزائية..
4: ويلزم علي وزارة حقوق الإنسان أن تدافع عن الأقليات جميعها مضافاً إلي الأكثرية.. كما يلزم أن تستقبل شكاوي المواطنين، وترتب الأثر الإيجابي والسريع عليها.
وهكذا تحفظ كل الحقوق في الوطن ميدانياً وعملياً، بعدما روعيت في سن الدستور وتشريع القوانين نظرياً.
5: كما يلزم علي كل جهة تحتمل انتهاك حقوقها أن تؤسس المنظمات واللجان المدافعة عنها، وهذا حق يضمنه الشرع والقانون لكل المواطنين.

إعطاء كل ذي حق حقه

س29: هل المحاصصة القائمة علي المبادئ الديمقراطية ثم التوافق العادل يعتبر طائفية وسببا لتمزق الأمة، فتعالج الطائفية السياسية غير المعلنة بطائفية سياسية معلنة وأسوء من ذي قبل؟
الجواب: لو اعتبرنا المحاصصة العادلة تمييزاً طائفياً بغيضاً وجب نبذها، أما أن يعطي كل ذي حق حقه بناءاً علي المبادئ الديمقراطية المشروعة والمساواة الإنسانية الحقوقية، والعدالة الاجتماعية الإسلامية، فليس هذا من الطائفية في شيء.
إن المحاصصة العادلة متطابقة مع قواعد الشريعة الإسلامية، ومع الإعلان العالمي لوثيقة حقوق الإنسان..
إن تقسيم الأموال، والمناصب، والحقوق، وفق الضوابط العقلائية أمر يرتضيه الجميع في كل زمان ومكان كتقسيم الورثة لتركة الميت.. فكل من الأم والأولاد من الجنسين له حقه، ولا غضاضة في ذلك، والكل راضون بهذه المحاصصة العادلة.. لأن كل واحد نال حقه الطبيعي، وهذا لا يدعو إلي الانقسامات والحساسيات ثم الاحتراب والعكس صحيح..
إن التمييز الطائفي، ومصادرة الحقوق، والتآمر علي الآخرين، للهيمنة عليهم هو الذي لا يثمر إلا الانقسامات، والتمزقات، والتناحر، والمآسي.
فتقديم الأكثرية إلي المناصب اللائقة بحجمها وكميتها، وإعطائها المناصب والامتيازات، بدون حرمان للأقلية، ودون هضم لحق أحد أمر منطقي يقبله الجميع أيضاً، ومكاسبها الأكثر متناسب مع تضحياتها الأكثر، وعقولها وكفاءاتها، وطاقاتها وقدرتها الميدانية أكثر..
وبمثل توضيحي يتبين الأمر أكثر، فلو أن عشرين رجلاً خرجوا لأداء مناسك الحج، وخمسة عشر منهم سنة وخمسة من شيعة أهل البيت عليهم السلام، واتفقوا علي الصلاة جماعة فمن أي المجموعتين ينتخب الإمام! وكلهم أكفاء حسب الفرض هل من الخمسة عشر أم من الخمسة؟
وهذه المعادلة الصغيرة جارية في كل المعادلات الاستراتيجية، ومناهج التربية، والشؤون الإدارية، والاقتصادية، والسياسية في كل البلاد.
فالمحاصصة العادلة وتحت مظلة (إنما المؤمنون إخوة)، و (وتعاونوا علي البر والتقوي)، و (وأمرهم شوري بينهم)، تبدو منطقية ومقبولة وفق أنظمة الديمقراطية في كل العالم.
والتجربة اللبنانية التي سبقتها حمامات دم فظيعة تبدو ناجحة اليوم تماماً.. فلكل طائفة حقها المتفق عليه، والحقيقة الثابتة في الحياة السياسية العراقية هي إن الطائفية تفرض نفسها حتي علي الثوابت الديمقراطية، والطائفيون يمارسونها بكل وقاحة ولكن دون إعلان.. بل يصحبها تهريج إعلامي لإدانة الطائفية مع أن السياسيين غارقون إلي أذقانهم في أوحالها.
فلو أن الدستور العراقي والسلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية اكتفت بضوابط الديمقراطية فقط كعلاج لمرض الطائفية المزمن؛ فإن مياهه الموبؤة ستجري من تحت أرجلها، وخيوط المؤامرات الطائفية تحاك في الظلام وبسرية واتفاق، وتجر البلاد إلي مآسي لا يحمد عقباها؛ ذلك لأن الطائفية السياسية متجذرة في أرض هذا الوطن، وهذا أوضح من الشمس في رابعة النهار.
فتقنين المحاصصة العادلة في اجتماعات توافقية ضرورة لاستئصال جذور هذا الداء العضال.

من الذي يرفض العدالة؟

س30: من الذي يرفض المحاصصة العادلة؟
الجواب: إن الذي يفكر ويخطط لينال أكثر من حصته، هو الذي يرفض التقسيم العادل للحصص والخاضع لقواعد الديمقراطية.. ويمكن أن يرفضها من يخشي أن تلصق به تهمة الطائفية بغير حق، لكن الواقع أن الذي يفعل ذلك يخلط بين مفهومي (التمييز الطائفي) و(توزيع الحقوق بعدالة).. فالمحاصصة أمر منطقي ومقبول وديمقراطي في نفس الوقت.

الفصل السادس تحكيم الأكثرية استجابة لمنطق العقل والشرع والديمقراطية

الفصل السادس تحكيم الأكثرية استجابة لمنطق العقل والشرع والديمقراطية

? وما تشاور قوم إلا هدوا إلي رشدهم
حديث شريف
? إن تقديم رأي الأكثرية هو من مستلزمات المشورة المقررة
في الكتاب والسنة والإجماع والعقل
موسوعة (الفقه): الحكم في الإسلام ص47
بما أننا ندعو إلي الأخذ بالأكثرية ومطاليبها أوردنا هنا بحثا حول (رأي الأكثرية) في المجلس الذي يشترك فيه جمع من الفقهاء أو من البروفيسورية أو الأطباء أو علماء الذرة أو أية جهة أخري علمية كانت أو اجتماعية أو شعبية، فإن الأخذ برأي الأكثرية أمر عقلائي ومنطقي وخلافه معناه الصريح: ديكتاتورية الأقلية، وهي أمر مرفوض وقبيح.
من هذا المنطلق جاء البحث القادم:

و أمرهم شوري بينهم

إن من لوازم (الشوري) الأخذ بالأكثرية وإلا تفقد (الشوري) معناها ومصداقيتها، وتتحول إلي استبداد.. إن تقديم رأي الأكثرية هو من مستلزمات المشورة المقررة في الكتاب والسنة والإجماع والعقل ().
… صحيح أن باستطاعة المسلمين أن يعتمدوا الإجماع ويعملوا به في أمورهم، وبذلك قد اعتمدوا (أصل الشوري) واحترموا رأي الأكثرية، إلا أن اتفاق الآراء وإجماعها علي المسائل التنفيذية أمر غير ممكن، وسيرة رسول الإسلام صلي الله عليه و اله وعلي عليه السلام وسائر قادة الإسلام تؤكد أنهم حين إجراء (الشوري) كانوا يتبنون الرأي الأرجح، ويأخذون بالأكثرية … ().
فقانون (الشوري) حاكم علي (حق الأقلية)، أي: إن الشوري
تضيق نطاق حق الآخرين في تبني أي رأي وحقه محفوظ ما لم يتصادم ورأي الأكثرية.

مبدأ الأكثرية اضطراري وعقلائي

إن مبدأ (الأكثرية) يفرض نفسه؛ لأن في (الموضوعات العامة) نواجه موقفين لا ثالث لهما، وفي كليهما محاذير معينة، فنكون أمام مهم وأهم، وكذا يواجه من يتبني موقف الأقلية هذا الأهم والمهم، فإما أن يختار (المهم) وهو رأيه الذي يوافق الحقيقة في نظره، أو (الأهم) الموافق للأكثرية المخطئة (في نظره أيضاً).
فإتباع هذه (الأكثرية) أمر عقلائي ومنطقي لابد منه، ولا يمكن بحال إقرار رأي الأقلية كقانون عام؛ لأن ذلك استبداد وهضم لحقوق الأكثرية، ولا يمكن أن تقرر أيضاً بصورة استثنائية لأنه لا مرجح لهذا الموضوع علي ذاك حتي يؤخذ برأي الأقلية مرة ويطرح أخري، ولا يمكن طرح الرأيين معاً أو الأخذ بهما معاً.
فكيف نحدد الصواب من الخطأ في مسألة اجتهادية، وكيف نعرف الأصلح من عدمه فيها، وإذا لم يكن رأي الأغلبية هو المعيار والدليل الترجيحي، فما هو الدليل؟ وما هو البديل؟؟ ().

رسول الله صلي الله عليه و اله ومبدأ الأكثرية

وكان رسول الله صلي الله عليه و اله ملتزماً بمبدأ الأكثرية لو لم تخالف نصاً، حتي لو انعقدت مخالفة لرأيه صلي الله عليه و اله، ومن الأحداث الجسام في تاريخ الإسلام التي استشار فيها الرسول صلي الله عليه و اله أصحابه وأخذ بأكثريتهم المعارضة لرأيه:
1: حرب (أُحد) في العام الثالث من الهجرة، حيث جاءت قريش مستعدة لحرب رسول الله صلي الله عليه و اله ونزلت قبل جبل أُحد وعرف النبي صلي الله عليه و اله بقدومها، فاستشار الصحابة مبيناً رأيه الخاص بالبقاء في المدينة، وإذا دخل القوم الأزقة قوتلوا ورموا من فوق البيوت، ولكن الأغلبية رأت الخروج حتي لا يقال عنهم أنهم جبنوا عن لقاء العدو، فلما صلي الرسول صلي الله عليه و اله الجمعة لبس لامة الحرب ثم أذن في الناس بالخروج().
قال المرحوم المحقق العظيم النائيني رحمة الله عليه معلقاً حول موقف النبي صلي الله عليه و اله في الخروج إلي (أُحد): في غزوة (أُحد) مع إن رأي رسول الله صلي الله عليه و اله المبارك وجماعة من أصحابه كان عدم الخروج من المدينة المنورة مرجحاً التحصن فيها، وتبين بعد الحرب أن المصلحة والصواب كان في البقاء في المدينة، ولكن رغم ذلك خرج الرسول من المدينة لكون الأكثرية أيدت ذلك، فتحمل صلي الله عليه و اله تلك المصائب الجليلة ().
2: وكان رأيه صلي الله عليه و اله في حصار الطائف الرجوع،فلم يرض الناس وقالوا: نرحل ولم نفتح علينا الطائف؟ فقال لهم وقد نزل علي رأي الأكثرية: فاغدوا علي القتال، فرجع صلي الله عليه و اله عن رأيه حتي إذا استبان لهم عدم جدوي البقاء قال لهم الرسول صلي الله عليه و اله: إنا قافلون غداً فسروا بذلك وفرحوا().

هل الأكثرية حجة شرعية؟؟

فلو قامت الأدلة الشرعية والعقلية لدي الفقيه علي أن الأكثرية مخالفة لحكم الله، فهل أن الفقيه المعارض محكوم بها؟ وبتعبير آخر: هل الأكثرية حجة شرعية ككتاب الله وسنة رسوله؟؟
الجواب: إن (الأكثرية) ليست حجة شرعية ولا تغير حكم الله؛ ذلك لأن الحجج الشرعية أمور معينة ليست الأكثرية ضمنها، وأن (مباحث الحجة) تبحث (الأحكام) و (الأكثرية) ترد في (الموضوعات)، وأن مئات الروايات والعديد من الآيات الواردة في الشوري إنما تخص (الموضوعات) لا (الأحكام)..
و(الشهرة) الباعثة علي الظن النوعي، والتي هي عبارة عن الأكثرية من الفقهاء ليست حجة كالكتاب والسنة والإجماع والعقل، بل الشهرة حجة من الرواية لا الفتوي، وحتي (الإجماع) لو لم يكشف عن رأي الإمام المعصوم عليه السلام لا يعتبر حجة..
فالأكثرية واردة في الموضوعات، أي في تنفيذ الأحكام، وأدلة الطرفين تكون في كل الأحيان أو أكثرها ظنية، فليس لأقلية بأي حال من الأحوال الادعاء بأن رأيها هو حكم الله الواقعي..
الأكثرية واردة في: هل أن هذه الخطة السلمية أقوي لمواجهة العدو أو العسكرية؟ وهل أن الإعلام يستحق صرف (مليون) دينار سنوياً أو (مليونين)؟.. وغيرها من مئات الموضوعات فلا ربط لها بتغيير أحكام الله.
مضافاً إلي ذلك أن الأقلية من الفقهاء لهم رأيهم المحترم، وحقهم في التحرك علي أوسع نطاق، وشرح أدلتهم لفقهاء الأكثرية، أو كوادرهم، أو القاعدة الجماهيرية، لغرض خلق تيار معارض بنّاء، وتحويل اتجاه الأكثرية إلي اتجاهها..
أما في مقام التنفيذ لا يمكن عقلاً في الواقع الخارجي من الجمع بين الرأيين أو الأخذ بالأقلية و أن العقل البشري لم يستطع حتي الآن أن يبتكر وسيلة يصل بها إلي اتفاق حول الشؤون المشتركة للمجتمع خيراً من مبدأ الأخذ برأي
الأغلبية ().
ولعل الحديث الشريف: خذ بما اشتهر بين أصحابك ودع الشاذ النادر؛ فإن المجمع عليه لا ريب فيه يفهم منه: إن جانب الأكثرية هو الأرجح الذي يلزم تبنيه.. والعلة المذكورة في قوله عليه السلام: فإن المجمع عليه لا ريب فيه تعمم المورد، فلا تختص بالمقام المذكور في الحديث بقرينه قوله عليه السلام: ودع الشاذ النادر مما يدل علي عدم وجود (المجمع عليه) بل أكثرية في مقابلها أقلية شاذة نادرة.. هذا من جهة..
ومن جهة أخري: قد انعقد (بناء العقلاء) علي الأخذ بالأكثرية أيضاً في كل زمان ومكان؛ لأن أتباع (الأكثرية) أمر عقلي لا يختلف فيه اثنان من الموارد التي لا طريق لهما إلا الأقلية أو الأكثرية..
مضافاً إلي ذلك فإن الروايات الداعية إلي لزوم الجماعة، والسلوك في (سبيل المؤمنين)، وحفظ رباط الوحدة، تؤدي الأكثرية أيضاً، كقول الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله: يد الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذَّ إلي النار، ورواية أبي ذر الغفاري (رضوان الله عليه) عن النبي صلي الله عليه و اله أنه قال: اثنان خير من واحد، وثلاث خير من اثنين، وأربعة خير من ثلاثة، فعليكم بالجماعة ()، فلا وجه بحال من الأحوال للأخذ برأي الأقلية في الأحكام الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وأمثالها، فيما لو كان المتشاورون متكافئين.

مبدأ الأكثرية ليس مصادرة لحق الأقلية؟

قد يرد هذا السؤال علي بعض الأذهان، فتعتبر الشوري مصادرة لرأي الأقلية وسحق حقها، وقد ورد في الحديث الشريف: لا تبطل حقوق المسلمين فيما بينهم إلا أن هذا الشعور لا أساس له من الواقع ذلك لأن الأخذ برأي الأكثرية من مستلزمات الشوري.. وإلا فلا تتحقق الشوري وتترك مكانها للاستبداد، والحديث الشريف ليس هذا محله، بل ورد في أمور أخري..
هذا أولاً..
وثانياً: إن الأقلية ليست ثابتة علي جهة معينة، وكذا الأكثرية.. فالأقلية التي يطرح رأيها في مسألة ما، يؤخذ برأي آخر لها غداً فيما لو صَوَّبته الأكثرية، وأن الأكثرية الظافرة في مسألة معينة يطرح رأي بعضها فيما لو وقفت مع الأقلية في مسألة أخري.. فليس هناك قانون عام في الشوري لأخذ رأي جهة معينة ثانية، وطرح رأي جهة أخري، ذلك لأن الأكثرية أو الأقلية ليست لاصقة بجهة معينة وثابتة عليها.. فالحق في نظام الشوري متكافئ، ولا يشعر أحد بأنه مهضوم ومسحوق الكرامة، بل لكل رأي ثقله وقيمته..
وثالثاً: إن نظام الشوري هو الذي رضيت به الأقلية بكامل حريتها، ولا إكراه لها علي ذلك، فالذي اقتنع بأن الشوري واجبة، ملزم بقرار الأكثرية وهل معني الشوري إلا ذلك؟، ومن لم يقتنع بوجوبها وتمامية أدلتها واعتبرها مستحبة، فهو ملزم به أخلاقاً واستحباباً..
رابعاً: وقلنا سابقاً: إنا نواجه حين وقوع الخلاف بين موقفين: مهم وأهم، ولا يسعنا إلا الأخذ بالأهم الذي تقف معه الأكثرية، أي أن (الأكثرية) تحرز الأهمية بالطبع، فيكون رأي الأقلية مهماً.. فيقدم رأي الأكثرية.
وربما صح عقلاً أن يأتي رأي الأكثرية خاطئاً ورأي الأقلية صائباً، ولكن هذا نادر، والنادر لا حكم له، والمفروض شرعاً أن رأي الأكثرية هو الصواب ما دام كلهم يبدي رأيه مجرداً لله، وأساس ذلك آيات وروايات الشوري، ولزوم الجماعة كقوله صلي الله عليه و اله: يد الله مع الجماعة، وفي رواية: سألت الله أن لا تجتمع أمتي علي الضلالة وأعطانيها فالله يسدد دائماً خطأ الجماعة، ويوجهها إلي الرأي السديد ().
وحتي لو افترضنا احتمال خطأ الجماعة فخير لها أن تخطئ وتتعلم من أخطائطها من أن يفرض عليها رأي صائب وخير للجماعات أن تخطئ ف رأي تبديه وهي حرة من أن تفرض عليها آراء صائبة، فإن صوابها يكو مقترناً بإرهاق نفسي، وضغط للإرادة، وذلك أشد ضرراً في تكوين الأمم ().

الأقلية الكفوءة

للكفاءات أهمية كبري في الإسلام، ولقد ورد سيل من الآيات والروايات حول علو شأن العلماء وأفضليتهم علي من سواهم من شرائح الأمة، فقد ورد في الحديث الشريف عن رسول الله صلي الله عليه و اله: فضل العالم علي الجاهل كفضل القمر علي سائر النجوم و ركعتان يصليهما عالم أفضل من سبعين ركعة يصليها عابد و نوم العالم أفضل من عبادة الجاهل و عالم ينتفع بعلمه أفضل من سبعين ألف عابد ().
وهذه الروايات المتواترة وكذا الآيات الكثيرة المبينة لفضل العلم والداعية إلي طلبه وتكريم حامله، تؤكد علي تقديم ذي الكفاءة علي غيره.
ويلزم هنا إثبات بعض الملاحظات بهذا الشأن:
1: إن إحراز الأكفأ أو تشخيص هذا الأكفأ أمر يلفه التعقيد غالباً، وهو تابع للرؤي والمستويات والأذواق، لذلك نري أن الناس يختلفون في من هو أخطب الخطباء، ومن أمهر الأطباء؟ ومن أكفأ الرؤساء؟ ومن هو الأعلم والأقدر في الإدارة؟ فيقع الخلاف الواضح غالباً حول من هو (الأكفأ) ومهما كان نوع الكفاءة: إدارية أو سياسية.
يقول الأستاذ ناصر مكارم الشيرازي: إننا لو أردنا أن نفرق بين ذوي الكفاءات وغيرهم نواجه فقدان الموازين والضوابط الواضحة().. ذلك يلزم الإجماع أو إحراز الأكثرية الساحقة عل تشخيص (الأكفأ) من غيره، كي لايتعرقل عمل الشوري، وينقض أصلها.. ويدب الخلاف في أوساطها..
2: إن (الأكفأ) يقدم علي غيره في مجال كفاءته المتميزة لا في كل مجال، فالأكفأ إدارياً يقدم في مجاله، والأكفأ تخطيطياً يقدم في مجاله الخاص أيضاً.. لا أن يكون أحدهم (الأكفأ) هو الحاكم المطلق والمقدم في كل المجالات علي غيره، فتسقط الشوري ويحل محلها الفردية.. فالسياسيون مثلاً تتعدد كفاءاتهم، ويتميز بعضهم في مجال لا يبرز فيه غيره.. وبالمقابل يكون لغيرهم كفاءة متميزة في مجال آخر والاتفاقات حول تقديم الأكفأ، بأن يكون له صوتان مثلاً في مجاله الخاص.
3: ثم لابد من تحديد (الكفاءات المتميزة) التي يكون لصاحبها ثقل معين، ذلك لأن كفاءة (الطب) مثلاً أو (الهندسة) وأمثالها لا يمكن أن تؤثر علي الضوابط الديمقراطية، بل إن تجارب الجهاد، وممارسة الإدارة وأمثالها هي التي يمكن أن تؤثر في الترشيح والانتخاب وعدمها.

الفصل السابع أين العلاج؟

الفصل السابع أين العلاج؟

? الوعي الإسلامي الحضاري والمشاعر الإنسانية
هي الخطوة الأولي لعلاج مرض الطائفية
? مقترحاتنا العشرون ومبادئ وثيقة (إعلان شيعة العراق)
كمواد دستورية كفيلة باستئصال جذور الأزمة

لابد من الصراحة

إن التغاضي عن واقع الطائفية المزري في العراق، يعني تعريض مصير الوطن والأمة ونهضتها المنشودة للخطر.. يلزم الإقرار أولاً بوجود هذا الواقع الطائفي، ثم علاجه منطقياً وشرعياً في الدستور العراقي ثانياً، وفي كل مرافق الدولة ثالثاً..
والعلاج المنطقي لا يتجلي إلا بالمساواة في الحقوق، ثم إيفاء تلك الحقوق لأصحابها من الأقليات والأكثرية ?لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ?()، كما قال ربنا الكريم..
أما الإغماض والاستحياء من طرح الواقعيات المتجذرة في هذا الوطن، هو فتح طريق واسع أمام الجميع لتتقدم فيه مجموعة من الأقليات الطائفية المدعومة علي حساب الأكثرية المحرومة والمضطهدة تاريخياً..
فقد خرجت من الباب بعد انهيار النظام، وتحاول أن تدخل من منافذ شبابيك الديمقراطية.. مع وجود الجذور، والتاريخ، والقدرة المالية والتنظيمية في سياق الطائفية السياسية في العراق.

كيف نواجه الطائفية

إن الأزمات الكبيرة والمستعصية لا تعالج بقرار.. بل لابد من علاج حضاري شامل.. يتحمل الشعب وقياداته كلها مسؤوليتهم..
والطائفية السياسية في العراق من هذا القبيل، وعلاجها الشمولي يمكن أن يتحقق عبر مراحل وضمن علاجات عديدة كالتالي:
1: يلزم أن يتسلح عموم طبقات الشعب بالثقافة الإسلامية والوطنية الإيجابية.. والثقافة الإيجابية هي منطلق التقدم ووسيلة الشعوب لمكافحة التخلف والتمزق.. فالثقافة بكل تجلياتها ومصاديقها من: محاضرات، ومؤتمرات، وكتب، وندوات، ومناهج تربوية ابتدائية وإعدادية وجامعية، ومراكز دراسات، وما شابه ذلك هي وسائل إيجابية للتثقيف، وتسليح الأمة بسلاح الوعي ضد الطائفية السياسية التي هي أم الفساد في العراق، ويلزم أن يشترك في هذه النهضة كل المرجعيات الدينية، والحركات السياسية، والمؤسسات العامة.
2: كما يلزم سن الدستور الدائم، ثم بناء مؤسسات الدولة، ومؤسسات المجتمع المدني علي أسس العدالة والمساواة، وبالضد الكامل من الطائفية السياسية المستحكمة في تاريخ الحكومات العراقية المتعاقبة.
3: ويلزم تأسيس لجان ومنظمات وجمعيات تختص بمكافحة الطائفية.. وتعمل سلمياً بمختلف الوسائل المؤثرة لمكافحة هذا المرض؛ كي لا يهوي الوطن مرة أخري إلي أوحال الاستبداد الطائفي، فيقع في دوامة التجهيل والتخلف والظلم والمحنة.
4: كما يلزم العمل الدبلوماسي، وعقد الاتفاقات والتحالفات مع الجهات المحلية والدولية، التي تتحسس من تنامي قوة الأكثرية الشيعية في العراق؛ فإن العلاقات الإيجابية، والتعاون مع الجيران، وطمأنة المحاور الإقليمية والدولية من شأنه أن يسند حركة التغيير الوطني الدستوري والبرلماني في هذا البلد، علي النقيض من التمييز الطائفي والاستبداد..
5: كما يلزم من جهة أخري التعامل مع أناس مرنين، ويتميزون بالروح الوطنية العالية، وحب الآخرين سواء من أبناء مذهبه أم غيرهم.. ومثل هؤلاء لو ارتقوا إلي المناصب العليا لا يحرصون علي استبعاد أبناء وطنهم؛ لكونهم من غير مذهبهم، كما تعتبر الكفاءة هي المعيار في إشغال الوظائف الشاغرة، فلا يتعصبوا لبني مذهبهم بل ينظروا إلي الجميع بعين الرضا والمحبة، فلا يتكرر ما ذكرناه آنفاً حول وزارتي الداخلية والتعليم العالي من إعفاء أساتذة ومسئولين لكونهم شيعة!

من يتخذ القرار لبناء مستقبلنا؟

قال رسول الله صلي الله عليه و اله: من أصبح لا يهتم بأمور المسلمين فليس منهم ().
و قال أبو عبد الله الصادق عليه السلام: إنما المؤمنون إخوة، بنو أب وأم وإذا ضرب علي رجل منهم عرق سهر له الآخرون ().
هناك قسم من أفراد المجتمع لا يشغل تفكيرهم: من الذي سيأتي بعد صدام؟ فهم يفضلون الوقوف علي التل دوماً، وينتظرون حتي تأتيهم النتائج جاهزة، والغرب يستغل الفرصة في مثل هذا الوضع الذي يتخلي فيه جزء من الأمة عن واجبه ليعمل علي إزالة صدام مثلاً، ويأتي بشخص آخر عن طريق الانقلاب العسكري وما أشبه وهذا أمر سيئ للغاية..
هنا نتساءل: لماذا لا نُقدّر مستقبلنا بأنفسنا؟
وهذا السؤال موجه لكل فرد من أفراد الأمة، حيث إنهم كلهم يشتركون في صنع المستقبل.

الحكومة المستقبلية

إن الواجب علي كل فرد من أبناء الشعب العراقي أن يساهم بما أوتي من قوة في تشكيل حكومة العراق المستقبلية، عن طريق الانتخابات الحرة النزيهة، التي تجري علي مستوي كل الشعب، واختيار آراء الأكثرية مع مراعاة النسب، فليس من الحق والأنصاف أن يحكم أكثرية العراق وهم الشيعة أشخاص من الأقلية، كما ليس صحيحاً أن تقع الحكومة بيد فريق معين من الأشخاص بلا انتخابات أو تصويت أو شوري.
وهذا الكلام لا يعبر عن الطائفية، بل إن هؤلاء الأقلية هم أخوة لنا، ولكن لا ينبغي لهذه الأخوة أن تضيع حق الشيعة الأكثرية في العراق كما في العهود البائدة، بل الأجدر بهذه الأخوة أن تصلح ما قطعته من جسور وروابط اجتماعية وإسلامية بين الأخوة المسلمين، وأن يكونوا مع أخوتهم الشيعة يداً واحدة لقطع أيادي المستعمرين الطامعين بخيرات العراق وبلاد المسلمين.
ولو اعترض أحد علي كون الحكومة المستقبلية في العراق شيعية، فالاعتراض الذي هو عند الشيعة أقوي، وهو: لماذا تحكم الأقلية الأكثرية وتتسلط عليهم، ولماذا يدّعون الوحدة ويحرمون الأكثرية من حقوقهم؟
إن هذا الأمر ليس مقبولاً، لا في قوانين عالم اليوم، ولا في قوانين الشرع الإسلامي، بل يرفضه حتي القانون الغربي، وذلك بأن تأتي أقلية ضئيلة وتتحكم بمصائر كل جماهير شعب العراق تحت حجج وذرائع واهية، ولا يكون لها حول ولا قوة.
وقد شاهدنا أن الحكام البعثيين في العراق ومن قبلهم كيف يتعاملون مع الأكثرية الشيعية معاملة اتسمت بالغدر والتنكيل والمكر والخديعة، وفي المقابل هناك من الشيعة أناس صعد البعثيون علي أكتافهم بحجة أنهم أخوة للشيعة في الدين، ولم يجن الشيعة من وراء ذلك غير المعاملة السيئة والسب والشتم والكتابة ضدهم، فبمجرد أن يصل أولئك إلي الحكم لا يكون حظ الشيعة إلا السجن والظلم والاضطهاد بلا سبب يذكر().

مع الأمل وبعيداً عن اليأس

قال تعالي: ?وَلاَ تَيْأَسُواْ مِنْ رَّوْحِ الله إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِنْ رَّوْحِ الله إِلاَ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ?().
نعم، يجب أن نشرع بالعمل الجاد، بروح ملؤها الأمل مبتعدين عن اليأس ومتوكلين علي الله عز وجل هذا أولاً.
وثانياً: أن ينتشر العلماء والمبلغون في كل مناطق العراق، ليعملوا علي توعية الشعب وتعريفه بالإسلام والتشيع وبالأخص الشباب؛ لأنهم يمثلون الطاقة النشطة، وبذلك نقطع الطريق علي الأفكار المنحرفة والتيارات التي تسعي للتضليل وشراء الذمم والأصوات.
إذن علينا إذا أردنا أن لا تتكرر المحنة التي وقع فيها العراق اليوم أن نعرّف المجتمع والأمة بالمفاهيم الدينية الصحيحة، وأن ننشر أهداف الإسلام الصحيح والحقيقي بين صفوفها، لكي يعمل الجميع من أجل تحقيق هذه الأهداف في سبيل نشر حكومة الحق المتمثلة بالإسلام().
وثالثاً: تنظيم وتربية الشباب وبث روح الوعي الإسلامي فيهم وتعبئتهم بالأفكار الإسلامية وتسليحهم بها، عندها لا يبقي هناك مجال لدخول الأفكار الشيوعية ولا القومية ولا البعثية ولا التكفيرية الأصولية إلي صفوفهم()؛ لأنهم إنما اعتنقوا هذه الأفكار للفراغ الذهني الذي كان عندهم، فإذا امتلأ هذا الفراغ بالمفاهيم الصحيحة لم يكن هناك وجه للخوف آنذاك من أن يضفي الدين والثقافة الإسلامية طابعها العام الإيجابي علي شكل الحكومة، وكذلك علي الأمة الإسلامية التي تعيش تحت ظل الدولة الإسلامية الكريمة().

صورة الحكومة الإسلامية

أما حول شكل الحكومات الإسلامية في العراق فنوجزها باختصار كالآتي:
أولاً: إن الدين العام للأمة هو الإسلام.
ثانياً: أكثرية أفراد الحكومة من مذهب الأكثرية تبعاً للنسبة، مع رعاية قانون الكفاءة واللياقة بالمنصب.
ثالثاً: إعطاء الأقليات الأخري حقوقها، وعدم تجاهلها بحسب نسبتها، مع مراعاة الكفاءة وغيرها من الشروط اللازمة لذلك.
وبهذا سوف تسود في الأمة الأفكار الإسلامية التي جاء بها الإسلام، ليخرج الناس من الظلمات إلي النور.. والنور الذي تعيش وسطه الأمة سوف يتمثل في اقترابها من الله عز وجل، وتقدمها العلمي الذي يخدمها كثيراً في مسارها التاريخي().

الشعور بالمسؤولية

قال الله تعالي: ?لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ?(). تعدّ المسؤوليات الاجتماعية من أصعب الأمور وأهمها، لأنّها تتطلّب التضحية والبذل والعطاء، وليس كل الناس قادرين علي تفهّمها، بل إنّ بعضهم ليسوا علي استعداد حتي لبحثها والخوض فيها، ولو كانوا مستعدّين يوماً لتعلّم هذه المسائل، فهم غير مستعدين لإبداء نشاط إيجابي واضح وصحيح للعمل في هذا المجال، لذا نري أن تأخّر المسلمين في بعض المجالات وبالخصوص في مجالات الحقوق والسياسة والاقتصاد والتجارة وما أشبه، ناشئ من عدم أداء بعضهم للواجب الملقي علي عاتقهم بشكل صحيح ومتقن.
والغريب أن البعض يعتقدون بأنّهم متقدمون في هذا المجال، ثم يلجئون لتبرير جهلهم وتقصيرهم تجاه المجتمع، ويلقون بالّلوم علي عاتق الآخرين، في حين أنّهم جزء لا يتجزأ من أولئك الأفراد المتأخرين. فقد رُوي: فلا تزلّوا عن الحق فمن استبدل بالحق هلك، وفاتته الدنيا وخرج منها ساخطاً ().
فهناك أفراد في المجتمع مثلاً يدرسون إلاّ أنهم لا يأتون بجديد سوي أنّهم يعتبرون هذا العمل وظيفة شرعية أو للكسب، لا وظيفة اجتماعية وحيوية أيضاً، فلا يتعرّضون لقضايا الأمة ومشاكلها، لأنّهم لا يريدون أن يتعبوا أنفسهم، وحينذاك تكون النتيجة أن يظلّ المسلمون في تأخرهم الذي هم عليه الآن، وتظهر المشاكل في ضياع حقوق الناس،وسيطرة الأقليّة علي الأكثرية أو ما أشبه.

أزمتان أساسيتان

يقول الإمام الشيرازي الراحل (أعلي الله درجاته) وقد كتب أكثر من 25 كتابا وكراسا عن العراق:
لقد طالعت الكثير عن ماضي العراق وحاضره، فوجدت أنّ فيه مشاكل قد تكون مشتركة في كل البلاد الإسلامية، وقد تكون خاصة به تبعاً لتركيبة الشعب أو لجغرافية منطقته، أو لتاريخه المليء بالأحداث الساخنة والمتميزة، إلاّ أن حقيقة الأمر هي أنّ هناك مشكلتين رئيسيتين موجودتان في العراق.
أولاهما: ضعف الوعي عند الكثير من أبناء هذا الشعب المجاهد النبيل في ميادين السياسة والحقوق وفهم الحياة، وهذا الضعف جعله لا يعرف ما يدور حوله من مكائد ومؤامرات استعمارية.
وثانيهما: سيطرة الأقلية علي الأكثرية. فالمشكلة لا تقتصر علي سلب الحقوق ومصادرة تضحيات الأكثرية بل تتعداه إلي أنّ المستفيد من هذه التضحيات هم أناس بعيدون عن الجهاد والتضحية سوي أنّهم يرتبطون ببريطانيا، وقبلها كانوا يقتاتون علي الحكم العثماني، فهم يتحينون الفرص الملائمة ليضربوا أصحاب الحق. في حين أن مذهب الأكثرية يشكل حسب بعض الإحصاءات نسبة 85% من مجموع الشعب، وهم الذين وقفوا بوجه الاستعمار البريطاني في ثورة العشرين، ومن قبله العثمانيين وقدّموا الشهداء والتضحيات الجليلة، ولكننا نراهم معزولين ومبعدين عن الحكم، ويعانون من الظلم والاضطهاد، فضلاً عن أنّ القانون الديمقراطي الذي يحكم أوسع رقعة جغرافية من العالم اليوم، يقضي بأن الاتجاه السياسي والمذهبي للدولة، يجب أن يختاره الشعب طبق ميزان التوزيع، وحق الأكثرية، مع احترام حقوق الأقليات، فنسبة 85 % هي التي يجب أن تحكم في العراق مع احترام الأقليات الأخري بقدر حقّها الذي أشرنا إليه().
والسؤال هنا: لو كان هدف صدام هو العمل الحزبي السياسي فقط، وليس التعصب المذهبي، فلماذا كل هذه المحاربة للشيعة؟ لماذا كل هذا التمييز الطائفي والعنصري؟ ولماذا كل هذه الضغوط علي الحوزات العلمية الشيعية؟ وليس هذا منحصراً في صدام وحده، بل كل الذين جاءوا إلي السلطة من ملكيين وجمهوريين، وبعثيين وقوميين وشيوعيين ومن علي شاكلتهم، مما يكشف عن كون حقيقة الحكم في العراق بشتي صوره وأصنافه قائمة علي الاضطهاد المذهبي والتعصب الطائفي().

وأخيراً.. ما هو العلاج؟

إن الطائفية السياسية داء عضال، وسرطان مستشري في جسد الكيان السياسي العراقي، وله جذور عميقة وآثار خطيرة ومدمرة.. وضحايا بلغت الملايين مضافا إلي تحطيم مستقبل العراق بما في الكلمة من معني.. فما هو العلاج الجذري والناجع لهذا المرض الخطير؟
الجواب: إننا نري أن في قيم الإسلام السياسية، ومناهجه الحيوية علاجاً كاملاً، إلا أن ذلك لا زال بعيد المرام في العراق، فننتقل مضطرين إلي مرحلة أخري من العلاج، نحاول أن نؤسس صورة تقريبية له من خلال النقاط التالية:
1: بناءا علي ثوابت العدالة الإسلامية والوطنية الصادقة، وثوابت الديمقراطية المشروعة، يلزم أن يكون رئيس الجمهورية، ورئيس الوزراء من مذهب الأكثرية حصراً، ويلزم تثبيت ذلك في الدستور.
2: مراكز القدرة الأساسية كمدير المخابرات العام، وقائد أركان الجيش والشرطة، ووزارات السيادة، يلزم أن يشغلها عناصر ينتمون إلي أكثرية الشعب، مع ملاحظة ضرورة التزام قانون المساواة والعدالة في إدارة أقاليم الأقليات، فمثلاً إذا كان وزير الداخلية شيعياً يلزم أن يعين مسئولين سنة للأقاليم السنية، لا أن يمارس الطائفية البغيضة، ويستغل منصبه ويعين المحافظين من مذهبه، كما كانت الأنظمة الطائفية البائدة. فكل الوزارات التي يشغلها الشيعة يدير أقسامها أبناء المناطق من الأقليات في مناطقهم، والوزارات السنية كذلك تعين مسئولين شيعة للأقاليم الشيعية والأقسام التي تخصهم.
3: عوائد النفط والموارد العامة تصرف بالمحاصصة العادلة المتفق عليها، فلو أن الشيعة كانوا 65%، والسنة بمختلف قومياتهم 30%، والأقليات 5%، فيلزم صرف ثروات البلاد بمقدار هذه النسب في مناطق الأكثرية والأقليات حسب نسبها.
4: الحقائب الوزارية تقسم بالمحاصصة العادلة المبتنية علي الكفاءات العلمية والتوافق.
5: مناهج التربية لا تفرض فرضاً، بل توضع مناهج خاصة بالأكثرية، وأخري خاصة بالأقلية الكبيرة.. فلا يكره الشيعي علي دراسة مناهج السني ولا العكس.
6: مؤسسات الأوقاف تخضع لأتباعها من الأكثرية أو الأقليات، ولا تسلم بيد الأقلية كما كان شأن الأنظمة الملكية والجمهورية البائدة. وحتي أوقاف المسيحيين والصائبة وأمثالهم، فهي تابعة لهم لا للشيعي ولا للسني، أما الأوقاف العامة فعوائدها للجميع حسب العدالة والمساواة.
7: الإعلام المقروء والمسموع والمرئي لكل طائفة خاضع لأبنائها، ولو أسست مؤسسات إعلامية حكومية، فيلزم أن تخضع للمصلحة الوطنية العامة والعادلة، واحترام كل الجهات بلا استثناء، لا كما كانت في العهود البائدة خاصة بالأقلية.
8: المحافظون ومسئولو التربية والاقتصاد والإعلام والثقافة والأوقاف في كل مدينة ومحافظة يكونون من أبنائها، لا أن يصدر إليهم مسئولون من أقاليم وطوائف من خارجها كما فعلت الأنظمة المقبورة، فنقع مرة أخري في فخ التمييز الطائفي البغيض، وبتعبير آخر: المطلوب (فيدرالية إدارية).
9: الشؤون القضائية كل محافظة تابعة لها، ويكون قضاتها منها مذهبياً وإقليمياً، فلا يُحكم الشيعي بفقه السنة ولا العكس، وكذا الأقليات المسيحية والصائبة وغيرها.
10: أعضاء الجمعية الوطنية يمثلون مناطقهم ومذاهبهم بالمحاصصة العادلة، فإذا كان الشيعة 65% مثلاً، فيلزم أن يمثلهم وبنفس النسبة نواب شيعة لا من غيرهم، كما كان ديدن الحكومات الطائفية البائدة في العهدين الملكي والجمهوري.
11: لجميع أبناء الشعب بمختلف أطيافه ومذاهبه وشرائحه حق تأسيس الجمعيات والأحزاب، والمؤسسات الدينية، والجامعات العلمية، والمدارس والمؤسسات الإعلامية، وإقامة المهرجانات والمؤتمرات، والمظاهرات السلمية، والمعارضة السياسية، ومؤسسات المجتمع المدني، وكل نشاط آخر، شريطه عدم الإضرار بالآخرين، وعدم جرح مشاعرهم الدينية والمذهبية.. وفي هذه الأمور لا يميز أحد من المواطنين علي غيره قال صلي الله عليه و اله: المسلمون سواسية كأسنان المشط.
12: المناطق المختلطة من أبناء الطوائف الأخري تحكمها قوانين الأكثرية الديمقراطية العادلة، مع عدم غمط حق الأقليات.. وكذا المؤسسات المختلطة كالجامعات والمؤسسات العلمية مثلاً، فهي محكومة بقوانين الأكثرية حسب مناطقها.. فجامعات بغداد مثلاً يلزم أن يكون رئيسها وعمداؤها حسب أكثرية الطلاب الدارسين فيها.
13: فرص التشغيل والتوظيف الحكومي، يلزم أن تكون وفق محاصصة عادلة، وضمن دائرة المحاصصة تطبق قوانين الأولوية والشروط والحيثيات الأخري. وكذلك فرص البعثات إلي الخارج والمنح الدراسية، والممثليات الدبلوماسية، وما شابه ذلك.. فالسفارات وموظفوها مثلاً خاضعة لهذه القاعدة.
14: المؤسسات الاقتصادية مثل: الشركات والمصانع، والمؤسسات العمرانية والخدمات وغيرها، تؤسس حسب المحاصصة العادلة للأكثرية والأقليات.. فلا يجوز أن تكون مدينة مثل تكريت منعمة بكل أنواع الخدمات، ومعبئة بالمصانع والشركات، ومدينة مثل كربلاء العالمية المزدحمة لا توجد فيها أبسط الخدمات البلدية والصحية، فضلاً عن تأسيس مطار وما أشبه كما في تكريت.
15: حرية الترشيح والانتخاب لمختلف المؤسسات من حق الجميع علي قدم المساواة وفق ضوابط الأكثرية والأقلية، وليس هذا الحق خاصاً بحزب أو مذهب أو إقليم أو دين معين، ويلزم وضع قيود خاصة برجال الحكم وأمثالهم، لئلا يُستغل هذا الحق وتصادر حقوق أكثرية الشعب، وتزور الانتخابات أو تشتري الأصوات والذمم فيهوي الشعب مرة أخري في هاوية الطائفية والاستبداد.
16: يلزم وضع القوانين الخاصة بالجيش والشرطة، لئلا تنحرف هاتان المؤسستان عن الواجب المعين لهما.. حيث أن هاتين المؤسستين الاستراتيجيتين استخدمتا لقمع انتفاضات الشعب، ولما كانت قيادتهما من الأقلية الطائفية والانتفاضات من جمهور الأكثرية.. فأسيء توجيه الجيش والشرطة واستخدما طائفياً لقمع الشيعة.. وهذا أمر خطير وطائفي بغيض جداً.
17: الضرائب محرمة في الإسلام، باستثناء ما شرعه الدين الحنيف، وهي غصب لأموال الناس الذين ينتمي أكثرهم إلي الطبقات الفقيرة في المجتمع العراقي، ولكن لو حكمت الضرورة وشرعت ضريبة معينة فيلزم أن لا يستثني منها أصحاب امتياز معينين.. وكذا في تقسيم الأراضي والمساعدات لا يجوز تمييز أحد علي أحد، أو إقليم علي إقليم، أو طائفة علي أخري، كما كانت تفعله الحكومات البائدة التي أقطعت بعض أتباعها مئات الدوانم من الأراضي الزراعية مع تسهيلات كبيرة ومنح.. فإنها كلها كانت خاضعة للروح الطائفية والإقليمية ضد عموم الشعب.
18: إعادة الحقوق التي أهدرتها طائفية الحكومات السابقة، فالمدارس الدينية التي هدمت (كلها تقريباً) في كربلاء المقدسة والنجف الأشرف وغيرهما، وكذا دور العبادة والمؤسسات العلمية كجامعة الكوفة مثلاً، فإن إعادتها معناه أن الدولة الجديدة قد بدأت بالتخلص من مخلفات الطائفية التي أسسها الاستعمار وأذنابه في هذا الوطن.
19: إعادة الأملاك والأموال إلي أصحابها والتي صادرها البعثيون الطائفيون في العهد البائد.
20: إعادة الوثائق التي انتزعت من العراقيين الذين اضطهدوا تحت شعارات طائفية حاقدة وشردوا إلي خارج الحدود، مع أن كثيراً منهم كانوا من أبناء العشائر العراقية الأصيلة، وكلهم كانوا من أبناء الجهاد وأحفاد ثورة التحرير عام 1920م.
هذه جملة مقترحات تعتبر خاضعة لقوانين العدالة والإنسانية والديمقراطية المشروعة.. وهي تشمل كل أبناء هذا الشعب لا طائفة أو قومية خاصة.. فمنطلقاتها عامة وإن كان الواقع المعاش طائفية ضد الأكثرية الشيعية في هذا الوطن الغالي.
ولقد وضع (إعلان شيعة العراق) الذي اهتم بتنظيمه الدكتور موفق الربيعي حلولا ناجعة لأزمة الطائفية في العراق، وإتماما للفائدة نوردها هنا، وهي كما يلي:

ماذا تريد الأغلبية الشيعية؟

يهدف (إعلان شيعة العراق) إلي بلورة رؤية الأغلبية الشيعية لمستقبل العراق السياسي، وإعادة بناء الدولة العراقية علي أسس سليمة، والتي يمكن تلخيصها بالنقاط التالية:
1: إلغاء التمييز الطائفي، وإزالة نتائج السياسات الخاطئة التي مورست في الماضي.
2: إقامة نظام نيابي دستوري يحول دون استبداد طائفة أو قومية علي حساب الطوائف والقوميات الأخري.
3: تثبيت مبدأ المواطنة الواحدة لكل العراقيين، لأن وحدة المواطنة هي الضمان الحقيقي لوحدة الوطن.
4: احترام الهوية القومية والدينية والمذهبية للعراقيين كافة، وترسيخ مفهوم المواطنة الحقيقية عند كل أبناء القوميات والطوائف المختلفة.
5: ترسيخ وحدة العراق أرضاً وشعباً وسيادةً وكياناً ضمن التعدد المذهبي والديني والقومي والسياسي.
6: بناء المجتمع المدني علي أسس سليمة وتعزيز مؤسساته.
7: اعتماد النظام اللامركزي الذي يشمل نظام المناطق التي تتمتع باللامركزية لعموم العراق.
8: احترام مبادئ حقوق الإنسان.
9: الحفاظ علي الهوية الثقافية الإسلامية للمجتمع العراقي.

إلغاء الديكتاتورية وإقامة النظام الديمقراطي (النيابي الدستوري):

الدكتاتورية هي أحد الأسباب التي أدت إلي ترسيخ سياسة التمييز الطائفي والعنصري، وأن تبني الأسلوب النيابي الدستوري واعتماد ضوابط نظرية من خلال الدستور، وتكريس عمل المؤسسات، هي بمثابة الأسس لمعالجة سياسة التمييز الطائفي والعنصري.
فالشيعة لا يريدون حلّ مشكلة الأكثرية، ليخلق ذلك مشكلة الأقلية، إنما يسعون إلي نظام يحفظ حقوق مختلف مكونات الشعب العراقي ويعامل الجميع علي قدم المساواة.

تبني النظام اللامركزي

إحدي المشاكل الأساسية في المعضلة العراقية، هي تمركز معظم السلطات في العاصمة بغداد مما أدي إلي حرمان بقية مناطق العراق من كثير من الصلاحيات في إدارة شؤونها المحلية. فلابد أن يكون الحلّ في إعطاء بعض السلطات والصلاحيات لها لكي تتمتع بلا مركزية واسعة من أجل تسهيل عملية إدارة شؤونها المحلية.
النظام اللامركزي المقترح ينبغي أن يوفق بين سلطة مركزية فعالة غير مستبدة، ومناطق لها خصوصيات وتمتع بإدارة لامركزية واسعة. وتعيّن واجبات وحقوق وصلاحيات المركز والمناطق دستورياً، ولا يجوز لأحد أن ينفصل عن العراق وإنما هو التعدد والتنوع ضمن الوحدة.
النظام اللامركزي المقترح لا يبني علي أساس طائفي وإنما علي أساس ديموغرافي إداري، جغرافي لأنه إذا تشكل علي أساس طائفي فسوف يكون مقدمة لتقسيم العراق إلي دويلات صغيرة وضعيفة ومتناحرة مما يخدم أهداف أعداء شعبنا.
النظام اللامركزي المقترح يعطي المناطق الصلاحيات التي تحتاجها، ويحول كثيراً من الصلاحيات التشريعية والتنفيذية والقضائية من المركز إلي الأطراف، وبذلك تحل مشكلة التمثيل علي أساس مذهبي أو عرقي بين المناطق المعنية، ويزيل مخاوف المكونات الأخري للمجتمع العراقي من هيمنة أية أكثرية علي المركز.
والنظام اللامركزي ينظر إلي الخصوصية العراقية ويستفيد من تجارب الأمم المتحضرة الأخري.

الحقوق السياسية

من أجل إلغاء الممارسات الطائفية التي مارستها الأنظمة المتعاقبة لابد أن يعاد النظر في التركيبة الإدارية للدولة العراقية ومؤسساتها العسكرية والمدنية، من خلال إعادة النظر في طريقة التوظيف في هيئات ومؤسسات الدولة واعتماد مبدأ الكفاءة المهنية كأساس للتعيينات الجديدة، عبر تشكيل مجلس مركزي لمكافحة الطائفية، وظيفته النظر في عمليات التعيين للوظائف العليا في الدولة، وينظر في شكاوي وقضايا التمييز الطائفي المرفوعة له، وكذلك يسعي إلي مكافحة الطائفية في المؤسسات الرسمية والأهلية.
يتم إنشاء صندوق تعويض لكل المتضررين من السياسات الطائفية، وتشكيل هيئة عليا تشرف علي تحديد الأضرار وإقرار مبالغ للتعويض.
استصدار قانون لإلغاء ومكافحة الطائفية، وتشكيل هيئة عليا للنظر في الممارسات الطائفية التي ترتكب، ويعتبر أي عمل أو ممارسة طائفية جريمة يعاقب عليها القانون.
سنّ قانون جنسية جديد يقوم علي أساس: أن المواطنة العراقية تعتمد علي مبدأ الانتماء إلي العراق، وليس الانتماء الطائفي أو القومي أو الديني.
إعادة العراقيين المهجرين والمسفرين والمهاجرين، ومنحهم حقوقهم الوطنية والدستورية كاملة.

الحقوق المدنية

يمكن تحديد أبرز الحقوق المدنية للشيعة بما يلي:
ضمان حرية النشاط الديني للشيعة، وحقهم في ممارسة شعائرهم الدينية.
حرية إنشاء المساجد والحسينيات والمكتبات، وحقهم في إدارة العتبات المقدسة الشيعية.
ضمان حرية التعليم في الحوزة العلمية والجامعات الدينية، بعيداً عن تدخل السلطة.
ضمان حرية واستقلال المؤسسة الدينية (الحوزة والمرجعية) في تنظيم أمورها.
تسجيل المراقد المقدسة في العراق في مؤسسة اليونسكو.
ضمان حرية النشر وتأسيس مراكز ومعاهد فكرية شيعية.
ضمان حق إنشاء المدارس والجامعات والمعاهد التعليمية والأكاديمية الشيعية، بما ينسجم مع المنهاج العام المعتمد في الدولة.
إدخال مواد المذهب الجعفري في المقررات الدراسية الحكومية أسوة ببقية المذاهب الإسلامية.
تنقية المواد الدراسية من النزعة الطائفية، وإعادة كتابة مواد التاريخ والدين والأدب العربي وغيرها في المدارس الرسمية بشكل علمي لا يحمل روح العداء للشيعة.
منع طمس مقابر الشيعة ومعالمها والالتزام بحرمتها.
? الاعتراف الرسمي بالمناسبات الخاصة بالشيعة.
خاتمة:
من الضروري إشراك جميع الأطراف السياسية والفئات الأساسية المكونة للمجتمع العراقي في حل المعضلة الوطنية التي تمر بنا، والتي تهدد كيان العراق ووجوده ووحدته واستقلاله، وإشراك جميع الأطراف في عملية التغيير وصنع المستقبل، من أجل أن نكون شركاء حقيقيين وعلي قدم المساواة بحيث لا يمكن أن تستغني أي فئة عن الفئات الأخري.
ولابد من تناول الأزمة العراقية بجميع أبعادها السياسية (في الديكتاتورية)، والمذهبية (في التمييز الطائفي)، والقومية (في التمييز العنصري). وكذلك تتناول كيفية رفع هذه السياسات الخاطئة التي مورست في الماضي، ووضع رؤية مستقبلية لعراق موحد. وأن أي تناول للأزمة من خلال بعد واحد بذريعة التدرج وترحيل الأهداف سوف يؤدي إلي كارثة حقيقية تكلفنا أجيالاً من المعاناة.
كما ينبغي توفير الضمانات الدستورية والعملية (النظرية والواقعية) لجميع الطوائف والقوميات، من أجل بناء عراق جديد علي أسس جديدة. وترتيب الأولويات ترتيباً طبيعياً في تطبيق اطروحات هذا الإعلان، إضافة إلي التدرج في تطبيق الحلول المطروحة، وعدم فرضها بالقوة وإنما تطبيقها بشكل مرحلي، واستعمال كل الأساليب المشروعة في تنفيذها.
كما يجب مشاركة جميع الأطراف السياسية والفئات الأساسية المكونة للمجتمع العراقي في تبني هذا الإعلان، من أجل أن نكون شركاء حقيقيين، وعلي قدم المساواة في الوطن العراقي الواحد.
17 كانون الثاني 2002

الملاحق

1 وثيقة حول الإدارة الطائفية لمدن الشيعة

إن السنة ينظرون الآن في تعيينات تشمل عدداً من الوظائف الإدارية في المقاطعات وتكاد تكون كافة الأسماء المرشحة من السنة حتي في مناطق الفرات الأوسط التي تتكون كلياً من الشيعة.
رسالة المس بيل
في 22 / كانون الثاني / 1920 ج2 ص585.
2هذه الوثائق الأجنبية تعكس صورة عن التوتر بين السلطة الطائفية وجماهير العراقيين المعارضين، وهي نماذج قليلة من وثائق كثيرة سجلت في وثائق الخارجية البريطانية في الملف: المرقم 371، نذكر منها علي سبيل المثال ما يلي:
الملف أف أو 371 / 175753 أي كيو 1019 / 26
من السفارة البريطانية في بغداد إلي وزارة الخارجية 22 نيسان 1964.
هناك عامل تعقيد أكثر بدأ يأخذ أهمية كبري في الأشهر الأخيرة وهو الوعي السياسي للشيعة، وهذا ترافق مع المطالبة بأن التنازلات حول (الحقوق القومية) التي تعطي للكرد يجب أن تعطي بالتساوي لطائفتهم، ولكن طلب جزء عادل من المناصب الوزارية في الحكومة المركزية سوف يكون قضية أكثر جدية، طائفة الشيعة تشكل حوالي 55% من سكان العراق، السنة العرب مثلاً باستثناء الكرد عددهم بين 20، 25 من مجموع سكان العراق. إن توزيع الوزارات الأساسية علي أسس سكانية سوف يكون كارثياً لموقع السنة العرب الذين شكلوا أغلبية الطبقة الحاكمة للعراق منذ زمن الأتراك.
3الملف أف أو 371 / 180812 أي كيو 1019 / 20
من السفارة البريطانية في بغداد إلي وزارة الخارجية 6 آذار 1965.
رئيس الجمهورية عارف شخصياً الذي ألقي كلمته أيضاً في الحبانية إلي القوات التي قرر إرسالها إلي الشمال وفيها قدم عارف نداء إلي الشيعة لدعم الحكومة ضد الكرد. حوالي 80% من مراتب الجيش شيعة والنداء ربما يشير إلي أن الحكومة لديها شكوك حول إمكانية التعويل عليهم.
4الملف أف أو 371 / 180812 أي كيو 1019 / 28
من السفارة البريطانية في بغداد إلي وزارة الخارجية 2 نيسان 1965.
النضال من أجل كسب ولاء الشيعة للدولة مستمر ووزير الداخلية تجول في جنوب العراق().
ملاحظة:
معني ذلك أن العلاقة بين الحكومة والشعب كانت متوترة لممارسات وتمييزات الحكومة الطائفية، والنتيجة النهائية: عدم الاستقرار والأمن في
الوطن.
5المرجع الديني الإمام الشيرازي رحمة الله عليه لصحيفة الأيام:
مستقبل العراق سيكون بخير شرط إعطاء الأكثرية حقوقها كاملة وكذلك الأقليات.
وجهت صحيفة الأيام البحرينية أسئلة مكتوبة إلي مكتب سماحة المرجع الديني آية الله العظمي الإمام السيد صادق الحسيني الشيرازي رحمة الله عليه حول بعض القضايا الهامة في العراق، فأجاب مكتب سماحته إجابة مكتوبة نقلت الصحيفة مقتطفات منها بالمعني في عددها الصادر في 14/6/2004، وقد جاء في جواب سؤال حول مستقبل العراق ما نصه:
إن مستقبل العراق بإذن الله تعالي سيكون بخير شرط تحقق أمور،
ومنها:
أولاً: عدم هضم حقوق أية مجموعة من الشعب، وإعطاء الأكثرية حقوقها كاملة غير منقوصة، وكذلك إعطاء الأقليات حقوقها، قال الله تعالي:
?لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ?()، وعليه فإن لبننة العراق بمعني جعل الديمقراطية فيه مثل لبنان ينطوي علي مخاطر حرب أهلية، فيلزم تحكيم نظام الشوري الحقيقية عن طريق الانتخابات الحرة والنزيهة.
ثانياً: إلغاء قوانين النظام البائد والأنظمة التي سبقته، وتشريع قوانين جديدة في مختلف مناحي الحياة؛ لأن تلك القوانين لا يتطابق كثير منها مع الإسلام، كما أن كثيراً منها مزاجية أملتها رغبة الدكتاتوريات البائدة، ويكون التشريع عبر مجلس منتخب بانتخابات واقعية، وباستشارة الثقاة من أهل الاختصاص، شرط أن لا يتعارض أي قانون مع الإسلام، قال الله تعالي:
?وَمَنْ لَّمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ الله فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ?().
ثالثاً: تأمين الحرية الكاملة للحوزات الدينية والمعاهد العلمية، لتقوم بدورها المنشود في خدمة الدين، وتقدم البلاد وازدهارها، وبث الثقافة في أوساط الشعب.

6 من ملاحق (إعلان شيعة العراق)

ندرج هنا بعض البحوث والمبادرات التي تناولت الشأن الشيعي العراقي:
مشكلة الحكم في العراق … عبد الكريم الأزري.
الشيعة والدولة القومية … حسن العلوي.
ماذا يريد شيعة العراق … محمد بحر العلوم.
أزمة شيعة العراق، ندوة نظمتها مؤسسة الإمام الخوئي رحمة الله عليه في لندن عام 1992 و2000.
القضية الشيعية في العراق والشعائر الحسينية … إبراهيم حمودي.
الأوضاع الراهنة لشيعة العراق … محمد الحيدري.
النظام العالمي الجديد وشيعة العراق … عادل عبد المهدي.
تقييم الفاعلية الجهادية الشيعية في العراق … مهدي عبد المهدي.
البيان الشيعي … غالب الشابندر.
ويضاف إلي هذه المصادر:
الأكثرية الشيعية في العراق … الإمام الشيرازي الراحل رحمة الله عليه.

7 من ضحايا الطائفية السياسية

إن الشيعة التركمان كانوا من ضحايا الطائفية السياسية لنظام صدام، حيث أعدم أكثر من (500) من خيرة رجالاتهم وشخصياتهم وكفاءاتهم العلمية والمهنية والعسكرية، وتدمير عدد من مدنهم لاسيما مدينتي (تسعين) و(بشير)، وتفريق سكانها علي المجمعات السكنية البعيدة، وهكذا فإن التركمان كانوا وما زالوا ضحايا تهمة مزدوجة طائفية مقيتة وقومية عنصرية.
إننا في الإتحاد الإسلامي لتركمان العراق، إذ نعلن دعمنا وتأييدنا للمبادئ العامة لهذه الوثيقة نؤكد علي ضرورة التعاطي معها، وتفهم دواعيه في إطار الحرص علي الوحدة الوطنية، وضمان حقوق جميع مكونات الشعب العراقي المذهبية والقومية، في ظل نظام ديمقراطي تعددي برلماني يعبر عن إرادة الجميع.
المكتب السياسي للاتحاد الإسلامي لتركمان العراق
في تقريضه علي إعلان شيعة العراق

8 المرجع الديني سماحة السيد كاظم الحائري

أكد المرجع الديني سماحة السيد كاظم الحائري رحمة الله عليه ما يلي في الإجابة علي رأي سماحته حول: (إعلان شيعة العراق).
بسم الله الرحمن الرحيم
أولاً: إن حقوق الشيعة هدرت في العراق منذ أمد بعيد وإلي يومنا هذا، ليس من قبل إخواننا السنة بل من قبل الحكام الجائرين في العراق، فنحن لا نطالب الأقلية من المسلمين في العراق وهم إخواننا السنة بإعطاء حقوق الأكثرية وهم الشيعة؛ لأن علماء المسلمين شيعة وسنة أجمعوا علي أن الإسلام لا يفرق في الحقوق بين مسلم ومسلم أياً كان لونه المذهبي.
نعم، يعترف ضمناً كل أهل مذهب بمذهبه ويعتز بذلك، ونحن كشيعة أهل البيت عليهم السلام نعترف بحدود مذهب أهل البيت عليهم السلام ونعتز به.
ثانياً: إننا نطالب الحكومات الجائرة في العراق أياً كانت بترك الحيف علي حقوق الشيعة الأكثرية، ولا نقبل أن تحيف علي السنة الأقلية أيضاً، ونقول لها: نحن كلنا مسلمون ونتمتع بحقوق متساوية في ظلال الإسلام.
ثالثاً: يجب حفظ حقوق الأقليات القومية: كالإخوة الأكراد والتركمان وغيرهم إلي جانب حقوق الأكثرية العرب، وهذه مسألة أخري لا علاقة لها بالتمييز المذهبي.
رابعاً: إننا نطالب الحكومة غير الإسلامية في العراق أياً كانت أن تتنحي عن الحكم، وأن تفسح المجال للأمة العراقية لتختار لنفسها الحكومة التي تحلو لها، ولا تحلو لها إلا الحكومة الإسلامية.
خامساً: إن العمل لتحصيل حقوق الشيعة في العراق من أعظم الواجبات، ولكننا يهمنا أن لا يؤدي ذلك إلي إسباغ الشرعية لحكومة جائرة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
23 ربيع الأول 1423 ه
كاظم الحسيني الحائري

9 نبذة من كلمة سماحة آية الله الشهيد السيد محمد باقر الحكيم

نبذة من كلمة سماحة آية الله الشهيد السيد محمد باقر الحكيم رحمة الله عليه التي أرسلها السيد عبد العزيز الحكيم، رداً علي الطلب بإبداء رأيه حول (إعلان شيعة العراق).
- مشكلة الحكم في العراق.
- التمييز الطائفي في العراق.
هذه القضية يجب أن تحل في العراق، وإذا لم يتم حلها يبقي العراق بؤرة للقلق وعدم الاستقرار (شئنا أم أبينا)، والمسألة ليست أننا نريد أن يكون بؤرة، وإنما طبيعة التركيبة عندما تكون تركيبة تمييز ضد الأكثرية في العراق، وتجعلها في الدرجة الثانية، وتقمع وتحاصر وتحرم من أبسط حقوقها، ولا يفسح لها مجال لأي فرصة بأن تتطور وتنمو والحال أن العالم كله ينمو ويتطور عندئذ بطبيعة الحال تسود حالة عدم الاستقرار، ولذلك نحن نعتقد أن من الأمور المهمة والضرورية في هذه المرحلة أن يجتمع العراقيون جميعاً ويتركوا هذه الأسماء هنا وهناك وسوف أشير إلي بعض القضايا ليجتمعوا جميعاً لمعالجة هذه الأمور التي طرحها مراجعهم وأئمتهم ويعالجوا قضية الاستبداد والتمييز الطائفي.
- التمييز العنصري ضد الأقليات:
والقضية الأخري تتمثل بالتمييز العنصري ضد الأكراد والتركمان، وحتي ضد الأقليات الأخري كالآشوريين. هذا التمييز العنصري يرفضه الإسلام، وترفضه المواثيق الدولية وترفضه الإنسانية، وهذا العصر لا يمكن أن يتحمل كما كان الحال في العصور السابقة حالة التمييز والاضطهاد العنصري للأقليات، ولذلك فأن مشكلة الأكراد والتي دافع عنها الإمام الحكيم، والذين لا زالوا يشكرونه علي موقفه أكثر مما يشكره بعض إخواننا.
رغم أن الأخوة الأكراد لا يقلدونه في المذهب، سوي بعضهم أي الأخوة الأكراد الفيلية، ولكن القضية الأساسية أن الإمام الحكيم كان يعتبر مشكلة الأكراد مشكلة حقيقية في العراق، ولذلك يجب أن تحل بالطرق السلمية، وليس عن طريق القتل والتدمير.
وفي هذا السياق فأننا نريد أن نعالج الأمور في إطار الوحدة الإسلامية، إذ أن مشكلتنا ليست مع إخواننا السنة الذين هم أحبائنا، ويعرفون دفاع الإمام الحكيم عنهم، ولكن مشكلتنا مع الحكام النواصب المعادين لأهل البيت عليهم السلام وأتباعهم، ولعموم الشعب العراقي.
ونحن نرفض أن توجد حالة طائفية، أو تقسيم طائفي في العراق، نحن مع الأخوة السنة علي نسق واحد وعلاقة واحدة، ولكن الحكام يجب أن يكفوا عن التمييز، وأن يعرف إخواننا السنة أنه من أجل أن يكون هناك استقراراً في العراق؛ فأن عليهم أن يساعدونا في أن لا يكون هناك تمييز.
ونريد أن تكون هناك مساواة في الحقوق بين كل أبناء الشعب العراقي.. ومساواة في الواجبات ومساواة في تكافؤ الفرص.
ونريد أيضاً أن يكون للشعب رأي حقيقي في تقرير شكل الحكم وأن يشترك فيه، بعض الناس يتصورون أننا نريد حكم طائفي لأننا الأكثرية في العراق.. نحن لا نريد حكماً طائفياً، ولا نؤمن بدكتاتورية الأكثرية.
المرسل: عبد العزيز الحكيم

10 آية الله السيد مرتضي العسكري عميد كلية أصول الدين

بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله سبحانه وتعالي: ?وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي الله مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلأَجْرُ الآَخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ?().
تسجيلاً لما قام به شيعة أهل البيت عليهم السلام في العراق وما جوبهوا به نقول:
أولاً: إن شيعة أهل البيت يشكلون أكثرية سكان العراق.
ثانياً: جاهدوا بقيادة علمائهم من أجل استقلال العراق.
ثالثاً: بعد الحرب العالمية الثانية قابلوا ثقافياً انتشار الشيوعية، وأخيراً قام البعث الغادر المسيطر علي العراق باغتيال علمائهم، وفي مقدمتهم المرجعين الشهيدين السيد محمد باقر الصدر، والسيد محمد الصدر، والشهيدة الفاضلة بنت الهدي.
24/ع1/1423
السيد مرتضي العسكري
عميد كلية أصول الدين
والجدير بالذكر هنا: إن النظام الطائفي اغتال الشهيد آية الله السيد حسن الشيرازي، واعتقل آية الله العظمي السيد صادق الشيرازي، وأصدر حكم الإعدام غيابياً عليه وعلي المرجع الراحل السيد محمد الحسيني الشيرازي رحمة الله عليه.

11 سماحة الشيخ محمد باقر الناصري:

بسمه تعالي
اطلعت علي وثيقة (إعلان شيعة العراق)، وتلبية للإخوة المتصدين لنشرها في أن أكتب رأيي فيها، أؤكد أهمية هذه الأفكار، واعتبارها مظهراً حضارياً يحقق ما أرسي قواعده الإسلام العظيم، وحملته الرساليون محمد وأهل بيته الأطهار عليهم السلام، وصحبه الأبرار من الدعوة لحكومة العدل الإلهي، وإنصاف عموم البشرية في حياتهم.
والأغلبية الشيعية في العراق المعروفة منذ أكثر من ألف وأربعمائة سنة وإلي الآن، قد تعرضت للظلم والاضطهاد في مختلف العهود الأموية والعباسية والتركية … وأخيراً علي أيدي الغزاة البريطانيين وعملائهم، منذ الغزو المشؤوم في أوائل القرن العشرين وإلي اليوم.
وجاء نظام عفلق وصدام المشبوه وحفنة العملاء.. ليسيروا علي نهج الغزاة والظالمين، وكلهم يعمل ويؤكد فلسفة الجور بظلم الشعب المقهور، وهي فلسفة جاهلية تنطلق من (فرق تسد).
والغالبية الشيعية في العراق، وكذلك بقية فئات العراقيين المظلومين من عرب وكرد وتركمان وغيرهم.. كلهم ضحايا هذا البغي الدولي المشئوم، وهو مرفوض من جميع العراقيين، ومن جميع المسلمين والمظلومين في العالم كالفلسطينيين والكشميريين والبوسنيين وغيرهم. وأن سياسة القهر والاستبداد، والظلم الديني والمذهبي، والقومي والعرقي، وكل ألوان الظلم المطبقة ضد عموم العراقيين، هي سياسات ظالمة فاسدة تشوه وجه حضارة العصر، وتقلق البشرية وتحيل الحياة إلي شقاء واحتراب دائم.
وأنا شخصياً: من حيث المبدأ مع كل الدعوات الخيرة النظيفة، لنشر العدل وإنصاف المظلومين، وفي مقدمتهم الأغلبية الشيعية في العراق، وقد حرم وسجن وقتل وعذب ملايين العراقيين، من العلماء والمفكرين، وسائر طبقات الشعب العراقي، بعربه وأكراده وسائر فئاته.
أكرر تأكيدي لإنصاف الغالبية الشيعية في العراق وضرورته ووجوبه، وهذا ما تعترف به كافة فئات الشعب العراقي، ودوائر الرصد والإحصاء في العالم، والمنظمات الدولية في الأمم المتحدة وغيرها، وتأمر به كافة الشرائع السماوية والقوانين الدولية.
سائلاً الله تعالي لشعبنا العراقي المظلوم التحرر والانعتاق، والإنصاف من الظلم والقهر، ومساعدته في التحرر ليقرر مصيره بحرية وأمن واستقرار؛ لأن ذلك سيكون عامل استقرار للعراق والمنطقة والعالم، ? وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَي الله عَمَلَكُمْ وَرَسُوله وَالْمُؤْمِنُونَ?().
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
آخر ربيع الأول 1423 ه
11/6/2002 م لندن
محمد باقر الناصري

12 سماحة السيد محمد بحر العلوم:

بسم الله الرحمن الرحيم
لقد عاني الشعب العراقي كثيراً من الأنظمة الديكتاتورية الظالمة المتسلطة علي رقاب أبنائه، وكانت الطائفية السياسية أحد أسلحة هذه الأنظمة في محاربة وقمع الشعب العراقي. وكان العراقيون الشيعة باعتبارهم أكثرية الشعب العراقي الضحية المزمنة لهذه الأنظمة، فكلما ازدادت ديكتاتورية النظام المتسلط اقترنت معه بصورة متلازمة الممارسات الطائفية المقيتة. وكان النظام الديكتاتوري الصدامي قد تمادي في طائفيته وإجرامه لتحجيم المرجعية الدينية، وإبادة علماء ورجالات الشيعة، ومدنهم المقدسة، وحوزاتهم العلمية، وخاصة عندما رفع شعار: (لا شيعة بعد اليوم)، إبان انتفاضة الشعب العراقي آذار عام 1991، وما سبقها من اعتداءات علي علماء ومثقفي العراق، وحركته الإسلامية، وما تعرضوا له من سجون وإعدامات، وتشريد وتهجير، وما أعقبها من محاولات تجفيف مناطق أهوار العراق وتهجير سكانهم.
إننا نؤمن بضرورة مواصلة النضال لإزالة الديكتاتورية، والعمل علي إقامة البديل الديمقراطي الدستوري، الذي يختاره الشعب بحرية، وبناء مؤسسات المجتمع المدني، وإلغاء كل مؤسسات العنف والقمع التي أنشئت لاضطهاد العراقيين، والعمل علي ضمان حقوق المواطن العراقي السياسية، والاجتماعية، والثقافية، والإدارية، باعتبار كل ذلك وسائل كفيلة للقضاء علي الطائفية السياسية، والتي ستعيد لشيعة العراق دورهم الأساسي في بناء الدولة، والنهوض بآمال الشعب. ومن منطلق الحرص علي وحدة العراق أرضاً وشعباً، وصيانة مستقبله السياسي، لا بد لنا من تشجيع كل الرؤي والمعالجات الموضوعية، والتي تأخذ من هوية العراق وخصوصيته أساساً لتحركها.. وقادرة علي احتواء الإفرازات السلبية للأنظمة الديكتاتورية بروح مرنة غير متعصبة، وتطرح بوضوح وموضوعية المعوقات التي حالت دون تحقيق المشاركة السياسية للأغلبية العراقية، وندعم بقوة وبفاعلية كل الجهود الرامية إلي بلورة مشروع وطني يتناسب وتطلعات شعبنا العراقي نحو إقامة مجتمع مدني، ودولة القانون التي تتساوي فيها الأغلبية والأقلية، وذلك هو المشروع الذي يتبناه شيعة العراق باعتبارهم العمود الفقري للوطن.
وانطلاقاً من ذلك فنحن نبارك كل الخطوات التي من شأنها المساهمة في تحقيق هذا الهدف الكبير، ورفع الغبن عن (شيعة العراق)، وتثبيت حقوقهم، وتبيان مظلوميتهم، ووضع التصورات اللازمة لإزالة هذا الحيف والظلم عنهم.
لندن 12 ربيع الأول 1423
24 مايس 2002
محمد بحر العلوم

13 الإمام الحكيم رحمة الله عليه: حي علي الجهاد

بعد عقود من العمل النضالي والاشتراك في مختلف قضايا الجهاد الوطني، تسنم الإمام السيد محسن الحكيم رحمة الله عليه سدة المرجعية العليا.
يمكن اعتبار عهد الحكيم واحداً من أصعب عهود المرجعية الشيعية، فقد شهد عهده الثورة المصرية عام 1952م، وقد أفتي بدعم نضالها أثناء العدوان علي بور سعيد. وشهد ثورة تموز وقيام النظام الجمهوري، وقد أفتي بنصرة الثورة، ثم لما تكشفت له بعض الحقائق أفتي وباقي العلماء بتكفير الحزب الشيوعي الذي اعتمدته الدولة في إدارة البلاد، وقامت الثورة الكردية التي أفتي علماء السلطة بمقاتلتها، وأفتي السيد الحكيم بحرمة قتال الأكراد المسلمين.
وفي عهد مرجعيته ظهر قانون الإصلاح الزراعي والقطاع الاشتراكي، المخالف في بعض بنوده أحكام الشريعة الإسلامية، وقد أفتي بحرمة الصلاة في الأراضي المغتصبة، وحرمة التعامل مع بضائع المصانع المغتصبة أيضاً.
واستلم أثناء مرجعيته حزب البعث الطائفي الديكتاتوري السلطة مرتين. فاعتمد الإمام الحكيم في حملته الإصلاحية الدعوة لأسلمة الدولة علي عدد من الأتباع المنتشرين في أرجاء العراق، حيث استطاع أن يوظف رصيده هذا لمواجهة السلطة الطائفية التي أعقبت ثورة 14 تموز، فشهدت الفترة ما بين 1963- 1968 نشاطاً واسعاً للدعاة الإسلاميين. وقد وجه علماء بغداد وبدفع من الإمام إلي الحكومة العراقية مذكرة خطيرة بتأريخ 2/2/1964 طالبوا فيها السلطة العودة إلي الإسلام واحترام حقوق المواطنين.
وفي 19/3/1964 دخلت قضية طائفية السلطة وأقلمة الدولة إلي جدول مباحثات الإمام الحكيم مع رئيس الوزراء طاهر يحيي الذي زاره في الكوفة قائلاً: إن من واجب الحكومة أن تنظر إلي مختلف أبناء الشعب بنظرة واحدة دون تمييز أو تفريق بين قومياتهم أو مذاهبهم، ويؤسفني أن أري الآن فجوة بين الشعب والحكومة، عمل علي إيجادها شرذمة تحاول إثارة الأغراض والنعرات الهدامة بين الشعب. فلربما يقول القائل: بأن المفهوم السائد في الدولة في هذه الأيام بأن معاملات (عبد القادر) تنفذ، ومعاملات (عبد الحسين) تؤخر وتترك. كما أن هناك نعرات بلدية ضيقة مثل هذا: عاني، وهذا تكريتي، وهذا نجفي، وهذا كوفي. وهذه بسيطة للغاية في ظاهرها، ولكن ربما استغلها البعض طريقاً لأمور أكبر وأوسع. ولئن صح ما بلغني فذلك ما يثير الحزازات في النفوس، ويبعد الأمة عن الحكومة. وما هذه الاضطرابات والانقلابات والتي عشنا بها مدة من الزمن، إلا نتيجة لعدم مراعاة حق الشعب والمحافظة عليه. وأنا لا أرغب أن أذكر لكم إلا ما فيه صلاحي وصلاح شعبي علي اختلاف أنواعهم، ولا فرق عندي بين عربي، وكردي، وتركي، فكلهم أخواني وأولادي ().
فالإمام الحكيم رحمة الله عليه قد تصدي لمواجهة الطائفية السياسية في مختلف الحكومات المتعاقبة في العراق، ولعل ذلك هو السبب المباشر لما أصاب أسرته من قتل وتشريد وسجن.. ذلك انتقاما للمواقف الجهادية التي اتخذها هذا الفقيه المجاهد وأسرته الثائرة (رضوان الله علي شهدائهم وحفظ الله الباقين منهم).

14 مرجعية النجف الأشرف وسماحة السيد السيستاني رحمة الله عليه

إن ما ارتكب في العراق خلال عام ونصف بعد سقوط النظام من جرائم طائفية بشعة تقشعر لها الجلود، كانت تهدف إثارة المشاعر الطائفية لإشعال نيران حرب لا هوادة فيها تحرق الأخضر واليابس في هذا الوطن المثخن بالجراح، وذلك ليتسن للأجانب البقاء في العراق وليفسح المجال لعودة الاستبداد إلي الحكم.
وإن انتهاك حرمة المراقد المقدسة وإزهاق أرواح الأبرياء في المكان والزمان المقصودين (عاشوراء في كربلاء والكاظمية) كانت محاولات شرسة ومفجعة لاستثارة جماهير الأكثرية الشيعية في العراق، وفعلا أثارت حميتها علي الدين والوطن وكان العراق علي برميل بارود قابل لانفجار مدمر لكل الشعب والوطن.. فماذا لضبط الوضع المتوتر وزم الأزمة المتفجرة والمتفاقمة؟
إنه حنكة المرجعية الدينية وحكمة سماحة آية الله العظمي السيد علي الحسيني السيستاني (حفظه الله) الذي استطاع برويته وهدوء أعصابه وروحه الوطنية العالية أن يهدأ العواطف الجياشة ويفقأ عين الفتنة التي لا زالت أيادي العملاء من الطائفيين تحاول إشعال نيرانها، فالموقف الرصين للمرجعية وقول سماحة السيد السيستاني رحمة الله عليه: حتي لو قتلت أنا فلا تتهموا أحدا، إن المتهم الحقيقي هو الصهيونية إن هذا الموقف درأ الخطر عن العراق وحفظه من الفتنة العمياء..
من جهة أخري إن موقف سماحته المتحفظ من الدستور الموقت الذي صاغته الأقلية وتأكيده علي رفض البند (ج) من المادة الثانية والستين، والذي أعطي الحق للبعض في إلغاء أصوات كل العراقيين (ثلاث محافظات تلغي رأي كل محافظات العراق) هذا الموقف المشرف كان ردا علي من يحلو له اللعب بمصير البلاد والعباد، وأخذ هذا الموقف الشجاع المبدئي من سماحته مداه في العراق والعالم الإسلامي بل كل العالم، فموقف المرجعية الدينية في النجف الأشرف سجل نقطة للتاريخ، وأثبت أن هذه المرجعية بحوزتها العريقة الواعية وشخصياتها المتنورة هي حصن العراق المنيع.
وهكذا كانت مواقف المرجعيات السابقة، فهي الأخري امتازت بالوطنية الصادقة والمضادة لصميم الطائفية، كمواقف الشهيدين الجليلين المجاهدين: المرجع الديني آية الله العظمي السيد محمد باقر الصدر رحمة الله عليه والمرجع الديني آية الله العظمي السيد محمد محمد صادق الصدر رحمة الله عليه، وقد امتد خطهما الفكري في رفض طائفية النظام البائد والخط التكفيري المتشدد بعد سقوطه.
وهكذا كانت ولا زالت مرجعية النجف الأشرف حصنا منيعا ودرعا واقيا للعراق من هجمات الطائفية الاستعمارية التي ما جني منها هذا الشعب المظلوم غير الويلات والمحن والتخلف المرير.

15 الإمام الشيرازي رحمة الله عليه: إصرار متواصل لحق الأكثرية

إن مدرسة ثورة العشرين لا زالت ماثلة بمبادئها التحررية، ورموزها القياديين الأبطال.. أمام العراق برمته.
والإمام الراحل المرجع الديني آية الله العظمي السيد محمد الحسيني الشيرازي رحمة الله عليه واصل مسيرة السلف الصالح علي أصعدة مختلفة أهمها مكافحة التمييز الطائفي، الذي حل علي العراقيين كابوساً خانقاً، فخطب كثيراً وكتب أكثر وهو سلطان المؤلفين الذي ألف أكثر من ألف وثلاثمائة كتاب وكراسً فألف سبعة وعشرين كتاباً وكراساً عن شعب العراق وهمومه ومحنه، مطالباً بنظام إسلامي إنساني ديمقراطي مشروع، وتعددي وعادل.
ومن تلك الكتب التوعوية التي طبعت عدة مرات، وكانت الطبعة الأخيرة منها بعد سقوط النظام البائد، هو كراس (الأكثرية الشيعية في العراق)، وكذلك كتاب (إذا قام الإسلام في العراق)، كما أجاب رحمة الله عليه في بيانه التاريخي عام 1991م حين ما سئل عن مستقبل العراق وصورة الحكومة المستقبلية، فقال():
لقد سألتم عن العراق والصورة التي ينبغي أن يكون عليها في المستقبل بعد سقوط النظام الحالي بإذن الله تعالي، وسنشير هاهنا إلي بعض البنود حسب ما يستفاد من الموازين الإسلامية المطابقة للموازين الإنسانية الفطرية، قال تعالي:
?فِطْرَتَ الله الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا?().
1: يجب أن تكون الأكثرية هي الحاكمة كما يجب إعطاء الأقلية حقوقها، فإن الأكثرية كان لها الدور الأكبر في إنقاذ العراق مرارا عديدة في هذا القرن: مرة في ثورة العشرين ومرة أخري في الحرب العالمية الثانية حيث أفتي العلماء بوجوب إخراج المستعمرين من قاعدة (الحبانية) فتحرك الشعب العراقي بأسره حتي أخرجهم، ومرة ثالثة: إبان المد الأحمر.. وقد سجلت الكتب التاريخية تلك الحوادث بتفاصيلها.
وقد قال الله سبحانه وتعالي: ?وَأَمْرُهُمْ شُورَي بَيْنَهُمْ?().
وقال جل وعلا: ?وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ? ().
وورد في الحديث الشريف: لئلا يتوي حق امرئ مسلم ().
2: من الضروري استناد الدولة إلي المؤسسات الدستورية حيث يلزم منح الحرية لمختلف التجمعات والتكتلات والفئات والأحزاب غير المعادية للإسلام في إطار مصالح الأمة، كما يلزم أن تكون الانتخابات حرة بمعني الكلمة وان توفر الحرية للنقابات والجمعيات ونحوها كما يلزم أن تعطي الحرية للصحف وغيرها من وسائل الإعلام ويلزم أن تمنح الحرية لمختلف أصناف المجتمع من المثقفين والعمال والفلاحين و… كما تعطي المرأة كرامتها وحريتها كل ذلك في إطار الحدود الإسلامية الإنسانية.
قال تعالي: ?لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ?()، وقال تعالي: ?يَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِم ().
وقال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله
حراً ().
3: اللاعنف هو المنهج العام في الداخل والخارج، كما قال تعالي:
?ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً?() فإنه هو الأصل ونقيضه استثناء.
4: يجب أن تراعي حقوق الإنسان بكل دقة، حسب ما قرره الدين الإسلامي الذي يتفوق علي قانون حقوق الإنسان المتداول في جملة من بلاد العالم اليوم، فلا إعدام مطلقاً إلا إذا حكم في كلية أو جزئية مجلس (شوري الفقهاء المراجع)، إذ في صورة الاختلاف بينهم يكون من الشبهة و الحدود تدرأ بالشبهات ()، كما ينبغي تقليص عدد السجناء إلي أدني حد حتي من الحد المقرر في العالم اليوم، كما لا تعذيب مطلقاً، وكذلك لا مصادرة للأموال مطلقاً.
5: وبالنسبة إلي ما سبق يتمسك ب: ?عَفَا الله عَمَّا سَلَفَ?()، كما عفا الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله عن أهل مكة: اذهبوا فأنتم الطلقاء ()، وعن غير أهل مكة، وكما صنع ذلك الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، ويؤيده ما ورد عن الإمام الرضا عليه السلام: إن حديث (الجب)() أولي بالجريان بالنسبة إلي المسلمين من جريانه في حق غيرهم.
6: للأكراد والتركمان وأمثالهم كامل الحق في المشاركة في الحكومة القادمة، وفي كافة مجالات الدولة والأمة، فقد قال الله سبحانه: ?يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِّنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَي وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ الله أَتْقَاكُمْ?().
وقال الرسول عليه السلام: لا فضل لعربي علي العجمي، ولا لأحمر علي الأسود، إلا بالتقوي.. ().
7: ينبغي أن تتخذ الدولة القادمة سياسة (المعاهدة) أو (المصادقة) مع سائر الدول في إطار مصلحة الأمة، كما قام بذلك الرسول الأكرم صلي الله عليه و اله مع مختلف الفئات غير الإسلامية حتي المشركين، ويستثني من ذلك عدة صور منها: صورة احتلال الكفار والمشركين لبلاد المسلمين كما حدث في فلسطين وأفغانستان، حيث يجب علي جميع المسلمين عندئذ الدفاع إذ المسلمون كالجسد الواحد، إذا اشتكي منه عضو تداعت له سائر الأعضاء بالسهر والحمي ().
8: المرجع الأخير في دستور الدولة الإسلامية القادمة في العراق، وفي رسم السياسة العامة والخطوط العريضة، هو (شوري الفقهاء المراجع) حسب ما قرره الإسلام، قال الرسول الأكرم صلي الله عليه و اله: المتقون سادة، والفقهاء قادة ().
ومن الواضح أن الفقهاء المراجع يتعاونون مع الحوزات العلمية، ومع المثقفين، والأخصائيين في كافة الحقول الاختصاصية؛ فإن ذلك هو مقتضي المشورة والشوري، كما قال تعالي: ?وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ? () وقال جل وعلا: ?وَأَمْرُهُمْ شُورَي بَيْنَهُمْ?().
9: يجب علي كافة المسلمين السعي لكي تتوحد بلاد الإسلام، وتنصهر في دولة واحدة إسلامية.. ذلك إن المسلمين أمة واحدة، كما قال تعالي: ?وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ?().
وقد أسس الرسول الأعظم عليه السلام أساس الدولة العالمية الواحدة، حيث توحدت في حياته صلي الله عليه و اله تسع دول تحت راية الإسلام علي ما ذكره المؤرخون وفي هذا القرن كانت الهند مثالاً لذلك كما أن أوروبا تحاول التوصل إلي ذلك.
ومن الواضح أن تفكك الدول الإسلامية، ووجود الحدود الجغرافية بينها من الأسباب الرئيسية في تخلف المسلمين من جهة، وفي تناحرهم وتحاربهم من جهة أخري، وفي تفوق المستعمرين عليهم واستعمارهم من جهة ثالثة.
10: يلزم حث المجاميع الدولية كي تقوم بالضغوط الشديدة علي كل حكومة تريد ظلم شعبها، ذلك أن الإنسان من حيث هو إنسان لا يري فرقاً بين ظلم أهل الدار بعضهم لبعض، وبين ظلم الجيران بعضهم لبعض. وهذا هو ما يحكم به العقل أيضاً، ولا يجوز في حكم العقل والشرع أن ندع أمثال: موسيليني، وهتلر، وستالين، يفعلون ما يشاءون بشعوبهم تشريداً، ومطاردة، ومصادرة للأموال، وقتلاً للأنفس بحجة أنها شؤون داخلية.. فإذا اشتكي أبناء بلد عند سائر الأمم كان عليهم أن يرسلوا المحامين والقضاة، فإذا رأوا صحة الشكوي أنقذوا المظلوم من براثن الظالم.
ويقول الإمام الشيرازي الراحل رحمة الله عليه في كتابه (الأكثرية الشيعية في العراق): إنّ القرائن الموجودة بحمد الله تدلّ علي زوال حكومة البعث في العراق. وبناءً علي ذلك فيجب الاهتمام بعدة أمور، لحل مشاكل العراق مستقبلاً:
1: إن الحكومة القادمة يجب أن تكون بيد الشيعة، لأنهم الأكثرية، وحتي لو قيل: إن هذا الحاكم الفلاني هو إنسان طيّب ومسلم وملتزم حتي بالمستحبات، فلا ينبغي أن ننخدع بذلك، فيجب أن يكون حاكم البلاد شيعياً، لأن الأكثرية في البلاد هم الشيعة، وأنّ القانون الإلهي والقانون المتعارف عليه دوليّاً يقرّ بذلك، نعم من الضروري أن نعطي للآخرين (الأقليات) حقوقهم بقدر نسبتهم في الشعب.
2: تصعيد الإعلام، وبيان ذلك لكل العالم، بأن العراق يجب أن يكون حاكمه شيعياً، وحينما يطرح ذلك، يجب أن لا يكون هناك خوف من أحد، فيطرح هذا الرأي علي جميع الفئات علي البقال والخباز والمهندس والموظف والعسكري وعلي غيرهم من شرائح المجتمع، وهؤلاء هم الذين يمثلون (الوحدة القاعدية)، وهم جماهير الناس، ولهم مطالب منبعثة من الدين أو القومية أو الاقتصاد، فإنها توجب الضغط علي القوي الكبري أو الدولة في سياستها خاصة، إيجاباً أو سلباً أو تعديلاً، وأسلوب ضغط الجماهير وإن لم يكن بشكل خاص، إلا انّه بالنتيجة يؤثّر علي الرأي العام ككل، وبالتالي الضغط علي أصحاب النفوذ والقوي، فإذا كانت الدولة استشارية تتفادي سخط الرأي العام وترضخ لمطالبه. وإذا كانت ديكتاتورية فهي تتجاهل الرأي العام وبالتالي ستكون نتيجتها السقوط. إنّ الإعلام والتأثير علي الرأي العام سوف يوجد تكاتفاً واسعاً في الرأي سيكون بالنتيجة سدّاً بوجه القوي الكبري، التي تمنع من تحقيق ذلك. وقد قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: من جهل وجوه الآراء أعيته الحيل ().
كما يجب أن يكون الحكم في العراق قائماً علي أساس إعطاء الناس حقوقهم، وأن يعمل بالشوري والمشورة، وأن تعطي للأحزاب الإسلامية والوطنية المخلصة حرية العمل والتنافس، وأن يكون لها الحق في نقد الحكومة، وحينذاك سوف لا تكون الحكومة قادرة حتي علي قتل خمسة أشخاص بالباطل، كما رأينا ذلك بأعيننا حينما كانت التعددية الحزبية هي الحاكمة. أما إذا جاءت إلي السلطة حكومة ديكتاتورية فسيؤول وضع العراق من سيئ إلي
أسوأ ().

16 مع المرجع الشيرازي رحمة الله عليه:

أما خلفه الصالح سماحة المرجع الديني آية الله العظمي السيد صادق الحسيني الشيرازي رحمة الله عليه فهو الآخر حمل بين جوانحه هموم هذا الشعب الممتحن المظلوم.. وركز في كل مناسبة حول حقوق الأكثرية مع الحفاظ الكامل علي حقوق الأقليات كاملة غير منقوصة..
قال سماحته في بيانه الصادر في 10 شعبان 1425 ما نصه:
العراق الجريح والمظلوم يمر اليوم بفترة عصيبة بين الشدة والاستبداد في أبشع ممارساته، وبين الحرية والانطلاق، وهناك أعداء للإسلام ولأتباع أهل بيت الرسول (صلي الله عليه وعليهم) وللعراق، وهؤلاء لا يريدون لهذا الشعب الصامد والأبيّ أن يعيش بخير ويحاولون بأساليب عديدة سياسياً وعسكرياً وثقافياً وغيرها أن يعكروا صفو ذلك، فينبغي للشعب العراقي الواعي الانتباه بدقة إلي الأمور التالية:
أ) حضارة الإسلام التي أكد عليها القرآن الحكيم، وطبقها رسول الله وأمير المؤمنين (عليهما وآلهما السلام) أيام حكومتيهما العادلتين، لا بديل لها، فلايصلح العراق اليوم وغداً، إلا بما صلح به يوم حكمه الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ضمن أكبر وأوسع وأقوي رقعة علي وجه الأرض، قسمت في خريطة العالم اليوم إلي عشرات الدول والحكومات، فإن لم يكن أمير المؤمنين عليه السلام اليوم بيننا فنهجه وسيرته وتاريخه الذي يمكن أن يجعل دستوراً ومنهاجاً موجودة عندنا.
ب) يعيش العالم اليوم في معظم الدول الكبار، الأكثرية في كل المجالات بدءً بانتخاب الرئيس، والمجلس والحكومة، وانتهاءً بكل حاجات الشعوب الكبيرة والصغيرة. فينبغي أن لا يكون العراق اليوم وفي معترك الصراع العالمي المصطنع مستثني عن هذه الأكثرية مع حفظ حقوق الأقليات كافية ووافية.
وينبغي أن يشترك في الانتخاب جميع قطاعات الأكثرية ومناطقها وقومياتها وفئاتها وعشائرها ومثقفيها وتجارها وعمالها وغيرهم … وأن يصادق كلهم علي القانون والمجلس والحكومة، حتي لا تصبح الأكثرية جسراً
إلي الأقلية، والانتخاب واجهة للانتصاب، وهذا أمر دقيق ينبغي الانتباه الأكيد له.
ج) العراق أرضاً وشعباً من أقصي الشمال إلي أقصي الجنوب من الأكراد، والتركمان، والعرب، وغيرهم في المدن والقري والأرياف، وحدة واحدة لا يمكن أن تتجزأ تحت أي اسم، أو أي شعار.
د) ثقافة التعايش بين جماعات وأفراد الشعب العراقي الواعي، وأحزابه وهيئاته، وحوزاته وجامعاته، ينبغي أن تمارس بأحسن وجه كمقدمة للوحدة الإسلامية الكبري التي دعي إليها القرآن الحكيم حيث قال: إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (سورة الأنبياء: 92). وفي هذه المرحلة الحساسة التي سيكون فيه تقرير مصير الأمة اليوم، والأجيال القادمة فلابد من السعي الحثيث لتسليم أزمة الأمور إلي الأفراد الصالحين الكفوئين، فإنه إذا صلحت القيادة صلحت البلاد وإذا فسدت القيادة فسدت البلاد.
وقد أصدر مكتب السيد المرجع رحمة الله عليه في قم المقدسة بأمر من سماحته بياناً في 7 ربيع الثاني 1425ه جاء فيه: إن الأوضاع المأساوية التي حدثت في العراق طوال العقود الماضية، وما ترتب عليها مما نشاهده الآن، إنما هي نتاج ممارسات لامسئولة وأخطاء متراكمة، ومن أسوء تلك الأخطاء: التفريط بحق الأكثرية عشيّة تأسيس الدولة العراقية في القرن الماضي، وتحت شعارات براقة، مع أن الشريعة المقدسة والنهج الديمقراطي يشرعان صون حقوق الأكثرية.
ومما يؤسف له أن نشاهد اليوم بوادر التفريط بحق الأكثرية أيضاً تحت غطاء نفس تلك الشعارات وما يشابهها.
ونحن إذ نحذر من تكرار التجربة السابقة مرة أخري مع أن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين كما ورد في الحديث الشريف نطالب بصون حقوق الأكثرية، ولزوم كون رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء من الأكثرية، وكذلك سائر المناصب وحسب نسبتهم الواقعية.
ولا ينطلي علي الشعب العراقي الواعي ما يقال: من أن رئاسة الجمهورية منصب تشريفي؛ لأن ذلك من قبيل نفس الخدعة التي انطلت حين تأسيس الدولة العراقية في القرن الماضي، وأدت إلي تلك المظالم الفاحشة خلال أكثر من ثمانين عاماً.
ومن الواضح أنه لا يحق لأية جهة من الجهات التنازل عن حقوق الأكثرية؛ لأنه تنازل عن شيء هو ملك لجميع الأمة.
وإننا ندعو الشعب العراقي الأبي للقيام بمسؤوليته الشرعية والإنسانية، وبمختلف الطرق السلمية، والمطالبة الجادة والحثيثة ليكون رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء من الأكثرية، وكذلك سائر المناصب وحسب نسبتهم الواقعية ورفض ما سوي ذلك رفضاً قاطعاً.
وعلي أهل العلم والجامعيين والمثقفين القيام بواجباتهم الدينية، ومسئولياتهم التاريخية بتثقيف الناس، وتعليمهم مسائل دينهم، وأمورهم السياسية والزمنية، فقد ورد في الحديث الشريف: العارف بزمانه لا تهجم عليه اللوابس.
كما ينبغي علي الجميع التوجه إلي الله تعالي بالدعاء، لإصلاح الأمور، فقد قال سبحانه: ?قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلاَ دُعَاؤُكُمْ?()، والتوسل بالمعصومين محمد وعترته الطاهرين (صلوات الله عليهم أجمعين)، ولاسيما مولانا الإمام المهدي (عجل الله تعالي فرجه الشريف) لزوال الكربات وانقشاع المآسي والمظالم والله ولي النجاة، وهو حسبنا ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
من جهة أخري أصدر الناطق الرسمي باسم ممثليه سماحته، الشيخ ناصر الأسدي تصريحاً عشية الإعلان عن تأسيس الدولة الجديدة المؤقتة، وذكر أربع نقاط هامة هي من ثوابت العدالة والديمقراطية المشروعة، ومما جاء في التصريح: إننا في الوقت الذي نأمل، ونتمني لكل قيادة وطنية مخلصة أن توفق لانتشال الواقع العراقي من مأساته، نؤكد علي أن الصيغ التوافقية ليست حلاً لأزمة العراق المستعصية فيلزم:
أولاً: التزام ثوابت العدل، والتي من أهمها إعطاء الأكثرية كامل حقوقها السياسية المشروعة، وبذلك يكون رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء منها.
ثانياً: اعتماد المحاصصة العادلة لنيل الجميع حصتهم، وإن إغفالها يؤدي في تركيبة الواقع العراقي إلي فرض محاصصة غير منصفة، وهو يفقد المصداقية في الديمقراطية، كما أثبت ذلك تاريخ العراق في القرن الماضي.
ثالثاً: يلزم إشراك كل القوي السياسية في تقرير مصير الوطن الذي هو ملك للجميع، فإن سياسة التهميش لا تؤدي إلا إلي إشعال نيران الفتن، والتوترات، وعدم الاستقرار.
رابعاً: ويلزم الاستعداد كاملاً لإجراء الانتخابات، فصناديق الاقتراع النزيهة هي الحل لأزماتنا، قال أمير المؤمنين عليه السلام: لا ظهير كالمشاورة.
وبدون ما ذكر أعلاه، علي الشعب أن يعد نفسه لمرحلة طويلة من مصادرة الحقوق، وحرمان الأكثرية من حقوقها.
وطالب التصريح من كل شرائح الشعب تحمل مسئولياتهم في هذه المرحلة قائلاً: ويلزم علي كل المرجعيات والأحزاب والجهات السياسية والشعبية، أن تتحمل مسئوليتها التاريخية تجاه الديمقراطية والتعددية، واستقلال الوطن كاملاً، قال صلي الله عليه و اله: من لم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم.

مسك الختام

إن ما ورد في هذا السفر المتواضع غيض من فيض، وقطرة من بحر من ملف الطائفية الظالمة في العراق، وكان الهدف من هذا الكتاب الإسهام في خدمة هذا الوطن بكل مذاهبه وأبنائه، ومكافحة مرض الطائفية الفتاك الذي يحطم حتي الأقلية أيضا، كما يحطم كل شعب أصيب به ويتركه ضعيفا عاجزا أمام قوي الرجعية والاستعمار والجهل والتخلف والفقر والطبقية الجائرة.
هذا ولا يلزم القارئ الكريم بالضرورة أن يلتزم بما جاء فيه بحذافيره، بل اللازم هو رفض الطائفية بكل أشكالها العنصرية الظالمة، والنضال السلمي ضد كل ما يمت إليها بصلة وفي أي شكل من أشكالها، وإن مما لا شك فيه ولا ريب أن شعب العراق كل الشعب مطلقا لا تقوم له قائمة ما دام أسيرا لهذا المرض المزمن والعضال، فالواجب الشرعي والوطني يفرض علي كل عراقي أن يبذل قصاري جهوده لعلاج هذا المرض المدمر.
اللهم إني قد بلغت فاشهد..
اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا.. وثبت أقدامنا.. وانصرنا علي القوم الظالمين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
ناصر حسين ناصر
1425ه 2004م

الحاشية

() راجع في ذلك (الملل والنحل) للشهرستاني، و(فرق الشيعة) للنوبختي، و(حياة محمد) وفيه يقول محمد بن عبد الله عنان: من الخطأ أن يقال: إن الشيعة إنما ظهروا لأول مرة عند انشقاق الخوارج، بل كان بدء الشيعة وظهورهم في عصر الرسول صلي الله عليه و اله حين أمر بإنذار عشيرته بآية: ?وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ? سورة الشعراء: 214. قال رسول الله صلي الله عليه و اله مشيراً إلي علي بن أبي طالب عليه السلام: والذي نفسي بيده إن هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة، راجع تاريخ دمشق لابن عساكر الشافعي: ج2 ص442 ح951، وص348 ح849 و851. المناقب للخوارزمي الحنفي: ص62. شواهد التنزيل للحسكاني الحنفي: ج2 ص362 ح1139. كفاية الطالب للكنجي الشافعي: ص245 و313 و314. الدر المنثور للسيوطي الشافعي: ج6 ص379. فرائد السمطين: ج1 ص156.
() انظر النوبختي في كتابه (فرق الشيعة)، وابن النديم في كتابه (الفهرست).
() سورة الواقعة: 10 12.
() بشارة المصطفي: ص89.
() الأمالي للصدوق: ص336 المجلس54 ح15.
() سورة المائدة: 3.
() راجع حديث الولاية، حيث قال رسول الله صلي الله عليه و اله: من كنت مولاه فهذا علي مولاه …، في كتب المسلمين كافة من العامة والخاصة حيث بلغ حد التواتر، للتفصيل انظر كتاب (المراجعات) للمرحوم الإمام السيد عبد الحسين شرف الدين العاملي رحمة الله عليه.
() الصراط المستقيم: ج1 ص230 ب7 ف20.
() المناقب: ج2 ص98 فصل في المسابقة بالزهد والقناعة.
() وهي مدينة اختطها أبو العباس السفاح قرب الكوفة وشرع في عمارتها، انظر معجم البلدان: ج1 ص457 مادة (بغداد).
() أمثال: أبي سلمة الخلال الكوفي الذي استوزره السفاح أول ملوك بني العباس، ومحمد بن الأشعث الخزاعي الذي استوزره المنصور، وأبي عبد الله يعقوب بن داود، وعلي بن يقطين الذي استوزره هارون، وجعفر بن الأشعث، والفضل بن سهل ذي الرياستين الذي استوزره المأمون وغيرهم.
() وقد ذكر علماء الاجتماع أن المؤثرات في الإنسان عشرة منها: الأجواء الاجتماعية، والأحواء الطبيعية. راجع (الفقه: الاجتماع)، للإمام الشيرازي رحمة الله عليه.
() أول من استعمل كلمة (الرافضة) هو زياد ابن أبيه والي معاوية علي الكوفة، وذلك حين طلب من حجر بن عدي وأصحابه البراءة من علي عليه السلام فرفضوا بإصرار شديد، فقال غاضبا: قوموا عني فأنتم الرافضة.
() تأسست الدولة البويهية علي يد علي بن بويه الملقب بعماد الدولة في شيراز في بلاد إيران عام (321 ه) ثم امتد حكمها إلي كل إيران والعراق وجزء من تركيا وغيرها من بلاد بني العباس، وكان آخر ملوك البوبهيين أبا نصر الملقب بالملك الرحيم وبه انتهي حكم الدولة البويهية سنة (474 ه)، والذي امتد 153 سنة.
() هو أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان بن عبد السلام العكبري الملقب بالشيخ المفيد، من أجل مشايخ الشيعة ورئيسهم وأستاذهم، فضله أشهر من أن يوصف، انتهت رئاسة الإمامة إليه في وقته، ولد ? سنة (336 ه) وتوفي (413 ه) ودفن في داره، ونقل إلي مقابر قريش بالقرب من جانب رجلي الإمام الجواد عليه السلام، له تصانيف عديدة منها: الرسالة المقنعة، الأركان في دعائم الدين، الإيضاح في الإمامة، الإرشاد، الإفصاح، والعيون والمحاسن. يقول عنه الشيخ الطوسي ?: وكان يوم وفاته يوماً لم ير أعظم منه من كثرة الناس للصلاة عليه، وكثرة البكاء من المخالف له ومن المؤالف. راجع روضات الجنات: ج6 ص153 الرقم 576
() هو الشريف الرضي أبو الحسن محمد بن أبي احمد الحسين بن موسي بن محمد، ولد عام (359 ه) وتوفي سنة (406 ه) جامع كلام الإمام أمير المؤمنين ? في كتاب نهج البلاغة.
() هو سيد علماء الأمة ومحيي آثار الأئمة ذو المجدين أبو القاسم علي بن الحسين بن موسي بن محمد بن موسي بن إبراهيم ابن الإمام موسي الكاظم عليه السلام المشهور بالسيد المرتضي، وبعلم الهدي، جمع من العلوم ما لم يجمعه أحد، له تصانيف مشهورة منها: الشافي في الإمامة، وكتاب الطيف والخيال، وكتاب الغرر والدرر، وله ديوان شعر يزيد علي عشرين ألف بيت، وهو أخ السيد الشريف الرضي. ولد سنة (355 ه) وتوفي سنة (433 ه). وقيل: إنه خلف بعد وفاته (80 ألف مجلداً) من مقروآته ومصنفاته ومحفوظاته. انظر الكني والألقاب: ج2 ص482 (علم الهدي).
() الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي الطوسي، المعروف بشيخ الطائفة، ولد بطوس خراسان في شهر رمضان سنة 358 ه، درس أولاً في مدارس خراسان ثم هاجر إلي بغداد سنة 408 ه وبقي في العراق إلي آخر عمره. في سنة 447 ه هجم السلاجقة الأتراك علي بغداد، وأغار عبد الملك الوزير المتعصب لطغرل بيك في ذلك الوقت علي المناطق الشيعية، وقام بالقتل والنهب كما أنه هجم علي دار الشيخ الطوسي ليقتله، ولما لم يجده في داره فقد أحرق ما فيها من أثاث وكتب، فانتقل الشيخ من بغداد إلي النجف الأشرف بعد هذه الحادثة المؤسفة، فقام بتأسيس الحوزة العلمية هناك. توفي الشيخ ليلة الاثنين الثاني والعشرين من شهر محرم الحرام سنة 460 هجرية عن عمر يناهز الخامسة والسبعين عاماً، ودفن في داره التي كان يقطنها بوصية منه، وهي الآن من أشهر مساجد النجف الأشرف، ويعرف بمسجد الطوسي بالقرب من الحرم الشريف.
() هولاكو: نحو 12171265م، مغولي مؤسس دولة المغول الإيلخانية في إيران سنة (1251م)، حفيد جنكيز خان، أخضع أمراء الفرس والإسماعيلية في قلعة الموت (1256م)، قضي علي الخلافة العباسية في بغداد (1258م) واحتل سورية، هاجم المماليك جيشه في عين جالوت وأبادوه (1260م).
() هو المحقق المتكلم الحكيم المتبحر محمد بن محمد بن الحسن الطوسي رحمة الله عليه صاحب كتاب تجريد العقائد، وكتاب التذكرة النصيرية، وكتاب تحرير اقليدس، وتحرير المجسطي، وشرح الإشارات، والفصول النصيرية، والفرائض النصيرية، والأخلاق الناصرية، وكثير غيرها، ولد رحمة الله عليه بمشهد طوس في سنة 597ه، وتوفي سنة 672ه، ودفن في مقابر قريش في الكاظمية.
() الحسن بن يوسف بن علي بن المطهر الحلي ويعرف بالعلامة (648ه 726ه)، من كبار العلماء الشيعة، نسبته إلي مدينة الحلة في العراق، وفيها مولده ومسكنه ومدفنه، له كتب كثيرة منها: تبصرة المتعلمين في أحكام الدين، وتهذيب طريق الوصول إلي علم الأصول، والأحكام في معرفة الحلال والحرام، ومختلف الشيعة في أحكام الشريعة، وأنوار الملكوت في شرح الياقوت.
() هو محمد فخر المحققين بن حسن بن يوسف بن علي بن المطهر الحلي، فقيه أصولي متكلم، ولد سنة 682ه وتوفي في سنة 771ه، من آثاره: نهج المسترشد في أصول الدين، وجامع الفوائد في الفقه، والكافية في علم الكلام، وغاية البادي في شرح المبادي، وغيره.
() محمد خدا بندة الذي استبصر علي يد العلامة الحلي ? في قصة مشهورة، وذلك عندما طلق زوجته ثلاثاً في مجلس واحد، وأجمع علماء المذاهب علي وجوب المحلل، ثم جاء العلامة الحلي رحمة الله عليه وبعد مباحثات طويلة مع العلماء، وإقامة الأدلة الدامغة أثبت صحة مذهب أهل البيت ? دون سواه، وقد أسفرت تلك المباحثات عن تشيع السلطان وأكثر من معه، وقد ذكر هذه الحادثة العلامة المجلسي رحمة الله عليه في (روضة المتقين). راجع إيضاح الاشتباه للعلامة الحلي: ص43.
() محمود غازان: 12711304م، سلطان إيلخاني سنة (1295م) فرض الإسلام ديناً للدولة، شجع الأدباء، له آثار عمرانية في تبريز.
() الصفويون: سلالة ملكت إيران (15011736م)، أسس الدولة إسماعيل الأول، واتخذ تبريز عاصمة وتلقب بالشاه، أعلن التشيع مذهب الدولة، نقل العاصمة إلي قزوين (1555م) طهماسب الأول، ثم نقل عباس الأول الكبير إلي أصفهان.
() راجع تاريخ الشيعة: ص106 الموصل وشمال العراق.
() الكافي: ج8 ص107 حديث أبي بصير مع المرأة ح80.
() سورة طه: 2932.
() بحار الأنوار: ج38 ص319 ب67 ح30.
() ديوان أبي تمام: ص153 من قصيدة في مدح أمير المؤمنين عليه السلام.
() نسمة السحر: ج2 ص221.
() تاريخ بغداد، الخطيب: ج10 ص339 ترجمة رقم 5479.
() نسمة السحر: ج4 ص419.
()الفهرست، الطوسي: ص31 ترجمة رقم 83.
() رجال النجاشي: ص69 ترجمة رقم 167.
() وفيات الأعيان، ابن خلكان: ج2 ص172-177 ترجمة رقم 193.
() معجم البلدان، ياقوت الحموي: ج1 ص51 آبه.
() البداية والنهاية، ابن كثير: ج12 ص114 حوادث سنة 457 ه.
() البداية والنهاية، ابن كثير: ج13 ص10 جعفر بن محمد بن فطيرا.
() البداية والنهاية، ابن كثير: ج12 ص266 حوادث سنة 532 ه.
() معجم البلدان، ياقوت الحموي: ج4 ص448 كرخ بغداد.
() معجم البلدان، ياقوت الحموي: ج2 ص352 خراسان.
() بحار الأنوار: ج57 ص210 ب36 صمن ح12.
() نهج البلاغة: الخطبة رقم (53) ومن كلام له عليه السلام في ذكر الكوفة.
() شرح نهج البلاغة، الكيدري: ج2 ص107.
() بحار الأنوار: ج57 ص210 ب36 صمن ح12.
() شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد: ج3 ص198 فصل في ذكر فضل الكوفة.
() الأمالي للطوسي: ص678 المجلس37 ح1440.
() البداية والنهاية، ابن كثير: ج13 ص10 جعفر بن محمد بن فطيرا.
() معجم البلدان، ياقوت الحموي: ج2 ص294 الحلة.
() الكامل في التاريخ، ابن الأثير: ج10 ص351.
() معجم البلدان، ياقوت الحموي: ج2 ص339 الخالص.
() معجم البلدان، ياقوت الحموي: ج1 ص456 بغداد.
() مجالس المؤمنين: 347.
() الشيعة في مسارهم التاريخي، السيد محسن الأمين رحمة الله عليه، ونقلنا عنه المواد السابقة بتصرف يسير.
() الشيعة في مسارهم التاريخي، السيد محسن الأمين: ص231 تحقيق مركز الغدير للدراسات الإسلامية.
() الشيعة والدولة القومية في العراق: ص148. مصدر سابق.
() ثورة العشرين الوطنية التحررية في العراق، ل. ن. كوتلوف: ص18، مكتبة النهضة بغداد.
() التقرير الدولي عن حقوق الإنسان في العراق، مراجعة الدكتور صاحب الحكيم، مؤسسة المنار لندن 1991.
() The New Encyclopaedia Britannica، v21، p976، Robert Mchenry - General Editor - The University of CHICAGO، USA، 1992.
() كربلاء كما وصفها بعض المستشرقين الفرنسيين، دراسة: قيس جواد العزاوي، نصيف الجبوري، عن كتاب: دراسات حول كربلاء ودورها الحضاري: ص144، مركز كربلاء للبحوث والدراسات، لندن.
() صحيفة الشرق الأوسط، عدد 9088 ليوم 16/10/2003.
() مشكلة الحكم في العراق: ص123 و281.
() الطائفية في العراق.. الواقع والحل، سعيد السامرائي: ص133، مؤسسة الفجر، لندن 1993.
() العراق الواقع وآفاق المستقبل، وليد الحلي: ص313، دار الفرات بيروت 1992، و:
Iraq-Demographic and ethnic.Distribution.U.S Government Data ME/oil/223-099-887
() المصدر السابق.
() أزمة الحكم في العراق وحل المسألة الكردية، فاروق عباس: ص148، دار الحكمة لندن، 1995.
() مجلة النور الصادرة في لندن، العدد: 153 بتصرف.
() الأحزاب والحركات والجماعات الإسلامية، جاد الكريم الجباعي: ج2 ص285، المركز العربي للدراسات الاستراتيجية، دمشق 2000.
() دور الشيعة في تطور العراق السياسي الحديث، عبد الله فهد النفيسي: ص167.
() لقد فات الأستاذ الحصري أن يدخل الكوت في هذه الإحصائية.
() الطبقات الاجتماعية: ص40.
() الشيعة والدولة القومية في العراق: بتصرف يسير ص50 وما قبلها.
() مشكلة الحكم في العراق، عبد الكريم الأزري: ص273، لندن 1991.
() الطائفية والسياسة في العالم العربي.. نموذج الشيعة في العراق، د. إبراهيم فرهاد: ص290 و337، مكتبة مدبولي القاهرة 1996.
() ملاحظات أولية في الإصلاح الزراعي، زكي خيري: ص43. وانظر صفحات من تاريخ العراق الحديث، حامد الحمداني، من موقع صفحات علي شبكة الانترنت.
() سورة البقرة: 111، وسورة النمل: 64.
() هناك مجلدات خاصة في الحوار العلمي العقائدي والفقهي والفلسفي، وكتاب (الاحتجاج) للعلامة الطبرسي، ومجلدات (الاحتجاج) من موسوعة (بحار الأنوار) نماذج تدل علي ما نقول..
() سورة هود: 88.
() مجلة الغد: آذار 1987م بتصرف.
() المصدر السابق، بشيء من التصرف.
() لأن الطائفية مصطلح يدل علي الفئوية الضيقة ولا تعني مجرد الانتماء إلي طائفة معينة.
() العلوي: مصدر سابق، يراجع نهاية القصة علي ص277.
() العلوي، مصدر سابق بتصرف.
() العلوي، مصدر سابق بتصرف
() تاريخ الوزارات العراقية: ص4 وص193.
() العلوي، مصدر سابق بتصرف.
() العلوي، مصدر سابق بتصرف.
() سندرسن باشا المذكرات: ص46 – 47، ط3، 1985.
() العلوي، مصدر سابق بتصرف.
() مثل ميثم التمار وحجر بن عدي الكندي وعمرو بن الحمق الخزاعي والحضرميين مسلم بن زيمر وعبد الله بن نجي (رضوان الله عليهم)، وكثير غيرهم من أصحاب الإمام علي عليه السلام، وكان معاوية قد أمر ولاته بقتل كل من كان علي دين علي ورأيه. انظر كتاب سليم بن قيس الهلالي: ص321.
() راجع بحار الأنوار: ج49 ص128 ب13 ح3، وفيه يقول الإمام الرضا عليه السلام حين امتنع عن قبول الولاية من المأمون:.. تريد بذلك أن يقول الناس: إن علي بن موسي لم يزهد في الدنيا، بل زهدت الدنيا فيه، ألا ترون كيف قبل ولاية العهد طمعاً في الخلافة …
() راجع الشيعة والحاكمون، محمد جواد مغنية: ص145172.
() العثمانيون: سلالة السلاطين الأتراك، أسسها عثمان الأول سنة 1281م، نشأت في الأناضول علي أنقاض الدولة السلجوقية ومدت سلطتها إلي البلقان والدول العربية الأخري وأفريقية. احتل محمد الفاتح القسطنطينية عام 1453م وجعلها عاصمته وقضي علي البزنطيين. أنهي سليم الأول حكم المماليك وسيطر علي سورية وفلسطين ومصر عام 1516م، وخلفه ابنه سليمان القانوني فوطد أركان دولته علي البلاد العربية والإسلامية حتي أفريقية، وبلغت الدولة في عهده أوج قوتها، تحالف العثمانيون والألمان في الحرب العالمية الأولي وأدي انهزام الألمان في الحرب إلي تفكك الإمبراطورية العثمانية وإعلان الجمهورية التركية بزعامة مصطفي كمال أتاتورك سنة 1923م.
() وللمزيد عن تاريخ الدولة العثمانية راجع (موجز عن الدولة العثمانية)، لسماحة الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي رحمة الله عليه.
() فيصل الأول 18831933ه: ولد في الطائف، ابن الشريف حسين، ثار علي العثمانيين عام 1916م وقاد الجيش العربي في فلسطين، نودي به ملكاً علي سوريا عام 1920م وانسحب بعد دخول الجيش الفرنسي. ملك العراق عام 1920م.
() هو الشيخ محمد تقي بن الميرزا محب علي بن أبي الحسن الميرزا محمد علي الحائري الكربلائي زعيم الثورة العراقية، ولد في شيراز سنة 1256ه ونشأ في الحائر الشريف، فقرأ فيه الأوليات ومقدمات العلوم، وحضر علي أفاضلها حتي برع وكمل، فهاجر إلي سامراء في أوائل المهاجرين، فحضر علي المجدد الشيرازي رحمة الله عليه حتي صار من أجلاء تلاميذه وأركان بحثه، وبعد أن توفي أستاذه الجليل تعين الخلافة بالاستحقاق والأولوية والانتخاب، فقام بالوظائف من الإفتاء والتدريس وتربية العلماء. ولم تشغله مرجعيته العظمي وأشغاله الكثيرة عن النظر في أمور الناس خاصهم وعامهم، وحسبك من أعماله الجبارة موقفه الجليل في الثورة العراقية، وإصداره تلك الفتوي الخطيرة التي أقامت العراق وأقعدته، لما كان لها من الواقع العظيم في النفوس. فهو رحمة الله عليه فدي استقلال العراق بنفسه وأولاده، وكان أفتي من قبل بحرمة انتخاب غير المسلم. وكان العراقيون طوع إرادته لا يصدرون إلا عن رأيه وكانت اجتماعاتهم تعقد في بيته في كربلاء مرات عدة. توفي رحمة الله عليه في الثالث عشر من ذي الحجة عام 1338ه ودفن في الصحن الشريف ومقبرته فيه مشهورة. راجع طبقات أعلام الشيعة، نقباء البشر: ج1 ص261 الرقم 561.
() عبد الكريم قاسم محمد بكر الزبيدي من مواليد 1914م بغداد، التحق بالكلية العسكرية في عام 1932 شارك في حرب فلسطين عام 1948م في جبهة الأردن، انتمي لتنظيم الضباط الأحرار 1956م. قام بانقلاب عسكري عام 1377ه 1958م، أطاح بالحكم الملكي، قتل أغلب أفراد العائلة الملكية بمن فيهم الملك فيصل الثاني، أعلن الحكم الجمهوري. ألغي المظاهر الديمقراطية كالبرلمان والتعددية الحزبية ماعدا الحزب الشيوعي الذي أضحي الحزب المحبب للسلطة، وألغي الحكم المدني. استمر حكمه قرابة أربع سنوات ونصف تقريباً. تعرض في عام 1963م لانقلاب عسكري دبره (عبد السلام عارف) مع مجموعة من الضباط البعثيين أمثال: أحمد حسن البكر، وعبد الكريم فرحان، وصالح مهدي عماش وغيرهم، أعدم رمياً بالرصاص مع بعض رفاقه في دار الإذاعة في التاسع من شباط عام 1963م.
() نوري سعيد صالح السعيد من مواليد بغداد عام 1306ه / 1888م، أصبح رئيساً للوزراء بين عام 13491377ه / 19301958م لأربع عشرة دورة، ووزيراً للدفاع في خمس عشرة دورة، ووزيراً للخارجية في إحدي عشرة دورة، ووزيراً للداخلية في دورتين. أحد أكبر عملاء بريطانيا في العالم العربي، وضع إمكانات العراق وقدراته تحت تصرف البريطانيين، وكانت سياسته مبنية علي نظرية (خذ وطالب) وعلي التحالف مع الإنجليز، جعل العراق ضمن التكتلات الدولية والتبعية الاقتصادية للاستعمار، وجعل العراق سوقاً لمنتجات الدول الاستعمارية ومصدراً لمواده الخام. أسس قي الخمسينيات حزب الاتحاد الدستوري لدعم وزارته، وكان حزبه وحزب صالح جبر (حزب الأمة الاشتراكي) لا يختلفان من الناحية التنظيمية والفكرية عن بعضهما، فالاثنان مواليان للإنجليز وأغلب أعضائهما من القطاع الموالي للإنجليز، وكانا يتنافسان أحياناً ويختلفان في بعض المسائل الداخلية. انتحر بإطلاق النار علي نفسه عام 1377ه / 1958م، وقيل: قتل. من مؤلفاته: استقلال العرب ووحدتهم.
() عبد السلام محمد عارف، من مواليد عام 1339ه / 1921م في مدينة الرمادي، كان من أعضاء تنظيم الضباط الأحرار اشترك مع عبد الكريم قاسم عام 1377ه / 1958م في الإطاحة بالنظام الملكي، وبعد اختلافه مع قاسم أقصي من مناصبه، عين سفيراً في العاصمة الألمانية، ألقي القبض عليه وأودع السجن، وصدر حكم الإعدام عليه وعفي عنه بعد أن قضي أكثر من سنتين في السجن. أصبح رئيساً للجمهورية بعد الإطاحة بنظام قاسم في 14 رمضان 1382ه / 8 شباط عام 1963م ومنح نفسه رتبة مشير. اتسم حكمه: بالكبت والإرهاب والعنصرية، واهتم بتعيين الأقارب وأبناء العشيرة والبلدة في إسناد المناصب بغض النظر عن المؤهلات والقابليات والكفاءات. اشتهر بالتعصب المذهبي، يقول الدكتور سعيد السامرائي عن عبد السلام ما نصبه: كان هذا الرجل لا يتحمل رؤية الشيعي، حتي أنه قطع زيارته لشركة التأمين الوطنية يوماً؛ لأنه وجد أن مدراءها ورؤساء أقسامها وشعبها هم إما من الشيعة أو المسيحيين والذين تبوءوا المناصب بكفاءتهم في هذه التي لا تحتمل وضع غير الكفء فيها. انقلب علي رفاقه البعثيين في عام 1963م وأقصاهم من وزارته وأصدر كتاباً ضدهم سماه المنحرفون، وصم البعثيين بكل قبيح من قبيل الشذوذ الجنسي والسرقة وما إلي ذلك، قتل مع عدد من الوزراء في عام 1385ه / 1966م أثر سقوط طائرته قرب البصرة، ويري البعض أن موته كان عملية مدبرة نتيجة وضع قنبلة في الطائرة.
() عبد الرحمن محمد عارف، ولد عام 1916م، انضم إلي تنظيم الضباط الأحرار، أصبح رئيساً للجمهورية عام 1966م، بعد مقتل أخيه عبد السلام، اتسم حكمه بالتدهور الاقتصادي والمعاشي وبالتمييز الطائفي والعنصرية القبلية، وكان يتأثر بالمحيطين به ويثق بهم، ويتبني عادة رأي آخر من يقابله، نحي عن السلطة بعدما أوعزت المخابرات الأمريكية والبريطانية إلي عبد الرحمن النايف، وإبراهيم الداود، وأحمد حسن البكر بتغيير السلطة في العراق أثر انقلاب عسكري في 17 تموز عام 1968م ونفي إلي تركيا.
() أحمد حسن البكر، من مواليد 1333ه / 1914م في تكريت، تقلد منصب رئاسة الوزراء في حكومة عبد السلام عارف، ثم منصب رئيس الجمهورية في العشرين من الربيع الثاني 1388ه / 17 تموز عام 1968م إثر انقلاب دبره علي عبد الرحمن عارف، ومنح نفسه رتبة مهيب مشير بعد الانقلاب، منح أقرباءه وأصهاره وأبناء عشيرته وبلدته رتباً عالية دون استحقاق، تحكمت الطائفية والعصبية في زمانه، وتدهورت الزراعة وتردت الصناعة وملئت السجون بالمجاهدين والأحرار، عرف بلؤمه وغدره حتي بأصدقائه، وكان همه تحقيق هدفه بصرف النظر عن الوسيلة، نحي عن الحكم إثر انقلاب دبره عليه زميله في الإجرام صدام التكريتي بتاريخ 16 تموز عام 1979م بعد أن حكم العراق 11 عاماً، قتله صدام التكريتي بحقنة ترفع نسبة السكر لديه بواسطة الدكتور صادق علوش، وذلك عام 1982م.
() ولد عام 1939م في قرية العوجة جنوب تكريت التي تبعد مائة ميل شمال بغداد، والده كان يعمل فرّاشاً في السفارة البريطانية، تزوّجت والدته صبيحة من أربعة أزواج، وكان صدام ينتقل معها من بيت زوج إلي بيت زوج آخر، تنامت لديه روح الانتقام، ابتدأ عمليات القتل وهو في السابعة عشر من عمره، اشترك مع بعض عناصر البعث في محاولة فاشلة لاغتيال عبد الكريم قاسم عام 1959م هرب علي أثرها إلي سوريا ومنها إلي مصر، اشترك في انقلاب 17 تموز 1968م. وفي عام 1970م أصبح صدام نائباً لمجلس قيادة الثورة ورئاسة الجمهورية في حال غياب البكر عن البلاد. وفي عام 1979م أصبح رئيساً للجمهورية بعد أن أقصي البكر عن الحكم ومنح نفسه رتبة مهيب ركن، هاجم إيران عام 1980م فاندلعت حرب الخليج الأولي واستمرّت ثمان سنوات، احتل الكويت عام 1990م فاندلعت حرب الخليج الثانية وأخرج الجيش العراقي من الكويت، وقامت قوات الحلفاء بقيادة أمريكا بتدمير العراق ووضع العراق تحت حصار طويل الأمد، انتفض الشعب عام 1991 فقمع صدام انتفاضة الشعب العراقي بوحشية لا مثيل لها، فقد قدّرت أعداد من قتلوا وأعدموا واختفوا ما يزيد علي 300 ألف عراقي. قامت أمريكا وحلفاؤها بالهجوم علي العراق عام 1424ه / 2003م فاحتلت العراق وسقط بذلك نظام حكمه الدموي في 9/4/2003م ثم ألقي القبض عليه في يوم الأحد 14/12/2003م، قدم إلي المحاكمة يوم الخميس 1/7/2004م بعد تحويل السيادة إلي الحكومة العراقية، وهو الآن رهن الاعتقال.
() الأكثرية الشيعية في العراق، للإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي رحمة الله عليه.
() من مقال للأستاذ أحمد شهاب نشر علي الانترنت.
() عبد الكريم الأزري، المذكرات: ج1 ص160 – 1982م.
() الأهالي: 28 حزيران 1933م.
() مذكرات كامل الجادرجي: ص193- 225.
() العلوي: مصدر سابق بتصرف.
() تاريخ الوزارات العراقية، عبد الرزاق الحسني: ج3 ص316.
() العراق بين احتلالين: ص25–26، دراسة تستعرض مراحل نشوء وبناء العراق الجديد، إعداد الدكتور المهندس علي ناجي عطية، جامعة الكوفة كلية الهندسة.
() العراق دولة المنظمة السرية: ص46.
() الشيعة والدولة القومية في العراق، مصدر سابق.
() المصدر السابق.
() تسلم رئاسة الوزراء في العراق في عهد الملك فيصل الأول، بتاريخ 20/11/1922م، بعد استقالة حكومة عبد الرحمن النقيب. وكان السعدون متحمساً لإجراء انتخابات المجلس التأسيسي، والمعاهدة العراقية البريطانية التي كانت من صنيعة بريطانيا، فوقفت بريطانيا إلي جانبه ومعها الملك في سبيل ضرب المعارضة الدينية المتمثلة بالمراجع العظام أمثال: السيد أبو الحسن الأصفهاني، والميرزا النائيني، والشيخ مهدي الخالصي، والعشائر العراقية. ولأجل قمع المعارضة قام السعدون بتسفير الشيخ الخالصي وأولاده إلي جدة، والسيد أبو الحسن الأصفهاني، والميرزا النائيني، وجماعة من العلماء آنذاك إلي إيران، ويبلغ عددهم (26) عالماً، وكلهم من أعضاء المجلس العلمي القيادية الذي أسسه الإمام الشيرازي رحمة الله عليه لقيادة ثورة العشرين التحررية. راجع كتاب تاريخ العراق السياسي، لطفي جعفر فرج: ص87.
() الأكثرية الشيعية في العراق - الشيرازي.
() من مقال للعقيد الركن ميثم هادي، عن طريق البريد الالكتروني.
() المجتمع والدولة في المشرق العربي، غسان سلامة: ص93.
() البينة: العدد 90 ربيع الثاني 1425ه، الأسبوع الثالث حزيران 2004م.
() سورة إبراهيم: 42.
() انظر مجلة النبأ: العدد 72، د. أحمد راسم النفيس. والجدير بالذكر أن المقصود من مصطلح (التبعية الإيرانية) هو أبناء العشائر العراقية الأصيلة التي حصلت علي الجنسية الإيرانية في ظروف العسكرية القاسية التي كان العثمانيون يسوقون الشباب فيها إلي ساحات الحروب الطاحنة التي أحرقت الأخضر واليابس، والفئة الثانية التي أطلق عليها (التبعية الإيرانية) هي تلك الأسر التي نزحت من إيران منذ عشرات وبعضها مئات السنين واستوطنت المدن المقدسة علي الأغلب وبذلت الغالي والنفيس في سبيل هذا الوطن، وعاشت كل ظروفه الصعبة وساندت قياداته الوطنية المخلصة.
() تحف العقول: ص41.
() بحار الأنوار: ج36 ص358.
() سورة الحجرات: 13.
() جامع الأخبار: ص183 ف141.
() سورة الأنفال: 46.
() سورة الصافات: 24.
() انظر الكافي: ج2 ص164 ح4. وتحف العقول: ص58.
() بحار الأنوار: ج72 ص38 ب35 ضمن ح36.
() في مقابلة مع قناة الجزيرة.
() مستدرك الوسائل: ج17 ص446 ب46 ح21826.
() لسنا في صدد بحث هوية النظام الملكي بل نطرح الموضوع من زاوية الأكثرية أوالأقلية.
() سورة الشوري: 38.
() ولقد أوردنا بحثا مستقلا عن هذا الأمر في هذا الكتاب.
() تم بحث هذا الموضوع بإشباع في كتاب: (شوري الفقهاء المراجع / دراسة تحليلية حول القيادة المرجعية الجماعية) و (شوري الفقهاء مفتاح الإصلاح العام).
() انظر نهج البلاغة: الكتب 53 ومن كتاب له عليه السلام كتبه للأشتر النخعي لما ولاه علي مصر …
() من لا يحضره الفقيه: ج4 ص379 ح5798.
() معدن الجواهر: ص21.
() سورة الأنفال: 46.
() سورة الأنفال: 46.
() وقد ورد في أحاديث عديدة: لا ظهير كالمشاورة، و الشوري يمن وبركة وغيرها كثير.
() الكافي: ج2 ص164 باب الاهتمام بأمور المسلمين ح5
() كلاهما ينتميان إلي الخمسة السنة العرب، ولم يرشح أحد من الكرد الخمسة ولا من الشيعة وهم الأكثرية، وعددهم ثلاثة عشر من خمسة وعشرين من أعضاء مجلس الحكم الانتقالي، فاثنان من خمسة (أي 20% من مجموع الأعضاء) يتنافسان في منصب الرئاسة، و(80 %) من الأكثرية في المجلس لا يرشح أحد منهم.. أليست هذه محاصصة غير عادلة ومقصودة؟ أم عفوية؟ وكيف يكون الحال في الحكومات الدستورية القادمة في المستقبل؟.
() سورة النساء: 58.
() غوالي اللآلئ: ج1 ص315 ح36.
() سورة الشوري: 38.
() سورة الحجرات: 10.
() الفقه: الحكم في الإسلام: ص47.
() أطروحة الحكومة الإسلامية، آية الله الشيخ ناصر مكارم الشيرازي: ص51.
() الشوري وأثرها في الديمقراطية دراسة مقارنة: ص143.
() ذكره المؤرخون قاطبة، يراجع (فتح الباري) ج8 ص348.
() تنبيه الأمة وتنزية الملة: ص54 بتصرف.
() ذكره المؤرخون قاطبة نقلناه عن الشوري وأثرها في الديمقراطية: ص169.
() منهاج الحكم في الإسلام، الأستاذ محمد أسد: ص97.
() الدر المنثور: ج2 ص62، وتحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي، للمباركفوري: ج6 ص387.
() الإسلام وأوضاعنا السياسية، عبد القادر عودة.
() المجتمع الإنساني في ظل الإسلام، محمد أبو زهرة.
() أصول الكافي: ج1 ص35.
() أطروحة الحكومة الإسلامية: ص46.
() سورة البقرة: 279.
() الكافي: ج2 ص164 باب الاهتمام بأمور المسلمين ح5
() الكافي: ج2 ص165 باب أخوة المؤمنين بعضهم لبعض ح1.
() الأكثرية الشيعية في العراق، للإمام الشيرازي رحمة الله عليه.
() سورة يوسف: 87.
() للإطلاع الإجمالي علي بعض تلك المفاهيم والأهداف يمكن مراجعة كتاب (إذا قام الإسلام في العراق) للإمام الشيرازي الراحل رحمة الله عليه.
() وكشاهد علي ذلك: فإن إنكلترا وبغض النظر عن موقعها الجغرافي تعتبر قلب القارة الأوروبية لمكانتها السياسية والتاريخية التي تقتضي الاحتكاك الكثير والمباشر مع البلدان الأخري، ليس فيها أكثر من 16000 شيوعي، مع ما هناك من حرية نسبية، والسبب هو أنها تؤكد علي إرسال شبابها فرداً فرداً إلي الكنيسة وتربطهم بها، وتقوي أساس التدين في نفوسهم ليس حباً في الدين، وإنما لخلق حاجز بينهم وبين الأفكار الإلحادية.
() الأكثرية الشيعية في العراق، للإمام الشيرازي رحمة الله عليه.
() المصدر السابق، بتصرف يسير.
() سورة الزخرف: 78.
() بحار الأنوار: ج67 ص179 ب52 ضمن ح44.
() الأكثرية الشيعية في العراق، بتصريف يسير.
() الأكثرية الشيعية في العراق/ مصدر سابق.
() جريدة البينة ربيع الثاني 1425ه تحت عنوان: شيعة العراق بين الطائفية والشبهات.
() سورة البقرة: 279.
() سورة المائدة: 45.
() سورة النحل: 41.
() سورة التوبة: 105.
() راجع مجلة الإيمان النجفية الصادرة في آذار 1964.
() لقد كان الإمام الشيرازي (أعلي الله درجاته) يري حول مشكلة العراق، أنه إضافة إلي ضرورة إسقاط الدكتاتور الطاغية، لابد من توافر بنية أساسية داخلية تعتمد علي: الشوري، والتعددية، والحرية، واحترام حقوق الإنسان، وحقوق الأقليات، وفيما طرحه الإمام الشيرازي أيام الانتفاضة في بيان صدر له جواباً لبعض المؤمنين عن الصورة المستقبلية في العراق، دلالة واضحة علي العمق الفكري الذي اتخذه سماحة الإمام رحمة الله عليه في دراسة القضية العراقية، إذ أن تصوره يعتمد علي حل المشكلة العراقية من جذورها، وهذه النقاط التي ذكرها تعد بحق وثيقة تاريخية تعبر عن رأي المرجعية الدينية المنبثقة من واقع العراق الإسلامي.
() سورة الروم: 30.
() سورة الشوري: 38.
() سورة آل عمران: 159.
() غوالي اللآلي: ج1 ص315.
() سورة البقرة: 256.
() سورة الأعراف: 157.
() نهج البلاغة: الكتاب 31.
() سورة البقرة: 208.
() وسائل الشيعة: ج18 ص399 ب27 ح11، وفيه: (ادرؤوا الحدود بالشبهات).
() سورة المائدة: 95.
() الكافي: ج3 ص513 ح2.
() غوالي اللآلي: ج2 ص54 ح154 وفيه: (الإسلام يجب ما قبله).
() سورة الحجرات: 13.
() الاختصاص: ص241.
() راجع إعلام الدين: ص440، والمؤمن: ص39 ح92.
() مجموعة ورام: ج2 ص53، مكارم الأخلاق: ص460.
() سورة آل عمران: 159.
() سورة الشوري: 38.
() سورة المؤمنون: 52.
() غرر الحكم ودرر الكلم: ص443 ق1 ب4 ف1 من استبد برأيه زل ح10109.
() الأكثرية الشيعية في العراق، للإمام الشيرازي، بتصرف.
() سورة الفرقان: 77.

تعريف مرکز القائمیة باصفهان للتحریات الکمبیوتریة

جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة/41).
قالَ الإمامُ علیّ ُبنُ موسَی الرِّضا – علـَیهِ السَّلامُ: رَحِمَ اللّهُ عَبْداً أحْيَا أمْرَنَا... َ يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَ يُعَلِّمُهَا النَّاسَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا... (بَــنـادِرُ البـِحـار – فی تلخیص بحـار الأنوار، للعلاّمة فیض الاسلام، ص 159؛ عُیونُ أخبارِ الرِّضا(ع)، الشـَّیخ الصَّدوق، الباب28، ج1/ ص307).
مؤسّس مُجتمَع "القائمیّة" الثـَّقافیّ بأصبَهانَ – إیرانَ: الشهید آیة الله "الشمس آباذی" – رَحِمَهُ اللهُ – کان أحداً من جَهابـِذة هذه المدینة، الذی قدِ اشتهَرَ بشَعَفِهِ بأهل بَیت النبیّ (صلواتُ اللهِ علـَیهـِم) و لاسیَّما بحضرة الإمام علیّ بن موسَی الرِّضا (علیه السّلام) و بـِساحة صاحِب الزّمان (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرجَهُ الشَّریفَ)؛ و لهذا أسّس مع نظره و درایته، فی سَنـَةِ 1340 الهجریّة الشمسیّة (=1380 الهجریّة القمریّة)، مؤسَّسة ًو طریقة ًلم یـَنطـَفِئ مِصباحُها، بل تـُتـَّبَع بأقوَی و أحسَنِ مَوقِفٍ کلَّ یومٍ.
مرکز "القائمیّة" للتحرِّی الحاسوبیّ – بأصبَهانَ، إیرانَ – قد ابتدَأَ أنشِطتَهُ من سَنـَةِ 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریّة القمریّة) تحتَ عنایة سماحة آیة الله الحاجّ السیّد حسن الإمامیّ – دامَ عِزّهُ – و مع مساعَدَةِ جمع ٍمن خِرّیجی الحوزات العلمیّة و طلاب الجوامع، باللیل و النهار، فی مجالاتٍ شتـَّی: دینیّة، ثقافیّة و علمیّة...
الأهداف: الدّفاع عن ساحة الشیعة و تبسیط ثـَقافة الثـَّقـَلـَین (کتاب الله و اهل البیت علیهـِمُ السَّلامُ) و معارفهما، تعزیز دوافع الشـَّباب و عموم الناس إلی التـَّحَرِّی الأدَقّ للمسائل الدّینیّة، تخلیف المطالب النـّافعة – مکانَ البَلاتیثِ المبتذلة أو الرّدیئة – فی المحامیل (=الهواتف المنقولة) و الحواسیب (=الأجهزة الکمبیوتریّة)، تمهید أرضیّةٍ واسعةٍ جامعةٍ ثـَقافیّةٍ علی أساس معارف القرآن و أهل البیت –علیهم السّلام – بباعث نشر المعارف، خدمات للمحققین و الطـّلاّب، توسعة ثقافة القراءة و إغناء أوقات فراغة هُواةِ برامِج العلوم الإسلامیّة، إنالة المنابع اللازمة لتسهیل رفع الإبهام و الشـّـُبُهات المنتشرة فی الجامعة، و...
- مِنها العَدالة الاجتماعیّة: التی یُمکِن نشرها و بثـّها بالأجهزة الحدیثة متصاعدة ً، علی أنـّه یُمکِن تسریعُ إبراز المَرافِق و التسهیلاتِ – فی آکناف البلد - و نشرِ الثـَّقافةِ الاسلامیّة و الإیرانیّة – فی أنحاء العالـَم - مِن جـِهةٍ اُخرَی.
- من الأنشطة الواسعة للمرکز:
الف) طبع و نشر عشراتِ عنوانِ کتبٍ، کتیبة، نشرة شهریّة، مع إقامة مسابقات القِراءة
ب) إنتاجُ مئات أجهزةٍ تحقیقیّة و مکتبیة، قابلة للتشغیل فی الحاسوب و المحمول
ج) إنتاج المَعارض ثـّـُلاثیّةِ الأبعاد، المنظر الشامل (= بانوراما)، الرّسوم المتحرّکة و... الأماکن الدینیّة، السیاحیّة و...
د) إبداع الموقع الانترنتی "القائمیّة" www.Ghaemiyeh.com و عدّة مَواقِعَ اُخـَرَ
ه) إنتاج المُنتـَجات العرضیّة، الخـَطابات و... للعرض فی القنوات القمریّة
و) الإطلاق و الدَّعم العلمیّ لنظام إجابة الأسئلة الشرعیّة، الاخلاقیّة و الاعتقادیّة (الهاتف: 00983112350524)
ز) ترسیم النظام التلقائیّ و الیدویّ للبلوتوث، ویب کشک، و الرّسائل القصیرة SMS
ح) التعاون الفخریّ مع عشراتِ مراکزَ طبیعیّة و اعتباریّة، منها بیوت الآیات العِظام، الحوزات العلمیّة، الجوامع، الأماکن الدینیّة کمسجد جَمکرانَ و...
ط) إقامة المؤتمَرات، و تنفیذ مشروع "ما قبلَ المدرسة" الخاصّ بالأطفال و الأحداث المُشارِکین فی الجلسة
ی) إقامة دورات تعلیمیّة عمومیّة و دورات تربیة المربّـِی (حضوراً و افتراضاً) طیلة السَّنـَة
المکتب الرّئیسیّ: إیران/أصبهان/ شارع"مسجد سیّد"/ ما بینَ شارع"پنج رَمَضان" ومُفترَق"وفائی"/بنایة"القائمیّة"
تاریخ التأسیس: 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریة القمریّة)
رقم التسجیل: 2373
الهویّة الوطنیّة: 10860152026
الموقع: www.ghaemiyeh.com
البرید الالکترونی: Info@ghaemiyeh.com
المَتجَر الانترنتی: www.eslamshop.com
الهاتف: 25-2357023- (0098311)
الفاکس: 2357022 (0311)
مکتب طهرانَ 88318722 (021)
التـِّجاریّة و المَبیعات 09132000109
امور المستخدمین 2333045(0311)
ملاحَظة هامّة:
المیزانیّة الحالیّة لهذا المرکز، شـَعبیّة، تبرّعیّة، غیر حکومیّة، و غیر ربحیّة، اقتـُنِیَت باهتمام جمع من الخیّرین؛ لکنـَّها لا تـُوافِی الحجمَ المتزاید و المتـَّسِعَ للامور الدّینیّة و العلمیّة الحالیّة و مشاریع التوسعة الثـَّقافیّة؛ لهذا فقد ترجَّی هذا المرکزُ صاحِبَ هذا البیتِ (المُسمَّی بالقائمیّة) و مع ذلک، یرجو مِن جانب سماحة بقیّة الله الأعظم (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرَجَهُ الشَّریفَ) أن یُوفـِّقَ الکلَّ توفیقاً متزائداً لِإعانتهم - فی حدّ التـّمکـّن لکلّ احدٍ منهم – إیّانا فی هذا الأمر العظیم؛ إن شاءَ اللهُ تعالی؛ و اللهُ ولیّ التوفیق.