البلاغة المعاني … البيان … البديع

اشارة

السيد محمد الحسيني الشيرازي

الفصل الاول: المعاني

الفصل الاول: المعاني

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي محمد وآله الطاهرين، ولعنة الله علي أعدائهم أجمعين الي يوم الدين.

وبعد، فهذا موجز في (البلاغة) تأليف محمد بن المهدي الحسيني الشيرازي، أسأله تعالي أن يوفقني للإتمام، وينفع بها الطلاب، ويتقبلها بقبول حسن.

كر بلاء المقدّسة

7/ج2/1379ه

تمهيد

كان العرب يتكلّمون بلسانهم علي قريحتهم، ولّما أن نزل القرآن الحكيم، ووردت السنة المحمدية (صلي الله عليه وآله وسلم) بهذه اللغة المباركة، أخذ المسلمون يتوسعون في استقصاء قواعدها، وضبط كل كبيرة وصغيرة، وكلّية وجزئية ترتبط بهذه اللغة.

ولذلك نري هذه اللغة دون سواها من لغات العالم في ازدهار مستمر، وتوسّع وتفوّق.

وقد وضع علم الصرف، للعلم بأحوال الابنية وتصريف الكلمة.

ووضع علم النحو، للعلم بأحوال الإعراب والبناء.

ووضع علم اللغة، للعلم بمعاني الكلمات والألفاظ.

ووضع علم العروض، للعلم بالأوزان ونظم الشعر.

ووضع علم التجويد، للعلم بكيفية الأداء والتحسين.

ووضع علم البلاغة وهو المقصود في هذا الكتاب للعلم بالتركيب الواقع في الكلام.

وقد قسموا هذا العلم إلي ثلاثة أقسام:

1 (علم المعاني) وهو العلم بما يحترز به عن الخطأ في تأدية المعني الذي يريده المتكلم كي يفهمه السامع بلا خلل وانحراف.

2 (علم البيان) وهو العلم بما يحترز به عن التعقيد المعنوي، كي لا يكون الكلام غير واضح الدلالة علي المعني المراد.

3 (علم البديع) وهو العلم بجهات تحسين الكلام.

ف(المعاني) و(البيان) وضعا لمعرفة التحسين الذاتي، و(البديع) وضع لمعرفة التحسين العرضي.

الفصاحة

(الفصاحة) في اللغة: بمعني البيان والظهور، قالي تعالي: (وأخي هارون هو أفصح منّي لساناً)(1).

وفي الإصلاح: عبارة عن الالفاظ الظاهرة المعني، المألوفة الإستعمال عند العرب.

وهي تكون وصفاً للكلمة والكلام والمتكلم يقال: كلمة فصيحة، وكلام فصيح، ومتكلم فصيح.

فصاحة الكلمة

فصاحة الكلمة هي: خلوص الكلمة من الأمور التالية:

1 من تنافر الحروف، بأن لا تكون الكلمة ثقيلة علي السمع، صعبة علي اللسان، فنحو (هعخع): اسم بنت ترعاه الإبل، متنافر الحروف.

2 ومن غرابة الاستعمال، وهي كون الكلمة غير ظاهرة المعني، ولا مألوفة الاستعمال عند العرب، حتي لا يفهم المراد منها، لاشتراك اللفظ، أو للإحتياج الي مراجعة القواميس، فنحو (مسرّج) و) تكأكأتم) غريب.

قال الشاعر:

ومقلةً وحاجباً مرجّجا وفاحماً، ومرسِناً مسرّجاً

وقال عيسي بن عمروا النحوي حين وقع من حماره واجتمع عليه الناس (ما لكم تكأكأتم عليّ، كتكأكئكم علي ذي جنة، إنفرقعوا عنّي).

3 ومن مخالفة القياس: بأن تكون الكلمة شاذة، علي خلاف القانون الصرفي المستنبط من كلام العرب، فنحو (الاجلل) مخالف للقياس، والقياس (الأجل) بالإدغام.

قال أبو النجم:

الحمد لله العلي الاجلل الواحد الفرد القديم الأول

4 ومن الكراهة في السمع، بأن تكون الكلمة وحشية، تمجّها الأسماع، كما تمجّ الأصوات المنكرة، نحو) الجرشي) بمعني: النفس.

قال المتنبي:

مبارك الإسم أغرّ اللقبْ كريم الجرشّي شريف النسبْ

والحاصل:

انه إذا كان في الكلمة شيء من هذه الأربعة، كانت غير فصيحة، فاللازم علي الفصيح اجتناب هذه الأمور.

فصاحة الكلام

فصاحة الكلام هي: خلوص الكلام من الأمور التالية:

1- من عدم فصاحة بعض كلماته، فإذا اشتمل كلام علي كلمة غير فصيحة كما تقدّم سقط الكلام عن الفصاحة.

2- ومن تنافر الكلمات المجتمعة، بأن يكون بين كلماته تنافراً، فتثقل علي السمع، وتَعسر علي النطق، نحو هذين البيتين:

وقب رحرب بمكان قفرُ وليس قربَ قبر حرب قبرُ

وقال أبو تمّمام:

كريم متي أمدحه والوري معي وإذا ما لمته لمته وحدي

3- ومن ضعف التأليف: بأن يكون الكلام جارياً علي خلاف قوانين النحو المستنبطة من كلام العرب، كوصل ضميرين وتقديم غير الاعرف نحو: (اعاضهاك) في قول المتنّبي:

خلت البلاد من الغزالة ليلها فاعاضهاك الله

كي لا تحزنا

4- ومن التعقيد اللفظي، بأن تكون الكلمات مرتّبة علي خلاف ترتيب المعاني.

قال المتنبي:

جفختْ وهم لا يجفخون بها بهم شيمٌ علي الحسب الأغر دلائل

والأصل: جفخت بهم شيمٌ دلائل علي الحسب الاغرّ وهم لا يجفخون بها.

5 ومن التعقيد المعنوي: بأن يكون التركيب خفي الدلالة علي المعني المراد بسبب ايراد اللوازم البعيدة، المحتاجة الي إعمال الذهن، حتي يفهم المقصود.

قال عباس بن الاحنف:

سأطلب بعد الدار عنكم لتقربوا وتسكب عيناي الدموع لتجمدا

أردا بجمود العين: الفرح والسرور الموجب لعدم البكاء، وهذا خلاف المعني المتفاهم.

6- ومن كثرة التكرار، بأن يكرر اللفظ الواحد، فيأتي به مرتين أو أزيد.

قال الشاعر:

اني واسطار سطرن سطرا لقائل يا نصر نصر نصرا

7- ومن تتابع الاضافات، بأن تتداخل الإضافات.

قال ابن بابك:

حمامة جرعي حومة الجندل اسجعي فأنت بمرأي من سعاد ومسمع

والحاصل:

انه إذا كان في الكلام أحد هذه الأمور السبعة كان غير فصيح.

فصاحة المتكلم

فصاحة المتكّلم عبارة: عن أن يكون المتكلم ذا ملكة يقتدر بها علي التعبير عن المقصود، بكلام فصيح، والملكة تحصل بطول ممارسة الكلام الفصيح، بأن يكون في بيئة عربية فصيحة، أو يمرّن نفسه بكلمات الفصحاء كثيراً، كل ذلك وللذوق مدخل عظيم.

البلاغة

(البلاغة) في اللغة : بمعني الوصول والانتهاء، قال تعالي: (ولّما بلغ اشدَّه)(2) أي وصل.

وفي الاصطلاح:

1 أن يكون مطابقاً لمقتضي الحال، بأن يكون علي طبق مستلزمات المقام، وحالات المخاطب، مثلاً لمقام الهول كلام، ولمقام الجد كلام، ومع السوقة كلام. ومع كلام الملوك كلام.. وهكذا.

2 وان يكون فصيحاً علي ما تقدم..

والبلاغة تقع وصفاً للكلام وللمتكلم، فيقال: كلام بليغ، ومتكلم بليغ، ولا يقال: كلمة بليغة.

بلاغة الكلام

(بلاغة الكلام) عبارة عن: أن يكون الكلام مطابقاً لما يقتضيه حال الخطاب، مع فصاحة الفاظ مفرداته ومركباته، فلو تكلم في حال الفرح مثل ما يتكلم في حال الحزن، أو العكس، أو تكلم في حال الفرح بكلام يتكلم به في هذه الحال لكن كانت الالفاظ غير فصيحة، لا يسمي الكلام بليغاً.

ثم إن الامر المقتضي للأتيان بالكلام علي كيفية مّا، يسمي:

1 (مقاماً) باعتبار حلول الكلام فيه.

2 (حالاً) باعتبار حالة المخاطب أو المتكلم أو نحوهما.

والقاء الكلام علي هذه الصورة التي اقتضاها الحال يسمي (مقتضي) فقولهم: (مقتضي الحال) أو (مقتضي المقام) بمعني الكيفية التي اقتضاها الحال أو المقام.

مثلاً: يقال عند كون الفاعل نكرة، حين يتطلب المقام التنكير: هذا الكلام مطابق لمقتضي الحال.

إذاً: فالحال والمقام شيء واحد، وانما الاختلاف بالاعتبار.

بلاغة المتكلم

(بلاغة المتكلم) عبارة عن: ملكة في النفس يقتدر بها صاحبها علي تأليف كلام بليغ، بحيث يكون مطابقاً لمقتضي الحال، فصيحاً.

وقد عرّف (ابن المعتز) الكلام البليغ بكلام بليغ، فقال: (ابلغ الكلام: ما حسن ايجاده، وقلّ مجازه، وكثر اعجازه، وتناسبت صدوره وأعجازه).

1 القصص: 34. 2 يوسف: 22. القصص: 14. الاحقاف: 15.

أقسام الكلام

الكلام إما خبر وإما إنشاء، ولنتكلم الآن عن الخبر:

والخبر: هو ما يحتمل الصدق والكذب، نحو: محمد جالس، فإن كان هذا الكلام مطابقاً للواقع، بأن كان محمد جالساً، كان الكلام صدقاً، وإن لم يكن مطابقاً للواقع، بأن لم يكن محمد جالساً، كان كذباً.

والغالب في الخبر أن يلقي لأحد أمرين:

1- افادة المخاطب الحكم الذي تضمنه الخبر وذلك فيما إذا كان المخاطب جاهلاً، كقولك: (الله ربنا) للطبيعي. وهذا القسم يسمي: (فائدة الخبر).

2 افادة المخاطب أن المتكلم عالم أيضاً وأنه يعلم الخبر، وذلك فيما إذا كان المخاطب عالماً، كقولك: (أنت حفظت القرآن) لمن كان حافظاً للقرآن. ويسمي هذا القسم: (لازم فائدة الخبر).

وقد تأتي بالكلام لاغراض اخر، غير هذين مثل:

1 الاسترحام، نحو: (الهي عبدك العاصي اتاكا..).

2 اغراء المخاطب بشيء، نحو: (وليس سواءاً عالم وجهول).

3 اظهار الضعف والخشوع، كقوله تعالي: (قال رب اني وهن العظم مني..)(1).

4 اظهار التحسر علي شيء محبوب، كقوله تعالي: (قالت رب اني وضعتها انثي)(2).

5 اظهار الفرح، كقوله تعالي (جاء الحق..)(3).

6 التوبيخ، كقولك: (أنا أعلم فيم أنت!).

7 التحذير، نحو (أبغض الحلال الطلاق)(4).

8 الفخر، نحو: (أنا سيد ولد آدم ولا فخر)(5).

9 المدح، نحو: (فإنك شمس والملوك كواكب..).

10 التذكير بأمر، كالتفاوت بين المراتب، نحو: (لايستوي كسلان ونشيط).

أقسام الخبر

ينقسم الخبر الي:

1- الابتدائي، وهو ما يستعمل حين يكون المخاطب خالي الذهن من الخبر، كقولك لمن لا يعلم كون القبلة في طرف الجنوب من العراق: (القبلة في العراق نحو الجنوب).

2- الطلبي، وهو ما يستعمل حين يكون المخاطب شاكاً في الخبر، طالباً العلم به، كقولك لمن شك في سقوط حكومة: (الحكومة سقطت). ويستحسن في هذه الحال تأكيد الخبر بمؤكد.

3 الإنكاري، وهو ما يستعمل حين يكون المخاطب منكراً، كقولك للنصراني: (والله محمد صلي الله عليه

وآله وسلم نبي). وفي هذه الحال يؤتي بالخبر مؤكداً بالقسم أو حرف التنبيه المؤكد أو نحوهما.

لكن ربما يؤكد الخبر لشرف الحكم، وان لم يكن المخاطب متردداً أو منكراً، كقولك: (ان النجاة في الصدق)(6).

واذا جئنا بالتأكيد علي حسب ما ذكرنا، سمي الكلام: مطابقاً لمقتضي الظاهر.

وأما اذا لم نأت بالتأكيد في مورد التأكيد، أو أتينا بالتأكيد في غير مورده، فإن كان هناك اعتبار بلاغي كان حسناً، والاّ فلا.

العدول عن مقتضي الظاهر

وقد ذكروا للعدول عن مقنضي الظاهر لاعتبار بلاغي موارد:

1 تنزيل العالم منزلة الجاهل، لعدم جريه علي موجب علمه، فيلقي إليه الخبر كما يلقي الي الجاهل تقول لمن لا يصلي، وهو عالم بوجوب الصلاة: (الصلاة واجبة) من غير تأكيد.

2- تنزيل خالي الذهن منزلة المتردد السائل، قال تعالي: (وما أبرء نفسي إن النفس لأمارة بالسوء)(7) فإن قوله: ان النفس.. أكدت لأنه تقدم ويشير الي الخبر المقتضي لتردد المخاطب.

3- تنزيل غير المنكر منزلة المنكر، اذا ظهرت امارة الانكار، كقوله:

جاء شقيق عارضاً رمحه ان بني عمّك فيهم رماح

فشقيق لا ينكر رماح بني عمه، ولكن مجيئه واضعاً رمحه علي فخذه بالعرض وهو راكب، بمنزلة انكاره ان لبني عمه رماحاً، فأكد الكلام استهزاءاً به.

4- تنزيل المتردد منزلة الخالي الذهن، كقولك لمن تردد في مجيء الشتاء: (جاء الشتاء).

5- تنزيل المتردد منزلة المنكر، ويدل علي ذلك شدة التأكيد، والا فلو لم ينزل كان التأكيد الواحد كافياً، كقولك لمن يتردد في مجيء الامير: (والله ان الامير جاء).

6- تنزيل المنكر منزلة الخالي الذهن، لان عنده من الدلائل ما لو تأملها ارتدع، قال تعالي: (والهكم اله واحد)(8).

7- تنزيل المنكر منزلة المتردد، ويظهر بعدم الاعتناء الي مزيد التأكيد مع اقتضاء المقام ذلك كقولك لمن ينكر نبوة محمد (صلي الله عليه وآله

وسلم) أشد الانكار: (ان محمداً صلي الله عليه وآله نبي).

وحاصل التقسيم: ان كلاً من المنكر والمتردد والخالي قد ينزّل منزلة غيره لاعتبار بلاغي.

أقسام الخبر

ينقسم الخبر الي قسمين:

1- الجملة الفعلية، وهي اما مركبّة من فعل وفاعل، نحو: (قال زيد) واما من فعل ونائب فاعل نحو (ضُرب زيدٌ).

ثمّ إنّها قد تفيد التجدد والحدوث في زمن معيّن، نحو قولهم في البخيل: (يعيش عيشة الفقراء ويحاسب حساب الأغنياء).

وقد تفيد الاستمرار التجددي شيئاً فشيئاً، كقول المتنبي: (تدبّر شرق الارض والغرب كفه..) بمعني أن شأنه المستمر تدبير الممالك.

2- الجملة الاسمية، وهي ما تركبت من مبتدأ وخبر، وهي لا تفيد الاّ ثبوت شيء لشيء، نحو (زيد شجاع) لكن إذا كان خبر المبتدأ فعلاً، أو كان هناك قرينة، أفادت التجدد أيضاً، نحو: (الكريم يفرح بالضيف) وقوله تعالي: (وانك لعلي خلق عظيم)(9).

1 مريم: 4. 2 آل عمران: 36. 3 الاسراء: 81 سبأ: 49.

4 راجع المستدرك 15/279 ب1 ح 18233. 5 بحار الأنوار: 9/294 ب2 ح5

6 بحار الأنوار: 70/14 ب 122 ح3 (بيان) ط بيروت. 7 يوسف: 53. 8 البقرة: 163.

9 القلم: 4.

الإنشاء

حيث فرغنا عن الخبر، فلنتكلم في الانشاء:

ف (الانشاء) لغة: هو االايجاد.

وفي الاصطلاح: ما لا يحتمل صدقاً ولا كذباً، كالامر والنهي والاستفهام والتمني والنداء وغيرها، فإنك إذا قلت: (اللّهم ارحمني) لا يصح أن يقال لك: صادق أو كاذب، نعم يصح ذلك بالنسبة الي الخبر الضمني المستفاد من الكلام، وهو انك طالب للمغفرة.

أقسام الإنشاء

والانشاء ينقسم إلي (طلبي) و(غير طلبي).

فا لانشاء غير الطلبي: ما لايستدعي مطلوباً غير حاصل وقت الطلب، وهو علي أقسام:

1 المدح والذم، ويكونان ب (نعم) و(حبذا) و(ساء) و(بئس) و(لاحبذا)، نحو: (نعم الرجل زيد) و(وبئست المرأة هند).

2 العقود، سواء كانت بلفظ الماضي، نحو: (بعت) و(وهبت) أم بغيره، نحو: (امرأتي طالق) و(عبدي حرّ).

3 القَسَم، سواء كان بالواو أو بغيرها، نحو: (والله) و(لعمرك).

4 التعجّب، ويأتي قياساً بصيغة (ما أفعله) و(أفعل به) نحو): (ما أحسن عليّاً) و(أكرم بالحسين) وسماعاً بغيرهما، نحو: (كيف تكفرون بالله)(1).

5 الرجاء، ويأتي ب (عسي) و(حري) و(اخلولق) نحو: (فعسي الله أن يأتي بالفتح)(2).

الإنشاء الطلبي

والانشاء الطلبي: هو الذي يستدعي مطلوباً غير حاصل وقت الطلب حسب اعتقاد المتكلم وهو المبحوث عنه في علم المعاني لما فيه من اللطائف البلاغيّة، وانواعه خمسة:

الأول: الامر، وهو طلب حصول الفعل من المخاطب علي سبيل الاستعلاء، وهو امّا:

1 - بفعل الامر نحو: (اقم الصلاة لدلوك الشمس)(3).

2 - أو بالمضارع المجزوم بلام الأمر نحو: (وليتق الله ربه)(4) ومثله الجملة نحو: (يعيد الصلاة)(5).

3 - أو باسم فعل الامر نحو: (عليكم أنفسكم)(6).

4 - أو بالمصدر النائب عن فعل الأمر: نحو: (ذهاباً الي بيت الله).

قالوا: وقد تخرج صيغة الامر: عن معناها الاصلي المتقدم فيراد منها أحد المعاني الآتية بالقرينة، لكن الظاهر أنها مستعملة في معناها، وانما تختلف الدواعي، وتحقيقه في الاصول(7).

1 الدعاء، نحو: (رب أوزعني أن أشكر نعمتك)(8).

2 الإلتماس، نحو: (اذهب الي الدار) تقوله لمن يساويك.

3 الارشاد، نحو: (اذا تداينتم بدين الي اجل مسمي فاكتبوه)(9).

4 التهديد، نحو: (اعملوا ما شئتم انه بما تعملون بصير)(10).

5 التعجيز، نحو: (فأتوا بسورة من مثله)(11).

6 الاباحة، نحو: (وكلوا واشربوا حتّي يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر)(12).

7 التسوية، نحو: (اصبروا أو

لا تصبروا)(13).

8 الإكرام، نحو: (ادخلوها بسلام آمنين)(14).

9 الإمتنان، نحو: (فكلوا ممّا رزقكم الله)(15).

10 الاهانة، نحو: (كونوا حجارة أو حديداً)(16).

11 الدوام، نحو: (اهدنا الصراط المستقيم)(17).

12 التمنّي، كقوله: (ألا أيها الليل الطويل الا انجلي..).

13 الاعتبار، نحو: (انظروا إلي ثمره إذا أثمر)(18).

14 الاذن، نحو قولك: (ادخل) لمن طرق الباب.

15 التكوين، نحو قوله تعالي: (كن فيكون)(19).

16 التخيير، نحو: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثني وثلاث ورباع)(20).

17 التأديب، نحو: (كل ما بين يديك) لمن يأكل من الاطراف.

18 التعجّب، نحو: (انظر كيف ضربوا لك الأمثال)(21).

النهي

الثاني: النهي، وهو طلب المتكلم من المخاطب الكف عن الفعل، علي سبيل الاستعلاء.

وهو أما:

1 بصيغة المضارع المدخول عليها اللا، كقوله تعالي: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل..)(22).

2 أو بالجملة الدالة علي ذلك، كقولك: (حرام أن تفعل كذا).

قالوا: وقد يستفاد من النهي معان أخر مجازاً بالقرينة، علي ما يلي:

1 - الدعاء كقوله تعالي: (ربّنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا)(23).

2 - الالتماس، كقولك لاخيك: (لا تفعل خلاف رضاي).

3 - الارشاد كقوله تعلي: (ولا تسئلوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم)(24).

4 - الدوام، كقوله تعالي: (ولا تحسبن الله غافلاً عمَا يعمل الظالمون)(25).

5 - بيان العاقبة، كقوله تعالي: (ولا تحسبن الذين قُتلوا في سبيل الله أمواتاً)(26).

6 - التيئيس، كقوله تعالي: (لا تعتذروا قد كفرتم بعد ايمانكم)(27).

7 - التمنّي، كقولك: (يا شمس لا تغربي).

8 - التهديد، كقولك لولدك مهدداً: (لا تذهب إلي مجالس البطالين)

9 - الكراهة، نحو (لا تشتم الريحان في يوم الصوم).

10 - التوبيخ، كقوله: (لا تنه عن خلق وتأتي مثله).

11 - الايناس، كقوله تعالي: (لا تحزن)(28).

12 - التحقير، كقوله: (دع المكارم لا ترحل لبغيتها..).

الإستفهام

الثالث: الاستفهام، وهو طلب الفهم، فيما يكون المستفهم عنه مجهولاً لدي المتكلّم، وقد يكون لغير ذلك كما سيأتي، ويقع الاستفهام بهذه الادوات:

1 الهمزة كقوله تعالي: (أراغب أنت عن آلهتي)(29).

2 هل، كقوله تعالي: (فهل أنتم منتهون)(30).

3 ما، كقوله تعالي: (أماذا كنتم تعملون)(31).

4 من، كقوله تعالي: (من فعل هذا بآلهتنا)(32).

5 أيّان، كقوله تعالي: (يسئلون أيان يوم الدين)(33).

6 أين، كقوله تعالي: (أين شركاؤكم..)(34).

7 كيف، كقوله تعالي: (كيف تكفرون بالله..)(35).

8 انّي، كقوله تعالي: (اني يحيي هذه الله بعد موتها)(36).

9 كم، كقوله تعالي: (كم لبثتم في الارض عدد سنين)(37).

10 أيّ، كقوله تعالي: (أيّ الفريقين خير مقاماً)(38).

أقسام أدوات الاستفهام

تنقسم أدوات الإستفهام إلي ثلاثة أقسام:

1 ما يطلب به التصوّر.

2 ما يطلب به التصديق.

3 ما يطلب به التصوّر مرة، والتصديق اخري.

والتصوّر، هو ادراك المفرد، بمعني أن لا يكون هناك نسبة، ف (زيد) و(عمرو) و(القرآن) و(الله).. ونحوها كلّها مفرد، فهي تصورات.

والتصديق: هو ادراك النسبة، أي نسبة الفعل الي فاعله أو المبتدأ الي خبره، ف (زيد قائم) و(الله عالم)(39) و(محمد صلي الله عليه وآله وسلم نبي).. ونحوها كلها نسبة، فهي تصديقات.

وجملة القول:

ان العلم ان كان اذاعاناً للنسبة فتصديق، والا فتصورّ.

والتصديق كما يكون في الاثبات، نحو (محمد عادل) كذلك يكون في النفي، نحو (خالد فاسق).

همزة الاستفهام

من أدوات الاستفهام الهمزة، وهي مشتركة، فتأتي تارة لطلب التصور، وأخري لطلب التصديق.

1- أما ما كان لطلب التصوّر، فيلي الهمزة المسئوول عنه، والسؤال حينئذٍ عن المفرد لا النسبة بمعني: أن السائل يعلم بالنسبة، وانما لا يعلم شيئاً من اطرافها.

مثلاً يعلم: أنه وقع فعل ما، لكن لا يعرف المسند، أو المسند اليه، أو المفعول، أو الحال، أو الظرف، أو الصفة.. أو نحوها.

ففي نحو: (ضرب زيدٌ عمراً، الفاسق، راكباً، في الصحراء) يقع المجهول بعد همزة الاستفهام.

فتقول في الجهل بالفعل: (أضربه أم قتله)؟

وتقول في الجهل بالفاعل: (أزيد الضارب أم بكر)؟

وتقول في الجهل بالمفعول: (أعمراً المضروب أم محمداً)

وتقول في الجهل بالصفة: (أعمرا الفاسق أم التاجر)؟

وتقول في الجهل بالحال: (أراكباً كان زيد أم راجلاً)؟

وتقول فيي الجهل بالظرف: (أفي الصحراء أم في البلد)؟

وهكذا..

وقد علم من هذه الامثلة: ان النسبة معلومة، وانما المجهول مفرد من المفردات.

2 وأما ما كان لطلب التصديق، فالهمزة تدخل علي الجملة، والسؤال يقع عن النسبة، كقولك: (أجاء زيدٌ؟) فيما لم تعلم بالمجيء.

ثم ان الغالب أن يؤتي للهمزة التي لطلب التصور بمعادل، كما عرفت في الامثلة: من

معادلة (أم) للهمزة.

بخلاف طلب التصديق فلا يؤتي للهمزة بمعادل، كما تقدم في المثال.

ثم أن جواب الهمزة التي لطلب التصور: تعيين أحد الشقين:

فتقول في السؤال الاول: (ضربه).

وتقول في السؤال الثاني: (زيدٌ).

وتقول في السؤال الثالث: (عمراً).

وهكذا …

بخلاف الهمزة التي لطلب التصديق، فالجواب: (نعم) أو (لا).

هل الاستفهامية

من أدوات الاستفهام: هل، وهي مختصة بطلب التصديق، فيراد بها معرفة وقوع النسبة وعدم وقوعها، ولذا لا يذكر معها معادل، كما يكون جوابها: (نعم) أو (لا).

تقول: (هل قام زيد)؟

والجواب: (نعم) أو: (لا).

وتنقسم هل الي:

1 بسيطة، وهي أن يكون المستفهم عنه بها: وجود الشيء وعدمه، كما تقول: (هل العنقاء موجودة)؟

2 مركبة، وهي أن يكون المستفهم عنه بها: صفة زائدة علي الوجود، كما تقول: (هل الخفاش يبصر)؟

ما الاستفهامية

بقية أدوات الاستفهام موضوعة لطلب التصوّر فقط، فيقع السؤال عن معناها.

1 ف (ما): موضوعة للاستفهام عن غير العقلاء، ويطلب بها احد امور ثلاثة:

الأول: ايضاح الاسم، مثلاً يقال: (ما الفدوكس)؟ فيقال في الجواب: (أسد).

الثاني: بيان حقيقة الشيء، مثلاً يقال: (ما الاسد)؟ فيقال في الجواب: (حيوان مفترس).

الثالث: بيان صفة الشيء، مثلاً يقال: (ما الحيوان)؟ فيقال في الجواب: (حساس متحرك بالارادة).

وهنا نكتة لا بأس بالتنبيه عليها، وهي: أن السؤال عن شيء حسب ترتيبه العقلي هكذا:

الف السؤال ب (ما) الشارحة، تقول: (ما هي الذكاء)؟ فيقال: (الشمس).

ب- السؤال ب (هل) البسيطة، تقول: (هل الشمس موجودة)؟ فيقال: (نعم).

ج- السؤال ب (ما) الحقيقية، تقول (ماهي الشمس)؟ فيقال: (جرم علوي مضيء..).

د- السؤال ب (هل المركبة)، تقول: (هل الشمس أصل الكون)؟ فيقال: (لا).

وذلك لان الانسان يطلب أولاً معني اللفظ، ثم وجوده، ثم حقيقته، ثم صفاته وخصوصياته.

بقية أدوات الاستفهام

2 و(من): موضوعة للاستفهام عن العقلاء، كقوله تعالي: (من فعل هذا بآلهتنا)؟ (40) وقد ينعكس، فتستعمل (ما) للعاقل، و(من) لغيره.

3 و(متي): موضوعه للاستفهام عن الزمان، مستقبلاً كان أم ماضياً، نحو: (متي خلّف رسول الله صلي الله وعليه وآله وسلم) علياً عليه السلام و(متي يظهر الحجّة عليه السلام)؟

4 و(أيّان): موضوعة للاستفهام عن زمان المستقبل فقط، قال تعالي: (يسئل أيّان يوم القيامة)؟ (41).

5 و(كيف): موضوعة للاستفهام عن الحال، قال تعالي: (فكيف اذا جئنا من كل أُمَّة بشهيد وجئنا بك علي هؤلاء شهيداً)؟(42).

6 و(اين): موضوعة للاستفهام عن المكان، قال تعالي: (أين شركاؤكم)؟ (43).

7 و(أتّي): موضوعة الاستفهام، وتأتي بمعني:

الف كيف، كقوله تعالي: (أنّي يُحيي هذه الله بعد موتها)؟ (44).

ب - وبمعني من أين، كقوله تعالي: (يا مريم أنّي لكِ هذا)؟ (45).

ج- وبمعني متي، تقول: (زره أنّي شئت؟).

8 و(كم): موضوعة للاستفهام عن عدد

مبهم، كقوله تعالي: كم لبثتم في الارض عدد سنين) (46).

9 و(أيّ) موضوعة للإستفهام عن تمييز أحد المتشاركين في أمر يعمهما: شخصاً، أو زماناً أو مكاناً، أو حالاً، أو عدداً، عاقلاً أو غيره، قال تعالي: (أيُّ الفريقين خير مقاماً)؟ (47).

خروج أدوات الإستفهام من معانيها

قالوا: وقد تخرج ألفاظ الاستفهام عن معناها الاصلي: وهو طلب الفهم من الجهل، فيستفهم بها عن الشيء مع االعلم به لاغراض أخري، وأهمها أمور:

1 - الامر، كقوله تعالي: (فهل أنتم منتهون)؟ (48)أي انتهوا.

2 - النهي، كقوله تعالي: (أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه) (49). أي لا تخشوهم.

3 - التسوية، كقوله تعالي: (سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم)؟ (50).

4 - النفي، كقوله تعالي: (هل جزاء الاحسان الا الاحسان)؟ (51).

5 - الانكار، كقوله تعالي: (أغير الله تدعون)؟ (52).

6 - التشويق، كقوله تعالي: (هل أدلكم علي تجارة تنجيكم من عذاب أليم)؟ (53).

7 - الاستئناس، كقوله تعالي: (وما تلك بيمينك يا موسي)؟ (54).

8 - التقرير، كقوله تعالي: (ألم نشرح لك صدرك)؟ (55).

9 - التهويل، كقوله تعالي: (وما أدراك ما الحاقة)؟ (56).

10 - الإستبعاد، كقوله تعالي: (أنّي لهم الذكري وقد جاءهم رسول مبين)؟(57).

11 - التعظيم كقوله تعالي: (من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه)؟ (58).

12 - التحقير، كقوله تعالي: (أهذا الذي يذكر آلهتكم)؟ (59).

13 التعجّب، كقوله تعالي: (ما لهذا الرسول يأكل الطعام)؟ (60).

14 التهكّم، كقوله تعالي: (أصلاتك تأمرك أن نترك ما كان يعبد آباؤنا)؟ (61).

15 - الوعيد، كقوله تعالي: (ألم تر كيف فعل ربّك بعباد)؟ (62).

16 - الاستبطاء، كقوله تعالي: (متي نصر الله)؟ (63).

17 - التنبيه علي الخطأ، كقوله تعالي: (أتستبدلون الّذي هو أدني بالذّي هو خير)؟ (64).

18 - التنبيه علي ضلال الطريق، كقوله تعالي: (فأين تذهبون)؟ (65).

19 - التحسّر، كقوله تعالي:

(ويا قوم ما لي أدعوكم إلي النجاة وتدعونني الي النار)؟ (66).

20 - التكثير، كقوله: (أهذا الخلق يحشر في القيامة).

التمنّي

الرابع(67): التمني، وهو طلب المحبوب الذي لا يرجي حصوله، لاستحالته عقلاً أو شرعاً أو عادة، كقولك: (ليت الشباب لنا يعود) و(ليت السواك كان واجباً) وقوله تعالي: (يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون)(68).

والفرق بين التمنّي والترجّي كما ذكروا: أن التمنّي يأتي فيما لا يرجي حصوله، ممكناً كان أم ممتنعاً، والترجّي فيما يرجي حصوله.

ويستعمل للترجّي غالباً (عسي) و(لعلّ) قال الله تعالي: (فعسي الله أن يأتي بالفتح)(69) وقال سبحانه: (لعلّ الله يُحدث بعد ذلك أمراً)(70).

قالوا: وللتمنّي أدوات أخري تستعمل فيه مجازاً، مثل:

(هل): قال تعالي: (فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا)؟ (71).

و (لو): قال تعالي: (فلو أن لنا كرَّةً فنكون من المؤمنين)(72).

و (لعلّ) كقول الشاعر:

أسرب القطا هل من يعير جناحه لعلّي إلي من قد هويت أطير

وقد ينعكس فيؤتي ب (ليت) مكان (لعل)، قال تعالي: (يا ليتني اتّخذتُ مع الرسول سبيلاً)(73) للتندّم، وقال الشاعر:

فيا ليت ما بيني وبين أحبّتي من البعد ما بيني وبين المصائب

النداء

الخامس: النداء، وهو طلب توجّه المخاطب الي المتكلّم بحرف يفيد معني: (انادي).

وحروف النداء:

1 الهمزة: قال الشاعر: (أسكّان نعمان الاراك تيقّنوا …).

2 يا: قال تعالي: (ياأيّها النبي اتّق الله …)(74).

3 أيّ: قال الشاعر: (أيها السائل عنهم وعني …).

4 أ: كقوله: (أسيد القوم أنّي لست متّكلاً …).

5 أي: كقوله: (أي ربّ قوّ المسلمين فإنهم …).

6 أيا: كقوله: (أيا من لست أنساه …).

7 هيا: كقوله: (… ويقول من فرح: هيا ربّا).

8 وا: كقوله: (فوا عجباً كم يدّعي الفضلَ ناقص …).

ثم انهم اختلفوا في هذه الحروف، والمرجحّ: أن (الهمزة) و(أيّ) لنداء القريب، والباقي لنداء البعيد.

وقد يجعل للقريب سائر الادوات اشارة إلي انحطاط مرتبته فلا يليق بالتكلّم معه عن قريب، أو ارتفاع مرتبته فشأنه أجلّ من أن يتكلّم عن

قرب، أو لكونه كالبعيد، كالنائم والغافل..

كما أنه ربما يجعل للبعيد أدوات القريب، اشارة إلي أنه في نفس المتكلّم فهو كالقريب، أو لتنزيل القرب المعنوي منزلة القرب المكاني..

استخدام النداء لأغراض اُخر

قالوا: وربما يؤتي بحرف النداء لغرض آخر، وأهم الاغراض:

1 الإستغاثة، كقوله: (يا لقومي ويا لأمثال قومي..).

2 الاغراء، كقوله: (يا من رُميت ألا تنهض إلي الثار …).

3 الندبة، كقوله: (يا حسيناً قتلته الأشقياء …).

4 الزجر، كقوله: (أفؤادي متي المتاب؟ …).

5 التعجّب، كقوله: (يا أيّها المجنون كيف تفلسف؟ …).

6 التضجّر وإظهار الحزن، كقوله: (أيا منزل الاحباب أين الاحبّة؟ …).

7 التذكّر، كقوله: (ذكرتك يا معهد المسلمين …).

8 الاختصاص، وهو كالنداء من غير ياء، فيؤتي بالضمير ثم باسم ظاهر يبيّنه، نحو قوله تعالي: (رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت أنّه حميد مجيد)(75) ونحو قوله (صلي الله عليه آله وسلم): (انّا معاشر الأنبياء اُمرنا أن نكلِّم الناس علي قدر عقولهم)(76).

وضع الخبر موضع الإنشاء

يوضع الخبر موضع الإنشاء لاغراض:

1 التفأل، كقوله: (عافاك ربّك من بليتّك التي …) وكقوله: (وفّقك الله) و(أصلحك الله).

2 الإحتراز عن إتيان الشيء بصورة الأمر، تأدباً ونحوه، كقوله: (ينظر سيّدي إلي مقالي..).

3 التنبيه علي سهولة الأمر لتوفّر شروطه، كقوله: (تأخذون بنواصي القوم وتنزلونهم من صياصيهم …).

4 المبالغة في الطلب تأكيداً، كقوله: (لا تضربون وجوه الناس بالعمد..) لم يقل: (لا تضربوا) مبالغة في النهي حتّي كأنّهم امتثلوا النهي فأخبر عن امتثالهم.

5 إظهار الرغبة في الشيء، كقوله: (شفّعني الله محمداً وآله).

وضع الانشاء موضع الخبر

وقد ينعكس الامر فيوضع الإنشاء موضع الخبر لأغراض:

1 اظهار العناية بالشيء والإهتمام به، كقوله تعالي: (قل أمر ربّي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كلّ مسجد …)(77) والأصل: وإقامة وجوهكم.. لكنه لعظيم خطر الصلاة اُوتي في صورة الانشاء.

2 التأدب بالنسبة إلي عظيم لئلا يساويه غيره في سوق الكلام، كقوله تعالي: (قال انّي اُشهد الله واشهدوا أنّي بريء ممّا

تُشركون …)(78) لم يقل: واشهدكم.. لئلا يتشابه الإستشهادان.

1 البقرة: 28. 2 المائدة: 52. 3 الاسراء: 78.

4 البقرة: 282. 5 المستدرك 5/406ب1ح6199. 6 المائدة: 105.

7 راجع كتاب (الاصول) للامام المؤلف. 8 النمل: 19. الاحقاف: 15. 9 البقرة: 282.

10 فصلت: 40. 11 البقرة: 23. 12 البقرة: 187.

13 الطور: 16. 14 الحجر: 46. 15 النحل: 114.

16 الاسراء: 50. 17 الفاتحة: 6. 18 الانعام: 99.

19 البقرة: 117. 20 النساء: 3. 21 الاسراء: 48. الفرقان: 9.

22 البقرة: 188. 23 البقرة: 286. 24 المائدة: 101.

25 ابراهيم: 43. 26 آل عمران: 169. 27 التوبة: 66.

28 التوبة: 40. 29 مريم: 46. 30 المائدة: 91.

31 النمل: 84. 32 الانبياء: 59. 33 الذاريات: 12.

34 الانعام: 22. 35 البقرة: 28. 36 البقرة: 259.

37 المؤمنون: 112. 38 مريم: 73. 39 فاطر: 38.

40 الانبياء: 59.

41 القيامة: 6. 42 النساء: 41.

43 الانعام: 22. 44 البقرة: 259. 45 آل عمران: 37.

46 المؤمنون: 112. 47 مريم: 73. 48 المائدة 91.

49 التوبة: 13. 50 البقرة: 6. 51 الرحمن 60.

52 الانعام: 40. 53 الصف: 10. 54 طه: 17.

55 الشرح: 1. 56 الحاقة: 3. 57 الدخان: 13

58 البقرة: 255. 59 الانبياء: 36. 60 الفرقان: 7.

61 هود: 87. 62 الفجر: 6. 63 القرة: 214.

64 البقرة: 61. 65 التكوير: 26. 66 غافر: 41.

67 من أقسام الإنشاء الطلبي. 68 القصص: 79. 69 المائدة: 52. 70 الطلاق: 1. 71 الاعراف: 53. 72 الشعراء: 102.

73 الفرقان: 27. 74 الاحزاب: 1. 75 هو: 73.

76 بحار الأنوار 1/85 ب1 ح7. 77 الاعراف: 29. 78 هود: 54.

المسند إليه

(المسند إليه): هو الذي يعتمد عليه الفعل وشبهه، فاعلاً أم نائباً، أم غيرهما.

وتعرضه حالات، من ذكر وحذف، وتعريف وتنكير، وتقديم وتأخير، وغيرها.

والاصل ذكر المسند إليه، لتوقّف فهم الكلام عليه، لكنه قد يجوز حذفه لوجود قرينة تدل عليه، وحينئذ فالراجح ذكره لأمور:

1 زيادة التقرير والإيضاح، كقوله تعالي: (اُولئك علي هدي من ربّهم واُولئك هم المفلحون)(1) فإن ذكر (اُولئك) لزيادة الايضاح.

2 ضعف القرينة، أو ضعف فهم السامع عن إدراكها، كقوله تعالي: (وما أدراك ما هيه نار حامية)(2) فإن ذكر (النار) انما هو لاحتمال ضعف القرينة أو ضعف ادراك سامعها.

3 الرد علي المخاطب، كقوله تعالي: (إنَّما الله إله واحد)(3) رداً علي من زعموا أنه أكثر.

4 التلذّذ بذكر المحبوب، كقوله: (حبيبتي هي بدر، حبيبتي هي شمس …).

5 التعريض بغباوة السامع، كقولك: (زيد قال كذا) في جواب: (ماذا قال زيد)؟.

6 التسجيل علي السامع حتي لا يتمكّن من الإنكار، كقولك: (نعم، زيد سرق) في جواب أبيه: (هل زيد ابني سرق)؟

7 التعجّب، فيما

كان الحكم عجيباً: كقولك: (علي عليه السلام أخمد نار بدر) في جواب: (هل عليّ عليه السلام أخمد نار بدر)؟

8 التعظيم، كقولك: (جاء أمير المؤمنين) في جواب (هل جاء أمير المؤمنين)؟!

9 الاهانة، كقولك: (جاء السارق) في جواب: (هل جاء السارق)؟

10 بسط الكلام حيث الإصغاء مطلوب، كقوله تعالي: (قال هي عصاي أتوكأ عليها وأهشّ بها علي غنمي..)(4).

حذف المسند إليه

حذف (المسند إليه) خلاف الأصل كما عرفت، لكن إذا كانت هناك قرينة، وكان في حذفه غرض رجّح حذفه، وأهم الأغراض:

1 الإحتراز عن العبث بناءً علي الظاهر كقوله: (زيد أتي ثم ذهب) ولم يقل (زيد ذهب).

2 اخفاء الأمر عن الحاضرين غير المخاطب، كقولك: (جاء) في جواب (ما فعل)؟ تريد أحد المجرمين.

3 سهولة الانكار حيث تمس الحاجة إليه، كقولك: (زنديق) حيث يعرفه المخاطب.

4 الحذر من فوات الفرصة، كقولك: (غزال) لتنبيه الصيّاد، فإن قلت: (هذا غزال) فات خلف جبل مثلاً.

5 اختبار تنبه السامع عند القرينة أو مقدار تنبهّه له، كقولك: (خاتم النبييّن) أي (محمدّ صلي الله عليه وآله وسلم).

6 تضجّر المتكلّم بسبب، فلا يحب التطويل، كقوله: (قال لي: كيف أنت؟ قلت: عليل) ولم يقل: (أنا عليل) تضجّراً من علّته.

7 المحافظة علي السجع، كقولك: (زيد طاب، ثم آب) ولا تقول: (آب هو).

8 المحافظة علي القافية، كقوله:

قد كان بالإحسان أحري أحمد لأنه في كل حال يحم

لم يقل: يحمد هو، تحفّظاً علي القافية.

9 المحافظة علي الوزن، كقوله:

علي أنّني راض بأن أحمل الهوي وأخلص منه لا علّي ولا ليا

أي: لا شيء عليَّ، فإنه لو ذكره اختلّ الوزن.

10 كون المسند معلوماً معيّناّ، كقوله تعالي: (عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال)(5).

11 اتباع الاستعمال الوارد علي تركه، كقولهم: (رمية من غير رام) أي هذه رمية.

12 ايهام حفظه عن لسانك، لانه أجلّ

من أن يذكر، كقوله: (صاحب كل منقبة..) يعني محمداً (صلي الله عليه وآله وسلم) أو لأنه لا يليق أن يذكر لخسّته، كقوله تعالي: (صمّ بكم عمي)(6).

13 تكثير الفائدة لكثرة الإحتمالات، كقوله تعالي: (فصبر جميل)(7). أي أمري صبر جميل، أو عملي، أو نحو ذلك.

14 كون المسند معيّناً للعهد به، نحو قوله تعالي: (حتّي توارت بالحجاب)(8) أي الشمس.

ما ينبغي للمسند إليه

(المسند إليه) ينبغي أن يكون معرفة، لأن الكلام إنما يؤتي به للإستفادة، ولا يستفاد من الحكم علي النكرة، إلا في ظروف نادرة.

وتعريف (المسند إليه) يكون بالإضمار، والعَلَمية، والإشارة، والموصولية، وال، والإضافة، وقد يعرف بالنداء.

المسند إليه مضمراً

أما تعريف المسند إليه بالإضمار فهو لأغراض أهمّها:

1- كون الحديث في مقام التكلّم، كقوله: (أنا ابن دارة معروفاً بها نسبي …).

2- أو في مقام الخطاب، كقوله: (وأنت الذي في رحمة الله تطمع …).

3- أو في مقام الغيبة، كقوله تعالي: (هو الملك القدّوس السلام …)(9).

ولا بدّ من تقدّم ذكر مرجع الضمير وذلك:

1- إمّا لفظاً، كقوله تعالي: (فاصبروا حتّي يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين)(10).

2- وإمّا معنيً، كقوله تعالي: (اعدلوا هو أقرب للتقوي)(11). أي العدل المفهوم من قوله: (اعدلوا).

3- وإمّا حكماً، كقوله تعالي: (ولأبويه لكلّ واحد منهما السدس)(12)أي أبوي الميّت، المفهوم من السياق.

ثم أن الأصل في الخطاب أن يكون لمعيّن مشاهد.

وقد يأتي لغير المعيّن إذا قصد التعميم، كقوله تعالي: (ولو تري إذ المجرمون ناكسوا رؤسهم عند ربّهم)(13).

كما أنه قد يأتي لغير المشاهد، إذا نزّل منزلته، نحو (لا اله إلا أنت)(14) لكون الله تعالي مع كل أحد.

تأخير مرجع الضمير أو حذفه

وربما يترك ذكر مرجع ضمير الغائب مقدماً عليه، فيؤخّر المرجع، أو لا يذكر أصلاً، لاغراض أهمّها:

1- ارادة تمكين الكلام في ذهن السامع، لانه إذا سمع الضمير تشوّق إلي معرفة مرجعه، كقوله تعالي: (قل هو الله أحد)(15).

2- ادّعاء حضور مرجع الضمير في الذهن، فلا يحتاج إلي ذكر مرجعه، كقوله: (ذكرتني والليل مرخي الستور …) أي المحبوبة.

وهذا القسم من الكلام يسمّي: ب (الإضمار في مقام الإظهار).

وقد يعكس الكلام فيوضع الظاهر مقام المضمر ويسمّي ب: (الإظهار في مقام الإضمار) وذلك لاغراض أهمّها:

1 - القاء المهابة في ذهن السامع، كقول الوالي: (الامير يأمر بكذا).

2 - تمكين المعني في نفس المخاطب، كقوله: (هو ربّي وليس ندّ لربّي …).

3 - التلذّذ بالتكرار، كقوله:

(أمّر علي الديار ديار ليلي)..

إلي:

(وما حبّ الديار شغفن قلبي).

4 - اثارة الحسرة والحزن، كقوله:

قد فارقتني

زوجتي فراقاً وزوجتي لا تبتغي الطلاقا

5 - الاستعطاف، كقوله: (إلهي عبدك العاصي أتاكا …) لم يقل: (أنا).

المسند إليه علماً

وأما تعريف المسند إليه بالعلمية فهو ليمتاز عما عداه باسمه الخاص، قال تعالي: (الله ولي الذين آمنوا)(16).

وقد يعرض له اضافة إلي امتيازه وجه مرجّح آخر، وأهم الوجوه:

1 المدح، فيما إذا كان الاسم مشعراً بذلك، قال تعالي: (محمّد رسول الله)(17).

2 الذمّ والإهانة، قال تعالي: (وقال الشيطان لمّا قضي الأمر)(18).

3 التفأل كقوله: (جاء سعد فاتبعته سعود …).

4 التشاؤم، كقوله: (وإذ أتت شوهاء نحوك فاستعذ …).

5 التبرّك، بذكره، كقوله: (فليحكم القرآن في أبنائنا).

6 التلذّذ باسمه، كقوله:

تالله ياظبيات القاع قلن لنا ليلاي منكنّ أم ليلي من البشر

7 الكناية عن ذمّ يصلح العَلَم له، لكون المراد كان معني هذا اللفظ قبل وضعه علماً، كقوله: (وابر الحتوف إذا تعرّض نحوهم …) كناية عن الحتف المتوجّه إليهم.

8 التسجيل علي السامع لئلا ينكر، كقوله: (أفهل علمت بأن أحمد قد أتي)؟

9 طلب الإقرار بصريح الاسم، كقوله: (قل: هل دريت بأن يوسف حاكم)؟

المسند إليه معرفاً بالإشارة

وأما تعريف المسند إليه باسم الإشارة فهو لأمور:

1 أن لا يكون طريق لا حضاره إلا باسم الإشارة، لجهل السامع باسمه وبصفاته، كقوله: (جاءني هذا) مشيراً إلي زيد، حيث لا يمكنك احضاره باسمه أو صفته في ذهن المخاطب.

2 بيان حاله في القرب، قال تعالي: (هذه جهنم التي كنتم توعدون)(19).

3 بيان حاله في التوسّط، كقوله: (ذاك شيخي ومرجعي وعمادي …).

4 بيان حاله في البعد، قال تعالي: (ذلك يوم الخروج)(20).

5 تعظيمه بالقرب، قال تعالي: (إنَّ هذا القرآن يهدي للّتي هي أقوم)(21).

6 تعظيمه بالبُعد، كقوله: (ذلك الكتاب لا ريب فيه)(22).

7 تحقيره بالقرب، قال تعالي: (لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها)؟(23).

8 تحقيره بالبُعد، قال تعالي: (فذلك الّذي يدعُّ اليتيم)(24).

9 اظهار الاستغراب كقوله:

كم عاقل عاقل اعيت مذاهبه وجاهل جاهل تلقاه مرزوقا

هذا الذي ترك الأوهام حائرة وصيّر العالم النحر

ير زنديقاً(25)

10 - تمييز المشار إليه أحسن تمييز، كقوله:

هذا الّذي أحمد المختار والده بجدّه أنبياء الله قد ختموا

11 - التعريض بغباوة المخاطب ايماءاً إلي أنه لا يعرف إلا المحسوس، كقوله:

أولئك آبائي فجئني بمثلهم إذا جمعتنا يا جرير المجامع

12 - افادة أن المشار اليه حقيق بما يذكر له من الاوصاف، قال تعالي:

(اُولءك علي هُديّ من ربِّهم واُلئك هم المفلحون)(26). بعد ذكر انهم (يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة وممّا رزقناهم ينفقون …)(27).

المسند إليه موصولاً

وأمّا تعريف المسند إليه بالموصول فهو لأمور:

1 - أن لا يكون طريق لإحضاره في ذهن المخاطب إلا بإتيانه موصولاً، كقولك: (الذي هاجم الاعداء كان مقداماً) إذا لم يعرف المخاطب أي شيء منه، وكذا اذا لم يعرف اسمه المتكلّم.

2 - التشويق لكون مضمون الصلة أمراً غريباً، كقوله:

والذي حارت البريّة فيه حيوان مستحدث من جماد

3 - التنبيه علي خطأ المخاطب، قال تعالي: (إنّ الذين تدعونَ من دون الله عباد أمثالكم)(28).

4 - التنبيه علي خطأ غير المخاطب، كقوله:

من أخذوه جوشناً من شرّ الاعداء لهم

5 - ارادة اخفاء المسند اليه بخصوصياته، كقوله:

ما حدث في دارنا ليست عن الصبر أمرّ

6 - تعظيم شأن المسند اليه، كقوله:

انّ الذي سمك السماء بني لنا بيتاً دعائمه أعزّ وأطول

7 التهويل، قال تعالي: (فغشيهم من اليمّ ما غشيهم)(29)

8 استهجان التصريح بالإسم، قال تعالي: (وراودته الّتي هو في بيتها عن نفسه)(30).

9 الاشارة إلي النحو الذي يبني عليه الخبر، من خير وشرّ، ومدح وقدح، قال تعالي: (والّذين آمنوا واتّبعتهم ذريّتهم بايمان ألحقنا بهم ذرّيتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء)(31).

10 التوبيخ، كقوله:

افيقوا أمن كان يحسن دائماً إليكم؟ فهل هذا جزاء المفضل؟

11- الاستغراق، كقوله: (الّذين يزورونك أكرمهم).

12- الإبهام، قال تعالي: (علمت نفس ما قدَّمتْ وأخرتْ)(32).

المسند إليه مضافاً

وأمّا تعريف المسند إليه بالإضافة فهو لأمور:

1 أنه أخصر طريق لإحضاره في ذهن المخاطب، كقوله: (زرتُ والدك)؟

2 تعذّر التعداد، كقوله تعالي: (كلّ من عليها فان …)(33).

3 تعسّر التعداد، كقوله: (زارني أصدقائي) لمن أصدقاؤه كثيرون.

4 الخروج عن تبعة تقديم بعض علي بعض، كقوله: (جاء أمراء الجيش).

5 تعظيم المضاف، كقوله: (خادم السلطان يبغي مطلباً) تعظيماً للخادم بأنه خادم السلطان.

6 تعظيم المضاف اليه، كقوله:

إذا ما رأيت الكسائي فقل صنيعك أضحي أمير البلاد

تعظيماً للكسائي بأن صنيعه صار

أميراً.

7 تعظيم غيرهما نحو: (أخو السلطان صهري) تعظيماً للمتكلّم بأن أخ السلطان صهره..

8 تحقير المضاف، نحو: (ابن الجَبان حاضر).

9 تحقير المضاف اليه، نحو: (عبد زيد خائن).

10 تحقير غيرهما، نحو: (أخو اللصّ عندك).

11 الإختصار لضيق المقام، كقوله: (هواي من الركب اليمانين مصعد) فلفظ (هواي) أخصر من (الذي أهواه).

12 الإستهزاء، كقوله: (علمك النافع لاعلم جميع العلماء).

المسند إليه معرّفاً باللام

وأمّا تعريف المسند إليه ب (أل) سَواء العهدية أم الجنسية، فلأغراض:

أما (ال) العهدية، فإنها تدخل علي المسند إليه للإشارة الي معهود لدي المخاطب، والعهد علي ثلاثة أقسام:

1 العهد الذكري، وهو ما تقدم فيه ذكر المسند إليه صريحاً، قال تعالي: (كما أرسلنا إلي فرعون رسولاً فعصي فرعون الرسول)(34) فإن (الرسول) تقدّم ذكره صريحاً، لكن المثال ليس للمسند إليه، إذ الرسول مفعول في المقام، وانما المثال المطابق قوله:

أتاني شخصاً لابساً ثوب سؤدد وما الشخص إلا من كرام الأقارب

2 العهد الذهني، وهو ما تقدم فيه ذكر المسند إليه تلويحاً، قال تعالي: (وليس الذكر كالأنثي)(35) فإنه لم يسبق ذكر (الذكر) صريحاً، وإنّما اشير اليه في قوله: (ربّ اني نذرت لك ما في بطني محرّراً)(36) فإنّ (ما) يراد منه الذكر، لانه القابل لخدمة المسجد.

3 العهد الحضوري، وهو ما كان المسند إليه حاضراً بذاته، قال تعالي: (اليومَ أكملت لكم دينكم)(37) فإن (اليوم) وهو يوم الغدير الذي أكمل الله تعالي دينه بولاية أمير االمؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) كان حاضراً، ومثله ما بمنزلة الحاضر، نحو: هل انعقد المجلس؟ فيما كان المجلس في شرف الانعقاد.

وأما (ال) الجنسية فإنها تدخل علي المسند إليه لبيان الحقيقة، وهي علي أربعة أقسام:

1 لام الجنس، وهي ت دخل علي الأجناس، للإشارة الي الحقيقة، من دون نظر إلي العموم والخصوص، نحو (الانسان حيوان

ناطق) فإن المراد أن هذا الجنس متّصف بكونه حيواناً ناطقاً.

2 لام الحقيقة، وهي تدخل علي الاجناس، للإشارة إلي فرد مبهم، قال تعالي: (وأخاف أن يأكله الذئب)(38) فالمقصود: فرد من الذئب، ويعامل مع مدخولها معاملة النكرة، لكونه بمعناها.

3 لام الاستغراق الحقيقي، وهي تدخل علي الاجناس، للإشارة الي عمومها لكل فرد صالح لان يكون داخلاً في الجنس بحسب اللغة قال تعالي: (عالم الغيب والشهادة)(39) أي كلّ غيب وكلّ شهادة.

4 لام الاستغراق العرفي، وهي تدخل علي الاجناس، للإشارة إلي عمومها لجميع الافراد، لكن عرفاً لا حقيقة، نحو: (جمع الامير الصاغة) فإن المراد صاغة بلده أو مملكته لا صاغة الدنيا.

واعلم أن بعض هذه الامثلة ليست مما نحن فيه، وانما المقصود أصل المثال، لا كونه في المسند اليه.

المسند اليه معرّفاً بالنداء

وأما تعريف المسند إليه بحرف النداء فهو لاغراض:

1- إذا لم يعرف المتكلّم للمخاطب عنواناً خاصاً، نحو: (يا رجل).

2 إذا اريد اغراء المخاطب لامر، نحو (يا فقير) و(يا مظلوم) و(يا شجاع) إذا أريد رغبته في طلب الغني، أو اثارته علي الظالم، أو تشجيعه علي اقتحام المصاعب.

3 اذا أريد الاشارة الي وجه النداء، نحو: (يا قاضي الحاجات، اقض حاجتي).

4 التحقير، نحو: (يا رجل عافاك الله).

تنكير المسند إليه

سبق أنّه ينبغي أن يكون المسند إليه معرفة، ولكن قد يؤتي به نكرة لاغراض:

1 - اذا لم يعلم المتكلم بجهة من جهات التعريف، حقيقة أو ادعاءاً، كقوله: (جاء رجل يسأل عنك).

2 - إخفاء الامر كقوله: (اتّهمك رجل) يخفي اسمه حتي لايكون شغباً.

3 - قصد الافراد، قال تعالي: (وجاء من أقصي المدينة رجل يسعي) أي: رجل واحد

4 - قصد النوعيّة، نحو: (لكل داء دواء).

5 التعظيم، قال تعالي: (وعلي أبصارهم غشاوة)(40) أي: غشاوة عظيمة.

6 التحقير، قال تعالي: (ولئن مسّتهم نفحة من عذاب ربّك)(41).

7 التكثير، قال تعالي: (وإن يكذّبوك فقد كذّبت رسل من قبلك)(42).

8 التقليل، قال تعالي: (ورضوان من الله أكبر) أي: رضوان قليل أكبر من نعيم الجنّة علي بعض التفاسير.

تقديم المسند اليه

الاصل في (المسند إليه) التقديم، لأنه محمكوم عليه والحكم مؤخّر، وقد يرجّح تقديمه علاوة علي ذلك لاغراض أهمها:

1 تعجيل المسرّة، كقوله: (عطاؤك ممنوح ورزقك مضمون).

2 تعجيل المسائة، كقوله: (السجن موطنه والقبر عاقبته).

3 التشويق إلي الخبر إذا كان المبتدأ غريباً، كقوله:

والذي حارت البريّة فيه حيوان مستحدث من جماد

4 التلذّذ بالمسند إليه، كقوله: (حبيبي شمس للمعالي وزورق …).

5 التبرّك بالتقديم، كقوله: (محمّد النبيّ صلي الله عليه وآله وسلم رسول حقّ …).

6 كون المقدم محلّ الإنكار، كقوله: (لعب وشيب، انّ ذا لعجيب)؟!

7 التدرّج في الحسن أو القبح أو ما شاكلهما، كقوله: (أصحيح ومفصح وبليغ)؟ فالصحّة مقدّمة علي الفصاحة، وهي علي البلاغة.

وقوله: (نظرة فابتسامة فسلام …).

وقوله: (نواة ثم زرع ثم نخل …).

8 مراعاة الترتيب الوجودي، قال تعالي: (لا تأخذه سنة ولا نوم)(43).

9 النص علي مقدار النفي، وإنه جميع الأفراد أو بعضها، لأنه:

اذا كان المنفي جميع الافراد، قدموا أداة العموم علي أداة النفي، فيقال:

(كل صدوق لا يكذب) ويسمي هذا ب: (عموم السلب).

وإذا

كان المنفي بعض الأفراد، قدموا أداة السلب علي أداة العموم، فيقال:

(ما كل سوداء تمرة) ويسمي هذا ب: (سلب العموم).

نعم هذه القاعدة غير مطردة، قال تعالي: (إن الله لا يحب كل مختال فخور)(44). والمراد عموم السلب.

10- افادة التخصيص إذا كان المسند مسبوقاً بنفي وكان المسند فعلاً، نحو: (ما أنا قلت هذا) والمراد: إني لم أقل، لكن غيري قال، فالنفي مختص بالمتكلم.

1 البقرة: 5. 2 القارعة: 10-11. 3 النساء: 171.

4 طه: 18. 5 الرعد: 9. 6 البقرة: 171.

7 يوسف: 18 و83. 8 ص: 32. 9 الحشر: 23.

10 الاعراف: 87. 11 المائدة: 8. 12 النساء: 11.

13 السجدة: 12. 14 الانبياء: 87. 15 التوحيد: 1.

16 البقرة: 257. 17 الفتح: 29. 18 ابراهيم: 22.

19 يس: 63. 20 ق: 42. 21 الإسراء: 9.

22 البقرة: 2. 23 الانبياء: 99. 24 الماعون: 2.

25 وقيل في ردّه:

كم من قوي قوي في تقلبه مهذب الرأي عنه الرزق منحرف

وكم من ضعيف ضعيف في تقلبه كأنه من خليج البحر يغترف

هذا دليل علي أن الإله له في الخلق سرّ خفيٌّ ليس ينكشف

26 البقرة: 5. 27 البقرة: 3-4. 28 الاعراف: 194.

29 طه: 78. 30 يوسف: 23. 31 الطور: 21.

32 الإنفطار: 5. 33 الرحمن: 26. 34 المزمّل: 15.

35 آل عمران: 36. 36 آل عمران: 35. 37 المائدة: 3.

38 يوسف: 13. 39 الانعام: 73. 40 البقرة: 7.

41 الانبياء: 46. 42 فاطر: 4. 43 البقرة: 255.

44 لقمان: 18.

المسند: تعريفه وعوارضه

(المسند): هو المحكوم به، فعلاً كان، أم خبراً، أم نحوهما.

ويعرضه الذكر والحذف، والتعريف والتنكير، والتقديم والتأخير، وغيرها.

ذكر المسند وحذفه

أما ذكره فلاغراض، أهمها:

1 كونه الاصلي ولا داعي للعدول عنه، قال تعالي: (الله خير أما يشركون)(1).

2 اذا ضعف التعويل علي دلالة القرينة فيجب الذكر، كقوله: (خير مال المرء ما أنفقه …).

3 ضعف تنبه السامع، نحو: (زيدٌ قائم وعمرو قائم).

4 الردّ علي المخاطب، فيكون الذكر أحسن، قال تعالي حكاية عن منكر البعث: (مَن يُحيي العظام وهي رميم)(2)؟! فردّه الله تعالي: (قل يحييها الّذي أنشأها أوَّلَ مرّةٍ) (3).

5 افادة التجدّد بإتيان الفعل، كقوله: (يحمد الله كل عبد فقيه …).

6 افادة الثبوت والدوام بإتيان الاسم، قال تعالي: (عالم الغيب والشهادة …)(4).

وأمّا حذفه فلأمور، أهمّها:

1 الإحتراز عن العبث، لقرينة مذكورة، قال تعالي: (إنَّ الله بريءٌ من المشركين ورسوله)(5) أي رسوله بريءٌ أيضاً.

2 الاحتراز عن العبث، لقرينة مقدّرة، كما لو قيل لك: (ما صنع بالكبش؟) فتقول: (الكبش) مع الاشارة اليه مذبوحاً، فإنّ المراد: ذُبح الكبش.

3 ضيق المقام عن الاطالة، كقوله:

نحن بما عندنا وأنت بما عندك راض والرأي مختلف

أي: نحن بما عندنا راضون.

4 اتباع الإستعمال الوارد، قال تعالي: (لولا أنتم لكنّا مؤمنين)(6) أي: لولا أنتم موجودون.

تعريف المسند وتنكيره

وأمّا تعريفه فلأمور:

1 إفادة السامع حكماً معلوماً علي أمر معلوم، وذلك يفيد النسبة المجهولة، فمن عرف زيداً بشخصه، وعرف أنّ له صديقاً، ولكن لم يعرف أنّ زيداً هو صديقه، قيل له: (زيد صديقك) وهذا يفيد النسبة، وإن لم يفد الخير لكونه معلوماً -.

2 قصر المسند علي المسند إليه حقيقة، كقوله: (عليّ عليه السلام أمير المؤمنين صريحة …).

3 قصر المسند علي المسند إليه ادّعاءً، كقوله: (وأخو كليب عالم الانساب …).

وأمّا تنكيره، فلأنّ الاصل في المسند أن يكون نكرة، لإفادة العلم بشيء مجهول، لكن قد يرجّحها أمور:

1 ارداة عدم العهد والحصر، كقوله: (مجاهد عبد، وسلمي أمة …).

2

ارادة التفخيم، قال تعالي: (هديً للمتَّقين)(7) بناءً علي كونه خبراً.

3 ارادة التحقير، كقوله: (وما هندة شيئاً، ولكن رجالها …).

4 اتباع المسند اليه في التنكير، كقوله: (رجل عالم وآخر فقيه …).

تقديم المسند وتأخيره

وأمّا تأخيره عن المسند إليه، فلأنّ الاصل في المسند التأخير، لانه حكم علي شيء، والمحكوم عليه مقدم طبعاً.

لكن قد يتقدّم لأمور:

1 كونه عاملاً نحو: (جاء زيد).

2 كونه ممّا له الصدارة في الكلام نحو: (أين زيد؟).

3 التخصيص بالمسند اليه، قال تعالي: (ولله ملك السموات والأرض)(8).

4 التنبيه علي أنه خبر لا صفة من بدء الكلام كقوله يصف رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم):

له همم لامنتهي لكبارها وهمّته الصغري أجلّ من الدهر

له راحة لو انّ معشار جودها علي البرّ كان البرّ أندي من البحر

فلو قال: (همم له) أو (راحة له) توهم بادي الامر انّ (همم) أو (راحة) صفة.

5 التشويق للمتأخّر، إذا كان المقدّم مشوّقاً له، قال تعالي: (إنَّ في خلق السموات والارض واختلاف اللَّيل والنهار لآيات لأولي الألباب)(9).

6 التفؤّل، كقوله:

سعدت بغرّة وجهك الايام وتزيّنت بلقائك الأعوام

7 التطيّر، كقوله: (شاهت بلقياك الوجوه وإنّما …).

8 قصر المسند إليه علي المسند، قال تعالي: (لكم دينكم ولي دين)(10). أي دينكم مقصور عليكم وديني مقصور عليّ.

9 المساءة، كقوله:

ومن نكد الدنيا علي الحرّ أن يري عدواً له ما من صداقته بدّ

10 تعجيل التعجّب، أو التعظيم، أو المدح، أو الذمّ، أو الترحّم، أو الدعاء، أو الإغراء، أو المسرّة، أو ما أشبه ذلك.

كقوله: (ومعجب كل فتي بوالده …).

وقوله: (عظيم أنت يا ربّ الفصاحة …).

وقوله: (كريم علاء الدين عند الملمات …).

وقوله: (بئس أخو القوم الذي أن يحضر …).

وقوله: (ومسكين أبوه لدي المجاعة …).

وقوله: (بخير رجعت من السفر …).

وقوله: (أسير العدل أنت أبا ظليم …).

وقوله: (لله درّك).

أقسام المسند

المسند إما مفرد وإمّا جملة، والمفرد علي قسمين:

1 فعل، نحو: (قام زيد).

2 اسم، نحو: (زيد أسد).

والجملة علي ثلاثة أقسام:

1 اسمية، نحو: (زيد أبوه منطلق).

2 فعلية، نحو: (زيد يصلّي).

3 ظرفية، إما

جاراً أو مجروراً، نحو: (محمد في الدار)، أو لا، نحو: (عليّ عندك).

أقسام الجملة

ثم ان الجملة علي ثلاثة أقسام:

1 السببية، وهي ما تكون من متعلقات المسند إليه، نحو: (حسين انتصر ابنه).

2 المؤكدة، وهي ما تكون مؤكدة للحكم، نحو: (جعفر يفقه) لتكرر الإسناد.

3 المخصصة، وهي ما تكون مخصصة للحكم بالمسند إليه، نحو: (أنا سعيتُ في حاجتك) أي: الساعي فيها أنا وحدي لا غير.

تقسيم المسند

ثم المسند إما جامد وإمّا مشتق:

1 فالجامد، هو الذي لايؤوّل بالمشتق، ولايكون مشتقّاً، نحو: (فارقليطا اسم).

2 والمشتق، نحو: (حسان شاعر)، ويلحق به المؤوّل، نحو: (جعفر أسد) أي شجاع.

1 النمل: 59. 2 يس: 78. 3 يس: 79.

4 المؤمنون: 92. 5 التوبة: 3. 6 سبأ: 31.

7 البقرة: 2. 8 آل عمران: 189. 9 آل عمران: 190.

10 الكافرون: 6.

اطلاق الحكم وتقييده

قد يؤتي بكل من (المسند) و(والمسند اليه) مطلقاً، بدون أيّ قيد، نحو: (جواد عالم) وذلك فيما إذا لم يتعلّق غرض بذكر الخصوصيات، وانما المقصود أصل الكلام.

وقد يؤتي بأحدحما، أو كليهما مقيّداً، لتوقّف الكلام أو مقصود المتكلّم عليه، فلو حذف القيد لكان الكلام كاذباً أو غير مقصود، قال تعالي: (وما خلقنا السماوات والارض وما بينهما لاعبين)(1) فلو حذف الحال (لاعبين) لكان الكلام كذباً، وقال تعالي: (يكاد زيتها يُضيء)(2) فلو حذف (يكاد) لفات الغرض المقصود الّذي هو افادة المقاربة.

والتقييد يكون بالتوابع الخمسة: نعت وتأكيده، وعطف بيان، وعطف نسق وبدل، وضمير الفصل، والمفاعيل الخمسة: به وله ومعه وفيه والمطلق، والنواسخ، وأدوات الشرط، والنفي، والحال والتمييز.

التقييد بالنعت

أما التقييد بالنعت وهو المعبّر عنه بالصفة فيأتي لاغراض:

1 تخصيص المنعوت بصفة تميزه عما عداه، وهذا يكون في النكرة نحو: (جائني رجل عالم).

2 توضيح المنعوت، وهذا وما بعده يكون في المعرفة، نحو: (قام زيد العالم).

3 تأكيد النعوت، قال تعالي: (تلك عشرة كاملة)(3).

4 مدح المنعوت، قال تعالي: (بسم الله الرحمن الرحيم).

5 ذم المنعوت، قال تعالي: (وامرأته حمّالة الحطب)(4).

6 الترحّم علي المنعوت، قال الشاعر: (أتي الرجل المسكين فليط بعضكم).

التقييد بالتأكيد

وأمّا التقييد بالتأكيد فيأتي لتقريره، ودفع توهّم عدم الشمول، ونحوه، وذلك في موارد:

1 - مجرّد التقرير، كقوله: (الله الله يكفي كلّ مشكلة …).

2 - دفع توهّم المجاز، كقوله: (أتي الامير نفسه عند المساء …) لئلاّ يتوهّم ان الآتي أحد خواص الامير، وانما عبّر به مجازاً، نحو: (وجاء ربّك …)(5).

3 دفع توهّم عدم الشمول، قال تعالي: (فسجد الملائكة كلّهم أجمعون)(6) لئلاً يستبعد سجدة جميع الملائكة مع كثرتهم المخرجة عن العدّ، وتباعد أماكنكم، واختلاف أعمالهم …

4 زيادة التشريف بتكرار المؤكدّ، قال تعالي: (اسكن أنت وزوجك الجنَّة …)(7).

5 زيادة التحقير والإهانة، كقوله: (خبيث أنت أنت ولا سواك …).

التقييد بعطف البيان

وأمّا التقييد بعطف البيان الذي هو لتوضيح المتبوع باسم مختصّ به، سواء كان العطف أجلي من المعطوف، أم حصل الجلاء التام بضميمة أحدهما الي الآخر فيأتي لاغراض:

1 مجرذّ التوضيح، اذا اقتضي الحال ذلك، نحو قوله: (محمد الجواد أتاك عبد …).

2 زيادة المدح، قال تعالي: (جعل الله الكعبة البيت الحرام قياماً للناس)(8).

3 زيادة الذم، كقوله: (طحلب الاشتر يطلب العلي …).

4 زيادة الترحّم، كقوله: (وزمعة المسكين في آخر الركب …).

فطحلب والاشتر اسمان، وكذا زمعة ومسكين.

التقييد بعطف النسق

وأمّا التقيد بعطف النسق وهو العطف بالحرف فيأتي لأمور أهمّها:

1 تفصيل المسند إليه باختصار، كقوله: (جاء محمد وعلي وفاطمة) لم يقل: جاء محمد وجاء علي وجاءت فاطمة.

ثم انّ حروف العطف الثلاثة: الواو والفاء وثم، وكلها مشتركة في التفصيل مع الاختيار، إلا أن (الواو) لمطلق الجمع، سابقاً كان المعطوف علي المعطوف عليه، أو مقارناً، أو لاحقاً. و(الفاء) للجمع مع الترتيب بتقديم المعطوف عليه علي المعطوف مع تراخ ما. و(ثم) مع تراخ معتد به، هذا في الظاهر، ولكن قد يعدل عنه مع القرينة، كما ذكر في كتب النحو.

2 - رد السامع إلي الصواب مع الاختصار، نحو: (جاء زيد لا عمرو) أو (لم يجئ زيد لكن عمرو).

3 - صرف الحكم من المسند إليه إلي غيره، نحو: (زارني زيد بل عمرو).

4 - الشك من المتكلّم أو التشكيك للسامع نحو (جاءني زيد أو عمرو).

5 الإبهام علي السامع، قال تعالي: (وإنّا أو اياكم لعلي هُديً أو في ضلال مبين) (9).

6 الإباحة، نحو: (تعلم فقهاً أو نحواً).

7 التخيير، نحو: (تزوج هنداً أو أُختها).

ولا يخفي أن أبحاث هذا الباب مفصلة اقتصرنا منها علي الألزم.

التقييد بالبدل

وأمّا التقييد بالبدل فيأتي لزيادة التقرير والإيضاح، والبدل علي خمسة أقسام:

1 بدل الكلّ، كقوله: (جاء الأمير محمد بن علي …).

2 بدل البعض، كقوله: (ألحّ رجال الدين أهل التفقّه).

3 بدل الاشتمال،كقوله: (الا إنما القرآن أحكامه التي …).

4 بدل البدا، كقوله: (حبيبي نجم لامع، شمس مشرق …).

5 بدل الغلط ويقع من البلغاء كغيرهم، إذ البليغ بليغ لا معصوم، وكلامه بليغ وإن

وقع فيه غلط، نحو: (جاء زيد بكر).

التقييد بضمير الفصل

وأمّا التقييد بضمير الفصل فلأغراض:

1 التخصيص وقصر المسند علي المسند إليه، قال تعالي: (ألم يعلموا أنّ الله هو

يقبل التوبة عن عباده)(10).

2 تمييز الخبر عن الصفة، كقوله عليه السلام: (المتّقون هم أهل الفضائل).

التقييد بالمفاعيل الخمسة

وأمّا التقييد بالمفاعيل فيأتي لاغراض:

1 بيان نوع الفعل، كقوله: (جلست جلوس المتواضع).

2 بيان عدد الفعل، كقوله: (ضربت ضربتين).

3 بيان توكيد الفعل في المطلق، كقوله: (أحسنت احساناً).

4 بيان ما وقع عليه الفعل، قال تعالي: (لقيا غلاماً)(11).

5 بيان ما وقع فيه الفعل، كقوله: (هنا امكث زماناً).

6 بيان ما وقع لاجله الفعل، كقوله: (ضرب أخاه تأديباً …).

7 بيان ما وقع مقارناً معه، كقوله: (فقلت لها سيري وزوجك بكرة …).

حذف المفاعيل

أمّا حذف المفاعيل فلأغراض:

1 التعميم مع رعاية الاختصار، قال تعالي: (والله يدعو الي دار السلام)(12). أي: جميع عباده.

2 الاعتماد علي المتقدّم اختصاراً، قال تعالي: (يمحو الله ما يشاء ويثبت)(13). أي: ويثبت ما يشاء.

3 اختصار الكلام بدون الامرين السابقين، للإعتماد علي القرينة العقلية، قال تعالي: (يغفر لمن يشاء)(14) أي يغفر الذنوب، فإن الغفران لايكون إلا عن ذنب.

4 استهجان التصريح، كقوله: (ما رأيت منّي ولا أبصرت منها، في زمان..) أي العورة.

5 البيان بعد الابهام، لكونه أوقع في النفس، قال تعالي: (فمن شاء فليؤمن)(15) أي: فمن شاء الإيمان.

6 المحافظة علي السجع، قال تعالي: (سيذّكّر من يخشي)(16) أي يخشي الله، ولم يذكر لفظ الجلالة لتناسب رؤس الآي.

7 المحافظة علي الوزن، قال المتنبّي: (بناها فأعلي، والقنا يقرع القنا …). أي: فأعلاها، لم يذكر المفعول تحفّظاً علي الوزن.

8 تعيّن المفعول، فيكون ذكره لغواً، كقوله: (رعت شاء قومي، والمعاشب كثرة …) أي عشباً.

9 قصد المتكلّم الفعل فقط، فلا يذكر المفعول كما لا يذكر الفاعل، كقولك: (سرت عاصفة في البلد، فاقتُلع وهُدم)، والمعني: قلعت العاصفة الاشجار وهدمت الابنية.

10 قصد المتكلم الفعل والفاعل، قال تعالي: (ووجد من دونهم امرأتين تذودان)(17) إذ المقصود وقوع الذود منهما، أما أن المذود ابل أم شاء أم بقر، فليس من محل الكلام.

تقديم المفاعيل

ثم ان الاصل في المفعول وغيره من المعمولات أن يتأخر عن العامل، لكنه قد يعكس فيقدم علي العامل لأغراض:

1 التخصيص، قال تعالي: (إيّاك نعبد وإيّاك نستعين)(18).

2 رد المخاطب الي الصواب، في كلام قدّم معموله، فنقدّمه نحن أيضاً موافقة لكلامه، كقوله: (وقال: أعمراً نصرت؟ فقلت مجيب مقاليه: عمراً نصرت).

3 مراعاة السجع، قال تعالي: (خذوه فغلّوه ثمّ الجحيم صلّوه)(19).

4 استعجال التبرّك والتلذّذ بذكره، كقوله: (محمّداً صلي الله عليه وآله

وسلم اتبعت وليس عندي …).

5 كون المتقدّم محل الكلام، كقوله: (الله اجعل نصب عينيك ولا …).

6 كون المتقدم محط الكلام الإنكار، كقوله: (أبعد طول التجارب تنخدع بالزخارف)؟

التقييد بالنواسخ

وأمّا التقييد بالنواسخ، وهي(20):

1 الحروف المشبّهة بالفعل.

2 (لا) النافية للجنس.

3 الافعال الناقصة.

4 أفعال المقاربة.

5 (ما) و(لا) و(ان) المشبّهات ب (ليس).

6 أفعال القلوب.

فلبيان الأغراض التي تؤديها معاني هذه النواسخ وذلك مثل:

1 التأكد في (إنّ) و(وأنّ).

2 التشبيه في (كأن).

3 الإستدراك في (لكن).

4 الترجّي في (لعلّ).

5 التمنّي في (ليت).

6 نفي الجنس في (لا).

7 الإستمرار أو حكاية الحال الماضية في (كان).

8 التوقيت بزمن معيّن كالنهار واللّيل والصباح والمساء والضحي في (ظل) و(بات) و(أصبح) و(أمسي) و(أضحي).

9 التوقيت بحالة معينة في (ما دام).

10 الإستمرار مع خصوصية في (ما فتي) و(ما برح) و(ما زال) و(ما انفك).

11 المقاربة في (كاد) و(كرب) و(أوشك) و(عسي).

12 الإنشاء والشروع في (طفق) و(جعل) و(أنشأ) و(أخذ) و(علق).

13 النفي المطلق في (ما) و(لا) و(لات) و(ان).

14 اليقين في (وجد) و(ألفي) و(دري)و(علم).

15 الظن في (خال)و(زعم) و(حسب).

16 التحوّل في (اتخذ)و(جعل) و(صيّر).

وهكذا … وهكذا …

التقييد بالشرط

وأمّا التقييد بالشرط فيأتي لأغراض تؤدّيها معاني أدوات الشرط، ولذا تختلف الاغراض باختلاف معاني الادوات:

1 الزمن في: (متي) و(أيّان).

2 المكان في (أين) و(أنّي)و(حيثما).

3 الحال في (كيفما).

4 التعليق في (إنْ) و(إذا) و(لو).

لكن مع فرق بينهما:

أمّا (إن) فلما يحتمل وقوعه وعدمه، والاكثر عدم الوقوع، قال تعالي: (وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل)(21).

وأما (إذا) فلما يكثر وقوعه ويقطع المتكلّم بتحقّقه مستقبلاً، قال تعالي: (فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه)(22).

وأمّا (لو) فللشرط في الماضي مع القطع بانتفائه، قال تعالي: (لوكان فيهما آلهة إلاّ الله لفسدتا)(23).

وقد تخرج هذه الأدوات عن معانيها لأغراض مذكورة في المفصلات.

التقييد بالنفي

وأمّا التقييد بالنفي فلسلب النسبة علي وجه خاص، وذلك حسبب ما تفيده حروف النفي:

1 النفي مطلقاً في (لا).

2 نفي الحال إذا دخلت علي المضارع في (ما) و(ان) و(لات).

3 نفي الاستقبال في (لن).

4 نفي الماضي في (لم) و(لمّا)، لكن في (لمّا) ينسحب النفي إلي ما بعد زمان التكلّم، ويختصّ بالمتوقّع، فيُقابل(لمّا) في النفي (قد) في الاثبات، ويكون منفيّها قريباً من الحال، قال تعالي: (ولمّا يدخل الايمان في قلوبكم)(24).

ويقيد المسند بالنفي لكون الكلام بدونه لا يستقيم، قال تعالي: (ما أريد منهم من رزق)(25) فإنّ المقصود في هذا المورد نفي الارادة لا إثباتها.

التقييد بالحال

وأمّا التقييد بالحال فيأتي لبيان هيئة صاحب الحال وتقييد عاملها، قال تعالي: (وما خلقنا السماوات والارض وما بينهما لاعبين)(26) وقال سبحانه: (لاتقربوا الصلاة وأنتم سكاري)(27) فإنّ المقصود: نفي الخلق لاعباً، ونفي الصلاة في السكر، لا مطلقاً.

التقييد بالتمييز

وأمّا التقييد بالتمييز فيأتي لبيان الإبهام الواقع في ذات أو صفة، نحو: (منوان عسلاً) و(طاب زيد نفساً) فإن محل الفائدة هو القيد وبدونه لا يتم المقصود.

التقييد بالظرف ونحوه

وأمّا التقييد بالظرف والجار والمجرور فيأتي لبيان كون المقصود من الكلام ذلك، حتي أنه لو لم يقيّد لفات المقصود، قال تعالي: (لا ريب فيه)(28) وقال سبحانه: (وانّ له عندنا لزلفي)(29).

تقديم ما حقّه التأخير

ثم ان الاصل تقدّم العامل علي المعمول، وتقدّم بعض المفردات كالفاعل علي البعض الآخر كالمفعول.

لكن ربما يقدم ما حقه التأخير لأغراض:

1 التخصيص.

2 الاهتمام.

3 التبرّك.

4 التلذّذ.

5 مراعاة الفاصلة أو الوزن، وغير ذلك.

ويعرف مما تقدّم في المباحث السابقة أمثلتها.

1 الدخان: 38. 2 النور: 35. 3 البقرة: 196.

4 المسد: 4. 5 الفجر: 22. 6 الحجر: 30 وص 73.

7 البقرة: 35. 8 المائدة: 97. 9 سبأ: 24.

10 التوبة: 104. 11 الكهف: 74. 12 يونس: 25.

13 الرعد: 39. 14 آل عمران: 129. 15 الكهف: 29.

16 الاعلي: 10. 17 القصص: 23. 18 الفاتحة: 5.

19 الحاقة: 30- 31. 20 أي النواسخ. 21 الكهف: 29.

22 الاعراب: 131. 23 الانبياء: 22. 24 الحجرات: 14.

25 الذاريات: 57. 26 الدخان: 38. 27 النساء: 43.

28 البقرة: 2. 29 ص: 25. ص: 40.

تعريف القصر

(القصر) هو الحصر والحبس لغة، قال تعالي: (حور مقصورات في الخيام)(1).

واصطلاحاً هو: تخصيص شيء بشيء، والشيء الاول هو المقصور، والشيء الثاني هو المقصور عليه.

فلو قلت: (وما محمد الا رسول)(2) قصرت محمّداً (صلي الله عليه وآله وسلم) في الرسالة، بمعني: انه ليس بشاعر، ولا كاهن، ولا إله لايموت … فمحمد (صلي الله عليه وآله وسلم) مقصور، والرسالة مقصور عليها.

ولو قلت: (ما الرسول في آخر الزمان إلا محمد صلي الله عليه وآله وسلم) قصرت الرسالة في آخر الزمان علي محمد (صلي الله عليه وآله وسلم)، بمعني: أن (مسيلمة) و(سجاح) ومن لف لفهم، ليسوا بمرسلين، فالرسالة مقصورة ومحمد مقصور عليها.

طرق القصر

وللقصر طرق كثيرة: كالاتيان بلفظ (فقط) أو (وحده) أو (لاغير) أو (ليس غير) أو توسّط ضمير الفصل، أو تعريف المسند إليه، أو لفظ (القصر) أو (الاختصاص) أو ما يشتق منهما.. أو نحوها ممّا عدّها بعضهم الي أربعة عشر طريقاً.

لكن الاشهر المتداول في كلام العلماء أربعة:

1 القصر بالنفي والاستثناء، قال تعالي: (وما محمّد إلا رسول قد خلت من قبله الرُسُل)(3).

2 القصر ب (انّما)، قال تعالي: (إنَّما يخشي الله من عباده العلماء)(4).

3 القصر بحروف العطف: (لا) و(بل) (ولكن) كقوله:

عمر الفتي ذكره لا طول مدّته وموته خزيه لا يومه الداني

وقوله: (ما الفخر بالنسب بل بالتقوي).

4 القصر بتقديم ما حقه التأخير، قال تعالي: (ايّاك نعبد وايّاك نستعين)(5).

ثم ان المقصور عليه في الاول: هو المذكور بعد أداة الاستثناء، كالرسالة.

وفي الثاني: هو المذكور في آخر الجملة، كالعلماء.

وفي الثالث: هو المذكور ما قبل (لا) وهو: ذكره، وخزيه، والمقابل لما بعدها كقوله: (الفخر بالعلم لا بالمال) والمذكور ما بعد (بل) و(لكن) وهو: بالتقوي، وبالأدب.

وفي الرابع: هو المذكور مقدّماً، ك (ايّاك).

أمور ترتبط بالقصر

هنا أمور ترتبط بالقصر:

1 القصر يحدّد المعاني تحديداً كاملاً، ولذا كثيراُ ما يستفاد منه في التعريفات العلمية وغيرها.

2 القصر من ضروب الايجاز وهو من أهم أركان البلاغة، فجملة القصر تقوم مقام جملتين: مثبتة ومنفية.

3 يفهم من (انما) حكمان: اثبات للشيء والنفي عن غيره دفعة واحدة، بينما يفهم من العطف الإثبات أوّلاً والنفي ثانياً، أو بالعكس، ففي المثال السابق: الخشية للعلماء دون غيرهم، والفخر للتقوي لا للنسب، مع وضوح الدفعة في الاوّل، والترتّب في الثاني.

4 في النفي والإستثناء يكون النفي بغير (ما) أيضاً، قال تعالي: (إنْ هذا إلاّ ملك كريم)(6).

ويكون الاستثناء بغير (الا) أيضاً، كقوله:

لم يبق سواك نلوذ به مما نخشاه من المحن

5 يشترط

في كل من (بل) و(لكن) ان تسبق بنفي أو نهي، وأن يكون المعطوف بهما مفرداً، وأن لا تقترن (لكن) بالواو، وفي (لا) أن تسبق بإثبات وأن يكون معطوفها مفرداً وغير داخل في عموم ما قبلها.

6 يدلّ التقديم علي القصر بالذوق، بينما الثلاثة الباقية تدلّ علي القصر بالوضع أعني: (الادوات).

7 سبق أنّ الاصل هو أن يتأخّر المعمول عن عامله إلاّ لضرورة، أهمّها إفادة القصر، فإنّ من تتبع كلام البلغاء في تقديم ما من حقّه التأخير، وجدهم يريدون به القصر والتخصيص عادة.

أقسام القصر

للقصر قسمان:

1 حقيقي: وهو أن يختص المقصور بالمقصور عليه بحسب الحقيقة والواقع، نحو (لا إله إلا الله)(7).

2 اضافي: وهو أن يختص المقصور بالمقصور عليه لا حقيقة بل بالقياس إلي شيء آخر معيّن، كقول الحطّاب لزميله: (لايوجد في الصحراء إلا حطباً رطباً) فإن النفي ليس لكل شيء حتي الانسان والحيوان، وانما للحطب اليابس.

وينقسم القصر الاضافي الي ثلاثة أقسام:

الاول: قصر الأفراد، وذلك فيما اعتقد المخاطب الشركة، قال تعالي: (إنّما الله إله واحد)(8) رداً علي من زعم التعدّد.

الثاني: قصر القلب، وذلك فيما اعتقد المخاطب عكس الواقع، كقوله: (وليس النبيّ سوي أحمد …) رداً لأتباع (مسيلمة) و(سجاح).

الثالث: قصر التعيين، وذلك فيما تردّد المخاطب كقوله: (ولم يك للحوض إلا عليّ عليه السلام) لمن تردّد.

وينقسم القصر أعم من الحقيقي والاضافي إلي:

1 قصر الموصوف علي الصفة، كما تقدّم في قوله تعالي: (وما محمّد إلاّ رسول)(9). حيث قصر محمّداً (صلي الله عليه وآله وسلم) في الرسالة.

2 - قصر الصفة علي الموصوف، كما نقدّم في قوله تعالي: (إياك نعبُد)(10) حيث قصر العبادة في الله تعالي، فلا نعبد سواه.

1 الرحمن: 72. 2 آل عمران: 144. 3 آل عمران: 144.

4 فاطر: 28. 5 الفاتحة: 5. 6

يوسف: 31.

7 محمد (صلي الله عليه وآله وسلم): 19. 8 النساء: 171. 9 آل عمران: 144.

10 الفاتحة: 5.

تعربف الوصل والفصل

(الوصل): عطف جملة علي اُخري بالواو.

و(الفصل): الإتيان بالجملة الثانية بدون العطف.

فمن الوصل قوله تعالي: (يا أيُّها الذين آمنوا اتَّقوا الله وكونوا مع الصادقين)(1).

ومن الفصل قوله تعالي: (ولاتستوي الحسنة ولا السيّئة ادفع بالّتي هي أحسن)(2).

والبلاغة في الوصل أن تكون بالواو، دون سائر العواطف.

ويشترط في العطف بالواو وجود الجامع الحقيقي بين طرفي الاسناد، أو الجامع الذهني.

فالحقيقي نحو: (يقرأ زيد ويقرأ عمرو) فإن القراءة والكتابة متوافقتان، وزيد وعمرو كذلك.

والذهني نحو: (بخل خالد وكرم بكر) فإن االمتضادّين كالبخل والكرم بينهما جامع ذهني، لانتقال الذهن من أحدهما إلي الآخر.

ولا يجوز(3) أن يقال: (جاء محمد وذهبت الريح) لعدم الجامع بين محمد والريح، ولا: (قال علي وصاح معاوية) لعدم الجامع بين القول والصياح كذا قالوا.

موارد الوصل

ويقع الوصل في ثلاثة مواضع:

1 إذا اتّحدت الجملتان في الخبرية والإنشائية، لفظاً ومعنيً، أو معني فقط، مع المناسبة بينهما، وعدم مقتضي الفصل.

فالخبريتان نحو قوله تعالي: (إنّ الابرار لفي نعيم وإنَّ الفجّار لفي جحيم)(4).

والإنشائيتان نحو قوله سبحانه: (واعبدوا الله ولا تُشركوا به شيئاً)(5).

والمختلفتان نحو قوله تعالي: (إنّي اُشهد الله واشهدوا أنّي بريء ممّا تُشرِكون)(6).

فالجملة الثانية وإن كانت انشائية لفظاً، لكنها خبرية معني.

2 دفع توهّم غير المراد، فإنه إذا اختلفت الجملتان خبراً وإنشاءاً، ولكن كان الفصل موهم خلاف المراد وجب الوصل، كقولك في جواب من قال: (هل جاء زيد): (لا، وأصلحك الله) فإنك لو قلت: (لاأصلحك الله) توهّم الدعاء عليه، والحال أنك تريد الدعاء له.

3 أذا كان للجملة الاولي محل من الاعراب، وقصد مشاركة الثانية لها، قال تعالي: (إنّ الذين كفروا ويصدّون عن سبيل الله)(7) حيث قُصد اشتراك (يصدّون) ل (كفروا) في جعله صلة.

موارد الفصل

الأصل في الجمل المتناسقة المتتالية أن تعطف بالواو، تنظيماً للّفظ، لكن قد يعرض ما يوجب الفصل، وهي أمور:

1 أن تكون بين الجملتين اتّحاد تامّ، حتي كأنهما شيء واحد، والشيء لا يعطف علي نفسه، قال تعالي: (أمدكم بما تعلمون أمدّكم بأموال وبنين)(8).

2 أن تكون الجملة الثانية لرفع الإبهام في الجملة الاولي، قال تعالي: (فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدُلّك علي شجرة الخلد)(9).

3 أن تكون الجملة الثانية مؤكدة للأولي، قال تعالي: (وما هم بمؤمنين يخادعون الله)(10).

وهذه الموارد الثلاثة تسمي لما يكون بين الجملتين فيها من الإتّحاد التام ب: كما الاتصال.

4 أن يكون بين الجملتين اختلاف تامّ في الخبر والإنشاء أو اللفظ والمعني، أو المعني فقط، قال الشاعر: (وقال رائدهم: اُرسوا نُزاولها …).

5 أن لايكون بين الجملتين مناسبة في المعني ولا ارتباط، بل كل

منهما مستقل، كقوله:

انّما المرء بأصغريه كلّ امريء رهن بما لديه

وهذان الموردان يسميان لما بين الجملتين من الاختلاف التامّ ب: كمال الانقطاع.

6 أن يكون بينهما شبه كمال الإتصال، بأن تكون الجملة الثانية واقعة في جواب سؤال يفهم من الجملة الاولي، فتفصل عن الاولي كما يفصل الجواب عن السؤال، قال تعالي: (وما اُبرّيءُ نفسي إنَّ النفسَ لأمّارة بالسوء)(11).

7 أن يكون بينهما شبه كمال الإنقطاع، بأن تسبق الجملة جملتان، بينهما وبين الاولي مناسبة، ويفسد المعني لو عطفت علي الثانية، فيترك العطف، دفعاً لتوهّم كونها معطوفة علي الثانية، كقوله:

وتظنّ سلمي أنّني أبغي بها بدلاً، أراها في الضلال تهيم

ف(أراها) يفسد لو عطف علي مظنون سلمي ولذا يترك العطف.

8 أن تكون الجملتان متوسطة بين الكمالين مع قيام المانع من العطف، بأن تكون بينهما رابطة قوية، ولكن منع من العطف مانع: وهو عدم قصد التشريك في الحكم، قال تعالي: (وإذا خلوا الي شياطينهم قالوا إنّا معكم إنَّما نحن مستهزِءون الله يستهزيء بهم)(12).

فجملة (الله يستهزيء بهم) لايصح عطفها علي جملة (إنّا معكم) لاقتضاء العطف أنه من مقول المنافقين، والحال أنه دعاء عليهم من الله.

كما أنه لا يصح عطفها علي جملة (قالوا) لاقتضاء العطف مشاركتها لها في التقييد بالظرف، وان استهزاء الله بهم مقيّد بحال خلوّهم إلي شياطينهم، والحال أن استهزاء الله غير مقيّد بهذه الحال، ولذا يلزم الفصل دون الوصل.

واعلم: أن مباحث هذا الباب مغلقة كثيرة، والبسط في المطوّلات.

1 التوبة: 119. 2 فصّلت: 34. 3 أي لايكون من البلاغة.

4 الانفطار: 1314. 5 النساء: 36. 6 هود: 54.

7 الحج: 25. 8 الشعراء: 132-133. 9 طه: 120.

10 البقرة: 8-9. 11 يوسف: 53. 12 البقرة: 14 15.

تعريف الإيجاز والإطناب والمساواة

(الايجاز): هو وضع المعاني الكثيرة في ألفاظ أقل، مع

وفائها بالغرض المقصود ورعاية الإبانة والإفصاح فيها.

و (الإطناب): زيادة اللفظ علي المعني لفائدة.

و (المساواة): تساوي اللفظ والمعني، فيما لم يكن داع للإيجاز والاطناب.

كما أنه إذا لم تف العبارة بالغرض سمّي: (إخلالاً).

وإذا زاد علي الغرض بدون داع سمّي: (تطويلاً)

فمثال الإيجاز، قوله تعالي: (خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين)(1).

ومثال الاطناب، قوله تعالي: (قال هي عصاي أتوكأ عليها وأهشّ بها علي غنمي ولي فيها مآرب اُخري)(2).

ومثال المساواة، قوله تعالي: (وكلّ إنسان ألزمناه طائره في عنقه …)(3).

ومثال الإخلاء، قول اليشكري:

والعيش خير في الظلا ل النوك ممّن عاش كدّاً

أراد: أن العيش الرغد حال الحمق، أفضل من العيش النكد في ظلال العقل، وهذا إخلال.

ومثال التطويل، قول ابن مالك:

كذا إذا عاد عليه مضمر مما به عنه مبيناً يخبر

أقسام الإيجاز

ثم انّ الايجاز علي قسمين:

1 ايجاز القصر، ويسمّي ايجاز البلاغة، وذلك بأن يتضمن الكلام المعاني الكثيرة في ألفاظ قليلة من غير حذف، كقوله تعالي: (وإذا مرّوا باللّغو مرّوا كراماً)(4) فإنّ مقتضي الكرامة في كل مقام شيء، ففي مقام الإعراض: الإعراض، وفي مقام النهي: النهي، وفي مقام النصح: النصح، وهكذا.. وهكذا..

2 ايجاز الحذف، وذلك بأن يحذف شيء من العبارة، لايخل بالفهم، مع وجود قرينة.

وقد حصروا الحذف في اثني عشر شيئاً:

1 الحرف، قال تعالي: (ولم أك بغيّاً)(5) أي: ولم أكن.

2 الإسم المضاف، قال تعالي: (وجاهدوا في الله حقّ جهاده)(6) أي: في سبيل الله.

3 الاسم المضاف إليه، قال تعالي: (وأتممناها بعشر)(7) أي: بعشر ليال.

4 الاسم الموصوف، قال تعالي: (ومن تاب وعمل صالحاً)(8) أي: عملاً صالحاً.

5 الإسم الصفة، قال تعالي: (فزادتهم رجساً إلي رجسهم)(9) أي: مضافاً إلي رجسهم.

6 الشرط، قال تعالي: (فاتَّبعوني يُحبِبكم الله)(10) أي: فإن اتَّبعتموني يحببكم.

7 جواب الشرط، قال تعالي: (ولو تري إذ وقفوا علي

النار)(11) أي: لرأيت أمراً عظيماً.

8 المسند، قال تعالي: (ولئن سألتهم من خلق السماوات والارض ليقولنّ الله)(12) أي: خلقهنّ الله.

9 المسند اليه، كقوله: (قال لي كيف أنت؟ قلت: عليل) أي: أنا عليل.

10 المتعلّق، قال تعالي: (لايُسئل عمّا يفعل وهم يُسئلون)(13) أي عمّا يفعلون.

11 الجملة، قال تعالي: (كان الناس اُمَّة واحدةً فبعث الله النبييّن)(14) أي: فاختلفوا.

12 الجمل، قال تعالي: (فأرسلون، يوسف أيّها الصدّيق)(15) أي فأرسلوني الي يوسف لأ قصّ عليه الرؤيا وأستعبره عنها، فأتاه، وقال: (يوسف …).

دواعي الإيجاز

ثمّ أنّ دواعي الإيجاز كثيرة نشير الي بعضها:

1 الإختصار.

2 تحصيل المعني باللّفظ اليسير.

3 تقريب الفهم.

4 تسهيل الحفظ

5 ضيق المقام.

6 الضجر والسآمة.

7 إخفاء الامر علي غير السامع، وغير ذلك.

مواقع الايجاز

ثمّ انّ مواقع الإيجاز الّتي يستحسن فيها كثيرة نذكر بعضاً منها:

1 الشكر علي النعم.

2 الإعتذار.

3 الوعد.

4 الوعيد

5 العتاب.

6 التوبيخ.

7 التعزية.

8 شكوي الحال.

9 الاستعطاف.

10 أوامر الملوك ونواهيهم.

أقسام الزيادة

ينقسم الزائد علي أصل المراد إلي ثلاثة أقسام:

1 الإطناب، وهو تأدية المعني بعبارة أكثر منه لغرض مّا، كما تقدَّم.

2 التطويل، وهو تأدية المعني بعبارة أكثر بلا فائدة، مع كون الزيادة في الكلام غير متعيّنة نحو قول العبادي:

وقدّدت الأديم لراهِشيه وألفي قولها كذباً ومَينا

فإن (الكذب) و(المين) يمعني واحد، ولا يتعيّن الزائد منها، لصلاحية كل منهما لذلك.

3 - الحشو، وهو تأدية المعني بعبارة أكثر بلا فائدة، مع كون الزيادة متعيّنة في الكلام غير مفسدة للمعني نحو قول الشاعر:

واعلم علم اليوم والأمس قبله ولكنني عن علم ما في غدٍ عمي

فإنّ كلمة (قبله) زائدة لوضوح ان الامس قبل اليوم.

أقسام الإطناب

وللإطناب أقسام كثيرة:

1 ذكر الخاص بعد العام، قال تعالي: (حافظوا علي الصلوات والصلوة الوسطي)(16).

2 ذكر العام بعد الخاص، قال تعالي: (ربَّ اغفر لي ولوالديَّ ولمن دخل بيتي مؤمناً وللمؤمنين والمؤمنات)(17).

3 توضيح الكلام المبهم بما يفسِّره، قال تعالي: (وقضينا اليه ذلك الأمر انّ دابر هؤلاء مقطوع مصبحين)(18).

4 التوشيع، وهو أن يؤتي بمثني يفسّره مفردان، كقوله (عليه السلام): العلم علمان: (علم الاديان وعلم الابدان)(19).

5 التكرير وهو ذكر الجملة أو الكلمة مرّتين أو ثلاث مرّات فصاعداً، لاغراض:

أ - للتأكيد، كقوله تعالي: (كلاّ سوف تعلمون ثمّ كلاّ سوف تعلمون)(20).

ب - لتناسق الكلام، فلا يضره طول الفصل، قال تعالي: (إنّي رأيت أحد عشر كوكباً والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين)(21) بتكرير (رأيت) لئلا يضرّه طول الفصل.

ج - للإستيعاب، كقوله: (ألا فادخلوا رجلاً رجلاً …).

د - لزيادة الترغيب في شيء، كالعفو في قوله تعالي: (إنَّ من أزواجكم وأولادكم عدواً لكم فاحذروهم وأن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإنّ الله غفور رحيم)(22).

ه - لاستمالة المخاطب في قبول العظة، كقوله تعالي: (وقال الذي آمن يا قوم اتّبعون أهدكم سبيل الرشاد يا

قوم انما هذه الحياة الدنيا متاع وانّ الآخرة هي دار القرار)(23) بتكرير (يا قوم).

و - للتنويه بشأن المخاطب، كقوله: (علي رجل رجل رجل …).

ز - للترديد حثاً علي شيء، كالسخاء في قوله:

قريب من الله السخيّ وأنه قريب من الخير الكثير قريبّ

ح - للتلذّذ بذكره مكرّراً، كقوله:

علي وصي عليّ رضي عليّ تقي عليّ نقيّ

ط - للحث علي الاجتناب، كقوله: (الحية الحية أهل الدار …).

ي - لإثارة الحزن في نفسه أو المخاطب، كقوله: (أيا مقتول ماذا كان جرمك أيا مقتول …).

ك - للإرشاد إلي الخير، كقوله تعالي: (أولي لك فأولي ثمَّ أولي لك فأولي)(24).

ل - للتهويل بالتكرير، كقوله تعالي: (الحاقّة ما الحاقّة وما أدراك ما الحاقة)(25).

6 - الاعتراض، بأن يؤتي في أثناء الكلام بجملة لبيان غرض من الاغراض، منها:

أ الدعاء، كقوله:

ان الثمانين وبُلّغتها قد أحوجت سمعي إلي ترجمان

ب - النداء، كقوله:

كان برذون أبا عصام زيد حمار دق باللجام

ج - التنبيه علي شيء، كفضيلة العلم، في قوله:

واعلم فعلم المرء ينفعه ان سوف يأتي كل ما قُدرا

د - التنزيه، قال تعالي: (ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون)(26).

ه المبالغة في التأكيد، قال تعالي: (ووصَيّنا الإنسان بوالديه حملته أمّه وهناً علي وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إليَّ المصير)(27).

و - الإستعطاف، كقوله:

ووجيب قلب لو رأيت لهيبه ياجنّتي لرأيت فيه جهنّما

ز - التهويل، قال تعالي: (وانّه لقسم لو تعلمون عظيم)(28).

7 - الايغال، بأن يختم الكلام بما يفيد نكتة يتم بدونها المعني، قال تعالي: (ولله يرزق من يشاء بغير حساب)(29).

8 التذييل، وهو أن يأتي بعد الجملة الاولي بجملة اُخري تشتمل علي معناها وذلك لأحد أمرين:

الأول: التأكيد، وهو إما تأكيد المنطوق، قال تعالي: (وقل جاء الحقّ وزهق الباطل إنّ الباطل كان

زهوقاً)(30) وإما تأكيد المفهوم، كقوله:

ولست بمستبق أخاً لاتلمّه علي شعث أيّ الرجال المهذب؟

فقد دلت الجملة الاولي بعدم وجود الرجل الكامل فأكّدها بالجملة الثانية: أي الرجال المهذّب؟

الثاني: التذييل، وهو إما يستقل بمعناه لجريانه مجري المثل، كقوله:

كلّكم أروغ من ثعلب ما أشبه الليلة بالبارحة

أو لا يستقل، لعدم جريانه مجري المثل، كقوله:

لم يبق جودك لي شيئاً اُؤمّله تركتَني أصحب الدينا بلا أمل

9- الإحتراس، وهو أن يأتي بكلام يوهم خلاف المقصود فيأتي بما يدفع الوهم، وهو علي نحوين:

أ: انه قد يأتي به وسط الكلام، كقوله:

فسقي دياركِ غير مفسده صوبُ الربيع وديمة تهمي

فقد قال: (غيرمفسده) دفعاً لتوهّم الدعاء للمطر عامة حتي المفسد منه.

ب: وقد يأتي به آخر الكلام، كقوله:

حليم إذا ما الحكم زيّن أهله مع الحلم في عين العدو مَهيبُ

10 التتميم، وهو زيادة مفعول أو حال أو نحوهما، ليزيد حسن الكلام، كقوله:

دعونا عليهم مكرهين وإنما دعاء الفتي المختار للحق أقرب

ف (مكرهين) يزيد حسن الكلام كما لا يخفي.

11 - تقريب الشيء المستبعد وتأكيده لدي السامع نحو قوله: (رأيته بعيني يفعل كذا) و(سمعته بأذني يقول كذا).

12 - الدلالة علي الشمول والإحاطة، قال تعالي: (فخرّ عليهم السقف من فوقهم)(31) فإنّ السقف لا يخرّ إلاّ من فوق، لكن بذكره (من فوقهم) دلّ علي الشمول والإحاطة.

موارد الإطناب

وهناك موارد يستحسن فيها الإطناب، منها:

1 الصلح بين الأفراد، أو الجماعات، أو العشائر.

2 التهنئة بالشيء.

3 المدح والثناء علي أحد.

4 الذمّ والهجاء لاحد.

5 الوعظ والإرشاد.

6 الخطابة في أمر من الامور العامّة.

7 رسائل الولاة إلي الرؤساء والملوك.

8 منشورات الرؤساء إلي الشعب.

أقسام المساواة

(المساواة) هي الأصل في تأدية المعني المراد، فلا تحتاج إلي علّة، واللازم الإتيان بها حيث لا توجد دواعي الايجاز والإطناب، وهي علي قسمين:

1 المساواة مع رعاية الاختصار، وذلك بتأدية المراد في ألفاظ قليلة الاحرف كثيرة المعني، نحو قوله تعالي: (هل جزاء الاحسان إلا الإحسان)(32).

2 المساواة من دون اختصار، وذلك بتأدية المعني المراد بلا رعاية الإختصار، نحو قوله تعالي: (كلّ امريء بما كسب رهين)(33) وقوله سبحانه: (وما تقدّموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله)(34) ونحو قوله (صلي الله عليه وآله وسلم): (انّما الاعمال بالنيّات ولكلّ امريء ما نوي)(35) فإن الكلام في هذه الامثلة لا يستغني عن لفظ منه، ولو حذفنا منه ولو لفظاً واحداً لاختلّ معناه، وذلك لأنّ اللّفظ فيه علي قدر المعني لا ينقص عنه ولا يزيد عليه.

خاتمة المعاني

لا يخفي أنّ كلاً من الإيجاز والإطناب والمساواة يحتاج إليها في محلّه بحيث لا يسدّ أحدها مكان الآخر، وكذا بقيّة المباحث، والمرجّح في الجميع هو الذوق السليم.

وليكن هذا آخر ما أردنا كتابته في علم المعاني، والله المستعان.

سبحان ربّك ربّ العزّة عمّا يصفون، وسلام علي المرسلين، والحمد لله ربّ العالمين، وصلّي الله علي محمد وآله الطاهرين.

1 الاعراف: 199. 2 طه: 4. 3 الإسرار: 13.

4 الفرقان: 72. 5 مريم: 20. 6 الحج: 78.

7 الاعراف: 142. 8 الفرقان: 71. 9 التوبة: 125.

10 آل عمران: 31. 11 انعام: 27. 12 لقمان: 25. زمر: 38.

13 الانبياء: 23. 14 البقرة: 213. 15 يوسف: 45 46.

16 البقرة: 238. 17 نوح: 28. 18 الحجر: 66.

19 بحار الأنوار: 1/220 ب6ح52. 20 التكاثر: 3-4. 21 يوسف: 4.

22 التغابن: 14. 23 غافر: 38-39. 24 القيامة: 34-35.

25 الحاقة: 1-3. 26 النحل: 57. 27 لقمان: 14.

28 الواقعة: 76. 29 النور:

38. 30 الاسراء: 81.

31 النحل: 26. 32 الرحمن: 60. 33 الطور: 21.

34 البقرة: 110. 35 مستدرك الوسائل: 1/90ب5ح57.

كربلاء المقدّسة

محمّد بن المهدي الحسيني الشيرازي

1379ه

الفصل الثاني: البيان

تعريف علم البيان

(البيان) لغة: الكشف والظهور.

واصطلاحاً: اُصول وقواعد يُعرف بها ايراد المعني الواحد بطرق متعدّدة وتراكيب متفاوتة: من الحقيقة والمجاز، والتشبيه والكناية..، مختلفة من حيث وضوح الدلالة علي ذلك المعني الواحد وعدم وضوح دلالتها عليه، فالتعبير عن (جود حاتم) مثلاً يمكن أن يكون بهذه الألفاظ: جواد، كثير الرماد، مهزول الفصيل، جبان الكلب، بحر لا ينضب، سحاب ممطر، وغيرها من التراكيب المختلفة في وضوح أو خفاء دلالتها علي معني الجود..

أركان علم البيان

ثم انه لّما اشتمل التعريف علي ذكر الدلالة ولم تكن الدلالات الثلاث: المطابقيّة والتضمنّية والإلتزاميّة كلها قابلة للوضوح والخفاء، لزم التنبيه علي ما هو المقصود، فإنّ المقصود منها هاهنا: هي الدلالة العقليّة للألفاظ، يعني: التضمنّية والإلتزاميّة، لجواز اختلاف مراتب الوضوح والخفاء فيهما، دون الدلالة الوضعيّة للألفاظ يعني: المطابقيّة، لعدم جواز اختلاف مراتب الوضوح في بعضها دون بعض مع علم السامع بوضوح تلك اللفاظ، وإلاّ لم يكن عالماً بوضعها، فتأمل.

ثم انّ اللّفظ إذا لم يرد منه ما وضع له من دلالته المطابقيّة، وانّما اُريد به دلالته العقلية من تضمّن أو التزام، فإن قامت قرينة علي عدم إرادة ما وضع له فمجاز، وإن لم تقم قرينة علي عدم إرادة ما وضع له فكناية، ومن المجاز ما يبتني علي التشبيه، فيلزم التعرّض للتشبيه قبل التعرّض للمجاز والكناية، إذن: فعلم البيان يعتمد علي أركان ثلاثة: التشبيه والمجاز والكناية.

تعريف التشبيه

(التشبيه) لغة: هو التمثيل، يقال: (هذا مثل هذا وشبهه).

واصطلاحاً: هو عقد مماثلة بين شيئين أو أكثر وارادة اشتراكهما في صفة أو أكثر بإحدي أدوات التشبيه لغرض يريده المتكلّم.

وفائدته: أن الصفة المراد اثباتها للموصوف، إذا كانت في شيء آخر أظهر، جعل التشبيه بينهما وسيلة لتوضيح الصفة، كما تقول: (زيد كالأسد) حيث تريد اثبات الشجاعة له، إذ هي في (الاسد) أظهر.

أركان التشبيه

وأركان التشبيه أربعة:

1 المشبّه، كزيد.

2 المشبّه به، كالأسد.

3 وجه الشبه، كالشجاعة.

4 أداة التشبيه كالكاف في قولك: (زيد كالأسد) وقد تحذف هذه، كما في (زيد أسد).

ثم ان الركنين الاوّلين: المشبّه والمشبّه به يسميّان ب(طرفي التشبيه) أو (ركني التشبيه).

طرفا التشبيه وأقسامهما

وطرفا التشبيه علي أربعة أقسام:

1 الحسّيان: بأن يكونا مدركين بالحواسّ الخمس الظاهرة التي هي: (الباصرة، السامعة، الذائقة، اللامسة، الشامّة) نحو: (خدّك الورد ألّمته الرياح …).

2 العقليان: بأن لم يكونا مدركين بالحواس الخمس، بل أدركا بالحواس الباطنية: وجدانيّاً كان، أم وهمياً، أم ذهنياً، نحو: (الجهل موت والعلم حياة..).

3 المشبه به عقلي والمشبه حسّي، نحو: (الطبيب الجهول موت معجّل …).

4 المشبه به حسّي والمشبه عقلي، نحو: (العلم كالنور يهدي كل من طلبه …).

طرفا التشبيه إفراداً وتركيباً

ينقسم (التشبيه) باعتبار طرفيه من حيث الإفراد والتركيب إلي أقسام أربعة:

1 تشبيه مفرد:

أ مطلقين كانا، نحو: (طالخدّ كالورد).

ب أم مقيّدين، نحو: (العلم في الصغر كالنقش في الحجر).

ج - أم مختلفين، نحو: (ريقه كالشهد المصفّي) أو (الشهد المصفّي مثل ريقه).

2 - تشبيه مركّب بمركّب، كقوله:

كان سهيلاً والنجوم ورائه صفوف صلاة قام فيها إمامها

3 - تشبيه مفرد بمركّب، كقولها:

أغرّ أبلج تأتمّ الهداة به كأنه علم في رأسه نار

4 تشبيه مركّب بمفرد، كقوله:

وأسنانه البيض في فمه تلوح لدي الضحوك كالاقحوان

طرفا التشبيه إذا تعدّدا

وينقسم (التشبيه) باعتبار طرفيه من حيث الإفراد والتركيب إلي أقسام أربعة:

1 التشبيه الملفوف: بأن يجتمع مشبّهان أو أكثر معاً، ومشبه بهما أو أكثر معاً أيضاً، كقوله:

ليل وبدر وغصن شعر ووجه وقدّ

2 - التشبيه المفروق: بأن يجتمع كل مشبّه مع ما شبّه به، كقوله:

انما النفس كالزجاجة والعل م سراج وحكمة الله زيت

3 - تشبيه التسوية، بأن يتعدّد المشبّه دون المشبّه به، كقوله:

صدغ الحبيب وحالي كلاهما كالليالي

4 - تشبيه الجمع، بأن يتعدّد المشبه به دون المشبه، كقوله:

كأنما يبسم عن لؤلؤ مُنضّد أو بَرَد أو اُقاح

التشبيه باعتبار وجه الشبّه

ينقسم التشبيه باعتبار (وجه الشبه) الي ستة أقسام:

1 تشبيه التمثيل، وهو ما كان وجه الشبه منتزعاً من متعدّد، كقوله:

وما المرء إلا كالشهاب وضوئه يوافي تمام الشهر ثم يغيب

فشبّه الانسان في أدواره بالقمر في أطواره: هلالاً، وبدراً، ومحاقاً، فسرعة الفناء هو وجه الشبه المنتزع من أحوال القمر.

2 تشبيه غير التمثيل، وهو ما لم يكن منتزعاً من متعدّد، نحو: (زيد كالاسد) فوجه الشبه الشجاعة وهو لم ينتزع من متعدّد.

3 التشبيه المفصل، وهو ما ذكر فيه وجه الشبه أو ملزومه، كقوله:

يده كالسحب جوداً وإذا ما جاد أغرب

وكقوله للكلام الفصيح: (هو كالعسل حلاوة) فإنّ وجه الشبه فيه هو لازم الحلاوة وهو ميل الطبع، لا الحلاوة الّتي هي ملزوم لوجه الشبه.

4 التشبيه المجمل، وهو مالم يذكر فيه وجه الشبه ولا ما يستلزمه، كقوله:

إنما الدنيا كبيت نسجته العنكبوت ولعمري عن قريب كلّ من فيها يموت

وكقوله: (هم كالحلقة المفرغة لا يدري أين طرفاها) أي: متساوون في الشرف.

5 التشبيه القريب المبتذل، وهو ما كان وجه الشبه فيه واضحاً لا يحتاج إلي فكر وتأمل، كتشبيه الجود بالمطر، إلا أن يتصرّف المتكلّم فيه بحيث يخرجه عن الابتذال، كقوله:

لم تلق هذا الوجه شمس

نهارنا إلا بوجه ليس فيه حياء

فإنّ تشبيه الوجه الحسن بالشمس مبتذل، إلا ان التصرّف فيه بإدخال الحياء أخرجه عن الابتزال.

6 التشبيه البعيد الغريب، وهو ما كان وجه الشبه فيه يحتاج إلي فكر وتأمّل، كقوله:

والشمس كالمرآة في يكف الاشل تمشي علي السماء من غير وجل

فإن تموج النور حين طلوع الشمس وتشبيهه بالمرآة في اليد المرتعشة التي تتموّج انعكاساتها، يحتاج إلي فكر وتأمّل.

أقسام تشبيه التمثيل

ثم ان تشبيه التمثيل ينقسم إلي قسمين:

الاول: ما كان ظاهر الاداة، كقوله تعالي: (مثل الذين حُمِّلوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفاراً)(1).

الثاني: ما كان خفيّ الأداة، كقولك للمتحيّر: (أراك تقدّم رجلاً وتؤخّر أخري) إذ الاصل: أراك في تردّدك، كمن يقدّم رجلاً، ثم يؤخّرها مرّة اُخري.

وبما ذكرناه من أصل المعني ارتفع الإشكال، بأن المتحيّر لايؤخّر رجلاً أخري، وانما يؤخّر الرجل التي قدمّها، وظهرت الاداة المحذوفة وهي المكان الّتي اختفت في اللّفظ.

موارد تشبيه التمثيل

لتشبيه التمثيل موارد كالتالي:

1 أن يأتي في مفتتح الكلام وصدر المقال، فيكون برهاناً مصاحباً فيفيد ايحاء المعني إلي النفس مؤيّداً بالبرهان، وهذا في القرآن كثير، قال تعالي: (مثل الّذين يُنفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبّة أنبتتْ سبع سنابل في كلّ سنبلة مائة حبّة)(2).

2 أن يأتي بعد تمام المعني واستيفاء الكلام، فيكون برهاناً عقيب الدعوي فيفيد اثباتها وتأكيدها، وهذا يكون لأحد أمرين:

أ أنّه يكون دليلاً علي امكان الدعوي كقوله:

وما أنا منهم بالعيش فيهم ولكن معدن الذهب الرُّغامُ

ادعي أنه مع اقامته فيهم ليس منهم، وهذا يبدو مستحيلاً عادةً، فاستدلّ له بهذا المثل وهو: أنّ الذهب مقامه في التراب وهو غيره ليدفع به ما ظهر مستحيلاً.

ب أنّه يكون تأييداً للمعني الثابت في الدعوي، كقوله:

ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها انّ السفينة لا تجري علي اليُبس

أدوات التشبيه

أدوات التشبيه ألفاظ تدل علي المماثلة، وهي علي أقسام:

1 أن تكون حرفاً، ك (الكاف) و(كانَّ).

2 أن تكون اسماً، ك (مثل) و(شبه).

3 أن تكون فعلاً ك (يحكي) و(يضاهي).

وهي قد يلفظ بها، نحو: (زيد كالاسد).

وقد لايلفظ بها، نحو: (أخلاقه ماء زلال …).

والغالب في (الكاف) و(مثل) و(شبه) ونحوها، أن يليها المشبه به لفظاً نحو (زيد كالأسد) أو تقديراً نحو قوله تعالي: (أو كصيّب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق)(3) فإنه بتقدير: أو كمَثَل ذوي صيّب.

كما أن الغالب في (كأنّ) و(شابه) و(ماثل) ونحوها، أن يليها المشبّه، نحو قوله: (كأنّ زيد أسد).

التشبيه باعتبار أداته

وينقسم (التشبيه) باعتبار أداته إلي ثلاثة أقسام:

1 التشبيه المرسل، وهو ما ذكرت فيه الاداة، وتسميته بالمرسل، لإرساله عن التأكيد، نحو:

ألا إنما الدنيا كمنزل راكب أناخ عشيّاً وهو في الصبح يرحل

2 التشبيه المؤكّد، وهو ما حذفت منه أداة التشبيه، كقوله:

إنما الدنيا أبو دلف بين باديه ومحتضره

فإذا ولّي أبو دلف ولّت الدنيا علي أثره

ويسمي (مؤكّداً) لإيهامه أن المشّبه عين المشبّه به.

3 التشبيه البليغ، وهو ما حذف فيه أداة التشبيه ووجه الشبه، ويسمّي بليغاً، لبلوغه نهاية الحسن والقبول، لقوّة المبالغة في التشبيه، حتي يظن أن المشبه هو المشبه به، كقوله:

فاقضوا مآربكم عجالاً انما أعماركم سفر من الاسفار

فوائد التشبيه

للتشبيه فوائد تعود في الأغلب إلي المشبّه وهي:

1 بيان حال المشبّه وأنّه علي أيّ وصف من الاوصاف، كقوله:

اذا قامت لحاجتها تثنت كأن عظامها من خَيزُران

وهذا القسم يكثر في العلوم، لإفادة حال المشبّه وبيانه.

2 بيان امكان حال المشبّه، إذا أسند اليه أمر مستغرب، لاتزول غرابته الاّ بالتشبيه واثبات أن مثله واقع، كقوله:

انقلاب القوم بعد المصطفي مثل هود قلّبوا بعد الكلم

3 بيان مقدار حال المشبّه في القوّة والضعف، والزيادة والنقصان، كقوله:

كأنّ مشيتها من بيت جارتها مرُّ السحائب لاريث ولا عجل

4 تقرير حال المشبّه وتقوية شأنه لدي السامع حتّي يهتمّ به، كقوله:

إن القلوب إذا تنافر وُدُّها مثل الزجاجة كسرها لايّجبر

5 بيان امكان وجود المشبّه، إذا بدي في نظر السامع مستحيلاً، كقوله:

حنين الجذع عند فراق طه كما يتكلّم الشجر الكليم

6 قصد مدح المشبّه بما يزيّنه ويعظمه لدي السامع، كقوله:

كأنّك شمس والملوك كواكب إذا طلعت لم يبد منهنّ كوكب

7 قصد ذمّ المشبّه بما يقبّحه ويحقّره، كقوله:

وإذا أشار محدّثاً فكأنّه قرد يقهقه أو عجوز تلطم

8 بيان طرافة المسبّه بما هو طريف غير مألوف للذهن، كقوله:

وكأنّ محمّر الشقيق

إذا تصوّب أو تصعّد أعلام ياقوت نشرن علي رماح زبرجد

التشبيه باعتبار الغرض

ينقسم (التشبيه) باعتبار الغرض المقصود منه، الي قسمين:

1 مقبول، يفي بالغرض المقصود، كما في الامثلة السابقة.

2 مردود، لا يفي ببه، وذلك فيما اذا كان المشبّه به أخفي من المشبّه في وجه الشبه، أو لم يكن بينهما شبه، كقوله (كان خورنقاً دار الكشاجم …).

من تقسيمات التشبيه

ثم إنه ينقسم (التشبيه) باعتبار تعارفه وعدم تعارفه إلي ثلاثة أقسام:

1 التشبيه الصريح، وهو ما تقدّم من التشبيه المتعارف، مما ليس بضمني ولا مقلوب.

2 التشبيه الضمي، بأن لايجري فيه المشبّه والمشبه به علي ما تعارف من صور التشبيه الصريح، وذلك، كقوله:

من يهن يسهل الهوان عليه ما لجرحٍ بميّت أيلامُ

فأنّ فيه اشارة الي التشبيه، بمعني: أنه كما لا يتألّم الميت بالجرح، لا يتألّم من اعتاد الهوان بالهوان، فهو تشبيه علي غير المتعارف.

3 التشبيه المعكوس، ويسمّي بالتشبيه المقلوب وهو ما يجعل المشبّه مشبّهاً به، لادعّاء أن المشبه أتمّ وأظهر من المشبّه به، كقول البحتري في وصف البركة:

كأنّها حين لجّت في تدفّقها يد الخليفة لما سال واديها

ايهاماً الي أنّ يد الخليفة أقوي تدفّقاً بالعطاء من البركة بالماء.

1 الجمعة: 5. 2 البقرة: 261. 3 البقرة: 19.

تعريف المجاز

(المجاز) لغة: التجاوز والتعدّي.

واصطلاحاً: انقل عن معناه الأصلي، واستعمل في معني مناسب له، كاستعمال (الأسد) في (الرجل لشجاع).

والمجاز من الوسائل البيانية الذي يكثر في كلام الناس، البليغ منهم وغيرهم، وليس من الكذب في شيء كما توهّم.

المجاز لغويّ وعقليّ

ثمّ إنّ المجاز علي قسمين:

1 لغويّ، وهواستعمال اللفظ في غير ما وضع له لعلاقة بمعني مناسبة بين المعني الحقيقي والمعني المجازي يكون الإستعمال لقرينة مانعة من إرادة المعني الحقيقي، وهي قد تكون لفظيّة، وقد تكون حاليّة، وكلّما أطلق المجاز، انصرف إلي هذا المجاز وهو المجاز اللغوي.

2 عقلي، وهو يجري في الإسناد، بمعني أن يكون الإسناد إلي غير من هو له، نحو: (شفي الطبيب المريض) فإن الشفاء من الله تعالي، فإسناده إلي الطبيب مجاز، ويتمّ ذلك بوجود علاقة مع قرينة مانعة من جريان الإسناد إلي من هو له.

أقسام المجاز العقلي

المجاز العقلي علي قسمين، وقدمناه لقلّة مباحثه:

الأول: المجاز في الإسناد، وهو إسناد الفعل أو ما في معني الفعل إلي غير من هو له، وهو علي أقسام، أشهرها:

1 الإسناد إلي الزمان، كقوله: (من سرّه زمن سائته أزمان) فإن إسناد المسرّة والاساءة إلي الزمان مجاز، إذ المسيء هو بعض الطواريء العارضة فيه، لا الزمان نفسه.

2 الإسناد إلي المكان، نحو قوله تعالي: (وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم)(1) فإنّ إسناد الجري إلي الأنهار مجاز، باعتبار مائها.

3 الإسناد إلي السبب، كقوله: (بني الأمير المدينة) فإنّ الأمير سبب بناء المدينة لا إنّه بناها بنفسه.

4 الإسناد إلي المصدر، كقوله: (سيذكرني قومي إذا جَدَّ جِدّهم) فإنّ الفعل (جَدَّ) أُسند إلي المصدر: (جِدّهم(مجازاً، لأنّ الفاعل الأصلي هو الجادّ.

الثاني: المجاز في النسبة غير الإسنادية، وأشهرها النسبة الإضافيّة نحو:

1 (جَرْيُ الأنهار) فإنّ نسبة الجري إلي النهر مجاز باعتبار الإضافة إلي المكان.

2 (صومُ النهار) فإنّ نسبة الصوم إلي النهار مجاز باعتبار الإضافة إلي الزمان.

3 (غُرابُ البَين) فإنّه مجاز باعتبار الإضافة إلي السبب.

4 (اجتهاد الجِدّ) مجاز باعتبار الإضافة إلي المصدر.

أقسام المجاز اللغوي

ثم إنّ المجاز اللّغوي إن كانت العلاقة فيه هي المشابهة، سمي المجاز ب (الإستعارة) وإلاّ سمّي ب (المجاز المرسل) وكل واحد من (المرسل) و(الإستعارة) إما (مفرد) أو (مركب) فالأقسام أربعة:

1 مجاز مفرد مرسل.

2 مجاز مفرد بالإستعارة.

3 مجاز مركّب مرسل.

4 مجاز مركّب بالإستعارة.

ويجري الأوّلان في الكلمة، والأخريان في الكلام.

المجاز المفرد المرسل

المجاز المفرد المرسل، هو اللفظ المستعمل بقرينه في خلاف معناه اللغوي لعلاقة غير المشابهة.

والعلائق كثيرة، أنهاها بعضهم إلي نيف وثلاثين، نذكر منها ما يلي:

1 السبية، بأن يستعمل السبب في المسبب، كقولك: (رعت الماشية الغيث) أي النبات، إذ الغيث سبب النبات، والقرينة (رعت).

2 المسببية، بأن يستعمل المسبب في السبب، نحو: (وينزل لكم من السماء رزقاً)(2) أي: مطراً، إذ المطر سبب الرزق، والقرينة: الانزال من السماء.

3 الكلية، بأن يستعمل الكل في الجزء، قال تعالي: (يجعلون أصابعهم في آذانهم)(3) أي أناملهم، والقرينة: عدم إمكان إدخال الإصبع بتمامها في الأُذن.

4 الجزئية، بأن يستعمل الجزء في الكل، قال تعالي: (فتحرير رقبة مؤمنة)(4) أي انسان مؤمن، والقرينة: التحرير.

5 اللازمية، بأن يستعمل اللازم في الملزوم، نحو: (طلع الضوء) حيث يراد به الشمس.

6 الملزومية، بأن يستعمل الملزوم في اللازم، نحو: (جلست في القمر) أي في ضوئه.

7 الآلية، بأن يستعمل الآلة في المسبب منها، قال تعالي: (واجعل لي لسان صدق في الآخرين)(5) بمعني الذكر الحسن، فإن اللسان آلة للذكر، والقرينة: ان اللسان لا يبقي، ولا ينفع الميت بمجرّده.

8 المقيدية، بأن يستعمل المقيّد في المطلق، نحو: (مشفر زيد مجروح) فإن (المشفر) في اللغة: شفة البعير، فاستعمل في مطلق الشفة، ثم نقل إلي شفة الإنسان وهو زيد.

9 المطلقية، بأن يستعمل المطلق في المقيّد، نحو: (تحرير رقبة)(6) أي رقبة مؤمنة.

10 العمومية، بأن يستعمل العام في الخاص، قال تعالي: (الذين

قال لهم الناس)(7) والمراد عبد الله بن مسعود

11 الخصوصية، بأن يستعمل الخاص في العام، نحو: (جاءت قريش) فإن المراد القبيلة، مع أن قريش عَلَم لجدّهم.

12 اعتبار ما كان، بأن يستعمل اللفظ الذي وضع للماضي في الحال، قال تعالي: (وآتوا اليتامي أموالهم)(8) فإنهم كانوا يتامي، وإذا بلغوا الرشد الذي يصح معه إعطاء أموالهم زال عنهم اليُتم.

13 اعتبار ما يكون، بأن يستعمل اللفظ الذي وضع للمستقبل في الحال، قال تعالي: (إنّي أراني أعصر خمراً)(9) أي عصيراً يؤول أمره إلي الخمر، إذ هو حال العصر لا يكون خمراً، ويسمّي(المجاز بالأَول).

14 المجاز بالمشارفة، وهو كالمجاز بالأَول إلا أن الفرق بينهما كون (الأَوْل) أعم من القريب والبعيد، و(المشارفة) لخصوص القريب، قال صلي الله عليه وآله وسلم: (من قتل قتيلاً فله سلبه)(10) فإن القتيل لا يُقتل، وإنما المراد المشرف علي القتل ومثله: (إذا مات الميّت)(11).

15 الحاليّة، بأن يستعمل الحال في المحلّ، كقولهم: (أري سواداً من بعيد)، فإن المراد الذات، والسواد حالّ.

16 المحلّية، بأن يستعمل المحل ويراد الحالّ، قال تعالي: (وسئل القرية)(12) فإنّ المراد أهلها، إذ القرية لا تسئل.

17 البدلية، بأن يستعمل البدل في المبدل منه، كقوله:

تيمَّمنا بماء المزن حتي فقدناه فقمنا للتراب

والمراد: توضّينا، فإنّ التيمّم بدل عن الوضوء، والوضوء مبدل منه، فاستعمل البدل في المبدل منه.

18 المبدلية، بأن يستعمل المبدل منه في البدل، كقولهم: (أكل فلان الدم) يريدون الدية، فإن الدم مبدل منه.

19 المجاورة، بأن يستعمل المجار في المجاور، كقولهم: (كلمت الجدار) أي الجالس بجنبه.

20 اطلاق المصدر علي اسم الفاعل، كقوله:

ولما بدا سيرٌ ذهبت لنحوه لاستبرء الاخبار من أهل كوفان

فالمراد بالسير: السائر.

21 اطلاق المصدر علي اسم المفعول، كقوله تعالي: (هذا خلق الله)(13) أي مخلوقه.

22 اطلاق اسم الفاعل علي المصدر، قال تعالي:

(ليس لوقعتها كاذبة)(14) أي: تكذيب.

23 اطلاق اسم الفاعل علي اسم المفعول، قال تعالي: (لا عاصم اليوم من أمره الله)(15) أي لا معصوم.

24 اطلاق اسم المفعول علي اسم الفاعل، قال تعالي: (حجاباً مستوراً)(16) أي ساتراً.

25 اطلاق اسم المفعول علي المصدر، كقوله: (بمنصور النبي علي الاعادي …) أي بمثل نصرة النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) علي اعاديه.

ولا يخفي ان في بعض الامثلة مناقشة، كما أن العلاقة لاتنحصر فيما ذكروا، بل كلما استحسنه الطبع جاز استعماله.

من فوائد هذا المجاز

ثم ان للمجاز المرسل علي أنواعه، وكذلك العقلي علي أقسامه، فوائد كثيرة:

1 الإيجاز، فإنّ قوله: (بني الامير المدينة) أوجز من ذكر البنائين والمهندسين ونحوهما، ونحوه غيره.

2 سعة اللفظ، فإنه لو لم يجز إلا (جري ماء النهر) كان لكلّ معني تركيباً واحداً، وهكذا بقيّة التراكيب.

3 ايراد المعني في صورة دقيقة مقربة إلي الذهن، إلي غير ذلك من الفوائد البلاغية.

المجاز المفرد بالإستعارة

قد عرفت انّ العلاقة في المجاز إن كانت غير التشبيه، سمي المجاز: ب (المرسل) وإن كانت التشبيه سمي ب: (الإستعارة).

و (الإستعارة) في اللغة، بمعني طلب الشيء عارية، يقال: (استعار الكتاب) أي طلبه عارية.

وفي الإصطلاح: بمعني استعمال اللفظ في غير ما وضع له، بعلاقة المشابهة بين المعني الأصلي والمعني المجازي، مع قرينة صارفة عن إرادة المعني الاصلي، فإنك لو قلت: (رأيت أسداً يرمي) فقد استعملت (الاسد) بقرينة (يرمي) في (الرجل الشجاع) للمشابهة الواقعة بينهما في (الشجاعة).

ولابدّ في (الاستعارة) من عدم ذكر وجه الشبه، ولا أداة التشبيه، بل اللازم ادعاء أن المشبه عين المشبّه به.

والحاصل: أن كل مجاز يبني علي التشبيه بدون الاداة ووجه الشبه يسمّي: (استعارة).

أركان الإستعارة

للإستعارة أركان ثلاثة:

1 المستعار منه، وهو المشبّه به.

2 المستعار له، وهو المشبه، ويقال لهذين: (طرفا الإستعارة).

3 المستعار، وهو اللفظ المنقول.

ففي (رأيت أسداً يرمي) المستعار منه: الحيوان المفترس، والمستعار له: زيد، والمستعار: لفظ أسد.

أقسام الإستعارة

ثم إنّ)الإستعارة(تنقسم باعتبار ما يذكر من طرفي الإستعارة إلي ما يلي:

1 أن يذكر في الكلام لفظ المشبه به فقط، ويسمّي: (استعارة تصريحية)، نحو: (فأمطرت لؤلؤاً من نرجس …) فاللؤلؤ: الدمع، والنرجس: العين.

2 أن يذكر في الكلام لفظ المشبه فقط، ويؤتي ببعض لوازم المشبه به. ويسمّي: (استعارة بالكناية) وسمي اللازم (استعارة تخييلية) كقوله: (وإذا المنية انشبت أظفارها) فإنه شبّه المنية بالسبع، وأثبت لها بعض لوازم السبع وهو الظفر، فالمنية: استعارة بالكناية، والأظفار: استعارة تخييلية.

ومنه يظهر: تلازم الإستعارة بالكناية مع الإستعارة التخييلية.

الاستعارة باعتبار المستعار له

تنقسم (الاستعارة) باعتبار (المستعار له) الي قسمين:

1 الاستعارة التحقيقيّة: وهو ما كان المستعار له محققاً حسّاً: كالأسد المستعار للشجاع، أو عقلاً: كالصراط المستقيم المستعار للدين.

2 الإستعارة التخييلية: وهو ما كان المستعار له موهوباً، غير محقق، لا عقلاً ولا حسّاً، كالاظفار المستعارة للمنية.

الإستعارة باعتبار اللفّظ المستعار

تنقسم (الإستعارة) باعتبار اللفظ المستعار إلي ثلاثة أقسام:

1 ما كان لفظ المستعار إسماً لذات: كالبدر للجميل، أو اسماً لمعني: كالقتل للضرب الشديد، وتسمي الإستعارة (أصلية).

2 ما كان لفظ المستعار فعلاً، أو اسم فعل، أو اسماً مشتقّاً، أو اسماً مبهماً، أو حرفاً، وتسمي الاستعارة: (تصريحية تبعية).

3 ما كان لفظ المستعار اسماً مشتقّاً، أو اسماً مبهماً (17)، وتسمي هذه الاستعارة: (تبعية مكنية) وهذا داخل في القسم الثاني.

الإستعارة العنادية والوفاقية

ثم أن الاستعارة المصرحة تنقسم باعتبار الطرفين إلي قسمين:

1 العنادية، وهي التي لا يمكن اجتماع طرفيها في شيء واحد، لتعاندهما، كاجتماع الهدي والضلال، والنور والظلام.

2 الوفاقية، وهي التي يمكن اجتماع طرفيها في شيء واحد، لتوافقهما، كاجتماع النور والتقي، والحياة والهداية.

ومثال الاثنين: العنادية والوفاقية، قوله تعالي: (أو من كان مّيْتاً فأحييناه) (18) أي: ضالاً فهديناه، فإنّ في هذه الآية استعارتين هما:

أ - استعارة الموت للضلال لاشتراكهما في عدم الانتفاع، وهي عنادية لعدم امكان اجتماع الموت مع الضلال الذي لا يكون إلا في الحي لأنّ الضالّ حيّ.

ب - استعارة الإحياء للهداية لاشتراكهما في ثبوت الانتفاع، وهي وفاقيّة لإمكان اجتماع الإحياء والهداية.

أقسام الاستعارة العنادية

ثمّ انّ الاستعارة العنادية علي قسمين:

1 التمليحية: بأن يستعمل اللّفظ الموضوع لمعني شريف في ضدّه أو نقيضه، كقوله: (رأيت أسداً) وهو يريد: جباناً.

2 التهكمية: بأن ينزّل التضاد منزلة التناسب، نحو قوله تعالي: (فبشِّرهم بعذاب أليم)(19) أي: أنذرهم، فاستعيرت البشارة للإنذار الّذي هو ضدّه علي سبيل التهكم والإستهزاء.

الإستعارة باعتبار الجامع

وتنقسم الإستعارة المصرحة باعتبار الجامع إلي قسمين:

1 عامية، وهي المعلومة لدي كل أحد، نحو: (رأيت أسداً يرمي) والجامع بين الطرفين واضح وهي الشجاعة.

2 خاصية، وهي التي تحتاج الي فكر وتأمّل، نحو:

غّمرُ الرداء إذا تبسّم ضاحكا غَلقت لضحكته رقابُ المال

والجامع بين الطرفين غير واضح يعرف بالتأمّل فيه وهي ساتريّة الكرم كالرداء عرض صاحبه.

الإستعارة باعتبار الملائمات

وتنقسم الإستعارة باعتبار ذكر ملائم المستعار منه أو ملائم المستعار له، وعدم ذكرها، إلي ثلاثة أقسام:

1 المطلقة، وهي مالم تقترن بما يلائم أحدهما، أو اقترنت بما يلائمهما معاً.

فالأول، نحو قوله تعالي: (ينقضون عهد الله)(20).

والثاني، نحو:

لدي أسد شاكي السلاح مقذّف له لبدٌ أظفاره لم تقلَّم

فشاكي السلاح للرجل، وله لبد الخ للأسد.

2 المرشَّحة، وهي ما قرنت بملائم المستعار منه، نحو: (أسد له لبد أتاك..).

3 المجرّدة، وهي ما قرنت بملائم المستعار له، نحو: (أسد شاكي السلاح..).

المجاز المركّب المرسل

تقدم أن المجاز إما مرسل وإما استعارة، وكل واحد منهما إما مفرد أو مركّب، وسبق الكلام حول المفرد منهما، وبقي المركّب منهما.

فالمجاز المرسل المركب: هو الكلام المستعمل في غير المعني الموضوع له، لعلاقة غير المشابهة، ويقع في المركبات الخبرية والإنشائية، لأغراض أهمها:

1 التحسّر، كقوله: (ذهب الصِّبا وتولّت الأيّامُ..) فإنه خبر أريد منه انشاء التحسّر علي ما فات من شبابه.

2 اظهار الضعف، قال تعالي: (ربّ إنّي وهن العظمُ منّي …) (21) اظهاراً للضعف.

3 اظهار السرور، قال تعالي: (يا بُشري هذا غلام)(22).

4 الدعاء، كقوله: (هداك الله للسبيل السويّ).

5 اظهار عدم الإعتماد، قال تعالي: (هل آمنكم عليه إلاّ كما امنتكم علي أخيه)(23).

المجاز المركب بالإستعارة

والمجاز المركّب بالإستعارة التمثيلية: هو الكلام المستعمل في غير معناه الموضوع له، لعلاقة المشابهة، كقولهم للمتردّد: (أراك تقدّم رجلاً وتؤخّر أخري) تشبيهاً بالمتردّد في السير، وقولهم لمن يريد أن يعمل ما لا يقدر عليه وحد: (اليد لا تصفّق وحدها) تشبيهاً له باليد الواحدة.

هذا في النثر، وفي الشعر أيضاً ورد ذلك نحو قوله:

إذا جاء موسي وألقي العصي فقد بطل السحر والساحر

ونحو قوله:

متي يبلغ البنيان يوماً تمامه إذا كنت تبنيه وغيرك هادم

وإذا كثر استعمال الإستعارة التمثيليّة وشاع كان مثلاً، فلا يغيَّر مطلقاً، وإنما يخاطب به المفرد والمذكّر وفروعهما بلفظ واحد، دون أيّ تغيير.

1 الانعام: 6. 2 غافر: 13. 3 البقرة: 19.

4 النساء: 92. 5 الشعراء: 84. 6 المائدة: 89.

7 آل عمران: 173. 8 النساء: 2. 9 يوسف: 36.

10 بحار الانوار 1 / 159 ب 4 ح 34. 11 مستدرك الوسائل: 2 / 141 ب 26 ح 1641.

12 يوسف: 12. 13 لقمان: 11. 14 الواقعة: 2.

15 هود: 43. 16 الإسراء: 45. 17 من غير أنواع التبعيّة المتقدمة.

18 الأنعام: 122.

19 آل عمران: 21. التوبة: 34. الانشقاق: 24.

20 الرعد: 25. 21 مريم: 4. 22 يوسف: 19.

23 يوسف: 64.

تعريف الكناية

(الكناية) من (كَنَيْت) أو (كنَوْت) بكذا عن كذا، إذا تركت التصريح به.

وهي في اللّغة: التكلّم بما يريد به خلاف الظاهر.

وفي الاصطلاح: لفظ أريد به غير معناه الموضوع له، مع إمكان إرادة المعني الحقيقي، لعدم نصب قرينة علي خلافه.

وهذا هو الفرق بين المجاز والكناية، ففي الأول لا يمكن ارادة الحقيقي لنصب القرينة المضادّة له، بخلاف الثاني.

نعم قد يمتنع المعني الحقيقي لخصوص المورد، كقوله تعالي: (الرحمن علي العرش استوي)(1) فإنه كناية عن القدرة والإستيلاء، ويمتنع المعني الحقيقي، لامتناع كونه تعالي جسماً.

ومثال الكناية: (فلان كثير الرماد) تريد انه كريم، للتلازم في الغالب بين الكروم وبين كثرة الضيوف الملازمة لكثيرة الرماد من الطبخ.

أقسام الكناية

تنقسم الكناية إلي ثلاثة أقسام:

1 الكناية عن الصفة، نحو (طويل النجاد) كناية عن طول القامة.

2 الكناية عن الموصوف، نحو قوله:

فلما شربناها ودبّ دبيبها إلي موطن الأسرار قلت لها قفي

أراد بموطن الأسرار: القلب.

3 الكناية عن النسبة، كقوله:

إن السماحة والمروة والندي في قبة ضربت علي ابن الحشرج

فإن تخصيص هذه الثلاثة بمكان ابن الحشرج يتلازم نسبتها إليه.

الكناية القريبة والبعيدة

ثم إن الكناية عن الصفة تكون علي قسمين:

1 قريبة، وهي التي لا يحتاج الإنتقال فيها إلي اعمال روية وفكر، لعدم الواسطة بينها وبين المطلوب.

2 بعيدة، وهي التي يحتاج الإنتقال فيها إلي اعمال روية وفكر، لوجود الواسطة بينها وبين المطلوب.

فمثال الأول: (طويل النجاد) فإن النجاد حمائل السيف، وطوله يستلزم طول القامة بلا واسطة.

ومثال الثاني: (كثير الرماد) فكثرة الرماد تستلزم الكرم لكن بواسطة، لأنّ كثرة الرماد ملازمة لكثرة الإحراق، وهي ملازمة لكثرة النار والطبخ، وهي ملازمة لكثرة الضيوف، وهي ملازمة للكرم، المقصود(2).

الكناية باعتبار اللوازم

تنقسم الكناية باعتبار اللوازم والسياق إلي أربعة أقسام:

1 التعريض، وهو أن يطلق الكلام ويراد معني آخر يفهم من السياق تعريضاً بالمخاطب، كقولك للمهذار: (إذا تمّ العقل نقص الكلام)(3).

2 التلويح، وهو أن تكثر الوسائط بدون تعريض، نحو: (كثير الرماد) و(وجبان الكلب) و(مهزول الفصيل).

3 الرمز، وهو أن تقل الوسائط مع خفاء في اللزوم بدون تعريض، كقولهم: (فلان متناسب الأعضاء) كناية عن ذكائه، إذ الذكاء الكثير في الجسم المتناسب، وقولهم: (هو مكتنز اللّحم) كناية عن قوّته وشجاعته.

4 الإيماء وهو أن تقل الوسائط، مع وضوح اللزوم بلا تعريض، كقوله:

اليمن يتبع ظله والمجد يمشي في ركابه

من فوائد الكناية

ولا يخفي: أن الكناية أبلغ من التصريح، وذلك لأنها تفيد اُموراً، منها:

1 القوّة في المعني، وذلك لأنّها كالدعوي مع البينة، إذ لو قيل (فلان كريم) سئل عن دليل ذلك؟ فاللازم أن يقال: بدليل كثرة رماده، فإذا ذكر أولاً أراح، وأتي بالدعوي مع البيّنة.

2 التعبير عن أمور قد يتحاشي الانسان عن ذكرها احتراماً للمخاطب.

3 الإبهام علي السامع.

4 تنزيه الاُذن عمّا تنبو عن سماعه.

5 النيل من الخصم دون أن يدع له مأخذاً يؤاخذه به وينتقم منه.

وهناك أغراض كثيرة اُخري تترتّب علي الكناية لا تخفي علي البليغ.

خاتمة البيان

وهذا آخر ما أردنا ايراده في هذا المختصر، والله الموفقّ وهو المستعان.

سبحان ربّك ربّ العزّة عما يصفون، وسلام علي المرسلين، والحمد لله ربّ العالمين، وصلّي الله علي محمّد وآله الطاهرين.

1 طه: 5.

2 ومن الكناية البعيدة جداً، ما قاله بعضهم: (اريد من شفتك ضد الشرقي بالعربي والفارسي والقلب والتصحيف)، وتفصيله: (ضد الشرقي: غربي، عربي، ربيع، بهار، نهار، روز، يوم، موسي، شعر، شعر، بيت، دار، راد، زاد، توشه، بوسه) أي القبلة، وهي المراد.

3 بحار الأنوار: 1 / 159 ب 4 ح 34.

كربلاء المقدّسة

محمد بن المهدي الحسيني الشيرازي

1373ه

الفصل الثالث: ال بديع

مقدمة في تعريف علم البديع

(البديع) لغة: هو من بَدَع وأبدع، أي: أوجده لا علي مثال سابق.

واصطلاحاً: هو علم يعرف به وجوه تحسين الكلام.

والمحسنات علي قسمين:

1 معنوية.

2 لفظية.

ولنذكرهما في فصلين:

الفصل الأول: المحسنات المعنوية.

الفصل الثاني: المحسنات اللّفظية.

التورية

التورية، وتسمّي ايهاماً وتخييلاً أيضاً، وهي أن يكون للّفظ معنيان: قريب وبعيد، فيذكره المتكلّم ويريد به المعني البعيد، الذي هو خلاف الظاهر، ويأتي بقرينة لا يفهمها السامع غير الفطن، فيتوهّم انّه أراد المعني القريب، نحو قوله تعالي: (وهو الّذي يتوفّاكم باللّيل ويعلم ما جرحتم بالنهار)(1) أراد من (جرحتم): ارتكاب الذنوب، وكقوله:

أبيات شعرك كالقصور ولا قصور بها يعوق ومن العجائب لفظها حرّ ومعناها رقيق

فللرقيق معنيان: قريب وهو العبد. وبعيد: وهو من الرقة، والشاعر أراد الثاني، لكن الظاهر من مقابلته للحرّ إرادة العبد.

الإستخدام

الإستخدام: وهو أن يكون للّفظ معنيان فيطلقه المتكلّم ويريد به أحد المعنيين، ثم يذكر ضميره ويريد به المعني الآخر، نحو قوله تعالي: (فمن شهد منكم الشهر فليصمه)(2) أراد بالشهر أوّلاً: الهلال، ثمّ أعاد الضمير عليه وهو يريد أيّام الشهر المبارك، وكقوله:

إذا نزل السماء بأرض قوم ق رعيناه وإن كانوا غضابا

أراد بالسماء: المطر، وبضميره في (رعيناه) النبات.

الإستطراد

الإستطراد: وهو أن يشرع المتكلّم في موضوع، ثم يخرج منه قبل تمامه إلي موضوع آخر، ثم يرجع إلي موضوعه الأول، كقوله:

وانّا لقوم لا نري القتل سبّة ق إذا ما رأته عامر وسلول

يقرّب حبّ الموت آجالنا لنا ق وتكرهه آجالهم فتطول

أراد مدح قومه، ثم خرج قبل تمام كلامه إلي ذم عامر وسلول، ثم رجع في الشطر الثالث إلي ما بدأ به في الشطر الأول.

الإفتنان

الإفتنان: وهو الجمع بين فنّين من الكلام، كالمدح والذم، والتهنئة والتعزية، والغَزَل والحماسة، وأمثالها، كقوله: (عينه كالذئب لكن سنّه كالاقحوان …).

وقوله: (فقلبي ضاحك والعين تبكي …).

وقوله:

فوددت تقبيل السيوف لأنها ق لمعت كبارق ثغرك المتبسم

الطباق

الطباق: ويسمّي بالمطابقة وبالتطبيق وبالتطابق وبالتكافؤ وبالتضاد أيضاً، وهو: الجمع بين لفظين متقابلين في المعني، ويكون علي قسمين:

1 طباق الايجاب: وهو ما لم يختلف فيه اللّفظان المتقابلان ايجاباً وسلباً، نحو قوله تعالي: (وانّه هو أضحك وأبكي)(3) وقوله سبحانه: (تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممّن تشاء وتعزّ من تشاء وتذلّ من تشاء)(4).

2 طباق السلب: وهو ما اختلف فيه اللفظان المتقابلان ايجاباً وسلباً فمثبت مرّة ومنفي اُخري، نحو قوله تعالي: (فلا تخشون الناس واخشون)(5) وقوله سبحانه: (هل يستوي الّذي يعلمون والّذين لا يعلمون)(6).

المقابلة

المقابلة: وهي أن يؤتي بمعنيين أو معان متوافقة، ثم يؤتي بمقابلها علي الترتيب، قال تعالي: (فأمّا من أعطي واتّقي وصدّق بالحسني فسنُيسِّرهُ لليُسري وأما من بخل واستغني وكذّب بالحسني فسنيسّره للعسري)(7) ونحو قوله:

ما أحسن الدين والدنيا إذا اجتمعا ق واقبح الكفرَ والإفلاس بالرجل

مراعاة النظير

مراعاة النظير: وتسمّي بالتوافق والإئتلاف والتناسب أيضاً وهو: الجمع بين أمرين أو أمور متناسبة، كقوله تعالي: (اولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدي فما ربحت تجارتهم وما كانو مهتدين)(8).

ومنها: ما بني علي المناسبة في (المعني) وذلك بأن يختم الكلام بما بدأ به من حيث المعني، كقوله تعالي: (لاتدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللّطيف الخبير)(9). فاللطيف يناسب عدم ادراك الابصار، والخبير يناسب ادراكه للأبصار.

ومنها: ما بني علي المناسبة في (اللفظ) وذلك بأن يؤتي بلفظ يناسب معناه أحد الطرفين ولفظه الطرف الآخر، كقوله تعالي: (الشمس والقمر بحسبان والنجم والشجر يسجدان)(10) فالنجم لفظه يناسب الشمس والقمر، ومعناه - وهو النبات الذي لا ساق له يناسب الشجر.

الإرصاد

الإرصاد، ويسمّي التسهيم أيضاً وهو: أن يذكر قبل تمام الكلام - شعراً كان أو نثرا ما يدل عليه إذا عُرف الرويّ، كقوله تعالي: (وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون)(11) فإنّ (يظلمون) معلوم من السياق، وكقول الشاعر:

احلّت دمي من غير جرم وحرّمت ق بلا سبب عند اللقاء كلامي

فليس الذي حلّلته بمحلّل ق وليس الذي حرَّمته بحرام

فإن (بحرام) معلوم من السياق.

أو يدل عليه بلا حاجة إلي معرفة الرويّ، نحو قوله تعالي: (ولكلّ أمّة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون)(12).

الإدماج

الإدماج: وهو أن يدمج في كلام سيق لمعني، معني آخر غير مصرّح به، كقوله:

وليل طويل لم أنم فيه لحظة ق أعد ذنوب الدهر وهو مديد

فإنه أدمج تعداد ذنوب الدهر بين ما قصده من طول الليل.

المذهب الكلامي

المذهب الكلامي: وهو أن يؤتي لصحة الكلام بدليل مسلّم عند المخاطب، وذلك بترتيب المقدمات المستلزمات للمطلوب كقوله تعالي: (أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر علي أن يخلق مثلهم)(13) فإن المسلّم عند منكر البعث ان اعادة الموتي أهون من خلق السماوات والارض، ولذا جعله تعالي دليلاً علي البعث.

حسن التعليل

حسن التعليل: وهو أن يأتي البليغ بعلة طريفة لمعلول علّته شيء آخر، كقوله:

ما به قتلُ أعاديه ولكن ق يتقي إخلاف ما ترجو الذئابُ

فإنه أنكر كون قتل أعاديه للغلبة وقطع جذور الفساد، وادعي له سبباً آخر، وهو: أن لا يخلف رجاء الذئاب التي تطمع في شبع بطونها.

التجريد

التجريد: وهو أن ينتزع المتكلّم من أمر ذي صفة أمراً آخر مثله في تلك الصفة، وذلك لأجل المبالغة في كمالها في ذي الصفة المنتزع منه، حتي كأنه قد صار منها، بحيث يمكن أن ينتزع منه موصوف آخر، وهو علي أقسام:

1 أن يكون بواسطة (الباء التجريدية) نحو: (شربت بمائها عسلاً مصفّي …). فكأن حلاوة ماء تلك العين الموصوفة وصلت إلي حدّ يمكن انتزاع العسل منها حين الشرب.

2 أن يكون بواسطة (من التجريدية) كقوله:

لي منك أعداء ومنه أحبة ق تالله أيّكما إليّ حبيب

فكأنه بلغ المخاطب إلي حدّ من العداوة يمكن أن ينتزع منه أعداء، وكذلك بلغ غيره من المحبّة بحيث ينتزع منه أحبة.

3 أن لا يكون بواسطة، كقوله: (وسألت بحراً إذ سألته) جرّد منه بحراً من العلم، حتي أنه سأل البحر المنتزع منه إذ سأله.

4 أن يكون بطريق الكناية، كقوله: (… ولا يشرب كأساً بكف من بخلا) أي: أنه يشربها بكفّ الجواد، جرّد منه جواداً يشرب هو بكفّه، وحيث أنّه لا يشرب إلاّ بكف نفسه، فهو إذن ذلك الكريم.

5 أن يكون المخاطب هو نفسه، كقوله:

لا خيل عندك تهديها ولا مال ق فليسعد النطق إن لم تسعد الحال

فإنّه انتزع وجرّد من نفسه شخصاً آخر وخاطبه فسمي لذلك تجريداً، وهو كثير في كلام الشعراء.

المشاكلة

المشاكلة: وهي أن يستعير المتكلّم لشيء لفظاً لايصح اطلاقه علي المستعار له إلاّ مجازاً، وانما يستعير له هذا اللفظ لوقوعه في سياق ما يصح له، كما في الدعاء: (غيِّر سوء حالنا بحسن حالك)(14) فإن الله تعالي لا حال له، وانما استعير له الحال بمناسبة سياق (حالنا) وكقوله تعالي: (تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك)(15) فإن الله تعالي لا نفس له، وإنما عبّر

بها للمشاكلة، وكقوله:

قالوا اقترح شيئاً نجد لك طبخه ق قلت اطبخوا لي جبة وقميصاً

أي: خيّطوا لي جبّة وقميصاً، فأبدل الخياطة بلفظ الطبخ لوقوعها في سياق طبخ الطعام.

المزاوجة

المزاوج: وهي المشابهة وذلك بأن يزاوج المتكلّم ويشابه بين أمرين في الشرط والجزاء، فيرتب علي كل منهما مثل ما رتب علي الآخر، كقوله:

إذا قال قولاً فأكّد فيه ق تجانبت عنه وأكّدت فيه

رتب التأكيد علي كل من قول المتكلّم وتجانب السامع.

الطي والنشر

الطي والنشر، ويسمّي اللّف والنشر أيضاً، وهو: أن يذكر أموراً متعددة، ثم يذكر ما لكل واحد منها من الصفات المسوق لها الكلام، من غير تعيين، اعتماداً علي ذهن السامع في إرجاع كل صفة إلي موصوفها، وهو علي قسمين:

1 أن يكون النشر فيه علي ترتيب الطي، ويسمّي باللّف والنشر المرتّب كقوله:

آرائهم ووجوهم وسيوفهم ق في الحادثات إذا دجون نجوم

منها معالم للهدي ومصابح ق تجلو الدجي والأخريات رجوم

فالآراء معالم للهدي، والوجوه مصابح للدجي، والسيوف رجوم.

2 أن يكون النشر فيه علي خلاف ترتيب الطي، ويسمّي باللّف والنشر المشوّش، نحو قوله تعالي: (فمحونا آية اللّيل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلاً من ربّكم ولتعلموا عدد السنين والحساب)(16) فابتغاء الفضل في النهار وهو الثاني، والعلم بالحساب لوجود القمر في اللّيل وهو الأول، فكان علي خلاف الترتيب.

الجمع

الجمع: وهو أن يجمع المتكلّم بين أمرين أو أكثر في حكم واحد، كقوله تعالي: (المال والبنون زينة الحياة الدنيا)(17) وقوله سبحانه: (إنَّما الخمرُ والميسرُ ولأنصاب والأزلام رجسٌ من عمل الشيطان فاجتنبوه)(18)، وكقوله:

انّ الشباب والفراغ والجده ق مفسدة للمرء أيَّ مفسدة

التفريق

التفريق: وهو أن يفرق بين أمرين من نوع واحد في الحكم، كقوله تعالي: (وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح اُجاج)(19).

التقسيم

التقسيم: وهو أن يأتي بمتعدّد ثم يحكم علي كل واحد منها بحكم، كقوله تعالي: (كذَّبتْ ثمود وعاد بالقارعة فأمّا ثمود فاُهلكوا بالطاغية وأما عاد فاُهلكوا بريح صرصر عاتية)(20).

وقد يطلق التقسيم علي أمرين آخرين:

1 علي استيفاء أقسام الشيء، كقوله تعالي: (يهب لمن يشاء اُناثاً ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوّجهم ذكراناً واناثاً ويجعل من يشاء عقيماً)(21) فإنّ الامر لا يخلو من هذه الاقسام الأربعة.

2 علي استيفاء خصوصيات حال الشيء، كقوله تعالي: (فسوف يأتي الله بقوم يحبّهم ويحبّونه أذلّة علي المؤمنين أعزّة علي الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم)(22).

الجمع والتفريق

الجمع والتفريق وهو أن يجمع بين أمرين في شيء واحد، ثم يفرق بينهما في ما يختص بكل واحد منهما، كقوله:

قلب الحبيب وصخر الصم من حجر ق لكن ذا نابع والقلب مغلوف

الجمع والتقسيم

الجمع والتقسيم: وهو أن يجمع بين متعّدد ثم يقسّم ما جمع، أو يقسم أولاً ثم يجمع، فالأول كقوله:

حتي أقام علي أرباض خرشنة ق تشقي به الروم والصلبان والبيع

للرق ما نسلوا والقتل ما ولدوا ق والنهب ما جمعوا والنار ما زرعوا

والثاني كقوله:

قوم إذا حاربوا ضروا عدوهم ق أو حاولوا النفع في أشياعهم نفعوا

سجية تلك فيهم غير محدثة ق انّ الخلائق فاعلم شرّها البدعُ

الجمع مع التفريق والتقسيم

الجمع مع التفريق والتقسيم: وهو أن يجمع بين أمرين في شيء واحد ثمّ يفرّق بينهما بما يخصّ كلّ منهما ثمّ يقسّم ما جمع، نحو قوله تعالي: (يوم يأتي لاتكلّم نفس إلاّ بإذنه فمنهم شقيّ وسعيد، فأمّا الّذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق، خالدين فيها ما دامت السماوات والارض إلاّ ما شاء ربّك انّ ربك فعّال لما يريد، وأمّا الّذين سُعدوا ففي الجنّة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلاّ ما شاء ربّك عطاءاً غير مجذوذ)(23) جمع الانفس في عدم التكلّم ثمّ فرّق بينها بأن بعضها شقيّ وبعضها سعيد، ثم قسّم الشقي والسعيد إلي ما لهم هناك في الآخرة من الثواب والعقاب.

المبالغة

المبالغة: وهي الإفراط في الشيء، وتنقسم إلي ثلاثة أقسام:

1 التبليغ، وهو أن يكون الإدعاء ممكناً عقلاً وعادة، كقوله:

جاء رجال البلد ق مليكمهم كالفرقد

فإن مجيْ جميع رجال البلد ممكن عقلاً وعادة.

أباد عسكرنا ما دب أو درجا ق في أرض نجد وما فرد لهم برجا

فإن الإبادة ممكنة عقلاً، مستحيلة عادة.

2 الغلو، وهو أن يكون الإدعاء مستحيلاً عقلاً وعادة، كقول الغالي:

ان الوصي هو الإله وأنما ق آياته احياء عظم رميم

فإن الوهية علي (عليه السلام) مستحيلة عقلاً وعادة.

المغايرة

المغايرة: وهي أن، يمدح المتكلّم شيئاً ثم يذمّه، أو بالعكس، كقوله:

جزي الله الحوادث منجيات ق وأخزاها حوادث ماحقات

فإن الحادثة قد ترفع الشخص وقد تضعه.

تأكيد المدح

تأكيد المدح بما يشبه الذمّ، وهو علي ثلاثة أقسام:

1 أن يأتي بمستثني فيه معني المدح معمولاً لفعل فيه معني الذمّ، نحو قوله تعالي: (وما تنقم منّا إلاّ أن آمنّا بأيات ربنا)(24).

2 أن يستثني صفة مدح من صفة ذمّ منفية عن الشيء، نحو قوله:

ولا عيب فيهم غير أنّ سيوفهم ق بهنّ فلول من قراع الكتائب

3 أن يثبت صفة مدح لشيء ثمّ يأتي بعدها بأداة استثناء أو استدراك يعقبها بصفة مدح اُخري، نحو قوله:

فتي كملت أوصافه غير أنّه ق جواد فما يبقي من المال باقياً

ونحو قوله في مثال الإستدراك:

وجوه كاظهار الرياض نضارة ق ولكنها يوم الهياج صخور

تأكيد الذمّ

تأكيد الذم بما يشبه المدح، وهو علي قسمين:

1 أن يثبت صفة ذمّ لشيء ثمّ يأتي بعدها بأداة استثناء أو استدراك يعقبها بصفة ذمّ اُخري كقوله: (كله ذم سوي أنّ محياه قبيح(.

2 أن يستثني صفة ذمّ من صفة مدح منفية عن الشيء، كقوله:

خلا من الفضل غير أنّي ق أراه في الحُمق لا يجاري

التوجيه

التوجيه: وهو أن يؤتي بكلام يحتمل أمرين متضادين كالذمّ والمدح، والدعاء له وعليه، كقوله - في خيّاط اسمه عمرو، وكان أعور -:

خاط لي عمرو قباءأً ق ليت عينيه سواء

قلت شعراً ليس يدري ق أمديح أم هجاء

والفرق بين التوجيه والتورية: أن التورية لا تكون إلا فيما له معنيان بأصل الوضع، بخلاف التوجيه.

نفي الشيء بإيجابه

نفي الشيء بإيجابه: وهو أن ينفعي شيئاً عن شخص فيوهم اثباته له في الجملة، نحو قوله تعالي: (رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله)(25).

وكقوله للخليفة:

لم يُشغَلَنْك عن الجهاد مكاسب ق ترجو ولا لهو ولا أولاد

فإنه يوهم اشغال المكسب له في الجملة - كما في الأولاد - مع أنه لا كسب للخليفة.

القول بالموجب

القول بالموجب: وهو أن يحمل كلام الغير علي خلاف مراده، كقوله:

وقالوا قد صفت منّا قلوب ق لقد صدقوا ولكن عن ودادي

فإنهم أرادوا الخلوص له، فحمله الشاعر علي الخلوّ من وداده.

ائتلاف اللّفظ والمعني

ائتلاف اللفظ والمعني: وهو أن يُختار للمعني المقصود ألفاظ تؤديه بكمال الوضوح، كقوله في الذمّ:

ولو أن برغوثاً علي ظهر قملة ق تكرّ علي صفيّ تميم لولّت

وكقوله في المدح:

اذا ما غضبنا غضبة مضرية ق هتكنا حجاب الشمس أو قطرت دما

التفريع

التفريع: وهو جعل الشيء فرعاً لغيره وذلك بأن يُثبت لمتعلّق أمر حكماً بعد أن يُشتبه لمتعلّق آخر علي نحو يُشعر بالتفريع، كقوله:

طبّه ينفي المرض ق فقهه ينفي البدع

فله الله طبيباً وفقيهاً متّبع

الإستتباع

الإستتباع: وهو الوصف بأمر علي وجه يستتبع الوصف بأمر آخر، مدحاً أو ذماً، مدحاً كقوله:

سمح البديهة ليس يمسك لفظه ق فكأنما ألفاظه من ماله

وذمّاً، كقوله في قاضٍ ردّ شهادته برؤية هلال شوال:

أتري القاضي أعمي ق أم تراه يتعامي

سرق العيد كأنّ ال ق عيد أموال اليتامي

السلب والإيجاب

السلب والإيجاب: وهو أن يسلب صفة مدح أو ذم عن الجميع ليثبتها لمن قصد، فالمدح كقوله:

كل شخص لقيت فيه هنات ق غير سلمي فخلقها من فضائل

والذم، كقوله: (لا أري في واحد ما فيه من جمع الرذائل).

ويسمّي السلب والإيجاب: الرجوع أيضاً بمعني العود علي الكلام السابق بالنقض لنكتة، كقوله:

وما ضاع شعري عندكم حين قلته ق بلي وأبيكم ضاع فهو يضوع

الإبداع

الإبداع: وهو أن يكون الكلام مشتملاً علي جملة من المحسنات البديعية، كقوله تعالي: (وقيل يا أرض ابلعي مائك ويا سماء اقلعي وغيض الماء وقُضي الامر واستوت علي الجوديّ وقيل بُعداً للقوم الظالمين)(26).

قيل: أنّه يوجد في هذه الآية الكريمة اثنان وعشرون نوعاً من أنواع البديع اشيرها إليها في المفصّلات.

وكقوله:

فضحتَ الحيا والبحر جوداً فقد بكي ال ق حيا من حياء منك والتطم البحر

الأسلوب الحكيم

الأسلوب الحكيم: وهو اجابة المخاطب بغير ما سأل، تنبيهاً علي كون الاليق هو السؤال عمّا وقع عنه الجواب، كقوله تعالي: (يسألونك عن الأهلّة قل هي مواقيت للناس والحجّ)(27) فإنهم لّما لم يكونوا يدركون سبب اختلاف أشكال الهلال، اجيبوا بما ينبغي السؤال عنه، وهو فائدة اختلاف الأهلّة.

وكقوله:

قلت: ثقلتُ إذ أتيتُ مراراً ق قال: ثقّلتَ كاهلي بالأيادي

قلت: طوّلتُ، قال أوليتَ طَولاً ق قلت: أبرمتُ، قال: حبل ودادي

تشابه الأطراف

تشابه الأطراف: وهو أن يكون بدء الكلام وختامه متشابهين لفظاً أو معني:

الأول: وهو التشابه في اللّفظ كقوله تعالي: (مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنّها كوكبٌ درّيّ)(28).

الثاني: وهو التشابه في المعني كقوله:

سم زعاف قوله وفعاله ق عند البصير كمثل طعم العلقم

فإن العلقم يناسب السمّ في المذاق.

العكس

العكس: وهو أن يكون الكلام المشتمل علي جزئين أو أكثر، في فقرتين، فيقدم ما أخّره في الفترة الأولي، ويؤخّر ما قدّمه، كقوله تعالي: (لا هنّ حلّ لهم ولا هم يحلّون لهنّ)(29) وكقوله:

في هواكم يا سادتي متُّ وجداً ق متُّ وَجداً يا سادتي في هواكمُ

الهزل

الهزل: وهو أن يأتي بهزل يراد به الجدّ، كقوله:

إذا ما جاهلي أتاك مفاخراً ق فقل: عَدّ عن ذا كيف أكلك العنب

الاطراد

الاطراد: وهو أن يأتي باسم من يقصده واسم آبائه علي ترتيب تسلسلهم في الولادة بلا تكلّف في السبك، كقوله:

إن يقتلوك فقد ثللت عروشهم ق بعتيبة بن الحارث بن شهاب

ومنه قوله (صلي الله عليه وآله وسلم): الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم: يوسف بن يعقوب بن اسحاق بن ابراهيم(30).

تجاهل العارف

تجاهل العارف: وهو أن يري المتكلّم نفسه جاهلاً، مع أنه عالم، وذلك لنكتة كقوله: (أمنزل الأحباب ما لك موحشاً(…؟

أما إذا وقع مثل ذلك في كلام الله سبحانه، كقوله تعالي: (وما تلك بيمينك ياموسي)(31) أو في كلام أوليائه، فلا يسمّي بتجاهل العارف، بل يسمّي حينئذ: ايراد الكلام في صورة الإستفهام لغاية.

1 الانعام: 60. 2 البقرة: 185. 3 النجم: 43.

4 آل عمران: 26. 5 المائدة: 44. 6 الزمر: 9.

7 الليل: 5 10. 8 البقرة: 16. 9 الانعام: 103.

10 الرحمن: 5 6. 11 العنكبوت: 40. 12 الأعراف: 34.

13 يس: 81. 14 مستدرك الوسائل: 7/448 ب 14 ح 8623.

15 المائدة: 116. 16 الإسراء: 12. 17 الكهف: 46.

18 المائدة: 12. 19 فاطر: 12. 20 الحاقة: 4 6.

21 الشوري: 49 50. 22 المائدة: 54. 23 هود: 105 108.

24 الأعراف: 126. 25 النور: 37. 26 هود: 44.

27 البقرة: 189. 28 النور: 35. 29 الممتحنة: 10.

30 بحار الأنوار: 12/218 ب 9 ح 1. 31 طه: 17.

الجناس

الجناس: وهو تشابه لفظين، مع اختلافهما في المعني، وهو قسمان:

1 لفظي.

2 معنوي.

أقسام الجناس اللفظي

الجناس اللفظي علي أقسام:

1 الجناس التام: وهو ما اتفق فيه اللفظان المتجانسان في أمور أربعة:

نوع الحروف، وعددها، وهيئتها، وترتيبها مع اختلاف المعني، كقوله تعالي: (ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة)(1) فالمراد بالساعة الاولي: يوم القيامة، وبالساعة الثانية: جزء من الزمان.

2 الجناس غير التام: وهو ما اختلف اللفظان في أحد الأمور الأربعة المذكورة (النوع والعدد والهيئة والترتيب).

فالإختلاف في عدد الحرف، نحو: (دوام الحال محال).

وفي نوعه: كقوله تعالي: (ذلك بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحقّ وبما كنتم تمرحون)(2).

وفي هيئته: نحو: (الجَدّ في الجِدّ والحرمان في الكسل).

وفي ترتيبه: نحو: (رحم الله من فكّ كفّه وكفّ فكّه).

3 الجناس المطلق: وهو توافق اللفظين في الحروف وترتيبها، بدون أن يجمعهما اشتقاق، نحو: (غِفار، غفر الله لها).

وإن جمعهما اشتقاق سمي جناس الإشتقاق، نحو قوله تعالي: (لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد)(3).

4 الجناس المذيّل: وهو ما يكون الإختلاف بأكثر من حرفين في آخره، كقوله:

يمدون من أيد عواص عواصم تصول بأسياف قواض قواضب

5 الجناس المطرّف: وهو ما يكون الإختلاف بزيادة حرفين في أوله، كقوله:

وكم غرر من برّه ولطائف لشكري علي تلك اللطائف طائف

6 الجناس المضارع: وهو ما يكون باختلاف اللفظين في حرفين، مع قرب مخرجهما، كقوله تعالي: (وهم ينهون عنه وينئون عنه)(4).

7 الجناس اللاحق: وهو ما يكون باختلاف اللفظين في حرفين، مع بعد مخرجهما، كقوله تعالي: (ويل لكلّ هُمَزةٍ لُمَزةٍ)(5).

8 الجناس التلفّظي: وهو ما اختلف ركناه خطاً مع اتحادهما في التلفّظ، كقوله:

اعذب خلق الله نطقاً وفماً إن لم يكن أحق بالحُسن فمن

فالاول تنوين، والثاني نون.

9 الجناس المحرّف: وهو ما اختلف اللفظان في هيئات الحروف من

حيث الحركات، نحو: (جُبة البُرد جُنّة البَرد).

10 الجناس المصحّف: وهو ما اختلف اللّفظان من حيث التنقيط، بحيث لو زالت النُقَط لم يتميّز أحدهما عن الآخر، ككتاب كتبه أمير المؤمنين عليه السلام إلي معاوية: (غَرّك عزُّك فَصار قصار ذلك ذُلّك، فاخش فاحش فعلك، فعلّك تهدي بهذي)(6).

11 الجناس المركّب: وهو ما اختلف اللفظان من حيث التركيب والإفراد، كقوله:

إذا ملك لم يكن ذا هبة فدعه فدولته ذاهبة

فالاول مركب بمعني: صاحب هبة، والثاني: مفرد وهو اسم الفاعل:

12 الجناس الملفّق: وهو ما كان اللّفظان كلاهما مركّباً، كقوله:

فلم تضع الأعادي قدر شأني ولا قالوا فلان قد رشاني

الاول: مركّب من (قدر) ومن (شأني) والثاني: مركّب من (قد) ومن (رشاني).

13 جناس القلب: وهو ما اختلف فيه اللفظان في ترتيب الحروف، نحو: (رحم الله امرءاً مسك ما بين فكّيه وأطلق ما بين كفيّه).

14 الجناس المستوي: وهو من جناس القلب، ويسمّي أيضاً: (مالا يستحيل بالإنعكاس) وهو ما لايختلف لو قريء من حرفه الاخير إلي الأوّل معكوساً ومقلوباً، وانّما يحصل بعينه، نحو قوله تعالي: (كلّ في فلك)(7) وقوله سبحانه: (ربّك فكبّر)(8) فإنّه ينعكس بعينه، ونحو قوله:

مودّته تدوم لكلّ هولٍ وهل كلٌ مودّته تدوم

وكذا قوله: (أرانا الإله هلالاً أناراً).

أقسام الجناس المعنوي

الجناس المعنوي قسمان:

1 جناس الإضمار: وهو أن يأتي بلفظ يحضر في ذهنك لفظاً آخر، واللفظ الآخر يُراد به غير معناه بدلالة السياق، كقوله:

فهو إذا رأته عين الرائي أبو معاذ أو أخو الخنساء

فإن المراد بأبي معاذ: (جبل) وبأخ الخنساء: (صخر) وليس بمراد، وانما المراد: ذم المقصود بأنه كالصخر.

2 جناس الاشارة: وهو ما ذكر فيه أحد اللفظين وأشير للآخر بما يدلّ عليه، كقوله:

ياحمزة اسمح بوصل وامنن علينا بقرب

في ثغرك اسمك أضحي مصحّفاً وبقلبي

أراد (الخمرة) و(الجمرة) إذ هما مصحفا حمزة.

التصحيف

التصحيف: وهو التشابه بين كلمتين أو أكثر خطّأً، والفارق النقط، ك(التحلّي) و(التخلّي) و(التجلي).

الازدواج

الازدواج: وهو تجانس اللفظين المجاورين، نحو: (من لجّ ولج) و(من جدّ وجد).

السجع

السجع: هو توافق الفاصلتين أو الفواصل في الحرف الاخير- والفاصلة في النثر كالقافية في الشعر- وموطن السجع النثر، وأحسنه ما تساوت فقراته، كقوله تعالي: (في سدر مخضود وطلح منضود وظلّ ممدود)(9) وإن لم تتساو فقراته فالاحسن ما طالت فقرته الثانية نحو قوله تعالي: (والنجم إذا هوي، ما ضلّ صاحبكم وما غوي)(10) أو طالت فقرته الثالثة، نحو قوله تعالي: (خذوه فغلّوه، ثمّ الجحيم صلّوه، ثمّ في سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً فاسلكوه)(11) ولا يحسن العكس بأن تطول الفقرة الاولي دون الثانية، أو الثانية دون الثالثة، لأن السامع ينتظر بقيتها، فإذا انقطع كان كالمبتور.

التشطير

التشطير: وهو جعل كل من شطري البيت مسجوعاً سجعة مخالفة للسجعة الّتي في الشطر الآخر، وهذا يكون علي القول بعد اختصاص السجع بالنثر، كقوله:

تدبير معتصم بالله منتقم لله مرتغب في الله مرتقب

فالشطر الاوّل سجعته مبنيّة علي الميم والثاني علي الباء.

الموازنة

الموازنة: وهي تساوي الفاصلتين في الوزن فقط لا في التقفية، نحو قوله تعالي: (ونمارق مصفوقة، وزرابيّ مبثوثة)(12) فإن كلمة (مصفوفة) متفقة مع كلمة (مبثوثة) في الوزن، لا في التقفية.

الترصيع

الترصيع: وهو توازن الألفاظ مع توافق الاعجاز، أو تقاربها، ومثال التوافق قوله تعالي: (إنّ الأبرار لفي نعيم وإن الفجّار لفي جحيم)(13).

ومثال التقارب قوله تعالي: (وآتيناهما الكتاب المستبين، وهديناهما الصراط المستقيم)(14).

التشريع

التشريع: ويسمّي (التوشيح) و(ذا القافيتين) أيضاً، وهو بناء البيت علي قافيتين أو أكثر، يصح الوقوف علي كلّ واحد منها، كقوله:

يا خاطب الدنيا الدنية انها شرك الردي وقرارة الأكدار

دار إذا ما أضحكت في يومها أبكت غداً تبّاً لها من دار

فيصح الوقوف علي (الردي) و)غدا) فتنقلب الأبيات من (بحر الكامل) وتكون من (مجزوء الكامل) وتقرأ هكذا:

ياخاطب النيا الدن يّة انها شَرَك الردي

دار إذا ما أضحكت في يومها أبكت غداً

لزوم ما لا لزم

لزوم ما لايلزم: ويسمّي الالزام والتضمين والتشديد والإعنات أيضاً، وهو أن يجيء قبل حرف الرويّ - في فاصلتين وأكثر أو بيتين وأكثر - بحرف لا يتوقّف السجع عليه، كقوله تعالي: (فأما اليتيم فلا تقهر، وأما السائل فلا تنهر)(15).

وكقوله:

أصالة الرأي صانتني عن الخطل وحلية الفضل زانتني لدي العَطَل

فالراء في الآية واللام في الشعر، حروف الروي، وقد جيء قبل الراء بالهاء وقبل اللام بالطاء، وهو غير لازم لتحقّق السجع بدون ذلك.

ردّ العجز علي الصدر

ردّ العجز علي الصدر: وهو ان يعاد ما بدأ به الاخير، كقوله تعالي: (وتخشي الناس والله أحق أن تخشاه)(16).

وقوله:

سريع الي ابن العم يلطم وجهه وليس إلي داعي الندي بسريع

ما لا يستحيل بالانعكاس

مالا يستحيل بالإنعكاس، ويسمّي: القلب المستوي كما مرّ في جناس القلب، وهو: أن يقرأ عكساً كما يقرأ طرداً: (دام علاء العماد). ونحو: (كن كما أمكنك) فإنه إذا قرئ عكساً من الاخير الي الاوّل كان أيضاً: (دام علاء العماد) و(كن كما أمكنك).

المواربة

المواربة: وهي أن يجعل المتكلّم كلامه بحيث يمكن تغييره بتصحيف ونحوه، كما يحكي عن أبي نؤاس أنّه كتب علي باب قصر هارون العباسي البيت التالي:

لقد ضاع شعري علي بابكم ما ضاع عقد علي خالصة

فلما أنكر عليه هارون ذلك، محي هلال العين، فصار البيت كالتالي:

لقد ضاء شعري علي بابكم كما ضاء عِقد علي خالصه

ائتلاف اللّفظ مع اللّفظ

ائتلاف اللّفظ مع اللّفظ: وهو أن يؤتي في العبارة بألفاظ من واد واحد في الأنس والغرابة ونحوهما، نحو: (ما لكم تكاكأتم عليّ … افرنقعوا) جمع بين غريبين (تكاكأتم) و(افرنقعوا).

التسميط

التسميط: وهو أن يجعل الشاعر بيته علي أربعة أقسام، كقوله:

فنحن في جزل، والروم في وجل والبرّ في شغل، والبحر في خجل

الإنسجام

الإنسجام: ويسمّي (السهولة) أيضاً، وهو سلامة الألفاظ والمعاني مع جزالتهما وتناسبهما، كقوله تعالي: (كلٌّ في فلك يسبحون)(17) وكقوله:

ما وهب الله لامريء هبة أفضلَ من عقله ومن أدبه

هما كمال الفتي فإن فقدا ففقده للحياة أليق به

الاكتفاء

الإكتفاء: وهو أن يحذف بعض الكلام لدلاله العقل عليه، كقوله:

قالت بنات العم يا سلمي وإن كان فقيراً معدماً قالت وإن

أي: وإن كان فقيراً معدماً.

التطريز

التطريز: وهو أن يكون صدر الكلام مشتملاً علي ثلاثة أسماء مختلفة المعاني، ويكون العجز صفة مكررة بلفظ واحد، كقوله:

وتسقيني وتشرب من رحيق خليق أن يُلقّب بالخلوق

كأن الكأس في يدها وفيها عقيق في عقيق في عقيق

خاتمة البديع

وهذا تمام الكتاب، والله الهادي إلي الصواب.

سبحان ربّك ربّ العزّة عمّا يصفون، وسلام علي المرسلين، والحمد لله ربّ العالمين، وصلّي الله علي محمّد وآله الطاهرين.

1 الروم: 55. 2 غافر: 75. 3 الكافرون: 2 3.

4 الانعام: 26. 5 الهمزة: 1. 6 بحار الانوار: 40/163 ب 93 ح 54.

7 الانبياء: 33. 8 المدثّر: 3. 9 الواقعة: 28 30.

10 النجم: 1 2. 11 الحاقة: 30 32. 12 الغاشية: 15 16.

13 الإنفطار: 13 14. 14 الصافات: 117 118. 15 الضحي: 9 10.

16 الاحزاب: 37. 17 الانبياء: 33.

تمّ بيد مؤلّفه:

محمد بن المهدي الحسيني الشيرازي

5 شعبان 1379ه كربلاء المقدّسة

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.