الجهل المركب وطريق الخلاص منه

اشارة

المؤلف:

المرجع الديني الراحل

الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي

أعلي الله درجاته

الناشر:

مؤسسة المجتبي للتحقيق والنشر

كربلاء المقدسة

الطبعة الأولي 1427ه

كلمة الناشر

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الظروف العصيبة التي تمر بالعالم.. والمشكلات الكبيرة التي تعيشها الأمة الإسلامية.. والمعاناة السياسية والاجتماعية التي تقاسيها بمضض.. وفوق ذلك كله، الأزمات الروحية والأخلاقية التي يئنّ من وطأتها العالم أجمع.. والحاجة الماسة إلي نشر وبيان مفاهيم الإسلام ومبادئه الإنسانية العميقة التي تلازم الإنسان في كل شؤونه وجزئيات حياته وتتدخل مباشرةً في حلّ جميع أزماته ومشاكله في الحرية والأمن والسلام وفي كل جوانب الحياة.. والتعطش الشديد إلي إعادة الروح الإسلامية الأصيلة، وبلورة الثقافة الدينية الحيّة، وبثّ الوعي الفكري والسياسي في أبناء الإسلام كي يتمكنوا من رسم خريطة المستقبل المشرق.. كل ذلك دفع المؤسسة لأن تقوم بنشر مجموعة من المحاضرات التوجيهية القيمة التي ألقاها المرجع الديني الإمام الراحل السيد محمد الحسيني الشيرازي (أعلي الله مقامه) في ظروف وأزمنة مختلفة، حول مختلف شؤون الحياة الفردية والاجتماعية، وقد قام سماحته ? بتهذيبها والإضافة عليها، فقمنا بطباعتها مساهمةً منا في نشر الوعي الإسلامي، وسدّاً لبعض الفراغ العقائدي والأخلاقي لأبناء المسلمين من أجل غدٍ أفضل ومستقبل مجيد.. وذلك انطلاقاً من الوحي الإلهي القائل:

?لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ? (). الذي هو أصل عقلائي عام يرشدنا إلي وجوب التفقه في الدين وإنذار الأمة، ووجوب رجوع الجاهل إلي العالم في معرفة أحكامه في مواقفه وشؤونه.. كما هو تطبيق عملي وسلوكي للآية الكريمة:

?فَبَشِّرْ عِبَادِ ? الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُوا الأَلْبَابِ? ().

إن مؤلفات الإمام الشيرازي (أعلي الله مقامه) تتسم ب:

أولاً: التنوّع والشمولية لأهم أبعاد الإنسان والحياة لكونها انعكاساً لشمولية الإسلام.. فقد أفاض قلمه المبارك الكتب

والموسوعات الضخمة في شتي علوم الإسلام المختلفة، بدءً من موسوعة (الفقه) التي بلغت المائة والستين مجلداً، حيث تُعدّ أكبر موسوعة علمية استدلالية فقهية في العالم الإسلامي، مروراً بعلوم الحديث والتفسير والكلام والأصول والسياسة والاقتصاد والاجتماع والحقوق وسائر العلوم الحديثة الأخري.. وانتهاءً بالكتب المتوسطة والصغيرة التي تتناول مختلف المواضيع والتي تتجاوز بمجموعها ال (1300) كتاب وكراس.

ثانياً: الأصالة حيث إنها تتمحور حول القرآن الكريم والسنة المطهرة وتستلهم منهما الرؤي والأفكار.

ثالثاً: المعالجة الجذرية والعملية المستبصرة بمشاكل الأمة الإسلامية ومشاكل العالم المعاصر. رابعاً: التحدث بلغة علمية رصينة في كتاباته لذوي الاختصاص ك(الأصول) و(القانون) و(البيع) وغيرها، وبلغة واضحة سهلة يفهمها الجميع في كتاباته الجماهيرية، مدعومة بشواهد من واقع الحياة.

نرجو من المولي العلي القدير أن يتقبل منا ذلك، إنه سميع مجيب.

مؤسسة المجتبي للتحقيق والنشر

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام علي نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين، واللعنة الدائمة علي أعدائهم أجمعين إلي قيام يوم الدين.

الأخسرون أعمالاً

قال الله سبحانه في الكتاب العزيز: ?قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمالاً ? الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً?().

أي: ?قُلْ? يا رسول الله، لهؤلاء الكفار، أو لكل من يسمع، مؤمناً كان أم كافراً ?هَلْ نُنَبِّئُكُمْ? أي نخبركم

?بِالأَخْسَرِينَ? أي بأخسر الناس ?أَعْمالاً? الذين يكون خسائرهم أكثر من خسائر غيرهم؟ ?الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا? فكل ما سعوا وعملوا في هذه الحياة ضل وضاع عنهم

?وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً? أي: يظنون أنهم يعملون حسناً، و(الذين ضل) من تتمة الاستفهام، بدل من (الأخسرين)().

من مصاديق ?الأخسرين أعمالا?

علماً بأن هناك مصاديق كثيرة للأخسرين أعمالاً، منهم: من أشار إليه مولانا الكاظم عليه السلام في قوله تعالي: ?هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمالا? قال عليه السلام: ?إنهم الذين يتمادون بحج الإسلام ويسوفونه?().

ومنهم: النصاري والقسيسون والرهبان وأهل الشبهات والأهواء، ففي البحار عن أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله ?هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ هُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً? قال: ?هم النصاري والقسيسون والرهبان وأهل الشبهات والأهواء من أهل القبلة والحرورية وأهل البدع?().

الخوارج هم الأخسرون

ومن مصاديق ?الأخسرين أعمالاً?: الخوارج الذين حاربوا أمير المؤمنين عليه السلام في النهروان.

عن الأصبغ بن نباتة قال: خطبنا أمير المؤمنين عليه السلام علي منبر الكوفة فحمد الله وأثني عليه ثم قال: ?أيها الناس، سلوني فإن بين جوانحي علماً جماً?.

فقام إليه ابن الكواء فقال: يا أمير المؤمنين، ما الذاريات ذروا؟

قال عليه السلام: ?الرياح?.

قال: فما الحاملات وقراً؟

قال عليه السلام: ?السحاب?.

قال: فما الجاريات يسرا؟

قال عليه السلام: ?السفن?.

قال: فما المقسمات أمرا؟

قال عليه السلام: ?الملائكة?.

قال: يا أمير المؤمنين، وجدت كتاب الله ينقض بعضه بعضاً؟

قال عليه السلام: ثكلتك أمك يا ابن الكواء، كتاب الله يصدق بعضه بعضاً، ولا ينقض بعضه بعضاً، فسل عما بدا لك?.

قال: يا أمير المؤمنين، سمعته يقول: ?بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ?()، وقال في آية أخري: ?رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ?()، وقال في آية أخري: ?رَبُّ الْمَشْرِقِ

وَالْمَغْرِبِ?()؟

قال عليه السلام: ?ثكلتك أمك يا ابن الكواء، هذا المشرق وهذا المغرب، وأما قوله: ?رب المشرقين ورب المغربين? فإن مشرق الشتاء علي حدة، ومشرق الصيف علي حدة، أما تعرف بذلك من قرب الشمس وبعدها، وأما قوله: ?رب المشارق والمغارب? فإن لها ثلاثمائة وستين برجاً، تطلع كل يوم من برج، وتغيب في آخر، فلا تعود إليه إلا

من قابل في ذلك اليوم?.

قال: يا أمير المؤمنين، كم بين موضع قدمك إلي عرش ربك؟

قال عليه السلام: ?ثكلتك أمك يا ابن الكواء، سل متعلّماً ولا تسأل متعنّتاً، من موضع قدمي إلي عرش ربي، أن يقول قائل مخلصاً:

لا إله إلا الله?.

قال: يا أمير المؤمنين، فما ثواب من قال: لا إله إلا الله؟

قال عليه السلام: ?من قال: لا إله إلا الله، مخلصاً، طمست ذنوبه كما يطمس الحرف الأسود من الرق الأبيض، فإن قال ثانية: لا إله إلا الله، مخلصاً، خرقت أبواب السماوات وصفوف الملائكة، حتي يقول الملائكة بعضها لبعض: اخشعوا لعظمة الله، فإذا قال ثالثة: لا إله إلا الله، مخلصاً، تنته دون العرش، فيقول الجليل: اسكني، فو عزتي وجلالي، لأغفرن لقائلك بما كان فيه?، ثم تلا عليه السلام هذه الآية: ?إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ?() يعني إذا كان عمله صالحاً ارتفع قوله وكلامه …

قال: يا أمير المؤمنين، فأخبرني عن نفسك؟

قال عليه السلام: ?كنت إذا سألت أعطيت، وإذا سكت ابتدئت?.

قال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن قول الله عز وجل: ?قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمالاً?() الآية؟

قال عليه السلام: ?كفرة أهل الكتاب اليهود والنصاري، وقد كانوا علي الحق فابتدعوا في أديانهم، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً?.

ثم نزل عليه السلام عن المنبر وضرب بيده علي منكب ابن الكواء، ثم قال: ?يا ابن الكواء، وما أهل النهروان منهم ببعيد?.

فقال: يا أمير المؤمنين، ما أريد غيرك، ولا أسأل سواك.

قال الراوي: فرأينا ابن الكواء يوم النهروان، فقيل له: ثكلتك أمك، بالأمس تسأل أمير المؤمنين عليه السلام عما سألته، وأنت اليوم تقاتله؟! فرأينا رجلا حمل عليه فطعنه فقتله().

وعن أبي الطفيل أنه سأل ابن الكواء أمير المؤمنين عليه السلام عن قوله تعالي ?هَلْ نُنَبِّئُكُمْ

بِالأَخْسَرِينَ أَعْمالاً? فقال عليه السلام: ?إنهم أهل حروراء? ثم قال ?الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً? في قتال علي بن أبي طالب عليه السلام ?().

وقد روي المحدثون أن رجلاً تلا بحضرة علي عليه السلام: ?قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأخْسَرِينَ أَعْمالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ هُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً? فقال علي عليه السلام: ?أهل حروراء منهم().

وفي تفسير العياشي عن إمام بن ربعي قال:

قام ابن الكواء إلي أمير المؤمنين عليه السلام فقال: أخبرني عن قول الله ?قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً? قال عليه السلام: ?أولئك أهل الكتاب كفروا بربهم وابتدعوا في دينهم فحبط أعمالهم وما أهل النهر منهم ببعيد?().

خسارة المسلمين

ومن مصاديق ?الأخسرين أعمالا? في يومنا هذا: الكثير من المسلمين، حيث يتقهقرون يوما ً بعد يوم، وهم يزعمون التقدم.

وهناك بعض الناس في الحياة، ينسب تأخره وخسارته في مختلف مجالات الحياة إلي غيره، فيأتي بأسباب وعلل لا صحة لها()، وإنما هي مجرد تبريرات واهية، ونتيجة ذلك هو المعبر عنه في الآية الكريمة ب (ضلال السعي) كأنه أضل الطريق، فانتهي به السير إلي خلاف الغرض.

وهذه الظاهرة من أسباب تأخر المسلمين في الحال الحاضر، حيث أصبحوا غير مستعدين للاعتراف بأخطائهم وعيوبهم، ولايريدون أن يُتعبوا أنفسهم بإزالتها.

الجهل سبب الخسارة

ثم إن أسباب خسارة الأعمال عديدة، من أهمها: الجهل المركب، وهو أسوأ من الجهل البسيط، فالجاهل إذا كان يعلم بجهله فإنه جاهل بسيط، وربما سعي للتعلم والقضاء علي الجهل، أما الجاهل الذي لا يعلم بجهله فإنه جاهل مركب، وهو لا يري نفسه علي خطأ حتي يسعي في إصلاحها.

قال تعالي: ?قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمالاً ? الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً?().

وهذا من مصاديق الجهل المركب.

ثم إن هناك أسباباً أخري للخسران، منها: فقدان التدريب والتجربة في العمل، وكذلك الجهل بالطرق التي تؤدي إلي النتيجة الصحيحة، فأحياناً نري الإنسان في طريق الخسران والضرر الكبير، معتقداً أنه في الطريق الصحيح وأنه رابح ومنتفع ولا يري غير ذلك.

وقد جاءني ذات مرة شخص، وأطلعني علي كتاب له قد ألفه، واختار له عنواناً كبيراً نسبه لنفسه، وكان كتابه مليئاً بالأخطاء النحوية والصرفية، بحيث لو ألف الكتاب أي طالب علم عادي، لم يرتكب ما ارتكبه من أخطاء. وحيث إنه قد صرف وقتاً طويلاً لتأليف هذا الكتاب كان يحسبه عملا في القمة! مع أن الواقع كان علي العكس تماماً، فهو في ظنه قد أنتج عملاً

جباراً، في حين أن عمله لم يكن يعد عملاً بالمستوي.

هذا نوع من الجهل المركب.

ومما يزيد الطين بلة إذا كان الجاهل المركب لا يقبل بالنصيحة. فبعض الناس إذا أُرشد إلي الطريق الصحيح والموازين الصحيحة يعتبر ذلك إهانة له!، ولا يستعد للقبول، وهذا أيضاً من عوامل تأخر الفرد والمجتمع، حيث إنهم يستبدون برأيهم علي أنه الصحيح والواقع، دون الالتفات إلي عيوبه والأخذ بنصائح الآخرين.

مقام الفتوي

يذكر أن بعد وفاة المرحوم السيد أبي الحسن الأصفهاني رحمة الله عليه() أراد البعض التصدي لمقام الفتوي، في حين أنه لم يكن يتسم بذلك العلم والفضل الذين يؤهلانه للاجتهاد والتصدي. فإنه إذا كان يري نفسه بالمستوي وهو دونها فإنه من الجهل المركب.

إن مَثَل هذا الشخص كمثل من يريد الصعود إلي سطح عالٍ بدون سُلّم!!

نعم بلوغ مقام المرجعية ليس بالأمر المستحيل، لكن هناك موازين ومراحل عليه أن يقطعها الإنسان ضمن حسابات وقياسات صحيحة، مضافاً إلي سائر الشروط المذكورة في الكتب الفقهية، حتي يتمكن من تحقيق الغرض، وهذا من سنن الحياة، حيث بني الكون علي (قانون الأسباب والمسببات) الحقيقية لا الخيالية، والجهل المركب لا يغير من الواقع شيئاً بل هو خيال وسراب فقط.

ولنأخذ مثال الإنسان حيث إنه في وجوده ونموه وتكامله، يمر بمراحل موزونة ومحسوبة ودقيقة، ولا يكون ذلك أبداً بالخيال والجهل المركب، ولا بالطفرة وعدم التدرج عادة.

وهكذا كل شيء في هذه الحياة، فإن الطفرة وعدم التدرج قد يكون محالاً، وربما كان خلاف الحكمة، ومن هنا كان النظام الصحيح، والمرحلية الطبيعية، والسعي الحثيث، هو السبيل الناجح من أجل تسنّم المراتب والمقامات العالية..

فعلي الإنسان أن يحدث في وجوده حالة من التقدم ويوفر مقوماته، وأن يسعي لكي تكون خطاه دائماً نحو الخير والفضيلة وإلي الأمام، كما عليه

أن يطّلع علي الأسباب والوسائل الضرورية لتقدّمه، وهكذا أن يطلع علي أسباب التأخر كالركود وطلب الراحة، ليبتعد عنها.

من علائم التأخر

هناك علائم لتأخر الفرد والأمة، يمكن من خلالها معرفة أنه متأخر، وإن كان الفرد أو الأمة يري أنه متقدم، أي كان علي الجهل المركب. ومن تلك العلائم: الكسل والبطالة.

فإذا رأينا الأمة كسولة، أو قد انتشر فيها ظاهرة البطالة، فهذا يعني تأخر الأمة وإن ادعت أنها متقدمة أو زعمت ذلك.

يقول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: ?آفة العمل البطالة?().

وقال عليه السلام: ?آفة النُجح الكسل?().

وقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: ?لا راحة لمؤمن علي الحقيقة إلا عند لقاء الله، وما سوي ذلك ففي أربعة أشياء: صمت تعرف به حال قلبك ونفسك فيما يكون بينك وبين باريك، وخلوة تنجو بها من آفات الزمان ظاهراً وباطناً، وجوع تميت به الشهوات والوسواس والوساوس، وسهر تنوّر به قلبك، وتنقّي به طبعك وتزكي به روحك?().

وقال عليه السلام أيضاً لأصحابه: ?لا تتمنوا المستحيل?،قالوا: ومن يتمني المستحيل؟ فقال: ?أنتم؛ ألستم تمنون الراحة في الدنيا؟?. قالوا: بلي، فقال عليه السلام: ?الراحة للمؤمن في الدنيا مستحيلة» ().

حيث يستفاد من هذا الحديث أن علي المؤمن أن يكدّ في العمل في دار الدنيا ويجهد نفسه، ولا يكون كسولاً ولا عاطلاً، ولايبحث عن الراحة الدنيوية بل يكون في طلب الراحة الأخروية.

لماذا تأخر المسلمون؟

إن المسلمين قد خسروا مواقع عديدة في هذا العالم وتأخروا عن ركب الحضارة كثيراً، وذلك بسبب قلة التجربة والممارسة، وترك التعاليم الإسلامية، مضافاً إلي سوء الحكام. ولكن تجد البعض يعلل التأخر بحجج واهية، هذا فيما إذا استعد للاعتراف بالتأخر، أما لو عكسنا الواقع وحسبنا أنفسنا متقدمين، والحال أننا متأخرون، فنحن في قمة الخسارة، وهذا هو الجهل المركب، وينطبق علينا قوله تعالي: ?قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمالاً … ?() انطباقاً تاماً علي وضعنا الحالي.

فإذا أردنا أن نتقدم

ونحسن صنعاً حسب الموازين الكونية الصحيحة، فعلينا أن نتمسك بالمراحل التدريجية للكمال والتقدم، عبر الندوات المشتركة، والمشورة الدائمة، في أمورنا وأعمالنا؛ لنصل إلي التفاهم الحقيقي والمستمر في نقل التجارب وتكامل الأفكار علي طريق صنع المجتمع الصحيح والقويم.

التقدم والقضاء علي الجهل

هنالك أمور عديدة يمكن أن تساعدنا علي التقدم والرقي إذا استطعنا التمسك بها، في بدايتها القضاء علي الجهل وخاصة الجهل المركب، وذلك بالاجتهاد في طلب العلم والعمل به، وكذلك دراسة التاريخ والاستفادة من تجاربها، إلي غيرها من الأمور.

ومن أهم أسباب القضاء علي الجهل المركب: الاستشارة.

عن جعفر بن محمد عليه السلام عن آبائه عليهم السلام قال: ? قيل: يا رسول الله، ما الحزم؟ قال: مشاورة ذوي الرأي، واتباعهم?().

وإذا لاحظنا التاريخ ورأينا الشعوب المتقدمة أو القبائل التي تفوقت علي غيرها في مختلف أعمالها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والاقتصادية وما أشبه، نري أن من أسرار تقدمهم عدم الجهل المركب، وأنهم لا يقدمون علي أي عمل إلا بعد استشارة الخبراء والأخذ بأفضل الآراء، وبذلك تقل أخطاؤهم، ويزداد تقدمهم.

فإن الاستشارة تعرّف الإنسان علي الخطأ والصواب، وتأخذ بيده إلي الطريق السليم. وتمنعه من الجهل المركب، بل مطلق الجهل، مثال ذلك مثال من يريد أن يري قفاه، فإنه لا يستطيع، ولكنه إذا جمع مرآتين مرآة أمامه ومرآة خلفه، فعند ذلك يستطيع أن يري قفاه.. وهكذا يستطيع أن يصل الإنسان إلي صحة عمله أو خطأه بالمشورة؛ لأن كل مستشار فهو بمنزلة المرآة يبين لك جانباً من جوانب القضية، ومن هنا كان تعدد الاستشارات مطلوباً لا أن يقتصر علي واحدة، وفي ذلك قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: ?خوافي الآراء تكشفها المشاورة?().

وعنه أيضاً عليه السلام قال: ?ما استنبط الصواب بمثل المشاورة?().

الإسلام دين السلام

من مقومات القضاء علي الجهل: تركيز مبادئ السلم في المجتمع، فإن العنف سبب للجهل، وربما الجهل المركب، وكذلك يكون الجهل من أسباب العنف.

لقد ركز الإسلام تركيزاً كثيراً علي السلم والسلام حتي جعله شعاراً للإسلام فإن: (الإسلام دين السلام)، ومن مصاديق التركيز علي ذلك، هو

فيما إذا التقي المسلم بآخر، حيث يستحب أن يقول له: (السلام عليكم).

قال الله تعالي: ?يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ

كَافَّةً?().

وكذلك كانت السيرة النبوية صلي الله عليه و اله وسيرة الأئمة الأطهار عليهم السلام حيث كانوا يتعاملون مع كل الناس وفق قانون السلم والسلام وبالصورة الحسنة حتي مع أعدائهم، وهذا يعني أننا مطالبون بأن نعمل علي جمع الناس وتوحيدهم، تأسياً بالنبي الأكرم صلي الله عليه و اله وآله الأئمة الأطهار عليهم السلام بدون تفريق أو تحيّز في المعاملة، حتي مع علمنا بمخالفة الآخرين، وما ذلك إلا لأن العفو واللين والسلم والسلام من شعارات الإسلام. قال تعالي: ?وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوي?().

وليس من الصحيح أن نشن الهجوم علي الآخرين لنبعدهم عن العمل، بل الطريق الصحيح والسليم والذي أكد عليه الإسلام، هو جمع الكلمة والوحدة والسلام الدائم، طبعاً مع حفظ الموازين الشرعية ومراعاة الأهم والمهم.

الشهيد الثاني رحمة الله عليه وطريق النجاح

العلم هو الذي يقضي علي الجهل المركب، وبقدر ما يجتهد الإنسان في طلب العلم يبتعد عن الجهل، كما هو واضح.

يذكر أن الشهيد الثاني (رضوان الله عليه)() المتوفي قبل خمسمائة عام تقريباً، كان قد تباحث مرة مع أحد العلماء في مسائل علمية عديدة، وغلبه في تلك المسائل إلا في علم التجويد، حيث لم يكن مسلطاً عليه بدقة، فاعتبر ذلك نقصاً، فراح يسأل عن عالم متبحر في علم التجويد فأرشدوه إلي شخص في مصر، وآنذاك سافر الشهيد رحمة الله عليه إلي مصر ودرس علم التجويد علي يد ذلك العالم ثم عاد إلي لبنان وبعد ذلك حرر كتابه (المسالك) المشهور والذي يعد من أمهات الكتب الاستدلالية الفقهية.

والآن وبعد مئات السنين من استشهاده لم يستغن طلبة العلم عن مطالعة علومه وآرائه الموجودة في رسائله ومؤلفاته القيمة، ويعود

سبب ذلك إلي ما أجهد وأتعب نفسه للعلم بحيث هاجر مرات عديدة إلي مختلف المراكز العلمية، منها: إلي ميس سنة (925ه) وإلي كرك نوح سنة (933ه)، ثم انتقل إلي وطنه جبع سنة

(934ه) وأقام بها مشتغلاً بمطالعة العلم والمذاكرة إلي سنة (937ه) حيث رحل إلي دمشق وبقي بها إلي سنة (938ه)، ثم رحل إلي مصر سنة (942ه) ثم ارتحل من مصر إلي الحجاز سنة (943ه) وبعد قضاء الواجب من الحج والعمرة عاد إلي وطنه الأول ووصله سنة (944ه)، وفي سنة (946ه) سافر إلي العراق لزيارة الأئمة عليهم السلام وبعد أن عاد سافر إلي بيت المقدس سنة (948ه)، ثم رجع إلي وطنه وبقي فيه إلي سنة (951ه) حيث سافر إلي جهة الروم في القسطنطينية زمن السلطان سليمان بن عثمان، وقد وصل مدينة القسطنطينية سنة (952ه) وبعد أن أقام بها عدة شهور توجه إلي العراق، وبعد زيارة العتبات المقدسة في كربلاء والنجف والكاظمية وغيرها، عاد إلي بلده منتصف صفر من سنة (953ه) ثم انتقل إلي بعلبك يدرس فيها مدة، كل ذلك من أجل طلب العلم والمعرفة، والمباحثة مع العلماء، والبحث عن المؤلفات والأحاديث النبوية وسيرة الأئمة الأطهار عليهم السلام حتي وصل إلي قمة العلم وأشرف منازل العلماء.

ومن هنا كان جواب سقراط لمن شتمه وأعابه قائلاً: يا فاقد النسب!. فأجابه سقراط بجواب حكيم: إن نسبي العائلي يبدأ مني، ونسبك العائلي ينتهي بك.

حيث ذهب إلي أن شرف الانتساب في العلم لا في النسب.

نعم العلم هو ضد الجهل، ومتي ما كان العلم ارتحل الجهل، فإذا أردنا القضاء علي الجهل المركب علينا بطلب العلم، دائما وأبداً، كما قال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?اطلب العلم من المهد إلي

اللحد?.

الأسرار الربانية

لقد طلب

نبي الله موسي عليه السلام من ربه أن يطلعه علي بعض أسراره عزوجل، فأوحي له الله سبحانه: أن يا موسي، اذهب إلي تلك القرية ذات المنازل الأربعة، لكي تطلع علي ما تريد، فإن فيها أحد أسراري. فراح موسي عليه السلام إلي تلك القرية الصغيرة، ولما وصل إلي البيت الأول وسأل عن حالهم قالوا له: لقد نثرنا الحب ونطلب من الله أن ينزل علينا المطر.

ثم وصل إلي البيت الثاني، فقالوا له: لقد صنعنا الأكواز، ونريد من الله أن يمن علينا بالشمس كي تجف!.

ولما وصل إلي البيت الثالث، قالوا له: إن سفينتا في البحر ونطلب من الله أن يخفف عنها ريح البحر كي لا تغرق.

وعندما وصل إلي البيت الرابع قالوا له: نحن حصدنا الحنطة ودرسناها() ونريد الآن تذريتها، ونحن بانتظار الريح..

فتعجب موسي عليه السلام وقال مع نفسه: جلت قدرة الخالق تبارك وتعالي، الذي يجمع بين المتناقضات ويلبي جميع الطلبات كل بحسب مصلحته.

والحقيقة أن هذه الأمور راجعة إلي التدبير الموزون، فالله سبحانه وتعالي قادر علي كل شيء وهو الحكيم المتعال..

أما الإنسان فإنه عاجز جاهل، ويحتاج إلي التعلم والممارسة والتدريب والتجربة والصبر والاستعداد؛ لأن إدارة الأعمال ودفع عجلة الأمة الإسلامية إلي الأمام، أمر صعب جداً لا يتحقق بسهولة، بل يحتاج إلي نشر الفكر الإسلامي، وإحياء علومه الحقّة، وإخراج الأفكار الغربية والاستعمارية من أذهاننا وبلادنا، أي غربلتها من كل الشوائب الدخيلة علي ثقافة الأمة الإسلامية، وهذا يتم عبر الندوات المشتركة والمشاورات المستمرة، وبعث روح الممارسة والتدريب بين المسلمين، للوصول إلي التطبيق الصحيح، وترك الأعمال الباطلة من العنف وغيرها، والتي يحسبها البعض هي الصحيحة، والقضاء علي الجهل البسيط والجهل المركب، والتي تؤدي إلي تأخر المسلمين بهذا الشكل الذي نحن عليه.

التبشير المسيحي

تقوم

القساوسة في الغرب بدعوة الناس إلي الإيمان بالدين المسيحي، والالتزام بالتعاليم التي يُمليها البابا() عليهم، وقد خصصت لهم مكاناً يتسع لحوالي مائة ألف شخص، يقوم البابا فيها بإلقاء المحاضرات في المناسبات المختلفة، وأحياناً تقوم إذاعة خاصة بنقل هذا الحديث، حيث يستمع إليه الملايين في العالم حسب بعض الإحصاءات()..

بالإضافة إلي سائر برامج الكنيسة، وما يسعون لأجله من تثقيف الشعوب علي ثقافتهم.

ولكننا لا نفعل حتي عشر ذلك في سبيل نشر الثقافة الحقة وهي ثقافة الإسلام..

إن المجتمع الغربي وإن حصل علي بعض التقدم في المجال المادي الدنيوي، وقضي علي بعض الجهل في ذلك، ولكنهم فقدوا الآخرة ولم يعلموا بها، وخسروا العاقبة، وذلك لمخالفتهم أمر الله تعالي، قال عزوجل: ?بَلِ ادّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكّ مّنْهَا بَلْ هُم مّنْهَا عَمُونَ?().

أي إن علم هؤلاء منحصر في الدنيا، وليس لهم في الآخرة من علم، وعواقب الأمور لمن علم الآخرة وعرفها؛ لقوله تعالي:

?وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ? ().

وقد أصبح بعض الأمة اليوم مصداقاً للخاسرين في الدنيا والآخرة والعياذ بالله حيث حصر نفسه في الجهل وربما كان جهله جهلاً مركباً وأغمض عينيه عن عواقب الأمور وأسباب التطور والتقدم وطرق تحصيله، كما نسي الآخرة وضرورة تحصيلها، وهذا من أسباب تأخر المسلمين.

والخلاصة: إن المسيحيين لعملهم حصلوا علي الدنيا (النسبي) دون الآخرة، ونحن المسلمين تركنا العلم والعمل معاً، مع أنه إذا عملنا حصلنا علي الدنيا والآخرة. ولكن كسلَنا أفقدنا موازين التقدم، فلم نتبع القرآن والشرع الحنيف ولا العترة الطاهرة عليهم السلام، فتأخرنا مع ما لنا من مقومات التقدم.

العلم والعمل

من هنا لا يكفي العلم وحده بل يحتاج إلي العمل أيضاً، ولايكفي القول بمفرده بل لابد وأن

يتبعه الفعل، كما هو واضح. قال أمير المؤمنين عليه السلام: ? المحسن من صدقت أقواله أفعاله?().

وقال عليه السلام: ? إنكم إلي إعراب الأعمال أحوج منكم إلي إعراب الأقوال?().

وقال عليه السلام: ?زيادة الفعل علي القول أحسن فضيلة، ونقص الفعل عن القول أقبح رذيلة?().

وقال عليه السلام: ?لسان الحال أصدق من لسان المقال?().

وقال عليه السلام: ?يقبح بالرجل أن يقصر عمله عن علمه، ويعجز فعله عن قوله?().

ذات مرة قال لي شخص: إنني أستطيع تأليف كتاب ك(العروة الوثقي)() في السعة والعمق في أسبوع واحد فقط!. هذا قول لاعمل فيه، فإنه قد غفل هذا الشخص عن الشخصية العلمية التي امتاز بها صاحب العروة، وكثرة جده واجتهاده في طلب العلم، فإنه لم يعلم بأن (السيد محمد كاظم اليزدي رحمة الله عليه) قد ذهب مشياً علي الأقدام من يزد إلي النجف الأشرف، حتي تمكن من إنجاز هذا الكتاب، كما سافر إلي خراسان وأصفهان قبل هجرته للنجف ودرس علي علمائها، وقد طالع كتاب (الجواهر)() وهو في الطريق، وأتم كتابه (العروة الوثقي) بعد اثنتي عشرة سنة، فإنه بعد ما أفني سنين طويلة من عمره الشريف في طلب العلم والاجتهاد في تحصيله، حينذاك أدرك أسراره وغوامضه، وتعرف علي مطالبه، ثم قام بعد ذلك بكتابة (العروة الوثقي).

نعم، إن كتابة كتاب مثل (العروة الوثقي) عمل يحتاج إلي جهد سنين عديدة، لا إلي أسبوع واحد فقط كما كان يدّعي هذا الشخص، ولكن في الحديث الشريف: ?عند الامتحان يكرم الرجل أو يهان?().

وقس علي ذلك الكثير من أمورنا التي نقولها ولا نعمل بها.

وقد جاء عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: «تعلموا ما شئتم أن تعلموا، فلن ينفعكم الله بالعلم حتي تعملوا به، لأن العلماء همتهم الرعاية، والسفهاء همتهم الرواية» ().

وقال

رسول الله صلي الله عليه و اله: ?لا تعلموا العلم لتماروا به السفهاء، وتجادلوا به العلماء، ولتصرفوا به وجوه الناس إليكم، وابتغوا بقولكم ما عند الله، فإنه يدوم ويبقي، وينفد ما سواه، كونوا ينابيع الحكمة، مصابيح الهدي، أحلاس البيوت، سرج الليل، جدد القلوب، خلقان الثياب، تعرفون في أهل السماء، وتخفون في أهل الأرض? ().

المجالس والتعازي

إن من أهم ما يقضي علي الجهل البسيط والمركب، ويوجب نشر الثقافة الدينية هي المجالس الحسينية الشريفة.

فإن من خلال هذه المجالس المباركة يمكن للإنسان أن يحصل علي إقامة الروابط مع مختلف أفراد المجتمع وخاصة المثقفين منهم، وإزالة الجهل والشبهات، والتحصين بالمعرفة والوعي وأسباب النجاح..

إقامة المجالس الأسبوعية وحضورها، وكذلك الشهرية والموسمية، وقراءة التعازي علي سيد الشهداء وأهل البيت عليهم السلام، فيها بركة كثيرة مادية ومعنوية ويستطيع الإنسان من خلالها أن يصل إلي هداية الناس وإرشادهم للفضيلة والتقوي ولخير الدنيا والآخرة، وهذا الأمر بالطبع يحتاج إلي السعي وبذل الجهد، لتكون هذه المجالس ناجحة ومفيدة وعاملة لتقدم المجتمع ونجاحه.

ومن اللازم علينا نحن الطلبة أن نربي مجتمعاتنا علي الثقافة والوعي الإسلامي الحقيقي؛ وذلك لأن مجتمعاتنا اليوم أصبحت تعاني من مشاكل عديدة، فهي تعيش في ظل القمع والاستبداد، وتعاني من حالة الاستسلام والخنوع، وتمزق أوصالها الخلافات والصراعات، وينتشر في أجوائها الفساد والانحراف، وتعصف بأفكار أبنائها أمواج التضليل الإعلامي والتشويش الثقافي.

والمجالس الحسينية وما شابهها ينبغي الاستفادة منها بأكبر قدر ممكن لمعالجة هذه المشكلات والأوضاع، فإنها إضافة إلي أثرها المعنوي والاستمداد الغيبي التي تجلبه لنا من الله والأئمة عليهم السلام هي محل لنشر الثقافة والوعي وارتباط المجتمع بالقيادة الدينية.

قال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?إذا رأيتم روضة من رياض الجنة فارتعوا فيها?، قيل: يا رسول الله،

وما روضة الجنة؟ قال: ?مجالس المؤمنين?().

وقال لقمان عليه السلام لابنه: ? يا بني، اختر المجالس علي عينك، فإن رأيت قوماً يذكرون الله جل وعز فاجلس معهم، فإن تكن عالماً نفعك علمك، وإن تكن جاهلاً علّموك، ولعل الله أن يظلّهم برحمته فيعمك معهم، وإذا رأيت قوماً لا يذكرون الله فلا تجلس معهم؛ فإن تكن عالماً لم ينفعك علمك، وإن كنت جاهلاً يزيدوك جهلاً، ولعل الله أن يظلهم بعقوبة فيعمك معهم?().

وقال الإمام الرضا عليه السلام: ?من جلس مجلساً يحُيي فيه أمورنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب?()

وقال الإمام الصادق عليه السلام لفضيل: ?تجلسون وتحدثون؟?.

قال: نعم، جُعلت فداك.

قال عليه السلام: ?إن تلك المجالس اُحبها، فأحيوا أمرنا، رحم الله من أحيا أمرنا، يا فضيل، من ذكرنا أو ذُكرنا عنده فخرج من عينه مثل جناح الذباب غفر الله له ذنوبه ولو كانت أكثر من زبد

البحر?().

وقال عليه السلام: ?أبلغ موالينا السلام، وأوصهم بتقوي الله العظيم، وأن يعود غنيهم علي فقيرهم، وقويهم علي ضعيفهم، وأن يشهد حيّهم جنازة ميّتهم، وأن يتلاقوا في بيوتهم؛ فإن في لقاء بعضهم بعضاً حياة لأمرنا? ثم قال عليه السلام: ?رحم الله عبداً أحيا أمرنا?().

وقال الإمام الباقر عليه السلام: ?اجتمعوا وتذاكروا، تحفَّ بكم الملائكة، رحم الله من أحيا أمرنا?().

المجالس وقضايا الأمة

كما يلزم علي المسئولين والإداريين في المجالس الحسينية مضافاً إلي بيان السيرة وذكر المصائب أن يتناولوا القضايا التي تعيشها الأمة من سياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية، وكل ما يمس حياة الفرد المسلم وواقعه الذي يعيشه، لكي يتحقق الغرض من وجودها بشكل أتم، وبذلك ستكون في المجتمع نفوس تحمل الروح الحسينية الأبية وتعاليم الإسلام وتعاليم الأئمة الطاهرين عليهم السلام، فهم عليهم السلام شعلة من التضحية والفداء والعمل والعلم والتقدم والسعادة والنجاح.

فإذا أردنا أن لا نكون من الخاسرين في أعمالنا فلنحيي مجالس أهل البيت عليهم السلام بكل صورها.

ومن كل ما تقدّم من شواهد وإيضاحات للآية الكريمة في بداية البحث، نعرف أن غاية هذا الدين العظيم هي النجاح في الأعمال الدنيوية والأخروية، وهذا يتطلب القضاء علي الجهل البسيط والمركب، والتحلي بمعرفة الدين بصورة صحيحة، وأخذه من منابعه الأصلية وهي القرآن والعترة الطاهرة عليهم السلام، وتطبيقه بشكل صحيح.. من أجل الوصول إلي حياة طيبة سليمة وواعية، حتي تسود المجتمع العدالة في كل الميادين، فلا يوجد مكان للحرمان أو الظلم السياسي أو المالي، فإن توصلنا إلي هذا الأمر نكون قد نجحنا في نشر أهداف هذا الدين العالمي، وإدارة حياتنا بالأسلوب الأفضل..

ورد عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال في خطبة له عليه السلام: ?.. أيها الأمة التي خدعت فانخدعت، وعرفت خديعة من خدعها فأصرت علي ما عرفت، واتبعت أهواءها وضربت في عشواء غوائها، وقد استبان لها الحق فصدعت عنه، والطريق الواضح فتنكبته. أما والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، لو اقتبستم العلم من معدنه، وشربتم الماء بعذوبته، وادخرتم الخير من موضعه، وأخذتم من الطريق واضحه، وسلكتم من الحق نهجه، لنهجت بكم السبل، وبدت لكم الأعلام، وأضاء لكم الإسلام، فأكلتم رغداً، وما عال فيكم عائل، ولا ظُلم منكم مسلم ولا معاهد، ولكن سلكتم سبيل الظلام، فأظلمت عليكم دنياكم برحبها، وسدت عليكم أبواب العلم، فقلتم بأهوائكم، واختلفتم في دينكم، فأفتيتم في دين الله بغير علم، واتبعتم الغواة فأغوتكم، وتركتم الأئمة فتركوكم، فأصبحتم تحكمون بأهوائكم، إذا ذكر الأمر سألتم أهل الذكر، فإذا أفتوكم قلتم: هو العلم بعينه، فكيف وقد تركتموه ونبذتموه وخالفتموه، رويداً عما قليل تحصدون جميع ما زرعتم، وتجدون وخيم ما

اجترمتم وما اجتلبتم. والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، لقد علمتم أني صاحبكم، والذي به اُمرتم، وإني عالمكم، والذي بعلمه نجاتكم، ووصي نبيكم صلي الله عليه و اله وخيرة ربكم ولسان نوركم، والعالم بما يصلحكم، فعن قليل رويداً ينزل بكم ما وعدتم، وما نزل بالأمم قبلكم..?().

نسأل الله عزوجل أن يمن علينا بالعلم والمعرفة وأن يخلصنا من الجهل بأنواعه البسيط والمركب.

«إلهي فاسلك بنا سبل الوصول إليك، وسيّرنا في أقرب الطرق للوفود عليك، قرّب علينا البعيد، وسهل علينا العسير الشديد، وألحقنا بالعباد الذين هم بالبدار إليك يسارعون، وبابك علي الدوام يطرقون، وإياك في الليل يعبدون، وهم من هيبتك مشفقون، الذين صفيت لهم المشارب، وبلّغتهم الرّغائب، وأنجحت لهم المطالب..?().

من هدي القرآن الكريم

موجبات الضلالة

قال تعالي: ?وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالإِيمانِ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ

السَّبِيلِ? ().

وقال سبحانه: ?وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً? ().

وقال عز وجل: ?أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلي عِلْم وَخَتَمَ عَلَيَ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَيَ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللهِ أَفَلاَ تَذَكّرُونٍَ? ().

وقال جل وعلا: ?وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً? ().

من عوامل التقدم

أ. الاستفادة من التجارب

قال تعالي: ?فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الأَبْصارِ?().

وقال جل وعلا: ?لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُولِي

الأَلْبابِ?().

وقال عزوجل: ?أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمي إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الأَلْبابِ? ().

وقال سبحانه: ?أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ كانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثاراً فِي الأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ وَما كانَ لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ واقٍ? ().

وقال جل وعلا: ?وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصاراً وَأَفْئِدَةً فَما أَغْني عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللهِ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ? ().

ب. المشاورة

قال تعالي: ?وَأَمْرُهُمْ شُوري بَيْنَهُمْ? ().

وقال سبحانه: ?فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَي اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ? ().

ج: العفو والسلم

قال تعالي: ?وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَي اللهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ?().

وقال عز وجل: ?إِنْ تُبْدُوا خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا قَدِيراً? ().

وقال جل وعلا: ?وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ?().

وقال سبحانه: ?وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّي يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ? ().

وقال جل وعلا: ?خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ? ().

الإيمان طريق النجاة

قال عز وجل: ?وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ? ().

وقال سبحانه: ?ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ حَقًّا عَلَيْنا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ? ().

وقال تعالي: ?يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلي تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ ? تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ?().

وقال جل وعلا: ?وَيُنَجِّي اللهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفازَتِهِمْ لايَمَسُّهُمُ السُّوءُ? ().

من هدي السنة المطهرة

موجبات الضلالة

قال أمير المؤمنين عليه السلام: ?ألا وإن شرائع الدين واحدة، وسبله قاصدة، من أخذ بها لحق وغنم، ومن وقف عنها ضل وندم?().

وقال عليه السلام: ?ومن كثر نزاعه بالجهل دام عماه عن الحق، ومن زاغ ساءت عنده الحسنة وحسنت عنده السيئة وسكر سكر الضلالة?().

وقال عليه السلام: ?ضل من اهتدي بغير هدي الله» ().

وقال عليه السلام: «ضلال النفوس بين دواعي الشهوة والغضب?().

وقال عليه السلام: ?صديق كل امرئ عقله، وعدوه جهله?().

من عوامل التقدم

أ: الاستفادة من التجارب

قال أمير المؤمنين عليه السلام: ?مَن حفظ التجارب أصابت أفعاله» ().

وقال عليه السلام: ?مَن أحكم التجارب سلم من المعاطب?().

وقال عليه السلام: ?من كثرت تجربته قلّت غرّته?().

وقال عليه السلام: ?المجرّب أحكم من الطبيب?().

وعنه عليه السلام: ?التجارب لا تنقضي والعاقل منها في زيادة?().

ب. المشاورة

قال أمير المؤمنين عليه السلام: ?المستشير متحصن من السقط?().

وقال عليه السلام: ?نعم الاستظهار المشاورة?().

وقال الإمام الصادق عليه السلام: ?لن يهلك امرؤ عن مشورة?().

وقال عليه السلام في وصية له: ?اعلم، أن ضارب علي عليه السلام بالسيف وقاتله، لو ائتمنني واستنصحني واستشارني ثم قبلت ذلك منه لأديت إليه الأمانة?().

ج. العفو والسلم

قال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?ألا أخبركم بخير خلائق الدنيا والآخرة: العفو عمن ظلمك، وتصل من قطعك، والإحسان إلي من أساء إليك، وإعطاء من حرمك?().

وقال?: ?عليكم بالعفو؛ فإن العفو لا يزيد العبد إلا عزاً، فتعافوا يعزكم الله?().

وقال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في وصية لابنه الحسن عليه السلام:

?فإذا استحق أحد منك ذنباً فإن العفو مع العدل أشد من الضرب لمن كان له عقل?().

وقال عليه السلام: ?المبادرة إلي العفو من أخلاق الكرام?().

وقال عليه السلام: ?العفو أعظم الفضيلتين?().

طرق النجاة

قال رسول الله صلي الله عليه و اله: ?يا علي، ثلاث موبقات وثلاث منجيات، فأما الموبقات: فهوي متبع، وشُحّ مطاع، وإعجاب المرء بنفسه. وأما المنجيات: فالعدل في الرضا والغضب، والقصد في الغني والفقر، وخوف الله في السر والعلانية كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك?().

وقال أمير المؤمنين عليه السلام: ?رحم الله امرأً سمع حكماً فوعي، ودُعي إلي رشاد فدنا، وأخذ بحجزة هادٍ فنجا?().

وقال عليه السلام: ?الزموا الحق تلزمكم النجاة?().

وقال عليه السلام: ?بالإيمان تكون النجاة?().

وقال الإمام علي بن الحسين عليه السلام: ?إنّ أنجاكم من عذاب الله أشدكم خشية لله?().

پي نوشتها

() سورة التوبة: 122.

() سورة الزمر: 17-18.

() سورة الكهف: 103- 104.

() انظر تقريب القرآن إلي الأذهان: ج16 ص25 سورة الكهف.

() غوالي اللآلي: ج2 ص86 ضمن ب1ح232.

() بحار الأنوار: ج2 ص298 ب34 ح22 عن تفسير القمي، والبحار: ج9 ص232 ب1 ح124.

() سورة المعارج: 40.

() سورة الرحمن: 17.

() سورة الشعراء: 28.

() سورة فاطر: 10.

() سورة الكهف: 103.

() الاحتجاج: ج1 ص259، احتجاجه عليه السلام علي زنديق جاء مستدلاً عليه بآي من القرآن …

() بحار الأنوار: ج33 ص326 ب22 ح572.

() بحار الأنوار: ج33 ص352 ب23.

() تفسير العياشي: ج2 ص352 من سورة الكهف ح89.

() أي: ليست عللاً ولا أسباباً حقيقية.

() سورة الكهف: 103-104.

() هو السيد أبو الحسن بن السيد محمد بن السيد عبد الحميد الموسوي الأصفهاني، شخصية فذة، ذو عبقرية نادرة، فريد دهره، ووحيد عصره، حامل لواء الشيعة، من فحول علماء عصره. كان محققاً مدققاً فقيهاً أصولياً خبيراً بتراجم الرجال وسير التأريخ، جليل القدر عظيم المنزلة، حوي صفات الكمال وخصال الخير. ولد سنة

(1284ه) في أصفهان، ثم ورد النجف الأشرف أواخر القرن الثالث عشر، وأقام في كربلاء مدة ينهل من معين علمائها،

وبعد وفاة السيد محمد كاظم اليزدي رحمة الله عليه رشح للزعامة الدينية، وبعد وفاة الشيخ أحمد كاشف الغطاء رحمة الله عليه والميرزا حسين النائيني رحمة الله عليه أصبحت له الزعامة الدينية والرئاسة الروحية بلا منازع، وسار حديثه في الأوساط، طبقت شهرته الآفاق، حتي انيطت به القيادة الفكرية والمرجعية العامة في التقليد، فقام بأعبائها، واستقل بإدارتها، وتكفل بتسيير شؤون المعاهد العلمية وحوزات التدريس في إيران والعراق والهند وباكستان وأفغانستان وغيرها. شارك في الحركة الدستورية في إيران كما شارك في ثورة العشرين، وعارض تنصيب فيصل الأول ملكاً علي العراق. كان مجلس درسه ملتقي البارزين من رجال العلم والفضلاء أينما حل، وذكر ترجمته صاحب كتاب (نقباء البشر): فقال: لم يترك السيد الأصفهاني إلا رسالة عملية، لكن صاحب موسوعة مؤلفي الإمامية قال: ترك عدّة مؤلفات منها: الرسالة العملية وسيلة النجاة، شرح كفاية الأصول، حاشية علي العروة الوثقي، حاشية علي تبصرة المتعلمين، منتخب الرسائل، ورسالة ترجمة المقلدين، وحاشية ذخيرة العباد ليوم المعاد، وحاشية المناسك، وحاشية منتخب الرسائل، وغيرها من الكتب الأخري.

توفي رحمة الله عليه في ذي الحجة عام (1365ه) في الكاظمية، وشيع جثمانه الطاهر تشييعاً مهيباً إلي النجف، ودفن في الصحن الغروي الشريف.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص463 ق6 ب5 ف7 ح10616.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص463 ق6 ب5 ف7 ح10617.

() بحار الأنوار: ج69 ص69ب96 ح1.

() بحار الأنوار: ج78 ص195 ب1 ضمن ح52.

() سورة الكهف: 103.

() وسائل الشيعة: ج 12 ص39 ب21 ح15582.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص442 ق6 ب4 ف1 ح10072.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص442 ق6 ب4 ف1 ح10065.

() سورة البقرة: 208.

() سورة البقرة: 237.

() هو الشيخ الأجل زين الدين بن علي بن أحمد بن محمد بن جمال

الدين بن تقي الدين ابن صالح العاملي الجبعي الشهيد الثاني، أمره في الثقة والعلم والفضل والزهد والعبادة والورع والتحقيق والتبحر وجلالة القدر وعظم الشأن وجمع الفضائل والكمالات أشهر من أن يذكر، ومحاسنه وأوصافه الحميدة أكثر من أن تحصي وتحصر، ومصنفاته كثيرة مشهورة. روي عن جماعة كثيرين جدا من الخاصة والعامة في الشام ومصر وبغداد وقسطنطينية وغيرها. كان فقيها محدثا نحويا قارئا متكلما حكيما جامعا لفنون العلم. له مؤلفات منها: شرح الإرشاد في الفقه للعلامة، واسمه: روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان، وهو أول ما ألفه، وكتاب شرح الألفية مختصر، وشرح متوسط، وشرح مطول، وشرح النفلية، وشرح اللمعة مجلدان، واسمه: الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية، وله مسالك الإفهام في شرح شرائع الإسلام، وحاشية فتوي خلافيات الشرائع، وحاشية القواعد، وحاشية تمهيد القواعد، وحاشية الإرشاد، ومنية المريد في آداب المفيد والمستفيد، وحاشية المختصر النافع، ورسالة أسرار الصلاة، ورسالة في نجاسة البئر بالملاقاة وعدمها، ورسالة في تيقن الطهارة والحدث والشك في السابق، ورسالة فيمن أحدث في أثناء غسل الجنابة، ورسالة في تحريم طلاق الحائض الحامل الحاضر زوجها المدخول بها، ورسالة في طلاق الغائب، ورسالة في صلاة الجمعة، ورسالة في الحث علي صلاة الجمعة، ورسالة في آداب الجمعة، ورسالة في حكم المقيمين في الأسفار، ومنسك الحج الكبير، ومنسك الحج الصغير، ورسالة في نيات الحج والعمرة، ورسالة في أحكام الحبوة، ورسالة في ميراث الزوجة، وكتاب مسكن الفؤاد عند فقد الأحبة والأولاد، وكتاب كشف الريبة عن أحكام الغيبة، ورسالة في عدم جواز تقليد الميت، ورسالة في الاجتهاد، والبداية في الدراية، وشرح الدراية، وكتاب غنية القاصدين في اصطلاحات المحدثين، وكتاب منار القاصدين في أسرار معالم الدين، وكثير غيرها من المؤلفات القيمة.

وقد ذكره

ولد ولده في كتاب الدر المنثور ومدحه بما هو أهله. قال فيه تلميذه ابن العودي العاملي: حاز من صفات الكمال محاسنها ومآثرها، وتروي من أصنافها بأنواع مفاخرها، كانت له نفس علية تزهي بها الجوانح والضلوع، وسجية سنية يفوح منها الفضل ويضوع، كان شيخ الأمة وفتاها، ومبدأ الفضائل ومنتهاها، لم يصرف لحظة من عمره إلا في اكتساب فضيلة، ووزع أوقاته علي ما يعود نفعه في اليوم والليلة. ثم ذكر بلوغه غاية الكمال في الأدب والفقه والحديث والتفسير والمعقول والهيئة والهندسة والحساب وغير ذلك، وأنه مع ذلك كان ينقل الحطب بالليل علي حمار لعياله، ونقل عنه من رسالته التي ألفها في ذكر أحواله أن مولده كان سنة

(911ه)، وأنه ختم القرآن وعمره تسع سنين، وقرأ علي والده في فنون العربية والفقه إلي أن توفي والده سنة (925ه).

وذكر في سبب قتله: أنه ترافع إليه رجلان فحكم لأحدهما علي الآخر، فغضب المحكوم عليه وذهب إلي قاضي صيدا واسمه معروف، وكان الشيخ مشغولا في تلك الأيام بتأليف شرح اللمعة، فأرسل القاضي إلي جبع من يطلبه، وكان مقيما في كرم له مدة منفردا عن البلد متفرغا للتأليف، فقال له بعض أهل البلد: قد سافر عنا مدة، فخطر ببال الشيخ أن يسافر إلي الحج، وكان قد حج مرارا ولكنه قصد الاختباء، فسافر في محمل مغطي، وكتب قاضي صيدا إلي سلطان روم أنه قد وجد ببلاد الشام رجل مبدع خارج عن المذاهب الأربعة، فأرسل السلطان رجلا في طلب الشيخ، وقال له: إئتني به حيا حتي أجمع بينه وبين علماء بلادي، فيبحثوا معه ويطلعوا علي مذهبه ويخبروني، فأحكم عليه بما يقتضيه مذهبي. فجاء الرجل فأخبر أن الشيخ توجه إلي مكة، فذهب في طلبه فاجتمع به

في طريق مكة، فقال له: تكون معي حتي نحج بيت الله ثم افعل ما تريد، فرضي بذلك، فلما فرغ من الحج سافر معه إلي بلاد الروم، فلما وصل إليها رآه رجل فسأله عن الشيخ فقال: رجل من علماء الشيعة الأمامية أريد أن أوصله إلي السلطان. فقال: أو ما تخاف أن يخبر السلطان بأنك قد قصرت في خدمته وآذيته، وله هناك أصحاب يساعدونه فيكون سببا لهلاكك، بل الرأي أن تقتله وتأخذ برأسه إلي السطلان. فقتله في مكانه من ساحل البحر، وكان هناك جماعة من التركمان فرأوا في تلك الليلة أنوارا تنزل من السماء وتصعد، فدفنوه هناك وبنوا عليه قبة. وأخذ الرجل رأسه إلي السلطان، فأنكر عليه وقال: أمرتك أن تأتيني به حيا، فقتلته؟! وسعي السيد عبد الرحيم العباسي في قتل ذلك الرجل فقتله السلطان. وذكر أنه ? استشهد يوم الجمعة في شهر رجب سنة (966ه) كما في نقد الرجال، أو (965ه) وكما عن خط ولده الشيخ حسن وعمره (54 أو 55 سنة).

انظر: الكني والألقاب: ج2 ص381 الشهيد الثاني.

() دَرَسَ: درساً ودراساً الحنطة: أي داسها بالنورج ودرس الطعام يدرسه: داسه، ودُرس الطعام يدرس دراساً إذا وديس، ودرسوا الحنطة دراساً أي داسوها. لسان العرب: ج6 ص79 مادة ?درس?.

() هو الحبر الأعظم للكنيسة الكاثوليكية، أسقف روما، وخليفة القديس بطرس الأول، وهو ممثل السيد المسيح في العالم، ويعتبره الكاثوليك معصوماً أي منزهاً عن الخطأ. والبابوية وظيفة شرف وولاية، وهذا ما لا يعترف به البروتستانت ولا الأرثوذكس، فمنهم من يرفض كل سلطة لروما، ومنهم من لا يعترف لها إلا برئاسة شرفية. ويعتبر البابا من الناحية السياسية بمثابة رئيس لدولة الفاتيكان الصغيرة الحجم التي لاتتعدي مساحتها (44 هكتاراً)، وهي منفصلة عن روما

بأسوار. أصبحت الفاتيكان دولة مستقلة معترف بها بعد أن وقع البابا بيوس الحادي عشر وموسليني اتفاقية لاتران عام (1929م) واعتبرت الكنيسة هذا الاتفاق مكسباً كبيراً لها.

() في وسط الإهمال المتزايد أو القصور والتقصير الكبير من قبل المسلمين في مجال التبليغ والإعلام وجدت المنظمات التنصيرية المدعومة من الكنائس الغربية فرصتها، بل واستغلتها أيما استغلال، إذ أنها وتحت ستار تقديم المساعدات الإنسانية من غذاء ودواء، تعمل هذه المنظمات وبشكل دؤوب في تنصير المسلمين حتي في البلدان الإسلامية، وعلي الأخص في القارة الأفريقية، وذلك تطبيقا لمخططات وبرامج تم وضعها بدراسة وعناية كبيرين، كما تم تهيئة الإمكانيات البشرية والمالية اللازمة لهذه الغاية من خلال مؤتمرات كثيرة عقدت لهذا الغرض، يأتي في مقدمتها مؤتمر عقد في ولاية كلورادو الأمريكية عام (1978م) حيث تم وضع خطة شاملة تحت شعار تنصير المسلمين، يتم العمل علي هذه الخطة للخمسين عاما القادم. وعقد في هولندا مؤتمر آخر نظمته الطائفة البروتستانتية في عام (2000م) واستمر تسعة أيام وحضره عشر آلاف مندوب من أنحاء العالم، وتكلف المؤتمر (45 مليون) دولار تبرع أحد المنصرين المشهورين، وقد حققت منظمات التبشير المسيحية نجاحات كبيرة في بعض البلدان الإسلامية كالباكستان وبنجلاديش والسودان والمغرب والجزائر، وقد وصل عدد الكنائس في بنجلاديش الي (170) كنيسة خلال ثلاث سنوات، وتضاعف عدد الكنائس في أفريقيا خلال العقد الأخير حتي وصل إلي أكثر من 24 ألف كنيسة.

وإليك بعض النشاط التبشيري حسب ما نشرته (مجلة LAVIDA) في عام 1987م) وهو تقرير سنوي لدائرة تنصير الشعوب في الفاتيكان:

بلغ عدد المنصرين الكاثوليك في العالم (471000) منصر. وعدد المدارس التابعة لهم في العالم (58000) مدرسة. وعدد المعاهد التابعة لهم في العالم (26000) معهداً. وإن مجموع الإعانات التي وزعتها الدائرة

(120 مليون) دولار لعام (1986م). وأن (422 لغة) أفريقية ترجمت إليها الأناجيل. وأن (104 ألف) قسيس ومنصر يعمل في إفريقيا. وأن (16671) معهدا كنيسيا في إفريقيا أنشأ حتي عام (1990م). وأن الكنائس في أفريقيا تشرف علي (500) جامعة وكلية، و(489) مدرسة لاهوتية لتخريج المنصرين، و(2594) مدرسة ثانوية، و(83900) مدرسة ابتدائية، و

(11130) روضة أطفال. وهناك (600) مستشفي، و(265) معهد للأيتام،

و(130) ملجأ للمرضي، و(115) مدرسة للمكفوفين، و(85 ملجأ مميز للأرامل،

و(5112) مستوصف كلها تملكها أو تدار تحت إشراف الكنائس في إفريقيا. وهناك

(6 ملايين) مسلم يدرس في المدارس التنصيرية. وتصدر (75) مجلة تنصيرية في إفريقيا. وأن مقدار ما أنفق علي النشاط التبشيري في افريقيا بلغ (32 مليار) دولار. وهذه الأرقام نشرت سنة (1410ه) والأرقام الحالية تفوق ذلك بكثير.

وذكر موقع إحدي المحطات العربية الأرقام والمعلومات التالية:

قارة أفريقيا التي يزيد عدد سكانها علي المليار نسمة كان الدين الإسلامي الدين الأساسي فيها، وهناك ثلاثون لغة إفريقية كانت تكتب بالخط العربي، انخفض عدد المسلمين فيها إلي (316 مليون)، وهؤلاء نصفهم من العرب في الشمال الإفريقي، وأخيراً أصبح عدد المسلمين فيها لا يتجاوز (150) مليون نسمة، وبالمقابل ارتفع عدد الكاثوليك من واحد مليون في عام (1902م) إلي (330 مليون) نسمة في عام

(2000م). وفي أفريقيا الآن مليون ونصف مليون كنيسة، وأن عدد أعضاء هذه الكنائس (46 مليون) نسمة، وما معدله في كل عام (6 ملايين انسان يتحول إلي النصرانية. في عام واحد جمعت المؤسسات التنصيرية المسيحية (194مليار دولار) وهو ما يعادل ميزانيات جميع الدول العربية. و(كينيا) علي سبيل المثال عدد سكانها (ثلاثون مليون نسمة).. ربعهم من المسلمين، في كل (كينيا) يوجد (900 مسجد) مقابل (25 ألف) كنيسة، وهذه المساجد نصفها غير صالح للاستفادة.

وقد أعلن اتحاد

الكنائس للتبشير الذي عُقد في (كاليفورنيا) سنة (1980م) أنه توجد في مصر (Association) مؤسسة اسمها (Upper Egypt) بمعني مصر العليا، ولها ستون فرعًا تنصيريًّا في مصر، وفي دولة مثل (موريتانيا) وهي دولة عربية مسلمة، عدد سكانها مليونان ونصف مليون نسمة مسلمة بالكامل بها هيئة (ديلوليس) الأمريكية، ومنظمة (الرويال) العالمية، ومنظمة (كاراتاس)، وجمعية الأمل الموريتانية، ومنظمة انفجار البشر، واتحاد الإنجيليين العرب، وكل هذه جمعيات تنصيرية في موريتانيا، وما من دولة عربية مستثناة من برنامج التنصير. أما في ماليزيا فتوجد خمسمائة مؤسسة تنصيرية.

ذكرت مجلة اسمها (International Bulletin of Missionary Researches)، وهذه خاصة بالأبحاث التنصيرية، نشرت الآتي عن عام (1996م): عدد المنظمات التنصيرية (23،300 منظمة)، جمعت في عام (1996م) (193مليون) دولار، عدد المنظمات التي ترسل مُنَصِّرين منها إلي الخارج (4،500 منظمة)، عدد المنصرين الذين يعملون داخل أوطانهم (4،635،500 مُنَصِّر)، ارتفع بعد ذلك إلي (6 مليون إلا ربع)، عدد كتب الإنجيل التي وزعت خلال عام واحد ملياران إلا ربع نسخة، عدد المجلات والدوريات التنصيرية (3،100)، عدد أجهزة الكمبيوتر في المؤسسات التنصيرية (20 مليون و696 ألف و100 جهاز)، ارتفعت في عام (1998م) إلي (340 مليون) جهاز كمبيوتر، ظهرت كلمة السيد المسيح عليه السلام بهدف تبشيري وليس بهدف ديني علي شاشات التليفزيون في عام واحد هو عام (1996م) (1500مرة) بمعدل 4 مرات يوميًّا، أُنفِق علي التنصير في عام (1997م) (200 مليار) دولار، تشرف الكنيسة علي (104 ألف) معهد ومدرسة، بهذه المعاهد والمدارس (6 مليون) تلميذ مسلم، وتشرف علي (500 جامعة)، تُشرف أيضا علي (490 مدرسة) لاهوت لتخريج المنصرين، عندها (10.677) مدرسة رياض أطفال، وألف وخمسين صيدلية، لها (3600 محطة) ما بين مرئية ومسموعة تبث (447 مليون) ساعة تنصيرية في كل عام!!

وفي

نفس الوقت ذكر أن ثريًّا عربيًّا بني في لندن قصرًا بسبعة مليار دولار. ونشرت صحيفة (لوفيغارو) الفرنسية خبرًا مفاده: أن ثريًّا عربيًّا خسر في ليلة واحدة علي موائد القمار (85 مليون فرنك)، ولم يكتفِ بهذا بل قدم مليون فرنك بقشيش للنساء!!

() سورة النمل: 66.

() سورة آل عمران: 85.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص153 ق1 ب6 ف4 ح2837.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص 153ق1 ب6 ف4 ح2839.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص 153 ق1 ب6 ف4 ح2840.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص 153 ق1 ب6 ف4 ح2842.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص 153 ق1 ب6 ف4 ح2844.

() كتاب العروة الوثقي، تأليف آية الله العظمي السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي المتوفي سنة (1337ه)، يبرز كتاب (العروة الوثقي) كرسالة عملية للأحكام الشرعية لفقيه عصره ووحيد دهره العلامة اليزدي رحمة الله عليه، هذه الرسالة احتلت مقام المحورية للأبحاث الاستدلالية في الفقه لكثير من العلماء الأفاضل الذين جاءوا بعده من جهابذة الطائفة ومراجعها وفقهائها، فكتب العشرات من التعليقات والحواشي والأبحاث الفقهية في ذيل مسائل هذه الرسالة الشريفة، ولم يكن ذلك إلا لما امتازت به من كثرة الفروع ودقة النظر في بيان الأحكام الشرعية.

أما مؤلفها فهو السيد محمد كاظم ابن السيد عبد العظيم الطباطبائي اليزدي ولد في قرية (كسنوية) من قري يزد سنة (1247ه) شرع في طلب العلم بحثٍّ من والده ? في يزد، فقرأ الأدبيات والمقدمات الحوزوية علي المرحوم ملا محمد إبراهيم الأردكاني والمرحوم الآخوند زين العابدين العقدائي، والسطوح العليا علي المرحوم الآخوند الملا هادي في يزد، ثم سافر إلي مشهد المقدسة وواصل دراسته فيها، فقرأ علوم الهيئة والرياضيات، ثم توجه إلي اصفهان والتحق بعد وروده مباشرة بدرس العلامة المرحوم

الشيخ محمد باقر النجفي ابن الشيخ محمد تقي صاحب (هداية المسترشدين) واستفاد من محضر صاحب (روضات الجنات) المرحوم السيد محمد باقر الموسوي الخوانساري المتوفي سنة (1313 ه) وغيرهم من العلماء الأفاضل، ثم عزم علي المهاجرة إلي النجف الأشرف.

وصل النجف الأشرف في السنة التي توفي فيها الشيخ مرتضي الأنصاري رحمة الله عليه سنة

(1281 ه)، فحضر بحوث الآيات العظام الميرزا الشيرازي، والشيخ راضي ابن الشيخ محمد الجعفري، والشيخ مهدي آل كاشف الغطاء، ونهل من نمير علومهم (رضوان الله عليهم أجمعين).

بعد هجرة الميرزا الشيرازي إلي سامراء شكّل السيد اليزدي حلقة دراسية، سريعا ما تحولت إلي حوزة دراسية مشحونة بالفضلاء وأهل التحقيق من طلبة العلوم، وكان عدد الطلاب الحضور في تزايد مستمر. تتلمذ عليه وروي عنه جمهرة من العلماء والأفاضل منهم: السيد محمود ابن شرف الدين علي التبريزي المرعشي. والشيخ أحمد كاشف الغطاء. والعلامة الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء. وغيرهم.

له رحمة الله عليه مؤلفات قيمة، منها: حاشية علي المكاسب، ورسالة في حكم الظن المتعلق بإعداد الصلاة وأفعالها وكيفية صلاة الاحتياط. والعروة الوثقي، الرسالة العملية المعروفة. ورسالة في التعادل والتراجيح. والصحيفة الكاظمية، وهي مجموعة أدعية ومناجاة أنشأها بنفسه. ورسالة في منجزات المريض. والسؤال والجواب، في الفقه. قال السيد محسن العاملي في أعيان الشيعة: وفي أيامه ظهر أمر المشروطة في إيران وأعقبها خلع السلطان عبد الحميد في تركيا، وكان هو ضد المشروطة، وبعض العلماء يؤيدونها كالشيخ الملا كاظم الخراساني وغيره، وتعصب لكل منهما فريق من الفرس، وكان عامة أهل العراق وسوادهم مع اليزدي، خصوصا من لهم فوائد من بلاد إيران لظنهم أن المشروطة تقطعها، وجرت بسبب ذلك فتن وأمور يطول شرحها، وليس لنا إلا أن نحمل كلا منهما علي المحمل الحسن

والاختلاف في اجتهاد الرأي.

توفي السيد رضوان الله تعالي عليه في أوائل شهر رجب المرجب في النجف الأشرف عام (1337ه) وكان سبب وفاته إصابته بمرض ذات الجنب، وشيع تشييعاً كبيراً، ودفن في الإيوان الكبير من الصحن الغروي الشريف مما يلي مسجد عمران.

وأشهر أصحاب التعليقات علي العروة: السيد محمد ابن السيد محمد باقر الفيروز آبادي والميرزا حسين النائيني، والشيخ عبد الكريم الحائري، والشيخ آقا ضياء الدين العراقي، والسيد أبو الحسن الموسوي الأصفهاني، والشيخ محمد حسين كاشف الغطاء، والسيد حسين البروجردي، والميرزا السيد عبد الهادي الحسيني الشيرازي، والسيد محسن الطباطبائي الحكيم، والشيخ محمد رضا آل ياسين، والسيد أحمد الخوانساري، والسيد أبو القاسم الخوئي، والسيد شهاب الدين المرعشي، والسيد حسن القمي، والسيد محمد الشيرازي (رحمهم الله).. ولكثير من العلماء الشرح الاستدلالي علي العروة الوثقي منها موسوعة (الفقه) للإمام الشيرازي رحمة الله عليه، و(بيان الفقه) للمرجع السيد صادق الشيرازي رحمة الله عليه.

() قال الشيخ آقا بزرك الطهراني في الذريعة: جواهر الكلام في شرح شرايع الإسلام، للفقيه العلامة الشيخ محمد حسن ابن الشيخ باقر ابن الشيخ عبد الرحيم ابن الآغا محمد الصغير ابن المولي عبد الرحيم الشريف الكبير الذي جاور النجف الأشرف، كتب تمام نسبه كذلك بخطه في آخر كتاب القضاء من (الجواهر) الذي فرغ منه في (1250ه) لم يعين لنا سنة ولادته، لكنها ليست خارجة عن حدود (1200ه)، وتوفي كما رأيت بخط بعض تلاميذه في ظهر يوم الأربعاء غرة شعبان (1266ه) وخلف كتابه الجواهر الذي لا يوجد في خزائن الملوك بعض جواهره، ولم يعهد في ذخائر العلماء شيء من ثماره وزواهره، لم يكتب مثله جامع في استنباط الحلال والحرام، ولم يوفق لنظيره أحد من الأعلام؛ لأنه محيط بأول الفقه وآخره،

محتو علي وجوه الاستدلال مع دقة النظر ونقل الأقوال، قد صرف عمره الشريف، وبذل وسعه في تأليفه فيما يزيد علي ثلاثين سنة، لأن آخر ما خرج من قلمه الشريف من مجلدات الجواهر هو كتاب الجهاد إلي آخر النهي عن المنكر، وقد فرغ منه في (1257ه) فاثبت بعمله القيم المنة علي كافة المتأخرين، وجعلهم عيالا له في معرفة استنباط أحكام الدين … انظر الذريعة إلي تصانيف الشيعة: ج5 ص275 تحت الرقم1296.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص100 ق1 ب3 ف2 ح1746.

() بحار الأنوار: ج2 ص37 ب9 ح54.

() بحار الأنوار: ج2 ص38 ب9 ح60.

() بحار الأنوار: ج71 ص188 ب13 ح13.

() الكافي: ج 1 ص39 باب مجالسة العلماء وصحبتهم ح1.

() مشكاة الأنوار: ص257 ب6 ف3 في ذكر القلب.

() قرب الإسناد: ص18 ج1 ما رواه عبد الله بن جعفر الحميري.

() وسائل الشيعة: ج12 ص21 ب10 ح15537.

() وسائل الشيعة: ج12 ص22 ب10 ح15540.

() بحار الأنوار: ج28 ص240 ب4 ح27.

() بحار الأنوار: ج91 ص147 ب32 المناجاة الثامنة مناجاة المريدين ليوم الجمعة.

() سورة البقرة: 108.

() سورة النساء: 116.

() سورة الجاثية: 23.

() سورة النساء: 136.

() سورة الحشر: 2.

() سورة يوسف: 111.

() سورة الرعد 19.

() سورة غافر: 21.

() سورة الأحقاف: 26.

() سورة الشوري: 38.

() سورة آل عمران: 159.

() سورة الشوري: 40.

() سورة النساء: 149.

() سورة آل عمران: 134.

() سورة البقرة: 109.

() سورة الأعراف: 199.

() سورة فصلت: 18.

() سورة يونس: 103.

() سورة الصف: 10- 11.

() سورة الزمر: 61.

() نهج البلاغة، الخطب: 120 من كلام له عليه السلام يذكر فضله ويعظ الناس.

() نهج البلاغة، قصار الحكم: 31.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص95 ق1 ب2 ف10 ح1680.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص95 ق1 ب2 ف10 ح1682.

() غرر الحكم

ودرر الكلم: ص50 ق1 ب1 ف4 ح312.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص444 ق6 ب4 ف3 ح10143.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص444 ق6 ب4 ف3 ح10161.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص444 ق6 ب4 ف3 ح10160.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص444 ق6 ب4 ف3 ح10145.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص444 ق6 ب4 ف3 ح10138.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص442 ق6 ب4 ف1 ح10068.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص441 ق6 ب4 ف1 ح10046.

() وسائل الشيعة: ج12 ص40 ب21 ح15585.

() الكافي: ج5 ص133 باب أداء الأمانة ح5.

() الكافي: ج2 ص107 باب العفو ح1.

() الكافي: ج2 ص108 باب العفو ح5.

() بحار الأنوار: ج74 ص218 ب8 ح1.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص245 ق3 ب2 ف2 ح5005.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص245 ق3 ب2 ف2 ح5006.

() تحف العقول: ص8 ما روي عن النبي صلي الله عليه و اله في طوال هذه المعاني.

() نهج البلاغة، الخطب: 76 من خطبة له عليه السلام في الحث علي العمل الصالح.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص69 ق1 ب1 ف14 ح966.

() غرر الحكم ودرر الكلم: ص88 ق1 ب2 ف6 ح1490.

() الكافي: ج8 ص68 حديث علي بن الحسين عليه السلام … ح24.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.