خطر المخدرات

اشارة

اسم الكتاب: خطر المخدّرات

المؤلف: حسيني شيرازي، محمد

تاريخ وفاة المؤلف: 1380 ش

اللغة: عربي

عدد المجلدات: 1

الناشر: انتشارات لالة كوير يزد

مكان الطبع: كربلاء

تاريخ الطبع: 1424 ه. ق

الطبعة: اول

المقدمة المخدرات أفيون الشعوب

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام علي محمد وآله الطاهرين،

ولعنة الله علي أعدائهم أجمعين.

وبعد:

المخدرات وما أدراك ما المخدرات؟

إنها بلاء العصر، وفتنة الشياطين، ومصيبة القرن، وداء الأمم، ودمار الشعوب.

إنها مسؤولية الرؤساء والحكام، ونتيجة الدكتاتورية والاستبداد، وسلبيات حياة الفوضي والغاب ، ووليدة الظلم والجور، وربيبة سوء التوزيع للقدرة والمال.

إنها زرع الاستعمار والمستعمرين، وشجر الاستثمار والمستثمرين، ولقاح النفاق والشرك، ونتاج مزارع الطواغيت والظالمين، وثمر الانحراف عن منهج الأنبياء والمرسلين.

نعم، إن تفشي المخدرات وشيوعها بين الناس، وإدمان الشبان والشابات عليها، بلاء مدمر ومرض عضال، يفتك بالجماهير، ويحطم القيم والأخلاق، ويهدم التمدن والحضارات.

إن تفشي المخدرات وتسربها إلي الناس علي ما فيه من خطر كبير، هو نتيجة كل العوامل التي ذكرناها أولاً، وخاصة العامل الأخير، وهو: انحراف الشعوب بصورة عامة. والرؤساء والحكام بصورة خاصة، عن منهج الأنبياء، المنهج الذي رسم الله تعالي فيه حدود كل شيء، ولكل الناس. فقد رسم فيه التكسب الطيب وميزه عن التكسب الخبيث، والكسب الحلال عن الكسب المحظور والحرام، والحرفة النافعة عن الحرفة الضارة والفاسدة، والمهنة المفيدة عن المهنة المضرة والخاسرة، والأعمال الصالحة الممدوحة عن الأعمال الطالحة المذمومة، ثم وعد علي الطيب، والحلال والنافع، والمفيد و الصالح، الأجر في الدنيا والثواب في الآخرة، وتوعد علي الخبيث، والحرام والضار، والمضر والطالح المؤاخذة في الدنيا والعقاب في الآخرة.

وذلك لكل الناس وجميع طبقاتهم، فقد رسم للرؤساء والحكام حدود عملهم وأبعاد وظائفهم، وعرفهم بأنهم وحدهم المسؤولون عن رفع المستوي الثقافي والعلمي، والاقتصادي والمالي، لشعوبهم ورعاياهم، وان كل خلل أو نقص في ذلك يؤاخذون به ويحاكمون عليه، وعرف الحكومة والرئاسة مسؤولية وخدمة، لا سيطرة ونقمة.

كما وقد

رسم للشعوب والرعايا حدود عملهم وأبعاد وظائفهم، وعرفهم بأنهم وجميع المسلمين هم كلهم المسؤولون عن تعديل زيغ الرؤساء والحكام، وتقويم اعوجاجهم وانحرافهم، ومطالبتهم بحقوقهم وحرياتهم، ورفع يدهم عن الحكم والرئاسة لو لم يستجيبوا لمطاليبهم، وخلعهم عن مناصبهم لو لم يقوموا بواجباتهم ووظائفهم، وهكذا بقية الحقوق والوظائف.

ثم ان منهج الأنبياء الذي فيه رسم كل الحدود والأبعاد، ولكل الناس والمجتمعات، الذي بشر به موسي عليه السلام في توراته وداود عليه السلام في زبوره، وعيسي عليه السلام في انجيله، يتمثل اليوم في منهج خاتم الأنبياء «صلي الله عليه وآله وسلم»، ويتجسد في دينه القويم آخر صيغة الأديان، وفي شريعته السمحاء خاتمة الشرائع السماوية: الإسلام.

نعم الإسلام كما هو في القرآن، وسنة الرسول «صلي الله عليه وآله وسلم» وأحاديث أهل البيت «عليهم السلام» وكتب الفقهاء المراجع وفتاواهم المستندة إلي الأدلة الأربعة: الكتاب والسنة والإجماع والعقل. وليس الإسلام كما هو في قاموس الحكام والرؤساء والطغاة والجبابرة، فإن الإسلام هو منهم ومن أعمالهم الهوجاء، وتصرفاتهم العشوائية براء.

فالي كل العالم الإسلامي شعوباً وحكاماً، بل إلي كل الشعوب والمجتمعات في العالم البشري، المتلهفين للقيم الأخلاقية والمثل الإنسانية، والمتعطشة للعدل والقسط، والسعادة والحرية، والآملين حياة رغيدة هانئة، خالية من الفقر والجهل، والمرض والمخدرات، ومن كل ما ينغص العيش، ويذمر الحال، نهيب بجميعهم العودة إلي الإسلام، والي تعاليمه الراقية، وقوانينه الحكيمة والعادلة، وتطبيقها الحرفي الدقيق في كل مجالات الحياة الفردية والاجتماعية، والاقتصادية والسياسية، وغير ذلك فانه وحده الكفيل لخلاصنا من المخدرات ومن عواقبها الوخيمة، ومن كل ما يشبه المخدرات من البلايا والكوارث، الناتجة من الانفلات عن منهج الأنبياء.

أخذ الله بيد الجميع إلي الإسلام، ووفقنا لما يحب ويرضي، انه الموفق وهو المستعان.

قم المقدسة

محمد بن مهدي الحسيني الشيرازي

ماذا في تعاطي المخدرات؟

لا يخفي علي أحد إن استعمال

المسكرات والمخدرات كالخمرة والهيروئين وما شابه ذلك، تجلب مشاكل خطيرة للإنسان، وتورطه في بؤرة مليئة بالأحزان والأشجان، ومشحونة بالعاهات والأمراض، والآلام والويلات، مما يدعو الإنسان العاقل إلي اجتنابها والحذر منها، بل وإلي محاربتها ومكافحتها، رحمة ببني نوعه، وشفقة عليهم من خطرها، و تطهيراً للمجتمع من بلائها وآفاتها، ناهيك عن إنتاجها وتجارتها، وتناولها وتعاطيها. واليك بعض اضرارها حسب تقرير الأطباء وعلماء النفس والاجتماع:

«الأول»

انه يسبب صعوبة في التنفس، وارتشاحاً في الرئة.

«الثاني»

انه يؤدي إلي فقدان الوعي بدرجة متفاوتة، تصل أحياناً إلي حد الإغماء الكامل والغيبوبة التامة.

«الثالث»

انه يؤدي إلي ارتفاع الضغط الداخلي في الجمجمة، ومن المعلوم ان ارتفاع الضغط الداخلي في الجمجمة يؤدي أحياناً إلي العمي، أو إلي الشلل، أو إلي الصمم، أو إلي الخرس، أو ما أشبه ذلك.

«الرابع»

انه يسبب نوبات الصرع والتشنج.

«الخامس»

انه يحدث ارتفاعاً في درجة الحرارة، قد تصل إلي أربعين درجة مئوية، أو ما فوقها أحياناً.

«السادس»

انه يؤدي إلي ضيق شديد في حدقة العين.

«السابع»

انه يسبب ارتشاحاً في الدماغ.

«الثامن»

انه ينتهي إلي حصول اضطراب مفاجئ وسريع في دقات القلب.

«التاسع»

انه يفضي إلي حدوث ارتشاح مباغت ومستمر في الرئتين، لدرجة يؤدي إلي ان الرغوة تخرج من الأنف والفم.

«العاشر»

انه يؤدي إلي ضمور الدماغ، وإلي حدوث حالات من الجنون، أو الخوف والذعر، أو ما أشبه ذلك، وإلي حصول نوبات من الهجر والهذيان.

«الحادي عشر»

انه يؤثر تأثيراً كبيراً علي وظائف الدماغ، فيفقد الشخص ذاكرته، وتتلبد عواطفه، ويفقد مقدرته العقلية تدريجياً، حتي يصل إلي الفقر العقلي التام.

«الثاني عشر»

انه يحدث زيادة في جفاف الدماغ، يصل أحياناً إلي سكتات دماغية.

«الثالث عشر»

انه يسبب إنخراماً في الحاجز الأنفي، فإن الحاجز الأنفي ينخرم عند متعاطي الهيروئين شماً، وكذلك يحدث لمتعاطي الكوكايين شماً.

«الرابع عشر»

انه ينتج التهاباً وغالباً انسداداً في الأوعية الدموية، بمعني: تخثر الدم في تلك الأوعية.

«الخامس

عشر»

انه يؤدي إلي تجمع المياه الزائدة في الجسم وعدم القدرة علي دفعها، وهي ملازمة للفشل الكليوي.

«السادس عشر»

انه ينتهي إلي حدوث قروح مزمنة تحت الجلد، فيما إذا زرقت المادة المخدرة في العضلة أو تحت الجلد.

«السابع عشر»

انه يفضي إلي حصول آلام شديدة في العضلات، وضعف شديد في القوي، وربما يسبب صدمة شديدة علي الكلي، وأحياناً ينتهي إلي الفشل الكليوي.

«الثامن عشر»

انه يؤدي إلي ازدياد الأفكار السوداء لمستعملها، وإلي تشدد حالات القلق والاضطراب، وازدياد حالات الشك والترديد، وتشبب الاعتقادات الباطلة والهلوسات، لدرجة يقدم فيه المدمن علي جرائم القتل أو الانتحار.

«التاسع عشر»

انه يسبب الضعف الجنسي، وذبول قوة الباه لدي المتعاطي ، وذلك بتثبيط نشاط الغدد الجنسية، وهذا الضعف قد يكون في النعوظ، فيكون الذكر مسترخياً أو ضعيف الانتصاب، وقد يكون فيما أشبه ذلك، مثل العقم وعدم الإنجاب، وقد تظهر في الرجل آثار الأنوثة أيضاً، هذا بالنسبة إلي الرجل، وأما بالنسبة إلي المرأة فإن ذلك يؤدي إلي اضطراب في الدورة الشهرية لديها، كما انه قد يحدث فيها ظهور آثار الرجولة.

«العشرون»

انه يحدث اضطرابات شديدة في الجهاز التناسلي للمرأة، فتقل الرغبة الجنسية فيها، وتصاب بالبرود الجنسي بروداً إلي حد الابتعاد عن الرجل، مما يسبب النزاع، وأحياناً يؤدي إلي الطلاق، ومع هذا فكثيراً ما تري المدمنات يمتهن البغاء والعهر، ويصبحن من مؤيدي الإباحة الجنسية، ويتخذنها وسيلة للكسب، وذلك لأجل الحصول علي المال اللازم لشراء الجرعة التالية من المخدر، كما يعملن أيضاً في ترويج المخدرات من أجل الحصول علي ثمن إضافي، يدفعنه لقاء حقنة أو شمة أخري من الهيروئين.

«الواحد والعشرون»

انه يسبب بالنسبة إلي المرأة ارتفاع نسبة الإجهاض عندها، أو يؤدي إلي ولادة أولاد مشوهين، وقد يولد الطفل ميتاً أو مشرفاً علي الموت، وإذا بقي وعاش يصبح عند كبره من المدمنين علي المخدرات.

«الثاني والعشرون»

إن الإدمان علي

الهيروئين والمورفين وما أشبه ذلك، يقلل في المرأة المرضعة من افراز اللبن بسبب نقص مادة خاصة فيه، ويؤدي ذلك أيضاً إلي إطالة فترة النفاس عندها، وزيادة المضاعفات لديها، وما يحدث فيها من نزف متكرر، أو من حمي نفاسية، إضافة إلي تعرّضها بعد الولادة إلي الإصابة بالأمراض بشكل كبير، وذلك نتيجة لضعف بنيتها، ونقص مقاومتها.

«الثالث والعشرون»

إن بعض العوارض الجانبية الناتجة من استعمال المخدرات يفضي إلي ارتفاع الضغط في الدم، والإحساس الدائم بالدوران والصداع، وفقد الشهية إلي الطعام، وفقد الرغبة الجنسية بالنسبة إلي الزوجة، وقد يسبب استعمال المخدرات غثياناً شديداً، وتقيئاً مريراً، وخاصة عند التجرع لأول مرة، وقد كان الأطباء القدامي يصفون الأفيون وما أشبه بأنه يسقط الشهوتين: شهية الطعام وشهوة الجنس.

«الرابع والعشرون»

إن استعمال المورفين والهيروئين وما أشبه ذلك يؤدي إلي احتقان المثانة، وعدم القدرة علي التبول، والإحساس بامتلاء المثانة بسرعة، والرغبة الملحة في التبول وعدم القدرة عليه، وقد تبلغ عدم القدرة علي التبول إلي درجة كبيرة، بحيث يستوجب ذلك إلي إدخال القسطرة لإخراج البول المحتبس، وأحياناً يؤدي ذلك إلي الفشل الكليوي.

«الخامس والعشرون»

إن تناول المخدرات يحدث طنيناً في الأذنين، لا ينفك عن الإنسان المتعاطي ولا يتركه.

«السادس والعشرون»

إن تعاطي المخدرات ينتج اصفرار المخاطيات، وشحوب في لون الوجه ناتج عن فقر الدم ونقص الحديد في المتعاطي.

«السابع والعشرون»

انه يؤدي إلي التهاب الشبكية في العين.

«الثامن والعشرون»

انه يسبب إصابة الصمامات القلبية.

«التاسع والعشرون»

انه يحدث اضطرابات في وظائف الغدة الدرقية.

«الثلاثون»

انه يؤدي إلي قصور المناعة البشرية المكتسبة (الإيدز). A.I.D.S.

«الإدمان والأعراض الملازمة له»

فصل: لا فرق في اتباع تعاطي المخدرات لأعراضه الخطيرة المذكورة، بين أن يكون تعاطيه عن طريق الحقن، أو عن طريق الأكل، أو عن طريق التدخين، أو عن طريق الشم أو غير ذلك، فإن أي نوع من أنواع تعاطيه يورث تلك

الأعراض الخطيرة، ثم انه عند منع المدمن عن التعاطي تظهر عليه أعراض خطيرة أخري، فلا هو عند الاستعمال سالماً منها، و لا هو عند تركها معافاً منها، فبلاء الإدمان بلاء دائم ومستمر، واليك قائمة ببعضها.

«التضحية بالقيم»

الأول: عندما يشعر المدمن علي المخدرات بالمنع عنها، يحاول وبكل الوسائل ومهما كلفه الأمر في الحصول عليها، ويستعد لأن يدفع في سبيلها أبهض القيم، وأغلي الأثمان، حتي ولو كان الثمن تقديم عرضه وشرفه، وذلك في سبيل الحصول علي جرعة منها، ولذلك قد يؤدي الأمر ببعض المدمنين بأن يقدم زوجته، أو يقدم نفسه للفحشاء والمنكر ثمناً لذلك، كما أنه قد يؤدي بهم والعياذ بالله إلي الانحراف والدعارة.

«خوف ورعب»

الثاني: الشعور بالانطواء والانكماش، والخوف والرعب، في حالة ما إذا استمر المنع ولم يتمكن المدمن من الحصول علي جرعته من المخدر.

«قلق واضطراب»

الثالث: الإصابة بقلق نفسي، واضطراب فكري، وتوتر عصبي، وانفعال روحي، وحدة في الأخلاق، فلا يستطيع الاستقرار في مكان واحد أو علي حالة واحدة، ولذلك تراه ينتقل دائماً من هنا إلي هناك، ومن حالة إلي حالة، من الاستلقاء إلي القيام، ومن القيام إلي القعود وهكذا، كما أنه يصاب بالأرق، فلا يستطيع النوم في الفراش، ولذلك يحاول بعضهم لتحقيق أمله في الاستراحة والنوم، علي اخذ حقنة منومة في الوريد، أو ابتلاع أقراص منومة، أو ما أشبه ذ لك.

«شطط وسفه»

الرابع: الابتلاء بعدم التركيز، وعدم القدرة علي التفكير، وعدم امكان البت في أي أمر من الأمور حتي في أبسط الأشياء، فكيف بالأمور المهمة والتي تتطلب قسطاً كبيراً من التفكير؟ وذلك لأن فكره ينصرف دائماً إلي حصوله علي جرعة من المخدر.

«كسل وخمول»

الخامس: الشعور بالكسل والخمول، والإصابة بتثاؤب مستمر، وتمط دائم.

«تقاعس وتخاذل»

السادس: الابتلاء بحالة نفسية يفقد معها القدرة علي أداء العمل، حتي وان كان في وقت العمل وكان مستأجراً له، أو كان حصول المال متوقفاً علي عمله.

«خمار ورهل»

السابع: الإصابة باحمرار شديد في العين، مع ارتخاء الجفن العلوي، وعدم القدرة علي فتح العين بالكامل، حتي إذا رآه أحد حسبه في حالة الخمار والرهل.

«انكماش وقشعريرة»

الثامن: الابتلاء بقشعريرة في الجلد، وأحياناً تصل القشعريرة إلي انكماش وتغير في لون البشرة.

«نزيف أبيض»

العاشر: الابتلاء بالنزيف الأبيض من جميع فتحات الجسم و مسامات الجسد، علي هيئة رشح السوائل، سواء من العين، أو الأذن، أو الأنف، او المخرجين الأسفلين، وحصول غثيان وقيء متكرر، وإسهال متناوب، ورغبة في التبول، وزيادة في كمية البول، وتغير في نوعيته، وتصبب العرق الكثير مع سخونة في الجسم، وربما يحدث عنده إحساس بالبرودة الشديدة.

«فقد الشهية»

الحادي عشر: الإصابة بفقد الشهية وعدم الرغبة في تناول الطعام والشراب، بحيث انك لو وضعت أمامه أشهي المأكولات وأطيب الشرابت، لرأيته ينصرف بكل حواسه عن هذه الاطعمة الطيبة، والمشروبات اللذيذة، ولا يفكر الا في جرعة المخدر.

«مرض السكر»

الثاني عشر: الابتلاء بارتفاع نسبة السكر في الدم، وأحياناً يصل الارتفاع الي درجة كبيرة تتجاوز ضعف النسبة المتعارفة.

«اختناق شديد»

الثالث عشر: حدوث هبوط في التنفس، وربما يكون الهبوط كبيراً جداً بحيث يشعر المدمن كأنه في حالة اختناق.

«سخط وتذمر»

الرابع عشر: الشعور بالضيق الشديد والكآبة الروحية القاتلة، بحيث يري الدنيا قد أظلمت في وجهه واسودت أمام عينيه، كما ويحصل لديه تذمر شديد، وسخط بالغ علي كل شيء في هذه الحياة، ورغبة أكيدة في الانتحار، وذلك للهرب من هذا الجحيم الذي يري نفسه فيه، متصوراً انه إذا انتحر ينتقل إلي عالم أفضل، بينما ذلك العالم هو عالم الحساب والجزاء علي كل صغيرة وكبيرة، إلا من رحمة الله.

«انعدام رغبة الجنس»

الخامس عشر: انعدام الرغبة الجنسية فيه تماماً، وفقدانها لديه كاملاً حتي ولو حضرت عند الرجل المدمن اجمل امرأة، أو حضر عند المرأة المدمنة أجمل رجل.

«غصب ونهب»

السادس عشر: الإصابة بالأعراض المذكورة آنفاً عند المتعاطي، الذي منع عن المخدر، أو الذي تأخرت عنه جرعته، لا تعالج ولا يتغلب عليها إلا بحصوله علي جرعة من المخدر، ومزيداً من الجرع المتوالية والمتعاقبة، ولذا يستمر الإدمان، وأيضاً المتعاطي نفسه حيث يصاب بهذه الحالات والأعراض الخطيرة، يفكر بعد حصوله علي المخدر وتخلصه الفوري والموقت من تلك الحالات والأعراض، أن يحصل علي مال أكثر ولو بالسرقة، أو الغصب، أو النهب، أو الاحتيال، أو إلاستشحاذ، أو ما أشبه ذلك، حتي يستطيع أن يوفر علي نفسه المخدر أكثر فأكثر.

«جنون مطبق»

السابع عشر: إذا استمرت هذه الحالات عند المتعاطي، فإنها أما ان تؤدي به إلي الجنون، أو الوفاة المبكر، أو كما ذكرنا إلي الانتحار، أو قطع عضو أو شله، أو ما أشبه ذلك.

‹‹فصل›› «حالات تسمم خطيرة تصيب المدمن»

إذا تعاطي الشخص كمية كبيرة من المورفين، أو ما أشبه ذلك، فإنه يؤدي إلي حالة تسمم حاد، ينتهي به أحياناً إلي الوفاة، وغالباً ما يجعله يشعر بأعراض خطيرة كالتالي:

الأول: دوران في الرأس، وتكسر في الجسم.

الثاني: رغبة غالبة في النوم وإن كان قد نام كثيراً قبل ذلك.

الثالث: فقد التأثر بكل المؤثرات الخارجية وإن كانت حساسة.

الرابع: الدخول في غيبوبة تدريجية حتي تكون غيبوبة تامة.

الخامس: الشعور بالضيق الشديد وعدم الانبساط، وان كان المتعاطي يشعر أولاً بالانبساط والسرور الكاذب عند بداية التعاطي.

السادس: ابتلاء المتعاطي بالغثيان نتيجة اختلال الجهاز الهاضم بالمخدرات.

السابع: إصابة المتعاطي بتقيؤ مستمر، مع اعراض التقيؤ الشديد، مثل: انقباض عضلات الحلق والوجه.

الثامن: ضعف دقات النبض بحيث لا يشعر الآخذ بالنبض بضربانه.

التاسع: اختلال في التنفس وصيرورته بطيئاً وعميقاً، لأن المخدر يؤثر أثراً كبيراً علي الجهاز التنفسي.

العاشر: شحوب شديد في الوجه، حتي يظن كل من يراه انه كان مريضاً منذ زمان.

الحادي عشر: حصول حرقة في الشفتين.

الثاني عشر: حدوث حرقة شديدة تحت الأظافر.

الثالث عشر: شعور المصاب بقشعريرة حادة، وبرودة شديدة وانخفاض في درجة حرارة الجسم.

الرابع عشر: حصول عرق بارد غزير، يغمر الجسم كله من مفرق رأسه إلي أخمص قدميه.

الخامس عشر: حدوث احمرار في العينين، أو زرقة غالبة مع ضيق شديد في حدقة العين، وغبرة تعلو الوجه.

السادس عشر: الإصابة باختلال في الرؤية وعدم تفاعل العين مع الضوء.

السابع عشر: الابتلاء باضطراب شديد في التنفس، وحدوث حاله اختناق قاسية في الرئتين، وذلك علي ما ذكرنا فيما مضي، وربما تشتد هذه الحالة بالمصاب بحيث تحدث له الوفاة بعد ذلك، نتيجة لشلل في الجهاز التنفسي.

فصل «إسعافات أوليه لحالات التسمم»

يجب إسعاف المريض في حالة التسمم الشديد بالمورفين والأفيون كالتالي:

الأول: عمل تنفس اصطناعي للمصاب، وإيصال الأوكسجين إليه.

الثاني: تزريقه بعض الحقن لتنشيط جهاز التنفس.

الثالث: عمل غسيل للمعدة ولو بشاي مغلي، أو قهوة مغلية، لكن

الغسيل بالدواء أفضل.

الرابع: عمل حقنة شرجية.

الخامس: تزريق حقن في الوريد.

السادس: محاولة تنبيه المصاب باستمرار، ووضع الماء البارد علي رأسه وظهره.

السابع: إعطاء المصاب محلول الملح بالوريد، وذلك لتشغيل الكلي وتشجيع العرق، في محاولة لإفراز المخدر عن طريق الكلي مع البول. أو عن طريق افراز العرق.

الثامن: إعادة غسيل للمعدة، وذلك لأن إفراز المخدر في الجهاز الهضمي يكون أكثر من باقي أجهزة الجسم، فيفضل في هذه الحالات الصعبة تكرار عمل الغسيل وإعادته عدة مرات، وكذلك تكرار عمل الحقن الشرجية.

فصل «المدمن وأقسام تسممه»

فصل «المدمن وأقسام تسممه»

إن تعاطي المورفين ومشتقاته يسبب للمتعاطي التسمم، وذلك لأن كل المخدرات هي من المواد السامة التي يؤدي استعمالها للتسمم، وكثيراً من الأحيان ينتهي إلي الموت، وينقسم هذا التسمم إلي قسمين:

«التسمم المزمن»

الأول: التسمم المزمن، فإنه يصاب المدمن بسبب تكرار تعاطيه المخدرات بشكل مستمر، بتسمم مزمن يبرز بمجموعة من الأعراض، مثل: انحراف الجهاز العصبي انحرافاً شديداً يؤدي بالمدمن إلي الجنون أحياناً وبالخرف أخري، مع وضوح أن الجنون فنون، بالإضافة إلي ضمور في الدماغ، وفقدان للذاكرة، وكذلك قلة في الادراك.

وقد تصاب شرايين الدماغ بالجلطات، مما يحدث في المتعاطي أنواعاً مختلفة من الشلل، وقد يصيبه الإغماء، وقد يصاب بالخثرات الدموية، وبالاضطرابات النفسية، وبكثرة الشكوك والاعتمادات الباطلة، وبالهلوسات السمعية والبصرية، وبالأفكار السوداوية، وبحالات من الكآبة والقلق تؤدي أحياناً إلي الانتحار وقتل المدمن نفسه، وتصاب الكلي عند المدمنين بعدة إصابات وتنتهي غالباً بالفشل الكليوي الكامل، ويلاحظ هنا ارتشاح الماء في جميع أنحاء الجسم، كما تصاب المثانة بالاحتقان والاسترخاء مما يؤدي ذلك إلي صعوبة التبول واستحالته أحياناً وقد يحتاج إلي سحب البول.

هذا بالإضافة إلي إصابة المدمن بحالة من الوهن والضعف بسبب انخفاض كبير في ضغط الدم، وشعود دائم بالدوران والغثيان ، ونقص متواصل في الشهية للطعام والشراب. وإمساكاً مستمراً ليبوسة حادة في المزاج، بحيث لا يتمكن من الإفراغ ثلاثة أيام أو أربعة أو خمسة وأحياناً إلي أسبوع.

«التسمم الحاد»

الثاني: التسمم الحاد، فإنه ربما يحقن المرء نفسه بجرعة أكبر من الكمية التي يتحملها جسمه، من غير فرق بين استعماله المورفين أو الهيروئين، وغالباً ما يكون ذلك عند الاستعمال في أول مرة، خصوصاً إذا أخذ جرعة كبيرة خطئاً، أو عمداً، أو لعدم معرفته بالكمية الحقيقية الفعالة المأخوذة في الحقنة، وذلك بسبب غش الهيروئين الذي يباع في الأسواق ممزوجاً بمواد أخري، واختلاف كميته الحقيقية بين مرة وأخري، وبين مصدر ومصدر.

فأحياناً قد لا تحتوي الجرعة علي أكثر من غرام واحد من الهيروئين، وبينما تحتوي نفس الجرعة وبقدره من مصدر آخر علي ثلاثين غراماً، مما يسبب من حيث النتيجة حالة من

التسمم الحاد، التي تؤدي إلي أعراض شديدة علي الإنسان مثل: الإصابة بالغثيان، والدوار الشديد، والقيء المتكرر، وازدياد ضربان القلب، وإصابة الدماغ بجلطة دموية تؤدي إلي حدوث شلل عند المدمن، أو حدوث ارتفاع الضغط الداخلي عند قحف الرأس فينزف من دماغه، ويترتب علي ذلك مضاعفات خطيرة، وإصابته أحياناً بنوبات من الصرع والتشنجات الشديدة، وباضطراب في التنفس كثيراً، وبحيث يتوقف التنفس عنده بشكل كامل، مما يؤدي به أحياناً إلي الموت المفاجئ والسريع، وقد لوحظت حالات وفيات كثيرة كان سببها توقف التنفس نهائياً عند المتسممين، وإلي غير ذلك مما هو كثير.

فصل «ماذا وراء ترويج المخدرات؟»

فصل «ماذا وراء ترويج المخدرات؟»

قد يقال: إذا كانت للمخدرات كل تلك الآثار السلبية علي الإنسان، بحيث إنها تدمر حياته تدميراً كاملاً، وتقضي علي طراوته وسعادته، وتفكك الأسر، وتحطم المجتمعات والشعوب، فلماذا يسمح ببيعها وتداولها؟ ولماذا لا تحاربها الحكومات، ولماذا يزرع أصلاً نبات الخشخاش الذي هو مصدر لكل تلك الويلات؟

والجواب: إن وراء ذلك عوامل كثيرة ولعل من أهمها ما يلي:

1 – الانحراف عن منهج الأنبياء وقوانين السماء، المتمثل في الإسلام قرآناً وسنةً، وحديثاً وروايةً.

2 – الأغراض الشيطانية، والأهداف السياسية الخبيثة، من استعمار واستثمار، ونهب وسلب.

3 – قلة الواعز الديني، وانعدام الخلق الإنساني لدي مروجيه: المافيات المنظمة في عصابات وشبكات مترابطة ومتداخلة، من ساسة وحكام، ومزارعين وتجار، ومتعاطين وزبائن.

4 – تفشي البطالة والفقر، والكبت والجهل، وغير ذلك.

5 – الأغراض السياسية للحكومات الاستبدادية، وذلك لصرف الناس وخاصة الشباب عن السياسة ، وعن التعرض للساسة المستبدين.

«ذرائع كاذبة»

لهذه العوامل وغيرها بقي الخشخاش ولا يزال يزرع علي نطاق واسع، وبشكل مدهش، سراً وعلانيةً، وفي مزارع خاصة وعامة، أهلية وحكومية، محظورة ومرخصة، والمرخصة هي التي يتم زرعها بحجة ان يستعمل إنتاجها لصناعة الأدوية، وعلي أن يكون زرعها وجمعها وتحضيرها وغير ذلك تحت مراقبة الحكومة، وبإشراف منها، لكن أصبح ذلك ذريعة للإنتاج والاتجار، وللسيطرة والغلبة علي الناس وعلي ثرواتهم، وللاستثمار والاستعمار. وكيف كان: فإن الخشخاش إنما يزرع اليوم كما كان يزرع بالأمس - لأغراض فاسدة ومحرمة - في مناطق مختلفة من العالم، ففي عام ألف وتسعمائة وتسعة وستين ميلادي كان حوالي ثمانين بالمائة من الهيروئين المهرب إلي الولايات المتحدة الأميركية يأتي من تركيا، ثم أصبحت دول أخري مثل: لاوس وتايلند وغيرها المصدر الرئيسي للأفيون في العالم.

وكذلك تقوم الهند ولبنان وأفغانستان والمكسيك وغيرها بزراعة الخشخاش في مزارع شاسعة، وتصدر مصنوعة وهو

الأفيون بشكل سري أو علني، ثم تقوم العصابات المروجة للمخدرات بتهريب الأفيون ومشتقاته، وبيعها في الأسواق العالمية لنفع تجار المخدرات، الذين يحصلون من وراء ذلك علي أموال طائلة جداً، فقد قدر الربح الصافي لتجار المخدرات في عام ألف وتسعمائة وتسعين ميلادي بثلاثين مليار دولار.

«فصل» «احذر المخدرات طبيعيّها وصناعيّها»

«فصل» «احذر المخدرات طبيعيّها وصناعيّها»

هناك مخدرات طبيعية، وهناك مخدرات مصنعة أي: مستخلصة صناعياً من النباتات وكلها خبيثة وضارة، يجب اجتنابها ومكافحتها والحذر منها.

«المخدرات الطبيعية»

اما المخدرات الطبيعية، فهي مجموعة من العقاقير التي يحصل عليها الإنسان من الطبيعة من دون إدخال أي تعديل صناعي عليها، وتكون هي بنفسها حاوية علي المادة المخدرة وهي كالتالي:

الأول: الأفيون، وهو نوع مخدر يستخرج من ثمرة نبات الخشخاش، وهو في نفس الوقت مسكن قوي للألم، ويستعمل كثيراً للتخدير، ولكنه ضار بالصحة فيما لو استعمل لأغراض أخري غير تسكين الآلام، ولذا يجب علي الإنسان اجتنابه مهما أمكن، إلا لتخدير المرضي، وبتجويز من الطبيب.

الثاني: الحشيش، ويحصل عليه من نبات القنب الهندي، وخاصة من أزهار أنثي ذلك النبات.

الثالث: القات، وهو نبات تمضغ أوراقه وتمص خلال عدة ساعات، وتسمي عملية المص هذه باسم: التخزين.

الرابع: الكوكائين، وهو نبات تمضغ أوراقه وتمص بطريقة مشابهة لاستعمال القات.

الخامس: التبغ، وتستخدم أوراقه بطريق التدخين، أو السعوط، أو المضغ، من غير فرق بين أن يكون التدخين بالسجاير، أو ما أشبه ذلك، وبعض الناس يأكلون التبغ وذلك ضار ضرراً بالغاً.

السادس: نباتات أخري، مثل : البنج ويسمي السكران أو الشكران أو الشوكران، والداتورة، والبلادونا، والفطور المهلوسة، وغيرها مما هو مذكور في الكتب الطبية الكثيرة.

«المخدرات الصناعية»

هذا كله من القسم الأول، وكان هو عبارة عن المخدرات الطبيعية.

وأما القسم الثاني من المخدرات وهي المستخلصة صناعياً من النباتات: فهي مجموعة من المخدرات المستحضرة من النباتات الطبيعية، المصنعة بعمليات تبديل وتغيير، وهي عبارة عما يلي:

الأول: المورفين، ويستخرج من الأفيون، وتأثيره أقوي من الأفيون بعشرة أضعاف، وفي بعض الأمزجة يكون أكثر من عشرة أضعاف، وذلك لأن الأمزجة تختلف في الاستجابة.

الثاني: الهيروئين، ويستخرج من الأفيون أيضاً وتأثيره أقوي من الأفيون بثلاثين ضعفاً، وربما يكون أكثر، وذلك حسب اختلاف الأمزجة.

الثالث: الكودائين، ويستخرج من الأفيون أيضاً.

الرابع: الكوكائين، وهو عبارة عن مسحوق ناعم أبيض بلوري، عديم الرائحة يشبه الثلج، ويستخرج من أوراق

أشجار الكوكا وهي أشجار حمراء الخشب، ومفعوله أقوي من مفعول الأوراق بخمسين مرة.

الخامس: التترائيد، وهو العنصر الفعال الأساسي في القنب، ويستخرج من عصيره الراتنجي بشكل رئيسي، وهو مهيج بكميات صغيرة، وله تأثير هلوسي وخطير إذا أخذ بكميات كبيرة أو متتالية.

السادس: بعض المواد المهلوسة، مثل الميسكالين وغيرها، وهي عقاقير مستخرجة صناعياً من نباتات أو من فطور الإيرغوت وغيرها، ثم يتم تصنيعها في مصانع، وتحضيرها في مستحضرات خاصة، ثم تدويلها بين الناس عامة عبر تجار المخدرات.

«داء الهلوسة نتيجة المسكرات والمخدرات»

قالت الإحصاءات الطبية الرسمية:

ان المدمنين علي الخمر، أو علي بعض المخدرات الأخري، قد يصابون أثناء فترة إدمانهم بحالة مزرية تسمي: الهلوسة. علماً بأن الهلوسة عبارة عن مرض خطير، يعرض الإنسان بسبب الإدمان، نتيجة ضعف الوعي والانتباه عنده علي أثر تعاطيه المخدرات الطبيعية أو المصنعة، فيكون المصاب بالهلوسة بحيث يتصور أنه يري أموراً مخيفة وأشباحاً مهولة وتماثيل موحشة، تهاجمه وتنقض عليه، وهي تريد أن تنهشه وتزدرده .

وكذلك يسمع أصواتاً خارقة كالرعد، وصرخات مرعبة كالصاعقة، وهتافات مزعجة كنعرات الشياطين، وهي تنصب علي سمعه وصماخه بكل قوة، وتدمدم علي قلبه وروحه بكل شدة، وتتفجر فوق جسمه ورأسه كالعبوات الناسفة، بل كالبراكين المدمرة، وهي تنذره بالموت، وتهدده بالدمار والفناء ، وتلازمه دائماً وباستمرار. نعم، إن مرض الهلوسة مرض خطير، ويفسره كثير من العلماء بما يلي:

انه يوجد وراء الوعي وإدراك الإنسان للأمور، تيار مستمر من التفكير اللاوعي، وهذا التيار يتألف من ذكريات تعود كثيراً إلي مراحل الحياة المبكرة للإنسان، وهي أحاسيس مشحونة بالانفعالات بقوة، وفي نفس الوقت يوجد تيار مستمر من المعلومات المتدفقة إلي الدماغ عبر حواس الإنسان ، فإذا كان الدماغ سالماً ويقوم بعمله بصورة سليمة، فإنه ينتقي ويختار المعلومات التي يحتاجها الآن، أو التي سيتفاعل معها ويستجيب لها قريباً، وينحي

باقي المعلومات جانباً، أو يتجاهلها بالمرة.

وبعبارة أخري: إن آلية الانتباه في الإنسان هي التي تختار وتصطفي المعلومات المحتاج إليها، ومادام الانتباه قادراً علي التعامل بنجاح مع المعلومات الكثيرة المتواردة عليه، ويستطيع أن يقدم للدماغ المعلومات المناسبة واللازمة له بيسر وسهولة، كان تيار الأفكار اللاواعية مخزوناً وبعيداً عَن الوعي، فإذا اختل هذا التوازن بسبب المخدرات طغي تيار الأفكار اللاواعية علي الوعي، وسبب حدوث مرض الهلوسة.

وإن شئت قلت: إن إخفاق آلية الانتباه في حماية وعي الإنسان من تدخل الأفكار اللاواعية في حين ينتبه التيار اللاواعي، يؤدي إلي حدوث الهلوسة وهذا يعني: إن الهلوسات تستمد فحواها من الصور المخزونة في الذاكرة، مع إمكانية تغيير تلك الصور لدرجة كبيرة جداً.

ثم إن الهلوسة تكون كحولية أو غير كحولية، وهذه الحالة الخطرة حالة الهلوسة - كحولية كانت أم غير كحولية - قد تستمر عند بعض المدمنين لعدة أسابيع، أو لعدة سنوات، حتي وإن امتنعوا عن تعاطيها. وهي بشكل عام تصيب من كل عشرة أشخاص مدمنين، حوالي ستة منهم، وذلك حسب ما انتشر من التقريرات الطبية.

«الهلوسة وتبعاتها»

ثم إن الهلوسة سواء الكحولية منها أم غير الكحولية تتكلل بحدوث هلوسات بصرية، وهلوسات سمعية، وهلوسات حسيه، ومعتقدات وهمية، وأفكار تخيلية، وحالات هستيرية، فإن المصاب يسمع طنيناً في أذنيه، أو يسمع أصواتاً مهيبة تحدثه بمواضيع مختلفة ومرعبة، وبأساليب متنوعة ومخيفة، ويعتقد المصاب بأنه مظلوم ومضطهد، أو انه في عالم مليء بالأهوال والفجائع، أو انه في نار وجحيم وقد تنتابه حالة تشبه حالات فصام الشخصية، وغير ذلك من الحالات السقيمة والسيئة، وهي حالات خطيرة جداً يجب معالجتها والتخلص منها، ولا بد في معالجتها من إشراف طبيب مختص وحاذق، وإذا تطلب الأمر في إدخال المصاب الي المصحات أو المشافي لإتمام

العلاج وجب ذلك، وإلا فإن المصاب ستمر عليه حالات صعبة كالتالي:

«سهو ونسيان»

الأول: عروض حالة نسيان شديدة، بحيث ينسي المدمن كل الحوادث التي مرت به خلال الأيام القليلة الماضية، والتي يكون قد فعلها هو بنفسه، ولذا ينكر فعل أي شيء كان قد فعله، ويجحد كل أمر كان قد ارتكبه.

«تشكيك وترديد»

الثاني: حدوث حالة تشكيك، وسوء ظن وريبة ووسواس بالنسبة الي كل من يعيش معه، فيعتقد أن شريكه في التجارة مثلاً يريد سرقته، أو ان صديقه يريد قتلة، أو إن زوجته تخونه مع عشيقها، أو ان الزوج يخونها، وقد يتهم زوجته بالخيانة علناً وأمام كل الناس، وقد يضربها أحياناً، ويشتمها أخري، ويلاحقها ثالثة، ويفتش كل ما عندها من أشياء خاصة بها رابعة، وهكذا.

«ذهول وغفلة»

الثالث: حصول حالة ذهول وغفلة، وفقدان وعي وانتباه، بالنسبة إلي معظم تصرفاته في الحياة، فتراه ينتقل من مكان إلي آخر، ويتجول في الأرض بالسفر من مدينة إلي أخري، دون أن يعلم ماذا يعمل، وإذا أفاق أثناء تجواله، أو أخرج من غيبوبته خلال تنقله، فإنه لا يعرف كيف وصل إلي هنا؟ وما الذي حدي به إلي هذا المكان؟ وإذا عاد إلي بيته قبل أن يدرك ما يفعله، فإنه لا يتذكر عن ذلك الموضوع شيئاً، ولا يتخطر إلي أين ذهب أبداً، والي غير ذلك من أمثال هذه الأمور.

«خرق وعنف»

الرابع: عروض حالة ثورة وغضب، وخرق وعنف، وفوران وشدة، توجب اضطراباً حاداً للمصاب، وذلك يترافق مع شرب كمية قليلة من الكحول، أو استعمال كمية من المخدرات، وتتجلي هذه الحالة بوقوع صاحبها فجأة وانهياره دفعة، كما تتجلي فيه أحياناً بتحطيم الأثاث، ومهاجمة الآخرين، وتستمر هذه الحالة عنده بعض الوقت، لكنها تنتهي فجأة كما ابتدأت فجأة، وربما يلجأ المصاب إلي النوم، فيغط في سبات عميق لعدة ساعات، وعندما يستيقظ لا يتذكر ما حدث له أثناء ثورته، وفورة غضبه.

«حزن واكتئاب»

الخامس: حدوث حالة انفعال وانكسار، وهم وغم، وحزن واكتئاب عند المصاب، حتي انه قد تشتد حالة الاكتئاب بمن يشرب الخمر، أو يستعمل سائر المخدرات، إلي درجة يفكر في الانتقام من نفسه، بقطع عضو من أعضائه، أو شل قوة من قواه، أو الانتحار أحياناً، وذلك للإرهاق المفرط الذي يصيب المدمن.

«حالات متناقضة»

السادس: عروض حالات متناقضة ومتضادة في داخله، فهو في حين كونه مصاباً بنار وجحيم يتصور انه في سرور ونعيم، وفي حين يبدو خائفاً هلعاً يتصور انه آمن سليم، وفي حين كونه سفيهاً جاهلاً يتصور انه حكيم كبير، وفي حين ظهوره خاسئاً خاسراً يتصور انه يطير في الفضاء، ويلامس النجوم، ويحاكي الكواكب، ولذلك يقدم أحياناً علي الطيران من مكان شاهق، فيقع علي الأرض وتتكسر عظامه أو يموت.

«تخيلات وهمية»

السابع: حصول حالات تخيلية مخيفة، مثل أن يري نفسه جسداً بلا رأس، أو مقطوع الرأس، أو يري نفسه نصفين أو غير ذلك.

«فصل» «الزوجان إذا أدمنا علي الخمرة»

«فصل» «الزوجان إذا أدمنا علي الخمرة»

إن الإدمان علي المشروبات الكحولية وتعاطي المسكرات والخمرة، يسبب مضاعفات نفسية وجسدية وروحية وعقلية، تنعكس علي المصاب بالإدمان بسلبيات حادة أهمها ما يلي:

فقد الرغبة الجنسية، وسلب الروحية الإجتماعية، وعدم التجاوب مع المفرحات والمنشطات. فإن إدمان الزوج مثلاً يؤثر علي زوجته تأثيرًا كبيراً وبطرق مختلفة، فإن الزوج المدمن يكون سلبياً مع أسرته ومع زوجته بصورة خاصة، ولا يميل إلي مشاركة الأسرة في نشاطاتها، أو في حل مشاكلها، وتكثر شكوي الزوجة من الزوج من سوء تصرفاته، ومن رائحة فمه، ومن شكله وهندامه، ومن ضعفه الجنسي وبرودة علاقاته بها، وتزداد المشاكل بين الزوجين، كما تزداد الهوة بينهما، وكذا تحتد الصراعات والشجارات عندهما إلي أن تنتهي بالطلاق والفرقة فيما بينهما.

كما إن إدمان الزوجة يؤثر علي زوجها تأثيراً كبيراً، وبصور مختلفة، فإن الزوجة المدمنة قد تتحول إلي امرأة مستبدة، فتتحكم بتصرفات الرجل والأسرة كلها، وتكون عدوانية تجاههم وفي نفس الوقت تنقلب فجأة حانية عليهم. فتارة تراها تتعاطف مع زوجها وتارة أخري تعديه وتقاومه.

ثم إن كل ما يقال عن الزوجين المدمنين يقال بالنسبة إلي أولادهما وأقربائهما، فإن الإدمان يؤثر تأثيراً سلبياً علي كل افراد الأسرة، وخاصة علي الأطفال منهم، كما ويؤثر علي نموهم الجسدي والعقلي، والفردي والاجتماعي، وربما يكونون مشوهين جسمياً أو عقلياً مما يؤدي بالأولاد إلي مصاعب دراسية، وخلافات متكررة مع أصدقائهم في المدرسة، ومع جيرانهم، وفي البيت، وهكذا.

وبالنتيجة تجد أبناء المدمنين دون المستوي الطبيعي، بالمقارنة مع أقرانهم من أبناء الذين لا يتعاطون المخدرات.

«الإدمان بؤرة الحوادث»

وأما الآثار السيئة التي تتركها الخمرة والمخدرات علي المجتمع، فكثيرة جداً، منها: حوادث السيارات، فإن الذي يتعاطي الخمرة مثلاً يفقد عقله موقتاً، وبه يفقد توازنه في السير ولا يمكنه الدقة في الحكم علي الأشياء عند قيادة السيارة، كما ويفقد البت في الموقف الصحيح، ولا يستطيع اتخاذ القرار

اللازم في الوقت المناسب وبالسرعة المطلوبة تجاه الحوادث المفاجئة في السير، كما وتقل عنده حدة البصر والقدرة علي النظر السليم.

من هنا تكثر حوادث السيارات بالدرجة الأولي، بحيث ان معظم الإحصاءات التي أجريت في الغرب تشير إلي: ان حوالي خمسين في المائة من حوادث السير هي من شاربي الخمور، أو من مدمني المخدرات، وتبين الإحصائيات أيضاً: إن حوالي خمسة وسبعين في المائة من المشاة، الذين وقعت لهم حوادث خطيرة نقلوا علي أثرها إلي المستشفيات، كانوا ممن شربوا الخمر، أو ممن تعاطي المخدرات قبل وقوع الحادث.

والمدمنون عموماً عرضة للحوادث من الموت فما دونه، فقد أثبتت الإحصاءات والدراسات في مجال الأعمال والأشغال، وجود إصابات عمل كثيرة، وحوادث عمالية طارئة عديدة بين متعاطي المخدرات خمراً أو غيرها، فهم يتعرضون أثناء العمل للسقوط من شاهق، أو للحروق، أو للتسمم بالغازات، أو للاصطدام بالأشياء الثابتة أو المتحركة، أو للوقوع في الحفر والهوات.

«إحصاءات وأرقام»

نعم، لقد تحدثت الإحصاءات تقول: ان كل ثمانية حوادث موت، سبع منها تتفق لهؤلاء، وهم يتعرضون للتسمم المميت بنسبة تعادل ثلاثين ضعفاً عما يتعرض له الأشخاص العاديون، ويكونون عرضة للموت بسبب السقوط بمقدار ستة عشر ضعفاً، وتشير البحوث إلي أن معظم الجرائم من قتل وسرقة، واغتصاب واعتداء علي الآخرين، تقع نتيجة تعاطي المواد المخدرة والمسكرة من خمر وغيرها.

وقد جاء في بعض الإحصاءات: إن حوالي خمس وستين في المائة من جرائم القتل تقع علي اثر شرب الخمور، وان أكثر موارد الاعتداء الجنسي علي النساء المحارم، من بنات وأخوات وغيرهن يقع عند متعاطي الخمور بتأثير من الخمرة.

وخلاصة القول: إن الذين أودعوا السجون في العالم بشكل عام، كان اكثر من خمسين في المائة منهم قد ارتكب الجرائم تحت تأثير تعاطي المخدرات الأخري غير الكحولية.

«فصل» «اضرار الخمر علي المرأة»

«فصل» «اضرار الخمر علي المرأة»

أثبتت كل الدراسات التي أجريت في مناطق مختلفة من العالم، علي أن الأذي الذي يلحق بالمرأة من جراء شربها للخمر، وإدمانها عليه. اكبر بكثير مما يلحق بالرجل، أي ضعف ما يصيب الرجل من الإضرار فإذا تناولت المرأة من الكحول نصف الكمية التي يتناوله الرجل، فإنها تصاب بنفس الإضرار التي يصاب هو بها، بالإضافة إلي ما يصيبها من إضرار تتعلق بكونها امرأة، وذلك لان المرأة خلقها الله تعالي من حيث الأعضاء والجوارح اكثر لطافة من الرجل، ومن حيث الروح والنفس اشد ظرافة منه، ولهذا لا تتحمل الأعمال الشاقة التي يتحملها الرجل.

فالمدمنة علي الخمر يضطرب عندها الطمث، وان حملت يكثر عندها حوادث الإجهاض، وان لم تجهض يكثر عندها ولادة الأطفال المشوهين، وكلما كانت كمية الكحول والخمرة التي تتعاطاها المرأة أثناء الحمل أكبر كان التشوه أشد.

هذا بالإضافة إلي الاضرار الكبيرة، الناجمة عن تعاطي ما يرافق تعاطي الكحول والخمرة من الأمور الضارة بالإنسان، كالتدخين بالنسبة إلي المرأة الحامل، فإن المرأ ة المدمنة علي الخمر تكون

عادة مدمنة علي التدخين أيضاً، فإذا لم تمتنع المرأة من شرب الكحول والتدخين أثناء الحمل، فإن أولادها سيكونون مشوهين في الظاهر والباطن، وبنسب مختلفة ومتفاوتة، مثل التشوه من حيث التخلف العقلي، الجزئي أو الكلي إلي حد الجنون، ومثل الإصابة بصغر حجم الفكين والعينين، وصغر حجم الرأس، وتشوه المفاصل، والإصابة بالفك المشقوق، بالإضافة إلي عيوب خلقية في القلب، بسيطة أو شديدة، وسطحية أو جذرية، وعدم النمو العقلي والجسمي بشكل طبيعي.

«المدمنة وهورمونات الذكورة»

ثم انه نظراً إلي أن جسم المرأة يقوم عادة بافراز كمية بسيطة من الهورمونات الذكرية في حين يقوم الكبد بتحطيمها، فإن جسم المدمنة لا يتمكن من تحطيم تلك الهورمونات الذكرية بشكل كامل، ولذا يظهر علي الجنين علامات الرجولية، كخشونة الصوت ونمو كميات إضافية من الشعر في الجسم، وصغر حجم الذكر، وضعف الرغبة الجنسية. كما ويؤثر الكحول علي البويضات الأنثوية أيضاً، ويقلل في المرأة الحامل من إفراز مادة البترسين التي تفرزها الغدة النخامية الخلفية.

ومادة البترسين هذه تلعب دورا أساسياً في انقباض الرحم بعد الولادة، وفي وقت النزيف الرحمي، وفي عودة الرحم إلي ما كان عليه قبل الحمل. كما ان لهذه المادة دوراً أساسياً في إنزال اللبن من ثدي المرأة الحامل، فإذا قل إفراز البترسين نتيجة تعاطي المرأة الكحول، ظهرت آثار هذه القلة علي المرأة نفسها، وعلي لبنها حيث ينقطع الثدي عن إنزال اللبن، فيترك آثار سيئة علي طفلها الرضيع أيضاً.

مضافاً إلي أن المرأة المدمنة تفقد قسماً كبيراً من عواطفها وجانباً مهماً من أمومتها، فتحرم أبنائها من المحبة والحنان، والرعاية والاحتضان، إذ تراهم يزاحمون عشرتها واستمرارها علي الإدمان، وتحسبهم أعداءاً لها ولنمط حياتها، ولذلك لا تحبهم ولا تحن عليهم، وتنعكس هذه الحالة من الجفا ء وفقد العاطفة علي الأطفال، وبحالة أشد وأسوء وهذا هو بلاء كبير ومصيبة عظمي، لأنه يسبب شقاء الأسرة

والمجتمع بهم.

«قصة من قصص أصحاب الإدمان»

ذكرت بعض المجلات: إن شابة التحقت بالجامعة عام 1981 لدراسة العلوم السياسية كخطوة أولي نحو كلية الحقوق، فتزوجت بشاب جامعي أنجبت منه ولداً، ثم عرضت عليها الخمرة فأجابته، ثم عرض عليها غيرها من المخدرات فأجابته، وصارت كزوجها مدمنة علي الخمر والمخدرات ومضي علي إدمانها ست سنوات متتالية، خسرت خلالها كل شيء أنها خسرت ما يلي:

1 - خسرت جمالها ورشاقتها، وأنوثتها وشبابها.

2 – خسرت أموالا كثيرة كانت قد وفرتها أيام لم تكن مدمنة، وأتلفت كل وارداتها.

3 – خسرت دراستها، وشهادتها الجامعية، وبالتالي خسرت مستقبلها.

4 – خسرت زوجها الذي مات منتحراً نتيجة الاكتئاب الشديد الذي ألم به.

5 – خسرت ولدها ، لأن دائرة الخدمات الاجتماعية وضعت الولد في دار الحضانة خوفاً من أمه عليه.

6 – خسرت نفسها أخيراً لأنها أصبحت مسلوبة الإرادة والاختيار تماماً، حيث أصبحت مشلولة تنتقل علي كرسي متحرك، وأضحت صورتها مخيفة بشعة، ذات شعر أشعث وعيون غائرة، ووجه اصفر ضامر وأصبحت تقول: ان الخمر والمخدرات كذبة كبيرة إنها تعد الإنسان بالجنة، بينما تورده الجحيم والنار، بعد ان تقضي علي شبابه، وتدمر حياته، وتشقي به أهله وخاصته، وزوجته وولده. كل أسرته وذويه، وأقاربه وأصدقائه، وهكذا يكون الإدمان سواء كان علي الخمر أم علي سائر المخدرات مما ينبغي للعاقل الابتعاد عنها، ومكافحتها ومحاربتها، لتطهير المجتمع الإنساني من ويلاتها ودمارها.

«من حياة المدمنين»

لقد جاء في بعض المجلات المعنية بشؤون المجتمع، وتحذيره من الانزلاق إلي درك الإدمان وهوته السحيقة، القصة التالية:

ان شاباً كان مدمناً علي الخمرة، فتزوج فتاة وانجب أولادا منها، لكنه كان لا يهتم بحال زوجته ولا بحالهم أبداً، بل كان همه الأول والأخير منصباً علي تعاطي الخمر، وبذلك فقد كل صفات الرجولة، وأصبح لا هم له إلا السكر، وكان يتهم زوجته بالخيانة ويطردها من المنزل

في كل حين، وكان إذا احتاج إلي ثمن الخمر باع بعض أثاث زوجته، من حلي وما أشبه وصرفه في الخمر، حتي أتي علي آخر ما تملكه زوجته من زينة ومتاع، فاضطرت الزوجة بعدها ان تعمل خادمة لجيرانها، والي أن تمد يدها إلي الآخرين متكففة منهم لتوفر المواد الأساسية لأولادها، من طعام وشراب، ووقود وملابس وما شابه ذلك، واستمرت هذه الحالة بها مع كل ما تعانيه من المصائب، حفاظاً علي بيتها وأولادها، إلي ان استطاعت وبشق الأنفس أن تزوج كل أولادها من بنات وبنين.

وخلال هذه المدة القصيرة التي لم تبلغ مدة أربعين سنة من عمر الزوج ابتلي الزوج بعجز جنسي تام، وقرحة في المعدة، وأخيراً أصيب بسرطان في الحنجرة، وبالتالي قضت الخمرة علي حياته دون أن يبلغ الخمسين عاماً، ودون ان يقدم لعائلته شيئاً غير الحزن والحرمان.

كما انه لم يورث أولاده شيئاً سوي الداء والمرض، فإن كل الأولاد كانوا يشكون من تدهور صحتهم لان انحراف صحة الأب بسبب الخمر وما أشبه، يؤثر في انحراف صحة الأولاد وإن لم يتعاطوا هم الخمر أو المخدر بأنفسهم. نعم لقد مات الأب المدمن بعار في الدنيا، وخزي في الآخرة، والي غير ذلك من حياة المدمنين السوداء، وقصصهم المؤلمة الكثيرة.

«الخمرة واعراضها الوقتية والدائمة»

ثم لا يخفي ان الاعراض لشرب الخمر تنقسم إلي قسمين: اعراض وقتية، واعراض دائمة.

«الأعراض الوقتية للكحول»

فمن الاعراض الوقتية للخمرة: حالة شعور بالخفة والنشوة غير المتناسبة مع الجو الخارجي الذي يتواجد فيه الشخص المتعاطي للخمر، فيظهر من دون شعور في صورة غير لائقة به، ويبرز في شكل لا يتناسب مع مكانته وشأنه، وتصدر منه تصرفات صبيانية لا تتناسب مع شخصيته، أو مع سنه، أو مع مقامه، مما يسبب ضياع هيبته ووقاره، ويظهر في صورة غير متزنة تدعو للسخرية والاستهزاء، وتتغير نغمته وطريقة كلامه، حيث ينطق بالحروف المتقطعة، والكلمات المتكسرة، وبرخوة كاملة، وذلك بسبب الخلل الذي يحدث عنده في عملية التعاون بين العضلات وفي الفكر واللسان.

ويتقلب أحياناً إحساس الشخص تجاه الآخرين، من الشعور الودي الزائد ألي الشعور العدائي الزائد، وقد ينفجر في البكاء بلا أي سبب.

كما أنه يكون غير مستقيم في حركاته مشياً أو سياقة، فيسير السكران مترنحا بسبب التأثير علي المخيخ - وهو المسئول عن التوازن - ونتيجة عدم التوافق بين حركة العضلات، وذلك يؤدي إلي تغيير في طريقة المشي، و يصبح الشخص غير قادر علي نقل اقدامه بانتظام، وغير قادر علي السيطرة علي حركات رجليه، فيختل توازنه ويترنح ذات اليمين وذات الشمال، وللأمام وإلي الخلف، وأحياناً يصطدم بجدار أو ما أشبه.

وأحياناً يري الشيء القليل كثيراً، أو الشيء الكثير قليلاً، مثلا: يري القطرة من الماء علي الأرض فيتصورها بحراً، أو يري البحر فيتصوره قطرة، وذلك لأن موازينه تختل وتتغير، و تصبح له حالة هلوسة بصرية، و خلل في جهاز النظر والرؤية، و تصبح الأشياء عنده مبهمة غير واضحة وضوحاُ كاملاً، فلا يري الأشياء علي حقيقتها، وقد يري الشيء الواحد متعدداً، أو الشيء المتعدد واحداً، أو الجميل قبيحاً،

أو القبيح جميلاً.

وينسي الأشياء بسرعة بحيث انه إذا دخل عليه أحد معارفه استقبله مرة ثانية استقبالاُ حافلاً، ثم ينساه ويسأل عنه مرة ثالثة ورابعة وهكذا.

وتحدث في عينيه رعشة أو حركة متذبذبة، فتطرف العين بطريقة لا إرادية لليمين ولليسار، الأمر الذي يؤدي إلي إجهاد عضلات العين، و أحياناً يغمض عينيه.

وربما تحدث له حالات تقيؤ شديدة، يفقد الجسم علي أثرها الكثير من المحتويات، سواء المحتويات الغذائية في المعدة ام عصارتها من المأكولات والمشروبات، فيكون الإرهاق الذي تسببه عملية القيء بعضلات المعدة والبطن، وأحياناً يصيب أيضاً عضلات الوجه.

«تعاطي الخمرة وويلاتها»

هذا إذا شرب الشخص كمية قليلة من الخمر، وأما إذا شرب الشخص كمية كبيرة من الخمر، فإن تركيز الكحول في الدم يرتفع إلي الدرجة التي يتسبب عنها حالة غيبوبة كاملة، وفيها تظهر عليه الأعراض التالية:

أولاً: فقدان الوعي بالكامل.

ثانياً: انخفاض شديد في درجة حرارة الجسم، فلا يشعر السكران ببرودة الجو وان كان الجو بارداً، بل ربما يشعر بالدفئ الكاذب مما يجعل الجسم يفقد كمية كبيرة من درجة حرارته.

ثالثاً: حدوث بطء شديد في التنفس، فلا يحصل الجسم علي المقدار اللازم من الأوكسيجين للتنفس، ولذلك لا تستمر له الحياة.

رابعاً: انخفاض كبير في معدل دقات القلب، بحيث يقل أداؤه لضخ الدم إلي الجسم.

خامساً: حدوث ارتفاع ضغط الدم داخل المخ، مما يؤدي إلي الانفجار الشرياني في داخله، فيصاب الإنسان بالشلل.

سادساً: حصول صداع شديد بعد أن تزول عنه حالة السكر.

«الأعراض الدائمة للخمر»

ومن الأعراض الدائمة للخمرة: حالة ضعف وسذاجة في العقل، وركود وخمود في الفكر، وترهل وتبلد في الذهن، وسفه وجهالة في التصرف، مضافاً إلي الإعراض الجسمية التالية:

1- حدوث مرض الاستسقاء.

2- حصول حالة سرعة الهضم.

3- حصول حالة حموضة في المعدة وربما تنتهي إلي تقرحات فيها.

4- حدوث حالة التهاب مزمن في الجهاز الهضمي.

5- حدوث آلام شديدة في البطن، وفقدان الشهية للطعام ، وغالباً ما تحدث له حالة تقيؤ بعد الأكل في محاولة لتخفيف حدة الألم.

6- حصول اختلال في الجهاز التناسلي، بحيث يفقد القدرة علي التحكم في التبول ، ولذلك يتبول لا إرادياً.

7- حدوث قساوة في القلب شديدة يصبح المدمن علي أثرها لا ضمير له، عديم النخوة، مسلوب المروءة والكرامة، فلا يراعي حرمة، وليس له ذمة، ولا يلاحظ العرف، ولا يلتزم بالشرع ولا بالقانون.

8- حصول اختلال في الجهاز العصبي بحيث يصبح كالمجنون، نهاره هم، وليله غم. وحياته جحيم، وعيشه أليم.

9- حصول إصابات

سرطانية، مثل: سرطان الفم واللسان والقصبة الهوائية، بل احتمال الإصابة بسرطان الجهاز الهضمي، والي غير ذلك.

«من هو المسؤول؟»

ثم انه نظراً لمفاسد الكحول، واضرار الخمرة، يجب علي كل فرد من أفراد المجتمع، تطهير أجواء المجتمع منها بدءاً بالبيت والأسرة، وانتهاءً إلي الأسواق والمطاعم، والمحلات والفنادق، وغير ذلك في المجالات الاجتماعية الخاصة منها والعامة.

لكن، تطهير الأجواء الخاصة والعامة من وباء الكحول والخمرة بحاجة الي نشر ثقافة وقائية، تصنع في النفوس قناعة عالية بعدم الاقتراب من الخمرة، إيماناً منها بأضرارها ومفاسدها، وتجنباً لها من دمارها وويلاتها.

كما إنها بحاجة إلي معالجة المدمنين عليها معالجة شاملة وكاملة، علي أيدي خبراء أخصائيين وفي مشافي ومصحات خاصة، وذلك بعد دراسة حالة كل واحد من المدمنين، والدوافع التي دفعتهم إلي تعاطي الخمرة، لتوضع لكل واحد منهم بحسب حاله علاج واف ومتكامل.

ثم من اللازم ان يكون إلي جانب معالجتهم الجسمية ضد الخمرة، وضع برنامج لمعالجتهم الروحية ضد الخمرة أيضاً، وذلك كما أشرنا إليه قبل قليل بعرض ثقافة وقائية عليهم، تقنعهم بعدم العودة إلي الخمرة، ثم منع الخمرة عنهم.

هذا هو واجب كل فرد غيور من افراد الناس حسب الحديث الشريف:

«كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته» وان كان المهم أولاً وبالذات منع الحكومات، الغيورة علي مصالح شعبها وحقوقهم، من الخمر اطلاقاً.

ولقد لعن رسول الله «صلي الله عليه وآله وسلم» في الخمر عشرة:

«غارسها، وحارسها، وعاصرها وشاربها، وساقيها، وحاملها، والمحمولة إليه، وبايعها، ومشتريها، وآكل ثمنها».

ثم معاقبة المدمن عليها بعد نشر وتعميم الثقافة الوقائية ضد الخمرة بعقاب يتناسب وشأن المدمن، مع الأخذ بعين الاعتبار الظروف والالتباسات الاجتماعية والدولية المتزامنة لفرض العقوبة عليه.

وإنما نقول بفرض عقوبة متناسبة مع الظروف ولم نقل بإجراء الحد الإسلامي علي شارب الخمر، وعلي غيره ممن يتعرض

لسائر الحدود الإسلامية، لان الإسلام دين كامل، وله وحدته المتكاملة، ومجموعته الشاملة، فلا يصح ان نأخذ من الإسلام حكم إجراء حدوده وتطبيق قوانينه الجزائية فقط، وننسي بقية أحكامه الجامعة، وحرياته المشروعة، وتكامله الاجتماعي، ونفيه الفقر المادي والمعنوي من بين الناس، فمتي ما طبق الإسلام بكل أحكامه وقوانينه، وحرياته وضماناته، جاز حينئذ تطبيق حدوده وقوانينه الجزائية أيضاً، اما ان نتشبث أولاً وقبل كل شيء بحدود الإسلام وقوانينه الجزائية، فذلك مما يؤدي إلي تشويه سمعة الإسلام، وتشويه سمعة الإسلام ذنب لا يغفر.

«التحذير عن الخمرة والترغيب بتركها»

نعم، ان علي الحكومات أن تضع المكافئات للمقلعين عن الخمرة، وان تضع العقوبات المناسبة للردع عن تعاطيها، والإقلاع عن مزاولتها ومداولتها من غير فرق بين أقسام الخمرة، سواء كانت سائله أم جامدة، متخذة من العنب أم من التمر، من الشعير أم من الحنطة، أم من غيرها، فإن الكل يؤدي إلي نتيجة واحدة، وإن كان بينهما اختلاف في قلة الضرر أو توسطه أو كثرته.

ثم انه ونظراً للأخطار الجسمية التي تخلفها الخمرة في الفرد وفي المجتمع، يجب علي المسؤولين في كل دولة يهمها أمر شعبها، المساهمة في وقاية شعوبهم من تناول هذا السم الزعاف وإن كانوا يتناولونها سراً، حتي لا يقعوا في براثن شراب الخمر وويلات الإدمان عليه.

كما انه من اللازم توجيه جميع افراد الأمة من غير فرق بين المستويات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والصحية وغيرها، وبأسلوب علمي ونفسي ممتاز، يصل إلي عقول الجميع حول مضار الكحول، ومفاسد الخمرة، فإن ذلك وان كان محتاجاً إلي وقت طويل ليعطي ثماره الطيبة، لكن في النهاية سيكون هناك اثر إيجابي بناء لهذا التوجيه العام.

ومن الواضح أنه بالإضافة إلي دور الدولة، تقع المسؤولية أيضاً علي عاتق الخطباء والكتاب، كما أنه يجب أن لا

ننسي الدور الكبير الذي تلعبه الملصقات الجدارية، والإعلانات اليومية، في الصحف والمجلات، وفي الإذاعة والتلفزيون، وفي كل وسائل البث والاعلام، في توجيه الأمة و إرشادها.

ولابد من الاهتمام بتوجيه طلاب المدارس وفي كافة المراحل، من الروضة والابتدائية، والمتوسطة والثانوية حتي الجامعات، وإرشادهم إلي مفاسد ومضاعفات تعاطي الخمرة، وما يعقبه من اضرار وخيمة وخاصة علي الشباب والشابات، حيث يتعرضون عند شربهم للخمر إلي استغلالهم من قبل الآخرين والاعتداء علي شرفهم.

«افضل الطرق الوقائية»

أن أفضل طريقة للوقاية من الوقوع في مفاسد الخمرة وإضرارها هو: ايقاظ الرادع الديني في النفوس، فإن المتدينين من الهندوس لا يشربون الخمر اطلاقاً، وكذلك تري البوذيين المتدينين، وكثيراً من الطوائف المسيحية المتدينة لا يتعاطون الخمرة، وهكذا تري بعض الكنائس في الغرب إلي الوقت الحاضر تحرم الكحول، وتشترط علي أعضائها عدم تعاطي الخمرة اطلاقاً، ولنا نحن المسلمين في دين الإسلام الحنيف خير ما يمكن أن يتبع للتخلص من مشكلة الخمر ومن ويلاتها، وليس من الخمر فحسب، بل من كل أقسام المسكرات والمخدرات والمحرمات.

وأما الذي نراه متفشياً في البلاد الإسلامية من شرب الخمر وتعاطي المسكرات والمخدرات، فإنما هو لعدم تدين حكامها، وعدم التزامهم بما جاء في القرآن الحكيم، وورد في أحاديث أهل البيت «عليهم السلام» من تحريم المسكرات الشاملة بملاكها بل بنص بعضها تحريم المخدرات أيضاً.

«القرآن يصرح بالتحريم»

فمما يدل علي تحريم المخدرات والمسكرات بصورة عامة قول الله سبحانه:

«الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث، ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم» ولا شك في أن الخمرة والكحول، وكذلك المخدرات، ليست من الطيبات وإنما هي من الخبائث، حتي ما يشم منها أو يحتقن بها، فتكون محرمة بنص هذه الآية المباركة.

ومما يدل علي تحريم الخمر والمسكرات بصورة خاصة قول الله تعالي:

«يسئلونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما» والعقل يمنع ما كان إثمه اكبر من نفعه.

مضافاً إلي ذلك قوله سبحانه:

«قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم» قيل: والإثم أي: الخمر، لأن الإثم عند العرب هي الخمرة، فالخمر حرام إذن بصريح هذه الآية الكريمة.

وقوله عزوجل:

«إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام

رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون إنما يريد الشيطان إن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون» علماً بأن التعبير عن الخمر بالرجس أي: الخبيث في هذه الآية الكريمة تصريح بتحريم الخمرة أيضاً، وخاصة مع أمر الله الحكيم باجتنابها، مضافاً إلي ذكر بعض مفاسد الخمرة، وإنها من عمل الشيطان، وإنها سبب لزرع العداوات والمباغضات وإنها تصد الإنسان عن ذكر الله، وعن الصلاة.

ومما يشير إلي التحريم أيضاً قوله سبحانه:

«يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكاري حتي تعلموا ما تقولون» وسكاري يعني: نشاوي، وإذا كان بمعني أول مقدمات السكر كما في لسان العرب شمل بالملاك سائر المخدرات أيضاً.

وفي تفسير علي بن إبراهيم عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالي: «إنما الخمر» قال: اما الخمر فكل مسكر من الشراب إذا أخمر فهو خمر، و ما اسكر كثيره، فقليله حرام إلي أن قال: «حق علي الله أن يسقي من شرب الخمر مما يخرج من فروج المومسات».

والمومسات: الزواني يخرج من فروجهن صديد، والصديد: قيح ودم غليظ مختلط، يؤذي أهل النار حره ونتنه.

وقال رسول الله «صلي الله عليه وآله وسلم»:

«من شرب الخمر لم تقبل منه الصلاة أربعين ليلة فان عاد فأربعين ليلة من يوم شربها، فان مات في تلك الأربعين ليلة من غير توبة سقاه الله يوم القيامة من طينة خبال».

«التحريم في السنة»

ومما يدل علي تحريم المسكرات والمخدرات، السنة المطهرة، تحريماً بالنص أو بالملاك، فعن أبي عبد الله عليه السلام قال:

«ما بعث الله نبياً قط إلا وقد علم الله إنه إذا اكمل له دينه كان فيه تحريم الخمر، ولم تزل الخمر حراماً».

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال:

«من شرب جرعة من

الخمر، لعنه الله وملائكته ورسله والمؤمنون، وان شربها حتي يسكر منها نزع روح الإيمان من جسده، وركبت فيه روح سخيفة خبيثة ملعونة.

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال:

«من ترك المسكر صيانة لنفسه، سقاه الله من الرحيق المختوم».

وعن أبي جعفر عليه السلام قال: « حرم الله الخمر لفعلها وفسادها».

وعن الفضيل بن اليسار قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: «من شرب الخمر فسكر منها لم تقبل له صلاة أربعين يوماً، فإن ترك الصلاة في هذه الأيام ضوعف عليه العذاب لترك الصلاة».

وعن النبي «صلي الله عليه وآله وسلم» وفي وصيته لعلي عليه السلام قال: «يا علي من ترك الخمر لغير الله سقاه الله من الرحيق المختوم، فقال علي عليه السلام: لغير الله؟ فقال: «صلي الله عليه وآله وسلم»: نعم والله صيانة لنفسه فيشكره الله علي ذلك».

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: « ثلاثة لا يدخلون الجنة: السفاك للدم، وشارب الخمر، ومشاء بالنميمة».

وعن المفضل قال:

قلت لأبي عبد الله عليه السلام: لم حرم الله الخمر؟ قال: حرم الله الخمر لفعلها وفسادها، لان مدمن الخمر تورثه الارتعاش، وتذهب بنوره، وتهدم مروته، وتحمله أن يجسر علي ارتكاب المحارم وسفك الدماء، وركوب الزنا، ولا يؤمن إذا سكر أن يثب علي حرمه، وهو لا يعقل ذلك، ولا يزيد شاربها إلا كل شر».

«المسكر من حيث الشرب والسقي»

عن أبي صالح قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:

« يقول الله عزوجل: من شرب مسكرا أو سقاه صبياً لا يعقل سقيته من ماء الحميم مغفورا له أو معذباً، ومن ترك المسكر ابتغاء مرضاتي أدخلته الجنة، وسقيته من الرحيق المختوم، وفعلت به من الكرامة ما فعلت بأوليائي».

وعن أبي عبد الله عليه السلام: «إن أمير المؤمنين عليه السلام كره أن تسقي الدواب الخمر».

وعن أبي بصير عن أبي

عبد الله عليه السلام قال: « سألته عن البهيمة البقرة وغيرها تسقي أو تطعم ما لا يحل للمسلم أكله أو شربه، أيكره ذلك؟ قال: نعم يكره ذلك».

وفي حديث عن النبي «صلي الله عليه وآله وسلم»: «ومن سقاها يهودياً أو نصرانياً أو صابئاً، أو من كان من الناس فعليه كوزر من شربها».

«مع شارب الخمر»

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله «صلي الله عليه وآله وسلم»: «من شرب الخمر بعد ما حرمها الله علي لساني، فليس بأهل أن يزوّج إذا خطب، ولا يشفّع إذا شفع، ولا يصدقّ إذا حدّث، ولا يؤتمن علي أمانة، فمن ائتمنه بعد علمه، فليس للذي ائتمنه علي الله ضمان، وليس له أجر ولا خلف».

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله «صلي الله عليه وآله وسلم»: «شارب الخمر لا يعاد إذا مرض، ولا يشهد له جنازة، ولا تزكّوه إذا شهد، ولا تزوّجوه إذا خطب، ولا تأمنوه علي أمانة».

وعن الإمام الصادق عليه السلام: «شارب الخمر إن مرض فلا تعودوه، وان مات فلا تشهدوه، وان شهد فلا تزكوه، وان خطب إليكم فلا تزوجوه، فان من زوج ابنته شارب خمر فكأنما قادها إلي الزنا (قادها إلي النار)».

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله «صلي الله عليه وآله وسلم»: «شارب الخمر لا تصدّقوه إذا حدّث وأي سفيه أسفه من شارب الخمر».

«مفتاح كل شر»

عن أحدهما: الإمام الباقر أو الإمام الصادق «عليهما السلام»: «ما عصي الله بشيء أشد من شرب المسكر، إن أحدهم ليدع الصلاة الفريضة، ويثب علي أمه وابنته وأخته وهو لا يعقل».

وعن أحدهما عليه السلام أيضاً قال: «إن الله جعل للمعصية بيتاً، ثم جعل للبيت باباً، ثم جعل للباب غلقاً، ثم جعل للغلق مفتاحاً، فمفتاح المعصية، الخمر».

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله «صلي الله عليه وآله وسلم»: «إن الخمر رأس كل إثم».

وإذا كان الخمر هو ما يخمر العقل أي: يستره ويغطيه، فالمخدرات أيضاً كذلك، فتكون هي أيضاً كالخمر رأس كل إثم ومفتاح كل شر».

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «الشراب

مفتاح كل شر، ومدمن الخمر كعابد وثن، وان الخمر رأس كل إثم، وشاربها مكذب بكتاب الله، لو صدّق كتاب الله حرّم حرامه»، وروي نحوه الصدوق في عقاب الأعمال وزاد في أوله: «الغناء عش النفاق».

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: « إن الله جعل للشر أقفالا، وجعل مفاتيح تلك الأقفال الشراب، وشرّ من الشراب الكذب».

وقيل لأمير المؤمنين عليه السلام: «إنك تزعم أن شرب الخمر أشد من الزنا والسرقة فقال: نعم، إن صاحب الزنا لعله لا يعدوه إلي غيره، وان شارب الخمر إذا شرب الخمر زنا، وسرق، وقتل النفس التي حرم الله، وترك الصلاة».

وعن أبي عبد الله عليه السلام في حديث: «إن زنديقاً قال له: لم حرم الله الخمر…؟ فقال: حرمها لأنها أم الخبائث، ورأس كل شر، يأتي علي شاربها ساعة يسلب لبّه، فلا يعرف ربه، ولا يترك معصية إلا ركبها، ولا يترك حرمة إلا انتهكها، ولا رحماً ماسة إلا قطعها، ولا فاحشة إلا أتاها، والسكران زمامه بيد الشيطان، إن أمره أن يسجد للأوثان سجد، وينقاد حيث قاده».

«كافر بالله ورسوله»

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «من شرب النبيذ علي انه حلال خلد في النار، ومن شربه علي أنه حرام عذب في النار».

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله «صلي الله عليه وآله وسلم»: « مدمن الخمر يلقي الله يوم يلقاه كافراً».

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «إن الله حرم الخمر بعينها، فقليلها وكثيرها حرام، كما حرم الميتة والدم ولحم الخنزير، وحرّم رسول الله «صلي الله عليه وآله وسلم» الشراب من كل مسكر، وما حرمه رسول الله «صلي الله عليه وآله وسلم» فقد حرمه الله عزوجل».

«المسكرات شرباً وعلاجاً»

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «إن أهل الري من المسكر في الدنيا يموتون عطاشاً، ويحشرون عطاشاً، ويدخلون النار عطاشاً».

وعن أبي عبد الله عليه السلام: «… ولو أن رجلاً كحل عينيه بميل من نبيذ (خمر) كان حقاً علي الله عزوجل أن يكحله بميل من نار».

وعن أبي الحسن موسي عليه السلام قال: « سألته عن الكحل يعجن بالنبيذ أيصلح ذلك؟ قال: لا».

«الشفاعة لا تنال شارب المسكر»

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله «صلي الله عليه وآله وسلم »: «لا ينال شفاعتي من استخف بصلاته، فلا يرد عليّ الحوض لا والله، ولا ينال شفاعتي من شرب المسكر ولا يرد عليّ الحوض لا والله».

وعن أبي جعفر عليه السلام قال : «إن لله عزوجل عند كل ليلة من شهر رمضان عتقاء يعتقهم من النار، الا من افطر علي مسكر، أو شرب مسكرا، ومن شرب مسكراً إنحبست صلاته أربعين يوماً، ومن مات فيها مات ميتة جاهلية».

وعن أبي الحسن موسي عليه السلام قال: «انه لما احتضر أبي قال: يا بني انه لا ينال شفاعتنا من استخف بالصلاة، ولا يرد علينا الحوض من أدمن هذه الأشربة، قلت: يا أبة وأيّ الأشربة؟ فقال: كل مسكر».

«من فلسفة التحريم»

عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: «حرم الله الخمر لما فيها من الفساد، ومن تغيير عقول شاربيها، وحملها إياهم علي إنكار الله عزوجل، والفرية عليه وعلي رسله، وساير ما يكون منهم من الفساد والقتل والقذف والزنا، وقلة الاحتجاز عن شيء من المحارم، فبذلك قضينا علي كل مسكر من الأشربة انه حرام محرّم، لأنه يأتي من عاقبتها ما يأتي من عاقبة الخمر، فليجتنب من يؤمن بالله واليوم الآخر ويتولانا وينتحل مودتنا كل شراب مسكر، فإنه لا عصمة بيننا وبين شاربيها».

وإذا كان تحريم كل المسكرات حسب هذا الحديث الشريف لأجل انه يأتي من عاقبتها ما يأتي من عاقبة الخمر، فكذلك تكون المخدرات كلها محرمة، لان الذي يأتي من عاقبتها ليس بأقل مما يأتي من عاقبة الخمر وبقية المسكرات إن لم يكن أكثر منها.

«من هو المدمن؟»

عن أبي عبد الله عليه السلام: « ليس مدمن الخمر الذي يشربها كل يوم، ولكنه الموطّن نفسه انه إذا وجدها شربها».

«حالة المدمن في القيامة»

عن النبي «صلي الله عليه وآله وسلم» قال: «يجيء مدمن الخمر والمسكر يوم القيامة مزرقة عيناه، مسوداً وجهه، مائلاً شقّه، يسيل لعابه، مشدوداً ناصيته إلي إبهام قدميه، خارجاً يده من صلبه، فيفزع منه أهل الجمع إذا رأوه مقبلاً إلي الحساب».

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «لا يدخل الجنة العاق لوالديه، والمدمن الخمر، ومنان بالخير إذا عمله».

«قليل المسكر ككثيره»

عن النبي «صلي الله عليه وآله وسلم» انه خطب فقال: «أيها الناس ألا إن كل مسكر حرام، ألا وما أسكر كثيره فقليله حرام».

وعن عمر بن حنظلة قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: « ما تري في قدح من مسكر يصب عليه الماء حتي تذهب عاديته، ويذهب سكره، فقال: لا والله، ولا قطرة قطرت في حب إلا أهريق ذلك الحب».

«المخدرات وملاك حرمتها»

عن أبي الحسن موسي عليه السلام قال:

«إن الله عزوجل لم يحرم الخمر لاسمها، ولكن حرمها لعاقبتها، فما كان عاقبته عاقبة الخمر فهو خمر (فهو حرام خ ل)».

وعن أبي ابراهيم عليه السلام قال: «إن الله عزوجل لم يحرم الخمر لاسمها، ولكن حرمها لعاقبتها، فما فعل فعل الخمر فهو خمر».

وهذان الحديثان الشريفان ينصان علي العلة، التي من أجلها حرم الله تعالي الخمر، ويصرحان بملاك تحريمها، ثم يعممان التحريم علي كل مادة تفعل بالإنسان ما يفعله الخمر، ومعلوم : إن باقي المسكرات وكذلك كل المخدرات، تفعل بالإنسان ما يفعله الخمر، بل وأشد مما يفعله الخمر، فتكون المسكرات وكل المخدرات محرمة أيضاً.

«هل يجوز التداوي بالمسكر؟»

عن عمر بن أذينة قال: كتبت إلي أبي عبد الله عليه السلام أساله عن الرجل ينعت له الدواء من ريح البواسير، فيشربه بقدر أسكرجة؟ من نبيذ، ليس يريد به اللذة وإنما يريد به الدواء ؟ فقال: لا، ولا جرعة، ثم قال: «إن الله عزوجل لم يجعل في شيء مما حرم دواءاً ولا شفاءاً».

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: « نهي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم عن الدواء الخبيث أن يتداوي به».

وعن الحلبي قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن دواء يعجن بالخمر، لا يجوز أن يعجن بغيره إنما هو اضطرار؟ فقال: لا والله، لا يحل للمسلم أن ينظر إليه، فكيف يتداوي به؟ وإنما هو بمنزلة شحم الخنزير الذي يقع في كذا وكذا لا يكمل الا به، فلا شفي الله أحداً شفاه خمر أو شحم خنزير».

وعن ابن مسكان عن ابن أبي يعفور قال: «كان (اي: ابن أبي يعفور) إذا أصابته هذه الأوجاع، فإذا اشتدت به شرب الحسو من النبيذ فتسكن عنه، فدخل علي أبي عبد الله عليه السلام إلي أن قال: فأخبره بوجعه

وشربه النبيذ، فقال له: يا بن أبي يعفور لا تشربه، فإنه حرام إنما هذا شيطان موكل بك، فلو قد يئس منك ذهب، فلما رجع إلي الكوفة هاج به وجعه أشد مما كان، فاقبل أهله عليه فقال: لا والله لا أذوقن منه قطرة فيئسوا منه، واشتد به الوجع أياماً، ثم أذهب الله عنه، فما عاد إليه حتي مات».

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «المضطر لا يشرب الخمر، فإنها لا تزيده إلا شراً، ولأنه إن شربها قتلته، فلا يشرب منها قطرة».

«المسكر كله حرام»

عن النيسابوري قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: «القدح من النبيذ، والقدح من الخمر سواء؟ قال: نعم سواء، قلت: الحد فيهما سواء؟ قال: سواء».

«دأب يزيد لعنه الله»

عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: «كل مسكر حرام، وكل مخمّر حرام، والفقاع (أي: البيرة) حرام».

وعن محمد بن سنان قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن الفقاع؟ فقال: «هي الخمر بعينها».

وعن هشام بن الحكم أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن الفقاع؟ فقال: « لا تشربه، فإنه خمر مجهول، وإذا أصاب ثوبك فاغسله».

وعن أبي عبد الله عليه السلام في حديث النبيذ قال: «ما يبل الميل ينجّس حباً من ماء».

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «لو أن لي سلطاناً علي أسواق المسلمين، لرفعت عنهم هذه الخمرة يعني: الفقاع».

وعن الفضل بن شاذان قال: سمعت الرضا عليه السلام يقول: «لما حمل رأس الحسين بن علي عليه السلام إلي الشام أمر يزيد «لعنه الله»، فوضع ونصبت عليه مائدة، فأقبل هو وأصحابه يأكلون ويشربون الفقاع فلما فرغوا أمر بالرأس فوضع في طشت تحت سريره، وبسط عليه رقعة الشطرنج وجلس يزيد لعنه الله يلعب بالشطرنج ويشرب الفقاع، فمن كان من شيعتنا فليتورع من شرب الفقاع واللعب بالشطرنج، ومن نظر إلي الفقاع أو إلي الشطرنج، فليذكر الحسين عليه السلام وليلعن يزيد وآل زياد، يمحو الله عزوجل بذلك ذنوبه ولو كانت بعدد النجوم».

«المائدة إذا شرب عليها الخمر»

عن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «سئل عن المائدة إذا شرب عليها الخمر أو المسكر؟ قال: حرمت المائدة».

وعن أبي عبد الله عليه السلام: … قال رسول الله «صلي الله عليه وآله وسلم»: «ملعون ملعون من جلس علي مائدة يشرب عليها الخمر».

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله «صلي الله عليه وآله وسلم»: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يأكل علي مائدة يشرب عليها الخمر».

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «لا تجالسوا شراب

الخمر، فإن اللعنة إذا نزلت عمّت من في المجلس».

«من تبعات تعاطي المسكرات والمخدرات»

عن النبي «صلي الله عليه وآله وسلم» قال: «ومن شرب الخمر في الدنيا سقاه الله من سم الأفاعي، ومن سم العقارب، شربة يتساقط لحم وجهه في الإناء قبل أن يشربها، فإذا شربها تفسّخ لحمه وجلده كالجيفة يتأذي به أهل الجمع، حتي يؤمر به إلي النار، وشاربها وعاصرها، ومعتصرها في النار، وبايعها، ومبتاعها، وحاملها، والمحمولة إليه، وآكل ثمنها، سواء في عارها وإثمها، ألا ومن باعها، أو اشتراها لغيره، لم يقبل الله منه صلاة ولا صياماً ولا حجاً ولا اعتماراً حتي يتوب منها، وان مات قبل أن يتوب كان حقاً علي الله أن يسقيه بكل جرعة شرب منها في الدنيا شربة من صديد جهنم، ثم قال رسول الله «صلي الله عليه وآله وسلم»: ألا وان الله حرم الخمر بعينها، والمسكر من كل شراب، ألا وكل مسكر حرام».

«العقل يحكم بالتحريم»

كان هذا بعض ما ورد من الروايات الشريفة في تحريم الخمر والكحول وكل مسكر، وكذا بعض ما ورد أيضاً في فلسفة تحريمها، إضافة إلي ما ورد من الآيات الكريمة التي سبق ذكرها، فإنه إلي جانب كل ذلك يقول العقل بالتحريم أيضاً، وذلك لان العقل إذا رأي في شيء ضرراً بالغاً علي الإنسان، وليس من حيث المال فقط، بل من حيث العقل والفكر والصحة والسلامة، والأمن والاستقرار، وفي كل ما يخص بشخصية الإنسان وكرامته، وأمن المجتمع وسلامته، حكم بتحريم ذلك الشيء وقال بمنعه منعاً باتاً، وعلي أثر حكم العقل هذا، تري العقلاء يمتنعون من تعاطيه، ويحرمونه علي أنفسهم تحريماً قاطعاً، وذلك لا لشيء إلا لحكم العقل بتحريمه.

ففي الجاهلية الاولي، أعني: الجاهلية قبل الإسلام وأما بعد الإسلام: فالعالم اليوم هو في جاهلية ثانية ، لتركه أحكام السماء وتغافله عن قوانين الوحي،

المتمثلة في أحكام الإسلام وتعاليمه الإنسانية الراقية. وعليه: ففي الجاهلية الأولي كانت الخمرة وبقية المسكرات متفشية فيما بينهم، وكانوا يتعاطونها كما يتعاطون الماء المباح، غير ان أناس عقلاء من بينهم كانوا لا ينزلقون مع ذلك التيار الجاهلي ، ولا يقتربون من المسكرات قط، وذلك استجابة منهم لنداء العقل السليم، ونزولاً علي حكمه الواضح.

«الامتناع عن المسكرات: حكم العقل»

ومن جملة هؤلاء الرجال العقلاء جعفر بن أبي طالب عليه السلام أخو الإمام أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليه السلام وشقيقه، حيث ان أمين وحي الله جبرائيل كان كلما نزل علي رسول الله «صلي الله عليه وآله وسلم» بالوحي خص جعفر بن أبي طالب عليه السلام كما في الحديث – من عند الله تبارك وتعالي بالتحية والسلام، فلما سأل رسول الله «صلي الله عليه وآله وسلم» عن سبب اختصاص جعفر بالسلام؟ قال جبرائيل: يقول الله لخصال فيه، ويأمرك أن تسأله عنها، فأرسل رسول الله «صلي الله عليه وآله وسلم» من يطلب له جعفراً، فلما جاء جعفر أخبره رسول الله «صلي الله عليه وآله وسلم» عن اهداء الله تعالي له التحية والسلام علي لسان جبرائيل كلما نزل عليه بالوحي وقال: بأن ذلك لخصال فيك وأمرني أن أسألك عن تلك الخصال الحسنة التي تتوفر لديك فما هي تلك الخصال؟ فقال جعفر في جملة ما ذكر من تلك الخصال الحسنة: انه لم يشرب المسكر ولم يقترب منها قط، وذلك لأنه علم بأن الخمرة تزيل العقل وتغطّي عليه، فلم يسمح لنفسه بأن يزيل عقله ويغطي عليه بيديه.

وكيف كان: فإن العقل يحكم بتحريم الخمر والكحول ويمنع عن كل مسكر، وان العقلاء يمتنعون من تعاطيها، ويحّرمونها علي أنفسهم تحريماً باتاً، وان كانوا يعيشون في زمان جاهلية، ولم يكن هناك دين يحرّمه عليهم، بل

يكون امتناعهم عنها لحكم العقل بتحريمه.

«المسكرات والمخدرات وجهان لعملة واحدة»

ثم ان المسكرات والمخدرات وجهان لعملة واحدة، وذلك لان ملاك تحريم المسكرات وهو كما عرفت: الاضرار البالغة الناجمة عن تعاطيها، والمفاسد الكبيرة المترتبة علي تناولها، هذا الملاك بنفسه موجود في المخدرات أيضاً، فإنه ينجم من تعاطيها إضرار فادحة، ويترتب علي تناولها مفاسد كبيرة لا يمكن تداركها واصلاحها، وإذا كان ملاك التحريم موجوداً في المخدرات كانت هي محرمة أيضاً للملاك.

مضافاً إلي ما قيل في علة تحريم الخمر: من أنه يخمّر العقل ويغطّيه، فإن هذه العلة موجودة في المخدرات أيضاً حيث أن المخدرات تغطي علي عقل المتعاطي وتفقده صوابه، وتجعله يتصرف تصرف الإنسان المبتلي بالجنون المطبق، لا يعي ما يفعل ولا يعرف ما يصنع.

«حكم تعاطي المخدرات»

أضف إلي ذلك النصوص الشريفة القائلة: ان الله عزوجل لم يحرّم الخمر لاسمها ولكن حرّمها لعاقبتها، فما كان عاقبته عاقبة الخمر، أو كان فعله فعل الخمر فهو حرام، فإن هذه النصوص صريحة في تحريم المخدرات، وذلك لأنها تعطي حكماً كلياً بتحريم كل ما كان عاقبته عاقبة الخمر أو فعله فعل الخمر، ولا أحد ينكر التشابه بين عاقبة الخمر والمخدر، ولا التشابه بين فعل المسكرات والمخدرات، فتكون المخدرات كالخمر وكالمسكرات محرّمة بنص هذه الروايات الشريفة أيضاً.

كما ويترتب علي تعاطيها وتناولها والتقلب فيها بكل أنواع التقلب، من بيع وشراء، وزراعة وتجارة، وتهيئة وتصنيع، وحمل ونقل، كل ما كان يترتب علي الخمر والمسكرات من حرمة وبطلان في الدنيا، وعذاب ونيران في الآخرة.

«المخدرات بيعاً وشراءاً»

إذن فإن المخدر لما كان حراماً فبيعه وشرائه وصلحه وما أشبه ذلك حرام أيضا، وفي الحديث النبوي المشهور:

«إن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه».

وعن أبي جعفر عليه السلام: « والسحت أنواع كثيرة منها: أجور الفواجر ، وثمن الخمر، والنبيذ، والمسكر، والربا بعد البينة».

«المخدرات زراعة وتجارة»

ثم ان زراعة المخدرات والاتجار بها حرام أيضاً لقوله سبحانه:

«ولا تعاونوا علي الإثم والعدوان».

فإنه يوجب نشر الرذيلة في المجتمع، وإشاعة الجريمة والخيانة بين الناس.

وفي الحديث عن رسول الله «صلي الله عليه وآله وسلم»: «قاتل الله اليهود فقد حرم الله عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها». هذا بالإضافة إلي قول النبي «صلي الله عليه وآله وسلم»:

« لا ضرر ولا ضرار».

نعم بعض أقسام المخدرات الطبيعية كالبنج ويسمي السيكران أو الشكيران الذي يستفاد في أغراض طبية كمعالجة المرض، والتخدير لإجراء عمليات جراحية، وما أشبه، فإنه مستثني زرعه وبيعه وشراؤه لهذا الغرض الإنساني فقط وفي ذلك روايات تدل عليه:

فعن أحمد بن بشارة قال:

«حججت فأتيت المدينة فدخلت مسجد الرسول «صلي الله عليه وآله وسلم» فإذا أبو ابراهيم عليه السلام جالس في جانب المنبر، فدنوت فقبلت رأسه ويديه وسلمت عليه، فرد علي السلام وقال: كيف أنت من علتك؟ قلت شاكياً: بعد (وكان بي السل)، فقال: خذ هذا الدواء بالمدينة قبل أن تخرج إلي مكة، فانك توافيها وقد عوفيت بإذن الله تعالي، فأخرجت الدواة والكاغذ وأملي علينا: يؤخذ سنبل، وقاقلة، وزعفران، وعاقر قرحا، وبنج، وخربق، وفلفل أبيض، اجزاء بالسوية، وابر فيون جزأين، ويدق وينخل بحريرة، ويعجن بعسل منزوع الرغوة، ويسقي صاحب السل منه مثل الحمصة بماء مسخن عند النوم، وانك لا تشرب ذلك إلا ثلاث ليال حتي تعافي منه بإذن الله تعالي.

وعن أحمد بن العباس بن المفضل عن أخيه عبد الله قال: لدغتني العقرب فكادت شوكته حين ضربتني تبلغ

بطني من شدة ما ضربتني، وكان أبو الحسن العسكري عليه السلام جارنا، فصرت إليه فقلت: إن ابني عبد الله لدغته العقرب وهو ذا يتخوف عليه. فقال: اسقوه من الدواء الجامع فإنه دواء الرضا عليه السلام فقلت: وما هو؟ قال: دواء معروف. قلت: مولاي فإني لا أعرفه، قال: خذ سنبل، وزعفران، وقاقلة، وعاقر قرحا، وخربق أبيض، وبنج، وفلفل أبيض، أجزاءً سواء بالسوية، وابرفيون جزأين، يدق دقا ناعما، وينخل بجريرة، ويعجن بعسل منزوع الرغوة، ويسقي منه للسعة الحية والعقرب حبة بماء الحلتيت، فإنه يبرأ من ساعته قال: فعالجناه به وسقيناه، فبرأ من ساعته، ونحن نتخذه ونعطيه للناس إلي يومنا هذا».

وفي الختام

هذا والكلام في هذا الباب أعني: أحكام المخدرات والمسكرات وويلاتها الناجمة عنها، كثيرة جداً ذكرنا نموذجاً قليلاً وشيئاً يسيراً منها في هذا الكتاب، ليكون محفزاً علي مكافحة هذا الداء العضال.

والله الهادي إلي الصواب

وهو حسبنا ونعم الوكيل.

قم المقدسة

محمد بن مهدي الحسيني الشيرازي

شهر ذي حجة الحرام 1421 ه ق

الكتاب: «خطر المخدرات»

المؤلف: آية الله العظمي السيد محمد الحسيني الشيرازي (دام ظله)

تصحيح وتخريج: حسينية ومؤسسة دار الحسين عليه السلام. طهران

الطبعة: الاولي.

تاريخ الطبع: سنة 1422 ه ق.

الناشر: انتشارات دار السميع.

مسلسل الانتشار: 104.

الكمية:

السعر:

الشابك: 9- 2- 93393 –964.

الحاشية

- الوسائل ج 25، ص 375 / أبواب الأشربة المحرمة الباب 34.

- الأعراف الآية 157.

- البقرة 219.

- الاعراف: 33.

- المائدة: 90 /91.

- النساء: 43.

- المائدة: 90/91.

- الوسائل: ج 25 ص 280 ح 5 الباب 1 من أبواب الأشربة المحرمة.

- نفس المصدر، ح 1 من الباب 9.

- نفس المصدر ح 4 من الباب 9.

- نفس المصدر، ح 10 من الباب 9

- نفس المصدر، الباب 9 ح 16.

- نفس المصدر، الباب 9 ح 17.

- نفس المصدر، الباب 9 ح 18.

- نفس

المصدر، الباب 9 ح 22.

- نفس المصدر، الباب 9 ح 25.

- نفس المصدر، الباب 10 ح 3.

- نفس المصدر، الباب 10 ح 4.

- نفس المصدر، الباب 10 ح 5.

- نفس المصدر، الباب 10 ح 7.

- نفس المصدر، الباب 11 ح 1.

- نفس المصدر، الباب 11 ح 2.

- نفس المصدر، الباب 11 ح 7.

- نفس المصدر، الباب11 ح 9.

- نفس المصدر، الباب 12 ح 1.

- نفس المصدر، الباب 12 ح 3.

- نفس المصدر، الباب 12 ح 4.

- نفس المصدر، الباب 12 ح 5.

- نفس المصدر، الباب 1 ح 6 والباب 15 ح 22.

- نفس المصدر، الباب 12ح 8.

- نفس المصدر، الباب 12ح11.

- نفس المصدر، الباب 13ح 1.

- نفس المصدر، الباب 13 ح 10.

- نفس المصدر، الباب 15 ح 4.

- أي: الذين يرتوون من الخمر في الدنيا.

- نفس المصدر، الباب 15 ح 8.

- نفس المصدر، الباب 15 ح 10.

- نفس المصدر، الباب 21 ح 4.

- نفس المصدر، الباب 15 ح11.

- نفس المصدر، الباب 15 ح 13.

- نفس المصدر، الباب 15ح14.

- نفس المصدر، الباب 15 ح16.

- نفس المصدر، الباب 16 ح 1.

- نفس المصدر، الباب 16 ح 5.

- نفس المصدر، الباب 16 ح 7.

- نفس المصدر، الباب 17 ح 2

- نفس المصدر، الباب 18 ح 1

- نفس المصدر، الباب 19 ح 1

- نفس المصدر ، الباب 19 ح 2.

- نفس المصدر، الباب 20 ح 1.

- نفس المصدر، الباب 20 ح 9.

- نفس المصدر، الباب 20 ح 10

- نفس المصدر، الباب 20 ح 11

- نفس المصدر، الباب 20 ح 13.

- نفس المصدر، الباب 24ح 4.

- نفس المصدر ، الباب 27 ح 3.

- نفس المصدر، الباب 27 ح 7.

- نفس المصدر، الباب 27 ج 8

-

الوسائل ج 3 ص 470 أبواب النجاسات الباب 38 ح 6.

- نفس المصدر، الباب 27 ح 9.

- نفس المصدر، الباب 27 ح 13.

- نفس المصدر، الباب 33 ح 1.

- نفس المصدر، أبواب الأطعمة المحرمة الباب 62 ح 1.

- نفس المصدر، أبواب الأطعمة المحرمة الباب 62 ح 3.

- نفس المصدر، أبواب الاشربة المحرمة، الباب 33 ح 2.

- نفس المصدر، ابواب الاشربة المحرمة، الباب 34 ح 5.

- المكاسب المحرمة ص 3.

- الوسائل كتاب التجارة أبواب ما يكتسب به الباب 5 ح 1.

- المائدة: آية 2.

- البحار ج 103 ص 71.

- البحار ج 2 ص 276.

- مستدرك الوسائل ج 16 أبواب الأطعمة المباحة، الباب 108 ح 8.

- مستدرك الوسائل ج 16 أبواب الأطعمة المباحة الباب 112 ح 18.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.