عراق المستقبل آفاق وتطلعات

اشارة

محاضرة وبيان للمرجع الديني

اية الله السيد صادق الحسيني الشيرازي

الطبعة الأولي

1424ه 2003م

دار صادق للطباعة والنشر / بيروت لبنان

ص ب 5955/13

يهدي ثواب طبع هذا الكراس

إلي أرواح المؤمنين والمؤمنات خاصة

المرجع الديني الراحل آية الله العظمي

السيد محمد الحسيني الشيرازي

وآية الله الشهيد السيد حسن الشيرازي

وجميع شهداء العراق

رحم الله من قرأ الفاتحة

مع الصلوات علي محمد وآل محمد

لقراءة مؤلفات الإمام الشيرازي ولاستفتاءاتكم الشرعية يمكنكم

مراجعة الموقع التالي علي شبكة الانترنيت

www.alshirazi.com

عراق المستقبل.. آفاق وتطلعات()

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام علي محمد وآله الطيبين الطاهرين المعصومين.

«اللّهم إني أعتذر إليك من مظلوم ظُلم بحضرتي فلم أنصره» ().

هذه فقرة من دعاء للإمام السجاد عليه السلام في الصحيفة السجادية، وهي تعليم لنا بأنه لا يجوز ترك المظلوم وعدم نصرته لمن يستطيع أن يرد الظلم، فإذا لم يفعل ذلك يكون مقصراً، وفي حديث شريف: يكونان شريكين().

محنة الشعب العراقي

إن شعب العراق اليوم في محنة كبيرة، فهذا الشعب المؤمن، المظلوم، المضطهد، وهذه الأمة المبتلاة، المؤمنة، المضطهدة، بما فيها من الضعفاء والنساء والأطفال في العراق الجريح، هؤلاء منذ عدة قرون وبالأخص منذ عدة عقود يعيشون مأساة شديدة، ونحن وأنتم هنا أيضاً ممن شملتهم هذه المأساة، في أنفسنا وفي أقاربنا، فنحن العراقيين جميعاً في كل مكان في كل أرجاء الأرض في بلاد الإسلام وفي غير بلاد الإسلام ممن شملتهم هذه المأساة بشكل وبآخر.

والآن بلغت المأساة ذروتها بين مشكلتين عظيمتين، بين بلائين شديدين؛ ابتلاء في الداخل وابتلاء من الخارج وهو الحرب، حيث نسأل الله سبحانه ونتضرع إليه ونتوسل بمن جعلهم الله الوسيلة محمداً وأهل بيته عليهم السلام الطيبين الطاهرين أن يرفع هذه المظالم ويرفع هذه المأساة وهذه المشكلات بفرجه العاجل يوماً قبل يوم وساعة قبل ساعة.

إن العراق قبل أن يكون بلداً للجميع،

هو بلدكم وبلدنا وبلد كل من عاش فيه وولد فيه.

العراق بلد المقدسات

بل إن العراق هو بلد الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، وهو بلد الإمام أبي عبد الله الحسين عليه السلام، وهو بلد أهل البيت عليهم السلام، وبلد الأئمة الأطهار عليهم السلام. العراق يضم النجف الأشرف، وكربلاء المقدسة، وباقي المدن المشرفة الأخري، كالكاظمية وسامراء.

العراق يضم أرضاً هي القطعة الوحيدة من الكرة الأرضية التي تنتقل إلي الجنة فتكون أحسن قطعة في الجنة دون بقية الأرض، حتي الكعبة المشرفة، وهي أرض كربلاء المقدسة كما في الحديث الشريف()، حتي غيرنا نقل هذا الحديث المعروف، فإن الله سبحانه وتعالي شرّف أرض كربلاء علي بقية الأرض حتي علي الكعبة المشرفة التي شرفها الله بأن نسبها إلي نفسه: «بيت الله»، مع ذلك أرض كربلاء هي أفضل من الكعبة، وتزف إلي الجنة، كما عبّر الإمام عليه السلام، تزف إلي الجنة وتكون في الجنة أفضل بقعة.

العراق يضم هذه الأرض الطاهرة.. فكيف وجدت هذه المآسي في العراق، وخصوصاً في هذه العقود الأخيرة؛ أي منذ ثلاثين سنة أو أربعين سنة، كيف وصلت هذه الأرض إلي ما ترون وما تسمعون من الويلات، وقبل ذلك ما رأيتم وسمعتم وقاسيتم، لماذا صار هكذا، كيف صار هكذا، وكيف ينبغي أن يكون في المستقبل القريب؛ حتي لا تتكرر هذه المآسي، وحتي لا تقاسي الأجيال الآتية هذه المآسي التي قاسيتموها أنتم ونظراؤكم؟

الإدارة الحكيمة والنظام السليم

المسألة المهمة هنا: مسألة الإدارة، مسألة النظام، مسألة نظام أمير المؤمنين والإمام الحسين عليهما السلام.

فالعائلة مثلاً التي تعيش في بيت واحد، ويكون كل شيء متوفراً لها من أسباب الرفاه والراحة ومن أنواع النعم، وما يحتاجونه في الأحوال المختلفة، إذا فقدت الإدارة العاقلة، إذا فقدت الإدارة الربانية، إذا فقدت إدارة أهل البيت عليهم السلام.. فإن هذا البيت لا

يملك أي شيء لسعادة الدارين ولا يفيده أي شيء في ذلك. العراق ابتلي بهذا الأمر، فهو يملك كل شيء، العراق يملك كل مقومات الراحة، العراق يملك كل مقومات الرفاه، وفوق كل ذلك يحتوي علي مراقد أهل البيت عليهم السلام التي هي مهوي قلوب العالم لا الشيعة فقط ولا المسلمين فقط، بل هي مهوي قلب الإنسان بما هو إنسان، تليها الحوزات العلمية في النجف الأشرف والحوزات العلمية في كربلاء المقدسة، وفي الكاظمية وسامراء المشرفتين، وفي المرتبة الثالثة الألوف المؤلفة من خيرة الأخيار والمتقين، مضافاً إلي العشائر المؤمنة المتواجدة هناك التي حققت تحت قيادة علماء الدين ما كان العالم في ذلك اليوم لا يتصوره، وهو انتصار الثورة التي قادها الإمام المرحوم الشيخ محمد تقي الشيرازي (رضوان الله عليه) في العراق..

العراق فيه كل مقومات التقدم والتطور، والرفاه والراحة، فهو يملك المال، والنفط، والأرض الخصبة، أرض السواد.. أنا لا أتصور ولا سمعت ببقعة أخري في العالم تسمي بأرض السواد؛ بما يعني أنها أرض كلها خير وبركة، الاصطخري مؤلف ومؤرخ قبل ألف سنة يقول في تاريخه: كان علي دجلة من الموصل إلي بغداد أربعون سداً، وهذه السدود توزع ماء دجلة في العراق كله، وأيضاً يقول كنايةً عن الخير والوفرة: كانت الديكة تتصايح بين بغداد والبصرة جنوب العراق. أي أن من بغداد إلي شمال العراق كله خضار، ومن بغداد إلي جنوب العراق كله خضار؛ فالعراق هو حقاً أرض السواد، ولكنه أي شيء يفقده؟ إنه يفقد الإدارة الصالحة، يفقد إدارة أمير المؤمنين عليه السلام، أو من يخطو خطوات أمير المؤمنين عليه السلام.. العراق يفقد إدارة الإمام الحسين عليه السلام أو من يخطو خطوات الإمام الحسين عليه السلام.

نماذج من التاريخ المشرق

أنا أنقل لكم نماذج تاريخية،

فيوم كان أمير المؤمنين عليه السلام هو الحاكم الأعلي في العراق كيف كان العراق؟ ويوم دخل الإمام الحسين عليه السلام هذا البلد ولو لبضعة أيام كيف تعامل مع الناس؟

مشكلة العراق الوحيدة هي مشكلة الإدارة، مشكلة نظم العراق وفق نظام الإمام أمير المؤمنين عليه السلام. الإمام علي عليه السلام حين كان في عاصمته الكوفة، كان يرأس أكبر حكومة علي وجه الأرض، حيث كانت تضم حكومته في خريطة العالم اليوم قريباً من خمسين دولة، منها إيران وسوريا والحجاز والعراق … ذات يوم يستطرق الإمام عليه السلام مع بعض أصحابه في شارع، فرأي شخصاً يمد يده يستعطي الناس.. هذه القصة ذكرت في تواريخ الشيعة وغير الشيعة، بل حتي في بعض تواريخ الكفار. أمير المؤمنين عليه السلام طيلة فترة حكومته لم ير مثل هذا الأمر، فلما فوجئ بذلك سأل عليه السلام ما هذا؟

تعلمون أن في العربية يقال للشخص من، وللشيء ما.. فليس المهم عند الإمام عليه السلام من يكون هذا الشخص، هل هو مؤمن أم كافر، هذا لا يهم.. حيث إن الكوفة كانت تضم المؤمنين وتضم المنافقين وحتي الكفار من النصاري واليهود وغيرهم، فإن الكل كانوا ينعمون في ظل إدارة أمير المؤمنين عليه السلام فالإمام ما سأل من هذا الشخص لأنه ليس المهم عنده من هذا الشخص هل هو مؤمن أم لا، مسلم أم لا، يصلي أم لا يصلي، كافر، نصراني، يهودي.. هذا لا يهم علياً عليه السلام في حكومته، بل الذي يهم أمير المؤمنين عليه السلام أن الاستجداء والسؤال بالكف أمر غريب في حكومته.. يعني غريباً أن يكون هناك في ظل حكومة أمير المؤمنين عليه السلام شخص واحد فقير يستعطي الناس.. لاحظوا الرواية في (الوسائل)()، فبعض من كان

مع الإمام عليه السلام قال: يا أمير المؤمنين نصراني، فما كان من الإمام عليه السلام إلا أن وبخهم قائلاً: استعملتموه حتي إذا كبر تركتموه.. لماذا هذا الأمر المستغرب في إدارة علي بن أبي طالب عليه السلام؟ الإمام عليه السلام يوجه انتقاداً للمؤمنين ويعلمهم أنهم يجب أن يعوا هذا الشيء، «استعملتموه حتي إذا كبر وعجز تركتموه».. ثم أمر الإمام عليه السلام أن يجري له راتب من بيت المال ما دام حياً وبقدر كفايته. العراق بحاجة إلي هذه الإدارة، إذا عادت هذه الإدارة إلي العراق، وستعود إن شاء الله تعالي، فلن يبقي فقير واحد في العراق، حتي لو كان نصرانياً.

حقوق الناس

في التاريخ: إن خالد بن الوليد ذهب إلي جماعة وقتل بعضهم، فلما اُخبر رسول الله صلي الله عليه و اله بذلك رفع يديه إلي السماء وتبرأ إلي الله مما فعل خالد وقال: اللهم إني أبرأ إليك مما فعل خالد.. ثم أعطي رسول الله صلي الله عليه و اله علياً عليه السلام صندوق ذهب وقال له: اذهب وتدارك الأمر.

فجاء الإمام عليه السلام إلي أولئك القوم وأعطي دية جميع القتلي، حتي إنه دفع دية الجنين، أي المرأة الحامل التي أسقطت جنينها، وأعطي ثمن كل ما فقدوه حتي الحبل الذي يعلّقون به الدلو ويدخلونه في البئر ليسحبوا به الماء، وأعطي ثمن الرسن وهو مقود البعير، فكلما كان يقال له ويطالب به، كان أمير المؤمنين عليه السلام يعطي ثمنه، حتي إن ما كان ثمنه نصف درهم ويقال له خمسة دراهم كان أمير المؤمنين عليه السلام يعطي خمسة دراهم، وفي التاريخ أنه عليه السلام أعطي ثمن الميلغة، والميلغة عبارة عن كوز مكسور يوضع للكلاب لتأكل وتشرب منه الماء، هذا ما يسمي بالميلغة،

فما قيمة كوز مكسور تلغ فيه الكلاب؟ أحدهم جاء وقال: أنا فقدت ميلغة، فأعطاه الإمام عليه السلام ثمنها، ثم أعطاهم من ذلك الذهب عن كل ما قالوا، ثم قال لهم: ماذا تريدون بعد ذلك؟ قالوا: لا ندري، ربما فقد بعضنا شيئاً ولا يحضرنا ذكره، وربما في المستقبل نتذكره، فأعطاهم لما لا يعلمون.. فبقي مع الإمام عليه السلام قسم من الذهب فأعطاه لترويع النساء والأطفال وهكذا أرضاهم بأجمعهم ثم رجع إلي رسول الله صلي الله عليه و اله () إن العراق بحاجة إلي هكذا إدارة، وأمير المؤمنين عليه السلام ليس اليوم موجوداً بشخصه بيننا، أما هذه الأحكام فهي موجودة، خطه الكريم وأسلوبه الشريف وسيرته العطرة موجودة وعلينا أن نسير علي نهجه القويم.

طبعاً عندما تقع حرب حتي المرأة والطفل اللذان يجلسان في البيت يخافان. فحتي الذين خافوا وارتاعوا أعطاهم الإمام عليه السلام لترويعهم. ثم رجع أمير المؤمنين عليه السلام إلي المدينة المنورة يحدث رسول الله صلي الله عليه و اله بما فعل، فقال: يا رسول الله البقية أعطيتهم ليرضوا عنك، فقد دفعت للترويع والرسن والميلغة وما لا يعلمون، ثم أعطيتهم ليرضوا عنك يا رسول الله؛ إذ أن خالد بن الوليد كان يدعي أنه يمثل رسول الله صلي الله عليه و اله، وكان الرسول صلي الله عليه و اله بريئاً مما فعله.

إذا عادت للعراق مثل هذه الإدارة، فماذا يحتاج العراق بعد؟

من أخلاق الإمام الحسين عليه السلام

الإمام الحسين عليه السلام كان في طريقه إلي كربلاء وهذه القصة معروفة وكثيراً ما تحدث بها الخطباء الأجلاء في أيام عاشوراء وفي أيام محرم وفي غير ذلك اعترضه الحر وأصحابه وكان عددهم ألف فارس، كلهم مسلّحون ومهمتهم أن يأخذوا بأبي عبد الله الحسين عليه السلام أسيراً إلي

ابن زياد، وأعلموا الإمام عليه السلام بهذه المهمة، جيش مسلح يريد أن يأسر الإمام الحسين عليه السلام ويقدمه إلي ابن زياد، ويعلن ذلك، والإمام الحسين عليه السلام يعلم بأنه بعد أيام سيكون يوم عاشوراء، والحر يتوب ويعود، أما هؤلاء الألف فلا يتوبون، هؤلاء الألف هم ضمن من يقتلون الإمام الحسين عليه السلام وأبا الفضل العباس عليه السلام.. والحسين عليه السلام يعلم بذلك، ويعلم بأنهم ممن يقتلون علياً الأكبر والقاسم عليهما السلام.

ومع كل ذلك فعندما رأي الإمام الحسين عليه السلام أن هؤلاء القوم عطاشي أخذ يسقيهم الماء()، رغم أنه عليه السلام كان يعلم بأنهم سوف يشتركون في قتله. العراق بحاجة إلي هذه الإدارة.

الحكام الظلمة ومآسي العراق

في المقابل نري الظلم والجور، التي سجل بعضها التاريخ، كان العباس أحد أحفاد عبد الملك، وكان والياً علي إحدي المناطق، فحصلت مشكلة هناك فأحرق أهل تلك المدينة، وكان يتكرر مثل هذا المشهد في التاريخ. لاحظوا تاريخ الطبري وابن الأثير وغيرهما، فستجدون الملك الفلاني من بني العباس أو من بني أمية كيف كان يقترف أبشع الجرائم بحق الشعب المظلوم، ومنها القتل والإحراق في حق الناس الأبرياء.

يُنقل أن رجلاً جائعاً مر في الصحراء علي فرسه ليلاً، فشم رائحة شواء؛ وهو لا يعلم أن الحاكم الفلاني يحرق إنساناً، هذا المسكين تصور أن هناك مضيفاً، ويشوون خروفاً أو بعيراً أو ما أشبه.. فأتي، فقيل له: من أنت؟ قال: فلان.. وأضاف: أنا جائع وشممت عندكم رائحة شواء فقلت في نفسي لابد أنه طعام، قال الحاكم: أحرقوه. فحرقوا الرجل الجائع؟!. إن صفحات التاريخ مسودّة بأمثال هذه القضايا أيما سواد، اقرأوا التاريخ وتصفحوه. والآن العراق ابتلي بهذا البلاء العجيب، بهذه المأساة العنيفة الشديدة، ابتلي بإدارة غير إدارة أهل البيت عليهم

السلام، ولعدة عقود من الزمن تتوالي علي شعب العراق سياط النظام الجائر، هذا من جانب.

ومن جانب آخر هذه الحرب الغريبة والعجيبة، ماذا سيكون بعد هذا؟ فإلي الله المشتكي، وسيخرج العراق بإذن الله تعالي من هذه المأساة، ومن هذا المأزق، وبدعواتكم أنتم المؤمنين وتوسلكم بأهل البيت عليهم السلام، وصدقاتكم لأجل دفع البلاء عن العراق وعن شعبه المؤمن وعن النساء والأطفال والمظلومين، فعلينا أن نتضرع إلي الله ونصلي لربنا ونتصدّق عن شعبنا بالمال والطعام والذبائح لدفع البلاء عنهم، كل حسب قدرته. قال تعالي: ?قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم?(). وقال سبحانه: ?ابتغوا إليه الوسيلة?()؛ وذلك بالتوسل إلي الله وبأهل البيت عليهم السلام.

وفي الحديث الشريف: «الصدقة تدفع البلاء وقد أبرم إبراماً» ().

نرجو من الله عزوجل أن ينجي العراق وشعبه عاجلاً وسريعاً وقريباً، وإن شاء الله ستعودون ونعود إلي ذلك البلد الطاهر، بلد أهل البيت عليهم السلام. ليس نحن فقط، بل قلوب العالم في النجف الأشرف وكربلاء المقدسة، وقلوب العالم في الكاظمية وسامراء المشرفتين، فالعالم يريد أن يزور تلك المراقد المقدسة.

ثم إن العراق بحاجة إلي إدارة القرآن الكريم.. إلي إدارة رسول الله صلي الله عليه و اله وأمير المؤمنين عليه السلام.. إلي إدارة الإمام الحسين عليه السلام.. إلي إدارة لاتدع حتي النصراني العاجز أن يستعطي، إلي إدارة لا تدع العدوّ المدجّج بالسلاح عطشاناً، إلي إدارة تتلافي حتي الرسن والميلغة وما لا يعلمون. إننا بحاجة إلي مثل هذه الإدارة، وأية إدارة لا تكون في عراق المستقبل بهذا المستوي فستكون أيضاً مقدمة لسلسلة من المشاكل للجيل الصاعد والأجيال الآتية، لا سمح الله.

العراق بلد الخيرات

أنا أتذكر قبل قرابة خمسين سنة، وكذلك يتذكر الشيوخ الذين عاصروا الأحداث في ذلك الوقت، ومن لا يتذكر

يستطيع أن يرجع إلي الجرائد التي كانت تصدر آنذاك، فلم تكن تصدر جريدة من الجرائد العراقية إلا وفيها خبر تصدير حنطة أو شعير أو ما أشبه ذلك.

إن العراق بلد الخيرات، العراق بلد غني بكل شيء، الله سبحانه وتعالي فضّل هذه المنطقة وهذه القطعة من الأرض معنوياً ومادياً، ولكن مع كل ذلك حدثت هذه المظالم وهذه المشاكل وصارت الإدارة بيد هذه المجموعة الطاغية التي ترون، فتحول العراق، إلي بلد فقير يستورد كل شيء.

مسؤولياتنا تجاه العراق

إن الشعب العراقي المظلوم في داخل العراق يقاسي الآن أشد المآسي، وخاصة في ظروف الحرب، فيتعين علي كل واحد منّا، وبقدر طاقته أن يعين هؤلاء بما يتمكن من الدعاء والتوسل وإرسال المعونات وما أشبه مما يمكنه ومن الطرق الممكنة، فأي شيء تقدمونه لإخوانكم في العراق فإنهم الآن بحاجة إليه.. فلماذا ننتظر غير المسلمين ليقدموا المعونة لهم، ولماذا ندع الأغيار يساعدونهم، فعلي كل واحد وبحسب وسعه أن يعمل في هذا المجال، شخص عنده فيعطي، والآخر ليس عنده فيشجع هذا وذاك.. علينا جميعاً أن نؤدي مسؤولياتنا «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته» (). علينا أن نعمل في هذه المسؤولية ونشرّف أنفسنا بالعمل بهذه المسؤولية.

وبعد نجاة العراق وإن شاء الله يكون ذلك قريباً برعاية الأئمة الأطهار عليهم السلام فسيكون العراق بحاجة إلي صنع هذه الإدارة، وعلينا جميعاً أن نعمل من هذا المنطلق.. يكفي العراق كل هذه العقود من الزمن وهو يعيش أشد أنواع الظلم والجور، وأشد المآسي والويلات، ينبغي علي الجميع الانتباه والالتفات؛ فغيرنا وغيركم وغير العراقيين من الآن ومن قبل الآن يتجهزون لأن يكونوا هم الذين يتولون اقتصاد العراق، وثقافته ونشاطاته، فهل هم يحبون العراق والعراقيين؟ كلا، هم يحبون أنفسهم، يريدون ما تشتهي أنفسهم. هم

يأتون إلي العراق في المستقبل بالفساد وبلغة الفساد، هم يأتون إلي العراق في المستقبل بإغواء الشباب وحرف أفكارهم عن أصول الدين وأحكام الشرع المبين وعن أخلاق الإسلام وآدابه.. يجب علينا أن نقوم بدور المسؤولية، فإن مسؤوليتنا كبيرة وواسعة وبحاجة إلي جهود كثيرة وكثيرة، فكل إنسان شمعة في هذا المجال، كل كلمة لها قيمتها في هذا الباب، وكذلك كل عمل، فإنها مثل قطرات المطر؛ فإذا كثرت القطرات يتولّد عنها السيل الجارف؛ العراق بحاجة إلي سيل من المعونات، المعونات المادية والفكرية والعلمية والصحية. هذا اليوم هو بحاجة الي كل ذلك وغداً أكثر احتياجاً إليها.

الحرية الإسلامية والتعددية

العراق بحاجة الي حرية نطق بها القرآن الكريم وطبّقها الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام في حكومته. إن أمير المؤمنين علياً عليه السلام حاربه أهل النهروان بالسيوف والسلاح، وقتلوا أصحابه، فكانت حرباً ضروساً وعنيفة، والإمام عليه السلام قد تعامل معهم بأفضل ما يمكن، (لاحظوا في البحار ذلك) إن العالم وقتذاك لم يكن يتحمّل مثل هذا الشيء وهذا العفو؛ إذ كان كله محكوماً بالديكتاتورية… ولكن الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام لم يكن كذلك، كان بإمكان الإمام عليه السلام أن يحرقهم جميعاً، لو كان بنو أمية وبنو العباس هم الحكام لأحرقوا الخوارج، ولكن أمير المؤمنين عليه السلام أمر بعد أن وضعت الحرب أوزارها أن يُعطي للخوارج كما كان يعطي لسائر المؤمنين من بيت المال، دون أن ينقص منهم شيئاً، ومنع الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام أن يطلق عليهم كلمة المنافقين، مع أن أهل النهروان هم المنافقون حقاً بنص القرآن الكريم، ولكن الإمام علياً بن أبي طالب عليه السلام عامل حتي المنافقين الذين شهروا عليه السيوف بهذه الطريقة الطيبة.

نعم إن العراق

اليوم بحاجة إلي هذه الإدارة العلوية.

وهذه الإدارة هي الحرية القرآنية، وهذه هي الحرية الإسلامية.. فأول حاكم سمح بالتظاهر ضده، هو الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، لكن الشعب العراقي المظلوم اليوم إذا قال أحدهم كلمة عابرة ضد الحاكم يؤخذ ويحرق.

روي التاريخ أنه خرجت تظاهرة ضد الإمام علي عليه السلام في الكوفة، فدخل الإمام الحسن عليه السلام وقال: يا أبه هؤلاء يقولون كذا وكذا، فقال الإمام عليه السلام: دعهم. إن أمير المؤمنين عليه السلام أمر بالرفق بهؤلاء الذين خرجوا ضده وقال لأصحابه: دعوهم يفعلون ما يريدون … علماً بأن الإمام علي عليه السلام لم يكن رئيس حكومة الكوفة فقط، بل كان أكبر رئيساً علي أكبر دولة في ذلك الوقت.

هذه هي الإدارة العلوية، وهذه هي الحرية الإسلامية.. إن العراق في المستقبل القريب إن شاء الله بحاجة إلي هذه الإدارة العلوية.

لا للاستبداد

ثم إن العراق بحاجة إلي التعددية لا الدكتاتورية، فبقدر ما تجرع العراق آلام الدكتاتورية هو بحاجة اليوم إلي التعددية، إن الشخص غير المعصوم يجب أن لا يستفرد بأية إدارة، إذ القرآن الحكيم يقول: ?إن الإنسان ليطغي? أن رآه استغني?() والديكتاتورية بطبعها لا تسمح لأحد أن يقول لها لماذا. والمعصوم عليه السلام فقط هو المستثني من الخطأ والطغيان وهم أربعة عشر: محمد صلي الله عليه و اله، وفاطمة الزهراء عليها السلام، والأئمة الإثنا عشر عليهم السلام، هؤلاء مستثنون علي قول العلماء بالتخصص الخارجي. فالإنسان كائناً من كان يطغي أو في معرض الطغيان، فيجب أن لا يستبد أي شخص بإدارة البلاد، ويجب أن لاينفرد أي إنسان بالحكم؛ إن الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام مع أنه معصوم لا يخطأ ولا يطغي، قد سمح بالحرية والتعددية والتعبير عن

الرأي، أما إذا استبد وتفرد غير المعصوم في الحكم، فستتكرر نفس المأساة لا سمح الله..

فإذا طبقت في العراق الحرية الإسلامية والتعددية القرآنية، وقانون (الأرض لله ولمن عمرها)، و(قضاء من الله ورسوله)، وسائر قوانين الله، وسيرة رسول الله صلي الله عليه و اله وأمير المؤمنين عليه السلام، وذلك لمدة خمس سنوات فقط، فلن تجد شبراً غير مزروع، ولن تجد إنساناً واحداً لايملك بيتاً في العراق.. ولعل الخمس سنوات كثيرة، فيما لو كانت الإدارة مستقاة من القرآن الكريم تماماً، ومن أهل البيت عليهم السلام كاملاً..

القدوة الصالحة

اقرؤوا التاريخ ولاحظوا سيرة رسول الله صلي الله عليه و اله وأمير المؤمنين عليه السلام وتاريخ أهل البيت عليهم السلام، فإنه بالمقدار الذي كان لهم الأمر وأتيحت لهم الفرصة ماذا صنعوا، كان أمير المؤمنين عليه السلام أكبر حاكم علي وجه الأرض وكان يحكم أكبر دولة علي البسيطة في ذلك اليوم، ولكنه لما استشهد عليه السلام كان مديوناً، هل سمعتم بحاكم وزعيم يموت مديوناً.

هل كان أمير المؤمنين عليه السلام يملك قصوراً؟ كلا.

جاء رجل إلي أمير المؤمنين عليه السلام في الكوفة، وكان ممن رأي وسمع عن أحوال الملوك والحكام وجشعهم وحبهم الجم للمال ولحطام الدنيا، فقال: يا أمير المؤمنين أين وسائل بيتك؟، قال عليه السلام: بعثناها لتلك الدار. فخرج الرجل من عند الإمام عليه السلام وراح يسأل: أين الدار الأخري لأمير المؤمنين عليه السلام؟ قالوا: ليس له سوي هذه الدار، قال: إنه قال لي بعثناها لتلك الدار. قالوا: يقصد دار الآخرة.

إن رئيس أكبر حكومة علي وجه الأرض يموت مديوناً وليس عنده شيء؛ ولذلك ظل الإمام الحسن عليه السلام مدة مديدة وهو يسدد ديون أمير المؤمنين عليه السلام، وهذا كان شأن رسول الله صلي الله

عليه و اله أيضاً، فقد كانت تأتيه الملايين ويوزعها ثم لما حضرته الوفاة قال: يا علي أنت قاضي ديني. حيث توفي رسول الله صلي الله عليه و اله وهو مديون وكانت درعه مرهونة.. وهذا أشهر من أن يُذكر. إن هذه الأمور بحاجة إلي تأمل، وعلينا أن نقتدي بهؤلاء الأطهار عليهم السلام.

كان رسول الله صلي الله عليه و اله يوزع الجمال مائة مائة، ويقدم العطاء بلا حساب، ورد أنه جاء عدد من الرجال إلي رسول الله صلي الله عليه و اله فقال له أحدهم: يا رسول الله أعطني أكثر؟ قال له صلي الله عليه و اله: خذ، وكان لهذا بردة فوضعها علي الأرض وملأها ذهباً وفضة، فلم يقدر علي حملها. فتبسّم رسول الله صلي الله عليه و اله وقال: احمل بالمقدار الذي تستطيع حمله. قال: يا رسول الله ساعدني. فساعده الرسول صلي الله عليه و اله بالحمل. ومع ذلك كان شخص رسول الله صلي الله عليه و اله يرهن درعه عند يهودي لقاء أصوع من شعير؛ إذ لم يكن عنده مال، هذه هي القيادة الصحيحة التي يعيش في ظلها حتي اليهودي والنصراني بأمن وسلام، كما نري ذلك بوضوح في ظل إدارة الرسول الأكرم صلي الله عليه و اله، والإمام علي بن أبي طالب عليه السلام. العراق بحاجة إلي مثل هذه الإدارة، ولا يصلح في المستقبل إلا بإدارة علي والحسين عليه السلام، فالعراق بلد أهل البيت عليهم السلام، بلد الشيعة والمؤمنين، وهو مهوي قلوب العالم، فينبغي أن يكون العراق في المستقبل إن شاء الله علي خطي علي والحسين عليه السلام.

أسأل الله سبحانه وتعالي أن يعجّل في الانتقام من الظالمين، ويقرّب الفرج في العراق علي أيدي المؤمنين، وعلي

أيدي السائرين علي نهج علي والحسين عليهما السلام، وصلي الله علي محمد وآله الطاهرين.

تحرير النص: شبكة النبأ المعلوماتية www.annabaa.org

نص بيان المرجع الديني

بمناسبة زوال حكم الطاغية في العراق

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام علي سيد الرسل أجمعين، محمد وآله الطيبين الطاهرين، واللعن الدائم علي أعدائهم إلي يوم الدين.

يا أبناء العراق الغياري في كل مكان، في داخل العراق الممتحن وخارجه. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

الآن وقد زال النظام المستبد، النظام الذي بدأ عهده المظلم بإراقة الدماء، وإزهاق الأنفس البريئة، واستمر كذلك بالإرعاب والقتل وهتك الأعراض والاستهتار بالقيم والاستهانة بالمقدسات، وانتهي بهذه النهاية الدموية التي شهدها العالم من أقصاه إلي أقصاه.

الآن وقد أذن الله تعالي باجتثاث ذلك الكابوس الذي استنزف العراق مادياً ومعنوياً طيلة عقود سوداء حالكة، فقد آن الأوان لاغتنام الفرصة، اليوم قبل الغد، لبناء العراق من جديد في شتي الأبعاد والمجالات، واستعادة المجد التليد، والتاريخ الحافل والمشرف.

وفي هذا المقام، أجد من المناسب أن أذكّر بالنقاط التالية:

1: إخواني العلماء الأعلام في الحوزات العلمية وفي سائر المدن (أعلي الله كلمتهم) الذين جعلهم الله تعالي ورثة الأنبياء وامتداداً للأئمة الطاهرين عليهم السلام، والمرابطين بالثغور التي يليها إبليس وعفاريته: أن يتصدوا أكثر من ذي قبل لهداية الناس إلي سبل الحق، وبث الهدوء في المجتمع، وإحياء روح الأمل والعمل فيهم، واستنهاضهم من وهاد اليأس والقنوط، وشحذ هممهم لتحمل المشاق وتجاوز الصعاب، وقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال للحارث بن المغيرة: «لأحملن ذنوب سفهائكم علي علمائكم» ().

2: السادة الخطباء الكرام والوعّاظ الأجلاء والكتّاب والصحفيون المؤمنون الذين هم لسان الأمّة، في داخل الوطن وفي المهجر، أن يؤدوا كما هم أهله رسالتهم في توجيه الأمة، علي جميع الصعد، وإرشادهم وتذكيرهم

بمسؤولياتهم الجسام في هذه المرحلة الحساسة، عبر الإذاعة والتلفزيون والصحف والمجلات والمنابر والندوات وغيرها.

3: تعقد آمال كبيرة علي الجامعات، بأساتذتها الأكارم وطلبتها الأماجد، أن يقوموا بمهمتهم الأساسية بإغناء الأمة بخيرة الخبراء والمثقفين الملتزمين في جميع التخصصات، لكي لا يحتاج هذا الشعب الأبي إلي غيرهم، بل يصبح هو في مقام إسعاف الآخرين بالخبرة والتقنية والاختصاص وما شاكل ذلك، ويقدموا الأمة إلي الأمام، وفي الحديث الشريف: «استغن عمن شئت تكن نظيره» ().

4: العشائر العراقية التي كانت ولمّا تزل درعاً حصينة للعراق ولأبناء العراق.. أن تعود لبناء نفسها بعد ما زال المانع الذي كان يمنعهم من تأدية أدوارهم المهمة بما يضفي المزيد من التماسك والانسجام علي البنية العامة للمجتمع العراقي ويساهموا في خدمة الأمة علي الإيمان والتقوي والتآزر في جميع الأبعاد.

5: علي التجار الذين تفضل الله تعالي عليهم بالوفرة والغني، ليختبرهم في الأزمات وأية أزمة أشد مما يعانيه العراقيون في الظروف الحالية أن يسعوا لتحقيق الكفاية لعامة الشعب في سائر احتياجاتهم، سواءٌ عبر إقامة المؤسسات، وتشغيل المؤسسات الإنتاجية، لاستيعاب العاطلين عن العمل، أو إعطائهم مما جعلهم الله تعالي مستخلفين فيه، قال الله تعالي: ?وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ?() وقال سبحانه: ?وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ? () بل وفوق ذلك: أن يساهموا في رفع مستوي الأمّة إلي الحد الأعلي، ويساهموا في إعمار العراق الجريح الذي دمّره النظام الجائر والحروب المتتالية عشرات السنوات.

6: الشباب في العراق اليوم، الذين هم رجال الغد، وأمل المستقبل، سواء في الحوزات والجامعات، أو في سوح العمل.. أن يتخذوا من شباب الإمام الحسين، علي الأكبر، والقاسم بن الحسن عليهم السلام وأصحابه الأوفياء أسوة وقدوة في خوض غمار الحياة، مع التحلي بالإيمان والصبر

والتقوي والتضحية ونكران الذات.

7: النساء في العراق اليوم، اللائي يربين أجيال المستقبل، أن يقتدين بنساء الإمام الحسين?، زينب الكبري وأم كلثوم والرباب وسكينة (عليهن السلام) في العفاف والتضحية والتحلّي بالأخلاق الفاضلة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومواصلة الخدمات مدي الحياة.

8: علي الأحزاب والمنظمات الأصيلة التي تتصدي لمشاريع وبرامج تهم العراق حاضراً ومستقبلاً، أن تعمل كما هو متوقع منها علي لملمة أطراف هذا الشعب الذي قاسي من الآلام والمآسي ما قاسي، عبر التركيز علي الإيجابيات ونبذ السلبيات تحت أي اسم أو شعار، وأن ينهوا الصراعات الشخصية، فإن العراق في عصر جديد وأية سلبية اليوم لا تتناسب وتطلعات هذا الشعب الصابر الأبي.

9: علي عامة أبناء الشعب العراقي رجالاً ونساءً وشيباً وشباباً، وطلبة وكسبة، موظفين وعمالاً، وفلاحين وغيرهم أن يدركوا، وهم يدركون جيداً والحمد لله، أن العراق منهم، وإليهم، وينبغي أن يكونوا هم بناته من جديد؛ فأي مكسب يكون للجميع، وأية مشكلة تكون علي الجميع، وأي ضيم يقع علي الجميع أيضاً؛ فليؤدوا مسؤولياتهم، كلٌ من موقعه، ويتصدوا لحقن الدماء، وحماية الأعراض، وحفظ الأموال والممتلكات، ويشكّلوا في كل قرية ومدينة ومحلة، بل في كل أسرة وعشيرة، وجامعة ومدرسة ومسجد وحسينية … لجان إغاثة للمحتاجين؛ فإن خدمة عباد الله لهي من أحب الأعمال إلي الله تعالي ورسوله صلي الله عليه و اله وأهل بيته عليهم السلام.

10: جلّ المآسي والمعاناة التي تواترت علي الشعب العراقي، طيلة العقود الماضية، وعمدتها ومردّها غياب النظام الإداري (الحكومة) الصالح؛ فالحكومة الجديدة التي ستتولي إدارة شؤون العراق، ينبغي أن تستلهم مبادئها من النظام العلوي، والطريقة الحسينية حتي تكون حكومة عادلة، تقوم علي الشوري والحرية والتعددية؛ ومبنية علي أساس الأخوة الإسلامية والأمّة الواحدة، وتكون منتخبة من قبل

الأكثرية، وتحفظ فيها الحقوق المشروعة للأقليّات كاملة غير منقوصة، فإذا ما صلحت الحكومة، صلحت البلاد والعباد، فقد قال الله تعالي في القرآن الحكيم: ?وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ?(). وقال عز من قائل: ?إِنَّ الإِنْسانَ لَيَطْغي ? أَنْ رَآهُ اسْتَغْني? (). وقال تعالي: ?إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً? (). وقال سبحانه: ?إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ? ().

وقد كان المرحوم السيد الأخ (أعلي الله درجاته) يؤكّد كثيراً علي العمل بهذه الآيات الكريمات، وأن تتّخذ الحكومة بكلّ تأكيد من منهج رسول الله صلي الله عليه و اله وأمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) في إدارة الحكم في المدينة المنوّرة وفي الكوفة أسوة وقدوة، فإنّهما (عليهما وآلهما الصلاة والسلام) ارتحلا عن الدنيا وكانا مديونين، ولم يدّخرا ديناراً واحداً، ولا درهماً واحداً وأن أمير المؤمنين عليه السلام أوّل من سمح بالمظاهرات ضدّه وأعطي مطلبهم وكان المطلب باطلاً في نفسه كما في موثق عمار عن الإمام الصادق عليه السلام()، وأنّه عليه السلام خلال أقلّ من خمس سنين من حكمه أوصل البلاد إلي حدّ لم يعلم بوجود فقير واحد حتّي في أطرافها النائية عن العاصمة، حتّي أنّ وجود مستعط غير مسلم كان غريباً وشاذّاً ()، وأن تعتبر الحكومة نفسها أباً رؤوفاً لكلّ فرد من أبناء هذه الأمة المفجوعة، فقد كتب الإمام أمير المؤمنين عليه السلام إلي مالك الأشتر حين ولاّه: «وأشعر قلبك الرحمة والمحبّة لهم واللطف بهم ولا تكوننّ عليهم سبعاً ضارياً» () وأن تحفظ للحوزات العلمية حريّتها الكاملة واستقلالها التام.

وفي هذا المجال ينبغي لجميع المؤمنين في أرجاء المعمورة كلّه أن يهبّوا ويعبّئوا الطاقات لإسعاف العراق المظلوم بكلّ الحاجات الإنسانية، فقد ورد عن رسول الله صلي الله عليه و اله: «مثل المؤمنين في

توادّهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكي بعضه تداعي سائره بالسّهر والحمّي» ()، ولايدعوا غيرهم يسبقهم إلي ذلك، فإنّ المؤمنين أين كانوا وفي أي مستوي أجدر وأجدر بذلك من غيرهم.

11: أمّا الشعائر الحسينية التي هي من شعائر الله، فقد حرمت هذه الأمة المظلومة عن ممارستها عشرات السنوات والعراق وكربلاء المقدّسة بالذّات هي المحور والأساس لها فمن اللازم علي الحكومة والأمة جميعاً التعاون من أجل إقامتها بما يناسب مقام الإمام الحسين عليه السلام، لتتّخذ أسوة في باقي نقاط العالم، وبالأخص أربعين الإمام الحسين عليه السلام ونحن نستقبله في هذه الأيّام.

12: قال الله تعالي: ?قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعاؤُكُمْ?() وقال عزّ من قائل: ?وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ? () وقال سبحانه: ?وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسانِ إِلاَّ ما سَعي? ()، هذا المثلث الدعاء، والتوسّل إلي الله تعالي بالمعصومين عليهم السلام، والسّعي الذي أكّد عليه القرآن الحكيم يجب أن يكون ديدن هذه الأمة دائماً وأبداً، كي تجري الأمور في مجاريها بيسر وسهولة وبعيدة عن المآسي والمشكلات.

(اللهم إنّا نرغب إليك في دولة كريمة، تعزّ بها الإسلام وأهله، وتذلّ بها النفاق وأهله، وتجعلنا فيها من الدعاة إلي طاعتك، والقادة إلي سبيلك، وترزقنا بها كرامة الدنيا والآخرة).

التاسع من شهر صفر عام 1424 للهجرة

نص الفتوي بإجازة صرف الحقوق الشرعية في العراق

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلي الله علي محمد المصطفي وآله الطاهرين ولعنة الله علي أعدائهم أجمعين.

أما بعد، فنظراً للظروف الراهنة التي يمر بها العراق الجريح، يجوز لكافة الإخوة العراقيين (وفقهم الله تعالي) صرف عامة الحقوق الشرعية طبقاً للموازين المقررة في تعظيم المراقد المقدسة، وإقامة الشعائر الحسينية، وتقوية الحوزات العلمية، وتأسيس المؤسسات الدينية، ونشر الثقافة الإسلامية،

وتغطية الحاجات الإنسانية ونحوها، فإن ذلك كله مقبول ومحسوب إن شاء الله تعالي، والله

الموفق والمستعان.

4 صفر الخير 1424ه

صادق الشيرازي

الختم الشريف

نبذة عن حياة السيد المرجع

* ولد المرجع الديني آية الله العظمي السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) في مدينة كربلاء المقدسة، 20 ذي الحجة عام 1360ه، وهو ينتمي إلي أسرة الشيرازي التي اشتهرت بالعلم والتقوي والعمل الصالح والجهاد في سبيل الله، وقد نبغ فيها طوال القرنين الأخيرين عدد من أكبر مراجع التقليد، منهم المجدد الكبير الشيرازي، والميرزا محمد تقي الشيرازي صاحب ثورة العشرين.

* عرفه الفقهاء العظام والعلماء الأعلام في مختلف الحوزات العلمية بالفقاهة المتقنة، والأصول والفروع، والمعقول والمنقول، والورع والتقوي. حاز علي نفس سليمة تواقة للعلم، متسمة بالتقوي والعمل الصالح، دؤوبة علي خدمة مذهب أهل البيت عليهم السلام والدفاع عن شريعتهم المقدسة، كما تميز بالخُلق الإسلامي الرفيع وهو الطابع العام في حياته الشخصية ومسيرته العلمية طوال نصف قرن من الزمن.

* كتب للفقهاء والمجتهدين بحوثاً استدلالية علمية دقيقة، وقد طبع منها: (شرح العروة الوثقي: مسائل الاجتهاد والتقليد) و(بيان الأصول: قاعدة لا ضرر

ولا ضرار، والاستصحاب). وتبلغ مؤلفاته أكثر من 85 كتاباً، لمختلف المستويات، منها ما يرتبط بالحوزات العلمية ك: شرح الروضة في شرح اللمعة، وشرح الشرائع. ومنها كتب ثقافية ك: السياسة من واقع الإسلام، والطريق إلي البنك الإسلامي. ومنها كتب عقائدية ك: علي عليه السلام في القرآن، فاطمة عليها السلام في القرآن، المهدي عليه السلام في القرآن و..

* أتحف الحوزات العلمية ببحثه الخارج في الفقه والأصول منذ أكثر من عشرين سنة، ويحضره الكثير من العلماء الأفاضل وبعض المجتهدين للاستفادة من محضره الشريف. كما أنتجت مدرسته العلمية العديد من الخطباء والمفكرين والمجاهدين والأدباء والمؤلفين، وتربي علي يديه وفي مجالسه التربوية وتحت منبره التوجيهي والتوعوي، الآلاف من الشباب المؤمنين والمثقفين من شتي القوميات. وتأسس بإرشاد منه

وتشجيع من سماحته العديد من الهيئات والمساجد والحسينيات والمدارس والمكتبات ودور النشر و …

* تحمل أعباء المرجعية بعد وفاة أخيه الأكبر من شوال 1422ه ورعي جميع المؤسسات الدينية والعلمية والاجتماعية التي أسسها الإمام الشيرازي الراحل (أعلي الله درجاته)، وهو مستمر بعطائه المبارك ولله الحمد.

* للتفصيل يمكنكم مراجعة الموقع التالي علي الانترنيت:

www.alshirazi.com

پي نوشتها

() من كلمة ألقاها سماحة السيد المرجع الشيرازي (دام ظله) أمام حشود من العراقيين، ضمت وفود العشائر والشخصيات الاجتماعية والسياسية والفعّاليات العراقية وعدداً من الفضلاء والعلماء، وجموع غفيرة من الجماهير المؤمنة بمختلف أطيافها واتجاهاتها وذلك بتاريخ 27 محرم الحرام 1424ه.

() الصحيفة السجادية: الدعاء رقم38، وكان من دعائه عليه السلام في الاعتذار من تبعات العباد.

() أي الظالم ومن لم ينصر المظلوم، انظر الكافي: ج2 ص333 باب الظلم ح16. وبحار الأنوار: ج72 ص 332- 333 ب79 ح68.

() راجع تهذيب الأحكام: ج6 ص72 ب22 ح6. ووسائل الشيعة: ج14 ص514 ب68 ح19720. وفي مستدرك الوسائل: ج10 ص322 ب51 ح12094. وكامل الزيارات: ص 268 ب88.

() انظر وسائل الشيعة: ج15 ص66 ب19 ح1996. وفيه: مر شيخ مكفوف كبير يسأل، فقال أمير المؤمنين ?: «ما هذا؟!» قالوا: يا أمير المؤمنين، نصراني. فقال أمير المؤمنين ?: «استعملتموه حتي إذا كبر وعجز منعتموه، أنفقوا عليه من بيت المال»

() راجع كشف الغمة: ج1 ص220 غزوة الفتح.

() راجع الإرشاد: ج2 ص78.

() سورة الفرقان: 77.

() سورة المائدة: 35.

() بحار الأنوار: ج93 ص137 ب14 ضمن ح71.

() غوالي اللئالي: ج1 ص129 ف8 ح3.

() سورة العلق: 6-7.

() الكافي: ج8 ص162 باب حديث الناس يوم القيامة ح169.

() راجع مستدرك الوسائل: ج12 ص69 ب67 ح13537.

() سورة الحديد: 7.

() سورة سبأ: 39.

() سورة الأعراف: 157.

() سورة العلق: 6-7.

() سورة الأنبياء: 92.

() سورة

الحجرات: 10.

() جواهر الكلام: ج3 ص141.

() وسائل الشيعة: ج15 ص166.

() نهج البلاغة: ج3 ص84.

() بحار الأنوار: ج58 ص150.

() سورة الفرقان: 77.

() سورة المائدة: 35.

() سورة النجم: 39.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.