سيرة الإمام زين العابدين سلام الله عليه

اشارة

اسم الكتاب: سيرة الامام زين العابدين(ع)

المؤلف: حسيني شيرازي، صادق

الموضوع: امام سجاد(ع)

اللغة: عربي

عدد المجلدات: 1

الناشر: ياس الزهراء

مكان الطبع: قم

تاريخ الطبع: 1424 ه ق

الطبعة: اول

بسم الله الرحمن الرحيم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلي الله علي محمد وآله الطاهرين واللعن الدائم علي أعدائهم أجمعين.

قال الله الحكيم في كتابه: ?يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم?.()

مقدمة

اتفقت كلمة المسلمين بمذاهبهم المختلفة علي أن هذه الآيات المباركة نزلت في أئمة المسلمين، أي أئمة أهل البيت الاثني عشر، وهم علي وبنوه سلام الله عليهم.

ومعني الآية واضح وهو وجوب طاعة الرسول صلي الله عليه وآله والأئمة الاثني عشر سلام الله عليهم بعد طاعة الله تعالي، لأن المقصود بأولي الأمر من جعل الله بيدهم أمر المسلمين.

في الآية الكريمة نكتة نقف عندها ثم ننتقل للحديث عن دور الإمام زين العابدين سلام الله عليه.

لقد كررت الآية المباركة فعل الأمر ?أطيعوا? عندما ذكرت وجوب طاعة الرسول صلي الله عليه وآله ولكنها لم تكرره عند ذكر أولي الأمر سلام الله عليهم، فما هو الوجه؟

بتعبير آخر: لماذا لم تقل الآية: (أطيعوا الله والرسول وأولي الأمر منكم) بدون تكرار كلمة (أطيعوا)، ولا قالت: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأطيعوا أولي الأمر) بذكر الفعل (أطيعوا) ثلاث مرات، لأن الذين تجب طاعتهم ثلاثة أيضاً؟

يقول المحققون من المفسرين إن الله تعالي نبّه بهذا التفريق (إذ قال: أطيعوا الله، ثم فصل بين الرسول وأولي الأمر بفعل جديد وقال: وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) إلي أن طاعة الله تختلف عن طاعة من سواه وإن كان ممن تجب طاعته أيضاً كالرسول وأولي الأمر. فدارسو البلاغة والأدب العربي يدركون أن تكرار الكلمة في العطف (كما لو قلت جاء فلان وجاء فلان

وجاء فلان) لابد وأن يرمز أو يشير إلي تغيير ما في المعني، كما أن عدم التكرار (كما لو قلت جاء فلان وفلان وفلان) ينبئ إلي عدم الفرق.

وهنا عندما قال الله تعالي: ?أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم? فكرر كلمة الأمر بالطاعة للرسول وأولي الأمر بعد ذكر الأمر بالطاعة لله تعالي، فمعناه أن طاعة الله شيء وطاعة الرسول وأولي الأمر معاً شيء آخر، وعدم الفصل بين طاعة الرسول وأولي الأمر بفعل جديد إشارة إلي أنهما من جنس واحد، وتنبيهاً إلي أن الأصل والأساس في الطاعة هي طاعة الله سبحانه، وأن طاعة الرسول وأولي الأمر فرع طاعته عز وجل؛ وذلك لأن الله تعالي هو الذي خلقنا فجعلنا شيئاً بعد أن لم نكن شيئاً، وجعلنا ذا أشياء بعد أن لم يكن عندنا شيء، فأعطانا الصحة والقدرة والمال والجاه وكل شيء، وسخّر لنا كل الطاقات التي خلقها في الكون بعد أن أوجدنا من العدم؛ قال تعالي: ?هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً?()، وسخّر لنا الشمس والقمر والبر والبحر وكل شيء، كما صرّح سبحانه في آيات أخري()، ولهذا يجب علينا أن نطيع الله تعالي لأنه هو الذي خلقنا وأوجدنا ومنحنا كل شيء.

إذن الطاعة في الأساس هي لله سبحانه، أما رسول الله صلي الله عليه وآله فلو لم يأمرنا الله تعالي بطاعته لما كانت واجبة علينا، لأنه صلي الله عليه وآله مخلوق لله كما نحن مخلوقون لله أيضاً، ولكن الفرق بيننا وبينه صلي الله عليه وآله هو أن الله تعالي أمرنا بطاعته، فطاعته أصبحت واجبة ولازمة علينا لأن الله أمرنا بها.

إن طاعة النبي وطاعة الإمام من طاعة الله تعالي. ولو أن الله تعالي أمرنا بطاعة عبد غيرهم لأطعناه.

وهذا

هو الحق فنحن إنما نعتقد بإمامة علي بن أبي طالب سلام الله عليهما ونقول بإمامة ولديه الحسن والحسين سلام الله عليهما، وهكذا إمامة سائر الأئمة من أبناء الحسين سلام الله عليهم لأن الله تعالي هو الذي أمرنا بذلك. ولو أمرنا الله سبحانه وتعالي بطاعة آخرين بدلاً من طاعة علي بن أبي طالب وأبنائه سلام الله عليهم لامتثلنا.

إذاً طاعة الله تعالي أصلية أما طاعة الرسول والإمام فهي طاعة فرعية تتفرع علي طاعة الله. فحيث إن الله تعالي تجب طاعته، وقد أمرنا بطاعتهم، وجبت طاعتهم أيضاً؛ امتثالاً وتنفيذاً لأمره تعالي.

وحيث كانت طاعة النبي والإمام في سياق واحد، لذا لم يفصل الله تعالي بينهما بكلمة (أطيعوا) بل حذفها، خلافاً لطاعته تعالي، فقد فصل بينها وبين طاعة الرسول والأئمة، وكرر الفعل (أطيعوا) بياناً للفرق.

الأئمة نور واحد

لا شك أن الإمام زين العابدين سلام الله عليه هو من أولي الأمر الذين أمر الله بطاعتهم، فلابد إذن أن نزيد من معرفتنا به. فنحن في الغالب نعرف الكثير عن الإمام علي بن أبي طالب سلام الله عليه؛ من خلال مواقفه وحروبه وشجاعته وخطبه ومختلف أدوار حياته، ونعرف الإمام الحسين سلام الله عليه بجهاده وتضحيته في سبيل الله والحق، وثورته من أجل الإسلام والإبقاء علي أحكامه، ولكن بعضاً منا قد لا يعرف عن الإمام زين العابدين سلام الله عليه وسائر الأئمة من ولده شيئاً سوي أنهم أئمة مفترضو الطاعة، مع أن اللازم علينا أن نعرف دور كل إمام منهم، وأن نعلم أن اختلاف معطياتهم وأدوارهم واختلاف أساليبهم في الحياة وطريقة تعاملهم مع الناس والأحداث إنما ينبع من اختلاف الظروف، ومن ثم اختلاف الواجب الديني الملقي علي كلّ منهم حسب عصره الذي يعيش فيه.

وحيث كانت العصور

متفاوتة، تفاوَت تصرف كلّ إمام حسب عصره، واختلف عن الإمام الذي يعيش في عصر آخر وظروف أخري. وهذا ما يفسر اختلاف سيرة الأئمة سلام الله عليهم دون أن يعني أنهم مختلفون فيما بينهم، بل كلهم نور واحد، كما ورد في الحديث الشريف().

إن مثل الأئمة سلام الله عليهم ليس كمثل اثني عشر مصباحاً متماثلة بل مثلهم مثل مصباح واحد. وإذا كانوا كذلك فإن ما نلاحظه من اختلاف في سيرهم إنما يعود لاختلاف الأوامر التي تلقوها عن رسول الله صلي الله عليه وآله عن جبرئيل عن الله تعالي، بسبب اختلاف ظروفهم، كما نجد مثلاً أن حياة رسول الله صلي الله عليه وآله في مكة تختلف عن حياته في المدينة مع أنه صلي الله عليه وآله رسول لإله واحد ومأمور بتبليغ مهمة واحدة وهي الإسلام، بل إن هذا الاختلاف ملاحظ حتي في آيات القرآن الكريم. فالسور المكية أي التي نزلت في مكة المكرمة، تختلف في طابعها العام عن السور المدنية أي التي نزلت في المدينة المنورة. إن السور المكية تمتاز بغلبة الطابع العقائدي وتعني بمسائل المعاد والنبوة والإمامة وأصول الدين والعقيدة، فيما تمتاز السور المدنية ببيان أحكام الإسلام وفروع الدين كمسائل التيمم و الوضوء والصلاة والصوم والزكاة والحج والإرث والقضاء والحدود والديات والنكاح والطلاق وسائر الأحوال الشخصية كالعقود والبيع والشراء والمعاملات وما أشبه، دون أن يعني ذلك أن القرآن مختلف بل هو قرآن واحد نزل من عند إله واحد علي صدر نبي واحد، ولكن الظروف في مكة كانت تقتضي بأن تعني الآيات بشؤون العقيدة والأصول فيما كانت ظروف المدينة تناسب بيان التشريعات والأحكام.

فكما أن اختلاف مواضيع سور القرآن لا يعني اختلاف القرآن نفسه، فكذلك الحال بالنسبة للاختلاف الموجود

في سيرة النبي صلي الله عليه وآله والأئمة المعصومين سلام الله عليهم وإنما هو اختلاف نابع من اختلاف الظروف ومقتضياتها، ولذلك نحن نعتقد أنه لو كان الإمام الحسين سلام الله عليه في مكان الإمام الحسن سلام الله عليه لهادن معاوية بلا شك ولا ريب، ولو كان الإمام الحسن مكان الإمام الحسين لحارب يزيد بن معاوية كما حاربه الحسين، وهكذا الحال بالنسبة لسائر أئمة آل البيت. وهذه حقيقة يدركها كل من له أدني إلمام بتاريخهم سلام الله عليهم.

دور الإمام السجاد سلام الله عليه

وههنا تساؤل قد يختلج في القلوب، وهو: ماذا كان دور الإمام زين العابدين سلام الله عليه في حياته الشريفة؟

وقد يتبادر إلي الذهن سؤال آخر وهو: لماذا يجب أن نعرف أدوار الإمام سلام الله عليه وسيرته؟

والجواب: لأن الإمام يعني من ينبغي لنا الائتمام والاقتداء به، يقول الإمام أمير المؤمنين علي سلام الله عليه: ألا وإن لكل مأموم إماماً يقتدي به ويستضيء بنور علمه … ().

إذن يجب علينا معرفة سيرة الإمام لنهتدي بها ونقتدي به.

وفي الحديث أيضاً - عن إمام الجماعة -: إنَّمَا جُعِلَ الإمامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَلا تَخْتَلفُوا عَلَيْه. فَإذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا … وَ إذا سَجَد فاسْجُدوا … ()

فما الفائدة في أن يكون السجاد سلام الله عليه إماماً لي ولك ولا نعرف عن سيرته شيئاً؟!

من الضروري إذن، أن نقرأ ولو مختصراً من سيرة أهل البيت سلام الله عليهم لتعلّق إسلامنا وإيماننا بمعرفة من أمرنا الله تعالي بطاعتهم.

ومن الكتب الجدير قراءتها كتاب «الصحيفة السجادية» للإمام السجاد زين العابدين علي بن الحسين سلام الله عليهما - هذا الكتاب الصغير الحجم العظيم المحتوي الذي بذل العلماء أعمارهم من أجل سبر أغواره وكشف معانيه ومازالوا- حقيق بأن يقرأ بتدبر وإمعان ليُعرف من خلاله

من هو الإمام زين العابدين سلام الله عليه، ومن هم أهل البيت سلام الله عليهم.

أما الجواب علي السؤال عن دور الإمام السجاد فهو أنه سلام الله عليه قام بالأدوار الثلاثة التالية:

1 شراء العبيد وتربيتهم تربية إسلامية ثم عتقهم بعد ذلك.

2 تعليم الناس المسائل الشرعية والأدعية.

3 تربية الخواص من أهل بيته وأصحابه علي الخط الجهادي.

توطئة: خطط بني أمية للقضاء علي الإسلام

توطئة: خطط بني أمية للقضاء علي الإسلام

ولكن قبل بيان هذه الأدوار والخطط الثلاث للإمام سلام الله عليه لابد أولاً من معرفة الظروف التي كانت تحيط الإمام في ظل حكم بني أمية.

• لقد أنكر الأمويون كلّ ما جاء به الإسلام منذ البداية أي بدءًا من شيخهم أبي سفيان الذي قال في جمعهم بعد أن اطمأن بعدم وجود أحد من غيرهم: «والذي يحلف به أبو سفيان ما من جنة ولا نار» ()، مروراً بابنه معاوية مؤسس الدولة الأموية الذي كان يعمل جاهداً لطمس اسم الرسول صلي الله عليه وآله وصرّح بذلك لأحد ندمائه عندما سمع المؤذن يقول: «أشهد أن محمداً رسول الله» فقال معاوية: لا والله إلا دفناً دفناً … () ثم بيزيد الذي أعلنها كفراً وفسقاً وضلالاً فكان فيما قال معلناً بذلك كفره:

لعبت هاشم بالملك فلا خبرٌ جاء ولا وحي نزل.()

ثم بسط مائدة القمار وشرب الخمر في المحفل العام.

أجل، لقد كان يزيد بن معاوية يشرب الخمر ويعمل المنكرات كما كان يفعل ذلك من قبله أبوه معاوية، ولكنه كان -كأبيه أيضاً- يتستر علي ذلك، فكان إذا أراد فعل المنكرات خرج من الشام إلي قرية في جنوب لبنان قريبة من النبطية وصور تسمي "حوارين" مازالت موجودة ومعروفة إلي الآن وتبعد زهاء مئتي أو ثلاثمئة كيلو متر عن الشام، ولكنه بعد أن قتل الإمام الحسين صلوات الله عليه تصور أن الجو

قد خلا له، وأنه قد حقق أمنيات جدّه وأبيه، ولذلك قام بما قام علناً أمام ملأ المسلمين مدعياً في الوقت نفسه أنه خليفة رسول الله صلي الله عليه وآله؛ يريد بذلك تشويه صورة الإسلام. وهذه كانت أولي خطط الأمويين في مواجهة الإسلام بهدف القضاء عليه.

• أما الخطة الثانية فتمثلت في العمل ضد أهل البيت سلام الله عليهم ومحاولة فصلهم عن الأمة وتشويه صورتهم، و ذلك من خلال أساليب دنيئة منها سب الإمام أمير المؤمنينسلام الله عليه من علي المنابر، روي العلامة المجلسي عن الزمخشري في ربيع الأبرار قوله: إنه كان في أيام بني أمية أكثر من سبعين ألف منبر يلعن عليها علي بن أبي طالب بما سنّه لهم معاوية من ذلك. وفي ذلك يقول الشيخ أحمد الحفظي الشافعي في أرجوزته:

وقد حكي الشيخ السيوطي أنه قد كان فيما جعلوه سنة

سبعون ألف منبر وعشرة من فوقهن يلعنون حيدرة()

• أما الخطة الثالثة لبني أمية فتمثلت في محاولة ترسيخ حكمهم بمختلف الطرق وأبشع الأساليب.

يقول أحد الغربيين: إن أقوي الحكومات التي حكمت البلاد الإسلامية بعد وفاة رسول الله صلي الله عليه وآله هي حكومة بني أمية أي إنها كانت أقوي من حكومات العباسيين والعثمانيين والأدارسة والحمدانيين والفاطميين وغيرهم فقد أرسي الأمويون دعائم حكمهم بنحو لا يكون القضاء عليهم أمراً هيناً، ولكنا والقول للباحث الغربي نري أن هذا الحكم كان أقصر عمراً من كل الحكومات التي تلته، وما ذلك إلا لظلم بني أمية وغيهم وانكشاف حقيقتهم بسرعة.

وكان للإمام زين العابدين سلام الله عليه الدور الكبير في تحطيم حكومة بني أمية، فقد أطلق الإمام الحسين سلام الله عليه الشرارة الأولي وتابع الإمام زين العابدين سلام الله عليه المسار حتي آل الأمر إلي

انهيار هذه الحكومة الجائرة وزوالها إلي الأبد.

أدوار الإمام السجّاد سلام الله عليه

ولم يكن دور الإمام زين العابدين مشابهاً لدور أبيه الحسين سلام الله عليهما لأنه لو كان يطلق كلمة واحدة ضد النظام فإنها كانت كفيلة بالقضاء عليه وإنهاء حياته المباركة، ولذلك انتهج سلام الله عليه أساليب أخري، منها:

1. شراء العبيد و عتقهم في سبيل الله

1. شراء العبيد و عتقهم في سبيل الله

كان الإمام زين العابدين سلام الله عليه يشتري العبيد و الإماء بكثرة، وكانت عنده بساتين وبيوت كان معظمها ملكاً خاصاً له سلام الله عليه ومن الأراضي ما وصلته عن جده الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه، والتي ساوم عليها معاوية بن أبي سفيان يوم كانت بيد الإمام الحسين سلام الله عليه فرفض أن يعطيها له، مع أن الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه كان قد نحلها الإمام الحسن سلام الله عليه ومن بعده للإمام الحسين سلام الله عليه وأنه يحل لمن كانت بيده بيعها إذا احتاج إلي ثمنها، وكانت أراضي واسعة عملت فيها يد أمير المؤمنين سلام الله عليه في الزرع والحرث وإخراج الماء والسقي. وعندما انتقلت ملكية هذه الأراضي إلي الإمام زين العابدين سلام الله عليه استفاد منها في هذا المجال. فكان يملأها بالعبيد والإماء الذين لا عمل لهم، ما خلا القليل الذين يقومون بالخدمة، وكان يهدف الإمام من وراء ذلك أن يشاهدوا سيرته فيتأثروا بها حتي إذا ما حال الحول أعتق منهم من رآه قد اكتسب من أخلاقه وفكره عليه السلام و بلغ تأثره به حداً يؤهله لأن يؤدي دوراً إيجابياً في المجتمع، فكان الإمام سلام الله عليه يخلي سبيل العديد منهم بعتقهم لوجه الله الكريم. فكان هؤلاء العبيد والإماء يتحدثون عن سيرة الإمام وعبادته وزهده وتقواه وينشرون الإسلام الصحيح الذي لمسوه في سلوك الإمام

بين الناس. ومن ذلك ما حدثت به إحدي جواري الإمام سلام الله عليه حين قالت: ما فرشت له في ليل فراشاً قط ولا قدمت له في نهار طعاماً قط (). أي أن الإمام سلام الله عليه كان صائماً نهاره قائماً ليله.

من رأي ليس كمن سمع

ولا شك أن النظر غير السمع، وأن تأثير الأول يفوق تأثير الثاني كثيراً. والدليل علي ذلك ما نلاحظه من أن بعض الذين يحضرون مجالس العزاء الحسيني لا يبكون في كل مرة يستمعون المصيبة، وذلك بسبب تكرر سماعهم لتفاصيل المصيبة التي حلّت بالإمام الحسين سلام الله عليه وأهل بيته وأصحابه. فالدموع لا تجري من أعينهم لأن الألم وإن كان يعصر قلوبهم ولكن العصرة لا تبلغ من القوة بحيث تجري الدموع، ولكن لو مثلت لهم الواقعة أو جانباً منها، بل لو جيء بطفل رضيع فقط ورُفع تذكيراً للناس برضيع الحسين سلام الله عليه كما يُفعل في التشابيه عادة، فإن الدموع حينذاك ستنهمر من الأعين بمجرد رؤيتها لهذا الطفل الرضيع! وما ذلك إلا لأن للمنظر تأثيراً يفوق تأثير السمع بمراتب.

هناك مثل يقول: صورة واحدة خير من ألف كتاب. أي لو أنك قرأت عن موضوع ما ألف كتاب، ثم نظرت إلي صورة واحدة عن الموضوع نفسه، فإن التأثير الذي تتركه الصورة يفوق التأثير الذي تركته قراءة ألف كتاب؛ لأن الأثر الذي تتركه الصورة في نفسك قد لا ينمحي أبداً في حين أن الأثر الحاصل من القراءة قد لا يستمر لأكثر من أشهر أو أعوام علي أكثر تقدير!

إذا اتضح هذا، نقول: إن الإمام زين العابدين سلام الله عليه كان يأتي بهؤلاء العبيد لكي يتعلّموا عبادته وتقواه حين يبصروه بأعينهم فيتأثروا بهما، ويعكسوا ما شاهدوه بدورهم إلي المجتمع حين يعتقهم

الإمام سلام الله عليه.

يقول أحد أصحاب الإمام زين العابدين سلام الله عليه: نظرت إلي الإمام وقد وقف إلي الصلاة فلما كبّر وقفت كل شعرة في بدني()، أي أن تكبيرة الإمام وحدها كافية لخلق التحول والتغيير لدي من يراه!

إننا لم نشاهد كيف كان يكبّر الإمام ولا أسلوبه في القراءة، ولكن هذه الأمور الصادرة عن المعصوم سلام الله عليه جديرة بأن تغيّر الإنسان حقاً، وإلا لما كان هؤلاء العبيد والإماء وغيرهم يتأثرون ويتغيّرون، ثم يخرجون للناس يحملون معهم يواقيت الحكمة ولآلئ الأخلاق.

إننا نكبّر للصلاة أيضاً ولكن تكبيرة الإمام تختلف عن تكبيرتنا من حيث الإخلاص والخشوع، ولذلك تترك ذلك التأثير الذي عبّر عنه الراوي الرائي لتكبيرة الإمام سلام الله عليه.

آية الله البروجردي مثالاً

لقد أسس آية الله البروجردي رحمه الله مركزاً إسلامياً في مدينة هامبورغ في ألمانيا، وبعث مبلّغاً دينياً هناك.

قيل: فطُلب من هذا المبلّغ في هامبورغ أن يعطيهم صورة للسيد البروجردي لعرضها في (التلفزيون). ففكر المبلّغ أي صورة ستكون مؤثرة جداً لو عرضت، وانتهي تفكيره إلي أن يعطيهم صورة السيد وهو يتوضأ لأنها ستكون مؤثرة جداً في نفوس مشاهديها؛ لما تعكس من خشوع السيد حال تهيئه للقاء الله تعالي في الصلاة.

لا شك أن أفعال الوضوء التي يأتي بها السيد البروجردي لا تختلف عن الأفعال التي يؤديها سائر المتوضئين من المسلمين ممن هم علي مذهب أهل البيت سلام الله عليهم علي الأقل.

يقول هذا المبلّغ: ما إن عرض هذا الفيلم الذي يصوّر وضوء السيد البروجردي حتي أثار في نفوس المشاهدين روح الحب والولاء، وأسلم في اليوم نفسه عشرة من النصاري ممن شاهدوا الفيلم.

فإذا كان هذا تأثير مشاهدة صورة وضوء السيد البروجردي - وهو بمثابة تلميذ تلميذ تلميذ الإمام زين العابدين سلام الله

عليه- فكيف بالتأثير الذي يتركه سلوك الإمام نفسه علي من يشاهده؟!

مثال آخر

لقد رأيت بنفسي في مدينة كربلاء المقدسة قديماً أحد المراجع رحمه الله وكان شيخاً مسناً ذا لحية بيضاء، إذا حضر مجالس العزاء في أيام محرم الحرام يبكي قبل أن يبدأ الناس بالبكاء، لأنه كان رجلاً بكّاءً شديد التألم لما حلّ بالإمام الحسين سلام الله عليه، ولكنه كان يحبس بكاءه فلا يبكي بصوت عال فكان يبدأ البكاء عادة والخطيب بعد في أول ذكر المصيبة، فكان يبكي بصوت خافت ولكن وجهه كان يحمر وأكتافه تتحرك وجسمه كلّه يهتز، وعيناه تهملان بالدموع، فكان كل من يراه وأنا من جملتهم يتأثر لبكائه فيبكي، فكان الناس يبكون لهذه الصورة أكثر مما يبكيهم ما يذكره الخطيب!

فإذا كان لهذا العالم المسنّ كل هذا التأثير في من يراه، فكيف بالإمام زين العابدين سلام الله عليه وهو جبل العلم والتقوي؟ فلا عجب أن تكون نظرته مؤثرة، وتكبيره مؤثراً، بل لابد أن يكون مؤثراً في كل حركة من حركاته بل حتي في سكونه.

مع الإمام مرة أخري

لقد كان الإمام زين العابدين سلام الله عليه يستطلع أحوال عبيده وإمائه في كل عيد، وربما في بعض أيام الجمع. فإن وجد فيهم من بلغ تأثره وتلقيه حداً مناسباً، بادر إلي عتقه وتحريره في سبيل الله تعالي. ومن الطبيعي أن أكثر هؤلاء العبيد لم يكونوا من أهل المدينة بل كانوا كفاراً في الأصل من بلاد أجنبية أسروا في الحروب الإسلامية وجيء بهم إلي المدينة، فاشتراهم الإمام سلام الله عليه. فكان كل فرد منهم يعتقه الإمام سلام الله عليه يعود إلي بلده، وكان بعضهم يذهب إلي الشام وآخرون يذهبون إلي العراق وجماعة إلي اليمن أو البحرين والحبشة وغيرها، وكلّهم يحملون الولاء لأهل البيت عليهم الصلاة والسلام. فكانوا مبلّغين أشدّاء للإسلام ولآل البيت سلام

الله عليهم.

وهكذا عمل الإمام سلام الله عليه علي هذه الطريقة طيلة عمره الشريف يخرّج الدعاة العاملين ويصنع الوعاة والمحبين وينشر المبلّغين الصادقين في ربوع البلاد الإسلامية وغيرها.

وهكذا استطاع سلام الله عليه أن يقوّض حكم بني أمية بأمور أحدها هذا، دون أن يخوض حرباً عسكرية ضدهم لأنه لم يكن بإمكانه أن يجرّد السيف في ظل تلك الظروف البالغة الشدة والقساوة.

2. تخريج الفقهاء والعلماء

الدور الثاني الذي نهض به الإمام زين العابدين سلام الله عليه هو أنه ربّي فقهاء حملوا علي عاتقهم حفظ شريعة الإسلام. ولقد خطط الإمام سلام الله عليه لتربيتهم بنحو يكونون مرضيين عند الخاصّة والعامّة جميعاً. ولو راجعتم كتاب المراجعات للسيد شرف الدين رحمة الله عليه لرأيتم أنه يذكر قائمة بأسماء مئة شخصية من أصحاب الأئمة الأطهار سلام الله عليهم ممن وردت أسماؤهم في الصحاح الستة للعامة، أي من المعتمدين لديهم. ولو دققتم النظر فيهم لاكتشفتم أن أكثرهم من تلاميذ الإمام زين العابدين سلام الله عليه ومن خرّيجي مدرسته المباركة، الأمر الذي يشير إلي أن الإمام زين العابدين سلام الله عليه عني بهؤلاء الفقهاء ورباهم تربية خاصة لكي يعتقد بهم علماء العامة أيضاً.

ومن هؤلاء الفقهاء: أبو حمزة الثمالي الذي يُنسب إليه دعاء الإمام زين العابدينسلام الله عليه في أسحار شهر رمضان المبارك المعروف بدعاء أبي حمزة الثمالي. فلقد كان أبو حمزة - وهذه كنيته أما اسمه كما في كتب الرجال فهو ثابت بن دينار - بطلاً في العلم والزهد، ومن الذين يعتمد عليه حتي علماء غير الشيعة من سائر المذاهب. ويقول عنه أصحاب الأسانيد في كتبهم إذا ورد اسمه: عالم، ورع، تقي، زاهد، عدل ثقة، وأمثال هذه الكلمات.

نختصر فيما يلي تجنباً للإطالة، ونعيد التذكير بأن الإمام سلام

الله عليه استطاع من خلال هذه الأدوار تقويض حكم بني أمية الذي كان أقوي الحكومات ولكنه صار أقصرها عمراً، وما ذلك إلا بسبب شدة ظلمها وانحرافها، وكذلك للدور العظيم الذي نهض به الإمام سلام الله عليه في القضاء عليهم وفي نشر الإسلام الأصيل بدل الإسلام الأمويّ.

يقول الإمام الصادق سلام الله عليه بعد أن يذكر عدداً من أمثال أبي حمزة: أنه لولا هؤلاء لاندرست آثار النبوة(). فهؤلاء هم الذين حفظوا آثار النبوة وأبقوا علي أحكام الإسلام ونشروا مبادئه وتعاليمه وزرعوا حب آل البيت سلام الله عليهم في النفوس.

3. رعاية الخط الجهادي

إلي جانب تأهيل العبيد، وإعداد العلماء، عمل الإمام زين العابدين سلام الله عليه علي تربية مجاهدين من أمثال ابنه زيد وحفيده يحيي وغيرهما من أولاد عمه الإمام الحسن سلام الله عليهم، فثار هؤلاء المجاهدون الأبطال في وجه حكومات بني أمية المتعاقبة حتي انتهي الأمر إلي تقويضها وانهيارها وزوالها بفضل نهج الإمام زين العابدين سلام الله عليه وإرشاداته.

فذلكم هو الإمام زين العابدين سلام الله عليه، في جانب من سيرته العطرة ودوره وجهاده، فحريّ بنا أن نتعرف علي ذلك كله وأن نسير بسيرة الإمام سلام الله عليه، فإن نحن فعلنا ذلك فمعناه أننا استطعنا أن نساهم في إبقاء الإسلام وإدخال الناس إلي حظيرة الدين والعقيدة الإسلامية الحقّة وخط أهل البيت سلام الله عليهم الذين قرن الله طاعتهم بطاعته وطاعة رسوله صلي الله عليه وآله في كتابه حيث قال: ?يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم?.

وصلي الله علي محمد وآله الطاهرين.

پي نوشتها

() النساء: 59.

() البقرة: 29.

() منها قوله تعالي: ?ألم تروا أن الله سخّر لكم ما في السماوات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة? لقمان: 20.

() عن جابر قال: سمعت سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب يحدث أبا جعفر محمد بن علي عليه السلام بمكة قال: سمعت أبي عبد الله بن عمر يقول: سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله يقول: إن الله عز وجل أوحي إلي ليلة أسري بي: يا محمد من خلفت في الأرض علي أمتك؟ وهو أعلم بذلك. قلت: يا ربّ أخي. قال: يا محمد، علي بن أبي طالب؟ قلت: نعم يا رب. قال: يا محمد إني اطلعت إلي الأرض اطلاعة فاخترتك منها فلا أُذكر حتي تُذكر

معي، أنا المحمود وأنت محمد، ثم اطلعت إلي الأرض اطلاعة أخري فاخترت منها علي بن أبي طالب فجعلته وصيك، فأنت سيد الأنبياء وعلي سيد الأوصياء. ثم اشتققت له اسماً من أسمائي، فأنا الأعلي وهو علي، يا محمد إني خلقت علياً وفاطمة والحسن والحسين و الأئمة من نور واحد ثم عرضت ولايتهم علي الملائكة، فمن قبلها كان من المقربين، ومن جحدها كان من الكافرين. يا محمد لو أن عبداً من عبادي عبدني حتي ينقطع ثم لقيني جاحداً لولايتهم أدخلته ناري … مقتضب الأثر لأحمد بن محمد بن عياش، عنه: بحار الأنوار: 36 / 222 ح 21.

() نهج البلاغة 416 رقم 45 من كتاب الإمام عليه السلام إلي عثمان بن حنيف عامله علي البصرة.

() مستدرك الوسائل: 6/492 باب 39 وجوب متابعة المأموم الإمام.

() قال الشعبي: فلما دخل عثمان رحله دخل إليه بنو أمية حتي امتلأت بهم الدار ثم أغلقوها عليهم فقال أبو سفيان بن حرب: أ عندكم أحد من غيركم؟ قالوا: لا. قال: يا بني أمية تلقفوها تلقف الكرة، فوالذي يحلف به أبو سفيان ما من عذاب ولا حساب ولا جنة ولا نار ولا بعث ولا قيامة. (شرح نهج البلاغة للمعتزلي: 9 / 53 من أخبار يوم الشوري وتولية عثمان).

() كما مرّ تفصيله في صفحة 103 – 104 من هذا الكتاب، وانظر كشف الغمة: 2 / 44 - 45.

() قال الراوي: ثم دعا يزيد عليه اللعنة بقضيب خيزران فجعل ينكت به ثنايا الحسين سلام الله عليه ويتمثل بأبيات ابن الزبعري:

ليت أشياخي ببدر شهدوا جزع الخزرج من وقع الأسل

لأهلّوا واستهلّوا فرحاً ثم قالوا يا يزيد لا تُشل

قد قتلنا القرم من ساداتهم وعدلْناه ببدر فاعتدل

لعبت هاشم بالملك فلا خبر

جاء ولا وحي نزل

لست من خندف إن لم أنتقم من بني أحمد ما كان فعل

اللهوف: 79.

() بحار الأنوار: 33 / 178 باب 17 ماورد في معاوية وعمرو بن العاص وأوليائهما.

() روي في علل الشرايع: 232 ح 9، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه، أنّه قال: سألتُ مولاة لعلي بن الحسين عليهما السلام بعد موته فقلت: صفي لي أمور علي بن الحسين عليهما السلام؟ فقالت: أطنب أو أختصر؟ فقلت: بل اختصري. قالت: ما أتيته بطعام نهاراً قط، ولا فرشت له فراشاً بليل قط.

() روي النوري في مستدرك الوسائل: 3 / 411، عن أَبي حَمْزَةَ الثُّماليِّ قال: بَيْنَا أَنَا قَاعدٌ يَوْماً في الْمَسْجد عند السَّابعة إذا برجُلٍ ممَّا يلي أَبوابَ كِنْدَةَ قَدْ دَخَلَ، فَنَظَرْتُ إلي أَحْسَنِ النَّاسِ وَجْهاً وأَطْيَبِهِمْ ريحاً وَأَنْظَفِهِمْ ثَوْباً مُعَمَّمٍ بِلا طَيْلَسَانٍ وَ لا إزارٍ، عَلَيه قَميصٌ ودُرَّاعَةٌ وعمامةٌ وفي رجلَيه نَعْلانِ عَرَبِيَّانِ، فَخَلَعَ نَعْلَيْهِ ثُمَّ قَامَ عندَ السَّابِعَةِ ورَفَعَ مُسَبِّحَتَيْهِ حَتَّي بَلَغَتَا شَحْمَتَيْ أُذُنَيْه ثُمَّ أَرْسَلَهُمَا بِالتَّكْبِير،ِ فَلَمْ تَبْقَ في بَدَنِي شَعْرَةٌ إِلا قَامَتْ، ثُمَّ صَلَّي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ أَحْسَنَ رُكُوعَهُنَّ وسُجُودَهُنَّ وقَال: إِلَهِي إنْ كُنْتُ قَدْ عَصَيْتُكَ… الدُّعَاءَ. ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ. فَتَأَمَّلْتُهُ فَإِذَا هُوَ مولايَ زَيْنُ الْعَابِدِينَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليه السلام فَانْكَبَبْتُ عَلَي يَدَيْهِ أُقَبِّلُهُمَا. فَنَزَعَ يَدَهُ منِّي وأَوْمَأَ إِلَيَّ بالسُّكُوت. فَقُلْتُ: يا مَولايَ أَنَا مَنْ قَدْ عَرَفْتَهُ فِي وِلائِكُمْ، فَمَا الَّذِي أَقْدَمَكَ إِلَي هَاهُنَا؟ قَال: هُوَ لِمَا رَأَيْتَ.

() فرائد الأصول للأنصاري: 1 / 354.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.