البعثة النبوية الشريفة والدين الإسلامي

اشارة

المؤلف:

المرجع الديني الراحل

الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي

أعلي الله درجاته

الناشر:

مؤسسة المجتبي للتحقيق والنشر

كربلاء المقدسة

الطبعة الأولي 1427ه

كلمة الناشر

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الظروف العصيبة التي تمر بالعالم.. والمشكلات الكبيرة التي تعيشها الأمة الإسلامية.. والمعاناة السياسية والاجتماعية التي تقاسيها بمضض.. وفوق ذلك كله، الأزمات الروحية والأخلاقية التي يئنّ من وطأتها العالم أجمع.. والحاجة الماسة إلي نشر وبيان مفاهيم الإسلام ومبادئه الإنسانية العميقة التي تلازم الإنسان في كل شؤونه وجزئيات حياته وتتدخل مباشرةً في حلّ جميع أزماته ومشاكله في الحرية والأمن والسلام وفي كل جوانب الحياة.. والتعطش الشديد إلي إعادة الروح الإسلامية الأصيلة، وبلورة الثقافة الدينية الحيّة، وبثّ الوعي الفكري والسياسي في أبناء الإسلام كي يتمكنوا من رسم خريطة المستقبل المشرق.. كل ذلك دفع المؤسسة لأن تقوم بنشر مجموعة من المحاضرات التوجيهية القيمة التي ألقاها المرجع الديني الإمام الراحل السيد محمد الحسيني الشيرازي (أعلي الله مقامه) في ظروف وأزمنة مختلفة، حول مختلف شؤون الحياة الفردية والاجتماعية، وقد قام سماحته رحمة الله عليه بتهذيبها والإضافة عليها، فقمنا بطباعتها مساهمةً منا في نشر الوعي الإسلامي، وسدّاً لبعض الفراغ العقائدي والأخلاقي لأبناء المسلمين من أجل غدٍ أفضل ومستقبل مجيد.. وذلك انطلاقاً من الوحي الإلهي القائل:

لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (). الذي هو أصل عقلائي عام يرشدنا إلي وجوب التفقه في الدين وإنذار الأمة، ووجوب رجوع الجاهل إلي العالم في معرفة أحكامه في مواقفه وشؤونه.. كما هو تطبيق عملي وسلوكي للآية الكريمة:

فَبَشِّرْ عِبَادِ ? الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُوا الأَلْبَابِ ().

إن مؤلفات الإمام الشيرازي (أعلي الله مقامه) تتسم ب:

أولاً: التنوّع والشمولية لأهم أبعاد الإنسان والحياة، لكونها انعكاساً لشمولية الإسلام.. فقد أفاض قلمه

المبارك الكتب والموسوعات الضخمة في شتي علوم الإسلام المختلفة، بدءً من موسوعة (الفقه) التي بلغت المائة والستين مجلداً، حيث تُعدّ أكبر موسوعة علمية استدلالية فقهية في العالم الإسلامي، مروراً بعلم الحديث والتفسير والكلام والأصول والسياسة والاقتصاد والاجتماع والحقوق وسائر العلوم الحديثة الأخري.. وانتهاءً بالكتب المتوسطة والصغيرة التي تتناول مختلف المواضيع والتي تتجاوز بمجموعها ال (1300) كتاب وكراس.

ثانياً: الأصالة حيث إنها تتمحور حول القرآن الكريم والسنة المطهرة وتستلهم منهما الرؤي والأفكار.

ثالثاً: المعالجة الجذرية والعملية المستبصرة بمشاكل الأمة الإسلامية ومشاكل العالم المعاصر. رابعاً: التحدث بلغة علمية رصينة في كتاباته لذوي الاختصاص ك(الأصول) و(البيع) وغيرها، وبلغة واضحة سهلة يفهمها الجميع في كتاباته الجماهيرية، مدعومة بشواهد من واقع الحياة.

نرجو من المولي العلي القدير أن ينفع بذلك، إنه سميع مجيب.

مؤسسة المجتبي للتحقيق والنشر

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام علي نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين، واللعنة الدائمة علي أعدائهم أجمعين إلي قيام يوم الدين.

البعثة المباركة

مِن أكبر نعم الله تعالي علينا بل علي البشرية جمعاء، أن بعث الله فينا رسوله محمد بن عبد الله صلي الله عليه و اله، ولولا هذه البعثة المباركة، لما بقي من الإنسانية شيء، ولا بقي من القيم والآداب والمُثُل شيء، وقد جاءت البعثة الشريفة في الوقت المناسب والمكان المناسب والشخص المناسب. حيث بعث الله عزوجل أفضل خلقه محمدا صلي الله عليه و اله رحمةً للناس أجمعين، وذلك في ليلة 27 من شهر رجب في مكة المكرمة بغار حراء.

قال عزوجل: لَقَدْ مَنّ اللّهُ عَلَي الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مّنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكّيهِمْ وَيُعَلّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مّبِينٍ ().

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن بعض قريش

قال لرسول الله صلي الله عليه و اله: بأي شي ء سبقت الأنبياء وفُضّلت عليهم وأنت بعثت آخرهم وخاتمهم؟

قال: إني كنت أولّ من أقرّ بربي جل جلاله، وأول من أجاب حيث أخذ الله ميثاق النبيين وأشهدهم علي أنفسهم ألستُ بربكم قالوا بلي، فكنتُ أول نبي قال بلي، فسبقتهم إلي الإقرار بالله عزوجل ().

أفضلية الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله

في البحار عن الاختصاص: عن صفوان الجمال عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال لي: يا صفوان هل تدري كم بعث الله من نبي؟

قال: قلت: ما أدري.

قال: بعث الله مائة ألف نبي وأربعة وأربعين ألف نبي() ومثلهم أوصياء، بصدق الحديث وأداء الأمانة والزهد في الدنيا، وما بعث الله نبياً خيراً من محمد صلي الله عليه و اله ولا وصياً خيراً من وصيه ().

وفي وصية النبي صلي الله عليه و اله لعلي عليه السلام: يا علي إن الله عزوجل أشرف علي أهل الدنيا فاختارني منها علي رجال العالمين، ثم اطلع الثانية فاختارك علي رجال العالمين بعدي، ثم اطلع الثالثة فاختار الأئمة من ولدك علي رجال العالمين بعدك، ثم اطلع الرابعة فاختار فاطمة علي نساء العالمين ().

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: أنا سيد من خلق الله، وأنا خير من جبرئيل وميكائيل وإسرافيل وحملة العرش وجميع الملائكة المقربين وأنبياء الله المرسلين، وأنا صاحب الشفاعة والحوض الشريف، وأنا وعليٌ أبوا هذه الأمة، من عرفنا فقد عرف الله عزوجل، ومن أنكرنا فقد أنكر الله عزوجل، ومن علي سبطا أمتي وسيدا شباب أهل الجنة الحسن والحسين، ومن وُلد الحسين تسعة أئمة طاعتهم طاعتي ومعصيتهم معصيتي تاسعهم قائمهم ومهديهم ().

وعن الحسين بن عبد الله قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: كان رسول الله صلي الله

عليه و اله سيد ولد آدم؟ فقال: كان والله سيد من خلق الله وما برأ الله برية خيرا من محمد صلي الله عليه و اله ().

وقال أبو عبد الله عليه السلام: أتي يهودي النبي صلي الله عليه و اله فقام بين يديه يحد النظر إليه، فقال صلي الله عليه و اله: يا يهودي حاجتك؟

قال: أنت أفضل أم موسي بن عمران النبي الذي كلمه الله وأنزل عليه التوراة والعصا وفلق له البحر وأظله بالغمام؟

فقال له النبي صلي الله عليه و اله: إنه يكره للعبد أن يزكي نفسه ولكني أقول: إن آدم عليه السلام لما أصاب الخطيئة كانت توبته أن قال: اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد لما غفرت لي، فغفرها الله له..

وإن نوحا عليه السلام لما ركب في السفينة وخاف الغرق قال: اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد لما أنجيتني من الغرق، فنجاه الله عنه.

وإن إبراهيم عليه السلام لما ألقي في النار قال: اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد لما أنجيتني منها، فجعلها الله عليه بردا وسلاما..

وإن موسي عليه السلام لما ألقي عصاه وأوجس في نفسه خيفة قال: اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد لما أمنتني، فقال الله جل جلاله لا تَخَفْ إنك أنت الأعلي، يا يهودي إن موسي لو أدركني ثم لم يؤمن بي وبنبوتي ما نفعه إيمانه شيئا ولا نفعته النبوة..

يا يهودي ومن ذريتي المهدي إذا خرج نزل عيسي ابن مريم لنصرته وقدمه وصلي خلفه ().

المؤمنون ونصرة النبي صلي الله عليه و اله

قال تعالي: الّذِينَ يَتّبِعُونَ الرّسُولَ النّبِيّ الاُمّيّ الّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلّ لَهُمُ الطّيّبَاتِ وَيُحَرّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأغْلاَلَ الّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالّذِينَ آمَنُواْ

بِهِ وَعَزّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتّبَعُواْ النّورَ الّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلََئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون ().

تبين هذه الآية الشريفة وظيفة المؤمنين تجاه بعثة الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله وشخصه الكريم الذي أحل لهم الطيبات وكان سبباً لهدايتهم إلي نور الإسلام، فمن اللازم عليهم أن ينصروه ويؤازروه.

قال سبحانه: لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رّحِيمٌ ? فَإِن تَوَلّوْاْ فَقُلْ حَسْبِيَ اللّهُ لآ إِلََهَ إِلاّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكّلْتُ وَهُوَ رَبّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ().

إن الناس إذا تولوا عن الرسول صلي الله عليه و اله وأعرضوا عنه، فإنهم قد أضروا بأنفسهم، وخسروا الدنيا والآخرة، ولم يضروا النبي صلي الله عليه و اله شيئا.

لَقَدْ جَاءكُمْ أيها البشر، أو أيها المؤمنون رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ أي من جنس نفوسكم، وهو محمد صلي الله عليه و اله.

وهذا تحريض لإتباعه والأخذ بأمره، حيث إنه من أنفسهم عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ أي: صعب عليه عنَتَكم()، وما يلحق بكم من الضرر والأذي..

حَرِيصٌ عَلَيْكُم أي علي حفظكم وتقدمكم وسعادتكم، فلستم بهيّنين عليه حتي لا يهمّه أمركم، ويُلقي بكم في المهالك اعتباطاً، فإذا أمركم بأمر فإن فيه سعادتكم وخيركم؛ لأنه جاء من المُشفق الحريص علي شؤونكم، فهو بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ والرأفة شدة الرحمة، وهو رَّحِيمٌ للتأكيد وتفهيم من لا يفهم معني الرؤوف، فهو وصف توضيحي من قبيل سعدانة نبت ().

قال الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الأنصاري(): قال رسول الله صلي الله عليه و اله:

أنا أشبه الناس بآدم عليه السلام.. وإبراهيم عليه السلام أشبه الناس بي خلقة وخلقة، وسمّاني الله عزوجل من فوق عرشه عشرة أسماء، وبين الله وصفي، وبشر بي علي لسان كل رسول بعثه إلي قومه، وسماني ونشر في التوراة اسمي، وبث

ذكري في أهل التوراة والإنجيل وعلمني كتابه، ورفعني في سمائه، وشق لي اسماً من أسمائه: فسمّاني محمداً وهو محمود، وأخرجني في خير قرن من أمتي، وجعل اسمي في التوراة أحيد، وهو من التوحيد، فبالتوحيد حرم أجساد أمتي علي النار، وسمّاني في الإنجيل أحمد، فأنا محمود في أهل السماء، وجعل أمتي الحامدين، وجعل اسمي في الزبور ماح، محا الله عزوجل بي من الأرض عبادة الأوثان، وجعل اسمي في القرآن محمداً، فأنا محمود في جميع القيامة في فصل القضاء لا يشفع أحد غيري ()، وسمّاني في القيامة حاشر، يحشر الناس علي قدمي، وسمّاني الموقف، أوقف الناس بين يدي الله جل جلاله، وسماني العاقب أنا عقب النبيين ليس بعدي رسول، وجعلني رسول الرحمة، ورسول التوبة، ورسول الملاحم، والمقفّي قفيت النبيين جماعة، وأنا القيم الكامل الجامع، ومنَّ عليَّ ربي وقال: يا محمد (صلي الله عليك) قد أرسلت كل رسول إلي أمته بلسانها، وأرسلتك إلي كل أحمر وأسود من خلقي، ونصرتك بالرعب الذي لم أنصر به أحداً، وأحللت لك الغنيمة ولم تحل لأحد قبلك، وأعطيت لك ولأمتك كنزاً من كنوز عرشي، (فاتحة الكتاب) وخاتمة سورة البقرة، وجعلت لك ولأمتك الأرض كلها مسجداً، وترابها طهوراً، وأعطيت لك ولأمتك التكبير، وقرنت ذكرك بذكري حتي لا يذكرني أحد من أمتك إلا ذكرك مع ذكري، طوبي لك يا محمد ولأمتك ().

وهكذا بعث رسول الله محمد صلي الله عليه و اله خاتم النبيين، فلا نبي بعده، قال تبارك وتعالي: مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ (). أي آخرهم، فقد ختمت به النبوة، ولذا يلزم عليه أن يُبطل كل ما يخالف الصلاح العام، ويقدم برنامجا متكاملا لسعادة الإنسان إلي يوم

القيامة، فإنه صلي الله عليه و اله ليس كسائر الأنبياء الذين تقدموا، فإن رسالتهم كانت مؤقتة ولكن رسالة نبي الإسلام صلي الله عليه و اله خالدة إلي يوم يبعثون.

وفعلاً قد بلّغ رسول الله صلي الله عليه و اله كل ما كان عليه أن يبلّغه، وختم الدين والإسلام وأكمله بولاية أمير المؤمنين علي عليه السلام حتي نزلت الآية الكريمة: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الأِسْلاَمَ دِيناً ().

عن أبي جعفر الباقر عليه السلام أنه قال:

لما حضر النبي صلي الله عليه و اله الوفاة نزل جبرئيل عليه السلام فقال له جبرئيل: يا رسول الله، هل لك في الرجوع؟

قال: لا، قد بلغت رسالات ربي.

ثم قال له: يا رسول الله، أتريد الرجوع إلي الدنيا؟

قال: لا بل الرفيق الأعلي.

ثم قال رسول الله صلي الله عليه و اله للمسلمين وهم مجتمعون حوله: أيها الناس، إنه لا نبي بعدي، ولا سنة بعد سنتي، فمن ادعي ذلك فدعواه وبدعته في النار، ومن ادعي ذلك فاقتلوه ومن اتبعه، فإنهم في النار. أيها الناس، أحيوا القصاص، وأحيوا الحق، ولا تفرقوا، وأسلموا وسلموا تسلموا، كَتَبَ اللهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ () ().

وبالاضافة إلي كل تلك المقامات والصفات التي اتسم صلي الله عليه و اله بها في الحسابات الإلهية، فإنه يُعدّ في الحسابات الإنسانية أيضاً الشخص الأول في هذا الوجود، ويحتل موقع الصدارة، وقد شهد بذلك لسان الماضي والحاضر، وكذلك سيشهد له لسان المستقبل، ولا فرق في ذلك بين الأعداء والأصدقاء، وهذه هي نظرة غير المسلمين إليه أيضاً (صلوات الله وسلامه عليه)، إذ كتب رجل مسيحي عن ذلك فقال: إن الدنيا ولدت مائة وجه مضيء علي رأس تلكم المائة نبي الإسلام

محمد صلي الله عليه و اله.

سبب شهرة نبي الإسلام صلي الله عليه و اله

لقد قام رسول الله صلي الله عليه و اله بأهم أربعة أعمال، كانت بأعلي مستويات الإنجاز، ولعلها كانت هي السبب وراء شهرته بين الأمم واحترامهم له، فإنه صلي الله عليه و اله وبغض النظر عن كونه خاتم الأنبياء عليهم السلام وهادي السبيل، والنبي المعصوم، وأفضل أهل الأرض، فإنه يعد أقدس شخصية يكنّ لها العالم المسلم وغير المسلم من المنصفين كامل الاحترام والتبجيل، وذلك بسبب ما قدمه للعالم من عطاء باعث علي الإجلال والتعظيم. أما تلك الأعمال الأربعة فهي:

أولاً: الإسلام والقرآن الكريم والعترة

أولاً: الإسلام والقرآن الكريم والعترة

قال تبارك وتعالي: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ()

إن الإسلام والقرآن والعترة الطاهرة أفضل هدية قدمها رسول الله صلي الله عليه و اله للبشرية جمعاء.

إن الرسول الأكرم صلي الله عليه و اله هو النبي الوحيد الذي استطاع أن يوصل رسالته السمحاء لكل العالم..

وفضل هذه الرسالة وأهميتها قد لا يدركه الكثير من المسلمين إذ حالهم في ذلك كمثل سمكة صغيرة جاءت إلي سمكة كبيرة تسألها، أين الماء؟ في حين أنها تعيش في الماء، لكنها لم تعرف قدر الماء إلا بعدما وقعت في شبك الصياد وألقاها خارج الماء.

ونحن المسلمون كذلك؛ لأننا منذ الولادة عشنا في أحضان الإسلام الحبيب، وأحضان القرآن الكريم الذي أنزل علي النبي الأعظم صلي الله عليه و اله وفي مدرسة أهل البيت عليهم السلام وسنبقي علي الإسلام والإيمان إن شاء الله، حتي الرمق الأخير. لذا فإن العديد منا لايعرف قيمة هذا الدين العظيم، ولاقيمة هذا القرآن المجيد، ولاقدر هذا المذهب الحق الذي هدانا الله إليه، حق قدره وحق معرفته؛ ولذا تجد بعض المسلمين يشرق ويغرب في أفكاره ومبادئه، وربما يترك تعاليم هذا الدين القويم، ويترك معارف القرآن العظيم، مع

أنه الأساس في بناء الحضارة الإسلامية والعالمية، والتي أنقذت العالم والإنسانية من الويلات، ودفعته إلي التقدم الهائل في جميع أبعاد الحياة المختلفة، وهذا باعتراف الكثير من غير المسلمين أيضاً.

روايات حول القرآن

وقد ورد في فضل القرآن الكريم عن الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله قوله: إن هذا القرآن مأدبة الله، فتعلموا مأدبته ما استطعتم، إن هذا القرآن حبل الله وهو النور البين، والشفاء النافع، عصمة لمن تمسك به، ونجاة لمن تبعه ().

وقال أمير المومنين عليه السلام: وتعلموا القرآن، فإنه أحسن الحديث، وتفقهوا فيه فإنه ربيع القلوب، واستشفوا بنوره فإنه شفاء الصدور، وأحسنوا تلاوته فإنه أنفع القصص، وإن العالم العامل بغير علمه كالجاهل الحائر الذي لا يستفيق من جهله، بل الحجة عليه أعظم، والحسرة له ألزم، وهو عند الله ألوم ().

وقال الإمام الرضا عليه السلام: هو حبل الله المتين، وعروته الوثقي وطريقته المثلي، المؤدي إلي الجنة، والمنجي من النار، لا يخلق علي الأزمنة، ولا يغث علي الألسنة، لأنه لم يجعل لزمان دون زمان، بل جعل دليل البرهان، والحجة علي كل إنسان، لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ () ().

روايات حول العترة عليهم السلام

قال رسول الله صلي الله عليه و اله: أهل بيتي فيكم كسفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق ().

وقال صلي الله عليه و اله: إني تارك فيكم خليفتين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فإنهما لن يفترقا حتي يردا عليّ الحوض ().

سر النجاح

نعم، إن القرآن والإسلام والعترة، هي التي أوجدت في المسلمين الروح المعنوية العالية، والإيمان بالله واليوم الآخر، والخوف من النار والرغبة بالجنة، والترغيب والحث علي التحلي بالأخلاق الحميدة.

وهي أول مبعث لانطلاق المسلمين، تلك الانطلاقة المذهلة التي اعترف الغرب والشرق بأنها كانت وراء النهضة العلمية في الغرب، وبأن المسلمين هم أساس العلم الحديث.

ولكن ومع الأسف نحن المسلمين تركنا الإسلام، وتركنا القرآن وتركنا العترة الطاهرة، وسيأتي يوم نندم علي ذلك ولكن الوقت قد فات لا سامح الله وأن كل شيء قد انتهي.

وهذه الحقيقة قد يلمسها الإنسان عندما يصل به العمر إلي آخر مرحلة من مراحل حياته في هذه الدنيا، وحينها لا يفيد الندم، علي ما ضيع أيام قوته وشبابه، فعن رسول الله صلي الله عليه و اله أنه قال لابن مسعود: يا ابن مسعود: أكثر من الصالحات والبر، فإن المحسن والمسيء يندمان، يقول المحسن: يا ليتني ازددت من الحسنات، ويقول المسيء قصّرت، وتصديق ذلك قوله تعالي: وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ () (). وعلي الإنسان أن يسأل الله سبحانه وتعالي أن يجعله ممن لاتبطره نعمة، ولا تقصّر به عن طاعة ربّه غاية، ولا تحل به بعد الموت ندامة وكآبة.

حقيقة الإسلام

يقول الله تبارك وتعالي: وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ().

وقال أمير المؤمنين عليه السلام: لأنسبن الإسلام نسبة لم ينسبه أحد قبلي ولا ينسبه أحد بعدي إلاّ بمثل ذلك: إن الإسلام هو التسليم، والتسليم هو اليقين، واليقين هو التصديق، والتصديق هو الإقرار، والإقرار هو العمل، والعمل هو الأداء ().

وقال عليه السلام: إن الله تعالي خصّكم بالإسلام واستخلصكم له؛ وذلك لأنه اسم سلامة وجماع كرامة، اصطفي الله تعالي منهجه وبيّن حججه، من ظاهر

علم وباطن حكم، لا تفني غرائبه ولاتنقضي عجائبه، فيه مرابيع النعم ومصابيح الظلم، لا تفتح الخيرات إلاّ بمفاتيحه، ولاتكشف الظلمات إلا بمصابيحه، قد أحمي حماه وأرعي مرعاه، فيه شفاء المستشفي وكفاية المكتفي ().

لقد دلت الآيات الكريمة والروايات الشريفة علي تأكيد حقيقة الإسلام وبيان كماله، فمن كلام لأمير المؤمنين عليه السلام قال:

لا شرف أعلي من الإسلام.. ().

وقال أمير المؤمنين عليه السلام في وصف النبي صلي الله عليه و اله: ابتعثه بالنور المضي ء والبرهان الجلي والمنهاج البادي والكتاب الهادي، أسرته خير أسرة، وشجرته خير شجرة، أغصانها معتدلةٌ، وثمارها متهدلةٌ، مولده بمكة، وهجرته بطيبة، علا بها ذكره، وامتد منها صوته، أرسله بحجة كافية، وموعظة شافية، ودعوة متلافية()، أظهر به الشرائع المجهولة، وقمع به البدع المدخولة، وبيّن به الأحكام المفصولة()، فمن يبتغ غير الإسلام ديناً تتحقق شقوته، وتنفصم عروته، وتعظم كبوته()، ويكن مآبه() إلي الحزن الطويل والعذاب الوبيل.. ().

وقالت الصديقة فاطمة عليها السلام في خطبتها: أنتم عباد الله نصب أمره ونهيه، وحملة دينه ووحيه، وأمناء الله علي أنفسكم، وبلغاءه إلي الأمم، زعيم حق له فيكم، وعهد قدمه إليكم، وبقية استخلفها عليكم، كتاب الله الناطق، والقرآن الصادق، والنور الساطع والضياء اللامع، بينة بصائره، منكشفة سرائره، منجلية ظواهره، مغتبطة به أشياعه، قائدا إلي الرضوان اتباعه، مؤد إلي النجاة استماعه، به تنال حجج الله المنورة، وعزائمه المفسرة، ومحارمه المحذرة، وبيناته الجالية، وبراهينه الكافية، وفضائله المندوبة، ورخصه الموهوبة، وشرائعه المكتوبة، فجعل الله الإيمان تطهيراً لكم من الشرك، والصلاة تنزيهاً لكم عن الكبر، والزكاة تزكية للنفس ونماء في الرزق، والصيام تثبيتاً للإخلاص، والحج تشييداً للدين، والعدل تنسيقا للقلوب، وطاعتنا نظاما للملة، وإمامتنا أمانا للفرقة، والجهاد عزا للإسلام، والصبر معونة علي استيجاب الأجر، والأمر بالمعروف

مصلحة للعامة، وبر الوالدين وقاية من السخط، وصلة الأرحام منسأة في العمر ومنماةً للعدد، والقصاص حقنا للدماء، والوفاء بالنذر تعريضا للمغفرة، وتوفية المكاييل والموازين تغييرا للبخس، والنهي عن شرب الخمر تنزيها عن الرجس، واجتناب القذف حجابا عن اللعنة، وترك السرقة إيجابا للعفة، وحرم الله الشرك إخلاصا له بالربوبية، فاتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، وأطيعوا الله فيما أمركم به ونهاكم عنه، فإنه إنما يخشي اللهَ من عباده العلماءُ.. ().

وقال أمير المؤمنين عليه السلام في القرآن:

كتاب ربكم فيكم، مبيناً حلاله وحرامه، وفرائضه وفضائله، وناسخه ومنسوخه، ورخصه وعزائمه، وخاصه وعامه، وعبره وأمثاله، ومرسله ومحدوده، ومحكمه ومتشابهه، مفسراً مجمله، ومبيناً غوامضه، بين مأخوذ ميثاق علمه، وموسع علي العباد في جهله، وبين مثبت في الكتاب فرضه، ومعلوم في السنة نسخه، وواجب في السنة أخذه، ومرخص في الكتاب تركه، وبين واجب بوقته، وزائل في مستقبله، ومباين بين محارمه، من كبير أوعد عليه نيرانه، أو صغير أرصد له غفرانه، وبين مقبول في أدناه، موسع في أقصاه ().

ومن الواضح، أن الإسلام بهذه القيم والمعارف والعظمة، والتعاليم المنطقية والتي تتطابق مع فطرة البشر، يبعث علي احترامه واحترام رسوله صلي الله عليه و اله وتبجيله، حتي عند غير المسلمين الذين يؤمنون بالمقاييس الإنسانية المجردة عن الاعتبارات السماوية. وهل يعرف العالم أسمي من الإسلام في الإنسانية!!

ثانياً: الأحكام العادلة

الثاني مما أنجزه رسول الله صلي الله عليه و اله: بيان الأحكام والشريعة العادلة، والملبية لجميع حاجات البشر، والتي لا تخالف فطرة الإنسان، مضافا إلي كونها مستوعة لمختلف مجالات الحياة.

قال تبارك وتعالي: وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًي وَرَحْمَةً وَبُشْرَي لِلْمُسْلِمِينَ ().

وقال أبو عبد الله عليه السلام: إني لأعلم ما في السماوات، وما في الأرض،

وأعلم ما في الجنة، وأعلم ما في النار، وأعلم ما كان وما يكون، قال: ثم مكث هنيئة، فرأي أن ذلك كبر علي من سمعه منه، فقال: علمت ذلك من كتاب الله عزوجل، إن الله عزوجل يقول: فيه تبيان كل شي ء ().

إن النبي الأعظم صلي الله عليه و اله جاء بدين يحتوي علي كل الأحكام التي تتطلبها الحياة، من الطهارة البدنية والروحية، وإلي آخر ما يحتاجه الإنسان في مسائله الشخصية والعائلية والاجتماعية من حدود وتعزيرات، وديات، واقتصاد، وسياسة، واجتماع.. فأحكام الإسلام هي الوحيدة التي تعد كاملة ومستوعبة لكل جوانب الإنسان، وكل الأحكام الأخري التي جاءت بها الديانة المسيحية والديانة اليهودية التي سبقته بزمن، كانت ناقصة لم تستوعب كل الحياة، فضلاً عن تحريفها وخلطها بالأباطيل، ومعلوم أن الأحكام الكاملة تشير إلي كمال صاحبها أيضاً، مما يدعو إلي تقديسه واحترامه. وهذا هو السبب الثاني للمكانة العالية لرسول الله صلي الله عليه و اله بين جميع البشر.

ثالثاً: الأمة الواحدة

ثالثاً: الأمة الواحدة

العمل الثالث الذي تفرد به رسول الله صلي الله عليه و اله هو أنه استطاع خلال (23سنة) فقط أن يخلق من المسلمين أمة واحدة موحدة، في الوقت الذي كانت الفرقة والتقاليد البالية والعصبيات الجاهلية هي الغالبة السائدة، مضافا إلي أن المسلمين كانوا من مختلف القبائل والقوميات فوحدهم رسول الله صلي الله عليه و اله تحت راية الإسلام.

الوصي عليه السلام يصف البعثة

وقد وصف أمير المؤمنين عليه السلام الحال قبل البعثة النبوية الشريفة، فقال عليه السلام:..إلي أن بعث الله سبحانه محمداً رسول الله صلي الله عليه و اله لإنجاز عدته، وإتمام نبوته، مأخوذاً علي النبيين ميثاقه، مشهورةً سماته، كريماً ميلاده، وأهل الأرض يومئذ ملل متفرقة، وأهواء منتشرة، وطرائق متشتتة، بين مشبه لله بخلقه، أو ملحد في اسمه، أو مشير إلي غيره، فهداهم به صلي الله عليه و اله من الضلالة، وأنقذهم بمكانه من الجهالة، ثم اختار سبحانه لمحمد صلي الله عليه و اله لقاءه، ورضي له ما عنده، وأكرمه عن دار الدنيا، ورغب به عن مقام البلوي، فقبضه إليه كريماً صلي الله عليه و اله وخلف فيكم ما خلفت الأنبياء في أممها؛ إذ لم يتركوهم هملاً بغير طريق واضح، ولا علم قائم … ().

وقال عليه السلام:.. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالدين المشهور، والعلم المأثور، والكتاب المسطور، والنور الساطع، والضياء اللامع، والأمر الصادع؛ إزاحةً للشبهات، واحتجاجاً بالبينات، وتحذيراً بالآيات، وتخويفاً بالمثلات، والناس في فتن انجذم فيها حبل الدين، وتزعزعت سواري اليقين، واختلف النجر، وتشتت الأمر، وضاق المخرج، وعمي المصدر، فالهدي خامل، والعمي شامل، عصي الرحمن، ونصر الشيطان، وخذل الإيمان، فانهارت دعائمه، وتنكرت معالمه، ودرست سبله، وعفت شركه، أطاعوا الشيطان فسلكوا مسالكه، ووردوا مناهله، بهم سارت أعلامه، وقام لواؤه في

فتن داستهم بأخفافها، ووطئتهم بأظلافها، وقامت علي سنابكها، فهم فيها تائهون حائرون جاهلون مفتونون، في خير دار وشر جيران، نومهم سهود وكحلهم دموع، بأرض عالمها ملجم وجاهلها مكرم ().

وقال عليه السلام في خطبة أخري: إن الله بعث محمداً صلي الله عليه و اله نذيراً للعالمين وأميناً علي التنزيل، وأنتم معشر العرب علي شر دين، وفي شر دار، منيخون بين حجارة خشن، وحيات صم، تشربون الكدر، وتأكلون الجشب، وتسفكون دماءكم، وتقطعون أرحامكم، الأصنام فيكم منصوبة، والآثام بكم معصوبة.().

الصديقة عليها السلام تصف البعثة

وقالت السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام: أيّها الناس، اعلموا أنّي فاطمة وأبي محمّد صلي الله عليه و اله … وكُنْتُمْ عَلي شَفا حُفْرَةٍ مِنَ

النَّارِ ()، مذقة الشارب، ونهزة الطامع، وقبسة العجلان، وموطئ الأقدام، تشربون الطرق، وتقتاتون الورق، أذلّة خاسئين،

تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ () من حولكم، فأنقذكم اللّه تبارك وتعالي بمحمّد صلي الله عليه و اله بعد اللتيا والّتي.. ().

وقالت عليها السلام في بداية خطبتها: الحمد لله علي ما أنعم وله الشكر علي ما ألهم.. ثم جعل الثواب علي طاعته ووضع العقاب علي معصيته، ذيادةً لعباده من نقمته، وحياشة لهم إلي جنته، وأشهد أن أبي محمدا عبده ورسوله، اختاره قبل أن أرسله، وسماه قبل أن اجتباه، واصطفاه قبل أن ابتعثه، إذ الخلائق بالغيب مكنونة، وبستر الأهاويل مصونة، وبنهاية العدم مقرونة، علما من الله تعالي بمآيل الأمور، وإحاطة بحوادث الدهور، ومعرفة بمواقع الأمور، ابتعثه الله إتماما لأمره، وعزيمةً علي إمضاء حكمه، وإنفاذا لمقادير رحمته، فرأي الأمم فرقا في أديانها، عكفا علي نيرانها، عابدةً لأوثانها، منكرةً لله مع عرفانها، فأنار الله بأبي محمد صلي الله عليه و اله ظلمها، وكشف عن القلوب بهمها، وجلي عن الأبصار غممها، وقام في الناس بالهداية،

فأنقذهم من الغواية، وبصرهم من العماية، وهداهم إلي الدين القويم، ودعاهم إلي الطريق المستقيم، ثم قبضه الله إليه قبض رأفة واختيار ورغبة وإيثار.. ().

من بركات البعثة

البشرية كانت محرومة من العدالة والمساواة في الإنسانية والمساواة أمام القانون، وفي ذلك العالم المليئ بالظلم والطبقية، وفي ذلك المحيط الجاهلي أسس الرسول صلي الله عليه و اله مبدأ العدالة والمساواة، فلا فضل لعربي علي أعجمي إلا بالتقوي، وبهذه الوسيلة استطاع أن يجمع حوله مختلف أفراد المجتمع، ويوحدهم تحت لواء واحد، وعقيدة واحدة. ومن المعلوم أن توحيد الكلمة بين أناس متفرقين متشتتين من أعظم الأعمال التي يستحق صاحبها التعظيم.

التعامل الإنساني مع الكل

ومن بركات البعثة النبوية الشريفة: الحث علي التعامل الإنساني مع الكل حتي مع غير المسلمين.

ولقد كانت معاملة النبي صلي الله عليه و اله مع سائر الفئات غير المسلمة، من أفضل المعاملات الإنسانية، فقد كان يحترم الجميع ويعايشهم بحسن الجوار والتزاور وعيادة المرضي والمناظرة والمحاورة والعطف والمحبة والوفاء بالعهود وقضاء حوائجهم والدعاء لهم والذب عنهم …

ولم يكن ذلك مع المسلمين فقط، بل حتي مع غير المسلمين، حتي ورد عنه صلي الله عليه و اله: من أخذ شيئاً من أموال أهل الذمة ظلماً فقد خان الله ورسوله وجميع المؤمنين ().

وقال رسول الله صلي الله عليه و اله: لا تدخلوا علي نساء أهل الذمة إلا بإذن ().

فمن الواضح، أن هذه الأعمال جعلت تلك الفئات تتشوق إلي الدخول في الدين الحنيف الذي جاء به رسول الله صلي الله عليه و اله وبذلك استطاع رسول الله صلي الله عليه و اله من توسيع القاعدة الإسلامية وجمع عدد كبير من الناس حوله، ونشر الإسلام بين البشرية علي أوسع نطاق وفي أقصر مدة.

وهذه بعض الشواهد، التي تعكس عظمة الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله وفضله العظيم علي الإنسانية:

يهودي يحبس رسول الله صلي الله عليه و اله!

روي عن أمير المؤمنين عليه السلام: أن يهودياً يقال له: حويحر، كان له علي رسول الله صلي الله عليه و اله دنانير، فتقاضي النبي صلي الله عليه و اله، فقال صلي الله عليه و اله له: يا يهودي، ما عندي ما أعطيك!

فقال: إني لا أفارقك يا محمد حتي تعطيني.

فقال صلي الله عليه و اله: إذاً أجلسُ معك، فجلس معه، فصلي رسول الله صلي الله عليه و اله في ذلك الموضع الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة والغداة، وكان أصحاب رسول الله صلي الله عليه

و اله يتهددونه ويتوعدونه، ففطن رسول الله صلي الله عليه و اله فقال: ما الذي تصنعون به؟

فقالوا: يا رسول الله يهودي يحبسك؟!

فقال صلي الله عليه و اله: نهي تبارك وتعالي أن أظلم معاهداً ولا غيره. فلما ترحل النهار قال اليهودي: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وشطر مالي في سبيل الله. أما والله ما فعلت بك الذي فعلت، إلا لأنظر إلي نعتك في التوراة، فإني قرأت في التوراة: محمد بن عبد الله مولده بمكة ومهاجره بطيبة وملكه بالشام، وليس بفظ ولا غليظ ولا سخاف في الأسواق ولا مرس بالفحش، ولا قول الخطأ، أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، وهذا مالي فاحكم فيه بما أراك الله تعالي، وكان اليهودي كثير المال ().

أخلاقيات البعثة

فبهذا السلوك العظيم والأخلاق الرفيعة استطاع الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله أن يخلق أمة واحدة عظيمة، بهرت التاريخ وحيّرت العقول، حتي أن الله سبحانه وتعالي وصفهم قبل الإسلام بالجاهلية، ثم عاد فوصفهم بعد الإسلام ب (خير الأمم) حيث يقول القرآن الكريم: كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُم مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ ().

وقال الإمام الصادق عليه السلام: ما صافح رسول الله صلي الله عليه و اله رجلاً قط فنزع يده حتي يكون هو الذي ينزع يده منه ().

وعن أنس بن مالك قال: كان رسول الله صلي الله عليه و اله إذا فقد الرجل من إخوانه ثلاثة أيام سأل عنه، فإن كان غائباً دعا له، وإن كان شاهداً زاره، وإن كان مريضاً عاده().

وعن أنس بن مالك قال: إن النبي صلي الله عليه و

اله أدركه أعرابي فأخذ بردائه، فجبذه جبذة شديدة حتي نظرت إلي صفحة عنق رسول الله صلي الله عليه و اله وقد أثرت به حاشية الرداء من شدة جبذته، ثم قال له:

يا محمد، مر لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه رسول الله صلي الله عليه و اله فضحك، وأمر له بعطاء().

وعن أبي سعيد الخدري قال: كان رسول الله صلي الله عليه و اله حييا لا يُسأل شيئا إلا أعطاه.

وعنه أيضاً قال: كان رسول الله صلي الله عليه و اله أشد حياءً من العذراء في خدرها، وكان إذا كره شيئاً عرفناه في وجهه().

وعن أبي ذر قال: كان رسول الله صلي الله عليه و اله يجلس بين ظهراني أصحابه فيجي ء الغريب فلا يدري أيهم هو حتي يسأل، فطلبنا إلي النبي صلي الله عليه و اله أن يجعل مجلساً يعرفه الغريب إذا أتاه، فبنينا له دكاناً من طين وكان يجلس عليه ونجلس بجانبيه().

وعن أنس بن مالك قال: صحبت رسول الله صلي الله عليه و اله عشر سنين، وشممت العطر كله فلم أشم نكهة أطيب من نكهته ().

وعن ابن عباس عن النبي صلي الله عليه و اله قال: أنا أديب الله وعلي عليه السلام أديبي، أمرني ربي بالسخاء والبر، ونهاني عن البخل والجفاء، وما شي ء أبغض إلي الله عزوجل من البخل وسوء الخلق، وإنه ليفسد العمل كما يفسد الطين العسل ().

وكان أمير المؤمنين عليه السلام إذا وصف رسول الله صلي الله عليه و اله قال: كان أجود الناس كفاً، وأجرأ الناس صدراً، وأصدق الناس لهجةً، وأوفاهم ذمةً، وألينهم عريكةً، وأكرمهم عشرةً، ومن رآه بديهة هابه ومن خالطه فعرفه أحبه، لم أر مثله قبله ولا بعده ().

وروي عن الصادق

عليه السلام: إن رسول الله صلي الله عليه و اله أقبل إلي الجعرانة فقسم فيها الأموال وجعل الناس يسألونه ويعطيهم، حتي ألجئوه إلي الشجرة، فاُخذت برده وخُدشت ظهره حتي رحلوه عنها، وهم يسألونه، فقال: أيها الناس، ردوا علي بردي، والله لو كان عندي عدد شجر تهامة نعما لقسمته بينكم، ثم ما ألفيتموني جبانا ولا بخيلا، ثم خرج من الجعرانة في ذي القعدة، قال: فما رأيت تلك الشجرة إلا خضراء كأنما يرش عليها الماء.()

وعن بحر السقاء قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام: يا بحر، حسن الخلق يُسر ثم قال: ألا أخبرك بحديث ما هو في يدي أحد من أهل المدينة؟.

قلت: بلي.

قال: بينا رسول الله صلي الله عليه و اله ذات يوم جالس في المسجد إذ جاءت جارية لبعض الأنصار وهو قائم، فأخذت بطرف ثوبه، فقام لها النبي صلي الله عليه و اله فلم تقل شيئاً ولم يقل لها النبي صلي الله عليه و اله شيئاً، حتي فعلت ذلك ثلاث مرات، فقام لها النبي صلي الله عليه و اله في الرابعة، وهي خلفه فأخذت هدبةً من ثوبه، ثم رجعت فقال لها الناس: فعل الله بك وفعل، حبست رسول الله صلي الله عليه و اله ثلاث مرات لا تقولين له شيئاً، ولا هو يقول لك شيئاً، ما كانت حاجتك إليه؟

قالت: إن لنا مريضاً فأرسلني أهلي لآخذ هدبةً من ثوبه ليستشفي بها، فلما أردت أخذها رآني، فقام فاستحييت منه أن آخذها وهو يراني، وأكره أن أستأمره في أخذها فأخذتها.()

وهكذا كان رسول الله صلي الله عليه و اله قمة في الأخلاق الطيبة حتي قبل بعثته الشريفة.

عن أبي الحميساء قال: بايعت النبي صلي الله عليه و اله قبل أن

يبعث، فواعدته مكاناً فنسيته يومي والغد، فأتيته يوم الثالث فقال صلي الله عليه و اله:

يا فتي، لقد شققت عليّ؛ أنا ها هنا منذ ثلاثة أيام ().

التأسي برسول الله صلي الله عليه و اله

وهكذا يلزم علي المسلمين، أن يتأسوا برسول الله صلي الله عليه و اله في حسن تعامله مع جميع الناس حتي مع الكفار، فتكون معاملتهم ومعاشرتهم في هذا العصر أيضا معاشرة مبتنية علي أسس الحكمة والموعظة الحسنة، وإن كان الكفر قد فتح أفواهه من كل جانب لابتلاع الإسلام والمسلمين، وسحقهم وإبادتهم.

كما ينبغي أن تكون سياسة المسلمين اليوم، سياسة الاحتواء والجمع والاغضاء والتشجيع، حتي يعود المسلمون قوة قاهرة، تهدي الأمم للتي هي أقوم كما صنع رسول الله صلي الله عليه و اله.

أما إذا كانت السياسة سياسة إلغاء الآخرين، والتفرقة وعدم الإغضاء.. فهي توجب ضعف المسلمين.

العفو عن القاتل

روي الشيخ الكليني ? في الكافي() عن الإمام الباقر عليه السلام أنه قال: إن رسول الله صلي الله عليه و اله أُتي باليهودية التي سمّت الشاة للنبي صلي الله عليه و اله.. فقال لها: ما حملك علي ما صنعت؟

فقالت: قلت: إن كان نبياً لم يضره، وإن كان ملكاً أرحت الناس منه! قال عليه السلام: فعفا رسول الله صلي الله عليه و اله عنها ().

كما أن رسول الله صلي الله عليه و اله عفا عن وحشي() قاتل عمه

حمزة عليه السلام، وعن هبّار بن الأسود() قاتل ابنته زينب، إلي غير ذلك من أخبار عفوه صلي الله عليه و اله.

تري أي ملك، أو رئيس يعفو عن جرائم كهذه، وهل تجد لهذه القصص في غير الأنبياء والأولياء عليهم السلام مثيلاً؟

نعم، إنه الدين الحنيف، وإنه الارتباط الوثيق بالخالق، وإنه العفو الذي بلغ منتهاه، وبالتالي إنه الإسلام، وإنها أخلاق نبي الإسلام (صلوات الله عليه وعلي آله الطيبين الطاهرين)، فهو الجامع لكل الفضائل والمكرمات. وهو الذي نزل فيه قوله تعالي: وَإِنَّكَ لَعَلي خُلُقٍ عَظِيمٍ ().

فأي عاقل يري هذه المعاني

السامية، متجسدة في شخصية كبيرة وعظيمة، كرسول الله صلي الله عليه و اله ولا يقدسه ويجلّه ويطيعه؟!

رابعا: دولة الرسول صلي الله عليه و اله

رابعا: دولة الرسول صلي الله عليه و اله

الإنجاز الرابع الذي جعل الرسول صلي الله عليه و اله خالدا في التاريخ، ومعظما عند جميع البشر، دولته صلي الله عليه و اله المباركة.

إن الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله استطاع أن يؤسس دولة عالمية كبري، خضعت لها أكثر بقاع الأرض، وقامت علي أركان العدالة والفضيلة والتقوي، وهذا الأمر الذي لم يصنعه حتي أولي العزم من الأنبياء عليهم السلام الذين سبقوه كموسي وعيسي (علي نبينا وآله وعليهما السلام).

ثم إن الإسلام لا يفرق في الانتماء إليه بين أسود وأبيض، بل قال تبارك وتعالي: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَي وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ().

إن رسالة الإسلام تشمل جميع الناس من كل أشكالهم وألوانهم وألسنتهم وأعراقهم، أما اليهودية مثلاً فإنهم لا يقبلون بانتماء أحد إلي دينهم. فإذا أراد إنسان أن يذهب إلي عالم اليهود (الحاخام) () ويتهوّد لا يقبل منه، وسيقال له: إن اليهودي هو الشخص الذي ينحدر عن اليهود، من أصلابهم أو من أم يهودية، لأنهم وبحسب اعتقادهم وادعائهم أَبْنَاء اللهِ، كما قالوا بأن عزيرا ابن الله() …

وفي سورة التوبة: وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ ().

وفي سورة المائدة: وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَي نَحْنُ أَبْنَاء اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ().

أما غير أولئك فلا يحق لهم الدخول في اليهودية، فاليهود يعتقدون أن هذا الفضل مختص بهم، ولا يحظي به أي أحد غيرهم، ولا يحق لأحد أن يشاركهم فيه!!

بعكس دين الإسلام الذي يري الناس سواسية، ويشجع علي دخول كل الناس إليه، ويفسح المجال لكل البشر أن يرتبطوا بربهم في الدعاء والعبادة متي شاؤوا،

وبهذا الانفتاح وهذه النظرة الشمولية ولسائر التعاليم العادلة دخل الناس في الإسلام أفواجاً، حتي قامت دولة الرسول صلي الله عليه و اله علي أسس العدالة والخير والفضيلة.

قال الله تبارك وتعالي: وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَي نَحْنُ أَبْنَاء اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَللهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ? يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَي فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ أَن تَقُولُواْ مَا جَاءنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءكُم بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللهُ عَلَي كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ().

فقوله تعالي: وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَي نَحْنُ أَبْنَاء اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ فإن النبي صلي الله عليه و اله لما حذّرهم نقمة الله وعذابه، فقالوا: نحن أبناؤه، والابن الحبيب لا يخاف من نقمة الأب الودود قُلْ يا رسول الله لهؤلاء المفترين: فَلِمَ يُعَذِّبُكُم الله بِذُنُوبِكُم؟ حيث تعترفون بما حكي القرآن عنهم في آية أخري: وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَعْدُودَةً ()، فإن كنتم أبناءً أحباءً لم يكن معنيً للعذاب، ولعل المراد من (المستقبل): الماضي؛ أي لِمَ عذبكم سابقاً بذنوبكم، حيث جعل منكم القردة والخنازير وأشباه ذلك؟ بَلْ أَنتُم أيها اليهود والنصاري بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ تعالي إن أحسنتم جُوزيتم، وأن أسأتم جُوزيتم، كما يُجازي غيركم من الناس يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ من العاصين وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ منهم؛ لأنه لا بنوّة ولا عواطف خاصة بين الله وبينكم وَللهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ فليس شيء من نفس الله حتي لا يملكه سبحانه كما تدعون أنتم من كونكم أبناءه وَمَا بَيْنَهُمَا من سائر المخلوقات، والمراد بالسماء هنا: الكواكب وما يُري في ناحيتها كما هو المنصرف حتي يتصور ما بينهما، لا جهة العلو

وَإِلَيْهِ سبحانه

الْمَصِيرُ المرجع والمآل، فليس هناك غيره يملك شيء أو يرجع إليه في أمر().

إن الدولة التي أقامها الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله قد تشيّدت في وسط مجتمع كان غارقاً في عبادة الأصنام والأوثان، والظلم والاستبداد، وبين دولتين عظيمتين هما الامبراطورية الساسانية والامبراطورية الرومانية، بحيث حوّل ذلك المجتمع الغارق في وحل الجهل والتخلف واللاقانون، إلي مجتمع نموذجي في العلم والرشد والانضباط، فتبوء المركز الأول في قيادة العالم، دون أن يعوقه اختلاف الناس وتباعدهم في القومية والعادات والثقافات، أو أن يفل من عزمه الامكانيات المتواضعة التي كانت متوفرة بين يديه.

أو ليس من يجمع الناس المتفرقين، المحاطين بالأعداء من كل جانب تحت راية واحدة، ويكوّن منهم دولة قوية تتغلب علي أعدائها يستحق التعظيم والإجلال؟!

مفتاح القوة والضعف

وهنا ربما يخطر هذا السؤال في الأذهان: لماذا آل وضع المسلمين إلي ما هم عليه الآن، من التأخر والتباعد والفرقة والبغضاء فيما بينهم؟!

الجواب: إن السبب يكمن في ضعف المسلمين وابتعادهم عن تعاليم الإسلام ودين النبي صلي الله عليه و اله؛ وإننا نستطيع بواسطة أفعالنا وأساليبنا ورجوعنا إلي الكتاب والعترة أن نبدّل ضعفنا إلي قوة تمكننا من النهوض في هذا العصر، لأن مفتاح القوة والضعف بأيدينا.

يقول أحد المسيحيين: لقد أصبحت المسيحية كالفاكهة البائرة في محلات البيع، ولكي يروجها البائع فقد وضعها في مكان بارز، وسلّط عليها الكثير من الأنوار، حتي صارت براقة تجذب نظر المشتري، بعكس الإسلام الذي هو أشبه بالفاكهة الطازجة الطرية إلا أن صاحبه وضعه في محل مظلم، والناس لا يجتمعون دائماً إلا حول الفاكهة البراقة المغرية، حتي وإن كان داخلها هو خلاف ظاهرها.

وهذا ما أكدته إحدي الصحف العربية حيث ذكر فيها ووفق بعض الإحصائيات أن عدد الذين يعتنقون المسيحية ستون ألف

شخص يومياً في كل أنحاء العالم().

وهذا يعكس لنا حجم التحرك المسيحي..

وقد شاهدت بعض نشاطاتهم في بلادنا الإسلامية، فعندما كنا في الكويت كان عدد المسيحيين فيها مائة نسمة فقط، إلا أنهم كانوا يملكون (26) كنيسة، في حين أن الشيعة الذين كانوا يشكلون ثلث نفوس الكويت لم يكونوا يمتلكون أكثر من (15) مسجداً!، ومن الواضح أن أولئك النفر القلائل كانوا يستخدمون هذا العدد الضخم من الكنائس قياساً إلي عددهم لأغراض التبشير والدعوة إلي المسيحية، أما مساجد المسلمين فكان بعضها مهجوراً، لا يقام فيها أي نشاط.

فالحقيقة أن نور الإسلام لم يضعف إلا أن الذين يوصلون هذا النور هم الذين ضعفوا.

سبب رقي الإسلام أيام الرسول صلي الله عليه و اله

بعد فتح مكة، وخضوع أبي سفيان للأمر الواقع، وحصوله علي الأمان وإعلان رسول الله صلي الله عليه و اله أنه من دخل بيت الله فهو آمن، ومن دخل بيت أبي سفيان فهو آمن، فإن أبا سفيان والذي كان في حرب طويلة الأمد مع رسول الله صلي الله عليه و اله دامت حوالي عشرين عاماً، جاء وأعلن إسلامه في الظاهر وأدي الشهادتين.

يقول الإمام الحسن العسكري عليه السلام: قال علي بن الحسين عليه السلام: لما بعث الله محمداً صلي الله عليه و اله بمكة وأظهر بها دعوته، ونشر بها كلمته، وعاب أديانهم في عبادتهم الأصنام، وأخذوه وأساءوا معاشرته، وسعوا في خراب المساجد المبنية، كانت لقوم من خيار أصحاب محمد صلي الله عليه و اله وشيعته وشيعة علي بن أبي طالب عليه السلام، كان بفناء الكعبة مساجد يحيون فيها ما أماته المبطلون، فسعي هؤلاء المشركون في خرابها، وأذي محمد صلي الله عليه و اله وسائر أصحابه، وألجئوه إلي الخروج من مكة إلي المدينة، التفت صلي الله عليه و اله خلفه إليها

فقال: الله يعلم أني أحبك، ولولا أن أهلك أخرجوني عنك لما آثرت عليك بلدا، ولا ابتغيت عنك بدلا، وإني لمغتم علي مفارقتك. فأوحي الله تعالي إليه: يا محمد، إن العلي الأعلي يقرأ عليك السلام، ويقول: سأردك إلي هذا البلد ظافراً غانما سالما، قادرا قاهرا، وذلك قوله تعالي: إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلي

مَعاد () يعني إلي مكة ظافراً غانماً. وأخبر بذلك رسول الله صلي الله عليه و اله أصحابه، فاتصل بأهل مكة فسخروا منه. فقال الله تعالي لرسوله صلي الله عليه و اله: سوف أظهرك بمكة، وأجري عليهم حكمي، وسوف أمنع عن دخولها المشركين حتي لا يدخلها منهم أحد إلا خائفا، أو دخلها مستخفيا من أنه إن عثر عليه قتل. فلما حتم قضاء الله بفتح مكة استوسقت له أمَّر عليهم عتاب بن أسيد.. ().

فهؤلاء جاءهم النبي صلي الله عليه و اله فاتحاً منتصراً عليهم، تُري ما الذي كان سيفعله إنسان آخر غير النبي صلي الله عليه و اله في موقف كهذا؟ إنه بلا شك سينتقم منهم لما ارتكبوه في حقه وحق أصحابه من جرائم وانتهاكات، فالكفار الذين أصبحوا في قبضته الشريفة كانوا هم الظالمين الذين حاربوا المسلمين، وعلي رأسهم أبو سفيان وهند، وأضرابهما من الرجال والنساء القتلة.

ولكن عندما حمل الراية سعد بن عبادة زعيم الأنصار()، وجعل يسير في طرقات مكة ويهزها منادياً: اليوم يوم الملحمة،اليوم تسبي الحرمة. أرجعه رسول الله صلي الله عليه و اله صاحب الأخلاق الرحمانية، وسجل نقطة مشرفة في تاريخ الإسلام والإنسانية، فأمر علياً عليه السلام أن يحمل الراية بدلاً عن سعد بن عبادة، وأن يغير نداء الوعيد والتهديد والتشديد إلي نداء العفو والوعد بالرحمة والأمن والسلام، حيث أمره أن ينادي

في أهل مكة بلين بعكس ذلك النداء، فنادي علي عليه السلام في طرقات مكة: اليوم يوم المرحمة، اليوم تحمي الحرمة، وفي نص آخر اليوم تصان الحرمة.

ثم جمع النبي صلي الله عليه و اله أهل مكة فنادي فيهم: ما تقولون إني فاعل بكم؟.

قالوا: خيراً، أخ كريم وابن أخ كريم.

فقال صلي الله عليه و اله: أقول لكم كما قال أخي يوسف: لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ ().

ثم قال صلي الله عليه و اله: اذهبوا فأنتم الطلقاء ().

ثم قال: من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وشهد أن محمداً رسول الله، وكف يده، فهو آمن، ومن جلس عند الكعبة ووضع سلاحه فهو آمن،.. من دخل دار أبي سفيان فهو آمن.. ().

وبعد ذلك حدثت واقعة حنين()، فقال رسول الله صلي الله عليه و اله

لأبي سفيان: إنك كنت قبل هذا قائداً لجيش الكفر، فهل أنت علي استعداد لأن أعطيك منصب القيادة لبعض كتائب جيش المسلمين؟ فقبل أبو سفيان ذلك، وسار فعلاً، بكتيبة تعدادها ألف مقاتل من أهل مكة، ضمن جيش الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله إلي حنين().

إن رسول الله صلي الله عليه و اله أراد أن يبين هذه الحقيقة، وهي أن الهدف حينما يكون هو إعلاء كلمة لا إله إلا الله، فهو بحاجة إلي جمع الطاقات، وتوحيد الكلمة، وتوظيف قدرات كل الأفراد، علي اختلاف خصوصياتهم، في سبيل ذلك الهدف، حتي ولو كان كأبي سفيان الذي حارب رسول الله صلي الله عليه و اله عشرين عاماً. وإن الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله عندما يفعل ذلك فإنه يؤدي وظيفة إلهية، بغض النظر عن الجوانب الأخري، من العقل والحكمة وحسن التدبير في إدارة البلاد والعباد ومعاملة الناس وحسن

الأخلاق.

أما مصائر الناس، وعواقب أمورهم، ورشدهم وغيّهم، وحسابهم وكتابهم فهو علي الله، وكل سيحاسب علي نيته ودرجة إيمانه، ولم يكن رسول الله صلي الله عليه و اله مسؤولاً عن محاسبته في الدنيا، فإنما هو مذكر، وليس عليهم بمصيطر، قال تعالي: فَذَكّرْ إِنّمَآ أَنتَ مُذَكّرٌ ? لّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ. سورة الغاشية: 21-22.

التعامل بحسب الظاهر

إن مما يلزم علي الحاكم أن لا يحاسب علي النوايا والخفايا، فلا يصح للقائد أن يتهم القائد شعبه وأصحابه بسوء النوايا والقصد، فإنه لا يمكنه أن يدخل إلي قلوب الناس.

القائد الناجح هو الذي يوحّد شعبه، ويدفع جميع أبنائه لنصرة الحق، أما حقيقة أعمالهم ونواياهم فهي عند الله سبحانه وتعالي؟

فإن السرائر لا يعرفها سوي الله سبحانه، أو من يخبره الله بذلك.

قال تعالي: نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم

بِجَبَّارٍ ().

وعلي الرغم من أن رسول الله صلي الله عليه و اله كان يعلم حقيقة أبي سفيان ونواياه وحقيقة غيره من المنافقين، إلا أنه صلي الله عليه و اله كان يتعامل مع الناس بحسب ظواهرهم لا بواطنهم، وذلك لمقتضي الحكمة الربانية، وأنه صلي الله عليه و اله لم يؤمر بمحاسبة بواطنهم.

لذا فإن المسلمين لو استطاعوا أن ينشروا أخلاق رسول الله صلي الله عليه و اله لأقبل الناس إلي دين الله أفواجاً، ولهرعوا إلي اعتناق الإسلام في مختلف بقاع الأرض ومن شتي المذاهب الأخري.

وقد جاء في بعض الروايات: إن كثيراً من اليهود الذين كانوا في أطراف المدينة دخلوا الإسلام، بسبب ما شاهدوه من علو أخلاق رسول الله صلي الله عليه و اله وعظيم تعاليمه.

وإن الحقيقة التي لا ريب فيها، هي أن الإسلام سوف يأخذ طريقه ليستقر في قلوب الناس وليشمل أكبر بقعة من العالم، إذا سار المسلمون علي

خط رسول الله صلي الله عليه و اله وأهل بيت النبوة ومعدن الرسالة (صلوات الله عليهم أجمعين)، وما ذلك علي الله بعزيز.

أخلاق رسول الله صلي الله عليه و اله

لقد جاءت روايات عديدة تصف أخلاق رسول الله صلي الله عليه و اله وأسلوبه في التعامل مع الناس، منها: ما ورد عن ربيب رسول الله صلي الله عليه و اله ومن فتح عينيه عند الولادة في وجهه صلي الله عليه و اله ولم يفتحها في وجه أحد قبله، وهو الذي غمض النبي صلي الله عليه و اله عينيه في آخر لحظات حياته الكريمة في حجره، ولم يغمضها في حجر أحد غيره، ألا وهو أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام فهو الأعرف برسول الله صلي الله عليه و اله وهو أخوه وربيبه ووصيه، فقد روي عنه عليه السلام أنه قال:

ما صافح رسول الله صلي الله عليه و اله أحداً قط فنزع يده من يده حتي يكون هو الذي ينزع يده. وما فاوضه أحد قط في حاجة أو حديث فانصرف حتي يكون الرجل هو الذي ينصرف. وما نازعه الحديث فيسكت حتي يكون هو الذي يسكت، وما رُئي مقدماً رجله بين يدي جليس له قط ().

وروي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه كان إذا وصف رسول الله صلي الله عليه و اله يقول: كان أجود الناس كفاً، وأجرأ الناس صدراً،وأصدق الناس لهجة، وأوفاهم ذمة، وألينهم عريكة، وأكرمهم عشرة، ومن رآه بديهة هابه، ومن خالطه معرفة أحبه، لم أر قبله ولا بعده مثله صلي الله عليه و اله ().

وكان صلي الله عليه و اله يجالس الفقراء، ويؤاكل المساكين. فعن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: سمعت أبي يحدث عن أبيه عن جده عليهم

السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه و اله: خمس لا أدعهن حتي الممات: الأكل علي الحضيض مع العبيد، وركوبي الحمار مؤكفاً، وحلب العنز بيدي، ولبس الصوف، والتسليم علي الصبيان؛ لتكون سنة من بعدي ().

فمن الضروري لأي داعية ومبلغ إلي الإسلام أن يتحلي بأقصي ما يمكن من مكارم الأخلاق، وسعة الصدر، والمعاملة العطوفة مع الناس، لكي يجلبهم إلي الإسلام، ويثبتهم علي الإسلام راسخي القدم والعقيدة، فإن أفضل العوامل وأعمقها لزرع المحبة في القلوب، هي الأخلاق الفاضلة، والمعاملة الإنسانية العطوفة، فإن ذلك من أعظم مقومات مداراة الناس.

قال الإمام الصادق عليه السلام: جاء جبرئيل عليه السلام إلي النبي صلي الله عليه و اله فقال: يا محمد، ربك يقرئك السلام، ويقول لك دار خلقي ().

وقال صلي الله عليه و اله: أمرني ربي بمداراة الناس، كما أمرني بأداء الفرائض ().

وقال صلي الله عليه و اله: ألا أخبركم بأشبهكم بي؟.

قالوا: بلي يا رسول الله.

قال: أحسنكم خلقاً، وألينكم كنفاً، وأبركم بقرابته، وأشدكم حباً لإخوانه في دينه، وأصبركم علي الحق، وأكظمكم للغيظ، وأحسنكم عفواً، وأشدكم من نفسه إنصافاً في الرضا والغضب ().

وقال أمير المؤمنين عليه السلام: اصطنعوا المعروف تكسبوا الحمد، واستشعروا الحمد يؤنس بكم العقلاء، ودعوا الفضول يجانبكم السفهاء، وأكرموا الجليس تعمر ناديكم، وحاموا عن الخليط يرغب في جواركم، وأنصفوا الناس من أنفسكم يوثق بكم، وعليكم بمكارم الأخلاق فإنها رفعة، وإياكم والأخلاق الدنية فإنها تضع الشريف وتهدم المجد ().

اللهم إنا نسألك المزيد من صلواتك وسلامك علي مصدر الفضائل وينبوع الأخلاق، الذي ظل ماضياً علي إنفاذ أمرك حتي أضاء الطريق للعالمين وهدي الله به القلوب، محمد وآله الطاهرين. اللهم اجعلنا ممن يتخلق بأخلاقه في الدنيا، واجعله اللهم شفيع ذنوبنا في الآخرة.

اللهم صل

علي محمد وآله، واجعل صلواتك وصلوات ملائكتك وأنبيائك والمرسلين وعبادك الصالحين، وأهل السماوات والأرضين، ومن سبح لك يا رب العالمين من الأولين والآخرين، علي محمد عبدك ورسولك ونبيك وأمينك ونجيبك وحبيبك وصفيك وصفوتك وخاصتك وخالصتك وخيرتك من خلقك، وأعطه الفضل والفضيلة والوسيلة والدرجة الرفيعة، وابعثه مقاماً محموداً يغبطه به الأولون والآخرون ().

من هدي القرآن الحكيم

بعثة الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله

وقال سبحانه: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ لاَ إِلَهَ إِلاَ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ().

وقال عز وجل: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَ مُبَشِّراً وَنَذِيراً ? قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلاَ مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَي رَبِّهِ سَبِيلاً ().

وقال جل وعلا: يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ? قُمْ فَأَنْذِرْ ? وَرَبَّكَ

فَكَبِّرْ ().

وقال سبحانه: وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاّ رَحْمَةً لّلْعَالَمِينَ ().

البعثة النبوية ومكارم الأخلاق

قال تعالي: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَي اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ().

وقال سبحانه: ?خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ?().

وقال عز وجل: ?وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ?().

وقال جل وعلا: ?وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ ? وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ?().

البعثة النبوية والمسؤولية

قال تعالي: ?لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ?().

وقال سبحانه: ?فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَي آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً ? إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَي الأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ

أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً?().

وقال عزوجل: طه ? مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَي ().

بعثة الرسول صلي الله عليه و اله والأمة الواحدة

قال جل وعلا: ?إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ?().

وقال سبحانه: ?وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَيَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ? وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَي الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ?().

من هدي السنة المطهرة

بعثة الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله

قال أبو عبد الله عليه السلام: اكتتم رسول الله صلي الله عليه و اله بمكة مستخفياً خائفاً خمس سنين ليس يظهر، وعلي عليه السلام معه وخديجة عليها السلام، ثم أمره الله تعالي أن يصدع بما يؤمر فظهر وأظهر أمره ().

وقال أبو عبد الله عليه السلام: رن() إبليس أربع رنات: أولهن يوم لعن، وحين أهبط إلي الأرض، وحين بُعث محمد صلي الله عليه و اله علي حين فترة من الرسل، وحين أنزلت أم الكتاب، ونخر نخرتين: حين أكل آدم من الشجرة، وحين أهبط من الجنة ().

وقال أبو الحسن الأول عليه السلام: بعث الله عز وجل محمداً صلي الله عليه و اله رحمة للعالمين في سبع وعشرين من رجب، فمن صام ذلك اليوم كتب الله له صبام ستين شهراً.. ().

وقال أمير المؤمنين عليه السلام: إن الله بعث محمداً صلي الله عليه و اله وليس أحد من العرب يقرأ كتاباً، ولا يدّعي نبوة، فساق الناس حتي بوأهم محلتهم()، وبلغهم منجاتهم، فاستقامت قناتهم، واطمأنت صفاتهم ().

بعثة الرسول صلي الله عليه و اله ومكارم الأخلاق

قال أبو عبد الله عليه السلام: إن رسول الله

صلي الله عليه و اله وعد رجلاً إلي صخرة فقال: أنا لك ها هنا حتي تأتي، قال: فاشتدت الشمس عليه، فقال له أصحابه: يا رسول الله، لو أنك تحولت إلي الظل، قال: قد وعدته إلي ها هنا، وإن لم يجئ كان منه المحشر ().

وقال عليه السلام: كان رسول الله صلي الله عليه و اله إذا دخل منزلاً قعد في أدني المجلس إليه حين يدخل ().

وعن الامام الباقر عليه السلام: جاء إلي رسول الله صلي الله عليه و اله ملك فقال: يا محمد، إن ربك يقرئك السلام، وهو يقول لك: إن شئت جعلت لك بطحاء مكة رضراض ذهب، قال: فرفع رأسه إلي السماء فقال: يا رب أشبع يوماً فأحمدك، وأجوع يوماً فأسألك ().

المسؤولية وإقامة الدين

قال رسول الله صلي الله عليه و اله: لو وضعت الشمس في يميني،

والقمر في شمالي، ما تركت هذا القول حتي أنفذه أو أقتل

دونه.. ().

وعن عبد الله بن عباس قال: دخلت علي أمير المؤمنين عليه السلام بذي قار وهو يخصف نعله() فقال لي: ما قيمة هذا النعل؟ فقلت: لا قيمة لها. فقال عليه السلام: والله، لهي أحب إلي من إمرتكم، إلا أن أقيم حقاً أو أدفع باطلاً.. ().

وقال أمير المؤمنين عليه السلام: والله، لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها، علي أن أعصي الله في نملة أسلبها جلب شعيرة () ما فعلته، وإن دنياكم عندي لأهون من ورقة في فم جرادة تقضمها، ما لعلي ولنعيم يفني ولذة لا تبقي.. ().

حقيقة الإسلام

قال رسول الله صلي الله عليه و اله: الإسلام عريان، فلباسه الحياء وزينته الوقار، ومروءته العمل الصالح، وعماده الورع، ولكل شيء أساس وأساس الإسلام حبنا أهل البيت ().

وقال أمير المؤمنين عليه السلام: لأنسبن الإسلام نسبة

لم ينسبها أحد قبلي، الإسلام هو التسليم، والتسليم هو اليقين، واليقين هو التصديق، والتصديق هو الإقرار، والإقرار هو الأداء، والأداء هو العمل ().

وقال الإمام الصادق عليه السلام:

الإسلام يحقن به الدم، وتؤدي به الأمانة، وتستحل به الفروج، والثواب علي الإيمان ().

وقال الإمام الرضا عليه السلام: إن الإمامة زمام الدين ونظام المسلمين وصلاح الدنيا وعز المؤمنين، إن الإمامة أس الإسلام النامي وفرعه السامي.. ().

التأسي بالرسول صلي الله عليه و اله

قال أمير المؤمنين عليه السلام: أحب العباد إلي الله تعالي المتأسي بنبيه صلي الله عليه و اله والمقتص لأثره» ().

وقال عليه السلام: ارض بمحمد صلي الله عليه و اله رائداً وإلي النجاة قائداً ().

وقال عليه السلام: اقتدوا بهدي نبيكم صلي الله عليه و اله فإنه أصدق الهدي، واستنوا بسنته فإنها أهدي السنن ().

وقال عليه السلام: إن ولي محمد صلي الله عليه و اله من أطاع الله وأن بعدت لحمته، وإن عدو محمد صلي الله عليه و اله من عصي الله وإن قربت قرابته ().

پي نوشتها

() سورة التوبة: 122.

() سورة الزمر: 17-18.

() سورة آل عمران: 164.

() بحار الأنوار: ج16 ص353 ب11 ح36 عن الكافي.

() عدد الأنبياء حسب المشهور بين العلماء: 124000 نبي.

() بحار الأنوار: ج11 ص59 ب1 ح67.

() من لا يحضره الفقيه: ج4 ص371 باب النوادر ضمن ح5762.

() كمال الدين: ج1 ص261 ب24 ح7.

() الكافي: ج1 ص440 باب مولد النبي صلي الله عليه و اله … ح1.

() بحار الأنوار: ج16 ص366 ب11 ح72.

() سورة الأعراف 157.

() سورة التوبة: 128 – 129.

() العَنَتُ: دُخُولُ المَشَقَّة علي الإنسان، ولقاءُ الشدَّة؛ يقال: أَعْنَتَ فلانٌ فلاناً إِعناتاً، إِذا أَدْخَل عليه عَنَتاً أَي مَشَقَّةً. وقال ابن الأَثير: العَنَتُ المَشَقَّةُ، والفساد، والهلاك، والإثم، والغلط، والخطأ،

والزنا: كلُّ ذلك قد جاء، وأُطْلِقَ العَنَتُ عليه، وأَعْنَتَه أَوْقَعَه في الهَلَكة. لسان العرب: ج2 ص61 مادة عنت.

() راجع تقريب القرآن الي الأذهان: ج11 ص487 سورة التوبة.

() هو الصحابي الشهير الكبير العظيم الشأن، جابر بن عبد الله بن عمرو بن حزام بن ثعلبة الأنصاري العقبي، شهد العقبة مع السبعين وكان أصغرهم، كنيته أبو عبد الله، وقيل: أبو عبد الرحمن، أما علو مرتبته في صحة العقيدة واستقامة الطريقة وخلوص الانقطاع عن الأقوام إلي أهل البيت (صلي الله عليهم) مما لا إمتراء فيه. قال الشيخ رحمة الله عليه في كتاب الرجال في باب الصحابة: جابر بن عبد الله بن عمرو بن حزام نزل المدينة، شهد بدرا وثمانية عشر غزوة مع النبي صلي الله عليه و اله، مات سنة ثمان وسبعين. وقال الشيخ في باب أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام: جابر بن عبد الله الأنصاري العرني الخزرجي.. وقال في أصحاب أبي محمد الحسن بن علي عليه السلام: جابر بن عبد الله الأنصاري. وكذلك في أصحاب أبي عبد الله الحسين عليه السلام. وقال في أصحاب سيد الساجدين أبي محمد علي بن الحسين عليه السلام: جابر بن عبد الله بن عمرو بن حزام الأنصاري صاحب رسول الله صلي الله عليه و اله. وقال في أصحاب أبي جعفر الباقر محمد بن علي بن الحسين عليه السلام: جابر بن عبد الله بن عمرو بن حزام أبو عبد الله الأنصاري صحابي. وقال رحمة الله عليه في (مصباح المتهجد) في زيارة الأربعين وهو العشرون من صفر: في يوم العشرين منه كان رجوع حرم سيدنا أبي عبد الله الحسين بن علي عليه السلام من الشام إلي مدينة الرسول صلي الله عليه و اله، وهو اليوم

الذي ورد فيه جابر بن عبد الله الانصاري صاحب رسول الله صلي الله عليه و اله من المدينة إلي كربلاء لزيارة قبر أبي عبد الله الحسين عليه السلام، وكان أول من زاره من الناس، وتستحب زيارته عليه السلام وهي زيارة الأربعين. كان له من الولد: عبد الرحمن ومحمد وحميد وميمونة وأم حبيب، ومات سنة ثمان وسبعين وهو ابن أربع وتسعين. وقد كان قدم إلي معاوية بدمشق فلما أذن له قال: يا معاوية، أما سمعت رسول الله صلي الله عليه و اله يقول: من حجب ذا فاقة وحاجة، حجبه الله يوم فاقته وحاجته، فغضب معاوية وقال: وأنت قد سمعته يقول: إنكم ستلقون بعدي إثرة، فاصبروا حتي تردوا علي الحوض فهلا صبرت؟ قال: ذكرتني ما نسيت، وخرج فاستوي علي راحلته، ومضي فوجه إليه معاوية بستمائة دينار، فردها وقال لرسوله: قل: يا بن آكلة الأكباد، والله لا وجدت في صحيفتك سُنة أنا سببها أبداً. اختيار معرفة الرجال: ج1 ص205 اشتراك جابر بن عبد الله بين اثنين.

() أي بالشفاعة الكبري.

() الخصال: ج1 ص425 باب العشرة ح1.

() سورة الأحزاب: 40.

() سورة المائدة: 3.

() سورة المجادلة: 21.

() الأمالي، للشيخ المفيد: ص53 المجلس6 ح15.

() سورة سبأ: 28.

() وسائل الشيعة: ج6 ص168 ب1 ح7648.

() نهج البلاغة، الخطب: 110 من خطبة له عليه السلام في أركان الدين.

() سورة فصلت: 42.

() عيون أخبار الرضا عليه السلام: ج2 ص130 ب35 ح9.

() وسائل الشيعة: ج27 ص34 ب5 ح33145.

() بحار الأنوار: ج23 ص135-136 ب7 ح74 عن إكمال الدين.

() سورة القيامة: 2.

() مكارم الأخلاق: ص454 ب12 ف4 في موعظة رسول الله صلي الله عليه و اله لابن مسعود.

() سورة آل عمران: 85.

() الكافي: ج2 ص45 باب نسبة الإسلام ح1.

()

نهج البلاغة، الخطب: 152 من خطبة له عليه السلام.

() نهج البلاغة، قصار الحكم: 371.

() متلافية: من تلافاه: تداركه بالإصلاح قبل أن يهلكه الفساد، فدعوة النبي صلي الله عليه و اله تلافت أمور الناس قبل هلاكهم.

() المفصولة: التي فصلها الله، أي قضي بها علي عباده.

() الكبوة: السقطة.

() المآب: المرجع.

() نهج البلاغة، الخطب: 161 من خطبة له عليه السلام في صفة النبي صلي الله عليه و اله وأهل بيته عليهم السلام وأتباع دينه، وفيها يعظ بالتقوي.

() الاحتجاج: ج1 ص97 احتجاج فاطمة الزهراء عليها السلام علي القوم لما منعوها فدك..

() نهج البلاغة، الخطب: 1 من خطبة له عليه السلام يذكر فيها مبعث النبي صلي الله عليه و اله والقرآن والأحكام الشرعية.

() سورة النحل: 89.

() الكافي: ج1 ص261 باب أن الأئمة عليهم السلام يعلمون علم ما كان وما يكون.. ح2.

() نهج البلاغة، الخطب: 1 من خطبة له عليه السلام يذكر فيها مبعث النبي صلي الله عليه و اله والقرآن والأحكام الشرعية.

() نهج البلاغة، الخطب: 2 من خطبة له عليه السلام بعد انصرافه من صفين..

() نهج البلاغة، الخطب: 26 من خطبة له عليه السلام وفيها يصف العرب قبل البعثة..

() سورة آل عمران: 103.

() سورة الأنفال: 26.

() بحار الأنوار: ج29 ص223 ب11 من خطبة خطبتها سيدة النساء فاطمة الزهراء صلوات الله عليها احتجت بها علي من غصب فدك منها.

() الاحتجاج: ج1 ص97 احتجاج فاطمة الزهراء عليها السلام علي القوم لما منعوها فدك..

() الجعفريات: ص81 باب من ظلم ذميا وأخذ شيئاً من أموالهم.

() الجعفريات: ص82 باب الإستئذان علي أهل الذمة.

() مستدرك الوسائل: ج13 ص407 ب17 ح15741.

() سورة آل عمران: 110.

() الكافي: ج2 ص182 باب المصافحة ح15.

() مكارم الأخلاق: ص19 في الرفق بأمته

صلي الله عليه و اله.

() بحار الأنوار: ج16 ص230 ب9 ضمن ح35.

() بحار الأنوار: ج16 ص230 ب9 ضمن ح35.

() مكارم الأخلاق: ص16 ب1 ف2.

() مستدرك الوسائل: ج 8 ص438 ب83 ح9926.

() بحار الأنوار: ج 16 ص231 ب9 ضمن ح35.

() بحار الأنوار: ج 16 ص231 ب9 ضمن ح35.

() الخرائج والجرائح: ج1 ص98 ب1 فصل من روايات الخاصة.

() الكافي: ج2 ص103 باب حسن الخلق ح15.

() مستدرك الوسائل: ج8 ص460 ب92 ح10005.

() الكليني: هو الشيخ الأجل قدوة الأنام، وملاذ المحدثين العظام، أبو جعفر محمد بن يعقوب بن اسحاق الكليني الرازي، الملقب ب (ثقة الإسلام). من أهل كُلين، كان شيخ الشيعة ببغداد وتوفي فيها. ألف الكافي الذي هو أجل الكتب الإسلامية وأعظم المصنفات الإمامية، والذي لم يعمل للإمامية مثله. قال المولي محمد أمين الاسترابادي في محكي فوائده: سمعنا عن مشايخنا وعلمائنا أنه لم يصنف في الاسلام كتاب يوازيه أو يدانيه. ولد في زمن الإمام الحادي عشر عليه السلام في قرية (كلين) التي تبعد عن مدينة الري (38 كم) في أسرة مملوءة بالعشق والحب لأهل البيت عليهم السلام. أبوه يعقوب بن إسحاق وكان فاضلاً، تولي تربية ابنه منذ صغره ولقّنه بلسان العمل والأخلاق والسلوك والآداب الإسلامية، وكان لخاله أيضاً دور في تعليمه وتربيته، حيث كان محدثاً كبيراً ومن عشاق مدرسة أهل البيت عليهم السلام، واستشهد خاله في طريق الحج إلي بيت الله الحرام.

وكان الشيخ رحمة الله عليه أوثق الناس في الحديث وأثبتهم. وله غير كتاب الكافي كتاب الرد علي القرامطة، وكتاب رسائل الائمة عليهم السلام، وكتاب تعبير الرؤيا، وكتاب الرجال، وكتاب ما قيل في الائمة عليهم السلام من الشعر.

توفي الكليني عن (70 عاماً) قضي منها (20 سنة) في تدوين كتاب

الكافي حيث تحمل الصعاب والغربة. ومع أنه كان يعيش في سجن الدنيا ولكنه كان يتنفس في فضاء الجنة، حيث قضي عمره بين كلام أهل البيت عليهم السلام متحملاً كل الصعاب في أداء هذه الفريضة.

توفي الكليني سنة (329 ه) سنة تناثر النجوم، وصلي عليه محمد بن جعفر الحسني أبو قيراط، ودفن بباب الكوفة ببغداد. وفي تلك السنة توفي علي بن محمد السمري آخر نواب إمام الزمان عليه السلام وبدأت بموته الغيبة الكبري.

() الكافي: ج2 ص108 باب العفو ح9.

() وحشي بن حرب الحبشي مولي بني نوفل، قاتل حمزة عم النبي صلي الله عليه و اله في معركة أحد، قدم بعد ذلك علي رسول الله صلي الله عليه و اله مع وفد أهل الطائف وأسلم، عفي عنه رسول الله صلي الله عليه و اله ولكن أمره أن يغيّب وجهه عنه، شارك مع عبد الله بن زيد الانصاري في قتل مسيلمة الكذاب، سكن الشام ومات فيها.

وفي إعلام الوري بأعلام الهدي: ص83 الركن الأول ب4، في ذكر مغازي رسول الله صلي الله عليه و اله بنفسه وسراياه..: وكان وحشي يقول: قال لي جبير بن مطعم وكنت عبداً له: إن عليا قتل عمي يوم بدر، يعني طعيمة، فإن قتلت محمداً فأنت حر، وإن قتلت عم محمد فأنت حر، وإن قتلت ابن عم محمد فأنت حر، فخرجت بحربة لي مع قريش إلي أُحد أريد العتق لا أريد غيره، ولا أطمع في محمد صلي الله عليه و اله وقلت لعلي أصيب من علي أو حمزة غرة فأزرقه، وكنت لا أخطئ في رمي الحراب تعلمته من الحبشة في أرضها، وكان حمزة يحمل حملاته ثم يرجع إلي موقفه. قال أبو عبد الله عليه السلام: وزرقه

وحشي فوق الثدي، فسقط وشدوا عليه فقتلوه، فأخذ وحشي الكبد، فشد بها إلي هند بنت عتبة فأخذتها وطرحتها في فيها، فصارت مثل الداغصة، فلفظتها. قال: وكان الحليس بن علقمة نظر إلي أبي سفيان، وهو علي فرس وبيده رمح يجاء به في شدق حمزة، فقال: يا معشر بني كنانة، انظروا إلي من يزعم أنه سيد قريش، ما يصنع بابن عمه الذي صار لحما، وأبو سفيان يقول: ذق عقق، فقال أبو سفيان: صدقت إنما كانت مني زلة اكتمها علي..

() روي عن عروة بن الزبير أن رجلا أقبل بزينب بنت رسول الله صلي الله عليه و اله فلحقه رجلان من قريش فقاتلاه حتي غلباه عليها، فدفعاها فوقعت علي صخرة فأسقطت وهريقت دما، فذهبوا بها إلي أبي سفيان، فجاءته نساء بني هاشم فدفعها إليهن، ثم جاءت بعد ذلك مهاجرة فلم تزل وجعة حتي ماتت من ذلك الوجع، فكانوا يرون أنها شهيدة.

وقيل: لما أرادت زينب بنت رسول الله صلي الله عليه و اله اللحاق بأبيها، قدم لها كنانة بن الربيع شقيق زوجها العاص بعيراً فركبته وأخذ قوسه وكنانته، وخرج بها نهاراً يقود بعيرها وهي في هودج لها، وتحدث بذلك الرجال من قريش والنساء وتلاومت في ذلك، وأشفقت أن تخرج ابنة محمد صلي الله عليه و اله من بينهم علي تلك الحال، فخرجوا في طلبها سراعا حتي أدركوها بذي طوي، فكان أول من سبق إليها هبار بن الأسود بن المطلب بن أسد ونافع بن عبد القيس الفهري، فروَّعها هبار بالرمح وهي في الهودج، وكانت حاملا، فلما رجعت طرحت ذا بطنها، وكانت من خوفها رأت دما وهي في الهودج؛ فلذلك أباح رسول الله صلي الله عليه و اله يوم فتح مكة دم

هبار بن الأسود.

وروي أن هبار بن الأسود كان ممن عرض لزينب بنت رسول الله صلي الله عليه و اله حين حملت من مكة إلي المدينة، فكان رسول الله صلي الله عليه و اله يأمر سراياه إن ظفروا به أن يقتلوه، فلم يظفروا به، حتي إذا كان يوم الفتح هرب هبار، ثم قدم علي رسول الله صلي الله عليه و اله بالمدينة، ويقال: أتاه بالجعرانة حين فرغ من أمر حنين، فمثل بين يديه وهو يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله صلي الله عليه و اله، فقبل إسلامه وعفي عنه. راجع بحار الأنوار: ج19 ص350 ب10.

() سورة القلم: 4.

() سورة الحجرات: 13.

() الحاخام: هو رئيس الكهنة عند اليهود، وهو مقدس في كتاب التلمود ويعتبرونه معصوماً، حتي ورد: إذا جاءك الحاخام وقال لك: إن هذه اليد اليمني هي يدك اليسري فصدقه، وأن أقوالهم صادرة عن الله، وأن مخالفتهم هي مخالفة الله، ومن قولهم في ذلك: يلزم المؤمن أن يعتبر أقوال الحاخامات كالشريعة، لأن أقوالهم هي قول الله الحي. وقال بعض الحاخامات لما سأل عن أقوالهم المتناقضة: إنها كلام الله مهما وجد فيها من تناقض، فمن لم يؤمن بها لا إيمان له، ومن قال: إنها ليست أقوال الله، فقد أخطأ في حق الله. انظر ابتلاء الأمم: ص102.

وقال بعض الحاخامات أيضاً: تتميز أرواح اليهود بأنها جزء من الله، كما أن الابن جزء من والده، ولهذا اختار الله الجنس العبري ليكون منه شعب الله المختار. انظر نصوص متفرقة من عقائد النصاري واليهود: ص412.

() جاء في كتاب الاحتجاج للطبرسي رحمة الله عليه: عن النبي صلي الله عليه و اله أنه طالبهم بالحجة فقالوا: أحيا أي عُزير لبني إسرائيل

التوراة بعد ما ذهبت ولم يفعل بها هذا إلا لأنه ابنه. فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: فكيف صار عُزير ابن الله دون موسي؟ وهو الذي جاء لهم بالتوراة ورئي منه من المعجزات ما قد علمتم، ولئن كان عزير ابن الله لما ظهر من إكرامه بإحياء التوراة، فلقد كان موسي بالنبوة أولي وأحق.

الاحتجاج: ج1 ص23 فصل في ذكر طرف مما أمر الله في كتابه من الحجاج والجدال..

وقال الشيخ الطوسي في كتاب التبيان في تفسير القرآن: فإن قيل كيف أخبر الله عن اليهود بإنهم يقولون عزير ابن الله واليهود تنكر هذا؟ قلنا: إنما أخبر الله بذلك عنهم، لأن منهم من كان يذهب إليه، والدليل علي ذلك إن اليهود في وقت ما أنزل الله القرآن سمعت هذه الآية فلم تنكرها. التبيان في تفسير القرآن: ج5 ص205 سورة التوبة.

وروي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: أن عزيرا خرج من أهله وامرأته حامل وله خمسون سنة، فأماته الله مائة سنة، ثم بعثه، فرجع إلي أهله ابن خمسين سنة، وله ابن له مائة سنة، فكان ابنه أكبر منه، فذلك من آيات الله. وقيل: إنه رجع وقد أحرق بختنصر التوراة، فأملاها من ظهر قلبه. فقال رجل منهم: حدثني أبي عن جدي أنه دفن التوراة في كرم، فإن أريتموني كرم جدي أخرجتها لكم. فأروه فأخرجها فعارضوا ذلك بما أملي، فما اختلفا في حرف. فقالوا: ما جعل الله التوراة في قلبه، إلآ وهو ابنه. فقالوا: عزير ابن الله. مجمع البيان في تفسير القرآن: ج2 ص174 سورة البقرة.

() سورة التوبة: 30.

() سورة المائدة: 18.

() سورة المائدة: 18 19.

() سورة البقرة: 80.

() راجع تقريب القرآن إلي الأذهان: ج6 ص623 سورة المائدة.

() بمراجعة

سريعة لبعض مواقع الانترنت المهتمة بنشاط التنصير نجد نشاطات كبيرة جداً وأرقام مهولة، فعلي سبيل المثال لا الحصر:

تحت ستار تقديم العون الغذائي والدوائي، يتم العمل الدؤوب لتنصير المسلمين في مناطق عدة من العالم، تطبيقا لمخططات تم وضعها بعناية عبر توفير الامكانيات البشرية والمالية اللازمة، ومن خلال مؤتمرات عقدت لهذا الغرض، ويأتي في مقدمتها المؤتمر الذي عقد في ولاية كلورادو الامريكية عام (1978م) والذي وضع خطة شاملة لتنصير المسلمين خلال خمسين عاما، نظمته لجنة (تنصير لوزان) وكان نقطة الانطلاق المحورية والتاريخية قي العصر الحديث في ميدان التنصير، اجتمع هذا المؤتمر للمرة الأولي مائة وخمسون متخصصاً وفدوا من شتي أرجاء العالم، يمثلون مختلف الكنائس والهيئات والدوائر التنصيرية، ألقوا بتجاربهم وخبراتهم في مجال تنصير المسلمين علي طاولات النقاش، وخرجوا بخطط هجومية لمحاولة هدم عقيدة ملايين المسلمين، وقرروا إنشاء معهد أبحاث ينسق الجهود نحو الخطط المرسومة، وحمل هذا المعهد اسم (صمويل زويمر) أشهر العاملين في مجال التنصير.

وعقد مؤتمر آخر في مدينة امستردام الهولندية نظمته الطائفة البروتستانتية في شهر آب عام (2000م) واستمر تسعة أيام، حضره عشرة آلاف مندوب من أنحاء العالم، وتكلف المؤتمر (45 مليون دولار) تبرع بها المنصر الشهير بيلي جراهام، كما شهدت مدينة (انديانا بولس) الأمريكية مؤتمراً آخر شارك فيه (35 ألف) مندوب من أنحاء العالم، وأعلن في هذا المؤتمر أن متوسط دخول الناس في النصرانية من خلال الطائفة المنظمة للمؤتمر هو عشرة آلاف شخص يوميا.

ورصد مؤتمر (يونايتد ميثوديستس) الذي عقد في مدينة كليفلاند الأمريكية (545 مليون دولار) لأنشطة طائفتهم في السنوات الأربع القادمة، وقد أسفرت تلك الجهود عن نتائج مؤسفة، ففي دولة إندونيسيا المسلمة، تم تنصير البعض، فحتي عام

(1989م) تم تنصير ثلاثة ملايين، ولم يكتف الغرب

بذلك بل نجح في فصل (تيمور الشرقية) عن إندونيسيا بعد سنوات من الجهود المنظمة من جانب المنظمات التبشيرية بالتعاون مع أعوانهم في البلدان الغربية.

وفي اكتوبرعام (2000م) نقلت وسائل الإعلام نبأ إقامة الكنيسة الباكستانية حفلا تنصيريا كبيرا في مدينة (لاهور) عاصمة اقليم البنجاب شارك فيه أكثر من عشرة آلاف نسمة (60%) منهم كانوا في الأصل مسلمين وتحولوا عن دينهم!.

وهناك مشروع يطلق عليه اسم (اليسوع) تقوم بتمويله (71 منظمة) تنصيرية غربية تتولي جمع الأموال لدعم مشاريع التنصير وبناء الكنائس، التي بلغ عددها في دولة مثل بنجلاديش (170 كنيسة) خلال ثلاث سنوات، وقامت بالتعاون مع المنظمات الأخري بمضاعفة عدد الكنائس في افريقيا خلال العقد الأخير لتصل إلي أكثر من (24 ألف) كنيسة.

وكشفت التقارير التي تصدرها المنظمات التنصيرية أن حوالي (150 ألف) مغربي يتلقون عبر البريد من مركز التنصير الخاص بالعالم العربي دروسا في المسيحية، ولدي هذا المركز منصرين يعملون وسط المليوني مسلم القادمين من دول المغرب العربي والمقيمين في فرنسا، وتملك هذه المنظمات إلي حانب ذلك برامج إذاعية وتليفزيونية دولية لنشر الإنجيل، إضافة إلي (635 موقع) تنصيري علي الانترنت.

وذكر في تقرير إحصائي لعمليات التنصير العالمية يعرض مخطط التنصير حتي عام

(2025م) تم رصد (87 مليار) دولار، و(10 آلاف) محطة إذاعة وتلفزيون،

و(7 ملايين) منصراً، و(250 دورية وكتاباً)، وتجاوز مجموع نسخ الإنجيل التي وزعت في أنحاء العالم (مليار) نسخة، وبلغ عدد الكتب التي تتحدث عن المسيح عليه السلام كمحور رئيسي في مكتبات العالم عشرات الآلاف..

وذكر أنه في عام (1989م) بلغ مجموع التبرعات للأغراض الكنسية (151) مليار دولار، أي: ما يعادل ميزانية خمس عشرة دولة نامية،

أما المجلات والنشرات الدورية الكنيسة التي توزع في كل أنحاء العالم فيبلغ عددها

(22.700) مجلة ونشرة.

وتستخدم المنظمات المسيحية

حالياً في تخطيط برامجها أحدث التقنيات ابتداءً من الحاسوب وانتهاء بمحطات الارسال الحديثة والأقمار الصناعية، حيث إنها تستغل حوالي (45 مليون) جهاز حاسوب في تخطيط برامجها.

ودخل أفريقيا وحدها (112 ألف) منصّر حتي عام (1990م) ويشرف هؤلاء المنصّرون علي (5 ملايين) طالب وطالبة، بالاضافة إلي إشرافهم علي (500) مدرسة لاهوتية. كما أن في أفريقيا ما يزيد علي (20) ألف معهد كنيسي. وفيها أيضاً (50) إذاعة تنصيرية تبث برامجها بمختلف اللغات واللهجات.

كما أن هناك (8 آلاف) نسمة في إقليم السند بالهند تنصّروا في يوم واحد. وفي بنغلادش توجد (1500) منظمة تنصيرية، أما في ليبيريا فهناك (500) منظمة تنصيرية. وهناك (30) جمعية صليبية تتظاهر بمساعدة الأفغان!!

أما الشرق الأوسط، فيوجد (1300) منصّر متفرغ بالشرق الأوسط يديرون مراكز طبية وثقافية وخدمية وما أشبه. وذكر أنه يبلغ مجموع المنصّرين العاملين في أنحاء العالم حوالي (17) مليون منصّر.

() سورة القصص: 85.

() تفسير الإمام الحسن العسكري عليه السلام: ص554 باب احتجاج الرسول صلي الله عليه و اله وجداله ومناظراته ح329.

() سعد بن عبادة الأنصاري: هو سعد بن عبادة بن دليم بن حارثة الخزرجي الأنصاري الساعدي. يكني أبا ثابت، وقيل: أبا قيس، وكان نقيب آل ساعدة. شهد بدراً، وكان سيداً وجواداً، وهو صاحب راية الأنصار في المشاهد كلها، وكان وجيها في الأنصار ذا رياسة وسيادة يعترف قومه بها. كان يحمل إلي سول الله صلي الله عليه و اله كل يوم جفنة مملوءة لحماً وثريداً.

وكان رسول الله صلي الله عليه و اله يقول: اللهم اجعل صلواتك ورحمتك علي آل سعد بن عبادة، وكان ولده قيس بن سعد من أعظم الناس جوداً وكرماً. وكانت راية رسول الله صلي الله عليه و اله يوم فتح مكة مع

سعد بن عبادة، فمر بها علي أبي سفيان فقال له سعد: اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحل الحرمة، فلما مر رسول الله صلي الله عليه و اله علي أبي سفيان ناداه أبو سفيان: يا رسول الله أمرت بقتل قومك، زعم سعد أنه قاتلنا؟! فأخذ رسول الله صلي الله عليه و اله اللواء منه وأمر علياً عليه السلام فأخذ اللواء. وكان سعد غيوراً فقد ذكر أن رسول الله صلي الله عليه و اله قال: إن سعدا لغيور، وإني لأغير من سعد، والله أغير منا، وغيرة الله أن توتي محارمه. ولما تولي الأول والثاني الخلافة ولي سعد ولم يبايع وذهب إلي الشام، وقد قتل فيها لمعارضته للحكم القائم، فنسبوا قتله إلي الجن فقالوا: إن الجن هي التي قتلته؛ وقالوا سمعنا قائلاً يقول من بئر ولا نراه!:

نحن قتلنا سيد الخزرج سعد بن عبادة فرميناه بسهمين فلم نخط فؤاده

قبره معروف في قرية من قري الشام، في غوطة الشام.

() سورة يوسف: 92.

() شجرة طوبي: ج2 ص303 المجلس25 في فتح مكة.

() انظر بحار الأنوار: ج21 ص129 ب26 ضمن ح22.

() حُنين اسم موضع في طريق الطائف، وقيل: حنين اسم ماء بين مكة والطائف، حصلت فيه واقعة بين جيش رسول الله صلي الله عليه و اله وبني هوزان، وهي قبيلة كبيرة من قبائل العرب، وذلك بعد فتح مكة سنة ثمان للهجرة. وكان سببها أن هوزان لما رأت فتح مكة، قالت: قد فرغ لنا محمد صلي الله عليه و اله وأصحابه، فلنقاتله قبل أن يقاتلنا، وظلوا يحشدون الجموع له من جهات عديدة، وجعلوا قائدهم مالك بن عوف النضري، وكان عدد جيشه ثلاثين ألفاً، وساقوا معهم أموالهم ونساءهم كي يثبتوا علي القتال، فأمر مالك بالخيل فجعلت

صفوفاً، ثم جعل الأبل والبقر والغنم وراء ذلك، فلما بلغ ذلك رسول الله صلي الله عليه و اله وعلم اجتماعهم اجمع علي الخروج إليهم، فخرج بمن كان معه في فتح مكة وعددهم اثني عشر ألف مقاتل.

قال علي بن إبراهيم القمي: فمضوا حتي كان من القوم علي مسيرة بعض ليلة قال: وقال مالك بن عوف لقومه: ليصير كل رجل منكم أهله وماله خلف ظهره، واكسروا جفون سيوفكم، وأكمنوا في شعاب هذا الوادي، وفي الشجر، فإذا كان في غلس الصبح فاحملوا حملة رجل واحد، وهدوا القوم، فإن محمداً لم يلق أحداً يحسن الحرب. قال: فلما صلي رسول الله صلي الله عليه و اله الغداة انحدر في وادي حنين، وهو واد له انحدار بعيد، وكانت بنو سليم علي مقدمه، فخرجت عليها كتائب هوازن من كل ناحية، فانهزمت بنو سليم، وانهزم القوم من ورائهم، ولم يبق أحد إلا انهزم، وبقي أمير المؤمنين عليه السلام يقاتلهم في نفر قليل، ومر المنهزمون برسول الله صلي الله عليه و اله لايلوون علي شي ء، وكان العباس أخذ بلجام بغلة رسول الله صلي الله عليه و اله عن يمينه، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب عن يساره، فأقبل رسول الله صلي الله عليه و اله ينادي: يا معشر الأنصار، إلي أين المفر، ألا أنا رسول الله فلم يلو أحد عليه، وكانت نسيبة بنت كعب المازنية تحثو التراب في وجوه المنهزمين وتقول: أين تفرون عن الله وعن رسوله. ومر بها عمر فقالت له: ويلك ما هذا الذي صنعت؟. فقال لها: هذا أمر الله. فلما رأي رسول الله صلي الله عليه و اله الهزيمة ركض يحوم علي بغلته قد شهر سيفه، فقال: يا عباس، اصعد

هذا الطرب وناد: يا أصحاب البقرة، ويا أصحاب الشجرة، إلي أين تفرون هذا رسول الله صلي الله عليه و اله. ثم رفع رسول الله صلي الله عليه و اله يده فقال: اللهم لك الحمد وإليك المشتكي وأنت المستعان. فنزل جبرئيل عليه السلام عليه فقال له: يا رسول الله، دعوت بما دعا به موسي حين فلق الله له البحر ونجاه من فرعون ثم قال رسول الله صلي الله عليه و اله لأبي سفيان بن الحارث: ناولني كفا من حصي فناوله فرماه في وجوه المشركين ثم قال: شاهت الوجوه ثم رفع رأسه إلي السماء وقال: اللهم إن تهلك هذه العصابة لم تعبد وإن شئت أن لا تعبد لا تعبد فلما سمعت الأنصار نداء العباس عطفوا وكسروا جفون سيوفهم وهم يقولون: لبيك، ومروا برسول الله صلي الله عليه و اله واستحيوا أن يرجعوا إليه ولحقوا بالراية. فقال رسول الله صلي الله عليه و اله للعباس من هؤلاء يا أبا الفضل؟ فقال: يا رسول الله، هؤلاء الأنصار، فقال رسول الله صلي الله عليه و اله: الآن حمي الوطيس، ونزل النصر من السماء، وانهزمت هوازن فكانوا يسمعون قعقعة السلاح في الجو، وانهزموا في كل وجه، وغنم الله رسوله أموالهم ونساءهم وذراريهم، وهو قول الله: لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ.

تفسير القمي: ج1 ص286 سورة التوبة.

() ورد عن زرارة قال: سألت أبا جعفر عليه السلام في قوله: وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ؟ قال: هم قوم وحدوا الله وخلعوا عبادة من يعبد من دون الله تبارك وتعالي، وشهدوا أن

لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وهم في ذلك شكاك من بعد ما جاء به محمد صلي الله عليه و اله فأمر الله

نبيهم أن يتألفهم بالمال والعطاء لكي يحسن إسلامهم، ويثبتوا علي دينهم الذين قد دخلوا فيه، وأقروا به، وإن رسول الله صلي الله عليه و اله يوم حنين تألف رءوسهم من رءوس العرب من قريش وسائر مضر، منهم: أبو سفيان بن حرب وعيينة بن حصين الفزاري وأشباههم من الناس.. تفسير العياشي: ج2 ص91 من سورة براءة.

() سورة ق: 45.

() مستدرك الوسائل: ج8 ص438 ب83 ح9927.

() مكارم الأخلاق: ص18 ب1 ف2 في جوده صلي الله عليه و اله.

() الخصال: ج1 ص271 باب الخمسة ح12.

() الكافي: ج2 ص116 باب المداراة ح2.

() وسائل الشيعة: ج12 ص200 ب121 ح16081.

() الكافي: ج2 ص240 باب المؤمن وعلاماته وصفاته ح35.

() تحف العقول: ص215 ما روي عنه عليه السلام في قصار هذه المعاني.

() جمال الأسبوع: ص29 ف3 ذكر زيارة النبي صلي الله عليه و اله في يومه وهو يوم السبت.

() سورة الأعراف: 158.

() سورة الفرقان: 5657.

() سورة المدثر: 13.

() سورة الأنبياء: 107.

() سورة آل عمران: 159.

() سورة الأعراف: 199.

() سورة التوبة: 61.

() سورة الشعراء: 214 215.

() سورة التوبة: 128.

() سورة الكهف: 6 7.

() سورة طه: 12.

() سورة الأنبياء: 92.

() سورة آل عمران: 103 104.

() الغيبة للشيخ الطوسي: ص332 ف5.

() رن رنيناً: رفع صوته بالبكاء.

() الخصال: ج1 ص263 باب الأربعة ح141.

() الكافي: ج4 ص149 باب صيام الترغيب ح2.

() بوأهم محلتهم: أنزلهم منزلتهم.

() نهج البلاغة، الخطب: 33. من خطبة له عليه السلام عند خروجه لقتال أهل البصرة.

() وسائل الشيعة: ج12 ص165 ب109 ح15968.

() الكافي: ج2 ص662 باب الجلوس ح6.

() مستدرك الوسائل: ج12 ص52 ب63 ح13491.

() المناقب: ج1 ص58 فصل في استظهاره عليه السلام بأبي طالب.

() يخصف نعله: يخرزها.

() نهج البلاغة، الخطب: 33 من خطبة له عليه

السلام عند خروجه لقتال أهل البصرة.

() جُلب الشعيرة، بضم الجيم: قشرتها، وأصل الجُلب غطاء الرجل فتجوز في أطلاقها علي غطاء الحبة.

() نهج البلاغة، الخطب: 224 من كلام له عليه السلام يتبرأ من الظلم.

() الكافي: ج2 ص46 باب نسبة الإسلام ح2.

() نهج البلاغة، قصار الحكم: 125.

() الكافي: ج2 ص24 باب أن الإسلام يحقن به الدم وتؤدي به الأمانة ح1.

() الكافي: ج1 ص200 باب نادر جامع في فضل الإمام وصفاته ح1.

() مستدرك الوسائل: ج12 ص54 ب63 ح13498.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص110 ق1 ب4 ف3 ح1951.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص110 ق1 ب4 ف3 ح1953.

() وسائل الشيعة: ج15 ص238 ب19 ح20376.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.