حقائق من تاريخ العلماء

اشارة

مقدمة المؤلف

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي سيد المرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة علي أعدائهم إلي قيام يوم الدين.

وبعد.. فهذا كتاب حقائق من تاريخ العلماء كتبته للشباب المؤمن وأسأله سبحانه أن ينفع به كما نفع بالكتب الأخلاقية الأخري، إنه قريب مجيب.

وفيه خمسة فصول:

الفصل الأول: العلماء عرفاء.

الفصل الثاني: سجايا العلماء وحسن أخلاقهم.

الفصل الثالث: فضائل العلماء وكراماتهم.

الفصل الرابع: منزلة العلماء وعلو مقامهم.

الفصل الخامس: مواقف العلماء من الطغاة.

كيف تشيّع الغزالي؟

ولد أبو حامد، محمد الغزَّالي عام 450 للهجرة(1)، في طوس بخراسان، ودرس علم الكلام في نيشابور عند شيخ الحرمين (الجويني)، ثم قَدِمَ علي مجلس الوزير السلجوقي، نظام الملك، ولبث فيه إلي أن أُسنِدَ إليه منصب التدريس في بغداد.

ويذكر انهم أحصوا في مجلس درسه ثلاثمائة تلميذ ثلثهم من أبناء الأمراء والوزراء.

وقد استحوذ علي مجالس دروس العامة، حتي ذاع صيته، واشتهر بين علمائهم بلقب (حجة الإسلام الغزَّالي) وكان متمرساً في فنّ الجدل والكلام.

وفي فورة النجاح التي كان أصابها يومئذ، ألّف جملة من كتبه المشهورة، مثل (مقاصد الفلاسفة) و (تهافت الفلاسفة) و (إحياء علوم الدين).

وقد ذهب في كتابه الأخير هذا شططاً، بحيث أفتي فيه بحرمة لعن قاتل الأمام الحسين (عليه السلام) سبط الرسول وسيد شباب أهل الجنة(2).

لكن الأيام تدور دورتها ويقرر الغزَّالي مغادرة بغداد لينتقل بين العواصم الإسلامية الأخري، فيشاء القدر أن يلتقي في إحدي رحلاته تلك بالسيد مرتضي الرازي(3)، فيطلب منه الغزَّالي المناظرة في مسألة الإمامة، فلم يمانع السيد المرتضي، لكنه اشترط علي الغزَّالي ألاّ يقاطعه في الحديث قبل استيفاء كلامه، ووافق أبو حامد علي هذا الشرط.

ابتدأت المحاورة، وأنصت الغزَّالي إلي المرتضي، الذي جعل يقيم الأدلة والبراهين علي أحقية أمير المؤمنين (عليه السلام) بالخلافة.

وبين الحين والآخر، كانت محاولات

الغزَّالي للمقاطعة تبوء بالفشل، لأن المرتضي لم يكن يعطي له الفرصة لذلك بل كان يستمر في سرد أدلته، حسب شرط الذي إتفقا عليه.

وهكذا تكررت الجلسات بين العلمين، إلي أن أسفرت في النهاية عن انضمام الغزَّالي إلي مدرسة أهل البيت عليهم السلام.

إعترض التلاميذ علي أستاذهم، وتعجبوا منهُ كيف استطاع المرتضي أن يدخله معه في مذهبه في تلك الفترة القصيرة.

غير إن أستاذهم أجابهم في تواضع وهدوء: لقد كان المرتضي ثاقب البرهان، حاضر الدليل، حسن الاستدلال، أظهر ما عنده فأتم، وما كان لي إلاّ الإذعان والاعتراف.

وبعد تلك الواقعة:

ألّف الغزَّالي كتابه (سر العالمين) ليعلن فيه أحقية مذهب أهل البيت (عليهم السلام)، وقد طبع الكتاب مرات عديدة في مصر وغيرها من بلاد الإسلام.

التخصص في العلوم من فكر أهل البيت (عليهم السلام)

يقول هشام بن سالم: بينما كنت وجماعة من الأصحاب بين يدي الإمام الصادق (عليه السلام) إذ دخل عليه رجل من أهل الشام، فسأله أبو عبد الله (عليه السلام)، عن حاجته؟

قال الشامي: سمعت أنك لا تسأل عن شيء فتعيي عن الجواب، وقد قدمت رغبة في مناظرتك، واستكشاف ذلك بنفسي.

فقال (عليه السلام): وفي أي باب أردت المناظرة؟

فقال الشامي: في القرآن وإعرابه وبنائه وحركاته وسكناته.

فحوّله الإمام (عليه السلام) إلي أبان بن تغلب.. في مجال الإعراب والبناء، وعلي حمران بن أعين في مجال موضوعات القرآن الكريم.

لكن الشامي سأل الإمام أن يناظره في الفقه وفي التوحيد والإمامة، فأرشده أبو عبد الله (عليه السلام) إلي بعض أصحابه.

يتضح من هذا الخبر، إن الإمام (عليه السلام)، قد أولي عملية التخصص جانباً واضحاً من اهتمامه، وربّي تلاميذه علي ذلك.

التفؤل بديوان أمير المؤمنين (عليه السلام)

عندما سمع المولي محمد محسن الكاشاني(4)، المعروف ب (الفيض) بقدوم أحد الأعلام والمحققين يومئذ، وهو السيد ماجد البحراني(5)، إلي شيراز، رغب في الهجرة من بلدة قم المقدسة إليه، للتلمّذ علي يديه؛ وبعد تردد من والد الفيض، احتكما إلي القرآن، فظهرت الآية: (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقوا في الدين)(6)، فأعتبرها الفيض إذناً صريحاً، وتشجيعاً واضحاً من كلام الله الحكيم.

ومع ذلك رأي الفيض أن يتفأل بالديوان المنسوب للإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، وإذا به يفاجأ بالأبيات التالية:

تغَرّب عن الأَوطان في طَلَبِ العُلي وسافِر ففي الأَسفار خَمسُ فوائدِ

تَفرُّجَ همّ واكتسابُ معيشةٍ وعِلمٌ وآدابٌ وصحبةُ ماجدِ(7)

وهكذا مكث الكاشاني عند البحراني فترة من الزمن، قرأ عليه فيها علوم الشريعة، كما ذكر هو نفسه في بداية كتابه (الوافي). حيث قال: لقد رويت كتبي عن أستاذي السيد ماجد بن السيد هاشم الصادقي البحراني، فكنت أستند إليه في العلوم الشرعية

التي رواها هو عن الشيخ بهاء الدين العاملي.

بين الطوسي والشيرازي

كان المحقق الطوسي، الخواجة نصير الدين(8) (قدس سره) معروفاً بين العلماء في القرن السابع الهجري بمكانته العلمية المرموقة، وريادته في فن المناظرة و الجدل. وقد وصفه العلامة الحلي (قدس سره) بأنه (أفضل أهل زمانه في العلوم العقلية والنقلية، وأنه أستاذ البشر والعقل الحادي عشر).

وكان قطب الدين الشيرازي، وهو أحد الأعلام المشاهير في زمانه، عالماً فاهماً مقتدراً، له حلقة درس يحضرها جمهرة كبيرة من الطلاب.

وقد كانت عادة المحقق الطوسي أن يحضر بين الفينة والأخري، بعض مجالس العلماء وحلقاتهم.

وهكذا قرر زيارة الأستاذ الشهير قطب الدين في حلقة درسه، ولكن بعد تنكير ملابسه، لئلا يتعرَّف عليه أحد.

في حلقة الدرس تعمد أيضاً أن ينزوي بعيداً في نهاية الصفوف، ومع ذلك فقد تعرَّف عليه مجاوره، وأبلغ بالخبر إلي مسامع أستاذه الشيرازي.

قال الأستاذ حسناً، سوف يحضر غداً، ولسوف أفحمه في موضوع ليس له إلمام به وهو الطب.

وفي اليوم الثاني بدأ القطب الشيرازي درسه بموضوع (النبض) من كتاب ابن سينا، وأورد بعض إشكالاته علي صاحب الكتاب. وبعد أن أتمَّ كلامه توجَّه إلي التلميذ المجاور للطوسي، وطلب منه أن يقرّر الدرس إن كان قد فهمه.

تلكأ التلميذ في بيان المطالب، فأستأذن المحقِّق من القطب الشيرازي في بيانها.

قال الشيرازي: وهل فهمت الدرس حتي تشرحه؟

أجاب الطوسي: نعم!

قال الشيرازي: تفضل!

فقال الطوسي: وماذا تريد أن أذكر؟ الإشكالات التي ذكرتها أم الردّ عليها؟

قال الأستاذ: بيّن أصل الموضوع أولاً، ثم بيّن ما قد سنح لك من الاعتراضات إن كانت.

ثم شرع المحقق الطوسي في بيان المطلوب، بحيث فنّد إشكالات القطب الشيرازي، ثم عرّج علي ذكر رأيه في الموضوع، مما أعجب الأستاذ والحاضرين علي حد سواء. فلم يكن من الأستاذ إلاّ أن قام من

مقامه وأجلس الطوسي فيه، وأبدي له احتراماً فائقاً وتقديراً غير معهود!

ثمرة اللين مع الناس

كتب زرارة بن أعين، وعبد الله بن بكير، ومحمد بن مسلم، وأبو بصير وآخرون إلي الإمام الصادق (عليه السلام) يتبرّمون له من تصرفات المفضّل بن عمرو الجعفي، وذلك لما لاحظوه علي المفضَّل من معاشرة بعض الأشخاص غير الملتزمين، مثل شاربي الخمر، واللاعبين بالطيور. وتمنّوا علي الإمام (عليه السلام) أن يكتب إليه رسالة ينهاه عن أعماله غير اللائقة تلك.

وهكذا كان، فكتب الإمام الرسالة وختمها، ثم سلَّمها إليهم، وأوصاهم أن يسلِّموها إلي المفضَّل.

وفي الكوفة فضَّ المفضّل الرسالة، وتلاها عليهم، ففوجئوا بأن الإمام (عليه السلام)لم يأت علي ذكر طلبهم لا من قريب ولا من بعيد. وإنما وجدوا الإمام فيها يأمر المفضّل بشراء أشياء تحتاج إلي مبالغ طائلة.

قال لهم المفضل: علينا أن نتعاون في جمع المبلغ.

قالوا: إن ذلك يحتاج إلي الوقت.. وإلي العمل الحثيث.

ثم عزموا الخروج، لكن المفضَّل استوقفهم ودعاهم لتناول طعام الغداء معه. وعلي الأثر أرسل شخصاً في طلب عددٍ من الذين شكوا المفضَّل بسببهم.

وحينما حضروا عرض عليهم المفضَّل الأمر، فاستأذنوا في الخروج، وعادوا بعد قليل ومعهم عشرة آلاف درهم هي المبلغ المطلوب، ثم سلموها للمفضَّل والحضور يشهدون.

وعند تناول الطعام توجه المفضَّل نحو أصحابه وهو يقول: أفكنتم تريدون أن أترك أشخاص كهؤلاء، فأعجز عن أداء الأمور الضرورية.

عند ذلك تبين للقوم مغزي قصد الإمام (عليه السلام) من وراء كتابه، وهو إعلامهم بأن القائد بحاجة إلي جميع أصناف الناس، مادام دينه في مأمن من الخطر والزلل، وإن معاشرة المفضَّل لأولئك كان من الصواب والحكمة، وهو مؤيد في ذلك من الإمام (عليه السلام).

شروط المدير الناجح

كتب بعض أصدقاء المجدد الشيرازي(9) (قدس سره) إليه، يطلبون منه تأييداً لأحد العلماء، لكنه توقف عن إرسال الرد إليهم. فكتبوا إليه مرة أخري ومع ذلك لم يصلهم منه

جواب! فوفدوا عليه مستفسرين عن السبب، وهل إنه لم يطمئن لشهادتهم، مما جعله يمتنع عن إجابة طلبهم؟

قال الميرزا الشيرازي: لقد أطمأننت لجميع ما قلتموه وكتبتموه، إلاّ أنكم لم تذكروا لي إلاّ علمه وتقواه فقط. دون أن تشيروا من قريب أو بعيد إلي تدبيره، وفطنته، وكياسته، وإدراكه للظروف التي يعيشها، وهي جميعاً أمور هامة للقائد والمدير الناجح. فما فائدة علم الرجل وتقواه، إذا كان متَّصفاً بالبساطة والسذاجة وعدم الفهم للحياة وتكاليفها ولا يدرك الظروف التي تحيط به؟.

السر الخفيّ

كان الميرزا القميّ والسيد بحر العلوم (قدس سرهما) زميلين بحثاً ودرساً عند الشيخ محمد باقر البهبهاني(10) (قدس سره). وكان الميرزا القميّ، وحسب نقله، متفوقاً في تلك الفترة علي بحر العلوم.

وبعد عدة سنوات، طرقت مسامع القميّ علمية بحر العلوم وصيته ومنزلته. فتعجب القميّ ممّا سمع. وعندما سافر إلي العراق، لزيارة العتبات المقدسة، زار العلامة بحر العلوم في حلقة درسه في النجف الأشرف، وهو يتناول إحدي المسائل الهامة نقداً وإبراماً، فدهش القميّ لغزارة علم رفيقه القديم الذي لم يعهد منه تلك الدقة الفائقة.

فلم يجد بدّاً من أن يسأله عما أوصله إلي ذلك المقام المحمود؟ فأجابه بحر العلوم: بأن المسألة سرّاً من الأسرار، إلاّ إنني سأبيحه لك، شريطة أن يبقي طيّ الكتمان ما دمت حياً.

وبعد موافقة القميّ، قال بحر العلوم: كيف لا أكون كذلك وقد ضمني الإمام المنتظر (روحي له الفداء) في مسجد الكوفة إلي صدره؟!

مبشر نصراني يعتنق الإسلام

نقل أحد المبشرين النصاري قصة اعتناقه للإسلام الحنيف فقال:

بعد سفر طويل من العلوم والمعارف المسيحية، انتقلت إلي إحدي المدارس الكاثوليكية، وكان يديرها قسّ مقرّب إلي أوساط الأعيان والأشراف، وكان متميزاً في التدريس، لا يقل حضّار درسه عن 500 طالب، مضافاً إلي عددٍ آخر من الراهبات.

ولقد نشأت بيني وبينه علاقة ودّ حميمة، بحيث أطمأن لي وسلّمني مفاتيح غرف الكنيسة، ما خلا مفتاحاً واحداً لغرفةٍ صغيرة، كنت أظنها مخصصة للذهب والمجوهرات.

وفي أحد الأيام، أمرني أستاذي القس بالذهاب إلي الطلاب، وإبلاغهم اعتذاره عن حضوره للتدريس. ولما وصلت قاعة الدروس وجدتهم يتباحثون فيما بينهم حول لفظ (فارقليط)، الذي ورد في إنجيل يوحنا، في الإصحاحات 14، 15، 16.

بعد أن استمعت إلي مناقشهم واحتجاجهم، عدت إلي الأستاذ وأخبرته بما دار بينهم حول العبارة وتفاسيرها.

قال لي الأستاذ وما تقول

أنت؟ فذكرت له رأي أحد مفسري الإنجيل.

فقال الأستاذ ليس التقصير منك، أن تفسير هذا اللفظ لا يعرفه في هذا الزمن، غير فريق ضئيل من أصحاب الرأي والتحقيق في هذا العلم.

شعرت أن في الأمر سرّاً يخفي عليّ. ألقيت بنفسي علي قدميه وتوسلت إليه أن يطلعني علي المراد الحقيقي. أغرورقت عيناه بالدموع، ثم استرسل في البكاء، وبعد برهةٍ رفع عينيه المبللتين نحوي وقال: سوف أذكر لك الحقيقة شريطة أن تبقيها سرّاً بيننا ما دمت علي قيد الحياة، لأنك أن أفشيتها تكون قد حكمت علي بالإعدام.

وبعد أن عاهدته علي الالتزام بما طلب، نظر في وجهي لحظات ثم قال: إن (فارقليط) هو اسم نبي الإسلام. ويعني كثير الحمد (أحمد ومحمد).

ثم ناولني مفتاح تلك الغرفة، التي كنت أظن أنها مخصصة للذهب والمجوهرات، وقال لي: أفتحها وسوف تجد فيها صندوقاً بموضع كذا، وفي الصندوق كتابان قد كتبا علي جلود الحيوانات، وقد كتبا بالخط اليوناني قبل ظهور الإسلام، أحضرهما وستري بعينيك تفسير (فارقليط) بما ذكرت لك.

يقول ذلك القس التلميذ: ومنذ تلك اللحظة تمكن عشق الدين الإسلامي من قلبي، وأيقنت ان واجبي هو دعوة الناس إليه.

وبعد إشهار إسلامه، أطلق علي نفسه اسم (محمد صادق فخر الإسلام) وألف كتاباً في رد المسيحيين ويروي فيه قصة إسلامه، بعنوان (أنيس الإعلام).

دور الإيحاء في سلوك الإنسان

استنكر أحد الأطبّاء علي الملك إطلاق لقب (الطبيب الأول) علي سقراط، وادّعي انه أفهم منه.

قال الملك لسقراط: إنّ هذا الطبيب يدّعي إنّه أعلم منك، وبالتالي انه يستحقّ اللقب.

قال سقراط: إذا أثبت ذلك فإن اللقب سيكون من نصيبه.

قال الملك لسقراط: كيف تتشخّص الأعلمية.

أجاب سقراط: أيّها الملك سل الطبيب عن ذلك فإنه أدري بالدليل.

قال الطبيب: أنا أسقيه السم الرعاف وهو يسقيني، فأيّنا تمكّن من دفع السمّ عن

نفسه فهو الأعلم، أمّا الذي اصابه المرض أو أدركه الموت فهو الخاسر.

قَبِلَ سقراط هذا النوع من التحكيم، وحدّد يوم النزال بعد أربعين يوم.

إنهمك الطبيب في تحضير الدواء السام، في حين استدعي سقراط ثلاثة أشخاص وأمرهم أن يسكبو الماء في مدقٍّ وان يدقّوه بقوّةٍ واستمرار، وكان الطبيب يسمع صوت الدقّ بحكم جواره لبيت سقراط.

وفي يوم الأربعين حضر الإثنان بلاط الملك.

سأل سقراط من الطبيب: أيّنا يشرب السمّ أولاً؟

قال الطبيب: أنت يا سقراط، وأعطي الطبيب مقداراً من السمّ وبعد أن ابتلع السموم تناول ما يزيلها.

فأخذت الحمّي مأخذاً من سقراط وعرق كثيراً واصفر لونه ولكن بعد ساعة برء ممّا أصابه.

توجّه سقراط إلي الطبيب قائلاً: أمّا أنا فلا أسقيك السمّ، لأنّ شفائي دليل علي أعلميّتي.

أصرّ الطبيب علي أن يشرب السمّ، وفي وسط إلحاح الحضور بما فيهم الملك علي سقراط، أخرج قنّينة وسكب نصف ما فيها في إناءٍ، وأعطي سقراط القنّينة للطبيب.

تناول الطبيب ما في القنّينة، وبعد لحظات هوي صريعاً إلي الأرض.

توجّه سقراط إلي الحضور وقال: كنت أخاف ذلك عندما امتنعت من إعطائه.

ثم توجّه إلي الملك وقال: إنّ الذي شربه الطبيب لم يكن سماً رعافاً، وإنّما كان ماءاً عذباً، والدليل علي ذلك إننّي سأشرب وأنتم ستشربون.

وعندما سئل عن سبب موت الطبيب، أجاب سقراط: إنّه هوي صريعاً لإيحائه النفسي، حيث كان يعتقد إنّما تناوله سمّ رعاف خصوصاً بعد أن سمع طيلة أربعين يوماً أصوات الدقّ.

أقول: هكذا يفعل الإيحاء النفسي، وقد روي عن علي (عليه السلام) انه قال: إنّ من يقابلني في الحرب أتمكّن أن أقتله، لأنّي مصمّم علي قتله، وهو يوحي إلي نفسه بأنّي سأقتله، فينهزم نفسياً، فهو يعينني علي قتله.

فاللازم الاهتمام بالإيحاء النفسي لنصرة الحق ضد الباطل.

1 وكان من فلاسفة الدولة

السلجوقية التي أسست في إيران واتخذت إصفهان عاصمة لها.

2 إحياء العلوم: ج3 ص121، وكتابه هذا مجموعة من الخرافات والمنكرات والمحرمات.

3 هو شقيق السيد مجتبي بن الداعي، وليس شقيق السيد الرضي كما أشتبه علي البعض.

4 محمد بن المرتضي بن محمود المدعو بالمولي محسن الكاشاني المعروف بالفيض يُعد من نوابغ العلم في القرن الحادي عشر ومن تلاميذ الشيخ البهائي (قدس سره) توفي سنة 1091 ه ودفن في شيراز، عدّه الحرّ العاملي: فاضلاً، عالماً، حكيماً، متكلماً، محدثاً، فقيهاً، محققاً، شاعراً، أديباً. وترك قرابة مائتي كتاب ورسالة منها: الوافي، المحجّة البيضاء، الشافي، قرة العيون، علم اليقين في أصول الدين.

5 السيد ماجد بن هاشم بن علي بن مرتضي بن علي بن ماجد الصادقي العريضي البحراني، كنيته أبو علي، ووفاته بدار العلم شيراز في الليلة الحادية والعشرين من شهر رمضان سنة 1028ه وقبره بجوار السيد أحمد بن الإمام الكاظم (عليه السلام) بمشهد شاه جراغ المعروف هناك. أصيب في صباه بمرض في عينيه، فقد بسببه إحداهما، ومن ثم رأي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) في المنام فقال له: (إن أُخذ منك البصر، فقد منحت البصيرة). وكان من تلاميذ الشيخ البهائي. وقد ترجمه النوري في المستدرك: ج3 ص420، والحر العاملي في أمل الأمل: ص493 ومحمد المحبي في خلاصة الاثر: ج3 ص307.

6 سورة التوبة: الآية 122.

7 ديوان الإمام أمير المؤمنين: ص 181.

8 محمد بن محمد بن حسن الجهرودي القميّ الطوسي، ولد في طوس 11 جمادي الأولي سنة 597ه وتوفي 18 ذي الحجة سنة 679ه، ودفن في الكاظمية، صاحب علوم المعقولة والمنقولة، بني مرصداً في مدينة مراغة الإيرانية. من مؤلفاته كتاب تجريد الاعتقاد.

9 السيد محمد حسن الشيرازي، المعروف بالمجدد، قائد ثورة التنباك ضد

الإنجليز وحكومة ناصر الدين شاه القاجاري بعد ان قادت بريطانيا جيوشاً جراره علي إيران في ربيع الثاني سنة 1309ه، وكان قوامها 400 ألف مقاتل، وكان هدفهم الحصول علي امتيازات التبغ زراعة وشراءً وتصديراً مقابل 250 ألف ليرة إنجليزية تقدمها لندن لناصر الدين شاه.

أحبط الشيرازي المؤامرة بعد أن أصدر فتواه فاضطرت جيوش الإنجليز من حزم حقائبها ثم ولّت منهزمة تجر اذيال الخيبة والإنكسار. والمرجع الذي تمكن من إيقاف الحاكم المستبد (عبد الرحمان خان) في أفغان الذي كان يقتل الشيعة ويجعل من رؤوسهم منائر في كل مكان، وكان الشيرازي معروفاً منذ نعومة أظفاره بالفطنة وحضور الذهن وقوة الحفظ والذاكرة. تصدي المرجعية بعد وفاة استاذه الشيخ الأنصاري عام 1281ه وتوفي ليلة الأربعاء الرابع والعشرين من شهر شعبان عام 1312ه.

10 الشيخ محمد باقر محمد البهبهاني الملّقب بالوحيد، ولد في اصفهان عام 1116ه وهاجر الي بهبهان ثم النجف ثم عاد

إلي بهبهان وبقي فيها ثلاثين سنة ثم غادرها الي النجف عام 1159ه وبقي فيها مدة ثم انتقل إلي كربلاء سنة 1160ه

واستقر فيها، وشرع فيها في التدريس والمباحثة والتأليف، وازدهرت الحوزة في زمانه وانتشرت المدرسة الاصولية في

كربلاء. توفي عام 1305ه ودفن في الحائر الحسيني مما يلي أرجل الشهداء، ترك قرابة الستين كتاباً ورسالة.

تواضع الحكيم السبزواري

يذكر أن الشيخ مرتضي الأنصاري(1)(قدس سره)، كان قد درس عند الحكيم السبزواري(2) كتاب (الشوارق) للاهيجي، وبعض الأبحاث الفلسفية وذلك بمدرسة الحاج حسن بمشهد المقدسة ولمدة سنتين كاملتين.

وينقل عن الحكيم السبزواري قوله: كنت أنا والشيخ الأنصاري نعكف معاً علي خدمة الإسلام.

ومضت السنون، وغدا الأنصاري المرجع الأعلي للشيعة في زمانه، وتذكر أستاذه بالأمس، فأرسل إليه من يوصل إليه سلامه وتحياته، وعندما وصل الرسول وهو يحمل السلام كان الحكيم السبزواري جالساً في

زاوية من زوايا المدرسة.

وما أن سمع الأستاذ السلام، حتي انتفض قائماً احتراماً وتوقيراً للشيخ الأنصاري، وهو يقول. (منه السلام وإليه يرجع السلام وعليه السلام).

قليل ما هم

يقول أحد العلماء: لقد كنت أؤمن بوجود التقوي كنظرية في بطون الكتب فقط، وكنت أنكر وجودها علي صعيد الواقع العملي في هذا الزمن الرديء، الذي طغت علي الناس فيه مظاهر المادة والمنكر والفساد، واعتادت فيه بطونهم وأنظارهم علي الحرام ومشاهده.

كان هذا هو اعتقادي، إلي أن قيّض لي أن عاشرت رجلين اثنين بدّلا تفكيري، وقلَّبا ذلك الاعتقاد عندي. أحدهما في مدينة قم المقدسة وهو الشيخ أبو القاسم، والآخر في مدينة النجف الأشرف وهو السيد مرتضي الكشميري.

ثم ذكر العالم المذكور بعض أحوال الشيخ أبي القاسم فقال: ذات ليلة، أرسل (صمصام) رئيس شرطة قم كيساً فيه مبلغ كبير من المال إلي الشيخ، غير إن الشيخ رفض تسلًّم المبلغ، وأمر ابنه أن يعيده.

ولما أن رأي من ابنه الممانعة في رده، والتعذر بأنهم في أمس الحاجة إلي ذلك المال، قال له الشيخ إن الله سبحانه، قد منَّ علينا يا ولدي بالعقل. وهذا المال هو في أحسن الأحوال دَيْنٌ وجَميلٌ للقوم علينا. وأنت تعلم أنهم لايعطون شيئاً من دون مقابل، ولعلهم يطلبون منا أشياء فيما بعد، لا يجوز لنا أن نلبيها لهم.

فاقتنع الابن وأعاد الأموال إلي مرسلها.

ومما ذكر العالم المذكور في حق الشيخ إنه كان يمر علي باب دار الشيخ عبد الكريم الحائري(3) (مؤسس الحوزة العلمية في قم) ويقول: (إن النظر إلي باب داره ثواب، والحضور في درسه ثواب).

ولم يكن الشيخ أبو القاسم يتصرف في سهم الإمام (عليه السلام)، مع ما كان عليه من ضعف الحال، وضيق ذات اليد، إلي درجة أنه لم يكن يجد أحياناً ما

يأكله، كما نقل أولاده.

وحينما تدرّ عليه السماء برزقها تجده لا يدخر وسعاً في دعوة الفقراء والمحتاجين ليشاركوه في سرائه ونعمته.. ثم يشكر الله سبحانه علي رزقه وما أجراه من الخير علي يديه.

ومما ذكره بعضهم في أحواله إنه كان يكنّ احتراماً فائقاً وواضحاً لزوجته الكريمة، وذلك بسبب انتسابها إلي الرسول العظيم (صلي الله عليه وآله وسلم)، ففي السرّاء كان يغدق عليها في العطاء، وفي الضراء كان يطعم نفسه رغيف الشعير من أجل أن تهنأ زوجته برغيف الحنطة.

هو كالملائكة لا يستحي من لا يعلم

سئل أحد العلماء عن مسألة، فقال: لا أعلم.

قال أحد الحضور وفي حالة استنكار: وأي جواب هذا؟

هلاّ ورّيت أو أجملت؟ أو لا تستحي من قول لا أعلم؟

فأجاب ذلك العالم في هدوء: ولماذا أستحي من شيء لم تستح منه الملائكة، حينما قالوا: (سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا)(4).

صيانة الأمانة

خارت قوي أحد العلماء، بسبب ما أصابه من الجوع والهزال، حتي تداركه أحد المؤمنين ببعض الطعام، أعاد له شيئاً من صحته.

وفي الأثناء دخل عليه أحد رجال الدين يسأله شيئاً من المال. فاستوي العالم المذكور قائماً ودسّ يده في صندوق وضع في كوّة الحجرة، واستخرج منه بعض المال أعطاه للسائل.

ولم يلبث غير قليل حتي دخل عليه آخر كان ينتسب إلي الرسول الأكرم (صلي الله عليه وآله وسلم)، وكانت عليه آثار الحاجة بادية، فأعطاه كما أعطي سابقة.

تعجب بعض الحاضرين، وقال: كيف يكون عندك كل هذا المال، ويحلّ بك ما حلّ بك من الجوع والفاقة؟

أجاب العالم: هذه الأموال ليست لي، وإنما هي أمانة وضعها الناس عندي، لكي أوصلها الي مستحقيها. ولو تصرّفتُ بها لكنت خائناً للأمانة، وإنّ أعظم الخيانة خيانة الأمة.

سيحرقون لحيتي بنار جهنم

كان الشيخ جعفر المحلاتي (قدس سره) من العلماء الكبار في مدينة شيراز الإيرانية، وكان في بداية أمره ميسور الحال، يبذل الأموال والأعطيات للفقراء والمحتاجين، إلاّ أنه ابتلي في شيخوخته بفقر مدقع.

ولقد حدث نزاع ذات يوم بين أبناء (مؤيد الملك) وإخوته، علي تولّي الموقوفات التي تركها (المؤيد) بعد وفاته.

اختصم الطرفان عند الشيخ عبد الكريم الحائري، لكنه رفض البتّ في القضية مع وجود الشيخ جعفر المحلاتي في شيراز.

رفعوا القضية إلي مراجع آخرين، لكنهم كرّروا عليهم نفس جواب الحائري، فأضطر المتخاصمون إلي رفعها إلي الشيخ محلاتي ولكن عبر وسطاء.

عرض الوسيط الموضوع علي الشيخ المحلاتي، وقدّم الوثائق والحجج للطرفين، ثم أظهر له أن الجميع قد ارتضوه حكماً فيما بينهم وإن المهم عندهم هو إنهاء النزاع، وعرض عليه الوسيط مبلغ أربعة آلاف تومان لقاء أتعابه في القضية، وكان هذا المبلغ يعدّ كبيراً ومغرياً في ذلك الزمان.

لكن الشيخ مع ذلك، اعتذر عن البت

في النزاع.

قال له الوسيط: شيخنا، إن أطراف النزاع مستعدون لدفع عشرة آلاف تومان(5) إن أصدرت الحكم، ولا فرق عندهم فيمن تختاره لتولّي الموقوفات، سواءً أكان منهم أم من غيرهم.

وبعد إصرار متبادل من الشيخ ومن الوسيط، أمسك الشيخ لحيته بيده وقال: إنهم يريدون إحراق لحيتي البيضاء بنار جهنم!

هذا الرفض صدر من الشيخ في وقت لم يكن يملك المال لشراء طعام العشاء، الأمر الذي اضطرّه إلي بيع قدر من قدور المنزل، لشراء عدّة أرغفة من الخبز لعائلته.

المهم أن لا يملكك شيء

كان المرحوم الشيخ أحمد النراقي(6) (قدس سره) من العلماء الأجلاّء والأغنياء الموفوري الحال، كان له في ما يملك بستان واسع زاخر بالخيرات والنعم.

وذات يوم التقاه صوفي، عند دخوله الحمام. قال الصوفي للنراقي: كيف تدّعي لنفسك الزهد والدين، ولك ما لك من الأملاك مما تشتهي الأنفس وتلذّ الأعين؟!

فلم يجبه النراقي، حتي إذا فرغا من الحمّام توجه إلي صاحبه قائلاً: أيّها المرشد! هل ذهبت إلي زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) في كربلاء؟

أجاب الصوفي بالنفي، فدعاه النراقي لصحبته إلي زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) وافق الصوفي وانطلقا معاً، وبعد عدّة خطوات طلب الصّوفي من النراقي أن يمهله عدّة لحظات حتي يعود!

قال النراقي: لماذا؟

قال الصوفي بعد أن ضرب يده بالأخري: لقد نسيت كشكولي(7) في الحمّام، ولابّد أن أصحبه معي.

قال النراقي: أيها الصوفي، إنك شهدت بأن لي ثروة طائلة، وأموالاً كثيرة، لكنني أودعتها عند ربّي حينما عزمت علي السفر إلي العتبات المقدّسة، وأخرجت حبّها من قلبي، وأما أنت فلم تستطع أن تترك كشكولاً واحداً ولم تملك أن تنزع حبّه من قلبك، فإن الزهد كما قال الإمام علي (عليه السلام) (أن لا يملكك شيء لا أن لا تملك شيئاً).

هكذا يصنعون التاريخ

نقل الميرزا هادي الكفائي(8)، قصّة حضور والده درس الحكيم الملّا هادي السبزواري (قدس سره) قال: قرّر والدي الذهاب من مدينة طوس إلي النجف الأشرف، ضمن قافلة متوجهة إلي العراق.

وفي الطريق توقفت القافلة بمدينة سبزوار.. وفي صباح اليوم التالي حضر والدي درس الحكيم السبزواري، لكنه إختار مكاناً منفصلاً شيئاً ما عن حلقة الدرس، بحيث صار يستمع لأقوال الأستاذ السبزواري.

وطوال مدّة توقف القافلة في تلك المدينة، واظب والدي علي حضور درس السبزواري، ولمّا قرّرت القافلة استئناف الحركة لمتابعة الرحلة نحو العراق البلد المقصود، إذا

بوالدي يفاجئ الجميع بقراره البقاء في سبزوار. قال: لقد عثرتُ علي ضالّتي في الملاّ هادي، ولن أغادر سبزوار قبل أن أغترف من علومه وحكمته ومعارفه.

وأمام دهشتهم وتعجبهم قال والدي: لا تقلقوا عليّ، فسوف أواصل سفري حالما أشعر بالكفاية من إفادات هذا العالم الفاضل.

وهكذا بقي والدي في سبزوار قرابة ثلاثة أشهر، كان وجوده، وإصغاؤه الملفت، وصمته الدائم، خلال تلك الفترة مثار فضولهم واحترامهم في وقت واحد. فاجتمعوا ذات يوم حول أستاذهم السبزواري يسألونه.

قالوا: أيها الحكيم منذ مدّة ونحن نلاحظ حضور هذا الشاب يريدون الخراساني وهو يصغي بإمعان إلي كلّ ما تتحفنا به دون أن يكلم أحداً منّا، فمن هو؟ ومن أين جاء؟ وهل التقي بك يوماً؟

هنالك ارتسمت ابتسامة علي شفتي الأستاذ السبزواري، وقال لهم: لقد قَدِم هذا الشاب، واسمه محمد كاظم، من مدينة طوس، وهو يعزم علي الذهاب إلي النجف الأشرف للتلمّذ علي فحولها هناك، وقد رأيته وتحدّثت معه وقرأت في عينيه بريق النبوغ، كما تدل سيماه علي آثار عظيمة تتحلّي بها نفسه، وتشير إلي مستقبل علمي زاهر له، بحيث يستفيد من إشعاع علمه آلاف البشر، ويتخرج علي يديه كثير من العظماء، وسيكون لتوجيهاته الأثر البالغ في تغيير مستقبل الأمّة.

دهش الطلاب لكلام أستاذهم، الذي لم يعوّدهم منه علي إسباغ المديح والإطراء لأحد، وصارت نفوسهم تتوق إلي مجالسة ذلك الشاب وتختزن له كل ودٍّ وإكبار.

ولم تمض غير فترة وجيزة حتي اختفي الشيخ محمد كاظم الخراساني عن أنظارهم، وذلك بمجرّد أن انتهي أستاذهم السبزواري من إلقاء الدروس.

وبعد سنين أدرك الطلاب أن صاحبهم الشاب بالأمس قد طبقت شهرته الآفاق في المنقول والمعقول، وقد أصبح أحد الذين قادوا ثورة المشروطة في إيران، وأطاحوا بالاستبداد، ووقفوا بوجه الاحتلال الروسي الغاشم لبلادهم.

وفوق

ذلك كله صار من مراجع التقليد العظام، الذي قلّده الملايين في كثير من الأمصار وصار كتابه (الكفاية) محور الدرس والبحث في كل الحوزات العلميّة.

وما تزال نظريات الآخوند الخراساني وآراؤه الأصولية إلي اليوم أحد المحاور الرئيسية التي تفرض نفسها علي الأوساط العلميّة الدينيّة.

مفتاح النجاح

يقول صاحب أعيان الشيعة: إن للمرحوم الشيخ محمد البهاري أربعة وأربعين كتاباً في مختلف العلوم والفنون، وأن بداية درسه كانت عند الآخوند، لكنه ما كان يعي الدروس ويستوعبها.

وقد نقل عنه أنه رأي في منامه الإمام الحسين (عليه السلام) وبشّره، بأنه سيكون علي منزلة عالية من العلم والمعرفة، وبعد تلك الرؤيا، وعرف الشيخ بالفطنة والنباهة والفهم والذكاء، فواصل دروسه بروح ثابته، وهمّةٍ عالية، حتي أصبح من العلماء الأجلاّء.

إن إخلاص الشيخ وتقواه هما اللذان أورثاه هذه النعمة، ومثابرته علي طلب العلوم ومقاومته للعقبات هما اللذان اوصلاهُ الي هذه الكمالات ومثل الشيخ محمد البهاري كان العلامة المولي صالح المازندراني، بل تلك هي الحال بالنسبة لعشرات العلماء والرجال البارزين في التاريخ.

شمعة أم شمس؟

رأي السيد مرتضي الطباطبائي والد السيد محمد مهدي بحر العلوم (قدس سرّهما)، في المنام، أن الإمام الرضا (عليه السلام) أعطي لمحمد بن إسماعيل بن بزيع شمعة، فأخذها وأسرجها فوق داره، فنشرت تلك الشمعة ضياءً عجيباً.

ولم تكن تلك الرؤيا غير بشارة بولادة السيد مهدي بحر العلوم الطباطبائي، حيث أبصر النور في نفس الليلة، وهي الليلة الجمعة من شهر شوّال.

1 الشيخ مرتضي بن محمد امين الانصاري، ولد سنة 1314ه، آلت اليه المرجعية بعد وفاة استاذه الشيخ محمد حسن النجفي المعروف بصاحب الجواهر، توفي في النجف سنة 1381ه. ترك عدّة مؤلفات أهمها كتاب المكاسب في الفقه والفرائد في الأصول.

2 الشيخ هادي بن مهدي السبزواري: ولد سنة 1212ه، وأضحي من الفلاسفة المعروفين في عصره، وكان له حلقة درس عامرة بالطلاب والفضلاء، توفي سنة 1289ه، وترك مؤلفات عديدة منها: شرح اللآلي المنتظمة في المنطق، غرر الفرائد في الحكمة، ارجوزة في الفقه سماها النبراس، الجبر والاختيار، شرح دعاء الصباح.

3 الشيخ عبد الكريم بن جعفر

الحائري، ولد في يزد سنة 1276ه لهُ باع طويل في نشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)، أسس الحوزة العلمية في قم المقدسة، توفي سنة 1355ه، وترك عدّة مؤلفات منها درر الفوائد في الاصول، الصلاة والمواريث في الفقه.

4 سورة البقرة: الآية 32.

5 وكان هذا المبلغ يعادل عشرة آلاف دولار.

6 الشيخ احمد بن مهدي بن أبي ذر النراقي الكاشاني، من العلماء الإجلاء الذي اشتهر بعلمه وأخلاقه وتواضعه، وكان يسكن مدينة كاشان ويدرس فيها، توفي سنة 1382ه، من مؤلفاته: عوائد الأيام، مستند الشيعة في أحكام الشريعة، منهاج الوصول إلي علم الأصول، مفتاح الأحكام في أصول الفقه، جامع السعادات.

7 الكشكول: وعاء للمتسوّل يجمع فيه ما يأخذه من أيدي الناس.

8 هو الابن الأكبر للمحقق الخراساني، الشيخ محمد كاظم الآخوند، زعيم الحركة الدستورية في إيران.

شفاعة الميرزا القمي

قال المحدث الشيخ عباس القمي(1) (قدس سره): رأيت الميرزا القمي (قدس سره) ذات ليلة في المنام، وسألته هذا السؤال: هل سينال أهل قم شفاعة السيدة فاطمة المعصومة (سلام الله عليها)؟

سألني سؤال المتجاهل: ماذا قلت؟!

كرّرت عليه السؤال، فكرّر عليّ الجواب.

ولمّا سألته السؤال نفسه في المرة الثالثة، قال لي الميرزا: ما كان ينبغي أن تسأل مثل هذا السؤال، لأني أنا سأكون شفيع أهل قم يوم القيامة. أمّا السيّدة المعصومة (سلام الله عليها)، فإنها ستشفع لكل الشيعة في العالم، لما لها من المقام المحمود والمنزلة العالية عند الله تعالي.

كرامة الأنصاري

ذكر أن الشيخ مرتضي الأنصاري (قدس سره) ذهب ذات مرّة إلي كربلاء لزيارة العتبات المقدّسة، وعند عودته عزم علي الركوب بأحد الزوارق، وكان الزورق آنذاك إحدي الوسائل النقلية، فوضع الشيخ (قدس سره) ومن دون قصد حذاءه علي فرش كان أحد مشايخ العرب جالساً عليه.

فرمق الرجل الشيخ الأنصاري بنظرةٍ جاهلية ثم أعقبها بكلام جارح، قال: (إن أهل شوشتر عديمو الأدب والفهم)، ثم أخذ في سباب الشيخ بألفاظ قبيحة وعبارات نابية.

فلم يردّ عليه الشيخ الأعظم.

وكان المرحوم الحاج السيد علي(2) يرافق الشيخ الأنصاري في سفره، فقال للشيخ: أو لا تردّ عليه يا شيخنا؟

والتزم الشيخ الصمت أيضاً.

وفي عصر ذلك اليوم أصيب ذلك الرجل الذي أهان الشيخ بمرض شديد، توفيّ علي أثره في صباح اليوم الثاني، وكان ما يزال في الزورق، فأخرجوه ودفنوه في ضفة النهر.

فأدرك الحاضرون في الواقعة، أن وفاته كانت أثر إهانته للأنصاري (رضوان الله تعالي عليه).

قال: لا إله إلا الله فرأي العالم الخفي

يروي الشيخ محمد كريم قصّة عن أستاذه الماهر في علم المعقول الشيخ محمود الحكيم.

يقول: في عصر أحد الأيام جاء أستاذي إلي المدرسة، وقال: إنني أشعر بضيق في صدري، وأحتاج إلي شيء من الراحة، فقرّرنا الذهاب إلي تكية(3) (هفت تنان) لتناول طعام العشاء.

ذهب الشيخ لتهيئة السفرة علي أن أتبعه بعد ذلك مع بقية الطلّاب، غير أن نزاعاً قد نشب بين بعض الطلّاب، واضطررت للتدخل في تهدئته، فطال بنا الوقت حتي خيّم علينا الظلام، فلم نخرج من المدرسة لما كان يلازم الخروج بالليل من الأخطار والمخاوف، لفقدان الأمن.

وفي صبيحة اليوم التالي، توجّهت إلي أستاذي فرأيته في المسجد القريب من بيته حيران مضطرباً غارقاً في الفكر مشغول الحال والبال.

سلمّت عليه، فردّ عليّ السلام ثم قال: لماذا لم تجيئوا بالأمس؟

بيّنت له السبب، ثم سألته عن

حاله يوم أمس وكيف قضي ليلته، لا سيمّا وأنا أجد الاضطراب بادياً علي محياه.

قال: لقد حدث لي حدث عظيم!

وأضاف: عندما تيقّنت من عدم مجيئكم ولم أجد من أتحدث إليه لأنفّس عن حالي وكربي، خرجت أسير وحيداً، ومن منتصف الطريق لمحت زاهداً جالساً علي قارعة الطريق، فناديته وكأنني وجدت فيه ضالّتي:

يا زاهد

قال: نعم.

قلت له: ألا تقصّ لنا حكاية نتسامر بها؟

قال لي: لا أعرف!

قلت له: فاقرأ لنا قصيدة من الشعر.

قال لي: لا أعرف!

هنالك قلت له: إذا كنت لا تعرف كل هذا، فما الذي كان عندك حتي علوت علي الناس؟

قال لي: لقد علمني شيخي أن أسلَّم كلّما دخلت علي أحد!

وما أن تفوّه بهذا الكلام حتّي أحسست أنه أثلج صدري.

ثم قال لي الزاهد: شيخنا لا بأس عليك، تعال فاجلس هنا. وأشار إلي حصيرة كان جالساً عليه.

جلست علي الحصير.

فقال لي: قل: لا إله إلا الله.

وما أن لقّنني كلمة التوحيد، حتي كُشف عن بصري وصرت أري كل شيء ما بين الثرّيا والثري، وكلّما نظرت إلي ما حولي من الأعلي إلي الأسفل كنت أري كلمة التوحيد منقوشة علي كل شيء.. كل شيء، في السماء، في الأرض، علي الأشجار، علي الماء، علي الجدار.. علي كل شيء.

ولا أدري أي عالم كان ذلك العالم، لقد شاهدت عالماً ذا صفاء عجيب.

ثم قال لي: يا شيخ، والآن استلق، لتنام علي الحصير فإنك قد أصبت بإعياء وتعب.

فتغطّيت بعباءتي، وجعلت أرمقه من تحت العباءة، لأري ماذا يفعل!

شاهدته يذكر ذكراً من الأذكار، فيخرج نور من فمه، ويصعد إلي السماء، ثم سيطر عليّ النعاس، فأغفوت غفاءة نهضت بعدها، فلم أجد لذلك الزاهد من أثر.

لقد علّمني الرجل: أن الزهد الحقيقي هو مصداق الحديث القدسي: (عبدي أطعني تكن مثلي أو مثلي، أقول للشيء

كن فيكون وتقول للشيء كن فيكون). وهكذا يكون العالم الزاهد الحقيقي يكون موضع لطف فيكون في كلامه الأثر الكبير.

إن كنت عبدي فاصطبر!

أسس محمد اليالوشي في جبل عامل حزباً منحرفاً، استطاع أن يغوي به بعض عوام الناس، ويخدعهم، ويثير بينهم النعرات الطائفية، ممّا أدّي إلي إيجاد الاضطرابات والمشاحنات في بعض بلاد الشام.

غير أن الشهيد الأول(4)(قدس سره) تصدي له، وأقنع الحكومة المركزية آنذاك بضرورة مواجهته وإخماده، فتحركت قطعات من الجيش لقمع الفتنة، فقتل محمد اليالوشي واندحرت فلوله، وقتل بعض أيضاً، واسر آخرون، لكن البعض استطاع الفرار إلي مناطق أخري.

وكان من نتيجة ذلك أن جمع (قرن الشيطان) فلول تلك الحركة الضالة تحت قيادة تقي الدين الجبلي في جنوب اللبناني، ثم توسعت الحركة في عهد يوسف بن يحيي، الذي خلَّف الجبلي في قيادة الحركة، وقد تمكن بعض أفراده في القوة القضائية في مدينتي بيروت وحلب، وكان شغلهم الشاغل الانتقام من الشهيد الأول (رضوان الله تعالي عليه).

وهكذا استغلوا نفوذهم في القوة القضائية، وتقربوا من حاكم دمشق (بيدمر) وهو صاحب السلطة المطلقة آنذاك(5).

ودبّجوا التقارير، وحاكوا المؤامرات للكيد بالشهيد العاملي (رضي الله عنه).

وآخر تلك المؤامرات، كان افتعال رسالة مزورة تطفح بالارتداد ومخالفة الشرع الإسلامي، دبّجها يوسف بن يحيي المذكور ونسبها إلي الشهيد. واشهد عليها من جماعته سبعين رجلاً، وادّعوا إن الشهيد (رضي الله عنه) كان قد ارتد عن دين الإسلام.

رفعوا المذكرة إلي قاضي صيدا، وهو أحد أعضاء حركتهم، ثم رفعها هو بدوره إلي القاضي عبّاد بن جماعة الشافعي، قاضي قضاة الشام في دمشق، وهو المنصب الثاني في البلاد. ولم يكن حقد هذا الأخير وحسده للشهيد بأقل من سابقيه. وطالما كان يتحيّن للشهيد فرصة كهذه ليزيحه من طريقه. خصوصاً وإن الشهيد كان قد صلت الأضواء

عن ابن جماعة وأشباهه، وذلك لما اشتهر به من علم وتواضع. بحيث كان قاضياً محبوباً من جميع الأطراف والمذاهب، يقضي لكلّ علي مذهبه، ويسعي دائماً من أجل لم الشمل ووحدة الصف.

أصدر ابن جماعة أمراً باعتقال الشهيد، وشكل محكمة صورية تحت إشراف برهان الدين المالكي، للنظر في تهمة الارتداد، واجتمع الملك بيدمر والأمراء والقضاة والشيوخ، وأُحضر الشهيد العاملي، وقرأُ عليه المحضر.

أنكر الشهيد ذلك.

قيل له: قد ثبت ذلك عليك شرعاً، وإنّ القاضي قد حكم بارتدادك.

فرد الشهيد الحكم الغيابي الذي صدر بحقه استناداً إلي قاعدة (إن الغائب علي حجته).

فقال القاضي برهان الدين، الذي يحكم وفق المذهب المالكي: أن الشهود قد أدلوا بشهاداتهم، وردّك للتهمة لا ينفي الحكم.

قال الشهيد: إنني علي استعداد ان أبطل شهادات الشهود، بعد أن أثبت جرحهم.

قال القاضي: إن حكم القاضي غير قابل للفسخ(6).

فلمّا علم الشهيد إصرار القاضي علي الباطل، توجه إلي القاضي عباد بن جماعة بالقول: أتزعم أنك إمام لمذهب الشافعي، فاقض لي حسب موازين مذهبك(7).

لكن ابن جماعة الشافعي قطع مقولة الشهيد وقال: إن المرتد حسب المذهب الشافعي يسجن سنة واحدة، ويفرج عنه إذا تاب. وإنك قد أنهيت مدة السجن، وما عليك إلا أن تستغفر ربك، وتتوب لكي يطلق سراحك.

لكن مكرهم وحيلتهم لم تكن لتنطلي علي رجل مثل الشهيد، ذلك لأنه لو نفذ طلبهم لاحتجوا بذلك لقتله. بذريعة أنه اعترف بالارتداد، فضلاً عن سقوطه اجتماعياً أمام الرأي العام، الذي سرعان ما تنطلي عليه أحابيل الأعلام ودعايته. ثم كيف يتوب من ذنب هو لم يرتكبه.

عندئذ توجّه ابن جماعة الشافعي إلي برهان الدين، وأوعز له بالقضاء علي ضوء المذهب المالكي، فأصدر القاضي حكم الإعدام بحقه.

ثم اقتادوه (رضوان الله عليه) إلي قلعة دمشق، وفي وسط الطريق، كتب الشهيد

علي رقعةٍ كانت عنده (ربّ إنّي مغلوب فانتصر). ثم وضعها علي الأرض، وما هي إلاّ خطوات، وإذا بريح ترفع الرقعة وتلقي بها إمام الشهيد، وقد كتب علي طرفها الآخر بخط غيبيّ: (إن كنت عبدي فاصطبر).

هناك أيقن الشهيد أن التقدير الإلهي هو أن يقتل في سبيل الله عزوجل. كما ورد بالنسبة إلي الإمام أبي عبد الله الحسين (عليه السلام): (شاء الله أن يراك قتيلاً).

وعند الفجر قطعوا رأس الشهيد وصلبوه، ثم نادوا في الناس، أن يرموا جثمانه الشريف بالحجارة. وعصر ذلك اليوم المشؤوم أضرموا في جسده الطاهر النار، ثم جمعوا رماده وذرّوه في الهواء.

نعم، لقد قتل الشهيد واحرق وذرّ في الهواء، ولكن إرادة السماء شاءت أن يبقي اسم الشهيد خالداً، رغم مكر الآثمين وكيد الحاقدين. وصار قبر الشهيد في قلب كل مؤمن، وآراؤه وعلومه في قلب كل عالم. وقد انتقم الله سبحانه من كل اشترك في هذا القتل الظالم بأنواع العذاب حتي أبادهم عن آخرهم، ولعذاب الآخرة أشد.

له دعوة الحق

كان الحجة الكوه كمري من الفقهاء الكبار والمراجع المعروفين في مدينة قم المقدسة. عندما شعر بدنوّ أجله. استخار الله بالقرآن علي كسر ختمه، فخرجت هذه الآية: (له دعوة الحق)(8).

فعرف أن الآية نداء له لتلبية دعوة الله سبحانه، فكسر ختمه وأخذ شيئاً من التربة الحسينية وتناولها وقال: هذا آخر زاد لي من الدنيا ثم لبّي نداء ربه وفارقت روحه الدنيا.

الاستشفاء برداء الشيخ الأنصاري (قدس سره)

قدّم الشيخ مرتضي الأنصاري (قدس سره) رداءاً من الصوف كهدية للشيخ زين العابدين المازندراني(9). فقبل الأخير الهدية، واعتز بها أيما اعتزاز، بل لم يكن شيء آثر عنده منها. فصار يشتملها في الأعياد والمناسبات.

لكن السنوات طبعت أثرها علي الرداء، فذهب بريقه وانكسرت نضارته.

واتفق إن زار معير الممالك(10) الشيخ زين العابدين في عيد من الأعياد، فوقع بصره علي ردائه البالي، فأخذه خلسة ثم استأذن من الشيخ في الخروج بعد ساعة من الزمن ثم عاد وفي يده رداء فاخر وثمين، وطلب من الشيخ أن يقبله كهدية متواضعة منه. لكن الشيخ اعتذر عن القبول، وعلّل ذلك بأن الرداء الذي يرتديه إنما هو ذكري غالية عليه من الشيخ الأعظم الأنصاري (قدس سره) وإنه يرتديه من باب التيمّن والتبرّك ولذا ردّ الزائر ردائه وقد تسامع الناس فيما بينهم بأمر الرداء وقصته، فصاروا يتوافدون علي الشيخ زين العابدين بنية الاستشفاء والتبرك وكذلك كان، حيث انهم كانوا يرتدونه لحظات فيبرأون من مرضهم بإذن الله سبحانه.

يتنبأ بمن يصلي علي جنازته!

تعجب الحاضرون حينما قال لهم السيد محمد مهدي بحر العلوم(11) (قدس سره) وهو يحتضر: أحب أن يكون الشيخ حسين نجف هو الذي يصلي علي جنازتي، ولكن لا يصلي عليّ أحد غير الميرزا مهدي الشهرستاني(12).

ولم يكد السيد ينتهي من كلامه، حتي لبّي نداء ربه، وبعد الغسل والكفن طافوا بالجنازة حول ضريح أمير المؤمنين (عليه السلام) ثم اصطَّف العلماء والفضلاء، وكل من حضر، لإقامة الصلاة علي الجنازة.

وحدثت جلبة بسيطة انه كيف قال السيد بإن الشهرستاني يصلي عليه وهو في كربلاء ثم فوجئ الحاضرون بعدها بدخول الشهرستاني من الباب الشرقي للحرم المطهر.

وعندما سئل عن سبب مجيئه إلي النجف، أجاب: حينما سمعت بمرض السيد بحر العلوم (قدس سره) عزمت علي المجيء لزيارة

الأمير (عليه السلام) وعيادة السيد. ولم يجد الجمع بدّأ من أن تتفق كلمتهم علي تقديم الشهرستاني للصلاة.

وهكذا تحقق ما تنبأ به السيد بحر العلوم رضوان الله تعالي عليه، من صفائةِ نفسه واتصاله بإذنه سبحانه بعالم الغيب.

يشفي علي يد الإمام المنتظر (عجل الله تعالي فرجه)

حكي الشيخ الحر العاملي(13) قصة مرضه في الطفولة، فقال: أصبت في صغري بمرض عضال، بحيث فقد الجميع الأمل في بقائي. وفيما كنت أنا علي تلك الحال، وأنا بين النوم واليقظة، رأيت رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) والأئمة الأطهار (صلوات الله عليهم أجمعين)، فسلمت عليهم وصافحتهم.ولقد كلمني الإمام الصادق (عليه السلام) إلاّ أني لا أذكر من حديثه سوي دعائه (عليه السلام) لي بالشفاء.

وأتذكر أني عندما صافحت الإمام الحجة (عجل الله تعالي فرجه الشريف) لم أتمالك نفسي من البكاء، وقلت له: يا مولاي، إني أخاف أن أموت في مرضي هذا ولم أصل إلي هدفي في طلب العلم والعمل.

فقال (عليه السلام): لا تخف، أنك لا تموت في مرضك هذا، وإن الله سبحانه سيمنّ عليك بالشفاء، وسيطول عمرك. ثم ناولني قدحاً فشربت منه. وأفقت من تلك الحالة، وأنا سالم معافي، كأن لم يكن بي مرض أو علة.

ووسط فرحة الأهل ودهشتهم، كنت أحكي لهم قصّة الداء العضال والنوم واليقظة.

من صافحني دخل الجنة

ومثل قصّة الحرّ العاملي الآنفة الذكر هذه، حكي الشيخ نجم الدين قصّة له مماثلة فقال: بينما كنت في حالة بين النوم واليقظة، شاهدت رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وأمير المؤمنين (عليه السلام)، فأخذت يد أمير المؤمنين أصافحها واستفيض منها. وعندما مرّ بخاطري حديث نبوي يقول: (من صافح علياً دخل في الجنة) (14). فسألت الإمام (عليه السلام) عن مدي صحته، فقال: نعم صدق رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): (مَن صافحني دخل الجنة)(15).

من خاف الله خافته المخلوقات

نقل المحدث القمي (قدس سره) عن (أمان الأخطار) إنّ السيد ابن طاووس كان يقول: كنت أسكن زماناً بجوار مرقد أمير المؤمنين (عليه السلام).

ولقد فوجئت ذات يوم بزوجتي، وقد أقبلت إليّ هلعة خائفة لا تمتلك أن تتكلم. وبعد أن هدّأت من روعها أخبرتني إنها رأت، بأمّ عينيها، الحصران التي بمدخل الحمام، وهي تنطوي وتنفرش، ثم تنطوي وتنفرش دون أن أري أحداً.

انطلقت معها إلي ذلك المكان، وناديت بصوت سموع: السلام عليكم، ما هذا الذي نراه منكم، ونحن في جوار مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام)، ونحن أولاده وضيوفه؟ فلا تكدروا علينا صفو هذه المجاورة وإنكم لو كررتم فعلتكم هذه مرة أخري، فإنّا سنشكوكم إلي الإمام (عليه السلام).

وبعد ذلك الخطاب لم نشهد منهم أذي أبداً.

نعم، أن الله سبحانه ليكفي شرّ الجن والإنس، ببركة الأدعية والأذكار، وقراءة القرآن الكريم، مضافاً إلي ما ذكروه (عليه السلام) من أن أقتنأ الحمام والديك الأبيض في المنزل، يساعد علي طرد الجن بإذن الله عزّ وجل.

يقول السيد ابن طاووس: إن الإنسان إذا خاف ربه خوفاً حقيقياً، فإن جميع المخلوقات ستخاف منه، لأن المؤمن إذا كان مخلصاً أخاف الله منه كل شيء. وهو مصداق الحديث الشريف: (من خاف الله أخاف الله

منه كل شيء، ومن لم يخف الله أخافه الله من كل شيء) (16).

القرينان

قال السيد نعمة الله الجزائري(17) (قدس سره): في إحدي ليالي الجمعة، وبعد بكاء وأنين، وتضرع وخشوع، رأيت في منامي صحراء واسعة، ليس فيها غير دار واحدة. والناس يتوافدون عليها من كل الأطراف.

قصدت الدار مع الوافدين، فشاهدت رجلاً جليل القدر، وقد قعد في إحدي زواياها يجيب عن أسئلة السائلين.

سألت بعض الحاضرين، من يكون هذا؟

قالوا: إنه رسول الله.

انسللت بين الصفوف، ودنوت منه وقلت: يا جداه، بلغنا عنك دعاء، أمرتنا بذكره في الصلاة، وهو (إني أقدّم إليك محمداً بين يدي حاجتي، وأتوجه به إليك). ولم يرد في الدعاء اسم علي (عليه السلام) وإني اذكر دائماً اسم أمير المؤمنين مع اسمك يا رسول الله في الدعاء وأنا أخاف أن أكون قد أحدثت بدعة بعملي هذا.

فما راعني إلاّ والنبي (صلي الله عليه وآله وسلم) يرفع إحدي يديه ويضم منها إصبعين ويقول: إن ذكر اسم علي مع اسمي ليس بدعة.

وعندما استيقظت من نومي، وراجعت الدعاء، فوجئت باسم علي (عليه السلام)، قد انتقش مع اسم الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم).

تجسيم الأعمال

أحد الزهّاد في مدينة كربلاء المقدّسة والذي عاشرته من قريب وكان مظهره يخبر عن زهده، حيث كان دائم الذكر لله سبحانه وتعالي ومشغول الذهن وبعيد عن زخارف الدنيا وزينتها كان جالساً ذات يوم في محل أحد الحلاقين في سوق قبلة الإمام الحسين (عليه السلام) وإذا به يري جنازة تمرّ بمشيّعين كثيرين، ولما وقع بصره علي الجنازة امتعض بشدّة، وقال لصاحب المحل وفي حالة تعجّبٍ واستغراب ما هذا الكلب الذي يجلس علي التابوت؟

فنظر الحلاّق وفي حالة استغراب قال: إني لا أري شيئاً.

عندها أخذ الزاهد يمشي خلف الجنازة وهو يسأل المشيّعين عمّا فوق التابوت، وكانوا يقولون وفي حالت تعجّب من هذا السؤال: لا

شيء سوي القماش الأسود الذي يلّف به التابوت.

وعند وصول الجنازة إلي باب الحرم فإذا بالزاهد يري الكلب وقد تعلّق بالهواء بعد أن أدخلت الجنازة إلي الحرم.

فدخل الزاهد مع المشيّعين والجنازة إلي الحرم الشريف ولم يكن فوق التابوت شيء، ولما خرجوا من باب الشهداء(18) متوجّهين إلي حرم أبي الفضل العبّاس (عليه السلام) رأي الزاهد ذلك الكلب، وقد هوي علي الجنازة.

أقول: لعل هذا الكلب هو تجسيم لعمل الميت في الدنيا. ونظير هذه القصّة ذكرها المحدّث الشيخ عباس القمي) قدس سره (في كتابه القيّم منازل الآخرة: من دخول الكلب إلي قبر ذلك الميّت.

وقد جاء في القرآن الكريم: (فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الكَلبِ إن تَحمِل عَلَيهِ يَلهَث أو تَترُكهُ يَلهَث)(19).

وقد ورد في الدعاء: (من دنيا استكبلتني) أي جعلتني كلباً.

وقد ورد في التاريخ إن الإمام الصادق (عليه السلام) كشف للذي كان معه وجوه من في عرفات علي حقيقتهم، فرآهم علي هيئة حيوانات مختلفة والقليل منهم علي هيئة إنسان.

وفي جملة من الأحاديث إنّ صور الإنسان في يوم القيامة تكون كصفاتهم الباطنية أو أعمالهم المحرّمة، فبعضهم يكون كالذر يداس بالأقدام وهكذا.

إنسان علي هيئة حمار

قال أحد علماء النجف الأشرف، رأيت إنساناً دخل حرم الإمام أمير المؤمنين علي (عليه السلام) وسلّم علي الإمام وهو علي عجالة من أمره ويتمتم ببعض الكلمات لم استطع فهمها، فأحببت أن استفسر عن هذه الظاهرة التي أوقفني فضولي عليها. فتقدّمت إليه وسلّمت عليه وسألت عن سبب خروجه من الحرم بهذه السرعة ثم سألته عن الألفاظ التي كان يتمتم بها.

في البدء أبي أن يجيب، ولكن بعد إصراري وإلحاحي قال: إنّ العالم الزاهد الفلاني وذكر اسمه. قال في درسه ذات يوم: إن لكلّ إنسان صورة واقعيّة، والأئمة المعصومون (عليه آلاف التحية والسلام) يرون كل شخصٍ

علي صورته الواقعية. وبعد أن أتمّ الدرس سألته: ما هي صورتي؟

قال ذلك العالم الزاهد: صورتك علي هيئة حمار.

وإنني كلّما دخلت حرم الإمام علي (عليه السلام) للزيارة خرجت مسرعاً خجلاً من الإمام المعصوم، وأتمتم مع نفسي مخاطباً إياها: يا حمار، وألومها علي ما أصابني وما اقترفت من ذنوب لعل الله سبحانه يبدّل صورتي إلي صورة إنسان.

أقول: وقد ورد في الحديث الشريف: (أما يخاف الذي يصلي بغير حضور قلب أن يحول الله صورته صورة حمار).

وفي الآية المباركة: (كَمَثَلِ الحِمَارِ يَحمِلُ أَسفَارَاً …)(20).

الدعاء الذي أنقذه من الموت

في عام 1260ه انتشر وباءٌ في نجف الأشرف وقد ذهب ضحيته كثير من الناس. وقد أبتلي فجأة السيد علي الشوشتري الذي كان من المقربين عند الشيخ الأنصاري بهذا الوباء، واضطربت حالته.

أراد بعض من في الدار أن يخبر الشيخ الأنصاري بذلك. ولكن السيد الشوشتري قال: لا حاجة لذلك، فإن الشيخ سيأتي بعد قليل.

وبعد لحظات فإذا بالباب تطرق.

قال السيد افتحوا الباب فإن الشيخ قد وصل.

وعندما فُتحت الباب فإذا بالشيخ مع خادمه الملا رحمة الله.

قال الشيخ الأنصاري للسيد الشوشتري: ستشافي في القريب العاجل. قال السيد الشوشتري: وكيف ذلك؟

أجاب الشيخ أنني طلبت من الله سبحانه وتعالي أن تصلي علي جنازتي.

وبالفعل: أُستجيب دعاء الشيخ، فقد برئ السيد من مرضه وصلي علي جنازة الشيخ الأنصاري.

مَن يتق الله يجعل له مخرجا

كان السيد محمد الدزفولي مشغولاً بالمطالعة وبين فترة والأخري يسرح فكره في الديون التي حان وقت تسديدها، وكانت هذه الديون البالغة ثمانين تومان تؤرقه كثيراً. ثم خلد إلي النوم وإذا به يري رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) يقول له: (لا تفكر بديونك لقد أوصيت الشيخ الأنصاري بتسديدها).

وبالفعل في صباح يوم التالي جاء خادم الشيخ الأنصاري الملا رحمة الله يقول: إن الشيخ الأنصاري في انتظارك.

وعندما دخل السيد محمد الدزفولي علي الشيخ الأنصاري قال له: أعطني أسماء الذين يطلبونك ومقدار ديونهم وسأقوم بتسديدها.

1 الشيخ عباس محمد رضا بن ابي القاسم القمي، ولد في مدينة قم المقدسة سنة 1294ه، وتوفي في النجف الأشرف سنة 1359ه، وكان من المحدّثين المتقين، ويعدّ من تلاميذ الشيخ حسين النوري، ترك عدّة مؤلفات منها: مفاتيح الجنان، الأنوار البهية في تواريخ الحجج الإلهية، بيت الأحزان، الكني والألقاب.

2 من العلماء الأجلاّء في ذلك العصر وكان وصياً للشيخ الأنصاري.

3 اصطلاح فارسي يطلق علي مكان تجمع

الناس لقراءة العزاء علي الإمام الحسين (عليه السلام).

4 الشيخ محمد بن مكي العاملي الجزيني، ولد سنة 734ه، واستشهد في دمشق في التاسع من جمادي الأولي سنة 786ه عن عمر يناهز الثاني والخمسين، ويُعد من تلاميذ فخر المحققين والشيخ شمس الدين.

ترك واحداً وعشرين مؤلفا منها: اللمعة الدمشقية، الرسالة الألفية في الصلاة، القواعد والفوائد في الفقه، الدروس الشرعية في فقه الإمامية، نهاية المراد في شرح الإرشاد.

5 وكان بيدمر نائب السلطان يرقوق الذي كان يسكن في مصر في عهد السلطان بايزيد العثماني ولم تكن مصر وبلاد الشام آنذاك داخلة في حكمه.

6 لا يخفي بطلان مقولة القاضي علي ما ذكره المؤلف (دام ظله) في موسوعة الفقه كتاب القضاء، وهكذا ذكر سائر الفقهاء.

7 إنّما قال الشهيد ذلك لانّ الشافعي يجيز توبة المرتد.

8 سورة الرعد: الآية 14.

9 من فقهاء عصره، اشتهر أمره في التقليد ولا سيما في بلاد الهند، درس في مدينة كربلاء عند المولي محمد سعيد المازندراني الشهير بسعيد العلماء، وهاجر الي النجف ودرس عند الشيخ محمد حسن صاحب الجواهر والشيخ مرتضي الأنصاري، توفي سنة 1309ه، من مؤلفاته ذخيرة العماد، مناسك الحج، الدرّة النجفية.

10 هو صهر ناصر الدين شاه، أحد ملوك إيران في العهد القاجاري.

11 السيد محمد مهدي بن السيد محمد بن السيد محمد تقي بن محمد رضا الطباطبائي المشهور ببحر العلوم، ولد في كربلاء سنة 1115ه وتتلمذ عند العلماء الإجلاء أمثال المجدد الشيرازي، وكان من العلماء المعروفين بالزهد والتقوي وحسن السيرة. يقول هبة الدين الشهرستاني في كتابه أسرة المجدد الشيرازي ص171 (كان بحق بحراً زاخراً بالعلوم الدينية حتي لقب عن جدارة ببحر العلوم). توفي سنة 1212ه.

12 كان الشهرستاني حينها يسكن كربلاء المقدسة، في حين أن السيد بحر العلوم كان

في النجف الأشرف.

13 الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي الجبعي المشهور بالحرّ العاملي، ولد سنة 1023ه وتوفي سنة 1104ه ودفن في إيوان المشهد الرضوي. خلّف ما يقارب ثمانية وعشرين مؤلفاً كبيراً وسبعة وعشرين منظومة وحاشية، ومن مؤلفاته وسائل الشيعة، إثبات الهداة، أمل الأمل.

14 ونظير هذا الحديث ورد في كتاب إرشاد القلوب ص257. (من صافح علياً فإنما صافحني… ومن صافحني فكأنما صافح أركان العرش … ومن صافح محباً لعلي هيلع()مالسلا غفر الله له).

15 المقصود من صافحه وهو مؤمن بما جاء به رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) لوضوح إن الأحاديث يفسّر بعضها بعضاً.

16 كشف الغمة: المجلد الثاني ص135، تحف العقول: ص57، مشكاة الأنوار: ص117، جامع الأخبار: ص97.

17 السيد نعمة الله بن السيد عبد الله بن السيد محمد الجزائري، ولد في المنطقة الجنوبية من إيران سنة 1050ه وتوفي في الثالث والعشرين من شوال 1112ه، وكان عالماً فاضلاً ومحققاً مدققاً ومتضلعاً في اللغة العربية وآدابها وفي الفقه والحديث، ويُعد من تلاميذ المجلسي والسيد هاشمي البحراني والفيض الكاشاني، ترك ثلاثاً وأربعين كتاباً وتعليقة منها: غاية المرام في شرح تهذيب الأحكام، شرح روضة الكافي، البحور الزاخرة في شرح كلام العترة الطاهرة، أُنس الوحيد في شرح التوحيد، الأنوار النعمانية في معرفة النشأة الإنسانية.

18 المتصلة بشارع علي الأكبر.

19 سورة الاعراف: الآية 176.

20 سورة الجمعة: الآية 5.

فضل العلم علي طالبيه

دخل سالم الأفطس يوماً علي المأمون العباسي(1)، وكان الأفطس آنذاك أحد العلماء المعروفين، فقام المأمون له احتراماً وتعظيماً، وأخذ الوسادة وثناها للأفطس بيده فلم يُرع المأمون إلاّ وهو يري صاحبه قد خرّ ساجداً لله تعالي.

سأل المأمون: فيم هذا السجود؟

قال الأفطس: تذكرت أموراً، فسجدت شكراً لله عليها!

قال المأمون: وكيف كان ذلك؟

قال الأفطس: كنت غلاماً مملوكاً في

صغري لأحد القصابين وقد حلّت به يوماً مصيبة، فنذر لله سبحانه نذراً بأن يعتقني أن خلّصه الله منها. وبعد أيام أوفي بنذره بعد أن دفع الله تعالي عنه البلاء. لكني وجدت نفسي وحيداً وحائراً إلي أين أذهب، وماذا أعمل؟ وفجأة راودتني فكرة اختيار طريق العلم. فمضيت في طلبه وتحصيله، حتي انتهي بي الحال إلي أن يقوم (الخليفة) بنفسه احتراماً لي واكباراً. ذلك من رحمة ربي وفضل العلم، فسجدت لله شكراً علي هذه النعم المتظافرة.

الشهامة المخضوبة بالدماء!

حكي أحد العلماء فقال: كنت أصلي جماعة خلف السيد ابو الحسن الاصفهاني(2)، وكان عدد المصلين يقدّر بالألوف. وفجأة حدث ضجيج بين المصلين، أثناء سجود الركعة الثانية، ارتفعت علي أثره أصوات الاستغاثة، وصرخ البعض: لقد قتل السيد حسن! (وهو النجل الأكبر لإمام المصلين الاصفهاني). ترك قسم من المصلين صلاتهم، وهرعوا إلي الصف الذي وقع الحادث الفجيع فيه، ولكن السيد أبا الحسن الاصفهاني استمر في صلاته بكل هدوءٍ وسكينة.

وبعد أن أتمّ صلاته، التفت إلي الوراء، فرأي الفاجعة المروعة، حيث قطع رأس ولده من الوريد إلي الوريد، والقاتل معروف ومحاط من قبل المصلين، وهو (علي الأردهالي).

واجه الاصفهاني ذلك الموقف العسير بصبر جميل وبشهامة منقطعة النظير، حيث لم يزد شيئاً علي أن قال بصوت ثابت: (لا إله إلا الله) ثلاثة مرات. ثم عفي عن قاتل ولده!

يتنكر لنفسه من أجل الإسلام

بعد وفاة السيد أبو الحسن الاصفهاني (قدس سره) اجتمعت الكلمة من قبل العلماء والأساتذة في الحوزة العلمية في النجف الأشرف علي اختيار السيد حسين القمي(3) لزعامة الحوزة، والقيام بأعباء المرجعية.

قال السيد القمي لأصحابه وخواصه: لنذهب إلي مرقد أمير المؤمنين (عليه السلام)، فأدعوا وتؤمِّنون علي دعائي.

وبعد الانتهاء من مراسيم الزيارة، رفع السيد القمي يده بالدعاء قائلاً: (يا رب، اقسم عليك بحق صاحب هذا القبر، إن لم أكن أهلاً للمرجعية العليا وزعامة المسلمين، ولا يمكنني أداء حقها، وتحمل الواجبات الملقاة علي عاتقي. أن تختم حياتي، واقسم عليك يا رب بأن تعهد بها إلي من ترضاه من خلقك خادماً لدينك وحافظاً لمواثيقك).

وبعد انتهاء من الدعاء لم يسمع تأميناً من أصحابه. سألهم: لماذا لم تقولوا: آمين؟ وقد وعدتموني بذلك؟

أجاب أصحابه: خوفاً من استجابة الدعاء.

غير انه (قدس سره) أصرّ عليهم بأن يتقيدوا بوعدهم، ثم دعا مرة أخري، وأمّن

أصحابه. فاستجاب الله سبحانه دعاءه بالفعل، ففارق الدنيا بعد شهور قلائل من تسلمه أعباء المرجعية العليا.

وفي مستشفي بغداد، أغمي عليه بعد إجراء عملية جراحية في ظهره، ثم عاد إلي وعيه، وأصرّ علي الملتفين حوله أن يساعدوه في النهوض من فراشه.

وعندما نهض توجه إلي جانب الباب وقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين، ثم أغمض عينيه وفارق الحياة. الأمر الذي يظهر منه أن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) قد حضره عند لحظة سكرات الموت.

لهذا بقيت الحوزة!

ألقي رئيس شرطة قم، المقدّم سجادي، القبض علي أحد طلاب العلوم الدينية ظلماً، وأودعه السجن. ولما بلغ السيد البروجردي(4) الخبر استشاط غيضاً وامتلأ غضباً، وأمر بإحضار رئيس الشرطة.

وعندما مثل المقدم سجادي أمامه واجهه بالتوبيخ والتقريع، وأمره بإطلاق سراح الطالب في أسرع وقت، ثم يغادر المدينة! فأمتثل سجادي لأوامر السيد فأطلق سراح المعتقل. شاع الخبر بين الناس، وخاف كثيرون من نتيجة إجراءات البروجردي (قدس سره). فتوافد عليه الأعيان وبعض المعارف، يطالبونه بالعدول عن قراره طرد سجادي من قم. وعلّلوا ذلك بأن مدير الشرطة رجل فظّ غليظ القلب، ولا يتورع عن الانتقام وارتكاب الحماقات بحق الآمنين، ولايبالي بقتلهم وسفك دمائهم ومصادرة أموالهم. لكن السيد ثبت عند موقفه،

دون أن تزلزله التهديدات أو تزحزحه التهويلات من نتائج موقفه الحازم.

منزلة العلماء

قال الشيخ العراقي ضياء الدين(5) في كتاب (دار السلام): رأيت في المنام أني أعبر تلاً من جهة القبلة من الصحن المطهر(6). فالتفت إلي الحرم من أجل السلام والتوديع، لكني فوجئت وأنا علي ذلك الارتفاع بأني لم أشاهد من القبّة النوراء شيئاً، فتعجبت ووقفت حائراً. وإذا بسيدٍ عليه شمائل الفضل والجلالة قد قرب مني، وسألني عن حيرتي؟ قلت له: لأنني لا أري القبّة المطهرة في مكانها.

فقال لي: أنزل من التل إلي الأرض!

قلت: وما الذي سيحدث؟

فقال: لا تحزن ولا تبتئس، فإنهم سيرفعون القبّة ثانية، بوسائل ومعدات ثقيلة، ثم يضعونها في محلها، دون أن يبقي أي صدع أو عيب.

يقول العراقي: في تلك اللحظة أفقت من نومي، فعرفت بعدها أن الشيخ الأنصاري (قدس سره) هو المقصود من هذه الرؤيا.

فأخبرت بعض الأصدقاء بالرؤيا وتفسيرها. وهكذا لم يمض غير زمن قصير حتي انتقلت مقاليد المرجعية من بعد الأنصاري إلي السيد محمد حسن الشيرازي.

1 سابع خلفاء بني

العباس، البالغ عددهم 38 وبدأ حكمهم سنة 132ه وانهارت دولتهم سنة 432ه.

2 السيد أبو الحسن محمد الموسوي الأصفهاني، ولد في اصفهان سنة 1277ه وتوفي في الكاظمية سنة 1365ه آلت إليه المرجعية بعد وفاة الشيخ محمد حسين النائيني سنة 1355ه، شارك في الحركة الدستورية في إيران كما شارك في ثورة العشرين وعارض تنصيب فيصل الأول ملكاً علي العراق. ترك عدّة مؤلفات منها: وسيلة النجاة، شرح كفاية الأصول، حاشية علي العروة الوثقي، حاشية علي تبصرة المتعلمين، منتخب الرسائل.

3 السيد حسين القميّ، ولد في مدينة قم المقدسة سنة 1282ه ودرس فيها المقدمات وكذلك في طهران ثم انتقل إلي النجف سنة 1311ه لحضور درس الشيخ حبيب الله الرشتي والشيخ النهاوندي والشيخ محمد كاظم الخراساني والسيد محمد كاظم اليزدي، ثم هاجر إلي سامراء سنة 1321ه لحضور درس الشيخ محمد تقي الشيرازي وبقي هناك عشرة سنوات. وفي سنة 1331ه انتقل إلي مشهد الرضا وبدأ بالبحث والتدريس ورجع الناس إليه في التقليد ونُشرت رسالته العملية في أرجاء إيران ثم هاجر إلي كربلاء المقدسة. تصدي لرضا شاه البهلوي سنة 1354ه الذي اجبر النساء علي التبرج والسفور ومنع إقامة الشعائر الدينية. رُشحّ للزعامة الدينية بعد وفاة السيد ابو الحسن الاصفهاني وزادت وجاهته وعظم شأنه ثم هاجر إلي النجف الأشرف وتوفي بعد عدة شهور وذلك في 14 ربيع الأول سنة 1366ه.

من مؤلفاته: مجمع المسائل، الذخيرة الباقية في العبادات والمعاملات، مختصر الأحكام، طريق النجاة، منتخب الأحكام، مناسك الحج، ذخيرة العباد، هداية الأنام.

4 السيد حسين بن علي بن احمد بن علي نقي البروجردي، ولد في بروجرد سنة 1292ه، وينتهي نسبه إلي الإمام الحسن (عليه السلام)، توفي سنة 1380ه في مدينة قم المقدسة ودفن في الجامع الذي بناه

في حياته إلي جانب مرقد السيدة معصومة (عليها السلام). تتلمذ عند الشيخ محمد كاظم الخراساني، آلت إليه المرجعية بعد وفاة السيد أبو الحسن الإصفهاني. ترك تراثاً فكرياً قوامه خمسين كتاباً ورسالة منها: تجريد أسانيد الكافي، حاشية علي الكفاية الأصول، حاشية علي العروة الوثقي، بيوت الشيعة، إصلاح واستدراك رجال الطوسي، جامع أحاديث الشيعة، دار السلام في فروع الإسلام وأحكامه.

5 الشيخ ضياء الدين العراقي: ولد في سلطان آباد عام 1278ه وتوفي سنة 1361ه، كان من الأساتذة المعروفين في التدريس والتحقيق والتدقيق ومن الشخصيات العلمية التي يشار لها بالبنان، درّس في الحوزة العلمية في النجف خمسين سنة متواصلة وانتهل من معين درسه جمع غفير من العلماء والمجتهدين. من مؤلفاته: شرح التبصرة، حاشية علي العروة الوثقي،كتاب القضاء.

6 لحرم الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في النجف الأشرف.

ابن طاووس لا يبيع دينه

ذكروا أن رضي الدين بن طاووس(1) كان قد مرّ ببغداد، فتوقف بها مدة خمس عشرة سنة. وكان سبب ذلك كما ذكروا هو وجود الوزير مؤيد الدين بن علقمي، المعروف بالولاء الشديد لأهل البيت (عليهم السلام)، فيما كان يعمل في البلاط العباسي كوزير للمستنصر.

وعندما عرف المستنصر(2) بمكانة ابن طاووس العلميّة والدينيّة، طلب منه أن يتولي منصب المفتي الأعظم للبلاد الإسلامية. غير أن ابن طاووس رفض طلب الخليفة، ثم أوضح سبب ذلك في رسالة بعثها إلي ولده وكان مما جاء فيها: (يا بني، لا تُحمد عاقبة من تواطأ مع الظالمين، ولا يرجي خيرٌ من عالمٍ جلس علي موائدهم، فهم يستبدلون الدين بالدنيا، ويشترون الفتاوي بمئات الدنانير، فهل أبيع ديني بدنياهم.. هيهات. فإنما هي القطيعة مع الله سبحانه).

الوصايا الست

غضب كسري ملك الفرس مرة علي (بوذرجمهر) الحكيم المشهور، فأودعه السجن. وأراد أحد رؤساء الشرطة أن يقف علي أحوال السجين ومعنوياته، فدخل عليه في محبسه، وسأله عن أحواله، فوجده قوي القلب، ثابت العزيمة، متهلل الوجه رغم ما حلّ به من نصب وعذاب.

ووسط تعجب الشرطي ودهشته، تبسّم الحكيم وقال: سينقضي عجبك هذا، لو عرفت ان سبب طمأنينتي هو ان عندي دواءاً مركباً من ستة عناصر، صنعته بيدي وانا لا افتر عن تناوله.

سأل الشرطي: وما هو ذلك الدواء العجيب؟

فأجاب الحكيم: بالتوكل علي الله القادر، والاعتقاد بقدرته والتسليم بقضائه، والتحلي بالصبر والاستقامة، والاعتقاد بأن الجزع والضجر لن يوصلا إلي نتيجة فعوّدت نفسي علي تحمّل المصائب والمشاق، والإيمان بوجود من هو أسوأ مني حالاً فشكرت الله علي ذلك. ثم يقيني بأن التفاؤل يجلب الفرج.

أقول: نعم من توكل علي الله سبحانه كفاه الأمور ومنحه السرور.

شجاعة البهبهاني أنفذته من القتل

دخل الشيخ محمد علي البهبهاني، صاحب كتاب (مقامع الفضل) علي ملك إيران السلطان كريم خان زند، وكان محمد خان القاجاري يقف إلي جوار الملك.

وجّه السلطان سؤالاً للشيخ يتعلق بمحمد خان، فأعرب الشيخ عن رأيه بكل صراحة، مما أغضب محمد خان، لكنه أسرّها في نفسه ولم يبدها.

ومرّت الأيام، وانتقل الحكم الي محمد خان، ثم سمع الملك بأنّ الشيخ محمد علي البهبهاني في طريقه إلي مشهد عبر مدينة طهران. وعندما وصل الشيخ منطقة السيد عبد العظيم، أصدر الملك أمراً بمنع الشيخ من دخول طهران، وعليه الخروج من منطقة السيد عبد العظيم بأسرع وقت، ثم كلّف وزيره فتح علي شاه بإيصال القرار إليه. لكن الشيخ بعد وصول الخبر أمر بأن تضرب له خيمة علي مدخل طهران ليسكنها! وهكذا عادت أخبار الشيخ إلي القصر. فتوجه الملك إلي وزيره وقال:

لنذهب إليه، فإن في نفسي سؤالاً أحب أن أسمع جوابه منه، فإن أجابني بمثل جوابه من قبل أكرمته وعززته، وإلاّ قتلته من دون تردد.

وعندما سأل الملك الشيخ سؤاله القديم، وهو محاط بحراسه وجنده، أجابه الشيخ وهو في خيمته بجوابه القديم بلا تهيّب أو مبالات.

هنالك توجه الملك إلي وزيره وقال: حقاً، أن هذا الشيخ عالم تقيّ، ويستحق الاحترام والتوقير.

أقول: وهكذا يجب أن يكون العالم شجاعاً في سبيل إقامة حكم الله سبحانه.

لا أضع يدي بيد الظالم

أصدر رضا خان(3) البهلوي، حاكم إيران، أمره إلي عبد الله الطهماسبي لأن يهيئ لقاءاً له مع الميرزا صادق التبريزي(4).

ولما علم التبريزي بالأمر، حاول عدم اللقاء مع عبد الله الطهماسبي، ولكن بعد محاولات عديدة وإصرار من الأخير، استطاع أن يلتقي بالشيخ.

وفي اللقاء عرض الطهماسبي رسالته علي الشيخ، وطلب منه تحديد موعد لكي يزوره الشاه في منزله. لكن الشيخ رفض الاستجابة للطلب بشكل قاطع، وعلّله بأنه لا يمكن أن يضع يده بيد ذلك الظالم. وكان مما قاله التبريزي للطهماسبي إني لو رأيت رضا خان يصلي فلن أصدق صلاته، ليقيني بأنها محض مكر وخداع، وتضليل وإغواء. وبقي الشيخ التبريزي، إلي أن وافاه الأجل المحتوم في قم ودفن فيها، وقبره فيها اليوم مزار معروف، يقصده الناس للتبرك والدعاء.

مواقف سطّرها البروجردي

بعث أهالي أذربيجان إلي السيد البروجردي (قدس سره) يخبرونه فيها بعزم قوات الحكومة في المدينة علي إحياء الشعائر المجوسية(5).

فكتب السيد البروجردي من فوره رسالة إلي الشاه (رضا خان) جاء فيها. أنه إذا كان الملك يريد إعادة عبادة النار فإن تلك المعارك الإسلامية، والمواجهة التي حدثت في صدر الإسلام مع عبّاد النار، سوف تشتعل بوجهه اليوم.

وحينما قرأ الملك الرسالة أمر فوراً بإيقاف تلك المراسم والاحتفالات. خوفاً من اضطراب الأمن في البلاد.

البروجردي وما يسمي بالإصلاح الزراعي

عندما أصدر محمد رضا حاكم إيران قراراً بتطبيق قانون ما يسمي ب (الإصلاح الزراعي)(6) وقف السيد البروجردي في وجهه.

وقد استشار السيد علماء الحوزة حول صيغة الردّ علي الشاه، فقال بعضهم: إن كلام الشاه خلاف القانون الأساسي الذي ينص علي أن التشريع بيد المجلس، وليس من صلاحيات الشاه، وقال بعض آخر، جواباً آخر. غير أن السيد أرتأي رأياً آخر وجّهه إلي الملك حاصله: أنك حينما ذكرت بأن قانون إصلاح الأراضي قد عملت به بعض البلاد الإسلامية الأخري فقد غفلت أو تغافلت عن أنه إنما عمل به هناك بعد أن صارت تلك البلاد جمهوريات!

وبعد أن قرأ الشاه الرسالة، غض الطرف عن إجراء القانون خوفاً إلي أن توفي السيد البروجردي (قدس سره) لكنه عاد بعد رحيل السيد لتطبيق القانون المذكور، الأمر الذي عمل علي تعجيل إسقاط حكومته.

وفي لقاءٍ للسيد البروجردي مع رئيس الوزراء الإيراني (إقبال) قال السيد البروجردي له: إن رضا خان كان أميّاً، ولكنه كان يمتلك قدراً من الشعور، أما ابنه محمد رضا فلا يملك أي شعور. وأنّ تماديه في معارضة الدين ورجالاته سوف تؤول به إلي السقوط!

السيد القمي مع محمد رضا

طالب السيد حسين القمي (قدس سره) محمد رضا خان ورئيس حكومته (السهيلي) بإطلاق الحريات في البلاد، وعدم الوقوف أمام قوانين الإسلام، غير أن الشاه لم يأبه لقوله. مما حدا بالسيد البروجردي لأن يبعث برسالة تهديد إلي الشاه يظهر أنه يتضامن فيها مع مطاليب السيد القمي، وإن الشاه ان لم يلبّ تلك المطاليب فإنه سوف يحرّك العشائر بوجهه. فتخوف الشاه من ذلك. وقبل اقتراحات السيد القمي لأنه كان يعلم أن تهديد البروجردي معناه آثاره منطقة لرستان في وجهه. وهكذا اتفاق العالمين بعضهما مع بعض أثمر ثمرة المطلوبة.

البروجردي يطرد الشاه

عاد الشاه محمد رضا من محافظة خوزستان، وفي طريقه توقف في مدينة قم المقدسة، وطلب اللقاء بالسيد البروجردي. غير أن السيد رفض الطلب وعلّق عليه بتعليق طريف، وهو أن الشاه في سفرته السياحية والترفيهية إلي خوزستان كان يتفنن في التقاط الصور مع زوجته هناك، وثم جاء هنا إلي قم لمتابعة رحلته الترويحية لالتقاط الصور معنا. وإني لست علي استعداد لمقابلته بعد كل هذه الفضائح التي اقترفها في خوزستان(7).

الكاشاني يشكل حزباً سياسياً

بعد احتلالهم للعراق سنة 1337ه (1918م)، وسَّع الإنجليز نفوذهم في البلاد، بحيث صاروا يهددون العديد من البلدان الإسلامية.

وهنا جاء دور العلماء فقام ابو القاسم الكاشاني(8) تحت لواء الشيخ محمد تقي الشيرازي بتوحيد العشائر العراقية المسلحة في الأرياف والمدن، وعبّأ الجماهير ضد الإنجليز، والتحق بركبه آلاف الشباب.

كما أهتم (قدس سره) وبمساعدة العلماء الآخرين من تأسيس حزب سياسي منظَّم ليسهل من عملية التعبئة الجماهيرية، مما أثار الإنجليز، لكنهم حاولوا في البداية شراءه بالأموال الطائلة، حيث أرسلوها مع أحد عملائهم من العراقيين ليرشوه بها ويسكتوه.

ولما كان الكاشاني علي معرفة بمبعوث الإنجليز لأنه كان من أهل المدينة لذلك وبخه وزجره وقال له في لهجة عتاب:

كيف تقوم بهذه الأعمال المخالفة لدينك وأمتك؟ كيف سمحت لنفسك أن تقبض هذه الأموال للتجسس علي أهلك ولمساعدة أعدائك الإنجليز؟

قال المبعوث: صعوبة الحياة، وضيق العيش.

قال الكاشاني: وما هو قولك ان وجدنا لك عملاً تسدّ به عوزك وحاجتك، وترفع به رأسك أمام الله وأمام ضميرك وإمام الناس. وتخرج به من هذه الذلّة والمسكنة.

قال المبعوث: موافق!

قال الكاشاني: فأهلاً بك معنا في صفوف الثورة.

وهكذا انقلب السحر علي الساحر، وصار المبعوث فيما بعد أحد أعوان الكاشاني وأنصاره.

وقد بلغت نشاطات حزب الكاشاني أوجها في الدفاع عن تراب العراق وكرامته، تحت قيادة الشيخ

الشيرازي، إلي أن تمكنوا من إخراج القوات البريطانية من العراق.

وأما أعوان الإنجليز وجواسيسهم، فقد أصابهم الخوف والرهبة، وأدركوا أن تعاونهم مع الاستعمار سيذهب بهيبتهم ومنزلتهم بين العراقيين، فتخاذلوا عن الإنجليز بعد أن خذلوهم.

الفتوي التي أوقفت المدّ الشيوعي

احتلت روسيا بعضاً من البلاد الإيرانية، علي أيام السيد محمد الطباطبائي، المعروف بالسيد المجاهد(9). وقد انتهكت الجيوش المعتدية الإعراض وسفكت الدماء، وسبت النساء والشيوخ والأطفال، فاستغاث أهالي إيران بالسيد المجاهد، وكان آنذاك نزيل مدينة كربلاء المقدسة، فأصدر (قدس سره) فتواه بالجهاد ضد الروس المحتلين، مع جماعةٍ من العلماء. فكانت فتاواهم سبباً لتنظيم الشعب الإيراني جهوده، وتعبئة شبابه ورجاله وتسليحهم ليقفوا بوجه الروس، ويوقفوا زحفهم علي مناطق أخري من إيران.

ولولا تلك الفتوي، واخواتها، لكانت إيران تحت السيطرة الروسية.

مواقف وأهداف

ذكر أن السيد عبد الحسين الحجة حينما نال شرف زيارة بيت الله الحرام، حصل بينه وبين الملك ابن سعود لقاء، فاغتنم الملك الفرصة ليوجّه الدعوة من خلاله إلي السيد أبي الحسن الاصفهاني لزيارة بيت الله الحرام.

لكن السيد الاصفهاني جعل استجابته للدعوة مشروطة بإجازة الملك لبناء قبور أئمة البقيع وسائر المشاهد المشرّفة في مكة المكرمة والمدينة المنورة.

قال الاصفهاني: فإن منحونا الإجازة لتعمير القبور بالشكل الذي نراه لائقاً، فإننا لن نتواني لحظة واحدة في تلبية دعوتهم والتشرف بحج بيت الله الحرام.

وبما أن الملك السعودي لم يستجب لطلب الاصفهاني، فإنه لم يحج، حتي وافاه الأجل.

ومما يذكر إن السيد الاصفهاني (قدس سره) كان يقول: كنت أطمع للوصول إلي هدفين، طالماً كنت أفكر فيهما.

الأول: شراء البيوت والأراضي المجاورة لحرمي الإمامين العسكريين في مدينة سامراء، وإسكان موالي أهل البيت هناك. الثاني: (ذكر الشهادة الثالثة، أي الشهادة بالولاية لأمير المؤمنين (عليه السلام) في الأذان بالمسجد الحرام. وقد حصل الأول، وأسأل الله ان يوفقني إلي الثاني(10).

الولايات مضامير الرجال

كان سلوك رضا خان حاكم إيران مناقضاً وملفتاً للانتباه. فبينما هو ينادي بشيء قبل حكمه، ويتظاهر بتأييده، إذ هو يشن عليه حرباً شعواء لاهوادة فيها بعد استيلائه علي مقاليد الحكم.

فقبل تربعه علي كرسي السلطة، كان رئيساً لمجموعة من فرق الجيش. فكان يقودها في يوم عاشوراء في مراسيم عزاء التطبير. وكان يتظاهر بالإيمان والتديّن، والقيام بالشعائر الحسينية.

وكانت مجاميع عزاء التطبير التي يقوم علي تنظيمها من أكثر المجاميع وأتمها نظاماً. كما كان يذهب برفقة عناصر الجيش. بعد الانتهاء من المراسم. إلي منزل السيد كمال الدين البهبهاني(11). فيعرف جنوده علي أنهم جنود الإمام الحجة (عجل الله تعالي فرجه). ولعله وأصل إظهار نفسه بهذه الصورة حتي في بداية حكمه، حيث كان

يتردد علي منزل الشيخ عبد الكريم الحائري(12).

لكنه حينما استتبت له الأوضاع أشاح اللثام عن وجهه، واظهر الخافي من نواياه المبيتّة.. فبدت عداوته للإسلام والتشيع والشعائر الحسينية!

واستمات في خدمة أسياده الغربيين إلي درجة انه يمنع الحجاب، ويبيح التبرج والفجور، ويحظر الشعائر الحسينية! الأمر الذي دفع بالعلماء في إيران إلي أن يقفوا في وجهه، ويتخذوا منه موقف العداء، ومنهم الشيخ عبد الكريم الحائري نفسه وقتل الوف الناس في مسجد كَوهرشاد بمشهد.

و(ما طار طير وارتفع، إلا كما طار وقع)، حيث نبذه أسياده الغربيون بعد أن استنفذوا منه أغراضهم، وحقق لهم ما يريدون، ونفوه إلي جزيرة موريس، ولم ينسوا أن يأخذوا منه قبل ذلك (الحقائب الألف) المملوءة بالذهب والمجوهرات والأمور الثمينة، التي كانت حصيلة سرقاته من بلده.

تاريخ الإسلام في بلاد الغرب

عندما انطلق مبعوث الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) إلي الروم، لم يكن يحمل رسالة واحدة، بل رسالتين، إحداهما إلي القيصر ملك الروم يدعوه فيها إلي الإسلام، والأخري كانت إلي الباب الأعظم ضغاطر، ومما جاء فيها: (قولوا آمنّا بالله وما أنزل علينا وما أنزل علي إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط، وما أوتي موسي وعيسي والنبيّون من ربّهم، لا نفرق بين أحدٍ منهم ونحن له مسلمون)(13).

وكان لهذه الرسالة الأثر البالغ علي قلب الباب الاعظم، فإنه قرأ الرسالة بكل إمعان ودقة، ثم توجه نحو سفير الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) وقال:

والله إن صاحبك لنبيّ مرسل نعرفه بصفةٍ نجدها في كتابنا.

وغاب عدة لحظات ثم عاد بعدها، وقد اعتمر أفخر ملابسه، وتوجّه إلي الكنيسة. حيث تجمع الناس ببابها لتأدية المراسم، وهناك وقف متكئاً علي عصاه، وخطب فيهم قائلاً: أيها الناس، يا معشر الروم، وصلتنا من أحمد هذه الرسالة، وإني آمنت بنبوّته، فأسلموا.

انقسم الجمع إلي فريقين،

ثم وقع الاختصام، ثم تحوّل الجلبة إلي حرب حقيقية أدت إلي استشهاد الباب الأعظم وجمع غفير ممن أسلموا معه.

ومنذ ذلك اليوم عرفت بلاد الروم الإسلام، وآمن به بعض أبنائها.

كلمات تهزم السيوف!

عندما احتل هولاكو بغداد سنة 656ه أمر جلاوزته بجمع العلماء والوجهاء في المستنصرية لأجل الاستفتاء في جواب السؤال التالي: (أيهما أفضل: السلطان الكافر العادل، أم سلطان المسلم الجائر؟).

تحيّر العلماء في جوابه. غير أن السيد ابن طاووس تدارك الأمر، وكتب علي ورقة: (الكافر العادل أفضل من المسلم الجائر) ثم أمضي بتوقيعه علي الورقة، وتابعه علي ذلك سائر العلماء. وبذلك نجي الجميع من بطش هولاكو وجبروته.

وعندما سئل ابن طاووس عن وجه جوابه هذا، قال: لأن الحاكم الظالم المسلم، إسلامه لنفسه، وظلمه علي الرعية، وأما العادل الكافر، فكفره علي نفسه، ولكن عدله يشمل به الرعية(14).

فتنة الأفغان ودور البهبهاني

أعلن السيد عبد الله البهبهاني(15) (قدس سره) التعبئة العامة لأهالي بهبهان بعد أن تعرضت مدينتهم لهجوم من قبل حكومة الأفغان المنحرفة عن منهج أهل البيت عليهم السلام.

فأغلق الأهالي أبواب المدينة وقاوموا المعتدين المدججين بالسلاح، رغم طول الحصار وشحة المؤن وقلة السلاح، حيث لم يكونوا يمتلكون سوي مدفع واحدٍ.

نعم، توكلوا علي الله واحتسبوه، ونصبوا مدفعهم الوحيد باتجاه قوات الأفغان، ثم حشوة بالعتاد النحاسي، وسلّموا حبل الإطلاق للسيد البهبهاني، بغية التبرّك والتفؤل بالخير.

وفعلاً جرّ السيد الحبل وإذا به يصيب خيمة ملك الأفغان نفسها، ممّا أدّي إلي تقهقر فلول الغزاة المعتدين وانسحابهم، وخلاص الأبرياء من أطماعهم ووحشيتهم.

مسؤولية العالم في إسقاط الطاغية

السيد محمّد تقي المشهور ب (مير خدائي) من علماء خراسان، وكان معروفاً بالزهد والتقوي، وشاع سيطه في إيران ووصلت شهرته إلي مسمع السلطان حسين الصفوي، الذي دعاه إلي اصفهان، غير أن السيد رفض هذه الدعوة، فغضب السلطان وكتب إلي أعيان خراسان، إنهم مكلفون بإرسال السيد مير خدائي إلي اصفهان وإلاّ فأنهُ سيعتبر الجميع مقصّرين ويستحقون عقابه.

لكن التهديدات لم تثني السيد عن قراره في الابتعاد عن مناصب السلطان ومكافئاته، وفضَّل حفظ دينه ونفسه بعيداً عن ذلك، فان السلطان انحرف عن جادة الشرع والصواب، لذا تركه العلماء كالمجلسي (قدس سره)، وذلك صار سبب سقوطهُ لان شعبيته سقطت مما جرَّءَ الأعداء عليه وصار مصيره أن سُلب ملكه وقُتل.

توكل علي من لا ينساك

بعث الآخوند الخراساني (قدس سره)، برقية احتجاج وتهديد إلي السطان العثماني عبد الحميد لاقترافه أبشع الأعمال المنافية للشريعة المقدسة.

عندما انتشر خبر البرقية في الأوساط، توجه بعض شيوخ العشائر وبعض الأعيان والوجهاء إلي الشيخ الخراساني يلومونه علي ذلك، وقالوا له: هل تدري ماذا فعلت يا شيخنا، إنّ البرقية ستكون وبالاً علينا، ستصبح النجف الأشرف والحوزة العلمية هدفاً لقذائف العثمانيين. فهل تظن إن هذا كسلطان العجم يخاف منكم؟ ألا تدري أنه بإشارة واحدة قتل سبعين ألف من الأرامنة؟ ألا تعلم إنّ هذا السلطان رجل جزّار لا يخاف الله ولا يرعي حرمة لأحد، وليس مهماً لديه أن تفني النجف بأهلها.

أجابهم الشيخ بكل هدوء وطمأنينة، إنكم تخافون السلطان وأنا لا أهابه، وقد إستخرت الله سبحانه في إرسال البرقية، وان الخير ما اختاره الله سبحانه وهو معنا وسينصرنا. انتزعوا الخوف من قلوبكم واتقوا الله ولا تخافوا أحداً غيره.

اقول: إنّ مواقف الشيخ من السلطان العثماني والتفاف الناس حوله أضعف السلطان، وهكذا نري الشيخ الخراساني (قدس سره)

يحارب الروس والعثمانيين وسلاطين إيران في وقت واحد، وقد سبّب ذلك إنقاذ إيران والعراق من الأفكار التي كانت تهددهما آنذاك.

وصية الإمام العسكري أنقذت القزويني

أخرج الملاّ علي كني لضيوفه من العلماء رسالةً كان يجّل لها فائق الاحترام والتقدير وكانت الرسالة بخط الميرزا الشيرازي ومختومة بختمه، ثم أضاف أن هذه الرسالة ثمينة وقيّمة، لأني أحسّ كأنها صدرت من الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) وقد أوصيت ولدي أن يضعها بعد موتي في كفني.

ومحتوي الرسالة هي توصية من الميرزا بحق أحد السادة من أهالي قزوين وكانت القصة كالتالي: إنّ أحد المتنفذيّن في الدولة القاجارية أغتصب أملاكاً للسيد القزويني، فذهب السيد إلي الملاّ كني شاكياً حاله ويرجوا مساعدته في تخليص ملكه من الغاصب.

لكن الملاّ كني لم يكن قادراً علي انتزاع الملك الغصبي من الغاصب الذي كان من رجال الدولة، فيئس السيد من مساعدة الملاّ كني له، خاصة بعد مرور فترة ليست بقصيرة علي شكايته.

وفي تلك الفترة عزم ثلاثة من أصحاب السيد علي السفر إلي العتبات المقدسة في العراق وكان أحدهم: العالم العامل السيد محمد تقي التنكابني. فقرّر السيد السفر معهم، وكان حديثهُ الدائم: إن هدفي من السفر الوصول إلي مدينة سامراء لاشتكي عند الميرزا الشيرازي.

يقول السيد التنكابني عندما وصلنا إلي سامراء التقينا بالميرزا الشيرازي، فشكي السيد القزويني مشكلته للميرزا وان الملاّ كني لم يساعدهُ المساعدة المطلوبة.

قال الميرزا إنني لا أستطيع أن افعل اكثر مما فعله الملاّ كني، أصاب السيد القزويني الإحباط من كلام الميرزا، وأدلف إلي الإمامين العسكريين (عليهما السلام) وأخذ يتوسل بهما لتقديم العون لهُ. وأخذ يستغيث طويلاً وعلا صوته بالبكاء والنحيب، وفي منتصف تلك الليلة حينما عزمنا علي الخروج من سامراء رأينا السيد يعدّ حقائبهُ وقد انتابتهُ البهجة والسرور. وقال: إن

الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) حضر في عالم الرؤيا وقال لي: (كن مطمئن البال، لقد أوصينا بك الميرزا) وفي الصباح جاءني رسول الميرزا بكتاب كتبه إلي الملاّ كني يوصيه فيها بمساعدة السيد، ولما أعطي السيد الكتاب إلي الملاّ كني في طهران اهتم الأخير بالأمر اهتماماً بالغاً وتمكن أثره من استرجاع الملك المغتصب.

هذا ما أردنا إيرادهُ من القصص المفيدة بإذنه سبحانه في هذا الكتاب، لعل الله ينفع به كما نفع بنظائره، وأسألهُ سبحانهُ الأجر والثواب وأن يجعله خالصاً لوجهه الكريم.

سبحان ربك ربِّ العزّة عمّا يصفون، وسلامٌ علي المرسلين، والحمد لله ربِّ العالمين وصلي الله علي محمد وآله الطيبين الطاهرين.

قم المقدسة

محمد الشيرازي

1416ه

الحاشية

1 رضي الدين أبو القاسم علي بن سعد الدين إبراهيم ويكّني بن طاووس، نسبة إلي جده الأعلي أبي عبد الله ينتهي نسبه إلي الإمام المجتبي بن الإمام أمير المؤمنين (عليهم السلام). ولد في محرم سنة 589ه وتوفي في الخامس من ذي القعدة سنة 664ه ودفن في النجف الأشرف وكان من العلماء الإجلاء والمشهورين في زمانه. ترك عدة مؤلفات منها: ملاحم الفتن، فلاح السائل، سعد السعود، فرج المهموم.

2 ابن المتوكل العباسي الذي قتل أباه سنة 247ه وأصبح خليفة بعده.

3 رضا خان ارمني من منطقة كرجستان هاجر إلي إيران في زمن القاجار، واصبح وزيراً للحربية في حكومة أحمد القاجاري، وأطاح بهم ولقّب نفسه بالبهلوي، ولد سنة 1295ه، إتّسم حكمه بإحياء القومية الفارسية ونشر المذهب البهائي والقضاء علي المعالم الإسلامية وهدم المساجد والمدارس، ومنع رجال الدين والفكر من ممارسة أدوارهم في الحياة، ونشر مظاهر الفساد كالخمر والقمار ودور البغاء، نفاه الإنجليز إلي جزيرة موريس سنة 1359ه بعد أن صادروا حقائبه الألفين المملوءة بالمجوهرات والأشياء الثمينة بعد حكم دام

ستة عشر عام وقتل في منفاه سنة 1363ه.

4 من العلماء الكبار في آذربايجان نفاه رضا خان من آذربايجان إلي مناطق أخري من إيران، ثم جاء إلي مدينة قم المقدسة وتوفي فيها.

5 وهي إحياء مراسم عبادة النار، بأن تضرم النار علي قمّة جبلين ثم يقدمون العسكر لها الاحترام العسكري.

6 جاء في القرار: إن قانون إصلاح الأراضي هو ما عملت به البلدان الإسلامية قبلنا كتركيا والباكستان.. ولابدّ من مراعات مصلحة البلد بدل مصلحة بعض عبيد المال.

7 كما كانت للبروجردي مواقف أخري منها: وقف ضد الاستعراض السنوي للطالبات بملابس قصيرة الذي دعي إليه الشاه، واعتبر الشاه ذلك اليوم يوم حركة المرأة في إيران، مما أدي إلي وقف ذلك الاستعراض. ومنها ما قاله رداً علي استهزاء زوجة الشاه برجال الدين، حيث قال (ما لها وللدين). ولما وصل الخبر إليها اعتذرت، ولم يتكرر منها بعد ذلك مثل هذا الكلام.

8 السيد أبو القاسم بن السيد مصطفي الحسيني الكاشاني: ولد سنة 1330ه وتوفي سنة 1381ه، شارك في ثورة العشرين وكان عضواً في المجلس العلمي الذي شكّله الإمام الشيرازي لقيادة الثورة كما كان له باع طويل في نصرة الثورة، وبعد انتكاسة الثورة طارده الإنجليز فهرب إلي إيران، وكانت له مواقف مشرفة في إيران من قضية تأميم النفط. يعدُ من تلاميذ الشيخ محمد تقي الشيرازي والشيخ محمد كاظم الخراساني والميرزا حسين الخليلي.

9 السيد محمد بن علي المجاهد الطباطبائي نجل صاحب الرياض وسبط الوحيد البهبهاني، ولد في كربلاء سنة 1180ه وتوفي سنة 1242ه، وكان عالماً جليلاً ومدرساً معروفاً، وكانت له مواقف سياسية مشرّفة، فقد تصدّي للغزو الروسي لإيران وتحرك مع قافلة من العلماء إلي طهران للدفاع عن بلاد الإسلام، وتوفي وهو يقوم بمهمة الدفاع ودفن

في كربلاء. من مؤلفاته: مفاتيح الأصول، المصابيح في شرح المفاتيح، المناهل، الأغلاط المشهورة.

10 لا يخفي إن الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) كان قد أخذ البيعة علي الشهادة الثالثة في غدير خم.

11 هو شقيق المرحوم السيد عبد الله البهبهاني من كبار علماء المشروطة.

12 ويطلب رسالته ويدعّي انه أحد مقلديه. وعندما توفي الشيخ الحائري منع الشاه إقامة مجالس الفاتحة علي روحه.

13 سورة آل عمران: الآية 84.

14 من الواضح أن مراد السيد ابن طاووس بالعادل: الذي لا يظلم الناس، لا العادل بالمعني الاصطلاحي الشرعي.

15 وكان من العلماء المعروفين في عصره، ولد في كرمانشاه سنة 1280ه وترك عدة مؤلفات.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.